الكتاب: القسم العربي من موقع (الإسلام، سؤال وجواب) المؤلف: الموقع بإشراف الشيخ محمد صالح المنجد - حفظه الله - تم نسخه من الإنترنت: في 26 ذي القعدة 1430، هـ = 15 نوفمبر، 2009 م   [الكتاب مرقم آليا] تنبيه: هذا الملف هو أرشيف لجميع المادة العربية بالموقع حتى تاريخ نسخه وهذه المادة هي قسمان:   1 - الفتاوى (عددها 15862) [وتجد رقم الفتوى في خانة الرقم، ورابطها أسفل يسار الشاشة]   2 - الكتب والمقالات   أما بقية الأقسام، مثل (ملفات، تعرف على الإسلام، ... ) فهي عبارة عن انتقاءات من قسم الفتاوى، فلم نكررها   http://www.islamqa.com ---------- موقع الإسلام سؤال وجواب محمد صالح المنجد الكتاب: القسم العربي من موقع (الإسلام، سؤال وجواب) المؤلف: الموقع بإشراف الشيخ محمد صالح المنجد - حفظه الله - تم نسخه من الإنترنت: في 26 ذي القعدة 1430، هـ = 15 نوفمبر، 2009 م   [الكتاب مرقم آليا] تنبيه: هذا الملف هو أرشيف لجميع المادة العربية بالموقع حتى تاريخ نسخه وهذه المادة هي قسمان:   1 - الفتاوى (عددها 15862) [وتجد رقم الفتوى في خانة الرقم، ورابطها أسفل يسار الشاشة]   2 - الكتب والمقالات   أما بقية الأقسام، مثل (ملفات، تعرف على الإسلام، ... ) فهي عبارة عن انتقاءات من قسم الفتاوى، فلم نكررها   http://www.islamqa.com ـ[موقع الإسلام سؤال وجواب]ـ الكتاب: القسم العربي من موقع (الإسلام، سؤال وجواب) المؤلف: الموقع بإشراف الشيخ محمد صالح المنجد - حفظه الله - تم نسخه من الإنترنت: في 26 ذي القعدة 1430، هـ = 15 نوفمبر، 2009 م   تنبيه: هذا الملف هو أرشيف لجميع المادة العربية بالموقع حتى تاريخ نسخه وهذه المادة هي قسمان: 1- الفتاوى (عددها 15862) [وتجد رقم الفتوى في خانة الرقم، ورابطها أسفل يسار الشاشة] 2- الكتب والمقالات أما بقية الأقسام، مثل (ملفات، تعرف على الإسلام، ... ) فهي عبارة عن انتقاءات من قسم الفتاوى، فلم نكررها http://www.islamqa.com [عن الموقع] موقع الإسلام سؤال وجواب موقع الإسلام سؤال وجواب موقع دعوي، علمي، تربوي، يهدف إلى تقديم الفتاوى والإجابات العلمية المؤصلة بشكل واف وميسر - قدر الاستطاعة - عن الأسئلة المتعلقة بالإسلام سواء كان السائل مسلماً أو غير مسلم، ويقوم بالإشراف على هذه الإجابات الشيخ محمد صالح المنجد محاضر وكاتب إسلامي. يرحب الموقع بالأسئلة في الجوانب المختلفة سواء ما يتعلق بالعقيدة أو العبادة أو المعاملات أو الأمور النفسية والاجتماعية. أهداف الموقع: 1- نشر الإسلام والدعوة إليه. 2- نشر العلم الشرعي ورفع الجهل عن المسلمين. 3- تلبية حاجة الناس بتقديم الفتاوى الشرعية المؤصلة. 4- توجيه الناس في القضايا الحياتية بتقديم الاستشارات العلمية والتربوية والاجتماعية وغيرها. منهج الموقع: يقوم الموقع على نشر العقيدة الصحيحة عقيدة أهل السنة والجماعة، واتباع السلف الصالح ويتحرى أن تكون الإجابات مبنية على الدليل من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة ومأخوذة من كلام العلماء من أصحاب المذاهب الأربعة الإمام أبي حنيفة، والإمام مالك، والإمام الشافعي، والإمام أحمد بن حنبل وغيرهم من أهل العلم المتقدمين والمتأخرين، أمثال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، والشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ محمد بن صالح العثيمين وغيرهم رحمهم الله، وكذلك الاستعانة بفتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء وقرارات هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، وقرارات المجامع الفقهية، وكذلك الاستعانة بالعلماء وطلبة العلم من الباحثين في التخصصات الشرعية. ويتجنب الموقع الدخول في كل قضية لا تفيد المسلم ولا تعنيه من المهاترات والسباب والشتائم والجدل العقيم، ونسأل الله السداد والتوفيق. كيفية الاستفادة من الموقع: تم إعداد قاعدة للمعلومات وقسمت حسب المواضيع بحيث يمكن البحث عن موضوع أو مسألة بعينها، كما يمكن البحث باستعمال كلمات تشكل المفتاح الموصل إلى المعلومات المطلوبة. نرجو منك أخي الكريم أن تبحث في قاعدة المعلومات قبل أن تتقدم بسؤالك، حتى تتأكد أن ما تريد أن تطرحه من سؤال لم يسبق أن طرح من قبل وأجيب عليه، وذلك حرصا على وقت الجميع، ورغبة في الإجابة عن الأسئلة بأقصى ما يمكن من سرعة. هل علي بن أبي طالب معصوم؟ [السُّؤَالُ] ـ[علي بن أبي طالب رضي الله عنه هل هو معصوم؟ لأن الشيعة يقولون لم يفعل علي أي خطأ في حياته؟ إذن هو معصوم. أرجو الشرح المفصل.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا شك أن الصحابة رضوان الله هم خير هذه الأمة، لأن الله اصطفاهم للتلقي عن النبي صلى الله عليه وسلم , وأكرمهم بصحبته والجهاد معه , لكن مع ما لهم من فضل فإنه لا يحكم لآحدادهم بالعصمة , فاعتقاد العصمة لأحدهم مثل علي رضي الله عنه اعتقاد باطل , لكن عدم عصمته لا تزري بمكانته كأحد السابقين إلى الإسلام , وأحد المهاجرين في سبيل الله , وأحد العشرة المبشرين بالجنة , وأحد الخلفاء الراشدين. والشيعة لا يقولون بعصمة علي رضي الله عنه فقط، بل يقولون بعصمة جميع أئمتهم الاثني عشر. وعصمة الأئمة عند الشيعة لها أهمية كبرى، وهي أصل من أصول مذهبهم. انظر: "تاريخ الإمامة" لعبد الله فياض (ص157) . والشيعة يبالغون في إثبات العصمة لأئمتهم، حتى قالوا بعصمتهم من النسيان، ومن الخطأ في الاجتهاد والتأويل. قال المجلسي (ت 1111 هـ) في "بحار الأنوار" (25/211) : "اعلم أنّ الإماميّة اتّفقوا على عصمة الأئمّة عليهم السّلام من الذّنوب صغيرها وكبيرها، فلا يقع منهم ذنب أصلاً، لا عمداً ولا نسياناً، ولا لخطأ في التّأويل، ولا للإسهاء من الله سبحانه" انتهى. فالمجلسي يثبت للأئمة العصمة من جميع الأوجه المتصورة، من المعصية كلها الصغيرة والكبيرة، ومن الخطأ، ومن السهو والنسيان. وهذا الباطل يقول به إمامهم الخميني في كتابه "الحكومة الإسلامية" (ص91) ، حيث يقول عن أئمتهم: إنهم "لا يتصور فيهم السهو والغفلة". مع أن العصمة بهذا المعنى لم تثبت للأنبياء، صلوات الله وسلامه عليهم، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم غير معصوم من السهو والنسيان، بل ثبت في أحاديث كثيرة نسيانه صلى الله عليه وسلم في الصلاة. ولما صَلَّى النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم صلاة وسها فيها، أقبل على الناس بعد الصلاة وقال لهم: (إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ، فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي) رواه البخاري (401) ومسلم (572) . وإثبات العصمة لشخصٍ ما معناها إثبات النبوة له، لأن المعصوم يجب اتباعه في كل ما يقول، ولا تجوز مخالفته في شيء، وهذه خاصة بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام. ولذلك قال الإمام مالك رحمه الله: كل يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب هذا القبر، وأشار إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم. وقال شيخ الإسلام في "منهاج السنة" (3/174) : "فمن جعل بعد الرسول معصوما يجب الإيمان بكل ما يقوله فقد أعطاه معنى النبوة وإن لم يعطه لفظها" انتهى. والحقيقة: أن الشيعة باعتقادهم عصمة أئمتهم عن الخطأ والنسيان فَضَّلوهم بذلك على الأنبياء والمرسلين، بل سووهم برب العالمين، فإنه سبحانه المنزه عن النسيان (لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى) طه/52، وقال تعالى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً) مريم/64. وهذا ما صرح به الخميني، في كتابه "الحكومة الإسلامية" (ص113) ، حيث يقول: "إن تعاليم الأئمة كتعاليم القرآن"!! فانظر كيف جعل كلام الأئمة كالقرآن، ولم يكتف بجعله ككلام النبي صلى الله عليه وسلم!! ثانياً: أما قول الشيعة: إن علياً لم يفعل أي خطأ في حياته، فهذا غير صحيح، فله مواقف تراجع عنها، وندم عليها، وله فتاوى واجتهادات خالف فيها السنة الصحيحة الثابتة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ندم على أمور فعلها، من القتال وغيره، وكان يقول ليالي صفين: لله در مقام قامه عبد الله بن عمر وسعد ابن مالك [وذلك لأنهما اعتزلا القتال] إن كان بِرًّا إن أجره لعظيم، وإن كان إثما إن خطره ليسير، وكان يقول: يا حسن، يا حسن، ما ظن أبوك أن الأمر يبلغ إلى هذا، ود أبوك لو مات قبل هذا بعشرين سنة. ولما رجع من صفين تغير كلامه، وكان يقول: لا تكرهوا إمارة معاوية، فلو قد فقدتموه لرأيتم الرؤوس تتطاير عن كواهلها، وقد روي هذا عن علي رضي الله عنه من وجهين أو ثلاثة، وتواترت الآثار بكراهته الأحوال في آخر الأمر، ورؤيته اختلاف الناس، وتفرقهم وكثرة الشر الذي أوجب أنه لو استقبل من أمره ما استدبر ما فعل ما فعل" انتهى. "منهاج السنة النبوية" (6/209) . والخليفة الذي لا يعرف له فتوى خالف فيها السنة الثابتة هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وهو جدير بذلك، فقد كان أعلم الصحابة، وأفضلهم، وأكثرهم ملازمة للرسول صلى الله عليه وسلم. أما الخلفاء الثلاثة بعده [عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم] فلهم اجتهادات خالفوا فيها السنة، وعلي رضي الله عنه كان أكثر منهما في ذلك. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ولم يعرف لأبي بكر فتيا ولا حكم خالف نصا، وقد عرف لعمر وعثمان وعلي من ذلك أشياء، والذي عرف لعلي أكثر مما عرف لهما. مثل قوله في الحامل المتوفى عنها زوجها: إنها تعتد أبعد الأجلين، وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لسبيعة الأسلمية لما وضعت بعد وفاة زوجها بثلاث ليال: (حللت فانكحي من شئت) ولما قالت له: إن أبا السنابل قال: ما أنت بناكحة حتى يمضي عليك آخر الأجلين. قال: (كذب أبو السنابل) . وقد جمع الشافعي في كتاب خلاف علي وعبد الله من أقوال علي التي تركها الناس لمخالفتها النص أو معنى النص جزءا كبيرا. وجمع بعده محمد بن نصر المروزي أكثر من ذلك، فإنه كان إذا ناظره الكوفيون يحتج بالنصوص فيقولون: نحن أخذنا بقول علي وابن مسعود، فجمع لهم أشياء كثيرة من قول علي وابن مسعود تركوه أو تركه الناس، يقول: إذا جاز لكم خلافهما في تلك المسائل لقيام الحجة على خلافهما، فكذلك في سائر المسائل، ولم يعرف لأبي بكر مثل هذا" انتهى. "منهاج السنة النبوية" (8/299) . فظهر بهذا أن إثبات العصمة لعلي رحمه الله أو لأولاده خطأ وضلال. ودعوى أنه لم يخطئ في حياته كذب، يخالف الواقع. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 140226 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1 حكم الإقامة في بلاد الكفار، والتشبه بهم، والتبرع لجمعياتهم بالمال [السُّؤَالُ] ـ[هناك مدرسة إسلامية بكندا، تجعل الأطفال يقومون بالمشي لمدة ساعتين؛ تضامناً مع مرضى السرطان؛ تقليداً لأحد الكفار الذي ابتدع هذا الأمر، ثم تبيع المدرسة " البيتزا " لزيادة المال، للتبرع لصالح مؤسسة خيرية كافرة تتعامل مع السرطان، فهل المشي من أجل السرطان، أو لأسباب أخرى يعتبر تشبهاً بالكفار؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: جاءت نصوص القرآن والسنة تنهي المسلم عن الإقامة في بلاد الكفار، إلا لضرورة أو مصلحة شرعية. قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: والسفر إلى بلاد الكفار: محرَّم، إلا عند الضرورة - كالعلاج، والتجارة، والتعلم للتخصصات النافعة التي لا يمكن الحصول عليها إلا بالسفر إليهم - فيجوز بقدر الحاجة، وإذا انتهت الحاجة: وجب الرجوع إلى بلاد المسلمين، ويشترط كذلك لجواز هذا السفر: أن يكون مُظهِراً لدينه، معتزاً بإسلامه، مبتعداً عن مواطن الشر، حذراً من دسائس الأعداء ومكائدهم، وكذلك يجوز السفر، أو يجب، إلى بلادهم، إذا كان لأجل نشر الدعوة إلى الله، ونشر الإسلام. " الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد والرد على أهل الشرك والإلحاد " (ص 317) . وقال حفظه الله أيضاً – في بيان مظاهر موالاة الكفار -: الإقامة في بلادهم، وعدم الانتقال منها إلى بلد المسلمين؛ لأجل الفرار بالدين؛ لأن الهجرة بهذا المعنى ولهذا الغرض: واجبة على المسلم؛ لأن إقامته في بلاد الكفر تدل على موالاة الكافرين. ومن هنا حرَّم الله إقامة المسلم بين الكفار إذا كان يقدر على الهجرة، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا) فلم يعذر الله في الإقامة في بلاد الكفار إلا المستضعفين الذين لا يستطيعون الهجرة، وكذلك من كان في إقامته مصلحة دينية، كالدعوة إلى الله، ونشر الإسلام في بلادهم. " الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد والرد على أهل الشرك والإلحاد " (ص 316) . وانظر – لمزيد فائدة -: أجوبة الأسئلة: (11793) و (14235) و (27211) . ثانياً: أما التشبه بالكفار، فالضابط في هذا التشبه المحرم، هو: "مماثلة الكافرين بشتى أصنافهم، في عقائدهم، أو عباداتهم، أو عاداتهم، أو في أنماط السلوك التي هي من خصائصهم". " من تشبه بقوم فهو منهم " للشيخ ناصر العقل (ص 7) . فيحرم التشبه بغير المسلمين في عقائدهم، وعباداتهم، وما هو من شعائر دينهم، مثل لبس الصليب، أو الاحتفال بالأعياد الدينية. ويحرم التشبه بغير المسلمين فيما هو من خصائص عاداتهم , كلباس الرهبان، والأحبار، وغير ذلك مما يشبهه. قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: فيحرم التشبه بالكفار فيما هو من خصائصهم، ومن عاداتهم، وعباداتهم، وسمتهم وأخلاقهم، كحلق اللحى، وإطالة الشوارب، والرطانة بلغتهم إلا عند الحاجة، وفي هيئة اللباس، والأكل، والشرب، وغير ذلك. " الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد والرد على أهل الشرك والإلحاد " (ص 316) . وعليه؛ فالمشي الي يفعله بعض المسلمين تضامناً مع حدثٍ ما، أو مع أشخاص معينين، يُخشى أن يكون من التشبه بالكفار، لأنه ليس له أصل من ديننا، ولا يفعله المسلمون في بلادهم ومجتمعاتهم، ثم إن هذا المشي ليس فيه فائدة تذكر، فهو تضييع للوقت والجهد، مع ما يحصل فيه من الاختلاط والتعرض للفتن ... إلخ. ثالثاً: أما التبرع لجمعيات الكفار: ففيها تفصيل بحسب نشاط الجمعية: أ. فإن كانت جمعية دينية، تدعو إلى دينها، وتفسد عقائد المسلمين، وكان من ضمن أعمالها: إعانة المرضى، والقيام على المشردين، وإيواء العجزة: فلا يجوز التبرع لهم، ولا مساعدتهم بشيء؛ لأن قيامهم بتلك الأعمال داخل في دعوتهم لدينهم، وإفساد عقائد المسلمين، ومثل هذا لا ينبغي الاختلاف فيه؛ لظهور حكمه في الشرع. ب. وإن كانت جمعية دنيوية، ومن أعمالها ما يساهم في إفساد أخلاق الناس، كالدعوة إلى التعارف بين الرجال والنساء، أو كان من أعمالها القيام بما هو محرَّم في شرعنا، كدعم الإجهاض، وغير ذلك مما يشبهه: فلا يجوز التبرع لهم، ولو كان هناك قسم من أقسامها لعلاج المرضى، وتقديم الأدوية، أو رعاية الأيتام؛ لأن دعم المسلم لها سيكون دعماً لنشاطها، ثم إن المتبرع لا يدري هل ينفقون أمواله في أشياء محرمة، أو في إعانة المرضى. ج. أن تكون الجمعية خاصة بعلاج المرضى، وليس لها أعمال محرمة، ولا مقاصد تنشر دينها من خلالها: فيجوز التبرع لهم، وإعانتهم على علاج المرضى، وتقديم الأدوية لهم. والنصيحة للمسلمين الذين اضطروا أو ابتلوا بالإقامة في البلاد الغربية أن تكون لهم جمعياتهم الخاصة بهم، وأن يقدموا من خلالها خدمات للمجتمعات التي يعيشون بينهم، مما هو مباح لهم فعله، وأن يقدموا صورة ناصعة عن الإسلام من خلال تلك الجمعيات، وأن يحرصوا على تحقيق الهدف الأسمى وهو إنقاذ الناس من الكفر، وعلاج قلوبهم من الشك، والشبهة، وهو أولى من علاج أبدانهم، ولو جمعوا بينهما لقدموا خيراً لأنفسهم، ولغيرهم. وإذا لم يكن هناك جمعية خاصة بالمسلمين في تلك البلاد، وكانت الجمعيات القائمة على ذلك ممن يُخشى إعانتها على الكفر، والفسوق، وشعر المسلمون بحرج من عدم المشاركة في علاج المرضى: فننصح بأن تكون مشاركتهم بتقديم الأدوية، لا المال؛ خشية من استعمال المال في أشياء محرمة، وتحقيقاً لمقصود التبرع. ويدل على جواز التبرع للكافر: قوله تعالى (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الممتحنة/ 8، وقد استدل بها الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله بجواز التبرع للكافر بالدم، كما في جواب السؤال رقم (12729) . وانظر – للمزيد – جواب السؤال رقم (2756) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 137127 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 2 كتاب " الفجر المنير في الصلاة على البشير النذير " للفاكهاني [السُّؤَالُ] ـ[كتاب " الفجر المنير " للفاكهاني (ت: 734 هـ) هل هو كتاب موثوق فيه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: مؤلف هذا الكتاب هو: عمر بن علي بن سالم بن صدقة اللخمي الإسكندري، تاج الدين الفاكهاني، ولد سنة (654هـ) ، وتوفي سنة (734هـ) ، وقيل سنة (731هـ) ، تفقَّه على مذهب الإمام مالك، وله عدة مصنفات منها الكتاب الذي سأل عنه السائل. وهذا الكتاب عليه مؤاخذات كبيرة خطيرة، تظهر باستعراض أبواب الكتاب. فمن هذه المؤاخذات: 1- الغلو في الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم خلق من نور الله، وذلك بقوله: من نور رب العرش كون نوره ... والناس في خلق التراب سواء 2- دعواه أن الأنبياء قد توسلوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا حقق الله لهم مرادهم، وذلك بقوله: وبه توسل آدم من ذنبه ... وتشفعت بمقامه حواء وبه توسل نوح في طوفانه ... وأجيب حين طغى عليه الماء وبه دعا إدريس فارتفعت له ... عند الإجابة رتبة علياء وبه استجيب دعا أيوب وقد ... أودى به عند المصاب بلاء وبه نجا من بطن حوت يونس ... لما دعا وتجلت الظلماء وبه تمكن يوسف في مصر ... من بعد ما أودت به الضراء ... وبه استجارت مريم في حملها ... فأجاء عن لبس وزال عناء وبسره عيسى توسل فانثنى ... من شأنه بين الورى الإحياء ونحن نشهد أن هذا غلو في الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذب، فهذه أدعية الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في القرآن الكريم، ليس فيها حرف واحد يدل على توسلهم بالنبي صلى الله عليه وسلم، بل كانوا يتوسلون إلى الله تعالى بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، وبيان حالهم وافتقارهم إلى الله، فآدم وحواء لما أذنبا قالا: (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ) الأعراف/23. ويونس عليه السلام قال: (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ) الأنبياء/87. وأيوب عليه السلام نادى ربه قائلاً: (أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) الأنبياء/83. وموسى عليه السلام قال: (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) القصص/24. وزكريا عليه السلام نادى ربه قائلاً: (رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ) الأنبياء/89، فأين توسل هؤلاء الأنبياء بالنبي صلى الله عليه وسلم؟! وقد نهانا الرسول صلى الله عليه وسلم عن المبالغة في مدحه فقال: (لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا: عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ) رواه البخاري (3445) . 3- تجويزه الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم، فقد عقد الباب الحادي عشر، بعنوان: "فيمن استغاث به عليه الصلاة والسلام فأغيث في القديم والحديث". وهذا صرفُ عبادةٍ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإعطاؤه خصائص الربوبية والألوهية، فالاستغاثة بالأموات - وكذلك الاستغاثة بالأحياء فيما لا يقدر عليه إلا الله- شركٌ أكبر، وعبادةٌ لغير الله. فلا يجيب المضطرين ويكشف السوء إلا الله تعالى وحده، قال الله تعالى: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) النمل/62. وهذه هي أخطر المخالفات الشنيعة التي يقررها المؤلف في هذا الكتاب: جواز الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم في قبره بعد موته لقضاء الحاجات وكشف الكربات، وهذا شرك أكبر يخرج صاحبه من الإسلام، وقد عقد فصلا بعنوان: "استغاثة من لاذ بقبره واشتكى إليه بفقره وضرره". وأورد فيه من حكايات وقصص الجهلة الذين وقعوا في الشرك (الأصغر والأكبر) من حيث يشعرون أو لا يشعرون، كما سرد مجموعة من القصص تحت فصل خاص بعنوان: "في استغاثة الأسرى ممن كان في أيدي الظلمة والكفار بالنبي المختار". وهكذا فقد تجاوز المؤلف سبيل القصد والاعتدال إلى الغلو ثم إلى ترويج الشرك الأكبر. 4- تضمن الكتاب مجموعة من الأحاديث الضعيفة والموضوعة والتي لا أصل لها، منها أحاديث كثيرة في فضائل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، مثل: (لا صلاة لمن لم يصل علي) ، ومنها أحاديث في استحباب زيارة قبره صلى الله عليه وسلم التي أفرد لها بابا خاصا، مثل حديث: (من حج ولم يزرني فقد جفاني) . والخلاصة: أن الكتاب يشتمل على قدر كثير من البدع التي هي من وسائل الشرك، بل وصل بعضها إلى الشرك الأكبر، وعلى كثير من الأحاديث الموضوعة المكذوبة، والحكايات الباطلة التي لا يجوز الاستشهاد بمثلها. ولهذا نرى أنه لا يجوز لمن ليس عنده علم شرعي يستطيع به التمييز بين الحق والباطل، والهدى والضلال، نرى أنه لا يجوز له القراءة في هذا الكتاب، لأنه سيروج عنده ما فيه من الباطل. ومن أراد كتاباً جامعاً في الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم وأحكامها، فعليه بكتاب "جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام" صلى الله عليه وسلم، لابن القيم رحمه الله. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 132229 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 هل يؤخذ بأحاديث الآحاد في العقيدة؟ [السُّؤَالُ] ـ[سمعت من يقول: إن أحاديث الآحاد لا تثبت بها العقيدة، لأنها تفيد الظن، ولا تفيد اليقين. فما هو جوابكم على هذا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "جوابنا على من يرى أن أحاديث الآحاد لا تثبت بها العقيدة لأنها تفيد الظن والظن لا تبنى عليه العقيدة. أن نقول: هذا رأي غير صواب؛ لأنه مبني على غير صواب، وذلك من عدة وجوه: 1- القول بِأَن حديث الآحاد لا يفيد إلا الظن ليس على إطلاقه، بل في أخبار الآحاد ما يفيد اليقين إذا دلت القرائن على صِدْقه، كما إذا تلقته الأمة بالقبول، مثل حديث عمر بين الخطاب رضي الله عنه: (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ) فإنه خبر آحاد، ومع ذلك فإننا نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله، وهذا ما حققه شيخ الإسلام ابن تيمية والحافظ ابن حجر وغيرهما. 2- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرسل الآحاد بأصول العقيدة ـ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ـ وإرساله حُجَّة مُلْزِمة، كما بعث مُعَاذاً إلى اليمن، واعتبر بَعْثَه حُجَّةً مُلْزِمَةً لأهل اليمن بقبوله. 3- إذا قلنا بأن العقيدة لا تثبت بأخبار الآحاد، أمكن أن يُقال: والأحكام العملية لا تثبت بأخبار الآحاد، لأن الأحكام العملية يصحبها عقيدة أن الله تعالى أمر بهذا أو نهى عن هذا، وإذا قُبل هذا القول تعطَل كثير من أحكام الشريعة، وإذا رُدّ هذا القول فليردّ القول بأن العقيدة لا تثبت بخبر الآحاد إذ لا فرق كما بيّنا. والحاصل: أن خبر الآحاد إذا دلت القرائن على صِدْقه أفاد العلمَ، وثبت به الأحكام العَملية والعِلمية، ولا دليل على التفريق بينهما، ومَنْ نَسَبَ إلى أحدٍ من الأئمِة التفريقَ بينهما فعليه إثباتُ ذلك بالسند الصحيح عنه. ثم بيان دليله المستَند إليه. 4- أن الله تعالى أمر بالرجوع إلى قول أهل العلم لمن كان جاهلاً فيما هو من أعظم مسائل العقيدة وهي الرسالة: فقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ) النحل/43، 44. وهذا يشمل سؤال الواحد والمتعدّد" انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله "فتاوى العقيدة" (صـ 18) . [الْمَصْدَرُ] فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله "فتاوى العقيدة" (صـ 18) . الحديث: 130918 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 بعض المآخذ في عقيدة ابن رشد الحفيد [السُّؤَالُ] ـ[ما هي عقيدة الإمام ابن رشد، وما حقيقة خلافه مع الإمام أبي حامد الغزالي؟ جزاكم الله خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: ابن رشد اسم مشترك بين ابن رشد الحفيد، وابن رشد الجد، وكلاهما يُكنَى بأبي الوليد، وكلاهما يحمل اسم: محمد بن أحمد، كما أن كلا منهما تولى قضاء قرطبة. والمقصود في السؤال هو ابن رشد الحفيد، المتوفى سنة (595هـ) ، المشهور باشتغاله وتأليفه في الفلسفة، أما ابن رشد الجد فلم يشتغل بها، وتوفي سنة (520هـ) . قال الأبار: لم ينشأ بالأندلس مثله كمالا وعلما وفضلا، وكان متواضعا، منخفض الجناح، يقال عنه: إنه ما ترك الاشتغال مذ عقل سوى ليلتين: ليلة موت أبيه، وليلة عرسه، وإنه سود في ما ألف وقيد نحوا من عشرة آلاف ورقة، ومال إلى علوم الحكماء، فكانت له فيها الإمامة. وكان يُفزع إلى فتياه في الطب كما يفزع إلى فتياه في الفقه، مع وفور العربية، وقيل: كان يحفظ ديوان أبي تمام والمتنبي. ومن أشهر مصنفاته: (بداية المجتهد) في الفقه، و (الكليات) في الطب، و (مختصر المستصفى) في الأصول، ومؤلفات أخرى كثيرة في الفلسفة، اهتم فيها بتلخيص فكر فلاسفة اليونان، فألف: كتاب (جوامع كتب أرسطوطاليس) ، وكتاب (تلخيص الإلهيات) لنيقولاوس، كتاب (تلخيص ما بعد الطبيعة) لأرسطو، ولخص له كتبا أخرى كثيرة يطول سردها، حتى عرف بأنه ناشر فكر أرسطو وحامل رايته، وذلك ما أدى به في نهاية المطاف إلى العزلة، فقد هجره أهل عصره لما صدر منه من مقالات غريبة، وعلوم دخيلة. قال شيخ الشيوخ ابن حمويه: لما دخلت البلاد، سألت عن ابن رشد، فقيل: إنه مهجور في بيته من جهة الخليفة يعقوب، لا يدخل إليه أحد، لأنه رفعت عنه أقوال ردية، ونسبت إليه العلوم المهجورة، ومات محبوسا بداره بمراكش. يمكن مراجعة سيرته في " سير أعلام النبلاء " (21/307-310) ثانيا: قد طال الجدل حول حقيقة عقائد ابن رشد، وكثرت المؤلفات ما بين مؤيد ومعارض، واضطربت الأفهام في تحديد عقائده ومذاهبه. ولضيق المقام ههنا عن الدراسة المفصلة لعقائد ابن رشد، سنكتفي بذكر بعض المآخذ المجملة التي كانت مثار جدل في مؤلفاته: 1- تأويل الشريعة لتوافق الفلسفة الآرسطية: لعل الاطلاع على ترجمة ابن رشد الموجزة السابقة كاف للدلالة على هذه التوجهات الفكرية لدى ابن رشد، فقد أُخِذَ بفكر أرسطو، حتى قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " هو من أتبع الناس لأقوال آرسطو " انتهى. " بيان تلبيس الجهمية " (1/120) ، وحاول جاهدا شرحه وبيانه وتقريره للناس بأسلوب عربي جديد، وهو - خلال ذلك - حين يرى مناقضة فكر أرسطو مع ثوابت الشريعة الإسلامية، يحاول سلوك مسالك التأويل البعيدة التي تعود على الشريعة بالهدم والنقض، وكأن فلسفة أرسطو قرين مقابل لشريعة رب العالمين المتمثلة في نصوص الكتاب والسنة، ولذلك كتب كتابه المشهور: " فصل المقال في تقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال ". 2- اعتقاده بالظاهر والباطن في الشريعة: يقول ابن رشد: " الشريعة قسمان: ظاهر ومؤول، والظاهر منها هو فرض الجمهور، والمؤول هو فرض العلماء، وأما الجمهور ففرضهم فيه حمله على ظاهره وترك تأويله، وأنه لا يحل للعلماء أن يفصحوا بتأويله للجمهور، كما قال علي رضي الله عنه: حدثوا الناس بما يفهمون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله " انتهى. " الكشف عن مناهج الأدلة " (ص/99) طبعة مركز دراسات الوحدة العربية. وقد استغرق ابن رشد في تقرير هذه الفكرة الباطنية في كتبه، حتى إنه جعل من أبرز سمات الفرقة الناجية من أمة محمد صلى الله عليه وسلم أنها هي " التي سلكت ظاهر الشرع، ولم تؤوله تأويلا صرحت به للناس " انتهى. " الكشف عن مناهج الأدلة " (ص/150) . ولذلك توسع شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الرد على خصوص كلام ابن رشد في هذا الكتاب، وبيان بطلان التفسير الباطني لنصوص الشريعة، وذلك في كتابيه العظيمين: " بيان تلبيس الجهمية "، ودرء تعارض العقل والنقل. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وابن سينا وأمثاله لما عرفوا أن كلام الرسول لا يحتمل هذه التأويلات الفلسفية؛ بل قد عرفوا أنه أراد مفهوم الخطاب: سلك مسلك التخييل، وقال: إنه خاطب الجمهور بما يخيل إليهم؛ مع علمه أن الحق في نفس الأمر ليس كذلك. فهؤلاء يقولون: إن الرسل كذبوا للمصلحة. وهذا طريق ابن رشد الحفيد وأمثاله من الباطنية " انتهى. " مجموع الفتاوى " (19/157) . 3- مال في باب " البعث والجزاء "، إلى قول الفلاسفة أنه بعث روحاني فقط، بل وقع هنا في ضلالة أعظم من مجرد اعتقاده مذهب الفلاسفة في البعث الروحاني؛ حيث جعل هذه المسألة من مسائل الاجتهاد، وأن فرض كل ناظر فيها هو ما توصل إليه. قال: " والحق في هذه المسألة أن فرض كل إنسان فيها هو ما أدى إليه نظره فيها " انتهى. " الكشف عن مناهج الأدلة " (ص/204) يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وأولئك المتفلسفة أبعد عن معرفة الملة من أهل الكلام: فمنهم من ظن أن ذلك من الملة. ومنهم من كان أخبر بالسمعيات من غيره، فجعلوا يردون من كلام المتكلمين ما لم يكن معهم فيه سمع، وما كان معهم فيه سمع كانوا فيه على أحد قولين: إما أن يقروه باطنا وظاهرا إن وافق معقولهم، وإلا ألحقوه بأمثاله، وقالوا إن الرسل تكلمت به على سبيل التمثيل والتخييل للحاجة، وابن رشد ونحوه يسلكون هذه الطريقة، ولهذا كان هؤلاء أقرب إلى الإسلام من ابن سينا وأمثاله، وكانوا في العمليات أكثر محافظة لحدود الشرع من أولئك الذين يتركون واجبات الإسلام، ويستحلون محرماته، وإن كان في كل من هؤلاء من الإلحاد والتحريف بحسب ما خالف به الكتاب والسنة، ولهم من الصواب والحكمة بحسب ما وافقوا فيه ذلك. ولهذا كان ابن رشد في مسألة حدوث العالم ومعاد الأبدان مظهرا للوقف، ومسوغا للقولين، وإن كان باطنه إلى قول سلفه أميل، وقد رد على أبي حامد في تهافت التهافت ردا أخطأ في كثير منه، والصواب مع أبي حامد، وبعضه جعله من كلام ابن سينا لا من كلام سلفه، وجعل الخطأ فيه من ابن سينا، وبعضه استطال فيه على أبي حامد، ونسبه فيه إلى قلة الإنصاف لكونه بناه على أصول كلامية فاسدة، مثل كون الرب لا يفعل شيئا بسبب ولا لحكمة، وكون القادر المختار يرجح أحد مقدوريه على الآخر بلا مرجح، وبعضه حار فيه جميعا لاشتباه المقام " انتهى. " منهاج السنة " (1/255) 4- ولعل من أبرز سمات منهج ابن رشد في كتبه، وفي الوقت نفسه من أبرز أسباب أخطائه هو عدم العناية بالسنة النبوية مصدرا من مصادر التشريع. يقول الدكتور خالد كبير علال حفظه الله: " ابن رشد لم يُعط للسنة النبوية مكانتها اللائقة بها كمصدر أساسي للشريعة الإسلامية بعد القرآن الكريم، ولم يتوسع في استخدامها في كتبه الكلامية والفلسفية، ففاتته أحاديث كثيرة ذات علاقة مباشرة بكثير من المواضيع الفكرية التي تطرق إليها، كما أن الأحاديث التي استخدمها في تلك المصنفات كثير منها لم يفهمه فهما صحيحا، وأخضعه للتأويل التحريفي خدمة لفكره وأرسطيته " انتهى. " نقد فكر الفيلسوف ابن رشد " (ص/97) هذه بعض الخطوط العريضة التي يمكن أن توضح بعض مآخذ العلماء على عقيدة ابن رشد الحفيد، وهي في محصلها ترجع إلى إلغاء كثير من موازين الشريعة التي ضبط بها الشارع حدودها، والدعوة إلى سلوك التأويل والاجتهاد في بعض مسلماتها، انطلاقا من أفكار دخيلة جاءت من حضارات قديمة بائدة. ولأجل ذلك احتفى به كثير من المحسوبين على التوجهات العلمانية والليبرالية المتحررة اليوم، حتى نسبوا ريادة الفكر التنويري للفيلسوف ابن رشد، وهم يعلمون أن كثيرا من العلوم الواردة في كتبه تعد من العلوم البائدة التي يجزم العلم الحديث بخطئها، ولكن غرضهم تمجيد كل فكر متحرر من ثوابت الشريعة، متحرر من حقائق نصوصها لى المجازات والتأويلات، وفي الوقت نفسه يلبس لبوس الدين والعلم والفقه، فرأوا في ابن رشد ضالتهم، وفي كتبه رائدا لهم، وإن كنا نحسب أن في كتبه من إظهار التمسك بالشريعة والرجوع إليها ما لا نجده في كتب هؤلاء القوم، وكان عنده من لزوم الجانب العملي في الشريعة، وتعظيمها في الفقه والقضاء والفتيا ما لا يعجب القوم، ولا يبلغون معشاره: قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ!! والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130484 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 الطريقة " الهبرية الشاذلية " وما فيها من ضلال وانحراف عن اعتقاد أهل السنَّة [السُّؤَالُ] ـ[ظهرت في بلدنا " الجزائر " وبالأخص جنوبه، وغربه: طريقة صوفية، أخذت بلب العام والخاص , الكبير والصغير، وبالأخص: رجال المال، وكبراء القوم، تُدعى "الطريقة الهبرية"، فلو تفضلت وأفدتنا بمعلومات عن هذه الطريقة حتى نستطيع مجابهتها، والتصدي لها , وجزاك الله خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: سبق في الموقع غير مرة الكلام على الطرق الصوفية على سبيل العموم، وبيان شيء من أخطائها وضلالاتها. وانظر أجوبة الأسئلة: (20375) و (118693) و (132603) . ثانياً: " الطريقة الهبرية " هي من الطرق الصوفية التي تفرعت عن " الطريقة الشاذلية " , وهذه الطريقة الهبرية الشاذلية: تفرعت عن " الطريقة الدرقاوية الشاذلية "، وتنسب إلى " محمد الهبري العزاوي الزروالي " نسبة إلى " بني زروال " , وتأتي زاويته في الأهمية بعد " الزاوية العلوية " الجزائرية، و " الزاوية البوتشيشية " المغربية. أما أهم معتقدات الطائفة الشاذلية: فهي كما يلي: 1. الاعتقاد بوحدة الوجود على النحو الذي يعتقد بها عموم الصوفية، إذ نقل الشاذلية عن شيخهم قوله: "مَن أطاع الله في كل شيء بهجرانه لكل شيء: أطاعه الله في كل شيء، بأن يتجلى له في كل شيء". 2. تأويل آيات القرآن تأويلاً باطنيّاً، فتُصرف الآيات عن ظاهرها والمراد بها، على طريقة الفرق الباطنية التي ادّعت أن للإسلام والقرآن ظاهراً وباطناً. يقول ابن عطاء الله السكندري: "لكل آية ظاهر وباطن". 3. الغلو في الشاذلي، وشيوخهم الآخرين، حتى أوصلوا بعضهم إلى مرتبة الربوبية. انظر: "الطريقة الشاذلية" , "مجلة الراصد" , العدد الثاني والأربعين. http://alrased.net/site/topics/view/512 وانظر للمزيد حول هذه الطريقة، ومؤسسها: كتاب " أبو الحسن الشاذلي " للصوفي عبد الحليم محمود، وانظر في الردِّ عليه كتاب: " صوفيات شيخ الأزهر " للأستاذ عبد الله السبت. أما عقائد هذه الفرقة الهبرية المتفرعة عن الشاذلية فكما يلي: أ. يزعم مقدَّم هذه الطريقة: "أن المجاهدة – بعزيمتها المعهودة - توقّفت عنده"، وقد كان مريدوه لا يأخذ الواحد منهم الاسم الأعظم حتى يمرّ بالخلوات التي تنقطع لها العزائم والظهور، فيخلو الواحد منهم سنوات في غار، أو كوخ، بعيداً عن الخلْق، حتى يصير الاسم الأعظم ممتزجا بكلّ ذرة من ذراته! . ب. ويزعم أتباعه أنه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي يوصل إلى الله، وعنه يؤخذ الاسم الأعظم. ت. وكان الهبري يقول: "لا يدخل طريقتنا إلاّ من كان مكتوباً من السعداء في اللوح المحفوظ، أو شريفاً". ث. ويزعم أصحاب الطريقة أن أتباع صاحب الاسم الأعظ مكتوبون عند الله في عداد الصحابة رضوان الله عليهم. ج. وكان وارثه الشيخ الأكبر! محي الطريق "محمد بلقايد" يلقّن الاسم الأعظم في أيام معدودات، بعد ما كان التقلين في سنين معهودات , وقد صرّح أنّه لا يلقن الاسم الأعظم في الأرض إلا هو وابنه محمد عبد اللطيف التلقين الأتمّ، الذي يوصل إلى الله مباشرة، ويجعل حامل الاسم من أصحاب الذات، والاسم الأعظم. بالإضافة إلى الضلالات والخرافات الأخرى التي تشترك فيها عامة الطرق الصوفية. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما حكم الشريعة الإسلامية في الطريقتين اللتين توجدان في بلدنا الجزائر ولهما اسم " الهبريين " نسبة إلى شيخهم الكبير وهو الشيخ الهبري، وكما نعرف أن شيخهم المحبوب الحضرة، ويعتقدون أنهم في الطريق الصحيح، وكل المسلمين الآخرين في ضلال، فهل هذه الطريقة صحيحة؟ . فأجابوا: "الطريقة السليمة الصحيحة: هي التي كان عليها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فمن اقتفى أثره في ذلك: فهو على الصراط المستقيم، وأما الطرق التي حدَثت بعد ذلك: فيُعرض كل عمل منها على الشريعة الإسلامية، فما وافقها: أُخذ به، وما خالفها: رُدَّ؛ لقول الله جل وعلا: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) . وننصحك بكثرة تلاوة القرآن، وقراءة تفسيره، وخاصة "تفسير ابن جرير"، و "ابن كثير" رحمهما الله، وكذلك قراءة السنَّة وشرحها، وخاصة الصحيحين "صحيح البخاري"، و "صحيح مسلم"، والسنن الأربعة ... إلى غير ذلك من كتب الحديث الشريف، مثل: "منتقى الأخبار"، و "بلوغ المرام"، و "رياض الصالحين"، و "زاد المعاد في هدي خير العباد" للعلامة ابن القيم رحمه الله. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (2/364، 365) . ثالثاً: وننبه هنا إلى أن الغرب الكافر صار يتبنى نشر العقائد الصوفية في العالَم العربي، والإسلامي؛ لما يعلمه عنها من تأثيرها المخدِّر على عقول أتباعها، وتعلقهم بالأوثان، والقبور، والأوهام، والخيالات، فينصرفون عن معرفة توحيد خالقهم، وعن تحقيق الولاء والبراء في حياتهم. قال الأستاذ عبد الوهاب المسيري رحمه الله: "ومما له دلالته: أن العالم الغربي الذي يحارب الإسلام يشجع الحركات الصوفية، ومن أكثر الكتب انتشاراً الآن في الغرب: مؤلفات "محيي الدين بن عربي"، وأشعار "جلال الدين الرومي". وقد أوصت لجنة " الكونغرس " الخاصة بالحريات الدينية: بأن تقوم الدول العربية بتشجيع الحركات الصوفية؛ فالزهد في الدنيا، والانصراف عنها، وعن عالم السياسة: يضعف - ولا شك - صلابة مقاومة الاستعمار الغربي، ومِن ثَمَّ فعداء الغرب للإسلام ليس عداء في المطلق، وإنما هو عداء للإسلام المقاوم، ولأي شكل من أشكال المقاومة، تتصدى لمحاولة الغرب تحويل العالم إلى مادة استعمالية" انتهى. من مقاله " الإسلام والغرب ". فالغرب الذي يحارب الإسلام، يحارب بالأخص أهل السنة والجماعة، لعلمه أن هؤلاء هم الذين يقفون في وجه أطماعه الاستعمارية، وفي الوقت ذاته: يشجع الطرق والحركات الصوفية، لعلمه أنها لا تتعارض مع مصالحه، بل تخدم مصالحه. وللرد على التصوف، وعقائده المنحرفة: فننصح بقراءة الكتب التالية: ‍1. "هذه هي الصوفيَّة" للشيخ عبد الرحمن الوكيل. 2. "الفكر الصوفي في ضوء الكتاب السنة" للشيخ عبد الرحمن عبد الخالق. 3. "الكشف عن حقيقة الصوفية" للشيخ عبد الرؤوف القاسم. 4. "تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي" للشيخ محمد أحمد لوح. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130188 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 هل تجب طاعة الحاكم الذي لا يحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل تجب طاعة الحاكم الذي لا يحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الحاكم الذي لا يحكم بكتاب الله وسنة رسوله تجب طاعته في غير معصية الله ورسوله، ولا تجب محاربته من أجل ذلك، بل ولا تجوز إلا أن يصل إلى حد الكفر فحينئذ تجب منابذته، وليس له طاعة على المسلمين. والحكم بغير ما في كتاب الله وسنة رسوله يصل إلى الكفر بشرطين: الأول: أن يكون عالماً بحكم الله ورسوله، فإن كان جاهلاً به لم يكفر بمخالفته. الثاني: أن يكون الحامل له على الحكم بغير ما أنزل الله اعتقاد أنه حكم غير صالح للوقت وأن غيره أصلح منه، وأنفع للعباد، وبهذين الشرطين يكون الحكم بغير ما أنزل الله كفراً مخرجاً عن الملة لقوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ) ، وتبطل ولاية الحاكم، ولا يكون له طاعة على الناس، وتجب محاربته، وإبعاده عن الحكم. أما إذا كان يحكم بغير ما أنزل الله وهو يعتقد أن الحكم به أي بما أنزل الله هو الواجب، وأنه أصلح للعباد، لكن خالفه لهوى في نفسه أو إرادة ظلم المحكوم عليه، فهذا ليس بكافر، بل هو إما فاسق أو ظالم، وولايته باقية، وطاعته في غير معصية الله ورسوله واجبة، ولا تجوز محاربته أو إبعاده عن الحكم بالقوة، والخروج عليه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الخروج على الأئمة إلا أن نرى كفراً صريحاً عندنا فيه برهان من الله تعالى" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (2/118) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128453 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 ضوابط أشكال الصليب الممنوعة [السُّؤَالُ] ـ[السؤال: أريد السؤال عن الصليب ما هي أشكاله؟ وهل يعد علامة الزائد والضرب من أشكال الصليب؟ لأن ذلك أشكل عليّ وعلى كثير من الإخوان، ولم أجد له جوابا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صناعة الصليب أو شراؤه أو نقشه على الملابس أو الجدران ونحو ذلك من المحرمات التي لا يجوز للمسلم ارتكابها، فلا يصنعها بنفسه ولا يعين عليها، بل يتقي الله تعالى ويتحرز عن شعار الكفر الذي افتراه النصارى في دينهم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " الصليب لا يجوز عمله بأجرة ولا غير أجرة، ولا بيعه صليبا، كما لا يجوز بيع الأصنام ولا عملها، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام) " انتهى. "مجموع الفتاوى" (22/141) ، وانظر "الموسوعة الفقهية" (12/84-88) . ثانيا: للصليب أشكال وأنواع كثيرة، تنوعت عبر الزمان والمكان واختلاف الطوائف النصرانية، فاتخذ صورا متنوعة يمكن الاطلاع عليها في الرابط الآتي: http://en.wikipedia.org/wiki/Cross والذي يظهر لنا في حكم رسم وتعليق هذه الأنواع والأشكال من الصلبان ما يلي: 1- إذا كان قد رسم على أنه صليب، فهذا لا يجوز للمسلم حمله ولا لبسه ولا شراؤه ولا بيعه ولا رسمه؛ لأن علة تحريم رسم الصليب ولبسه هي البعد عن مشابهة النصارى وتعظيم رموزهم الدينية الباطلة، وهذه العلة واقعة في كل شكل من أشكال الصليب التي تعرفها طوائف النصارى إذا كانت وضعت على أنها صليب لتعظم وترمز لما يريدون. 2- أما إذا رسمت زخرفة معينة، أو صنعت بعض الأشياء المنزلية والأدوات العادية، فوافق أن نتج عنها شكل من أشكال الصليب السابقة، فهذا ينظر فيه: أ - فإن كان يظهر للناظر لأول وهلة أنه رسم الصليب المشهور اليوم في معظم الكنائس ولدى أكثر النصارى، وهو عبارة عن خطين أحدهما طولي والآخر عرضي، بحيث يقطع الخط العرضي الخط الطولي، وتكون الجهة العلوية أقصر من السفلية، وهو الشكل الأشهر للصليب منذ أن أحدثه النصارى، مأخوذ من الخشبة التي يصلب عليها من يُراد قتله، فإن كان يظهر للناظر من الوهلة الأولى هذا الأمر، وجب نقضه وإزالته، أو تعديله بما يخرجه عن كونه صليبا، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم (لا يترك في بيته شيئا فيه تصاليب إلا نقضه) . ب - أما إذا لم تكن صورة الصليب ظاهرة، وإنما نتج عن زخرفة غير مقصودة، أو كان البناء بالهندسة المتقاطعة أنفع وأكثر مرونة، أو استعمل لرموز رياضية معينة، كرمز الجمع أو الضرب في علم الحساب، ففي هذه الحال لا يجب نقضه ولا إزالته، ولا حرج في صنعه ولا في بيع ما احتوى عليه، لانتفاء العلة، وهي التشبه بالكفار وتعظيم رموزهم، فإن رمز الصليب في هذه الحالة دقيق غير ملاحظ، ولا معتبر. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " أولاً: لا بد أن نعلم أن هذا صليب؛ لأن بعض الأشياء يظنها بعض الناس صلباناً وليست كذلك. ثانياً: أن نعلم أنه وُضِع لأنه صليب، لا لكونه نقشاً في الثوب مثلاً؛ لأن النصارى يعظمون الصليب، فلا يمكن أن يجعلوه وَشْياً [زخرفة] في ثوب، إنما يضعونه موضع الاحترام. فلابد من هذين الأمرين، فإذا تحققنا أنه صليب فإن الواجب تمزيقه، أو على الأقل: السُّنَّةُ تمزيقه، ولنقاطع هذه الثياب – التي عليها صلبان -؛ فإذا قاطعناها ولم يستفد التجار منها قاطعوها أيضاً. وكذلك يقال في النجمة السداسية التي يقال إنها شعار اليهود، فحكمها حكم الصليب، وإن كان اليهود لا يتخذونها على سبيل العبادة؛ لكنها مختصة بهم. نحن سألنا عنها النصارى الذين أسلموا [يعني: عن الصلبان] فقالوا: إن الصليب عندنا هو الصليب المعروف؛ أن يكون خطان، أحدهما يقع عرضاً والثاني طولاً، ويكون الطوليُّ مِن جانبٍ أطولَ من الثاني. حتى إننا سألناهم عن ساعة الصليب هذه التي يسمونها ساعة الصليب فقالوا: هذه لا يراد بها الصليب، هذه علامة الشركة فقط؛ لأن الصليب عند النصارى يقولون عنه: إنه خط مرتفع طويل، ثم خط عرْضي، وأحد الجانبين في الخط الطولي أطول من الآخر؛ لأن هذا هو الواقع، فالإنسان المصلوب توضع له خشبةٌ عرضاً من أجل أن تربط بها يداه، فهل يمكن أن تكون الخشبةُ الموضوعةُ لليدين موضوعةً في النصف؟! لا. بل تكون في الأعلى، لهذا نحن في شك من هذه التي نُشِرَت قبل سنتين بأشكال مختلفة، وقالوا: هذه صلبان! ثم إن علامة (+) هل هي صليب؟ ليست صليباً. كذلك يوجد فيما سبق الدلاء التي يُرفع بها الماء من البئر، في أعلاها شيء يُسمى: (العَرْقات) ، عبارة عن خشبتين، إحداهما عَرْضِية والأخرى طولية، فمِن هذه الأشياء ليست صليباً. فالشيء الصليب هو الذي وُضع على أنه صليب " انتهى. "لقاء الباب المفتوح" (لقاء رقم 21/سؤال رقم 7) وقال أيضا رحمه الله: " أما ما ظهر منه أنه لا يراد به الصليب، لا تعظيما، ولا بكونه شعارا، مثل بعض العلامات الحسابية، أو بعض ما يظهر بالساعات الإلكترونية من علامة زائد، فإن هذا لا بأس به، ولا يعد من الصلبان بشيء " انتهى. "مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (ج 18 / 114، 115، جواب السؤال رقم 74) وسئل رحمه الله في "لقاءات الباب المفتوح" (لقاء رقم/199، سؤال رقم/9) : مررت بأحد المباني في إحدى مدننا، وكان هذا المبنى النوافذ فيه على شكل صلبان - كل النوافذ - وهو مكون من عشرة طوابق، وهي مشابهة تماما لما يصممه الغربيون في منازلهم؟ فأجاب: "والله يا أخي! هذه تحتاج إلى مشاهدة العمارة، وليس كل ما جاء على شكل الصليب يكون صليبا، وإلا لقلنا: علامة زائد حرام، وقلنا: الغرب الذي كان الناس يستقون به حروثهم حرام؛ لأنه معروف، خشبتان معترضتان، الصليب له شكل معين، وله قرائن تدل على أنه صليب، فيحتاج إلى مشاهدة العمران " انتهى بتصرف يسير. وانظر جواب السؤال رقم: (101399) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121170 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 الاعتراض على قطع يد السارق، وجعل شهادة المرأة نصف شهادة الرجل [السُّؤَالُ] ـ[ما ترى فيمن يقول: إن قطع يد السارق وجعل شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل فيه قسوة وهضم لحقوق المرأة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "من يقول: إن قطع يد السارق وجعل شهادة المرأة النصف إن في هذا قسوة وهضماً لحق المرأة! أقول: من قال هذا فإنه مرتد عن الإسلام، كافر بالله عز وجل، فعليه أن يتوب إلى الله من هذه الردة، وإلا فليمت كافراً؛ لأن هذا حكم الله عز وجل، وقد قال الله عز وجل: (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) المائدة/50، وقد بَيَّن الله الحكمة من قطع يد السارق في قوله: (جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) المائدة/38، وبَيَّن الحكمة من جعل شهادة المرأة أو شهادة المرأتين عن رجل واحد في قوله: (أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى) البقرة/282، فعلى هذا القائل أن يتوب إلى الله عز وجل من ردته، وإلا فسيموت كافراً" انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. "فتاوى علماء البلد الحرام" (ص 483) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118687 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 حكم الاعتراض على الأحكام الشرعية التي شرعها الله [السُّؤَالُ] ـ[رجل يقول: إن بعض الأحكام الشرعية تحتاج إلى إعادة نظر وأنها بحاجة إلى تعديل، لكونها لا تناسب هذا العصر، مثال ذلك الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين. فما حكم الشرع في مثل من يقول هذا الكلام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب أن يعلم أن من أصول الإيمان التحاكم إلى الله تعالى، ورسوله صلى الله عليه وسلم، والتسليم لحكمهما، والرضا به، قال الله تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) النساء/59. وقال تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) النساء/65. وقال تعالى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) المائدة/50. فكل حكم خالف حكم الله فهو حكم جاهلية، وقال الله تعالى: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) التين/8. وقال تعالى: (إِنْ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) يوسف/40. وبهذا يظهر أن رفض التحاكم إلى الله جل شأنه وإلى الرسول صلى الله عليه وسلم، أو رفض حكمهما، أو اعتقاد أن حكم غيرهما أحسن من حكمهما، كفر وخروج من الإسلام. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: "الأحكام التي شرعها الله لعباده وبينها في كتابه الكريم، أو على لسان رسوله الأمين عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم، كأحكام المواريث والصلوات الخمس والزكاة والصيام ونحو ذلك مما أوضحه الله لعباده وأجمعت عليه الأمة، ليس لأحد الاعتراض عليها ولا تغييرها، لأنه تشريع محكم للأمة في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، وبعده إلى قيام الساعة، ومن ذلك: تفضيل الذكر على الأنثى من الأولاد، وأولاد البنين، والإخوة للأبوين وللأب، لأن الله سبحانه قد أوضحه في كتابه وأجمع عليه علماء المسلمين، فالواجب العمل بذلك عن اعتقاد وإيمان، ومن زعم أن الأصلح خلافه فهو كافر، وهكذا من أجاز مخالفته يعتبر كافراً؛ لأنه معترض على الله سبحانه وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى إجماع الأمة؛ وعلى ولي الأمر أن يستتيبه إن كان مسلماً، فإن تاب وإلا وجب قتله كافراً مرتداً عن الإسلام، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه) ، نسأل الله لنا ولجميع المسلين العافية من مضلات الفتن ومن مخالفة الشرع المطهر" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (4/415) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118682 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 ما رأيكم فيما يُطلق عليه " الخروج من الجسد "؟ وهل هو واقع أم خيال؟ [السُّؤَالُ] ـ[قرأتُ موضوعاً في منتدى، ولا أعرف الحكم، وأخاف أن ينتشر ذلك في المنتديات بسرعة، وهذا هو الموضوع: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: الخروج من الجسد ظاهرة عجيبة غريبة، تستحق التجربة، وهي من الظواهر التي أثَّرت على مجرى حياتي، وعلى مدى فهمي للأمور واستيعابها. فالأشياء ليست كما نراها دائماً، ولكل نومٍ قصة، ولذا كان هذا التقرير: ما هو الخروج من الجسد؟ . الخروج من الجسد (الإسقاط النجمي) : الخروج من الجسد ظاهرة طبيعية، تحصل لكل البشر عند النوم، ونحن كمسلمين نعلم علم اليقين بانفصال النفس عن الجسد عند النوم، ثم تعود النفس للجسد المادي حين نستيقظ، قال صلى الله عليه وسلم: (الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تنافر منها اختلف) ، ويظهر هذا واضحاً في قوله تعالى: (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) الزمر/ 42، ولذا سمي النوم بالموتة الصغرى. الفرق الوحيد بين النوم وبين الخروج من الجسد هو أننا عندما ننام لا ندرك الوعي، أما في الخروج من الجسد: فتخرج النفس باصطحاب الوعي، ويرافق عقلنا هذا الجسد غير المرئي لعالم الأثير (عالم الأحلام) . قد تكون الفكرة لمن لم يسمع من قبل بالخروج من الجسد غريبة بعض الشيء، وقد يظنها البعض ضرباً من ضروب الخيال، والحقيقة هي أن تجربة الخروج من الجسد من أرقى ما يمكن أن يمر به الإنسان من تجارب، ويعجز عن وصفها حتى الكلام، عندما تتحرر من جسدك المادي، وتنزع عنك مادية هذا العالم بما في ذلك جسدك أنت، وتبقى عبارة عن وعي وجسد شفاف. والخروج من الجسد أمر ليس فيه لبس، أي: لا ينفع أن يقول شخص أظن أني قد خرجت من جسمي؛ لأنه ما إن يحصل له خروج من الجسد سيعرف تمام المعرفة أنه حصل، ولا يمكن أن يظن (أي: الشخص) أن الخروج من الجسد نوع من التأمل، أو من الخيال، أو من التنويم الإيحائي، إنه باختصار واضح ستعرفه ما إن تجربه، فما يخرج هو وعيك أنت: يحمله الجسم اللامرئي الذي ندعوه النفس، ويدعوه الغرب بـ " الجسم النجمي "، والبعض بـ " الجسم الأثيري "، في النهاية هو جسم شفاف غير مرئي، جزء منا نحن ينفصل عنَّا عندما ننام، ثم يعود عندما نستيقظ. إلى أين تذهب بعد الخروج؟ : إلى العالم الأثيري، وهو العالم الذي تتحقق فيه الأحلام، فلو تخيلت بعد الخروج من جسدك بأن هناك شجرة في منتصف غرفتك ستجدها أمامك في لمح البصر!! . هو عالم يتجرد عن قوانين الفيزياء بشتى أنواعها، حيث يمكنك فيه التنقل بين المكان والزمان في لحظات، وحيث الثواني قد تعني الأيام في هذا العالم. وفيه قد تلتقي بأناس آخرين قد دخلوا لهذا العالم الأثيري. أنواع الخروج: النوع الأول: وهو النوع الذي نتكلم عنه، وهو الخروج من الجسد في حال الوعي التام خارج الجسد. النوع الثاني: وهو الوعي بعد الدخول في النوم، وهو الوعي داخل الأحلام، ويمكنك حينها التحكم في الأحلام كفيما تشاء. كيف نستطيع الخروج من الجسد؟ : هناك الكثير من التمارين والدورات بهذا الخصوص، حيث تكون عبارة عن ورشات عمل، حيث يبدؤون فيها بالاسترخاء، وإتقان هذه المهارة مهم جدّاً لعملية الخروج من الجسد، وتختلف الطرق باختلاف المدربين، واختلاف مدارس الطاقة وعلومها، ولذا ينصح بأخذ دورة متخصصة لإتقان هذه المهارة، وحتى يتسنى لكم التحكم فيها، والبقاء لمدة أطول في العالم الأثيري. تجربتي الشخصية: لقد كانت بدايتي مع هذه الظاهرة منذ 4 سنوات، حيث جذبتني جدّاً لاهتمامي بهذه الأمور الغير اعتيادية، فحاولت جاهداً البحث في كل مكان عن الطرق والتدريبات، وحاولت تدريب نفسي بداية من الاسترخاء والتنويم الإيحائي الذاتي، ووصولاً إلى الإسقاط النجمي، والتحكم في مراكز الطاقة. ونجحت في الوصول للنوع الثاني عدة مرات، وكانت تجارب مثيرة بالفعل استحقت عناء التجربة، ولأنني لم أتعلم على يد مدرب، وإنما كانت عن طريق بحث وتدريب ذاتي، لم أصل للنوع الأول، وهو الوعي الكامل خارج الجسد إلا في مناسبات قليلة لم تتجاوز الثلاث مرات خلال المدة الماضية، مع كونها قصيرة جدّاً إلا أنها كانت من التجارب التي لا تُنسى. بالنسبة لتجربتي كانت في محيط المنزل، ولم أستطع الذهاب إلى أي مكان؛ لكثرة توارد الأفكار؛ ولدهشتي؛ واستغرابي. في إحدى المرات كنت خارج جسدي في غرفتي، فذهبت إلى الصالة، فرأيت والدي ممسكاً الصحيفة ويكلم أخي الأصغر، ثم رأيت والدتي متجهة إلى غرفتي، فأردت الرجوع بسرعة قبل أن تأتي، فشعرت بشيء يشدني إلى الخلف بسرعة حتى استيقظت، فرأيت والدتي وهي تفتح باب الغرفة، قمت بعدها مسرعاً لأتأكد فإذا بوالدي على نفس الهيئة والوضعية التي رأيت وهو يكلم أخي، فكان شعوراً لا يوصف. انتهى الموضوع، أرجوا الإفادة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ليس كل ما يُسمع ويُقرأ يستحق الاحترام والتقدير، ونأسف أن وصل المسلمون – ومنهم بعض الخاصة – إلى تلقي قمامات الغرب وجعلها كنوزاً! وتلقي أوهامهم وخيالاتهم وجعلها حقائق لا تبل المناقشة، ومثل ما في السؤال أنموذج لتلك القمامات والترهات التي ينبغي أن يربأ المسلم بنفسه عنها، فليس عليها سيما العلم، ولا تحمل من الحقيقة ولو قطميراً! بل هي أوهام وخيالات وترهات استطاع مخترعوها وكاذبوها أن يجدوا سوقاً بين المسلمين لترويج تلك البضاعات الكاسدة، ونعجب من بعض من يصدق هذه الترهات من المسلمين ممن يرد أحاديث في صحيحي البخاري ومسلم بدعوى أنها آحاد! ثم يصدق بوجود " جسد أثيري " يتصل بالجسد الحقيقي بـ " خيط فضي "! ، ثم يصدق أن ثمة من يرجع إلى الزمن الماضي، أو يصل إلى الزمن المستقبل! ويصدق أنه يمكن أن يلتقي بعالم الملائكة وعالم الجن! كل ذلك يسوقه المرضى، ويصدقه الحمقى. ثانياً: العجيب ممن يصدق هذا الكلام وهو يرى أن الإنسان وهو على قيد الحياة، بروحه، وبدنه، وعقله، يستطيع أن يقوم بأشياء خارقة، وعظيمة، بسبب ما سخَّره الله له من علم، وهو أمر يشاهد، وليس ثمة من يكذبه، فكيف يكون عند الإنسان وهو نائم من القوة ما ليس عنده وهو مستيقظ؟! وما هذا إلا كما يفعله ويعتقده الوثنيون في أمواتهم الذين يقدسونهم ويعظمونهم، فأولياؤهم وهم على قيد الحياة يجوعون ويعطشون ويتبلون ويتبرزون ويمرضون، بل ويقتلون، ثم إذا ماتوا أثبتوا لهم من الخوارق والأفعال ما يعجزون عن جزء يسير منه وهم على قيد الحياة! فمتى تُرجع كلا الطائفتين عقلها لبدنها، وتقف على حقيقة التوحيد، وتلتزم الأخذ بالحقائق المشاهدة المحسوسة وتترك الخرافات والأوهام؟ . ثالثاً: من تأمل ما يشاع في هذا الزمن من العامة وبعض الخاصة من نحو ما في السؤال يجد قوة تأثير العقائد البوذية وعقائد الإلحاد على ما يعتقدونه نافعاً صواباً، ابتداء بالبرمجة اللغوية العصبية، إلى تغيير العقل، إلى العلاج بالطاقة، في قائمة تطول، كلها تقوم على الخرافة والوهم، وهي تصلح لبعض المرضى النفسيين لا أكثر، وما نحن فيه الآن – وهو الخروج من الجسد – من يتأمله يجد أهله الذين يعتقدونه لا يدينون بالإسلام، ولا يعترفون بالله تعالى ربّاً، وكلها أمور غيبية نأسف أن يتلقفها المسلمون من مثل أولئك الملحدين، ومن ينظر في المنتديات التي تنشر ترهات الخروج من الجسد يجد الأمر أشبه ما يكون بالرسوم المتحركة الفضائية، والخيالية. وها نحن نرى ما جاءت الشريعة الإسلامية المطهرة بمحاربته، والحكم عليه بالشرك والوثنية: أصبح الآن " علماً "! تُعقد له الدورات، وتُعطى فيه الألقاب والشهادات، وتُدفع له أعلى الأثمان لحضوره، وتعلمه! وتجد هذا المسلم يحكم على من ينظر في " فنجان القهوة " ليخبرك بمستقبلك وحقيقة شخصيتك بأنه كاهن، دجال – وهو كذلك -، لكنه في الوقت نفسه يعطيك من المعلومات الغيبية عنك أضعافاً مضاعفة من ذلك الكاهن الدجال بالنظر في " توقيعك "!! حتى صار هذا الأمر " علماً " وله اختصاصيون من المسلمين!! فبمجرد النظر في " توقيعك " يخبره بصفاتك، فيخبرك بأنك – مثلاً - انطوائي، كريم، متسامح، متعاون، يحب السلام، له نظرة مستقبلية، كتوم بعض الشيء! – انظر للدقة " بعض الشيء "! – ويخبرك بما تحب من الألوان! وغير ذلك من الترهات والكهانة العصرية، وما ذكرناه ليس نسجاً من الخيال، بل نقلنا بعضه من مقابلة مع شخصية إسلامية مشهورة، وعلى الجانب الآخر كان " الكاهن "! يخبره بما نقلنا جزء منه، بمجرد رؤية توقيعه، والله المستعان. وحقّاً إن هؤلاء " حمقى " يقودهم " مرضى "، وإليكم خرافة أخرى من خرافاتهم " العلمية " وتُعطى فيما يسمَّى " دورات الريكي "! فتجد الأحمق منهم يقول مخاطباً معدته: " معدتي! كيف حالك؟ أرجو أنك بخير، أرجو أن لا تسببي لي المتاعب!! " ويخاطب سنَّه وقلبه وكليته وباقي أعضاء وأجزاء جسمه بالطريقة الساذجة نفسها، يحيي العضوء أو الجزء، ويسأل عن حاله وأخباره! ويرجوه أن لا يسبب له ألماً وأن لا يُمرضه!!! ، فهل هذا فعل العقلاء فضلاً أن يكون فعل المسلمين؟!!! أليس لو رأى ذلك أحد العقلاء فإنه سيحكم على فاعله بأنه مجنون ويستحق الحجر عليه؟! . رابعاً: خرافة " الخروج من الجسد "، أو " السفر بالجسد "، ويطلق عليه " الإسقاط النجمي ": هو من هذا الباب، فأصحابه يوهمونك أنك باستطاعتك السفر بجسدك " الأثيري " إلى عوالم مختلفة، كعالم الملائكة، وعالم الجن، وعالم البرزخ! فترى الأموات وأرواحهم، بل وتتنقل في أزمنة مختلفة، فلك أن ترجع للماضي، ولك أن تذهب للمستقبل! لترى من سيولد! ويزعمون أنك تنتقل بوعيك وأنت نائم، يعني: أن الجسد فقط يكون نائماً، بينما يكون عقلك في حالة يقظة تامة! ويعتقدون أنك تنتقل إلى تلك العوالم والأزمنة بجسد " أثيري " - وهو جسم من الطاقة – وهو ينفصل عن الجسم المادي النائم، ويبقى بقربه أثناء النوم، ويكون هذان الجسمان متصلان بـ " حبل فضي " يربط بينهما! . سذاجة، وخرافة، وأوهام، وترهات، وزندقة، وإلحاد، كل ذلك صار " علماً "، وله مدربوه، وله زبائنه التي تتعلق بالأوهام والخيالات، وصرنا بحاجة لأن نرجع مع هؤلاء الناس إلى أبجديات التوحيد، ونعلمهم بأن الجن لا يُرى، وأن الملائكة كذلك، وأن الغيب لا يعلمه إلا الله، وأنه لا يمكن الرجوع للوراء لمعرفة ماضيك ورؤيتك وأنت طفل ترضع وتكبر، ولا لقاء الأموات قبل موتك، وهكذا في سلسلة من المسائل والأحكام من المفترض أن تكون عقائد راسخة عند المسلمين، ولعلَّ في هذا عبرة وعظة لمن يتزعم من الدعاة محاربة تدريس التوحيد، وغرس العقيدة الحقة في نفوس المسلمين، زاعمين أن الأمة ليست بحاجة لهذا، وها هي الأمور تنكشف، ويتبين أن الناس يُقدمون على الشرك، والكهانة بإرادتهم، ويدفعون المبالغ الطائلة لأجل هذا، بل يكون له منصب فيها ورتبة، ويحمل في " علومها " شهادة مصدَّقة. خامساً: ليس ثمة ما يسمى " الجسد الأثيري "، ويستطيع أن يزعم صاحب أية خرافة مثل هذه الأشياء، ويبني عليها صروحاً من الكذب، وهذا الذي حصل هنا، فأثبتوا فعلا وأطلقوا عليه اسماً، واخترعوا جسداً وأطلقوا عليه اسماً، ثم أوهموا الناس أنهم دقيقون فذكروا لون " الخيط " الذي يربط بين الجسدين، وأنه " فضي "! وهكذا في سلسلة أكاذيب ليس لها واقع في الوجود، وبالطبع لا بد أن يضعوا شروطاً للشخص حتى يصح له " خروجه وسفره " من جسده، وأول ذلك الاسترخاء التام، ومن عجز عنه: فله أن يستعين بطاغوت " البرمجة العصبية " فيردد " أريد أن أسترخي، أريد أن أسترخي " ويكررها بحماقة حتى يوهم نفسه أنه استرخى! ، والواقع أنه ليس ثمة ما يسمى بالجسد الأثيري إلا في أذهان أولئك الذين يصلحون لإنتاج الرسوم المتحركة الفضائية والخيالية. 1. سئلت الدكتورة فوز كردي – حفظها الله – وهي من أوائل من تنبه لطاغوت البرمجة العصبية وأخواتها، ولها ردود منتشرة عليهم، بل حازت على رسالتي الماجستير والدكتوراة في العقيدة وضمنتهما الرد على تلك البرامج والادعات والعلاجات -: هل " الجسم الأثيري " له أصل في الشرع، أم أنه مجرد توقعات، أو سحر، وخزعبلات؟ . فأجابت: بالنسبة للجسم الأثيري: فهو أولاً: قول مبني على نظرية قديمة، تفترض وجود مادة " الأثير "، وهي مادة مطلقة قوية غير مرئية! تملأ الفراغ في الكون، سمَّاها " أرسطو ": العنصر الخامس، وعدّها عنصراً ساميًا، شريفًا، ثابتًا، غير قابل للتغيير، والفساد، وقد أثبت العلم الحديث عدم وجود الأثير، ولكن الفلسفات القديمة المتعلقة بالأثير بقيت كما في الفلسفات المتعلقة بالعناصر الخمسة، أو الأربعة. ثانياً: قول تروج له حديثاً التطبيقات الاستشفائية، والتدريبية، المستمدة من الفلسفة الشرقية، ومع أن التراث المعرفي المستمد من الوحي المعصوم بيّنٌ أوضح البيان، وغنيٌّ كل الغنى بأصول ما يعرّف الإنسان بنفسه وقواه الظاهرة والخفيَّة: إلا أن عقدة المفتونين بالعقل، والمهووسين بالغرب والشرق من المسلمين: جعلتهم يلتمسون ذلك فيما شاع هناك باسم " الأبحاث الروحية "، فنظروا إليها على أنها حقائق علمية، أو خلاصة حضارة شرقية عريقة، وأعطوا لأباطيلها وتخرصات أهلها ما لم يعطوا لمحكمات الكتاب وقواطع السنَّة، ومن ذلك القول بتعدُّد أجساد الإنسان، وقد يسمونها " الأبعاد "، أو " الطاقات "؛ للقطع بأنها اكتشافات علميّة، وهذا القول حقيقته: بعث لفلسفة الأجساد السبعة المعروفة في الأديان الشرقيَّة، ومفادها أنّ النفس الإنسانيّة تتكوَّن من عدَّة أجساد - اختلفوا في عدِّها ما بين الخمسة إلى التسعة بحسب وجهات نظر فلسفيّة تتعلّق بمعتقدهم في ألوهية الكواكب أو المؤثرات الخارجية - والمتَّفق عليه من هذه الأجساد: الجسم البدنيّ أو الأرضيّ، والجسم العاطفيّ، والجسم العقليّ، والجسم الحيويّ، والجسم الأثيريّ، فالجسم البدنيّ: هو الظاهر الذي نتعامل معه، وتنعكس عليه حالات الأجساد الأخرى، والجسم الأثيري: هو أهم هذه الأجساد، وأساس حياتها، وهو منبع صحة الإنسان، وروحانيته، وسعادته! . وقد سرى هذا المعتقد في أوساط المسلمين بعد أن عُرض على أنه كشف علمي عبر التطبيقات الشرقية المروجة على شكل دورات تدريبية، أو تمارين استشفائية مفتوحة لعامة الناس، بعد أن كان هذا المعتقد غامضًا محصورًا في حُجَر تحضير الأرواح! عند خبراء حركة الروحية الحديثة. فالاعتقاد بالجسم الأثيريّ كالاعتقاد بالعقل الباطن وقوى النفس، إنما شاع ذكره عند من غفل عن حقائق الغيب، ورام الوصول إليها من غير طريق الرُّسُل، فأصل هذه المعتقدات مأخوذ من التراث المنقول في الديانات الوثنيّة الشرقيّة، والمعتقدات السرِّية الباطنيّة، وكلّ تطبيقاتها الرياضيّة والعلاجيّة الحديثة تدعو إلى تطوير قوى هذا الجسد لتنمية الجنس البشريّ حيث يصبح بإمكان الإنسان في المستقبل فعل ما كان يُعدّ خارقة في العصور الماضية، كأن يصبح صاحب لمسة علاجيّة، أو قدرة على التنبُّؤ، أو التأثير عن بُعد، وغير ذلك، دون أن يكون متنبِّئًا، أو كاهنًا، ومن ثم لا يحتاج لأيِّ مصدر خارج عن نفسه! ويستغني عن فكرة الدين، أو معتقد الألوهية - عياذاً بالله -. انتهى http://www.alfowz.com/index.php?option=com_content&task;=view&id;=135&Itemid;=2 2. وسئل الدكتور وهبة الزحيلي – وفقه الله -: هل علوم " الميتافيزقيا " حرام؟ هل علوم ما وراء الطبيعة والخوارق حلال أو حرام؟ وهي " التلبثة " - التواصل عن بُعد -، " قراءة الأفكار " telepahtic، " الخروج الأثيري عن الجسد " out of body experience، " تحريك الأشياء بالنظر النظر المغناطيسي "، " اليوجا، و " التنويم الإيحائي "، " التاي شي "، " الريكي "، " التشي كونغ "، " المايكروبيوتك "، " الشكرات "، " الطاقة الكونية "، " مسارات الطاقة "، " الين واليانغ "؛ لأني وجدت موقعا يحرِّمها - موقع الأستاذة فوز كردي - السعودية -؟ . فأجاب: هذه وسائل وهمية، وإن ترتب عليها أحياناً بعض النتائج الصحيحة، ويحرم الاعتماد عليها وممارستها، سواء بالخيال، أو الفعل، فإن مصدر العلم الغيبي: هو الله وحده، ومن اعتمد على هذه الشعوذات: كفر بالله، وبالوحي، كما ثبت في صحاح الأحاديث النبوية الواردة في العَّراف، والكاهن، ونحوهما. http://www.zuhayli.net/fatawa_p56.htm وللوقوف على حقيقة النوم، وعلاقته بالموت، وشعور النائم بنفسه وهو يعلم: يُنظر جواب السؤال رقم: (14276) ففيه تفصيل ذلك بالكتاب والسنَّة وأقوال العلماء الثقات. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118292 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 الحكمة من تقبيل الحجر الأسود [السُّؤَالُ] ـ[هل الحكمة في تقبيل الحجر الأسود التبرك به؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الحكمة من الطواف بيَّنها النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: (إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله) فالطائف الذي يدور على بيت الله تعالى يقوم بقلبه من تعظيم الله تعالى ما يجعله ذاكراً لله تعالى، وتكون حركاته بالمشي والتقبيل واستلام الحجر والركن اليماني والإشارة إلى الحجر ذكراً لله تعالى لأنها من عبادته؛ وكل العبادات ذكر لله تعالى بالمعنى العام، وأما ما ينطق به بلسانه من التكبير والذكر والدعاء فظاهر أنه من ذكر الله تعالى، وأما تقبيل الحجر فإنه عبادة حيث يقبل الإنسان حجراً لا علاقة له به سوى التعبد لله تعالى بتعظيمه، واتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، كما ثبت أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال حين قَبَّل الحجر: (إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك) . أما ما يظنه بعض الجهال من أن المقصود بذلك التبرك به فإنه لا أصل له، فيكون باطلاً. وأما ما أورده بعض الزنادقة من أن الطواف بالبيت كالطواف على قبور أوليائهم وأنه وثنية، فذاك من زندقتهم وإلحادهم، فإن المؤمنين ما طافوا به إلا بأمر الله؛ وما كان بأمر الله فالقيام به عبادة لله تعالى. ألا ترى أن السجود لغير الله شرك أكبر، ولما أمر الله الملائكة أن يسجدوا لآدم كان السجود لآدم عبادة لله تعالى وكان ترك السجود له كفراً. وحينئذ يكون الطواف بالبيت عبادة من أجل العبادات، وهو ركن في الحج، والحج أحد أركان الإسلام. ولهذا يجد الطائف بالبيت إذا كان المطاف هادئاً من لذة الطواف وشعور قلبه بالقرب من ربه ما يتبين به علو شأنه وفضله والله المستعان" انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. "فتاوى العقيدة" (ص 28، 29) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118085 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 أقسام العبودية [السُّؤَالُ] ـ[أقرأ في بعض الآيات ما يدل على أن عباد الرحمن هم المؤمنون فقط مثل قوله تعالى: (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا) الفرقان/63، وفي بعضها الآخر ما يدل على أن جميع الناس عباد الله كقوله تعالى: (إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً) مريم/93 فكيف نجمع بين الآيتين؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اعلم أرشدك الله لطاعته أن العبودية نوعان:عبودية خاصة، وعبودية عامة. فالعبودية الخاصة هي: عبودية المحبة والانقياد والطاعة التي يشرف بها العبد ويعظم،وهي التي وردت في مثل قول الله تعالى: (الله لطيف بعباده) الشورى/19، وقوله: (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً) الفرقان/63، وهذه العبودية خاصة بالمؤمنين الذين يطيعون الله تعالى، لا يشاركهم فيها الكفار الذين خرجوا عن شرع الله تعالى وأمره ونهيه، والناس يتفاوتون في هذه العبودية تفاوتاً عظيما؛ فكلما كان العبد محباً لله متبعاً لأوامره منقاداً لشرعه كان أكثر عبودية. وأعظم الناس تحقيقاً لهذا المقام هم الأنبياء والرسل، وأعظمهم على الإطلاق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولهذا لم يرد ذكر أحد بوصف بالعبودية المجردة في القرآن إلا هو عليه الصلاة والسلام فذكره الله بوصف العبودية في أشرف المقامات كمقام الوحي فقال سبحانه: (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً) الكهف/1، وفي مقام الإسراء فقال جل شأنه: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى) الإسراء/1، وفي مقام الدعوة فقال تعالى: (وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبداً) الجن/19 إلى غير ذلك من الآيات. فالشرف كل الشرف في استكمال هذه العبودية وتحقيقها ولا يكون ذلك إلا بتمام الافتقار إلى الله تعالى، وتمام الاستغناء عن الخلق، وذلك لا يتأتى إلا بأن يجمع الإنسان بين محبة الله تعالى والخوف منه ورجاءِ فضله وثوابه. وأما العبودية العامة: فهذه لا يخرج عنها مخلوق وتسمى عبودية القهر فالخلق كلهم بهذا المعنى عبيد لله يجري فيهم حكمه، وينفذ فيهم قضاؤه، لا يملك أحد لنفسه ضراً ولا نفعاً إلا بإذن ربه ومالكه المتصرف فيه. وهذه العبودية هي التي جاءت في مثل قوله تعالى: (إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً) مريم/93، وهذه العبودية لا تقتضي فضلاً ولا تشريفاًُ، فمن أعرض عن العبودية الخاصة فهو مأسور مقهور بالعبودية العامة فلا يخرج عنها بحال من الأحوال. فالخلق كلهم عبيد لله فمن لم يعبد الله باختياره فهو عبد له بالقهر والتذليل والغلبة. نسأل الله أن يجعلنا من عباده المخلَصين وأوليائه المقربين، إنه سميع قريب مجيب. والله أعلم وأحكم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ونبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يراجع (مفاهيم ينبغي أن تصحح للشيخ محمد قطب 20- 23، 174- 182) و (العبودية لشيخ الإسلام ابن تيمية) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 48973 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 شروط العمل الصالح [السُّؤَالُ] ـ[متى يقبل الله عمل العبد؟ وما هي الشروط في العمل كي يكون صالحاً مقبولاً عند الله؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله وبعد: فإن العمل لا يكون عبادة إلا إذا كمل فيه شيئان وهما: كمال الحب مع كمال الذل قال الله تعالى: (والذين آمنوا أشد حبا لله) البقرة/165، وقال سبحانه: (إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون) المؤمنون/57، وقد جمع الله بين ذلك في قوله: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) الأنبياء/ من الآية90. فإذا علم هذا فليعلم أن العبادة لا تقبل إلا من المسلم الموحد كما قال تعالى: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً) الفرقان/23. وفي صحيح مسلم (214) عن عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ جُدْعَانَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ وَيُطْعِمُ الْمِسْكِينَ فَهَلْ ذَاكَ نَافِعُهُ قَالَ لَا يَنْفَعُهُ إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ" يعني أنه لم يكن يؤمن بالبعث، ويعمل وهو يرجو لقاء الله. ثم إن المسلم لا تقبل منه العبادة إلا إذا تحقق فيها شرطان أساسيان: الأول: إخلاص النية لله تعالى: وهو أن يكون مراد العبد بجميع أقواله وأعماله الظاهرة والباطنة ابتغاء وجه الله تعالى دون غيره. الثاني: موافقة الشرع الذي أمر الله تعالى أن لا يعبد إلا به، وذلك يكون بمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء به، وترك مخالفته، وعدم إحداث عبادة جديدة أو هيئة جديدة في العبادة لم تثبت عنه عليه الصلاة والسلام. والدليل على هذين الشرطين قوله تعالى: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدا ً) الكهف/من الآية110 قال ابن كثير رحمه الله: " (فمن كان يرجوا لقاء ربه) أي ثوابه وجزاءه الصالح (فليعمل عملا صالحا) أي ما كان موافقا لشرع الله (ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) وهو الذي يراد به وجه الله وحده لا شريك له وهذان ركنا العمل المتقبل لابد أن يكون خالصا لله صوابا على شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم.ا. هـ. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 13830 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 حكم مجالسة من لا يصلي وينكر الحجاب ويسخر منه ويسخر من عائشة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم مجالسة مَن لا يصلي، ولا يصوم، وينكر الحجاب، ويقول: إنها خاصة فقط بنساء النبي صلى الله عليه وسلم، ويسخر منه، وفي مرة سمعته يسخر من السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وخاصة إذا كان من صلة الأرحام؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إن هذه الأفعال التي تسأل عن مجالسة صاحبها هي: كفرٌ، وردة، ونعجب من انتسابه للإسلام وهو على هذه الحال، فترك الصلاة كفر أكبر، ثبت ذلك بالكتاب، والسنَّة، وإجماع الصحابة رضي الله عنهم. والحجاب للنساء: إن كان يقصد به غطاء الوجه " النقاب " ونحوه، فثمة خلاف بين العلماء فيه، والأصح أنه على واجب على النساء جميعاً، وليس هو خاصّاً بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم. قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان – حفظه الله -: وأما بالنسبة للنقاب: فتغطية الوجه واجبة، على الصحيح من قولي العلماء، وهو الذي تؤيده الأدلة الصحيحة؛ لقوله تعالى: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) النور/ 31؛ ولقوله تعالى في نساء النبي صلى الله عليه وسلم: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) الأحزاب/ 53. وكون الخطاب ورد في نساء النبي صلى الله عليه وسلم لا يمنع أن يتناول الحكم غيرهن مِن نساء المسلمين؛ وذلك لأنه علل ذلك بعلة عامة، وهي قوله: (ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) الأحزاب/ 53. فالعلة عامة، لنساء النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهن، ولغيرهن مِن النساء، والطهارة مطلوبة للجميع؛ لقوله تعالى في الآية الأخرى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ) الأحزاب/ 59. " المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (4 / 242، 243، السؤال رقم 250) . ولمزيد تفصيل: ينظر جواب السؤال رقم: (11774) . وأما إن كان يقصد بالحجاب غطاء الرأس: فليس في وجوبه خلاف بين أهل العلم، وإنكاره للنوعين، وسخريته بهما: ردة عن الدِّين؛ لأن الخمار وإن لم يكن واجباً عند بعض أهل العلم: فهو متفق على مشروعيته، وأنه من دين الله، فإنكاره والسخرية به كفر مخرج عن الملة. وليس ثمة مجال لهذا الزنديق أن يسخر من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، إلا أن يطفح ما في قلبه من النفاق والزندقة، ويظهر على فلتات لسانه، فعائشة أم المؤمنين، وزوج النبي صلى الله عليه وسلم، والمبرأة من الله في آيات تتلى إلى يوم القيامة، فمن سخر منها فإنما يسخر من زوجها، وهو النبي صلى الله عليه وسلم، ومن نفى أن تكون أمّاً للمؤمنين فهو يخرج نفسه من دائرتهم، وليس يضرها شيئا. ثانياً: إذا كان هذا هو حال هذا القريب: فليعلم أنه فاعل لما يوجب ردته، وأن عليه التوبة، والرجوع إلى دينه، وأنه إن لقي الله بهذا: لقيه على غير الإسلام. وأما الواجب عليكم – بعد نصحه -: فهو أن تهجروا مجالسه، وتحذروا منه، إلا أن يكون من يريد الجلوس معه على قدر من العلم ليرد عليه كفره، وليحذر مجالسيه من شرِّه، وتكون صلته غير واجبة، بل لا يجوز ابتداؤه بالسلام. قال تعالى: (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ) القصص/ 55. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -: (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ) من جاهل خاطبهم به، (قَالُوا) مقالة عباد الرحمن أولي الألباب: (لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ) أي: كُلٌّ سَيُجازَى بعمله الذي عمله وحده، ليس عليه من وزر غيره شيء، ولزم من ذلك: أنهم يتبرءون مما عليه الجاهلون، من اللغو، والباطل، والكلام الذي لا فائدة فيه. (سَلامٌ عَلَيْكُمْ) أي: لا تسمعون منَّا إلا الخير، ولا نخاطبكم بمقتضى جهلكم، فإنكم وإن رضيتم لأنفسكم هذا المرتع اللئيم: فإننا ننزه أنفسنا عنه، ونصونها عن الخوض فيه، (لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ) من كل وجه. " تفسير السعدي " (ص 620) . سئل علماء اللجنة الدائمة: هل يجوز أن أجالس تارك الصلاة؟ . فأجابوا: مَن ترك الصلاة متعمِّداً جاحداً لوجوبها: فهو كافر باتفاق العلماء، وإن تركها تهاوناً وكسلاً: فهو كافر، على الصحيح من أقوال أهل العلم، وبناءً على ذلك: لا تجوز مجالسة هؤلاء، بل يجب هجرهم، ومقاطعتهم، وذلك بعد البيان لهم أن تركها كفر، إذا كان مثلهم يجهل ذلك، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) ، وصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أيضاً أنه قال: (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) أخرجه مسلم في صحيحه، وهذا يعم الجاحد لوجوبها، والتارك لها كسلاً. الشيخ عبد العزيز بن باز , الشيخ عبد الرزاق عفيفي , الشيخ عبد الله بن غديان. " فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 374 , 375) . وسئل علماء اللجنة الدائمة: هل يجوز إلقاء السلام على تارك الصلاة؟ . فأجابوا: أما تارك الصلاة جحداً: فكافر بالإجماع، وتاركها كسلاً، غيرَ جحد لوجوبها: فكافر، على القول الصحيح من أقوال العلماء، فلا يجوز إلقاء السلام عليه، ولا رد السلام عليه إذا سلَّم؛ لأنه يعتبر مرتداً عن الإسلام. الشيخ عبد العزيز بن باز , الشيخ عبد الرزاق عفيفي , الشيخ عبد الله بن غديان , الشيخ عبد الله بن قعود. " فتاوى اللجنة الدائمة " (24 / 141 , 142) . وقال علماء اللجنة الدائمة: ومَن استهزأ بدين الإسلام، أو بالسنَّة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كإعفاء اللحية، وتقصير الثوب إلى الكعبين، أو إلى نصف الساقين، وهو يعلم ثبوت ذلك: فهو كافر، ومن سخِر من المسلم، واستهزأ به، من أجل تمسكه بالإسلام: فهو كافر؛ لقول الله عز وجل: (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ. لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) التوبة 65 , 66. الشيخ عبد العزيز بن باز , الشيخ عبد الرزاق عفيفي , الشيخ عبد الله بن غديان , الشيخ عبد الله بن قعود. " فتاوى اللجنة الدائمة " (2 / 43 , 44) . وقال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -: والواجب: هجر تارك الصلاة، ومقاطعته، وعدم إجابة دعوته، حتى يتوب إلى الله من ذلك، مع وجوب مناصحته، ودعوته إلى الحق، وتحذيره من العقوبات المترتبة على ترك الصلاة في الدنيا والآخرة؛ لعله يتوب، فيتوب الله عليه. " فتاوى الشيخ ابن باز " (10 / 266) . وسئل الشيخ صالح بن فوزان الفوزان – حفظه الله -: هل يجوز لي أن أجالس وأشارك في المأكل والمشرب تارك الصلاة المصر على تركها؟ . فأجاب: لا يجوز لك أن تجالسه وتشاركه في المأكل والمشرب، إلا إذا كنت تقوم بنصيحته، والإنكار عليه، وترجو أن يهديه الله على يديك، فإذا كنت تقوم بهذا معه: وجب عليك أن تقوم به معه؛ لأن هذا من إنكار المنكر، والدعوة إلى الله تعالى، لعل الله أن يهديه على يديك. أما إذا كنت تشاركه، وتجالسه، وتأكل وتشرب معه من غير إنكار، وهو مقيم على ترك الصلاة، أو مقيم على شيء من الكبائر: فإنه لا يجوز لك أن تخالطه، وقد لعن اللهُ بني إسرائيل على مثل هذا، قال تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ، كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ) المائدة/ 78، 79. وجاء في تفسير الآية أن أحدهم كان يرى الآخر على المعصية فينهاه عن ذلك، ثم يلقاه في اليوم الآخر وهو مقيم على معصية: فلا ينهاه، ويخالطه، ويكون أكيله، وشريبه، وقعيده، فلما رأى الله منهم ذلك: ضرب قلوب بعضهم ببعض، ولعنهم على لسان أنبيائهم. وحذرنا نبي الله صلى الله عليه وسلم من أن نفعل مثل هذا الفعل؛ لئلا يصيبنا ما أصابهم من العقوبة. " المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (2 / 246، السؤال رقم 215) . وانظر جوابي السؤالين:: (4420) و (47425) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 115156 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 الإلحاد أعظم كفرا من الشرك [السُّؤَالُ] ـ[أيهما أكبر ذنباً، الإلحاد أم الشرك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الإلحاد في المفهوم المعاصر يعني تعطيل الخالق بالإطلاق، وإنكار وجوده، وعدم الاعتراف به سبحانه وتعالى، وإنما العالم وما فيه قد جاء ـ على حسب زعمهم ـ بمحض الصدفة، وهو مذهب غريب مناف للفطرة والعقل والمنطق السليم، ومناقض لبدهيات العقل ومسلَّمات الفكر. أما الشرك فهو يتضمن الإيمان بالله عز وجل والإقرار به، ولكن يشمل أيضا الإيمان بشريك لله في خلقه، يخلق، أو يرزق، أو ينفع، أو يضر، وهذا شرك الربوبية، أو بشريكٍ يُصرَف له شيء من العبادة محبة وتعظيما، كما تصرف لله سبحانه وتعالى، وهذا شرك العبادة. وبالتأمل في هذين الانحرافين نجد أنَّ في كلٍّ منهما مِن الإثم والسوء ما يدلنا على سوء حالهم، وكيف أن الله جل جلاله وصفهم بأنهم كالبهائم: يقول الله تعالى: (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا. أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا) الفرقان/43-44. وقال سبحانه: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) الأعراف/179. ورغم ذلك كله فالملحد الجاحد المكذِّبُ بوجود الله ورسله واليوم الآخر أعظمُ كفرًا، وأشنعُ مقالةً من الذي آمن بالله، وأقر بالمعاد، ولكنه أشرك معه شيئا من خلقه، فالأولُ معاند مكابر إلى الحد الذي لا يتصوره الفكر، ولا تقبله الفطرة، ومثله يستبيح كلَّ محرَّم، ويقع في كل معصية، وينتكس عقله إلى حد لا يخطر على البال، ومع ذلك فقد شكك كثير من المتكلمين في ظاهرة الإلحاد بصدق وجود هذه الظاهرة في قرارة أنفس الملحدين، وقرروا أن الملحد إنما يظاهر بإلحاده، وهو في باطنه مُوقِنٌ بإله واحد. ولشيخ الإسلام ابن تيمية الكثير من العبارات التي تدل على أن طائفة الملحدين المعطِّلين الجاحدين أعظم كفرا من المشركين، ننقل هنا بعض ما وقفنا عليه من ذلك: يقول رحمه الله: " الكفر عدم الإيمان بالله ورسله، سواء كان معه تكذيب، أو لم يكن معه تكذيب، بل شك وريب أو إعراض عن هذا كله، حسدا أو كبرا أو اتباعا لبعض الأهواء الصارفة عن اتباع الرسالة، وإن كان الكافر المكذب أعظم كفرا، وكذلك الجاحد المكذب حسدا مع استيقان صدق الرسل " انتهى. " مجموع الفتاوى " (12/335) . ويقول أيضا: " مَن أنكر المعاد مع قوله بحدوث هذا العالم فقد كفَّرَه الله، فمن أنكره مع قوله بقدم العالم فهو أعظم كفرا عند الله تعالى " انتهى. " مجموع الفتاوى " (17/291) . بل قال رحمه الله في معرض إلزام منكري الصفات: " وإما أن يلتزم التعطيل المحض فيقول: ما ثم وجود واجب؛ فإن قال بالأول وقال: لا أثبت واحدًا من النقيضين لا الوجود ولا العدم. قيل: هب أنك تتكلم بذلك بلسانك، ولا تعتقد بقلبك واحدًا من الأمرين، بل تلتزم الإعراض عن معرفة الله وعبادته وذكره، فلا تذكره قط، ولا تعبده، ولا تدعوه، ولا ترجوه، ولا تخافه، فيكون جحدك له أعظم من جحد إبليس الذي اعترف به " انتهى. " مجموع الفتاوى " (5/356) . ويقول رحمه الله: " المستكبر الذي لا يقر بالله في الظاهر كفرعون أعظم كفرا منهم – يعني مِن مشركي العرب - وإبليس الذي يأمر بهذا كله ويحبه ويستكبر عن عبادة ربه وطاعته أعظم كفرا من هؤلاء، وإن كان عالما بوجود الله وعظمته، كما أن فرعون كان أيضا عالما بوجود الله " انتهى. " مجموع الفتاوى " (7/633) . ويقول أيضا: " قول الفلاسفة - القائلين بقدم العالم وأنه صادر عن موجب بالذات متولد عن العقول والنفوس الذين يعبدون الكواكب العلوية ويصنعون لها التماثيل السفلية -: كأرسطو وأتباعه - أعظم كفرا وضلالا من مشركي العرب الذين كانوا يقرون بأن الله خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام بمشيئته وقدرته، ولكن خرقوا له بنين وبنات بغير علم وأشركوا به ما لم ينزل به سلطانا، وكذلك المباحية الذين يسقطون الأمر والنهي مطلقا، ويتجون بالقضاء والقدر، أسوأ حالا من اليهود والنصارى ومشركي العرب؛ فإن هؤلاء مع كفرهم يقرون بنوع من الأمر والنهي والوعد والوعيد ولكن كان لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله، بخلاف المباحية المسقطة للشرائع مطلقا، فإنما يرضون بما تهواه أنفسهم، ويغضبون لما تهواه أنفسهم، لا يرضون لله، ولا يغضبون لله، ولا يحبون لله، ولا يغضبون لله، ولا يأمرون بما أمر الله به، ولا ينهون عما نهى عنه؛ إلا إذا كان لهم في ذلك هوى فيفعلونه لأجل هواهم، لا عبادةً لمولاهم؛ ولهذا لا ينكرون ما وقع في الوجود من الكفر والفسوق والعصيان إلا إذا خالف أغراضهم فينكرونه إنكارا طبيعيا شيطانيا، لا إنكارا شرعيا رحمانيا؛ ولهذا تقترن بهم الشياطين إخوانهم فيمدونهم في الغي ثم لا يقصرون، وقد تتمثل لهم الشياطين وتخاطبهم وتعينهم على بعض أهوائهم كما كانت الشياطين تفعل بالمشركين عباد الأصنام " انتهى. " مجموع الفتاوى " (8/457-458) . ويقول الشيخ ابن باز رحمه الله: " ومن الشرك أن يعبد غير الله عبادة كاملة , فإنه يسمى شركا ويسمى كفرا , فمن أعرض عن الله بالكلية، وجعل عبادته لغير الله كالأشجار أو الأحجار أو الأصنام أو الجن أو بعض الأموات، من الذين يسمونهم بالأولياء، يعبدهم أو يصلي لهم أو يصوم لهم، وينسى الله بالكلية: فهذا أعظم كفرا وأشد شركا , نسأل الله العافية. وهكذا من ينكر وجود الله , ويقول: ليس هناك إله والحياة مادة كالشيوعيين والملاحدة المنكرين لوجود الله هؤلاء أكفر الناس وأضلهم وأعظمهم شركا وضلالا نسأل الله العافية " انتهى. " مجموع فتاوى ابن باز " (4/32-33) . ويقول أيضا رحمه الله: " والاشتراكيون ذبائحهم محرمة من جنس ذبح المجوس وعبدة الأوثان، بل ذبائحهم أشد حرمة، لكونهم أعظم كفرا بسبب إلحادهم وإنكارهم الباري عز وجل ورسوله، إلى غير ذلك من أنواع كفرهم " انتهى. " مجموع فتاوى ابن باز " (23/30) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 113901 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 هل تراجع الشيخ محمد بن إبراهيم عن تكفيره مَنْ ألزم الناس بالتحاكم إلى القانون الوضعي؟ [السُّؤَالُ] ـ[ذكر الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله في رسالته (تحكيم القوانين) أن الحالات التي يكون فيها الحكم بغير ما أنزل الله تعالى كفراً أكبر قوله: وهو أعظمها وأشملها وأظهرها معاندة للشرع ومكابرة لأحكامه، ومشاقة الله ورسوله، مضاهاة بالمحاكم الشرعية إعداداً وإمداداً وإرصاداً وتأصيلاً، وتفريغاً وتشكيلاً، وتنويعاً وحكماً وإلزاماً، ومراجع ومستندات. فكما أن للمحاكم الشرعية مراجع ومستندات، مرجعها كلها إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فلهذه المحاكم مراجع هي: القانون الملفق من شرائع شتى، وقوانين كثيرة كالقانون الفرنسي، والقانون الأمريكي، والقانون البريطاني، وغيرها من القوانين، ومن مذاهب بعض البدعيين المنتسبين إلى الشريعة وغير ذلك. فهذه المحاكم الآن، في كثير من أمصار الإسلام، مهيأة مكملة، مفتوحة الأبواب، والناس كلها أسراب إثر أسراب، يحكم حكامها بينهم بما يخالف حكم السنة والكتاب، من أحكام ذلك القانون وتلزمهم بها، وتقرهم عليه، وتحتمه عليهم، فأي كفر فوق هذا الكفر؟ . وقال رحمه الله في جواب آخر: وأما الذي قيل فيه كفر دون كفر، إذا حاكم إلى غير الله مع اعتقاد أنه عاص وأن حكم الله هو الحق، فهذا الذي يصدر منه المرة ونحوها، أما الذي جعل قوانين بترتيب وتخضيع فهو كفر، وإن قالوا أخطأنا وحكم الشرع أعدل. السؤال: أليس كلام الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم صحيحاً متسقاً ومنضبطاً مع قواعد أهل السنة؟ وهل للشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى كلام آخر يخالف ما سبق إيراده؟ فقد ذكر أحد المؤلفين في كتابه (الحكم بغير ما أنزل الله وأصول التكفير) أن للشيخ محمد بن إبراهيم كلاماً آخر وقال ما نصه: وقد حدثني فضيلة الشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن آل جبرين حفظه الله أن له – أي الشيخ محمد بن إبراهيم – كلاماً آخر ... إلخ ص 131.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أجاب على هذا السؤال فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن آل جبرين حفظه الله فقال: "شيخنا ووالدنا سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ كان شديداً قوياً في إنكار المحدثات والبدع، وكلامه المذكور من أسهل ما كان يقول في القوانين الوضعية. وقد سمعناه في التقرير يشنع ويشدد على أهل البدع وما يتبعون فيه مِنْ مخالفةٍ للشرع، ومِنْ وضعهم أحكاماً وسنناً يضاهئون بها حكم الله تعالى، ويبرأ من أفعالهم ويحكم بردتهم وخروجهم من الإسلام؛ حيث طعنوا في الشرع، وعطلوا حدوده، واعتقدوها وحشية كالقصاص في القتلى، والقطع في السرقة، ورجم الزاني، وفي إباحتهم للزنى إذا كان برضا الطرفين ونحو ذلك، وكثيراً ما يتعرض لذلك في دروس الفقه والعقيدة والتوحيد. ولا أذكر أنه تراجع عن ذلك، ولا أن له كلاماً يبرر فيه الحكم بغير ما أنزل الله تعالى، أو يسهل فيه التحاكم إلى الطواغيت الذين يحكمون بغير ما أنزل الله. وقد عدهم الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله من رؤوس الطواغيت، فمن نقل عني أنه رجع رحمه الله عن كلامه المذكور فقد أخطأ في النقل. والمرجع في مثل هذا إلى النصوص الشرعية من الكتاب والسنة، وكلام أجلة العلماء عليها، كما في كتاب التوحيد باب قول الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ) النساء/60، وشروحه لأئمة الدعوة رحمهم الله تعالى وغيره من المؤلفات الصريحة. والله أعلم. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. "فتاوى علماء البلد الحرام" (ص 49- 51) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111865 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 تعظيم السلام أو عَلَم الدولة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم القيام عند عزف السلام الوطني، أو القيام عند تحية العلم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاًَ: العزف على الآلات الموسيقية واستماع ذلك محرم، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (5000) و (20406) ولا فرق في ذلك بين العزف في الأغاني أو السلام الوطني أو غير ذلك. ثانياً: القيام على سبيل الذل والتعظيم لا ينبغي إلا لله تعالى، قال الله تعالى: (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) البقرة/238. وأخبر الله تعالى أنه من عظمته وجلاله: تقوم له أعظم المخلوقات يوم القيامة (الملائكة) ولا يتكلم أحد إلا بعد أن يأذن الله تعالى له، فقال عز وجل: (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا) النبأ/38. فمن زعم أن هناك مخلوقاً ينبغي القيام له تعظيماً له، فقد أعطى ذلك المخلوق بعض حقوق الله تعالى. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَتَمَثَّلَ لَهُ الرِّجَالُ قِيَامًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ) رواه الترمذي (2755) وصححه الألباني في "صحيح الترمذي"، لأن ذلك من الكبرياء المختص بالله تعالى. انظر: "تفسير التحرير والتنوير" للطاهر بن عاشور (15/51) . ودخل الخليفة المهدي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام له الناس جميعا إلا ابن أبي ذئب الإمام، فقيل له: قم، هذا أمير المؤمنين، فقال: إنما يقوم الناس لرب العالمين. فقال المهدي: دعه، فلقد قامت كل شعرة في رأسي. "سير أعلام النبلاء" (7/144) . وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل يجوز الوقوف تعظيماً لأي سلام وطني أو علم وطني؟ فأجابوا: "لا يجوز للمسلم القيام إعظاماً لأي علم وطني، أو سلام وطني، بل هو من البدع المنكرة التي لم تكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا في عهد خلفائه الراشدين رضي الله عنهم، وهي منافية لكمال التوحيد الواجب، وإخلاص التعظيم لله وحده، وذريعة إلى الشرك، وفيها مشابهة للكفار، وتقليد لهم في عادتهم القبيحة، ومجاراة لهم في غلوهم في رؤسائهم ومراسيمهم، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن مشابهتهم أو التشبه بهم. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله غديان. "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/235) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111877 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 حول كتاب "السر" و"قانون الجذب" [السُّؤَالُ] ـ[فقد سمعت عن كتاب واسع الانتشار يسمى (السر) the Secret، وقرأته فوجدته يدور حول مفهومٍ يسمى (قانون الجذب) والذي ينص على أن الشبيه يجذب إليه الشبيه، وأن ما يقع بالإنسان من خير وشر فهو نتاج أفكاره، فما رأيكم في كتاب السر، وما الموقف الشرعي الصحيح من قانون الجذب؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله كتاب السر من تأليف منتجة الأفلام الأسترالية (روندا بايرن) ، والتي تنتمي لحركة الفكر الجديد، والتي يؤمن أصحابها بمجموعة من المبادئ (الميتافيزيقية) والمختصة بطرائق العلاج، وتطوير الذات، وتأثير الفكرة في الماديات، وكتاب (السر) يدور حول هذه المفاهيم، ويروج لها وفق منظومة هذه الحركة، والكتاب كما ذكرتَ كُتب له الانتشار الواسع على المستوى العالمي، وترجم مؤخراً إلى اللغة العربية، وبالنظر في الكتاب، وتأمل ما فيه تبين وجود جملة من الانحرافات العقدية والعلمية الخطيرة، أهمها: 1. دعوة الكتاب إلى ترك العمل، والإعراض عن تحصيل الأسباب لنيل المطلوب، والاتكال على الأماني والأحلام، وذلك وفق قانون -مزعوم- يسمونه (قانون الجذب) ، والذي ينص على (أن الشبيه يجذب إليه شبيهه) ، وأن (كلَّ شيءٍ يحدث في حياتك فأنت من قمت بجذبه إلى حياتك، وقد انجذب إليك عن طريق الصور التي احتفظت بها في عقلك، أي ما تفكر فيه، فأياً كان الشيءُ الذي يدور بعقلك فإنك تجذبه إليك) . وأصحاب هذا المبدأ يعتقدون أن الفكرة الواقعة في العقل تؤثر بذاتها في محيط الإنسان وما حوله، وأن الإنسان يستطيع بفكرته المجردة أن يجتذب إليه ما يريد من الخيرات من غير عمل، ويزعمون أن الفكرة لها تردد، وأنها تنطلق من عقل الإنسان على شكل موجة كهرومغناطيسية، وأنها تجتذب من خير الكون وشره مما هو على نفس الموجة، فإذا كنت تفكر تفكيراً إيجابياً فأنت تطلق موجة ذات تردد إيجابي تجذب إليك الإيجابيات، وإذا كنت تفكر بفكرة سلبية فأنت تطلق موجة سلبية تجذب إليك السلبيات. ولا شك أن هذا الكلام مصادم للعلوم التجريبية وبديهة العقل، وأن اعتقاده أو العمل بأفكاره مصادم للشرع. أما مصادمته للشرع، فلأن الله تعالى أمر بالعمل والسعي في الأرض، ورتب الرزق على بذل الأسباب، وليس على الأماني والخيالات، قال تعالى: (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه) الملك/15 وأما مصادمته للعقل فلأن الاعتماد على الأماني والأحلام يعني خراب العالم، وتعطل مصالح أهله، وإهدار ما أنجزته البشرية خلال قرون من معارف وعلوم وحضارات، إذ مقتضى هذه النظرية، أن المريض لا يطلب الدواء ولا يحتاج إليه، والناس لا يحتاجون إلى مهندسين وبنائين وعمال، فما على المحتاج إلا أن يفكر تفكير إيجابياً فيما يريد، ثم يطلب من الكون - عياذا بالله - تحقيق مراده، دون عمل أو بذل. وأصحاب هذه الدعوة يتناقضون حين يقولون للمريض المشرف على الموت لا تتوقف عن الدواء، وإلا فمقتضى فكرتهم ترك التداوي وإغلاق المستشفيات، وتحويل كليات الطب إلى مقاعد للتفكير والاسترخاء لطلب الأماني والأحلام أو ما يسمونه الأفكار الايجابية، وقس على هذا غيره من الأعمال؛ فظهر بهذا أنها دعوة مصادمة للعقل، مخالفة للحس، لا تستقيم عليها حياة الناس، وصدق القائل: إذا تمنيتُ بتُّ الليل مغتبطاً ... إن المُنى رأس أموال المفاليسِ 2. غلو الكتاب في تعظيم ذات الإنسان، وإعطائه هالة من القداسة والعظمة، واعتقاد أنه ذو قدرات مطلقة، وطاقات هائلة، تبلغ به حد القدرة على الإيجاد والخلق، فكل ما يقع بالإنسان من خير وشر فهو من خلقِه وإيجاده، يقول الكتاب مثلاً: (أي شيءٍ نركز عليه فإننا نخلقه) [السر 141] ، ولا شك أن هذا انحراف كبير، وشرك بالله تعالى في ربوبيته، وصدق الله تعالى: (فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون) 3. الدعوة إلى عقيدة وحدة الوجود الباطلة بالقول أن الخالق والمخلوق شيء واحد، وأن الإنسان هو الله في جسد مادي، تعالى الله، وقد ترددت هذه الدعوى في أكثر من مكان، وبأساليب مختلفة. 4. إحياء جملة من العقائد الشرقية والفلسفات الوثنية، كديانات البوذيين والهنادكة وغيرهم، وقد رأينا احتفاء أصحاب هذه الملل والأديان بكتاب (السر) هذا لما قام به من نشر لمبادئ هذه الأديان وترويج لها. 5. الدعوة إلى التعلق بالكون رغبة وسؤالاً وطلباً، فإذا أردت شيئاً فما عليك إلا أن تتوجه بطلبك للكون، والكون سيلبي طلبك ولا بد، والإسلام إنما يدعو لتعليق القلب بالله جل وعلا فإليه الرغبة والتوجه، والسؤال والطلب، والتوجه إلى غيره فيما لا يقدر عليه إلا هو سبحانه من الشرك، أعاذنا الله منه. 6. معارضة الكتاب لعقيدة القضاء والقدر، حيث ينكر الكتاب أن الله قد كتب مقادير الخلائق، وأنه سبحانه قد قدّر المقادير، فهو يرى كما يرى غلاة القدرية ممن ينكر القضاء والقدر أن ما يقع في الكون لم يدخل في علم الله من قبل، ولم يسبق به كتاب ولا شك أن الإيمان بالقضاء والقدر ركن من أركان الإيمان لا يصح إيمان العبد إلا به. 7. دعوة الكتاب إلى الأنانية، والتمحور حول الذات، والانسلاخ من مختلف القيم الشرعية الضوابط الخلقية، واللهث خلف شهوات النفس وملذاتها، فمعيار الفعل أو الترك هو في مقدار ما يجلبه ذلك الشيء من البهجة واللذة، وبمقدار محبته، فما كان محبوباً فليفعل وما كان مبغوضاً فليجتنب، دون مراعاة للخلق والدين، ولا شك أن هذا معارض للقيم الشرعية والخلقية، فالمسلم مضبوط بإطار ديني وخلقي لا يصح له أن يخرج عنه ولا أن يتجاوزه، فما أمر الله به فهو الواجب، وما نهى عنه فهو المحرم، وما أباحه فهو المباح، والواجب الالتزام بأحكام الشريعة والدين. هذا بعض ما اشتمل عليه الكتاب من انحرافات، وعليه فالواجب اطراحه، والإعراض عما فيه، ومن شاء أن يتعرف على حقيقة هذا الكتاب، ومدى ما فيه من انحرافٍ مفصلاً فبإمكانه الرجوع إلى بحث خرافة السر: قراءة تحليلية لكتاب "السر" و"قانون الجذب" على الرابط التالي: http://www.islamselect.com/secret [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112043 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 مصير أصحاب الكبائر إذا ماتوا وهم مصرون عليها [السُّؤَالُ] ـ[قال تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) ، وقال تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً) ، وقال تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) . فهؤلاء الذين يرتكبون مثل هذه الكبائر ولا يوجد من يطبق عليهم الأحكام وماتوا وهم غير تائبين، فما حكم الله فيهم يوم القيامة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "عقيدة أهل السنة والجماعة: أن من مات من المسلمين مصرا على كبيرة من كبائر الذنوب كالزنى والقذف والسرقة يكون تحت مشيئة الله سبحانه إن شاء الله غفر له، وإن شاء الله عذبه على الكبيرة التي مات مصرا عليها، ومآله إلى الجنة؛ لقوله سبحانه وتعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) النساء/48، وللأحاديث الصحيحة المتواترة الدالة على إخراج عصاة الموحدين من النار، ولحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه: (كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أتبايعوني على ألا تشركوا بالله شيئا ولا تزنوا ولا تسرقوا .... فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب في ذلك شيئا فعوقب فهو كفارة له، ومن أصاب منها شيئا من ذلك فستره الله فهو إلى الله، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له) . وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/728) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112113 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 قول الشيخ العثيمين في مسألة " العذر بالجهل " [السُّؤَالُ] ـ[ما قول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في " العذر بالجهل " في الشرك الأكبر؟ فقد سمعت وقرأت له قولين مختلفين، فقد ردَّ على سائل في " نور على الدرب " عندما سأله عن مسلمين يعبدون القبور قائلاً: هذا جهل من السائل تسميته لهم بمسلمين، وقولٌ آخر يقول فيه يبقى لهم حكم الإسلام لجهلهم، وعدم وجود من ينبههم. فهل للشيخ قولان أحدهما قديم والآخر جديد تبين له الحق فيه؟ وأي القولين هو الصحيح الذي تدعمه الأدلة الشرعية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لم نستطع الوقوف على كلام الشيخ العثيمين رحمه الله الذي أشار السائل إلى وجوده في فتاوى " نور على الدرب "، ووقفنا على كلامه في أكثر كتبه المطبوعة، وفتاواه الصوتية، ولم نجد تعارضاً ولا تناقضاً في كلامه، وليس هناك تراجع عن شيء قاله. ويمكننا تلخيص كلام الشيخ رحمه الله في مسألة العذر بالجهل في النقاط التالية: 1. الأصل عند الشيخ رحمه الله هو العذر بالجهل، بل يرى أنه لا يستطيع أحد أن يأتي بدليل على أن الجاهل ليس بمعذور، ويرى أنه " لولا العذر بالجهل: لم يكن للرسل فائدة، ولكان الناس يُلزمون بمقتضى الفطرة، ولا حاجة لإرسال الرسل! ". 2. لا فرق في العذر بالجهل بين مسائل الاعتقاد ومسائل العمل. 3. لا فرق في العذر بالجهل بين المسائل الظاهرة والمسائل الخفية؛ لأن الظهور والخفاء أمرٌ نسبي يختلف من بيئة لأخرى، ومن شخص لآخر. 4. الكفر المخرج من الملة قد يكون بالاعتقاد أو القول أو الفعل أو الترك، والشيخ لا يخالف في كون ذلك مخرجاً من الملة، ولكن الخلاف في تنزيل وصف الكفر على الشخص المعيَّن، فقد يكون معذوراً فلا يكون كافراً. 5. لا يكون الشخص الفاعل للكفر كافراً إذا كان جاهلاً، ولا يعلم حكم الشرع في فعله، أو سأل أحد العلماء فأفتاه بجواز فعله. ويكون كافراً إذا أقيمت عليه الحجة، وأزيل عنه الوهم والإشكال. 6. ليس كل من يدَّعي الجهل يُقبل منه، فقد يكون عنده تفريط في التعلم، وتهاون في السؤال، وقد يكون فيه عناد لا يقبل الحق ولا يسعى لطلبه: فكل هؤلاء غير معذورين عند الشيخ رحمه الله، ويسستثنى من حال المقصِّرين: إذا كان لم يطرأ على باله أن هذا الفعل محرم، وليس عنده من ينبهه من العلماء، ففي هذه الحال يكون معذوراً. 7. الجاهل من الكفار الأصليين: تطبَّق عليه أحكام الكفر في الدنيا وأمره إلى الله في الآخرة، والصحيح أنه يُمتحن. والجاهل من المنتسبين للإسلام ممن وقعوا في الكفر المخرج من الملة: تطبَّق عليهم أحكام الإسلام في الظاهر، وأمرهم إلى الله في الآخرة. 8. ذكر الشيخ رحمه الله نصوصاً من القرآن والسنَّة وكلام أهل العلم على ما رجَّح في هذه المسألة، وبيَّن أن هذا هو مذهب الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، خلافاً لمن فهم عنه غير ذلك. وإلى ذكر تفصيل ما لخصناه من كلام الشيخ رحمه الله، وقد نختصر فيما ننقله، ومن أراد الفائدة مكتملة فليرجع إلى ما نحيله عليه. 1. سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله عن العذر بالجهل فيما يتعلق بالعقيدة؟ فأجاب: الاختلاف في مسألة العذر بالجهل كغيره من الاختلافات الفقهية الاجتهادية، وربما يكون اختلافاً لفظيّاً في بعض الأحيان من أجل تطبيق الحكم على الشخص المعين، أي: إن الجميع يتفقون على أن هذا القول كفر، أو هذا الفعل كفر، أو هذا الترك كفر، ولكن هل يصدق الحكم على هذا الشخص المعين لقيام المقتضي في حقه وانتفاء المانع أو لا ينطبق لفوات بعض المقتضيات، أو وجود بعض الموانع. وذلك أن الجهل بالمكفر على نوعين: الأول: أن يكون من شخص يدين بغير الإسلام، أو لا يدين بشيء، ولم يكن يخطر بباله أن ديناً يخالف ما هو عليه: فهذا تجري عليه أحكام الظاهر في الدنيا، وأما في الآخرة: فأمره إلى الله تعالى، والقول الراجح: أنه يمتحن في الآخرة بما يشاء الله عز وجل، والله أعلم بما كانوا عاملين، لكننا نعلم أنه لن يدخل النار إلا بذنب لقوله تعالى: (ولا يظلم ربك أحداً) . وإنما قلنا: تُجرى عليه أحكام الظاهر في الدنيا - وهي أحكام الكفر -: لأنه لا يدين بالإسلام، فلا يمكن أن يُعطى حكمه، وإنما قلنا بأن الراجح أنه يمتحن في الآخرة: لأنه جاء في ذلك آثار كثيرة ذكرها ابن القيم - رحمه الله تعالى - في كتابه: " طريق الهجرتين " عند كلامه على المذهب الثامن في أطفال المشركين تحت الكلام على الطبقة الرابعة عشرة. النوع الثاني: أن يكون من شخص يدين بالإسلام، ولكنه عاش على هذا المكفِّر، ولم يكن يخطر بباله أنه مخالف للإسلام، ولا نبَّهه أحدٌ على ذلك: فهذا تُجرى عليه أحكام الإسلام ظاهراً، أما في الآخرة: فأمره إلى الله عز وجل، وقد دلَّ على ذلك الكتاب، والسنَّة، وأقوال أهل العلم. فمن أدلة الكتاب: قوله تعالى: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً) وقوله: (وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولاً يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون) . وقوله: (رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل) وقوله: (وما أرسلنا رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء) وقوله: (وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون) وقوله: (وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون. أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين. أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة) . إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن الحجة لا تقوم إلا بعد العلم والبيان. وأما السنة: ففي صحيح مسلم1/134 عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة - يعني: أمة الدعوة - يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار) . وأما كلام أهل العلم: فقال في " المغني " (8 / 131) : " فإن كان ممن لا يعرف الوجوب كحديث الإسلام، والناشئ بغير دار الإسلام، أو بادية بعيدة عن الأمصار وأهل العلم: لم يحكم بكفره "، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في " الفتاوى " (3 / 229) مجموع ابن قاسم: " إني دائماً - ومن جالسني يعلم ذلك مني - من أعظم الناس نهياً عن أن يُنسب معيَّن إلى تكفير، وتفسيق، ومعصية إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافراً تارة، وفاسقاً أخرى، وعاصياً أخرى، وإني أقرر أن الله تعالى قد غفر لهذه الأمة خطأها، وذلك يعم الخطأ في المسائل الخبرية القولية، والمسائل العملية، وما زال السلف يتنازعون في كثير من المسائل، ولم يشهد أحد منهم على أحد لا بكفر، ولا بفسق، ولا بمعصية " إلى أن قال: " وكنت أبيِّن أن ما نُقل عن السلف والأئمَّة من إطلاق القول بتكفير من يقول كذا وكذا: فهو أيضاً حقٌّ، لكن يجب التفريق بين الإطلاق والتعيين ". إلى أن قال: " والتكفير هو من الوعيد، فإنه وإن كان القول تكذيباً لما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم لكن الرجل قد يكون حديث عهد بإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة، ومثل هذا لا يكفر بجحد ما يجحده حتى تقوم عليه الحجة، وقد يكون الرجل لم يسمع تلك النصوص، أو سمعها ولم تثبت عنده، أو عارضها عنده معارض آخر أوجب تأويلها وإن كان مخطئاً ". وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب (1 / 56) من " الدرر السنية ": " وأما التكفير: فأنا أكفِّر مَن عرف دين الرسول، ثم بعدما عرفه سبَّه، ونهى الناس عنه، وعادى من فعله فهذا هو الذي أكفره ". وفي (ص 66) : " وأما الكذب والبهتان فقولهم: إنا نكفر بالعموم ونوجب الهجرة إلينا على من قدر على إظهار دينه، فكل هذا من الكذب والبهتان الذي يصدون به الناس عن دين الله ورسوله، وإذا كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي على عبد القادر، والصنم الذي على أحمد البدوي وأمثالهما لأجل جهلهم، وعدم من ينبههم، فكيف نكفر من لم يشرك بالله إذا لم يهاجر إلينا ولم يكفر ويقاتل؟ ! ". وإذا كان هذا مقتضى نصوص الكتاب، والسنة، وكلام أهل العلم فهو مقتضى حكمة الله تعالى، ولطفه، ورأفته، فلن يعذب أحداً حتى يعذر إليه، والعقول لا تستقل بمعرفة ما يجب لله تعالى من الحقوق، ولو كانت تستقل بذلك لم تتوقف الحجة على إرسال الرسل. فالأصل فيمن ينتسب للإسلام: بقاء إسلامه حتى يتحقق زوال ذلك عنه بمقتضى الدليل الشرعي .... . فالواجب قبل الحكم بالتكفير أن ينظر في أمرين: الأمر الأول: دلالة الكتاب والسنة على أن هذا مكفر لئلا يفتري على الله الكذب. الأمر الثاني: انطباق الحكم على الشخص المعين بحيث تتم شروط التكفير في حقه، وتنتفي الموانع. ومن أهم الشروط أن يكون عالماً بمخالفته التي أوجبت كفره لقوله تعالى: (ومن يشاقق الرسول من بعدما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً) ، فاشترط للعقوبة بالنار أن تكون المشاقة للرسول من بعد أن يتبين الهدى له، ولكن هل يشترط أن يكون عالماً بما يترتب على مخالفته من كفر أو غيره أو يكفي أن يكون عالماً بالمخالفة وإن كان جاهلاً بما يترتب عليها؟ . الجواب: الظاهر الثاني؛ أي إن مجرد علمه بالمخالفة كاف في الحكم بما تقتضيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب الكفارة على المجامع في نهار رمضان لعلمه بالمخالفة مع جهله بالكفارة؛ ولأن الزاني المحصن العالم بتحريم الزنى يرجم وإن كان جاهلاً بما يترتب على زناه، وربما لو كان عالماً ما زنى. .. . والحاصل أن الجاهل معذور بما يقوله أو يفعله مما يكون كفراً، كما يكون معذوراً بما يقوله أو يفعله مما يكون فسقاً، وذلك بالأدلة من الكتاب والسنة، والاعتبار، وأقوال أهل العلم. " مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " (2 / جواب السؤال 224) . 2. وسئل الشيخ رحمه الله: قرأنا لك جواباً عن " العذر بالجهل " فيما يكفر، ولكن نجد في كتاب " كشف الشبهات " للشيخ محمد بن عبد الوهاب عدم العذر بالجهل، وكذلك في كتاب " التوحيد " له، مع أنك ذكرت في جوابك أقوال الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وكذلك ابن تيمية في " الفتاوى "، وابن قدامة في " المغني "، نرجو التوضيح. فأجاب: شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله قد ذكر في رسائله أنه لا يكفِّر أحداً مع الجهل، وإذا كان قد ذكر في " كشف الشبهات " أنه لا عذر بالجهل: فيحمَل على أن المراد بذلك الجهل الذي كان من صاحبه تفريط في عدم التعلم، مثل أن يعرف أن هناك شيئاً يخالِف ما هو عليه، ولكن يفرِّط، ويتهاون: فحينئذٍ لا يُعذر بالجهل. " روس وفتاوى الحرم المكي " (عام 1411هـ، شريط 9، وجه أ) . 3. وسئل الشيخ رحمه الله هل يعذر الإنسان بالجهل فيما يتعلق بالتوحيد؟ فأجاب: العذر بالجهل ثابت في كل ما يدين به العبد ربه؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: (إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده) حتى قال عز وجل: (رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل) ؛ ولقوله تعالى: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً) ؛ ولقوله تعالى: (وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون) ؛ ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بما جئت به إلا كان من أصحاب النار) ، والنصوص في هذا كثيرة، فمن كان جاهلاً: فإنه لا يؤاخذ بجهله في أي شيء كان من أمور الدين، ولكن يجب أن نعلم أن من الجهلة من يكون عنده نوع من العناد، أي: إنه يُذكر له الحق، ولكنه لا يبحث عنه، ولا يتبعه، بل يكون على ما كان عليه أشياخه، ومن يعظمهم، ويتبعهم، وهذا في الحقيقة ليس بمعذور؛ لأنه قد بلغه من الحجة ما أدنى أحواله أن يكون شبهة يحتاج أن يبحث ليتبين له الحق، وهذا الذي يعظم من يعظم من متبوعيه شأنه شأن من قال الله عنهم: (إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون) ، وفي الآية الثانية: (وإنا على آثارهم مقتدون) ، فالمهم: أن الجهل الذي يُعذر به الإنسان بحيث لا يعلم عن الحق، ولا يذكر له: هو رافع للإثم، والحكم على صاحبه بما يقتضيه عمله، ثم إن كان ينتسب إلى المسلمين، ويشهد أن لا إله إلا الله وأن محمَّداً رسول الله: فإنه يعتبر منهم، وإن كان لا ينتسب إلى المسلمين: فإن حكمه حكم أهل الدين الذي ينتسب إليه في الدنيا، وأما في الآخرة: فإن شأنه شأن أهل الفترة، يكون أمره إلى الله عز وجل يوم القيامة، وأصح الأقوال فيهم: أنهم يمتحنون بما شاء الله، فمن أطاع منهم دخل الجنة، ومن عصى منهم دخل النار، ولكن ليعلم أننا اليوم في عصر لا يكاد مكان في الأرض إلا وقد بلغته دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، بواسطة وسائل الإعلام المتنوعة، واختلاط الناس بعضهم ببعض، وغالباً ما يكون الكفر عن عناد. " مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " (2 / جواب السؤال رقم 222) . 4. وسئل الشيخ رحمه الله: ما حكم من يصف الذين يعذرون بالجهل بأنهم دخلوا مع المرجئة في مذهبهم؟ . فأجاب: وأما العذر بالجهل: فهذا مقتضى عموم النصوص، ولا يستطيع أحد أن يأتي بدليل يدل على أن الإنسان لا يعذر بالجهل، قال الله تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) الإسراء/ 15، وقال تعالى: (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) النساء/ 165، ولولا العذر بالجهل: لم يكن للرسل فائدة، ولكان الناس يلزمون بمقتضى الفطرة ولا حاجة لإرسال الرسل، فالعذر بالجهل هو مقتضى أدلة الكتاب والسنة، وقد نص على ذلك أئمة أهل العلم: كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، لكن قد يكون الإنسان مفرطاً في طلب العلم فيأثم من هذه الناحية أي: أنه قد يتيسر له أن يتعلم؛ لكن لا يهتم، أو يقال له: هذا حرام؛ ولكن لا يهتم، فهنا يكون مقصراً من هذه الناحية، ويأثم بذلك، أما رجل عاش بين أناس يفعلون المعصية ولا يرون إلا أنها مباحة ثم نقول: هذا يأثم، وهو لم تبلغه الرسالة: هذا بعيد، ونحن في الحقيقة - يا إخواني- لسنا نحكم بمقتضى عواطفنا، إنما نحكم بما تقتضيه الشريعة، والرب عز وجل يقول: (إن رحمتي سبقت غضبي) فكيف نؤاخذ إنساناً بجهله وهو لم يطرأ على باله أن هذا حرام؟ بل إن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله قال: " نحن لا نكفر الذين وضعوا صنماً على قبر عبد القادر الجيلاني وعلى قبر البدوي لجهلهم وعدم تنبيههم ". " لقاءات الباب المفتوح " (33 / السؤال رقم 12) . 5. وقال الشيخ رحمه الله: ولكن يبقى النظر إذا فرَّط الإنسان في طلب الحق، بأن كان متهاوناً، ورأى ما عليه الناس ففعله دون أن يبحث: فهذا قد يكون آثماً، بل هو آثم بالتقصير في طلب الحق، وقد يكون غير معذور في هذه الحال، وقد يكون معذوراً إذا كان لم يطرأ على باله أن هذا الفعل مخالفة، وليس عنده من ينبهه من العلماء، ففي هذه الحال يكون معذوراً، ولهذا كان القول الراجح: أنه لو عاش أحدٌ في البادية بعيداً عن المدن، وكان لا يصوم رمضان ظنّاً منه أنه ليس بواجب، أو كان يجامع زوجته في رمضان ظنّاً منه أن الجماع حلال: فإنه ليس عليه قضاء؛ لأنه جاهل، ومن شرط التكليف بالشريعة أن تبلغ المكلف فيعلمها. فالخلاصة إذاً: أن الإنسان يعذر بالجهل، لكن لا يعذر في تقصيره في طلب الحق. " لقاءات الباب المفتوح " (39 / السؤال رقم 3) . 6. وسئل الشيخ رحمه الله: ما رأي فضيلتكم بمن يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ثم يذبح لغير الله، فهل يكون مسلماً؟ مع العلم أنه نشأ في بلاد الإسلام؟ . الشيخ: الذي يتقرب إلى غير الله بالذبح له: مشرك شركاً أكبر، ولا ينفعه قول " لا إله إلا الله "، ولا صلاة، ولا غيرها، اللهم إلا إذا كان ناشئاً في بلاد بعيدة، لا يدرون عن هذا الحكم، فهذا معذور بالجهل، لكن يعلَّم، كمن يعيش في بلاد بعيدة يذبحون لغير الله، ويذبحون للقبور، ويذبحون للأولياء، وليس عندهم في هذا بأس، ولا علموا أن هذا شرك أو حرام: فهذا يُعذر بجهله، أما إنسان يقال له: هذا كفر، فيقول: لا، ولا أترك الذبح للولي: فهذا قامت عليه الحجة، فيكون كافراً. السائل: فإذا نُصح وقيل له: إن هذا شرك، فهل أُطلق عليه إنه " مشرك " و " كافر "؟ . الشيخ: نعم، مشرك، كافر، مرتد، يستتاب، فإن تاب وإلا قتل. السائل: وهل هناك فرق بين المسائل الظاهرة والمسائل الخفية؟ . الشيخ: الخفية تُبيَّن، مثل هذه المسألة، لو فرضنا أنه يقول: أنا أعيش في قوم يذبحون للأولياء، ولا أعلم أن هذا حرام: فهذه تكون خفية؛ لأن الخفاء والظهور أمر نسبي، قد يكون ظاهراً عندي ما هو خفيٌ عليك، وظاهرٌ عندك ما هو خفيٌّ عليَّ. السائل: وكيف أقيم الحجة عليه؟ وما هي الحجة التي أقيمها عليه؟ . الشيخ: الحجة عليه ما جاء في قوله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ) الأنعام/ 162، 163، وقال تعالى: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ. فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) الكوثر/ 1، 2، فهذا دليل على أن النحر للتقرب والتعظيم عبادة، ومن صرف عبادة لغير الله: فهو مشرك .... فإذا بلغت الحجة وقيل له: هذا الفعل الذي تفعله شرك، فَفَعَلَه: لم يُعذر. السائل: إذن يعرَّف؟ . الشيخ: نعم، لا بدَّ أن يُعرَّف. السائل: هناك شبهة وهي أنه يقال: إن فعله شرك وهو ليس بمشرك! فكيف نرد؟ . الشيخ: هذا صحيح، ليس بمشرك إذا لم تقم عليه الحجة، أليس الذي قال: (اللهم أنت عبدي وأنا ربك) قال كفراً؟ ومع ذلك لم يكفر؛ لأنه أخطأ من شدة الفرح، وأليس المُكره يُكره على الكفر فيكفر ظاهراً لا في قلبه، وقلبه مطمئن بالإيمان؟ والعلماء الذين يقولون: " كلمة كفر دون صاحبها "، هذا إذا لم تقم عليه الحجة، ولم نعلم عن حاله، أما إذا علمنا عن حاله: فما الذي يبقى؟ نقول: لا يكفر؟ معناه: لا أحد يكون كافراً؟ أي: لا يبقى أحد يكفر، حتى المصلي الذي لا يصلي نقول: لا يكفر؟ حتى ابن تيمية يقول: إذا بلغته الحجة: قامت عليه الحجة ... ولا يكفي مجرد بلوغ الحجة حتى يفهمها؛ لأنه لو فرضنا أن إنساناً أعجميّاً وقرأنا عليه القرآن صباحا ومساء لكن لا يدري ما معناها: فهل قامت عليه الحجة؟ قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) إبراهيم/4. " لقاءات الباب المفتوح " (48 / السؤال رقم 15) : ونرجو أن يكون الأمر قد وضح، وأن تكون قد تبيَّنتَ حقيقة كلام الشيخ العثيمين رحمه الله، وأنه يرى أن الأصل هو العذر بالجهل، ويتأكد هذا في حال من يسلم حديثاً، أو من يعيش بعيداً عن أماكن العلم، أو من يعيش بين قوم لم يخطر ببالهم أنهم يخالفون الشرع، وهم في الواقع واقعون بأفعالهم في الشرك الأكبر. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111362 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 قول الإمام أبي حنيفة رحمه الله في الإيمان [السُّؤَالُ] ـ[أين الرواية الثانية عن أبي حنيفة في تعريف الإيمان؟ لأبي حنيفة روايتان في تعريف الإيمان الأولى أمكن إيجادها في كتاب الفقه الأكبر لأبي حنيفة التي تنص على (الإيمان هو الإقرار والتصديق) أما الرواية الثانية فهي تنص على أن الإيمان التصديق لكن أين سندها وأين توجد في أي كتاب؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: المشهور من تعريف الإيمان عند الإمام أبي حنيفة رحمه الله أنه الإقرار والتصديق. قال رحمه الله: " والإيمان هو التصديق والإقرار " الفقه الأكبر (85) ، وانظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام (7/119، 330) ، اعتقاد الأئمة الأربعة، د. محمد بن عبد الرحمن الخميس (16) . وأما الرواية الثانية المسؤول عنها، فهي رواية مشهورة ـ أيضا ـ وتناقلتها مصادر عديدة، ونسبها إليه كثير من أصحابه المتكلمين والفقهاء والأصوليين. فمن كتب علم الكلام التي نسبت إليه ذلك: الشيخ قاسم بن قطلوبغا الحنفي (ت: 878هـ) الحنفي. ذكر ذلك في حاشيته على المسامرة شرح المسايرة، عند قول المؤلف: " قول صاحب العمدة منهم: الإيمان هو التصديق؛ فمن صدق الرسول فيما جاء به، فهو مؤمن، فيما بينه وبين الله تعالى، والإقرار شرط إجراء الأحكام.. "، قال ابن قطلوبغا: " هذا القول مروي عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى، نص عليه في كتاب العالم والمتعلم، وهو اختيار الشيخ أبي منصور [يعني: الماتريدي] ، والحسين بن الفضل البلخي، والمحققين من أصحابنا " انتهى. حاشية قاسم على المسامرة (178-179) . ملا علي القاري الحنفي (ت: 1014هـ) انتصر لهذا القول في شرحه على الفقه الأكبر، ونسبه إلى جمهور المحققين. انظر ص (85-87) . وقد سبق أن حكى الخلاف ـ ص (12) ـ في الإقرار باللسان: " هل هو شطر للإيمان، إلا أنه يسقط في بعض الأحيان، أو شرط لإجراء أحكام الإيمان، كما هو مقرر عند الأعيان، وهو المروي عن الإمام، وإليه ذهب الماتريدي، وهو الأصح عند الأشعري..". وممن نسبه إليه أيضا ابن أبي العز الحنفي، في شرحه على الطحاوية. قال ـ (332ـط المكتب الإسلامي) ـ: " وذهب كثير من أصحابنا [يعني: الأحناف] إلى ما ذكره الطحاوي رحمه الله: أنه إقرار باللسان، وعمل بالأركان. ومنهم من يقول: إن الإقرار باللسان ركن زائد ليس بأصلي. وإلى هذا ذهب الشيخ أبو منصور الماتريدي رحمه الله، ويروى عن أبي حنيفة، رضي الله عنه. ". ومن فقهاء الأحناف الذين نسبوا إليه هذه الرواية: ابن الهمام، صاحب فتح القدير. قال: " قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْإِسْلَامِ حَيْثُ يَصِيرُ بِهِ مُسْلِمًا، لِأَنَّهُ لَمَّا احْتَمَلَ وَاحْتَمَلَ رَجَّحْنَا الْإِسْلَامَ فِي الْحَالَيْنِ لِأَنَّهُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَكَأَنَّ هَذَا إشَارَةٌ إلَى مَا قَالَهُ الْإِمَامُ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ التَّصْدِيقُ، وَالْإِقْرَارُ بِاللِّسَانِ شَرْطُ إجْرَاءِ الْأَحْكَامِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مَذْهَبَ أَهْلِ أُصُولِ الْفِقْهِ، فَإِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ الْإِقْرَارَ رُكْنًا انْتَهَى ". فتح القدير (9/251) . وقد تعقب ابن الهمام النقل في التخريج، ولم يتعقبه في نسبة القول للإمام. ونجد نفس الكلام في " العناية شرح الهداية" (9/252) . ومن الأصوليين الأحناف الذين نسبوا هذه الرواية إلى الإمام: ابن أمير الحاج في التقرير والتحبير (2/111) ، وابن أمير بادشاه، في تيسير التحرير (2/261) . والحاصل: أن هذه الرواية مشهورة متداولة في كتب الأحناف، من متكلمين وفقهاء وأصوليين. لكن وجود هذه الرواية في هذه المصادر وتداولها شيء، وثبوتها عن الإمام أبي حنيفة شيء آخر؛ فمثل ذلك يحتاج إلى الوقوف على إسنادها، والنظر فيه، أو النص على ثبوتها عن الإمام من أحد العلماء المطلعين. قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ مجموع الفتاوى (1/246) ـ: " والمنقول عن العلماء يحتاج إلى معرفة بثبوت لفظه، ومعرفة دلالته، كما يحتاج إلى ذلك المنقول عن الله ورسوله ". وأيا ما كان من أمر ثبوت هذه الرواية عن الإمام، أو عدمه، فالروايتين عنه جميعا مخالفتان لما عليه أهل السنة والجماعة من أن الإيمان قول وعمل، وهذا مشهور عنه رحمه الله، والله يعفو عنا وعنه بمنه وكرمه. قال ابن عبد البر رحمه الله: " أجمع أهل الفقه والحديث على أن الإيمان قول وعمل ولا عمل إلا بنية والإيمان عندهم يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية والطاعات كلها عندهم إيمان إلا ما ذكر عن أبي حنيفة وأصحابه فإنهم ذهبوا إلى أن الطاعات لا تسمى إيمانا، قالوا إنما الإيمان التصديق والإقرار، ومنهم من زاد والمعرفة.. " ثم قال ـ بعد كلام ـ: " وأما سائر الفقهاء، من أهل الرأي والآثار، بالحجاز والعراق والشام ومصر، منهم مالك بن أنس والليث بن سعد وسفيان الثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو عبيد القاسم بن سلام وداود بن علي وأبو جعفر الطبري ومن سلك سبيلهم، فقالوا: الإيمان قول وعمل، قول باللسان وهو الإقرار اعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح، مع الإخلاص بالنية الصادقة. قالوا: وكل ما يطاع الله عز وجل به من فريضة ونافلة فهو من الإيمان، والإيمان يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، وأهل الذنوب عندهم مؤمنون غير مستكملي الإيمان من أجل ذنوبهم، وإنما صاروا ناقصي الإيمان بارتكابهم الكبائر.. " انتهى. التمهيد (9/238، 243) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 110360 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 جواب مجمل عن بعض المستهزئين بأحاديث البخاري [السُّؤَالُ] ـ[أعيش في إحدى الدول الغربية، حيث يوجد مجموعات من المسلمين لا بأس بها من مختلف التيارات والأجناس والألوان , ولكن بشكل عام يوجد جهل بالإسلام وأحكامه من مختلف الجوانب , وقد لفت انتباهي بعض الإخوة هنا - هدانا الله وإياهم - ممن يشككون في الأحاديث النبوية، وخاصةً التي وردت في صحيح البخاري، وفيها: (يَكْشِفُ رَبُّنَا عَنْ سَاقِهِ فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ فَيَبْقَى كُلُّ مَنْ كَانَ يَسْجُدُ فِي الدُّنْيَا رِيَاءً وَسُمْعَةً فَيَذْهَبُ لِيَسْجُدَ فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا) ، وأحاديث تجلي الله لعباده يوم القيامة، ورؤيتهم له، وحديث ما جاء في النجوى: (.. يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ فَيَقُولُ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا فَيَقُولُ نَعَمْ أَيْ رَبِّ حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ قَالَ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) ، وحديث نكاح المتعة، وحديث المرأة التي عرضت نفسها على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! أرجو منكم التكرم بإرسال الرد المناسب حتى يتسنى لنا الرد على هؤلاء الجهلة ممن يشككون، وربما يضلون البعض من المسلمين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس بعد الكفر ذنب، والذي يبلغ به تفكيره أن يجعل مثل هذه الأحاديث الشريفة الصحيحة مثارا للتشكيك والاستهزاء فقد أضحك الناس على عقله، والملحد يستهزئ بكل شيء، بالله ورسوله وملائكته وكتبه واليوم الآخر، فليس من الصواب مناقشته في تفاصيل العقيدة، وهو لم يؤمن بعد بأصولها الكبيرة. ولو رحنا نتتبع كل من يسخر من الآيات أو الأحاديث لضاق بنا وبكم العمر الطويل، ولما انتهينا من أصوات الحاقدين الناعقين بكل سوء وجهالة. أما أولئك المنتسبون إلى الإسلام، الذين يتنكرون لتراث الأمة وتاريخها وثقافتها وقيمها، ويتسترون وراء ألقاب " العقلانية "، و " التنويرية " فوالله لا نراهم إلا منادين على أنفسهم بالجهل والعمى، ومسلمين عقولَهم التي يتفاخرون بها لبعض المستشرقين الحاقدين، فيكررون على ألسنتهم كل سوء وبذاءة فاهت بها ألسنتهم، وهم واقعون تحت تخدير وهم "العقلانية"، حتى أصبح كل جاهل يريد أن يروج لبضاعته ينتسب إلى هذا الاسم، وهو أبعد ما يكون عن العقل الصحيح. وحاصل ما جاء في هذا السؤال من طعون تجتمع في مسائل ثلاثة: الأولى: الطعن في الأحاديث الكثيرة التي جاءت بذكر تفاصيل ما يحصل للناس في المحشر، وعند الصراط، وفي عرصات – أي: ساحات - يوم القيامة. ونحن نشير إلى الجواب المجمل أيضا عنها بالنقاط الآتية: 1- هذه الأحاديث كلها تتحدث عن عالم غيبي، لا ندرك كنهه ولا حقيقته إلا رموزا يسيرة بينتها لنا الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة الصحيحة، ومن استهزأ بها فلم يبعد أن يستهزئ أيضا بما جاء في القرآن الكريم من ذكر تفاصيل يوم القيامة، كيف تُطوى السماوات، وتسير الجبال سيرا، وتكون كالعهن المنفوش، وبما جاء في القرآن الكريم من ذكر مجيئ الرب تعالى للحساب والفصل بين الناس، وسؤاله لهم عن كل صغير وكبير، إلى غير ذلك الكثير الكثير مما لو استهزأ بشيء منه لظهر كفره للقاصي والداني، وبان إلحاده، ولكان لنا وله شأن آخر في المناظرة والمناقشة. أما أن يعمد إلى أحاديث صحيحة، رواها العشرات من الثقات والحفاظ، وتناقلها العلماء والأئمة بالإقرار، ثم يستهزئ بما جاء فيها، بدعوى أنه اكتشف بعقله الفذ!! نقدا لم يكتشفه أحد قبله، فهذا تدليس على الناس وأعظم تدليس، وإلا فليخبرنا عن الرب سبحانه وتعالى، كيف هو على كل شيء قدير، وبكل شيء عليم، وكيف هو الأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء، فإن أجاب بالتسليم لعجز العقل القاصر عن الخوض في الغيبيات، قلنا له: وليسلم عقلك القاصر عن التفاصيل التي جاءت في السنة النبوية الصحيحة عن أحوال الآخرة، وإلا كنت متناقضا. 2- ثم ما هو الشيء الذي يحيله العقل وتذكره هذه الأحاديث، فما الذي يمنع من رؤية المؤمنين لله سبحانه وتعالى، وما الذي يحيل أن يكشف لهم عن شيء من صفاته التي تليق بجلاله، كما أنه سبحانه بذاته وجلاله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. وأين مثار السخرية في مرور الناس بالصراط، وتجاوزهم على قدر أعمالهم، أو في خروج العصاة من النار بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، فليخبرنا من يدعي أن ذلك كله مستحيل ما وجه استحالة ذلك في منطق العقل السليم، وليبين لنا ذلك بحجته الباهرة!! وليس بالكلام البذيء ولا بالاستهزاء بعقول القراء الكرام. الشبهة الثانية: الاستهزاء بأحاديث جواز نكاح المتعة في بداية الإسلام. ونحن نحب أن نبين لهذا المستهزئ الجاهل أن نكاح المتعة في بداية الإسلام كان نكاحا قائما على شروط وأركان، ولم يكن عبثا ولا فسادا مستترا، فقد كان بموافقة الولي، وحضور الشهود، والإعلان، ووجود المهر، والرضا من كلا الطرفين، وتبنى عليه أحكام الزواج الحقيقي جميعها: من نسب، وميراث، ومحرمية، وطلاق، وعدة، ونحوها، تماما كأي نكاح شرعي يتم اليوم في عرف الناس وشرعهم. يقول الإمام القرطبي رحمه الله: " من قال: المتعة أن يقول لها: أتزوجك يوماً - أو ما شابه ذلك - على أنه لا عدة عليك، ولا ميراث بيننا، ولا طلاق، ولا شاهد يشهد على ذلك؟! هذا هو الزنا بعينه، ولم يُبَح قط في الإسلام " انتهى. "الجامع لأحكام القرآن" (5/87) غير أن الفارق الوحيد بينهما هو التأقيت والتحديد الزمني، ليكون كل من الزوجين بعد هذه المدة بالخيار، إن أحبا أن ينفصلا أو يستمر زواجهما إلى ما شاء الله، وقد كان لجوازه في بداية الإسلام ظرف خاص، تعددت الروايات في شرحه وبيانه، وأقوى ما جاء فيه ما قاله الحافظ ابن حجر رحمه الله: " فهذه أخبار يقوي بعضها ببعض، وحاصلها أن المتعة إنما رخص فيها بسبب العزبة في حال السفر " انتهى. "فتح الباري" (9/172) وعلى كل حال فقد نسخ هذا النوع من النكاح، ومنعته الشريعة بعد تجاوز الظرف الخاص الذي جاز فيه، وصحت الكثير من الأحاديث في تحريمه، واتفق على المنع منه الأئمة الأربعة والعلماء جميعهم. بل في نفس الحديث الذي ذكره المعتر ض، نص الإمام البخاري في روايته (5119) على نسخ هذا النكاح: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَا: كُنَّا فِي جَيْشٍ فَأَتَانَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُمْ أَنْ تَسْتَمْتِعُوا فَاسْتَمْتِعُوا) ... قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ [هو الإمام البخاري] : وَبَيَّنَهُ عَلِيٌّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ. وانظر: فتح الباري، للحافظ ابن حجر، رحمه الله. 3- حديث المرأة التي عرضت نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوجها. ونحن نتساءل عن الضير في ذلك، هل من العيب أو الخزي أو من مثارات السخرية أن تسأل إحدى النساء الصالحات المؤمنات العفيفات النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن يتزوجها، فتنال مرتبةً عظيمةً في الدين في صحبة سيد المرسلين، وتكون مع خير الخلق زوجةً في الدنيا والآخرة، هل تُلام المرأة إن أبدت رغبتها في الزواج الشرعي من خير الخلق وسيد الأولين والآخرين، أليس من حقها أن تبحث عما يسعد حالها ويرفع شأنها في الدنيا والآخرة، أين هو المحرم أو الممنوع الذي وقعت فيه تلك المرأة الصالحة، أم هو الطعن والاستهزاء لأجل التشويش والفتنة. أما إيماننا بما في صحيحي البخاري ومسلم فليس من قبيل التقليد الأعمى، أو التسليم الاعتباطي، بل هو إيمان مبني على دراسات استقرائية محكمة لجميع رواة وأسانيد ومتون هذين الصحيحين، استغرقت آلاف الصفحات ومئات السنين وعشرات العلماء، منها القديم والمعاصر، كلها تثبت - بما لا يدع مجالا للشك – صحة الإجماع الواقع تلقي الكتابين بالقبول، وترجيحهما على ما سواهما، ومن أوائل هذه الدراسات مقدمة ابن حجر لكتابه فتح الباري، المسماة " هدي الساري "، فقد تكلم فيها بتطويل عن الأسس والأركان التي قام عليها صحيح البخاري، والتي اقتضت التسليم له بالصحة والثبوت. هذا جواب مجمل مختصر، وأما الجواب المطول المفصل فيقتضي أن نعرف هوية المسيء بهذه الكلمات، كي يكون جوابنا مناسبا لحاله واعتقاده، وإن كنا لا ننصح إخواننا المسلمين بالاشتغال بالرد على هؤلاء المتنطعين من المتكلمين، حفظا لأوقاتهم وأعمارهم، ولكن إذا اقتضى الأمر ضرورة المناقشة والمجادلة، فبالدليل والبرهان، وليس بالتهويش والتهويل. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109845 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 مختصر لمسائل العقيدة الصحيحة للمسلم وما يضادها من العقائد الباطلة [السُّؤَالُ] ـ[ما هو المعتقد الحق؟ وأريد معرفة بعض المعتقدات الباطلة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله 1. معلوم بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنَّة أن الأعمال والأقوال إنما تصح وتُقبل إذا صدرت عن عقيدة صحيحة، فإن كانت العقيدة غير صحيحة: بطل ما يتفرع عنها من أعمال وأقوال، كما قال تعالى: (وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) المائدة/ 5، وقال تعالى: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) الزمر/ 65، والآيات في هذا المعنى كثيرة. 2. وقد دل كتاب الله المبين وسنَّة رسوله الأمين عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم على أن العقيدة الصحيحة تتلخص في: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، فهذه الأمور الستة هي أصول العقيدة الصحيحة التي نزل بها كتاب الله العزيز، وبعث الله بها رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم. وأدلة هذه الأصول الستة في الكتاب والسنة كثيرة جدّاً، فمن ذلك قول الله سبحانه: (لَيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) البقرة/ 177، وقوله سبحانه: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ) الآية البقرة/ 285، وقوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً) النساء/ 136. أما الأحاديث الصحيحة الدالة على هذه الأصول فكثيرة جدّاً، منها: الحديث الصحيح المشهور الذي رواه مسلم في صحيحه من حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن جبريل عليه السلام سأل النبي صلى الله وعليه وسلم عن الإيمان، فقال له: الإيمان: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره. الحديث، وأخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة. وهذه الأصول الستة يتفرع عنها جميع ما يجب على المسلم اعتقاده في حق الله سبحانه، وفي أمر المعاد، وغير ذلك من أمور الغيب. 3. الإيمان بالله سبحانه: ويشمل الإيمان بأنه الإله الحق المستحق للعبادة دون كل ما سواه لكونه خالق العباد، والمحسن إليهم، والقائم بأرزاقهم والعالم بسرِّهم وعلانيتهم، والقادر على إثابة مطيعهم، وعقاب عاصيهم، ولهذه العبادة خلق الله الثقلين وأمرهم. وحقيقة هذه العبادة: هي إفراد الله سبحانه بجميع ما تعبّد العباد به، من دعاء، وخوف، ورجاء، وصلاة، وصوم، وذبح، ونذر، وغير ذلك من أنواع العبادة، على وجه الخضوع له، والرغبة، والرهبة، مع كمال الحب له سبحانه، والذل لعظمته. ومن الإيمان بالله أيضاً: الإيمان بجميع ما أوجبه على عباده، وفرضه عليهم، من أركان الإسلام الخمسة الظاهرة وهي: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمَّداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلاً، وغير ذلك من الفرائض التي جاء بها الشرع المطهر. وأهم هذه الأركان وأعظمها: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمَّداً رسول الله، فشهادة أن لا إله إلا الله تقتضي إخلاص العبادة لله وحده، ونفيها عما سواه، وهذا هو معنى لا إله إلا الله، فإن معناها: لا معبود بحق إلا الله، فكل ما عبد من دون الله من بشر أو ملك أو جني أو غير ذلك: فكله معبود بالباطل، والمعبود بالحق هو الله وحده كما قال سبحانه: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ) الحج/ 62. ومن الإيمان بالله أيضاً: الإيمان بأسمائه الحسنى، وصفاته العليا الواردة في كتابه العزيز، والثابتة عن رسوله الأمين، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، بل يجب أن تُمرَّ كما جاءت به، بلا كيف، مع الإيمان بما دلت عليه من المعاني العظيمة التي هي أوصاف الله عز وجل، يجب وصفه بها على الوجه اللائق به، من غير أن يشابه خلقه في شيء من صفاته، كما قال تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) الشورى/ 11. 4. الإيمان بالملائكة: ويتضمن الإيمان بهم إجمالاً، وتفصيلاً، فيؤمن المسلم بأن لله ملائكة خلقهم لطاعته، ووصفهم بأنهم عبَاد مُكرَمون، لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون، (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) الأنبياء/ 28. وهم أصناف كثيرة، منهم الموكلون بحمل العرش، ومنهم خزنة الجنَّة والنَّار، ومنهم الموكلون بحفظ أعمال العباد. ونؤمن على سبيل التفصيل بمن سمى الله ورسوله منهم: كجبريل، وميكائيل، ومالك خازن النار، وإسرافيل الموكل بالنفخ في الصور، وقد جاء ذكره في أحاديث صحيحة، وقد ثبت في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خُلقت الملائكة من نور، وخُلق الجان من مارج من نار، وخُلق آدم مما وصف لكم) أخرجه مسلم في صحيحه. 5. الإيمان بالكتب: يجب الإيمان إجمالاً بأن الله سبحانه قد أنزل كتباً على أنبيائه ورسله لبيان حقه والدعوة إليه، كما قال تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) الآية الحديد/ 25. ونؤمن على سبيل التفصيل بما سمى الله منها، كالتوراة، والإنجيل، والزبور، والقرآن. والقرآن الكريم هو أفضلها، وخاتمها، وهو المهيمن عليها، والمصدق لها، وهو الذي يجب على جميع الأمة اتباعه، وتحكيمه، مع ما صحت به السنَّة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله سبحانه بعث رسوله محمد صلى الله عليه وسلم رسولاً إلى جميع الثقلين، وأنزل عليه هذا القرآن ليحكم به بينهم وجعله شفاءً لما في الصدور، وتبيانا لكل شيء، وهدى ورحمة للمؤمنين، كما قال تعالى: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) الأنعام/ 155. 6. الإيمان بالرسل: يجب الإيمان بالرسل إجمالاً، وتفصيلاً، فنؤمن أن الله سبحانه أَرسل إلى عباده رسلاً منهم مبشرين ومنذرين ودعاة إلى الحق، فمن أجابهم: فاز بالسعادة، ومن خالفهم باء بالخيبة والندامة، وخاتمهم وأفضلهم هو نبينا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، كما قال الله سبحانه: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ) النحل/ 36. ومَن سمَّى الله منهم أو ثبت عن رسول الله تسميته آمنَّا به على سبيل التفصيل والتعيين، كنوح، وهود، وصالح، وإبراهيم، وغيرهم، عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة، وأزكى التسليم. 7. الإيمان باليوم الآخر، وأما الإيمان باليوم الآخر فيدخل فيه الإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم ما يكون بعد الموت، كفتنة القبر، وعذابه، ونعيمه، وما يكون يوم القيامة من الأهوال، والشدائد، والصراط، والميزان، والحساب، والجزاء، ونشر الصحف بين الناس، فآخذٌ كتابه بيمينه، وآخذٌ كتابه بشماله أو من وراء ظهره، ويدخل في ذلك أيضاً: الإيمان بالحوض المورود لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والإيمان بالجنَّة والنَّار، ورؤية المؤمنين لربهم سبحانه، وتكليمه إياهم، وغير ذلك مما جاء في القرآن الكريم والسنَّة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيجب الإيمان بذلك كله، وتصديقه على الوجه الذي بيَّنه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. 8. الإيمان بالقدر، وأما الإيمان بالقدَر فيتضمن الإيمان بأمور أربعة: العلم، والكتابة، والخلق، والمشيئة، وينظر تفصيلها في أجوبة الأسئلة: (34732) و (49004) و (20806) . 9. ويدخل في الإيمان بالله: اعتقاد أن الإيمان قول وعمل، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، وأنه لا يجوز تكفير أحد من المسلمين بشيء من المعاصي التي دون الشرك والكفر، كالزنا، والسرقة، وأكل الربا، وشرب المسكرات، وعقوق الوالدين، وغير ذلك من الكبائر، ما لم يستحل ذلك؛ لقول الله: (إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ) النساء/ 48، وما ثبت في الأحاديث المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله يُخرج من النار من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان. 10. ومن الإيمان بالله: الحب في الله، والبغض في الله، والموالاة في الله، والمعاداة في الله، فيحب المؤمنُ المؤمنينَ ويواليهم، ويبغض الكفار ويعاديهم. وعلى رأس المؤمنين من هذه الأمة: أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأهل السنة والجماعة يحبونهم، ويوالونهم، ويعتقدون أنهم خير الناس بعد الأنبياء لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) متفق على صحته. ويعتقدون أن أفضلهم: أبو بكر الصدِّيق، ثم عمر الفاروق، ثم عثمان ذو النورين، ثم علي المرتضى، رضي الله عنهم أجمعين، وبعدهم بقية العشرة المبشرين بالجنَّة، ثم بقية الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، ويمسكون عما شجر بين الصحابة، ويعتقدون أنهم في ذلك مجتهدون، من أصاب فله أجران، ومن أخطأ فله أجر، ويحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمنين به، ويتولونهم، ويتولون أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين، ويترضون عنهم جميعاً. ويتبرؤون من طريقة الروافض الذين يبغضون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويسبونهم، ويغلون في أهل البيت، ويرفعونهم فوق منزلتهم التي أنزلهم الله عز وجل إياها، كما يتبرؤون من طريقة النواصب الذين يؤذون أهل البيت بقول أو عمل. 11. وجميع ما ذكرناه هو العقيدة الصحيحة التي بعث الله بها رسوله محمَّداً صلى الله عليه وسلم، وهي عقيدة الفرق الناجية، أهل السنة والجماعة، التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله سبحانه) ، وقال صلى الله عليه وسلم: (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، فقال الصحابة: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي) ، وهي العقيدة التي يجب التمسك بها، والاستقامة عليها، والحذر مما خالفها. 12. وأما المنحرفون عن هذه العقيدة، والسائرون على ضدها فهم أصناف كثيرة؛ فمنهم عبَّاد الأصنام والأوثان والملائكة والأولياء والجن والأشجار والأحجار وغيرها، فهؤلاء لم يستجيبوا لدعوة الرسل، بل خالفوهم، وعاندوهم، كما فعلت قريش وأصناف العرب مع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وكانوا يسألون معبوداتهم قضاء الحاجات، وشفاء المرضى، والنصر على الأعداء، ويذبحون لهم، وينذرون لهم، فلما أنكر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، وأمرهم بإخلاص العبادة لله وحده: استغربوا ذلك وأنكروه، وقالوا: (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ) ص/ 5. ثم تغيرت الأحوال، وغلب الجهل على أكثر الخلق حتى عاد الأكثرون إلى دين الجاهلية، بالغلو في الأنبياء، والأولياء، ودعائهم، والاستغاثة بهم، وغير ذلك من أنوع الشرك، ولم يعرفوا معنى لا إله إلا الله كما عرف معناها كفار العرب، ولم يزل هذا الشرك يتفشى في الناس إلى عصرنا هذا بسبب غلبة الجهل، وبُعد العهد بعصر النبوة. 13. ومن العقائد الكفرية المضادة للعقيدة الصحيحة، والمخالفة لما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام: ما يعتقده الملاحدة في هذا العصر من أتباع " ماركس "، و " لينين "، وغيرهما من دعاة الإلحاد والكفر، سواء سموا ذلك " اشتراكية "، أو " شيوعية "، أو " بعثية "، أو غير ذلك من الأسماء، فإن من أصول هؤلاء الملاحدة: أنه لا إله، والحياة مادة، ومن أصولهم: إنكار المعاد، وإنكار الجنَّة والنَّار، والكفر بالأديان كلها، ومن نظر في كتبهم ودرس ما هم عليه: علَم ذلك يقيناً، ولا ريب أن هذه العقيدة مضادة لجميع الأديان السماوية، ومفضية بأهلها إلى أسوأ العواقب في الدنيا والآخرة. 14. ومن العقائد المضادة للحق: ما يعتقده بعض الباطنية، وبعض المتصوفة من أن بعض من يسمونهم بالأولياء يشاركون الله في التدبير، ويتصرفون في شؤون العالم، ويسمونهم بالأقطاب، والأوتاد، والأغواث، وغير ذلك من الأسماء التي اخترعوها لآلهتهم، وهذا من أقبح الشرك في الربوبية، وهو شرٌّ من شرك جاهلية العرب؛ لأن كفار العرب لم يشركوا في الربوبية، وإنما أشركوا في العبادة، وكان شركهم في حال الرخاء، أما في حال الشدة: فيخلصون لله العبادة، كما قال سبحانه: (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ) العنكبوت/ 65، أما الربوبية: فكانوا معترفين بها لله وحده، كما قال سبحانه: (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) الزخرف/ 87، وقال تعالى: (قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ) يونس/ 31، والآيات في هذا المعنى كثيرة. 15. ومن العقائد المضادة للعقيدة الصحيحة في باب الأسماء والصفات: عقائد أهل البدع، من الجهمية، والمعتزلة، ومن سلك سبيلهم في نفي صفات الله عز وجل، وتعطيله سبحانه من صفات الكمال، ووصفه عز وجل بصفة المعدومات، والجمادات، والمستحيلات، تعالى الله عن قولهم علوّاً كبيراً. ويدخل في ذلك: مَن نفى بعض الصفات وأثبت بعضها، كالأشاعرة، فإنه يلزمهم فيما أثبتوه من الصفات نظير ما فروا منه في الصفات التي نفوها وتأولوا أدلتها، فخالفوا بذلك الأدلة السمعية، والعقلية، وتناقضوا في ذلك تناقضاً بيِّناً. باختصار من رسالة " العقيدة الصحيحة وما يضادها " للشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 108579 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 هل يمكن أن يتوحد المسلمون مع اختلاف ما بينهم في العقيدة والمنهج؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكن أن يتوحد المسلمون مع اختلاف ما بينهم في العقيدة والمنهج؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إن اختلاف الناس فيما بينهم في العقيدة والمنهج سنَّة كونية، وقد أخبر الله تعالى عن وقوعها في خلقه، وأخبر عن قدرته بتوحيدهم جميعاً على دين واحدٍ، لكنَّ الله تعالى له حكمة بالغة في عدم فعل ذلك؛ ليثيب الطائعين الموحدين، ويعاقب العاصين والمشركين، ولو جعل الله تعالى الناس أمة واحدة لم يظهر فضل التوحيد والموحدين، ولم يظهر قبح المعصية والعاصين، ولله تعالى أسماء وصفات اقتضت حكمته في الاختلاف أن تظهر في خلقه. قال الله تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) هود /118، 119. قال ابن جرير الطبري – رحمه الله -: يقول تعالى ذِكره: ولو شاء ربك، يا محمد، لجعل الناس كلها جماعة واحدة، على ملة واحدة، ودين واحد. " تفسير الطبري " (15 / 531) . وقال الحافظ ابن كثير – رحمه الله -: يخبر تعالى أنه قادر على جعل الناس كُلِّهم أمَّةً واحدة، من إيمان أو كفران، كما قال تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا) يونس / 99، وقوله: (وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) أي: ولا يزال الخُلْفُ بين الناس في أديانهم، واعتقادات مللهم، ونِحلهم، ومذاهبهم، وآرائهم. " تفسير ابن كثير " (4 / 361) . وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -: يخبر تعالى أنه لو شاء لجعل الناس كلهم أمة واحدة على الدين الإسلامي، فإن مشيئته غير قاصرة، ولا يمتنع عليه شيء، ولكنه اقتضت حكمته أن لا يزالوا مختلفين، مخالفين للصراط المستقيم، متبعين للسبل الموصلة إلى النار، كل يرى الحق فيما قاله، والضلال في قول غيره. (إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) فهداهم إلى العلم بالحق والعمل به، والاتفاق عليه، فهؤلاء سبقت لهم سابقة السعادة، وتداركتهم العناية الربانية والتوفيق الإلهي. وأما من عداهم: فهم مخذولون، موكولون إلى أنفسهم. وقوله: (وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ) أي: اقتضت حكمته أنه خلقهم، ليكون منهم السعداء والأشقياء، والمتفقون والمختلفون، والفريق الذين هدى الله، والفريق الذين حقت عليهم الضلالة، ليتبين للعباد عدلُه، وحكمتُه، وليظهر ما كمن في الطباع البشرية من الخير والشر، ولتقوم سوق الجهاد والعبادات التي لا تتم ولا تستقيم إلا بالامتحان والابتلاء. " تفسير السعدي " (ص 392) . ثانياً: وكيف سيتوحد المسلمون على شيء يجمعهم جميعاً غير التوحيد والعقيدة؟! إن الناظر في أحوال المسلمين يجدهم مدارس وجماعات وأحزابا وأفكارا شتى، رضي كل واحد لنفسه طريقاً في فهم نصوص الوحي، والعمل للإسلام، فحصل الاختلاف، والتفرق، والتشتت، ولو أنهم رضوا لأنفسهم منهجاً واحداً، واعتقاداً واحداً لاجتمعوا، وصاروا أمة واحدة، ولكنهم لم ينظر أكثرهم – وخاصة رؤوس الجماعات والأحزاب – للعقيدة الحقة أنها سبيل توحيد، بل رأوا أنهم تفرِّق المسلمين! كما زعم بعض أقطابهم، وهذه كلمة منكرة، ولا يمكن أن يكون توحيد للمسلمين وفيهم أمثال هذا القائل! . جاء النبي صلى الله عليه وسلم على الناس وهم أحزاب وجماعات وأمم وأفكار وأديان مختلفة، وفيهم الأبيض والأسود، والرجل والمرأة، والعامي والمتعلم، والغني والفقير، والسادة والضعفاء، فلم يجمعهم على لغة، ولا على أرض، ولا على فكر بشر، بل جمعهم على شيء معصوم، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، جمعهم على القرآن، والتوحيد، وهذا هو السبيل الوحيد لأن يجتمع الناس كلهم على اختلاف مشاربهم وأهوائهم ولغاتهم وأماكنهم، ولن يجدوا خيراً من هذا السبب في توحدهم، واجتماعهم وتآلفهم، وأما عندما يراد تجميع الناس وتوحيدهم على فكر بشر قابل للنقض والرد والتعديل والحذف: فهذا ما لا يمكن أن يكون سبيلاً لتوحد المسلمين، وعندما يراد تجميع الناس وتوحيدهم على قضية سياسية: فهذا لا يمكن أن يجتمع عليه الناس؛ لاختلاف أفهامهم وآرائهم فيها، كما لا يمكن لأرض أن تجمع المسلمين؛ لتعلق كل نفس بوطنها وأرضها، فلم يبق أمام المسلمين من سبيل لتوحدهم وتجمعهم إلا العقيدة الصحيحة، والتي منبعها نصوص الوحي المعصومة، ولن يَصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلَح به أولُّها. ثالثاً: بما أن أسباب تفرق المسلمين قائمة: فإن تفرقهم هو الثمرة، وهو النتيجة، وقد تنوع ذِكر الأسباب في كلام أهل العلم، وقد جمعها الإمام الشاطبي في ثلاثة أسباب: الجهل، والهوى، واتباع الآباء والأشياخ على عمى. قال الشاطبي – رحمه الله -: كل خلاف على الوصف المذكور وقع بعد ذلك: فله أسباب ثلاثة، قد تجتمع، وقد تفترق: أحدها: أن يعتقد الإنسان في نفسه، أو يُعتقد فيه أنه من أهل العلم، والاجتهاد في الدين، ولم يبلغ تلك الدرجة، فيعمل على ذلك، ويعد رأيَه رأياً، وخلافَه خلافاً، ولكن تارة يكون ذلك في جزئيٍّ، وفرعٍ من الفروع، وتارة يكون في كلِّي وأصلٍ من أصول الدين، كان من الأصول الاعتقادية، أو من الأصول العملية، فتارة آخذاً ببعض جزئيات الشريعة في هدم كلياتها حتى يصير منها ما ظهر له بادىء رأيه من غير إحاطة بمعانيها ولا رسوخ في فهم مقاصدها، وهذا هو المبتدع، وعليه نبه الحديث الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقبض الله العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يَبقَ عالمٌ اتخذ الناس رؤساء جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا) . والثاني من أسباب الخلاف: اتباع الهوى، ولذلك سمِّي أهلُ البدع أهل الأهواء؛ لأنهم اتبعوا أهواءهم، فلم يأخذوا الأدلة الشرعية مأخذ الافتقار إليها، والتعويل عليها حتى يصدروا عنها، بل قدموا أهوءاهم، واعتمدوا على آرائهم، ثم جعلوا الأدلة الشرعية منظوراً فيها من وراء ذلك، وأكثر هؤلاء هم أهل التحسين والتقبيح، ومن مال إلى الفلاسفة، وغيرهم، ويدخل في غمارهم من كان منهم يخشى السلاطين لنيل ما عندهم، أو طلباً للرياسة، فلا بد أن يميل مع الناس بهواهم، ويتأول عليهم فيما أرادوا حسبما ذكره العلماء ونقله من مصاحبي السلاطين، فالأولون ردُّوا كثيراً من الأحاديث الصحيحة بعقولهم، وأساؤوا الظن بما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحسَّنوا ظنَّهم بآرائهم الفاسدة، حتى ردوا كثيراً من أمور الآخرة وأحوالها، من الصراط، والميزان، وحشر الأجساد، والنعيم، والعذاب الجسمي، وأنكروا رؤية الباري، وأشباه ذلك، بل صيَّروا العقل شارعاً جاء الشرع أو لا، بل إن جاء فهو كاشف لمقتضى ما حكم به العقل إلى غير ذلك من الشناعات. والثالث من أسباب الخلاف: التصميم على اتباع العوائد وإن فسدت، أو كانت مخالفة للحق، وهو اتباع ما كان عليه الآباء، والأشياخ، وأشباه ذلك، وهو التقليد المذموم؛ فإن الله ذم ذلك في كتابه بقوله: (إنا وجدنا آباءنا على أمة) الآية، ثم قال: (قال أو لو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون) ، وقوله: هل يسمعونكم إذ تدعون. أو ينفعونكم أو يضرون) فنبههم على وجه الدليل الواضح فاستمسكوا بمجرد تقليد الآباء، فقالوا: (بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون) وهو مقتضى الحديث المتقدم أيضا في قوله: (اتخذ الناس رؤساء جهالاً) إلى آخره، فإنه يشير إلى الاستنان بالرجال كيف كان. " الاعتصام " (1 / 421 – 423) باختصار. وعليه: فإنه من المستحيل اتفاق المسلمين واجتماعهم على غير التوحيد والعقيدة، وفي الإسلام مظاهر اجتماع واتفاق لا توجد في غيره، كالقبلة الواحدة، والقرآن، ومناسك الحج، وغيرها، فنرجو أن يتوحد المسلمون ويجتمعوا على اعتقاد واحد، ومنهج واحد في فهم القرآن والسنَّة، وما يحصل من خلافٍ محتمل بعد هذا فإن أمره يسير. سئل الشيخ صالح بن فوزان الفوزان – حفظه الله- ما هي المسائل التي يجوز الاختلاف فيها؟ وتلك التي ينبغي التّوقُّفُ عن الخلاف فيها؟ وما واجب المسلمين تُجاه دينهم؟ . فأجاب: الاختلاف على قسمين: القسم الأول: الاختلاف في مسائل العقيدة، وهذا لا يجوز؛ لأنّ الواجب على المسلمين اعتقاد ما دلَّ عليه الكتاب والسُّنَّة، وعدم التّدخُّل في ذلك بعقولهم واجتهاداتهم؛ لأنّ العقيدة توقيفيّة، ولا مجال للاجتهاد والاختلاف فيها. القسم الثاني: اختلاف في المسائل الفقهيَّة المستنبطة من النُّصوص، وهذا لابدّ منه؛ لأنّ مدارك الناس تختلف، ولكن يجب الأخذ بما ترجّح بالدّليل من أقوالهم، وهذا هو سبيل الخروج من هذا الخلاف. ويجب على المسلم أن يهتمَّ بأمور دينه، ويحافظ على أداء ما أوجب الله عليه، ويترك ما حرَّمَ الله عليه، وأن يتحلَّى بالأخلاق الفاضلة مع إخوانه، وأن يصدُقَ في معاملته، ويحفظ أمانته، ويكون قدوةً صالحةً لغيره. ويجب أن يتربَّوا على التّمسّك بالدّين والأخلاق الفاضلة، وأن يبتعدوا عن الأخلاق الرّذيلة وقرناء السُّوء، وأن يهتمُّوا بما ينفعهم في دينهم ودُنياه، وأن يكونوا قوَّة للإسلام والمسلمين. " المنتقى من فتاوى الفوزان " (1 / 407، 408، السؤال رقم 241) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 108581 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 من هم الأولياء، وما هي درجاتهم؟ [السُّؤَالُ] ـ[أرجو مساعدتي في فهم ما يلي: 1) من هم الأولياء؟ 2) ما هي درجات الولاية؟ 3) هل يجوز تسمية الأولياء " أصحاب الله "؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: أولياء الله – بكل وضوح واختصار – هم أهل الإيمان والتقوى، الذين يراقبون الله تعالى في جميع شؤونهم، فيلتزمون أوامره، ويجتنبون نواهيه. قال الله تعالى: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ. الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ. لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) يونس/62-64. قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في "تفسير القرآن العظيم" (4/278) : " يخبر تعالى أن أولياءه هم الذين آمنوا وكانوا يتقون، كما فسرهم ربهم، فكل من كان تقيا كان لله وليا: أنه (لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) فيما يستقبلون من أهوال القيامة، (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) على ما وراءهم في الدنيا. وقال عبد الله بن مسعود، وابن عباس، وغير واحد من السلف: أولياء الله الذين إذا رُؤوا ذُكِر الله. وقد ورد هذا في حديث مرفوع. عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من عباد الله عبادا يغبطهم الأنبياء والشهداء. قيل: من هم يا رسول الله؟ لعلنا نحبهم. قال: هم قوم تحابوا في الله من غير أموال ولا أنساب، وجوههم نور على منابر من نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس. ثم قرأ: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) رواه أبو داود بإسناد جيد – وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (7/1369) - " انتهى باختصار وتصرف يسير. ثانيا: الولاية متفاوتة بحسب إيمان العبد وتقواه، فكل مؤمن له نصيب من ولاية الله ومحبته وقربه، ولكن هذا النصيب يتفاوت بحسب الأعمال الصالحة البدنية والقلبية التي يتقرب بها إلى الله، وعليه يمكن تقسيم درجات الولاية إلى ثلاث درجات: 1- درجة الظالم لنفسه: وهو المؤمن العاصي، فهذا له من الولاية بقدر إيمانه وأعماله الصالحة. 2- المقتصد: وهو المؤمن الذي يحافظ على أوامر الله، ويجتنب معاصيه، ولكنه لا يجتهد في أداء النوافل: وهذا أعلى درجة في الولاية من سابقه. 3- السابق بالخيرات: وهو الذي يأتي بالنوافل مع الفرائض، ويبلغ بالعبادات القلبية لله عز وجل مبالغ عالية، فهذا في درجات الولاية العالية. ثم لا شك أن النبوة هي أعلى وأرقى درجات الولاية لله عز وجل. قال شيخ الإسلام ابن تيمية – كما في "مجموع الفتاوى" (10/6) –: " الناس على ثلاث درجات: ظالم لنفسه، ومقتصد، وسابق بالخيرات. فالظالم لنفسه: العاصي بترك مأمور أو فعل محظور. والمقتصد: المؤدي الواجبات والتارك المحرمات. والسابق بالخيرات: المتقرب بما يقدر عليه من فعل واجب ومستحب، والتارك للمحرم والمكروه. وإن كان كل من المقتصد والسابق قد يكون له ذنوب تمحى عنه: إما بتوبة - والله يحب التوابين ويحب المتطهرين - وإما بحسنات ماحية، وإما بمصائب مكفرة، وإما بغير ذلك. وكل من الصنفين المقتصدين والسابقين من أولياء الله الذين ذكرهم في كتابه بقوله: (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. الذين آمنوا وكانوا يتقون) ، فحد أولياء الله هم: المؤمنون المتقون. ولكن ذلك ينقسم: إلى " عام ": وهم المقتصدون. و" خاص " وهم السابقون، وإن كان السابقون هم أعلى درجات كالأنبياء والصديقين. وقد ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم القسمين في الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (يقول الله: من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة، وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، فبي يسمع وبي يبصر، وبي يبطش، وبي يمشي؛ ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه) . وأما الظالم لنفسه من أهل الإيمان: فمعه من ولاية الله بقدر إيمانه وتقواه، كما معه من ضد ذلك بقدر فجوره، إذ الشخص الواحد قد يجتمع فيه الحسنات المقتضية للثواب، والسيئات المقتضية للعقاب، حتى يمكن أن يثاب ويعاقب، وهذا قول جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأئمة الإسلام وأهل السنة والجماعة الذين يقولون: إنه لا يخلد في النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين – كما في "فتاوى مهمة" (ص/83) -: " من كان مؤمناً تقيّاً كان لله وليّاً، ومَن لم يكن كذلك فليس بولي لله، وإن كان معه بعض الإيمان والتقوى كان فيه شيءٌ من الولاية " انتهى. ثالثا: الولاية ليست حكرا على أحد، وليست علامة مميزة لطبقة معينة من الناس، ولا تنال بالوراث ولا بالأوسمة، بل هي رتبة ربانية تبدأ بالقلب محبة وتعظيما لله عز وجل، وتترجم إلى واقع عملي، فيكسب صاحبها حب الله تعالى وولايته. رابعا: الولاية لا تبيح لصاحبها فعل المحرمات ولا ترك الواجبات، بل إن فعل ذلك فهو دليل على نقص ولايته لله، وكذلك لا تبيح لأحد أن يتوجه إلى من يسمون بالأولياء ـ وقد لا يكونون يستحقون ذلك ـ فيرفعونهم إلى مقام النبوة فلا يردون لهم أمرا، ولا يناقشون لهم فكرا ولا رأيا، وهذا كله من الغلو الذي نهى الله تعالى عنه، ومن أعظم أسباب وقوع الشرك في الناس. وقد يتعدى بعض الناس هذا الحد فيقع في الشرك الأكبر بسبب الفهم الخاطئ للولاية ومنزلة الأولياء فتراه يدعوهم من دون الله ويذبح لهم ويقدم لهم القرابين ويطوف حول أضرحتهم. خامساً: أما إطلاق "أصحاب الله" على الأولياء، فلا نعلم ما يدل على صحة هذه التسمية. وأفضل أولياء الله تعالى هم الرسل والأنبياء ثم أصحاب الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، ولا نعلم أنه ورد إطلاق اسم "أصحاب الله" على أحد منهم. وإنما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم تسمية "أهل القرآن" بـ "أهل الله". فقد روى الإمام أحمد (11870) وابن ماجة (215) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنْ النَّاسِ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ هُمْ؟ قَالَ: هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ، أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة. (أهلين) جمع أهل. (أهل القرآن) حفظته القارئون له العاملون بما فيه. (أهل الله) أي: أولياؤه المختصون به اختصاص أهل الإنسان به. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 107283 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 هل كل كافر الآن حلال الدم؟ [السُّؤَالُ] ـ[كثيراً ما نقرأ من العلماء مثل ابن تيمية وابن القيم والشيخ محمد عبد الوهاب وغيرهم , أن من سب الله أو الرسول أو الساحر أو من استهزأ بالدين أنه كافر حلال الدم (هذا مثال) . السؤال: هل كل كافر الآن حلال الدم؟ لو نفرض أن الدعوة بلغته أو لم تبلغه حتى؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: قول العلماء: "من فعل كذا وكذا فهو كافر حلال الدم" مرادهم به المرتد الذي خرج عن الإسلام بارتكابه ناقضاً من نواقضه. والردة تكون بالاعتقاد أو بالقول أو بالفعل أو بالترك. قال ابن مفلح في تعريف المرتد: "هو الراجع عن دين الإسلام إلى الكفر، إما نطقاً أو اعتقاداً أو شكاً، وقد يحصل بالفعل" انتهى. "المبدع" لابن مفلح (9/175) . والدليل على أن ذلك هو حكم المرتد: قوله صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه) رواه البخاري (6922) . قال ابن عبد البر عند ذكره لهذا الحديث: "وقال مالك رحمه الله: إنما عنى بهذا الحديث من خرج من الإسلام إلى الكفر، وأما من خرج من اليهودية أو النصرانية أو من كفر إلى كفر فلم يُعن بهذا الحديث. وعلى قول مالك هذا جماعة الفقهاء ... " انتهى. "التمهيد" (5/311-312) . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة) رواه البخاري (6878) ومسلم (1676) . قال الحافظ ابن رجب الحنبلي: "وأما التارك لدينه المفارق للجماعة فالمراد به من ترك الإسلام وارتد عنه، وفارق جماعة المسلمين، كما جاء التصريح بذلك في حديث عثمان" انتهى. "جامع العلوم والحكم" (1/318) . ثم قال (1/327) : "وأما ترك الدين ومفارقة الجماعة فمعناه الارتداد عن دين الإسلام ولو أتى بالشهادتين، فلو سبَّ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وهو مقر بالشهادتين أبيح دمه، لأنه قد ترك بذلك دينه" انتهى. وعقوبة المرتد أشد من عقوبة الكافر الأصلي، ولهذا ... يمكن أن يُقَرَّ الكافر الأصلي على دينه ولا يقتل بشروط معروفة عند العلماء، أما المرتد فيجب قتله إن لم يرجع إلى الإسلام. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "وقد استقرت السنة بأن عقوبة المرتد أعظم من عقوبة الكافر الأصلي من وجوه متعددة، منها: أن المرتد يقتل بكل حال، ولا يضرب عليه جزية، ولا تعقد له ذمة، بخلاف الكافر الأصلي. ومنها: أن المرتد يقتل وإن كان عاجزا عن القتال، بخلاف الكافر الأصلي الذي ليس هو من أهل القتال، فإنه لا يقتل عند أكثر العلماء كأبي حنيفة ومالك وأحمد. ومنها: أن المرتد لا يرث ولا يناكح ولا تؤكل ذبيحته، بخلاف الكافر الأصلي ... إلى غير ذلك من الأحكام" انتهى. "مجموع الفتاوى" (28/534) . وانظر: "الدرر السنية" (10/104) . وانظر جواب السؤال رقم (14231) . ثانياً: أما سؤالك: (هل كل كافر الآن حلال الدم، سواء كانت الدعوة بلغته أم لا) ؟ فالجواب: لا، ليس كل كافر حلال الدم والمال، بل الكفار قسمان، القسم الأول: معصوم الدم والمال، يحرم الاعتداء عليه، وهم المعاهَدون، الذين بيننا وبينهم عهد على ترك القتال مدة معينة، كما عاهد النبي صلى الله عليه وسلم كفار مكة على ترك القتال عشر سنوات، في صلح الحديبية. 2- الذمي، وهو الكافر الذي يعيش في بلاد المسلمين، وقد عقد معه عقد الذمة. 3- المستأمِن، وهو الكافر الذي دخل بلاد المسلمين بأمان، كالتاجر الذي دخل من أجل تجارته أو لغير ذلك من الأسباب، وإعطاء التأشيرة للشخص لدخول البلد، يعتبر تأميناً له، وتعهداً بالدفاع عنه وعدم ظلمه. القسم الثاني من الكفار: وهم الذين يحاربون المسلمين، فليس بيننا وبينهم عهد ولا ذمة ولا أمان، فهذا هو الذي يقال عنه: إنه مباح الدم والمال. قال القرطبي في تفسير قوله تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ) الأنعام/151: "وهذه الآية نهي عن قتل النفس المحرمة مؤمنة كانت أو معاهَدةً إلا بالحق الذي يوجب قتلها" انتهى. "الجامع لأحكام القرآن" (7/134) . وانظر: "تفسير ابن كثير" (2/190) . وقال الشيخ السعدي: "وهي النفس المسلمة من ذكر وأنثى، صغير وكبير، بَر وفاجر، والكافرة التي قد عصمت بالعهد والميثاق" انتهى. "تيسير الكريم الرحمن" (ص257) . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا) رواه البخاري (3166) . قال الحافظ ابن حجر: "والمراد به: من له عهد مع المسلمين، سواء كان بعقد جزية، أو هدنة من سلطان، أو أمان من مسلم" انتهى. "فتح الباري" (12/259) . ثالثاً: الذي يقيم العقوبة الشرعية على المرتد أو المعاهد الذي نقض عهده إنما هو الحاكم أو نائبه، وليس ذلك لعامة الناس لما يفضي إليه ذلك من الفوضى وفتح باب الشرور والفتن. قال ابن مفلح عن المرتد: "لا يقتله إلا الإمام أو نائبه حرا كان أو عبدا في قول عامة العلماء" انتهى. "المبدع" لابن مفلح (9/175) . وانظر: "الدرر السنية" (10/394-395) . وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (14/455) : "ولا يحل لأحد قتله – يعني المرتد – مع أنه مباح الدم، لأن في قتله افتياتاً على ولي الأمر [يعني: تعديا على حقه] ، ولأن في قتله سبباً للفوضى بين الناس .... ولهذا لا يتولى قتله إلا الإمام أو نائبه" انتهى. رابعاً: هناك فرق بين التكفير على وجه الإطلاق والتكفير على وجه التعيين، فإن تكفير الشخص المعيَّن لابد فيه من وجود شروط وانتفاء موانع. قال ابن تيمية رحمه الله: "فإن نصوص الوعيد التي في الكتاب والسنة ونصوص الأئمة بالتكفير والتفسيق ونحو ذلك لا يستلزم ثبوت موجَبها في حق المعين إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع لا فرق في ذلك بين الأصول والفروع" انتهى. "مجموع الفتاوى" (10/372) . فيقال مثلاً: من قال كذا أو فعل كذا فهو كافر، لكن الشخص المعيَّن الذي يقول ذلك أو يفعله يجب التثبت في الحكم عليه بالكفر، فقد يكون جاهلاً أو متأولاً أو مكرهاً، مما يمنع الحكم عليه بالكفر، وإن كان قد قال أو فعل ما هو كفر. وانظر جواب السؤال رقم (85102) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 107105 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 أشكل عليه كلام للشيخ محمد بن عبد الوهاب في أحد الصحابة [السُّؤَالُ] ـ[أشكل علي كلام منسوب إلى الإمام محمد بن عبد الوهاب عليه رحمة الله تعالى، وذلك أن واحدا مِن أهل البدع قال لي: إن الشيخ رحمه الله أتى بكلام مفهومه أنه يقول إن عمار بن ياسر كافر، لذا أريد منكم بارك الله فيكم أن تبينوا لي هذ الكلام، وإليكم الكلام المنسوب: قال محمد بن عبد الوهاب النجدي - في كتاب "مؤلفات محمد بن عبد الوهاب" في الجزء السادس/ 272-273 وهي الرسالة الثامنة والثلاثون التي توجد في "الدرر السنية" ج 8 ص 49 -51:: " واعلموا أن الأدلة على تكفير المسلم الصالح إذا أشرك بالله أو صار مع المشركين على الموحدين ولو لم يشرك أكثر من أن تحصر من كلام الله وكلام رسوله وكلام أهل العلم كلهم، وأنا أذكر لكم آية من كتاب أجمع أهل العلم على تفسيرها، وأنها في المسلمين، وأن مَن فعل ذلك فهو كافر في أي زمان كان، قال تعالى: (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) إلى آخر الآية وفيها: (ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة) فإذا كان العلماء ذكروا أنها نزلت في الصحابة لمّا فتنهم أهل مكة، وذكروا أن الصحابي إذا تكلم بكلام الشرك بلسانه مع بغضه لذلك وعداوة أهله لكن خوفا منهم أنه كافر بعد إيمانه، فكيف بالموحد في زماننا إذا تكلم في البصرة أو الإحساء أو مكة أو غير ذلك خوفا منهم لكن قبل الإكراه، وإذا كان هذا يكفر فكيف بمن صار معهم، وسكن معهم، وصار مِن جملتهم، فكيف مَن أعانهم على شركهم وزينه لهم، فكيف بمن أمر بقتل الموحدين وحثهم على لزوم دينهم، فأنتم وفقكم الله تأملوا هذه الآية، وتأملوا مَن نزلت فيه، وتأملوا إجماع العلماء على تفسيرها، وتأملوا ما جرى بيننا وبين أعداء الله نطلبهم دائما الرجوع إلى كتبهم التي بأيديهم في مسألة التكفير والقتال فلا يجيبوننا إلا بالشكوى عند الشيوخ وأمثالهم، والله أسأل أن يوفقكم لدينه ويرزقكم الثبات عليه ".]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله يعتقد في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عظيم المنزلة ورفيع القدر والشرف والمكانة، يلتزم في ذلك ما جاء في القرآن الكريم وفي السنة الصحيحة من الثناء عليهم وتعظيم قدرهم. وكان يرفض طريقة الرافضة الطاعنين فيهم، وينص على عذر من أخطأ من الصحابة، وأن خطأه خطأ اجتهاد يؤجر عليه، ويرد على كل من اتهم صحابيا أو تكلم فيه بالذم والنقص. يقول رحمه الله "مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب" (القسم الثالث/ مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم/ص 322) : " وأجمع أهل السنة على السكوت عما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم، ولا يقال فيهم إلا الحسنى، فمن تكلم في معاوية أو غيره من الصحابة فقد خرج عن الإجماع " قال أيضا "مؤلفات الشيخ" (رسالة في الرد على الرافضة/ ج12،ص14) : " وقوله: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) وغير ذلك من الآيات والأحاديث الناصة على أفضلية الصحابة واستقامتهم على الدين؛ ومن اعتقد ما يخالف كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كفر. ما أشنع مذهب قوم يعتقدون ارتداد من اختاره الله لصحبة رسوله ونصرة دينه! " انتهى. ثانيا: النص المنقول عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب يريد به التفريق بين: الخوف المجرد - الذي لا يستند إلى سبب مباشر، فلا يعتبر هذا عذرا يرخص الوقوع في الكفر؛ لأن الباعث عليه هو الطمع في المال والجاه والعافية – وبين التهديد الفعلي الحقيقي بالضرب والإيذاء والسجن والتعذيب، ولما كان الكفر أعظم المحرمات، لم يجز للمسلم الوقوع فيه إلا بسبب مباشر وتهديد حقيقي، أما الحرص على الدنيا والخوف من نقص شيء منها دون أن يسبق ذلك تهديد أو فعل حقيقي، فليس هذا بعذر يرخص الكفر بالله العظيم. وقد ساق الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله للاستدلال على هذه المسألة قوله تعالى: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) النحل/106 فالاستثناء في الآية هو للمكره، وليس للخائف المتوهم، أو الخائف الطامع، وسبب نزول الآية يوضح ذلك، فقد وقع على آل ياسر من العذاب الشيء العظيم، حتى قتلت سمية وياسر، وأوذي عمار بأشد أنواع الضرب والتعذيب، ثم رخص له النبي صلى الله عليه وسلم في التلفظ بالكفر، ولم يكن عمار متوهما ولا طامعا في الاحتفاظ بجاهه ومنصبه وماله، بل كان يرد عن نفسه أشد أنواع العذاب الذي تعرض له. يوضح ذلك تكملة الآيات السابقة، فقد قال تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) النحل/107 فانظر كيف نفى الله العذر عن كل من أخلد إلى الدنيا، وآثر شهواتها، وركن إلى حظوظها. ومثله قوله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ. فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ) المائدة/51-52 ففي هذه الآية نفي العذر عن أولئك الذين يوالون الكفار على المسلمين، ويعتذرون بالخوف من الدوائر والمصائب ونكاية الكفار بهم إذا ظهروا عليهم. لذلك يقول الشيخ رحمه الله – كما في "مؤلفات الشيخ" (القسم الأول، العقيدة، نواقض الإسلام، ص 387، والقسم الخامس، الشخصية، رقم 32، ص 212) والدرر السنية (2/362) : " ولا فرق في جميع هذه النواقض – نواقض الإسلام العشرة - بين الهازل والجاد والخائف، إلا المكره، وكلها من أعظم ما يكون خطرا، ومن أكثر ما يكون وقوعا، فينبغي للمسلم أن يحذرها ويخاف منها على نفسه " ويقول في "كشف الشبهات": " لا خلاف أن التوحيد لا بد أن يكون بالقلب واللسان والعمل ; فإن اختل شيء من هذا لم يكن الرجل مسلما. فإن عرف التوحيد ولم يعمل به فهو كافر معاند، كفرعون وإبليس وأمثالهما. وهذا يغلط فيه كثير من الناس، يقولون: هذا حق. ونحن نفهم هذا، ونشهد أنه الحق، ولكنا لا نقدر أن نفعله، ولا يجوز عند أهل بلدنا إلا من وافقهم، أو غير ذلك من الأعذار. ولم يدر المسكين أن غالب أئمة الكفر يعرفون الحق ولم يتركوه إلا لشيء من الأعذار، كما قال تعالى: (اشْتَرَوْا بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً) وغير ذلك من الآيات، وهذه المسألة مسألة كبيرة طويلة، تتبين لك إذا تأملتها في ألسنة الناس، ترى مَن يعرف الحق ويترك العمل به لخوف نقص دنيا أو جاه أو مداراة لأحد. وترى من يعمل به ظاهرا لا باطنا، فإذا سألته عما يعتقد بقلبه فإذا هو لا يعرفه. ولكن عليك بفهم آيتين من كتاب الله: أولاهما: قوله تعالى: (لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) فإذا تحققت أن بعض الصحابة الذين غزوا الروم مع الرسول صلى الله عليه وسلم كفروا بسبب كلمة قالوها على وجه المزح واللعب، تبين لك أن الذي يتكلم بالكفر أو يعمل به خوفا من نقص مال أو جاه أو مداراة لأحد أعظم ممن يتكلم بكلمة يمزح بها. والآية الثانية: قوله تعالى: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ) فلم يعذر الله من هؤلاء إلا من أكره مع كون قلبه مطمئنا بالإيمان. وأما غير هذا فقد كفر بعد إيمانه، سواء فعله خوفا أو مداراة أو مشحة بوطنه أو أهله أو عشيرته أو ماله، أو فعله على وجه المزح، أو لغير ذلك من الأغراض إلا المكره. فالآية تدل على هذا من جهتين: الأولى: قوله: (إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ) فلم يستثن الله تعالى إلا المكره، ومعلوم أن الإنسان لا يكره إلا على الكلام أو الفعل، وأما عقيدة القلب فلا يكره عليها أحد. والثانية: قوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ) فصرح أن هذا الكفر والعذاب لم يكن بسبب الاعتقاد أو الجهل أو البغض للدين أو محبة الكفر، وإنما سببه أن له في ذلك حظا من حظوظ الدنيا فآثره على الدين " انتهى بتصرف يسير. وانظر أيضا: الرسالة رقم/33 من رسائله الشخصية (ص/21-218) "مؤلفات الشيخ". والذي يقرره الشيخ محمد بن عبد الوهاب هنا هو مما اتفق عليه أهل العلم، فلم يعد أحد من أهل العلم الخوف المتوهم النابع من طمع وحرص ورغبة في إيثار الدنيا رخصة في الوقوع بالكفر، بل إن الإمام أحمد نفى أن يكون التهديد المباشر رخصة حتى يقع المهدد به، كما أن الأحناف والمالكية نفوا أن يكون الضرب اليسير أو السجن اليسير عذرا في الوقوع في الكفر، على خلاف وتفصيل عند الفقهاء، يمكن مراجعته في "الموسوعة الفقهية" (6/105) . ثالثا: بعد ذلك يمكن أن نفهم النص المنقول في السؤال، في ضوء فهم أصل المسألة في موانع التكفير، فالشيخ رحمه الله يثبت أن عمار بن ياسر كان مكرها، وأنه معذور بسبب العذاب الحقيقي الذي وقع عليه، ولكنه ينكر أن يكون الخوف المجرد المتوهم عذرا كعذر عمار بن ياسر، وتأمل معي مرة أخرى النص تجده على هذا الفهم، وليس على الفهم السقيم الذي ذكره لك ذلك الرجل. يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب – كما في "الدرر السنية" (10/9) -: " قال تعالى: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ) سورة النحل/106 إلى آخر الآية وفيها: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ) سورة الأنفال آية/23 فإذا كان العلماء ذكروا أنها نزلت في الصحابة لمَّا فتنهم أهل مكة ; وذكروا: أن الصحابي إذا تكلم بكلام الشرك بلسانه، مع بغضه لذلك وعداوة أهله، لكن خوفا منهم، أنه كافر بعد إيمانه. – تأمل كيف ذكر قيد الخوف وليس الإكراه - فكيف بالموحد في زماننا، إذا تكلم في البصرة أو الإحساء أو مكة أو غير ذلك خوفا منهم، لكن قبل الإراه! – وهذا واضح أن مراده التفريق بين الخوف والإكراه وليس تكفير عمار بن ياسر رضي الله عنه - وإذا كان هذا يكفر فكيف بمن صار معهم وسكن معهم وصار من جملتهم؟! فكيف بمن أعانهم على شركهم، وزينه لهم؟ فكيف بمن أمر بقتل الموحدين، وحثهم على لزوم دينهم؟ " انتهى. بل إذا افترضنا جدلا أن تفريق الشيخ بين الإكراه الحقيقي، المعتبر في الشرع، وبين الخوف المتوهم، إذا افترضنا أنه لم يوافقه عليه غيره من أهل العلم، وأن الخوف المتوهم، هو مثل الإكراه، فإن الذي يعنينا هنا أن الشيخ رحمه الله يجعل عمار بن ياسر من أهل الإكراه الحقيقي، وهم أهل العذر الذي نزلت فيهم الآية؛ ولذلك يقول رحمه الله لمخالفه: " وأنت - والعياذ بالله - تنْزل درجة درجة، أول مرة في الشك، وبلد الشرك وموالاتهم، والصلاة خلفهم، وبراءتك من المسلمين مداهنة لهم ... من غير إكراه، لكن خوفا ومداراة؛ وغاب عنك قوله تعالى، في عمار بن ياسر وأشباهه: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ} 2 إلى قوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ} 3، فلم يستثن الله إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان، بشرط طمأنينة قلبه. والإكراه لا يكون على العقيدة، بل على القول والفعل.. " الرسائل الشخصية، رقم (33) ص (215) ، الدرر السنية (13/61) . وهذا واضح جدا، ويكفينا هنا في تبرئة الشيخ رحمه الله من هذا الفهم السقيم لكلامه، لا سيما إذا ضممنا إليه ما سبق من موقفه العام من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106425 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 الصلاة خلف من يكتب التمائم [السُّؤَالُ] ـ[هل تجوز الصلاة خلف إمام يكتب التمائم التي يعتقد بعض الناس أنها تنجي من السحر والعين؟ إذا كانت لا تجوز فما العمل؟ مع العلم أننا نسكن في قرية لا تحتوي إلا على مسجد واحد، الذي يؤمه هذا الإمام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا يجوز تعليق التمائم ولو كانت من القرآن الكريم؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَلَا أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدَعَةً فَلَا وَدَعَ اللَّهُ لَهُ) رواه أحمد (17440) وحسنه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند. وقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ) رواه أحمد والحاكم، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم 6394 والتمائم إذا كانت من القرآن، فهي مما اختلف فيه العلماء، والراجح المنع؛ لعموم الأدلة، وسدا للذريعة، ولما في ذلك من الامتهان غالبا، إذا هذه التميمة ينام بها صاحبها، ويدخل بها الخلاء، ونحو ذلك. جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/212) : " اتفق العلماء على تحريم لبس التمائم إذا كانت من غير القرآن، واختلفوا إذا كانت من القرآن، فمنهم من أجاز لبسها ومنهم من منعها، والقول بالنهي أرجح لعموم الأحاديث ولسدِّ الذريعة " انتهى. وينظر: سؤال رقم (10543) ورقم (20349) . ثانيا: إذا كانت التمائم التي يكتبها هذا الإمام مشتملة على أمور شركية، كسؤال غير الله تعالى من الجن أو الملائكة أو الصالحين، أو كان هذا الإمام ممن يمارس هذا النوع من الشرك، أو يدعي علم الغيب، فلا تجوز الصلاة خلفه، وأما إن خلت من الشرك، وكان هو من أهل التوحيد، فالصلاة خلفه صحيحة، ويجب نصحه بكل حال؛ لأن التمائم محرمة بجميع أنواعها كما سبق. سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن الصلاة خلف من يكتب التمائم للناس فأجابت: " تجوز الصلاة خلف الذي يكتب التمائم من القرآن والأدعية المشروعة، ولا ينبغي له أن يكتبها لأنه لا يجوز تعليقها، وأما إذا كانت التمائم تشتمل على أمور شركية، فلا يصلى خلف الذي يكتبها، ويجب أن يبين له أن هذا شرك، والذي يجب عليه البيان هو الذي يعلمها " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (3/65) . وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله عن الصلاة خلف من يكتب التمائم، فأجاب: " وأما ما ذكرتم من كتابته التمائم فالتمائم فيها تفصيل: فإن كانت هذه التمائم فيها ألفاظ شركية ودعاء لغير الله عز وجل وأسماء مجهولة فهذه لا تجوز كتابتها ولا استعمالها بإجماع أهل العلم، لأنها شرك، وهذا لا يصلى خلفه، أما إذا كانت هذه التمائم مكتوبة من القرآن الكريم ومن الأدعية المباحة والأدعية الواردة، فهذه محل خلاف بين أهل العلم، منهم من أجازها ومنهم من منعها والمنع أحوط؛ لأنه في فتح الباب لكتابتها وتعليقها وسيلة إلى التمائم المحرمة، ولأنه في كتابة القرآن الكريم على صفة تمائم وحروز في ذلك تعريض لإهانته ودخول المواضع التي لا يجوز دخوله بها، لكن لا بأس بالصلاة خلف من يكتبها. فالحاصل أن كتابة التمائم إن كانت بألفاظ شركية أو بأسماء مجهولة أو بدعاء لغير الله أو استنجاد بالشياطين والمخلوقين والجن، فهذه ألفاظ شركية وكاتبها والذي يستعملها ويعلم ما فيها يكون مشركًا، أما إذا كانت من القرآن الكريم فالأحوط تجنبها وتركها وعدم استعمالها " انتهى من "المنتقى من فتاوى الفوزان". وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: " هل تجوز الصلاة خلف إمام مشعوذ ودجال، علما بأن منهم من يجيد قراءة القرآن؟ وجهونا جزاكم الله خيرا. فأجاب: إذا كان الإمام مشعوذا يدعي علم الغيب أو يقوم بخرافات ومنكرات، فلا يجوز أن يتخذ إماما ولا يصلى خلفه؛ لأن من ادعى علم الغيب فهو كافر نسأل الله العافية , يقول جل وعلا: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) [النمل/65] وهكذا من يتعاطى السحر حكمه حكم الكفار لقول الله تعالى: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ) الآية من سورة البقرة/102. أما إذا كان عنده شيء من المعاصي وليس عنده شيء من أعمال الكفر كالسحر ودعوى علم الغيب ولكن عنده شيء من المعاصي فالصلاة خلفه صحيحة، والأفضل التماس غيره من أهل العدالة والاستقامة احتياطا للدين وخروجا من خلاف العلماء القائلين بعدم جواز الصلاة خلفه. أما العصاة فلا ينبغي أن يتخذوا أئمة، لكن متى وُجدوا أئمة صحت الصلاة خلفهم لأنهم قد يبتلى بهم الناس وقد تدعو الحاجة للصلاة خلفهم. أما من يدعو غير الله أو يستنجد بالموتى ويستغيث بهم ويطلبهم المدد فهذا لا يصلى خلفه؛ لأنه يكون بهذا الأمر من جملة الكفار لأن هذا هو عمل المشركين الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم في مكة وغيرها. ونسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين وأن يمنحهم الفقه في الدين وأن يولي عليهم خيارهم إنه سميع قريب " انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (9/278) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 104111 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 هل فتحت نافذة فوق قبر الرسول صلى الله عليه وسلم للاستسقاء؟ [السُّؤَالُ] ـ[أريد جوابا تفصيليا عن مدى صحة الحديث الذي يقول به الصوفيون، من حديث عائشة التي تخبر فيه بفتح نافذة في قبر الرسول صلى الله عليه وسلم من أجل نزول المطر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الحديث المقصود يرويه أبو الجوزاء أَوْسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: (قُحِطَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ قَحْطاً شَدِيداً، فَشَكَوْا إِلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ: انْظُرُوا قَبْرَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَاجْعَلُوا مِنْهُ كِوًى إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى لاَ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ سَقْفٌ. قَالَ: فَفَعَلُوا، فَمُطِرْنَا مَطَراً حَتَّى نَبَتَ الْعُشْبُ وَسَمِنَتِ الإِبِلُ، حَتَّى تَفَتَّقَتْ مِنَ الشَّحْمِ، فَسُمِّىَ عَامَ الْفَتْقِ) . (كوى) جمع "كوة" وهي الفتحة. رواه الدارمي (1/56) رقم (92) تحت باب: ما أكرم الله تعالى نبيه بعد موته. قال الدارمي: حدثنا أبو النعمان، ثنا سعيد بن زيد، ثنا عمرو بن مالك النكري حدثنا أبو الجوزاء أوس بن عبد الله قال:. . . ثم ذكر الحديث. وهذا الأثر ضعيف، لا يصح، وقد بَيَّن العلامة الألباني ضعفه، فقال في كتابه: "التوسل" (ص128) : "وهذا سند ضعيف لا تقوم به حجة لأمور ثلاثة: أولها: أن سعيد بن زيد وهو أخو حماد بن يزيد فيه ضعف. قال فيه الحافظ في "التقريب": صدوق له أوهام. وقال الذهبي في "الميزان": "قال يحيى بن سعيد: ضعيف. وقال السعدي: ليس بحجة، يضعفون حديثه. وقال النسائي وغيره: ليس بالقوي. وقال أحمد: ليس به بأس، كان يحيى بن سعيد لا يستمرئه". وثانيها: أنه موقوف على عائشة وليس بمرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولو صح لم تكن فيه حجة، لأنه يحتمل أن يكون من قبيل الآراء الاجتهادية لبعض الصحابة مما يخطئون فيه ويصيبون، ولسنا ملزمين بالعمل بها. وثالثها: أن أبا النعمان هذا هو محمد بن الفضل يعرف بعارم وهو وإن كان ثقة فقد اختلط في آخر عمره. وقد أورده الحافظ برهان الدين الحلبي في "الاغتباط بمن رمي بالاختلاط" تبعا لابن الصلاح حيث أورده في (المختلطين) من كتابه "المقدمة" وقال: "والحكم فيهم أنه يقبل حديث من أخذ عنهم قبل الاختلاط، ولا يقبل من أخذ عنهم بعد الاختلاط، أو أشكل أمره فلم يدر هل أخذ عنه قبل الاختلاط أو بعده". قلت (الألباني) : وهذا الأثر لا يُدرى هل سمعه الدارمي منه قبل الاختلاط أو بعده، فهو إذن غير مقبول، فلا يحتج به. وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الرد على البكري": "وما روي عن عائشة رضي الله عنها من فتح الكوة من قبره إلى السماء لينزل المطر فليس بصحيح، ولا يثبت إسناده، ومما يبين كذب هذا: أنه في مدة حياة عائشة لم يكن للبيت كوة بل كان باقيا كما كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، بعضه مسقوف، وبعضهم مكشوف، وكانت الشمس تنزل فيه، كما ثبت في الصحيحين عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر والشمس في حجرتها لم يظهر الفيء. بعد ولم تزل الحجرة كذلك حتى زاد الوليد بن عبد الملك في المسجد في إمارته لما زاد الحجر في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم. . ومن حينئذ دخلت الحجرة النبوية في المسجد ثم إنه بنى حول حجرة عائشة التي فيها القبر جداراً عالياً وبعد ذلك جعلت الكوة لينزل منها من ينزل إذا احتيج إلى ذلك لأجل كنس أو تنظيف. وأما وجود الكوة في حياة عائشة فكذب بَيِّن" انتهى. ثانيا: ليس في هذا الحديث دليل لما يعتقده غلاة الصوفية من جواز الاستغاثة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، فأنت لا تجد في الحديث شيئا يدل على ذلك من قريب أو من بعيد، وغاية ما فيه إثبات كرامة للنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته، كما وصفها الدارمي في "مسنده" في تبويب الحديث، وهي بركة جسده الطاهر، وقدره الشريف عند الله تعالى، ولا يعني ذلك جواز أن يذهب المسلمون إليه ليستغيثوا به وهو في قبره، والصحابة رضوان الله عليهم لم يفعلوا ذلك، إنما كشفوا كوة من سقف حجرته ليواجه السماء، ولم يطلب أحد منهم السقيا من النبي صلى الله عليه وسلم، ولا خاطبوه بحاجتهم إلى ذلك. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "اقتضاء الصراط المستقيم" (ص/338) : " قصد القبور للدعاء عندها، ورجاء الإجابة بالدعاء هناك رجاء أكثر من رجائها بالدعاء في غير ذلك الموطن: أمرٌ لم يشرعه الله ولا رسوله ولا فعله أحد من الصحابة ولا التابعين ولا أئمة المسلمين، ولا ذكره أحد من العلماء والصالحين المتقدمين، بل أكثر ما ينقل من ذلك عن بعض المتأخرين بعد المائة الثانية. وأصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أجدبوا مرات، ودهمتهم نوائب غير ذلك، فهلا جاءوا فاستسقوا واستغاثوا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم؟! بل خرج عمر بالعباس فاستسقى به (أي بدعائه) ، ولم يستسق عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم. بل قد روي عن عائشة رضي الله عنها أنها كشفت عن قبر النبي صلى الله عليه وسلم لينزل المطر، فإنه رحمة تنزل على قبره، ولم تستسق عنده، ولا استغاثت هناك" انتهى. وبهذا يظهر أنه لا حجة في هذا الأثر للصوفية على جواز الاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم، أو التوسل بذاته أو جاهه إلى الله تعالى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103585 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 الاستخفاف بالله سبحانه على جهة الهزل [السُّؤَالُ] ـ[ي بخصوص صديق لي كان يمزح بجهل، فأثناء ما كان يمزح مع صديق آخر استفزه الأخير، فالتقط الأول سماعة الهاتف وقال بكل جهل: "لابد أن أخبر الله". ثم استمر قائلا في الهاتف: "مرحبا الله" كأنه يتكلم إلى الله، وأنا أعلم أن هذا لا يجوز لكن هل هذا شرك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله وبعد، فالإيمان بالله تعالى مبني على تعظيمه سبحانه وإجلاله والانقياد له، ولذا عاب الله الكافرين وأخبر أنهم إنما أشركوا به سبحانه غيره لما لم يقدروا الله حق قدره فقال: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) الزمر /67. فالله جل شأنه هو العظيم الذي تكاد السماوات تتفطر من عظمته كما قال سبحانه: (تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الشورى/5. ومن تفكر في مخلوقات الله رأى طرفا من آثار عظمته سبحانه، يقول النبي صلى الله وسلم في وصف الكرسي والعرش: (ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة بأرض فلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة) صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1/223) . ولا يجتمع في القلب الواحد تعظيم الله عز وجل مع الاستخفاف به ولذا كان الاستهزاء بالله تعالى أو بآياته ورسله كفر كيفما وقع جدا أو هزلا قال الله تعالى في سورة التوبة: (يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ) التوبة 64-66. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " وهذا نص في أن الاستهزاء بالله وبآياته وبرسوله كفر وقد دلت هذه الآية على أن كل من تنقص رسول الله جادا أو هازلا فقد كفر" الصارم المسلول (2/70) وقال القاضي أبو بكر بن العربي في أحكام القرآن عند هذه الآية: " لا يخلو أن يكون ما قالوه ـ أي المنافقين ـ من ذلك جدا أو هزلا، وهو ـ كيفما كان ـ كفر؛ فإن الهزل بالكفر كفر لا خلاف فيه بين الأمة " اهـ. وقال العلامة السعدي: " إن الاستهزاء بالله ورسوله كفر يخرج عن الدين لأن أصل الدين مبني على تعظيم الله وتعظيم دينه ورسله والاستهزاء بشيء من ذلك مناف لهذا الأصل ومناقض له أشد المناقضة ". وما قاله هذا الرجل فيه استخفاف بالله سبحانه ـ تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا ـ، وتنزيل لله ـ جل شانه وعز سلطانه ـ منزلة البشر، في الخطاب والكلام، وهذا كفر لا يشك فيه من له أدنى معرفة بدين الله، ولا يقدم عليه إلا جاهل طافح الجهل، أو رجل لا يعرف قلبه لله وقارا!! ثم زاد كفر الاستهزاء واللعب كفرا وضلالا، قول هذا البائس: (لا بد أن أخبر الله) ؛ فهل يحتاج الله تعالى إلى خبر الجاهل الظلوم؟!! (إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ) آل عمران/5. فعلى هذا المسكين أن يجدد إيمانه، ويدخل في الإسلام من جديد، ويتوب إلى الله تعالى من هذا الكفر الصراح، وليستكثر ـ فيما بقي من عمره ـ من الصالحات والخيرات، ما استطاع إلى ذلك سبيلا، لعل الله تعالى أن يتجاوز عنه، ويغفر له جهله وعدوانه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 102871 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 حكم عرض شعار الصحة المشتمل على صليب [السُّؤَالُ] ـ[لدي صيدلية ببرمنجهام انجلترا (المملكة المتحدة) وعلامة شعار الخدمة الوطنية للعناية بالصحة ببلدنا هو صليب يشبه هذا الشكل + ورأيي الحالي هو أنه يحرم عرض هذا الشكل لأن هناك عددا كبيرا من الأحاديث تخبرنا بأن حبيبنا رسول الله سيشوه أى شيئ يشبه الصليب، ولذلك فأنا لا أقوم حاليا بعرض ذلك الشعار لكنى آمل أن تتمكنوا من تأكيد ما إذا كنت قد أصبت بعدم عرضى له أم أن الإسلام يجيز لى عرضه. وجزاكم الله خيرا وأحسن الجزاء]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان هذا الشعار يحتوي على شكل الصليب الذي يعظمه النصارى، ووضع في الشعار لأنه صليب، فلا يجوز تعليقه أو عرضه، وقد أصبت في عملك؛ لما روى البخاري (5952) عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَتْرُكُ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا فِيهِ تَصَالِيبُ إِلَّا نَقَضَهُ. وروى أحمد (24567) عن أُمّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أُذَيْنَةَ قَالَتْ: كُنَّا نَطُوفُ بِالْبَيْتِ مَعَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَرَأَتْ عَلَى امْرَأَةٍ بُرْدًا فِيهِ تَصْلِيبٌ، فَقَالَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ: اطْرَحِيهِ اطْرَحِيهِ؛ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَأَى نَحْوَ هَذَا قَضَبَهُ. وأما شكل الصليب: فمن أهل العلم من قيده بأن يكون الخط الطولي، أعلاه أقل من أسفله، ومنهم من لم يشترط ذلك. ولهذا نقول: إذا كان على شكل الصليب المعظم هناك، فهو صليب. كما يشترط أن يوضع لأنه صليب، بخلاف ما لو كان علامة للحساب مثلا. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والصليب كل ما كان على شكل خطين متقاطعين هكذا عرفه صاحب المنجد ومعناه أن يكون على شكل خط مستقيم رأسه إلى فوق يعترضه خط رأسه إلى الجانب سواء كان هذا الخط المعترض في وسط الخط المستقيم أو فوق وسطه " انتهى من مجموع الفتاوى المجلد السادس، خطبة في تحقيق التوحيد. وفي فتاوى اللجنة الدائمة (2/121) : " شكل الصليب المدعى، الذي هو اليوم شعار النصارى، هو وضع خط ونحوه على خط أطول منه قليلا، بحيث يقع الأعلى القصير على قرابة ثلث الأسفل الطويل من فوق على أن يشكل التقاطع زوايا قائمة. عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز ". وفيها أيضا (6/182) : " ولا فرق بين ما إذا كان الخط العمودي في الصليب أطول من الأفقي وما إذا كان مثله، ولا بين ما إذا كان الجزء الأعلى من تقاطع الخطين أقصر أو مساو للأسفل منه. عبد الله بن قعود ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز" انتهى. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 101399 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 التبرك بماء قيل إنه فيه شعرة للنبي صلى الله عليه وسلم [السُّؤَالُ] ـ[لقد حضرت محاضرة في الأردن وقد كان الموضوع عن المسجد الأقصى ونصرة الدين وقد كانت المحاضِرة قد أحضرت لنا ماء مغموس بشعرة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم , وهذه الشعرة موجودة في مسجد الجزار في عكا في فلسطين. وقد وضع الماء داخل قارورة ثم خلطوها بخزان الماء حتى يستفيد منه أكبر عدد من النسوة وقد أخذت الماء مثلهن..والسؤال هل يجوز التبرك بهذا الماء بهدف الشفاء وأخذ البركة أفتونا جزاك الله كل خير مع العلم أن الماء ما زال عندي ولم أستخدمه بعد.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اتفق العلماء على جواز التبرك بآثار الرسول صلى الله عليه وسلم، من شعر وعرق وغيره؛ لقيام الأدلة على ذلك، فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ لَمَّا رَمَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَمْرَةَ وَنَحَرَ نُسُكَهُ وَحَلَقَ نَاوَلَ الْحَالِقَ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ فَحَلَقَهُ ثُمَّ دَعَا أَبَا طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيَّ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ ثُمَّ نَاوَلَهُ الشِّقَّ الْأَيْسَرَ فَقَالَ احْلِقْ فَحَلَقَهُ فَأَعْطَاهُ أَبَا طَلْحَةَ فَقَالَ اقْسِمْهُ بَيْنَ النَّاسِ) رواه مسلم (1305) . وعَنْ أَنَسٍ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ كَانَتْ تَبْسُطُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِطَعًا فَيَقِيلُ عِنْدَهَا عَلَى ذَلِكَ النِّطَعِ، فَإِذَا نَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَتْ مِنْ عَرَقِهِ وَشَعَرِهِ فَجَمَعَتْهُ فِي قَارُورَةٍ ثُمَّ جَمَعَتْهُ فِي سُكٍّ. قَالَ [القائل هو ثمامة بن عبد الله بن أنس] : فَلَمَّا حَضَرَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ الْوَفَاةُ أَوْصَى إِلَيَّ أَنْ يُجْعَلَ فِي حَنُوطِهِ مِنْ ذَلِكَ السُّكِّ قَالَ فَجُعِلَ فِي حَنُوطِهِ. رواه البخاري (6281) والنطع: بساط من جلد. والسُّك: نوع من الطيب يركب من المسك وغيره. فهذا وغيره يدل على أن ذات الرسول صلى الله عليه وسلم وما انفصل عنها من شعر وعرق ونحوه قد جعل الله فيه من البركة ما يتبرك بها ويرجى بسببها الفائدة في الدنيا والآخرة، والواهب لهذا الخير هو الله تبارك وتعالى. لكن الزعم الآن بأن هذا من شعر النبي صلى الله عليه وسلم أو آثاره، زعم لا يسنده دليل. وعامة ما يقال في هذا الباب هو نوع من الدجل والخرافة، كقولهم: إن هذه شعرة للنبي صلى الله عليه وسلم لأنها إذا وضعت تحت الشمس لم يكن لها ظل!! ومثل هذا الكلام لا ينبغي أن يلتفت إليه. قال الشيخ الألباني رحمه الله: " ونحن نعلم أن آثاره صلى الله عليه وسلم من ثياب أو شعر أو فضلات، قد فقدت، وليس بإمكان أحد إثبات وجود شيء منها على وجه القطع واليقين " التوسل ص 147 وعليه فلا يجوز التبرك بالماء المسئول عنه، حتى يعلم جزما أن ما وضع فيه هو من شعر النبي صلى الله عليه وسلم، ولا سبيل لإثبات ذلك. وينبغي الحذر من أهل الدجل والخرافة، ومروجي البدع، كما ينبغي تلقي العلم والدعوة على يد المعروفين بالسنة الذابين عنها والناشرين لها، وليتأمل العاقل كيف يتحول الحديث عن نصرة الدين إلى تعليق الناس بالأمور غير الثابتة! وكان الأجدى بالمحاضِرة أن تدعو الناس إلى تعلم السنة والتمسك بها؛ لأن ذلك من أسباب النصر. رزقنا الله وإياكم حسن الاتباع. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 100105 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 حكم دراسة علم النفس والقانون [السُّؤَالُ] ـ[أدرس حاليا علم النفس والقانون، وأفكر في أن أحصل على شهادتي العلمية في مجال علم النفس. فهل تجوز دراسة علم النفس والقانون والحصول على شهادة علمية فيهما، وفى حال جواز ذلك أرجو أن تمدوني بدليل وأن تقرنوه بإجابتكم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: هذان العلمان (علم النفس والقانون) تدرس فيهما المسائل على خلاف الشريعة الإسلامية؛ وهذا أمر مفهوم ومنطقي باعتبار أن القانون عند غير المسلمين يقابل الشريعة الإسلامية، وأن علم النفس عندهم يقابل الأخلاق والزهد والرقاق والتزكية والسلوك والتربية، وبما أن القوم لا يدينون بدين الإسلام، أيا كانت ملتهم مذهبهم؛ فمنطقي ـ كذلك ـ أن يصدروا في قانونهم وأخلاقهم عن غير شرع الله تعالى الذي ارتضاه لعباده، وإنما يصدرون في ذلك عن تجاربهم أو عقولهم أو أذواقهم أو أعرافهم؛ أو غير ذلك مما يجعلونه لهم، ونظاما يتبعونه. وإذا كان الأمر كذلك، فإن دراسة هذين العلمين وأشباههما - كالفلسفة والاقتصاد غير الإسلامي – لا تجوز للمسلم على سبيل الإفادة ـ المطلقة ـ منها واعتقاد ما فيها من ضلال والعمل به، واتخاذه دينا وشرعا متبعا؛ فإن الخير كل الخير في اتباع ما جاء به النبي من الهدى والنور، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً) (النساء:174) ، وقال تعالى: (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ) (المائدة: من الآية15) ، وقال تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) (يونس:108) . وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين عن النظر في كتب أهل الكتاب وغيرهم، وغضب صلى الله عليه وسلم عندما رأى في يد عمر رضي الله عنه كتابا من كتب اليهود كما جاء في مسند أحمد (14623) (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِتَابٍ أَصَابَهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكُتُبِ فَقَرَأَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَضِبَ فَقَالَ أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً لَا تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي) [حسنه الألباني في الإرواء: 6/34] . ويتأكد النهي عن تعلم ودراسة هذه العلوم إذا كان المسلم غير مؤهل لمعرفة ما فيها من شر، والتمييز بينه وبين ما فيها من خير؛ فإنه لابد إذا كان حاله كذلك أن يصيبه شيء من شرها؛ كما هو مشاهد من كثير ممن درس هذه العلوم من المسلمين في القرنين الماضيين، ممن سموا برواد التنوير في العالم العربي، ففتنوا وكانوا طليعة لتنحية الشريعة عن الحكم في بلاد المسلمين، وأحلوا مكانها القانون الروماني والفرنسي، وحاولوا وجدوا في صبغ المجتمعات الإسلامية بالصبغة الغربية في جميع مجالات الحياة، ووسموا القابضين على دينهم من المسلمين بالرجعية والتخلف والجمود والأصولية والظلامية، وأمثال هذه الألفاظ النابتة في البيئة الأوروبية. أما إذا كان المسلم من الكفاية العقدية والعقلية؛ بحيث لا يُخاف على مثله من الشبه والزيغ الموجود في هذه العلوم؛ فيجوز له دراستها، بل قد يجب على أفراد بأعيانهم متابعةُ الجديد عند غير المسلمين من نظريات وأفكار وفلسفات، للرد عليها وتبيين ما فيها من زيغ إذا تسربت إلى بلاد المسلمين، مستترة في أزياء الأدب والفن والثقافة ومناهج التعليم والاقتصاد والاجتماع ونظم الحكم والإدارة. ويتأكد الأمر إذا كان بتكليف من ولي الأمر المسلم الناصح لأمته، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت بتعلم لغة اليهود. وقد بوب بذلك البخاري رحمه الله في صحيحه - (6/2631) فقال: بَاب تَرْجَمَةِ الْحُكَّامِ وَهَلْ يَجُوزُ تَرْجُمَانٌ وَاحِدٌ وَقَالَ خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يَتَعَلَّمَ كِتَابَ الْيَهُودِ حَتَّى كَتَبْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُتُبَهُ وَأَقْرَأْتُهُ كُتُبَهُمْ إِذَا كَتَبُوا إِلَيْهِ. (رواه الترمذي وصححه برقم 2639) ، وصححه الألباني: المشكاة (4659) . وقد ورد إلى اللجنة الدائمة للإفتاء سؤال في هذا المعنى فأجابت بالآتي: " لا يجوز تعلم القوانين الوضعية لتطبيقها، ما دامت مخالفة لشرع الله، وتجوز دراستها وتعلمها لبيان ما فيها من دخل وانحراف عن الحق، ولبيان ما في الإسلام من العدل والاستقامة، والصلاح، وما فيه من غنى وكفاية لمصالح العباد. ولا يجوز لمسلم أن يدرس الفلسفة والقوانين الوضعية ونحوهما، إذا كان لا يقوى على تمييز حقها من باطلها خشية الفتنة والانحراف عن الصراط المستقيم، ويجوز لمن يهضمها ويقوى على فهمها بعد دراسة الكتاب والسنة؛ ليميز خبيثها من طيبها، وليحق الحق ويبطل الباطل، ما لم يشغله ذلك عما هو أوجب منه شرعا، وبهذا يُعلم أنه لا يجوز تعميم تعليم ذلك في دور العلم ومعاهده، بل يكون لمن تأهل له من الخواص؛ ليقوموا بواجبهم الإسلامي من نصرة الحق ودحض الباطل. فتاوى اللجنة الدائمة (14 / 232- 233) . فالنصيحة للأخ الكريم أن ينظر في حاله: هل تتوفر فيه الشروط المشار إليها؛ من العلم بالعقيدة الصحيحة والثبات عليها والتمتع بالعقل الراجح المميز بين الحق والباطل، والقدرة على دحض الشبه والزيغ بالأدلة الصحيحة والنصح للإسلام، فإن آنس من نفسه ذلك فليقدم على دراسة هذين العلمين، بعد استخارة الله تعالى، وإلا فالأولى في حقه ترك هذه الدراسة إلى شيء من العلوم المادية البحتة. وليعلم أن من ترك شيئا لله أبدله الله خيرا منه. نسأل الله لك التوفيق والهداية لما ينفعك في دينك ودنياك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 99983 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 أركان الإسلام [السُّؤَالُ] ـ[نرجو أن تشرح لنا أركان الإسلام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الإسلام يقوم على خمس أركان بينها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: (بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله , وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة , وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان) متفق عليه أخرجه البخاري برقم 8. والإسلام عقيدة وشريعة بيّن الله ورسوله فيه الحلال والحرام والأخلاق والآداب والعبادات والمعاملات والحقوق والواجبات ومشاهد القيامة، فلما أكمل الله هذا الدين على يد رسوله ارتضاه ليكون منهج حياة للبشرية كلها إلى أن تقوم الساعة: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) المائدة/3. وهذه أركان الإسلام وقواعده التي يقوم عليها (الركن الأول الشهادتان) : أن يعتقد الإنسان أن الله وحده هو الرب المالك المتصرف الخالق الرزاق، ويثبت له جميع الأسماء الحسنى والصفات العلى التي أثبتها لنفسه، أو أثبتها له رسوله ويعتقد أن الله وحده هو المستحق للعبادة دون سواه كما قال سبحانه: (بديع السماوات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم، ذلكم الله ربكم لا إله إلا الله هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل) الأنعام/101-102. كما يعتقد الإنسان أن الله أرسل رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه القرآن وأمره بإبلاغ هذا الدين إلى الناس كافة ويعتقد أن محبة الله ورسوله وطاعتهما واجبة على كل أحد ولا تتحقق محبة الله إلا بمتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم) آل عمران /31. (الركن الثاني الصلاة) : أن يعتقد الإنسان أن الله أوجب على كل مسلم بالغ عاقل خمس صلوات في اليوم والليلة يؤديها على طهارة فيقف بين يدي ربه كل يوم طاهراً خاشعاً متذللاً يشكر الله على نعمه ويسأله من فضله ويستغفره من ذنوبه ويسأله الجنة ويستعيذ به من النار والصلوات المفروضة في اليوم والليلة خمس صلوات هي الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء وهناك صلوات مسنونة كقيام الليل، وصلاة التراويح. وركعتي الضحى وغيرها من السنن. والصلاة فرضاً كانت أو نفلاً تمثل صدق التوجه إلى الله وحده في جميع الأمور وقد أمر الله المؤمنين كافة بالمحافظة عليها جماعة بقوله تعالى: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين) البقرة/238 والصلوات الخمس واجبة على كل مسلم ومسلمة في اليوم والليلة: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً) النساء/ 103. ولاحظ في الإسلام لمن ترك الصلاة فمن تركها عامداً فقد كفر كما قال سبحانه: (منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين) الروم /31. والإسلام يقوم على التعاون والأخوة والمحبة وقد شرع الله الاجتماع لهذه الصلوات وغيرها لتتحقق هذه الفضائل قال عليه الصلاة والسلام: (صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة) . رواه مسلم برقم 650. والصلاة عون للعبد على الشدائد والكربات قال تعالى: (واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين) البقرة/45. والصلوات الخمس تمحو الخطايا كما قال عليه الصلاة والسلام: (أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا لا يبقى من درنه شيء. قال فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا) رواه مسلم برقم 677. والصلاة في المسجد سبب لدخول الجنة قال عليه الصلاة والسلام من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له في الجنة نزلاً كلما غدا أو راح) . رواه مسلم برقم 669. والصلاة تجمع بين العبد وخالقه وكانت قرة عين الرسول صلى الله عليه وسلم فكان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة يناجي ربه ويدعوه ويستغفره، ويسأله من فضله. والصلاة بخشوع وتذلل. تقرب المسلم من ربه وتنهى عن الفحشاء والمنكر كما قال سبحانه: (اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) العنكبوت /45. (الركن الثالث الزكاة) : خلق الله الناس مختلفين في الألوان والأخلاق والعلوم والأعمال والأرزاق فجعل منهم الغني والفقير ليمتحن الغني بالشكر ويمتحن الفقير بالصبر ولما كان المؤمنون أخوة والأخوة تقوم على العطف والإحسان والرأفة والمحبة والرحمة لذا أوجب الله على المسلمين زكاة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم قال تعالى: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصلّ عليهم إن صلاتك سكن لهم) التوبة/103. فالزكاة تطهر المال وتنميه وتزكي النفوس من الشح والبخل وتقوي المحبة بين الأغنياء والفقراء فيزول الحقد ويسود الأمن وتسعد الأمة. وقد أوجب الله إخراج الزكاة على كل من ملك نصاباً حال عليه الحول من الذهب والفضة أو المعادن وعروض التجارة ربع العشر أما الزروع والثمار ففيها العشر إذا سقيت بلا مؤونة ونصف العشر فيما سقى بمؤونة عند الحصاد وفي بهيمة الأنعام مقادير مفصلة في كتب الفقه , فمن أخرجها كفر الله عنه سيئاته وبارك في ماله وادخر له الأجر العظيم قال تعالى: (وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه إن الله بما تعملون بصير) البقرة /110. ومنع الزكاة يجلب المصائب والشرور للأمة وقد توعد الله من منعها بالعذاب الأليم يوم القيامة فقال عز وجل: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم - يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون) التوبة /34-35. وإخفاء الزكاة أفضل من إظهارها أمام الناس كما قال تعالى: (إن تبدوا الصدقات فنعمّا هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم والله بما تعملون خبير) البقرة / 271 وإذا أخرج المسلم الزكاة فلا يجوز صرفها إلا فيما ذكر الله بقوله: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم) التوبة /60. (الركن الرابع صيام رمضان) : الصيام هو الإمساك عن المفطرات من الأكل والشرب والجماع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بنية الصوم. والصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد. وقد فرض الله الصوم على هذه الأمة شهراً في السنة لتتقي الله وتجتنب ما حرم الله ولتتعود على الصبر , وكبح جماح النفس وتتنافس في الجود والكرم والتعاون والتعاطف , والتراحم قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) البقرة /183 شهر رمضان شهر عظيم أنزل الله فيه القرآن وتضاعف فيه الحسنات والصدقات والعبادات وفيه ليلة القدر , خير من ألف شهر تفتح فيه أبواب السماء وتغلق أبواب جهنم. وتصفد الشياطين وقد أوجب الله صيام شهر رمضان على كل مسلم بالغ عاقل من ذكر وأنثى كما قال سبحانه: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه , ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام آخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون) البقرة/185 والصوم ثوابه عظيم عند الله قال عليه الصلاة والسلام: (كل عمل ابن آدم يضاعف , الحسنة بعشر أمثالها , إلى سبعمائة ضعف قال الله عز وجل إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به , يدع شهوته , وطعامه من أجلي) رواه مسلم , الصيام. (الركن الخامس الحج) : جعل الله للمسلمين قبلة يتجهون إليها عند صلاتهم ودعائهم حيث ما كانوا وهي البيت العتيق في مكة المكرمة: (فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) البقرة /144. ولما كانت ديار المسلمين متباعدة والإسلام يدعوا إلى الاجتماع والتعارف , كما يدعو إلى التعاون على البر والتقوى والتواصي بالحق والدعوة إلى الله وتعظيم شعائر الله لذا أوجب الله على كل مسلم بالغ عاقل قادر أن يزور بيته العتيق , ويطوف به , ويؤدي مناسك الحج كما بينها الله ورسوله. فقال تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) آل عمران /97. والحج موسم تتجلى فيه وحدة المسلمين , وقوتهم , وعزتهم فالرب واحد والكتاب واحد والرسول واحد والأمة واحدة والعبادة واحدة والملابس واحدة. وللحج آداب وشروط يجب أن يعمل بها المسلم كحفظ اللسان والسمع والبصر عما حرم الله وإخلاص النية وطيب النفقة , والتحلي بمكارم الأخلاق والابتعاد عن كل ما يفسد الحج من الرفث والفسوق والجدل كما قال سبحانه: (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب) البقرة /197. والحج إذا قام به المسلم على الوجه الشرعي الصحيح , وكان خالصاً لله كان كفارة لذنوبه قال عليه الصلاة والسلام: (من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه) رواه البخاري برقم 15210. [الْمَصْدَرُ] من كتاب أصول الدين الإسلامي للشيخ محمد بن ابراهيم التويجري. الحديث: 13569 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 مراتب الدين الإسلامي [السُّؤَالُ] ـ[هل للدين الإسلامي مراتب، وما هي مراتبه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله وبعد: فإن للدين الإسلامي ثلاث مراتب وهي: الإسلام، والإيمان، والإحسان. وكل مرتبة لها معنى، ولها أركان. فالمرتبة الأولى: الإسلام وهو لغة: الانقياد والإذعان. وأما في الشرع: فيختلف معناه بحسب إطلاقه وله حالتان: الحالة الأولى: أن يطلق مفرداً غير مقترن بذكر الإيمان فهو حينئذ يراد به الدين كله أصوله وفروعه من اعتقاداته وأقواله وأفعاله، كقوله تعالى: (إن الدين عند الله الإسلام) آل عمران/19، وقوله تعالى: (ورضيت لكم الإسلام دينا) المائدة/3، وقوله: (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه) آل عمران/85. ولذا عرفه بعض أهل العلم بقوله: هو الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله. الحالة الثانية: أن يطلق مقترنا بالإيمان فهو حينئذ يراد به الأعمال والأقوال الظاهرة كقوله تعالى: (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم) الحجرات/14 وفي صحيح البخاري (27) ومسلم (150) عن سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى رَهْطًا وَسَعْدٌ جَالِسٌ فِيهِمْ قَالَ سَعْدٌ: فَتَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُعْطِهِ وَهُوَ أَعْجَبُهُمْ إِلَيَّ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَكَ عَنْ فُلَانٍ؟ فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَاهُ مُؤْمِنًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَوْ مُسْلِمًا" قَالَ: فَسَكَتُّ قَلِيلا ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ مِنْهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَكَ عَنْ فُلَانٍ؟ فَوَاللَّهِ إِنِّي لأَرَاهُ مُؤْمِنًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَوْ مُسْلِمًا" قَالَ: فَسَكَتُّ قَلِيلا ثُمَّ غَلَبَنِي مَا عَلِمْتُ مِنْهُ، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا لَكَ عَنْ فُلانٍ؟ فَوَاللَّهِ إِنِّي لأَرَاهُ مُؤْمِنًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَوْ مُسْلِمًا إِنِّي لأُعْطِي الرَّجُلَ وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ خَشْيَةَ أَنْ يُكَبَّ فِي النَّارِ عَلَى وَجْهِهِ " فقوله صلى الله عليه وسلم: "أو مسلما "؛ لما قال له سعد رضي الله عنه مالك عن فلان فوالله إني لأراه مؤمنا: يعني أنك لم تطلع على إيمانه وإنما اطلعت على إسلامه من الأعمال الظاهرة. والمرتبة الثانية: الإيمان وهو في اللغة: التصديق المستلزم للقبول والإذعان. وفي الشرع: يختلف معناه بحسب إطلاقه وله حالتان أيضا: الحالة الأولى: أن يطلق على الإفراد غير مقترن بذكر الإسلام فحينئذ يراد به الدين كله كقوله عز وجل: (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور) البقرة /257، وقوله تعالى: (وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين) المائدة/23 وقوله صلى الله عليه وسلم: " إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون " أخرجه مسلم (114) . ولهذا أجمع السلف على أنه: " تصديق بالقلب ـ ويدخل فيه أعمال القلب ـ، وقول باللسان، وعمل بالجوارح، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية " ولهذا حصر الله الإيمان فيمن التزم الدين كله باطنا وظاهرا في قوله عز وجل: (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم) الأنفال/2-4 وقد فسر الله تعالى الإيمان بذلك كله في قوله تعالى: (ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون) البقرة/177، وفسره النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كله في حديث وفد عبد القيس في صحيح البخاري (53) ومسلم (17) فقال: " آمركم بالإيمان بالله وحده قال: أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة وصيام رمضان، وأن تؤدوا من المغنم الخمس ". وقد جعل صلى الله عليه وسلم صيام رمضان إيمانا واحتسابا من الإيمان وكذا قيام ليلة القدر وكذا أداء الأمانة وكذا الجهاد والحج واتباع الجنائز وغير ذلك وفي صحيح البخاري (9) ومسلم (35) : " الإيمان بضع وسبعون شعبة فأعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق " والآيات والأحاديث في هذا الباب يطول ذكرها. والحالة الثانية: أن يطلق الإيمان مقرونا بالإسلام وحينئذ يفسر بالاعتقادات الباطنة كما في حديث جبريل وما في معناه وكما في قول النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء الجنازة: "الهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان " أخرجه الترمذي (1024) وقال: حسن صحيح، وصححه الألباني كما في صحيح سنن الترمذي (1 / 299) وذلك أن الأعمال بالجوارح وإنما يتمكن منها في الحياة فأما عند الموت فلا يبقى غير قول القلب وعمله. والحاصل أنه إذا أفرد كل من الإسلام والإيمان بالذكر فلا فرق بينهما حينئذ بل كل منهما على انفراده يشمل الدين كله وإن فرق بين الاسمين كان الفرق بينهما بما ذكر (وهو أي الإسلام يختص بالأمور الظاهرة على الجوارح والإيمان بالأمور القلبية الباطنة) وهو الذي دل عليه حديث جبريل الذي رواه مسلم في صحيحه (8) عن عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ لا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ وَلا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنْ الإِسْلامِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الإِسْلامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتُقِيمَ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَان،َ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنْ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلا. قَالَ: صَدَقْتَ. قَالَ: فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ الإِيمَانِ. قَالَ: " أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ " قَالَ: صَدَقْتَ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ الإِحْسَانِ؟ قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ السَّاعَةِ؟ قَالَ: "مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنْ السَّائِلِ" قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا؟ قَالَ: " أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ " قَالَ: ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثْتُ مَلِيًّا، ثُمَّ قَالَ لِي:" يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنْ السَّائِلُ "؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: " فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ" والمرتبة الثالثة: الإحسان وهو في اللغة: إجادة العمل وإتقانه وإخلاصه. وفي الشرع يختلف معناه بحسب إطلاقه وله حالتان: الحالة الأولى: أن يطلق على سبيل الإفراد غير مقترن بذكر الإسلام والإيمان، فيراد به الدين كله كما سبق في الإسلام والإيمان. الحالة الثانية: أن يقترن بهما أو أحدهما فيكون معناه: تحسين الظاهر والباطن وقد فسره النبي صلى الله عليه وسلم تفسيراً لا يستطيعه أحد من المخلوقين غيره صلى الله عليه وسلم لما أعطاه الله من جوامع الكلم فقال صلى الله عليه وسلم: " الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك" وهي أعلى مراتب الدين وأعظمها خطرا وأهلها هم السابقون بالخيرات المقربون في أعلى الدرجات. وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أن مرتبة الإحسان على درجتين وأن للمحسنين في الإحسان مقامين متفاوتين: المقام الأول وهو أعلاهما: أن تعبد الله كأنك تراه وهذا يسميه بعض العلماء (مقام المشاهدة) وهو أن يعمل العبد كأنه يشاهد الله عز وجل بقلبه فيتنور القلب بالإيمان حتى يصير الغيب كالعيان فمن عبد الله عز وجل على استحضار قربه منه وإقباله عليه وأنه بين يديه كأنه يراه أوجب له ذلك الخشية والخوف والهيبة والتعظيم. المقام الثاني: مقام الإخلاص [والمراقبة] وهو أن يعمل العبد على استحضار مشاهدة الله إياه واطلاعه عليه وقربه منه فإذا استحضر العبد هذا في عمله وعمل عليه فهو مخلص لله تعالى لأن استحضاره ذلك في عمله يمنعه من الالتفات إلى غير الله، وإرادته بالعمل. وهذا المقام إذا حققه العبد سهل عليه الوصول إلى المقام الأول. ولهذا أتى به النبي صلى الله عليه وسلم تعليلا للأول فقال: " فإن لم تكن تراه فإنه يراك " وفي بعض ألفاظ الحديث: " فإنك إلا تكن تراه فإنه يراك" فإذا تحقق في عبادته بأن الله تعالى يراه ويطلع على سره وعلانيته وباطنه وظاهره ولا يخفى عليه شيء من أمره فحينئذ يسهل عليه الانتقال إلى المقام الثاني وهو دوام استشعار قرب الله تعالى من عبده ومعيته حتى كأنه يراه. نسأل الله من فضله العظيم. يراجع معارج القبول للشيخ حافظ الحكمي (2 / 20 – 33، 326 – 328) (المجموع الثمين 1 / 49، 53) (جامع العلوم والحكم 1/ 106) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49023 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 يسأل عن العقيدة الطحاوية [السُّؤَالُ] ـ[ما هي العقيدة الطحاوية؟ وما هو مقصدها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله العقيدة الطحاوية هي كتاب يحوي العقيدة التي كتبها الإمام الطحاوي فنسبت إليه، والتعريف بهذه العقيدة يقتضي النظر فيها من عدة جوانب: أولا: المؤلف: هو الإمام المحدث الفقيه أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي – نسبة إلى قرية بصعيد مصر -، تخرَّج على كثير من الشيوخ وأخذ عنهم وأفاد منهم، وقد أربى عددهم على ثلاثمائة شيخ. أثنى عليه غير واحد من أهل العلم: قال ابن يونس: كان الطحاوي ثقة ثبتا فقيها عاقلا لم يخلف مثله. وقال الذهبي: الفقيه المحدث الحافظ أحد الأعلام وكان ثقة ثبتا فقيها عاقلا. وقال ابن كثير: هو أحد الثقات الأثبات والحفاظ الجهابذة. وله من التصانيف ما هو في غاية التحقيق والجمع وكثرة الفوائد منها كتابه العظيم "معاني الآثار" فيه من الأبحاث الفقيهة المقرونة بدليلها مع مناقشة الخلاف والترجيح. ومنها كتاب "مشكل الآثار" وغيرها. توفي رحمه الله سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة (321هـ) ودفن في مصر بالقرافة. انظر ترجمته في "سير أعلام النبلاء" (15/27-33) ، "البداية والنهاية" (11/174) ثانيا: هذه العقيدة التي كتبها الطحاوي ذكر فيها جُمَلا من عقائد السلف الصالحين ومن تبعهم من أهل السنة والجماعة، والتي يقررها أئمة الأحناف – فقد كان الطحاوي على مذهب أبي حنيفة - وقد بين في مقدمته مقصوده من ذلك فقال: " هذا ذكر بيان عقيدة أهل السنة والجماعة على مذهب فقهاء المِلَّة: أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي، وأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري، وأبي عبد الله محمد بن الحسن الشيباني رضوان الله عليهم أجمعين، وما يعتقدون من أصول الدين، ويدينون به رب العالمين " انتهى. ثم شرع في ذكر أصول هذه العقائد، فبلغ ما ذكره (105) جملة من الأمور التي يؤمن بها أهل السنة والجماعة عامة. ابتدأها ببيان وحدانية الله تعالى وذكر شيء من صفات ربوبيته سبحانه كالحياة والقيومية والخلق والرزق، وإثبات صفات الكمال إثباتا بلا تكييف ولا تشبيه لقوله سبحانه وتعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) الشورى/11، ثم أعقبه بذكر وجوب الإيمان بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وعموم بعثته، ثم التعريف بالقرآن الكريم وأنه كلام الله غير مخلوق، وإثبات رؤية الله في الآخرة، ثم ذكر بعض ما يؤمن به أهل السنة من الغيبيات كالحوض والشفاعة والعرش والكرسي، وبعدها ذكر من أركان الإيمان القضاء والقدر، وما يعتقد أهل السنة والجماعة في هذا الباب، ثم انتقل إلى تعريف الإيمان وبيان أركانه وأنه يزيد وينقص ووضح مذهب أهل السنة بين مذاهب الخوارج والمرجئة، كما قرر ما يؤمن به أهل السنة في الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، وأن حبهم من الدين والإيمان والإحسان، وبغضهم من الكفر والنفاق والعصيان، ثم عرج على شيء من أشراط الساعة وما يكون يوم القيامة، ثم ختم رسالته ببيان وسطية هذا الدين، وأنه وسط بين الغلو والتقصير. ثالثا: وهي عقيدة سهلة العبارة، واضحة المعنى، تتسم بالجمع والاختصار، وقد اجتمع على مجملها أهل السنة والجماعة، فكانت – في معظمها – محل إجماع واتفاق بين أهل العلم. وقد اهتم كثير من العلماء بشرح هذه العقيدة وتفسير كلماتها ومعانيها، ومن أشهرهم ابن أبي العز الحنفي، حيث كتب شرحا مطولا عليها، ثم من المتأخرين الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمهما الله، وكذا فضيلة الشيخ سفر بن عبد الرحمن الحوالي حفظه الله، فيمكن لمن أراد التوسع في فهم معاني الطحاوية الرجوع إلى هذه الشروح. رابعا: عقيدة الطحاوي اقتصرت على جمل المسائل، وإنما الذي كتب لها الذيوع والشهرة في أوساط السلفيين خاصة، هو شرحها الذي كتبه العلامة ابن أبي العز الحنفي رحمه الله، وهو أهم شروحها وأوسعها مادة، وقد استقى مادة هذا الشرح من كتب أهل السنة، لاسيما كتب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وتلميذه ابن القيم رحمه الله. خامسا: رغم ما أشرنا إليه من محاسن هذه العقيدة، وشرحها للعلامة ابن أبي العز؛ ففيها ـ أيضا ـ عدة مسائل قد انتقدت، لمخالفتها لما عليه السلف؛ مثل قوله في تعريف الإيمان: " والإيمان هو الإقرار باللسان، والتصديق بالجنان "؛ فإن الاقتصار على ذلك هو مذهب مرجئة الفقهاء الذين يخرجون أعمال الجوارح من حقيقة الإيمان. وهكذا قوله بعدها: " والإيمان واحد، وأهله في أصله سواء ". وفيها أيضا بعض العبارات المجملة التي تحتمل معاني باطلة، بل كثر استعمالها من أهل البدع في مقاصد تخالف ما عليه السلف الصالح؛ مثل قوله: " وتعالى عن الحدود والغايات، والأركان والأعضاء والأدوات، لا تحويه الجهات كسائر المبتدعات "؛ فمثل هذه العبارات يستعملها المعطلة في نفي ما ثبت لله تعالى في كتابه وسنة رسوله، من الصفات الحسنى اللائقة بكماله سبحانه، مثل الوجه واليدين والعينين..، فيسمونها الجوارح والأعضاء، وينزهون الله عنها. ومثل علوه سبحانه فوق خلقه، واستوائه على عرشه في سمائه، فيسمون هذه " جهة، ومكانا " وينزهون الله تعالى عنها. ولأجل ذلك كان من المهم لطالب العلم أن يعتني بأخذ هذه العقيدة عمن شرحها من أهل السنة، كابن أبي العز قديما، ومن علمائنا المعاصرين من علق عليها تعليقات مختصرة، كما أشرنا إليه. ويوجد لها شروح صوتية كثيرة، وبعضها مفرغ، مثل شرح الشيخ صالح آل الشيخ، وشرح الشيخ يوسف الغفيص، وغيرهما من أهل العلم. وللشيخ سفر الحوالي حفظه الله وعافاه، شرح وتعليق مطول على شرح ابن أبي العز، يمكن الرجوع إليه في موقعه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93197 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 نصوص من الوحي تفيد أن الإسلام دين رباني [السُّؤَالُ] ـ[المرجو حصولي على نصوص قرآنية تفيد أن الإسلام ربّاني المصدر.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا فرق في الاستدلال والحجية بين القرآن الكريم وبين السنَّة النبويَّة، فكلاهما وحيٌ من الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، والسنة النبوية تفسر القرآن وتبينه، وقد أمر الله تعالى بالأخذ بما جاء به نبيه صلى الله عليه وسلم، والانتهاء عما نهى عنه فقال: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا) الحشر / 7، والسنَّة هي " الحكمة " الواردة في كتاب الله تعالى في آيات كثيرة، منها قوله تعالى (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) البقرة/151، وقوله تعالى: (وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) البقرة/231. والذي دعانا لهذا التنبيه ما جاء في السؤال من طلب نصوص قرآنية تفيد ربانية الإسلام، ولو كان السؤال عن نصوص الوحي أو أدلة من القرآن والسنة لكان أولى وأفضل. ثانياً: الإسلام دين ربَّاني، فهو وحيٌ من الله تعالى، والقرآن الكريم والسنَّة المطهرة كلاهما من الله تعالى، وقد جعل الله تعالى هذا الدين خاتماً للأديان، وجعل نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين. وكل محاولة للقضاء على الإسلام، أو لتحريفه أو تبديله من الكفار والملحدين فستبوء بالفشل والخسران؛ لأن الله تعالى تكفَّل بحفظ دينه كتاباً وسنَّة. ويكفي هذا دليلاً على ربانية الإسلام، ومن اطلع على محاولات القضاء على الإسلام والنيل من القرآن وتحريف السنَّة، واطلع على حفظ الله تعالى لدينه: علم أن هذا الدين لو كان مصدره البشر وعقولهم وأفكارهم لكان الآن في المجهول، لكن أبى الله تعالى إلا أن يتكفل بحفظ دينه، بل بشرنا بظهوره على الأديان كلها، وانتشاره في الآفاق. وإليكِ بعض النصوص القرآنية التي تفيد أن الإسلام رباني المصدر: 1. قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا) المائدة/3. 2. قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) الحِجر/9. 3. قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) آل عمران/81. 4. قال تعالى: (أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) آل عمران/83. 5. قال تعالى: (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ) الأنعام/50. 6. قال تعالى: (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآَنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ. قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) يونس/15، 16. 7. قال تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) النحل/44، وهذا دليل على أن السنة من مصادر التشريع الرباني. 8. قال تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) الحديد/25. 9. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا) النساء/174. 10. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) يونس/57. 11. قال تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ) الشورى/52، 53. 12- قال تعالى: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى) النجم / 1-4 13- وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) المائدة/67 والآيات في بيان هذا الأصل كثيرة جدا، ننصحك بأن تتدبري كتاب الله تعالى بنفسك، أثناء قراءتك له، وسوف تجدين في هذا ما تطلبين وأكثر إن شاء الله تعالى، مع استعانتك ببعض التفاسير الموثوقة، كتفسير ابن كثير، أو ابن سعدي، ونحوهما. وقد جاء في سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ربانية الإسلام، وأن مصدره من الله عز وجل، وأن النبي صلى الله عليه ليس إلا مبلغ عن ربه تعالى ما يوحيه له، ومنها: 1. عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ الْكِنْدِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَلا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ) رواه أبو داود (4604) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ". 2. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا أُعْطِيكُمْ وَلا أَمْنَعُكُمْ إِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ أَضَعُ حَيْثُ أُمِرْتُ) .رواه البخاري (2949) . 3. عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْبُلْدَانِ شَرٌّ؟ قَالَ: فَقَالَ: لا أَدْرِي، فَلَمَّا أَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: يَا جِبْرِيلُ أَيُّ الْبُلْدَانِ شَرٌّ؟ قَالَ: لا أَدْرِي حَتَّى أَسْأَلَ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ، فَانْطَلَقَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلام ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثَ ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ سَأَلْتَنِي أَيُّ الْبُلْدَانِ شَرٌّ فَقُلْتُ لا أَدْرِي، وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ أَيُّ الْبُلْدَانِ شَرٌّ؟ فَقَالَ: أَسْوَاقُهَا. رواه أحمد (16302) وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " (325) . 4. عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوا لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ، ثُمَّ قَرَأَ (إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ. لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ)) . رواه البخاري (2786) ومسلم (21) . 5- وفي حديث أبي سفيان الطويل مع هرقل، وهو حديث جليل، عظيم الفوائد، وفيه أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِي رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ، وَكَانُوا تِجَارًا بِالشَّأْمِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَادَّ فِيهَا أَبَا سُفْيَانَ وَكُفَّارَ قُرَيْشٍ، فَدَعَاهُمْ فِي مَجْلِسِهِ وَحَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ، ثُمَّ دَعَاهُمْ وَدَعَا بِتَرْجُمَانِهِ فَقَالَ: أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا بِهَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ؟! فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَقُلْتُ أَنَا أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا؟ فَقَالَ: أَدْنُوهُ مِنِّي وَقَرِّبُوا أَصْحَابَهُ فَاجْعَلُوهُمْ عِنْدَ ظَهْرِهِ، ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُمْ إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ!!) وكان من جملة هذه الأسئلة الحكيمة التي طرحها هرقل على أبي سفيان أن قال: (فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟!) فقال أبو سفيان: (قُلْتُ: لا!!) وفي نهاية أسئلته، بين هرقل لأبي سفيان مراده بكل سؤال سأله، فقال في هذا السؤال: (وَسَأَلْتُكَ: هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ فَذَكَرْتَ أَنْ: لا؛ فَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَذَرَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ..) رواه البخاري (7) ومسلم (1773) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 84352 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 حكم من تكررت منه الردة [السُّؤَالُ] ـ[تنص سورة النساء على أن الله لن يقبل إسلام من يكفر أكثر من 3 مرات، ولن يهديه، فهل يشمل ذلك ترك الصلاة على سبيل المثال 3 مرات؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد للَّه القاعدة العظيمة التي يقررها الله سبحانه وتعالى في وحيه، ويذكر أنها قاعدة الحساب ومبدأ الثواب والعقاب، أن التوبة تَجُبُّ ما قبلها، وأن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن باب التوبة مفتوح لكل عبد، ولو وقع في الذنب والكفر مرّاتٍ ومرّاتٍ، فإنَّ كرمه سبحانه وتعالى ورحمته بعباده اقتضت أن تقبل توبة التائب ويغفر له ذنبه. يقول الله عز وجل: (قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ) الأنفال/38 ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلِهَا، وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ) رواه مسلم (121) كما جاءت الآيات تدل على قبول توبة المرتد إذا عاد إلى الإسلام وصدقت توبته: يقول سبحانه وتعالى: (كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ) وبعد ذلك كله قال سبحانه: (إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ) آل عمران/86-89 أما من ارتد ثم ازداد كفرا وطغيانا، ولم يتب، ولم يرجع إلى الإسلام، فهذا هو الذي جاءت الآية في سورة النساء – التي قصدها السائل الكريم – وجاءت آية آل عمران أيضا بعدم قبول توبته. يقول سبحانه وتعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْراً لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الضَّآلُّونَ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ) آل عمران/90-91 وقال سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْراً لَّمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً) النساء/137 يقول ابن كثير رحمه الله في "تفسير القرآن العظيم" (1/753) : " يخبر تعالى عمن دخل في الإيمان ثم رجع عنه، ثم عاد فيه، ثم رجع واستمر على ضلاله، وازداد حتى مات، فإنه لا توبة بعد موته، ولا يغفر الله له، ولا يجعل له مما هو فيه فرجا ولا مخرجا ولا طريقا إلى الهدى، ولهذا قال: (لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا) قال ابن أبي حاتم.. عن ابن عباس في قوله تعالى: (ثم ازدادوا كفرا) قال: تمادوا على كفرهم حتى ماتوا. وكذا قال مجاهد " انتهى. ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (16/28-29) : " وهؤلاء الذين لا تقبل توبتهم قد ذكروا فيهم أقوالا: قيل لنفاقهم، وقيل: لأنهم تابوا مما دون الشرك ولم يتوبوا منه، وقيل لن تقبل توبتهم بعد الموت، وقال الأكثرون كالحسن وقتادة وعطاء الخراساني والسدى: لن تقبل توبتهم حين يحضرهم الموت، فيكون هذا كقوله (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ) النساء/18 وكذلك قوله (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْراً لَّمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً) النساء/137 قال مجاهد وغيره من المفسرين: (ازدادوا كفرا) ثبتوا عليه حتى ماتوا. قلت (هو ابن تيمية) : وذلك لأن التائب راجع عن الكفر، ومن لم يتب فإنه مستمر، يزداد كفرا بعد كفر، فقوله: (ثم ازدادوا) بمنزلة قول القائل: ثم أصروا على الكفر، واستمروا على الكفر، وداموا على الكفر، فهم كفروا بعد إسلامهم، ثم زاد كفرهم وما نقص، فهؤلاء لا تقبل توبتهم، وهي التوبة عند حضور الموت؛ لأن من تاب قبل حضور الموت فقد تاب من قريب، ورجع عن كفره، فلم يزدد، بل نقص، بخلاف المصر إلى حين المعاينة " انتهى. ولم يختلف أهل العلم في أن المرتد إذا صدقت توبته ورجع إلى الإسلام، فإن الله سبحانه وتعالى يقبله عنده ويغفر له ما قد مضى وسلف، وإن تكررت ردته. هذا بالنسبة لما عند الله تعالى في الآخرة. وأما بالنسبة لأحكام الظاهر في الدنيا فقد قال بعض أهل العلم بأن من تكررت ردته فإننا نقتله ولا نقبل توبته، فالخلاف بين أهل العلم هو في قبول التوبة من حيث أحكام الظاهر، وليس النسبة لما عند الله سبحانه وتعالى. يقول ابن قدامة في "المغني" (12/271ط هجر) : " وفي الجملة، فالخلاف بين الأئمة في قبول توبتهم في الظاهر من أحكام الدنيا وترك قتلهم وثبوت أحكام الإسلام في حقهم. وأما قبول الله تعالى لها في الباطن، وغفرانه لمن تاب وأقلع باطنا وظاهرا، فلا خلاف فيه " انتهى. ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (16/30) : " والفقهاء إذا تنازعوا فى قبول توبة من تكررت ردته أو قبول توبة الزنديق، فذاك إنما هو فى الحكم الظاهر؛ لأنه لا يوثق بتوبته، أما إذا قدر أنه أخلص التوبة لله فى الباطن، فإنه يدخل فى قوله: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر/53 " انتهى. على أن الصحيح من قولي أهل العلم أن توبة من تكررت ردته مقبولة في أحكام الظاهر أيضا، وتجري عليه أحكام الإسلام، وهو قول جماهير أهل العلم: الحنفية والشافعية والمشهور عند المالكية، وآخر قولي أحمد بن حنبل. انظر حاشية تبيين الحقائق (3/284) ، فتح القدير (6/68) ، الإنصاف (10/332-335) تحفة المحتاج (9/96) ، كشاف القناع (6/177-178) ، "الموسوعة الفقهية" (14/127-128) وعزا في المبسوط (10/99-100) لعلي وابن عمر عدم قبول توبة من تكررت ردته. وعليه فإن توبة تارك الصلاة مقبولة إذا صدق، ولو تكرر منه الترك مرات كثيرة، ولكن على العبد أن يحذر، فقد تأتيه المنية قبل أن يوفق للتوبة، وقد يعجل الله تعالى عقوبته في الدنيا قبل الآخرة. نسأل الله تعالى أن يرحمنا وإياكم برحمته الواسعة. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83117 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 فضل الصحابة رضوان الله عليهم [السُّؤَالُ] ـ[أرجو توضيحاً في فضل الصحابة، وما هي مميزاتهم عن غيرهم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اعتقاد عدالةِ الصحابة وفضلهم هو مذهبُ أهلِ السنة والجماعة، وذلك لما أثنى اللهُ تعالى عليهم في كتابه، ونطقت به السنَّةُ النبويةُ في مدحهم، وتواتر هذه النصوص في كثير من السياقات مما يدل دلالة واضحة على أن الله تعالى حباهم من الفضائل، وخصهم من كريم الخصال، ما نالوا به ذلك الشرف العالي، وتلك المنزلة الرفيعة عنده؛ وكما أن الله تعالى يختار لرسالته المحل اللائق بها من قلوب عباده، فإنه سبحانه يختار لوراثة النبوة من يقوم بشكر هذه النعمة، ويليق لهذه الكرامة؛ كما قال تعالى: (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) الأنعام/ 124. قال ابن القيم رحمه الله: " فالله سبحانه أعلم حيث يجعل رسالاته أصلا وميراثا؛ فهو أعلم بمن يصلح لتحمل رسالته فيؤديها إلى عباده بالأمانة والنصيحة، وتعظيم المرسل والقيام بحقه، والصبر على أوامره والشكر لنعمه، والتقرب إليه، ومن لا يصلح لذلك، وكذلك هو سبحانه أعلم بمن يصلح من الأمم لوراثة رسله والقيام بخلافتهم، وحمل ما بلغوه عن ربهم " طريق الهجرتين، ص (171) . وقال تعالى: (وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) الأنعام/53. قال الشيخ السعدي رحمه الله: " الذين يعرفون النعمة، ويقرون بها، ويقومون بما تقتضيه من العمل الصالح، فيضع فضله ومنته عليهم، دون من ليس بشاكر. فإن الله تعالى حكيم، لا يضع فضله، عند من ليس له أهل. " وكما جاءت الآيات والأحاديث بفضلهم وعلو منزلتهم، جاءت أيضا بذكر الأسباب التي استحقوا بها هذه المنازل الرفيعة، ومن ذلك قوله تعالى: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) الفتح/29 ومن أعظم موجبات رفعة مكانة الصحابة، ما شهد الله تعالى لهم من طهارة القلوب، وصدق الإيمان، وتلك – والله - شهادة عظيمة من رب العباد، لا يمكن أن ينالها بَشَر بعد انقطاع الوحي. اسمع قوله سبحانه وتعالى: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) الفتح/18 قال ابن كثير رحمه الله في "تفسير القرآن العظيم" (4/243) : " فعلم ما في قلوبهم: أي: من الصدق والوفاء والسمع والطاعة " انتهى. وما أحسن ما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: " من كان منكم مستنا فليستن بمن قد مات؛ فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة؛ أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا أفضل هذه الأمة؛ أبرها قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوهم في آثارهم، وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم ودينهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم " رواه ابن عبد البر في الجامع، رقم (1810) . وقد وعد الله المهاجرين والأنصار بالجنات والنعيم المقيم، وأحَلَّ عليهم رضوانه في آيات تتلى إلى يوم القيامة، فهل يعقل أن يكون ذلك لمن لا يستحق الفضل!؟ يقول سبحانه وتعالى: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) التوبة/100 وقد شهد لهم بالفضل سيد البشر وإمام الرسل والأنبياء، فقد كان شاهدا عليهم في حياته، يرى تضحياتهم، ويقف على صدق عزائمهم، فأرسل صلى الله عليه وسلم كلمات باقيات في شرف أصحابه وحبه لهم. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تَسُبُّوا أَصحَابِي؛ فَوَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَو أَنَّ أَحَدَكُم أَنفَقَ مِثلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدرَكَ مُدَّ أَحَدِهِم وَلا نَصِيفَهُ) رواه البخاري (3673) ومسلم (2540) وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خَيرُ النَّاسِ قَرنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُم، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُم) رواه البخاري (2652) ومسلم (2533) يقول الخطيب البغدادي رحمه الله في "الكفاية" (49) : " على أنه لو لم يرد من الله عز وجل ورسوله فيهم شيء، لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة، والجهاد، والنصرة، وبذل المهج والأموال، وقتل الآباء والأولاد، والمناصحة في الدين، وقوة الإيمان واليقين، القطعَ على عدالتهم، والاعتقاد لنزاهتهم، وأنهم أفضل من جميع المعدلين والمزكين الذين يجيؤون من بعدهم أبد الآبدين، هذا مذهب كافة العلماء، ومن يعتد بقوله من الفقهاء " انتهى. ولو ذهبنا نسرد مواقفهم التي نصروا فيها الدين، وأعمالهم التي استحقوا بها الرفعة والمنزلة العالية، لما كفتنا المجلدات الطوال، فقد كانت حياتهم كلها في سبيل الله تعالى، وأي قرطاس يسع حياة المئات من الصحابة الذين ملؤوا الدنيا بالخير والصلاح. يقول ابن مسعود رضي الله عنه: " إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه، يقاتلون على دينه، فما رأى المسلمون حسنا فهو عند الله حسن، وما رأوا سيئا فهو عند الله سيئ " انتهى رواه أحمد في "المسند" (1/379) وقال المحققون: إسناده حسن. وسبق التوسع أيضا في تقرير ذلك في جواب السؤال رقم (13713) (45563) ثانيا: لا بدَّ أن نعلم أن الصحابة رضي الله عنهم ليسوا بمعصومين، وهذا هو مذهبُ أهل السنة والجماعة، وإنما هم بشرٌ يجوزُ عليهم ما يجوز على غيرهم. وما صدر من بعضهم من المعاصي أو الأخطاء، فهو إلى جانبِ شرفِ الصحبة وفضلِها مُغْتَفَرٌ ومَعْفُوٌّ عن صاحبه، والحسناتِ يُذْهِبْنَ السيئات، ومقامُ أَحَدِ الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم لحظة من اللحظات في سبيل هذا الدين لا يعدلها شيء. يقول شيخ الإسلام رحمه الله: " وأهل السنة تحسن القول فيهم وتترحم عليهم وتستغفر لهم، لكن لا يعتقدون العصمة من الإقرار على الذنوب وعلى الخطأ في الاجتهاد إلا لرسول الله، ومن سواه فيجوز عليه الإقرار على الذنب والخطأ، لكن هم كما قال تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ) الاحقاف/16 الآية، وفضائل الأعمال إنما هي بنتائجها وعواقبها لا بصورها " [مجموع الفتاوي 4/434] . وقد قرر ذلك الكتاب والسنة في أكثر من موقف: فقد تجاوزَ الله سبحانه وتعالى عمن تولى يوم أُحُدٍ من الصحابة، فقال سبحانه وتعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) آل عمران/155 ولما أذنب بعض الصحابة حين أخبر قريشا بمقدم النبي صلى الله عليه وسلم بالجيش عام الفتح، وهَمَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقتله، قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّهُ قَد شَهِدَ بَدرًا، وَمَا يُدرِيكَ؟ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهلِ بَدرٍ فَقَالَ: اعمَلُوا مَا شِئتُم، فَقَد غَفَرتُ لَكُم) رواه البخاري ومسلم (2494) وغير ذلك من المواقف التي وقع فيها بعض الصحابة بالمعصية والذنب، ثم عفا الله تعالى عنهم، وغفرها لهم، مما يدل على أنهم يستحقون الفضل والشرف، وأنه لا يقدح في ذلك شيء مما وقعوا فيه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أو بعد وفاته، فإن الآيات السابقة في فضلهم وتبشيرهم بالجنة، أخبار لا ينسخها شيء. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83121 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 كما تَدِينُ تُدَان [السُّؤَالُ] ـ[ (كَمَا تَدِينُ تُدَانُ) ماذا يدل على صحة هذه المقولة من الدين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله (كما تدين تدان) ، أو (الجزاء من جنس العمل) ، حكمة بليغة تناقلها الناس قديما، وجاءت الشواهد من الكتاب والسنة دالة على صدقها، فهي سنة كونية جعلها الله سبحانه وتعالى عظة وعبرة للناس. يقول ابن القيم رحمه الله في "مفتاح دار السعادة" (1/71) : " تظاهر الشرع والقدر على أن الجزاء من جنس العمل " انتهى. وروى عبد الرزاق في "المصنف" (11/178) عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (البِرُّ لا يَبْلَى، وَالِإثْمُ لَا يُنْسَى، وَالدَّيَّانُ لَا يَمُوتُ، فَكُن كَمَا شِئتَ، كَمَا تَدِينُ تُدَانُ) قال الحافظ ابن حجر "فتح الباري" (13/466) : " مرسل، ورجاله ثقات " انتهى. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع. وعن مالك بن دينار قال: مكتوب في التوراة (كَمَا تَدِينُ تُدَانُ، وَكَمَا تَزرَعُ تَحصُدُ) رواه الخطيب البغدادي في "اقتضاء العلم العمل" (98) قال ابن قتيبة رحمه الله: ويقولون "كما تَدِينُ تُدان" أي: كما تَفعل يُفعل بك، وكما تُجازِي تُجازَى، وهو من قولهم: "دِنْتُه بما صَنَعَ" أي: جازيته. قال في لسان العرب (13/164) : " أي: كما تُجازِي تُجازَى، أي: تُجَازَى بفعلك وبحسب ما عملت " انتهى. وهي قاعدة عظيمة مطردة في جميع الأحوال، وبالتأمل في الكتاب والسنة نجد شواهد ذلك: فقد عاقب الله تعالى المنافقين بجنس ما أذنبوا وارتكبوا، فقال في سورة البقرة: (وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ) فعاقبهم على استهزائهم بدين الله عقابا من جنس عملهم، فقال سبحانه: (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) البقرة/14-15 وقال تعالى في سورة التوبة: (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ، سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) التوبة/79 قال ابن كثير رحمه الله "تفسير القرآن العظيم" (4/128) : " قوله (سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ) من باب المقابلة على سوء صنيعهم واستهزائهم بالمؤمنين؛ لأن الجزاء من جنس العمل " انتهى. وكذلك الحدود التي شرعها الله تعالى، كان الجزاء فيها من جنس العمل. يقول ابن كثير في تفسير قوله تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) المائدة/38 " أي مجازاة على صنيعهما السيء في أخذهما أموال الناس بأيديهم، فناسب أن يقطع ما استعانا به في ذلك، والجزاء من جنس العمل " انتهى. ومما وعد الله به عباده المؤمنين قوله تعالى (هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) الرحمن/60 قال ابن القيم في "بدائع الفوائد" (3/528) : " لأن الجزاء من جنس العمل، فكما أحسنوا بأعمالهم أحسن الله إليهم برحمته " انتهى. كما رتب الله تعالى من الأجور والثواب على بعض الأعمال ما هو مشاكل ومناسب للعمل نفسه، ومن ذلك: قوله تعالى: (وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) البقرة/40 وقوله تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ) البقرة/152 وقوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) محمد/7 وقوله سبحانه: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) النور/22 يقول ابن كثير رحمه الله "تفسير القرآن العظيم" (3/368) : " فإن الجزاء من جنس العمل، فكما تغفر عن المذنب إليك نغفر لك، وكما تصفح نصفح عنك " انتهى. ومن السنة أحاديث كثيرة، منها: قوله صلى الله عليه وسلم: (ارحَمُوا مَن فِيْ الأَرضِ يَرحَمْكُمْ مَن فِي السَّمَاءِ) رواه أبو داود (4941) وصححه الألباني في صحيح أبي دواد. وقوله صلى الله عليه وسلم: (احفَظِ اللَّهَ يَحفَظْكَ) رواه الترمذي (2516) وقال: حسن صحيح، وصححه الألباني في صحيح الجامع. وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (المُسلِمُ أَخُو المُسلِمِ لا يَظلِمُهُ وَلا يُسْلِمُه، مَن كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَن فَرَّجَ عَن مُسلِمٍ كُربَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنهُ بِهَا كُربَةً مِن كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ، وَمَن سَتَرَ مُسلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَومَ القِيَامَةِ) رواه البخاري (2442) ومسلم (2580) قال ابن رجب "جامع العلوم والحكم" (1/338) : " هذا يرجع إلى أن الجزاء من جنس العمل، وقد تكاثرت النصوص بهذا المعنى " انتهى. ومن ذلك أيضا ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه، في قول الله تعالى للرحم حين تعلقت به سبحانه: (أَمَا تَرضَينَ أَن أَصِلَ مَن وَصَلَكِ وَأَقطَعَ مَن قَطَعَكِ؟ قَالَت: بَلَى، قَالَ: فَذَاكِ لَكِ) رواه البخاري (4830) ومسلم (2554) . وقد جاء في السنة من الوعيد على بعض الذنوب ما هو مناسب ومشاكل لها، فمن ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم: (مَن لَعَنَ شَيئًا لَيسَ لَهُ بِأَهلٍ رَجَعَتِ الَّلعنَةُ عَلَيهِ) رواه الترمذي (1978) وقال: حسن غريب. وقوله صلى الله عليه وسلم: (مَن ضَارَّ ضَارَّ اللَّهُ بِهِ، وَمَن شَاقَّ شَاقَّ اللَّهُ عَلَيهِ) رواه الترمذي (1940) وقال: حسن غريب. ومنه ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَن سُئِلَ عَن عِلمٍ ثُمَّ كَتَمَهُ أُلجِمَ يَومَ القِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِن نَارٍ) رواه الترمذي (2649) وقال: حديث حسن. قال المناوي في "فيض القدير" (6/146) : " الحديث خرج على مشاكلة العقوبة للذنب " انتهى وهكذا كلما تأملت في نصوص الوحي، وفي حوادث التاريخ، وفي سنن الله في أرضه، تجد أنها لا تتخلف عن هذه السنة (الجزاء من جنس العمل، وكما تدين تدان) ، وذلك من مقتضى عدله وحكمته سبحانه وتعالى، فمن عاقب بجنس الذنب لم يظلم، ومن دانك بما دنته به لم يتجاوز: فَلا تَجزَعنَ مِن سُنَّةٍ أَنتَ سِرتَها وَأَوَّلُ راضي سُنَّةٍ مِن يَسيرُها والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 81528 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 معنى كلمة الإسلام [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى كلمة الإسلام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا رجعت إلى معاجم اللغة وعلمت أن معنى كلمة الإسلام هو: الانقياد والخضوع والإذعان والاستسلام والامتثال لأمر الآمر ونهيه بلا اعتراض , وإخلاص العبادة له سبحانه وتصديق خبره والإيمان به , وأصبح اسم الإسلام عَلَماً على الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم لماذا سمي الدين بالإسلام؟ إن جميع ما في الأرض من مختلف الديانات , قد سميت بأسمائها , إما نسبة إلى اسم رجل خاص وأو أمة معينة وفالنصرانية أخذت اسمها من (النصارى) , وتسمت البوذية على اسم بانيها: (بوذا) , واشتهرت الزرادشتية بهذا الاسم لأن مؤسسها وحامل لوائها كان (زرادشت) , وكذلك اليهودية ظهرت بين ظهراني قبيلة تعرف (بيهوذا) , فسميت باليهودية , وهلم جرا. إلا الإسلام , فإنه لا ينتسب إلى رجل خاص , ولا إلى أمة بعينها , وإنما يدل اسمه على صفة خاصة يتضمنها معنى كلمة الإسلام , ومما يظهر من هذا الاسم أنه ما عني بإيجاد هذا الدين وتأسيسه رجل من البشر , وليس خاصاً بأمةً معينة دون سائر الأمم , وإنما غايته أن يحلي أهل الأرض جميعاً بصفة الإسلام , فكل من اتصف بهذه الصفة , من غابر الناس وحاضرهم فهو مسلم , ويكون مسلماً كل من سيتحلى بها في المستقبل. [الْمَصْدَرُ] من كتاب الإسلام أصوله ومبادؤه تأليف د. محمد بن عبد الله بن صالح السحيم. الحديث: 10446 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 هل رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه ليلة المعراج [السُّؤَالُ] ـ[هل رأى النبي محمد صلى الله عليه وسلم الله تعالى مباشرة في اليوم الذي رأى فيه الجنة والنار.. الخ؟ وإذا كان الجواب بنعم، فأنا أرجو أن ترسل إلي بدليل ذلك من الكتاب السنة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذهب أغلب الصحابة إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير الله عز وجل بعينه ليلة المعراج فقد ثبت عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ كَذَبَ وَهُوَ يَقُولُ لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ... ) رواه البخاري (التوحيد/6832) وعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ قَالَ نُورٌ أَنَّى أراه رواه مسلم (الإيمان/261) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى قَالَ رَآهُ بِفُؤَادِهِ مَرَّتَيْنِ رواه مسلم (الإيمان/258) ، قال ابن القيم: وقد حكى عثمان بن سعيد الدارمي في كتاب الرؤية له إجماع الصحابة على أنه لم ير ربه ليلة المعراج، وبعضهم استثنى ابن عباس فيمن قال ذلك، وشيخنا يقول ليس ذلك بخلاف في الحقيقة، فإن ابن عباس لم يقل رآه بعيني رأسه وعليه اعتمد أحمد في إحدى الروايتين حيث قال إنه رآه عز وجل ولم يقل بعيني رأسه ولفظ أحمد لفظ ابن عباس رضي الله عنهما ويدل على صحة ما قال شيخنا في معنى حديث أبي ذر رضي الله عنه قوله في الحديث الآخر حجابه النور فهذا النور هو والله أعلم النور المذكور في حديث أبي ذر رضي الله عنه رأيت نورا. اجتماع الجيوش الإسلامية ج: 1 ص: 12 وقال شيخ الإسلام رحمه الله: فصل وأما الرؤية فالذى ثبت فى الصحيح عن ابن عباس انه قال راى محمد ربه بفؤاده مرتين، وعائشة أنكرت الرؤية. فمن الناس من جمع بينهما فقال عائشة أنكرت رؤية العين وابن عباس أثبت رؤية الفؤاد، والألفاظ الثابتة عن ابن عباس هى مطلقة أو مقيدة بالفؤاد، تارة يقول راى محمد ربه، وتارة يقول رآه محمد، ولم يثبت عن ابن عباس لفظ صريح بأنه رآه بعينه. وكذلك الامام أحمد تارة يطلق الرؤية وتارة يقول رآه بفؤاده ولم يقل أحد أنه سمع أحمد يقول رآه بعينه، لكن طائفة من أصحابه سمعوا بعض كلامه المطلق ففهموا منه رؤية العين، كما سمع بعض الناس مطلق كلام ابن عباس ففهم منه رؤية العين وليس فى الادلة ما يقتضى أنه رآه بعينه ولا ثبت ذلك عن أحد من الصحابة ولا فى الكتاب والسنة ما يدل على ذلك بل النصوص الصحيحة على نفيه أدل كما فى صحيح مسلم عن أبى ذر قال سألت رسول الله هل رأيت ربك فقال نور أنى أراه. وقد قال تعالى: (سبحان الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى الذى باركنا حوله لنريه من آياتنا) ولو كان قد أراه نفسه بعينه لكان ذكر ذلك أولى، وكذلك قوله: أفتمارونه على ما يرى لقد رأى من آيات ربه الكبرى. ولو كان رآه بعينه لكان ذِكْرُ ذلك أولى. قال: وقد ثبت بالنصوص الصحيحة واتفاق سلف الامة انه لا يرى الله أحد فى الدنيا بعينه الا ما نازع فيه بعضهم من رؤية نبينا محمد خاصة واتفقوا على أن المؤمنين يرون الله يوم القيامة عيانا كما يرون الشمس والقمر. أهـ والله أعلم [الْمَصْدَرُ] مجموع الفتاوى ج: 6 ص: 509-510. الحديث: 12423 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 الحقوق الإسلامية [السُّؤَالُ] ـ[ما هي أهم الحقوق التي يحترمها الإسلام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحقوق الإسلامية كثيرة ومن أهم هذه الحقوق: حق الله نِعم الله على العباد لا تعد ولا تحصى وكل نعمة تستوجب شكراً وحقوق الله على العباد كثيرة ومن أهمها: 1. التوحيد ومعناه أن يوحدوا الله في ذاته , وأسمائه, وصفاته وأفعاله فيعتقدوا أن الله وحده هو الرب المالك المتصرف الخالق الرازق الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير: (تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير) الملك/1. 2. العبادة وهي أن يعبدوا الله وحده لأنه ربهم , وخالقهم ورازقهم وذلك بصرف جميع أنواع العبادة لله وحده كالدعاء , والذكر والاستعانة , والاستغاثة والتذلل , والخضوع والرجاء , والخوف والنذر والذبح ونحو ذلك قال تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً) النساء/36. 3. الشكر فالله هو المنعم المتفضل على جميع الخلق فعليهم شكر هذه النعم بألسنتهم , وقلوبهم , وجوارحهم وذلك بحمد الله والثناء عليه واستعمال هذه النعم في طاعة الله وفيما أحل الله: (فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون) البقرة/152. حق الرسول بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم نعمة كبرى للبشرية كافة فقد أرسله الله ليخرج الناس من الظلمات إلى النور ويبين لهم ما يسعدهم في الدنيا والآخرة. ومن حق الرسول علينا أن نحبه , ونطيعه , ونصلي عليه , ومحبته عليه السلام تكون بطاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر واجتناب ما نهى عنه وزجر , وأن لا يعبد الله إلا بما شرع. حق الوالدين يهتم الإسلام بالأسرة ويؤكد على المحبة والاحترام داخلها والوالدان قاعدتها وأساسها لذا كان بر الوالدين من أفضل الأعمال وأحبها إلى الله تعالى. بر الوالدين يكون بطاعتهما واحترامهما والتواضع لهما والإحسان إليهما والإنفاق عليهما والدعاء لهما وصلة أرحامهما وإكرام صديقهما: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً) الإسراء/23. والأم في هذه الحقوق حقها أعظم , لأنها هي التي حملته , وولدته وأرضعته: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي قال: أمك , قال: ثم من؟ قال: أمك , قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أبوك) متفق عليه واللفظ للبخاري/الأدب/78. حق المسلم على المسلم المؤمنون أخوة وهم أمة متماسكة , كالبنيان يشد بعضه بعضاً يتراحمون فيما بينهم ويتعاطفون ويتحابون ولحفظ هذا البنيان , وتلك الأخوة شرع الله حقوقاً للمسلم على أخيه المسلم ومنها محبته ونصيحته وتفريج كربته وستر زلته ونصرته في الحق واحترام جواره وإكرام ضيفه. ومنها رد السلام وعيادة المريض وإجابة الدعوة وتشميته إذا عطس واتباع جنازته قال عليه الصلاة والسلام: (حق المسلم على المسلم خمس رد السلام وتشميت العاطس وإجابة الدعوة , وعيادة المريض , واتباع الجنائز) رواه مسلم/2625. حق الجار الإسلام يهتم بشأن الجار مسلماً كان أو غيره , لما في ذلك من المصالح التي تجعل الأمة كالجسد الواحد قال عليه الصلاة والسلام: (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه) متفق عليه. ومن الحقوق التي قررها الإسلام للجار على جاره أن يبدأه السلام ويعوده إذا مرض ويعزيه في المصيبة ويهنئه في الفرح ويصفح عن زلاته ويستر عوراته ويصبر على أذاه ويهدي له ويقرضه إذا احتاج ويغض بصره عن محارمه ويرشده إلى ما ينفعه في دينه ودنياه قال عليه الصلاة والسلام: (خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه , وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره) رواه البخاري في الأدب المفرد/115. وفي حق الجار يقول تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب) النساء/36. وقد حذر الإسلام من إيذاء الجار , والإساءة إليه , وبين الرسول صلى الله عليه وسلم أن ذلك سبب للحرمان من الجنة بقوله: (لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه) متفق عليه. وأوجب الإسلام تحقيقاً للمصلحة حقوقاً للوالي على الرعية وحقوقاً للرعية على الوالي وحقوقاً للزوج على زوجته وحقوقاً للزوجة على زوجها , وغير ذلك من الحقوق العادلة التي أوجبها الإسلام. [الْمَصْدَرُ] من كتاب أصول الدين الإسلامي للشيخ محمد بن ابراهيم التويجري. الحديث: 11413 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 الإنسان محاسب [السُّؤَالُ] ـ[هل يحاسب الإنسان على كل ما عمل في الدنيا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله كل إنسان بما كسب رهين فمن آمن وعمل صالحاً دخل الجنة ومن كفر بالله ورسوله دخل النار قال تعالى: (إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم ناراً كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزاً حكيماً، والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلاً ظليلاً) النساء/56-57. والأعمال الصالحة , إنما تنفع صاحبها , والله غني عنا والأعمال السيئة إنما تضر صاحبها , ولا تضر الله شيئاً , كما قال سبحانه: (من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد) فصلت/46. وقال سبحانه: (ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين) العنكبوت/6. والله سبحانه كريم يضاعف الحسنات، كما قال تعالى: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزي إلاّ مثلها وهم لا يظلمون) الأنعام/160. والأعمال الصالحة كالصلاة والزكاة والصوم والحج والأمر بالمعروف والنهي من المنكر والجهاد , وتلاوة القرآن وغيرها من شعائر الإسلام كلها جزاؤها الجنة كما قال تعالى: (ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيراً) النساء/124. والأعمال السيئة والمعاصي كالظلم والشرك والقتل والفساد والكبر وغيرها من المعاصي كلها جزاؤها النار إلاّ من تاب قال تعالى: (ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين) النساء/14. والأقوال والأعمال , خيراً كانت أو شراً , كلها مقيدة عند رب العالمين , قال تعالى: (هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنّا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون) الجاثية /29. ولا يقبل الله من الأعمال إلاّ ما كان خالصاً لله موافقاً لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال سبحانه: (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً) الكهف/110. ويوم القيامة يرى كل إنسان ما عمل من طاعة أو معصية من خير أو شر كما قال سبحانه: (يومئذٍ يصدر الناس أشتاتاً ليروا أعمالهم، فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره) الزلزلة/6 - 8. وفي يوم القيامة كل إنسان سيعطى كتابه ويقال له: (اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً) الإسراء/14. فمن آمن وعمل صالحاً أخذ كتابه بيمينه مسروراً ودخل الجنة ومن عصى الله ورسوله أخذ كتابه بشماله , أو من وراء ظهره , ودخل النار كما قال سبحانه: (فأما من أوتي كتابه بيمينه، فسوف يحاسب حساباً يسيراً، وينقلب إلى أهله مسروراً، وأما من أوتي كتابه وراء ظهره، فسوف يدعو ثبوراً، ويصلي سعيراً) الانشقاق/7 - 12. وشتان بين الإيمان والكفر وبين الطاعات والمعاصي وبين أهل الجنة وأهل النار: (أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون، أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلاً بما كانوا يعملون، وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون) السجدة/18 - 20. وقد بين الله أن أهل الإيمان هم الفائزون وأهل الكفر هم الخاسرون كما قال سبحانه: (والعصر، إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) سورة العصر. اللهم ارزقنا الجنة وأجرنا من النار وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين.. [الْمَصْدَرُ] من كتاب أصول الدين الإسلامي للشيخ محمد بن ابراهيم التويجري. الحديث: 12377 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 الدراسة في جامعة كاثوليكية [السُّؤَالُ] ـ[عندي سؤال عن الالتحاق بالمدراس الكاثوليكية. أنا ادرس في جامعة كاثوليكية والعديد من أصدقائي من المسلمين اخبروني انه لا يصح لي أن ادرس بها. علما باني لا أرغم علي اخذ أي من المواد المتعلقة بالكاثوليكية. وأيضا أصلي بالجامعة. فهل هناك مأخذ علي لصلاتي هناك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لاشك أن تلك المدارس فيها خطر كبير على المسلم الذي يكون جاهلا بالإسلام وتعاليمه، ذلك لأنه يتلقى تلك الدروس والمعلومات التي فيها إطراء ومدحٌ للكفار ولأديانهم وعقائدهم، وفيها غالباً تعرض للإسلام وقدح في المسلمين، أما إذا كان الطالب في هذه المدارس متمكناً من معرفة عقيدة المسلمين وعارفاً بأركان الإسلام وبالحلال والحرام في الدين الإسلامي، واحتاج إلى تلك المدارس لتعلم صناعة أو حرفة أو معلومات خاصة وواثقاً من نفسه بأنه لا يتأثر بدروسهم ولا بمدرّسيهم وانه لا يُرغم على أخذ أي من المواد المتعلقة بالكاثوليكية ففي هذه الحال نرى أنه لا بأس بالدراسة فيها، وإنما يُخاف على الجاهل الذي لا يعرف حيل الكفار ومكرهم وخدعهم على المسلمين، فمن كان واثقاً من نفسه ومتمسكاً بالإسلام عقيدة وعملاً فالغالب أنه لا يتأثر بعلومهم وأعمالهم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ: عبد الله بن جبرين. الحديث: 13302 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 العقيدة الإسلامية منهج عملي جاد، والكتب المهمة في العقيدة [السُّؤَالُ] ـ[هل العقيدة الإسلامية منهج نظري أم منهج عملي جاد؟ ما هي الكتب التي يرجع إليها لتعلم العقيدة؟ كيف يمكن تطبيق العقيدة في ظل هذا الواقع؟ ما هي طرق تعلم العقيدة؟ هل عمل شيء من الإسلام وعدم عمل شيء آخر (يصلي ولا يزكي أو لا يغض البصر وما ينتج عنه) يعتبر هذا خللا في العقيدة؟ هل المسلمون اليوم بحاجة إلى من يعلمهم العقيدة؟ الرجاء بث بعض التعليمات لمن أراد أن يتعلم العقيدة الصحيحة على منهج الصحابة رضوان الله عليهم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: العقيدة الإسلامية ليست منهجا نظريا فلسفيا، بل هي منهج عملي جاد، فالعمل ركن ركين في هذه العقيدة، ولهذا اتفق أهل السنة على أن الإيمان قول وعمل، أو قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالجوارح والأركان. فمن آمن بالله تعالى ربا وإلها، عبده وأطاعه بالصلاة والزكاة ونحوها. ومن آمن باليوم الآخر وما فيه من حساب وجزاء، دعاه ذلك إلى فعل ما أمر الله به وترك ما نهى عنه. ومن آمن بأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاده ذلك إلى طاعته وتطبيق سنته، ونشر ملته. وهكذا تترجم المبادئ التي يعتقدها الإنسان إلى أعمال وأقوال، وسعي، واجتهاد. وكلما زاد الإيمان في القلب زادت آثاره على الجوارح. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) رواه البخاري (52) ومسلم (1599) . وقال الحسن البصري رحمه الله: " ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل ". وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (فإذا كان القلب صالحا بما فيه من الإيمان علما وعملا قلبيا لزم ضرورةً صلاح الجسد بالقول الظاهر والعمل بالإيمان المطلق، كما قال أئمة أهل الحديث: قول وعمل، قول باطن وظاهر، وعمل باطن وظاهر، والظاهر تابع للباطن لازم له، متى صلح الباطن صلح الظاهر، وإذا فسد فسد، ولهذا قال من قال من الصحابة عن المصلى العابث: لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه) . اهـ مجموع الفتاوى (7/187) ثانياً: وأما الكتب التي يرجع إليها في العقيدة فكثيرة، وأعظمها كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ففيهما العصمة والنجاة لمن تمسك بهما. وقد اهتم العلماء ببيان العقيدة الصحيحة ونشرها، وألفوا لذلك ما لا يحصى من الكتب، ومن أشهر هذه المؤلفات: السنة لعبد الله بن أحمد بن حنبل، والتوحيد لابن خزيمة، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة لللالكائي، وعقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني، والعقيدة الواسطية لابن تيمية، والعقيدة الطحاوية وشرحها لابن أبي العز الحنفي، ولوامع الأنوار البهية للسفاريني، ومعارج القبول لحافظ حكمي، والإرشاد إلى صحيح الاعتقاد للشيخ صالح الفوزان، وهذا الأخير كتاب سهل مبسط نافع. ثالثاً: وأما تطبيق العقيدة في هذا الواقع، فيكون بتعلمها، ونشرها، والدعوة إليها، والرد على مخالفيها بالحكمة والموعظة الحسنة، فبهذا تنتشر العقيدة، وتظهر آثارها، وينعم الناس في ظلالها. رابعاً: وأما طرق تعلم العقيدة، فبالتلقي المباشر عن أهلها العالمين بها، العاملين بمقتضاها، وهذا هو الطريق الأسلم والأنفع، لمن تيسر له ذلك. وأما من كان بعيدا عن أهل العلم فعليه الرجوع إلى شروحهم ومؤلفاتهم وأشرطتهم، مع السؤال عما أشكل وغمض فهمه عليه. خامساً: إذا عمل الإنسان بعض شرائع الإسلام وترك البعض الآخر، بأن ترك بعض الواجبات أو فعل بعض المحرمات، كان ذلك نقصا في إيمانه، وضعفا في يقينه ومحبته لربه ودينه، وهذا خلل في العقيدة ولا شك. ولذلك كان من أصول أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وقد يكون هذا النقص والخلل مزيلاً للإيمان بالكلية، فيصير صاحبه مرتداً عن الإسلام، كما لو ترك الصلاة، انظر السؤال رقم (5208) (2182) وأما المعاصي التي لا تصل إلى حد الكفر، كمنع الزكاة الواجبة، أو إطلاق البصر المحرم ونحو ذلك فهذه ينقص بها الإيمان. سادساً: المسلمون بحاجة إلى من يوضح لهم العقيدة الصحيحة الصافية، المبنية على الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح، وذلك لوجود الجهل، وانتشار البدع والخرافات، والمذاهب الفكرية المنحرفة. فالواجب على كل مسلم أن ينصح لنفسه أولا بتعلم العقيدة الصحيحة، وتلقيها من مصادرها المأمونة، ثم نشرها وتعليمها للناس، عن طريق الدروس والمحاضرات، والكتب والنشرات والمجلات، قياما بواجب البلاغ والبيان، كما قال سبحانه: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) آل عمران/187، وقال: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) آل عمران/104 وقال: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) يوسف/108 والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 59911 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 لماذا سمي الدين الإسلامي بالإسلام [السُّؤَالُ] ـ[لماذا سمي الدين الإسلامي بالإسلام؟.]ـ [الْجَوَابُ] لأن من دخل فيه أسلم وجهه لله واستسلم وانقاد لكل ما جاء عن الله وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأحكام، قال تعالى: (ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين، إذا قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين) البقرة/130-131، وقال: (من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه) . من فتاوىاللجنة الدائمة. [الْمَصْدَرُ] مجلة الدعوة العدد/1789 ص/42. الحديث: 13695 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 مذهب أهل السنة في الصحابة وإمامة أبي بكر الصديق [السُّؤَالُ] ـ[ما هو الدليل الذي يجعلك تقول بأن الإمام علي (عليه السلام) لم يكن ليصبح القائد بعد النبي محمد (عليه السلام) ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: من أصول أهل السنة والجماعة، سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، سلامة القلب من البغض والغل والحقد والكراهة، وسلامة ألسنتهم من كل قولٍ لا يليق بهم؛ لقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيم} سورة الحشر/10. وطاعةً للنبي صلى الله عليه وسلم في قوله: " لا تسبوا أصحابي؛ فوالذي نفسي بيده؛ لو أن أحدكم أنفق مثل أحدٍ ذهباً ما بلغ مدُّ أحدهم ولا نصيفه " رواه البخاري (3673) ومسلم (2541) . ومن أصول أهل السنة قبول ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع من فضائلهم ومراتبهم، ويفضلون من أنفق من قبل الفتح ـ وهو صلح الحديبية ـ وقاتل على من أنفق من بعد وقاتل، لقول الله تعالى: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنْ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير} سورة الحديد/10. ويقدمون المهاجرين على الأنصار؛ لقول الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} سورة التوبة/100. فقدم المهاجرين على الأنصار. ويؤمنون بأن الله قال لأهل بدر ـ وكانوا ثلاث مئة وبضعة عشر ـ: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ قَدْ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ " رواه البخاري (3007) ومسلم (2494) من حديث علي بن أبي طالب. ويؤمنون بأنه لا يدخل النار أحدٌ بايع تحت الشجرة؛ كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، بل لقد رضي الله عنهم ورضوا عنه، وكانوا أكثر من ألف وأربع مئة؛ لقول الله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} الفتح/18. ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد الذين بايعوا تحتها " رواه مسلم (2496) فكان من جملة المبايعين أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين. ويشهدون بالجنة لمن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم كالعشرة، وثابت بن قيس بن شماس، وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ وَعُمَرُ فِي الْجَنَّةِ وَعُثْمَانُ فِي الْجَنَّةِ وَعَلِيٌّ فِي الْجَنَّةِ وَطَلْحَةُ فِي الْجَنَّةِ وَالزُّبَيْرُ فِي الْجَنَّةِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي الْجَنَّةِ وَسَعْدٌ فِي الْجَنَّةِ وَسَعِيدٌ فِي الْجَنَّةِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فِي الْجَنَّةِ " رواه أبو داود (4649) والترمذي (3747) وصححه الألباني. ويُقرون بما تواتر به النقل عن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه وغيره من أن خير هذه الأمة بعد نبيها: أبو بكر ثم عمر. فعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ قُلْتُ لأَبِي (علي ابن أبي طالب) أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ قُلْتُ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ عُمَرُ وَخَشِيتُ أَنْ يَقُولَ عُثْمَانُ قُلْتُ ثُمَّ أَنْتَ قَالَ مَا أَنَا إِلا رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ " رواه البخاري (3671) ، ويُثلثون بعثمان، ويربعون بعلي، رضي الله عنهم. أنظر الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية مع شرحها. ثانياً: ومن مذهب اهل السنة أن أحق الناس بالخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه. وإليك الأدلة على إمامة أبي بكر رضي الله عنه: 1ـ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَتَتْ امْرَأَةٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ قَالَتْ أَرَأَيْتَ إِنْ جِئْتُ وَلَمْ أَجِدْكَ كَأَنَّهَا تَقُولُ الْمَوْتَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ لَمْ تَجِدِينِي فَأْتِي أَبَا بَكْرٍ " رواه البخاري (3659) . 2ـ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ " رواه الترمذي (3805) وصححه الألباني. 3ـ عنَ ابن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَا أَنَا عَلَى بِئْرٍ أَنْزِعُ مِنْهَا إِذْ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ الدَّلْوَ فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ فَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ ثُمَّ أَخَذَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِنْ يَدِ أَبِي بَكْرٍ فَاسْتَحَالَتْ فِي يَدِهِ غَرْبًا فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنْ النَّاسِ يَفْرِي فَرْيَهُ حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ " رواه البخاري (3676) قال ابن حجر في شرح هذا الحديث: " قَوْله: (بَيْنَا أَنَا عَلَى بِئْر) أَيْ فِي الْمَنَام. قَوْله: (أَنْزِع مِنْهَا) أَيْ أَمْلأ الْمَاء بِالدَّلْوِ. قَوْله: (فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ) الذنوب: الدَّلْو الْكَبِيرَة إِذَا كَانَ فِيهَا الْمَاء , وَالَّذِي يَظْهَر لِي أَنَّ ذَلِكَ إِشَارَة إِلَى مَا فُتِحَ فِي زَمَانه مِنْ الْفُتُوح الْكِبَار وَهِيَ ثَلاثَة , وَلِذَلِكَ لَمْ يَتَعَرَّض فِي ذِكْر عُمَر إِلَى عَدَد مَا نَزَعَهُ مِنْ الدِّلاء وَإِنَّمَا وَصَفَ نَزْعه بِالْعَظَمَةِ إِشَارَة إِلَى كَثْرَة مَا وَقَعَ فِي خِلافَته مِنْ الْفُتُوحَات وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيّ تَفْسِير هَذَا الْحَدِيث فِي " الأُمّ " فَقَالَ بَعْد أَنْ سَاقَهُ: وَمَعْنَى قَوْله: " وَفِي نَزْعه ضَعْف " قِصَر مُدَّته وَعَجَلَة مَوْته وَشُغْله بِالْحَرْبِ لأَهْلِ الرِّدَّةِ عَنْ الافْتِتَاح وَالازْدِيَاد الَّذِي بَلَغَهُ عُمَر فِي طُول مُدَّته , اِنْتَهَى. قَوْله: (وَاَللَّه يَغْفِر لَهُ) قَالَ النَّوَوِيّ: هَذَا دُعَاء مِنْ الْمُتَكَلِّم , أَيْ أَنَّهُ لا مَفْهُوم لَهُ. وَقَالَ غَيْره: فِيهِ إِشَارَة إِلَى قُرْب وَفَاة أَبِي بَكْر , وَهُوَ نَظِير قَوْله تَعَالَى لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ السَّلام (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا) فَإِنَّهَا إِشَارَة إِلَى قُرْب وَفَاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قُلْت: وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَنَّ قِلَّة الْفُتُوح فِي زَمَانه لا صُنْع لَهُ فِيهِ , لأَنَّ سَبَبه قِصَر مُدَّته , فَمَعْنَى الْمَغْفِرَة لَهُ رَفْع الْمَلامَة عَنْهُ. قَوْله: (فَاسْتَحَالَتْ فِي يَده غَرْبًا) أَيْ دَلْوًا عَظِيمَة. قَوْله: (فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا) وَالْمُرَاد بِهِ كُلّ شَيْء بَلَغَ النِّهَايَة , قَوْله (فَرِيَّهُ) وَمَعْنَاهُ يَعْمَل عَمَله الْبَالِغ. " 4ـ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ ادْعِي لِي أَبَا بَكْرٍ أَبَاكِ وَأَخَاكِ حَتَّى أَكْتُبَ كِتَابًا فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ وَيَقُولُ قَائِلٌ أَنَا أَوْلَى وَيَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلا أَبَا بَكْرٍ " رواه مسلم (2387) . 5- أنه صلى الله عليه وسلم في مرض موته عين أبا بكر الصديق إماماً للمسلمين في الصلاة ولم يرض بغيره بدلاً منه فكان استخلافه في الإمامة الصغرى تنبيهاً على استخلافه في الإمامة الكبرى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 13713 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 استحباب العزلة عند الفتن وخوف المسلم على دينه [السُّؤَالُ] ـ[قرأت الحديث التالي والذي أخرجه البخاري ولم أفهم معناه، وهذا الحديث فيما معناه: (سيأتي زمان يكون خير مال المسلم غنيمات يأوي بها إلى الجبال فاراً بدينه من الفتن) .أرجو أن توضحوا لي معنى هذا الحديث.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله شرح الحديث: هذا الحديث رواه البخاري في عدة مواضع من صحيحه منها (7088) كتاب الفتن، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنْ الْفِتَن) . وروى مسلم في صحيحه نحوه (1888) عن أبي سعيد الخدري أيضاً رضي الله عنه الله عنه أَنَّ رَجُلا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: رَجُلٌ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِمَالِهِ وَنَفْسِهِ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: مُؤْمِنٌ فِي شِعْبٍ مِنْ الشِّعَابِ يَعْبُدُ اللَّهَ رَبَّهُ وَيَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ) . قوله: (شَعَفَ الْجِبَالِ) أي: رؤوس الجبال. وَأَمَّا (الشِّعْب) : فَهُوَ مَا انْفَرج بَيْن جَبَلَيْنِ. قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم (13/34) : وَلَيْسَ الْمُرَاد نَفْس الشِّعْب خُصُوصًا ; بَلْ الْمُرَاد الانْفِرَاد وَالاعْتِزَال , وَذَكَرَ الشِّعْب مِثَالا لأَنَّهُ خَالٍ عَنْ النَّاس غَالِبًا اهـ. والحديث يدل على أفضلية العزلة عن الناس وترك الاختلاط بهم، في حال خوف المسلم على دينه لكثرة الفتن، بحيث إنه لو خالط الناس لا يأمن على دينه من أن يرتد عنه، أو يزيع عن الحق، أو يقع في الشرك، أو يترك مباني الإسلام وأركانه، ونحو ذلك. قال الحافظ ابن حجر في الفتح (13/42) : وَالْخَبَر دَالّ عَلَى فَضِيلَة الْعُزْلَة لِمَنْ خَافَ عَلَى دِينه اهـ. وقال السندي في حاشيته على النسائي (8/124) : فِيهِ أَنَّهُ يَجُوز الْعُزْلَة بَلْ هِيَ أَفْضلُ أَيَّام الْفِتَن اهـ. وفي الحديث الثاني المذكور آنفاً جعل النبي صلى الله عليه وسلم عليه وسلم المؤمنَ المعتزلَ يتلو المجاهد في سبيل الله في الفضيلة، قال الحافظ في الفتح (6/6) : وَإِنَّمَا كَانَ الْمُؤْمِن الْمُعْتَزِل يَتْلُوهُ فِي الْفَضِيلَة لأَنَّ الَّذِي يُخَالِط النَّاس لا يَسْلَم مِنْ ارْتِكَاب الآثَام، وَقَدْ تكون هذه الآثام أكثر من الحسنات التي يحصلها بسبب اختلاطه بالناس. ولكن تفضيل الاعتزال خاص بحالة وقوع الفتن اهـ بمعناه. وأما العزلة في غير وقت الفتن وخوف المسلم على دينه فاختلف العلماء في حكمها، وذهب الجمهور إلى أن الاختلاط بالناس أفضل من العزلة واستدلوا على ذلك بعدة أدلة، منها: 1- أن ذلك هو حال النبي صلى الله عليه وسلم عليه وسلم، والأنبياء من قبله صلوات الله وسلامه عليهم، وجماهير الصحابة رضي الله عنهم. شرح مسلم للنووي (13/34) . 2- ما رواه الترمذي (5207) وابن ماجه (4032) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ) . صححه الألباني في صحيح الترمذي (2035) . قال السندي في حاشيته على ابن ماجه (2 / 493) : الْحَدِيث يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْمُخَالِطَ الصَّابِرَ خَيْرٌ مِنْ الْمُعْتَزِل اهـ وقال الصنعاني في سبل السلام (4/416) : فيه أفضلية من يخالط الناس مخالطة يأمرهم فيها بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحسن معاملتهم فإنه أفضل من الذي يعتزلهم ولا يصبر على المخالطة اهـ 3- ما رواه الترمذي (1574) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِشِعْبٍ فِيهِ عُيَيْنَةٌ مِن مَاءٍ عَذْبَةٌ فَأَعْجَبَتْهُ لِطِيبِهَا. فَقَالَ: لَوْ اعْتَزَلْتُ النَّاسَ فَأَقَمْتُ فِي هَذَا الشِّعْبِ، وَلَنْ أَفْعَلَ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: (لا تَفْعَلْ، فَإِنَّ مُقَامَ أَحَدِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهِ فِي بَيْتِهِ سَبْعِينَ عَامًا. أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ الْجَنَّةَ؟ اغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ. مَنْ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَوَاقَ نَاقَةٍ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (1348) . 4- ما يحصله المسلم في المخالطة من المصالح الشرعية من مَنَافِع الاخْتِلاط بالناس كَالْقِيَامِ بِشَعَائِر الإِسْلام وَتَكْثِير سَوَاد الْمُسْلِمِينَ وَإِيصَال أَنْوَاع الْخَيْر إِلَيْهِمْ مِنْ إِعَانَة وَإِغَاثَة ونَحْو ذَلِكَ. وشُهُودِ الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَة وَالْجَنَائِز وَعِيَادَة الْمَرْضَى وَحِلَق الذِّكْر. . . وَغَيْر ذَلِكَ. فتح الباري (13/43) شرح مسلم للنووي (13/34) . والله الموفق، والله تعالى أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 13835 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 الكفر وأنواعه [السُّؤَالُ] ـ[قرأت في السؤال رقم 12811 أن الكفر الأكبر المخرج من الملة أنواع فآمل منكم توضيحها وضرب الأمثلة عليها.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله وبعد: فالكلام على حقيقة الكفر وأنواعه يطول لكن سنجمل الكلام عليه من خلال النقاط التالية: أولاً: أهمية معرفته ومعرفة أنواعه: دلت نصوص الكتاب والسنة على أن الإيمان لا يصح ولا يقبل إلا بأمرين ـ هما معنى شهادة أن لا إله إلا الله " ـ وهما الاستسلام لله بالتوحيد، والبراءة من الكفر والشرك بجميع أنواعه. ولا يمكن للشخص أن يتبرأ من شيء ويحذره إلا بعد أن يعرفه ويتبينه، فعلم بهذا ضرورة تعلم التوحيد للعمل به وتحقيقه، ومعرفة الكفر والشرك للحذر منه ومجانبته. ثانيا ً: تعريف الكفر الكفر في اللغة: ستر الشيء وتغطيته وأما في الاصطلاح الشرعي فهو " عدم الإيمان بالله ورسله، سواءً كان معه تكذيب أو لم يكن معه تكذيب، بل شك وريب، أو إعراض عن الإيمان حسدا ًأو كبراً أو اتباعا لبعض الأهواء الصارفة عن اتباع الرسالة فالكفر صفةٌ لكل من جحد شيئاٌ مما افترض الله تعالى الإيمان به، بعد أن بلغه ذلك سواء جحد بقلبه دون لسانه، أو بلسانه دون قلبه، أوبهما معاٌ، أو عمل عملاٌ جاء النص بأنه مخرج له بذلك عن اسم الإيمان " انظر [مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية 12/335] و [الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم: 1 / 45] . وقال ابن حزم في كتابه الفصل: " بل الجحد لشيء مما صح البرهان أنه لا إيمان إلا بتصديقه كفرٌ، والنطق بشيء من كل ما قام البرهان أن النطق به كفرٌ كفر، والعمل بشيء مما قام البرهان بأنه كفرٌ كفر " ثالثا: أنواع الكفر الأكبر المخرج من الملة: قسم العلماء الكفر إلى عدة أقسام تندرج تحتها كثير من صور الشرك وأنواعه وهي: 1) كفر الجحود والتكذيب: وهذا الكفر تارة يكون تكذيباً بالقلب ـ وهذا الكفر قليل في الكفار كما يقول ابن القيم رحمه الله ـ وتارة يكون تكذيبا باللسان أو الجوارح وذلك بكتمان الحق وعدم الانقياد له ظاهرا مع العلم به ومعرفته باطنا ً، ككفر اليهود بمحمد صلى الله عليه وسلم فقد قال الله تعالى عنهم: (فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به) البقرة/89 وقال أيضا: (وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون) (البقرة:146) وذلك أن التكذيب لا يتحقق إلا ممن علمَ الحقَّ فرده ولهذا نفى الله أن يكون تكذيب الكفار للرسول صلى الله عليه وسلم على الحقيقة والباطن وإنما باللسان فقط؛ فقال تعالى: (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) الأنعام/33 وقال عن فرعون وقومه: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً) النمل/14 ويلحق بهذا الكفر كفر الاستحلال فمن استحل ما عَلِم من الشرع حرمته فقد كذَّب الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به، وكذلك من حَرَّم ما عَلِم من الشرع حِله. 2) كفر الإعراض والاستكبار: ككفر إبليس إذ يقول الله تعالى فيه: (إِلا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) البقرة/34 وكما قال تعالى: (وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ) النور/47 فنفى الإيمان عمن تولى عن العمل، وإن كان أتى بالقول. فتبين أن كفر الإعراض هو: ترك الحق لا يتعلمه ولا يعمل به سواء كان قولا أو عملا أو اعتقادا. يقول تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ) الأحقاف/3 فمن أعرض عما جاء به الرسول بالقول كمن قال لا أتبعه، أو بالفعل كمن أعرض وهرب من سماع الحق الذي جاء به أو وضع أصبعيه في أذنيه حتى لا يسمع، أو سمعه لكنه أعرض بقلبه عن الإيمان به، وبجوارحه عن العمل فقد كفرَ كُفْر إعراض. 3) كفر النفاق:وهو ما كان بعم تصديق القلب وعمله، مع الانقياد ظاهرا رئاء الناس ككفر ابن سلول وسائر المنافقين الذين قال الله تعالى عنهم: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ.يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ.. الخ الآيات) البقرة/8–20 4) كفر الشك والريبة: وهو التردد في اتباع الحق أو التردد في كونه حقاً، لأن المطلوب هو اليقين بأن ما جاء به الرسول حق لا مرية فيه، فمن جوَّز أن يكون ما جاء به ليس حقا ًفقد كفر؛ كفر الشك أو الظن كما قال تعالى: (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً. وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لأجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنْقَلَباً. قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً. لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً) الكهف/35-38 فنخلص من هذا أن الكفر ـ وهو ضد الإيمان ـ قد يكون تكذيبا بالقلب، فهو مناقض لقول القلب ِأي تصديقه، وقد يكون الكفر عملاً قلبياً كبغض الله تعالى أو آياته، أو رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا يناقض الحب الإيماني الذي هو آكد أعمال القلوب وأهمها. كما أن الكفر يكون قولاً ظاهرا كسب الله تعالى، وتارة يكون عملا ظاهراً كالسجود للصنم، والذبح لغير الله، فكما أن الإيمان يكون بالقلب واللسان والجوارح فكذلك الكفر يكون بالقلب واللسان والجوارح. نسأل الله أن يعيذنا من الكفر وشعبه،وأن يزينا بزينة الإيمان ويجعلنا هداة مهتدين ... آمين. والله تعالى أعلم. ينظر (أعلام السنة المنشورة 177) و (نواقض الإيمان القولية والعملية للشيخ عبد العزيز آل عبد اللطيف36 – 46) و (ضوابط التكفير للشيخ عبد الله القرني 183 – 196) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 21249 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 شروط العمل الصالح [السُّؤَالُ] ـ[متى يقبل الله عمل العبد؟ وما هي الشروط في العمل كي يكون صالحاً مقبولاً عند الله؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله وبعد: فإن العمل لا يكون عبادة إلا إذا كمل فيه شيئان وهما: كمال الحب مع كمال الذل قال الله تعالى: (والذين آمنوا أشد حبا لله) البقرة/165، وقال سبحانه: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) الأنبياء/90. فإذا علم هذا فليعلم أن العبادة لا تقبل إلا من المسلم الموحد كما قال تعالى عن الكفار: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً) الفرقان/23. وفي صحيح مسلم (214) عن عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ جُدْعَانَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ وَيُطْعِمُ الْمِسْكِينَ فَهَلْ ذَاكَ نَافِعُهُ قَالَ لا يَنْفَعُهُ إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ" يعني أنه لم يكن يؤمن بالبعث، ويعمل وهو يرجو لقاء الله. ثم إن المسلم لا تقبل منه العبادة إلا إذا تحقق فيها شرطان أساسيان: الأول: إخلاص النية لله تعالى: وهو أن يكون مراد العبد بجميع أقواله وأعماله الظاهرة والباطنة ابتغاء وجه الله تعالى دون غيره. الثاني: موافقة الشرع الذي أمر الله تعالى أن لا يعبد إلا به، وذلك يكون بمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء به، وترك مخالفته، وعدم إحداث عبادة جديدة أو هيئة جديدة في العبادة لم تثبت عنه عليه الصلاة والسلام. والدليل على هذين الشرطين قوله تعالى: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدا ً) الكهف/110 قال ابن كثير رحمه الله: " (فمن كان يرجوا لقاء ربه) أي ثوابه وجزاءه الصالح (فليعمل عملا صالحا) أي ما كان موافقا لشرع الله (ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) وهو الذي يراد به وجه الله وحده لا شريك له وهذان ركنا العمل المتقبل لابد أن يكون خالصا لله صوابا على شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم.ا. هـ وكلما كان الإنسان أعلم بربه وأسمائه وصفاته كان أكثر إخلاصاً، وكلما كان أعرف بنبيه صلى الله عليه وسلم وسنته كلما كان أكثر اتباعاً، وبالإخلاص والمتابعة تحصل النجاة للعبد في الدارين. نسأل الله الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 21362 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 شروط العمل الصالح [السُّؤَالُ] ـ[ما هي الشروط التي يجب توفرها في العمل ليكون صالحا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ الشنقيطي: وقوله في هذه الآية الكريمة: (الذين يعملون الصالحات) الكهف/2، بيَّنت المراد به آياتٌ أخر فدلت على أن العمل لا يكون صالحاً إلا بثلاثة أمور: الأول: أن يكون مطابقاً لما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فكلُّ عملٍ مخالفٍ لما جاء به صلوات الله وسلامه عليه فليس بصالح، بل هو باطل، قال الله تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه … ) الحشر/7، وقال: (من يطع الرسول فقد أطاع الله) النساء/10، وقال: (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) الشورى/21، إلى غير ذلك من الآيات. الثاني: أن يكون العاملُ مخلِصاً في عمله لله فيما بينه وبين الله، قال تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) البينة/5، وقال: (قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصاً له الدين. وأمرت لأن أكون أول المسلمين. قل إني أخاف إن عصيتُ ربي عذابَ يومٍ عظيمٍ. قل الله أعبد مخلصاً له ديني. فاعبدوا ما شئتم من دونه) الزمر/11 - 15، إلى غير ذلك من الآيات. الثالث: أن يكون العملُ مبنيّاً على أساس الإيمان والعقيدة الصحيحة؛ لأن العمل كالسقف، والعقيدة كالأساس، قال تعالى: (من عمل صالحاً من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ) النحل/97، فجعل الإيمان قيداً في ذلك. ويبين مفهوم هذا القيد آيات كثيرة؛ كقوله في أعمال غير المؤمنين: (وقدمنا إلى ما عملوا مِن عملٍ فجعلناه هباءاً منثوراً) الفرقان/23، وقوله: (أعمالهم كسرابٍ … ) النور/39، وقوله: (أعمالهم كرمادٍ اشتدت به الريح … ) إبراهيم/18، إلى غير ذلك من الآيات كما تقدم إيضاحه. [الْمَصْدَرُ] " أضواء البيان " (4 / 9 - 10) . الحديث: 22237 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 كلمة عقيدة: اشتقاقها ومدلولها [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى كلمة عقيدة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله العقائد هي الأمور التي تصدق بها النفوس، وتطمئن إليها القلوب، وتكون يقيناً عند أصحابها، لا يمازجها ريب ولا يخالطها شك. وكلمة عقيدة في اللغة مأخوذة من مادة (عقد) ومدارها على اللزوم والتأكد والاستيثاق، ففي القرآن: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذاكم بما عقدتم الأيمن) وتعقيد الأيمان إنما يكون بقصد القلب وعزمه. ويُقال (عقد الحبل) أي: شدّ بعضه ببعض، والاعتقاد: من العقد وهو الربط والشد، يقال: اعتقدت كذا، يعني: جزمت به في قلبي، فهو حكم الذهن الجازم. والعقيدة في الشّرع هي: أمور علمية يجب على المسلم أن يعتقدها في قلبه ويؤمن بها إيمانا جازما دون شكّ ولا ريب ولا تردّد، لأن الله أخبره بها بطريق كتابه، أو بطريق وحيه إلى رسوله صلى الله عليه وسلم. وأصول العقائد التي أمرنا الله باعتقادها هي المذكورة في قوله تعالى: (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل أمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير) ، وحددها الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل المشهور بقوله: (الإيمان: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتابه، ولقائه، ورسله، وتؤمن بالبعث الآخر) . إذن العقيدة في الإسلام: هي المسائل العلمية التي صح بها الخبر عن الله ورسوله، والتي يجب أن ينعقد عليها قلب المسلم تصديقاً لله ورسوله. [الْمَصْدَرُ] المصدر: شرح لمعة الاعتقاد لابن عثيمين والعقيدة في الله لعمر الأشقر الحديث: 951 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 مزايا دين الإسلام [السُّؤَالُ] ـ[لماذا يظن المسلمون أن دينهم هو الحق؟ هل لديهم أسباب مقنعة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله السائلة المكرّمة تحية طيبة وبعد فإن سؤالك يبدو للوهلة الأولى منطقيا من شخص لم يدخل في دين الإسلام لكن الذي مارس هذا الدين واعتقد بما فيه وعمل به يعرف فعلا مقدار النّعمة التي يعيش فيها وهو يتفيؤ ظلال هذا الدّين، وذلك لأسباب كثيرة منها: 1- أن المسلم يعبد إلها واحدا لا شريك له، له الأسماء الحسنى والصفات العلى فتتوحّد وجهة المسلم وقصده ويثق بربّه وخالقه ويتوكّل عليه ويطلب منه العون والنّصر والتأييد وهو يؤمن بأنّ ربه على كلّ شيء قدير لا يحتاج إلى زوجة ولا ولد خلق السموات والأرض وهو المحيي المميت الخالق الرازق فيطلب العبد منه الرزق السميع المجيب فيدعوه العبد ويرجو الإجابة التواب الغفور الرحيم فيتوب إليه العبد إذا أذنب وقصّر في عبادة ربّه، العليم الخبير الشهيد الذي يعلم النيات والسرائر وما في الصّدور فيستحيي العبد أن يقترف الذّنب بظلم نفسه أو ظلم الخلق لأنّ ربّه مطّلع عليه وشاهد، وهو يعلم أنّ ربّه حكيم يعلم الغيب فيثق في اختيار الربّ له وقدره فيه وأنّ ربّه لم يظلمه وأنّ كلّ قضاء قضاه له فهو خير وإن غابت الحكمة عن العبد. 2- آثار العبادات الإسلامية على نفس المسلم فالصلاة صلة بينه وبين ربّه إذا دخل فيها بخشوع أحسّ بالسكينة والطمأنينة والرّاحة لأنّه يأوي إلى ركن شديد وهو الله عزّ وجلّ ولذلك كان نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم يقول: أرحنا بالصلاة وكان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة وكلّ من وقعت له مصيبة فجرّب الصلاة أحسّ بمدد من الصّبر وعزاء عمّا أصابه ذلك لأنّه يتلو كلام ربّه في صلاته وأثر تلاوة كلام الربّ لا يُقارن بأثر قراءة كلام مخلوق وإذا كان كلام بعض الأطبّاء النفسانيين فيه راحة وتخفيف فما بالك بكلام من خلق الطبيب النّفساني. وإذا جئنا إلى الزكاة وهي أحد أركان الإسلام فإنها تطهير للنّفس من الشحّ والبخل وتعويد على الكرم ومساعدة للفقراء والمحتاجين وأجر ينفع يوم القيامة كبقيّة العبادات، ليست باهظة ومرهقة كضرائب البشر وإنما في كلّ 1000 يدفع 25 فقط يؤديها المسلم الصادق عن طواعية نفس لا يتهرّب منها حتى ولو لم يلاحقه أحد. وأمّا الصيام فامتناع عن الطعام والنكاح عبادة لله وشعورا بحاجة الجائعين والمحرومين وتذكيرا بنعمة الخالق على المخلوق وأجر بلا حساب. والحجّ إلى بيت الله الحرام الذي بناه إبراهيم عليه السلام والتزام بأمر الله ودعاء مستجاب وتعرّف على المسلمين من أقطار الأرض 3- أنّ الإسلام قد أمر بكلّ خير ونهى عن كلّ شرّ وأمر بسائر الآداب ومحاسن الأخلاق مثل الصّدق والحلم والأناة والرّفق والتواضع والحياء والوفاء بالوعد والوقار والرحمة والعدل والشّجاعة والصّبر والألفة والقناعة والعفّة والإحسان والسّماحة والأمانة والشكر على المعروف وكظم الغيظ، ويأمر ببرّ الوالدين وصلة الرّحم وإغاثة الملهوف والإحسان إلى الجار وحفظ مال اليتيم ورعايته ورحمة الصغير واحترام الكبير والرّفق بالخدم والحيوانات وإماطة الأذى عن الطريق والكلمة الطيبة والعفو والصّفح عند المقدرة ونصيحة المسلم لأخيه المسلم وقضاء حوائج المسلمين وإنظار المعسر والإيثار والمواساة والتعزية والتبسّم في وجوه الناس وإغاثة الملهوف وعيادة المريض ونصرة المظلوم والهديّة بين الأصحاب وإكرام الضّيف ومعاشرة الزوجة بالمعروف والإنفاق عليها وعلى الأولاد وإفشاء التحية وهي السّلام والاستئذان قبل الدخول إلى البيوت حتى لا يرى الإنسان عورات أصحاب البيت. وإذا كان بعض غير المسلمين يفعلون بعض هذه الأمور فإنما يفعلونها من باب الآداب العامة لكنهم لا يرجون جزاء ولا ثوابا من الله ولا فوزا ولا فلاحا يوم القيامة. وإذا جئنا إلى ما نهى الإسلام عنه لوجدناه في مصلحة الفرد والمجتمع وكلّ النواهي لحماية العلاقة بين الربّ والعبد وبين الإنسان ونفسه وبين الإنسان وبني جنسه. ولنأخذ هذه الأمثلة الكثيرة لتوضيح المقصود: فقد جاء الإسلام بالنهي عن الشرك بالله وعبادة غير الله وأنّ عبادة غير الله تعاسة وشقاء والنهي عن إتيان الكهان والعرافين وعن تصديقهم والنهي عن السحر الذي يعمل للتفريق بين شخصين أو الجمع بينهما وعن الاعتقاد في تأثير النجوم والكواكب في الحوادث وحياة الناس والنهي عن سب الدهر لأن الله هو الذي يصرفه والنهي عن الطيرة وهي التشاؤم. والنهي عن إبطال الأعمال كما إذا قصد الرياء والسمعة والمن. وعن الانحناء أو السجود لغير الله وعن الجلوس مع المنافقين أو الفساق استئناسا بهم أو إيناسا لهم. وعن التاعن بلعنة الله أو بغضبه أو بالنار. والنهي عن البول في الماء الراكد وعن قضاء الحاجة على قارعة الطريق وفي ظل الناس وفي موارد الماء وعن استقبال القبلة واستدبارها ببول أو غائط. والنهي أن يمسك الرجل ذكره بيمينه وهو يبول وعن السلام على من يقضي حاجته ونهي المستيقظ من نومه عن إدخال يده في الإناء حتى يغسلها. والنهي عن التنفل عند طلوع الشمس وعند زوالها وعند غروبها وهي تطلع وتغرب بين قرني شيطان. والنهي عن الصلاة وهو بحضرة طعام يشتهيه وعن الصلاة وهو يدافع البول والغائط والريح لأن كل ذلك يشغل المصلي ويصرفه عن الخشوع المطلوب. والنهي أن يرفع المصلي صوته في الصلاة فيؤذي المؤمنين وعن مواصلة قيام الليل إذا أصابه النعاس بل ينام ثم يقوم وعن قيام الليل كله وبخاصة إذا كان ذلك تباعا. وأيضا النهي أن يخرج المصلي من صلاته إذا شك في الحدث حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا. والنهي عن الشراء والبيع ونشد الضالة في المساجد لأنها أماكن العبادة وذكر الله فلا يليق فعل الأمور الدنيوية فيها. والنهي عن الإسراع بالمشي إذا أقيمت الصلاة بل يمشي وعليه السكينة والوقار والنهي عن التباهي في المساجد وعن تزيينها بتحمير أو تصفير أو زخرفة وكل ما يشغل المصلين والنهي أن يصل يوما بيوم في الصوم دون إفطار بينهما والنهي أن تصوم المرأة صيام نافلة وبعلها شاهد إلا بإذنه والنهي عن البناء على القبور أوتعليتها ورفعها والجلوس عليها والمشي بينها بالنعال وإنارتها والكتابة عليها ونبشها والنهي عن اتخاذ القبور مساجد والنهي عن النياحة وعن شق الثوب ونشر الشعر لموت ميت والنهي عن نعي أهل الجاهلية أما مجرد الإخبار بموت الميت فلا حرج فيه. والنهي عن أكل الربا والنهي عن كلّ أنواع البيوع التي تشتمل على الجهالة والتغرير والخداع، والنهي عن بيع الدم والخمر والخنزير والأصنام وكل شيْء حرمه الله فثمنه حرام بيعا وشراء وكذلك النهي عن النجش وهو أن يزيد في ثمن السلعة من لا يريد شراءها كما يحصل في كثير من المزادات والنهي عن كتم عيوب السلعة وإخفائها عند بيعها، والنهي عن بيع ما لا يملك وعن بيع الشيء قبل أن يحوزه والنهي أن يبيع الرجل على بيع أخيه وأن يشتري على شراء أخيه وأن يسوم على سوم أخيه، والنهي عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها وتنجو من العاهة والنهي عن التطفيف في المكيال والميزان، والنهي عن الاحتكار ونهي الشريك في الأرض أو النخل وما شابهها عن بيع نصيبه حتى يعرضه على شريكه والنهي عن أكل أموال اليتامى ظلما واجتناب أكل القمار والنهي عن الميسر والغصب والنهي عن أخذ الرشوة وإعطائها والنهي عن نهب أموال الناس والنهي عن أكل أموالهم بالباطل وكذلك أخذها بقصد إتلافها والنهي عن بخس الناس أشياءهم والنهي عن كتمان اللقطة وتغييبها وعن أخذ اللقطة إلا لمن يعرفها والنهي عن الغش بأنواعه والنهي عن الاستدانة بدين لايريد وفاءه والنهي أن يأخذ المسلم من مال أخيه المسلم شيئا إلا بطيب نفس منه وما أخذ بسيف الحياء فهو حرام والنهي عن قبول الهدية بسبب الشفاعة والنهي عن التبتل وهو ترك النكاح والنهي عن الاختصاء والنهي عن الجمع بين الأختين والنهي عن الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها لا الكبرى على الصغرى ولا الصغرى على الكبرى خشية القطيعة والنهي عن الشغار وهو أن يقول مثلا زوجني ابنتك أو أختك على أن أزوجك ابنتي أو أختي فتكون هذه مقابل الأخرى وهذا ظلم وحرام والنهي عن نكاح المتعة وهو نكاح إلى متفق عليه بين الطرفين ينتهي العقد بانتهاء الأجل، والنهي عن وطء المرأة في المحيض وإنما يأتيها بعد أن تتطهر والنهي عن إتيان المرأة في دبرها والنهي أن يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى يترك أو يأذن له والنهي أن تنكح الثيب حتى تستأمر والبكر حتى تستأذن والنهي عن التهنئة بقولهم بالرفاء والبنين لأنها من تهنئة الجاهلية وأهل الجاهلية كانوا يكرهون الإناث، والنهي أن تكتم المطلقة ما خلق الله في رحمها، والنهي أن يحدث الزوج والزوجة بما يكون بينهما من أمور الاستمتاع والنهي عن إفساد المرأة على زوجها والنهي عن اللعب بالطلاق والنهي أن تسأل المرأة طلاق أختها سواء كانت زوجة أو مخطوبة مثل أن تسأل المرأة الرجل أن يطلق زوجته لتتزوجه، ونهي المرأة أن تنفق من مال زوجها إلا بإذنه ونهي المرأة أن تهجر فراش زوجها فإن فعلت دون عذر شرعي لعنتها الملائكة والنهي أن ينكح الرجل امرأة أبيه والنهي أن يطأ الرجل امرأة فيها حمل من غيره والنهي أن يعزل الرجل عن زوجته الحرة إلا بإذنها والنهي أن يطرق الرجل أهله ويفاجأهم ليلا إذا قدم من سفر فإذا أخبرهم بوقت قدومه فلا حرج، ونهي الزوج أن يأخذ من مهر زوجته بغير طيب نفس منها، والنهي عن الإضرار بالزوجة لتفتدي منه بالمال. ونهي النساء عن التبرج والنهي عن المبالغة في ختان المرأة والنهي أن تدخل المرأة أحدا بيت زوجها إلا بإذنه ويكفي إذنه العام إذا لم يخالف الشرع والنهي عن التفريق بين الوالدة وولدها والنهي عن الدياثة والنهي عن إطلاق النظر إلى المرأة الأجنبية وعن اتباع النظرة النظرة. والنهي عن الميتة سواء ماتت بالغرق أو الخنق أو الصعق أو السقوط من مكان مرتفع وعن الدم ولحم الخنزير وما ذبح على غير اسم الله وما ذبح للأصنام. والنهي عن أكل لحم الجلالة وهي الدابة التي تتغذى على القاذورات والنجاسات وكذا شرب لبنها وعن أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير وأكل لحم الحمار الأهلي والنهي عن صبر البهائم وهو أن تمسك ثم ترمى بشيئ إلى أن تموت أو أن تحبس بلا علف، والنهي عن الذبح بالسن والظفر وأن يذبح بهيمة بحضرة أخرى وأن يحد الشفرة أمامها. في اللباس والزينة النهي عن الإسراف في اللباس وعن الذهب للرجال والنهي عن التعري وعن المشي عريانا وعن كشف الفخذ. والنهي عن إسبال الثياب وعن جرها خيلاء وعن لبس ثوب الشهرة والنهي عن شهادة الزور والنهي عن قذف المحصنة والنهي عن قذف البريء وعن البهتان. والنهي عن الهمز واللمز والتنابز بالألقاب والغيبة والنميمة والسخرية بالمسلمين وعن التفاخر بالأحساب والطعن في الأنساب وعن السباب والشتم والفحش والخنا والبذاءة وكذلك الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم. والنهي عن الكذب ومن أشده الكذب في المنام مثل اختلاق الرؤى والمنامات لتحصيل فضيلة أو كسب مادي أو تخويفا لمن بينه وبينهم عداوة والنهي أن يزكي المرء نفسه والنهي عن النجوى فلا يتناجى اثنان دون الثالث من أجل أن ذلك يحزنه، وعن لعن المؤمن ولعن من لايستحق اللعن. والنهي عن سب الأموات والنهي عن الدعاء بالموت أو تمنيه لضر نزل به وعن الدعاء على النفس والأولاد والخدم والأموال. والنهي عن الأكل مما بين أيدي الآخرين وعن الأكل من وسط الطعام وإنما يأكل من حافته وجوانبه فإن البركة تنزل وسط الطعام وعن الشرب من ثلمة الإناء المكسور حتى لايؤذي نفسه وعن الشرب من فم الإناء والنهي عن التنفس فيه وأن يأكل الشخص وهو منبطح على بطنه، والنهي عن الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر والنهي عن ترك النار في البيت موقدة حين النوم والنهي أن يبيت الرجل وفي يده غمر مثل الزهومة والزفر والنهي عن النوم على البطن، والنهي أن يحدث الإنسان بالرؤيا القبيحة أو أن يفسرها لأنها من تلاعب الشيطان والنهي عن قتل النفس بغير حق، والنهي عن قتل الأولاد خشية الفقر والنهي عن الانتحار والنهي عن الزنا والنهي عن اللواط وشرب الخمر وعصره وحمله وبيعه والنهي عن إرضاء الناس بسخط الله، والنهي عن نهر الوالدين وقول أف لهما، والنهي عن انتساب الولد لغير أبيه والنهي عن التعذيب بالنار والنهي عن تحريق الأحياء والأموات بالنار والنهي عن المثلة وهي تشويه جثث القتلى، والنهي عن الإعانة على الباطل والتعاون على الإثم والعدوان والنهي عن إطاعة أحد في معصية الله والنهي عن الحلف كاذبا وعن اليمين الغموس والنهي أن يستمع لحديث قوم بغير إذنهم والنهي عن النظر إلى العورات والنهي أن يدّعي ما ليس له والنهي أن يتشبع بما لم يعط وأن يسعى إلى أن يحمد بما لم يفعل والنهي عن الاطلاع في بيت قوم بغير إذنهم والنهي عن الإسراف والتبذير والنهي عن اليمين الآثمة والتجسس وسوء الظن بالصالحين والصالحات والنهي عن التحاسد والتباغض والتدابر والنهي عن التمادي في الباطل والنهي عن الكبر والفخر والخيلاء والإعجاب بالنفس والفرح والمرح أشرا وبطرا والنهي أن يعود المسلم في صدقتة ولو بشرائها، والنهي عن استيفاء العمل من الأجير وعدم إيفائه أجره والنهي عن عدم العدل في العطية بين الأولاد، والنهي أن يوصي بماله كله ويترك ورثته فقراء فإن فعل فلا تنفذ وصيته إلا في الثلث والنهي عن سوء الجوار والنهي عن المضارة في الوصية والنهي عن هجر المسلم فوق ثلاثة أيام دون سبب شرعي والنهي عن الخذف وهو رمي الحصاة بين أصبعين لأنها مظنة الأذى مثل فقء العين وكسر السن، والنهي عن الوصية لوارث لأن الله قد أعطى الورثة حقوقهم، والنهي عن إيذاء الجار، والنهي عن إشارة المسلم لأخيه بالسلاح والنهي عن تعاطي السيف مسلولا خشية الإيذاء والنهي أن يفرق بين اثنين إلا بإذنهما، والنهي عن ردّ الهدية إذا لم يكن فيها محذور شرعي، والنهي عن الإسراف والتبذير، والنهي عن إعطاء المال للسفهاء، ونهي الناس أن يتمنى ما فضل الله بعضهم على بعض من الرجال والنساء والنهي عن إبطال الصدقات بالمن والأذى، والنهي عن كتمان الشهادة، والنهي عن قهر اليتيم ونهر السائل، والنهي عن التداوي بالدواء الخبيث فإن الله لم يجعل شفاء الأمة فيما حرم عليها والنهي عن قتل النساء والصبيان في الحرب، والنهي أن يفخر أحد على أحد، والنهي عن إخلاف الوعد، والنهي عن خيانة الأمانة والنهي عن سؤال الناس دون حاجة والنهي أن يروع المسلم أخاه المسلم أو يأخذ متاعه لاعبا أو جادا والنهي أن يرجع الشخص في هبته وعطيته إلا الوالد فيما أعطى ولده والنهي عن ممارسة الطب بغير خبرة والنهي عن قتل النمل والنحل والهدهد والنهي أن ينظر الرجل إلى عورة الرجل والمرأة إلى عورة المرأة والنهي عن الجلوس بين اثنين إلا بإذنهما والنهي عن جعل السلام للمعرفة وإنما يسلم على من عرف ومن لم يعرف والنهي عن جعل اليمين حائلة بين الحالف وعمل البر بل يأتي الذي هو خير ويكفر عن يمينه والنهي عن القضاء بين الخصمين وهو غضبان أو يقضي لأحدهما دون أن يسمع كلام الآخر والنهي أن يمر الرجل في السوق ومعه ما يؤذي المسلمين كالأدوات الحادة المكشوفة، والنهي أن يقيم الرجل الرجل من مجلسه ثم يقعد فيه، والنهي أن يقوم الرجل من عند أخيه حتى يستأذن. إلى غير ذلك من الأوامر والنواهي التي جاءت لسعادة الإنسان وسعادة البشرية، فهل رأيت أو عرفت أيتها السائلة دينا مثل هذا الدّين؟ أعيدي قراءة الجواب ثمّ سائلي نفسك: أليس من الخسارة أن لا تكوني أحد أتباعه؟ قال الله تعالى في القرآن العظيم: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ (85) سورة آل عمران وختاما أتمنى لكِ ولكلّ من قرأ هذا الجواب التوفيق لسلوك سبيل الصواب واتّباع الحقّ، والله يحفظنا وإياكم من كلّ سوء. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 219 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 لماذا نحاسب على ما كتب علينا [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان مصير الفرد كتب مسبقا عند الله. وكان في قسمة شخص ما أنه سيقتل شخصا معينا. كيف يمكنه أن يمنع هذا من الوقوع؟ ولماذا يكون عرضة للمعاقبة على هذا الذنب وهو لا يملك ما يمنع به ذلك من الوقوع؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قدَر الله قدرته، ومن أركان الإيمان؛ الإيمان بالقضاء والقدر فإن الله خلق الخلق وهو يعلم ما هم عاملون لعلمه الواسع، واطلاعه جل وعلا. وأعطى العبد اختيارا، ورسم له طريق الخير، فمن أحسن فلنفسه ومن أساء فعليها، قال تعالى: (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره. ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) . وقال تعالى: (ونفس وما سواها. فألهمها فجورها وتقواها. قد أفلح من زكاها وقد خاب من دسّاها) . فلا يحل له إيذاء أحد بغير حق من القتل أو غيره، ومن فعل ذلك استحق العقوبة في الدنيا، والعذاب في الآخرة لمخالفته ما شرعه الله. [الْمَصْدَرُ] الشيخ وليد الفريان الحديث: 11126 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 المكاشفات [السُّؤَالُ] ـ[هل كشف الإلهام حقيقي في ضوء الإسلام؟ الصوفيون يدعون كل مرة أن عندهم العلم بالغيب وهم يطلقون على ذلك "كشف الإلهام"، والبعض يبررون ذلك قائلين أنه عندما كان عمر رضي الله عنه يخطب ذات مرة قال أن هناك جيش في ساحة المعركة، أرجو توضيح ذلك.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الكشف الذي يحصل للمرء أنواع، فمنه النفساني وهو مشترك بين المسلم والكافر، ومنه الرحماني وهو الذي يكون عن طريق الوحي والشرع، ومنه الشيطاني وهو ما يحصل عن طريق الجن. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: نحن لا ننكر أن النفس يحصل لها نوع من الكشف إما يقظةً وإما مناماً بسبب قلة علاقتها مع البدن إما برياضة أو بغيرها، وهذا هو الكشف النفساني وهو القسم الأول من أنواع الكشف. لكن قد ثبت أيضاً بالدلائل العقليَّة مع الشرعيَّة وجود الجن وأنها تخبر الناس بأخبار غائبة عنهم كما للكهان المصروعين وغيرهم … ولكن المقصود هنا أنه يعلم وجود أمور منفصلة مغايرة لهذه القوى كالجن المخبرين لكثير من الكهان بكثير من الأخبار وهذا أمر يعلمه بالضرورة كل من باشره أو من أخبره من يحصل له العلم بخبره ونحن قد علمنا ذلك بالاضطرار غير مرة فهذا نوع من المكاشفات والإخبار بالغيب غير النفساني وهو القسم الثاني من أنواع الكشف. وأما القسم الثالث: وهو ما تخبر به الملائكة فهذا أشرف الأقسام كما دلت عليه الدلائل الكثيرة السمعية والعقلية، فالإخبار بالمغيبات يكون عن أسباب نفسانية ويكون عن أسباب خبيثة شيطانية وغير شيطانية ويكون عن أسباب ملكية. " الصفدية " (ص 187 - 189) . وقال ابن القيم: الكشف الجزئي مشترك بين المؤمنين والكفار والأبرار والفجار كالكشف عما في دار إنسان أو عما في يده أو تحت ثيابه أو ما حملت به امرأته بعد انعقاده ذكراً أو أنثى وما غاب عن العيان من أحوال البعد الشاسع ونحو ذلك فإن ذلك يكون من الشيطان تارة، ومن النفس تارة، ولذلك يقع من الكفار كالنصارى وعابدي النيران والصلبان فقد كاشف ابن صياد النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بما أضمره له وخبَّأه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنما أنت من إخوان الكهان "، فأخبر أن ذلك الكشف من جنس كشف الكهان، وأن ذلك قدره، وكذلك مسيلمة الكذاب مع فرط كفره كان يكاشف أصحابه بما فعله أحدهم في بيته وما قاله لأهله يخبره به شيطانه ليغوي الناس، وكذلك الأسود العنسي، والحارث المتنبي الدمشقي الذي خرج في دولة عبد الملك بن مروان وأمثال هؤلاء ممن لا يحصيهم إلا الله، وقد رأينا نحن وغيرنا منهم جماعة وشاهد الناس من كشف الرهبان عباد الصليب ما هو معروف. والكشف الرحماني من هذا النوع هو مثل كشف أبي بكر لما قال لعائشة رضي الله عنهما إن امرأته حامل بأنثى، وكشف عمر رضي الله عنه لما قال يا سارية الجبل – أي إلزم الجبل - وأضعاف هذا من كشف أولياء الرحمن. " مدارج السالكين " (3 / 227، 228) . ثانياً: وما حدث مع عمر بن الخطاب رضي الله صحيح ثابت عنه، فقد قال نافع أن عمر بعث سريَّة فاستعمل عليهم رجلاً يقال له " سارية "، فبينما عمر يخطب يوم الجمعة، فقال: " يا ساريةُ الجبلَ، يا ساريةُ الجبلَ "، فوجدوا " سارية " قد أغار إلى الجبل في تلك الساعة يوم الجمعة وبينهما مسيرة شهر ". رواه أحمد في " فضائل الصحابة " (1 / 269) ، وصححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (1110) . وهذا كرامة لعمر رضي الله عنه وذلك إما بإلهامه وتبليغ صوته – وهو ما يراه ابن القيم – أو بالكشف النفساني وتبليغ صوته – وهو ما سيأتي في كلام الشيخ الألباني -، وفي كلا الحالين هو كرامة له ولا شك. ثالثاً: وأمّا ما يحصل مع الصوفية فليس من الكشف الرحماني بل إما أن يكون من النفساني وهو ما يشركهم به الكفار، وإما أن يكون الشيطاني وهو الأغلب. والكشف الرحماني إنما يحدث لأولياء الله تعالى الذين يقيمون الشرع ويعظمونه، وقد عُرف من حال الصوفية أنهم ليسوا كذلك، وما حصل من عمر إن صحَّ تسميته " كشفاً " فهو من الكشف الرحماني. قال الشيخ الألباني – عن حادثة عمر بن الخطاب -: ومما لا شك فيه أن النداء المذكور إنما كان إلهاماً من الله تعالى لعُمر، وليس ذلك بغريب عنه فإنه " محدَّث " كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن ليس فيه أن عمر كُشف له حال الجيش، وأنه رآهم رأي العين، فاستلال بعض المتصوفة بذلك على ما يزعمونه من الكشف للأولياء وعلى إمكان اطلاعهم على ما في القلوب: من أبطل الباطل، كيف لا وذلك من صفات رب العالمين المنفرد بعلم الغيب والاطلاع على ما في الصدور. وليت شعري كيف يزعم هؤلاء ذلك الزعم الباطل والله عز وجل يقول في كتابه {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً. إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} الجن / 26، 27؟ فهل يعتقدون أن أولئك الأولياء رسل الله حتى يصحَّ أن يقال إنهم يطلعون على الغيب باطاع الله إياهم؟! سبحانك هذا بهتان عظيم … . فالقصة صحيحة ثابتة، وهي كرامة أكرم الله بها عمر، حيث أنقذ به جيش المسلمين من الأسر أو الفتك به، ولكن ليس فيها ما زعمه المتصوفة من الاطلاع على الغيب، وإنما هو من باب الإلهام (في عرف الشرع) أو (التخاطر) في عرف العصر الحاضر الذي ليس معصوماً، فقد يصيب كما في هذه الحادثة، وقد يخطئ كما هو الغالب على البشر، ولذلك كان لا بدَّ لكل وليٍّ من التقيد بالشرع في كل ما يصدر منه من قول أو فعل خشية الوقوع في المخالفة، فيخرج بذلك عن الولاية التي وصفها الله تعالى بوصف جامع شامل {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ. الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} يونس / 63، ولقد أحسن من قال: إذا رأيت شخصاً قد يطير وفوق ماء البحر قد يسير ولم يقف على حدود الشرعِ فإنه مُستَدرج وبدعي. " السلسلة الصحيحة " (3 / 102 – 104) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 12778 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 الكفار إذا كانت أخلاقهم حميدة هل يدخلون الجنة؟ وكذلك أطفال الكفار هل يدخلون أيضا؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل صحيح أن جميع الكفار حتى لو كانت أخلاقهم حميدة ولا يؤذون أحداً سيدخلون النار؟ إذا كان الجواب نعم فماذا عن الأطفال غير المسلمين والذين لم يكن لهم الخيار أن يولدوا كفاراً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اعلم أن جميع الكفار الذين بلغتهم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يدخلوا في دين الإسلام فهم في النار، قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) البينة / 6. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار) رواه مسلم (153) وليست العبرة أن تكون أخلاقهم حميدة، بل العبرة انقيادهم لله تعالى ولأوامره، ألا ترى إلى المجوسي أو البوذي الذي يعبد النار مثلا أو الأصنام من دون الله، ولم يعبد الله، ويقر له بالعبودية دونما سواه، وكذلك النصارى الذين قالوا إن الله إتخذ ولدا، وغيرهم من المشركين هؤلاء أساءوا الأدب مع الله تعالى، وسبوه وشتموه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (قال الله تعالى: كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولداً وأنا الأحد الصمد الذي لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفئاً أحد) رواه البخاري (4974) ، فهؤلاء كيف تكون أخلاقهم حميدة وهم يسيئون الأدب مع الله عز وجل، مع أن الله عز وجل جعل لهم الأسماع والأبصار، ويسر لهم كل شي، وأرسل إليهم رسله وأنزل عليهم كتبه، وأسبغ عليهم نعمه، فكان حقه عليهم أن يشكروه فلا يكفروه، فلما لم يمتثلوا ذلك استحقوا غضب الله ونقمته، قال تعالى: (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) الكهف / 49. وأما حال أطفالهم الذيت ماتوا في الصغر، فسئل عنهم الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله فقال: " إذا مات غير المكلف بين والدين كافرين فحكمه حكمهما في أحكام الدنيا فلا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين. أما في الآخرة فأمره إلى الله سبحانه، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لما سئل عن أولاد المشركين قال: (الله أعلم بما كانوا عاملين) رواه البخاري (1384) ، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن علم الله سبحانه فيهم يظهر يوم القيامة، وأنهم يمتحنون كما يمتحن أهل الفترة ونحوهم، فإن أجابوا إلى ما يطلب منهم دخلوا الجنة، وإن عصوا دخلوا النار، وقد صحت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في امتحان أهل الفترة يوم القيامة، وهم الذين لم تبلغهم دعوة الرسل ومن كان في حكمهم كأطفال المشركين لقول لله عزوجل: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) الاسراء / 15، وهذا القول أصح الأقوال في أهل الفترة ونحوهم ممن لم تبلغهم الدعوة الإلهية، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم وجماعة من السلف والخلف رحمة الله عليهم جميعا " (مجموع فتاوى ومقالات متنوعة 3/163 -164) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 13350 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 حكم المؤمن المرتكب لبعض المعاصي [السُّؤَالُ] ـ[ما هو حال المؤمن الذي ارتكب الكثير من المعاصي في حياته؟ هل يغفر الله له أم أنه يُعذب؟ وما هو مقدار عذابه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فالمؤمنون الذين يموتون على الإيمان إذا كانوا قد ارتكبوا في حياتهم معصيةً دون الكفر والشرك المخرج من الملة، لهم حالتان: الأولى: أن يكونوا قد تابوا من المعصية في حياتهم، فإن تابوا منها توبة نصوحاً قبلها الله منهم. فيعودون كمن لا ذنب له، ولا يعاقبون على معصيتهم في الآخرة، بل ربما أكرمهم ربهم فبدل سيئاتهم حسنات. الثانية: الذين يموتون ولم يتوبوا من المعاصي أو كانت توبتهم ناقصة لم تستوف الشروط، أو لم تقبل توبتهم فيها، فإن الذي أثبتته الآيات القرآنية والسنن النبوية واتفق عليه السلف الصالح أن هؤلاء ـ العصاة من أهل التوحيد ـ على ثلاثة أقسام: القسم الأول: قوم تكون لهم حسنات كثيرة تزيد وترجح على هذه السيئات، فهؤلاء يتجاوز الله عنهم، ويسامحهم في سيئاتهم، ويدخلهم الجنة، ولا تمسهم النار أبداً إحساناً من الله وفضلاً وإنعاماً. كما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إن الله سبحانه وتعالى يدني المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره فيقول: أتعرف ذنب كذا، أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم، أي رب، حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه هلك قال: سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، فيُعطى كتاب حسناته، وأما الكفار والمنافقون فيقول الأشهاد: هؤلاء الذين كذبوا ربهم ألا لعنة الله على الظالمين" رواه البخاري (2441) ومسلم (2768) . وقال تعالى: {فمن ثقلت موازينه فأولئك المفلحون} الأعراف/8. وقال سبحانه: {فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية * وأما من خفت موازينه فأمه هاوية} القارعة/:6-7. القسم الثاني: قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم فقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة وتجاوزت بهم حسناتهم عن النار، وهؤلاء هم أصحاب الأعراف الذين ذكر الله تعالى أنهم يوقفون بين الجنة والنار ما شاء الله أن يوقفوا ثم يؤذن لهم في دخول الجنة كما قال تعالى بعد أن أخبر بدخول أهل الجنةِ الجنةَ وأهل النارِ النارَ فقال سبحانه: (وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلّاً بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ. وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِين َ) إلى قوله: (أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) الأعراف/46-49 القسم الثالث: قوم لقوا الله تعالى مصرين على الكبائر والإثم والفواحش فزادت سيئاتهم على حسناتهم فهؤلاء هم الذين يستحقون دخول النار بقدر ذنوبهم فمنهم من تأخذه إلى كعبيه ومنهم من تأخذه إلى أنصاف ساقيه، ومنهم من تأخذه إلى ركبتيه حتى أن منهم من لا يحرم على النار منه إلا أثر السجود، وهؤلاء هم الذين يأذن الله في خروجهم من النار بالشفاعة فيشفع فيهم النبي صلى الله عليه وسلم،وسائر الأنبياء، والملائكة والمؤمنون ومن شاء الله أن يكرمه. فمن كان من هؤلاء العصاة أعظم إيمانا وأخف ذنبا كان أخف عذاباَ وأقل مكثا فيها وأسرع خروجا منها، وكل من كان أعظم ذنباً وأضعف إيماناً كان أعظم عذاباً وأكثر مكثاً نسأل الله السلامة والعافية من كل سوء. فهذه حال عصاة المؤمنين في الآخرة. وأما في الدنيا فهم ما داموا لم يرتكبوا عملاً يخرجهم من الملة فهم مؤمنون ناقصوا الإيمان كما أجمع على ذلك السلف الصالح مستدلين بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية؛ فمن تلك الآيات: قوله تعالى في آية القصاص: (فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف) البقرة/178 فجعل الله القاتل أخاً لأولياء المقتول وهذه الأخوَّة هي أخوة الإيمان فدل ذلك على أن القاتل لم يكفر مع أن قتل المؤمن كبيرة من أكبر الكبائر. وقوله جل شأنه: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) الحجرات/9:10 فسمى الله الطائفتين المقتتلتين مؤمنين مع أن الاقتتال من كبائر الذنوب، بل وجعل المصلحين بينهم أخوة لهم؛ فدل هذا على أن مرتكب المعصية والكبيرة التي لا تصل إلى حد الشرك والكفر؛ يثبت له اسم الإيمان وأحكامه. لكنه يكون ناقص الإيمان. وبهذا تجتمع النصوص الشرعية وتأتلف. والله أعلم. يراجع (أعلام السنة المنشورة 212) و (شرح العقيدة الواسطية للشيخ ابن عثيمين 2 / 238) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 9924 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 معنى حديث: (إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ) [السُّؤَالُ] ـ[ورد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: (إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب) ، وورد في حديث آخر: (لا يذهب الليل والنهار حتى تُعْبد اللات والعزى) ، وفي رواية: (حتى تضطرب أليات نساء دوس عند ذي الخلصة) والإشكال: أنه في الحديث الأول يفهم أن الشرك لا يقع في الجزيرة العربية والحديث الثاني يدل على أنه سيقع؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من الأمور المقررة عند أهل العلم أن الشرك واقع في هذه الأمة كما دلت على ذلك النصوص الصحيحة، والواقع يؤيد ذلك. وقد ارتد أكثر العرب بعد وفاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكثير منهم رجع إلى عبادة الأوثان. وقال الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبدون الأوثان، ثم ذكر بعض الأحاديث الدالة على ذلك. وأما قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون ... ) فللعلماء عليه أجوبة: 1- أن الشيطان قد أيس أن يجمع كل المصلين على الكفر. واختار هذا القول العلامة ابن رجب الحنبلي. الدرر السنة (12/117) 2- أن هذا إخبار عما وقع في نفس الشيطان من اليأس لما رأى الفتوح، ودخول الناس في دين الله أفواجاً، فالحديث أخبر عن ظن الشيطان وتوقعه، ثم كان الواقع بخلاف ذلك لحكمة يريدها الله عز وجل. واختار هذا القول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. القول المفيد (1/211) 3- أن الشيطان أيس من المؤمنين كاملي الإيمان، فلم يطمع فيهم الشيطان أن يعبدوه، واختاره الألوسي. وانظر دعاوى المناوئين. (224) 4- أن (أل) في كلمة (المصلون) للعهد، والمراد بهم الصحابة. والأقوال كلها قريبة، وأقربها الثاني، والله أعلم. انظر " أحاديث العقيدة التي يوهم ظاهرها التعارض في الصحيحين " (2/232-238) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 42919 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 جهاد المنافقين [السُّؤَالُ] ـ[لا تزال رؤوس المنافقين تطل بين الحين والحين، كلما سنحت لهم الفرصة، من أجل الطعن في شيء من ثوابت الأمة، أو التشكيك في مسلماتها، وسلخ المجتمع من هويته الإسلامية، فما واجبنا نحو هؤلاء، وكيف نصون الأمة عن شرهم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا ريب أن هذه البلية لا تزال الأمة تعاني منها في كل حين وحين، ولا سيما حينما تحل المحن والنكبات بالأمة، ويأمن هؤلاء المنافقون من أخذهم بالعقوبة إن هم طعنوا في أصول هذا الدين، وأطلعوا رؤوس فتنتهم. ولا شك أن ضرر هؤلاء أعظم من ضرر الكفار المعلنين بكفرهم، كما قال الله تعالى في أمثالهم: (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) المنافقون/4. ولأجل ذلك جاء الشرع بجهادهم، والحث على الغلظة عليهم. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في شأن النصيرية، وفيهم من يظهر الكفر والإلحاد وفيهم من يظهر محبة آل البيت نفاقاً: (لا ريب أن جهاد هؤلاء وإقامة الحدود عليهم من أعظم الطاعات وأكبر الواجبات، وهو أفضل من جهاد من لا يقاتل المسلمين من المشركين وأهل الكتاب؛ فإن جهاد هؤلاء من جنس جهاد المرتدين، والصديق وسائر الصحابة بدؤوا بجهاد المرتدين قبل جهاد الكفار من أهل الكتاب؛ فإن جهاد هؤلاء حفظ لما فتح من بلاد المسلمين، وأن يدخل فيه من أراد الخروج عنه، وجهاد من لم يقاتلنا من المشركين وأهل الكتاب من زيادة إظهار الدين؛ وحفظ رأس المال مقدم على الربح. وأيضا فضرر هؤلاء على المسلمين أعظم من ضرر أولئك، بل ضرر هؤلاء من جنس ضرر من يقاتل المسلمين من المشركين وأهل الكتاب، وضررهم في الدين على كثير من الناس أشد من ضرر المحاربين من المشركين وأهل الكتاب، ويجب على كل مسلم أن يقوم في ذلك بحسب ما يقدر عليه من الواجب؛ فلا يحل لأحد أن يكتم ما يعرفه من أخبارهم، بل يفشيها ويظهرها ليعرف المسلمون حقيقة حالهم، ولا يحل لأحد أن يعاونهم على بقائهم في الجند والمستخدمين، ولا يحل لأحد السكوت عن القيام عليهم بما أمر الله به ورسوله، ولا يحل لأحد أن ينهى عن القيام بما أمر الله به ورسوله، فإن هذا من أعظم أبواب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والجهاد في سبيل الله تعالى، وقد قال الله تعالى لنبيه (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) التوبة/73، وهؤلاء لا يخرجون عن الكفار والمنافقين. والمعاون على كف شرهم وهدايتهم بحسب الإمكان له من الأجر والثواب ما لا يعلمه إلا الله تعالى، فإن المقصود بالقصد الأول هو هدايتهم، كما قال الله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) آل عمران/110. قال أبو هريرة: كنتم خير الناس للناس، تأتون بهم في القيود والسلاسل حتى تدخلوهم الإسلام [البخاري 4557 بنحوه] . فالمقصود بالجهاد والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر هداية العباد لمصالح المعاش والمعاد، بحسب الإمكان فمن هداه الله سعد في الدنيا والآخرة، ومن لم يهتد كف الله ضرره عن غيره) . [مجموع الفتاوى 35/159-160] . ويقول الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى: (الواجب على الأمة الإسلامية أن تقابل كل سلاح يصوب نحو الإسلام بما يناسبه، فالذين يحاربون الإسلام بالأفكار والأقوال يجب أن يبين بطلان ما هم عليه بالأدلة النظرية العقلية، إضافة إلى الأدلة الشرعية، حتى يتبين بطلان ما هم عليه. والذين يحاربون الإسلام من الناحية الاقتصادية يجب أن يدافعوا، بل أن يُهاجموا إذا أمكن بمثل ما يحاربون به الإسلام، ويبين أن أفضل طريقة لتقويم الاقتصاد على وجه عادل هي طريقة الإسلام، والذين يحاربون الإسلام بالأسلحة، يجب أن يقاوموا بما يناسب تلك الأسلحة، ولهذا قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) التوبة/73. ومن المعلوم أن جهاد المنافقين ليس كجهاد الكفار، لأن جهاد المنافقين يكون بالعلم والبيان، وجهاد الكفار يكون بالسيف والسهام) . [فتاوى علماء البلد الحرام ص 1733] . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 42534 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 حوار مع نصراني حول عقيدة الفداء عند النصارى [السُّؤَالُ] ـ[لماذا يصر المسلون على إنكار أن المسيح قد جاء مخلصا لفدائنا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تعد عقيدة الفداء عند النصارى وأصلها الذي بنيت عليه، وهو قولهم بصلب المسيح عليه السلام، من العقائد الأساسية عند النصارى؛ حتى إنهم ليراهنون بالديانة كلها إذا لم تصح هذه العقيدة. يقول الكاردينال الإنجليزي منينغ في كتابه: " كهنوت الأبدية ": (لا تخفى أهمية هذا البحث الموجب للحيرة، فإنه إذا لم تكن وفاة المسيح صلباً حقيقية، فحينئذ يكون بناء عقيدة الكنيسة قد هدم من الأساس، لأنه إذا لم يمت المسيح على الصليب، لا توجد الذبيحة، ولا النجاة، ولا التثليث. . فبولس والحواريون وجميع الكنائس كلهم يدعون هذا، أي أنه إذا لم يمت المسيح لا تكون قيامة أيضاً) . وهذا ما يقرره بولس: {وإن لم يكن المسيح قد قام، فباطل كرازتنا، وباطل أيضاً إيمانكم} [كورنثوس 1/14-15] . وعلى نحو ما تخبطوا في قولهم بالتثليث، وما مفهومه، وكيف يوفقون بينه وبين التوحيد الذي يقرره العهد القديم، [راجع السؤال رقم 12628] ، وعلى نحو تخبطهم أيضا في كل ما يتعلق بالصلب من تفصيلات، وهو أصل قولهم بالفداء الذي يعتبرونه علة لهذا الصلب، [راجع أيضا سؤال رقم 12615] ، نقول: على نحو هذا الخبط الملازم لكل من حاد عن نور الوحي المنزل من عند الله، كان تخبطهم في عقيدة الفداء. فهل الفداء خلاص لجميع البشر، كما يقول يوحنا: {يسوع المسيح البار، شفيع عند الآب، فهو كفارة لخطايانا، لا لخطايانا وحدها، بل لخطايا كل العالم أيضاً} [رسالة يوحنا الأولى 2/2] ، أو هو خاص بمن آمن واعتمد: {من آمن واعتمد خلص، ومن لم يؤمن يدن} [مرقس 16/16] . إن المتأمل في سيرة المسيح وأقواله يرى بوضوح أن دعوة المسيح كانت لبني إسرائيل، وأنه خلال سني دعوته نهى تلاميذه عن دعوة غيرهم، وعليه فالخلاص أيضاً يجب أن يكون خاصاً بهم، وهو ما نلمسه في قصة المرأة الكنعانية التي قالت له: {ارحمني يا سيد يا ابن داود. ابنتي مجنونة جداً، فلم يجبها بكلمة واحدة، فتقدم إليه تلاميذه، وطلبوا إليه قائلين: اصرفها لأنها تصيح وراءنا، فأجاب وقال: لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة، فأتت وسجدت له قائلة: يا سيد أعني، فأجاب وقال: ليس حسناً أن يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب { (متى 15/22 - 26) ، فالمسيح لم يقم بشفاء ابنة المرأة الكنعانية، وهو قادر عليه، فكيف يقوم بالفداء عن البشرية جمعاء؟ وهل هذا الخلاص من خطيئة آدم الأولى فقط، أو هو عام لجميع خطايانا؟ إن أحدا لا يحمل إثم أحد، ولا يفديه بنفسه، كما قال الله تعالى في كتابه الكريم: (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ) فاطر/18. وهذا هو ما تقرره نصوص كتابكم المقدس: {النفس التي تخطيء هي تموت، الابن لا يحمل من إثم الأب، والأب لا يحمل من إثم الابن، بر البار عليه يكون، وشر الشرير عليه يكون} [حزقيال 18/20 - 21] . فليس هناك خطيئة موروثة: {لولا أني جئت وكلمتهم، لما كانت عليهم خطيئة، وأما الآن فلا عذر لهم في خطيئتهم. . لولا أني عملت بينهم أعمالاً ما عمل أحد مثلها، لما كانت لهم خطيئة، لكنهم الآن رأوا، ومع ذلك أبغضوني وأبغضوا أبي} [يوحنا 15/22 - 24] . وحين تكون هناك خطيئة، سواء كانت مما اكتسبه العبد، أو ورثه عن آدم، أو من دونه من الآباء (؟!!) ، فلم لا يكون محو هذه الخطيئة بالتوبة؟! إن فرح أهل السماء بالتائب كفرح الراعي بخروفه الضائع إذا وجده، والمرأة بدرهمها الضائع إذا عثرت عليه، والأب بابنه الشارد إذا رجع: {هكذا يكون الفرح في السماء بخاطئ واحد يتوب، أكثر من الفرح بتسعة وتسعين من الأبرار لا يحتاجون إلى التوبة} [لوقا 15/1-31} . ولقد وعد الله التائبين بالقبول: {فإذا رجع الشرير عن جميع خطاياه التي فعلها، وحفظ كل فرائضي وفعل حقاً وعدلاً، فحياة يحيا، لا يموت، كل معاصيه التي فعلها لا تذكر عليه، بره الذي عمل يحيا} [حزقيال 18/21-23] ، وانظر [إشعيا 55/7] إن الاتكال على النسب من غير توبة وعمل صالح، ضرب من الخبال؛ فمن أبطأ به عمله، لم يسرع به نسبه، كما يقول نبينا صلى الله عليه وعلى إخوانه المرسلين وسلم [صحيح مسلم 2699] ، وهكذا علمكم يوحنا المعمدان (يحي عليه السلام) : {يا أولاد الأفاعي من علمكم أن تهربوا من الغضب الآتي، أثمروا ثمراً يبرهن على توبتكم، ولا تقولوا لأنفسكم: نحن أبناء إبراهيم، أقول لكم: إن الله قادر على أن يجعل من هذه الحجارة أبناء لإبراهيم؛ ها هي الفأس على أصول الشجر: فكل شجرة لا تعطي ثمرا جيدا تقطع، وترمى في النار} [متى 3/7 - 11] . إن غفران الذنب بتوبة صاحبه هو اللائق بالله البر الرحيم، لا الذبح والصليب، وإراقة الدماء، ها ما يقرره الكتاب المقدس: {إني أريد رحمة لا ذبيحة، لأني لم آت لأدعو أبراراً، بل خطاة إلى التوبة} [متى 9/13] ولهذا يقول بولس: {طوبى للذين غفرت آثامهم وسترت خطاياهم، طوبى للرجل الذي لا يحسب له الرب خطية} [رومية 4/7-8] . هذا مع إيماننا بأن الله تعالى لو أمر بعض عباده بقتل أنفسهم توبة من خطاياهم، لم يكن كثيرا عليهم، ولم يكن منافيا لبره سبحانه ورحمته، وقد أمر بذلك بني إسرائيل لما طلبوا أن يروا الله جهرة، لكن حينئذ لا يقتل أحد عن أحد، بل يقتل المرء عن إثم نفسه، لا عن آثام غيره، وقد كان ذلك من الإصر والأغلال التي وضعها الله عن هذه الأمة المرحومة. ومما يبطل نظرية وراثة الذنب أيضاً النصوص التي تحمل كل إنسان مسئولية عمله؛ كما قال الله تعالى في كتابه الكريم: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ) فصلت /46 وقال: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) المدثر/38. وهكذا في كتابكم المقدس: {لا تَدينوا لئلا تُدانوا، فكما تدينون تُدانون، وكما تكيلون يُكال لكم} [متى 7/1-2] {فإن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته، وحينئذ يجازي كل واحد حسب عمله} [متى 16/27] وأكد المسيح على أهمية العمل الصالح والبر، فقال للتلاميذ: {ليس كل من يقول: لي يا رب يا رب، يدخل ملكوت السموات. بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السموات، كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم: يا رب يا رب، أليس باسمك تنبأنا وباسمك أخرجنا شياطين، وباسمك صنعنا قوات كثيرة، فحينئذ أصرّح لهم: إني لم أعرفكم قط. اذهبوا عني يا فاعلي الإثم} [متى 7/20-21] . ومثله قوله: {يرسل ابن الإنسان ملائكته فيجمعون في ملكوته جميع المعاثر، وفاعلي الإثم، ويطرحونهم في أتون النار} [متى 13/41-42] . فلم يحدثهم عن الفداء الذي سيخلصون به من الدينونة. والذين يعملون الصالحات هم فقط الذين ينجون يوم القيامة من الدينونة، بينما يحمل الذين عملوا السيئات إلى الجحيم، من غير أن يكون لهم خلاص بالمسيح أو غيره: {تأتي ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته، فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة، والذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة} [يوحنا 5/28-29] . {متى جاء ابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة والقديسين معه، فحينئذ يجلس على كرسي مجده. . . ثم يقول أيضاً للذين عن اليسار: اذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته} [متى 25/31 - 42] . ويقول المسيح لهم: {أيها الحيات أولاد الأفاعي كيف تهربون من دينونة جهنم} (متى 23/33) . ويلاحظ أدولف هرنك أن رسائل التلاميذ خلت من معتقد الخلاص بالفداء، بل إنها جعلت الخلاص بالأعمال كما جاء في رسالة يعقوب {ما المنفعة يا إخوتي إن قال أحد: إنّ له إيماناً، ولكن ليس له أعمال، هل يقدر الإيمان أن يخلصه؟ الإيمان أيضاً إن لم يكن له أعمال ميت في ذاته. . الإيمان بدون أعمال ميت} [يعقوب 2/14 – 20 وانظر:1/22 , 1/27] . ويقول بطرس: {أرى أن الله لا يفضل أحدا على أحد في الحقيقة، فمن خافه من أية أمة كانت، وعمل الخير، كان مقبولا عنده} [أعمال الرسل 10/34-35] . ومثل هذا كثير في أقوال المسيح والحواريين. وصدق الله العظيم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات/13. والعجب أن بولس نفسه الذي أعلن نقض الناموس وعدم فائدة الأعمال، وأن الخلاص إنما يكون بالإيمان، هو ذاته أكد على أهمية العمل الصالح في مناسبات أخرى منها قوله: {إن الذي يزرعه الإنسان، إياه يحصد أيضاً. . . فلا تفشل في عمل الخير لأننا سنحصده في وقته { (غلاطية 6/7) . ويقول: {كل واحد سيأخذ أجرته حسب تعبه} (كورنثوس (1) 3/8) . [انظر حول هذه القضية بتوسع: د. منذر السقار: هل افتدانا المسيح على الصليب] وهكذا، فليس أمامك حيال هذا التناقض إلا أن تلغي فهمك وعقلك، وتعلل نفسك بالأماني الكاذبة، على نحو ما فعلت في عقيدة التثليث والتوحيد، وهو ما ينصحك به "ج. ر. ستوت" في كتابه "المسيحية الأصلية": (لا أجسر أن أتناول الموضوع، قبل أن أعترف بصراحة بأن الكثير منه سوف يبقى سرا خفيا. . .، ويا للعجب كيف أن عقولنا الضعيفة لا تدركه تماما، ولا بد أن يأتي اليوم الذي فيه ينقشع الحجاب، وتُحل كل الألغاز، وترى المسيح كما هو!! . . فكيف يمكن أن يكون الله حل في المسيح، بينما يجعل المسيح خطية لأجلنا، هذا ما لا أستطيع أن أجيب عنه، ولكن الرسول عينه يضع هاتين الحقيقتين جنبا إلى جنب، وأنا أقبل الفكرة تماما، كما قبلت أن يسوع الناصري هو إنسان وإله في شخص واحد. . . وإن كنا لا نستطيع أن نحل هذا التناقض، أو نفك رموز هذا السر، فينبغي أن نقبل الحق كما أعلنه المسيح وتلاميذه، بأنه احتمل خطايانا) [المسيحية الأصلية ص 110، 121، نقلا عن د. سعود الخلف: اليهودية والنصرانية ص 238] . ونعم، سوف نرى نحن وأنتم المسيح كما هو؛ عبدا من عباد الله المقربين، وأنبيائه المرسلين، وفي هذا اليوم الذي ينقشع فيه الحجاب يتبرأ ممن اتخذه إلها من دون الله، أو نسب إليه ما لم يقله، لتعلم ساعتها أنه لم يكن هناك لغز ولا أسرار: (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (120)) سورة المائدة. فهل من وقفة قبل فوات الأوان، وعودة إلى كلمة سواء، لا لغز فيها ولا حجاب: (قُلْ يا أهل الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) آل عمران /64. والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 42573 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 نصيحة إلى كاهنة تقرأ الفنجان [السُّؤَالُ] ـ[امرأة تقوم بقراءة الفنجان وقد وضعت عنوانها في إحدى المجلات الساقطة. أرجو توجيه نصيحة إليها.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله السؤال فيه جانبان: الأول: حكم هذا العمل لا شك أن الكهانة والسحر والتنجيم من أعظم المنكرات، ومن الإفساد في الأرض وأذية المسلمين بغير حق. واختلف العلماء رحمهم الله تعالى: هل يكفر الكاهن ويخرج من الملة، أم أنه كفر دون كفر، واستدل من قالوا بأنه يكفر بما رواه الإمام أحمد في مسنده (9171) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى كاهناً أو عرّافاً فصدّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) . صححه الألباني في صحيح الجامع (5942) . ولأن هذا ادعاء لعلم الغيب، ومن ادعى أنه يعلم الغيب فقد كفر، أن الله تعالى يقول: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلا مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ) الجن/25-26. ويقول: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ) النمل/65. الأمر الثاني: النصيحة لهذه المرأة التي تقوم بهذا العمل أن تتركه وتبتعد عنه وتتوب إلى الله تعالى، إذ هذا الفعل من الكبائر الموبقات، وأن تتقي الله في أذية المسلمين بهذا العمل الشنيع، والله تعالى يقول: (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً) الأحزاب: 58. فعليها أن تتوب من هذا العمل إلى الله تعالى قبل أن ينزل بها ملك الموت بغتة ولات ساعة مندم، وعليها أن تلجأ إلى ربها في جميع أمورها الذي بيده النفع والضر، وألا يستجريها الشيطان في حبائله حتى يوقعها في الجحيم والعياذ بالله. وفي عملها هذا فتنة لضعاف الدين من المسلمين، والله تعالى يقول: (إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق) البروج /10. قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: " علم النجوم وما يسمى بالمطالع وقراءة الكفّ وقراءة الفنجان ومعرفة الخط، وما أشبه ذلك مما يدّعيه الكهنة والعرافون والسحرة كلها من علوم الجاهلية التي حرّمها الله ورسوله، ومن أعمالهم التي جاء الإسلام بإبطالها والتحذير من فعلها أو إتيان من يتعاطاها وسؤاله عن شيء منها أو تصديقه فيما يخبر به من ذلك، لأنه من علم الغيب الذي استأثر الله به. ونصيحتي لكل من يتعلق بهذه الأمور أن يتوب إلى الله ويستغفره، وأن يعتمد على الله وحده ويتوكل عليه في كل الأمور مع أخذه بالأسباب الشرعية والحسية المباحة وأن يدع هذه الأمور ويبتعد عنها ويحذر سؤال أهلها أو تصديقهم، طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وحفاظاً على دينه وعقيدته، وحذراً من غضب الله عليه، وابتعاداً عن أسباب الشرك والكفر التي من مات عليها خسر الدنيا والآخرة " اهـ. مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (2 / 120 – 122) . وينبغي الإشارة هنا إلى أن ما تأخذه هذه المرأة من كسب بهذا العمل المحرّم الشنيع هو كسب محرم، لما جاء في صحيح البخاري (2237) ومسلم (1567) عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن. والمراد بحلوان الكاهن: هو ما يعطاه على كهانته. قال النووي رحمه الله في شرحه لهذا الحديث (10 / 490) : " قال البغوي من أصحابنا والقاضي عياض: أجمع المسلمون على تحريم حلوان الكاهن، لأنه عوض عن محرّم ولأنه أكل المال بالباطل ". [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 40924 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 حكم كلمة الولاء للوطن [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم مناداة البعض بوجوب الولاء للوطن؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب الولاء لله ولرسوله بمعنى أن يوالي العبد في الله ويعادي في الله وقد يكون وطنه ليس بإسلامي فكيف يوالي وطنه أما إذا كان وطنه إسلامياً فعليه أن يحب له الخير ويسعى إليه لكن الولاء لله لأن من كان من المسلمين مطيعاً لله فهو وليه ومن كان مخالفاً لدين الله فهو عدوه وإن كان من أهل وطنه وإن كان أخاه أو عمه أو أباه أو نحو ذلك، فالموالاة في الله والمعاداة في الله. أما الوطن فيحب إن كان إسلامياً وعلى الإنسان أن يشجع على الخير في وطنه وعلى بقائه إسلامياً وأن يسعى لاستقرار أوضاعه وأهله وهذا هو الواجب على كل المسلمين نسأل الله لنا ولكم ولجميع المسلمين التوفيق والهداية وصلاح النية والعمل وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/9 ص/317. الحديث: 10364 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 هل للمعصية تأثير على أهل العاصي [السُّؤَالُ] ـ[يقول والدي أنني ارتكبت إثماً يؤثّر على كل الأسرة وفيما بعد عاشوا أوقات عصيبة كفقد أموال عن طريق السرقة ودفع غرامات فهل يمكن أن يكون هذا بسبب ذنوبي، هذا لا يبدوا مستقيماً فهل يعاقب الله كل الأطفال إذا ارتكبت أمهم ذنباً.]ـ [الْجَوَابُ] لا يُؤَاخَذُ الإنسان بذنب غيره، فكل إنسانٍ يُحَاسَب على أعمَالِه، قال تعالى: (ولا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخرى) فاطر/18، لكنَّ كَون الأم أو الأب يَقْتَرِفُ ذنباً فإنّه من الوسائِل التي تجعَل أهلَ البيْتِ يقْتَدُونَ بهِ. مجموع فتاوى الشيخ ابن باز 2/610. لكن قد يتعدىَّ شؤم المعصية من العاصي إلى بعض أهله، فيكون عقوبة له وابتلاء لأهله، والله عزّ وجل يبتَلِي الإنسان بالمصائِب لِكَي يكَفِّر الله بها ذنوبه، وقد يبتلي الله بالنعم، قال تعالى: (ونَبْلوكُم بالشَّرِ والخيْرِ فتْنَة) الأنبياء/35. وعلى كل حال يجب على المسلم أن يَتَجَنَّبَ المعاصي حتى لا ينزل عليه سخَطِ الله وغَضَبِه، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 9047 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 بطلان حديث توسل آدم بمحمد عليهما الصلاة والسلام [السُّؤَالُ] ـ[قرأت هذا الحديث وأريد أن أعرف هل هو صحيح أو غير صحيح؟ (لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي. فقال الله: يا آدم، وكيف عرفت محمداً ولم أخلقه؟ قال: يا رب، لأنك لما خلقتني بيدك، ونفخت في من روحك، رفعت رأسي، فرأيت على قوائم العرش مكتوبا: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك. فقال الله: صدقت يا آدم، إنه لأحب الخلق إلي، ادعني بحقه، فقد غفرت لك، ولولا محمد ما خلقتك) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث موضوع، رواه الحاكم من طريق عبد الله بن مسلم الفهري، حدثنا إسماعيل بن مسلمة، أنبأ عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جده، عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما اقترف آدم الخطيئة. . . ثم ذكر الحديث باللفظ الذي ذكره السائل. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد اهـ. هكذا قال الحاكم! وقد تعقبه جمع من العلماء، وأنكروا عليه تصحيحه لهذا الحديث، وحكموا على هذا الحديث بأنه باطل موضوع، وبينوا أن الحاكم نفسه قد تناقض في هذا الحديث. وهذه بعض أقوالهم في ذلك: قال الذهبي متعقبا على كلام الحاكم السابق: بل موضوع، وعبد الرحمن واهٍ، وعبد الله بن مسلم الفهري لا أدري من هو اهـ. وقال الذهبي أيضاً في "ميزان الاعتدال": خبر باطل اهـ. وأقره الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان". وقال البيهقي: تفرد به عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، من هذا الوجه، وهو ضعيف اهـ. وأقره ابن كثير في البداية والنهاية (2/323) . وقال الألباني في السلسلة الضعيفة (25) : موضوع اهـ. والحاكم نفسه –عفا الله عنه- قد اتهم عبد الرحمن بن زيد بوضع الحديث، فكيف يكون حديثه صحيحاً؟! قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "القاعدة الجليلة في التوسل والوسيلة" (ص 69) : ورواية الحاكم لهذا الحديث مما أنكر عليه، فإنه نفسه قد قال في كتاب "المدخل إلى معرفة الصحيح من السقيم": عبد الرحمن بن زيد بن أسلم روى عن أبيه أحاديث موضوعة لا يخفى على من تأملها من أهل الصنعة أن الحمل فيها عليه، قلت: وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف باتفاقهم يغلط كثيراً اهـ. انظر سلسلة الأحاديث الضعيفة للألباني (1/38-47) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 34715 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 شروط العبادة في الإسلام [السُّؤَالُ] ـ[ما هي شروط العبادة الصحيحة في الإسلام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ الفقيه محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله تعالى: أولا: أن تكون العبادة موافقة للشريعة في (سببها) فأي إنسان يتعبد لله بعبادة مبنية على سبب لم يثبت بالشرع فهي عبادة مردودة، ليس عليها أمر الله ورسوله، ومثال ذلك الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك الذين يحتفلون بليلة السابع والعشرين من رجب يدّعون أن النبي صلى الله عليه وسلم عرج به في تلك الليلة فهو غير موافق للشرع مردود. 1 - لأنه لم يثبت من الناحية التاريخية أن معراج الرسول صلى الله عليه وسلم كان ليلة السابع والعشرين، وكتب الحديث بين أيدينا ليس فيها حرف واحد يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم عرج به في ليلة السابع والعشرين من رجب ومعلوم أن هذا من باب الخبر الذي لا يثبت إلا بالأسانيد الصحيحة. 2 - وعلى تقدير ثبوته فهل من حقنا أن نحدث فيه عبادة أو نجعله عيدا؟ أبدا. ولهذا لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ورأى الأنصار لهم يومان يلعبون فيهما قال: (إن الله أبدلكم بخير منهما) وذكر لهم عيد الفطر وعيد الأضحى وهذا يدل على كراهة النبي صلى الله عليه وسلم لأي عيد يحدث في الإسلام سوى الأعياد الإسلامية وهي ثلاثة: عيدان سنويان وهما عيد الفطر والأضحى وعيد أسبوعي وهو الجمعة. فعلى تقدير ثبوت أن الرسول صلى الله عليه وسلم عرج به ليلة السابع والعشرين من رجب - وهذا دونه خرط القتاد - لا يمكن أن نحدث فيه شيئا بدون إذن من الشارع. وكما قلت لكم إن البدع أمرها عظيم وأثرها على القلوب سيئ حتى وإن كان الإنسان في تلك اللحظة يجد من قلبه رقة ولينا فإن الأمر سيكون بعد ذلك بالعكس قطعا لأن فرح القلب بالباطل لا يدوم بل يعقبه الألم والندم والحسرة وكل البدع فيها خطورة لأنها تتضمن القدح في الرسالة، لأن مقتضى هذه البدعة أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يتم الشريعة، مع أن الله سبحانه وتعالى يقول: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) . والغريب أن بعض المبتلين بهذه البدع تجدهم يحرصون غاية الحرص على تنفيذها، مع أنهم متساهلون فيما هو أنفع وأصح وأجدى. لذلك نقول إن الاحتفال ليلة سبع وعشرين على أنها الليلة التي عرج فيها برسول الله صلى الله عليه وسلم هذه بدعة؛ لأنها بنيت على سبب لم يأت به الشرع. ثانيا: أن تكون العبادة موافقة للشريعة في (جنسها) مثل أن يضحي الإنسان بفرس، فلو ضحى الإنسان بفرس، كان بذلك مخالفا للشريعة في جنسها. (لأن الأضحية لا تكون إلا من بهيمة الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم) . ثالثا: أن تكون العبادة موافقة للشريعة في (قدرها) لو أن أحدا من الناس قال إنه يصلي الظهر ستا، فهل هذه العبادة تكون موافقة للشريعة؟ كلا؛ لأنها غير موافقة لها في القدر. ولو أن أحدا من الناس قال سبحان الله والحمد لله والله أكبر خمسا وثلاثين مرة دبر الصلاة المكتوبة فهل يصح ذلك؟ فالجواب: إننا نقول إن قصدت التعبد لله تعالى بهذا العدد فأنت مخطئ، وإن قصدت الزيادة على ما شرع الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنك تعتقد أن المشروع ثلاثة وثلاثون فالزيادة لا بأس بها هنا، لأنك فصلتها عن التعبد بذلك. رابعا: أن تكون العبادة موافقة للشريعة في (كيفيتها) لو أن الإنسان فعل العبادة بجنسها وقدْرها وسببها، لكن خالف الشرع في كيفيتها، فلا يصح ذلك. مثال ذلك: رجل أحدث حدثا أصغر، وتوضأ لكنه غسل رجليه ثم مسح رأسه، ثم غسل يديه، ثم غسل وجهه، فهل يصح وضوؤه؟ كلا لأنه خالف الشرع في الكيفية. خامسا: أن تكون العبادة موافقة للشريعة في (زمانها) مثل أن يصوم الإنسان رمضان في شعبان، أو في شوال، أو أن يصلي الظهر قبل الزوال، أو بعد أن يصير ظل كل شيء مثله؛ لأنه إن صلاها قبل الزوال صلاها قبل الوقت، وإن صلى بعد أن يصير ظل كل شيء مثله، صلاها بعد الوقت فلا تصح صلاته. ولهذا نقول إذا ترك الإنسان الصلاة عمدا حتى خرج وقتها بدون عذر فإن صلاته لا تقبل منه حتى لو صلى ألف مرة. وهنا نأخذ قاعدة مهمة في هذا الباب وهي كل عبادة مؤقتة إذا أخرجها الإنسان عن وقتها بدون عذر فهي غير مقبولة بل مردودة. ودليل ذلك حديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد. سادسا: أن تكون العبادة موافقة للشريعة في (مكانها) فلو أن إنسانا وقف في يوم عرفة بمزدلفة، لم يصح وقوفه، لعدم موافقة العبادة للشرع في مكانها. وكذلك على سبيل المثال لو أن إنسانا اعتكف في منزله، فلا يصح ذلك؛ لأن مكان الاعتكاف هو المسجد، ولهذا لا يصح للمرأة أن تعتكف في بيتها؛ لأن ذلك ليس مكانا للاعتكاف. والنبي صلى الله عليه وسلم لما رأى بعض زوجاته ضربن أخبية لهن في المسجد أمر بنقض الأخبية وإلغاء الاعتكاف ولم يرشدهن إلى أن يعتكفن في بيوتهن وهذا يدل على أنه ليس للمرأة اعتكاف في بيتها لمخالفة الشرع في المكان. فهذه ستة أوصاف لا تتحقق المتابعة إلا باجتماعها في العبادة: 1- سببها. 2- جنسها. 3- قدرها. 4- كيفيتها. 5- زمانها. 6- مكانها. انتهى. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 21519 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 الطائفة البريلوية [السُّؤَالُ] ـ[ما هي الطائفة البريلوية وما هي معتقداتهم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لقد ولدت البريلوية في الهند إبان الاحتلال البريطاني، وهي فرقة صوفية، ويعتقد أتباع هذه الفرقة ويروا أنفسهم في تجاوز الحب للأولياء والأنبياء عامة ورسولنا صلى الله عليه وسلم خاصة. مؤسس هذه الفرقة اسمه أحمد رضا خان بن تقي علي خان والمولود في عام 1272 هـ (1851م) ، وسمى نفسه: "عبد المصطفى". وُلد في مدينة برايلي في إقليم أوتار براديش، وكان تلميذا للميرزا غلام قادر بيج الذي كان بدوره شقيق الميرزا غلام أحمد القادياني: مؤسس القاديانية. لقد كان ضئيل الحجم ولكنه كان أيضا معروفا بالذكاء والدهاء والقسوة، كما أنه كان بذيء اللسان وحاد الطبع سريع الغضب، كما كان يعاني من الأمراض المزمنة ويكثر الشكوى من الصداع المستمر وآلام الظهر. وفي عام 1295 هـ (1874م) زار مكة ودرس على بعض علمائها. من كتبه المشهورة: "أنباء المصطفى" , "خالص الاعتقاد". من اعتقاد هذه الفرقة أن النبي صلى الله عليه وسلم والأولياء لديهم القدرة على التصرف في الخلق وما قد يحدث أو يكون. وقد غلو خاصة في الرسول صلى الله عليه وسلم إلى درجة أنهم كادوا أن يعبدوه، فقد قالوا إن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب، وأنه لم يكن بشرا من بني آدم ولكنه كان نورا، إذ هو نور الله، وهم يجيزون الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم وبالأولياء إلى آخر معتقداتهم الباطلة. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 1487 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 أعمال تُخرج صاحبها من الإسلام [السُّؤَالُ] ـ[ما هي الأعمال التي إذا عملها المسلم يكون مرتداً عن الإسلام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله: اعلم أيها المسلم أن الله ­سبحانه­ أوجب على جميع العباد الدخول في الإسلام والتمسك به والحذر مما يخالفه، وبعث نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم للدعوة إلى ذلك، وأخبر عزّ وجلّ أن من اتبعه فقد اهتدى، ومن أعرض عنه فقد ضل، وحذر في آيات كثيرات من أسباب الردة، وسائر أنواع الشرك والكفر، وذكر العلماء ­رحمهم الله­ في باب حكم المرتد، أن المسلم قد يرتد عن دينه بأنواع كثيرة من النواقض التي تحل دمه وماله، ويكون بها خارجاً عن الإسلام، ومن أخطرها وأكثرها وقوعاً عشرة نواقض ذكرها الشيخ محمد بن عبد الوهاب وغيره من أهل العلم ­رحمهم الله جميعاً­ ونذكرها لك فيما يلي على سبيل الإيجاز، لتَحْذَرَها وتُحَذِّر منها غيرك، رجاء السلامة والعافية منها، مع توضيحات قليلة نذكرها بعدها: الأول: الشرك في عبادة الله تعالى، قال الله تعالى: (إن الله لا يغفر أن يٌشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) النساء / 116، وقال تعالى: (إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار) المائدة / 72، ومن ذلك دعاء الأموات، والاستغاثة بهم، والنذر والذبح لهم كمن يذبح للجن أو للقبر. الثاني: من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم، ويسألهم الشفاعة، ويتوكل عليهم، فقد كفر إجماعاً. الثالث: من لم يُكَفِّر المشركين، أو شَكَّ في كفرهم، أو صحّح مذهبهم كفر. الرابع: من اعتقد أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه، أو أن حكم غيره أحسن من حكمه، كالذي يفضل حكم الطواغيت على حكمه فهو كافر. الخامس: من أبغض شيئاً مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولو عمل به فقد كفر، لقوله تعالى: (ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم) محمد / 9. السادس: من استهزأ بشيء من دين الرسول صلى الله عليه وسلم أو ثوابه، أو عقابه كفر، والدليل قوله تعالى: (قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم) التوبة / 65 و 66. السابع: السحر ومنه الصرف والعطف، فمن فعله أو رضي به كفر، والدليل قوله تعالى: (وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر) البقرة / 102. الثامن: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى: (ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين) المائدة / 51. التاسع: من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى عليه السلام فهو كافر؛ لقوله تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) آل عمران / 85 العاشر: الإعراض عن دين الله، لا يتعلمه ولا يعمل به؛ والدليل قوله تعالى: (ومن أظلم ممن ذٌكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون) السجدة / 22. ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد والخائف، إلا المكره، وكلها من أعظم ما يكون خطراً، وأكثر ما يكون وقوعاً. فينبغي للمسلم أن يحذرها، ويخاف منها على نفسه، نعوذ بالله من موجبات غضبه، وأليم عقابه، وصلى الله على خير خلقه محمد وآله وصحبه وسلم. انتهى كلامه رحمه الله. ويدخل في القسم الرابع: من اعتقد أن الأنظمة والقوانين التي يسنها الناس، أفضل من شريعة الإسلام، أو أنها مساوية لها، أو أنه يجوز التحاكم إليها، ولو اعتقد أن الحكم بالشريعة أفضل، أو أن نظام الإسلام لا يصلح تطبيقه في القرن العشرين، أو أنه كان سبباً في تخلف المسلمين، أو أنه يحصر في علاقة المرء بربه دون أن يتدخل في شؤون الحياة الأخرى. ويدخل في القسم الرابع: أيضاً من يرى أن إنفاذ حكم الله بقطع يد السارق، أو رجم الزاني المحصن لا يناسب العصر الحاضر. ويدخل في ذلك ­أيضاً ­: كل من اعتقد أنه يجوز الحكم بغير شريعة الله في المعاملات، أو الحدود، أو غيرهما، وإن لم يعتقد أن ذلك أفضل من حكم الشريعة، لأنه بذلك يكون قد استباح ما حرم الله إجماعاً وكل من استباح ما حرّم الله مما هو معلوم من الدين بالضرورة، كالزنى والخمر والربا، والحكم بغير شريعة الله فهو كافر بإجماع المسلمين. ونسأل الله أن يوفقنا جميعاً لما يرضيه، وأن يهدينا وجميع المسلمين صراطه المستقيم إنه سميع قريب وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 31807 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 طفلة نصرانية تسأل عن أعياد المسلمين وشعارهم [السُّؤَالُ] ـ[هل للمسلمين أعياد لا توجد عند النصارى وما هي؟ ما هو شعار الإسلام؟ مثلا عندنا الصليب فهل للإسلام شعار معين؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المسلمون لديهم يومان فقط يحتفلون بهما وهما عيد الفطر الذي يأتي بعد رمضان وعيد الأضحى الذي في الحج. والمسلمون يحتفلون بعيد الأضحى بذبح شاة اتباعاً لما فعله النبي إبراهيم عليه السلام لما أمره الله عز وجل بذبح ابنه البكر إسماعيل. ولما أخبر ابنه بهذا الأمر أطاعه وأخبره أنه سوف يكون صابراً. ولما أراد إبراهيم أن يشرع بذبح إسماعيل فدى الله تعالى إسماعيل من السماء بشاة عظيمة يذبحها بدلاً منه ومن هنا صارت سنة ذبح الشاة كذكرى لهذين النبيين عليهما السلام. وهو اتباع لسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم. والمسلمون فقط يحتفلون بهذه الأيام بينما لا يحتفلون بأعياد النصارى. أما بالنسبة للرمز أو الشعار فالمسلمون يعبدون الله ويرفضون أي أوثان ونحن نعتقد أن النصارى يتخذون الصليب كرمز لربهم أو ابن ربهم كما يزعمون وهم يبحثون عن البركة والحماية من هذا الصليب. والمسلمون يطلبون البركة والحماية من الله وحده ولذا ليس للمسلمين رمز كصليب النصارى. بعض المسلمين اخترعوا الهلال كرمز مقابل الصليب ولكن هذا ليس صحيحاً وهو بدعة في الإسلام. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 4526 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 الشهادة لمعيّن بالجنة والنار [السُّؤَالُ] ـ[سمعت محاضرة لبعض المشايخ يقولون أنهم سلفيون ويقولون بما يلي: أمي كافرة وستدخل النار أعلم ذلك. يقولون أنهم متأكدون من دخول شخص النار. فهل هذا مباح؟ هل نقول أن شخصاً ما سيدخل جهنم بسبب دينه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله القاعدة في مذهب أهل السنة والجماعة؛ أن الشهادة لمعيّن بالجنة والنار من أمور العقيدة التي تؤخذ بالتلقي من الكتاب والسنة، ولا مجال للعقل بالاجتهاد فيها. فمن شهد له الشرع - الكتاب والسنة - بجنة أو نار؛ شهدنا له، ومع ذلك فنحن نرجو للمحسن الجنة، ونخاف على المسيء النار، والله أعلم بالخواتيم. والشهادة بالجنة والنار تنقسم إلى قسمين:- 1. الشهادة العامة: المتعلقة بوصف، كأن تقول: من أشرك بالله تعالى شركاً أكبر فقد كفر وخرج من الدين وهو في النار. وكذلك نقول: من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة. ومثل هذه النصوص وغيرها كثيرة في القرآن الكريم، والسنة النبوية. وإذا سأل شخص: هل الذي يدعو غير الله ويستغيث به في الجنة أم في النار؟ . فنقول هو كافر وفي النار إذا قامت عليه الحجة والدليل وأصرّ ومات على ذلك. وإذا قيل: من حج فلم يرفث ولم يفسق؛ ومات بعد حجه - مثلاً فأين مصيره؟ قلنا هو في الجنة، أو من كان آخر كلامه من الدنيا: لا إله إلا الله " فهو في الجنّة ونحو ذلك. كلٌّ هذا للوصف لا للشخص المعيّن. 2. الشهادة الخاصة أو المعيّنة: لشخص بذاته واسمه أنه في الجنة أو في النار، فهذه لا تجوز إلا في حق من أخبر الله تعالى عنه، أو رسوله أنه في الجنّة أو في النار. فمن شهد لهم الله أو رسوله بالجنة بأعيانهم فهم من أهلها قطعا كالعشرة المبشرين بالجنة، وعلى رأسهم الخلفاء الأربعة، أبو بكر الصديق وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنه. وممن شهد له الشّرع بالنار على التعيين فهو من أهلها كأبي لهب، وامرأته، وأبي طالب، وعمرو بن لحي، وغيرهم. نسأل الله أن يجعلنا من أهل الجنة بمنّه وكرمه وصلى الله على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 731 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 حكم من يسب الحياة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لإنسان أن يشتم الحياة إذا غضب أو ضاق منها نرجو منكم التوجيه في ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يحل للإنسان إذا ضاق من الحياة أن يشتم الحياة لقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه أنه قال تعالى: (يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي أقلب الليل والنهار) وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر) أي هو المصرف للدهر وعلى الإنسان إذا ابتلي ببلية أن يصبر ويحتسب فإن الله أمر بالصبر. وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم: (تلك من أنباء الغيب نُوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين) هود /49، وليعلم الإنسان أنه ما من مصيبة إلا في الدنيا أعظم منها فإذا علم ذلك هانت عليه مصيبته. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين لمجلة الدعوة العدد 1757 ص 45. الحديث: 10915 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 هل يعذب صاحب الكبيرة إذا رجحت حسناته على سيئاته؟ [السُّؤَالُ] ـ[أجد تعارضا في أقوال العلماء بين أمرين في أنهم يذكرون أن فاعل الكبيرة تحت مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له وفي أنهم يذكرون أن من رجحت حسناته على سيئاته فهو من أهل الجنة فما حل هذا الإشكال. وهو كالتالي فاعل الكبيرة الواحدة إن رجحت حسناته على سيئاته هل نقول هو موعود بالجنة ولا يكون من أهل النار أم نقول هو تحت مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا تعارض بين أقوال أهل العلم في هذه المسألة بحمد الله، وبيان ذلك كالتالي: أولا: اتفق أهل السنة والجماعة على أن صاحب الكبيرة إن لقي الله تعالى تائبا منها توبة نصوحا لم يعذبه الله عليها، ولم يؤاخذه بها؛ لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وقد قال الله تعالى: (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) الفرقان / 70 ثانيا: من لقي الله ولم يتب من كبيرته: فهو في مشيئة الله: إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له، خلافا لمن أوجب نفوذ الوعيد في أهل الكبائر، بل حكم بخلودهم في النار لأجل ذلك، كالخوارج والمعتزلة. أو نفى أن يلحق الوعيد أحدا من أهل القبلة، من غلاة المرجئة. قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) النساء / 48 قال ابن جرير الطبري رحمه الله: " وقد أبانت هذه الآية أنّ كل صاحب كبيرة ففي مشيئة الله، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه عليه، ما لم تكن كبيرته شركًا بالله " انتهى. "تفسير الطبري" (8 / 450) . ثالثا: من لقي الله تعالى من أهل التوحيد من أصحاب الذنوب، من الكبائر وغيرها: فمن رجحت حسناته على سيئاته، دخل الجنة ولم يعذب، ومن رجحت سيئاته على حسناته دخل النار على قدر سيئاته، ثم مآله إلى الجنة. قال الله تعالى: (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ) الأعراف / 8 - 9 وقال سبحانه: (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ) القارعة / 6 - 9 وقال شيخ الإسلام رحمه الله: " وأما الصحابة وأهل السنة والجماعة فعلى أن أهل الكبائر يخرجون من النار، ويشفع فيهم، وأن الكبيرة الواحدة لا تحبط جميع الحسنات؛ ولكن قد يحبط ما يقابلها عند أكثر أهل السنة، ولا يحبط جميع الحسنات إلا الكفر، كما لا يحبط جميع السيئات إلا التوبة، فصاحب الكبيرة إذا أتى بحسنات يبتغي بها رضا الله أثابه الله على ذلك وإن كان مستحقا للعقوبة على كبيرته " انتهى. "مجموع الفتاوى" (10/321-322) . وقال ابن القيم رحمه الله: " أقوام خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا فعملوا حسنات وكبائر ولقوا الله مصرين عليها غير تائبين، منها لكن حسناتهم أغلب من سيئاتهم، فإذا وزنت بها ورجحت كفة الحسنات فهؤلاء أيضا ناجون فائزون. قال تعالى: (والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون) قال حذيفة وعبد الله بن مسعود وغيرهما من الصحابة: " يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف: فمن رجحت حسناته على سيئاته بواحدة دخل الجنة، ومن رجحت سيئاته على حسناته بواحدة دخل النار، ومن استوت حسناته وسيئاته فهو من أهل الأعراف ". وهذه الموازنة تكون بعد قصاص واستيفاء المظلومين حقوقهم من حسناته، فإذا بقي شيء منها وزن هو وسيئاته " انتهى. "طريق الهجرتين" (1 / 562) . رابعا: لا يعني ذلك أن من رجحت سيئاته بواحدة دخل النار؛ بل هو مستحق للعذاب بفعله، ثم هو ـ مع ذلك ـ داخل في مشيئة الله تعالى، كما هي قاعدة أهل السنة في أهل الكبائر؛ إن شاء عفا عنه، وإن شاء عذبه. قال الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله: " س: ما الجمع بين قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: «فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه» [متفق عليه] ، وبين ما تقدم من أن من رجحت سيئاته بحسناته دخل النار؟ جـ: لا منافاة بينهما، فإن من يشأ الله أن يعفو عنه يحاسبه الحساب اليسير الذي فسره النبي صلى الله عليه وسلم بالعرض، وقال في صفته: «يدنو أحدكم من ربه عز وجل حتى يضع عليه كنفه فيقول: عملت كذا وكذا، فيقول: نعم، ويقول: عملت كذا وكذا، فيقول: نعم. فيقرره ثم يقول: إني سترت عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم» [متفق عليه] . وأما الذين يدخلون النار بذنوبهم فهم ممن يناقش الحساب، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «من نوقش الحساب عذب» [متفق عليه] ". انتهى. "أعلام السنة المنشورة" (171) . والله تعالى أعلم. وللاستزادة: راجع إجابة السؤال رقم: (98964) ، (107241) ، (112113) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 138650 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 كيف يتيقن الإنسان من صحة إيمانه؟ [السُّؤَالُ] ـ[كيف يتأكد الإنسان من صحة إيمانه وهو في شك عظيم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الله تعالى: (ألم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) العنكبوت/1-3 قال السعدي رحمه الله: " يخبر تعالى عن تمام حكمته وأن حكمته لا تقتضي أن كل من قال " إنه مؤمن " وادعى لنفسه الإيمان، أن يبقوا في حالة يسلمون فيها من الفتن والمحن، ولا يعرض لهم ما يشوش عليهم إيمانهم وفروعه، فإنهم لو كان الأمر كذلك، لم يتميز الصادق من الكاذب، والمحق من المبطل، ولكن سنته وعادته في الأولين وفي هذه الأمة، أن يبتليهم بالسراء والضراء، والعسر واليسر، والمنشط والمكره، والغنى والفقر، وإدالة الأعداء عليهم في بعض الأحيان، ومجاهدة الأعداء بالقول والعمل ونحو ذلك من الفتن، التي ترجع كلها إلى فتنة الشبهات المعارضة للعقيدة، والشهوات المعارضة للإرادة، فمن كان عند ورود الشبهات يثبت إيمانه ولا يتزلزل، ويدفعها بما معه من الحق، وعند ورود الشهوات الموجبة والداعية إلى المعاصي والذنوب، أو الصارفة عن ما أمر الله به ورسوله، يعمل بمقتضى الإيمان، ويجاهد شهوته، دل ذلك على صدق إيمانه وصحته. ومن كان عند ورود الشبهات تؤثر في قلبه شكا وريبا، وعند اعتراض الشهوات تصرفه إلى المعاصي أو تصدفه عن الواجبات، دلَّ ذلك على عدم صحة إيمانه وصدقه. والناس في هذا المقام درجات لا يحصيها إلا الله، فمستقل ومستكثر " انتهى. "تفسير السعدي" (ص 626) فمن عصفت بقلبه الفتن عند ورودها، ولم يستمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها، وهي كلمة التوحيد ولوازمها، وجعل قلبه يتنقل بكل واد، وإنما أمره في الحيرة والتردد، وحاله حال المذبذبين المتحيرين، فتارة مع هؤلاء، وتارة مع هؤلاء، وتارة لا إلى هؤلاء، ولا إلى هؤلاء، ذو قلب محجوب، لا يتخلله الوعظ، ولا يثبت على الصراط؛ فمن كانت هذه حاله فليت أمه لم تلده، إلا أن يتداركه الله برحمته، فيغفر زلته، ويقيل عثرته. فليبادر عبد خاف على نفسه، ونصح لها: أن يعود إلى الله، وإلى الإيمان به وبرسوله، وإلى اليقين بموعوده، وإلى التصديق بكتابه، وإلى الكفر بالطاغوت وأوليائه، وإلى موالاة أولياء الرحمن صفوة خلقه، ومعاداة أولياء الشيطان. روى مسلم (118) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا) وروى الإمام أحمد (15489) والحاكم (96) عَنْ كُرْزٍ الْخُزَاعِيِّ رضي الله عنه قَالَ: سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هل للإسلام من منتهى؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم أيما أهل بيت من العرب والعجم أراد الله بهم خيرا أدخل عليهم الإسلام، ثم تقع الفتن كأنها الظلل) صححه الألباني في الصحيحة" (51) . أما حال المؤمنين فهو حال المصدقين الموقنين، الذين يقولون سمعنا وأطعنا، لا تزيدهم الفتن إلا إيمانا ويقينا، فكيف بدواعي الإيمان من الكلم الطيب والعمل الصالح؟ (وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ) التوبة /124، 125 (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا) الإسراء/82 (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا) الأحزاب / 22 وعن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا طَوِيلًا عَنْ الدَّجَّالِ فَكَانَ فِيمَا حَدَّثَنَا بِهِ أَنْ قَالَ: (يَأْتِي الدَّجَّالُ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ نِقَابَ الْمَدِينَةِ بَعْضَ السِّبَاخِ الَّتِي بِالْمَدِينَةِ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ هُوَ خَيْرُ النَّاسِ أَوْ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّكَ الدَّجَّالُ الَّذِي حَدَّثَنَا عَنْكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَهُ فَيَقُولُ الدَّجَّالُ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُ هَذَا ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ هَلْ تَشُكُّونَ فِي الْأَمْرِ؟ فَيَقُولُونَ لَا. فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يُحْيِيهِ فَيَقُولُ حِينَ يُحْيِيهِ: وَاللَّهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَشَدَّ بَصِيرَةً مِنِّي الْيَوْمَ. فَيَقُولُ الدَّجَّالُ: أَقْتُلُهُ. فَلَا أُسَلَّطُ عَلَيْهِ) متفق عليه، واللفظ للبخاري (1882) فهذه حال المؤمن: على خير حال، في كل حال، يزداد بالطاعة إيمانا، ولا تضره فتنة ما اختلف الليل والنهار، روى مسلم (144) عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ: عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ) . قال النووي: " قَالَ صَاحِب التَّحْرِير: مَعْنَى الْحَدِيث أَنَّ الرَّجُل إِذَا تَبِعَ هَوَاهُ وَارْتَكَبَ الْمَعَاصِي دَخَلَ قَلْبه بِكُلِّ مَعْصِيَة يَتَعَاطَاهَا ظُلْمَة , وَإِذَا صَارَ كَذَلِكَ اُفْتُتِنَ وَزَالَ عَنْهُ نُور الْإِسْلَام. وَالْقَلْب مِثْل الْكُوز فَإِذَا اِنْكَبَّ اِنْصَبَّ مَا فِيهِ، وَلَمْ يَدْخُلهُ شَيْء بَعْد ذَلِكَ " انتهى. والخلاصة: أن العبد ما دام يسمع ويطيع لمولاه، ويوالي فيه، ويعادي فيه، ولا شيء أحب إليه من طاعة سيده ومولاه، ولا أكره لديه من عصيانه والبعد عن صراطه، ولا تزيده الفتن إلا تعلقا به إيمانا ويقينا، فهو المؤمن حقا. وقد روى الإمام أحمد (178) عن عُمَر رضي الله عنه أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ كَانَ مِنْكُمْ تَسُرُّهُ حَسَنَتُهُ وَتَسُوءُهُ سَيِّئَتُهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ) صححه الألباني في الصحيحة (430) ومن انشغل بالهوى عن الهدى، وآثر محبة عدوه على طاعة ربه، وكلما وردت فتنة عصفت بقلبه، ثم لا يزال في الشك والحيرة، قليل الحظ من اليقين: فذاك مدخول الإيمان. وقول السائل: "وهو في شك عظيم": إن كان يقصد أنه في شك عظيم من إيمانه بالله: فمن شك في الإيمان فليس بمؤمن. وإن كان يقصد أنه في شك من صحة إيمانه، هل هو مؤمن أم لا؟ فقد قدمنا ما يستطيع به أن يتأكد من ذلك، إثباتا ونفيا. فإن كان السائل في شك من دينه، وله في ذلك من نفسه أمارات فليتق الله، وليراجع نفسه، وليقبل على ربه وعلى طاعته، ولا يلتفت إلى ما يعرض له من الشبهات، وليصاحب أهل الإيمان، ولا يصاحب أهل العصيان وأهل الكفران، ولا يسمع لهم، ولا يقرأ لهم، وليرض بالله ودينه ورسوله. أما إن كان ما يعرض له مجرد هواجس نفسية، أو وساوس شيطانية، فلا يلتفت إليها، ولينصرف عنها، وليقبل على الله. وقد روى البخاري (3276) ومسلم (134) عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ حَتَّى يَقُولَ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ) . قال النووي: " َمَعْنَاهُ: إِذَا عَرَضَ لَهُ هَذَا الْوَسْوَاس فَلْيَلْجَأْ إِلَى اللَّه تَعَالَى فِي دَفْع شَرّه عَنْهُ , وَلْيُعْرِضْ عَنْ الْفِكْر فِي ذَلِكَ , وَلْيَعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْخَاطِر مِنْ وَسْوَسَة الشَّيْطَان , وَهُوَ إِنَّمَا يَسْعَى بِالْفَسَادِ وَالْإِغْوَاء فَلْيُعْرِضْ عَنْ الْإِصْغَاء إِلَى وَسْوَسَته وَلْيُبَادِرْ إِلَى قَطْعهَا بِالِاشْتِغَالِ بِغَيْرِهَا " انتهى. وإن من علامات صلاح القلب عن تلك الوساوس الشيطانية، والعوارض الإبليسية أن يستعظم أمرها، حتى لو خير بين أن تستقر في نفسه تلك الخواطر الرديئة، وبين الموت، لكان الموت أحب إليه من ذلك: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَحَدَنَا يَجِدُ فِي نَفْسِهِ يُعَرِّضُ بِالشَّيْءِ، لَأَنْ يَكُونَ حُمَمَةً أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ؟! فَقَالَ: (اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ؛ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَدَّ كَيْدَهُ إِلَى الْوَسْوَسَةِ) رواه أبو داود (5112) ، وصححه الألباني. نسأل الله - لنا ولإخواننا المسلمين - أن يثبت قلوبنا على دينه. للاستزادة: تراجع إجابة السؤال رقم: (82866) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136167 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 هل الإيمان بالقلب يكفي ليكون الإنسان مسلماً؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل الإيمان بالقلب يكفي ليكون الإنسان مسلماً بعيداً عن الصلاة والصوم والزكاة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الإيمان بالقلب لا يكفي عن الصلاة وغيرها، بل يجب أن يؤمن بقلبه، وأن الله واحد لا شريك له، وأنه ربه وخالقه، ويجب أن يخصه بالعبادة سبحانه وتعالى، ويؤمن بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه رسول الله حقاً إلى جميع الثقلين، كل هذا لابد منه، فهذا أصل الدين وأساسه كما يجب على المكلف أن يؤمن بكل ما أخبر به الله ورسوله من أمر الجنة والنار والصراط والميزان وغير ذلك مما دل عليه القرآن الكريم والسنة الصحيحة المطهرة، ولابد مع ذك النطق بشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، كما أنه لابد من الصلاة، وبقية أمور الدين، فإذا صلى فقد أدى ما عليه، وإن لم يُصلِّ كفر؛ لأن ترك الصلاة كفر. أما الزكاة والصيام والحج وبقية الأمور الواجبة إذا اعتقدها وأنها واجبة، ولكن تساهل فلا يكفر بذلك، بل يكون عاصياً، ويكون إيمانه ضعيفاً ناقصاً؛ لأن الإيمان يزيد وينقص؛ يزيد الإيمان بالطاعات والأعمال الصالحات، وينقص بالمعاصي عند أهل السنة والجماعة. أما الصلاة وحدها خاصة فإن تركها كفر عند كثير من أهل العلم وإن لم يجحد وجوبها، وهو أصح قولي العلماء، بخلاف بقية أمور العبادات، من الزكاة والصوم والحج ونحو ذلك، فإن تركها ليس بكفر أكبر على الصحيح، ولكن نقص في الإيمان، وضعف في الإيمان، وكبيرة عظيمة من كبائر الذنوب، فترك الزكاة كبيرة عظيمة، وترك الصيام كبيرة عظيمة، وترك الحج مع الاستطاعة كبيرة عظيمة، ولكن لا يكون كفراً أكبر إذا كان مؤمناً بأن الزكاة حق، وأن الصيام حق، وأن الحج لمن استطاع إليه سبيلاً حق، ما كذَّب بذلك ولا أنكر وجوب ذلك، ولكنه تساهل في الفعل، فلا يكون كافراً بذلك على الصحيح. أما الصلاة فإذا تركها يكفر في أصح قولي العلماء كفراً أكبر والعياذ بالله وإن لم يجحد وجوبها كما تقدم؛ لقول النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلَاةِ) أخرجه مسلم في صحيحه، وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلَاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ) أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن الأربعة بإسناد صحيح، والمرأة مثل الرجل في ذلك. نسأل الله العافية والسلامة". انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" لابن باز (1/27، 28) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 133036 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 حديث إخراج أناس من النار لم يعملوا خيرا قط لا يعني الكفار [السُّؤَالُ] ـ[كيف نجمع بين حديث: (أخرجوا من كان في قلبه مثقال دينار من الإيمان) ... قال: (فيقبض قبضة من النار - أو قال قبضتين - ناسا لم يعملوا لله خيرا قط..) وبين خلود الكافر في النار؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا تعارض بين إخراج أناس من النار جاء في وصفهم أنهم (لم يعملوا خيرا قط) ، وبين الآيات الكثيرة التي تقرر خلود الكفار في نار جهنم، وذلك لأن هؤلاء الموصوفين في الحديث ليسوا من الكفار، بل هم من المؤمنين الموحدين، ولكنهم فرطوا في جنب الله، وأسرفوا على أنفسهم حتى تركوا أكثر العبادات والطاعات، ولم يبق لهم ما يدخلهم الجنة إلا الشفاعة. والحديث يرويه الإمام مسلم في صحيحه (رقم/183) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (حَتَّى إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ النَّارِ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ بِأَشَدَّ مُنَاشَدَةً لِلَّهِ فِي اسْتِقْصَاءِ الْحَقِّ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ فِي النَّارِ، يَقُولُونَ: رَبَّنَا كَانُوا يَصُومُونَ مَعَنَا، وَيُصَلُّونَ، وَيَحُجُّونَ. فَيُقَالُ لَهُمْ: أَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ. فَتُحَرَّمُ صُوَرُهُمْ عَلَى النَّارِ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا قَدْ أَخَذَتْ النَّارُ إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ، وَإِلَى رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا مَا بَقِيَ فِيهَا أَحَدٌ مِمَّنْ أَمَرْتَنَا بِهِ. فَيَقُولُ: ارْجِعُوا، فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ. فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا أَحَدًا مِمَّنْ أَمَرْتَنَا. ثُمَّ يَقُولُ: ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ. فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا مِمَّنْ أَمَرْتَنَا أَحَدًا. ثُمَّ يَقُولُ: ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ. فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا خَيْرًا. وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ يَقُولُ: إِنْ لَمْ تُصَدِّقُونِي بِهَذَا الْحَدِيثِ فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا) فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: شَفَعَتْ الْمَلَائِكَةُ، وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ، وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنْ النَّارِ فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ، قَدْ عَادُوا حُمَمًا، فَيُلْقِيهِمْ فِي نَهَرٍ فِي أَفْوَاهِ الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ نَهَرُ الْحَيَاةِ، فَيَخْرُجُونَ كَمَا تَخْرُجُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ، فَيَخْرُجُونَ كَاللُّؤْلُؤِ فِي رِقَابِهِمْ الْخَوَاتِمُ يَعْرِفُهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ، هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ اللَّهِ الَّذِينَ أَدْخَلَهُمْ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ وَلَا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ) والحديث يرويه أيضا الإمام أحمد في " المسند " (18/394) من طريق أخرى. وقد بين العلماء أن هذه الشفاعة هي لمن قال لا إله إلا الله، وجاء بأصل التوحيد، ولكنه لم يعمل خيرا قط. يقول ابن حجر رحمه الله: " وشفاعة أخرى هي شفاعته فيمن قال لا إله إلا الله ولم يعمل خيرا قط " انتهى. " فتح الباري " (11/428) ويقول الحافظ ابن عبد البر رحمه الله – في شرح رواية أبي هريرة لحديث الرجل الذي أوصى بنيه أن يحرقوه ويذروا نصفه في البر ونصفه في البحر خوفا من عقاب الله، حيث جاء فيها: (قال رجل لم يعمل خيرا قط إلا التوحيد) – قال ابن عبد البر رحمه الله: " وهذه اللفظة – يعني (إلا التوحيد) - إن صحت رفعت الإشكال في إيمان هذا الرجل، وإن لم تصح من جهة النقل فهي صحيحة من جهة المعنى، والأصول كلها تعضدها، والنظر يوجبها؛ لأنه محال غير جائز أن يغفر للذين يموتون وهم كفار، لأن الله عز وجل قد أخبر أنه لا يغفر أن يشرك به لمن مات كافرا، وهذا ما لا مدفع له، ولا خلاف فيه بين أهل القبلة، وفي هذا الأصل ما يدلك على أن قوله في هذا الحديث: (لم يعمل حسنة قط) ، أو (لم يعمل خيرا قط لم يعذبه) إلا ما عدا التوحيد من الحسنات والخير، وهذا سائغ في لسان العرب جائز في لغتها، أن يؤتى بلفظ الكل والمراد البعض، والدليل على أن الرجل كان مؤمنا قوله حين قيل له: لم فعلت هذا؟ فقال: من خشيتك يا رب) والخشية لا تكون إلا لمؤمن مصدق، بل ما تكاد تكون إلا لمؤمن عالم، كما قال الله عز وجل: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) قالوا: كل من خاف لله فقد آمن به وعرفه ومستحيل أن يخافه من لا يؤمن به. وهذا واضح لمن فهم وألهم رشده. ومثل هذا الحديث في المعنى ما حدثناه عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا أبو صالح حدثني الليث عن ابن العجلان عن زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن رجلا لم يعمل خيرا قط وكان يداين الناس فيقول لرسوله: خذ ما يسر واترك ما عسر، وتجاوز لعل الله يتجاوز عنا. فلما هلك قال الله: هل عملت خيرا قط؟ قال لا، إلا أنه كان لي غلام فكنت أداين الناس، فإذا بعثته يتقاضى قلت له خذ ما يسر واترك ما عسر، وتجاوز لعل الله يتجاوز عنا، قال الله قد تجاوزت عنك) قال أبو عمر: فقول هذا الرجل الذي لم يعمل خيرا قط غير تجاوزه عن غرمائه (لعل الله يتجاوز عنا) : إيمان وإقرار بالرب، ومجازاته، وكذلك قول الآخر: (خشيتك يا رب) إيمان بالله واعتراف له بالربوبية والله أعلم " انتهى. " التمهيد " (18/40-41) ويقول الإمام ابن خزيمة رحمه الله – وقد أورد هذا الحديث تحت باب: " ذكر الدليل أن جميع الأخبار التي تقدم ذكري لها إلى هذا الموضع في شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في إخراج أهل التوحيد من النار إنما هي ألفاظ عامة مرادها خاص ": " هذه اللفظة: (لم يعملوا خيرا قط) من الجنس الذي يقول العرب، ينفي الاسم عن الشيء لنقصه عن الكمال والتمام، فمعنى هذه اللفظة على هذا الأصل: لم يعملوا خيرا قط على التمام والكمال، لا على ما أوجب عليه وأمر به، وقد بينت هذا المعنى في مواضع من كتبي " انتهى. " التوحيد " (2/732) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 122342 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 طلب منها زوجها الحلف فحلفت كاذبة [السُّؤَالُ] ـ[أعيش مع زوجي وأهله في منزل واحد تقريباً. أحد معارف زوجي أقنعه بأن يشتري قطعة أرض منه ونحن لا نملك عشر المبلغ المطلوب وقد اقتنع زوجي بذلك وحاولت أن اقنع زوجي بان لا نشتري الأرض لأننا سوف نقع في الدين فلم يقتنع. وحتى أمنعه من الشراء تركتهم يذهبون إلى مناسبة وعبثت بخزانة المنزل لإيهامه بأن البيت قد تعرض لعملية سطو ثم لحقت بهم ولما عدت أنا وزوجي اقتنع بذلك وتظاهرت بعدم معرفتي للأمر فقمت بتفقد الأغراض فوجدت أن مبلغا من المال قد سرق (المبلغ كان موجودا أصلا ولكني صرفته على بيتي وزوجي العاطل عن العمل وهو لا يعلم) وقلت أن المبلغ سرق فاقتنع زوجي بروايتي فقرر زوجي أن نحلف يمينا أنا وزوجي وإخوانه بأن لا علم لنا بما جرى فحلف الجميع وحلفت أنا معهم ومنذ تلك اللحظة وأنا أعيش في صراع مع نفسي واقضي اليوم ابكي خائفة من ربي على زوجي وأطفالي فأنا اشعر بالذنب.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحلف الكاذب يسمى باليمين الغموس، وهو كبيرة من كبائر الذنوب؛ لما روى البخاري (6675) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الْكَبَائِرُ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ) . ولقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبًا لِيَقْتَطِعَ مَالَ رَجُلٍ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ) وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ تَصْدِيقَ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ ولَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ) رواه البخاري (2677) ومسلم (138) . وقد أخطأت في حلفك بالله كاذبة وإن كان مقصدك الأول صالحا، والواجب عليك أن تتوبي إلى الله تعالى توبة صادقة بالندم على ما فعلت، والعزم على عدم العودة إلى ذلك أبدا. وهذه اليمين الكاذبة لا كفارة فيها عند كثير من أهل العلم؛ لأنها أعظم من أن تكفّر. قال الإمام مالك رحمه الله في اليمين الغموس: " الْغَمُوسُ: الْحَلِفُ عَلَى تَعَمُّدِ الْكَذِبِ. . . وَهُوَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تُكَفِّرَهُ الْكَفَّارَةُ " انتهى باختصار من "التاج والإكليل" (4/406) ، ونحوه في "المدونة" (1/577) . وقال ابن قدامة رحمه الله: " (ومن حلف على شيء , وهو يعلم أنه كاذب , فلا كفارة عليه ; لأن الذي أتى به أعظم من أن تكون فيه الكفارة) هذا ظاهر المذهب , نقله الجماعة عن أحمد، وهو قول أكثر أهل العلم , منهم ابن مسعود , وسعيد بن المسيب , والحسن , ومالك , والأوزاعي , والثوري , والليث , وأبو عبيد , وأبو ثور , وأصحاب الحديث , وأصحاب الرأي من أهل الكوفة، وهذه اليمين تسمى يمين الغموس ; لأنها تغمس صاحبها في الإثم. قال ابن مسعود: كنا نعدّ من اليمين التي لا كفارة لها , اليمين الغموس. وعن سعيد بن المسيب , قال: هي من الكبائر , وهي أعظم من أن تكفر. وروي عن أحمد , أن فيها الكفارة. وروي ذلك عن عطاء , والزهري , والحكم , والبتي. وهو قول الشافعي ; لأنه وجدت منه اليمين بالله تعالى , والمخالفة مع القصد , فلزمته الكفارة , كالمستقبلة " انتهى من "المغني" (9/392) . وأما المال الذي أخذت، فإن كان قد صرف في النفقة التي تحتاجينها أنت وعيالك فلا حرج عليك فيه، وإن كنت توسعت في الإنفاق زيادة على النفقة بالمعروف، لزمك رده إلى زوجك، ولو بدون علمه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 122321 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 عمل الجوارح ركن وجزء من الإيمان لا يصح بدونه [السُّؤَالُ] ـ[بعض الناس يرون أن أعمال الجوارح شرط كمال للإيمان، وليست من أركانه الأصلية، أو بتعبير آخر: ليست شرطا في صحته، وقد كثر اختلاف الناس حول هذه المسألة؛ فنرجو تبيين مدى صحة هذا الكلام أثابكم الله، ونرجو تبيين منزلة عمل الجوارح من الإيمان؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الذي دل عليه الكتاب والسنة وأجمع عليه السلف الصالح أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، وأنه لا إيمان إلا بعمل، كما أنه لا إيمان إلا بقول، فلا يصح الإيمان إلا باجتماعهما، وهذه مسألة معلومة عند أهل السنة، وأما القول بأن العمل شرط كمال فهذا قد صرح به الأشاعرة ونحوهم، ومعلوم أن مقالة الأشاعرة في الإيمان هي إحدى مقالات المرجئة. قال الشافعي رحمه الله: " وكان الإجماع من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ومن أدركناهم يقولون: الإيمان قول وعمل ونية لا يجزئ واحد من الثلاثة إلا بالآخر " انتهى نقلا عن "شرح أصول اعتقاد أهل السنة لللالكائي" (5/956) ، مجموع الفتاوى (7/209) . وقال الآجري رحمه الله: " اعلموا رحمنا الله تعالى وإياكم: أن الذي عليه علماء المسلمين أن الإيمان واجب على جميع الخلق، وهو تصديق بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالجوارح. ثم اعلموا أنه لا تجزيء المعرفة بالقلب والتصديق إلا أن يكون معه الإيمان باللسان نطقا، ولا تجزيء معرفة بالقلب ونطق باللسان حتى يكون عمل بالجوارح، فإذا كملت فيه هذه الثلاث الخصال كان مؤمنا. دل على ذلك الكتاب والسنة وقول علماء المسلمين " انتهى من "الشريعة" (2/611) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وهذه المسألة لها طرفان: أحدهما: في إثبات الكفر الظاهر. والثاني: في إثبات الكفر الباطن. فأما الطرف الثاني فهو مبني على مسألة كون الإيمان قولا وعملا كما تقدم، ومن الممتنع أن يكون الرجل مؤمنا إيمانا ثابتا في قلبه بأن الله فرض عليه الصلاة والزكاة والصيام والحج ويعيش دهره لا يسجد لله سجدة، ولا يصوم رمضان، ولا يؤدي لله زكاة، ولا يحج إلى بيته، فهذا ممتنع، ولا يصدر هذا إلا مع نفاق في القلب وزندقة، لا مع إيمان صحيح " انتهى من "مجموع الفتاوى" (7/616) . وقال الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: " لا خلاف بين الأمة أن التوحيد: لابد أن يكون بالقلب، الذي هو العلم؛ واللسان الذي هو القول، والعمل الذي هو تنفيذ الأوامر والنواهي، فإن أخل بشيء من هذا، لم يكن الرجل مسلما. فإن أقر بالتوحيد، ولم يعمل به، فهو كافر معاند، كفرعون وإبليس. وإن عمل بالتوحيد ظاهراً، وهو لا يعتقده باطناً، فهو منافق خالصاً، أشر من الكافر والله أعلم " انتهى من "الدرر السنية في الأجوبة النجدية" (2/124) . وقال أيضا: " اعلم رحمك الله أن دين الله يكون على القلب بالاعتقاد وبالحب وبالبغض، ويكون على اللسان بالنطق وترك النطق بالكفر، ويكون على الجوارح بفعل أركان الإسلام، وترك الأفعال التي تكفّر، فإذا اختل واحدة من هذه الثلاث كفر وارتد " انتهى من "الدرر السنية" (10/87) . وكلام أهل السنة في هذه المسألة مستفيض، ومنه ما أفتت به اللجنة الدائمة في التحذير من بعض الكتب التي تبنت مقالة أن عمل الجوارح شرط كمال للإيمان، وصرحت اللجنة أن هذا مذهب المرجئة. وينظر: فتاوى اللجنة الدائمة (2/127 – 139) المجموعة الثانية. فعمل الجوارح عند أهل السنة ركن وجزء من الإيمان، لا يصح الإيمان بدونه، وذهابه يعني ذهاب عمل القلب؛ لما بينهما من التلازم، ومن ظن أنه يقوم بالقلب إيمان صحيح، دون ما يقتضيه من عمل الجوارح، مع العلم به والقدرة على أدائه، فقد تصور الأمر الممتنع، ونفى التلازم بين الظاهر والباطن، وقال بقول المرجئة المذموم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 119068 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 الأفضل للمرأة لبس جورب وإن كان ثوبها ساتراً لقدميها [السُّؤَالُ] ـ[إذا كانت عباءة المرأة طويلة إلى حد يستر قدميها، فهل يجب عليها أن ترتدي الجوربين؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المطلوب من المرأة المسلمة ستر جميع جسمها عن الرجال، ولذلك رخِّص لها في إرخاء ثوبها قدر ذراع من أجل ستر قدميها، والذي ينبغي على المرأة أن تستر قدميها إما بثوب ضافٍ وإما بلبس جورب أو شبهها فإذا سترت قدميها فلا يجب عليها أن تلبس الجورب، ولكن إذا لبسته كان هذا من الزيادة في الستر وهو أمر مستحسن. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 12503 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 أسباب ضعف الإيمان [السُّؤَالُ] ـ[لدي بعض المشاكل في إيماني بعض الأحيان، أعلم بأنها من الشيطان، هل يمكن أن تذكر لي بعض القصص التي تقوي إيماني؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن الإنسان قد تعتريه الغفلة فيضف إيمانه، وعلاج ذلك الإكثار من الاستغفار والمداومة على ذكر الله، وقراءة القرآن بتدبر وحضور قلب مع العمل بما فيه، فإن في ذلك جلاء للقلب من غفلته، وإيقاظه من رقدته، فالله الله بالإكثار من الصالحات. ولضعف الإيمان أسباب منها: أولا: الجهل بأسماء الله وصفاته يوجب نقص الإيمان لأن الإنسان إذا نقصت معرفته بأسماء الله وصفاته نقص إيمانه. ثانيا: الإعراض عن التفكير في آيات الله الكونية والشرعية , فإن هذا يسبب نقص الإيمان , أو على الأقل ركوده وعدم نموه. ثالثا: فعل المعصية فإن للمعصية آثاراً عظيمة على القلب وعلى الإيمان ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) . الحديث رواه البخاري (2475) ومسلم (57) . رابعا: ترك الطاعة فإن ترك الطاعة سبب لنقص الإيمان , لكن إن كانت الطاعة واجبة وتركها بلا عذر فهو نقص يلام عليه ويعاقب , وإن كانت الطاعة غير واجبة , أو واجبة لكن تركها بعذر فإنه نقص لا يلام عليه. مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين 1/52 ونوصيك أختي السائلة بالإكثار من قراءة القرآن وتدبر آياته ففيه شفاء لما في صدرك بإذن الله، قال تعالى: (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين) الإسراء/ 82 كما نوصيك بتدبر قصص الأنبياء، فالله أوردها في كتابه ليثبت بها فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم وأفئدة المؤمنين معه، قال تعالى: (وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين) هود/120. وننصحك بقراءة السؤال رقم (14041) . اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20059 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 روح الميت لا تعود إلى أهله وبيته [السُّؤَالُ] ـ[هل يشعر موتى المسلمون بأحاسيس أقربائهم بعد الموت؟ أحزانهم، بكائهم، سعادتهم وإن كانوا يذكرون الميت أم لا يذكرونه؟ هل تعود روح المسلم إلي هذا العالم لتعرف ماذا يحدث للعائلة؟ سمعت أن الروح تعود لمدة أربعين يوماً إلي المكان الذي قبضت فيه. هل نرى أو نشعر بأرواح الأقرباء؟ وما مدى تصديق الأحلام عن الموتى؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الإنسان إذا مات يغيب عن هذه الحياة ويصير إلى عالم آخر، ولا تعود روحه إلى أهله ولا يشعرون بشيء عنه، وما ذكر من عودة الروح لمدة أربعين يوما فهي من الخرافات التي لا أصل لها، والميت كذلك لا يعلم بشيء من أحوالهم لأنه غائب عنهم في نعيم أو عذاب، ولكن قد يُطلع الله بعض الموتى على بعض أحوال أهله ولكن دون تحديد. وقد جاءت آثار لا يعتمد عليها بأن الأموات قد يعرفون أشياء من أحوال أهلهم، واما الأحلام أي الرؤى فمنها ما هو حق ومنها ما هو من تلاعب الشيطان، فقد يعرف الأحياء بطريق الرؤيا الصالحة شيئا من أحوال الميت، ولكن ذلك يعتمد على صدق الرائي، وصدق الرؤية، وقدرة المعبّر لتلك الرؤيا، ومع ذلك فلا يصح الجزم بمضمونها إلا أن يقوم دليل على ذلك، فقد يرى الحي قريبه الميت فيوصيه بأشياء ويذكر له بعض الأمور التي يمكن معرفة صدقها إذا طابقت الواقع وقد حصل من هذا وقائع بهذا الشأن فمنها ما يكون مطابقا للواقع، ومنها ما لا تعلم صحته ومنها ما يعلم كذبه فهي ثلاثة أقسام، فيجب أن يراعى ذلك بالتعامل مع الأخبار والروايات والقصص المتعلقة بأحوال الموتى. [الْمَصْدَرُ] الشيخ: عبد الرحمن البراك. الحديث: 13183 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 حلفت ألا تأكل من مالهم إذا لم يرجعوا عن التعامل بصكوك اختلف العلماء في حكمها [السُّؤَالُ] ـ[أنا أعيش في دولة خليجية وظهر هناك ما يسمى بالصكوك الوطنية ويقولون إنها حلال فاشتركت أنا وعائلتي ولكن بعد فترة ظهر بعض المشايخ ومنهم كبير المفتيين في إحدى إمارات الدولة وقال إنهم عندما راجعوا هذه الصكوك وجدوا فيها بعض المخالفات الشرعية ونبهوا هذا البنك " الإسلامي" على هذه المخالفات ولكن لم يلتفتوا لهم ولم يعيروهم اهتماما ... فأصبحت هذه الصكوك بين الحلال والحرام منهم من يقول حلال ومنهم من يقول حرام وعندما علمت بذلك قلت لأهلي إنني أريد أن أسحب نقودي وسحبتها فعلا ولله الحمد ولكنني نصحت أهلي بسحب نقودهم فهذا أسلم لنا ولكن لم يستجيبوا لي فأقسمت ألا أشرب حتى مجرد كوب ماء لو فازوا بأي مبلغ وكررت القسم أكثر من مرة في مرات متفرقة وليس في مجلس واحد ماذا أفعل مع العلم أنني فتاة وكيف أكفر عن قسمي وهل يجوز لي أن آكل من هذا المال أنا لا أريد فعلا أن أشرب حتى كوب ماء من هذا المال ولكن ماذا أفعل فأنا فتاة ولا أستطيع العيش بمفردي أجبني جزاك الله خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يلزم من أراد الدخول في معاملة من شركة أو غيرها أن يعلم حكمها، ويقف على مشروعيتها، إما بنفسه أو بسؤال أهل العلم كما قال تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) النحل/43. وأنتم إن اشتركتم في هذه الصكوك اعتمادا على من أفتى من أهل العلم الثقات بحلها، فلا حرج عليكم. ومن تبين له حرمتها لم يجز له أن يشارك فيها. وكذلك من شارك فيها ثم تبين له التحريم، فإنه يلزمه الخروج منها، ولا إثم عليه فيما مضى. وقد أحسنت في الخروج منها وسحب نقودك، فهذا أسلم وأورع. ثانياً: إذا لم يتبين لأهلك أنها حرام، فلا يلزمهم التخلص من هذه الصكوك؛ لأنهم اعتمدوا فيها على من أفتى بحلها، فإذا لم تكن لهم أهلية لمعرفة الخلاف والراجح منه، وركنوا إلى تقليد من وثقوا فيه، فلا شيء عليهم. ثالثاً: يجوز لك الأكل والانتفاع مما يقدمه أهلك من الطعام والشراب وغيره، لاختلاط مالهم، ولأن المال المحرّم لكسبه حرامٌ على الكاسب فقط دون غيره ممن يأخذه بوجه مباح. وينظر جواب السؤال رقم (45018) . وأما يمينك، فإن شئت بقيت عليها، ولم تنتفعي بشيء ناتج عن أرباح هذه الصكوك، مع الانتفاع بغيرها من أموالهم، وإن شئت كفرت عن يمينك. ولا يلزمك غير كفارة واحدة؛ لأن من حلف أيمانا متعددة على شيء واحد، لزمته كفارة واحدة في حال الحنث. وينظر جواب السؤال رقم (38602) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114459 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 هل يلزم أن يعذب الله المتبرجات بزينتهن من النساء؟ [السُّؤَالُ] ـ[ي عن مرتكب الكبيرة، عندنا أنَّ أمره إلى الله، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له، ولكن حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (صنفان من أهل النار لم أرهما بعد ... - حتى ذكر - نساء كاسيات عاريات ... لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها) فسَّرها الإمام النووي رحمه الله: أنهن: إما مستحلات للفعل، فلايدخلن الجنة أبدا. أو لا يدخلن الجنة في البداية، ثم يدخلنها بعد أن يعذبن، وهذا يقتضي أنهن لا بد أن يعذبن وهن من مرتكبي الكبائر، فهل يمكن ألا يعذبن؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله مرتكب الكبيرة في عقيدة المسلمين على خطر عظيم، فقد تعرض لغضب الله وعقابه، إلا أنَّ مشيئة الله هي الحاكمة، فقد يغفر الله له ويتجاوز عنه، وقد يعذبه بقدر ذنبه، إلا من بلغت معصيته حد الكفر بالله تعالى، فإنه يستوجب حينئذ العقوبة والخلود في النار. سئل شيخ الإسلام ابن تيمية – كما في "مجموع الفتاوى" (11/646) -: " عن النساء اللاتي يتعمَّمن بالعمائم الكبار، لا يرين الجنة، ولا يشممن رائحتها، وقد روي في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة) ؟ فأجاب: قد ثبت في صحيح مسلم وغيره عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صنفان من أهل النار من أمتي لم أرهما بعد: نساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، على رءوسهن مثل أسنمة البخت، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، ورجال معهم سياط مثل أذناب البقر يضربون بها عباد الله) ومن زعم أن هذا الحديث ليس بصحيح بما فيه من الوعيد الشديد فإنه جاهل ضال عن الشرع، يستحق العقوبة التي تردعه وأمثاله من الجهال الذين يعترضون على الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. والأحاديث الصحيحة في " الوعيد " كثيرة: مثل قوله: (من قتل نفسا معاهدة بغير حقها لم يجد رائحة الجنة، وريحها يوجد من مسيرة أربعين خريفا) ومثل قوله الذي في الصحيح: (لا يدخل الجنة مَن في قلبه ذرة من كبر) . ومثل قوله في الحديث الصحيح: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذاب، وفقير مختال) وفي القرآن من آيات الوعيد ما شاء الله، كقوله: (ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين) وهذا أمر متفق عليه بين المسلمين، أن " الوعيد " في الكتاب والسنة لأهل الكبائر موجود، ولكن الوعيد الموجود في الكتاب والسنة قد بين الله في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أنه لا يلحق التائب، بقوله: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا) أي لمن تاب. وقال في الآية الأخرى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) فهذا في حق من لم يتب، فالشرك لا يغفر، وما دون الشرك إن شاء الله غفره، وإن شاء عاقب عليه. وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما يصيب المؤمن من نصب، ولا وصب، ولا هم، ولا غم، ولا حزن، ولا أذى، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه) ولهذا لما نزل قوله: (من يعمل سوءا يجز به) ، قال أبو بكر: يا رسول الله؛ قد جاءت قاصمة الظهر وأينا لم يعمل سوءا؟ فقال: يا أبا بكر ألست تنصب؟ ألست تحزن؟ ألست تصيبك اللأوى؟ فذلك مما تجزون به. فالمصائب في الدنيا يكفر الله بها من خطايا المؤمن ما به يكفر وكذلك الحسنات التي يفعلها. قال الله تعالى: (إن الحسنات يذهبن السيئات) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، كفارات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر) فالله تعالى لا يظلم عبده شيئا كما قال: (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) فالوعيد ينتفي عنه: إما بتوبة، وإما بحسنات يفعلها تكافئ سيئاته، وإما بمصائب يكفر الله بها خطاياه، وإما بغير ذلك " انتهى. ولذلك يفسر العلماء كل آية أو حديث ظاهره خلود صاحب الكبيرة في النار بتفسيرات توافق نصوص الكتاب والسنة الأخرى. يقول النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (17/191) : " قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخلن الجنة) : يتأول التأويلين السابقين فى نظائره: أحدهما: أنه محمول على من استحلت حراما من ذلك، مع علمها بتحريمه، فتكون كافرة مخلدة فى النار لا تدخل الجنة أبدا. والثانى: يحمل على أنها لا تدخلها أول الأمر مع الفائزين " انتهى. وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (2/27) : " السؤال: هل يجوز أن نعتقد كفر النساء الكاسيات العاريات لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها) الحديث؟ والجواب: يكفر من اعتقد حل ذلك منهن بعد البيان والتعريف بالحكم، ومن لم تستحل ذلك منهن ولكن خرجت كاسية عارية فهي غير كافرة، لكنها مرتكبة لكبيرة من كبائر الذنوب، ويجب الإقلاع عنها، والتوبة منها إلى الله، عسى أن يغفر الله لها، فإن ماتت على ذلك غير تائبة فهي تحت مشيئة الله كسائر أهل المعاصي؛ لقول الله عز وجل: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) " انتهى. وجاء فيها أيضا (17/104) : " من استحل منهن ذلك اللباس فهن كافرات مخلدات في النار إذا متن على ذلك، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن لبسن ذلك اللباس مع اعتقادهن تحريمه فقد ارتكبن كبيرة من كبائر الذنوب، لكن لا يخرجن بها من ملة الإسلام، وهن تحت مشيئة الله: إن شاء الله غفر لهن، وإن شاء عذبهن مما ارتكبن من السيئات، فلا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها إلا بعد سابقة عذاب. وهذا مذهب أهل السنة، وفيه جمع بين نصوص الوعد والوعيد، وهو وسط بين مذاهب المرجئة والخوارج والمعتزلة. ويقول الشيخ ابن باز – كما في "مجموع فتاوى" (6/356) -: " أما قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها) فهذا وعيد شديد، ولا يلزم من ذلك كفرهن ولا خلودهن في النار كسائر المعاصي إذا متن على الإسلام، بل هن وغيرهن من أهل المعاصي، كلهم متوعدون بالنار على معاصيهم، ولكنهم تحت مشيئة الله: إن شاء سبحانه عفا عنهم وغفر لهم، وإن شاء عذبهم، كما قال عز وجل في سورة النساء في موضعين: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) ، من دخل النار من أهل المعاصي فإنه لا يخلد فيها خلود الكفار، بل من يخلد منهم كالقاتل والزاني، والقاتل نفسه لا يكون خلوده مثل خلود الكفار بل هو خلود له نهاية عند أهل السنة والجماعة، خلافا للخوارج والمعتزلة ومن سار على نهجهم من أهل البدع؛ لأن الأحاديث الصحيحة قد تواترت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دالة على شفاعته صلى الله عليه وسلم في أهل المعاصي من أمته، وأن الله عز وجل يقبلها منه صلى الله عليه وسلم عدة مرات، في كل مرة يحد له حدا فيخرجهم من النار، وهكذا بقية الرسل والمؤمنون والملائكة والأفراط، كلهم يشفعون بإذنه سبحانه، ويشفعهم عز وجل فيمن يشاء من أهل التوحيد الذين دخلوا النار بمعاصيهم وهم مسلمون، ويبقى في النار بقية من أهل المعاصي لا تشملهم شفاعة الشفعاء، فيخرجهم الله سبحانه برحمته وإحسانه، ولا يبقى في النار إلا الكفار فيخلدون فيها أبد الآباد كما قال عز وجل في حق الكفرة: (كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا) ، وقال تعالى: (فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا) ، وقال سبحانه في الكفرة من عباد الأوثان: (كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ) ، وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) ، (يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ) والآيات في هذا المعنى كثيرة، نسأل الله العافية والسلامة من حالهم " انتهى. فالحاصل أن المرأة المتبرجة مع تعرضها للعقاب الأليم عند الله عز وجل، إلا أنها تحت مشيئة الله تعالى، قد يغفر لها فلا يعذبها، وقد يعذبها العذاب الشديد، مع أنه لا بد أن يدخل النار من يدخلها من عصاة المؤمنين، كما تواترت بذلك الأحاديث. وانظر جواب السؤال رقم: (14627) ، (9924) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112659 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 هل تحبط الكبائر الأعمال الصالحة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يقبل الله أعمال الزناة أم يجعلها هباءً منثورًا، وهل الزنا يحبط العمل، هل للزاني المُصر على الزنا حسنات عند ربه، أم أن حسناته لا ترفع حتى يتوب إلى الله، هل يقبل الله صيام وزكاة وصلاة الزاني، علما أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث: (تفتح أبواب السماء نصف الليل، فينادي منادٍ: هل من داع فيستجاب له، هل من سائل فيعطى، هل من مكروب فيفرج عنه، فلا يبقى مسلم يدعو بدعوة إلا استجاب الله عز وجل له، إلا زانية تسعى بفرجها أو عشَّارا) وفي الحديث السابق ... فيجعلها الله هباء منثورا ... إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها؟ أرجو منكم التوضيح، وهل ما ذهبت إليه صحيح.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من الثوابت التي يقررها القرآن الكريم، ويتفق عليها أهل السنة، أن المعاصي والكبائر لا تحبط حسنات المسلم جميعها، وأنه ليس ثمة ما يحبط عمل المسلم بالكلية إلا الكفر والشرك. دل عليه قوله تعالى: (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) البقرة/217. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله – كما في "مجموع الفتاوى" (10/321-322) : " وأما الصحابة وأهل السنة والجماعة فعلى أن أهل الكبائر يخرجون من النار، ويشفع فيهم، وأن الكبيرة الواحدة لا تحبط جميع الحسنات؛ ولكن قد يحبط ما يقابلها عند أكثر أهل السنة، ولا يحبط جميع الحسنات إلا الكفر، كما لا يحبط جميع السيئات إلا التوبة، فصاحب الكبيرة إذا أتى بحسنات يبتغي بها رضا الله أثابه الله على ذلك وإن كان مستحقا للعقوبة على كبيرته. وكتاب الله عز وجل يفرق بين حكم السارق والزاني وقتال المؤمنين بعضهم بعضا، وبين حكم الكفار في " الأسماء والأحكام "، والسنة المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم وإجماع الصحابة يدل على ذلك، وعند أهل السنة والجماعة يُتقبل العمل ممن اتقى الله فيه فعمله خالصا لله موافقا لأمر الله، فمن اتقاه في عمل تقبله منه وإن كان عاصيا في غيره، ومن لم يتقه فيه لم يتقبله منه وإن كان مطيعا في غيره " انتهى باختصار. والحديث المذكور في السؤال، وهو حديث ثَوْبَانَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا. قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا، أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ. قَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا) . رواه ابن ماجه في سننه (رقم/4245) ، والروياني في "المسند" (1/425) ، والطبراني في "الأوسط" (5/46) و"الصغير" (1/396) و"مسند الشاميين" (رقم/667) ، والديلمي في "مسند الفردوس" (7715) ، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (505) . وهو من الأدلة على الأصل الذي ذكرناه، من أن بعض السيئات قد تحبط قدرا من حسنات المرء، وأجر علمه الصالح. وانظر تفصيل ما ذكرناه في المسألة في جواب السؤال رقم (81874) . وأما الحديث الثاني الذي ذكرته، فهو حديث عثمان بن أبي العاص الثقفي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تُفْتَحُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ نِصْفَ اللَّيْلِ فَيُنَادِي مُنَادٍ: هَلْ مِنْ دَاعٍ فَيُسْتَجَابَ لَهُ؟ هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَيُعْطَى؟ هَلْ مِنْ مَكْرُوبٍ فَيُفَرَّجَ عَنْهُ؟ فَلا يَبْقَى مُسْلِمٌ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ إِلا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ إِلا زَانِيَةٌ تَسْعَى بِفَرْجِهَا أَوْ عَشَّارٌ) . رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (9/59) ، وفي "المعجم الأوسط" (3/154) وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/156) : رجاله رجال الصحيح. وقال الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1073) : إسناده صحيح. على أن هذا ليس فيه حبوط عمله، ولكن فيه: عدم قبول دعاء الزاني المصر على زناه، وهذا معنى صحيح، فإن الكبائر من موانع قبول الدعاء، وكيف يستجيب الله عز وجل لمن هو باق على المعصية لا ينزع عنها ولا يتوب منها! والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 107241 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 ما ينتشر اليوم عن " معجزات الطبيعة "! [السُّؤَالُ] ـ[انتشرت في الآونة الأخيرة عبر المواقع والمنتديات مواضيع تحتوي على صور وملفات صوت وفيديو تعبر عن معجزات.. كخروج نافورة من الرمال في الصحراء، وظهور لفظ الجلالة على جلود الماعز.. وسحابة ترسم لفظ الجلالة، والفتاة التي تحولت إلى حيوان.. ومعظم هذه الأشياء تكون غير صحيحة وملفقة.. وهذه الأشياء منتشرة جدا. فما هو الحكم في مثل هذه الأشياء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله آيات الله في هذا الكون كثيرة، فكل ذرة فيه تشهد له سبحانه بالعظمة والجلال، وتنطق له بالوحدانية. قال الله عز وجل: (حم. تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ. إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ. وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ. وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ. تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ) الجاثية/1-6 وهكذا جاءت دعوة التأمل والتدبر في عشرات الآيات في القرآن الكريم، تحث على النظر في آيات الكون الظاهرة للعيان، لتتفكر فيها فترجع منها باليقين بالخالق، وبالإيمان بوحدانيته سبحانه. والسمة المشتركة بين هذه الآيات هي الظهور للعموم، فالسماء والأرض والجبال والشمس والقمر والأنعام والمطر والنفس وغيرها، كلها آيات يشترك في رؤيتِها ومعرفتِها جميعُ البشر، ويتمكن كل إنسان من إدراك عظمتها ودلالتها على الرب الخلاَّق، وإن كان فيها للعالِم مِن الأسرار التي يختص بها دون العامي، ولكنها باديةٌ للجميع، يستخرج منها كلٌّ بِحَسَبِهِ. أما ما ينتشر اليوم من حديث عن " معجزات الطبيعة " ومنها الأمثلة التي ذكرها السائل، فمن حيث قدرة الله تعالى، فإن الله على كل شيء قدير، كظهور لفظ الجلالة على جلود الماعز أو على بيضة، أو مسخ بعض الناس. بل نؤمن بأن المسخ سيقع، كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم. فقد روى الترمذي (2212) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ خَسْفٌ وَمَسْخٌ وَقَذْفٌ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَتَى ذَاكَ؟ قَالَ: إِذَا ظَهَرَتْ الْقَيْنَاتُ وَالْمَعَازِفُ وَشُرِبَتْ الْخُمُورُ) صححه الألباني في صحيح الترمذي. هذا بالنظر إلى قدرة الله تعالى، وأما بالنظر إلى وقوع هذه " المعجزات "! فإن أكثر ما ينتشر اليوم منها لا حظَّ له من التوثيق والتوكيد، وأغلب ما يتناقله الناس منها إنما هي أحاديث مجالس، وصور منتديات، لا يُدرَى مصدرُها ولا منشؤُها. أفبمثل هذه الحكايات يحتج المسلم على صحة دينه وعقيدته؟! وهل نقصت عنه أدلة الفطرة واليقين كي يلجأ إلى تلك الإشاعات؟! والموقف الصحيح من هذه الأخبار، هو التوقف فيها، فلا نصدقها، لاحتمال أنها كذب، ولا نكذبها، لاحتمال أنها صدق، ما لم يكن عندنا دليل واضح على صدقها أو كذبها فنجزم به حينئذٍ. فينبغي على المسلم العاقل – الذي يعي ضوابط التلقي والاستدلال – التأني في الإيمان بها والتصديق لها، فضلا عن نشرها ودعوة الناس إلى التسبيح بعجبها. غير أن الذي وقع خلاف ذلك، حيث انساق كثيرون وراء هذه " الحكايات "، فراحوا ينشرونها ويتحدثون بها في المجالس، ويتناقلونها في جوالاتهم ورسائلهم، ثم يفاجؤون بعد أيام أنها كذب مصنوع مختلق، نشره بعض المتحمِّسين للدين - جهلا وسذاجة -، أو بعضُ الملحدين الحاقدين - استهزاءً وسخرية -، مما كان السببَ في فتنة الكثيرين، والله المستعان. فالذي ننكره هو التسرع في إثباتها، وإلباسها لَبوس الإعجاز والتحدي، ودعوة الناس إليها، واتخاذها شكل الظاهرة المتفشية التي لا حدود لها، فكل يوم يحمل منها قصة جديدة وحكاية. حتى وصل الحال إلى صور من السخافة التي يترفع عن تصديقها العقل السليم، ترى ذلك في حكاية " صوت زئير الأسد " الذي يسمع فيه بعضهم - شططا وتكلفا - صوت لفظ الجلالة. وأشنع من ذلك وأسوأ: ما بلغ في بعض البلاد من التبرك والتمسح والاستشفاء بشجرة ظهر على جذعها لفظ الجلالة، ثم تبين بالبحث أنه منحوت بفعل فاعل يريد إضلال الناس. فعلى المسلمين التوقف عن ترويج مثل هذه الشائعات، التي قد تكون سبباً لإضلال الناس. ونسأل الله تعالى أن يفقهنا في ديننا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 102056 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 هل شرب الدخان ينقض الوضوء؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الشريعة في بائع الدخان بأنواعه؟ أنا أدخن وحينما أسمع المؤذن أدخل المسجد هل يجب علي أن أعيد الوضوء، أم المضمضة تكفيني وأنا أعلم بأن الدخان يسبب أمراضاً شتى؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يحرم بيع الدخان لخبثه وأضراره الكثيرة، وفاعل ذلك يعد فاسقاً، ولا يجب إعادة الوضوء من شرب الدخان، لكن يشرع له إزالة الرائحة الكريهة من فمه بما يذهبها، مع وجوب المبادرة بالتوبة إلى الله من ذلك. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى اللجنة الدائمة ج13/57. الحديث: 6679 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 يشك في نطقه بالشهادتين بعد عامين من إسلامه!! [السُّؤَالُ] ـ[أخ اعتنق الإسلام بعد عامين تقريبا لكنه لم يذكر هل نطق الشهادتين وهو يصلي ويصوم ويجتهد في الدين قدر المستطاع.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: نحمد الله تعالى أن هدى أخانا هذا إلى الإسلام، ونسأله سبحانه أن يثبته ويقوي إيمانه ويزيد في طاعاته. ثانيا: كون هذا الأخ يشك في نطقه بالشهادتين بعد سنتين من صلاته وصيامه واجتهاده في الدين قدر المستطاع، لا شك أن هذا من وساوس الشيطان يريد بذلك أن يحزنه ويوقعه في الضيق والحرج، فإن المقطوع به أن هذا الأخ قد كرر الشهادتين خلال هذه المدة الطويلة مرات ومرات، ألم يردد الأذان خلف المؤذن طول هذه المدة، أو لم يقل يوما ما: " لا إله إلا الله محمد رسول الله "، أليس يصلي؟ وهو يقول في تشهده في الصلاة: " أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ". ثم مجرد صلاته تعتبر دخولاً في الإسلام، ولذلك قال العلماء عن الكافر: " إنه إن صلى فمسلم حكماً "، أي يحكم له بالإسلام وإن لم يتلفظ بالشهادتين. انظر: "الشرح الممتع" (2/12) ، و "الموسوعة الفقهية" (4/272) . ويدل على ذلك ما روه البخاري (391) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ صَلَّى صَلاتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا، فَذَلِكَ الْمُسْلِم) . وينبغي الحذر من الوسوسة، التي تصيب بعض الناس، فيبقى في حيرة من أمره، هل قال كذا أو لم يقل؟ هل فعل أو لم يفعل؟ لأن الوسوسة مرض، وعلاجها بالذكر، وعدم الالتفات إليها. وانظر جواب السؤال (62839) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 87733 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 ضوابط التكفير [السُّؤَالُ] ـ[نرجو من سيادتكم معرفة الضوابط التي يمكن الحكم بها على شخص ما بالكفر أو النفاق، حتى لا أقع في البدع التي وقع فيها كثير من الفرق، وبأي كتب توصيني أن أقرأ فيها، مع العلم أني طالب علم مبتدئ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الحكم بالتكفير والتفسيق ليس إلينا، بل هو إلى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، فهو من الأحكام الشرعية التي مردها إلى الكتاب والسنة، فيجب التثبت فيه غاية التثبت، فلا يكفر ولا يفسق إلا من دل الكتاب والسنة على كفره أو فسقه. والأصل في المسلم الظاهر العدالة بقاء إسلامه وبقاء عدالته، حتى يَتَحَقَّقَ زوال ذلك عنه بمقتضى الدليل الشرعي. ولا يجوز التساهل في تكفيره أو تفسيقه؛ لأن في ذلك محذورين عظيمين: أحدهما: افتراء الكذب على الله تعالى في الحكم، وعلى المحكوم عليه في الوصف الذي نبزه به. الثاني: الوقوع فيما نبز به أخاه إن كان سالماً منه. ففي صحيحي البخاري (6104) ومسلم (60) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا كَفَّرَ الرَّجُلُ أَخَاهُ فَقَد بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا) وفي رواية: (إِن كَانَ كَمَا قَالَ، وَإِلاَّ رَجَعَتْ عَلَيهِ) ثانيا: وعلى هذا فيجب قبل الحكم على المسلم بكفر أو فسق أن ينظر في أمرين: أحدهما: دلالة الكتاب أو السنة على أن هذا القول أو الفعل موجب للكفر أو الفسق. الثاني: انطباق هذا الحكم على القائل المعين أو الفاعل المعين، بحيث تتم شروط التكفير أو التفسيق في حقه، وتنتفي الموانع. ومن أهم الشروط: 1- أن يكون عالماً بمخالفته التي أوجبت أن يكون كافراً أو فاسقاً؛ لقوله تعالى: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً) النساء/115 وقوله: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) التوبة/115 ولهذا قال أهل العلم: لا يكفر جاحد الفرائض إذا كان حديث عهد بإسلام حتى يُبَيَّنَ له. 2- ومن الموانع أن يقع ما يوجب الكفر أو الفسق بغير إرادة منه، ولذلك صور: منها: أن يكره على ذلك، فيفعله لداعي الإكراه، لا اطمئناناً به، فلا يكفر حينئذ؛ لقوله تعالى: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) النحل/106 ومنها: أن يُغلَقَ عليه فِكرُهُ، فلا يدري ما يقول لشدة فرح أو حزن أو خوف أو نحو ذلك. ودليله ما ثبت في صحيح مسلم (2744) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَأَيِسَ مِنْهَا فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ) 3- ومن الموانع أن يكون متأولا: يعني أن تكون عنده بعض الشبه التي يتمسك بها ويظنها أدلة حقيقية، أو يكون لم يستطع فهم الحجة الشرعية على وجهها، فالتكفير لا يكون إلا بتحقق تعمد المخالفة وارتفاع الجهالة. قال تعالى: (ولَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً) الأحزاب/5 يقول ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (23/349) : " فالإمام أحمد رضي الله تعالى عنه ترحم عليهم (يعني الخلفاء الذين تأثروا بمقالة الجهمية الذين زعموا القول بخلق القرآن، ونصروه) واستغفر لهم، لعلمه بأنه لم يتبين لهم أنهم مكذبون للرسول، ولا جاحدون لما جاء به، ولكن تأولوا فأخطأوا، وقلدوا من قال ذلك لهم " انتهى. ويقول رحمه الله "مجموع الفتاوى" (12/180) : " وأما التكفير فالصواب أن من اجتهد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم وقصد الحق فأخطأ لم يكفر، بل يغفر له خطؤه، ومن تبين له ما جاء به الرسول، فشاق الرسول من بعد ما تبين له الهدى واتبع غير سبيل المؤمنين فهو كافر، ومن اتبع هواه وقصر في طلب الحق وتكلم بلا علم فهو عاص مذنب، ثم قد يكون فاسقاً. وقد يكون له حسنات ترجح على سيئاته " انتهى. وقال رحمه الله (3/229) : " هذا مع أني دائماً ومن جالسني يعلم ذلك مني، أني من أعظم الناس نهياً عن أن ينسب معين إلى تكفير وتفسيق ومعصية، إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافراً تارة، وفاسقاً أخرى، وعاصياً أخرى، وإني أقرر أن الله قد غفر لهذه الأمة خطأها، وذك يعم الخطأ في المسائل الخبرية القولية والمسائل العملية. وما زال السلف يتنازعون في كثير من هذه المسائل، ولم يشهد أحد منهم على أحد لا بكفر ولا بفسق ولا بمعصية ... " وذكر أمثلة ثم قال: " وكنت أبين أن ما نقل عن السلف والأئمة من إطلاق القول بتكفير من يقول كذا وكذا، فهو أيضاً حق، لكن يجب التفريق بين الإطلاق والتعيين.. " إلى أن قال: " والتكفير هو من الوعيد؛ فإنه وإن كان القول تكذيباً لما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن قد يكون الرجل حديث عهد بإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة، ومثل هذا لا يكفر بجحد ما يجحده حتى تقوم عليه الحجة، وقد يكون الرجل لم يسمع تلك النصوص، أو سمعها ولم تثبت عنده، أو عارضها عنده معارض آخر أوجب تأويلها وإن كان مخطئاً. وكنت دائماً أذكر الحديث الذي في الصحيحين في الرجل الذي قال: (إذا أنا مت فأحرقوني، ثم اسحقوني، ثم ذروني في اليم، فوالله لئن قدر الله عليَّ ليعذبني عذاباً ما عذبه أحداً من العالمين. ففعلوا به ذلك، فقال الله: ما حملك على ما فعلت؟ قال: خشيتك. فغفر له) فهذا رجل شك في قدرة الله وفي إعادته إذا ذري، بل اعتقد أنه لا يعاد، وهذا كفر باتفاق المسلمين، لكن كان جاهلاً لا يعلم ذلك، وكان مؤمناً يخاف الله أن يعاقبه، فغفر له بذلك. والمتأول من أهل الاجتهاد الحريص على متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم أولى بالمغفرة من مثل هذا " انتهى. (مستفاد من خاتمة القواعد المثلى للشيخ ابن عثيمين رحمه الله مع بعض الزيادات) . وإذا كان أمر التكفير بهذه المثابة، والخطر والخطأ فيه شديد؛ فالواجب على طالب العلم، خاصة إذا كان مبتدئا، أن يتوقى الخوض في ذلك، وأن ينشغل بتحصيل العلم النافع الذي يصلح به أمر معاشه ومعاده. ثالثا: قبل أن نشير عليك بشيء من الكتب، فإننا ننصحك بأن تستعين في تعلمك بأهل العلم من أهل السنة؛ فإن ذلك هو الطريق الأسهل والأكثر أمنا، لكن شريطة أن يكون ذلك الذي تأخذ عنه من الموثوق في علمه ودينه، واتباعه للسنة، وبعده عن الأهواء والبدع. قال مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ رحمه الله: (إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ) رواه مسلم في مقدمة صحيحه. فإن لم يتيسر لك، في مكانك أن تحضر دروس أهل العلم، فيمكنك أن تستعين بأشرطتهم، وقد أصبح الحصول عليها عن طريق الأقراص، أو المواقع الإسلامية أكثر سهولة، والحمد لله. ثم يمكنك أيضا أن تنتفع ببعض طلاب العلم، الذين يحرصون على العلم الشرعي، واتباع السنة، وقلما يخلو منهم مكان، إن شاء الله. رابعا: من الكتب التي ينبغي أن تعتني باقتنائها، والنظر والدراسة فيها: - التفسير: تفسير الشيخ ابن سعدي، وتفسير ابن كثير. - الحديث: الأربعين النووية، مع أحد شروحها، والاهتمام بجامع العلوم والحكم لابن رجب، ثم رياض الصالحين، مع زيادة العناية بهذا الكتاب المبارك، ويمكنك الاستعانة بشرح الشيخ ابن عثيمين رحمه الله له. - العقيدة: تهتم بكتاب التوحيد، للشيخ محمد بن عبد الوهاب، مع شرح ميسر له، والعقيدة الواسطية، لشيخ الإسلام ابن تيمية. مع بعض الرسائل النافعة في هذا الباب، مثل: تحقيق كلمة الإخلاص لابن رجب، والتحفة العراقية في الأعمال القلبية لابن تيمية. - الاستعانة بزاد المعاد لابن القيم رحمه الله، وكثير من كتبه، مثل: الوابل الصيب، والداء والدواء. وهذه مجموعة مبدئية، ومع المطالعة، لا سيما إن وجدت من يعينك على القراءة والفهم، فسوف تزداد معرفتك بالكتب النافعة والمهمة لك، شيئا فشيئا، إن شاء الله. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 85102 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 هل النطق بالشهادتين كافٍ لدخول الجنة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل صحيح أنه إذا كانت عائلة الشخص تؤمن أنه " لا إله إلا الله وأن محمداً صلى الله عليه وسلم رسوله " فإن ذلك يكون كافياً لدخول المذكور الجنة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس الإسلام هو النطق بالشهادتين فقط، بل لا بدَّ من تحقيق شروطٍ في هاتين الشهادتين حتى يكون الناطق بهما مسلماً حقّاً، وأركان الإسلام: الاعتقاد والنطق والعمل. عن عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَابْنُ أَمَتِهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ شَاءَ) . رواه البخاري (3252) ومسلم (28) . قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله -: قوله (من شهد أن لا إله إلا الله) أي: من تكلم بها عارفاً لمعناها عاملاً بمقتضاها باطناً وظاهراً، فلابدَّ في الشهادتين من العلم واليقين والعمل بمدلولها كما قال الله تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلهَ إلاَّ الله) . وقوله (إِلاَّ من شهد بالحق وهم يعلمون) أما النطق بها من غير معرفة لمعناها ولا يقين ولا عمل بما تقتضيه: من البراءة من الشرك وإخلاص القول والعمل: قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح: فغير نافع بالإجماع. قال القرطبي في " المفهم على صحيح مسلم ": " باب لا يكفي مجرد التلفظ بالشهادتين، بل لابدَّ من استيقان القلب " هذه الترجمة تنبيه على فساد مذهب غلاة المرجئة القائلين بأن التلفظ بالشهادتين كافٍ في الإيمان، وأحاديث هذا الباب تدل على فساده، بل هو مذهب معلوم الفساد من الشريعة لمن وقف عليها؛ ولأنه يلزم منه تسويغ النفاق، والحكم للمنافق بالإيمان الصحيح، وهو باطل قطعاً ا. هـ وفي هذا الحديث ما يدل على هذا وهو قوله: (من شهد) فإن الشهادة لا تصح إلا إذا كانت عن علم ويقين وإخلاص وصدق. " فتح المجيد " (ص 36) وشروط " شهادة أن لا إله إلا الله " سبعة شروط، لا تنفع قائلها إلا باجتماعها؛ وهي على سبيل الإجمال: الأول: العلم المنافي للجهل، الثاني: اليقين المنافي للشك، الثالث: القبول المنافي للرد، الرابع: الانقيادُ المنافي للترك، الخامس: الإخلاص المنافي للشرك، السادس: الصدق المنافي للكذب، السابع: المحبة المنافية لضدها، وهو البغضاء. وشروط " شهادة أن محمَّداً رسول الله " هي نفسها شروط " شهادة أن لا إله إلا الله "، وهي مذكورة بأدلتها في جواب السؤالين (9104) و (12295) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82857 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 السيئات قد تُحبِطُ الحسنات [السُّؤَالُ] ـ[ما هي الأعمال السيئة التي يفعلها العبد فتحبط أعماله الصالحة وتردها، وتُمحَى بسببها من صحيفة الأعمال؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: من الأصول المقررة عند أهل السنة والجماعة أن الأعمال لا تُقبل مع الكفر، ولا يبطلها كلَّها غيرُ الكفر. دل عليه قوله تعالى: (قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ، وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ) التوبة/53-54 قال ابن تيمية رحمه الله: " ولا يحبط الأعمال غير الكفر؛ لأن من مات على الإيمان فإنه لا بد أن يدخل الجنة، ويخرج من النار إن دخلها، ولو حبط عمله كله لم يدخل الجنة قط، ولأن الأعمال إنما يحبطها ما ينافيها، ولا ينافي الأعمال مطلقًا إلا الكفر، وهذا معروف من أصول السنة " انتهى. "الصارم المسلول" (ص/55) وقد خالف أهل البدعة من الخوارج والمعتزلة والمرجئة، فغلا الخوارج والمعتزلة وقالوا: إن الكبائر تمحو وتبطل جميع الحسنات والطاعات، وعاكستهم المرجئة فقالوا: إن حسنة الإيمان تمحو جميع السيئات. ثانيا: لما تبين أنه لا يمكن أن يحبط الحسنات كلها إلا ما يناقض الإيمان مناقضة تامة وهو الكفر، فهل يمكن أن يحبط شيء من المعاصي بعض الحسنات ويمحوها؟ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى "مجموع الفتاوى" (10/638) : " فإذا كانت السيئاتُ لا تحبط جميع الحسناتِ، فهل تحبط بقدرها، وهل يحبط بعض الحسنات بذنب دون الكفر؟ فيه قولان للمنتسبين الى السنة، منهم من ينكره، ومنهم من يثبته " انتهى. القول الأول: أن السيئات لا تبطل الحسنات، بل الحسنات هي التي تمحو السيئات، وذلك بفضل الله سبحانه وكرمه وإحسانه. يقول القرطبي رحمه الله تعالى "الجامع لأحكام القرآن" (3/295) : " والعقيدة أن السيئاتِ لا تبطل الحسناتِ ولا تحبطها " انتهى. القول الثاني: أن المعاصي والبدع تحبط أجر ما يقابلها من الحسنات على سبيل الجزاء، نسبه شيخ الإسلام ابن تيمية لأكثر أهل السنة. انظر "مجموع الفتاوى" (10/322) وهو اختيار شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم، وقال في مدارج السالكين (1/278) : " وقد نص أحمد على هذا في رواية فقال: ينبغي للعبد أن يتزوج إذا خاف على نفسه، فيستدين ويتزوج؛ لا يقع في محظور فيحبط عمله " انتهى. قال الإمام البخاري رحمه الله في كتاب الإيمان من صحيحه: بَاب خَوْفِ الْمُؤْمِنِ مِنْ أَنْ يَحْبَطَ عَمَلُهُ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ؛ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ: مَا عَرَضْتُ قَوْلِي عَلَى عَمَلِي إِلَّا خَشِيتُ أَنْ أَكُونَ مُكَذِّبًا، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَدْرَكْتُ ثَلَاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهُمْ يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ، مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ يَقُولُ إِنَّهُ عَلَى إِيمَانِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ، وَيُذْكَرُ عَنْ الْحَسَنِ مَا خَافَهُ إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا أَمِنَهُ إِلَّا مُنَافِقٌ، وَمَا يُحْذَرُ مِنْ الْإِصْرَارِ عَلَى النِّفَاقِ وَالْعِصْيَانِ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: (وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) . وترجم الإمام مسلم ـ أيضا ـ بَاب مَخَافَةِ الْمُؤْمِنِ أَنْ يَحْبَطَ عَمَلُهُ. قال الإمام ابن رجب رحمه الله: وتبويب البخاري لهذا الباب يناسب أن يذكر فيه حبوط الأعمال الصالحة ببعض الذنوب، كما قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ) الحجرات2. قال الإمام أحمد حدثنا الحسن بن موسى قال: ثنا حماد بن سلمة عن حبيب بن الشهيد، عن الحسن قال: ما يرى هؤلاء أن أعمالا تحبط أعمالا، والله عز وجل يقول {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ} إلى قوله {أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ} . ومما يدل على هذا - أيضا - قول الله عز وجل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى} الآية [البقرة: 264] ، وقال {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَاب} الآية [البقرة: 266] . وفي صحيح البخاري " أن عمر سأل الناس عنها فقالوا: الله أعلم فقال ابن عباس: ضربت مثلا لعمل، قال عمر: لأي عمل؟ قال ابن عباس: لعمل، قال عمر: لرجل غني يعمل بطاعة الله، ثم يبعث الله إليه الشيطان فيعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله. وقال عطاء الخراساني: هو الرجل يختم له بشرك أو عمل كبيرة فيحبط عمله كله. وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من ترك صلاة العصر حبط عمله " [رواه البخاري (553) ] . وفي " الصحيح " - أيضا - أن رجلا قال: والله لا يغفر الله لفلان فقال الله: " من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان، قد غفرت لفلان وأحبطت عملك " [مسلم (2621) ] . وقالت عائشة رضي الله عنها: أبلغي زيدا أنه أحبط جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب. [رواه الدارقطني (3/52) والبيهقي (5/330) ] . وهذا يدل على أن بعض السيئات تحبط بعض الحسنات، ثم تعود بالتوبة منها. وخرج ابن أبي حاتم في " تفسيره " من رواية أبي جعفر، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون أنه لا يضر مع الإخلاص ذنب كما لا ينفع مع الشرك عمل صالح، فأنزل الله عز وجل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُم} [محمد: 33] فخافوا الكبائر بعد أن تحبط الأعمال. وبإسناده، عن الحسن في قوله {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُم} قال: بالمعاصي. وعن معمر، عن الزهري في قوله تعالى {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُم} قال الكبائر. وبإسناده، عن قتادة في هذه الآية قال: من استطاع منكم أن لا يبطل عملا صالحا بعمل سيء فليفعل ولا قوة إلا بالله؛ فإن الخير ينسخ الشر، وإن الشر ينسخ الخير، وإن ملاك الأعمال: خواتيمها ... قال ابن رجب رحمه الله: والآثار عن السلف في حبوط الأعمال بالكبيرة كثيرة جدا يطول استقصاؤها. حتى قال حذيفة قذف المحصنة يهدم عمل مائة سنة. .. وعن عطاء قال: إن الرجل ليتكلم في غضبه بكلمة يهدم بها عمل ستين سنة أو سبعين سنة. وقال الإمام أحمد في رواية الفضل بن زياد، عنه: ما يؤمن أحدكم أن ينظر النظرة فيحبط عمله. وأما من زعم أن القول بإحباط الحسنات بالسيئات قول الخوارج والمعتزلة خاصة، فقد أبطل فيما قال ولم يقف على أقوال السلف الصالح في ذلك. نعم المعتزلة والخوارج أبطلوا بالكبيرة الإيمان وخلدوا بها في النار. وهذا هو القول الباطل الذي تفردوا به في ذلك. [شرح كتاب الإيمان من صحيح البخاري (206-210) باختصار] . قال ابن القيم رحمه الله: " ومحبطات الأعمال ومفسداتها أكثر من أن تحصر وليس الشأن في العمل إنما الشأن في حفظ العمل مما يفسده ويحبطه " [الوابل الصيب (18) ] . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 81874 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 تأتيها وساوس الشيطان إذا رأت ثبات أهل الكفر والباطل وتفانيهم في ذلك [السُّؤَالُ] ـ[باختصار أنا اشتكي من القلق على ديني وعقيدتي، أتمنى أن لا يحاسبني الله على سؤالي ولكني فعلا بحث عن الإجابة الشافية. حين أرى النصارى واليهود أو حتى الفئات التي ضلت عن العقيدة الإسلامية الصحيحة حين ألحظ عليهم مدى تمسكهم باعتقادهم وتصديقهم به بل والراحة النفسية التي يشعرون بها أو - لا أدري إن كان حقيقيا- أسأل نفسي كيف يعرف المسلم أنه على العقيدة الصحيحة؟ طالما أن الراحة النفسية موجودة لدى الجميع، خاصة أنه بعلم النفس وارد أن ما تؤمن به فعليا هو ما يجعلك تطمئن إليه وتثق به ولو كان غير صحيح؟ وما يحيرني خاصة الفئات الخاطئة التي تفرعت من الإسلام مثل الصوفية والشيعة؟ أنا فقط بدأت أشعر بهذه الوساوس بعد أن أصبحت والحمد لله أقرب إلى ربي من قبل بعد ترك الأغاني، وقيام الليل والنوافل والاستغفار.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فقد أحسنتِ حينما أطلقتِ على هذه الخواطر التي تجول في نفسك بأنها وساوس، ومعلوم أن الوسوسة من الشيطان، والشيطان لا يحب من العبد أن يعود لخالقه تائباً نادما مقبلاً على الخير، بل يحرص أن يصده عن دينه بسائر أنواع الفتن والشهوات، فإذا أعجزته الحيل لجأ إلى الوسوسة والتشكيك، ليشعره بالقلق وعدم الطمأنينة، ولذا تجدين أنك لم تشعري بهذه الوساوس إلا بعد أن تركت بعض المعاصي التي كان يزينها لك، فلما انتصرت عليه في هذا الميدان، لجأ إلى أضعف حيله وهي الوسوسة، وقد شكا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم له أنه ينتابهم بعض الوساوس التي يكرهونها ولا يحبون التكلم بها، فقال لهم عليه الصلاة والسلام: (الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة) رواه أبو داود عن عبد الله بن عباس (5112) وصححه الألباني كما في صحيح أبي داود. فحيث عجز عن صدهم عن الخير لجأ إلى الوسوسة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " والوسواس يعرض لكل من توجه إلى الله تعالى بذكر أو بغيره، لا بد له من ذلك، فينبغي للعبد أن يثبت ويصبر، ويلازم ما هو فيه من الذكر والصلاة ولا يضجر، فإنه بملازمة ذلك ينصرف عنه كيد الشيطان (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً) النساء/76. وكلما أراد العبد توجهاً إلى الله تعالى بقلبه جاءه من الوسوسة أمور أخرى، فإن الشيطان بمنزلة قاطع الطريق، كلما أراد العبد السير إلى الله تعالى، أراد قطع الطريق عليه، ولهذا قيل لبعض السلف: إن اليهود والنصارى يقولون: لا نوسوس. قال: صدقوا! وما يصنع الشيطان بالبيت الخرب؟!! . "مجموع الفتاوى" (22/608) . لذا فعليك ألا تلتفتي لهذه الوساوس، ولا تجعليها عائقاً عن مواصلة طريقك في السير إلى الله تعالى. وأما ما ذكرتِه عن بعض الكفار وأهل البدع من أنهم يكونون في راحة نفسية، فجميل منك أنك قلت في ثنايا سؤالك: (لا أدري إن كان حقيقياً) فإن كثيراً من هذه السعادات زائفة، تكون في الظاهر بينما يبقى الباطن يشعر بفراغ وضيق قاتل، لا يزيله إلا صدق العبد مع الله في عبوديته وتحقيق مرضاته. وهنا ينبغي أن تنتبهي إلى عدة أمور: الأول: أن مقياس العقيدة الصحيحة لا يعرف بالراحة النفسية أو عدمها، وإنما تعرف العقيدة بما جاء في كتاب الله وسنة رسول الله على وفق ما التزمه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأي أمر أشكل عليك فاعرضيه على كلام الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكلام صحابته، فإن وجدت أصحاب رسول الله قائلين به فاعلمي أنه الحق، وما سواه فهو باطل، فإن عجزت عن ذلك فاسألي أهل العلم الذين يسيرون في علمهم وطريقتهم على منهج الصحابة والسلف الصالح؛ فهذا هو المقياس الصحيح الوحيد. وأما السعادة والراحة النفسية فهي نتيجة لصدق العبد في تحصيل رضى ربه، ومتابعة سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) النحل/97. الثاني: أن الشعور بالضيق والضنك أمر نسبي، وهو يختلف من شخص لآخر، وأحيانا يكون الإنسان يعيش في أشد حالات الضيق ولا يشعر بشيء من ذلك لأنه ميت القلب، ألست ترين الأعمى يكون في أشد أنواع الظلمة ولا يشعر بالظلام، وما ذلك إلا لأنه لا بصر عنده أصلاً، فكذلك ميت القلب، ليس عنده حياة أصلاً ليشعر بألم ضيق الصدر من عدمه، وقديما قال الشاعر: ما لجرحٍ بميت إيلام لكن الله عز وجل قال وقوله الحق: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) طه/124. والضنك: قد فسر بعدة تفسيرات، ففي تفسير ابن كثير رحمه الله ما ملخصه: " أي: ضَنْك فِي الدُّنْيَا، فَلا طُمَأْنِينَة لَهُ، وَلا اِنْشِرَاح لِصَدْرِهِ، بَلْ صَدْره ضَيِّق حَرَج لِضَلالِهِ، وَإِنْ تَنَعَّمَ ظَاهِره وَلَبِسَ مَا شَاءَ وَأَكَلَ مَا شَاءَ وَسَكَنَ حَيْثُ شَاءَ فَإِنَّ قَلْبه مَا لَمْ يَخْلُص إِلَى الْيَقِين وَالْهُدَى فَهُوَ فِي قَلَق وَحِيرَة وَشَكّ، فَلا يَزَال فِي رِيبه يَترَدَّد فَهَذَا مِنْ ضَنْك الْمَعِيشَة. وَقَالَ الضَّحَّاك: هُوَ الْعَمَل السَّيِّئ وَالرِّزْق الْخَبِيث. وعَنْ أَبِي سَعِيد فِي قَوْله: (مَعِيشَة ضَنْكًا) قَالَ: يُضَيِّق عَلَيْهِ قَبْره حَتَّى تَخْتَلِف أَضْلاعه فِيهِ. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَة ضَنْكًا) قَالَ (عَذَاب الْقَبْر) إِسْنَاد جَيِّد " انتهى. فلو فرض أن الكافر أو الفاجر عاش في هذه الدنيا في سعادة حتى لو كانت داخلية، فإنه فاقد للطمأنينة والسكينة التي يتنعم بها المؤمنون الصادقون، ثم إن ما ينتظره من العذاب في البرزخ وما بعده ضنك وأي ضنك، نسأل الله أن يعيذنا وإياكِ من عذاب القبر، وأن يثبتنا وإياكِ على الحق حتى نلقاه. وختاماً: عليك بالاجتهاد في الطاعات وعمل الصالحات، والابتعاد عن الوساوس الجالبة للهموم، وعليك بتعلم العلم النافع، فإنه يقيك بإذن الله من أنواع الفتن والشبهات. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 72307 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 ما هي أسباب نقصان الإيمان [السُّؤَالُ] ـ[ما هي أسباب نقصان الإيمان؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أسباب نقصان الإيمان كالتالي: السبب الأول: الجهل بأسماء الله وصفاته يوجب نقص الإيمان لأن الإنسان إذا نقصت معرفته بأسماء الله وصفاته نقص إيمانه. السبب الثاني: الإعراض عن التفكير في آيات الله الكونية والشرعية , فإن هذا يسبب نقص الإيمان , أو على الأقل ركوده وعدم نموه. السبب الثالث: فعل المعصية فإن للمعصية آثاراً عظيمة على القلب وعلى الإيمان ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) . الحديث. السبب الرابع: ترك الطاعة فإن ترك الطاعة سبب لنقص الإيمان , لكن إن كانت الطاعة واجبة وتركها بلا عذر فهو نقص يلام عليه ويعاقب , وإن كانت الطاعة غير واجبة , أو واجبة لكن تركها بعذر فإنه نقص لا يلام عليه , ولهذا جعل النبي صلى الله عليه وسلم النساء ناقصات عقل ودين وعلل نقصان دينها بأنها إذا حاضت لم تصل ولم تصم , مع أنها لا تلام على ترك الصلاة والصيام في حال الحيض بل هي مأمورة بذلك لكن لما فاتها الفعل الذي يقوم به الرجل صارت ناقصة عنه من هذا الوجه. [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ج/1 ص 52. الحديث: 10809 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 ما هي أسباب زيادة الإيمان؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما سبب زيادة الإيمان؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله للزيادة أسباب: السبب الأول: معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته , فإن الإنسان كلما ازداد معرفة بالله وبأسمائه وصفاته ازداد إيماناً بلا شك , ولهذا تجد أهل العلم الذين يعلمون من أسماء الله وصفاته ما لا يعلمه غيرهم تجدهم أقوى إيماناً من الآخرين من هذا الوجه. السبب الثاني: النظر في آيات الله الكونية , والشرعية , فإن الإنسان كلما نظر في الآيات الكونية التي هي المخلوقات ازداد إيماناً قال تعالى: (وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون) الذاريات /20-21 والآيات الدالة على هذا كثيرة أعني الآيات الدالة على أن الإنسان بتدبره وتأمله في هذا الكون يزداد إيمانه. السبب الثالث: كثرة الطاعات فإن الإنسان كلما كثرت طاعاته ازداد بذلك إيماناً سواء كانت هذه الطاعات قولية أم فعلية , فالذكر يزيد الإيمان كمية وكيفية , والصلاة والصوم والحج تزيد الإيمان أيضاً كمية وكيفية. [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ج/1 ص 49. الحديث: 10776 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 أركان الإيمان وشعب الإيمان [السُّؤَالُ] ـ[كيف نجمع بين أن الإيمان هو (الإيمان بالله وملائكته وكتبه واليوم الآخر, وبالقدر خيره وشره) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وسبعون شعبة ... إلخ) ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الإيمان الذي هو العقيدة أصوله ستة وهي المذكورة في حديث جبريل - عليه الصلاة والسلام - حينما سأل النبي صلى الله عليه وسلم: (الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره) متفق عليه. وأما الإيمان الذي يشمل الأعمال وأنواعها وأجناسها فهو بضع وسبعون شعبة , ولهذا سمى الله تعالى الصلاة إيماناً في قوله: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) البقرة/143. قال المفسرون: إيمانكم يعني صلاتكم إلى بيت المقدس، لأن الصحابة كانوا قبل أن يؤمروا بالتوجه إلى الكعبة كانوا يصلون إلى المسجد الأقصى. [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ج/1 ص 54. الحديث: 10839 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 أريد ما يقوي إيماني [السُّؤَالُ] ـ[هل لك أن ترسل لي برسالة روحانية تقوي إيماني حيث أنني أصلي وأصوم وأؤدي أساسيات الإسلام ولكنني في نفس الوقت أشعر وكأني لا أفعل شيئاً ولا أناضل ولا أجاهد.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يوجد في هذا الموقع رسالة بعنوان " ظاهرة ضعف الإيمان " فيها بيان تام لما يعانيه كثير من الناس من ضعف الإيمان وبيان الأسباب والعلاج، ولا مزيد عليها إن شاء الله فننصحك بقراءتها، وهذا رابطها: http://www.islam-qa.com/books/dofuleeman/arabic.html وهذه نصيحتان من كبار أهل العلم تضاف إلى ما سبق وتختصر لك المراد منك والمطلوب: 1. ننصحك أن تقرأ القرآن كثيراً، وتكثر من الاستماع لتلاوته وتتدبر معاني ما تقرأ وما تسمع منه بقدر استطاعتك، وما أشكل عليك فهمه فاسأل عنه أهلَ العلم ببلدك أو مكاتبة غيرهم من أهل العلم من علماء السنَّة. وننصحك أيضاً بالإكثار من ذِكر الله بما ورد من الأذكار في الأحاديث الصحيحة مثل " لا إله إلا الله " ومثل " سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر " ونحو ذلك، وارجع في ذلك إلى كتاب " الكلِم الطيب " لابن تيمية، وكتاب " الوابل الصيِّب " لابن القيم، وكتاب " رياض الصالحين " وكتاب " الأذكار النووية " للنووي وأمثالها. فإنَّ ذِكر الله يزداد به الإيمان وتطمئن به القلوب، قال الله تعالى {ألا بذكر الله تطمئن القلوب} . وحافظ على الصلاة والصيام وسائر أركان الإسلام مع رجاء رحمة الله، والتوكل عليه في كل أمورك، قال الله تعالى {إنما المؤمنون الذين إذا ذُكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون. الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون. أولئك هم المؤمنون حقّاً لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم} . " اللجنة الدائمة للإفتاء " (3 / 185، 186) . 2. الإيمان يزيد بطاعة الله، وينقص بمعصيته، فحافظ على ما أوجب الله من أداء الصلوات في وقتها جماعة في المساجد، وأداء الزكاة طيبة بها نفسك طُهرة لك من الذنوب ورحمة بالفقراء والمساكين. وجالس أهل الخير والصلاح ليكونوا عوناً لك على تطبيق الشريعة، وليرشدوك إلى ما فيه السعادة في الدنيا والآخرة. وجانب أهل البدع والمعاصي لئلا يفتنوك ويضعفوا عزيمة الخير فيك. وأكثِر مِن فِعل نوافل الخير، والْجأ إلى الله، واسأله التوفيق. إنك إن فعلتَ ذلك: زادك الله إيماناً، وأدركتَ ما فاتك من المعروف، وزادك الله إحساناً واستقامة على جادة الإسلام. " اللجنة الدائمة للإفتاء " (3 / 187) . [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 14041 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 تفسير خاطيء لكلمة التوحيد وزعم باطل بأنها تغني عن الطعام [السُّؤَالُ] ـ[لقد قال لي شيخي مرةً أن معنى لا إله إلا الله هو، لا: (لا أحد قادر على) ، إله: (تلبية الحاجات) ، إلا الله: (غير الله) . ولكن الكثيرين غيره يقولون بأن معناها الحقيقي هو: لا معبود بحق سوى الله. وأنا أثق جدا في تعليمه. إنه يشرح قائلا: أولا، لدينا الحاجة إلى أن نكون أحياء. فإن لم تكن (ربما يقصد "الحاجة") لله، فمن ذا يستطيع تلبية هذه الحاجة غيره؟ وقد قال أيضا، بأنه إذا إستطاع الإنسان العيش بلا إله إلا الله، فإن هذا الإنسان يكون صوفيا. وأكثر الناس اليوم يعادون الصوفية. فما هو رأيكم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أما بعد فقد قال تعالى: (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد) . ففي هذه الآية الكريمة دلالة على فقر العباد إلى ربهم في جميع أمورهم، في وجودهم وبقائهم، وفي منافعهم وسلامتهم من كل مكروه. فالله هو الواهب لذلك كله، قال تعالى: (الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم) وقال تعالى: (وما بكم من نعمة فمن الله) . وهو سبحانه وتعالى غنيٌ عن عباده له الملك كله وله الحمد كله، لا يبلغ العباد نفعه ولا ضره، لو آمنوا كلهم ما زادوا في ملكه شيئا، ولو كفروا كلهم ما نقصوا من ملكه شيئا. وهو رب العالمين، رب الأولين والآخرين، وهو الإله الحق الذي لا يستحق العبادة سواه، كل معبود سواه باطل. فمعنى لا إله إلا الله أي لا معبود بحق إلا الله، هذا هو الصواب في معناها وليس معناها لا خالق إلا الله، أو لا قادر على قضاء الحوائج إلا الله، بل هذا كله من معناها، فالإله الحق هو الخالق لكل شيء والقادر على كل شيء. فقول هذا الشيخ أن معنى لا إله إلا الله: (هو لا أحد يقدر على قضاء الحاجات إلا الله) إن أراد أن هذا من معناها فهو صحيح، وإن أراد أن هذا هو المقصود منها فباطل، فإنه لو كان المقصود منها ما قاله هذا الشيخ لما امتنع المشركون الأولون أن يقولوها حين قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم قولوا لا إله إلا الله تفلحوا؟ لأنهم يقرّون أنه لا خالق إلا الله، ولكنهم كانوا يفهمون المعنى المقصود منها وهو لا معبود بحق إلا الله. فالله هو المعبود بحق وكل معبود سواه باطل وهذا يقتضي بطلان آلهة المشركين التي يعبدونها من دون الله، قال تعالى: (ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير) . فلما كان المشركون يعلمون معناها وأنها تقتضي بطلان معبوداتهم امتنعوا أن يقولوها وتواصوا بالصبر على آلهتهم كما قال تعالى: (وقال الكافرون هذا ساحر كذاب أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عُجاب وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يُراد) . وبهذا تعلم أن قول الكثيرين المخالفين لشيخك في معنى لا إله إلا الله هو الصواب. وقول شيخك (أن لدينا الحاجة إلى الله ...... إلى قوله هذه الحاجة غيره) معناه ان الله وحده هو الذي يَمدّنا بالحياة وهذا حق، ولكن ليس هو معنى لا إله إلا الله، بل معناها لا معبود بحق إلا الله كما تقدّم. والإله الحق هو المستحق للعبادة وهو الذي يحيي ويميت، وهو الله تعالى. وقول شيخك (إذا استطاع الإنسان .......... إلى قوله وأكثر الناس اليوم يعادون الصوفية) إن أراد أنه يستغني عن الطعام والشراب دائما فهو قول باطل فإنه لا أحد من الناس يستغني دائما عن الطعام والشراب ولا الأنبياء فضلا عمّن سواهم، وزعمه أن الصوفي يستطيع العيش بلا طعام أو شراب، وأنّ ذكره لله يُغنيه عن ذلك دائما فهو باطل ومن ادعى ذلك منهم فهو كذاب، فلا تغتر أيها السائل بهذا الشيخ، فهو إما جاهل ضال وإما كذاب دجال، فاحذر منه ومن أمثاله. نسأل الله لك الهداية والتوفيق. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد الرحمن البراك. الحديث: 11535 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 الدنيا دار الابتلاء والفتن [السُّؤَالُ] ـ[ما هي الدنيا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الدنيا دار العمل والآخرة دار الجزاء والجزاء سيكون بالجنة للمؤمنين والنار للكافرين. ولما كانت الجنة طيبة. ولا يدخلهما إلا من كان طيباً والله طيب لا يقبل إلا طيباً لذا جرت سنة الله في عباده الابتلاء بالمصائب والفتن , ليعلم المؤمن من الكافر ويتميز الصادق من الكاذب كما قال سبحانه: (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون، ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) العنكبوت/2- 3. ولن يتم الفوز والنجاح إلا من بعد امتحان يعزل الطيب عن الخبيث ويكشف المؤمن من الكافر كما قال سبحانه (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب) آل عمران/197. ومن الابتلاء الذي يبتلي الله به عباده ليتميز به المؤمن من الكافر ما ذكره الله بقوله: (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين، الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) البقرة/154-156. فالله يبتلي العباد ويحب الصابرين ويبشرهم بالجنة. ويبتلى الله عباده بالجهاد كما قال سبحانه: (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين) آل عمران/142. والأموال والأولاد فتنة يبتلي الله بهما عباده ليعلم من يشكره عليها ومن، يشتغل بها عنه (واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم) الأنفال/28. ويبتلي الله بالمصائب تارة وبالنعم تارة ليعلم من يشكر ومن يكفر ومن يطيع ومن يعصى ثم يجازيهم يوم القيامة (ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون) الأنبياء/35. والابتلاء يكون حسب الإيمان فأشد الناس بلاءً الأنبياء , ثم الأمثل فالأمثل قال عليه الصلاة والسلام (إني أوعك كما يوعك رجلان منكم) أخرجه البخاري/5648. والله سبحانه يبتلي عباده بأنواع من الابتلاء. فتارة ً يبتليهم بالمصائب والفتن امتحاناً لهم ليعلم المؤمن الكافر والمطيع من العاصي والشاكر من الجاحد. وتارة يبتلى الله عباده بالمصائب، إذا عصوا ربهم فيؤدبهم بالمصائب لعلهم يرجعون كما قال سبحانه: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير) الشورى/30. وقال سبحانه: (ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون) المؤمنون/76. والله رحيم بعباده يكرر الفتن على الأمة لعلها ترجع وتنيب إليه وتهجر ما حرم الله , ليغفر الله لها كما قال سبحانه: (أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون) التوبة/126. ومن رحمة الله , أن تكون العقوبة على المعاصي في الدنيا لعل النفوس تزكو وتعود إلى الله قبل الموت (ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون) السجدة/21. وتارة يبتلي الله عباده بالمصائب لرفع درجاتهم وتكفير سيئاتهم كما قال عليه الصلاة والسلام: (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب , ولا هم ولا حزن , ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه) متفق عليه، أخرجه البخاري/5641. [الْمَصْدَرُ] من كتاب أصول الدين الإسلامي للشيخ محمد بن ابراهيم التويجري. الحديث: 13205 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 متعجب من طول آدم عليه السلام [السُّؤَالُ] ـ[في صحيح البخاري، حديث رقم 246 ذكر رسول الله بأن آدم خُلق وطوله 30 متراً، أنا لا أستطيع أن أفهم هذا أو أتخيله، فأرجو أن تشرح لي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لفظ هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خلق الله آدم وطوله ستون ذراعا، ثم قال: اذهب فسلم على أولئك من الملائكة فاستمع ما يحيونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك. فقال السلام عليكم فقالوا: السلام عليكم ورحمة الله. فزادوه: ورحمة الله فكل من يدخل الجنة على صورة آدم، فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن) . رواه البخاري (3336) ومسلم (7092) . وفي لفظ مسلم: (فكل من يدخل الجنة على صورة آدم وطوله ستون ذراعاً فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن) . وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن) . قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (6/367) : (أي أن كل قرن يكون نشأته في الطول أقصر من القرن الذي قبله، فانتهى تناقص الطول إلى هذه الأمة واستقر الأمر على ذلك) أ. هـ. وعلى المسلم أن يؤمن بكل خبر جاء به الدليل من كتاب الله والسنة الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول الإمام الشافعي رحمه الله: (آمنت بالله وبما جاء عن الله على مراد الله، وآمنت برسول الله وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله) انظر الإرشاد شرح لمعة الاعتقاد ص (89) . فالمؤمن يجب عليه أن يؤمن إيماناً جازماً بكل ما أخبر به الله جل جلاله، وبكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم إذا ثبتت صحته إليه صلى الله عليه وسلم، إيماناً جازماً لا يعتريه أدنى شك ويجب عليه أن يقبله جملة وتفصيلاً سواء فهمه أو لم يفهمه، أو استغربه أم لم يستغربه؛ لأن عدم استيعابه للأمر الصادق المجزوم بصحته وثبوته لا يعني عدم ثبوت هذا الأمر، ولكن القضية أن عقله لم يستطع أن يستوعب ذلك الأمر ويفهمه، والمولى سبحانه وتعالى أمرنا أن نؤمن بكل ما أخبر عنه سبحانه أو أخبر عنه نبيه صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون) الحجرات / 15. ومن جملة الإيمان الإيمان بالغيب، وهذا الحديث الذي بين أيدينا من هذا القبيل، ولقد أثنى الله جل جلاله على الذين يؤمنون بالغيب فقال تعالى: (آلم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ... ) البقرة / 1-3. واعلم أخي الكريم أن الله على كل شيء قدير فكما خلق الإنسان في صورته التي هو عليها الآن قادر على أن يخلقه في صورة أكبر من ذلك أو أصغر. وإذا أشكل عليك هذا الأمر فاعتبر ذلك بهؤلاء الأقزام الذين نراهم وهم رجال في حجم الأطفال فإذا كان ذلك واقعاً فما الذي يمنع من العكس وهو أن يكون رجلاً وطوله ستون ذراعاً، وقد وجد في التاريخ البشري عماليق كما يقول ذلك علماء الآثار والحفريات. وأصل المسألة هو التسليم لكمال قدرة الله تعالى والتسليم لخبره وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم، ونقول كما قال الراسخون في العلم: (آمنا به كل من عند ربنا) آل عمران / 7 نسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20612 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 حكم المؤمن المرتكب لبعض المعاصي [السُّؤَالُ] ـ[ما هو حال المؤمن الذي ارتكب الكثير من المعاصي في حياته؟ هل يغفر الله له أم أنه يُعذب؟ وما هو مقدار عذابه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فالمؤمنون الذين يموتون على الإيمان إذا كانوا قد ارتكبوا في حياتهم معصيةً دون الكفر والشرك المخرج من الملة، لهم حالتان: الأولى: أن يكونوا قد تابوا من المعصية في حياتهم، فإن تابوا منها توبة نصوحاً قبلها الله منهم. فيعودون كمن لا ذنب له، ولا يعاقبون على معصيتهم في الآخرة، بل ربما أكرمهم ربهم فبدل سيئاتهم حسنات. الثانية: الذين يموتون ولم يتوبوا من المعاصي أو كانت توبتهم ناقصة لم تستوف الشروط، أو لم تقبل توبتهم فيها، فإن الذي أثبتته الآيات القرآنية والسنن النبوية واتفق عليه السلف الصالح أن هؤلاء ـ العصاة من أهل التوحيد ـ على ثلاثة أقسام: القسم الأول: قوم تكون لهم حسنات كثيرة تزيد وترجح على هذه السيئات، فهؤلاء يتجاوز الله عنهم، ويسامحهم في سيئاتهم، ويدخلهم الجنة، ولا تمسهم النار أبداً إحساناً من الله وفضلاً وإنعاماً. كما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إن الله سبحانه وتعالى يدني المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره فيقول: أتعرف ذنب كذا، أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم، أي رب، حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه هلك قال: سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، فيُعطى كتاب حسناته، وأما الكفار والمنافقون فيقول الأشهاد: هؤلاء الذين كذبوا ربهم ألا لعنة الله على الظالمين" رواه البخاري (2441) ومسلم (2768) . وقال تعالى: {فمن ثقلت موازينه فأولئك المفلحون} الأعراف/8. وقال سبحانه: {فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية * وأما من خفت موازينه فأمه هاوية} القارعة/:6-7. القسم الثاني: قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم فقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة وتجاوزت بهم حسناتهم عن النار، وهؤلاء هم أصحاب الأعراف الذين ذكر الله تعالى أنهم يوقفون بين الجنة والنار ما شاء الله أن يوقفوا ثم يؤذن لهم في دخول الجنة كما قال تعالى بعد أن أخبر بدخول أهل الجنةِ الجنةَ وأهل النارِ النارَ فقال سبحانه: (وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلّاً بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ. وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِين َ) إلى قوله: (أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) الأعراف/46-49 القسم الثالث: قوم لقوا الله تعالى مصرين على الكبائر والإثم والفواحش فزادت سيئاتهم على حسناتهم فهؤلاء هم الذين يستحقون دخول النار بقدر ذنوبهم فمنهم من تأخذه إلى كعبيه ومنهم من تأخذه إلى أنصاف ساقيه، ومنهم من تأخذه إلى ركبتيه حتى أن منهم من لا يحرم على النار منه إلا أثر السجود، وهؤلاء هم الذين يأذن الله في خروجهم من النار بالشفاعة فيشفع فيهم النبي صلى الله عليه وسلم،وسائر الأنبياء، والملائكة والمؤمنون ومن شاء الله أن يكرمه. فمن كان من هؤلاء العصاة أعظم إيمانا وأخف ذنبا كان أخف عذاباَ وأقل مكثا فيها وأسرع خروجا منها، وكل من كان أعظم ذنباً وأضعف إيماناً كان أعظم عذاباً وأكثر مكثاً نسأل الله السلامة والعافية من كل سوء. فهذه حال عصاة المؤمنين في الآخرة. وأما في الدنيا فهم ما داموا لم يرتكبوا عملاً يخرجهم من الملة فهم مؤمنون ناقصوا الإيمان كما أجمع على ذلك السلف الصالح مستدلين بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية؛ فمن تلك الآيات: قوله تعالى في آية القصاص: (فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف) البقرة/178 فجعل الله القاتل أخاً لأولياء المقتول وهذه الأخوَّة هي أخوة الإيمان فدل ذلك على أن القاتل لم يكفر مع أن قتل المؤمن كبيرة من أكبر الكبائر. وقوله جل شأنه: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) الحجرات/9:10 فسمى الله الطائفتين المقتتلتين مؤمنين مع أن الاقتتال من كبائر الذنوب، بل وجعل المصلحين بينهم أخوة لهم؛ فدل هذا على أن مرتكب المعصية والكبيرة التي لا تصل إلى حد الشرك والكفر؛ يثبت له اسم الإيمان وأحكامه. لكنه يكون ناقص الإيمان. وبهذا تجتمع النصوص الشرعية وتأتلف. والله أعلم. يراجع (أعلام السنة المنشورة 212) و (شرح العقيدة الواسطية للشيخ ابن عثيمين 2 / 238) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 9924 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 هل رؤية الله عز وجل في المنام جائزة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل رؤية الله عز وجل في المنام جائزة أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله رؤية الله تعالى في الدنيا يقظة غير ممكنة، والدليل على ذلك أن موسى عليه السلام وهو من أفضل الرسل، وهو أحد أولى العزم الخمسة (قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) قال الله له: (لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً) ، اندك الجبل أمام موسى وهو يشاهد: (وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً) . غشي عليه لأنه شاهد شيئاً لا تتحمله نفسه: (فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) الأعراف/143. فتاب إلى الله من هذا السؤال، لأنه سؤال ما لا يمكن، والله عز وجل يقول: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) الأعراف/55. فرؤية الله في الدنيا حال اليقظة لا يمكن حتى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة المعراج لم ير ربه، وقد سئل هل رأيت ربك؟ قال: (رأيت نوراً) . وفي لفظ: (نورٌ أنَّى أراه) . يعني بيني وبينه حجب عظيمة من النور، وقد جاء في الحديث في الصحيح أن الله عز وجل محتجب بالنور، وذلك في قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (حجابه النور لو كشفه لأحرقته سبحات وجهه من انتهى إليه بصره من خلقه) . وسبحاته: بهاؤه وعظمته، فلو كشف هذا النور الذي بينه وبين الخلق لاحترق الخلق جميعاً، لأن بصره ينتهي إلى كل شيء، فيحترق كل شيء بهذا النور العظيم، وعلى هذا نقول: لا تمكن رؤية الله في الدنيا في اليقظة. أما في المنام فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى ربه في المنام، لكن هل غيره يمكن أن يراه؟ يذكر أن الإمام أحمد رحمه الله رأى ربه، وذكر بعض العلماء أن ذلك ممكن، فالله أعلم، لكن أخشى إن فتح الباب أن تدخل علينا شيوخ الصوفية وغيرهم فيقول أحدهم رأيت ربي البارحة، وجلست أنا وإياه، وتنادمنا وتناقشنا، ثم يجيء من هذه الخزعبلات التي لا أصل لها، فأرى أن سد هذا الباب هو الأولى. [الْمَصْدَرُ] "لقاءات الباب المفتوح" (3/418) . الحديث: 43176 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 هل يزيد الإيمان وينقص عند أهل السنة والجماعة [السُّؤَالُ] ـ[ما هو تعريف الإيمان عند أهل السنة والجماعة وهل يزيد وينقص؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الإيمان عند أهل السنة والجماعة هو (الإقرار بالقلب , والنطق باللسان , والعمل بالجوارح) . فهو يتضمن الأمور الثلاثة: 1. إقرار بالقلب 2. نطق باللسان 3. عمل بالجوارح وإذا كان كذلك فإنه سوف يزيد وينقص , وذلك لأن الإقرار بالقلب يتفاضل فليس الإقرار بالخبر كالإقرار بالمعانية , وليس الإقرار بخبر الرجل كالإقرار بخبر الرجلين وهكذا , ولهذا قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام: (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) البقرة/260. فالإيمان يزيد من حيث إقرار القلب وطمأنينته وسكونه, والإنسان يجد ذلك من نفسه فعندما يحضر مجلس ذكر فيه موعظة, وذكر للجنة والنار يزداد الإيمان حتى كأنه يشاهد ذلك رأي العين , وعندما توجد الغفلة ويقوم من هذا المجلس يخف هذا اليقين في قلبه. كذلك يزداد الإيمان من حيث القول فإن من ذكر الله مرات ليس كمن ذكر الله مئة مرة , فالثاني أزيد بكثير. وكذلك أيضاً من أتى بالعبادة على وجه كامل يكون إيمانه أزيد ممن أتى بها على وجه ناقص. وكذلك العمل فإن الإنسان إذا عمل عملاً بجوارحه أكثر من الآخر صار الأكثر أزيد إيماناً من الناقص , وقد جاء ذلك في القرآن والسنة - أعني إثبات الزيادة والنقصان - قال تعالى: (وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا) المدثر/31. وقال تعالى: (وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ) التوبة/124 - 125. وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للبّ الرجل الحازم من إحداكن) . فالإيمان إذن يزيد وينقص. [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ج/1 ص 49. الحديث: 9356 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 وسوس له الشيطان في خلق الله [السُّؤَالُ] ـ[شخص يوسوس إليه الشيطان بهذا السؤال: (من خلق الله؟) فهل يؤثر ذلك عليه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الوسواس لا يؤثر عليه وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الشيطان يأتي إلى الإنسان فيقول من خلق كذا؟! ومن خلق كذا!؟ إلى أن يقول من خلق الله؟ وأعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدواء الناجع وهو أن نستعيد بالله من الشيطان الرجيم وننتهي عن هذا. فإن طرأ عليك هذا الشيء وخطر ببالك فقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وانته عنه وأعرض إعراضاً كلياً وسيزول بإذن الله. [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ج/1 ص 60. الحديث: 9414 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 هل في الإسلام نقاط ضعف تمكن الكفار من مهاجمته؟ [السُّؤَالُ] ـ[باعتبارنا مسلمين جدد، فنحن نواجه صعوبات كثيرة وانتقادات شديدة من غير المسلمين، بسبب المحيط حولنا، هل يجب أن لا نكون منفتحين في الكلام عن مواطن ضعفنا ونحاول أن نناقش الموضوع من جهة غير دفاعية ونبدو وكأننا نعتذر أو نتستر على الأخطاء؟ سبب هذا السؤال أننا إذا ظهرنا وكأننا ننكر ونموه عن نقطة ضعف ظاهرة فلن يجعلنا هذا نجتاز هذا الموقف، ربما بعض المسلمين يظن بأننا لو حاولنا أن نحل مشاكلنا علناً فإن هذا سوف يساعد الكفار في هجومهم على الإسلام. أرجو النصيحة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ليس في الإسلام – بحمد الله – نقاط ضعف يخشى منها المسلم، فالإسلام هو دين الله تعالى المحكم، وقد قال تعالى: {وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً} الأنعام / 115، قال بعض أهل العلم في معناها: أي: صدقٌ في الأخبار، عدلٌ في الأحكام. وقد امتن الله تعالى علينا بإكمال الدين وإتمام النعمة فقال: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} المائدة / 3. وكل ما يظهر للإنسان في نظره في أحكام الإسلام أنها نقاط ضعف فليعلم أن القصور ناتج من خلل المعيار الموجود عنده للقوة والضعف، لأن بعض ما هو حكمة وعدل من أحكام الشريعة قد يظنها الإنسان بخلاف ذلك بسبب كونها بعض هوى النفس أو مخالفته لما اعتاده الناس في حياتهم المخالفة للشرع ممن يظن أن قوامة الرجل على المرأة ضعف بسبب اعتيادهم على خلاف ذلك الذي هو مخالف للفطرة أيضاً. ثانياً: والأمر المهم الذي ينبغي التنبيه عليه هنا: أنه لا يجوز لآحاد الناس الكلام في أحكام الإسلام أو في تفسير القرآن وشرح الحديث، بل مرجع ذلك إلى أهل العلم الراسخين. والذي يحدث هو عرض الشبهة على عامي من عوام المسلمين فيحتار في الجواب عنها أو يجيب عليها خطئاً، أو تبقى في قلبه شبهةً يصعب عليه ردها، {ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا} النساء / 83. لذا فإننا نقول: إن الله تعالى حفظ لنا الدين بحفظ العلماء وتوفيقهم للفهم الصحيح للذب عن دينه وتبيين حكمه عز وجل للناس، وليس ذلك لعامة الناس بل هو لخاصتهم وهم العلماء. وقد كان بعض أهل العلم يتحدى أن يأتيه واحد من الناس بآية تخالف آية أو تخالف حديثاً، أو يأتي بحديث يخالف آية أو حديثاً إلا ويبين لهم ما أشكل عليهم، وقد كانوا يعلنون ذلك ويتحدون به العالمين. وقد وقف الدارقطني رحمه الله – وهو من أئمة الحديث – وقف ببغداد خطيباً فقال: يا أهل بغداد لا يستطيع أحدٌ أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا حي، وهذا الكلام منه يدل على قوة علمهم وفهمهم للدين بما يعجز معه أهل الباطل أن يطعنوا في الدين أو يدسوا فيه ما ليس منه. ولذلك.. فالنصيحة للسائل وغيره من المسلمين لاسيما الذين يخالطون الكفار بسبب العمل أو الإقامة في بلادهم أن يجتهدوا في طلب العلم والتعرف على الأحكام الشرعية الصحيحة المستنبطة من الكتاب والسنة مع الاهتمام بمعرفة علل هذه الأحكام وحَكَمِها حتى يكون عندهم من العلم ما يرد به شبهات المبطلين، ويمكنهم ذلك من الدعوة إلى الله على بصيرة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 32492 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 حكم قول أنا مؤمن إن شاء الله [السُّؤَالُ] ـ[هل يستطيع المسلم قول: أنا مؤمن إن شاء الله؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله مسألة الاستثناء في الإيمان من المسائل التي وقع فيها لأهل العلم مناقشات مطولة ومستفيضة والموقف الصحيح حيال هذه العبارة أن يُستفصل عن معنى قوله: (مؤمن) فإن أراد أصل الإيمان الذي هو بمعنى الإسلام والذي يكون بدونه كافرا فلا يصح الاستثناء والحالة هذه لأنه يكون حينئذ متضمنا لمعنى الشك في أصل الدين وهو محرم بل يجب على المسلم أن يجزم بإيمانه بهذا الاعتبار ويقول: أنا مؤمن دون استثناء، وأما إن أراد كمال الإيمان والمرتبة العالية التي هي فوق مرتبة الإسلام فعليه أن يستثني ويقول إن شاء الله لأن في عدم الإستثناء تزكية منعت الشريعة منها كما في قوله تعالى: (فلا تزكوا أنفسكم) . وإذا أراد الإنسان لفظة لا إشكال فيه ليعبّر بها عن دينه الذي يعتقده فليقل: أنا مسلم ولا يحتاج إلى استثناء في هذه الحالة والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2689 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 هل للمنافقين إيمان [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم هذا التقسيم للإيمان هل هو صحيح أو لا؟ الإيمان خمسة: إيمان مطبوع وهو إيمان الملائكة , وإيمان معصوم وهو إيمان الأنبياء, وإيمان مقبول وهو إيمان المؤمنين, وإيمان مردود وهو إيمان المنافقين, وإيمان موقوف وهو إيمان المبتدعة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أقول في هذا التقسيم إنه ليس بصحيح , لا من أجل التقسيم لأن التقسيم قد يكون صحيحاً في أصله ولا مشاحة في الاصطلاح والتقسيم , لكنه ليس بصحيح في حد ذاته فإن المنافقين قد نفي الله الإيمان عنهم في القرآن فقال - تعالى: (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) البقرة/8. وإيمان البشر مطبوعون عليه لولا وجود المانع المقاوم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهوّدانه أو ينصرانه أو يمجسانه) . صحيح أن الملائكة لا يعصون الله ما أمرهم , وصحيح أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا يمكن أن يرتدوا بعد إيمانهم, ولكن التقسيم الثاني غير صحيح وهو أنه جعل الملائكة مطبوعين على الإيمان دون البشر, البشر كما تقدم قد طبعوا على الإيمان بالله وتوحيده, وخير من ذلك أن نرجع إلى تقسيم السلف الصالح لأنه هو التقسيم الذي يكون مطابقاً للكتاب والسنة للإجماع عليه. وهو أن الإيمان قول باللسان , وعمل بالأركان , واعتقاد بالجنان. [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ج/1 ص 56 - 57. الحديث: 9468 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 علاقة الروح بالبدن [السُّؤَالُ] ـ[هل يوجد في الإسلام تفسير لعلاقة الروح بالبدن؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال ابن القيم رحمه الله: الروح لها بالبدن خمسة أنواع من التعلق متغايرة الأحكام: أحدها تعلقها به في بطن الأم جنينا. الثاني تعلقها به بعد خروجه إلى وجه الأرض. الثالث تعلقها به في حال النوم فلها به تعلق من وجه ومفارقة من وجه. الرابع تعلقها به في البرزخ فإنها وإن فارقته وتجردت عنه فإنها لم تفارقه فراقا كليا بحيث لا يبقى لها التفات إليه البتة وقد ذكرنا في أول الجواب من الأحاديث والآثار ما يدل على ردّها إليه وقت سلام المسلِّم وهذا الرد إعادة خاصة لا يوجب حياة البدن قبل يوم القيامة. الخامس تعلقها به يوم بعث الأجساد وهو أكمل أنواع تعلقها بالبدن ولا نسبة لما قبله من أنواع التعلق إليه إذ (هو) تعلق لا يقبل البدن معه موتا ولا نوما ولا فسادا. … وإذا كان النائم روحه في جسده وهو حي وحياته غير حياة المستيقظ فإن النوم شقيق الموت فهكذا الميت إذا أعيدت روحه إلى جسده كانت له حال متوسطة بين الحي وبين الميت الذي لم ترد روحه إلى بدنه كحال النائم المتوسطة بين الحي والميت فتأمل هذا يزيح عنك إشكالات كثيرة. [الْمَصْدَرُ] كتاب الروح 44 الحديث: 6090 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 حكم ما يُسمى بـ " حرية الكلام "، و " حرية الرأي "؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما هو رأي الإسلام في حرية الكلام وحرية الرأي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: معرفة الحكمة من وجود الإنسان فيه الجواب على هذا السؤال , فإنَّ مَن علم المقصد من خلقه ووجوده: يعلم أنَّ فعله، وكلامه، ورأيه، منضبط بما أراده الله، ورضيه , وأما الماديون، ودعاة التفسخ والانحلال: فينطلقون من مبدأ: قل ما تشاء، وافعل ما تشاء، واعبد ما تشاء. فالحكمة من خلق الإنسان ووجوده على الأرض: أن يعبد الله وحده لا شريك له، وأن يستسلم لأوامر الله تعالى، كما قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ. مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ. إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) الذاريات/ 56 – 58، وقال تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) المؤمنون/ 115،116. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: أي: (أَفَحَسِبْتُمْ) أيها الخلق، (أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا) أي: سدى، وباطلا، تأكلون، وتشربون، وتمرحون، وتتمتعون بلذات الدنيا، ونترككم لا نأمركم، ولا ننهاكم، ولا نثيبكم، ولا نعاقبكم؟ ولهذا قال: (وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ) لا يخطر هذا ببالكم، (فَتَعَالَى اللَّهُ) أي: تعاظم وارتفع عن هذا الظن الباطل، الذي يرجع إلى القدح في حكمته (الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) " تفسير السعدي " (ص 560) . فمن علم أنه عبد لله: فلا بد أن يتقيد بما أمر الله به، وينتهي عما نهى الله عنه , وهذا ينافي دعوة حرية الكلام، والرأي، والأفعال , فالله لا يرضى من العبد التكلم بكلمة الكفر , أو أن يتكلم بالفسق، والفجور , أو أن يدعو إليها , وأما دعاة الحرية: فالأمر سيان عندهم، تكلم بما شئت، واعمل ما شئت , في حق الله، وفي حق الدين. ثانياً: لا شك أن الإسلام عظَّم خطورة الكلمة التي يتكلم بها المرء , قال تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) ق/ 18. وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لاَ يُلْقِى لَهَا بَالاً يَرْفَعُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لاَ يُلْقِى لَهَا بَالاً يَهْوِى بِهَا فِي جَهَنَّمَ) رواه البخاري (6113) . وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – أيضاً - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ) رواه البخاري (5672) ومسلم (47) . قال النووي رحمه الله: وقد ندب الشرع إلى الإمساك عن كثير من المباحات؛ لئلا ينجر صاحبها إلى المحرمات، أو المكروهات , وقد أخذ الإمام الشافعي رضي الله عنه معنى الحديث فقال: " إذا أراد أن يتكلم: فليفكر , فإن ظهر له أنه لا ضرر عليه: تكلم , وإن ظهر له فيه ضرر، أوشك فيه: أمسك ". " شرح مسلم " (2 / 19) . ثالثاً: إن حرية الكلام ليست مطلقة ـ حتى عند دعاتها ـ بل مقيدة بأمور، منها: 1. القانون. ومن العجب أن ترى اجتماع دول الغرب على تجريم من يشكك في محرقة اليهود، بل يحاكمون من يثبتها لكن يشكك في أرقام قتلاها! دون أن يسمحوا لأهل التاريخ، ولأهل الفكر، أن يبحثوا القضية، ويتم مناقشتها وفق الأدلة والبراهين، ولا يزال بعض الكتَّاب والمفكرين قابعين في سجون تل البلدان بسبب موقفهم من ثبوت المحرقة، أو موقفهم من المبالغة في عدد قتلاها من اليهود. ومنها: العرف، والذوق العام، والاصطدام بحرية الآخرين. فإن كنا قد اتفقنا على تقيد حرية الكلام والتعبير عن الرأي، فليكن الحكم في ذلك، لحكم الله، الذي هو أعدل الأحكام وأحسنها، ولا يكون الحكم لقانون من وضع البشر، يعتيريه ما يعتري غيره من أنظمة البشر من الهوى والظلم والجهل. وإنه لتناقض عند هؤلاء أن يكون القانون يُلجم أفواههم عن الكلام عن محرقة اليهود، وأخبار جنودهم القتلى في أرض المسلمين – بينما يستنكرون علينا أن نمنع من يسب الله أو رسوله أو دينه أو يقذف المحصنات المؤمنات أو غير ذلك مما حرم الله النطق به؛ لما يترتب عليه من مفاسد ومضار. إن المسلم مطلوب منه أن لا يسكت على الخطأ والزلل، وعليه واجب التذكير والنصيحة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر , وهذا منافٍ لدعوة حرية الكلام , فمن تكلم بكلام محرم، فالواجب منعه من هذا الكلام، ونهيه عن هذا المنكر. والإسلام لا يمنع الناس من التعبير عن آرائهم فيما يجري حولهم في السياسة والاقتصاد، والمسائل الاجتماعية، ولا يمنع من الكلام في نقد الأخطاء، ونصح المخطئين، وكل ذلك ينبغي أن يكون مقيَّداً بشروط الشرع، وآدابه، فلا تهييج للعامة، ولا دعوة للفوضى، ولا اتهام للأبرياء، ولا قذف للأعراض، وغير ذلك مما هو معروف من أحكام الشرع التي تضبط هذه المسائل. وقد وجدنا أن أكثر أصحاب دعاوى حرية الكلام، والرأي: مقصدهم من ذلك: حرية التطاول على الدِّين الإسلامي، وشرائعه , فيصلون إلى مقصدهم من خلال ـ حرية الرأي ـ. فتطاولوا على حكم الله بدعوى حرية الكلام , وطعنوا في القرآن والسنَّة بدعوى حرية الكلام , ودعوا إلى الزنا والفجور والخنا بدعوى حرية الكلام. وقد تبع هؤلاء بعض المنافقين في بلاد الإسلام، الذين يطعنون في أحكام الشريعة الإسلامية، ويطعنون في القرآن وفي السنة النبوية الصحيحة. والواجب على حكام المسلمين الأخذ على أيدي هؤلاء، ومنعهم من هذا المنكر، حفاظاً على دين الأمة، وقياماً بما أوجب الله عليهم من حماية الدين والدفاع عنه. والحاصل: أننا ـ نحن المسلمين ـ ليس عندنا ما يسمى بـ "حرية الرأي" أو "حرية التعبير" وإنما عندنا الخضوع لحكم الله تعالى، وعدم الخروج عن شرعه، فمن تكلم بالحق وجب أن يعان، ومن تكلم بالباطل وجب أن يمنع. وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: هل يجوز أن يكون هناك ما يسمَّى بـ " حرية الرأي "، أي: يُفتح المجال لأهل الخير، وأهل الشر، كلٌّ يدلي بدلوه في المجتمع؟ . فأجاب: "هذا باطل، لا أصل له في الإسلام، بل يجب أن يُمنع الباطل، ويُسمح للحق، ولا يجوز أن يُسمح لأحد يدعو إلي الشيوعية، أو الوثنية، أو يدعو إلى الزنا، أو القمار، أو غير ذلك، سواء بالأسلوب المباشر، أم غير المباشر، بل يُمنع، ويؤدب، بل إن هذه هي: " الإباحية المحرمة " انتهى. " فتاوى إسلامية " (4 / 367، 368) . وانظر لمزيد الفائدة جوابي السؤالين: (98134) و (9410) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 137130 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 التوكل والأخذ بالأسباب [السُّؤَالُ] ـ[حصل نقاش حول مسألة التوكل والأخذ بالأسباب، وتوكل بعض الصالحين كتوكل مريم والتي تأتيها فاكهة الصيف في الشتاء والعكس، ولم تتخذ الأسباب بل انقطعت للعبادة. فأيدونا في ذلك بارك الله فيكم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "التوكل يجمع الأمرين، فالتوكل يجمع شيئين: أحدهما: الاعتماد على الله، والإيمان بأنه مسبب الأسباب، وأن قَدَره نافذ، وأنه قَدَّر الأمور وأحصاها وكتبها سبحانه وتعالى. الشيء الثاني: تعاطي الأسباب، فليس من التوكل تعطيل الأسباب، بل من التوكل الأخذ بالأسباب، والعمل بالأسباب، ومن عَطَّلها فقد خالف شرع الله وقَدَرَه، فالله أمر بالأسباب وحث عليها سبحانه وتعالى، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم بذلك. فلا يجوز للمؤمن أن يعطل الأسباب، بل لا يكون متوكلاً على الحقيقة إلا بتعاطي الأسباب، ولهذا شُرِعَ النكاح لحصول الولد، وأمر بالجماع، فلو قال أحد من الناس: أنا لا أتزوج وأنتظر ولداً من دون زواج، لعُد من المجانين، فليس هذا أمر العقلاء، وكذلك لا يجلس في البيت أو في المسجد يتحرى الصدقات ويتحرى الأرزاق تأتيه، بل يجب عليه أن يسعى ويعمل ويجتهد في طلب الرزق الحلال. ومريم رحمة الله عليها لم تدع الأسباب؛ فقد قال الله لها: (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا) مريم/25، هزت النخلة وتعاطت الأسباب حتى وقع الرطب، فليس من عملها ترك الأسباب، ووجود الرزق عندها وكون الله أكرمها وأتاح لها بعض الأرزاق وأكرمها ببعض الأرزاق لا يدل على أنها معطلة الأسباب، بل هي تتعبد وتأخذ بالأسباب وتعمل بالأسباب. وإذا ساق الله لبعض أوليائه من أهل الإيمان شيئاً من الكرامات فهذا من فضله سبحانه وتعالى، لكن لا يدل على تعطيل الأسباب، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ) رواه مسلم (2664) ، وقال الله سبحانه: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) الفاتحة/5" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (1/364) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130499 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 الحكمة من خلق الإنسان [السُّؤَالُ] ـ[أنا غير مسلمة ولكني أود أن أعرف ماذا يقول الإسلام عن: لماذا خلق الله الإنسان؟ هل هناك سبب معين؟ ما معنى الوجود؟ هل فقط لطاعة الله؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نحن نعتقد أن الله هو خالق البشر، وأنه الذي تفرّد بخلق جميع المخلوقات كلها من الدواب والطيور، والحشرات والأسماك وغيرها من إنس أو جن، ونعتقد أنه ما خلقهم عبثا، فقد قال تعالى في القرآن: (وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق) الأنبياء / 16، وأنه فَضَّل الإنسان على سائر المخلوقات فأعطاه العقل والسمع والبصر والفؤاد، وأنطق منه اللسان، وفَضَّله على غيره من المخلوقات، فقال تعالى في كتابه: (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) الإسراء / 70. فالإنسان ميّزه الله عن الخلق، فلما أعطاه العقل والقلب كلّفه أن يعبده، والإنسان يعلم مَنْ خلقه، فأمره الله أن يعبده وهو ربه ومالكه، والمالك له حق على المملوكين، فالله خلق الخلق من البشر لعبادته، ولذلك قال تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) الذاريات / 56، وأنكر عليهم أن يكونوا خُلِقوا كما خُلِقت البهائم، فقال تعالى: (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون) المؤمنون / 115، فهذا ظن سوء. وقال تعالى: (أيحسب الإنسان أن يترك سُدى) القيامة /36 أي مهملا، لا يؤمر ولا ينهى، ولا يكلف. فلما ميّز الله البشر عن غيره من المخلوقات كان من حكمة ذلك أن أمره بالعبادة، ونهاه عن المحرمات، ووعده على الطاعة بالجنة، وأخبره أنه سوف يعيده بعد موته، وسيلقى جزاءه كاملا، فمن صدّق بذلك كان من الأتقياء المؤمنين، ومن كذّب بذلك فقد عصى الله تعالى وتعرّض للعقاب في عاجل أمره وآجله، ولا يضرّ إلا نفسه. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله الحديث: 129343 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 إن كان لدى المسلم شكوك فهل يضره أن يسأل عن صحة معجزة ما؟ [السُّؤَالُ] ـ[إن كان لدى المسلم شكوك حول الإسلام والنبي صلى الله عليه وسلم فيطلب أن يطمئن قلبه لشكوكه التي تساوره فيسأل عن مدى صحة معجزة ما جرت على يد النبي صلى الله عليه وسلم فهل يضعه هذا خارج حظيرة الإسلام؟ وهل يغفر الله مثل تلك الذنوب؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله على المسلم أن يحمد الله تعالى ويشكره على نعمة الإسلام والهداية، فإنها أعظم النعم، كما قال تعالى: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الأنعام/122، وقال سبحانه: (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) الزمر/22، وقال: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ) النور/21. ولو نظر هذا المسلم فيما حوله، وتأمل ما عليه أهل الشرك والوثنية من نصارى وغيرهم لأدرك عظيم فضل الله عليه. ومع ذلك فقد يعتري المسلم بعض الشكوك؛ لقلة علمه أو لضعف إيمانه، أو لوجود من يشككه، فيلزمه حينئذ أن يرفع الشك عنه بسؤال أهل العلم، والتدبر في كلام الله تعالى وكلام نبيه صلى الله عليه وسلم، والنظر في السيرة والآيات والمعجزات، فإن ذلك مما يزيد الإيمان ويوصل إلى طمأنينة القلب وانشراح الصدر. ولا حرج أن يسأل عن المعجزة وعن صحتها ليزداد يقينا وثباتا، ولا يعد سؤاله هذا خروجا عن الإسلام، لكن ليحذر من التمادي في الشك أو الانقطاع عن العمل كأن يترك الصلاة عياذا بالله، فإن ترك الصلاة كفر على الراجح من قولي العلماء. وليعلم المسلم أنه مهما أذنب من ذنب ثم تاب واستغفر فإن الله تعالى يغفر له مهما كان ذنبه، وقد تاب الله تعالى على أناس عاشوا دهرهم في الكفر والشرك والصد عن سبيل الله، ثم صاروا أئمة للهدى ومصابيح للدجى ومنارات على طريق الحق والاستقامة، وقد قال تعالى: (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) التوبة/104، وقال: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) الشورى/25. فمهما عظم الذنب، فإن رحمة الله وعفوه وكرمه أعظم. وقد أحسن من قال: يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة ... فلقد علمت بأن عفوك أعظمُ إن كان لا يرجوك إلا محسن ... فمن الذي يدعو ويرجو المجرمُ ونصيحتنا لمن ابتلي بشيء من الشكوك أن يقبل على كتاب الله تعالى فإنه الدواء والشفاء، كما قال سبحانه: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا) الإسراء/82. ولينطرح بين يدي الله، يدعوه ويرجوه أن يزيل همه، ويفرج كربه، وينوّر قلبه، ويُذهب عنه كيد الشيطان. وإن كان شكه مبنيا على شبهة معينة فليسأل عنها أهل العلم، فإن دين الإسلام من العظمة والقوة بحيث لا يقف في وجهه شبهة، ولا تقاومه حجة. وإن كان ما يأتيه نوع من الوسوسة التي لا تقوم على شبهة معينة، فإن علاجها بالذكر والطاعة والاستعاذة والتشاغل والتغافل عنها، وينظر جواب السؤال رقم (12315) . نسأل الله أن يوفق الجميع لما يحب ويرضى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129219 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 يعتقد أن عيسى خير من محمد ويطعن في نبينا [السُّؤَالُ] ـ[لماذا تقولون إن محمداً هو خير خلق الله - والذي لا أظن ذلك -؛ لأن خير خلق الله يجب أن لا يكون له ذنوب، وهذا يخالف محمَّداً؛ لأنه كثير الذنوب. خير خلق الله هو الذي ليس للشيطان عليه سلطان، وهو المسيح، وأنتم تعرفون والقرآن يقر بذلك. وكذلك خير خلق الله لا يلقي الشيطان على لسانه آيات دون أن يعلم , وكذلك خير خلق الله لا يخالف أمراً من الله، وخير خلق الله لا يمكن أن يجري عليه سحرٌ، وكيف يكون أَبَوَا خير خلق الله مشركين، وماتا مشركين؟ وأيضاً فإن خير خلق الله لا ينشر دينه بالسيف، أو بالمال يبيعه. إنكم تبالغون كثيراً، إن أردتم أورد لكم الآيات التي تثبت صحة كلامي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: قد قرأنا ما كتبت بحروفه كلها، وأعدنا القراءة مرة وأخرى، فمن حقنا عليك أن تقرأ لنا ما ندافع به عن ديننا، وعن نبينا محمد - صلى الله عليه وعلى أخيه عيسى وسلم -، ومن حقنا عليك أن تتأمل كلامنا كما تأملْنا كلامك، أليس كذلك؟ . ثانياً: من الجيد أن تكون خاتمة رسالتك فيها إقرار بأن " عيسى " عليه السلام خير خلق الله تعالى، والإقرار بأنه مخلوق ينفي عنه الألوهية، وأنه إله رب؛ لأنك أقررتَ أنه مخلوق مربوب، ولن يجتمع في ذات أنها خالق ومخلوق، ورب ومربوب، أو " لاهوت وناسوت "، ولعلك باعتقادك هذا تعتقد أيضاً بطلان العقيدة التي تثبت لهذا المخلوق أنه إله، أليس كذلك؟ . إن المسيح الذي تتكلم عنه في سؤالك، ليس هو المسيح الذي تؤمنون به معشر النصارى، فعن أيهما تريد أن تتحدث، وأن يدور حوارنا: عبد الله عيسى ابن مريم، المخلوق؛ أو الابن الذي اتخذتموه إلها؟! انظر إجابة السؤال رقم (82361) ثالثاً: لسنا في صدد المقارنة بين عيسى ومحمد عليهما السلام، فنحن في شرعنا قد نهينا عن المفاضلة بين الأنبياء، وبخاصة تلك المفاضلة التي فيها إنقاص لقدر الطرف الآخر، وهو ما فعلته أنتَ، فلم تستطع إثبات خيرية عيسى عليه السلام على خلق الله تعالى إلا بالطعن بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا أمرٌ مرفوض في شرعنا لو كان الطرف الآخر أقل منزلة، وأما مع الطعن بأحد الأنبياء فإن من يفعل ذلك يكفر ويخرج من ملة الإسلام، فديننا المطهَّر يحفظ كرامة الأنبياء والرسل، ويُعلي شأنهم، والإيمان بهم جميعاً ركن من أركان الإيمان، ولا يكون مسلماً من لم يؤمن ولو بنبي واحد، وليس في شرعنا المطهَّر إلا ذِكر الأنبياء والرسل بخير، فقد ذكر الله تعالى في كتابه الكريم " القرآن " عبادتهم، وأثنى عليها، وذكر دعاءهم، وخشيتهم، ودعوتهم لأقوامهم، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، وليس في كتاب الله تعالى ولا في سنة النبي صلى الله عليه وسلم ما يسيء لأحدٍ منهم، بل فيهما وجوب تعظيم قدرهم، وإعلاء شأنهم. رابعاً: بحث المفاضلة بين عيسى ومحمد عليهما السلام ليس هو مقصوداً عندنا في الدين، ولا ينبغي أن يكون عندك كذلك، والسبب: أننا أُمرنا باتباعه صلى الله عليه وسلم، وقبل ذلك بالشهادة أنه رسول الله، وهذا لا علاقة له بكونه خير خلق الله أو لا، وليس هذا في ديننا فحسب، بل كل قوم أرسل لهم رسول من قبَل ربهم تعالى فإنهم مأمورون بالإيمان به وباتباعه ولو لم يكن خير خلق الله، وهل من شرط النبي أن يكون خير خلق الله؟! فماذا إذن يكون حال الأمم السابقة التي اجتمع في عصر واحدٍ مجموعة عظيمة من الأنبياء والرسل؟! نحن لم نشهد لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة لأنه خير خلق الله، ولا قال هو اتبعوني لأنني خير خلق الله، بل نحن عرفنا ذلك من رفع الله تعالى لمقامه، ومن إعلائه لشأنه، وسنذكر ما يؤيد هذا بآية، وحادثة، وحديث: 1. أما الآية: فهي قول الله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) آل عمران/ 81. فهذا عهد وميثاق أخذه الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى الأنبياء جميعاً أن يؤمنوا بمُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن ينصروه في دعوته. 2. وأما الحادثة: فهي صلاة نبينا صلى الله عليه وسلم بالأنبياء جميعاً إماماً، وذلك في رحلته المسماة " الإسراء والمعراج "، فقد صلَّى بهم جميعاً عليهم السلام في بيت المقدس. وإن لم يدل هذا على فضله وخيريته فلا ندري أي شيء يمكن أن يدل على ذلك. 3. وأما الحديث: فهو ما صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم مما يجري يَوْمَ القِيَامَةِ حين يتراجع الأَنْبِيَاء صلوات الله وسلامه عليهم كلهم عن الشفاعة للناس في الفصل بينهم، فيعتذرون، وكلهم يقول: نفسي، نفسي، فيتقدم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للشفاعة العظمى ويقول: أنا لها، أنا لها، ثُمَّ يكرمه ربه تعالى، ويقبل شفاعته في أهل المحشر، وذلك هو المقام المحمود الذي لم يجعله الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى لبشرٍ غيره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فهذه بعض أدلة من ديننا على أفضلية النبي صلى الله عليه وسلم على إخوانه الأنبياء عليهم السلام، وليسوا ينكرون هم ذلك، فها هو موسى عليه السلام يعترف بذلك في حديث صحيح عندنا، وها هو عيسى عليه السلام يرفض أن يؤم بالمسلمين، بل يرضى أن يكون مأموماً؛ لأنه سيعمل بالعهد والميثاق الذي أخذهما الله تعالى عليه، فعندما ينزل في آخر الزمان فإنه سيقتل الخنزير، وسيكسر الصليب، وسيصلي مأموماً وراء إمامٍ من أئمة المسلمين. وقد ثبت في أصح الكتب عندنا – البخاري ومسلم – بيان هذه الأمور مجتمعة، مع تعظيم قدر عيسى عليه السلام، ومدى ارتباطه به صلى الله عليه وسلم، فقف على هذا الحديث: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى بْنِ مَرْيَمَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ) رواه البخاري ومسلم. ومعنى (أولى الناس بعيسى) : أي: أخصهم به، وأقربهم إليه. ومعنى (إخوة لِعَلاَّت) : أي: إخوة لأب من أمهات شتى. معنى الحديث: أن أصل إيمان الأنبياء واحد، وشرائعهم مختلفة. فأنت بكلامك الوارد في سؤالك تظن أنه ثمة فجوة بين الأنبياء والمرسلين وبين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وليس هذا هو واقعهم عليهم السلام، بل هم جميعاً إخوة، جاءوا برسالة عقائدية واحدة، وهي الدعوة لعبادة الله تعالى وحده، وترك الإشراك به. خامساً: وأما قولك عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أنه " كثير الذنوب ": فهو قول يمكن أن يزعمه أي أحد في أي شخص، ولو كنت تسلك الجادة العلمية لما قلتَ هذا القول، ونحن ننزه الأنبياء والمرسلين الذين أرسلوا لغيرنا من الأمم أن يكونوا من أصحاب المعاصي والذنوب: فكيف يكون حال أفضلهم وخيرهم؟ وانظر للفرق العظيم بيننا وبينك، ففي الوقت الذي تطعن فيه بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم دون بيِّنة: فإننا ننكر هذا أن يكون من أخلاق أحد من الأنبياء والرسل لغيرنا، وهكذا علَّمنا ديننا: أن نحترم الأنبياء والمرسلين، وأن نجلَّهم، ونقدِّرهم. ونحن لا نعجب منكم إذا طعنتم بنبينا وأسأتم له؛ لأن شتم الأنبياء ديدنكم، والطعن فيهم منهجكم، وقد لبَّس عليكم اليهود دينَكم، وحرَّفوه فتبعتموهم على عماية وضلالة، وكل ما في التوراة من طعن في الأنبياء والمرسلين فأنتم تصدقونه، وأضفتم إليه ما في كتبكم المحرَّفة من طعن في صفوة الناس: 1. جاء في إنجيل " متَّى " أن عيسى من نسل سليمان بن داود، وأن جدهم فارض الذي هو من نسل الزنى من يهوذا بن يعقوب. إصحاح متى الأول، عدد (10) . 2. وفي إنجيل " يوحنَّا " إصحاح (2) عدد (4) : أن يسوع أهان أمَّه في وسط جمع من الناس! . 3. وفي إنجيل " يوحنا "، إصحاح (10) عدد (8) : أن يسوع شهد بأن جميع الأنبياء الذين قاموا في بني إسرائيل هم سرَّاق ولصوص! . وجاء في التلمود - وهو مؤلَّف ضخم، يعد مصدراً أساسيّاً من مصادر التشريع اليهودي، ويعد في وقتنا الحالي المرجع الديني لليهود الأصوليين، والمتشددين في إسرائيل، والعالم أجمع، وهو يتبوأ مكانة أسمى من مكانة التوراة -: 1. " إن تعاليم يسوع كفر , وتلميذه يعقوب كافر , وإن الأناجيل كتُب الكافرين ". 2. وجاء فيه - والعياذ بالله -: " إن يسوع الناصري موجود في لجات الجحيم بين القار والنار، وإن أمَّه مريم أتت به من العسكري " بانديرا " عن طريق الخطيئة، وإن الكنائس النصرانية هي مقام القاذورات والواعظون فيها أشبه بالكلاب النابحة ". 3. وقال الحاخام " اباربانيل ": " المسيحيون كافرون؛ لأنهم يعتقدون أن الله له لحم ودم ". 4. وجاء في التلمود: " كل الشعوب ماعدا اليهود: وثنيون , وتعاليم الحاخامات مطابقة لذلك ". 5. وجاء في موضع آخر من التلمود: " إن المسيح كان ساحراً ووثنيّاً، فينتج أن المسيحيين وثنيون أيضاً مثله ". 6. وجاء في التلمود - أيضاً -: " النعيم مأوى أرواح اليهود، ولا يدخل الجنة إلا اليهود، أما الجحيم: فمأوى الكفار من المسيحيين، والمسلمين، ولا نصيب لهم فيها سوى البكاء؛ لما فيها من الظلام والعفونة ". فأين هذا الذي تدعيه كتبكم على أنبياء الله الكرام، مما تدعيه على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من كثرة الذنوب. وانظر جواب السؤال رقم (42216) . سابعاً: وأما قولك " وكذلك خير خلق الله لا يلقي الشيطان على لسانه آيات دون أن يعلم ": فأنت تريد به " قصة الغرانيق " وملخصها: أن الرسول عليه الصلاة والسلام وهو يقرأ: (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى. وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى) النجم/ 19، 20 ألقى الشيطان على لسانه: تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى! وأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والمشركون سجدوا بعد ذلك! وهذه القصة قد ضعَّفها كثير من أهل العلم والتحقيق. قال البيهقي: هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل. انظر " تفسير الفخر الرازي " (23 / 44) . وقال ابن حزم: وأما الحديث الذي فيه: " وأنهن الغرانيق العلى، وإن شفاعتها لترتجى " فكذب بحت موضوع؛ لأنه لم يصح قط من طريق النقل، ولا معنى للاشتغال به، إذ وضع الكذب لا يعجز عنه أحد. " الفِصَل في الملل والنحل " (2 / 311) . وقال القاضي عياض: هذا حديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة، ولا رواه ثقة بسند سليم متصل .... ، ومن حُكيت هذه الحكاية عنه من المفسرين والتابعين لم يسندها أحد منهم، ولا رفعها إلى صاحب، وأكثر الطرق عنهم فيها ضعيفة واهية. " الشفا في أحوال المصطفى " (2 / 79) . وقال الحافظ ابن كثير: قد ذكر كثير من المفسرين قصة الغرانيق، وما كان من رجوع كثير من المهاجرة إلى أرض الحبشة، ظنّاً منهم أن مشركي قريش قد أسلموا، ولكنها من طرق كلها مرسلة، ولم أرها مسندة من وجه صحيح، والله أعلم. " تفسير ابن كثير " (3 / 239) . وقال الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله -: ليس في إلقاء هذه الألفاظ في قراءته صلى الله عليه وسلم حديث صحيح يعتمد عليه فيما أعلم، ولكنها رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث مرسلة، كما نبه على ذلك الحافظ ابن كثير في تفسير آية الحج، ولكن إلقاء الشيطان في قراءته صلى الله عليه وسلم في آيات النجم وهي قوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الحج / 52] فقوله سبحانه: {إِلا إِذَا تَمَنَّى} أي: تلا، وقوله سبحانه: {أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} أي: في تلاوته، ثم إن الله سبحانه ينسخ ذلك الذي ألقاه الشيطان ويوضح بطلانه في آيات أخرى، ويحكم آياته؛ ابتلاء وامتحانا، كما قال سبحانه بعد هذا: {لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ} الآيات [الحج / 53] . فالواجب على كل مسلم أن يحذر ما يلقيه الشيطان من الشبه على ألسنة أهل الحق وغيرهم، وأن يلزم الحق الواضح الأدلة، وأن يفسر المشتبه بالمحكم حتى لا تبقى عليه شبهة، كما قال الله سبحانه في أول سورة آل عمران: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [آل عمران / 7] وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أنه قال: " إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم " متفق على صحته. والله ولي التوفيق. " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (8 / 301، 302) . وقد تكلَّم على القصة سنداً ومتناً وبيَّن ضعف سندها ونكارة متنها: الشيخ الألباني - رحمه الله - في رسالته النافعة " نصب المجانيق في بطلان قصة الغرانيق ". ومن صحح القصة من العلماء فإنه لم يقل بما توهمه في ظاهرها من التغيير والتبديل في كلام الله تعالى ومن الخطأ من النبي صلى الله عليه وسلم، بل بيَّنوا لها أوجهاً تلتقي مع اعتقاد المسلمين جميعاً بعدم تحريف القرآن وبعصمة النبي صلى الله عليه فيما يبلغ عن ربه تعالى. ومن وجوه التأويل ما ذكره بعض العلماء من كون الشيطان ألقى تلك الكلمات في أسماع المشركين لا أنه ألقاها على لسان النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في " مجموع الفتاوى " (2 / 282) . أما عن سبب سجود المشركين في نهاية تلاوة السورة: فإليك ما قاله العلماء فيه. قال الشيخ الألباني - رحمه الله - في آخر كتابه السابق الذكر -: رب سائل يقول: إذا ثبت بطلان إلقاء الشيطان على لسانه عليه الصلاة والسلام جملة " تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى " فَلِمَ إذن سجد المشركين معه صلى الله عليه وسلم وليس ذلك من عادتهم؟ . والجواب ما قاله المحقق الآلوسي بعد سطور من كلامه الذي نقلته آنفاً: " وليس لأحد أن يقول: إن سجود المشركين يدل على أنه كان في السورة ما ظاهره مدح آلهتهم، وإلا لما سجدوا؛ لأننا نقول: يجوز أن يكونوا سجدوا لدهشة أصابتهم وخوف اعتراهم عند سماع السورة لما فيها من قوله تعالى: {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى. وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى. وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى. وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى. فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى} إلى آخر الآيات [النجم / 50 - 54] ، فاستشعروا نزول مثل ذلك بهم، ولعلهم لم يسمعوا قبل ذلك مثلها منه صلى الله عليه وسلم، وهو قائم بين يديْ ربه سبحانه في مقام خطير وجمع كثير، وقد ظنّوا من ترتيب الأمر بالسجود على ما تقدم أن سجودهم ولو لم يكن عن إيمان كافٍ في دفع ما توهَّموه، ولا تستبعد خوفهم من سماع مثل ذلك منه صلى الله عليه وسلم، فقد نزلت سورة (حم السجدة) بعد ذلك كما جاء مصرّحا به في حديث عن ابن عباس، ذكره السيوطي في أول " الإتقان " فلما سمع عُتبة بن ربيعة قوله تعالى فيها: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} " [فصّلت / 13] ! أمسك على فم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وناشده الرحم واعتذر لقومه حين ظنوا به أنه صبأ وقال: " كيف وقد علمتم أن محمَّداً إذا قال شيئاً لم يكذب؟ فخفت أن ينزل بكم عذاب " وقد أخرج ذلك البيهقي في " الدلائل " وابن عساكر في حديث طويل عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه. ثامناً: وأما قولك: " وكذلك خير خلق الله لا يخالف أمراً من الله ": لا نعرف ما الأمر الذي أمر الله تعالى نبيَّه ولم يفعله! وقد وصفه ربه تعالى بالعبودية، وأثنى عليه، وهو أعلم الناس بربه، وأتقاهم وأخشاهم له، فأي أمرٍ يمكن أن يخالفه؟! إن هذا إلا اختلاق. تاسعاً: وقولك: " وخير خلق الله لا يمكن أن يجري عليه سحرٌ ": قول باطل، فالسحر الذي جرى له صلى الله عليه وسلم لم تعلمه أنت حتى أعلمك به النبي صلى الله عليه وسلم! ولم يخبر به النبي صلى الله عليه وسلم حتى أذن الله تعالى له بالإخبار به! فهو من جملة العوارض التي تصيب الإنسان، وهو يدل على أنه صلى الله عليه وسلم بشر، وقد ردَّ بعض أهل البدع من المنتسبين للإسلام هذا الحديث، وظنوه مخالفاً لكونه معصوماً صلى الله عليه وسلم، ومحطاًّ لقدر النبوة، وقد كفانا العلماء الأثبات مئونة الرد على أولئك قديماً، وعليكم حديثاً. قال النووي – رحمه الله –: قال الإمام المازري: وقد أنكر بعض المبتدعة هذا الحديث بسببٍ آخر، فزعم أنه يحط منصب النبوة، ويشكك فيها، وأن تجويزه يمنع الثقة بالشرع! وهذا الذي ادَّعاه هؤلاء المبتدعة: باطل؛ لأن الدلائل القطعية قد قامت على صدقه، وصحته، وعصمته فيما يتعلق بالتبليغ، والمعجزة شاهدة بذلك، وتجويز ما قام الدليل بخلافه: باطل، فأما ما يتعلق ببعض أمور الدنيا التي لم يبعث بسببها، ولا كان مفضَّلا من أجلها، وهو مما يعرض للبشر: فغير بعيد أن يخيَّل إليه من أمور الدنيا ما لا حقيقة له، وقد قيل: إنه إنما كان يتخيل إليه أنه وطىء زوجاته وليس بواطئ، وقد يتخيل الإنسان مثل هذا في المنام، فلا يبعد تخيله في اليقظة ولا حقيقة له، وقيل: إنه يخيل إليه أنه فعله وما فعله ولكن لا يعتقد صحة ما يتخيله فتكون اعتقاداته على السداد. قال القاضي عياض: وقد جاءت روايات هذا الحديث مبيِّنة أن السحر إنما تسلَّط على جسده وظواهر جوارحه، لا على عقله، وقلبه، واعتقاده، ويكون معنى قوله في الحديث " حتى يظن أنه يأتي أهله ولا يأتيهن "، ويروى: " يُخيل إليه " أي: يظهر له من نشاطه، ومتقدم عادته القدرة عليهن فإذا دنى منهن أخذته أخذة السحر فلم يأتهن، ولم يتمكن من ذلك كما يعتري المسحور، وكل ما جاء في الروايات من أنه يخيل إليه فعل شيء لم يفعله، ونحوه: فمحمول على التخيل بالبصر لا لخلل تطرق إلى العقل، وليس في ذلك ما يدخل لبساً على الرسالة، ولا طعناً لأهل الضلالة. " شرح مسلم " (14 / 174، 175) . وقال الإمام ابن قيم الجوزية – رحمه الله -: قد أنكر هذا طائفة من الناس، وقالوا: لا يجوز هذا عليه، وظنُّوه نقصاً وعيباً، وليس الأمر كما زعموا، بل هو من جنس ما كان يعتريه صلى الله عليه وسلم من الأسقام والأوجاع، وهو مرض من الأمراض، وإصابته به كإصابته بالسم لا فرق بينهما، وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إن كان ليخيل إليه أنه يأتي نساءه ولم يأتهن، وذلك أشد ما يكون من السحر. " زاد المعاد " (4 / 113) . ثم نسألك، إن كنت جاداً في الحوار: أيهما أشد على صاحبه، وأدل على نزول قدره، جريان هذا السحر، الذي هو مرض من الأمراض، تسبب فيه هذا اليهودي، أو تسلّط اليهود على عيسى ابن مريم النبيّ عندنا، والإله أو ابن الإله عندكم، حتى صلبوه وقتلوه وسط شماتة الأعداء وإهانتهم: (وكان المارة يهزون رؤوسهم ويشتمونه، ويقولون: ... إن كنت ابن الله، فخلص نفسك، وانزل عن الصليب. وكان رؤساء الكهنة، ومعلمو الشريعة والشيوخ يستهزئون به، فيقولون: خلَّصَ غيره، ولا يقدر أن يخلص نفسه؟! هو ملك إسرائيل، فلينزل الآن عن الصليب لنؤمن به؛ توكَلَ على الله وقال: أنا ابن الله، فلينقذه الله إن كان راضيا عنه. وعيره اللصان المصلوبان معه أيضا، فقالا مثل هذا الكلام.) (وعند الظهر خيم على الأرض كلها ظلام حتى الساعة الثالثة , ونحو الساعة الثالثة صرخ يسوع بصوت عظيم: إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟!!) [متى: 27/38-47] وأيضا: [مرقس: 15/29-35] راجع جواب السؤال رقم (12615) ونحن نقول: حاشا لأنبياء الله الكرام، محمد وأخيه عيسى وإخوانهم جميعاً عليهم السلام من هذا الإفك والبهتان ومن كل ذلة وهوان " عاشراً: وأما قولك: " وكيف يكون أبوا خير الله مشركين، وماتا مشركين؟ ": فهذا من العجائب، وما دخل كونه أفضل الخلق بكون والديه مشركين؟! وهل الرب تعالى اصطفاه هو أم اصطفاه واصطفى أهله وأقرباءه؟! وها هو إبراهيم عليه السلام قد توفي والده على الشرك، فلم يُنقص ذلك من رتبته ومنزلته، وهو أبو الأنبياء، صلى الله عليه وسلم، وها هو نوح عليه السلام تموت زوجته وابنه على الكفر، وها هو لوط عليه السلام تُهلك زوجته وهي على الكفر، فكان ماذا؟ . ثم انظروا، ما تقوله كتبكم المقدسة عندكم، وعند اليهود عن مريم البتول عليها السلام، بل وعن أنبياء الله أنفسهم، لتعلم أيها السائل أي الفريقين أصدق قيلاً، وأهدى سبيلاً؟! حادي عشر: وأما قولك: "؟ وأيضاً فإن خير خلق الله لا ينشر دينه بالسيف، أو بالمال يبيعه " فقد سبق أن ناقشنا ذلك في موقعنا، فنرجو مراجعة جواب السؤالين (43087) و (100521) فإذا انتهيت من مراجعة هذين الجوابين، فمن الحسن أن تتأمل هذه النصوص من كتبكم، لعلك أن يكون لك رأي آخر: 1. قال المسيح عليه السلام: " لا تظنوا أني جئتُ لألقي سلاماً على الأرض، ما جئت لألقي سلاماً بل سيفاً، وإني جئت لأفرق الإنسان ضد أبيه، والابنة ضد أمها، والكنة ضد حماتها، وأعداء الإنسان أهل بيته. من أحب أبا أو أماً أكثر مني فلا يستحقني، ومن أحب ابناً أو ابنة أكثر مني فلا يستحقني، ومن لا يأخذ صليبه ويتبعني فلا يستحقني، من وجد حياته يضيعها، ومن أضاع حياته من أجلي يجدها ". " إنجيل متى، الإصحاح العاشر، فقرة 35 وما بعدها. 2. قال المسيح عليه السلام: " من له سيف: فليأخذه، ومن ليس له: فليبع ثوبه، ويشتري سيفاً ". " لوقا " (22 / 36، 37) . 3. ويقول المسيح عليه السلام: " أما أعدائي أولئك الذين لم يريدوا أن أملك عليهم: فأتوا بهم إلى هنا، واذبحوهم قدامي ". " لوقا " (11) . ج. واسمع لعقلاء من غير المسلمين من الكتَّاب والأدباء والتاريخيين ماذا يقولون: 1. قال توماس كارليل في كتابه " الأبطال وعبادة البطولة ": " إن اتهامه - أي: محمد صلى الله عليه وسلم - بالتعويل على السيف في حمل الناس على الاستجابة لدعوته: سخفٌ غير مفهوم؛ إذ ليس مما يجوز في الفهم أن يُشهر رجل فرد سيفه ليقتل به الناس، أو يستجيبوا له، فإذا آمن به مَن يقدرون على حرب خصومهم: فقد آمنوا به طائعين مصدقين، وتعرضوا للحرب من غيرهم قبل أن يقدروا عليها ". انظر: " حقائق الإسلام وأباطيل خصومه " لعباس لعقاد (ص 227) . 2. ويقول المؤرخ الفرنسي غوستاف لوبون في كتابه " حضارة العرب " وهو يتحدث عن سر انتشار الإسلام في عهده صلى الله عليه وسلم وفي عصور الفتوحات من بعده -: " قد أثبت التاريخ أن الأديان لا تُفرض بالقوة، ولم ينتشر الإسلام إذن بالسيف، بل انتشر بالدعوة وحدها، وبالدعوة وحدها اعتنقته الشعوب التي قهرت العرب مؤخراً كالترك والمغول، وبلغ القرآن من الانتشار في الهند - التي لم يكن العرب فيها غير عابري سبيل - ما زاد عدد المسلمين إلى خمسين مليون نفس فيها، ولم يكن الإسلام أقل انتشاراً في الصين التي لم يفتح العرب أي جزء منها قط، وسترى في فصل آخر سرعة الدعوة فيها، ويزيد عدد مسلميها على عشرين مليوناً في الوقت الحاضر ". فهل تبين لك مدى بُعد التهمة عن الإسلام؟! هل تبين لك مدى تضليل الأحبار والرهبان ووسائل الإعلام لك؟ . د. وكأني بك تريد تنزيه دينك عن انتشاره بالسيف! وكأني بك تريد إقناع الناس بما يحمله أهل دينك من الرحمة والرأفة! وكل ذلك غير صحيح، وإليكَ أمثلة من واقعكم: 1. الملِك " أولاف " ذبَح كلَّ مَن رفض اعتناق النصرانية في " النرويج "، قطع أيديهم، وأرجلهم، ونفاهم، وشرَّدهم، حتى انفردت النصرانية بالبلاد. 2. وفي الجبل الأسود بالبلقان قاد الأسقف الحاكم " دانيال بيتر وفتش " عملية ذبح غير المسيحيين ليلة عيد الميلاد. 3. وفي الحبشة قضى الملك سيف أرعد (1342 – 1370 م) بإعدام كل من أبى الدخول في النصرانية، أو نفيهم من البلاد. 4. ثم نجد أن النصرانية - وليس الإسلام - هي التي أبادت الهنود الحمر في أمريكا. 5. ثم نجد النصرانية هي التي اقتلعت الشعب الفلسطيني من أرضه لتسليمها إلى أعداء المسيح ومحمد - عليهما السلام - على السواء. 6. من الذي أشعل الحروب العالمية؟ لقد قُتل في الحرب العالمية الأولى عشرة ملايين، وفي الثانية حوالي 70 مليوناً! . 7. وكم قُتل من البشر بالقنابل الذرية التي ألقيت على مدينتي " نجازاكي " و " هيروشيما " في اليابان؟ . 8. وترى النصرانية في حربها الصليبية عندما حاصرت بيت المقدس وشددت الحصار ورأى أهلها أنهم مغلوبين فطلبوا من قائد الحملة " طنكرد " الأمان على أنفسهم وأموالهم، فأعطاهم الأمان على أن يلجأوا إلى المسجد الأقصى رافعين راية الأمان، فامتلاء المسجد الأقصى بالشيوخ والأطفال والنساء، وذُبحوا كالنعاج، وسالت دماؤهم في المعبد حتى ارتفعت الدماء إلى ركبة الفارس، وعجَّت شوارعنا بالجماجم المحطمة، والأذرع، والأرجل المقطعة، والأجسام المشوهة، ويذكر المؤرخون أن الذين قُتلوا في داخل المسجد الأقصى فقط سبعين ألفاً، ولا ينكر مؤرخو الفرنج هذه الفضائح. 9. وعصرنا اليوم خير شاهد على ذلك، لقد قصفوا أفغانستان، ثم تحولوا إلى العراق ليدمروها، فقصفوا، وقتلوا، وعاثوا في الأرض فساداً، وقد قال كبيرهم: إن الله أمره بدخول العراق!! فأين وصايا المسيح التي يدعونها ويتشدقون بها؟! . 10. ألم يقف " اللورد اللنبي " ممثل الحلفاء: إنجلترا، وفرنسا، وإيطاليا، ورومانيا، وأميركا في بيت المقدس في سنة 1918 حين استولى عليه في أخريات الحرب الكبرى الأولى قائلاً: " اليوم انتهت الحروب الصليبية "؟! . 11. ألم يقف الفرنسي " غورو " ممثل الحلفاء أيضاً - وقد دخل دمشق - أمام قبر البطل المسلم " صلاح الدين الأيوبي " قائلاً: " لقد عدنا يا صلاح الدين "؟! . 12. وهل هدمت الديار، وسفكت الدماء، واغتصبت الأعراض في البوسنة والهرسك إلا باسم الصليب؟ . 13. بل أين هؤلاء مما حدث في الشيشان - ومازال يحدث -؟ وفي إفريقيا؟ وإندونيسيا؟ وغيرها؟ وهل يستطيع هؤلاء إنكار أن ما حدث في كوسوفا كان حربا صليبية؟ ألم يقل بوش في حربه الأخيرة " ستكون حربا صليبية "؟! . ومثل هذه الفظائع لم يقع في جهاد المسلمين لأعدائهم، فما كانوا يقتلون النساء، ولا الأطفال، ولا الدهماء من الناس، ويجدر أن نذكر بوصية أبي بكر الصدِّيق حيث قال لأسامة بن زيد وجنده: " لا تخونوا، ولا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تمثِّلوا، ولا تقتلوا طفلاً، ولا شيخاً كبيراً، ولا امرأة، ولا تعزقوا نخلاً، ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة، ولا بقرة، ولا بعيراً إلا للأكل، وإذا مررتم بقوم فرَّغوا أنفسهم في الصوامع: فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له ". ينظر: " موسوعة شبهات النصارى حول الإسلام "، " السيرة النبوية " للشيخ محمد أبو شهبة. وأما كلامك عن المال: فإن هذا يجب أن يُستحيى من ذِكره، فالعالم كله يعرف من الذي يذهب إلى الدول الفقيرة وبيده اليمنى خبزة، وبالأخرى نسخة من الإنجيل! وكل العالم يعرف من يحمل بيده حبة الدواء وحفنة الدولارات، وبيده الأخرى نسخة من الإنجيل! . وأخيراً: لعلنا أن نكون قد أظهرنا لك خطأ ما ذكرتَه عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولعلك علمت أنك ضحية إعلام مزوَّر، جعلك تسيء إلى من لا يستحق الإساءة، وتسكت عمن يستحق البيان والفضح، واعلم أن الإسلام دين الأدلة والبراهين، وليس دين الادعاءات والتزوير، فأدرك نفسك، والتحق بركب الأنبياء والصالحين، واحرص على أن لا تموت إلا على الدين الذي كان يعتقده الأنبياء والمرسلون، وهو التوحيد، واحرص على أن تكون ضمن قافلة أتباع خير الأديان وخاتمتها. نسأل الله تعالى أن يهديك، ويشرح صدرك للإسلام، ونسأله أن يريك الحق حقا ويرزقك اتباعه، ويريك الباطل باطلا ويرزقك اجتنابه. والله الموفق [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126168 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 مصاب بالوساوس في إيمانه، ومحاسبته على ماضيه السيء؟! [السُّؤَالُ] ـ[لدي استفساران، وأتمنى أن أجد لهما إجابة: الأول: وهو أنني كنت شديد البعد عن الله عز وجل، وكنت من مرتكبي الذنوب والمعاصي بشتى أنواعها، حتى تاب الله تعالى علي في شهر رمضان الحالي، وشعرت فيه بسعادة لم أشعرها بحياتي من قبل، وأصبحت - وبفضل الله - من المحافظين على صلاة الجماعة، وأقوم بما يقدرني الله من الليل، لكن تأتيني بعض الهواجس بأن الله لن يغفر لي مهما فعلت، إضافة لبعض الهواجس التي تراودني عن الذات الإلهية، وعن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، والتي أتمنى الموت على أن أفكر فيها، وأصبحت تراودني بشدة لدرجة أني أصبحت أظن بأني لست مسلما؟ خاصة بعد أن وقعت - بحكم عملي - في بعض المجادلات مع أحد القساوسة من النصارى الذي كان يحاول تشويه ديننا، وبعد أن تجاهلته خوفا على نفسي من أي فتنة، اتهمني بالهزيمة، وأنه على الحق، وأننا - المسلمين - على الباطل، لزمت الاستغفار والدعاء والبكاء لكن بلا فائدة. فبالله عليكم ماذا أفعل، لأني أشعر أنه قد أصابني الإحباط واليأس، وكيف أتفقه في الدين؟ وكيف أجادل هذا القسيس وأقنعه أنه جاهل، وأنه يفتري على الله تعالى. أفيدوني أفادكم الله، وجعل هذا المجهود الطيب في ميزان حسناتكم، وأعانكم على فعل الخير.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله والله، يا عبد الله، إن حالك لعجب من العجب!! تَصِفُ الدَّواءَ لِذي السَّقامِ وَذي الضَّنا كيما يَصحّ بِهِ وَأَنتَ سَقيمُ أنت مبتلى بالوساوس في أعظم أمرك، وأجل شأنك، مبتلى في أمر فيه نجاتك، إن شككت فيه هلكت، وإن تزعزع في قلبك لم ينفعك شيء، ثم أنت تفتح على نفسك أبوابا من الشبهات الجديدة، بمجادلتك مع هذه الكافر؛ أنت مهزوز، فكيف تثبت غيرك، ابحث عن نفسك أولا، وداو مرضك، قبل أن تفكر في علاج غيرك. فاعلم ـ يا عبد الله ـ أنك إن لم تشغل نفسك بالحق، شغلتك بالباطل، وإن لم تحملها على الهدى، حملتك على الضلال؛ فانظر يا عبد الله ماذا تختار لنفسك، وترضه لدينك؟! ونحيلك في موقعنا إلى أجوبة سابقة فيها حل لإشكال الخطرات والوساوس، سبق بيان الجواب عنه في الأرقام الآتية: (12315) ، (25778) ، (98295) . كما ننقل لك هنا كلاما للعلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله، فنرجو أن تتأمل فيه، ففيه بيان شاف لهذه المسألة، يقول رحمه الله: " معلوم أنه لم يعط الإنسان أمانة الخواطر، ولا القوة على قطعها، فإنها تهجم عليه هجوم النفس، إلا أن قوة الإيمان والعقل تعينه على قبول أحسنها، ورضاه به، ومساكنته له، وعلى دفع أقبحها، وكراهته له، ونفرته منه، كما قال الصحابة: يا رسول الله! إن أحدنا يجد في نفسه ما إن أن يحترق حتى يصير حممة أحب إليه من أن يتكلم به؟ فقال: أوقد وجدتموه؟ قالوا: نعم. قال: ذلك صريح الإيمان. أخرجه مسلم في باب الإيمان، وأبو داود في كتاب الأدب. وفيه قولان: أحدهما: أن رده وكراهته صريح الإيمان. والثاني: أن وجوده وإلقاء الشيطان له في النفس صريح الإيمان، فإنه إنما ألقاه في النفس طلبا لمعارضة الإيمان وإزالته به. وقد خلق الله سبحانه النفس شبيهة بالرحى الدائرة التي لا تسكن، ولا بد لها من شيء تطحنه، فإن وضع فيها حَب طحنته، وإن وضع فيها تراب أو حصى طحنته، فالأفكار والخواطر التي تجول في النفس هي بمنزلة الحَب الذي يوضع في الرحى، ولا تبقى تلك الرحى معطلة قط، بل لا بد لها من شيء يوضع فيها، فمن الناس من تطحن رحاه حَبًّا يخرج دقيقا ينفع به نفسه وغيره، وأكثرهم يطحن رملا وحصى وتبنا ونحو ذلك، فإذا جاء وقت العجن والخبز تبين له حقيقة طحينه. فأنفع الدواء أن تشغل نفسك بالفكر فيما يعنيك دون ما لا يعنيك، فالفكر فيما لا يعني باب كل شر، ومَن فكَّر فيما لا يعنيه فاته ما يعنيه، واشتغل عن أنفع الأشياء له بما لا منفعة له فيه، فالفكر والخواطر والإرادة والهمة أحق شيء بإصلاحه من نفسك، فإن هذه خاصتك وحقيقتك التي لا تبتعد بها أو تقرب من إلهك ومعبودك الذي لا سعادة لك إلا في قربه ورضاه عنك، وكل الشقاء في بعدك عنه وسخطه عليك، ومن كان في خواطره ومجالات فكره دنيئا خسيسا لم يكن في سائر أمره إلا كذلك. وإياك أن تمكن الشيطان من بيت أفكارك وإرادتك، فإنه يفسدها عليك فسادا يصعب تداركه، ويلقي إليك أنواع الوساوس والأفكار المضرة، ويحول بينك وبين الفكر فيما ينفعك، وأنت الذي أعنته على نفسك بتمكينه من قلبك وخواطرك فملكها عليك، فمثالك معه مثال صاحب رحى يطحن فيها جيد الحُبوب، فأتاه شخص معه حمل تراب وبعر وفحم وغثاء ليطحنه في طاحونته، فإن طرده ولم يمكنه من إلقاء ما معه في الطاحون استمر على طحن ما ينفعه، وإن مكنه من إلقاء ذلك في الطاحون أفسد ما فيها من الحَب، وخرج الطحين كله فاسدا. " انتهى باختصار. "الفوائد" (ص/191-194) أما عن شأن مناقشة القس النصراني، فنصيحتنا لك ألا تشتغل بذلك، فذلك علم واسع لم تتخصص أنت فيه، فكيف تريد الخوض فيه، بل وإقناع ذلك النصراني الذي قد يكون متخصصا في هذا الأمر، أرأيت لو أردت أن تناقش طبيبا لتقنعه بعلاج معين لمرض خطير فهل تراه يسمع منك، أو يأخذ عنك، أو يقتنع بكلامك؟! ، فلماذا تسعى للخوض في علم واسع - وهو علم الفرق والأديان والعقائد - وأنت لست من العلماء به، بل وتحمل بسببه هما تلوم به نفسك، ونحن نصدقك القول أننا نراك مخطئا في هذا الشعور، وإن كنا نرجو أن يثيبك الله تعالى على حرصك على إفحام ذلك النصراني المجادل، ولكن عليك أن تسلك سبيل التعلم بالمطالعة والدراسة والاستماع سنوات عديدة، ثم بعد ذلك تتصدى للدفاع عن الإسلام، ودعوة غير المسلمين إليه. فإن كان قد وقع في قلبك شيء من شبه هذه القسيس، أعاذك الله من ذلك، فبإمكانك أن تستعين بمن عنده علم في هذا الباب أن يحلها لك، ويزيل عنك الإشكال. وإن كنت بحمد الله على بنية من أمرك، كما يبدو من سؤالك؛ فاعلم أن هذا الرجل كاذب، ويعلم أنه كاذب. قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) المائدة /41. قال الشيخ السعدي رحمه الله في تفسيره (231) : " كان الرسول صلى الله عليه وسلم من شدة حرصه على الخلق يشتد حزنه لمن يظهر الإيمان، ثم يرجع إلى الكفر، فأرشده الله تعالى، إلى أنه لا يأسى ولا يحزن على أمثال هؤلاء؛ فإن هؤلاء لا في العير ولا في النفير، إن حضروا لم ينفعوا، وإن غابوا لم يفقدوا، ولهذا قال مبينا للسبب الموجب لعدم الحزن عليهم - فقال: {مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ} فإن الذين يؤسى ويحزن عليهم، من كان معدودا من المؤمنين، وهم المؤمنون ظاهرا وباطنا، وحاشا لله أن يرجع هؤلاء عن دينهم ويرتدوا، فإن الإيمان -إذا خالطت بشاشته القلوب- لم يعدل به صاحبه غيره، ولم يبغ به بدلا. {وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا} أي: اليهود {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ} أي: مستجيبون ومقلدون لرؤسائهم، المبني أمرهم على الكذب والضلال والغي. وهؤلاء الرؤساء المتبعون {لَمْ يَأْتُوكَ} بل أعرضوا عنك، وفرحوا بما عندهم من الباطل وهو تحريف الكلم عن مواضعه، أي: جلب معان للألفاظ ما أرادها الله ولا قصدها، لإضلال الخلق ولدفع الحق، فهؤلاء المنقادون للدعاة إلى الضلال، المتبعين للمحال، الذين يأتون بكل كذب، لا عقول لهم ولا همم. فلا تبال أيضا إذا لم يتبعوك، لأنهم في غاية النقص، والناقص لا يؤبه له ولا يبالى به. {يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا} أي: هذا قولهم عند محاكمتهم إليك، لا قصد لهم إلا اتباع الهوى. يقول بعضهم لبعض: إن حكم لكم محمد بهذا الحكم الذي يوافق أهواءكم، فاقبلوا حكمه، وإن لم يحكم لكم به، فاحذروا أن تتابعوه على ذلك، وهذا فتنة واتباع ما تهوى الأنفس. {وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} كقوله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} . {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ} أي: فلذلك صدر منهم ما صدر. فدل ذلك على أن من كان مقصوده بالتحاكم إلى الحكم الشرعي اتباع هواه، وأنه إن حكم له رضي، وإن لم يحكم له سخط، فإن ذلك من عدم طهارة قلبه، كما أن من حاكم وتحاكم إلى الشرع ورضي به، وافق هواه أو خالفه، فإنه من طهارة القلب، ودل على أن طهارة القلب، سبب لكل خير، وهو أكبر داع إلى كل قول رشيد وعمل سديد. {لَهُم فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ} أي: فضيحة وعار {وَلَهُم فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} هو: النار وسخط الجبار." انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111931 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 القرآن مُنَزَّل من الله تعالى غيرمخلوق [السُّؤَالُ] ـ[هل لكم أن تخبرونا عن كتاب بالإنجليزية يتكلم على أن القرآن ليس مخلوقاً وما يجب أن نعتقده كمسلمين؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الذي يجب علينا أن نَعْتَقِده نحن المسلمين، هو ما جاءنا من الله عز وجل، وما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أخْبَرنا الله عز وجل أنه يتكلم قال تعالى: (ومن أصْدَق من الله حديثا) النساء/87 وقال تعالى: (ومن أصْدَق من الله قِيلاً) النساء /122. ففي هاتين الآيتين إثبات أن الله يَتَكَلَّم، وأنّ كلامَه صِدْقٌ، وحَقٌ، ليس فيه كَذِبٌ بِوَجْهٍ من الوجوه. وقال تعالى: (وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم) المائدة /166 ففي هذه الآية أن الله يقول، وأن قوله مَسْمُوع فيكون بصوت، وأن قوله كَلِمَات وجمل، والدليل على أنه بحرف قول الله تعالى: (يا موسى إني أنا ربُّك) طه/11-12 فإن هذه الكلمات حروف وهي من كلام الله.والدليل على أنه بصوت قوله تعالى: (وناديناه من جانب الطور الأيمن وقرَّبناه نجياً) مريم/52، والنداء والمناجاة لا تكون إلا بصوت. انظر شرح لمعة الاعتقاد لابن عثيمين ص 73. ولهذا كانت عقيدة أهل السنة والجماعة أن الله يتكلم بكلام حقيقي متى وكيف شاء بما شاء بحرف وصوت لا يُمَاثِلُ أصوات المخلوقين، والدليل على أنه لا يُمَاثِل أصْوَاتَ المَخْلُوقين، قوله تعالى: (ليس كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وهو السَمِيعُ البَصِير) الشورى/11، فَعُرِفَ ابْتِداءً أن هذه العقيدة هي عقيدة أهل السنة والجماعة، وأهل السنة والجماعة يَعْتَقِدون أن القرآن كلام الله، ومن الأدلة على هذا الاعتقاد قول الله تعالى: (وإنْ أحَدٌ من المشْرِكين استجارك فأجِرْه حتى يَسْمَع كلام الله) التوبة /6 والمراد القرآن بالاتفاق، وأضاف الكلام إلى نفسه فدل على أن القرآن كلامه. وعقيدة أهل السنة والجماعة أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود. والأدلة على أنه منزل ما يأتي: قول الله عز وجل: (شَهْرُ رمضان الذي أنزل فيه القُرآن) البقرة/185، وقوله تعالى: (إنّا أنْزَلناه في ليلة القدر) القدر /1، وقوله: (وقُرْآناً فَرَقْنَاه لِتَقْرَأَه على الناس على مُكْثٍ ونَزَّلنَاه تَنْزِيلاً) الإسراء /106، قوله: (وإذا بَدَّلنا آية مكان آية والله أعلم بما يُنَزِّل قالوا إنما أنت مُفْتَرٍ بل أكثرهم لا يعلمون قل نَزَّله رُوح القُدُسِ من ربك بالحق ليُثَبِّت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين ولقد نعلم أنهم يقولون إنّما يُعَلِّمُه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعْجَمِِي وهذا لسان عربي مبين) النحل /101-103. والذي يبدل آية مكان آية هو الله سبحانه وتعالى. والأدلة على أنه غير مخلوق قوله تعالى: (ألا له الخلق والأمر) فجعل الخلق شيئاً والأمر شيئا آخر لأن العطف يقتضي المغايرة والقرآن من الأمر بدليل قوله تعالى: (وكذلك أوْحَيْنَا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نَهْدِي به من نَشَاءُ من عبادنا) الشورى /52، فإذا كان القرآن أمراً وهو قسيم للخلق، صار غير مخلوق، لأنه لو كان مخلوقاً ما صح التقسيم فهذا هو الدليل من القرآن. والدليل العقلي أن نقول القرآن كلام الله والكلام ليس عينا قائمة بنفسها حتى يكون بائنا من الله ولو كان عينا قائمة بنفسها بائنة من الله لقلنا إنه مخلوق لكن الكلام صفة للمتكلم فإذا كان صفة للمتكلم به وكان من الله كان غير مخلوق لأن صفات الله عز وجل كلها غير مخلوقة. شرح العقيدة الواسطية لابن عثيمين 1/418-426 - 441 فيجب علينا أن نعتقد ذلك ونوقن به، ولا نُحَرِّف آيات الله عز وجل عن مرادها، فإنها صريحة الدلالة على أن القرآن مُنَزَّل من عند الله، ولذلك قال الإمام الطحاوي رحمه الله: " وإنّ القرآن كلام الله منه بدأ بلا كيفية قولاً، وأنزله على رسوله وحياً، وصدقه المؤمنون على ذلك حقا، وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة ليس بمخلوق ككلام البرية، فمن سمعه فزعم أنه كلام البشر فقد كفر وقد ذَمَّه الله وعَابَهُ وأوعده بسقر حيث قال تعالى: (سأُصلِيه سَقَر) المدثر/26، فلما أوْعَدَ بِسَقَر لمن قال (إنْ هذا إلا قول البشر) المدثر /25 عَلِمْنَا وأيْقَنَّا أنَه قولَ خالقِ البَشَر ولا يُشْبِه قول البشر. أهـ شرح العقيدة الطحاوية 179. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 10153 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 حكم إطلاق لفظة نحن أبناء الله [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من قال من المسلمين "نحن نؤمن أن كلنا أبناء الله" مستشهداً بالحديث الضعيف " الخلق كلهم عيال الله ".؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فالحديث المذكور رواه البزار وأبو يعلى من حديث أنس، ولفظه: " الخلق كلهم عيال الله، فأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله". وهو حديث ضعيف جدا كما قال الألباني في ضعيف الجامع (حديث رقم 2946) . ومن قال من المسلمين: نحن نؤمن بأننا جميعا أبناء الله، وجب أن يُستفصل عن مراده قبل أن يُحكم عليه: 1- فإن أراد بالبنوة المعنى المجازي، وهو كون الناس محتاجين مفتقرين إلى الله تعالى، واستعمل هذه العبارة في غرض مشروع كالرد على النصارى القائلين بأن المسيح ابن الله، فلا حرج عليه في إلزامه النصارى بهذا لإبطال عقيدتهم - مع عدم التسليم باستعماله مع غيرهم لما يورثه من لبس ومعانٍ باطلة – وذلك لأن من وسائل إبطال اعتقاد النصارى في عيسى عليه السلام إيقافهم على عبارات وردت في كتابهم المقدس تثبت البنوة لغير عيسى بما يدل بصورة واضحة على أن معنى النبوة في كل نصوص الإنجيل ليس المراد به البنوة الحقيقة التي زعموها لعيسى بما أدخله القسيس بولس لحرفهم عن عقيدة التوحيد، معتمداً على اللبس الذي توحيه كلمة (الأب) و (الابن) ومن هذه النصوص التي ترد عليهم ما جاء في إنجيل لوقا (20/36) قال عيسى عن المؤمنين به (هم مثل الملائكة، لا يموتون، وهم أبناء الله لأنهم أبناء القيامة) . وكما في سفر أشعيا (43/6) (ائت ببني من بعيد وبناتي من أقصى الأرض) . وكما في إنجيل يوحنا (1/12) (وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانا أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنين باسمه، الذين ولدوا ليس من دم ولا مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من الله) . وهكذا ما جاء في وصف الله بالأب، كما في إنجيل متى (6/1) من كلام المسيح لتلاميذه (وإلا فليس لكم أجر عند أبيكم الذي في السموات) . وفي إنجيل لوقا (11/2) (متى صليتم فقولوا: أبانا الذي في السموات) . وفي إنجيل يوحنا (20/17) (إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم) . فالنصارى لا يقولون بأن الملائكة وبني إسرائيل والحواريين أبناء الله حقيقة، كما لا يقولون بأن الله أب لهؤلاء حقيقة، وإنما يحملون ذلك على المعنى المجازي، أي أب لهم في النعمة والإحسان والحفظ والرعاية، وهم أبناؤه في العبادة والحاجة والافتقار. وبهذا يبطل استدلالهم على بنوة عيسى لله بكونه وصف في الإنجيل بأنه ابن الله. 2- وإن أراد أن الناس جميعا أبناء الله كبنوة المسيح لله، على نحو ما يعتقده النصارى، فهذا كفر فوق كفر النصارى. 3- وإن أراد أن الجميع أبناء الله أو عياله فلا فرق بين المسلم والكافر، وأراد بذلك عدم تكفير اليهود والنصارى وعباد الأوثان، فهذه ردة منه عن الإسلام؛ فإن من شك في كفر اليهود والنصارى أو صحح مذهبهم كفر إجماعاً. 4- وإن أراد من ذلك تسويغ إطلاق لفظ " الأخ " على اليهودي والنصراني لأن الجميع عيال الله، فهذا باطل، فإنه لا أخوة بين المؤمنين والكافرين، والحديث لم يصح، ولو صح لما كان فيه مستند لهذا الإطلاق. وينبغي الحذر من إطلاق الألفاظ الموهمة، التي قد توقع الإنسان في المحظور، وتدعو إلى إساءة الظن به لاسيما ما يتعلق منها بتوحيد الله تعالى، وإفراده في أسمائه وصفاته إذ حق الله تعالى هو أولى ما يراعى ويجنب ما يخدشه، لاسيما وأن هذه اللفظة قد استعملها اليهود وساقها الله تعالى في القرآن عنهم في سياق الذم (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءالله وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِم يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ) المائدة / 18 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 26728 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 تقلقه الوسواس والخطرات [السُّؤَالُ] ـ[عندما أصلي أو أنوي فعل أمر طيب تخطر لي أفكار شيطانية. عندما أركز في الصلاة وأحاول أن أركز على معاني الكلمات تدخل الأفكار الشيطانية إلى عقلي وتكون لي اقتراحات سيئة عن كل شيء بما في ذلك الله. أشعر بالغضب من أجل ذلك. أعلم أنه لا أحد يقبل التوبة إلا الله وحده، ولكن بسبب أفكاري أشعر أنه لا يوجد أسوأ من أن يخطر ببالي أفكار سيئة عن الله. أسأل الله المغفرة بعد الصلاة ولكني أشعر بالضيق لأني أريد أن أوقف هذه الأفكار السيئة ولكني لا أستطيع. هذه الأفكار تفقدني التمتع بالصلاة وتشعرني بأني مشؤوم. أرجو منكم نصحي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الوساوس السيئة في الصلاة وغيرها من الشيطان، وهو حريص على إضلال المسلم، وحرمانه من الخير وإبعاده عنه، وقد اشتكى أحد الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الوسواس في الصلاة فقال: إنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلَاتِي وَقِرَاءَتِي يَلْبِسُهَا عَلَيَّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خَنْزَبٌ فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْهُ وَاتْفِلْ عَلَى يَسَارِكَ ثَلاثًا قَالَ فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ عَنِّي " رواه مسلم (2203) والخشوع في الصلاة هو لبها، فصلاة بلا خشوع كجسد بلا روح، وإن مما يعين على الخشوع " شيئان: الأول: اجتهاد العبد في أن يعقل ما يقوله ويفعله، وتدبر القراءة والذكر والدعاء، واستحضار أنه مناجٍ لله تعالى كأنه يراه، فإن المصلي إذا كان قائماً فإنما يناجي ربه، والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، ثم كلما ذاق العبد حلاوة الصلاة كان انجذابه إليها أوكد، وهذا يكون بحسب قوة الإيمان – والأسباب المقوية للإيمان كثيرة – ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " حبب إلي من دنياكم النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة ". وفي حديث آخر أنه قال: " أرحنا يا بلال بالصلاة " ولم يقل أرحنا منها. الثاني: الاجتهاد في دفع ما يُشغل القلب من تفكر الإنسان فيما لا يعنيه، وتدبر الجواذب التي تجذب القلب عن مقصود الصلاة، وهذا في كل عبدٍ بحسبه، فإن كثرة الوسواس بحسب كثرة الشبهات والشهوات، وتعلق القلب بالمحبوبات التي ينصرف القلب إلى طلبها، والمكروهات التي ينصرف القلب إلى دفعها ". انتهى من مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (22/605) . وأما ما ذكرته من أن الوساوس بلغت بك مبلغاً عظيماً بحيث أصبحتَ توسوس في ذات الله بما لا يليق بالله، فإن هذا من نزغات الشيطان، وقد قال الله تعالى: (وإما ينزغنك من الشيطان نزغٌ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم) فصلت /36. وقد اشتكى بعض الصحابة من الوساوس التي تنغص عليهم، فجَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلُوهُ إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ قَالَ وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ قَالُوا نَعَمْ قَالَ ذَاكَ صَرِيحُ الإِيمَانِ " رواه مسلم (132) من حديث أبي هريرة. قال النووي في شرح هذا الحديث: " قوله صلى الله عليه وسلم: (ذَلِكَ صَرِيح الإِيمَان) مَعْنَاهُ اِسْتِعْظَامُكُمْ الْكَلام (بهذه الوساوس) هُوَ صَرِيح الإِيمَان , فَإِنَّ اِسْتِعْظَام هَذَا وَشِدَّة الْخَوْف مِنْهُ وَمِنْ النُّطْق بِهِ فَضْلا عَنْ اِعْتِقَاده إِنَّمَا يَكُون لِمَنْ اِسْتَكْمَلَ الإِيمَان اِسْتِكْمَالا مُحَقَّقًا وَانْتَفَتْ عَنْهُ الرِّيبَة وَالشُّكُوك. وَقِيلَ مَعْنَاهُ: أَنَّ الشَّيْطَان إِنَّمَا يُوَسْوِس لِمَنْ أَيِسَ مِنْ إِغْوَائِهِ فَيُنَكِّد عَلَيْهِ بِالْوَسْوَسَةِ لِعَجْزِهِ عَنْ إِغْوَائِهِ , وَأَمَّا الْكَافِر فَإِنَّهُ يَأْتِيه مِنْ حَيْثُ شَاءَ وَلا يَقْتَصِر فِي حَقّه عَلَى الْوَسْوَسَة بَلْ يَتَلَاعَب بِهِ كَيْف أَرَادَ. فَعَلَى هَذَا مَعْنَى الْحَدِيث: سَبَب الْوَسْوَسَة مَحْض الإِيمَان , أَوْ الْوَسْوَسَة عَلامَة مَحْض الإِيمَان " انتهى انظر السؤال (12315) إذاً " فكراهة ذلك وبغضه، وفرار القلب منه، هو صريح الإيمان ... والوسواس يعرض لكل من توجه إلى الله تعالى بذكر أو غيره، لابد له من ذلك، فينبغي للعبد أن يثبت ويصبر، ويلازم ما هو فيه من الذكر والصلاة، ولا يضجر فإنه بملازمة ذلك ينصرف عنه كيد الشيطان {إن كيد الشيطان كان ضعيفاً} ، كلما أراد العبد توجهاً إلى الله تعالى بقلبه جاء من الوسواس أمور أُخرى، فإن الشيطان بمنزلة قاطع الطريق، كلما أراد العبد السير إلى الله تعالى أراد قطع الطريق عليه، ولهذا قيل لبعض السلف: إن اليهود والنصارى يقولون: لا نوسوس، فقال: صدقوا، وما يصنع الشيطان بالبيت الخراب " انتهى من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (22/608) * العلاج.. 1- إذا شعرت بهذه الوساوس فقل آمنت بالله ورسوله، فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ أَحَدَكُمْ يَأْتِيهِ الشَّيْطَانُ فَيَقُولُ مَنْ خَلَقَكَ فَيَقُولُ اللَّهُ فَيَقُولُ فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقْرَأْ آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُذْهِبُ عَنْهُ " رواه أحمد (25671) وحسنه الألباني في الصحيحة 116 2- محاولة الإعراض عن التفكير في ذلك بقدر الإمكان والاشتغال بما يلهيك عنه. وختاماً نوصيك بلزوم اللجوء إلى الله في كل حال، وطلب العون منه، والتبتل إليه، وسؤاله الثبات حتى الممات، وأن يختم لك بالصالحات.. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 25778 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 من هو معبود المسلمين [السُّؤَالُ] ـ[من يعبد المسلمون؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قبل الإجابة نريد أن نسجّل إعجابنا باهتمامك - أيتها السائلة على صغر سنك - بدين الإسلام ولعل الله أن يفتح لك باب خير عظيم من جراء هذا السؤال ويكتب لك هداية لم تكن بحسبانك قال تعالى: (ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ) سورة الأنعام 88، وقال: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ) سورة الأنعام 125 أما بالنسبة للسؤال العظيم: من يعبد المسلمون؟ فالجواب عليه من القرآن الكريم وهو كتاب الإسلام ومن كلام نبي الإسلام محمد عليه السلام الموحى إليه من ربه. قال الله تعالى: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) سورة الفاتحة وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) سورة البقرة وقال: (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102) سورة الأنعام وقال تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا (23) سورة الإسراء المسلمون يعبدون الله الذي عبده جميع الأنبياء: قال تعالى: (أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ ءابَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133) سورة البقرة المسلمون يعبدون الله ويدعون غيرهم من أصحاب الأديان إلى عبادة الله وحده كما قال عزّ وجلّ: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64) سورة آل عمران الله وحده الذي دعا نوح عليه السلام قومه إلى عبادته، قال تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59) سورة الأعراف الله وحده الذي نادى المسيح عليه السلام إلى عبادته كما قال تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72) سورة المائدة وقال تعالى: (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ءأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) سورة المائدة ولما كلّم الله نبيه موسى عليه السلام قال له: (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (14) سورة طه وأمر الله سبحانه تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بما يلي: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (104) سورة يونس وهو وحده لا شريك له تعبده الملائكة ولا تعبد معه غيره كما قال تعالى: (وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (19) سورة الأنبياء وكل معبود من دون الله فلا يضر ولا ينفع ولا يخلق ولا يرزق، قال الله تعالى: (قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (76) سورة المائدة وقال تعالى: (إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17) سورة العنكبوت وبعد هذا الجواب نريد إكمال الموضوع بالسؤال التالي لماذا نعبد الله وحده لا شريك له والجواب: أولا: لأنه لا يستحق العبادة في الكون أحد غيره لأنه هو الخالق الرازق الموجد من العدم الذي أمدنا بالنعم، قال تعالى: (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18) يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (19) وَمِنْ ءايَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20) وَمِنْ ءايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) وَمِنْ ءايَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22) وَمِنْ ءايَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (23) وَمِنْ ءايَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24) وَمِنْ ءايَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (25) وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (26) وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) سورة الروم وقال تعالى: (أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (61) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (64) قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65) سورة النمل فهل هناك أحد غير الله يستحقّ العبادة؟ ثانيا: إن الله لم يخلقنا إلا لعبادته فقال عزّ وجلّ: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ (56) سورة الذاريات ثالثا: إنه لن ينجو أحد يوم القيامة إلا من كان يعبد الله حقّا، وبعد الموت سيبعث الله العباد ليحاسبهم ويجازيهم على أعمالهم فلا ينجو يومئذ إلا من كان يعبد الله وحده ويحشر البقية إلى جهنم وبئس المصير، قال نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم: مجيبا أصحابه لما سألوه: هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ هَلْ تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ إِذَا كَانَتْ صَحْوًا قُلْنَا لا قَالَ فَإِنَّكُمْ لا تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ يَوْمَئِذٍ إِلا كَمَا تُضَارُونَ فِي رُؤْيَتِهِمَا ثُمَّ قَالَ يُنَادِي مُنَادٍ لِيَذْهَبْ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ فَيَذْهَبُ أَصْحَابُ الصَّلِيبِ مَعَ صَلِيبِهِمْ وَأَصْحَابُ الأَوْثَانِ مَعَ أَوْثَانِهِمْ وَأَصْحَابُ كُلِّ آلِهَةٍ مَعَ آلِهَتِهِمْ حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ وَغُبَّرَاتٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ثُمَّ يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ تُعْرَضُ كَأَنَّهَا سَرَابٌ فَيُقَالُ لِلْيَهُودِ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ قَالُوا كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرَ ابْنَ اللَّهِ فَيُقَالُ كَذَبْتُمْ لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ صَاحِبَةٌ وَلا وَلَدٌ فَمَا تُرِيدُونَ قَالُوا نُرِيدُ أَنْ تَسْقِيَنَا فَيُقَالُ اشْرَبُوا فَيَتَسَاقَطُونَ فِي جَهَنَّمَ ثُمَّ يُقَالُ لِلنَّصَارَى مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ فَيَقُولُونَ كُنَّا نَعْبُدُ الْمَسِيحَ ابْنَ اللَّهِ فَيُقَالُ كَذَبْتُمْ لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ صَاحِبَةٌ وَلا وَلَدٌ فَمَا تُرِيدُونَ فَيَقُولُونَ نُرِيدُ أَنْ تَسْقِيَنَا فَيُقَالُ اشْرَبُوا فَيَتَسَاقَطُونَ فِي جَهَنَّمَ حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ فَيُقَالُ لَهُمْ مَا يَحْبِسُكُمْ وَقَدْ ذَهَبَ النَّاسُ فَيَقُولُونَ فَارَقْنَاهُمْ وَنَحْنُ أَحْوَجُ مِنَّا إِلَيْهِ الْيَوْمَ وَإِنَّا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِيَلْحَقْ كُلُّ قَوْمٍ بِمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ وَإِنَّمَا نَنْتَظِرُ رَبَّنَا قَالَ فَيَأْتِيهِمْ الْجَبَّارُ.. فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ أَنْتَ رَبُّنَا فَلا يُكَلِّمُهُ إِلا الأَنْبِيَاءُ.. فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ) رواه البخاري رقم 6886 وهؤلاء المؤمنون هم أهل الجنة الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون خالدين فيها إلى الأبد نرجو أن تكون هذه القضية قد اتضّحت، وبعد هذا لا نقول إلا كما قال الله تعالى (مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا.. (15) سورة الإسراء، والسلام على من اتبع الهدى. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 4524 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 الكفّار يسألون من خلق الله [السُّؤَالُ] ـ[عندما أقول للكفار بأن الله خلق كل شيء حينها يسألونني ومن خلق الله؟ وكيف كان الله موجوداً منذ البداية؟ كيف أرد على هذا؟.]ـ [الْجَوَابُ] 1. هذا السؤال الموجَّه إليك من الكفار: باطل من أصله، متناقض في نفسه! ذلك لو أننا فرضنا - جدلا - أن هناك خالقاً لله تعالى! فسيقول السائل: من خلق خالق الخالق؟؟! ثم من خلق خالق خالق الخالق؟؟! وهكذا يتسلسل إلى ما لا نهاية. وهذا محال في العقول. أما أن المخلوقات تنتهي إلى خالقٍ خلق كل شيء، ولم يخلقه أحد، بل هو الخالق لما سواه: فإن هذا هو الموافق للعقل والمنطق، وهو الله سبحانه وتعالى. 2. أما من حيث الشرع والدين عندنا: فإن النبي صلى الله عليه وسلم، قد أخبرنا عن هذا السؤال، من أين مصدره، وما هو علاجه والرد عليه: = عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال هذا خلق اللهُ الخلقَ، فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئا فليقل آمنت بالله ". = وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يأتي الشيطانُ أحدَكم فيقول من خلق السماء؟ من خلق الأرض؟ فيقول: الله، - ثم ذكر بمثله - وزاد: " ورسله ". = وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يأتي الشيطانُ أحدَكم فيقول من خلق كذا وكذا؟ حتى يقول له من خلق ربَّك؟ فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته ". = وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يأتي العبد الشيطان فيقول من خلق كذا وكذا؟ ..". رواها جميعاً الإمام مسلم (134) . ففي هذه الأحاديث: بيان مصدر هذا السؤال، وهو: الشيطان. وبيان علاجه ورده، وهو: 1. أن ينتهي عن الانسياق وراء الخطرات وتلبيس الشيطان. 2. وأن يقول " آمنتُ بالله ورسله ". 3. وأن يستعيذ بالله من الشيطان. وورد أيضا التفل عن الشِّمال ثلاثا وقراءة سورة قل هو الله أحد (انظر كتاب "شكاوى وحلول " في زاوية الكتب من هذا الموقع) 3. أما عن وجود الله أولاً، فعندنا في ذلك أخبار من نبينا صلى الله عليه وسلم، ومنها: 1. قوله صلى الله عليه وسلم: " اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء ". رواه مسلم (2713) . 2. قوله صلى الله عليه وسلم: " كان الله ولم يكن شيء غيره "، وفي رواية " ولم يكن شيء قبله ". رواهما البخاري، الأولى (3020) ، والثانية (6982) . بالإضافة لما في الكتاب العزيز من الآيات، فالمؤمن يُؤمن ولا يشكّ والكافر يجحد والمنافق يشكّ ويرتاب، نسأل الله أن يرزقنا إيمانا صادقا ويقينا لاشكّ فيه والله الموفق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 6660 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 شروط لاإله إلا الله [السُّؤَالُ] ـ[أرجوا توضيح شروط لا إله إلا الله (العلم واليقين ... الخ) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ حافظ الحكمي في منظومته سلم الوصول: العلم واليقين والقبول ... ** والانقياد فادر ما أقول والصدق والإخلاص والمحبة ... ** وفقك الله لما أحبه الشرط الأول: (العلم) بمعناها المراد منها نفياً وإثباتاً المنافي للجهل بذلك، قال الله تعالى: "فاعلم أنه لاإله إلا الله " وقال تعالى: " إلا من شهد بالحق " أي بلا إله إلا الله " وهم يعلمون " بقلوبهم معنى ما نطقوا به بألسنتهم. وفي الصحيح عن عثمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة ". الشرط الثاني (اليقين) بأن يكون قائلها مستيقناً بمدلول هذه الكلمة يقيناً جازماً، فإن الإيمان لا يغني فيه إلا علم اليقين لا علم الظن، فكيف إذا دخله الشك، قال الله عز وجل: " إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون " فاشترط في صدق إيمانهم بالله ورسوله كونهم لم يرتابوا، أي لم يشكوا، فأما المرتاب فهو من المنافقين. وفي الصحيح من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أشهد ألا إله إلا الله وأني رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة " وفي رواية لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما فيُحجب عن الجنة ". وفيه عنه رضي الله عنه من حديث طويل أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه بنعليه فقال " من لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة " الحديث، فاشترط في دخول قائلها الجنة أن يكون مستيقناً بها قلبه غير شاك فيها، وإذا انتفى الشرط انتفى المشروط. الشرط الثالث (القبول) لما اقتضته هذه الكلمة بقلبه ولسانه، وقد قص الله عز وجل علينا من أنباء ما قد سبق من إنجاء من قَبِلها وانتقامه ممن ردها وأباها قال تعالى: (احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم، وقفوهم إنهم مسؤلون) إلى قوله (إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون) فجعل الله علة تعذيبهم وسببه هو استكبارهم عن قول لا إله إلا الله، وتكذيبهم من جاء بها، فلم ينفوا ما نفته ولم يثبتوا ما أثبتته، بل قالوا إنكاراًً واستكباراً (أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيءٌ عجاب. وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على ألهتكم إن هذا لشيءٌ يُراد. ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق) فكذبهم الله عز وجل ورد ذلك عليهم على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فقال (بل جاء بالحق وصدق المرسلين) ... ثم قال في شأن من قبلها (إلا عباد الله المخلصين. أولئك لهم رزقٌ معلوم. فواكه وهم مكرمون. في جنات النعيم) وفي الصحيح عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير. وأصاب منها طائفة أُخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماءً ولا تُنبت كلأً، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه مابعثني الله به فعلم وعلّم، ومثل من لم يرفع بذللك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أُرسلت به ". الشرط الرابع (الانقياد) لما دلت عليه المنافي لترك ذلك، قال الله عز وجل (ومن يُسلم وجهه لله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى) أي بلا إله إلا الله (وإلى الله عاقبة الأُمور) ومعنى يُسلم وجهه أي ينقاد، وهو محسن موحد، ومن لم يسلم وجهه إلى الله ولم يك محسناً فإنه لم يستمسك بالعروة الوثقى، وهو المعني بقوله عز وجل بعد ذلك (ومن كفر فلا يحزنك كفره، إلينا مرجعهم فننبؤهم بما عملوا) وفي حديث صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يُؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جِئت به" وهذا هو تمام الانقياد وغايته. والخامس (الصدق) فيها المنافي للكذب، وهو أن يقولها صدقاً من قلبه يواطىء قلبه لسانه، قال الله عز وجل (الم أحسب الناس أن يُتركوا أن يقولوا أمنا وهم لا يُفتنون. ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) وقال في شأن المنافقين الذين قالوها كذباً (ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين. يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون. في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون) وفي الصحيحين من حديث معاذ بن جبل رضي لله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم " ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله صدقاً من قلبه إلا حرمه الله على لنار". والسادس (الإخلاص) وهوتصفية العمل عن جميع شوائب الشرك قال تبارك وتعالى: (ألا لله الدين الخالص) وقال (قل الله أعبد مخلصاً له ديني) وفي الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه أو نفسه " ... والسابع (المحبة) لهذه الكلمه ولما اقتضته ودلت عليه ولأهلها العاملين بها الملتزمين لشروطها وبغض ما ناقض ذلك، قال الله تعالى (ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله) فأخبر الله تعالى أن الذين آمنوا أشد حباً لله؛ وذلك لأنهم لم يشركوا معه في محبته أحدا كما فعل مدعوا محبته من المشركين الذين اتخذوا من دونه أنداداً يحبونهم كحبه، وفي الصحيحين من حديث أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين ". والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 12295 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 نصراني يسأل لماذا خلق الله البشر [السُّؤَالُ] ـ[وفقا للقرآن و/أو السنة، لماذا خلق الله البشر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله خلق الله الجن والبشر لعبادته وتوحيده، وامتثال أمره واجتناب نواهيه، قال تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) ، أي يوحدونه فيفردونه بالعبادة دون غيره، ومن شرط صحة عبادته الإيمان برسوله صلى الله عليه وسلم، والإقتداء به لأنه هو القدوة والأسوة، قال تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) . [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد الكريم الخضير. الحديث: 11804 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 تفسير قوله تعالى: (وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا) [السُّؤَالُ] ـ[في سورة الجن، الآية (رقم/3) : (وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا) يكررها النصارى تشكيكا في ديننا، كيف نرد عليهم ردا مفحما؟ هل المتحدث هنا هم الجن جهلا منهم؟ أم المقصود بقوله (جد) ضد الهزل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه الآية من سورة " الجن " ذات الوقع المؤثر في النفوس، تحكي حديثا صدر عن الجن الذين استمعوا القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم، فآمنوا بالقرآن، وأسلموا. قال الله تعالى: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا. يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا. وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا. وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا) الجن/1-4. وظاهر جداً من سياق الآيات: أن الجن أعلنوا إيمانهم بوحدانية الله، ورفضهم لما يقوله المشركون من نسبة الصاحبة والولد إلى الله، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. والجد في الآية معناه: العظمة والجلال، وليس معناه "أبو الأب" كما فهم هؤلاء المفترون. قال ابن فارس في "معجم مقاييس اللغة" (1/364) : " الجيم والدال أصولٌ ثلاثة: الأوَّل العظمة، والثاني: الحَظ، والثالث: القَطْع. فالأوّل: العظمة: قال الله جلّ ثناؤُه إخباراً عمّن قال: (وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا) الجن/3. ويقال: " جَدَّ الرجُل في عَينِي " أي: عَظُم، قال أنسُ بنُ مالكٍ: (كان الرجلُ إذا قرأ سورةَ البقرة وآلِ عِمرانَ جَدَّ فينا) أي: عَظُم في صُدورِنا. والثاني: الغِنَى والحظُّ: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه: (لا يَنْفَع ذا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ) يريد: لا ينفَعُ ذا الغنى منك غِناه، إنّما ينفعه العملُ بطاعتك. والثالث: يقال: جَدَدت الشيءَ جَدّاً، وهو مجدودٌ وجَديد، أي: مقطوع " انتهى. وانظر: "لسان العرب" (3/107) . فتفسير عبارة الجن التي حكاها الله عنهم: (وأنه تعالى جد ربنا) كتفسير دعاء استفتاح الصلاة أيضا: (سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، تَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ) رواه مسلم موقوفا عن عمر (399) . والمقصود في كل منهما: تعالت وارتفعت عظمة الله تعالى، وكبرياؤه، وعزته، ونحو ذلك من المعاني التي فيها تعظيم الله تعالى وإجلاله. لذلك حكى ابن الجوزي في "زاد المسير" (8/378) الأقوال في تفسير الآية، فقال: " للمفسرين في معنى: (تعالى جَدُّ ربِّنا) سبعة أقوال: أحدها: قدرة ربنا، قاله ابن عباس. والثاني: غنى ربنا، قاله الحسن. والثالث: جلال ربنا، قاله مجاهد وعكرمة. والرابع: عظمة ربنا، قاله قتادة. والخامس: أمر ربنا، قاله السُّدِّي. والسادس: ارتفاعُ ذِكْرِه وعظمته، قاله مقاتل. والسابع: مُلك ربنا وثناؤه وسلطانه، قاله أبو عبيدة " انتهى. وهذه المعاني كلها متقاربة وتدل على عظمة الله تعالى وكبريائه. والمعنى الإجمالي منها في الآية: هو التعبير عن الشعور باستعلاء الله سبحانه وبعظمته وجلاله عن أن يتخذ صاحبة، أي: زوجة، وولداً، بنين أو بنات! وكانت العرب تزعم أن الملائكة بنات الله، جاءته من صهر مع الجن! فكذبت الجن هذه الخرافة الأسطورية. قال ابن عاشور في "التحرير والتنوير" (14/222) : "التعالي: شدة العلوّ. والجَدّ: العظمة والجلال، وهذا تمهيد وتوطئة لقوله: (ما اتخذ صاحبة ولا ولَداً) ، لأن اتخاذ الصاحبة للافتقار إليها لأنسها وعونها والالتذاذ بصحبتها، وكل ذلك من آثار الاحتياج، والله تعالى الغني المطلق، وتعالى جَدّه بغناه المطلق، والولد يرغب فيه للاستعانة والأنس به. . . وكل ذلك من الافتقار والانتقاص" انتهى. وقال السعدي في تفسيره (ص 1055) : " (وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا) أي: تعالت عظمته وتقدست أسماؤه، (مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا) فعلموا من جَدِّ الله وعظمته، ما دلهم على بطلان من يزعم أن له صاحبة أو ولدا، لأن له العظمة والكمال في كل صفة كمال، واتخاذ الصاحبة والولد ينافي ذلك، لأنه يضاد كمال الغنى" انتهى وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: ما معنى قولنا في دعاء الاستفتاح للصلاة: (وتعالى جدك) ؟ الجواب: " معنى ذلك: تعالى كبرياؤك وعظمتك، كما قال سبحانه في سورة الجن - عن الجن - أنهم قالوا: (وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا) " انتهى. "فتاوى الشيخ ابن باز" (11/74) . فتبين من ذلك أن في الآية رداًّ على من نسب لله الصاحبة والولد، كالمشركين والنصارى، لأن ذلك يتنافى من عظمة الله وجلاله. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105011 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 يعاني من وساوس الشيطان في ذات الله [السُّؤَالُ] ـ[رجل يوسوس له الشيطان بوساوس عظيمة فيما يتعلق بالله - عز وجل - وهو خائف من ذلك جداً فماذا يفعل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما ذكر من جهة مشكلة السائل التي يخاف من نتائجها , أقول له: أبشر بأنه لن يكون لها نتائج إلا النتائج الطيبة , لأن هذه وساوس يصول بها الشيطان على المؤمنين, ليزعزع العقيدة السليمة في قلوبهم, ويوقعهم في القلق النفسي والفكري ليكدر عليهم صفو الإيمان , بل صفو الحياة إن كانوا مؤمنين. وليست حاله بأول حال تعرض لأهل الإيمان, ولا هي آخر حال, بل ستبقى ما دام في الدنيا مؤمن. ولقد كانت هذه الحال تعرض للصحابة رضي الله عنهم فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنّا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به , فقال: (أو قد وجدتموه؟) . قالوا: نعم , قال: (ذاك صريح الإيمان) . رواه مسلم وفي الصحيحين عنه أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يأتي الشيطان أحدكم فيقول من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول من خلق ربك؟! فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته) . وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه رجل فقال: إني أحدث نفسي بالشيء لأن أكون حممة أحب إلي من أن أتكلم به, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الحمد لله الذي رد أمره إلى الوسوسة) . رواه أبو داود. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتاب الإيمان: والمؤمن يبتلى بوساوس الشيطان بوساوس الكفر التي يضيق بها صدره. كما قالت الصحابة يا رسول الله إن أحدنا ليجد في نفسه ما لأن يخر من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يتكلم به. فقال (ذاك صريح الإيمان) . وفي رواية ما يتعاظم أن يتكلم به. قال: (الحمد الله الذي رد كيده إلى الوسوسة) . أي حصول هذا الوسواس مع هذه الكراهة العظيمة له, ودفعه عن القلوب هو من صريح الإيمان, كالمجاهد الذي جاءه العدو فدافعه حتى غلبه, فهذا عظيم الجهاد, إلى أن قال: (ولهذا يوجد عند طلاب العلم والعباد من الوساوس والشبهات ما ليس عند غيرهم, لأنه (أي الغير) لم يسلك شرع الله ومنهاجه, بل هو مقبل على هواه في غفلة عن ذكر ربه, وهذا مطلوب الشيطان بخلاف المتوجهين إلى ربهم بالعلم والعبادة , فإنه عدوهم يطلب صدهم عن الله تعالى) أ. هـ المقصود منه ذكره في ص 147 من الطبعة الهندية. فأقول لهذا السائل: إذا تبين لك أن هذه الوساوس من الشيطان فجاهدها وكابدها , واعلم أنها لن تضرك أبداً مع قيامك بواجب المجاهدة والإعراض عنها, والانتهاء عن الانسياب وراءها, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله تجاوز عن أمتي ما وسوست به صدورها ما لم تعمل به أو تتكلم) . متفق عليه. وأنت لو قيل لك: هل تعتقد ما توسوس به؟ وهل تراه حقاً؟ وهل يمكنك أن تصف الله سبحانه به؟ لقلت: ما يكون لنا أن نتكلم بهذا , سبحانك هذا بهتان عظيم , ولأنكرت ذلك بقلبك ولسانك, وكنت أبعد الناس نفوراً عنه, إذن فهو مجرد وساوس وخطرات تعرض لقلبك , وشباك شرك من الشيطان الذي يجري من ابن آدم مجرى الدم, ليرديك ويلبس عليك دينك. ولذلك تجد الأشياء التافهة لا يلقي الشيطان في قلبك الشك فيها أو الطعن , فأنت تسمع مثلاً بوجود مدن مهمةٍ كبيرة مملوءة بالسكان والعمران في المشرق والمغرب ولم يخطر ببالك يوماً من الأيام الشك في وجودها أو عيبها بأنها خراب ودمار لا تصلح للسكنى , وليس فيها ساكن ونحو ذلك , إذا لا غرض للشيطان في تشكك الإنسان فيها ولكن الشيطان له غرض كبير في إفساد إيمان المؤمن , فهو يسعى بخيله ورجله ليطفئ نور العلم والهداية في قلبه , ويوقعه في ظلمة الشك الحيرة , والنبي صلى الله عليه وسلم بين لنا الدواء الناجع الذي فيه الشفاء , وهو قوله: (فليستعذ بالله ولينته) . فإذا انتهى الإنسان عن ذلك واستمر في عبادة الله طلباً ورغبة فيما عند الله زال ذلك عنه بحول الله , فأعرض عن جميع التقديرات التي ترد على قلبك في هذا الباب وها أنت تعبد الله وتدعوه وتعظمه , ولو سمعت أحداً يصفه بما توسوس به لقتلته إن أمكنك , إذن فما توسوس به ليس حقيقة واقعة بل هو خواطر ووساوس لا أصل لها. ونصيحة تتلخص فيما يأتي: 1. الاستعاذة بالله والانتهاء بالكلية عن هذه التقديرات كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم. 2. ذكر الله تعالى وضبط النفس عن الاستمرار في هذه الوساوس. 3. الانهماك الجدي في العبادة والعمل امتثالاً لأمر الله , وابتغاء لمرضاته، فمتى التفت إلى العبادة التفاتاً كلياً بجدٍّ وواقعية نسيت الاشتغال بهذه الوساوس إن شاء الله. 4. كثرة اللجوء إلى الله والدعاء بمعافاتك من هذا الأمر. وأسال الله تعالى لك العافية والسلامة من كل سوء ومكروه. [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ج/1 ص 57 - 60. الحديث: 12315 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 الأدلة على وجود الله، والحكمة من خلقه للعباد [السُّؤَالُ] ـ[سألني صديقي وهو على غير الإسلام أن أثبت له وجود الله، ولماذا وهبنا الحياة، وما هو المقصود من وراء ذلك. لكن إجابتي لم تقنعه، فأرجو أن تخبرني بالأمور التي يجب علي إخباره بها]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أيها الأخ المسلم.. إنّ ما قمت به من الدعوة إلى الله ومحاولة إيضاح حقيقة وجود الله سبحانه وتعالى وهو أمر يجلب السرور حقاً، إن معرفة الله تتفق مع الفطر السليمة والعقول المستقيمة , وكم هم أولئك الذين إذا ظهرت لهم الحقيقة سرعان ما يسلم أحدهم , فلو أن كل واحد منا قام بواجبه تجاه دينه لحصل خير كثير , فهنيئاً لك أيها الأخ المسلم أن تقوم بمهمة الأنبياء والمرسلين، وبشراك بما أنت موعود به من الأجر العظيم الذي جاء على لسان نبيك صلى الله عليه وسلم حيث يقول (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم) رواه البخاري3/ 134 ومسلم 4/1872، و (حمر النعم) هي الإبل الحمراء وهي أحسن أنواع الإبل. ثانياً: وأما عن أدلة وجود الله فهي واضحة لمن تأملها ولا تحتاج لكثرة بحث وطول نظر، وعند التأمل نجد أنها تنقسم إلى ثلاثة أنواع: الأدلة الفطرية، والأدلة الحسية، والأدلة الشرعية، وسوف تتضح لك بإذن الله تعالى. أولاً: الأدلة الفطرية: قال الشيخ ابن عثيمين: دلالة الفطرة على وجود الله أقوى من كل دليل لمن لم تجتله الشياطين، ولهذا قال الله تعالى (فطرت الله التي فطر الناس عليها) الروم/30، بعد قوله: (فأقم وجهك للدين حنيفاً) فالفطرة السليمة تشهد بوجود الله ولا يمكن أن يعدل عن هذه الفطرة إلا من اجتالته الشياطين، ومن اجتالته الشياطين فقد يمنع هذا الدليل. انتهى من شرح السفارينية فإن كل إنسان يحسّ من تلقاء نفسه أنّ له رباً وخالقاً ويشعر بالحاجة إليه وإذا وقع في ورطة عظيمة اتجهت يداه وعيناه وقلبه إلى السماء يطلب الغوث من ربه. الأدلة الحسية: وجود الحوادث الكونية، وذلك أن العالم من حولنا لابد وأن تحصل فيه حوادث فمن أول تلك الحوادث حادثة الخلق، خلق الأشياء، كل الأشياء من شجر وحجر وبشر وأرض وسماء وبحار وأنهار ...... فإن قيل هذه الحوادث وغيرها كثير من الذي أوجدها وقام عليها؟ فالجواب إما أن تكون وجدت هكذا صدفة من غير سبب يدعو لذلك فيكون حينها لا أحد يعلم كيف وجدت هذه الأشياء هذا احتمال، وهناك احتمال آخر وهو أن تكون هذه الأشياء أوجدت نفسها وقامت بشؤونها , وهناك احتمال ثالث وهو أن لها موجداً أوجدها وخالقاً خلقها، وعند النظر في هذه الاحتمالات الثلاث نجد أنه يتعذر ويستحيل الأول والثاني فإذا تعذر الأول والثاني لزم أن يكون الثالث هو الصحيح الواضح وهو أن لها خالقاً خلقها وهو الله، وهذا ما جاء ذكره في القرآن الكريم قال الله تعالى: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أم خلقوا السموات والأرض بل لا يوقنون) الطور/35 ثم هذه المخلوقات العظيمة منذ متى وهي موجودة؟ كل هذه السنين من الذي كتب لها البقاء في هذه الدنيا وأمدها بأسباب البقاء؟ الجواب هو الله، أعطى كل شيء ما يصلحه ويؤمن بقاءه، ألا ترى ذلك النبات الأخضر الجميل إذا قطع الله عنه الماء هل يمكن أن يعيش؟ كلا بل يكون حطاماً يابساً وكل شئ إذا تأملته وجدته متعلقاً بالله، فلولا الله ما بقيت الأشياء. ثم إصلاح الله لهذه الأشياء، كل شيء لما يناسبه؛ فالإبل مثلاً للركوب، قال الله تعالى: (أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاماً فهم لها مالكون (71) وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون) يس/72 انظر إلى الإبل كيف خلقها الله قوية مستوية الظهر لكي تكون مهيئة للركوب وتحمل المشاق الصعبة التي لا يتحمله من الحيوانات غيرها. وهكذا إذا قلبت طرفك في المخلوقات وجدتها متناسبة مع ما خلقت من أجله فسبحان الله تعالى. ومن أمثلة الأدلة الحسية: النوازل التي تنزل لأسبب دالة على وجود الخالق مثل دعاء الله ثم استجابة الله للدعاء دليل على وجود الله قال الشيخ ابن عثيمين: لما دعا النبي صلى الله عليه وسلم أن يغيث الخلق، قال اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، ثم نشأ السحاب، وأمطر قبل أن ينزل من المنبر، هذا يدل على وجود الخالق. انتهى من شرح السفارينية الأدلة الشرعية: وجود الشرائع , قال الشيخ ابن عثيمين: جميع الشرائع دالة على وجود الخالق وعلى كمال علمه وحكمته ورحمته لأن هذه الشرائع لابد لها من مشرع والمشرع هو الله عز وجل. انتهى من شرح السفارينية وأما سؤالك، لماذا خلقنا الله؟ فالجواب من أجل عبادته وشكره وذكره، والقيام بما أمرنا به سبحانه، وأنت تعلم أن الخلق فيهم الكافر وفيهم المسلم , وهذا لأن الله أراد أن يختبر العباد ويبتليهم هل يعبدونها من يعبدون غيره، وذلك بعد أن أوضح الله السبيل لكل أحد، قال الله تعالى (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً) تبارك/2 وقال تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) الذاريات/56 نسأل الله أن يوفقنا وإياك لما يحب ويرضى، والمزيد المزيد من الدعوة والعمل للدين وصلى الله على النبي صلى الله عليه وسلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 26745 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 رحمة الله بعباده [السُّؤَالُ] ـ[الله رحيم جداً، فقد سمعت بأن الله يحبنا أكثر من محبة 70 أم لطفلها، هل هذا صحيح؟ أرجو الشرح.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الله سبحانه وتعالى هو الرحمن الرحيم وهو أرحم الراحمين الذي وسعت رحمته كل شيء، قال تعالى: (ورحمتي وسعت كل شيء) الأعراف / 156 وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن لله مائة رحمة، أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام، فبها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحش على ولدها، وأخر الله تسعا وتسعين رحمة، يرحم بها عباده يوم القيامة) مسلم / 6908. وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبي، فإذا امرأة من السبي تبتغي، إذا وجدت صبيا في السبي، أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟ ، قلنا: لا، والله! وهي تقدر على أن لا تطرحه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لله أرحم بعباده من هذه بولدها) متفق عليه، البخاري (5653) ومسلم (ا6912) . ومن رحمة الله بعباده إرسال الرسل وإنزال الكتب والشرائع لتستقيم حياتهم على سنن الرشاد بعيدا عن الضنك والعسر والضيق , قال تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) الأنبياء / 107 ورحمته تعالى هي التي تدخل عباده المؤمنين الجنة يوم القيامة ولن يدخل أحد الجنة بعمله كما قال عليه الصلاة والسلام: (لن يُدخل أحداً عمله الجنة) . قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: (لا، ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة، فسددوا وقاربوا، ولا يتمنين أحدكم الموت،: إما محسناً فلعله أن يزداد خيراً، وإما مسيئاً فلعله أن يستعتب) رواه البخاري (5349) ومسلم (7042) . وعلى المؤمن أن يبقى بين رجاء رحمة الله والخوف من عقابه، فهو القائل: (نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم، وأن عذابي هو العذاب الأليم) الحجر / 49-50. وأما قولك " بأن الله يحبنا أكثر من محبة سبعين أم لطفلها " فالله أعلم بذلك، ويكفينا أنّ نعلم بأن رحمة الله وسعت كل شيء، فاللهم ارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20468 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 الله مستو على عرشه وهو قريب منا بعلمه [السُّؤَالُ] ـ[يقول الله عز وجل في القرآن: "تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة". فهل يدل ذلك على أن الله يتحكم في الأمور الدنيوية وهو جالس (مستو) على العرش؟ وعليه فكيف يكون الله أقرب إلينا من أوردتنا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فقد ثبت بالكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة أن الله سبحانه وتعالى فوق سمواته على عرشه وأنه العلي الأعلى، وأنه فوق كل شيء، وليس فوقه شيء، قال تعالى: (الله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون) وقال تعالى: (ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر) وقال تعالى: (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) ، وقال تعالى: (هو الأول والآخر والظاهر والباطن) . وقال عليه الصلاة والسلام: " وأنت الظاهر فليس فوقك شيء ". والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، ومع ذلك فقد أخبر الله سبحانه أنه مع عباده أينما كانوا: (ألم تر أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا) . بل قد جمع الله سبحانه بين ذكر علوّه على عرشه ومعيّته لعباده في آية واحدة وذلك في قوله تعالى: (هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم) . وليس معنى كونه معنا أنه مختلط بالخلق بل هو مع عباده بعلمه، وهو فوق عرشه لا يخفى عليه شيء من أعمالهم وأما قوله سبحانه: (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) ، فقد قال أكثر المفسرين أن المراد هو قربه سبحانه بملائكته الموكّلين بحفظ أعمال العباد. ومن قال المراد بقربه تعالى فسّره بقربه بعلمه، كما قيل في المعيّة. هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة يثبتون علوّ الله على خلقه، ومعيّته لعباده، وينزهونه تعالى عن الحلول في المخلوقات، وأما المعطلة كالجهمية ومن تبعهم فإنهم ينفون علوّه بذاته فوق المخلوقات واستواءه على عرشه ويقولون أنه حالٌ في كل مكان، نسأل الله تعالى الهداية للمسلمين. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد الرحمن البراك. الحديث: 11035 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 الأدلة على علوّ الله تعالى على خلقه وأنّه سبحانه فوق السموات [السُّؤَالُ] ـ[بعض الناس يقولون أن الله فوق السموات، وبعض العلماء يقولون أن الله ليس له مكان، فما هو القول الصحيح في هذه المسألة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله استدلّ أهل السنة على علو الله تعالى على خلقه علواً ذاتياً بالكتاب والسنة والإجماع والعقل والفطرة: أولا: فأما الكتاب فقد تنوعت دلالته على علو الله، فتارة بذكر العلو، وتارة بذكر الفوقية، وتارة بذكر نزول الأشياء من عنده، وتارة بذكر صعودها إليه، وتارة بكونه في السموات ... فالعلو مثل قوله: (وهو العلي العظيم) البقرة/255، (سبح اسم ربك الأعلى) الأعلى/1. والفوقية: (وهو القاهر فوق عباده) الأنعام/18، (يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون) النحل/50. ونزول الأشياء منه، مثل قوله: (يدبر الأمر من السماء إلى الأرض) السجدة/5، (إنا نحن نزلنا الذكر) الحجر/9 وما أشبه ذلك. وصعود الأشياء إليه، مثل قوله: (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) فاطر/10 ومثل قوله: (تعرج الملائكة والروح إليه) المعارج/4. كونه في السماء، مثل قوله: (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض) الملك /16. ثانياً: وأما السنة فقد تواترت عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله وفعله وإقراره: فمما ورد في قوله صلى الله عليه وسلم في ذكر العلو والفوقية قوله (سبحان ربي الأعلى) كما كان يقول في سجوده وقوله في الحديث: (والله فوق العرش) . (2) وأما الفعل، فمثل رفع أصبعه إلى السماء، وهو يخطب الناس في أكبر جمع، وذلك في يوم عرفه، عام حجة الوداع فقال علية الصلاة والسلام (ألا هل بلغت؟) . قالوا: نعم (ألا هل بلغت؟) قالوا: نعم (ألا هل بلغت؟) قالوا: نعم. وكان يقول: (اللهم! أشهد) ، يشير إلى السماء بأصبعه، ثم يُشير إلى الناس. ومن ذلك رفع يديه إلى السماء في الدعاء كما ورد في عشرات الأحاديث. وهذا إثبات للعلو بالفعل. (3) وأما التقرير، كما جاء في حديث الجارية التي قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أين الله؟ قالت: في السماء. فقال: (من أنا؟) قالت: رسول الله. فقال لصاحبها: (أعتقها، فإنها مؤمنة) . فهذه جارية غير متعلمة كما هو الغالب على الجواري، وهي أمة غير حرة، لا تملك نفسها، تعلم أن ربها في السماء، وضُلّال بني آدم ينكرون أن الله في السماء، ويقولون: إنه لا فوق ولا تحت ولا يمين ولا شمال بل يقولون: إنه في كل مكان!!. ثالثاً: وأما دلالة الإجماع، فقد أجمع السلف على أن الله تعالى بذاته في السماء، كما نقل أقوالهم أهل العلم كالذهبي رحمه الله في كتابه: " العلوّ للعليّ الغفار ". رابعاً: وأما دلالة العقل فنقول إن العلو صفة كمال باتفاق العقلاء، وإذا كان صفة كمال، وجب أن يكون ثابتاً لله لأن كل صفة كمال مطلقة، فهي ثابتة لله. خامساً: وأما دلالة الفطرة: فأمر لا يمكن المنازعة فيها ولا المكابرة، فكل إنسان مفطور على أن الله في السماء، ولهذا عندما يفجؤك الشيء الذي لا تستطيع دفعه، وتتوجه إلى الله تعالى بدفعه، فإن قلبك ينصرف إلى السماء وليس إلى أيّ جهة أخرى، بل العجيب أنّ الذين ينكرون علو الله على خلقه لا يرفعون أيديهم في الدعاء إلا إلى السماء. وحتى فرعون وهو عدو الله لما أراد أن يجادل موسى في ربه قال لوزيره هامان: (يا هامان ابن لي صرحاً لعلي ابلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى.. الآية) . وهو في حقيقة أمره وفي نفسه يعلم بوجود الله تعالى حقّا كما قال عزّ وجلّ: (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا) . فهذه عدّة من الأدلة على أن الله في السماء من الكتاب والسنة والإجماع والعقل والفطرة بل ومن كلام الكفار نسأل الله الهداية إلى الحق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 992 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 أجوبة من دخل في الإسلام على السؤال المتبادر " لماذا أسلمتَ "؟ [السُّؤَالُ] ـ[يسألني أحد زملاء العمل " لماذا أسلمت؟ " فقلت له: إن هذا هو الطريق الذي كان يجب أن أسلكه، لا أعرف أحيانًا ما يجب أن أقوله، وعندما أحاول: أشعر أن ردي غير صحيح، كيف أرد على مثل هذا السؤال؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نسأل الله تعالى أن يتقبل إسلامك، وأن يثبتك على الحق، ويهديك لما يحب ويرضى. واعلمي أيتها الأخت الفاضلة أنك سلكتِ الطريق الصحيح، فالإسلام دين الفطرة، ودين الأمن، والسعادة، يشعر بذلك كل من انتسب لهذا الدين العظيم، وقد يشعر بذلك أكثر من كان غارقاً في ظلمات الجهل والضلال والكفر، ويشعر الناطق بالشهادتين بشيء في قلبه لا يستطيع وصفه لأحدٍ، ولذلك تغلب أكثرهم دموع الفرح والسعادة، ولا شك أن الله تعالى قد جعل للإسلام طعماً، وللإيمان حلاوة، وهو ما نصَّت عليه نصوص شريعتنا، ويشعر بذلك الطعم، ويتذوق تلك الحلاوة من آمن بالله ربّاً وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيّاً ورسولاً. ثانياً: إن الذي يكرمه الله تعالى بدخول الإسلام يجد من الأسباب لدخوله فيه ما لا يجده غيره، ويرى فيه من الجوانب ما لا يراه غيره، وما ذلك إلا لعظمة هذا الدين، وكثرة جوانب الخير فيه، وصلاحيته لجميع طبقات الناس وبيئاتهم وثقافاتهم، ومن هنا فإن من يدخل في هذا الدين العظيم يذكر من الأسباب لإسلامه ما لا يذكره غيره غالباً، وكلها إجابات صحيحة تحكي واقعهم وواقع الإسلام ذاته، ويمكنك الوقوف على بعض تلك الإجابات، والاستفادة منها، ونحن نفضل أن تذكري شعورك أنت، والسبب الذي دفعك أنت للدخول في هذا الدين، فهو تعبير عن واقعك الذي تعيشين، وأنت أبلغ من يستطيع التعبير عنه. ولا مانع من ذِكر بعض تلك الأسباب عند غيرك ممن دخل في الإسلام؛ فقد يكون ثمة اشتراك في بعضها بينك وبينهم. 1. سئل أعرابي: لماذا أسلمتَ؟ قال: لم أرَ شيئاً من قول، أو فعل يستحسنه العقل، وتستطيبه الفطرة: إلا وحثَّ عليه الإسلام، وأمر به، وأحلَّه رب العزة سبحانه، ولم أجد شيئاً يستقبحه العقل، وتستقذره الفطرة: إلا ونهى الله عنه، وحرَّمه على عباده. 2. قال " روبرت ديكسن " رئيس جمعية المحامين الأمريكيين: جوابي لمن سألني لماذا أسلمت: هو: أن الإسلام دين التوحيد، والسعادة، والراحة النفسية، والعيشة الهانئة، إذا التزمت به، وطبقت تعاليمه، وهو دين العدل الإلهي. 3. قال " محمد أسد " - السياسي، والمؤلف النمساوي -: لم يكن هناك شيء بعينه من تعاليم الإسلام هو الذي أخذ بمجامع قلبي، إنه المجموع المتكامل المتناسب والمتماسك من هذه التعاليم الروحية من جانب، والتي ترسم برنامجاً عمليّاً للحياة من الجانب الآخر. 4. قالت الفرنسية المهتدية " سيلفي فوزي: لقد وجدت في الإسلام منهاج حياة يجيب عن كل التساؤلات، وينظم للإنسان حياته وفق ما ينفعه، ويتناسب مع فطرته، ملبسه، ومأكله، وعمله، ونظام زواجه، اختياراته في الحياة، علاقاته بالآخرين، ومن ثم فلا عجب أن من يلتزم بالإسلام يستشعر الاطمئنان، والأمان النفسي، الذي هو في رأيي أهم العناصر لاستمرار الحياة. 5. قالت أم عبد الملك – الأمريكية المسلمة -: أذهلني الإسلام الذي رفع من مقدار الوالدين. 6. قال الشيخ محمد بن إبراهيم – رحمه الله -: إن أَحد فلاسفة الهنود درس تاريخ الأَديان كلها، وبحث فيها بحثَ مستقلٍّ منصفٍ، وأَطال البحث في النصرانية؛ لما للدول المنسوبة إليها من الملك، وسعة السلطان، والتبريز في الفنون، والصناعات، ثم نظر في الإسلام، فعرف أَنه الدين الحق، فأَسلم، وأَلف كتاباً باللغة الإنجليزية سماه " لماذا أَسلمت "، بيَّن فيه ما ظهر له من مزايا الإسلام على جميع الأَديان، وكان أَهمها عنده: أَن الإسلام هو الدين الوحيد الذي له تاريخ صحيح محفوظ، فالآخذ به يعلم أَنه هو الدين الذي جاء به محمد بن عبد الله، النبي الأمي العربي، المدفون في المدينة المنورة من بلاد العرب، وقد كان من مثار العجب عنده أَن ترضى أُوربا لنفسها دينًا ترفع من تنسبه إليه عن مرتبة البشر، فتجعله إلهاً وهي لا تعرف من تاريخه شيئًا يعتد به، فإن هذه الأناجيل الأربعة على عدم ثبوت أَصلها، وعدم الثقة بتأْريخها، ومؤلفيها: لا تذكر من تاريخ المسيح إلا وقائع قليلة، حدثت - كما تقول - في أَيام معدودة، ولا يذكر فيها شيء يعتد به عن نشأَة هذا الرجل، وتربيته، وتعليمه، وأَيام صباه، وشبابه، ولله في خلقه شئون. " فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم " (1 / 48) . 7. قال " يوسف خطَّاب " – المتحول من اليهودية إلى الإسلام – لما سئل لماذا أسلمت -: لأن الإسلام دين التوحيد، قرأت عنه كثيراً، وأخيراً اقتنعت بأنه هو السبيل للجنة. والكلمات كثيرة، ويجمعها أن الإسلام دين الفطرة، والأمن، والسعادة، والأحكام الحكيمة، والأخلاق الرفيعة، ومن رام المقارنة بين الإسلام وغيره من الأديان المحرَّفة، أو الأنظمة والقوانين البشرية: فسيتبين له بجلاء أوجه الاختلاف، وأنه ليس ثمة مجال للمقارنة أصلاً. 8. وتصف " ميري واتسون " – الأمريكية الحاصلة على ثلاث درجات علمية، وبعضها في علم اللاهوت لحظة تسلل نور الإيمان إلى قلبها فتقول: شعرت في ليلة - وأنا مستلقية على فراشي وكاد النوم يقارب جفوني - بشيء غريب استقر في قلبي، فاعتدلت من فوري، وقلت: يا رب أنا مؤمنة بك وحدك، ونطقت بالشهادة، وشعرت بعدها باطمئنان، وراحة تعم كل بدني، والحمد لله على الإسلام، ولم أندم أبداً على هذا اليوم الذي يعتبر يوم ميلادي. انتهى وننصحك – أختنا الفاضلة – بقراءة كتاب: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، للشيخ أبي الحسن الندوي، وكتاب: الإسلام على مفترق الطرق، والطريق إلى الإسلام، وهما للأستاذ محمد أسد، والثلاثة متوفرة باللغة الإنجليزية. كما ننصحك بقراءة قصص واقعية لمن اهتدوا إلى الطريق المستقيم، وأسلموا لله تعالى، وفيها بيان: كيف اهتدوا، وما هي خطواتهم الأولى نحو الهداية، وذلك تحت هذا الرابط: http://www.themwl.com/AlDaawa/default.aspx?ct=1&cid;=7&l;=AR ونسأل الله لك الثبات على الحق، والتوفيق للعلم النافع، والعمل الصالح. والله الموفق [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103524 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 الحذر من وسوسة الشيطان في ذات الله [السُّؤَالُ] ـ[منذ أسبوعين وهذا السؤال يراودني، ولم أفلح في الإجابة عليه، ولكن بإذن الله ستكون الإجابة لديكم: ما الدليل على أن الله لا يكذب، أو ما الدليل على أنه صادق دائما، ولم، ولن يكذب أبدا؟ أعرف أنه سؤال غريب، وقد استحيت لفترة من سؤال أحد فيه، ولكن احترت في الإجابة عليه، وأُصبت بنوع من الضيق حتى في أثناء الصلاة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: والله ما ندري ـ يا عبد الله ـ من أي أمريك نعجب؛ أمن استرسالك وراء وساوس الشيطان، حتى بلغ بك إلى حافة الهاوية، لتسقط فيها، أو تكاد؟!! أم من استصعابك لهذا السؤال، وعدم قدرتك على الإجابة عنه؟!! فماذا عرفت من دينك يا عبد الله، إن جهلت هذا؟!! وماذا تظن بربك، إن كنت تبحث في هذا؟!! يا عبد الله، لقد قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، لما قال لها مولاها مَسْرُوقٍ: يَا أُمَّتَاهْ، هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبَّهُ؟!! فَقَالَتْ: لَقَدْ قَفَّ شَعَرِي مِمَّا قُلْتَ..!! وإذا كان شعر أم المؤمنين قد قف، أي: قام من شدة فزعها، لأجل من سألها هذا السؤال: هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه، يعني: وهو في الدنيا، مع أن المؤمنين يرونه في الجنة، وهو أعظم نعيمهم، لا حرمنا الله منه، فكيف بسؤالك يا عبد الله؟!! ألهذا الحد تركت قلبك فارغا، حتى يتلاعب به الشيطان، وينتهي به ذلك المنتهى؟!! هل سمعت يا عبد الله بما رواه مسلم في صحيحه (2268) عَنْ جَابِرٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ رَأْسِي قُطِعَ؟!! قَالَ فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: إِذَا لَعِبَ الشَّيْطَانُ بِأَحَدِكُمْ فِي مَنَامِهِ فَلَا يُحَدِّثْ بِهِ النَّاسَ!!) . فإذا كان مثل هذا المنام لعبا من الشيطان، فبالله عليك ماذا كان يجيب النبي صلى الله عليه وسلم لو رأى راء في منامه ما رأيت؟ فبالله عليك ماذا كان يقول لو كان ذلك اللعب في اليقظة، لا في المنام؟!! لقد حُق لك ـ والله ـ أن يطول حياؤك، بل وبكاؤك على نفسك ـ أن ظفر الشيطان منك بهذا!! نعم، نفهم أن الشيطان قد يتلاعب بمثل ذلك بالعبد، لكنه لا يسترسل مع وحي الشيطان، ويؤصل له، ويبحث له عن أدلة، وإنما إيمانه الراسخ يدفعه، فالشيطان خبيث، وكيده ضعيف: (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً) (النساء: 67) . عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ مَنْ خَلَقَ كَذَا مَنْ خَلَقَ كَذَا حَتَّى يَقُولَ مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ) متفق عليه. أرأيت كيف كان جواب النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا السؤال المعضل (!!) للعدو اللعين؟!! أن يستعيذ بالله من تلك الوساوس، وأن ينتهي عن التفكير فيها، والاسترسال وراءها؛ لأن اللعين لا يحتاج بسؤاله هذا جوابا، وهو يعلم أن سؤاله مغالطة محضة، فالخالق لا يصلح أن يكون له خالق، وإلا كان مخلوقا آخر من المخلوقين!! وإنما هدفه التشكيك والزعزعة، حتى يظفر بمن يموت وهو على تلك الحال، إن استطاع. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله، في شرحه للحديث السابق: قَوْلُهُ: (مَنْ خَلَقَ رَبّك فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ) أَيْ عَنْ الِاسْتِرْسَال مَعَهُ فِي ذَلِكَ , بَلْ يَلْجَأ إِلَى اللَّه فِي دَفْعه , وَيَعْلَم أَنَّهُ يُرِيد إِفْسَاد دِينه وَعَقْله بِهَذِهِ الْوَسْوَسَة , فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْتَهِد فِي دَفْعهَا بِالِاشْتِغَالِ بِغَيْرِهَا. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَجْه هَذَا الْحَدِيث أَنَّ الشَّيْطَان إِذَا وَسْوَسَ بِذَلِكَ فَاسْتَعَاذَ الشَّخْص بِاللَّهِ مِنْهُ وَكَفّ عَنْ مُطَاوَلَته فِي ذَلِكَ اِنْدَفَعَ ... فَلَيْسَ لِوَسْوَسَتِهِ اِنْتِهَاء , بَلْ كُلَّمَا أُلْزِمَ حُجَّة زَاغَ إِلَى غَيْرهَا إِلَى أَنْ يُفْضِيَ بِالْمَرْءِ إِلَى الْحِيرَة , نَعُوذ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ ... عَلَى أَنَّ قَوْله مَنْ خَلَقَ رَبّك كَلَام مُتَهَافِت يَنْقُض آخِرُهُ أَوَّلَهُ لِأَنَّ الْخَالِق يَسْتَحِيل أَنْ يَكُون مَخْلُوقًا. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: إِنَّمَا أَمَرَ بِالِاسْتِعَاذَةِ وَالِاشْتِغَال بِأَمْر آخَر وَلَمْ يَأْمُر بِالتَّأَمُّلِ وَالِاحْتِجَاج لِأَنَّ الْعِلْم بِاسْتِغْنَاءِ اللَّه جَلَّ وَعَلَا عَنْ الْمُوجِد أَمْر ضَرُورِيّ لَا يَقْبَل الْمُنَاظَرَة , وَلِأَنَّ الِاسْتِرْسَال فِي الْفِكْر فِي ذَلِكَ لَا يَزِيد الْمَرْء إِلَّا حَيْرَة , وَمَنْ هَذَا حَاله فَلَا عِلَاج لَهُ إِلَّا الْمَلْجَأ إِلَى اللَّه تَعَالَى وَالِاعْتِصَام بِهِ. وَفِي الْحَدِيث إِشَارَة إِلَى ذَمّ كَثْرَة السُّؤَال عَمَّا لَا يَعْنِي الْمَرْء وَعَمَّا هُوَ مُسْتَغْنٍ عَنْهُ , وَفيهِ عِلْم مِنْ أَعْلَام النُّبُوَّة لِإِخْبَارِهِ بِوُقُوعِ مَا سَيَقَعُ فَوَقَعَ. انتهى كلامه رحمه الله، مختصرا. وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم، قد أمر بالانتهاء عن تلك الوساوس، وعدم الخوض فيها، فإن المؤمن، إذا غُلب على شيء منها، وألقاها العدو اللعين في صدره؛ فإن إيمانه يُعظم ذلك البلاء، أن يقع شيء منه في صدره. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: (جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلُوهُ: إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ؟!! قَالَ: وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ؟!! قَالُوا: نَعَمْ!! قَالَ: ذَاكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ!!) رواه مسلم (132) . قال النووي رحمه الله: مَعْنَاهُ اِسْتِعْظَامُكُمْ الْكَلَام بِهِ هُوَ صَرِيح الْإِيمَان , فَإِنَّ اِسْتِعْظَام هَذَا وَشِدَّة الْخَوْف مِنْهُ وَمِنْ النُّطْق بِهِ فَضْلًا عَنْ اِعْتِقَاده إِنَّمَا يَكُون لِمَنْ اِسْتَكْمَلَ الْإِيمَان اِسْتِكْمَالًا مُحَقَّقًا وَانْتَفَتْ عَنْهُ الرِّيبَة وَالشُّكُوك. يا عبد الله: إن الحر من الرجال، ومن له مقام بين الناس، يأنف أن يكذب، أو يُنسب إليه الكذب، وقصة أبي سفيان مع هرقل في هذا مشهورة معروفة، فكيف لو كان هذا الحر الكريم مؤمنا: إن الكذب مجانب للإيمان!! فكيف لو كان هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن توهم الظِّنة فيه، وهو الصادق المصدوق، تقشعر له الجلود، وتقِفُّ الرؤوس!! فكيف..؟!! يا عبد الله؛ إن أغلب الظن أنك أُتيت من أمرين اثنين، تسلط الشيطان عليك بالوساوس لأجلهما: فأما أولها: أنك أعرضت عن الانشغال بذكر الرحمن تبارك وتعالى، ومطالعة آياته، والعيش مع ما في كتابه الكريم من أسمائه الحسنى وصفاته العليا، والتعرف على عظمته وجلاله، وجماله وكماله، بما عرفك في كتابه، وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم. وأما الأمر الثاني، وربما كان عقوبة من الله لك على الأمر الأول، فهو: مصاحبتك لشياطين الإنس، الذين يُظاهرون شياطين الجن، وينصرونهم عليك. وليس بالضروري من تلك المصاحبة أن يكون صديقا لك، يذهب ويجيء معك؛ بل ربما كانت تلك المصاحبة عن طريق شبكة الإنترنت، حيث يجرك الفضول، أو فراغ القلب إلى الدخول في بعض المنتديات الإلحادية: اللادينيين، فأرسل الواحد منهم سهما من شبهته، فاستقر في فؤادك، فأورثك الداء الذي تشكوه!! قال الله تعالى: (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ * حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ * وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ) . عبد الله؛ أقبل على قلبك فأصلحه، وأقبل على ربك فتعرف عليه كما عرفك في كتابه، وأقبل على كتابه فاتله وتدبره، وعليك بذكره فاجعل لسانك رطبا منه، فإنه حصنك: (وَآمُرُكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا اللَّهَ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ خَرَجَ الْعَدُوُّ فِي أَثَرِهِ سِرَاعًا حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حِصْنٍ حَصِينٍ فَأَحْرَزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ كَذَلِكَ الْعَبْدُ لَا يُحْرِزُ نَفْسَهُ مِنْ الشَّيْطَانِ إِلَّا بِذِكْرِ اللَّهِ..!!) رواه الترمذي (2863) وصححه الألباني. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98295 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 يرتكب المعاصي ويقول: الإيمان في القلب! [السُّؤَالُ] ـ[بعض الناس يرتكب المحرمات كحلق اللحية وشرب الدخان وإذا نصح بترك ذلك يقول: الإيمان في القلب، وليس الإيمان في تربية اللحية وترك الدخان، ويقول: إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولكن ينظر إلى قلوبكم؟ فكيف نجيب عليه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه الكلمة كثيراً ما يقولها بعض الجهال أو المغالطين، وهي كلمة حق يراد بها باطل. لأن قائلها يريد تبرير ما هو عليه من المعاصي؛ لأنه يزعم أنه يكفي الإيمان الذي في القلب عن عمل الطاعات وترك المحرمات، وهذه مغالطة مكشوفة، فإن الإيمان ليس في القلب فقط، بل الإيمان كما عرفه أهل السنة والجماعة: قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح. قال الإمام الحسن البصري رضي الله عنه: ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكنه ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال. وعمل المعاصي وترك الطاعات دليل على أنه ليس في القلب، إيمان أو فيه إيمان ناقص. والله تعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا) آل عمران/130، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) المائدة/35. (مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً) المائدة/69، (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) البقرة/277، (مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً) البقرة/62، فالإيمان لا يسمى إيماناً كاملاً إلا مع العمل الصالح وترك المعاصي. ويقول الله تعالى: (وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) العصر/1-3، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) النساء/59، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) الأنفال/24، فلا يكفي العمل الظاهر بدون إيمان بالقلب؛ لأن هذه صفة المنافقين الذين هم في الدرك الأسفل من النار. ولا يكفي الإيمان بالقلب دون نطق باللسان وعمل بالجوارح؛ لأن هذا مذهب المرجئة من الجهمية وغيرهم، وهو مذهب باطل، بل لا بد من الإيمان بالقلب والقول باللسان والعمل بالجوارح، وفعل المعاصي دليل على ضعف الإيمان الذي في القلب ونقصه، لأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية. "المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (1/19) . وهذا الحديث الذي أشار إليه ذلك المجادل (ولكن ينظر إلى قلوبكم) قد جاء في صحيح مسلم (2564) بلفظ: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ) وهو نص صريح أن إصلاح القلوب وإصلاح الأعمال كلاهما مقصود، يؤمر به الإنسان، فلا يجوز لمسلم أن يقصر في الأعمال أو يرتكب المحرمات، ثم يقول: إن الله ينظر إلى القلوب، بل ينظر إلى القلوب والأعمال، ويحاسب على ما في القلوب والأعمال. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97597 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 تسلط الشيطان عليه بالشهوات المحرمة، والشبهات الباطلة!! [السُّؤَالُ] ـ[في رمضان الماضي مارستُ العادة السرية حوالى 4 أيام في نهار رمضان، وأكلتُ بعدها لتأكدي من فساد صيامي، والأكثر من ذلك أنني أصبحتُ وفي رمضان الحالي أمارسها بعد الإفطار، لا أعرف كيف أصبر في نهار رمضان وأفعلها في ليله، وصرت أسمع الغناء كذلك في رمضان. كانت تأتيني بعض الوساوس والشبهات التى تدور في ذهني دون أن أسمعها من أحد، ولكنني أتجاهلها؛ ليقيني بأن هذا هو الدين الحق؛ لما قرأت عنه في الإعجاز العلمي , وأحاديث صدق نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم، بينما لا توجد بشارات أو إعجاز في الأديان الأخرى، ولم نسمع مطلقاً بذلك إلا في الإسلام , ولكن دون جدوى، أحياناً أسمع حديثاً ما، وعقلي لايصدقه، ويرفضه، كالحديث الذي يخبر أن الجنة تفتح أبوابها كل يوم إثنين وخميس، فقلت في نفسي كيف ذلك؟! هناك بعض الدول البعيدة عنا والتى تختلف معنا في الأيام، فمثلا اليوم عندنا الإثنين، وفي نيوزيلندا وتلك البلاد قد يكون عندهم الثلاثاء، أعني عدم توافق الزمن، وهكذا , عقلي أجده يفكر في أشياء وحده من هذا النوع. آسف جدّاً على الإطالة، إفادتي فيما يجب عليَّ فعله، وجزاكم الله خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: أما حكم العادة السرية: فالصحيح من أقوال أهل العلم أنها محرمة، وقد بيَّنا ذلك في جواب السؤال رقم (329) ، لذا فالواجب عليك التوبة والاستغفار من هذه الفعلة، والكف عنها، وعدم الرجوع لفعلها. ثانياً: قد اتفق الأئمة الأربعة على أن من فعل ذلك فقد بطل صومه، ووجب عليه القضاء. سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: في رمضان السابق وأنا صائم وقعت في العادة السرية، فماذا يجب عليَّ؟ . فأجاب فضيلته: عليك أن تتوب إلى الله من هذه العادة؛ لأنها محرمة على أصح القولين لأهل العلم؛ لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ. إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ. فَمَنِ ابْتَغَى وَرَآءَ ذالِكَ فَأُوْلَائِكَ هُمُ الْعَادُونَ) ؛ ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) ، فأرشد النبي صلى الله عليه وسلم الشباب الذين لا يستطيعون الباءة إلى الصوم، والصوم فيه نوع من المشقة بلا شك، ولو كانت العادة السرية جائزة لأرشد النبي صلى الله عليه وسلم إليها؛ لأنها أهون على الشباب؛ ولأن فيها شيئاً من المتعة، وما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعدل عن الأسهل إلى الأشق لو كان الأسهل جائزاً؛ لأنه كان من عادته صلى الله عليه وسلم أنه ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثماً، فعدول النبي صلى الله عليه وسلم عن الأيسر في هذه المسألة يدل على أنه ليس بجائز. أما بالنسبة لعمله إياها وهو صائم في رمضان: فإنه يزداد إثماً؛ لأنه بذلك أفسد صومه، فعليه أن يتوب إلى الله توبتين، توبة من عمل العادة السرية، وتوبة لإفساد صومه، وعليه أن يقضي هذا اليوم الذي أفسده. " فتاوى الشيخ العثيمين " (19 / السؤال 191) . وانظر جواب الأسئلة: (38074) و (37887) و (2571) . ولم يكن لك أن تأكل بعد أن أفسدتَ صيامك بالعادة السرية، وليس لمن أبطل صومه بفعل مباحٍ في الأصل كالجماع، أو فعل محرَّم كالاستمناء أن يأكل ويشرب؛ بل يجب عليه الإمساك بقية يومه، وإن كان إمساكه لا يعدُّ صياماً، وإنما الذي يجوز له الأكل والشرب والجماع هو من أفطر برخصة من الشرع، وبعذر شرعي. سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله -: إذا أفطر الإنسان لعذرٍ وزال العذر في نفس النهار فهل يواصل الفطر أم يمسك؟ . فأجاب: الجواب: أنه لا يلزمه الإمساك؛ لأن هذا الرجل استباح هذا اليوم بدليل من الشرع، فحرمة هذا اليوم غير ثابتة في حق هذا الرجل، ولكن عليه أن يقضيه، وإلزامنا إياه أن يمسك بدون فائدة له شرعاً، ليس بصحيح، ومثال ذلك: رجل رأى غريقاً في الماء، وقال: إن شربت أمكنني إنقاذه، وإن لم أشرب لم أتمكن من إنقاذه، فنقول: اشرب وأنقذه، فإذا شرب وأنقذه فهل يأكل بقية يومه؟ نعم، يأكل بقية يومه؛ لأن هذا الرجل استباح هذا اليوم بمقتضى الشرع، فلا يلزمه الإمساك. ولهذا لو كان عندنا إنسان مريض، هل نقول لهذا المريض: لا تأكل إلا إذا جعت ولا تشرب إلا إذا عطشت؟ لا؛ لأن هذا المريض أبيح له الفطر، فكلُّ مَن أفطر في رمضان بمقتضى دليل شرعي: فإنه لا يلزمه الإمساك، والعكس بالعكس، لو أن رجلاً أفطر بدون عذر، وجاء يستفتينا: أنا أفطرت وفسد صومي هل يلزمني الإمساك أو لا يلزمني؟ قلنا: يلزمك الإمساك؛ لأنه لا يحل لك أن تفطر، فقد انتهكت حرمة اليوم بدون إذن من الشرع، فنلزمك بالبقاء على الإمساك، وعليك القضاء؛ لأنك أفسدت صوماً واجباً شرعت فيه. " فتاوى ابن عثيمين " (19 / السؤال رقم 57) . ثالثاً: أما سماعك الغناء: فهو فعل محرَّم، وقد سبق بيان حكم الأغاني المصاحبة للآلات المحرَّمة في أجوبة الأسئلة: (43736) و (5000) و (20406) و (5011) . ربعاً: أما عن الشبهات التي تطرأ على قلبك أخي الفاضل: فاعلم أنها من مكائد الشيطان، واعلم أن مثل هذه الشبهات لا تطرأ على صاحب العلم واليقين، فكن من أهلهما، واحرص على زيادتهما لترى أنه لا مكان للشبهات عند أصحابهما. واجعل في صحابة نبيك صلى الله عليه وسلم خير أسوة لك، فعندما أخبرهم نبيهم صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من كل ليلة – كما جاء في الصحيحين – هل استشكلوا ذلك؟ هل قالوا كيف ذلك وهنا ثلث ليل وهناك في أقصى الأرض نهار في الوقت نفسه؟ لم يكن من ذلك شيء؛ لما عندهم من علم بالكتاب والسنَّة، ويقين بصدق نبيهم، وأن ما قاله وحي من ربه تعالى، فماذا فعلوا؟ سارعوا إلى الدعاء والصلاة في ثلث الليل الآخر، وهذا هو المطلوب من كل مسلم، أن يسلِّم بصدق النبي صلى الله عليه وسلم، ويستجيب لأوامره، وإلا كان مشابهاً للكفار الذين أنكروا إسراءه لبيت المقدس، ومعراجه للسماء في جزء من الليل، ومن كان مصدِّقاً لما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم: كان مشابهاً للصدِّيق أبي بكر رضي الله عنه. وعندما أخبرهم نبيهم صلى الله عليه وسلم أن الدجال يمكث في الأرض أربعين يوماً، يوم كسنَة، ويوم كشهر، ويوم كأسبوع، وسائر أيامه كأيامكم – كما رواه مسلم -، فماذا فعل الصحابة رضي الله عنهم؟ هل توقفوا؟ هل استشكلوا؟ هل ردوا الخبر؟ كل ذلك لم يكن، وإنما سألوا عن صلاتهم في اليوم الذي يكون كسنَة!! وهذا هو موقف أهل العلم واليقين من الأخبار الصادقة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وما ذكرته من أن الجنة تفتح أبوابها يوم الاثنين والخميس: هو حديث صحيح، رواه مسلم وغيره، فهل علمتَ ماذا حوى من علم وتوجيه للمسلمين؟ اقرأ الحديث وتمعن فيه جيداً: روى مسلم في صحيحه (2565) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا، إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا) . انظر في الحديث وما حوى من عظم الشرك وخطره، وانظر إلى عظم القطيعة والشحناء بين المسلمين، ثم انظر لنفسك تترك ذلك كله لتستشكل ما استشكلت، وليس الأمر عجزاً عن الرد، بل هو لتأصيل موقف المسلم من صحيح السنَّة، وموقفه مما يطرأ على قلبه من الشبهات، ومعرفة سبب ذلك، وكيف يدفعه. واعلم أنك لو تراجع نفسك في اعتقادك بربك تعالى فإنك ستجد نفسك تؤمن بما هو أعظم وأعلى من ذلك بكثير، فأنت تؤمن أن الله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور لكل خلقه في اللحظة نفسها، وأنت تؤمن أن الله تعالى يسمع كلام خلقه على اختلاف لغاتهم في اللحظة نفسها، فأين هذا مما يجيء به الشيطان للمسلم من استعظامه لبعض صفات الرب تعالى، أو لبعض الأحكام؟! . وقد رأينا للإمام ابن القيم كلاماً متيناً حول هذا الموضوع بعينه، نرجو أن يكون كافياً لكل أحدٍ يقرؤه في قطع كل شبهة ترد على القلب مما ليس أساس من العلم، وفي كلامه رحمه الله بيان أسباب ورود الشبهات، وطريقة دفعها. قال ابن القيم – رحمه الله -: وقوله – أي: علي بن أبي طالب رضي الله عنه - " ينقدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة ": هذا لضعف علمه، وقلة بصيرته، إذا وردت على قلبه أدنى شبهة: قدحت فيه الشك والريب، بخلاف الراسخ في العلم لو وردت عليه من الشبَه بعدد أمواج البحر ما أزالت يقينه، ولا قدحت فيه شكّاً لأنه قد رسخ في العلم، فلا تستفزه الشبهات، بل إذا وردت عليه: ردها حَرَسُ العلم، وجيشه، مغلولةً، مغلوبةً، والشبهة وارد يرد على القلب يحول بينه وبين انكشاف الحق له، فمتى باشر القلب حقيقة العلم: لم تؤثر تلك الشبهة فيه، بل يقوى علمه ويقينه بردها ومعرفة بطلانها، ومتى لم يباشر حقيقة العلم بالحق قلبه: قدحت فيه الشك بأول وهلة، فإن تداركها وإلا تتابعت على قلبه أمثالها حتى يصير شاكّاً مرتاباً، والقلب يتوارده جيشان من الباطل: جيش شهوات الغي، وجيش شبهات الباطل، فأيما قلب صغا إليها، وركن إليها: تشرَّبها، وامتلأ بها، فينضح لسانه وجوارحه بموجبها، فإن أُشرب شبهات الباطل تفجرت على لسانه الشكوك والشبهات والإيرادات، فيظن الجاهل أن ذلك لسعة علمه، وإنما ذلك من عدم علمه ويقينه. وقال لي شيخ الاسلام رضي الله عنه – أي: ابن تيمية - وقد جعلت أُورد عليه إيراداً بعد إيراد -: لا تجعل قلبَك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة فيتشربها فلا ينضح إلا بها، ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها، فيراها بصفائه، ويدفعها بصلابته، وإلا فإذا أشربت قلبك كل شبهة تمر عليها: صار مقرّاً للشبهات، أو كما قال، فما أعلم أني انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك. وإنا سميت الشبهة شبهة لاشتباه الحق بالباطل فيها؛ فإنها تلبس ثوب الحق على جسم الباطل، وأكثر الناس أصحاب حُسن ظاهر، فينظر الناظر فيما ألبسته من اللباس: فيعتقد صحتها، وأما صاحب العلم واليقين: فإنه لا يغتر بذلك، بل يجاوز نظره إلى باطنها، وماتحت لباسها، فينكشف له حقيقتها، ومثال هذا: الدرهم الزائف، فإنه يغتر به الجاهل بالنقد نظراً إلى ما عليه من لباس الفضة، والناقد البصير يجاوز نظره إلى ما وراء ذلك، فيطَّلع على زيفه. " مفتاح دار السعادة " (1 / 139، 140) . ونسأل الله تعالى أن يهديك لما يحب ويرضى، وأن يوفقك لكل خير، وأن يثبت قلبك على الإيمان، وأن يزيدك هدى وعلماً وتوفيقاً. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93421 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 أخفى إسلامه ودُفن في مقابر الكفار فهل يكون كافراً؟ [السُّؤَالُ] ـ[لنفرض أن هناك نصرانيّاً قد أسلم ولم يخبر أهله، فبعد فترة توفي، ولكن أهله لا يعرفون أنه قد أسلم فسيصلون عليه في الكنيسة ويدفنونه على الطريقة النصرانية، أريد أن أعرف ما حكم هذا؟ هل يموت على الإسلام أم على الكفر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اعلم أخي الكريم ـ أولا ـ أن الفقهاء اتفقوا على أنه لا يجوز أن يدفن المسلم في مقابر الكفار، ولا الكافر في مقابر المسلمين، إلا لضرورة [انظر: الموسوعة الفقهية: 21/20، أحكام المقابر في الشريعة الإسلامية، د عبد الله السحيباني، ص:231-232] . وإذا مات المسلم في بلاد الكفار، فإنه يجب على وليه، أو من علم به من المسلمين، أن ينقله إلى بلاد المسلمين حتى يدفن فيها. وهذا النقل والتحويل إلى بلاد الإسلام حسب الاستطاعة، فإن تعذر نقله فيدفن في بلاد الكفار، لكن في غير مقابرهم. [انظر: أحكام المقابر ص: 225-226] . قال شيخ الإسلام رحمه الله: " وهذا آكد من التمييز بينهم حال الحياة، بلبس الغيار ونحوه؛ فإن مقابر المسلمين فيها الرحمة، ومقابر الكفار فيها العذاب " [الاختيارات ص 94] . ثانيا: الصورة التي سألت عنها، وهي حالة تتكرر لكثير من المسلمين المستضعفين في بلاد الكفر، الذين لا يتمكنون من الهجرة إلى بلد يعلنون فيه إسلامهم، ويأمنون فيه على دينهم وأنفسهم، ولا يستطيعون ـ أيضا ـ إظهار إسلامهم في البلاد التي يعيشون فيها، إما خشية على أنفسهم من بطش أقربائهم بهم، كما هو الحال في سؤالك، أو لغير ذلك من الأسباب؛ فهؤلاء يبعثون على نياتهم، وحكم في الآخرة حكم ما عندهم من الإيمان والعمل الصالح، وليس حكم الأرض التي ماتوا فيها، أو القبر الذي دفنوا فيه؛ عَنْ جَابِر بنِ عَبْدِ الله قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ) رواه مسلم (2878) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جَنَازَةٍ فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الإِيمَانِ وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الإِسْلامِ اللَّهُمَّ لا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ وَلا تُضِلَّنَا بَعْدَهُ. رواه أبو داود (3201) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ". قال الشيخ محمد الصالح العثيمين – رحمه الله -: " اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الإِيمَانِ وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الإِسْلامِ) الحياة ذكر معها الإسلام، وهو الاستسلام الظاهر، ومع الموت ذكر الإيمان؛ لأن الإيمان أفضل، ومحله القلب، والمدار على ما في القلب عند الموت وفي يوم القيامة " " شرح رياض الصالحين " (2 / 1200) . وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عما يقول بعض الناس: إن لله ملائكة ينقلون من مقابر المسلمين إلى مقابر اليهود والنصارى، وينقلون من مقابر اليهود والنصارى إلى مقابر المسلمين؛ ومقصودهم: أن من ختم بشر في علم الله، وقد مات في الظاهر مسلما، أو كان كتابيا وختم له بخير، فمات مسلما في علم الله، وفي الظاهر مات كافرا، فهؤلاء ينقلون؛ فهل ورد في ذلك خبر أم لا؟ وهل لذلك حجة؟ أم لا؟ فقال رحمه الله: أما الأجساد فإنها لا تنقل من القبور، لكن نعلم أن بعض من يكون ظاهره الإسلام، ويكون منافقا: إما يهوديا أو نصرانيا أو مرتدا..، فمن كان كذلك فإنه يكون يوم القيامة مع نظرائه، كما قال تعالى: (احشروا الذين ظلموا وأزواجهم) أي أشباههم ونظراءهم. وقد يكون بعض من مات، وظاهره الكفر، قد آمن بالله قبل أن يغرغر، ولم يكن عنده مؤمن، وكتم عن أهله ذلك؛ إما لأجل ميراث أو لغير ذلك، فيكون مع المؤمنين، وإن كان مقبورا مع الكفار. وأما الأثر في نقل الملائكة فما سمعت في ذلك أثرا. انتهى من الفتاوى الكبرى (3/27) بتصرف يسير. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83471 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 الطيب من أسماء الله تعالى [السُّؤَالُ] ـ[هل اسم الطيب من أسماء الله تعالى أم من باب الأوصاف والأخبار؟ وما هو الضابط في تمييز الأسماء من الأوصاف والأخبار؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الطيب من أسماء الله تعالى؛ لما روى مسلم (1015) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ وَقَالَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ) . وقد عدّ الشيخ ابن عثيمين رحمه الله اسم "الطيب" من أسماء الله تعالى الثابتة بالسنة الصحيحة. انظر: "القواعد المثلى" ضمن مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين (3/278) . ثانيا: الفرق بين الاسم والصفة: جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (3/16) سؤال عن الفرق بين الاسم والصفة، فأجابت: " أسماء الله كل ما دل على ذات الله مع صفات الكمال القائمة به؛ مثل: القادر، العليم، الحكيم، السميع، البصير؛ فإن هذه الأسماء دلَّت على ذات الله، وعلى ما قام بها من العلم والحكمة والسمع والبصر، أما الصفات؛ فهي نعوت الكمال القائمة بالذات؛ كالعلم والحكمة والسمع والبصر؛ فالاسم دل على أمرين، والصفة دلت على أمر واحد، ويقال: الاسم متضمن للصفة، والصفة مستلزمة للاسم " انتهى. وانظر السؤال رقم (22642) وقال الشيخ علوي بن عبد القادر السقاف: " ولمعرفة ما يُميِّز الاسم عن الصفة، والصفة عن الاسم أمور، منها: أولاً: أن الأسماء يشتق منها صفات، أما الصفات؛ فلا يشتق منها أسماء، فنشتق من أسماء الله الرحيم والقادر والعظيم، صفات الرحمة والقدرة والعظمة، لكن لا نشتق من صفات الإرادة والمجيء والمكر اسم المريد والجائي والماكر. فأسماؤه سبحانه وتعالى أوصاف؛ كما قال ابن القيم في النونية أسماؤُهُ أوْصافُ مَدْحٍ كُلُّها ... مُشْتَقَّةٌ قَدْ حُمِّلَتْ لِمَعان ِ ثانياً: " أن الاسم لا يُشتق من أفعال الله؛ فلا نشتق من كونه يحب ويكره ويغضب اسم المحب والكاره والغاضب، أما صفاته؛ فتشتق من أفعاله فنثبت له صفة المحبة والكره والغضب ونحوها من تلك الأفعال، لذلك قيل: باب الصفات أوسع من باب الأسماء " [مدارج السالكين 3/415] . ثالثاً: أن أسماء الله عَزَّ وجَلَّ وصفاته تشترك في الاستعاذة بها والحلف بها، لكن تختلف في التعبد والدعاء، فيتعبد الله بأسمائه، فنقول: عبد الكريم، وعبد الرحمن، وعبد العزيز، لكن لا يُتعبد بصفاته؛ فلا نقول: عبد الكرم، وعبد الرحمة، وعبد العزة؛ كما أنه يُدعى اللهُ بأسمائه، فنقول: يا رحيم! ارحمنا، ويا كريم! أكرمنا، ويا لطيف! الطف بنا، لكن لا ندعو صفاته فنقول: يا رحمة الله! ارحمينا، أو: يا كرم الله! أو:يا لطف الله! ذلك أن الصفة ليست هي الموصوف؛ فالرحمة ليست هي الله، بل هي صفةٌ لله، وكذلك العزة، وغيرها؛ فهذه صفات لله، وليست هي الله، ولا يجوز التعبد إلا لله، ولا يجوز دعاء إلا الله؛ لقوله تعالى: (يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا) النور: 55، وقوله تعالى: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) غافر:60، وغيرها من الآيات " انتهى من "صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة" ص 17 وأما الفرق بين باب الأسماء والصفات، وباب الأخبار فمن وجهين: الأول: أن الأسماء والصفات توقيفية، فلا يوصف الله تعالى إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم. وفي الإخبار يجوز أن يخبر عن الله تعالى بما لم يرد في الكتب والسنة مما يصح معناه، كقولهم: قديم الإحسان، واسع الجود. والثاني: أن أسماءه سبحانه حسنى، وصفاته علا، كما قال: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الأعراف/180، وقال: (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) النحل/60 والحسنى: تأنيث الأحسن، أي أسماؤه بالغة في الحسن غايته. والمثل الأعلى: الوصف الأعلى، قال الشوكاني في "فتح القدير" (4/314) : " قال الخليل: المثل الصفة: أي وله الوصف الأعلى في السموات والأرض " انتهى. أما الأخبار: فيجوز أن يخبر عن الله تعالى بما لا نقص فيه، وإن لم يتضمن أعلى الكمال، كالإخبار عن الله بأنه قديم وموجود وشيء، قال تعالى: (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) الأنعام/19 قال ابن القيم رحمه الله: " ويجب أن تعلم هنا أمورً: أحدها: أن ما يدخل في باب الإخبار عنه تعالى أوسع مما يدخل في باب أسمائه وصفاته، كالشيء والموجود والقائم بنفسه، فإنه يخبر به عنه ولا يدخل في أسمائه الحسنى وصفاته العليا. الثاني: أن الصفة إذا كانت منقسمة إلى كمال ونقص لم تدخل بمطلقها في أسمائه، بل يطلق عليه منها كمالها، وهذا كالمريد والفاعل والصانع، فإن هذه الألفاظ لا تدخل في أسمائه، ولهذا غلط من سماه بالصانع عند الإطلاق، بل هو الفعال لما يريد، فإن الإرادة والفعل والصنع منقسمة، ولهذا إنما أطلق على نفسه من ذلك أكمله فعلا وخبرا. الثالث: أنه لا يلزم من الإخبار عنه بالفعل مقيدا أن يشتق له منه اسم مطلق، كما غلط فيه بعض المتأخرين، فجعل من أسمائه الحسنى المضل الفاتن الماكر، تعالى الله عن قوله؛ فإن هذه الأسماء لم يطلق عليه سبحانه منها إلا أفعال مخصوصة معينة فلا يجوز أن يسمى بأسمائها ... السابع: أن ما يطلق عليه في باب الأسماء والصفات توقيفي، وما يطلق عليه من الأخبار لا يجب أن يكون توقيفا، كالقديم والشيء والموجود والقائم بنفسه. فهذا فصل الخطاب في مسألة أسمائه هل هي توقيفية أو يجوز أن يطلق عليه منها بعض ما لم يرد به السمع. الثامن: أن الاسم إذا أطلق عليه جاز أن يشتق منه المصدر والفعل، فيخبر به عنه فعلا ومصدرا، نحو السميع البصير القدير يطلق عليه منه السمع والبصر والقدرة، ويخبر عنه بالأفعال من ذلك نحو: (قد سمع الله) (فقدرنا فنعم القادرون) هذا إن كان الفعل متعديا، فإن كان لازما لم يخبر عنه به نحو: الحي، بل يطلق عليه الاسم والمصدر دون الفعل ... " انتهى من "بدائع الفوائد" (1/170) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 72870 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 يوسوس له الشيطان بتخيل صورة لله تعالى ليحقق معنى الإحسان! [السُّؤَالُ] ـ[أنا أحاول في العبادات المتعلقة بالذكر كالصلاة والدعاء أن أعبد الله كأني أراه , لذلك فقد اعتدت أمراً لا أدري إن كان صحيحاً أم لا , وذلك أنى أحاول أن أتصور الله أمامي وأنا في صلاتي مثلاً , ولكن عقلي البشري الضعيف أقرب ما يذهب إليه هو صورة إنسان، وأنا أعلم أن هذا أبعد ما يكون عن الملِك الذي ليس كمثله شيء , أيضاً أحاول أن أهيئ لنفسي وأنا ساجد مثلا أني أمام الكعبة، وقد أشعر بأني قريب من الله فعلا، ولكني أيضا لا أشعر بكامل القرب من الله لأني أدرك أن الله أعظم من ذلك كثيراً. أرجو أن تعلموا أن أمري ليس وسوسة، ولكني أريد القرب أكثر من الله , فانصحوني]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: اعلم يا عبد الله أن الله تعالى احتجب عن خلقه في دار الدنيا، فلا يراه بشر فيها، لا النبي صلى الله عليه وسلم ولا من دونه. قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ) رواه البخاري (4855) ومسلم (177) واللفظ له. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وقد اتفق أئمة المسلمين على أن أحدا من المؤمنين لا يرى الله بعينه في الدنيا، ولم يتنازعوا إلا في النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، مع أن جماهير الأئمة على أنه لم يره بعينه في الدنيا؛ وعلى هذا دلت الآثار الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة وأئمة المسلمين.) مجموع الفتاوى 2/335 وإذا كان البشر، كل البشر، قد حجبوا في دار الدنيا عن هذه الرؤية، فالبشر، كل البشر أيضا، عاجزون عن الوقوف على حقيقة ذاته سبحانه، أو كيفية شيء من صفاته؛ لأن الإنسان لا يتخيل شيئا تخيلا صحيحا إلا أن يكون رآه، أو رأى شبيه هذا الشيء أو نظيره، حتى ينتقل خياله من صورة الشيء الذي رآه إلى صورة ما غاب عنه. وبناء على ذلك، اعلم ـ أيها الأخ الكريم ـ أن كل صورة في خيالك، أو توهم كيفيةٍ في بالك، فالله تعالى بخلاف ذلك، بل: الله تعالى أجل وأعظم من كل ذلك. وأن اشتغالك بهذه الخيالات وساوس واستدراج من الشيطان، ليشغلك بما يضرك عما ينفعك، وبالباطل عن الحق. قال الإمام الطحاوي رحمه الله في عقيدته: (ولا تثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام. فمن رام علمَ ما حُظر عنه علمه، ولم يقنع بالتسليم فهمه، حجبه مرامه عن خالص التوحيد، وصافي المعرفة، وصحيح الإيمان؛ فيتذبذب بين الكفر والإيمان، والتصديق والتكذيب، والإقرار والإنكار، مُوَسْوِسا تائها شاكا، لا مؤمنا مصدقا، ولا جاحدا مكذبا) [متن العقيدة الطحاوية ص 14] . وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم طريق دفع الوساوس التي يلقيها الشيطان في قلب العبد، فيما يتعلق بالله جل جلاله، فقال: (يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولَ مَنْ خَلَقَ كَذَا وَكَذَا حَتَّى يَقُولَ لَهُ مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ) رواه البخاري (3276) ومسلم (134) قال النووي رحمه الله: مَعْنَاهُ: إِذَا عَرَضَ لَهُ هَذَا الْوَسْوَاس فَلْيَلْجَأْ إِلَى اللَّه تَعَالَى فِي دَفْع شَرّه عَنْهُ , وَلْيُعْرِضْ عَنْ الْفِكْر فِي ذَلِكَ , وَلْيَعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْخَاطِر مِنْ وَسْوَسَة الشَّيْطَان , وَهُوَ إِنَّمَا يَسْعَى بِالْفَسَادِ وَالْإِغْوَاء فَلْيُعْرِضْ عَنْ الْإِصْغَاء إِلَى وَسْوَسَته وَلْيُبَادِرْ إِلَى قَطْعهَا بِالِاشْتِغَالِ بِغَيْرِهَا وَاَللَّه أَعْلَم. وراجع كلاما مفيدا في فتاوى الشيخ ابن عثيمين (1 / السؤال رقم 18) وأما القرب الذي تبحث عنه وتنشده في عبادتك لربك عز وجل، فنعم مقام العابدين هو: (أن تعبد الله كأنك تراه؛ فإن لم تكن تراه، فإنه يراك!!) . غير أن هذا المقام العظيم الجليل لا يحتاج منك أن تجهد نفسك، وتشتت قلبك في البحث عن شيء لن تدركه، وهو تخيل صورة الله عز وجل؛ وإنما يحتاج منك أن تستحضر من صفات الجلال والكمال والجمال لله عز وجل ما يعينك على حضور القلب في عبادته سبحانه، والإقبال عليه بكليتك. قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: (وقوله صلى الله عليه وسلم في تفسير الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه..، يشير إلى أن العبد يعبد الله على هذه الصفة؛ وهي استحضار قربه، وأنه بين يديه؛ وذلك يوجب الخشية والخوف والهيبة والتعظيم، كما جاء في رواية أبي هريرة: " أن تخشى الله كأنك تراه " [رواه بهذا اللفظ: مسلم (10) ] . ويوجب أيضا النصح في العبادة وبذل الجهد في تحسينها وإتمامها وإكمالها) جامع العلوم والحكم 1/104 وقال ابن القيم – رحمه الله -: ومشهد الإحسان أصل أعمال القلوب كلها فإنه يوجب الحياء والإجلال والتعظيم والخشية والمحبة والإنابة والتوكل والخضوع لله سبحانه والذل له ويقطع الوسواس وحديث النفس ويجمع القلب والهم على الله. فحظ العبد من القرب من الله على قدر حظه من مقام الإحسان وبحسبه تتفاوت الصلاة حتى يكون بين صلاة الرجلين من الفضل كما بين السماء والأرض وقيامهما وركوعهما وسجودهما واحد. " رسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه " (ص 38، 39) ، وانظر أيضا: جامع العلوم والحكم، لابن رجب (1/103) وما بعدها، ط دار ابن الجوزي، معارج القبول، للشيخ حافظ الحكمي (3 / 999، 1000) . وقد أشار أهل العلم إلى جملة من الأعمال والأحوال، متى اجتهد العبد في تحقيقها كانت له عونا على القرب من ربه عز وجل، وبحسب سعي العبد في القرب من ربه عز وجل، يكون قرب الله تعالى منه؛ فأقلَّ إن شئت أو استكثر!! ومن هذه الأمور: 1. تحقيق التوحيد وترك الشرك الأكبر والأصغر. قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: وهذا تحقيق الإخلاص والتوحيد الذي من حققه كان أقرب الخلق إلى الله، وهو تحقيق كلمة الإخلاص " لا إله إلا الله ". الاستقامة " (ص 195) . 2. معرفة صفات الله تعالى وأسمائه وأفعاله. قال ابن القيم – رحمه الله -: (مشهد الإحسان، وهو مشهد المراقبة، وهو أن يعبد الله كأنه يراه، وهذا المشهد إنما ينشأ من كمال الإيمان بالله وأسمائه وصفاته، حتى كأنه يرى الله سبحانه فوق سمواته مستوياً على عرشه، يتكلم بأمره ونهيه ويدبر أمر الخليقة؛ فينزل الأمر من عنده ويصعد إليه، وتعرض أعمال العباد وأرواحهم عند الموافاة عليه؛ فيشهد ذلك كله بقلبه ويشهد أسماءه وصفاته ويشهد قيوماً حيّاً سميعاً بصيراً عزيزاً حكيماً آمراً ناهياً، يحب ويبغض، ويرضى ويغضب، ويفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وهو فوق عرشه لا يخفى عليه شيء من أعمال العباد ولا أقوالهم ولا بواطنهم، بل يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور) رسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه (ص 38) . 3. تحقيق الولاية، ويكون تحقيقها بالإيمان والتقوى، كما قال تعالى: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) يونس/62،63. قال ابن القيم رحمه الله: (الولاية هي القرب من الله عز وجل، فولي الله هو القريب منه، المختص به، والولاء هو في اللغة: القرب.) بدائع الفوائد (3 / 621) . 4. المداومة على الصلاة، وبخاصة استشعار القرب من الله تعالى في السجود؛ فإنه أقرب ما يكون العبد فيه قرباً لربه تعالى، وكذا الصلاة في آخر الليل. قال تعالى: (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) العلق/19. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ) رواه مسلم (482) . وعن عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنْ الْعَبْدِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الْآخِرِ فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللَّهَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ) . رواه الترمذي (3579) والنسائي (572) ، وصححه الألباني في " صحيح الجامع " (1173) . 5. تحقيق التوبة من الذنوب صغيرها وكبيرها: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وينبغي أن يعرف أن التوبة لا بد منها لكل مؤمن ولا يكمل أحد ويحصل له كمال القرب من الله ويزول عنه كل ما يكره إلا بها) . مجموع الفتاوى " (15 / 55) . 6. ذكر الله تعالى على كل حال، من أذكار وأدعية وتسبيح وتحميد وتهليل: قال ابن القيم رحمه الله: (والذِّكر يوجب له القرب من الله عز وجل والزلفى لديه، وهذه هي المنزلة) . " الوابل الصيب " (1 / 96) . 7. تحقيق الخوف منه عز وجل: قال ابن القيم رحمه الله: (هذا الخوف على حسب القرب من الله والمنزلة عنده، وكلما كان العبد أقرب إلى الله كان خوفه منه أشد؛ لأنه يطالَب بما لا يطالَب به غيره، ويجب عليه من رعاية تلك المنزلة وحقوقها ما لا يجب على غيره، ونظير هذا في الشاهد أن الماثل بين يدي أحد الملوك المشاهد له، أشد خوفاً منه من البعيد عنه؛ بحسب قربه منه ومنزلته عنده، ومعرفته به وبحقوقه، وأنه يطالب من حقوق الخدمة وأدائها بما لا يطالب به غيره، فهو أحق بالخوف من البعيد، ومَن تصور هذا حق تصوره فهم قوله (إني أعلمكم بالله وأشدكم له خشية) طريق الهجرتين (1 / 427، 428) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 72892 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 تحمَّل المسئولية فأصيب بالقلق والاكتئاب [السُّؤَالُ] ـ[أولاً أنا شاب أبلغ من العمر 20 سنة، أدرس في كلية الطب، توفي والدي في الفترة الأخيرة، وأصبح جُلّ المسؤوليات على عاتقي، علماً بأن لي أخاً أكبر مني لكنه عاجز، أصبت قبل أيام بحالات اضطراب نفسي، وأصبحت أخاف من المرض والموت وتأتيني حالات بأني سأموت اليوم وما شابه ذلك من الأفكار الغريبة، ذهبت إلى دكتور نفسي وقال لي: إنك تعانى من القلق والاكتئاب، أعطاني دواء ولكن لم آخذه. التزمت - والحمد لله - والتجأت إلى الله عز وجل، والحمد لله أنا الآن أحسن بكثير مع قراء ة القرآن والصلاة في المسجد، سؤالي هو: هل حالتي تتطلب الدواء أو لا؟ وهل هذا من الشيطان أم مرض عضوي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا غنى للمؤمن عن ربه عز وجل، فهو – عز وجل – الذي يجلب النفع ويدفع الضر، فلجوؤك إلى الله عز وجل هو الفعل الصحيح. الموت حق، وقد كتبه الله تعالى على كل نفسٍ، كما قال عز وجل: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) آل عمران/185، ومهما بذل الإنسان من أسباب فإنها لن تدفع عنه قدر الله عز وجل وقضاءه ومنه الموت. لا ينبغي للخوف أن يصد العبدَ عن الطاعة بل العكس هو الصواب، فالخوف هو الذي يقوده للطاعة ويحثه على العبادة، والخوف – كما يقول ابن قدامة – " سوط الله تعالى يسوق به عباده إلى المواظبة على العلم والعمل، لينالوا بهما رتبة القرب من الله تعالى ". وقد يؤدي الخوف بصاحبه إلى همٍّ وغمٍّ ومرض، وقد يؤدي به إلى اليأس من رحمة الله تعالى، وهنا يكون خوفه غير محمود بل مذموم. وينبغي أن يُعلم أن كثيراً من الهموم والضغوط النفسية سببها عدم الرضا، فقد لا نحصل على ما نريد، وحتى لو حصلنا على ما نريد فقد لا يعطينا ذلك الرضا التام الذي كنا نأمله، فالصورة التي كنا نتخيلها قبل الإنجاز كانت أبهى من الواقع. وحتى بعد حصولنا على ما نريد فإننا نظل نعاني من قلق وشدة خوفا من زوال النعم، فلا علاج لهذا إلا بالرضا بقدر الله تعالى والشكر على نعمه والصبر على ما يقدره الله تعالى من الشدائد والمصائب وقد تكون حالتك بحاجة لطبيب، لكن لتعلم أن أكثر أمراض الناس ليست أمراضاً عضوية بل هي نفسية تؤثر على الأعضاء. يقول الدكتور الفاريز: لقد اتضح أن أربعة من كل خمسة مرضى ليس لعلتهم أساس عضوي البتة، بل مرضهم ناشئ من الخوف، والقلق، والبغضاء والأثرة المستحكمة، وعجز الشخص عن الملاءمة بين نفسه والحياة ". فانظر كيف أن بكاء يعقوب عليه السلام على ابنه يوسف عليه السلام أفقده بصره، وكيف أن الغم بلغ مداه بعائشة رضي الله عنه عندما تطاول عليها أهل الإفك فظلت تبكي حتى قالت: " ظننت أن الحزن فالق كبدي " متفق عليه. قال الدكتور حسَّان شمسي باشا: وفي حالات القلق يزداد إفراز مادة في الدم تدعى " الأدرينالين "، فيرتفع ضغط الدم، ويتسرع القلب، ويشكو الإنسان من الخفقان، أو يشعر وكأن شيئا ينسحب إلى الأسفل داخل صدره. ويظن بقلبه الظنون، ويهرع من طبيب إلى طبيب، وما به من علة في قلبه، ولا مرض في جسده إلا أنه يظل يشكو من ألم في معدته واضطراب في هضمه، أو انتفاخ في بطنه، واضطراب في بوله أو صداع في رأسه. اهـ انتهى فعليك بالإيمان والتقوى والمحافظة على الأذكار والأوراد الشرعيَّة فهي من أعظم أنواع العلاجات لإزالة ما يتكدر به الخاطر، وما تحزن من أجله النفوس. ومن الأدعية النبوية في هذا الباب: 1. عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: " اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل وضَلَع الدين وغلبة الرجال ". رواه البخاري (6008) . ضَلع الدَّين: غلبته وثقله. 2. عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما أصاب أحداً قط همٌّ ولا حزنٌ فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماضٍ فيَّ حكمك عدل فيَّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أحداً من خلقك أو أنزلته في كتابك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي: إلا أذهب الله همَّه وحزنه، وأبدله مكانه فرجاً. قال: فقيل يا رسول الله ألا نتعلمها؟ فقال: بلى ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها. رواه أحمد (3704) . والحديث: صححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (199) . 3. عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت " لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين " فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له. رواه الترمذي (3505) . والحديث: صححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " (3383) . ومن المهم الرجوع إلى جواب السؤال: (21677) و (32457) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45847 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 الحكمة مِن خَلْق البشر؟ [السُّؤَالُ] ـ[لما خُلق البشر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: من عظيم صفات الله تعالى " الحكمة "، ومن أعظم أسمائه تعالى " الحكيم "، وينبغي أن يُعلم أنه ما خلق شيئاً عبثاً، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، وإنما يخلق لِحِكَمٍ بالغة عظيمة، ومصالح راجحة عميمة، عَلِمَها من عَلِمها، وجَهِلها من جهلها، وقد ذكر الله تعالى ذلك في كتابه الكريم، فبيَّن أنه لم يخلق البشر عبثاً، ولم يخلق السموات والأرض عبثاً، فقال تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ. فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) المؤمنون/115،116، وقال سبحانه وتعالى: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ) الأنبياء/16، وقال عز وجل: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) الدخان/38، 39، ويقول سبحانه وتعالى: (حم. تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ. مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمّىً وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ) الأحقاف/1 – 3. وكما أن ثبوت الحكمة في خلق البشر ثابت من ناحية الشرع , فهو ثابت – أيضاً - من ناحية العقل، فلا يمكن لعاقل إلا أن يسلِّم أنه قد خلقت الأشياء لحكَمٍ، والإنسان العاقل ينزه نفسه عن فعل أشياء في حياته دون حكمة، فكيف بالله تعالى أحكم الحاكمين؟! ولذا أثبت المؤمنون العقلاء الحكمة لله تعالى في خلقه، ونفاها الكفار، قال تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآَيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ. الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) آل عمران/190، 191، وقال تعالى – في بيان موقف الكفار من حكمة خلقه -: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ) ص/27. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: " يخبر تعالى عن تمام حكمته في خلقه السموات والأرض، وأنه لم يخلقهما باطلاً، أي: عبثاً ولعباً، من غير فائدة ولا مصلحة. (ذلك ظن الذين كفروا) بربهم، حيث ظنوا ما لا يليق بجلاله. (فويل للذين كفروا من النار) فإنها التي تأخذ الحق منهم، وتبلغ منهم كل مبلغ، وإنما خلق الله السموات والأرض بالحق وللحق، فخلقهما ليعلم العباد كمال علمه وقدرته، وسعة سلطانه، وأنه تعالى وحده المعبود، دون من لم يخلق مثقال ذرة من السموات والأرض، وأن البعث حق، وسيفصل الله بين أهل الخير والشر، ولا يظن الجاهل بحكمة الله، أن يسوي الله بينهما في حكمه، ولهذا قال: (أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار) هذا غير لائق بحِكمَتنا وحُكْمنا " انتهى. " تفسير السعدي " (ص 712) . ثانياً: ولم يخلق الله تعالى الإنسان ليأكل ويشرب ويتكاثر، فيكون بذلك كالبهائم، وقد كرَّم الله تعالى الإنسان، وفضَّله على كثيرٍ ممن خلق تفضيلاً، ولكن أبى أكثر الناس إلا كفوراً فجهلوا أو جحدوا الحكمة الحقيقية من خلقهم، وصار كل هَمِّهِم التمتع بشهوات الدنيا , وحياة هؤلاء كحياة البهائم , بل هم أضل، قال تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ) محمد/12، وقال تعالى: (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) الحجر/3 , وقال تعالى: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) الأعراف/179. ومن المعلوم عند عقلاء الناس أن الذي يصنع الشيء هو أدرى بالحكمة منه من غيره، ولله المثل الأعلى فإنه هو الذي خلق البشر، وهو أعلم بالحكمة من خلقه للناس، وهذا لا يجادل فيه أحد في أمور الدنيا، ثم إن الناس كلهم يجزمون أن أعضاءهم خُلقت لحكمة، فهذه العين للنظر، وهذه الأذن للسمع، وهكذا، أفيُعقل أن تكون أعضاؤه مخلوقةً لحكمة، ويكون هو بذاته مخلوقاً عبثاً؟! أو أنه لا يرضى أن يستجيب لمن خلقه عندما يخبره بالحكمة من خلقه؟! ثالثاً: وقد بيَّن الله تعالى أنه خلق السموات والأرض، والحياة والموت للابتلاء والاختبار، ليبتلي الناس , مَنْ يطيعه ليثيبه، ومَنْ يعصيه ليعاقبه، قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ) هود/ 7، وقال عز وجل: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) الملك/ 2. وبهذا الابتلاء تظهر آثار أسماء الله تعالى وصفاته، مثل اسم الله تعالى " الرحمن "، و " الغفور " و " الحكيم " و " التوَّاب " و " الرحيم " وغيرها من أسمائه الحسنى. ومن أعظم الأوامر التي خلق الله البشر من أجلها – وهو من أعظم الابتلاءات -: الأمر بتوحيده عز وجل وعبادته وحده لا شريك له، وقد نصَّ الله تعالى على هذه الحكمة في خلق البشر فقال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) الذاريات/56. قال ابن كثير رحمه الله: " أي: إنما خلقتهم لآمرهم بعبادتي، لا لاحتياجي إليهم، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: إلا ليعبدون، أي: إلا ليقروا بعبادتي طوعاً أو كرهاً، وهذا اختيار ابن جرير، وقال ابن جريج: إلا ليعرفون، وقال الربيع بن أنس: إلا ليعبدون، أي: إلا للعبادة " انتهى. " تفسير ابن كثير " (4 / 239) . وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: " فالله تعالى خلق الخلق لعبادته، ومعرفته بأسمائه وصفاته، وأمرهم بذلك، فمن انقاد، وأدى ما أمر به، فهو من المفلحين، ومن أعرض عن ذلك، فأولئك هم الخاسرون، ولا بد أن يجمعهم في دار، يجازيهم فيها على ما أمرهم به ونهاهم، ولهذا ذكر الله تكذيب المشركين بالجزاء، فقال: (ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين) أي: ولئن قلتَ لهؤلاء، وأخبرتهم بالبعث بعد الموت، لم يصدقوك، بل كذبوك أشد التكذيب، وقدحوا فيما جئت به، وقالوا: (إن هذا إلا سحر مبين) ألا وهو الحق المبين " انتهى. " تفسير السعدي " (ص 333) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45529 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 الجواب عن سؤال أهل الإلحاد " هل يستطيع الله أن يخلق صخرة لا يمكنه رفعها؟ " [السُّؤَالُ] ـ[هذا السؤال قد يُطرح من قبل أحد دعاة التنصير: " هل يستطيع الله أن يخلق صخرة لا يمكنه رفعها؟ " كيف نرد على ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا السؤال – وأمثاله – فيه مغالطة كبيرة، ويحاول كثير من الملحدين أن يستعمله في حواراته مع المسلمين، وهم يريدون الإلزام للمجيب فإن قال: لا يستطيع. قالوا: كيف يكون إلها وهو عاجز عن الخلق؟! وإن قال: يستطيع. قالوا: كيف يكون إلهاً وهو عاجز عن الحمل والرفع لهذه الصخرة؟! والجواب: أن هذا السؤال غير صحيح في الأصل، فقدرة الله تعالى لا تتعلق بالمستحيلات؛ فكيف يكون إلهاً وهو عاجز عن رفع " صخرتهم " ومن صفات الله تعالى القدرة؟! وهل سيوجد في صفات المخلوقات ما هو أعظم من صفات خالقها؟! وقد أجاب الأستاذ سعد رستم عن هذا السؤال بجواب علمي رصين ننقله بنصه، إذ قال: قدرة الله - التي هي بلا شك مطلقة وغير محدودة - إنما تتعلق بالممكنات العقلية لا بالمستحيلات العقلية، فالقدرة مهما كانت مطلقة ولا حدود لها تبقى في دائرة ممكنات الوجود، ولا تتعلق بالمستحيلات، وليس هذا بتحديد لها، ولتوضيح هذه النقطة نضرب بعض الأمثلة: نسأل جميع هؤلاء الأساقفة واللاهوتيين: هل يستطيع الله تعالى أن يخلق إلهاً آخر مثله؟ إن قالوا: نعم. قلنا لهم: هذا المخلوق كيف يكون إلهاً وهو مخلوق؟ وكيف يكون مثل الله مع أنه حادث في حين أن الله أزلي قديم؟ في الحقيقة إن عبارة " خلق إله " سفسطة وتناقض عقلي لأن الشيء بمجرد أن يُخلَق فهو ليس بإله، فسؤالنا هذا بمثابة سؤالنا هل يستطيع الله تعالى أن يخلق " إلها غير إله "؟! وبديهي أن الجواب لا بد أن يكون: إن قدرة الله لا تتعلق بذلك؛ لأن كون الشيء إلهاً وغير إله تناقض عقلي مستحيل الوجود، وقدرة الله لا تتعلق بالمستحيلات. مثال آخر: نسألهم أيضاً: هل يستطيع الله تعالى أن يخرِج أحداً حقيقة من تحت سلطانه؟ إن أجابوا بالإيجاب حددوا نفوذ الله تعالى وسلطانه، وإن أجابوا بالنفي - وهو الصحيح - وافقونا بأن قدرة الله المطلقة لا تتعلق بالمستحيلات؛ لأنه مستحيل عقلاً أن يخرج أي مخلوق من سلطان ونفوذ خالقه وموجِده. مثال ثالث: سألني مرة أحد الملحدين فقال: " هل يستطيع ربكم أن يخلق صخرة هائلة تكون من الضخامة بحيث يعجز هو نفسه عن تحريكها "؟ وأضاف متهكِّماً: " إن قلت لي نعم يستطيع: فقد أثبت لربك العجز عن تحريك صخرة، وهذا دليل على أنه ليس بإلهٍ، وإن قلت لي: كلا، لا يستطيع، اعترفت بأنه لا يقدر على كل شيء، وبالتالي فهو ليس بإلهٍ "! . فأجبت هذا الملحد بكل بساطة: نعم، لا يدخل ضمن قدرة الله أن يخلق صخرة يعجز عن تحريكها؛ لأن كل ما يخلقه الله يقدر على تحريكه، ولكن عدم إمكان تعلق قدرة الله تعالى بخلق مثل هذه الصخرة المفترضة ليس دليلا على عجزه بل - على العكس تماماً - هو دليل على كمال قدرته! لأن سؤالك هذا بمثابة من يسأل: هل يستطيع الله تعالى أن يكون عاجزاً عن شيء ممكن عقلا؟ وبديهي أن الإجابة بالنفي لا تفيد تحديد قدرة الله بل تفيد تأكيد كمال قدرته تعالى وتمامها؛ لأن عدم العجز عين القدرة وليس عجزاً، تماماً كما أنه لو قلنا إن الله لا يمكن أن يجهل أو ينسى شيئاً، لا يكون في قولنا هذا إثباتٌ لعجز فيه تعالى أو نقص، بل يكون تأكيداً على كماله تعالى وكلية قدرته وعلمه. " الأناجيل الأربعة ورسائل بولس ويوحنا تنفي ألوهية المسيح كما ينفيها القرآن " للأستاذ " سعد رستم " والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39679 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 معنى الإيمان بالله [السُّؤَالُ] ـ[قرأت وسمعت كثيراً عن فضائل تحقيق الإيمان بالله تعالى، وأريد منكم أن تفصلوا لي من معنى الإيمان بالله بما يساعدني على تحقيقه، وعلى البعد عما يخالف منهج نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ومنهج أصحابه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الإيمان بالله هو الاعتقاد الجازم بوجوده سبحانه وتعالى، وربوبيته، وألوهيته، وأسمائه وصفاته. الإيمان بالله يتضمن أربعة أمور، فمن آمن بها فهو المؤمن حقاًّ. الأول: الإيمان بوجود الله تعالى ووجود الله تعالى قد دل عليه العقل والفطرة، فضلاً عن الأدلة الشرعية الكثيرة التي تدل على ذلك. 1 ـ أما دلالة الفطرة على وجوده: فإن كل مخلوق قد فطر على الإيمان بخالقه من غير سبق تفكير أو تعليم، ولا ينصرف عن مقتضى هذه الفطرة إلا من طرأ على قلبه ما يصرفه عنها، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ) رواه البخاري (1358) ومسلم (2658) . 2 ـ وأما دلالة العقل على وجود الله تعالى؛ فلأن هذه المخلوقات سابقها ولاحقها لا بد لها من خالق أوجدها، إذ لا يمكن أن توجِدَ نفسها بنفسها، ولا يمكن أن توجد صدفة. فهي لا يمكن أن توجد نفسها بنفسها لأن الشيء لا يَخلق نفسَه، لأنه قبل وجوده معدوم، فكيف يكون خالقاً؟! ولا يمكن أن توجد صدفة، لأن كل حادث لا بد له من محدث، ولأن وجودها على هذا النظام البديع المحكم، والتناسق المتآلف، والارتباط الملتحم بين الأسباب ومسبباتها، وبين الكائنات بعضها مع بعض يمنع منعاً باتاًّ أن يكون وجودها صدفة، إذ الموجود صدفة ليس على نظام في أصل وجوده، فكيف يكون منتظماً حال بقائه؟! وإذا لم يمكن أن تُوجِد هذه المخلوقات نفسَها بنفسها، ولا أن توجَد صدفة، تعين أن يكون لها موجِدٌ وهو الله رب العالمين. وقد ذكر الله تعالى هذا الدليل العقلي والبرهان القطعي في سورة الطور، حيث قال: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ) الطور /35. يعني أنهم لم يخلقوا من غير خالق، ولا هم الذين خلقوا أنفسهم، فتعين أن يكون خالقهم هو الله تبارك وتعالى، ولهذا لما سمع جبير بن مطعم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة الطور فبلغ هذه الآيات: (أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون. أم خلقوا السموات والأرض بل لا يوقنون. أم عندهم خزائن ربك أم هم المسيطرون) الطور /35-37. وكان جبير يومئذ مشركاً قال: (كاد قلبي أن يطير، وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي) رواه البخاري في عدة مواضع. ولنضرب مثلاً يوضح ذلك: فإنه لو حدثك شخص عن قصر مشيد، أحاطت به الحدائق، وجرت بينها الأنهار، وملئ بالفُرُش والأَسِرّة، وزُيِّن بأنواع الزينة من مقوماته ومكملاته، وقال لك: إن هذا القصر وما فيه من كمال قد أوجد نفسه، أو وجد هكذا صدفة بدون موجد، لبادرت إلى إنكار ذلك وتكذيبه، وعددت حديثه سفهاً من القول، أفيجوز بعد ذلك أن يكون هذا الكون الواسع بأرضه، وسمائه، وأفلاكه، البديعُ الباهرُ، المحكَم المتقَنُ قد أوجد نفسه، أو وجد صدفة بدون موجد؟! وقد فهم هذا الدليل العقلي أعرابي يعيش في البادية، وعَبَّر عنها بأسلوبه، فلما سُئِل: بم عرفت ربك؟ فقال: البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، ألا تدل على السميع البصير؟!! ثانياً: الإيمان بربوبيته تعالى أي: بأنه وحده الرب لا شريك له ولا معين. والرب: هو من له الخلق، والملك، والتدبير، فلا خالق إلا الله، ولا مالك إلا الله، ولا مدبر للأمور إلا الله، قال الله تعالى: (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ) الأعراف /45. وقال تعالى: (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ) يونس/31. وقال تعالى: (يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ) السجدة /5. وقال: (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ) فاطر/13. وتأمل قول الله تعالى في سورة الفاتحة: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) الفاتحة /4. وفي قراءة متواترة (مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ) وإذا جمعت بين القراءتين ظهر معنى بديع، فالملك أبلغ من المالك في السلطة والسيطرة، لكن الملك أحياناً يكون ملكاً بالاسم فقط لا بالتصرف، أي أنه لا يملك شيئاً من الأمر، وحينئذٍ يكون ملكاً ولكنه غير مالك، فإذا اجتمع أن الله تعالى ملكٌ ومالكٌ تم بذلك الأمر، بالملك والتدبير. الثالث: الإيمان بألوهيته أي: بأنه الإله الحق لا شريك له. و (الإله) بمعنى (المألوه) أي: (المعبود) حباًّ وتعظيماً، وهذا هو معنى (لا إله إلا الله) أي: لا معبودَ حقٌّ إلا الله. قال تعالى: (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) البقرة /163. وقال تعالى: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) آل عمران /18. وكل ما اتخذ إلهاً مع الله يعبد من دونه فألوهيته باطلة، قال الله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) الحج /62. وتسميتها آلهة لا يعطيها حق الألوهية. قال الله تعالى في (اللات والعزى ومناة) : (إِنْ هِيَ إِلا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ) النجم/23. وقال تعالى عن يوسف عليه السلام أنه قال لصاحبي السجن: (أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ - مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ) يوسف /40. فلا يستحق أحد أن يعبد، ويفرد بالعبادة إلا الله عز وجل، لا يشاركه في هذا الحق أحدٌ، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، ولهذا كانت دعوة الرسل كلهم من أولهم إلى آخرهم هي الدعوة إلى قول (لا إله إلا الله) قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ) الأنبياء /35. وقال: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) النحل/36. ولكن أبى ذلك المشركون، واتخذوا من دون الله آلهة، يعبدونهم مع الله سبحانه وتعالى، ويستنصرون بهم ويستغيثون. الرابع: الإيمان بأسمائه وصفاته أي: إثبات ما أثبته الله لنفسه في كتابه، أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات على الوجه اللائق به سبحانه من غير تحريف، ولا تعطيل، ومن غير تكييف، ولا تمثيل. قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الأعراف /180. فهذه الآية دليل على إثبات الأسماء الحسنى لله تعالى. وقال تعالى: (وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) الروم /27. وهذه الآية دليل على إثبات صفات الكمال لله تعالى، لأن (المثل الأعلى) أي: الوصف الأكمل. فالآيتان تثبتان الأسماء الحسنى والصفات العلى لله تعالى على سبيل العموم. وأما تفصيل ذلك في الكتاب والسنة فكثير. وهذا الباب من أبواب العلم، أعني: أسماء الله تعالى وصفاته من أكثر الأبواب التي حصل فيها النزاع والشقاق بين أفراد الأمة، فقد اختلفت الأمة في أسماء الله تعالى وصفاته فرقاً شتى. وموقفنا من هذا الاختلاف هو ما أمر الله به في قوله: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) النساء /59. فنحن نرد هذا التنازع إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم مسترشدين في ذلك بفهم السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهذه الآيات والأحاديث، فإنهم أعلم الأمة بمراد الله تعالى ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم. ولقد صدق عبد الله بن مسعود وهو يصف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (من كان منكم مستنا، فليستن بمن قد مات، فإن الحي لا يؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، أبر هذه الأمة قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفا، قوم اختارهم الله لإقامة دينه، وصحبة نبيه، فاعرفوا لهم حقهم، وتمسكوا بهديهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم) . وكل من حاد عن طريق السلف في هذا الباب فقد أخطأ وضل واتبع غير سبيل المؤمنين واستحق الوعيد المذكور في قوله تعالى: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً) النساء /115. والله تعالى قد اشترط للهداية أن يكون الإيمان بمثل ما آمن به أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وذلك في قوله تعالى: (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا) البقرة /137. فكل من بَعُدَ وحاد عن طريق السلف فقد نقص من هدايته بمقدار بعده عن طريق السلف. وعلى هذا فالواجب في هذا الباب إثبات ما أثبته الله تعالى لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات، وإجراء نصوص الكتاب والسنة على ظاهرها، والإيمان بها كما آمن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم، الذين هم أفضل هذه الأمة وأعلمها. ولكن يجب أن يعلم أن هناك أربعة محاذير من وقع في واحد منها لم يحقق الإيمان بأسماء الله تعالى وصفاته كما يجب، ولا يصح الإيمان بأسماء الله تعالى وصفاته إلا بانتفاء هذه المحاذير الأربعة وهي: التحريف، والتعطيل، والتمثيل، والتكييف. ولذلك قلنا في معنى الإيمان بأسماء الله تعالى وصفاته هو (إثبات ما أثبته الله لنفسه في كتابه، أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات على الوجه اللائق به من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل) . وهذا هو بيان هذه المحاذير الأربعة باختصار: 1- التحريف: والمراد به تغيير معنى نصوص الكتاب والسنة من المعنى الحق الذي دلت عليه، والذي هو إثبات الأسماء الحسنى والصفات العلى لله تعالى إلى معنى آخر لم يرده الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم. مثال ذلك: تحريفهم معنى صفة اليد الثابتة لله تعالى والواردة في كثير من النصوص بأن معناها النعمة أو القدرة. 2- التعطيل: والمراد بالتعطيل نفي الأسماء الحسنى والصفات العلى أو بعضها عن الله تعالى. فكل من نفى عن الله تعالى اسماً من أسمائه أو صفة من صفاته مما ثبت في الكتاب أو السنة فإنه لم يؤمن بأسماء الله تعالى وصفاته إيماناً صحيحاً. 3- التمثيل: وهو تمثيل صفة الله تعالى بصفة المخلوق، فيقال مثلاً: إن يد الله مثل يد المخلوق. أو إن الله تعالى يسمع مثل سمع المخلوق. أو إن الله تعالى استوى على العرش مثل استواء الإنسان على الكرسي. . . وهكذا. ولا شك أن تمثيل صفات الله تعالى بصفات خلقه منكر وباطل، قال الله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) الشورى /11. 4- التكييف: وهو تحديد الكيفية والحقيقة التي عليها صفات الله تعالى، فيحاول الإنسان تقديراً بقلبه، أو قولاً بلسانه أن يحدد كيفية صفة الله تعالى. وهذا باطل قطعاً، ولا يمكن للبشر العلم به، قال الله تعالى: (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) طه /110. فمن استكمل هذه الأمور الأربعة فقد آمن بالله تعالى إيماناً صحيحاً. نسأل الله تعالى أن يثبتنا على الإيمان يتوفانا عليه. والله تعالى أعلم. انظر: رسالة شرح أصول الإيمان للشيخ ابن عثيمين. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 34630 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 شروط قبول الشهادتين [السُّؤَالُ] ـ[وسؤالي يتعلق بموضوع إحدى الخطب. فقد تكلم الإمام عن الكلمة. وقال بأن لها شروط, ذكر العلماء أنها 9 أو نحو ذلك، حتى يتمكن الإنسان من دخول الجنة. وقال إن مجرد التلفظ بالكلمات لا يكفي. وكنت أرغب في معرفة هذه الشروط. وذكر بعضها، منها: أولا, العلم بالكلمة. ثانيا, اليقين. فهل تعلم عن ذلك شيئا؟ وهل يمكنك تقديم باقي الشروط؟ وسأقدر لك مساعدتك إن شاء الله.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لعلك تعني بالكلمة كلمة التوحيد وهي الشهادتان (لا إله إلا الله محمد رسول الله) ، وهذا ما عناه الخطيب أيضا. وللشهادتين عدة شروط، وهي: الأول: العلم وهو العلم بمعناها المراد منها نفيا وإثباتا المنافي للجهل بذلك، قال الله عز وجل: " فاعلم أنه لا إله إلا الله " (محمد: 19) وقال تعالى: " إلا من شهد بالحق " (الزخرف: 86) أي بلا إله إلا الله " وهم يعلمون " بقلوبهم معنى ما نطقوا به بألسنتهم. وفي الصحيح عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة ". الثاني: اليقين وهو اليقين المنافي للشك بأن يكون قائلها مستيقنا بمدلول هذه الكلمة يقينا جازما، فإن الإيمان لا يغني فيه إلا علم اليقين لا علم الظن، فكيف إذا دخله الشك، قال الله عز وجل: " إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون " (الحجرات: 15) ، فاشترط في صدق إيمانهم بالله ورسوله كونهم لم يرتابوا، أي لم يشكوا، فأما المرتاب فهو من المنافقين - والعياذ بالله -. وفي الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما فيحجب عنه الجنة ". الثالث: القبول وهو القبول بما اقتضته هذه الكلمة بقلبه ولسانه، قال تعالى في شأن من قبلها: " إلا عباد الله المخلصين، أولئك لهم رزق معلوم، فواكه وهم مكرمون، في جنات النعيم " (الصافات: 40 - 43) إلى آخر الآيات، وقال تعالى: " من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون " (النمل: 89) وفي الصحيح عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به " الرابع: الانقياد وهو الإنقياد لما دلت عليه، المنافي لترك ذلك، قال الله عز وجل: " وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له " (الزمر: 54) ، وقال تعالى: " ومن أحسن دينا ممن أسلم وجه لله وهو محسن " (النساء: 125) ، وقال تعالى: " ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى " (لقمان: 22) أي بلا إله إلا الله " وإلى الله عاقبة الأمور " ومعنى يسلم وجهه أي ينقاد، وهو محسن: موحد. الخامس: الصدق وهو الصدق فيها المنافي للكذب، وهو أن يقولها صدقا من قلبه يواطئ قلبه لسانه، قال الله عز وجل: " الم، أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون، ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين " (العنكبوت: 1-3) إلى آخر الآيات، وفي الصحيحين عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: " ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله صدقا من قلبه إلا حرمه الله على النار ". السادس: الإخلاص وهو تصفية العمل بصالح النية عن جميع شوائب الشرك، قال الله تبارك وتعالى: " ألا لله الدين الخالص " (الزمر: 3) ، وقال تعالى: " وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء " (البينة: 5) الآية، وفي الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه أو نفسه ". السابع: المحبة وهي المحبة لهذه الكلمة وما اقتضته ودلت عليه، ولأهلها العاملين بها، الملتزمين لشروطها، وبغض ما ناقض ذلك، قال الله عز وجل: " ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله " (البقرة: 165) ، وعلامة حب العبد ربه تقديم محابه وإن خالفت هواه، وبغض ما يبغض ربه وإن مال إليه هواه، وموالاة من والى الله ورسوله ومعاداة من عاداه، واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم واقتفاء أثره وقبول هداه. وكل هه العلامات شروط في المحبة لا يتصور وجود المحبة مع عدم شرط منها. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار " (أخرجاه من حديث أنس بن مالك) . وزاد بعضهم شرطا ثامنا وهو الكفر بما يعبد من دون الله (الكفر بالطاغوت) ، قال صلى الله عليه وسلم: " من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله عز جل " رواه مسلم. فلا بد لعصمة الدم والمال مع قوله (لا إله إلا الله) من الكفر بما يعبد من دون الله كائنا من كان. [الْمَصْدَرُ] مختصر معارج القبول لمحمد بن سعيد القحطاني ص 119 - 122. الحديث: 9104 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 ما معنى لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر [السُّؤَالُ] ـ[هل الحديث لا تسبوا الوقت فإن الله هو الوقت يصح عن الرسول صلى الله عليه وسلم؟ وإذا كان صحيحا, فكيف تفسره؟ فقد أشكل علي هذا الموضوع.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحديث ليس بهذا اللفظ " لا تسبوا الوقت فإن الله هو الوقت "، وإنما هو بلفظ " لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر " (وقد يكون اللفظ المذكور جاء بسبب طريقة ترجمة السؤال) ، وقد رواه مسلم عن أبي هريرة (5827) ، وفي لفظ آخر: " لا يسب أحدكم الدهر فإن الله هو الدهر "، وفي لفظ آخر: " لا يقولن أحدكم يا خيبة الدهر فإن الله هو الدهر "، وفي لفظ: " قال الله عز وجل: يؤذيني ابن آدم يقول يا خيبة الدهر فلا يقولن يا خيبة الدهر فأنا الدهر أقلب الليل والنهار فإذا شئت قبضتهما ". وأما معنى الحديث فقد قال النووي: قالوا: هو مجاز وسببه أن العرب كان شأنها أن تسب الدهر عند النوازل والحوادث والمصائب النازلة بها من موت أو هرم أو تلف مال أو غير ذلك فيقولون " يا خيبة الدهر " ونحو هذا من ألفاظ سب الدهر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر " أي: لا تسبوا فاعل النوازل فإنكم إذا سببتم فاعلها وقع السب على الله تعالى لأنه هو فاعلها ومنزلها، وأما الدهر الذي هو الزمان فلا فعل له بل هو مخلوق من جملة خلق الله تعالى. ومعنى " فإن الله هو الدهر " أي: فاعل النوازل والحوادث وخالق الكائنات والله أعلم. " شرح مسلم " (15 / 3) . وينبغي أن يعلم أنه ليس من أسماء الله اسم " الدهر " وإنما نسبته إلى الله تعالى نسبة خلق وتدبير، أي: أنه خالق الدهر، بدليل وجود بعض الألفاظ في نفس الحديث تدل على هذا مثل قوله تعالى: " بيدي الأمر أقلِّب ليلَه ونهارَه " فلا يمكن أن يكون في هذا الحديث المقلِّب - بكسر اللام - والمقلَّب - بفتح اللام - واحداً، وإنما يوجد مقلِّب - بكسر اللام - وهو الله، ومقلَّب - بفتح اللام - وهو الدهر، الذي يتصرف الله فيه كيف شاء ومتى شاء. انظر " فتاوى العقيدة " للشيخ ابن عثيمين (1 / 163) . قال الحافظ ابن كثير - عند قول الله تعالى: {وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر} [الجاثية / 24]-: قال الشافعي وأبو عبيدة وغيرهما في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم: " لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر " كانت العرب في جاهليتها إذا أصابهم شدة أو بلاء أو نكبة قالوا: " يا خيبة الدهر " فيسندون تلك الأفعال إلى الدهر ويسبونه وإنما فاعلها هو الله تعالى فكأنهم إنما سبوا الله عز وجل لأنه فاعل ذلك في الحقيقة فلهذا نهى عن سب الدهر بهذا الاعتبار لأن الله تعالى هو الدهر الذي يصونه ويسندون إليه تلك الأفعال. وهذا أحسن ما قيل في تفسيره، وهو المراد. والله أعلم " تفسير ابن كثير " (4 / 152) . وسئل الشيخ ابن عثيمين حفظه الله عن حكم سب الدهر: فأجاب قائلا: سب الدهر ينقسم إلى ثلاثة أقسام. القسم الأول: أن يقصد الخبر المحض دون اللوم: فهذا جائز مثل أن يقول " تعبنا من شدة حر هذا اليوم أو برده " وما أشبه ذلك لأن الأعمال بالنيات واللفظ صالح لمجرد الخبر. القسم الثاني: أن يسب الدهر على أنه هو الفاعل كأن يقصد بسبه الدهر أن الدهر هو الذي يقلِّب الأمور إلى الخير أو الشر: فهذا شرك أكبر لأنه اعتقد أن مع الله خالقا حيث نسب الحوادث إلى غير الله. القسم الثالث: أن يسب الدهر ويعتقد أن الفاعل هو الله ولكن يسبه لأجل هذه الأمور المكروهة: فهذا محرم لأنه مناف للصبر الواجب وليس بكفر؛ لأنه ما سب الله مباشرة، ولو سب الله مباشرة لكان كافراً. " فتاوى العقيدة " (1 / 197) . ومن منكرات الألفاظ عند بعض الناس أنه يلعن الساعة أو اليوم الذي حدث فيه الشيء الفلاني (مما يكرهه) ونحو ذلك من ألفاظ السّباب فهو يأثم على اللعن والكلام القبيح وثانيا يأثم على لعن ما لا يستحقّ اللعن فما ذنب اليوم والسّاعة؟ إنْ هي إلا ظروف تقع فيها الحوادث وهي مخلوقة ليس لها تدبير ولا ذنب، وكذلك فإنّ سبّ الزمن يعود على خالق الزّمن، فينبغي على المسلم أن ينزّه لسانه عن هذا الفحش والمنكر. والله المستعان. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 9571 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام [السُّؤَالُ] ـ[جاء في سورة النجم أن سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم قد رأى سيدنا جبريل مرتين، فما هي المرتان؟ وهل كانت المرة الأولى في الأفق الأعلى في أول نزول الوحي، والثانية في سدرة المنتهى؟ وإذا كان وقعت رؤية الروح الأمين مرتين، فكيف نفسر سورة المدثر، بأنه رأى الروح الأمين جالسا على كرسي بين السماء والأرض؟ لعلها لم تكن هذه الهيئة هي هيئة سيدنا جبريل الحقيقية! والصورة التي تصورها الآيات من 5 إلى 12 في سورة النجم تصور سيدنا جبريل بأنه جالس ويملأ الأفق، ثم يقترب من الرسول صلى الله عليه وسلم. فهل فهمي للآية هكذا صحيح؟ أم أن المرة الأولى حين نزل الوحي كانت قبل بلوغ الأفق الأعلى. أنا طالب لعلم التفسير، وأريد ردا على هذا السؤال.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الذي تقرره الأدلة الصريحة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل عليه السلام على صورته التي خلقه الله عليها مرتين اثنتين فقط، وقد عد السيوطي رحمه الله هذا الأمر من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم كما في " الخصائص الكبرى " (1/197) ، وهاتان الرؤيتان هما: الرؤية الأولى: كانت في الأرض في بداية الوحي، ونزلت عليه بعدها سورة المدثر. فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ – أي انقطاع - الْوَحْيِ فَقَالَ فِي حَدِيثِهِ: (فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ السَّمَاءِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَجَئِثْتُ مِنْهُ رُعْبًا فَرَجَعْتُ، فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي، زَمِّلُونِي، فَدَثَّرُونِي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ – إلى – والرجز فَاهْجُر) رواه البخاري (4641) ومسلم (161) . وهذه الرؤية هي التي قال الله سبحانه وتعالى فيها: (وَلَقَدْ رَآهُ بِالأفُقِ الْمُبِينِ) التكوير/23. قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: "يعني: ولقد رأى محمدٌ جبريل الذي يأتيه بالرسالة عن الله عز وجل على الصورة التي خلقه الله عليها له ستمائة جناح، (بِالأفُقِ الْمُبِينِ) أي: البين، وهي الرؤية الأولى التي كانت بالبطحاء (موضع بمكة) ، وهي المذكورة في قوله: (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى وَهُوَ بِالأفُقِ الأعْلَى ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إَلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى) النجم/5 –10، كما تقدم تفسيرُ ذلك وتقريره، والدليلُ أن المرادَ بذلك جبريل عليه السلام. والظاهر- والله أعلم - أن هذه السورة – يعني سورة التكوير - نزلت قبل ليلة الإسراء؛ لأنه لم يذكر فيها إلا هذه الرؤية، وهي الأولى. وأما الثانية وهي المذكورة في قوله: (وَلَقَدْ رَآهُ نزلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى) النجم: 13 -16، فتلك إنما ذكرت في سورة " النجم "، وقد نزلت بعد سورة الإسراء " انتهى. " تفسير القرآن العظيم " (8/339) . والرؤية الثانية: كانت في السماء، ليلة الإسراء والمعراج عند سدرة المنتهى. وقد نصت الآية في سورة النجم على الرؤية الثانية، وأشارت إلى الرؤية الأولى، وذلك في قوله سبحانه وتعالى: (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى. عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى) النجم/13-14. قال ابن مسعود رضي الله عنه في تفسير هذه الآية: رأى جبريل له ستمائة جناح. رواه البخاري (3232) ومسلم (174) . قال النووي رحمه الله: "وهكذا قاله أيضا أكثر العلماء، قال الواحدي: قال أكثر العلماء: المراد رأى جبريل في صورته التي خلقه الله تعالى عليها" انتهى. "شرح النووي على مسلم" (3/7) . وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله: "هذه الرؤية – يعني الأولى - لجبريل ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم في الأرض، فهبط عليه جبريل عليه السلام وتدلى إليه، فاقترب منه وهو على الصورة التي خلقه الله عليها، له ستمائة جناح. ثم رآه بعد ذلك نزلة أخرى عند سدرة المنتهى، يعني ليلة الإسراء" انتهى. "تفسير القرآن العظيم" (7/445) . ولم يثبت وقوع رؤية ثالثة حقيقية لجبريل عليه السلام، وقد قالت عائشة رضي الله عنها: (وَلَكِنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَام فِي صُورَتِهِ مَرَّتَيْنِ) رواه البخاري (4855) ، وهو عند الإمام مسلم (177) من كلام النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ، لَمْ أَرَهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا غَيْرَ هَاتَيْنِ الْمَرَّتَيْنِ، رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنْ السَّمَاءِ سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131510 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 كيف عرفت الملائكة أن البشر سيفسدون في الأرض؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل خلق الله البشر أولا أم الملائكة؟ وإذا كان الملائكة، فكيف عرفوا أن البشر سيفسدون في الأرض كما في سورة البقره آيه 30؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا شك أن خلق الملائكة كان سابقا على خلق آدم عليه السلام، فقد أخبرنا الله تعالى في أكثر من موضع من كتابه العزيز أنه أعلم الملائكة بأنه سيخلق بشرا من طين، ثم أمرهم بالسجود له حين يتم خلقه، وذلك دليل ظاهر على أن الملائكة كانوا موجودين قبل خلق البشر. يقول الله تعالى: (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن طِينٍ، فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) ص/71-72 ثانيا: وقد أخبر سبحانه وتعالى في سورة البقرة عن حواره مع الملائكة قبل خلق آدم، وذلك دليل ظاهر أيضا على وجودهم قبل آدم عليه السلام. قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً، قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ، قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) البقرة/30 ولكن كيف عرفت الملائكة أن الخليفة الجديد في الأرض سيفسد فيها ويسفك الدماء؟ اختلف في ذلك أهل العلم على أقوال: القول الأول: أنهم علموا ذلك بإعلام الله تعالى لهم، وإن كان ذلك لم يذكر في السياق. قاله ابن مسعود وابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة وابن زيد وابن قتيبة. كما في "زاد المسير" لابن الجوزي (1/60) وهو قول أكثر المفسرين كما قاله ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (7/382) يقول ابن القيم رحمه الله: " وفي هذا دلالة على أن الله قد كان أعلمهم أن بني آدم سيفسدون في الأرض، وإلا فكيف كانوا يقولون ما لا يعلمون، والله تعالى يقول وقوله الحق (لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعلمون) ، والملائكة لا تقول ولا تعمل إلا بما تؤمر به لا غير، قال الله تعالى (ويفعلون ما يؤمرون) " انتهى. "مفتاح دار السعادة" (1/12) . القول الثاني: أنهم قاسوه على أحوال من سلف قبل آدم على الأرض، وهم الجن، فقد سبقوا الإنسان في الأرض وكانوا يفسدون فيها ويسفكون الدماء، فعلمت الملائكة أن البشر سيكونون على حال من سبقهم. روي نحو هذا عن ابن عباس وأبي العالية ومقاتل. انظر "زاد المسير" (1/61) يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " قول الملائكة: (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) يرجِّحُ أنهم خليفة لمن سبقهم، وأنه كان على الأرض مخلوقات قبل ذلك تسفك الدماء وتفسد فيها، فسألت الملائكة ربها عزّ وجلّ: (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) كما فعل من قبلهم " انتهى. "تفسير القرآن الكريم" (1/آية 30) . القول الثالث: أنهم فهموا ذلك من الطبيعة البشرية. وهو الذي يبدو من اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "منهاج السنة" (6/149) يقول العلامة الطاهر ابن عاشور: " وإنما ظنوا هذا الظن بهذا المخلوق من جهة ما استشعروه من صفات هذا المخلوق المستخلف، بإدراكهم النوراني لهيئة تكوينه الجسدية والعقلية والنطقية، إما بوصف الله لهم هذا الخليفة، أو برؤيتهم صورة تركيبه قبل نفخ الروح فيه وبعده، والأظهر أنهم رأوه بعد نفخ الروح فيه، فعلموا أنه تركيب يستطيع صاحبه أن يخرج عن الجبلة إلى الاكتساب، وعن الامتثال الى العصيان ... ، ومجرد مشاهدة الملائكة لهذا المخلوق العجيب المراد جعله خليفة في الأرض كاف في إحاطتهم بما يشتمل عليه من عجائب الصفات.. " قال: " وفي هذا ما يغنيك عما تكلف له بعض المفسرين من وجه اطلاع الملائكة على صفات الإنسان قبل بدوها منه.. " انتهى مختصرا من "التحرير والتنوير" (1/230) . القول الرابع: أنهم فهموا من قوله تعالى (خليفة) أنه الذي يفصل بين الناس ما يقع بينهم من المظالم، ويردعهم عن المحارم والمآثم، قاله القرطبي "الجامع لأحكام القرآن" (1/302) . والمعنى: أنه إذا كان هناك خليفة يحكم بين الناس في المظالم، فإنه يلزم من ذلك أن هؤلاء الناس تقع منهم المظالم. وأنت ترى أخي السائل أنها أقوال مختلفة ليس على أي منها نصوص صريحة من الكتاب والسنة، إنما هي استنباطات لأهل العلم، قد تصيب وقد تخطئ، وإنما أراد الله تعالى أن نتعلم ما في هذه القصة من العبرة والعظة، وما كرم الله تعالى به الإنسان حين خلق آدم فأسجد له الملائكة، وما سوى ذلك من تفاصيل القصة، لا يضر الجهل بها، لذلك لم يأت الكتاب ببيانها، والله تعالى أعلم بالصواب. تنبيه: ليس في هذا السؤال من الملائكة المكرمين لرب العزة سبحانه، عن خلق آدم وذريته اعتراض على الحكمة، أو معارضة لله سبحانه، فإنهم منزهون عن ذلك. قال ابن كثير رحمه الله: وقول الملائكة هذا ليس على وجه الاعتراض على الله، ولا على وجه الحسد لبني آدم، كما قد يتوهمه بعض المفسرين , وقد وصفهم الله تعالى بأنهم لا يسبقونه بالقول، أي: لا يسألونه شيئاً لم يأذن لهم فيه ,.. وإنما هو سؤال استعلام واستكشاف عن الحكمة في ذلك؛ يقولون: يا ربنا ما الحكمة في خلق هؤلاء، مع أن منهم من يفسد في الأرض ويسفك الدماء؟!! فإن كان المراد عبادتك فنحن نسبح بحمدك ونقدس لك، أي نصلي لك ... ولا يصدر منا شيء من ذلك, وهلا وقع الاقتصار علينا؟ قال الله تعالى مجيباً لهم عن هذا السؤال: {إني أعلم مالا تعلمون} أي: إني أعلم من المصلحة الراجحة في خلق هذا الصنف، على المفاسد التي ذكرتموها، مالا تعلمون أنتم؛ فإني جاعل فيهم الأنبياء، وأرسل فيهم الرسل، ويوجد منهم الصديقون والشهداء والصالحون والعباد والزهاد والأولياء والأبرار والمقربون والعلماء والعاملون والخاشعون والمحبون له تبارك وتعالى المتبعون رسله صلوات الله وسلامه عليهم..) تفسير ابن كثير (1/69) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128573 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 يسأل عن مصير الملكين الموكلين بكتابة أعمال الإنسان بعد وفاته! [السُّؤَالُ] ـ[أفتونا عن الملائكة الموكلين بالإنسان لإحصاء أعماله في مدة الحياة عندما يموت الإنسان، هل يموت الملكان الموكلان به أو أين يكون مصيرهما بعد وفاة الإنسان؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " أحوال الملائكة وشؤونهم من الغيبيات، ولا تعرف إلا من قبل السمع [الكتاب والسنة] ، ولم يرد نص في موت كتبة الحسنات والسيئات عند موت من تولوا كتابة حسناته وسيئاته، ولا نص ببقاء حياتهم ولا عن مصيرهم، وذلك إلى الله، وليس ما سئل عنه مما كلفنا اعتقاده، ولا يتعلق به عمل، فالسؤال عن ذلك دخول فيما لا يعني؛ لذا ننصح السائل أن لا يدخل فيما لا يعنيه، ويبذل جهده في السؤال عما يعود عليه وعلى المسلمين بالنفع في دينهم ودنياهم. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم " انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ إبراهيم بن محمد آل الشيخ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن منيع "فتاوى اللجنة الدائمة" (2/402) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121242 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 هل ثبت شيء في " الملائكة الكروبيون "؟ [السُّؤَالُ] ـ[من هم الملائكة الكروبيون؟ حيث إن الشيخ الألباني رحمه الله أنكر هذا الاسم في فتاوى " جدة " الشريط رقم 17 (01:03:42) ]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الإيمان بالملائكة من أركان ديننا الحنيف، قال تعالى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) البقرة/ 285، وقد ذكرنا كثيراً من المسائل المتعلقة بالملائكة، من حيث خلقهم، وصفاتهم، ووظائفهم، وذلك في جوابي السؤالين: (14610) و (843) . ثانياً: ما يُطلق عليه " الملائكة الكَروبيُّون " ليس له أصل في الأحاديث النبوية الصحيحة ـ فيما نعلم ـ، وغاية ما جاء ذِكرهم فيه: أحاديث ضعيفة جدّاً، وموضوعة، وآثار عن السلف، وطائفة من المفسرين، وقد ذكر بعض العلماء أن الكروبيين هم: من يكونون حول عرش الرحمن، أو هم حملة العرش أنفسهم. وقال آخرون: هم سادة الملائكة وعظماؤهم. وقال فريق ثالث: هم ملائكة العذاب. ومثل هذا الأمر هو من الغيب الذي لا يجوز إثباته إلا بوحي من الله، ولم يثبت في ذلك شيء. أ. ما ورد فيهم من أحاديث غير صحيحة: 1. عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لله ملائكة وهم الكروبيون من شحمة أذن أحدهم إلى ترقوته مسيرة خمسمائة عام للطائر السريع في انحطاط) . والحديث حكم عليه الشيخ الألباني بأنه ضعيف جدّاً، وقال: رواه ابن عساكر (12 / 231 / 2) عن محمد بن أبي السري: أخبرنا عمرو بن أبي سلمة عن صدقة بن عبد الله القرشي عن موسى بن عقبة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله مرفوعا وقال: " روى إبراهيم بن طهمان عن موسى بن عقبة شيئا من هذا ". قلت: وهذا سند واهٍ جدّاً، وله علتان: الأولى: محمد بن أبي السري، وهو متهم. والأخرى: صدقة هذا وهو الدمشقي السمين وهو ضعيف، ووقع في السند " القرشي، ولم ترد هذه النسبة في ترجمته من " التهذيب "، فلعله تحرف على الناسخ نسبته " الدمشقي " بالقرشي، والله أعلم. وقد خالفه إبراهيم بن طهمان عن موسى بن عقبة به بلفظ: (أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله تعالى من حملة العرش، ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة سنة) . وهو بهذا اللفظ صحيح كما قد بينته في " الأحاديث الصحيحة " رقم (151) . " سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة " (2 / 323، حديث 923) . 2. وذكر ابن الجوزي في " بستان الواعظين ورياض السامعين " (ص 20) حديثاً طويلاً، وفيه موت الملائكة، ومنه: (وتموت ملائكة السبع سموات، والحجب، والسرادقات، والصادقون، والمسبحون، وحملة العرش، والكرسي، وأهل سرادقات المجد، والكروبيون، ويبقى جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وملك الموت عليه السلام ... .) انتهى. والحديث ليس له إسناد، والكتاب مظنة الضعيف، والموضوع. ب. ما جاء ذِكرهم فيه من كلام السلف ومن بعدهم: 1. قال الخطابي - رحمه الله -: الملائكة الكَرُوبيّون، وهم: المُقَرّبون، وقال بعضهم: إنما سُمُّوا: " كَرُوبيين " لأنهم يُدْخِلون الكَرْب على الكفار، وليس هذا بشيء. " غريب الحديث " (1 / 440) . 2. وقال ابن الأثير - رحمه الله -: في حديث أبي العالية: (الكروبيون سادة الملائكة) هم المقربون، ويقال لكل حيوانٍ وَثِيْقِ المفاصل: إنه لمُكْرَب الخَلْق، إذا كان شديد القُوَى. والأول أشبه. " النهاية في غريب الحديث والأثر " (4 / 161) . والخلاصة: لم يصح شيء من الأحاديث المرفوعة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يسمى " الملائكة الكروبيون "، والواجب الوقوف في مسائل الغيب عند إثبات الوحي لها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121038 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 الحكمة من إيجاد الكرام الكاتبين مع أن الله يعلم كل شيء [السُّؤَالُ] ـ[ما الحكمة من إيجاد الكرام الكاتبين مع أن الله يعلم كل شيء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " نقول في مثل هذه الأمور: إننا قد ندرك حكمتها، وقد لا ندرك، فإن كثيراً من الأشياء لا نعلم حكمتها، كما قال الله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) الإسراء/85. فإن هذه المخلوقات لو سألنا سائل: ما الحكمة أن الله جعل الإبل على هذا الوجه، وجعل الخيل على هذا الوجه، وجعل الحمير على هذا الوجه، وجعل الآدمي على هذا الوجه؟ وما أشبه ذلك، لو سألنا عن الحكمة في هذه الأمور ما علمناها، ولو سُئلنا: ما الحكمة في أن الله عز وجل جعل صلاة الظهر أربعاً، وصلاة العصر أربعاً، والمغرب ثلاثاً، وصلاة العشاء أربعاً؟ وما أشبه ذلك ما استطعنا أن نعلم الحكمة في ذلك. وبهذا علمنا أن كثيراً من الأمور الكونية، وكثيراً من الأمور الشرعية تخفى علينا حكمتها، وإذا كان كذلك فإنا نقول: إن التماسنا للحكمة في بعض الأشياء المخلوقة أو المشروعة، إنْ مَنَّ اللهُ علينا بالوصول إليها فذاك زيادة فضل وخير وعلم، وإن لم نصل إليها، فإن ذلك لا ينقصنا شيئاً. ثم نعود إلى جواب السؤال، وهو ما الحكمة في أن الله عز وجل وَكَّل بنا كراماً كاتبين يعلمون ما نفعل؟ فالحكمة من ذلك: بيان أن الله سبحانه وتعالى نَظَّم الأشياء وقَدَّرها، وأحكمها إحكاماً متقناً، حتى إنه سبحانه وتعالى جعل على أفعال بني آدم وأقوالهم كراماً كاتبين، موكلين بهم، يكتبون ما يفعلون، مع أنه سبحانه وتعالى عالم بما يفعلون قبل أن يفعلوه، ولكن كل هذا من أجل بيان كمال عناية الله عز وجل بالإنسان، وكمال حفظه تبارك وتعالى، وأن هذا الكون منظم أحسن نظام، ومحكم أحسن إحكام، والله عليم حكيم. والله أعلم " انتهى. "مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (1/121) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120870 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 الاستهزاء بملك الموت [السُّؤَالُ] ـ[توفي قريب لأحد معارفي منذ فترة، وبعدها بفترة وجيزة توفي له قريب آخر، فبعدها بفترة طويلة عندما كنا نتحدث عنهما قلت له وبلا قصد: يبدو أن هناك ثأرا ما بين عائلتكم وبين ملك الموت، على سبيل المزاح، فهل يعتبر هذا كفرا بالله؛ لأني قلت هذا على أحد ملائكة الله، أم ماذا، وماذا أفعل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب على المسلم أن يحفظ لسانه، فلا يتكلم بما يغضب الله تعالى، ورُبَّ كلمة يتكلم بها الإنسان، وهو لا يظن أن لها شأناً، تكون سبب هلاكه وعذابه، والعياذ بالله. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا، يَزِلُّ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِقِ) رواه البخاري (6477) ومسلم (2988) . وفي رواية الترمذي (2314) : (إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ لاَ يَرَى بِهَا بَأْسًا يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا فِي النَّارِ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. وعن بلال المزني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ، فَيَكْتُبُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ) رواه الترمذي (2319) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. والإيمان بالملائكة وإجلالهم وتقديرهم من أركان الإيمان الستة، وملك الموت لا يتصرف إلا بما يأمره الله به، كما قال عز وجل: (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ) الأنعام/61. فهم موكلون من الله عز وجل بتقدير حكيم، وليس ذلك عن ثأر ولا عن بغض أو انتقام – تعالى الله عن ذلك -: قال الله سبحانه وتعالى: (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) السجدة/11. وقد ذكر أهل العلم أن الاستهزاء بالملائكة أو بأحد منهم كفر، وخروج عن الإسلام واستدلوا بقول الله عز وجل: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ. لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ) التوبة/65-66. قال ابن حزم رحمه الله: " وصح بالنص أن كل من استهزأ بالله تعالى، أو بملك من الملائكة، أو بنبي من الأنبياء عليهم السلام، أو بآية من القرآن، أو بفريضة من فرائض الدين، فهي كلها آيات الله تعالى، بعد بلوغ الحجة إليه، فهو كافر " انتهى. "الفصل في الملل والأهواء والنحل" (3/142) . وقال أيضا: " كل من سب الله تعالى أو استهزأ به، أو سب ملكا من الملائكة أو استهزأ به، أو سب نبيا من الأنبياء أو استهزأ به، أو سب آية من آيات الله تعالى أو استهزأ بها، والشرائع كلها والقرآن من آيات الله تعالى، فهو بذلك كافر، مرتد، له حكم المرتد " انتهى. "المحلى" (11/413) . وقال ابن نجيم الحنفي رحمه الله: " يكفر بعيبه ملكا من الملائكة أو الاستخفاف به " انتهى. "البحر الرائق" (5/131) . بل ذكر بعض العلماء أنه يكفر مَن تكلم بما فيه مجرد إشعار بالاستهزاء والسخرية. قال ابن نجيم الحنفي: "ويكفر بقوله لغيره: " رؤيتي إياك كرؤية ملك الموت " عند البعض، خلافاً للأكثر " انتهى. والكلمة التي تكلمت بها فيها شيء من الاستهزاء بملك الموت، فعليك التوبة منها والاستغفار، وسؤال الله تعالى العفو والعافية، والعزم على عدم العودة لذلك مرة أخرى، وتجديد إيمانك بالنطق بالشهادتين، وأكثر من الأعمال الصالحة – الصدقة وغيرها – فإن الله تعالى يقبل توبة من تاب إليه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111473 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 هل إبليس من الجن أو من الملائكة [السُّؤَالُ] ـ[هل إبليس ملك أم جني؟ فإن كان ملكاً فكيف عصى الله والملائكة لا يعصون الله؟ وإن كان جنياً فإن هذا يوضح أن له اختيار الطاعة أو المعصية. أرجو الإجابة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إبليس - لعنه الله - من الجن، ولم يكن يوماً ملكاً من الملائكة، ولا حتى طرفة عين؛ فإن الملائكة خلق كرام لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وقد جاء ذلك في النصوص القرآنية الصريحة التي تدل على أن إبليس من الجن وليس من الملائكة، ومنها: 1- قال الله تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لآِدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً) الكهف / 50. 2- وقد بيّن الله تعالى أنه خَلَقَ الجن من النار، قال تعالى: (وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ) الحجر/27، وقال: (وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ) الرحمن/15. وجاء في الحديث الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خُلِقَت الملائكة من نور، وّخُلِقَ الجَّان من مارجٍ من نار، وخُلِقَ آدم مما وُصِفَ لكم " رواه مسلم في صحيحه برقم 2996، ورواه أحمد برقم 24668، والبيهقي في السنن الكبرى برقم 18207، وابن حبان برقم 6155. فمن صفات الملائكة أنها خُلِقت من نور، والجن خُلِق من نار، وقد جاء في الآيات أن إبليس - لعنه الله - خُلِقَ من النار، جاء ذلك على لسان إبليس لما سأله الله سبحانه وتعالى عن سبب رفضه السجود لآدم لمّا أمره الله بذلك، فقال - لعنه الله -: (قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) الأعراف/12، ص/76، فيدل هذا على أنه كان من الجن. 3- وقد وَصَفَ الله عز وجل الملائكة في كتابه الكريم، فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم /6. وقال سبحانه: (بَلْ عِبادٌ مُكْرَمون * لا يَسْبِقُوْنَهُ بالقَولِ وهُم بِأمْرِهِ يَعْمَلُونَ) الأنبياء / 26 -27. وقال: (وَلِلّهِ يَسجُدُ مَا فِي السَمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ والمَلاَئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ * يَخَافُوْنَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُوْنَ مَا يُؤْمَرُوْنَ) النحل / 49 -50. فلا يمكن أن يعصي الملائكة ربهم لأنهم معصومون من الخطأ ومجبولون على الطاعة. 4- وكون إبليس ليس من الملائكة فإنه ليس مجبراً على الطاعة، وله الاختيار، كما لنا نحن البشر، قال تعالى: (إناّ هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً) ، وأيضاً فإن هناك المسلمين والكافرين من الجن؛ جاء في الآيات من سورة الجن: (قل أوحي إلي أنه استمع نفرٌ من الجنّ فقالوا إنّا سمعنا قرآناً عجباً * يهدِي إلى الرُّشد فآمنّا به ولن نُشرِك برنا أحداً) الجن / 1-2. وجاء في نفس السورة على لسان الجن: (وأنّا لمّا سمعنا الهدى آمنّا به فمن يُؤمن بربه فلا يخاف بخساً ولا رَهَقاً * وأنّا منّا المسلمون ومنّا القاسطون..) الآيات. قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: (قال الحسن البصري: " ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين، وإنه لأصل الجن، كما أن آدم عليه السلام أصل البشر " رواه الطبري بإسناد صحيح) ج3/ 89. وقد قال بعض العلماء إن إبليس ملَكٌ من الملائكة، وأنه طاووس الملائكة، وأنه كان من أكثر الملائكة اجتهاداً في العبادة.. إلى غير ذلك من الروايات التي معظمها من الإسرائيليات، ومنها ما يُخالِف النصوص الصريحة في القرآن الكريم.. وقد قال ابن كثير مبيّناً ذلك: " وقد روي في هذا آثار كثيرة عن السلف، وغالبها من الإسرائيليات - التي تُنْقَلُ لِيُنْظَرَ فيها - والله أعلم بحال كثير منها، ومنها ما قد يُقْطَعُ بكذِبِهِ لمُخَالَفَتِهِ للحقّ الذي بأيدينا، وفي القرآن أخبار غنية عن كل ما عداه من الأخبار المتقدمة؛ لأنها لا تكاد تخلو من تبديل وزيادة ونقصان، وقد وضع فيها أشياء كثيرة، وليس لهم من الحفاظ المتقنين الذي ينفون عنها تحريف الغالين وانتحال المبطلين كما لهذه الأمة من الأئمة والعلماء والسادة والأتقياء والبررة والنجباء من الجهابذة النقاد والحفاظ الجياد الذين دَوّنوا الحديث وحرروه وبينوا صحيحه من حسنه من ضعيفه من منكره وموضوعه ومتروكه ومكذوبه وعرفوا الوضاعين والكذابين والمجهولين وغير ذلك من أصناف الرجال كل ذلك صيانة للجناب النبوي والمقام المحمدي خاتم الرسل وسيد البشر صلى الله عليه وسلم أن ينسب إليه كذب أو يحدث عنه بما ليس منه فرضي الله عنهم وأرضاهم وجعل جنات الفردوس مأواهم " تفسير القرآن العظيم ج 3/90. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 8976 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 الملائكة [السُّؤَالُ] ـ[هل لك أن تعطيني بعض المعلومات عن الملائكة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله خلق الله الملائكة من نور قال عليه الصلاة والسلام: (خُلقت الملائكة من نور , وخلق الجان من مارج من نار , وخُلق آدم مما وصف لكم) رواه مسلم/2996. والملائكة مجبولون على طاعة الله: (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) التحريم/6. وهم خلق لا يأكلون ولا يشربون وإنما طعامهم التسبيح والتهليل كما أخبر الله عنهم: (يسبحون الليل والنهار لا يفترون) الأنبياء/20. وقد شهد الملائكة بوحدانية الله كما قال سبحانه: (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم) آل عمران/18. وفي مقام التشريف اصطفى الله من الملائكة رسلاً كما اصطفى من الناس رسلاً: (الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس) الحج/75. ولما خلق الله آدم وأراد تشريفه أمر الملائكة بالسجود له: (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين) البقرة/34. والملائكة خلق عظيم ولهم أعمال متعددة وهم طوائف كثيرة لا يعلمهم إلا الله فمنهم حملة العرش: (الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا) غافر/7. ومنهم من ينزل بالوحي على الرسل وهو جبريل عليه السلام الذي نزل بالقرآن على محمد صلى الله عليه وسلم: (نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين) الشعراء/193. ومنهم ميكائيل الموكل بالقطر والنبات وإسرافيل الموكل بالنفخ بالصور عند قيام الساعة. ومنهم الحفظة الموكلون بحفظ بني آدم وأعمالهم: (وإن عليكم لحافظين، كراماً كاتبين، يعلمون ما تفعلون) الانفطار/10-12. ومنهم الموكلون بكتابة الأعمال كلها خيراً كانت أو شراً: (إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد، ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) ق/17-18. ومنهم الموكلون بقبض أرواح المؤمنين: (الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون) النحل/32. ومنهم الموكلون بقبض أرواح الكافرين: (ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق) الأنفال/50. ومنهم خزنة الجنة وخدم أهل الجنة: (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار) الرعد/23. ومنهم خزنة جهنم: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد) التحريم/6. ومنهم المجاهدون مع المؤمنين: (إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان) الأنفال/12. وفي ليلة القدر من شهر رمضان تنزل الملائكة ليشهدوا الخير مع المسلمين كما قال سبحانه: (ليلة القدر خير من ألف شهر، تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر) القدر/3-4. والملائكة لا تدخل بيتاً فيه تمثال أو صورة أو كلب قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة) رواه مسلم/2106. والإيمان بالملائكة ركن من أركان الإيمان ومن جحدهم فقد كفر: (ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالاً بعيداً) النساء/136. [الْمَصْدَرُ] من كتاب أصول الدين الإسلامي للشيخ محمد بن ابراهيم التويجري. الحديث: 14610 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 عدد الملائكة مع كل شخص [السُّؤَالُ] ـ[ما عدد الملائكة الذين يكونون مع المسلم وما وظيفتهم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الملائكة الكرام يصحبون بني آدم من يوم تكوينهم في بطون أمهاتهم حتى نزع أرواحهم من أجسادهم يوم موتهم، وهم أيضاً يصحبونهم في قبورهم وفي الآخرة. ـ أما صحبتهم له في الدنيا فتكون كما يلي: أولا: يقومون عليه عند خلقه. عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وكَّل الله بالرحم ملَكاً، فيقول: أي رب نطفة؟ أي رب علقة؟ أي رب مضغة؟ فإذا أراد الله أن يقضي خلقها قال: أي رب ذكر أم أنثى؟ أشقي أم سعيد؟ فما الرزق؟ فما الأجل؟ فيكتب كذلك في بطن أمه. رواه البخاري (6595) ومسلم (2646) واللفظ للبخاري. ثانيا: حراستهم لابن آدم. قال تعالى: {سوآءٌ منكم مَن أسرَّ القول ومَن جهر به ومَن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار. له معقِّبات مِن بين يديه ومِن خلفه يحفظونه من أمر الله} [الرعد/10-11] . وقد بين ترجمان القرآن ابن عباس أن المعقبات مِن الله هم الملائكة جعلهم الله ليحفظوا الإنسان من أمامه ومن ورائه، فإذا جاء قدر الله - الذي قدّر عليه أن يقع به من حادث ومصاب ونحوه - تخلوا عنه. وقال مجاهد: ما من عبد إلا له ملَك موكل بحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس والهوام، فما منها شيء يأتيه إلا قال له الملك: وراءك، إلا شيء أذن الله فيه فيصيبه. وقال رجل لعلي بن أبي طالب: إن نفرا من مراد يريدون قتلك، فقال - أي: علي -: إن مع كل رجل ملكين يحفظانه مما لم يُقدَّر، فإذا جاء القدر خليا بينه وبينه، إن الأجل جُنَّة حصينة. والمعقبات المذكورة في آية الرعد هي المرادة بالآية الأخرى: {وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون} . فالحفظة الذي يرسلهم الله يحفظون العبد حتى يأتي أجله المقدر له. ثالثا: الملائكة الذين يكتبون الحسنات والسيئات. ما من أحد من الناس إلا وله ملكان يكتبان أعماله من الخير والشر من صغير أو كبير، قال تعالى: {وإن عليكم لحافظين، كراماً كاتبين، يعلمون ما تفعلون} [الانفطار/10 -12] . وقال تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد، إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد، ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} [ق/16-18] ويكتب صاحب اليمين الحسنات وصاحب الشمال يكتب السيئات. عن أبي أمامة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن صاحب الشمال ليرفع القلم ست ساعات عن العبد المسلم المخطئ، فإن ندم واستغفر الله منها ألقاها، وإلا كتبت واحدة. رواه الطبراني في " المعجم الكبير " (8 / 158) . والحديث: صححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " (2 / 212) . وإذا علمنا هذا تبين أن عدد الذين يصحبون ابن آدم بعد ولادته: أربعة ملائكة. قال ابن كثير رحمه الله: وقوله: {له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله} أي: للعبد ملائكة يتعاقبون عليه حرس بالليل وحرس بالنهار، يحفظونه من الأسواء والحادثات، كما يتعاقب ملائكة آخرون لحفظ الأعمال من خير أو شر ملائكة بالليل وملائكة بالنهار. فاثنان عن اليمين والشمال يكتبان الأعمال صاحب اليمين يكتب الحسنات وصاحب الشمال يكتب السيئات. وملكان آخران يحفظانه ويحرسانه، واحد من ورائه وآخر من قدامه. فهو بين أربعة أملاك بالنهار وأربعة آخرين بالليل. " تفسير ابن كثير " (2 / 504) . والله أعلم وللمزيد يراجع السؤال رقم 843. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 6523 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 حكم وصف الممرضات بملائكة الرحمة [السُّؤَالُ] ـ[نقرأ ونسمع كثيراً من عامة الناس وكتابهم وشعرائهم من يصف في كتابه أو شعره الممرضات بأنهن ملائكة الرحمة؟ هل يجوز ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الوصف لا يجوز إطلاقه على الممرضات، لأن الملائكة ذكور وليسوا إناثاً، وقد أنكر الله سبحانه على المشركين وصفهم الملائكة بالأنوثية، ولأن ملائكة الرحمة لهم وصف خاص لا ينطبق على الممرضات ولأن الممرضات فيهن الطيب والخبيث , فلا يجوز إطلاق هذا الوصف عليهن. والله الموفق. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/8 ص / 423. الحديث: 8055 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 هل يصلي على الملائكة في التشهد؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن أصلي على الملائكة في التشهد كما أصلي على النبي صلى الله عليه وسلم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سبق في جواب السؤال رقم (105330) مشروعية الصلاة على الملائكة. أما في التشهد فلا يشرع ذلك، لأن الواجب الاقتصار على ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، من غير زيادة عليه. وقد سئل الشيخ صالح الفوزان: هل يصلي على الملائكة في التشهد كما يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم؟ فأجاب: "لا، الصلاة التي في التشهد يُقتصر فيها على الوارد، ولكن في قولنا: (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) هذا يشمل كل عبد صالح في السماء أو في الأرض، وتدخل فيه الملائكة ". "مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (1/52) [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105310 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 مشروعية الصلاة على الملائكة [السُّؤَالُ] ـ[هل تجوز الصلاة على الملائكة لفضلهم ورفعة قدرهم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الصلاة على الملائكة مشروعة أن تقول: عليهم الصلاة والسلام، وتقول: عليهم السلام، لأنهم عبادٌ مكرمون، وهم خلق من خلق الله فضلهم الله وسبحانه وتعالى، على غيرهم كما قال تعالى في حقهم: (بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ) الأنبياء/ 26، وكما قال تعالى: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ) الانفطار/10،11، وقال تعالى (بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ) عبس/15،16، إلى غير ذلك، فهم لهم قدرهم ولهم فضلهم وشرفهم ويُشرع الصلاة عليهم، لا مانع من ذلك، بل هذا مشروع" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (1/52) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105330 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 الملائكة [السُّؤَالُ] ـ[ماذا تعتقد في الملائكة بخصوص وظيفتهم، هيئتهم، أشكالهم، قوتهم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الإيمان بالملائكة أحد أركان الإيمان الستة التي لا يقوم الإيمان إلا بها، ومن لم يؤمن بواحدة منها فليس بمؤمن، وهي: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشرّه من الله تعالى. والملائكة من عالم الغيب الذي لا نُدركه، وقد أخبرنا الله عنهم بأخبار كثيرة في كتابه وعلى لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وفيما يلي طائفة من المعلومات الصحيحة والأخبار الثابتة الواردة فيهم، لعلك أيتها السائلة الكريمة تقدّرين الأمر حقّ قدره وتعلمين عظمة الخالق سبحانه وعظمة هذا الدّين الذي جاءنا بأخبارهم: من أيّ شيء خلقوا؟ : خلقوا من نور كما قالت عَائِشَةُ رضي الله عنها: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خُلِقَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ ". رواه مسلم رقم 2996 متى خلقوا؟ : ليس لنا علم على وجه التحديد بوقت خلقهم لعدم ورود النص في ذلك لكنهم سابقون لخلق الإنس يقينا لنص القرآن: {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة} سورة البقرة آية 30. فأخبرهم بإرادته خلق الإنسان فدلّ على أنهم موجودون قبله. عظم خلقهم: يقول تعالى في ملائكة النار: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} سورة التحريم آية 6. وأعظمه على الإطلاق جبريل عليه السلام ومما جاء في وصفه: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِبْرِيلَ فِي صُورَتِهِ وَلَهُ سِتُّ مِائَةِ جَنَاحٍ كُلُّ جَنَاحٍ مِنْهَا قَدْ سَدَّ الأُفُقَ يَسْقُطُ مِنْ جَنَاحِهِ مِنَ التَّهَاوِيلِ وَالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ مَا اللَّهُ بِهِ عَلِيمٌ. رواه أحمد في المسند قال ابن كثير في البداية 1/47 إسناده جيد. وقال رسول الله واصفا جبريل: " رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنَ السَّمَاءِ سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ " رواه مسلم رقم 177 ومن الملائكة العظام أيضا حَمَلة العرش ومما جاء في وصفهم: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ مَلائِكَةِ اللَّهِ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ إِنَّ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِ مِائَةِ عَامٍ ". سنن أبي داود: كتاب السنة: باب في الجهمية. لهم أجنحة: يقول الله تعالى: {الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شئ قدير} . سورة فاطر آية 1 جمالهم: قال تعالى واصفا جبريل عليه السلام: {علمه شديد القوى. ذو مرة فاستوى} سورة النجم آية 5-6 قال ابن عباس: {ذو مرة} ذو منظر حسن، وقال قتادة: ذو خَلْق طويل حسن. وقد تقرر عند الناس جميعا وصف الملائكة بالجمال ولذا فهم يشبّهون الجميل من البشر بالملائكة كما قالت النسوة في حق يوسف الصديق: {فلما رأينه أكبرنه وقطّعن أيديهن وقلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم} . سورة يوسف آية 31 تفاوتهم في الخلق والمقدار: الملائكة ليسوا على درجة واحدة في الخلق والمقدار بل يتفاوتون كما يتفاوتون في الفضل كذلك فأفضلهم من شهد بدرا كما جاء في حديث مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ عَنْ أَبِيهِ وَكَانَ أَبُوهُ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ قَالَ جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا تَعُدُّونَ أَهْلَ بَدْرٍ فِيكُمْ قَالَ: مِنْ أَفْضَلِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا قَالَ وَكَذَلِكَ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الْمَلائِكَةِ. رواه البخاري رقم 3992 لا يأكلون ولا يشربون: ويدل على هذا ما جرى بين خليل الرحمن إبراهيم وأضيافه من الملائكة لما زاروه، قال تعالى: {فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين فقربه إليهم قال ألا تأكلون فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم} .سورة الذاريات آية 28 وفي آية أخرى: {فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط} .سورة هود أية 70 لا يملون ولا يتعبون من ذكر الله وعبادته: قال تعالى: {يسبحون الليل والنهار لا يَفْتُرون} سورة الأنبياء آية 20، وقال سبحانه: {فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون} سورة فصلت آية 38. عددهم: الملائكة خلق كثير لا يعلم عددهم إلا الله يقول النبي صلى الله عليه وسلم واصفا البيت المعمور في السماء السابعة: " فرفع لي البيت المعمور فسألت جبريل فقال هذا البيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا لم يعودوا إليه آخر ما عليهم " رواه البخاري. فتح رقم 3207 وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ: " يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا ". رواه مسلم رقم 2842 أسماؤهم: للملائكة أسماء لكننا لا نعلم من أسمائهم إلا القليل فمن نُصّ على اسمه وجب الإيمان به تفصيلا وإلا كان الإيمان به مجملا داخلا في عموم إيمان العبد بالملائكة، ومن أسماء الملائكة: 1، 2 - جبريل وميكائيل: {قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين، من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين} سورة البقرة آية 98. 3 - إسرافيل: عن أَبُي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْتَتِحُ صَلاتَهُ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ قَالَتْ: كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ افْتَتَحَ صَلاتَهُ اللَّهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ". رواه مسلم رقم 270. 4- مالك: وهو خازن النار قال تعالى: {ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك..} سورة الزخرف آية 77. 5، 6 - منكر ونكير: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قُبِرَ الْمَيِّتُ أَوْ قَالَ أَحَدُكُمْ أَتَاهُ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ يُقَالُ لأَحَدِهِمَا الْمُنْكَرُ وَالآخَرُ النَّكِيرُ فَيَقُولانِ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ فَيَقُولُ مَا كَانَ يَقُولُ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَيَقُولانِ قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ هَذَا ثُمَّ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا فِي سَبْعِينَ ثُمَّ يُنَوَّرُ لَهُ فِيهِ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ نَمْ فَيَقُولُ أَرْجِعُ إِلَى أَهْلِي فَأُخْبِرُهُمْ فَيَقُولانِ نَمْ كَنَوْمَةِ الْعَرُوسِ الَّذِي لا يُوقِظُهُ إِلا أَحَبُّ أَهْلِهِ إِلَيْهِ حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مُنَافِقًا قَالَ سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ فَقُلْتُ مِثْلَهُ لا أَدْرِي فَيَقُولانِ قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ ذَلِكَ فَيُقَالُ لِلأَرْضِ الْتَئِمِي عَلَيْهِ فَتَلْتَئِمُ عَلَيْهِ فَتَخْتَلِفُ فِيهَا أَضَْاعُهُ فلا يَزَالُ فِيهَا مُعَذَّبًا حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ". رواه الترمذي رقم 1071 وقَالَ أَبو عِيسَى: حديثٌ حَسَنٌ غَرِيب وحسنه في صحيح الجامع رقم 724. 7، 8 - هاروت وماروت: يقول تعالى: {وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت} سورة البقرة آية 102 ومنهم غير ذلك {وما يعلم جنود ربك إلا هو وما هي إلا ذكرى للبشر} سورة المدثر آية31 ومنهم غير ذلك قدراتهم للملائكة قدرات عظيمة وهبهم الله إياها ومنها: قدرتهم على التشكل: أعطى الله الملائكة القدرة على التشكل بغير أشكالهم فقد أرسل الله إلى مريم جبريل في صورة بشر يقول تعالى: {فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشر سويا} سورة مريم آية 17. وإبراهيم جاءته الملائكة في صورة بشر ولم يعرف أنهم ملائكة حتى أعلموه بذلك، وكذا لوط أتوه في صورة شباب حسان الوجوه، وقد كان جبريل يأتي النبي في صور متعددة فتارة يأتي في صورة دحية الكلبي وكان صحابيا جميل الصورة، وتارة في صورة أعرابي ورآه الصحابة على صورته البشرية كما في الصحيحين من حديث عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ لا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ وَلا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ وَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلامِ … . الحديث. صحيح مسلم رقم 8 وغير ذلك من الأحاديث الكثيرة الدالة على تصورهم بالصور الآدمية كحديث قاتل المائة وفيه " فجاءهم ملك في صورة آدمي " وحديث الأبرص والأقرع والأعمى. سرعتهم: أعظم سرعة يعرفها البشر اليوم سرعة الضوء وسرعة الملائكة فوق هذه السرعة بكثير إذ أن السائل ما كاد يفرغ من سؤال النبي إلا وقد جاء جبريل بالجواب من رب العزة. وظائفهم: · منهم الموكل بالوحي من الله على رسله وهو الروح الأمين جبريل عليه السلام قال الله تعالى: {من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله} سورة البقرة آية 97 وقال: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ (194) } سورة الشعراء. · ومنهم الموكل بالمطر وتصريفه إلى حيث يشاء الله وهو ميكائيل عليه السلام، وله أعوان يفعلون ما يأمرهم به بأمر ربه ويصرفون الرياح والسحاب كما يشاء الله عز وجل. · ومنهم الموكل بالصور وهو إسرافيل (والصور هو عنق كالبوق ينفخ فيه إسرافيل عند قيام الساعة) . · ومنهم المُوكّل بقبض الأرواح وهو ملك الموت وأعوانه قال تعالى: {قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون} سورة السجدة آية 11. ولم يثبت في حديث صحيح تسميته بعزرائيل. · ومنهم المُوكّل بحفظ العبد في حله وترحاله، في يقظته ونومه وفي كل حالاته وهم المعقبات الذين قال الله في شأنهم: {سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10) لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11) } سورة الرعد. · ومنهم المُوكّل بحفظ عمل العبد من خير أو شر وهم الكرام الكاتبون وهؤلاء يشملهم قوله تعالى: {ويرسل عليكم حفظة} سورة الأنعام آية 61، وقال تعالى: {أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون} سورة الزخرف آية 80، وقال عزّ وجلّ: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد ٌ (18) } سورة ق، وقال: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِين َ (11) } سورة الإنفطار · ومنهم الموكل بفتنة القبر وهم منكر ونكيرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قُبِرَ الْمَيِّتُ أَوْ قَالَ أَحَدُكُمْ أَتَاهُ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ يُقَالُ لأَحَدِهِمَا الْمُنْكَرُ وَالآخَرُ النَّكِيرُ فَيَقُولانِ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ … الحديث وقد تقدّم. · ومنهم خزنة الجنة قال تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) } سورة الزمر. · ومنهم خزنة جهنم وهم الزبانية ورؤساؤهم تسعة عشر ومُقدَّمهم مالك عليه السلام، قال تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71) } سورة الزمر، وقال سبحانه: {فليدع ناديه (17) سندع الزبانية (18) } سورة العلق، وقال تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30) وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلا مَلائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا..} سورة المدثر، وقال تعالى: {ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون} سورة الزخرف آية 77. · ومنهم الموكل بالنطفة في الرَّحِم كما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ فَوَالَّذِي لا إِلَهَ غَيْرُهُ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا. رواه البخاري فتح رقم 3208 ومسلم رقم 2643. · ومنهم حملة العرش قال تعالى في شأنهم: {الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شئ رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم} سورة غافر آية 7. · ومنهم ملائكة سياحون في الأرض يتبعون مجالس الذكر، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ لِلَّهِ مَلائِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ قَالَ فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا قَالَ فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ مَا يَقُولُ عِبَادِي قَالُوا يَقُولُونَ يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَ قَالَ فَيَقُولُ هَلْ رَأَوْنِي قَالَ فَيَقُولُونَ لا وَاللَّهِ مَا رَأَوْكَ قَالَ فَيَقُولُ وَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي قَالَ يَقُولُونَ لَوْ رَأَوْكَ كَانُوا أَشَدَّ لَكَ عِبَادَةً وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجِيدًا وَتَحْمِيدًا وَأَكْثَرَ لَكَ تَسْبِيحًا قَالَ يَقُولُ فَمَا يَسْأَلُونِي قَالَ يَسْأَلُونَكَ الْجَنَّةَ قَالَ يَقُولُ وَهَلْ رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُونَ لا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُ فَكَيْفَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُونَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ عَلَيْهَا حِرْصًا وَأَشَدَّ لَهَا طَلَبًا وَأَعْظَمَ فِيهَا رَغْبَةً قَالَ فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ قَالَ يَقُولُونَ مِنْ النَّارِ قَالَ يَقُولُ وَهَلْ رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُونَ لا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُ فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُونَ لَوْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ مِنْهَا فِرَارًا وَأَشَدَّ لَهَا مَخَافَةً قَالَ فَيَقُولُ فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ قَالَ يَقُولُ مَلَكٌ مِنْ الْمَلائِكَةِ فِيهِمْ فُلانٌ لَيْسَ مِنْهُمْ إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ قَالَ هُمْ الْجُلَسَاءُ لا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ. رواه البخاري فتح رقم 6408 · ومنهم الموكل بالجبال عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ قَالَ لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلالٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِي فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ فَقَالَ ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الأَخْشَبَيْنِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا. رواه البخاري فتح رقم 3231 · ومنهم زُوّار البيت المعمور قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث الإسراء والمعراج الطويل: فَرُفِعَ لِي الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ فَسَأَلْتُ جِبْرِيلَ فَقَالَ هَذَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ إِذَا خَرَجُوا لَمْ يَعُودُوا إِلَيْهِ آخِرَ مَا عَلَيْهِم ْ. · ومنهم ملائكة صفوف لا يفترون وقيام لا يجلسون، وركع وسجود لا يرفعون كما جاء عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ وَأَسْمَعُ مَا لا تَسْمَعُونَ أَطَّتْ السَّمَاءُ (صوّتت وضجّت) وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلاّ وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ (الطّرُق) تَجْأَرُونَ (تتضرّعون) إِلَى اللَّهِ. سنن الترمذي رقم 2312 هذه خلاصة عن ملائكة الله الكرام نسأل الله أن يجعلنا من المؤمنين بهم المحبين لهم وصلى الله على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 843 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 كيف تعلم الملائكة ما في قلب الإنسان؟ [السُّؤَالُ] ـ[في بعض الأحيان الشخص يقول دعاء دخول الحمام ـ أكرمكم الله ـ في نفسه، أو يبسمل في نفسه؛ فهل حديث النفس الداخلي هل يعلمه الملائكة الحفظة؟ ويسجل علينا وسنحاسب عنه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله روى البخاري (6491) ومسلم (131) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً) . قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (11/325) : " وفيه دليل على أن الملك يطَّلع على ما في قلب الآدمي؛ إما بإطلاع الله إياه، أو بأن يخلق له علما يدرك به ذلك. ويؤيد الأول: ما أخرجه بن أبي الدنيا عن أبي عمران الجوني، قال: ينادى الملك اكتب لفلان كذا وكذا، فيقول يا رب: إنه لم يعمله، فيقول: إنه نواه. وقيل: بل يجد الملك للهم بالسيئة رائحة خبيثة، وبالحسنة رائحة طيبة وأخرج، ذلك الطبري عن أبي معشر المدني، وجاء مثله عن سفيان بن عيينة " وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا هم العبد بالحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة .... الحديث) فإذا كان الهم سرا بين العبد وبين ربه فكيف تطلع الملائكة عليه؟ فأجاب: " الحمد لله، قد روي عن سفيان بن عيينة فى جواب هذه المسألة قال: " أنه إذا هم بحسنة شم الملك رائحة طيبة، وإذا هم بسيئة شم رائحة خبيثة ". والتحقيق أن الله قادر أن يعلم الملائكة بما فى نفس العبد كيف شاء " انتهى. "مجموع الفتاوى " (4/253) وقال رحمه الله أيضا: " وهم وإن شموا رائحة طيبة ورائحة خبيثة، فعلمهم لا يفتقر إلى ذلك، بل ما فى قلب ابن آدم يعلمونه، بل ويبصرونه ويسمعون وسوسة نفسه، بل الشيطان يلتقم قلبه؛ فاذا ذكر الله خنس، وإذا غفل قلبه عن ذكره وسوس، ويعلم هل ذكر الله أم غفل عن ذكره، ويعلم ما تهواه نفسه من شهوات الغى فيزينها له!! وقد ثبت فى الصحيح عن النبى فى حديث ذكر صفية رضى الله عنها (إن الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم) وقرب الملائكة والشيطان من قلب ابن آدم مما تواترت به الآثار، سواء كان العبد مؤمنا أو كافرا " انتهى من "مجموع الفتاوى" (5/508) . وأما الذكر في النفس من غير حركة اللسان به، فإن صاحبه يثاب على ذلك لكن ليس الثواب الخاص المرتب من الشارع على من أتى بذلك الذكر فإن ذلك الثواب مرتب على القول، والقول لا يتحقق من غير لفظ باللسان، لكن من أهل العلم من يرى أن حركة اللسان تكفي ولو لم يصدر صوت يسمعه المتلفظ، وهذا ما ذهب إليه المالكية ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية، قال ابن مفلح رحمه الله في "الفروع" (1/410) : " واختار شيخنا –يعني ابن تيمية- الاكتفاء بالحروف وإن لم يسمعها " انتهى. وجمهور أهل العلم يرون أنه لا بد من لفظ يسمعه نفسه، قال النووي رحمه الله في شرح المهذب (3/120) : " فإن لم يسمع نفسه فليس ذلك بأذان ولا كلام " انتهى. وقال أيضا: " اعلم أن الأذكار المشروعة في الصلاة وغيرها، واجبة كانت أو مستحبة، لا يحسب شيء منها ولا يعتد به حتى يتلفظ به بحيث يسمع نفسه إذا كان صحيح السمع لا عارض له " الأذكار (42) . وأما حساب الإنسان على ما تحدثه به نفسه، فقد سبق الإجابة عنه في السؤال رقم (99324) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98673 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 إبليس ليس من الملائكة [السُّؤَالُ] ـ[صديقي قال بأن الشيطان كان من الملائكة وزوجتي تقول بأن هذا غير صحيح. هل يمكن أن تعطيني بعض المعلومات؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لم يكن إبليس من الملائكة قطعاً، ويدل على ذلك أشياء ثلاثة: تصريح القرآن، وصفات إبليس الخَلقية، وصفاته الخُلُقية. 1. أما تصريح القرآن بذلك، فقد جاء في قوله تعالى: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن} الكهف /50. قال الحسن البصري: ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين، وإنه لأصل الجن، كما أن آدم عليه السلام أصل البشر. رواه الطبري بإسناد صحيح كما قال ابن كثير في " تفسيره " (3/89) . 2. وأما الصفات الخَلقية، فقد ذكر الله تعالى أنه خلق إبليس من نار، فقال {خَلق الإنسان من صلصال كالفخار وخلق الجان من مارج من نار} الرحمن / 14،15. وثبت في صحيح مسلم (2996) من حديث عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم ". المارج لهب النار الصافي، أو الذي خالطه الدخان، (تفسير السعدي 7/248) ، (لسان العرب 2/365) فتبين الفرق بين خلق الملائكة وبين خلق إبليس، فعلم قطعاً أنه ليس منهم. 3. وأما الصفات الخُلُقية، فإن إبليس قد عصى الله تعالى في عدم سجوده لآدم، وقد علِمنا من القرآن أن الملائكة لا يمكن لهم أن يعصون الله تعالى، قال الله عز وجل {لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} التحريم / 6. وقد ورد عن بعض السلف آثار غير صحيحة منها أنه طاووس الملائكة، وأنه من خزنة الجنة..الخ، وقد علَّق على ذلك الإمام ابن كثير فقال: وقد رُوي في هذا آثار كثيرة عن السلف وغالبها من الإسرائيليات التي تُنقل لينظر فيها والله أعلم بحال كثير منها، ومنها ما قد يُقطع بكذبه لمخالفته للحق الذي بأيدينا، وفي القرآن غنية عن كل ما عداه من الأخبار المتقدمة؛ لأنها لا تكاد تخلو من تبديل وزيادة ونقصان، وقد وضع فيها أشياء كثيرة، وليس لهم من الحفاظ المتقنين الذي ينفون عنها تحريف الغالين وانتحال المبطلين كما لهذه الأمة من الأئمة والعلماء والسادة والأتقياء والبررة والنجباء من الجهابذة النقاد والحفاظ الجياد الذين دونوا الحديث وحرروه وبينوا صحيحه من حسنه من ضعيفه من منكره وموضوعه ومتروكه ومكذوبه وعرفوا الوضاعين والكذابين والمجهولين وغير ذلك من أصناف الرجال كل ذلك صيانة للجناب النبوي والمقام المحمدي خاتم الرسل وسيد البشر صلى الله عليه وسلم أن ينسب إليه كذب أو يحدث عنه بما ليس منه فرضي الله عنهم وأرضاهم وجعل جنات الفردوس مأواهم. أ. هـ " تفسير القرآن العظيم " (3/90) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 6485 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 تشكل الملائكة على صورة البشر، ومن يراهم على صورتهم الحقيقية؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل صحيح أن الأطفال ينظرون إلى الملائكة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله خلق الله تعالى الإنسان من تراب، وخلق الجان من نار، وخلق الملائكة من نور، وقد ثبت بالنصوص القطعية أنه لا يمكن أن يرى الناس الجنَّ، إلا إن تشكلوا بصور أخرى كالبشر والبهائم، ولا تُرى الملائكة على أصل خلقتها من عامة الناس إلا وهي متشكلة على صور بشر. وفي جواب السؤال رقم (70364) تفصيل وافٍ في استحالة رؤية الملائكة من قبَل عامة الناس على أصل خلقتها، وأن ذلك لم يكن لأحدٍ من هذه الأمة إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما تشكل الملائكة على صورة أحدٍ من البشر فقد ثبت ذلك في القرآن وصحيح السنَّة، وإذا جاء الملَك متشكلاًّ أمكن الجميع أن يروه، ولا فرق بين ذكر وأنثى، ولا صغير وكبير. ولا يستطيع أحدٌ الجزم بأن ما يراه من الأشخاص أنه من الملائكة، فإن إثبات أنهم ملائكة متوقف على وحي من الله عز وجل، وأنَّى ذلك بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! وقد تشكل الملائكة على صورة بشر وجاءوا لإبراهيم ولوط عليهما السلام فلم يعلما بحقيقتهما حتى أخبرتهم الملائكة، فغيرهم من الناس أولى بعدم تلك المعرفة. ومن أدلة تشكل الملائكة، وإمكان رؤيتهم على هيئتهم المتشكَّلة: 1. قال تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا. فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا. قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا. قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا) مريم/16-19. 2. وقال تعالى: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ. إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ. فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ. فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ. فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ) الذاريات/24-28. 3. وقال تعالى: (وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ) هود/77. 4. عن عُمَر بْن الْخَطَّابِ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ وَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنْ الْإِسْلَامِ ... قَالَ: ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثْتُ مَلِيًّا، ثُمَّ قَالَ لِي: يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنْ السَّائِلُ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ. رواه البخاري (8) . 5. قصة اختبار الأبرص والأقرع والأعمى من بني إسرائيل، وفيها أن ملَكاً بعثه الله على صورة بشر ليخبرهم. رواه البخاري (3277) ومسلم (2964) . 6. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى فَأَرْصَدَ اللَّهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَالَ أَيْنَ تُرِيدُ قَالَ أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ قَالَ هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا قَالَ لَا غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ. رواه مسلم (2567) . وغير ذلك من الأدلة الصحيحة، والتي يتبين من خلالها أنه يُمكن رؤية الملائكة لكن على الصورة التي أمرهم الله تعالى بالتشكل بها، وحينها يراه كل من يقدر الله تعالى له رؤيته. ومن ادَّعى أنه يرى الملائكة على أصل خلقتها فهو كاذب أو واهم، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل على صورته الحقيقية وقد سدَّ الأفق له ستمائة جناح، فمن ذا الذي زعم أنه رآه في ذلك الوقت؟! فظهر بهذا أنه لا يوجد أحد من هذه الأمة يمكنه رؤية الملائكة على صورتها الحقيقية إلا النبي صلى الله عليه وسلم، وأما الأطفال فكغيرهم من الناس فإنه لا يمكنهم رؤيتهم إلا بالتشكل. قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: ولهذا كان البشر يعجزون عن رؤية الملَك في صورته إلا من أيَّده الله، كما أيَّد نبيَّنا صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: (وقالوا لولا أُنزل عليه ملَك ولو أنزلنا ملَكاً لقضي الأمر ثم لا ينظرون. ولو جعلناه ملَكا لجعلناه رجلاً وللبسنا عليهم ما يلبسون) الأنعام/8،9، قال غير واحد من السلف: هم لا يطيقون أن يروا الملَك في صورته، فلو أنزلنا إليهم ملكاً: لجعلناه في صورة بشر، وحينئذ كان يشتبه عليهم هل هو ملَك أو بشر، فما كانوا ينتفعون بإرسال الملَك إليهم فأرسلنا إليهم بشراً مِن جنسهم يمكنهم رؤيته والتلقي عنه، وكان هذا من تمام الإحسان إلى الخلق والرحمة. " منهاج السنة النبوية " (2 / 333) . وانظر تفصيلاً وافياً في الملائكة في جواب السؤال رقم: (843) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96661 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 الملائكة هل يموتون، وهل هم ذكور؟ [السُّؤَالُ] ـ[عن الملائكة: هل يموتون؟ وهل هناك ملائكة ذكور وإناث؟ وهل يكون بينهم تناسل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الذي عليه أكثر الناس أن الملائكة يموتون، وأن ملك الموت يموت، لكن ليس في هذا نص صحيح صريح، بل جاء فيه نصوص محتملة، وجاء فيه حديث الصور المشهور، وهو حديث منكر. انظر: ضعيف الترغيب والترهيب رقم (2224) . ومما ورد في هذا الباب، قوله تعالى: (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) القصص/88 قال ابن كثير رحمه الله: " يخبر تعالى أن جميع أهل الأرض سيذهبون ويموتون أجمعون، وكذلك أهل السماوات إلا من شاء الله، ولا يبقى أحد سوى وجهه الكريم؛ فإن الرب تعالى وتقدس لا يموت، بل هو الحي الذي لا يموت أبدا " (تفسير القرآن العظيم 4/273) . وقال تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ) الزمر/68 وروى البخاري (7383) ومسلم (2717) عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: اللهم إني أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني، أنت الحي الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون) . وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: هل جميع الخلق حتى الملائكة يموتون؟ فأجاب: " الذي عليه أكثر الناس أن جميع الخلق يموتون حتى الملائكة، وحتى عزرائيل ملك الموت، وروي في ذلك حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم. والمسلمون واليهود والنصارى متفقون على إمكان ذلك وقدرة الله عليه، وإنما يخالف في ذلك طوائف من المتفلسفة أتباع أرسطو وأمثالهم، ومن دخل معهم من المنتسبين إلى الإسلام أو اليهود والنصارى، كأصحاب رسائل إخوان الصفا وأمثالهم ممن زعم أن الملائكة هي العقول والنفوس، وأنه لا يمكن موتها بحال، بل هي عندهم آلهة وأرباب لهذا العالم. والقرآن وسائر الكتب تنطق بأن الملائكة عبيد مدبرون كما قال سبحانه (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً) ، وقال تعالى: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ* يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى) ، وقال: (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى) . والله سبحانه قادر على أن يميتهم ثم يحييهم، كما هو قادر على إماتة البشر والجن ثم إحيائهم، وقد قال سبحانه (وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) . وقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه، وعن غير واحد من الصحابة أنه قال: (إن الله إذا تكلم بالوحي أخذ الملائكة مثل الغشي) وفى رواية (إذا سمعت الملائكة كلامه صعقوا) وفى رواية (سمعت الملائكة كجرّ السلسلة على الصفوان فيصعقون فإذا فزع عن قلوبهم) أي أزيل الفزع عن قلوبهم (قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق فينادون الحق الحق) . فقد أخبر في هذه الأحاديث الصحيحة أنهم يصعقون صعق الغشي، فإذا جاز عليهم صعق الغشي جاز صعق الموت وأما الاستثناء [أي قوله سبحانه: إلا من شاء الله] فهو متناول لمن دخل في الجنة من الحور العين، فإن الجنة ليس فيها موت، ومتناول لغيرهم، ولا يمكن الجزم بكل من استثناه الله، فإن الله أطلق في كتابه، وقد ثبت في الصحيح أن النبي قال (إن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق فأجد موسى آخذا بساق العرش فلا أدرى هل أفاق قبلي أم كان ممن استثناه الله) ... ؛ فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يخبر بكل من استثنى الله لم يمكنا نحن أن نجزم بذلك، وصار هذا مثل العلم بوقت الساعة وأعيان الأنبياء، وأمثال مما لم يخبر به، وهذا العلم لا ينال إلا بالخبر، والله أعلم " انتهى من "مجموع الفتاوى" (4/259) . وقال السيوطي رحمه الله: " سئلت: هل تموت الملائكة بنفخة الصعق ويحيون بنفخة البعث؟ والجواب: نعم، قال تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصَورِ فَصَعِقَ مَن فَي السَمَواتِ وَمَن فَي الأَرضِ إِلا مَن شاءَ الله) وتقدم في أول الكتاب أن المستثنى حملة العرش وجبريل وإسرافيل وميكائيل وملك الموت، وأنهم يموتون على أثر ذلك. وتقدم عن وهب أن هؤلاء الأملاك الأربعة أول من خلقهم الله من الخلق، وآخر من يميتهم، وأول من يحييهم ". ثم أيد كلامه بما جاء من النص على موت أهل السماء وأهل الأرض، حتى جبريل وميكائيل وإسرافيل، وحملة العرش، ثم موت ملك الموت في آخر الأمر.. انظر: الحبائك في أخبار الملائك " ص (91) . لكن النص المشار إليه، والذي نقله السيوطي في كلامه، هو نفسه حديث الصور الذي أشرنا إلى ضعفه ونكارته في أول الإجابة. وسئلت اللجنة الدائمة: أفتونا عن الملائكة الموكلين بالإنسان لإحصاء أعماله في مدة الحياة وهم رقيب وعتيد عندما يموت الإنسان، هل يموت الملكان الموكلان به أو أين يكون مصيرهما بعد وفاة الإنسان؟ فأجابت: أحوال الملائكة وشؤونهم من الغيبيات، ولا تعرف إلا من قبل السمع، ولم يرد نص في موت كتبة الحسنات والسيئات عند موت من تولوا كتابة حسناته وسيئاته، ولا نص ببقاء حياتهم ولا عن مصيرهم، وذلك إلى الله وليس ما سئل عنه مما كلفنا اعتقاده، ولا يتعلق به عمل، فالسؤال عن ذلك دخول فيما لا يعني؛ لذا ننصح السائل أن لا يدخل فيما لا يعنيه، ويبذل جهده في السؤال عما يعود عليه وعلى المسلمين بالنفع في دينهم ودنياهم " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (2/185) ثانيا: الملائكة لا يوصفون بذكورة ولا أنوثة، أما الأنوثة، فلأن الله تعالى نفى ذلك عنهم فقال: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخرف/19 وقال: (أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ) الصافات/150 وأما الوصف بالذكورة فلعدم وروده. قال الحليمي في المنهاج ثم القونوي في مختصره: وقد قيل إن أصحاب الأعراف ملائكة يحبون أهل الجنة ويبكّتون أهل النار، وهو بعيد لوجهين: أحدهما قوله تعالى (وَعَلى الأَعرافِ رِجالُ) والرجال: الذكور العقلاء، والملائكة لا ينقسمون إلى ذكور وإناث، والثاني إخباره تعالى عنهم وأنهم يطمعون أن يدخلوا الجنة، والملائكة غير محجوبين عنها كيف والحيلولة بين الطامع وطمعه تعذيب له ولا عذاب يومئذ على ملك. انتهى. نقله السيوطي في الحبائك ص (88) وقال الدكتور محمد بن عبد الرحمن الخميس: " ونقول إن من قال بأنهم إناث فقد كفر لمخالفته كتاب الله، ولا يقال إنهم ذكور؛ إذ لم يرد في ذلك نص صحيح " انتهى من "اعتقاد أهل السنة". ثالثا: الملائكة لا يتناكحون ولا يتناسلون، وقد حكي الاتفاق على ذلك. قال الرازي رحمه الله في تفسيره: " اتفقوا على أن الملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولا ينكحون، يسبحون الليل والنهار لا يفترون " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96306 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 حقيقة الإيمان بالملائكة [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى الإيمان بالملائكة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله وبعد: فالملائكة عالم غيبي خلقهم الله عز وجل من نور، يقومون بأمر الله (لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم/6. والإيمان بالملائكة يتضمن أربعة أمور لا بد منها: 1- الإقرار الجازم بوجودهم وأنهم خلق من خلق الله، مربوبون مسخرون و (عباد مكرمون.لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) الأنبياء/26:27 و (لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم/6 و (لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ. يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ) الأنبياء/19:20. 2- الإيمان بأسماء من علمنا اسمه منهم: كجبريل، وميكائيل، وإسرافيل،،ومالك، ورضوان، وغيرهم عليهم السلام. 3- الإيمان بأوصاف من علمنا وصفه: كما علمنا من السنة وصف جبريل عليه السلام، وأن له ستمائة جناح قد سد الأفق (أي ملأ السماء) . 4- الإيمان بأعمال من علمنا عمله منهم: فجبريل عليه السلام، موكل بما فيه حياة القلوب وهو الوحي، وإسرافيل موكل بالنفخ في الصور، وميكائيل موكل بالمطر، ومالك موكل بالنار، وهكذا. ومن أهم ما يجب أن نؤمن به أن كل شخص معه ملكان يكتبان عمله كما قال الله تعالى: (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) ق/17:18 أي رقيب حاضر من هؤلاء الملائكة. فإياك أيها المسلم أن يكتب هذا ن الملكان عنك ما يسوؤك يوم القيامة، فكل شيء تقوله أو تلفظ به فهو مكتوب عليك، فإذا كان يوم القيامة يخرج للعبد كتابه: (يلقاه منشورا. اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) الإسراء/13:14 نسأل الله أن يسترنا ويتجاوزنا عنا إنه سميع مجيب. والله أعلم. انظر: أعلام السنة المنشورة (86) ومجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين (3 / 160) . وللاستزادة يراجع سؤال (843) و (14610) . [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 9477 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 ما صح من الأحاديث في وصف منكر ونكير [السُّؤَالُ] ـ[ماذا عن سؤال الملكين منكر ونكير في القبر وماذا عن شكلهما، وهل الحديث الخاص بهما للنبي صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه صحيح، وأن شكلهما يجران أشعارهما وأعينهم كالبرق وأصواتهم كالرعد ويضربان القبر بأنيابهما، ويقولان: من ربك؟ وما دينك: وما النبي الذي بعث فيكم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: صح في صفة الملكين المُوكّلين بسؤال الميت، أنهما أسودان أزرقان، يقال لأحدهما: المنكر، والآخر: النكير. فقد روى الترمذي (1071) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا قُبِرَ الْمَيِّتُ أَوْ قَالَ أَحَدُكُمْ أَتَاهُ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ يُقَالُ لأَحَدِهِمَا الْمُنْكَرُ وَالآخَرُ النَّكِيرُ، فَيَقُولَانِ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟ فَيَقُولُ مَا كَانَ يَقُولُ: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. فَيَقُولانِ: قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ هَذَا، ثُمَّ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا فِي سَبْعِينَ، ثُمَّ يُنَوَّرُ لَهُ فِيهِ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: نَمْ، فَيَقُولُ: أَرْجِعُ إِلَى أَهْلِي فَأُخْبِرُهُمْ، فَيَقُولَانِ: نَمْ كَنَوْمَةِ الْعَرُوسِ الَّذِي لا يُوقِظُهُ إِلا أَحَبُّ أَهْلِهِ إِلَيْهِ حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ مُنَافِقًا قَالَ: سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ فَقُلْتُ مِثْلَهُ لا أَدْرِي. فَيَقُولَانِ: قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ ذَلِكَ، فَيُقَالُ لِلأَرْضِ: الْتَئِمِي عَلَيْهِ، فَتَلْتَئِمُ عَلَيْهِ، فَتَخْتَلِفُ فِيهَا أَضْلاعُهُ، فَلا يَزَالُ فِيهَا مُعَذَّبًا حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ) والحديث حسنه الألباني في صحيح الترمذي. وأما حديث عمر رضي الله عنه الذي أشرت إليه، فقد رُوي من طرق ضعيفة، منها ما أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (6738) مرسلا عن عمرو بن دينار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر: (كيف بك يا عمر بفتاني القبر إذا أتياك يحفران الأرض بأنيابهما، ويطآن في أشعارهما، أعينهما كالبرق الخاطف، وأصواتهما كالرعد القاصف، معهما مزربة لو اجتمع عليها أهل منى لم يقلوها. قال عمر: وأنا على ما أنا عليه اليوم؟ قال: وأنت على ما أنت عليه اليوم. قال: إذاً أكفيكهما إن شاء الله) . قال العراقي في تخريج الإحياء (4/223) : " أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب القبور هكذا مرسلا ورجاله ثقات. قال البيهقي في الاعتقاد: رويناه من وجه صحيح عن عطاء بن يسار مرسلا. قلت: ووصله ابن بطة في الإبانة من حديث ابن عباس، ورواه البيهقي في الاعتقاد من حديث عمر وقال غريب بهذا الإسناد تفرد به مفضل، ولأحمد وابن حبان من حديث عبد الله بن عمر فقال عمر: أترد إلينا عقولنا؟ فقال " نعم كهيئتكم اليوم " فقال عمر: بفيه الحجر " انتهى. وقال الأستاذ فريح بن صالح البهلال، في تحقيق "الاعتقاد" للبيهقي، (ص 254) بعد أن أشار إلى الطرق الضعيفة: " ولعله بهذه الطرق والشواهد يكون إسناده حسنا " انتهى. ثانيا: الأسئلة التي يوجهها الملكان للميت في قبره هي: من ربك؟ وما دينك؟ وما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ وانظر السؤال رقم (10403) ، ورقم (22203) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 72400 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 هل الملائكة والجن يموتون [السُّؤَالُ] ـ[هل الملائكة والجن يموتون؟ وأين يدفنون؟ وهل يصلى عليهم؟ وكم عمر كل منهم؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يقول الله تعالى: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَان ٍ- وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَام ِ) الرحمن /26-27، قال ابن كثير رحمه الله: " يخبر تعالى أن جميع أهل الأرض سيذهبون ويموتون أجمعون، وكذلك أهل السماوات إلا من شاء الله، ولا يبقى أحد سوى وجهه الكريم؛ فإن الرب تعالى وتقدس لا يموت، بل هو الحي الذي لا يموت أبدا " (تفسير القرآن العظيم 4/273) . وروى البخاري (7383) ومسلم (2717) عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: اللهم إني أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني، أنت الحي الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون) أما قولك: أين يدفنون؟ وهل يصلى عليهم؟ وكم عمر كل منهم؟ فهذا مما حُجب عنا علمه، وقد قال الله تعالى: (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلاً) الإسراء/ 85، والواجب على المسلم أن يسعى ويبحث عما له أثر في سلوكه، من معرفة الله، وأسمائه وصفاته، وما يجب اعتقاده، ومعرفة الأحكام الشرعية، ويترك التعمق فيما لم يكلف بعلمه ولا فائدة فيه، أسأل الله أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 26071 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 هل إبليس من الملائكة أم من الجن [السُّؤَالُ] ـ[هل كان إبليس من الملائكة أم من الجن، وهل الجن هم من الملائكة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمة الله تعالى عليه -: وقوله في هذه الآية الكريمة: (كان من الجن ففسق عن أمر ربه) الكهف/50، ظاهر في أن سبب فسقه عن أمر ربه كونه من الجن وقد تقرر في الأصول في مسلك النص، وفي مسلك الإيماء والتنبيه: أن الفاء من الحروف الدالة على التعليل كقولهم: سرق فقطت يده، أي: لأجل سرقته، وسها فسجد، أي لأجل سهوه، ومن هذا القبيل قوله تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) المائدة/38، أي لعلة سرقتهما وكذلك قوله هنا: (كان من الجن ففسق) ، أي: لعلة كينونته من الجن؛ لأن هذا الوصف فرق بينه وبين الملائكة؛ لأنهم امتثلوا الأمر وعصى هو، ولأجل ظاهر هذه الآية الكريمة ذهبت جماعة من العلماء إلى أن إبليس ليس من الملائكة في الأصل بل من الجن، وأنه كان يتعبد معهم فأطلق عليهم اسمهم لأنه تبع لهم كالحليف في القبيلة يطلق عليه اسمها، والخلاف في إبليس هل هو ملك في الأصل فمسخه الله شيطاناً، أو ليس في الأصل بملك، وإنما شمله لفظ الملائكة لدخوله فيهم وتعبده معهم، مشهور عند أهل العلم، وحجة من قال: إن أصله ليس من الملائكة أمران: أحدهما: عصمة الملائكة من ارتكاب الكفر الذي ارتكبه إبليس، كما قال تعالى عنهم: (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يأمرون) التحريم/6، وقال تعالى: (لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون) الأنبياء/27. والثاني: أن الله صرح في هذه الآية الكريمة بأنه من الجن، والجن غير الملائكة، قالوا: وهذا نص قرآني في محل النزاع. … وممن جزم بأنه ليس من الملائكة في الأصل لظاهر هذه الآية الكريمة:الحسن البصري، ونصره الزمخشري في تفسيره. وقال القرطبي في تفسير سورة " البقرة ": " كونه من الملائكة هو قول الجمهور: ابن عباس وابن مسعود وابن جريج وبن المسيب وقتادة وغيرهم، وهو اختيار الشيخ أبي الحسن ورجحه الطبري وهو ظاهر قوله: (إلا إبليس) . اهـ. وما يذكره المفسرون عن جماعة من السلف كابن عباس وغيره، من أنه كان من أشراف الملائكة، ومن خزان الجنة، وأنه كان يدبر أمر السماء الدنيا، وأنه كان اسمه عزازيل، كله من الإسرائيليات التي لا معول عليها. وأظهر الحجج في المسألة، حجة من قال: إنه غير ملك لأن قوله تعالى: (إلا إبليس كان من الجن ففسق … ) ، وهو أظهر شئ في الموضوع من نصوص الوحي، والعلم عند الله تعالى. [الْمَصْدَرُ] " أضواء البيان " (4 / 130 – 132) . الحديث: 22232 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 هل يمكن للبشر رؤية الملائكة والنبي صلى الله عليه وسلم يقظة عياناً؟ [السُّؤَالُ] ـ[كنا قد قمنا بمسيرة احتجاجية كبيرة بالعاصمة لمساندة الشعب الفلسطيني والشعب العراقي ضد الاحتلال الإسرائيلي والأمريكي، بعد انتهاء المسيرة سمعت بعض الإخوان والأخوات يتحدثون أنهم رأوا سيدنا جبريل نازلاً من السماء وكذلك رأوا سيدنا محمد (ص) والكثير من الملائكة يرافقونهم، تأييداً لهذه المسيرة، فهل هذه المشاهدات قد تكون حقيقية ويجب علينا تصديقها وإلا سوف نعاقب بسوء الظن في إخواننا المسلمين؟ بالنسبة لي لم أستطع التصديق علما أن أهل بدر والصحابة الأجلاء العشرة المبشرين بالجنة لم يروا الملائكة الكرام بالعين المجردة ولا رأوا سيدنا جبريل! فهل نستطيع أن نقول إن هذا وهَم المشاهدة؟ أي: تخيل رؤية الشيء حتى يصبح حقيقة يصدقه العقل وتراه العين؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: سبق في جواب السؤال رقم (11469) بيان حكم المظاهرات فلينظر. ثانياً: لا ينبغي اختصار الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم بحرف الصاد، ولا بكلمة " صلعم "! ومن كتب مثل هذا السؤال الطويل لا يعجزه كتابة الصلاة والسلام عليه كاملة. وقد سبق بيان حكم كتابة هذين الاختصارين في جواب السؤال رقم (47976) فلينظر. ثالثاً: الملائكة خلقت من نور - كما رواه مسلم (2996) - ولا يمكن لأحدٍ أن يدَّعي أنه رآها على صورتها الحقيقية إلا أن يكون نبيّاً يُصدَّق قوله، وأما أن يراهم متشكلين على هيئات أحدٍ من البشر فيمكن هذا لعامة الناس وخاصتهم، وقد جاء في السنَّة النبوية من ذلك كثير، سواء في هذه الأمة أم في الأمم التي قبلها. وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو موفور العقل والدين لم يحتمل رؤية جبريل عليه السلام على صورته الحقيقية التي خلقه الله عليها، فكيف أطاقه هؤلاء - هذا إن سلَّمنا أنهم رأوه أصلاً -؟! قال الشيخ عمر الأشقر: ولما كانت الملائكة أجساماً نورانيَّة لطيفة؛ فإن العباد لا يستطيعون رؤيتهم، خاصة أن الله لم يُعطِ أبصارنا القدرة على هذه الرؤية، ولم يرَ الملائكةَ في صُوَرهم الحقيقية من هذه الأمَّة إلا الرسول صلى الله عليه وسلَّم؛ فإنه رأى جبريل مرتين في صورته التي خلَقه الله عليها، وقد دلَّت النصوص على أن البشر يستطيعون رؤية الملائكة إذا تمثَّلت الملائكة في صورة البشر. " عالَم الملائكة الأبرار " (ص 11) . وقال أيضاً - في سياق إثبات بشرية الرسل والرد على من اقترح أن يكونوا من الملائكة -: الرابع: صعوبة رؤية الملائكة، فالكفار عندما يقترحون رؤية الملائكة، وأن يكون الرسل إليهم ملائكة لا يدركون طبيعة الملائكة، ولا يعلمون مدى المشقة والعناء الذي سيلحق بهم من جراء ذلك. فالاتصال بالملائكة ورؤيتهم أمر ليس بسهل، فالرسول صلى الله عليه وسلم مع كونه أفضل الخلق، وهو على جانب عظيم من القوة الجسميَّة والنفسيَّة عندما رأى جبريل على صورته أصابه هول عظيم ورجع إلى منزله يرجف فؤاده، وقد كان صلى الله عليه وسلم يعاني من اتصال الوحي به شدّة، ولذلك قال في الردّ عليهم: (يومَ يروْنَ الملائكةَ لا بُشرى يومئذٍ للمُجرمين) الفرقان/22، ذلك أنَّ الكفار لا يرون الملائكة إلا حين الموت أو حين نزول العذاب، فلو قُدّر أنّهم رأوا الملائكة لكان ذلك اليوم يوم هلاكهم. فكان إرسال الرسل من البشر ضروريّاً كي يتمكنوا من مخاطبتهم، والفقه عنهم، والفهم منهم، ولو بعث الله رسله إليهم من الملائكة لما أمكنهم ذلك (ومَا مَنَعَ النَّاس أنْ يؤمنوا إذ جاءَهُم الهُدى إلاّ أنْ قالوا أبَعَثَ اللهُ بشراً رسُولاً. قُلْ لو كان في الأرضِ ملائكةٌ يمشون مطمئنينَ لنزّلنا عليهم من السّماء ملكاً رسُولاً) الإسراء/94، 95، أما وأن الذين يسكنون الأرض بشر فرحمة الله وحكمته تقتضي أن يكون رسولهم من جنسهم (لَقَدْ مَنَّ اللهُ على المؤمنينَ إذْ بعثَ فيهم رسُولاً من أنفسِهِم) آل عمران/164. وإذا كان البشر لا يستطيعون رؤية الملائكة والتلقي عنهم بيسر وسهولة فيقتضي هذا - لو شاء الله أن يرسل مَلكا رسولا إلى البشر - أن يجعله رجلا (ولَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لجعلناهُ رَجُلاً ولَلَبسْنا عليهم ما يلبِسون) الأنعام/9. والتباس الأمر عليهم بسبب كونه في صورة رجل، فلا يستطيعون أن يتحققوا من كونه ملكاً، وإذا كان الأمر كذلك فلا فائدة من إرسال الرسل من الملائكة على هذا النحو، بل إرسالهم من الملائكة على هذا النحو لا يحقق الغرض المطلوب، لكون الرسول الملك لا يستطيع أن يحس بإحساس البشر وعواطفهم وانفعالاتهم وإن تشكل بأشكالهم. " الرسل والرسالات " (72، 73) . رابعاً: وأما رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة فهو من أقوال المخرفين من الصوفية، ولا أصل له في الشرع ولا في واقع الحال، وقد وقعت للصحابة رضي الله عنهم أمورٌ عظيمة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، وكانوا في أمس الحاجة لوجوده بينهم، فَلِمَ لمْ يظهر لهم؟ ولم يروه وهو أحب الناس إليهم، وهم أحب الناس إليه؟! وأما استدلال بعضهم بالحديث الذي في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من رآني في المنام فسيراني في اليقظة) على إمكانية رؤية النبي صلى الله عليه وسم يقظة: فليس فيه ما يدل على ما قالوه، بل هذا فيه البشرى لمن رآه في المنام أن يراه في الجنة، وليس المعنى أنه يراه يقظة في الدنيا. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وشذ بعض الصالحين فزعم أنها تقع - يعني الرؤية - بعيني الرأس حقيقة. " فتح الباري " (12 / 384) . وقال النووي رحمه الله في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فسيراني في اليقظة) : فيه أقوال: أحدها: أن يراد به أهل عصره، ومعناه: أن من رآه في النوم ولم يكن هاجر يوفقه الله للهجرة ورؤيته صلى الله عليه وسلم في اليقظة عياناً. وثانيها: أنه يرى تصديق تلك الرؤيا في اليقظة في الدار الآخرة؛ لأنه يراه في الآخرة جميع أمته. وثالثها: أنه يراه في الآخرة رؤية خاصة في القرب منه وحصول شفاعته، ونحو ذلك. " شرح مسلم " (15 / 26) . ولا يتعارض ما ذكره النووي في القول الأول مع ما أنكره الحافظ ابن حجر؛ لأن النووي ذكر أنه يراد به أهل عصره صلى الله عليه وسلم، وما أنكره الحافظ إنما هو لمن زعم الرؤية حقيقة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم. وقال أبو العباس القرطبي - ردّاً على من قال برؤيته صلى الله عليه وسلم يقظة -: وهذا يدرك فساده بأوائل العقول، ويلزم عليه أن لا يراه أحد إلا على صورته التي مات عليها، وأن يراه رائيان في آن واحد في مكانين، وأن يحيا الآن ويخرج من قبره ويمشي في الأسواق ويخاطب الناس ويخاطبوه، ويلزم من ذلك أن يخلو قبره من جسده ولا يبقى في قبره منه شيء، فيزار مجرد القبر ويسلم على غائب؛ لأنه جائز أن يرى في الليل والنهار مع اتصال الأوقات على حقيقته في غير قبره. نقله عنه الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (12 / 384) . وأيضاً لو كان صحيحاً أن أحداً يرى النبي صلى الله عليه وسلم يقظة لكان عداده في الصحابة ولاستمرت الصحبة إلى يوم القيامة. وقد ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني أن ابن أبى جمرة نقل عن جماعة من المتصوفة " أنهم رأوا النبي صلى الله عليه وسلم في المنام ثم رأوه بعد ذلك في اليقظة وسألوه عن أشياء كانوا منها متخوفين فأرشدهم إلى طريق تفريجها فجاء الأمر كذلك "! ثم تعقب الحافظ ذلك بقوله: " وهذا مشكل جدّاً، ولو حمل على ظاهره: لكان هؤلاء صحابة، ولأمكن بقاء الصحبة إلى يوم القيامة، ويعكِّر عليه أن جمعاً جمّاً رأوه في المنام ثم لم يذكر واحد منهم أنه رآه في اليقظة، وخبر الصادق لا يتخلف. " فتح الباري " (12 / 385) . وفي رد علماء اللجنة الدائمة على عقيدة التيجاني قالوا: ولم يثبت عن الخلفاء الراشدين ولا سائر الصحابة رضي الله عنهم أن أحداً منهم وهم خير الخلق بعد الأنبياء ادعى أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقظة، ومن المعلوم من الدين بالضرورة أن التشريع قد أكمل في حياته صلى الله عليه وسلم، وأن الله قد أكمل للأمة دينها وأتم عليها نعمته قبل أن يتوفى رسوله صلى الله عليه وسلم إليه، قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً) المائدة/3، فلا شك أن ما زعمه أحمد التيجاني لنفسه من رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة وأنه أخذ عنه الطريقة التيجانية يقظة مشافهة، وأنه عيَّن له الأوراد التي يذكر الله بها ويصلي على رسوله بها لاشك أن هذا من البهتان والضلال المبين. " فتاوى اللجنة الدائمة " (2 / 325، 326) . وقالوا أيضاً: فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما بلغ الرسالة وأكمل الله به دينه وأقام به الحجة على خلقه، وصلى عليه أصحابه رضي الله عنهم صلاة الجنازة، ودفنوه حيث مات في حجرة عائشة رضي الله عنها، وقام من بعده الخلفاء الراشدون، وقد جرى في أيامهم أحداث ووقائع فعالجوا ذلك باجتهادهم، ولم يرجعوا في شيء منها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن زعم بعد ذلك أنه رآه في اليقظة حيا وكلمه أو سمع منه شيئا قبل يوم البعث والنشور فزعمه باطل؛ لمخالفته النصوص والمشاهدة وسنة الله في خلقه، وليس في هذا الحديث دلالة على أنه سيرى ذاته في اليقظة في الحياة الدنيا؛ لأنه يحتمل أن المراد بأنه: فسيراني يوم القيامة، ويحتمل أن المراد: فسيرى تأويل رؤياه؛ لأن هذه الرؤيا صادقة بدليل ما جاء في الروايات الأخرى من قوله صلى الله عليه وسلم: " فقد رآني " الحديث، وقد يراه المؤمن في منامه رؤيا صادقة على صفته التي كان صلى الله عليه وسلم عليها أيام حياته الدنيوية. " فتاوى اللجنة الدائمة " (1 / 486، 487) . وخلاصة ما سبق: أنه لا يجوز لأحدٍ - بعد الأنبياء - أن يدَّعي رؤية الملائكة؛ فهم أجسام نورانية لم يجعل الله تعالى في مقدور البشر رؤيتهم إلا إن تشكلوا. ولا يجوز لأحدٍ أن يدَّعي رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة، ولعل هذه الأوهام والخيالات كانت من بعض مَنْ ليس عنده علم شرعي ولا عقل ناضج فراح يتخيل ويتصور وجود ما لا حقيقة له. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 70364 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 حماية الملائكة للنبي صلى الله عليه وسلم [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول بأنه كان هناك جن يحرسون النبي صلى الله عليه وسلم عندما أرادت زوجة أبي لهب أن تؤذيه؟ أرجو أن تخبرني إذا كان هذا صحيحاً، وهل هناك أي حديث عن زوجة أبي لهب؟.]ـ [الْجَوَابُ] 1. إثبات أنّ أحدا من الجنّ كان يحمي النبي صلى الله عليه وسلم من زوجة أبي لهب يحتاج إلى دليل فعلى من قاله أن يأتي به ولعلّ الذي قال ذلك اختلط عليه الأمر لأنّ الذي ثبت حماية الملائكة - بأمر الله للنبي صلى الله عليه وسلم من زوجة أبي لهب كما سيأتي. 2. إن الله تعالى قد تكفّل بحفظ نبيه صلى الله عليه وسلم كما قال عزّ وجلّ (والله يعصمك من الناس) ومن حفظه لنبيه أنه سخر له من الملائكة من يحميه ويحرسه، وقد أخفته عن عيني زوجة أبي لهب فلم تره والدليل على ذلك ما جاء عن ابن عباس: " قال لما نزلت {تبت يدا أبي لهب} جاءت امرأة أبي لهب ورسول الله جالس ومعه أبو بكر فقال له أبو بكر: لو تنحيتَ لا تؤذيك يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه سيحال بيني وبينها"، فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر فقالت يا أبا بكر هجانا صاحبك؟ فقال أبو بكر: لا ورب هذه البنيَّة ما ينطق بالشعر ولا يتفوه به، فقالت: إنك لمصدَّق، فلما ولَّت قال أبو بكر رحمة الله عليه: ما رأتْك؟ قال: "لا ما زال مَلَكٌ يسترني حتى ولت ". رواه البزار في مسنده (1 / 68) ، وقال: وهذا الحديث حسن الإسناد. وكذا حسَّنه ابن حجر في " فتح الباري " (8 / 958) . ب. ومن الأحاديث الواردة فيها قبحها الله: = عن جندب بن سفيان رضي الله عنه قال: اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقم ليلتين أو ثلاثا فجاءت امرأة فقالت: يا محمد! إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركَك لم أره قَرِبَك منذ ليلتين أو ثلاثة! فأنزل الله عز وجل {والضحى. والليل إذا سجى. ما ودعك ربك وما قلى} ". رواه البخاري (4667) ومسلم (1797) . قال الحافظ ابن حجر: قوله: (فجاءت امرأة..) هي: أم جميل بنت حرب امرأة أبي لهب، وقد تقدم بيان ذلك في كتاب قيام الليل. أ. هـ " فتح الباري " (8 / 921) . ومن الأدلّة أيضا على حماية الملائكة - بأمر الله - للنبي صلى الله عليه وسلم في حادثة أخرى مع أبي جهل ما رواه الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه عن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ أَبُو جَهْلٍ هَلْ يُعَفِّرُ مُحَمَّدٌ وَجْهَهُ - أي يسجد كما كان يصلي عند الكعبة - بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ قَالَ فَقِيلَ نَعَمْ فَقَالَ وَاللاتِ وَالْعُزَّى لَئِنْ رَأَيْتُهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ لأَطَأَنَّ عَلَى رَقَبَتِهِ أَوْ لأُعَفِّرَنَّ وَجْهَهُ فِي التُّرَابِ قَالَ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي زَعَمَ لِيَطَأَ عَلَى رَقَبَتِهِ قَالَ فَمَافَجِئَهُمْ مِنْهُ إِلا وَهُوَ يَنْكُصُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَيَتَّقِي بِيَدَيْهِ قَالَ فَقِيلَ لَهُ مَا لَكَ؟ فَقَالَ إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ لَخَنْدَقًا مِنْ نَارٍ وَهَوْلا وَأَجْنِحَةً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ دَنَا مِنِّي لاخْتَطَفَتْهُ الْمَلائِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا قَالَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.. (كَلا إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صَلَّى أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى - يَعْنِي أَبَا جَهْلٍ - أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى كَلا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ - يَعْنِي قَوْمَهُ - سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ كَلا لا تُطِعْهُ.. سورة القلم) .. صحيح مسلم 2797، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 6711 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 معنى " الملأ الأعلى " [السُّؤَالُ] ـ[أنا طالبة غير مسلمة أدرس حالياً التقاليد الإسلامية وأكتب بحثاً وكان من الكلمات التي قابلتني كثيراً كلمة "الملأ الأعلى" ولا أعرف ماذا تعني. فهل يمكنك أن تساعدني في فهم معناها ولك جزيل الشكر.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله وردت كلمة الملأ الأعلى في القرآن والسنة فقال الله تعالى في سورة ص: (مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلأِ الأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69) إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلاّ أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (70) قال شيخ المفسرين ابن جرير الطبري رحمه الله في تفسير الآية وقوله: {ما كان لي من علم بالملإ الأعلى} يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لمشركي قومك: {ما كان لي من علم بالملأ الأعلى إذ يختصمون} في شأن آدم من قبل أن يوحي إلي ربي فيعلمني ذلك, يقول: ففي إخباري لكم عن ذلك دليل واضح على أن هذا القرآن وحي من الله وتنزيل من عنده, لأنكم تعلمون أن علم ذلك لم يكن عندي قبل نزول هذا القرآن, ولا هو مما شاهدته فعاينته, ولكني علمت ذلك بإخبار الله إياي به. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: .. عن ابن عباس , قوله: {ما كان لي من علم بالملإ الأعلى إذ يختصمون} قال: الملأ الأعلى: الملائكة حين شووروا في خلق آدم, فاختصموا فيه, وقالوا: لا تجعل في الأرض خليفة. عن السدي {بالملإ الأعلى إذ يختصمون} هو: {إذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة} [البقرة: 30] عن قتادة, قوله: {ما كان لي من علم بالملإ الأعلى} قال: هم الملائكة, كانت خصومتهم في شأن آدم حين قال ربك للملائكة: {إني خالق بشرا من طين} .. وأما من السنة فقد جاء عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (في كلام الله له في المنام) يَا مُحَمَّدُ هَلْ تَدْرِي فِيمَ يَخْتَصِمُ الْملأُ الأَعْلَى.. قَالَ فِي الْكَفَّارَاتِ، وَالْكَفَّارَاتُ الْمُكْثُ فِي الْمَسَاجِدِ بَعْدَ الصَّلَوَاتِ وَالْمَشْيُ عَلَى الأَقْدَامِ إِلَى الْجَمَاعَاتِ وَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ فِي الْمَكَارِهِ وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَاشَ بِخَيْرٍ وَمَاتَ بِخَيْرٍ وَكَانَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ الترمذي 3157 وهو في صحيح الجامع 59 قال المباركفوري رحمه الله في شرح الحديث (فيم) أي في أي شيء (يختصم) أي يبحث (الملأ الأعلى) أي الملائكة المقربون، والملأ هم الأشراف الذين يملئون المجالس والصدور عظمة وإجلالا ووصفوا بالأعلى إما لعلو مكانهم وإما لعلو مكانتهم عند الله تعالى. واختصامهم إما عبارة عن تبادرهم إلى إثبات تلك الأعمال والصعود بها إلى السماء وإما عن تقاولهم في فضلها وشرفها وإما عن اغتباطهم الناس بتلك الفضائل.. وإنما سماه مخاصمة لأنه ورد مورد سؤال وجواب وذلك يشبه المخاصمة والمناظرة فلهذا السبب حسن إطلاق لفظ المخاصمة عليه. والله تعالى أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 1863 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 لا نجزم بأن اسم ملك الموت عزرائيل [السُّؤَالُ] ـ[هل ورد ما يدل على أن ملك الموت اسمه عزرائيل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اشتهر أن اسم ملك الموت عزرائيل، إلا أنه لم ترد تسمية ملك الموت بهذا الاسم في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية الصحيحة، وإنما ورد ذلك في بعض الآثار والتي قد تكون من الإسرائيليات. وعلى هذا، لا ينبغي الجزم بالنفي ولا بالإثبات، فلا نثبت أن اسم ملك الموت عزرائيل، ولا ننفي ذلك، بل نفوض الأمر إلى الله تعالى ونسميه بما سماه الله تعالى به "مللك الموت" قال الله تعالى: (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) السجدة /11. قال ابن كثير في "البداية والنهاية" (1/49) : وأما ملك الموت فليس بمصرح باسمه في القرآن، ولا في الأحاديث الصحاح، وقد جاء تسميته في بعض الآثار بعزرائيل، والله أعلم. وقد قال الله تعالى: (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) السجدة /11. وقال السندي: لم يرد في تسميته حديث مرفوع اهـ. وقال المناوي في "فيض القدير" (3/32) بعد أن ذكر أن ملك الموت اشتهر أن اسمه عزرائيل، قال: ولم أقف على تسميته بذلك في الخبر اهـ. وقال الشيخ الألباني في تعليقه على قول الطحاوي: " ونؤمن بملك الموت الموكل بقبض أرواح العالمين ". قال رحمه الله: قلت: هذا هو اسمه في القرآن، وأما تسميته بـ "عزرائيل" كما هو الشائع بين الناس فلا أصل له، وإنما هو من الإسرائيليات اهـ. وقال الشيخ ابن عثيمين: (ملك الموت) : وقد اشتهر أن اسمه (عزرائيل) ، لكنه لم يصح، إنما ورد هذا في آثار إسرائيلية لا توجب أن نؤمن بهذا الاسم، فنسمي من وُكِّل بالموت بـ (ملك الموت) كما سماه الله عز وجل في قوله: (قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون) اهـ. "فتاوى ابن عثيمين" (3/161) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 40671 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 باحث غير مسلم يسأل عن دليل تكليم جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم [السُّؤَالُ] ـ[أدرس في كلية في الولايات المتحدة. وأطرح هذا السؤال عليك لأستفيد منه في بحثي (وذكرت اسم المادة) . ما هو الدليل عندكم على أن جبريل كلّم محمدا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لقد كلّم جبريل عليه السلام محمداً صلى الله عليه وسلم دون حجاب، وقد رآه صلى الله عليه وسلم على صورته الحقيقية، وقد ثبت هذا في كثير من الآيات والأحاديث: 1. قوله تعالى: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى) النجم / 1 - 6. وقد ذكر المفسرون أن المقصود بقوله تعالى: (علّمه شديد القوى) هو جبريل عليه السلام، علّم محمداً صلى الله عليه وسلم الوحي. ومن صور الوحي: الكلام المباشر بين المَلَك والنبي؛ فدلّ هذا على أن جبريل عليه السلام كلّم محمداً صلى الله عليه وسلم. ومما يؤيد هذه الدلالة قوله عز وجل: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) الشعراء / 192 - 195. وقوله سبحانه: (قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) البقرة / 97. 2. وكذلك حادثة بدء الوحي المشهورة، عندما كان عليه الصلاة والسلام معتزلاً في غار حراء، إذ أتاه جبريل عليه السلام، وأمره أن يقرأ. عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: " أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ فَكَانَ لا يَرَى رُؤْيَا إِلا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاءُ وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ، فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ - وَهُوَ التَّعَبُّدُ - اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا. حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأْ. قَالَ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ. قَالَ: فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ. قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ. فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ. فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ. فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ) فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْجُفُ فُؤَادُهُ.. " رواه البخاري برقم 3، ومسلم برقم 231. 3. وعن عائشة رضي الله عنها: أن الحارث بن هشام رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ فَيُفْصَمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ، وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِي الْمَلَكُ رَجُلا فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ.. " رواه البخاري برقم 2. 4. حديث جبريل الطويل، عندما جاء متمثلاً على شكل رجل غريب، وجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان والرسول صلى الله عليه وسلم يجيبه، وهو يعلم أنه جبريل، فعندما فرغ من أسئلته وذهب أخبر النبي الصحابة أن هذا جبريل أتاهم يعلمهم دينهم. انظر صحيح البخاري برقم 48، ومسلم برقم 9. 5. وما جاء في ذكر حادثة الإسراء والمعراج، فقد كان صلى الله عليه وسلم يسأل جبريل وجبريل يجيبه. انظر صحيح البخاري برقم 2968، ومسلم برقم 238، والأحاديث التي تروي قصة الإسراء والمعراج. 6. وأيضاً الأحاديث الكثيرة التي يقول فيها عليه الصلاة والسلام: " أتاني جبريل فقال.. "، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: " أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلام فَقَالَ: مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِكَ لا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ. قُلْتُ: وَإِنْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ " رواه البخاري برقم 2213، ومسلم برقم 137. وعندما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق هو وأصحابه ووضع السلاح واغتسل، أتاه جبريل وقد عَصَبَ رَأْسَهُ الْغُبَارُ، فقال: " وَضَعْتَ السِّلاحَ! فَوَ اللَّهِ مَا وَضَعْتُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَأَيْنَ؟ قَالَ: هَاهُنَا - وَأَوْمَأَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ - فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رواه البخاري برقم 2602، ومسلم برقم 3315. ونحو ذلك من الأدلة، والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 10013 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 تتعلم اللغة الإنجليزية عن طريق دراسة الإنجيل [السُّؤَالُ] ـ[أنا طالب أدرس في بلاد أجنبية، في هذه البلاد يقدمون بعض الخدمات لأسر الطلاب مثل دروس تعليم اللغة الإنجليزية وزوجتي تحضر هذه الدروس من أجل تعلم اللغة الإنجليزية والكتاب المقرر لهذه الدروس هو الإنجيل. سؤالي هو: ما هو حكم دراسة الإنجيل بهدف تعلم اللغة الإنجليزية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج على المسلم في تعلم اللغات الأجنبية، بل قد يكون ذلك مطلوباً ويثاب عليه إذا قصد تعلم لغتهم من أجل دعوتهم إلى الإسلام، والعمل على هدايتهم إلى الحق الذي ضلوا عنه، أو يقصد الانتفاع بما عندهم من علوم لا توجد عند المسلمين حتى يتمكن من نفع المسلمين بهذه العلوم. ولكن الطريقة التي ذكرتها نرى أنها لا تجوز، ونرى أن هؤلاء يمكرون بالمسلمين، ليصرفوهم عن دينهم، فلن يكون هذا الدرس درساً في تعلم اللغة، وإنما سيكون درساً في التنصير. ونحن – المسلمين – نعتقد في الإنجيل أنه قد حُرِّف، وتلاعب به علماء النصارى، فصار يحتوي على أباطيل وخرافات لا يمكن لصاحب عقل سليم أن يؤمن بها أو يصدقها. والقراءة في هذه الكتب المحرفة لا تجوز، إلا لمن عنده من العلم الشرعي ما يستطيع أن يميز بين ما فيها من حق وباطل، وقرأها بقصد الرد على أهلها، وإقناعهم بما في هذه الكتب من أباطيل. ولهذا غضب النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى في يد عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتاباً أخذه من بعض أهل الكتاب، فَقَرَأَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم قَالَ: (أَمُتَهَوِّكُونَ [أي: متحيرون] فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ! وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي) رواه الإمام أحمد (14736) وحسنه الألباني في "الإرواء" (6/34) . وقد بَيَّن الله تعالى لنا مكر هؤلاء، وأنهم يبذلون ما يستطيعون لإخراج المسلمين عن دينهم، فقال تعالى: (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا) البقرة/217. قال الشيخ السعدي رحمه الله: "أخبر تعالى أنهم لن يزالوا يقاتلون المؤمنين، وليس غرضهم في أموالهم وقتلهم، وإنما غرضهم أن يرجعوهم عن دينهم، ويكونوا كفارا بعد إيمانهم حتى يكونوا من أصحاب السعير، فهم باذلون قدرتهم في ذلك، ساعون بما أمكنهم، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون. وهذا الوصف عام لكل الكفار، لا يزالون يقاتلون غيرهم، حتى يردوهم عن دينهم، وخصوصا أهل الكتاب، من اليهود والنصارى، الذين بذلوا الجمعيات، ونشروا الدعاة، وبثوا الأطباء، وبنوا المدارس، لجذب الأمم إلى دينهم، وتدخيلهم عليهم كل ما يمكنهم من الشبه، التي تشككهم في دينهم. ولكن المرجو من الله تعالى، الذي مَنّ على المؤمنين بالإسلام، واختار لهم دينه القيم، وأكمل لهم دينه، أن يتم عليهم نعمته بالقيام به أتم القيام، وأن يخذل كل من أراد أن يطفئ نوره، ويجعل كيدهم في نحورهم، وينصر دينه، ويعلي كلمته. وتكون هذه الآية صادقة على هؤلاء الموجودين من الكفار، كما صدقت على من قبلهم: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) " انتهى. "تفسير السعدي" (ص 97) . فالواجب عليك منع زوجتك من الذهاب إلى هؤلاء، وعدم مطاوعتهم فيما هم عليه من الخبث، والواجب تحذير كل مسلم ومسلمة ممن قد يروج عليه تضليل هؤلاء ومكرهم، وكشف عوار تدبيرهم وتخطيطهم. وتعليم اللغة الانجليزية ممكن بطرق كثيرة ميسورة، لا شبهة فيها، ولا خلط، ولا تضليل. نسأل الله تعالى أن يرد كيد هؤلاء في نحرهم، ويبصر المسلمين بمخططاتهم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129175 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 حكم الاطلاع على الإنجيل والتوراة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لي وأنا مسلم أن أطَّلع على الإنجيل وأقرأ فيه من باب الاطلاع فقط، وليس لأي غرض آخر؟ وهل الإيمان بالكتب السماوية يعني الإيمان بأنها من عند الله أو نؤمن بما جاء فيها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "على كل مسلم أن يؤمن بها أنها من عند الله؛ التوراة والإنجيل والزبور، فيؤمن أن الله أنزل الكتب على الأنبياء، وأنزل عليهم صحفاً فيها الأمر والنهي، والوعظ والتذكير، والإخبار عن الأمور الماضية، وعن أمور الجنة والنار ونحو ذلك، لكن ليس له أن يستعملها؛ لأنها دخلها التحريف والتبديل والتغيير، فليس له أن يقتني التوراة أو الإنجيل أو الزبور أو يقرأ فيها؛ لأن في هذا خطراً، لأنه ربما كذَّب بحق، أو صدَّق بباطل؛ لأن هذه الكتب قد حُرِّفت وغُيِّرت، ودخلها من أولئك اليهود والنصارى وغيرهم التبديلُ والتحريفُ والتقديمُ والتأخيرُ، وقد أغنانا الله عنها بكتابنا العظيم القرآن الكريم. وقد رُوي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه رأى في يد عمر شيئاً من التوراة فغضب، وقال: (أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ لقد جئتُكم بها بيضاء نقيةً، لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي) عليه الصلاة والسلام. والمقصود: أننا ننصحك وننصح غيرك ألا تأخذوا منها شيئاً، لا من التوراة ولا من الزبور، ولا من الإنجيل، ولا تقتنوا منها شيئاً، ولا تقرأوا فيها شيئاً، بل إذا وُجِد عندكم شيء فادفنوه أو احرقوه، وما دخلها من التغيير والتبديل فهو منكر وباطل، فالواجب على المؤمن أن يتحرز من ذلك، وأن يحذر أن يطلع عليها، فربما صدَّق بباطل، وربما كذَّب حقًّا، فطريق السلامة منها إما بدفنها وإما بحرقها. وقد يجوز للعالم البصير أن ينظر فيها للرد على خصوم الإسلام من اليهود والنصارى، كما دعا النبي صلى الله عليه وسلم بالتوراة لما أنكر اليهودُ الرجم حتى اطلع عليها عليه الصلاة والسلام، واعترفوا بعد ذلك. فالمقصود: أن العلماء العارفين بالشريعة المحمدية قد يحتاجون إلى الاطلاع على التوراة أو الإنجيل أو الزبور لقصد إسلامي، كالرد على أعداء الله، ولبيان فضل القرآن وما فيه من الحق والهدى، أما العامة وأشباه العامة فليس لهم شيء من هذا، بل متى وُجد عندهم شيء من التوراة أو الإنجيل أو الزبور، فالواجب دفنها في محل طيب أو إحراقها حتى لا يضل بها أحد" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (1/9، 10) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128850 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 ما هي صحف إبراهيم عليه السلام؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما هي صحف إبراهيم عليه السلام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صحف إبراهيم عليه السلام هي الصحف التي أنزلها الله على نبيه إبراهيم عليه السلام؛ غالب ما جاء فيها ـ كما قال أهل العلم ـ مواعظ وحكم وعبر. وقد ذكرها ربنا عز وجل في القرآن الكريم في عدة مواضع، منها المجمل، ومنها المبيَّن: أما المواضع المجملة ففي قوله تعالى: (قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) البقرة/136 وقوله عز وجل: (قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) آل عمران/84. وأما المواضع الصريحة المبينة ففي سورة النجم، حيث يقول الله تعالى: (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى. وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى. أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى. أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى. وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى. أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى. وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى. وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى. ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى) إلى آخر السورة. وفي سورة الأعلى، حيث قال سبحانه: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى. وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى. بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا. وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى. إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى. صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى) الأعلى/14-19. يقول ابن جرير الطبري رحمه الله: " وأما الصحف: فإنها جمع صحيفة، وإنما عُنِي بها: كتب إبراهيم وموسى " انتهى. " جامع البيان " (24/377) يقول العلامة الأمين الشنقيطي رحمه الله: " (وما أنزل إلى إبراهيم) لم يبين هنا هذا الذي أنزل إلى إبراهيم، ولكنه بيَّن في سورة الأعلى أنه صحف، وأن من جملة ما في تلك الصحف: (بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى) وذلك في قوله: (إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى) " انتهى. " أضواء البيان " (1/45) وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن تاريخ نزوله، كما جاء عن وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أُنْزِلَتْ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَام فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَتْ التَّوْرَاةُ لِسِتٍّ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ، وَالْإِنْجِيلُ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَ الْفُرْقَانُ لِأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ) رواه أحمد في "المسند" (4/107) وحسنه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (1575) وقد وقع في بعض الأحاديث الضعيفة، وبعض الآثار عن التابعين نقولٌ عن صحف إبراهيم، يغلب على الظن أنها منقولة عن كتب بني إسرائيل، وهي – إن صحت - تدل على أن موضوع صحف إبراهيم الرئيس هو الحكمة والموعظة. يقول داود بن هلال النصيبي: (مكتوب في صحف إبراهيم عليه السلام: يا دنيا ما أهونك على الأبرار الذين تصنعتِ لهم وتزينتِ لهم، إني قد قذفت في قلوبهم بغضك والصدود عنك، ما خلقت خلقا أهون عليَّ منك، كل شأنك صغير، وإلى الفناء تصيرين، قضيت عليك يوم خلقتُ الخلق ألا تدومي لأحد، ولا يدوم لك أحد، وإن بخل بك صاحبك وشح عليك، طوبى للأبرار الذين أطلعوني من قلوبهم على الرضا، وأطلعوني من ضميرهم على الصدق والاستقامة، طوبى لهم، ما لهم عندي من الجزاء إذا وفدوا إلي من قبورهم إلا النور يسعى أمامهم، والملائكة حافون بهم حتى أبلغ بهم ما يرجون من رحمتي) " الزهد " ابن أبي الدنيا (رقم/200) جاء في " الموسوعة الفقهية " (15/167) : " وأما صحف إبراهيم وداود فقد كانت مواعظ وأمثالا لا أحكام فيها، فلم يثبت لها حكم الكتب المشتملة على أحكام " انتهى. ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " صحف إبراهيم صحف أنزلها الله تعالى على إبراهيم فيها المواعظ والأحكام " انتهى. " لقاءات الباب المفتوح " (لقاء رقم/176) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126004 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 عقيدة السلف في القرآن الكريم [السُّؤَالُ] ـ[نود أن نعرف عقيدة السلف في القرآن الكريم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " عقيدة السلف في القرآن الكريم كعقيدتهم في سائر أسماء الله وصفاته، وهي عقيدة مبنية على ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكلنا يعلم أن الله سبحانه وتعالى وصف القرآن الكريم بأنه كلامه، وأنه منزل من عنده، قال تعالى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) التوبة/6، والمراد بلا ريب بكلام الله هنا القرآن الكريم، وقال تعالى: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) النمل/76، فالقرآن كلام الله تعالى لفظاً ومعنىً، تكلم الله به حقيقة، وألقاه إلى جبريل الأمين، ثم نزل به جبريل على قلب النبي صلى الله عليه وسلم ليكون من المنذرين، بلسان عربي مبين. ويعتقد السلف أن القرآن منزل، نزله الله عز وجل على محمد صلى الله عليه وسلم منجماً، أي: مفرقاً، في ثلاث وعشرين سنة حسب ما تقتضيه حكمة الله عز وجل. ثم إن النزول يكون ابتدائياً، ويكون سببياً، بمعنى: أن بعضه ينزل لسبب معين اقتضى نزوله، وبعضه ينزل بغير سبب، وبعضه ينزل في حكاية حال مضت للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وبعضه ينزل في أحكام شرعية ابتدائية على حسب ما ذكره أهل العلم في هذا الباب. ثم إن السلف يقولون: إن القرآن من عند الله ابتداءً وإليه يعود في آخر الزمان، هذا قول السلف في القرآن الكريم. ولا يخفى علينا أن الله تعالى وصف القرآن الكريم بأوصاف عظيمة، وصفه بأنه حكيم، وبأنه كريم، وبأنه عظيم، وبأنه مجيد، وهذه الأوصاف التي وصف الله بها كلامه تكون لمن تمسك بهذا الكتاب، وعمل به ظاهراً وباطناً، فإن الله تعالى يجعل له من المجد، والعظمة، والحكمة، والعزة، والسلطان، ما لا يكون لمن لم يتمسك بكتاب الله عز وجل، ولهذا أدعو من هذا المنبر جميع المسلمين حكاما ًومحكومين، علماء وعامة إلى التمسك بكتاب الله عز وجل ظاهراً وباطناً، حتى تكون لهم العزة، والسعادة، والمجد، والظهور في مشارق الأرض ومغاربها " انتهى. فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. "فتاوى كبار علماء الأمة" ص (45) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120984 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 القرآن الكريم هل هو من أنواع الشِّعْر أم من النثر أم هو شيء آخر؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكن القول بأن القرآن شكل من أشكال الشعر، مع العلم أنه يقال إن في القرآن مذكور أنه ليس بقول شاعر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ليس القرآن شعراً، ولم يكن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم شاعراً، بل وما ينبغي له، قال تعالى: (فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ. وَمَا لا تُبْصِرُونَ. إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ. وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ. وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ. تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الحاقة/38-43، وقال تعالى: (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ) يس/69. ثانياً: كلام العرب لا يخرج عن كونه شعراً ونثراً، ولا يعرف العرب غيرهما، وما يذكره بعض العلماء من وجود قسم ثالث وهو " السجع ": فهو داخل في النثر، وليس قسماً مستقلاًّ، حتى جاء الله تعالى بالقرآن، وأنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فبهرت كلماته عقول العرب، وأخذ أسلوبه بألبابهم، فتركهم في حيرة، فلا هو بالشعر الذي ينظمونه، ولا هو بالنثر الذي يقولونه، ومن قال منهم إنه " شعر ": فهو مكابر، كاذب، يعرف نفسه أنه غير صادق، أو أنه لا يعرف الشعر، ولو كان شعراً فما الذي منعهم من النظم على منواله؟! . ولذلك رأينا اعتراف الصادقين منهم أن القرآن ليس بشعر، ومن هؤلاء المعترفين بذلك: 1. أبو الوليد عتبة بن ربيعة: روى ابن إسحاق عن محمد بن كعب القرظي قال: حُدثت أن عتبة بن ربيعة - وكان سيِّداً -، قال يوماً - وهو في نادي قريش، ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد وحده -: يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد فأكلمه، وأعرض عليه أموراً لعله يقبل بعضها، فنعطيه أيها شاء ويكف عنَّا؟ وذلك حين أسلم حمزة رضي اللَّه عنه، ورأوا أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يكثرون، ويزيدون، فقالوا: بلى، يا أبا الوليد قم إليه، فكلمه، فقام إليه عتبة، حتى جلس إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال: يا ابن أخي إنك منَّا حيث قد علمت من السطة في العشيرة، والمكان في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم، فرقت به جماعتهم، وسفهت به أحلامهم، وعبت به آلهتهم ودينهم، وكفرت به من مضى من آبائهم، فاسمع مني أعرض عليك أموراً تنظر فيها، لعلك تقبل منها بعضها، قال: فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: قل يا أبا الوليد أسمع، قال: يا ابن أخي، إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً: جمعنا لك من أموالنا كيْ تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد به شرفاً: سودناك علينا حتى لا نقطع أمراً دونك، وإن كنت تريد به ملكاً: ملكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رِئياً تراه لا تستطيع رده عن نفسك: طلبنا لك الطب، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه، فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه - أو كما قال له - حتى إذا فرغ عتبة، ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يستمع منه، قال: أقد فرغت يا أبا الوليد؟ قال: نعم، قال: فاسمع مني، قال: أفعل، فقال: بسم اللَّه الرحمن الرحيم (حم. تَنزِيلٌ مِنْ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ. كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ. وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ) فصلت/ 1 – 5، ثم مضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فيها يقرؤها عليه، فلما سمعها منه عتبة أنصت لها، وألقى يديه خلف ظهره معتمداً عليهما يسمع منه، ثم انتهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى السجدة منها فسجد، ثم قال: قد سمعتَ يا أبا الوليد ما سمعت، فأنت وذاك، فقام عتبة إلى أصحابه، فقال بعضهم لبعض: نحلف باللَّه لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به، فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال: ورائي أني سمعت قولاً واللَّه ما سمعت مثله قط، واللَّه ما هو بالشعر، ولا بالسحر، ولا بالكهانة، يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي، خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه، فو اللَّه ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم، فإن تصبه العرب: فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب: فمُلكه ملككم، وعزُّه عزكم، وكنتم أسعد الناس به، قالوا: سحرك واللَّه يا أبا الوليد بلسانه، قال: هذا رأيي فيه، فاصنعوا ما بدا لكم. رواه البيهقي في " دلائل النبوة " (2 / 205) ، وأبو نعيم في " الدلائل " (1 / 304) وحسَّنه الألباني في التعليق على " فقه السيرة " للغزالي (ص 113) . 2. الشاعر أنيس الغفاري: قد روى مسلم (2473) من حديث أبي ذر رضي الله عنه: قصة إسلامه وإسلام أنيس أخيه، وفيها قال: (فقال أنيس: إن لي حاجة بمكة فاكفني - أي: ابق مع أمي - فانطلق أنيس، حتى أتى مكة، فراث علىَّ، ثم جاء، فقلت ما صنعت؟ قال: لقيت رجلا بمكة على دينك، يزعم أن الله أرسله، قلت: فما يقول الناس؟ قال: يقولون: شاعر، كاهن، ساحر وكان أنيس أحد الشعراء. قال أنيس لقد سمعت قول الكهة فما هو بقولهم، ولقد وضعت قوله على أقراء الشعر - (أي على أنواع الشعر وطرقه وأوزانه، واحدها: قَرْء) - فما يلتئم على لسان أحد بعدي أنه شعر - أي: إنه ليس بشعر - والله إنه لصادق وإنهم لكاذبون ... ) . قال أبو العباس القرطبي – رحمه الله -: ومعنى الكلام: أنه لما اعتبر القرآن بأنواع الشعر: تبيَّن له أنه ليس من أنواعه، ثم قطع: بأنه لا يصح لأحد أن يقول: إنه شِعر. " المفهم لما أشكل من تلخيص صحيح مسلم " (6 / 394) . ثالثاً: إذا كان القرآن ليس شعراً، كما نفاه الله تعالى عنه، ونفاه عنه الشعراء الصادقون، فهل هو من النثر؟ والجواب: لا، ولا هو من النثر، ومن تأمل في كتاب الله تعالى حق التأمل، وكان له ذوق لغوي وبلاغي: علم أنه ليس من النثر، بل هو قسم ثالث من أقسام الكلام في لغة العرب، وقد اعترف بهذا كبار الأدباء قديماً وحديثاً، ونذكر هنا شهادة رجل من الأدباء، وله موقف معروف من الشرع، وهو " طه حسين " وشهادته هنا مهمة؛ لأنه من أهل الاختصاص من جهة، ومن جهة أخرى فهو لن يجامل أحداً! ومما قاله طه حسين: ولكنكم تعلمون أن القرآن ليس نثراً، كما أنه ليس شعراً، إنما هو قرآن، ولا يمكن أن يسمَّى بغير هذا الاسم، ليس شعراً، وهذا وضع، فهو لم يتقيد بقيود الشعر، وليس نثراً؛ لأنه مقيّد بقيود خاصة به، لا توجد في غيره، فهو ليس شعراً، ولا نثراً، ولكنه: (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) ، فلسنا نستطيع أن نقول: إنه نثر، كما نص على أنه ليس شعراً. كان وحيدا في بابه، لم يكن قبله، ولم يكن بعده مثله، ولم يحاول أحد أن يأتي بمثله، وتحدى الناس أن يحاكوه، وأنذرهم أن لن يجدوا إلى ذلك سبيلاً ... . " من حديث الشعر والنثر " - الأعمال الكاملة – (5 / 577) بواسطة مقال " حول إعجاز القرآن الكريم، الابتداء بالأسلوب " (من ص 75 - 84) للدكتور علي حسن العماري، نشر في مجلة " الجامعة الإسلامية " العدد 24،، ربيع الثاني 1394هـ. وهذا المقال نفيس، وفيه بيان المسألة بوضوح وجلاء، ومما قاله الدكتور الفاضل فيه: فمشركو العرب ادَّعوا أن القرآن شعر، وادعوا أنه كهانة، ومعنى هذا: أن شبه القرآن عندهم بالشعر، وبكلام الكهان هو الذي يمكن أن يذيعوه، وهم حريصون على أن يقولوا ما يمكن أن يُصدّقوا فيه، فهم - بذلك - يقرون أنه ليس كسائر الكلام، وإنما هو نوع خاص منه، وقد نفى بعض فصحائهم أن يكون القرآن شعراً، أو أن يكون قول كاهن، كما نفى القرآن الكريم ذلك، فثبت أن القرآن في أسلوبه وطريقة أدائه ومبناه الكلي: مخالف لكلام العرب، ومتميز عنه، وإن كانت ألفاظه ألفاظهم، وتراكيبه تراكيبهم. وقال: ذكر " عيسى بن علي الرماني " (متوفى 386 هـ) في رسالته " النكت في إعجاز القرآن " أن القرآن جاء بأسلوب جديد حيث قال: " وأما نقض العادة: فإن العادة كانت جارية بضروب من أنواع الكلام معروفة: منها الشعر، ومنها السجع، ومنها الخطب، ومنها الرسائل، ومنها المنثور الذي يدور بين الناس في الحديث، فأتى القرآن بطريقة مفردة خارجة عن العادة لها منزلة في الحسن، تفوق كل طريقة " انتهى. وقال الدكتور الفاضل: وسار على هذا المنهج أبو بكر الباقلاني، فأطال القول في هذا المعنى، ومن ذلك قوله: " إنه نظم خارج عن جميع وجوه النظم المعتاد في كلامهم، ومباين لأساليب خطابهم، ومن ادعى ذلك: لم يكن له بدٌّ من أن يصحح أنه ليس من قبيل الشعر، ولا من قبيل السجع، ولا الكلام الموزون غير المقفى؛ لأن قوماً من كفار قريش ادعوا أنه شعر، ومن الملحدة من يزعم أن فيه شعراً، ومن أهل الملة من يقول: إنه كلام مسجع، إلا أنه أفصح مما قد اعتادوه من أسجاعهم، ومنهم من يدعي أنه كلام موزون، فلا يخرج بذلك عما يتعارفونه من الخطاب " انتهى. فتبين مما سبق أن القرآن كلام الله تعالى، أحكم آياته، وفصَّلها، وبيَّنها، بكلام عربي مبين، وليس هو على طريقة ما عرفه العرب من الشعر، والنثر، بل هو قرآن، قسم خاص، لا يشبه الشعر والنثر، ولا يشبهانه. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114028 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 حقيقة الإيمان بالكتب [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى الإيمان بالكتب؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله وبعد: فالإيمان بالكتب يتضمن أربعة أمور: الأول: التصديق الجازم بأن جميعها منزَّل من عند الله، وأن الله تكلم بها حقيقة فمنها المسموع منه تعالى من وراء حجاب بدون واسطة الرسول الملكي، ومنها ما بلغه الرسول الملكي إلى الرسول البشري، ومنها ما كتبه الله تعالى بيده كما قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) الشورى/51 وقال تعالى: (وكلم الله موسى تكليما) النساء/164 وقال تعالى في شأن التوراة: (وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ) الأعراف/145. الثاني: ما ذكره الله من هذه الكتب تفصيلا وجب الإيمان به تفصيلا وهي الكتب التي سماها الله في القرآن وهي (القرآن والتوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وموسى) . وما ذكر منها إجمالا وجب علينا الإيمان به إجمالا فنقول فيه ما أمر الله به رسوله: (وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب) الشورى/15. الثالث: تصديق ما صح من أخبارها، كأخبار القرآن، وأخبار ما لم يُبَدل أو يُحَرف من الكتب السابقة. الرابع: الإيمان بأن الله أنزل القرآن حاكما على هذه الكتب ومصدقا لها كما قال تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) المائدة/48، قال أهل التفسير: مهيمنا: مؤتمنا وشاهدا على ما قبله من الكتب، ومصدقا لها يعني: يصدق ما فيها من الصحيح، وينفي ما وقع فيها من تحريف وتبديل وتغيير، ويحكم عليها بنسخ ـ أي رفع وإزالة ـ أحكام سابقة، أو تقرير وتشريع أحكام جديدة؛ ولهذا يخضع له كل متمسك بالكتب المتقدمة ممن لم ينقلب على عقبيه كما قال تبارك وتعالى: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُون. وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ) القصص/52:53. - وأن الواجب على جميع الأمة اتباع القرآن ظاهراً وباطناً والتمسك به، والقيام بحقه كما قال تعالى: (وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا) الأنعام/155 ومعنى التمسك بالكتاب والقيام بحقه: إحلال حلاله، وتحريم حرامه، والانقياد لأوامره والانزجار بزوا جره والاعتبار بأمثاله، والاتعاظ بقصصه، والعلم بمحكمه، والتسليم بمتشابهه والوقوف عند حدوده والذب عنه مع حفظه وتلاوته وتدبر آياته والقيام به آناء الليل والنهار، والنصيحة له بكل معانيها، والدعوة إلى ذلك على بصيرة. وهذا الإيمان يثمر للعبد ثمرات جليلة أهمها: 1- العلم بعناية الله بعباده حيث أنزل لكل قوم كتابا يهديهم به. 2- العلم بحكمة الله تعالى في شرعه حيث شرع لكل قوم ما يناسب أحوالهم كما قال الله تعالى: (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) 3- القيام بواجب شكر الله على هذه النعمة العظيمة. 4- أهمية العناية بالقرآن العظيم، بقراءته وتدبره وتفهم معانيه والعمل به. والله أعلم. انظر (أعلام السنة المنشورة 90 – 93) و (شرح الأصول الثلاثة للشيخ ابن عثيمين 91، 92) . [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 9519 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 الحكمة من وقوع التحريف في الإنجيل [السُّؤَالُ] ـ[لم سمح الله سبحانه وتعالى بتحريف الإنجيل، مع أنه سبحانه قادر على حفظه؟ وما هي التعاليم التي اتبعها المسلمون قبل مجيء النبي محمد صلى الله عليه وسلم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: أولا: قد وكَّل الله تعالى حفظ التوراة والإنجيل إلى علمائهم ورهبانهم، بدليل قوله: (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء) المائدة/44. ولم يتكفل سبحانه وتعالى بحفظه كما تكفل بحفظ القرآن، وفي ذلك بعض الحِكَم: 1. أراد سبحانه وتعالى أن يبقى القرآن الكريم هو الكتاب الخالد، والشريعة الباقية إلى يوم القيامة، قال تعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) المائدة/48، فلم تكن ثمة حاجة لحفظ الكتب السابقة وتخليدها، وخاصة أن عهد القرآن قريب من عهد الإنجيل، فليس بينهما سوى ستمائة عام. 2. وليكون ذلك فتنة واختباراً للذين أوتوا الكتاب هل يقومون بدورهم في حفظ الكتاب؟ وهل يؤمنون بما جاء فيه؟ وهل يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل، أم يصروا على عنادهم، فيقوموا بالتحريف والكتمان والتزوير؟! 3. وفي ذلك بلاء أيضا لكل أتباع الديانة النصرانية إلى يوم القيامة، وهم يرون كتابهم الذي يؤمنون به لم يسلم من يد التحريف أو التشكيك أو الضياع، ويرون كتاب خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم محفوظا متواتراً لا يشك أحد في صحته، فيكون ذلك داعيا لهم إلى الإيمان بالكتاب المبين - القرآن الكريم -. ثانيا: كان الناس في الجاهلية قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم على الشرك والوثنية، ولم يكن لأغلبهم دين متبع، ولا شريعة محترمة، اللهم إلا بعض من اتبعوا شريعة المسيح عليه السلام، مثل ورقة بن نوفل، وبعض من كان حنيفا على دين إبراهيم، يجتنب الشرك والأوثان والخمر والفواحش ويسجد لله الواحد رب العالمين، مثل زيد بن عمرو بن نفيل الذي صح في البخاري (3614) أنه قال: (إِنِّي لَا آكُلُ مِمَّا تَذْبَحُونَ عَلَى أَنْصَابِكُمْ وَلَا آكُلُ إِلَّا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ) وكان يقول أيضا: (يَا مَعَاشِرَ قُرَيْشٍ! وَاللَّهِ مَا مِنْكُمْ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ غَيْرِي. وَكَانَ يُحْيِي الْمَوْءُودَةَ، يَقُولُ لِلرَّجُلِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَ ابْنَتَهُ: لَا تَقْتُلْهَا، أَنَا أَكْفِيكَهَا مَئُونَتَهَا، فَيَأْخُذُهَا، فَإِذَا تَرَعْرَعَتْ قَالَ لِأَبِيهَا: إِنْ شِئْتَ دَفَعْتُهَا إِلَيْكَ، وَإِنْ شِئْتَ كَفَيْتُكَ مَئُونَتَهَا) رواه البخاري (3616) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98280 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 هل الإنجيل المكتوب بالآرامية موجود اليوم؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل الإنجيل الأصلي الذي باللغة الآرامية موجود هذا الزمان وأين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: اختلف الباحثون والمتخصصون في علوم الديانات والتاريخ القديم في اللغة التي كان يتحدث بها الرسول الكريم عيسى بن مريم عليه السلام. " ويجمع الباحثون أن فلسطين زمن بعثة عيسى كانت بمثابة لوحة فسيفسائية، وأن سكانها كانوا خليطا من كل أمة ولسان، وكانوا يتكلمون بدرجات متفاوتة: العبرانية، والآرامية بلهجاتها، والإغريقية، واللاتينية. ولكن الاختلاف يقوم بينهم حين يسعون إلى تلمس الحدود الجغرافية لكل واحدة من تلك اللغات، وحين يريدون حصر الخصائص المميزة لتلك اللغات، وتحديد نسبة تأثر بعضها ببعض، ونحن حين نقرأ سيرة عيسى في الأناجيل الأربعة نجده يخاطب فئات مختلفة من الناس: فقد خاطب عامة الناس من مختلف المدائن والبوادي، وخاطب أعضاء المجلس الأعلى، ومعلمي الشريعة، والقائمين على تسيير الهيكل وإدارة الشؤون الدينية اليهودية، كما خاطب الحاكم الروماني لفلسطين وكانت لغته اللاتينية. وفي كلمات المسيح المنسوبة إليه في الإنجيل كلمات آرامية: " إيلي إيلي لما شبقتني؟! أي إلهي إلهي لماذا تركتني؟! (إنجيل متى 27 / 46) . " وأمسك بيد الصبية وقال لها: " طليثا، قومي! " الذي تفسيره: يا صبية، لك أقول: قومي! (إنجيل مرقص 5 / 41) . وفيه كلمات عبرية: " قال لها يسوع: " يا مريم " فالتفتت تلك وقالت له: " رَبُّونِي "، الذي تفسيره: يا معلم " (إنجيل يوحنا 20 / 17) . " وكان يخاطب ويباحث اليونانيين " (أعمال الرسل 9 / 29) وظاهره أن المباحثة كانت بلغتهم، ولاختلاف هذه الشواهد كان الخلاف شديدا بين العلماء والباحثين في تحديد لغة المسيح عليه السلام. وذهب ابن تيمية وابن القيم إلى أنه لم يتكلم بغير العبرانية، فقال ابن تيمية في " الجواب الصحيح " (3 / 75) : " والمسيح كان عبرانيا لم يتكلم بغير العبرانية " انتهى. وقال في (1 / 90) : " ومن قال إن لسان المسيح كان سريانيّاً (أي آراميّاً) أو روميّاً: فقد غلط " انتهى. وذهب بعضهم إلى أن " هذه المعطيات جميعها تبين أن أغلب حديث عيسى عليه السلام كان باللغة الآرامية، وهي اللغة الشعبية التي كانت شائعة أكثر من غيرها، ثم يتلوه حديثه باللغة العبرانية لغة العهد القديم، كما يبدو أنه كان مثقفا باللاتينية والإغريقية ". انظر " لغة المسيح عيسى بن مريم " بحث د. عبد العزيز شهبر (ص 112، 113) ، منشور في كتاب " لغات الرسل ". ثانيا: يجب على المسلمين جميعا الإيمان بالإنجيل الذي أوحاه الله إلى نبيه عيسى المسيح عليه السلام، ومن أنكره كفر باتفاق أهل العلم. يقول سبحانه وتعالى: (وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ) المائدة/46. وإيماننا بالإنجيل يقتضي منا الإيمان بوجوده وتمام وحيه، وكذلك الإيمان بكل ما جاء فيه أنه حق ومن عند الله. ولكن لم يأت في شريعتنا شيء في بيان هل كان هذا الإنجيل مكتوبا ومجموعا جميعه في عهد عيسى عليه السلام، ومن الذي كتبه، ومن الذي حفظه ونشره، أم كان المسيح يعلمه الناس مشافهة، ثم يتناقله الحواريون ومن آمن به؟ أم كتب بعضه وترك بعض آخر؟ فهذه أسئلة قد لا نستطيع أن نجزم فيها بجواب اليوم، بل إن بعض الباحثين ينفي أن يكون الإنجيل الحقيقي مدونا على هيئة كتاب، وإنما كان أقوالا متناقلة. يقول العلامة الطاهر ابن عاشور في " التحرير والتنوير " (3 / 26) في مطلع تفسير آل عمران: " وأما الإنجيل: فاسم للوحي الذي أوحي به إلى عيسى عليه السلام فجمعه أصحابه " انتهى. يقول الشيخ أحمد ديدات – رحمه الله -: فنحن نؤمن بإخلاص بأن كل ما كان يقوله عيسى عليه السلام كان وحياً من الله، وبأنه هو الإنجيل والبشارة إلى بني إسرائيل، وخلال حياته لم يكتب عيسى كلمة واحدة، كما أنه لم يأمر أحداً بالكتابة. " هل الكتاب المقدس كلمة الله " (ص 14) . وإن كان الظاهر أن المسيح عليه السلام يعرف الكتابة والقراءة، ويفهم ذلك من قوله تعالى: (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ) آل عمران/48 قال ابن كثير – رحمه الله -: الظاهر أن المراد بالكتاب ههنا الكتابة. " تفسير القرآن العظيم " (1 / 485) . إلا أننا لا نملك دليلا على كتابة الوحي زمن عيسى عليه السلام، وليس في تسمية الإنجيل " كتابا " في القرآن الكريم دليل على كتابته في الصحف زمن الوحي، فإن التسمية بـ " الكتاب " إنما هي باعتبار ما عند الله في اللوح المحفوظ، أو باعتبار تهيئه للكتابة والتدوين، واعتبر ذلك بالقرآن الكريم، فقد سماه الله " كتابا "، وإنما كان يتناقل شفاها مع كتابة متفرقة له في الجلود والصحف، وفي الحقيقة لم يكن كتابا مجموعا حتى كان زمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، بل قال سبحانه وتالى: (وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ) الأنعام/7. يقول الطاهر ابن عاشور في تفسير سورة مريم الآية/30: والكتاب: الشريعة التي من شأنها أن تكتب لئلا يقع فيها تغيير. فإطلاق الكتاب على شريعة عيسى كإطلاق الكتاب على القرآن. " التحرير والتنوير " (8 / 470) . والنصارى كذلك لا يؤمنون أن ثمة كتابا كتبه المسيح أو أحد تلامذته في عهده، ثم فُقِدَ بعد ذلك. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: وأما الإنجيل الذي بأيديهم فهم معترفون بأنه لم يكتبه المسيح عليه السلام، ولا أملاه على من كتبه، وإنما أملوه بعد رفع المسيح. " الجواب الصحيح " (1 / 491) . وهذا فرق ظاهر بين الوحي الذي أنزل على موسى والوحي الذي أنزل على عيسى، فقد جاء في القرآن الكريم ما يدل على كتابة الأول في قوله تعالى: (وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ) الأعراف/145. وإن كان يبدو من كلام بعض علماء المسلمين أن الإنجيل الحقيقي كان مدونا ومكتوبا في عهد المسيح عليه السلام، تجد ذلك في كلام ابن حزم في " الفِصَل "، وابن تيمية في " الجواب الصحيح ". وكذلك جاء في " الإنجيل " إطلاق هذا اللفظ على ما أوحاه الله إلى المسيح، حيث جاء في (إنجيل مرقص 8/35) : " ومن أهلك نفسه من أجلي ومن أجل الإنجيل يخلصها ". أما الأناجيل الموجودة اليوم، فليست هي الإنجيل الحقيقي، ولكن لا ينكر احتواؤها على كثير من الإنجيل الذي أوحاه الله سبحانه إلى المسيح. قال ابن تيمية - رحمه الله - هذه المقالات الأربعة التي يسمونها الإنجيل، وقد يسمون كل واحد منهم إنجيلا إنما كتبها هؤلاء بعد أن رفع المسيح، فلم يذكروا فيها أنها كلام الله، ولا أن المسيح بلغها عن الله، بل نقلوا فيها أشياء من كلام المسيح، وأشياء من أفعاله ومعجزاته، وذكروا أنهم لم ينقلوا كل ما سمعوه منه ورأوه، فكانت من جنس ما يرويه أهل الحديث والسير والمغازي عن النبي صلى الله عليه وسلم من أقواله وأفعاله التي ليست قرآنا، فالأناجيل التي بأيديهم شبه كتاب السيرة وكتب الحديث أو مثل هذه الكتب، وإن كان غالبها صحيحاً. " الجواب الصحيح " (2 / 14) . وانظر جواب السؤال رقم (47516) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 85280 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 آخر وصية ليعقوب ومواضع صحف إبراهيم في القرآن والبلد الذي يحتوي على أعلى نسبة للمسلمين وكيف أسلموا [السُّؤَالُ] ـ[1- ما هي آخر وصية للنبي يعقوب لأولاده قبل موته؟ 2- الصحف التي أُنزلت على النبي إبراهيم ضاعت ولكنها مذكورة في القرآن في اكثر من موضع؟ اذكر موضعين من هذه المواضع؟ 3- في أي بلد تكون أعلى نسبة للمسلمين؟ كيف اسلم أهل هذا البلد]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله 1 - دلّ القرآن الكريم على أن يعقوب قد أوصى بنيه قبل موته، فقال: (مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي) فقالوا: (نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) البقرة / 133. 2- ذكر صحف إبراهيم في سورة الأعلى 19: (صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى) ، وفي سورة النجم 37: (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى) . 4- أكبر بلد إسلامي من الناحية العددية في إفريقيا: نيجيريا. وفي آسيا: أندونيسيا. وقد أسلم الأندونوسيون بسبب الاحتكاك بالتجار المسلمين الحضارمة كما هو معلوم. ولعل هذا هو مطلوب السائل، وإن كان السؤال غير دقيق، لأن اعتبار النسبة يعني غير ذلك. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 4134 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 ما هي طبيعة سلطة القرآن على المسلمين [السُّؤَالُ] ـ[أدرس دورة في ديانات العالم، وأجد مشكلة في إيجاد حل للسؤال التالي: ما هي طبيعة سلطة القرآن تبعاً للعرف الإسلامي؟ وما هو دور القرآن في التشريع الإسلامي طبقاً للتراث الإسلامي الحنيف؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله القرآن أنزله الله عز وجل شريعة ومرجعا في الحلال والحرام والأمر والنهي لزاما على الناس، فما فيه من الأمر امتثلوه وما فيه من نهي اجتنبوه وما فيه من حلال أحلوه وما فيه من حرام حرموه، وفيه خبر ما قبلنا ونبأ ما بعدنا وحكم ما بيننا، قال الله عز وجل: " ما فرطنا في الكتاب من شئ "، وبعد أن تم نزوله قال الله عز وجل: " اليوم أكملت لكم دينكم "، وجاءت السنة مبينة ومكملة للقرآن قال صلى الله عليه وسلم: " ألا إنني أوتيت القرآن ومثله معه " ومعنى قوله ومثله أي السنّة، حديث صحيح، وأمر الله عز وجل بالرجوع إلى هذين الدستورين، قال الله عز وجل: (وما اختلفتم فيه من شئ فردوه إلى الله والرسول) ، فالرد إلى الله يعني إلى القرآن والرد إلى الرسول يعني إلى السنة، فالقرآن هو المصدر الأول للتشريع ثم تأتي السنة والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2110 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 أشياء أخبر عن وقوعها القرآن ووقعت [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك أي من الأشياء التي أخبر القرآن أنها ستقع ثم وقعت بالفعل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، هناك بعض الأشياء التي ذكر الله تعالى في القرآن أنها ستقع، وقد وقعت بالفعل، ومنها: أ. هزيمة الفرس على أيدي الروم في بضع سنين: قال تعالى: {غُلِبَتِ الرُّومُ. فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ. فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ} الروم / 2 – 4. قال الشوكاني: قال أهل التفسير: غَلبت فارسُ الرومَ، ففرح بذلك كفارُ مكة وقالوا: الذين ليس لهم كتاب غلبوا الذين لهم كتاب، وافتخروا على المسلمين، وقالوا: نحن أيضاً نغلبكم كما غَلبت فارسُ الرومَ، وكان المسلمون يحبُّون أن تظهر الروم على فارس لأنهم أهل كتاب … {وهم من بعد غلبهم سيغلبون} أي: والروم من بعد غَلب فارس إياهم سيغلبون أهلَ فارس … قال الزجاج: وهذه الآية من الآيات التي تدل على أن القرآن من عند الله؛ لأنه إنباء بما سيكون، وهذا لا يعلمه إلا الله سبحانه. " فتح القدير " (4 / 214) . ب. العداوة بين فِرق النصارى إلى يوم القيامة. قال تعالى {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} المائدة / 14. قال ابن كثير: {فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة} أي: فألقينا بينهم العداوة والبغضاء لبعضهم بعضاً، ولا يزالون كذلك إلى قيام الساعة، ولذلك طوائف النصارى على اختلاف أجناسهم لا يزالون متباغضين متعادين يكفر بعضهم بعضاً ويلعن بعضهم بعضاً، فكل فرقةٍ تحرم الأخرى ولا تدعها تلج معبدها، فالملكية تكفر باليعقوبية، وكذلك الآخرون، وكذلك النسطورية والآريوسية، كل طائفة تكفر الأخرى في هذه الدنيا، ويوم يقوم الأشهاد. " تفسير ابن كثير " (2 / 34) . ت. ما وعد الله نبيه عليه السلام أنه سيظهر دينه على الأديان. قال الله تعالى: {هوَ الذي أرْسَل رَسُولَه بِالهُدَى ودِينِ الحقِّ ليظهره على الدين كله} الآية سورة التوبة / 33 وسورة الفتح / 28، وسورة الصف / 9. قال القرطبي: ففعل ذلك، وكان أبو بكر رضي الله عنه إذا أغزى جيوشه عرَّفهم ما وعدهم الله في إظهار دينه ليثقوا بالنصر وليستيقنوا بالنجاح، وكان عمر يفعل ذلك، فلم يزل الفتح يتوالى شرقاً وغرباً برّاً وبحراً. " تفسير القرطبي " (1 / 75) . ث. فتح مكة قال الله تعالى: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً} الفتح / 27. قال الطبري: يقول تعالى ذكره: لقد صدق الله رسولَه محمَّداً رؤياه التي أراها إياه أنه يدخل هو وأصحابه بيتَ الله الحرام آمنين لا يخافون أهل الشرك مقصِّراً بعضهم رأسَه ومحلِّقاً بعضهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. " تفسير الطبري " (26 / 107) . ج. وقوع غزوة بدر قال الله تعالى: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ} الأنفال / 7. قال ابن الجوزي: والمعنى: اذكروا إذ يعدكم الله إحدى الطائفتين، والطائفتان: أبو سفيان وما معه من المال، وأبو جهل ومن معه من قريش، فلما سبق أبو سفيان بما معه كتب إلى قريش إن كنتم خرجتم لتحرزوا ركائبكم فقد أحرزتها لكم، فقال أبو جهل: والله لا نرجع، وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد القوم فكره أصحابه ذلك، وودوا أن لو نالوا الطائفة التي فيها الغنيمة دون القتال، فذلك قوله {وتودون أن غير ذات الشوكة} أي: ذات السلاح. " زاد المسير " (3 / 324) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 23475 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 حكم اقتناء الإنجيل والتوراة [السُّؤَالُ] ـ[هل يصح لي أن أقتني نسخة من الإنجيل لأعرف كلام الله لسيدنا عيسى وهل الإنجيل الموجود الآن صحيح؟ حيث إنني سمعت أن الإنجيل الصحيح غرق في الفرات؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز اقتناء شيء من الكتب السابقة على القرآن من إنجيل أو توراة أو غيرهما لسببين: - أن كل ما كان نافعاً فيها فقد بينه الله سبحانه وتعالى في القرآن. - أن في القرآن ما يغني عن كل هذه الكتب لقوله تعالى: (نزل عليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه) . فكل ما في الكتب السابقة من خير موجود في القرآن، أما قول السائل أنه يريد أن يعرف كلام الله لعبده ورسوله عيسى عليه السلام، فإن النافع منه لنا موجود في القرآن فلا حاجة للبحث عنه من غيره. وأيضاً فالإنجيل الموجود الآن محرف، والدليل على ذلك أنه أربعة أناجيل يخالف بعضها بعضاً وليس إنجيلاً واحداً، إذن فلا يعتمد عليها، أما طالب العلم الذي لديه علم يتمكن به من معرفة الحق من الباطل فلا مانع من دراسته لها لرد ما فيها من الباطل وإقامة الحجة على معتنقيها. الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -. [الْمَصْدَرُ] مجلة الدعوة العدد/1789 ص/43. الحديث: 20020 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 إذا كان اليهودي والنصراني يوحّد الله ولكن لا يُحكّم القرآن [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان هناك شخص يهودي أو نصراني يؤمن بالله وأنه لا شريك له، ويؤمن بالرسل المرسلين من الله عليهم السلام ولكنه لا يحكم بالقرآن مع أنه يؤمن بأنه من عند الله ولكنه يفترض أنه يجوز أن يحكم التوراة الأصلية. فهل هذا يعتبر مسلما؟]ـ [الْجَوَابُ] أرسلنا بهذا السؤال إلى شيخنا الشيخ عبد الرحمن البراك فأجاب بما يلي: الحمد لله وبعد فإن من أصول الإيمان: الإيمان بجميع الكتب المنزلة من عند الله والإيمان بجميع الرسل ويدخل في هذين الأصلين الإيمان بأشرف الكتب وهو القرآن وأفضل الرسل وهو محمد صلى الله عليه وسلم خاتم المرسلين ورسول الله إلى الناس أجمعين منذ بعثه الله إلى أن تقوم الساعة فيجب على كل إنسان من جميع الأمم الإيمان به واتباعه وتحكيم شريعته فمن ادعى الإيمان به وبالقرآن ولم يحكّمه ولم يلتزم اتباعه في كل ما جاء به ولم يصدّقه في جميع أخباره فليس بمسلم ولا مؤمن، وإن مات على ذلك فهو من أصحاب الجحيم ولو ادعى أنه يؤمن بالله وحده لا شريك له ويؤمن بجميع الرسل فإن الإيمان بالرسول وبالقرآن ليس هو مجرد التصديق من غير انقياد ولا اتباع ولا تحكيم فإن كثيراً من المشركين كانوا مصدقين للرسول صلى الله عليه وسلم بقلوبهم بل منهم من هو مصدق بقلبه وبلسانه مثل عمه أبي طالب، ولم ينفعهم هذا التصديق لمّا أصروا على عدم اتباعه، وهكذا اليهود والنصارى كانوا يعرفونه كما يعرفون آباءهم ومنهم من يُظهر تصديقه للرسول صلى الله عليه وسلم، فلم تنفعهم هذه المعرفة وهذا التصديق لما أبَوا اتباعه كانوا كفاراً وأحلّ الله له دماءهم وأموالهم فقاتلهم الرسول صلى الله عليه وسلم فأظهره الله عليهم وأظهر دينه عل كل الأديان، قال تعالى: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون) . أهـ فالواجب على كل يهودي أو نصراني أن يدخل في دين الإسلام الذي أنزله الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، لأنّ الرسالة المحمدية هي الخاتمة والناسخة للديانات السابقة، قال تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه) ، وفي الحديث الصحيح: (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ.) رواه مسلم 218، وعلى هذا فلا يصح من يهودي ولا نصراني دين حتى يؤمن بشريعة الإسلام ويلتزم بحكم القرآن الكريم، فالقرآن مهيمن وناسخ للكتب السابقة، والتوراة والإنجيل منسوخة واعتراها التحريف والتبديل. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد الرحمن البراك الحديث: 4322 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 حكم اقتناء الكتب السابقة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمسلم أن يقتني الإنجيل ليعرف كلام الله لعبده ورسوله عيسى عليه الصلاة والسلام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز اقتناء شيء من الكتب السابقة على القرآن من إنجيل أو توراة أو غيرهما لسببين: السبب الأول: أن كل ما كان نافعاً فيها فقد بينه الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم. السبب الثاني: أن في القرآن ما يغني عن كل هذه الكتب لقوله تعالى: (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْه ِ) آل عمران/3. وقوله تعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ) المائدة/48. فإن ما في الكتب السابقة من خير موجود في القرآن. أما قول السائل إنه يريد أن يعرف كلام الله لعبده ورسوله عيسى , فإن النافع منه لنا قد قصه الله في القرآن فلا حاجة للبحث في غيره , وأيضاً فالإنجيل الموجود الآن محرَّف , والدليل على ذلك أنها أربعة أناجيل يخالف بعضها بعضاً وليست إنجيلاً واحداً إذن فلا يعتمد عليه. أما طالب العلم الذي لديه علم يتمكن به من معرفة الحق من الباطل فلا مانع من معرفته لها لرد ما فيها من الباطل وإقامة الحجة على معتنقيها. [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ج/1 ص/33-32. الحديث: 10817 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 البشارة بالنبي صلى الله عليه وسلم في الكتب المتقدّمة [السُّؤَالُ] ـ[أخبرني بعض المسلمين أنّ محمدا وعيسى نبيين عظيمين وأخبروني أنّ السبب وراء عدم ذكر محمد في الإنجيل أنّه قد وُلد بعد كتابة الإنجيل. حسنا لقد ولد عيسى بعد كتابة التوراة (العهد القديم) ومع ذلك هناك أكثر من 600 إشارة ونبأ فيه لذكر عيسى تحققّت كلها بينما لا يوجد إشارة لمحمد في كلّ الكتاب المقدّس فكيف يستوي عيسى ومحمد إذن؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نحن بين أمرين إمّا أنّ الذي قال لك ذلك جاهل لا يُعتدّ بقوله وإمّا أنّ الادّعاء كذب وافتراء، فنحن المسلمين نعلم جيدا الآية الكريمة التي يقول الله تعالى فيها: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (157) سورة الأعراف قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية: "الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل" وهذه صفة محمد صلى الله عليه وآله وسلم في كتب الأنبياء بشروا أممهم ببعثته وأمروهم بمتابعته ولم تزل صفاته موجودة في كتبهم يعرفها علماؤهم وأحبارهم. كما روى الإمام أحمد حدثنا إسماعيل عن الجريري عن أبي صخر العقيلي حدثني رجل من الأعراب قال جلبت حلوبة إلى المدينة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما فرغت من بيعي قلت لألقين هذا الرجل فلأسمعن منه قال فتلقاني بين أبي بكر وعمر يمشون فتبعتهم حتى أتوا على رجل من اليهود ناشر التوراة يقرؤها يعزي بها نفسه عن ابن له في الموت كأجمل الفتيان وأحسنها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنشدك بالذي أنزل التوراة هل تجد في كتابك هذا صفتي ومخرجي؟ " فقال برأسه هكذا أي لا فقال ابنه إي والذي أنزل التوراة إنا لنجد في كتابنا صفتك ومخرجك وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله فقال "أقيموا اليهودي عن أخيكم" ثم تولى كفنه والصلاة عليه هذا حديث جيد قوي وعن عطاء بن يسار قال لقيت عبد الله بن عمرو فقلت أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة قال أجل والله إنه لموصوف في التوراة كصفته في القرآن "يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا" وحرزا للأميين أنت عبدي ورسولي اسمك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله ويفتح به قلوبا غلفا وآذانا صما وأعينا عميا. قال عطاء ثم لقيت كعبا (وهو مسلم من أهل الكتاب) فسألته عن ذلك فما اختلف حرفا.. وقد رواه البخاري في صحيحه عن عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ لَقِيتُ عبد الله بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِي اللَّهم عنهما قُلْتُ أَخْبِرْنِي عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّوْرَاةِ قَالَ أَجَلْ وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي الْقُرْآنِ (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا) وَحِرْزًا لِلأُمِّيِّينَ أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي سَمَّيْتُكَ المتَوَكِّلَ لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ وَلا سَخَّابٍ فِي الأَسْوَاقِ وَلا يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ بِأَنْ يَقُولُوا لا إِلَهَ إِلاّ اللَّهُ وَيَفْتَحُ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا وَآذَانًا صُمًّا وَقُلُوبًا غُلْفًا " البخاري. فتح رقم 2125 ولم يُرسِل الله نبيا من الأنبياء إلا وقد أخذ عليه العهد والميثاق لأن خرج النبي محمد صلى الله عليه وسام في عهده أن يتابع محمدا صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى في سورة آل عمران (التي لا يدرسها نصراني بقلب مفتوح إلا أسلم) : وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنْ الشَّاهِدِينَ (81) قال القرطبي رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية: قيل: أخذ الله تعالى ميثاق الأنبياء أن يصدق بعضهم بعضا ويأمر بعضهم بالإيمان بعضا; فذلك معنى النصرة بالتصديق.. قال طاووس: أخذ الله ميثاق الأول من الأنبياء أن يؤمن بما جاء به الآخر.. [و] الرسول هنا محمد صلى الله عليه وسلم في قول علي وابن عباس رضي الله عنهما. فأخذ الله ميثاق النبيين أجمعين أن يؤمنوا بمحمد عليه السلام وينصروه إن أدركوه, وأمرهم أن يأخذوا بذلك الميثاق على أممهم. وإذا أردت أن تعرف شيئا من الإشارات إلى بعثة النبي صلى الله عليه وسلم في الإنجيل بعد تحريفه! فنُحيلك إلى كتاب " محمد صلى الله عليه وسلم في الكتب المقدّسة " أو " ماذا قال الإنجيل عن محمد صلى الله عليه وسلم " لأحمد ديدات ونسأل الله لك الهداية. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 185 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 يسأل عن إعراب كلمة (الصابئون) وكيف نردّ على من يقول إنها خطأ نحوي في القرآن [السُّؤَالُ] ـ[أريد إعراب كلمة "الصابئون" في سورة المائدة، ولماذا جاءت بالواو، مع أنها في آية أخرى جاءت بالياء، وتشابه الكلام في الآيتين كبير. وقد كان ذلك سببا في خلاف كبير بيني وبين شخص نصراني يقول: إن القرآن فيه أخطاء نحوية، فقلت له: سأترك الإسلام إن كان هناك خطأ نحوي واحد في القرآن. وقولي هذا عن قوه إيمان، وعن ثقة بأن القرآن، كلام الله سبحانه وتعالى، منزه عن قول المفترين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله وردت كلمة " الصابئين " بياء النصب في سورتي البقرة والحج؛ في قول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) البقرة/62، وقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) الحج/17 ووردت نفس الكلمة بواو الرفع في سورة المائدة؛ في قول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) المائدة/69 أما الآيتان الأوليان فلا إشكال في إعرابهما؛ لأن الكلمة فيهما وقعت معطوفة بالواو على كلمة محلها النصب، وهي " الذين "؛ اسم إن، فنصبت، وعلامة نصبها الياء، لأنها جمع مذكر سالم. وإنما محل الإشكال هو الآية الثالثة، آية سورة المائدة؛ فقد وقعت في نفس موقعها في الآيتين الأوليين، ومع ذلك جاءت مرفوعة. وقد ذكر النحاة والمفسرون في توضيح ذلك الإشكال عدة وجوه، وذكروا نظائرها المعروفة في لغة العرب، ونكتفي هنا بثلاثة منها، هي من أشهر ما قيل في ذلك: الأول: أن الآية فيها تقديم وتأخير، وعلى ذلك يكون سياق المعنى: إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى، من آمن بالله ... فلا خوف عليهم، ولاهم يحزنون، والصابئون كذلك، فتعرب مبتدأً مرفوعا،وعلامة رفعه الواو، لأنه جمع مذكر سالم. ونظير ذلك من لغة العرب قول الشاعر: فمن يك أمسى بالمدينة رحله فإني وَقَيَّار ٌبها لغريب وموطن الشاهد قوله "قيار"، وهو اسم لفرسه، أو جمله؛ فقد جاءت هذه الكلمة مرفوعة على أنها مبتدأ، ولم تجئ منصوبة على أنها معطوفة على اسم إن المنصوب وهو ياء المتكلم في قوله (فإني) الثاني: أن " الصابئون " مبتدأ، والنصارى معطوف عليه، وجملة من آمن بالله ... خبر "الصابئون"، وأما خبر "إن" فهو محذوف دل عليه خبر المبتدأ "الصابئون"، ونظير ذلك من لغة العرب قول الشاعر: نحن بما عندنا، وأنت بما عندك راضٍ، والأمر مختلف والشاهد فيه أن المبتدأ "نحن" لم يذكر خبره، اكتفاء بخبر المعطوف "أنت"؛ فخبره "راض" يدل على خبر المبتدأ الأول، وتقدير الكلام: نحن بما عندنا راضون، وأنت بما عندك راض. الثالث: أن " الصابئون " معطوف على محل اسم " إن "؛ فالحروف الناسخة، إن وأخواتها، تدخل على الجملة الاسمية المكونة من مبتدأ وخبر، واسم إن محله الأصلي، قبل دخول إن عليه الرفع لأنه مبتدأ، ومن هنا رفعت "الصابئون" باعتبار أنها معطوفة على محل اسم إن. [انظر: أوضح المسالك، لابن هشام، مع شرح محيي الدين، 1/352-366 , تفسير الشوكاني والألوسي، عند هذه الآية] . وما ذكرته، من قوة يقينك , وثقتك بكلام الله سبحانه، هو الواجب على كل مسلم، قال الله تعالى: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) النساء/82 قال الشيخ ابن عاشور، رحمه الله في تفسيره: (وبعد فمما يجب أن يوقَن به أن هذا اللفظ كذلك نزل، وكذلك نطق به النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك تلقاه المسلمون منه وقرؤوه، وكتب في المصاحف، وهم عرب خُلَّص، فكان لنا أصلا نتعرف منه أسلوبا من أساليب استعمال العرب في العطف، وإن كان استعمالا غير شائع، لكنه من الفصاحة والإيجاز بمكان ... ) اهـ وتلمس ابن عاشور الفائدة البلاغية من الإتيان بلفظ " الصابئون " موفوعاً، فقال ما معناه: إن الرفع في هذا السياق غريب، فيستوقف القارئ عنده: لماذا رفع هذا الاسم بالذات، مع أن المألوف في مثل هذا أن ينصب؟ فيقال: إن هذه الغرابة في رفع الصابئون تناسب غرابة دخول الصابئين في الوعد بالمغفرة، لأنهم يعبدون الكواكب، فهم أبعد عن الهدى من اليهود والنصارى، حتى إنهم يكادون ييأسون من الوعد بالمغفرة والنجاة فنبه بذلك على أن عفو الله عظيم. يشمل كل من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً وإن كان من الصابئين. [انظر تفسير آية المائدة من تفسير ابن عاشور] ولمعرفة من هم الصابئة؟ انظر الإجابة على السؤال رقم (49048) لكن يبقى لنا عِبَرٌ لا ينبغي تفويتها في هذا السياق: أولا: ينبغي علينا الاهتمام بالعلم الشرعي؛ فلا يكفي فقط أن يعتصم الإنسان بما عنده من يقين سابق، وإن كان ذلك أعظم ملجأ ومعاذ، بل إذا ضم إلى ذلك العلم الشرعي كان، إن شاء الله، في مأمن من أن تهز إيمانه هذه الشبهات وأمثالها، مما يثيره أعداء دينه. ثانيا: ينبهنا مثل هذا الموقف إلى قدر من التفريط في واجب من أعظم واجباتنا نحو كتاب الله تعالى، ألا وهو واجب التدبر والمدارسة، وليس مجرد التلاوة، قال تعالى: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ) ص/29، قال الشيخ ابن سعدي، رحمه الله: " أي هذه الحكمة من إنزاله، ليتدبر الناس آياته، فيستخرجوا علمها، ويتأملوا أسرارها وحكمها، فإنه بالتدبر فيه والتأمل لمعانيه، وإعادة الفكر فيها مرة بعد مرة، تدرك بركته وخيره، وهذا يدل على الحث على تدبر القرآن، وأنه من أفضل الأعمال، وأن القراءة المشتملة على التدبر أفضل من سرعة التلاوة التي لا يحصل بها هذا المقصود "؛ والدليل من هذا الموقف على ما ذكر هو أننا لو كنا نقوم بهذا الواجب حينا بعد حين لأوشكت مثل هذه الآيات أن تستوقفنا، لنسأل عنها، أو نبحثها، قبل أن نواجه بالإشكال من أعدائنا. ثالثا: إذا قمنا بالواجبين السابقين كنا مؤهلين لأخذ زمام المبادرة، لندعو نحن غيرنا، ونخبرهم بالحق الذي عندنا، ونكشف لهم، بالتي هي أحسن، الباطل الذي عندهم، بدلا من أن نقف موقف الدفاع، شأن الضعفة والمنهزمين. والله الموفق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49860 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 الأناجيل الموجودة اليوم كتبت بعد عيسى عليه السلام وقع فيها تحريف كثير [السُّؤَالُ] ـ[من المعروف لدينا نحن المسلمين أن الله تعالى أنزل الإنجيل على نبيه عيسى عليه السلام، ولكن حينما درست بعض الأشياء عن المسيحية، أخبروني أن الإنجيل لم يأت به المسيح وإنما كتب على يد تلاميذ المسيح بعد صلبه (أو بعد أن رفعه الله إليه كما في القرآن) . فكيف يمكننا الجمع بين القولين؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس بين القولين اختلاف أو تناقض، بحمد الله، حتى نحتاج إلى السؤال عن الجمع بينهما، وإنما سبب الإشكال على السائل أنه خلط بين أمرين يجب الإيمان بهما، وكلاهما حق، بحمد الله: أما الأمر الأول فهو الإنجيل المنزل من رب العالمين، على نبي الله عيسى، عليه السلام؛ والإيمان بأن الله تعالى أنزل على نبيه عيسى كتابا، وأن اسم هذا الكتاب الإنجيل، هو من أصول الإيمان وأركانه التي يجب الإيمان بها؛ قال تعالى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) البقرة/285، وقال صلى الله عليه وسلم، لجبريل لما سأله عن الإيمان، في حديثه المعروف: (الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه وسله واليوم الآخر، وأن تؤمن بالقدر خيره وشره) متفق عليه كما أن الكفر بذلك أو الشك فيه، ضلال وكفر بالله تعالى، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَد ضَلَّ ضَلالا بَعِيداً) النساء/136 وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً) النساء/150-151 وأما الأمر الثاني فهو الإنجيل، أو بتعبير أدق الأناجيل التي توجد في أيدي النصارى اليوم؛ فمع أن من أصول إيماننا الإيمان بالإنجيل الذي أنزل على عيسى، فإننا نؤمن كذلك بأنه لم يعد بين أيدي الناس كتاب كما أنزله الله، لا الإنجيل، ولا غيره، إلا القرآن. بل إن النصارى أنفسهم لا يدعون أن الكتب التي بين أيديهم منزلة هكذا من عند الله، بل ولا يدعون أن المسيح عليه السلام هو الذي كتبها، أو أنها، على الأقل كتبت في زمانه. يقول الإمام ابن حزم، رحمه الله في الفِصَل في الملل (2/2) : (ولسنا نحتاج إلى تكلف برهان في أن الأناجيل وسائر كتب النصارى ليست من عند الله عز وجل ولا من عند المسيح عليه السلام، كما احتجنا إلى ذلك في التوراة والكتب المنسوبة إلى الأنبياء عليهم السلام التي عند اليهود، لأن جمهور اليهود يزعمون أن التوراة التي بأيديهم منزلة من عند الله عز وجل، على موسى عليه السلام، فاحتجنا إلى إقامة البرهان على بطلان دعواهم في ذلك، وأما النصارى فقد كفونا هذه المؤونة كلها، لأنهم لا يدعون أن الأناجيل منزلة من عند الله على المسيح، ولا أن المسيح أتاهم بها، بل كلهم أولهم عن آخرهم، أريسيهم وملكيهم ونسطوريهم ويعقوبيهم ومارونيهم وبولقانيهم، لا يختلفون في أنها أربعة تواريخ ألفها أربعة رجال معروفون في أزمان مختلفة: فأولها تاريخ ألفه متى اللاواني تلميذ المسيح بعد تسع سنين من رفع المسيح عليه السلام، وكتبه بالعبرانية في بلد يهوذا بالشام يكون نحو ثمان وعشرين ورقة بخط متوسط والآخر تاريخ ألفه مارقش (مرقس) تلميذ شمعون بن يونا، المسمى باطرة، بعد اثنين وعشرين عاما من رفع المسيح عليه السلام، وكتبه باليونانية في بلد إنطاكية من بلاد الروم، ويقولون إن شمعون المذكور هو الذي ألفه ثم محا اسمه من أوله ونسبه إلى تلميذه مارقش، يكون أربعا وعشرين ورقة بخط متوسط وشمعون المذكور تلميذ المسيح والثالث تاريخ ألفه لوقا الطبيب الأنطاكي تلميذ شمعون باطرة أيضا، كتبه باليونانية بعد تأليف مارقش المذكور، يكون من قدر إنجيل متى والرابع تاريخ ألفه يوحنا ابن سيذاي تلميذ المسيح بعد رفع المسيح ببضع وستين سنة وكتبه باليونانية يكون أربعا وعشرين ورقة بخط متوسط.) وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الجواب الصحيح (3/21) : (وأما الأناجيل التي بأيدي النصارى فهي أربعة أناجيل: إنجيل متى ولوقا ومرقس ويوحنا، وهم متفقون على أن لوقا ومرقس لم يريا المسيح، وإنما رآه متى ويوحنا وأن هذه المقالات الأربعة التي يسمونها الإنجيل، وقد يسمون كل واحد منها إنجيلا، إنما كتبها هؤلاء بعد أن رفع المسيح؛ فلم يذكروا فيها أنها كلام الله ولا أن المسيح بلغها عن الله بل نقلوا فيها أشياء من كلام المسيح وأشياء من أفعاله ومعجزاته) ثم إن هذه الكتب التي كتبت بعد المسيح لم تبق على صورتها هذه التي كتبت عليها أول مرة؛ حيث اختفت النسخ الأولى، وفقدت من أيدي الناس مدة طويلة من الزمان. يقول ابن حزم: (وأما النصارى فلا خلاف بين أحد منهم ولا من غيرهم في أنه لم يؤمن بالمسيح في حياته إلا مائة وعشرون رجلا فقط .... ، وأن كل من آمن به فإنهم كانوا مستترين مخافين في حياته وبعده، يدعون إلى دينه سرا ولا يكشف أحد منهم وجهه إلى الدعاء إلى ملته، ولا يظهر دينه، وكل من ظفر به منهم قتل .... فبقوا على هذه الحالة لا يظهرون البتة، ولا لهم مكان يأمنون فيه مدة ثلاثمائة سنة بعد رفع المسيح عليه السلام. وفي خلال ذلك ذهب الإنجيل المنزل من عند الله عز وجل إلا فصولا يسيرة أبقاها الله تعالى حجة عليهم وخزيا لهم فكانوا كما ذكرنا إلى أن تنصر قسطنطين الملك فمن حينئذ ظهر النصارى وكشفوا دينهم واجتمعوا وآمنوا. وكل دين كان هكذا فمحال أن يصح فيه نقل متصل لكثرة الدواخل الواقعة فيما لا يؤخذ إلا سرا تحت السيف لا يقدر أهله على حمايته ولا على المنع من تبديله) الفصل 2/4-5 وبالإضافة إلى هذا الانقطاع الهائل في إسناد كتبهم، والذي يتجاوز القرنين من الزمان، في أعلى أسانيدهم، فإن هذه الكتب لم تبق بلغتها التي كتبها بها أهلها أول مرة، وإنما ترجمت عن تلك اللغات، ثم ترجمت غير مرة، على أيدي أناس مجهولين في علمهم، وأمانتهم، واختلاف هذه الكتب وتناقضها فيما بينها من أقوى الأدلة على تحريفها وأنها ليست هي الإنجيل الذي أنزله الله على عبده ورسوله عيسى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) النساء/82. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 47516 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 هل النبي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذُكِر في الإنجيل [السُّؤَالُ] ـ[أرجو أن تخبرني أين ذُكر النبي صلى الله عليه وسلم في الإنجيل؟ وهل تم ذكر اسمه أم رمز له؟ وما هي المراجع التي يمكن أن أستعملها لأثبت هذه المسألة، وهل الكُتاب والمترجمون النصارى قد حرفوا ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الله تعالى في كتابه: (وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين) الصف /6 وقال تعالى: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون) الأعراف/157 فهاتان الآيتان تدلان على أن النبي صلى الله عليه وسلم مذكور في التوراة والإنجيل، مهما أدعى اليهود والنصارى عدم ذلك، فإن كلام الله تعالى أحسن حديثا، وأصدق قيلا. ومما وورد في الكتاب السابقة ما يلي: أولا: جاء في التوراة في سفر التثنية الإصحاح الثامن عشر الفقرات 18و19: " يا موسى أني سأقيم لبني إسرائيل نبيا من إخوتهم مثلك أجعل كلامي فيه ويقول لهم ما أمره به والذي لا يقبل قول ذلك النبي الذي يتكلم باسمي أنا أنتقم منه ومن سبطه "، وهذا النص موجود عندهم الآن، فقوله:" من إخوانهم "، لو كان منهم من بني إسرائيل لقال سأقيم لهم نبياً منهم قال من إخوتهم أي أبناء إسماعيل. ثانيا: جاء في إنجيل يوحنا الإصحاح السادس عشر الفقرات 16-17: " إن خيراً لكم أن أنطلق لأني إن لم أذهب لم يأتكم الفارقليط فإذا انطلقت أرسلته إليكم فإذا جاء فهو يوبخ العالم على الخطيئة، وان لي كلاماً كثيراً أريد قوله ولكنكم لا تستطيعون حمله لكن إذا جاء روح الحق ذاك الذي يرشدكم إلى جميع الحق لأنه ليس ينطق من عنده بل يتكلم بما يسمع ويخبركم بكل ما يأتي "، وهذا لا ينطبق إلا على النبي صلى الله عليه وسلم. ثالثا: قال ابن القيم رحمه الله: " قال في التوراة في السفر الخامس: -: " أقبل الله من سيناء، وتجلى من ساعير، وظهر من جبال فاران، ومعه ربوات الإظهار عن يمينه " وهذه متضمنة للنبوات الثلاثة: نبوة موسى، ونبوة عيسى، ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم، فمجيئه من " سينا ": وهو الجبل الذي كلم الله عليه موسى، ونبأه عليه إخبار عن نبوته، وتجليه من ساعير هو مظهر المسيح من بيت المقدس، و " ساعير ": قرية معروفة هناك إلى اليوم، وهذه بشارة بنبوة المسيح. "وفاران ": هي مكة، وشبه سبحانه نبوة موسى بمجيء الصبح، ونبوة المسيح بعدها بإشراقه وضيائه ونبوة خاتم الأنبياء باستعلاء الشمس، وظهور ضوءها في الآفاق، ووقع الأمر كما أخبر به سواء. فإن الله سبحانه صدع بنبوة موسى ليل الكفر فأضاء فجره بنبوته، وزاد الضياء والإشراق بنبوة المسيح، وكمل الضياء واستعلن وطبق الأرض بنبوة محمد صلوات الله وسلامه عليهم، وذكر هذه النبوات الثلاثة التي اشتملت عليها هذه البشارة نظير ذكرها في أول سورة (والتين والزيتون، وطور سينين، وهذا البلد الأمين " ا. هـ[انظر هداية الحيارى ص 110، وما ذكره ابن القيم هو في العهد القديم سفر التثنية الإصحاح 33 فقرة 1] رابعا: ذكر الشيخ عبد المجيد الزنداني في كتابه: (البشارات بمحمد صلى الله عليه وسلم في الكتب السماوية السابقة) أن إنجيل برنابا في الباب 22 جاء فيه: " وسيبقى هذا إلى أن يأتي محمد رسول الله الذي متى جاء كشف هذا الخداع للذين يؤمنون بشريعة الله "، وجاء في سفر أشعيا: إني جعلت اسمك محمدا يا محمد، يا قدوس الرب: اسمك موجود من الأبد، وجاء في سفر أشعيا: " وما أعطيته لا أعطيه لغيره، أحمد يحمد الله حمدا حديثا يأتي من أفضل الأرض، فتفرح به البرية، ويوحدون على كل شرف، ويعظمونه على كل رابية " انتهى. وقد ذكر العلماء العديد من المواضع التي ذكر فيها اسم النبي صلى الله عليه وسلم، مرة بذكر اسمه الصريح، ومرة بذكر وصف لا ينطبق إلا عليه صلى الله عليه وسلم. ويمكنك مراجعة العديد من النصوص في الوصلة التالية: http://arabic.islamicweb.com/christianity/ واعلم أنه قد طرأ تغيير على الكتب الموجودة الآن من التوراة والإنجيل وحدث تغيير فيها، وقد ذكر المؤرخون من غير المسلمين هذا الأمر، لكن مع ذلك كله لازلنا نجد في التوراة والإنجيل التبشير بمقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر الشيخ رحمة الله الهندي أن النصارى كلما استطاعوا تحريف موضع حرفوه، ولذلك تجد بعض العلماء القدامى يذكرون مواضع في التوراة والإنجيل ليست موجودة الآن، لكن هناك مواضع أخرى لا زالت تبشر بنبوة النبي صلى الله عليه وسلم وقدومه. واعلم أنه لا بد من تسلح الإنسان بالعلم الصحيح الوافي عند مناقشة النصارى، وهم وإن لم يكن لديهم حجج، إلا إنه يسعون لبث الشبه في نفوس الناس، ليستسلموا ها، وليغيب الحق، والله متم نوره ولو كره الكافرون. ومن الكتب المفيدة في هذا السياق كتاب إظهار الحق للشيخ رحمة الله الهندي، وكتاب هداية الحيارى لابن القيم، ومن قبله الجواب الصحيح لابن تيمية. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 44018 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 هل هناك أنبياء أرسلوا إلى أهل إفريقيا وأوربا؟ [السُّؤَالُ] ـ[لماذا ظهر الأنبياء جميعهم في منطقة واحدة من العالم، ولم يظهر نبي في مناطق أخرى، مثل أوروبا؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: من المقرر في شريعتنا: أن الله تعالى أقام الحجة على العباد، بإرسال الرسل، وإنزال الكتب، ولم يكن هذا الإرسال لأمة دون أخرى، ولا لقارة دون غيرها، بل كان إرسالاً للأمم كافةً، على اختلاف مكانها، وزمانها، كما قال تعالى: (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ) فاطر /24، وقال تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) النحل/ 36. ولذا كان من عدل الله تعالى أنه قضى أنه لا يعذِّب أحداً لم تبلغه دعوة الأنبياء والرسل، كما قال تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) الإسراء/ 15، وقال تعالى: (ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ) الأنعام/ 131. إلا أن الله تعالى لم يقص علينا خبر جميع الرسل، بل قص علينا خبر بعضهم، وأكثرهم لم يقص علينا خبره، كما قال الله تعالى: (وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ) . وعليه؛ فالقول بأن الأنبياء لم يكونوا إلا في منطقة واحدة من العالَم: قول غير صحيح، بل أرسل الله الرسل إلى جميع أمم الأرض. وانظر جواب السؤال (95747) ففيه تفصيل مهم في الأحاديث الواردة في عدد الأنبياء والمرسلين، وذِكر أقوال العلماء في المسألة. ثانياً: من المعلوم أن أغلب الحضارات التي قامت على مر التاريخ: سكنت هذه البلاد، وهي ما يسمى بـ "منطقة حوض البحر المتوسط" وما قاربها، وهي: الشام، ومصر، والعراق، وجزيرة العرب، وبالتالي كانت الكثافة السكانية ـ في الأغلب ـ في تلك البلاد، وهذا مناسب جداً لكون أكثر الرسل أرسلوا إلى أهل هذه البلاد. وأما الحكمة من أن الله تعالى قص علينا قصص أنبياء ورسل هذه المناطق دون غيرها: 1. فلأن أهل تلك البلاد هم أكمل الناس عقولاً، وأخلاقاً، وقد أثنى الله تعالى على بني إسرائيل في زمانهم أنهم خير الأمم، قال تعالى: (يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ) البقرة/ 47، كما أثنى الله تعالى على أمة محمد صلى الله بأنها خير الأمم إلى قيام الساعة، قال تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) آل عمران/ 110. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن دعوة الإسلام، وسبب انتشارها في تلك البلاد في بداية الأمر -: "وانتشرت دعوته (يعني: النبي صلى الله عليه وسلم) في وسط الأرض، لأنهم أكمل عقولاً، وأخلاقاً، وأعدل أمزجة، بخلاف طرفي الجنوب، والشمال؛ فإن هؤلاء نقصت عقولهم، وأخلاقهم، وانحرفت أمزجتهم. أما طرف الجنوب: فإنه لقوة الحرارة احترقت أخلاطهم، فاسودت ألوانهم، وتجعدت شعورهم. وأما أهل طرق الشمال فلقوة البرد لم تنضج أخلاطهم، بل صارت فجة، فأفرطوا في سبوطة الشعر والبياض البارد الذي لا يستحسن. ولهذا لما ظهر الإسلام غلب أهله على وسط المعمورة وهم أعدل بني آدم، وأكملهم، والنصارى الذين تربوا تحت ذمة المسلمين أكمل من غيرهم من النصارى عقولاً، وأخلاقا. وأما النصارى المحاربون للمسلمين، الخارجون عن ذمتهم من أهل الجنوب والشمال: فهم أنقص عقولاً، وأخلاقاً , ولما فيهم من نقص العقول، والأخلاق: ظهرت فيهم النصرانية، دون الإسلام" انتهى. "الجواب الصحيح لمن بدَّل دين المسيح" (1/164، 165) . 2. أن العبر والعظات في قصص أولئك الأنبياء والرسل الكرام أعظم من غيرها. قال الطاهر بن عاشور رحمه الله: "وإنَّما ترك الله أن يقصّ على النّبي صلى الله عليه وسلم أسماء كثير من الرسل للاكتفاء بمن قصّهم عليه: لأنّ المذكورين هم أعظم الرسل، والأنبياء، قصصاً ذات عبر" انتهى. "التحرير والتنوير" (6/35) . 3. أن هؤلاء الرسل بحكم وجودهم في منطقة العرب وما حولها كانت أخبارهم معروفة عند العرب، وعند أهل الكتاب المتواجدين في هذه المنطقة، وهذا يكون أقوى في إقامة الحجة على هؤلاء، وتأثير الموعظة والعبرة بما وقع لهؤلاء. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 138770 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 الإيمان بالأنبياء والرسل من أركان الإيمان وليس الإيمان بالرسل فقط [السُّؤَالُ] ـ[جاء في حديث جبريل الطويل عندما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان فذكر صلى الله عليه وسلم أركان الإيمان، والتي من ضمنها الإيمان بالرسل، وكما هو معلوم أنه ليس كل نبي رسول، فهل معنى هذا أنه لا يلزم الإيمان بمن كان نبياً ولم يكن رسولاً؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الإيمان الواجب هو الإيمان بالرسل والأنبياء جميعا، وليس بالرسل فقط، وهذا من مسلمات الدين، وأركان العقيدة المبينة في القرآن الكريم: يقول الله تعالى: (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) البقرة/136. ويقول سبحانه: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) البقرة/177. فتأمل كيف افترض الله على المؤمنين به الإيمان بجميع الرسل والأنبياء، وسمى منهم إسماعيل وإسحاق والأسباط، وأخبر عز وجل أن المؤمنين لا يفرقون بين أحد من الأنبياء والرسل، بل يعتقدون بكفر من أنكر نبوة من أثبت الله نبوته، لأن الكفر برسول أو نبي واحد كفر بجميع المرسلين. قال القاضي عياض رحمه الله: " حكم من سب سائر أنبياء الله تعالى ... واستخف بهم، أو كذبهم فيما أتوا به، وأنكرهم، وجحدهم، حكمُ نبيِّنَا صلى الله عليه وسلم " انتهى. " الشفا " (2/1097) وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " والمسلمون آمنوا بالأنبياء كلهم، ولم يفرقوا بين أحد منهم، فإن الإيمان بجميع النبيين فرض واجب، ومن كفر بواحد منهم فقد كفر بهم كلهم، ومن سب نبياً من الأنبياء فهو كافر يجب قتله باتفاق العلماء " انتهى. " الصفدية " (2/311) وقال العلامة السعدي رحمه الله – في تفسير الآية السابقة من سورة البقرة -: " فيه الإيمان بجميع الكتب المنزلة على جميع الأنبياء، والإيمان بالأنبياء عموما وخصوصا، ما نص عليه في الآية لشرفهم، ولإتيانهم بالشرائع الكبار، فالواجب في الإيمان بالأنبياء والكتب أن يؤمن بهم على وجه العموم والشمول، ثم ما عرف منهم بالتفصيل وجب الإيمان به مفصلا " انتهى. " تيسير الكريم الرحمن " (ص/67) وأما حديث جبريل المشهور من رواية الإمام مسلم (رقم/8) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومما جاء فيه: (قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ الْإِيمَانِ؟ قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ) فليس المقصود به الاقتصار على الإيمان بالرسل دون الأنبياء، بل كلمة " الرسل " هنا تشمل الأنبياء أيضا، وإنما أطلقت هنا تغليبا لجانب الرسل الذين هم أشهر وأظهر، بدليل الآيات السابقة التي دلت على وجوب الإيمان بجميع الأنبياء. والتفريق بين الأنبياء والرسل ليس مضطردا في كل سياق، بل متى جاء ورد ذكر أحد الاسمين في النص: فالمراد به الأنبياء والرسل جميعا، وإنما يفرق بينهما إذا اجتمعا في نص واحد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 138141 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 هل إعادة الحياة بعد موت بعض الناس ما يناقض أن الموتة واحدة؟ [السُّؤَالُ] ـ[بصفتي أدرس الدين المقارن: بماذا أجيب من يسألني سؤالاً حول الآية في الإنجيل التي تقول "إنه قد كتب على ابن آدم أن يموت مرة واحدة، ثم يأتي الحساب"، مما يعنى أن كل إنسان سيموت مرة واحدة، فماذا أقول إذا سألني أحدهم: لماذا يقول الإنجيل بأن عيسى قد أعاد الحياة إلى " لزروس "، وبذلك فإنه عند وفاته فإنها ستكون ميتته الثانية؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: اختص الله تعالى الأنبياءَ بآيات بيّنات، وكانت آية كل نبي من جنس ما اشتهر به قومه، حتى تكون أدل على أنها من عند الله، وكانت آية عيسى عليه السلام إبراء الأكمه، والأبرص، وإحياء الموتى، بإذن الله تعالى، كما قال: (وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) آل عمران/49. قال ابن كثير رحمه الله: قال كثير من العلماء: بعثَ الله كل نبيّ من الأنبياء بما يناسب أهل زمانه؛ فكان الغالب على زمان موسى عليه السلام السحر، وتعظيم السحرة، فبعثه الله بمعجزة بهرت الأبصار، وحيَّرت كلَّ سحَّار، فلما استيقنوا أنها من عند العظيم الجبار: انقادوا للإسلام، وصاروا من عباد الله الأبرار، وأما عيسى عليه السلام: فبُعث في زمن الأطباء، وأصحاب علم الطبيعة، فجاءهم من الآيات بما لا سبيل لأحد إليه، إلا أن يكون مؤيدا من الذي شرع الشريعة، فمن أين للطبيب قدرة على إحياء الجماد، أو على مداواة الأكمه، والأبرص، وبعث مَن هو في قبره رهين إلى يوم التناد؟! وكذلك محمد صلى الله عليه وسلم بُعث في زمان الفصحاء، والبلغاء، ونحارير الشعراء، فأتاهم بكتاب من الله عز وجل لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله، أو بعَشر سور من مثله، أو بسورة من مثله: لم يستطيعوا أبداً. "تفسير ابن كثير" (1/485) . وآيات الأنبياء هي خروج عن المألوف، وخرق للعادة؛ تثبيتاً للنبي، وأتباعه، وعلامة على رسالته، وصدقه فيما يدعو إليه. وكان من آيات عيسى عليه السلام: إحياء الموتى، وهذه الآية اختصه الله بها دون غيره من الأنبياء. ونحن لا نعتمد على ما نقلتَه عن الإنجيل؛ لاعتقادنا تحريفه، ولكن نعتمد على ما جاء به شرعنا، لأن ما نقلته من الإنجيل موافق لما عندنا، من أن الخلق يموتون موتة واحدة، لا يرجعون بعدها إلى الدنيا؛ قال تعالى: (وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ) الأنبياء/95، ولكن هذا العموم مخصوص ببعض النصوص والوقائع التي وقع فيها إحياء لبعض الموتى في الدنيا، آية على قدرة الله سبحانه على إحياء الناس جميعاً بعد موتهم، أو آيةً لنبي - كما خصّ به عيسى عليه السلام -، ومن أمثلة ذلك: 1. ما جاء في قصة القتيل زمن موسى عليه السلام، وما حصل من إحياء الله تعالى له ليدل على من قتله، قال تعالى: (فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) البقرة/ 73. 2. وما حصل من إحياء الله تعالى للرجل الذي أماته – وحماره – مائة عام، ثم أحياه، قال الله تعالى: (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) البقرة/ 259. 3. وما حصل من إحياء الله تعالى لقوم كثُر، قال تعالى: (أَلَمْ ترَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) البقرة/ 243. 4. وما حصل من إحياء الله تعالى لمن أماتهم من قوم موسى عليه السلام الذين طلبوا منه رؤية الله تعالى، فأخذتهم الصاعقة، فماتوا، ثم بعثهم الرب تعالى، قال تعالى: (ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) البقرة/ 56. وهذا كله يضاف إلى ما أخبر الله تعالى به من إحياء عيسى عليه السلام لبعض الموتى بإذن الله تعالى، وكل هذا استثناء من العموم. ومثال ذلك لو قال قائل: إنه لا إنجاب إلا من ذكر وأنثى: لكان صادقاً، بل هو مؤيد بالقرآن والسنَّة، كمثل قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى) الحجرات/13، وقد خُصَّ من هذا العموم آدم عليه السلام الذي خُلق من غير ذكر ولا أنثى، وخُصّت حواء عليها السلام، حيث خُلقت من ذكر بلا أنثى، وخُصَّ عيسى عليه السلام، حيث خُلق من أنثى بلا ذَكر. وعلى هذا، فالعودة إلى الحياة بعد الموت في الدنيا حصل قطعاً في صور متعددة، ولذلك حكم جليلة منها: 1. إثبات قدرة الله على بعث الخلائق يوم القيامة. 2. جعلها آية على صدق النبي، وأنه مرسل من عند الله تعالى، كما في إحياء عيسى عليه السلام للموتى بإذن الله، وكما في إحياء قتيل قوم موسى. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله بعد أن عدَّد ما في سورة البقرة من مواضع أحيا الله فيها بعض الموتى: "ولا ينافي هذا ما ذَكر الله في قوله تعالى: (ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ. ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ) المؤمنون/ 15، 16؛ لأن هذه القصص الخمس، وغيرها - كإخراج عيسى الموتى من قبورهم - تعتبر أمراً عارضاً، يُؤتى به لآية من آيات الله سبحانه وتعالى، أما البعث العام: فإنه لا يكون إلا يوم القيامة، ولهذا نقول في شبهة الذين أنكروا البعث من المشركين، ويقولون: (مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) الأنبياء/ 38، ويقولون: (فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) الدخان/ 36، نقول: إن هؤلاء مموِّهون، فالرسل لم تقل لهم: إنكم تبعثون الآن، بل يوم القيامة، ولينتظروا، فسيكون هذا بلا ريب" انتهى. " تفسير سورة البقرة " (1/193) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 132236 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 الحكمة في عدم حصر الوحي لنبينا بالتكليم، والحكمة من إرسال جبريل دون غيره [السُّؤَالُ] ـ[لماذا لم ينزل الله وحيَه على نبيِّه محمد (ص) مباشرة دون اللجوء إلى واسطة - وهو جبريل عليه السلام -؟ وما الحكمة مِن أن جبريل كان مَن يُنزل الوحي عليه الصلاة والسلام؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا ينبغي اختصار الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم بحرف الصاد، ولا بكلمة " صلعم "، ومن كتب مثل هذا السؤال لا يعجزه كتابة الصلاة والسلام عليه كاملة. وقد سبق بيان حكم كتابة هذين الاختصارين في جواب السؤال رقم (47976) ، فلينظر. ثانياً: ذكر الله تعالى في كتابه الكريم طرق تبليغ رسله برسالاته وكلامه تعالى، فكان منها: الوحي – وله أشكال متعددة – يقظة ومناماً، والتكليم المباشر من وراء حجاب، وعن طريق جبريل عليه السلام، وقد سمَّى الله تعالى الطرق الثلاثة بـ " التكليم "، فقال: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ) الزخرف/ 51، وهذا هو التكليم بمعناه العام، وليس هو التكليم الخاص الذي خصَّ به بعض رسله، قال تعالى: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) البقرة/ من الآية 253. وكل صور الوحي وأشكاله قد حصلت للنبي صلى الله عليه وسلم، فجاءه الوحي يقظة ومناماً، وكلمه الله في السماء في المعراج، وأرسل إليه جبريل عليه السلام، فحصل للنبي صلى الله عليه وسلم بذلك ما لم يحصل لغيره من إخوانه الأنبياء، بل إنه حتى التكليم الذي اشترك به مع أخيه موسى عليه السلام كان لنبينا المقام الرفيع فيه؛ حيث حصل تكليم رب العالمين له في السماء، فكان ما اختاره الله تعالى لنبيه عليه السلام أكمل وأفضل وأجل. قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: وقد ذكر الله تعالى أنواعَ جنسِ تكليمه لعباده في قوله تعالى (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ) ، فجعل ذلك ثلاثة أنواع: الوحي الذي منه ما هو إلهام للأنبياء، يَقَظَةً ومناماً، فإنّ رؤيا الأنبياءِ وحي. والتكليم من وراءِ حجاب، كما كلَّمَ موسَى بن عمرانَ حيثُ نادا وقَرَّبَه نَجِيّاً. والتكليم بإرسال رسول يُوحي بإذنِه ما يشاءُ هو تكليمُه بواسطةِ إرسال الملَكِ، كما قال تعالى: (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ. فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ) 17، 18، أي: علينا أن نجمعَه في قلبك، ثمَّ علينا أن نقرأه بلسانك، وهذا على أظهر القولين، وهو أن " قَرَأ " بالهمزة من الظهور والبيان، وقولهم: مَا قَرَأَتِ الناقةُ بسَلاَ جَزُوْرٍ قَطُّ، أي: ما أَظهرتْه، بخلاف " قَرَى يَقْرِيْ " فإنه من الجَمع، ومنه سُمِّيتِ القريةُ قريةً، والمَقْرَاةُ مُجتمع الماء. فقوله تعالى: (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ. فَإِذَا قَرَأْنَاهُ) أي: قرأناه بواسطةِ جبريل (فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ) ، وهذا كقوله تعالى: (نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ) ، وإنما ذلك بتوسُّط قراءةِ جبريلَ وتلاوته، كقوله: (أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ) ، فإنّ هذا قد جعله سبحانَه أحدَ أنواع الجنس العامّ المقسوم، وهو تكليمُ الله لعبادِه، ولهذا قال عُبادةُ بن الصامت: رؤيا المؤمنِ كلامٌ يُكلِّم به الربُّ عبدَه في منامِه. " جامع المسائل " (5 / 284، 285) . وقال – رحمه الله -: وأحاديث المعراج وصعوده إلى ما فوق السموات وفرض الرب عليه الصلوات الخمس حينئذ ورؤيته لما رآه من الآيات والجنة والنار والملائكة والأنبياء في السموات والبيت المعمور وسدرة المنتهى وغير ذلك: معروف متواتر في الأحاديث، وهذا النوع لم يكن لغيره من الأنبياء مثله، يظهر به تحقيق قوله تعالى (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس) فالدرجات التي رُفعها محمَّد ليلة المعراج، وسيُرفعها في الآخرة في المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون: ليس لغيره مثله. " الجواب الصحيح لمن بدَّل دين المسيح " (6 / 168، 169) . ثالثاً: أما الحكمة من الاصطفاء والاختيار – ومنه اصطفاء جبريل عليه السلام لإرساله بالوحي -: فإن ذلك من أفعال الله تعالى الدالة على علمه وعدله وحكمته. والله سبحانه وتعالى يختار ما يشاء من الأشياء المختلفة ليميزها على غيرها، قال تعالى: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) القصص/ 68. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -: هذه الآيات – أي: الآية السابقة وما بعدها - فيها عموم خلقه لسائر المخلوقات، ونفوذ مشيئته بجميع البريات، وانفراده باختيار من يختاره ويختصه، من الأشخاص، والأوامر، والأزمان، والأماكن، وأن أحداً ليس له من الأمر والاختيار شيء. " تفسير السعدي " (ص 622) . والله سبحانه وتعالى يصطفي ما يشاء من الأشياء المتشابهة ليميزها على غيرها، قال تعالى: (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) الحج/ 75. قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: جبريل رسولٌ ملَك، ومحمَّدٌ رسولٌ بشر، والله يصطفي من الملائكة رسلاً، ومن الناس، فاصطفى لكلامه الرسول الملكي، فنزل به على الرسول البشري الذي اصطفاه، وقد أضافه إلى كلٍّ من الرسوليْن لأنه بلغه وأداه؛ لا لأنه أنشأه وابتداه، قال تعالى: (إنه لقول رسول كريم. ذي قوة عند ذي العرش مكين) التكوير/ 19، 20. " مجموع الفتاوى " (17 / 82) . وقال ابن القيم – رحمه الله -: وإذا تأملت أحوالَ هذا الخلقِ: رأيتَ هذا الاختيار والتخصيص فيه دالاًّ على ربوبيته تعالى ووحدانيته وكمالِ حكمته وعلمه وقدرته، وأنه اللهُ الذي لا إله إلا هو، فلا شريك له يخلُق كخلقه، ويختار كاختياره، ويدبِّر كتدبيره، فهذا الاختيارُ والتدبير والتخصيص المشهود: أثرُه في هذا العالم مِنْ أعظم آيات ربوبيته، وأكبرِ شواهد وحدانيته، وصفات كماله، وصدقِ رسله. " زاد المعاد في هدي خير العباد " (1 / 42) . فاصطفى الله تعالى من الملائكة جبريل عليه السلام دون غيره لما فيه من صفات القوة، والأمانة، وغيرهما، وقد علم الرب تعالى ذلك أزلاً، فاصطفاه من أجل ذلك. قال ابن القيم – رحمه الله -: ذواتُ ما اختاره واصطفاه من الأعيان والأماكن والأشخاص وغيرها: مشتَمِلَة على صفات وأمور قائمة بها ليست لغيرها، ولأجلها اصطفاها اللهُ، وهو سبحانه الذي فضلها بتلك الصفاتِ، وخصها بالاختيار، فهذا خلقُه، وهذا اختياره، (وَرَبّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ) القصص/ 67. " زاد المعاد في هدي خير العباد " (1 / 53) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130912 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 هل يصلي خلف من لا يصدق أن محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين؟ [السُّؤَالُ] ـ[لقد شاركت بعض المسلمين في عدة مناقشات هنا في أمريكا عن "خاتم النبيين"، الرجاء إيضاح التالي: - معنى خاتم في اللغة العربية (آخر) أم (خاتم) ؟ - الأدلة من القرآن والسنة. - هل نزول عيسى عليه السلام ينهي "خاتم النبيين" أم لا؟ - ما حكم من لا يؤمن بأن محمداً صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيين ولا نبي بعده، هل هو كافر أم لا؟ وهل يجوز الصلاة خلفه لو لم يكن هناك مسجد في منطقتنا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله النبي محمد عليه الصلاة والسلام هو آخر الأنبياء، قال عليه الصلاة والسلام: (فضّلت على الأنبياء بخمس: أعطيت الشفاعة وختم بي النبيون ... الحديث) فأخبر عليه الصلاة والسلام أنه آخرهم، وقال تعالى: (ولكن رسول الله وخاتَم النبيين) – بفتح التاء - وفي قراءة أخرى (وخاتِم النبيين) – بكسر التاء - والمعنى: أنه آخرهم، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (أنا خاتم النبيين، لا نبي بعدي) أي أنه خُتم به أنبياء الله، فلا نبي بعده ولا رسول. ولا شك أن عيسى عليه الصلاة والسلام عندما ينزل يكون بشريعة محمد عليه الصلاة والسلام، فيحكم بها، فلا يعتبر نبياً بعد رسول الله إنما هو واحدٌ من أمته، يحكم بشريعته. ومن ادعى انه سوف يأتي نبي جديد فهو كافر، أو يجوز إتيان نبي بعد محمد عليه الصلاة والسلام، فيعتبر أن هذه الشريعة ليست آخر الشرائع، مثل هذا كافر ولا يصلى خلفه إن عُلِمَ هذا من عقيدته، وإن ثبت فعليك إعادة الصلاة ولو منفرداً. [الْمَصْدَرُ] سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله الحديث: 129407 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 ما ورد في تخيير الرسل والأنبياء قبل الموت [السُّؤَالُ] ـ[بالنسبة لمسألة تخيير الرسل والأنبياء قبل الموت (أي هل يموتون الآن أم بعد مدة) كما حصل معه عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم، كيف نقول بالنسبة لمن قتل منهم أي الأنبياء والرسل، هل خُيروا أم لم يُخيروا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن كل نبي يخير عند موته بين الدنيا والآخرة، جاء ذلك في روايات عدة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ صَحِيحٌ يَقُولُ: إِنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ قَطُّ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، ثُمَّ يُحَيَّا أَوْ يُخَيَّرَ. فَلَمَّا اشْتَكَى وَحَضَرَهُ الْقَبْضُ وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذِ عَائِشَةَ غُشِي عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَفَاقَ شَخَصَ بَصَرُهُ نَحْوَ سَقْفِ الْبَيْتِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى. فَقُلْتُ: إِذًا لاَ يُجَاوِرُنَا. فَعَرَفْتُ أَنَّهُ حَدِيثُهُ الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُنَا وَهْوَ صَحِيحٌ) رواه البخاري (4437) ومسلم (2444) وعنها رضى الله عنها قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (مَا مِنْ نَبيٍّ يَمْرَضُ إِلاَّ خُيِّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. وَكَانَ فِي شَكْوَاهُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ أَخَذَتْهُ بُحَّةٌ شَدِيدَةٌ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: (مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ) فَعَلِمْتُ أَنَّهُ خُيِّرَ) رواه البخاري (4586) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " قوله: (كنت أسمع أنه لا يموت نبي حتى يُخَيَّر) ولم تصرح عائشة بذكر من سمعت ذلك منه في هذه الرواية، وصرحت بذلك في الرواية التي تليها من طريق الزهري عن عروة عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صحيح يقول: (إنه لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة ثم يحيى أو يخير) وهو شك من الراوي، هل قال يُحَيَّى، أو يُخَيَّر. وعند أحمد من طريق المطلب بن عبد الله عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (ما من نبي يقبض إلا يرى الثواب ثم يخير) ولأحمد أيضا من حديث أبي مويهبة قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني أوتيت مفاتيح خزائن الأرض والخلد ثم الجنة، فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة فاخترت لقاء ربي والجنة) وعند عبد الرزاق من مرسل طاوس رفعه: (خيرت بين أن أبقى حتى أرى ما يفتح على أمتي وبين التعجيل فاخترت التعجيل) " انتهى من " فتح الباري " (8/137) وقال أيضا: " هذه الحالة من خصائص الأنبياء أنه لا يقبض نبي حتى يخير بين البقاء في الدنيا وبين الموت " انتهى من " فتح الباري " (10/131) ومن ذلك قصة استئذان ملك الموت على نبي الله موسى عليه السلام فلطمه موسى ففقأ عينه وهي مروية في الصحيحين أيضا. يقول الدكتور عمر الأشقر حفظه الله: " مما تفرد به الأنبياء أنّهم يخيَّرون بين الدنيا والآخرة " انتهى من " الرسل والرسالات " (ص/63) ثانيا: لما كان تخيير الرسل والأنبياء قبل الموت من عالم الغيب الذي لم نطلع عليه إلا بواسطة الوحي الصحيح، لم يجز لنا أن نتكلم في تفاصيله بغير علم ولا هدى، بل يجب الوقوف عند حدود النصوص الواردة في هذا الموضوع، وهي نصوص عامة لم تستثن أحدا من الأنبياء، بل جاءت بصيغة تؤكد العموم، ففي الرواية الأولى بلفظ: (لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ قَطُّ) ، وفي الرواية الثانية بلفظ: (مَا مِنْ نَبيٍّ يَمْرَضُ) ، فيظهر أنها تعم كل نبي، سواء مات ميتة طبيعية على فراشه، أو قتل شهيدا باعتداء المعتدين. هذا ما يمكننا قوله، ولا نستطيع تجاوز ذلك. ثالثا: لا يفوتنا التنبيه هنا على كثرة الكذب في هذا الموضوع، فقد رويت أحاديث كثيرة ضعيفة تذكر قصة استئذان ملك الموت على النبي صلى الله عليه وسلم ليقبض روحه، وما دار من حوار طويل بينهما، سبق التنبيه عليه في جواب السؤال رقم: (71400) يقول الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله: " وأما الجواب عن - استئذان ملك الموت على النبي صلى الله عليه وسلم - فهو أنّ الحديث في ذلك لا يَصِحُّ، ولا عبرة بسكوت بعض أهل السِّيَرِ عليه , ولا بذكره في بعض الخُطَب التي قَلَّمَا تحرى أصحابها الصحاح من السنن والآثار , بل أولع أكثرهم بالواهيات والموضوعات " انتهى من " مجلة المنار " (11/352) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127370 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 لماذا اختص عيسى عليه السلام بالرفع إلى السماء؟ [السُّؤَالُ] ـ[بما أن محمدا صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء فلم لم يرفع إلى السماء بدلا من عيسى؟ ولماذا اختص الله عيسى بالرفع دون سائر الأنبياء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " إن الله تعالى وسع كل شيء رحمة وعلما، وأحاط بكل شيء قوة وقهرا، سبحانه له الحكمة البالغة، والإرادة النافذة، والقدرة الشاملة، اصطفى من شاء من الناس أنبياء ورسلا مبشرين ومنذرين، ورفع بعضهم فوق بعض درجات، وخص كلا منهم بما شاء من المزايا، فضلا منه ورحمة، فخص بالخلة خليله إبراهيم ومحمداً عليهما الصلاة والسلام، وخص كل نبي بما أراد من الآيات والمعجزات التي تتناسب مع زمنه، وبها تقوم الحجة على قومه، حكمةً منه وعدلاً، لا معقب لحكمه، وهو العزيز الحكيم اللطيف الخبير، وليس كل مزية بمفردها بموجبة للأفضلية، فاختصاص عيسى برفعه إلى السماء حيا جارٍ على مقتضى إرادة الله وحكمته، وليس ذلك لكونه أفضل من إخوانه المرسلين، كإبراهيم ومحمد وموسى ونوح عليهم الصلاة والسلام، فإنهم أعطوا من المزايا والآيات ما يقتضي تفضيلهم عليه. وبالجملة، فمرجع الأمر في ذلك إلى الله، يدبره كما يشاء، لا يُسأل عما يفعل، لكمال علمه وحكمته، ثم إنه لا يترتب على السؤال عن ذلك عمل أو تثبيت عقيدة، بل ربما أصيب بالحيرة من حام حول ذلك، واستولت عليه الريب والشكوك، وعلى المؤمن التسليم فيما هو من شؤون الله، وليجتهد فيما هو من شؤون العباد عقيدة وعملا، وهذا هو منهج الأنبياء والمرسلين، وطريق الخلفاء الراشدين، وسلف الأمة المهديين. والله أعلم. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم " انتهى. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (3/476) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الحديث: 119825 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 حكم من يقول: الإسلام والإيمان ليسا محصورين برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم [السُّؤَالُ] ـ[بعض الناس يقول: إن الإسلام والإيمان ليسا محصورين برسالة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام فقط، بل إن الإسلام والإيمان يخصان كل إنسان يعبد الله بأي صورة كانت قبل وبعد البعثة المحمدية المباركة، فما تعليقكم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "أما قبل بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ فكل من آمن بالرسل الماضين فهو من أهل الجنة.. من آمن بموسى.. بعيسى.. بهود.. بصالح.. بجميع الرسل، فهو من أهل الجنة إذا مات على ذلك، أما بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم؛ فليس من أهل الجنة إلا من تابع محمداً صلى الله عليه وسلم، فجميع أهل الأرض بعد مبعث محمد صلى الله عليه وسلم ليس لهم نجاة إلا باتباعه محمد عليه الصلاة والسلام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل: يا رسول الله! ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى) . فأتباع النبي محمد صلى الله عليه وسلم هم الذين يدخلون الجنة دون غيرهم، ويقول صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة؛ يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار) ، فلا يكون من أهل الجنة بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم إلا من اتبعه. أما من بلغه خبره وكَفَرَ به، ولم يؤمن به، فهو من أهل النار، وأما من لم يبلغه خبر النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الفترات الذين لم يسمعوا بالرسول ولا بالقرآن، فهؤلاء يقال لهم: أهل الفترة، وهؤلاء أمرهم إلى الله يوم القيامة، يمتحنهم جل وعلا، فمن نجح في الامتحان دخل الجنة، ومن لم ينجح دخل النار، نسأل الله السلامة، وأما من بلغه رسالة النبي صلى الله عليه وسلم وبلغه القرآن ولم يؤمن؛ به فهو من أهل النار. ومن لم يُكَفِّر الكفارَ فهو مثلهم، فيجب تكفير من لم يؤمن بالله، وتكفير من كفر به، ولهذا ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من وحد الله وكفر بما عبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله) ، ويقول الله جل وعلا: (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) البقرة/256. فلابد من الإيمان بالله، وتوحيده، وإخلاصه، والإيمان بإيمان المؤمنين، ولابد من تكفير الكافرين الذين بلغتهم الشريعة ولم يؤمنوا، كاليهود، والنصارى، والمجوس، والشيوعيين، وغيرهم ممن يوجد اليوم وقبل اليوم، فمن بلغته رسالة الله ولم يؤمن فهو من أهل النار، نسأل الله العافية" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (28/44) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118097 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 هل تزوج المسيح عيسى عليه السلام؟ [السُّؤَالُ] ـ[قد كتب دان براون في كتابه: " سر داوينجي " أن المسيح عيسي بن مريم قد تزوج امرأة زانية اسمها مريم المجدلية، وكان لهما ابنة اسمها سارة. هل هذا صحيح حسب الروايات الإسلامية؟ وإن لم يكن صحيحًا فلماذا لم يتزوج عيسي بن مريم عليهما السلام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لم يرد في صريح الكتاب والسنة الصحيحة نص يدل على إثبات أو نفي زواج السيد المسيح عيسى ابن مريم عليهما السلام، وإن كان في القرآن الكريم ما يدل على أن الزواج عموماً من هدي المرسلين، فقد قال سبحانه وتعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً) الرعد/38، فذلك لا يمنع أن يكون بعضهم مستثنى من ذلك، وهذا الاستثناء كان كمالاً في حقه وفي شريعته، كما أن زواج الأنبياء ـ عموماً ـ وما أوتوا من الأزواج والذرية، كان كمالاً لهم. وقد الله تعالى في بشارته لنبيه زكريا عليه السلام بولده الذي يولد له، يحي عليه السلام: (فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِنَ الصَّالِحِينَ) آل عمران/39. قال القاضي عياض رحمه الله: " فإن قيل: كيف يكون النكاح وكثرته من الفضائل، وهذا يحيى بن زكريا عليه السلام قد أثنى الله تعالى عليه أنه كان حصوراً؛ فكيف يثنى الله عليه بالعجز عما تعده فضيلة؟! وهذا عيسى ابن مريم عليه السلام تبتل من النساء، ولو كان كما قررته لنكح؟ فاعلم أن ثناء الله تعالى على يحيى ـ بأنه حصور ـ ليس كما قال بعضهم: إنه كان هيوباً، أو لا ذكر له؛ بل قد أنكر هذا حذاق المفسرين ونقاد العلماء، وقالوا هذه نقيصة وعيب ولا يليق بالأنبياء عليهم السلام، وإنما معناه أنه معصوم من الذنوب، أي: لا يأتيها، كأنه حصر عنها. وقيل: مانعا نفسه من الشهوات، وقيل: ليست له شهوة في النساء. فقد بان لك من هذا: أن عدم القدرة على النكاح نقص؛ وإنما الفضل في كونها موجودة ثم قمعها، إما بمجاهدة كعيسى عليه السلام، أو بكفاية من الله تعالى كيحيى عليه السلام، فضيلة زائدة؛ لكونها مشغلة في كثير من الأوقات، حاطّة إلى الدنيا، ثم هي في حق من أقدر عليها وملكها وقام بالواجب فيها ولم يشغله عن ربه: درجة علياء، وهى درجة نبينا صلى الله عليه وسلم، الذي لم تشغله كثرتهن عن عبادة ربه، بل زاده ذلك عبادة لتحصينهن وقيامه بحقوقهن واكتسابه لهن وهدايته إياهن. " انتهى. الشفا بحقوق المصطفى، للقاضي عياض (188-89) ، وانظر: تفسير ابن كثير (2/38) ، وأيضا: "التحرير والتنوير"، لابن عاشور (13/162-163) . وقال الشيخ الطاهر ابن عاشور رحمه الله: " وأما ترك المسيح التزوج فلعله لعارض آخر أمره الله به لأجله، وليس ترك التزوج من شؤون النبوءة فقد كان لجميع الأنبياء أزواج قال تعالى: (وجعلنا لهم أزواجاً وذرية) الرعد/38 " انتهى. "التحرير والتنوير" (27/425) وأما ما جاء في رواية " شيفرة دافنشي " لكاتبها " دان براون "، فليس فيها إلا إثارة لمواضيع حساسة لدى الكنائس الغربية لقصد الإثارة وتحقيق الأرباح فقط، وليس بغرض البحث العلمي، ولا التحقيق التاريخي، وقد أثارت هذه الرواية جدلاً واسعاً في الأوساط النصرانية، وكتب الكثيرون منهم ردوداً على ما جاء فيها من تفصيلات تعارضها الكنيسة. وأما نحن المسلمين فنقول: المسيح عيسى ابن مريم عليهما السلام من أولي العزم من الرسل، وهو كلمة الله ألقاها إلى مريم وروح منه، وأما أنه تزوج أو لم يتزوج، فأي الأمرين وقع له، فهو فضل وكمال في حقه، ولا ينقص من قدره عند الله شيئاً، صلى الله عليه وعلى إخوانه من الأنبياء والرسل. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 117065 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 هل كان عيسى عليه السلام يهوديا؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يعتقد المسلمون أن عيسى كان يهوديا؟ حيث ذكر في الإنجيل أن عيسى كان يهوديا]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عيسى ابن مريم عليه السلام، أحد أنبياء الله الكرام، وأولي العزم من ورسله، أرسله الله إلى بني إسرائيل، وعلمه التوراة والإنجيل، وأخبر أنه جاء مصدقا لما في التوراة، أي مقررا لها ومؤمنا بها، إلا أنه نسخ بعض أحكامها، وأباح لأتباعه بعض ما حرم فيها. قال تعالى: (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ. وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ) آل عمران/48- 50، وقال سبحانه: (وَقَفَّيْنَا عَلَى آَثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) المائدة/46. قال ابن كثير رحمه الله في "تفسيره" (2/44) : " وَالتَّوْرَاةَ وَالإنْجِيلَ " فالتوراة: هو الكتاب الذي أنزله الله على موسى بن عمران، والإنجيل: هو الكتاب الذي أنزله الله على عيسى عليهما السلام، وقد كان [عيسى] عليه السلام، يحفظ هذا وهذا " انتهى. وقال أيضاً رحمه الله: " وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ " أي: متبعًا لها، غير مخالف لما فيها، إلا في القليل مما بيّن لبني إسرائيل بعض ما كانوا يختلفون فيه، كما قال تعالى إخبارًا عن المسيح أنه قال لبني إسرائيل: (وَلأحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ) ؛ ولهذا كان المشهور من قولي العلماء أن الإنجيل نسخ بَعْضَ أحكام التوراة " انتهى. "تفسير ابن كثير" (3/126) . وعُلم بهذا أن عيسى عليه السلام كان مؤمنا بالتوراة التي أنزلت على موسى عليه السلام، متبعا لها، لم يخالفها إلا في أشياء قليلة. وموسى وعيسى وجميع الأنبياء كان دينهم الإسلام العام، وهو توحيد الله عز وجل وعبادته وحده لا شريك له، كما قال تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) آل عمران/19، وقال تعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) آل عمران/85، وقال عن نوح عليه السلام: (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) يونس/72، وقال عن إبراهيم عليه السلام: (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) آل عمران/67، وقال عن موسى عليه السلام: (يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) يونس/84، وقال عن يوسف عليه السلام: (تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) يوسف/101. فلا يقال عن موسى عليه السلام إن دينه اليهودية، بل دينه الإسلام، وأتباعه سُموا باليهود إما لقولهم: هدنا إليك، أي: تبنا ورجعنا، أو نسبة ليهوذا أكبر أولاد يعقوب عليه السلام، وكذلك عيسى عليه السلام دينه الإسلام وليس النصرانية، والنصارى هم أتباعه الذين نصروره وآزروه. لكنه عليه السلام كان متبعا للتوراة حافظا لها مقرا بها؛ لأنه من جملة بني إسرائيل الذين أرسل فيهم موسى عليه السلام، ثم أنزل الله عليه الإنجيل وفيه تصديق لما في التوراة، كما سبق. وهذا الذي ذكرناه إنما نعني به الدين الذي كان جاء به عسى عليه السلام، إن كان السائل يريد البحث في دينه والسؤال عنه. وأما إن كان السائل يسأل عن نسب المسيح عليه السلام، وقومه الذين ولد فيهم، وبعث إليهم، فنبي الله عيسى عليه السلام من بني إسرائيل من غير خلاف، وبنو إسرائيل هم الذين عرفوا بعد ذلك بأنهم اليهود، كما أشرنا. على أن الذي يستعمله أهل العلم هنا أن ينسب إلى نسبه وقومه، فيقال: هو من بني إسرائيل، وأما كلمة اليهود فهي تحمل معنى دينيا خاصا، فلذلك ينبغي اجتنابه في حق عيسى عليه السلام، وإن كنا نعلم أنه قومه بنو إسرائيل كانوا على شريعة التوراة قبله، وهو قد جاء مصدقا لما فيها، وغير شيئا قليلا من أحكامها. قال ابن الأثير رحمه الله: " كان عمران بن ماثان [يعني: جد عيسى عليه السلام، والد مريم] من ولد سليمان بن داود، وكان آل ماثان رؤوس بني إسرائيل وأحبارهم.. " انتهى. "الكامل في التاريخ" (1/251) . وقال ابن كثير رحمه الله: " ولا خلاف أنها [يعني: مريم عليها السلام] من سلالة داود عليه السلام، وكان أبوها عمران صاحب صلاة بني إسرائيل في زمانه " انتهى. "البداية والنهاية" (2/52) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " لا ريب أن قوم موسى عليه السلام هم بنو إسرائيل، وبلسانهم نزلت التوراة، وكذلك بنو إسرائيل هم قوم المسيح عليه السلام، وبلسانهم كان المسيح يتكلم، فلم يخاطب أحد من الرسولين أحدا إلا باللسان العبراني، لم يتكلم أحد منهما لا برومية ولا سريانية ولا يونانية ولا قبطية " انتهى. "الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح" (2/94) . وقال أيضا: " فمعلوم باتفاق النصارى أن المسيح لم يكن يتكلم إلا بالعبرية، كسائر أنبياء بني إسرائيل، وأنه كان مختونا، ختن بعد السابع كما يختن بنو إسرائيل، وأنه كان يصلي إلى قبلتهم، لم يكن يصلي إلى الشرق ولا أمر بالصلاة إلى الشرق " انتهى. "المرجع السابق" (3/32) . وينظر للفائدة: سؤال رقم (10277) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 116826 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 لم يثبت أن المسيح سيدفن في آخر الزمان في الحجرة النبوية [السُّؤَالُ] ـ[يروى أن هناك مساحة فارغة بجانب قبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم، لكي يستخدمها نبي الله عيسى صلى الله عليه وسلم بعد موته، فهل هذا صحيح؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لم يَرِد في السنة النبوية ما يدلُّ على مكان دفن المسيح عيسى عليه السلام في آخر الزمان، وأما الحديث الذي يُروى في ذلك فضعيف جدا لا يثبت، وهذا بيانه: عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ينزل عيسى ابن مريم إلى الأرض، فيتزوج، ويولد له، ويمكث خمسا وأربعين سنة، ثم يموت فيدفن معي في قبري، فأقوم أنا وعيسى ابن مريم من قبر واحد بين أبي بكر وعمر) . رواه ابن أبي الدنيا – كما عزاه إليه الذهبي في "ميزان الاعتدال" (2/562) - وابن الجوزي في "العلل المتناهية" (2/915) وفي "المنتظم" (1/126) ، وفي "الوفا" (2/714) أيضا: من طريق عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي. قال ابن الجوزي: " هذا حديث لا يصح، والإفريقي ضعيف بمرة " انتهى. وأورده الذهبي في "ميزان الاعتدال" في سياق المناكير التي رواها هذا الراوي، وقال: " فهذه مناكير غير محتملة " انتهى. وقال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" برقم (6562) : " منكر " انتهى. ووردت بعض الآثار في هذا الشأن عن علماء الصحابة ممن قرؤوا التوراة وعرفوا ما فيها: 1- قال عبد الله بن سلام رضي الله عنه: (مكتوب في التوراة صفة محمد، وصفة عيسى بن مريم، يدفن معه) رواه البخاري في "التاريخ الكبير" (6/229) ، والترمذي في "السنن" (رقم/3617) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (القطعة المفقودة ص/111) ، والآجري في كتاب "الشريعة" (3/1324) بألفاظ متقاربة، ولكني اخترت اللفظ الذي عند الترمذي لتصريحه بنقل الكلام عن التوراة. كلهم رووه من طريق عثمان بن الضحاك عن محمد بن يوسف بن عبد الله بن سلام عن أبيه عن جده. وهذا إسناد ضعيف، فيه عثمان بن الضحاك: قال أبو داود: ضعيف. انظر "تهذيب التهذيب" (7/124) . وفيه: محمد بن يوسف لم يوثقه أحد، وإنما ذكره ابن حبان في "الثقات" انظر ترجمته في "تهذيب التهذيب" (9/534) لذلك قال البخاري رحمه الله بعد إخراجه الحديث في التاريخ الكبير في ترجمته: " هذا لا يصح عندي، ولا يتابع عليه " انتهى. وقال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" برقم (6962) : " موقوف ضعيف " انتهى. 2- عن سعيد بن المسيب قال: (إن قبور الثلاثة في صُفَّة بيت عائشة، وهناك موضع قبر يدفن فيه عيسى عليه السلام) . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " من وجه ضعيف " انتهى. "فتح الباري" (7/66) . كما ذكر ذلك بعض العلماء والمؤرخين: قال الإمام القرطبي رحمه الله: " ثم يقبض الله روح عيسى عليه السلام ويذوق الموت، ويدفن إلى جانب النبي صلى الله عليه وسلم في الحجرة ... ، وقد قيل إنه يدفن بالأرض المقدسة مدفن الأنبياء " انتهى. "التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة" (ص/1301) وذكر نحوه ابن عساكر وغيره. والذي يتحصل مما سبق أنه لم يثبت في حوادث آخر الزمان دفن عيسى عليه السلام في الحجرة النبوية، وما ورد في ذلك إنما هي آثار ضعيفة السند، ومأخوذة عن غير الكتاب والسنة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الحديث: 115840 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 إشكال حول قول يوسف عليه السلام: اذكرني عند ربك؟! [السُّؤَالُ] ـ[هل الله يعاقب الأنبياء؟ في قصة يوسف صلى الله عليه وسلم، هل ترك في السجن لعدد من السنين، كعقوبة من الله بسبب أنه سأل أحد زملائه في السجن أن يذكره عند ربه، بينما أن الله هو الوحيد الذي يدعى بالرب؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: سبق أن تكلمنا عن عصمة الأنبياء، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، من الكبائر، ومن سفاسف الأخلاق، وما يخل بالمروءات من فعل أهل الدناءات. انظر جواب السؤال رقم: (7208) ، (42216) . ثانيا: أما قصة يوسف عليه السلام، فأظهر القولين في تفسيرها أن الذي نسي ذكر ربه في هذه الآية، ليس هو يوسف عليه السلام، وإنما هو السجين الآخر، الذي طلب منه يوسف أن يذكره عند ربه، قال تعالى: (وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ، فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ، فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ) سورة يوسف/42. وإذا كان الأظهر في تفسير الآية أن الناسي هو حامل الرسالة من يوسف إلى عزيز مصر، فليس في إرسال هذه الرسالة: أن يذكر العزيز بأمر يوسف، شيء مما يخل بمنصب الرسالة، بل ولا منصب التوكل على الله وإنزال الحوائج به. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " قال تعالى: (فأنساه الشيطان ذكر ربه) ، قيل: أنسي يوسف ذكر ربه لما قال: (اذكرني عند ربك) . وقيل: بل الشيطان أنسى الذي نجا منهما ذكر ربه، وهذا هو الصواب، فإنه مطابق لقوله: (اذكرني عند ربك) ، قال تعالى: (فأنساه الشيطان ذكر ربه) ، والضمير يعود إلى القريب إذا لم يكن هناك دليل على خلاف ذلك؛ ولأن يوسف لم ينس ذكر ربه؛ بل كان ذاكرا لربه. وقد دعاهما قبل تعبير الرؤيا إلى الإيمان بربه، وقال لهما: (يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار. ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون) ، وقال لهما قبل ذلك: (لا يأتيكما طعام ترزقانه) ، أي: في الرؤيا (إلانبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما) ، يعني التأويل، (ذلكما مما علمني ربي إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون. واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون) ، فبذا يذكر ربه عز وجل فإن هذا مما علمه ربه؛ لأنه ترك ملة قوم مشركين لا يؤمنون بالله وإن كانوا مقرين بالصانع، ولا يؤمنون بالآخرة، واتبع ملة آبائه أئمة المؤمنين - الذين جعلهم الله أئمة يدعون بأمره - إبراهيم وإسحاق ويعقوب؛ فذكر ربه ثم دعاهما إلى الإيمان بربه، ثم بعد هذا عبر الرؤيا، فقال: (يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا) الآية، ثم لما قضى تأويل الرؤيا: (وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك) ، فكيف يكون قد أنسى الشيطان يوسف ذكر ربه؟ وإنما أنسى الشيطان الناجي ذكر ربه، أي الذكر المضاف إلى ربه والمنسوب إليه، وهو أن يذكر عنده يوسف. والذين قالوا ذلك القول، قالوا: كان الأَولى أن يتوكل على الله ولا يقول اذكرني عند ربك. فلما نسي أن يتوكل على ربه جوزي بلبثه في السجن بضع سنين. فيقال: ليس في قوله: (اذكرني عند ربك) ما يناقض التوكل؛ بل قد قال يوسف: (إن الحكم إلا لله) كما أن قول أبيه: (لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة) لم يناقض توكله، بل قال: (وما أغني عنكم من الله من شيء إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون) . وأيضا: فيوسف قد شهد الله له أنه من عباده المخلَصين، والمخلص لا يكون مخلصا مع توكله على غير الله، فإن ذلك شرك، ويوسف لم يكن مشركا، لا في عبادته ولا توكله، بل قد توكل على ربه في فعل نفسه بقوله: (وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين) ، فكيف لا يتوكل عليه في أفعال عباده. وقوله: (اذكرني عند ربك) مثل قوله لربه: (اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم) ، فلما سأل الولاية للمصلحة الدينية لم يكن هذا مناقضا للتوكل، ولا هو من سؤال الإمارة المنهي عنه، فكيف يكون قوله للفتى: (اذكرني عند ربك) مناقضا للتوكل، وليس فيه إلا مجرد إخبار الملك به؛ ليعلم حاله، ليتبين الحق، ويوسف كان من أثبت الناس. ولهذا بعد أن طلب: (وقال الملك ائتوني به) ، قال: (ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم) ، فيوسف يذكر ربه في هذه الحال كما ذكره في تلك. ويقول: (ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة) ، فلم يكن في قوله له: (اذكرني عند ربك) ترك لواجب ولا فعل لمحرم حتى يعاقبه الله على ذلك بلبثه في السجن بضع سنين ... والمقصود أن يوسف لم يفعل ذنبا ذكره الله عنه، وهو سبحانه لا يذكر عن أحد من الأنبياء ذنبا إلا ذكر استغفاره منه، ولم يذكر عن يوسف استغفارا من هذه الكلمة " انتهى باختصار. "مجموع الفتاوى" (15/112-118) . ثالثاً: أما قول يوسف عليه السلام لصاحبه في السجن: (اذكرني عند ربك) ، فليس هذا من ربوبية العبادة، بل هو من ربوبية الملك والتصرف. قال الفيروزآبادي: " رب كل شيء: مالكه ومستحقه وصاحبه ... ولا يقال الرب مطلقا إلا لله تعالى المتكفل بمصلحة الموجودات، وبالإضافة يقال لله تعالى ولغيره، نحو: رب العالمين، ورب الدار " انتهى. "بصائر ذوي التمييز" (3/29) . وقال الراغب الأصفهاني: " ويقال: رب الدار، ورب الفرس: لصاحبهما، وعلى ذلك قول الله تعالى: (اذكرني عند ربك) انتهى. المفردات في غريب القرآن (186) . ومراد الراغب رحمه الله: أن إطلاق الرب في الآية جائز؛ لأنه الرب هنا مضاف إلى صاحبه، وليس ربا على جهة الإطلاق، فهذا لا يجوز إلا لله تعالى. لكن يشكل عليه أنه نهي عن مثل ذلك، كما في حديث أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ أَطْعِمْ رَبَّكَ، وَضِّئْ رَبَّكَ، اسْقِ رَبَّكَ، وَلْيَقُلْ: سَيِّدِي، مَوْلَايَ، وَلَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ: عَبْدِي، أَمَتِي، وَلْيَقُلْ: فَتَايَ وَفَتَاتِي وَغُلَامِي) رواه البخاري (2552) ، ومسلم (2249) . قال النووي رحمه الله: " قال العلماء: لا يطلق الرب بالألف واللام، إلا على الله تعالى خاصة، فأما مع الإضافة فيقال: رب المال، ورب الدار، وغير ذلك، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح في ضالة الإبل: (دعها حتى يلقاها ربها) والحديث الصحيح، (حتى يهم رب المال من يقبل صدقته) ، وقول عمر رضي الله عنه في الصحيح: (رب الصريمة والغنيمة) ، ونظائره في الحديث كثيرة مشهورة. وأما استعمال حملة الشرع ذلك، فأمر مشهور معروف. قال العلماء: وإنما كره للمملوك أن يقول لمالكه: ربي؛ لأن في لفظه مشاركة لله تعالى في الربوبية. وأما حديث: (حتى يلقاها ربها) ، و (رب الصريمة) وما في معناهما، فإنما استعمل لأنها غير مكلفة، فهي كالدار والمال، ولا شك أنه لا كراهة في قول: رب الدار، ورب المال. وأما قول يوسف عليه السلام: (اذكرني عند ربك) ، فعنه جوابان: أحدهما: أنه خاطبه بما يعرفه، وجاز هذا الاستعمال؛ للضرورة، كما قال موسى عليه السلام للسامري: (وانظر إلى إلهك) طه / 97، أي: الذي اتخذته إلها. الجواب الثاني: أن هذا شرع من قبلنا، وشرع من قبلنا لا يكون شرعا لنا إذا ورد شرعنا بخلافه، وهذا لا خلاف فيه. وإنما اختلف أصحاب الأصول في شرع من قبلنا إذا لم يرد شرعنا بموافقته ولا مخالفته، هل يكون شرعا لنا، أم لا؟ " انتهى. "الأذكار للنووي" (1/363) . وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " وَالسَّبَب فِي النَّهْيِ أَنَّ حَقِيقَة الرُّبُوبِيَّة لِلَّهِ تَعَالَى , لِأَنَّ الرَّبّ هُوَ الْمَالِك، وَالْقَائِم بِالشَّيْءِ فَلا تُوجَدُ حَقِيقَةُ ذَلِكَ إِلَّا لِلَّهِ تَعَالَى. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: سَبَب الْمَنْع أَنَّ الْإِنْسَان مَرْبُوبٌ مُتَعَبِّدٌ بِإِخْلَاصِ التَّوْحِيد لِلَّهِ وَتَرْك الْإِشْرَاك مَعَهُ , فَكَرِهَ لَهُ الْمُضَاهَاة فِي الِاسْم لِئَلَّا يَدْخُل فِي مَعْنَى الشِّرْك , وَلَا فَرْق فِي ذَلِكَ بَيْن الْحُرّ وَالْعَبْد , فَأَمَّا مَا لَا تَعَبُّد عَلَيْهِ مِنْ سَائِر الْحَيَوَانَات وَالْجَمَادَات فَلَا يُكْرَهُ إِطْلَاق ذَلِكَ عَلَيْهِ عِنْد الْإِضَافَة كَقَوْلِهِ رَبّ الدَّار وَرَبّ الثَّوْب. وَقَالَ اِبْن بَطَّال: لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَال لِأَحَدٍ غَيْر اللَّه رَبّ , كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَال لَهُ إِلَهُ اهـ. وَالَّذِي يَخْتَصُّ بِاللَّهِ تَعَالَى إِطْلَاق الرَّبّ بِلَا إِضَافَةٍ , أَمَّا مَعَ الْإِضَافَة فَيَجُوزُ إِطْلَاقُهُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى حِكَايَة عَنْ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام (اُذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) ، وَقَوْله: (اِرْجِعْ إِلَى رَبِّكَ) ، وَقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي أَشْرَاط السَّاعَة: (أَنْ تَلِدَ الْأَمَة رَبَّهَا) ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ النَّهْي فِي ذَلِكَ مَحْمُول عَلَى الْإِطْلَاق , وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ لِلتَّنْزِيهِ , وَمَا وَرَدَ مِنْ ذَلِكَ فَلِبَيَانِ الْجَوَاز. وَقِيلَ هُوَ مَخْصُوص بِغَيْرِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَرُدّ مَا فِي الْقُرْآن , أَوْ الْمُرَاد النَّهْي عَنْ الْإِكْثَار مِنْ ذَلِكَ وَاِتِّخَاذ اِسْتِعْمَال هَذِهِ اللَّفْظَة عَادَة , وَلَيْسَ الْمُرَاد النَّهْي عَنْ ذِكْرهَا فِي الْجُمْلَة " انتهى. "فتح الباري" (5/179) . والحاصل: أن اسم "الرب" الذي يختص به الله سبحانه وتعالى هو ما يطلق من غير قيد، وأما إن قيد برب شيء معين، خاصة إذا كان هذا الشيء لا يعقل، ولا يكلف بعبادة: فهو جائز؛ ومنه هذه الآية. وقد قيل في تأويلها أيضا: إنه خاطبهم بلغتهم التي يعرفونها، أو أن ذلك كان جائزا عندهم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114749 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 محمد صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والرسل [السُّؤَالُ] ـ[برجاء توضيح أدلة أن محمداً عليه الصلاة والسلام خاتم الرسل والنبيين معاً. فإن جميع الأدلة تدل على ختم النبوة فقط، ولا تشير من قريب أو بعيد إلى ختم الرسالة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف العلماء رحمهم الله في الفرق بين النبي والرسول، وجمهور العلماء على أن النبي هو من أوحي إليه من الله ولم يؤمر بالتبليغ، والرسول هو من أوحي إليه وأُمر بالتبليغ. ولكن.. مع هذا الاختلاف فإنهم اتفقوا على أن الرسول أفضل من النبي، وأن الرسول قد حاز شرف النبوة وزيادة، ولذلك قالوا: كل رسول فهو نبي، وليس كل نبي رسولا. وبهذا يتضح أن كل ما ورد في أن النبي محمداً صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيين وأنه لا نبي بعده، أنه يدل على أنه لا رسول بعده أيضاً، لأنه لن يكون هناك رسول إلا وهو نبي. ولو جاء النص على أن الرسول محمداً صلى الله عليه وسلم هو خاتم الرسل، لم يكن هذا النص نافيا لوجود نبي بعده، لأنه يحتمل أن يوجد نبي وليس برسول. لكن.. قد جاء النص بأن الرسول صلى الله عليه ومسلم هو خاتم النبيين وأنه لا نبي بعده، فهذا ينفي وجود نبي بعده، وكذلك ينفي وجود رسول بعده. قال ابن كثير رحمه الله: " (ولكن رسول الله وخاتم النبيين) ... فهذه الآية نص في أنه لا نبي بعده، وإذا كان لا نبي بعده فلا رسول بالطريق الأولى والأحرى، لأن مقام الرسالة أخص من مقام النبوة، فإن كل رسول نبي ولا ينعكس". "تفسير ابن كثير" (3/645) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "وإذا كان خاتم النبيين فهو خاتم الرسل قطعاً، إذ لا رسالة إلا بنبوة، ولهذا يقال: كل رسول نبي، وليس كل نبي رسول" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (1/250) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 113393 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 الفيلم الهولندي المسيء للإسلام تعليق، ونقد، وتوجيه [السُّؤَالُ] ـ[خرج في هذه الأيام فيلم هولندي فيه إساءة للإسلام وأهله، واصفاً لهم بالإرهاب، فما هو توجيهكم للمسلمين حيال هذا الموضوع؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إن الصراع بين الحق والباطل قديم، وما يزال جنود الباطل يقفون في وجه الحق في كل عصر ومصر، فيخذلهم الله تعالى بقوة الحق، ويقذف الله تعالى بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق. ومنذ أن خُذل إبليس وترك استجابة أمر الله تعالى بالسجود لآدم عليه السلام بدأ الكيد للحق وأهله، وطلب إبليس من ربِّه الإنظار، لا ليتوب، بل ليكيد، وليُكثر من أتباعه، فيدخل وإياهم نار الله تعالى، وهناك سيقف خطيباً فيهم ويقول: (إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) إبراهيم/ 22. ثانياً: قد تعرَّض الإسلام لمكائد كثيرة وكبيرة، ولكنَّ الله تعالى تكفَّل بحفظ دينه؛ لأنه جعله خير الأديان وخاتمتها. ثالثاً: نقف هنا مع حدَث حديث، لن يكون الأخير؛ لوجود شياطين الإنس والجن، ومحاولاتهم اليائسة البائسة للنيل من هذا الدين، وكتابه المقدس والنبي العظيم صلى الله عليه وسلم. وهذا الحدَث هو ما صنعته يد الإثم والبهتان المسمَّى " غيرت فيلدرز "، زعيم حزب " الحرية "، وهو يميني هولندي متعصِّب، أراد أن يطعن في هذا الدين العظيم؛ ليُعرف، وليحصِّل مكاسب سياسية، لكنَّ الله تعالى خذله، وسيُخذل أكثر وأكثر، إن شاء الله، فأنتج ذلك الحاقد " فيلماً " قصيراً لا يتجاوز 17 دقيقة عن الإسلام والقرآن ملأه بالأكاذيب والافتراءات، وقد سمَّاه " فِتنة "! ، ولو عُرض ما قاله وقاءه على معهد أو جامعة " أكاديمية ": لكان حقه التوبيخ والإهانة؛ لعدم موضوعيته؛ ولتحريفه وتزويره للحقائق. وقد بدأ فيلمه وأنهاه بوضع صورة مشينة للنبي صلى الله عليه وسلم مما رسمته اليد الآثمة المجرمة، يد الرسام الدنماركي، وهي تمثل في أول الفيلم قنبلة على عمامة صورة للنبي صلى الله عليه وسلم – في زعمه – وهي في أول اشتعالها، وفي آخر الفيلم تصل الشعلة لنهايتها، وتنفجر! وهو يريد بذلك إيصال رسالة خسيسة بأن الإسلام جاء للدمار والخراب، وأن السكوت عنه سيؤدي إلى زوال الحضارات والأمم غير المسلمة! . رابعاً: يمكننا تقسيم وقفاتنا مع ذلك الفيلم السيئ إلى عدة أقسام: 1. آيات مقتطعة عن سياقاتها، ومحرَّفةٌ معانيها. ومن أمثلة ذلك: أ. أول الآيات في فيلمه قراءة هي قوله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ) الأنفال/ 60. وقد أوصل القراءة إلى هذا الحدِّ، ولم يُكملها، وأراد إثبات لفظ (تُرهِبون) للدلالة على أن الإسلام هو الإرهاب، وهو ما يسعى كثيرون من الحاقدين والجهلة للصقه بالإسلام. ولسنا نخجل مما في كتاب ربنا تعالى، ولسنا ننكر هذه الآية، بل نتعبد الله بقراءتها، ونسأله التوفيق للعمل بها، ونرد على استدلاله بهذا المقطع بوجهين اثنين – خشية الإكثار وخروج الرد عن منهج الموقع -: الأول: أن هذا الذي أنكره على الإسلام هو ما تفعله الدول الكبرى والعظمى، فهي تنتج الأسلحة الفتاكة، والقنابل النووية والذرية، والطائرات، والغواصات، وغيرها؛ حماية لنفسها؛ وإرهاباً لأعدائها خشية أن يتعدى أحد عليها! وهو المراد بهذه الآية، ولم يطمع الكفار المحتلون ببلاد المسلمين إلا عندما عطَّلوا العمل بهذه الآية، ومن آخر أمثلة ذلك: العراق، حيث ضغطوا على حكومته لتدمير أسلحته، وصواريخه، فلمّا تمَّ ذلك، وتأكدوا منه: غزوا البلد، واحتلوه، وساموا أهله سوء العذاب. الثاني: أن تكملة سياق الآية بعدها يفسِد عليه ما أراده من إلصاق الإرهاب – بمفهومه هو وعصابته – بالإسلام، والآية التي بعدها مباشرة: (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) الأنفال/ 61. ب. وثاني آية مسموعة في ذلك الفيلم: قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً) النساء/ 56. ومن تدليس هذا المخرج أنه جاء بهذه الآية ليبين للمشاهدين أن الإسلام يأمر بحرق المخالفين له حتى تنضج جلودهم! وأن هذا من تشريع الله لهم. والرد عليه من جهتين: الأولى: أن فعله تدليس أخرق؛ لأن الله تعالى يذكر فيها عقوبة الكفار يوم القيامة! وليس هي في الدنيا، وقد جاء بعدها ذِكر جزاء الممنين الموحدين، فقال: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً) النساء/ 57. والثانية: أن أدنى تأمل في الآية يبين به كذب وافتراء وتدليس هذا المخرج، ففي الآية قول الله تعالى (بدَّلْنَاهم جُلُوداً غَيْرَهَا) وهل يملك المسلمون تبديل جلود من احترقت جلودهم في الدنيا؟! . 2. صورٌ مفبركة، أو غير دالة على مراده، أو هي منكرة في الإسلام أصلاً. ومن أمثلتها: أ. صور لمجموعة من الرافضة – الشيعة – تجرح نفسها وأبناءها بالآلات الحادة، فتُدمى رؤوسهم، في منظر بشع سيء، وهذا ليس من ديننا، وإنما يفعله بعض المنتسبين إلى الإسلام جهلاً منهم وضلالاً. والصورة التي فيها سيوف مرفوعة عليها دماء: أيضاً هي من صور الرافضة في مناسبات عندهم، وقد أفهم المخرجُ الكذابُ النّاسَ أنها لمسلمين! وأنهم للتو قد انتهوا من حفلة تقطيع رؤوس للكفار! . ب. ومن الصور المضحكة الواضحة الكذب: صور لنساء مسلمات منتقبات يرفعن لوحات كُتب عليها " بارك الله في هتلر "! . ونقول: وهذا واضح أنه كذب وتدليس، فإن ديننا يمنعنا من الدعاء لمن مات كافراً، قال الله تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) التوبة /113، فكيف تدعو نساء منتقبات ملتزمات بأحكام الإسلام لهتلر بالبركة. 3. مقاطع مرئية، بعضها يحتوي حقّاً لا ريب فيه، وبعضها تزوير للحقائق، وتدليس على المشاهدين. ومن أمثلة ذلك: أ. لقاء مفبرك مع طفلة صغيرة، وواضح أنهم لم يحسنوا تمثيلها، ولا فبركتها، وذلك من وجهين: الأول: أنها محجبة، وهم يسألونها عن دينها! فلم التلبيس والتدليس وكأنه أمر طبيعي غير مفبرك؟! . والثاني: أن الطفلة الممثلة! سئلت عن رأيها في اليهود والنصارى، فقالت: قردة وخنازير. وهذا ليس من ديننا، فليس فيه أن اليهود والنصارى قردة وخنازير، وإنما فيه أن طائفة من اليهود السابقين احتالوا على شرع ربهم، فعاقبهم الله تعالى فمسخهم قردة، قال الله تعالى: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) البقرة/ 65، وقال تعالى: (فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) الأعراف/ 166. ب. ومن المقاطع المرئية المقطوعة عن سياقاتها: مقطع ذلك الخطيب الذي يُخرج السيف، ويتوعد الكفار! . وهذا الشيخ معروف، وهو عراقي، رفع السيف في خطبته تهييجاً للناس على الجهاد ضد الكفار المحتلين لبلده - وقد قتله الرافضة عليهم من الله ما يستحقون -، وماذا يراد من المسلمين إذا احتلت بلادهم؟ التسليم لأموالهم وأعراضهم، وانتظار القتل، أو الرضا والعفو عن المحتل المجرم؟! بل الإسلام دين العزة، والكرامة، والمسلمون يأبوْن الذل، ولا بدَّ من قتال المحتل، وهذا مؤيد من أديان الأرض وشرائعه جميعاً، بل رأس الاحتلال نفسه قال: لو احتلت بلدي لقاتلت المحتل، وعلى فرض تصديقه أنه يقاتل ولا يفر: فهو لم يقل إلا الحقيقة والواقع، أي: أن المحتل يقاتَل. فما هو المنكر في جهاد المسلمين لمن احتل أرضهم؟ خامساً: انصبت الأفكار الرئيسية جميعاً على الطعن في الإسلام، من خلال: السخرية والاستهزاء بالنبي صلى الله عليه وسلم، ومن خلال الطعن في القرآن، وأنه كتاب " فاشي "! كما قال في الفيلم، ومن خلال التنبيه على خطر المساجد، وكل ذلك حاوله المخرج في فيلمه القصير عن طريق المقاطع المرئية، والصور المؤثرة، ومن خلال الموسيقى المصاحبة لهما، لكنه فشل فشلاً ذريعاً؛ لاستعماله الكذب، والتزوير، والتدليس، وهو ما لن يقبله منه المشاهد، حتى لو كان كافراً. وقد أرجع الله تعالى مكر المخرج على نفسه، فقد انكبَّ الناس في " هولندا " على الكتب الإسلامية، وعلى المصاحف، لشرائها، والنظر فيها، وسيرون فيها ما يبين كذب وتزوير ذلك المخرج الفاشل، وقد حصل بالفعل، فقد أسلم ثلاثة أشخاص من تلك البلاد بعد عرض الفيلم، وقد هددت شركات هولندية برفع قضايا على النائب المخرج إذا قاطعت الدول الإسلامية منتوجاتها، وسيبوء ذلك النائب المخرج بالخزي والعار، ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله. سادساً: قد نصر الله تعالى دينه نصراً مبيناً، فمنذ الإعلان عن قرب عرض الفيلم والمؤسسات والحكومات والأفراد من غير المسلمين ينكرون على النائب فعله، ويبينون عدم ربط الإسلام بالعنف والإرهاب، وأن المسلمين هم ضحايا للإرهاب مثل غيرهم، ومن هؤلاء المنكرين الرافضين لفعل ذلك النائب المخرج: رئيس وزراء هولندا، وله كلام قوي في إنكاره ورفضه، وسكرتير هيئة الأمم المتحدة، والاتحاد الأوربي، وجمع من الساسة، والقادة، والدول، وقد رفضت المحطات الفضائية العامة والخاصة عرض هذا الفيلم، ولم يجد إلا موقعاً في " الإنترنت " لينشره. وجاء في " مفكرة الإسلام " (السبت 22 ربيع الأول 1429هـ، 29 – 3 - 2008م) : " ففي بروكسل: أدان البرلمان الأوروبي هذا الفيلم المسيء؛ حيث هاجم رئيس البرلمان " هانز غيرت بوتيرنغ " بشدة النائب الهولندي " فيلدرز " قائلاً في بيان له: إن محتوى الفيلم " يبدو مصمماً لاستفزاز الحساسية الدينية للمسلمين في هولندا وأوروبا والعالم ". وأضاف قائلاً: " نيابة عن البرلمان الأوروبي أرفض بشدة تأويل الفيلم بأن الإسلام ديانة عنيفة "، مشيراً إلى أنه يصادق تماماً على بيان الحكومة الهولندية الرافض لفيلم (فتنة) ". وكذلك أصدر الاتحاد الأوروبي بيانًا اعتبر فيه الفيلم الذي تبلغ مدته 15 دقيقة " معادياً للإسلام " و " مهيناً " و " ينشر الكراهية " انتهى. وأما المسلمون فقد تحركوا في الإنكار، والشجب، وإخراج البيانات والتحذيرات من الاستمرار في الإساءة لشعائر ديننا ورموزه، وقد هددت بعض الدول بقطع علاقاتها مع هولندا، وطالب نواب في بعض الدول بطرد السفير الهولندي، ومقاطعة البضائع الهولندية، وعلى الضعف والتفرق الذي يعيشه المسلمون يعتبر هذا نصراً عظيماً للإسلام، حيث يوجد من يدافع عن ديننا من الكفار والمسلمين، وقد بعث رئيس وزراء هولندا نفسه رسالة لشيخ الأزهر يبين له فيها رفض حكومته لإنتاج هذا الفيلم وعرضه، وأن هناك قضية مرفوعة في المحاكم الهولندية. فكيف سيكون الأمر والحال لو أن المسلمين كانوا على قلب رجل واحد، وكان لهم من القوة ما يهابهم الحاقدون الأفاكون بسببها؟! . سابعاً: الذي تبين لنا أن ذلك النائب الكاذب أراد تحقيق أهداف من خلال فيلمه ذاك، ومنها: 1. كسب شخصي، للشهرة، والفوز بالانتخابات. 2. إرضاء اليهود، وقد وضح ذلك في فيلمه في عدة مقاطع يُظهر فيه الشفقة عليهم! وهم محتلون مجرمون، وفي الوقت الذي تكلَّم فيه عن القتل عند المسلمين: نسي أو تناسى أمرين: الأول: أن الذي حرق الملايين من اليهود: نصراني! وهو هتلر! وقد ذكر في كتابه " كفاحي " أن هذا كان بأمر الله! . والثاني: أن اليهود قتلوا وشردوا من المسلمين أعداداً كبيرة، ولم يخجلوا من أنفسهم في معركتهم الأخيرة على " غزة " أن يسموا فعلهم " محرقة "! . 3. تنبيه الغرب على ارتفاع نسبة المسلمين في بلادهم، وأن كثرة أعداد المسلمين تشكل خطراً على أوربا! . 4. تنبيه أوربا عموما، وهولندا على وجه الخصوص من انتشار المساجد فيها، وقد بان ذلك من خلال نشره لصور مساجد في هولندا؛ ليحذر من وجودها. 5. محاولة منع المصحف من التداول في أوربا، ومقارنة القرآن الكريم بكتاب هتلر " كفاحي "! ومن هنا فقد وصف القرآن بـ " الفاشي "! وهو مصطلح يشير إلى العنف والقسوة. وقد خذل الله هذا النائب المخرج بذلك العمل الهزيل، المليء بالكذب، والافتراء، وسيرى الناس الفرق بين الكذب والحقيقة عندما يطلعون على القرآن الكريم، وعلى ما كتب عنه وعن الإسلام من عقلاء أقوامهم، وسيكون هذا الفيلم دافعاً لهم لتلك القراءة، وذلك الاطلاع، إن شاء الله، ولعله يكون سبباً لإنقاذ كثيرين من الضلالة. ثامناً: وصفُ الإسلام بالإرهاب والعنف: هو الرسالة الأصلية لهذا الفيلم، وهذا: ليس إلا إفكاً مفترىً، فالإسلام دين الرحمة، والعدل، والإنسانية، وهو الذي أنقذ أهل الأديان من جور حكامهم، ومخالفيهم، كما كان الحال في " الأندلس "، وفي " مصر " وغيرهما من البلدان التي كان يسام فيها أهل المخالفة سوء العذاب، حتى اليهود منهم! . قال " إسرائيل ولفنسون ": " إن الخسارة القليلة التي لحقت بيهود بلاد الحجاز ضئيلة بالقياس إلى الفائدة التي اكتسبها اليهود من ظهور الإسلام، لقد أنقذ الفاتحون المسلمون آلافاً من اليهود كانوا منتشرين في أقاليم الدولة الرومية، وكانوا يقاسون ألواناً من العذاب ". " اليهود والتحالف مع الأقوياء " الدكتور نعمان عبد الرزاق السامرائي، بواسطة مقال الأستاذ خالد جودة " الفارق الإنساني بين حضارة الإسلام وثقافة الغرب ". وليس الإسلام دين ذل وهوان، فالجهاد في سبيل الله من شعائره، ومن أعظم الأعمال فيه، وهو مشروع لحماية المسلمين من عدوهم، ولتبليغ دين الله تعالى، ونشر كلمة التوحيد في آفاق الأرض، وليس في الإسلام أنه يُكره الناس على دخوله؛ لأن من شرط الإسلام الصدق والإخلاص، فإذا لم يتصف بهما فسيكون منافقاً بين صفوف المسلمين، ولا يحرص الإسلام على وجود هذا الصنف الدنيء بين أفراده، بينما نجد القساوسة والرهبان قد ساهموا في إجبار الناس على اعتناق النصرانية في أوربا وغيرها، حتى بلغ القتلى من أجل ذلك الهدف أعداداً مهولة، قال المؤرخ " بريفولت " إنها من 7 – 15 مليوناً! . ومن الظلم البيِّن الالتفات إلى أخطاء بعض المسلمين مما ينكره علماؤه وأئمته من قتل الأبرياء، ونسبة ذلك للإسلام – كما جاء في بعض مقاطع في الفيلم نحو تفجير قطارات لندن ومدريد وأمثال ذلك، فهذا كله أنكره أهل العلم مع أنه لم يكن ابتداء من أحد، وإنما كان ردة فعل من الظلم والقهر - وفي الوقت ذاته يغفل هؤلاء عن قتلى الحرب العالمية الأولى والثانية والتي مات فيهما عشرات الملايين – قتلى الحرب الأولى: 14 مليوناً! وقتلى الثانية: 55 مليوناً! - ولم تكن بين المسلمين والنصارى، بل كانت بينهم أنفسهم، وعن قتلى اليابان من القنبلة الذرية الأميركية، وقتلى الهنود الحمر من الأمريكان، وقتلى الشعوب الآسيوية من الأمريكان أيضاً، وقتلى المستعمرين المحتلين. ويغفلون عن الدمار والإرهاب الذي جاءت به الحملات الصليبية على بلاد المسلمين، ويغفلون عما تفعله أمريكا وحلفاؤها اليوم في أفغانستان، والعراق، وما فعله الصرب بمباركة القساوسة في المسلمين في " البوسنة "، وغير ذلك الكثير والكثير، وإن نسي التاريخ أشياء: فإنه لا ينسى " محاكم التفتيش "، وخاصة تلك التي كانت في " إسبانيا ". قال " غوستاف لوبون " في كتابه " حضارة العرب ": " وعاهد " فرديناند " العربَ على منحهم حرية التدين، واللغة، ولكنه في سنة 1499م: لم تكد تحل: حتى حلَّ بالعرب دور الاضطهاد، والتعذيب الذي دام قروناً! والذي لم ينته إلا بطرد العرب من " أسبانية "، وكان تعميد العرب كرهاً فاتحة ذلك الدور، ثم صارت " محاكم التفتيش " تأمر بإحراق كثير من المعمَّدين على أنهم من النصارى، ولم تتم عملية التطهر بالنار إلا بالتدريج، لتعذر إحراق الملايين من العرب دفعة واحدة! . ونصح كردينال طليطلة التقي! الذي كان رئيساً لمحاكم التفتيش بقطع رؤوس جميع من لم يتنصر من العرب، رجالاً، ونساءً، وشيوخاً، وولداناً، ولم ير الراهب الدومينيكي " بليدا " الكفاية في ذلك، فأشار بضرب رقاب من تنصر من العرب، ومَن بقي على دينه منهم، وحجته في ذلك: أن من المستحيل معرفة صدق إيمان من تنصر من العرب، فمن المستحب إذن قتل جميع العرب بحد السيف؛ لكي يحكم الرب بينهم في الحياة الأخرى، ويُدخِل النار من لم يكن صادق النصرانية منهم! .... ولا يسعنا سوى الاعتراف بأننا لم نجد بين وحوش الفاتحين من يؤاخذ على اقترافه مظالم قتل كتلك التي اقترفت ضد المسلمين. " حضارة العرب " (ص 270 – 272) باختصار. ومن يتأمل الآن يجد أن أهل الإرهاب هم أهل الأديان الأخرى من النصارى، واليهود، والهندوس، والسيخ، ويجد أن المسلمين هم ضحايا هذا الإرهاب، فمتى يستيقظ النيام من نومهم؟! ومتى يصحو الغافلون من غفلتهم؟! . ونقول لهذا النائب الكاذب الذي يدعونا لتمزيق آيات إرهابية من القرآن الكريم – على حد زعمه -: تعال لنر كتابك المقدَّس ماذا فيه من الإرهاب - بنفس زعمك -: إن كنت يهوديّاً تؤمن بالعهد القديم: فهاك ما فيه مما ينسب إلى الرب تعالى مما قاله لموسى: في " سفر التثنية " (20، 10 – 17) : " إذا دَنوتَ منَ القرية لتقاتِلهم ادعُهم أوّلاً إلى الصّلح ... فأمّا القرى التي تعطَى أنت إيّاها فلا تستحيِ منها نفسًا ألبتّة، ولكن أهلِكهم إهلاكًا كلَّهم بحدِّ السيف الحَيثِيّ والأموري والكنعاني والفرزي، كما أوصاك الربّ إلَهُك ". وإن كنت نصرانيّاً وأردت شيئاً من العهد الجديد: فهاك بعض ما فيه: في " متَّى " (10 / 34 – 36) : يروى فيه عن عيسى عليه السلام قال: " لا تظنّوا أني جِئت لأحمِلَ السلام إلى العالم، ما جِئتُ لأحمل سلاماً بل سَيفاً، جئتُ لأفرّق بين الابن وأبيه، والبنتِ وأمّها، والكَنَّة وحماتها، ويكون أعداء الإنسان أهل بيته ". وللاستزادة: ينظر كتاب " السيف بين القرآن والكتاب المقدس " للدكتور حبيب عبد الملك: http://www.elforkan.com/7ewar/showthread.php?t=7597 تاسعاً: الواجب على المسلمين الآن: 1. عدم إحداث مشكلات في بلادهم، من مظاهرات تُحطم فيها الممتلكات، أو تراق فيها الدماء. 2. إرجاع الأمر إلى العلماء والحكماء لمعالجة الأمر، هذا أو غيره مما يشبهه. 3. السعي نحو التمسك بالإسلام قولاً وعملاً، فهذا من جهة يساهم في انتشار الإسلام، ومن جهة أخرى يغيظ الكفار الحاقدين على الإسلام وأهله. 4. الدعوة إلى الله بحكمة وعلم، وتوزيع المصاحف المترجمة، والكتب الإسلامية الميسرة على غير المسلمين، والاستعانة في ذلك بالمؤسسات الإسلامية الموثوقة، والعلماء الثقات. والله الهادي [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111922 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 عدد الرسل والأنبياء [السُّؤَالُ] ـ[فضلا أخبرني عن عدد الرسل المذكورين في تاريخ الإسلام بالتفصيل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله القرآن الكريم، والسنة النبوية الصحيحة من أهم مصادر التاريخ التي يجزم بها المسلمون، ويمكننا الوقوف في شأن عدد الرسل والأنبياء على آيات واضحة في القرآن الكريم تذكر أسماء الرسل والأنبياء الذين بعثهم الله إلى الناس في زمانهم. يقول سبحانه وتعالى: (وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آَتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ. وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ. وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ) الأنعام/83-86 وهنا يذكر الله سبحانه وتعالى أسماء ثمانية عشر رسولا، ولكن ذلك ليس على سبيل الحصر والتعداد، فقد ذكرت أسماء رسل آخرين في آيات أخرى لم تذكر في هذا السياق. وقد جمع الحافظ ابن كثير أسماء من نص القرآن على أسمائهم، فبلغت (25) خمسة وعشرين اسما، فقال رحمه الله: " هذه تسمية الأنبياء الذين نُصَّ على أسمائهم في القرآن، وهم: آدم، وإدريس، ونوح، وهود، وصالح، وإبراهيم، ولوط، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، ويوسف، وأيوب، وشعيب، وموسى، وهارون، ويونس، وداود، وسليمان، وإلياس، والْيَسَع، وزكريا، ويحيى، وعيسى عليهم الصلاة والسلام، وكذا ذو الكفل عند كثير من المفسرين، وسيدهم محمد صلى الله وعليه وسلم " انتهى. "تفسير ابن كثير" (2/469) وأما معرفة عدد جميع الرسل والأنبياء ممن لم يسمهم القرآن الكريم، فلا يبدو أن ذلك ممكنا لسببين اثنين: 1- لقوله سبحانه وتعالى: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا. وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا) النساء/163-164 ففي هذه الآية تصريح بيِّنُ أن الله سبحانه وتعالى طوى قصص كثير من الرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يعلمه بهم، ويبدو أن ذلك يشمل تحديد أعدادهم أيضا. يقول الشيخ العلامة محمد الحسن الددو في تعليقه على هذه الآية: " هذا يقتضي أنه لم يبين أعدادهم ولم يذكر أسماءهم للنبي صلى الله عليه وسلم " انتهى. نقلا من محاضرة للشيخ بعنوان: "الإيمان بالرسل" على هذا الرابط: http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=FullContent&audioid;=151437 2- اضطراب واختلاف روايات الأحاديث الواردة في هذا الشأن، وهي وإن كان حسنها بعض أهل العلم من المتأخرين – كالشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (رقم/2668) – إلا أن الصواب ضعفها، وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (7/409) عن الإمام أحمد ومحمد بن نصر أن حديث أبي ذر – وهو أشهر حديث في ذكر عدد الرسل وأنهم (315) رسولا – لم يثبت عندهم. وقد سبق التوسع في بيان ضعف هذه الروايات في جواب السؤال رقم (95747) ، كما فيه النقل عن جماعة من أهل العلم في نفي الجزم بعدد معين للرسل والأنبياء، يرجى مراجعته والإفادة منه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 110849 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 هل توفي عيسى عليه السلام؟ أين هو الآن؟ وتعليق على نقل من إنجيل " متى " [السُّؤَالُ] ـ[أرغب في معرفة الدليل على عدم وفاة نبي الله عيسى عليه السلام، وهل صح قوله عليه السلام في إنجيل متى " لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام، وثلاث ليال، هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال "؟ ، وهل هذا دليل من الإنجيل على عدم وفاة نبي الله عيسى؟ وهل ظل نبي الله عيسى على الأرض للمدة نفسها التي قضاها يونس في بطن الحوت؟ وفقًا لمعلوماتي أن عيسى قضي يومين وليلتين فقط (ليلة السبت ويوم السبت، وليلة الأحد ويوم الأحد، ثم لم يجدوه في قبره، وفقًا لكلامهم) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا تستطيع أمة من الأمم ـ سوى أمة الإسلام ـ أن تثبت إسناد قصصها وتاريخها إلى نبيها؛ ذلك أن الله تعالى لم يتكفل بحفظ كتب الأديان التي قبل القرآن، وليس يوجد أمة من الأمم عنيت بالأسانيد قبل أمة الإسلام، لذا فإن كل ما ينقلونه من حوادث وأخبار عن نبيهم وتاريخهم السالف فهو مما لا يمكن إثباته، ولذا فإن دياناتهم اعتراها التحريف، والتقول، والكذب. وأما أمَّة الإسلام فإن الله تعالى قد أطلعها على شيء من أخبار من سلفها من الأمم، وعن بعض أحوال الأنبياء والرسل السابقين، وهي أخبار صدق، ليس ثمة ما يضادها إلا الافتراء والكذب. ومن الأخبار الغيبية التي عندنا خبرها الموثَّق، والتي اختلفت فيها الأقوال عند غيرنا: هو ما حصل مع نبي الله عيسى عليه السلام، حيث أخبرنا الله تعالى أنه لم يُقتل، ولم يُصلب، وأنه تعالى قد ألقى شبهه على غيره، وأن هذا الآخر هو الذي قتلوه، وصلبوه، وليس عيسى عليه السلام، وقد أخبرنا ربنا تعالى أنه رفعه إليه، وأنه سينزل في آخر الزمان، يقتل الخنزير، ويكسر الصليب، ويحكم بالإسلام، وأما غيرنا ممن يدعي أنه من أتباعه فقد اختلفوا فيه اختلافاً عظيماً، فمنهم من قال عنه إنه هو الله! ومنهم من زعم أنه ابن الله! وطائفة قليلة هم الذين شهدوا رفع عيسى عليه السلام وإلقاء الشبه على غيره، وهم الذين لم يعتقدوا فيه أكثر من النبوة والرسالة. قال ابن كثير رحمه الله في " تفسير ابن كثير " (2 / 47) : " فإن المسيح عليه السلام لمَّا رفعه الله إلى السماء: تَفَرَّقت أصحابه شيَعًا بعده، فمنهم من آمن بما بعثه الله به على أنه عبد الله، ورسوله، وابن أمَته، ومنهم من غلا فيه فجعله ابن الله، وآخرون قالوا: هو الله، وآخرون قالوا: هو ثالث ثلاثة، وقد حكى الله مقالاتهم في القرآن، ورَدَّ على كل فريق ... " انتهى. ثانياً: عدم صلب المسيح عيسى عليه السلام، وعدم قتله: عقيدة عند أهل السنَّة والجماعة، ومصدر هذا الاعتقاد نصوص القرآن الواضحة البيِّنة، ولم يخالف في هذا أحد من أهل الإسلام، ومن خالف فيه كان مرتدّاً. سئل علماء اللجنة الدائمة: هل عيسى بن مريم حي أو ميت؟ وما الدليل من الكتاب أو السنَّة؟ إذا كان حيّاً أو ميتا: فأين هو الآن؟ وما الدليل من الكتاب والسنَّة؟ . فأجابوا: " عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام حيٌّ، لم يمت حتى الآن، ولم يقتله اليهود، ولم يصلبوه، ولكن شبِّه لهم، بل رفعه الله إلى السماء ببدنه وروحه، وهو إلى الآن في السماء، والدليل على ذلك: قول الله تعالى في فرية اليهود والرد عليها: (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا. بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) النساء/ 157، 158. فأنكر سبحانه على اليهود قولهم إنهم قتلوه وصلبوه، وأخبر أنه رفعه إليه، وقد كان ذلك منه تعالى رحمةً به، وتكريماً له، وليكون آية من آياته التي يؤتيها من يشاء من رسله، وما أكثر آيات الله في عيسى ابن مريم عليه السلام أولاً وآخراً، ومقتضى الإضراب في قوله تعالى: (بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ) : أن يكون سبحانه قد رفع عيسى عليه الصلاة والسلام بدناً وروحاً حتى يتحقق به الرد على زعم اليهود أنهم صلبوه وقتلوه؛ لأن القتل والصلب إنما يكون للبدن أصالة؛ ولأن رفع الروح وحدها لا ينافي دعواهم القتل والصلب، فلا يكون رفع الروح وحدها ردّاً عليهم؛ ولأن اسم عيسى عليه السلام حقيقة في الروح والبدن جميعاً، فلا ينصرف إلى أحدهما عند الإطلاق إلا بقرينة، ولا قرينة هنا؛ ولأن رفع روحه وبدنه جميعاً مقتضى كمال عزة الله، وحكمته، وتكريمه، ونصره مَن شاء مِن رسله، حسبما قضى به قوله تعالى في ختام الآية (وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) . الشيخ عبد العزيز بن باز , الشيخ عبد الرزاق عفيفي , الشيخ عبد الله بن غديان , الشيخ عبد الله بن قعود. " انتهى "فتاوى اللجنة الدائمة" (3 / 305 , 306) . وانظر تفصيلاً أوفى في المرجع نفسه: (3 / 299 – 305) . وانظر اعتقاد المسلمين في المسيح عليه السلام في جواب السؤال رقم: (43148) . وفي جواب السؤال رقم: (10277) تجد نبذة عن نبي الله عيسى عليه السلام. وفي جواب السؤال رقم: (12615) تجد حواراً مع نصراني حول صلب المسيح. وفي جواب السؤال رقم: (43506) تجد إجابة عن إشكالات في آيات حياة المسيح عليه السلام وموته. ثالثاً: أما فيما يتعلق بقبر المسيح وخروجه منه، وتشبيه تلك الآية بآية يونس عليه السلام: فقد تولَّى نقد هذه المسائل، وبيان ضلالها، وتنقضها: علماؤنا المختصون فبيَّنوا ما فيها من جهل، وتناقض. قال الهندي – رحمه الله – معلِّقاً على الفقرة الواردة في السؤال -: فطلب الكتبة والفريسيون معجزة، فما أظهرها عيسى عليه السلام في هذا الوقت، وما أحالهم إلى معجزة صدرت عنه فيما قبل هذا السؤال، بل سبَّهم، وأطلق عليهم لفظ " الفاسق " و " الشرير "، ووعد بالمعجزة التي لم تصدر عنه، لأن قوله " كما كان يونان في بطن الحوت الخ ": غلط، بلا شبهة - كما علمت في الفصل الثالث من الباب الأول -. وإن قطعنا النظر عن كونه غلطاً: فمطلق قيامه لم يره الكتبة، والفريسيون بأعينهم، ولو قام عيسى عليه السلام من الأموات: كان عليه أن يُظهر نفسه على هؤلاء المنكرين الطالبين آية ليصير حجة عليهم، ووفاء بالوعد، وهو ما أظهر نفسه عليهم، ولا على اليهود الآخرين، ولو مرة واحدة، ولذلك لا يعتقدون هذا القيام، بل هم يقولون من ذاك العهد إلى هذا الحين: أن تلاميذه سرقوا جثته من القبر ليلاً. " إظهار الحق " (4 / 1312) . وللشيخ أحمد ديدات رحمه الله ثلاثة كتب في الباب نفسه، وهي: " ماذا كانت آية يونان؟ " و " قيامة أم إنعاش؟ " و " من دحرج الحجر؟ "، فانظرها. وليس ثمة قيمة – أصلاً – لنقولاتهم، فقد دخلها التحريف والتبديل، وقد احتوت على الافتراءات والأباطيل، ومع ذلك فقد أبان علماؤنا عن عوارها. وأخيراً: ننصح الأخ السائل – وغيره ممن يقرأ هذه الكلمات – أن ينشغل بتعلم دينه، ويتقوى في طاعة ربه تعالى، وأن يصرِف نفسه عن تتبع ضلالات الفرَق والأديان، فتلك معركة لها فرسانها، ولا مانع أن يكون منهم، لكن يحتاج هذا لخبرة علمية، وطول نفس في طلب العلم، ومعرفة الحق بدليله، ونسأل الله تعالى أن يوفق المسلمين لما فيه خير دينهم ودنياهم. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 110592 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 كم سنة عاش نوح عليه السلام؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل عاش نوح عليه السلام (950) سنة، ولماذا ذكر قي القرآن أنه عاش ألف سنة إلا خمسين عاما، حيث ميز بين السنة والعام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله في عمر نوح عليه السلام العظة والعبرة البالغة: فهي قرون طويلة قضاها في قومه يدعوهم إلى الله تعالى، يشفق عليهم من عذابه، ويرجو لهم رحمته، ولم يصبه اليأس ولا أخذه القنوط، بل رجا أن يهديهم الله على يديه وإن طال الزمان، فكانت سنوات عمره دروسا للدعاة والمعلمين والمربين في الصبر والعزيمة والإيمان. كما أن فيها من العظة والعبرة لكل إنسان، ليدرك أن الموت آت وإن طال الزمان، وأن العمر إنما هو أيام تتقضى مع غروب شمس كل يوم، لتسدل الستار على قصة روحه التي منحت فرصة نيل السعادة الأبدية في الجنة، فيا فوزها إن كان سعيها في تحصيل هذه السعادة، ويا خسارها إن قصرت وفرطت. روى ابن أبي الدنيا في "الزهد" (رقم/358) بسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء ملك الموت إلى نوح عليه السلام، فقال: يا أطول النبيين عمرا! كيف وجدت الدنيا ولذتها؟ قال: " كرجل دخل بيتا له بابان، فقام في وسط البيت هنيهة – القليل من الزمان -، ثم خرج من الباب الآخر " انتهى. والمسلم الحصيف هو الذي يلتفت إلى هذه المعاني والعبر، فتبعث في نفسه العزيمة وتحثها على العمل، ولا ينبغي أن يشغل باله كثيرا بتفاصيل التاريخ التي لم يلتفت إليها الوحي في بيانه، ولم يثبت فيها شيء من أدلة الشريعة المعتمدة. ومن ذلك السؤال عن تحديد عمر نوح عليه السلام، فقد ورد فيه عدة أقوال لعلماء للسلف من الصحابة والتابعين، ولم يثبت فيه شيء من الكتاب والسنة الصريحة كي يجزم بأحد هذه الأقوال، ولكننا نسرد هذه الأقوال هنا من باب زيادة العلم بما تنقله كتب السلف: القول الأول: (950) سنة: وهو قول قتادة. جاء في "تفسير القرآن العظيم" لابن كثير (6/268) : " وقال قتادة: يقال إن عمره كله كان ألف سنة إلا خمسين عاما، لبث فيهم قبل أن يدعوهم ثلثمائة سنة، ودعاهم ثلثمائة، ولبث بعد الطوفان ثلثمائة وخمسين سنة " انتهى. روى نحوه ابن أبي حاتم في "التفسير" (رقم/18041) القول الثاني: (1050) سنة: قاله ابن عباس. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " بعث الله نوحا وهو ابن أربعين سنة، ولبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى الله، وعاش بعد الطوفان ستين سنة حتى كثر الناس وفشوا " انتهى. عزاه السيوطي في "الدر المنثور" (6/455) لكل من ابن أبي شيبة (7/18) ، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، والحاكم (9/251) ، وصححه وابن مردويه. القول الثالث: (1020) سنة: قول كعب الأحبار. روى ابن أبي حاتم في "التفسير" (رقم/18043) حدثنا أبو زرعة، ثنا صفوان، ثنا الوليد، ثنا أبو رافع إسماعيل بن رافع، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن كعب الأحبار، في قول الله: " فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما "، قال:"عاش بعد ذلك سبعين عاما". القول الرابع: (1400) سنة: يحكى عن ابن عباس، وهو قول وهب بن منبه: انظر "تفسير القرطبي" (13/332) القول الخامس: (1650) سنة: قول عون بن أبي شداد. عن عون بن أبي شداد، قال: " إن الله تبارك وتعالى أرسل نوحا إلى قومه وهو ابن خمسين وثلاث مائة سنة، فدعاهم ألف سنة إلا خمسين عاما، ثم عاش بعد ذلك خمسين وثلاث مائة سنة " رواه ابن أبي حاتم في "التفسير" (رقم/18044) والطبري في "جامع البيان" (20/17) القول السادس: (1700) سنة، قول عكرمة. عن عكرمة رضي الله عنه قال: " كان عمر نوح عليه السلام قبل أن يبعث إلى قومه وبعدما بعث ألفا وسبعمائة سنة " انتهى. عزاه السيوطي في "الدر المنثور" (6/456) لعبد بن حميد قال ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (6/268) بعد أن استغرب الأقوال السابقة: " وقول ابن عباس أقرب " انتهى. ثانيا: اختلف المفسرون أيضا في الحكمة من استعمال لفظي " السنة " و " العام "، على قولين: القول الأول: ذهب بعض المفسرين إلى أنها حكمة لفظية فحسب، لأن تكرار اللفظ نفسه فيه ثقل على اللسان، فجاء بلفظ مرادف مغاير، وهو " عاما " لتحقيق الخفة المطلوبة. يقول الزمخشري في "الكشاف": " فإن قلت: فلم جاء المميز أوّلاً بالسنة وثانياً بالعام؟ قلت: لأنّ تكرير اللفظ الواحد في الكلام الواحد حقيق بالاجتناب في البلاغة، إلا إذا وقع ذلك لأجل غرض ينتحيه المتكلم من تفخيم أو تهويل أو تنويه أو نحو ذلك " انتهى. وبنحوه في "التحرير والتنوير" (20/146) القول الثاني: أن استعمال لفظ " السنة " جاء للدلالة على صعوبة السنوات التي قضاها نوح عليه السلام في دعوة قومه، فهي سنوات عجاف من حيث الخير والمطر والبركة، ومن حيث مشقتها أيضا على نوح عليه السلام في أمر الدعوة، حيث واجهه قومه بالإعراض والأذى، ثم عاش بعد الطوفان وهلاك الكفر من الأرض أعواما من الخصب والنعيم والرخاء، والعرب تطلق لفظ " السنة " على أيام الجدب والقحط، ولفظ " العام " على أيام الرخاء والنعيم. يقول الراب الأصفهاني في "مفردات ألفاظ القرآن" (2/140) : " العام كالسنة، لكن كثيرا ما تستعمل السنة في الحول الذي يكون فيه الشدة أو الجدب؛ ولهذا يعبر عن الجدب بالسنة، والعام بما فيه الرخاء والخصب، قال: (عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون) يوسف/49، وقوله: (فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما) العنكبوت/14، ففي كون المستثنى منه بالسنة والمستثنى بالعام لطيفة. وقال برهان الدين البقاعي "نظم الدرر" (14/404) : " وعبر بفلظ " سنة " ذما لأيام الكفر ... وقال: " عاما " إشارة إلى أن زمان حياته عليه الصلاة والسلام بعد إغراقهم كان رغدا واسعا حسنا بإيمان المؤمنين، وخصب الأرض " انتهى. ونحوه توجيه الإمام الزركشي في "البرهان في علوم القرآن" (3/386) وجمع بعض أهل العلم بين هذين القولين، إذ لا مانع من اعتبار الحكمتين من هذه المغايرة: اللفظية والمعنوية، وأقوال المفسرين - إن لم تتعارض - فالأخذ بها جميعها أولى من اطراح بعضها: يقول ابن عادل في "اللباب" (12/429) : " وقد روعيت هنا نكتة لطيفة، وهو أن غَايَرَ بين تَمْيِيزي العَدَد فقال في الأول " سنة " وفي الثاني " عاماً "، لئلا يثقل اللفظ، ثم إنه خص لفظ العام بالخمسين إيذاناً بأن نبي الله صلى الله عليه وسلم لما استراح منهم بقي في زمن حسن، فالعرب تعبر عن الخَصْب بالعام، وعن الجَدْب بالسنة " انتهى. وانظر جواب السؤال رقم (10470) ، (10551) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105695 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 من هو الذي ألقي عليه شبه عيسى عليه السلام؟ [السُّؤَالُ] ـ[عندي بعض الأسئلة عن الشخص الذي صلب بدلا من عيسى عليه السلام، فقد قرأت أنه الشخص الذي خان عيسى (ص) وكان شبهه وأنه صلب بدلا منه، وفي مكان آخر قرأت أنه من أصحاب عيسى ضحى بنفسه وصلب بدلا من عيسى. فما هي الحقيقة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: ورد القرآن ببيان أن عيسى عليه السلام لم يصلب ولم يقتل وأنه رفع إلى السماء، ولم يرد نص من الوحي يبين لنا تفاصيل ما جرى يوم شُبِّه على اليهود ما شُبِّه عليهم، لكن صح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن المسيح عليه السلام قال لمن كان معه من أصحابه في البيت: (أيكم يلقى عليه شبهي فيقتل مكاني ويكون معي في درجتي؟ فقام شاب من أحدثهم سنا، فقال له: اجلس. ثم أعاد عليهم فقام ذلك الشاب، فقال: اجلس. ثم أعاد عليهم، فقام ذلك الشاب فقال: أنا , فقال: أنت هو ذاك. فألقي عليه شبه عيسى ورفع عيسى من روزنة في البيت إلى السماء) . قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (4/337) معلقا على هذا الأثر: "وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس، وكذا ذكر غير واحد من السلف أنه قال لهم: أيكم يلقى إليه شبهي فيقتل مكاني وهو رفيقي في الجنة" انتهى. ثم قال رحمه الله (4/341) : "واختار ابن جرير أن شبه عيسى ألقي على جميع أصحابه" انتهى. وهذا وارد في أثر عن وهب بن منبه رواه ابن جرير رحمه الله وذكره ابن كثير (4/337) وفيه أنهم لما أحاطوا بعيسى وأصحابه ودخلوا عليهم: (صورهم الله عز وجل كلهم على صورة عيسى، فقالوا لهم: سحرتمونا ليبرزن لنا عيسى أو لنقتلنكم جميعا) حتى خرج إليهم واحد منهم بعدما وعده عيسى عليه السلام بالجنة فأخذوه وصلبوه. لكن قال ابن كثير بعده: "وهذا سياق غريب جدا" انتهى. وقال أيضا رحمه الله (4/341) : "وبعض النصارى يزعم أن يودس زكريا يوطا ـ وهو الذي دل اليهود على عيسى ـ هو الذي شبه لهم فصلبوه، وهو يقول: إني لست بصاحبكم أنا الذي دللتكم عليه. فالله أعلم أي ذلك كان" انتهى. هكذا ختم ابن كثير رحمه الله هذا البحث بقوله: "فالله أعلم أي ذلك كان". والعلم بهذا ليس من ورائه كبير فائدة، ولو كانت لنا إليه حاجة لبينه لنا نبينا صلى الله عليه سلم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103515 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكنكم ذكر قائمة بكل أو معظم معجزات النبي صوات الله وبركاته عليه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: معجزات النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة متعددة، وقد جاوزت الألف، كما صرح بذلك العلامة ابن القيم رحمه الله في "إغاثة اللهفان" (2/691) ، وهذه المعجزات منها ما حصل وانتهى، ومنها ما هو باق إلى أن يشاء الله تعالى، وهو المعجزة العظمى، والآية الكبرى على نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، وهي القرآن العظيم، الآية الباقية الدائمة التي لا يطرأ عليها التغيير والتبديل، وهو معجز من وجوه عديدة: من جهة لفظه، فقد تحدى الله فصحاء العرب أن يأتوا بمثل سورة منه فعجزوا. ومعجز بما فيه من أخبار مستقبلة وقعت كما أخبر عنها، كقوله تعالى: (الم * غُلِبَتْ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ) الروم/1-3. ومعجز بما فيه من تشريعات محكمة ما كانت البشرية كلها تهتدي لمثلها. ومعجز بما فيه من علوم وأخبار عن أسرار هذا الكون، والذي لا يزال العلم الحديث يكتشف يوماً بعد يوم شيئاً فشيئا من هذه الأسرار. وأما المعجزات التي حصلت وانتهت فهي كثيرة كما قلنا ومن أشهرها: 1- معجزة الإسراء والمعراج، وقد جاء القرآن بذكر الإسراء صراحة والإشارة إلى المعراج، وجاءت الأحاديث من السنة الصحيحة المستفيضة ببيان المعراج وما كان فيه. 2- معجزة انشقاق القمر، وقد ورد القرآن بذكرها، وتواترت بها السنة، كما قال ابن كثير رحمه الله تعالى، وأجمع على ذلك المسلمون. 3- تكثير القليل من الطعام بين يديه صلى الله عليه وسلم حتى كان يأكل منه من معه من الجيش، وتبقى منه بقية، والأحاديث في ذلك في الصحيحين وغيرهما. 4- نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم وتكثير الماء حتى يشرب منه جميع الجيش ويتوضؤون والأحاديث في ذلك أيضاً في الصحيحين. 5- إخباره صلى الله عليه وسلم بالأمور الغيبية المستقبلة ثم تقع كما أخبر، وقد حدث مما أخبر به شيء كثير، ولا نزال نرى أشياء تحدث مما أخبر به صلى الله عليه وسلم. 6- حنين الجذع إليه لما فارقه إلى المنبر. والحديث في صحيح البخاري. 7- تسليم الحجر عليه وهو في مكة. والحديث رواه مسلم. 8- إبراء المرضى، والأحاديث في ذلك كثيرة في الصحيحين وغيرها. والمعجزات كما قلنا كثيرة وهذا طرف منها، وقد أَلَّف العلماء في جمع معجزات النبي صلى الله عليه وسلم مؤلفات عديدة كدلائل النبوة للبيهقي، وأعلام النبوة للماوردي، وكتب العقيدة مملوءة بذكرها في مبحث الإيمان بالرسل. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103514 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 أيهما أفضل الكعبة أم قبر النبي صلى الله عليه وسلم؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل الكعبة أفضل أم قبر النبي صلى الله عليه وسلم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: سبق في جواب السؤال (97384) إطلاق كثير من العلماء على النبي صلى الله عليه وسلم أنه أفضل الخلق، فيدخل في عموم كلامهم أنه أفضل من الكعبة. وهذا التفضيل إنما هو للنبي صلى الله عليه وسلم نفسه، وليس للقبر الذي دفن فيه. وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن رجلين تجادلا، فقال أحدهما: إن تربة محمد صلى الله عليه وسلم أفضل من السماوات والأرض. وقال الآخر: الكعبة أفضل، فمع من الصواب؟ فأجاب: "الحمد لله، أما نفس محمد صلى الله عليه وسلم فما خلق الله خلقا أكرم عليه منه، وأما نفس التراب فليس هو أفضل من الكعبة البيت الحرام، بل الكعبة أفضل منه، ولا يعرف أحد من العلماء فضل تراب القبر على الكعبة إلا القاضي عياض، ولم يسبقه أحد إليه، ولا وافقه أحد عليه، والله أعلم" انتهى. "الفتاوى الكبرى" (4/411) و "مجموع الفتاوى" (27/38) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103289 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 قصة الغرانيق [السُّؤَالُ] ـ[قصة الغرانيق المذكورة في تفسير سورة الحج هل ثبت منها شيء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: أصل هذه القصة حادثة وقعت للنبي صلى الله عليه وسلم في مكة في بداية الدعوة، أنه حين أوحيت إليه سورة النجم قرأها على جمعٍ من المسلمين والمشركين، فلما بلغ آخرَها حيث يقول الله تعالى: (أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ. وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ. وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ. فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا) النجم/59-62 سجد النبي صلى الله عليه وسلم، وسجد معه جميعُ مَن حضر من المسلمين والمشركين، إلا رجلين اثنين: أمية بن خلف، والمطلب بن وداعة. عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ بِالنَّجْمِ، وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْجِنُّ وَالإِنْسُ) رواه البخاري (1071) وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (أَوَّلُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ فِيهَا سَجْدَةٌ (وَالنَّجْمِ) قَالَ: فَسَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَجَدَ مَنْ خَلْفَهُ، إِلاَّ رَجُلاً رَأَيْتُهُ أَخَذَ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ فَسَجَدَ عَلَيْهِ، فَرَأَيْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ قُتِلَ كَافِرًا، وَهُوَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَف) رواه البخاري (3972) وأيضا برقم (4863) ورواه مسلم (576) ثانيا: جاءت بعض الروايات تفسِّرُ سبب سجود المشركين مع النبي صلى الله عليه وسلم، وسببَ استجابتهم لأمر الله تعالى، حاصلُها أن الشيطان ألقى في أثناء قراءته كلماتٍ على لسان النبي صلى الله عليه وسلم فيها الثناء على آلهتهم، وإثبات الشفاعة لها عند الله، وهذه الكلمات هي: " تلك الغرانيق العُلى، وإن شفاعتهن لَتُرتَجَى " وأن المشركين لما سمعوا ذلك فرحوا واطمأنوا وسجدوا مع النبي صلى الله عليه وسلم. والغرانيق: جمع غرنوق: وهو طير أبيض طويل العنق. قال ابن الأنباري: " الغرانيق: الذكور من الطير، واحدها غِرْنَوْق وغِرْنَيْق، سمي به لبياضه، وقيل هو الكُرْكيّ، وكانوا يزعمون أن الأصنام تقرّبهم من الله عز وجل، وتشفع لهم إليه، فشبهت بالطيور التي تعلو وترتفع في السماء " انتهى. لسان العرب (10/286) قالوا: فكانت هذه القصة سبب نزول قوله سبحانه وتعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) الحج/52 يقول شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذا القول في "منهاج السنة النبوية" (2/243) : " على المشهور عند السلف والخلف مِن أن ذلك جرى على لسانه ثم نسخه الله وأبطله " انتهى وبعد تتبع الآثار الواردة في هذه القصة، تبين أن مجموع السلف الذين يُحكى عنهم هذا القول يبلغ نحو ثلاثة عشر، وتبين أنه لم يثبت بالسند الصحيح إلا عن خمسةٍ منهم، وهم: سعيد بن جبير، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، وأبو العالية، وقتادة، والزهري. أما الباقون فلا تصح نسبته إليهم، لما في الأسانيد إليهم من ضعف ونكارة، وهم: ابن عباس، وعروة بن الزبير، ومحمد بن كعب القرظي، ومحمد بن قيس، وأبو صالح، والضحاك، ومحمد بن فضالة، والمطلب بن حنطب. انظر تخريج هذه الآثار والحكم عليها في رسالة الشيخ الألباني "نصب المجانيق" (10-34) ثانيا: إلا أن طائفة كبيرة من المحققين من أهل العلم، نفوا وقوع هذه القصة، ولم يأخذوا بإثبات مَن ذكرها من السلف، واستدلوا على ذلك بأن قالوا: مَن ذكرها مِن السلف لم يدركوا النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكروا مصادرهم للحادثة، فدخل الشك فيها، وساعد عليه ما في ظاهرها من طعن في النبوة، إذ كيف يُدخل الشيطان في الوحي كلماتِه الباطلة، مع أن الله تعالى حفظ وحيَه من التحريف والتبديل والزيادة، وعَصَمَه من الخطأ والزلل. يقول القاضي عياض في "الشفا" (2/126) : " فأما من جهة المعنى: فقد قامت الحجة وأجمعت الأمة على عصمته صلى الله عليه وسلم، ونزاهته عن مثل هذه الرذيلة، إمَّا مِن تمنيه أن ينزل عليه مثل هذا من مدح آلهة غير الله وهو كفر، أو أن يتسوَّرَ عليه الشيطان ويشبِّهَ عليه القرآن حتى يجعل فيه ما ليس منه، ويعتقد النبي صلى الله عليه وسلم أن من القرآن ما ليس منه حتى ينبهه جبريل عليه السلام، وذلك كله ممتنع في حقه صلى الله عليه وسلم. أو يقول ذلك النبي صلى الله عليه وسلم من قبل نفسه عمدا - وذلك كفر -، أو سهوا وهو معصوم من هذا كله، وقد قررنا بالبراهين والإجماع عصمته صلى الله عليه وسلم من جريان الكفر على قلبه أو لسانه لا عمدا ولا سهوا، أو أن يتشبه عليه ما يلقيه الملك مما يلقى الشيطان، أو يكون للشيطان عليه سبيل، أو أن يتقول على الله لا عمدا ولا سهوا ما لم ينزل عليه، وقد قال الله تعالى: (ولو تقول علينا بعض الأقاويل) الآية، وقال تعالى (إذًا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات) الآية " انتهى باختصار. وقد عد الشيخ الألباني في رسالته "نصب المجانيق" (46-48) أسماء عشرة من العلماء المتقدمين والمتأخرين في نفي صحة هذه الحادثة، أكثرها يؤكد نفي وجود السند المتصل المرفوع بها، ومنافاتها لعصمة النبي صلى الله عليه وسلم. ثالثا: والمسألة فيها نوع اشتباه، يصعب الجزم فيها بأمر، ولكن يمكننا القول بأن الجزم بنفي هذه الحادثة فيه نظر، وأن اعتبارها منافية لأصول العقيدة ومهمات الدين فيه نظر، أيضا، فقد صحت القصة من طريق جماعة من السلف مِن قولهم، وهي وإن كانت مرسلة، فكثرتها تبعث على الاطمئنان بوقوعها، ولو كان فيها شيء مناقض لعصمة الوحي لَما نطق بها كبار أئمة التابعين كسعيد بن جبير وقتادة وغيرهم. يقول الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (8/439) في تخريجه لهذه القصة: " كثرة الطرق تدل على أن للقصة أصلا ... - ثم نقل تضعيف ابن العربي والقاضي عياض القصة ثم قال -: وجميع ذلك لا يتمشى على القواعد، فإن الطرق إذا كثرت وتباينت مخارجها دل ذلك على أن لها أصلا، وقد ذكرت أن ثلاثة أسانيد منها على شرط الصحيح، وهي مراسيل يَحتجُّ بمثلها مَن يحتجُّ بالمرسل، وكذا من لا يحتج به، لاعتضاد بعضها ببعض " انتهى. وليس في القصة أي طعن في عصمة التبليغ والرسالة، لأن النسخ والتصحيح جاء بوحي من الله، وسواء كان الخطأ من النبي صلى الله عليه وسلم أو بإيهام الشيطان على أسماع المشركين، فإن المآل واحد، هو وقوع الحق وزهوق الباطل، والإخلال بمقتضى الرسالة لا يكون إلا باستمرار الباطل واختلاطه بكلام الله تعالى، وذلك ما لم يكن ولن يكون. يقول شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (10/290) : " وهذه العصمة الثابته للأنبياء هي التي يحصل بها مقصود النبوة والرسالة ... فلا يستقر في ذلك خطأ باتفاق المسلمين. ولكن هل يصدر ما يستدركه الله فينسخ ما يلقي الشيطان ويحكم الله آياته؟ هذا فيه قولان: والمأثور عن السلف يوافق القرآن بذلك. والذين منعوا ذلك من المتأخرين طعنوا فيما ينقل من الزيادة في سورة النجم بقوله: " تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى " وقالوا: إن هذا لم يثبت. ومن علم أنه ثبت قال: هذا ألقاه الشيطان في مسامعهم ولم يلفظ به الرسول. ولكن السؤال وارد على هذا التقدير أيضا، وقالوا في قوله: (إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته) هو حديث النفس. وأما الذين قرروا ما نقل عن السلف فقالوا: هذا منقول نقلا ثابتا لا يمكن القدح فيه، والقرآن يدل عليه بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ. وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) الحج/52-54 فقالوا: الآثار في تفسير هذه الآية معروفة ثابتة في كتب التفسير والحديث، والقرآن يوافق ذلك، فإن نسخ الله لما يُلقي الشيطان، وإحكامه آياته، إنما يكون لرفع ما وقع في آياته، وتمييز الحق من الباطل حتى لا تختلط آياته بغيرها، وجعل ما ألقى الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم، إنما يكون إذا كان ذلك ظاهرا يسمعه الناس لا باطنا في النفس، والفتنة التي تحصل بهذا النوع من النسخ، من جنس الفتنة التي تحصل بالنوع الآخر من النسخ، وهذا النوع أدل على صدق الرسول وبعده عن الهوى من ذلك النوع، فإنه إذا كان يأمر بأمر ثم يأمر بخلافه - وكلاهما من عند الله وهو مصدق في ذلك - فإذا قال عن نفسه إن الثاني هو الذي من عند الله وهو الناسخ، وإن ذلك المرفوع الذي نسخه الله ليس كذلك، كان أدل على اعتماده للصدق، وقوله الحق، وهذا كما قالت عائشة رضي الله عنها: (لو كان محمد كاتما شيئا من الوحي لكتم هذه الآية: (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ) . ألا ترى أن الذي يُعَظِّمُ نفسَه بالباطل يريد أن ينصر كل ما قاله ولو كان خطأ، فبيان الرسول أن الله أحكم آياته ونسخ ما ألقاه الشيطان، هو أدل على تحريه للصدق وبراءته من الكذب، وهذا هو المقصود بالرسالة، فإنه الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، ولهذا كان تكذيبه كفرا محضا بلا ريب " انتهى. والخلاصة أن إثبات أصل القصة قول متجه، وهو أقرب إلى التحقيق العلمي إن شاء الله. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103304 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 التأدب في وصف النبي صلى الله عليه وسلم [السُّؤَالُ] ـ[هل يقال للنبي صلى الله عليه وسلم إنه " بدوي "؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أكرم الخلق، وسيد البشر، وأحب خلق الله إلى الله، له المقام المحمود، والحوض المورود، اصطفاه الله من بين ولد آدم كلهم، واختاره من خير العرب أعراقا وأنسابا وأحسابا، مولدُه في أعظم حاضرةٍ من حواضر العرب يومها، في مكة المكرمة، خير بقاع الأرض، وأحب أرض الله إلى الله، سماها القرآن الكريم " أم القرى " لعظيم مكانتها في جزيرة العرب، بل في الأرض كلها، " قال الله عز وجل: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا) الأنعام/92 وقد أورثت هذه المكانة الجليلة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم في نفوس أصحابه من الإكبار والإجلال والتقدير ما يبلغ الغاية والكمال، فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يرجع عن موقف الإمامة في الصلاة ليتقدم النبيُّ صلى الله عليه وسلم، ويقول: (مَا كَانَ لِابْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) البخاري (684) ومسلم (421) . ويرفض أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن يعلو سقيفة تحتها رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم (2053) . وكان عمرو بن العاص رضي الله عنه يقول: (وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أَمْلَأَ عَيْنَيَّ مِنْهُ إِجْلَالًا لَهُ، وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أَصِفَهُ مَا أَطَقْتُ، لِأَنِّي لَمْ أَكُنْ أَمْلَأُ عَيْنَيَّ مِنْهُ) رواه مسلم (121) . ولمَّا قام البراء بن عازب يَعُدُّ كما عد النبي صلى الله عليه وسلم ما لا يجوز في الأضاحي قال: (وَأَصَابِعِي أَقْصَرُ مِنْ أَصَابِعِهِ، وَأَنَامِلِي أَقْصَرُ مِنْ أَنَامِلِهِ صلى الله عليه وسلم) رواه أبو داود (2802) وصححه ابن دقيق العيد في "الاقتراح" (ص/121) والشيخ الألباني في "صحيح أبي داود". إلى غير ذلك من صُورِ الأدب العظيمة التي ضربها الصحابة رضوان الله عليهم للبشرية كلها في تكريمِ وإجلالِ أفضلِ الرسل وسيد البشر صلوات الله وسلامه عليه. أما وَصفُهُ صلى الله عليه وسلم بما لا يليق به، أو لَمْزُهُ بسيء الألفاظ والمعاني، أو حكايةُ ما فيه تنقيصٌ لقدره فهو من الكذب الفج القبيح، والكفر الصريح، لِما فيه من تزويرٍ للحقائق وتَعَدٍّ على خير الخلائق، ولا يقع في ذلك إلا مَن لا يَعرف الأدبَ ولا الخلقَ ولا الإيمان. قال الله عز وجل: (وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ) التوبة/65-66. قال القاضي عياض رحمه الله في "الشفا" (2/214) : " اعلم - وفقنا الله وإياك - أن جميع من سب النبي صلى الله عليه وسلم، أو عابه، أو ألحق به نقصا في نفسه أو نسبه أو دينه، أو خصلة من خصاله، أو عرَّض به، أو شبَّهَه بشيء على طريق السب له أو الإزراء عليه أو التصغير لشأنه أو الغض منه والعيب له، فهو سابٌّ له، والحكم فيه حكم الساب، يُقتل ... وكذلك مَن نسب إليه ما لا يليق بمنصبه على طريق الذم، أو عَبَثَ في جهته العزيزة بسخفٍ من الكلام، وهُجر ومنكر من القول وزور، أو عَيَّره بشيءٍ مما جرى من البلاء والمحنة عليه، أو غَمَصَهُ ببعض العوارض البشرية الجائزة والمعهودة لديه. وهذا كله إجماع من العلماء وأئمة الفتوى من لدن الصحابة رضوان الله عليهم إلى هَلُمَّ جرًّا " انتهى. ولا شك أن إطلاق لفظ " البداوة " أو وصفه صلى الله عليه وسلم بـ " البدوي " هو من التنقص الصريح والعيب الواضح، فإن البداوة وصفُ ذمٍّ وتنقيص، يُقصَد به الوسمُ بالجهل والرعونة والجفاء، وهو صلى الله عليه وسلم مُعَلَّمٌ من رب الأرض والسماء، جاء وصفه في التوراة بأنه (ليس بفظٍّ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق) ، كما وصفه الله سبحانه وتعالى بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) القلم/4، فكيف يجرؤ كذاب أن يصفه صلى الله عليه وسلم بخلاف ذلك؟! لا جرم أن في هذا مِن الجرأة والوقاحة ما يستحق عليها متعمدها العذاب والنكال في الدنيا والآخرة. قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) التوبة/61. قال النووي في "شرح مسلم" (1/169) : " أهل البادية هم الأعراب، ويغلب فيهم الجهل والجفاء، ولهذا جاء فى الحديث: (من بدا جفا) والبادية والبدو بمعنًى: وهو ما عدا الحاضرة والعمران. والنسبة اليها بدوي " انتهى. وقد أفتى العلماء بكفر كلِّ وَصفٍ فيه إشعارٌ بتنقُّصِ قدرِ الرسول صلى الله عليه وسلم ولو لم يكن صريحا في ذلك، حتى روى ابن وهب عن الإمام مالك رحمه الله: " مَن قال: إن رداء النبي صلى الله عليه وسلم وَسِخ - وأراد به عَيْبه - قُتل. وقال أحمد بن أبى سليمان (من علماء المالكية، توفي عام 291هـ) : من قال إن النبي صلى الله عليه وسلم كان أسود، يُقتل. وأفتى فقهاء الأندلس بقتل " ابن حاتم " المُتَفَقِّه الطُّلَيطلي وصلبه، بما شُهد عليه به من استخفافه بحق النبي صلى الله عليه وسلم، وتسميته إياه أثناء مناظرته بـ " اليتيم " و " ختن حيدرة "، وزعمه أن زهده لم يكن قصدا، ولو قدر على الطيبات أَكَلَهَا. إلى أشباهٍ لهذا " انتهى. نقل جميع ما سبق القاضي عياض في "الشفا" (2/217-219) ، ثم قال: " وكذلك أقول حكم من غَمَصَه، أو عَيَّره برعاية الغنم، أو السهو، أو النسيان، أو السحر، أو ما أصابه من جُرحٍ أو هزيمة لبعض جيوشه، أو أذى من عدوه، أو شدة من زمنه، أو بالميل إلى نسائه، فحُكمُ هذا كلِّه - لِمن قصد به نقصَه - القتل " انتهى. ونسبته صلى الله عليه وسلم إلى " البداوة " من الكذب الصريح، لأنه عاش في مكة، ثم هاجر منها إلى المدينة، وهما أفضل مدينتين في الأرض كلها، فكيف يكون بدوياً؟! ولم يعرف صلى الله عليه وسلم البادية إلا في صغره حين استرضع في بادية بني سعد عند مرضعته حليمة السعدية. انظر "السيرة النبوية الصحيحة" د. أكرم العمري (1/103) . يقول الدكتور جواد علي في "المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام" (4/271) : " المجتمع العربي: بدو وحضر. أهل وبر وأهل مدر، فأما أهل المدر، فهم الحواضر وسكان القرى، وكانوا يعيشون من الزرع والنخل والماشية والضرب في الأرض للتجارة. وأما أهل الوبر، فهم قطان الصحارى، يعيشون من ألبان الإبل ولحومها، منتجعين منابت الكلأ، مرتادين لمواقع القطَر، فيخيمون هنالك ما ساعدهم الخصب وأمكنهم الرعي، ثم يتوجهون لطلب العشب وابتغاء المياه، فلا يزالون في حلّ وترحال. ويعرف الحضر، وهم العرب المستقرون بـ " أهل المدر "، عرفوا بذلك لأن أبنية الحضر إنما هي بالمدر. والمدر: قطع الطين اليابس. وورد أن أهل البادية إنما قيل لهم " أهل الوبر "، لأن لهم أخبية الوبر. تمييزاً لهم عن أهل الحضر الذين لهم مبان من المدر. وتطلق لفظة " عرب " على أهل المدر خاصة، أي على الحضر و " الحاضر " و " الحاضرة " من العرب، أما أهل البادية فعرفوا بـ " أعراب ". " انتهى. وسئل الشيخ محمد الحسن الددو حفظه الله: لماذا ذكر الله أنه ما أرسل رسولاً إلا من أهل القرى؟ فأجاب: " أما كون الأنبياء جميعاً من سكان القرى كما أخبر الله بذلك في كتابه، فإن ذلك مقتض منهم لحصول الرفعة، وأهل البوادي دائماً أشد عنجهية وأسوأ أخلاقاً، وأقل نظافةً ممن سواهم؛ ولذلك قال الله تعالى في كتابه: (الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ) التوبة/97، وليس التحضر نسباً، حتى يقال: فلان بدوي، معناه: أن أباه كان كذلك، بل المقصود هو في نفسه، فلو سكن شخص من أهل البادية في الحاضرة، فإنه ليس من الأعراب، ولا يدخل في ذلك؛ بل المقصود به من يتصف بهذه الصفة بنفسه لا بنسبه. الرسل عليهم الصلاة والسلام يراد بهم أن يسوسوا البشرية وأن يقودوها، فلا بد أن يعرفوا طرق تدبير المعاش، وهذه لا يعرفها أهل البوادي، ولا يعتنون بها، فأهل البوادي إنما يعيشون من الصيد – مثلاً - أو اتباع البهائم، ويعيشون مع الأحلام والأوهام كثيراً، وقد أخرج أحمد في المسند أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من طلب الصيد غفل، ومن بدا جفا) ومعناه: من سكن البادية غلظ طبعه، (ومن طلب الصيد غفل) أي: نقص عقله بقدر ذلك؛ فلهذا اختير الرسل من أهل القرى " انتهى. "سلسلة دروس منشورة" (الدرس الثالث/ص/9) . وقال العلامة عبد الله بن جبرين حفظه الله: " وكذلك أيضا من سخر بشيء من آيات الله تعالى، أو بالنبي صلى الله عليه وسلم، ذُكر عن بعض الكتاب أنه كتب مرة يطعن في النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: إنه بدوي، إنه كان يرعى الغنم، وإنه عاش في عهد ليس فيه تقدم، وليس فيه كذا وكذا، ولا شك أن هذا طعن في الدين؛ لأن هذا الدين جاءنا من قبل هذا النبي الكريم؛ فمن طعن فيه بأنه جاهل، أو بأنه بدوي لا يعرف شيئا، أو بأن هذا الذي جاء به من محادثة فكره، أو أنه مما خيل إليه، أو أنه يريد بذلك أن يكون له شهرة وأتباع ونحو ذلك؛ يعتبر قد كذب على الله، وكذب النبي صلى الله عليه وسلم الذي جاء بهذا الدين الشرعي، وكذَّب القرآن، وكذَّب الشرع كله، لا شك أن هذا أيضا قادح في الدين، قادح في العقيدة، وهو ما ذكر في هذه الآية: (قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ) يعني بالاستهزاء بالله تعالى الاستهزاء بأسمائه وصفاته، وكذلك الاستهزاء بكلامه والتنقص له؛ داخل أيضا في القوادح في الدين. وكذلك أيضا الاستهزاء بالقرآن، كما ذكر الله تعالى عن الكفار الذين قالوا: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آَخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا) الفرقان/4 وهؤلاء بلا شك أتوا بما يقدح في عقيدتهم وفي دينهم؛ فلأجل ذلك جعل الله مقالتهم مقالة كفرية، وكذلك أيضا هؤلاء الذين قدحوا في النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: إنه جاهل، أو إنه بدوي، أو ما أشبه ذلك " انتهى. نقلا عن موقع الشيخ تحت هذا الرابط: http://www.ibn-jebreen.com/print.php?page=6377 وقال الشيخ بكر أبو زيد حفظه الله في "معجم المناهي اللفظية" (496) : " ووصْفُ النبي صلى الله عليه وسلم بأنه بدوي مُناقضةٌ للقرآن الكريم، فهو صلى الله عليه وسلم من حاضرة العرب لا من باديتها، قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى) يوسف/109 وما يزال انعدام التوفيق يغْشى مَن في قلوبهم دخن، ففي العقد التاسع بعد الثلاثمائة والألف نشر أحد الكاتبين من البادية الدارسين مقالاً، صرَّح فيه بأن النبي صلى الله عليه وسلم من البادية. وقد ردَّ عليه الشيخ حمود بن عبد الله التويجري النجدي برسالة سمَّاها: " منشور الصواب في الرد من زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم من الأعراب " والله أعلم " انتهى. وقال الشيخ محمد المختار الشنقيطي حفظه الله في "سلسلة دروس شرح زاد المستقنع" (درس رقم 395، ص/7) : " إذا سب النبي صلى الله عليه وسلم سباً مباشراً باللعن - والعياذ بالله -، أو انتقصه كأن يصف النبي صلى الله عليه وسلم وصفاً ينتقصه به، كأن يقول: إنه بدوي يرعى الغنم، وقصد به التحقير له صلوات الله وسلامه عليه، ونحو ذلك من العبارات؛ فإنه يحكم بكفره " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 101938 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 حقيقة الإيمان بالرسل [السُّؤَالُ] ـ[ما المقصود بالإيمان بالرسل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله وبعد: فالإيمان بالرسل يتضمن أربعة أمور: الأول: التصديق الجازم بأن الله تعالى بعث في كل أمة رسولا منهم يدعوهم إلى عبادة الله وحده والكفر بما يعبد من دونه، وأنهم جميعا صادقون مصدقون بارون راشدون أتقياء أمناء، وأنهم بلغوا جميع ما أرسلهم الله به، لم يكتموا ولم يغيروا، ولم يزيدوا فيه من عند أنفسهم حرفا ولم ينقصوه (فهل على الرسل إلا البلاغ المبين) (النحل: 35) . - وأن دعوتهم اتفقت من أولهم إلى آخرهم على أصل العبادة وأساسها، وهو التوحيد بأن يُفرد الله تعالى بجميع أنواع العبادة، اعتقادا وقولا وعملا، ويُكفر بكل ما يعبد من دونه، والدليل على ذلك قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ) الأنبياء/25) وقوله تعالى: (وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ) الزخرف/45 وغيرها من الآيات وهي كثيرة جدا. وأما الفروض المتعبد بها وفروع التشريع فقد يُفرض على هؤلاء من الصلاة والصوم ونحوها ما لا يُفرض على الآخرين، ويُحرم على هؤلاء ما يحل للآخرين امتحانا من الله (ليبلوكم أيكم أحسن عملا) الملك/2 والدليل على ذلك قوله تعالى: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً) المائدة/48 قال ابن عباس رضي الله عنهما: سبيلا وسنة ومثله قال مجاهد وعكرمة وجماعات من المفسرين. وفي صحيح البخاري (3443) ومسلم (2365 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " َالأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلاتٍ أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ " أي أن الأنبياء متحدون في الأصل وهو التوحيد الذي بعث الله به كل رسول أرسله، وضمنه كل كتاب أنزله،وشرائعهم مختلفة في الأوامر والنواهي والحلال والحرام لأن الأخوة لعلات أبوهم واحد وأمهاتهم متفرقات. - ومن كفر برسالة واحد منهم فقد كفر بالجميع كما قال تعالى: (كذبت قوم نوح المرسلين) الشعراء/105 فجعلهم الله مكذبين لجميع الرسل مع أنه لم يكن رسول غيره حين كذبوه. الثاني: الإيمان بمن علمنا اسمه منهم باسمه مثل محمد وإبراهيم وموسى وعيسى ونوح عليهم الصلاة والسلام، ومن ذُكر منهم إجمالا ولم نعلم اسمه وجب علينا الإيمان بهم إجمالا كما قال تعالى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) البقرة/285 وقال: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ) غافر/78 ونؤمن بأن خاتمهم هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فلا نبي بعده كما قال تعالى: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) الأحزاب/40. وفي البخاري (4416) ومسلم (2404) عن سعد بن أبى وقاص رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى تَبُوكَ وَاسْتَخْلَفَ عَلِيًّا فَقَالَ أَتُخَلِّفُنِي فِي الصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ قَالَ: " أَلا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلا أَنَّهُ لَيْسَ نَبِيٌّ بَعْدِي " وأن الله فضله واختصه عن غيره من الأنبياء بخصائص عظيمة منها: 1- أن الله بعثه إلى جميع الثقلين الإنس والجن وكان النبي قبله يبعث في قومه خاصة. 2- أن الله نصره على أعدائه بالرعب مسيرة شهر. 3- وأن الأرض جُعلت له مسجدا وطهورا. 4- وأحلت له الغنائم ولم تحل لأحد قبله. 5- الشفاعة العظمى. وغيرها كثير من خصائصه عليه الصلاة والسلام. الثالث: التصديق بما صح عنهم من أخبارهم. الرابع: العمل بشريعة من أرسل إلينا منهم وهو خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم المرسل إلى جميع الناس. قال الله تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) النساء/65. وليعلم أن للإيمان بالرسل ثمرات جليلة منها: 1- العلم برحمة الله تعالى وعنايته بعباده حيث أرسل إليهم الرسل ليهدوهم إلى صراط الله تعالى، ويبينوا لهم كيف يعبدون الله لأن العقل البشري لا يستقل بمعرفة ذلك. 2- شكره تعالى على هذه النعمة الكبرى. 3- محبة الرسل عليهم الصلاة والسلام وتعظيمهم ِِِ، والثناء عليهم بما يليق بهم لأنهم رسل الله تعالى، ولأنهم قاموا بعبادته وتبليغ رسالته، والنصح لعباده. والله أعلم. يراجع (أعلام السنة المنشورة 97- 102) و (شرح الأصول الثلاثة للشيخ ابن عثيمين 95، 96) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 8929 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 حاجة الناس إلى الرسل [السُّؤَالُ] ـ[ما هي حاجة الناس للأنبياء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأنبياء هم رسل الله تعالى إلى عباده يبلغونهم أوامره , ويبشرونهم بما أعد الله لهم من النعيم إن هم أطاعوا أوامره , ويحذرونهم من العذاب المقيم إن هم خالفوا نهيه , ويقصون عليهم أخبار الأمم الماضية وما حل بها من العذاب والنكال في الدنيا بسبب مخالفتها أمر ربها. وهذه الأوامر والنواهي الإلهية لا يمكن أن تستقل العقول بمعرفتها؛ ولذلك شرع الله الشرائع وفرض الأوامر والنواهي؛ تكريماً لبني الإنسان وتشريفاً لهم وحفظاً لمصالحهم؛ لأن الناس قد ينساقون وراء شهواتهم فينتهكون المحرمات ويتطاولون على الناس فيسلبونهم حقوقهم , فكان من الحكمة البالغة أن يبعث الله فيهم بين آونة وأخرى رسلاً يذكَّرونهم أوامر الله , ويحذرونهم من الوقوع في معصيته , ويتلون عليهم المواعظ ويذكرون لهم أخبار السابقين , فإن الأخبار العجيبة إذا طرقت الأسماع , والمعاني الغريبة إذا أيقظت الأذهان , استمدتها العقول فزاد علمها , وصح فهمها , وأكثر الناس سماعاً أكثرهم خواطر , وأكثرهم خواطر أكثرهم تفكراً , وأكثرهم تفكراً أكثرهم علماً , وأكثرهم علماً أكثرهم عملاً , فلم يوجد عن بعثة الرسل معدل ولا منهم في انتظام الحق بدل.- أعلام النبوة , تأليف علي بن محمد الماوردي , ص: 33. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: - أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام الشهير بابن تيمية , ولد عام واحد وستين وتوفي عام ثمان وعشرين وسبع مائة من الهجرة , وهو من كبار علماء الإسلام له مصنفات كثيرة نفيسة. _ والرسالة ضرورية في إصلاح العبد في معاشه ومعاده , فكما أنه لا صلاح له في آخرته إلا باتباع الرسالة , فكذلك لا صلاح له في معاشه ودنياه إلا باتباع الرسالة , فالإنسان مضطر إلى الشرع لأنه بين حركتين حركة يجلب بها ما ينفعه وما يضره , فهو نور الله في أرضه , وعدله بين عباده , وحصنه الذي من دخله كان آمناً. وليس المراد بالشرع التمييز بين النافع والضار بالحس , فإن ذلك يحصل للحيوانات فإن الحمار والجمل يفرق ويميز بين الشعير والتراب , بل التمييز بين الأفعال التي تضر فاعلها في معاشه ومعاده , والأفعال التي تنفعه في معاشه ومعاده كنفع الإيمان , والتوحيد , والعدل , والبر , والإحسان , والأمانة , والعفة , والشجاعة , والعلم , والصبر , والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , وصلة الأرحام , وبر الوالدين , والإحسان إلى الجيران , وأداء الحقوق , وإخلاص العمل لله , والتوكل عليه , والاستعانة به , والرضا بمواقع أقداره , والتسليم لحكمه , وتصديقه وتصديق رسله في كل ما أخبروا به وغير ذلك مما هو نفع وصلاح للعبد في دنياه وآخرته , وفي ضد ذلك شقاوته ومضرته في دنياه وآخرته. ولولا الرسالة لم يهتد العقل إلى تفاصيل المنافع والمضار في المعاش , فمن أعظم نعم الله على عباده , وأشرف مننه عليهم , أن أرسل إليهم رسله , وأنزل عليهم كتبه , وبين لهم الصراط المستقيم , ولولا ذلك لكانوا بمنزلة الأنعام وأشر حالاً منها , فمن قَبِلَ رسالة الله واستقام عليها فهو من خير البرية , ومن ردها وخرج عنها فهو من شر البرية , وأسوأ حالاً من الكلب والخنزير وأحقر من كل حقير , ولا بقاء لأهل الأرض إلا بآثار الرسالة الموجودة فيهم , فإذا درست آثار الرسل من الأرض , وانمحت معالم هداهم؛ أخرب الله العالم العلوي والسفلي وأقام القيامة. وليست حاجة أهل الأرض إلى الرسول كحاجتهم إلى الشمس والقمر والرياح والمطر , ولا كحاجة الإنسان إلى حياته , ولا كحاجة العين لضوئها , والجسم إلى الطعام والشراب بل أعظم من ذلك وأشد حاجة من كل ما يقدر ويخطر بالبال , فالرسل عليهم الصلاة والسلام وسائط بين الله تعالى وبين خلقه في أمره ونهيه , وهم السفراء بينه وبين عباده , وكان خاتمهم وسيدهم وأكرمهم على ربه محمداً صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين فبعثه الله رحمة للعالمين , وحجة للسالكين , وحجة على الخلائق أجمعين , وافترض على العباد طاعته ومحبته وتوقيره وتعزيره والقيام بأداء حقوقه , وأخذ العهود والمواثيق بالإيمان به واتّبَاعهِ على جميع الأنبياء والمرسلين , وأمرهم أن يأخذوها على من اتبعهم من المؤمنين , أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً , وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً , فختم به الرسالة , وهدى به من الضلالة , وعلّم به من الجهالة , وفتح برسالته أعيناً عمياً , وآذاناً صماً , وقلوباً غلفاً , فأشرقت برسالته الأرض بعد ظلماتها , وتآلفت به القلوب بعد شتاتها , فأقام به الملة العوجاء وأوضح به المحجة البيضاء وشرح له صدره ووضع عنه وزره , ورفع له ذكره وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره , أرسله صلى الله عليه وسلم حين فترة من الرسل ودروس من الكتب , حين حُرِف الكلم , وبدلت الشرائع , واستند كل قوم إلى ظلم آرائهم وحكموا على الله وبين عباده بمقالاتهم الفاسدة وأهوائهم , فهدى الله به الخلائق , وأوضح به الطرائق وأخرج الناس به من الظلمات إلى النور , وميز به أهل الفلاح وأهل الفجور , فمن اهتدى بهديه اهتدى , ومن مال عن سبيله فقد ضل واعتدى , فصلى الله عليه وسلم وعلى سائر الرسل والأنبياء. – قاعدة في وجوب الاعتصام بالرسالة لشيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - , جـ 19 , ص: 99 – 102 , من مجموع الفتاوى , وتنظر لوامع الأنوار البهية وجـ 2 ص: 216 , 236. ونستطيع أن نلخص احتياج الإنسان إلى الرسالة فيما يلي: 1- أنه إنسان مخلوق مربوب , ولا بد أن يتعرف على خالقه , ويعرف ماذا يريد منه , ولماذا خلقه , ولا يستقل الإنسان بمعرفة ذلك , ولا سبيل إليه إلا من خلال معرفة الأنبياء والمرسلين , ومعرفة ما جاءوا به من الهدى والنور. 2- أن الإنسان مكون من جسد وروح وغذاء الجسد ما تيسر من مأكل ومشرب , وغذاء الروح قرره لها الذي خلقها , وهو الدين الصحيح والعمل الصالح , والأنبياء والمرسلون جاءوا بالدين الصحيح وأرشدوا إلى العمل الصالح. 3- أن الإنسان متدين بفطرته , ولا بد له من دين يدين به , وهذا الدين لا بد أن يكون صحيحاً , ولا سبيل إلى الدين الصحيح إلا من خلال الإيمان بالأنبياء والمرسلين والإيمان بما جاءوا به. 4- أنه محتاج إلى الطريق الذي يوصله إلى رضى الله في الدنيا وإلى جنته ونعيمه في الدار الآخرة وهذه طرق لا يرشد إليها , ويدل عليها إلا الأنبياء والمرسلون. 5- أن الإنسان ضعيف بنفسه ومتربص به أعداء كثر , من شيطان يريد إغواءه , ورفقة سوء تزين له القبيح , ونفس أمارة بالسوء , ولذا فهو محتاج إلى ما يحفظ به نفسه من كيد أعدائه، والأنبياء والمرسلون أرشدوا إلى ذلك وبينوه غاية البيان. 6- أن الإنسان مدني بطبعه واجتماعهم بالخلق ومعاشرته لهم لا بد لها من شرع ليقوم الناس بالقسط والعدل – وإلا كانت حياتهم أشبه بحياة الغابة ـ وهذا الشرع لا بد أن يحفظ لكل ذي حق حقه دون تفريط ولا إفراط , ولا يأتي بالشرع الكامل إلا الأنبياء والمرسلون. 7- أنه محتاج إلى ما يحقق به الطمأنينة والأمن النفسي , ويرشده إلى أسباب السعادة الحقيقية وهذا هو ما يرشد إليه الأنبياء والمرسلون. [الْمَصْدَرُ] من كتاب الإسلام أصوله ومبادؤه تأليف د. محمد بن عبد الله بن صالح السحيم. الحديث: 13957 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 حياة الأنبياء [السُّؤَالُ] ـ[هل الرسل أحياء أم أموات؟ عندما عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم، صلى جميع الرسل خلفه في المسجد الأقصى ثم ذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كل سماء وتقابل مع بعض الرسل المعروفين والذين بالتأكيد صلوا خلفه. كيف كان الرسل في المسجد الأقصى ثم في السماوات بعد ذلك؟ أم أن الرسل لا زالوا أحياء ولكن بطريقة مختلفة عنا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أموات بالنسبة لأهل الدنيا قال الله تعالى مخاطباً خاتمهم وأفضلهم: (إنك ميت وإنهم ميتون) الزمر / 30، أما عند الله فهم أحياء لأنه إذا كان الشهيد حياً عند الله فالأنبياء أرفع رتبة من الشهداء بلا شك. انظر فتح الباري 6 / 444 وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون) رواه البزار وصححه الألباني في صحيح الجامع (2790) وهذه الصلاة مما يتمتعون بها كما يتنعم أهل الجنة بالتسبيح. وهم في قبورهم صلوات الله وسلامه عليهم إلا عيسى عليه السلام، فإن الله رفعه إلى السماء؛ كما قال تعالى: (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً - بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً) النساء / 157-158) . وأما صلاة الأنبياء خلف النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء، فهم صلوا وراءه بأرواحهم، وأبدانهم في قبورهم، وكذلك {رؤيته الأنبياءَ ليلة المعراج في السماء لما رأى آدم في السماء الدنيا، ورأى يحيى وعيسى في السماء الثانية، ويوسف في الثالثة، وإدريس في الرابعة، وهارون في الخامسة، وموسى في السادسة، وإبراهيم في السابعة، أو بالعكس، فإنه رأى أرواحهم مصورة في صور أبدانهم. وقد قال بعض الناس: لعله رأى نفس الأجساد المدفونة في القبور ; وهذا ليس بشيء. لكن " عيسى " صعد إلى السماء بروحه وجسده وكذلك قد قيل في " إدريس ". وأما " إبراهيم " " وموسى " وغيرهما فهم مدفونون في الأرض. والمسيح - صلى الله عليه وسلم وعلى سائر النبيين - لا بد أن ينزل إلى الأرض على المنارة البيضاء شرقي دمشق فيقتل الدجال ويكسر الصليب ويقتل الخنزير كما ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة ; ولهذا كان في السماء الثانية مع أنه أفضل من يوسف وإدريس وهارون ; لأنه يريد النزول إلى الأرض قبل يوم القيامة بخلاف غيره. وآدم كان في سماء الدنيا لأن نسم بنيه تعرض عليه: أرواح السعداء - والأشقياء لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط - فلا بد إذا عرضوا عليه أن يكون قريبا منهم ... وكونهم صلوا خلف النبي صلى الله عليه وسلم ثم لقي بعضهم بعدما عُرج به إلى السماء لا منافاة بينهما، فإن أمر الأرواح من جنس أمر الملائكة، في اللحظة الواحدة تصعد وتهبط، وليست في ذلك كالبدن} ". مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (4/328- 329) بتصرف يسير. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 26117 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 هل النبي صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل ورد دليل أن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله وردت في فضائل النبي صلى الله عليه وسلم وخصائصه أدلة كثيرة جدا، ولم يرد – فيما نعلم - دليل صريح فيه النص صراحةً على أن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق، والذي ورد النص عليه: أنه صلى الله عليه وسلم أفضل البشر وسيد ولد آدم. روى مسلم (4223) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ، وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ) . وقد فهم العلماء من هذا النص وغيره من النصوص الواردة في فضائل نبينا صلى الله عليه وسلم أنه أفضل الخلق. قال النووي رحمه الله في "شرح صحيح مسلم": وهذا الحديث دليل لتفضيله صلى الله عليه وسلم على الخلق كلهم، لأن مذهب أهل السنة أن الآدميين أفضل من الملائكة، وهو صلى الله عليه وسلم أفضل الآدميين وغيرهم" انتهى. وقد تتابع العلماء على وصف النبي صلى الله عليه وسلم بأنه أفضل الخلق، ونكتفي بالإشارة إلى بعض مواضع كلامهم خشية الإطالة: الإمام الشافعي في "الأم" (4/167) . الإمام عبد الرازق الصنعاني في مصنفه (2/419) . شيخ الإسلام ابن تيمة في "مجموع الفتاوى" (1/313) و (5/127، 468) . ابن القيم في تهذيب السنن حديث رقم (1787) من عون المعبود. ابن حجر في "فتح الباري" شرح حديث رقم (6229) . المرداوي في " الإنصاف" (11/422) . الألوسي في"روح المعاني" (4/284) . الطاهر بن عاشور في تفسيره (2/420) . السعدي في تفسيره (51، 185، 699) . محمد الأمين الشنقيطي في "أضواء البيان" (9/215) . الشيخ عبد العزيز بن باز في "مجموع الفتاوى" (2/76، 383) . علماء اللجنة الدائمة للإفتاء، وقد سئلوا: هل نقول بأن النبي صلى الله عليه وسلم خير البشر أو خير الخلق؟ وهل هناك دليل على أنه خير الخلق، كما يقول كثير من الناس؟ فأجابوا: "جاء في نصوص كثيرة من الكتاب والسنة بيان عظم قدر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ورفعة مكانته عند ربه تعالى من خلال الفضائل الجليلة والخصائص الكريمة التي خصه الله بها، مما يدل على أنه أفضل الخلق وأكرمهم على الله وأعظمهم جاها عنده سبحانه، قال الله سبحانه: (وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا) النساء/113، وأجناس الفضل التي فضله الله بها يصعب استقصاؤها؛ فمن ذلك: أن الله عز وجل اتخذه خليلا، وجعله خاتم رسله، وأنزل عليه أفضل كتبه، وجعل رسالته عامة للثقلين إلى يوم القيامة، وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وأجرى على يديه من الآيات ما فاق به جميع الأنبياء قبله، وهو سيد ولد آدم، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفع، وبيده لواء الحمد يوم القيامة، وأول من يجوز الصراط، وأول من يقرع باب الجنة، وأول من يدخلها. . . إلى غير ذلك من الخصائص والكرامات الواردة في الكتاب والسنة، مما جعل العلماء يتفقون على أن النبي صلى الله عليه وسلم هو أعظم الخلق جاها عند الله تعالى، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "وقد اتفق المسلمون على أنه صلى الله عليه وسلم أعظم الخلق جاها عند الله، لا جاه لمخلوق أعظم من جاهه، ولا شفاعة أعظم من شفاعته". فمما ذُكر وغيره يتبين أن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم هو أفضل الأنبياء، بل وأفضل الخلق، وأعظمهم منزلة عند الله تعالى، ولكن مع هذه الفضائل والخصائص العظيمة فإنه صلى الله عليه وسلم لا يرقى عن درجة البشرية، فلا يجوز دعاؤه والاستغاثة به من دون الله عز وجل، كما قال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) الكهف/110، وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (26/35) . الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد. وقد توقف في ذلك الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، نظراً لأنه لم يرد بذلك نص صريح فقال: "المشهور عند كثير من العلماء إطلاق أن محمداً صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق، كما قال الناظم: وأفضل الخلق على الإطلاق ... نبينا فمل عن الشقاق لكن الأحوط والأسلم أن نقول: محمد صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم، وأفضل البشر، وأفضل الأنبياء، أو ما أشبه ذلك اتباعا لما جاء به النص، ولم أعلم إلى ساعتي هذه أنه جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق مطلقاً في كل شيء. . . فالأسلم أن الإنسان في هذه الأمور يتحرى ما جاء به النص. مثلاً لو قال قائل: هل فضل الله بني آدم عموماً على جميع المخلوقات؟ قلنا: لا؛ لأن الله تعالى قال: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي لْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) الإسراء/70، لم يقل: على كل من خلقنا، فمثل هذه الإطلاقات ينبغي على الإنسان أن يتقيد فيها بما جاء به النص فقط ولا يتعدى. والحمد لله، نحن نعلم أن محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، وأشرف الرسل وأفضلهم وأكرمهم عند الله عز وجل، وأدلة ذلك من القرآن والسنة الصحيحة معروفة مشهورة، وأما ما لم يرد به دليل صحيح فإن الاحتياط أن نتورع عنه، لكنه مشهور عند كثير من العلماء، تجدهم يقولون: إن محمداً أشرف الخلق" انتهى "لقاءات الباب المفتوح" (53/11) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97384 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 هل صح في عدد الأنبياء والرسل شيء؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يوجد حديث صحيح يوضح عدد الأنبياء والرسل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: أرسل الله تعالى رسلاً إلى كل أمةٍ من الأمم، وقد ذكر الله تعالى أنهم متتابعون، الرسول يتبعه الرسول، قال عز وجل: (ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) المؤمنون/44، وقال تعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ) فاطر/24. وقد سمَّى الله تعالى مِن أولئك الرسل مَن سمَّى، وأخبر بقصص بعضهم، دون الكثير منهم، قال تعالى: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا. وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا) النساء/163-164. قال ابن كثير – رحمه الله -: وهذه تسمية الأنبياء الذين نُصَّ على أسمائهم في القرآن، وهم: آدم، وإدريس، ونوح، وهود، وصالح، وإبراهيم، ولوط، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، ويوسف، وأيوب، وشعيب، وموسى، وهارون، ويونس، وداود، وسليمان، وإلياس، والْيَسَع، وزكريا، ويحيى، وعيسى عليهم الصلاة والسلام، وكذا ذو الكفل عند كثير من المفسرين، وسيدهم محمد صلى الله وعليه وسلم. وقوله: (وَرُسُلا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ) أي: خلقاً آخرين لم يذكروا في القرآن. " تفسير ابن كثير " (2 / 469) . ثانياً: قد اختلف أهل العلم في عدد الأنبياء والمرسلين، وذلك بحسب ما ثبت عندهم من الأحاديث الوارد فيها ذِكر عددهم، فمن حسَّنها أو صححها فقد قال بمقتضاها، ومن ضعَّفها فقد قال بأن العدد لا يُعرف إلا بالوحي فيُتوقف في إثبات العدد. الأحاديث الواردة في ذِكر العدد: 1. عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله، كم الأنبياء؟ قال: (مائة ألف وأربعة وعشرون ألفًاً) ، قلت: يا رسول الله، كم الرسل منهم؟ قال: (ثلاثمائة وثلاثة عشر جَمّ غَفِير) ، قلت: يا رسول الله، من كان أولهم؟ قال: (آدم) ... . رواه ابن حبان (361) . والحديث ضعيف جدّاً، فيه إبراهيم بن هشام الغسَّاني، قال الذهبي عنه: متروك، بل قال أبو حاتم: كذّاب، ومن هنا فقد حكم ابن الجوزي على الحديث بأنه موضوع مكذوب. قال ابن كثير – رحمه الله -: قد روى هذا الحديث بطوله الحافظ أبو حاتم ابن حبان البستي في كتابه: " الأنواع والتقاسيم "، وقد وَسَمَه بالصحة، وخالفه أبو الفرج بن الجوزي، فذكر هذا الحديث في كتابه " الموضوعات "، واتهم به إبراهيم بن هشام هذا، ولا شك أنه قد تكلم فيه غير واحد من أئمة الجرح والتعديل من أجل هذا الحديث. " تفسير ابن كثير " (2 / 470) . وقال شعيب الأرناؤط: إسناده ضعيف جدّاً – وذكر كلام العلماء في إبراهيم بن هشام -. " تحقيق صحيح ابن حبان " (2 / 79) . 2. وروي الحديث بذلك العدد – مائة وأربعة وعشرون ألفاً – من وجه آخر: عن أبي أُمَامة قال: قلت: يا نبي الله، كم الأنبياء؟ قال: (مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً، من ذلك ثلاثمائة وخمسة عشر جمّاً غَفِيراً) . رواه ابن حاتم في " تفسيره " (963) . قال ابن كثير – رحمه الله -: مُعَان بن رفاعة السَّلامي: ضعيف، وعلي بن يزيد: ضعيف، والقاسم أبو عبد الرحمن: ضعيفٌ أيضاً. " تفسير ابن كثير " (2 / 470) . 3. وروي حديث أبي ذر رضي الله عنه من وجه آخر، وليس فيه ذكر عدد الأنبياء، وإنما ذُكر عدد المرسلين: قال: قلت: يا رسول الله كم المرسلون؟ قال: (ثلاث مئة وبضعة عشر جمّاً غفيراً) . رواه أحمد (35 / 431) . وفي رواية أخرى (35 / 438) : (ثلاثمئة وخمسة عشر جمّاً غفيراً) . قال شعيب الأرناؤط: إسناده ضعيف جدّاً؛ لجهالة عبيد بن الخشخاش؛ ولضعف أبي عمر الدمشقي، وقال الدارقطني: المسعودي عن أبي عمر الدمشقي: متروك. المسعودي: هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة. " تحقيق مسند أحمد " (35 / 432) . 4. عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بعث الله ثمانية آلاف نبي، أربعة آلاف إلى بني إسرائيل، وأربعة آلاف إلى سائر الناس) . رواه أبو يعلى في " مسنده " (7 / 160) . والحديث: ضعيف جدّاً. قال الهيثمي – رحمه الله -: رواه أبو يعلي وفيه: موسى بن عبيدة الربذي، وهو ضعيف جدّاً. " مجمع الزوائد " (8 / 210) . وقال ابن كثير – رحمه الله -: وهذا أيضاً إسناد ضعيف؛ فيه الربذي: ضعيف، وشيخه الرَّقَاشي: أضعف منه أيضاً. " تفسير ابن كثير " (2 / 470) . 5. عَنْ أَبِى الْوَدَّاكِ، قَالَ: قَالَ لِى أَبُو سَعِيدٍ: هَلْ يُقِرُّ الْخَوَارِجُ بِالدَّجَّالِ؟ فَقُلْتُ: لاَ. فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنِّى خَاتَمُ أَلْفِ نَبِيٍ، أَوْ أَكْثَرُ، مَا بُعِثَ نَبِىٌّ يُتَّبَعُ، إِلاَّ قَدْ حَذَّرَ أُمَّتَهُ الدَّجَّالَ ... ) . رواه أحمد (18 / 275) . والحديث ضعيف؛ لضعف مجالد بن سعيد. قال الهيثمي – رحمه الله -: رواه أحمد، وفيه مجالد بن سعيد، وثقه النسائي في رواية، وقال في أخرى: ليس بالقوى، وضعفه جماعة. " مجمع الزوائد " (7 / 346) . وضعَّفه الأرناؤط في " تحقيق المسند " (18 / 276) . 6. وروي هذا الحديث من رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنه: رواه البزار في " مسنده " (3380) " كشف الأستار ". وفيه مجالد بن سعيد، وسبق أنه ضعيف. قال الهيثمي – رحمه الله -: رواه البزار، وفيه مجالد بن سعيد، وقد ضعفه الجمهور، فيه ثوثيق. " مجمع الزوائد " (7 / 347) . وبما سبق من الأحاديث – ويوجد غيرها تركناها خشية التطويل وكلها ضعيفة – يتبين أنه قد اختلفت الروايات بذكر عدد الأنبياء والمرسلين، فقال كل قوم بمقتضى ما صحَّ عنده، والأشهر فيما سبق هو حديث أبي ذر رضي الله عنه، وأن عدد الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً، والرسل منهم: ثلاثمائة وخمسة عشر، حتى قال بعض العلماء: إن عدد الأنبياء كعدد أصحاب النبي صلى اللهُ عليْه وسلَّم، وعدد الرسل كعدد أصحاب بدر. لكن بالنظر في أسانيد تلك الروايات: لا يتبين لنا صحة تلك الأحاديث لا بمفردها، ولا بمجموع طرقها. ثالثاً: وهذه أقوال بعض الأئمة الذين يقولون بعدم صحة تلك الأحاديث وما تحويها من عدد: 1. قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: وهذا الذي ذكره أحمد، وذكره محمد بن نصر، وغيرهما، يبين أنهم لم يعلموا عدد الكتب والرسل، وأن حديث أبي ذر في ذلك لم يثبت عندهم. " مجموع الفتاوى " (7 / 409) . ففي هذا النقل عن الإمامين أحمد بن حنبل، ومحمد بن نصر المروزي: بيان تضعيف الأحاديث الواردة في ذكر العدد، والظاهر أن شيخ الإسلام رحمه الله يؤيدهم في ذلك، وقد أشار إلى حديث أبي ذر بصيغة التضعيف فقال: " وقد روي في حديث أبي ذر أن عددهم ثلاثمائة وثلاثة عشر "، ولم يستدل به، بل استدل بالآيات الدالة على كثرتهم. 2. وقال ابن عطية – رحمه الله – في تفسير آية النساء -: وقوله تعالى: (ورسلاً لم نقصصهم عليك) النساء/164: يقتضي كثرة الأنبياء، دون تحديد بعدد، وقد قال تعالى (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير) فاطر/24، وقال تعالى: (وقروناً بين ذلك كثيراً) الفرقان/38، وما يُذكر من عدد الأنبياء فغير صحيح، الله أعلم بعدتهم، صلى الله عليهم. انتهى 3. وسئل علماء اللجنة الدائمة: كم عدد الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام؟ . فأجابوا: لا يعلم عددهم إلا الله؛ لقوله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ) غافر/78، والمعروف منهم من ذكروا في القرآن أو صحت بخبره السنَّة. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. " فتاوى اللجنة الدائمة " (3 / 256) . 4. وقال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -: وجاء في حديث أبي ذر عند أبي حاتم بن حبان وغيره أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرسل وعن الأنبياء فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الأنبياء مائة وأربعة وعشرون ألفا والرسل ثلاثمائة وثلاثة عشر، وفي رواية أبي أمامة: ثلاثمائة وخمسة عشر، ولكنهما حديثان ضعيفان عند أهل العلم، ولهما شواهد ولكنها ضعيفة أيضا، كما ذكرنا آنفا، وفي بعضها أنه قال عليه الصلاة والسلام ألف نبي فأكثر، وفي بعضها أن الأنبياء ثلاثة آلاف وجميع الأحاديث في هذا الباب ضعيفة، بل عد ابن الجوزي حديث أبي ذر من الموضوعات. والمقصود أنه ليس في عدد الأنبياء والرسل خبر يعتمد عليه، فلا يعلم عددهم إلا الله سبحانه وتعالى، لكنهم جم غفير، قص الله علينا أخبار بعضهم ولم يقص علينا أخبار البعض الآخر، لحكمته البالغة جل وعلا. " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (2 / 66، 67) . 5.وسئل الشيخ عبد الله بن جبرين – حفظه الله -: كم عدد الأنبياء والمرسلين؟ وهل عدم الإيمان ببعضهم (لجهلنا بهم) يعتبر كفراً؟ وكم عدد الكتب السماوية المنزلة؟ وهل هناك تفاوت في عدد الكتب بين نبي وآخر؟ ولماذ؟. فأجاب: ورد في عدة أحاديث أن عدد الأنبياء: مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً، وأن عدد الرسل منهم: ثلاثمائة وثلاثة عشر، كما ورد أيضاً أن عددهم ثمانية آلاف نبي، والأحاديث في ذلك مذكورة في كتاب ابن كثير " تفسير القرآن العظيم "، في آخر سورة النساء على قوله تعالى: (وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ) ، ولكن الأحاديث في الباب لا تخلو من ضعف على كثرتها والأوْلى في ذلك التوقف، والواجب على المسلم الإيمان بمن سمَّى الله ورسوله منهم بالتفصيل، والإيمان بالبقية إجمالاً؛ فقد ذم الله اليهود على التفريق بينهم بقوله تعالى: (وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ) فنحن نؤمن بكل نبي وكل رسول أرسله الله في زمن من الأزمان، ولكن شريعته لأهل زمانه وكتابه لأمته وقومه. فأما عدد الكتب: فورد في الحديث الطويل عن أبي ذر أن عدد الكتب مائة كتاب وأربعة كتب، كما ذكره ابن كثير في التفسير عند الآية المذكورة، ولكن الله أعلم بصحة ذلك، وقد ذكر الله التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وموسى، فنؤمن بذلك ونؤمن بأن لله كتباً كثيرة لا نحيط بها علماً، ويكفي أن نصدق بها إجمالاً. " فتاوى إسلامية " (1 / 41) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 95747 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 كيف نزيد محبة النبي صلى الله عليه وسلم في قلوبنا؟ [السُّؤَالُ] ـ[كيف يستطيع المسلم أن ينمّي داخله محبة النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من أي شيء آخر في الدنيا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله محبة الرسول صلى الله عليه وسلم تكون قوتها تبعاً لإيمان المسلم فإن زاد إيمانه زادت محبته له، فحبه صلى الله عليه وسلم طاعة وقربة، وقد جعل الشرع محبة النبي صلى الله عليه وسلم من الواجبات. عن أنس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين ". رواه البخاري (15) ومسلم (44) . ويمكن أن تتأتى محبة الرسول صلى الله عليه وسلم بمعرفة ما يلي: أولاً: أنه مرسل من ربه اختاره واصطفاه على العالمين ليبلغ دين الله للناس وأن الله اختاره لحبه له ورضاه عنه، ولولا أن الله رضي عنه لما اختاره ولا اصطفاه، وعلينا أن نحب من أحب الله وأن نرضى بمن رضي الله عنه، وأن نعلم أنه خليل الله والخلة مرتبةٌ عُليا وهي أعلى درجات المحبة. عن جندب قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول: " إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل فإن الله تعالى قد اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلا ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ". رواه مسلم (532) . ثانياًُ: أن نعلم منزلته التي اجتباه الله بها، وأنه أفضل البشر صلى الله عليه وسلم. عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وأول من ينشق عنه القبر وأول شافع وأول مشفع ". رواه مسلم (2278) . ثالثاً: أن نعلم أنه لقي المحن والمشقة من أجل أن يصلنا الدين وقد كان ذلك ـ والحمد لله ـ ويجب أن نعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم أوذي وضرب وشتم وسُبّ وتبرأ منه أقرب الناس إليه ورموه بالجنون والكذب والسحر وأنه قاتل الناس ليحمي الدين من أجل أن يصل إلينا فقاتلوه وأخرجوه من أهله وماله ودياره وحشدوا له الجيوش. رابعاً: الاقتداء والتأسي بأصحابه في شدة محبتهم له، فقد كانوا يحبونه أكثر من المال والولد بل وأكثر من أنفسهم وإليك بعض النماذج: عن أنس قال: " لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والحلاق يحلقه وأطاف به أصحابه فما يريدون أن تقع شعرة إلا في يد رجل ". رواه مسلم (2325) . وعن أنس رضي الله عنه قال: " لما كان يوم أحد انهزم الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم مُجَوّب به عليه بحَجَفَة له وكان أبو طلحة رجلا راميا شديد القِد يكسر يومئذ قوسين أو ثلاثا وكان الرجل يمر معه الجعبة من النبل فيقول انشرها لأبي طلحة فأشرف النبي صلى الله عليه وسلم ينظر إلى القوم فيقول أبو طلحة يا نبي الله بأبي أنت وأمي لا تشرف يصيبك سهم من سهام القوم نحري دون نحرك. . . رواه البخاري (3600) ومسلم (1811) . (الحجفة) هي الدرع، ويقال لها: جوبة، والمعنى أن أبا طلحة معه درع يحمي بها النبي صلى الله عليه وسلم. (شديد القد) القد هو وتر القوس، والمعنى أنه شديد الرمي خامساً: أن تُتبع سنته من قول أو عمل وأن تكون سنته منهجاً لك تتبعه في حياتك كلها وأن تقدم قوله على كل قول وتقدم أمره على كل أمر ثم تتبع عقيدة أصحابه الكرام ثم عقيدة من تبعهم من التابعين ثم عقيدة من تبع نهجهم إلى يومنا هذا من أهل السنة والجماعة غير متبع بدعة ولاسيما الروافض فإن قلوبهم غليظة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنهم يقدمون أئمتهم عليه ويحبونهم أكثر مما يحبونه. نسأل الله أن يرزقنا محبة رسوله صلى الله عليه وسلم وأن يجعله أحب إلينا من أولادنا وآبائنا وأهلينا ونفوسنا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 2431 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 مراتب الأنبياء الكرام عليهم الصلاة والسلام [السُّؤَالُ] ـ[ما هي رتبة أنبياء الله الكرام: (شعيب ويوسف وأيوب ويونس وموسى وإلياس واليسع وذو الكفل وداود وسليمان وزكريا ويحيى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام..) في القرآن الكريم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد للَّه أخبرنا الحق تبارك وتعالى أنه فضل بعض النبيين على بعض، قال جل وعلا: (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً) الإسراء/55 وقد أجمعت الأمة على أن الرسل أفضل من الأنبياء، والرسل بعد ذلك متفاضلون فيما بينهم كما قال تعالى: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاء اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) البقرة/253 انظر في الفرق بين الرسول والنبي جواب السؤال رقم (5455) ، (11725) ثم أفضل الرسل والأنبياء خمسة: محمد صلى الله عليه وسلم، ونوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى عليهم الصلاة والسلام جميعا. وهؤلاء هم أولو العزم من الرسل، قال تعالى: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ) الأحقاف/35 وجاءت تسميتهم في موضعين من القرآن الكريم. قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً) الأحزاب/7 وقال تعالى: (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ) الشورى/13 وقد خص الله تعالى مَن فَضَّلَه منهم ببعض الأعطيات التي أوجبت تفضيلهم. يقول القرطبي في تفسيره (3/249) : " والقول بتفضيل بعضهم على بعض إنما هو بما مُنح من الفضائل، وأُعطي من الوسائل " انتهى. فَفَضَّلَ نوحا بأنه أول الرسل إلى أهل الأرض، وسماه عبدا شكورا. وفَضَّلَ إبراهيم باتخاذه خليلا: (واتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً) النساء/125، وجعله إماما للناس (قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً) البقرة/124 وفَضَّل موسى بكلامه سبحانه له: (قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ) الأعراف/144، واصطنعه لنفسه سبحانه كما قال: (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) طه/41، وصنعه على عينه: (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي) طه/39 وفضَّل عيسى بأنه رسول الله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه، يكلم الناس في المهد. ويتفاضل الأنبياء من جهة أخرى: يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (35/34) : " والتحقيق أن من النبوة ما يكون مُلكا: فإن النبي له ثلاثة أحوال: إما أن يُكَذَّب ولا يُتبع ولا يطاع: فهو نبي لم يؤت ملكا. وإما أن يطاع فنفس كونه مطاعا هو مُلك، لكن إن كان لا يأمر إلا بما أُمِر به، فهو عبد رسول ليس له ملك. وإن كان يأمر بما يريده مباحا له، ذلك بمنزلة الملك كما قيل لسليمان: (هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب) فهذا نبي ملك. فالملك هنا قسيم العبد الرسول، كما قيل للنبى صلى الله عليه وسلم: (اختر إما عبدا رسولا وإما نبيا ملكا) وحال نبينا صلى الله عليه وسلم أنه كان عبدا رسولا مؤيدا مطاعا متبوعا، فأعطي فائدة كونه مطاعا متبوعا ليكون له مثل أجر من اتبعه، ولينتفع به الخلق، ويُرحموا به، ويرحم بهم، ولم يختر أن يكون ملكا لئلا ينقص - لما فى ذلك من الاستمتاع بالرياسة والمال - عن نصيبه فى الآخرة، فإن العبد الرسول أفضل عند الله من النبي الملك، ولهذا كان أمر نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم أفضل من داود وسليمان ويوسف " انتهى. هكذا يمكن أن نصف مراتب الأنبياء عند الله سبحانه وتعالى، فأكرمهم عنده مرتبة أولو العزم من الرسل، وأكرم أولي العزم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. عن أَبُي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ) رواه مسلم (4223) . وأما ما سوى ذلك من الترتيب والتفضيل على ذكر الأسماء فلا دليل عليه في كتاب الله وسنة رسوله، ولا حاجة بالمسلم إلى تكلف طلبه والبحث عنه، ولأجل ذلك لم يذكره أحد من أهل العلم في مصنفاتهم في العقيدة وأصول السنة. ولمزيد فائدة انظر جواب السؤال رقم (7459) ، (10669) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 89814 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 الرد على من زعم أن الإسراء والمعراج خرافة [السُّؤَالُ] ـ[لقد تجرأ أحد المتعالمين منا في ليبيا على حادثة الإسراء والمعراج، فقال في مقالة نشرتها إحدى الصحف: إن حادثة المعراج هي محض خرافات، ولا يمكن أن تحدث لبشر، واستدل بذلك بالآية الكريمة في سورة الإسراء التي يقول الله عزل وجل فيها: (أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَأُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً) الإسراء/93؛ فقال إن القرآن ينفي إمكانية رقي الرسول صلى الله عليه سلم للسماء، وقال: إن ذلك يخالف القران بنص الآية، وأن المعراج مجرد رؤية مناميه واستدل بالآية: (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) الإسراء/60. وفي النهاية أقول لفضيلتكم: إن هذا الموضوع أدخل علي شبهة، ولكني مؤمن بأنها معجزة؛ أرجو الإجابة والتوضيح، بحيث ينتفي التعارض بين الآية التي تنفي رقي البشر، وبين معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ علما بأنني مؤمن بأنه لا تعارض في القرءان. أفيدونا جزاكم الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا ريب أن الإسراء والمعراج من آيات الله العظيمة الدالة على صدق رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى عظم منزلته عند الله عز وجل، كما أنها من الدلائل على قدرة الله الباهرة، وعلى علوه سبحانه وتعالى على جميع خلقه، قال الله سبحانه وتعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) الإسراء/1. وتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه عرج به إلى السماوات، وفتحت له أبوابها حتى جاوز السماء السابعة، فكلمه ربه سبحانه بما أراد، وفرض عليه الصلوات الخمس، وكان الله سبحانه فرضها أولا خمسين صلاة، فلم يزل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يراجعه ويسأله التخفيف، حتى جعلها خمسا، فهي خمس في الفرض، وخمسون في الأجر , لأن الحسنة بعشر أمثالها، فلله الحمد والشكر على جميع نعمه. وقد اختلف الناس في الإسراء والمعراج، فمنهم من قال: إنه كان مناما، والصحيح أنه أسري وعرج به يقظة؛ لأدلة كثيرة يأتي ذكرها. قال الطحاوي رحمه الله في عقيدته المشهورة: " والمعراج حق، وقد أسري بالنبي وعرج بشخصه في اليقظة إلى السماء، ثم إلى حيث شاء الله من العلا، وأكرمه الله بما شاء وأوحى إليه ما أوحى، ما كذب الفؤاد ما رأى؛ فصلى الله عليه وسلم في الآخرة والأولى " انتهى. وقال ابن أبي العز الحنفي في "شرح الطحاوية" رحمه الله: " اختلف الناس في الإسراء: فقيل: كان الإسراء بروحه ولم يُفْقد جسدُه، نقله ابن إسحاق عن عائشة ومعاوية رضي الله عنهما، ونقل عن الحسن البصري نحوه. لكن ينبغي أن يعرف الفرق بين أن يقال كان الإسراء مناما وبين أن يقال كان بروحه دون جسده، وبينهما فرق عظيم، فعائشة ومعاوية رضي الله عنهما لم يقولا كان مناما، وإنما قالا: أسري بروحه ولم يفقد جسده، وفرق ما بين الأمرين أن ما يراه النائم قد يكون أمثالا مضروبة للمعلوم في الصورة المحسوسة، فيرى كأنه قد عرج إلى السماء وذهب به إلى مكة، وروحه لم تصعد ولم تذهب؛ وإنما ملك الرؤيا ضرب له المثال، فما أرادا أن الإسراء كان مناما، وإنما أرادا أن الروح ذاتها أسري بها؛ ففارقت الجسد ثم عادت إليه، ويجعلان هذا من خصائصه فإن غيره لا تنال ذات روحه الصعود الكامل إلى السماء إلا بعد الموت. وقيل: كان الإسراء مرتين: مرة يقظة، ومرة مناما ... ، وكذلك منهم من قال: بل كان مرتين: مرة قبل الوحي ومرة بعده، ومنهم من قال: بل ثلاث مرات: مرة قبل الوحي ومرتين بعده؛ وكلما اشتبه عليهم لفظ زادوا مرة للتوفيق، وهذا يفعله ضعفاء أهل الحديث، وإلا فالذي عليه أئمة النقل أن الإسراء كان مرة واحدة بمكة بعد البعثة قبل الهجرة بسنة، وقيل بسنة وشهرين، ذكره ابن عبد البر ... وكان من حديث الإسراء أنه أسري بجسده في اليقظة على الصحيح، من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، راكبا على البراق صحبة جبرائيل عليه السلام، فنزل هناك وصلى بالأنبياء إماما، وربط البراق بحلقه باب المسجد، وقد قيل: إنه نزل بيت لحم وصلى فيه، ولا يصح عنه ذلك ألبتة. ثم عرج به من بيت المقدس تلك الليلة إلى السماء الدنيا، فاستفتح له جبرائيل ففتح لهما، فرأى هناك آدم أبا البشر، فسلم عليه فرحب به ورد عليه السلام وأقر بنبوته، ثم عرج به إلى السماء الثانية ... " إلى أن قال رحمه الله: " ومما يدل على أن الإسراء بجسده في اليقظة قوله تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) الإسراء /1؛ والعبد عبارة عن مجموع الجسد والروح، كما أن الإنسان اسم لمجموع الجسد والروح؛ هذا هو المعروف عند الإطلاق، وهو الصحيح؛ فيكون الإسراء بهذا المجموع، ولا يمتنع ذلك عقلا، ولو جاز استبعاد صعود البشر لجاز استبعاد نزول الملائكة؛ وذلك يؤدي إلى إنكار النبوة وهو كفر " انتهى من "شرح الطحاوية" (1/245) . وقال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (3/33) : " ثم اختلف الناس: هل كان الإسراء ببدنه عليه السلام وروحه، أو بروحه فقط؟ على قولين، فالأكثرون من العلماء على أنه أسري ببدنه وروحه يقظة لا مناماً، ولا ينكرون أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى قبل ذلك مناماً، ثم رآه بعد يقظة، لأنه كان عليه السلام لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، والدليل على هذا قوله تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) الاسراء/ 1، فالتسبيح إنما يكون عند الأمور العظام، فلو كان مناماً لم يكن فيه كبير شيء، ولم يكن مستعظماً، ولما بادرت كفار قريش إلى تكذبيه، ولما ارتدت جماعة ممن كان قد أسلم، وأيضاً فإن العبد عبارة عن مجموع الروح والجسد، وقال تعالى: (أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً) وقال تعالى: (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) الاسراء /60، قال ابن عباس: هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به، والشجرة الملعونة هي شجرة الزقوم، رواه البخاري [2888] ، وقال تعالى: (مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى) النجم/17، والبصر من آلات الذات لا الروح. وأيضاً فإنه حمل على البراق، وهو دابة بيضاء براقة لها لمعان، وإنما يكون هذا للبدن، لا للروح لأنها لا تحتاج في حركتها إلى مركب تركب عليه، والله أعلم " انتهى. وقال الشيخ حافظ الحكمي في "معارج القبول" (3/1067) : " ولو كان الإسراء والمعراج بروحه في المنام لم تكن معجزة، ولا كان لتكذيب قريش بها وقولهم: كنا نضرب أكباد الإبل إلى بيت المقدس، شهرا ذهابا وشهرا إيابا، ومحمد يزعم أنه أسرى به اللية وأصبح فينا إلى آخر تكذيبهم واستهزاءهم به صلى الله عليه وسلم لو كان ذلك رؤيا مناما لم يستبعدوه ولم يكن لردهم عليه معنى؛ لأن الإنسان قد يرى في منامه ما هو أبعد من بيت المقدس ولا يكذبه أحد استبعاد لرؤياه، وإنما قص عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرى حقيقة يقظة لا مناما فكذبوه واستهزؤوا به استبعاد لذالك واستعظاما له مع نوع مكابرة لقلة علمهم بقدرة الله عز وجل وأن الله يفعل ما يريد ولهذا لما قالوا للصديق وأخبروه الخبر قال: إن كان قال ذلك لقد صدق. قالوا وتصدقه بذلك؟ قال: نعم إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك في خبر السماء يأتيه بكرة وعشيا أو كما قال " انتهى. وقال الحافظ أبو الخطاب عمر بن دحية في كتابه (التنوير في مولد السراج المنير) : " وقد تواترت الروايات في حديث الإسراء عن عمر بن الخطاب وعلي وابن مسعود وأبي ذر ومالك بن صعصعة وأبي هريرة وأبي سعيد وابن عباس، وشداد بن أوس وأبي بن كعب وعبد الرحمن بن قرط وأبي حبة وأبي ليلى الأنصاريين، وعبد الله بن عمرو وجابر وحذيفة وبريدة، وأبي أيوب وأبي أمامة وسمرة بن جندب وأبي الحمراء، وصهيب الرومي وأم هانىء، وعائشة وأسماء ابنتي أبي بكر الصديق رضي الله عنهم أجمعين، منهم من ساقه بطوله، ومنهم من اختصره على ما وقع في المسانيد، وإن لم تكن رواية بعضهم على شرط الصحة، فحديث الإسراء أجمع عليه المسلمون، وأعرض عنه الزنادقة والملحدون يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون " انتهى نقلا عن "تفسير ابن كثير" (3/36) . ثانيا: لا ينقضي العجب من هذا المسلك الذي سلكه الكاتب المذكور في الاستدلال، فإنه اقتصر على ذكر مطلب واحد من مطالب الكفار، فأوهم أن الجواب القرآني: (قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا) منصب على هذا المطلب، وهو الرقي في السماء، وأن هذا يدل على عدم إمكانه. والحق أن هذا الجواب وارد على مجموع ما طلبه المشركون تعنتا وتفننا في الجحود والإنكار، وإليك هذه المطالب كما بينها القرآن: (وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَأُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً) الاسراء/90- 93 فتأمل في هذه المطالب التي لا يحسن في جوابها إلا الجواب القرآني: (قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً) . فهل بإمكان من هو بشر أن يفجر الأرض، والأنهار، ويسقط السماء، ويأتي بالله! وبالملائكة! ويرقى في السماء فيأتي منها بكتاب موجه إلى كل كافر! كما جاء في التفسير عن مجاهد وغيره، وهو موافق لقوله تعالى: (بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفاً مُنَشَّرَةً) المدثر /52. لا شك أن ذلك ليس من خصائص البشر، ولا هو في إمكانهم، فهذا الاستبعاد منصب على مجموع هذه المطالب، لا على آحاد كل منها، وإلا ففيها مطالب مما هو ممكن عادة، فقد ثبت أن الماء نبع من بين أصبعيه الشريفتين صلى الله عليه وسلم، كما في صحيح البخاري (3576) ، وغيره، فكيف بتفجير نبع من الأرض، ولا استحالة ـ أيضا ـ في أن يكون له جنة من نخيل..، على نحو ما طلبوا، إلا أن هؤلاء لم يكن له غرض في حصول هذه الأشياء حقيقة، إنما هي من باب المبالغة في العناد، والتعنت مع الرسول، من أجل التمادي في طغيانهم. قال الطاهر ابن عاشور رحمه الله: " ولما كان اقتراحهم اقتراح مُلاجّة [المبالغة في الخصومة] وعناد، أمره الله بأن يجيبهم بما يدل على التعجب من كلامهم بكلمة (سبحان ربي) التي تستعمل في التعجب.. ثم بالاستفهام الإنكاري، وصيغة الحصر المقتضية قصر نفسه على البشرية والرسالة قصرا إضافيا، أي لست ربا متصرفا أخلق ما يطلب مني، فكيف آتي بالله والملائكة، وكيف أخلق في الأرض ما لم يخلق فيها ". انتهى. "التحرير والتنوير" (15/210-211) . ثالثا: احرص على قلبك يا عبد الله، وكن على دينك أحرص منك على الدرهم والدينار؛ فلا تدع لشياطين الإنس والجن سبيلا أن يسترقوا اليقين من قلبك، أو يزعزعوا الإيمان فيه؛ وما دمت لم تحصل من العلم الشرعي، ما يحصنك ضد شبهات المشككين، ففر من هؤلاء، ومجالسهم، ومنتدياتهم، ولا تسمع لزخارف قولهم، فإنك لا تدري إذا نزلت الشبهة في قلبك متى تخرج منه، وإذا عرضت الفتنة، هل أنت ناج منها أم من المفتونين. نسأل الله تعالى لنا ولجميع عباده الموحدين الهداية والتوفيق والسداد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 84314 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 الأدلة على تفضيل النبي صلى الله عليه وسلم على سائر الأنبياء [السُّؤَالُ] ـ[هل توجد آية في القرآن الكريم تفضل الرسول على باقي الأنبياء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ننبه الأخ السائل وعموم من يقرأ كلامنا هذا أنه لا يٌشترط أن يرد كل حكم في القرآن الكريم؛ فالشرع المطهَّر أدلته الكتاب والسنَّة، وليس الكتاب وحده، فقد ترد أحكام الله تعالى في السنَّة النبوية ولا ترد في القرآن، وقد ترد في القرآن دون السنة، وقد تأتي الأحكام في القرآن الكريم مطلقة عامة مجملة، وتأتي السنة بالتقييد والتخصيص والتبيين. وليس في كتاب الله تعالى آية واحدة تدعو للأخذ بما فيه دون ما يأتي في السنَّة، فعلى من يزعم أنه يأخذ بالقرآن وحده دون السنة أن يستدل على قوله بآية ليصلح منهجه وفهمه، وأنَّى له ذلك، بل في كتاب الله تعالى الأمر بأخذ ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، والانتهاء عما نهى عنه، فقال تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا) الحشر / 7، وقال تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) المائدة/92، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ) الأنفال/20. والسنَّة هي " الحكمة " الواردة في كتاب الله تعالى في آيات كثيرة، منها قوله تعالى (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) البقرة/151، وقوله تعالى: (وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) البقرة/231. والقرآن والسنة يصدران من مشكاة واحدة، وكلاهما وحي الله تعالى، قال الله سبحانه وتعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى. عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى) النجم/3-5. ثانياً: تفضيل الأنبياء عليهم السلام بعضهم على بعض: أمر منصوص عليه، ذكره الله تعالى في كتابه، والنبي صلى الله عليه وسلم في سنَّته. قال تعالى: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) البقرة/253. قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: وقوله تعالى: (وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ) أشار في مواضع أخر إلى أن منهم محمداً صلى الله عليه وسلم كقوله: (عسى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً) الإسراء/79، وقوله: (وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَآفَّةً لِّلنَّاسِ) سبأ/28، الآية، وقوله (إِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) الأعراف/158، وقوله (تَبَارَكَ الذي نَزَّلَ الفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً) الفرقان/1. وأشار في مواضع أخر إلى أن منهم إبراهيم كقوله: (واتخذ الله إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً) النساء/125، وقوله: (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً) البقرة/124، إلى غير ذلك من الآيات. وأشار في موضع آخر إلى أن منهم داود وهو قوله: (وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النبيين على بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً) الإسراء/55. وأشار في موضع آخر إلى أن منهم إدريس وهو قوله: (وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً) مريم/57. وأشار هنا إلى أن منهم عيسى بقوله: (وَآتَيْنَا عِيسَى ابن مَرْيَمَ البينات) البقرة/87] الآية. " أضواء البيان " (1 / 184، 185) . وأما ما ورد في السنة من النهي عن تفضيل الأنبياء بعضهم على بعض، أو من النهي عن تفضيل نبينا صلى الله عليه وسلم – مثل حديث الصحيحين " لا تُخَيِّرُوا بَيْنَ الأَنْبِيَاءِ "، وحديث الصحيحين " لاَ تُخَيِّرُوني عَلَى مُوسَى " -: فقد جاء في كلام أهل العلم ما يحل هذا الإشكال، وقد اختلف العلماء في ذلك على وجوه. َقَالَ الْخَطَّابِيُّ: (مَعْنَى هَذَا تَرْك التَّخْيِير بَيْنهمْ عَلَى وَجْه الإِزْرَاء بِبَعْضِهِمْ فَإِنَّهُ رُبَّمَا أَدَّى ذَلِكَ إِلَى فَسَاد الاعْتِقَاد فِيهِمْ وَالإِخْلال بِالْوَاجِبِ مِنْ حُقُوقهمْ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنْ يُعْتَقَد التَّسْوِيَة بَيْنهمْ فِي دَرَجَاتهمْ فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ: (تِلْكَ الرُّسُل فَضَّلْنَا بَعْضهمْ عَلَى بَعْض) الآيَة اِنْتَهَى وقال في "عون المعبود": (يَعْنِي: لا تُفَضِّلُوا بَعْضهمْ عَلَى بَعْض مِنْ عِنْد أَنْفُسكُمْ..) وذكر القرطبي أقوالا أخرى في معنى ذلك، ثم قال: (وأحسن من ذل قول من قال: إن المنع من التفضيل إنما هو من جهة النبوة التي هي خصلة واحدة لا تفاضل فيها، وإنما التفضيل في زيادة الأحوال والخصوص والكرامات والألطاف والمعجزات المتباينات، وأما النبوة في نفسها فلا تتفاضل، وإنما تتفاضل بأمور أخر زائدة عليها، ولذلك منهم رسل، وأولو عزم، ومنهم من اتُخذ خليلاً، ومنهم من كلم الله، ورفع بعضهم درجات، قال الله تعالى: (وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النبيين على بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً) الإسراء/55 ثم قال: (وهذا قول حسن؛ فإنه جمع بين الآي والأحاديث من غير نسخ) تفسير القرطبي (3/249) ثالثاً: لا خلاف بين العلماء في تفضيل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على سائر إخوانه الأنبياء عليهم السلام، وقد جاء ذلك موضَّحاً في الأدلة الشرعية من الكتاب والسنَّة، ومن ذلك: 1- له صلى الله عليه وسلم المقام المحمود يوم القيامة قال الله تعالى: (وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا) الإسراء/79. وهو الشفاعة يوم القيامة للفصل بين الخلائق، وذلك بعد أن تطول مدة الحشر، ويصيب الناس ما يصيبهم، فيذهب الناس للأنبياء، وكلٌّ يعتذر عن الشفاعة لهم، حتى تصل لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فيذهب إلى ربه فيخر ساجداً، ويطلب الشفاعة للناس فيعطاها، وسمي بـ " المقام المحمود " لأنّ جميع الخلائق يحمدون محمَّداً صلى الله عليه وسلم على ذلك المقام؛ لأنّ شفاعته كانت سبباً في رفع معاناتهم من طول المحشر. عن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: (إِنَّ النَّاسَ يَصِيرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جُثًا، كُلُّ أُمَّةٍ تَتْبَعُ نَبِيَّهَا يَقُولُونَ: يَا فُلانُ اشْفَعْ، يَا فُلانُ اشْفَعْ، حَتَّى تَنْتَهِيَ الشَّفَاعَةُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَلِكَ يَوْمَ يَبْعَثُهُ اللَّهُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ) رواه البخاري (4441) . 2 - جوامع الكلم، والنصر بالرعب، وحل الغنائم، وجعل الأرض مسجداً وطهوراً، وختم النبيين به، والشفاعة. قال الله تعالى: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) الأحزاب/40. وقال تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) الفرقان/1. عَنْ جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنْ الأَنْبِيَاءِ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا وَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاةُ فَلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ) رواه البخاري (427) ومسلم (421) . وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (فُضِّلْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ: أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا، وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً، وَخُتِمَ بِيَ النَّبِيُّونَ) . رواه مسلم (523) . 3- أنه صلى الله عليه وسلم أول من يجوز الصراط من الرسل. روى البخاري (773) من حديث أبي هريرة الطويل، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: ( ... فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَجُوزُ مِن الرُّسل بِأُمَّتِهِ) . 4- أنه أول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفَّع عَن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ، وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ) . رواه مسلم (2278) . 5- غفر الله تعالى له صلى الله عليه وسلم ذنبه كلَّه ما تقدَّم منه وما تأخر قال الله تعالى: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا. لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا) الفتح/1،2. 6- النداء بالنبوة والرسالة قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا) الأحزاب/45. وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) المائدة/67. وأما إخوانه الأنبياء عليهم السلام فنودوا بأسمائهم المجردة. 7- أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهدي الأنبياء عليهم السلام. قال الله تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) الأنعام/90. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -: أي: امش أيها الرسول الكريم خلف هؤلاء الأنبياء الأخيار، واتبع ملتهم، وقد امتثل صلى الله عليه وسلم، فاهتدى بهدي الرسل قبله، وجمع كل كمال فيهم، فاجتمعت لديه فضائل وخصائص، فاق بها جميع العالمين، وكان سيد المرسلين، وإمام المتقين، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين. وبهذا الملحظ استدل بهذه من استدل من الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الرسل كلهم. " تفسير السعدي " (ص 263) . وانظر أجوبة الأسئلة (2036) و (7459) و (10669) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83417 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 المسيح ويحيى عليهما السلام ابنا خالة [السُّؤَالُ] ـ[هل كانت السيدة مريم عليها السلام وحيدة لأهلها، وإذا كان ذلك صحيحا فكيف يكون السيد المسيح عليه السلام وسيدنا يحيى عليه السلام ابنا خالة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الذي يذكره أهل التاريخ والسير أن عمران والد مريم تزوج من امرأة اسمها (حَنَّة) ، وأن زكريا عليه السلام تزوج من امرأة اسمها (إِيشَاع) ، فأنجب عمران وحنة مريم عليها السلام، وأنجب زكريا وإيشاع يحيى عليه السلام. ثم اختلفوا: من تكون (إِيشَاع) أم يحيى عليه السلام؟ على قولين: الأول: أنها أخت مريم عليها السلام، وهو قول الجمهور كما يقول ابن كثير في "البداية والنهاية" (1/438) . وعليه فيكون عيسى ويحيى عليهما السلام ابنا خالة على الحقيقة، لأنهما أبناء أختين (مريم وإِيشَاع) . واستدلوا بظاهر حديث المعراج عن مالك بن صعصعة رضي الله عنه، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسري به فكان مما قال: (ثُمَّ صَعدَ حَتَّى إِذَا أَتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ فَاستَفتَحَ، قِيلَ مَن هَذَا؟ قَالَ: جِبرِيلُ. قِيلَ: وَمَن مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَد أُرسِلَ إِلَيهِ؟ قَالَ: نَعَم. قِيلَ: مَرحَبًا بِهِ، فَنِعمَ المَجِيءُ جَاءَ. فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصتُ إِذَا يَحيَى وَعِيسَى - وَهُمَا ابنَا الخَالَةِ -، قَالَ: هَذَا يَحيَى وَعِيسَى، فَسَلِّمَ عَلَيهِمَا، فَسَلَّمتُ، فَرَدَّا، ثُمَّ قَالا: مَرحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ) رواه البخاري (3207) وهذا لفظه ومسلم (164) الثاني: أن (إِيشَاع) هي أخت أم مريم (حَنَّة) ، فتكون إِيشَاع خالة مريم عليها السلام، وهو الذي ذكره ابن إسحاق وابن جرير "جامع البيان" (3/234) ، واقتصر عليه الحافظ ابن حجر في فتح الباري (6/68) فعلى هذا القول: كيف يكون عيسى ويحيى عليهما السلام ابنا خالة؟ قالوا: لأن خالة الأم بمنزلة الخالة الحقيقية، فأم يحيى هي خالة مريم، فهي خالة ابنها عيسى عليهم السلام جميعا، كما أن مريم تكون ابنة خالة يحيى، فيكون ابنها عيسى ابن خالته أيضا. يقول الإمام أبو السعود في تفسيره (2/27) : " وأما قوله عليه الصلاة والسلام في شأن يحيى وعيسى عليهما الصلاة والسلام هما (ابنا خالة) قيل: تأويله أن الأخت كثيرا ما تطلق على بنت الأخت، وبهذا الاعتبار جعلهما عليهما الصلاة والسلام ابني خالة " انتهى. ودليلهم على ذلك أن المشهور أن امرأة عمران (حَنَّة) لم تكن تحمل ولا تلد، فلما حملت بمريم بإذن الله نذرتها لله ولخدمة بيت المقدس، وهذا ما يؤيده السياق القرآني. يقول الله تعالى: (إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً، فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) آل عمران/35 قال ابن كثير رحمه الله في "تفسير القرآن العظيم" (1/478) : " قال محمد بن إسحاق: وكانت [يعني: امرأة عمران] امرأةً لا تحمل، فرأت يوما طائرا يزُق فَرخَهُ، فاشتهت الولد، فدعت الله تعالى أن يهبها ولدا، فاستجاب الله دعاءها، فواقعها زوجها فحملت منه، فلما تحققت الحمل نذرت أن يكون محررا - أي: خالصا - مفرغا للعبادة ولخدمة بيت المقدس، فقالت: (رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً، فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيم) أي: السميع لدعائي العليم بنيتي " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82569 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 هل كان النبي صلى الله عليه وسلم نوراً أم بشراً؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل كان النبي صلى الله عليه وسلم نوراً، أم بشراً، وهل صحيح أنه لم يكن له ظل حتى وإن كان في الضوء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم أجمعين، وهو بشر من بني آدم، وُلِد من أبوين، يأكل الطعام ويتزوج النساء، يجوع ويمرض، ويفرح ويحزن، ومن أظهر مظاهر بشريته أن الله سبحانه توفاه كما يتوفى الأنفس، ولكن الذي يميز النبي صلى الله عليه وسلم هو النبوة والرسالة والوحي. قال الله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ) الكهف/110. وحال النبي صلى الله عليه وسلم في بشريته هو حال جميع الأنبياء والمرسلين. قال الله تعالى: (وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ) الأنبياء/8. وقد أنكر الله على الذين تعجبوا من بشرية الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال سبحانه: (وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ) الفرقان/7. فلا يجوز تجاوز ما يقرره القرآن الكريم من رسالة النبي صلى الله عليه وسلم وبشريته، ومن ذلك: أنه لا يجوز وصفه صلى الله عليه وسلم بأنه نور أو لا ظل له، أو أنه خلق من نور، بل هذا من الغلو الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: (لاْ تُطْرُونِيْ كَمَا أُطرِيَ عِيْسَى ابْنُ مَرْيَمَ، وَقُولُوْا عَبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ) رواه البخاري (6830) . وقد ثبت أن الملائكة هي التي خلقت من نور، وليس أحد من بني آدم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خُلِقَت المَلائِكَةُ مِن نُورٍ، وَخُلِقَ إِبلِيسُ مِن نَارِ السَّمومِ، وَخُلِقَ آدَمُ عَلَيهِ السَّلامُ مِمَّا وُصِفَ لَكُم) رواه مسلم (2996) . قال الشيخ الألباني رحمه الله في "السلسلة الصحيحة" (458) : " وفيه إشارة إلى بطلان الحديث المشهور على ألسنة الناس: (أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر) ! ونحوه من الأحاديث التي تقول بأنه صلى الله عليه وسلم خلق من نور، فإن هذا الحديث دليل واضح على أن الملائكة فقط هم الذين خلقوا من نور، دون آدم وبنيه، فتنبّه ولا تكن من الغافلين " انتهى. وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء السؤال التالي: هنا في الباكستان علماء فرقة (البريلوية) يعتقدون أنه لا ظل للنبي صلى الله عليه وسلم، وهذا دلالة على عدم بشرية النبي صلى الله عليه وسلم. هل هذا الحديث صحيح. ليس الظل للنبي صلى الله عليه وسلم؟ فأجابت: " هذا القول باطل، مناف لنصوص القرآن والسنة الصريحة الدالة على أنه صلوات الله وسلامه عليه بشر لا يختلف في تكوينه البشري عن الناس، وأن له ظلا كما لأي إنسان، وما أكرمه الله به من الرسالة لا يخرجه عن وصفه البشري الذي خلقه الله عليه من أم وأب، قال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوْحَى إِلَيَّ) الآية، وقال تعالى: (قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاْ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) الآية. أما ما يروى من أن النبي صلى الله عليه وسلم خلق من نور الله، فهو حديث موضوع " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/464) . وانظر سؤال رقم (4509) (6084) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 75395 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 الفرق بين النبي والرسول [السُّؤَالُ] ـ[ما الفرق بين النبي والرسول؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله في المسألة عدة أقوال منها قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ما يلي: (فالنبي هو الذي ينبئه الله، وهو ينبئ بما أنبأ الله به، فإن أرسل مع ذلك إلى من خالف أمر الله ليبلغه رسالة من الله إليه فهو رسول، وأما إذا كان إنما يعمل بالشريعة قبله، ولم يرسل هو إلى أحد يبلغه عن الله رسالة فهو نبي وليس برسول..) أ. هـ النبوات ص (255) ولغيره تفريقات أخرى هذا أهمها، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 5455 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 حكم قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة [السُّؤَالُ] ـ[ما درجة الحديث التالي: أن نافعا روى أن عبد الله بن عمر رضي الله عنه لم يكن يقرأ الفاتحة على الميت." موطأ الإمام مالك ".]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الأثر في أعلى درجات الصحة، فقد رواه الإمام مالك في "الموطأ" (535) عن نافع عن ابن عمر، وهي ما يسمى عند بعض العلماء " السلسلة الذهبية " وهي أصح – أو من أصح – الأسانيد. ولفظه: عن نافع أن عبد الله بن عمر كان لا يقرأ في الصلاة على الجنازة. ومعنى " لا يقرأ " أي: لا يقرأ فاتحة الكتاب ولا غيرها، وهي من مسائل الخلاف المعروفة عند أهل العلم، وقد ذهب بعضهم إلى أنها ركن في صلاة الجنازة، وذهب آخرون إلى عدم ركنيتها ولا استحبابها، وتوسط آخرون فقالوا باستحبابها وعدم وجوبها، وهو ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فإنه قال: " وتنازع العلماء في القراءة على الجنازة على ثلاثه أقوال: قيل: لا تستحب بحال , كما هو مذهب أبي حنيفة ومالك، وقيل: بل يجب فيها القراءة بالفاتحة، كما يقوله من يقوله من أصحاب الشافعي وأحمد، وقيل: بل قراءة الفاتحة فيها سنة , وإن لم يقرأ بل دعا بلا قراءة جاز , وهذا هو الصواب " انتهى. " الفتاوى الكبرى " (2 / 121) . والذي يظهر – والعلم عند الله تعالى - أن قراءة الفاتحة ركن في صلاة الجنازة، وهي داخلة في عموم قوله صلى الله عليه وسلم: (لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ) رواه البخاري (714) ومسلم (595) ، ولعله من أجل قول ابن عمر كان ابن عباس يجهر بها – أحياناً – مع أن السنة الإسرار بها، وقد سئل عن ذلك فقال: (ليعلموا أنها سنة) رواه البخاري (1249) . وليس المقصود بقوله " سنة " هو المستحب؛ وإنما المراد سنة النبي صلى الله عليه وسلم، يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأها. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والفاتحة في صلاة الجنازة ركن؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) ، وصلاة الجنازة صلاة؛ لقوله تعالى: (وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً) فسماها الله صلاة؛ ولأن ابن عباس رضي الله عنهما قرأ الفاتحة على جنازة، وقال: (لتعلموا أنها سنة) . " الشرح الممتع " (5 / 401) . وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: ما حكم قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة؟ فأجاب: " واجبة، كما قال صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) ، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) متفق على صحته. " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (13 / 143) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 72221 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 هل سطع نور عند ولادة النبي صلى الله عليه وسلم [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك أي حقيقة على أنه قبل ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم ظهر ضوء في السماء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله كان من المبشرات بنبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أنه عندما حملت به أمه رأت في منامها أنه خرج منها نور بلغ الشام. فعن خالد بن معدان عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه سلم أنهم قالوا: يا رسول الله، أخبرنا عن نفسك. قال: (دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى، ورأت أمي حين حملت بي كأنه خرج منها نور أضاءت له قصور بصرى من أرض الشام) . رواه ابن إسحاق بسنده (1/166 سيرة ابن هشام) ومن طريقه أخرجه الطبري في تفسيره (1/566) ، والحاكم في مستدركه (2/600) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وانظر السلسلة الصحيحة (1545) . وروى الطبراني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ورأت أمي في منامها أنه خرج من بين رجليها سراج أضاءت له قصور الشام) حسنه الألباني في صحيح الجامع (224) . وروى أحمد (16700) عن العرباض بن سارية رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن رسول الله قال: (. . . وذكر الحديث وفيه: إِنَّ أُمَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَتْ حِينَ وَضَعَتْهُ نُورًا أَضَاءَتْ مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ) . قال الهيثمي في مجمع الزوائد: وإسناده حسن اهـ وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: فَلَمَّا وَلَدَتْ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَ لَهُ الْبَيْت وَالدَّار. وَشَاهِده حَدِيث الْعِرْبَاض بْن سَارِيَة قَالَ: سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: (إِنِّي عَبْد اللَّه وَخَاتَم النَّبِيِّينَ وَإِنَّ آدَم لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَته , وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْ ذَلِكَ: إِنِّي دَعْوَة أَبِي إِبْرَاهِيم , وَبِشَارَة عِيسَى بِي , وَرُؤْيَا أُمِّي الَّتِي رَأَتْ , وَكَذَلِكَ أُمَّهَات النَّبِيِّينَ يَرَيْنَ , وَإِنَّ أُمّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَتْ حِين وَضَعَتْهُ نُورًا أَضَاءَتْ لَهُ قُصُور الشَّام) أَخْرَجَهُ أَحْمَد وَصَحَّحَهُ اِبْن حِبَّانَ وَالْحَاكِم وَفِي حَدِيث أَبِي أُمَامَةُ عِنْد أَحْمَد نَحْوه اهـ ومما يجب أن يعلم أن دلائل نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ليست محصورة في هذه الآية، فسواء ثبتت أم لم تثبت فإن نبوته صلى الله عليه وسلم ثابتة بالدلائل القطعية التي لا يستطيع منصف أن ينكرها. وإنما أنكرها من أنكرها إما جهلاً أو مكابرة. نسأل الله تعالى أن يظهر دينه ويعلي كلمته. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 26713 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 شبهة حول ما أخبر به القرآن في شأن عيسى عليه السلام!! [السُّؤَالُ] ـ[كيف تطلبون من غير المسلمين أن يصدقوا ما في كتابكم بشأن عيسى، ورفض صلبه، وبنوته لله، مع أن الكتاب المقدس قد أخبر بذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لعله من القول المعاد هنا أن ننبه على أن الأناجيل، أو الكتاب المقدس الذي نتكلم عنه، والذي يوجد في أيدي الناس اليوم، هو شيء آخر غير الذي نزل من عند الله على عبده ورسوله عيسى بن مريم، عليه السلام؛ فذاك الذي نزل من عند الله لا يصح لأحد إيمانه إذا كفر به، أو بشيء منه، وقد سبق التنبيه على ذلك في السؤال رقم [47516] . غير أنه، ولحكمة بالغة، لم يزل تحريف الأيدي، وليّ الألسن يعبث بذلك الكتاب، ولم تزل تعدو عليه صروف الدهر، وحوادث الأيام من قديم، حتى ضاع أصله الإلهي، وانقطع من أيدي الناس، ولم يعد بين أيديهم إلا خليط مختلف من ظلمات الشرك والتثليث، مع بصيص من نور التوحيد، وأخلاط من الكذب والتحريف المتتابع، زمانا بعد زمان، مع أثارة من الصدق وعلم النبيين. ولقد صار من المتعذر، بل من المستحيل، مع بعد العهد، وتتابع العبث، أن يقطع أحد بصدق شيء من ذلك الكتاب أو كذبه، إلا إذا عرض على الحق المهيمن على ما قبله، والمصدق لما بين يديه، الذي لم يشب نوره الإلهي بظلمة من الجهل أو الهوى، ولا صدقه الخالص بكذبة، أو حتى غلطه، وليس ذلك إلا القرآن الكريم الذي تكفل الله بحفظه، كما قال الله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) الحجر/9. ومع أن واحدا من كبار الدارسين عند القوم، والمدافعين عن الكتاب المقدس، وهو نورتن، حاول أن يدافع عن الكتاب المقدس أمام طعن إكهارن الجرمني، فقد اضطر إلى أن يعترف بأن تمييز الصدق من الكذب في هذا الزمان عسير!! ومن هنا نصل إلى موضوع السؤال، لنقول: إن من لم يؤمن بالقرآن، لن يصح له كتاب يؤمن به، ومن طعن في صدق النبي، صلى الله عليه وسلم، وصحة دين الإسلام، لم يمكنه أن يقيم دليلا على صحة دينه الذي يتمسك به. ووجه ذلك أن من طعن في صدق النبي صلى الله عليه وسلم، فيما أخبر به من نبوته، والوحي المنزل عليه من السماء، مع أن ظهرت على يديه المعجزات الدالة على صدقه في ما قال، وبقي حياته يتحدى أعداءه بالكتاب الذي ينسبه إلى وحي ربه أن يأتوا بمثله، أو بشيء منه، بل أن تحدى الإنس والجن جميعا أن يجتمعوا ويتظاهروا، ويتساعدوا، من أجل أن يأتوا بمثل هذا القرآن: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرا ً) الإسراء/88 ولم يحدث أنهم فعلوا وأتوا بمثله، على ما مر من التاريخ بعده، وعلى كثرة ما عارضه من الأعداء، وودوا لو أثبتوا كذبه، وهيهات!! ثم بقي ذلك النبي بعد ذلك منصورا على أعدائه، لم يبطلوا له حجة، ولا وقفوا له على كذبة في خبر، ولو كان من حديث الناس الذي يألفونه، فضلا عن أن يكذب على ربه الذي أرسله. وليت شعري، إذا طعنوا في ذلك كله، فأنى لهم أن يقيموا دليلا على صحة "الإلهام" الذي اعتمدوا عليه في تصديق كتبهم، مع أنهم لا يدعون أن هذه الأناجيل أنزلت على عيسى، أو أنه كتبها، أو أملاها، أو حتى كتبت في حياته!! هذا مع أنه لا يوجد دليل محقق على شخصية الأربعة الذين كتبوا هذه الأناجيل، ومن يكونون، وكيف كانت سيرتهم وحياتهم، وهل كان ما كتبوه كان من من الوحي الإلهي، أو الإلهام، على حد تعبيرهم، أو كان من بنات أفكارهم، ووحي شياطينهم. يقول هورن، أحد كبار مفسري الكتاب المقدس: (إذا قيل إن الكتب المقدسة أوحيت من جانب الله، فلا يراد أن كل لفظ، والعبارة كلها من إلهام الله، بل يُعلم من اختلاف محاورة المصنفين، واختلاف بيانهم أنهم كانوا مُجَازين (؟!) [يعني: كانوا مسموحا لهم] أن يكتبوا على حسب طبائعهم وعاداتهم وفهومهم، ولا يُتخيل أنهم كانوا ملهمين في كل أمر يبينونه، أو في كل حكم كانوا يحكمونه) . وقد أشارت دائرة المعارف البريطانية إلى خلاف علماء النصارى وباحثيهم في شأن هذا الإلهام: هل كل قول مندرج في الكتب المقدسة إلهامي أو لا؟ ثم علقت في موضع منها (19/20) على ذلك: (إن الذين قالوا إن كل قول مندرج فيها إلهامي، لا يقدرون أن يثبتوا دعواهم بسهولة) . ونقول: ولا بصعوبة!! وإزاء عشرات المواضع المتضاربة فيما بين هذه الأناجيل، بعضها وبعض، وعشرات الأغلاط التاريخية، والنبوءات الكاذبة التي لم تتحقق، قرر فريدريك جرانت أن (العهد الجديد كتاب غير متجانس، ذلك أنه شتات مجمع، فهو لا يمثل وجهة نظر واحدة تسوده من أوله إلى آخره، لكنه في الواقع يمثل وجهات نظر مختلفة) . وأما دائرة المعارف الأمريكية فتذكر (أن هناك مشكلة هامة وصعبة تنجم عن التناقض الذي يظهر في نواح كثيرة بين الإنجيل الرابع، والثلاثة المتشابهة؛ إن الاختلاف بينهم عظيم، لدرجة أنه لو قبلت الأناجيل المتشابهة، باعتبارها صحيحة وموثوقا فيها، فإن ما يترتب على ذلك هو عدم صحة إنجيل يوحنا) . هذا مع اعتبار أن إنجيل يوحنا هو أشد هذه الأناجيل تقريرا لعقيدتهم في التثليث، بل إنهم ليعترفون أنه ألف من أجل تقرير هذه العقيدة التي أخلت بها الأناجيل الأخرى، وقطع اختلاف الناس في شأنها!! إن الكنيسة الكاثوليكية التي كانت تتمسك بشدة بعقيدة الإلهام، كأصل للكتاب المقدس، وأكدت على ذلك في مجمع الفاتيكان عام (1869-1870) ، عادت أمام هذه الحقائق لتعترف، بعد نحو قرن، في المجمع المسكوني الثاني للفاتيكان (1962-1965) بأن هذه الكتب تحتوي على شوائب، وشيء من البطلان، على ما نقله الباحث الفرنسي الكاثوليكي [الذي أسلم فيما بعد] د موريس بوكاي. ثم إن من كذب بشيء من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، وأحواله وسيرته الدالة على صدقه، كيف له أن يثبت معجزات هؤلاء الرسل المزعومين الذي كتبوا الأناجيل، أو يدلل على صدقهم في دعوى الإلهام؟! إن دعوى الإلهام صادقة في زعمهم بدليل شهادة الكتاب المقدس، وما فيه من ذكر معجزاتهم، والكتاب المقدس وما فيه صادق لأنه إلهام!! وهكذا ينتهي استدلالهم إلى الدور الباطل، كما نقله ريس في دائرة معارفه عن بعض المحققين: فالكتاب المقدس صحيح لأنه إلهام، وإلهامهم صادق لأن الكتاب المقدس شهد به!! ومن كذب بالقرآن المنقول بالتواتر، الفاشي في مشارق أرض الإسلام ومغاربها، جيلا بعد جيل، حفظا وكتابة، لا تختلف نسخه، ولا تضطرب ولا تتعارض، أنى له أن يثبت صحة الأناجيل التي يعتمد عليها، والتي لم توجد مجرد إشارة لها، فضلا عن أن توجد أعيانها، قبل مضي نحو قرنين من وفاة المسيح، على ما نقله نورتن عن إكهارن الجرمني، ثم ما وقع في مطلع القرن الرابع بالنصارى من البلاء، والهدم لكنائسهم، وتحريق كتبهم، ما يفقد الثقة بكتبهم التي وجدت بعد ذلك: فمتى وجدت، وعند من كانت في فترة الاضطهاد والاستخفاء، وكيف وصلت إلينا، وكيف، وكيف ... ، أسئلة كثيرة تدور حول هذه المعضلة، فيما عبرت عنه دائرة المعارف البريطانية بقولها: (ليس لدينا أية معرفة مؤكدة بالنسبة للكيفية التي تشكلت بموجبها قانونية الأناجيل الأربعة، ولا بالمكان الذي تقرر فيه ذلك) . وأما الجهل بالمترجم الذي نقلها عن اللغة الأصلية التي كتبت بها، وما مدى الثقة بعلمه ودينه وكفايته لهذه المهمة، وكيف لنا أن نتأكد من أنه نقلها على وجهها، فذلك لون آخر!! [يمكن مراجعة تفصيل ما أجملناه في هذا الجواب في: إظهار الحق، للشيخ رحمة الله الهندي، ومناظرة بين الإسلام والنصرانية، للشيخ محمد جميل غازي وآخرين] والله يهدينا وإياكم إلى صراطه المستقيم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 12637 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 هل الخضر نبي؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل الخضر ملَك أم رسول أم نبي أم ولي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الظاهر من إطلاق القرآن أنه نبي. قال الشيخ الشنقيطي – رحمة الله تعالى عليه – في تفسير قوله تعالى: {فوجدا عبداً من عبادنا آتيناه رحمةً من عندنا وعلمناه من لدنا علماً} الكهف/65: ولكنه يفهم من بعض الآيات أن هذه الرحمة المذكورة هنا رحمة نبوة، وأن هذا العلم اللدني علم وحي … ومعلوم أن الرحمة وإيتاء العلم اللدني أعم من كون ذلك عن طريق النبوة وغيرها، والاستدلال بالأعم على الأخص في أن وجود الأعم لا يستلزم وجود الأخص كما هو معروف، ومن أظهر الأدلة في أن الرحمة والعلم اللدني الذين امتن الله بهما على عبده الخضر عن طريق النبوة والوحي قوله تعالى: {وما فعلته عن أمري} الكهف / 82، أي: وإنما فعلته عن أمر الله جل وعلا، وأمر الله إنما يتحقق بطريق الوحي، إذ لا طريق تعرف بها أوامر الله ونواهيه إلا الوحي من الله جل وعلا، ولا سيما قتل الأنفس البريئة في ظاهر الأمر، وتعييب سفن الناس بخرقها؛ لأن العدوان على أنفس الناس وأموالهم لا يصح إلا عن طريق الوحي من الله تعالى، وقد حصر تعالى طرق الإنذار في الوحي في قوله تعالى: (قل إنما أنذركم بالوحي) الأنبياء/45، و " إنما " صيغة حصر. " أضواء البيان " (4 / 172، 173) . وقال: ". . . وبهذا كله تعلم: أن قتل الخضر للغلام، وخرقه للسفينة وقوله: (وما فعلته عن أمري) ، دليل ظاهر على نبوته، وعزا الفخر الرازي في تفسيره القول بنبوته للأكثرين، ومما يستأنس به للقول بنبوته تواضع موسى عليه الصلاة والسلام له في قوله: (هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا) الكهف/66، وقوله: (ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا) الكهف/69، مع قول الخضر له: (وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا) الكهف/68. " أضواء البيان (3/326) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 21793 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 إبراهيم عليه السلام [السُّؤَالُ] ـ[هل لك أن تعطيني بعض المعلومات عن النبي إبراهيم عليه السلام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أرسل الله نبيه إبراهيم عليه الصلاة والسلام وجعل في ذريته النبوة والكتاب: (واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقاً نبياً) مريم/41. وقد ربى الله إبراهيم وأكرمه بفضائل وصفات حميدة: (إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفاً ولم يك من المشركين، شاكراً لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم، وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين) النحل/120- 121- 122. وإبراهيم عليه السلام أبو الأنبياء فلم يبعث نبياً من بعده إلا من نسله وقد كان له ولدان اصطفاهما الله بالنبوة وهما إسماعيل جد العرب ومن نسله بعث الله النبي محمد صلى الله عليه وسلم أما الآخر فهو إسحاق وقد رزقه الله نبياً اسمه يعقوب ويلقب بإسرائيل وإليه ينسب بنو إسرائيل مع أنبيائهم. وقد أشار القرآن إلى أبوة إبراهيم للأنبياء بقوله عن إبراهيم: (ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلاً هدينا ونوحاً هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين، وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين، وإسماعيل واليسع ويونس ولوطاً وكلاً فضلنا على العالمين) الأنعام/84 - 86. وقد دعا إبراهيم عليه السلام قومه في العراق إلى عبادة الله وحده وترك عبادة الأوثان التي لا تنفع ولا تضر قال تعالى: (وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون، إنما تعبدون من دون الله أوثاناً وتخلقون إفكاً، إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقاً فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون) العنكبوت/16-17. وقد أراد إبراهيم عليه السلام أن يحرر قومه من عبادة الأصنام. ويخلصهم من الخرافات والأساطير فسأل قومه عن هذه الأصنام كما قال تعالى: (واتل عليهم نبأ إبراهيم، إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون، قالوا نعبد أصناماً فنظل لها عاكفين، قال هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون، قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون) الشعراء/67 - 74. ثم بين لهم أن لا ينقادوا لغيرهم بلا عقل كالبهائم وقرر لهم الحقيقة العظمى وهي عبادة الله وحده الذي بيده ملكوت كل شيء: (قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون، أنتم وآباؤكم الأقدمون، فإنهم عدو لي إلا رب العالمين، الذي خلقني فهو يهدين، والذي هو يطعمني ويسقين، وإذا مرضت فهو يشفين، والذي يميتني ثم يحيين، والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين) الشعراء/75 - 82. وقد كان أبو إبراهيم من عبدة الأصنام وكان ينحتها ويبيعها فعز على إبراهيم كفر أبيه فخصه بالنصيحة وقال له: (يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً، يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطاً سوياً) مريم/42 - 43. ولكن أباه لم يستجب له بل هدده بالرجم والهجر فقال: (أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني ملياً) مريم/46. فما كان من إبراهيم إلا أن تركه وقال له: (سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفياً) مريم/47. وظل إبراهيم يستغفر لأبيه ويرجو ربه هدايته فلما تبن له أنه عدو لله تبرأ منه وترك الاستغفار له قال تعالى: (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلاّ عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم) التوبة/114. ولما أصر قوم إبراهيم على عبادة الأصنام أراد إبراهيم أن يبين لهم بالبرهان العملي أن تلك الأصنام لا تضر ولا تنفع بعد أن لم يؤثر في قومه الوعظ والإرشاد: (فنظر نظرة في النجوم، فقال إني سقيم، فتولوا عنه مدبرين، فراغ إلى آلهتهم فقال ألا تأكلون، ما لكم لا تنطقون، فراغ عليهم ضرباً باليمين) الصافات/88-93. وقد كسر إبراهيم الأصنام إلا الكبير فتركه لعلهم يسألونه عمن فعل ذلك: (فجعلهم جذاذاً إلا كبيراً لهم لعلهم إليه يرجعون) الأنبياء/58. فلما رجعوا من عيدهم الذي خرجوا له رأوا الأصنام مكسرة واتهموا إبراهيم فقال لهم: (بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون) الأنبياء/63. ولما كانوا يعلمون أن تلك الأصنام لا تنطق لأنها جمادات حينئذ قالوا لإبراهيم: (لقد علمت ما هؤلاء ينطقون) الأنبياء/65. فلما اعترفوا بعجز تلك الأصنام قال لهم إبراهيم: (أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئاً ولا يضركم، أفٍ لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون) الأنبياء/67. ولما انقطعت حجتهم لجأوا إلى استعمال القوة فقالوا: (حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين) الأنبياء/68. فجمعوا حطباً كثيراً وأضرموه ناراً لها شرر ولهب عظيم ثم ألقوا إبراهيم عليه السلام في تلك لنار فقال حسبي الله ونعم الوكيل فأنجاه الله منها وجعلها عليه برداً وسلاماً , وأبطل كيد أعدائه: (قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم، وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأسفلين) الأنبياء/69-70. ولما نجا إبراهيم من النار أمره الله بالخروج والهجرة من أرض العراق إلى الأرض المقدسة في الشام فتزوج ابنة عمه - سارة - وخرج بها مهاجراًً مع ابن أخيه لوط إلى بلاد الشام كما قال سبحانه: (ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين) الأنبياء/71. ثم نزلت بأرض الشام ضائقة شديدة فنزح إبراهيم إلى مصر ومعه زوجته ثم عاد منها إلى فلسطين ومعه زوجته - سارة - وجارية لها تدعى - هاجر - ورغب إبراهيم في الذرية وزوجته كانت عقيماً وقد تقدمت بها السن ولما رأت رغبة زوجها في الولد أهدت إليه جاريتها -هاجر - فتزوجها ورزق منها ابنه إسماعيل: (رب هب لي من الصالحين، فبشرناه بغلام حليم) الصافات/100-101. وبعد أن ولدت هاجر إسماعيل ثارت الحسرة والغيرة في نفس سارة فطلبت من إبراهيم إقصاءهما عنها فأوحى الله إلى إبراهيم أن يأخذ هاجر وإسماعيل الرضيع ويذهب بهما إلى مكة فسار بهما وأنزل هاجر وطفلها إسماعيل في مكان قفر موحش ليس فيه ماء ثم تركهما وقفل راجعاً إلى فلسطين فقالت له هاجر لمن تتركنا بهذا الوادي القفر الموحش؟ ولكن إبراهيم مضى وتركها فقالت حينئذ آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، فقالت: إذن لا يضيعنا الله. واستسلم إبراهيم لأمر ربه وصبر على فراق زوجته وولده ثم التفت إليهم في مكانهم عند البيت الحرام ودعا بهذه الدعوات: (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون) إبراهيم/37. مكثت هاجر في مكة تأكل من الزاد وتشرب من الماء اللذين تركهما إبراهيم لها ولابنها فلما نفد ذلك عطشت وعطش ابنها فطلبت الماء وصعدت جبل الصفا فلم ترى شيئاً ثم صعدت جبل المروة فلم ترى شيئاً فعلت ذلك سبع مرات ثم التفتت إلى إسماعيل فإذا الماء ينبع من تحت قدميه ففرحت وشربت وسقت ابنها ثم جاءت قبيلة - جرهم - إلى هاجر واستأذنوها في السكن عند الماء فأذنت لهم فسكنوا بجوارها ولما كبر إسماعيل تزوج منهم وتعلم العربية منهم. وفي تلك الفترة كان إبراهيم يزور ابنه من وقت إلى لآخر وفي إحدى الزيارات رأى إبراهيم في المنام أنّ الله يأمره بذبح ابنه إسماعيل ورؤيا الأنبياء حق فعزم إبراهيم على تنفيذ أمر الله مع أنه في سن الشيخوخة وإسماعيل ابنه الوحيد قال تعالى: (فبشرناه بغلام حليم، فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين، فلما أسلما وتله للجبين، وناديناه أن يا إبرهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين، إن هذا لهو البلاء المبين، وفديناه بذبح عظيم) الصافات/101-107. ثم بشره الله بولد آخر وهو إسحاق ثم رجع إبراهيم إلى فلسطين: (وبشرناه بإسحاق نبياً من الصالحين) الصافات/112. وولد له إسحاق من زوجته سارة: (وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب) هود/71. ثم أقام إبراهيم في فلسطين مدة ثم جاء إلى مكة مرة أخرى لأمر عظيم فقد أمره الله أن يبني في مكة أول بيت يقام لعبادة الله فقام إبراهيم بالبناء وابنه إسماعيل يناوله الحجارة فلما ارتفع البنيان قام إبراهيم على حجر وهو مقام إبراهيم الموجود حول الكعبة قال تعالى: (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم) البقرة/127. وقد أمر الله إبراهيم وإسماعيل أن يطهرا البيت من الأصنام والنجاسات ليكون طاهراً للطائفين والقائمين والركع السجود ولما بنى إبراهيم البيت أمره الله أن يدعوا الناس للحج بقوله تعالى: (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق) الحج/27. ثم دعا إبراهيم عليه السلام بهذه الدعوات العظيمة لمكة ومن فيها: (وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلداً آمناً وأرزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلاً ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير) البقرة/126. ثم دعا له ولذريته بقوله: (ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم) البقرة/127-128. ثم دعا لأهل الحرم أن يبعث الله فيهم رسولاً منهم يدعوهم إلى عبادة الله وحده فقال: (ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم) البقرة/129. وقد استجاب الله دعاء نبيه إبراهيم فجعل مكة بلداً آمناً ورزق أهلها من الثمرات وبعث فيهم رسولاً منهم هو خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم فلله الحمد والشكر وقد كانت النبوة والرسالة بعد إبراهيم في بني إسرائيل زمناً طويلاً حتى بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم من نسل إسمايل رسولاً إلى الناس جميعاً وأمره بقوله: (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً) الأعراف/158. وقد أمر الله محمداً صلى الله عليه وسلم أن يتبع ملة إبراهيم فقال سبحانه: (ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين) النحل/123. وكانت وصية إبراهيم إلى أبنائه هي التمسك بدين الإسلام والعمل به حتى الممات قال تعالى: (ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلاّ وأنتم مسلمون) البقرة/132. اللهم صل على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. ومن الأنبياء في زمان إبراهيم عليه السلام لوط , وإسماعيل , وإسحق , ويعقوب ثم يوسف , ثم شعيب ثم أيوب ثم ذو الكفل ثم أرسل الله موسى وهارون عليهما وعلى سائر الأنبياء أفضل الصلاة والسلام. [الْمَصْدَرُ] من كتاب أصول الدين الإسلامي للشيخ محمد بن ابراهيم التويجري. الحديث: 13043 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 حوار مع نصراني حول صلب المسيح [السُّؤَالُ] ـ[لماذا يصعب على المسلمين أن يؤمنوا بأن المسيح قد صلب لمحو ذنوبنا، ويرفضون فكرة الصلب من أصلها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أما رفض المسلمين لهذه الفكرة فليس فيه عجب ولا غرابة، إذ كان القرآن الذي يؤمنون به، ويصدقون بخبره قد نفى ذلك الأمر نفيا قاطعا، كما قال الله تعالى: (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً) النساء/157 لكن الشأن إنما هو في النصارى الذين صارت عقيدة الصلب والفداء عندهم من الأهمية بمكانٍ، بحيث صار الصليب شعارا لدينهم!! والعجيب أنهم يختلفون في شكل هذا الصليب اختلافا يُلمح إلى تخبطهم في أصل هذه الفرية!! إن كل ما يتعلق بقصة الصلب هو محل اختلاف بين أناجيلهم ومؤرخيهم: فقد اختلفوا في وقت العشاء الأخير بزعمهم، الذي كان مقدمة من مقدمات الصلب، واختلفوا في التلميذ الخائن الذي دل على السيد المسيح: هل كان قبل العشاء الأخير بيوم على الأقل، كما يروي لوقا، أو أثناءه، بعد أن أعطاه المسيح اللقمة، كما يروي يوحنا؟! وهل المسيح هو الذي حمل صليبه كما يروي يوحنا، على ما كان معتادا فيمن يصلب، على حد قول نيتنهام، أو هو سمعان القيرواني، كما يروي الثلاثة الآخرون؟! وإذا كانوا قد ذكروا أن اثنين من اللصوص صلبا كما صلب المسيح، أحدهما عن يمينه، والآخر عن شماله، فما كان موقف هذين المصلوبين من المسيح المصلوب، بزعمهم: هل عيره اللصان بصلبه، وأن ربه أسلمه إلى أعدائه، أو عيره أحدهما فقط، والثاني انتهر هذا المُعَيِّر؟! ثم في أي ساعة كان هذا الصلب: الثالثة كما يروي مرقس، أو السادسة كما يروي يوحنا؟! وماذا حدث بعد الصلب الذي زعموه: إن مرقس يروي أن حجاب الهيكل قد انشق من فوق إلى أسفل، ويزيد متى أن الأرض تزلزلت، والصخور تشققت، وقام كثير من القديسين من قبورهم، ودخلوا المدينة المقدسة، وظهروا لكثيرين، بينما لوقا يروي أن الشمس أظلمت، وانشق حجاب الهيكل من وسطه، فلما رأى قائد المائة ما كان، مجد الله قائلا: بالحقيقة كان هذا الإنسان بارا. وأما يوحنا فلا يعلم عن ذلك شيئا!! وليس هذا فقط هو كل ما تحويه قصة الصلب، كما توردها الأناجيل، من عناصر الضعف، ودلائل البطلان، وإنما يمكن للناظر في تفاصيل الروايات التي توردها الأناجيل لهذه القصة أن يلمس بأدنى نظر ما بينها من اختلاف شديد في تفاصيل تلك القصة، وما دار حولها، بحيث يتعذر الإيمان بذلك كله، أو التصديق بأي ذلك كان!! وكم هي شاقة تلك المحاولة اليائسة لسد تلك الثغرات، وستر عورات الكتب المحرفة، وصدق الله العظيم إذ يقول في كتابه المحفوظ: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اختِْلافاً كَثِيراً) النساء/82 إنها محاولة قروي ساذج لإقناع العلماء أن قنابل الذَّرَّة مصنوعة من كيزان الذٌّرَة، على حد تعبير بعض الدعاة!! وبعيدا عن سقوط الثقة بأخبار الأناجيل المحرفة، والتي اعترف أهلها أنفسهم بأنها لم تنزل على المسيح هكذا، بل ولا كتبت في حياته، فإن شهود الإثبات جميعاً لم يحضروا الواقعة التي يشهدون فيها، كما قال مرقس: {فتركه الجميع وهربوا} (مرقس 14/50) وإزاء ذلك الموقف الذي لم يشهده أحد ممن حكاه، فلتذهب الظنون كل مذهب، والخيال مثل الشِّعر: أعذبه أكذبه!! ولنكمل صورة الحديث عن أسطورة صلب المسيح عليه السلام، بما ذكرته الأناجيل من تنبؤات المسيح بنجاته من القتل: ذات مرة أرسل الفريسيون ورؤساء الكهنة الحرس ليمسكوا به، فقال لهم: {سأبقى معكم وقتا قليلا، ثم أمضي إلى الذي أرسلني، ستطلبوني فلا تجدوني، وحيث أكون أنا لا تقدرون أن تجيئوا} [يوحنا: 7/32-34} وفي موقف آخر يقول: {أنا ذاهب، وستطلبوني، وفي خطيئتكم تموتون، وحيث أنا ذاهب لا تقدرون أنتم أن تجيئوا. فقال اليهود: لعله سيقتل نفسه، لأنه قال: حيث أنا ذاهب لا تقدرون أن تجيئوا. وقال لهم: أنتم من أسفل، أما أنا فمن فوق، أنتم من هذا العالم، وما أنا من هذا العالم ..... متى رفعتم ابن الإنسان، عرفتم أني أنا هو، وأني لا أعمل شيئا من عندي، ولا أقول إلا ما علمني الآب، والآب الذي أرسلني هو معي، وما تركني وحدي، لأني في كل حين أعمل ما يرضيه} . [يوحنا: 8/21-29] ثم يعود ليقول لهم آخر الأمر: {لن تروني إلا يوم تهتفون: تبارك الآتي باسم الرب. وخرج يسوع من الهيكل ... } [متى: 32/39، 24/1] وأيضا: [لوقا 13/35] . لقد كان المسيح، كما تصوره هذه النصوص وغيرها أيضا، على ثقة من أن الله ـ تعالى ـ لن يسلمه إلى أعدائه، ولن يتخلى عنه: {تجيء ساعة، بل جاءت الآن، تتفرقون فيها، كل واحد في سبيله، وتتركوني وحدي؛ ولكن لا أكون وحدي، لأن الآب معي ... ستعانون الشدة في هذا العالم، فتشجعوا؛ أنا غلبت العالم!!} [يوحنا: 16/32-33] . ولأجل هذا كان المارة، بل كل من حضر التمثيلية المزعومة لصلبه (!!) يسخرون من المسيح، حاشاه من ذلك صلى الله عليه وسلم، كما يقول كاتب هذا الإنجيل: {وكان المارة يهزون رؤوسهم ويشتمونه، ويقولون: ... إن كنت ابن الله، فخلص نفسك، وانزل عن الصليب. وكان رؤساء الكهنة، ومعلمو الشريعة والشيوخ يستهزئون به، فيقولون: خلَّصَ غيره، ولا يقدر أن يخلص نفسه؟! هو ملك إسرائيل، فلينزل الآن عن الصليب لنؤمن به؛ توكَلَ على الله وقال: أنا ابن الله، فلينقذه الله إن كان راضيا عنه. وعيره اللصان المصلوبان معه أيضا، فقالا مثل هذا الكلام.} لكن يبدو أن يقين عسى بمعية الله له قد بدأ يتزعزع، على ما تصوره أناجيلهم المحرفة، حاشاه عليه السلام من ذلك: {جاء معهم يسوع إلى موضع اسمه جَتْسِماني، فقال لهم: اجلسوا ههنا حتى أذهب وأصلّي هناك، ثم أخذ معه بطرس وابني زبدي، وبدأ يشعر بالحزن والكآبة، فقال لهم: نفسي حزينة حتى الموت، امكثوا ههنا واسهروا معي. وابتعد عنهم قليلاً وارتمى على وجهه، وصلّى فقال: إن أمكن يا أبي فلتعبر عني هذه الكأس، ولكن ليس كما أريد أنا، بل كما أنت تريد. ثم جاء إلى التلاميذ فوجدهم نياماً.. وابتعد ثانية، وصلّى فقال: يا أبي إذا كان لا يمكن أن تعبر عني هذه الكأس، إلا إن أشربها، فلتكن مشيئتك، ثم جاء فوجدهم أيضاً نياماً ... وعاد إلى الصلاة مرة ثالثة، فردد الكلام نفسه. ثم رجع إلى التلاميذ، وقال لهم: أنيام بعدُ ومستريحون؟! جاءت الساعة التي فيها يُسْلَم ابن الإنسان إلى أيدي الخاطئين} [متى 26/36 -40] . ويصف لوقا المشهد، فيقول: { ... ووقع في ضيق، فأجهد نفسه في الصلاة، وكان عرقه مثل قطرات دم تتساقط على الأرض، وقام عن الصلاة، ورجع إلى التلاميذ فوجدهم نياما من الحزن، فقال لهم ما بالكم نائمين، قوموا وصلوا لئلا تقعوا في التجربة} [لوقا 22/44] . ولأجل هذا الاستهزاء بدعوى المسيح، في زعمهم، ولأجل ما كان يظنه المسيح من أن الله معه ولن يخذله، كان منطقيا أن ينهي الكاتب الذي افترى هذا المشهد الدرامي، بلقطة بائسة تمثل حسرة المسيح، وخيبة ظنه في معية الله له، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا، يقول الكاتب المفتري: {وعند الظهر خيم على الأرض كلها ظلام حتى الساعة الثالثة , ونحو الساعة الثالثة صرخ يسوع بصوت عظيم: إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟!!} [متى: 27/38-47] وأيضا: [مرقس: 15/29-35] . وإذ قد عرفنا قيمة تلك القصة في ميزان النقد، فإن ما بني عليها من عقيدة الفداء والتضحية تبع لها. وانظر أيضا حول عقيدة الفداء عند النصارى: السؤال رقم [6] والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل، لا رب سواه. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 12615 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 هل يمكن للبشر رؤية الملائكة والنبي صلى الله عليه وسلم يقظة عياناً؟ [السُّؤَالُ] ـ[كنا قد قمنا بمسيرة احتجاجية كبيرة بالعاصمة لمساندة الشعب الفلسطيني والشعب العراقي ضد الاحتلال الإسرائيلي والأمريكي، بعد انتهاء المسيرة سمعت بعض الإخوان والأخوات يتحدثون أنهم رأوا سيدنا جبريل نازلاً من السماء وكذلك رأوا سيدنا محمد (ص) والكثير من الملائكة يرافقونهم، تأييداً لهذه المسيرة، فهل هذه المشاهدات قد تكون حقيقية ويجب علينا تصديقها وإلا سوف نعاقب بسوء الظن في إخواننا المسلمين؟ بالنسبة لي لم أستطع التصديق علما أن أهل بدر والصحابة الأجلاء العشرة المبشرين بالجنة لم يروا الملائكة الكرام بالعين المجردة ولا رأوا سيدنا جبريل! فهل نستطيع أن نقول إن هذا وهَم المشاهدة؟ أي: تخيل رؤية الشيء حتى يصبح حقيقة يصدقه العقل وتراه العين؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: سبق في جواب السؤال رقم (11469) بيان حكم المظاهرات فلينظر. ثانياً: لا ينبغي اختصار الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم بحرف الصاد، ولا بكلمة " صلعم "! ومن كتب مثل هذا السؤال الطويل لا يعجزه كتابة الصلاة والسلام عليه كاملة. وقد سبق بيان حكم كتابة هذين الاختصارين في جواب السؤال رقم (47976) فلينظر. ثالثاً: الملائكة خلقت من نور – كما رواه مسلم (2996) - ولا يمكن لأحدٍ أن يدَّعي أنه رآها على صورتها الحقيقية إلا أن يكون نبيّاً يُصدَّق قوله، وأما أن يراهم متشكلين على هيئات أحدٍ من البشر فيمكن هذا لعامة الناس وخاصتهم، وقد جاء في السنَّة النبوية من ذلك كثير، سواء في هذه الأمة أم في الأمم التي قبلها. وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو موفور العقل والدين لم يحتمل رؤية جبريل عليه السلام على صورته الحقيقية التي خلقه الله عليها، فكيف أطاقه هؤلاء - هذا إن سلَّمنا أنهم رأوه أصلاً -؟! قال الشيخ عمر الأشقر: ولما كانت الملائكة أجساماً نورانيَّة لطيفة؛ فإن العباد لا يستطيعون رؤيتهم، خاصة أن الله لم يُعطِ أبصارنا القدرة على هذه الرؤية، ولم يرَ الملائكةَ في صُوَرهم الحقيقية من هذه الأمَّة إلا الرسول صلى الله عليه وسلَّم؛ فإنه رأى جبريل مرتين في صورته التي خلَقه الله عليها، وقد دلَّت النصوص على أن البشر يستطيعون رؤية الملائكة إذا تمثَّلت الملائكة في صورة البشر. " عالَم الملائكة الأبرار " (ص 11) . وقال أيضاً – في سياق إثبات بشرية الرسل والرد على من اقترح أن يكونوا من الملائكة -: الرابع: صعوبة رؤية الملائكة، فالكفار عندما يقترحون رؤية الملائكة، وأن يكون الرسل إليهم ملائكة لا يدركون طبيعة الملائكة، ولا يعلمون مدى المشقة والعناء الذي سيلحق بهم من جراء ذلك. فالاتصال بالملائكة ورؤيتهم أمر ليس بسهل، فالرسول صلى الله عليه وسلم مع كونه أفضل الخلق، وهو على جانب عظيم من القوة الجسميَّة والنفسيَّة عندما رأى جبريل على صورته أصابه هول عظيم ورجع إلى منزله يرجف فؤاده، وقد كان صلى الله عليه وسلم يعاني من اتصال الوحي به شدّة، ولذلك قال في الردّ عليهم: (يومَ يروْنَ الملائكةَ لا بُشرى يومئذٍ للمُجرمين) الفرقان/22، ذلك أنَّ الكفار لا يرون الملائكة إلا حين الموت أو حين نزول العذاب، فلو قُدّر أنّهم رأوا الملائكة لكان ذلك اليوم يوم هلاكهم. فكان إرسال الرسل من البشر ضروريّاً كي يتمكنوا من مخاطبتهم، والفقه عنهم، والفهم منهم، ولو بعث الله رسله إليهم من الملائكة لما أمكنهم ذلك (ومَا مَنَعَ النَّاس أنْ يؤمنوا إذ جاءَهُم الهُدى إلاّ أنْ قالوا أبَعَثَ اللهُ بشراً رسُولاً. قُلْ لو كان في الأرضِ ملائكةٌ يمشون مطمئنينَ لنزّلنا عليهم من السّماء ملكاً رسُولاً) الإسراء/94، 95، أما وأن الذين يسكنون الأرض بشر فرحمة الله وحكمته تقتضي أن يكون رسولهم من جنسهم (لَقَدْ مَنَّ اللهُ على المؤمنينَ إذْ بعثَ فيهم رسُولاً من أنفسِهِم) آل عمران/164. وإذا كان البشر لا يستطيعون رؤية الملائكة والتلقي عنهم بيسر وسهولة فيقتضي هذا - لو شاء الله أن يرسل مَلكا رسولا إلى البشر - أن يجعله رجلا (ولَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لجعلناهُ رَجُلاً ولَلَبسْنا عليهم ما يلبِسون) الأنعام/9. والتباس الأمر عليهم بسبب كونه في صورة رجل، فلا يستطيعون أن يتحققوا من كونه ملكاً، وإذا كان الأمر كذلك فلا فائدة من إرسال الرسل من الملائكة على هذا النحو، بل إرسالهم من الملائكة على هذا النحو لا يحقق الغرض المطلوب، لكون الرسول الملك لا يستطيع أن يحس بإحساس البشر وعواطفهم وانفعالاتهم وإن تشكل بأشكالهم. " الرسل والرسالات " (72، 73) . رابعاً: وأما رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة فهو من أقوال المخرفين من الصوفية، ولا أصل له في الشرع ولا في واقع الحال، وقد وقعت للصحابة رضي الله عنهم أمورٌ عظيمة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، وكانوا في أمس الحاجة لوجوده بينهم، فَلِمَ لمْ يظهر لهم؟ ولم يروه وهو أحب الناس إليهم، وهم أحب الناس إليه؟! وأما استدلال بعضهم بالحديث الذي في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من رآني في المنام فسيراني في اليقظة) على إمكانية رؤية النبي صلى الله عليه وسم يقظة: فليس فيه ما يدل على ما قالوه، بل هذا فيه البشرى لمن رآه في المنام أن يراه في الجنة، وليس المعنى أنه يراه يقظة في الدنيا. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وشذ بعض الصالحين فزعم أنها تقع - يعني الرؤية - بعيني الرأس حقيقة. " فتح الباري " (12 / 384) . وقال النووي رحمه الله في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فسيراني في اليقظة) : فيه أقوال: أحدها: أن يراد به أهل عصره، ومعناه: أن من رآه في النوم ولم يكن هاجر يوفقه الله للهجرة ورؤيته صلى الله عليه وسلم في اليقظة عياناً. وثانيها: أنه يرى تصديق تلك الرؤيا في اليقظة في الدار الآخرة؛ لأنه يراه في الآخرة جميع أمته. وثالثها: أنه يراه في الآخرة رؤية خاصة في القرب منه وحصول شفاعته، ونحو ذلك. " شرح مسلم " (15 / 26) . ولا يتعارض ما ذكره النووي في القول الأول مع ما أنكره الحافظ ابن حجر؛ لأن النووي ذكر أنه يراد به أهل عصره صلى الله عليه وسلم، وما أنكره الحافظ إنما هو لمن زعم الرؤية حقيقة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم. وقال أبو العباس القرطبي – ردّاً على من قال برؤيته صلى الله عليه وسلم يقظة -: وهذا يدرك فساده بأوائل العقول، ويلزم عليه أن لا يراه أحد إلا على صورته التي مات عليها، وأن يراه رائيان في آن واحد في مكانين، وأن يحيا الآن ويخرج من قبره ويمشي في الأسواق ويخاطب الناس ويخاطبوه، ويلزم من ذلك أن يخلو قبره من جسده ولا يبقى في قبره منه شيء، فيزار مجرد القبر ويسلم على غائب؛ لأنه جائز أن يرى في الليل والنهار مع اتصال الأوقات على حقيقته في غير قبره. نقله عنه الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (12 / 384) . وأيضاً لو كان صحيحاً أن أحداً يرى النبي صلى الله عليه وسلم يقظة لكان عداده في الصحابة ولاستمرت الصحبة إلى يوم القيامة. وقد ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني أن ابن أبى جمرة نقل عن جماعة من المتصوفة " أنهم رأوا النبي صلى الله عليه وسلم في المنام ثم رأوه بعد ذلك في اليقظة وسألوه عن أشياء كانوا منها متخوفين فأرشدهم إلى طريق تفريجها فجاء الأمر كذلك "! ثم تعقب الحافظ ذلك بقوله: " وهذا مشكل جدّاً، ولو حمل على ظاهره: لكان هؤلاء صحابة، ولأمكن بقاء الصحبة إلى يوم القيامة، ويعكِّر عليه أن جمعاً جمّاً رأوه في المنام ثم لم يذكر واحد منهم أنه رآه في اليقظة، وخبر الصادق لا يتخلف. " فتح الباري " (12 / 385) . وفي رد علماء اللجنة الدائمة على عقيدة التيجاني قالوا: ولم يثبت عن الخلفاء الراشدين ولا سائر الصحابة رضي الله عنهم أن أحداً منهم وهم خير الخلق بعد الأنبياء ادعى أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقظة، ومن المعلوم من الدين بالضرورة أن التشريع قد أكمل في حياته صلى الله عليه وسلم، وأن الله قد أكمل للأمة دينها وأتم عليها نعمته قبل أن يتوفى رسوله صلى الله عليه وسلم إليه، قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً) المائدة/3، فلا شك أن ما زعمه أحمد التيجاني لنفسه من رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة وأنه أخذ عنه الطريقة التيجانية يقظة مشافهة، وأنه عيَّن له الأوراد التي يذكر الله بها ويصلي على رسوله بها لاشك أن هذا من البهتان والضلال المبين. " فتاوى اللجنة الدائمة " (2 / 325، 326) . وقالوا أيضاً: فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما بلغ الرسالة وأكمل الله به دينه وأقام به الحجة على خلقه، وصلى عليه أصحابه رضي الله عنهم صلاة الجنازة، ودفنوه حيث مات في حجرة عائشة رضي الله عنها، وقام من بعده الخلفاء الراشدون، وقد جرى في أيامهم أحداث ووقائع فعالجوا ذلك باجتهادهم، ولم يرجعوا في شيء منها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن زعم بعد ذلك أنه رآه في اليقظة حيا وكلمه أو سمع منه شيئا قبل يوم البعث والنشور فزعمه باطل؛ لمخالفته النصوص والمشاهدة وسنة الله في خلقه، وليس في هذا الحديث دلالة على أنه سيرى ذاته في اليقظة في الحياة الدنيا؛ لأنه يحتمل أن المراد بأنه: فسيراني يوم القيامة، ويحتمل أن المراد: فسيرى تأويل رؤياه؛ لأن هذه الرؤيا صادقة بدليل ما جاء في الروايات الأخرى من قوله صلى الله عليه وسلم: " فقد رآني " الحديث، وقد يراه المؤمن في منامه رؤيا صادقة على صفته التي كان صلى الله عليه وسلم عليها أيام حياته الدنيوية. " فتاوى اللجنة الدائمة " (1 / 486، 487) . وخلاصة ما سبق: أنه لا يجوز لأحدٍ – بعد الأنبياء - أن يدَّعي رؤية الملائكة؛ فهم أجسام نورانية لم يجعل الله تعالى في مقدور البشر رؤيتهم إلا إن تشكلوا. ولا يجوز لأحدٍ أن يدَّعي رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة، ولعل هذه الأوهام والخيالات كانت من بعض مَنْ ليس عنده علم شرعي ولا عقل ناضج فراح يتخيل ويتصور وجود ما لا حقيقة له. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 70364 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 طفل يسأل لماذا يجب علينا أن نحبّ ونحترم رسولنا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أقصى درجة؟ [السُّؤَالُ] ـ[لماذا يجب علينا أن نحب ونطيع ونتبع ونحترم رسولنا محمَّداً صلى الله عليه وسلم إلى أقصى درجة؟ (أو أكثر من أي شخص آخر) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله مرحباً بك أيها الابن الحبيب، مراسلا لنا في موقعنا، ونسأل الله أن ينبتك أنت وأولاد المسلمين نباتاً حسناً، وأن يوفق والديك لتربيتك تربية إسلامية لتحمل لواء الإيمان، وتكون بطلاً من جند هذا الدين. وبعد فإني أسألك أيها الحبيب: إذا كنت تحب اللعب، وأمرك أبوك بترك اللعب في وقت من الأوقات لتذاكر دروسك، فماذا تفعل؟ لو كنت تحب أباك محبة صادقة، سوف تنفذ ما طلبه، حتى وإن كنت تحب اللعب!! لو كنت تخاف أن يعاقبك أبوك، وتعلم أنه يعاقب من لا يسمع كلامه، فسوف تترك اللعب لتذاكر!! لو كنت تنتظر هدية أو مكافأة من أبيك على مذاكرتك ونجاحك، فسوف تمنع نفسك من اللعب في بعض الأوقات، وتتحمل تعب المذاكرة، من أجل أن تفوز بالجائزة!! أيها الابن الكريم: إن فضل النبي صلى الله عليه وسلم علينا أعظم من فضل الوالد والوالدة، والناس أجمعين، فكل خير عندنا وعند الوالدين من عند الله (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ) النحل/53، والجائزة التي أعدها الله لمن يطيعه أعظم جائزة: الجنة (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) المائدة/9، والعقاب الذي أعده لمن يعصيه شر عقاب وأشده (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) النساء/14، وطاعة الله لا تتم إلا بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) النساء/80 وهكذا دخول الجنة لا يتم إلا بطاعة الرسول: روى الترمذي (2860) عن جابر رضي الله عنه قال: (خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ إِنِّي رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ جِبْرِيلَ عِنْدَ رَأْسِي وَمِيكَائِيلَ عِنْدَ رِجْلَيَّ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: اضْرِبْ لَهُ مَثَلا. فَقَالَ: اسْمَعْ سَمِعَتْ أُذُنُكَ، وَاعْقِلْ عَقَلَ قَلْبُكَ، إِنَّمَا مَثَلُكَ وَمَثَلُ أُمَّتِكَ كَمَثَلِ مَلِكٍ اتَّخَذَ دَارًا ثُمَّ بَنَى فِيهَا بَيْتًا ثُمَّ جَعَلَ فِيهَا مَائِدَةً، ثُمَّ بَعَثَ رَسُولا يَدْعُو النَّاسَ إِلَى طَعَامِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَجَابَ الرَّسُولَ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَرَكَهُ، فَاللَّهُ هُوَ الْمَلِكُ، وَالدَّارُ الإِسْلامُ، وَالْبَيْتُ الْجَنَّةُ، وَأَنْتَ يَا مُحَمَّدُ رَسُولٌ، فَمَنْ أَجَابَكَ دَخَلَ الإِسْلامَ، وَمَنْ دَخَلَ الإِسْلامَ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ أَكَلَ مَا فِيهَا) انظر السلسلة الصحيحة للألباني (3595) أعرفت الآن لماذا يجب علينا أن نحب الرسول صلى الله عليه وسلم ونحترمه إلى أقصى درجة؟ لأنه صلى الله عليه وسلم هو الذي أرشدنا إلى طريق الجنة، فلا يمكن لنا أن ندخل الجنة إلا باتباعه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والعمل بسنّته، والجنة هي أعظم شيء يرجوه المسلم ويسعى إليه. والآن أيها الابن العزيز أذكرك بتطبيق حي لهذه المحبة البالغة، والطاعة الكاملة: لابد أنك سمعت قصة هجرة النبي صلى الله عليه وسلم – من والدك، أو في المسجد الذي تصلي فيه، أو من معلمك في المدرسة، وأسألك: لو لم يكن علي بن أبي طالب رضي الله عنه – يحب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أقصى درجة، ويحترمه ويطيعه أيضاً إلى أقصى درجة، هل كان من الممكن أن يقوم بهذه المهمة الخطرة. وأخيراً: نشكرك على هذا السؤال المهم، ولأهميته فقد أعدنا الجواب عنه بأسلوب آخر فراجعه إن شئت برقم (14250) واطلب من والدك أن يشرح لك تلك الإجابة. وفقنا الله جميعا إلى أعلى مراتب الإيمان، وأنزلنا برحمته عالي الجنان. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20257 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 أفضلية النبي صلى الله عليه وسلم على سائر الخلق [السُّؤَالُ] ـ[أعتقد موقنا بأن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم هو أفضل الرسل عليهم السلام. فهل ورد في القرآن أو السنة ما يؤيد ذلك؟ لقد ورد في آية قوله تعالى " لا نفرق بين أحد من رسله ... " وشكرا لك.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: قول الله تعالى: (لا نُفَرِّق بَيْن أحدٍ من رُسُلِه) البقرة/285، قال ابن كثير في تفسيرها: المؤمنون يصدِّقون بجميع الأنبياء والرسل، والكتب المُنَزَّلة من السماء، على عباد الله المرسلين والأنبياء لا يُفَرِّقون بين أحدٍ منهم، فَيُؤْمِنُون بِبَعْضٍ ويَكْفُرون ببعض، بل الجميع عندهم صادقون بَارُّون راشدون مَهْدِيُّون هادون إلى سبيل الخير، وإنْ كان بعضهم يَنْسَخ شريعة بعض، حتى نُسِخَ الجميع بشرع محمدٍ خَاتَم الأنبياء والمرسَلِين، الذي تَقُومُ الساعة على شريعَتِهِ. تفسير ابن كثير1/736 أما تفاضل الأنبياء بعضهم على بعض فإن الله عز وجل أخبرنا بذلك فقال: (تِلْكَ الرُّسل فضَّلنا بعضهم على بعضٍ منهم من كَلَّم الله ورَفَعَ بعضهم دَرَجَاتٍ) البقرة/253، فأخبرنا الله أن بعضهم فوق بعض درجات ولذلك كان المصطفى من الرسل هم ألو العزم قال تعالى: (وإذ أخذنا من النَّبيينَ ميثاقَهُمْ ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقاً غليظاً) الأحزاب/7. ومحمد صلى الله عليه وسلم أفضلهم ويَدَلُّ لذلك أنه إمامهم ليلة المعراج، ولا يقدم إلا الأفضل ومما يدل على أنه أفضلهم ما جاء عن أَبُي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ " رواه مسلم (الفضائل/4223) قال النووي في شرحه لصحيح مسلم قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَنَا سَيِّد وَلَد آدَم يَوْم الْقِيَامَة , وَأَوَّل مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْر , وَأَوَّل شَافِع وَأَوَّل مُشَفَّع) قَالَ الْهَرَوِيُّ: السَّيِّد هُوَ الَّذِي يَفُوقُ قَوْمه فِي الْخَيْر , وَقَالَ غَيْره: هُوَ الَّذِي يُفْزَعُ إِلَيْهِ فِي النَّوَائِب وَالشَّدَائِد , فَيَقُومُ بِأَمْرِهِمْ , وَيَتَحَمَّلُ عَنْهُمْ مَكَارِههمْ , وَيَدْفَعُهَا عَنْهُمْ. وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَوْم الْقِيَامَة) مَعَ أَنَّهُ سَيِّدهمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَة , فَسَبَبُ التَّقْيِيد أَنَّ فِي يَوْم الْقِيَامَة يَظْهَرُ سُؤْدُده لِكُلِّ أَحَدٍ , وَلا يَبْقَى مُنَازِع , وَلا مُعَانِد , وَنَحْوه , بِخِلافِ الدُّنْيَا فَقَدْ نَازَعَهُ ذَلِكَ فِيهَا مُلُوكُ الْكُفَّار وَزُعَمَاء الْمُشْرِكِينَ. قَالَ الْعُلَمَاء: وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَنَا سَيِّد وَلَد آدَم) لَمْ يَقُلْهُ فَخْرًا , بَلْ صَرَّحَ بِنَفْيِ الْفَخْر فِي غَيْر مُسْلِم فِي الْحَدِيث الْمَشْهُور: (أَنَا سَيِّد وَلَد آدَم وَلا فَخْرَ) وَإِنَّمَا قَالَهُ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدهمَا اِمْتِثَال قَوْله تَعَالَى: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّك فَحَدِّثْ) وَالثَّانِي أَنَّهُ مِنْ الْبَيَان الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ تَبْلِيغه إِلَى أُمَّته لِيَعْرِفُوهُ , وَيَعْتَقِدُوهُ , وَيَعْمَلُوا بِمُقْتَضَاهُ , وَيُوَقِّرُوهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا تَقْتَضِي مَرْتَبَتُهُ كَمَا أَمَرَهُمْ اللَّه تَعَالَى. وَهَذَا الْحَدِيث دَلِيل لِتَفْضِيلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْخَلْقِ كُلِّهِمْ ; لأَنَّ مَذْهَب أَهْل السُّنَّة أَنَّ الآدَمِيِّينَ أي أهل الطاعة والتقى أفضل مِنْ الْمَلائِكَة , وَهُوَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَل الآدَمِيِّينَ وَغَيْرهمْ. وَأَمَّا الْحَدِيث الآخَر: " لا تُفَضِّلُوا بَيْن الأَنْبِيَاء " فَجَوَابه مِنْ خَمْسَة أَوْجُه: أَحَدهَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ قَبْل أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ سَيِّد وَلَد آدَم , فَلَمَّا عَلِمَ أَخْبَرَ بِهِ. وَالثَّانِي قَالَهُ أَدَبًا وَتَوَاضُعًا. وَالثَّالِث أَنَّ النَّهْيَ إِنَّمَا هُوَ عَنْ تَفْضِيلٍ يُؤَدِّي إِلَى تَنْقِيص الْمَفْضُول. وَالرَّابِع إِنَّمَا نَهْيٌ عَنْ تَفْضِيلٍ يُؤَدِّي إِلَى الْخُصُومَة وَالْفِتْنَة كَمَا هُوَ الْمَشْهُور فِي سَبَب الْحَدِيث. وَالْخَامِس أَنَّ النَّهْيَ مُخْتَصٌّ بِالتَّفْضِيلِ فِي نَفْس النُّبُوَّة , فَلا تَفَاضُلَ فِيهَا , وَإِنَّمَا التَّفَاضُل بِالْخَصَائِصِ وَفَضَائِل أُخْرَى وَلا بُدَّ مِنْ اِعْتِقَادِ التَّفْضِيل , فَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) وَاَللَّه أَعْلَم.أهـ وخصائص النبي صلى الله عليه وسلم التي تؤكد أفضليته على باقي الرسل كثيرة نذكر بعضا منها مما جاء في الكتاب والسنة: أن الله عز وجل خصَّ القرآن الكريم المُنَزَّل عليه بالحفظ دون غيره من الكتب، قال تعالى: (إنّا نحن نزَّلنا الذِّكر وإنّا له لحافظون) الحجر/9، أما الكتب الأخرى فقد وَكَلَ الله أمْرَ حفظها إلى أهلها قال تعالى: (إنا أنزلنا التوراة فيها هدىً ونور يَحْكُم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربَّانِيُّون والأحبار بما اسْتُحْفِظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء) المائدة/44. أنه خاتم الأنبياء والمرسلين قال تعالى: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين) الأحزاب/40. اختصاصه بأنه أرسل إلى الناس عامة قال تعالى: (تَبَارَكَ الذي نَزَّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً) الفرقان/1. ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم في الأخرة: أنه صاحب المقام المحمود يوم القيامة قال تعالى: (ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يَبْعَثَكَ ربك مقاماً محموداً) الإسراء/79، قال ابن جرير: قال أكثر أهل التأويل: ذلك المقام الذي يقومه صلى الله عليه وسلم للشفاعة يوم القيامة للناس، لِيُرِيحهم ربهم من عظيم ما هم فيه من شدة ذلك اليوم. تفسير ابن كثير5/103 أنه سيد الخلق يوم القيامة، وتقدم ذكر الحديث فيه. أنه أول من يَجُوزُ الصِّراط بأمته يوم القيامة أخرج البخاري في ذلك حديث أبي هريرة الطويل، وفيه … .." فأكون أول من يَجُوزُ من الرسل بأمته " (الأذان/764) . ومن الأدلة الواضحة على أنه أفضل الأنبياء أنهم كلهم لا يشفعون، ويحيل الواحد منهم الناس على الآخر، حتى يحيلهم عيسى على محمد صلى الله عليه وسلم، فيقول: أنا، ثمَّ يتقدم فيشفع للجميع، فيحمده على ذلك الأولون والآخرون، والأنبياء وسائر الخلق. وخصائصه عليه الصلاة والسلام التي وردت الآيات والأحاديث الصحيحة أكثر من أن نذكرها في مقام مُوجَز، فقد أُلِّفَتْ فيها الكتب. انظر كتاب خصائص المصطفى صلى الله عيه وسلم بين الغلو والجفاء للصادق بن محمد 33-79 والخلاصة: أننا نفضل نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم عن سائر الأنبياء والناس، للأدلة الواردة في ذلك، مع حفظنا لحقوق جميع الأنبياء والمرسلين والإيمان بهم وتوقيرهم. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 10669 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 أوّلُ الأنبياء، وأوّل الرسُلْ [السُّؤَالُ] ـ[أريد معرفة ما إذا كان آدم عليه السلام نبيا. وإذا لم يكن آدم عليه السلام هو نبينا الأول , فمن يكون نبينا الأول إذن؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله آدم عليه السلام هو أول الأنبياء، كما جاء في الحديث الذي أخرجه ابن حبان في صحيحه، أن النبي صلى الله عليه وسلم: سُئِلَ عن آدم أنبي هو؟ قال: (نعم نَبِِيٌ مُكَلَّمْ) ، ولكنه ليس برسول لما جاء في حديث الشفاعة أن الناس يذهبون إلى نوح فيقولون: " أنت أول رسول بعثه الله إلى الأرض ". وهذا نص صريح بأن نوحا أول الرسل، والله أعلم. مجموع فتاوى ابن عثيمين 1/317 فآدم أبو البشر وهو نبي، فهو أول الأنبياء. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 10551 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 الإيمان بالكتب والرسل [السُّؤَالُ] ـ[من هم الأنبياء الذين أرسلهم الله تعالى؟ وما هي الكتب التي أنزلها معهم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله، حين أهبط الله آدم إلى الأرض وانتشرت ذريته لم يتركهم هملاً بل أوجد لهم الرزق وأنزل عليه وعلى أبنائه الوحي فمنهم من آمن ومنهم من كفر: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة) النحل/36. والكتب السماوية التي أنزلها الله أربعة وهي التوراة والإنجيل والزبور والقرآن: (نزل عليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل) آل عمران/3. وقال تعالى: (وآتينا داود زبوراً) الإسراء/55. والأنبياء والرسل كثيرون ولا يعلم عددهم إلا الله منهم من قص الله علينا ومنهم من لم يقصه علينا: (ورسلاً قد قصصناهم عليك من قبل ورسلاً لم نقصصهم عليك) النساء/164. يجب الإيمان بجميع الكتب التي أنزلها الله وجميع الأنبياء والرسل الذين أرسلهم الله كما قال سبحانه: (يا أيها الذين آمَنوا آمِنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالاً بعيداً) النساء/136. الرسول والنبي اسمان لمسمى واحد هو من بعثه الله ليدعو الناس إلى عبادة الله وحده من الأنبياء والرسل الذين اصطفاهم الله وأرسلهم إلى عباده يبلغون دينه: (رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل) النساء/162. والأنبياء والرسل كثيرون وقد ذكر الله منهم في القرآن خمسة وعشرين فيجب الإيمان بهم جميعاً وهم، آدم، إدريس، نوح، هود، صالح، إبراهيم، لوط، إسماعيل، إسحاق، يعقوب، يوسف، شعيب، أيوب، ذو الكفل، موسى، هارون، داوود، سليمان، إلياس، اليسع، يونس، زكريا، يحيى، عيسى، محمد عليهم الصلاة والسلام أجمعين. والقرآن الكريم أعظم الكتب السماوية وآخرها وهو ناسخ لما قبله من الكتب ومهيمن عليه فيجب العمل به , وترك ما سواه: (وأنزلنا إليك الكتب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله) المائدة/48. وقد اصطفى الله من بني آدم رسلاً وأنبياء وبعثهم في كل أمة , وأمرهم بالدعوة إلى عبادة الله وحده وبيان الشرائع التي فيها سعادة الدنيا والآخرة والبشرى بالجنة لمن آمن والإنذار بالنار لمن كفر: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة) النحل/36. وقد فضل الله بعض الأنبياء والرسل على بعض فأفضلهم أولوا العزم وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وأفضل أولي العزم محمد صلى الله عليه وسلم فقد كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة حتى بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة وهو آخر الأنبياء والرسل وأفضلهم كما قال الله عنه: (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً ولكن أكثر الناس لا يعلمون) سبأ/28. والأنبياء والرسل اصطفاهم الله وجعلهم قدوة لأممهم رباهم وأدبهم وكرمهم بالرسالة وعصمهم من الوقوع في المعاصي وأيدهم بالمعجزات فهم أكمل البشر خَلقاً وخُلقاً وأفضلهم علماً وأصدقهم قولاً وأعطرهم سيرة قال الله عنهم: (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين) الأنبياء/73. ولما كان الأنبياء والرسل بهذه المنزلة العالية من الطاعة وحسن الخلق أمرنا الله بالاقتداء بهم فقال: (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده) الأنعام/90. وقد اجتمعت في نبينا محمد صلى الله عليه وسلم جميع صفات الأنبياء والرسل وأكرمه الله بالأخلاق العظيمة لذا أمر الله بالاقتداء به في كل أحواله: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً) الأحزاب/21. الإيمان بجميع الأنبياء والرسل من أركان العقيدة الإسلامية التي لا يتم إيمان المسلم إلا بها لأنهم يدعون إلى عقيدة واحدة هي الإيمان بالله قال تعالى: (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون) البقرة/136. [الْمَصْدَرُ] من كتاب أصول الدين الإسلامي للشيخ محمد بن إبراهيم التويجري. الحديث: 10468 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 غلام بريطاني يسأل عن اختيار النبي صلى الله عليه وسلم للأركان الخمسة [السُّؤَالُ] ـ[لماذا اختار محمد (صلى الله عليه وسلم) الأركان الخمسة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لقد لفت هذا السؤال انتباهنا، إذ إنه يدل على اهتمامك بدين الإسلام ونبي الإسلام، فنحيي فيك أيها السائل الصغير هذا الاهتمام، والحرص على السؤال، والسعي في الحصول عليه من مصادره الموثوقة، ولعل هذا السؤال أن يكون فاتحة خيرٍ لك للوصول إلى طريق الحق، والله الهادي إلى سواء السبيل. وإليك الجواب: (محمد) صلى الله عليه وسلم هو النبي الذي أرسله الله إلى الناس جميعاً ليخرجهم من ظلمات الشرك والكفر إلى نور الهدى والإسلام، فأمره أن يدعو الناس إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وأن يأمرهم بمكارم الأخلاق، من الكرم والشجاعة وإكرام الضيف، والإحسان إلى الجار وطاعة الوالدين، واحترام الكبير والشفقة على الصغير، وإرشاد الضال ورحمة المساكين وإعانة المحتاجين وإغاثة الملهوفين، والتفريج عن المكروبين، ... إلى غير ذلك من المحاسن والفضائل. وأن ينهاهم عن الشرك والكفر وسفاسف الأخلاق، ورديئها، من الزنا والكذب والخيانة والغش وعقوق الوالدين والظلم، وغير ذلك. راجع سؤال (219) . وأما أركان الإسلام، فاعلم - هداك الله - بأن الرسول صلى الله عليه وسلم مأمور بأن يُبلغ ما يوحى إليه من الله من غير زيادةٍ ولانقص قال الله تعالى: {إن هو إلا وحيٌ يُوحى} ، فالرسول صلى الله عليه وسلم، لا يمكن أن يكذب على الله سبحانه وتعالى قال عز وجل: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ (44) لأخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47) } سورة الحاقة. ولو تأملنا في أركان الإسلام الخمسة لوجدناها قد تنوعت فالركن الأول - وهو الشهادتان - جمع بين عمل القلب واللسان، والركن الثاني الصلاة وهو فعل عملٍ بدني وصلة بين العبد والرب في أوقات موزَّعة على الليل والنهار، والركن الثالث الصوم وهو التعبد لله بالإمساك عن الطعام والشراب والجماع وسائر المفطرات من طلوع الشمس إلى غروبها، فيصوم المسلم تعبداً لله ثم إحساساً بحال إخوانه الفقراء، والركن الرابع الزكاة، وهو عمل مالي يبذل المسلم القادر جزءً من ماله لإخوانه من الفقراء والمساكين، والركن الخامس الحج وهو عملٌ جمع بين بذل المال والعمل البدني، وإذا تأملت هذه الأركان الخمسة وجدت فيها حكماً عظيمة، فالإسلام قائمٌ على الاستسلام لله بالتوحيد والخلوص من الشرك وألا يُعبد الله إلا بما شرع، فمن الناس من يسهل عليه أن يعمل عملاً بدنياً لكنه يشق عليه أن يبذل مالاً فكان في الزكاة تمحيص لهؤلاء، واختبار لهم، ومن الناس من يسهل عليه أن يبذل مالاً كثيراً لكنه يصعب عليه أن يقوم ببذل مجهود بدني فكان في الصلاة اختبار لهم، ومن الناس من يسهل عليه فعل الصلاة وإخراج الزكاة، لكنه يشق عليه ترك ما يُحبه من الطعام والشراب ولذة الجماع، فكان في الصوم امتحان لهؤلاء، وأما الحج فقد جمع بين المال، وعمل البدن، ... إلى غير ذلك من الحكم والغايات المحمودة من هذه العبادات العظيمة. وهذه الأركان إنما هي وحي من عند الله بلَّغَنَا إياها الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، وتلقاها المسلمون بالقبول والتسليم. فنسأل الله الهداية للجميع. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 13529 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 لماذا يجب علينا أن نحب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكثر من أي شخص آخر؟ [السُّؤَالُ] ـ[لماذا يجب علينا أن نحب ونطيع ونتبع ونحترم رسولنا محمَّداً صلى الله عليه وسلم إلى أقصى درجة؟ (أو أكثر من أي شخص آخر) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله 1- أوجب الله تعالى علينا طاعة النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) المائدة/92. 2- وأخبر الله تعالى أن طاعة النبي صلى الله عليه وسلم هي طاعة لله تعالى، قال الله تعالى: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) النساء/80 3- وحذَّر الله عز وجل من التولي عن طاعته، وأن هذا قد يصيب المسلم بالفتنة وهي فتنة الشرك، قال الله عز وجل: (لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) النور/63 وأخبر الله تعالى أن مقام النبوة الذي أعطاه لنبيه صلى الله عليه وسلم يستوجب من المؤمنين احترام النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره، قال الله تعالى: (إناأَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا) الفتح/8-9 4- ولا يتم إيمان المسلم حتى يحبَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، بل حتى يكون النبيُّ صلى الله عليه وسلم أحبَّ إليه من والده وولده ونفسه والناس أجمعين. عن أنس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين) رواه البخاري (15) ومسلم (44) . وعن عبد الله بن هشام قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب، فقال له عمر: يا رسول الله، لأنت أحب إلي من كل شيء، إلا من نفسي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك) فقال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الآن يا عمر) رواه البخاري (6257) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وأما السبب في وجوب محبته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتعظيمه أكثر من أي شخص فلأن أعظم الخير في الدنيا والآخرة لا يحصل لنا إلا على يد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالإيمان به واتباعه، وذلك أنه لا نجاة لأحد من عذاب الله، ولا وصول له إلى رحمة الله إلا بواسطة الرسول؛ بالإيمان به ومحبته وموالاته واتباعه، وهو الذى ينجيه الله به من عذاب الدنيا والآخرة، وهو الذى يوصله إلى خير الدنيا والآخرة. فأعظم النعم وأنفعها نعمة الإيمان، ولا تحصل إلا به وهو أنصح وأنفع لكل أحد من نفسه وماله؛ فإنه الذى يخرج الله به من الظلمات إلى النور، لا طريق له إلا هو، وأما نفسه وأهله فلا يغنون عنه من الله شيئا..) اهـ مجموع الفتاوى 27/246 وقال بعض أهل العلم: إِذَا تَأَمَّل العبدُ النَّفْع الْحَاصِل لَهُ مِنْ جِهَة الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي أَخْرَجَهُ الله به مِنْ ظُلُمَات الْكُفْر إِلَى نُور الْإِيمَان، عَلِمَ أَنَّهُ سَبَب بَقَاء نَفْسه الْبَقَاء الأَبَدِيّ فِي النَّعِيم السَّرْمَدِيّ , وَعَلِمَ أَنَّ نَفْعه بِذَلِكَ أَعْظَم مِنْ جَمِيع وُجُوه الانْتِفَاعَات , فَاسْتَحَقَّ لِذَلِكَ أَنْ يَكُون حَظّه مِنْ مَحَبَّته أَوْفَر مِنْ غَيْره , وَلَكِنَّ النَّاس يَتَفَاوَتُونَ فِي ذَلِكَ بِحَسَبِ اِسْتِحْضَار ذَلِكَ وَالْغَفْلَة عَنْهُ، وكلّ مَنْ آمَنَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيمَانًا صَحِيحًا لا يَخْلُو عَنْ وِجْدَان شَيْء مِنْ تِلْكَ الْمَحَبَّة الرَّاجِحَة , غَيْر أَنَّهُمْ مُتَفَاوِتُونَ. فَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَ مِنْ تِلْكَ الْمَرْتَبَة بِالْحَظِّ الأَوْفَى , وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَ مِنْهَا بِالْحَظِّ الْأَدْنَى , كَمَنْ كَانَ مُسْتَغْرِقًا فِي الشَّهَوَات مَحْجُوبًا فِي الْغَفَلات فِي أَكْثَر الأَوْقَات , لَكِنَّ الْكَثِير مِنْهُمْ إِذَا ذُكِرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِشْتَاقَ إِلَى رُؤْيَته , بِحَيْثُ يُؤْثِرهَا عَلَى أَهْله وَوَلَده وَمَاله وَوَالِده، غَيْر أَنَّ ذَلِكَ سَرِيع الزَّوَال بِتَوَالِي الْغَفَلَات , وَاَللَّه الْمُسْتَعَان. انظر فتح الباري 1/59. وإلى هذا المعنى يشير قول الله عز وجل: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) الأحزاب/6. قال ابن كثير رحمه الله: (قد علم شفقة رسوله صلى الله عليه وسلم على أمته، ونصحه لهم، فجعله أولى بهم من أنفسهم، وحكمه فيهم مقدما على اختيارهم) 6/380. وقال الشيخ ابن سعدي رحمه الله: (يخبر تعالى المؤمنين خبرا يعرفون به حالة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومرتبته؛ فيعاملونه بمقتضى تلك الحالة، فقال: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) : أقرب ما للإنسان، وأولى ما له نفسه، فالرسول أولى به من نفسه، لأنه عليه الصلاة والسلام، بذل لهم من النصح والشفقة والرأفة، ما كان به أرحم الخلق وأرأفهم، فرسول الله أعظم الخلق منة عليهم من كل أحد، فإنه لم يصل إليهم مثقال ذرة من خير، ولا اندفع عنهم مثقال ذرة من الشر إلا على يديه وبسببه. فلذلك وجب عليه أنه إذا تعارض مراد النفس، أو مراد أحد من الناس مع مراد الرسول أن يقدم مرا الرسول، وأن لا يعارض قول الرسول بقول أحد كائنا من كان، وأن يفدوه بأنفسهم وأموالهم وأولادهم، ويقدموا محبته على محبة الخلق كلهم، وألا يقولوا حتى يقول، ولا يقدموا بين يديه) . اهـ وحاصل ما ذكره أهل العلم في بيان ذلك أن غضب الله والنار هما أعظم مرهوب للعبد؛ ولا نجاة منها إلا على يد الرسول صلى الله عليه وسلم، ورضى الله والجنة هما أعظم مطلوبه، ولا فوز بهما إلا على يد الرسول صلى الله عليه وسلم. وإلى الأمر الأول يشير النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَوْقَدَ نَارًا فَجَعَلَ الْجَنَادِبُ وَالْفَرَاشُ يَقَعْنَ فِيهَا وَهُوَ يَذُبُّهُنَّ عَنْهَا وَأَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنْ النَّارِ وَأَنْتُمْ تَفَلَّتُونَ مِنْ يَدِي) مسلم 2285 من حديث جابر، ونحوه في البخاري 3427 من حديث أبي هريرة. { (الفَراش) َقَالَ الْخَلِيل: هُوَ الَّذِي يَطِيرُ كَالْبَعُوضِ وَأَمَّا (الْجَنَادِب) فَجَمْع جُنْدُب , وَالْجَنَادِب هَذَا الصِّرَار الَّذِي يُشْبِهُ الْجَرَاد. أَمَّا (التَّقَحُّم) فَهُوَ الإِقْدَامُ وَالْوُقُوعُ فِي الأُمُور الشَّاقَّة مِنْ غَيْر تَثَبُّت. وَ (الْحُجَز) جَمْع حُجْزَة وَهِيَ مَعْقِد الإِزَار وَالسَّرَاوِيل. وَمَقْصُود الْحَدِيث أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَّهَ تَسَاقُط الْجَاهِلِينَ وَالْمُخَالِفِينَ بِمَعَاصِيهِمْ وَشَهَوَاتهمْ فِي نَار الآخِرَة , وَحِرْصهمْ عَلَى الْوُقُوع فِي ذَلِكَ , مَعَ مَنْعه إِيَّاهُمْ , وَقَبْضه عَلَى مَوَاضِع الْمَنْع مِنْهُمْ , بِتَسَاقُطِ الْفِرَاش فِي نَار الدُّنْيَا , لِهَوَاهُ وَضَعْف تَمْيِيزه , وَكِلاهُمَا حَرِيصٌ عَلَى هَلَاكِ نَفْسه , سَاعٍ فِي ذَلِكَ لِجَهْلِهِ.) } شرح مسلم، للنووي وأما الثاني فيشير إليه قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ أَبَى قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَأْبَى قَالَ مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى) البخاري 7280 من حديث أبي هريرة والله الموفق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 14250 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 بطلان حديث (لولاك ما خلقت الأفلاك) [السُّؤَالُ] ـ[ما رأيك بهذا الحديث: " إذا لم يكن يوجد محمد صلى الله عليه وسلم فإن الله سبحانه وتعالى لم يكن ليخلق الكون". بصراحة فأنا أشتبه بصحة هذا الحديث فهل يمكن أن تلقي بعض الضوء.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قد رويت أحاديث باطلة وموضوعة بهذا المعنى، فمن ذلك: (لو لاك ما خلقت الأفلاك) ذكره الشوكاني في "الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة" (ص 326) وقال: قال الصغاني: موضوع اهـ قال الألباني في "السلسلة الضعيفة" (282) : موضوع اهـ ومنها: ما رواه الحاكم عن ابن عباس قال: أوحى الله إلى عيسى عليه السلام: يا عيسى آمن بمحمد، وأمر من أدركه من أمتك أن يؤمنوا به، فلولا محمد ما خلقت آدم، ولولا محمد ما خلقت الجنة والنار، ولقد خلقت العرش على الماء فاضطرب فكتبت عليه: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فسكن. قال الحاكم: صحيح الإسناد!! وتعقبه الذهبي بقوله: أظنه موضوعاً على سعيد اهـ. يعني: سعيد بن أبي عروبة (أحد رواة هذا الحديث) ، وقد روى هذا الحديث عنه عمرو بن أوس الأنصاري وهو المتهم بوضع هذا الحديث، وقد ذكره الذهبي في "الميزان" وقال: أتى بخبر منكر، ثم ساق هذا الحديث، وقال: وأظنه موضوعاً. ووافقه الحافظ ابن حجر كما في "اللسان". وقال الألباني في "السلسلة الضعيفة" (280) : لا أصل له اهـ. وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: هل الحديث الذى يذكره بعض الناس: لولاك ما خلق الله عرشاً ولا كرسياً ولا أرضاً ولا سماء ولا شمسا ولا قمرا ولا غير ذلك صحيح هو أم لا؟ فأجاب: محمد صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم، وأفضل الخلق وأكرمهم عليه، ومن هنا قال من قال: إن الله خلق من أجله العالم. أو أنه لولا هو لما خلق عرشا ولا كرسيا ولا سماء ولا أرضا ولا شمسا ولا قمرا. لكن ليس هذا حديثا عن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم لا صحيحا ولا ضعيفا، ولم ينقله احد من أهل العلم بالحديث عن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، بل ولا يعرف عن الصحابة بل هو كلام لا يُدْرَى قائله اهـ. مجموع الفتاوى (11/86-96) . وسئلت اللجنة الدائمة: هل يقال: إن الله خلق السماوات والأرض لأجل خلق النبي صلى الله عليه وسلم وما معنى لولاك لما خلق الأفلاك هل هذا حديث أصلا؟ فأجابت: لم تخلق السماوات والأرض من أجله صلى الله عليه وسلم بل خُلقت لما ذكره الله سبحانه في قوله عز وجل: "الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شئ قدير وأن الله قد أحاط بكل شئ علما" , أما الحديث المذكور فهو مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم لا أساس له من الصحة اهـ. فتاوى اللجنة الدائمة (1/312) . وسئل الشيخ ابن باز عن هذا الحديث فقال: الجواب: هذا ينقل من كلام بعض العامة وهم لا يفهمون، يقول بعض الناس إن الدنيا خلقت من أجل محمد ولولا محمد ما خلقت الدنيا ولا خلق الناس وهذا باطل لا أصل له، وهذا كلام فاسد، فالله خلق الدنيا ليعرف ويُعلم سبحانه وتعالى وليُعبد جل وعلا، خلق الدنيا وخلق الخلق ليُعرف بأسمائه وصفاته، وبقدرته وعلمه، وليعبد وحده لا شريك له ويطاع سبحانه وتعالى، لا من أجل محمد، ولا من أجل نوح، ولا موسى، ولا عيسى، ولا غيرهم من الأنبياء، بل خلق الله الخلق ليعبد وحده لا شريك له اهـ فتاوى نور على الدرب (46) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 23290 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 التفضيل بين الرسل [السُّؤَالُ] ـ[كيف نجمع بين قوله تعالى: (وتلك الرسل فضلنا بعضها على بعض) وقوله: (لا نفرق بين أحد من رسله) ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قوله تعالى: (تلك الرسل فضلنا بعضها على بعض) كقوله تعالى: (ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض) فالأنبياء والرسل لا شك أن بعضهم أفضل من بعض، فالرسل أفضل من الأنبياء، وأولوا العزم من الرسل أفضل ممن سواهم، وأولو العزم من الرسل هم الخمسة الذين ذكرهم الله تعالى في آيتين من القرآن إحداهما في سورة الأحزاب: (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم) محمد عليه الصلاة والسلام ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم. والآية الثانية في سورة الشورى: (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى) فهؤلاء خمسة وهم أفضل ممن سواهم، وأما قوله تعالى عن المؤمنين: (كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسوله لا نُفرق بين أحد من رسله) فالمعنى لا نفرق بينهم في الإيمان بل نؤمن أنهم كلهم رسل من عند الله حقاً، وأنهم ما كذبوا فهم صادقون مصدقون، وهذا معنى قوله: (لا نفرق بين أحد من رسله) أي في الإيمان فنؤمن أنهم كلهم عليهم الصلاة والسلام رسل من عند الله حقاً. لكن في الإيمان المتضمن للاتباع هذا يكون لمن بعد الرسول صلى الله عليه وسلم خاص بالرسول صلى الله عليه وسلم لأنه صلى الله عليه وسلم هو المتَّبع لأن شريعته نسخت ما سواها من الشرائع، وبهذا نعلم أن الإيمان يكون للجميع كلهم، نؤمن بهم وأنهم رسل الله حقاً، وأما بعد أن بُعث الرسول عليه الصلاة والسلام فإن جميع الأديان السابقة نُسخت بشريعته صلى الله عليه وسلم، وصار الواجب على جميع الناس أن ينصروا محمداً صلى الله عليه وسلم وحده، ولقد نسخ الله تعالى بحكمته جميع الأديان سوى دين الرسول صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال تعالى: (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا الله هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون) فكانت الأديان سوى دين الرسول عليه الصلاة والسلام كلها منسوخة، لكن الإيمان بالرسول وأنهم حق هذا الأمر لابد منه. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى الشيخ ابن عثيمين في كتاب فتاوى إسلامية 1/81. الحديث: 12096 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 كيف سحر الرسول صلى الله عليه وسلم؟ [السُّؤَالُ] ـ[كيف يسحر الرسول صلى الله عليه وسلم والله يقول له: (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) ؟ وكيف يسحر وهو يتلقى الوحي عن ربه ويبلغ ذلك للمسلمين، فكيف يبلغ وهو مسحور وقول الكفار والمشركين: (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلا مَسْحُورًا) ؟ نرجو إيضاحها، وبيان هذه الشبهات.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فقد ثبت في الحديث الصحيح أن هذا السحر وقع في المدينة، عندما استقر الوحي واستقرت الرسالة، وبعد أن قامت دلائل النبوة وصدق الرسالة، ونصر الله نبيه على المشركين وأذلهم، تعرض له شخص من اليهود يدعى: لبيد بن الأعصم، فعمل له سحراً في مشط ومشاطة وجب طلعة ذكر النخل، فصار يخيل إليه ـ عليه الصلاة والسلام ـ أنه فعل بعض الشيء مع أهله ولم يفعله، لكن لم يَزَل بحمد الله تعالى عقله وشعوره وتمييزه معه فيما يحدث به الناس، واستمر يكلم الناس بالحق الذي أوحاه الله إليه، لكنه أحس بشيء أثَّر عليه بعض الأثر مع نسائه، كما قالت عائشة رضي الله عنها:" إنه كان يخيل إليه أنه فعل بعض الشيء في البيت مع أهله وهو لم يفعله فجاءه الوحي من ربه عز وجل بواسطة جبرائيل عليه السلام فأخبره بما وقع فبعث من استخرج ذلك الشيء من بئر لأحد الأنصار فأتلفه " وزال عنه بحمد الله تعالى ذلك الأثر وأنزل عليه سبحانه سورتي المعوذتين فقرأهما وزال عنه كل بلاء وقال عليه الصلاة والسلام ما تعوذ المتعوذون بمثلهما ولم يترتب على ذلك شيء مما يضر الناس أو يخل بالرسالة أو بالوحي، والله جل وعلا عصمه من الناس مما يمنع وصول الرسالة وتبليغها. أما ما يصيب الرسل من أنواع البلاء فإنه لم يُعصم منه عليه الصلاة والسلام، بل أصابه شيء من ذلك، فقد جُرح يوم أحد، وكُسرت البيضة على رأسه، ودخلت في وجنتيه بعض حلقات المغفر، وسقط في بعض الحفر التي كانت هناك، وقد ضيقوا عليه في مكة تضييقا شديدا، فقد أصابه شيء مما أصاب من قبله من الرسل، ومما كتبه الله عليه، ورفع الله به درجاته، وأعلى به مقامه، وضاعف به حسناته، ولكن الله عصمه منهم فلم يستطيعوا قتله ولا منعه من تبليغ الرسالة، ولم يحولوا بينه وبين ما يجب عليه من البلاغ فقد بلغ الرسالة وأدى الأمانة صلى الله عليه وسلم. والحمد لله رب العالمين. [الْمَصْدَرُ] انظر: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ ابن باز رحمه الله (8/ 149) . الحديث: 20177 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 الحكمة من إمامة النبي صلى الله عليه وسلم للأنبياء في حادثة الإسراء [السُّؤَالُ] ـ[ما العلة في إمامة النبي محمد للأنبياء في ليلة الإسراء والمعراج، على ماذا يدل هذا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله العلة من تقديم النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة بالأنبياء إماماً في المسجد الأقصى الذي هو دار الأنبياء من لدن إبراهيم الخليل عليه السلام هي الدلالة على أن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم هو الإمام الأعظم والرئيس المقدم كما نص على ذلك الحافظ ابن كثير رحمه الله عند أول تفسيره لسورة الإسراء، وقال أيضاً ـ رحمه الله ـ في معرض حديثه عن إمامة النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء: " ثم أُظْهِرَ شرفُه وفضله عليهم بتقديمه في الإمامة، وذلك عن إشارة جبريل عليه السلام له " ولا شك أن نبينا صلى الله عليه وسلم هو مقدم الأنبياء وأفضلهم فقد قال صلى الله عليه وسلم: (أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ) رواه مسلم (2278) وقد التمس بعض العلماء حكمة أخرى من تقدمه عليه الصلاة والسلام إماماً للأنبياء فقال: قوله في الحديث: (فأممتهم) فيه – والله أعلم – إشارة إلى تولي هذه الأمة أمر قيادة البشرية. " والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 46917 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 قصة الذبيح [السُّؤَالُ] ـ[حسب معتقد المسلمين فإن النبي إبراهيم كان يريد أن يذبح ولده إسماعيل، حصل نقاش بيني وبين كافر وذكر بأن هذا لم يُذكر في القرآن. بعد البحث يبدو لي أن في القرآن غموض حول هوية الابن الذي أراد ذبحه (حسب النسخة المترجمة التي أمتلكها) في سورة رقم 37 أرجو أن توضح موقف المسلمين من إبراهيم والأضحية مع ذكر الأدلة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الله تعالى عن عبده وخليله إبراهيم عليه السلام: (وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108) سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (112) وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (113) قال ابن كثير رحمه الله تعالى: يذكر تعالى عن خليله إبراهيم أنه لما هاجر من بلاد قومه سأل ربه أن يهب له ولدا صالحا فبشره الله تعالى بغلام حليم وهو إسماعيل عليه السلام لأنه أول من وُلد (لإبراهيم الخليل عليه السلام) ، وهذا لا خلاف فيه بين أهل الملل (أنّ إسماعيل كان) أول ولده وبكره. وقوله: (فلما بلغ معه السعي) أي: شبّ وصار يسعى في مصالحه كأبيه قال مجاهد فلما بلغ معه السعي أي شب وارتحل وأطاق ما يفعله أبوه من السعي والعمل فلما كان هذا رأى إبراهيم عليه السلام في المنام أنه يؤمر بذبح ولده هذا، وفي الحديث عن ابن عباس مرفوعا: " رؤيا الأنبياء وحي ".. وهذا اختبار من الله عز وجل لخليله في أن يذبح هذا الولد العزيز الذي جاءه على كِبَر وقد طعن في السن بعد ما أمر بأن يسكنه هو وأمه في بلاد قفر وواد ليس به حسيس ولا أنيس ولا زرع ولا ضرع فامتثل أمر الله في ذلك وتركهما هناك ثقة بالله وتوكلا عليه فجعل الله لهما فرجا ومخرجا ورزقهما من حيث لا يحتسبان ثم لما أمر بعد هذا كله بذبح ولده هذا الذي.. هو بكره ووحيده الذي ليس له غيره أجاب ربه وامتثل أمره وسارع إلى طاعته ثم عرض ذلك على ولده ليكون أطيب لقلبه وأهون عليه من أن يأخذه قسرا ويذبحه قهرا: (قال يا بنيّ إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى) ، فبادر الغلام الحليم.. (فقال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين) وهذا الجواب في غاية السداد والطاعة للوالد ولرب العباد قال الله تعالى: (فلما أسلما وتلّه للجبين) ، قيل أسلما أي استسلما لأمر الله وعزما على ذلك،.. ومعنى تله للجبين أي ألقاه على وجهه قيل أراد أن يذبحه من قفاه لئلا يشاهد (وجهه) في حال ذبحه قاله ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة والضحاك.. وأسلما أي سمّى إبراهيم وكبر وتشهّد الولد للموت قال السدي وغيره أمَرَّ السكين على حلقه فلم تقطع شيئا ويقال جُعل بينها وبين حلقه صفيحة من نحاس والله أعلم فعند ذلك نودي من الله عز وجلّ: (أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا) ، أي قد حصل المقصود من اختبارك وطاعتك ومبادرتك إلى أمر ربك وبذْلِك ولدك للقربان كما سمحت ببدنك للنيران وكما مالك مبذول للضيفان ولهذا قال تعالى: (إن هذا لهو البلاء المبين أي الاختبار الظاهر البيّن، وقوله: (وفديناه بذِبْح عظيم) أي وجعلنا فداء ذبح ولده ما يسَّرَه الله تعالى له من العِوَض عنه والمشهور عن الجمهور أنه كبش أبيض أعْيَن أقرن.. قال الثوري عن عبد الله بن عثمان بن خيثم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كبش قد رعى في الجنة أربعين خريفا. وروي عن ابن عباس أن رأس الكبش لم يزل معلقا عند ميزاب الكعبة قد يبس وهذا وحده دليل على أن الذبيح إسماعيل لأنه كان هو المقيم بمكة وإسحق لا نعلم أنه قدمها في حال صغره والله أعلم. انظر البداية والنهاية لابن كثير 1/157-158 فالذبيح هو إسماعيل وليس إسحاق لما تقدّم وقد ذكر ابن كثير في تفسير هذه الآيات عدّة وجوه في إثبات أن الذبيح هو إسماعيل وملخصها: 1- أن إسماعيل هو أول ولد بُشِّر به إبراهيم، وهو أكبر من إسحاق باتفاق المسلمين وأهل الكتاب، وقد ذكر عند أهل الكتاب أن الله تعالى أمره أن يذبح ابنه الوحيد وفي نسخة بكره. 2- أن أول ولد له من المعزَّة ما ليس لمن بعده من الأولاد فالأمر بذبحه أبلغ في الابتلاء والاختبار. 3- أنه ذكر البشارة بغلام حليم وذكر أنه الذبيح ثم قال بعد ذلك: " وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين "، والملائكة لما بشروا إبراهيم بإسحاق قالوا: " إنا بشرناك بغلام عليم " 4- أن الله تعالى قال: " فبشرناه بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب " أي يولد له في حياتهما ولد يسمى يعقوب فيكون من ذريته عقب ونسل.. فلا يجوز بعد هذا أن يؤمر بذبحه وهو صغير لأن الله تعالى قد وعدهما بأنه سيُعْقب ويكون له نسل. 5- أن إسماعيل وصف ههنا بالحليم لأنه مناسب لهذا المقام. تفسير ابن كثير 4/15 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 5522 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 كيف تمّ خلْق عيسى عليه السلام [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكن أن تخبرني كيف تم خلق النبي عيسى بالنسبة للحمل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله 1- أمر الله تعالى جبريل الأمين أن ينفخ في جيب درعها وهو رقبة الثوب ومدخل الرأس منه فنزلت النّفخة بإذن الله فولجت رحمها فصارت روحاً خلقها الله تعالى. وقد بيّن عزّ وجلّ مبدأ خلق عيسى عليه السلام فقال تعالى {والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا} ، ثم بيَّن تعالى أن النفخ وصل إلى الفرج، فقال عز وجل {ومريم بنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا} . ودلَ قوله تعالى {إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكيّاً} على أن النافخ هو جبريل، وهو لا يفعل إلا بأمر الله. 2- وقد جاءت أقوال عن بعض المفسرين في مدة الحمل، وأنها لحظات، وهذا غير واضح ولا تدل عليه النصوص، ولو كان كذلك لكان آية في نفسه، يمكن أن يسلموا أنه ليس بالحمل العادي الذي تحمل به النساء، وبعده: لا يتهمونها بالزنى كما قالوا {قالوا يا مريم لقد جئت شيئاً فريّاً} ، وفيما يلي كلام لإمامين جليلين من أهل التفسير، أحدهما ممن مضى - وهو ابن كثير رحمه الله -، والآخر من المعاصرين - وهو الشنقيطي رحمه الله - في بيان هذا الأمر. 3- قال الإمام ابن كثير رحمه الله: اختلف المفسرون في مدة حمل عيسى عليه السلام فالمشهور عن الجمهور أنها حملت به تسعة أشهر، .... وقال ابن جريج أخبرني المغيرة بن عتبة بن عبد الله الثقفي سمع ابن عباس وسئل عن حمل مريم قال لم يكن إلا أن حملت فوضعت!! وهذا غريب وكأنه مأخوذ من ظاهر قوله تعالى {فحملته فانتبذت به مكانا قصيا فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة} ، فالفاء وإن كانت للتعقيب لكن تعقيب كل شيء بحسبه كقوله تعالى {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما} ، فهذه الفاء للتعقيب بحسبها وقد ثبت في الصحيحين - البخاري 3208، مسلم 2643 - " أن بين كل صفتين أربعون يوما "، وقال تعالى {ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرّة} . فالمشهور الظاهر - والله على كل شيء قدير - أنها حملت به كما تحمل النساء بأولادهن. .... ولما استشعرت مريم من قومها إتهامها بالريبة انتبذت منهم {مكانا قصيا} أي قاصيا منهم بعيدا عنهم لئلا تراهم ولا يروها، .... وتوارت من الناس واتخذت {من دونهم حجابا} فلا يراها أحد ولا تراه. " تفسير ابن كثير " (3 / 122) . وقال الشيخ الشنقيطي رحمه الله: وأقوال العلماء في قدر المدة التي حملت فيها مريم بعيسى قبل الوضع: لم نذكرها؛ لعدم دليل على شيءٍ منها، وأظهرها: أنه حمل كعادة حمل النساء، وإن كان منشؤه خارقاً للعادة. والله تعالى أعلم. " أضواء البيان " (4 / 264) . 5- وقد استدل بعض الجهلة بقوله تعالى {ونفخت فيه من روحي} على أن المسيح جزء من روح الله!! وقد بين ابن القيم رحمه الله ضلال هذا الاستدلال، فقال: وأما استدلالهم بإضافتها إليه سبحانه بقوله تعالى {ونفخت فيه من روحي} فينبغي أن يعلم أن المضاف إلى الله سبحانه نوعان: صفات لا تقوم بأنفسها كالعلم والقدرة والكلام والسمع والبصر فهذه إضافة صفة إلى الموصوف بها فعلمه وكلامه وإرادته وقدرته وحياته وصفات له غير مخلوقة وكذلك وجهه ويده سبحانه. والثاني: إضافة أعيان منفصلة عنه كالبيت والناقة والعبد والرسول والروح فهذه إضافة مخلوق إلى خالقه ومصنوع إلى صانعه لكنها إضافة تقتضي تخصيصا وتشريفا يتميز به المضاف عن غيره كبيت الله وإن كانت البيوت كلها ملكا له وكذلك ناقة الله والنوق كلها ملكه وخلقه لكن هذه إضافة إلى إلهيته تقتضي محبته لها وتكريمه وتشريفه بخلاف الإضافة العامة إلى ربوبيته حيث تقتضي خلقه وإيجاده فالإضافة العامة تقتضي الإيجاد والخاصة تقتضي الاختيار والله يخلق ما يشاء ويختار مما خلقه كما قال تعالى {وربك يخلق ما يشاء ويختار} وإضافة الروح إليه من هذه الإضافة الخاصة لا من العامة ولا من باب إضافة الصفات فتأمل هذا الموضع فإنه يخلّصك من ضلالات كثيرة وقع فيها من شاء الله من الناس. أ. هـ "الروح" (ص 154، 155) . فالخلاصة أنّ وصف عيسى عليه السلام بأنّه روح الله هو من باب التشريف والتكريم لعيسى وهذه الإضافة (وهي إضافة كلمة روح إلى لفظ الجلالة) ليست إضافة صفة إلى الموصوف كيد الله ووجه الله وإنما هي إضافة المخلوق إلى خالقه كوصف الكعبة بأنها بيت الله وأيضا ناقة الله وهي المعجزة التي آتاها الله نبيه صالحا عليه السلام والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 6333 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 هل النبي صلى الله عليه وسلم يُخْطِئ [السُّؤَالُ] ـ[سؤالي عن الرسول صلى الله عليه وسلم. بعض المسلمين يقولون إنه بدون خطايا، وآخرون يقولون إنه ليس بدون خطايا. أنا شخصيا لا أعتقد أنه بدون خطايا لأنه بشر. هل يمكنك أن تخبرني بالرأي الصحيح من الكتاب والسنة؟ ولكم جزيل الشكر. والله أكبر]ـ [الْجَوَابُ] أولا: استعمال كلمة خطايا في السؤال خطأ كبير، لأن الخطايا جمع خطيئة وهذا مُحال على الرسل والأصح أن تقول أخطاء جمع خطأ لأن الخطأ قد يكون عفوياً وليس كذلك الخطيئة. ثانياً: أما الخطيئة فاٍن الرسل ومنهم محمد صلى الله عليه وسلم لم يرتكبوا شيئاً منها بقصد معصية الله تعالى بعد الرسالة وهذا بإجماع المسلمين، فهم معصومون عن كبائر الذنوب دون الصغائر. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إن القول بأن الأنبياء معصومون عن الكبائر دون الصغائر: هو قول أكثر علماء الإسلام، وجميع الطوائف ... وهو أيضاً قول أكثر أهل التفسير والحديث والفقهاء، بل لم يُنقل عن السلف والأئمة والصحابة والتابعين وتابعيهم إلا ما يوافق هذا القول. " مجموع الفتاوى " (4 / 319) . وهذا سؤال موجه إلى اللجنة الدائمة حول الموضوع: سؤال: بعض الناس يقولون ومنهم الملحدون: إن الأنبياء والرسل يكون في حقهم الخطأ يعني يخطئون كباقي الناس، قالوا: إن أول خطأ ارتكبه ابن آدم قابيل هو قتل هابيل ... داود عندما جاء إليه الملكان سمع كلام الأول ولم يسمع قضية الثاني .... يونس وقصته لما التقمه الحوت، وقصة الرسول مع زيد بن حارثة قالوا بأنه أخفى في نفسه شيئا يجب عليه أن يقوله ويظهره، قصته مع الصحابة: انتم أدرى بأمور دنياكم، قالوا بأنه اخطأ في هذا الجانب. قصته مع الأعمى وهي {عبس وتولى أن جاءه الأعمى} فهل الأنبياء والرسل حقا يخطئون وبماذا نرد على هؤلاء الآثمين؟ الجواب: ج: نعم الأنبياء والرسل يخطئون ولكن الله تعالى لا يقرهم على خطئهم بل يبين لهم خطأهم رحمة بهم وبأممهم ويعفو عن زلتهم ويقبل توبتهم فضلا منه ورحمة والله غفور رحيم كما يظهر ذلك من تتبع الآيات القرآنية التي جاءت فيما ذكر من الموضوعات في هذا السؤال ... وأما أبناء آدم فمع انهما ليسا من الأنبياء .... بين الله سوء صنيعه بأخيه .... انتهى عبد العزيز بن باز - عبد الرزاق عفيفي - عبد الله بن غديان - عبد الله بن قعود. " فتاوى اللجنة الدائمة " برقم 6290 (3 / 194) . ثالثاً: أما قبل الرسالة فقد جوَّز عليهم العلماء أنه قد يصدر منهم بعض صغائر الذنوب، وحاشاهم من الكبائر والموبقات كالزنا وشرب الخمر وغيرها فهم معصومون من هذا. = وأما بعد الرسالة، فإن الصحيح أنه قد يصدر منهم بعض الصغائر لكن لا يُقرون عليها. قال شيخ الإسلام: وعامة ما يُنقل عن جمهور العلماء أنهم غير معصومين عن الإقرار على الصغائر، ولا يقرون عليها، ولا يقولون إنها لا تقع بحال، وأول من نُقل عنهم من طوائف الأمة القول بالعصمة مطلقاً، وأعظمهم قولاً لذلك: الرافضة، فإنهم يقولون بالعصمة حتى ما يقع على سبيل النسيان والسهو والتأويل. " مجموع الفتاوى " (4 / 320) . = وهو معصومون في التبليغ عن الله تعالى. قال شيخ الإسلام رحمه الله: فان الآيات الدالة على نبوة الأنبياء دلت على أنهم معصومون فيما يخبرون به عن الله عز وجل فلا يكون خبرهم إلا حقا وهذا معنى النبوة وهو يتضمن أن الله ينبئه بالغيب وأنه ينبئ الناس بالغيب والرسول مأمور بدعوة الخلق وتبليغهم رسالات ربه. " مجموع الفتاوى " (18 / 7) . رابعاً: أما الخطأ الذي بغير قصد فهو في سبيلين: في أمور الدنيا فهذا يقع ووقع من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فيه مثل سائر البشر كأمور الزراعة، والطب والنجارة وغيرها لأن الله تعالى لم يقل لنا إنه أرسل إلينا تاجراً أو مزارعاً أو نجاراً أو طبيباً، فالخطأ في هذه الأمور جِبلِّيّ لا يقدح برسالته صلى الله عليه وسلم. عن رافع بن خديج قال: " قدم نبي الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يُأبِّرون النخل قال: ما تصنعون؟ قالوا: كنا نصنفه قال: لعلكم لو لم تفعلوا كان أحسن فتركوه فنقصت فذكروا ذلك له فقال: إنما أنا بشر مثلكم، إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوه، وإذا أمرتكم بشيء من رأي فإنما أنا بشر. رواه مسلم (2361) . ومعنى التأبير: التلقيح. نلاحظ أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أخطأ في هذا الأمر من أمور الدنيا لأنه كسائر البشر ولكنه لا يخطئ في أمر الدين. وأما الخطأ بأمور الدين من غير قصد: فالراجح في ذلك من أقوال العلماء: أنه يقع من النبي مثل هذا ولكن على سبيل فعل خلاف الأولى. فقد تعْرِض له المسألة وليس عنده في ذلك نص شرعي يستند إليه فيجتهد برأيه كما يجتهد العالِم من آحاد المسلمين فإن أصاب نال من الأجر كِفْلين وإن أخطأ نال أجراً واحداً وهذا قوله صلى الله عليه وسلم " إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد ". رواه البخاري (6919) ومسلم (1716) من حديث أبي هريرة. وقد حدث هذا منه في قصة أسرى بدر. عن أنس قال: استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس في الأسارى يوم بدر فقال إن الله عز وجل قد أمكنكم منهم، قال: فقام عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله اضرب أعناقهم قال فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ثم عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أيها الناس إن الله قد أمكنكم منهم وإنما هم إخوانكم بالأمس، قال: فقام عمر فقال: يا رسول الله اضرب أعناقهم، فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ثم عاد النبي صلى الله عليه وسلم فقال للناس مثل ذلك، فقام أبو بكر فقال: يا رسول الله إن ترى أن تعفو عنهم وتقبل منهم الفداء، قال: فذهب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان فيه من الغم قال فعفا عنهم وقبل منهم الفداء، قال: وأنزل الله عز وجل (لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم) [سورة الأنفال /67] . رواه أحمد (13143) . فنلاحظ أن هذه الحادثة لم يكن عند رسول الله فيها نص صريح فاجتهد واستشار أصحابه، فأخطأ في الترجيح. ومثل هذا في السنّة قليل فيجب أن نعتقد العصمة للرسل والأنبياء وأن نعلم أنهم لا يعصون الله تعالى، وأن ننتبه غاية الانتباه لقول من يُريد أن يطْعن في تبليغه للوحي من خلال كونه صلى الله عليه وسلم قد يُخْطئ في أمور الدنيا، وشتّان ما بين هذا وهذا، وكذلك أن ننتبه للضالين الذين يقولون إنّ بعض الأحكام الشّرعية التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم هي اجتهادات شخصيّة قابلة للصواب والخطأ أين هؤلاء الضلال من قول الله تعالى. (وما ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحي يوحى) ، نسأل الله أن يجنّبنا الزّيغ وأن يعصمنا من الضلالة، والله تعالى أعلم، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 7208 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 هل الأحاديث في أمور الغيب المستقبلي وحي من الله [السُّؤَالُ] ـ[أعرف أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يتكلم في الدين من تلقاء نفسه، فكيف عرف عن أمارات الساعة وما إلى ذلك فهل أخبره الله بها؟ أرجو التوضيح.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله كُلُّ ما أخبر به الرسول عليه الصلاة والسلام من الغيب الماضي، والحاضر، والمستقبل، مثل بدء الخلق، والقيامة، والجنَّة، والنَّار، وأشراط الساعة، والملائكة، والأنبياء كُلُّ ذلك بوحيٍ من الله سبحانه وتعالى، كما قال تعالى: (وما ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحيٌ يوحى) ، وقال تعالى: (تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك) ، وقال تعالى: (قُل لا أقول لكم عِندي خزائُن الله ولا أعلمُ الغيبَ ولا أقول لكم إِنِّي مَلك إِن أتَّبع إِلاَّ ما يُوحى إِليْ) . فلذلك يجب تصديق الرسول عليه الصلاة والسلام في كُلِّ ما أخبر الله به في أمور الغيب وغيرها لأنه الصادق المصدوق، فمن كذّبه ولو في خبرٍ واحد يعلم أنه ثبت، فإنه بذلك يصير مرتداً عن الإسلام إن كان مسلماً. [الْمَصْدَرُ] كتبه: الشيخ عبد الرحمن البراك. الحديث: 8490 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 هل الأنبياء متساوون [السُّؤَالُ] ـ[أساعد في تعليم فتيات عن الإسلام مرة أسبوعياً. وفي الأسبوع الماضي إحدى البنات سألتني السؤال التالي وحقيقة لم أستطع الرد عليه وأخبرتها أنني سأبحث لها عن الجواب أو أسأل لها شخصا ما، كان السؤال هل الأنبياء يعتبرون متساوين؟ لو كان الأمر هكذا، لماذا يوجد نبي في كل مستوى من الجنة والنبي محمد في أعلاها السماء السابعة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن العباد جميعاً خلق لله تعالى وهم عباده، وهو سبحانه له الحكم وله الأمر من قبل ومن بعد، ولقد اقتضت حكمة الله تعالى أن يصطفي من الملائكة بعضهم على بعض، وفضَّل بعضهم على بعض كتفضيل جبريل وميكائيل وإسرافيل ومالك ورضوان وغيرهم على من سواهم، كما اقتضت حكمته وعدله أن يصطفي من بني آدم بعضاً منهم، وأنه فضَّل بعضهم على بعض في المنزلة والمكانة والخيرية، كما قال تعالى: (الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس إن الله سميع بصير) وقال سبحانه وتعالى (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض، منهم من كلَّم اللهُ ورفع بعضهم درجات) وأخبر سبحانه وتعالى أنه قد اصطفى واجتبى من الناس هؤلاء الرسل فقال جل وعلا بعدما ذكر جملة من الأنبياء والمرسلين (ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم) وقال تعالى (والله فضَّل بعضكم على بعض في الرزق) ، اقتضت حكمته أن يكون آدم عليه السلام هو أبو البشر، واقتضت حكمته ورحمته وعدله أن يختار من ذريته أصفيائه من المرسلين والأنبياء الكرام عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام، وكان ممن اصطفاهم واختارهم وفضلهم على غيرهم من الأنبياء والمرسلين أولوا العزم من الرسل وهم: محمد وإبراهيم ونوح وموسى وعيسى بن مريم عليهم أفضل الصلاة وأزكى التسليم، واختار وفضَّل عليهم جميعاً إمامهم وسيدهم وخاتمهم نبينا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم فهو بحق سيد ولد آدم ولا فخر، وهو صاحب اللواء والشفاعة، وهو الذي له المقام المحمود في الجنة التي لا تنبغي إلا لشخص واحد فقط وهو نبينا صلى الله عليه وسلم، لهذا فقد أخذ الله تعالى العهد والميثاق على كل الأنبياء والمرسلين أنه لو بُعث محمد صلى الله عليه وسلم في حال حياة أحدهم فالواجب عليه اتباعه صلى الله عليه وسلم وترك ما معه إلى ما مع نبينا صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين، فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون) ، وقال صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه (والله لو كان أخي موسى حياً لما وسعه إلا اتباعي) ولما ينزل المسيح عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام في آخر الزمان فإنه ينزل حكماً بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، ويكون تابعاً له صلى الله عليه وسلم. وهذا كله بالنسبة لمكانتهم عند الله، وأما بالنسبة لدينهم فدينهم واحد وقد اتفقوا جميعاً في الدعوة إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له، وأما شرائعهم فكل شريعة خاصة به له ولقومه فحسب قال تعالى: (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً) أما شريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فهي أكمل وأفضل وأحسن وأتمُّ وأحب الشرائع إلى الله، وهي ناسخة لكل شريعة قبلها، ولا شكَّ أن الأنبياء يتفاوتون في الدرجة والمنزلة، فهم درجات وطبقات وأفضلهم - كما سبق أولوا العزم الخمسة، وأفضلهم على الإطلاق هو خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم، وأما ما ورد من أحاديث صحيحة مثل (لا تفضلوني على يونس بن متى) وحديث (والذي اصطفى موسى على العالمين) فإنها كلها تدل على شدة تواضعه صلى الله عليه وسلم مع إخوانه الرسل الكرام، وإلا فهو بلا شك أفضلهم على الإطلاق إذ كان إمامهم ليلة الإسراء في بيت المقدس، وهو سيد ولد آدم يوم القيامة، وهو الذي له الشفاعة الكبرى يوم القيامة دون غيره من المرسلين، وهو القائل صلى الله عليه وسلم (إن الله اصطفى من بني آدم قريشاً، واصطفى من قريشٍ كنانة، واصطفى من كنانة بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم) فهو المصطفى من الخلق كلهم صلى الله عليه وسلم. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 7459 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا أمورا من الآخرة [السُّؤَالُ] ـ[بما أن يوم القيامة لم يحن بعد ولا يوجد أحد في الجنة ولا في النار فكيف رأى النبي محمد صلى الله عليه وسلم الناس يعاقبون في النار ورأى الأنبياء والأطفال وبعض الناس في الجنة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كنّا نؤمن بأن الله على كل شيء قدير هان علينا الأمر وآمنا بما أخبَرَنا به عليه الصلاة والسلام، والله خالق الزمان قادر على أن يري رسوله في الدنيا أمورا ستكون يوم القيامة، كما أنه أقدره على رؤية الجنة والنار في عرض الحائط لمّا كان يصلي صلاة الكسوف وكاد يأتي أصحابه بعنقود من عنب من ثمر الجنة مع البعد العظيم في المسافة بين الأرض والجنّة، والذي يقرّب المكان لا يُعجزه أن يفعل في الزمان ما يشاء وأن يُري نبيه في الدنيا مشاهد حيّة مما سيكون يوم القيامة، وربك على كل شيء قدير. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 5643 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 مدة حمل مريم بعيسى عليه السلام [السُّؤَالُ] ـ[هل حملت مريم العذراء بعيسى عليه السلام تسعة أشهر? أم عندما جاءها الملاك وأمرها باللجوء إلى جدع النخلة ووضعته عليه السلام عندئذ؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف العلماء في مدة حمل مريم بعيسى عليه السلام. فذهب الجمهور إلى أنها تسعة أشهر كغيره من البشر. وقال عكرمة: ثمانية أشهر. قال: ولهذا لا يعيش ولد الثمانية أشهر، حفظاً لخاصة عيسى. وروي عن ابن عباس أنه قال: لم يكن إلا أن حملت فوضعت. قال ابن كثير رحمه الله (3/117) عن هذا الأثر المروي عن ابن عباس: "وهذا غريب، وكأنه مأخوذ من ظاهر قوله تعالى: (فحملته فانتبذت به مكانا قصيا * فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة) فالفاء وإن كانت للتعقيب لكن تعقيب كل شيء بحسبه، كقوله تعالى: (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما) فهذه الفاء للتعقيب بحسبها. وقد ثبت في الصحيحين أن بين كل صفتين أربعين يوما [يعني: تبقى النطفة أربعين يوماً والعلقة أربعين والمضغة أربعين] . وقال تعالى: (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة) فالمشهور الظاهر - والله على كل شيء قدير- أنها حملت به كما تحمل النساء بأولادهن، ولهذا لما ظهرت مخايل الحمل بها وكان معها في المسجد رجل صالح من قراباتها يخدم معها البيت المقدس يقال له يوسف النجار، فلما رأى ثقل بطنها وكبره أنكر ذلك من أمرها ثم صرفه ما يعلم من براءتها ونزاهتها ودينها وعبادتها ثم تأمل ما هي فيه فجعل أمرها يجوس في فكره لا يستطيع صرفه عن نفسه، فحمل نفسه على أن عَرَّض لها في القول، فقال: يا مريم إني سائلك عن أمر فلا تعجلي عليّ. قالت: وما هو؟ قال: هل يكون قط شجر من غير حب؟ وهل يكون زرع من غير بذر؟ وهل يكون ولد من غير أب؟ فقالت: نعم، وفهمت ما أشار إليه، أما قولك: هل يكون شجر من غير حب؟ وزرع من غير بذر؟ فإن الله قد خلق الشجر والزرع أول ما خلقهما من غير حب ولا بذر. وهل يكون ولد من غير أب؟ فإن الله تعالى قد خلق آدم من غير أب ولا أم. فصدقها وسَلَّم لها حالَها. ولما استشعرت مريم من قومها اتهامها بالريبة انتبذت منهم مكانا قصيا أي قاصيا منهم بعيدا عنهم لئلا تراهم ولا يروها قال محمد بن إسحاق فلما حملت به وملأت قلتها ورجعت استمسك عنها الدم وأصابها ما يصيب الحامل على الولد من الوصب والترحم وتغير اللون حتى فطر لسانها فما دخل على أهل بيت ما دخل على آل زكريا وشاع الحديث في بني إسرائيل فقالوا إنما صاحبها يوسف ولم يكن معها في الكنيسة غيره وتوارت من الناس واتخذت من دونهم حجابا فلا يراها أحد ولا تراه " انتهى كلام ابن كثير رحمه الله. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45820 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 هل محمد صلى الله عليه وسلم هو أول الخلق [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن يقول المسلم في مدح محمد صلى الله عليه وسلم: يا أول خلق الله؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله محمد صلى الله عليه وسلم هو أفضل خلق الله، وأرفعهم رتبة. ولكنه ليس أول من خلق الله، إنما أول ما خلق الله العرش، وليس آدم ولا محمد صلى الله عليه وسلم، أما ما يروى أن الله خلق محمدا من نور وأنه قرن اسمه مع اسمه، وأن آدم لما خلق ونفخ فيه الروح رأى أن اسمه مكتوب عند العرش فهذا لا يثبت فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد الله بن حميد ص 16 الحديث: 11452 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 هل الرسول صلى الله عليه وسلم حي وحاضر في الأرض الآن [السُّؤَالُ] ـ[المقالة التالية أعلنت أن روح النبي صلى الله عليه وسلم موجودة دائماً في جميع الأوقات والآتي هو معظم المقالة وأدلتها. هل ما يقولونه صحيح؟ إنه اعتقاد أهل السنة والجماعة أن الرسول صلى الله عليه وسلم 1- حاضر ويرى في جميع الأوقات 2- على علم ومشاهدة بخلق الله 3- قادر على أن يكون موجوداً في أماكن متعددة في نفس الوقت وهاهي الأدلة: (ياأيها النبي إنا أرسلناك شاهداً) (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً) لاحظ أن النبي صلى الله عليه وسلم كونه يدعى شاهداً على كل الأمم التي خلقها الله على هذه الأرض لذلك فلا بد أن النبي صلى الله عليه وسلم حاضراً قبل ظهوره المبكر ولا يزال حاضراً بعد الميراث الأرضي، وإلا ما كان يمكن أن يقال عنه شاهداً على مجريات الأمور الحقيقية ويوجد آيات كثيرة تقول بأن الرسول صلى الله عليه وسلم شاهداً. نقطة فنية: الآيات القرآنية التالية تبين أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن موجودا قبل ظهوره المبكر (وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم) أي أن النبي صلى الله عليه وسلم موجوداً " أي بجسمه يتكلم ".]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الرسول عليه الصلاة والسلام أكمل الخلق، وأفضلهم، وأحبهم إلى الله، وأكرمهم عنده ولا يعني هذا أن يسلب خصائص البشر، أو أن يصرف شيئا من حقوق الرب له. فالرسول عليه الصلاة والسلام بشر يعتريه ما يعتري البشر من الأمراض والموت الحقيقي قال تعالى: (إنك ميت وإنهم ميتون) ، وقال تعالى: (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن متّ فهم الخالدون) . فالرسول عليه الصلاة والسلام مات ودفن في قبره، ولذا قال الصدّيق أبو بكر رضي الله عنه: من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت. وكونه عليه الصلاة والسلام شاهدا ومبشرا ونذيرا، وكونه شهيدا يوم القيامة لا يعني أنه حاضر جميع الأمم، ولا أن حياته عليه الصلاة والسلام مستمرة دائمة إلى يوم القيامة ولا أنه يشاهد وهو في قبره إذ ليس طريق الشهادة مقتصرا على المشاهدة، بل يشهد على الأمم بما أخبره الله به سبحانه وتعالى، وإلا فهو لا يعلم الغيب، قال تعالى: (ولو كنت أعلم الغيب لا ستكثرت من الخير) . ولا يقدر عليه الصلاة والسلام أن يوجد في أماكن متعددة بل هو في مكان واحد وهو قبره عليه الصلاة والسلام وهذا بإجماع المسلمين. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد الكريم الخضير. الحديث: 6084 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 نبذة عن نبي الله عيسى عليه السلام [السُّؤَالُ] ـ[هل من الممكن أن تعطينا نبذة عن عيسى عليه السلام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله - كانت مريم ابنة عمران امرأة صالحة تقية.. واجتهدت في العبادة حتى لم يكن لها نظير في النسك والعبادة.. فبشرتها الملائكة باصطفاء الله لها.. (إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين - يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين) آل عمران / 42 - 43. - ثم بشرت الملائكة مريم بأن الله سيهب لها ولداً يخلقه بكلمة كن فيكون وهذا الولد اسمه المسيح عيسى ابن مريم.. وسيكون وجيهاً في الدنيا والآخرة ورسولاً إلى بني إسرائيل.. ويعلم الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل.. وله من الصفات والمعجزات ما ليس لغيره.. كما قال تعالى: (إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين - ويكلم الناس في المهد وكهلاً ومن الصالحين - قالت رب أنى يكون لي ولدٌ ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون) آل عمران /45-47. - ثم أخبر الله تعالى عن تمام بشارة الملائكة لمريم بابنها عيسى عليه السلام فقال عن تشريف عيسى , وتأييده بالمعجزات.. (ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل - ورسولاً إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين - ومصدقاً لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم) آل عمران/ 48 - 51. - والله سبحانه له الكمال المطلق في الخلق.. يخلق ما يشاء كيف يشاء.. فقد خلق آدم من تراب بلا أب ولا أم.. وخلق حواء من ضلع آدم من أب بلا أم.. وجعل نسل بني آدم من أب وأم.. وخلق عيسى من أم بلا أب.. فسبحان الخلاق العليم. - وقد بين الله في القرآن كيفية ولادة عيسى بياناً شافياً فقال سبحانه (واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكاناً شرقياً - فاتخذت من دونهم حجاباً فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشراً سوياً - قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً - قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكياً - قالت أنّى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغياً - قال كذلك قال ربك هو عليّ هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمراً مقضياً) مريم/16 - 21. - فلما قال لها جبريل ذلك استسلمت لقضاء الله فنفخ جبريل في جيب درعها.. (فحملته فانتبذت به مكاناً قصياً - فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسيا) مريم /22 - 23. - ثم ساق الله لمريم الماء والطعام.. وأمرها أن لا تكلم أحداً.. (فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سرياً - وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً - فكلي واشربي وقرِّي عيناً فإما ترين من البشر أحداً فقولي إني نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم إنسياً) مريم /24 - 26. - ثم جاءت مريم إلى قومها تحمل ولدها عيسى.. فلما رأوها أعظموا أمرها جداً واستنكروه.. فلم تجبهم.. وأشارت لهم اسألوا هذا المولود يخبركم.. قال تعالى.. (فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئاً فرياً - يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغياً - فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبياً) مريم/27 - 29. - فأجابهم عيسى على الفور وهو طفل في المهد.. (قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً - وجعلني مباركاً أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً - وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً - والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حياً) مريم/30 -33. ذلك خبر عيسى ابن مريم عبد الله ورسوله.. ولكن أهل الكتاب اختلفوا فيه فمنهم من قال هو ابن الله.. ومنهم من قال هو ثالث ثلاثة.. ومنهم من قال هو الله.. ومنهم من قال هو عبد الله ورسوله وهذا الأخير هو القول الحق قال تعالى.. (ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون - ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون - وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم - فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم) مريم/34 -37. - ولما انحرف بنو إسرائيل عن الصراط المستقيم.. وتجاوزوا حدود الله.. فظلمو ا , وأفسدوا في الأرض وأنكر فريق منهم البعث والحساب والعقاب.. وانغمسوا في الشهوات والملذات غير متوقعين حساباً.. حينئذ بعث الله إليهم عيسى ابن مريم رسولاً وعلمه التوراة والإنجيل كما قال سبحانه عنه (ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ورسواً إلى بني إسرائيل) آل عمران/48. - وقد أنزل الله على عيسى ابن مريم الإنجيل هدى ونوراً.. ومصدقاً لما في التوراة.. (وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقاً لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين) المائدة/46. - وعيسى عليه السلام قد بشر بمجيء رسول من الله يأتي من بعده اسمه أحمد وهو محمد صلى الله عليه وسلم قال تعالى.. (وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقاً لما بين يدي من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين) الصف/6. - قام عيسى عليه السلام بدعوة بني إسرائيل إلى عبادة الله وحده.. والعمل بأحكام التوراة والإنجيل.. وأخذ يجادلهم ويبين فساد مسلكهم.. فلما رأى عنادهم وظهرت بوادر الكفر فيهم.. وقف في قومه قائلاً من أنصاري إلى الله؟ فآمن به الحواريون وعددهم اثنا عشر قال تعالى (فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله وأشهد بأنا مسلمون - ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين) آل عمران /52 -53. - أيد الله عيسى بمعجزات عظيمة تذكر بقدرة الله.. وتربي الروح.. وتبعث الإيمان بالله واليوم الآخر.. فكان يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله.. وكان يبرئ الأكمه والأبرص، ويحيي الموتى بإذن الله، ويخبر الناس بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم.. فقام اليهود الذين أرسل الله إليهم عيسى بمعاداته وصرف الناس عنه.. وتكذيبه، وقذف أمه بالفاحشة. - فلما رأوا أن الضعفاء والفقراء يؤمنون به.. ويلتفون حوله حينئذ دبروا له مكيدة ليقتلوه فحرضوا الرومان عليه.. وأوهموا الحاكم الروماني أن في دعوة عيسى زوالاً لملكه فأصدر أمره بالقبض على عيسى وصلبه.. فألقى الله شبه عيسى على الرجل المنافق الذي وشى به فقبض عليه الجنود يظنونه عيسى فصلبوه.. ونجى الله عيسى من الصلب والقتل كما حكى الله عن اليهود.. (وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلاّ اتباع الظن وما قتلوه يقينا - بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزاً حكيماً) النساء/157 - 158 - فعيسى عليه السلام لم يمت بل رفعه الله إليه.. وسينزل قبل يوم القيامة ويتبع محمداً صلى الله عليه وسلم.. وسيكذب اليهود الذين زعموا قتل عيسى وصلبه.. والنصارى الذين غلوا فيه وقالوا هو الله.. أو ابن الله.. أو ثالث ثلاثة.قال النبي عليه الصلاة والسلام.. (والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما ًمقسطاً فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد) . متفق عليه أخرجه مسلم برقم 155. - فإذا نزل عيسى قبل يوم القيامة آمن به أهل الكتاب كما قال تعالى.. (وإن من أهل الكتاب إلاّ ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيداً) النساء/159. - وعيسى ابن مريم عبد الله ورسوله.. أرسله الله لهداية بني إسرائيل والدعوة إلى عبادة الله وحده كما قال سبحانه لليهود والنصارى.. (يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلاّ الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيراً لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلاً) النساء/ 171. - والقول بأن عيسى ابن الله قول عظيم ومنكر كبير.. (وقالوا اتخذ الرحمن ولداً - لقد جئتم شيئاً إداً - تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً - أن دعوا للرحمن ولداً - وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولداًً - إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً) مريم/88- 93. - وعيسى ابن مريم بشر وهو عبد الله ورسوله فمن اعتقد أن المسيح عيسى ابن مريم هو الله فقد كفر.. (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم) المائدة/72. - ومن قال إن المسيح ابن الله أو ثالث ثلاثة فقد كفر.. (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم) المائدة /73. - فالمسيح ابن مريم بشر.. ولد من أم.. يأكل ويشرب.. ويقوم وينام.. ويتألم ويبكي.. والإله منزه عن ذلك.. فكيف يكون إلهاً.. بل هو عبد الله ورسوله (ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون) المائدة/75. - وقد أفسد اليهود والنصارى والصليبيون وأتباعهم دين المسيح وحرفوا فيه وبدلوا وقالوا لعنهم الله إن الله قدم ابنه المسيح للقتل والصلب فداءً للبشرية.. فلا حرج على أحد أن يعمل ما شاء فقد تحمل عنه عيسى كل الذنوب.. ونشروا ذلك بين طوائف النصارى حتى جعلوه جزءاً من عقيدتهم.. وهذا كله من الباطل والكذب على الله والقول عليه بغير علم.. بل كل نفس با كسبت رهينة.. وحياة الناس لا تصلح ولا تستقيم إن لم يكن لهم منهج يسيرون عليه.. وحدود يقفون عندها. - فانظر كيف يفترون على الله الكذب , ويقولون على الله غير الحق.. (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون) البقرة/79. - وقد أخذ الله على النصارى الأخذ على عيسى والعمل بما جاء به , فبدلوا وحرفوا فاختلفوا ثم أعرضوا.. فعاقبهم الله بالعداوة والبغضاء في الدنيا.. وبالعذاب في الآخرة كما قال تعالى: (ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظاً مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون) المائدة / 14. - وسيقف عيسى عليه السلام يوم القيامة أمام رب العالمين فيسأله على رؤوس الأشهاد ماذا قال لبني إسرائيل كما قال سبحانه: (وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب - ما قلت لهم إلاّ ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد - إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) المائدة / 116 -118. - وقد جعل الله في أتباع عيسى والمؤمنين رأفة ورحمة.. وهم أقرب مودة لأتباع محمد من غيرهم كما قال تعالى: (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون) المائدة/82. - وعيسى ابن مريم هو آخر أنبياء بني إسرائيل.. ثم بعث الله بعده محمداً صلى الله عليه وسلم من نسل إسماعيل إلى الناس كافة، وهو آخر الأنبياء والمرسلين. [الْمَصْدَرُ] من كتاب أصول الدين الإسلامي: تأليف فضيلة الشيخ محمد بن إبراهيم التويجري. الحديث: 10277 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 نبذة عن موسى عليه السلام [السُّؤَالُ] ـ[نريد نبذة عن نبي الله موسى عليه السلام وقومه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله - أوحى الله إلى موسى ابن عمران عليه الصلاة والسلام وأرسله إلى بني إسرائيل يدعوهم إلى عبادة الله وحده كما قال سبحانه: (ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم بأيام الله) إبراهيم/5. - وهارون عليه السلام أخو موسى من النسب أرسله الله عضداً لموسى حين أراد بعثه إلى فرعون ليدعوه إلى عبادة الله بناءً على طلب موسى.. (ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبياً) مريم/53. - وكان بنوا إسرائيل حينذاك في مصر تحت حكم فرعون.. وقد استعبدهم وأذلهم فكان يستحيي نسائهم ويقتل أبنائهم.. (يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين) القصص/4. - وقد وُلد موسى في مصر.. وأراد الله أن يتربى في بيت فرعون.. فوضعته أمه في تابوت وألقته في اليم.. فالتقطه آل فرعون.. وفرحت به زوجته آسية ونهتهم عن قتله.. ولما بلغ أشده آتاه الله حكماً وعلماً. - وفي يوم من الأيام استغاث بموسى رجل من بني إسرائيل على عدوه.. فوكزه موسى فقضى عليه.. فندم موسى واستغفر ربه فغفر له.. وأصبح في المدينة خائفاً يترقب.. وفي اليوم الثاني وجد موسى ذلك الرجل يقاتل عدواً له.. فاستنصره مرة أخرى فغضب موسى عليه.. وظن الرجل أنه يريد قتله.. فقال له.. (أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس) القصص /19. - فأخبر ذلك العدو قوم فرعون.. فراحوا يبحثون عن موسى ليقتلوه فجاء رجل صالح وأخبر موسى بما يدبر له القوم ونصحه بالخروج من مصر.. (فخرج منها خائفاً يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين) القصص/21. - وتوجه موسى إلى أرض مدين.. وتزوج هنالك بنتاً لشيخ كريم.. مقابل تأجير نفسه له ثمان سنين..فلما تم الأجل سار موسى بأهله إلى مصر.. فلما كان بطور سيناء أراد الله أن يخصه بكرامته ونبوته وكلامه..فضل موسى الطريق فرأى ناراً.. (فقال لأهله امكثوا إني آنست ناراً لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى - فلما أتاها نودي يا موسى إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى - وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى - إنني أنا الله لا إله إلاّ أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري - إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى) طه /10-15. - ثم أراه الله بعض المعجزات فأمره أن يلقي عصاه على الأرض فانقلبت حية.. وأن يدخل يده في جيبه فخرجت بيضاء.. ثم قال له اذهب بهاتين المعجزتين إلى فرعون لعله يتذكر أو يخشى.. فقد جاوز الحد في الطغيان والفساد.. وأرسل مع موسى أخاه هارون كما قال تعالى: (اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى - قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علنا أو أن يطغى- قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى - فأتياه فقولا إنّا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم قد جئناك بآية من ربك والسلام على من اتبع الهدى) طه / 43- 47. - ذهب موسى وهارون عليهما السلام إلى فرعون وبلّغاه الرسالة.. وسأل فرعون موسى.. (قال فرعون وما رب العالمين قال رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين) الشعراء /23. - ثم طلب فرعون من موسى آية تشهد بصدقه.. (قال إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين - فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين - ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين) الأعراف / 106 - 108. - فلما رأى فرعون وحاشيته ذلك اتهموا موسى بالسحر.. ثم جمعوا له السحرة.. ودفعوا لهم الأجر الجزيل.. وجُمع الناس يوم الزينة.. فألقى السحرة حبالهم وعصيهم.. (فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم) الأعراف /116. - ثم نصر الله موسى على السحرة وبطل كيدهم وآمن السحرة برب العالمين.. (وأوحينا إلى موسى أن الق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين وألقى السحرة ساجدين قالوا آمنا برب العالمين - رب موسى وهارون) الأعراف / 117 -122. - ولما آمن السحرة بالله.. قطع فرعون أيدي السحرة وأرجلهم من خلاف وصلبهم.. فصبروا ولم يبالوا بتهديده حتى لقوا الله مسلمين..ثم أشار الأشراف بقتل موسى وقومه لئلا يفسدوا في الأرض فقتلوا الأبناء واستحيوا النساء.. فأوصى موسى بني إسرائيل بالصبر.. ثم ضاق فرعون بموسى فأتمر وقومه على قتله.. (وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد) غافر/26. - وحينما كانوا يفكرون في قتل موسى.. دفعت المروءة رجلاً مؤمناً من آل فرعون يكتم إيمانه فدافع عن موسى.. وقال إن كان كاذباً فلن يضرنا..وإن كان صادقاً يصبكم بعض الذي يعدكم وتابع هذا الرجل نصح فرعون وقومه فلم يستجيبوا له.. (قال ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد) غافر/29. - وظل موسى يدعو فرعون وقومه بالموعظة الحسنة.. ولكن ما زادهم ذلك إلا علواً في الأرض وطغياناً وتعذيباً للمؤمنين.. فدعا عليهم موسى.. فعاقبهم الله بالجدب والقحط ونقص الثمرات لعلهم يذكرون.. ولكنهم لم يذعنوا بل استمروا في إجرامهم وطغيانهم.. فأصابهم الله بصنوف أخرى من المصائب لعلهم يرجعون.. (وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوماً مجرمين) الأعراف / 132- 133. - ولما ازداد طغيان فرعون.. جاء الأمر الإلهي بالفرج فأمر الله موسى أن يخرج ببني إسرائيل من مصر سراً.. فلما علم فرعون جمع جيشاً كبيراً ليدرك موسى وقومه قبل أن يصلوا فلسطين.. وخرج فرعون وجنوده تاركين وراءهم البساتين والجنات والأموال.. فأدركوا موسى وقومه مع شروق الشمس عند ساحل البحر الأحمر فنجى الله موسى وقومه.. وأغرق فرعون وجنوده كما قال تعالى: (وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي إنكم متبعون - فأرسل فرعون في المدائن حاشرين - إن هؤلاء لشرذمة قليلون - وإنهم لنا لغائظون - وإنا لجميع حاذرون - فأخرجناهم من جنات وعيون - وكنوز ومقام كريم - كذلك وأورثناها بني إسرائيل - فأتبعوهم مشرقين - فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون- قال كلا إن معي ربي سيهدين - فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم - وأزلفنا ثم الآخرين - وأنجينا موسى ومن معه أجمعين - ثم أغرقنا الآخرين - إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين - وإن ربك لهو العزيز الرحيم) الشعراء/ 52 -68. - وهكذا هلك فرعون وجنوده، ولما أدركه الغرق آمن.. ولكن لم ينفعه ذلك.. وأبقى الله بدنه ليكون عبرة لمن بعده.. وكانت عقوبة آل فرعون في الدنيا الغرق في البحر وفي الآخرة العذاب الشديد.. (وحاق بآل فرعون سوء العذاب النار يعرضون عليها غدواً وعشياً ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب) غافر/46-47. - وقد شاهد بنو إسرائيل معجزات موسى وكان آخرها معجزة نجاتهم وهلاك عدوهم وكانت هذه المعجزات كافية لنزع رواسب الوثنية من قلوبهم إلا أنها كانت تعاودهم أحياناً.. ولقي موسى الأهوال في سبيل ردهم إلى عبادة الله وحده.. ومن ذلك: عندما جاوز البحر مروا على قوم يعبدون الأصنام.. فطلبوا من موسى أن يتخذ لهم صنماً يعبدونه كهؤلاء فقال لهم موسى (إنكم قوم تجهلون - إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون - قال أغير الله أبغيكم إلهاً وهو فضلكم على العالمين) الأعراف / 138ـ 140. وسار بنوا إسرائيل إلى الأرض المقدسة وفي الطريق أصابهم العطش فشكوا إلى موسى فدعا ربه فسقاهم.. (وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه أن اضرب بعصاك الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عيناً قد علم كل أناس مشربهم) الأعراف/160. وفي طريقهم شكوا شدة حرارة الشمس.. وقلة الطعام فدعا موسى ربه فظللهم بالغمام.. ورزقهم من الطيبات ولكنهم لم يشكروا بل طلبوا غيرها.. (وظللنا عليهم الغمام وأنزلنا عليهم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) الأعراف /160. ثم اشتكوا وقالوا.. (لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها) البقرة/61. وكان الله قد وعد موسى أن ينزل عليه كتاباً فيه الأوامر والنواهي لبني إسرائيل.. فلما هلك فرعون سأل الله موسى ربه الكتاب فأمره أن يصوم أربعين يوماً فخلف أخاه هارون في قومه وصام تلك الأيام.. ثم أنزل الله عليه التوراة عند جبل الطور.. فيها المواعظ وتفصيل كل شيء.. فلما رجع إلى قومه وجدهم يعبدون العجل الذي صنعه لهم السامري من الحلي وقال لهم هذا إلهكم وإله موسى.. (فأخرج لهم عجلاً جسداً له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسي - أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولاً ولا يملك لهم ضراً ولا نفعاً - ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري - قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى) طه/88-91. فلما جاء موسى غضب عليهم ولامهم وبين لهم الحق.. ثم حرق العجل , ورماه في البحر , وعاقب السامري فكان يتألم من مس أي شيء. ندم بنو إسرائيل على عبادة العجل.. فاختار منهم موسى سبعين رجلاً وذهب بهم إلى جبل الطور ليقدموا الطاعة لله.. والندم على ما فعلوا.. وهناك كلم الله موسى.. ولكن بعضهم لم يؤمن بأن الله هو الذي يكلم موسى فعصوا وقالوا أرنا الله جهرة.. (وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون - ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون) البقرة/ 55-56. ولما عاد موسى إلى بني إسرائيل ومعه التوراة أبوا أن يقبلوها وتذمروا من أحكامها فهددهم فقبلوا.. كما قال تعالى.. (وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون - ثم توليتم من بعد ذلك فلولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين) البقرة / 63 -64. ثم أمر موسى بني إسرائيل أن يذهبوا معه إلى الأرض المقدسة في فلسطين فذهبوا معه ثم خافوا من أهلها الجبارين وعصوا موسى وتمردوا عليه.. (قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبداً ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون) المائدة / 24. فدعا عليهم موسى.. واستجاب الله دعاءه.. وأخبره بأن الأرض المقدسة محرمة عليهم.. وأنهم سيتيهون في الأرض أربعين سنة فلا يحزن عليهم.. (قال ربي إني لا أملك إلاّ نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين ـ قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين) المائدة/ 25 ـ26. ـ وهكذا ظل موسى صابراً على تذمر بني إسرائيل.. وكثرة شكواهم.. وفي مدة التيه توفى هارون..ثم توفي موسى.. ومات أكثرهم.. فلما انقضت المدة دخل يوشع بن نون بهم الأرض المقدسة وحاصرها حتى فتحها.. وأمرهم أن يدخلوا الأرض المقدسة سجدا ًفلم يمتثلوا.. ودخلوها على أُستاهم. - وقد امتن الله على بني إسرائيل بنعم عظيمة فأنجاهم من فرعون.. ورزقهم من الطيبات..وجعل منهم الأنبياء والملوك.. وفضلهم على العالمين ولكنهم كفروا تلك النعم ولم يشكروها.. (وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكاً وآتاكم ما لم يؤت أحداً من العالمين) المائدة / 20. - ولليهود أقوال سيئة وأفعال خبيثة أوجبت لعنهم وسخط الله عليهم. - فقد اتهموا الله بالبخل.. (وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء) المائدة/64. وكفروا بقولهم هذا البهتان العظيم.. (لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء) آل عمران / 81 1. ـ ونسبوا إلى الله الولد قاتلهم الله أنى يؤفكون.. (وقالت اليهود عزير ابن الله) التوبة/30. - ولما بلغتهم التوراة كفر كثير منهم بأحكامها.. وصدوا عن سبيل الله.. واستباحوا الظلم فعاقبهم الله بذنوبهم.. قال تعالى.. (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيراً وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل وأعتدنا للكافرين منهم عذاباً أليماً) النساء/ 61. - ومن بهتانهم قولهم إنهم أبناء الله وأحباؤه.. (وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق) المائدة /18. - ومن كذبهم وبهتانهم قولهم.. (وقالوا لن يدخل الجنة إلاّ من كان هوداً أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) البقرة /111. - ومن إفترائهم وكذبهم قولهم.. (وقالوا لن تمسنا النار إلاّ أياماً معدودة قل أتخذتم عند الله عهداً فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون) البقرة/80. - ومن مكرهم وخيانتهم أنهم كانوا يحرفون كتابهم التوراة.. (من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه) النساء /46. - ومن جرائمهم أنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق فعاقبهم الله بذنوبهم كما قال تعالى.. (وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون) البقرة/61. - ولما لليهود من مظالم , وافتراءات , وأعمال سيئة , وفساد في الأرض ألقى الله بينهم العداوة والبغضاء فلن تقوم لهم قائمة إلى يوم القيامة.. (وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فساداً والله لا يحب المفسدين) المائدة /64. - واليهود ضعاف النفوس..قلوبهم متفرقة.. وأهواؤهم مختلفة.. (لا يقاتلونكم جميعاً إلاّ في قرىً محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون) الحشر/14. - واليهود أشد الناس عداوة للذين آمنوا.. واليهود لطغيانهم وفسادهم يكرهون الموت فراراً مما بعد الموت كما قال تعالى.. (قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين - ولا يتمنونه أبداً بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين) الجمعة/6-7. - وظل اليهود على فسادهم وطغيانهم وتحريفهم.. وأرسل الله إلى بني إسرائيل كثيراً من الأنبياء والرسل لردهم إلى الصراط المستقيم فمنهم من آمن بهم.. ومنهم من كفر.. حتى أرسل الله إليهم عيسى بن مريم عليه السلام. [الْمَصْدَرُ] من كتاب أصول الدين الإسلامي: تأليف الشيخ محمد بن ابراهيم التويجري. الحديث: 10242 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 هل النبي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذُكِر في الإنجيل [السُّؤَالُ] ـ[أرجو أن تخبرني أين ذُكر النبي صلى الله عليه وسلم في الإنجيل؟ وهل تم ذكر اسمه أم رمز له؟ وما هي المراجع التي يمكن أن أستعملها لأثبت هذه المسألة، وهل الكُتاب والمترجمون النصارى قد حرفوا ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الله تعالى في كتابه: (وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين) الصف /6 وقال تعالى: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون) الأعراف/157 فهاتان الآيتان تدلان على أن النبي صلى الله عليه وسلم مذكور في التوراة والإنجيل، مهما أدعى اليهود والنصارى عدم ذلك، فإن كلام الله تعالى أحسن حديثا، وأصدق قيلا. ومما وورد في الكتاب السابقة ما يلي: أولا: جاء في التوراة في سفر التثنية الإصحاح الثامن عشر الفقرات 18و19: " يا موسى أني سأقيم لبني إسرائيل نبيا من إخوتهم مثلك أجعل كلامي فيه ويقول لهم ما أمره به والذي لا يقبل قول ذلك النبي الذي يتكلم باسمي أنا أنتقم منه ومن سبطه "، وهذا النص موجود عندهم الآن، فقوله:" من إخوانهم "، لو كان منهم من بني إسرائيل لقال سأقيم لهم نبياً منهم قال من إخوتهم أي أبناء إسماعيل. ثانيا: جاء في إنجيل يوحنا الإصحاح السادس عشر الفقرات 16-17: " إن خيراً لكم أن أنطلق لأني إن لم أذهب لم يأتكم الفارقليط فإذا انطلقت أرسلته إليكم فإذا جاء فهو يوبخ العالم على الخطيئة، وان لي كلاماً كثيراً أريد قوله ولكنكم لا تستطيعون حمله لكن إذا جاء روح الحق ذاك الذي يرشدكم إلى جميع الحق لأنه ليس ينطق من عنده بل يتكلم بما يسمع ويخبركم بكل ما يأتي "، وهذا لا ينطبق إلا على النبي صلى الله عليه وسلم. ثالثا: قال ابن القيم رحمه الله: " قال في التوراة في السفر الخامس: -: " أقبل الله من سيناء، وتجلى من ساعير، وظهر من جبال فاران، ومعه ربوات الإظهار عن يمينه " وهذه متضمنة للنبوات الثلاثة: نبوة موسى، ونبوة عيسى، ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم، فمجيئه من " سينا ": وهو الجبل الذي كلم الله عليه موسى، ونبأه عليه إخبار عن نبوته، وتجليه من ساعير هو مظهر المسيح من بيت المقدس، و " ساعير ": قرية معروفة هناك إلى اليوم، وهذه بشارة بنبوة المسيح. "وفاران ": هي مكة، وشبه سبحانه نبوة موسى بمجيء الصبح، ونبوة المسيح بعدها بإشراقه وضيائه ونبوة خاتم الأنبياء باستعلاء الشمس، وظهور ضوءها في الآفاق، ووقع الأمر كما أخبر به سواء. فإن الله سبحانه صدع بنبوة موسى ليل الكفر فأضاء فجره بنبوته، وزاد الضياء والإشراق بنبوة المسيح، وكمل الضياء واستعلن وطبق الأرض بنبوة محمد صلوات الله وسلامه عليهم، وذكر هذه النبوات الثلاثة التي اشتملت عليها هذه البشارة نظير ذكرها في أول سورة (والتين والزيتون، وطور سينين، وهذا البلد الأمين " ا. هـ[انظر هداية الحيارى ص 110، وما ذكره ابن القيم هو في العهد القديم سفر التثنية الإصحاح 33 فقرة 1] رابعا: ذكر الشيخ عبد المجيد الزنداني في كتابه: (البشارات بمحمد صلى الله عليه وسلم في الكتب السماوية السابقة) أن إنجيل برنابا في الباب 22 جاء فيه: " وسيبقى هذا إلى أن يأتي محمد رسول الله الذي متى جاء كشف هذا الخداع للذين يؤمنون بشريعة الله "، وجاء في سفر أشعيا: إني جعلت اسمك محمدا يا محمد، يا قدوس الرب: اسمك موجود من الأبد، وجاء في سفر أشعيا: " وما أعطيته لا أعطيه لغيره، أحمد يحمد الله حمدا حديثا يأتي من أفضل الأرض، فتفرح به البرية، ويوحدون على كل شرف، ويعظمونه على كل رابية " انتهى. وقد ذكر العلماء العديد من المواضع التي ذكر فيها اسم النبي صلى الله عليه وسلم، مرة بذكر اسمه الصريح، ومرة بذكر وصف لا ينطبق إلا عليه صلى الله عليه وسلم. ويمكنك مراجعة العديد من النصوص في الوصلة التالية: http://arabic.islamicweb.com/christianity/ واعلم أنه قد طرأ تغيير على الكتب الموجودة الآن من التوراة والإنجيل وحدث تغيير فيها، وقد ذكر المؤرخون من غير المسلمين هذا الأمر، لكن مع ذلك كله لازلنا نجد في التوراة والإنجيل التبشير بمقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر الشيخ رحمة الله الهندي أن النصارى كلما استطاعوا تحريف موضع حرفوه، ولذلك تجد بعض العلماء القدامى يذكرون مواضع في التوراة والإنجيل ليست موجودة الآن، لكن هناك مواضع أخرى لا زالت تبشر بنبوة النبي صلى الله عليه وسلم وقدومه. واعلم أنه لا بد من تسلح الإنسان بالعلم الصحيح الوافي عند مناقشة النصارى، وهم وإن لم يكن لديهم حجج، إلا إنه يسعون لبث الشبه في نفوس الناس، ليستسلموا ها، وليغيب الحق، والله متم نوره ولو كره الكافرون. ومن الكتب المفيدة في هذا السياق كتاب إظهار الحق للشيخ رحمة الله الهندي، وكتاب هداية الحيارى لابن القيم، ومن قبله الجواب الصحيح لابن تيمية. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 44018 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 إجابة عن إشكالات في آيات حياة المسيح عليه السلام وموته [السُّؤَالُ] ـ[أنا من متابعي موقعكم ولا أشك أبداً في أن حرفا واحدا من القرآن قد تم تحريفه وأرجو أن تشرح لي اللبس في هاتين الآيتين الأولى في سورة مريم (وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) فما معني يوم أموت؟ وفي آية ") وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً) النساء/159، فما معنى هذا؟) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً) النساء/157 أدرس في الصين ولدي الكثير من الأصدقاء من أديان مختلفة ويسألوني عن القرآن وموقف الإسلام من عيسى عليه السلام، أحاول أن أجيب على أسئلتهم وأرجو أن تجيبني في أسرع وقت.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله بدايةً نشكر لك حرصك على السؤال عن أمر دينك، وسعيك للتبصر في تفسير كتاب الله جل وعلا، ونسأل الله أن يرزقنا وإياك العلم النافع، أما فيما يتعلق بقوله تعالى: (وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً) مريم/33، فقد قال الطبري في تفسيره:" وقوله {والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا} يقول: والأمن من الله عليَّ من الشيطان وجنده يوم ولدت أن ينالوا مني ما ينالون ممن يولد عند الولادة، من الطعن فيه، ويوم أموت، من هول المطلع، ويوم أبعث حياً يوم القيامة أن ينالني الفزع الذي ينال الناس بمعاينتهم أهوال ذلك اليوم " [تفسير الطبري 8 / 340] وقال القرطبي:" {والسلام علي} أي السلامة علي من الله تعالى. قال الزجاج ذكر السلام قبل هذا بغير ألف ولام فحسن في الثانية ذكر الألف واللام. وقوله: يوم ولدت يعني في الدنيا. وقيل: من همز الشيطان كما تقدم في ((آل عمران)) . ويوم أموت يعني في القبر. ويوم أبعث حيا يعني في الآخرة، لأن له أحوالاً ثلاثة: في الدنيا حياً، وفي القبر ميتاً، وفي الآخرة مبعوثاً، فسلم في أحواله كلها " [تفسير القرطبي 11 / 98] ومما سبق من أقوال المفسرين تعلم أن قوله {ويوم أموت} ليس معناه أنه قد مات، وإنما معناه أنه عند موته – وذلك بعد نزوله وقتله للدجال كما ثبت في الأحاديث – فإنه يسلم من الموت على غير الإيمان بالله تعالى، وهذا كما أنه قال {ويوم أبعث حيا} وليس معناه أنه قد بعث يوم القيامة!! ، فكلامه صلى الله عليه وسلم إنما هو عن أحواله في ولادته، وفي موته، وفي بعثه، ولا شك أنه سيموت، لكن كما دلت الآيات الأخرى التي سقتها، فإنه لم يمت بالقتل أو الصلب، وإنما رفعه الله إليه، وسيموت بعد نزوله من السماء، وقتله للدجال. أما قوله تعالى: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً) النساء/ 159، فقد اختلف أهل العلم في مرجع الضمير في قوله {موته} على قولين: القول الأول: أن مرجع الضمير إلى عيسى ابن مريم عليه السلام، وعلى هذا يكون معنى الآية، أنه ما من أحد من أهل الكتاب إلا سيؤمن بعيسى عليه السلام، وذلك قبل موته – أي عيسى -، فإنه إذا نزل من السماء، وقتل الدجال، فإنه يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية فلا يقبل إلا الإسلام، وحينها يؤمن أهل الكتاب به، قبل موته صلى الله عليه وسلم، ويعلمون أنه حق، وأنه لم يمت من قبل، فالكلام في الآية عن علامة من علامات الساعة، وشرط من أشراط يوم القيامة، سيكون بعد نزول عيسى، وأنه قبل أن يموت في ذلك الزمان سيؤمن به أهل الكتاب. وقد ورد ما يؤيد هذا القول من قول أبي هريرة رضي الله عنه بعد روايته للحديث الدال على نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان، فعن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلا فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الْوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا) النساء/159) . البخاري 3192 مسلم 220. القول الثاني: أن مرجع الضمير إلى الكتابي نفسه، وعلى هذا يكون معنى الآية، أنه ما من أحد من أهل الكتاب إلا سيؤمن بعيسى عليه السلام، وأنه حق، وأنه لم يمت، وذلك عندما يعاين سكرات الموت، ويرى الحقائق والبراهين، فعند موت ذلك الكتابي سيعلم أن ما كان عليه هو الباطل، لكن لا ينفعه ذلك الإيمان حينئذ. وعلى كلا القولين السابقين فليس في الآية دليل أو إشارة إلى موته صلى الله عليه وسلم، وإنما الكلام – في القول الأول – على أمر غيبي سيحصل في المستقبل، وهو بلا شك سيموت عليه السلام، لكن بعد نزوله كما سبق، وعلى القول الثاني: فالمراد بقوله (قبل موته) أي موت الكتابي نفسه. وقد رجح الطبري وابن كثير وغيرهما من أئمة التفسير القول الأول، قال ابن كثير:" وقوله تعالى: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً) النساء/159 "، قال ابن جرير: اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته} يعني قبل موت عيسى، يوجه ذلك إلى أن جميعهم يصدقون به إذا نزل لقتل الدجال، فتصير الملل كلها واحدة، وهي ملة الإسلام الحنيفية، دين إبراهيم عليه السلام ..... عن ابن عباس قال: وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته، قال: قبل موت عيسى بن مريم عليه السلام. ... وعن الحسن {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته} قال: قبل موت عيسى والله إنه لحي عند الله، ولكن إذا نزل آمنوا به أجمعون ..... قال ابن جرير: وقال آخرون: يعني بذلك قبل موت صاحب الكتاب، ذكر من كان يوجه ذلك إلى أنه علم الحق من الباطل لأن كل من نزل به الموت لم تخرج نفسه حتى يتبين له الحق من الباطل في دينه. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في الآية، قال: لا يموت يهودي حتى يؤمن بعيسى ..... وقال ابن عباس: لو ضربت عنقه لم تخرج نفسه حتى يؤمن بعيسى .... وعن ابن عباس، قال: لا يموت اليهودي حتى يشهد أن عيسى عبد الله ورسوله. قال ابن جرير: وأولى هذه الأقوال بالصحة القول الأول، وهو أنه لا يبقى أحد من أهل الكتاب بعد نزول عيسى عليه السلام إلا آمن به قبل موت عيسى عليه السلام، ولا شك أن هذا الذي قاله ابن جرير هو الصحيح، لأنه المقصود من سياق الاي في تقرير بطلان ما ادعته اليهود من قتل عيسى وصلبه، وتسليم من سلم لهم من النصارى الجهلة ذلك، فأخبر الله أنه لم يكن كذلك، وإنما شبه لهم، فقتلوا الشبه وهم لا يتبينون ذلك، ثم إنه رفعه إليه، وإنه باق حي، وإنه سينزل قبل يوم القيامة، كما دلت عليه الأحاديث المتواترة ... فيقتل مسيح الضلالة، ويكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية يعني لا يقبلها من أحد من أهل الأديان، بل لا يقبل إلا الإسلام أو السيف، فأخبرت هذه الآية الكريمة أنه يؤمن به جميع أهل الكتاب حينئذ ولا يتخلف عن التصديق به واحد منهم، ولهذا قال: وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته أي قبل موت عيسى عليه السلام الذي زعم اليهود ومن وافقههم من النصارى أنه قتل وصلب، ويوم القيامة يكون عليهم شهيداً أي بأعمالهم التي شاهدها منهم قبل رفعه إلى السماء وبعد نزوله إلى الأرض " [تفسير ابن كثير 1 / 762] ولا بد من التنبيه – أيها الأخ الكريم – على أن مناقشة النصارى لا بد أن تكون عن علم وبينة، حتى لا يكون الإنسان سببا في عدم قبول الناس للحق بسبب ضعف حجته، وإلا فليس عند النصارى حجة صحيحة أصلا، إلا إنهم يلقون بالشبهات ليزيفوا الحقائق، وليلبسوا الحق بالباطل، أعاذنا الله من طرق الزائغين. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 43506 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 اعتقاد المسلمين في المسيح عليه السلام [السُّؤَالُ] ـ[ما هو اعتقاد المسلمين في المسيح عيسى ابن مريم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اعتقادنا في المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام هو ما دل عليه كتاب الله وسنة رسولنا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فنؤمن بأن عيسى عليه السلام عبد من عباد الله، ورسول من رسله الكرام، أرسله الله تعالى إلى بني إسرائيل يدعوهم إلى توحيد الله تعالى وعبادته. قال الله تعالى: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ) الصف /6. وقال: (وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرائيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) المائدة /72. فليس عيسى عليه السلام إلهاً، ولا ابن الله كما يزعم ذلك النصارى. قال الله عز وجل: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) المائدة /72. وقال جل شأنه: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) التوبة /30. وأول كلمة قالها عيسى عليه السلام لما أنطقه الله وهو في المهد: (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا) مريم /30. ونؤمن بأن الله تعالى أيده بالآيات الدالة على صدقه. قال تعالى: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ) المائدة /110. ونؤمن بأن عيسى عليه السلام وُلد من مريم العذراء البتول بلا أب، وليس ذلك ممتنعاً على قدرة الله الذي إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون. قال الله تعالى: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) آل عمران /59. وقال تعالى: (إِذْ قَالَتْ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلا وَمِنْ الصَّالِحِينَ (46) قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) آل عمران /45-47. ونؤمن بأنه عليه السلام أحل لليهود بعض ما كان محرماً عليهم. قال الله عز وجل عن عيسى عليه السلام أنه قال لبني إسرائيل: (وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ) آل عمران /50. ونؤمن بأنه لم يمت ولم يقتله أعداؤه اليهود، بل نجاه الله تعالى منهم، ورفعه إلى السماء حياً. قال عز وجل عن اليهود: (وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (156) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) النساء /156-158. ونؤمن بأنه بَشَّر أتباعه بنبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال الله تعالى: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ) الصف /6. ونؤمن بأنه سينزل في آخر الزمان، فيكذب أعداءه اليهود في زعمهم أنهم قتلوه، ويكذب النصارى في دعواهم أنه الله أو ابن الله، ولا يقبل منهم إلا الإسلام. روى البخاري ومسلم (2222) ومسلم (155) عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ (وفي رواية: لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ) حَكَمًا مُقْسِطًا، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ) . (لَيُوشِكَن) أَيْ لَيَقْرَبَن أَيْ لا بُدّ مِنْ ذَلِكَ سَرِيعًا. (أَنْ يَنْزِل فِيكُمْ) أَيْ فِي هَذِهِ الأُمَّة. (حَكَمًا مُقْسِطًا) أَيْ حَاكِمًا عَادِلاً , وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَنْزِل حَاكِمًا بِهَذِهِ الشَّرِيعَة فَإِنَّ هَذِهِ الشَّرِيعَة بَاقِيَة لا تُنْسَخ , بَلْ يَكُون عِيسَى حَاكِمًا مِنْ حُكَّام هَذِهِ الْأُمَّة. (فَيَكْسِر الصَّلِيب، وَيَقْتُل الْخِنْزِير) أَيْ يُبْطِل دِين النَّصْرَانِيَّة بِأَنْ يَكْسِر الصَّلِيب حَقِيقَة وَيُبْطِل مَا تَزْعُمهُ النَّصَارَى مِنْ تَعْظِيمه. (وَيَضَع الْجِزْيَة) قال النووي: الصَّوَاب فِي مَعْنَاهُ: أَنَّهُ لا يَقْبَلهَا، وَلا يَقْبَل مِنْ الْكُفَّار إِلا الإِسْلام، وَمَنْ بَذَلَ مِنْهُمْ الْجِزْيَة لَمْ يَكُفّ عَنْهُ بِهَا، بَلْ لا يَقْبَل إِلا الإِسْلام أَوْ الْقَتْل. هَكَذَا قَالَهُ الإِمَام أَبُو سُلَيْمَان الْخَطَّابِيُّ وَغَيْره مِنْ الْعُلَمَاء رَحِمَهُمْ اللَّه تَعَالَى اهـ. (َيَفِيض الْمَال) أَيْ: يَكْثُر , وَسَبَب كَثْرَته نُزُول الْبَرَكَات، وَتَوَالِي الْخَيْرَات، بِسَبَبِ الْعَدْل وَعَدَم الظُّلْم، وَحِينَئِذٍ تُخْرِج الأَرْض كُنُوزهَا، وَتَقِلّ الرَّغَبَات فِي اِقْتِنَاء الْمَال لِعِلْمِهِمْ بِقُرْبِ السَّاعَة. ثم يموت عليه السلام ويصلي عليه المسلمون ويدفنونه. روى أحمد (9349) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ. . . ثم ذكر نزوله عليه السلام في آخر الزمان. ثم قال: فَيَمْكُثُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثَ، ثُمَّ يُتَوَفَّى فَيُصَلِّيَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ وَيَدْفِنُونَهُ) . صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2182) . ونؤمن بأنه عليه السلام سيتبرأ يوم القيامة ممن زعموا أنه إله. قال الله تعالى: (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) المائدة /116-117. (مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) المائدة / 117 فهذا اعتقاد المسلمين في المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام. وقد روى البخاري (3435) ومسلم (28) عَنْ عُبَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ شَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ شَاءَ) . نسأل الله تعالى أن يثبتنا على الإيمان ويتوفانا عليه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 43148 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 عصمة الأنبياء [السُّؤَالُ] ـ[أود أن أسال عن العقيدة، هل من عقيدتنا الإيمان بصدور الذنب عن الأنبياء وأنهم غير معصومين؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأنبياء هم صفوة البشر، وهم أكرم الخلق على الله تعالى، اصطفاهم الله تعالى لتبليغ الناس دعوة لا إله إلا الله، وجعلهم الله تعالى الواسطة بينه وبين خلقه في تبليغ الشرائع، وهم مأمورون بالتبليغ عن الله تعالى، قال الله تعالى: " أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين " الأنعام / 89. والأنبياء وظيفتهم التبليغ عن الله تعالى مع كونهم بشرا، ولذلك فهم بالنسبة للأمر المتعلق بالعصمة على حالين: 1- العصمة في تبيلغ الدين. 2- العصمة من الأخطاء البشرية. أولاً: أما بالنسبة للأمر الأول، فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون في التبليغ عن الله تبارك وتعالى، فلا يكتمون شيئاً مما أوحاه الله إليهم، ولا يزيدون عليه من عند أنفسهم، قال الله تعالى لنبيه محمد – صلى الله عليه وسلم – " يأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس " المائدة /67، وقال تعالى: " ولو تقول علينا بعض الأقاويل * لأخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين * فما منكم من أحد عنه حاجزين " الحاقة /47 - 44. وقال تعالى: " وما هو على الغيب بضنين " التكوير /24، قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي – رحمه الله – في تفسير هذه الآية " وما هو على ما أوحاه الله إليه بشحيح، يكتم بعضه، بل هو – صلى الله عليه وسلم – أمين أهل السماء، وأهل الأرض، الذي بلغ رسالات ربه، البلاغ المبين، فلم يشح بشيء منه، عن غني ولا فقير، ولا رئيس ولا مرؤوس، ولا ذكر ولا أنثى، ولا حضري ولا بدوي، ولذلك بعثه الله في أمة أمية جاهلة جهلاء، فلم يمت – صلى الله عليه وسلم – حتى كانوا علماء ربانيين، إليهم الغاية في العلوم ... " انتهى فالنبي في تبليغه لدين ربه وشريعته لا يخطأ في شيء البتة لا كبير ولا قليل، بل هو معصوم دائماً من الله تعالى. قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – (فتاوى ابن باز ج6/371) : " قد أجمع المسلمون قاطبة على أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام – ولاسيما محمد – صلى الله عليه وسلم – معصومون من الخطأ فيما يبلغونه عن الله عز وجل، قال تعالى: " والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى * علمه شديد القوى " النجم /1-5) ، فنبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – معصوم في كل ما يبلغ عن الله قولاً وعملاً وتقريراً، هذا لا نزاع فيه بين أهل العلم " انتهى. وقد اتفقت الأمة على أن الرسل معصومون في تحمل الرسالة، فلا ينسون شيئا مما أوحاه الله إليهم، إلا شيئا قد نسخ، وقد تكفل الله جل وعلا لرسوله _ صلى الله عليه وسلم _ أن يقرئه فلا ينسى، إلا شيئاً أراد الله أن ينسيه إياه وتكفل له بأن يجمع له القرآن في صدره. قال تعالى. " سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله " الأعلى / 7، وقال تعالى: " إن علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرأناه فاتبع قرآنه " القيامة /17-18. قال شيخ الإسلام رحمه الله (مجموع الفتاوى ج18 / 7) : " فان الآيات الدالة على نبوة الأنبياء دلت على أنهم معصومون فيما يخبرون به عن الله عز وجل فلا يكون خبرهم إلا حقاً وهذا معنى النبوة وهو يتضمن أن الله ينبئه بالغيب وأنه ينبئ الناس بالغيب والرسول مأمور بدعوة الخلق وتبليغهم رسالات ربه " انتهى. ثانيا: بالنسبة للأنبياء كأناس يصدر منهم الخطأ، فهو على حالات: 1- عدم الخطأ بصدور الكبائر منهم: أما كبائر الذنوب فلا تصدر من الأنبياء أبدا وهم معصومون من الكبائر، سواء قبل بعثتهم أم بعدها. قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - (مجموع الفتاوى: ج4 / 319) : " إن القول بأن الأنبياء معصومون عن الكبائر دون الصغائر هو قول أكثر علماء الإسلام، وجميع الطوائف ... وهو أيضا قول أكثر أهل التفسير والحديث والفقهاء، بل لم يُنقل عن السلف والأئمة والصحابة والتابعين وتابعيهم إلا ما يوافق هذا القول " انتهى. 2- الأمور التي لا تتعلق بتبيلغ الرسالة والوحي. وأما صغائر الذنوب فربما تقع منهم أو من بعضهم، ولهذا ذهب أكثر أهل العلم إلى أنهم غير معصومين منها، وإذا وقعت منهم فإنهم لا يُقرون عليها بل ينبههم الله تبارك وتعالى عليها فيبادرون بالتوبة منها. والدليل على وقوع الصغائر منهم مع عدم إقرارهم عليها: - قوله تعالى عن آدم: " وعصى آدم ربه فغوى * ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى) طه / 121-122، وهذا دليل على وقوع المعصية من آدم – عليه الصلاة والسلام -، وعدم إقراره عليها، مع توبته إلى الله منها. - قوله تعالى " قال هذا من عمل الشيطان إنه عدوٌ مضلٌ مبين* قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم " القصص/15،16. فموسى – عليه الصلاة والسلام - اعترف بذنبه وطلب المغفرة من الله بعد قتله القبطي، وقد غفر الله له ذنبه. - قوله تعالى: " فاستغفر ربه وخر راكعاً وأناب * فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب " ص / 23،24، وكانت معصية داود هي التسرع في الحكم قبل أن يسمع من الخصم الثاني. وهذا نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - يعاتبه ربه سبحانه وتعالى في أمور ذكرت في القرآن، منها: - قوله تعالى " يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم " التحريم /1، وذلك في القصة المشهورة مع بعض أزواجه – صلى الله عليه وسلم -. - كذا عتاب الله تعالى للنبي – صلى الله عليه وسلم - في أسرى بدر: فقد روى مسلم في صحيحه (4588) " قال ابن عباس: فلما أسروا الأسارى قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لأبي بكر وعمر – رضي الله عنهما -: " ما ترون في هؤلاء الأسارى؟ " فقال أبو بكر: يا نبي الله! هم بنو العم والعشيرة , أرى أن تأخذ منهم فدية , فتكون لنا قوة على الكفار , فعسى الله أن يهديهم للإسلام، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: " ما ترى يا ابن الخطاب؟! " قال: قلت لا، والله يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما أرى الذي رأى أبو بكر، ولكني أرى أن تمكنا فنضرب أعناقهم، فتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكني من فلان - نسيبا لعمر – فأضرب عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها، فهوي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما قال أبو بكر، ولم يهو ما قلت، فلما كان من الغد جئت فإذا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأبو بكر قاعدين وهما يبكيان، قلت: يا رسول الله! أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: " أبكي للذي عَرَضَ عليّ أصحابُك من أخذهم الفداء، لقد عُرِض عليّ عذابُهم أدنى من هذه الشجرة " – شجرة قريبة من نبي الله – صلى الله عليه وسلم - وأنزل الله عز وجل: " ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض " إلى قوله: " فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا " الأنفال / 67–69، فأحل الله الغنيمة لهم. ففي هذا الحديث اتضح أن اختيار النبي صلى الله عليه وسلم للعفو عن الأسرى إنما كان أمرا اجتهاديا منه بعد مشاورة أصحابه، ولم يكن عنده صلى الله عليه وسلم فيه من الله تعالى نص. - قوله تعالى: " عبس وتولى * أن جاءه الأعمى " عبس /1-2، وهذه قصة الصحابي الجليل عبد الله ابن أم مكتوم الشهيرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي عاتبه الله فيها. قال شيخ الإسلام (مجموع الفتاوى: ج4 / 320) : " وعامة ما يُنقل عن جمهور العلماء أنهم (أي الأنبياء) غير معصومين عن الإقرار على الصغائر، ولا يقرون عليها، ولا يقولون إنها لا تقع بحال، وأول من نُقل عنهم من طوائف الأمة القول بالعصمة مطلقاً، وأعظمهم قولاً لذلك: الرافضة، فإنهم يقولون بالعصمة حتى ما يقع على سبيل النسيان والسهو والتأويل " انتهى. وقد يستعظم بعض الناس مثل هذا ويذهبون إلى تأويل النصوص من الكتاب والسنة الدالة على هذا ويحرفونها. والدافع لهم إلى هذا القول شبهتان: الأولى: أن الله تعالى أمر باتباع الرسل والتأسي بهم، والأمر باتباعهم يستلزم أن يكون كل ما صدر عنهم محلاً للاتباع، وأن كل فعل، أو اعتقاد منهم طاعة، ولو جاز أن يقع الرسول صلى الله عليه وسلم في معصية لحصل التناقض، لأن ذلك يقتضي أن يجتمع في هذه المعصية التي وقعت من الرسول الأمر باتباعها وفعلها، من حيث إننا مأمورون بالتأسي به، والنهي عن موافقتها، من حيث كونها معصية. وهذه الشبهة صحيحة وفي محلها لو كانت المعصية خافية غير ظاهرة بحيث تختلط بالطاعة، ولكن الله تعالى ينبه رسله ويبين لهم المخالفة، ويوفقهم إلى التوبة منها من غير تأخير. الثانية: أن الذنوب تنافي الكمال وأنها نقص. وهذا صحيح إن لم يصاحبها توبة، فإن التوبة تغفر الذنب، ولا تنافي الكمال، ولا يتوجه إلى صاحبها اللوم، بل إن العبد في كثير من الأحيان يكون بعد توبته خيراً منه قبل وقوعه في المعصية ومعلوم أنه لم يقع ذنب من نبي إلا وقد سارع إلى التوبة والاستغفار، فالأنبياء لا يقرون على ذنب، ولا يؤخرون توبة، فالله عصمهم من ذلك، وهم بعد التوبة أكمل منهم قبلها. 3- الخطأ في بعض الأمور الدنيوية – بغير قصد -: وأما الخطأ في الأمور الدنيوية، فيجوز عليهم الخطأ فيها مع تمام عقلهم، وسداد رأيهم، وقوة بصيرتهم، وقد وقع ذلك من بعض الأنبياء ومنهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ويكون ذلك في مناحي الحياة المختلفة من طب وزراعة وغير ذلك. فقد روى مسلم في صحيحه (6127) عن رافع بن خديج قَالَ: قَدِمَ نَبِيّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم – الْمَدِينَةَ، وَهُمْ يَأْبُرُونَ النّخْلَ. يَقُولُونَ يُلَقّحُونَ النّخْلَ. فَقَالَ: "مَا تَصْنَعُونَ؟ " قَالُوا: كُنّا نَصْنَعُهُ. قَالَ: "لَعَلّكُمْ لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا كَانَ خَيْراً " فَتَرَكُوهُ. فَنَفَضَتْ أَوْ قال: فَنَقَصَتْ. قَالَ: فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: " إِنّمَا أَنَا بَشَرٌ، إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ دِينِكُمْ فَخُذُوا بِهِ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ رَأْيي، فَإِنّمَا أَنَا بَشَرٌ" وبهذا يكون قد علم أن أنبياء الله تعالى معصومون عن الخطأ في الوحي، ولنحذر ممن يطعنون في تبليغ الرسول صلى الله عليه وسلم، ويشككون في تشريعاته ويقولون هي اجتهادت شخصية من عنده حاشاه صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: " وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى " النجم /3-4. وسئلت اللجنة الدائمة: هل الأنبياء والرسل يخطئون؟ فأجابت: نعم، يخطئون ولكن الله تعالى لا يقرهم على خطئهم بل يبين لهم خطأهم رحمة بهم وبأممهم، ويعفو عن زلتهم، ويقبل توبتهم فضلاً منه ورحمة، والله غفور رحيم، كما يظهر ذلك من تتبع الآيات القرآنية التي جاءت في هذا" اهـ "فتاوى اللجنة الدائمة" (3/194) . وللمزيد راجع سؤال رقم (7208) والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 42216 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 نوح عليه السلام [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أعرف بعض المعلومات عن نبي الله نوح عليه السلام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اصطفى الله من بني آدم رسلاً وأنبياء كما قال سبحانه: (إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين) آل عمران/33. وقد أرسل الله نوحاً إلى قومه ليدعوهم إلى عبادة الله وحده: (لقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم) الأعراف/59. وكان قوم نوح يعبدون الأصنام فطغوا، وتمردوا واستكبروا: (وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً) نوح/23. وقد دعا نوح قومه ولبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم إلى عبادة الله وحده وترك عبادة الأصنام كما قال سبحانه: (ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً) العنكبوت/14. ولكن قوم نوح لم يستجيبوا له ولم ينتفعوا بنصحه بل أنكر أشرافهم نبوته واتهموه بالكذب وقالوا إن أتباعه من الفقراء والضعفاء الذين لا فكر لهم ولا رؤية قال تعالى: (فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشراً مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين) هود/27. واستمر نوح عليه السلام في دعوة قومه وتلطف بهم ودعاهم في كل مناسبة ليلاً ونهاراً سراً وجهاراً فما آمن معه إلا قليل أما الأكثرون فقد كذبوه وسخروا منه واتهموه بالجنون وحالوا بينه وبين تبليغ رسالة ربه وهددوه بالرجم إن لم ينته: (قالوا لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين) الشعراء/116. ولكن نوح لم يبال بتهديدهم فواصل دعوته لهم حتى إذا ضاق ذرعاً باستكبارهم، واستهزائهم لجأ إلى ربه بهذه الشكوى: (قال رب إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً، فلم يزدهم دعائي إلا فراراً، وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكباراً، ثم إني دعوتهم جهاراً، ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسراراً، فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً، يرسل السماء عليكم مدراراً، ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً) نوح/5-12. فلما أيس نوح عليه السلام من إيمان قومه، وهددوه بالقتل وآذوه ومن آمن معه فما كان منه إلا أن دعا عليهم بقوله: (رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً إنك أن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً) نوح/26 -27. وقد استجاب الله دعاء نوح عليه السلام وقضى بهلاك قوم نوح بالغرق وأمره أن يصنع سفينة النجاة ليركب فيها والمؤمنون معه: (وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون) هود/36-37. ولما أتم نوح عليه السلام صنع السفينة وظهرت علامات بدء العذاب بتفجير العيون من الأرض ونزول الماء من السماء أمر الله نوحاً بأن يحمل فيها من الأحياء والحيوانات زوجين اثنين ذكراً وأنثى ليبقى ويستمر نسلها كما أمره الله أن يحمل معه أهله ما عدا من كفر منهم، وهم إحدى زوجاته وأحد أبنائه كما أمر الله أيضاً أن يحمل معه المؤمنين به وهم قليل قال تعالى: (حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم، وهي تجري بهم في موج كالجبال ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين، قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين) هود/40-43. ثم أخذت نوحاً عاطفة الشفقة على ولده فطلب من ربه أن ينجيه من الهلاك: (ونادى نوح ربه فقال ربي إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين، قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألنِ ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين) هود/45-46. ولما أهلك الله الكفار بالغرق أمر الله الأرض أن تبلع الماء وأمر السماء أن تكف عن المطر فاستوت السفينة راسية على جبل الجودي بالموصل وقضي الأمر وأهلك الظالمون: (وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعداً للقوم الظالمين) هود/44. وبعد أن استوت السفينة على الجبل، أمر الله نوحاً أن ينزل ومن معه محفوفاً بالسلام والبركات: (قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم) هود/48. وهكذا نصر الله نوحاً والمؤمنين معه وأهلك من كفر به وجعلهم عبرة للناس: (ونوحاً إذ نادى من قبل فاستجبنا له فنجيناه وأهله من الكرب العظيم، ونصرناه من القوم لذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوم سوءٍ فأغرقناهم أجمعين) الأنبياء/76 - 77. ثم جعل الله في ذرية نوح وإبراهيم عليهما السلام النبوة والكتاب كما قال سبحانه: (ولقد أرسلنا نوحاً وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون) الحديد/26. [الْمَصْدَرُ] من كتاب أصول الدين الإسلامي للشيخ محمد بن إبراهيم التويجري. الحديث: 10470 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 سبب عدم وجود صورة للنبي صلى الله عليه وسلم [السُّؤَالُ] ـ[لماذا لا توجد أي صورة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم في أي مكان في العالم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله جاءت الشريعة بسدِّ كلِّ باب يُوصِل إلى الشِّرك بالله، ومن هذه الوسائل التصوير فقد جاءت الشريعة بتحريم الصورة، ولعن من يفعل ذلك بل جاء الوعيد الشديد لمن فعل ذلك، فعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالْحَبَشَةِ فِيهَا تَصَاوِيرُ فَذَكَرَتَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا كَانَ فِيهِمْ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ فَأُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه البخاري (الصلاة/409) ، وعن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَفَرٍ وَقَدْ سَتَرْتُ بِقِرَامٍ لِي عَلَى سَهْوَةٍ لِي فِيهَا تَمَاثِيلُ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَتَكَهُ وَقَالَ أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ قَالَتْ فَجَعَلْنَاهُ وِسَادَةً أَوْ وِسَادَتَيْنِ) رواه البخاري (اللباس/5498) ، وعن عبد الله بن مسعود قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ) رواه البخاري (اللباس/5494) فكيف يأذن بعمل صورة له، ولذلك لم يجرؤ أحد من الصحابة على رسم صورة له لأنهم يعلمون الحكم بالتحريم. وحذر الله عز وجل من الغلو فقال: (يا أهل الكتاب لا تغلو في دينكم) النساء /171، وقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من أيِّ فِعْلٍ يكون فيه غُلُوّ في حقه صلى الله عليه وسلم، فقال: (لا تُطْرُونِي كما أَطْرَتِ النصارى ابن مريم، إنّما أنا عَبْدٌ، فقولوا عبد الله ورسوله) ، رواه البخاري (أحاديث الأنبياء/3189) ، وقد بَوّبَ الإمام محمد بن عبد الوهاب باب: ما جاء أنّ سَبَب كُفْر بني آدم هو الغلو في الصالحين ... قال: " وفي الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله تعالى: (وقالوا لا تَذَرُنَّ آلهَتَكُمْ ولا تَذَرُنَّ وَدّاً ولا سُوَاعاً ولا يَغُوثَ ويَعُوقَ ونَسْراً) نوح/23، قال: هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا وسموها بأسمائهم. ففعلوا ولم تعبد، حتى إذا هلك أولئك ونسي العلم عبدت "، قال ابن القيم: " قال غير واحد من السلف: لما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا لهم التماثيل ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم " فتح المجيد شرح كتاب التوحيد لعبد الرحمن بن حسن ص/219. ولذلك لا توجد صورة للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه جاء بالتحذير منها لأنها أدت إلى الشرك. ومقتضى شهادة أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن نؤمن به وبما جاء به، ولو لم توجد له أي صورة، والمؤمنون لا يحتاجون إلى صورة له حتى يتَّبعوه، ثم إن وصفه الثابت في الروايات الصحيحة يغني عن صورته ومن أوصافه صلى الله عليه وسلم الواردة: 1- كان عليه الصلاة والسلام أحسن الناس وجهاً 2- كان عريض ما بين المنكبين 3- ليس بالطويل ولا بالقصير 4- مستدير الوجه ووجهه مشرب بحمرة. 5- أدعج العين وهو: الشَّدِيدُ سَوَادِ الْعَيْنِ. 6- أَهْدَبُ الأَشْفَارِ: الطَّوِيلُ 7- وَهُوَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ أَجْوَدُ النَّاسِ كَفَّا وَأَشْرَحُهُمْ صَدْرًا وَأَصْدَقُ النَّاسِ لَهْجَةً وَأَلْيَنُهُمْ عَرِيكَةً وَأَكْرَمُهُمْ عِشْرَةً مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً هَابَهُ وَمَنْ خَالَطَهُ مَعْرِفَةً أَحَبَّهُ يَقُولُ نَاعِتُهُ لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلا بَعْدَهُ مِثْلَهُ يراجع سنن الترمذي (المناقب/3571) وغيره من كتب السنة في وصفه عليه الصلاة والسلام. ولا شك أن المؤمنين يتمنون لقاء النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك جاء في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِي لِي حُبًّا نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِي يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي بِأهْلِهِ وَمَالِهِ) رواه مسلم (الجنة وصفة نعيمها/5060) ولا شك أن محبته صلى الله عليه وسلم واتباعه سبب للاجتماع به في الجنة، ومن محبته عليه الصلاة والسلام رؤيته في المنام، وتكون رؤيته على صفته الصحيحة فقد ثبت من حديث أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَةِ وَلا يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِي) قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ إِذَا رَآهُ فِي صُورَتِهِ رواه البخاري (التعبير/6478) . والله الموفق وصلى الله على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 10452 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 هل إدريس أول الرسل؟ [السُّؤَالُ] ـ[قرأت في بعض كتب التاريخ بأن إدريس هو أول الرسل وأنه قبل نوح، فهل هذا صحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " أول الرسل عليهم الصلاة والسلام نوح عليه الصلاة والسلام، وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم وأما قبل نوح فلم يبعث رسول، وبهذا نعلم خطأ المؤرخين الذين قالوا: إن إدريس صلى الله عليه وسلم كان قبل نوح، لأن الله سبحانه وتعالى يقول: في كتابه: (إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده) النساء / 163. وفي الحديث الصحيح في قصة الشفاعة " أن الناس يأتون إلى نوح فيقولون له: أنت أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض " فلا رسول قبل نوح، ولا رسول بعد محمد صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين) الأحزاب / 40 وأما نزول عيسى بن مريم، عليه السلام في آخر الزمان فإنه لا ينزل على أنه رسول مجدد، بل ينزل على أنه حاكم بشريعة النبي محمد صلى الله عليه وسلم لأن الواجب على عيسى وعلى غيره من الأنبياء الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم كما قال الله تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين) آل عمران / 81، وهذا الرسول المصدق لما معهم هو محمد صلى الله عليه وسلم كما صح ذلك عن ابن عباس وغيره ". مجموع فتاوى الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله 1/315 وانظر سؤال رقم 10551 للمزيد عن هذا الموضوع. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36836 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 ما هي وظائف عيسى عليه السلام [السُّؤَالُ] ـ[ما هي وظائف وواجبات عيسى عليه السلام باعتباره المسيح في الإسلام. بعض النصارى المناهضين للإسلام سألوا هذا السؤال ولا أعرف الإجابة عليه.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لعيسى عليه السلام حالان: 1- الحالة الأولى: قبل رفع الله له لما أراد اليهود صلبه. ووظائفه في ذلك الوقت كوظيفة أي نبي اُمر بتبليغ الرسالة، وآتاه الله الإنجيل مصدقا للتوراة، وأعطاه من المعجزات ما هو معلوم مثل أن: يبرىء الأكمه، والأبرص، ويحيي الموتى بإذن الله وغيرها من المعجزات المعروفة. (فدعا قومه إلى عبادة الله وتوحيده وطاعته وكان شهيداً عليهم طيلة مقامه ولبثه فيهم) 2- الحالة الثانية: في آخر الزمان حين يخرج الدجال، فينزله الله إلى الأرض، ويكون قائدا للمؤمنين وحاكما فيهم بشريعة الإسلام، ويقتل الدجال، وفي زمنه يخرج المهدي، وتنزل البركة من الله حتى إن الناقة ليكفي لبنها العدد الكثير من الناس، ويفيض المال، وفي زمنه يخرج يأجوج ومأجوج، ويعيثون في الأرض فسادا، (فيهلكهم الله ويحكم عيسى عليه السلام الأرض بشريعة الإسلام حتى يموت ويصلي عليه المسلمون) ، ثم يرسل الله ريحا باردة فتقبض روح كل مؤمن، فلا يبقى بعد ذلك إلا شِرار الناس، وعليهم تقوم الساعة. [الْمَصْدَرُ] الشيخ سعد الحميد. الحديث: 9514 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 كيف تغسل المرأة شعرها عن الغسل من الجنابة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم مسح المرأة على الخمار عند غسلها من الجنابة، والمرأة في الدول الأجنبية قد تجد صعوبة بغسل الرأس بعد الجنابة كل مرة مما قد يقف حجر عثرة في طريق إسلامها لكونها تتخذ شكلا لرأسها يغيره الماء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أن المعلوم من الشرع المطهر ومن كلام أهل العلم أن المسح على الحوائل من خف وعمامة وخمار لا يجوز في الجنابة بالإجماع، وإنما يجوز في الوضوء خاصة لحديث صفوان بن عسال رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله إذا كنا مسافرين أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم، ولا ريب أن الشريعة الإسلامية هي شريعة السماحة والتيسير، ولكن ليس في غسل الرأس من الجنابة حرج شديد؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما سألته أم سلمة عن الغسل من الجنابة والحيض قائلة: يا رسول الله إني أشد شعر رأسي، أفأنقضه لغسل الجنابة والحيضة قال لها عليه الصلاة والسلام: (إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين) أخرجه مسلم في صحيحه. فعليه يرشد النساء اللاتي يتحرجن من غسل رءوسهن في الجنابة بأنه يكفيهن أن يحثين على رءوسهن ثلاث حثيات من الماء حتى يعمه الماء من غير حاجة إلى نقض ولا تغيير شيء من الزي الذي يشق عليهن تغييره، مع بيان ما لهن عند الله من الأجر العظيم والعاقبة الحميدة والحياة الطيبة الكريمة الدائمة في دار الكرامة إذا صبرن على أحكام الشريعة وتمسكن بها، لكن الحوائل الضرورية التي يحتاجها الإنسان لعروض كسر أو جرح لا بأس بالمسح عليها في الطهارة الكبرى والصغرى، من أجل الضرورة من غير توقيت، ما دامت الحاجة ماسة إلى ذلك، لحديث جابر في الرجل الذي شج في رأسه فأمر النبي صلى الله عيه وسلم أن يعصب على جرحه خرقة ويمسح عليها ثم يغسل سائر جسده، أخرجه أبو داود في سننه. ومما يحسن التنبيه عليه للراغبين والراغبات في الإسلام عند التوقف في بعض المسائل أو التحرج في بعض الأحكام أن يقال لهم إن الجنة حفت بالمكاره والنار حفت بالشهوات، وأن الله سبحانه أمر عباده بما أمرهم به ليبلوهم أيهم أحسن عملا، فليس الحصول على رضي الرب ودخول جنته والفوز بكرامته بالأمر السهل من كل الوجوه الذي يناله الإنسان بدون أي مشقة، ليس الأمر هكذا، بل لا بد من صبر وجهاد للنفس، وتحمل للكثير من المشاق في سبيل مرضاة الرب جل وعلا، ونيل كرامته والسلامة من غضبه وعقابه، كما قال الله عز وجل: (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا) الكهف / 7 وقال تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا) الملك / 2 وقال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) محمد / 31، والآيات كثيرة في هذا المعنى. والله المسئول أن يجعلنا وإياكم من دعاة الهدى، وأن يصلح أحوال المسلمين وأن يمن على الجميع بالبصيرة فيما خلقوا له، وأن يكثر بينهم دعاة الحق إنه على كل شيء قدير. [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى ومقالات للشيخ ابن باز 6 / 237 الحديث: 34776 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 هل يقال للنبي محمد حبيب الله [السُّؤَالُ] ـ[وصف النبي صلى الله عليه وسلم بحبيب الله؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: " النبي صلى الله عليه وسلم حبيب الله لا شك فهو حاب لله ومحبوب لله، ولكن هناك وصف أعلى من ذلك وهو خليل لله، فالرسول صلى الله عليه وسلم خليل الله كما قال صلى الله عليه وسلم: " إن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً " رواه مسلم (532) . والخلة هي كمال المحبة. ولهذا من وصفه بالمحبة فقط فإنه نزله عن مرتبته، فالخلة أعظم من المحبة وأعلى، فكل المؤمنين أحباء الله، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم في مقام أعلى من ذلك وهو الخلة فقد اتخذه الله خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، لذلك نقول: إن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم خليل الله، وهذا أعلى من قولنا: حبيب الله لأنه متضمن للمحبة، وزيادة لأنه غاية المحبة." مجموع فتاوى ابن عثيمين رحمه الله (1/319) وقال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (10/204) : وقول بعض الناس إن محمدا حبيب الله وإبراهيم خليل الله، وظنه أن المحبة فوق الخلة، قول ضعيف، فإن محمدا أيضا خليل الله، كما ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة المستفيضة اهـ. وقال ابن القيم في "روضة المحبين" (1/49) وقد ظن بعض من لا علم عنده أن الحبيب أفضل من الخليل، وقال: محمد حبيب الله، وإبراهيم خليل الله. وهذا باطل من وجوه كثيرة: منها: أن الخلة خاصة، والمحبة عامة. فإن الله يحب التوابين، ويحب المتطهرين، وقال في عباده المؤمنين: (يحبهم ويحبونه) . ومنها: أن النبي نفى أن يكون له من أهل الأرض خليل، وأخبر أن أحب النساء إليه عائشة، ومن الرجال أبوها. ومنها: أنه قال: (إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا) . ومنها: أنه قال: (لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن أخوة الإسلام ومودته) اهـ. فائدة: قد ورد حديث ظاهره يخالف ما تقدم من أن الخلة أعلى من المحبة، رواه الترمذي (3161) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلُ اللَّهِ، وَمُوسَى نَجِيُّ اللَّهِ، وَعِيسَى رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ، وَآدَمُ اصْطَفَاهُ اللَّهُ، أَلا وَأَنَا حَبِيبُ اللَّهِ وَلا فَخْرَ. . . إلخ الحديث) . وهذا الحديث ضعيف، لا يصح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ضعفه الألباني في ضعيف الترمذي. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 34634 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 لماذا لا يستجيب الناس لشرع الله [السُّؤَالُ] ـ[أن الله أنزل الأديان وبعث الرسل ليستقيم أحوال البشر لما في هذه الشرائع من قيم الخير والصلاح والسعادة والعدل.. الخ ... ولكن واقع الحال لا نجد أن هذه الشرائع قد حققت تلك الأهداف إلا في فترات قصيرة جدا عبر التاريخ ... والسؤال كيف يمكن للمتدين الإيمان بتلك القيم وهي شبيهة بالسراب ولا يجدها على أرض الواقع (إلا في زمن الأنبياء والصحابة) ... أرجوكم بشدة الإجابة لأن هذا السؤال يؤرقني.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله في بداية الجواب نذكر لك وصية مهمة، وصى بها شيخ الإسلام ابن تيمية تلميذه ابن القيم، كما في مفتاح دار السعادة (1/140) ، قال ابن القيم رحمه الله: وقال لي شيخ الإسلام رضى الله عنه - وقد جعلت أورد عليه إيرادا بعد إيراد -: " لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة فيتشربها، فلا ينضح إلا بها، ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة تمر الشبهات بظاهرها، ولا تستقر فيها، فيراها بصفائه ويدفعها بصلابته، وإلا فإذا أشربت قلبك كل شبهة تمر عليها صار مقرا للشبهات " أو كما قال. فما أعلم أني انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك ". انتهى كلامه. واعلم وفقك الله أن المقصود من إرسال الرسل هو دلالة الناس لعبادة الله سبحانه وتعالى، ولكي يقيموا الحجة على عباده، ولم يُكَلّف أنبياء الله أن يدخلوا الإيمان في قلوب الناس، قال تعالى: (إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) الرعد / 7، وقال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) صّ / 65، وقال تعالى: (إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً) المزمل / 19، وقال تعالى: (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) الكهف / 29. وفي صحيح مسلم رحمه الله تعالى (2865) عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ: أَلَا إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا – ومما قاله -: وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمْ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا وَإِنَّ اللَّهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ إِلا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَقَالَ إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِيَ بِكَ. قال الله سبحانه وتعالى لنبيه: (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) الشعراء / 3 أي مهلك نفسك بالحزن على عدم إيمانهم. وقال تعالى لنبيه: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) يونس / 99، وقال تعالى: (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) يوسف / 103 وقد قدر الله سبحانه وتعالى أن يجعل من بني آدم من هو مؤمن، ومن هو كافر قال تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) التغابن / 2. وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا آدَمُ. يَقُولُ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْك. فَيُنَادَى بِصَوْتٍ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُخْرِجَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ بَعْثًا إِلَى النَّارِ. قَال: يَا رَبِّ وَمَا بَعْثُ النَّارِ. قَالَ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ حَتَّى تَغَيَّرَتْ وُجُوهُهُمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ، وَمِنْكُمْ وَاحِدٌ، ثُمَّ أَنْتُمْ فِي النَّاسِ كَالشَّعْرَةِ السَّوْدَاءِ فِي جَنْبِ الثَّوْرِ الأَبْيَضِ أَوْ كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي جَنْبِ الثَّوْرِ الأَسْوَدِ، وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَكَبَّرْنَا ثُمَّ قَالَ ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَكَبَّرْنَا ثُمَّ قَالَ شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَكَبَّرْنَا. أخرجه البخاري (4741) ، ومسلم (222) . وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا الإسلام بدأ غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ، كما رواه مسلم في صحيحه برقم (145) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَأَ الإِسْلامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ. وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عمّن قبله من الأنبياء، وأن أتباعهم قليل فقال كما في الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه برقم (5705) عن ابْن عَبَّاسٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ فَجَعَلَ النَّبِيُّ وَالنَّبِيَّانِ يَمُرُّونَ مَعَهُمْ الرَّهْطُ وَالنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ حَتَّى رُفِعَ لِي سَوَادٌ عَظِيمٌ قُلْتُ مَا هَذَا أُمَّتِي هَذِهِ قِيلَ بَلْ هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ قِيلَ انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ فَإِذَا سَوَادٌ يَمْلأُ الأُفُقَ ثُمَّ قِيلَ لِي انْظُرْ هَا هُنَا وَهَا هُنَا فِي آفَاقِ السَّمَاءِ فَإِذَا سَوَادٌ قَدْ مَلأَ الأُفُقَ قِيلَ هَذِهِ أُمَّتُكَ وَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ هَؤُلاءِ سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ. واعلم بأنه لا يلزم من صحة القيم أن يعمل الناس كلهم بها، فهؤلاء الناس على اختلاف عصورهم وطبقاتهم ولغاتهم أكثرهم - إلا من رحم الله - لم يقم بما جبلت عليه النفوس من الأخلاق الحميدة، فضلا عما أمر الله به، وتركهم لها لا ينفي كونها أخلاقا حميدة في ذاتها. والسبب في ذلك أن الله سبحانه خلق النفس البشرية، وجعل من صفاتها الأساسية الجهل والظلم كما قال تعالى عن الإنسان وهو أعلم به: (إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) الأحزاب / 72، فهذه النفس تُقْدِم على ما يضرها، وهي تعلم ذلك، وهذا لما في نفسها من الظلم والجهل. ويكفي المسلم المذعن لعبودية الله سورة العصر التي قال عنها الشافعي رحمه الله: لو ما أنزل الله على عباده إلا هذه السورة لكفتهم " قال تعالى: (والعصر، إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) فكل جنس بني آدم في خسارة إلا من حقق هذه الشروط. نسأل الله أن يجعلنا منهم وأن يثبتنا على هذا الصراط. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 34295 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 ما هي المنزلة الرفيعة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم [السُّؤَالُ] ـ[أرغب في معرفة المنزلة الرفيعة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يشرع لمن سمع النداء والأذان أن يتابع المؤذن فإذا فرغ من المتابعة في جميع الأذان صلى وسلم على النبي محمد صلى الله عليه وسلم ثم قال ما ورد في الحديث الصحيح عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ. " رواه البخاري 579، وليس في الدعاء عبارة: (الدرجة العالية الرفيعة) فلا تقال، والعطف في قوله: " الوسيلة والفضيلة " عطف بيان أي عطف تفسير، والوسيلة هي المرتبة الزائدة على سائر الخلق وفسرها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرِو بْن الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لا تَنْبَغِي إِلا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ. " رواه مسلم 577 والمقام المحمود هو الشفاعة العظمى عند الله للفصل بين العباد ولا يؤذن فيها إلا لمحمد صلى الله عليه وسلم وهي المذكورة في قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْءَانَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْءَانَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79) سورة الإسراء، وسمي بالمقام المحمود لأنّ جميع الخلائق يحمدون محمدا صلى الله عليه وسلم على ذلك المقام لأنّ شفاعته سبب فكّ كربتهم من أهوال المحشر والانتقال إلى الحساب والفصل بين الخلائق، والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2036 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 لم تتأثر عبادة النبي صلى الله عليه وسلم لما سحر [السُّؤَالُ] ـ[كيف سحر النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي لا يضاهيه في العبادة أحد؟.]ـ [الْجَوَابُ] الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يضره ذلك السحر في بدنه، ولا في عقله وإدراكه، وفي دينه وعبادته، ولا في رسالته التي كلف بإبلاغها، ولذلك لم يستنكر أحد من الناس شيئا من سيرته، ولا معاملته معهم في صلاته وأذكاره، وتعليمه، فعلى هذا إنما كان أثر السحر فيما يتعلق بالجماع مع النساء، أو بعض نسائه،، ولهذا لم ينقله سوى عائشة، وقد ذكرت أنه كان يخيل إليه أنه يأتي النساء وما يأتيهن، وهذا القدر لا يؤثر في الرسالة، وهو من قضاء الله وقدره، لحكمة أن الله قد يبتلي بعض الصالحين كالأنبياء، فأشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] اللؤلؤ المكين من فتاوى الشيخ عبد الرحمن بن جبرين ص65. الحديث: 2070 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 هل نزل عيسى إلى الأرض بعد رفعه أم لا [السُّؤَالُ] ـ[هل تم رفع عيسى عليه السلام مرتين إلى لله؟ لأنني قرأت في أحد الكتب أن عيسى عليه السلام رُفع للسماء ثم رجع ثانية للأرض ليريح والدته ويخبر اليهود شيئا ما ثم رُفع ثانية فهل هذا صحيح؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذكر لنا الله سبحانه وتعالى رفع عيسى عليه السلام إلى السماء مرة واحدة في قوله تعالى " بل رفعه الله إليه " ولم يذكر لنا الله سبحانه وتعالى أنه أُرجِع إلى الأرض. لذلك فإن على الذين يزعمون أن عيسى أرجع إلى الأرض أن يقدموا لنا الدليل والبرهان على ذلك. فإن لم يستطيعوا ولن يستطيعوا فإن جدالهم ليس له أساس. قال الله سبحانه وتعالى: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55) سورة آل عمران. قال ابن جرير رحمه الله: " توفيه " هو رفعه، وقال الأكثرون المراد بالوفاة هاهنا النوم كما قال تعالى: (وهو الذي يتوفاكم بالليل) الآية وقال تعالى: (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها) الآية وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا قام من النوم الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور " رواه البخاري 6312 ومسلم 2711. وذكره عزّ وجلّ لرفع عيسى إلى السماء فيه ردّ على اليهود الذين زعموا أنهم قتلوه، فقال سبحانه وتعالى عنهم: فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلا قَلِيلا (155) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (156) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158) وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (159) سورة النساء فعيسى عليه السلام لم يمت بعد بل رفعه الله إليه لما أراد اليهود قتله وسينزل في آخر الزمان ويحكم الأرض بالإسلام ويعيش ما شاء الله أن يعيش ثم يُتوفّى ويُصلي عليه المسلمون، قال ابن كثير رحمه الله: والضمير في قوله " قبل موته " عائد على عيسى عليه السلام أي وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بعيسى وذلك حين ينزل إلى الأرض قبل يوم القيامة على ما سيأتي بيانه فحينئذ يؤمن به أهل الكتاب كلهم لأنه يضع الجزية ولا يقبل إلا الإسلام.. وقوله تعالى: (ومطهرك من الذين كفروا) أي برفعي إياك إلى السماء، (وجاعل الذين أتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة) وهكذا وقع فإن المسيح عليه السلام لما رفعه الله إلى السماء تفرقت أصحابه شيعا بعده فمنهم من آمن بما بعثه الله به على أنه عبد الله ورسوله وابن أَمَته ومنهم من غلا فيه فجعله ابن الله وآخرون قالوا هو الله وآخرون قالوا هو ثالث ثلاثة وقد حكى الله مقالتهم في القرآن ورد على كل فريق فاستمروا على ذلك قريبا من ثلاث مئة سنة ثم نبع لهم ملك من ملوك اليونان يقال له قسطنطين فدخل في دين النصرانية، قيل حيلة ليفسده فإنه كان فيلسوفا وقيل جهلا منه إلا أنه بدل لهم دين المسيح وحرفه وزاد فيه ونقص منه ووضعت له القوانين والأمانة الكبرى التي هي الخيانة الحقيرة وأحل في زمانه لحم الخنزير وصلوا إلى المشرق وصوروا له الكنائس والمعابد والصوامع وزاد في صيامهم عشرة أيام من أجل ذنب ارتكبه فيما يزعمون وصار دين المسيح دين قسطنطين إلى أن بنى لهم من الكنائس والمعابد والصوامع والديارات ما يزيد على اثني عشر ألف معبد وبنى المدينة المنسوبة إليه وأتبعه طائفة الملكية منهم وهم في هذا كله قاهرون لليهود أيده الله عليهم لأنه أقرب إلى الحق منهم وإن كان الجميع كفارا عليهم لعائن الله فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم فكان من آمن به يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله على الوجه الحق فكانوا هم أتباع كل نبي على وجه الأرض. انتهى، والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 3221 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 هل خلق النبي صلى الله عليه وسلم من نور [السُّؤَالُ] ـ[قرأت في كتابين أن النبي المصطفى كان أول من خلق الله وقد خلقه الله من نور وكان هو السبب الوحيد الذي خلق الله بقية الخلق لأجله. أنا غير متأكد من هذا فأرجو أن توضح وشكراً]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ورد مثل هذا السؤال على اللجنة الدائمة للإفتاء وهذا نصه: السؤال: إن جل الناس يعتقدون أن الأشياء خلقت من نور محمد صلى الله عليه وسلم وأن نوره خلق من نور الله ويروون: " أنا نور الله وكل شئ من نوري " ويروون أيضا: " أول ما خلق الله نور محمد صلى الله عليه وسلم " فهل لذلك من أصل؟ ويروون: " أنا عرب بلا عين أي رب أنا أحمد بلا ميم أي أحد " فهل لذلك من أصل؟ الجواب: الحمد لله وصف الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه نور من نور الله إن أريد به أنه نور ذاتي من نور الله فهو مخالف للقرآن الدال على بشريته، وإن أريد بأنه نور باعتبار ما جاء به من الوحي الذي صار سببا لهداية من شاء من الخلق فهذا صحيح، وقد صدر من اللجنة فتوى في ذلك هذا نصها: للنبي صلى الله عليه وسلم نور هو نور الرسالة والهداية التي هدى الله بها بصائر من شاء من عباده، ولا شك أن نور الرسالة والهداية من الله. قال تعالى: " وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه عليم حكيم وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور " سورة الشورى الآية 73 , وليس هذا النور مكتسبا من خاتم الأولياء كما يزعم بعض الملاحدة، أما جسمه صلى الله عليه وسلم فهو دم ولحم وعظم.. إلخ، خلق من أب وأم ولم يسبق له خلق قبل ولادته وما يروى أن أول ما خلق الله نور النبي صلى الله عليه وسلم أو أن الله قبض قبضة من نور وجهه وأن هذه القبضة هي محمد صلى الله عليه وسلم فنظر إليها فتقاطرت فيها قطرات فخلق من كل قطرة نبيا أو خلق الخلق كلهم من نوره صلى الله عليه وسلم فهذا وأمثاله لم يصح منه شئ عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن خلال الفتوى السابقة يظهر أنه اعتقاد باطل. وأما ما يروى: أنا عرب بلا عين فلا أساس له من الصحة وهكذا أنا أحمد بلا ميم. وصفة الربوبية والانفراد من الصفات المختصة بالله سبحانه وتعالى فلا يجوز أن يوصف أحد من الخلق بأنه الرب ولا أنه أحد على الإطلاق، فهذه الصفات من اختصاص الله سبحانه ولا يوصف بها الرسل ولا غيرهم من البشر. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. فتاوى اللجنة الدائمة 1/310 السؤال: هل يقال أن الله خلق السماوات والأرض لأجل خلق النبي صلى الله عليه وسلم وما معنى لولاك لما خلق الأفلاك هل هذا حديث أصلا هل صحيح أم لا. بين لنا حقيقته؟ الجواب: الحمد لله لم تخلق السماوات والأرض من أجله صلى الله عليه وسلم بل خلق لما ذكره الله سبحانه من قوله عز وجل: " الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شئ قدير وأن الله قد أحاط بكل شئ علما " , أما الحديث المذكور فهو مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم لا أساس له من الصحة. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 1/312 الحديث: 4509 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 لا يجوز ترك العمل الصالح بحجة شفاعة المؤمنين لنا يوم القيامة [السُّؤَالُ] ـ[قرأت أن الشخص الصالح في الأسرة يشفع في أهل بيته، فيخرج الله مَن كان منهم في النار إكراماً له، فهل هذا صحيح؟ وإذا كان ذلك صحيحاً فهل معنى هذا أن لفرد من أفراد الأسرة أن يفعل المنكرات ويشرب المحرمات طالما أن هناك شخصا صالحا في أسرته، وما الفائدة إذا من الحساب ويوم القيامة؟ أو ليس هذا القول شبيهاً بقول اليهود الذين يدعون أنهم شعب الله المختار، اختارهم من بين سائر الناس، وأن لهم أن يفعلوا ما يشاءون فقد ضمنوا الجنة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: يؤمن أهل السنة والجماعة أن الله عز وجل يقبل يوم القيامة شفاعة شافعين من غير الأنبياء، من الشهداء والعلماء والصالحين وغيرهم، فقد وردت بذلك أحاديث كثيرة صحيحة، لا يجوز ردها ولا إنكارها. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ) رواه مسلم (2278) فقوله صلى الله عليه وسلم (وأول شافع) يدل على كثرة الشفعاء يوم القيامة. وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يُخْرِجُ اللَّهُ قَوْمًا مُنْتِنِينَ قَدْ مَحَشَتْهُمْ النَّارُ بِشَفَاعَةِ الشَّافِعِينَ، فَيُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ، فَيُسَمَّوْنَ الْجَهَنَّمِيُّونَ) رواه أحمد (38/420) طبعة مؤسسة الرسالة وقال المحققون: حديث صحيح وهذا إسناد حسن. وقال صلى الله عليه وسلم: (يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَةِ رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَكْثَرُ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ) رواه الترمذي (2438) وقال: حسن صحيح غريب. ونحوها أحاديث شفاعة الشهيد في سبعين من أهل بيته، وأحاديث شفاعة المؤمنين لإخوانهم المعذبين في النار يوم القيامة فيخرجون من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، وأحاديث أخرى كثيرة. يقول السفاريني رحمه الله: " يجب أن يعتقد أن غير النبي صلى الله عليه وسلم من سائر الرسل والأنبياء والملائكة والصحابة والشهداء والصديقين والأولياء على اختلاف مراتبهم ومقاماتهم عند ربهم يشفعون، وبقدر جاههم ووجاهتهم يشفعون، لثبوت الأخبار بذلك، وترادف الآثار على ذلك، وهو أمر جائز غير مستحيل، فيجب تصديقه والقول بموجبه لثبوت الدليل ... والحاصل أن للناس شفاعات بقدر أعمالهم، وعلو مراتبهم، وقربهم من الله تعالى، والقرآن يشفع لأهله، والإسلام يشفع لأهله، والحجر الأسود يشفع لمستلمه، ولكن لا يشفعون (إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) " انتهى. " لوامع الأنوار البهية " (2/209-211) ، وانظر باب " شفاعة العلماء والشهداء يوم القيامة " في كتاب " الشريعة " للآجري. ثانيا: لا يجوز أن يكون الإيمان بهذه الشفاعة سببا في التقاعس عن العمل اتكالا عليها، فسبب النجاة الأول يوم القيامة هو العمل الصالح، فإذا قصر المسلم فيه فهو على خطر عظيم من أوجه كثيرة: 1- فهو لا يدري متى يشفع له الشافعون، وكم سيبقى في النار من أزمان وأحقاب، وإذا كانت نار الدنيا لا يقوى عليها أحد ساعة من نهار، فكيف يقوى على نار جهنم هذه الأزمان. 2- ثم من هذا الذي يملك الجزم لأحد من البشر أنه من الشافعين يوم القيامة، الذين سيقبل الله شفاعتهم للناس، وإذا كنا لا نقطع لأحد بالجنة ولا بالشهادة، فكيف نطمئن إلى قبول شفاعة من نعرفهم من الشهداء والعلماء والصالحين. 3- ثم إذا قبل الله شفاعة فلان أو فلان ممن نعرفهم من الناس، فهل نعرف إن كان الله سيقبل شفاعتهم فينا خاصة، والله عز وجل يقول: (وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) الأنبياء/28. فهل نحن ممن يرضى ربنا أن يشفع الشافعون لنا؟! هذه الأسئلة وغيرها تبعث في قلب المسلم الخوف من عقوبة الله، وترك الركون إلى أسباب الرجاء التي ليس لنا فيها من الله سلطان مبين. إن الاغترار بمثل ذلك إنما هو علامة خذلان الله تعالى لعبده، نسأل الله العافية؛ فلتعلم ـ يا عبد الله ـ أنه لا شفاعة أعظم من شفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، صاحب المقام المحمود، مقام الشفاعة، وأول شافع، وأول مشفع، ومع ذلك يحذر عشيرته، وأهل بيته، وأقرب الناس منه من الاغترار بذلك والتفريط في العمل: عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) ، قَالَ: (يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ـ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا ـ اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا!! يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا!! يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَا أُغْنِي عَنْكَ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا!! وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا!! وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا!!) . رواه البخاري (2548) ومسلم (305) . فهل يغتر عاقل بعد ذلك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 140545 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 الحكمة في أن الطفل إذا مات يدخل الجنة مباشرة بينما بقية الناس يحاسبون [السُّؤَالُ] ـ[أين يكمن العدل في أن الطفل إذا مات يدخل الجنة مباشرة بينما بقية الناس يحاسبون؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يشك مسلم أن الله سبحانه وتعالى هو أرحم الراحمين، وأحكم الحاكمين، وأعدل العادلين , وأنه تعالى لكمال عدله حرم الظلم على نفسه فقال: (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) الكهف/ من الآية 49، وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ) النساء/ من الآية 40. ومن كمال عدله تعالى: أنه لا يعذب أحداً إلا بعد البلاغ، وقيام الحجّة عليهم. وانظر في ذلك جواب السؤال رقم: (1244) . ثانياً: اتفق أهل السنة والجماعة على أن أطفال المسلمين في الجنة، وتقدم الحديث عن ذلك، فانظره في جواب السؤال رقم: (117432) . ثالثاً: من أصول الإيمان التي لا خلاف فيها بين الأمة، ولا تردد أو تلجلج فيها: ألا يعترض العبد على أحكام ربه عز وجل، ولا يتوقف في الشهادة لها بأن فيها الحكمة البالغة، وحينذٍ فإنه لا يصير من المخاطبين بقوله تعالى: (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) الأنبياء/ 23. قال ابن كثير – رحمه الله -: ثم أخبر تعالى أنه لا يظلم أحداً شيئًا، وإن كان قد هدى به من هدى من الغيِّ، وبصَّر به من العمى، وفتح به أعيناً عمياً، وآذاناً صمّاً، وقلوباً غُلفاً، وأضلَّ به عن الإيمان آخرين، فهو الحاكم المتصرف في ملكه بما يشاء، الذي لا يُسْأل عما يفعل وهم يسألون، لعِلمه، وحكمته، وعدله. " تفسير ابن كثير " (4 / 271) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وَهُوَ سُبْحَانَهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَرَبُّهُ وَمَلِيكُهُ، وَلَهُ فِيمَا خَلَقَهُ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ، وَنِعْمَةٌ سَابِغَةٌ، وَرَحْمَةٌ عَامَّةٌ وَخَاصَّةٌ، وَهُوَ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ؛ لَا لِمُجَرَّدِ قُدْرَتِهِ وَقَهْرِهِ، بَلْ لِكَمَالِ عِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَرَحْمَتِهِ وَحِكْمَتِهِ. فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ، وَأَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، وَهُوَ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ الْوَالِدَةِ بِوَلَدِهَا، وَقَدْ أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ " انتهى. "مجموع الفتاوى" (8/79) . ثالثاً: وأما الحكمة من عدم محاسبة الأطفال فيقال فيها: 1. إن مناط التكليف عند الله هو البلوغ , ولذلك جاء في الحديث عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنِ الْمُبْتَلَى حَتَّى يَبْرَأَ وَعَنِ الصَّبِىِّ حَتَّى يَكْبَرَ) . رواه أبو داود (4398) وابن ماجه (2041) والنسائي (3432) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ". وهذا الطفل اخترمته المنية قبل البلوغ , فمن تمام عدل الله أنه لا يحاسَب. ويبين ما ذهب طائفة من العلماء والمحققين – كالبخاري، والنووي، وغيرهما – من أن هذا الحكم مشترك مع أطفال المشركين كذلك – ولتنظر المسألة في جوابي السؤالين: (6496) (118103) . 2. الأصل أن الأطفال تبع لوالديهم، كما جاء في الحديث عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (ما مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ) . ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) . رواه البخاري (1293) . ولما كان والداه على الإيمان – أو والده إن كانت أمُّه كتابية -: فهو تبع لهما , ولما مات قبل مناط التكليف ناسب أن يدخل الجنة بلا حساب، فدخوله الجنة باعتباره مسلماً، وعدم حسابه باعتبار أنه لم يكن مكلَّفاً في الدنيا. 3. أن فيه كرامة لوالدي الطفل الصغير، ورحمة بهم , وتطييباً لخاطرهم، على موت ولدهم وهو صغير. هذه بعض الحِكَم , والأمر قد يحتمل وجود حكَم، وغايات، ومقاصد أخرى. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 139430 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 هل صح أن موت الخنازير من أشراط الساعة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل صحيح أن موت الخنازير من علامات يوم القيامة الصغرى؟؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الوارد في هذا الخصوص أن قتل الخنازير يكون على يد عيسى عليه السلام إذا نزل آخر الزمان، وذلك ليبطل ما عليه النصارى المنتسبون إليه كذبا وزروا، ويثبت لهم كفرهم حين حرفوا شرعه وبدلوا دينه باعتقاد الصلب، واستحلال الخنزير وغير ذلك، واستدل به فقهاء المسلمين على استحباب قتل الخنزير مطلقا. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ) رواه البخاري (2222) وبوب عليه بقوله: باب قتل الخنزير، ومسلم (155) ، ورواه البيهقي في " السنن الكبرى " (1/244) وبوب عليه بقوله: باب الدليل على أن الخنزير أسوأ حالا من الكلب. يقول ابن حزم رحمه الله: " أخبر عليه السلام أن قتل الخنزير من العدل الثابت في ملته التي يحييها عيسى أخوه، عليهما السلام " انتهى. " المحلى " (7/296) وقال النووي رحمه الله: " فيه دليل للمختار من مذهبنا ومذهب الجمهور: أنا إذا وجدنا الخنزير في دار الكفر، أو غيرها، وتمكنا من قتله: قتلناه. وإبطالٌ لقول مَن شذ مِن أصحابنا وغيرهم فقال: يترك إذا لم يكن فيه ضراوة " انتهى. " شرح مسلم " (2/190) وقال ابن بطال رحمه الله: " أجمعوا على قتل كل ما يُسْتَضَرُّ به ويؤذي، مما لا يبلغ أذى الخنزير، كالفواسق التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم المُحرِمَ بقتلها، فالخنزير أولى بذلك، لشدة أذاه، ألا ترى أن عيسى ابن مريم يقتله عند نزوله؟! فقتله واجب. وفيه دليل أن الخنزير حرام في شريعة عيسى، وقتله له تكذيب للنصارى أنه حلال في شريعتهم " انتهى. " شرح صحيح البخاري " (6/344) يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله: " قوله: (باب قتل الخنزير) أي: هل يشرع، كما شرع تحريم أكله؟ ووجه دخوله في أبواب البيع: الإشارة إلى أن ما أمر بقتله لا يجوز بيعه. قال ابن التين: شذ بعض الشافعية فقال: لا يقتل الخنزير إذا لم يكن فيه ضراوة. قال: والجمهور على جواز قتله مطلقا. ثم ذكر المصنف في الباب حديث أبي هريرة في نزول عيسى بن مريم فيكسر الصليب ويقتل الخنزير، وموضع الترجمة منه قوله: (ويقتل الخنزير) أي: يأمر بإعدامه، مبالغة في تحريم أكله، وفيه توبيخ عظيم للنصارى الذين يدَّعون أنهم على طريقة عيسى ثم يستحلون أكل الخنزير ويبالغون في محبته " انتهى. " فتح الباري " (4/414) وقال أيضا رحمه الله: " قوله: (فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير) أي: يبطل دين النصرانية؛ بأن يكسر الصليب حقيقة، ويبطل ما تزعمه النصارى من تعظيمه ويستفاد منه: تحريم اقتناء الخنزير، وتحريم أكله، وأنه نجس؛ لأن الشيء المنتفع به لا يشرع إتلافه ... ويستفاد منه أيضا تغيير المنكرات وكسر آلة الباطل " انتهى باختصار. " فتح الباري " (6/491) . وينظر: " فتاوى الرملي " (1/97) . وأما إن كان المقصود هو السؤال عن أحاديث تخبر عن أن موت الخنازير وانقراضها ـ من غير تقتيل بي آدم لها ـ هو من أشراط الساعة، فهذا ما لا نعلم له أصلا في أخبار النبي صلى الله عليه وسلم. وينظر جواب السؤال رقم: (118597) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 137286 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 مسيرة المسيح الدجال وأتباعه فيها؟ [السُّؤَالُ] ـ[عندما نطالع حديث ظهور الدجال نجد أن جزيرة العرب والشام والعراق هي الأماكن التي ستشهد قوات المسلمين الذين سيتصدون للدجال، وأن الصالحين من أهل الشام والعراق سيستنصرون بالمهدي في أرض الحجاز. لكن لم أجد ذكرا لبلدان إسلامية أخرى مثل مصر والمغرب وخراسان والهند، فهل يمكن أن نعرف ماذا سيحدث للمسلمين في تلك البلدان؟ هل ارتدوا في ذلك الوقت عن الإسلام قبل ظهور الدجال؟ أم إن الدجال قد أهلكهم جميعا فلم يستطيعوا محاربته ولاقوا حتفهم على يديه؟ أم آمنوا واعتقدوا في الدجال وصاروا من جنده وأتباعه؟ ولقد ذكر أن كثيرا من أتباع الدجال هم من الأعراب ومن النساء ومن أهل فارس والترك والأعاجم، بسبب ضحالة معرفتهم. ولقد أخبرني شخص ما أيضا بأن أتباعه ليسوا من متحدثي اللغة العربية، لكني لا أجد دليلا على صحة قوله وثبوته، فهل صحيح هذا الأمر؟ وهل يعد هذا تحفيزا للآخرين لتعلم اللغة العربية؟ وهل سيكون من أتباع الدجال مَن هم على الفطرة نتيجة لقلة معرفتهم؟ يبدو أني أثقلت عليك بأسئلتي، لكن أود تبين أمري، وتصحيح رأيي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يمكن الجواب عن خروج الدجال وطريقه وأتباعه ضمن المسائل الواردة في السؤال في النقاط الآتية: أولا: بينت الأدلة الصحيحة أن خروج المسيح الدجال يبدأ من المشرق، وتحديدا من إقليم خراسان، بل بالأخص من أصبهان في إقليم خراسان، وهي من بلاد إيران اليوم: عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الدَّجَّالُ يَخْرُجُ مِنْ أَرْضٍ بِالْمَشْرِقِ يُقَالُ لَهَا خُرَاسَانُ، يَتْبَعُهُ أَقْوَامٌ كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ) رواه الترمذي (2237) وقال: حديث حسن غريب، وحسنه الألباني. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَخْرُجُ الدَّجَّالُ مِنْ يَهُودِيَّةِ أَصْبَهَانَ، مَعَهُ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ الْيَهُودِ، عَلَيْهِمْ السيجان) رواه أحمد (21/55) وحسنه المحققون في طبعة مؤسسة الرسالة. وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وَإِنَّهُ يَخْرُجُ فِي يَهُودِيَّةِ أَصْبَهَانَ) رواه أحمد (41/15) وحسنه المحققون في طبعة مؤسسة الرسالة. يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله: " يكون بدء ظهوره من أصبهان، من حارة يقال لها: اليهودية " انتهى. " النهاية " (ص/59) ثانيا: تنتقل هذه الفتنة - التي هي أكبر فتنة منذ خلق آدم إلى قيام الساعة – إلى أرجاء الأرض، والظاهر من الأحاديث أنها تعم الأرض، فقد جاء أنه لا تبقى مدينة إلا ويدخلها الدجال غير مكة والمدينة والمسجد الأقصى ومسجد الطور. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ الأَعْوَرَ الدَّجَّالَ مَسِيحَ الضَّلاَلَةِ يَخْرُجُ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ فِي زَمَانِ اخْتِلاَفٍ مِنَ النَّاسِ وَفُرْقَةٍ، فَيَبْلُغُ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنَ الأَرْضِ فِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا، اللَّهُ أَعْلَمُ مَا مِقْدَارُهَا، اللَّهُ أَعْلَمُ مَا مِقْدَارُهَا - مَرَّتَيْنِ -) رواه ابن حبان في " صحيحه " (15/223) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير علي بن المنذر وهو ثقة. وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " أخرجه البزار بسند جيد " انتهى. " فتح الباري ". وصححه الألباني في " صحيح الموارد " (1598) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " وأما متى يهلك ومن يقتله؟ فإنه يهلك بعد ظهوره على الأرض كلها إلا مكة والمدينة، ثم يقصد بيت المقدس فينزل عيسى فيقتله، أخرجه مسلم أيضا " انتهى. " فتح الباري " (13/92) وانظر جواب السؤال رقم: (32665) ثالثا: يقول الشيخ مشهور حسن سلمان: " دلت أحاديث وآثار كثيرة صحيحة على خروج الدجال من (خُراسان) و (أصبهان) ، وهبوطه (خوز) و (كرمان) - وهي جميعاً الآن في (إيران) -، وينزل قرية (كوثا) -وهي في نحو منتصف الطريق بين (المحاويل) و (الصويرة) ، وهي على (26) كيلو متراً من الأولى، وتعرف اليوم بـ (تل إبراهيم) و (تل جبل إبراهيم) ؛ لوجود مرقد عليه قُبة في أعلى التل ينسب إلى إبراهيم - انظر: " بلدان الخلافة الشرقية " (ص 94-95) - وسمي بـ (خلة) بين العراق والشام، ويدخل الأردن، ويبدأ هلاكه بـ (عقبة أفيق) وهي قرية من حوران في طريق (الغور) ، والعامة تقول: (فيق) ، تنزل هذه العقبة إلى (الغور) وهو الأردن، وهي عقبة طويلة نحو ميلين. أفاده ياقوت في " معجم البلدان " (1/233) ، ثم يتحول إلى فلسطين، ويتم هلاكه في مدينة (اللد) . ويسبقها - والله أعلم - إتيانه الحجاز، ونزوله بسبخة في المدينة - هي (سبخة الجرف) غربي جبل أحد -، وتفصيل ذلك حديثيّاً يطول، وأكتفي بالإحالة على المصادر ... " انتهى. " العراق في أحاديث وآثار الفتن " رابعا: يتبع الدجال طوائف كثيرة من الناس يومئذ، وهم على أصناف: 1- الكفار عموما، فهم أكثر الناس فتنة به وبما يظهره الله على يديه من الخوارق. 2- اليهود خاصة، حيث ورد أنه يتبعه سبعون ألفا من يهود أصبهان. 3- كثير من المسلمين الذين يفتنهم بالخوارق التي تظهر على يديه، وخاصة عوام المسلمين وجهلتهم من الأعراب والنساء والصغار. يقول الدكتور يوسف الوابل: " أكثر أتباع الدجال من اليهود والعجم والترك، وأخلاط من الناس، غالبهم الأعراب والنساء. روى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفا عليهم الطيالسة) وفي رواية للإمام أحمد: (سبعون ألفا عليهم التيجان) ، وجاء في حديث أبي بكر: (يتبعه أقوام كأن وجوههم المجان المطرقة) رواه الترمذي. قال ابن كثير: والظاهر والله أعلم أن المراد هؤلاء الترك أنصار الدجال. قلت – أي يوسف الوابل -: وكذلك بعض الأعاجم كما جاء وصفهم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا خوزا وكرمان من الأعاجم، حمر الوجوه، فطس الأنوف، صغار الأعين، كأن وجوههم المجان المطرقة، نعالهم الشعر) . وأما كون أكثر أتباعه من الأعراب، فلأن الجهل غالب عليهم، ولما جاء في حديث أبي أمامة الطويل قوله صلى الله عليه وسلم: (وإن من فتنته – أي الدجال – أن يقول للأعرابي: أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك أتشهد أني ربك؟ فيقول: نعم. فيتمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه فيقولان: يا بني! اتبعه فإنه ربك) وأما النساء فحالهن أشد من حال الأعراب، لسرعة تأثرهن، وغلبة الجهل عليهن، ففي الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ينزل الدجال في هذه السبخة بمرِّ قناة – واد في المدينة -، فيكون أكثر من يخرج إليه النساء، حتى إن الرجل يرجع إلى حميمه وإلى أمه وابنته وأخته وعمته فيوثقها رباطا مخافة أن تخرج إليه) مسند أحمد (7/190) " انتهى. " أشراط الساعة " (311-312) والذي يظهر من الأحاديث أن القلة هي التي تثبت على الإيمان، وأن أكثر أهل الأرض يومئذ هم من أتباع الدجال. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " وأخرج أبو نعيم في ترجمة حسان بن عطية أحد ثقات التابعين من " الحلية " بسند حسن صحيح إليه قال: (لا ينجو من فتنة الدجال إلا اثنا عشر ألف رجل، وسبعة آلاف امرأة) وهذا لا يقال من قبل الرأي، فيحتمل أن يكون مرفوعا أرسله، ويحتمل أن يكون أخذه عن بعض أهل الكتاب " انتهى. " فتح الباري " (13/92) خامسا: وقد لخص الحافظ ابن كثير قصة المسيح الدجال بعبارات جامعة يقول فيها: " بدء ظهوره من أصبهان، من حارة منها يقال لها اليهودية، وينصره من أهلها سبعون ألف يهودي، عليهم الأسلحة والتيجان، وهي الطيالسة الخضراء، وكذلك ينصره سبعون ألفاً من التتار، وخلق من أهل خراسان. فيظهر أولاً في صورة ملك من الملوك الجبابرة، ثم يدعي النبوة، ثم يدعي الربوبية. فيتبعه على ذلك الجهلة من بني آدم، والطغام من الرعاعٍ والعوام، ويخالفه ويَرُدُّ عليه مَن هَدَى الله مِن عباده الصالحين وحزب الله المتقين. يأخذ البلاد بلداً بلداً، وحصناً حصناً، وإقليماً إقليماً، وكورة كورة، ولا يبقى بلد من البلاد إلا وطئه بخيله ورجله غير مكة والمدينة، ومدة مقامه في الأرض أربعون يوماً يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيام الناس هذه، ومعدل ذلك سنة وشهران ونصف شهر. وقد خلق الله تعالى على يديه خوارق كثيرة يضل بها من يشاء من خلقه، ويثبت معها المؤمنون فيزدادون بها إيماناً مع إيمانهم، وهدى إلى هداهم. ويكون نزول عيسى بن مريم مسيح الهدى في أيام المسيح الدجال مسيح الضلالة، على المنارة الشرقية بدمشق، فيجتمع عليه المؤمنون ويلتف به عباد الله المتقون، فيسير بهم المسيح عيسى بن مريم قاصداً نحو الدجال، وقد توجه نحو بيت المقدس، فيدركهم عند عقبة أفيق، فينهزم منه الدجال، فيلحقه عند مدينة باب لد، فيقتله بحربته وهو داخل إليها، ويقول إن لي فيك ضربة لن تفوتني، وإذا واجهه الدجال ينماع كما يذوب الملح في الماء، فيتداركه فيقتله بالحربة بباب لدّ، فتكون وفاته هناك لعنه الله، كما دلت على ذلك الأحاديث الصحاح من غير وجه " انتهى. " النهاية " (ص/59) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129164 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 أين مكان روح الميّت بعد سؤال الملكين؟ [السُّؤَالُ] ـ[أين تكون روح الميت بعد سؤال الملكين له؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه المسألة من مسائل الغيب التي لا مجال للاجتهاد فيها، وإنّما يتّبع فيها الوحي، وقد صحّت عن المصطفى صلّى الله عليه وسلّم أحاديث عدّة في بيان أماكن أرواح العباد؛ لذلك اختلف أهل العلم في تحديد أماكنها بناءً على اختلاف الأحاديث الواردة بذلك. والذي يظهر -والله أعلم – أنّ الأرواح على أشكال عدّة، ولكلٍّ مكان خاصّ يختلف عن مكان الأخرى؛ فإنّ النّصوص قد جاءت بأنّ منها ما يكون في حواصل طير خضر تسرح في الجنّة، وجاء في بعض النّصوص بأنّها تكون أسودة عن يمين آدم وعن يساره؛ فأهل اليمين منهم أهل الجنة، والأسودة عن شماله أهل النار؛ فإذا نظر عن يمينه ضحك، وإذا نظر قبل شماله بكى. وأخبر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن شخص بعد الموت محبوس على باب الجنّة، فقال: (رأيت صاحبكم محبوساً على باب الجنّة) ، وفي الحديث الصّحيح: (ومنهم من يُحبس في قبره بسبب الدَّين، ومنهم من حبس في قبره في غلّة غلّها) ، ومن الأرواح ما يكون مقرّه عند باب الجنّة، كما جاء في حديث ابن عبّاس: (الشّهداء على بارق) ، ما هو بارق؟ (قال: نهر بباب الجنة في قبة خضراء يخرج عليهم رزقهم من الجنّة بكرةً وعشياً) . حديث صحيح. فالأرواح منها ما هو في مراتب عليا، تسرح في الجنّة مع النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين، ومنها ما يكون على بارق -نهر بباب الجنّة- يخرج رزقهم من الجنّة إليهم بكرة وعشياً، ومنها ما يكون في قناديل، ومنها ما يأوي تحت العرش، ومن الأرواح ما يكون محبوساً في الأرض لا يرفع إلى الملأ الأعلى، ومنها ما يكون محبوساً في تنور من نار يأتيهم النّار من أسفل فيضجّون ويصيحون، وهؤلاء هم الزناة والزواني، وقد أخبر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن حالهم في الحديث الصّحيح: (أرواح الزناة والزواني تحبس في تنور من نار يعذّبون إلى أن تقوم السّاعة) . هذا عذابهم في البرزخ، وكذلك أكلة الربا الذين رآهم النّبيّ - صلّى الله عليه وسلّم - يسبحون في نهر الدم ويلقمون الحجارة، ويسبحون والحجارة في بطونهم في نهرٍ من دم منتن، كما كانوا يأكلون الربا في الدنيا. ومع أن الأرواح لها أحوال مختلفة، في أماكن مختلفة، فإنه يبقى لها اتّصال بالبدن في الأرض، ولو كانت تطير وتسرح في أنهار الجنة في أعلى علّيّين. قال ابن قيّم الجوزيّة في كتابه "الرّوح" (1/90-92) : " هذه مسألة عظيمة تكلّم فيها النّاس واختلفوا فيها، وهى إنّما تتلقّّّى من السّمع فقط، واختلف في ذلك: فقال قائلون: أرواح المؤمنين عند الله في الجنّة، شهداء كانوا أم غير شهداء؛ إذا لم يحبسهم عن الجنّة كبيرة ولا دين، وتلقّاهم ربّهم بالعفو عنهم والرّحمة لهم. وهذا مذهب أبى هريرة وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم. وقالت طائفة: هم بفِناء الجنّة على بابها، يأتيهم من روحها ونعيمها ورزقها. وقالت طائفة: الأرواح على أفنية قبورها. وقال مالك: بلغني أنّ الرّوح مرسلة تذهب حيث شاءت. وقال الإمام أحمد في رواية ابنه عبد الله: أرواح الكفّار في النّار، وأرواح المؤمنين في الجنّة. وقال أبو عبد الله بن منده: وقال طائفة من الصّحابة والتّابعين: أرواح المؤمنين عند الله عزّ وجلّ ولم يزيدوا على ذلك. قال: روي عن جماعة من الصّحابة والتّابعين: أرواح المؤمنين بالجابية، وأرواح الكفّار ببَرَهوت بئر بحضرموت. وقالت طائفة: أرواح المؤمنين ببئر زمزم، وأرواح الكفّار ببئر برهوت. وقال سلمان الفارسيّ: أرواح المؤمنين في برزخ من الأرض تذهب حيث شاءت، وأرواح الكفّار في سجّين، وفي لفظ عنه: نسمة المؤمن تذهب في الأرض حيث شاءت. وقالت طائفة: أرواح المؤمنين عن يمين آدم، وأرواح الكفّار عن شماله. وقالت طائفة أخرى منهم ابن حزم: مستقرّها حيث كانت قبل خلق جسادها ". انتهى بتصرّف يسير. وقال ابن أبي العزّ عقب ذكر الأقوال في المسألة في شرح "العقيدة الطّحاويّة" (1/396) : " ويتلخّص من أدلّتها: أنّ الأرواح في البرزخ متفاوتة أعظم تفاوت فمنها: أرواح في أعلى علّيّين في الملأ الأعلى، وهي أرواح الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه وهم متفاوتون في منازلهم، ومنها أرواح في حواصل طير خضر تسرح في الجنّة حيث شاءت، وهي أرواح بعض الشّهداء لا كلّهم، بل من الشهداء من تحبس روحه عن دخول الجنة لدين عليه، ... ومن الأرواح من يكون محبوسًا على باب الجنّة، ومنهم من يكون محبوسًا في قبره، ومنهم من يكون في الأرض، ومنها أرواح في تنور الزّناة والزّواني، وأرواح في نهر الدم تسبح فيه وتلقم الحجارة، كلّ ذلك تشهد له السنة والله أعلم ". انتهى بتصرّف. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129052 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 هل من الممكن أن يسمع الأحياء ما يدور للموتى في قبورهم؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكن للأحياء سماع أصوات الموتى في قبورهم، سواء كانوا معذّبين، أو منعّمين؟ لأنّه سمع أنّ هذه القدرة هي المرحلة الأولى لكي يصبح الإنسان من الأولياء الصالحين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ينتقل الميت بموته إلى عالم " البرزخ "، وهو عالَم آخر غير الذي قضى عمره فيه، وهذا العالَم الغيبي ليس لأحدٍ أن يثبت فيه شيئاً، أو ينفيه، إلا بدليل من الكتاب والسنَّة. وقد جاءت الأحاديث الصحيحة تثبت تكلم " الميت " وهو محمول على الأكتاف لدفنه، وأيضاً وهو في قبره، وثبت في تلك الأحاديث وغيرها أن الأحياء لا يسعمون ذلك الكلام الذي قاله الميت، أما الموضع الأول فقد استثنى النبي صلى الله عليه وسلم " الإنس " من السماع، وأما الموضع الثاني: فقد استثنى " الإنس والجن ". أ. الموضع الأول: عَن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا وُضِعَتْ الْجِنَازَةُ فَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَالَتْ: قَدِّمُونِي قَدِّمُونِي، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ قَالَتْ: يَا وَيْلَهَا أَيْنَ يَذْهَبُونَ بِهَا، يَسْمَعُ صَوْتَهَا كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الْإِنْسَانَ وَلَوْ سَمِعَهَا الْإِنْسَانُ لَصَعِقَ) . رواه البخاري (1314) . قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -: قوله في آخر الحديث (يسمع صوتها كل شيء) : دال على أن ذلك بلسان القال، لا بلسان الحال. " فتح الباري " (3 / 185) . وقال العيني – رحمه الله -: واستدل بالحديث المذكور على أن كلام الميت يسمعه كل حيوان غير الإنسان. " عمدة القاري " (8 / 114) . وينظر: " شرح رياض الصالحين "، للشيخ ابن عثيمين رحمه الله (4 / 549، 550) . ب. الموضع الثاني: وهو حديث البراء بن عازب المشهور، وفيه: فَيَأْتِيهِ آتٍ فَيَقُولُ مَنْ رَبُّكَ مَا دِينُكَ مَنْ نَبِيُّكَ فَيَقُولُ لَا أَدْرِي فَيَقُولُ لَا دَرَيْتَ وَلَا تَلَوْتَ وَيَأْتِيهِ آتٍ قَبِيحُ الْوَجْهِ قَبِيحُ الثِّيَابِ مُنْتِنُ الرِّيحِ فَيَقُولُ أَبْشِرْ بِهَوَانٍ مِنْ اللَّهِ وَعَذَابٍ مُقِيمٍ فَيَقُولُ وَأَنْتَ فَبَشَّرَكَ اللَّهُ بِالشَّرِّ مَنْ أَنْتَ فَيَقُولُ أَنَا عَمَلُكَ الْخَبِيثُ كُنْتَ بَطِيئًا عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ سَرِيعًا فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَجَزَاكَ اللَّهُ شَرًّا ثُمَّ يُقَيَّضُ لَهُ أَعْمَى أَصَمُّ أَبْكَمُ فِي يَدِهِ مِرْزَبَةٌ لَوْ ضُرِبَ بِهَا جَبَلٌ كَانَ تُرَابًا فَيَضْرِبُهُ ضَرْبَةً حَتَّى يَصِيرَ تُرَابًا ثُمَّ يُعِيدُهُ اللَّهُ كَمَا كَانَ فَيَضْرِبُهُ ضَرْبَةً أُخْرَى فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهُ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ قَالَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ مِنْ النَّارِ وَيُمَهَّدُ مِنْ فُرُشِ النَّارِ. رواه أحمد (30 / 578) ، وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " (3 / 219) . وفي الفرق بين الموضعين، وعدم سماع الإنس في الأول، وعدم سماع الإنس والجن في الموضع الثاني غيرهم، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله – تعليقاً على الحديث الأول -: وقد استُشكل هذا مع ما ورد في حديث السؤال في القبر (فيضربه ضربة فيصعق صعقة يسمعه كل شيء إلا الثقلين) والجامع بينهما: الميت والصعق، والأول استثنى فيه الإنس فقط، والثاني استثنى فيه الجن والإنس؟! والجواب: أن كلام الميت بما ذُكر لا يقتضي وجود الصعق - وهو الفزع - إلا من الآدمي؛ لكونه لم يألف سماع كلام الميت، بخلاف الجن في ذلك، وأما الصيحة التي يصيحها المضروب: فإنها غير مألوفه للإنس والجن جميعاً؛ لكون سببها عذاب الله، ولا شيء أشد منه على كل مكلف، فاشترك فيه الجن، والإنس. " فتح الباري " (3 / 185) . ولا يستُثنى من الإنس في سماع عذاب القبر إلا النبي صلى الله عليه وسلم. أ. عن زَيْد بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَائِطٍ لِبَنِي النَّجَّارِ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ وَنَحْنُ مَعَهُ إِذْ حَادَتْ بِهِ فَكَادَتْ تُلْقِيهِ وَإِذَا أَقْبُرٌ سِتَّةٌ أَوْ خَمْسَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ فَقَالَ: (مَنْ يَعْرِفُ أَصْحَابَ هَذِهِ الْأَقْبُرِ) فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا، قَالَ: (فَمَتَى مَاتَ هَؤُلَاءِ) قَالَ: مَاتُوا فِي الْإِشْرَاكِ، فَقَالَ: (إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي قُبُورِهَا فَلَوْلَا أَنْ لَا تَدَافَنُوا لَدَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ الَّذِي أَسْمَعُ مِنْهُ) . رواه مسلم (2868) . ب. عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ وَجَبَتْ الشَّمْسُ فَسَمِعَ صَوْتًا فَقَالَ: (يَهُودُ تُعَذَّبُ فِي قُبُورِهَا) . رواه البخاري (1309) ومسلم (2769) . وجبت الشمس: غربت. والحديث رواه ابن حبان (7 / 394) وبوَّب عليه بقوله: " ذِكر الإخبار بأن المصطفى صلى الله عليه وسلم أسمع أصوات الكفرة حيث عذبت في قبورها ". وفي عدم سماع الإنسان في كلا الموضعين حكَم جليلة. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله -: قوله: (إلا الإنسان) : يعني: أنه لا يسمع هذا الصياح، وذلك لحِكَم عظيمة؛ منها: أولاً: ما أشار إليه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله: (لولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر) . ثانياً: أن في إخفاء ذلك ستراً للميت. ثالثاً: أن فيه عدم إزعاج لأهله؛ لأن أهله إذا سمعوا ميتهم يعذَّب ويصيح: لم يستقر لهم قرار. رابعاً: عدم تخجيل أهله؛ لأن الناس يقولون: هذا ولدكم! هذا أبوكم! هذا أخوكم! وما أشبه ذلك. خامساً: أننا قد نهلك؛ لأنها صيحة ليست هينة، بل صيحة قد توجب أن تسقط القلوب من معاليقها، فيموت الإنسان أو يغشى عليه. سادساً: لو سمع الناس صراخ هؤلاء المعذبين: لكان الإيمان بعذاب القبر من باب الإيمان بالشهادة، لا من باب الإيمان بالغيب، وحينئذ تفوت مصلحة الامتحان؛ لأن الناس سوف يؤمنون بما شاهدوه قطعاً؛ لكن إذا كان غائباً عنهم، ولم يعلموا به إلا عن طريق الخبر: صار من باب الإيمان بالغيب. " مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " (8 / 482، 483) . ثالثاً: أما من يزعم أنه يستطيع سماع الأموات في قبورهم، وأنه يراهم، ويتحدث معهم: فهو يكذب في ذلك، أو مُلَبَّس عليه. وإنما يرى الشياطين تتمثل له بصورة الأموات، أو تخاطبه بأصواتها، وتلبس عليه، وهو يلبس على الناس. قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: ولهذا يحصل عند القبور لبعض الناس من خطابٍ يسمعه، وشخصٍ يراه، وتصرفٍ عجيب، ما يظن أنه من الميت، وقد يكون من الجن والشياطين، مثل أن يرى القبر قد انشق، وخرج منه الميت وكلمه وعانقه، وهذا يُرى عند قبور الأنبياء وغيرهم، وإنما هو شيطان؛ فإن الشيطان يتصور بصور الإنس، ويدَّعي أحدهم أنه النبي فلان، أو الشيخ فلان، ويكون كاذباً في ذلك، وفي هذا الباب من الوقائع ما يضيق هذا الموضع عن ذكره، وهي كثيرة جدّاً، والجاهل يظن أن ذلك الذي رآه قد خرج من القبر وعانقه أو كلمه هو المقبور، أو النبي أو الصالح وغيرهما، والمؤمن يعلم أنه شيطان، ويتبين ذلك بأمور: أحدها: أن يقرأ آية الكرسي بصدق، فإذا قرأها: تغيب ذلك الشخص، أو ساخ في الأرض، أو احتجب، ولو كان رجلاً صالحاً أو ملَكاً أو جنيّاً مؤمناً: لم تضرَّه آية الكرسي، وإنما تضر الشياطين، كما ثبت في الصحيح مِن حديث أبي هريرة لما قال له الجني: اقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ إذَا أَوَيْت إلَى فِرَاشِك فَإِنَّهُ لَا يَزَالُ عَلَيْك مِنْ اللَّهِ حَافِظٌ وَلَا يَقْرَبُك شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (صَدَقَك وَهُوَ كَذُوبٌ) . ومنها: أن يستعيذ بالله من الشياطين. ومنها: أن يستعيذ بالعوَذ الشرعية ... والمقصود هنا: أنَّ مِن أعظم أسباب ضلال المشركين ما يرونه أو يسمعونه عند الأوثان كإخبار عن غائب، أو أمر يتضمن قضاء حاجة، ونحو ذلك، فإذا شاهد أحدهم القبر انشق، وخرج منه شيخ بهيٌّ: عانقه، أو كلَّمه: ظنَّ أن ذلك هو النبي المقبور، أو الشيخ المقبور، والقبر لم ينشق؛ وإنما الشيطان مثَّل له ذلك، كما يمثل لأحدهم أن الحائط انشق، وأنه خرج منه صورة إنسان، ويكون هو الشيطان تمثل له في صورة إنسان، وأراه أنه خرج من الحائط. " مجموع الفتاوى " (1 / 168 – 178) باختصار. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128322 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 شرح حديث يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال فيغفرها الله لهم ويضعها على اليهود والنصارى [السُّؤَالُ] ـ[قمت بإهداء بضعة كتب إسلامية باللغة الفرنسية لشخص غير مسلم , من بين تلك الكتب كتاب 110 أحاديث قدسية، نشر دار السلام , قال لي ذلك الشخص إنه مقتنع أن القرآن لا يمكن أن يكون إلا كلام الله , ولكن أبدى تحفظه، ولم يفهم حديثا قدسيا في ذلك الكتاب، والذي هو: عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تحشر هذه الأمة على ثلاثة أصنافٍ، صنف يدخلون الجنة بغير حسابٍ، وصنف يحاسبون حساباً يسيراً ثم يدخلون الجنة، وصنف يجيئون على ظهورهم أمثال الجبال الراسيات ذنوباً، فيسأل الله عنهم وهو أعلم بهم، فيقول: ما هؤلاء؟ فيقولون: هؤلاء عبيد من عبادك، فيقول: حطوها عنهم واجعلوها على اليهود والنصارى، وأدخلوهم برحمتي الجنة) قال لي: لماذا على اليهود والنصارى؟ قلت له: اليهود والنصارى الذين خالفوا شرع الله، وأضلوا الناس، وقاتلوا الأنبياء، وليس الذين اتبعوا شرع الله، واتبعوا الأنبياء! قال: لا لم يذكر هذا في الحديث، ولكن جاء كلمة (اليهود والنصارى) . قلت له: هناك شرح لكل حديث سأخبرك عنه لاحقاً لأسأل بعض أهل الحديث , وللأسف أن بعض الكتب المترجمة لا تشرح لغير المسلم وتوضح له. أريد شرحا مفصلا، أفيدوني بارك الله بكم (أن لا تزر وازرة وزر أخرى) ]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الحديث المذكور أخرجه الطبرانى كما فى مجمع الزوائد (10/343) ، قال الهيثمى: فيه عثمان بن مطر وهو مجمع على ضعفه. والحاكم (1/126، رقم 193) وقال: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، وسكت عنه الذهبي. وأصل الحديث رواه الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ دَفَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى كُلِّ مُسْلِمٍ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا فَيَقُولُ هَذَا فِكَاكُكَ مِنْ النَّارِ) وكان سعيد بن أبي بردة قد حدَّث بهذا الحديث أمام عمر بن عبد العزيز، فاستحلفه عمر بن عبد العزيز بالله الذي لا إله إلا هو ثلاث مرات أن أباه حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: فحلف له. وفي لفظ: (لَا يَمُوتُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ إِلَّا أَدْخَلَ اللَّهُ مَكَانَهُ النَّارَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا) وكلها في صحيح الإمام مسلم رحمه الله من طريق أبي بردة عن أبيه حديث رقم: (2767) وقد أخذ هذا الحديث عن أبي بردة أكثر من ثمانية من الرواة، كما في " مسند أحمد " (4/391) ، ومسند عبد بن حميد (537،540) ، وسنن ابن ماجه (4291) ، وغيرها، اختلفت ألفاظ بعضهم عن بعض، إلا أنها متفقة في المعنى كلها، تتحدث عن فداء المسلم من النار بواحد من اليهود والنصارى. غير أن واحدا من هذه الألفاظ فيه اختلاف عن الباقي، وهو ما يرويه غيلان بن جرير، عن أبي بردة، عن أبيه، بلفظ: (يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَاسٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِذُنُوبٍ أَمْثَالِ الْجِبَالِ، فَيَغْفِرُهَا اللَّهُ لَهُمْ، وَيَضَعُهَا عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى) ثانيا: ولما كان ظاهر هذا الحديث مخالفا لقول الله تعالى: (وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) الأنعام/164، كان للعلماء مسلكان في التعامل مع هذا الحديث: المسلك الأول: عدم قبوله وتضعيفه لسببين: 1- اختلاف الرواة عن أبي بردة في إسناد الحديث. فمرة يقول بعضهم: عن أبي بردة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأخرى يقول آخر: عن أبي بردة، عن عبد الله بن يزيد. ويقول آخر: عن أبي بردة، عن رجل من أصحاب، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وجاء مرة عن أبي بردة، عن رجل من الأنصار، عن أبيه. ومرة عن أبي بردة، عن رجل من الأنصار، عن بعض أهله. كل هذه الأوجه نجدها في " التاريخ الكبير " للإمام البخاري رحمه الله (1/39) ثم قال الإمام البخاري رحمه الله: " والخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم في الشفاعة، وأن قوما يُعَذَّبُون ثم يخرجون أكثر وأبين وأشهر ... - ثم قال -: ألفاظهم مختلفة الا أن المعنى قريب " انتهى. " التاريخ الكبير " (1/39) وقال الإمام البيهقي رحمه الله: " وقد علل البخاري حديث أبي بردة باختلاف الرواة عليه في إسناده، ثم قال: الحديث في الشفاعة أصح " انتهى. " البعث والنشور " (حديث رقم/ 86) 2- بسبب شك الراوي فيه، فقد جاءت في رواية الإمام مسلم الأخيرة قول أحد رواة الحديث: (ويضعها على اليهود والنصارى فيما أحسب أنا) قال أبو روح حرمي بن عمارة أحد رواة الحديث: لا أدري ممن الشك. قال البيهقي رحمه الله: " اللفظ الذي تفرد بها شداد أبو طلحة بروايته في هذا الحديث. وهو قوله: (ويضعها على اليهود النصارى) مع شك الراوي فيه: لا أراه محفوظا. والكافر لا يعاقب بذنب غيره. قال الله عز وجل: (لا تزر وازرة وزر أخرى) وإنما لفظ الحديث على ما رواه سعيد بن أبي بردة، وغيره، عن أبي بردة " انتهى. " البعث والنشور " (حديث رقم/86) وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " وفي حديث الباب وما بعده – وهي أحاديث تحت باب القصاص يوم القيامة - دلالة على ضعف الحديث الذي أخرجه مسلم من رواية غيلان بن جرير ... - وذكر الحديث ونقل عن البيهقي تضعيفه - " انتهى باختصار. " فتح الباري " (11/398) وقال الشيخ الألباني رحمه الله: " رواه الجماعة عن أبي بردة دون تلك الزيادة – يعني لفظ (ويضعها على اليهود والنصارى) ، فهي عندي شاذة، بل منكرة، لوجوه: أولا: أن الراوي شك فيها، وهو عندي شداد أبو طلحة الراسبي، أو الراوي عنه حرمي بن عمارة، ولكن هذا قد قال - وهو أبو روح -: (لا أدري ممن الشك) ، فتعين أنه الراسبي، لأنه متكلم فيه من قبل حفظه وإن كان ثقة في ذات نفسه، ولذلك أورده الذهبي في " الضعفاء " وقال: قال ابن عدي: لم أر له حديثا منكرا. وقال العقيلي: له أحاديث لا يتابع عليها. وقال الحافظ في " التقريب ": صدوق يخطئ. وليس له في مسلم إلا هذا الحديث. قال الحافظ في " التهذيب ": " لكنه في الشواهد ". ثانيا: ولما كان قد تفرد بهذه الزيادة التي ليس لها شاهد في الطرق السابقة، وكان فيه ما ذكرنا من الضعف في الحفظ، فالقواعد الحديثية تعطينا أنها زيادة منكرة، كما لا يخفى على المهرة. ثالثا: أن هذه الزيادة مخالفة للقرآن القائل في غير ما آية: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) " انتهى باختصار. " السلسلة الضعيفة " (حديث رقم/1316، ورقم/5399) . المسلك الثاني: توجيه معنى الحديث بما يتوافق مع ظاهر القرآن الكريم: قال الإمام البيهقي رحمه الله: " ووجه هذا عندي - والله أعلم - أن الله تعالى قد أعد للمؤمن مقعدا في الجنة ومقعدا في النار كما روي في حديث أنس بن مالك، كذلك الكافر كما روي في حديث أبي هريرة، فالمؤمن يدخل الجنة بعدما يرى مقعده من النار ليزداد شكرا، والكافر يدخل النار بعد ما يرى مقعده من الجنة لتكون عليه حسرة، فكأن الكافر يورث على المؤمن مقعده من الجنة، والمؤمن يورث على الكافر مقعده من النار، فيصير في التقدير كأنه فدى المؤمن بالكافر " انتهى. " البعث والنشور " (حديث رقم/85) وذكر رحمه الله احتمالا آخر في شرح الحديث الذي بعده فقال: " ويحتمل أن يكون حديث الفداء في قوم قد صارت ذنوبهم مكفرة في حياتهم، وحديث الشفاعة في قوم لم تعد ذنوبهم مكفرة في حياتهم، ويحتمل أن يكون هذا القول لهم في حديث الفداء بعد الشفاعة، فلا يكون بينهما اختلاف، والله أعلم " انتهى. وقال الإمام النووي رحمه الله: " معنى هذا الحديث ما جاء في حديث أبى هريرة: (لكل أحد منزل في الجنة ومنزل في النار) فالمؤمن إذا دخل الجنة خلفه الكافر في النار لاستحقاقه ذلك بكفره. ومعنى: (فكاكك من النار) أنك كنت معرَّضا لدخول النار، وهذا فكاكك؛ لأن الله تعالى قدر لها عددا يملؤها، فإذا دخلها الكفار بكفرهم وذنوبهم صاروا في معنى الفكاك للمسلمين. وأما رواية: (يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب) : فمعناه أن الله تعالى يغفر تلك الذنوب للمسلمين ويسقطها عنهم، ويضع على اليهود والنصارى مثلها بكفرهم وذنوبهم فيدخلهم النار بأعمالهم، لا بذنوب المسلمين، ولا بد من هذا التأويل، لقوله تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) ، وقوله: (ويضعها) مَجاز، والمراد يضع عليهم مثلها بذنوبهم كما ذكرناه، لكن لما أسقط سبحانه وتعالى عن المسلمين سيئاتهم، وأبقى على الكفار سيئاتهم، صاروا في معنى من حمل إثم الفريقين لكونهم حملوا الإثم الباقي وهو إثمهم، ويحتمل أن يكون المراد آثاما كان للكفار سبب فيها، بأن سنُّوها، فتسقط عن المسلمين بعفو الله تعالى، ويوضع على الكفار مثلها لكونهم سنوها، ومن سن سنة سيئة كان عليه مثل وزر كل من يعمل بها " انتهى. " شرح مسلم " (17/85) وقال رحمه الله: " معنى (فكاكك) : أنك كنت معرضا لدخول النار، هذا فكاكك؛ لأن الله تعالى قدر للنار عددا يملؤها، فإذا دخلها الكفار بذنوبهم وكفرهم صاروا في معنى الفكاك للمسلمين، والله أعلم " انتهى. " رياض الصالحين " (ص/534) . وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى: (أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) : " قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سِنَان، حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما منكم من أحد إلا وله منزلان: منزل في الجنة، ومنزل في النار، فإن مات فدخل النار وَرثَ أهل الجنة منزله، فذلك قوله: (أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ)) - رواه ابن ماجه في السنن برقم (4341) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في " فتح الباري " (11/451) : إسناده صحيح. وقال البوصيري في " الزوائد " (3/327) : " هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين "، وصححه السيوطي في " البدور السافرة " (ص/456) - وقال ابن جُرَيْج، عن لَيْث، عن مجاهد: (أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ) قال: ما من عبد إلا وله منزلان: منزل في الجنة، ومنزل في النار، فأما المؤمن فيُبنَى بيته الذي في الجنة، ويُهدّم بيته الذي في النار، وأما الكافر فيُهْدَم بيته الذي في الجنة، ويُبنى بيته الذي في النار. وروي عن سعيد بن جُبَيْر نحو ذلك. فالمؤمنون يرثون منازل الكفار؛ لأنهم خلقوا لعبادة الله تعالى، فلما قام هؤلاء المؤمنون بما وجب عليهم من العبادة، وترَكَ أولئك ما أمرُوا به مما خُلقوا له - أحرزَ هؤلاء نصيب أولئك لو كانوا أطاعوا ربهم عز وجل، بل أبلغ من هذا أيضًا، وهو ما ثبت في صحيح مسلم، عن أبي بُردَةَ، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم ... - ثم ذكر الأحاديث السابقة " انتهى باختصار. " تفسير القرآن العظيم " (5/465) وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " وقال غيره – يعني غير البيهقي - يحتمل أن يكون الفداء مجازا عما يدل عليه حديث أبي هريرة بلفظ: (لا يدخل الجنة أحد إلا أري مقعده من النار لو أساء ليزداد شكرا..) الحديث، وفيه في مقابله: (ليكون عليه حسرة) فيكون المراد بالفداء إنزال المؤمن في مقعد الكافر من الجنة الذي كان أعد له، وإنزال الكافر في مقعد المؤمن الذي كان أعد له، وقد يلاحظ في ذلك قوله تعالى: (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا) ، وبذلك أجاب النووي تبعا لغيره. وأما رواية غيلان بن جرير فأولها النووي أيضا تبعا لغيره: بأن الله يغفر تلك الذنوب للمسلمين، فإذا سقطت عنهم وضعت على اليهود والنصارى مثلها بكفرهم، فيعاقبون بذنوبهم لا بذنوب المسلمين، ويكون قوله: (ويضعها) أي: يضع مثلها؛ لأنه لما أسقط عن المسلمين سيئاتهم وأبقى على الكفار سيئاتهم صاروا في معنى من حمل إثم الفريقين لكونهم انفردوا بحمل الإثم الباقي وهو إثمهم. ويحتمل أن يكون المراد آثاما كانت الكفار سببا فيها بأن سنوها، فلما غفرت سيئات المؤمنين بقيت سيئات الذي سن تلك السنة السيئة باقية، لكون الكافر لا يغفر له، فيكون الوضع كناية عن إبقاء الذنب الذي لحق الكافر بما سنه من عمله السيئ، ووضعه عن المؤمن الذي فعله بما من الله به عليه من العفو والشفاعة، سواء كان ذلك قبل دخول النار أو بعد دخولها والخروج منها بالشفاعة. وهذا الثاني أقوى. والله أعلم " انتهى. " فتح الباري " (11/398) وجاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (3/468) : " أما قوله صلى الله عليه وسلم: (فيغفرها للمسلمين ويضعها على اليهود والنصارى) ، فهذا الحديث قد شك راويه فيه، ولا يحتج به مع الشك، ولكونه يخالف ظاهر القرآن الكريم، لكن إن صح عنه صلى الله عليه وسلم فهو لا يقول إلا الحق، ويجب حمله على ما يوافق الأدلة الأخرى، وذلك بحمله على اليهود والنصارى الذين كانوا سببا في وقوع المسلمين في الذنوب التي غفرت لهم، لقوله سبحانه: (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) ، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (من دعا إلى ضلالة كان عليه مثل إثم من عمل بها من بعده لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا) ولما جاء في معناه من الأحاديث " انتهى. وانظر جواب السؤال رقم: (9488) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128128 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 هل يعذَّب في قبره من تكون حسناته أكثر من سيئاته في الميزان؟ [السُّؤَالُ] ـ[أفهم، وأدرك، أن المسلم يمكن أن يُعذَّب في القبر، لكن الذي أريد أن أعرفه هو التالي: نعلم أن الإنسان المسلم سوف توزن أعماله يوم القيامة، فإن رجحت الحسنات على السيئات: فإن الله عز وجل سيغفر لهذا المسلم، أو المسلمة، ويدخله الجنة، سؤالي هو: عندما يكون نفس هذا الإنسان المسلم في القبر , فهل سيعذَّب في قبره على الرغم من أن الله عز وجل سيغفر له يوم القيامة؟ وهل سنُعذب في الآخرة على الرغم من أننا سندخل الجنة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ثبت عذاب القبر ونعيمه عند أهل السنَّة والجماعة، كما جاء ذلك دلت في الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، وعليه أجمع سلف الأمة. وبيان ذلك في جواب السؤال رقم: (34648) . وتجد في جواب السؤال رقم: (47055) أن الأصل في عذاب القبر ونعيمه أنه على الروح، وقد تتصل الروح بالبدن فيصيبه شيء من العذاب أو النعيم. وفي جواب السؤالين (7862) و (21212) بيان أن عذاب القبر منه ما يستمر إلى قيام الساعة، ومنه ما ينقطع. ثانياً: ينبغي أن يُعْلم أن كثرة الحسنات على السيئات ليست بمنجية صاحبَها من عذاب القبر بذاتها؛ لأن الوعيد المترتب على العذاب في البرزخ، ليس هو الوعيد المترتب على العذاب في نار جهنم، وقد يأتي المسلم بسبب واحد من أسباب العذاب في قبره، فيعذَّب عليها، وله أمثال الجبال من الحسنات. والميزان الذي توزن به أعمال الناس فيشقى بعده طوائف خفت موازينهم، ويسعد آخرون ثقلت موزاينهم: إنما يكون في آخر المطاف، بعد أن يقطع الناس أشواطاً في مراحل الدار الآخرة. قال أبو عبد الله القرطبي – رحمه الله -: والذي تدل عليه الآي، والأخبار: أن من ثقل ميزانه: فقد نجا وسلِم، وبالجنة أيقن، وعلِم أنه لا يدخل النار بعد ذلك، والله أعلم. " التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة " (ص 272) . والمسلم الذي نفترض كثرة حسناته لو وضعت في الميزان بعد موته مباشرة: لا ينجو من عذاب القبر، إن شاء الله تعذيبه على بعض سيئاته تلك، وليتأمل الأخ السائل المسائل التالية فهي تحل الإشكال الوارد في ذهنه: 1. من كثرت حسناته على سيئاته وأجاب الملَكين في القبر عن أسئلتهم: لا يعني بالضرورة أنه ينجو من عذاب القبر إذا جاء بما يستحق عليه العذاب من سيئاته تلك، وشاء الله أن يعذبه عليها في قبره. 2. من كثرت حسناته على سيئاته ليس بالضرورة إذا رأى مقعده من الجنة في قبره، أنه لن يعذَّب على ما شاء الله من ذنوبه، وللعلماء في هذا قولان: الأول: أن من ارتكب سيئات وشاء الله تعذيبه في القبر، وهو في الآخرة من أهل الجنة: أنه يرى مقعده من الجنة باعتبار مآله. والثاني: أنه ير مقعده من النار باعتبار حاله. وينظر جواب رقم: (121628) فهو مهم. وعليه: فإن زيادة حسنات العبد على سيئاته، ليس بمانع من أن يعذب في قبره على بعض ذنوبه التي ورد الوعيد لفاعلها بالعذاب في قبره. مثل عقوبة المرابي وأنه يسبح في نهر دم، وعقوبة الزناة والزانيات، والعقوبة على النميمة، والغلول من الغنائم، والكذب، وعدم الاستبراء من البول، وغير ذلك مما جاءت النصوص واضحة في التنصيص على معاصٍ بعينها. وانظر تفصيل ذلك في جوابي السؤالين (46068) و (45325) . ثالثاً: ومن حكمة الله تعالى أنه لم يجعل الميزان أول موت العبد؛ ويبدو لنا بعض الحكَم من ذلك نرجو أن تكون موافقة للصواب: 1. أنه يُخفف حِمل السيئات على العاصي بما يصيبه من عذاب القبر؛ تخفيفاً عنه من عذاب جهنم، ولا شك أن ما يصيب العاصي من عذاب القبر أهون عليه مما يصيبه من نار جهنم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: ما يحصل للمؤمن في الدنيا والبرزخ والقيامة من الآلام التي هي عذاب: فإن ذلك يُكفِّر الله به خطاياه، كما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا حزَن ولا أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفَّر الله به من خطاياه) . " مجموع الفتاوى " (24 / 375) . قال رحمه الله: السبب الثامن: ما يحصل في القبر، من الفتنة، والضغطة، والروعة، فإن هذا مما يكفّر به الخطايا. " مجموع الفتاوى " (7 / 500) . وانظر جواب السؤال رقم: (7861) . 2. أنه ليس كل مَن جاء بحسنات تبقى معه حتى يدخل بها الجنة، ولا من جاء بسيئات تبقى معه حتى يدخل بسببها النار، فثمة ما يُسمَّى " المقاصة "، وهو أخذ أصحاب الحقوق من حسنات من ظلمهم، أو إلقاء سيئاتهم عليه، كما في حديث " المفلس " الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه، وهذا إنما يكون قبل الميزان. قال أبو عبد الله القرطبي – رحمه الله -: وأما المخلِّطون: فحسناتهم توضع في الكفة النيرة، وسيئاتهم في الكفة المظلمة، فيكون لكبائرهم ثقل؛ فإن كانت الحسنات أثقل، ولو بصؤابة – وهي بيضة القَمْل -: دخل الجنة، وإن كانت السيئات أثقل، ولو بصؤابة: دخل النار، إلا أن يغفر الله، وإن تساويا: كان من أصحاب الأعراف، هذا إن كانت الكبائر فيما بينه وبين الله، وأما إن كانت عليه تبعات، وكانت له حسنات كثيرة: فإنه ينقص من ثواب حسناته بقدر جزاء السيئات؛ لكثرة ما عليه من التبعات، فيحمل عليه مِن أوزار مَن ظلمه، ثم يعذب على الجميع، هذا ما تقتضيه الأخبار. " التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة " (ص 269، 270) . 3. أنه لم تنقطع الحسنات، ولا السيئات بالموت، بل ثمة " حسنات جارية "، و " سيئات جارية "، فالأول: كمن تصدَّق بصدقة جارية، أو علَّم علماً نافعاً، أو دلَّ غيره على عمل صالحٍ، أو كان له ذرية يعملون بعد موته بطاعات، وكل ذلك مما يجعل للميت مجالاً لزيادة الحسنات، وأما الثاني: فهو لمن دلَّ غيره على عمل فاسد، أو ابتدع بدعة، وغير ذلك مما تجري سيئات أعمالهم على فاعلها، وعلى الميت، الذي كان سبباً في فعل تلك السيئات والبدع. وبه يُعلم أنه ليس بالموت يقف " عدَّاد " الحسنات، والسيئات، ولذا نرى عظيم الحكمة في عدم اعتبار الميزان أول موت المسلم، بل لا يكون ذلك إلا في آخر المطاف، وبعدها يكون دخول الجنة، أو النار، وعندها يمكن للمسلم أن يفهم معنى قوله تعالى (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الأعراف/ 8، وقوله (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ. فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ) القارعة/ 6، 7. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127242 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 متى يكون ذبح الموت؟ وما حال أصحاب الكبائر في البرزخ [السُّؤَالُ] ـ[عندما يؤتى بالموت على شكل كبش ويذبح أمام أهل الجنة والنار، ويقال لكل منهم خلود فلا موت هل هذا يكون بعد خروج أصحاب الكبائر من أمة محمد من النار أم قبله؟ وأيضا نفس التساؤل: عندما يُسْألُ أصحاب الكبائر في القبور هل يجاوبون على أسئلة منكر ونكير أم يقولون لا أعلم؟ . وهل يرون مقعدهم من الجنة أو النار؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الذي ينبغي أن يقال هو أن الذبح للموت لا يكون إلا بعد استقرار أهل الجنة في الجنة، واستقرار أهل النار في جهنم، ويقتضي هذا أنه لا يكون الذبح قبل خروج الموحدين من نار جهنم؛ لأن الخطاب يكون لأهل الجنة وأهل النار، ولا ينسب الموحدون للنار وهم سيخروجون منها. عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يُؤْتَى بِالْمَوْتِ كَهَيْئَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ فَيُنَادِي مُنَادٍ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ فَيَقُولُ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا الْمَوْتُ، وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ، ثُمَّ يُنَادِي يَا أَهْلَ النَّارِ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ فَيَقُولُ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا الْمَوْتُ، وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ، فَيُذْبَحُ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ، ثُمَّ قَرَأَ (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ) ، وَهَؤُلَاءِ فِي غَفْلَةٍ أَهْلُ الدُّنْيَا (وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) . رواه البخاري (4453) ومسلم (2849) . وفي رواية ابن عمر في البخاري (6182) ومسلم (2850) : (إِذَا صَارَ أَهْلُ الْجَنَّةِ إِلَى الْجَنَّةِ وَأَهْلُ النَّارِ إِلَى النَّارِ جِيءَ بِالْمَوْتِ حَتَّى يُجْعَلَ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ثُمَّ يُذْبَحُ ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ لَا مَوْتَ وَيَا أَهْلَ النَّارِ لَا مَوْتَ، فَيَزْدَادُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَرَحًا إِلَى فَرَحِهِمْ وَيَزْدَادُ أَهْلُ النَّارِ حُزْنًا إِلَى حُزْنِهِمْ) . وينظر كلام ابن القيم رحمه الله في الرد على من اعترض على هذا الحديث بعقله، وذلك في جواب السؤال رقم: (10087) . ثانياً: وبخصوص فتنة القبر لأصحاب الكبائر: فثمة مسائل ثلاثة: الأولى: إجابة الملكين منكر ونكير على أسئلتهما في العقيدة: عن ربه عز وجل، وعن دينه، وعن نبيه صلى الله عليه وسلم. والثانية: تعذيبه على ذنوبه. والثالثة: هل يرى الفاسق في قبره مقعده في الجنة؟ . أما الأولى: فإن الظاهر أن الناس فيها قسمان: مسلم، ومنافق، أو كافر، فالمسلم يجيب عن أسئلة الملَكين، ولو كان فاسقاً، والكافر – أو المنافق – لا يجيب، ويعذَّب على ذلك. قال ابن حجر الهيتمي – رحمه الله -: ومقتضى أحاديث سؤال الملكين: أن المؤمن ولو فاسقاً يجيبهما، كالعدل، ولكن بشارته تحتمل أن تكون بحسب حاله. " الفتاوى الحديثية " (ص 7) . وفي جواب السؤال رقم: (21713) تجد حديث البراء بن عازب رضي الله عنه في تفصيل هذين القسمين في القبر. وأما الثانية: فإنه لا يلزم من إجابة المسلم الفاسق على أسئلة الملَكين أنه لا يعذَّب على اقترافه الذنوب والمعاصي، إن لم يتب منها، بل مِن عذاب هؤلاء ما يستمر إلى قيام الساعة، ومنه ما ينقطع. قال الشيخ محمد السفاريني – رحمه الله -: فمن أغضب الله، وأسخطه، في هذه الدار، بارتكاب مناهيه، ولم يتب، ومات على ذلك: كان له عذاب البرزخ بقدر غضب الله، وسخطه عليه، فمستقل، ومستكثر، ومصدق، ومكذب. " لوامع الأنوار البهية " (2 / 18) . وقال: ومن الذين يعذبون في قبورهم، وأخبر عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: الجبارون، والمتكبرون، والمراءون، والهمازون، واللمازون، والطعانون على السلف، والذين يأتون الكهنة والمنجمين والعرافين فيسألونهم ويصدقونهم، وأعوان الظلمة الذين باعوا آخرتهم بدنيا غيرهم، ونحو هؤلاء، ممن يشتغل بذنوب الناس عن ذنبه، وبعيوبهم عن عيبه، فكل هؤلاء وأمثالهم يعذبون في قبورهم بهذه الجرائم بحسب كثرتها، وقلتها، وصغرها، وكبرها، ولما كان أكثر الناس كذلك: كان أصحاب القبور معذبين، والفائز منهم قليل، فظواهر القبور تراب، وبواطنها حسرات وعذاب، فنسأل الله تعالى العافية، والرحمة، والعفو، والغفران، وبالله الإعانة، والعون. " لوامع الأنوار البهية " (2 / 19) . وفي جوابي السؤالين (45325) و (46068) تجد ذِكر الأسباب المفصلة لعذاب القبر. وأما المسألة الثالثة: ففيها احتمالان: 1. الأول: أن المسلم يرى مقعده في الجنة باعتباره ليس كافراً، وأن مصيره إليها، لكن هذا لا يعني أنه لن يعذَّب في قبر إن شاء الله تعذيبه. فنحن نجزم بصحة ما أخبرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم من وجود من يُعذَّب في قبره من المسلمين إلى يوم القيامة، كمثل آكل الربا الذي رآه صلى الله عليه وسلم يسبح في نهر من الدم، وكمثل الزناة والزواني الذين رآهم صلى الله عليه وسلم في تنور يصرخون، وغير هؤلاء، ونجزم أن مصير هؤلاء إن كانوا مسلمين هو الجنة في نهاية الأمر. عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ عُرِضَ عَلَى مَقْعَدِهِ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ، إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَيُقَالُ: هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) . رواه البخاري (1379) ومسلم (2866) . قال ابن حجر – رحمه الله -: قال القرطبي: وهذا في حق المؤمن والكافر واضح، فأما المؤمن المخلِّط: فمحتمل في حقه أيضاً؛ لأنه يدخل الجنة في الجملة. " فتح الباري " (3 / 243) . وقال الشيخ أبو الحسن عبيد الله بن العلامة محمد عبد السلام المباركفوري: ويكون عرض المقعدين على كل واحد من المؤمن المخلص والكافر والمؤمن المخلط؛ لأنه يدخل الجنة في الجملة، فيرى مقعده في الجنة، فيقال له: هذا مقعدك وستصير إليه بعد مجازاتك بالعقوبة على ما تستحق. " مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح " (1 / 222) . 2. والثاني: أنه يمكن أن يقال: إن عرض مقعد الجنة على المؤمن المخلِّط، أو المسلم الفاسق هو لإخباره بأن هذا مقعدك في قبرك لولا أنك أذنبت، واستحققت العذاب، ويُعرض عليه مقعده من النار ويقال له: هذا بسبب ذنوبك. قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -: فعلى هذا: يحتمل في المذنب الذي قُدِّر عليه أن يعذب قبل أن يدخل الجنة أن يقال له – مثلاً - بعد عرض مقعده من الجنة: هذا مقعدك من أول وهلة لو لم تذنب، وهذا مقعدك من أول وهلة لعصيانك، نسأل الله العفو والعافية من كل بلية، في الحياة، وبعد الموت، إنه ذو الفضل العظيم. " فتح الباري " (11 / 366) . فالله أعلم بما يكون من ذلك، ونسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهل اليمين، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121628 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 من يقبض أرواح الحيوانات وما مصيرها؟ [السُّؤَالُ] ـ[ذوات الأرواح غير البشر من الحيوانات والطيور إذا ماتوا أين تذهب أرواحهم؟ وهل ملك الموت يقبضها أم ما الذي يحدث لها بالضبط؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: أخبر سبحانه أن ملك الموت يقبض أرواح بني آدم، فقال: (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) السجدة/11. وأما أرواح البهائم والطير، فلم يرد فيها نص من الكتاب أو السنة الصحيحة ـ فيما نعلم ـ، وإنما ورد في ذلك حديث لا يصح، وهو ما رواه العقيلي قي الضعفاء بلفظ: (آجال البهائم كلها من القمل والبراغيث والجراد والخيل والبغال كلها والبقر وغير ذلك، آجالها في التسبيح، فإذا انقضى تسبيحها قبض الله أرواحها، وليس إلى ملك الموت من ذلك شيء) . قال الألباني في "السلسلة الضعيفة" (4/188) : موضوع. ولهذا قال بعض أهل العلم: إن ملك الموت هو الذي يقبض أرواح الجميع، وقال بعضهم: إن الله يتوفاها بنفسه، فيعدم حياتها. وينظر: "التذكرة" للقرطبي ص (75) ، "الفواكه الدواني" (1/100) . وذهب الشيخ ابن عثيمين رحمه الله إلى أن البحث في ذلك من التكلف، فقد سئل رحمه الله: " هل ملك الموت موكل بقبض أرواح الحيوانات؟ فأجاب: "ما رأيك إذا قلت: إن ملك الموت موكل بقبض أرواح الحيوانات أو غير موكل، ما الفائدة من هذا؟! هل سأل الصحابة عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، هم أحرص منا على العلم، والرسول أقدر منا على الإجابة، ومع ذلك ما سألوا، إنما قال الله عز وجل: (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) السجدة/11، موكل بقبض أرواح بني آدم، أما غير أرواح بني آدم لم يثبت، الله أعلم. ولكننا أهم شيء في جواب هذا السؤال أن الإنسان لا يتنطع، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (هلك المتنطعون) فلا تسأل عن شيء ليس فيه فائدة، والله لو كانت فيه فائدة بعلمنا أن ملك الموت يقبض أرواح الحيوانات الأخرى لبينها الله سبحانه وتعالى، إما في القرآن أو السنة، أو أن الله يقيض من يسأل الرسول عن هذا، ولهذا كان الصحابة يفرحون أن يأتي أعرابي من البادية يسأل عن شيء ربما يستحون أن يسألوا الرسول عنه. الحاصل يا أخي أنت ومن يسمع أقول: إن التعمق في هذه الأمور خطأ؛ لأن الرسول قال: (هلك المتنطعون) ما قالها مرة: (هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون) ثلاث مرات، في مثل هذه الأمور الغيبية خذ ما ثبت ودع ما لم يذكر ... فعلينا يا إخواني! أن نأخذ من مسائل الغيب ما ثبت عندنا، والباقي نسكت عنه، لو كلفنا به أو كان لنا مصلحة في معرفته لبينه الله، قال الله تعالى للرسول عليه الصلاة والسلام: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) النحل/44، فالرسول صلى الله عليه وسلم ما ترك شيئاً نحتاجه إلا بينه " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (146/11) . ثانيا: أما مصير أرواح هذه الحيوانات، فقد روى عبد الرزاق في مصنفه وابن جرير والبيهقي في "البعث" عن أبي هريرة رضي الله عنه في قوله تعالى: (وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون) قال: يحشر الخلق كلهم يوم القيامة، البهائم والدواب والطير وكل شيء، فيبلغ من عدل الله يومئذ أن يأخذ للجماء [التي لا قرون لها] من القرناء. قال: ثم يقول: كوني ترابا. فلذلك يقول الكافر: (يا ليتني كنت ترابا) النبأ/ 40. وينظر: "تفسير ابن كثير" (3/255) . قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" (4/466) : " أورده السيوطي في "الدر المنثور" (6/310) ولم يتكلم على إسناده كما هي عادته، وهو عند ابن جرير (30/17) قوي" انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 119652 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 حكم من أنكر حياة الآخرة وكيفية إقناعه؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من أنكر حياة الآخرة؟ وكيف يمكن إقناع هؤلاء المنكرين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "من أنكر حياة الآخرة فهو كافر، لقول الله تعالى: (وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ * وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ) الأنعام/29، 30، وقال تعالى: (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ * كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ * ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) المطففين/10- 17، وقال تعالى: (بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا) الفرقان/11، وقال تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُوْلَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) العنكبوت/23. وأما إقناع هؤلاء المنكرين فبما يأتي: أولاً: إن أمر البعث تواتر به النقل عن الأنبياء والمرسلين في الكتب الإلهية، والشرائع السماوية، وتلقته أممهم بالقبول، فكيف تنكرونه وأنتم تصدقون بما ينقل إليكم عن فيلسوف أو صاحب مبدأ أو فكرة، وإن لم يبلغ ما بلغه الخبر عن البعث لا في وسيلة النقل ولا في شهادة الواقع؟! ثانياً: إن أمر البعث قد شهد العقل بإمكانه، وذلك من وجوه: 1- كل أحد لا ينكر أن يكون مخلوقاً بعد العدم، وأنه حادث بعد أن لم يكن، فالذي خلقه وأحدثه بعد أن لم يكن قادر على إعادته بالأولى، كما قال الله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) الروم/27، وقال تعالى: (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) الأنبياء/104. 2- كل أحد لا ينكر عظمة خلق السموات والأرض لكبرهما وبديع صنعتهما، فالذي خلقهما قادر على خلق الناس وإعادتهم بالأولى، قال الله تعالى: (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) غافر/57، وقال تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) الأحقاف/33، وقال تعالى: (أَوَ لَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ * إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) يس/81، 82. 3- كل ذي بصر يشاهد الأرض مجدبة ميتة النبات، فإذا نزل المطر عليها أخصبت وحيي نباتها بعد الموت، والقادر على إحياء الأرض بعد موتها قادر على إحياء الموتى وبعثهم، قال الله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فصلت/39. ثالثاً: إن أمر البعث قد شهد الحس والواقع بإمكانه فيما أخبرنا الله تعالى به من وقائع إحياء الموتى، وقد ذكر الله تعالى في سورة البقرة خمس حوادث منها قوله: (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) البقرة/259. رابعاً: إن الحكمة تقتضي البعث بعد الموت لتجازى كل نفس بما كسبت، ولولا ذلك لكان خلق الناس عبثاً لا قيمة له، ولا حكمة منه، ولم يكن بين الإنسان وبين البهائم فرق في هذه الحياة. قال الله تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) المؤمنون/115، 116. وقال الله تعالى: (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجَْى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى) طه/15. وقال تعالى: (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * لِيُبَيِّنَ لَهُمْ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ * إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) النحل/38- 40. وقال تعالى: (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) التغابن/7. فإذا بُيِّنت هذه البراهين لمنكري البعث وأصروا على إنكارهم، فهم مكابرون معاندون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون" انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (2/22- 25) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118684 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 ما هي علامات الساعة الصغرى التي لم تقع إلى الآن؟ [السُّؤَالُ] ـ[أقرأ في بعض المنتديات أن جميع علامات الساعة الصغرى قد ظهرت، ويكتبون بأنه لم يبق شيء عن قيام الساعة، فما مدى صحة كلامهم؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يقسِّم بعض العلماء علامات الساعات إلى كبرى، وصغرى، ويقسمها آخرون إلى ثلاثة أقسام، ويجعلون بينهما " وسطى "، ويمثلون له بخروج " المهدي ". وعلامات الساعة الصغرى يصلح تقسيمها إلى ثلاثة أقسام: قسم منها انقضى، وقسم لا يزال يتكرر، وقسم لم يحدث بعدُ. وفي ظننا أن هذا التقسيم هو الذي يكون فيه إجابة الأخ السائل عما يتكرر من الكلام في أن أشراط الساعة وعلامات الصغرى قد انقضت كلها. وقد حصر هذه الأقسام بأحاديثها: الشيخ عمر سليمان الأشقر حفظه الله في كتابه القيِّم " القيامة الصغرى "، وسنحاول تلخيص المواضع التي خارج السؤال، ونبسط القول في مبحث موضوع السؤال. قال الشيخ عمر سليمان الأشقر - حفظه الله -: والعلامات الصغرى يمكن تقسيمها إلى قسمين: قسم وقع، وقسم لم يقع بعدُ، والذي وقع قد يكون مضى وانقضى، وقد يكون ظهوره ليس مرة واحدة، بل يبدو شيئاً فشيئاً، وقد يتكرر وقوعه وحصوله، وقد يقع منه في المستقبل أكثر مما وقع في الماضي. ولذلك سنعقد لعلامات الساعة أربعة فصول: الأول: العلامات الصغرى التي وقعت وانقضت. الثاني: العلامات الصغرى التي وقعت، ولا تزال مستمرة، وقد يتكرر وقوعها. الثالث: العلامات الصغرى التي لم تقع بعد. الرابع: العلامات الكبرى. أ. علامات الساعة التي وقعت: ونعني بها العلامات التي وقعت وانقضت، ولن يتكرر وقوعها، وهي كثيرة، وسنذكر بعضاً منها: 1. بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم ووفاته. 2. انشقاق القمر. 3. نار الحجاز التي أضاءت أعناق الإبل ببُصرى – بلدة في الشام -. 4. توقف الجزيَة والخراج. ب. العَلامَات التي وقعت، وهي مستمرة، أو وقعت مَرة وَيمكن أن يتكرّر وقوعُها: 1. الفتوحَات والحروب. وقد فتحت فارس والروم وزال ملك كسرى وقيصر، وغزا المسلمون الهند، وفتحوا القسطنطينية، وسيكون للمسلمين في مقبل الزمان ملك عظيم ينتشر فيه الإسلام ويذل الشرك، وتفتح روما مصداقاً؛ لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم القائل: (لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ، أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ) – رواه أحمد (28 / 154) وصححه محققو المسند -. 2. قتال الترك والتتر. 3. إسناد الأمر إلى غيَر أهله. 4. فسَاد المسلمين. 5. ولادَة الأمّة ربتها، وَتطاول الحفَاة العراة رعَاة الشاة في البنيان. 6. تداعي الأمم عَلى الأمَّة الإسلاميَّة. 7. الخسف والقذف وَالمسخ الذي يعَاقب اللَّه به أقواماً من هَذه الأمّة. 8. استفاضة المَال. 9. تسليم الخاصَّة، وفشو التجَارة، وقطع الأرحََام. 10. اختلال المقاييس: أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن المقاييس التي يُقَوَّم بها الرجال تختل قبل قيام الساعة، فيقبل قول الكذبة ويصدق، ويرد على الصادق خبره، ويؤتمن الخونة على الأموال والأعراض، ويخون الأمناء ويتهمون، ويتكلم التافهون من الرجال في القضايا التي تهم عامة الناس، فلا يقدمون إلا الآراء الفجّة، ولا يهدون إلا للأمور المُعْوجة، فقد أخرج الإمام أحمد وابن ماجه والحاكم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتُ يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ) ، قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: (الرَّجُلُ التَّافِهُ يتكلم فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ) – رواه ابن ماجه (4036) وصححه الألباني في " صحيح ابن ماجه " -. 11. شرطة آخر الزمَان الذين يجلدون الناس. ج. العلامَات التي لم تقع بَعدُ: 1. عودَة جزيرة العَرب جنَّات وَأنهاراً: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ الْمَالُ وَيَفِيضَ حَتَّى يَخْرُجَ الرَّجُلُ بِزَكَاةِ مَالِهِ، فَلَا يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهَا مِنْهُ وَحَتَّى تَعُودَ أَرْضُ الْعَرَبِ مُرُوجًا وَأَنْهَارًا) رواه مسلم (157) . وعودتها جنات وأنهاراً إما بسبب ما يقوم أهلها به من حفر الآبار، وزراعة الأرض ونحو ذلك مما هو حاصل في زماننا، وإما بسبب تغير المناخ، فيتحول مناخها الحار إلى جو لطيف جميل، ويفجر خالقها فيها من الأنهار والعيون ما يحول جدبها خصباً، ويحيل سهولها الجرداء إلى سهول مخضرة فيحاء، وهذا هو الأظهر، فإنه يحكي حالة ترجع فيها الجزيرة إلى ما كانت عليه من قبل. 2. انتفَاخ الأهلّة: من الأدلة على اقتراب الساعة أن يرى الهلال عند بدو ظهوره كبيراً حتى يقال ساعة خروجه إنه لليلتين أو ثلاثة، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مِن اقْتِرابِ السَّاعَةِ انتِفَاخُ الأهِلَّةِ) – رواه الطبراني في " الكبير " (10 / 198) ، وصححه الألباني في " صحيح الجامع " (5898) . وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مِنَ اقْتِرَابِ السَّاعَةِ أَنْ يُرَى الْهِلاَلُ قَبَلاً فَيُقَالُ: لِلَيْلَتَيْنِ، وَأَنْ تُتخذَ المَسَاجِدُ طُرُقاً) - رواه الطبراني في " الأوسط " (9 / 147) وحسَّنه الألباني في " صحيح الجامع " (5899) . 3. تكليم السّبَاع والجمَاد الإنسَ: روى الإمام أحمد في مسنده عن أبي سعيد الخدري، قال: " عَدَا الذِّئْبُ عَلَى شَاةٍ فَأَخَذَهَا فَطَلَبَهُ الرَّاعِي فَانْتَزَعَهَا مِنْهُ فَأَقْعَى الذِّئْبُ عَلَى ذَنَبِهِ، قَالَ:: أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ تَنْزِعُ مِنِّي رِزْقًا سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيَّ فَقَالَ يَا عَجَبِي ذِئْبٌ مُقْعٍ عَلَى ذَنَبِهِ يُكَلِّمُنِي كَلَامَ الْإِنْسِ فَقَالَ الذِّئْبُ أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَعْجَبَ مِنْ ذَلِكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَثْرِبَ يُخْبِرُ النَّاسَ بِأَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ قَالَ فَأَقْبَلَ الرَّاعِي يَسُوقُ غَنَمَهُ حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ فَزَوَاهَا إِلَى زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهَا ثُمَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنُودِيَ الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ لِلرَّاعِي: (أَخْبِرْهُمْ) ، فَأَخْبَرَهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (صَدَقَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُكَلِّمَ السِّبَاعُ الْإِنْسَ وَيُكَلِّمَ الرَّجُلَ عَذَبَةُ سَوْطِهِ وَشِرَاكُ نَعْلِهِ وَيُخْبِرَهُ فَخِذُهُ بِمَا أَحْدَثَ أَهْلُهُ بَعْدَهُ) رواه أحمد (18 / 315) وصححه محققو المسند. 4. انحسَار الفرات عَن جَبل من ذهَب: روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يُوشِكُ الْفُرَاتُ أَنْ يَحْسِرَ عَنْ كَنْزٍ مِنْ ذَهَبٍ فَمَنْ حَضَرَهُ فَلَا يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا) ، وفي رواية: (يَحْسِرُ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ) . وفي رواية عند مسلم: (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَحْسِرَ الْفُرَاتُ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ يَقْتَتِلُ النَّاسُ عَلَيْهِ فَيُقْتَلُ مِنْ كُلِّ مِائَةٍ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ وَيَقُولُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ لَعَلِّي أَكُونُ أَنَا الَّذِي أَنْجُو) . ورواه مسلم عن أبي بن كعب بلفظ: (يُوشِكُ الْفُرَاتُ أَنْ يَحْسِرَ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ فَإِذَا سَمِعَ بِهِ النَّاسُ سَارُوا إِلَيْهِ فَيَقُولُ مَنْ عِنْدَهُ لَئِنْ تَرَكْنَا النَّاسَ يَأْخُذُونَ مِنْهُ لَيُذْهَبَنَّ بِهِ كُلِّهِ قَالَ فَيَقْتَتِلُونَ عَلَيْهِ فَيُقْتَلُ مِنْ كُلِّ مِائَةٍ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ) . ومعنى انحساره: انكشافه لذهاب مائه، كما يقول النووي، وقد يكون ذلك بسبب تحول مجراه، فإن هذا الكنز أو هذا الجبل مطمور بالتراب وهو غير معروف، فإذا ما تحول مجرى النهر لسبب من الأسباب ومرّ قريباً من هذا الجبل كشفه، والله أعلم بالصواب. والسبب في نهي الرسول صلى الله عليه وسلم من حضره عن الأخذ منه لما ينشأ عن أخذه من الفتنة والاقتتال وسفك الدماء. 5. إخراجُ الأرضِ كنوزَهَا المخبوءة: روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تَقِيءُ الْأَرْضُ أَفْلَاذَ كَبِدِهَا أَمْثَالَ الْأُسْطُوَانِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، فَيَجِيءُ الْقَاتِلُ فَيَقُولُ فِي هَذَا قَتَلْتُ وَيَجِيءُ الْقَاطِعُ، فَيَقُولُ فِي هَذَا قَطَعْتُ رَحِمِي، وَيَجِيءُ السَّارِقُ، فَيَقُولُ فِي هَذَا قُطِعَتْ يَدِي ثُمَّ يَدَعُونَهُ فَلَا يَأْخُذُونَ مِنْهُ شَيْئًا) . وهذه آية من آيات الله، حيث يأمر الحقُّ الأرض أن تخرج كنوزها المخبوءة في جوفها، وقد سمى الرسول صلى الله عليه وسلم تلك الكنوز (بأفلاذ الكبد) ، وأصل الفلذ: " القطعة من كبد البعير "، وقال غيره: هي القطعة من اللحم، ومعنى الحديث: التشبيه، أي: تخرج ما في جوفها من القطع المدفونة فيها، والأسطوان جمع أسطوانة، وهي السارية والعمود، وشبهه بالأسطوان لعظمته وكثرته ". وعندما يرى الناس كثرة الذهب والفضة يزهدون فيه، ويألمون لأنهم ارتكبوا الذنوب والمعاصي في سبيل الحصول على هذا العرض التافه. 6. محاصَرة المسلمين إلى المدينَة: من أشراط الساعة أن يهزم المسلمون، وينحسر ظلهم، ويحيط بهم أعداؤهم ويحاصروهم في المدينة المنورة. عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يُوشِكُ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يُحَاصَرُوا إِلَى الْمَدِينَةِ حَتَّى يَكُونَ أَبْعَدَ مَسَالِحِهِمْ سَلَاحِ) – رواه أبو داود (4250) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " -. والمسالح، جمع مَسْلَحة، وهي الثغر، والمراد أبعد مواضع المخافة من العدو. وسَلاَح، موضع قريبٌ من خيبر. 7. إحراز " الجهجَاه " الملك: الجهاه رجل من قحطان سيصير إليه الملك، وهو شديد القوة والبطش، ففي الصحيحين عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ رَجُلٌ مِنْ قَحْطَانَ يَسُوقُ النَّاسَ بِعَصَاهُ) رواه البخاري (3329) ومسلم (2910) . وفي رواية لمسلم (2911) : (لاَ تَذْهَبُ الأَيَّامُ وَاللَّيَالِى حَتَّى يَمْلِكَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ " الْجَهْجَاهُ ") . ويحتمل أن يكون هذا الذي في الرواية الأخيرة غير الأول، فقد صَحَّ في سنن الترمذي عن أبي هريرة أن هذا الجهجاه من الموالي، ففي سنن الترمذي (2228) عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا يَذْهَبُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى يَمْلِكَ رَجُلٌ مِنْ الْمَوَالِي يُقَالُ لَهُ " جَهْجَاهُ ") . والمراد بكونه يسوق الناس بعصاه أنه يغلب الناس فينقادون له ويطيعونه، والتعبير بالسوق بالعصا للدلالة على غلظته وشدته، وأصل الجهجاه الصيَّاح، وهي صفة تناسب العصا كما يقول ابن حجر، وهل يسوق هذا الرجل الناس إلى الخير أم الشر؟ ليس عندنا بيان من الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك. 8. فتنَة الأحلاس وَفتنَة الدَهماء، وفتنَة الدهيماء: عن عبدِ الله بنِ عُمَر قالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُعُودًا فَذَكَرَ الْفِتَنَ فَأَكْثَرَ ذِكْرَهَا حَتَّى ذَكَرَ فِتْنَةَ الْأَحْلَاسِ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا فِتْنَةُ الْأَحْلَاسِ؟ قَالَ: (هِيَ فِتْنَةُ هَرَبٍ وَحَرَبٍ، ثُمَّ فِتْنَةُ السَّرَّاءِ، دَخَلُهَا - أَوْ: دَخَنُهَا - مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يَزْعُمُ أَنَّهُ مِنِّي وَلَيْسَ مِنِّي إِنَّمَا وَلِيِّيَ الْمُتَّقُونَ ثُمَّ يَصْطَلِحُ النَّاسُ عَلَى رَجُلٍ كَوَرِكٍ عَلَى ضِلَعٍ، ثُمَّ فِتْنَةُ الدُّهَيْمَاءِ لَا تَدَعُ أَحَدًا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا لَطَمَتْهُ لَطْمَةً فَإِذَا قِيلَ انْقَطَعَتْ تَمَادَتْ يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا حَتَّى يَصِيرَ النَّاسُ إِلَى فُسْطَاطَيْنِ فُسْطَاطُ إِيمَانٍ لَا نِفَاقَ فِيهِ وَفُسْطَاطُ نِفَاقٍ لَا إِيمَانَ فِيهِ إِذَا كَانَ ذَاكُمْ فَانْتَظِرُوا الدَّجَّالَ مِنْ الْيَوْمِ أَوْ غَدٍ) – رواه أبو داود (4242) وأحمد (10 / 309) – واللفظ له -، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " -. والأحلاس: جمع حلس، وهو الكساء الذي يلي ظهر البعير تحت القتب، شبهت به الفتنة لملازمتها للناس حين تنزل بهم كما يلازم الحلس ظهر البعير، وقد قال الخطابي: يحتمل أن تكون هذه الفتنة شبهت بالأحلاس لسواد لونها وظلمتها. والحَرَب بفتح الراء: ذهاب المال والأهل، يقال: حَرِب الرجل فهو حريب فلان إذا سلب ماله وأهله. والسراء النعمة التي تسر الناس من وفرة المال والعافية، وأضيفت الفتنة إليها لأن النعمة سببها، إذ إن الإنسان يرتكب الآثام والمعاصي بسبب ما يتوفر له من الخير. وقوله: " كورك على ضلع " هذا مثل للأمر الذي لا يستقيم ولا يثبت، لأن الورك لا يتركب على الضلع ولا يستقيم معه. والدهيماء: الداهية التي تدهم الناس بشرها. 9. خروُج المَهدي: ثبت في الأحاديث الصحيحة أن الله تبارك وتعالى يبعث في آخر الزمان خليفة يكون حكماً عدلاً، يلي أمر هذه الأمة من آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم من سلالة فاطمة، يوافق اسمه اسم الرسول صلى الله عليه وسلم، واسم أبيه اسم أبي الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد وصفته الأحاديث بأنه أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض عدلاً، بعد أن ملئت جوراً وظلماً، ومن الأحاديث التي وردت في هذا: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَمْلِكَ الْعَرَبَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي) رواه الترمذي (2230) وأبو داود، وفي رواية لأبي داود (4282) قال: (لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ يَوْمٌ لَطَوَّلَ اللَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى يَبْعَثَ فِيهِ رَجُلاً مِنِّى - أَوْ: مِنْ أَهْلِ بَيْتِى - يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِى وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبِى يَمْلأُ الأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْمًا وَجَوْرًا) . " القيامة الصغرى " (137 – 206) باختصار، وتهذيب. وبه يتبين أنه ثمة تسع علامات للساعة الصغرى لم تظهر بعدُ، ويتبين أن ما يتكرر من كلام كثير من الناس أن علامات الساعة الصغرى قد ظهرت كلها ولم يبق إلا " المهدي " قول عارٍ عن الصحة. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118597 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 هل عذاب القبر يشمل المؤمن العاصي أو هو خاص بالكفار؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل عذاب القبر يشمل المؤمن العاصي أو هو خاص بالكفار؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "عذاب القبر المستمر يكون للمنافق والكافر. وأما المؤمن العاصي فإنه قد يعذب في قبره، لأنه ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال: (إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة) . وهذا معروف أنهما كانا مسلمين" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (2/16) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118111 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 رؤية المؤمنين جميعهم لله تعالى في الجنة [السُّؤَالُ] ـ[هل رؤية الله في الجنة خاصة بالمؤمنين الذين لا يعذبون في النار؟ أم هي عامة لكل أهل الجنة، وكذلك المسلمين العصاة؟ أرجو منكم التفصيل مع الأدلة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله النظر إلى وجه الله ثابت للمؤمنين كلهم من غير تفريق بين عاصيهم ومطيعهم ومن يعذب منهم ومن لا يعذب، وذلك لعموم الأدلة من الكتاب والسنة , فمن الكتاب قوله تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ) القيامة/22-25. فالناضرة وجوه المؤمنين , والباسرة وجوه الكافرين , وقد قال الله تعالى عن الكافرين: (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) المطففين/15. ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ لَا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ ْ) رواه البخاري (521) ومسلم (1002) . وهذا خطاب لجميع المؤمنين. ونص العلماء على رؤية المؤمنين لربهم من غير تفريق بين مطيعهم وعاصيهم، ومعذبهم وناجيهم , ومن ذلك قول ابن بطة في "الإبانة" (2/1) : "باب الإيمان بأن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة بأبصار رؤوسهم فيكلمهم ويكلمونه لا حائل بينه وبينهم ولا ترجمان. اعلموا رحمكم الله أن أهل الجنة يرون ربهم يوم القيامة ... " انتهى. وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى في "لقاء الباب المفتوح": "الناس يوم القيامة على ثلاثة أقسام: كفار خُلَّص، ومؤمنون خُلَّص، ومنافقون. أما الكفار الخلص فإنهم لا يرون الله أبداً، لقول الله تعالى: (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) المطففين/15. وأما المؤمنون الخلص فيرون الله عز وجل يوم القيامة وفي الجنة؛ لقول الله تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) القيامة/22-23. وأما المنافقون فإنهم يرون الله في عرصات القيامة ولا يرونه بعد ذلك، وهذا أشد حسرةً عليهم.. أن يستمتعوا بالنظر إلى الله عز وجل، ثم بعد ذلك يحجبون عنه. فهذه أقسام الناس يوم القيامة بالنسبة للنظر إلى الرب عز وجل، أسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن يرون ربهم في عرصات القيامة وبعد دخول الجنة" انتهى. والخلاصة: أن هذه النصوص من كتاب الله وسنة رسوله , وما نقل عن السلف والخلف من أهل السنة تفيد أن المؤمنين كلهم سيرون ربهم. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال جواب الحديث: 116644 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 من مات شهيدا في سبيل الله يأمن سؤال القبر [السُّؤَالُ] ـ[بعض المؤمنين، من الذين قاموا بأعمال جليلة، أو أصيبوا بمصائب كبيرة، يأمنون فتنة القبر وعذابه، ومن هؤلاء الشهيد: فقد روى المقدام بن معدي كرب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفعة، ويرى مقعده في الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، ويزوج ثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقربائه) رواه الترمذي وابن ماجه. وروى النسائي في سننه عن راشد بن سعد، عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن رجلا قال: يا رسول الله! ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟ قال: (كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة) وسنده صحيح. سؤالي هو: ما مدى صحة هذه الأحاديث..؟؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المقرر في عقائد المسلمين أن الأموات يُفتَنون – أي يُسألون ويُمتحنون – في قبورهم، فقد ورد ذلك في أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، من أصحها وأظهرها قوله صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ شَيْءٍ لَمْ أَكُنْ أُرِيتُهُ إِلَّا رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي، حَتَّى الْجَنَّةُ وَالنَّارُ، فَأُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي قُبُورِكُمْ مِثْلَ أَوْ قَرِيبَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ. يُقَالُ: مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ؟ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ أَوْ الْمُوقِنُ فَيَقُولُ: هُوَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى، فَأَجَبْنَا وَاتَّبَعْنَا، هُوَ مُحَمَّدٌ ثَلَاثًا. فَيُقَالُ: نَمْ صَالِحًا، قَدْ عَلِمْنَا إِنْ كُنْتَ لَمُوقِنًا بِهِ. وَأَمَّا الْمُنَافِقُ أَوْ الْمُرْتَابُ فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ) رواه البخاري (86) ومسلم (905) يقول الإمام السيوطي رحمه الله: " أطبق العلماء على أن المراد بقوله: (يُفتنون) ، و (بفتنة القبر) سؤال الملكين: منكر ونكير، والأحاديث صريحة فيه، ولهذا سُمِّيَ ملكا السؤال " الفتَّانين " " انتهى. "الحاوي للفتاوي" (2/175) ولكن جاءت أحاديث أخرى تخصص هذا الحديث، وتستثني من عموم الفتنة أناسا صدقوا الله في الدنيا، فرفع الله عنهم فتنة القبر وسؤاله. يقول الإمام القرطبي رحمه الله: " اعلم رحمك الله أن هذا الباب – يعني الذين يأمنون فتنة القبر - لا يعارض ما تقدم من الأبواب – يعني عموم فتنة القبر -، بل يخصها، ويبين مَن يُسأل في قبره ولا يفتن فيه ممن يجري عليه السؤال ويقاسي تلك الأهوال، وهذا كله ليس فيه مدخل للقياس، ولا مجال للنظر فيه، وإنما فيه التسليم والانقياد لقول الصادق المرسل للعباد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه إلى يوم التناد " انتهى. "التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة" (ص/423) ومن هؤلاء الذين يأمنون فتنة القبر: الشهيد. دليله: ما رواه رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا بَالُ الْمُؤْمِنِينَ يُفْتَنُونَ فِي قُبُورِهِمْ إِلَّا الشَّهِيدَ؟ قَالَ: (كَفَى بِبَارِقَةِ السُّيُوفِ عَلَى رَأْسِهِ فِتْنَةً) رواه النسائي (رقم/2053) ، وحسنه ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام" (5/743) ، وصححه الشيخ الألباني في "أحكام الجنائز" (ص/50) ويدل على ذلك أيضا: الحديث الأول المذكور في السؤال: (للشهيد عن الله ست خصال..) والحديث رواه الإمام أحمد (16730) والترمذي (1663) وابن ماجة (2799) . قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب، وصححه الألباني. يقول الإمام القرطبي رحمه الله: " قوله صلى الله عليه وسلم في الشهيد: (كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة) ، معناه: أنه لو كان في هؤلاء المقتولين نفاق، كان إذا التقى الزحفان وبرقت السيوف: فروا؛ لأن من شأن المنافق الفرار والروغان عند ذلك، ومن شأن المؤمن البذل والتسليم لله نفسا، وهيجان حمية الله، والتعصب له لإعلاء كلمته، فهذا قد أظهر صدق ما في ضميره، حيث برز للحرب والقتل، فلماذا يعاد عليه السؤال في القبر؟ قاله الحكيم الترمذي " انتهى. "التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة" (ص/424) . ويقول المناوي رحمه الله: " (ببارقة السيوف) أي: بلمعانها. قال الراغب: البارقة: لمعان السيف. (على رأسه) يعني: الشهيد. (فتنة) : فلا يفتن في قبره، ولا يسأل، إذ لو كان فيه نفاق لفر عند التقاء الجمعين، فلما ربط نفسه لله في سبيله ظهر صدق ما في ضميره. وظاهره اختصاص ذلك بشهيد المعركة، لكن أخبار الرباط تؤذن بالتعميم " انتهى. "فيض القدير" (5/6) وسئل الحافظ ابن حجر الهيتمي رحمه الله السؤال الآتي: هل يسأل الشهيد؟ فأجاب: " لا، كما صرح به جماعة، واستدل له القرطبي بخبر مسلم: (هل يفتن الشهيد؟ قال: كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة) ، قال: ومعناه أن السؤال في القبر إنما جعل لامتان المؤمن الصادق في إيمانه من المنافق، وثبوته تحت بارقة السيوف أدل دليل على صدقه في إيمانه، وإلا لفر للكفار. قال: وإذا كان الشهيد لا يفتن فالصديق أولى لأنه أجل قدرا.ووردت أحاديث أن المرابط لا يسأل أيضا، وكذا المطعون، والصابر في بلد الطعن محتسبا ومات بغير الطاعون، كما في بذل الماعون لشيخ الإسلام ابن حجر. والله تعالى أعلم " انتهى. "الفتاوى الفقهية الكبرى" (2/30) . ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وأما الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله فإنهم لا يسألون؛ لظهور صدق إيمانهم بجهادهم. قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ) التوبة/111، وقال: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) آل عمران/169. وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة) ، وإذا كان المرابط إذا مات أمن الفتان؛ لظهور صدقه؛ فهذا الذي قتل في المعركة مثله أو أولى منه؛ لأنه بذل وعرَّض رقبته لعدو الله؛ إعلاء لكلمة الله، وانتصارا لدينه، وهذا من أكبر الأدلة على صدق إيمانه " انتهى. "مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين" (8/477) وقد جمع الإمام القرطبي في "التذكرة لأحوال الموتى وأمور الآخرة" (ص/415-426) طبعة دار المنهاج، وكذلك العلامة ابن القيم في كتابه " الروح " (ص/79-82) الأسباب المنجية من عذاب القبر وفتنة القبر بالتفصيل، فمن أراد الاطلاع عليها والتوسع فيها فليرجع إلى هذين الكتابين، وإن كان في بعض ما ذكراه توقف ونظر. وانظر جواب السؤال رقم: (10403) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114908 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 من مات مرابطا في سبيل الله يأمن سؤال القبر [السُّؤَالُ] ـ[بعض المؤمنين من الذين قاموا بأعمال جليلة، أو أصيبوا بمصائب كبيرة، يأمنون فتنة القبر وعذابه، ومن هؤلاء، الذي مات مرابطا في سبيل الله: فقد روى فضالة بن عبيد رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كل ميت يختم على عمله، إلا الذي مات مرابطا في سبيل الله، فإنه ينمى له عمله يوم القيامة، ويأمن فتنة القبر) رواه الترمذي وأبو داود. سؤالي هو: ما مدى صحة هذه الأحاديث؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ورد في فضل من مات مرابطا في سبيل الله أنه يأمن فتنة القبر، وذلك يعني أنه لا يُسأل في قبره الأسئلة المعروفة الواردة في أحاديث فتنة القبر: من ربك؟ وما هو دينك؟ ومن هو النبي الذي بعث فيكم؟ وإنما تشهد له مرابطته وجهاده في سبيل الله على صدقه ويقينه وإيمانه، والمرابط في سبيل الله هو من أقام في الثغور التي يخاف فيها من هجمات العدو، مأخوذ من ربط الخيل، ثم سمي كل ملازم لثغر مرابطا، فارسا كان أو راجلا. انظر "التذكرة" للقرطبي (ص/418) . والدليل على فضل الرباط في سبيل أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، منها: الحديث الأول: عَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ وَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ وَأَمِنَ الْفَتَّانَ) رواه مسلم (1913) . قال النووي رحمه الله: " هذه فضيلة ظاهرة للمرابط، وجريان عمله عليه بعد موته فضيلة مختصة به لا يشاركه فيها أحد، وقد جاء صريحا في غير مسلم: (كل ميت يختم على عمله الا المرابط فإنه ينمى له عمله إلى يوم القيامة) . قوله صلى الله عليه وسلم: " وأجرى عليه رزقه " موافق لقول الله تعالى في الشهداء: (أحياء عند ربهم يرزقون) ، والأحاديث السابقة أن أرواح الشهداء تأكل من ثمار الجنة. قوله صلى الله عليه وسلم: " أمن الفتان " ضبطوا (أمن) بوجهين: أحدهما أَمِن بفتح الهمزة وكسر الميم من غير واو، والثاني: (أُومِن) بضم الهمزة وبواو. وقوله " الفتان " فقال القاضي: رواية الأكثرين بضم الفاء، جمع فاتن، قال: ورواية الطبري بالفتح، وفي رواية أبى داود في سننه (أومن من فتاني القبر) " انتهى. "شرح مسلم" (13/61) . وقال المناوي رحمه الله: " (من فتان القبر) أي: فتانَيْه: منكر ونكير، أي: لا يأتيانه، ولا يختبرانه، بل يكتفى بموته مرابطا شاهدا على صحة إيمانه " انتهى. "فيض القدير" (5/44) . الحديث الثاني: عن فَضَالَةَ بْنُ عُبَيْدٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (كُلُّ مَيِّتٍ يُخْتَمُ عَلَى عَمَلِهِ، إِلاَّ الَّذِي مَاتَ مُرَابِطًا فِي سَبِيلِ اللهِ، فَإِنَّهُ يُنْمَى لَهُ عَمَلُهُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَيَأْمَنُ مِنْ فِتْنَةِ القَبْرِ) رواه الترمذي (1621) وغيره، وقال الترمذي رحمه الله: حسن صحيح، وصححه ابن العربي في "عارضة الأحوذي" (4/113) ، وابن دقيق العيد في "الاقتراح" (ص/124) ، وابن حجر في "فتح الباري" (12/421) ، والشيخ الألباني في "صحيح الترمذي". قال الإمام السرخسي رحمه الله: " ومعنى هذا الوعد في حق من مات مرابطا - والله أعلم - أنه في حياته كان يُؤمِّن المسلمين بعمله، فيجازَى في قبره بالأمن مما يخاف منه. أو لَمَّا اختار في حياته المقام في أرض الخوف والوحشة لإعزاز الدين، يُجازَى بدفع الخوف والوحشة عنه في القبر " انتهى. "شرح السير الكبير" (1/9) . وقد جمع الإمام القرطبي في "التذكرة لأحوال الموتى وأمور الآخرة" (ص/415-426) طبعة دار المنهاج، وكذلك العلامة ابن القيم في كتابه " الروح " (ص/79-82) جميع الأسباب المنجية من عذاب القبر وفتنة القبر بالتفصيل، فمن أراد الاطلاع عليها والتوسع فيها فليرجع إلى هذين الكتابين. وانظر جواب السؤال رقم: (10403) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111950 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 أي الملائكة تقبض روح المسلم: ملائكة الرحمة، أم ملائكة العذاب؟ [السُّؤَالُ] ـ[المسلم العاصي إذا مات هل تقبض روحه ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب، مع العلم بأنه مصلي، ولكنه يرتكب المعاصي: مثل النظر للحرام، أو سماع الأغاني؟ جزاك الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: عامة النصوص الواردة في هذا الموضوع تقسم الناس إلى قسمين: 1- مؤمنون: تتولى ملائكة الرحمة قبض أرواحهم، وترفعها إلى السماء، تحفها بعنايتها، وتتلقاها بالبشرى، وتناديها بأحب أسمائها، فترى من النعيم والسرور والحبور ما يسرها ويثبتها. 2- كافرون ومنافقون: تتولى ملائكة العذاب نزع أرواحهم، وتتلقاها بالشدة والوعيد، تغلق في وجهها أبواب السماء، فتلقى في الأرض لتنال من الويل والعذاب جزاء ما كسبت في الدنيا من ظلم وكفر وعدوان. وقد ذكر الله عز وجل ذلك في القرآن الكريم، فقال سبحانه وتعالى: (وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا. وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا. وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا) النازعات/1-3 يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله: " قال ابن مسعود، وابن عباس، ومسروق، وسعيد بن جبير، وأبو صالح، وأبو الضحى، والسُّدِّي: (وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا) الملائكة، يعنون حين تنزع أرواح بني آدم، فمنهم من تأخذ روحه بعُنف فَتُغرق في نزعها، ومنهم من تأخذ روحه بسهولة وكأنما حَلَّته من نشاط، وهو قوله: (وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا) قاله ابن عباس. وعن ابن عباس: (والنازعات) هي أنفس الكفار، تُنزع ثم تُنشَط، ثم تغرق في النار. رواه ابن أبي حاتم " انتهى. "تفسير القرآن العظيم" (8/312) ثانيا: يبقى الخوف على المسلم العاصي، أو المسلم الفاسق - والمقصود هو المصر على كبائر الذنوب، أو الظالم المعتدي على الخلق ومات على ذلك -: بأي القسمين السابقين يلحق؟ هل تقبض روحه ملائكة الرحمة ويلقى ما يلقاه المؤمنون، أم تقبضها ملائكة العذاب ويلقى ما يلقاه الكافرون؟ هذا من عالم الغيب الذي لم نقف فيه على نصوص صريحة تجزم لنا بحقيقة الحال الذي سيؤول إليه أصحاب الكبائر. ولكن ثمة بعض الإشارات التي يمكن أن تدل على أن ملائكة العذاب هي التي تتولى قبض أرواح أصحاب الكبائر، ومن ذلك: 1- حديث الرجل الذي قتل مائة نفس، ثم تاب إلى الله عز وجل، فلما قبضت روحه اختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب أيهم يقبضها ويرفعها، فقد جاء في قصته التي يرويها أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم: (فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ، فَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ: جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلًا بِقَلْبِهِ إِلَى اللَّهِ. وَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ: إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ. فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ، فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَ الْأَرْضَيْنِ، فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ، فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ، فَقَبَضَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ) رواه البخاري (3740) ، ومسلم (2766) فتأمل كيف أن ملائكة العذاب همت أن تقبض روح هذا العاصي الذي قتل مائة نفس، ولولا صدق توبته لكانت روحه من نصيب ملائكة العذاب، فالخوف على جميع أصحاب الكبائر بعد ذلك أن تتولى ملائكة العذاب قبض أرواحهم إن لم يتوبوا إلى الله عز وجل. 2- الأحاديث الكثيرة التي جاءت في وصف حضور الملائكة قبض روح الميت، وإصعادها بها إلى السماوات العلى، والمقابلة بين حال المؤمنين وحال الكافرين، جاء في بعض روايات هذه الأحاديث ذكر (الفاجر) بدلا من (الكافر) ، وفي بعضها تصفه بـ (الرجل السوء) وقد يكون في ذلك إشارة أيضا إلى أن أصحاب الكبائر على خطر عظيم في هذا الشأن. عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال – في حديث طويل يبين فيه حال المؤمن والفاجر عند قبض الأرواح -: (وأما الفاجر: فإذا كان في قبل من الآخرة، وانقطاع من الدنيا، أتاه ملك الموت، فيقعد عند رأسه، وينزل الملائكة سود الوجوه، معهم المسوح، فيقعدون منه مد البصر، فيقول ملك الموت: أخرجي أيتها النفس الخبيثة إلى سخط من الله وغضب ... إلى آخر الحديث) هذه رواية الحاكم في "المستدرك" (1/93) ، وصححها الشيخ الألباني في "أحكام الجنائز" (فقرة/108) ، والحديث أصله في السنن. وقد جمع ابن طولون في كتابه: "التحرير المرسخ في أحوال البرزخ" (ص/75-112) الأحاديث والآثار الواردة في هذا الشأن يمكن الاطلاع عليها هناك. إلا إذا قلنا: إن المراد بالفاجر، أو الرجل السوء، في هذه الروايات، هو: الكافر، المذكور في الروايات الأخرى، لتتفق روايات الحديث، كما هو الأظهر، فيعود الأمر إلى السكوت عن أهل المعاصي والكبائر من المسلمين. والله أعلم. قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله: " (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) النحل/32 ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن المتقين الذين كنوا يمتثلون أوامر ربهم، ويجتنبون نواهيه، تتوفاهم الملائكة: أي يقبضون أرواحهم، في حال كونهم طيبين: أي طاهرين من الشرك والمعاصي - على أصح التفسيرات - ويبشرونهم بالجنة، ويسلمون عليهم. وبين هذا المعنى أيضاً في غير هذا الموضع. كقوله: {إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الملائكة أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بالجنة التي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت: 30] ، وقوله: {وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فادخلوها خَالِدِينَ} [الزمر: 73] ، وقوله: {وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عقبى الدار} [الرعد: 23-24] . والبشارة عند الموت، وعند دخول الجنة من باب واحد. لأنها بشارة بالخير بعد الانتقال إلى الآخرة. ويفهم من صفات هؤلاء الذين تتوفاهم الملائكة طيبين ويقولون لهم سلام عليكم ادخلوا الجنة - أن الذين لم يتصفوا بالتقوى لم تتوفهم الملائكة على تلك الحال الكريمة، ولم تسلم عليهم، ولم تبشرهم. وقد بين تعالى هذا المفهوم في مواضع أخر. كقوله: {الذين تَتَوَفَّاهُمُ الملائكة ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ السلم} [النحل: 28] الآية، وقوله: {إِنَّ الذين تَوَفَّاهُمُ الملائكة ظالمي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ} [النساء: 97]- إلى قوله - {وَسَآءَتْ مَصِيراً} [النساء: 97] ، وقوله: {وَلَوْ ترى إِذْ يَتَوَفَّى الذين كَفَرُواْ الملائكة يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ} [الأنفال: 50] الآية، إلى غير ذلك من الآيات " انتهى. أضواء البيان (3/3) . ولعله أن يقال هنا ـ والله أعلم ـ أن حال أهل المعاصي والكبائر، عند الموت، يتفاوت بحسب معاصيهم وطاعاتهم؛ فمن كان من الموحدين، الطيبين المستقيمين، فله من البشارة وطيب الحال ما وعد الله به هنا، ومن خلط خُلط له، فيحرم من البشارة وطيب الحال، ورحمة الملائكة به، بحسب حاله وعمله. وانظر جواب السؤال رقم: (52887) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111122 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 هل صحيح أن القيامة ستقوم يوم الجمعة 10 محرم [السُّؤَالُ] ـ[أخبرت أن يوم القيامة سيأتي يوم الجمعة 10 محرم والسؤال هو ربما يكون يوم الجمعة في السعودية ويوم آخر في الولايات المتحدة فمن هنا يكون يوم 10 محرم مختلف. فما هو حل هذا الإشكال؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله كُلُّ من أخبر عن موعدٍ لقيام القيامة محدد فهو مفترٍ كذّاب، فقيام القيامة هو الساعة التي قال الله فيها: (يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو) . وأمّا إذا جاء يوم القيامة في الميعاد الذي يعلمه الله وهو في يوم جمعة، فسيتغير نظام هذا العالم من الليل، والنهار، والشمس، والقمر، والنجوم، ولا ندري هل تكون أمريكا موجودة في ذلك اليوم أو غير موجودة، فالله قادر على إهلاك من شاء من هذه الأمم قبل يوم القيامة، إنّ الله على كلِّ شيءٍ قدير. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 8398 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 حكم الرسم التوضيحي للميزان الأخروي [السُّؤَالُ] ـ[يقوم بعض المعلمين بنشاط دعوي داخل المدرسة، ولكن بعض وسائل الدعوة يقع في نفسي منها شيء، من ذلك: أنهم قاموا بإعداد لوحة كبيرة قد رسم فيها ميزان له كفتان في إحداهما مصحف ومسجد وأدوات تدل على الطاعة وفي الكفة الأخرى عود غناء وآلات لهو وأمور محرمة، ثم كتبوا تحت هذه الصورة قول الحق تبارك وتعالى: (والوزن يومئذ الحق ... ) الآية، فهل يجوز مثل هذا أم أنه تمثيل لأمور غيبية لا نعلم كيفيتها؟ وهل لي أن أنكر عليهم أم هي أمور اجتهادية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا العمل لا ينبغي؛ لأن هذه الأمور الغيبية لا نعلم كيفيتها، ورسمها قد يهوّن من قدرها وعظمتها، فيُكتفى ببيان ما جاء في النصوص من وضع الموازين، وأن الأعمال توزن، كما يوزن أصحابها، وينظر: جواب السؤال رقم (31805) . وأما المصحف والمسجد فلا نعلم في الأدلة ما يفيد أنهما يوضعان في الميزان، والظاهر أن المراد من الرسم وزن قراءة القرآن وعمارة المساجد. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم رسم بستان كأنه يمثل الجنة، ونار كأنها تمثل النار؟ فأجاب: " هذا لا يجوز؛ لأننا لا نعلم كيفية ذلك، كما قال عز وجل: (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) السجدة/17، ولا يعلم كيفية النار، فهي فضلت على نار الدنيا بتسع وستين جزءاً بما فيها النار الغليظة كنار الغاز وغيرها وما هو أشد، فهل أحد يستطيع أن يمثل النار؟ لا أحد يستطيع، ولهذا بلِّغ من يفعل ذلك أن هذا حرام، ومع الأسف الشديد أن الناس الآن بدءوا يجعلون الأمور الأخروية كأنها أمور حسية مشاهدة، وقد رأيت ورقة مكتوب فيها مربعات كذا الموت وآخر القبر وآخر القيامة وهكذا، فهذا كأنه صور ما بعد الموت خطوط ومربعات هندسية، جرأة عظيمة والعياذ بالله، ثم يقال: ما الذي أدراك أن هذا بعد هذا؟ نحن نعرف أن القبر بعد الحياة الدنيا وأن البعث بعد القبر، ولكن تفاصيل ما يكون يوم القيامة من الحساب والموازين وغير ذلك مَنْ يعلم الترتيب؟ لكن هذه جرأة عظيمة، والغريب أن هذه الورقة توزع، فيجب الحذر والتحذير من هذه الأوراق " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (220/21) . وينظر: جواب السؤال رقم (22723) . وعليه فينبغي لك نصح هؤلاء المعلمين، وحثهم على الاكتفاء بالوارد، وعدم التكلف والتوسع. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103075 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 حكم القول بتناسخ الأرواح [السُّؤَالُ] ـ[أحد أعضاء أسرتي يؤمن بتناسخ الأرواح وأنا أعارض هذا الأمر بقوة، ما هو التفسير الإسلامي (إذا وجد) لهذا الأمر؟ لأنني أتمنى أن أصحح أفكارهم (لأن إيمانهم قد قل) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد: المقصود تناسخ الأرواح هو أن الجسد إذا مات، انتقلت الروح لتسكن جسدا آخر، تسعد فيه أو تشقى نتيجة ما قدمته من عمل، وهكذا تنتقل من جسد إلى جسد، والقول به من أبطل الباطل، وأعظم الكفر بالله تعالى وبكتبه ورسله، فإن الإيمان بالآخرة والحساب، والجنة والنار مما علم بالضرورة مجيء الرسل به، واشتمال الكتب المنزلة عليه. والقول بالتناسخ تكذيب لذلك كله. والتفسير الإسلامي لأمر المعاد واضح في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك قوله تعالى: (كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون) العنكبوت/57، وقوله: (إليه مرجعكم جميعا وعد الله حقا إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون) يونس/4، وقوله: (يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا) مريم/ 85، 86 وقوله: (لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيامة فردا) مريم/94 – 95، وقوله: (الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه) النساء/86، وقوله: (زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير) التغابن/7 إلى غير ذلك من الآيات المحكمات. وفي السنة من ذكر المعاد وتقريره وتفصيل أمره ما لا يحصى كثرة، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "إنكم محشورون حفاة عراة غرلا ثم قرأ: (كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين) وأول من يكسى يوم القيامة إبراهيم" الحديث، رواه البخاري (3100) ومسلم (5104) . وقوله صلى الله عليه وسلم: " إن في الإنسان عظما لا تأكله الأرض أبدا فيه يركب يوم القيامة " قالوا أي عظم هو يا رسول الله؟ قال: عجْب الذنَب " رواه مسلم (5255) . وقوله: "تُدنى الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل. قال سليم بن عامر [أحد رواة الحديث] : فوالله ما أدري ما يعني بالميل أمسافة الأرض أم الميل الذي تكتحل به العين. قال صلى الله عليه وسلم: فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق، فمنهم من يكون إلى كعبيه ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه ومنهم من يلجمه العرق إلجاما. قال وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى فيه " رواه مسلم (5108) . وقوله: "آتي باب الجنة يوم القيامة فأستفتح فيقول الخازن من أنت؟ فأقول: محمد. فيقول: بك أمرت لا أفتح لأحد قبلك " رواه مسلم (292) . إلى غير ذلك من الأحاديث. فالقول بتناسخ الأرواح، تكذيب لهذه النصوص ورد لها، وإنكار للبعث. وما جاء في الشريعة من إثبات عذاب القبر ونعيمه وسؤال الملكين أدلة ظاهرة على أن روح الإنسان لا تنتقل إلى غيره، بل يقع عليها وعلى الجسد العذاب والنعيم، حتى يحشر الناس إلى ربهم. يقول الإمام ابن حزم رحمه الله: (فيكفي من الرد عليهم إجماع جميع أهل الإسلام على تكفيرهم، وعلى أن من قال بقولهم فإنه على غير الإسلام، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بغير هذا) الفصل في الملل والأهواء والنحل 1/166 واعتقاد أن الجسد سيفنى، دون أن يكون له عودة أخرى يذوق فيها النعيم أو يتجرع فيها العذاب، سبيل إلى إغراق الإنسان في الشهوات والظلم والظلمات، وهذا ما يريده الشيطان من أصحاب هذه العقيدة الفاسدة، إضافة إلى غمسهم في الكفر بهذا المذهب الرديء. والواجب عليك نصح هذا الإنسان، وتذكيره بكلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، ودعوته للتوبة من هذا الكفر، فإن تاب وأناب، وإلا وجب البعد عنه، والتحذير من مجالسته، وإعلان البراءة من معتقده، لئلا يغتر الناس به. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلم سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 14379 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 القصاص يوم القيامة [السُّؤَالُ] ـ[هل يقتص الكافر المظلوم يوم القيامة من المسلم الظالم له؟ وهل يقتص الكفار بعضهم من بعض؟ وهل تقتص البهيمة من الإنسان؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله العدل هو ميزان الحكم يوم القيامة، وقد حرَّم الله الظلم على نفسه وجعله بين العباد محرما، وهو يعلم سبحانه أن قيام المظالم كائنٌ ولا شك في الدنيا، بين الخلق كلهم: مؤمنهم وكافرهم، إنسهم وجنهم، عاقلهم وجاهلهم، ولذلك رصد لهم يوما يُقيم فيه الحقوق بموازين الحق والقسط، فينتصف فيه للمظلوم، ويعاقب الظالم. يقول الله عز وجل: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) الأنبياء/47 وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَقْتَصُّ الْخَلْقُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، حَتَّى الْجَمَّاءُ مِنْ الْقَرْنَاءِ، وَحَتَّى الذَّرَّةُ مِنْ الذَّرَّةِ) رواه أحمد (2/363) وصححه محققو المسند، والألباني في "السلسلة الصحيحة" (1967) فهو قصاص شامل وعام بين جميع الخلائق: 1- يقتص المؤمن المظلوم ممن ظلمه من الخلائق، مؤمنهم وكافرهم، إنسهم وجنهم. عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ النَّارِ حُبِسُوا بِقَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيَتَقَاصُّونَ مَظَالِمَ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا نُقُّوا وَهُذِّبُوا أُذِنَ لَهُمْ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ) رواه البخاري (2440) 2- ويقتص الكافر المظلوم أيضا ممن ظلمه من الخلائق: فيقتص من الكافر الظالم، ويقتص من المسلم الظالم المعتدي، لعموم حديث أبي هريرة السابق: (يقتص الخلق بعضهم من بعض) . غير أن المسلم لا يعد ظالما للكافر إذا كان الكافر محاربا معتديا، أما إذا كان ذميا أو معاهدا أو مؤتمنا، فلا يجوز للمسلم أن يظلمه ولا أن يعتدي عليه، بل جاء التشديد في أمره في كثير من الآيات والأحاديث، يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) المائدة/8 يقول البيضاوي في "تفسيره" (303) : " لا يحمِلَنَّكم شدة بُغضكم للمشركين على ترك العدل فيهم، فتعتدوا عليهم بارتكاب ما لا يحل، كمُثلةٍ وقذفٍ وقتلِ نساءٍ وصِبيةٍ ونقضِ عهدٍ، تشفياً مما في قلوبكم " انتهى. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا أَوْ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه أبو داود (3052) وحسنه ابن حجر في "موافقة الخبر" (2/184) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا) رواه البخاري (3166) وعَنْ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ السُّلَمِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُحِلَّ لَكُمْ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتَ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا بِإِذْنٍ، وَلَا ضَرْبَ نِسَائِهِمْ، وَلَا أَكْلَ ثِمَارِهِمْ إِذَا أَعْطَوْكُمْ الَّذِي عَلَيْهِمْ) رواه أبو داود (3050) وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (882) فهذه النصوص تدل على حرمة الاعتداء على الكافر، وأن ذلك من الظلم الذي حرمه الله تعالى، وللمظلوم حق عنده سبحانه. ولذلك كان الصحابة والفقهاء يدركون أن حق الذمي محفوظ عند الله عز وجل، فلا يجترئ أحد عليه إلا أخذه الله به. روى القاضي أبو يوسف في "الخراج" (ص/18) أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كتب إلى عُمَّالِه على الخراج: " إذا قدمت عليهم فلا تبيعن لهم كسوة، شتاءً ولا صيفاً، ولا رزقاً يأكلونه، ولا دابة يعملون عليها، ولا تضربن أحداً منهم سوطاً واحداً في درهم، ولا تقمه على رجله في طلب درهم، ولا تبع لأحد منهم عَرَضاً في شيء من الخراج، فإنا إنما أَمَرَنا الله أن نأخذ منهم العفو، فإن أنت خالفت ما أمرتك به يأخذك الله به دوني، وإن بلغني عنك خلاف ذلك عزلتُك " انتهى. 3- وتقتص الدواب بعضُها من بعض: وهي وإن كانت غير مكلفة، إلا أن قصاصها قصاص مقابلة واستحقاق، كي يقام العدل الذي به تقوم السماوات والأرض. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنْ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ) رواه مسلم (2582) والجلحاء: التي لا قرن لها. وروى أحمد في "المسند" (5/172) وحسنه المحققون، وكذا الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" تحت حديث رقم (1967) عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ جَالِسًا، وَشَاتَانِ تَقْتَرِنَانِ، فَنَطَحَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى فَأَجْهَضَتْهَا، قَالَ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقِيلَ لَهُ: مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: عَجِبْتُ لَهَا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُقَادَنَّ لَهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ. أي لَيُقْتَصَّنَّ لها) يقول النووي في "شرح مسلم" (16/137) : " وأما القصاص من القرناء للجلحاء فليس هو من قصاص التكليف، إذ لا تكليف عليها، بل هو قصاص مقابلة " انتهى. وجاء في "مرقاة المفاتيح" للشيخ علي القاري (4/761) : " قال ابن الملك: ... فإن قيل: الشاة غير مكلفة، فكيف يقتص منها؟ قلنا: إن الله تعالى فعال لما يريد، ولا يسأل عما يفعل، والغرض منه إعلام العباد أن الحقوق لا تضيع، بل يقتص حق المظلوم من الظالم ". قال القاري: " وهو وجه حسن، وتوجيه مستحسن،.. وجملة الأمر أن القضية دالة بطريق المبالغة على كمال العدالة بين كافة المكلفين، فإنه إذا كان هذا حال الحيوانات الخارجة عن التكليف، فكيف بذوي العقول من الوضيع والشريف، والقوي والضعيف؟ " انتهى. بل إن الدواب تقتص من بني آدم يوم القيامة: يقول ابن حجر الهيتمي في "الزواجر" (2/141) : " فهذا من الدليل على القصاص بين البهائم، وبينها وبين بني آدم، حتى الإنسان لو ضرب دابة بغير حق أو جوَّعها، أو عطَّشها، أو كلفها فوق طاقتها فإنها تقتص منه يوم القيامة بنظير ما ظلمها أو جوَّعها، ويدل لذلك حديث الهرة، وفي الصحيح: (أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى الْمَرْأَةَ مُعَلَّقَةً فِي النَّارِ وَالْهِرَّةُ تَخْدِشُهَا فِي وَجْهِهَا وَصَدْرِهَا وَتُعَذِّبُهَا كَمَا عَذَّبَتْهَا فِي الدُّنْيَا بِالْحَبْسِ وَالْجُوعِ) انظر: صحيح البخاري (745) ومسند أحمد (2/159) . وهذا عام في سائر الحيوانات ... " انتهى. وجاء في كتاب "بريقة محمودية" (4/126) لأبي سعيد محمد بن محمد الخادمي: " ويجتنب كل الجهد من حق الحيوان؛ لانسداد طرق التحليل والإرضاء في الآخرة والأولى، فإن الفقهاء قالوا: العذاب فيه متعين، وأمكن عفوه تعالى في نفسه، لكن حكم شريعته يقتضي عدم العفو، ولذا حكموا بتعيُّنِ العذاب، وفي قاضي خان: ومن هذا قالوا: إن خصومة الدابة أشد من خصومة الآدمي على الآدمي " انتهى. وانظر جواب السؤال رقم (21679) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 100981 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 أسئلة القبر الثلاثة [السُّؤَالُ] ـ[ما هي الأسئلة التي يواجهها الإنسان في القبر والتي نتعوذ منها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إذا مات ابن آدم وخرجت روحه ووضع في قبره فإنه عندئذٍ سيكون في أول مراحل الآخرة لأن القبر هو أول منزل من منازل الآخرة. عن هانئ مولى عثمان بن عفان قال: كان عثمان بن عفان إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته فيقال له: قد تَذكر الجنَّةَ والنَّار فلا تبكي وتبكي مِن هذا؟ فيقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن القبر أول منازل الآخرة فإن نجا منه فما بعده أيسر منه وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه "، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما رأيت منظرا إلا والقبر أفظع منه ". رواه الترمذي (2308) وابن ماجه (4567) . وحسَّنه الألباني في " صحيح الجامع " (1684) ثانياً: يأتيه الملكان الموكلان به يسألانه عما كان يؤمن به في الدنيا عن ربه وعن دينه وعن نبيِّه، فإن أجابهم بخيرٍ فذلك خيرٌ، وإن لم يجبهم فإنهم يضربونه ضرباً شديداً أليماً. وإن كان من أهل الصلاح جاءه ملائكة بيض الوجوه، وإن كان من أهل الفساد جاءه ملائكة سود الوجوه، وهذه هي فتنته التي يُفتن بها. عن عائشة أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: " اللهمَّ إنِّي أعوذ بك من الكسل والهرم والمغرم والمأثم، اللهمَّ إني أعوذ بك من عذاب النار وفتنة النار، وفتنة القبر وعذاب القبر وشر فتنة الغنى وشر فتنة الفقر ومن شر فتنة المسيح الدجال، اللهم اغسل خطاياي بماء الثلج والبرد ونق قلبي من الخطايا كما يُنقى الثوب الأبيض من الدنس وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب ". رواه البخاري (6014) . قال ابن حجر: قوله: " ومن فتنة القبر " هي سؤال الملكين. " فتح الباري " (11 / 177) . وقال المباركفوري: " وفتنة القبر " أي: التحير في جواب الملكين. " تحفة الأحوذي " (9 / 328) . ثالثاً: أمَّا ما هو السؤال الذي تسأله الملائكة في القبر فهو مبين في الحديث الآتي: عن البراء رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولما يلحد فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله كأنما على رؤوسنا الطير وفي يده عود ينكت به فرفع رأسه فقال: استعيذوا بالله من عذاب القبر، ثلاث مرات، - أو مرتين - ثم قال: إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس حتى يجلسون منه مد البصر معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة يجيء ملك الموت فيقعد عند رأسه فيقول أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء فإذا أخذوها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وذلك الحنوط فيخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض فيصعدون فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الطيب؟ فيقولون: هذا فلان بن فلان بأحسن أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا حتى ينتهي بها إلى السماء الدنيا فيستفتح فيفتح لهم فيستقبله من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهي به إلى السماء السابعة، قال: فيقول الله: اكتبوا كتاب عبدي في عليين في السماء السابعة وأعيدوه إلى الأرض فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى فتعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان فيُجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. فيقولان: ما عملك؟ فيقول: قرأت كتاب الله وآمنت به وصدقت به فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له بابا إلى الجنة فيأتيه من طيبها وروحها ويفسح له في قبره مد بصره ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول: أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: ومن أنت؟ فوجهك الوجه الذي يجيء بالخير فيقول: أنا عملك الصالح، فيقول: رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي. وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه معهم المسوح حتى يجلسون منه مد البصر ثم قال: ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول: يا أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط الله وغضبه قال: فتفرق في جسده، قال: فتخرج فينقطع معها العروق والعصب كما تنزع السفود من الصوف المبلول فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في تلك المُسوح فيخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على ظهر الأرض فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الخبيث؟ فيقولون: فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا حتى ينتهي به إلى سماء الدنيا فيستفتحون فلا يفتح له ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط} (الأعراف / 40) ، قال: فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في سجين في الأرض السفلى وأعيدوه إلى الأرض فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى فتطرح روحه طرحا وقال ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق} (الحج / 31) ، قال: فيعاد روحه في جسده ويأتيه الملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولان له: وما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، قال: فينادي مناد من السماء أفرشوا له من النار وألبسوه من النار وافتحوا له بابا إلى النار. قال: فيأتيه من حرها وسمومها ويضيق عليه قبره حتى تختلف عليه أضلاعه ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح فيقول: أبشر بالذي يسوؤك هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: من أنت؟ فوجهك الوجه الذي يجيء بالشر، فيقول: أنا عملك الخبيث، فيقول: رب لا تقم الساعة رب لا تقم الساعة ". رواه أبو داود (4753) وأحمد – واللفظ له – (18063) . صححه الألباني في " صحيح الجامع " (1676) . فالصحيح أن الملكين لا يسألان الميت في قبره إلا عن أمور التوحيد والعقيدة، وهو واضح بيِّن. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 10403 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 مصير الكفّار الذين لم يبلغهم الإسلام [السُّؤَالُ] ـ[ما هو مصير الكفار الذين لم يبلغهم الإسلام؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من عدل الله عزّ وجلّ أنه لا يُعذّب قوما إلا بعد البلاغ وقيام الحجّة عليهم ولا يظلم ربّك أحدا، قال الله عزّ وجلّ: (وما كنّا معذّبين حتى نبعث رسولا) ، قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: قوله تعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا" إخبار عن عدله تعالى وأنه لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه بإرسال الرسول إليه كقوله تعالى "كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير" وكذا قوله "وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين".. " فالذي لم يسمع عن الإسلام ولا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم تبلغه الدّعوة بشكل صحيح فإنّ الله لا يعذّبه على موته على الكفر، فإن قيل: فما مصيره فالجواب أنّ الله يمتحنه يوم القيامة فإن أطاع دخل الجنّة وإن عصى دخل النّار والدليل على ذلك حديث الْأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَرْبَعَةٌ [يحتجون] يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ أَصَمُّ لا يَسْمَعُ شَيْئًا وَرَجُلٌ أَحْمَقُ وَرَجُلٌ هَرَمٌ وَرَجُلٌ مَاتَ فِي فَتْرَةٍ فَأَمَّا الأَصَمُّ فَيَقُولُ رَبِّ لَقَدْ جَاءَ الإِسْلَامُ وَمَا أَسْمَعُ شَيْئًا وَأَمَّا الأَحْمَقُ فَيَقُولُ رَبِّ لَقَدْ جَاءَ الإِسْلَامُ وَالصِّبْيَانُ يَحْذِفُونِي بِالْبَعْرِ وَأَمَّا الْهَرَمُ فَيَقُولُ رَبِّي لَقَدْ جَاءَ الإِسْلامُ وَمَا أَعْقِلُ شَيْئًا وَأَمَّا الَّذِي مَاتَ فِي الْفَتْرَةِ فَيَقُولُ رَبِّ مَا أَتَانِي لَكَ رَسُولٌ فَيَأْخُذُ مَوَاثِيقَهُمْ لَيُطِيعُنَّهُ فَيُرْسِلُ إِلَيْهِمْ أَنْ ادْخُلُوا النَّارَ قَالَ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ دَخَلُوهَا لَكَانَتْ عَلَيْهِمْ بَرْدًا وَسَلامًا وفي رواية: فَمَنْ دَخَلَهَا كَانَتْ عَلَيْهِ بَرْدًا وَسَلامًا وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْهَا يُسْحَبُ إِلَيْهَا الحديث رواه الإمام أحمد وابن حبان وصححه الألباني: صحيح الجامع 881 فكلّ من وصلته دعوة الإسلام بطريقة سليمة فقد أُقيمت عليه الحجّة ومن مات ولم تصل إليه أو وصلته غير صحيحة فأمره إلى الله، هو أعلم بخلقه ولا يظلم ربّك أحدا والله بصير بالعباد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 1244 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 ما هي الأسئلة التي سيسأل عنها العبد يوم القيامة [السُّؤَالُ] ـ[كما نرجو أن تخبرنا عن الأمور المتعلقة "بيوم الحساب" بعذابها, والأسئلة التي ستطرح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ثبت في القرآن والسنة أن الإنسان إذا مات فإنه يحاسب عن كل صغيرة وكبيرة عملها في الدنيا من خير أو شر فالخير يجزى عليه والشر يعاقب عليه، وأول منازل الحساب القبر ففي القبر أول ما يسأل الإنسان عنه: مَن ربك؟ وما دينك؟ ومن هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ ، كما جاء في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه كما رواه أبو داود في " سننه " (4753) . صححه الألباني في صحيح أبي داود (2979) ثم يوم القيامة يحاسب عن كل صغيرة وكبيرة وإن حوسب عليها في القبر وأول ما يحاسب عليه الصلاة. عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن أول ما يحاسب الناس به يوم القيامة من أعمالهم الصلاة، قال: يقول ربنا جل وعز لملائكته وهو أعلم: انظروا في صلاة عبدي أتمَّها أم نقصها؟ فإن كانت تامة: كتبت له تامة، وإن كان انتقص منها شيئاً: قال: انظروا هل لعبدي من تطوع، فإن كان له تطوع: قال: أتموا لعبدي فريضته من تطوعه ثم تؤخذ الأعمال على ذاكم ". رواه أبو داود (864) وصححه الألباني في صحيح أبي داود (770) . ويسأل العبد يوم القيامة عن أمور منها: ما جاء في حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وماذا عمل فيما علم ". رواه الترمذي (2422) . وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (1969) وتسأل الأمم يوم القيامة: {ماذا أجبتم المرسلين} القصص / 65. هذا بعض ما سيسأل عنه العبد يوم القيامة، فعلى العبد العاقل الحريص على نجاة نفسه أن يعد للسؤال جواباً، نسأل الله تعالى أن يهدينا سواء السبيل. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 22203 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 من رجحت حسناته على سيئاته دخل الجنة وسلم من العذاب [السُّؤَالُ] ـ[أود أن أعرف ماذا يحدث للمسلم بعد وزن جميع أعماله على الميزان؛ هل يذهب للجنة إذا زادت حسناته عن سيئاته؟ أم يذهب للنار أولا لكى يتطهر من السيئات التى اقترفها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: مما يجب الإيمان به من أمور الآخرة: الميزان الذي يوزن به أعمال العباد، كما قال سبحانه: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) الأنبياء/47 قال الطحاوي رحمه الله في عقيدته المشهورة: " وَنُؤْمِنُ بِالْبَعْثِ وَجَزَاءِ الْأَعْمَالِ يَوْمَ الْقِيَامَة، وَالْعَرْضِ وَالْحِسَابِ، وَقِرَاءَة الْكِتَابِ، وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَالصِّرَاطِ وَالْمِيزَانِ " انتهى. والميزان يكون بعد الحساب، وقبل الصراط: قال القرطبي رحمه الله: " قال العلماء: وإذا انقضى الحساب كان بعده وزن الأعمال؛ لأن الوزن للجزاء فينبغي أن يكون بعد المحاسبة، فإن المحاسبة لتقرير الأعمال والوزن لإظهار مقاديرها ليكون الجزاء بحسبها، قال الله تعالى (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا} الآية. وقال (فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وأما من خفت موازينه) إلى آخر السورة " انتهى من "التذكرة" ص (359) . ومع أنه ـ في الواقع ـ ليس ثمة نص يبين تلك الأعمال مرتبة، وليس في ذلك إلا اجتهادات لبعض أهل العلم؛ فإن الترتيب الذي ذكره القرطبي عن العلماء مناسب من حيث الزمن، لأن الله يحاسب الشخص على أعماله ويقرره بها، ثم بعد ذلك ينصب له الميزان ليكون نتيجة لتلك المحاسبة؛ ليُطْلِع الله العبد على مصداق تلك المحاسبة ظاهراً في ميزانه. (انظر: الحياة الآخرة للعواجي 3/1169) ثانيا: إذا وزنت الأعمال، كان الناس على ثلاثة أقسام: الأول: من رجحت حسناته على سيئاته، وهذا سعيد مفلح، كما قال تعالى: (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ) المؤمنون/102، 103، وقال: (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ) القارعة/6-11 الثاني: من رجحت سيئاته على حسناته، وهذا إن كان مسلما، دخل النار، فإذا هُذّب ونقي أخرج منها ودخل الجنة، وإن كان كافرا بقي فيها خالدا مخلدا، كما في آية سورة المؤمنون السابقة. الثالث: من استوت حسناته وسيئاته، وهذا من أصحاب الأعراف، يكونون في مكان بين الجنة والنار، يطلعون على هؤلاء وهؤلاء، كما قال سبحانه: (وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) الأعراف/46، 47، ومصير أهل الأعراف دخول الجنة بعد ذلك. قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (2/289) : " لما ذكر تعالى مخاطبة أهل الجنة مع أهل النار نبّه أن بين الجنة والنار حجاباً وهو الحاجز المانع من وصول أهل النار إلى الجنة ... قال ابن جرير: والأعراف جمع عرف، وكل مرتفع من الأرض عند العرب يسمى عرفاً، وإنما قيل لعرف الديك عرفاً لارتفاعه. وفي رواية عن ابن عباس: الأعراف: تل بين الجنة والنار، حبس عليه ناس من أهل الذنوب بين الجنة والنار، وفي رواية عنه هو سور بين الجنة والنار. وكذا قال الضحاك وغير واحد من علماء التفسير. وقال السدي: إنما سمي الأعراف أعرافاً لأن أصحابه يعرفون الناس. واختلفت عبارات المفسرين في أصحاب الأعراف من هم؟ وكلها قريبة ترجع إلى معنى واحد وهو أنهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، نص عليه حذيفة وابن عباس وابن مسعود وغير واحد من السلف والخلف رحمهم الله ... وقال ابن جرير: حدثني يعقوب حدثنا هشيم أخبرنا حصين عن الشعبي عن حذيفة أنه سئل عن أصحاب الأعراف فقال: هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فقعدت بهم سيئاتهم عن الجنة وخلّفت بهم حسناتهم عن النار، قال فوقفوا هناك على السور حتى يقضي الله فيهم ... " انتهى. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وَقَدْ يَفْعَلُ مَعَ سَيِّئَاتِهِ حَسَنَاتٍ تُوَازِيهَا وَتُقَابِلُهَا فَيَنْجُو بِذَلِكَ مِنْ النَّارِ وَلَا يَسْتَحِقُّ الْجَنَّةَ بَلْ يَكُونُ مِنْ أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ. وَإِنْ كَانَ مَآلُهُمْ إلَى الْجَنَّةِ فَلَيْسُوا مِمَّنْ أُزْلِفَتْ لَهُمْ الْجَنَّةُ أَيْ قُرِّبَتْ لَهُمْ إذْ كَانُوا لَمْ يَأْتُوا بِخَشْيَةِ اللَّهِ وَالْإِنَابَةِ إلَيْهِ ". انتهى من مجموع الفتاوى (16/177) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " سمعت من شخص يقول: إن الأعراف سور بين الجنة والنار يمكثون فيه عدداً من السنين؟ فأجاب: الناس إذا كان يوم القيامة انقسموا إلى ثلاثة أقسام: قسم ترجح حسناتهم على سيئاتهم، فهؤلاء لا يعذبون ويدخلون الجنة، وقسم آخر ترجح سيئاتهم على حسناتهم، فهؤلاء مستحقون للعذاب بقدر سيئاتهم ثم ينجون إلى الجنة، وقسم ثالث سيئاتهم وحسناتهم سواء، فهؤلاء هم أهل الأعراف ليسوا من أهل الجنة، ولا من أهل النار، بل هم في مكان برزخ عالٍ مرتفع يرون النار ويرون الجنة، يبقون فيه ما شاء الله وفي النهاية يدخلون الجنة، وهذا من تمام عدل الله سبحانه وتعالى أن أعطى كل إنسان ما يستحق، فمن ترجّحت حسناته فهو من أهل الجنة، ومن ترجحت سيئاته عذّب في النار إلى ما شاء الله، ومن كانت حسناته وسيئاته متساوية فهو من أهل الأعراف، لكنها -أي الأعراف- ليست مستقراً دائماً، وإنما المستقر: إما إلى الجنة، وإما إلى النار، جعلني الله وإياكم من أهل الجنة " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (14/16) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98964 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 والدتها أمية وتشك في البعث [السُّؤَالُ] ـ[والدتي أمية لا تعرف القراءة ولا الكتابة، والصلاة تصليها، ولكن لا تعرف ما تقوله في الصلاة، ولا تحفظ سوى سورة الفاتحة فقط، ماذا أفعل يا شيخ حاولت أن أعلمها أركان الصلاة وماذا تقول فيها، ولكنها لا تستطيع لكبر سنها، ثانيا: لا تستطيع نطق الكلام بشكل جيد، وأيضا لا تؤمن بالحساب بعد الموت لا كفرا منها، ولكنها لكبرها لا تصدق، تقول: هل إذا مت سأعيش مرة أخرى؟ أرجو الرد، والدعاء لي ولها]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الإنسان إذا كان أميا لا يقرأ ولا يكتب، فالواجب أن يتعلم ما يقوله في صلاته وكيفية الصلاة، وكونه لا يقرأ ولا يكتب لا يمنع من ذلك؛ لأن هذا أمر سهل والحمد لله، فهؤلاء الصحابة رضوان الله عليهم أكثرهم لم يكن يقرأ ولا يكتب، ومع ذلك كانوا يحسنون كيف يصلون. وقراءة الفاتحة في الصلاة ركن من أركانها، وأما قراءة السورة بعدها فسنة مستحبة، فإذا لم تأت بها والدتك فلا شيء عليها، لكن ينبغي أن تعينيها على حفظ قصار السور كالإخلاص والمعوذتين. وأما السجود فالذكر الواجب فيه هو قول: سبحان ربي الأعلى، مرة واحدة، والمستحب ألا يقل عن ثلاث مرات. وهذه الجملة لا شك في يسرها وسهولتها، وإنما التقصير والتفريط يقع من الإنسان. وعلى كل ينبغي أن تترفقي بها، وأن تكوني لها عونا على الاستمرار في الصلاة، وتعليمها ما تحتاج إليه من الأذكار الواردة فيها، فإذا عجزت عن تعلِّم ذلك، وكانت تحسن الفاتحة كما ذكرت فإنها تدعو تسبح بما تحسنه، وما تعجز عنه فإنه يسقط عنها، ويعفى لها عنه. روى أبو داود (792) أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لِرَجُلٍ: كَيْفَ تَقُولُ فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: أَتَشَهَّدُ وَأَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ النَّارِ. أَمَا إِنِّي لَا أُحْسِنُ دَنْدَنَتَكَ وَلَا دَنْدَنَةَ مُعَاذٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَوْلَهَا نُدَنْدِنُ) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. قال شيخ الإسلام: " ومن اهتدى لهذا الأصل وهو أن نفس واجبات الصلاة تسقط بالعذر فكذلك الواجبات في الجماعات ونحوها فقد هدى لما جاءت به السنة من التوسط بين إهمال بعض واجبات الشريعة رأسا كما قد يبتلى به بعضهم وبين الإسراف في ذلك الواجب حتى يفضى إلى ترك غيره من الواجبات التي هي أوكد منه عند العجز عنه وان كان ذلك الأوكد مقدورا عليه كما قد يبتلى به آخرون فان فعل المقدور عليه من ذلك دون المعجوز عنه هو الوسط بين الأمرين " انتهى من مجموع الفتاوى (23/247) ثانيا: إنكار البعث بعد الموت أو الشك في حصوله كفر مخرج عن ملة الإسلام بالإجماع، لقيام الأدلة الصحيحة الصريحة من القرآن والسنة على إثبات البعث، بل العقل والفطرة السليمة يدلان عليه. قال تعالى: (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) التغابن /7، وقال سبحانه: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ) المؤمنون/12- 16، وقال سبحانه: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) يس/51، 52، وقال سبحانه (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) سورة يس/78-79 إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الدالة على البعث والجزاء وما بعده من الجنة والنار، وكذلك الأحاديث المتواترة التي تخبر عن قيام الناس من القبور، وجمعهم في أرض المحشر، ووقوفهم حفاة عراة غرلا، ودنو الشمس من الرؤوس، وما يتلو ذلك من الحساب والجزاء، ودخول الجنة والنار. وهذا الأمور من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة، بل يعلمها غير المسلمين كاليهود والنصارى، فمن أنكرها أو شك فيها فهو كافر. فالواجب عليك أن تبيني لها ما يكون من إكرام الله تعالى لأهل طاعته، بتيسير الحساب عليهم، وإدخالهم جنته ودار كرامته، وما أعده لأهل معصيته ومخالفته، من العذاب والهوان والشقاء حال الموت وفي القبر ويوم القيامة. واهتمي معها ببيان كمال الله وعدله وحكمته ورحمته، وأنه لا يليق به أن يترك الناس من غير بعث ولا حساب: (أفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ * وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ * وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ) المؤمنون/115-118، وأنه لا يليق به التسوية في نهاية المطاف بين المؤمن والكافر، الصالح والطالح: (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) سورة ص/28، (أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ) سورة الجاثية/21، وأخبريها أن هذا الظن شتم لله وعيب وتكذيب له: روى البخاري (3193) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أُرَاهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (يَشْتِمُنِي ابْنُ آدَمَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتِمَنِي وَيُكَذِّبُنِي وَمَا يَنْبَغِي لَهُ أَمَّا شَتْمُهُ فَقَوْلُهُ إِنَّ لِي وَلَدًا وَأَمَّا تَكْذِيبُهُ فَقَوْلُهُ لَيْسَ يُعِيدُنِي كَمَا بَدَأَنِي) واستعيني في تعليمها وإرشادها بمن تثق فيه من أبنائها وأقاربها. نسأل الله تعالى أن يهديها ويصلح حالها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98483 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 هل يرى المسلمُ مَن يشاء مِن نساء الجنة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكن للمرء المسلم إن كان من أهل الجنة أن يرى صحابيات النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة إذا بلغ منازلهم، وكذلك الصالحات من النساء كرابعة العدوية وغيرها من النساء المؤمنات؟ وجزاكم الله خيراً]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ليس في الجنة نظر سوء، ولا مرض قلب حتى يبحث الرجال في الجنة عن نساء غيرهم، ولا النساء يبحثن عن رجال يعرفونهم في الدنيا، فالجنة دار كرامة الله تعالى، لا فيها خبث ولا شر ولا سوء، وليس فيها شهوة محرمة لا تمنيّاً ولا وجوداً. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الْجَنَّةَ صُورَتُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَا يَبْصُقُونَ فِيهَا وَلَا يَمْتَخِطُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ آنِيَتُهُمْ فِيهَا الذَّهَبُ أَمْشَاطُهُمْ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَمَجَامِرُهُمْ الْأَلُوَّةُ وَرَشْحُهُمْ الْمِسْكُ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ مِنْ الْحُسْنِ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ وَلَا تَبَاغُضَ قُلُوبُهُمْ قَلْبٌ وَاحِدٌ يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا) . رواه البخاري (3073) ومسلم (2834) . وفي البخاري (3081) : (وَلاَ تَحَاسُد) . ثانياً: ومن نعيم الجنة للرجل أن يرزقه الله زوجات تقصر حبها ونظرها عليه، ولا ترى أحسن منها، ولا تشتهي غيره. قال تعالى: (وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ) الصافات/48. قال الإمام الطبري – رحمه الله -: يقول تعالى ذِكْره: وعند هؤلاء المخلصين من عباد الله في الجنة: قاصرات الطرف، وهنَّ النساء اللواتي قصرن أطرافهن على بعولتهن، لا يُردن غيرهم، ولا يمددن أبصارهن إلى غيرهم. " تفسير الطبري " (21 / 41) . وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -: (وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ) أي: وعند أهل دار النعيم في محلاتهم القريبة حور حسان، كاملات الأوصاف، قاصرات الطرف، إما أنها قصرت طرفها على زوجها، لعفتها وعدم مجاوزته لغيره، ولجمال زوجها وكماله، بحيث لا تطلب في الجنة سواه، ولا ترغب إلا به، وإما لأنها قصرت طرف زوجها عليها، وذلك يدل على كمالها وجمالها الفائق، الذي أوجب لزوجها أن يقصر طرفه عليها، وقصر الطرف أيضاً يدل على قصر النفس والمحبة عليها، وكلا المعنيين محتمل، وكلاهما صحيح، وكل هذا يدل على جمال الرجال والنساء في الجنة، ومحبة بعضهم بعضا، محبة لا يطمح إلى غيره، وشدة عفتهم كلهم، وأنه لا حسد فيها، ولا تباغض، ولا تشاحن، وذلك لانتفاء أسبابه. " تفسير السعدي " (ص 702) . والظاهر أن قوله تعالى (وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ) ، وقوله تعالى (وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ) ص/52: أنها في الحور العين، وفي نساء الدنيا من أهل الجنة، ومعنى (عين) : أي: واسعة العين، ومعنى (أتراب) أي: في سنٍّ واحدة. ثالثاً: ولن تكون امرأة في الجنة من غير زواج، فلكل امرأة زوج، وليس في الجنة أعزب. عَنْ أبي هرَيْرَة رضَيَ الله عنه قال: قَالَ الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( ... وَمَا فِي الْجَنَّةِ أَعْزَبُ) رواه مسلم (2834) . رابعاً: وأما بخصوص هذه المسألة تحديداً: فالظاهر من النصوص أن المرأة تعيش مع زوجها وذريتها في مملكتها في الجنة، وأنها تكتفي بزوجها عن الناس – كما سبق -، ولم يرد نصٌّ خاص في رؤيتها للأجانب عنها هناك، ولا رؤية الرجال للصالحات والعابدات من المؤمنات من أهل الجنة. قال الشيخ عبد الرحمن البراك – حفظه الله -: إن أمور الغيب لا سبيل إلى معرفتها إلا بالخبر عن المعصوم؛ لأن أمور الغيب لا تدرك بالعقول والتفكير، فأمور الجنة من الغيب المستور، والواجب الوقوف عند ما جاءت به النصوص من الكتاب والسنة، فيجب الإيمان بالجنة وما أخبر الله به من أصناف النعيم فيها، مع العلم بأن حقائقها لا يعلمها إلا الله، ولم يأت في النصوص أن الرجل يلقى نساء الآخرة، فلم يرد نفي ولا إثبات للرؤية المسؤول عنها، وليس لنا أن نقول: إن الإنسان يمكن أن يرى أمهات المؤمنين، أو نقول: لا يمكن، بل يجب أن نمسك عن التفكير في هذا والخوض فيه، فإنه من الفضول، وليس مما يشرع الدعاء به، ولا مما يشرع تمنيه، لكن الذي دل عليه القرآن أن المؤمنين يلتقون ويجلسون على السرر متقابلين، كما قال تعالى: (ثلة من الأولين. وقليل من الآخرين. على سرر موضونة. متكئين عليها متقابلين) الواقعة/13 - 16، وفي الآية الأخرى: (ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين) الحِجر/47، فلا ينبغي الخوض في أمور الغيب بلا علم، بل إذا طرح مثل هذا السؤال فينبغي أن يجيب الإنسان بقوله: الله أعلم، ويوجه السائل إلى عدم الخوض في ذلك؛ لأنه لا فائدة فيه، (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً) الإسراء/36، وقالت الملائكة: (سبحان لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم) البقرة/32. نسأل الله أن يهدينا صراطه المستقيم، وأن يجعلنا جميعاً من أهل جنات النعيم، وصلى الله وسلم بارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه. نقلاً عن " موقع الإسلام اليوم ". والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96598 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 تمثل العمل الصالح رجلا في القبر [السُّؤَالُ] ـ[ما صحة هذا الحديث: (عند موت الإنسان وأثناء انشغال أقربائه بمناسكِه الجنائزيةِ، يقفُ رجلٌ وسيمُ جداً بجوار رأس الميت. وعند تكفين الجثّة، يَدْخلُ ذلك الرجلِ بين الكفنِ وصدرِ الميّتِ. وبعد الدفنِ، يَعُودَ الناس إلى بيوتهم، ويأتي القبرِ ملكان مُنكرٌ ونكير، ويُحاولانَ أَنْ يَفْصلاَ هذا الرجلِ الوسيم عن الميتِ لكي يَكُونا قادرين على سؤال الرجلِ الميتِ في خصوصية حول إيمانِه. لكن يَقُولُ الرجل الوسيم: " هو رفيقُي، هو صديقُي. أنا لَنْ أَتْركَه بدون تدخّل في أيّ حالٍ منَ الأحوالِ. إذا كنتم معنينَّن لسؤالهِ، فاعمَلوا بما تؤمرونَ، أما أنا فلا أَستطيعُ تَرْكه حتى أدخلهْ إلى الجنة ِ". ويتحول الرجل الوسيم إلى رفيقه الميت ويَقُولُ له: " أَنا القرآن الذيّ كُنْتَ تَقْرؤُه بصوتٍ عالٍ أحياناً وبصوت خفيض أحياناً أخرى. لا تقلق. فبعد سؤال مُنكرٍ ونكير لا حزن بعد اليوم. وعندما ينتهى السؤال، يُرتّبُ الرجل الوسيم والملائكة فراش من الحرير مُلئ بالمسكِ للميت في الجنة) ]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الذي جاء في السنة النبوية الصحيحة من تمثل العمل الصالح، ومنه قيام العبد بالقرآن الكريم، بالرجل الحسن في القبر ما يلي: 1- عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنْ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنْ الْآخِرَةِ نَزَلَ إِلَيْهِ مَلَائِكَةٌ مِنْ السَّمَاءِ بِيضُ الْوُجُوهِ كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الشَّمْسُ، مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ، وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ ... إلى أن قال – في وصف حال المؤمن في القبر -: فَيُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ أَنْ صَدَقَ عَبْدِي فَأَفْرِشُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ، قَالَ: فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ. قَالَ: وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ، حَسَنُ الثِّيَابِ، طَيِّبُ الرِّيحِ، فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ. فَيَقُولُ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالْخَيْرِ. فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ. فَيَقُولُ: رَبِّ أَقِمْ السَّاعَةَ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي وَمَالِي) رواه أحمد (4/362) وصححه الألباني في "أحكام الجنائز" (156) 2- عن بريدة رضي الله عنه قال: سمعت النبي- صلى الله عليه وسلم - يقول: (َإِنَّ الْقُرْآنَ يَلْقَى صَاحِبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يَنْشَقُّ عَنْهُ قَبْرُهُ كَالرَّجُلِ الشَّاحِبِ. فَيَقُولُ لَهُ: هَلْ تَعْرِفُنِي؟ فَيَقُولُ: مَا أَعْرِفُكَ. فَيَقُولُ لَهُ: أَنَا صَاحِبُكَ الْقُرْآنُ الَّذِي أَظْمَأْتُكَ فِي الْهَوَاجِرِ وَأَسْهَرْتُ لَيْلَكَ، وَإِنَّ كُلَّ تَاجِرٍ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَتِهِ، وَإِنَّكَ الْيَوْمَ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ تِجَارَةٍ، فَيُعْطَى الْمُلْكَ بِيَمِينِهِ وَالْخُلْدَ بِشِمَالِهِ وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ وَيُكْسَى وَالِدَاهُ حُلَّتَيْنِ لَا يُقَوَّمُ لَهُمَا أَهْلُ الدُّنْيَا. فَيَقُولَانِ: بِمَ كُسِينَا هَذِهِ؟ فَيُقَالُ: بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ اقْرَأْ وَاصْعَدْ فِي دَرَجَةِ الْجَنَّةِ وَغُرَفِهَا فَهُوَ فِي صُعُودٍ مَا دَامَ يَقْرَأُ هَذًّا كَانَ أَوْ تَرْتِيلًا) رواه أحمد في "المسند" (394) وابن ماجه في "السنن" (3781) وحسنه البوصيري في الزوائد والألباني في "السلسلة الصحيحة" (2829) يقول السيوطي في شرح الحديث (2/1242) : " (كالرجل الشاحب) قال السيوطي: هو المتغير اللون، وكأنه يجيء على هذه الهيئة ليكون أشبه بصاحبه في الدنيا، أو للتنبيه له على أنه كما تغير لونه في الدنيا لأجل القيام بالقرآن كذلك القرآن لأجله في السعي يوم القيامة حتى ينال صاحبه الغاية القصوى في الآخرة." انتهى. ولم أقف على شيء من السنة الصحيحة في تمثل العمل الصالح رجلا في القبر إلا هذين الحديثين. أما الحديث الذي ذكرته – أخي السائل الكريم – فلم يرد في كتب السنة المعتمدة، ولم نقف له على إسناد صحيح ولا ضعيف، بل هو مما ينتشر في بعض المنتديات والمواقع من غير تحرٍّ ولا تثبت، ولعل بعض الجهلة من الناس كتبه من قبل نفسه ثم عزاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليحث الناس على الاهتمام بالقرآن والعناية به، ولم يدر هؤلاء أن الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم من أعظم الذنوب التي توبق صاحبها في نار جهنم، وأن النية الحسنة لا ترفع الإثم عن هؤلاء الذين يكذبون ويضعون الحديث على لسان النبي صلى الله عليه وسلم. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ) رواه البخاري (1291) ومسلم (4) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93151 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 الساعة لا تقوم إلا على شرار الخلق [السُّؤَالُ] ـ[سمعت أنه قبل قيام الساعة لن يكون هناك مؤمنون ولن يذكر اسم الله، هل هذا قبل قيام الساعة مباشرة أم في الفترة قبل ظهور المسيح الدجال؟ أنا في حيرة من أمري بسبب هذه النقطة لأني أعلم أنه في آخر الزمان ستزيد نسبة المؤمنين ويرجع مرة أخرى تطبيق شرع الله، فكيف هذا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله دلت السنة الصحيحة على أن الساعة لا تقوم إلا على شرار الخلق، حين لا يقال في الأرض: الله. وذلك في آخر عمر الدنيا، بعد ظهور المسيح الدجال وقتله على يد عيسى بن مريم عليه السلام وظهور الإسلام وأهله، وتطبيق الشريعة في الأرض. روى البخاري (2222) ومسلم (155) عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ) . وفي رواية لمسلم: (وَاللَّهِ لَيَنْزِلَنَّ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَادِلًا، فَلَيَكْسِرَنَّ الصَّلِيبَ، وَلَيَقْتُلَنَّ الْخِنْزِيرَ، وَلَيَضَعَنَّ الْجِزْيَةَ، وَلَتُتْرَكَنَّ الْقِلَاصُ فَلَا يُسْعَى عَلَيْهَا، وَلَتَذْهَبَنَّ الشَّحْنَاءُ وَالتَّبَاغُضُ وَالتَّحَاسُدُ، وَلَيَدْعُوَنَّ إِلَى الْمَالِ فَلَا يَقْبَلُهُ أَحَدٌ) . والقلاص: الإبل الفتية. قال النووي رحمه الله: " وَمَعْنَاهُ أَنْ يُزْهَد فِيهَا وَلَا يُرْغَب فِي اِقْتِنَائِهَا لِكَثْرَةِ الْأَمْوَال , وَقِلَّة الْآمَال , وَعَدَم الْحَاجَة , وَالْعِلْم بِقُرْبِ الْقِيَامَة. وَإِنَّمَا ذُكِرَتْ الْقِلَاص لِكَوْنِهَا أَشْرَف الْإِبِل الَّتِي هِيَ أَنْفَس الْأَمْوَال عِنْد الْعَرَب. وَهُوَ شَبِيه بِمَعْنَى قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: (وَإِذَا الْعِشَار عُطِّلَتْ) وَمَعْنَى (لَا يُسْعَى عَلَيْهَا) : لَا يُعْتَنَى بِهَا أَيْ يَتَسَاهَل أَهْلهَا فِيهَا , وَلَا يَعْتَنُونَ بِهَا " انتهى. فهذه مرحلة خير وإيمان وظهور لأهل الإسلام، ثم تأتي مرحلة أخرى فينقص عدد المؤمنين، حتى يرسل الله تعالى ريحا تقبض أرواحهم ولا يبقى إلا شرار الخلق، فعليهم تقوم الساعة. روى مسلم (148) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُقَالَ فِي الْأَرْضِ: اللَّهُ اللَّهُ) . وروى أحمد (3844) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِِنَّ مِنْ شِرَارِ النَّاسِ مَنْ تُدْرِكُهُ السَّاعَةُ وَهُمْ أَحْيَاءٌ وَمَنْ يَتَّخِذُ الْقُبُورَ مَسَاجِدَ) حسنه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند. وجاء تفصيل هذه المراحل في الحديث الذي رواه مسلم (2940) عَنْ عَبْد اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِي أُمَّتِي فَيَمْكُثُ أَرْبَعِينَ، فَيَبْعَثُ اللَّهُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ كَأَنَّهُ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ فَيَطْلُبُهُ فَيُهْلِكُهُ، ثُمَّ يَمْكُثُ النَّاسُ سَبْعَ سِنِينَ لَيْسَ بَيْنَ اثْنَيْنِ عَدَاوَةٌ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ رِيحًا بَارِدَةً مِنْ قِبَلِ الشَّامِ فَلَا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ أَوْ إِيمَانٍ إِلَّا قَبَضَتْهُ، حَتَّى لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ دَخَلَ فِي كَبِدِ جَبَلٍ لَدَخَلَتْهُ عَلَيْهِ حَتَّى تَقْبِضَهُ، قَالَ: فَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ فِي خِفَّةِ الطَّيْرِ وَأَحْلَامِ السِّبَاعِ لَا يَعْرِفُونَ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُونَ مُنْكَرًا فَيَتَمَثَّلُ لَهُمْ الشَّيْطَانُ فَيَقُولُ أَلَا تَسْتَجِيبُونَ؟ فَيَقُولُونَ: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ فَيَأْمُرُهُمْ بِعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، وَهُمْ فِي ذَلِكَ دَارٌّ رِزْقُهُمْ، حَسَنٌ عَيْشُهُمْ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) . قال النووي رحمه الله في شرحه: " قَوْله: (فِي كَبِد جَبَل) أَيْ وَسَطه وَدَاخِله. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَيَبْقَى شِرَار النَّاس فِي خِفَّة الطَّيْر وَأَحْلَام السِّبَاع) قَالَ الْعُلَمَاء: مَعْنَاهُ يَكُونُونَ فِي سُرْعَتهمْ إِلَى الشُّرُور وَقَضَاء الشَّهَوَات وَالْفَسَاد كَطَيَرَانِ الطَّيْر , وَفِي الْعُدْوَان وَظُلْم بَعْضهمْ بَعْضًا فِي أَخْلَاق السِّبَاع الْعَادِيَة. وروى مسلم (2937) عَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ رضي الله عنه قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ. . . ثم ذكر نزول المسيح عيسى ابن مريم، فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ، وَاضًِا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ، فَيَطْلُبُهُ (أي يطلب المسيح الدجال) حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ فَيَقْتُلُهُ. . . ثم ذكر خروج يأجوج ومأجوج وهلاكهم، ثُمَّ يُقَالُ لِلْأَرْضِ: أَنْبِتِي ثَمَرَتَكِ، وَرُدِّي بَرَكَتَكِ. . . فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً فَتَأْخُذُهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلِّ مُسْلِمٍ، وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ يَتَهَارَجُونَ فِيهَا تَهَارُجَ الْحُمُرِ، فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ) . (يَتَهَارَجُونَ تَهَارُج الْحُمُر) أَيْ: يُجَامِع الرِّجَال النِّسَاء بِحَضْرَةِ النَّاس كَمَا يَفْعَل الْحَمِير. نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياك لطاعته ومرضاته. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 91794 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 يدعى الناس يوم القيامة بأسماء آبائهم لا أمهاتهم [السُّؤَالُ] ـ[هل صحيح أن الله يوم القيامة يدعو الناس بأسمائهم وأسماء أمهاتهم (فلان ابن فلانة) وما الرد على من يقول ذلك؟ .... وهل هناك دليل شرعي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله القول بأن الناس يدعون يوم القيامة بأسماء أمهاتهم، خطأ مخالف لما ثبت في السنة الصحيحة الدالة على أنهم ينسبون لآبائهم، وقد بوب البخاري في صحيحه: باب ما يُدعى الناس بآبائهم، وساق تحته الحديث رقم (6177) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ الْغَادِرَ يُرْفَعُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقَالُ هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ) . والحديث رواه مسلم أيضا برقم (1735) . وما ورد من أن الناس يدعون بأسماء أمهاتهم، ضعيف. قال ابن القيم رحمه الله في "تحفة المودود بأحكام المولود" ص (147) : " الفصل العاشر في بيان أن الخلق يدعون يوم القيامة بآبائهم لا بأمهاتهم. هذا الصواب الذي دلت عليه السنة الصحيحة الصريحة، ونص عليه الأئمة كالبخاري وغيره فقال في صحيحه: باب يدعى الناس يوم القيامة بآبائهم لا بأمهاتهم، ثم ساق في الباب حديث ابن عمر قال قال رسول الله: (إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة يرفع الله لكل غادر لواء يوم القيامة فيقال هذه غدرة فلان بن فلان) . وفي سنن أبي داود [4948] بإسناد جيد عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِكُمْ فَأَحْسِنُوا أَسْمَاءَكُمْ) . فزعم بعض الناس أنهم يدعون بأمهاتهم، واحتجوا في ذلك بحديث لا يصح، وهو في معجم الطبراني من حديث أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مات أحد من إخوانكم فسويتم التراب على قبره فليقم أحدكم على رأس قبره ثم ليقل يا فلان بن فلانة فإنه يسمعه ولا يجيبه ثم يقول يا فلان بن فلانة فإنه يقول أرشدنا يرحمك الله) الحديث، وفيه: فقال رجل يا رسول الله فإن لم يعرف اسم أمه؟ قال فلينسبه إلى أمه حواء يا فلان ابن حواء) [قال الهيثمي (3/163) : في إسناده جماعة لم أعرفهم. انتهى. وقال في كشف الخفاء (2/375) : وضعفه ابن الصلاح ثم النووي وابن القيم والعراقي والحافظ ابن حجر في بعض تصانيفه وآخرون] قالوا: وأيضا فالرجل قد لا يكون نسبه ثابتا من أبيه كالمنفي باللعان وولد الزنى فكيف يدعى بأبيه؟ والجواب: أما الحديث فضعيف باتفاق أهل العلم بالحديث، وأما من انقطع نسبه من جهة أبيه فإنه يدعى بما يدعى به في الدنيا، فالعبد يُدعى في الآخرة بما يدعى به في الدنيا من أب أو أم والله أعلم " انتهى. تنبيه: قد حمل بعضهم قول الله عز وجل: (يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ) الإسراء/ 71 على هذا القول الضعيف [انظر القرطبي 10/257] . قال الزمخشري: " ومن بدع التفاسير: أن الإمام جمع أم، وأن الناس يدعون يوم القيامة بأمهاتهم، وأن الحكمة في الدعاء بالأمهات دون الآباء: رعاية حق عيسى عليه السلام، وإظهار شرف الحسن والحسين، وأن لا يفتضح أولاد الزنا!! وليت شعري أيهما أبدع: أصحة لفظه، أم بهاء حكمته!!؟ " انتهى [الكشاف 2/682] . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 87556 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 الباعث الأول على الطاعة الحب والإجلال [السُّؤَالُ] ـ[أعبد الله ولا أرتكب المعاصي حبّاً فيه واستحياءً منه واحتراماً لجلاله، وليس طمعاً في الجنة أو خوفا من النار، هذا هو سؤالي، هل أنا على حق؟ إذا سألني أحد لماذا لا تزني، أرد عليه وأقول أستحيي من ربي، ولا أقول أخاف من النار؛ لأني أعتقد أن الاحترام أصدق من الخوف، أفيدوني لو سمحتم في أقرب وقت على عنواني الخاص.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ربنا تبارك وتعالى هو الله الذي لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى والصفات العلى، وهو الذي له الألوهية المطلقة، يستحق العبادة والمحبة لكمال ذاته وعظيم صفاته، تألهه قلوب العابدين لجلاله وكماله، ويعبده كل ما دونه لاستحقاقه صفات الحمد والتأله، هذا هو معنى ألوهيته الذي علمه سبحانه لأنبيائه ورسله، وهذا ما ينبغي أن يعيه كل من شهد أنه لا إله إلا هو سبحانه. يقول الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) الأنبياء/25. ويقول عز وجل: (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى. إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْري) طه/13-14. فقد رتب العبادة على تفرده سبحانه بالألوهية، واستحقاقه أن يحمد ويعبد لكمال ذاته وعظيم صفاته. قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: الله سبحانه يستحق لذاته أن يحب ويعبد، وأن يحب لأجله رسوله، والقلوب فيها معنى يقتضي حبه وطاعته، كما فيها معنى يقتضي العلم والتصديق به. " مجموع الفتاوى " (7 / 541) . وقال - رحمه الله -: فقوله: (لا إله إلا أنت) فيه إثبات انفراده بالإلهية، والإلهية تتضمن كمال علمه وقدرته ورحمته وحكمته، ففيها إثبات إحسانه إلى العباد، فإن الإله هو المألوه، والمألوه هو الذي يستحق أن يعبد، وكونه يستحق أن يعبد هو بما اتصف به من الصفات التي تستلزم أن يكون هو المحبوب غاية الحب، المخضوع له غاية الخضوع، والعبادة تتضمن غاية الحب بغاية الذل. " مجموع الفتاوى " (10 / 249) . ومن هنا ندرك أنه ينبغي أن يكون الباعث الأول على العبادة هو ما لله سبحانه من الجلال والعظمة والكمال، وما تفرد به سبحانه من صفات الألوهية والربوبية، ثم الباعث الثاني إنعام الله على عباده، وإحسانه إليهم، فإن القلوب مجبولة على حب من أحسن إليها. قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: أصل المحبة هو معرفة الله سبحانه وتعالى، ولها أصلان: أحدهما: وهو الذي يقال له (محبة العامة) لأجل إحسانه إلى عباده، وهذه المحبة على هذا الأصل لا ينكرها أحد، فإن القلوب مجبولة على حب من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها، والله سبحانه هو المنعم المحسن إلى عبده بالحقيقة، فإنه المتفضل بجميع النعم وإن جرت بواسطة، إذ هو مُيَسِّرُ الوسائط، ومسبب الأسباب، ولكن هذه المحبة فى الحقيقة إذا لم تجذب القلب إلى محبة الله نفسه فما أحبَّ العبدُ في الحقيقة إلا نفسَه، وكذلك كل من أحب شيئا لأجل إحسانه إليه، فما أحب فى الحقيقة إلا نفسه، وهذا ليس بمذموم بل محمود، والمقتصر على هذه المحبة هو لم يعرف من جهة الله ما يستوجب أنه يحبه إلا إحسانه إليه. الأصل الثانى فيه: هو محبته لما هو له أهل، وهذا حب من عرف من الله ما يستحق أن يحب لأجله، وما من وجه من الوجوه التى يعرف الله بها مما دلت عليه أسماؤه وصفاته إلا وهو يستحق المحبة الكاملة من ذلك الوجه، حتى جميع مفعولاته، إذ كل نعمة منه فضل، وكل نقمة منه عدل، ولهذا استحق أن يكون محمودا على كل حال، ويستحق أن يحمد على السراء والضراء، وهذا أعلى وأكمل، وهذا حب الخاصة، وهؤلاء هم الذين يطلبون لذة النظر إلى وجهه الكريم، ويتلذذون بذكره ومناجاته، ويكون لهم أعظم من الماء للسمك، حتى لو انقطعوا عن ذلك لوجدوا من الألم ما لا يطيقون، وهم السابقون. كما فى صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسِيرُ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ فَمَرَّ عَلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ جُمْدَانُ فَقَالَ سِيرُوا هَذَا جُمْدَانُ سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ قَالُوا وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ) . وفى رواية أخرى: (قَالُوا وَمَا الْمُفْرِدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الْمُسْتَهْتَرُونَ فِي ذِكْرِ اللَّهِ، يَضَعُ الذِّكْرُ عَنْهُمْ أَثْقَالَهُمْ، فَيَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِفَافًا) رواه الترمذي وقال: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ ". " مجموع الفتاوى " (10 / 84) . ثانياً: ومن أحب الله لكماله وجلاله واستحقاقه المحبة والتأله والتعبد لا شك أنه يحب قربَه سبحانه، ويتشوف إلى النظر إليه، ويتشوق إلى لقائه، يسعى للحصول على رضاه، ويرجو أن ينال محبته وكرمه ويكون عنده من المقربين. وذلك كله لا يكون إلا بدخول الجنة التي هي محل رضوان الله، وفيها ينظر أهلها إلى وجه الله، وتمتلئ قلوبهم بمحبة معبودهم وإلههم الذي تنفطر القلوب شوقا إليه وإجلالا له، كما يكون فيها من النعيم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. هذه هي الجنة التي طمَّعنا الله فيها، وطَمِعَ بها الأنبياء والصالحون والأولياء، كي يكونوا فيها بجوار الكريم سبحانه، ويتنعمون فيها برضوانه والقرب منه، فذلك أكبر لذات الجنة. يقول سبحانه وتعالى: (وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) التوبة/72. وبهذا نعلم أن ليس ثمة تعارض بين عبادة الله محبة له وإجلالا، وبين سؤال الجنة وطلبها والشوق إليها والحرص على المسابقة إليها، وكذا الاستعاذة من النار والخوف منها، فإن العبد الذي يحب الله لذاته إذا استحضر أن الجنة دار رضوان الله ودار كرامته، وأنه سيجد فيها من قرب الله ما يزيد محبته وأنسه وشوقه: فلا شك أنه سيعمل لدخولها، ويسعى للدرجات العلى منها، ويحتسب طاعاته في الدنيا وسائلَ تقربه إليها وتبعده عن النار التي هي دار المهانة والبعد والغضب والعذاب. ثالثا: وأنتِ - أختنا الفاضلة - إذا تصورتِ معي ما سبق علمت خطأك حين ظننت أن الطمع في الجنة والخوف من النار يتعارض مع محبة الله إجلالا وتعظيما؛ لأن محبة الله تعني الشوق إليه، والرغبة في القرب منه، والسعي إلى رضوانه وتجنب سخطه؛ ولأن المحب يشتاق إلى محبوبه، وعذابه في البعد عنه، فكيف بسخطه عليه. ولكن لما توهم كثير من الناس أن نعيم الجنة إنما هو طعام وشراب وحور عين ونحوها من اللذات الحسية قامت في أذهانهم تلك المعارضة بين محبة الله وعبادته وبين سؤال الجنة والاستعاذة من النار. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: ومن هنا يتبين زوال الاشتباه فى قول من قال: ما عبدتك شوقاً إلى جنَّتك ولا خوفاً من نارك، وإنما عبدتك شوقاً إلى رؤيتك. فإن هذا القائل ظنَّ هو ومن تابعه أن الجنة لا يدخل فى مسماها إلا الأكل والشرب واللباس والنكاح ونحو ذلك مما فيه التمتع بالمخلوقات، ولهذا قال بعض من غلط من المشائخ لما سمع قوله: (مِنْكُم مَنْ يُريدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُم مَن يُرِيدُ الآخِرَةَ) قال: فأين من يريد الله؟! وقال آخر فى قوله تعالى: (إِنَّ الله اشْتَرَى مِنَ المُؤمِنينَ أنْفُسَهُم وَأَمْوَالُهُم بِأَنَّ لَهُم الجَنَّةَ) قال: إذا كانت النفوس والأموال بالجنة فأين النظر إليه؟! . وكل هذا لظنِّهم أنَّ الجنَّة لا يدخل فيها النظر، والتحقيق أن الجنة هي الدار الجامعة لكل نعيم، وأعلى ما فيها النظر إلى وجه الله، وهو من النعيم الذى ينالونه فى الجنة كما أخبرت به النصوص، وكذلك أهل النار، فإنهم محجوبون عن ربهم يدخلون النار، مع أن قائل هذا القول إذا كان عارفاً بما يقول فإنما قصده أنك لو لم تخلق ناراً، أو لو لم تخلق جنَّة لكان يجب أن تعبد، ويجب التقرب إليك، والنظر إليك، ومقصوده بالجنة هنا ما يتمتع فيه المخلوق. " مجموع الفتاوى " (10 / 62، 63) . ويقول ابن القيم - رحمه الله -: والتحقيق أن يقال: الجنة ليست اسماً لمجرد الأشجار والفواكه والطعام والشراب والحور العين والأنهار والقصور، وأكثر الناس يغلطون في مسمى الجنة، فإن الجنة اسم لدار النعيم المطلق الكامل، ومن أعظم نعيم الجنة: التمتع بالنظر إلى وجه الله الكريم، وسماع كلامه، وقرة العين بالقرب منه وبرضوانه، فلا نسبة للذة ما فيها من المأكول والمشروب والملبوس والصور إلى هذه اللذة أبدا، فأيسر يسير من رضوانه: أكبر من الجنان وما فيها من ذلك، كما قال تعالى: (ورضوان من الله أكبر) التوبة/72، وأتى به مُنَكَّرًا في سياق الإثبات، أي أي شيء كان من رضاه عن عبده: فهو أكبر من الجنة. قليل منك يقنعني ... ولكن قليلك لا يقال له قليل وفي الحديث الصحيح حديث الرؤية: (فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم من النظر إلى وجهه) وفي حديث آخر: (أنه سبحانه إذا تجلى لهم ورأوا وجهه عيانا: نسوا ما هم فيه من النعيم وذهلوا عنه ولم يلتفوا إليه) . ولا ريب أن الأمر هكذا، وهو أجل مما يخطر بالبال أو يدور في الخيال، ولا سيما عند فوز المحبين هناك بمعية المحبة، فإن المرء مع من أحب، ولا تخصيص في هذا الحكم بل هو ثابت شاهدا وغائبا، فأي نعيم وأي لذة وأي قرة عين وأي فوز يداني نعيم تلك المعية ولذتها وقرة العين بها، وهل فوق نعيم قرة العين بمعية المحبوب الذي لا شيء أجل منه ولا أكمل ولا أجمل قرة عين ألبتة؟ . وهذا - والله - هو العلَم الذي شمر إليه المحبون، واللواء الذي أمه العارفون، وهو روح مسمى الجنة وحياتها، وبه طابت الجنة وعليه قامت. فكيف يقال: " لا يعبد الله طلباً لجنته ولا خوفاً من ناره "؟! . وكذلك النار أعاذنا الله منها، فإن لأربابها من عذاب الحجاب عن الله وإهانته وغضبه وسخطه والبعد عنه: أعظم من التهاب النار في أجسامهم وأرواحهم، بل التهاب هذه النار في قلوبهم: هو الذي أوجب التهابها في أبدانهم، ومنها سرت إليها. فمطلوب الأنبياء والمرسلين والصديقين والشهداء والصالحين: هو الجنة، ومهربهم: من النار. والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله وحسبنا الله ونعم الوكيل. " مدارج السالكين " (2 / 80، 81) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 87534 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 اعتقاد المسلمين في مصير الملاحدة يوم القيامة [السُّؤَالُ] ـ[أنا أدرس الإسلام كجزء من دراستي وأتساءل عن موقف الإسلام من الملحدين. هل يعتقد المسلمون أن مصير الملحدين إلى الجحيم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اهتمامك أيتها السائلة الكريمة بدراسة الإسلام أمر عظيم تُشكرين عليه وعلى الإنسان أن يبحث عن الحقّ أينما كان ويتبّعه ولو خالف آباءه وأجداده ودين بلده ومجتمعه لأنّ نجاة نفسه يوم القيامة من عذاب جهنم مقدّمة على كلّ شيء. ومن الأمور المهمة لمن أراد أن يدرس دين الإسلام أن يرجع إلى مراجع الإسلام الأصيلة لمعرفة حقيقة هذا الدين كترجمة معاني القرآن الكريم ومعاني أحاديث رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم وأن تكون الترجمة صحيحة سليمة. وأما دراسة الإسلام من مراجع وكتب كتبها غير المسلمين أو ممن لا يعلمون حقيقة الدين ولا مارسوه فهو أمر مناف لمنهج البحث العلمي والطريقة الصحيحة للتوصّل إلى الحقيقة. وعودا إلى السؤال الذي أرسلت به وهو ما اعتقاد المسلمين في الموحدين من غير المسلمين؟ وهل سيكون مصيرهم النار يوم القيامة؟ فالجواب على ذلك بكلّ وضوح أنّ الله سبحانه وتعالى خلق الخلق وأنعم عليهم بجميع النعم وأرسل إليهم الرسل وأنزل عليهم الكتب وأخبرهم أنّ من وحّده وعبده وحده لا شريك له دخل الجنة ومن جحده أو أشرك به وعبد معه غيره أو اتخذ آلهة أخرى من دونه أو جعل له زوجة أو ولدا أو جعل الملائكة بناته أو اتبع غير شرعه الذي أنزله ليحكم بين الناس بالحقّ أو ترك دينه وأعرض عنه أنّه سيكون يوم القيامة في عذاب جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، وهذا عين العدل وهو ما يستحقّه هذا الذي ظلم ربّه وخالقه وموجده من العدم وصاحب النّعم. وعبادة البشر لله وطاعتهم لأوامره واجتنابهم لنواهيه أمر أساس بل هو حقيقة العلاقة بين الخالق والمخلوق كما قال الله تعالى: " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " وكانت الرسل تبعث بأمر واحد يقولونه لأقوامهم وهو " اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ". وهنا يمكن معرفة النقص العظيم الذي يحصل لمن اعتقد أنّ الله واحد لا شريك له ثمّ لم يعبده ولم يطع له أمرا بل عصاه وخالفه ولم يتبّع دينه ولا شرعه ولا وحيه ولا رسله الذين أرسلهم له ولأمثاله. فهل يستحقّ هذا دخول الجنة أم النار؟ فهذا الذي يقول أنا أعتقد أنّ هناك إلها واحدا خلق الكون ولكنني سأقف عند هذا الحدّ فلن أصلي له ولن أصوم ولن أحجّ ولن أؤدي زكاة مالي كما أمر ولن أقوم تجاهه بأيّ واجب وسأتّبع هواي وأفعل ما أشاء سواء كان مما أحلّه أو مما حرّمه فهل يمكن أن ينجو مثل هذا يوم القيامة؟ وقد بعث الله في كلّ أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت، وكانت آخر الأمم هذه الأمة وآخر رسول هو محمد صلى الله عليه وسلم بعثه الله إلى هذه البشرية وإلى العالم كافة ونسخ الله به سائر الشرائع السابقة وجعل دينه أكمل الأديان وأتمها وأفضلها وأعلاها وأوجب على كلّ أحد أن يدخل في هذا الدين وأخبر سبحانه وتعالى أنه " من يبتغ غير الإسلام دينا فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين " وبناء على هذا يتبين - من زاوية أخرى - مصير الذي يقول أنا أؤمن بفكرة الإله الواحد ولكنني لا أريد أن أكون مسلما ولا أن أعتنق آخر الأديان ولا أن أتبّع آخر الرسل وخاتمهم. وختاما فإنني أرجو أن تكون القضية قد اتضحت لك أيتها السائلة الكريمة، أسأل الله تعالى أن يهدينا جميعا إلى الحقّ ويرزقنا اتباعه إنه نعم المولى ونعم النصير. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 314 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 هل المهدي موجود الآن؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل الإمام المهدي المنتظر يشبه الرسول صلى الله عليه وسلم. وما الأصوات المتعالية في هذه الأيام الأخيرة على وجوده وانه قد ولد أي أنه حي في وقتنا هذا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: خروج المهدي في آخر الزمان وأنه يملأ الأرض عدلاً وقسطاً بعد أن ملئت جوراً وظلماً أمر وردت به السنة الصحيحة حتى إن بعض أهل العلم بالحديث قال: إن أحاديث المهدي متواترة من كثرتها ونزول عيسى بن مريم عليه وعلى نبينا الصلاة وسلام وصلاته خلفه أمر معلوم، واسم المهدي واسم أبيه كاسم النبي صلى الله عليه وسلم واسم أبيه وهو من ولد فاطمة رضي الله عنها، ويجب أن تعلم أن هذا المهدي الذي وردت به الأحاديث ليس المنتظر المزعوم الذي تذكره تلك الطائفة المنحرفة الاثنا عشرية التي تزعم أنه دخل السرداب وأنه ينتظر الأمر بالخروج ويقولون: اسمه محمد بن الحسن العسكري، فهذا وهم وخرافة، والرد على ذلك مبسوط في الكتب وليست هذا محل بسط ذلك، ولكن ننصح بقراءة منهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية ومختصراته كمنهج الاعتدال للذهبي، وكتاب التحفة الاثنى عشرية لمحب الدين الخطيب، ولا بد أن تعلم أن كل طائفة تنتظر مهدي فاليهود ينتظرون المهدي، وهو عندهم المسيح الدجال الذي سيتبعه يهود أصبهان، والنصارى ينتظرون مهدياً وهو نزول المسيح، ولا شك عندنا – نحن المسلمين – في نزول عيسى ابن مريم عليه السلام، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير، ويضع الجزية ويحكم بشريعة الإسلام وعندئذٍ تضع الحرب أوزارها. وقد ظهر في التاريخ دجالون ادعوا المهدية وقد عدهم بعض الباحثين فأوصلهم أكثر من ثلاثين منهم ابن تومرت في المغرب ومهدي السودان وغيرهم. وأما القول بأنه موجود الآن، وأنه قد وُلِد، فهذه مجرد دعوى يدعيها البعض، ولا دليل عليها، والأقرب أ، ها خرافة، والأحاديث التي وردت في شأن المهدي لم تذكر أين يولد، ولا متى يولد ن ولم تأمرنا بالبحث عنه ولا بالقيام بتربيته، بل بيّنت أن الله تعالى يصلحه في ليلة، وأن المسلمين يبايعونه على الخلافة ويجتمعون عليه. ومتى يكون ذلك؟! عِلمُه عند الله. والله تعالى أعلم وانظر كتاب المهدي وفقه أشراط الساعة للشيخ محمد بن إسماعيل المقدم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 84269 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 حشر الناس والدواب [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكن أن تخبرنا عن هيئة الناس عند البعث؟ هل سيكونون بملابس أم لا؟ وهل الحيوانات ستقوم بعد الموت أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سمى الله تعالى يوم القيامة بيوم الجمع لأن الله يجمع فيه العباد إنسهم وجنهم قال تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ) هود / 103. وقال تعالى: (قُلْ إِنَّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) الواقعة / 49-50. وقال تعالى: (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا) مريم / 93-95. وقال تعالى: (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً) الكهف / 47. ومما يدخل في هذا الحشر حشر البهائم، يقول شيخ الإسلام: وأما البهائم فجميعها يحشرها الله سبحانه كما دل عليه الكتاب والسنة قال تعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) الأنعام / 38. وقال تعالى: (وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ) التكوير / 5. وقال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ) الشورى / 29. وحرف (إذا) إنما يكون لما يأتي لا محالة والأحاديث في ذلك مشهورة، فإن الله عز وجل يوم القيامة يحشر البهائم ويقتص لبعضها من بعض ثم يقول لها: كوني ترابا فتصير ترابا، فيقول الكافر حينئذ: (يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً) النبأ / 40. ومن قال إنها لا تحيا فهو مخطئ في ذلك أقبح خطأ، بل هو ضال أو كافر والله أعلم. اهـ مجموع الفتاوى 4/248. روى أحمد (20534) عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ جَالِسًا، وَشَاتَانِ تَقْتَرِنَانِ، فَنَطَحَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى فَأَجْهَضَتْهَا، قَالَ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقِيلَ لَهُ: مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: عَجِبْتُ لَهَا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُقَادَنَّ لَهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ. أي لَيُقْتَصَّنَّ لها. قال أحمد شاكر: إسناده حسن متصل اهـ. وروى مسلم (2582) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنْ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ) . والجلحاء هي التي لا قرن لها. قال النووي: هَذَا تَصْرِيح بِحَشْرِ الْبَهَائِم يَوْم الْقِيَامَة، وَإِعَادَتهَا يَوْم الْقِيَامَة كَمَا يُعَاد أَهْل التَّكْلِيف مِنْ الآدَمِيِّينَ، وَكَمَا يُعَاد الأَطْفَال وَالْمَجَانِين وَمَنْ لَمْ تَبْلُغهُ دَعْوَة، وَعَلَى هَذَا تَظَاهَرَتْ دَلَائِل الْقُرْآن وَالسُّنَّة. قَالَ اللَّه تَعَالَى: (وَإِذَا الْوُحُوش حُشِرَتْ) وَإِذَا وَرَدَ لَفْظ الشَّرْع، وَلَمْ يَمْنَع مِنْ إِجْرَائِهِ عَلَى ظَاهِره عَقْل وَلا شَرْع وَجَبَ حَمْله عَلَى ظَاهِره. قَالَ الْعُلَمَاء: وَلَيْسَ مِنْ شَرْط الْحَشْر وَالإِعَادَة فِي الْقِيَامَة الْمُجَازَاة وَالْعِقَاب وَالثَّوَاب، وَأَمَّا الْقِصَاص مِنْ الْقَرْنَاء لِلْجَلْحَاءِ فَلَيْسَ هُوَ مِنْ قِصَاص التَّكْلِيف إِذْ لا تَكْلِيف عَلَيْهَا , بَلْ هُوَ قِصَاص مُقَابَلَة. وَاَللَّه أَعْلَم اهـ. ويحشر العباد يوم القيامة حفاة عراة غرلا –أي غير مختونين- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّه عنْهمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلا) ثُمَّ قَرَأَ: (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) وَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ وَإِنَّ أُنَاسًا مِنْ َصْحَابِي يُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ فَأَقُولُ أَصْحَابِي أَصْحَابِي فَيَقُولُ إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ فَأَقُولُ كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ: (وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)) رواه البخاري 3349. وعن عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (تُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلا) قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ! فَقَالَ: (الأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يُهِمَّهُمْ ذَاكِ) رواه البخاري 6527. وجاء في الحديث أن الإنسان يبعث في الثياب التي مات فيها عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ دَعَا بِثِيَابٍ جُدُدٍ فَلَبِسَهَا ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ الْمَيِّتَ يُبْعَثُ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي يَمُوتُ فِيهَا) رواه أبو داود (3114) وصححه الألباني في السلسة الصحيحة 1671. ولعل هذا الحديث يشكل مع ما قبله من أن العباد يبعثون عراة، فأجاب العلماء بأجوبة للتوفيق بين الأحاديث فمن أوجه الجمع: 1- أنهم يبعثون فيها ثم تبلى بعد القيام فإذا وافوا الموقف كانوا عراة. 2- أنهم يبعثون عراة ثم إذا كسي الأنبياء والصديقون ومن بعدهم كُسِيَ كلٌّ من جنس ما مات فيه من الثياب. 3- وحمل بعض العلماء هذا الحديث على الشهداء فإنهم هم الذين أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدفنوا في ثيابهم التي ماتوا فيها. فيبعثون في ثيابهم تمييزاً لهم عن غيرهم. 4- أن المراد بالثياب الأعمال الصالحة كما قال تعالى: (وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ) وقوله: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) والمعنى يبعث المرء على ما مات عليه من عمل إن خيرا فخير وإن شرا فشر، يدل عليه حديث جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَقُولُ يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ) رواه مسلم 2878 وحديث ابْنَ عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِقَوْمٍ عَذَابًا أَصَابَ الْعَذَابُ مَنْ كَانَ فِيهِمْ ثُمَّ بُعِثُوا عَلَى أَعْمَالِهِمْ) رواه البخاري 7108، ومما يدل عليه حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ إِذْ وَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَوَقَصَتْهُ أَوْ قَالَ فَأَوْقَصَتْهُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ وَلا تُحَنِّطُوهُ وَلا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا) رواه البخاري 1265، وعن أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (كُلُّ كَلْمٍ يُكْلَمُهُ الْمُسْلِمُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَهَيْئَتِهَا إِذْ طُعِنَتْ تَفَجَّرُ دَمًا اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ وَالْعَرْفُ عَرْفُ الْمِسْكِ) رواه البخاري 237، ومن هنا استحب تلقين الميت لا إله إلا الله وذلك لتكون هذه الكلمة الطيبة آخر كلامه من الدنيا وعليها يبعث يوم القيامة. انظر فتح الباري (11/383) . ويحشر الناس في ذلك اليوم على أرض أخرى غير هذه الأرض، ولها خصائص معينة بينتها السنة فعن سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى أَرْضٍ بَيْضَاءَ عَفْرَاءَ كَقُرْصَةِ نَقِيٍّ) قَالَ سَهْلٌ أَوْ غَيْرُهُ: لَيْسَ فِيهَا مَعْلَمٌ لأَحَد. رواه البخاري 6521. والعفراء أي بيضاء تضرب إلى الحمرة قليلا وقيل بيضاء بياضا غير ناصع وقيل خالصة البيضاء. وقرصة النقي هي القرصة من الدقيق النقي من الغش والنخال. والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 21679 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 الذين لم تصلهم أي معلومات عن الإسلام [السُّؤَالُ] ـ[ماذا سيحدث لهؤلاء الذين لم تصل إليهم أية معلومات عن الإسلام؟ وما هو حكمهم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أجاب الشيخ عبد الرحمن البراك عن هذا السؤال بما يلي: الذين لم تصلهم دعوة الإسلام أو وصلت إليهم على وجه غير صحيح فهولاء يمتحنون يوم القيامة فمن أطاع دخل الجنة، ومن عصى دخل النار، لقوله تعالى: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً) . انتهى والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2443 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 البعث بعد الموت [السُّؤَالُ] ـ[هل يتم إعادة خلق الإنسان على أي شكل آخر بعد موته وحتى يوم القيامة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا مات ابن آدم تحلَّل جسده وفني إلا عجْب الذنب وهي عظم في أسفل الظهر، فإذا قامت القيامة أنبت الله تعالى الأجساد بمطر على الأرض يُنبت الأجساد من هذا العظم فيعود خلق الإنسان كما كان قبل موته. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين النفختين أربعون. قال: أربعون يوما؟ قال: أبيتُ، قال: أربعون شهراً؟ قال: أبيت، قال: أربعون سنة؟ قال: أبيت. قال: ثم يُنزل اللهُ من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل ليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظماً واحداً وهو عجْب الذنَب ومنه يركب الخلق يوم القيامة. رواه البخاري (4651) ومسلم (2955) . قال النووي: قوله صلى الله عليه وسلم: (ما بين النفختين أربعون قالوا: يا أبا هريرة أربعين يوما قال: أبيت. . . إلى آخره) معناه: أبيتُ أن أجزم أن المراد أربعون يوماً، أو سنةً، أو شهراً، بل الذي أجزم به أنها أربعون مجملة، وقد جاءت مفسرة من رواية غيره في غير مسلم أربعون سنة. قوله: (عجَب الذنَب) هو بفتح العين وإسكان الجيم أي العظم اللطيف الذي في أسفل الصلب، وهو رأس العصعص، ويقال له (عجم) بالميم، وهو أول ما يخلق من الآدمي، وهو الذي يبقى منه ليعاد تركيب الخلق عليه. " شرح مسلم " (18 / 92) . وإذا خرج من قبره وحشر وحوسب يبقى جسده كما كان قبل موته، فإذا دخل أهل الجنة الجنَّةَ، ودخل أهل النار النارَ غيَّر الله صُوَرهم وأشكالهم. صفة أهل النار: عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما بين منكبي الكافر مسيرة ثلاثة أيام للراكب المسرع ". رواه البخاري (6186) ومسلم (2852) . عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ضرس الكافر - أو: ناب الكافر - مثل أُحُد، وغِلَظ جلده مسيرة ثلاث ". رواه مسلم (2851) . صفة أهل الجنة: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة، لا يبولون، ولا يتغوطون، ولا يتفلون، ولا يمتخطون، أمشاطهم الذهب، ورَشَحهم المسك، ومجامرهم الأَلُوَّة الألنجوج عود الطيب، وأزواجهم الحور العين، على خلق رجل واحد على صورة أبيهم آدم ستون ذراعا في السماء ". رواه البخاري (3149) ومسلم (2834) . رشحهم: عرقهم. مجامرهم: مباخرهم. الأَلُوَّة الألَنجوج: عود يُتَبخر به، والألنجوج تفسير لـ: الألوة، و "عود الطيب ": تفسير التفسير، كذا في " فتح الباري " (6 / 367) . عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يَدخل أهلُ الجنةِ الجنةَ جرداً مرداً مكحلين أبناء ثلاثين أو ثلاث وثلاثين سنة ". رواه الترمذي (2545) . والحديث: صححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " (8072) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 6974 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 القصاص بين البهائم يوم القيامة [السُّؤَالُ] ـ[سمعت أن هناك قصاصاً بين الحيوانات يوم القيامة، فهل هذا صحيح؟ وإذا كان صحيحاً فكيف يحصل لها ذلك وهي غير مكلفة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي له شواهد وطرق كثيرة - قوله: (يقضي الله بين خلقه الجن والإنس والبهائم، وإنه ليقيد يومئذ الجماء من القرناء، حتى إذا لم يبق تبعة عند واحدة لأخرى قال الله: كونوا تراباً، فعند ذلك يقول الكافر: " يا ليتني كنت تراباً ". صححه الألباني في السلسلة الصحيحة رقم 1966 ومن الطرق التي ذكرها للحديث: - (يقتص الخلق بعضهم من بعض، حتى الجماء من القرناء، وحتى الذّرة من الذرة) - عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالساً، وشاتان تقترنان، فنطحت إحداهما الأخرى فأجهضتها، قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له: ما يضحكك يا رسول الله! قال: " عجبت لها، والذي نفسي بيده، ليقادنّ لها يوم القيامة " - (يا أبا ذر! هل تدري فيم تنتطحان؟ قال: لا، قال: لكن الله يدري، وسيقضي بينهما) قال النووي في شرح مسلم تحت حديث الترجمة: (هذا تصريح بحشر البهائم يوم القيامة، وإعادتها يوم القيامة كما يعاد أهل التكليف من الآدميين، وكما يعاد الأطفال والمجانين، ومن لم تبلغه الدعوة، وعلى هذا تظاهرت دلائل القرآن والسنة، قال الله تعالى: (وإذا الوحوش حشرت) ، وإذا ورد لفظ الشرع ولم يمنع من إجرائه على ظاهره عقل ولا شرع، وجب حمله على ظاهره، قال العلماء: وليس من شرط الحشر والإعادة في القيامة المجازاة والعقاب والثواب، وأما القصاص من القرناء للجلحاء فليس هو من قصاص التكليف، إذ لا تكليف عليها، بل هو قصاص مقابلة، و (الجلحاء) بالمد هي الجماء التي لا قرن لها، والله أعلم. انتهى. ونقل عنه العلامة الشيخ علي القاري في المرقاة (4/761) أنه قال: (فإن قيل: الشاة غير مكلفة، فكيف يقتص منها؟ قلنا: إن الله تعالى فعال لما يريد، ولا يسأل عما يفعل، والغرض منه إعلام العباد أن الحقوق لا تضيع، بل يقتص حق المظلوم من الظالم) . قال القاري: (وهو وجه حسن وتوجيه مستحسن ... ، وجملة الأمر أن القضية دالة بطريق المبالغة على كمال العدالة بين كافة المكلفين، فإنه إذا كان هذا حال الحيوانات الخارجة عن التكليف، فكيف بذوي العقول من الوضيع والشريف، والقوي والضعيف؟) انظر السلسلة الصحيحة ص 612. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 10673 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 هل يدعو الشيطان المحتضر لليهودية والنصرانية؟ ما معنى " فتنة الممات "؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل صحيح أن من فتن القبر تشكل شيطانين في صورة الوالدين وقولهما إنا اتبعنا اليهودية والنصرانية فأدخلَنا الله الجنة؟ وهل هو قبل نزول منكر ونكير؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس على هذا القول دليل من الكتاب والسنة، بل هو من أقوال بعض أهل العلم، وليس هو في القبر، بل عند الاحتضار قبل قبض الروح، وقد ذكر بعض أهل العلم أن هذا داخل في "فتنة المحيا". قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وعرض الأديان على العبد عند الموت ليس عاما لكل أحد , ولا هو أيضاً منفي عن كل أحد، بل من الناس من لا تعرض عليه الأديان , ومنهم من تعرض عليه، وذلك كله من فتنة المحيا التي أمرنا الرسول أن نستعيذ في صلاتنا منها، ووقت الموت يكون الشيطان أحرص ما يكون على إغواء بني آدم " انتهى من "الاختيارات" (ص 85) . ولا يزال الشيطان حريصاً على إغواء الإنسان ما دامت روحه في جسده، فيأتيه ويوسوس له ويزين له الباطل. فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال إبليس: وعزتك لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم، فقال: وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني. رواه أحمد (10974) ، وحسَّنه الألباني في "صحيح الترغيب " (1617) . وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله تعالى من " فتنة المحيا والممات "، وندب المصلين إلى الاستعاذة منها قبل السلام من الصلاة. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر فليتعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر المسيح الدجال) رواه البخاري (1311) ومسلم (588) . قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: " قوله: " ومن فتنة المحيا والممات " معطوفة على " من عذاب جهنم "، والمراد بالفتنة: اختبار المرء في دينه؛ في حياته وبعد مماته، وفتنة الحياة عظيمة وشديدة، وقلَّ من يتخلَّص منها إلا مَنْ شاء الله، وهي تدور على شيئين: 1 – شُبُهات. 2 – شهوات. أما الشُّبُهات: فتعرض للإنسان في عِلْمِه ِ، فيلتبس عليه الحقُّ بالباطل، فيرى الباطل حقًّا، والحقَّ باطلاً، وإذا رأى الحقَّ باطلاً تجنَّبه، وإذا رأى الباطلَ حقّاً فَعَلَهُ. وأمَّا الشَّهوات فتعرض للإنسان في إرادته، فيريد بشهواته ما كان محرَّماً عليه، وهذه فتنة عظيمة، فما أكثر الذين يرون الرِّبا غنيمة فينتهكونه! وما أكثر الذين يرون غِشَّ النَّاسِ شطارةً وجَودةً في البيع والشِّراء فيغشُّون! وما أكثر الذين يرون النَّظَرَ إلى النساء تلذُّذاً وتمتُّعاً وحرية، فيطلق لنفسه النظر للنساء! بل ما أكثر الذين يشربون الخمر ويرونه لذَّة وطرباً! وما أكثر الذين يرون آلاتِ اللهو والمعازف فنًّا يُدرَّسُ ويُعطى عليه شهادات ومراتب! وأما فتنة الممات: فاختلف فيها العلماءُ على قولين: القول الأول: إن " فتنة الممات ": سؤال الملَكَين للميِّت في قَبْرِه عن ربِّه، ودينه ونبيِّه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه أُوحِيَ إليَّ أنكم تُفتنون في قبوركم مثل أو قريباً من فتنة المسيح الدَّجَّال) ، فأمَّا مَنْ كان إيمانُه خالصاً فهذا يسهل عليه الجواب. فإذا سُئل: مَنْ ربُّك؟ قال: ربِّي الله. مَنْ نبيُّك؟ قال: نبيِّي محمَّد. ما دينك؟ قال: ديني الإسلام، بكلِّ سُهولة. وأما غيره - والعياذ بالله - فإذا سُئل قال: هاه ... هاه ... لا أدري؛ سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته. وتأمل قوله: " هاه ... هاه ... " كأنه كان يعلم شيئاً فنسيه، وما أشدَّ الحسرة في شيء علمتَه ثم نسيتَه؛ لأن الجاهل لم يكسب شيئاً، لكن النَّاسي كسب الشيء فخسره، والنتيجة يقول: لا أدري مَنْ ربِّي، ما ديني، مَنْ نبيي، فهذه فتنة عظيمة؛ أسألُ الله أن ينجِّيني وإيَّاكم منها، وهي في الحقيقة تدور على ما في القلب، فإذا كان القلب مؤمناً حقيقة: يرى أمور الغيب كرأي العين، فهذا يجيب بكلِّ سُهولة، وإن كان الأمر بالعكس: فالأمر بالعكس. القول الثاني: المراد بـ " فتنة الممات ": ما يكون عند الموت في آخر الحياة، ونصَّ عليها - وإنْ كانت مِن فتنة الحياة - لعظمها وأهميتها، كما نصَّ على فِتنة الدَّجَّال مع أنها مِن فتنة المحيا، فهي فِتنة ممات؛ لأنها قُرب الممات، وخصَّها بالذِّكر لأنها أشدُّ ما يكون؛ وذلك لأن الإنسان عند موته ووداع العمل صائر إما إلى سعادة، وإما إلى شقاوة، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن أحدَكُم ليعملُ بعملِ أهلِ الجنَّة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتابُ؛ فيعملُ بعملِ أهل النَّارِ) فالفتنة عظيمة. وأشدُّ ما يكون الشيطانُ حرصاً على إغواء بني آدم في تلك اللحظة، والمعصومُ مَنْ عَصَمَه الله، يأتي إليه في هذه الحال الحرجةِ التي لا يتصوَّرها إلا من وقع فيها، قال تعالى: (كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ. وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ. وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ. وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ. إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ) القيامة/26– 30، حال حرجة عظيمة، الإنسانُ فيها ضعيفُ النَّفْسِ، ضعيفُ الإِرادة، ضعيفُ القوَّة، ضيقُ الصَّدر، فيأتيه الشيطانُ ليغويه؛ لأن هذا وقت المغنم للشيطان، حتى إنه كما قال أهل العلم: قد يعرضُ للإِنسان الأديان اليهودية، والنصرانية، والإسلامية بصورة أبويه، فيعرضان عليه اليهودية والنصرانية والإسلامية، ويُشيران عليه باليهودية أو بالنصرانية، والشيطان يتمثَّلُ كُلَّ واحد إلا النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه أعظم الفِتَن ِ. ولكن هذا - والحمد لله - لا يكون لكلِّ أحدٍ، كما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وحتى لو كان الإنسان لا يتمكَّن الشيطان من أن يَصِلَ إلى هذه الدرجة معه، لكن مع ذلك يُخشى عليه منه. يقال: إنَّ الإمام أحمد وهو في سكرات الموت كان يُسمَعُ وهو يقول: بعدُ، بعدُ، فلما أفاق قيل له في ذلك؟ قال: إنَّ الشيطان كان يعضُّ أنامله يقول: فُتَّني يا أحمد، يعضُّ أنامله ندماً وحسرة كيف لم يُغوِ الإمام أحمد! فيقول له أحمد: بعدُ، بعدُ، أي: إلى الآن ما خرجت الرُّوح، فما دامت الرُّوح في البدن فكلُّ شيء وارد ومحتمل، (رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا) آل عمران/8، في هذه الحال فتنة عظيمة جدّاً، ولهذا نصَّ النبي صلى الله عليه وسلم عليها قال: " مِن فِتنة المحيا والممات ". فالحاصل: أنَّ فتنة الممات فيها تفسيران: التفسير الأول: الفتنة التي تكون عند الموت. والثاني: التي تكون بعد الموت، وهي سؤال الملكين الإنسان عن رَبِّه ودينه ونبيِّه. ولا مانع بأن نقول: إنَّها تشمَلُ الأمرين جميعاً، ويكون قد نصَّ على الفتنة التي قبل الموت وعند الموت؛ لأنَّها أعظم فتنة تَرِدُ على الإنسان، وذكر ما يُخشى منها من سوء الخاتمة إذا لم يُجِرِ اللَّهُ العبد من هذه الفتنة. وعلى هذا ينبغي للمتعوِّذ مِن فِتنة الممات أن يستحضر كلتا الحالتين. " الشرح الممتع " (3 / 185 – 188) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 60191 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 هل يزور أو يشعر أو يرى الأموات بعضهم بعضا في القبور؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يزور أو يشعر أو يرى الأموات بعضهم في القبور؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، ثبت لقاء أرواح المؤمنين وتزاورهم، وهذه بعض الأحاديث الدالة على ذلك مع بعض فتاوى أهل العلم في هذه المسألة. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا حُضِرَ الْمُؤْمِنُ أَتَتْهُ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ بِحَرِيرَةٍ بَيْضَاءَ فَيَقُولُونَ اخْرُجِي رَاضِيَةً مَرْضِيًّا عَنْكِ إِلَى رَوْحِ اللَّهِ وَرَيْحَانٍ وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ فَتَخْرُجُ كَأَطْيَبِ رِيحِ الْمِسْكِ حَتَّى أَنَّهُ لَيُنَاوِلُهُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا حَتَّى يَأْتُونَ بِهِ بَابَ السَّمَاءِ فَيَقُولُونَ مَا أَطْيَبَ هَذِهِ الرِّيحَ الَّتِي جَاءَتْكُمْ مِنْ الأَرْضِ فَيَأْتُونَ بِهِ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ فَلَهُمْ أَشَدُّ فَرَحًا بِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ بِغَائِبِهِ يَقْدَمُ عَلَيْهِ فَيَسْأَلُونَهُ مَاذَا فَعَلَ فُلانٌ مَاذَا فَعَلَ فُلانٌ فَيَقُولُونَ: دَعُوهُ فَإِنَّهُ كَانَ فِي غَمِّ الدُّنْيَا. فَإِذَا قَالَ: أَمَا أَتَاكُمْ؟ قَالُوا: ذُهِبَ بِهِ إِلَى أُمِّهِ الْهَاوِيَةِ. وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا احْتُضِرَ أَتَتْهُ مَلائِكَةُ الْعَذَابِ بِمِسْحٍ ـ كساء من شعر ـ فَيَقُولُونَ: اخْرُجِي سَاخِطَةً مَسْخُوطًا عَلَيْكِ إِلَى عَذَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَتَخْرُجُ كَأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ حَتَّى يَأْتُونَ بِهِ بَابَ الأَرْضِ فَيَقُولُونَ مَا أَنْتَنَ هَذِهِ الرِّيحَ حَتَّى يَأْتُونَ بِهِ أَرْوَاحَ الْكُفَّارِ) رواه النسائي (1833) وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (2758) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وأما قوله " هل تجتمع روحه مع أرواح أهله وأقاربه؟ ": ففي الحديث عن أبى أيوب الأنصارى وغيره من السلف ورواه أبو حاتم فى الصحيح عن النبى صلى الله عليه وسلم: " أن الميت إذا عرج بروحه تلقته الأرواح يسألونه عن الأحياء فيقول بعضهم لبعض: دعوه حتى يستريح، فيقولون له: ما فعل فلان؟ فيقول: عمِل عمَل صلاح، فيقولون: ما فعل فلان؟ فيقول: ألم يقدم عليكم؟ فيقولون: لا، فيقولون: ذُهب به إلى الهاوية ". ولما كانت أعمال الأحياء تُعرض على الموتى: كان أبو الدرداء يقول: " اللهم إنى أعوذ بك أن أعمل عملا أخزى به عند عبد الله بن رواحة "، فهذا اجتماعهم عند قدومه يسألونه فيجيبهم. وأما استقرارهم فبحسب منازلهم عند الله، فمَن كان من المقرَّبين: كانت منزلته أعلى مِن منزلة مَن كان مِن أصحاب اليمين، لكن الأعلى ينزل إلى الأسفل والأسفل لا يصعد إلى الاعلى، فيجتمعون إذا شاء الله كما يجتمعون فى الدنيا، مع تفاوت منازلهم ويتزاورون. وسواء كانت المدافن متباعدة في الدنيا أو متقاربة، قد تجتمع الأرواح مع تباعد المدافن، وقد تفترق مع تقارب المدافن، يدفن المؤمن عند الكافر، وروح هذا في الجنة، وروح هذا في النار، والرجلان يكونان جالسيْن أو نائميْن في موضعٍ واحدٍ وقلبُ هذا ينعَّم، وقلب هذا يعذَّب، وليس بين الروحيْن اتصال، فالأرواح كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف " رواه مسلم (2638) .) " مجموع الفتاوى " (24 / 368) . قال ابن القيم: المسألة الثانية وهى أن ارواح الموتى هل تتلاقي وتتزاور وتتذاكر أم لا؟ وهي أيضاً مسألة شريفة كبيرة القدر وجوابُها: أن الأرواح قسمان: أرواح معذبة، وأرواح منعَّمة؛ فالمعذبة في شغل بما هي فيه من العذاب عن التزاور والتلاقي، والأرواح المنعمة المرسلة غير المحبوسة تتلاقى وتتزاور وتتذاكر ما كان منها في الدنيا وما يكون من أهل الدنيا، فتكون كل روح مع رفيقها الذي هو على مثل عملها، وروح نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في الرفيق الأعلى، قال الله تعالى: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً) النساء/69 وهذه المعية ثابتة في الدنيا، وفي دار البرزخ، وفي دار الجزاء، و " المرء مع من أحب " في هذه الدور الثلاثة، ... وقال تعالى: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي) الفجر/27-30 أي: ادخلي جملتهم وكوني معهم، وهذا يقال للروح عند الموت ... وقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى عن الشهداء بأنهم (أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) وأنهم (وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ) وأنهم (يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ) وهذا يدل على تلاقيهم من ثلاثة أوجه: أحدها: أنهم عند ربهم يرزقون، وإذا كانوا أحياء فهم يتلاقون، الثاني: أنهم إنما استبشروا بإخوانهم لقدومهم ولقائهم لهم، الثالث: أن لفظ " يستبشرون " يفيد في اللغة أنهم يبشر بعضهم بعضاً مثل يتباشرون. " الروح " (ص 17، 18) . وقد وردت أحاديث تنص على تزاور الموتى والأمر بتحسين الكفن لأجل هذا، ولكن لم يصح منها حديث، ومنها حديث أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من ولى أخاه فليحسن كفنه فإنهم يتزاورون فيها." شعب الإيمان " (7 / 10) . وفيه " سلم بن إبراهيم الورَّاق " كذَّبه ابن معين والذهبي، وضعفه آخرون. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20820 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 حساب الكافر في الآخرة [السُّؤَالُ] ـ[الإنسان المؤمن محل الحساب يوم القيامة، إن خيراً فخير وإن شراً فشر، فكيف يكون الكافر محلاً للحساب كذلك وهو غير مطالب بالتكليفات المطالب بها المؤمن؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا السؤال مبني على فهم ليس بصحيح، فإن الكافر مطالب بما يُطالب به المؤمن لكنه غير ملزم به في الدنيا، ويدل على أنه مطالب قوله تعالى: (إلا أصحاب اليمين في جنات يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين) فلولا أنهم تأثروا بترك الصلاة وترك الطعام وإطعام المساكين لولا أنهم تأثروا بترك بذلك ما ذكروه، وهذا دليل على أنهم يعاقبون على فروع الإسلام وكما أن هذا هو مقتضى الأثر فهو أيضاً مقتضى النظر، فإذا كان الله تعالى يعاقب عبده المؤمن على ما أخل به من واجب في دينه فكيف لا يعاقب عبده الكافر؟ بل إني أزيدك أن الكافر يعاقب على كل ما أنعم الله به عليه من طعام وشراب وغيره قال تعالى: (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جُناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين) . فمنطوق الآية رفع الجناح عن المؤمنين فيما طعموه، ومفهومها وقوع الجناح على الكافرين فيما طعموه، وكذلك قول الله سبحانه وتعالى: (قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة) فإن قوله: (قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا) دليل على أن غير المؤمن ليس له حق في أن يستمتع بها، أقول ليس له حق شرعي، أما الحق بالنظر إلى الأمر الكوني وهو أن الله سبحانه وتعالى خلقها وانتفع بها هذا الكافر فهذا أمر لا يمكن إنكاره، فهذا دليل على أن الكافر يحاسب حتى على ما أكل من المباحات وما لبس، وكما أن هذا مقتضى الأثر فإنه مقتضى النظر، إذ كيف يتمتع هذا الكافر العاصي لله الذي لا يؤمن به كيف يحق له عقلاً أن يستمتع بما خلقه الله عز وجل وما أنعم الله به على عباده؟ إذا تبين لك هذا فإن الكافر يحاسب يوم القيامة على عمله، ولكن حساب الكافر على عمله يوم القيامة ليس كحساب المؤمن لأن المؤمن يحاسب حساباً يسيراً، يخلو به الرب عز وجل ويقرره بذنوبه حتى يعترف ثم يقول له سبحانه وتعالى: (قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم) أما الكافر – والعياذ بالله – فإن حسابه أن يٌقرر بذنوبه ويُخزى بها على رؤوس الأشهاد، (ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين) [الْمَصْدَرُ] من فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين في كتاب فتاوى إسلامية 1/82. الحديث: 14490 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 حقيقة الإيمان باليوم الآخر [السُّؤَالُ] ـ[ما المراد بالإيمان باليوم الآخر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله وبعد: اعلم وفقك الله لطاعته أن المراد بـ (الإيمان باليوم الآخر) هو: التصديق الجازم بإتيان ووقوع كل ما أخبر الله عنه في كتابه وأخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت، ويدخل في ذلك الإيمان بعلامات الساعة التي تكون قبلها، وبالموت وما يصاحبه من أحوال الاحتضار وما بعده من فتنة القبر وعذابه ونعيمه، وبالنفخ في الصور والبعث، وما في موقف القيامة من الأهوال، وتفاصيل الحشر والحساب، وبالجنة ونعيمها الذي أعلاه النظر إلى وجه الله عز وجل، وبالنار وعذابها الذي أشده حجبهم عن ربهم عز وجل. والعمل بمقتضى هذا الاعتقاد. وإذا تحقق هذا الإيمان في قلب العبد أثمر له ثمرات عظيمة جليلة منها: الأولى: الرغبة في فعل الطاعات والحرص عليها رجاء ثواب ذلك اليوم. الثانية: الرهبة من فعل المعصية والرضى بها خوفا من عقاب ذلك اليوم. الثالثة: تسلية المؤمن عما يفوته من النعيم في الدنيا بما يرجوه من نعيم الآخرة وثوابها. نسأل الله العظيم أن يمن علينا بالإيمان الصادق واليقين الراسخ..آمين. انظر أعلام السنة المنشورة (110) وشرح الأصول الثلاثة للشيخ ابن عثيمين (98 – 103) . [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 13994 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 حوض الكوثر ونهر الكوثر [السُّؤَالُ] ـ[ما هو الكوثر؟ وهل هو خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الكوثر في لغة العرب وصف يدل على المبالغة في الكثرة أما في الشرع فله معنيان: المعنى الأول: أنه نهر في الجنة أعطاه الله لنبيه صلى الله عليه وسلم وهذا المعنى هو المراد في قوله تعالى: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) الكوثر/1، كما فسره النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كما روى مسلم في صحيحه (607) عن أنس رضي الله عنه قال: " بينما نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ غفا إغفاءة , ثم رفع رأسه متبسما فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: نزلت علي سورة. فقرأ. بسم الله الرحمن الرحيم. (إنا أعطيناك الكوثر إلى آخرها) , ثم قال: أتدرون ما الكوثر؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: فإنه نهر وعدنيه ربي عليه خير كثير , وهو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة " الحديث. وعند الترمذي (3284) عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب ومجراه على الدر والياقوت.. الحديث " وقال الترمذي: إنه حسن صحيح. وصححه الألباني كما في صحيح سنن الترمذي (3 / 135) . المعنى الثاني: أنه حوض عظيم ـ والحوض هو: مجمع الماء ـ يوضع في أرض المحشر يوم القيامة ترد عليه أمة محمد صلى الله عليه وسلم. وهذا الحوض يأتيه ماؤه من نهر الكوثر الذي في الجنة، ولذا يسمى حوض الكوثر والدليل على ذلك ما رواه مسلم في صحيحه (4255) من حديث أبي ذر " أن الحوض يشخب (يصب) فيه ميزابان من الجنة " وظاهر الحديث أن الحوض بجانب الجنة لينصب فيه الماء من النهر الذي داخلها " كما قال ذلك ابن حجر رحمه الله في الفتح (11 / 466) . والله أعلم. وأما هل هو خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم دون غيره من الأنبياء أم لا؟ فأما نهر الكوثر الذي يُصب من مائه في الحوض فإنه لم يُنقل نظيره لغير النبي صلى الله عليه وسلم وامتن الله عليه به في السورة فلا يبعد أنه خاص بنبينا صلى الله عليه وسلم دون غيره من الأنبياء. وأما حوض الكوثر فقد اشتهر عند العلماء اختصاص نبينا صلى الله عليه وسلم به وممن صرح بذلك القرطبي في المفهم. لكن أخرج الترمذي (2367) من حديث سمرة قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ لكل نَبِيٍّ حَوْضًا وَإِنَّهُمْ يَتَبَاهَوْنَ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ وَارِدَةً وَإِنِّي أَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ " وهذا الحديث جميع أسانيده ضعيفة، لكن بعض العلماء حكم له بالقبول لكثرة أسانيده كما فعل الألباني في الصحيحة (1589) ، ومنهم من حكم عليه بالضعف. فإذا ثبت الحديث كان المختص بنبينا صلى الله عليه وسلم النهر دون الحوض، وإن لم يثبت فلا يبعد أن يكون الحوض أيضا خاصاً به دون غيره. والله أعلم. وقد ورد في السنة الصحيحة ذكر صفات النهر الذي في الجنة والحوض الذي في أرض المحشر فمن صفات نهر الكوثر الذي في الجنة: ما رواه البخاري في صحيحه عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بينا أنا أسير في الجنة، إذا أنا بنهر حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاك ربك قال: فضرب الملك بيده، فإذا طينه أو طيبه مسك أزفر " وفي المسند (12084) عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أعطيت الكوثر، فإذا هو نهر يجري على ظهر الأرض، حافتاه قباب اللؤلؤ، ليس مسقوفاً فضربت بيدي إلى تربته، فإذا تربته مسك أذفر، وحصباؤه اللؤلؤ " وصححه الألباني في الصحيحة (2513) وفي رواية عنه في المسند أيضا (12828) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الْكَوْثَرِ فقَالَ: " ذاك نهر أعطانيه الله يعني في الجنة أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل فيه طير أعناقها كأعناق الجزر (الإبل) قال عمر إِنَّ تِلْكَ لَطَيْرٌ نَاعِمَةٌ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَكَلَتُهَا أَنْعَمُ مِنْهَا يَا عُمَر " وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3740) وأما صفات الحوض الذي في أرض المحشر فمنها: ما رواه البخاري (6093) ومسلم (4244) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أنه قال: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ وَزَوَايَاهُ سَوَاءٌ مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنْ اللَّبَنِ وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنْ الْمِسْكِ وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ مَنْ شَرِبَ مِنْهَا فَلَا يَظْمَأُ أَبدا " وفي صحيح مسلم (4261) عن أَنَسٌ رضي الله عنه قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تُرَى فِيهِ أَبَارِيقُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَعَدَدِ نُجُومِ السماء " َو في رواية: " أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ " وفيه أيضا (4256) عَنْ ثَوْبَاَن رضي الله عنه أن النبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ َسُئِلَ عَنْ شَرَابِهِ؛ فَقَالَ: " أَشَدُّ بَيَاضًا مِنْ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنْ الْعَسَلِ يَغُتُّ (يصب) فِيهِ مِيزَابَانِ يَمُدَّانِهِ مِنْ الْجَنَّةِ أَحَدُهُمَا مِنْ ذَهَبٍ وَالآخَرُ مِنْ وَرِق (فضة) " وأحاديث الحوض لا شك في تواترها عند أهل العلم بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من خمسين صحابيا، وقد ذكر الحافظ ابن حجر أسماء رواة أحاديثه من الصحابة في الفتح (11/468) حتى قال القرطبي في المفهم شرح صحيح مسلم: " مما يجب على كل مكلف أن يعلمه ويصدق به أن الله سبحانه وتعالى قد خص نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بالحوض المصرح باسمه وصفته وشرابه في الأحاديث الصحيحة الشهيرة التي يحصل بمجموعها العلم القطعي.. " وأما عن موقع الحوض في أرض المحشر: فقد اختلف العلماء في هذا: فمنهم من قال:إنه يكون بعد الصراط. ومنهم من قال: إنه يكون قبل الصراط وهو قول الأكثر وهو الأرجح والله أعلم لأنه يؤخذ بعض من يرد عليه إلى النار، فلو كان موقعه بعد الصراط لما استطاعوا الوصول إليه لأنهم يكونون قد سقطوا في النار والعياذ بالله. وفي ختام هذا المبحث لابد من التنبيه على أمر في غاية الأهمية والخطورة وهو: أنه ليس كل من انتمى للأمة المحمدية سينال نعمة وشرف الشرب من حوض النبي صلى الله عليه وسلم، ويده الشريفة، بل قد صرحت الأحاديث أن هناك من رجال هذه الأمة من يذاد ويدفع عن الحوض دفعا شديدا، نسأل الله العافية. فَمَن هؤلاء الذين سيشربون ومن أولئك الذين سيدفعون؟ لقد أجاب الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا السؤال إجابة واضحة شافية حتى لا يبقى لمعتذر عذر، ولا لمتقاعس حجة فقد روى مسلم في صحيحه (367) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى الْمَقْبُرَةَ فَقَالَ: " السَّلامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لاحِقُونَ وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا" قَالُوا: أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَال:َ" أَنْتُمْ أَصْحَابِي وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ " فَقَالُوا كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: " أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلا لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْرَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ أَلا يَعْرِفُ خَيْلَهُ؟ " قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: " فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ الْوُضُوءِ وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ أَلا لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ أُنَادِيهِمْ أَلا هَلُمَّ فَيُقَالُ إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ فَأَقُولُ سُحْقًا سُحْقًا " والغرّة: بيانض في وجه الفرس والتحجيل: بياض في قوائمه و (دهم بهم) أي: أسود شديد خالص لا يخالطه لون آخر. وفي البخاري (6528) ومسلم (4243) عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ سَمِعْتُ سَهْلا يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " أَنَا فَرَطُكُمْ (أي: سابقكم) عَلَى الْحَوْضِ مَنْ وَرَدَ شَرِبَ وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا وَلَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ " قَالَ أَبُو حَازِمٍ فَسَمِعَ النُّعْمَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ وَأَنَا أُحَدِّثُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ هَكَذَا سَمِعْتَ سَهْلا يَقُولُ قَالَ فَقُلْتُ نَعَمْ قَالَ وَأَنَا أَشْهَدُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ لَسَمِعْتُهُ يَزِيدُ فَيَقُول [أي النبي صلى الله عليه وسلم ُ] : " إِنَّهُمْ مِنِّي" فَيُقَالُ: إِنَّكَ لا تَدْرِي مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ. فَأَقُولُ: "سُحْقًا سُحْقًا لِمَنْ بَدَّلَ بَعْدِي " وعند البخاري في صحيحه (2194) ومسلم (4257) عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَذُودَنَّ رِجَالا عَنْ حَوْضِي كَمَا تُذَادُ الْغَرِيبَةُ مِنْ الإِبِلِ عَنْ الْحَوْضِ " قال القرطبي رحمه الله: " قال علماؤنا رحمهم الله أجمعين: فكل من ارتد عن دين الله أو أحدث فيه ما لا يرضاه الله، ولم يأذن به فهو من المطرودين عن الحوض المبعدين عنه، وأشدهم طردا من خالف جماعة المسلمين وفارق سبيلهم كالخوارج على اختلاف فرقها، والروافض على تباين ضلالها، والمعتزلة على أصناف أهوائها [ومن نحا نحوهم أو سلك طريقهم] وكذلك الظلمة المسرفون في الجور والظلم وتطميس الحق وقتل أهله وإذلالهم والمعلنون بالكبائر المستخفون بالمعاصي، وجماعة أهل الزيغ والأهواء والبدع.. " التذكرة للقرطبي (306) فعلى العبد أن يجتهد في متابعة النبي صلى الله عليه وسلم وعدم مخالفته في أي شيء من هديه رجاء أن يمن الله عليه بالشرب من هذا الحوض المبارك، وإلا فأي خزي وندامة أشد من خزي وندامة من يدفع من بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وقد بلغ به العطش مبلغا لا يطاق ولا يحتمل فيمنع من الشرب من ذاك الماء البارد الطيب، ثم يزاد عليه العذاب والخزي والحسرة بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم بالسحق والبعد والعياذ بالله، فتصَوُّر هذا عذاب، فكيف بمعاينته والتعرض له؟!. نسأل الله أن يمن علينا وعلى إخواننا المسلمين بالتوفيق لمتابعة السنة ومجانبة البدعة والمعصية ... آمين. والحمد لله رب العالمين. يراجع (القيامة الكبرى 257 – 262) و (الجنة والنار 166، 167) للشيخ / عمر الأشقر و (فتح الباري للحافظ ابن حجر 11 / 466) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 48995 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 كيف يأخذ المسلم العاصي كتابه يوم القيامة؟ [السُّؤَالُ] ـ[عند تطاير الصحف هل مَنْ سيأخذ الكتاب بيمينه لن يدخل النار مطلقا؟ والعكس، وكيف سيأخذ أهل الجنة اللذين سيعذبون في النار أولاً كتابهم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله دل الكتاب والسنة على أن الناس يأخذون كتبهم التي هي صحائف أعمالهم يوم القيامة، فآخذ كتابه باليمين، وآخذ كتابه بالشمال من وراء ظهره. قال الله تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِيه * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيه * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيه * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيه * يَالَيْتَهَا كَانَتْ الْقَاضِيَةَ. . . إلى قوله تعالى: (إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ) الحاقة/19- 33. وقال تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا * إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا * إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ) الانشقاق/7- 14. دلت الآيات على أن المؤمن السعيد يأخذ كتابه بيمينه، وأن الكافر الشقي يأخذ كتابه بشماله، من وراء ظهره. والدليل على أن أهل الشمال هم الكفار قوله تعالى في سياق الآيات: (إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ) . وقوله: (إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ) أي ظن أنه لن يرجع إلى الله. ويدل على ذلك أيضا قوله تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ) البلد/19. قال القرطبي رحمه الله في تفسيره (20/65) : (أي يأخذون كتبهم بشمائلهم) انتهى. وهذا كالصريح في أن الأخذ بالشمال مقصور على الكفار. ولا شك أن المؤمن المطيع الناجي من العذاب، يأخذ كتابه بيمينه، ويدل على ذلك سياق الآيات، فإن الحساب اليسير هو مجرد عرض الأعمال، دون مناقشة فيها، ومن نوقش الحساب عُذِّب أو هلك، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري (6172) ومسلم (2876) . ويدل على ذلك أيضا: ما رواه البخاري (2441) ومسلم (2768) وابن ماجه (183) عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ الْمَازِنِيِّ قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا أَمْشِي مَعَ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا آخِذٌ بِيَدِهِ إِذْ عَرَضَ رَجُلٌ فَقَالَ: كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي النَّجْوَى؟ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ اللَّهَ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ فَيَقُولُ: أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، أَيْ رَبِّ. حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ قَالَ: سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ، فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ [زاد ابن ماجه: بِيَمِينِهِ] . وَأَمَّا الْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيُنَادَى بِهِمْ عَلَى رُءُوسِ الْخَلائِقِ: هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ. وأما عصاة الموحدين، ممن يدخل النار ثم يخرج منها، فقد اختُلف فيهم: فمن أهل العلم من قال: إنهم يأخذون كتبهم بأيمانهم. ومنهم من قال: يأخذونها بشمائلهم. قال السفاريني رحمه الله: " يعطى الكافر كتابه بشماله من وراء ظهره، ويعطى المؤمن العاصي كتابه بشماله من أمامه. ويعطى المؤمن الطائع كتابه بيمينه من أمامه. وقد جزم الماوردي بأن المشهور أن الفاسق الذي مات على فسقه دون توبة يأخذ كتابه بيمينه، ثم حكى قولا بالوقوف [أي التوقف في المسألة] قال: ولا قائل بأنه يأخذه بشماله. وقال يوسف بن عمر من المالكية: اختلف في عصاة الموحدين فقيل: يأخذون كتبهم بأيمانهم، وقيل: بشمائلهم. وعلى القول بأنهم يأخذونها بأيمانهم قيل: يأخذونها قبل الدخول في النار، فيكون ذلك علامة على عدم خلودهم فيها. وقيل: يأخذونها بعد الخروج منها. والله أعلم " انتهى من لوامع الأنوار البهية 2 (/183) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: بالنسبة للعاصي المؤمن هل يأخذ كتابه بيمينه أو بالشمال؟ فأجاب: " يأخذه بيمينه " انتهى من الأسئلة الملحقة بشرح السفارينية (ص 500) . والذي يظهر - والله أعلم - أنه لا يأخذ كتابه بشماله إلا الكافر، كما هو ظاهر الآيات المتقدمة. والذي ينبغي للمسلم أن يجتهد في تحصيل الطاعات، وفعل الخيرات، ليكون من أهل اليمين، جعلنا الله تعالى منهم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 52887 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 حقيقة النفخ في الصور [السُّؤَالُ] ـ[ما هو (الصور) المذكور في قوله تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ) الزمر/68، وكيف يكون النفخ فيه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصور في لغة العرب هو: القرن (يشبه البوق) وقد سئل رسول الله عن الصور ففسره بما تعرفه العرب من كلامها كما في سنن الترمذي (3244) وغيره عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال أعرابي: يا رسول الله ما الصور؟ قال: " قرن ينفخ فيه " وصححه الألباني في الصحيحة (1080) وأما الذي يَنفُخ فيه: فقد " اشتهر أنه إسرافيل عليه السلام، ونقل بعض العلماء الإجماع على ذلك، ووقع التصريح به في بعض الأحاديث " انظر (فتح الباري 11 / 368) وقد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن صاحب الصور مستعد للنفخ فيه منذ أن خلقه الله تعالى كما في المستدرك عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن طرف صاحب الصور منذ وكل به مستعد ينظر نحو العرش، مخافة أن يؤمر قبل أن يرتد إليه طرفه كأن عينيه كوكبان دريان " وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1078) . وقد ذهب أكثر العلماء إلى أن النفخ في الصور يكون مرتين: الأولى يحصل بها الصعق، والثانية يحصل بها البعث مستدلين بقوله تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّه ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ) الزمر/68. وبما ورد في الأحاديث الصحيحة التي ذكرت هاتين النفختين وما يترتب عليهما من آثار فقد روى البخاري (4651) ومسلم (2955) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما بين النفختين أربعون. قالوا: يا أبا هريرة أربعون يوما؟ قال: أبيت قالوا أربعون شهرا؟ قال: أبيت قالوا: أربعون سنة؟ قال: أبيت. ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل. قال: وليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظما واحدا وهو عجب الذنب ومنه يركب الخلق يوم القيامة " قال النووي: ومعنى قول أبي هريرة (أبيت) أي أبيت أن أجزم أن المراد أربعون يوماً أو سنة أو شهراً بل الذي أجزم به أنها أربعون مجملة. اهـ. وفي صحيح مسلم (2940) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ".. ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتا ورفع ليتا قال:وأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله قال فيصعق ويصعق الناس ثم يرسل الله أو قال ينزل الله مطرا كأنه الطل أو الظل (شك الراوي) فتنبت منه أجساد الناس ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون " وقوله: (أصغى ليتا) : أصغى أي أمال، والليت هو جانب العنق والمعنى فلا يبقى أحد إلا أمال عنقه، ورفع عنقه، وقوله: (يلوط حوض إبله) : أي يطين ويصلح مجمع الماء الذي تشرب منه إبله. (شرح النووي على مسلم 18 /76) ومن العلماء من قال: إنها ثلاث نفخات وزاد فيها نفخة الفزع وأنها تكون قبل نفخة الصعق ثم تليها نفخة الصعق مستندين على ما ورد في قوله تعالى: (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ) النمل/87 ولكن لا يلزم من ذكر الصعق في آية والفزع في الأخرى أن لا يحصلا معا من النفخة الأولى بل هما متلازمان فإذا نفخ في الصور فزع الناس فزعاً صعقوا منه وماتوا. واستدلوا أيضاً ببعض الأحاديث التي ورد فيها أن النفخات ثلاث. لكن الحديث الذي استدلوا به هو حديث الصور الطويل؛ وهو حديث ضعيف مضطرب كما يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله. والله أعلم. انظر التذكرة للقرطبي (184) وفتح الباري (11 / 369) . فيستفاد مما سبق أن الله تعالى إذا أذن بموت الأحياء أمر ملك الصور أن ينفخ فيه؛ فينفخ نفخة عظيمة تفزع جميع الخلائق فيصعقون منها ويهلكون، ثم يمكثون على ذلك مدة قدرها أربعين من غير تحديد بسنة أو شهر أو يوم ـ الله أعلم بمقدارها ـ فتتحلل أجسادهم في هذه المدة ولا يبقى منها إلا عجب الذنب وهو العظم المستدير الذي في أصل الظهر، ثم يرسل الله سحابا فتمطر مطرا فإذا أصاب الماء هذا العظم نبت منه الجسم كما ينبت النبات ويتركب الخلق من هذا العظم كما بدأ الله الخلق أول مرة يعيده وهو على كل شيء قدير، ثم ينفخ في الصور نفخة البعث فتعود الأرواح إلى الأجساد فيخرجون من القبور سراعا إلى أرض المحشر نسأل الله رحمته ولطفه. وبعد فالواجب على المسلم أن يستعد لهذه اللحظات الحاسمة بالمبادرة للأعمال الصالحة، والمسارعة في الخيرات، والبعد عن الأمور المنكرة، ومجانبة السيئات. وإذا كان أخشى الخلق لله وأتقاهم له يقول: " كيف أنعم وقد التقم صاحب القرن القرن وحنى جبهته وأصغى سمعه، ينتظر أن يؤمر أن ينفخ فينفخ.. "أخرجه الترمذي في السنن (2431) وغيره وصححه الألباني في السلسة (1079) فكيف بحالنا نحن المقصرين الضعفاء؟! نسأل الله أن يجعلنا ممن لا يحزنهم الفزع الأكبر، وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون.. آمين. والله أعلم. ياجع (القيامة الكبرى للشيخ عمر الأشقر 33- 42) و (أعلام السنة المنشورة 122) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49009 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 يسأل عن الموت في شهر رمضان [السُّؤَالُ] ـ[هل صحيح أن كل من يموت في شهر رمضان يدخل الجنة دون أن يحاسب على أعماله؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قد تفضل الله تعالى على نفر من خاصة عباده فوعدهم بدخول الجنة من غير حساب ولا عذاب؛ فعن عبد الله بْنُ عَبَّاس، رضي الله عنهما،ٍ قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم:َ عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ وَمَعَهُ الرُّهَيْطُ (جماعة قليلة من الناس) وَالنَّبِيَّ وَمَعَهُ الرَّجُلُ وَالرَّجُلانِ، وَالنَّبِيَّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَد.ٌ إِذْ رُفِعَ لِي سَوَادٌ عَظِيمٌ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ أُمَّتِي. فَقِيلَ لِي: هَذَا مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَوْمُهُ وَلَكِنْ انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ، فَقِيلَ لِي: انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ الآخَرِ فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ، فَقِيلَ لِي: هَذِهِ أُمَّتُكَ وَمَعَهُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلا عَذَابٍ. ثُمَّ نَهَضَ فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ فَخَاضَ النَّاسُ فِي أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلا عَذَابٍ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ فَلَعَلَّهُمْ الَّذِينَ صَحِبُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ فَلَعَلَّهُمْ الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الإِسْلامِ وَلَمْ يُشْرِكُوا بِاللَّه،ِ وَذَكَرُوا أَشْيَاءَ. فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا الَّذِي تَخُوضُونَ فِيه؟ ِ فَأَخْبَرُوهُ، فَقَالَ: هُمْ الَّذِينَ َلا يَسْتَرْقُونَ وَلا يَتَطَيَّرُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ. فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ فَقَالَ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. فَقَالَ: أَنْتَ مِنْهُمْ. ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فَقَالَ سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ " البخاري 5705، مسلم 220. [الرهط: هم الجماعة دون العشرة، والرهيط تصغير له. رفع لي: ظهر لي، سواد عظيم: السواد الشخص يرى من بعيد لا يدرى من هو، الأفق: منتهى البصر.] ولم يذكر في هؤلاء السبعين ألفا من مات في شهر رمضان، وإنما المذكورون هم خاصة المؤمنين الذين حققوا مقام التوحيد لرب العالمين، قال في فتح المجيد: (قوله وعلى ربهم يتوكلون، ذكر الأصل الجامع الذي تفرعت عنه هذه الأفعال والخصال، وهو التوكل على الله، وصدق الالتجاء إليه، والاعتماد بالقلب عليه، الذي هو نهاية تحقيق التوحيد الذي يثمر كل مقام شريف: من المحبة والرجاء والخوف، والرضا بالله ربا وإلها، الرضا بقضائه.) [ص 74] . وإنما ورد في فضل من مات صائما قول النبي، صلى الله عليه وسلم: (َ مَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ خُتِمَ لَهُ بِهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ صَامَ يَوْمًا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ خُتِمَ لَهُ بِهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ خُتِمَ لَهُ بِهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ) رواه الإمام أحمد 22813 , من حديث حذيفة، رضي الله عنه، وقال الألباني في أحكام الجنائز: إسناده صحيح. ومما ينبغي الاهتمام به، أن الحديث السابق، قد دل على أن علو مقام هؤلاء السبعين ألفا، جعلنا الله وإياكم منهم، في العمل الصالح، هو الذي أنزلهم تلك المنزلة عند الله تعالى؛ قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله، بعد ما ذكر هذا الحديث في كتاب التوحيد: (فيه.. عمق علم السلف، لمعرفتهم أنهم لن ينالوا ذلك إلا بعمل) ، وليس يخفى على السائل أنه لو كان هناك فضل لمن يموت في رمضان فإن هذا خاص بمن مات من المؤمنين؛ ولا يشمل كل من مات في رمضان. وكذلك الحديث الذي سبق ذكره، في فضل من مات صائما، دل على أن دخول الجنة إنما كان موعودا على عمل صالح، ختم له به، وليس على مجرد الموت في شهر رمضان، مع أنه ليس فيه تلك الفضيلة الخاصة؛ دخول الجنة بغير حساب. والله الموفق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49759 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 تفسير الآية 33 من سورة الرحمن [السُّؤَالُ] ـ[أرجو أن تساعدني في تفسير آية رقم 33 من سورة الرحمن لأني لا أتكلم العربية. وجزاك الله خيرا]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال تعالى: يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لا تَنفُذُونَ إِلاّ بِسُلْطَانٍ (33) سورة الرحمن وهذا التحدّي من الله للعباد يكون في أرض المحشر حينما يجمع الخلائق كلهم جنّهم وإنسهم وتنشق السماوات وتهبط الملائكة من كلّ سماء فتحيط بأهل المحشر فيتحدّاهم الله بالهروب فلا يستطيعون، وكيف سيستطيعون وهم لا حول لهم ولا قوّة والملائكة تحاصرهم وتحيط بهم من كلّ جانب. قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: أي لا تستطيعون هربا من أمر الله وقدره بل هو محيط بكم لا تقدرون على التخلص من حكمه ولا النفوذ عن حكمه فيكم أينما ذهبتم أحيط بكم وهذا في مقام الحشر الملائكة محدقة بالخلائق سبع صفوف من كل جانب فلا يقدر أحد على الذهاب "إلا بسلطان" أي إلا بأمر الله "يقول الإنسان يومئذ أين المفر. كلا لا وزر. إلى ربك يومئذ المستقر" [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 1028 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 أعمار أهل الجنة [السُّؤَالُ] ـ[كم سيكون عمر الرجل والمرأة الدائم في الجنة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يدخل أهل الجنة الجنة على أكمل صورة وأجملها، على صورة أبيهم آدم عليه السلام وقد خلقه الله تعالى بيده فأتم خلقه وأحسن تصويره وكل من يدخل الجنة يكون على صورة آدم وخلقته، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خلق الله عز وجل آدم على صورته طوله ستون ذراعا ... فكل من يدخل الجنة على صورة آدم وطوله ستون ذراعا ... ) رواه البخاري (5873) ومسلم (7092) أما أعمارهم فكلهم يدخل الجنة في عمر القوة والفتوة والشباب أبناء ثلاث وثلاثين، فعن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يدخل أهل الجنة الجنة جرداً مرداً مكحلين أبناء ثلاثين أو ثلاث وثلاثين سنة) رواه الترمذي (2545) وصححه الألباني في صحيح الجامع (7928) . ورواه أحمد (8505) عن أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ (أبناء ثلاث وثلاثين) من غير شك. قال أحمد شاكر: إسناده حسن. (جرداً) الأجرد هو الذي لا شعر على جسده. (مرداً) الأمرد هو الشاب الذي لا لحية له. اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20469 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 إجابة عن إشكالات في آيات حياة المسيح عليه السلام وموته [السُّؤَالُ] ـ[أنا من متابعي موقعكم ولا أشك أبداً في أن حرفا واحدا من القرآن قد تم تحريفه وأرجو أن تشرح لي اللبس في هاتين الآيتين الأولى في سورة مريم (وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) فما معني يوم أموت؟ وفي آية ") وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً) النساء/159، فما معنى هذا؟) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً) النساء/157 أدرس في الصين ولدي الكثير من الأصدقاء من أديان مختلفة ويسألوني عن القرآن وموقف الإسلام من عيسى عليه السلام، أحاول أن أجيب على أسئلتهم وأرجو أن تجيبني في أسرع وقت.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله بدايةً نشكر لك حرصك على السؤال عن أمر دينك، وسعيك للتبصر في تفسير كتاب الله جل وعلا، ونسأل الله أن يرزقنا وإياك العلم النافع، أما فيما يتعلق بقوله تعالى: (وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً) مريم/33، فقد قال الطبري في تفسيره:" وقوله {والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا} يقول: والأمن من الله عليَّ من الشيطان وجنده يوم ولدت أن ينالوا مني ما ينالون ممن يولد عند الولادة، من الطعن فيه، ويوم أموت، من هول المطلع، ويوم أبعث حياً يوم القيامة أن ينالني الفزع الذي ينال الناس بمعاينتهم أهوال ذلك اليوم " [تفسير الطبري 8 / 340] وقال القرطبي:" {والسلام علي} أي السلامة علي من الله تعالى. قال الزجاج ذكر السلام قبل هذا بغير ألف ولام فحسن في الثانية ذكر الألف واللام. وقوله: يوم ولدت يعني في الدنيا. وقيل: من همز الشيطان كما تقدم في ((آل عمران)) . ويوم أموت يعني في القبر. ويوم أبعث حيا يعني في الآخرة، لأن له أحوالاً ثلاثة: في الدنيا حياً، وفي القبر ميتاً، وفي الآخرة مبعوثاً، فسلم في أحواله كلها " [تفسير القرطبي 11 / 98] ومما سبق من أقوال المفسرين تعلم أن قوله {ويوم أموت} ليس معناه أنه قد مات، وإنما معناه أنه عند موته – وذلك بعد نزوله وقتله للدجال كما ثبت في الأحاديث – فإنه يسلم من الموت على غير الإيمان بالله تعالى، وهذا كما أنه قال {ويوم أبعث حيا} وليس معناه أنه قد بعث يوم القيامة!! ، فكلامه صلى الله عليه وسلم إنما هو عن أحواله في ولادته، وفي موته، وفي بعثه، ولا شك أنه سيموت، لكن كما دلت الآيات الأخرى التي سقتها، فإنه لم يمت بالقتل أو الصلب، وإنما رفعه الله إليه، وسيموت بعد نزوله من السماء، وقتله للدجال. أما قوله تعالى: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً) النساء/ 159، فقد اختلف أهل العلم في مرجع الضمير في قوله {موته} على قولين: القول الأول: أن مرجع الضمير إلى عيسى ابن مريم عليه السلام، وعلى هذا يكون معنى الآية، أنه ما من أحد من أهل الكتاب إلا سيؤمن بعيسى عليه السلام، وذلك قبل موته – أي عيسى -، فإنه إذا نزل من السماء، وقتل الدجال، فإنه يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية فلا يقبل إلا الإسلام، وحينها يؤمن أهل الكتاب به، قبل موته صلى الله عليه وسلم، ويعلمون أنه حق، وأنه لم يمت من قبل، فالكلام في الآية عن علامة من علامات الساعة، وشرط من أشراط يوم القيامة، سيكون بعد نزول عيسى، وأنه قبل أن يموت في ذلك الزمان سيؤمن به أهل الكتاب. وقد ورد ما يؤيد هذا القول من قول أبي هريرة رضي الله عنه بعد روايته للحديث الدال على نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان، فعن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلا فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الْوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا) النساء/159) . البخاري 3192 مسلم 220. القول الثاني: أن مرجع الضمير إلى الكتابي نفسه، وعلى هذا يكون معنى الآية، أنه ما من أحد من أهل الكتاب إلا سيؤمن بعيسى عليه السلام، وأنه حق، وأنه لم يمت، وذلك عندما يعاين سكرات الموت، ويرى الحقائق والبراهين، فعند موت ذلك الكتابي سيعلم أن ما كان عليه هو الباطل، لكن لا ينفعه ذلك الإيمان حينئذ. وعلى كلا القولين السابقين فليس في الآية دليل أو إشارة إلى موته صلى الله عليه وسلم، وإنما الكلام – في القول الأول – على أمر غيبي سيحصل في المستقبل، وهو بلا شك سيموت عليه السلام، لكن بعد نزوله كما سبق، وعلى القول الثاني: فالمراد بقوله (قبل موته) أي موت الكتابي نفسه. وقد رجح الطبري وابن كثير وغيرهما من أئمة التفسير القول الأول، قال ابن كثير:" وقوله تعالى: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً) النساء/159 "، قال ابن جرير: اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته} يعني قبل موت عيسى، يوجه ذلك إلى أن جميعهم يصدقون به إذا نزل لقتل الدجال، فتصير الملل كلها واحدة، وهي ملة الإسلام الحنيفية، دين إبراهيم عليه السلام ..... عن ابن عباس قال: وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته، قال: قبل موت عيسى بن مريم عليه السلام. ... وعن الحسن {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته} قال: قبل موت عيسى والله إنه لحي عند الله، ولكن إذا نزل آمنوا به أجمعون ..... قال ابن جرير: وقال آخرون: يعني بذلك قبل موت صاحب الكتاب، ذكر من كان يوجه ذلك إلى أنه علم الحق من الباطل لأن كل من نزل به الموت لم تخرج نفسه حتى يتبين له الحق من الباطل في دينه. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في الآية، قال: لا يموت يهودي حتى يؤمن بعيسى ..... وقال ابن عباس: لو ضربت عنقه لم تخرج نفسه حتى يؤمن بعيسى .... وعن ابن عباس، قال: لا يموت اليهودي حتى يشهد أن عيسى عبد الله ورسوله. قال ابن جرير: وأولى هذه الأقوال بالصحة القول الأول، وهو أنه لا يبقى أحد من أهل الكتاب بعد نزول عيسى عليه السلام إلا آمن به قبل موت عيسى عليه السلام، ولا شك أن هذا الذي قاله ابن جرير هو الصحيح، لأنه المقصود من سياق الاي في تقرير بطلان ما ادعته اليهود من قتل عيسى وصلبه، وتسليم من سلم لهم من النصارى الجهلة ذلك، فأخبر الله أنه لم يكن كذلك، وإنما شبه لهم، فقتلوا الشبه وهم لا يتبينون ذلك، ثم إنه رفعه إليه، وإنه باق حي، وإنه سينزل قبل يوم القيامة، كما دلت عليه الأحاديث المتواترة ... فيقتل مسيح الضلالة، ويكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية يعني لا يقبلها من أحد من أهل الأديان، بل لا يقبل إلا الإسلام أو السيف، فأخبرت هذه الآية الكريمة أنه يؤمن به جميع أهل الكتاب حينئذ ولا يتخلف عن التصديق به واحد منهم، ولهذا قال: وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته أي قبل موت عيسى عليه السلام الذي زعم اليهود ومن وافقههم من النصارى أنه قتل وصلب، ويوم القيامة يكون عليهم شهيداً أي بأعمالهم التي شاهدها منهم قبل رفعه إلى السماء وبعد نزوله إلى الأرض " [تفسير ابن كثير 1 / 762] ولا بد من التنبيه – أيها الأخ الكريم – على أن مناقشة النصارى لا بد أن تكون عن علم وبينة، حتى لا يكون الإنسان سببا في عدم قبول الناس للحق بسبب ضعف حجته، وإلا فليس عند النصارى حجة صحيحة أصلا، إلا إنهم يلقون بالشبهات ليزيفوا الحقائق، وليلبسوا الحق بالباطل، أعاذنا الله من طرق الزائغين. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 43506 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 كيف يحتمل الناس دنو الشمس يوم القيامة [السُّؤَالُ] ـ[كيف تدنو الشمس يوم القيامة من الخلائق مقدار ميل ولا تحرقهم وهي لو دنت عما هي عليه الآن في الدنيا لاحترقت الأرض؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: " إن وظيفة المؤمن فيما ورد من أخبار الغيب القبول والتسليم وأن لا يسأل عنها بكيف؟ ولم؟ – وهذه قاعدة يجب أن تبنى عليها عقيدتنا – لأن هذا أمر فوق ما تتصوره أنت، فالواجب عليك أن تقبل وتسلم وتقول: آمنا وصدقنا، آمنا بأن الشمس تدنو من الخلائق يوم القيامة بمقدار ميل، وما زاد على ذلك من الإيرادات فهو من البدع، ولهذا لما سئل الإمام مالك- رحمه الله – عن استواء الله على العرش كيف استوى؟ قال: " السؤال عنه بدعة " هكذا أيضاً كل أمور الغيب السؤال عنها بدعة وموقف الإنسان منها القبول والتسليم. جواب الشق الثاني بالنسبة لدنو الشمس من الخلائق يوم القيامة فإننا نقول: إن الأجسام تبعث يوم القيامة لا على الصفة التي عليها في الدنيا من النقص وعدم التحمل بل هي تبعث بعثاً كاملاً تاماً، ولهذا يقف الناس يوم القيامة يوماً مقداره خمسون ألف سنة لا يأكلون ولا يشربون، وهذا أمر لا يحتمل في الدنيا، فتدنو الشمس منهم وأجسامهم قد أعطيت من القوة ما يتحمل دنوها، ومن ذلك ما ذكرناه من الوقوف خمسين ألف سنة لا يحتاجون إلى طعام ولا شراب، فالأجسام يوم القيامة لها شأن آخر غير شأنها في هذه الدنيا " [الْمَصْدَرُ] انتهى من مجموع فتاوى بن عثيمين 2/35. الحديث: 43314 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 الدجال يخرج في آخر الزمان فلماذا حذر الأنبياء أقوامهم منه ومتى وأين سيخرج؟ [السُّؤَالُ] ـ[لماذا حذر الأنبياء أقوامهم من الدجال مع أنه لا يخرج إلا في آخر الزمان؟ ومتى يخرج الدجال؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: أعظم فتنة على وجه الأرض منذ خلق آدم إلى قيام الساعة هي فتنة الدجال كما قال ذلك النبي، صلى الله عليه وسلم، ولهذا ما من نبي من نوح إلى محمد، صلوات الله عليهم وسلامه، إلا أنذر قومه به تنويهاً بشأنه، وتعظيماً له، وتحذيراً منه، وإلا فإن الله يعلم أنه لن يخرج إلا في آخر الزمان، ولكن أمر الرسل أن ينذروا قومهم إياه من أجل أن تتبين عظمته وفداحته، وقد صح ذلك عن النبي، عليه الصلاة والسلام، وقال: " إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم – صلوات الله وسلامه عليه يعني أكفيكم إياه - وإلا فامرؤ حجيج نفسه والله خليفتي على كل مسلم " مسلم 5228 نِعْمَ الخليفة ربنا – جل وعلا -. فهذا الدجال شأنه عظيم بل هو أعظم فتنة كما جاء في الحديث منذ خلق آدم إلى أن تقوم الساعة، فكان حريّاً بأن يُخَصّ من بين فتن المحيا بالتعوذ من فتنته في الصلاة " أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال ". وأما الدجال فهو مأخوذ من الدجل وهو التمويه؛ لأن هذا مموه بل أعظم مموه وأشد الناس دجلاً. ثانياً: خروج المسيح الدجال من علامات الساعة ولكنه غير محدد، لأنه لا يعلم متى تكون الساعة إلا الله فكذلك أشراطها ما نعلم منها إلا ما ظهر، فوقت خروجه غير معلوم لنا لكننا نعلم أنه من أشراط الساعة. ثالثاً: وأما جهة خروجه فإنه يخرج من المشرق من جهة الفتن والشر كما قال النبي، صلى الله عليه وسلم: " الفتنة هاهنا " وأشار إلى المشرق (البخاري 3279، ومسلم 5167) ، فالمشرق منبع الشر والفتن، يخرج من المشرق من خراسان مارّاً بأصفهان داخلاً الجزيرة من بين الشام والعراق ليس له هم إلا المدينة، لأن فيها البشير النذير، عليه الصلاة والسلام، فيحب أن يقضي على أهل المدينة، ولكنها محرمة عليه كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: " على كل باب منها ملائكة يحفظونها " رواه البخاري 1880 ومسلم 2449، هذا الرجل يخرج بين الشام والعراق، ويتبعه من يهود أصفهان سبعون ألفاً لأنهم جنوده (رواه مسلم 5237) ، فاليهود من أخبث عباد الله وهو أضل عباد الله فيتبعونه ويؤوونه وينصرونه، ويكونون مسالح له- أي جنوداً مجندين- هم وغيرهم ممن يتبعهم، قال النبي، عليه الصلاة والسلام: " يا عباد الله فاثبتوا يا عباد الله فاثبتوا " رواه مسلم 5228، يثبتنا عليه الصلاة والسلام، لأن الأمر خطير وقال عليه الصلاة والسلام: "من سمع بالدجال فلينأ عنه فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث به من الشبهات " رواه أبو داود 3762 وصححه الألباني في صحيح أبي داود. يأتيه الإنسان ويقول: لن يضلني ولن أتأثر به، ولكن لا يزال يلقي عليه من الشبهات حتى يتبعه والعياذ بالله." نسأل الله أن يحفظنا بحفظه والحمد لله رب العالمين ... [الْمَصْدَرُ] انتهى من مجموع فتاوى ابن عثيمين رحمه الله.. 2/13. الحديث: 42970 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 كيفية سؤال الميت في القبر [السُّؤَالُ] ـ[هل سؤال الميت في قبره حقيقي وأنه يجلس في قبره ويناقش؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: " سؤال الميت في قبره حقيقي بلا شك والإنسان في قبره يجلس ويناقش ويسأل. فإن قال قائل: إن القبر ضيق فكيف يجلس؟! فالجواب: أولاً: أن الواجب على المؤمن في الأمور الغيبية أن يقبل ويصدّق، ولا يسأل كيف؟ ولم؟ لأنه لا يسأل عن كيف ولم إلا من شك، وأما من آمن وانشرح صدره لأخبار الله ورسوله، فيسلّم ويقول: الله أعلم بكيفية ذلك. ثانياً: أن تعلق الروح بالبدن في الموت ليس كتعلقها به في حال الحياة، فللروح مع البدن شؤون عظيمة لا يدركها الإنسان، وتعلقها بالبدن بعد الموت لا يمكن أن يقاس بتعلقها به في حال الحياة، وهاهو الإنسان في منامه يرى أنه ذهب، وجاء، وسافر، وكلم أناساً، والتقى بأناس أحياء وأموات، ويرى أن له بستاناً جميلاً، أو داراً موحشة مظلمة، ويرى أنه راكب على سيارة مريحة، ويرى مرة أنه راكب على سيارة مقلقة كل هذا يمكن مع أن الإنسان على فراشه لم يتغير، حتى الغطاء الذي عليه لم يتغير ومع ذلك فإننا نحس بهذا إحساساً ظاهراً، فتعلق الروح بالبدن بعد الموت يخالف تعلقها به في اليقظة أو في المنام ولها شأن آخر لا ندركه نحن، فالإنسان يمكن أن يجلس في قبره ويسأل ولو كان القبر محدوداً ضيقاً. هكذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، فمنه البلاغ، وعلينا التصديق والإذعان قال الله تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً) النساء / 65 " [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى ابن عثيمين 2/34. الحديث: 43138 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 من هم الولدان المخلدون؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل الولدان المخلدون هم أطفال المسلمين الذين ماتوا صغارا؟؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الله تعالى في شأن أهل الجنة: (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ) الواقعة /17 وقال تعالى: (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً) الإنسان/19 قال ابن كثير رحمه الله: أي: يطوف على أهل الجنة للخدمة ولدان من ولدان الجنة، مخلدون: أي: على حالة واحدة، مخلدون عليها لا يتغيرون عنها؛ لا تزيد أعمارهم عن تلك السن. قال ابن عباس رضي الله عنهما: غلمان لا يموتون. قال ابن القيم رحمه الله: قال أبو عبيدة والفراء: مخلدون: لا يهرمون ولا يتغيرون؛ قال: والعرب تقول للرجل إذا كبر ولم يشمط: إنه لمخلد، وإذا لم تذهب أسنانه من الكبر قيل: هو مخلد. وقوله تعالى في وصفهم، في سورة الإنسان: (إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا) أي: إذا رأيتهم في انتشارهم في قضاء حوائج السادة، وكثرتهم وصباحة وجوههم وحسن ألوانهم وثيابهم وحليهم، حسبتهم لؤلؤا منثورا، ولا يكون التشبيه أحسن من هذا، ولا في المنظر أحسن من اللؤلؤ المنثور على المكان الحسن. قال ابن القيم رحمه الله: وشبههم سبحانه باللؤلؤ المنثور لما فيه من البياض وحسن الخلقة. وفي كونه منثورا فائدتان: إحداهما: الدلالة على أنهم غير معطلين، بل مبثوثون في خدمتهم وحوائجهم. الثانية: أن اللؤلؤ إذا كان منثورا، ولاسيما على بساط من ذهب أو حرير، كان أحسن لمنظره وأبهى، من كونه مجموعا في مكان واحد. وقد اختلف العلماء فيمن يكون هؤلاء الولدان: فروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والحسن البصري أن المراد بالولدان هنا ولدان المسلمين الذين يموتون صغارا ولا حسنة لهم ولا سيئة. وروي عن سلمان رضي الله عنه أنه قال: أطفال المشركين هم خدم أهل الجنة. قال الحسن: لم يكن لهم حسنات يجزون بها، ولا سيئات يعاقبون عليها، فوضعوا في هذا الموضع. قال شيخ الإسلام رحمه الله: قال شيخ الإسلام رحمه الله: ولا أصل لهذا القول. " مجموع الفتاوى " (4/279) . وقال ابن القيم رحمه الله: وقد روى في ذلك حديث لا يثبت. وقيل: إن هؤلاء الولدان أنشأهم الله لأهل الجنة، يطوفون عليهم كما شاء، من غير ولادة. وهذا القول الأخير هو الذي ارتضاه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى. فقد سئل رحمه الله: عن الولدان: هل هم ولدان أهل الجنة؟ فأجاب: الولدان الذين يطوفون على أهل الجنة خلق من خلق الجنة ; ليسوا بأبناء أهل الدنيا بل أبناء أهل الدنيا إذا دخلوا الجنة يكمل خلقهم كأهل الجنة؛ على صورة آدم أبناء ثلاث وثلاثين سنة، في طول ستين ذراعا. وقد روي أيضا أن العرض سبعة أذرع. انظر: مجموع الفتاوى: 4/312 واستظهر ابن القيم رحمه الله هذا القول أيضا. قال: والأشبه أن هؤلاء الولدان مخلوقون من الجنة، كالحور العين، خدما لهم وغلمانا ... ، وهؤلاء غير أولادهم؛ فإن من تمام كرامة الله تعالى لهم أن يجعل أولادهم مخدومين معهم، ولا يجعلهم غلمانا لهم. راجع أيضا: السؤال رقم [6496] . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 43191 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 هل في الجنة مطار وطائرات؟ [السُّؤَالُ] ـ[ربما يبدو سؤالي طفوليّاً، إذا كان شخص يحب شيئاً في هذه الدنيا حبّاً عظيماً، فهل يحصل عليه في الجنة؟ كأن يحب الطائرات مثلاً، فهل يحصل عليها في الجنة؟ وهل يمكن أن يحصل على مطار أيضاً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس هذا السؤال طفوليّاً، بل هو شرعي من عاقل يحسن السؤال ويبحث عن الفائدة وعما يزيد شوقه للجنة وعمله للوصول لها، وقد سأل بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ما هو من جنس هذا السؤال. فعن سليمان بن بريدة عن أبيه أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هل في الجنة من خيل؟ قال: إنِ اللهُ أدخلك الجنة فلا تشاء أن تحمل فيها على فرس من ياقوتة حمراء يطير بك في الجنة حيث شئت، قال: وسأله رجل فقال يا رسول الله هل في الجنة من إبل؟ قال: فلم يقل له مثل ما قال لصاحبه، قال: إن يدخلك الله الجنة يكن لك فيها ما اشتهت نفسك ولذت عينك. رواه الترمذي (2543) ، والحديث حسَّنه الشيخ الألباني في " صحيح الترغيب " (3 / 522) . أما عن موضوع سؤالك المعين عمن يحب الطيران والطائرات فقد ورد في جنس هذا النعيم أحاديث صحيحة متنوعة. فقد ثبت أن أرواح الشهداء في حواصل طير في الجنة تسرح حيث شاءت رواه مسلم (2410) . وثبت أن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه يطير في الجنة بجناحين إكراماً من الله عز وجل بدل يديه اللتين قطعتا في غزوة مؤتة. فعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رأيتُ جعفراً يطير في الجنة مع الملائكة ". رواه الترمذي (3763) ، وصححه الألباني في " صحيح الجامع " (3465) . وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا سلم على ابن جعفر قال: السلام عليك يا ابن ذي الجناحين. رواه البخاري (3506) . والظاهر أن طيران الإنسان بنفسه أبلغ عند أكثر الناس من طيرانه بواسطة، وأن طيرانه بالخيل في الجنة كما في الحديث المذكور في أول السؤال أبلغ من الطيران بالطائرات، وقد جاءت آيات وأحاديث في أن للإنسان في الجنة من النعيم ما تشتهيه نفسه وأبلغ من ذلك. كما في قوله الله تعالى: {يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون} الزخرف / 71. قال السعدي في تفسير هذه الآية: " ما تشتهيه الأنفس " هذا اللفظ جامع يأتي على كل نعيم وفرح وقرة عين وسرور قلب ... على أكمل الوجوه وأفضلها. وقوله تعالى: {جنات عدن يدخلونها تجري من تحتها الأنهار لهم فيها ما يشاؤون كذلك يجزي الله المتقين} النحل / 31. وقوله صلى الله عليه وسلم: قال الله: " أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فاقرءوا إن شئتم {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين} . رواه البخاري (3072) ومسلم (2824) . فينبغي أن يقرر الإنسان في نفسه كمال الجنة المطلق وكمال سعادة أهلها. أما الجزم بأن في الجنة طائرات ومطارات ونحو ذلك مما لم يرد إثباته في النصوص فهذا من علم الغيب الذي يحتاج إلى دليل. ونقول كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن يدخلك الله الجنة يكن لك فيها ما اشتهت نفسك ولذت عينك) نسأل الله أن يعيننا وإياك للعمل بما يقودنا إلى النعيم المقيم في الجنة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20286 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 معنى حديث وضع ذنوب المسلمين على كفار أهل الكتاب [السُّؤَالُ] ـ[نرجو شرح الحديث القدسي الآتي الذي ورد ذكره في كتاب (110 حديث قدسي) ترجمة: سيد مسعود الحسن، راجعه وعلق عليه إبراهيم م قنا نشر دار السلام بالرياض 1996م/1417هـ. الحديث الثامن من ص 19 - 20 يقول: روى أبو موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن المسلمين ينقسمون يوم القيامة إلى 3 أقسام أحده يدخل الجنة بغير حساب والثانية يدخلون الجنة بعد حساب قليل أما الثالثة فيأتون يحملون أوزاراً كثيرة فيسأل الله عنهم الملائكة -وهو أعلم بهم- من هؤلاء؟ فيقولون هؤلاء عبادك المساكين. فيقول خذوا أوزارهم وضعوها على اليهود والنصارى وأبدلوهم حسنات وأدخلوهم الجنة. رواه الحاكم في المستدرك. فما معنى هذا الحديث وما مدى صحته؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحديث أصله في صحيح مسلم (2767) من حديث أبي موسى رضي الله عنه، عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: " يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال، فيغفرها الله لهم ويضعها على اليهود والنصارى ". هذا من حيث صحته. وأما معناه، فقال النووي في شرحه: (ومعنى هذا الحديث، ما جاء في حديث أبي هريرة: " لكل أحد منزل في الجنة ومنزل في النار "، فالمؤمن إذا دخل الجنة خلَفَه الكافر في النار لاستحقاقه ذلك بكفره. ومعنى " فكاكك من النار ": أنك كنت مُعَرَّضَا لدخول النار، وهذا فكاكك لأن الله تعالى قدّر لها عددا يملؤها، فإذا دخلها الكفار بكفرهم وذنوبهم صاروا في معنى الفكاك للمسلمين. وأما رواية: " يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب ": فمعناه: أن الله تعالى يغفر تلك الذنوب للمسلمين ويُسقطها عنهم، ويضع على اليهود والنصارى مثلها بكفرهم وذنوبهم، فيدخلهم النار بأعمالهم، لا بذنوب المسلمين، ولا بد من هذا التأويل، لقوله تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) . ويحتمل أن يكون المراد: آثاما كان للكفار سبب فيها بأن سنّوها، فتسقط عن المسلمين بعفو الله تعالى، ويوضع على الكفار مثلها لكونهم سنّوها، ومن سنّ سنّة سيئة كان عليه مثل وزر كل من يعمل بها. [الْمَصْدَرُ] الشيخ سعد الحميد. الحديث: 9488 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 منكر لعذاب القبر بحجة أنه لو كشف القبر لم يلحظ تغير [السُّؤَالُ] ـ[كيف نجيب من ينكر عذاب القبر ويحتج بأنه لو كشف القبر لوجد لم يتغير ولم يضق ولم يتسع؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: " يجاب من أنكر عذاب القبر بحجة أنه لو كشف القبر لوجد أنه لم يتغير بعدة أجوبة منها: أولاً: أن عذاب القبر ثابت بالشرع قال الله تعالى في آل فرعون: (النار يعرضون عليها غدواً وعشياً ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب) غافر / 46. وقوله صلى الله عليه وسلم: " فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع ثم أقبل بوجهه فقال: تعوذوا بالله من عذاب النار، قالوا: نعوذ بالله من عذاب النار، فقال: تعوذوا بالله من عذاب القبر قالوا: نعوذ بالله من عذاب القبر" رواه مسلم 2867. وقول النبي صلى الله عليه وسلم في المؤمن: " يفسح له في قبره مد بصره " رواه البخاري 1374 ومسلم 2870 إلى غير ذلك من النصوص. فلا يجوز معارضة هذه النصوص بوهم من القول بل الواجب التصديق والإذعان. ثانياً: أن عذاب القبر على الروح في الأصل، وليس أمراً محسوساً على البدن فلو كان أمراً محسوساً على البدن لم يكن من الإيمان بالغيب ولم يكن للإيمان به فائدة لكنه من أمور الغيب، وأحوال البرزخ لا تقاس بأحوال الدنيا. ثالثاً: أن العذاب والنعيم وسعة القبر وضيقه، إنما يدركه الميت دون غيره والإنسان قد يرى في المنام وهو نائم على فراشه أنه قائم وذاهب وراجع، وضارب ومضروب، ويرى أنه في مكان ضيق موحش، أو في مكان واسع بهيج، والذي حوله لا يرى ذلك ولا يشعر به. والواجب على الإنسان في مثل هذه الأمور أن يقول: سمعنا وأطعنا، وآمنا وصدقنا. " [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى ابن عثيمين رحمه الله (2/29) . الحديث: 34648 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 الحكمة من إخفاء عذاب القبر عن البشر [السُّؤَالُ] ـ[هل عذاب القبر من أمور الغيب أو من أمور الشهادة؟ وما هي الحكمة من جعله من أمور الغيب؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: " عذاب القبر من أمور الغيب، وكم من إنسان في هذه المقابر يعذب ونحن لا نشعر به، وكم جار له منعم مفتوح له باب إلى الجنة ونحن لا نشعر به، فما تحت القبور لا يعلمه إلا علام الغيوب، فشأن عذاب القبر من أمور الغيب، ولولا الوحي الذي جاء به النبي عليه الصلاة والسلام، ما علمنا عنه شيئاً، ولهذا لما دخلت امرأة يهودية إلى عائشة وأخبرتها أن الميت يعذب في قبره فزعت حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبرته وأقر ذلك عليه الصلاة والسلام، ولكن قد يُطلِعُ الله تعالى عليه من شاء من عباده، مثل ما أطلع نبيه صلى الله عليه وسلم على الرجلين اللذين يعذبان، أحدهما يمشي بالنميمة، والآخر لا يستنزه من البول. والحكمة من جعله من أمور الغيب هي: أولاً: أن الله – سبحانه وتعالى – أرحم الراحمين فلو كنا نطلع على عذاب القبور لتنكد عيشنا، لأن الإنسان إذا اطّلِع على أن أباه، أو أخاه، أو ابنه، أو زوجه، أو قريبه يعذب في القبر ولا يستطيع فكاكه، فإنه يقلق ولا يستريح. وهذه من نعمة الله سبحانه. ثانياً: أنه فضيحة للميت فلو كان هذا الميت قد ستر الله عليه ولم نعلم عن ذنوبه بينه وبين ربه عز وجل ثم مات وأطلعنا الله على عذابه، صار في ذلك فضيحة عظيمة له ففي ستره رحمة من الله بالميت. ثالثاً: أنه قد يصعب على الإنسان دفن الميت كما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام: " لولا ألا تدافنوا لسألت الله أن يسمعكم من عذاب القبر" رواه مسلم 2868. ففيه أن الدفن ربما يصعب ويشق ولا ينقاد الناس لذلك، وإن كان من يستحق عذاب القبر عذب ولو على سطح الأرض، لكن قد يتوهم الناس أن العذاب لا يكون إلا في حال الدفن فلا يدفن بعضهم بعضاً. رابعاً: أنه لو كان ظاهراً لم يكن للإيمان به مزية لأنه يكون مشاهداً لا يمكن إنكاره، ثم إنه قد يحمل الناس على أن يؤمنوا كلهم لقوله تعالى: (فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده) غافر / 84، فإذا رأى الناس هؤلاء المدفونين وسمعوهم يتصارخون آمنوا وما كفر أحد لأنه أيقن بالعذاب، ورآه رأي العين فكأنه نزل به. وحِكَم الله سبحانه وتعالى عظيمة، والإنسان المؤمن حقيقة هو الذي يجزم بخبر الله أكثر مما يجزم بما شاهده بعينه؛ لأن خبر الله عز وجل لا يتطرق إليه احتمال الوهم ولا الكذب، وما تراه بعينيك يمكن أن تتوهم فيه، فكم من إنسان شهد أنه رأى الهلال، وإذا هي نجمة، وكم من إنسان شهد أنه رأى الهلال وإذا هي شعرة بيضاء على حاجبه وهذا وهم، وكم من إنسان يرى شبحاً ويقول: هذا إنسان مقبل، وإذا هو جذع نخلة، وكم من إنسان يرى الساكن متحركاً والمتحرك ساكناً، لكن خبر الله لا يتطرق إليه الاحتمال أبداً. نسأل الله لنا ولكم الثبات، فخبر الله بهذه الأمور أقوى من المشاهدة، مع ما في الستر من المصالح العظيمة للخلق. والله أعلم." [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى الشيخ بن عثيمين رحمه الله 2/32. الحديث: 34649 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 كيف يحاسب الكافر في الآخرة مع أنه غير مطالب بالتكاليف الشرعية [السُّؤَالُ] ـ[كيف يحاسب الكافر يوم القيامة وهو غير مطالب بالتكاليف الشرعية؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: " هذا السؤال مبني على فهم ليس بصحيح فإن الكافر مطالب بما يطالب به المؤمن لكنه غير ملزم به في الدنيا ويدل على أنه مطالب قوله – تعالى: (إلا أصحاب اليمين. في جنات يتساءلون.عن المجرمين. ما سلككم في سقر. قالوا لم نك من المصلين. ولم نك نطعم المسكين. وكنا نخوض مع الخائضين. وكنا نكذب بيوم الدين) المعارج / 39 فلولا أنهم عوقبوا بترك الصلاة، وترك إطعام المساكين ما ذكروه، وذلك دليل على أنهم يعاقبون على فروع الإسلام، وكما أن هذا هو مقتضى الأثر فهو أيضاً مقتضى النظر فإذا كان الله تعالى يعاقب عبده المؤمن على ما أخل به من واجب في دينه فكيف لا يعاقب الكافر؟ بل إني أزيدك أن الكافر يعاقب على كل ما أنعم الله به عليه من طعام وشراب وغيره قال تعالى: (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جُناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين) المائدة / 93، فمنطوق الآية رفع الجناح عن المؤمنين فيما طعموه ومفهومها وقوع الجناح على الكافرين فيما طعموه، وكذلك قوله تعالى: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة) الأعراف / 32، فإن قوله: (قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا) دليل على أن غير المؤمن ليس له حق في أن يستمتع بها في الدنيا. أي ليس له حق شرعي، أما الحق بالنظر إلى الأمر الكوني وهو أن الله – سبحانه وتعالى- خلقها وانتفع بها هذا الكافر فهذا أمر لا يمكن إنكاره، فهذا دليل على أن الكافر يحاسب حتى على ما أكل من المباحات وما لبس، وكما أن هذا مقتضى الأثر فإنه مقتضى النظر، إذ كيف يحق لهذا الكافر العاصي لله الذي لا يؤمن به كيف يحق له عقلاً أن يستمتع بما خلقه الله عز وجل وما أنعم الله به على عباده، وإذ تبين لك هذا فإن الكافر يحاسب يوم القيامة على عمله، ولكن حساب الكافر يوم القيامة ليس كحساب المؤمن لأن المؤمن يحاسب حساباً يسيراً يخلو به الرب عز وجل ويقرره بذنوبه حتى يعترف ثم يقول له سبحانه وتعالى-: " قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم" أما الكافر والعياذ بالله فإن حسابه أن يقرر بذنوبه ويخزى بها على رؤوس الأشهاد: (ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين) هود / 18 " [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى ابن عثيمين 2/38 الحديث: 34694 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 هل يوم الحساب واحد [السُّؤَالُ] ـ[هل يوم الحساب يوم واحد؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: " يوم الحساب يوم واحد ولكنه يوم مقداره خمسون ألف سنة كما قال الله تعالى: (سأل سائل بعذاب واقع. للكافرين ليس له دافع. من الله ذي المعارج. تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) المعارج / 1-4 أي إن هذا العذاب يقع للكافرين في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: " ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار وأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه، وجبينه، وظهره، كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد " وهذا اليوم الطويل هو يوم عسير على الكافرين كما قال تعالى: (وكان يوماً على الكافرين عسيراً) الفرقان / 26 وقال تعالى: (فذلك يومئذ يوم عسير. على الكافرين غير يسير) المدثر / 9-10. ومفهوم هاتين الآيتين أنه على المؤمن يسير وهو كذلك، فهذا اليوم الطويل بما فيه من الأهوال والأشياء العظيمة ييسره الله تعالى على المؤمن، ويكون عسيراً على الكافر. وأسأل الله – تعالى – أن يجعلني وإخواني المسلمين ممن يسره الله عليهم يوم القيامة. والتفكير والتعمق في مثل هذه الأمور الغيبية هو من التنطع الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه: " هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون ". ووظيفة الإنسان في هذه الأمور الغيبية التسليم وأخذ الأمور على ظاهر معناها دون أن يتعمق أو يحاول القياس بينها وبين الأمور في الدنيا، فإن أمور الآخرة ليست كأمور الدنيا، وإن كانت تشبهها في أصل المعنى وتشاركها في ذلك، لكن بينهما فرق عظيم، وأضرب لك مثلاً بما ذكره الله – سبحانه وتعالى – في الجنة من النخل، والرمان، والفاكهة، ولحم الطير، والعسل والماء واللبن، والخمر وما أشبه ذلك مع قوله – عز وجل -: (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون) السجدة / 17 وقوله في الحديث القدسي: " أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر". وهذه الأشياء المذكورة من نعيم الجنة يوجد في الدنيا ما يسمى بهذه الأسماء، ولكن الاشتراك في الاسم لا يعني أن خمر الجنة كخمر الدنيا ـ أو أي فاكهة الجنة كفاكهة الدنيا ... وهكذا. وإن اشتركا في الاسم وفي أصل المعنى، فكل الأمور الغيبية التي تشارك ما يشاهد في الدنيا في أصل المعنى لا تكون مماثلة له في الحقيقة، فينبغي للإنسان أن ينتبه لهذه القاعدة وأن يأخذ أمور الغيب بالتسليم على ما يقتضيه ظاهرها من المعنى وألا يحاول شيئاً وراء ذلك. ولهذا لما سئل الإمام مالك - رحمه الله – عن قول الله تعالى: (الرحمن على العرش استوى) طه / 5 - كيف استوى؟ أطرق –رحمه الله- برأسه حتى علاه الرحضاء – أي العرق – وصار يتصبب عرقاً وذلك لعظم السؤال في نفسه ثم رفع رأسه وقال قولته الشهيرة التي كانت ميزاناً لجميع ما وصف الله به نفسه – رحمه الله -: " الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة ". فالسؤال المتعمق في مثل هذه الأمور بدعة لأن الصحابة –رضي الله عنهم- وهم أشد منا حرصاً على العلم وعلى الخير لم يسألوا النبي صلى الله عليه وسلم مثل هذه الأسئلة وكفى بهم قدوة، وما قلته الآن بالنسبة لليوم الآخر يجرى بالنسبة لصفات الله –عز وجل – التي وصف بها نفسه من العلم، والقدرة، والسمع، والبصر، والكلام وغير ذلك فإن مسميات هذه الألفاظ بالنسبة إلى الله – عز وجل – لا يماثلها شيء مما يشاركها في هذا الاسم بالنسبة للإنسان، فكل صفة فإنها تابعة لموصوفها فكما أن الله - سبحانه وتعالى – لا مثيل له في ذاته فلا مثيل له في صفاته. وخلاصة الجواب: أن اليوم الآخر يوم واحد وأنه عسير على الكافرين ويسير على المؤمنين، وأن ما ورد فيه من أنواع الثواب والعقاب أمر لا تدرك حقيقته في هذه الحياة الدنيا وإن كان أصل المعنى معلوماً لنا في هذه الحياة الدنيا ". [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى ابن عثيمين 2/40. الحديث: 34719 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 القبر ليس هو المثوى الأخير [السُّؤَالُ] ـ[يكثر في الصحف والأخبار قول إذا مات شخص ودفن، يقولون: انتقل إلى مثواه الأخير. فهل القبر هو المثوى الأخير؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "تفسير جزء عم" (ص 117) : القبور ليست آخر المنازل، بل هي مرحلة، سمع أعرابي رجلاً يقرأ قول الله تعالى: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ) التكاثر/1-2. فقال الأعرابي: والله ما الزائر بمقيم. فالأعرابي بفطرته عرف أن وراء هذه القبور شيئاً يكون المصير إليه، لأنه كما هو معلوم الزائر يزور ويمشي، وبه نعرف أن ما نقرؤه في الجرائد "فلان توفي ثم نقلوه إلى مثواه الأخير" أن هذه الكلمة غلط كبير، ومدلولها كفر بالله عز وجل، وكفر باليوم الآخر، لأنك إذا جعلت القبر هو المثوى الأخير فهذا يعني أنه ليس بعده شيء، والذي يرى أن القبر هو المثوى الأخير وليس بعده مثوى كافر، فالمثوى الأخير إما جنة وإما نار اهـ. [الْمَصْدَرُ] الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "تفسير جزء عم" (ص 117) الحديث: 33634 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 بطلان ما ورد في تحديد عمر الدنيا [السُّؤَالُ] ـ[سمعت أن بعض العلماء ذكروا أن القيامة ستقوم قبل سنة 1500 هـ، واستدلوا على ذلك بأحاديث عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فهل هذا الكلام صحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الكلام الذي أشار إليه السائل قال به السيوطي رحمه الله، فإنه ذكر في كتابه "الحاوي" (2/249–256) أن مدة الدنيا سبعة آلاف سنة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث في أواخر الألف السادسة. وآخر الألف السادسة أي: في النصف الثاني منها. وعلى هذا، يكون عمر هذه الأمة أكثر من ألف سنة وأقل من ألف وخمسمائة. قال رحمه الله: " لا يمكن أن تكون المدة ألفاً وخمسمائة أصلاً " اهـ. يعني: أن المدة لا بد أن تكون أقل من ألف وخمسمائة سنة. ثم ذكر الأحاديث والآثار التي استدل بها على ذلك، وبعضها من الإسرائيليات التي لا يجوز الاحتجاج بها، والبعض الآخر ضعيف، بل حكم عليه أهل العلم بأنه كذب وموضوع. ومما يدل على بطلان هذا الكلام: 1- لو كان هذا الكلام صحيحاً لكان كل أحد يعلم متى تقوم الساعة. وهذا خلاف ما دلت عليه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية دلالة قطعية أن وقت الساعة لا يعلمه إلا الله. قال الله تعالى: (يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً) . الأحزاب /63. قال ابن كثير (3/527) : يقول تعالى مخبراً لرسوله صلوات الله وسلامه عليه أنه لا علم له بالساعة وإن سأله الناس عن ذلك، وأرشده أن يردّ علمها إلى الله عز وجل اهـ. وقال الشنقيطي (6/604) : ومعلوم أن (إنما) صيغة حصر، فمعنى الآية: أن الساعة لا يعلمها إلا الله وحده اهـ. وقال تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسهَا (42) فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبّكَ مُنتَهَهَا (44) إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَهَا) النازعات /42-45. قال ابن كثير (4/736) : أي: ليس علمها إليك، ولا إلى أحد من الخلق، بل مردّها ومرجعها إلى الله عز وجل، فهو الذي يعلم وقتها على التعيين اهـ. وقال السعدي: " ولهذا لما كان علم العباد للساعة ليس لهم فيه مصلحة دينية ولا دنيوية بل المصلحة في إخفائه عليهم طوى علم ذلك عن جميع الخلق واستأثر بعلمه فقال: (إِلَى رَبّكَ مُنتهاهَا) " اهـ. ومن الأحاديث التي تدل على أن وقت الساعة لا يعلمه إلا الله: حديث جبريل المشهور وفيه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لجبريل لما سأله عن الساعة: (ما المسؤول عنها بأعلم من السائل) . رواه مسلم (8) . 2- هذه الآثار التي استدل بها السيوطي رحمه الله قد ضعفها أهل العلم بل حكموا عليها بأنها كذب. قال ابن القيم في "المنار المنيف" (1/80) وهو يذكر الطرق التي يعرف بها أن الحديث موضوع، قال: "ومنها: مخالفة الحديث لصريح القرآن، كحديث مقدار الدنيا وأنها سبعة آلاف سنة ونحن الآن في الألف السابعة. وهذا من أبين الكذب، لأنه لو كان صحيحا لكان كل أحد علم أنه قد بقي للقيامة من وقتنا هذا مئتان وإحدى وخمسون سنة، والله تعالى يقول: (يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله) الأعراف /187" اهـ. وقال ابن كثير في "النهاية في الفتن والملاحم" (1/25) : لم يثبت في حديث عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه حدد وقت الساعة بمدة محصورة، وإنما ذكر شيئاً من أشراطها وأماراتها وعلاماتها اهـ. وقال أيضاً (2/28) : والذي في كتب الإسرائيليين وأهل الكتاب من تحديد ما سلف بألوف ومائتين من السنين قد نص غير واحد من العلماء على تخطئتهم فيه وتغليطهم، وهم جديرون بذلك حقيقيون به، وقد ورد في حديث: "الدنيا جمعة من جمع الآخرة" ولا يصح إسناده أيضاً، وكذا كل حديث ورد فيه تحديد لوقت يوم القيامة على التعيين لا يثبت إسناده اهـ. وقال السخاوي في " المقاصد الحسنة" (ص: 444) : كل ما ورد مما فيه تحديدٌ لوقت يوم القيامة على التعيين، فإما أن يكون لا أصل له، أو لا يثبت إسناده اهـ. 3- ما ذكره السيوطي نفسه يدل على بطلان هذا القول. فإنه ذكر أن المهدي يظهر بعد الألف بمائتي سنة، وقد انقضت ألف وأربعمائة سنة ولم يظهر المهدي. وذكر أن الناس يمكثون بعد طلوع الشمس من مغربها مائة وعشرين سنة ثم تقوم الساعة. وهذا معناه أن الشمس قد طلعت من مغربها منذ أكثر من عشرين سنة!! وذكر أن الدجال يظهر على رأس مائة سنة، وينزل المسيح عيسى ابن مريم فيقتله، ويبقى بعده أربعين سنة، وها نحن في المائة الأخيرة –على قوله- وقد انقضى رأسها ولم يخرج الدجال ولم ينزل المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام. وذكر أن مجموع الآيات الكبرى كالدجال ونزول المسيح وطلوع الشمس من مغربها ستكون بداية وقوعها قبل الساعة بأكثر من مائتي سنة!!! فكل هذا يدل على بطلان هذا التحديد، وأن الواجب رد علم الساعة إلى الله كما أمر الله بذلك في قوله: (يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً) الأحزاب /63. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 33689 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكن يعلم متى تقوم الساعة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلم متى تقوم الساعة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله علم الساعة من الغيب الذي اختصّ الله تعالى به واستأثر بعلمه، فلم يطلع عليه أحداً من خلقه بما فيهم الأنبياء والمرسلون والملائكة المقربون. حتى أفضل الرسل وهو نبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكن يعلم متى تقوم الساعة. وقد جاءت نصوص الكتاب والسنة موضّحة أن علم الساعة غيب لا يعلمه أحد من المخلوقين. فمن أدلة القرآن الكريم على ذلك ما يلي: 1- قال تعالى: (يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً يَسْأَلونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) الأعراف /187. 2- وقال الله تعالى: (يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً) الأحزاب /63. فكان الناس يسألون الرسول صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم عن وقت قيام الساعة، فأمره الله تعالى أن يفوض علمها إليه (قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ) . قال ابن كثير (3/527) : يقول تعالى مخبراً لرسوله صلوات الله وسلامه عليه أنه لا علم له بالساعة وإن سأله الناس عن ذلك، وأرشده أن يردّ علمها إلى الله عز وجل اهـ. وقال الشنقيطي (6/604) : ومعلوم أن (إنما) صيغة حصر، فمعنى الآية: أن الساعة لا يعلمها إلا الله وحده اهـ. 3- وقال تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42) فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبّكَ مُنتَهاهَا (44) إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشاهَا) النازعات / 42-45. قال السعدي: "ولهذا لما كان علم العباد للساعة ليس لهم فيه مصلحة دينية ولا دنيوية بل المصلحة في إخفائه عليهم طوى علم ذلك عن جميع الخلق واستأثر بعلمه فقال: (إِلى رَبّكَ مُنتَهاهَا) اهـ. 4- وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ) لقمان /34. عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مفاتح الغيب خمس: (إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِى الأرْحَامِ وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ بِأَىّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلَيمٌ خَبِيرٌ) . رواه البخاري (4627) . وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: هذه الخمسة لا يعلمها إلا الله تعالى، ولا يعلمها ملك مقرب ولا نبي مرسل، فمن ادّعى أنه يعلم شيئاً من هذه فقد كفر بالقرآن لأنه خالفه. تفسير القرطبي (14/82) . وقال ابن كثير (3/462) : هذه مفاتيح الغيب التي استأثر الله تعالى بعلمها، فلا يعلمها أحد إلا بعد إعلامه تعالى بها، فعلم وقت الساعة لا يعلمه نبي مرسل ولا ملك مقرب اهـ. ومن الأحاديث التي تدل على أن وقت الساعة لا يعلمه إلا الله: 1- حديث جبريل المشهور وفيه قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لجبريل لما سأله متى الساعة؟ قال: (ما المسؤول عنها بأعلم من السائل) . رواه مسلم (8) . 2- وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول قبل أن يموت بشهر: (تسألوني عن الساعة، وإنما علمها عند الله، وأقسم بالله ما على الأرض من نفس منفوسة تأتي عليها مائة سنة) رواه مسلم (2538) . ومعنى الحديث: أن كل نفس مخلوقة كانت على ظهر الأرض عندما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا الحديث لا تعيش أكثر من مائة سنة. وليس معنى الحديث أن القيامة تقوم قبل مائة سنة. روى مسلم (2537) عن اِبْن عُمَر قال: يُرِيد بِذَلِكَ أَنْ يَنْخَرِم ذَلِكَ الْقَرْن. أَيْ يَنْقَطِع وَيَنْقَضِي. فهذا الحديث ينفي احتمال أن يكون علمها النبي صلى الله عليه وسلم بعد سؤال جبريل عنها. لأنه قبل أن يموت بشهر. فمن زعم بعد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم متى تقوم الساعة فهو جاهل، لأن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية السابقة ترد عليه. قال ابن القيم في "المنار المنيف": " وقد جاهر بالكذب بعض من يدعي في زماننا العلم فزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلم متى تقوم الساعة، قيل له: فقد قال في حديث جبريل: (ما المسؤول عنها بأعلم من السائل) ، فحرفه عن موضعه وقال: معناه: أنا وأنت نعلمها، وهذا من أعظم الجهل وأقبح التحريف، والنبي صلى الله عليه وسلم أعلم بالله من أن يقول لمن كان يظنّه أعرابياً: أنا وأنت نعلم الساعة، إلا أن يقول هذا الجاهل: إنه كان يعرف أنه جبريل، ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو الصادق في قوله: (والذي نفسي بيده، ما جاءني في صورة إلا عرفته غير هذه الصورة) رواه أحمد (374) وقال أحمد شاكر: "إسناده صحيح". . . وإنما علم النبي صلى الله عليه وسلم أنه جبريل بعد مدة كما قال عمر فلبثت ملياً ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا عمر، أتدري من السائل؟) رواه مسلم (8) . والمحرِّف يقول: علم وقت السؤال أنه جبريل ولم يخبر الصحابة بذلك إلا بعد مدة. ثم قوله: (ما المسؤول عنها بأعلم من السائل) يعمّ كلّ سائل ومسؤول، فكلّ سائل ومسؤول عن الساعة شأنهما كذلك" اهـ بتصرف واختصار. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 32627 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 وزن الأعمال وتوزيع الصحائف يوم القيامة [السُّؤَالُ] ـ[كيف يتم توزيع صحائف الأعمال يوم القيامة على العباد؟ وكيف توزن أعمالهم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله توزيع صحائف الأعمال: إذا تمت محاسبة العباد على أعمالهم، أُعطى كل عبد كتابه المشتمل على أعماله كلها فأما المؤمن فيعطاه بيمينه تكرمة له، وهو الناجي المسرور يوم القيامة قال الله تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا) القيامة /7-9. وقال: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِيه (19) إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيه (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ) الحاقة /19-24. أما الكافر والمنافق وأهل الضلال فيعطون كتبهم بشمالهم من وراء ظهورهم قال الله تعالى: (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11) وَيَصْلَى سَعِيرًا) القيامة/10-12. وقال: (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيه (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيه (26) يَا لَيْتَهَا كَانَتْ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيه (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيه (29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ) الحاقة /25-32. فإذا أعطي العباد كتبهم قيل لهم: (هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) الجاثية /29. (اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا) الإسراء /14. وأما الميزان: فيوضع الميزان لوزن أعمال العباد قال القرطبي: (فإذا انقضى الحساب كان بعده وزن الأعمال، لأن الوزن للجزاء، فينبغي أن يكون بعد المحاسبة، فإن المحاسبة لتقدير الأعمال، والوزن لإظهار مقاديرها ليكون الجزاء بحسبها) اهـ. وقد دلت النصوص الشرعية على أن الميزان ميزان حقيقي له كِفَّتان، توزن به أعمال العباد. وهو ميزان عظيم لا يقدر قدره إلا الله تعالى، وقد اختلف أهل العلم هل هو ميزان واحد تورزن به أعمال العباد أم أن الموازين متعددة ولكل شخص ميزانه الخاص، فمن قال بالتعدد استدلوا بأن الميزان قد ورد في بعض الآيات بصيغة الجمع، مثل قوله تعالى: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) الأنبياء /47. ومن قال بأنه واحد استدلوا بمثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يوضع الميزان يوم القيامة فلو وزن فيه السموات والأرض لوسعت، فتقول الملائكة: يا رب لمن يزن هذا؟ فيقول الله تعالى: لمن شئت من خلقي ... ) السلسلة الصحيحة (941) . وحملوا الآية التي ورد فيها الميزان بصيغة الجمع على تعدد الموزونات من الأعمال والأقوال والصحف والأشخاص. فقالوا: إنه جُمِع الأشياء التي توزن فيه. ومما يدل على وزن الأقوال عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ) رواه البخاري 6406. ويدل على وزن الأعمال ما صح عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَا مِنْ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ وَإِنَّ صَاحِبَ حُسْنِ الْخُلُقِ لَيَبْلُغُ بِهِ دَرَجَةَ صَاحِبِ الصَّوْمِ وَالصَّلاةِ) صحيح سنن الترمذي 1629. ومما يدل على وزن صحائف الأعمال حديث البطاقة عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ سَيُخَلِّصُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلًّا كُلُّ سِجِلٍّ مِثْلُ مَدِّ الْبَصَرِ ثُمَّ يَقُولُ أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الْحَافِظُونَ فَيَقُولُ لَا يَا رَبِّ فَيَقُولُ أَفَلَكَ عُذْرٌ فَيَقُولُ لا يَا رَبِّ فَيَقُولُ بَلَى إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً فَإِنَّهُ لا ظُلْمَ عَلَيْكَ الْيَوْمَ فَتَخْرُجُ بِطَاقَةٌ فِيهَا أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَيَقُولُ احْضُرْ وَزْنَكَ فَيَقُولُ يَا رَبِّ مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلاتِ فَقَالَ إِنَّكَ لا تُظْلَمُ قَالَ فَتُوضَعُ السِّجِلاتُ فِي كِفَّةٍ وَالْبِطَاقَةُ فِي كِفَّةٍ فَطَاشَتِ السِّجِلاتُ وَثَقُلَتِ الْبِطَاقَةُ فَلا يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللَّهِ شَيْءٌ) صحيح سنن الترمذي 2127. ومما يدل على وزن الأشخاص عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ الْعَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ وَقَالَ اقْرَءُوا (فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا) رواه البخاري 4729 وكذلك يدل عليه ما ثبت من أن ابْنِ مَسْعُودٍ كَانَ يَجْتَنِي سِوَاكًا مِنَ الأَرَاكِ وَكَانَ دَقِيقَ السَّاقَيْنِ فَجَعَلَتِ الرِّيحُ تَكْفَؤُهُ فَضَحِكَ الْقَوْمُ مِنْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مِمَّ تَضْحَكُونَ) قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مِنْ دِقَّةِ سَاقَيْهِ فَقَالَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ أُحُدٍ) حسن إسناده الألباني في شرح الطحاوية برقم 571 ص 418. نسأل الله تعالى أن يثقل موازيننا. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 31805 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 لا يمكن الحكم بالإسلام لمن لم يشهد بالشهادتين [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان الإنسان كافراً منذ أن وُلد، ولكنه مخلص ولم يقترف معاصٍ كبيرة ويعتقد بأن كل شخص على حقّ، ولم يخبره أحدٌ عن الإسلام، وتوفي في هذه الحالة، أين يذهب مثل هذا يوم القيامة؟ جزاك الله خيراً..]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الشخص الموصوف حاله في السؤال لا يمكن الحكم له بالإسلام حتى ولو كان حسن الأخلاق لأنّه لم يشهد بالشهادتين ولم يؤمن بالله ربا وبمحمد نبيا وبالإسلام دينا، واعتقاد أنّ كلّ الأديان على وجه الأرض صحيحة وانّ أتباعها جميعا على حقّ هو أمر من أبطل الباطل ومن أعظم الكفر قال الله تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) سورة الزمر 9 وقال سبحانه: (وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلا الْمُسِيءُ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ (58) سورة غافر وقال: (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلْ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لا يَمْلِكُونَ لأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ) الرعد 16 وقال عزّ وجلّ: (قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ) المائدة 100 وقال سبحانه: (وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ (20) وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ (21) وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22) سورة فاطر أما عن مصير هذا الشخص موضع السؤال، وهل هو معذور بجهله أم لا؟ وما حاله يوم القيامة؟ فإننا نؤمن أنّ أمره إلى الله عزّ وجلّ وقد تقدّمت إجابة عن سؤال مشابه برقم (2443) يُرجى الرجوع إليها. والله تعالى أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 1506 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 لقاء الله يوم القيامة [السُّؤَالُ] ـ[أين الله؟ أنستطيع أن نقابل الله يوم الحساب؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لقد دلّت الأدلّة الشرعية من الكتاب العظيم والسنّة النبوية على أنّ الله سبحانه وتعالى فوق سماواته مستوٍ على عرشه استواء يليق بجلاله وعظمته كما قال سبحانه: (الرحمن على العرش استوى) ، ولمزيد من التفصيل يراجع سؤال 992. أما عن ملاقاة الله تعالى ورؤيته فإنّ لقاء الله يكون بعد الموت ويكون يوم القيامة ورؤيته سبحانه لا تكون إلا يوم القيامة، فأمّا لقاء الله الذي بعد الموت فقد ورد في صحيح الإمام البخاري رحمه الله تعالى: بَاب مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءه عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءهُ وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءهُ قَالَتْ عَائِشَةُ أَوْ بَعْضُ أَزْوَاجِهِ إِنَّا لَنَكْرَهُ الْمَوْتَ قَالَ لَيْسَ ذَاكِ وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ بُشِّرَ بِرِضْوَانِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ فَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ فَأَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءهُ وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا حُضِرَ بُشِّرَ بِعَذَابِ اللَّهِ وَعُقُوبَتِهِ فَلَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَهَ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءهُ. " صحيح البخاري 6026 قوله (فليس شيء أحب إليه مما أمامه) أي ما يستقبله بعد الموت وقد أخرج مسلم والنسائي من طريق شريح بن هانئ قال " فأتيت عائشة فقلت سمعت حديثا إن كان كذلك فقد هلكنا " فذكره قال " وليس منا أحد إلا وهو يكره الموت فقالت: ليس بالذي تذهب إليه ولكن إذا شخص البصر - أي فتح المحتضر عينيه إلى فوق فلم يطرف - وحشرج الصدر أي ترددت الروح في الصدر - واقشعر الجلد وتشنجت " أي انقبضت وهذه الأمور هي حالة المحتضر قال الخطابي: اللقاء يقع على أوجه: منها المعاينة ومنها البعث كقوله تعالى (الذين كذبوا بلقاء الله) ومنها الموت كقوله (من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت) وقوله (قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم) . ولقاء الله (المذكور في الحديث السابق) غير الموت بدليل قوله في الرواية الأخرى " والموت دون لقاء الله " لكن لما كان الموت وسيلة إلى لقاء الله عبر عنه بلقاء الله وقال الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام: ليس (أي المقصود بالحديث) كراهة الموت وشدته لأن هذا لا يكاد يخلو عنه أحد ولكن المذموم من ذلك إيثار الدنيا والركون إليها وكراهية أن يصير إلى الله والدار الآخرة. قال: ومما يبين ذلك أن الله تعالى عاب قوما بحب الحياة فقال (إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها) وقال النووي: معنى الحديث أن المحبة والكراهة التي تعتبر شرعا هي التي تقع عند النزع في الحالة التي لا تقبل فيها التوبة حيث يكشف الحال للمحتضر ويظهر له ما هو صائر إليه. وفي الحديث أن في كراهة الموت في حال الصحة تفصيلا فمن كرهه إيثارا للحياة على ما بعد الموت من نعيم الآخرة كان مذموما ومن كرهه خشية أن يفضي إلى المؤاخذة كأن يكون مقصرا في العمل لم يستعد له بالأهبة بأن يتخلص من التبعات ويقوم بأمر الله كما يجب فهو معذور لكن ينبغي لمن وجد ذلك أن يبادر إلى أخذ الأهبة حتى إذا حضره الموت لا يكرهه بل يحبه لما يرجو بعده من لقاء الله تعالى. وفي الحديث المتقدّم أن الله تعالى لا يراه في الدنيا أحد من الأحياء وإنما يقع ذلك للمؤمنين بعد الموت أخذا من قوله " والموت دون لقاء الله " وقد ورد بأصرح من هذا في صحيح مسلم من حديث أبي أمامة مرفوعا في حديث طويل وفيه " واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا ". وأمّا ملاقاة الله ورؤيته يوم القيامة فهي ثابتة في أدلّة كثيرة منها قوله تعالى: (وجوه يومئذ ناضرة. إلى ربها ناظرة) . وفي حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّاسَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ هَلْ تُمَارُونَ فِي الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ قَالُوا لا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَهَلْ تُمَارُونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ قَالُوا لا قَالَ فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ. رواه البخاري 764 نسأل الله تعالى أن يلقانا وهو راض عنّا وصلى الله على نبينا محمد [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 1916 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 حساب المؤمن أقصر من حساب الكافر بكثير [السُّؤَالُ] ـ[هل تختلف مدّة حساب المؤمن عن مدّة حساب الكافر يوم القيامة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله بلا شكّ فإن الله تعالى قال عن يوم القيامة: (الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا) {الفرقان: 26} فتخصيصه عسر ذلك اليوم بالكافرين يدل على أن المؤمنين ليسوا كذلك. وقوله تعالى: (فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين غير يسير) {المدثر: 9 , 10} يدل بمفهومه أيضا على أنه يسير على المؤمنين غير عسير كما دل عليه قوله تعالى: (مهطعين إلى الداع يقول الكافرين هذا يوم عسر) {القمر: 8} .ا. هـ. وهذا يعني أن يوم القيامة يطول على الكفار ويقصر على المؤمنين. وقد ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه ما يُشير إلى مدّة ما يستغرقه الحساب من يوم القيامة وذلك في قوله عز وجل: (أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا) {الفرقان: 24} : فهذه الآية الكريمة تدل على انقضاء الحساب في نصف نهار لأن المقيل القيلولة أو مكانها، وهي الاستراحة نصف النهار في الحر. وممن قال بانقضاء الحساب في نصف نهار: ابن عباس وابن مسعود وعكرمة وابن جبير، لدلالة هذه الآية على ذلك، كما نقله ابن كثير وغيره. دفع إيهام الاضطراب للشنقيطي (ص172) وممّا يدلّ دلالة صريحة على تخفيف حساب المؤمن يوم القيامة حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يوم القيامة على المؤمنين كقدر ما بين الظهر والعصر " رواه الحاكم في المستدرك وصححه الألباني في صحيح الجامع 8193، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2180 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 هل ينجو أحد من ضمة القبر؟ [السُّؤَالُ] ـ[أثناء اطلاعي على مواضيع دينية وجدت هذه الجملة: (للقبر ضغطة لو نجا منها أحد لنجا منها سعد بن معاذ) ، وفي رواية: (هذا الذي تحرك له العرش، وفتحت له أبواب السماء، وشهد له سبعون ألفا من الملائكة، لقد ضم ضمة ثم فرج عنه) فهل هذا يعني أن سعد بن معاذ هو الوحيد من بين البشر الذي نجا من ضغطة القبر , أي هل ضغطة القبر واجبة على كل مسلم حتى لو عمل بأسباب تنجي من عذاب القبر ?]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: ضمَّةُ القبرِ أوَّلُ ما يلاقيه الميتُ في عالم البرزخ، وقد جاءت بإثباتها نصوص صريحة صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم، منها: 1- عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ لِلْقَبْرِ ضَغْطَةً وَلَوْ كَانَ أَحَدٌ نَاجِيًا مِنْهَا نَجَا مِنْهَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ) رواه أحمد (6/55،98) ، قال العراقي في " تخريج الإحياء " (5/259) : إسناده جيد. وقال الذهبي في " السير " (1/291) : إسناده قوي. وقال الألباني في " السلسلة الصحيحة " (1695) : " وجملة القول أن الحديث بمجموع طرقه وشواهده صحيح بلا ريب " انتهى. وصححه محققو مسند أحمد في طبعة مؤسسة الرسالة (40/327) . 2- عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عن سعد بن معاذ رضي الله عنه حين توفي: (هَذَا الَّذِي تَحَرَّكَ لَهُ الْعَرْشُ وَفُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَشَهِدَهُ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ الْمَلَائِكَةِ لَقَدْ ضُمَّ ضَمَّةً ثُمَّ فُرِّجَ عَنْهُ) رواه النسائي في " السنن " (2055) (4/100) وسكت عنه، وبوب عليه بقوله: " ضمة القبر وضغطته "، وصححه الألباني في " صحيح النسائي ". 3- عن أبي أيوب رضي الله عنه: أن صبيًا دُفنَ، فقالَ صلى الله عليه وسلم: (لَوْ أَفْلَتَ أَحَدٌ مِنْ ضَمَّةِ القَبْرِ لَأَفْلَتَ هَذَا الصَبِيُّ) . رواه الطبراني " المعجم الكبير " (4/121) وصحح الحافظ ابن حجر نحوه في " المطالب العالية " (13/44) ، وصححه الهيثمي في " مجمع الزوائد " (3/47) ، والألباني في " السلسلة الصحيحة " (رقم/2164) . وذكر القرطبي في " التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة " (ص/323) تحت باب: " ما جاء في ضغطة القبر على صاحبه وإن كان صالحا " نصوصا أخرى في الموضوع، ولكن يغلب عليها الضعف والنكارة. كما أورد ابن الجوزي في "الموضوعات" (3/231) كثيرا منها تحت باب ضمة القبر، وفيما ذكرناه من الصحيح كفاية، إن شاء الله. ثانيا: اختلف أهل العلم في المؤمن، هل تصيبه ضمة القبر، وكيف يكون حاله فيها، على قولين: القول الأول: تصيب ضمة القبر كل مؤمن وتشتد عليه، غير أن المؤمن الصالح سرعان ما يفرج عنه ويفسح له في قبره، فلا يطول العذاب عليه، أما الفاسق فتشتد عليه الضمة ويطول عليه ضيق لحده بحسب ذنبه ومعصيته. قال أبو القاسم السعدي رحمه الله: " لا ينجو من ضغطة القبر صالح ولا طالح غير أن الفرق بين المسلم والكافر فيها دوام الضغط للكافر وحصول هذه الحالة للمؤمن في أول نزوله إلى قبره ثم يعود إلى الانفساح له " انتهى. وقال الحكيم الترمذي رحمه الله: " سبب هذا الضغط أنه ما من أحد إلا وقد ألم بذنب ما فتدركه هذه الضغطة جزاء لها ثم تدركه الرحمة " انتهى. نقلا عن حاشية السيوطي على " سنن النسائي " (3/292) ، ونقله الرملي في " فتاواه " (4/210) القول الثاني: تصيب ضمة القبر المؤمنين الصالحين ولكنها ضمة رفق وحنان، ليس فيها أذى ولا ألم، أما المسلمون العاصون فتشتد عليهم سخطا بحسب كثرة ذنوبهم وسوء أعمالهم. عن محمد التيمي رحمه الله قال: (كان يقال: إن ضمة القبر إنما أصلها أنها أُمُّهُم، ومنها خُلقوا، فغابوا عنها الغيبة الطويلة، فلما رد إليها أولادها ضمتهم ضم الوالدة الشفيقة التي غاب عنها ولدها ثم قدم عليها، فمن كان لله مطيعاً ضمته برفق ورأفة، ومن كان لله عاصياً ضمته بعنف سخطاً منها عليه) . ذكره السيوطي في حاشيته على " سنن النسائي " (3/292) من رواية ابن أبي الدنيا، وذكره في " بشرى الكئيب بلقاء الحبيب " (ص/5) تحت باب: " ذكر تخفيف ضمة القبر على المؤمن ". وقد روي في هذا المعنى حديث مرفوع عن عائشة رضي الله عنها قالت: (يا رسول الله! إنك منذ يوم حدثتني بصوت منكر ونكير وضغطة القبر ليس ينفعني شيء. قال: يا عائشة! إن أصوات منكر ونكير في أسماع المؤمنين كالإثمد في العين، وإن ضغطة القبر على المؤمن كالأم الشفيقة يشكو إليها ابنها الصداع فتغمز رأسه غمزا رفيقا، ولكن يا عائشة ويل للشاكين في الله كيف يُضغطون في قبورهم كضغطة البيضة على الصخرة) رواه البيهقي في " إثبات عذاب القبر " (ص/85، رقم/116) ، والديلمي في " مسند الفردوس " (رقم/3776) ، وفي سنده الحسن بن أبي جعفر وعلي بن زيد بن جدعان ضعيفان. فهو حديث ضعيف. وقد عزاه بعضهم لابن منده وابن النجار ولم أقف عليه. قال الحافظ الذهبي رحمه الله: " هذه الضمة ليست من عذاب القبر في شيء، بل هو أمر يجده المؤمن كما يجد ألم فقد ولده وحميمه في الدنيا، وكما يجد من ألم مرضه، وألم خروج نفسه، وألم سؤاله في قبره وامتحانه، وألم تأثره ببكاء أهله عليه، وألم قيامه من قبره، وألم الموقف وهوله، وألم الورود على النار، ونحو ذلك. فهذه الأراجيف كلها قد تنال العبد، وما هي من عذاب القبر، ولا من عذاب جهنم قط، ولكن العبد التقي يرفق الله به في بعض ذلك أو كله، ولا راحة للمؤمن دون لقاء ربه. قال الله تعالى: (وأنذرهم يوم الحسرة) ، وقال: (وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر) فنسأل الله تعالى العفو واللطف الخفي. ومع هذه الهزات، فَسَعْدٌ – يعني ابن معاذ - ممن نعلم أنه من أهل الجنة، وأنه من أرفع الشهداء رضي الله عنه. كأنك يا هذا تظن أن الفائز لا يناله هول في الدارين، ولا روع ولا ألم ولا خوف؟! سل ربك العافية، وأن يحشرنا في زمرة سعد " انتهى. " سير أعلام النبلاء " (1/290-292) وقال الشيخ النفراوي المالكي: " وأما ضمَّةُ القبر فلا بد منها، وإن كانت تختلف باختلاف الدرجات " انتهى. " الفواكه الدواني " (2/688) وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " هذا الحديث – يعني حديث (لقد ضم القبر سعدا ضمة..) - مشهور عند العلماء، وعلى تقدير صحته: فإن ضمة الأرض للمؤن ضمة رحمة وشفقة، كالأم تضم ولدها إلى صدرها، أما ضمتها للكافر فهي ضمة عذاب والعياذ بالله، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الإنسان إذا دفن أتاه ملكان يسألانه عن ثلاثة أصول: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فالمؤمن يقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد، أسأل الله أن يجعل جوابي وجوابكم هذا، أما المنافق أو المرتد - أعاذنا الله وإياكم من هذا – فيقول: هاه هاه لا أدري، سمعت الناس يقولون قولاً فقلته، فيضيق عليه القبر حتى تختلف أضلاعه والعياذ بالله، يدخل بعضه في بعض من شدة الضم، ففرق بين ضم الأرض للكافر أو المرتد وضمها للمؤمن." انتهى باختصار. " لقاءات الباب المفتوح " (لقاء رقم/161، سؤال رقم/17) . والذي يظهر والله أعلم أن القول الأول أرجح القولين في هذه المسألة، لدلالة ظاهر السنة عليه، وأن أحدا من المؤمنين، فضلا عن غيرهم، لا ينجو من ضمة القبر؛ وهذا يدل على شدة هذه الضمة، وأن لها ألما يصيب من ضمه قبره، وإن كان الناس يتفاوتون في ذلك، كل بحسب عمله وحاله. ولأجل ذلك ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ضمة القبر في أسباب مغفرة الذنوب، قال: " السبب الثامن ما يحصل فى القبر من الفتنة والضغطة والروعة فإن هذا مما يكفر به الخطايا". انتهى. مجموع الفتاوى (7/500) . على أن الحديث الوارد في السؤال لا يدل على أن سعدا هو الوحيد الذي نجا من ضمة القبر، كما ظنه السائل، بل هو نص في أن سعدا رضي الله عنه لم ينج من ضمة القبر؛ وقد كان أولى الناس أن ينجو منها، لو كان أحد ناجيا. وانظر جواب السؤال رقم: (71175) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131627 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 كيف تعاد أرواح الكافرين بعد تحريق أجسادهم؟ [السُّؤَالُ] ـ[كيف تعاد أرواح الكافرين بعد تحريق أجسادهم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن الإيمان بأن الله على كل شيء قدير، وأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وأن الله يبعث من في القبور، وأنه كما خلقهم من عدم قادر على أن يبعثهم كيف شاء ومتى شاء، على اختلاف صورهم، وتعدد مصارعهم، مما لا يتم الإيمان بالله إلا به. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ وَسَائِرُ أَهْلِ الْمِلَلِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ كَمَا نَطَقَ بِذَلِكَ الْقُرْآنُ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ جِدًّا" انتهى. "مجموع الفتاوى" (8 / 7) . وقال أيضا: "اللَّهَ خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. وَمَنْ جَعَلَ شَيْئًا مِنْ الْأَعْمَالِ خَارِجًا عَنْ قُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ فَقَدْ أَلْحَدَ فِي أَسْمَائِهِ وَآيَاتِهِ" انتهى. "مجموع الفتاوى" (11 / 354) . وقال الله عز وجل: (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) يس/78، 79. قال السعدي: "هذا وجه الشبهة والمثل، وهو أن هذا أمر في غاية البعد على ما يعهد من قدرة البشر، وهذا القول الذي صدر من هذا الإنسان غفلة منه، ونسيان لابتداء خلقه، فلو فطن لخلقه بعد أن لم يكن شيئا مذكورا فَوُجِدَ عيانا، لم يضرب هذا المثل. فأجاب تعالى عن هذا الاستبعاد بجواب شاف كاف، فقال: (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ) وهذا بمجرد تصوره، يعلم به علما يقينا لا شبهة فيه، أن الذي أنشأها أول مرة قادر على الإعادة ثاني مرة، وهو أهون على القدرة إذا تصوره المتصور" انتهى. "تفسير السعدي" (ص 699- 700) . وروى البخاري (3481) ومسلم (2756) – واللفظ له - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (قَالَ رَجُلٌ لَمْ يَعْمَلْ حَسَنَةً قَطُّ لِأَهْلِهِ: إِذَا مَاتَ فَحَرِّقُوهُ ثُمَّ اذْرُوا نِصْفَهُ فِي الْبَرِّ وَنِصْفَهُ فِي الْبَحْرِ، فَوَ اللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ لَيُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا لَا يُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ. فَلَمَّا مَاتَ الرَّجُلُ فَعَلُوا مَا أَمَرَهُمْ، فَأَمَرَ اللَّهُ الْبَرَّ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، وَأَمَرَ الْبَحْرَ فَجَمَعَ مَا فِيهِ ثُمَّ قَالَ: لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ قَالَ: مِنْ خَشْيَتِكَ يَا رَبِّ وَأَنْتَ أَعْلَمُ. فَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ) . ولفظ البخاري: (إِذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي ثُمَّ اطْحَنُونِي ثُمَّ ذَرُّونِي فِي الرِّيحِ) . قال شيخ الإسلام: " فَهَذَا الرَّجُلُ كَانَ قَدْ وَقَعَ لَهُ الشَّكُّ وَالْجَهْلُ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى إعَادَةِ ابْنِ آدَمَ؛ بَعْدَ مَا أُحْرِقَ وَذُرِيَ وَعَلَى أَنَّهُ يُعِيدُ الْمَيِّتَ وَيَحْشُرُهُ إذَا فَعَلَ بِهِ ذَلِكَ وَهَذَانِ أَصْلَانِ عَظِيمَانِ: أَحَدُهُمَا: مُتَعَلِّقٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ الْإِيمَانُ بِأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. والثَّانِي: مُتَعَلِّقٌ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ. وَهُوَ الْإِيمَانُ بِأَنَّ اللَّهَ يُعِيدُ هَذَا الْمَيِّتَ وَيَجْزِيهِ عَلَى أَعْمَالِهِ " انتهى. "مجموع الفتاوى" (12 / 491) . فمتى علم العبد أن الله عز وجل على كل شيء قدير، وأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وأنه إذا أراد شيئا قال له كن فيكون، وأنه سبحانه أوجد الخلائق من عدم لم يمتنع لديه الإيمان بالبعث والنشور على أي صورة كان، دون أن يرهق عقله وفكره بالبحث والتحري الذي لا يجدي شيئا، ويكفيه دلالة الشاهد الذي لا يغيب عن ناظره، وهو نفسه، قال الله تعالى: (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) الذاريات/20، 2. وقال الله عز وجل لعبده زكريا عليه السلام: (يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا * قَالَ رَبِّ أنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا * قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا) مريم/7-9. فليس خلق هذا الغلام من أم عاقر، وأب كبير في السن بأعجب من خلق الأب وإيجاده من العدم. انظر: تفسير الطبري (18/151) . وقال تعالى عن مريم: (قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) آل عمران/47. وقال تعالى: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) آل عمران/59. ثم هذه السماوات والأرض أمام عينيه، وما يشاهده بينهما من أفلاك ونجوم، لا يحصي عددها إلا الله، ولا يقادر قدرها أحد من خلقه، هي أكبر من خلق الناس، فالذي خلق السماوات والأرض مع عظمهما واتساعها قادر من باب أولى على إعادة خلق الإنسان مرة أخرى. قال تعالى: (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) غافر/57. وقال تعالى: (أَوَ لَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ * إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) يس/81، 82. وقال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) الروم/27. يعني: أيسر عليه. وقال مجاهد: الإعادة أهون عليه من البَدَاءة، والبداءة عليه هَيْنٌ. وكذا قال عكرمة وغيره. "تفسير ابن كثير" (6/311) . وروى البخاري (4974) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (قَالَ اللَّهُ: كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ , وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ. فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: لَنْ يُعِيدَنِي كَمَا بَدَأَنِي. وَلَيْسَ أَوَّلُ الْخَلْقِ بِأَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ إِعَادَتِهِ. وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا. وَأَنَا الْأَحَدُ الصَّمَدُ لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفْئًا أَحَدٌ) . هذا.. وإن كان قصد السائل بسؤاله: كيف تعاد أرواح الكافرين بعد تحريق أجسادهم، يعني في النار يوم القيامة. فيقال: إن أرواحهم باقية في أجسادهم، وإن حرقت بالنار، فيوم القيامة إذا عادت الروح إلى البدن لا تخرج منه أبدا، فتبقى روح الكافر في جسده معذبة، وتبقى روح المؤمن في جسده منعمة. فإن أهل النار كلما احترقت جلودهم بالنار أبدلهم الله غيرها، حتى يستمر عذابهم ولا ينقضي، قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا) النساء/56. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130672 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 هل تلتقي أرواح الأحياء مع أرواح الأموات في المنام؟ وهل ما يرونه من حال يصدَّق؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل تلتقي أرواح الأحياء والأموات في المنام؟ لأن الإنسان يرى أمواتاً من أقاربه، ويتحدث إليهم في منامه، أو يطلبون صدقة، أو يرى الميتَ في نعيم، وبساتين، هل هذه منازله؟ وهل هذه روحه التقت مع روح الميت لأن النوم هو الموتة الصغرى؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ذهب بعض أهل العلم إلى أن أرواح الأحياء وأرواح الأموات تلتقي في البرزخ. واستُدِل لذلك بقوله تعالى: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الزمر/42. قال القرطبي – رحمه الله -: قال ابن عباس وغيره من المفسرين: إن أرواح الأحياء والأموات تلتقي في المنام فتتعارف ما شاء الله منها، فإذا أراد جميعها الرجوع إلى الأجساد: أمسك الله أرواح الأموات عنده، وأرسل أرواح الأحياء إلى أجسادها. وقال سعيد بن جبير: إن الله يقبض أرواح الأموات إذا ماتوا، وأرواح الأحياء إذا ناموا، فتتعارف ما شاء الله أن تتعارف (فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى) أي: يعيدها. " تفسير القرطبي " (15 / 260) . وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -: وفي هذه الآية دليل على أن الروح والنفس جسم قائم بنفسه، مخالف جوهره جوهر البدن، وأنها مخلوقة مدبرة، يتصرف الله فيها في الوفاة، والإمساك، والإرسال، وأن أرواح الأحياء، والأموات، تتلاقى في البرزخ، فتجتمع، فتتحادث، فيرسل الله أرواح الأحياء، ويمسك أرواح الأموات. " تفسير السعدي " (ص 725) . لكن قال شيخ الإسلام عن هذا الاستدلال: وما ذُكر من التقاء أرواح النيام والموتى: لا ينافي ما في الآية، وليس في لفظها دلالة عليه. " مجموع الفتاوى " (5 / 453) . وثمة قول آخر في الآية: وهو أن الروح الممسَكة، والمرسَلة: هي روح الميت، وهو الذي يرجحه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. ثانياً: انتصر ابن القيم رحمه الله لهذا القول بشدة، وذكر أن الواقع يشهد له ويصدقه، ثم قال – رحمه الله -: وقد دلَّ التقاء أرواح الأحياء والأموات: أن الحيَّ يرى الميت في منامه، فيستخبره، ويخبره الميت بما لا يعلم الحيُّ، فيصادف خبره كما أخبر في الماضي، والمستقبل، وربما أخبره بمالٍ دفنه الميت في مكان لم يعلم به سواه، وربما أخبره بدَيْن عليه، وذَكَر له شواهده، وأدلته. وأبلغ من هذا: أنه يخبر بما عملَه من عملٍ لم يطلع عليه أحد من العالمين، وأبلغ من هذا أنه يخبره أنك تأتينا إلى وقت كذا وكذا، فيكون كما أخبر، وربما أخبره عن أمورٍ يقطع الحى أنه لم يكن يعرفها غيره. " الروح " (ص 21) ، ثم طول في الاستدلال له، وذكر الحكايات على إثباته. ثالثاً: وأما اللقاء في غير المنام، أو في وقت محدد، أو هيئة معينة، فهو مما لم يدل عليه دليل، والقول فيه، وفي غيره من أمور الغيب، بغير برهان من الوحي من رجم الظنون. 1. قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -: قال ابن القيم رحمه الله: " وقد دل على التقاء أرواح الأحياء والأموات أن الحيَّ يرى الميت في منامه، فيستخبره، ويخبره الميت بما لا يعلم الحيَّ، فيصادف خبره كما أخبر "، فهذا هو الذي عليه السلف، من أن أرواح الأموات باقية إلى ما شاء الله، وتسمع، ولكن لم يثبت أنها تتصل بالأحياء في غير المنام، كما أنه لا صحة لما يدَّعيه المشعوذون من قدرتهم على تحضير أرواح من يشاءون من الأموات، ويكلمونها، ويسألونها، فهذه إدعاءات باطلة، ليس لها ما يؤيدها من النقل، ولا من العقل، بل إن الله سبحانه وتعالى هو العالم بهذه الأرواح، والمتصرف فيها، وهو القادر على ردِّها إلى أجسامها متى شاء ذلك، فهو المتصرف وحده في ملكه، وخلافه لا ينازعه منازع، أما مَن يدعي غير ذلك: فهو يدعي ما ليس له به علم، ويكذب على الناس فيما يروجه من أخبار الأرواح؛ إما لكسب مال، أو لإثبات قدرته على ما لا يقدر عليه غيره، أو للتلبيس على الناس لإفساد الدين والعقيدة. " فتاوى الشيخ ابن باز " (3 / 311، 312) : 2. قال علماء اللجنة الدائمة: دنو أرواح الأموات من قبورهم يوم الجمعة، أو ليلتها، ومعرفتهم مَن زارهم، أو مرَّ بهم، وسلَّم عليهم، أكثر من معرفتهم بهم في غير يوم الجمعة، أو ليلتها، والتقاء الأحياء والأموات ذلك اليوم: كل هذا من الأمور الغيبية التي استأثر الله بعلمها، فلا تُعلم إلا بوحي من الله لنبيٍّ من أنبيائه، ولم يثبت في ذلك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما نعلم، ولا يكفي في معرفة ذلك الأحلام؛ فإنها تخطئ، وتصيب، فالقول بها، والاعتماد عليها: رجم بالغيب. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود. " فتاوى اللجنة الدائمة " (1 / 646 فما بعدها) ، وقد نقدوا الروايات الواردة في لقاء الأحياء بالأموات في المقابر، وكذا ما جاء في ذلك من منامات، وهو أضعف من أن يُحتج به على أمر غيبي. رابعاً: وما يراه النائم من حال الميت، أو منزلته في الجنة: فإنه إن كانت رؤيا صحيحة: فما يراه هو الواقع، وقد ثبت عن كثير من السلف أنهم رأوا أمواتاً في المنام، فسألوهم عن أحوالهم، فأخبروهم بها، ثم نقلوا ذلك لنا، وهم أئمة أعلام، ولولا أن ذلك مما يؤخذ به: لما كان لهم ذِكر ذلك للناس، على أننا نقول: قد يكون ما رأوه هو حال ذلك الميت في تلك اللحظة، أما الخير والنعيم: فإما أن يثبت، أو يزيد، وأما حال الشر والسوء: فقد يتغير للأحسن بفضل الله ورحمته، ومما ورد في ذلك من نقل العلماء الثقات الأثبات، ونبدأ بما يقطع بصحة الأمر شرعاً، وذلك بالنقل عن صحابي رأى آخر في منامه، وأخبر به النبي صلى الله عليه وسلم: 1. عَنْ جَابِرٍ أَنَّ الطُّفَيْلَ بْنَ عَمْرٍو الدَّوْسِيَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لَكَ فِي حِصْنٍ حَصِينٍ وَمَنْعَةٍ؟ قَالَ: حِصْنٌ كَانَ لِدَوْسٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَبَى ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِي ذَخَرَ اللَّهُ لِلْأَنْصَارِ، فَلَمَّا هَاجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ هَاجَرَ إِلَيْهِ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، وَهَاجَرَ مَعَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَاجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ، فَمَرِضَ، فَجَزِعَ، فَأَخَذَ مَشَاقِصَ لَهُ فَقَطَعَ بِهَا بَرَاجِمَهُ، فَشَخَبَتْ يَدَاهُ حَتَّى مَاتَ، فَرَآهُ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فِي مَنَامِهِ، فَرَآهُ وَهَيْئَتُهُ حَسَنَةٌ، وَرَآهُ مُغَطِّيًا يَدَيْهِ فَقَالَ لَهُ: مَا صَنَعَ بِكَ رَبُّكَ؟ فَقَالَ: غَفَرَ لِي بِهِجْرَتِي إِلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا لِي أَرَاكَ مُغَطِّيًا يَدَيْكَ؟ قَالَ: قِيلَ لِي: لَنْ نُصْلِحَ مِنْكَ مَا أَفْسَدْتَ. فَقَصَّهَا الطُّفَيْلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ. رواه ملم (116) . قال أبو العباس القرطبي – رحمه الله -: والظاهرُ: أنَّ هذا الرجلَ أدركتْهُ بركةُ دعوةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فغُفِرَ ليدَيْهِ، وكُمِّلَ له ما بقي من المغفرة عليه؛ وعلى هذا: فيكونُ قوله: لَنْ نُصْلِحَ مِنْكَ مَا أَفْسَدْتَ ممتدًّا إلى غايةِ دعاءِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم له؛ فكأنَّه قيل له: لن نصلحَ منك ما أفسدْتَ ما لم يَدْعُ لك النبيُّ صلى الله عليه وسلم. " المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم " (1 / 324) . 2. قال أبو داود – صاحب " السنن " -: محمَّد بن محمد بن خلاَّد – وهو من شيوخه - قتله الزِّنج صبراً، فقال بيده هكذا - ومدَّ أبو داود يده، وجعل بطون كفيه إلى الأرض -، قال: ورأيتُه في النوم فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: أدخلني الجنة. أبو داود بعد الحديث رقم (3281) . 3. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: رئي عمرو بن مرَّة الجملي - وهو من خيار أهل الكوفة، شيخ الثوري وغيره - بعد موته، فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي بحبِّ علي بن أبي طالب، ومحافظتي على الصلاة في مواقيتها. " منهاج السنَّة النبوية " (6 / 201) . 4. وقال الذهبي – رحمه الله -: قال حبيش بن مبشر - أحد الثقات -: رأيتُ " يحيى بن معين " في النوم، فقلت: ما فعل الله بك؟ فقال: أعطاني، وحبَاني، وزوَّجني ثلاث مائة حوراء، ومهَّد لي بين البابين. " تذكرة الحفَّاظ " (2 / 15) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127896 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 هل يعذَّب في قبره من تكون حسناته أكثر من سيئاته في الميزان؟ [السُّؤَالُ] ـ[أفهم، وأدرك، أن المسلم يمكن أن يُعذَّب في القبر، لكن الذي أريد أن أعرفه هو التالي: نعلم أن الإنسان المسلم سوف توزن أعماله يوم القيامة، فإن رجحت الحسنات على السيئات: فإن الله عز وجل سيغفر لهذا المسلم، أو المسلمة، ويدخله الجنة، سؤالي هو: عندما يكون نفس هذا الإنسان المسلم في القبر , فهل سيعذَّب في قبره على الرغم من أن الله عز وجل سيغفر له يوم القيامة؟ وهل سنُعذب في الآخرة على الرغم من أننا سندخل الجنة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ثبت عذاب القبر ونعيمه عند أهل السنَّة والجماعة، كما جاء ذلك دلت في الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، وعليه أجمع سلف الأمة. وبيان ذلك في جواب السؤال رقم: (34648) . وتجد في جواب السؤال رقم: (47055) أن الأصل في عذاب القبر ونعيمه أنه على الروح، وقد تتصل الروح بالبدن فيصيبه شيء من العذاب أو النعيم. وفي جواب السؤالين (7862) و (21212) بيان أن عذاب القبر منه ما يستمر إلى قيام الساعة، ومنه ما ينقطع. ثانياً: ينبغي أن يُعْلم أن كثرة الحسنات على السيئات ليست بمنجية صاحبَها من عذاب القبر بذاتها؛ لأن الوعيد المترتب على العذاب في البرزخ، ليس هو الوعيد المترتب على العذاب في نار جهنم، وقد يأتي المسلم بسبب واحد من أسباب العذاب في قبره، فيعذَّب عليها، وله أمثال الجبال من الحسنات. والميزان الذي توزن به أعمال الناس فيشقى بعده طوائف خفت موازينهم، ويسعد آخرون ثقلت موزاينهم: إنما يكون في آخر المطاف، بعد أن يقطع الناس أشواطاً في مراحل الدار الآخرة. قال أبو عبد الله القرطبي – رحمه الله -: والذي تدل عليه الآي، والأخبار: أن من ثقل ميزانه: فقد نجا وسلِم، وبالجنة أيقن، وعلِم أنه لا يدخل النار بعد ذلك، والله أعلم. " التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة " (ص 272) . والمسلم الذي نفترض كثرة حسناته لو وضعت في الميزان بعد موته مباشرة: لا ينجو من عذاب القبر، إن شاء الله تعذيبه على بعض سيئاته تلك، وليتأمل الأخ السائل المسائل التالية فهي تحل الإشكال الوارد في ذهنه: 1. من كثرت حسناته على سيئاته وأجاب الملَكين في القبر عن أسئلتهم: لا يعني بالضرورة أنه ينجو من عذاب القبر إذا جاء بما يستحق عليه العذاب من سيئاته تلك، وشاء الله أن يعذبه عليها في قبره. 2. من كثرت حسناته على سيئاته ليس بالضرورة إذا رأى مقعده من الجنة في قبره، أنه لن يعذَّب على ما شاء الله من ذنوبه، وللعلماء في هذا قولان: الأول: أن من ارتكب سيئات وشاء الله تعذيبه في القبر، وهو في الآخرة من أهل الجنة: أنه يرى مقعده من الجنة باعتبار مآله. والثاني: أنه ير مقعده من النار باعتبار حاله. وينظر جواب رقم: (121628) فهو مهم. وعليه: فإن زيادة حسنات العبد على سيئاته، ليس بمانع من أن يعذب في قبره على بعض ذنوبه التي ورد الوعيد لفاعلها بالعذاب في قبره. مثل عقوبة المرابي وأنه يسبح في نهر دم، وعقوبة الزناة والزانيات، والعقوبة على النميمة، والغلول من الغنائم، والكذب، وعدم الاستبراء من البول، وغير ذلك مما جاءت النصوص واضحة في التنصيص على معاصٍ بعينها. وانظر تفصيل ذلك في جوابي السؤالين (46068) و (45325) . ثالثاً: ومن حكمة الله تعالى أنه لم يجعل الميزان أول موت العبد؛ ويبدو لنا بعض الحكَم من ذلك نرجو أن تكون موافقة للصواب: 1. أنه يُخفف حِمل السيئات على العاصي بما يصيبه من عذاب القبر؛ تخفيفاً عنه من عذاب جهنم، ولا شك أن ما يصيب العاصي من عذاب القبر أهون عليه مما يصيبه من نار جهنم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: ما يحصل للمؤمن في الدنيا والبرزخ والقيامة من الآلام التي هي عذاب: فإن ذلك يُكفِّر الله به خطاياه، كما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا حزَن ولا أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفَّر الله به من خطاياه) . " مجموع الفتاوى " (24 / 375) . قال رحمه الله: السبب الثامن: ما يحصل في القبر، من الفتنة، والضغطة، والروعة، فإن هذا مما يكفّر به الخطايا. " مجموع الفتاوى " (7 / 500) . وانظر جواب السؤال رقم: (7861) . 2. أنه ليس كل مَن جاء بحسنات تبقى معه حتى يدخل بها الجنة، ولا من جاء بسيئات تبقى معه حتى يدخل بسببها النار، فثمة ما يُسمَّى " المقاصة "، وهو أخذ أصحاب الحقوق من حسنات من ظلمهم، أو إلقاء سيئاتهم عليه، كما في حديث " المفلس " الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه، وهذا إنما يكون قبل الميزان. قال أبو عبد الله القرطبي – رحمه الله -: وأما المخلِّطون: فحسناتهم توضع في الكفة النيرة، وسيئاتهم في الكفة المظلمة، فيكون لكبائرهم ثقل؛ فإن كانت الحسنات أثقل، ولو بصؤابة – وهي بيضة القَمْل -: دخل الجنة، وإن كانت السيئات أثقل، ولو بصؤابة: دخل النار، إلا أن يغفر الله، وإن تساويا: كان من أصحاب الأعراف، هذا إن كانت الكبائر فيما بينه وبين الله، وأما إن كانت عليه تبعات، وكانت له حسنات كثيرة: فإنه ينقص من ثواب حسناته بقدر جزاء السيئات؛ لكثرة ما عليه من التبعات، فيحمل عليه مِن أوزار مَن ظلمه، ثم يعذب على الجميع، هذا ما تقتضيه الأخبار. " التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة " (ص 269، 270) . 3. أنه لم تنقطع الحسنات، ولا السيئات بالموت، بل ثمة " حسنات جارية "، و " سيئات جارية "، فالأول: كمن تصدَّق بصدقة جارية، أو علَّم علماً نافعاً، أو دلَّ غيره على عمل صالحٍ، أو كان له ذرية يعملون بعد موته بطاعات، وكل ذلك مما يجعل للميت مجالاً لزيادة الحسنات، وأما الثاني: فهو لمن دلَّ غيره على عمل فاسد، أو ابتدع بدعة، وغير ذلك مما تجري سيئات أعمالهم على فاعلها، وعلى الميت، الذي كان سبباً في فعل تلك السيئات والبدع. وبه يُعلم أنه ليس بالموت يقف " عدَّاد " الحسنات، والسيئات، ولذا نرى عظيم الحكمة في عدم اعتبار الميزان أول موت المسلم، بل لا يكون ذلك إلا في آخر المطاف، وبعدها يكون دخول الجنة، أو النار، وعندها يمكن للمسلم أن يفهم معنى قوله تعالى (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الأعراف/ 8، وقوله (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ. فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ) القارعة/ 6، 7. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127242 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 ما هي اللغة التي سيخاطب الناس بها في عالم البرزخ؟ [السُّؤَالُ] ـ[العديد من اللغات لغات عالمية، فما هي اللغة التي ستسأل بها الملائكة في القبر، والتي يستطيع كل فرد أن يجيب عليها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله وقفنا في هذه المسألة على أقوال ثلاثة: القول الأول: أنه يُسأل باللغة السريانية. قاله البلقيني – كما نقله عنه تلميذه السيوطي في رسالته "شرح الصدور في أحوال الموتى والقبور" – ولم يذكر له أي دليل يمكن الاعتماد عليه. القول الثاني: يُسأل باللغة العربية. نص عليه الحافظ ابن حجر رحمه الله: ويمكن الاستدلال له بظواهر الأحاديث الواردة، فقد جاءت تصف ما يكون في البرزخ باللغة العربية، ولا مانع من كونها على الحقيقة، ويلهم الله جميع مَن يُفتن في قبره فهمَ هذه اللغة والجواب بها. يقول ابن حجر رحمه الله: " وأما سؤال الملكين فظاهر الحديث الصحيح أنه بالعربي؛ لأن فيه أنهما يقولان له: (ما علمك بهذا الرجل) إلى آخر الحديث، ويحتمل مع ذلك أن يكون خطاب كل أحد بلسانه " انتهى. "الإمتاع بالأربعين المتباينة السماع" (ص/122) . القول الثالث: يسأل بلغة يفهمها. ذكره ابن حجر احتمالا كما سبق في كلامه. وبه تفتي اللجنة الدائمة، والشيخ ابن عثيمين رحمهم الله جميعا. جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (3/450) : " إذا مات الإنسان ودفن جاءه ملكان وسألاه عن ربه ونبيه ودينه بلغة يفهمها " انتهى. ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " قال بعض العلماء: يُسأل بالسريانية، سبحان الله! السريانية لغة النصارى، والظاهر - والله أعلم - أن هذا القول مأخوذٌ من النصارى؛ لأجل أن يفتخروا ويقولوا لغتنا لغة السؤال في القبر لكل ميت. والذي يظهر أنه يُسأل بما يفهم: إن كان من العرب فباللغة العربية، إن كان من غير العرب فبلغته " انتهى. "شرح العقيدة السفارينية" (ص/435) دار الوطن. والأولى في نظرنا السكوت عن ذلك كله حيث لم يرد فيه نص صحيح، والاشتغال بمثل هذه التفاصيل مما لا منفعة فيه للسائل في أمر دينه ودنياه، ويكفيه من ذلك أن يؤمن أنه يُسأل في قبره، وأن يسأل الله أن يوفقه للعمل بطاعته، وأن يلهمه الجواب، ويثبته عند السؤال. سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله السؤال الآتي: " بماذا يخاطب الناس يوم البعث؟ وهل يخاطبهم الله تعالى بلسان العرب؟ وهل صح أن لسان أهل النار الفارسية , وأن لسان أهل الجنة العربية؟ فأجاب رحمه الله: لا يعلم بأي لغة يتكلم الناس يومئذ , ولا بأي لغة يسمعون خطاب الرب جل وعلا؛ لأن الله تعالى لم يخبرنا بشيء من ذلك , ولا رسوله عليه الصلاة والسلام، ولم يصح أن الفارسية لغة الجهَنَّمِيِّين، ولا أن العربية لغة أهل النعيم الأبدي , ولا نعلم نزاعًا في ذلك بين الصحابة رضي الله عنهم، بل كلهم يكفون عن ذلك؛ لأن الكلام في مثل هذا من فضول القول ,.. ولكن حدث في ذلك خلاف بين المتأخرين. فقال ناس: يتخاطبون بالعربية. وقال آخرون: إلا أهل النار , فإنهم يجيبون بالفارسية , وهي لغتهم في النار. وقال آخرون: يتخاطبون بالسريانية؛ لأنها لغة آدم , وعنها تفرعت اللغات. وقال آخرون: إلا أهل الجنة , فإنهم يتكلمون بالعربية. وكل هذه الأقوال لا حجة لأربابها , لا من طريق عقل ولا نقل , بل هي دعاوى عارية عن الأدلة , والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم " انتهى. "مجموع الفتاوى" (4/300) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114639 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 صور من نعيم القبر [السُّؤَالُ] ـ[ماذا يحدث للأتقياء في قبورهم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قد دلت الأدلة على أن المؤمن ينعم في قبره، حتى تقوم الساعة فينتقل بفضل الله ورحمته إلى النعيم الذي لا ينفد ولا ينقطع وهو نعيم الجنة. جعلنا الله تعالى من أهلها. وهذه بعض صور مما ينعم به المؤمن في قبره: 1- يفرش له من فراش الجنة. 2- ويُلبس من لباس الجنة. 3- ويفتح له باب إلي الجنة، لِيَأْتِيَهُ مِنْ نَسِيمِهَا وَيَشَمُّ مِنْ طِيبِهَا وَتَقَرُّ عَيْنُهُ بِمَا يَرَى فِيهَا مِنْ النعيم. 4- ويفسح له في قبره. 5- ويبشر برضوان الله وجنته. ولذلك يشتاق إلى قيام الساعة. فعن البراء بن عازب: قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَةِ رَجُلٍ مِنْ الأَنْصَارِ فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ وَلَمَّا يُلْحَدْ فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ وَكَأَنَّ عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرَ وَفِي يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ فِي الأَرْضِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا ثُمَّ قَالَ إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنْ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنْ الآخِرَةِ نَزَلَ إِلَيْهِ مَلائِكَةٌ مِنْ السَّمَاءِ بِيضُ الْوُجُوهِ كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الشَّمْسُ مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ عَلَيْهِ السَّلام حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَيَقُولُ أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ قَالَ فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِي السِّقَاءِ فَيَأْخُذُهَا فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَأْخُذُوهَا فَيَجْعَلُوهَا فِي ذَلِكَ الْكَفَنِ وَفِي ذَلِكَ الْحَنُوطِ وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ قَالَ فَيَصْعَدُونَ بِهَا فَلَا يَمُرُّونَ يَعْنِي بِهَا عَلَى مَلإٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ إِلا قَالُوا مَا هَذَا الرُّوحُ الطَّيِّبُ فَيَقُولُونَ فُلانُ بْنُ فُلانٍ بِأَحْسَنِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانُوا يُسَمُّونَهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا حَتَّى يَنْتَهُوا بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَسْتَفْتِحُونَ لَهُ فَيُفْتَحُ لَهُمْ فَيُشَيِّعُهُ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مُقَرَّبُوهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي تَلِيهَا حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِي فِي عِلِّيِّينَ وَأَعِيدُوهُ إِلَى الأَرْضِ فَإِنِّي مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى قَالَ فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولانِ لَهُ مَنْ رَبُّكَ فَيَقُولُ رَبِّيَ اللَّهُ فَيَقُولانِ لَهُ مَا دِينُكَ فَيَقُولُ دِينِيَ الإِسْلامُ فَيَقُولانِ لَهُ مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ فَيَقُولُ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولانِ لَهُ وَمَا عِلْمُكَ فَيَقُولُ قَرَأْتُ كِتَابَ اللَّهِ فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا الآيَةُ فَيُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ أَنْ صَدَقَ عَبْدِي فَأَفْرِشُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَأَلْبِسُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ قَالَ فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ قَالَ وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ حَسَنُ الثِّيَابِ طَيِّبُ الرِّيحِ فَيَقُولُ أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ فَيَقُولُ لَهُ مَنْ أَنْتَ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالْخَيْرِ فَيَقُولُ أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ فَيَقُولُ رَبِّ أَقِمْ السَّاعَةَ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي وَمَالِي. . . الحديث رواه أحمد (17803) وأبو داود (4753) وصححه الألباني في "أحكام الجنائز" (ص 156) . 6- سروره برؤيته مقعده من النار الذي أبدله الله عز وجل به مقعداً من الجنة روى أحمد (10577) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِنَازَةً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي قُبُورِهَا فَإِذَا الإِنْسَانُ دُفِنَ فَتَفَرَّقَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ جَاءَهُ مَلَكٌ فِي يَدِهِ مِطْرَاقٌ فَأقْعَدَهُ قَالَ مَا تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ فَإِنْ كَانَ مُؤْمِنًا قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَيَقُولُ صَدَقْتَ ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى النَّارِ فَيَقُولُ هَذَا كَانَ مَنْزِلُكَ لَوْ كَفَرْتَ بِرَبِّكَ فَأَمَّا إِذْ آمَنْتَ فَهَذَا مَنْزِلُكَ فَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ فَيُرِيدُ أَنْ يَنْهَضَ إِلَيْهِ فَيَقُولُ لَهُ اسْكُنْ وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا أَوْ مُنَافِقًا يَقُولُ لَهُ مَا تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ فَيَقُولَ لا أَدْرِي سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَيَقُولُ لا دَرَيْتَ وَلا تَلَيْتَ وَلا اهْتَدَيْتَ ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ فَيَقُولُ هَذَا مَنْزِلُكَ لَوْ آمَنْتَ بِرَبِّكَ فَأَمَّا إِذْ كَفَرْتَ بِهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَبْدَلَكَ بِهِ هَذَا وَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى النَّارِ ثُمَّ يَقْمَعُهُ قَمْعَةً بِالْمِطْرَاقِ يَسْمَعُهَا خَلْقُ اللَّهِ كُلُّهُمْ غَيْرَ الثَّقَلَيْنِ فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَحَدٌ يَقُومُ عَلَيْهِ مَلَكٌ فِي يَدِهِ مِطْرَاقٌ إِلا هُبِلَ عِنْدَ ذَلِكَ [أي ذهل] فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِت. صححه الألباني في تحقيق كتاب السنة لابن أبي عاصم (865) . 7- ينام نومة العروس. 8- وينور له قبره. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قُبِرَ الْمَيِّتُ أَوْ قَالَ أَحَدُكُمْ أَتَاهُ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ يُقَالُ لأَحَدِهِمَا الْمُنْكَرُ وَالآخَرُ النَّكِيرُ فَيَقُولانِ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ فَيَقُولُ مَا كَانَ يَقُولُ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَيَقُولانِ قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ هَذَا ثُمَّ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا فِي سَبْعِينَ ثُمَّ يُنَوَّرُ لَهُ فِيهِ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ نَمْ فَيَقُولُ أَرْجِعُ إِلَى أَهْلِي فَأُخْبِرُهُمْ فَيَقُولانِ نَمْ كَنَوْمَةِ الْعَرُوسِ الَّذِي لا يُوقِظُهُ إِلا أَحَبُّ أَهْلِهِ إِلَيْهِ حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مُنَافِقًا قَالَ سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ فَقُلْتُ مِثْلَهُ لا أَدْرِي فَيَقُولانِ قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ ذَلِكَ فَيُقَالُ لِلأَرْضِ الْتَئِمِي عَلَيْهِ فَتَلْتَئِمُ عَلَيْهِ فَتَخْتَلِفُ فِيهَا أَضْلاعُهُ فَلا يَزَالُ فِيهَا مُعَذَّبًا حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ. رواه الترمذي (1071) . والحديث: صححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (1391) . وَإِنَّمَا شَبَّهَ نَوْمَهُ بِنَوْمَةِ الْعَرُوسِ لأَنَّهُ يَكُونُ فِي طَيِّبِ الْعَيْشِ. اهـ تحفة الأحوذي. فهذا بعض النعيم الذي ينعم به المؤمن في قبره، نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهله. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 21713 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 تمثل العمل الصالح رجلا في القبر [السُّؤَالُ] ـ[ما صحة هذا الحديث: (عند موت الإنسان وأثناء انشغال أقربائه بمناسكِه الجنائزيةِ، يقفُ رجلٌ وسيمُ جداً بجوار رأس الميت. وعند تكفين الجثّة، يَدْخلُ ذلك الرجلِ بين الكفنِ وصدرِ الميّتِ. وبعد الدفنِ، يَعُودَ الناس إلى بيوتهم، ويأتي القبرِ ملكان مُنكرٌ ونكير، ويُحاولانَ أَنْ يَفْصلاَ هذا الرجلِ الوسيم عن الميتِ لكي يَكُونا قادرين على سؤال الرجلِ الميتِ في خصوصية حول إيمانِه. لكن يَقُولُ الرجل الوسيم: " هو رفيقُي، هو صديقُي. أنا لَنْ أَتْركَه بدون تدخّل في أيّ حالٍ منَ الأحوالِ. إذا كنتم معنينَّن لسؤالهِ، فاعمَلوا بما تؤمرونَ، أما أنا فلا أَستطيعُ تَرْكه حتى أدخلهْ إلى الجنة ِ". ويتحول الرجل الوسيم إلى رفيقه الميت ويَقُولُ له: " أَنا القرآن الذيّ كُنْتَ تَقْرؤُه بصوتٍ عالٍ أحياناً وبصوت خفيض أحياناً أخرى. لا تقلق. فبعد سؤال مُنكرٍ ونكير لا حزن بعد اليوم. وعندما ينتهى السؤال، يُرتّبُ الرجل الوسيم والملائكة فراش من الحرير مُلئ بالمسكِ للميت في الجنة) ]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الذي جاء في السنة النبوية الصحيحة من تمثل العمل الصالح، ومنه قيام العبد بالقرآن الكريم، بالرجل الحسن في القبر ما يلي: 1- عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنْ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنْ الْآخِرَةِ نَزَلَ إِلَيْهِ مَلَائِكَةٌ مِنْ السَّمَاءِ بِيضُ الْوُجُوهِ كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الشَّمْسُ، مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ، وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ ... إلى أن قال – في وصف حال المؤمن في القبر -: فَيُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ أَنْ صَدَقَ عَبْدِي فَأَفْرِشُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ، قَالَ: فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ. قَالَ: وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ، حَسَنُ الثِّيَابِ، طَيِّبُ الرِّيحِ، فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ. فَيَقُولُ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالْخَيْرِ. فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ. فَيَقُولُ: رَبِّ أَقِمْ السَّاعَةَ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي وَمَالِي) رواه أحمد (4/362) وصححه الألباني في "أحكام الجنائز" (156) 2- عن بريدة رضي الله عنه قال: سمعت النبي- صلى الله عليه وسلم - يقول: (َإِنَّ الْقُرْآنَ يَلْقَى صَاحِبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يَنْشَقُّ عَنْهُ قَبْرُهُ كَالرَّجُلِ الشَّاحِبِ. فَيَقُولُ لَهُ: هَلْ تَعْرِفُنِي؟ فَيَقُولُ: مَا أَعْرِفُكَ. فَيَقُولُ لَهُ: أَنَا صَاحِبُكَ الْقُرْآنُ الَّذِي أَظْمَأْتُكَ فِي الْهَوَاجِرِ وَأَسْهَرْتُ لَيْلَكَ، وَإِنَّ كُلَّ تَاجِرٍ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَتِهِ، وَإِنَّكَ الْيَوْمَ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ تِجَارَةٍ، فَيُعْطَى الْمُلْكَ بِيَمِينِهِ وَالْخُلْدَ بِشِمَالِهِ وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ وَيُكْسَى وَالِدَاهُ حُلَّتَيْنِ لَا يُقَوَّمُ لَهُمَا أَهْلُ الدُّنْيَا. فَيَقُولَانِ: بِمَ كُسِينَا هَذِهِ؟ فَيُقَالُ: بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ اقْرَأْ وَاصْعَدْ فِي دَرَجَةِ الْجَنَّةِ وَغُرَفِهَا فَهُوَ فِي صُعُودٍ مَا دَامَ يَقْرَأُ هَذًّا كَانَ أَوْ تَرْتِيلًا) رواه أحمد في "المسند" (394) وابن ماجه في "السنن" (3781) وحسنه البوصيري في الزوائد والألباني في "السلسلة الصحيحة" (2829) يقول السيوطي في شرح الحديث (2/1242) : " (كالرجل الشاحب) قال السيوطي: هو المتغير اللون، وكأنه يجيء على هذه الهيئة ليكون أشبه بصاحبه في الدنيا، أو للتنبيه له على أنه كما تغير لونه في الدنيا لأجل القيام بالقرآن كذلك القرآن لأجله في السعي يوم القيامة حتى ينال صاحبه الغاية القصوى في الآخرة." انتهى. ولم أقف على شيء من السنة الصحيحة في تمثل العمل الصالح رجلا في القبر إلا هذين الحديثين. أما الحديث الذي ذكرته – أخي السائل الكريم – فلم يرد في كتب السنة المعتمدة، ولم نقف له على إسناد صحيح ولا ضعيف، بل هو مما ينتشر في بعض المنتديات والمواقع من غير تحرٍّ ولا تثبت، ولعل بعض الجهلة من الناس كتبه من قبل نفسه ثم عزاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليحث الناس على الاهتمام بالقرآن والعناية به، ولم يدر هؤلاء أن الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم من أعظم الذنوب التي توبق صاحبها في نار جهنم، وأن النية الحسنة لا ترفع الإثم عن هؤلاء الذين يكذبون ويضعون الحديث على لسان النبي صلى الله عليه وسلم. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ) رواه البخاري (1291) ومسلم (4) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93151 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 هل حوسب بعض الناس وأدخلوا الجنة أو النار؟ [السُّؤَالُ] ـ[متى يبدأ الحساب، أهو عند نزول القبر أم يوم القيامة، وقد علمنا أن هناك بعض الأشخاص دخلوا الجنة أمثال ماشطة بنات فرعون وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة، وأن هناك بعض الأشخاص دخلوا النار، فكيف يكون ذلك ونحن نعلم أن أول من يدخل الجنة هو رسول الله صلى الله عليه وسلم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد للَّه أولا: يجب على كل مسلم أن يعتقد أن الحساب بعد الموت حق، وأن الجزاء يكون بعد الحساب، قال تعالى: (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الحجر/92-93، وقال سبحانه: (فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) الأعراف/6 ثم إن هذا الحساب يكون على مرحلتين: المرحلة الأولى: فى القبر بعد الموت: وذلك حين يأتيه الملكان فيسألانه عن ربه ودينه ونبيه، كما جاءت بذلك الأحاديث المتواترة، وهي فتنة القبر التي أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نستعيذ منها. عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُم تُفتَنُونَ فِي القُبُورِ) رواه البخاري (1049) ومسلم (584) يقول ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري" (1/165) : " أصل الفتنة الاختبار والامتحان " انتهى. ونقل المناوي في "فيض القدير" (6/234) عن بعض أهل العلم قولهم: " يحاسب المؤمن في القبر ليكون أهون عليه في الموقف، فيمحص في البرزخ، فيخرج وقد اقتص منه " انتهى. ويكون بعد هذا الحساب جزاء أيضا، فمن فاز أتاه من النعيم والسرور في قبره، ومن خسر أصابه من العذاب والشقاء. وكل ذلك في القبر أو في حياة البرزخ، أما الجنة والنار فلا يدخلها أحد دخولا تاما إلا بعد المرحلة الثانية من الحساب، وهي حساب الآخرة. ولكن قد تدخل بعض الأرواح الجنة، فيصيبها بعض نعيمها، كرامة منه سبحانه وتعالى. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ طَيْرٌ يَعْلَقُ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَرْجِعَهُ اللَّهُ إِلَى جَسَدِهِ يَوْمَ يَبْعَثُهُ) رواه مالك في الموطأ (1/240) وصححه ابن عبد البر في "الاستذكار" (2/614) نسمة المؤمن: روحه. يعلق: أي يأكل ويرعى. يقول ابن القيم رحمه الله في كتابه "حادي الأرواح" (48) : " وهذا صريح في دخول الروح الجنة قبل يوم القيامة " انتهى. كما قد تُعرض بعض الأرواح على النار، فيصيبها من حرها وعذابها. يقول سبحانه وتعالى: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) غافر/46 ومن تجاوز حساب القبر هان عليه حساب الآخرة. عن هَانِئ مَوْلَى عُثْمَانَ قَالَ: كَانَ عُثْمَانُ إِذَا وَقَفَ عَلَى قَبْرٍ بَكَى حَتَّى يَبُلَّ لِحْيَتَهُ، فَقِيلَ لَهُ: تُذْكَرُ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَلَا تَبْكِي، وَتَبْكِي مِنْ هَذَا! فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ، فَإِنْ نَجَا مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ) رواه الترمذي (2308) وحسنه، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي. المرحلة الثانية من الحساب: بعد البعث في الآخرة، وهو الحساب العظيم الذي يميز فيه بين أهل الجنة وأهل النار، ويتقاص العباد فيه المظالم بينهم، وسمي ذلك اليوم بيوم الحساب. يقول سبحانه وتعالى: (هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ) ص/53 وقال سبحانه: (وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ) غافر/27 ولا يدخل أحد الجنة أو النار إلا بعد هذا الحساب، فمن الناس من يحاسب حسابا يسيرا، ومنهم من يحاسب حسابا عسيرا، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو أول من يدخل الجنة الدخول الحقيقي التام في الآخرة. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (آتِي بَابَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَسْتَفْتِحُ، فَيَقُولُ الْخَازِنُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَأَقُولُ: مُحَمَّدٌ. فَيَقُولُ: بِكَ أُمِرْتُ لَا أَفْتَحُ لِأَحَدٍ قَبْلَكَ) رواه مسلم (197) ثانيا: أما ما جاء من الأحاديث التي يذكر فيها النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى أحدا في الجنة أو في النار، فهي على أحد وجهين: 1- إما أنها في رؤيا المنام: كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِبِلَالٍ عِنْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ: (يَا بِلَالُ حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الْإِسْلَامِ فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الْجَنَّةِ) يقول الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (3/35) : " قال الكرماني: ظاهر الحديث أن الماع المذكور وقع في النوم؛ لأن الجنة لا يدخلها أحد إلا بعد الموت. ويؤيد كونه وقع في المنام ما سيأتي في أول مناقب عمر من حديث جابر مرفوعا: (رأيتني دخلت الجنة فسمعت خشفة، فقيل هذا بلال، ورأيت قصرا بفنائه جاريه فقيل هذا لعمر) الحديث وبعده من حديث أبي هريرة مرفوعا: (بينا أنا نائم رأيتني في الجنة، فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر، فقيل: هذا لعمر) الحديث فعرف أن ذلك وقع في المنام، وثبتت الفضيلة بذلك لبلال؛ لأن رؤيا الأنبياء وحي، ولذلك جزم النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك " انتهى. 2- يكشف الله للنبي صلى الله عليه وسلم ما سيكون في الأخرة حتى يراه رأي عيان أو رأي قلب، ومنه ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج من أمور في الجنة وفي النار. يقول الحافظ النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (6/207) : " قال القاضي عياض: قال العلماء: تحتمل أنه رآهما رؤية عين، كشف الله تعالى عنهما، وأزال الحجب بينه وبينهما، كما فرج له عن المسجد الأقصى حين وصفه. قالوا: ويحتمل أن يكون رؤية علم وعرض وحي، باطلاعه وتعريفه من أمورها تفصيلا ما لم يعرفه قبل ذلك. قال القاضي: والتأويل الأول أولى وأشبه بألفاظ الحديث، لما فيه من الأمور الدالة على رؤية العين كتناوله صلى الله عليه وسلم العنقود، وتأخره مخافة أن يصيبه لفح النار " انتهى. انظر جواب السؤال رقم (4003) ، (5643) ، (12478) ، (14526) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 89813 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 طبيعة الحياة في القبر [السُّؤَالُ] ـ[إذا قيل إن الميت يحيا في القبر، فهل هي نفس حياته الأولى، وكم حاسة ترجع إليه، وإلى كم تبقى حياته في القبر، وإذا كان الميت تُسأل جثته، فما مصير الذين يحرقون مثل الهندوس واليابان وغيرهم، وأين يتم سؤالهم؟ إن الطبيب عندما يجري العملية يبعد الحواس لدى الإنسان عنه بمخدر.. أما هذا الموت فإني أتساءل كيف هو؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ينبغي أن يعلم أن الواجب على كل مؤمن ومؤمنة: التصديق بما أخبر الله به في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من جميع الأمور المتعلقة بالآخرة والحساب والجنة والنار، وفيما يتعلق بالموت والقبر وعذابه ونعيمه، وسائر أمور الغيب مما جاء في القرآن الكريم أو صحت به السنة المطهرة، فعلينا الإيمان والتسليم والتصديق بذلك، لأننا نعلم أن ربنا هو الصادق فيما يقوله سبحانه وفيما يخبر به جل وعلا، لقوله تعالى: (ومن أصدق من الله قيلاً) النساء/122، وقوله سبحانه: (ومن أصدق من الله حديثاً) النساء /78. ونعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصدق الناس، وأنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، فما ثبت عنه في الأحاديث الصحيحة، وجب التصديق به وإن لم نعرف حقيقته. فالواجب علينا أن نصدق بما جاء به من أمر الآخرة وأمر الجنة والنار، ومن نعيم أهل الجنة وعذاب أهل النار وكون العبد في القبر يعذب أو ينعم، وترد إليه روحه , كل هذا حق جاءت به النصوص، فعلى العبد أن يسلم بذلك، ويصدق كل ما علمه من القرآن , أو صحت به السنة أو أجمع عليه علماء الإسلام. ثم إذا من الله على المؤمن والمؤمنة بمعرفة الحكمة في ذلك والأسرار، فهذا خير إلى خير، ونور على نور وعلم على علم، فليحمد الله وليشكره على ما أعطاه من العلم والبصيرة في ذلك التي من الله بها عليه حتى زاد علمه , وزادت طمأنينته. أما ما يتعلق بالسؤال في القبر، وحال الميت فإن السؤال حق، والميت ترد إليه روحه، وقد صحت بذلك الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحياة الميت في قبره غير حياته الدنيوية، بل هي حياة خاصة برزخية، ليست من جنس حياته في الدنيا التي يحتاج فيها إلى الطعام والشراب ونحو ذلك , بل هي حياة خاصة يعقل معها السؤال والجواب، فيسأله الملكان من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فالمؤمن يقول: ربي الله، والإسلام ديني، ومحمد نبيي هكذا يجيب المؤمن والمؤمنة , ويقال له: ما علمك بهذا الرجل؟ (محمد صلى الله عليه وسلم) فيقول: هو رسول الله، جاءنا بالهدى فآمنا به وصدقناه، واتبعناه، فيقال له: قد علمنا إن كنت لمؤمناً، ويفتح له باب إلى الجنة، فيأتيه من روحها ونعيمها، ويقال: هذا مكانك حتى يبعثك الله إليه، ويرى مقعده من النار، ويقال له: هذا مكانك لو كفرت بالله، أما الآن فقد أعاذك الله منه وصرت إلى الجنة. أما الكافر فإذا سئل عن ربه ودينه ونبيه، فإنه يقول: هاه هاه لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته، فيضرب بمرزبة من حديد فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الثقلين: يعني الجن والإنس، وتسمعها البهائم، فيفتح له باب إلى النار، ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه، ويكون قبره عليه حفرة من حفر النار، ويفتح له باب إلى النار يأتيه من سمومها وعذابها: ويقال: هذا مكانك حتى يبعثك الله إليه، ويفتح له باب إلى الجنة فيرى مقعده في الجنة، ويقال له: هذا مكانك لو هداك الله. وبذلك يعلم أن القبر إما روضة من رياض الجنة أوإما حفرة من حفر النار. والعذاب والنعيم للروح والجسد جميعاً في القبر، وهكذا في الآخرة في الجنة أو في النار. أما من مات بالغرق أو بالحرق أو بأكل السباع: فإن روحه يأتيها نصيبها من العذاب والنعيم، ويأتي جسده من ذلك في البر أو البحر، أو في بطون السباع ما شاء الله من ذلك، لكن معظم النعيم والعذاب على الروح التي تبقى؛ إما منعمة وإما معذبة، فالمؤمن تذهب روحه إلى الجنة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن روح المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة، يأكل من ثمارها، والكافر تذهب روحه إلى النار) . فالواجب على كل مسلم ومسلمة الاطمئنان إلى ما أخبر به الله عز وجل، وأخبر به رسوله عليه الصلاة والسلام، وأن يصدق بذلك على الوجه الذي أراده الله عز وجل، وإن خفي على العبد بعض المعنى، فلله الحكمة البالغة سبحانه. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. ص / 338 الحديث: 9381 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 عذاب القبر ونعيمه حق يقع على الروح والجسد معاً [السُّؤَالُ] ـ[لدي (سؤال) غريب. أعتقد بأن الإنسان إذا مات فإنه لا يسمع كما أن جسده تصبح عديمة النفع. ولكن طبقا للحديث، فإن هناك عذاب في القبر. فهل يعني ذلك بأن الجسد ما يزال حيا؟ وأيضا فقد ورد في القران أن الشهداء لا يموتون. وكذلك فقد جاء في أحد أحاديث مسلم أنه عندما خاطب الرسول صلى الله عليه وسلم أجساد أبي جهل وأمية والآخرين، وسأله عمر رضي الله عنه كيف يمكن للأموات سماع كلامك , فأجاب الرسول صلى الله عليه وسلم بأنهم يسمعون ولكنهم لا يمكنهم الرد. أرجو التكرم بالإجابة على سؤالي بالتفصيل.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله 1. ما جاء في السؤال من أن الميت لا يسمع شيئا من كلام الأحياء: هو حق وصدق. قال تعالى: (وما أنت بمسمع من في القبور) فاطر/22، وقال تعالى: (فإنك لا تسمع الموتى) الروم/52. 2. من عقيدة أهل السنة والجماعة أن هناك فتنة وعذاباً في القبر وحياة في البرزخ، كما أن فيه نعيماً وراحة بحسب حال الميت ومن الأدلة على ذلك: قوله تعالى عن آل فرعون: (النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب) غافر/46، فبيَّن الله تعالى أن آل فرعون يُعرضون على العذاب صباحا ومساء مع أنهم ماتوا، ومن هذه الآية أثبت العلماء عذاب القبر. قال ابن كثير: وهذه الآية أصل كبير في استدلال أهل السنة على عذاب البرزخ في القبور وهي قوله تعالى: (النار يعرضون عليها غدوا وعشيّاً) . " تفسير ابن كثير " (4 / 82) . وفي حديث عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة: " اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال وأعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم ". رواه البخاري (798) ومسلم (589) . والشاهد من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ من عذاب القبر وهو من أدلة إثبات عذاب القبر ولم يخالف في إثبات عذاب القبر إلا المعتزلة وطوائف أخرى لا يعبأ بخلافهم. 3. وأما حديث مخاطبة النبي لأجساد المشركين يوم بدر فيحمل على حال مخصوصة وهي أن الله أحياهم لنبيه صلى الله عليه وسلم ليخزيهم وليريهم الذلة والصغار: أ. عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: وقف النبي صلى الله عليه وسلم على قليب بدر فقال: " هل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟ ثم قال: إنهم الآن يسمعون ما أقول. رواه البخاري (3980) ومسلم (932) . ب. عن أبي طلحة قال: قال عمر: يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح لها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم "، قال قتادة: أحياهم الله حتى أسمعهم قوله توبيخا وتصغيرا ونقمة وحسرة وندما. رواه البخاري (3976) ومسلم (2875) . انظر فتح الباري (7 / 304) . والشاهد أن أهل القليب اسمعهم الله كلام نبيه صلى الله عليه وسلم لإذلالهم وتصغيرهم، ولا يصح الاستدلال بالحديث على أن الميت يسمع كل شيء لأنه خاص بأهل القليب، إلا أن بعض العلماء استثنى من ذلك سماع الميت للسلام، وهو قول يفتقر إلى الدليل الصحيح الواضح. 4. أن عذاب القبر على الصحيح من أقوال العلماء يقع على الروح والجسد. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ومذهب سلف الأمة وأئمتها أن العذاب أو النعيم يحصل لروح الميت وبدنه، وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعمة أو معذبة، وأيضا تتصل بابدن أحيانا فيحصل له معها النعيم أو العذاب ". وعلينا الإيمان والتصديق بما أخبر الله. "الاختيارات الفقهية" (ص 94) . وقال ابن القيم: وقد سئل شيخ الإسلام عن هذه المسألة، ونحن نذكر لفظ جوابه فقال: بل العذاب والنعيم على النفس والبدن جميعاً باتفاق أهل السنة والجماعة، تُنعَّم النفس وتعذب منفردة عن البدن وتنعم وتعذب متصلة بالبدن، والبدن متصل بها فيكون النعيم والعذاب عليها في هذه الحال مجتمعين كما تكون على الروح منفردة عن البدن. مذهب سلف الأمة وأئمتها: أن الميت إذا مات يكون في نعيم أو عذاب، وأن ذلك يحصل لروحه وبدنه، وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعمة أو معذبة، وأنها تتصل بالبدن أحياناً ويحصل له معها النعيم أو العذاب، ثم إذا كان يوم القيامة الكبرى أعيدت الأرواح إلى الأجساد وقاموا من قبورهم لرب العالمين ومعاد الأبدان متفق عليه بين المسلمين واليهود والنصارى. " الروح " (ص 51، 52) . ويضرب العلماء مثالا لذلك الحلم في المنام فقد يرى الإنسان أنه ذهب وسافر وقد يشعر بسعادة وهو نائم وقد يشعر بحزن وأسى وهو في مكانه وهو في الدنيا فمن باب أولى أن تختلف في الحياة البرزخية وهي حياة تختلف كلية عن الحياة الدنيا أو الحياة في الآخرة. قال النووي: فان قيل: فنحن نشاهد الميت على حاله في قبره فكيف يُسأل ويُقعد ويضرب بمطارق من حديد ولا يظهر له أثر، فالجواب: أن ذلك غير ممتنع بل له نظر في العادة وهو النائم، فإنه يجد لذة وآلاما لا نحس نحن شيئا منها، وكذا يجد اليقظان لذة وآلما لما يسمعه أو يفكر فيه ولا يشاهد ذلك جليسه منه، وكذا كان جبرئيل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيخبره بالوحي الكريم ولا يدركه الحاضرون، وكل هذا ظاهر جلى. " شرح مسلم " (17 / 201) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: والنائم يحصل له في منامه لذة وألم وذلك يحصل للروح والبدن حتى إنه يحصل له في منامه من يضربه فيصبح والوجع في بدنه، ويرى في منامه أَنّه أُطْعِم شيئاً طيباً فيصبح وطعمه في فمه، وهذا موجود، فإذا كان النائم يحصل لروحه وبدنه من النعيم والعذاب ما يحس به والذي إلى جنبه لا يحس به حتى قد يصيح النائم من شدة الألم أو الفزع الذي يحصل له ويسمع اليقظان صياحه وقد يتكلم إما بقرآن وإما بذكر وإما بجواب واليقظان يسمع ذلك وهو نائم عينه مغمضة ولو خوطب لم يسمع: فكيف ينكر حال المقبور الذي أخبر الرسول أنه " يسمع قرع نعالهم "، وقال " ما أنتم أسمع لما أقول منهم "؟ والقلب يشبه القبر، ولهذا قال لما فاتته صلاة العصر يوم الخندق " ملأ الله أجوافهم وقبورهم ناراً " وفى لفظ " قلوبهم وقبورهم ناراً " وَفرَّق بينهما في قوله: (بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور) وهذا تقريب وتقرير لإمكان ذلك. ولا يجوز أن يقال ذلك الذي يجده الميت من النعيم والعذاب مثلما يجده النائم في منامه، بل ذلك النعيم والعذاب أكمل وأبلغ وأتم وهو نعيم حقيقي وعذاب حقيقي، ولكن يذكر هذا المثل لبيان إمكان ذلك، إذا قال السائل: الميت لا يتحرك في قبره والتراب لا يتغير ونحو ذلك مع أن هذه المسألة لها بسط يطول وشرح لا تحتمله هذه الورقة والله اعلم وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم. " مجموع الفتاوى " (4 / 275، 276) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 10547 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 الطريق إلى حسن الخاتمة [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك علامات تدل على حسن الخاتمة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: حسن الخاتمة … حسن الخاتمة هو: أن يُوفق العبد قبل موته للابتعاد عما يغضب الرب سبحانه، والتوبة من الذنوب والمعاصي، والإقبال على الطاعات وأعمال الخير، ثم يكون موته بعد ذلك على هذه الحال الحسنة، ومما يدل على هذا المعنى ما صح عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أراد الله بعبده خيراً استعمله) قالوا: كيف يستعمله؟ قال: (يوفقه لعمل صالح قبل موته) رواه الإمام أحمد (11625) والترمذي (2142) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة 1334. وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعَبْدٍ خَيْرًا عَسَلَهُ قِيلَ وَمَا عَسَلُهُ قَالَ يَفْتَحُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ عَمَلًا صَالِحًا قَبْلَ مَوْتِهِ ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ " رواه أحمد 17330 وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة 1114. ولحسن الخاتمة علامات، منها ما يعرفه العبد المحتضر عند احتضاره، ومنها ما يظهر للناس. ثانياً: أما العلامة التي يظهر بها للعبد حسن خاتمته فهي ما يبشر به عند موته من رضا الله تعالى واستحقاق كرامته تفضلا منه تعالى، كما قال جل وعلا: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون} فصلت / 30، وهذه البشارة تكون للمؤمنين عند احتضارهم. انظر تفسير ابن سعدي 1256 ومما يدل على هذا أيضا ما رواه البخاري (6507) ومسلم (2683) عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه " فقلت: يا نبي الله! أكراهية الموت، فكلنا نكره الموت؟ فقال: " ليس كذلك، ولكن المؤمن إذا بشر برحمة الله ورضوانه وجنته أحب لقاء الله، وإن الكافر إذا بشر بعذاب الله وسخطه كره لقاء الله وكره الله لقاءه " وقال النووي رحمه الله: (معنى الحديث أن المحبة والكراهية التي تعتبر شرعا هي التي تقع عند النزع في الحالة التي لا تقبل فيها التوبة، حيث ينكشف الحال للمحتضر، ويظهر له ما هو صائر إليه) أما عن علامات حسن الخاتمة فهي كثيرة، وقد تتبعها العلماء رحمهم الله باستقراء النصوص الواردة في ذلك فمن هذه العلامات: 1- النطق بالشهادة عند الموت، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة) رواه أبو داوود 3116، وصححه الألباني في صحيح أبي داوود 2673. 2- الموت برشح الجبين، أي: أن يكون على جبينه عرق عند الموت، لما رواه بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " موت المؤمن بعرق الجبين " رواه أحمد (22513) والترمذي (980) والنسائي (1828) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. 3- الموت ليلة الجمعة أو نهارها لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر) رواه أحمد (6546) والترمذي (1074) قال الألباني: الحديث بمجموع طرقه حسن أو صحيح. 4- الموت غازياً في سبيل الله؛ لقول الله تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون. فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون. يستبشرون بنعمةٍ من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين} . وقال صلى الله عليه وسلم: " من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد " رواه مسلم 1915. 5- الموت بالطاعون لقوله صلى الله عليه وسلم: " الطاعون شهادة كل مسلم " رواه البخاري (2830) ومسلم (1916) وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الطَّاعُونِ فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ عَذَابٌ يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَأَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لا يُصِيبُهُ إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ إِلا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ شَهِيدٍ " رواه البخاري 3474. 6- الموت بداء البطن، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " ... ومن مات في البطن فهو شهيد " رواه مسلم 1915 7- الموت بسبب الهدم والغرق، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغرق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله) أخرجه البخاري 2829 ومسلم 1915. 8- موت المرأة في نفاسها بسبب ولدها أو وهي حامل به، ومن أدلة ذلك ما رواه أبو داود (3111) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والمرأة تموت بجُمع شهيد) قال الخطابي: معناه أن تموت وفي بطنها ولد اهـ عون المعبود وروى الإمام أحمد (17341) عن عبادة بن الصامت أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبر عن الشداء، فذكر منهم: " والمرأة يقتلها ولدها جمعاء شهادة (يجرها ولدها بسُرَرِه إلى الجنة) " صححه الألباني في كتاب الجنائز ص 39 السرة: ما يبقى بعد القطع مما تقطعه القابلة، والسرر ما تقطعه. 9- الموت بالحرق وذات الجنب والسل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " القتل في سبيل الله شهادة، والطاعون شهادة، والغرق شهادة، والبطن شهادة والنفساء يجرها ولدها بسرره إلى الجنة " (قال وزاد أبو العوام سادن بيت المقدس والحرق والسل) قال الألباني: حسن صحيح، صحيح الترغيب والترهيب (1396) . 10- الموت دفاعاً عن الدين أو المال أو النفس لقول النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قتل دون ما له فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد) رواه الترمذي 1421. وروى البخاري (2480) ومسلم (141) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ". 11- الموت رباطاً في سبيل الله، لما رواه مسلم (1913) عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجري عليه رزقه، وأُمن الفتان ". 12- ومن علامات حسن الخاتمة الموت على عمل صالح، لقوله صلى الله عليه وسلم: (من قال لا إله إلا الله ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة، ومن تصدق بصدقة ختم له بها دخل الجنة) رواه الإمام أحمد (22813) وصححه الألباني في كتاب الجنائز ص43. انظر كتاب الجنائز (ص34) للألباني رحمه الله. وهذه العلامات هي من البشائر الحسنة التي تدل على حسن الخاتمة، ولكننا مع ذلك لا نجزم لشخص ما بعينه أنه من أهل الجنة إلا من شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة كالخلفاء الأربعة.. نسأل الله تعالى أن يرزقنا حسن الخاتمة. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 10903 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 ما حالُ الطفلِ الذي لم يبلغْ في قبرِه إذا مات؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا ماتَ صبيٌّ صغيرٌ لم يصِل إلى سِنِّ التكليفِ، أي أنَّ عمرَه حوالي ما بين 10 إلى 11 سنةً، ما هو مصيرُه في الحياةِ البرزخيةِ من النواحِي التاليةِ: هل يتعرَّضُ لفتنةِ القبرِ (سؤالِ منكَر ونكير) ؟ هل يتعرَّض لعذابِ القبرِ؟ هل بالفعلِ أنَّ هذا الطفلَ يشفعُ لأهلِه في دخولِ الجنةِ؟ سمعتُ أنَّ نبيَّ اللهِ إبراهيمَ عليه السلام هو المسئولُ عن رعايةِ أطفالِ المسلمينَ الذين ماتوا في هذا السن، والذي أعرفُه أنَّ سيدَنا إبراهيمَ موجودٌ في السماءِ السابعةِ، فهل هذا يعني أنَّ الطفلَ الميِّتَ يعيشُ في السماءِ السابعةِ أم في القبرِ تحتَ الأرضِ؟ وهل ضغطة القبرِ لا ينجو منها حتى الأطفالُ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ضمَّةُ القبرِ هي أوَّلُ ما يلاقيه الميتُ حين يوضعُ في قبرِه، وقد جاءَ في النصوصِ ما يدلُّ على أنَّها عامةٌ لكل من يوضعُ في القبرِ، ولا ينجو منها أحدٌ، واللهُ المستعان. روى أحمد (6/55، 98) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إِنَّ لِلْقَبْرِ ضَغْطَةً، فَلَو نَجَا أَو سَلِمَ أَحَدٌ مِنهَا لَنَجَا سَعدُ بنُ مُعاذ) وقال الألباني في الصحيحة (1695) : وجملة القول أن الحديث بمجموع طرقه وشواهده صحيح بلا ريب، فنسأل الله تعالى أن يهون علينا ضغطة القبر إنه نعم المجيب. وعن أبي أيوب رضي الله عنه: أن صبيًا دُفنَ، فقالَ صلى الله عليه وسلم: (لَوْ أَفْلَتَ أَحَدٌ مِنْ ضَمَّةِ القَبْرِ لأَفْلَتَ هَذَا الصَبِيُّ) رواه الطبراني المعجم الكبير (4/121) وصححه الهيثمي (3/47) ، والألباني في السلسلة الصحيحة (2164) . ثانيًا: اختلفَ العلماءُ في الأطفالِ، هل يسألون في قبورِهم؟ على قولَين: القولُ الأولُ: أنَّهم يُسألون، وهو قول ُبعضِ المالكيةِ وبعض الحنابلة، واختاره القرطبيُّ، واختارَه أيضاً شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية كما نقلَه عنه في الفروع. انظر: "الفروع" (2/216) ، "شرح الزرقاني" (2/85) . قال ابنُ القيِّمِ رحمه الله في "الروح" (87-88) : " وحجةُ من قالَ إنَّهم يُسأَلون: أنَّه يُشرَعُ الصلاةُ عليهم، والدعاءُ لهم، وسؤالُ اللهِ أن يقيَهم عذابَ القبرِ وفتنةَ القبرِ. كما ذُكر عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّه صلَّى على جنازةِ صبِيٍّ، فسُمع مِن دُعائِه: اللهم قِهِ عذابَ القبرِ. رواه مالك (536) وابن أبي شيبة (6/105) . واحتجُّوا بما رواه عليُّ بنُ معبد عن عائشةَ رضي الله عنها: أنَّه مُرَّ عليها بجنازة صبيٍّ صغيرٍ، فبكت، فقيلَ لها: ما يُبكيك يا أمَّ المؤمنين؟ فقالت: هذا الصبيُّ، بكيت له شفقةً عليه من ضمةِ القبرِ. قالوا: واللهُ سبحانه يُكمِّل لهم عقولَهم ليعرِفوا بذلك منزلَهم، ويُلهمون الجوابَ عما يُسأَلون عنه " انتهى. القولُ الثاني: أنَّهم لا يُمتحنون ولا يُسأَلون في قبورِهم. وهو قولُ الشافعيةِ، وبعضِ المالكية والحنابلة. قالَ ابنُ مفلح في "الفروع" (2/216) : " وهو قولُ القاضي، وابنُ عقيل " انتهى. أما حجَّةُ هذا القول، فيوضِّحُها ابنُ القيم رحمه الله، ويبدو أنَّه يميلُ إليها، حيث يقولُ في "الروح" (87-88) : " قالَ الآخرون: السؤالُ إنَّما يكونُ لِمَن عَقَلَ الرسولَ والمرسِلَ، فيُسأَل هل آمن بالرسولِ وأطاعَه أم لا؟ فيُقال له: ما كنت تقولُ في هذا الرجلِ الذي بُعِثَ فيكم؟ فأمَّا الطفلُ الذي لا تمييزَ له بوجهٍ ما، فكيف يقالُ له: ما كنتَ تقولُ في هذا الرجلِ الذي بُعِثَ فيكم؟ ولو رُدَّ إليه عقلُه في القبرِ , فإنَّه لا يُسأَل عمَّا لم يتمكن من معرفتِه والعلمِ به، ولا فائدةَ في هذا السؤالِ. وأما حديثُ أبي هريرة رضي الله عنه، فليس المرادُ بعذابِ القبرِ فيه عقوبةَ الطفلِ على تركِ طاعةٍ أو فعلِ معصيةٍ قطعًا، فإنَّ اللهَ لا يعذِّبُ أحدًا بلا ذنبٍ عمله. بل عذابُ القبرِ: قد يُرادُ به الألمُ الذي يحصل للميتِ بسببٍ غيرِه، وإن لم يكن عقوبةً على عَمَلٍ عَمِلَه، ومنه قولُه صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الميتَ ليعذبُ ببكاءِ أهلِه عليه) أي: يتألَّمُ بذلك ويتوجَّعُ منه، لا أنّه يعاقَبُ بذنبِ الحيِّ. ولا ريبَ أن في القبرِ من الآلامِ والهمومِ والحسراتِ ما قد يسرى أثرُه إلى الطفل، فيتألَّمُ به، فيُشرَعُ للمصلي عليه أن يسألَ اللهَ تعالى له أن يقيَه ذلك العذابَ، والله أعلم " انتهى. ثالثاً: أما عن مكانِ من تُوُفِّيَ من الأطفالِ، هل هم في السماءِ السابعةِ مع إبراهيمَ عليه السلام، أم في قبورِهِم؟ فالذي ورد في ذلك حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: كانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا يُكثِرُ أن يَقُولَ لأَصحَابِهِ: هَل رَأَى أَحَدٌ مِنكُم مِن رُؤيَا؟ قالَ: فَيَقُصُّ عَلَيه مَنْ شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُصَّ. وَإِنَّه قَالَ ذَاتَ غَدَاةٍ: إِنَّه أَتَانِي الليلَةَ آتِيَانِ، وَإِنَّهما ابتَعَثَانِي، وَإِنَّهُما قَالا لِي: انطَلِق، وَإِنِّي انطَلَقتُ مَعَهُما. . . فذكر أشياء رآها ثم قال: فانطَلَقنَا، فَأتَينَا عَلَى رَوضَةٍ مُعتَمَّةٍ، فِيهَا مِن كُلِّ لَونِ الرَّبِيعِ، وَإِذَا بَيْنَ ظَهْرَي الرَّوضَةِ رَجُلٌ طَويلٌ لا أَكادُ أَرَى رَأسَهُ طُولًا فِي السَّماءِ، وإِذَا حَولَ الرَّجُلِ مِن أَكثَرِ وِلدَانٍ رَأيتُهم قَطُّ،. . . ثم كان مما عبره له الملكان: وَأَمَّا الرَّجُلُ الطَّويلُ الذي فِي الرَّوضَةِ فَإِنَّه إبراهيمُ، وَأَمَّا الوِلدَانُ الذِينَ حَولَه فَكُلُّ مَولُودٍ مَاتَ عَلَى الفِطْرَةِ، فَقَالَ بَعضُ المُسلِمِين: يَا رَسُولَ اللهِ وَأَوْلادُ المُشْرِكِين؟ فَقَالَ: وَأَوْلادُ المُشرِكِين. رواه البخاري (7047) . فهذا الحديث يدل على أن من مات وهو قبل البلوغ يكون في الجنة في كفالة إبراهيم عليه السلام، لا أنه يكون في السماء السابعة. وانظر: "شرح مسلم للنووي" حديث رقم (2658) . رابعاً: جاءت الأحاديث المتكاثرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في شفاعة الصبيان في آبائهم يوم القيامة، ومن ذلك: عن أبي حسان قال: قلتُ لأَبِي هُرَيْرَةَ: إنَّه قَدْ مَاتَ لِي ابنانِ، فَمَا أَنْتَ مُحَدِّثِي عَنْ رَسُولِ اللهِ بِحَدِيْثٍ تُطَيِّبُ بِهِ أَنْفُسَنَا عَنْ مَوْتَانَا؟ قالَ: نَعَمْ، صِغَارُهُم دَعَامِيْصُ الجَنَّةِ، يَتَلَقَّى أَحَدُهُم أَبَاهُ - أَوْ قَالَ أَبَوَيْهِ - فَيَأْخُذُ بِثَوْبِهِ، - أَوْ قَالَ بِيَدِهِ - كَمَا آخُذُ أَنَا بِصَنَفَةِ ثَوْبِكَ هذا، فَلا يَتَنَاهَى حتى يُدخِلَه اللهُ وَأَبَاهُ الجَنَّةَ. رواه مسلم (2635) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 71175 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 هل يستمر عذاب القبر إلى قيام الساعة [السُّؤَالُ] ـ[أود أن أسال عن سؤال القبر: (بعد أن يفرغ الملكان من سؤال الإنسان في قبره.. هل يبقى الفاجر يُعَذَّبُ في قبره إلى قيام الساعة.. وأيضاً هل يبقى المؤمن في نعيم إلى قيام الساعة.. أم أنه مجرد يوم واحد وسينتهي ويصبح بعدها الإنسان جثة هامدة وأيضاً هل هناك دليل على أن الإنسان في قبره ينتقل إلى حياة أخرى تستمر إلى قيام الساعة.. أجيبوني يرحمكم الله) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحياة التي يعيشها الإنسان تنقسم إلى ثلاثة أقسام: 1- الحياة الدنيا، والتي تنتهي بالموت. 2- حياة البرزخ، وهي التي تكون بعد الموت إلى قيام الساعة. 3- حياة الآخرة، وهي التي تكون بعد قيام الناس من قبورهم إما إلى جنةٍ، نسأل الله من فضله، وإما إلى نار والعياذ بالله. فالحياة البرزخية هي التي تكون بعد موت الإنسان إلى بعثه، وسواء قُبِر أو لم يُقبر أو احترق أو أكلته السباع، والذي يدل على هذه الحياة ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الميت بعدما يوضع في قبره يسمع قرع نعال أهله، كما جاء في الحديث. وهذه الحياة إما أن تكون نعيماً وإما أن تكون جحيماً، والقبر فيها إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران. والذي يدل على النعيم والعذاب فيها، قول الله تعالى عن قوم فرعون: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُواءَالَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) سورة غافر/46، قال ابن مسعود: إن أرواح آل فرعون ومن كان مثلهم من الكفار تحشر عن النار بالغداة والعشي فيقال هذه داركم. قال ابن كثير: وهذه الآية أصل كبير في استدلال أهل السنة على عذاب البرزخ في القبور. " تفسير ابن كثير " (4 / 82) . قال القرطبي: واحتج بعض أهل العلم في إثبات عذاب القبر بقوله: (النار يعرضون عليها غدوا وعشيا) كذلك قال مجاهد وعكرمة ومقاتل ومحمد بن كعب كلهم قال: هذه الآية تدل على عذاب القبر , ألا تراه يقول عن عذاب الآخرة: (ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب) . " تفسير القرطبي " (15 / 319) . وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ فَإِنَّهُ يُعْرَضُ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ) رواه البخاري (بدء الخلق/3001) ومسلم (الجنة وصفة نعيمها / 2866) . وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ يَهُودِيَّةً دَخَلَتْ عَلَيْهَا فَذَكَرَتْ عَذَابَ الْقَبْرِ فَقَالَتْ لَهَا: أَعَاذَكِ اللَّهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَذَابِ الْقَبْرِ فَقَالَ: نَعَمْ عَذَابُ الْقَبْرِ. قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدُ صَلَّى صَلَاةً إِلَّا تَعَوَّذَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ) رواه البخاري (الجنائز/1283) ومسلم (الكسوف / 903) . فهذه الآيات والأحاديث تدل على إثبات عذاب القبر واستمراره في حق بعض الناس. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن عذاب القبر: أما إن كان الإنسان كافراً والعياذ بالله فإنه لا طريق إلى وصول النعيم إليه أبداً، ويكون عذابه مستمراً، وأما إن كان عاصياً وهو مؤمن فإنه إذا عذِّب في قبره يعذَّب بقدر ذنوبه، وربما يكون عذاب ذنوبه أقل من البرزخ الذي بين موته وقيام الساعة، وحينئذ يكون منقطعاً. أهـ " الشرح الممتع " ج/3 ص/253. وانظر جواب سؤال رقم (7862) ففيه زيادة بيان [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 21212 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 شدائد القبر تكفّر عن المؤمن من سيئاته [السُّؤَالُ] ـ[هل يستفيد المسلم من فتنة القبر بتخفيف سيئاته أو محوها؟.]ـ [الْجَوَابُ] من فضل الله تعالى على هذه الأمة أن جعل قبل الحساب مكفِّرات لذنوبها، وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله عشرة مكفِّرات، ومنها: عذاب القبر. قال رحمه الله: ما يحصل للمؤمن في الدنيا والبرزخ والقيامة من الألم التي هي عذاب: فإن ذلك يُكفِّر الله به خطاياه، كما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا حزَن ولا أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفَّر الله به من خطاياه. " مجموع الفتاوى " (24 / 375) . قال رحمه الله: السبب الثامن: ما يحصل في القبر من الفتنة والضغطة والروعة، فإن هذا مما يكفّر به الخطايا. " مجموع الفتاوى " (7 / 500) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضا في " منهاج السنَّة " (6 / 238) أن مما يكفِّر السيئات: ما يُبتلى به المؤمن في قبره من الضغطة، وفتنة الملَكين. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 7861 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 هل عذاب القبر مستمر [السُّؤَالُ] ـ[لي أخ قد مات وهو مفرِّط يعمل المعاصي والكبائر ولكنني كنت أحبّه جدا، وقد قرأت عن عذاب القبر أشياء مخيفة جدا فهل يستمرّ عليه العذاب في القبر، وهل يخفّف عنه أن أعمل طاعات وأهب ثوابها لها مثل الصّدقة أو الحجّ، أرجو إفادتي فأنا حزينة عليه جدا.]ـ [الْجَوَابُ] أمّا مصير أخيك فأمره إلى الله إن شاء عذّبه وإن شاء غفر له ولا يُمكن أن نقطع فيه بشيء ولكن نتكلّم عن المسألة مجرّدة: فأما مسألة هل عذاب القبر دائم أم منقطع؟ فقد قال ابن القيم عن هذه المسألة: جوابها أنه نوعان: نوع دائم سوى ما ورد في بعض الأحاديث أنه يخفف عنهم ما بين النفختين فإذا قاموا من قبورهم قالوا {يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا} ويدل على دوامه قوله تعالى {النار يعرضون عليها غدوا وعشيا} . ويدل عليه أيضا ما تقدم في حديث سمرة الذي رواه البخاري في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم وفيه فهو يفعل به ذلك إلى يوم القيامة. وفي حديث ابن عباس في قصة الجريدتين لعله يخفف عنهما ما لم تيبسا فجعل التخفيف مقيدا برطوبتهما فقط. وفي حديث الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي هريرة ثم أتى على قوم ترضخ رؤوسهم بالصخر كلما رضخت عادت لا يُفتَّر عنهم من ذلك شيء، وقد تقدم. وفي الصحيح في قصة الذي لبس بردين وجعل يمشي يتبختر فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة. وفي حديث البراء بن عازب في قصة الكافر ثم يفتح له باب إلى النار فينظر إلى مقعده فيها حتى تقوم الساعة رواه الإمام أحمد وفي بعض طرقه ثم يخرق له خرقا إلى النار فيأتيه من غمِّها ودخانها إلى القيامة. النوع الثاني: إلى مدة ثم ينقطع: وهو عذاب بعض العصاة الذين خفت جرائمهم فيعذب بحسب جرمه ثم يخفف عنه كما يعذب في النار مدة ثم يزول عنه العذاب. وقد ينقطع عنه العذاب بدعاء أو صدقة أو استغفار أو ثواب حج.. تصل إليه من بعض أقاربه أو غيرهم.. " الروح " (ص 89) . وفي كلامه الأخير إجابة عن الشقّ الثاني من السؤال، نسأل الله أن يتولانا برحمته، وصلى الله على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 7862 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 ما هو البرزخ [السُّؤَالُ] ـ[ما هو البرزخ؟ أرجو أن توضح ذلك بالتفصيل. وأيضا، فأنا أريد أن أعرف ما هي أنواع العقوبات على الذنوب؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المراد بالبرزخ هو ما بين أن يموت الإنسان إلى أن يبعث يوم القيامة، فمن مات على الإسلام والطاعة نُعّم ومن مات على الكفر أو المعصية عُذّب، قال تعالى: (النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشدّ العذاب) . والعقوبات تتنوع بحسب الذنوب وقد ورد حديث في صحيح البخاري يبين عذاب البرزخ الذي يقع على بعض مرتكبي الكبائر فعن سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ لِأَصْحَابِهِ هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ رُؤْيَا قَالَ فَيَقُصُّ عَلَيْهِ مَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُصَّ وَإِنَّهُ قَالَ ذَاتَ غَدَاةٍ إِنَّهُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ وَإِنَّهُمَا ابْتَعَثَانِي وَإِنَّهُمَا قَالَا لِي انْطَلِقْ وَإِنِّي انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا وَإِنَّا أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ وَإِذَا هُوَ يَهْوِي بِالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ فَيَثْلَغُ رَأْسَهُ فَيَتَهَدْهَدُ الْحَجَرُ هَا هُنَا فَيَتْبَعُ الْحَجَرَ فَيَأْخُذُهُ فَلَا يَرْجِعُ إِلَيْهِ حَتَّى يَصِحَّ رَأْسُهُ كَمَا كَانَ ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الْأُولَى قَالَ قُلْتُ لَهُمَا سُبْحَانَ اللَّهِ مَا هَذَانِ قَالَ قَالَا لِي انْطَلِقْ انْطَلِقْ قَالَ فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُسْتَلْقٍ لِقَفَاهُ وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِكَلُّوبٍ مِنْ حَدِيدٍ وَإِذَا هُوَ يَأْتِي أَحَدَ شِقَّيْ وَجْهِهِ فَيُشَرْشِرُ شِدْقَهُ إِلَى قَفَاهُ وَمَنْخِرَهُ إِلَى قَفَاهُ وَعَيْنَهُ إِلَى قَفَاهُ قَالَ وَرُبَّمَا قَالَ أَبُو رَجَاءٍ فَيَشُقُّ قَالَ ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إِلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِالْجَانِبِ الْأَوَّلِ فَمَا يَفْرُغُ مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ حَتَّى يَصِحَّ ذَلِكَ الْجَانِبُ كَمَا كَانَ ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الْأُولَى قَالَ قُلْتُ سُبْحَانَ اللَّهِ مَا هَذَانِ قَالَ قَالَا لِي انْطَلِقْ انْطَلِقْ فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ قَالَ فَأَحْسِبُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ قَالَ فَاطَّلَعْنَا فِيهِ فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا قَالَ قُلْتُ لَهُمَا مَا هَؤُلَاءِ قَالَ قَالَا لِي انْطَلِقْ انْطَلِقْ قَالَ فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ حَسِبْتُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ أَحْمَرَ مِثْلِ الدَّمِ وَإِذَا فِي النَّهَرِ رَجُلٌ سَابِحٌ يَسْبَحُ وَإِذَا عَلَى شَطِّ النَّهَرِ رَجُلٌ قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ حِجَارَةً كَثِيرَةً وَإِذَا ذَلِكَ السَّابِحُ يَسْبَحُ مَا يَسْبَحُ ثُمَّ يَأْتِي ذَلِكَ الَّذِي قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ الْحِجَارَةَ فَيَفْغَرُ لَهُ فَاهُ فَيُلْقِمُهُ حَجَرًا فَيَنْطَلِقُ يَسْبَحُ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِ كُلَّمَا رَجَعَ إِلَيْهِ فَغَرَ لَهُ فَاهُ فَأَلْقَمَهُ حَجَرًا قَالَ قُلْتُ لَهُمَا مَا هَذَانِ قَالَ قَالَا لِي انْطَلِقْ انْطَلِقْ قَالَ فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ كَرِيهِ الْمَرْآةِ كَأَكْرَهِ مَا أَنْتَ رَاءٍ رَجُلًا مَرْآةً وَإِذَا عِنْدَهُ نَارٌ يَحُشُّهَا وَيَسْعَى حَوْلَهَا قَالَ قُلْتُ لَهُمَا مَا هَذَا قَالَ قَالَا لِي انْطَلِقْ انْطَلِقْ فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى رَوْضَةٍ مُعْتَمَّةٍ فِيهَا مِنْ كُلِّ لَوْنِ الرَّبِيعِ وَإِذَا بَيْنَ ظَهْرَيْ الرَّوْضَةِ رَجُلٌ طَوِيلٌ لَا أَكَادُ أَرَى رَأْسَهُ طُولًا فِي السَّمَاءِ وَإِذَا حَوْلَ الرَّجُلِ مِنْ أَكْثَرِ وِلْدَانٍ رَأَيْتُهُمْ قَطُّ قَالَ قُلْتُ لَهُمَا مَا هَذَا مَا هَؤُلَاءِ قَالَ قَالَا لِي انْطَلِقْ انْطَلِقْ قَالَ فَانْطَلَقْنَا فَانْتَهَيْنَا إِلَى رَوْضَةٍ عَظِيمَةٍ لَمْ أَرَ رَوْضَةً قَطُّ أَعْظَمَ مِنْهَا وَلَا أَحْسَنَ قَالَ قَالَا لِي ارْقَ فِيهَا قَالَ فَارْتَقَيْنَا فِيهَا فَانْتَهَيْنَا إِلَى مَدِينَةٍ مَبْنِيَّةٍ بِلَبِنِ ذَهَبٍ وَلَبِنِ فِضَّةٍ فَأَتَيْنَا بَابَ الْمَدِينَةِ فَاسْتَفْتَحْنَا فَفُتِحَ لَنَا فَدَخَلْنَاهَا فَتَلَقَّانَا فِيهَا رِجَالٌ شَطْرٌ مِنْ خَلْقِهِمْ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ وَشَطْرٌ كَأَقْبَحِ مَا أَنْتَ رَاءٍ قَالَ قَالَا لَهُم اذْهَبُوا فَقَعُوا فِي ذَلِكَ النَّهَرِ قَالَ وَإِذَا نَهَرٌ مُعْتَرِضٌ يَجْرِي كَأَنَّ مَاءَهُ الْمَحْضُ فِي الْبَيَاضِ فَذَهَبُوا فَوَقَعُوا فِيهِ ثُمَّ رَجَعُوا إِلَيْنَا قَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ السُّوءُ عَنْهُمْ فَصَارُوا فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ قَالَ قَالَا لِي هَذِهِ جَنَّةُ عَدْنٍ وَهَذَاكَ مَنْزِلُكَ قَالَ فَسَمَا بَصَرِي صُعُدًا فَإِذَا قَصْرٌ مِثْلُ الرَّبَابَةِ الْبَيْضَاءِ قَالَ قَالَا لِي هَذَاكَ مَنْزِلُكَ قَالَ قُلْتُ لَهُمَا بَارَكَ اللَّهُ فِيكُمَا ذَرَانِي فَأَدْخُلَهُ قَالَا أَمَّا الْآنَ فَلَا وَأَنْتَ دَاخِلَهُ قَالَ قُلْتُ لَهُمَا فَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مُنْذُ اللَّيْلَةِ عَجَبًا فَمَا هَذَا الَّذِي رَأَيْتُ قَالَ قَالَا لِي أَمَا إِنَّا سَنُخْبِرُكَ أَمَّا الرَّجُلُ الْأَوَّلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ وَيَنَامُ عَنْ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُشَرْشَرُ شِدْقُهُ إِلَى قَفَاهُ وَمَنْخِرُهُ إِلَى قَفَاهُ وَعَيْنُهُ إِلَى قَفَاهُ فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ فَيَكْذِبُ الْكَذْبَةَ تَبْلُغُ الْآفَاقَ وَأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ الْعُرَاةُ الَّذِينَ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ فَإِنَّهُمْ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يَسْبَحُ فِي النَّهَرِ وَيُلْقَمُ الْحَجَرَ فَإِنَّهُ آكِلُ الرِّبَا وَأَمَّا الرَّجُلُ الْكَرِيهُ الْمَرْآةِ الَّذِي عِنْدَ النَّارِ يَحُشُّهَا وَيَسْعَى حَوْلَهَا فَإِنَّهُ مَالِكٌ خَازِنُ جَهَنَّمَ وَأَمَّا الرَّجُلُ الطَّوِيلُ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ فَإِنَّهُ إِبْرَاهِيمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا الْوِلْدَانُ الَّذِينَ حَوْلَهُ فَكُلُّ مَوْلُودٍ مَاتَ عَلَى الْفِطْرَةِ قَالَ فَقَالَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ وَأَمَّا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَانُوا شَطْرٌ مِنْهُمْ حَسَنًا وَشَطْرٌ قَبِيحًا فَإِنَّهُمْ قَوْمٌ خَلَطُوا عَمَلا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُمْ. رواه البخاري برقم 6525 [الْمَصْدَرُ] الشيخ وليد الفريان الحديث: 11110 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 هل نعيم القبر وعذابه على الجسد والروح أم على أحدهما دون الآخر [السُّؤَالُ] ـ[كل إنسان مسئول عن أعماله يوم القيامة، وقبل هذا اليوم يبدأ العقاب في القبر. فما هي حال الروح أثناء هذه الفترة؟ وإذا كان عذاب القبر وارداً وصحيحاً، فهل يُعذب الإنسان بجسده وروحه على أعماله داخل قبره؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا شك في ثبوت عذاب القبر ونعيمه كما دلت على ذلك الآيات القرآنية والأحاديث النبوية واتفاق سلف الأمة. ويمكنك مراجعة سؤال رقم (34648) للاطلاع على تفصيل هذه المسألة. وأما كون العذاب على الجسد والروح جميعا أو على أحدهما دون الآخر؟ فالأصل أن العذاب والنعيم في القبر يكون على الروح، وقد تتصل الروح بالبدن فيصيبه شيء من العذاب أو النعيم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:" فَلْيُعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ " سَلَفِ الأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا " أَنَّ الْمَيِّتَ إذَا مَاتَ يَكُونُ فِي نَعِيمٍ أَوْ عَذَابٍ وَأَنَّ ذَلِكَ يَحْصُلُ لِرُوحِهِ وَلِبَدَنِهِ وَأَنَّ الرُّوحَ تَبْقَى بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْبَدَنِ مُنَعَّمَةً أَوْ مُعَذَّبَةً وَأَنَّهَا تَتَّصِلُ بِالْبَدَنِ أَحْيَانًا فَيَحْصُلُ لَهُ مَعَهَا النَّعِيمُ وَالْعَذَابُ. ثُمَّ إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ الْكُبْرَى أُعِيدَتْ الأَرْوَاحُ إلَى أَجْسَادِهَا وَقَامُوا مِنْ قُبُورِهِمْ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ. وَهَذَا كُلُّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ" إ. هـ. وَالأَحَادِيثُ التي تدل على هذه الْمَسْأَلَةِ كَثِيرَةٌ منها ما رواه أبو داود (4127) وصححه الألباني في صحيح أبي داود عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي جِنَازَةِ رَجُلٍ مِنْ الأَنْصَارِ. فَانْتَهَيْنَا إلَى الْقَبْرِ وَلَمَّا يُلْحَدْ، فَجَلَسَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرُ وَفِي يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ بِهِ الأَرْضَ ; فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: اسْتَعِيذُوا بِاَللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا. وَذَكَرَ صِفَةَ قَبْضِ الرُّوحَ وَعُرُوجِهَا إلَى السَّمَاءِ ثُمَّ عَوْدَهَا إلَيْهِ. إلَى أَنْ قَالَ: وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِهِمْ إذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ حِينَ يُقَالُ لَهُ يَا هَذَا مَنْ رَبُّك؟ وَمَا دِينُك؟ وَمَنْ نَبِيُّك؟ . وَفِي لَفْظٍ: {فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ وَيَقُولانِ لَهُ: مَنْ رَبُّك؟ فَيَقُولُ: رَبِّي اللَّهُ. فَيَقُولانِ لَهُ: مَا دِينُك؟ فَيَقُولُ دِينِي الإِسْلامُ. فَيَقُولانِ. مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي أُرْسِلَ فِيكُمْ؟ قَالَ: فَيَقُولُ. هُوَ رَسُولُ اللَّهِ. فَيَقُولانِ: وَمَا يُدْرِيك؟ فَيَقُولُ: قَرَأْت كِتَابَ اللَّهِ وَآمَنْت بِهِ وَصَدَّقْت بِهِ فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) قَالَ: فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنْ السَّمَاءِ أَنْ صَدَقَ عَبْدِي فَافْرِشُوا لَهُ فِي الْجَنَّةِ وَأَلْبِسُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إلَى الْجَنَّةِ قَالَ: فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا قَالَ: وَيُفْسَحُ لَهُ مَدَّ بَصَرِهِ قَالَ: وَإِنَّ الْكَافِرَ فَذَكَرَ مَوْتَهُ. وَقَالَ: وَتُعَادُ رُوحُهُ إلَى جَسَدِهِ فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولانِ لَهُ: مَنْ رَبُّك؟ فَيَقُولُ هاه هاه لا أَدْرِي. فَيَقُولانِ لَهُ: مَا دِينُك؟ فَيَقُولُ: هاه. هاه لا أَدْرِي فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنْ السَّمَاءِ أَنْ كَذَبَ عَبْدِي فَافْرِشُوا لَهُ مِنْ النَّارِ وَأَلْبِسُوهُ مِنْ النَّارِ وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إلَى النَّارِ قَالَ: وَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا وَسَمُومِهَا قَالَ: وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلاعُهُ قَالَ: ثُمَّ يُقَيَّضُ لَهُ أَعْمَى أَبْكَمُ مَعَهُ مِرْزَبَّةٌ مِنْ حَدِيدٍ لَوْ ضُرِبَ بِهَا جَبَلٌ لَصَارَ تُرَابًا قَالَ: فَيَضْرِبُهُ بِهَا ضَرْبَةً يَسْمَعُهَا مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ إلا الثَّقَلَيْنِ فَيَصِيرُ تُرَابًا. ثُمَّ تُعَادُ فِيهِ الرُّوحُ} . فَقَدْ صَرَّحَ الْحَدِيثُ بِإِعَادَةِ الرُّوحِ إلَى الْجَسَدِ وَبِاخْتِلافِ أَضْلاعِهِ وَهَذَا بَيِّنٌ فِي أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى الرُّوحِ وَالْبَدَنِ مُجْتَمِعَيْنِ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إن المؤمن إذا قبض أتته ْمَلائِكَةُ الرحمة بِحَرِيرَةِ بَيْضَاءَ. فَيَقُولُونَ: اُخْرُجِي إلى رَوْح الله فتخرج كَأَطْيَبِ رِيحِ مِسْكِ حَتَّى إنَّهُ لَيُنَاوِلُهُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا يشمونه حَتَّى يَأْتُون بِهِ بَابَ السَّمَاءِ. فَيَقُولُونَ: ما هذه الريح الطيبة التي جاءت من َالأَرْضِ؟ ..حتى يَأْتُونَ بِهِ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ فَلَهُمْ أَشَدُّ فَرَحًا بِهِ مِنْ أهل الغائب بِغَائِبِهِم؟ ..وَأَما الْكَافِرَ فيأتيه مَلائِكَةُ الْعَذَابِ بِمَسْح (قطعة من الصوف الغليظ) فَيَقُولُونَ: اُخْرُجِي مَسْخُوطًا عَلَيْك إلَى عَذَابِ اللَّهِ فَتَخْرُجُ كَأَنْتَنِ جِيفَةٍ} رواه ابن حبان (7/ 284) وقال محققه إسناده صحيح. (فَفِي هَذِهِ الأَحَادِيثِ وَنَحْوِهَا اجْتِمَاعُ الرُّوحِ وَالْبَدَنِ فِي نَعِيمِ الْقَبْرِ وَعَذَابِهِ وأَنَّ الرُّوحَ تُنَعَّمُ مَعَ الْبَدَنِ الَّذِي فِي الْقَبْرِ - إذَا شَاءَ اللَّهُ -. وَأَمَّا انْفِرَادُ الرُّوحِ وَحْدَهَا بالعذاب أو النعيم، فَقَدْ تَقَدَّمَ ما يدل على ذلك وفي سنن النسائي (2073) عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: {إنَّمَا نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ طَائِرٌ يَعْلُقُ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ حَتَّى يبعثه الله إلَى جَسَدِهِ يَوْمَ يَبْعَثُهُ} وصححه الألباني في صحيح النسائي. وَقَوْلُهُ " يَعْلُقُ " أَيْ يَأْكُلُ. فقد دلت هذه الأَحَادِيثِ على أَنَّ الْأَبْدَانَ الَّتِي فِي الْقُبُورِ تُنَعَّمُ وَتُعَذَّبُ - إذَا شَاءَ اللَّهُ ذَلِكَ - كَمَا يَشَاءُ؛ وأن الروح تُنَعَّمُ فِي الْجَنَّةِ وَحْدَهَا وَكِلاهُمَا حَقٌّ. ودلت كذلك على أَنَّ الأَرْوَاحَ بَاقِيَةٌ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْبَدَنِ َمُنَعَّمَةً أوَمُعَذَّبَةً. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل عذاب القبر على البدن أو على الروح فأجاب: الأصل أنه على الروح، لأن الحكم بعد الموت للروح، والبدن جثة هامدة، ولهذا لا يحتاج البدن إلى إمداد لبقائه، فلا يأكل ولا يشرب، بل تأكله الهوام، فالأصل أنه على الروح، لكن قال شيخ الإسلام ابن تيمية إن الروح قد تتصل بالبدن فيعذب أو ينعم معها .... فبناء على ذلك قال العلماء إن الروح قد تتصل في البدن فيكون العذاب على هذا وهذا، وربما يستأنس لذلك بالحديث الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن القبر ليضيق على الكافر حتى تختلف أضلاعه) فهذا يدل على أن العذاب يكون على الجسم لأن الأضلاع في الجسم. مجموع فتاوى ابن عثيمين (1/25) والله تعالى أعلم. انظر (مجموع فتاوى شيخ الإسلام 4/ 282 ـ 299) والقيامة الصغرى للشيخ عمر الأشقر (107) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 47055 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 الأسباب المفصلة لعذاب القبر [السُّؤَالُ] ـ[ما هي المعاصي التي يعذب بها أصحابها في القبور؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سبق في جواب السؤال رقم (45325) ذكر هذه الأسباب، ونذكر هنا مجموعة من هذه المعاصي، مقرونة بأدلتها من القرآن والسنة الصحيحة. الشرك بالله والكفر به قال الله تعالى عن آل فرعون: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) غافر/46. وقال تعالى: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) الأنعام/93. وذلك أن الكافر إذا احتُضر بشرته الملائكة بالعذاب والنكال والأغلال والسلاسل والجحيم وغضب الله عليه فتفرق روحه في جسده وتعصي وتأبى الخروج فتضربهم الملائكة حتى تخرج أرواحهم من أجسادهم قائلين لهم: (أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ .... ) الأنعام/93. ومما يدل على أن الشرك سبب من أسباب عذاب القبر حديث زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَائِطٍ لِبَنِي النَّجَّارِ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ وَنَحْنُ مَعَهُ إِذْ حَادَتْ بِهِ فَكَادَتْ تُلْقِيهِ وَإِذَا أَقْبُرٌ سِتَّةٌ أَوْ خَمْسَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ فَقَالَ: مَنْ يَعْرِفُ أَصْحَابَ هَذِهِ الأَقْبُرِ؟ فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا. قَالَ: فَمَتَى مَاتَ هَؤُلاءِ؟ قَالَ: مَاتُوا فِي الإِشْرَاكِ.. فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي قُبُورِهَا، فَلَوْلا أَنْ لا تَدَافَنُوا لَدَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ الَّذِي أَسْمَعُ مِنْهُ.. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ.. (الحديث) . رواه مسلم (2867) فقوله في الحديث: (ماتوا في الإشراك) دليل على أن الشرك سبب في عذاب القبر. النفاق سبب من أسباب عذاب القبر والمنافقون أولى الناس بعذاب القبر، كيف لا وهم أصحاب الدرك الأسفل من النار. قال الله تعالى: (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ) التوبة/101. قال قتادة والربيع بن أنس في قوله تعالى: (سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ) : إحداهما في الدنيا، والأخرى هي عذاب القبر. وفي أحاديث سؤال الملكين وفتنة القبر، ورد التصريح باسم المنافق، أو المرتاب في كثير من الروايات، كما في البخاري (1374) من حديث أنس رضي الله عنه: (.. وأما الكافر والمنافق فيُقال له..) ، وفي الصحيحين من حديث أسماء رضي الله عنها: (وأما المنافق أو المرتاب) . تغيير شرع الله تعالى؛ بتحريم ما أحل الله، وتحليل ما حرم والدليل على أن ذلك الإلحاد في شرع الله تعالى سبب من أسباب العذاب في القبر قول النبي صلى الله عليه وسلم: (رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ عَامِرٍ الْخُزَاعِيَّ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ؛ كَانَ أَوَّلَ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ) . رواه البخاري (4623) . قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَجُرّ قُصْبه فِي النَّار) وَهِيَ الأَمْعَاء. والسائبة: هي ناقة أو بقرة أو شاة كانوا يسيبونها فلا تركب ولا تؤكل ولا يحمل عليها، وكان بعضهم ينذر شيئا من ماله يجعله سائبة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " العرب من ولد إسماعيل وغيره، الذين كانوا جيران البيت العتيق الذي بناه إبراهيم وإسماعيل، كانوا حنفاء على ملة إبراهيم، إلى أن غير دينه بعض ولاة خزاعة، وهو عمرو بن لحي، وهو أول من غير دين إبراهيم بالشرك وتحريم ما لم يحرمه الله، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: رأيت عمرو بن لحي يجر قصبه " انتهى. "دقائق التفسير" (2/71) . عدم الاستبراء من البول، والمشي بين الناس بالنميمة فعن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ: إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لا يَسْتَتِرُ مِنْ الْبَوْلِ وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ ... الحديث. رواه البخاري (218) ومسلم (292) . وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (إن عامة عذاب القبر من البول فتنزهوا منه) أخرجه الدارقطني، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (1/152) . الغيبة وعلى ذلك ترجم البخاري رحمه الله في كتاب الجنائز بقوله: " عذاب القبر من الغيبة والبول ". ثم روى فيه حديث القبرين السابق مع أن لفظ البخاري ليس فيه ذكر الغيبة، وإنما فيه النميمة، لكنه جرى عَلَى عَادَته فِي الْإِشَارَة إِلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْض طُرُق الحديث: (وأما الآخر فيعذّب في الغيبة) أخرجه أحمد (5/35) وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1/66) . الكذب ففي حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُسْتَلْقٍ لِقَفَاهُ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِكَلُّوبٍ مِنْ حَدِيدٍ، وَإِذَا هُوَ يَأْتِي أَحَدَ شِقَّيْ وَجْهِهِ فَيُشَرْشِرُ شِدْقَهُ إِلَى قَفَاهُ، وَمَنْخِرَهُ إِلَى قَفَاهُ، وَعَيْنَهُ إِلَى قَفَاهُ، قَالَ: ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إِلَى الْجَانِبِ الآخَرِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِالْجَانِبِ الأَوَّلِ، فَمَا يَفْرُغُ مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ حَتَّى يَصِحَّ ذَلِكَ الْجَانِبُ كَمَا كَانَ ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الأُولَى. قَالَ: قُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ! مَا هَذَانِ؟ ثم قال عن هذا المعذب في آخر الحديث: (إنه الرجل يغدو من بيته، فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق..) رواه البخاري (7074) . فيشرشر: أي يقطعه. والشدق: جانب الفم. هجر القرآن بعد تعلُّمه، والنوم عن الصلاة المكتوبة ففي حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ، وَإِذَا هُوَ يَهْوِي بِالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ فَيَثْلَغُ رَأْسَهُ، فَيَتَدَهْدَه الْحَجَرُ هَا هُنَا فَيَتْبَعُ الْحَجَرَ فَيَأْخُذُهُ فَلَا يَرْجِعُ إِلَيْهِ حَتَّى يَصِحَّ رَأْسُهُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الأُولَى. قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: سُبْحَانَ اللَّهِ! مَا هَذَانِ؟ وفيه: (والذي رأيته يُشْدَخ رأسُه فرجل علمه الله القُرْآن، فنام عنه بالليل، ولم يعمل به بالنهار) . (يثلغ رأسه) : أي يشدخه ويشقه. (يتدهده) : أي يتدحرج. وفي رواية: (أَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ وَيَنَامُ عَنْ الصَّلاةِ الْمَكْتُوبَةِ) رواه البخاري (7076) . وذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله أن هذه الرواية أوضح من الأولى؛ فإن ظاهر الأولى أنه يعذب على ترك قراءة القُرْآن بالليل، وأما الأخرى فتدل على أنه يعذب على نومه عن الصلاة المكتوبة. قال: ويحتمل أن يكون العذاب على مجموع الأمرين؛ ترك القراءة، وترك العمل. قال ابن حجر: " قال ابن هبيرة: رفض القرآن بعد حفظه جناية عظيمة؛ لأنه يوهم أنه رأى فيه ما يوجب رفضه، فلما رفض أشرف الأشياء وهو القرآن عوقب في أشرف أعضائه وهو الرأس " فتح الباري (3/251) . أكل الربا ففي حديث سمرة رضي الله عنه قَالَ: (فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ أَحْمَرَ مِثْلِ الدَّمِ، وَإِذَا فِي النَّهَرِ رَجُلٌ سَابِحٌ يَسْبَحُ، وَإِذَا عَلَى شَطِّ النَّهَرِ رَجُلٌ قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ حِجَارَةً كَثِيرَةً، وَإِذَا ذَلِكَ السَّابِحُ يَسْبَحُ مَا يَسْبَحُ ثُمَّ يَأْتِي ذَلِكَ الَّذِي قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ الْحِجَارَةَ فَيَفْغَرُ لَهُ فَاهُ فَيُلْقِمُهُ حَجَرًا فَيَنْطَلِقُ يَسْبَحُ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِ كُلَّمَا رَجَعَ إِلَيْهِ فَغَرَ لَهُ فَاهُ فَأَلْقَمَهُ حَجَرًا) إلى أن قال: (وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يَسْبَحُ فِي النَّهَرِ وَيُلْقَمُ الْحَجَرَ فَإِنَّهُ آكِلُ الرِّبَا) . الزنا ففي حديث سمرة رضي الله عنه: (فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ، فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ، قَالَ: فَاطَّلَعْنَا فِيهِ، فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ، وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا [أي: صاحوا] قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَؤُلَاءِ؟) وفي آخره: (وَأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ الْعُرَاةُ الَّذِينَ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ فَإِنَّهُمْ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي) . أمر الناس بالبر ونسيان النفس فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (رأيت ليلة أسري بي رجالاً تُقرض شفاههم بمقاريض من نار، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ فقال: الخطباء من أمتك يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم، وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون؟!) أخرجه أحمد (3/120) وصححه الألباني في الصحيحة (291) . وعند البيهقي: (أتيت ليلة أُسري بي على قوم تُقرض شفاههم بمقاريض من نار، كلما قرضت وفت، فقلت: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: خطباء أمتك الذين يقولون ما لا يفعلون، ويقرءون كتاب الله ولا يعملون به) رواه البيهقي في "شعب الإيمان" وحسنه الألباني في صحيح الجامع (128) . الإفطار في رمضان من غير عذر فعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (بينا أنا نائم إذ أتاني رجلان، فأخذا بضَبُعَيَّ، وأتيا بي جباً فقالا لي: اصعد. فقلت: إني لا أطيقه. فقالا: إنا سنسهله لك. قال: فصعدت حتى إذا كنت في سواء الجبل، إذا أنا بأصوات شديدة، فقلت: ما هذه الأصوات؟ قال: هذا عواء أهل النار. ثم انْطُلِق بي، فإذا بقوم معلقين بعراقيبهم، مشققة أشداقهم، تسيل أشداقهم دماً، قال: قلت: من هؤلاء؟ قال: هم الذين يفطرون قبل تحلة صومهم. أخرجه ابن حبان والحاكم (1/290،210) ، وصححه الألباني في الصحيحة (3951) . الغلول من الغنائم: دل على ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الرجل الذي غل الثوب في بعض مغازيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم عنه: (والذي نفسي بيده إن الشملة [ثوب] التي أخذها يوم خيبر من المغانم، لم تُصبها المقاسم، لتشتعل عليه ناراً) أخرجه البخاري (4234) ومسلم (115) . والغلول: هو أخذ الغازي شيئاً من الغنيمة دون عرضه على ولي الأمر لقسمته. جرّ الثوب خيلاء يدل على ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بينما رجلٌ يجر إزاره إذ خُسف به فهو يتجلجل إلى يوم القيامة) أخرجه البخاري (3485) ومسلم (2088) . والتجلجل: أن يسوخ في الأرض مع اضطراب شديد ويندفع من شق إلى شق. فالمعنى: يتجلجل في الأرض أي ينزل فيها مضطرباً متدافعاً. السرقة من الحُجَّاج دلَّ على ذلك حديث جابر رضي الله عنه في صلاة الكسوف.. وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَقَدْ جِيءَ بِالنَّارِ، وَذَلِكُمْ حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ مَخَافَةَ أَنْ يُصِيبَنِي مِنْ لَفْحِهَا، وَحَتَّى رَأَيْتُ فِيهَا صَاحِبَ الْمِحْجَنِ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ؛ كَانَ يَسْرِقُ الْحَاجَّ بِمِحْجَنِهِ، فَإِنْ فُطِنَ لَهُ قَالَ: إِنَّمَا تَعَلَّقَ بِمِحْجَنِي، وَإِنْ غُفِلَ عَنْهُ ذَهَبَ بِهِ) رواه مسلم (904) والمحجن: عصا معوجة الرأس. حبس الحيوان وتعذيبه وعدم رحمته ففي حديث جابر رضي الله عنه في صلاة الكسوف قال النبي صلى الله عليه وسلم: (رَأَيْتُ فِيهَا [أي النار] صَاحِبَةَ الْهِرَّةِ الَّتِي رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا) رواه مسلم (904) . قال البيهقي في كتابه "إثبات عذاب القبر" (ص 97) : " ورأى حين صلى صلاة الخسوف من يجر قصبه في النار، ومن يعذب في السرقة، والمرأة التي كانت تعذب في الهرة وقد صاروا في قبورهم رميماً في أعين أهل زمانه، ولم ير من صلى معه من ذلك ما رأى " انتهى. الدَّيْن إن مما يضر الميت في قبره ما عليه من دين، فعَنْ سَعْدِ بْنِ الْأَطْوَلِ قَالَ: مَاتَ أَخِي وَتَرَكَ ثَلَاثَ مِائَةِ دِينَارٍ، وَتَرَكَ وَلَدًا صِغَارًا، فَأَرَدْتُ أَنْ أُنْفِقَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ أَخَاكَ مَحْبُوسٌ بِدَيْنِهِ، فَاذْهَبْ فَاقْضِ عَنْهُ) . قَالَ: فَذَهَبْتُ فَقَضَيْتُ عَنْهُ، ثُمَّ جِئْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ قَضَيْتُ عَنْهُ وَلَمْ يَبْقَ إِلا امْرَأَةً تَدَّعِي دِينَارَيْنِ، وَلَيْسَتْ لَهَا بَيِّنَةٌ. قَالَ: (أَعْطِهَا فَإِنَّهَا صَادِقَةٌ) رواه أحمد (16776) وابن ماجه (2/82) وصححه الألباني في صحيح الجامع (1550) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 46068 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 صور من عذاب القبر [السُّؤَالُ] ـ[ما هي أنواع العذاب في القبر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يتنوع العذاب في القبر بحسب الذنب الذي اقترفه صاحبه في الدنيا، سواء كان للكفار أو للعصاة، وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بوصف هذا العذاب في القبور لأهل هذه الذنوب، ومنها: 1- الضرب بمطرقة من حديد عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: العبد إذا وضع في قبره وتولى وذهب أصحابه حتى إنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فأقعداه فيقولان له ما كنت تقول في هذا الرجل محمد صلى الله عليه وسلم فيقول أشهد أنه عبد الله ورسوله فيقال انظر إلى مقعدك من النار أبدلك الله به مقعدا من الجنة قال النبي صلى الله عليه وسلم فيراهما جميعا وأما الكافر أو المنافق فيقول لا أدري كنت أقول ما يقول الناس فيقال لا دريت ولا تليت ثم يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين. رواه البخاري (1273) . 2-7- يفرش له قبره ناراً، ويلبس ناراً، ويفتح له باب إلى النار، ويضيَّق عليه قبره، ويضرب بمطرقة عظيمة لو ضرب بها جبل لصار ترابا، ويبشر بالعذاب في الآخرة، ولذلك يتمنى ألا تقوم الساعة. روى أحمد (17803) وأبو داود (4753) عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَةِ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ وَلَمَّا يُلْحَدْ فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ وَكَأَنَّ عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرَ وَفِي يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ فِي الْأَرْضِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا. . . - ثُمَّ ذكر صفة قبض روح المؤمن ونعيمه في القبر ثم قال -: وَإِنَّ الْعَبْدَ الْكَافِرَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنْ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنْ الآخِرَةِ نَزَلَ إِلَيْهِ مِنْ السَّمَاءِ مَلائِكَةٌ سُودُ الْوُجُوهِ مَعَهُمْ الْمُسُوحُ فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَيَقُولُ أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ اخْرُجِي إِلَى سَخَطٍ مِنْ اللَّهِ وَغَضَبٍ قَالَ فَتُفَرَّقُ فِي جَسَدِهِ فَيَنْتَزِعُهَا كَمَا يُنْتَزَعُ السَّفُّودُ مِنْ الصُّوفِ الْمَبْلُولِ فَيَأْخُذُهَا فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَجْعَلُوهَا فِي تِلْكَ الْمُسُوحِ وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ فَيَصْعَدُونَ بِهَا فَلَا يَمُرُّونَ بِهَا عَلَى مَلإٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ إِلا قَالُوا مَا هَذَا الرُّوحُ الْخَبِيثُ فَيَقُولُونَ فُلانُ بْنُ فُلَانٍ بِأَقْبَحِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانَ يُسَمَّى بِهَا فِي الدُّنْيَا حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيُسْتَفْتَحُ لَهُ فَلا يُفْتَحُ لَهُ ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ اكْتُبُوا كِتَابَهُ فِي سِجِّينٍ فِي الأَرْضِ السُّفْلَى فَتُطْرَحُ رُوحُهُ طَرْحًا ثُمَّ قَرَأَ: (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنْ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ) فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولانِ لَهُ مَنْ رَبُّكَ فَيَقُولُ هَاهْ هَاهْ لا أَدْرِي فَيَقُولانِ لَهُ مَا دِينُكَ فَيَقُولُ هَاهْ هَاهْ لا أَدْرِي فَيَقُولانِ لَهُ مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ فَيَقُولُ هَاهْ هَاهْ لا أَدْرِي فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنْ السَّمَاءِ أَنْ كَذَبَ فَافْرِشُوا لَهُ مِنْ النَّارِ وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا وَسَمُومِهَا وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلاعُهُ ثُمَّ يُقَيَّضُ لَهُ أَعْمَى أَبْكَمُ مَعَهُ مِرْزَبَّةٌ مِنْ حَدِيدٍ لَوْ ضُرِبَ بِهَا جَبَلٌ لَصَارَ تُرَابًا قَالَ فَيَضْرِبُهُ بِهَا ضَرْبَةً يَسْمَعُهَا مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ إِلا الثَّقَلَيْنِ فَيَصِيرُ تُرَابًا قَالَ ثُمَّ تُعَادُ فِيهِ الرُّوحُ وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ قَبِيحُ الْوَجْهِ قَبِيحُ الثِّيَابِ مُنْتِنُ الرِّيحِ فَيَقُولُ أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُوءُكَ هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ فَيَقُولُ مَنْ أَنْتَ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالشَّرِّ فَيَقُولُ أَنَا عَمَلُكَ الْخَبِيثُ فَيَقُولُ رَبِّ لا تُقِمْ السَّاعَةَ. والحديث: صححه الشيخ الألباني في " أحكام الجنائز " (ص 156) . 8- الخسف في الأرض عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " بينما رجل يجر إزاره من الخيلاء خسف به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة ". رواه البخاري (5343) ومسلم (3894) . يتجلجل: يغوص ويضطرب. 9- شق جانبي الفم إلى القفا 10- رضخ الرأس بالحجارة 11- الحرق في تنور من نار 12- السباحة في نهر من دم مع الضرب بالحجارة روى البخاري (1386) (7047) عن سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ لِأَصْحَابِهِ: هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ رُؤْيَا؟ قَالَ: فَيَقُصُّ عَلَيْهِ مَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُصَّ، وَإِنَّهُ قَالَ ذَاتَ غَدَاةٍ: إِنَّهُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ، وَإِنَّهُمَا ابْتَعَثَانِي، وَإِنَّهُمَا قَالا لِي: انْطَلِقْ، وَإِنِّي انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا، وَإِنَّا أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ، وَإِذَا هُوَ يَهْوِي بِالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ فَيَثْلَغُ رَأْسَهُ فَيَتَهَدْهَدُ الْحَجَرُ هَا هُنَا فَيَتْبَعُ الْحَجَرَ فَيَأْخُذُهُ، فَلا يَرْجِعُ إِلَيْهِ حَتَّى يَصِحَّ رَأْسُهُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الأُولَى. قُلْتُ لَهُمَا: سُبْحَانَ اللَّهِ مَا هَذَانِ؟ قَالَ قَالا لِي: انْطَلِقْ انْطَلِقْ. فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُسْتَلْقٍ لِقَفَاهُ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِكَلُّوبٍ مِنْ حَدِيدٍ، وَإِذَا هُوَ يَأْتِي أَحَدَ شِقَّيْ وَجْهِهِ فَيَشُقُّ شِدْقَهُ إِلَى قَفَاهُ، وَمَنْخِرَهُ إِلَى قَفَاهُ، وَعَيْنَهُ إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إِلَى الْجَانِبِ الآخَرِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِالْجَانِبِ الأَوَّلِ، فَمَا يَفْرُغُ مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ حَتَّى يَصِحَّ ذَلِكَ الْجَانِبُ كَمَا كَانَ. ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الأُولَى. قُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ! مَا هَذَانِ؟ قَالا لِي: انْطَلِقْ انْطَلِقْ. فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ، فَاطَّلَعْنَا فِيهِ فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا [أي ارتفعت أصواتهم] . قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَؤُلاءِ؟ قَالا لِي: انْطَلِقْ انْطَلِقْ. قَالَ: فَانْطَلَقْنَا، فَأَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ أَحْمَرَ مِثْلِ الدَّمِ، وَإِذَا فِي النَّهَرِ رَجُلٌ سَابِحٌ يَسْبَحُ، وَإِذَا عَلَى شَطِّ النَّهَرِ رَجُلٌ قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ حِجَارَةً كَثِيرَةً، وَإِذَا ذَلِكَ السَّابِحُ يَسْبَحُ مَا يَسْبَحُ ثُمَّ يَأْتِي ذَلِكَ الَّذِي قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ الْحِجَارَةَ فَيَفْغَرُ لَهُ فَاهُ، فَيُلْقِمُهُ حَجَرًا، فَيَنْطَلِقُ يَسْبَحُ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِ، كُلَّمَا رَجَعَ إِلَيْهِ فَغَرَ لَهُ فَاهُ فَأَلْقَمَهُ حَجَرًا. قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَذَانِ؟ قَالا لِي: انْطَلِقْ انْطَلِقْ. . . ثم ذكر الحديث فقال: قُلْتُ لَهُمَا: فَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مُنْذُ اللَّيْلَةِ عَجَبًا فَمَا هَذَا الَّذِي رَأَيْتُ؟ قَالَ قَالَا لِي: أَمَا إِنَّا سَنُخْبِرُكَ، أَمَّا الرَّجُلُ الأَوَّلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ، فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ، وَيَنَامُ عَنْ الصَّلاةِ الْمَكْتُوبَةِ. يُفْعَلُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُشّقُّ شِدْقُهُ إِلَى قَفَاهُ، وَمَنْخِرُهُ إِلَى قَفَاهُ، وَعَيْنُهُ إِلَى قَفَاهُ، فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ فَيَكْذِبُ الْكَذْبَةَ تَبْلُغُ الآفَاقَ. فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ الْعُرَاةُ الَّذِينَ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ، فَإِنَّهُمْ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي. وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يَسْبَحُ فِي النَّهَرِ وَيُلْقَمُ الْحَجَرَ، فَإِنَّهُ آكِلُ الرِّبَا. الكلُّوب: حديدة معوجة الرأس. الشدق: جانب الفم. يشدخ: يشج. تدهده: تدحرج. قال الحافظ ابن حجر: وفيه: أن بعض العصاة يعذَّبون في البرزخ اهـ. فتح الباري (12 / 445) . 12- اشتعال المال المسروق من الغنائم على صاحبه روى البخاري (4234) ومسلم (115) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خَيْبَرَ فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْنَا فَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلا وَرِقًا غَنِمْنَا الْمَتَاعَ وَالطَّعَامَ وَالثِّيَابَ ثُمَّ انْطَلَقْنَا إِلَى الْوَادِي وَمَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدٌ لَهُ يُدْعَى رِفَاعَةَ بْنَ زَيْدٍ فَلَمَّا نَزَلْنَا الْوَادِي قَامَ عَبْدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَُلُّ رَحْلَهُ فَرُمِيَ بِسَهْمٍ فَكَانَ فِيهِ حَتْفُهُ فَقُلْنَا هَنِيئًا لَهُ الشَّهَادَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَلَّا وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنَّ الشَّمْلَةَ لَتَلْتَهِبُ عَلَيْهِ نَارًا أَخَذَهَا مِنْ الْغَنَائِمِ يَوْمَ خَيْبَرَ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ. قَالَ: فَفَزِعَ النَّاسُ فَجَاءَ رَجُلٌ بِشِرَاكٍ أَوْ شِرَاكَيْنِ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَصَبْتُ يَوْمَ خَيْبَرَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شِرَاكٌ مِنْ نَارٍ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ. 13- ومع هذا العذاب الحسي هناك أيضاً عذاب معنوي (نفسي) وهو أن الكافر يُرى في قبره مقعده من الجنة لو أطاع الله، فيزداد بذلك حسرة وألما لما يرى من عظم النعيم الذي فاته. روى أحمد (10577) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِنَازَةً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي قُبُورِهَا فَإِذَا الإِنْسَانُ دُفِنَ فَتَفَرَّقَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ جَاءَهُ مَلَكٌ فِي يَدِهِ مِطْرَاقٌ فَأَقْعَدَهُ قَالَ مَا تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ فَإِنْ كَانَ مُؤْمِنًا قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَيَقُولُ صَدَقْتَ ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى النَّارِ فَيَقُولُ هَذَا كَانَ مَنْزِلُكَ لَوْ كَفَرْتَ بِرَبِّكَ فَأَمَّا إِذْ آمَنْتَ فَهَذَا مَنْزِلُكَ فَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ فَيُرِيدُ أَنْ يَنْهَضَ إِلَيْهِ فَيَقُولُ لَهُ اسْكُنْ وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا أَوْ مُنَافِقًا يَقُولُ لَهُ مَا تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ فَيَقُولَ لا أَدْرِي سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَيَقُولُ لا دَرَيْتَ وَلا تَلَيْتَ وَلا اهْتَدَيْتَ ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ فَيَقُولُ هَذَا مَنْزِلُكَ لَوْ آمَنْتَ بِرَبِّكَ فَأَمَّا إِذْ كَفَرْتَ بِهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَبْدَلَكَ بِهِ هَذَا وَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى النَّارِ ثُمَّ يَقْمَعُهُ قَمْعَةً بِالْمِطْرَاقِ يَسْمَعُهَا خَلْقُ اللَّهِ كُلُّهُمْ غَيْرَ الثَّقَلَيْنِ فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَحَدٌ يَقُومُ عَلَيْهِ مَلَكٌ فِي يَدِهِ مِطْرَاقٌ إِلا هُبِلَ عِنْدَ ذَلِكَ [أي ذهل] فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِت. صححه الألباني في تحقيق كتاب السنة لابن أبي عاصم (865) . فهذا بعض ما يحصل في القبر من أنواع العذاب لبعض العصاة. نسأل الله تعالى أن يعيذنا من عذاب القبر. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 8829 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 أسباب عذاب القبر [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أسأل عن الذنوب التي يعذب من فعلها عليها في القبر.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأسباب التي يعذب بها أصحابها في القبور كثيرة، وقد جمعها ابن القيم رحمه الله فقال: " وقد يتساءل البعض عن " الأسباب التي يُعذب بها أصحاب القبور؟ وجوابها من وجهين: مجمل ومفصل: أما المجمل فإنهم يعذبون على جهلهم بالله وإضاعتهم لأمره، وارتكابهم لمعاصيه، فلا يُعذب الله روحاً عرفته وأحبته وامتثلت أمره واجتنبت نهيه، ولا بدناً كانت فيه أبدا؛ فإن عذاب القبر وعذاب الآخرة أثرُ غضبِ الله وسخطه على عبده، فمن أغضب الله وأسخطه في هذه الدار ثم لم يتب ومات على ذلك كان له من عذاب البرزخ بقدر غضب الله وسخطه عليه، فمستقل ومستكثر، ومصدق ومكذب. وأما الجواب المفصل: فقد أخبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الرجلين الذين رآهما يعذبان في قبورهما، يمشى أحدهما بالنميمة بين الناس، ويترك الآخر الاستبراء من البول، فهذا ترك الطهارة الواجبة، وذلك ارتكب السبب الموقع للعداوة بين الناس بلسانه وإن كان صادقا.. وفي هذا تنبيه على أن الموقع بينهم العداوة بالكذب والزور والبهتان أعظم عذابا.. كما أن في ترك الاستبراء من البول تنبيها على أن من ترك الصلاة التي الاستبراء من البول بعض واجباتها وشروطها فهو أشد عذابا، وفي حديث شعبة: (أما أحدهما فكان يأكل لحوم الناس) فهذا مغتاب، وذلك نمام. وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه في الذي ضُرب سوطا امتلأ القبر عليه به ناراً، لكونه صلى صلاة واحدة بغير طهور، ومر على مظلوم فلم ينصره. وفي حديث سمرة في صحيح البخاري في تعذيب من يكذب الكذبة فتبلغ الآفاق.. وتعذيب من يقرأ القرآن ثم ينام عنه بالليل ولا يعمل به بالنهار.. وتعذيب الزناة والزواني.. وتعذيب آكل الربا كما شاهدهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في البرزخ. وفي حديث أبى هريرة رضي الله عنه الذي فيه رضخ رؤوس أقوام بالصخر لتثاقل رؤوسهم عن الصلاة.. والذين يسرحون بين الضريع والزقوم لتركهم زكاة أموالهم.. والذين يأكلون اللحم المنتن الخبيث لزناهم.. والذين تقرض شفاههم بمقاريض من حديد لقيامهم في الفتن بالكلام والخطب.. وفي حديث أبى سعيد عقوبة أرباب تلك الجرائم، فمنهم من بطونهم أمثال البيوت وهم أكلة الربا.. ومنهم من تفتح أفواههم فيلقمون الجمر حتى يخرج من أسافلهم وهم أكلة أموال اليتامى.. ومنهم المعلقات بثديهن وهن الزوانى. ومنهم من تقطع جنوبهم ويطعمون لحومهم وهم المغتابون.. ومنهم من لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم وهم الذين يقعون في أعراض الناس.. وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن صاحب الشملة التي غلها من المغنم أنها تشتعل ناراً في قبره، هذا وله فيها حق، فكيف بمن ظلم غيره ما لا حق له فيه. فعذاب القبر عن معاصي القلب والعين والأذن والفم واللسان والبطن والفرج واليد والرجل والبدن كله: فالنمام والكذاب والمغتاب وشاهد الزور وقاذف المحصن والموضع في الفتنة والداعي إلى البدعة والقائل على الله ورسوله ما لا علم له به والمجازف في كلامه. وآكل الربا وآكل أموال اليتامى وآكل السحت من الرشوة ونحوها. وآكل مال أخيه المسلم بغير حق أو مال المعاهد وشارب المسكر. والزاني واللوطي والسارق والخائن والغادر والمخادع والماكر. وآخذ الربا ومعطيه وكاتبه وشاهداه، والمحلل والمحلل له والمحتال على إسقاط فرائض الله وارتكاب محارمه. ومؤذي المسلمين ومتتبع عوراتهم. والحاكم بغير ما أنزل الله والمفتي بغير ما شرعه الله والمعين على الإثم والعدوان. وقاتل النفس التي حرم الله، والملحد في حَرَم الله، والمعطل لحقائق أسماء الله وصفاته الملحد فيها.. والمقدم رأيه وذوقه وسياسته على سنة رسول الله. والنائحة والمستمع إليها، ونواحو جهنم وهم المغنون الغناء الذي حرمه الله ورسوله والمستمع إليهم.. والذين يبنون المساجد على القبور ويوقدون عليها القناديل والسرج، والمطففون في استيفاء ما لهم إذا أخذوه وهضم ما عليهم إذا بذلوه. والجبارون والمتكبرون والمراءون والهمازون واللمازون والطاعنون على السلف. والذين يأتون الكهنة والمنجمين والعرافين فيسألونهم ويصدقونهم. وأعوان الظلمة الذين قد باعوا آخرتهم بدنيا غيرهم. والذي إذا خوفته بالله وذكرته به لم يرعو ولم ينزجر , فإذا خوفته بمخلوق مثله خاف وارعوى وكف عما هو فيه. والذى يُهدَى بكلام الله ورسوله فلا يهتدي ولا يرفع به رأسا , فإذا بلغه عمن يحسن به الظن ممن يصيب ويخطئ عض عليه بالنواجذ ولم يخالفه. والذي يقرأ عليه القرآن فلا يؤثر فيه وربما استثقل به فإذا سمع قرآن الشيطان ورقية الزنا ومادة النفاق طاب سره وتواجد وهاج من قلبه دواعي الطرب وود أن المغنى لا يسكت. والذي يحلف بالله ويكذب فإذا حلف بشيخه أو قريبه أو حياة من يحبه ويعظمه من المخلوقين لم يكذب ولو هدد وعوقب. والذي يفتخر بالمعصية ويتكثر بها بين إخوانه وأضرابه وهو المجاهر. والذي لا تأمنه على مالك وحرمتك , والفاحش اللسان البذيء الذي تركه الخلق اتقاء شره وفحشه. والذي يؤخر الصلاة إلى آخر وقتها وينقرها ولا يذكر الله فيها إلا قليلا , ولا يؤدى زكاة ماله طيبة بها نفسه , ولا يحج مع قدرته على الحج ولا يؤدى ما عليه من الحقوق مع قدرته عليها. والذي لا يتورع في نظره ولا لفظه ولا أكله ولا خطوه ولا يبالي بما حصل من المال من حلال أو حرام. ولا يصل رحمه ولا يرحم المسكين ولا الأرملة ولا اليتيم ولا الحيوان البهيم , بل يَدُعُّ اليتيم، ولا يحض على طعام المسكين، ويرائي للعالمين، ويمنع الماعون، ويشتغل بعيوب الناس عن عيبه , وبذنوبهم عن ذنبه. فكل هؤلاء وأمثالهم يعذبون في قبورهم بهذه الجرائم بحسب كثرتها وقلتها وصغيرها وكبيرها. ولما كان أكثر الناس كذلك كان أكثر أصحاب القبور معذبين والفائز منهم قليل. فظواهر القبور تراب وبواطنها حسرات وعذاب. ظواهرها بالتراب والحجارة المنقوشة مبنيات. وفي باطنها الدواهى والبليات، تغلى بالحسرات كما تغلي القدور بما فيها، ويحق لها وقد حيل بينها وبين شهواتها وأمانيها. تالله لقد وَعَظَت فما تركت لواعظ مقالا. ونادت: يا عمار الدنيا، لقد عمرتم دارا موشكة بكم زوالا، وخربتم دارا أنتم مسرعون إليها انتقالا. عمرتم بيوتا لغيركم منافعُها وسكناها، وخربتم بيوتا ليس لكم مساكن سواها. هذه دار الاستباق ومستودع الأعمال وبذر الزرع، وهذه محل للعبر، رياض من رياض الجنة، أو حفر من حفر النار.." انتهى من كتاب الروح (95) بتصرف يسير. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45325 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 هل الميت يرى الملائكة والجن [السُّؤَالُ] ـ[نحن نعلم أن الملائكة يستطيعون رؤية البشر من غير أن يستطيع البشر رؤيتهم والجن كذلك، فماذا عن الأموات؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا مات الإنسان فقد قامت قيامته، والله أعلم بما يكون من تفاصيل هذه الحال، ولا سبيل لنا لمعرفة شيء من تفاصيل ذلك إلا من خلال الخبر الصادق عن الله تعالى أو رسوله، وقد جاءت الأدلة أن المحتضر يرى ملك الموت وأعوانه، وأنه إذا مات يرى منكرا ونكيرا، وأنهما يقعدانه ويسألانه في قبر. انظر للاستزادة السؤال رقم (843) (14610) . والواجب الوقوف فيما دل عليه النص والإيمان به، أما ما سوى ذلك فنكل علمه إلى الله سبحانه وتعالى. أما الجن فلم يرد ما يدل على أنه يراهم، والظاهر أنهم من جنس البشر لا يراهم الميت. وعلى كل حال فينبغي على المسلم أن يحرص على ما ينفعه، ويترك التعمق في ما لا يعود عليه بالنفع في دينه وأن يعمر وقته بالتدبر والتأمل فيما يورثه قوة الإيمان والاستعداد الحق لما بعد الموت من أهوال. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 34361 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 هل ثبت شيء عن تخفيف العذاب في النار لأبي لهب؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل ورد شيء صحيح أو ضعيف عن تخفيف العذاب في النار لأبى لهب؟ جزاكم الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله دلت آيات القرآن الكريم أن الكافر لا يخفف عنه العذاب على كفره بحال من الأحوال، وذلك في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا) فاطر/36، وقال تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذَابِ. قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) غافر/49-50. وأما أعمال الكفار الصالحة فيثاب عليها في الدنيا، بالرزق والولد والنعمة ونحو ذلك، فهم أقوام عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا، وأما في الآخرة فلا يكتب له منها شيء من الحسنات، إذ الكفر محبط لجميع الحسنات، ولا ينفع معه عمل صالح. وإن كان الكفار يتفاوتون في عذاب جهنم، بحسب جرائمهم في الدنيا، مع خلودهم جيمعا في جهنم أبد الآبدين. يقول الله تعالى: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا) الفرقان/23. وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! ابْنُ جُدْعَانَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ وَيُطْعِمُ الْمِسْكِينَ فَهَلْ ذَاكَ نَافِعُهُ؟ قَالَ: لَا يَنْفَعُهُ، إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) رواه مسلم (رقم/214) ثانيا: أما ما يروى في تخفيف العذاب عن أبي لهب بسبب عتقه ثويبة مرضعة النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرد ذلك من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ولا من كلام الصحابة، وإنما رؤيا منام أريها بعض أهله، لا يجوز أن يعارض به ما سبق تقريره من بطلان حسنات الكافرين في الدنيا، وأنها لا تغني عنهم عند الله شيئا، فضلا عن أن الوارد في ذلك إنما هو بسند مرسل. روى البخاري (5101) من قول عروة بن الزبير رحمه الله ما يلي: " وثُوَيْبَةُ مَوْلَاةٌ لِأَبِي لَهَبٍ، كَانَ أَبُو لَهَبٍ أَعْتَقَهَا فَأَرْضَعَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، َلَمَّا مَاتَ أَبُو لَهَبٍ أُرِيَهُ بَعْضُ أَهْلِهِ بِشَرِّ حِيبَةٍ – أي بسوء حال -، قَالَ لَهُ: مَاذَا لَقِيتَ؟ قَالَ أَبُو لَهَبٍ: لَمْ أَلْقَ بَعْدَكُمْ غَيْرَ أَنِّي سُقِيتُ فِي هَذِهِ بِعَتَاقَتِي ثُوَيْبَةَ " قال ابن حجر رحمه الله: قوله: (وثويبة مولاة لأبي لهب) ذكرها ابن منده في " الصحابة " وقال: اختلف في إسلامها. وقال أبو نعيم: لا نعلم أحدا ذكر إسلامها غيره , والذي في السير أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكرمها , وكانت تدخل عليه بعدما تزوج خديجة , وكان يرسل إليها الصلة من المدينة , إلى أن كان بعد فتح خيبر ماتت ومات ابنها مسروح. قوله: (وكان أبو لهب أعتقها فأرضعت النبي صلى الله عليه وسلم) ظاهره أن عتقه لها كان قبل إرضاعها , والذي في السير يخالفه , وهو أن أبا لهب أعتقها قبل الهجرة وذلك بعد الإرضاع بدهر طويل، وحكى السهيلي أيضا أن عتقها كان قبل الإرضاع , وسأذكر كلامه. قوله: (بعض أهله) ذكر السهيلي أن العباس قال: لما مات أبو لهب رأيته في منامي بعد حول في شر حال فقال: ما لقيت بعدكم راحة , إلا أن العذاب يخفف عني كل يوم اثنين , قال: وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد يوم الاثنين , وكانت ثويبة بشرت أبا لهب بمولده فأعتقها. قوله (بشر حيبة) أي: سوء حال. قوله (ماذا لقيت) أي: بعد الموت. قوله (لم ألق بعدكم , غير أني) كذا في الأصول بحذف المفعول , وفي رواية الإسماعيلي: (لم ألق بعدكم رخاء) ، وعند عبد الرزاق ع معمر عن الزهري: (لم ألق بعدكم راحة) قال ابن بطال: سقط المفعول من رواية البخاري , ولا يستقيم الكلام إلا به. قوله: (غير أني سقيت في هذه) كذا في الأصول بالحذف أيضا , ووقع في رواية عبد الرزاق المذكورة: (وأشار إلى النقرة التي تحت إبهامه) وفي ذلك إشارة إلى حقارة ما سقي من الماء. وفي الحديث دلالة عل أن الكافر قد ينفعه العمل الصالح في الآخرة ; لكنه مخالف لظاهر القرآن , قال الله تعال (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا) ، وأجيب: أولا: بأن الخبر مرسل، أرسله عروة، ولم يذكر من حدثه به، وعلى تقدير أن يكون موصولا فالذي في الخبر رؤيا منام، فلا حجة فيه , ولعل الذي رآها لم يكن إذ ذاك أسلم بعد، فلا يحتج به. وثانياً: على تقدير القبول فيحتمل أن يكون ما يتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم مخصوصا من ذلك , بدليل قصة أبي طالب كما تقدم أنه خفف عنه فنقل من الغمرات إلى الضحضاح. وقال البيهقي: ما ورد من بطلان الخير للكفار فمعناه أنهم لا يكون لهم التخلص من النار ولا دخول الجنة , ويجوز أن يخفف عنهم من العذاب الذي يستوجبونه على ما ارتكبوه من الجرائم سوى الكفر بما عملوه من الخيرات. وأما عياض فقال: انعقد الإجماع على أن الكفار لا تنفعهم أعمالهم، ولا يثابون عليها بنعيم ولا تخفيف عذاب ; وإن كان بعضهم أشد عذابا من بعض. قلت – أي الحافظ ابن حجر -: وهذا لا يرد الاحتمال الذي ذكره البيهقي , فإن جميع ما ورد من ذلك فيما يتعلق بذنب الكفر , وأما ذنب غير الكفر فما المانع من تخفيفه؟ وقال القرطبي: هذا التخفيف خاص بهذا وبمن ورد النص فيه. وقال ابن المنير في الحاشية: هنا قضيتان: إحداهما محال: وهي اعتبار طاعة الكافر مع كفره , لأن شرط الطاعة أن تقع بقصد صحيح , وهذا مفقود من الكافر. الثانية: إثابة الكافر على بعض الأعمال تفضلا من الله تعالى , وهذا لا يحيله العقل , فإذا تقرر ذلك لم يكن عتق أبي لهب لثويبة قربة معتبرة , ويجوز أن يتفضل الله عليه بما شاء كما تفضل على أبي طالب , والمتبع في ذلك التوقيف نفيا وإثباتا. قلت – أي الحافظ ابن حجر -: وتتمة هذا أن يقع التفضل المذكور إكراما لمن وقع من الكافر البر له ونحو ذلك. والله أعلم " انتهى. " فتح الباري " (9/145-146) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 139986 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 هل يحرم سماع الغناء في الجنة مَن سمعه في الدنيا؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل من يسمع الأغاني في الدنيا لا يسمعها في الجنة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: ورد في السنة بعض ما يدل على أن من أنواع النعيم الذي يلقاه أهل الجنة الاستماع إلى أصوات جميلة تستفرغ لذاتهم، حتى عقد ابن القيم رحمه الله في كتابه " حادي الأرواح " في الباب السابع والخمسين فصلا كاملا في " ذكر سماع الجنة وغناء الحور العين وما فيه من الطرب واللذة " (ص/358-365) جمع فيه كل ما ورد في هذا الباب من صحيح وضعيف. ولعل من أصح ما ورد في ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ أَزْوَاجَ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَيُغَنِّينَ أَزْوَاجَهُنَّ بِأَحْسَنِ أَصْوَاتٍ سَمِعَهَا أَحَدٌ قَطُّ، إِنَّ مِمَّا يُغَنِّينَ: نَحْنُ الْخَيِّرَاتُ الْحِسَانُ أَزْوَاجُ قَوْمٍ كِرَامٍ) رواه الطبراني في " المعجم الأوسط " (5/149) ، وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " (3/269) ثانيا: من المعلوم أيضا أن استماع المعازف في الدنيا من المحرمات التي ثبت تحريمها في الكتاب والسنة الصحيحة، وقرر ذلك فقهاء المذاهب الأربعة، فمن تهاون في الوقوع في هذه المعصية استحق الإثم والعذاب على ارتكابه لذلك، كما هو الحال في سائر ما حرم الله على عباده في الدنيا. ولم يرد دليل على أن من سمع المعازف في الدنيا حُرم من سماع الغناء والأصوات الجميلة في الجنة حين يدخلها، وإن كان بعض أهل العلم يذكر أن من عقوبة من تنعم بشيء على وجه محرم في الدنيا، أن يحرم من التنعم به في الجنة، أو ينقص حظه منه فيها، كما أن من لبس الذهب أو الحرير من الرجال في الدنيا، يحرم منه في الجنة. قال ابن القيم رحمه الله: " إذا كان – الله عز وجل - قد عاقب لابس الحرير في الدنيا بحرمانه لبسه يوم القيامة، وشارب الخمر في الدنيا بحرمانه إياها يوم القيامة، فكذلك مَن تمتع بالصور المحرمة في الدنيا، بل كل ما ناله العبد في الدنيا، فإن توسع في حلاله، ضيق من حظه يوم القيامة بقدر ما توسع فيه، وإن ناله من حرامٍ فاته نظيرُه يوم القيامة " انتهى. " روضة المحبين " (ص/362) . لكن الجزم بذلك، أو القول بأن هذا الحرمان على وجه التأبيد: مما يحتاج إلى دليل بخصوصه، فالله أعلم بحقيقة الحال. ثالثا: أما ما ورد من أحاديث يدل ظاهرها على أن من سمع الغناء في الدنيا لم يسمعه في الآخرة فهي أحاديث ضعيفة جدا، من أشهرها حديث: (من لها بالغناء، لم يؤذن له أن يسمع صوت الروحانيين يوم القيامة. قيل: وما الروحانيون؟ قال: قراء أهل الجنة) قال الشيخ الألباني رحمه الله: " موضوع، أخرجه الواحدي في تفسيره "الوسيط" (3/441 - 442 – طبع دار الكتب العلمية) من طريق حماد بن عمرو عن أبي موسى - من ولد أبي هريرة - عن أبيه عن جده مرفوعاً. قلت – أي الشيخ الألباني رحمه الله -: وهذا موضوع، آفته (حماد بن عمرو) - وهو: النصيبي -، قال الذهبي في "المغني": روى عن الثقات موضوعات، قاله النقاش، وقال النسائي: متروك. وهو معدود فيمن يضع الحديث، كما قال ابن عدي وغيره - كما يأتي في الحديث الذي بعده – " انتهى. " السلسلة الضعيفة " (رقم/6516) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 139871 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 الحكمة في أن الطفل إذا مات يدخل الجنة مباشرة بينما بقية الناس يحاسبون [السُّؤَالُ] ـ[أين يكمن العدل في أن الطفل إذا مات يدخل الجنة مباشرة بينما بقية الناس يحاسبون؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يشك مسلم أن الله سبحانه وتعالى هو أرحم الراحمين، وأحكم الحاكمين، وأعدل العادلين , وأنه تعالى لكمال عدله حرم الظلم على نفسه فقال: (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) الكهف/ من الآية 49، وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ) النساء/ من الآية 40. ومن كمال عدله تعالى: أنه لا يعذب أحداً إلا بعد البلاغ، وقيام الحجّة عليهم. وانظر في ذلك جواب السؤال رقم: (1244) . ثانياً: اتفق أهل السنة والجماعة على أن أطفال المسلمين في الجنة، وتقدم الحديث عن ذلك، فانظره في جواب السؤال رقم: (117432) . ثالثاً: من أصول الإيمان التي لا خلاف فيها بين الأمة، ولا تردد أو تلجلج فيها: ألا يعترض العبد على أحكام ربه عز وجل، ولا يتوقف في الشهادة لها بأن فيها الحكمة البالغة، وحينذٍ فإنه لا يصير من المخاطبين بقوله تعالى: (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) الأنبياء/ 23. قال ابن كثير – رحمه الله -: ثم أخبر تعالى أنه لا يظلم أحداً شيئًا، وإن كان قد هدى به من هدى من الغيِّ، وبصَّر به من العمى، وفتح به أعيناً عمياً، وآذاناً صمّاً، وقلوباً غُلفاً، وأضلَّ به عن الإيمان آخرين، فهو الحاكم المتصرف في ملكه بما يشاء، الذي لا يُسْأل عما يفعل وهم يسألون، لعِلمه، وحكمته، وعدله. " تفسير ابن كثير " (4 / 271) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وَهُوَ سُبْحَانَهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَرَبُّهُ وَمَلِيكُهُ، وَلَهُ فِيمَا خَلَقَهُ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ، وَنِعْمَةٌ سَابِغَةٌ، وَرَحْمَةٌ عَامَّةٌ وَخَاصَّةٌ، وَهُوَ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ؛ لَا لِمُجَرَّدِ قُدْرَتِهِ وَقَهْرِهِ، بَلْ لِكَمَالِ عِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَرَحْمَتِهِ وَحِكْمَتِهِ. فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ، وَأَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، وَهُوَ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ الْوَالِدَةِ بِوَلَدِهَا، وَقَدْ أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ " انتهى. "مجموع الفتاوى" (8/79) . ثالثاً: وأما الحكمة من عدم محاسبة الأطفال فيقال فيها: 1. إن مناط التكليف عند الله هو البلوغ , ولذلك جاء في الحديث عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنِ الْمُبْتَلَى حَتَّى يَبْرَأَ وَعَنِ الصَّبِىِّ حَتَّى يَكْبَرَ) . رواه أبو داود (4398) وابن ماجه (2041) والنسائي (3432) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ". وهذا الطفل اخترمته المنية قبل البلوغ , فمن تمام عدل الله أنه لا يحاسَب. ويبين ما ذهب طائفة من العلماء والمحققين – كالبخاري، والنووي، وغيرهما – من أن هذا الحكم مشترك مع أطفال المشركين كذلك – ولتنظر المسألة في جوابي السؤالين: (6496) (118103) . 2. الأصل أن الأطفال تبع لوالديهم، كما جاء في الحديث عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (ما مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ) . ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) . رواه البخاري (1293) . ولما كان والداه على الإيمان – أو والده إن كانت أمُّه كتابية -: فهو تبع لهما , ولما مات قبل مناط التكليف ناسب أن يدخل الجنة بلا حساب، فدخوله الجنة باعتباره مسلماً، وعدم حسابه باعتبار أنه لم يكن مكلَّفاً في الدنيا. 3. أن فيه كرامة لوالدي الطفل الصغير، ورحمة بهم , وتطييباً لخاطرهم، على موت ولدهم وهو صغير. هذه بعض الحِكَم , والأمر قد يحتمل وجود حكَم، وغايات، ومقاصد أخرى. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 139430 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 الحكمة من عدم دخول المسترقي في السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب [السُّؤَالُ] ـ[لماذا لا يدخل من يطلب الرقية من الآخرين ضمن أولئك السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب؟ أليس يجوز طلب الرقية من الغير؟ كما أن لدي مشكلة تؤرقني ولا أجد أن لدي الصبر أو مهارة عمل الرقية لنفسي وقد بدأتها عدة أيام ثم امتنعت.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: روى البخاري (6472) ومسلم (220) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ، هُمْ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ ولَاَ يكْتَوُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) . وهؤلاء إنما يدخلون الجنة بغير حساب؛ لكمال توحيدهم، وكمال توكلهم على الله، واستغنائهم عن الناس. ولا يدخل من يطلب الرقية من الآخرين ضمن أولئك السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب لنقصان توكله على الله؛ لأن طلب الرقية فيه نوع تذلل وحاجة إلى الراقي، ومن كمال التوكل والتوحيد أن لا يسأل المسلم الناس شيئا. وقد روى مسلم (1043) عن عَوْف بْن مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعَةً أَوْ ثَمَانِيَةً أَوْ سَبْعَةً فَقَالَ: أَلَا تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: فَبَسَطْنَا أَيْدِيَنَا وَقُلْنَا: قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَعَلَامَ نُبَايِعُكَ؟ قَالَ: (عَلَى أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَتُطِيعُوا، وَلَا تَسْأَلُوا النَّاسَ شَيْئًا) . فَلَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ أُولَئِكَ النَّفَرِ يَسْقُطُ سَوْطُ أَحَدِهِمْ فَمَا يَسْأَلُ أَحَدًا يُنَاوِلُهُ إِيَّاهُ. قال ابن القيم رحمه الله: "وذلك لأن هؤلاء دخلوا الجنة بغير حساب لكمال توحيدهم، ولهذا نفى عنهم الاسترقاء وهو سؤال الناس أن يرقوهم، ولهذا قال: (وعلى ربهم يتوكلون) فلكمال توكلهم على ربهم وسكونهم إليه وثقتهم به ورضاهم عنه وإنزال حوائجهم به لا يسألون الناس شيئا لا رقية ولا غيرها، ولا يحصل لهم طيرة [التشاؤم] تصدهم عما يقصدونه؛ فإن الطيرة تنقص التوحيد وتضعفه" انتهى. "زاد المعاد" (1/475) . وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: "المراد: أنهم لا يطلبون من غيرهم أن يرقيهم، ولا أن يكويهم، بل يتوكلون على الله، ويعتمدون عليه في كشف ما بهم ودفع ما يضرهم، وإيصال ما به نفعهم" انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (24/397) . ثانيا: طلب الرقية من الغير ليس بمحرم، ولكنه خلاف الأفضل والأكمل. قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: "طلب الدعاء وطلب الرقية مباحان، وتركهما والاستغناء عن الناس وقيامه بهما لنفسه أحسن" انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (24/261) . وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: "هذا الحديث يدل على أن ترك الطلب أفضل، وهكذا ترك الكي أفضل، لكن عند الحاجة إليهما لا بأس بالاسترقاء والكي؛ لأن النبي عليه السلام أمر عائشة أن تسترقي من مرض أصابها، وأمر أم أولاد جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وهي أسماء بنت عميس رضي الله عنها أن تسترقي لهم، فدل ذلك على أنه لا حرج في ذلك عند الحاجة إلى الاسترقاء" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (25/118-119) . ثالثا: أما قولك: لا أجد لدي الصبر أو مهارة عمل الرقية لنفسي. فطلب الرقية جائز كما سبق، مع أن الرقية لا تحتاج إلى مهارة، وإنما هي بمنزلة الدعاء، فكل إنسان يستطيع أن يدعو ربه بحصول الشفاء، ولا يصعب عليه ذلك، فيستطيع الإنسان أن يرقي نفسه بسورة الفاتحة، أو غير ذلك من القرآن الكريم، أو بالأدعية الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، ومنها: (اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ مُذْهِبَ الْبَاسِ اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي لَا شَافِيَ إِلَّا أَنْتَ شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا) رواه البخاري (5750) ومسلم (2191) . (أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ) رواه البخاري (3371) . وروى مسلم (2202) والترمذي (2080) عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعاً يجده في جسده منذ أسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ضع يدك على المكان الذي تَأَلَّم من جسدك وقل: (بسم الله ثلاثاً، وقل سبع مرات: أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر) زاد الترمذي: "قال: ففعلت، فأذهب الله ما كان بي، فلم أزل آمر به أهلي وغيرهم". نسأل الله تعالى أن يشفيك شفاء لا يغادر سقماً. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 139092 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 هل يكون مع المؤمن في الجنة أولاده وممتلكاته التي كانت له في الدنيا؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل كل ما يملكه الشخص من أشياء هنا في الدنيا، كأولاد وممتلكات، ستكون معه هناك في الجنة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: أفادت النصوص الشرعية، من الكتاب والسنة، أن أهل الجنة لهم فيها ما يشاءون مما يشتهون، لا يطلبون شيئا إلا وجدوه، ولا يريدون حاجة إلا نالوها، وهم مع ذلك لا يكدر نعيمهم، ولا ينغص عليهم بانقطاع أو زوال أو نقصان أو عيب. ومن ذلك أهله وذريته - إن كانوا صالحين – فإن الله يلحقهم به، وإن كانوا دونه في العمل، لتقر بهم عينه، منة منه وفضلا – سبحانه -. قال الله عز وجل: (نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) فصلت/31-32. وقال سبحانه: (يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) الزخرف/71. قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: " (لهم فيها ما يشاءون) أي: من الملاذ: من مآكل ومشارب، وملابس ومساكن، ومراكب ومناظر، وغير ذلك، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب أحد. وهم في ذلك خالدون أبدا دائما سرمدا بلا انقطاع ولا زوال، ولا انقضاء، لا يبغون عنها حولا. وهذا من وعد الله الذي تفضل به عليهم، وأحسن به إليهم " انتهى. "تفسير ابن كثير" (6 / 98) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قَالَ اللَّهُ: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ. فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) رواه البخاري (3244) ومسلم (2824) . وروى البخاري (7519) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَوْمًا يُحَدِّثُ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ فِي الزَّرْعِ، فَقَالَ لَهُ: أَوَلَسْتَ فِيمَا شِئْتَ؟ قَالَ: بَلَى وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَزْرَعَ، فَأَسْرَعَ وَبَذَرَ فَتَبَادَرَ الطَّرْفَ نَبَاتُهُ وَاسْتِوَاؤُهُ وَاسْتِحْصَادُهُ وَتَكْوِيرُهُ أَمْثَالَ الْجِبَالِ (أي سبق ذلك لمح البصر) فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: دُونَكَ يَا ابْنَ آدَمَ فَإِنَّهُ لَا يُشْبِعُكَ شَيْءٌ. فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تَجِدُ هَذَا إِلَّا قُرَشِيًّا أَوْ أَنْصَارِيًّا فَإِنَّهُمْ أَصْحَابُ زَرْعٍ، فَأَمَّا نَحْنُ فَلَسْنَا بِأَصْحَابِ زَرْعٍ. فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قال ابن حجر رحمه الله: " وفي هذا الحديث من الفوائد أن كل ما اشتهي في الجنة من أمور الدنيا ممكن فيها. قاله المهلب " انتهى. "فتح الباري" (5 / 27) ثانيا: ليس يعني ذلك أن هذه الأشياء الموجودة في الجنة هي نفس الأشياء الموجودة في الدنيا، بل ولا هي مماثلة لها من كل وجه، وإنما هي تفاح حقيقة ـ مثلا ـ كما نفهمه من اسم التفاح، وهي لحم طير حقيقة، كما نفهمه من لحم الطير، وبينهما من التفاوت العظيم، ما الله به عليم. قال ابن عباس رضي الله عنهما: " لا يشبه شَيءٌ مما في الجنة ما في الدنيا إلا في الأسماء "، وفي رواية: " ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء ". رواه ابن جرير من رواية الثوري وابن أبي حاتم في تفسيره (1/66) ، وغيرهما. قال البوصيري: " رواه مُسَدَّد موقوفًا، ورواته ثقات". انتهى. "إتحاف الخيرة المهرة" (8/273) ، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (3769) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " يَعْنِي أَنَّ مَوْعُودَ اللَّهِ فِي الْجَنَّةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ وَالْخَمْرِ وَاللَّبَنِ تُخَالِفُ حَقَائِقُهُ حَقَائِقَ هَذِهِ الْأُمُورِ الْمَوْجُودَةِ فِي الدُّنْيَا " انتهى. "الفتاوى الكبرى" (6/468) . وقال ابن كثير رحمه الله: " يعني: أن بين ذلك بَونًا عظيما، وفرقًا بينا في التفاضل ". انتهى. "تفسير ابن كثير" (7/503) . والخلاصة: أن الله تعالى يمن على عبده في الجنة بما يشتهيه، وتقر به عينه فيها، لكن حقائق هذا النعيم: ليست هي نفس الأشياء التي كانت معه في الدنيا، بل هي مشابهة لها. والله أعلم. يراجع للاستزادة إجابة السؤال رقم (126629) ، (20286) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 138845 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 من كان له زوجتان وكانت إحداهما في درجة أعلى منه فهل يُلحق هو والأخرى بها؟ [السُّؤَالُ] ـ[قرأت في الحديث أنه إذا كان منزلة الوالدين أعلى من منزلة الأبناء في الجنة فإن الله برحمةٍ منه وفضل يرفع الأبناء إلى درجة الوالدين، والعكس، وأنه أيضاً إذا كانت منزلة الزوجة، أو الزوج أعلى أحدهما من الآخر بما قدم من أعمال أفضل: فإن الله بفضله يرفعه إلى منزلة الآخر، ولكن السؤال هنا: إذا كان الرجل له زوجتان، وكانت إحداهما في درجة أعلى من الأخرى: فهل تُرفع الزوجة الأقل درجة هي والزوج إلى منزلة الزوجة الأعلى درجة، مع أنها اجتهدت في الدنيا أكثر؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ما ذكره الأخ السائل في مقدمة سؤاله ليس عليه دليل صحيح من السنَّة، فيما نعلم، ولكن جاءت أثار بذلك عن الصحابة والتابعين في تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) الطور/21. فعن عَمْرُو بنِ مُرَّةَ قال: سَأَلْت سَعِيدَ بن جُبَيْرٍ عن هذه الآيَةِ (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) قال: قال ابن عَبَّاسٍ: الْمُؤْمِنُ تُرْفَعُ له ذُرِّيَّتُهُ لِيُقِرَّ اللَّهُ عز وجل عَيْنَهُ، وَإِنْ كَانُوا دُونَهُ في الْعَمَلِ. رواه االطحاوي في " شرح مشكل الآثار " (3 / 105) ، وصححه المحققون. وقد ذكر الطحاوي رحمه الله أنه في حكم المرفوع، وكذا قال الشيخ الألباني رحمه الله، ولذلك خرجه في " السلسلة الصحيحة " (2490) . وقد ذكرنا في جواب السؤال رقم (121192) أن الإلحاق في الجنة في الدرجات يكون لصغار الذرية، ولمن يكون مع الأسرة في ذات البيت، لا لمن استقل منهم بزواج. ثانياً: الزوجة إن كانت في الجنة في درجة أعلى من زوجها: فإن الله تعالى يجمع بينها وبين زوجها فيها، بأن يلحقه بها في درجتها، دون أن يُنقص من درجتها شيئاً. وقد ذكرنا في جواب السؤال رقم (5981) أن المرأة تجتمع بزوجها وذريتهما في الجنة. وعليه: فإن زوجها، وأولادها منه يلتحقون بتلك المرأة الصالحة – الزوجة له، والأم لهم – في درجتها في الجنة؛ لتقر عينها، وتسعد تلك الأسرة. وفي مثل هذه الحال فإنه يصير الزوج في درجة عالية في الجنة، ولنفرض أن له زوجة أخرى، وأولاداً منها، وهم دون تلك المنزلة التي صار فيها: فإنه يُرجى أن يقر الله عيونهم جميعاً بالالتقاء في تلك المنزلة العالية، اجتماعاً لتلك الأسرة، وتحقيقاً للسعادة التي وعدهم الله تعالى بها، ويدل عليه ما ذكرناه من الآية، وما أحلنا عليه من الأجوبة. فتصير تلك الزوجة الصالحة سبباً في ارتفاع درجة زوجها، وأولادها منه، ثم يكون الزوج سبباً في ارتفاع درجة زوجته الأخرى، وأولادهما. وفضل الله تعالى عظيم، ورحمته واسعة، وبما قلناه يتحقق دعاء الملائكة حملة العرش في قولهم (رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) غافر/ 8. ويتحقق وعد الله تعالى لهم في قوله: (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً وَيَدْرَأُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ. جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ) الرعد/ 22، 23. قال الطاهر بن عاشور رحمه الله: وفي هذه الآية بشرى لمن كان له سلف صالح، أو خلَف صالح، أو زوج صالح، ممن تحققت فيهم هذه الصفات: أنه إذا صار إلى الجنَّة: لحِق بصالح أصوله، أو فروعه، أو زوجه، وما ذكر الله هذا إلا لهذه البشرى، كما قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شِيْءٍ) الطور/ 21. والآباء يشمل الأمهات، على طريقة التغليب، كما قالوا: الأبوين. " التحرير والتنوير " (13 / 131، 132) . واجتماع الرجل بزوجاته في الجنة يدل عليه عموم الآيات السابقة، كما تدل عليه آيات مخصوصة على أحد الأقوال فيها، ومنها: 1. قوله تعالى: (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ) الزخرف/ 70. ومعنى (تُحبرون) : أي: تُنعَّمون، وتُسرُّون. 2. وقوله تعالى: (إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ. هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ) يس/ 55، 56. قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في تفسير آية الزخرف -: قوله تعالى في هذه الآية: (وأزواجكم) فيه لعلماء التفسير وجهان: أحدهما: أن المراد بأزواجهم: نظراؤهم، وأشباههم، في الطاعة، وتقوى الله، واقتصر على هذا القول: ابن كثير. والثاني: أن المراد بأزواجهم: نساؤهم في الجنة؛ لأن هذا الأخير أبلغ في التنعم، والتلذذ، من الأول. ولذا يكثر في القرآن، ذكر إكرام أهل الجنة، بكونهم مع نسائهم، دون الامتنان عليهم بكونهم مع نظرائهم وأشباههم في الطاعة. قال تعالى: (إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ. هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ) يس/ 55، 56. " أضواء البيان " (7 / 142) . ونسأل الله أن يدخلنا وإياكم الجنة، مع أهالينا، وذرارينا، من غير حساب، ولا عذاب. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 135809 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 الطريق إلى الفردوس الأعلى [السُّؤَالُ] ـ[هل الوصول للفردوس الأعلى من الجنة طريق صعب، وقليل من يصله؟ رسولنا الكريم قال (إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس الأعلى .... الحديث) فهل لو أكثرت من الدعاء (اللهم إني أسألك الفردوس الأعلى من الجنة) ، هل ممكن أن أبلغها بفضل الله تعالى، حتى ولو كان عملي لا يوصلني لتلك المنزلة؟ وما هي أقرب الأعمال التي توصلنا إلى هناك بإذن الله تعالى؟ أيضا هناك حديث لرسولنا صلى الله عليه وسلم (من سأل الله الجنة ثلاث مرات قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة .... الحديث) فهل يجوز لي أن أقول مباشرة (اللهم إني أسألك الفردوس الأعلى من الجنة) بدلا من قول (اللهم إني أسألك الجنة) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: روى الترمذي (2450) وحسنه عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ خَافَ أَدْلَجَ وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ) . صححه الألباني في "صحيح الترمذي" وغيره. فالجنة سلعة غالية، والفردوس الأعلى أعلى الجنان وأفضلها، ولا يصل إليها إلا من اختصهم الله بمزيد فضله. وروى الترمذي (3174) وصححه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (َالْفِرْدَوْسُ رَبْوَةُ الْجَنَّةِ وَأَوْسَطُهَا وَأَفْضَلُهَا) وصححه الألباني. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (حُفَّتْ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتْ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ) متفق عليه. فإذا كانت الجنة محفوفة بالمكاره وأنواع المشاق، فكيف بأعلى درجاتها وأسمى منازلها؟ هذا يدل على أن الأمر ليس بالأمر الهين. قال ابن القيم: " أنزه الموجودات وأظهرها، وأنورها وأشرفها وأعلاها ذاتا وقدرا وأوسعها: عرش الرحمن جل جلاله، ولذلك صلح لاستوائه عليه، وكل ما كان أقرب إلي العرش كان أنور وأنزه وأشرف مما بعد عنه؛ ولهذا كانت جنة الفردوس أعلى الجنان وأشرفها وأنورها وأجلها، لقربها من العرش، إذ هو سقفها، وكل ما بعد عنه كان أظلم وأضيق، ولهذا كان أسفل سافلين شر الأمكنة وأضيقها وأبعدها من كل خير " انتهى. "الفوائد" (ص 27) وأهل الفردوس الأعلى هم السابقون المبادرون إلى فعل الخيرات كما أمروا، قال الله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) الواقعة/10 – 12 قال السعدي: " والمقربون هم خواص الخلق " انتهى. "تفسير السعدي" (ص 833) قال ابن كثير: " من سابق إلى هذه الدنيا وسبق إلى الخير، كان في الآخرة من السابقين إلى الكرامة، فإن الجزاء من جنس العمل، وكما تدين تدان " انتهى. "تفسير ابن كثير" (7 / 517) ثانيا: ليعلم أن من أعظم أسباب حصول المطلوب، والنجاة من المرهوب: الدعاء، فإن الدعاء هو العبادة، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكما أنه عبادة محبوبة لله، فهو سبب في حصول المطلوب، ومن أراده الله به خيرا، وفقه لأسبابه، ويسر له العمل الذي يؤهله لذلك؛ كما قال تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) سورة الليل /5-10. روى البخاري (2790) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ أُرَاهُ فَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ) قال الحافظ: " يَدُلُّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْفِرْدَوْسَ فَوْقَ جَمِيعِ الْجِنَانِ , وَلِذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَعْلِيمًا لِلْأُمَّةِ وَتَعْظِيمًا لِلْهِمَّةِ -: (فَإِذَا سَأَلْتُمْ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ) " انتهى. ثالثا: اعلم ـ يا عبد الله ـ أن نيل الدرجات في الدنيا والآخرة، ليس بالأماني ولا الأحلام، وإنما هو بسلوك أسباب ذلك، ولولا ذلك ما كان فرق بين الصادق والكاذب، وهذا من حكمة الله تعالى في تكليفه لعباده، وأمرهم بما أمرهم به. قال الله تعالى: (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا) سورة النساء /123-124. قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله: أي: {لَيْسَ} الأمر والنجاة والتزكية {بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ} والأماني: أحاديث النفس المجردة عن العمل، المقترن بها دعوى مجردة، لو عورضت بمثلها لكانت من جنسها. وهذا عامّ في كل أمر، فكيف بأمر الإيمان والسعادة الأبدية؛ ... فالأعمال تصدق الدعوى أو تكذبها ". "تفسير السعدي" (205) . رابعا: ومن أهم الأعمال التي تبلغ المسلم الدرجات العلى، ولعلها أن تبلغه الفردوس الأعلى برحمة الله: - الجهاد في سبيل الله: وقد تقدم في ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وروى مسلم في صحيحه (1884) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَا أَبَا سَعِيدٍ، مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ. فَعَجِبَ لَهَا أَبُو سَعِيدٍ، فَقَالَ: أَعِدْهَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَفَعَلَ ثُمَّ قَالَ، وَأُخْرَى يُرْفَعُ بِهَا الْعَبْدُ مِائَةَ دَرَجَةٍ فِي الْجَنَّةِ مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ!! قَالَ: وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) . - الإخلاص والصدق مع الله: روى مسلم (1909) من حديث سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ) . قال النووي رحمه الله: " َفِيهِ: اِسْتِحْبَاب سُؤَال الشَّهَادَة , وَاسْتِحْبَاب نِيَّة الْخَيْر " انتهى. - الإيمان بالله والتصديق بالمرسلين: قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا) الكهف / 107 قال السعدي: " يحتمل أن المراد بجنات الفردوس: أعلى الجنة، وأوسطها، وأفضلها، وأن هذا الثواب، لمن كمل فيه الإيمان والعمل الصالح، والأنبياء والمقربون. ويحتمل أن يراد بها: جميع منازل الجنان، فيشمل هذا الثواب، جميع طبقات أهل الإيمان، من المقربين، والأبرار، والمقتصدين، كل بحسب حاله، وهذا أولى المعنيين لعمومه " انتهى. تفسير السعدي - (488) . وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ كَمَا يَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ فِي الْأُفُقِ مِنْ الْمَشْرِقِ أَوْ الْمَغْرِبِ لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ. قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ تِلْكَ مَنَازِلُ الْأَنْبِيَاءِ لَا يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ؟ قَالَ بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ) . متفق عليه. قال الحافظ: " قَوْلُهُ: (وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ) أَيْ حَقّ تَصْدِيقهمْ، وَإِلَّا لَكَانَ كُلّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَصَدَّقَ رُسُله وَصَلَ إِلَى تِلْكَ الدَّرَجَة وَلَيْسَ كَذَلِكَ. - إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة: عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟) قالوا: بلى يا رسول الله، قال: (إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط) . رواه مسلم (251) . - الطاعات التي ورد في الأخبار الصحيحة أنها سبب في معية النبي صلى الله عليه وسلم ومصاحبته في الجنة: روى مسلم (489) عن ربيعة بْن كَعْبٍ الْأَسْلَمِيُّ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَقَالَ لِي: سَلْ فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ. قَالَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؟ قُلْتُ هُوَ ذَاكَ. قَالَ: فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ. وروى مسلم (2983) أيضا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كَافِلُ الْيَتِيمِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ) وَأَشَارَ مَالِكٌ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى. وروى أيضا (2631) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ) وَضَمَّ أَصَابِعَهُ. وروى الإمام أحمد (12089) عَنْ أَنَسٍ أَوْ غَيْرِهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ عَالَ ابْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَ بَنَاتٍ أَوْ أُخْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَ أَخَوَاتٍ حَتَّى يَمُتْنَ أَوْ يَمُوتَ عَنْهُنَّ كُنْتُ أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ) وَأَشَارَ بِأُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى. صححه الألباني في "الصحيحة" (296) وبالجملة: فالاجتهاد في الأعمال الصالحة، والمسارعة في الخيرات، واستدامة العمل الصالح، وصنائع المعروف، ومسابقة أهل الخير والصلاح: أصل الوصول إلى غاية المأمول في الدنيا والآخرة، ولو كانت تلك الغاية هي الفردوس الأعلى. وينظر جواب السؤال رقم: (27075) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 135085 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 لا يدخل أحد الجنة إلا في سن الشباب [السُّؤَالُ] ـ[لو افترضنا أن زوجاً مات في سن الواحدة والعشرين، ثم عُمّرت زوجته بعده فعاشت حتى الخمسين، فهل يجمع الله بينهما كلٌ بحسب عمره الذي مات فيه، أم أن الزوجة ستصغر في السن فتعود إلى السن الذي مات فيه زوجها؟ أرجو التوضيح.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن جواب هذا السؤال، وأن جميع أهل الجنة من الشباب والشيوخ والكهول إنما يدخلون الجنة في سن الشباب: أبناء ثلاثين سنة، أو ثلاث وثلاثين. فعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ جُرْدًا، مُرْدًا، مُكَحَّلِينَ، أَبْنَاءَ ثَلَاثِينَ أَوْ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً) رواه الترمذي (2545) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ". "جرداً" جمع "أجرد" وهو الذي لا شعر على جسده. "مرداً" جمع "أمرد" وهو الغلام الذي لا شعر على ذقنه، أي: بلا لحية، وقد يراد به: الحُسْن، "مكحلين" أي في أجفان أعينهم سواد كالكحل. "تحفة الأحوذي". وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم: (22802) ، (117432) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131289 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 أهل الجنة منزهون عن اللواط والسحاق [السُّؤَالُ] ـ[أرجو الرد على سؤالي قرأت مسألة لأحد المشايخ يقول فيها " أن هناك من المحرمات التي لا يجازى على تركها في الدنيا بإعطاء نظيرها في الآخرة سواء من ذلك المطعومات أو المشروبات أو الأفعال والأقوال: فالسم مثلا لا يكون نعيما في الآخرة مع حرمته في الدنيا وكذا اللواط ونكاح المحارم وغير ذلك لا تباح في الآخرة مع حظرها في الدنيا" سؤالي هنا: كيف توصل هذا الشيخ إلى هذه النتيجة أعني هل هناك دليل على أن اللواط والسحاق محرمان في الجنة، أليس هذا يشكل إحباط لمن يحرُم نفسه اللواط في الدنيا ليباح له في الجنة أرجو إعطائي دليلاً أو حتى إقناعي فإني ضائع؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يغفر الله لك، أليس فيما أحل الله غنية عما حرم؟! ألا يكفي الطيب المبارك، حتى تهفو النفس إلى المحرم الخبيث؟ ومتى احتاج أصحاب الفطر السليمة إلى التلهف على اللواط والسحاق ونكاح المحارم؟! إن الله تعالى وصف الجنة بقوله: (لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ) الطور/23. فأهل الجنة مطهرون من الأخلاق السيئة، والرغبات الدنيئة، والمقاصد المشينة. وقد وصف الله تعالى نساء أهل الجنة بقوله: (فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ) الرحمن/56. فهن قصرن أطرافهن عن الرجال، فلا ينظرن إلى غير أزواجهن. وقال تعالى: (حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ) الرحمن/72. قال السعدي: " أي: محبوسات في خيام اللؤلؤ، قد تهيأن وأعددن أنفسهن لأزواجهن، ولا ينفي ذلك خروجهن في البساتين ورياض الجنة، كما جرت العادة لبنات الملوك ونحوهن " انتهى. "تفسير السعدي" (ص/831) . فهل يجوز أن يقال: وما يمنعهن من النظر إلى الرجال الأجانب، وقد منعن أنفسهن منه في الدنيا لله؟ وهل يجوز أن يقال: وما يمنعهن من الزنا والفحش وارتكاب الرذيلة، وقد كن بمنأى عن ذلك في الدنيا؟ لقد أغنى الله المؤمنين والمؤمنات في الجنة بفضله الدائم، ومننه المتكاثرة، بما أباح لهم فيها من النعيم الطيب عن طلب مثل تلك الخبائث، التي لو لم ينه عنها في الدنيا لكان حريا بالكريم أن لا يقربها. قال تعالى: (وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) فصلت/31، 32 قال ابن كثير: " في الجنة من جميع ما تختارون مما تشتهيه النفوس، وتقر به العيون، (وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ) أي: مهما طلبتم وجدتم، وحضر بين أيديكم، كما اخترتم " انتهى. "تفسير ابن كثير" (7/ 177) . فهل يطلب المؤمن من ربه في الجنة، تلك الفواحش المستقذرة، وقد مَنَّ الله عليه بالحور العين، اللاتي لو اطلعت إحداهن إلى أهل الأرض لملأت ما بينهما نورا، كما روى البخاري (2796) عن أَنَس بْن مَالِكٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ لَأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا وَلَمَلَأَتْهُ رِيحًا، وَلَنَصِيفُهَا عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا) . وروى الطبراني في "الأوسط" (718) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قلنا: يا رسول الله، نفضي إلى نسائنا في الجنة؟ فقال: (إي والذي نفسي بيده، إن الرجل ليفضي في الغداة الواحدة إلى مائة عذراء) . قال الحافظ أبو عبد الله المقدسي: "رجال إسناده عندي على شرط الصحيح". "إعلام الموقعين" (4/ 274) . ولا يعرف هذا الكلام فيما سأل عنه السائل إلا عن أهل البدع والضلال. قال ابن مفلح في "الفروع" (6/71-72) ، نقلا عن ابن الجوزي: "قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: جَرَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بَيْنَ أَبِي عَلِيِّ بْنِ الْوَلِيدِ وَأَبِي يُوسُفَ الْقَزْوِينِيِّ، فَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ: لَا يَمْتَنِعُ جِمَاعُ الْوِلْدَانِ فِي الْجَنَّةِ وَإِنْشَاءُ الشَّهَوَاتِ لِذَلِكَ , فَيَكُونُ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ اللَّذَّاتِ ... فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْمَيْلُ إلَى الذُّكُورِ عَاهَةٌ , وَلَمْ يُخْلَقْ هَذَا الَْحَلُّ لِلْوَطْءِ" انتهى. وأبو على هذا هو محمد بن أحمد بن عبد الله المعتزلي. قال ابن الجوزي في ترجمته من "المنتظم" (9/20-21) : " كان يدرس علم الاعتزال وعلم الفسلفة والمنطق فاضطره أهل السنة إلى أن لزم بيته خمسين سنة لا يتجاسر أن يظهر، ولم يكن عنده من الحديث سوى حديث واحد لم يرو غيره، سمعه من شيخه أبي الحسين بن البصري ولم يرو أبو الحسين غيره، وهو قوله عليه السلام: (إذا لم تستحي فاصنع ما شئت) فكأنهما خوطبا بهذا الحديث؛ لأنهما لم يستحييا من بدعتهما التي خالفا بها السنة وعارضاها بها، ومن فعل ذلك فما استحيا " انتهى. وانظر: "الوافي في الوفيات" (ص/525) . قال ابن عقيل: "لا وجه لتصوير اللواط؛ لأنه ما يثبت أن يخلق لأهل الجنة مخرج غائط، إذ لا غائط" انتهى. "المنتظم" (9/22) . وقد رأينا في هذا العصر من أهل الإلحاد من يدعي أن القرآن الكريم يغري العرب كي يعتنقوا الإسلام بأن الجنة التي تنتظرهم فيها غلمان سوف يطوفون عليهم ليمارسوا معهم الشذوذ الجنسي، ويحتجون لذلك بمثل قوله تعالى: (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ) الطور/ 24. والعرب أبعد الناس عن ممارسة الشذوذ الجنسي. قال ابن كثير في "البداية والنهاية" (9/185) : "والمقصود أن مفسدة " اللواط " من أعظم المفاسد، وكانت لا تعرف بين العرب قديما، كما قد ذكر ذلك غير واحد منهم، فلهذا قال الوليد بن عبد الملك: لولا أن الله عز وجل قص علينا قصة قوم لوط في القرآن ما ظننت أن ذكرا يعلو ذكرا" انتهى. وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم: (4994) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130289 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 هل الزوجة في الجنة ملزمة بطاعة زوجها والعيش مع زوجاته!! [السُّؤَالُ] ـ[هل ينطبق على المرأة في الجنة نفس أحكام الدنيا من وجوب طاعة زوجها والعيش مع بقية زوجاته؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا تقاس الحياة الآخرة على الحياة الدنيا، لتمام المفارقة، وشدة تباين أحوال الدارين، وقد روى البخاري (3244) ومسلم (2824) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ اللَّهُ عز وجل: (أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ) فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) . ولا يدخل أهل الجنة الجنة حتى يهذبوا وينقوا، وينزع الله عن صدورهم الغل، كما قال تعالى: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ) الحجر/47. وروى البخاري (6535) عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَخْلُصُ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ النَّارِ فَيُحْبَسُونَ عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَيُقَصُّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ مَظَالِمُ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ) . فإذا دخلوا الجنة فلا وجود لشيء من منغصات الحياة. وإذا دخل المؤمن الجنة، وكان له فيها ما شاء الله من الحور العين، فلا معنى للتساؤل عن غيرة الزوجات، أو نشوز الزوجة، أو ظلم الزوج، وقد روى مسلم (2836) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَنْعَمُ لَا يَبْأَسُ) . وروى مسلم أيضا (2838) عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ لِلْمُؤْمِنِ فِي الْجَنَّةِ لَخَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ مُجَوَّفَةٍ، طُولُهَا سِتُّونَ مِيلًا، لِلْمُؤْمِنِ فِيهَا أَهْلُونَ، يَطُوفُ عَلَيْهِمْ الْمُؤْمِنُ، فَلَا يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا) . فانظري إلى قوله صلى الله عليه وسلم: (فَلَا يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا) مع أنهم في خيمة واحدة، وذلك زيادة في النعيم، وإبعادا عن أسباب الغيرة. فلا مجال لكدر العيش ولا تنغيصه، ولا وجود لأسباب تقتضي ما كانت تقتضيه في الدنيا من الغيرة ونحوها. والجنة دار نعيم وجزاء، ليست بدار تكليف وابتلاء، فليس في الجنة تكليف بطاعة أحد، أو إلزام بفعل ما، وإنما فيها النعيم الذي لا ينقطع، يتقلب فيه أهلها بكرة وعشيا. وقد مَنَّ الله تعالى على أهل الجنة بغلمان مخلَّدين يخدمونهم، فلا يحتاج أحد من أهل الجنة إلى خدمة زوجته أو ابنه أو غيرهما، ولا وجود لتلك المهام المعيشية التي لا بد فيها من الخدمة، كالعجن والخبز ... الخ. فإذا دخل أهل الجنة الجنة فلا تعب ولا نصب، ولا هم ولا حزن، وإنما هو النعيم المقيم، نسأل الله تعالى أن نكون من أهلها. ولمزيد الفائدة ينظر جواب السؤال رقم: (25843) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129772 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 أعمال لا تمس النار أصحابها [السُّؤَالُ] ـ[أود أن أعلم أي الأعمال يكون جزاؤها أن النار لا تمس صانعها؟ جزاكم الله خيراً ونفع بكم أمة الإسلام..]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يمكن الإجابة على هذا السؤال بجواب مجمل وهو: أن طاعة الله عز وجل وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، بفعل ما أمر به، وترك ما نهى عنه، هي أصل الفوز بالجنة والنجاة من النار، وأن معصية الله ورسوله هما سبب دخول النار، كما قال الله عز وجل: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) النساء/13، 14. وكما أخبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيث قَالَ: (كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى) . رواه البخاري (7280) . وأما الجواب المفصل فهناك من الأعمال ما نص الرسول صلى الله عليه وسلم على تحريم صاحبها على النار، وذلك ترغيباً لنا في القيام بهذه الأعمال، وإتقانها على الوجه الذي يرضاه الله تعالى. فمن ذلك: 1- قول لا إله إلا الله بإخلاص ويقين: فعن أَنَس بْن مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لمعاذ رضي الله عنه: (مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ إِلَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ) رواه البخاري (128) ومسلم (32) . وروى مسلم (29) عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّارَ) . وروى البخاري (425) ومسلم (33) عن عِتْبَانَ بْن مَالِكٍ الْأَنْصارِيَّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ) . 2– حسن الخلق ولين الجانب: روى الترمذي (2488) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلَى النَّارِ أَوْ بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّارُ؟ عَلَى كُلِّ قَرِيبٍ هَيِّنٍ سَهْلٍ) . وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (938) . " قَالَ الْقَارِي: أَيْ تُحَرَّمُ عَلَى كُلِّ سَهْلٍ طَلْقٍ حَلِيمٍ لَيِّنِ الْجَانِبِ " انتهى. "تحفة الأحوذي" (7/160) . 3- تغبير القدم في سبيل الله: روى البخاري (907) أَن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (مَنْ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ) . وروى أحمد (21455) أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (مَنْ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ فَهُمَا حَرَامٌ عَلَى النَّارِ) صححه الألباني في "الإرواء" (5/5) . ورواه ابن حبان في "صحيحه" (4064) ولفظه: عن أبي المصبح المقرائي قال: بينما نحن نسير بأرض الروم في طائفة عليها مالك بن عبد الله الخثعمي إذ مر مالك بجابر بن عبد الله وهو يمشي يقود بغلاً له، فقال له مالك: أي أبا عبد الله، اركب، فقد حملك الله، فقال جابر: أصلح دابتي، وأستغني عن قومي، وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار) فأعجب مالكاً قولُه، فسار حتى إذا كان حيث يسمعه الصوت ناداه بأعلى صوته: يا أبا عبد الله، اركب، فقد حملك الله، فعرف جابر الذي أراد برفع صوته، وقال: أصلح دابتي، وأستغني عن قومي، وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار) فوثب الناس عن دوابهم، فما رأينا يوما أكثر ماشيا منه. صححه الألباني في "الإرواء" (5/6) . 4- الصلاة: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ) متفق عليه. وروى أحمد (17882) عَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيْدِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ حَافَظَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، عَلَى وُضُوئِهَا، وَمَوَاقِيتِهَا، وَرُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا، يَرَاهَا حَقًّا لِلَّهِ عَلَيْهِ حُرِّمَ عَلَى النَّارِ) حسنه الألباني في "صحيح الترغيب" (381) . 5- المحافظة على أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا: روى أبو داود (1269) والترمذي (428) وصححه عن أُمّ حَبِيبَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رضي الله عنها قالت: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. 6- ذكر الله وتوحيده عند الموت: روى ابن ماجة (3794) عن أبي إسحاق عن الأغر أبي مسلم أنه شهد على أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنهما أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا قَالَ الْعَبْدُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ. يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: صَدَقَ عَبْدِي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا، وَأَنَا أَكْبَرُ. وَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ. قَالَ: صَدَقَ عَبْدِي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا وَحْدِي. وَإِذَا قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. قَالَ: صَدَقَ عَبْدِي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا، وَلَا شَرِيكَ لِي. وَإِذَا قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ. قَالَ: صَدَقَ عَبْدِي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا، لِي الْمُلْكُ، وَلِيَ الْحَمْدُ. وَإِذَا قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ. قَالَ: صَدَقَ عَبْدِي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِي) . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ رُزِقَهُنَّ عِنْدَ مَوْتِهِ لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ) صححه الألباني في "صحيح الجامع" (713) . 7- البكاء من خشية الله، والحراسة في سبيل الله: روى الترمذي (1639) وحسنه عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. 8- غض البصر: روى الطبراني في "المعجم الكبير" (1003) عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا ترى أعينهم النار: عين حرست في سبيل الله، وعين بكت من خشية الله، وعين غضت عن محارم الله) . وصححه الألباني في "الصحيحة" (2673) . 9- الصبر على فقد الولد: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا يَمُوتُ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ فَتَمَسَّهُ النَّارُ إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ) متفق عليه. قال النووي في "شرح مسلم": "قَالَ الْعُلَمَاء: (تَحِلَّة الْقَسَم) مَا يَنْحَلّ بِهِ الْقَسَم، وَهُوَ الْيَمِين، وَجَاءَ مُفَسَّرًا فِي الْحَدِيث أَنَّ الْمُرَاد قَوْله تَعَالَى: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدهَا) وَبِهَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْد وَجُمْهُور الْعُلَمَاء، وَالْقَسَم مُقَدَّر، أَيْ: وَاَللَّه إِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدهَا، وَقَالَ اِبْن قُتَيْبَة: مَعْنَاهُ تَقْلِيل مُدَّة وِرْدهَا. قَالَ: وَتَحِلَّة الْقَسَم تُسْتَعْمَل فِي هَذَا فِي كَلَام الْعَرَب، وَقِيلَ: تَقْدِيره: وَلَا تَحِلَّة الْقَسَم، أَيْ: لَا تَمَسّهُ أَصْلًا، وَلَا قَدْرًا يَسِيرًا كَتَحِلَّةِ الْقَسَم، وَالْمُرَاد بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدهَا) الْمُرُور عَلَى الصِّرَاط، وَهُوَ جِسْر مَنْصُوب عَلَيْهَا. وَقِيلَ: الْوُقُوف عِنْدهَا" انتهى باختصار. وروى الطبراني في "الكبير" (231) عن واثلة رضي الله عنه قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من دفن ثلاثة من الولد حرم الله عليه النار) صححه الألباني في "صحيح الجامع" (6238) . هذه بعض الأعمال التي جاء النص عليها أن من فعلها حرمه الله على النار، نسأل الله تعالى أن يوفقنا للعمل بها. وجماع ذلك كما سبق هو: طاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129240 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 حديث (نَفَسيْ جهنم) ، والرد على من كذبه [السُّؤَالُ] ـ[دائماً ما كنت أستغرب الحديث بأن الطقس إذا كان حارّاً فإن هذا نفَس من أنفاس جهنم، فهل هذا الحديث ضعيف؟ لأنه وفقاً للحقائق التي سمعتها أننا نحصل على فصول السنة من خلال الشمس، وميل الأرض؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الحديث المشار إليه حديث صحيح في أعلى درجات الصحة، وقد اتفق على إخراجه الإمامان البخاري ومسلم، رحمهما الله. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (اشْتَكَتْ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ: يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الْحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الزَّمْهَرِيرِ) رواه البخاري (3087) ومسلم (617) . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "والمراد بالزمهرير: شدة البرد، واستشكل وجوده في النار، ولا إشكال؛ لأن المراد بالنار: محلها، وفيها طبقة زمهريرية" انتهى. " فتح الباري " (2 / 19) . ثانياً: هل كان كلام النار، وشكوتها، بلسان المقال أم بلسان الحال؟ أكثر العلماء -وهو الصواب بلا ريب- على أنه كان بلسان المقال. قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله: "وأما قوله في هذا الحديث: (اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا رب، أكل بعضي بعضاً .... الحديث) : فإن قوماً حملوه على الحقيقة، وأنها أنطقها الذي أنطق كل شيء، واحتجوا بقول الله عز وجل: (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ) النور/24، وبقوله: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) الإسراء/44، وبقوله: (يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ) سبأ/10، أي: سبِّحي معه، وقال: (يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْأِشْرَاقِ) ص/18، وبقوله: (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) ق/ 30، وما كان من مثل هذا، وهو في القرآن كثير، حملوا ذلك كله على الحقيقة، لا على المجاز، وكذلك قالوا في قوله عز وجل: (إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً) الفرقان/ 12، و (تكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ) الملك/8، وما كان مثل هذا كله. وقال آخرون في قوله عز وجل: (سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً) و (تكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ) : هذا تعظيم لشأنها، ومثل ذلك قوله عز وجل: (جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ) الكهف/77، فأضاف إليه الإرادة مجازاً، وجعلوا ذلك من باب المجاز، والتمثيل في كل ما تقدم ذكره، على معنى أن هذه الأشياء لو كانت مما تنطق، أو تعقل: لكان هذا نطقها وفعلها. فمَن حمل قول النار وشكواها على هذا: احتج بما وصفنا، ومن حمل ذلك على الحقيقة: قال: جائز أن يُنطقها الله، كما تنطق الأيدي، والجلود، والأرجل يوم القيامة، وهو الظاهر من قول الله عز وجل: (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) ق/ 30، ومن قوله: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) الإسراء/44، و (قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ) النمل/18، وقال: قوله عز وجل: (تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ) الملك/8: أي: تتقطع عليهم غيظاً، كما تقول: فلان يتقد عليك غيظاً، وقال عز وجل: (إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً) الفرقان/ 12، فأضاف إليها الرؤية، والتغيظ، إضافة حقيقية، وكذلك كل ما في القرآن من مثل ذلك. ومن هذا الباب عندهم قوله: (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ) الدخان/29، و (تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً) مريم/ 90، و (قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) فصلت/11، (وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) البقرة/74، قالوا: وجائز أن تكون للجلود إرادة لا تشبه إرادتنا، كما للجمادات تسبيح وليس كتسبيحنا، وللجبال، والشجر سجود وليس كسجودنا. والاحتجاج لكلا القولين يطول، وليس هذا موضع ذِكره، وحمْل كلام الله تعالى، وكلام نبيه صلى الله عليه وسلم على الحقيقة: أولى بذوي الدِّين، والحق؛ لأنه يقص الحق، وقوله الحق، تبارك وتعالى علوّاً كبيراً" انتهى. " التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد " (5 / 11 – 16) . ثم اختلف العلماء أيضا في نفسي جهنم، هل هما على الحقيقة، أم على المجاز؟ وأكثر العلماء على أن ذلك على الحقيقة أيضاً. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "قال القرطبي: لا إحالة في حمل اللفظ على حقيقته، قال: وإذا أخبر الصادق بأمر جائز: لم يُحتج إلى تأويله، فحمله على حقيقته: أولى، وقال النووي نحو ذلك، ثم قال: حمله على حقيقته هو الصواب، وقال نحو ذلك التوربشتى. ورجح البيضاوي حمله على المجاز، فقال: شكواها مجاز عن غليانها، وأكلها بعضها بعضاً: مجاز عن ازدحام أجزائها، وتنفسها: مجاز عن خروج ما يبرز منها، وقال الزين بن المنير: المختار حمله على الحقيقة؛ لصلاحية القدرة لذلك [يعني: أن الله تعالى يقدر على ذلك] ، ولأن استعارة الكلام للحال وإن عهدت وسمعت، لكن الشكوى، وتفسيرها، والتعليل له، والإذن، والقبول، والتنفس، وقصره على اثنين فقط: بعيد من المجاز خارج عما أُلِف من استعماله" انتهى. " فتح الباري " (2 / 19) . وقال الزرقاني رحمه الله: " (أن النار اشتكت إلى ربها) حقيقة، بلسان المقال، كما رجحه من فحول الرجال: ابن عبد البر، وعياض، والقرطبي، والنووي، وابن المنير، والتوربشتي، ولا مانع منه سوى ما يخطر للواهم من الخيال" انتهى. " شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك " (1 / 59) . وقد رد بعض الجهلة هذا الحديث بزعم أنه مخالف للواقع، من أن اختلاف الفصول إنما يرجع للعلاقة بين الشمس والأرض. والجواب على هؤلاء أسهل مما يتصورون؛ وذلك أن هذا الحديث ليس فيه أن اختلاف الفصول أو حصول الشتاء والصيف هو بسبب نفَسَيْ جهنم. بل الحديث نفْسُه يدل على وجود الفصلين (الشتاء والصيف) ابتداءً، وأن "شدة الحر" و "شدة البرد" هما من أثر نفَسَي جهنم، لا أنهما يكوِّنان "الصيف" و "الشتاء"، وهذا واضح بأدنى تأمل في الحديث. قال ابن عبد البر رحمه الله: "وأما قوله: (فأذن لها بنفسين: نفسٍ في الشتاء، ونفس في الصيف) : فيدل على أن نفَسها في الشتاء: غير الشتاء، ونفَسها في الصيف: غير الصيف" انتهى. " التمهيد " (5 / 8) . وقد رَدَّ آخرون الحديث لأن سبب شدة الحر أو شدة البرد معروف، وهو بعد الشمس أو قربها من الأرض. وقد أجاب العلماء عن ذلك أيضاً، وبينوا أنه لا تعارض بين الحديث، وبين الواقع، قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: "وفي هذا الحديث: دليل على أن الجمادات لها إحساس لقوله: (اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا رب أكل بعضي بعضاً) ، من شدة الحر، وشدة البرد , فأذن الله لها أن تتنفس في الشتاء، وتتنفس في الصيف , تتنفس في الصيف ليخف عليها الحرَّ , وفي الشتاء ليخفَّ عليها البرد , وعلى هذا فأشد ما نجد من الحرِّ: يكون من فيح جهنم , وأشد ما يكون من الزمهرير: من زمهرير جهنم. فإن قال قائل: هذا مشكل حسَب الواقع؛ لأن من المعروف أن سبب البرودة في الشتاء هو: بُعد الشمس عن مُسامتة الرؤوس , وأنها تتجه إلى الأرض على جانب، بخلاف الحر، فيقال: هذا سبب حسِّي، لكن هناك سبب وراء ذلك , وهو السبب الشرعي الذي لا يُدرك إلا بالوحي , ولا مناقضة أن يكون الحرُّ الشديد الذي سببه أن الشمس تكون على الرؤوس أيضا يُؤذن للنار أن تتنفس فيزدادُ حرُّ الشمس , وكذلك بالنسبة للبرد: الشمس تميل إلى الجنوب , ويكون الجوُّ بارداً بسبب بُعدها عن مُسامتة الرؤوس , ولا مانع من أنّ الله تعالى يأذن للنار بأن يَخرج منها شيءٌ من الزمهرير ليبرِّد الجو، فيجتمع في هذا: السبب الشرعي المُدرَك بالوحي , والسبب الحسِّي، المُدرَك بالحسِّ. ونظير هذا: الكسوف، والخسوف , الكسوف معروف سببه , والخسوف معروف سببه. سبب خسوف القمر: حيلولة الأرض بينه، وبين الشمس , ولهذا لا يكون إلا في المقابلة , يعني: لا يمكن يقع خسوف القمر إلا إذا قابل جُرمُه جرمَ الشمس , وذلك في ليالي الإبدار، حيث يكون هو في المشرق، وهي في المغرب أو هو في المغرب، وهي في المشرق. أما الكسوف فسببه: حيلولة القمر بين الشمس، والأرض , ولهذا لا يكون إلا في الوقت الذي يمكن أن يتقارب جُرما النيّرين , وذلك في التاسع والعشرين أو الثلاثين، أو الثامن والعشرين , هذا أمر معروف , مُدرك بالحساب , لكن السبب الشرعي الذي أدركناه بالوحي هو: أن الله (يخوّف بهما العباد) , ولا مانع من أن يجتمع السببان الحسي والشرعي , لكن من ضاق ذرعاً بالشرع: قال: هذا مخالف للواقع ولا نصدق به , ومن غالى في الشرع: قال: لا عبرة بهذه الأسباب الطبيعية، ولهذا قالوا: يمكن أن يكسف القمر في ليلة العاشر من الشهر! .... لكن حسَب سنَّة الله عز وجل في هذا الكون: أنه لا يمكن أن يَنخسف القمر في الليلة العاشر أبداً" انتهى. " شرح صحيح مسلم " (شرح كتاب الصلاة ومواقيتها، شريط رقم 10، وجه أ) . ونرجو أن يكون ما ذكرناه كافياً لتوضيح معنى الحديث، وأنه لا يمكن للشرع أن يخالف شيئاً محسوساً في الواقع، وإنما أتي الناس من جهلهم. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128705 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 الفرق بين خمر الدنيا والآخرة [السُّؤَالُ] ـ[كلنا نعلم تحريم الخمر في الدنيا وأنه يسكر، وأنه يخامر العقل، ولهذا فهو رجس من عمل الشيطان، وأنه أم الخبائث كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، والسؤال: لماذا الخمر في الدنيا حرام وفي الآخرة حلال؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله وصف الله تعالى خمر الآخرة بما يخالف خمر الدنيا، فقال: (يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ * لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ) الصافات/45-47. فوصف الله تعالى خمر الآخرة بأنها: 1- بيضاء. 2- لذة للشاربين، بخلاف خمر الدنيا، فإنها كريهة عند الشرب. 3- (لا فيها غول) وهو ما يصيب شاربها في الدنيا، من صداع، أو ألم في بطنه، أو ذهاب للعقل، وفي سورة الواقعة: (لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا) أي: لا يصيبهم منها صداع. 4- (وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ) بخلاف خمر الدنيا التي تذهب عقولهم. انظر: "تفسير سورة الصافات" للشيخ ابن عثيمين (ص 107-109) . وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: "خمر الآخرة طيب، ليس فيه إسكار ولا مضرة ولا أذى، أما خمر الدنيا ففيه المضرة والإسكار والأذى، أي: إن خمر الآخرة ليس فيه غَوْل ولا ينزف صاحبه، وليس فيه ما يغتال العقول، ولا ما يضر الأبدان، أما خمر الدنيا فيضر العقول والأبدان جميعا، فكل الأضرار التي في خمر الدنيا منتفية عن خمر الآخرة. وبالله التوفيق" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (23/62) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127938 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 هل سيجد في نعيم الجنة ما يشبع هواياته في الدنيا؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك نعيم في الجنة كالمجد أو النصر، أعني بذلك، إذا كان شخص يحب شيئاً ما مثل بطولة " سوكر " لكرة القدم، وهذا الشخص لطالما يحلم أن يكون هو من يسجل هدف الفوز لفريقه في كأس العالم، فكيف يمكن لكل من الهواية والمجد أو النصر أن يكون في الجنة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله جاءت النصوص التي تصف نعيم الجنة بصيغة العموم الذي لا يكاد يخصه شيء: يقول الله عز وجل: (لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ) الزمر/34. ويقول تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) الشورى/22. وقال سبحانه: (لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ) ق/35. ويقول أيضا: (نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ. نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) فصلت/31-32. ويقول سبحانه: (يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) الزخرف/71. ويقول عز وجل: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) السجدة/17 وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قَالَ اللَّهُ: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ. فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ)) رواه البخاري (3244) ومسلم (2824) وكل ذلك يدل صراحة على أن المسلم المنعم في الجنة ينال في نعيمه كل ما يحبه ويهواه ويشتهيه من ملذات الدنيا والآخرة. بل جاء النص صريحا بأن من طلب شيئا من شهوات الدنيا حققت له: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَوْمًا يُحَدِّثُ - وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ - أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ فِي الزَّرْعِ. فَقَالَ لَهُ: أَلَسْتَ فِيمَا شِئْتَ؟ قَالَ: بَلَى وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَزْرَعَ. قَالَ: فَبَذَرَ فَبَادَرَ الطَّرْفَ نَبَاتُهُ وَاسْتِوَاؤُهُ وَاسْتِحْصَادُهُ فَكَانَ أَمْثَالَ الْجِبَالِ. فَيَقُولُ اللَّهُ: دُونَكَ يَا ابْنَ آدَمَ فَإِنَّهُ لاَ يُشْبِعُكَ شَيْءٌ. فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ: وَاللَّهِ لاَ تَجِدُهُ إِلاَّ قُرَشِيًّا أَوْ أَنْصَارِيًّا فَإِنَّهُمْ أَصْحَابُ زَرْعٍ، وَأَمَّا نَحْنُ فَلَسْنَا بِأَصْحَابِ زَرْعٍ، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رواه البخاري (2348) يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله: " في هذا الحديث من الفوائد أن كل ما اشتهي في الجنة من أمور الدنيا ممكن فيها. قاله المهلب " انتهى. " فتح الباري " (5/27) وأما تفاصيل كيفية حدوثه والطريقة التي يعد بها في الجنة فذلك ما لا سبيل إلى العلم به، والأحرى في المسلم الحرص على كل عمل يقربه إلى الجنة، وترك تفاصيلها ليومها، لعل الله تعالى يكرمنا بأعلى الدرجات فيها، ونقول لك كما يُروَى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للصحابي الذي سأل عن الخيل في الجنة: (إِنْ يُدْخِلْكَ اللَّهُ الْجَنَّةَ يَكُنْ لَكَ فِيهَا مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ وَلَذَّتْ عَيْنُكَ) رواه الترمذي (2543) وحسنه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (رقم/3001) يقول المناوي رحمه الله: " مقصود الحديث أن ما من شيء تشتهيه النفس في الجنة إلا تجده فيها كيف شاءت، حتى لو اشتهى أحد أن يركب فرسا لوجده بهذه الصفة " انتهى. " فيض القدير " (3/35) ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " قوله: (لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا) ؛ أي: في الجنة كل ما يشاءون، وقد ورد في الحديث الصحيح أن رجلا قال للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا رسول الله! أفي الجنة خيل؛ فإني أحب الخيل؟ فقال: (إن يدخلك الله الجنة فلا تشاء أن تركب فرسا من ياقوتة حمراء تطير بك في الجنة شئت إلا فعلت. وقال الأعرابي: يا رسول الله: أفي الجنة إبل؛ فإني أحب الإبل؟ قال: يا أعرابي! إن يدخلك الله الجنة؛ أصبت فيها ما اشتهت نفسك ولذت عينك) فإذا اشتهى أي شيء فإنه يكون ويتحقق، حتى إن بعض العلماء يقول: لو اشتهى الولد لكان له ولد؛ فكل شيء يشتهونه فهو لهم. قال تعالى: (وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) الزخرف/71 " انتهى. " مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين " (8/385) انظر جواب السؤال رقم: (1141) ، (20286) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126629 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 هل الجنة درجات؟ وهل يزور أهل الدرجات الدنيا أهل الدرجات العليا؟ [السُّؤَالُ] ـ[الناس في الجنة مراتب متفاوتة، فمنهم في مكانة عالية، وبعضهم في مكانة أقل، وبعضهم أقل، وهكذا، فهل يستطيع الذي في المكانة الأقل أن يحصل على نفس ما يحصل عليه الذي فوقه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: مما يعتقده المسلمون أن الجنة درجات، وأن الله قد وعد الطائعين بمنازل في الجنة إن هم قاموا بما حثَّهم عليه من تلك الطاعات، وما ذلك التفاضل بين أهل الجنة في المنازل والدرجات إلا بسبب تفاضلهم في أعمال الطاعات في الدنيا. قال تعالى: (انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً) الإسراء/ 21، وقال تعالى: (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا) الأنعام/ من الآية132. قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: والجنَّة درجات، متفاضلة تفاضلاً عظيماً، وأولياء الله المؤمنون المتقون في تلك الدرجات: بحسب إيمانهم، وتقواهم. " مجموع الفتاوى " (11 / 188) ، وينظر: " تفسير السعدي " (ص 274) . وقد فصلنا القول في جواب السؤال رقم (27075) في الأعمال التي يحصل بها المسلم الدرجات في الجنة، فلينظر. ثانياً: مما لا شك فيه أن أهل الجنة يتفاوتون في النعيم في الجنان، بحسب درجتهم فيها، فليس من يسكن " الفردوس " كمن يسكن في الجنان دونها. وقد ذكر الله تعالى وصفاً لجنان من خاف مقامه سبحانه وتعالى، فقال: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ. ذَوَاتَا أَفْنَانٍ) الرحمن/ 46 – 48، فوصفهما، ثم قال تعالى: (وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ) الرحمن/ 62، فتبين به اختلاف الجنان بعضها عن بعض بحسب أعمال أهلها، ومنزلتهم عند ربهم. عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ كَمَا يَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ فِي الْأُفُقِ مِنْ الْمَشْرِقِ أَوْ الْمَغْرِبِ لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ تِلْكَ مَنَازِلُ الْأَنْبِيَاءِ لَا يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ قَالَ بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ) . رواه البخاري (3083) ومسلم (2831) . وفي رواية: (إِنَّ أَهْلَ الدَّرَجَاتِ الْعُلَى لَيَرَاهُمْ مَنْ تَحْتَهُمْ كَمَا تَرَوْنَ النَّجْمَ الطَّالِعَ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ مِنْهُمْ وَأَنْعَمَا) . رواه الترمذي (3658) ، وحسَّنه، وابن ماجه (96) ، من حديث أبي سعيد، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ". قال القرطبي – رحمه الله -: اعلم أن هذه الغرف مختلفة في العلو، والصفة، بحسب اختلاف أصحابها في الأعمال، فبعضها أعلى من بعض، وأرفع. وقوله (الغائر من المشرق أو المغرب) يروى بالياء اسم فاعل، من غار، وروي " الغابر " بالباء بواحدة، ومعناه الذاهب، أو الباقي، ويعني به: أن الكوكب حالة طلوعه، وغروبه بعيد عن الأبصار، فيظهر صغيراً لبعده، وقد بيَّنه بقوله (من المشرق أو المغرب) وقد روي العازب بالعين المهملة والزاي، أي: البعيد، ومعانيها كلها متقاربة المعنى. " التذكرة في أحوال الموتى والدار الآخرة " (ص 398) . ثالثاً: ما سبق ذكره يبين بوضوح أنه لا يستطيع أهل الدرجات الدنيا تحصيل ما في الدرجات العلى؛ لعدم قيامهم بما استحقوا من أجله تلك الدرجات، ولو اشترك أهل الجنان بالنعيم الذي أعده الله لمن هو فوقهم: لما كان للتفاوت في المنازل والدرجات حكمة! ومن عظيم عدل الله تعالى أن لا يساوي بين المستحقين للجنة في الدرجة والنعيم؛ فالتفاضل بين الناس في الدنيا في الإيمان والطاعات يؤدي إلى التفاضل في المنازل والدرجات عنده سبحانه وتعالى. قال القرطبي – رحمه الله -: وقوله: (والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين) ولم يذكر عملاً، ولا شيئاً سوى الإيمان، والتصديق للمرسلين؛ وذلك ليُعلم أنه عنى الإيمان البالغ، وتصديق المرسلين من غير سؤال آية، ولا تلجلج، وإلا فكيف تُنال الغرفات بالإيمان والتصديق الذي للعامة؟! ولو كان كذلك: كان جميع الموحدين في أعالي الغرفات، وأرفع الدرجات، وهذا محال. " التذكرة " (ص 398) . رابعا: ليس ثمة حسد في الجنة ولا بغضاء، وفي ذلك قال تعالى (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ) الحجر/ 47. عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الْجَنَّةَ صُورَتُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، لاَ يَبْصُقُونَ فِيهَا وَلاَ يَمْتَخِطُونَ وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ، آنِيَتُهُمْ فِيهَا الذَّهَبُ، أَمْشَاطُهُمْ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَمَجَامِرُهُمُ الأَلُوَّةُ، وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ، يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ، مِنَ الْحُسْنِ، لاَ اخْتِلاَفَ بَيْنَهُمْ وَلاَ تَبَاغُضَ، قُلُوبُهُمْ قَلْبٌ وَاحِدٌ، يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا) . رواه البخاري (3073) ومسلم (2834) . بل تأمل هذا الحديث: عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (آخِرُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ رَجُلٌ فَهْوَ يَمْشِي مَرَّةً وَيَكْبُو مَرَّةً وَتَسْفَعُهُ النَّارُ مَرَّةً، فَإِذَا مَا جَاوَزَهَا الْتَفَتَ إِلَيْهَا فَقَالَ: تَبَارَكَ الَّذِي نَجَّانِي مِنْكِ لَقَدْ أَعْطَانِي اللَّهُ شَيْئًا مَا أَعْطَاهُ أَحَدًا مِنْ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ) . رواه مسلم (274) . فهذا حال آخر أهل النار خروجا من النار، وآخر أهل الجنة خروجا من الجنة، يرى أن نال شيئا لم ينله أحد من الأولين والآخرين، وهو لم يدخل الجنة بعد؛ فكيف إذا دخلها؟! قال ابن عطية الأندلسي – رحمه الله -: وكلُّ مَن فيها قد رُزق الرضا بحاله، وذهب عنه أن يعتقد أنه مفضول، وإن كنَّا نحن قد علمنا من الشريعة أن أهل الجنة تختلف مراتبهم، على قدر أعمالهم، وعلى قدر فضل الله على من شاء. " المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز " (2 / 91) . وينظر: كتاب "الجنة والنار" للشيخ عمر سليمان الأشقر، حفظه الله (154-163) . خامساً: من فضل الله تعالى على عباده المؤمنين أنه لا يحرم عبدا من درجته في الجنة فينزله منها إلى درجة دونها، لكن يمن على من يشاء من عباده، فيرفع درجته فيها، ومن أسباب هذه الرفعة: 1. شفاعة الشافعين. وفي ذلك حديثان: أ. عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِي عَامِرٍ) - وَرَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ - ثُمَّ قَالَ: (اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَوْقَ كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِكَ) . رواه البخاري (4067) ومسلم (2498) . وأبو عامر هو الأشعري، وهو عم أبي موسى، رضي الله عنهما. ب. عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ فَأَغْمَضَهُ ثُمَّ قَالَ: (إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ) فَضَجَّ نَاسٌ مِنْ أَهْلِهِ فَقَالَ: (لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِلَّا بِخَيْرٍ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ) ثُمَّ قَالَ (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَبِي سَلَمَةَ وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي الْمَهْدِيِّينَ وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الْغَابِرِينَ وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ وَافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ) . رواه مسلم (920) . قال ابن القيم – رحمه الله -: والنوع الثاني: شفاعته صلى الله عليه وسلم لقوم من المؤمنين في زيادة الثواب، ورفعة الدرجات. " حاشية ابن القيم على مختصر سنن أبي داود " (13 / 56) . واستدل – رحمه الله – على كلامه بالحديثين السابقين. وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – في بيان أنواع الشفاعة -: " النوع الثالث: الشفاعة في رفع درجات المؤمنين، وهذه تؤخذ من دعاء المؤمنين بعضهم لبعض كما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أبي سلمة ... ". " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (9 / 326) . 2. دعاء واستغفار الولد لوالده. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ الرَّجُلَ لَتُرْفَعُ دَرَجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ أَنَّى هَذَا فَيُقَالُ بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ) . رواه ابن ماجه (3660) ، وحسَّنه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (1598) . 3. إلحاق الآباء بدرجة الأبناء والعكس. قال تعالى (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) الطور/ 21. وعن ابن عباس قال: " إن الله يرفع ذرية المؤمن إلى درجته وإن كانوا دونه في العمل لتقر بهم عينه "، وهو أثر صحيح، له حكم الرفع، وانظر " السلسلة الصحيحة " (2490) . قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله -: قال عز وجل: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) الطور/21، الذين آمنوا واتبعتهم الذرية بالإيمان، والذرية التي يكون إيمانها تبعاً: هي الذرية الصغار، فيقول الله عز وجل: (أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) أي: جعلنا ذريتهم تلحقهم في درجاتهم. وأما الكبار الذين تزوجوا: فهم مستقلون بأنفسهم في درجاتهم في الجنة، لا يلحقون بآائهم؛ لأن لهم ذرية، فهم في مقرهم، أما الذرية الصغار التابعون لآبائهم: فإنهم يرقَّون إلى آبائهم، هذه الترقية لا تستلزم النقص من ثواب ودرجات الآباء، ولهذا قال: (وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) ، (ألتناهم) يعني: نقصناهم، يعني: أن ذريتهم تلحق بهم، ولا يقال أخصم من درجات الآباء بقدر ما رفعتم درجات الذرية، بل يقول: (وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) . " تفسير القرآن من الحجرات إلى الحديد " (ص 187) . سادساً: وردت بعض الأحاديث التي تدل على أن أهل الدرجات العليا، إذا أرادوا أن يزوروا من هم دونهم: فإنهم يهبطون إليهم، ولا يصعد أهل الدرجات الدنيا إلى أعلى، لكنها لا تصح؛ فمن ذلك: 1. عن أبي سلام الأسود قال: سمعتُ أبا أمامة قال: سأل رجلٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل يتزاور أهل الجنة؟ قال: (نعم، إنه ليهبط أهل الدرجة العليا إلى أهل الدرجة السفلى، فيحيونهم، ويسلمون عليهم، ولا يستطيع أهل الدرجة السفلى يصعدون إلى الأعلين، تقصر بهم أعمالهم) . رواه ابن أبي حاتم في " تفسيره " (10 / 3371) . وفيه ضعف، فيه سعيد بن يوسف. قال يحيى بن معين: ضعيف الحديث، ليس بالقوي. " الضعفاء والمتروكين " لابن الجوزي (1 / 327) . 2. عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يتزاور أهل الجنة على نوق عليها الحشايا، فيزور أهل عليين من أسفل منهم، ولا يزور من أسفل منهم أهل عليين إلا المتحابين في الله فإنهم يتزاورون من الجنة حيث شاؤوا) . رواه الطبراني في " المعجم الكبير " (8 / 240) . وفيه: بِشر بن نُمير، متروك، وقد اتهم بالوضع. قال الهيثمى – رحمه الله -: فيه بشر بن نمير وهو متروك. " مجمع الزوائد " (10 / 496) . "الحشايا": هى الفرش المحشوة. 3. ورواه أبو نعيم الأصبهاني في " صفة الجنة " برقم (421) من طريق جعفر بن الزبير، وبشر بن نمير، عن القاسم، عن أبي أمامة مرفوعا بنحوه. وجعفر بن الزبير: متروك، وقد اتهم بالوضع. وبشر بن نمير: متروك، كما سبق. 4. (إذا دخل أهل الجنة الجنة فيشتاق الإخوان بعضهم إلى بعض فيسير سرير هذا إلى سرير هذا وسرير هذا إلى سرير هذا حتى يجتمعا جميعا فيتكئ هذا ويتكئ هذا فيقول أحدهما لصاحبه: تعلم متى غفر الله لنا؟ فيقول صاحبه: نعم يوم كنا في موضع كذا وكذا فدعونا الله فغفر لنا) . وهو حديث ضعيف، انظر " السلسلة الضعيفة " (5029) . وأعلى ما تم الوقوف عليه من كلام أهل العلم في المسألة هو ما رواه أبو نعيم الأصبهاني في " صفة الجنة " (422) عن حميد بن هلال قال: بلغنا أن أهل الجنة يزور الأعلى الأسفل، ولا يزور الأسفل الأعلى. وحميد من التابعين، وإسناده إليه صحيح، فالله أعلم بحقيقة الحال. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126349 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 هل الرفع لدرجة الآباء في الجنة يكون للذرية جميعها صغارها وكبارها؟ [السُّؤَالُ] ـ[السؤال: قرأتُ أنه من كرم الله سبحانه وتعالى أنه يرفع درجة الأبناء في الجنة إلى درجة آبائهم الأعلى منهم , وعلى هذا الأمر فإن أبناء الصحابة سترفع درجتهم لدرجة آبائهم، والأحفاد لدرجة الآباء، وهكذا كل جيل يرفع الجيل التالي حتى يصل الأمر لجيلنا فنرتفع لدرجة الصحابة إذا كنا أحفادهم، مما قد يسبب التهاون بالعمل ونعتمد على هذا الكرم الإلهي، فما رأيكم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الإشكال الوارد في السؤال يرد عند الحديث على قوله تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) الطور/21، وقد اختلف أهل التفسير في لفظ " الذرية " هل يراد به: الصغار، أو الكبار، فأما من قال إن المراد به الصغار، فلا إشكال عنده في معنى الآية، وإنما يرد الإشكال في حال كون معنى " الذرية ": الكبار، والراجح في تفسيرها أنهم الصغار، وعليه: فلا يرد ما استشكله الأخ السائل، فالرفع للذرية الصغار، وإلا للزم كون جميع أهل الجنة في درجة واحدة. 1. قال ابن قيم الجوزية رحمه الله: " وقد اختلف المفسرون في " الذرية " في هذه الآية، هل المراد بها: الصغار، أو الكبار، أو النوعان، على ثلاثة أقوال. .... ثم قال: واختصاص " الذرية " ههنا بالصغار: أظهر؛ لئلا يلزم استواء المتأخرين بالسابقين في الدرجات، ولا يلزم مثل هذا في الصغار؛ فإن أطفال كل رجل وذريته معه في درجته، والله أعلم " انتهى. "حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح" (ص 279-281) باختصار. 2. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: " إذا كان الأولاد سعداء، والأب من السعداء: فإن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) يعني: أن الإنسان إذا كان له ذرية، وكانوا من أهل الجنة: فإنهم يَتبعون آباءهم، وإن نزلت درجتُهم عن الآباء، ولهذا قال: (وَمَا أَلَتْنَاهُمْ) أي: ما نقصنا الآباء (مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) بل الآباء بقي ثوابهم موفَّراً، ورُفعت الذرية إلى مكان آبائها، هذا ما لم يَخرج الأبناء عن الذرية بحيث ينفردون بأزواجهم، وأهليهم، فيكون هؤلاء لهم فضلهم الخاص، ولا يلحقون بآبائهم؛ لأننا لو قلنا: كل واحد يلحق بأبيه ولو كان له أزواج، أو كان منفرداً بنفسه: لكان أهل الجنة كلهم في مرتبة واحدة؛ لأن كل واحد من ذرية من فوقه، لكن المراد بالذرية: الذين كانوا معه، ولم ينفردوا بأنفسهم، وأزواجهم، وأولادهم، فهؤلاء يرفعون إلى منزلة آبائهم، ولا يُنقص الآباء من عملهم من شيء " انتهى. "فتاوى نور على الدرب" (شريط 324، وجه: أ) . 3. وقال رحمه الله - أيضاً -: " ثم قال عز وجل: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) الطور/21، الذين آمنوا واتبعتهم الذرية بالإيمان، والذرية التي يكون إيمانها تبعاً: هي الذرية الصغار، فيقول الله عز وجل: (أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) أي: جعلنا ذريتهم تلحقهم في درجاتهم. وأما الكبار الذين تزوجوا: فهم مستقلون بأنفسهم في درجاتهم في الجنة، لا يلحقون بآبائهم؛ لأن لهم ذرية، فهم في مقرهم، أما الذرية الصغار التابعون لآبائهم: فإنهم يرقَّون إلى آبائهم، هذه الترقية لا تستلزم النقص من ثواب ودرجات الآباء، ولهذا قال: (وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) ، (ألتناهم) يعني: نقصناهم، يعني: أن ذريتهم تلحق بهم، ولا يقال أخصم من درجات الآباء بقدر ما رفعتم درجات الذرية، بل يقول: (وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) " انتهى. "تفسير القرآن من الحجرات إلى الحديد" (ص 187) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121192 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 مصير أطفال المؤمنين وأطفال المشركين الذين ماتوا صغاراً [السُّؤَالُ] ـ[ما مصير أطفال المؤمنين، وأطفال المشركين الذين ماتوا صغاراً؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "مصير أطفال المؤمنين الجنة: أنهم تبع لآبائهم، قال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) الطور/21. وأما أطفال غير المؤمنين يعني الطفل الذي نشأ من أبوين غير مسلمين فأصح الأقوال فيهم أن نقول: الله أعلم بما كانوا عاملين، فهم في أحكام الدنيا بمنزلة آبائهم، أما في أحكام الآخرة فإن الله تعالى أعلم بما كانوا عاملين، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، والله أعلم بمصيرهم، هذا ما نقوله، وهو في الحقيقة أمر لا يعنينا كثيراً إنما الذي يعنينا هو حكمهم في الدنيا، وأحكامهم في الدنيا - أعني أولاد المشركين - أحكامهم في الدنيا أنهم كالمشركين لا يغسلون، ولا يكفنون، ولا يصلى عليهم، ولا يدفنون في مقابر المسلمين. والله أعلم" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (2/35) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118103 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 أعمار الأطفال الذين ماتوا صغار، إذا دخلو الجنة [السُّؤَالُ] ـ[كانت زوجتي حاملا بتوأمين، ويوم المخاض أحست بماء يسيل فتوجهت إلى الطبيبة، فأخبرتها أن أحد الجنينين قد مات قبل قليل؛ لأنه شرب من الماء الذي يسبح فيه في الرحم، فتوجهت إلى المستشفى وأجريت لها عملية قيصرية لإنقاذ الجنين الثاني الذي ولد حيا والحمد لله. أريد أن أسأل عن الجنين الميت كيف يبعث يوم القيامة؟ هل يبعث مثلنا شابا أم كيف؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اتفق أهل العلم على أن مصير أطفال المسلمين - إذا ماتوا بعد نفخ الروح وقبل البلوغ – هو الجنة، كرامةً من الله تعالى لهم ولآبائهم، ورحمةً منه سبحانه الذي وسعت رحمته كل شيء. وقد سبق نقل نصوص أهل العلم عن هذا في جواب السؤال رقم: (6496) ثم بالتأمل في النصوص المخبرة عن حال أطفال المسلمين في البرزخ، وعند البعث والحساب يوم القيامة، ثم عند دخول الجنة، يمكننا تقسيم رحلتهم تلك إلى المراحل الآتية: 1- أما حالهم في البرزخ فالثابت أنهم بمجرد موتهم يُنقلون إلى الجنة، وأن أرواحهم تتنعم فيها في رعاية أبينا إبراهيم عليه السلام: ورد ذلك في حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه، قال: (كانَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِمَّا يُكثِرُ أن يَقُولَ لِأَصحَابِهِ: هَل رَأَى أَحَدٌ مِنكُم مِن رُؤيَا؟ قالَ: فَيَقُصُّ عَلَيه مَنْ شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُصَّ. وَإِنَّه قَالَ ذَاتَ غَدَاةٍ: إِنَّه أَتَانِي الليلَةَ آتِيَانِ، وَإِنَّهما ابتَعَثَانِي، وَإِنَّهُما قَالَا لِي انطَلِق، وَإِنِّي انطَلَقتُ مَعَهُمَا. . . (فذكر أشياء رآها ثم قال) فانطَلَقنَا، فَأتَينَا عَلَى رَوضَةٍ مُعتَمَّةٍ، فِيهَا مِن كُلِّ لَونِ الرَّبِيعِ، وَإِذَا بَيْنَ ظَهْرَي الرَّوضَةِ رَجُلٌ طَويلٌ لَا أَكادُ أَرَى رَأسَهُ طُولًا فِي السَّماءِ، وإِذَا حَولَ الرَّجُلِ مِن أَكثَرِ وِلدَانٍ رَأيتُهم قَطُّ،. . . (ثم كان مما عبره له الملكان) : وَأَمَّا الرَّجُلُ الطَّويلُ الذي فِي الرَّوضَةِ فَإِنَّه إبراهيمُ، وَأَمَّا الوِلدَانُ الذِينَ حَولَه فَكُلُّ مَولُودٍ مَاتَ عَلَى الفِطْرَةِ، فَقَالَ بَعضُ المُسلِمِين: يَا رَسُولَ اللهِ! وَأَوْلَادُ المُشْرِكِين؟ فَقَالَ: وَأَوْلَادُ المُشرِكِين) رواه البخاري (7047) عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: " أرواح ولدان المؤمنين في أجواف عصافير تسرح في الجنة حيث شاءت، فتأوي إلى قناديل معلقة في العرش " انتهى. رواه ابن أبي حاتم بسنده، انظر "تفسير القرآن العظيم" (7/148) وانظر شيئا من تفصيل ذلك في موقعنا، في جواب السؤال رقم: (71175) 2- فإذا قامت القيامة، وبُعث الخلق من قبورهم، بعث الأطفال أيضا على حال طفولتهم وصغرهم الذي ماتوا عليه، فيشفعون لآبائهم، ويدخلونهم الجنة برحمة الله لهم: عن أبي حسان قال: قلتُ لِأَبِي هُرَيْرَةَ: إنَّه قَدْ مَاتَ لِي ابنانِ، فَمَا أَنْتَ مُحَدِّثِي عَنْ رَسُولِ اللهِ بِحَدِيْثٍ تُطَيِّبُ بِهِ أَنْفُسَنَا عَنْ مَوْتَانَا؟ قالَ: نَعَمْ، صِغَارُهُم دَعَامِيْصُ الجَنَّةِ، يَتَلَقَّى أَحَدُهُم أَبَاهُ - أَوْ قَالَ أَبَوَيْهِ - فَيَأْخُذُ بِثَوْبِهِ، - أَوْ قَالَ بِيَدِهِ - كَمَا آخُذُ أَنَا بِصَنَفَةِ ثَوْبِكَ هذا، فَلَا يَتَنَاهَى حتى يُدخِلَه اللهُ وَأَبَاهُ الجَنَّةَ. رواه مسلم (2635) يقول ابن الأثير: " الدعاميص: جمع دعموص، وهي دويبة تكون في مستنقع الماء. والدعموص أيضا: الدخال في الأمور: أي أنهم سيَّاحون في الجنة، دخَّالون في منازلها، لا يمنعون من موضع، كما أن الصبيان في الدنيا لا يمنعون من الدخول على الحُرَم، ولا يُحجب منهم أحد " انتهى. "النهاية" (2/279) ففي هذا الحديث دليل ظاهر على أن الأطفال يبقون على حال طفولتهم عند البعث والجزاء والحساب، بل حتى السقط الذي نفخ فيه الروح يبقى على هيئته يوم سقط من رحم أمه. 3- فإذا دخل أهل الجنة الجنة، وأخذوا منازلهم فيها، فذهب بعض أهل العلم إلى أنهم يدخلونها جميعا – كبارهم وصغارهم – وهم أبناء ثلاث وثلاثين سنة، لا يهرمون ولا يشيخون، ويتنعمون في شبابهم أبد الآبدين، فيزيد الله في عمر الصغير، وينقص من عمر الشيخ الكبير، حتى يصير الجميع في سن واحد، سن ريعان الشباب: سن الثالثة والثلاثين. عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَدْخُلُ أَهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ جُرْدًا مُرْدًا مُكَحَّلِينَ أَبْنَاءَ ثَلاَثِينَ أَوْ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِينَ سَنَةً) رواه الترمذي (2545) وقال حسن غريب. ورواه الإمام أحمد في "المسند" (2/315) من حديث أبي هريرة، وحسنه المحققون. والهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/402) ، وصححه أبو حاتم في "العلل" (3/272) ، والألباني في "السلسلة الصحيحة" (6/1224) بل جاء ذلك صريحا في رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه – وفي إسنادها كلام - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ مِنْ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ يُرَدُّونَ بَنِي ثَلاَثِينَ فِي الجَنَّةِ لاَ يَزِيدُونَ عَلَيْهَا أَبَدًا، وَكَذَلِكَ أَهْلُ النَّارِ) رواه الترمذي (2562) وضعفه بقوله: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث رشدين – وهو ابن سعد -. قال ابن معين: ليس بشيء. وقال النسائي: متروك. وذهب آخرون من أهل العلم، من الصحابة والتابعين، إلى أن من مات من أطفال المسلمين قبل بلوغ سن الحلم، يكونون خدم أهل الجنة، يطوفون عليهم بالشراب والطعام والنعيم، وأولئك هم المذكورون في قوله تعالى: (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ. بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ) الواقعة/17-18، وقوله سبحانه: (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ) الطور/24، وقوله عز وجل: (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا) الإنسان/19 نقل ذلك العلامة ابن القيم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وعن الحسن البصري رحمه الله، ولكنه اختار رحمه الله ترجيح القول بأن هؤلاء الولدان الذي يخدمون أهل الجنة هم غلمان مخلوقون من الجنة كالحور العين، وأنهم غير من مات من أطفال المسلمين من أهل الدنيا، وقال: " وأما ولدان أهل الدنيا فيكونون يوم القيامة أبناء ثلاث وثلاثين " انتهى. انظر: "حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح" (ص/309-311) . ولعل القول الثاني هو أظهر القولين في المسألة، لحديث أبي هريرة المذكور أولا، وفيه: (صِغَارُهُم دَعَامِيْصُ الجَنَّةِ) ، وهو أصح وأظهر مما احتج به القائلون بالقول الأول. قال المناوي رحمه الله: " يعني هم سياحون في الجنة، دخالون في منازلها، لا يمنعون كما لا يمنع صبيان الدنيا الدخول على الحرم. وقيل: الدعموص اسم للرجل الزوار للملوك الكثير الدخول عليهم والخروج، ولا يتوقف على إذن ولا يبالي أين يذهب من ديارهم؛ شبه طفل الجنة به لكثرة ذهابه في الجنة حيث شاء لا يمنع من أي مكان منها " انتهى. فيض القدير (4/194) ، ونحوه في مرقاة المفاتيح، للملا علي القاري (6/14) . وانظر جواب السؤال رقم: (20469) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 117432 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 حديث إن الرجل ليصل في اليوم إلى مائة عذراء [السُّؤَالُ] ـ[قرأت موضوعا نشر في المنتدى النسائي الذي أرتاده، وهو موضوع عن " أحوال النساء في الجنة " لأحد المشايخ، وبحثت في بعض الأحاديث الواردة في المقال فلم أعثر عليها، وحديث: قيل يا رسول الله! هل نصل إلى نسائنا في الجنة؟ فقال: إن الرجل ليصل في اليوم إلى مائة عذراء. الراوي: أبو هريرة - خلاصة الدرجة: تفرد بن الجعفي - المحدث: الخطيب البغدادي - المصدر: تاريخ بغداد - الصفحة أو الرقم: 1/388 فما معنى تفرد به؟ وهل المقال المكتوب صحيح كل ما جاء فيه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ورد في عدد النساء اللاتي يفضي إليهن الرجل من أهل الجنة، حديثان: الحديث الأول: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: (قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَنُفْضِي إِلَى نِسَائِنَا فِي الْجَنَّةِ كَمَا نُفْضِيَ إِلَيْهِنَّ فِي الدُّنْيَا؟ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيُفْضِي بِالْغَدَاةِ الْوَاحِدَةِ إِلَى مِائَةِ عَذْرَاءَ) رواه هناد بن السري في "الزهد" (1/87) ، وابن أبي الدنيا في "صفة الجنة" (رقم/261) ، وأبو يعلى في "المسند" (2/520) ، وإبراهيم الحربي في "غريب الحديث" (1/266) ، وأبو نعيم في "صفة الجنة" (رقم/398) ، والبيهقي في "البعث والنشور" (رقم/355) من طريق أبي أسامة حماد بن أسامة، عن هشام بن حسان، عن زيد بن الحواري وهو زيد العمي، عن ابن عباس به. وهذا إسناد ضعيف، بسبب زيد بن الحواري العمي: قال أبو زرعة: ليس بقوي، واهي الحديث، ضعيف. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال أبو داود: حدث عنه شعبة وليس بذاك. وقال الدارقطني: ضعيف. وقال ابن حبان: يروي عن أنس أشياء موضوعة لا أصول لها حتى يسبق إلى القلب أنه المتعمد لها، وكان يحيى يمرض القول فيه، وهو عندى لا يجوز الاحتجاج بخبره، ولا أكتبه إلا للاعتبار. انظر ترجمته في "تهذيب التهذيب" (3/408) الحديث الثاني: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: (قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَلْ نَصِلُ إِلَى نِسَائِنَا فِي الْجَنَّةِ؟ فَقَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَصِلُ فِي الْيَوْمِ إِلَى مِائَةِ عَذْرَاءَ) رواه ابن أبي الدنيا في "صفة الجنة" (1/261) ، والطبراني في "المعجم الأوسط" (1/219) ، وأبو نعيم في "صفة الجنة" (رقم/397) والخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" (1/371) أيضا، جميعهم من طريق حسين بن علي الجعفي، عن زائدة، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة به. قال الطبراني: " لم يرو هذا الحديث عن هشام بن حسان إلا زائدة، تفرد به حسين بن علي " انتهى. "المعجم الأوسط" (5/263) وقال أبو نعيم أيضا: "تفرد به حسين عن زائدة" انتهى. ومعنى هذه العبارة أن حسين بن علي الجعفي هو الوحيد الذي روى الحديث عن زائدة بن قدامة بهذا السياق، يعني عن هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة. وهذا إسناد ظاهره الصحة، لأن رواته ثقات، سمع بعضهم من بعض: ولذلك صحح الحديث أبو عبد الله المقدسي وقال: هذا الحديث عندي على شرط الصحيح " انتهى. نقلا عن تفسير ابن كثير (7/533) ، وابن القيم في "حادي الأرواح" (210) ، والسيوطي في "البدور السافرة" (451) ، والألباني في "السلسلة الصحيحة" (367) . ويؤيد ذلك أيضا أن راوي هذه الطريق: حسين الجعفي، قد روجع في روايته له من طريق أبي هريرة وأصر على تأكيد سماعه لها هكذا من زائدة، وهما ثقتان من رواة الكتب الستة، فلعل هشام بن حسان سمعه من هذين الوجهين، فرواه بهما أيضا. قال ابن أبي الدنيا في "صفة الجنة" (رقم/261) : " حدثنا هارون، قال: ثنا حسين الجعفي، عن زائدة، عن هشام بن حسان، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه قال أبو موسى – هو هارون بن عبد الله أبو موسى البزاز الحافظ المعروف بالحمال، شيخ ابن أبي الدنيا -: فقلت للحسين: إن أبا أسامة ثنا عن هشام، عن زيد بن الحواري، عن ابن عباس قال: هكذا ثنا زائدة ولم يرجع " انتهى. لكن ذهب الإمام الدارقطني إلى إعلال هذا الإسناد، بأنه خطأ على هشام بن حسان، فالطريق المعروف لهذا الحديث عن هشام هو السابق في حديث ابن عباس، يعني عن هشام عن زيد الحواري عن ابن عباس به، أما طريق هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة فهي خطأ من قبل بعض الرواة عن هشام أو من دونهم. سئل الإمام الدارقطني رحمه الله عن هذين الحديثين فقال: " يرويه هشام بن حسان، واختلف عنه: فرواه حسين، عن زائدة، عن هشام، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة. وخالفه ابن أسامة، فرواه عن هشام، عن ابن سيرين، أنه قال ذلك عن ابن عباس. وهو أشبه بالصواب " انتهى. "العلل الواردة في الأحاديث النبوية" (10/30) . وقد سبق الإمام الدارقطني إلى إعلال هذه الرواية: الإمامان أبو زرعة وأبو حاتم الرازيان: قال ابن أبي حاتم رحمه الله: " وَسَأَلْتُ أَبِي، وَأَبَا زُرْعَةَ، عَنْ حَدِيثٍ؛ رَوَاهُ حُسَيْنٌ الْجَعْفِيُّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَاَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ نُفْضِي إِلَى نِسَائِنَا فِي الْجَنَّةِ. فَقَالا: هَذَا خَطَأٌ، إِنَّمَا هُوَ هِشَامُ بْنُ حَسَّانٍ، عَنْ زَيْدٍ الْعَمِّيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قُلْتُ لأَبِي: الْوَهْمُ مِمَّنْ هُوَ قَالَ: مِنْ حُسَيْنٍ " انتهى. علل الحديث لابن أبي حاتم (2/213) . واجتماع هؤلاء الأئمة الثلاثة: وهم من نقاد الحديث، وأهل البصر بالعلل، على إعلال الرواية المرفوعة للحديث من طريق أبي هريرة، يجعل من الصعوبة الجزم بصحته، أو حتى ترجيح ذلك. على أنه، إذا فرضنا صحة الحديث، فقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث (إلى مائة عذراء) لا يلزم منه أن يكون في كل يوم مائة عذراء أخرى غير ما كان له في اليوم السابق، فالحديث يحتمل أن يكون المراد به بيان قدرة الرجل على الجماع، وليس خصوص العدد، ولا تعدد الزوجات إلى هذا الحد، خاصة وأنه قد ورد أن الشهيد يزوج باثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، وهذا أقصى ما صح في عدد الزوجات. ثم إنه قد ورد في بعض الآثار – وإن كان فيها شيء من الضعف - أن الزوجة في الجنة ترجع عذراء بعد الجماع، كلما رجع إليها زوجها وجدها كما كانت. فهذا كله يمنع الجزم بأن للرجل في الجنة مائة زوجة، أو أنه يجامع في كل يوم مائة زوجة جديدة غير زوجات الأمس. وتفاوت القوة على الجماع في الجنة تكون بحسب تفاوت الأعمال، وحفظ الشهوات عن الحرام. يقول العلامة ابن القيم رحمه الله: " فمن ترك اللذة المحرمة لله استوفاها يوم القيامة أكمل ما تكون، ومن استوفاها هنا حرمها هناك، أو نقص كمالها، فلا يجعل الله لذةَ مَن أوضَعَ – أي غرق - في معاصيه ومحارمه كلذةِ مَن ترك شهوته لله أبدا " انتهى "حادي الأرواح" (347) . ولمزيد من التفاصيل المتعلقة بالموضوع، يرجى قراءة جواب السؤال رقم: (10053) ، (25843) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 116024 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 هل يحزن أهل الجنة على أقربائهم وأحبابهم وهم يُعذبون في النار؟ [السُّؤَالُ] ـ[نعتقد أن ساكني الجنة لن يقلقوا على أي شيء، لكن لو أن شخصاً من عائلته، أو محبوبه دخل النار: كيف يمكنه أن يكون سعيداً مع علمه أنهم يعاقبون؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله كتب الله لأهل الجنة السعادة، والفرح، والسرور، فهم يتقلبون في نعَم الله تعالى، ونعيمه، بفضلٍ منه ورحمة، وليس في الجنة حزن، ولا هم، ولا غم، لأهلها، بل هم في نعيم دائم، وفضل عميم، من ربهم الرحمن الرحيم. قال تعالى: (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) البقرة/ 112. وقال تعالى: (يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ) التوبة/ 21. ومما لا شك فيه أن بعض من يدخل الجنة سيكون له أصحاب، وأحباب، وأقرباء، وأهلون، من أهل النَّار، فهل سينغص ذلك عليه سعادته، ويكدِّر عليه صفو نعيمه؟ الجواب: كلا، لن يكون ذلك البتة، ولم نجد شيئاً في الشرع – على حد علمنا – منصوصاً عليه في ذات المسألة، لكننا يمكننا الجزم بما ذكرناه، وأن لذلك أسباباً كثيرة، منها: 1. علم أهل الجنة بالحكم الشرعي. 2. تسليمهم بالحكمة الربانية. 3. ونعيمهم وهناؤهم العظيم ينسيهم ما فيه غيرهم من المستحقين للعذاب. ولنقف مع ما يؤيد ذلك مع موقفين اثنين: الأول: لإبراهيم عليه السلام مع أبيه الكافر، يوم القيامة. والثانية: لرجل من أهل الجنَّة له صديق رآه من الجنَّة وهو في وسط جهنَّم. أما الموقف الأول: فإن إبراهيم عليه السلام كان قد دعا ربَّه تعالى أن لا يخزيه يوم البعث، وعندما يكون الحكم على أبيه الخلود في جهنَّم: يطلب إبراهيم عليه السلام من ربه تعالى أن يحقق له دعاءه في أبيه، فيُؤتى بأبيه أمامه، فيمسخه الله ضبعاً، فيؤخذ بقوائمه، فيُلقى في نار جهنَّم، ويُخبر إبراهيم عليه السلام بحكم الله تعالى في عدم دخول الكفار الجنَّة، فيسلِّم إبراهيم عليه السلام للحكم، والحكمة. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ آزَرَ يَوْمَ الْقِيَامَة، وَعَلَى وَجْه آزَرَ قَتَرَة وَغَبَرَة، فَيَقُول لَهُ إِبْرَاهِيم: أَلَمْ أَقُلْ لَك لَا تَعْصِنِي؟ فَيَقُول أَبُوهُ: فَالْيَوْم لَا أَعْصِيك، فَيَقُول إِبْرَاهِيم: يَا رَبِّ إِنَّك وَعَدْتنِي أَنْ لَا تُخْزيَني يَوْمَ يُبْعَثُونَ، فَأَيّ خِزْي أَخْزَى مِنْ أَبِي الْأَبْعَد، فَيَقُول اللَّه: إِنِّي حَرَّمْت الْجَنَّة عَلَى الْكَافِرِينَ، ثُمَّ يُقَال: يَا إِبْرَاهِيم مَا تَحْتَ رِجْلَيْك؟ اُنْظُرْ، فَيَنْظُر، فَإِذَا هُوَ بِذِيخٍ مُتَلَطِّخ، فَيُؤْخَذ بِقَوَائِمِهِ فَيُلْقَى فِي النَّار. رواه البخاري (3350) . الذِّيخ: ذَكَر الضِّبَاع، وَقِيلَ: لَا يُقَال لَهُ ذِيخ إِلَّا إِذَا كَانَ كَثِير الشَّعْر. وقيل في مسخ أبيه بضبع ملطّخ أمام إبراهيم: حتى لا يكون لإبراهيم عليه السلام تعلُّق بصورة أبيه الحقيقية وهو في نار جهنم، وقيل: هو استجابة لدعائه، وقيل غير ذلك، وبكل حال: فإن هذا يصلح دليلاً على تسليم أهل الجنَّة بما قدَّره الله تعالى على المستحقين للخلود في نار جهنَّم. قال الحافظُ ابنُ حجرٍ - في الحكمةِ من مسخِ آزر على صفةِ الذيخِ -: قيل: الحكمة في مسخه: لتنفر نفس إبراهيم منه؛ ولئلا يبقى في النار على صورته، فيكون فيه غضاضة على إبراهيم. وقيل: الحكمة في مسخه ضبعاً أن الضبع من أحمق الحيوان، وآزر كان من أحمق البشر؛ لأنه بعد أن ظهر له من ولده من الآيات البينات أصرَّ على الكفر حتى مات، واقتصر في مسخه على هذا الحيوان: لأنه وسط في التشويه بالنسبة إلى ما دونه، كالكلب، والخنزير، وإلى ما فوقه، كالأسد مثلاً؛ ولأن إبراهيم بالغ في الخضوع له، وخفض الجناح، فأبى، واستكبر، وأصر على الكفر، فعومل بصفة الذل يوم القيامة؛ ولأن للضبع عوجا فأشير إلى أن آزر لم يستقم فيؤمن بل استمر على عوجه في الدين. " فتح الباري " (8 / 500) . وأما الموقف الثاني: فإن فيه صورة تكاد تكون أبلغ من الأولى، ومطابقة للسؤال، وهي إخبار من الله تعالى عن مؤمن من أهل الجنَّة يمكنه ربه من رؤية صديق له في وسط النَّار، فلا يصيبه الحزن، ولا الكدر، بل يشكر ربه المتفضل عليه بالهداية، والإنجاء من الكفر والنار، ويلتفت لنعيمه الذي هو، ويشتغل به. قال تعالى: (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ. قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ. يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ. أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ. قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ. فَاطَّلَعَ فَرَآَهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ. قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ. وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ. قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ. فَاطَّلَعَ فَرَآَهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ. قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ. وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ. أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ. إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ. إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ) الصافات/ 50 – 61. قال ابن القيم – رحمه الله -: ثم يقول المؤمن لإخوانه في الجنة: هل أنتم مطلعون في النار لننظر منزلة قريني هذا، وما صار إليه، هذا أظهر الأقوال، وفيها قولان آخران: أحدهما: أن الملائكة تقول لهؤلاء المتذاكرين الذين يحدِّث بعضهم بعضاً: هل أنتم مطلعون، رواه عطاء عن ابن عباس، والثاني: أنه مِن قوله الله عز وجل لأهل الجنة، يقول لهم: هل أنتم مطلعون؟ . والصحيح: القول الأول، وأن هذا قول المؤمن لأصحابه، ومحادثيه، والسياق كله، والإخبار عنه، وعن حال قرينه. " حادي الأرواح " (ص 179) . قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله -: (قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ) يقول المؤمن مخاطبا للكافر: والله إن كدت لتهلكني لو أطعتك. (وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) أي: ولولا فضل الله عليَّ: لكنت مثلك في سواء الجحيم حيث أنت، محضر معك في العذاب، ولكنه تفضل عليَّ، ورحمني، فهداني للإيمان، وأرشدني إلى توحيده (وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ) الأعراف/ 43. وقوله: (أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ. إِلا مَوْتَتَنَا الأولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) هذا من كلام المؤمن مغبطاً نفسه بما أعطاه الله من الخلد في الجنة، والإقامة في دار الكرامة، لا موت فيها، ولا عذاب؛ ولهذا قال: (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) . " تفسير ابن كثير " (7 / 16) . هذا الذي يمكننا قوله في هذه المسألة، وأن المؤمن يعلم حكم الله في الكفار، ويسلم لحكمة الله تعالى، وينسيه ما هو فيه من نعيم، ما يكون عليه غيره من أهله وأحبابه في النار؛ رحمة، وفضلاً من ربه عز وجل. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 115480 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 هل تلبس المرأة الحجاب في الجنة أيضا؟ [السُّؤَالُ] ـ[سمعت أن المرأة المسلمة ستكون بحجاب إسلامي في الجنة أيضاً، أم إنها لن تكون قادرة على رؤية الرجال غير المحارم، كنت أعرف أن النساء تلبس النقاب والحجاب الإسلامي في الدنيا فقط. من فضلكم أحتاج توضيحاً، لأن شخصاً أخبرني بحديث يتعلق بهذه المسألة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الجنة دار نعيم وليست دار تكليف، وقد خلق الله فيها من النعيم ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، قال الله تعالى: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) السجدة/17 فلا ينبغي للمسلم أن يتكلف السؤال عن تفاصيل ما في الجنة، مما قد يراه في الدنيا قيدا أو مشقة، فالجنة عالم آخر، ليس في الدنيا منه إلا الأسماء فقط، وأما حقائق الأمور فتختلف تماما، فمن التكلف أن ندقق النظر في كل ما يذكر في الجنة على مثال ما هو في الدنيا. ومن أخص ما ورد في العلاقة بين الرجال والنساء غير المحارم غض البصر وقصر النظر عن حظوظ الآخرين من نعيم الجنة، قول الله تعالى: (فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ) الرحمن/56، ولكنه في وصف الحور العين، فهل فيه دلالة على لحوق الأمر باقي النساء، هذا محل تردد. يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله: " (قاصرات الطرف) أي غضيضات عن غير أزواجهن، فلا يرين شيئا في الجنة أحسن من أزواجهن: قاله ابن عباس، وقتادة، وعطاء الخراساني، وابن زيد، وقد ورد أن الواحدة منهن تقول لبعلها: والله ما أرى في الجنة شيئا أحسن منك، ولا في الجنة شيئا أحب إلي منك، فالحمد لله الذي جعلك لي وجعلني لك " انتهى. "تفسير القرآن العظيم" (7/504) وأما لبس الخمار أو غطاء الرأس فلم نقف فيه أيضا على خبر يبينه تفصيلا، وإنما وردت إشارة إليه في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لَرَوْحَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ غَدْوَةٌ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ أَوْ مَوْضِعُ قِيدٍ - يَعْنِي سَوْطَهُ - خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ لأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا وَلَمَلأَتْهُ رِيحًا، وَلَنَصِيفُهَا عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا) رواه البخاري (حديث رقم/2796) . قال أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله: " النصيف: الخمار " انتهى. "غريب الحديث" (2/166) ولكن ذلك غيرُ كافٍ للجزم بأن نساء الجنة يغطين رؤوسهن لزاما، لأسباب ثلاثة: 1- تفسير بعض العلماء لكلمة " نصيف " بأنه العصابة التي تلفها المرأة على استدارة رأسها، وهذه لا تغطي الرأس، وإنما تلبسها المرأة للتجمل والتزين. 2- سياق الحديث لا يسعف في الدلالة على ذلك، إذ المقصود من الحديث بيان شدة جمال نساء أهل الجنة والحور العين، حتى إن أدنى شيء تلبسه خير من متاع الدنيا كله، وليس المقصود خصوص " النصيف " بعينه. وقد وردت رواية أخرى جاء فيها: (ولتاجها على رأسها) . 3- ثم إن هذا الذكر العرضي للنصيف لا يعني لبس جميع النساء له، وفي جميع الأوقات والأماكن، وأمام جميع الناس، وإطلاق ذلك يحتاج دليلا خاصا، ولا نجده. يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله: " قوله: " وَلَنَصِيفُها " فسر في الحديث بالخِمار، وهذا التفسير من قتيبة، فقد أخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن إسماعيل بن جعفر بدونه. وقد وقع في رواية الطبراني: (وَلَتاجُها على رأسها) . وحكى أبو عبيد الهروي أن " النصيف ": المِعجَر، وهو ما تلويه المرأة على رأسها. وقال الأزهري: هو كالعصابة تلفها المرأة على استدارة رأسها، واعتجر الرجل بعمامته لفها على رأسه، ورد طرفها على وجهه، وشيئا منها تحت ذقنه " انتهى. "فتح الباري" (11/442) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114050 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 هل في الجنة حمل وولادة؟ [السُّؤَالُ] ـ[السؤال: نعلم أن الجنة فيها زوجات، فهل يكون فيها حمل وولادة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذهب بعض العلماء إلى أن العبد إذا تمنى في الجنة أن يكون له ولد، فإن الله يحقق أمنيته بذلك، واستدلوا على ذلك بما رواه الترمذي في سننه (2563) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْمُؤْمِنُ إِذَا اشْتَهَى الْوَلَدَ فِي الْجَنَّةِ كَانَ حَمْلُهُ وَوَضْعُهُ وَسِنُّهُ فِي سَاعَةٍ، كَمَا يَشْتَهِي) صححه الألباني في صحيح الجامع (6649) . (كَانَ حَمْلُهُ) أَيْ: حَمْلُ الْوَلَدِ (وَوَضْعُهُ وَسِنُّهُ) أَيْ: كَمَالُ سِنِّهِ وَهُوَ الثَّلَاثُونَ سَنَةً، (كَمَا يَشْتَهِي) مِنْ أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. وعلى هذا القول كثير من أهل العلم. وقال بعض أهل العلم: فِي الْجَنَّةِ جِمَاعٌ وَلَا يَكُونُ وَلَدٌ، وهذا القول رُوِيَ عَنْ طَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ. قَالَ الإمام البخاري رحمه الله: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَا يَكُونُ لَهُمْ فِيهَا وَلَدٌ) . والحديث الذي أشار إليه البخاري رواه الإمام أحمد (15773) عَنْ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ رضي الله عنه في حديث طويل وفيه: (الصَّالِحَاتُ لِلصَّالِحَيْنِ تَلَذُّونَهُنَّ مِثْلَ لَذَّاتِكُمْ فِي الدُّنْيَا، وَيَلْذَذْنَ بِكُمْ، غَيْرَ أَنْ لَا تَوَالُدَ) . قال ابن القيم رحمه الله: " عليه من الجلالة والمهابة ونور النبوة ما ينادى على صحته "، وضعفه الألباني في "ظلال الجنة"، وقال شعيب الأرناؤوط: " إسناده ضعيف مسلسل بالمجاهيل ". والحديث صريح في انتفاء الولادة، غير أنه مختلف في صحته. وقد أجيب عن حديث أبي سعيد رضي الله عنه: (الْمُؤْمِنُ إِذَا اشْتَهَى الْوَلَدَ فِي الْجَنَّةِ كَانَ حَمْلُهُ وَوَضْعُهُ وَسِنُّهُ فِي سَاعَةٍ كَمَا يَشْتَهِي) بأن في ثبوته نظراً، ولذلك قال عنه ابن القيم: إسناده على شرط الصحيح، ولكنه غريب جداً. "حادي الأرواح" (ص 213) . وقال: " وحديث أبي سعيد الخدري هذا أجود أسانيده إسناد الترمذي وقد حكم بغرابته، وأنه لا يعرف إلا من حديث أبي الصديق الناجي، وقد اضطرب لفظه " انتهى. وقَالَ الإمام إِسْحَقُ اِبْنُ رَاهْوَيْهِ َرحمه الله فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا اشْتَهَى الْمُؤْمِنُ الْوَلَدَ فِي الْجَنَّةِ كَانَ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا يَشْتَهِي) قال: وَلَكِنْ لَا يَشْتَهِي. ومعنى كلام إسحاق أَنَّ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا اِشْتَهَى الْمُؤْمِن..) إنما هو عَلَى الْفَرْض وَالتَّقْدِير، فَكَلِمَة "إِذَا" وُضِعَتْ مَوْضِع "لَوْ" الْمُفِيدَة لِلْفَرْضِ. وذكر ابن القيم عدة وجوه يترجح بها أن الجنة ليس فيها ولادة منها: الأول: حديث ابن رزين. الثاني: قوله تعالى: (وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ) وهن اللاتي طهرن من الحيض والنفاس والأذى. وعن مجاهد قال: " مطهرة من الحيض والغائط والبول والنخام والبصاق والمني والولد ". الثالث: أن الله سبحانه جعل الحمل والولادة مع الحيض والمني، فلو كانت النساء يحبلن في الجنة لم ينقطع عنهن الحيض والإنزال. الرابع: أنه قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (وَلَا يَزَالُ فِي الْجَنَّةِ فَضْلٌ حَتَّى يُنْشِئَ اللَّهُ لَهَا خَلْقًا فَيُسْكِنَهُمْ فَضْلَ الْجَنَّةِ) رواه مسلم (5085) . ولو كان في الجنة إيلاد لكان الفضل لأولادهم، وكانوا أحق به من غيرهم. الخامس: أنه سبحانه وتعالى قال: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) الطور/21، فأخبر سبحانه أنه يكرمهم بإلحاق ذرياتهم الذين كانوا لهم في الدنيا، ولو كان ينشأ لهم في الجنة ذرية أخرى لذكرهم كما ذكر ذرياتهم الذين كانوا في الدنيا، لأن قرة أعينهم تكون بهم كما هي بذرياتهم من أهل الدنيا. السادس: أنه إما أن يقال باستمرار التناسل فيها لا إلى غاية، أو إلى غاية ثم تنقطع، وكلاهما مما لا سبيل إلى القول به، لاستلزام الأول اجتماع أشخاص لا تتناهى، واستلزام الثاني انقطاع نوع من لذة أهل الجنة وسرورهم وهو محال، ولا يمكن أن يقال بتناسل يموت معه نسل، ويخلفه نسل، إذ لا موت هناك. السابع: أن الجنة لا ينمو فيها الإنسان كما ينمو في الدنيا، فلا ولدان أهلها ينمون ويكبرون، ولا الرجال ينمون، بل هؤلاء ولدان صغار لا يتغيرون، وهؤلاء أبناء ثلاث وثلاثين لا يتغيرون، فلو كان في الجنة ولادة لكان المولود ينمو ضرورة حتى يصير رجلا، ومعلوم أن من مات من الأطفال يردون أبناء ثلاث وثلاثين من غير نمو. ثم قال رحمه الله: " والجنة ليست دار تناسل بل دار بقاء وخلد، لا يموت من فيها فيقوم نسله مقامه " انتهى. "حادي الأرواح" (1/173) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111777 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 إذا كرهت زوجها، فهل يكون زوجا لها في الجنة؟! [السُّؤَالُ] ـ[إذا كنت أكره زوجي ولا أصبر على أذيته إياي إلا لله، ثم لأجل مصلحة أطفالي، فهل سوف يكون زوجي في الجنَّة؟ حيث إن مما يهون عليَّ أن الدنيا مهما حصل فهي أيام قليلة وزائلة، وأنا لا أريده زوجاً في الجنَّة مهما حصل فيه من تغيير أو صلاح حاله. أرجو أن لا تقولوا إنه لا بد أن يكون زوجي في الجنَّة! أرجو الرد، وجزاكم الله خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نسأل الله تعالى أن يكتب لك الأجر على صبرك على أذى زوجك، وهو إن دلَّ على شيء فإنما يدل على، أصل طيب، وخلقٍ عالٍ. ونسأل الله أن يهدي زوجك، ويصلحه لك، ويعينه على إحسان عشرتك، ويأخذ بناصيته إليه. ثانياً: قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ. جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ. سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) الرعد/ 22 – 24. قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله -: وقوله: (وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ) أي: يجمع بينهم وبين أحبابهم فيها من الآباء، والأهلين، والأبناء، ممن هو صالح لدخول الجنة من المؤمنين؛ لتقر أعينهم بهم، حتى إنه ترفع درجة الأدنى إلى درجة الأعلى، من غير تنقيص لذلك الأعلى عن درجته، بل امتنانًا من الله وإحساناً. " تفسير ابن كثير " (4 / 451) . وانظري جواب السؤال رقم: (5981) . ثالثاً: واعلمي أيتها الأخت الفاضلة أن دخول الناس الجنة لن يكون وهم على حالهم التي كانوا عليها في الدنيا، وقد ثبت في النصوص الواضحة البيِّنة أنه لا يدخل الجنة أحد وفي صدره غلٌّ، ولا يدخل الجنة أحد إلا ويهذَّب وينقَّى من كل سوء وشرٍّ. قال تعالى: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ) الحِجر/ 47. قال الإمام ابن جرير الطبري – رحمه الله -: وأذهبنا من صدور هؤلاء الذين وَصَف صفتهم، وأخبر أنهم أصحاب الجنة، ما فيها من حقد، وغِمْرٍ، وعَداوة كان من بعضهم في الدنيا على بعض، فجعلهم في الجنة إذا أدخلهموها على سُرُر متقابلين، لا يحسد بعضهم بعضاً على شيء خصَّ الله به بعضهم وفضّله من كرامته عليه، تجري من تحتهم أنهار الجنة. " تفسير الطبري " (12 / 437، 438) . وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ النَّارِ حُبِسُوا بِقَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَيَتَقَاصُّونَ مَظَالِمَ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا نُقُّوا وَهُذِّبُوا أُذِنَ لَهُمْ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَأَحَدُهُمْ بِمَسْكَنِهِ فِي الْجَنَّةِ أَدَلُّ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا) . رواه البخاري (2308) . قال الحافظ ابن حجر العسقلاني – رحمه الله -: (بقنطرة) الذي يظهر أنها طرف الصراط مما يلي الجنة، ويحتمل أن تكون من غيره بين الصراط والجنة. وقوله (فيتقاصُّون) بتشديد المهملة: يتفاعلون، من القِصاص، والمراد به: تتبع ما بينهم من المظالم، وإسقاط بعضها ببعض. وقوله (حتى إذا نُقوا) بضم النون، بعدها قاف، من التنقية، ووقع للمستملي هنا " تَقَصُّوا بفتح المثناة والقاف وتشديد المهملة، أي: أكملوا التقاص. قوله (وهذبوا) أي: خلصوا من الآثام بمقاصصة بعضها ببعض. " فتح الباري " (5 / 96) . فاطمئني أختنا الفاضلة، فلن تكون أخلاق زوجك ما كانت عليه في الدنيا، ولن تكون حالكِ أنتِ – كذلك – على ما هي عليه، فكما سينقَّى زوجك ويُهذَّب: فإن الأمر نفسه سيحصل معك، فإذا قضى الله وجمعكما في الجنة، فسوف يكون اجتماعك به في الجنة على غير اجتماع الدنيا، بل اجتماع تشتهيه نفسك، ويريح بالك، ويقر عينك. قال الله تعالى: (يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) الزخرف:71، وقال تعالى: (نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ) فصلت:31، وقال تعالى: (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) السجدة:17. فليكن همك يا أمة الله أن تعملي ما يوصلك إلى الجنة، ويرفع فيها منزلتك، وثقي أن الجنة لا تعب فيها ولا نصب، ولا هم فيها ولا حزن!! والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 110310 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 مهر الحور العين [السُّؤَالُ] ـ[هل صحيح أن الحصى والفتات الموجود في المسجد هو عبارة عن مهر للحور العين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لم يرد تعيين مهر الحور العين في حديث صحيح، وكل ما ورد فيه فهو إما ضعيف جدا أو موضوع، ومجموع ما ورد في ذلك عن ستة من الصحابة: 1- عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا قال: (كم من حوراء عيناء ما كان مهرها إلا قبضة من حنطة أو تمر) رواه العقيلي (1/42) وعنه ابن الجوزي في "الموضوعات" (3/253) وابن حبان في "المجروحين" (1/98) قال ابن الجوزي: " المتهم به أبان. قال أبو حاتم بن حبان: أبان بن المحبر يأتي عن الثقات بما ليس من أحاديثهم حتى لا يشك المتبحر في هذه الصناعة أنه كان يعملها، لا تجوز الرواية عنه إلا على سبيل الاعتبار، وهو الذى روى عن نافع هذا الحديث وهو باطل، وقال الدارقطني: أبان متروك " انتهى. وقال ابن أبي حاتم في "العلل" (رقم/641) : " قال أبِي: هذا حدِيثٌ باطِلٌ، وأبانٌ هذا مجهُولٌ ضعِيفُ الحدِيثِ " انتهى. وقال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (رقم/571) : موضوع. 2- ويروى عن أبي هريرة أيضا حديث: (مهر الحور قبضات التمر وفلق الخبز) رواه ابن عدي في "الكامل" (5/25) وابن الجوزي في "الموضوعات" (3/253) وقال: " المتهم به عمر بن صبح. قال ابن حبان: كان يضع الحديث عن الثقات، لا يحل كتب حديثه إلا على التعجب " انتهى. 3- ومما اشتهر أيضا بين الناس مما لا يصح، حديث أنس: (كنس المساجد مهور الحور العين) رواه الديلمي في "مسند الفردوس" (برقم/4896) وابن الجوزي في "الموضوعات" (3/253) وقال: " فيه مجاهيل. وعبد الواحد ليس بثقة. قاله يحيى. وقال البخاري والفلاس والنسائي: متروك الحديث " انتهى. وحكم عليه الشيخ الألباني بالوضع في "السلسلة الضعيفة" (برقم/4147) 4- ويحكى عن علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (يا علي! أعط الحور العين مهورهن: إماطة الأذى عن الطريق، وإخراج القمامة من المسجد، فذلك مهر الحور العين) أخرجه الديلمى في "مسند الفردوس" (رقم/8335) وابن شاهين في "الترغيب في فضائل الأعمال" (رقم/553) وعزاه في "كنز العمال" (16/229) لابن النجار. وفي إسناد ابن شاهين: المعافى بن مطهر، ومورع بن جبير لم أقف لهما على ترجمة، إلا شيئا يسيرا عند ابن ماكولا في "الإكمال" (7/263) 5- وجاء أيضا عن أبي أمامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قبضات التمر للمساكين مهور الحين العين) أخرجه الديلمى في "الفردوس" (برقم/4645) وابن الجوزي في "الموضوعات" (3/253) وعزاه السيوطي في "جامع الأحاديث" (برقم/15093) إلى الدارقطني في "الأفراد" قال ابن الجوزي: " تفرد به طلحة عن الوضين. قال السعدي: الوضين واهى الحديث. قال النسائي: وطلحة متروك. وقال ابن حبان: لا تحل الرواية عنه " انتهى. وحكم عليه الشيخ الألباني بالوضع في "السلسلة الضعيفة" (رقم/6197) 6- ويروى عن أبي قرصافة واسمه " جندرة " حديث في مهر الحور العين: (إخراج القمامة من المسجد مهور الحور العين) أخرجه الطبرانى (3/19) وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (5 /110) وأبو بكر الشافعى فى الفوائد (2/23/2) وابن منده فى "المعرفة" (2/259 برقم/6340) وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" (4/144) لأبي بكر الشافعي في رباعياته. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (2/113) : " في إسناده مجاهيل " انتهى. وقال الشيخ الألباني "السلسلة الضعيفة" (رقم1675) : " وهذا إسناد مظلم، مَن دون أبي قرصافة ليس لهم ذكر في شيء من كتب الرجال، حاشا محمد بن الحسن بن قتيبة، فإنه حافظ ثقة ثبت " انتهى. والحاصل أنه لم يصح حديث في تعيين مهر الحور العين، ولذلك قال ابن الجوزي رحمه الله في "الموضوعات" (3/254) : " هذا حديث لا يصح من جميع جهاته " انتهى. ثانيا: مهر الحور العين الحقيقي هو كل عمل صالح يقرب إلى الله تعالى، ويكون سببا في دخول الجنة. يقول القرطبي رحمه الله في "التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة" (ص/556) : " باب ما جاء أن الأعمال الصالحة مهور الحور العين. أورد فيه بعض الأحاديث السابقة ثم قال: وقال محمد بن النعمان المقري: كنت قاعدا عند الجلا المقرى بمكة في المسجد الحرام، إذ مر بنا شيخ طويل نحيل الجسم عليه أطمار خلقة، فقام إليه الجلا ووقف معه ساعة ثم انصرف إلينا فقال: هل تعرفون من هذا الشيخ؟ فقلنا: لا. فقال: ابتاع من الله حوراء بأربعة آلاف ختمة، فلما أكملها رآها في المنام في حليها وحللها فقال: من أنت؟ فقالت: أنا الحور التي ابتعتني من الله تعالى بأربعة آلاف ختمة هذا الثمن فما نحلتي أنا منك؟ قال: ألف ختمة قال الجلا: فهو يعمل فيها بعد. وروى عن سحنون أنه قال: كان بمصر رجل يقال له سعيد، وكانت له أم من المتعبدات، وكانت إذا قام من الليل يصلي تقوم والدته خلفه، فإذا غلب عليه النوم ونعس تناديه والدته: " يا سعيد! إنه لا ينام من يخاف النار، ويخطب الحور الحسان " فيقوم مرعوبا. ويروى عن ثابت أنه قال: كان أبي من القوامين لله في سواد الليل قال: رأيت ذات ليلة في منامي امرأة لا تشبه النساء فقلت لها: من أنت؟ فقالت حوراء أمة الله فقلت لها: زوجيني نفسك. فقالت: اخطبني من عند ربي وأمهرني. فقلت: وما مهرك؟ فقالت: طول التهجد. وأنشدوا: يا خاطب الحور في خدرها وطالبا ذلك على قدرها انهض بجد لا تكن وانيا وجاهد النفس على صبرها وقم إذا الليل بدا وجهه ... وصم نهارا فهو من مهرها وقال مالك بن دينار: كان لي أحزاب أقرؤها كل ليلة، فنمت ذات ليلة، فإذا أنا في المنام بجارية ذات حسن وجمال، وبيدها رقعة فقالت: أتحسن أن تقرأ؟ فقلت: نعم فدفعت إلي الرقعة فإذا فيها مكتوب هذه الأبيات: لهاك النوم عن طلب الأماني وعن تلك الأوانس في الجنان تعيش مخلدا لا موت فيها وتلهو في الخيام مع الحسان تنبه من منامك إن خيرا ... من النوم التهجد بالقران " انتهى باختصار. وبنحوه في كلام ابن رجب في رسالته "اختيار الأولى" (ص/12) وفي "لطائف المعارف" (ص/159) وانظر سؤال رقم (10053) عن الحور العين. وأما تنظيف المساجد فهو أمر مندوب إليه، وجاءت فيه أدلة كثيرة في الحث عليه وبيان فضله، وسبق في موقعنا ذكر شيء منها في جواب السؤال رقم: (20160) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 102757 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 هل القيامة والجنة والنار حقيقة أم رموز [السُّؤَالُ] ـ[هل تظن بأن الإيمان باليوم الآخر وبالجنة والنار يجب أن يؤخذ حرفيا أم رمزيا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من أركان الإيمان الإيمان بالبعث بعد الموت، والجنة والنار حقٌ يجب الإيمان بهما، فمن آمن بالله وعمل صالحاً فمآله إلى الجنة حقيقة، ومن كفر بالله فهو من أهل النار حقيقة، وكل منهما خالد مخلّد. الشيخ عبد الكريم الخضير. وقد أنكر أعداء الرسل من المشركين والفلاسفة وغيرهم حقيقة البعث بعد الموت والحساب والجنة والنار وجعلوا هذه الأشياء رموزاً يفهمون منها غير ما يفهمه المؤمنون منها وهذا تكذيب لله تعالى وأنبيائه ورسله. فالجنة والنار والصراط والميزان والحوض والعرش والكرسي وغيرها هي أمور حقيقة ونؤمن بها على الحقيقة ولا نتلاعب بدلالة الألفاظ عليها بل نؤمن بها صريحة كما وردت. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 12347 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 هل يرى المؤمنون ربهم في الجنة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل ثبت أن المؤمنين يرون ربهم في الدار الآخرة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فإن نعم الله على عباده لا تحصى، وقد خص سبحانه المؤمنين بمزيد من الإنعام في الدنيا بأن مَنَّ عليهم بالإسلام، واصطفاهم بالقرآن، وسيخصهم في الجنة بأعظم نعمة أنعم عليهم بها؛ ألا وهي تشريفهم وإكرامهم بالنظر إلى وجهه الكريم في جنة عدن، كما قال تعالى: (وجوه يومئذ ناضرة. إلى ربها ناظرة) القيامة/22-23 أي أن وجوه المؤمنين تكون حسنة بهية مشرقة مسرورة بسب نظرها إلى وجه ربها كما قال الحسن رحمه الله: " نظرت إلى ربها فنضرت بنوره ". وعن ابن عباس رضي الله عنهما: " (وجوه يومئذ ناضرة) قال: من النعيم (إلى ربها ناظرة) قال تنظر إلى وجه ربها نظراً. وهذا قول المفسرين من أهل السنة والحديث. وقال جل شأنه: (لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد) ق/35 فالمزيد هنا هو:" النظر إلى وجه الله عز وجل. " كما فسره بذلك علي وأنس بن مالك رضي الله عنهما وقال سبحانه: (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) يونس/26 فالحسنى الجنة والزيادة هي النظر إلى وجه الله الكريم، كما فسرها بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما رواه مسلم في صحيحه (266) عَنْ صُهَيْبٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ فَيَقُولُونَ أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنْ النَّارِ قَالَ فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ وهي الزيادة ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ) فإذا علمت أن أهل الجنة لا يعطون شيئاً فيها أحب إليهم من النظر إلى وجه ربهم جل وعلا تبين لك مدى الحرمان، وعظيم الخسران، الذي ينتظر المجرمين الذين توعدهم الله بقوله: (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) المطففين/15 نسأل الله السلامة والعافية. ومن جميل ما يروى عن الشافعي ما ذكره عنه الربيع بن سليمان ـ وهو أحد تلاميذه ـ: قال: حضرت محمد بن إدريس الشافعي وقد جاءته رقعة من الصعيد فيها: ما تقول في قول الله عز وجل: (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) ؟ فقال الشافعي: " لما أن حجب هؤلاء في السخط، كان في هذا دليلٌ على أن أولياءه يرونه في الرضى " فهذه بعض الأدلة من القرآن على ثبوت رؤية المؤمنين لربهم في الجنة. وأما أدلة السنة فهي كثيرة جداً، فمنها: 1- ما رواه البخاري (6088) ومسلم (267) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن ناسا قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله: " هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر؟ " قالوا: لا يا رسول الله. قال: " هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب؟ " قالوا: لا. قال: " فإنكم ترونه كذلك ... الحديث ". وَفِي رِوَايَة لِلْبُخَارِيِّ (لا تَضَامُّون أَوْ لا تُضَارُّونَ) عَلَى الشَّكّ وَمَعْنَاهُ: لَا يَشْتَبِه عَلَيْكُمْ وَتَرْتَابُونَ فِيهِ فَيُعَارِض بَعْضكُمْ بَعْضًا فِي رُؤْيَته. ولا يلحقكم في رؤيته مشقة أو تعب. وَاَللَّه أَعْلَم.ا. هـ مختصرا من شرح مسلم. 2- وفي الصحيحين أيضا (خ/ 6883. م / 1002) من حديث جرير بن عبد الله البجلي قال: كنا جلوسا مع النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة أربع عشرة فقال إنكم سترون ربكم عيانا كما ترون هذا لا تضامون في رؤيته ". والتشبيه الذي في الأحاديث هو تشبيه للرؤية بالرؤية، أي أننا كما نرى الشمس في اليوم الصحو في غاية الوضوح، ولا يحجب أحد رؤيتها عن أحد رغم كثرة الناظرين إليها، وكما نرى القمر مكتملا ليلة البدر وهو في غاية الوضوح، لا يؤثر كثرة الناظرين إليه على وضوح رؤيته فكذلك يرى المؤمنون ربهم يوم القيامة بهذا الوضوح والجلاء، وليس المقصود من الأحاديث تشبيه المرئي بالمرئي ـ تالى الله ـ فإن الله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. 3- وروى البخاري (4500) ومسلم (6890) عن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن يروا ربهم تبارك وتعالى إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن ". وقد روى أحاديث الرؤية نحوٌ من ثلاثين صحابيا، ومن أحاط بها معرفة يقطع بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قالها. فمن زعم بعد هذا أن الله تعالى لا يُرى في الآخرة فقد كذب بالكتاب وبما أرسل الله به رسله، وعرَّض نفسه للوعيد الشديد الوارد في قوله تعالى: (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) المطففين/ 15 نسأل الله تعالى العفو والعافية، ونسأله أن يرزقنا لذة النظر إلى وجهه الكريم.. آمين. يراجع: (شرح العقيدة الطحاوية (1 / 209 وما بعدها) و (أعلام السنة المنشورة للشيخ حافظ الحكمي ص 141) . [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 14525 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 منازل ودرجات الجنة والنار وأعمالهما [السُّؤَالُ] ـ[كم جنة ونار يوجد؟ وكيف تختلف مراتبها؟ وماذا يجب أن تفعل لتكون في كل مستوى؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: من حيث العدد هي نارٌ واحدة وجنة واحدة، لكن كل منهما درجات ومنازل. وقد يأتي في السُنَّة ذكر الجنة بالجمع وليس المراد تعدد جنس الجنة وإنما الإشارة إلى عظمتها ودرجاتها وأنواعها أو إلى عظمة أجر من يدخلها كما في حديث أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ أُمَّ الرُّبَيِّعِ بِنْتَ الْبَرَاءِ وَهِيَ أُمُّ حَارِثَةَ بْنِ سُرَاقَةَ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَلا تُحَدِّثُنِي عَنْ حَارِثَةَ وَكَانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ فَإِنْ كَانَ فِي الْجَنَّةِ صَبَرْتُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ اجْتَهَدْتُ عَلَيْهِ فِي الْبُكَاءِ قَالَ يَا أُمَّ حَارِثَةَ إِنَّهَا جِنَانٌ فِي الْجَنَّةِ ـ وفي رواية إنها جنان كثيرة ـ وَإِنَّ ابْنَكِ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الأَعْلَى) رواه البخاري (2809) ثانياً: تختلف دركات النار باختلاف كفر أهلها في الدنيا، والمنافقون في الدرك الأسفل منها كما قال ربنا تبارك وتعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرا) النساء/145 وأخف دركاتها - والعياذ بالله - ما أشار إليه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فيما رواه النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا مَنْ لَهُ نَعْلانِ وَشِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ ـ وفي رواية توضع في أخمص قدميه جمرتان ـ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ كَمَا يَغْلِ الْمِرْجَلُ ـ إي القِدْر ـ مَا يَرَى أَنَّ أَحَدًا أَشَدُّ مِنْهُ عَذَابًا وَإِنَّهُ لأَهْوَنُهُمْ عَذَابًا) رواه البخاري (6562) ومسلم (212) ، وجاء تعيينه في إحدى روايات مسلم بأنه أبو طالب عم النبي صلَّى الله عليه وسلَّم خفف الله تعالى عليه لما كان له من دور في حماية الإسلام في بداياته. ثالثاً: لا يُعرف تحديداً عدد درجات الجنة، وقد قيل إنها بعدد آيات القرآن الكريم أخذا من حديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرأ بها ". رواه أبو داود (1464) والترمذي (2914) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. قال المنذري في الترغيب: قال الخطابي: جاء في الأثر أن عدد آي القرآن على قدر درج الجنة في الآخرة , فيقال للقارئ ارق في الدرج على قدر ما كنت تقرأ من آي القرآن , فمن استوفى قراءة جميع القرآن استولى على أقصى درج الجنة في الآخرة , ومن قرأ جزءا منه كان رقيه في الدرج على قدر ذلك , فيكون منتهى الثواب عند منتهى القراءة. " الترغيب والترهيب " (2 / 228) . لكن في كلامه هذا نظر؛ لأن الحديث في بيان " منازل " الحفظة وليس في درجاتهم، وتختلف الدرجات باختلاف العاملين في الدنيا، كما أن هناك أعمال أخرى يتفاضل الناس بها كالصِّدِّيقيَّة والجهاد وغيرها فعليه لا يلزم أن يكون صاحب القرآن الحافظ لأكمله في أعلى درجات الجنة على الإطلاق. وأعلى درجات الجنة هي الفردوس كما ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ".. فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، فوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة ". رواه البخاري (2637) ومسلم (2831) . ومعنى " أوسط الجنة " أي: أفضلها وأعدلها، ومثله قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً} . وقد جاءت السنَّة ببيان بعض الأعمال وبيان درجات أهلها، ومنها: 1. الإيمان بالله والتصديق بالمرسلين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكب الدري الغابر أي النجم في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم، قالوا: يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟ قال: بلى، والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين ". رواه البخاري (3083) ومسلم (2831) . 2. الجهاد في سبيل الله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ".. إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض ". رواه البخاري (2637) . 3. وقد يحصِّلها الصادق في سؤاله للشهادة بصدق عن سهل بن حنيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه ". رواه البخاري (1909) . 4. الإنفاق في سبيل الله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء الفقراء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: ذهب أهل الدثور من الأموال بالدرجات العلا والنعيم المقيم يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ولهم فضل من أموال يحجون بها ويعتمرون ويجاهدون ويتصدقون ... ) رواه البخاري (807) ومسلم (595) . 5. إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط. رواه مسلم (251) . 6. حافظ القرآن لحديث عبد الله بن عمرو الذي سبق ذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرأ بها ". رواه أبو داود (1464) والترمذي (2914) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. فعلى من سمت همته أن يتطلع للأعلى، ويعمل لينال رضي الله، ويدخل جنة الفردوس، وها هي الأعمال قد وعد الله أهلَها بتلك الدرجات، فكم بين زهد الناس عنها وتشميرهم لها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 27075 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 امتحان أهل الفترة في الآخرة؟ [السُّؤَالُ] ـ[ي عن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: أخرج الإمام أحمد بن حنبل في " مسنده " والبيهقي في كتاب " الاعتقاد " ـ وصححه ـ عن الأسود بن سريع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أربعة يمتحنون يوم القيامة: رجل أصم لا يسمع شيئًا، ورجل أحمق، ورجل هرِم، ورجل مات في فترة، فأما الأصم فيقول: رب لقد جاء الإسلام وما أسمع شيئًا، وأما الأحمق فيقول: رب لقد جاء الإسلام والصبيان يقذفوني بالبعر، وأما الهرِم فيقول: رب لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئًا، وأما الذي مات في الفترة فيقول: رب ما أتاني لك رسول، فيأخذ مواثيقهم ليطيعونه، فيرسل إليهم أن ادخلوا النار، فمن دخلها كانت عليه برداً وسلاماً، ومن لم يدخلها يسحب إليها) . استفساري: هل يوجد يوم القيامة امتحان؟ وأنا الذي أعرفه أن يوم القيامة يوم الحساب فقط، دون امتحان وابتلاء؟ . والملاحظة الأخرى: امتحانهم يوم القيامة أن يدخلوا على النار هذا امتحان صعب جدًّا لا يخاطب العقل؛ لأن العقل يدرك أن النار فيها خطورة، وطبيعي الإنسان يخاف أن يدخلها بعكس امتحان في الدنيا الالتزام في تعاليم الدين الحنيفة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: اختلف العلماء رحمهم الله في أهل الفترة – وهم من عاش في زمن لم يأتهم فيه رسول، أو كانوا في مكان لم تصلهم فيه الدعوة – ومن في حكمهم – كأطفال المشركين - على أقوال، وأرجح هذه الأقوال: أنهم يُمتحنون يوم القيامة، فمن أطاع أمر الله نجا، ومن عصاه هلك، وقد جاءت في السنة النبوية أحاديث كثيرة يترجح هذا القول بها، ومنها ما ذكره الأخ السائل في سؤاله، وقد استوفاها الإمام ابن كثير في تفسيره، عند قوله تعالى (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) الإسراء/من الآية 15، فلتنظر هناك لمن أراد الاستزادة والاستفادة، ومجموع هذه الأحاديث يقوي بعضها بعضاً، ويشهد أن لهذا القول ما يؤيده من السنَّة النبوية، وهذا هو الذي ذكره أبو الحسن الأشعري عن أهل السنة والجماعة. قال الإمام ابن كثير – رحمه الله -: أحاديث هذا الباب منها ما هو صحيح، كما قد نص على ذلك غير واحد من أئمة العلماء، ومنها ما هو حسن، ومنها ما هو ضعيف يقوَى بالصحيح والحسن، وإذا كانت أحاديث الباب الواحد متعاضدة على هذا النمط: أفادت الحجة عند الناظر فيها. " تفسير ابن كثير " (5 / 58) . وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – في سياق بيان الأقوال في المسألة -: سابعها: أنهم يُمتحنون في الآخرة بأن ترفع لهم نار، فمن دخلها: كانت عليه برداً وسلاماً، ومن أَبَى: عُذِّب، أخرجه البزار من حديث أنس، وأبي سعيد، وأخرجه الطبراني من حديث معاذ بن جبل، وقد صحت مسألة الامتحان في حق المجنون، ومن مات في الفترة من طرق صحيحة، وحكى البيهقي في " كتاب الاعتقاد " أنه المذهب الصحيح. " فتح الباري " (3 / 246) . ثانياً: وقد ردَّ هذا القول بعض أهل العلم – كالإمام ابن عبد البر – وقالوا: إن الآخرة دار جزاء، وليست دار تكليف، وليس ثمة أوامر ونواهي في الآخرة، وأُجيب عن هذا الاعتراض بردود مجملة، ومفصَّلة، وقد ردَّ شيخ الإسلام ابن تيمية، والإمام ابن كثير – وغيرهما – ردوداً مجملة، وردَّ الإمام ابن القيم ردّاً مفصلاً أوصل وجوه الرد إلى تسعة عشر وجهاً. أ. أما الردود المجملة: فملخصها: وجود امتحان في القبر، وفي عرصات القيامة، وأما كون الآخرة ليست دار تكليف فنعم، لكن بعد استقرار أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار. 1. قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: والتكليف إنما ينقطع بدخول دار الجزاء وهي الجنة والنار، وأما عَرَصات القيامة فيمتحنون فيها كما يمتحنون في البرزخ، فَيُقَالُ لِأَحَدِهِمْ: مَنْ رَبُّك؟ وَمَا دِينُك؟ وَمَنْ نَبِيُّك؟ ، وقال تعالى: (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ) الْآيَةَ، وقد ثبت في الصحاح من غير وجه حديث تجلي الله لعباده في الموقف إذا قيل: (لِيَتَّبِعْ كُلُّ قَوْمٍ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ؛ فَيَتَّبِعُ الْمُشْرِكُونَ آلِهَتَهُمْ وَيَبْقَى الْمُؤْمِنُونَ فَيَتَجَلَّى لَهُمْ الرَّبُّ فِي غَيْرِ الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ فَيُنْكِرُونَهُ ثُمَّ يَتَجَلَّى لَهُمْ فِي الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَهَا فَيَسْجُدُ لَهُ الْمُؤْمِنُونَ وَتَبْقَى ظُهُورُ الْمُنَافِقِينَ كَقُرُونِ الْبَقَرِ يُرِيدُونَ السُّجُودَ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ، وذكر قوله: (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ) الْآيَةَ. " مجموع الفتاوى " (4 / 303، 304) . 2. وقال الإمام ابن كثير – رحمه الله - وقد ذكر الشيخ أبو عمر بن عبد البر النَّمَري بعض ما تقدم من أحاديث الامتحان، ثم قال: وأحاديث هذا الباب ليست قوية، ولا تقوم بها حجة، وأهل العلم ينكرونها؛ لأن الآخرة دار جزاء، وليست دار عمل، ولا ابتلاء، فكيف يكلَّفون دخول النار وليس ذلك في وسع المخلوقين، والله لا يكلف نفساً إلا وسعها؟! . وأجاب عن ذلك ببيان قة الأحاديث الواردة في الباب، كما نقلناه عنه سابقا، ثم قال: وأما قوله: " إن الآخرة دار جزاء ": فلا شك أنها دار جزاء، ولا ينافي التكليف في عرصاتها قبل دخول الجنة أو النار، كما حكاه الشيخ أبو الحسن الأشعري عن مذهب أهل السنة والجماعة مِن امتحان الأطفال، وقد قال الله تعالى: (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ) ن/42، وقد ثبتت السنَّة في الصحاح وغيرها: أن المؤمنين يسجدون لله يوم القيامة، وأما المنافق: فلا يستطيع ذلك، ويعود ظهره طبقاً واحداً، كلما أراد السجود: خَرَّ لقفاه. وفي الصحيحين في الرجل الذي يكون آخر أهل النار خروجاً منها: أن الله يأخذ عهوده ومواثيقه ألا يسأل غير ما هو فيه، ويتكرر ذلك مراراً، ويقول الله تعالى: (يا ابن آدم، ما أغدرك!) ثم يأذن له في دخول الجنة. وأما قوله: " وكيف يكلفهم دخول النار وليس ذلك في وسعهم؟ ": فليس هذا بمانع من صحة الحديث؛ فإن الله يأمر العباد يوم القيامة بالجواز على الصراط، وهو جسر على جهنم أحدّ من السيف، وأدق من الشعرة، ويمرُّ المؤمنون عليه بحسب أعمالهم، كالبرق، وكالريح، وكأجاويد الخيل والرِّكاب، ومنهم الساعي، ومنهم الماشي، ومنهم من يحبو حبواً، ومنهم المكدوش على وجهه في النار، وليس ما ورد في أولئك بأعظم من هذا، بل هذا أطم، وأعظم. وأيضاً: فقد ثبتت السنَّة بأن الدجال يكون معه جنَّة ونار، وقد أمر الشارع المؤمنين الذين يدركونه أن يشرب أحدهم من الذي يرى أنه نار، فإنه يكون عليه برداً وسلاماً، فهذا نظير ذلك. وأيضاً: فإن الله تعالى قد أمر بني إسرائيل أن يقتلوا أنفسهم، فقتل بعضهم بعضاً، حتى قتلوا ـ فيما قيل ـ في غداة واحدة: سبعين ألفاً، يقتل الرجل أباه، وأخاه، وهم في عمايةِ غمامةٍ أرسلها الله عليهم، وذلك عقوبة لهم على عبادتهم العجل، وهذا أيضاً شاق على النفوس جدّاً، لا يتقاصر عما ورد في الحديث المذكور، والله أعلم. " تفسير ابن كثير " (5 / 58) . ب. وقد فصل ابن القيم رحمه الله وجوه الجواب السابقة، كما أشرنا إليه، وزاد فيها وجوها أخرى، منها: * أن موجب هذه الأحاديث هو الموافق للقرآن وقواعد الشرع؛ فهي تفصيل لمَا أخبر به القرآن أنه لا يعذَّب أحد إلا بعد قيام الحجة عليه، وهؤلاء لم تُقَم عليهم حجة الله في الدنيا، فلا بُدَّ أن يقيم حجته عليهم، وأحق المواطن أن تُقام فيه الحجة: يوم يقوم الأشهاد، وتُسمع الدعاوى، وتُقام البينات، ويَختصم الناس بين يدي الرب، وينطق كلُّ أحدٍ بحجته ومعذرته، فلا تنفع الظالمين معذرتهم، وتنفع غيرهم. * أنه قد صحَّ بذلك القول بها عن جماعة من الصحابة، ولم يصح عنهم إلا هذا القول، والقول بأنهم خدَم أهل الجنة: صح عن سلمان، وفيه حديث مرفوع، وأحاديث الامتحان: أكثر، وأصح، وأشهر. * أن أمرهم بدخول النار ليس عقوبة لهم، وكيف يعاقبهم على غير ذنب؟ وإنما هو امتحان واختبار لهم، هل يطيعونه أو يعصونه، فلو أطاعوه ودخلوها: لم تضرهم، وكانت عليهم برداً وسلاماً، فلما عصوه وامتنعوا من دخولها: استوجبوا عقوبةَ مخالفةِ أمرِه، والملوك قد تمتحن مَن يُظهر طاعتهم هل هو منطوٍ عليها بباطنه، فيأمرونه بأمرٍ شاقٍّ عليه في الظاهر، هل يوطِّن نفسه عليه أم لا، فإن أقدم عليه ووطن نفسه على فعله: أعفوه منه، وإن امتنع وعصى: ألزموه به، أو عاقبوه بما هو أشد منه. وقد أمر الله سبحانه الخليل بذبح ولده، ولم يكن مراده سوى توطين نفسه على الامتثال والتسليم، وتقديم محبة الله على محبة الولد، فلما فعل ذلك: رَفع عنه الأمر بالذبح. وأما أن ذلك "ليس ذلك في وسع المخلوقين " فقد أجاب عنه ابن القيم من وجهين: أحدهما: أنه في وسعهم، وإن كان يشق عليهم، وهؤلاء عبَّاد النار، يتهافتون فيها، ويُلقون أنفسهم فيها؛ طاعةً للشيطان، ولم يقولوا " ليس في وسعنا "، مع تألمهم بها غاية الألم، فعبَاد الرحمن إذا أمرهم أرحم الراحمين بطاعته باقتحامهم النار: كيف لا يكون في وسعهم، وهو إنما يأمرهم بذلك لمصلحتهم ومنفعتهم؟ . الثاني: أنهم لو وطَّنوا أنفسهم على اتباع طاعته ومرضاته: لكانت عين نعيمهم، ولم تضرَّهم شيئاً. قال رحمه الله: " فالسنَّة، وأقوال الصحابة، وموجب قواعد الشرع وأصوله: لا تُردُّ بمثل ذلك، والله أعلم " انظر: " أحكام أهل الذمة " (2 / 1148 – 1158) . وهذا كلام متين، فيه بيان المسألة وتجليتها، ونسأل الله أن يرزقنا العلم النافع، والعمل الصالح، وأن يتوفانا على الإيمان. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98714 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 هل النساء في الجنة يغطين وجوههن؟ وهل يرين الرسول صلى الله عليه وسلم ويسلمن عليه؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل النساء في الجنة يغطين وجوههن؟ وهل يرين الرسول عليه الصلاة والسلام ويسلمن عليه؟]ـ [الْجَوَابُ] أولاً: لا يظهر أن المرأة في الجنة تغطي وجهها؛ لأن الله تعالى يكسبها جمالاً فائقاً، ويكون هذا الجمال جزاءَ ما كانت عليه من طاعة في الدنيا، ويكون ذلك من أجل زوجها، حتى يهنأ ويتنعم، بل إن جمالها ليزداد المرة بعد المرة. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَسُوقًا يَأْتُونَهَا كُلَّ جُمُعَةٍ فَتَهُبُّ رِيحُ الشَّمَالِ فَتَحْثُو فِي وُجُوهِهِمْ وَثِيَابِهِمْ فَيَزْدَادُونَ حُسْنًا وَجَمَالًا، فَيَرْجِعُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ وَقَدْ ازْدَادُوا حُسْنًا وَجَمَالًا، فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُوهُمْ: وَاللَّهِ لَقَدْ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالًا، فَيَقُولُونَ: وَأَنْتُمْ وَاللَّهِ لَقَدْ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالًا) . رواه مسلم (2833) . وليس في الجنة نظر سوء، ولا مرض قلب حتى تلزم المرأة بتغطية وجهها، ولا هي محل للعمل والأمر والنهي، كما قال علي رضي الله عنه: " فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابَ وَغَدًا حِسَابٌ وَلَا عَمَلٌ " رواه البيهقي في شعب الإيمان (10614) وعلقه البخاري في باب الأمل وطوله، من كتاب الرقاق. ولعلَّ الأظهر أن تكون المرأة في الجنة في مملكتها تتنعم بكافة أنواع النعيم هناك، دون أن تكون مختلطة بالرجال؛ لأن الله تعالى وصف الحور العين بأنهن قاصرات الطرف أي: يقصرن نظرهن وحبهن على أزواجهن، ووصفهن بأنهن حور مقصورات في الخيام، وليس معنى هذا أنهنَّ لا يخرجن من مملكتهن، بل لهن كل ما يشتهينه مما أعده الله لأهل الجنة، ومثله يقال في نساء أهل الجنة من المؤمنات. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -: (حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ) أي: محبوسات في خيام اللؤلؤ، قد تهيأن، وأعددن أنفسهن لأزواجهن، ولا ينفي ذلك خروجهن في البساتين، ورياض الجنة، كما جرت العادة لبنات الملوك، ونحوهن، المخدرات، الخفرات. " تفسير السعدي " (ص 831) والخفرات: أي: شديدات الحياء. وقال أيضا – رحمه الله -: وعموم ذلك يشمل الحور العين ونساء أهل الدنيا، وأن هذا الوصف - وهو البكارة - ملازم لهن في جميع الأحوال، كما أن كونهن (عُرُباً أَتْرَاباً) ملازم لهن في كل حال. والعروب هي: المرأة المتحببة إلى بعلها. " تفسير السعدي " (ص 833) . ثانياً: الذي يظهر أن نساء الجنة لا يُمنعن من رؤية النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه نبي الأمة، وهن بمثابة بناته، وهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم. قال ابن كثير – رحمه الله – في تفسير قوله تعالى على لسان لوط عليه السلام لقومه: (هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) هود/78 -: النبي للأمة بمنزلة الوالد للرجال والنساء ... قال مجاهد: لم يكنَّ بناته، ولكن كنَّ من أمته، وكل نبي أبو أمته، وكذا روي عن قتادة، وغير واحد ... وقال سعيد بن جبير: يعني نساءهم هنَّ بناته، وهو أب لهم، ويقال في بعض القراءات: " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم ". " تفسير ابن كثير " (4 / 337) . وقد جاءت البشرى في السنَّة لكل من يراه في المنام أنه سيراه في الجنة، وكذا جاءت البشرى لمن خشي أن لا يراه في الجنة. أ. قال تعالى: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً) النساء/69. ب. عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَةِ وَلَا يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِي) . رواه البخاري (6592) وقال: قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: إِذَا رَآهُ فِي صُورَتِهِ، ومسلم (2266) . ج. وعن عائشة قالت: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنك لأحب إلي من نفسي وأحب إلي من أهلي، وأحب إلي من ولدي، وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رُفعت مع النبيين، وإن دخلت الجنة خشيت ألا أراك، فلم يردَّ عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزلت عليه: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) . قال ابن كثير – بعد أن ذكره مسنداً عند ابن مردويه في " التفسير " -: وهكذا رواه الحافظ أبو عبد الله المقدسي في كتابه " صفة الجنة "، من طريق الطبراني، عن أحمد بن عمرو بن مسلم الخلال، عن عبد الله بن عمران العابدي، به، ثم قال: لا أرى بإسناده بأساً. " تفسير ابن كثير " (2 / 354) . والحديث حسن، وله طرق، وشواهد كثيرة، تٌنظر في " تفسير ابن كثير "، ويكفي أن الحافظ المقدسي حسَّنه. د. ويستأنس بما رواه ابن سعد في " الطبقات الكبرى " (8 / 415) عن أم عمارة نسيبة بنت كعب رضي الله عنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ادع الله أن نرافقك في الجنة، فقال: اللهمَّ اجعلهم رفقائي في الجنة، فقالت: ما أبالي ما أصابني من الدنيا. تنبيه: ثبت في صحيح البخاري (2796) من حديث أنس بن مَالِكٍ رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (.. وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ لَأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا وَلَمَلَأَتْهُ رِيحًا وَلَنَصِيفُهَا عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا) والنصيف هو خمار الرأس، كما فسره به الرواي في موضع آخر (6568) . لكن يظهر أن هذا النصيف من جملة زينتها التي تتجمل بها لزوجها، كما يشعر به سياق الحديث الذي يذكر حسن نساء الجنة وجمالهن. ويؤيده رواية الطبراني في الأوسط (3/281) : " ولتاجها على رأسها خير من الدنيا وما فيها " قال الهيثمي في المجمع (10/774) " إسناده جيد "، وصححه الألباني في صحيح الترغيب. وانظر السؤال رقم (96598) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96619 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 إذا اشتهى أن يصلي الصلوات الخمس في الجنة!! [السُّؤَالُ] ـ[هل إن شاء الله إذا دخلت الجنة برحمة الله يمكن أن أطلب أن أصلي الصلوات الخمس في الجنة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا خلاف بين العلماء في أن الجنة ليست دار تكليف، وإنما هي دار جزاء، فلا تكليف فيها بالصلاة قطعا. ثانيا: إذا اشتهى العبد أن يصلي الصلوات الخمس أو غيرها في الجنة، هل يكون له ذلك؟ جوابه: أن هذا من الغيب الذي يتوقف إثباته على الدليل، ولم نقف على ما يفيد ذلك، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله أن العبادات ترفع في الجنة ولا يبقى إلا عبادة التسبيح والذكر. قال رحمه الله: " فصل في ارتفاع العبادات في الجنة إلا عبادة الذكر فإنها دائمة: روى مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي قال: يأكل أهل الجنة فيها ويشربون، ولا يتمخطون، ولا يتغوطون، ولا يبولون، ويكون طعامهم ذلك جشاء ورشحا كرشح المسك يلهمون التسبيح والحمد كما يلهمون النفس) وفي رواية: (التسبيح والتكبير كما تلهمون) بالتاء، أي تسبيحهم وتحميدهم يجري مع الأنفاس كما تلهمون أنتم النفس " انتهى من "حادي الأرواح" ص 285 والمهم أن يحرص العبد على تحصيل الأسباب التي تقربه إلى الله تعالى، وتدخله جنته. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 91836 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 أهل الجنة سالمون من التشوهات والعيوب الخلقية [السُّؤَالُ] ـ[هل يدخل المؤمن الجنة بعيوبه الخلقية مثل التشوهات الخلقية والسمنة، أم إنه يكون كاملا جسديا؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الذي دلت عليه النصوص أن أهل الجنة يكونون على أجمل هيئة، وأحسن خلقة، جردا مردا، على صورة أبيهم آدم عليه السلام، كما روى الترمذي (2468) عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ جُرْدًا مُرْدًا مُكَحَّلِينَ أَبْنَاءَ ثَلاثِينَ أَوْ ثَلاثٍ وَثَلاثِينَ سَنَةً) والحديث صححه الألباني في صحيح الترمذي. والأجرد: الذي لا شعر له على جسده. والأمرد: الذي لا لحية له. وروى الترمذي أيضا (2462) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَهْلُ الْجَنَّةِ جُرْدٌ مُرْدٌ كُحْلٌ لا يَفْنَى شَبَابُهُمْ وَلا تَبْلَى ثِيَابُهُمْ) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي. وروى البخاري (3006) ومسلم (5063) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الْجَنَّةَ صُورَتُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، لا يَبْصُقُونَ فِيهَا وَلا يَمْتَخِطُونَ وَلا يَتَغَوَّطُونَ، آنِيَتُهُمْ فِيهَا الذَّهَبُ، أَمْشَاطُهُمْ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَمَجَامِرُهُمْ الأَلُوَّةُ وَرَشْحُهُمْ الْمِسْكُ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ، يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ مِنْ الْحُسْنِ، لا اخْتِلافَ بَيْنَهُمْ وَلا تَبَاغُضَ، قُلُوبُهُمْ قَلْبٌ وَاحِدٌ، يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا) . والألوة: العود. فهذا وغيره يدل على أن أهل الجنة تتبدل هيآتهم لتكون على أحسن الهيآت، فليس فيهم تشوهات ولا غيرها مما يعيب. وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 85022 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 هل اللغة العربية هي لغة أهل الجنة [السُّؤَالُ] ـ[نريد أن نعرف ما هي لغة أهل الجنة وهل هي العربية؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لم يرد في القرآن أو في السنة الصحيحة – فيما نعلم - بيان اللغة التي يتكلم بها أهل الجنة، والوارد في ذلك حديث لا يصح عن نبينا صلى الله عليه وسلم، وبعض الآثار. فقد روى الطبراني في الأوسط والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان وغيرهم عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أحبوا العرب لثلاث لأني عربي، والقرآن عربي، وكلام أهل الجنة عربي) . وهذا الحديث حكم عليه ابن الجوزي بالوضع، وقال الذهبي: أظن الحديث موضوعا، وقال الألباني في السلسة الضعيفة (رقم 160) : موضوع. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وكذلك روى أبو جعفر محمد بن عبد الله الحافظ الكوفي المعروف بمطين حدثنا العلاء بن عمرو الحنفي حدثنا يحيى بن زيد الأشعري حدثنا ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أحب العرب لثلاث: لأنه عربي، والقرآن عربي، ولسان أهل الجنة عربي) قال الحافظ السلفي: هذا حديث حسن. فما أدري أراد حسن إسناده على طريقة المحدثين، أو حسن متنه على الاصطلاح العام، وأبو الفرج بن الجوزي ذكر هذا الحديث في الموضوعات، وقال: قال الثعلبي: لا أصل له، وقال ابن حبان: يحيى بن زيد يروي المقلوبات عن الأثبات، فبطل الاحتجاج به، والله أعلم " انتهى من "اقتضاء الصراط المستقيم" (1/158) . وروى الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا عربي، والقرآن عربي، ولسان أهل الجنة عربي) . قال الألباني في السلسلة الضعيفة رقم 161: موضوع. والحاصل أنه لم يرد دليل صحيح يبين اللغة التي يتكلم بها أهل الجنة، ولهذا يتعين السكوت عن هذه المسألة وعدم الخوض فيها وتفويض علمها إلى الله تعالى؛ والانشغال بما يترتب عليه عمل ينفع في تلك الدار. سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: بماذا يخاطب الناس يوم البعث؟ وهل يخاطبهم الله تعالى بلسان العرب؟ وهل صح أن لسان أهل النار الفارسية وأن لسان أهل الجنة العربية؟ فأجاب: " الحمد لله رب العالمين لا يُعلم بأي لغة يتكلم الناس يومئذ، ولا بأي لغة يسمعون خطاب الرب جل وعلا؛ لأن الله تعالى لم يخبرنا بشيء من ذلك ولا رسوله عليه الصلاة والسلام، ولم يصح أن الفارسية لغة الجهنميين، ولا أن العربية لغة أهل النعيم الأبدي، ولا نعلم نزاعا في ذلك بين الصحابة رضي الله عنهم، بل كلهم يكفون عن ذلك لأن الكلام في مثل هذا من فضول القول ... ولكن حدث في ذلك خلاف بين المتأخرين، فقال ناس: يتخاطبون بالعربية، وقال آخرون: إلا أهل النار فإنهم يجيبون بالفارسية، وهى لغتهم في النار. وقال آخرون: يتخاطبون بالسريانية لأنها لغة آدم وعنها تفرعت اللغات. وقال آخرون: إلا أهل الجنة فإنهم يتكلمون بالعربية. وكل هذه الأقوال لا حجة لأربابها لا من طريق عقلٍ ولا نقل بل هي دعاوى عارية عن الأدلة والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم " انتهى من "مجموع الفتاوى" (4/299) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83262 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 مصير الأطفال الذين ماتوا صغارا في الجنة أم في النار [السُّؤَالُ] ـ[هل جميع الأطفال الذين ماتوا قبل البلوغ سيدخلون الجنة أم الأطفال الذين آباؤهم مسلمون فقط؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الكلام يكون إن شاء الله في مقامين: الأول: مصير أطفال المسلمين. والثاني: مصير أطفال الكفار. = أما الأول: وهو مصير أطفال المسلمين: فقد قال ابن كثير رحمه الله: فأما ولدان المؤمنين فلا خلاف بين العلماء كما حكاه القاضي أبو يعلى بن الفراء الحنبلي عن الإمام أحمد أنه قال: لا يختلف فيهم أنهم من أهل الجنة. وهذا هو المشهور بين الناس (أي عامة العلماء) وهو الذي نقطع به إن شاء الله عز وجل أ. هـ " تفسير القرآن العظيم " (3 / 33) . وقال الإمام أحمد رحمه الله: من يشك أن أولاد المسلمين في الجنة؟! وقال أيضا: إنه لا اختلاف فيهم. أ. هـ " حاشية ابن القيم على سنن أبي داود " (7/ 83) . وقال الإمام النووي: أجمع من يعتد به من علماء المسلمين على أن من مات من أطفال المسلمين فهو من أهل الجنة؛ لأنه ليس مكلفا. أ. هـ " شرح مسلم " (16 / 207) . وقال القرطبي: إن قول أنهم في الجنة هو قول الأكثر، وقال: وقد أنكر بعض العلماء الخلاف فيهم. " التذكرة " (2/328) . = وأما الثاني: وهو مصير أطفال الكفار: فقد اختلف العلماء فيه إلى أقوال: 1. أنَّهم في الجنَّة - وبعضهم يقول: إنَّهم على الأعراف، ومردُّ هذا القول أنَّهم في الجنَّة لأن هذا هو حال أهل الأعراف -. وهو قول الأكثر من أهل العلم كما نقله عنهم ابن عبد البر في " التمهيد " (18/96) . ودليلهم: أ. حديث سمرة رضي الله عنه: أنه عليه السلام رأى مع إبراهيم عليه السلام أولاد المسلمين وأولاد المشركين. رواه البخاري (6640) . ب. عن حسناء بنت معاوية من بني صريم قالت حدثني عمي قال قلت يا رسول الله من في الجنة قال النبي في الجنة والشهيد في الجنة والمولود في الجنة والوئيد في الجنة. رواه الإمام أحمد (5/409) . ضعفه الألباني في " ضعيف الجامع " (5997) . 2. أنَّهم مع آبائهم في النار. وقد نسب القاضي أبو يعلى هذا القول لأحمد! وغلَّطه شيخ الإسلام جدّاً. انظر " حاشية ابن القيم على سنن أبي داود " (7/ 87) . ودليلهم: أ. عن سلمة بن قيس الأشجعي قال أتيت أنا وأخي النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا إن أُمّنا ماتت في الجاهلية وكانت تقري الضيف وتصل الرحم وأنها وأدت أختا لنا في الجاهلية لم تبلغ الحنث فقال الوائدة والمؤودة في النار إلا أن تدرك الوائدة الإسلام فتسلم. والحديث حسنه الحافظ ابن كثير في " التفسير " (3/ 33) ، ومن قبله ابن عبد البر في " التمهيد " (18/120) . ب. ولهم أحاديث أخرى، لكنها ضعيفة. 3. التوقف فيهم. وهو قول حماد بن زيد وحماد بن سلمة وابن المبارك وإسحاق بن راهويه. دليلهم: أ. عن ابن عباس سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين قال الله أعلم بما كانوا عاملين. رواه البخاري (1383) ومسلم (2660) . ب. ومثله من حديث أبي هريرة. رواه البخاري (1384) ومسلم (2659) . 4. ومنهم من قال: إنَّهم خدم أهل الجنَّة. قال شيخ الإسلام رحمه الله: ولا أصل لهذا القول. " مجموع الفتاوى " (4/279) . قلت: وقد ورد ذلك في حديث عند الطبراني والبزار، لكن ضعفه الأئمة ومنهم الحافظ ابن حجر في " الفتح " (3/246) . 5. أنَّهم يُمتحنون في الآخرة، فمن أطاع الله دخل الجنة، ومن عصى دخل النار. وهو قول معظم أهل السنة والجماعة كما نقله عنهم أبو الحسن الأشعري، وهو قول البيهقي، وطائفة من المحققين، وهو الذي مال إليه شيخ الإسلام ابن تيمية، وذكر أنه مقتضى نصوص الإمام أحمد، وهو الذي رجحه الحافظ ابن كثير، وقال: وهذا القول يجمع بين الأدلة كلها وقد صرحت به الأحاديث المتقدمة المتعاضدة الشاهد بعضها لبعض. " التفسير " (3/31) . دليلهم: أ. عن أنس قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤتى بأربعة يوم القيامة: بالمولود، والمعتوه، ومن مات في الفترة، والشيخ الفاني، كلهم يتكلم بحجته، فيقول الرب تبارك وتعالى لعُنُق من النار: أُبْرزْ، ويقول لهم: إني كنت أبعث إلى عبادي رسلا من أنفسهم، وإني رسول نفسي إليكم، اُدخلوا هذه (أي النار) ، قال: فيقول من كتب عليه الشقاء: يا رب أنى ندخلها ومنها كنا نفرّ، قال: ومن كتب عليه السعادة يمضي فيقتحم فيها مسرعاً، قال: فيقول الله تعالى أنتم لرسلي أشد تكذيبا ومعصية، فيدخل هؤلاء الجنة وهؤلاء النار". رواه أبو يعلى (4224) ، وله شواهد كثيرة ذكرها الحافظ ابن كثير في " التفسير (3 /29-31) . وقال ابن القيم رحمه الله: وهذا أعدل الأقوال وبه يجتمع شمل الأدلة وتتفق الأحاديث في هذا الباب. وعلى هذا فيكون بعضهم في الجنة كما في حديث سمرة، وبعضهم في النار كما دل عليه حديث عائشة، وجواب النبي صلى الله عليه وسلم يدل على هذا؛ فإنه قال: "الله أعلم بما كانوا عاملين إذْ خلقهم"، ومعلوم أن الله لا يعذبهم بعلمه فيهم ما لم يقع معلومه، فهو إنما يعذب من يستحق العذاب على معلومه وهو متعلق علمه السابق فيه لا على علمه المجدد وهذا العلم يظهر معلومه في الدار الآخرة. وفي قوله: "الله أعلم بما كانوا عاملين": إشارة إلى أنه سبحانه كان يعلم ما كانوا عاملين لو عاشوا، وأن من يطيعه وقت الامتحان كان ممن يطيعه لو عاش في الدنيا، ومن يعصيه حينئذ كان ممن يعصيه لو عاش في الدنيا فهو دليل على تعلق علمه بما لم يكن لو كان كيف كان يكون. .. والله أعلم. أ. هـ " حاشية ابن القيم على سنن أبي داود " (7/87) . = وما جاء في بعض الأحاديث السابقة أنهم في الجنة أو النار لا يشكل على ما رجحناه، قال ابن كثير رحمه الله: أحاديث الامتحان أخص منه فمن علم الله منه أنه يطيع جعل روحه في البرزخ مع إبراهيم وأولاد المسلمين الذين ماتوا على الفطرة ومن علم منه أنه لا يجيب فأمره إلى الله تعالى ويوم القيامة يكون في النار كما دلت عليه أحاديث الامتحان ونقله الأشعري عن أهل السنة. أ. هـ " التفسير " (3 / 33) . = وما جاء من قوله صلى الله عليه وسلم " الله أعلم بما كانوا عاملين ": لا يدل على التوقف فيهم. قال ابن القيم رحمه الله: وفيما استدلت به هذه الطائفة نظر والنبي صلى الله عليه وسلم لم يُجِب فيهم بالوقف وإنما وكل علم ما كانوا يعملونه لو عاشوا إلى الله وهذا جواب عن سؤالهم كيف يكونون مع آبائهم بغير عمل وهو طرف من الحديث … . والنبي صلى الله عليه وسلم وَكَل العلم بعملهم إلى الله، ولم يقل الله أعلم حيث يستقرون أو أين يكونون، فالدليل غير مطابق لمذهب هذه الطائفة. أ. هـ " حاشية ابن القيم على سنن أبي داود " (7/ 85) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 6496 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 لماذا النساء في النار أكثر من الرجال [السُّؤَالُ] ـ[لماذا عدد النساء أكبر من عدد الرجال في جهنم؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن النساء هن أكثر أهل النار فعن عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (اطَّلَعْتُ فِي الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ وَاطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاء) َ. رواه البخاري 3241 ومسلم 2737. أما سبب ذلك فقد سُئل عنه النبي صلى الله عليه وسلم وبَيَّن الجواب: فعَنْ عَبْد ِاللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (َأُرِيتُ النَّارَ فَلَمْ أَرَ مَنْظَرًا كَالْيَوْمِ قَطُّ أَفْظَعَ وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ) قَالُوا: بِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (بِكُفْرِهِنَّ) قِيلَ: يَكْفُرْنَ بِاللَّهِ، قَالَ: (يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ كُلَّهُ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ) رواه البخاري 1052. وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ إِلَى الْمُصَلَّى فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ: (يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ) فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِير مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ) قُلْنَ: وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ) قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: (فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ) قُلْن َ: بَلَى، قَالَ: (فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا) رواه البخاري 304. وعن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلاةَ يَوْمَ الْعِيدِ فَبَدَأَ بِالصَّلاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلا إِقَامَةٍ ثُمَّ قَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى بِلالٍ فَأَمَرَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَحَثَّ عَلَى طَاعَتِهِ وَوَعَظَ النَّاسَ وَذَكَّرَهُمْ ثُمَّ مَضَى حَتَّى أَتَى النِّسَاءَ فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ فَقَالَ: (تَصَدَّقْنَ فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطَبُ جَهَنَّمَ) فَقَامَتِ امْرَأَةٌ مِنْ سِطَةِ النِّسَاءِ سَفْعَاءُ الْخَدَّيْنِ فَقَالَتْ: لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (لأَنَّكُنَّ تُكْثِرْنَ الشَّكَاةَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ) قَالَ: فَجَعَلْنَ يَتَصَدَّقْنَ مِنْ حُلِيِّهِنَّ يُلْقِينَ فِي ثَوْبِ بِلالٍ مِنْ أَقْرِطَتِهِنَّ وَخَوَاتِمِهِنَّ. رواه مسلم 885. وينبغي على الأخوات المؤمنات اللاتي يعلمن بهذا الحديث أن يكون تصرفهن كتصرف هؤلاء الصحابيات اللاتي لما علمن بهذا عملن من الخير ما يكون بإذن الله سبباً في إبعادهن من أن يدخلن ضمن هؤلاء الأكثر. فنصيحتنا للأخوات الحرص على التمسك بشعائر الإسلام وفرائضه لاسيما الصلاة والبعد عما حرمه الله سبحانه وتعالى وبخاصة الشرك بصوره المتعددة التي تنتشر في أوساط النساء مثل طلب الحاجات من غير الله وإتيان السحرة والعرافين ونحو ذلك. نسأل الله أن يبعدنا وجميع إخواننا وأخواتنا عن النار وما قرّب إليها من قول أو عمل. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 21457 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 كيف يعذب إبليس بالنار وهو مخلوق منها؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل إبليس سوف يدخل النار؟ وكيف يدخل النار وهو مخلوق من نار؟ وهل هناك شيء يؤكد كيف سيعذب إبليس؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: أمَّا أن إبليس سيدخل جهنم خالداً فيها: فهذا مما لا شك فيه، وقد ذكر الله تعالى مصيره في الآخرة في عدة آيات، ومنها: 1. قال تعالى: (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ... قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ) الأعراف/12– 18. قال الطبري: وهذا قسم من الله جلّ ثناؤه، أقسم أن من اتبع من بني آدم عدوَّ الله إبليس وأطاعه: أن يملأ جهنم من جميعهم يعني: من كفرة بني آدم أتباع إبليس، ومن إبليس وذرّيته " انتهى باختصار وتصرف يسير. "تفسير الطبري" (8/139) . 2. وقال تعالى: (قَالَ يَا إِبلِيسُ مَا لَكَ أَلا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ ... إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ. وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ. لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ) الحجر/32– 44. قال الشنقيطي رحمه الله: وكل آية فيها ذِكر إضلال إبليس لبني آدم بيَّن فيها أن إبليس وجميع من تبعه كلهم في النار كما قال هنا: (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ. لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ) . "أضواء البيان" (3/131) . 3. وقال تعالى: (قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ * لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ) ص/84، 85. 4. وقال تعالى حاكياً قول الجن: (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً. وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً) الجن/14، 15. ثانياً: أما كيف يعذَّب إبليس في النار وقد خُلق من النار: فالجواب عنه: أنه لا يلزم من كون الجن خلقوا من نار أن يكونوا الآن ناراً، كما أن الإنس خلقوا من تراب وليسوا الآن تراباً. قال أبو الوفاء بن عقيل: " أضاف الشياطين والجان إلى النار حسب ما أضاف الإنسان إلى التراب والطين والفخار، والمراد به في حق الإنسان أن أصله الطين، وليس الآدمي طيناً حقيقة، لكنه كان طيناً، كذلك الجان كان ناراً في الأصل " انتهى. "لقط المرجان في أحكام الجان" (ص 33) بواسطة "عالم الجن والشياطين" (ص 58) . وإذا كان الإنس خلقوا من تراب وقليل منه يؤذيهم، وإن دفنوا تحته ماتوا، وإن ضربوا به (الفخار مثلا) جرحوا أو ماتوا، فكذلك ليس غريباً أن يكون الجن قد خلقوا من النار، ويعذبون بنار جهنم. والجن خلقهم الله تعالى من نار، ولكنهم ليسوا الآن ناراً، والأدلة على ذلك كثيرة، منها: 1. عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي فأتاه الشيطان فأخذه فصرعه فخنقه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حتى وجدت برد لسانه على يدي، ولولا دعوة أخي سليمان عليه السلام لأصبح موثقا حتى يراه الناس) رواه النسائي في "السنن الكبرى" (6 / 442) ، وصححه ابن حبان (6 / 115) . 2. عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعناه يقول: أعوذ بالله منك ثم قال: ألعنك بلعنة الله ثلاثا وبسط يده كأنه يتناول شيئا، فلما فرغ من الصلاة قلنا: يا رسول الله قد سمعناك تقول في الصلاة شيئا لم نسمعك تقوله قبل ذلك ورأيناك بسطت يدك، قال: إن عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي فقلت: أعوذ بالله منك ثلاث مرات ثم قلت: ألعنك بلعنة الله التامة فلم يستأخر، ثلاث مرات، ثم أردت أخذه، والله لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقا يلعب به ولدان أهل المدينة. رواه مسلم (542) . فمن هذين الحديثين يتبين لنا أن الجن الآن ليسوا ناراً؛ ويدل على ذلك: ما وجده رسول الله صلى الله عليه وسلم من برد لسان الشيطان، كما في الحديث الأول، وأن الشيطان لو كان باقيًا على ناريته ما احتاج أن يأتي بشهاب ليجعله في وجه النبي صلى الله عليه وسلم، ولما استطاع الولدان أن يلعبوا به. 3. ومن الأدلة – كذلك -: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم) رواه البخاري (1933) ومسلم (2175) . ولو كان الشيطان ناراً لاحترق الإنسان؛ لأن الشيطان داخله، فتبين الفرق بين كون الشيطان ناراً وكونه مخلوقاً من نار. ولو كان الشيطان ناراً الآن –على سبيل الفرض- وأراد الله أن يعذبه بنار جهنم، فإن الله تعالى على كل شيء قدير، ولا يعجزه شيء سبحانه وتعالى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 70276 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 ما صحة حديث إحياء أبوي النبي صلى الله عليه وسلم؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما صحة الحديث القائل بإحياء أم النبي محمد صلى الله عليه وسلم فآمنت به ثم ماتت؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لم يصح حديث في أن الله تعالى أحيا أبوي النبي صلى الله عليه وسلم وأنهما آمنا به ثم ماتا، بل الأحاديث الصحيحة الثابتة تدل على أنهما ماتا على الكفر، وأنهما من أهل النار. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله عليه وسلم: (اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي) رواه مسلم (976) . وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أَنَّ رَجُلا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيْنَ أَبِي؟ قَالَ: فِي النَّارِ. فَلَمَّا قَفَّى دَعَاهُ، فَقَالَ: إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ. رواه مسلم (203) . ومما يدل على عدم صحة هذه الأحاديث: أن هذا الأمر لو وقع لاشتهر وانتشر، لأنه يكون آية عظيمة من آيات الله تعالى، فتتوفر الدواعي على نقلها. وقد حكم أئمة العلم المحققون على هذه الأحاديث الواردة بأنها موضوعة مكذوبة. عن عائشة رضي الله عنها قالت: حجَّ بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، فمرَّ بي على عقبة الحجون وهو باكٍ حزين مغتم، فبكيتُ لبكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إنه نزل فقال: يا حميراء استمسكي، فاستند إلى البعير فمكث عني طويلاً، ثم إنه عاد إليَّ وهو فرح مبتسم، فقلت له: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، نزلت من عندي وأنت حزين مغتم فبكيت لبكائك، ثم إنك عدت إليّ وأنت فرح مبتسم، فعَمَ ذا يا رسول الله؟ فقال: ذهبت لقبر أمي آمنة فسألت الله أن يحييها فأحياها، فآمنت بي وردها الله عز وجل. رواه ابن شاهين في " الناسخ والمنسوخ " والخطيب البغدادي في " السابق اللاحق " – كما قال السيوطي في " الحاوي " (2 / 440) -. قال ابن الجوزي: " هذا حديث موضوع بلا شك، والذي وضعه قليل الفهم عديم العلم، إذ لو كان له علم لعلم أن من مات كافراً لا ينفعه أن يؤمن بعد الرجعة، لا؛ بل لو آمن عند المعاينة لم ينتفع، ويكفي رد هذا الحديث قوله تعالى: (فيمت وهو كافر) وقوله في الصحيح: (استأذنت ربي في أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي) وقد كان أقوام يضعون أحاديث ويدسونها في كتب المغفلين فيرويها أولئك، قال شيخنا أبو الفضل بن ناصر: هذا حديث موضوع وأم رسول الله صلى الله عليه وسلم ماتت بالأبواء بين مكة والمدينة ودفنت هناك وليست بالحجون " انتهى. "الموضوعات" (1/283) . الحجون: موضع بمكة. وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله: " وأما الحديث الذي ذكره السهيلي وذكر أن في إسناده مجهولين إلى أبي الزناد عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل ربه أن يحيي أبويه، فأحياهما وآمنا به: إنه حديث منكر جدّاً، وإن كان ممكناً بالنظر إلى قدرة الله تعالى، لكن الذي ثبت في الصحيح يعارضه " انتهى. "البداية " (2/261) . وقال ملا علي القاري عن هذا الحديث: " موضوع، كما قال ابن دحية، وقد وضعت في هذه المسألة رسالة مستقلة " انتهى. "الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة" (ص 83) . وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: هل صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن الله تبارك وتعالى أحيا له أبويه حتى أسلما على يديه ثم ماتا بعد ذلك؟ فأجاب: " لم يصح ذلك عن أحد من أهل الحديث ; بل أهل المعرفة متفقون على أن ذلك كذب مختلق، وإن كان قد روى في ذلك أبو بكر - يعني الخطيب - في كتابه "السابق واللاحق" وذكره أبو القاسم السهيلي في "شرح السيرة" بإسناد فيه مجاهيل، وذكره أبو عبد الله القرطبي في "التذكرة" وأمثال هذه المواضع، فلا نزاع بين أهل المعرفة أنه من أظهر الموضوعات كذباً، كما نص عليه أهل العلم، وليس ذلك في الكتب المعتمدة في الحديث ; لا في الصحيح ولا في السنن ولا في المسانيد ونحو ذلك من كتب الحديث المعروفة، ولا ذكره أهل كتب المغازي والتفسير، وإن كانوا قد يروون الضعيف مع الصحيح، لأن ظهور كذب ذلك لا يخفى على متدين، فإن مثل هذا لو وقع لكان مما تتوافر الهمم والدواعي على نقله، فإنه من أعظم الأمور خرقا للعادة من وجهين: من جهة إحياء الموتى، ومن جهة الإيمان بعد الموت. فكان نقل مثل هذا أولى من نقل غيره، فلما لم يروه أحد من الثقات عُلِم أنه كذب. ثم هذا خلاف الكتاب والسنة الصحيحة والإجماع. قال الله تعالى: (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما) وقال: (وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار) . فبين الله تعالى: أنه لا توبة لمن مات كافراً. وقال تعالى: (فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون) فأخبر أن سنته في عباده أنه لا ينفع الإيمان بعد رؤية البأس ; فكيف بعد الموت؟ ونحو ذلك من النصوص. . . " انتهى باختصار. "مجموع الفتاوى" (4/325) . وبعض أهل التصوف لم يستطع تصحيح هذه الأحاديث وفق القواعد الحديثية فصححها بالكشف! يقول البيجوري: " ولعل هذا الحديث - حديث إحياء والدي النبي صلى الله عليه وسلم وإيمانهما ثم موتهما- صح عند أهل الحقيقة بطريق الكشف " انتهى. "جوهرة التوحيد" (ص 30) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله رادّاً على مثل هذا: " وعامة هؤلاء إذا خوطبوا ببيان فساد قولهم قالوا من جنس قول النصارى: هذا أمر فوق العقل! ويقول بعضهم: يثبت عندنا في الكشف ما يناقض صريح العقل " انتهى باختصار. "الجواب الصحيح" (2/92) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 70297 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 لا يلزم من دخول أحد الزوجين الجنة أن يدخلها الآخر [السُّؤَالُ] ـ[هل صحيح أنه إذا دخل أحد الزوجين الجنة فإنه (أو إنها) سيدخل رفيقه الجنة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس بالضرورة أنه إذا دخل أحد الزوجين الجنة أن يدخل الآخر، ويكفي لتخطئة هذا القول مصير زوجة نوح ولوط عليهما السلام، فهما في النار وزوجاهما من النبيين. قال الله تعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ) التحريم/10. قال ابن كثير: قال تعالى: {ضرب الله مثلا للذين كفروا} أي: في مخالطتهم المسلمين ومعاشرتهم لهم أن ذلك لا يجدي عنهم شيئاً ولا ينفعهم عند الله إن لم يكن الإيمان حاصلاً في قلوبهم، ثم ذكر المثل فقال {امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبديْن من عبادنا صالحين} أي: نبيين رسولين عندهما في صحبتهما ليلا ونهارا يؤاكلانهما ويضاجعانهما ويعاشرانهما أشد العشرة والاختلاط، {فخانتاهما} أي: في الإيمان لم يوافقاهما على الإيمان ولا صدقاهما في الرسالة فلم يجد ذلك كله شيئاً ولا دفع عنهما محذوراً، ولهذا قال تعالى {فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً} أي: لكفرهما وقيل للمرأتين {ادخلا النار مع الداخلين} . " تفسير ابن كثير " (4 / 394) . لكن يرجى إن دخل واحد من الزوجين الجنة وكان في درجة أعلى من زوجه أو ذريته أن يلحقهم الله تعالى به. والذرية يستفيدون من صلاح آبائهم في ارتفاعهم معهم في الجنة إذا دخلوها قال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) الطور/21. والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 10144 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 صفات الحور العين في الكتاب والسنة [السُّؤَالُ] ـ[ما وصف الحور العين مما ورد في الكتاب والسنة؟ والزوجة الصالحة في الدنيا ماذا يكون شكلها أو وصفها في الجنة إذا أراد الله لها الجنة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إن رضى الرحمن ودخول الجنان هو غاية ما يتمناه المؤمن والمؤمنة، فإذا خرج من الدنيا وقد فاز برضوان الله فليبشر بعد ذلك بالخير كله، فإذا دخل الجنة فلا يسأل بعد ذلك عن النعيم المقيم، الذي لم تره عين، ولم تسمع به أذن، ولم يخطر على قلب بشر، فيحصل له كل ما يتمناه بأحسن أحواله، وكل ما يطلبه مجاب، وكل ما يشتهيه في متناوله، ولا يمكن أبداً أن يجد ما يعكر صفوه لأنه في ضيافة الرحمن كما قال سبحانه: (وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ. نُزُلا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) فصلت/31،32. ومن أحسن ما تشتهيه الأنفس في الآخرة للرجال نساء الجنة، وهن الحور العين، وللنساء ما يقابله من النعيم، ومن حكمة الله العظيمة أن الله لم يذكر ما للنساء مقابل الحور العين للرجال، لأن ذلك من دواعي الخجل وشدة الحياء، فكيف يرغبهن في الجنة بما يثير حياءهن ويستحيين من ذكره والكلام فيه، فاكتفى سبحانه بالإشارة إليه كما في قوله: (وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ) فصلت/31. وقد جاء في كتاب الله تعالى وصف للحور العين في أكثر من موضع، ومن ذلك: 1. قوله تعالى في ذكر جزاء أهل الجنة: (وَحُورٌ عِينٌ. كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ) الواقعة/22، 23. قال السعدي رحمه الله: " أي: ولهم حور عين، والحوراء: التي في عينها كحل وملاحة، وحسن وبهاء، والعِين: حسان الأعين وضخامها، وحسن العين في الأنثى من أعظم الأدلة على حسنها وجمالها. (كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ) أي: كأنهن اللؤلؤ الأبيض الرطب الصافي البهي، المستور عن الأعين والريح والشمس، الذي يكون لونه من أحسن الألوان، الذي لا عيب فيه بوجه من الوجوه، فكذلك الحور العين، لا عيب فيهن بوجه، بل هن كاملات الأوصاف، جميلات النعوت. فكل ما تأملته منها لم تجد فيه إلا ما يسر الخاطر ويروق الناظر " انتهى. " تفسير السعدي " (ص 991) . 2. قوله تعالى: (كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ) الرحمن/58. قال الطبري رحمه الله: " قال ابن زيد في قوله (كأنهن الياقوت والمرجان) : كأنهن الياقوت في الصفاء , والمرجان في البياض، الصفاء صفاء الياقوتة، والبياض بياض اللؤلؤ " انتهى. " تفسير الطبري " (27 / 152) . 3. قوله تعالى في وصف نساء الجنة في سورة الواقعة: (إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً. فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا. عُرُبًا أَتْرَابًا) الواقعة/35-37. قال ابن كثير رحمه الله: " قوله (عُرُباً) : قال سعيد بن جبير عن ابن عباس يعني: متحببات إلى أزواجهن، وعن ابن عباس: العُرُب العواشق لأزواجهن , وأزواجهن لهن عاشقون ......... وقوله (أَتْرَابا) قال الضحاك عن ابن عباس يعني: في سن واحدة ثلاث وثلاثين سنة ........ وقال السدي: (أترابا) أي: في الأخلاق المتواخيات بينهن ليس بينهن تباغض ولا تحاسد، يعني: لا كما كن ضرائر متعاديات " انتهى. " تفسير ابن كثير " (4 / 294) . وقال الحافظ ابن حجر: عن مجاهد في قوله (عُرُباً أتراباً) قال: هي المحببة إلى زوجها. " فتح الباري " (8 / 626) . 4. وقال تعالى في وصفهن: (فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ) الرحمن/70. قال ابن القيم: ووصفهن بأنهن خيرات حسان وهو جمع خَيْرة وأصلها خَيّرة وهي التي قد جمعت المحاسن ظاهرا وباطنا , فكمل خلقها وخلقها فهن خيرات الأخلاق , حسان الوجوه. " روضة المحبين " (ص 243) . 5. ووصفهن بالطهارة فقال: (وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) البقرة/25. قال ابن القيم: ووصفهن بالطهارة فقال: (ولهم فيها أزواج مطهرة) طهرن من الحيض والبول والنجو (الغائط) وكل أذى يكون في نساء الدنيا، وطهرت بواطنهن من الغيرة وأذى الأزواج وتجنيهن عليهم وإرادة غيرهم. " روضة المحبين " (ص 243، 244) . 6. ووصفهن تعالى بأنهن قاصرات أطرافهن عن غير أزواجهن فقال: (فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ) الرحمن/56، وقال: (حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ) الرحمن/72. قال ابن القيم: ووصفهن بأنهن (مقصورات في الخيام) أي: ممنوعات من التبرج والتبذل لغير أزواجهن، بل قد قُصِرْن على أزواجهن، لا يخرجن من منازلهم، وقَصَرْنَ عليهم فلا يردن سواهم، ووصفهن سبحانه بأنهن (قاصرات الطرف) وهذه الصفة أكمل من الأولى، فالمرأة منهن قد قصرت طرفها على زوجها من محبتها له ورضاها به فلا يتجاوز طرفها عنه إلى غيره. " روضة المحبين " (ص 244) . هذا طرف من ذكرهن في القرآن، وقد جاء في السنة ما تحار فيه العقول في وصف جمالهن وحسنهن، ومن ذلك: 1. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر , ثم الذين يلونهم كأشد كوكب دري في السماء إضاءة , قلوبهم على قلب رجل واحد لا اختلاف بينهم ولا تباغض , لكل امرئ منهم زوجتان من الحور العين , يرى مخ سوقهن من وراء العظم واللحم من الحسن) رواه البخاري (3081) ومسلم (2834) . قال ابن حجر رحمه الله: الحور التي يحار فيها الطرف يبان مخ سوقهن من وراء ثيابهن , ويرى الناظر وجهه في كبد إحداهن كالمرآة من رقة الجلد وصفاء اللون. " فتح الباري " (8 / 570) . 2. وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت إلى الأرض لأضاءت ما بينهما , ولملأت ما بينهما ريحا , ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها) رواه البخاري (2643) . فلو أطلت بوجهها لأضاءت ما بين السماء والأرض، فأي نور وجمال في وجهها! وطيبُ ريحها يملأ ما بين السماء والأرض، فما أجمل ريحها! وأما لباسها؛ فإن كان المنديل الذي تضعه على رأسها خير من جمال الدنيا وما فيها من متاع وروعة وطبيعة خلابة وقصور شاهقة وغير ذلك من أنواع النعيم، فسبحان خالقها ما أعظمه، وهنيئا لمن كانت له وكان لها. ثانياً: وحال المؤمنة في الجنة أفضل من حال الحور العين وأعلى درجة وأكثر جمالا، وقد ورد في ذلك بعض الأحاديث والآثار ولكن لا يثبت منها شيء، ولكن المرأة الصالحة من أهل الدنيا إذا دخلت الجنة فإنما تدخلها جزاء على العمل الصالح وكرامة من الله لها لدينها وصلاحها، أما الحور التي هي من نعيم الجنة فإنما خلقت في الجنة من أجل غيرها وجعلت جزاء للمؤمن على العمل الصالح، وشتان بين من دخلت الجنة جزاء على عملها الصالح، وبين من خلقت ليُجَازَى بها صاحب العمل الصالح، فالأولى ملكة سيدة آمرة، والثانية على عظم قدرها وجمالها إلا أنها لا شك دون الملكة وهي مأمورة من سيدها المؤمن الذي خلقها الله تعالى جزاء له. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل الأوصاف التي ذكرت للحور العين تشمل نساء الدنيا؟ فأجاب: الذي يظهر لي أن نساء الدنيا يكنَّ خيراً من الحور العين، حتى في الصفات الظاهرة، والله أعلم. " فتاوى نور على الدرب ". نسأل الله العظيم أن يؤتينا أفضل ما يؤتي عباده الصالحين. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 60188 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 ماذا يحصل للمرأة في الجنة إذا كان زوجها من أهل النار؟ [السُّؤَالُ] ـ[لقد ذكر في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة العديد من الأذكار التي تصف ما سوف يجده المسلم الداخل إلى الجنة بإذن الله من ثواب ونعم وأخص بالذكر هنا الحور العين إضافة إلى أن يجمعه الله تعالى بزوجته إذا كانت من المؤمنات الصالحات. وسؤالي هو: ماذا ينتظر المرأة المؤمنة الصالحة الداخلة إلى الجنة خصوصا إذا كان الزوج غير صالح، ومن أصحاب جهنم والعياذ بالله؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نسأل الله أن يجعلنا وإياك من أهل الجنة، مع سائر الأهل والأحبة. إذا دخل زوج المرأة معها الجنة، كان زوجَها هناك أيضا، أما إذا كان من أهل النار، أو كانت الفتاة لم تتزوج في الدنيا، فإنها تزوج برجل من أهل الجنة. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ما نصه: إذا كانت المرأة من أهل الجنة ولم تتزوج في الدنيا، أو تزوجت ولم يدخل زوجها الجنة فمن يكون لها؟ فأجاب: " الجواب يؤخذ من عموم قوله تعالى: (وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ) فصلت/31، ومن قوله تعالى: (وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) الزخرف/71، فالمرأة إذا كانت من أهل الجنة ولم تتزوج، أو كان زوجها ليس من أهل الجنة فإنها إذا دخلت الجنة فهناك من أهل الجنة من لم يتزوجوا من الرجال، وهم –أعني من لم يتزوجوا من الرجال- لهم زوجات من الحور، ولهم زوجات من أهل الدنيا إذا شاءوا واشتهت ذلك أنفسهم. وكذلك نقول بالنسبة للمرأة إذا لم تكن ذات زوج، أو كانت ذات زوج في الدنيا ولكنه لم يدخل معها الجنة أنها إذا اشتهت أن تتزوج فلابد أن يكون لها ما تشتهيه لعموم هذه الآيات " اهـ من مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين 2/52 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 59896 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 ما حكم رسم الفنان للجنة تخيلا [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم رسم الفنان للجنة تخيلا بما وصفها الرسول صلى الله على وسلم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز، ولا يمكن لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن ربه عز وجل في وصف الجنة: (أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ. فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) . رواه البخاري (3244) ومسلم (3824) . وهذا الرسم يؤدي إلى التقليل والتهوين من نعيم الجنة فنكتفي بالوصف كما ورد في القرآن الكريم والسنة وكما عرضها النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه، والله الموفق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 22723 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 حياة الآخرة لا فناء بعدها [السُّؤَالُ] ـ[هل سيعيش البشر إلى الأبد في الآخرة أم إلى أن يشاء الله؟ ما المعتقد الإسلامي في ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله كتب الله تعالى على هذه الدنيا الفناء، وكتب على أهلها الموت، قال تعالى {كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} الرحمن / 26، 27، وقال تعالى {كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون} العنكبوت / 75. ثم يبعث الله تعالى العباد ويحييهم حياة أبدية لا نهاية لها، ويحاسبهم على أعمالهم فيجازي المحسن بإحسانه، والمسيء على إساءته، فينقسم الخلق قسمين فريق في الجنة، وفريق في السعير، فأهل الجنة خالدون فيها أبداً، وأهل النار من الكفار خالدون فيها كذلك أبداً. وقد جاءت الآيات والأحاديث الصحيحة مصرِّحة بهذا، ومنها: 1- قال تعالى: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلا ظليلا} النساء / 57. قال الطبري: {خالدين فيها أبداً} : يقول: باقين فيها أبداً، بغير نهاية ولا انقطاع، دائم ذلك لهم فيها أبداً. " تفسير الطبري " (5 / 144) . 2 - وقال: {قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم} المائدة / 119. 3- وقال: {إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقاً إلا طريق جهنم خالدين فيها أبداً وكان ذلك على الله يسيراً} النساء / 169. 4- وقال: {إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيراً. خالدين فيها أبدا لا يجدون وليا ولا نصيراً} الأحزاب / 64، 65. 5 - وقال تعالى: (إِلا بَلاغًا مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا) الجن / 23 قال ابن كثير: {خالدين فيها أبداً} : أي: ماكثين مستمرين، فلا خروج لهم منها، ولا زوال لهم عنها. " تفسير ابن كثير " (3 / 520) . 6- وأخبر الله تعالى عن الكفار أنهم لن يموتوا في النار ولن يحيون حياة طيبة، فقال: {إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيا} طه / 74، وقال {ثم لا يموت فيها ولا يحيا} الأعلى / 13. قال القرطبي: {ثم لا يموت فيها ولا يحيى} : أي: لا يموت فيستريح من العذاب، ولا يحيا حياة تنفعه. " تفسير القرطبي " (20 / 21) . 7- وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح فينادي مناد: يا أهل الجنة فيشرئبون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم هذا الموت، وكلهم قد رآه، ثم ينادي: يا أهل النار فيشرئبون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم هذا الموت، وكلهم قد رآه، فيذبح، ثم يقول: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت، ثم قرأ {وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة} وهؤلاء في غفلة أهل الدنيا {وهم لا يؤمنون} . رواه البخاري (4453) ومسلم (2849) . وفي رواية ابن عمر في البخاري (6182) ومسلم (2850) : " فيزداد أهل الجنة فرحاً إلى فرحهم، ويزداد أهل النار حزناً إلى حزنهم ". قال ابن القيم: وهذا الكبش والإضجاع والذبح ومعاينة الفريقين ذلك: حقيقة، لا خيال ولا تمثيل كما أخطأ فيه بعض الناس خطا قبيحا، وقال: الموت عرَض، والعرَض لا يتجسَّم فضلا عن أن يذبح. وهذا لا يصح؛ فان الله سبحانه ينشئ من الموت صورة كبش يذبح، كما ينشئ من الأعمال صوراً معاينة يثاب بها ويعاقب، والله تعالى ينشئ من الأعراض أجساماً تكون الأعراض مادة لها، وينشئ من الأجسام أعراضاً، كما ينشئ سبحانه وتعالى من الأعراض أعراضاً، ومن الأجسام أجساماً، فالأقسام الأربعة ممكنة مقدورة للرب تعالى، ولا يستلزم جمعاً بين النقيضين، ولا شيئاً من المحال، ولا حاجة إلى تكلف من قال إن الذبح لملك الموت، فهذا كله من الاستدراك الفاسد على الله ورسوله والتأويل الباطل الذي لا يوجبه عقل ولا نقل وسببه قله الفهم لمراد الرسول.. " حادي الأرواح " (ص 283، 284) . 8- وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يدخل أهل الجنةِ الجنةَ وأهل النارِ النارَ، ثم يقوم مؤذن بينهم: يا أهل النار لا موت، ويا أهل الجنة لا موت، خلود ". رواه البخاري (6178) ومسلم (2850) . 9- وعن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ينادي مناد (يعني في أهل الجنة) إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً، وإن لكم أن تحيَوا فلا تموتوا أبداً، وإن لكم أن تشِبُّوا فلا تهرموا أبداً، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً، فذلك قوله عز وجل {ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون} . رواه مسلم (2827) . فبادر أيها المسلم بالأعمال الصالحة في هذه الدنيا، فإنها أيام قلائل ثم تنتقل إلى حياة الأبد، فإما إلى جنة نعيمها لا ينفد، وإما إلى نار حرها إلى الأبد.. فالبدار البدار وإياك والتسويف فإن أكثر صياح أهل النار من سوف. جعلنا الله وإياك من أهل الجنة آمين. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 10087 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 من هم اليهود والنصارى الذين يدخلون الجنة [السُّؤَالُ] ـ[كيف نجمع بين قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَءَامَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْءَامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (وبين أن من لم يؤمن من اليهود والنصارى بالإسلام فلن يدخل الجنة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الآية التي أشرت إليها في سؤالك مذكورة في موضعين متشابهين من كتاب الله، فالأول هو قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَءَامَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْءَامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) سورة البقرة والثاني هو قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ ءامَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ ءامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (69) سورة المائدة وحتى نفهم المراد من الآيتين فهما صحيحا فلا بدّ أن نرجع إلى علماء التفسير، قال الإمام الكبير إسماعيل بن كثير رحمه الله في تفسير آية البقرة: نبه تعالى على أن من أحسن من الأمم السالفة وأطاع فإن له جزاء الحسنى وكذلك الأمر إلى قيام الساعة كل من اتبع الرسول النبي الأمي فله السعادة الأبدية ولا خوف عليهم فيما يستقبلونه ولا هم يحزنون على ما يتركونه ويخلّفونه كما قال تعالى "ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون" وكما تقول الملائكة للمؤمنين عند الاحتضار في قوله "إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون".. فكان إيمان اليهود أنه من تمسك بالتوراة وسنة موسى عليه السلام حتى جاء عيسى فلما جاء عيسى كان من تمسك بالتوراة وأخذ بسنة موسى فلم يدعها ولم يتبع عيسى كان هالكا، وإيمان النصارى أن من تمسك بالإنجيل منهم وشرائع عيسى كان مؤمنا مقبولا منه حتى جاء محمد صلى الله عليه وسلم فمن لم يتبع محمدا صلى الله عليه وسلم منهم ويدع ما كان عليه من سنة عيسى والإنجيل كان هالكا. (وقوله تعالى) "ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين".. إخبار عن أنه لا يقبل من أحد طريقة ولا عملا إلا ما كان موافقا لشريعة محمد صلى الله عليه وسلم بعد أن بعثه به فأما قبل ذلك فكل من اتبع الرسول في زمانه فهو على هدى وسبيل ونجاة فاليهود أتباع موسى عليه السلام والذين كانوا يتحاكمون إلى التوراة في زمانهم.. فلما بعث عيسى صلى الله عليه وسلم وجب على بني إسرائيل اتباعه والانقياد له فأصحابه وأهل دينه هم النصارى.. فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم خاتما للنبيين ورسولا إلى بني آدم على الإطلاق وجب عليهم تصديقه فيما أخبر وطاعته فيما أمر والانكفاف عما عنه زجر وهؤلاء هم المؤمنون حقا وسميت أمة محمد صلى الله عليه وسلم مؤمنين لكثرة إيمانهم وشدة إيقانهم ولأنهم يؤمنون بجميع الأنبياء الماضية والغيوب الآتية. ثم قال رحمه الله في تفسير آية المائدة: والمقصود أن كل فرقة آمنت بالله وباليوم الآخر وهو الميعاد والجزاء يوم الدين وعملت عملا صالحا ولا يكون ذلك كذلك حتى يكون موافقا للشريعة المحمدية بعد إرسال صاحبها المبعوث إلى جميع الثقلين فمن اتصف بذلك فلا خوف عليهم فيما يستقبلونه ولا على ما تركوا وراء ظهورهم ولا هم يحزنون. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2912 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 ما هو مصير أختها التي عانت من امراض خطيرة ومؤلمة قبل الموت [السُّؤَالُ] ـ[توفيت أختي البالغة من العمر 14 عاماً وأنا أريد أن أعرف أين ذهبت هل الى الجنة أم الى النار حيث أنها عانت الكثير من أمراض عديدة ومن هذه الأمراض أن جسمها كان هشاً أي ينجرح بسهولة ويخرج منه الدم الذي اثر على جسمها داخلياً وخارجياً ولقد سبب لها ألماً كثيراً والعديد من العمليات وتضخم الكبد وسرطان الجلد وعانت في آخر أيامها من فشل كلوي وكانت على أجهزة تنظيف الكلى لمدة 4 شهور وذلك تحت ألم شديد ومأساة موجعة. لقد كان موتها فجائياً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من عقيدة أهل السنة والجماعة ألا يُقطع لأحدٍٍ من أهل القبلة بجنة ولا نار إلا من شهد له الله أو رسوله بذلك، لأن الشهادة بذلك لأحد من الناس لا تعلم إلا من جهة الوحي. والوحي قد انقطع بموت النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يعلم حقيقة الخواتم وخبايا النفوس إلا الله الذي خلقها. إلا أن المسلم الموحد لابد له من دخول الجنة إذا شهد الشهادتين وقام بحقوقهما، وقد يعذبه الله على ما اقترف من الذنوب وقد يعفو عنه، ولكن آخر أمره سيكون إلى الجنة ولابد تصديقا لوعد الله المبشر بذلك. وقد ثبت في النصوص أن من كان سنّه دون سن البلوغ من أطفال المسلمين أنه اذا مات يكون في رعاية نبي الله إبراهيم صلى الله عليه وسلم وزوجته سارة وأنه يكون شفيعاً لوالديه يوم القيامه. وأما من عاش الى مابعد البلوغ فإنه يجازى بأعماله إن خيراً فخير وإلا فإنه يكون تحت مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له. وماذكرته الأخت السائلة من تعرض أختها- رحمها الله- إلى البلاء المذكور في سؤالها فلعله إن شاء الله رفعة لها في درجتها عند الله فالمؤمن لا يصيبه هم ولا حزن إلا كّفر الله له به من خطاياه. وقد ثبت في الأحاديث أن من مات بمرض بطنه "المبطون" أنه شهيد، وسيتمنى أهل العافية يوم القيامة عندما يرون ما لأهل البلاء من الأجر أن جلودهم قرضت في الدنيا بالمقاريض. ولذا فإننا نرجو لأختك إن ماتت وهي صابرة على ما أصابها مؤمنة بالله قائمة بما استطاعت من فرائضه أن لها عند الله أجراً عظيماً ومنزلة كريمة. نسأل الله أن يرحمنا وإياها إنه سميع مجيب. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 14567 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 ماذا للنساء في الجنة [السُّؤَالُ] ـ[امرأة تسأل وتقول: أنا مؤمنة بالله وبكتابه حق الإيمان والحمد لله إيماني بالله يقوى يوماً بعد يوم … سؤالي هو: أنّ القرآن الكريم دائماً يذكر الجزاء في الآخرة تكراراً ومراراً للرجال والحور العين والناس يقولون أن الإسلام دين السيطرة فيه للرجل فلماذا لم يذكر الجزاء للمرأة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أيتها الأخت السائلة ما دمت تؤمنين بالله وبكتابه فلا بدّ أنّك تعلمين أنّ الله قال في كتابه الكريم وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) الكهف إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُنْ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40) النساء لقد أنزل الله هذه الشريعة للرجال والنساء سواء وكلّ خطاب للرجال في القرآن فهو خطاب للنساء وكلّ حكم خوطب به الرّجال فالنساء مخاطبات به إلا ما دلّ الدليل على التفريق بينهما كأحكام الجهاد والحيض والمحرم والولاية وغير ذلك. والدليل على أنّ خطاب الشارع وإن جاء بصيغة المذكّر فإنّ النساء داخلات فيه ما جاء عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرَّجُلِ يَجِدُ الْبَلَلَ وَلا يَذْكُرُ احْتِلامًا قَالَ يَغْتَسِلُ وَعَنِ الرَّجُلِ يَرَى أَنَّهُ قَدِ احْتَلَمَ وَلا يَجِدُ الْبَلَلَ قَالَ لا غُسْلَ عَلَيْهِ فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ الْمَرْأَةُ تَرَى ذَلِكَ أَعَلَيْهَا غُسْلٌ قَالَ نَعَمْ إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ ": رواه أبو داود والترمذي 113وغيرهما والعبارة الأخيرة منه " إنما النساء.. في صحيح الجامع 2333 وأما بالنسبة للجزاء في الآخرة وماذا للمرأة في الجنّة فإليك هذه الطائفة من الآيات والأحاديث: عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ لا أَسْمَعُ اللَّهَ ذَكَرَ النِّسَاءَ فِي الْهِجْرَةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195) آل عمران والحديث رواه الترمذي رقم 3023 قال ابن كثير رحمه الله: (يقول تعالى "فاستجاب لهم ربهم" أي فأجابهم ربهم.. وقوله تعالى "أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى" هذا تفسير للإجابة أي قال لهم مخبرا أنه لا يضيع عمل عامل منكم لديه بل يوفي كل عامل بقسط عمله من ذكر أو أنثى وقوله "بعضكم من بعض" أي جميعكم في ثوابي سواء..) وقال الله تعالى: (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنْ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124) النساء قال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية: " بيان إحسانه وكرمه ورحمته في قبول الأعمال الصالحة من عباده ذكرانهم وإناثهم بشرط الإيمان وأنه سيدخلهم الجنة ولا يظلمهم من حسناتهم ولا مقدار النقير وهو النقرة التي في ظهر نواة التمرة.. " وقال عزّ وجلّ: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97) النحل قال ابن كثير رحمه الله: " هذا وعد من الله تعالى لمن عمل صالحا وهو العمل المتابع لكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم من ذكر أو أنثى من بني آدم وقلبه مؤمن بالله رسوله وإن هذا العمل المأمور به مشروع من عند الله بأن يحييه الله حياة طيبة في الدنيا وأن يجزيه بأحسن ما عمله في الدار الآخرة والحياة الطيبة تشتمل وجوه الراحة من أي جهة كانت " وقال الله تعالى: (من عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلاّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (40) غافر وأخيرا إليكِ أيتها الأخت السائلة هذا الحديث الذي سيقضي تماما بإذن الله على كلّ وسوسة في صدرك بشأن ذكر النساء: عَنْ أُمِّ عُمَارَةَ الأَنْصَارِيَّةِ أَنَّهَا أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ مَا أَرَى كُلَّ شَيْءٍ إِلاّ لِلرِّجَالِ وَمَا أَرَى النِّسَاءَ يُذْكَرْنَ بِشَيْءٍ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةَ (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) الآيَةَ رواه الترمذي 3211 وهو في صحيح الترمذي 2565 وفي مسند الإمام أحمد عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَنَا لا نُذْكَرُ فِي الْقُرْآنِ كَمَا يُذْكَرُ الرِّجَالُ قَالَتْ فَلَمْ يَرُعْنِي مِنْهُ يَوْمًا إِلاّ وَنِدَاؤُهُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَالَتْ وَأَنَا أُسَرِّحُ رَأْسِي فَلَفَفْتُ شَعْرِي ثُمَّ دَنَوْتُ مِنَ الْبَابِ فَجَعَلْتُ سَمْعِي عِنْدَ الْجَرِيدِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35) الأحزاب نسأل الله لنا ولك الإخلاص في القول، والعمل والثبات على هذا الدّين وصلى الله على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 608 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 ماتت أختها المولودة بتلف في الدماغ فما هو مصيرها [السُّؤَالُ] ـ[ولدت أختي ومعها تلف في الدماغ، وعلى الرغم من أن عمرها 16 عاماً، إلا انها غير قادرة على الكتابة والقراءة. أختي توفيت منذ شهر، أريد أن أعرف هل ذهبت الى الجنة أم الى النار؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد: فنسأل الله تعالى أن يرحمها، وأن يجمعك بها في جنات النعيم. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه " رواه البخاري (1296) ومسلم (4803) . وقال: " رفع القلم عن ثلاث عن النائم حتى يستيقظ وعن الصغير حتى يكبر وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق" رواه أصحاب السنن، وصححه الألباني في الإرواء برقم 297 ومن ولد فاقد العقل أو تالف الدماغ، وكان أبواه مسلمين، فهو مسلم، تبعا لهما، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وحكم المجنون حكم الطفل إذا كان أبواه مسلمين كان مسلما تبعا لأبويه باتفاق المسلمين، وكذلك إذا كانت أمه مسلمة عند جمهور العلماء كأبي حنيفة والشافعي وأحمد. وكذلك من جُنَّ بعد إسلامه يثبت لهم حكم الإسلام تبعا لآبائهم. وكذلك المجنون الذي ولد بين المسلمين يحكم له بالإسلام ظاهرا تبعا لأبويه أو لأهل الدار كما يحكم بذلك للأطفال. لا لأجل إيمان قام به فأطفال المسلمين ومجانينهم يوم القيامة تبع لآبائهم) . مجموع الفتاوى 10/437 وقال ابن حزم رحمه الله: (وأما المجانين الذين لا يعقلون حتى يموتوا فإنهم كما ذكرنا يولدون على الملة حنفاء، مؤمنين، ولم يغيروا، ولا بدلوا، فماتوا مؤمنين فهم في الجنة) الفصل 4/135 فإن كانت أختك فاقدة للعقل والتمييز، ولا تدرك معنى العبادة وطريقة أدائها، فقد رفع عنها القلم، وهي على الفطرة، ونرجو لها الجنة، إلا أنا لا نشهد لمعين بالجنة، إلا من شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك. أما إن كانت تعقل وتدري، وتميز، فهذه مكلفة كسائر المكلفين، تجازى على ما عملته بعد بلوغها، وكذا لو كانت تفيق أحيانا، ويذهب عقلها أحيانا، فتجازى على أعمالها وقت الإفاقة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 14392 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 مشاهدة النبي صلى الله عليه وسلم للجنة. [السُّؤَالُ] ـ[هل شاهد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم الجنة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله دلت النصوص الكثيرة أن الجنة والنار مخلوقتان وموجودتان الآن، وقد شاهد النبي صلى الله عليه وسلم الجنة والنار، ثبت هذا في وقائع متعددة , فمن ذلك: حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: انْخَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... - الحديث وفيه - ... فَقَالَ إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيْئًا فِي مَقَامِكَ ثُمَّ رَأَيْنَاكَ كَعْكَعْتَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي رَأَيْتُ الْجَنَّةَ فَتَنَاوَلْتُ عُنْقُودًا وَلَوْ أَصَبْتُهُ لأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتْ الدُّنْيَا وَأُرِيتُ النَّارَ فَلَمْ أَرَ مَنْظَرًا كَالْيَوْمِ قَطُّ أَفْظَعَ وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ قَالُوا بِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ بِكُفْرِهِنَّ قِيلَ يَكْفُرْنَ بِاللَّهِ قَالَ يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ كُلَّهُ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ " رواه البخاري (1052) واللفظ له ومسلم (901) . ورآها النبي صلى الله عليه وسلم في منامه- ورؤيا الأنبياء وحي وحق- فرأى فيها الرميصاء , ورأى فيها قصراً لعمر بن الخطاب رضي الله عنها وعنه. ورآها في ليلة المعراج إذ يغشى السدرة ما يغشى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 12478 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 الوعد بالجنة مشروط بتحقق الوعد وانتفاء الموانع [السُّؤَالُ] ـ[أظن أنه من غير العدل أن يدخل الجنة بعض المسلمين الذين يعيشون حياتهم عابثين إذا ما ماتوا بطريقة معينة. مثال ذلك، إذا مات أحدهم بالغرق أو انهار عليه بنيان، فإنه من المتوقع أن يذهب إلى الجنة. ولنقل أن هناك من حفظ أسماء الله الـ99 لكنه لم يكن يصلي (في اليوم والليلة) إلا مرة أو مرتين. فهل سيدخل مثل هذا الجنة؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم "من حفظ أسماء الله الـ 99 وُهبت له الجنة. أرجو أن تعلق على ذلك.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله في الحديث الصحيح: " إن لله تسعة وتسعين إسما ً من أحصاها دخل الجنة ". وإحصاؤها حِفظها وفهم المراد منها، والعمل بمقتضاها ودعاء الله بها. فمن فعل ذلك ولم يأت كبيرة من الكبائر، وحافظ على الصلاة فيرجى له دخول الجنة. أما مرتكب الكبائر فلا بد له من التوبة وهو مع ذلك تحت المشيئة، إن شاء الله غفر له وإن شاء عذبه. وأما من مات بالغرق أو بالهدم فهو شهيد إذا كان مسلما فيرجى له تكفير السيئات كلها إلا الدَّيْن. الشيخ عبد الكريم الخضير. وأما تارك الصلاة بالكلية متعمداً فإن الراجح من أقوال العلماء أنه كافر بالله العظيم ومأواه النار حتى لو غرق أو انهدم عليه البنيان. والشاهد أن الأحاديث التي فيها وعد بأجر وثواب معين كدخول الجنة أو النجاة من النار مشروط حصوله بتحقق الشروط وانتفاء الموانع ومن موانع دخول الجنة مثلاً ترك الصلاة ومن شروط حصول أجر الشهيد في المعركة مثلاً أن تكون نيته القتل لإعلاء كلمة الله وهكذا. ثم نريد أن ننبهك أيها الأخ السائل أن المسلم لا يعترض على أحكام الله إذا ثبتت وعرف معناها، وإذا أشكل عليه شيء منها فليتهم عقله وفهمه ولا يتهم نصوص الشريعة. والله الموفق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 11742 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 والدا النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة أو في النار؟ [السُّؤَالُ] ـ[أين والدا الرسول صلى الله عليه وسلم هل هما في الجنة أم في النار؟ نرجو الإفادة بالحديث الشريف الدال على ذلك.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ورد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما يدل على أن أبويه في النار. روى مسلم (203) عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيْنَ أَبِي؟ قَالَ: فِي النَّارِ. فَلَمَّا قَفَّى دَعَاهُ، فَقَالَ: إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّار. (فَلَمَّا قَفَّى) أي انصرف. قال النووي رحمه الله: فِيهِ: أَنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْر فَهُوَ فِي النَّار , وَلا تَنْفَعهُ قَرَابَة الْمُقَرَّبِينَ، وَفِيهِ أَنَّ مَنْ مَاتَ فِي الْفَتْرَة عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْعَرَب مِنْ عِبَادَة الأَوْثَان فَهُوَ مِنْ أَهْل النَّار , وَلَيْسَ هَذَا مُؤَاخَذَة قَبْل بُلُوغ الدَّعْوَة , فَإِنَّ هَؤُلاءِ كَانَتْ قَدْ بَلَغَتْهُمْ دَعْوَة إِبْرَاهِيم وَغَيْره مِنْ الأَنْبِيَاء صَلَوَات اللَّه تَعَالَى وَسَلامه عَلَيْهِمْ اهـ. وروى مسلم (976) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي. قال في "عون المعبود": (فَلَمْ يَأْذَن لِي) : لأَنَّهَا كَافِرَة وَالاسْتِغْفَار لِلْكَافِرِينَ لا يَجُوز اهـ. وقال النووي رحمه الله: فِيهِ: النَّهْي عَنْ الاسْتِغْفَار لِلْكُفَّارِ اهـ. وقال الشيخ بن باز رحمه الله: " والنبي صلى الله عليه وسلم حينما قال: (إن أبي وأباك في النار) قاله عن علم، فهو عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى، كما قال الله سبحانه وتعالى: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى* مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى* وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى*إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى) النجم/1-4. فلولا أن عبد الله بن عبد المطلب والد النبي صلى الله عليه وسلم قد قامت عليه الحجة؛ لما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حقه ما قاله، فلعله بلغه ما يوجب عليه الحجة من جهة دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فإنهم كانوا على ملة إبراهيم حتى أحدثوا ما أحدثه عمرو بن لحي الخزاعي، وسار في الناس ما أحدثه عمرو، من بث الأصنام ودعائها من دون الله، فلعل عبد الله كان قد بلغه ما يدل على أن ما عليه قريش من عبادة الأصنام باطل فتابعهم؛ فلهذا قامت عليه الحجة. وهكذا ما جاء في الحديث من أنه صلى الله عليه وسلم استأذن أن يستغفر لأمه فلم يؤذن له، فاستأذن أن يزورها فأذن له، فهو لم يؤذن له أن يستغفر لأمه؛ فلعله لأنه بلغها ما يقيم عليها الحجة، أو لأن أهل الجاهلية يعاملون معاملة الكفرة في أحكام الدنيا، فلا يدعى لهم، ولا يستغفر لهم؛ لأنهم في ظاهرهم كفار، وظاهرهم مع الكفرة، فيعاملون معاملة الكفرة وأمرهم إلى الله في الآخرة " اهـ. فتاوى "نور على الدرب". وقد ذهب السيوطي رحمه الله إلى نجاة أبوي الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن الله تعالى أحياهما له بعد موتهما وآمنوا به. وهذا القول أنكره عامة أهل العلم، وحكموا بأن الأحاديث الواردة في ذلك موضوعة أو ضعيفة جداً. قال في "عون المعبود": "وَكُلّ مَا وَرَدَ بِإِحْيَاءِ وَالِدَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِيمَانهمَا وَنَجَاتهمَا أَكْثَره مَوْضُوع مَكْذُوب مُفْتَرًى , وَبَعْضه ضَعِيف جِدًّا لا يَصِحّ بِحَالٍ لاتِّفَاقِ أَئِمَّة الْحَدِيث عَلَى وَضْعه كَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْجَوْزَقَانِيّ وَابْن شَاهِين وَالْخَطِيب وَابْن عَسَاكِر وَابْن نَاصِر وَابْن الْجَوْزِيّ وَالسُّهَيْلِيّ وَالْقُرْطُبِيّ وَالْمُحِبّ الطَّبَرِيّ وَفَتْح الدِّين بْن سَيِّد النَّاس وَإِبْرَاهِيم الْحَلَبِيّ وَجَمَاعَة. وَقَدْ بَسَطَ الْكَلَام فِي عَدَم نَجَاة الْوَالِدَيْنِ الْعَلامَة إِبْرَاهِيم الْحَلَبِيّ فِي رِسَالَة مُسْتَقِلَّة , وَالْعَلامَة عَلِيّ الْقَارِي فِي شَرْح الْفِقْه الأَكْبَر وَفِي رِسَالَة مُسْتَقِلَّة , وَيَشْهَد لِصِحَّةِ هَذَا الْمَسْلَك هَذَا الْحَدِيث الصَّحِيح (يعني حديث: إن أبي وأباك في النار) وَالشَّيْخ جَلال الدِّين السُّيُوطِيّ قَدْ خَالَفَ الْحَفاظ وَالْعُلَمَاء الْمُحَقِّقِينَ وَأَثْبَتَ لَهُمَا الإِيمَان وَالنَّجَاة فَصَنَّفَ الرَّسَائِل الْعَدِيدَة فِي ذَلِكَ , مِنْهَا رِسَالَة التَّعْظِيم وَالْمِنَّة فِي أَنَّ أَبَوَيْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجَنَّة" اهـ. وسُئِلَ شَّيْخ الإسلام رحمه الله تعالى: هَلْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَحْيَا لَهُ أَبَوَيْهِ حَتَّى أَسْلَمَا عَلَى يَدَيْهِ ثُمَّ مَاتَا بَعْدَ ذَلِكَ؟ فَأَجَابَ: لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ ; بَلْ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذِبٌ مُخْتَلَقٌ. .. وَلا نِزَاعَ بَيْنَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ أَنَّهُ مِنْ أَظْهَر الْمَوْضُوعَاتِ كَذِبًا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ فِي الْحَدِيثِ ; لا فِي الصَّحِيحِ وَلا فِي السُّنَنِ وَلا فِي الْمَسَانِيدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ الْمَعْرُوفَةِ وَلا ذَكَرَهُ أَهْلُ كُتُبِ الْمَغَازِي وَالتَّفْسِيرِ وَإِنْ كَانُوا قَدْ يَرْوُونَ الضَّعِيفَ مَعَ الصَّحِيحِ. لأَنَّ ظُهُورَ كَذِبِ ذَلِكَ لا يَخْفَى عَلَى مُتَدَيِّنٍ فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا لَوْ وَقَعَ لَكَانَ مِمَّا تَتَوَافَرُ الْهِمَمُ وَالدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ فَإِنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ الأُمُورِ خَرْقًا لِلْعَادَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ: مِنْ جِهَةِ إحْيَاءِ الْمَوْتَى، وَمِنْ جِهَةِ الإِيمَانِ بَعْدَ الْمَوْتِ. فَكَانَ نَقْلُ مِثْلِ هَذَا أَوْلَى مِنْ نَقْلِ غَيْرِهِ، فَلَمَّا لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ الثِّقَاتِ عُلِمَ أَنَّهُ كَذِبٌ. . . ثُمَّ هَذَا خِلافُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ وَالإِجْمَاعِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (إنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ) النساء/17، 18. فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَّهُ لا تَوْبَةَ لِمَنْ مَاتَ كَافِرًا. وَقَالَ تَعَالَى: (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ) فَأَخْبَرَ أَنَّ سُنَّتَهُ فِي عِبَادِهِ أَنَّهُ لا يَنْفَعُ الإِيمَانُ بَعْدَ رُؤْيَةِ الْبَأْسِ ; فَكَيْفَ بَعْدَ الْمَوْتِ؟ وَنَحْو ذَلِكَ مِنْ النُّصُوصِ. . . . ثم ذكر الحديثين الذين تقدما في أول الجواب اهـ. "مجموع الفتاوى" (4/325-327) . باختصار. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 47170 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 خلود أهل النار في النار [السُّؤَالُ] ـ[هل عذاب أهل النار في النار إلى ما لا نهاية له؟ أم أنه سوف يأتي عليه وقت وينتهي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله بقاء أهل النار في النار معذبين لا نهاية له، فهو بقاء إلى الأبد. وقد دل على ذلك أدلة كثيرة من الكتاب والسنة. سئل الشيخ ابن عثيمين: هل النار مؤبدة أو تفنى؟ فأجاب: "المتعيّن قطعاً أنها مؤبدة ولا يكاد يعرف عند السلف سوى هذا القول، ولهذا جعله العلماء من عقائدهم، بأن نؤمن ونعتقد بأن النار مؤبدة أبد الآبدين، وهذا الأمر لا شك فيه، لأن الله تعالى ذكر تأبيد النار في ثلاثة مواضع في القرآن: الأول: في سورة النساء في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً * إِلا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً) والثاني: في سورة الأحزاب: (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً* خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً) . والثالث: في سورة الجن: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً) ولو ذكر الله عز وجل التأبيد في موضع واحد لكفى، فكيف وقد ذكره في ثلاثة مواضع؟! ومن العجب أن فئة من العلماء ذهبوا إلى أن النار تفنى بناء على علل عليلة لمخالفتها لمقتضى الكتاب والسنة وحرفوا من أجلها الكتاب والسنة فقالوا: إن "خالدين فيها أبداً" أي: ما دامت موجودة. وكيف يصح هذا؟! إذا كانوا خالدين فيها أبداً، لزم أن تكون هي مؤبدة أنهم خالدون "فيها" فهم كائنون فيها، وإذا كان الإنسان خالداً مؤبداً تخليدُه، لزم أن يكون مكان الخلود مؤبداً، لأنه لو فني مكان الخلود ما صح تأبيد الخلود، والآية واضحة جداً. والتعليلات الباردة المخالفة للنص مردودة على صاحبها، وهذا الخلاف الذي ذكر عن فئة قليلة من أهل العلم خلاف مطرح لأنه مخالف للنص الصريح الذي يجب على كل مؤمن أن يعتقده، ومن خالفه لشبهة قامت عنده فيعذر عند الله، لكن من تأمل نصوص الكتاب والسنة عرف أن القول بتأبيدها هو الحق الذي لا يحق العدول عنه" اهـ. مجموع فتاوى ابن عثيمين (2/55-56) . وجاء في " فتاوى اللجنة الدائمة": "قامت الأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة على أن النار لا تفنى، وعلى تخليد الكافرين في النار، وأنهم لا يخرجون منها، قال الله تعالى:) ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) وقال:) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ) ، وقال: (وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً * ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنَا وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً) . وقال: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) , وقال: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً) وقال:) إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ * وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ* وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ * لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُون) . وقال: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ) إلى أن قال: (كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ) . وقال: (إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ* لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) . وقال: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ * وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) وقال: (إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً) إلى أن قال: (فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَاباً) . إلى غير ذلك من الآيات التي يدل كل منها على تخليد الكفار في النار وعدم خروجهم منها وعدم فنائها، فإذا اجتمعت كانت دلالتها على ذلك أقوى وأبعد عن التأويل" اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45804 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 نسبة أهل الجنة إلى أهل النار [السُّؤَالُ] ـ[يوجد في صحيح البخاري حديثان برقمي (6529 , 6530) بترقيم فتح الباري , في الحديث رقم (6529) ما يفيد أن: " بعث جهنم من كل مائة تسعة وتسعين "، وفي الحديث رقم (6530) ما يفيد أن: " بعث النار من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين ". أرجو الشرح والتوضيح جزاكم الله خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحديث الأول رواه البخاري (6529) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَوَّلُ مَنْ يُدْعَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ آدَمُ، فَتَرَاءَى ذُرِّيَّتُهُ، فَيُقَالُ: هَذَا أَبُوكُمْ آدَمُ. فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، فَيَقُولُ: أَخْرِجْ بَعْثَ جَهَنَّمَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ. فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، كَمْ أُخْرِجُ؟ فَيَقُولُ: أَخْرِجْ مِنْ كُلِّ مِائَةٍ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ. فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذَا أُخِذَ مِنَّا مِنْ كُلِّ مِائَةٍ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ فَمَاذَا يَبْقَى مِنَّا؟ قَالَ: إِنَّ أُمَّتِي فِي الأُمَمِ كَالشَّعَرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي الثَّوْرِ الأَسْوَدِ. الحديث الثاني رواه البخاري (3348) ومسلم (222) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: يَا آدَمُ، فَيَقُولُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، فَيَقُولُ: أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ. قَالَ: وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قَالَ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ، فَعِنْدَهُ يَشِيبُ الصَّغِيرُ، وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا، وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى، وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَيُّنَا ذَلِكَ الْوَاحِدُ؟ قَالَ: أَبْشِرُوا، فَإِنَّ مِنْكُمْ رَجُلا، وَمِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَلْفًا. ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنِّي أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَكَبَّرْنَا. فَقَالَ: أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَكَبَّرْنَا. فَقَالَ: أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَكَبَّرْنَا. فَقَالَ: مَا أَنْتُمْ فِي النَّاسِ إِلا كَالشَّعَرَةِ السَّوْدَاءِ فِي جِلْدِ ثَوْرٍ أَبْيَضَ، أَوْ كَشَعَرَةٍ بَيْضَاءَ فِي جِلْدِ ثَوْرٍ أَسْوَدَ. ومعنى "بَعْثَ النَّارِ" أي: الذين يبعثون إلى النار من ذرية آدم. ومعنى "أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ" أي: مَيِّزْ أَهْلَ النَّارِ مِنْ غَيْرهمْ. ففي الحديث الأول أن عدد الناجين يوم القيامة عشرة من الألف، وفي الحديث الثاني واحد من الألف. وقد جمع العلماء بين الحديثين بعدة طرق، ومنها: 1- أن مفهوم العدد لا اعتبار له، فالتخصيص بعددٍ لا يدل على نفي الزائد، والمقصود من العددين واحدٌ وهو تقليل عدد المؤمنين وتكثير عدد الكافرين. 2- حمْل حديث أبي سعيد الخدري على جميع ذرية آدم، فيكون مِن كل ألف واحدٌ، وحمْل حديث أبي هريرة على مَن عدا يأجوج ومأجوج، فيكون من كل ألف عشرة، ويقرب ذلك أن يأجوج ومأجوج ذكروا في حديث أبي سعيد دون حديث أبي هريرة. 3- ويحتمل أن تقع القسمة مرتين: مرة من جميع الأمم قبل هذه الأمة فيكون من كل ألف واحدٌ، ومرة من هذه الأمة فقط فيكون من كل ألف عشرة. 4- ويحتمل أن يكون المراد ببعث النار: " الكفار ومن يدخلها من العصاة " فيكون من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون كافراً، ومن كل مائة تسعة وتسعون عاصياً. ذكر هذه الأجوبة الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (11 / 390) . والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 22836 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 تطهير العصاة [السُّؤَالُ] ـ[سمعت بأنه سيتم يوم القيامة تطهير جميع من سيدخل الجنة بأن يذهبوا للنار أولاً حتى يطهروا من سيئاتهم ثم يدخلون الجنة وسيُستثنى المسلم الذي ضمن الله له الجنة والشهيد، فهل هذا صحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لعل السائل يشير إلى قول الله تعالى: {وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتماً مقضيا. ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا} وهذا الخطاب لسائر الخلق، برهم وفاجرهم، مؤمنهم وكافرهم، أنه ما منهم من أحد إلا سَيرِد النار، حكماً حتمه الله على نفسه، وأوعد به عباده، فلا بد من نفوذه، ولا محيد عن وقوعه. واختُلِفَ في معنى الورود فقيل: ورودها، حضورها للخلائق كلهم، حتى يحصل الانزعاج من كل أحد ثم بعدُ ينجي الله المتقين. وقيل: ورودها، دخولها، فتكون على المؤمنين برداً وسلاماً. وقيل الورود هو المرور على الصراط الذي هو جسم على ظهر جهنم، فيمر الناس على قدر أعمالهم فمنهم من يمر كلمح البصر، وكالريح، وكأجاويد الخيل، وكأجاويد الركاب. ومنهم من يسعى، ومنهم من يمشي مشياً، ومنهم من يزحف زحفاً، ومنهم من يُخطف فيُلقى في النار، كلٌّ بحسب تقواه، ولهذا قال: {ثم ننجي الذين اتقوا} الله تعالى بفعل المأمور، واجتناب المحظور {ونذر الظالمين} أنفسهم بالكفر والمعاصي {فيها جثيا} وهذا بسبب ظلمهم وكفرهم، وجب لهم الخلود وحقَّ عليهم العذاب، وتقطعت بهم الأسباب. انتهى من تفسير ابن سعدي ص 811 ثانياً: لابد لمن سيدخل الجنة أن يتطهر من جميع ذنوبه قبل دخولها، وتطهير العصاة من ذنوبهم يحصل في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا جعل الله لعباده طرقاً يتخلصون بها من عقوبات معاصيهم وسيئاتهم بالاستغفار والتوبة النصوح والحسنات الماحية.. وقد تقدم الكلام على ذلك في السؤال رقم (13693) . وأما تطهير العصاة في الآخرة فإنه يحصل بأمور: 1- دعاء المؤمنين للمؤمن مثل صلاتهم على جنازته فعن عائشة وأنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ما من ميت يصلي عليه أُمةٌ من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون إلا شُفِّعوا فيه " رواه مسلم (947) وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله فيه " رواه مسلم (948) ... فعُلم أن هذا الدعاء من أسباب المغفرة للميت. 2- ما عمله الإنسان من الصدقات الجارية في حياته فإنه ينتفع بها بعد موته. 3- ما يُعمل للميت من أعمال البر كالصدقة والحج ونحو ذلك فإن هذا ينتفع به بنصوص السنة الصحيحة الصريحة فقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من مات وعليه صيام صام عنه وليه. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثَةٍ إِلا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ " رواه مسلم 1638 4- ما يحصل في القبر من الفتنة والضغطة والروعة، فإن هذا مما يُكفر به الخطايا. 5- شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وغيره في أهل الذنوب يوم القيامة كما قد تواترت عنه أحاديث الشفاعة مثل قوله في الحديث الصحيح شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي وقوله صلي الله عليه وسلم خيرت بين أن يدخل نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة فاخترت الشفاعة لأنها أعم وأكثر أترونها للمتقين لا ولكنها للمذنبين المتلوثين الخطائين. رواه ابن ماجه 4311 وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة 3480 6- أهوال يوم القيامة وكربها وشدائدها. 7- رحمة الله وعفوه ومغفرته بلا سبب من العباد فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الرَّحْمَةَ يَوْمَ خَلَقَهَا مِائَةَ رَحْمَةٍ فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً وَأَرْسَلَ فِي خَلْقِهِ كُلِّهِمْ رَحْمَةً وَاحِدَةً فَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الرَّحْمَةِ لَمْ يَيْئَسْ مِنْ الْجَنَّةِ وَلَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الْعَذَابِ لَمْ يَأْمَنْ مِنْ النَّارِ " رواه البخاري 6469 وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ اللَّهَ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ (أي ستره) وَيَسْتُرُهُ فَيَقُولُ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا فَيَقُولُ نَعَمْ أَيْ رَبِّ حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ قَالَ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ " رواه البخاري 2441 8- ما ثبت في الصحيحين أن المؤمنين إذا عبروا الصراط وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص لبعضهم من بعض فإذا هذبوا ونقوا أُذِنَ لهم في دخول الجنة فعن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْلُصُ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ النَّارِ فَيُحْبَسُونَ عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَيُقَصُّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ مَظَالِمُ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لأَحَدُهُمْ أَهْدَى بِمَنْزِلِهِ فِي الْجَنَّةِ مِنْهُ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا. رواه البخاري 6535 قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قَوْله (إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ النَّار) أَيْ نَجَوْا مِنْ السُّقُوطِ فِيهَا بَعْدَمَا جَازُوا عَلَى الصِّرَاط. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: هَؤُلاءِ الْمُؤْمِنُونَ هُمْ الَّذِينَ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّ الْقِصَاص لا يَسْتَنْفِدُ حَسَنَاتِهِمْ. قُلْت (الحافظ) : وَلَعَلَّ أَصْحَاب الأَعْرَاف مِنْهُمْ عَلَى الْقَوْل الْمُرَجَّحِ آنِفًا , وَخَرَجَ مِنْ هَذَا صِنْفَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ: مَنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ ; وَمَنْ أَوْبَقَهُ عَمَلُهُ. أَوْبَقَهُ: أي أهلكه قَوْله (فَيُحْبَسُونَ عَلَى قَنْطَرَةِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ) ... الصِّرَاط جِسْرٌ مَوْضُوعٌ عَلَى مَتْنِ (أي: ظهر) جَهَنَّمَ والْجَنَّة وَرَاءَ ذَلِكَ فَيَمُرُّ عَلَيْهِ النَّاسُ بِحَسَبِ أَعْمَالهمْ , فَمِنْهُمْ النَّاجِي وَهُوَ مَنْ زَادَتْ حَسَنَاتُهُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ أَوْ اِسْتَوَيَا أَوْ تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ , وَمِنْهُمْ السَّاقِطُ وَهُوَ مَنْ رَجَحَتْ سَيِّئَاتُهُ عَلَى حَسَنَاتِهِ إِلا مَنْ تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ , فَالسَّاقِط مِنْ الْمُوَحِّدِينَ يُعَذَّبُ مَا شَاءَ اللَّه ثُمَّ يَخْرُجُ بِالشَّفَاعَةِ وَغَيْرِهَا , وَالنَّاجِي قَدْ يَكُون عَلَيْهِ تَبِعَاتٌ وَلَهُ حَسَنَات تُوَازِيهَا أَوْ تَزِيدُ عَلَيْهَا فَيُؤْخَذُ مِنْ حَسَنَاتِهِ مَا يَعْدِلُ تَبِعَاتِهِ فَيَخْلُصُ مِنْهَا. قَوْله (حَتَّى إِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا) َهُمَا بِمَعْنَى التَّمْيِيزِ وَالتَّخْلِيصِ مِنْ التَّبِعَاتِ. انتهى فإن لم يتطهر المسلم الموحد العاصي من معاصيه بسبب من هذه الأسباب فإنه يدخل النار ليتم تطهيره فيها ولكنه لا يخلد في النار بل يخرج بشفاعة الشافعين ورحمة أرحم الراحمين. قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: " أما العصاة: كقاتل النفس بغير حق والزاني والعاق لوالديه وآكل الربا وشارب المسكر إذا ماتوا على هذه المعاصي وهم مسلمون، وهكذا أشباههم هم تحت مشيئة الله كما قال سبحانه: (وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) فإن شاء جل وعلا عفا عنهم لأعمالهم الصالحة التي ماتوا عليها وهي توحيده وإخلاصهم لله وكونهم مسلمين أو بشفاعة الشفعاء فيهم مع توحيدهم وإخلاصهم. وقد يعاقبهم سبحانه ولا يحصل لهم عفو فيعاقبون بإدخالهم النار وتعذيبهم فيها على قدر معاصيهم ثم يخرجون منها، كما تواترت بذلك الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه يشفع للعصاة من أمته، وأن الله يحد له حدا في ذلك عدة مرات، يشفع ويخرج جماعة بإذن الله ثم يعود فيشفع، ثم يعود فيشفع، ثم يعود فيشفع عليه الصلاة والسلام (أربع مرات) ، وهكذا الملائكة وهكذا المؤمنون وهكذا الأفراط (وهم الأولاد الذين ماتوا قبل البلوغ) كلهم يشفعون ويخرج الله سبحانه من النار بشفاعتهم من شاء سبحانه وتعالى ويبقى في النار بقية من العصاة من أهل التوحيد والإسلام فيخرجهم الرب سبحانه بفضله ورحمته بدون شفاعة أحد، ولا يبقى في النار إلا من حكم عليه القرآن بالخلود الأبدي وهم الكفار. انتهى مجموع فتاوى ومقالات ابن باز (9/380) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ... حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنْ الْقَضَاءِ بَيْنَ عِبَادِهِ وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ النَّارِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ مِمَّنْ كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ أَمَرَ الْمَلائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوهُمْ فَيَعْرِفُونَهُمْ بِعَلَامَةِ آثَارِ السُّجُودِ وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ مِنْ ابْنِ آدَمَ أَثَرَ السُّجُودِ فَيُخْرِجُونَهُمْ قَدْ امْتُحِشُوا فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءٌ يُقَالُ لَهُ مَاءُ الْحَيَاةِ فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحِبَّةِ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ ... رواه البخاري 6574 ومسلم 172 امْتُحِشُوا: أي احترقوا حَمِيلِ السَّيْلِ: أي ما يحمله السيل من طين ونحوها وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَمَّا أَهْلُ النَّارِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا فَإِنَّهُمْ لا يَمُوتُونَ فِيهَا وَلا يَحْيَوْنَ وَلَكِنْ نَاسٌ أَصَابَتْهُمْ النَّارُ بِذُنُوبِهِمْ أَوْ قَالَ بِخَطَايَاهُمْ فَأَمَاتَهُمْ إِمَاتَةً حَتَّى إِذَا كَانُوا فَحْمًا أُذِنَ بِالشَّفَاعَةِ فَجِيءَ بِهِمْ ضَبَائِرَ ضَبَائِرَ فَبُثُّوا عَلَى أَنْهَارِ الْجَنَّةِ ثُمَّ قِيلَ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ أَفِيضُوا عَلَيْهِمْ فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحِبَّةِ تَكُونُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ ... رواه مسلم 185 ومعنى ضَبَائِرَ ضَبَائِرَ (أي: جماعات متفرقة) نسأل الله أن يرحمنا برحمته ... وأن يتجاوز عنا.. والحمد لله رب العالمين والله أعلم المراجع: فتاوى ابن تيمية (7/498- 501) / منهاج السنة (6/238) / فتح الباري (11/406) البحار الزاخرة 242. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 22467 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 هل هناك حيوانات في الجنة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك حيوانات في الجنة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحيوانات التي جاءت الأخبار أنها في الجنة على ثلاثة أقسام: القسم الأول: ما جاء منها أنها حيوانات مخصوصة بعينها في الجنة مثل: كلب أهل الكهف، وناقة صالح عليه السلام، وهذه لم يصح منها شيء. والقسم الثاني: ما جاء ذكره في القرآن والسنة مما أعدَّه الله للمؤمنين في الجنة، سواء نصَّ عليها كالطيور كما في قوله تعالى: (وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ) الواقعة / 21، أو أطلق ذكرها كقوله تعالى: (وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ) الطور/22. ومثل ذلك – أيضاً – الثور الذي أعدَّه الله تعالى طعاماً لأهل الجنَّة، كما جاء عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كنت قائماً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء حبر من أحبار اليهود فقال السلام عليك يا محمد فدفعته دفعة كاد يصرع منها .... قال: فما غذاؤهم على إثرها؟ قال – صلى الله عليه وسلم -: يُنحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها ... رواه مسلم (315) . والقسم الثالث: ما ورد في السنة الصحيحة من النص على بعض الحيوانات بعينها أنها في الجنة، ومنه: أ. عن أبي هريرة رضي الله عنها قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلوا في مراح الغنم وامسحوا رغامها فإنها من دواب الجنة) . رواه البيهقي (2/449) وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (3789) . والرغام (بالغين) هو التراب، وروي الرعام (بالعين) وهو ما سال من أنف الشاة. والمعنى: امسحوا عنها التراب، أو امسحوا ما سال من أنفها، إصلاحا لشأنها، ورعاية لها. قاله المناوي في "فيض القدير". ب. عن أبي مسعود الأنصاري قال: جاء رجل بناقة مخطومة فقال: هذه في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لك بها يوم القيامة سبع مائة ناقة كلها مخطومة. رواه مسلم (1892) . قال النووي: قوله: معنى " مخطومة " أي: فيها خطام , وهو قريب من الزمام، قيل: يحتمل أن المراد له أجر سبعمائة ناقة , ويحتمل أن يكون على ظاهره , ويكون له في الجنة بها سبعمائة كل واحدة منهن مخطومة، يركبهن حيث شاء للتنزه , كما جاء في خيل الجنة ونجبها، وهذا الاحتمال أظهر، والله أعلم. " شرح النووي " (13 / 38) . وحديثا النجائب – وهي الإبل – والخيل الذي أشار إليه النووي هما: أ. عن أبي أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن أهل الجنة يتزاورون على النجائب بيض كأنهن الياقوت، وليس في الجنة شيء من البهائم إلا الإبل والطير ". رواه الطبراني في " الكبير " (4 / 179) . قال الهيثمي: رواه الطبراني وفيه جابر بن نوح وهو ضعيف. " مجمع الزوائد " (10 / 413) . وضعفه الألباني في " ضعيف الجامع " (1833) . ب. عن سليمان بن بريدة عن أبيه أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هل في الجنة من خيل؟ قال: إنِ اللهُ أدخلك الجنة فلا تشاء أن تحمل فيها على فرس من ياقوتة حمراء يطير بك في الجنة حيث شئت، قال: وسأله رجل فقال يا رسول الله هل في الجنة من إبل؟ قال: فلم يقل له مثل ما قال لصاحبه، قال: إن يدخلك الله الجنة يكن لك فيها ما اشتهت نفسك ولذت عينك. رواه الترمذي (2543) . وحسَّنه الألباني في " صحيح الترغيب " (3 / 522) . ونحوه عن أبي أيوب عند الترمذي (2544) وصححه الألباني– أيضاً – (3 / 423) . وقد ورد في أحاديث صحيحة أن أرواح الشهداء في حواصل طير في الجنة تسرح حيث شاءت. وينبغي أن يعلم أن الطيور والخيل والإبل التي في الجنة لا تتفق مع ما في الدنيا إلا في الأسماء فقط، أما حقيقة صفتها فلا يعلمها إلا الله تعالى، غير أننا نعلم أنها في غاية الجمال والبهاء لأنها من أنواع النعيم الذي أعده الله تعالى لأوليائه في الجنة، وإلى هذا أشار النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث المتقدم بأن فرس الجنة من ياقوتة حمراء، ويطير بصاحبه حيث يشاء. نسأل الله تعالى أن ينعم علينا ويدخلنا الجنة برحمته، إنه جواد كريم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 14404 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 معترضة على كون الرجل عنده حور عين يشاركونها في زوجها [السُّؤَالُ] ـ[ماذا سيحصل للزوجين في الجنة؟ سمعت بأن الزوجة ستكون مع زوجها بالإضافة لسبعين من الحور في خدمته. هذا بالنسبة لي ليس عدلاً بالنسبة للمرأة إذا شاركوها في زوجها بهذه الطريقة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الواجب على المؤمن التسليم لأحكام الله تعالى الشرعية والقدرية، قال الله تعالى: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) النور/51. وإذا أشكل على المؤمن شيء من أحكام الله تعالى ولم يعرف معناه أو حكمته، فعليه أن يقول كما قال الراسخون في العلم: (آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) آل عمران / 7 ولا يجوز لمؤمن أن يقول على حكم من أحكام الله تعالى إنه ليس بعدل، تعالى الله تعالى عن ذلك، قال الله تعالى: (وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ) فصلت / 46 ولا حكم أفضل ولا أحسن من حكم الله تعالى: قال الله تعالى: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) التين / 8. وقال: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) المائدة / 50. ثانياً: في هذا السؤال خطآن ومغالطة، أما الخطأ الأول: فهو قول السائلة بأن الرجل في الجنة سيكون له سبعون من الحور العين، والذي ثبت في السنَّة الصحيحة أن للشهيد ثنتين وسبعين من الحور العين. وأن أدنى أهل الجنة له زوجتان. ومنهم من له أكثر من ذلك. عن المقدام بن معدي كرب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقاربه ". رواه الترمذي (1663) وابن ماجه (2799) . صححه الألباني في صحيح الترمذي. وقد ورد ما هو أكثر من ذلك، رواه أبو نعيم في "صفة الجنة" عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الرجل ليصل في اليوم إلى مائة عذراء. يعني في الجنة) صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (367) . وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أدنى أهل الجنة منزلة رجل صرف الله وجهه عن النار قبل الجنة ومثل له شجرة ذات ظل ... قال: ثم يدخل بيته فتدخل عليه زوجتاه من الحور العين فتقولان: الحمد لله الذي أحياك لنا وأحيانا لك، قال: فيقول ما أعطي أحد مثل ما أعطيت. رواه مسلم (188) . قال الحافظ: وَالَّذِي يَظْهَر أَنَّ الْمُرَاد أَنَّ أَقَلّ مَا لِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ اهـ. ثالثاً: وأما الخطأ الثاني فهو قول السائلة إن الحور العين تكون للخدمة، وهذا غير صحيح، بل الذي يخدم أهل الجنة إنما الغلمان المخلَّدون. قال الله تعالى: {ويطوف عليهم غلمان لهم كأنهم لؤلؤ مكنون} الطور / 24، وقال: {ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤاً منثوراً} الإنسان / 19. وأما الحور العين فهنَّ زوجات للرجل في الجنة عدا زوجاته من أهل الدنيا، قال الله تعالى: {كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ} الدخان / 54، وقال تعالى: {مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ} الطور / 20. رابعاً: وأما المغالطة فهي قول السائلة " هذا بالنسبة لي ليس عدلاً بالنسبة للمرأة إذا شاركوها في زوجها بهذه الطريقة "، إذ العدل إنما هو في أحكام الشرع لا فيما يظنه من لم يعرف الشرع وأحكامه فضلاً عن حكَمه. والأخت السائلة تظن أن ما في قلبها من الغيرة وما يعقب ذلك من الكمد والأسى سيبقى معها في الجنة، وهذا غير صحيح، ومن هنا جاءت المغالطة في سؤالها. قال الله تعالى: {ونزعنا ما في صدورهم من غلٍّ تجري من تحتهم الأنهار وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون} الأعراف / 43. فليس في الجنة إلا النعيم والسرور، ولا مكان للحقد والغل في قلوب أهل الجنة، والحور العين خلْق من الله تعالى إكراماً لأهل الجنة زيادة في نعيمهم، ثم إن الرجل يُعطى قوة مئة رجل في الجماع، فليس ثمة ما يؤثر كثرة العدد على المرأة، ولن يكون في قلبها ما يكون في الدنيا تجاه ضرائرها أو تجاه إماء زوجها. عن زيد بن أرقم قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الرجل من أهل الجنة يعطى قوة مائة رجل في الأكل والشرب والشهوة والجماع "، فقال رجل من اليهود: فإن الذي يأكل ويشرب تكون له الحاجة، قال: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " حاجة أحدهم عرق يفيض من جلده فإذا بطنه قد ضمر ". أي: انهضم ما في بطنه من الطعام. (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) المائدة / 50. رواه أحمد (18827) ، وصححه ابن حبان (16 / 443) ، والشيخ الألباني في " صحيح الجامع " (1627) . وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يُعطى المؤمن في الجنة قوة كذا وكذا من الجماع، قيل: يا رسول الله أو يطيق ذلك؟ قال: يُعطى قوة مائة ". رواه الترمذي (2536) ، وصححه ابن حبان (16 / 413) ، والشيخ الألباني في " صحيح الجامع " (8106) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 25843 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 الجنة والنار موجودتان، وهما باقيتان بإبقاء الله لهما [السُّؤَالُ] ـ[هل الجنة والنار موجودتان الآن؟ أم انهما لم يخلقا بعد؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله وبعد: فقد اتفق أهل السنة والجماعة على أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان الآن لا يشك في ذلك أحد منهم لكثرة الأدلة الدالة على ذلك من الكتاب والسنة. فمن نصوص الكتاب: قوله تعالى عن الجنة: (أعدت للمتقين) آل عمران/133 وقوله: (سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله) الحديد/21 وقال تعالى: (ولقد رآه نزلة أخرى. عند سدرة المنتهى.عندها جنة المأوى) النجم/13-15. وقوله عن النار (أعدت للكافرين) البقر/24 ومعنى قوله تعالى: أعدت: أي هيئت. فهو دليل على أنهما موجودتان الآن. وأما نصوص السنة: فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم سدرة المنتهى ورأى عندها جنة المأوى كما في صحيح البخاري (336) ومسلم (237) واللفظ له من حديث أنس رضي الله عنه في قصة الإسراء، وفي آخره ثم " انطلق بي جبرائيل حتى أتى سدرة المنتهى فغشيها ألوان لا أدري ما هي قال: "ثم دخلت الجنة فإذا هي جنابذ [أي قباب] اللؤلؤ وإذا ترابها المسك ". وفي البخاري (1290) ومسلم (5111) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله قال: " إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار يقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة ". وفي حديث البراء بن عازب رضي الله عنه الطويل: " ينادي مناد من السماء أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة وافتحوا له باباً إلى الجنة قال فيأتيه من روحها وطيبها " وهو حديث صحيح صححه ابن القيم في تهذيب السن (4 / 337) والألباني في أحكام الجنائز (59) . وفي صحيح البخاري (993) ومسلم (1512) عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال:" انخسفت الشمس على عهد رسول الله ـ فذكر الحديث ـ وفيه فقال: " إني رأيت الجنة وتناولت عنقودا ولو أصبته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا. ورأيت النار فلم أر منظرا كاليوم قط أفظع ... ". وفي صحيح مسلم (646) من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " والذي نفسي بيده لو رأيتم ما رأيت لضحكتم قليلا وبكيتم كثيرا. قالوا: وما رأيت يا رسول الله؟ قال: رأيت الجنة والنار ". وفي سنن الترمذي (2483) وغيره عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ أَرْسَلَ جِبْرِيلَ إِلَى الْجَنَّةِ فَقَالَ: انْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا فِيهَا. قَالَ: " فَجَاءَهَا وَنَظَرَ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعَدَّ اللَّهُ لِأَهْلِهَا فِيهَا. قَالَ: فَرَجَعَ إِلَيْهِ قَالَ فَوَعِزَّتِكَ لَا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا. فَأَمَرَ بِهَا فَحُفَّتْ بِالْمَكَارِهِ؛ فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَيْهَا فَانْظُرْ إِلَى مَا أَعْدَدْتُ لأَهْلِهَا فِيهَا قَالَ فَرَجَعَ إِلَيْهَا فَإِذَا هِيَ قَدْ حُفَّتْ بِالْمَكَارِهِ فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خِفْتُ أَنْ لَا يَدْخُلَهَا أَحَدٌ. قَالَ: اذْهَبْ إِلَى النَّارِ فَانْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا فِيهَا فَإِذَا هِيَ يَرْكَبُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ لَا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ فَيَدْخُلَهَا. فَأَمَرَ بِهَا فَحُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ؛ فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَيْهَا. فَرَجَعَ إِلَيْهَا، فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لَا يَنْجُوَ مِنْهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا " وقَالَ الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.وقال الحافظ في الفتح (6 / 320) : " إسناده قوي ". والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جدا. وقد عقد البخاري في صحيحه بابا قال فيه:" باب: ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة " وذكر أحاديث منها ما تقدم من أن الله يُري الميت مقعده من الجنة والنار بعد أن يوضع في قبره. فما بقي على العبد إلا أن يشمر ويجتهد في طاعة ربه والكف عن معصيته رجاء الفوز جنته والنجاة من أليم عقابه. والله تعالى أعلم. يراجع: شرح العقيدة الطحاوية للإمام ابن أبي العز الحنفي (1 / 475 وما بعدها) ، وكتاب الجنة والنار للشيخ / عمر الأشقر (13 - 18) . [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 14526 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 هل في الجنة مطار وطائرات؟ [السُّؤَالُ] ـ[ربما يبدو سؤالي طفوليّاً، إذا كان شخص يحب شيئاً في هذه الدنيا حبّاً عظيماً، فهل يحصل عليه في الجنة؟ كأن يحب الطائرات مثلاً، فهل يحصل عليها في الجنة؟ وهل يمكن أن يحصل على مطار أيضاً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس هذا السؤال طفوليّاً، بل هو شرعي من عاقل يحسن السؤال ويبحث عن الفائدة وعما يزيد شوقه للجنة وعمله للوصول لها، وقد سأل بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ما هو من جنس هذا السؤال. فعن سليمان بن بريدة عن أبيه أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هل في الجنة من خيل؟ قال: إنِ اللهُ أدخلك الجنة فلا تشاء أن تحمل فيها على فرس من ياقوتة حمراء يطير بك في الجنة حيث شئت، قال: وسأله رجل فقال يا رسول الله هل في الجنة من إبل؟ قال: فلم يقل له مثل ما قال لصاحبه، قال: إن يدخلك الله الجنة يكن لك فيها ما اشتهت نفسك ولذت عينك. رواه الترمذي (2543) ، والحديث حسَّنه الشيخ الألباني في " صحيح الترغيب " (3 / 522) . أما عن موضوع سؤالك المعين عمن يحب الطيران والطائرات فقد ورد في جنس هذا النعيم أحاديث صحيحة متنوعة. فقد ثبت أن أرواح الشهداء في حواصل طير في الجنة تسرح حيث شاءت رواه مسلم (2410) . وثبت أن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه يطير في الجنة بجناحين إكراماً من الله عز وجل بدل يديه اللتين قطعتا في غزوة مؤتة. فعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رأيتُ جعفراً يطير في الجنة مع الملائكة ". رواه الترمذي (3763) ، وصححه الألباني في " صحيح الجامع " (3465) . وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا سلم على ابن جعفر قال: السلام عليك يا ابن ذي الجناحين. رواه البخاري (3506) . والظاهر أن طيران الإنسان بنفسه أبلغ عند أكثر الناس من طيرانه بواسطة، وأن طيرانه بالخيل في الجنة كما في الحديث المذكور في أول السؤال أبلغ من الطيران بالطائرات، وقد جاءت آيات وأحاديث في أن للإنسان في الجنة من النعيم ما تشتهيه نفسه وأبلغ من ذلك. كما في قوله الله تعالى: {يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون} الزخرف / 71. قال السعدي في تفسير هذه الآية: " ما تشتهيه الأنفس " هذا اللفظ جامع يأتي على كل نعيم وفرح وقرة عين وسرور قلب ... على أكمل الوجوه وأفضلها. وقوله تعالى: {جنات عدن يدخلونها تجري من تحتها الأنهار لهم فيها ما يشاؤون كذلك يجزي الله المتقين} النحل / 31. وقوله صلى الله عليه وسلم: قال الله: " أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فاقرءوا إن شئتم {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين} . رواه البخاري (3072) ومسلم (2824) . فينبغي أن يقرر الإنسان في نفسه كمال الجنة المطلق وكمال سعادة أهلها. أما الجزم بأن في الجنة طائرات ومطارات ونحو ذلك مما لم يرد إثباته في النصوص فهذا من علم الغيب الذي يحتاج إلى دليل. ونقول كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن يدخلك الله الجنة يكن لك فيها ما اشتهت نفسك ولذت عينك) نسأل الله أن يعيننا وإياك للعمل بما يقودنا إلى النعيم المقيم في الجنة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20286 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 هل يجامع الرجال في الجنة الحور العين [السُّؤَالُ] ـ[هل يجامع الرجال في الجنة الحور العين؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فقد أعد الله سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين في الجنة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، حتى إن أقل أهل الجنة نعيماً ليظن نفسه أنه أكثرهم نعيماً، كما جاء في حديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً رَجُلٌ صَرَفَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ قِبَلَ الْجَنَّةِ وَمَثَّلَ لَهُ شَجَرَةً ذَاتَ ظِلٍّ فَقَالَ أَيْ رَبِّ قَدِّمْنِي إِلَى هَذِهِ الشَّجَرَةِ أَكُونُ فِي ظِلِّهَا.. ثُمَّ يَدْخُلُ بَيْتَهُ فَتَدْخُلُ عَلَيْهِ زَوْجَتَاهُ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ فَتَقُولانِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَاكَ لَنَا وَأَحْيَانَا لَكَ قَالَ فَيَقُولُ مَا أُعْطِيَ أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُعْطِيتُ " رواه مسلم برقم 275. وإن مما أعده الله سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين " الحور العين "، قال الله تعالى: (كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ) الدخان/54. وقال تعالى: (مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ) الطور/20. والحور العين في غاية الجمال حتى إن مخ ساقيها ليرى من تحت الثياب، وكل رجل يدخل الجنة له زوجتان من الحور العين، قال تعالى في وصفهن: (فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ) الرحمن/70 - 76. وقال تعالى: (وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ) الواقعة/23. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَالَّذِينَ عَلَى آثَارِهِمْ كَأَحْسَنِ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ لا تَبَاغُضَ بَيْنَهُمْ وَلا تَحَاسُدَ، لِكُلِّ امْرِئٍ زَوْجَتَانِ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ يُرَى مُخُّ سُوقِهِنَّ مِنْ وَرَاءِ الْعَظْمِ وَاللَّحْمِ " رواه البخاري برقم 3014. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: " لَرَوْحَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ غَدْوَةٌ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ أَوْ مَوْضِعُ قِيدٍ - يَعْنِي سَوْطَهُ - خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ لأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا وَلَمَلأَتْهُ رِيحًا وَلَنَصِيفُهَا عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا " رواه البخاري برقم 2587. ويجامع الرجل في الجنة زوجاته من الحور وزوجاته من أهل الدنيا إذا دخلن معه الجنة، ويعطى الرجل قوة مائة رجل في المطعم والمشرب والشهوة والجماع، عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يُعْطَى الْمُؤْمِنُ فِي الْجَنَّةِ قُوَّةَ كَذَا وَكَذَا مِنْ الْجِمَاعِ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَ يُطِيقُ ذَلِكَ قَالَ يُعْطَى قُوَّةَ مِائَةٍ " رواه الترمذي برقم 2459 وقال: صحيح غريب. وعن زيد بن أرقم أن رسول الله صلى الله قال: " إِنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ يُعْطَى قُوَّةَ مِائَةِ رَجُلٍ فِي الأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالشَّهْوَةِ وَالْجِمَاعِ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ: فَإِنَّ الَّذِي يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ تَكُونُ لَهُ الْحَاجَةُ؟! قَالَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَاجَةُ أَحَدِهِمْ عَرَقٌ يَفِيضُ مِنْ جِلْدِهِ فَإِذَا بَطْنُهُ قَدْ ضَمُرَ " رواه أحمد برقم 18509، والدارمي برقم 2704. وقال المفسرون في قوله تعالى: في شغل فاكهون: قال عبد الله بن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما وسعيد بن المسيب وعكرمة والحسن وقتادة والأعمش وسليمان التيمي والأوزاعي في قوله تبارك وتعالى: (إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون) قالوا شغلهم افتضاض الأبكار وقال ابن عباس رضي الله عنهما في رواية عنه في شغل فاكهون أي بسماع الأوتار وقال أبو حاتم لعله غلط من المستمع وإنما هو افتضاض الأبكار (ابن كثير 3/ 564) أما الولد، فقد اختلف أهل العلم هل يكون ولد من الجماع أم لا، فقال بعضهم إنه يكون الولد إذا اشتهاه الرجل، ويكون الحمل والوضع في ساعة، لما جاء عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إِنَّ الُْؤْمِنَ إِذَا اشْتَهَى الْوَلَدَ فِي الْجَنَّةِ كَانَ حَمْلُهُ وَوَضْعُهُ وَسِنُّهُ فِي سَاعَةٍ كَمَا اشْتَهَى " رواه الترمذي برقم 2487، والدارمي برقم 2712، وأحمد برقم 11339. وابن ماجه برقم 4329. والله تعالى أعلم. نسأل الله أن يدخلنا الجنة ويباعد بيننا وبين النار، وأن يرزقنا الفردوس الأعلى، إنه ولي ذلك والقادر عليه. والحمد لله رب العالمين. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 10053 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 حكم لعن المعين [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم لعن (وليس سب فقط) اليهود والنصارى أفرادا أو جماعات أحياءً كانوا أم أمواتا؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال صاحب لسان العرب: اللعن: الإبعاد والطرد من الخير، وقيل الطرد والإبعاد من الله، ومن الخَلْق السب والدعاء. واللعن يقع على وجهين: الأول: أن يلعن الكفار وأصحاب المعاصي على سبيل العموم، كما لو قال: لعن الله اليهود والنصارى. أو: لعنة الله على الكافرين والفاسقين والظالمين. أو: لعن الله شارب الخمر والسارق. فهذا اللعن جائز ولا بأس به. قال ابن مفلح في الآداب الشرعية (1/203) : ويجوز لعن الكفار عامة اهـ. الثاني: أن يكون اللعن على سبيل تعيين الشخص الملعون سواء كان كافراً أو فاسقاً، كما لو قال: لعنة الله على فلان ويذكره بعينه، فهذا على حالين: 1- أن يكون النص قد ورد بلعنه مثل إبليس، أو يكون النص قد ورد بموته على الكفر كفرعون وأبي لهب، وأبي جهل، فلعن هذا جائز. قال ابن مفلح في الآداب الشرعية (1/214) : ويجوز لعن من ورد النص بلعنه، ولا إثم عليه في تركه اهـ. 2- لعن الكافر أو الفاسق على سبيل التعيين ممن لم يرد النص بلعنه بعينه مثل: بائع الخمر – من ذبح لغير الله – من لعن والديه – من آوى محدثا - من غير منار الأرض – وغير ذلك. " فهذا قد اختلف العلماء في جواز لعنه على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه لا يجوز بحال. الثاني: يجوز في الكافر دون الفاسق. الثالث: يجوز مطلقا " اهـ الآداب الشرعية لابن مفلح (1/303) . واستدل من قال بعدم جواز لعنه بعدة أدلة، منها: 1- ما رواه البخاري (4070) عن عبد الله بن عمر أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ مِنْ الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِنْ الْفَجْرِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلانًا وَفُلانًا وَفُلانًا بَعْدَ مَا يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: (لَيْسَ لَكَ مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ) . 2- ما رواه البخاري (6780) عن عمر أن رجلا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله، وكان يلقب حمارا، وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب، فأتي به يوما فأمر به فجلد، قال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تلعنوه، فو الله ما علمت، إلا أنه يحب الله ورسوله) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (6/511) : " واللعنة تجوز مطلقا لمن لعنه الله ورسوله، وأما لعنة المعين فإن علم أنه مات كافرا جازت لعنته، وأما الفاسق المعين فلا تنبغي لعنته لنهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يلعن عبد الله بن حمار الذي كان يشرب الخمر، مع أنه قد لعن شارب الخمر عموما، مع أن في لعنة المعين إذا كان فاسقا أو داعيا إلى بدعة نزاعاً " اهـ " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين في "القول المفيد" (1/226) : " الفرق بين لعن المعين ولعن أهل المعاصي على سبيل العموم؛ فالأول (لعن المعين) ممنوع، والثاني (لعن أهل المعاصي على سبيل العموم) جائز، فإذا رأيت محدثا، فلا تقل لعنك الله، بل قل: لعنة الله على من آوى محدثا، على سبيل العموم، والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صار يلعن أناسا من المشركين من أهل الجاهلية بقوله: (اللهم! العن فلانا وفلانا وفلانا) نهي عن ذلك بقوله تعالى: (ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون) رواه البخاري" اهـ. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36674 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 خلود أهل الجنة في الجنة [السُّؤَالُ] ـ[إذا دخل أهل الجنة الجنة فإلى متى يكونون فيها؟ وهل سيأتي عليهم وقت يخرجون من الجنة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا دخل أهل الجنة الجنة فهم فيها خالدون أبداً لا يخرجون منها، وكذلك أهل النار في النار خالدين فيها لا يخرجون منها. جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة": "أما الجنة فدار الجزاء يوم القيامة لمن آمن وعمل الصالحات، فيها من النعيم ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، يتمتع بها من دخلها متاعاً حقيقياً حسياً وروحياً ويحيون فيها حياة أبدية، فلا فناء ولا خروج منها ولا انقطاع لنعيمها ولا نغص ولا كدر بالنصوص القطعية وإجماع أهل العلم والإيمان، قال الله تعالى: (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ) . وقال تعالى: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ) . وقال تعالى: (هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ * جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ * مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ * وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ * إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ) . وقال تعالى: (الأَخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ * يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ * ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُون * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُون) . . . وثبت في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يُنَادِي مُنَادٍ -يعني في أهل الجنة-: إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلا تَسْقَمُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلا تَمُوتُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فَلا تَهْرَمُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلا تَبْأَسُوا أَبَدًا) رواه مسلم. وثبت أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يُجَاءُ بِالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ كَبْشٌ أَمْلَحُ إلى أن قال: فَيُؤْمَرُ بِهِ فَيُذْبَحُ، ثُمَّ يُقَالُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، خُلُودٌ فَلا مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ، خُلُودٌ فَلا مَوْتَ) رواه مسلم في صحيحه. وأكد سبحانه خلود الجنة والنار وأبديتهما، وخلود المؤمنين في الجنة والكافرين في النار في آيات كثيرة من القرآن، وفصلت السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم تفصيلاً لا يدع مجالاً للشك في حقيقته ولا لتأويل النصوص الصريحة فمن شكّ فيه أو تأوله فقد اتبع هواه وحرف الكلم عن مواضعه وكان من الكافرين" اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 34913 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 أسماء جهنم [السُّؤَالُ] ـ[أنا أبحث عن أسماء لجهنم وقد وجدت بعضاً مثل: المحرقة والمحطمة والملتهبة ... هل هذه أسماء صحيحة؟ أرجو تزويدي بأسماء أخرى.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " نار جهنم لها أسماء متعددة، وهذا التعدد في الأسماء لاختلاف صفاتها. فتسمى الجحيم، وتسمى جهنم، ولظى، والسعير، وسقر، والحطمة، والهاوية بحسب اختلاف الصفات. والمسمى واحد، فكل ما صح في كتاب الله أو سنة الرسول صلى الله عليه وسلم من أسمائها فإنه يجب على المؤمن أن يصدق به وأن يثبته " مجموع فتاوى ورسائل العثيمين للسلمان: 2/58 وقد سميت الجحيم لشدة تأجج نارها. وسميت جهنم لبعد قعرها -كما في القاموس- وسميت لظى لتلهبها. وسميت السعير لأنها تُوقد وتهيج فهي فعيل بمعنى مفعول. وسميت سقر وصقر لشدة حرها. وسميت الحطمة لحطمها -أي كسرها وهشمها - كل ما يلقى فيها. وسميت الهاوية لأنه يُهوى فيها من علو إلى سفل ... وهكذا وذكر بعض أهل العلم من المفسرين وغيرهم أسماء أخرى غير هذه المذكورة وذكر بعضهم أن هذه الأسماء المذكورة أسماء لدركات النار وطبقاتها، ثم قسم بعضهم الناس على هذه الطبقات، ولم يصح تقسيم الناس في النار وفق هذا التقسيم - وإن كان انقسام الناس وتفاوتهم بحسب أعمالهم أمر ثابت بالنصوص الكثيرة -، كما لم يصح تسمية دركات النار على الوجه الذي ذكروه. والصحيح أن كل واحد من هذه الأسماء التي ذكروها اسم على النار كلها، وليس لجزء من النار دون جزء. اليوم الآخر - الجنة والنار- للدكتور عمر الأشقر: 26. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 8578 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 معنى قول الله عز وجل: (خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك) [السُّؤَالُ] ـ[أرجو شرح معنى هذه الآية وبيان القول الراجح في تفسيرها، يقول الله تعالى: (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) هل يفهم من هذا أن من دخل الجنة يخرج منها إذا شاء الله؟ وهل نسخت هاتان الآيتان بشيء من القرآن إذ أنهما وردتا في سورة مكية؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ ابن باز رحمه الله: الآيتان ليستا منسوختين بل هما محكمتان، وقوله جل وعلا: (إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ) اختلف أهل العلم في بيان معنى ذلك، مع إجماعهم بأن نعيم أهل الجنة دائم أبدا لا ينقضي ولا يزول ولا يخرجون منها، ولهذا قال بعده سبحانه: (عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) لإزالة ما قد يتوهم بعض الناس أن هناك خروجا، فهم خالدون فيها أبدا، وأن هذا العطاء غير مجذوذ أي غير مقطوع، ولهذا في الآيات الأخرى يبين هذا المعنى فيقول سبحانه: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ) فبين سبحانه أنهم آمنون - أي آمنون من الموت وآمنون من الخروج وآمنون من الأمراض والأحزان وكل كدر - ثم قال سبحانه وتعالى: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ) فبين سبحانه أنهم فيها دائمون لا يخرجون وقال عز وجل: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلا الْمَوْتَةَ الأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ فَضْلا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) فأخبر سبحانه أن أهل الجنة في مقام أمين لا يعترضهم خوف ولا زوال نعمة وأنهم آمنون أيضا، فلا خطر عليهم من موت ولا مرض ولا خروج منها ولا حزن ولا غير ذلك من المكدرات، وأنهم لا يموتون أبدا، ومعنى ذلك أن أهل الجنة يخلدون فيها أبد الآباد. وقوله: (إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ) قال بعض أهل العلم معناه: مدة بقائهم بالقبور وإن كان المؤمن في روضة من رياضها ونعيم من نعيمها، لكن ذلك ليس هو الجنة، ولكن هو شيء من الجنة، فيفتح على المؤمن في قبره باب إلى الجنة يأتيه من ريحها وطيبها ونعيمها، ثم يُنقل بعد ذلك إلى الجنة فوق السموات في أعلى شيء. وقال بعضهم معنى: (إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ) أي مدة مقامهم في موقف القيامة للحساب والجزاء بعد خروجهم من القبور ثم ينقلون بعد ذلك إلى الجنة. وقال بعضهم المراد جميع الأمرين مدة مقامهم في القبور ومدة مقامهم في الموقف ومرورهم على الصراط كل هذه الأوقات هم فيها ليسوا في الجنة لكن ينقلون منها إلى الجنة وقوله: (إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ) يعني إلا وقت مقامهم في القبور، وإلا وقت مقامهم في الموقف وإلا وقت مرورهم على الصراط فهم في هذه الحالة ليسوا في الجنة ولكنهم منقولون إليها، وسائرون إليها، وبهذا يعلم أن الأمر واضح ليس فيه شبهة ولا شك ولا ريب فالحمد لله. فأهل الجنة ينعمون فيها وهم خالدون أبد الآباد. لا موت ولا مرض، ولا خروج، ولا كدر، ولا حزن، ولا حيض، ولا نفاس، ولا شيء من الأذى أبدا، بل في نعيم دائم وخير دائم. وهكذا أهل النار مخلدون فيها أبد الآباد ولا يخرجون منها ولا تخرب أيضا هي بل تبقى وهم باقون فيها وقوله: (إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ) قيل مدة مقامهم في المقابر، أو مدة مقامهم في الموقف كما تقدم في أهل الجنة، وهم بعد ذلك يساقون إلى النار ويخلدون فيها أبد الآباد ونسأل الله العافية، وكما قال عز وجل في سورة البقرة: (كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِين مِنَ النَّارِ) وقال عز وجل في سورة المائدة في حق الكفرة: (يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ) وقال بعض السلف إن النار لها أمد ولها نهاية بعد ما يمضي عليها آلاف السنين والأحقاب الكثيرة وأنهم يموتون أو يخرجون منها وهذا القول ليس بشيء عند جمهور أهل السنة والجماعة بل هو باطل ترده الأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة كما تقدم وقد اتقر قول أهل السنة والجماعة إنها باقية أبد الآباد وأنهم لا يخرجون منها وأنها لا تخرب أيضا، بل هي باقية أبد الآباد في ظاهر القرآن الكريم وظاهر السنة الثابتة عن النبي عليه الصلاة والسلام، ومن الأدلة على ذلك مع ما تقدم قوله سبحانه في شأن النار: (كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا) وقوله سبحانه في سورة النبأ يخاطب أهل النار: (فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلا عَذَابًا) نسأل الله السلامة والعافية منها ومن حال أهلها. انظر مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز م/4 ص/361 ومن الآيات التي دلّت صراحة على خلود أهل النار خلوداً أبدياً: 1- قول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (168) إِلا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا) سورة النساء /169 2- قوله تعالى: (إِلا بَلاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا) سورة الجن / 23 3- إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا (65) سورة الأحزاب. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 21365 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 النار لا تفنى ولا يفنى أهلها [السُّؤَالُ] ـ[توعد الله الكفار والملحدين بالنار (لابثين فيها أحقابا) فهل عذابهم في النار مستمر أبداً، إن كان كذلك فهل هذا يتعارض مع عدل الله ورحمته؟ أم أن عذابهم يستمر لإحقاب الله يعلمها، إن كان كذلك فما مصيرهم بعد ذلك؟ ولم يرد ذكرٌ لذلك في القرآن أو السنة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الذي عليه أهل السنة والجماعة أن النار لا تفنى ولا تبيد، ولا يخرج منها إلا عصاة الموحدين، أما الكفرة والملحدون فهم فيها خالدون. قال الإمام ابن حزم في كتابه " مراتب الإجماع ": (وأن النار حق، وأنها دار عذاب لا تفنى، ولا يفنى أهلها بلا نهاية) . وقال في كتابه " الفصل في الملل والأهواء والنحل ": (اتفقت فرق الأمة كلها على أنه لا فناء للجنة ولا لنعيمها، ولا للنار ولا لعذابها، إلا الجهم بن صفوان وأبا الهذيل العلاف وقوما من الروافض، فأما جهم فقال: إن الجنة والنار يفنيان ويفنى أهلهما، وقال أبو الهذيل: إن الجنة والنار لا يفنيان، ولا يفنى أهلهما، إلا أن حركاتهم تفنى، ويبقون بمنزلة الجماد لا يتحركون وهم في ذلك أحياء متلذذون أو معذبون. وقالت تلك الطائفة من الروافض: إن أهل الجنة يخرجون من الجنة، وكذلك أهل النار من النار إلى حيث شاء الله) [الفصل 4/145 ط. دار الجيل] . وقال الطحاوي في عقيدته: (والجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان ولاتبيدان) . وقد تضافرت أدلة الكتاب والسنة على تقرير هذا المعتقد، فمن ذلك قوله تعالى: (ولهم عذاب مقيم) المائدة/37، وقوله: (لا يُفَتَّر عنهم وهم فيه مبلسون) الزخرف/75، وقوله: (خالدين فيها أبدا) البينة/8، وقوله: (وما هم منها بمخرجين) الحجر/48، وقوله: (وما هم بخارجين من النار) البقرة/167، وقوله: (ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط) الأعراف/40، وقوله: (لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور) فاطر/36. ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم: (يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح، فيوقف بين الجنة والنار، فيقال: يا أهل الجنة هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون وينظرون ويقولون: نعم هذا الموت. قال: ويقال: يا أهل النار هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون وينظرون ويقولون: نعم هذا الموت. فيؤمر به فيذبح، ثم يقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت. ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون) ". رواه مسلم (5087) من حديث أبي سعيد الخدري. فهذا النص الصحيح الصريح لا يدع مجالا للشك في هذه الحقيقة، وهي أن أهل النار خالدون فيها لا يموتون ولا يخرجون، كما أن أهل الجنة في الجنة خالدون. قال شارح الطحاوية: (وقد دلت السنة المستفيضة أنه يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله. وأحاديث الشفاعة صريحة في خروج عصاة الموحدين من النار، وأن هذا حكم مختص بهم، فلو خرج الكفار منها لكانوا بمنزلتهم، ولم يختص الخروج بأهل الإيمان) انتهى من شرح الطحاوية ص 430 ط. المكتب الإسلامي. وأما قوله تعالى عن أهل النار: (لابثين فيها أحقابا لا يذوقون بردا ولا شرابا إلا حميما وغساقا) النبأ/23-25، فالمراد كما قال القرطبي رحمه الله (أي ما كثين في النارما دامت الأحقاب، وهي لا تنقطع، فكلما مضى حُقُب جاء حُقُب، والحقب بضمتين: الدهر، والأحقاب: الدهور، والحقبة، بالكسر: السنة، والجمع حِقب ... والحُقْب بالضم والسكون: ثمانون سنة، وقيل أكثر من ذلك على ما يأتي، والجمع: أحقاب. والمعنى في الآية: لابثين فيها أحقاب الآخرة التي لا نهاية لها؛ فحذف الآخرة لدلالة الكلام عليه؛ إذ في الكلام ذكر الآخرة، وهو كما يقال: أيام الآخرة، أي أيام بعد أيام إلى غير نهاية، وإنما كان يدل على التوقيت لو قال: خمسة أحقاب أو عشرة أحقاب ونحوه. وذكر الأحقاب لأن الحقُب كان أبعد شيء عندهم، فتكلم بما تذهب إليه أوهامهم ويعرفونها، وهي كناية عن التأبيد، أي يمكثون فيها أبدا. وقيل: ذكر الأحقاب دون الأيام لأن الأحقاب أهول في القلوب وأدل على الخلود، والمعنى متقارب. وهذا الخلود في حق المشركين، ويمكن حمل الآية على العصاة الذي يخرجون من النار بعد أحقاب. وقيل: الأحقاب وقت لشربهم الحميم والغساق، فإذا انقضت فيكون لهم نوع آخر من العقاب، ولهذا قال (لابثين فيها أحقابا لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا إلا حميما وغساقا) . انتهى من تفسير القرطبي رحمه الله. وأما قوله تعالى: (فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق. خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد) هود/106،107، فقد ذكر القرطبي رحمه الله في تفسيرها أحد عشر قولا كلها تدل على خلود الكفار في النار وتأبيدهم فيها، ومن هذه الأقوال: (أن الاستثناء إنما هو للعصاة من المؤمنين في إخراجهم بعد مدة من النار، وعلى هذا يكون قوله (فأما الذين شقوا) عاما في الكفرة والعصاة، ويكون الاستثناء من (خالدين) ، وفي الصحيح من حديث أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يدخل ناس جهنم حتى إذا صاروا كالحُممة أخرجوا منها ودخلوا الجنة فيقال هؤلاء الجهنميون") . رواه البخاري (6896) ومنها: (أن "إلا" بمعنى " سوى " كما تقول في الكلام: ما معي رجل إلا زيد، ولي عليك ألا درهم إلا الألف التي لي عليك. فالمعنى: ما دامت السموات والأرض سوى ما شاء ربك من الخلود) وقد تركنا ذكر بقية الأوجه اختصارا فراجعها فإنه نافعة جدا. وبهذا يعلم أن ما دل عليه الكتاب والسنة والإجماع من خلود النار وأهلها، لم يعارضه نص صحيح صريح من كتاب الله ولا من سنة رسوله، ولا من آثار الصحابة والتابعين. وبهذا يتم الجواب عن قولك: أم أن عذابهم يستمر لأحقاب الله يعلمها، إن كان كذلك فما مصيرهم بعد ذلك؟ ولم يرد ذكرٌ لذلك في القرآن أو السنة؟ فيقال: بل ورد ما ذكرنا لك من النصوص، وغيرها مما لم نذكره، ما يقرر معتقد أهل السنة في هذه المسألة، وكون النصوص لم تذكر شيئا عن مصيرهم بعد الأحقاب، يدل على ما ذكرنا من أنها أحقاب لا تتناهى، ولا تنقطع، أعاذنا الله وإياك من ذلك. وليس فيما ذكر تعارض مع عدل الله ورحمته، بل هذا هو مقتضى عدله وحكمته، كما قال سبحانه: (والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور. وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالح غير الذي كنا نعمل أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير) فاطر/36،37. وقال جل وعلا: (إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون. لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون. وما ظلمناهم ولكن هم الظالمون. ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون. لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون) الزخرف/74-78. وقال سبحانه: (أفنجعل المسلمين كالمجرمين. مالكم كيف تحكمون) القلم/34،35 وقال: (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون. وخلق الله السموات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون) الجاثية/21،22 وقال: (إليه مرجعكم جميعا وعد الله حقا إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون) يونس/4. ومن تدبر هذه الآيات المباركات أيقن أن الله حكيم عليم رحيم لا يظلم الناس مثقال ذرة، وما ربك بظلام للعبيد. وهو سبحانه (لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون) الأنبياء/23 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 26792 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 هل إذا مات الشخص قبل الأربعين يدخل الجنة [السُّؤَالُ] ـ[لقد اكتشفت شيئا عن الإسلام لم أكن أعرفه من قبل. إذا مات شخص قبل أن يبلغ سن 40 عاما، وكان شخصا مستقيما في حياته (أو صاحب خلق) ويؤمن بعدة آلهة، فهل يمكن أن يدخل الجنة؟ لقد سمعت أنه يُغفَر لمن يُؤمن بغير الإسلام إذا مات قبل بلوغه سن تحمل المسؤولية (40 عاما) . فعلى سبيل المثال (JFK الإبن) مات وهو في 38 من عمره، فإذا كان شخصا متواضعا فهل يمكن أن يدخل الجنة؟ سأقدر إجابتك على هذا السؤال.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الكلام غير صحيح البتة، إذ أنَّ الإسلام منذ أن انبثق فجره ببعثة خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب القرشي الهاشمي رسولاً إلى كافة الإنس والجن، قد أغلق جميع الطرق الموصلة إلى الجنة إلا من طريقه صلى الله عليه وسلم، فمن مات وهو يدعو مع الله إلهاً آخر سواء كان وثناً أو ملكاً مقرباً أو نبياً مرسلاً أو حجراً أو شجراً أو قبراً أو جنياً أو ضريحَ ولي أو أحداً من آل بيت النبوة أو غيرهم كائناًً من كان بعدما أُقيمت عليه الحجة وأصر فإنه من أهل النار خالداً مخلداً فيها أبداً، لا يدخل الجنة أبداً، وإليك نصوص الكتاب والسنة المتواترة في بيان هذا الأمر: قال تعالى مبيناً أنه لن يقبل من أحد ديناً يدين به غير دين الإسلام الذي أرسل به محمداً صلى الله عليه وسلم (ومن يبتغِ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) وقال تعالى: (اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضيتُ لكم الإسلام ديناً) وقال جل شأنه (إنَّ الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضلَّ ضلالاً بعيداً) وقال تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيماً) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (والذي نفسي بيده لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بما أرسلتُ به إلا كان من أهل النار) وقد توعد الله تعالى الكفار في النار بالخلود الأبدي فيها في آيات من كتابه الكريم فقال تعالى في سورة النساء (إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقاً إلا طريق جهنم خالدين فيها أبداً وكان ذلك على الله يسيراً) وقال تعالى في سورة الأحزاب (إنَّ الله لعن الكافرين وأعدَّ لهم سعيراً خالدين فيها أبداً) وقال تعالى في سورة الجن (ومن يعص الله ورسوله فإنَّ له نار جهنم خالدين فيها أبداً) وقال تعالى في بيان حال المشركين به (ومن يشرك به فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار) . وما أرسل الله الرسلَ وما أنزل الكتبَ إلا لتوحيده وإخلاص العبادة له وحده سبحانه لا شريك الله، وهذا الواجب على المرء الإيمان به قولاً وعملاً واعتقاداً إذ أنه هو وحده سبحانه المستحق للعبادة وعلى هذا يشير قوله تعالى (ذلك بأنَّ الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل) ولقد تضافرت الآيات الكريمة على هذا المعنى كقوله تعالى (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً) وقوله تعالى (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء) وقوله تعالى (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليَّ أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً) ، ولقد اتفقت كلمة الرسل في الدعوة إلى هذا الأمر وتقريره، قال سبحانه وتعالى (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) ، ولهذا فقد اشتد كفر العرب لما جاءهم النبي صلى الله عليه وسلم داعياً إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له وترك ونبذ كل الأنداد والوسطاء والشركاء والكفر بهم جميعاً، قال تعالى مخبراً عن حالهم (إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ويقولون أئنا لتاركوا ألهتنا لشاعر مجنون، بل جاء بالحق وصدق المرسلين) ، وأخبر سبحانه وتعالى أن كل من عبد أو دعا مع الله إلهاً آخر فإنه سيحشره معه في نار جهنم، قال تعالى (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون، لو كان هؤلاء ألةً ما وردوها وكل فيها خالدين، لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون) . والخلاصة من هذا كله أن العبد إذا مات بعد البلوغ وهو مشرك كافر بالله يدعو مع الله إلهاً آخر ويؤمن بآلهة أخرى تنفع وتضر أو أن لها من الأمر شيئاً فإنه كافر من أهل النار خالداً مخلداً فيها أبداًً ولو كان دون سن 40 أو اكثر منها، إذا أن العبرة في الإسلام بالبلوغ فقط، ويحصل البلوغ بأحد ثلاثة أمور للذكر وتزيد عليه المرأة أمراً رابعاً، وهذا العلامات الثلاثة هي كما يلي: 1 - بلوغ سن خمسة عشر عاماً. 2 - إنبات شعر العانة (القبل) للرجل أو المرأة. 3 - نزول المني وخروجه بشهوة، سواء كان باحتلام أو جماع أو بأي وسيلة أخرى. وتزيد المرأة بعلامة رابعة وهي: نزول دم الحيض منها. فإذا وجدت أحد هذه العلامات حكم ببلوغ العبد، فيكون مكلفاً مأموراً بكل أمر، منهياً عن كل نهي، وليس معنى هذا أنه يجوز للطفل أو من لم يبلغ أن يشرك بالله أو أن يدعو غيره أو أن يدعو أحداً معه، إذ أنه لو فعل ذلك عُدَّ كفراً، لكنه إن مات على الكفر قبل البلوغ فهذا أمره إلى الله تعالى في الآخرة. وأما كونه كان طيباً أو متواضعاً أو كريماً أو باراً بوالديه أو نحو ذلك من صفات الخير فإن هذا لا ينفعه أبداً عند الله، وسيأخذ حقه معجلاً في الدنيا، لحديث عائشة رضي الله عنها أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إنَّ عبد الله بن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويفك العاني ويكرم الضيف (وعددت بعض صفات الخير فيه لكنه كان مشركاً ومات على الشرك) فهل ينفعه ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا، إنه لم يقل يوماً رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين) يعني أنه كان كافراً لا يؤمن بالبعث والنشور والحساب فلم تنفعه أعماله التي كان يقوم بها، ومثله حاتم الطائي فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لابنته سفانة: لو كان أبوك مسلماً لترحمنا عليه. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 7480 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 كم تكون أعمار أهل الجنة [السُّؤَالُ] ـ[كم تكون أعمار الناس في الجنة؟ وهل سيكبرون؟ أم سيبقون كما دخلوها أول مرة؟ ولماذا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أعدَّ الله الجنة كرامة لأوليائه الذين أطاعوه في الدنيا، وصبروا على امتثال أمره واجتناب نهيه، وجعل فيها كل محبوب لهم كما قال سبحانه: (وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون) الزخرف/71، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فاقرؤوا إن شئتم (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين) البخاري 3244 مسلم 2824. وتبعا لهذا فنحن نؤمن أن حال من يدخل الجنة هو أكمل الحالات وأفضلها وأعلاها من كل الوجوه، سواء علمنا تفاصيل ذلك أم لم نعلم، وإن كان العلم بالتفاصيل في بعض الأحوال مما يزيد من همة المسلم ورغبته في فعل الخير. ومن هذه الأحوال التي هي أكمل الأحوال أعمارُ أهل الجنة، وقد ورد فيها الحديث بأنهم يدخلونها "أبناء ثلاث وثلاثين" رواه الترمذي 2545 وحسنه الألباني في تخريج المشكاة 5634. قال ابن القيم رحمه الله عن هذا السن إن فيه من الحكمة ما لا يخفى فإنه أبلغ وأكمل في استيفاء اللذات، لأنه أكمل سن القوة. (حادي الأرواح ص 111) . أما زيادة أعمارهم من عدمها فقد وردت أحاديث لا تَثْبُت فيها أنهم لا تزيد أعمارهم، والذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهم (لا يفنى شبابهم) رواه الترمذي 2539 وحسنه الألباني في صحيح الترمذي 2062، وأيّاً كان الحال فإن من المتقرر من القاعدة السابقة أنهم يكونون في أكمل حال، فهم باقون في سن الشباب دائماً وأبداً، نعيمهم يزيد ولا ينقص، وعيشهم يطيب ولا يُنَغًّص. نسأل الله بمنِّه وكرمه ورحمته أن يجعلنا وإيَّاك وجميع المسلمين من أهل تلك الدار، وأن يعيننا على العمل بدينه ولدينه حتى نلقاه وهو راضٍ عنَّا، إنه أرحم الراحمين. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 22802 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 لماذا حرمت أشياء في الدنيا وهي في الجنة حلال [السُّؤَالُ] ـ[أنا مسلمة أعيش في السويد ولدي سؤال من أحد النصارى وقد سألت الكثير وحاولت أن أجد الجواب في الكتب ولم أجد حلاً، والسؤال كان عن الحوريات، سمعت أن الرجل يجازى بعدة نساء في الجنة. لا أدري هل هذه المعلومات صحيحة ولكن إذا استطعت أن تعطيني بعض المعلومات عن هذا الموضوع فسأكون شاكرة. السؤال المهم هو:لماذا الإسلام يشجع ويبشِّر بشيء في الجنة وهو محرّم في الدنيا؟ مثال: العلاقة بين الرجل مع النساء خارج إطار الزواج تعتبر حراما وإذا تجنب ذلك المسلم في هذه الدنيا فسوف يجازى بالحوريات في الجنة. أليس هذا عجيبا؟ مع الأسف فأنا أعرف القليل عن هذا الأمر ولا أدري من أين جاء هذا السؤال ولكنني متأكدة بأنه يوجد جواب منطقي لهذا السؤال وأرجو أن تساعدني في هذا الموضوع وشكرا لك.]ـ [الْجَوَابُ] لقد ذكر الله عز وجل في كتابه الكريم الجنة وما أعد فيها وذكر صفتها وصفة أهلها في عدة مواضع من القرآن، منها: قوله تعالى {فيها عين جارية فيها سرر مرفوعة وأكواب موضوعة ونمارق مصفوفة وزرابي مبثوثة) الغاشية 12- 16 وقال {ولمن خاف مقام ربه جنتان فبأي آلاء ربكما تكذبان ذوات أفنان فبأيّ آلاء ربكما تكذبان فيهما عينان تجريان فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهما من كل فاكهة زوجان} الرحمن 46-52. والآيات غيرها كثيرة في وصف الجنة، وقد وردت عدة آيات في وصف نساء الجنة فقال تعالى {فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان فبأي آلاء ربكما كأنهن الياقوت والمرجان} الرحمن 56-58. وقال {حور مقصورات في الخيام} الرحمن 72 وقال {وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون جزاء بما كانوا يعملون} الواقعة - 22. وقد صحت أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة نساء الجنة وأنهن معدات يوم القيامة للمتقين فمن ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء أضاءه لا يبولون ولا يتغوطون ولا يتفلون ولا يتمخطون أمشاطهم الذهب ورشحهم المسك ومجامرهم الألوة وأزواجهم الحور العين أخلاقهم على خلق رجل واحد على صورة أبيهم آدم ستون ذراعاً في السماء) صحيح الجامع - 2015. وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الخيمة درة طولها في السماء ستون ميلاً في كل زاوية منها أهل للمؤمن لا يراهم الآخرون) صحيح الجامع - 3357 فهذه الأحاديث ذكرت فيها نساء الجنة اللواتي أعددن للرجال وقد سماهن الله عز وجل في كتابه بالحور، والحور جمع حوراء، قال القرطبي في الأحكام (17/122) ." هي شديدة البياض العين الشديدة سوادها) ، فنحن نؤمن بذلك إيمانا مطلقا لا يعتريه الشك والريب وهو من صلب عقيدتنا وللمزيد يُراجع صحيح البخاري كتاب بدء الخلق باب صفة الجنة وصحيح مسلم أبواب صفة الجنة وكذلك كتاب صفة الجنة لأبي نعيم الاصفهاني في صفة نساء أهل الجنة وحسنهن. أما السؤال عن أن الإسلام يشجع ويبشر بشيء في الجنة وهو محرم في الدنيا مثل علاقة الرجل مع النساء خارج إطار الزواج، فقبل الإجابة عليه يحسن أن ننبه على قضية خطيرة وهي أن الله عز وجل يحرّم ما يشاء في هذه الدنيا على أهلها فهو خالق هذه الأشياء ومليكها فلا يجوز لأحد أن يعترض على حكم الله عز وجل برأيه المنكوس وبفهمه المعكوس فلله الحكم والأمر من قبل ومن بعد لا معقب لحكمه جل وعلا. أما مسألة تحريم الله عز وجل لأمور في الدنيا ثم يكافئ بها تاركها في الآخرة (مثل الخمر والزنا ولبس الحرير للرجال وهكذا) فإنّ هذا ما شاءه الله من ثواب من أطاعه وصَبَر وجاهد نفسه في الدّنيا وقد قال تعالى: (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان) . وأمّا عن علل التحريم ففيما يلي بعض الوقفات المهمّة: أولا: ليس بالضّرورة أن نعرف جميع علل التحريم فهناك علل قد لا نعرفها، والأصل الوقوف عند النصوص بالتسليم حتى ولو لم نعلم العلّة لأنّ التسليم هو مقتضى الإسلام المبني على الطّاعة التامّة لله تعالى. ثانيا: قد تظهر لنا بعض علل التحريم مثل المفاسد المترتبة على الزنا كاختلاط الأنساب وشيوع الأمراض الفتّاكة وغير ذلك، فعندما منع الشرع العلاقات غير الشرعية أراد بذلك حفظ الأنساب والأعراض، والتي قد لا تعني شيئا عند الكفرة والفجرة، فهم يتسافدون تسافد الحمير؛ فالصديق يطأ صديقته والقريب يطأ قريبته وهكذا وكأنهم في غابة للحيوان بل إن بعض الحيوانات تأبى ذلك وهم لا يأبون ولا يكترثون فأصبح المجتمع جرّاء ذلك منحلا مفكك الروابط والأواصر، مليئا بالأمراض الجنسية الفتاكة والتي تدل على غضب الله على من ينتهك حرماته ويستبيح المحرمات. وهذا كله خلاف العلاقة بين الرجل والحورية في الجنة - وهذا ما سألت عنه - فمن الملاحظ أن المرأة البغيّ في الدنيا تكون مشاعة العرض قليلة الدين والحياء، ولا تكون رتبطة بعلاقة شرعية ثابتة بشخص واحد بعقد صحيح، فيصبح الرجل يطأ من يشاء والمرأة يطؤها من يشاء دون وازع من دين أو أخلاق، أما الحوريات في الجنة فإنهن مقصورات على أزواجهنّ الذين جازاهم الله بهن لقاء صبرهم عن الحرام في الدنيا كما قال تعالى: " حور مقصورات في الخيام "، وقال عنهنّ: (لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان) فهي زوجة له في الحقيقة كما قال تعالى: (وزوّجناهم بحور عين) ومقصورات عليه لا يُشاركه فيهن غيره. ثالثا: أن الله عزّ وجلّ - الذي شرع للرجل في الدنيا أن لا يجتمع عنده في وقت واحد أكثر من أربعة نسوة - هو الذي ينعم على أهل الجنّة بما يشاء من الحور العين فلا تعارض بين التحريم في الدنيا والآخرة لأن أحكامهما تختلف على حسب ما يشاء الربّ سبحانه ولا شكّ أنّ الآخرة خير من الدنيا وأفضل وأبقى، قال تعالى: " زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب (14) قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد (15) " آل عمران رابعا: أن هذا التحريم قد يكون من باب الابتلاء من الله عز وجل للعباد هل يأتمرون بهذه الأوامر وينتهون عما نهى عنه، ولا يكون الابتلاء بشي لا تميل إليه النفس ولا تحبه، وإنما بما تميل إليه النّفوس وتتعلّق به وتنجذب إليه ومن ذلك الابتلاء بالمال: هل يأخذه العبد من حلّه ويضعه في حلّه ويؤدّي حقّ الله فيه، والابتلاء بالنساء هل يقتصر على ما أحلّه الله منهنّ ويغضّ طرْفه ويجتنب الاستمتاع بما حرّمه الله منهنّ، ومن رحمته عزّ وجلّ أنّه لم يحرّم شيئا تميل إليه النّفوس إلا وأحلّ من نوعه وجنسه أمورا كثيرة من الحلال. خامسا: أنّ أحكام الدنيا ليست مثل أحكام الآخرة، فخمرة الدنيا تذهب العقل بخلاف خمرة الآخرة الطّيبة التي لا تُذْهب العقل ولا تسبّب صداعا في الرأس ولا مغصا في البطن، وما أعده للمؤمنين من نساء يوم القيامة جزاءا على طاعتهم ليس كالزنا والذي به تتهتك الأعراض وتختلط الأنساب وتنتشر الأمراض ويُعقب النّدم، ونساء الجنّة طاهرات طيّبات لا يمتن ولا يهرمن بخلاف نساء الدّنيا، قال الله تعالى: (إنا أنشأناهن إنشاءا فجعلناهن أبكارا عربا أترابا) . فنسأل الله أن يرزقنا من خيري الدنيا والآخرة وأن يرزقنا الطاعة لأوامره واليقين بثوابه ونيل أجره والأمن من عقابه، والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 4994 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 من الذي سيدخل الجنة [السُّؤَالُ] ـ[من يدخل الجنة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لقد أخبرنا الذي خلق الجنة عن صفات الذين سيدخلون الجنة فقال الله عز وجلّ: (ومَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (40) سورة غافر وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (13) أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (14) الأحقاف وقال: (إِلاّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (60) مريم فمن أسلم لله وعمل بما أمر الله واجتنب ما حرّم الله دخل الجنّة. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 390 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 هل يوجد أحد بالجنة الآن [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك أحد في الجنة الآن (غير الأنبياء والملائكة) ؟ أم أننا جميعا ننتظر يوم القيامة قبل أن ندخل الجنة أو النار؟ سمعت أن بعض الناس رأوا الجنة أو أنهم في الجنة الآن أو أنهم ذهبوا للجنة ورأوا ما فيها وهم ليسوا أنبياء أو ملائكة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الجنة قد خلقها الله سبحانه وفرغ من خلقها لقوله سبحانه في الحديث القدسي: " أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت.. " الحديث. ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم رآها في ليلة الإسراء والمعراج، ولغير ذلك من الأدلة. وهل يدخلها أحد من البشر قبل يوم القيامة؟ الظاهر أن ذلك على نوعين: 1- دخوله بروحه كما هو حال الأموات، فهذا ثابت للأنبياء، والشهداء الذين تكون أرواحهم في حاصل طير خضر تسرح في الجنة. وكما هو الحال في الأحاديث التي أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فيها أنه دخل الجنة في المنام (رؤيا النوم) ، فإنها في حالات الأرواح. 2- أما دخول الجنة بالجسد والروح فإنها تكون يوم القيامة للبشر وللجن. ويستثنى من هذا ما ذكر أن آدم عليه السلام كان في الجنة قبل أن ينزل إلى الارض، كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله وغيره. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 4003 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 حديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب [السُّؤَالُ] ـ[في صحيح البخاري ذكر الحديث أن 70,000 من الناس سيدخلون الجنة، الثلاثة أجيال الأولى قد يصل عددهم إلى 70,000 فهل هناك تفسير آخر للحديث]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لعلّك أيها الأخ السائل تُشير إلى حديث السبعين ألفا الذين يدخلون الجنّة بغير حساب والذي رواه الشيخان وأحمد وغيرهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولو تأملت هذا الحديث سيزول - إن شاء الله - الإشكال الذي أوردته في سؤالك، روى الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ فَجَعَلَ النَّبِيُّ وَالنَّبِيَّانِ يَمُرُّونَ مَعَهُمْ الرَّهْطُ وَالنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ حَتَّى رُفِعَ لِي سَوَادٌ عَظِيمٌ قُلْتُ مَا هَذَا؟ أُمَّتِي هَذِهِ؟ قِيلَ بَلْ هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ، قِيلَ انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ فَإِذَا سَوَادٌ يَمْلأُ الأُفُقَ ثُمَّ قِيلَ لِي انْظُرْ هَا هُنَا وَهَا هُنَا فِي آفَاقِ السَّمَاءِ فَإِذَا سَوَادٌ قَدْ مَلأَ الأُفُقَ قِيلَ هَذِهِ أُمَّتُكَ وَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ هَؤُلاءِ سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ ثُمَّ دَخَلَ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ فَأَفَاضَ الْقَوْمُ وَقَالُوا نَحْنُ الَّذِينَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاتَّبَعْنَا رَسُولَهُ فَنَحْنُ هُمْ أَوْ أَوْلادُنَا الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الإِسْلامِ فَإِنَّا وُلِدْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ؟ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ فَقَالَ: هُمْ الَّذِينَ لا يَسْتَرْقُونَ وَلا يَتَطَيَّرُونَ وَلا يَكْتَوُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ.. ". رواه البخاري 5270 فمقصود الحديث بيان أن هنالك فئة من هذه الأمة يدخلون الجنة من غير حساب لا أن عدد أهل الجنة من هذه الأمة سبعون ألفا، فهؤلاء السبعون ألفا المشار إليهم في الحديث هم في منزلة عالية من هذه الأمة لمزايا خاصة اختصوا بها ذكرت في الحديث: " هُمْ الَّذِينَ لا يَسْتَرْقُونَ وَلا يَتَطَيَّرُونَ وَلا يَكْتَوُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُون "، وجاء ذكر السبب في دخولهم الجنّة بلا حساب ولا عذاب مصرّحا به في رواية أخرى للبخاري رحمه الله عن عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ فَأَخَذَ النَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ الأُمَّةُ وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ النَّفَرُ وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ الْعَشَرَةُ وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ الْخَمْسَةُ وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ وَحْدَهُ فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ كَثِيرٌ قُلْتُ يَا جِبْرِيلُ هَؤُلاءِ أُمَّتِي قَالَ لا وَلَكِنْ انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ كَثِيرٌ قَالَ هَؤُلاءِ أُمَّتُكَ وَهَؤُلاءِ سَبْعُونَ أَلْفًا قُدَّامَهُمْ لا حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلا عَذَابَ قُلْتُ وَلِمَ قَالَ كَانُوا لا يَكْتَوُونَ وَلا يَسْتَرْقُونَ وَلا يَتَطَيَّرُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ فَقَامَ إِلَيْهِ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ فَقَالَ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ قَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ آخَرُ قَالَ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ قَالَ سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ. صحيح البخاري 6059، وجاء في وصفهم أيضا حديث سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَيَدْخُلَنَّ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا أَوْ سَبْعُ مِائَةِ أَلْفٍ (شكّ أحد رواة الحديث) لا يَدْخُلُ أَوَّلُهُمْ حَتَّى يَدْخُلَ آخِرُهُمْ وُجُوهُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْر" رواه البخاري وعن أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي زُمْرَةٌ هِيَ سَبْعُونَ أَلْفًا تُضِيءُ وُجُوهُهُمْ إِضَاءَةَ الْقَمَرِ" رواه البخاريُ، وفي وصفهم أيضا روى مسلم في صحيحه من حديث جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وفيه: "ثُمَّ يَنْجُو الْمُؤْمِنُونَ فَتَنْجُو أَوَّلُ زُمْرَةٍ وُجُوهُهُمْ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ سَبْعُونَ أَلْفًا لا يُحَاسَبُونَ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ كَأَضْوَإِ نَجْمٍ فِي السَّمَاءِ ثُمَّ كَذَلِكَ ". ولنا جميعا معشر المسلمين بشارات نبوية في هذا الحديث وغيره فأمّا هذا الحديث فإنّ له رواية عظيمة وزيادة كريمة جاءت في مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي وابن ماجة من حديث أَبِي أُمَامَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "وَعَدَنِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلا عَذَابٍ مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلْفًا وَثَلاثَ حَثَيَاتٍ مِنْ حَثَيَاتِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ" نسأل الله سبحانه ن يجعلنا منهم. فإذا حسبت سبعين ألفا مع كلّ ألف من السبعين ألفا فكم يكون العدد الإجمالي لمن يدخل الجنّة دون حساب؟؟ وكم عدد كلّ حثية من حثيات الرّب العظيم الكريم الرؤوف الرحيم؟؟ نسأل الله أن يجعلنا في تلك الأعداد. وأما البشارة الثانية فهي أنّ عدد أهل الجنة من هذه الأمّة هو ثلثا العدد الإجمالي لأهل الجنة، فيدخل الجنة من أمّة محمد صلى الله عليه وسلم أكثر ممن يدخلها من كلّ الأمم السابقة مجتمعين، وقد جاءت هذه البشارة عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه الذي قال فيه لأصحابه يوما: " أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ قُلْنَا نَعَمْ قَالَ أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ قُلْنَا نَعَمْ قَالَ أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ قُلْنَا نَعَمْ قَالَ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنِّي لأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَذَلِكَ أَنَّ الْجَنَّةَ لا يَدْخُلُهَا إِلا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ وَمَا أَنْتُمْ فِي أَهْلِ الشِّرْكِ إِلا كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الأَسْوَدِ أَوْ كَالشَّعْرَةِ السَّوْدَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الأَحْمَرِ. " رواه البخاري 6047، ثم أكمل لنا صلى الله عليه وسلم البشارة في الحديث الصحيح الآخر الذي قال فيه: " أَهْلُ الْجَنَّةِ عِشْرُونَ وَمِائَةُ صَفٍّ ثَمَانُونَ مِنْهَا مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ وَأَرْبَعُونَ مِنْ سَائِرِ الأُمَمِ. " رواه الترمذي 3469 وقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. فنحمد الله على نعمته ونسأله من فضله ورحمته، وأن يُسكننا الجنّة بحوله ومنّته، وصلى الله على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 4203 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 معنى الخلود في النار [السُّؤَالُ] ـ[قال عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} ، وقال تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} الآية أرجو من فضيلة الشيخ أن يذكر الجمع بين الآيتين الكريمتين؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -: " ليس هناك بحمد الله بينهما اختلاف، فالآية الأولى فيها بيانه سبحانه لعباده أن ما دون الشرك تحت مشيئته قد يغفره فضلا منه سبحانه، وقد يعاقب من مات على معصية بقدر معصيته لانتهاكه حرمات الله ولتعاطيه ما يوجب غضب الله، أما المشرك فإنه لا يغفر له بل له النار مخلدا فيها أبد الآباد إذا مات على ذلك - نعوذ بالله من ذلك - وأما الآية الثانية، ففيها الوعيد لمن قتل نفسا بغير حق وأنه يعذب وأن الله يغضب عليه بذلك، ولهذا قال تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} معنى ذلك: أن هذا هو جزاؤه إن جازاه سبحانه وهو مستحق لذلك وإن عفا سبحانه فهو أهل العفو وأهل المغفرة جل وعلا، وقد يعذب بما ذكر الله مدة من الزمن في النار ثم يخرجه الله من النار، وهذا الخلود خلود مؤقت، ليس كخلود الكفار، فإن الخلود خلودان: خلود دائم أبدا لا ينتهي، وهذا هو خلود الكفار في النار، كما قال الله سبحانه في شأنهم: {كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} هكذا في سورة البقرة. وقال في سورة المائدة: {يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ} أما العصاة: كقاتل النفس بغير حق والزاني والعاق لوالديه وآكل الربا وشارب المسكر وأشباههم إذا ماتوا على هذه المعاصي وهم مسلمون، هم تحت مشيئة الله كما قال سبحانه: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} فإن شاء جل وعلا عفا عنهم لأعمالهم الصالحة التي ماتوا عليها وهي توحيده وإخلاصهم لله وكونهم مسلمين أو بشفاعة الشفعاء فيهم مع توحيدهم وإخلاصهم. وقد يعاقبهم سبحانه ولا يحصل لهم عفو فيعاقبون بإدخالهم النار وتعذيبهم فيها على قدر معاصيهم ثم يخرجون منها، كما تواترت بذلك الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه يشفع للعصاة من أمته، وأن الله يحد له حدا في ذلك عدة مرات، يشفع ويخرج جماعة بإذن الله ثم يعود فيشفع، ثم يعود فيشفع، ثم يعود فيشفع عليه الصلاة والسلام (أربع مرات) ، وهكذا الملائكة وهكذا المؤمنون وهكذا الأفراط كلهم يشفعون ويخرج الله سبحانه من النار بشفاعتهم من شاء سبحانه وتعالى ويبقي في النار بقية من العصاة من أهل التوحيد والإسلام فيخرجهم الرب سبحانه بفضله ورحمته بدون شفاعة أحد، ولا يبقى في النار إلا من حكم عليه القرآن بالخلود الأبدي وهم الكفار. (والأفراط هم الأولاد الذي لم يبلغوا الحلم وماتوا قبل أبويهم) وبهذا يعلم السائل الجمع بين الآيتين وما جاء في معناهما من النصوص وأن أحاديث الوعد بالجنة لمن مات على الإسلام على عمومها إلا من أراد الله تعذيبه بمعصيته فهو سبحانه الحكيم العدل في ذلك يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد جل وعلا. ومنهم من لا يعذب فضلا من الله لأسباب كثيرة من أعمال صالحة ومن شفاعة الشفعاء، وفوق ذلك رحمته وفضله سبحانه وتعالى. [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى ومقالات (9/380) الحديث: 31174 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 تريد أن تدعو بالزواج من رجل معين في الجنة [السُّؤَالُ] ـ[مجموعة من النساء في مجلس قالت إحداهن: أسأل الله أن يرزقني بأبي بكر في الجنة، وقالت الثانية: أسأل الله أن يرزقني بعمر وهكذا، فقالت إحداهن: هذا اعتداء في الدعاء، فأنكرن عليها وقلن أن الداخل يشتهي ما يشاء، فما التوضيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، فأجاب حفظه الله: هذا الدعاء فيه نوع من الاعتداء، وأبو بكر له زوجات وعمر له زوجات وعلي له زوجات، لكن تدعو الله فتقول: اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، والجنة فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن صالح العثيمين الحديث: 12048 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 هل يتذكّر أهل الجنّة ما كان في الدّنيا [السُّؤَالُ] ـ[هل أهل الجنة سيتذكرون ما كانوا عليه في الدنيا؟ وهل يشتهون أشياء مثل التي يشتهونها في الدنيا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أهل الجنة يتذكرون ما كانوا عليه في الدنيا وقد وردت أدلة في القرآن تدل على ذلك منها ما جاء في سورة الطور: (وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون، قالوا إنا كنا قبلُ في أهلنا مشفقين فمنّ الله علينا ووقانا عذاب السموم، إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم) . وكذلك تذكّرهم لأهل الشر الذي كانوا يشككون أهل الإيمان، ويدعونهم إلى الكفر، قال تعالى في سورة الصافات: (فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون، قال قائل منهم إني كان لي قرين، يقول أئنك لمن المصدقين، أإذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أئنا لمدينون) الآيات ويتذكرون أيام الدنيا، وما لاقوا فيها من ابتلاء ومحن في أنفسهم وأبنائهم وأهليهم وأموالهم، فيقولون مسرورين: (الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن، إنا ربنا لغفور شكور) . ثم تثور ذكريات الماضي " في الدنيا " عندما يرون فاكهة تشابه الفاكهة التي كانوا يأكلونها في الدنيا، ولكن تختلف عنها في الحجم والطعم، (كلما رزقوا منها من ثمرة رزقاً قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابهاً) . ويتذكرون دعاءهم في أوقات الضيق، وأكفهم المرفوعة إلى السماء طالبة القبول لأعمالهم، والتوفيق للعمل الصالح، وأن يكونوا من ورثة النعيم كما قال عزّ وجلّ: (وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون، قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين، فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم، إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم) . أما مسألة أن يشتهوا مثل نعيم الأرض فإنّه سيشتهون فوق ذلك بكثير لأنّ أدنى أهل الجنة منزلة له أكثر من عشرة أمثال نعيم الدنيا كما جاء عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي لأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا وَآخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الْجَنَّةَ رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ حَبْوًا فَيَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُ اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلاَى فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلأَى فَيَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُ اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ قَالَ فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلأَى فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلْأَى فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ فَإِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهَا أَوْ إِنَّ لَكَ عَشَرَةَ أَمْثَالِ الدُّنْيَا قَالَ فَيَقُولُ أَتَسْخَرُ بِي أَوْ أَتَضْحَكُ بِي وَأَنْتَ الْمَلِكُ قَالَ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ قَالَ فَكَانَ يُقَالُ ذَاكَ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً. " متفق عليه وهذه رواية مسلم رقم 272 وكلّ ما يشتهيه أهل الجنّة يحصلون عليه كما قال عزّ وجلّ: (وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71) سورة الزخرف وقد وردت أحاديث في تلبية رغبة بعض أهل الجنّة في الولد والزرع وأنّ ذلك لا يحتاج إلى انتظار. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَوْمًا يُحَدِّثُ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ أَنَّ رَجُلا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ فِي الزَّرْعِ (وهذا إخبار عن المستقبل بصيغة الماضي لبيان أنّ الوقوع متحقّق) فَقَالَ لَهُ أَوَلَسْتَ فِيمَا شِئْتَ قَالَ بَلَى وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَزْرَعَ فَأَسْرَعَ وَبَذَرَ فَتَبَادَرَ الطَّرْفَ (أي سبق لمح البصر) نَبَاتُهُ وَاسْتِوَاؤُهُ وَاسْتِحْصَادُهُ وَتَكْوِيرُهُ أَمْثَالَ الْجِبَالِ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى دُونَكَ يَا ابْنَ آدَمَ فَإِنَّهُ لا يُشْبِعُكَ شَيْءٌ فَقَالَ الاَعْرَابِيُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ لا تَجِدُ هَذَا إِلا قُرَشِيًّا أَوْ أَنْصَارِيًّا فَإِنَّهُمْ أَصْحَابُ زَرْعٍ فَأَمَّا نَحْنُ فَلَسْنَا بِأَصْحَابِ زَرْعٍ فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري 6965 قال ابن حجر رحمه الله: وفي هذا الحديث من الفوائد أن كل ما اشتهي في الجنة من أمور الدنيا ممكن فيها. فتح الباري وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُؤْمِنُ إِذَا اشْتَهَى الْوَلَدَ فِي الْجَنَّةِ كَانَ حَمْلُهُ وَوَضْعُهُ وَسِنُّهُ فِي سَاعَةٍ كَمَا يَشْتَهِي. " رواه الترمذي 2487 قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وهو في صحيح الجامع 6649 نسأل الله أن يجعلنا من أهل الجنة بكرمه ورحمته والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 1141 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 هل تجتمع المرأة بزوجها في الجنة [السُّؤَالُ] ـ[هل ستكون المرأة مع زوجها في الجنة؟ هل سيكون لهما الخيار بأن يبقيا سوياً؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله 1. نعم، تكون المرأة مع زوجها في الجنة، بل ومع ذريتها من البنين والبنات إذا كانوا من أهل الإسلام، ويدل على هذا قول الله تعالى {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء ... } [الطور21] ، ومن دعاء الملائكة حملة العرش { ... ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومَن صلح مِن آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم} [غافر 8] . قال ابن كثير رحمه الله: أي: اجمع بينهم وبينهم لتقر بذلك أعينهم بالاجتماع في منازل متجاورة كما قال تبارك وتعالى {والذين آمنوا واتبعتهم ذرياتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء} ، أي: ساوينا بين الكل في المنزلة لتقر أعينهم وما نقصنا العالي حتى يساوي الداني بل رفعنا ناقص العمل، فساويناه بكثير العمل تفضلا منا ومنة، وقال سعيد بن جبير: إن المؤمن إذا دخل الجنة سأل عن أبيه وابنه وأخيه أين هم فيقال إنهم لم يبلغوا طبقتك في العمل، فيقول: إني إنما عملت لي ولهم فيلحقون به في الدرجة. أ. هـ " تفسير ابن كثير " (4 / 73) . 2. ولا نظن بمن كتب الله لهم دخول الجنة ونزع منهم الغل أن يختارا الفراق على اللقاء. 3. وإذا لم تتزوج في الدنيا فإن الله تعالى يزوجها ما تقر به عينها في الجنَّة، فالنعيم ليس مقصوراً على الذكور، وإنما هو للذكور والإناث، ومن جملة النعيم: الزواج. أ. هـ " مجموع فتاوى ابن عثيمين " (2 / 53) . وليس في الجنة أعزب والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 5981 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 هل سيدخل إبليس النار ولماذا [السُّؤَالُ] ـ[هل يعاقب الكافر الذي لا يؤمن بوجود الله أشد عقوبة من الشيطان نفسه؟ إبليس يؤمن بالله فهل هناك آية في القرآن تدل على أن إبليس سيدخل النار؟ لماذا عصى الله الشيطان مادام يعلم بأن الله هو القوي العظيم؟ إذا شاء الله أن يعصيه إبليس فهل سيبقى في النار للأبد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أما موضوع العقوبات فمرجعها إلى الله سبحانه ولا نعلم عنها إلا ما علّمنا، والكفار والمشركون مجرمون كِبار جزاؤهم جهنم خالدين فيها هم وإبليس لعنه الله وسنذكر لك أيها السائل آيات من كتاب الله تدلّ على ذلك وتبيّن لماذا كفر إبليس ومصيره هو ومن اتّبعه قال الله تعالى: إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (74) قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (78) قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (80) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81) قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83) قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85) أما إبليس فقد عصى ربه وكَفَر كفْر الإباء والاستكبار واستكبر أن يسجد لآدم وهذا يدل على عظم خطر العجب بالنفس والكبر فنسأل الله العفو والعافية. ولا ينفع إبليس إيمانه بوجود الله وإثباته صفة العزّة لله وحَلِفه بذلك لأنّه نقض إيمانه بكفر الإباء والاستكبار وتعالى على الله واستكبر أن ينفّذ أمره. وقد خلق الله إبليس لحِكَم يريدها عزّ وجلّ وليكون امتحانا وابتلاء للعباد فمن أطاع الله وعصى إبليس دخل الجنة ومن عصى الله واتّبع إبليس دخل النار، وليس خلق الله لإبليس دالا على رضى الربّ عزّ وجلّ عما يفعله إبليس، معاذ الله، ولكنّها حكم ربّ العالمين والله لا يرضى الكفر ولا المعصية قال عزّ وجلّ {إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم ولا تزر وازرة وزر أخرى … الآية (الزمر:7) والشاهد من الآية قوله (ولا يرضى لعباده الكفر) ومشيئة الله نوعان: شرعية وهي التي شاءها وأحبّها ومن ذلك ما شرعه لعباده، ومشيئة كونية: وهي التي شاء أن تقع - لحِكَم يريدها عزّ وجلّ - ولا يشترط أنه يحبّ ما يقع. والحمد لله على هدايته وصلى الله على سيدنا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 6297 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 المرأة التي تزوجت بأكثر من زوج لأيهم تكون في الجنة [السُّؤَالُ] ـ[إذا ماتت المرأة، وقد تزوجت في حياتها بأكثر من زوج، فمع مَن تكون في الجنَّة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه المسألة فيها ثلاثة أقوال لأهل العلم: الأول: أنها تكون مع أحسنهم خلقاً كان معها في الدنيا. والثاني: أنها تُخيَّر بينهم. والثالث: أنها لآخر أزواجها. وأقرب هذه الأقوال وأصحّها هو القول الثالث وفيه حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم: " أيما امرأة تُوفي عنها زوجها، فتزوجت بعده، فهي لآخر أزواجها " صححه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع 2704 وفي السلسلة الصحيحة 1281. هذا على وجه الإجمال، أما على وجه التفصيل فأدلّة الأقوال كما يلي: دليل القول الأول: قال القرطبي: وذكر أبو بكر بن النجاد قال: حدثنا جعفر بن محمد بن شاكر حدثنا عبيد بن إسحاق العطار حدثنا سنان بن هارون عن حميد عن أنس: أن أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: يا رسول الله، المرأة يكون لها الزوجان في الدنيا، ثم يموتون ويجتمعون في الجنة، لأيهما تكون؟ للأول أو للآخر؟ قال: لأحسنهما خلقا كان معها يا أم حبيبة، ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة ". " التذكرة في أحوال الموتى والآخرة " (2 / 278) . قلت: والحديث ضعيف جدّاً، وفيه علتان: عبيد بن إسحاق العطار، وسنان بن هارون. أما الأول: فضعيف جدّاً، وأمَّا الثاني: فضعيف. = أقوال الأئمة: عن يحيى بن معين أنه قال: عبيد بن إسحاق العطار: لا شيء. وقال أبو حاتم الرازي: ما رأينا إلا خيراً! وما كان بذاك الثبت، في حديثه بعض الإنكار. " الجرح والتعديل " (5 / 401) . وفي " الضعفاء والمتروكين " للنسائي (ص 72) : متروك الحديث. وقال الذهبي: ضعفه يحيى، وقال البخاري: عنده مناكير، وقال الأزدي: متروك الحديث، وقال الدارقطني: ضعيف، وأما أبو حاتم فرضيَه! وقال ابن عدي: عامَّة حديثه منكر. " ميزان الاعتدال " (5 / 24) . وذكر ابن عدي في " الكامل " (5 / 347) هذا الحديث من جملة منكراته، وقال: وعامة ما يرويه إما أن يكون منكر الإسناد أو منكر المتن. = وأما سنان بن هارون: قال ابن حبان: منكر الحديث جدّاً، يروي المناكير عن المشاهير ... عن يحيى بن معين: قال سنان بن هارون البرجمي ليس حديثه بشيء. " المجروحين " (1 / 354) . وذكره العقيلي في " الضعفاء " (2 / 171) ، وذكر له هذا الحديث. = وعليه: فالحديث لا يصح الاستدلال به، وهو ضعيف جدّاً، فسقط هذا القول. = = القول الثاني: وهو أنها تُخيَّر بين أزواجها. ولم أر لمن قال هذا القول أيَّ دليل. وفي " التذكرة في أحوال الموتى والآخرة " (2 / 278) : ذكر المسألة، وقال بعدها: وقيل: إنها تخير إذا كانت ذات زوج.أ. هـ وقال العجلوني: ........ وقيل لأحسنهم خلقاً! وقيل: تخير. " كشف الخفاء " 2 / 392. وهو الذي رجحه الشيخ ابن عثيمين حفظه الله كما في فتاواه (2 / 53) . = = = وأما القول الثالث: فلهم عليه عدة أدلة: أ. قال الإمام الطبراني: 3130 حدثنا بكر قال نا محمد بن أبي السري العسقلاني قال نا الوليد بن مسلم قال نا أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم عن عطية بن قيس الكلاعي قال خطب معاوية بن أبى سفيان أم الدرداء بعد وفاة أبي الدرداء فقالت أم الدرداء إني سمعت أبا الدرداء يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أيما امرأة توفي عنها زوجها فتزوجت بعده فهي لآخر أزواجها وما كنت لأختارك على أبي الدرداء فكتب إليها معاوية فعليك بالصوم فإنه محسمة. " المعجم الأوسط " (3 / 275) . قلت: والحديث فيه علتان: ضعف أبي بكر بن أبي مريم، وعدم تصريح الوليد بن مسلم بالتحديث في باقي السند. أقوال العلماء: قال ابن حبان: ولقد كان أبو بكر بن أبي مريم من خير أهل الشام ولكنه كان رديء الحفظ يحدث بالشيء ويهم فيه لم يفحش ذلك منه حتى استحق الترك ولا سلك سنن الثقات حتى صار يحتج به فهو عندي ساقط الاحتجاج به إذا انفرد. " المجروحين " (3 / 146) . وأما تدليس الوليد بن مسلم فمشهور، وهو يدلس تدليس التسوية، وهو إسقاط ضعيف بين ثقتين، لذا اشترط العلماء على أهل هذا الصنف التصريح بالتحديث في كل طبقات السند بعد رويته. وانظر: " التبيين لأسماء المدلسين " لسبط ابن العجمي (ص 235) ، و " طبقات المدلسين " للحافظ ابن حجر (ص 51) . ب. قال الإمام أبو الشيخ الأصبهاني: حدثنا أحمد بن إسحاق الجوهري قال ثنا إسماعيل بن زرارة قال ثنا أبو المليح الرقي عن ميمون بن مهران عن أم الدرداء عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن المرأة لآخر أزواجها. " طبقات المحدثين بأصبهان " (4 / 36) . قلت: ورجال الحديث ثقات مشهورون، إلا أحمد بن إسحق الجوهري لم أجد له ترجمة إلا أن أبا الشيخ نفسه جعل هذا الحديث من (حسان حديثه) . فإن كان كذلك فهو أنظف إسناد في المسألة، والله أعلم. ج. قال الخطيب البغدادي: 4803 سمرة بن حجر أبو حجر الخراساني نزل الأنبار وحدث بها عن حمزة بن أبي حمزة النصيبي وعمار بن عطاء الخراساني والربيع بن بدر روى عنه إسحاق بن بهلول التنوخي أخبرنا علي بن أبي علي حدثنا أبو غانم محمد بن يوسف الأزرق حدثنا أبي قال حدثنا جدي حدثنا سمرة بن حجر أبو حجر الخراساني عن حمزة النصيبي عن بن أبي مليكة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المرأة لآخر أزواجها ". " تاريخ بغداد " (9 / 228) . قلت: والحديث ضعيف جدّاً، فيه: حمزة النصيبي وهو ضعيف جدّاً. أقوال العلماء: - قال الإمام النسائي: متروك الحديث. " الضعفاء والمتروكين " (ص 39) . - وقال ابن الجوزي: قال أحمد: مطروح الحديث، وقال يحيى: ليس بشيء ليس يساوي فلساً، وقال البخاري والرازي: منكر الحديث، وقال النسائي والدارقطني متروك الحديث، وقال ابن عدي: يضع الحديث، وقال ابن حبان: ينفرد عن الثقات بالموضوعات حتى كأنه المتعمد لها، لا تحل الرواية عنه. " الضعفاء والمتروكين " لابن الجوزي (1 / 237) . د. قال البيهقي: أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا يحيى بن أبي طالب أنبأ إسحاق بن أبي طالب أنبأ إسحاق بن منصور ثنا عيسى بن عبد الرحمن السلمي عن أبي إسحاق عن صلة عن حذيفة رضي الله عنه ثم أنه قال لامرأته إن شئت أن تكوني زوجتي في الجنة فلا تزوجي بعدي فإن المرأة في الجنة لآخر أزواجها في الدنيا فلذلك حرم الله على أزواج النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أن ينكحن بعده لأنهن أزواجه في الجنة. " السنن " (7 / 69) . قلت: فيه: أبو إسحاق السبيعي: وهو مدلس وقد اختلط، فالأثر ضعيف. أقوال العلماء: انظر: " من رمي بالاختلاط " للطرابلسي (ص 64) و " طبقات المدلسين " لابن حجر (ص 42) . وقد ضعفه به العلامة الشيخ الألباني رحمه الله في " السلسلة الصحيحة " (1281) . هـ. أثر يرويه ابن عساكر (19 / 193 / 1) عن عكرمة: أن أسماء بنت أبي بكر كانت تحت الزبير بن العوام، وكان شديداً عليها، فأتت أباها فشكت ذلك إليه، فقال: يا بنية اصبري، فإن المرأة إذا كان لها زوج صالح، ثم مات عنها، فلم تَزوَّج بعده: جُمع بينهما في الجنة. قال الشيخ الألباني رحمه الله: ورجاله ثقات إلا أن فيه إرسالا لأن عكرمة لم يدرك أبا بكر، إلا أن يكون تلقاه عن أسماء بنت أبي بكر، والله أعلم. " السلسلة الصحيحة " (3 / 276) . = والخلاصة: - أن القول بأن المرأة مع أحسنهم أخلاقاً كان معها في الدنيا: مما لم يصح فيه دليل. - وأن القول بأنها تختار من تشاء منهم: لا دليل عليه البتة. - وأن القول بأنها مع آخر أزواجها هو القول الأقرب للصواب، وذلك لاحتمال حُسن حديث أم الدرداء مرفوعاً، وهو مؤيد بأثري حذيفة وأسماء الموقوفيْن، واللذان يصلحان لتقوية المرفوع، ولبيان أن للقول أصلاً معتبراً. والحديث صححه العلامة الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (1281) . - وهو على كل حال أحبُّ إلينا من الرأي. والله أعلم. وصلِّ اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 8068 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 ينزل عيسى عليه السلام آخر الزمان حاكما بالشريعة المحمدية [السُّؤَالُ] ـ[ي هو ناتج عن مناظرة لي مع قادياني قال فيها أن النبي محمدا (صلى الله عليه وسلم) كان خاتم النبيين فبأي معنى يأتي عيسى عليه السلام بعد ذلك وهل سيأتي كنبي أم خليفة؟ أرجو الجواب من فضلك]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: قد تواترت الأدلة الشرعية، من نصوص الكتاب والسنة، وإجماع الأمة في كل عصر ومصر، على أن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيين والمرسلين، ومن ادعى النبوة بعده فهو كذاب دجال. قال الله عز وجل: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) الأحزاب / 40 قال ابن كثير رحمه الله: " أخبر تعالى في كتابه، ورسوله في السنة المتواترة عنه: أنه لا نبي بعده؛ ليعلموا أن كل مَنِ ادعى هذا المقام بعده فهو كذاب أفاك، دجال ضال مضل، ولو تخرق وشعبذ، وأتى بأنواع السحر والطلاسم، فكلها محال وضلال عند أولي الألباب، كما أجرى الله، سبحانه وتعالى على يد الأسود العَنْسي باليمن، ومسيلمة الكذاب باليمامة، من الأحوال الفاسدة والأقوال الباردة، ما علم كل ذي لب وفهم وحِجى أنهما كاذبان ضالان، لعنهما الله. وكذلك كل مدع لذلك إلى يوم القيامة حتى يختموا بالمسيح الدجال. " انتهى من "تفسير ابن كثير" (6/430-431) وروى البخاري (3455) ومسلم (1842) عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي) . وروى مسلم (523) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (فُضِّلْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ: أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا، وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً، وَخُتِمَ بِيَ النَّبِيُّونَ) . وروى الترمذي (2272) وصححه عن أنس بن مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ الرِّسَالَةَ وَالنُّبُوَّةَ قَدْ انْقَطَعَتْ، فَلَا رَسُولَ بَعْدِي وَلَا نَبِيَّ) . صححه الألباني في "صحيح الترمذي"، وقال محققو المسند: إسناده صحيح على شرط مسلم. ثانيا: دلت الأدلة الصحيحة أيضا على نزول عيسى ابن مريم عليه السلام في آخر الزمان، وأنه ينزل حاكما بشريعة نبينا صلى الله عليه وسلم، متبعا له، لا ينزل برسالة مستقلة، وشريعة جديدة. روى البخاري (2222) ومسلم (155) عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ) . قال العراقي رحمه الله: " الْمُرَادُ أَنَّهُ يَنْزِلُ حَاكِمًا بِهَذِهِ الشَّرِيعَةِ لَا نَبِيًّا بِرِسَالَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ وَشَرِيعَةٍ نَاسِخَةٍ؛ فَإِنَّ هَذِهِ الشَّرِيعَةَ بَاقِيَةٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا تُنْسَخُ، وَلَا نَبِيَّ بَعْدَ نَبِيِّنَا كَمَا نَطَقَ بِذَلِكَ، وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ بَلْ هُوَ حَاكِمٌ مِنْ حُكَّامِ هَذِهِ الْأُمَّةِ " انتهى. "طرح التثريب" (8/ 117) وروى مسلم (156) عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. قَالَ: فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ: تَعَالَ صَلِّ لَنَا. فَيَقُولُ: لَا إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ، تَكْرِمَةَ اللَّهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ) . وعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ) متفق عليه. قال الحافظ رحمه الله: " قَالَ أَبُو الْحَسَن الْآبِريّ فِي مَنَاقِب الشَّافِعِيّ: تَوَاتَرَتْ الْأَخْبَار بِأَنَّ الْمَهْدِيّ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة وَأَنَّ عِيسَى يُصَلِّي خَلْفه. وَقَالَ أَبُو ذَرّ الْهَرَوِيُّ: حَدَّثَنَا الْجَوْزَقِيّ عَنْ بَعْض الْمُتَقَدِّمِينَ قَالَ: مَعْنَى قَوْله: " وَإِمَامكُمْ مِنْكُمْ " يَعْنِي أَنَّهُ يَحْكُم بِالْقُرْآنِ لَا بِالْإِنْجِيلِ. وَقَالَ اِبْن التِّين: مَعْنَى قَوْله: " وَإِمَامكُمْ مِنْكُمْ " أَنَّ الشَّرِيعَة الْمُحَمَّدِيَّة مُتَّصِلَة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة , وَأَنَّ فِي كُلّ قَرْن طَائِفَة مِنْ أَهْل الْعِلْم. وَقَالَ اِبْن الْجَوْزِيّ: لَوْ تَقَدَّمَ عِيسَى إِمَامًا لَوَقَعَ فِي النَّفْس إِشْكَال، وَلَقِيلَ: أَتُرَاهُ تَقَدَّمَ نَائِبًا أَوْ مُبْتَدِئًا شَرْعًا , فَصَلَّى مَأْمُومًا لِئَلَّا يَتَدَنَّس بِغُبَارِ الشُّبْهَة وَجْه قَوْله: " لَا نَبِيّ بَعْدِي " انتهى مختصرا. وقال علماء اللجنة الدائمة: " دلت الأحاديث على نزوله آخر الزمان، وعلى أنه يحكم بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى أن إمام هذه الأمة ـ في الصلاة وغيرها، أيام نزول عيسى ـ من هذه الأمة، وعلى ذلك لا تكون هناك منافاة بين نزوله وبين ختم النبوة بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ؛ حيث لم يأت عيسى برسالة جديدة، ولله الحكم أولا وآخرا، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، ولا معقب لحكمه، وهو العزيز الحكيم " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (3 / 301-302) وقال علماء اللجنة أيضا: " ورد في القرآن نصوص في رفع عيسى ابن مريم حيا إلى السماء، ونزوله نبيا رسولا؛ وذلك امتدادا لنبوته ورسالته قبل رفعه، لكن لا يدعو إلى شريعته، بل يدعو إلى أصول الإسلام التي دعا إليها الأنبياء والمرسلون جميعا، وإلى الفروع التي جاء بها خاتم الرسل محمد عليه الصلاة والسلام، فليست نبوة ورسالة جديدة حتى تتنافى مع ختم النبوات برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (3 / 328-329) ثالثا: ينبغي أن يعلم أن هذه الفرقة – القاديانية – فرقة ضالة خبيثة، قد جرت خطوط العلماء بتكفير من ينتسب إليها؛ لما هم عليه من الكفر والضلال المبين، حيث يؤمنون بنبوة إمامهم الضال غلام أحمد القادياني، الذي ادعى النبوة، وادعى نسخ الجهاد في سبيل الله خدمة للاستعمار، وألغى الحج إلى مكة، وحوله إلى قاديان، التي عندهم أفضل من مكة والمدينة. كما يدعون في إمامهم الدجال الضال أنه ابن الله، ويؤمنون بعقيدة التناسخ والحلول، ويشبهون الله تعالى بالبشر.. إلى آخر ما يدينون به من الكفر، ويؤمنون به من الضلال. راجع لمعرفة حقيقة أمرهم وما هم عليه من الكفر إجابة السؤال رقم: (4060) . والذي ننصح به: ألا يشتغل بالمناظرة معهم، أو مع غيرهم من أهل البدع والضلال، إلا من كانت عنده الأهلية لذلك، من تمكنه في العلم الشرعي، ومعرفته بحقيقة مذهب القوم وضلالهم، وما قاله أهل العلم فيهم وفي ضلالاتهم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 137821 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 تفسير حديث يقتتل عند كنزكم هذا ثلاثة كلهم ابن خليفة [السُّؤَالُ] ـ[ما هو فهمكم وتفسيركم للحديث التالي حول المهدي، والوارد في موقع الدرر السنية - الموسوعة الحديثية: (يقتتل عند كنزكم هذا ثلاثة، كلهم ابن خليفة، ثم لا يصل إلى واحد منهم، ثم تقبل الرايات السود من قبل المشرق، فيقتلونكم قتلا لم يقتله قوم - ثم ذكر شيئا - فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبوا على الثلج، فإنه خليفة الله المهدي) الراوي: ثوبان مولى رسول الله المحدث: البزار - المصدر: البحر الزخار - الصفحة أو الرقم: 10/100. خلاصة الدرجة: إسناده صحيح. أرجو توضيح: ما هو الكنز؟ من هم الثلاثة؟ من هو الخليفة؟ هل زمن حدوث ذلك قريب أم بعيد؟ من هم أصحاب الرايات السود؟ هل هم مجوس الفرس في إيران؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الإيمان بخروج المهديّ من عقيدة أهل السنّة والجماعة، وقد تواترت الأحاديث تواترا معنويّاً بذلك؛ ولذلك أورد العلامة الكتاني رحمه في ضمن ما جمعه من الأحاديث المتواترة، ونقل الحكم بتواتره عن غير واحد من أهل العلم، كأبي الحسين الآبري، صاحب كتاب مناقب الشافعي، والحافظ السخاوي، وغيرهما. ينظر: "نظم المتناثر من الحديث المتواتر" (236-240) . وفي فتاوى اللجنة الدائمة (3 / 141) : (الأحاديث التي دلّت على خروج المهدي كثيرة، وردت من طرق متعدّدة، ورواها عدد من أئمّة الحديث، وذكر جماعة من أهل العلم أنّها متواترة معنويًّا منهم: أبو الحسين الآبريّ من علماء المائة الرّابعة، والعلامة السّفارينيّ في كتابه [لوامع الأنوار البهية] ، والعلامة الشّوكانيّ في رسالة سمّاها [التوضيح في تواتر أحاديث المهديّ والدّجّال والمسيح] ) . وليس المقصود من هذا المهديّ ما يزعمه الرافضة: أنّه موجود الآن، وينتظرون خروجه من سرداب سامراء؛ إذ ذاك نوع من الهذيان، وهوس شديد من الشّيطان؛ حيث لا دليل عليه من كتاب ولا سنّة ولا معقول صحيح. ثانيا: جاء هذا الحديث من رواية الصحابي الجليل ثوبان رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يَقْتَتِلُ عِنْدَ كَنْزِكُمْ ثَلَاثَةٌ، كُلُّهُمْ ابْنُ خَلِيفَةٍ، ثُمَّ لَا يَصِيرُ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ، ثُمَّ تَطْلُعُ الرَّايَاتُ السُّودُ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ فَيَقْتُلُونَكُمْ قَتْلًا لَمْ يُقْتَلْهُ قَوْمٌ - ثُمَّ ذَكَرَ شَيْئًا لَا أَحْفَظُهُ - فَقَالَ: فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَبَايِعُوهُ وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الثَّلْجِ، فَإِنَّهُ خَلِيفَةُ اللَّهِ الْمَهْدِيُّ) رواه ابن ماجه في " السنن " (رقم/4084) ، والبزار في " المسند " (2/120) ، والروياني (رقم/619) ، والحاكم في " المستدرك " (4/510) ، ومن طريقه البيهقي في " دلائل النبوة " (6/515) رووه من طريق سفيان الثوري، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان به مرفوعا. ورواه الحاكم والبيهقي أيضا – بعد الرواية السابقة - من طريق عبد الوهاب بن عطاء، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان، به موقوفا من كلام ثوبان. وقد اختلف أهل العلم في الحكم على هذا الحديث، على قولين: القول الأول: تصحيح الحديث. قال البزار رحمه الله: " وهذا الحديث قد روى نحو كلامه من غير هذا الوجه بهذا اللفظ، وهذا اللفظ لا نعلمه إلا في هذا الحديث، وإن كان قد روي أكثر معنى هذا الحديث، فإنا اخترنا هذا الحديث لصحته، وجلالة ثوبان، وإسناده إسناد صحيح " انتهى. وقال الحاكم رحمه الله: " هذا حديث صحيح على شرط الشيخين " انتهى. ولم يتعقبه الذهبي في تلخيصه. وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله: " وهذا إسناد قوي صحيح " انتهى. " النهاية في الفتن والملاحم " (ص/17) ، وقد اختلف حكم ابن كثير على الحديث، فرجح في " البداية والنهاية " وقفه كما سيأتي. وصححه القرطبي في " التذكرة " (ص/1201) ، والبوصيري في " مصباح الزجاجة " (3/263) ، وصححه الشيخ حمود التويجري رحمه الله في كتابه " إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة " (2/187) القول الثاني: تضعيف الحديث. قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: " حدثني أبي قال: قيل لابن علية في هذا الحديث؟ فقال: كان خالد يرويه فلم يُلتَفَت إليه، ضعَّفَ ابنُ علية أمره، يعني: حديث خالد، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرايات " انتهى. " العلل " (2/325) وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله: " رواه بعضهم عن ثوبان فوقفه، وهو أشبه، والله أعلم. " انتهى. " البداية والنهاية " (10/55) وقال الذهبي رحمه الله: " أحمد في مسنده، حدثنا وكيع، عن شريك، عن علي بن زيد، عن أبي قلابة، عن ثوبان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم السود قد أقبلت من خراسان فأتوها ولو حبوا على الثلج، فإن فيها خليفة المهدي) قلت – أي: الذهبي -: أراه منكرا، وقد رواه الثوري، وعبد العزيز بن المختار، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، فقال: عن أسماء، عن ثوبان " انتهى. " ميزان الاعتدال " (3/128) . كما أعله الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله في " تفسير المنار " (9/419-421) . وقال الشيخ الألباني رحمه الله: " منكر ... وقد ذهل من صححه عن علته، وهي عنعنة أبي قلابة، فإنه من المدلسين كما تقدم نقْلُه عن الذهبي وغيره، ولعله لذلك ضعف الحديث ابنُ علية من طريق خالد، كما حكاه عنه أحمد في " العلل " (1 / 356) وأقره، لكن الحديث صحيح المعنى، دون قوله: فإن فيها خليفة الله المهدي " انتهى باختصار. " السلسلة الضعيفة " (رقم/85) ثالثا: وقع الخلاف أيضا في تفسير المراد بالكنز في هذا الحديث، فمِن قائل إنه كنز الكعبة، ومِن قائل إنه الكنز الذي يحسر نهر الفرات عنه كما أخبرت عنه الأحاديث الصحيحة. قال الشيخ حمود التويجري رحمه الله: " قال ابن كثير في " النهاية ": " والظاهر أن المراد بالكنز المذكور في هذا السياق كنز الكعبة " قلت – أي الشيخ التويجري -: وفي هذا نظر؛ لما تقدم في باب النهي عن تهييج الترك والحبشة عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اتركوا الحبشة ما تركوكم؛ فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبشة) رواه أبو داود، والحاكم، وقال: " صحيح الإسناد "، ووافقه الذهبي في " تلخيصه. وقد رواه الإمام أحمد من حديث أبي أمامة بن سهل بن حنيف. وإسناده جيد. والأقرب في الكنز المذكور في حديث ثوبان رضي الله عنه: أنه الكنز الذي يحسر عنه الفرات، وقد يكون غيره. والله أعلم " انتهى. " إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة " (2/187) . وهذا القول الثاني في تفسير الكنز، قد ذكره الحافظ ابن حجر رحمه الله احتمالا، فقال: " فهذا إن كان المراد بالكنز فيه الكنز الذي في حديث الباب ـ يعني الحديث الذي ذكر انحسار الفرات عن جبل من ذهب ـ، دل على أنه إنما يقع عند ظهور المهدي، وذلك قبل نزول عيسى وقبل خروج النار جزما ". فتح الباري (13/81) . رابعا: لم نقف على من نصّ على المقصود من الثلاثة والخليفة في الحديث كما أنه لم يرد في شيء من الأحاديث الصحيحة النص على زمان خروج المهدي. لكنّ النّصوص تدلّ على عودة الخلافة الإسلاميّة قبل قيام الساعة، كقوله – صلّى الله عليه وسلّم -: " يَا ابْنَ حَوَالَةَ إِذَا رَأَيْتَ الْخِلَافَةَ قَدْ نَزَلَتْ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ، فَقَدْ دَنَتْ الزَّلَازِلُ وَالْبَلَايَا وَالْأُمُورُ الْعِظَامُ، وَالسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ إِلَى النَّاسِ مِنْ يَدَيَّ هَذِهِ مِنْ رَأْسِكَ ". أخرجه أبو داود من حديث عبد الله بن حوالة الأزديّ - رضي الله عنه - برقم (2535) ، وأحمد في المسند (5/288) ، والحاكم في المستدرك (4/471) ، وصحّحه، ووافقه الذّهبيّ، وصحّحه الألبانيّ في صحيح سنن أبي داود برقم (2535 ( ولعلّه أن يكون أحد هؤلاء الخلفاء الذين يظهرون في وقتهم المهديّ. ينظر: المهديّ وفقه أشراط السّاعة للدكتور محمّد إسماعيل المقدّم (ص728) وما بعدها. وينظر أيضا: فتاوى اللجنة الدائمة (3/140) في الفتوى رقم (1615) . وجواب السؤال رقم (3259 (. خامسا: أصحاب الرايات السود ليسوا هم مجوس الفرس في إيران، بل الذي يدل عليه ظاهر الحديث أنهم أناس من أهل المشرق ينصرون المهديّ، ويقيمون سلطانه، ويشدّون أركانه، وتكون راياتهم سوداء. وهذا كله إذا قدر أن الحديث في ذكرهم ثابت محفوظ. قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: " وهذه الرايات السود ليست هي التي أقبل بها أبو مسلم الخراساني فاستلب بها دولة بني أمية في سنة اثنتين وثلاثين ومائة، بل رايات سود أخر تأتي بصحبة المهدي، وهو محمد بن عبد الله العلوي الفاطمي الحسني رضي الله عنه، يصلحه الله في ليلة؛ أي: يتوب عليه ويوفقه ويفهمه ويرشده، بعد أن لم يكن كذلك، ويؤيده بناس من أهل المشرق ينصرونه ويقيمون سلطانه ويشدون أركانه، وتكون راياتهم سوداء أيضاً ". انتهى. النّهاية في الفتن والملاحم (1/49) ، وكتاب الفتن للمروزيّ (1/310) ، إتحاف الجماعة، للشيخ حمود التويجري (1/286) وما بعدها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136537 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 هل هناك حديث يخبر عن حظر تجاري يقع على بلاد العراق والشام ومصر؟ [السُّؤَالُ] ـ[هناك حديث عن حظر تجاري على العراق والشام ومصر؛ فهل حدث هذا بالفعل، أم أنه الوضع الظاهر أمام أعيننا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يبدو أن الحديث المشار إليه في السؤال هو ما رواه مسلم في صحيحه (2896) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنَعَتْ الْعِرَاقُ دِرْهَمَهَا وَقَفِيزَهَا وَمَنَعَتْ الشَّأْمُ مُدْيَهَا وَدِينَارَهَا وَمَنَعَتْ مِصْرُ إِرْدَبَّهَا وَدِينَارَهَا، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ) شَهِدَ عَلَى ذَلِكَ لَحْمُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَدَمُهُ. وروى البخاري (3180) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا لَمْ تَجْتَبُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا؟ فَقِيلَ لَهُ وَكَيْفَ تَرَى ذَلِكَ كَائِنًا يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ إِي وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ عَنْ قَوْلِ الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ. قَالُوا عَمَّ ذَاكَ؟ قَالَ تُنْتَهَكُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَشُدُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قُلُوبَ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَيَمْنَعُونَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ) . قال النووي رحمه الله: " وَفِي مَعْنَى مَنَعَتْ الْعِرَاق وَغَيْرهَا قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ: أَحَدهمَا لِإِسْلَامِهِمْ , فَتَسْقُط عَنْهُمْ الْجِزْيَة , وَهَذَا قَدْ وُجِدَ. وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَشْهَر أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْعَجَم وَالرُّوم يَسْتَوْلُونَ عَلَى الْبِلَاد فِي آخِر الزَّمَان , فَيَمْنَعُونَ حُصُول ذَلِكَ لِلْمُسْلِمِينَ. وَقَدْ رَوَى مُسْلِم هَذَا بَعْد هَذَا بِوَرَقَاتٍ عَنْ جَابِر قَالَ: يُوشِك أَلَّا يَجِيء إِلَيْهِمْ قَفِيز وَلَا دِرْهَم قُلْنَا: مِنْ أَيْنَ ذَلِكَ؟ قَالَ مِنْ قِبَل الْعَجَم , يَمْنَعُونَ ذَاكَ. وَذَكَرَ فِي مَنْع الرُّوم ذَلِكَ بِالشَّامِ مِثْله , وَهَذَا قَدْ وُجِدَ فِي زَمَاننَا فِي الْعِرَاق , وَهُوَ الْآن مَوْجُود. وَقِيلَ: لِأَنَّهُمْ يَرْتَدُّونَ فِي آخِر الزَّمَان , فَيَمْنَعُونَ مَا لَزِمَهُمْ مِنْ الزَّكَاة وَغَيْرهَا. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ الْكُفَّار الَّذِينَ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَة تَقْوَى شَوْكَتهمْ فِي آخِر الزَّمَان فَيَمْتَنِعُونَ مِمَّا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ مِنْ الْجِزْيَة وَالْخَرَاج وَغَيْر ذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ " فَهُوَ بِمَعْنَى الْحَدِيث الْآخَر " بَدَأَ الْإِسْلَام غَرِيبًا , وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ " انتهى. وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " قَوْله: (فَيَمْنَعُونَ مَا فِي أَيْدِيهمْ) أَيْ يَمْتَنِعُونَ مِنْ أَدَاء الْجِزْيَة , قَالَ الْحُمَيْدِيُّ: أَخْرَجَ مُسْلِم مَعْنَى هَذَا الْحَدِيث مِنْ وَجْه آخَر عَنْ سُهَيْل عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَفْعه " مَنَعَتْ الْعِرَاق دِرْهَمًا وَقَفِيزهَا " وَسَاقَ الْحَدِيث بِلَفْظِ الْفِعْل الْمَاضِي , وَالْمُرَاد بِهِ مَا يُسْتَقْبَل مُبَالَغَة فِي الْإِشَارَة إِلَى تَحَقُّق وُقُوعه , وَلِمُسْلِمٍ عَنْ جَابِر أَيْضًا مَرْفُوعًا " يُوشِك أَهْل الْعِرَاق أَنْ لَا يُجْتَبَى إِلَيْهِمْ بَعِير وَلَا دِرْهَم , قَالُوا: مِمَّ ذَلِكَ؟ قَالَ: مِنْ قِبَل الْعَجَم يَمْنَعُونَ ذَلِكَ " وَفِيهِ عِلْم مِنْ أَعْلَام النُّبُوَّة , وَالتَّوْصِيَة بِالْوَفَاءِ لِأَهْلِ الذِّمَّة لِمَا فِي الْجِزْيَة الَّتِي تُؤْخَذ مِنْهُمْ مِنْ نَفْع الْمُسْلِمِينَ , وَفِيهِ التَّحْذِير مِنْ ظُلْمهمْ وَأَنَّهُ مَتَى وَقَعَ ذَلِكَ نَقَضُوا الْعَهْد فَلَمْ يَجْتَبِ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ شَْئًا فَتَضِيق أَحْوَالهمْ. وَذَكَرَ اِبْن حَزْم أَنَّ بَعْض الْمَالِكِيَّة اِحْتَجَّ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة " مَنَعَتْ الْعِرَاق دِرْهَمًا " الْحَدِيث عَلَى أَنَّ الْأَرْض الْمَغْنُومَة لَا تُقَسَّم وَلَا تُبَاع وَأَنَّ الْمُرَاد بِالْمَنْعِ مَنْع الْخَرَاج , وَرَدَّهُ بِأَنَّ الْحَدِيث وَرَدَ فِي الْإِنْذَار بِمَا يَكُون مِنْ سُوء الْعَاقِبَة وَأَنَّ الْمُسْلِمِينَ سَيُمْنَعُونَ حُقُوقهمْ فِي آخِر الْأَمْر , وَكَذَلِكَ وَقَعَ " انتهى. وينظر: "نيل الأوطار"، للشوكاني (8/ 118) ، "النهاية"، لابن الأثير (1/262) . والحاصل مما سبق أن الراجح في تفسير الحديث أن الكفار من الروم والعجم سوف يستولون على ملك المسلمين في هذه البلاد، بعدما كانت خاضعة لسلطانهم، فيمنعوا خيرها وخراجها عن المسلمين، وقد تكرر وقوع هذا الأمر مرات ومرات في التاريخ، ومن آخر ذلك استيلاء الاستعمار على هذه البلاد، والقضاء على سلطان الخلافة العثمانية فيها، وتسلط الكفار على أهلها وثرواتها. وأما الواقع اليوم من تسلط الكفار في العراق، وتحكمهم في ثرواتها وخيراتها، فلا نجزم أن يكون هو المراد بالحديث تحديدا، فالجزم بمثل ذلك مخاطرة تسرع فيها كثير من الناس في مثل هذا الباب، ثم لم يلبث أن تبين خطؤهم وجرأتهم على هذا الباب من العلم. وإن كان لا يمنع أن يتكرر ذلك مرات، وأن يكون ذلك واحدا منها. بل قد صنعوا فيها ما هو شر من ذلك، إذ منعوا خير العراق عن بلاد المسلمين، ثم حاصروا العراق وأهله، ومنعوا الخير عنهم، ومنعوهم الانتفاع بخيرهم، حتى هلك من هلك من الأطفال، فضلا عن النساء والرجال. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128708 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 وقفات مع كتاب " هرمجدون " وبيان حقيقة الملحمة في آخر الزمان [السُّؤَالُ] ـ[قرأت وأنا أتصفح أحد المواقع الإسلامية ما يسمَّى بـ " هارمجدون " - " الحرب العالمية الثالثة " - ومختصر المعلومات عنها أنها: ملحمة كبرى تكون بعد " أرمجدون "، وفي أعقابها، ويمكن أن نميز " أرمجدون " بالآتي: 1. هي حرب تحالفية عالمية يشترك فيها معظم أهل الأرض. 2. الأرض الرئيسة للمعركة " وادي مجيدو " بفلسطين. 3. هي حرب مدمرة تقضي على معظم أسلحة الدمار الشامل. 4. وهي تمهيد للملحمة الكبرى، إذ يستعين الروم - أمريكا وأوربا - بالمسلمين للقضاء على الشر - الصين وروسيا وإيران ومن معهم -، ويتم لهم ما أرادوا , ثم يشحذوا سيوفهم للقضاء على المسلمين في الملحمة الكبرى، والتي تتميز بالآتي: 1. تكون بعد " أرمجدون " العالمية، وفي أعقابها. 2. هي لقاء مباشر بين الغرب الصليبي، والمسلمين. 3. تكون في " سوريا " , وتحديداً في مكان بالقرب من دمشق. 4. يكون قائد المسلمين فيها المهدي عليه السلام. 5. هي حرب بالخيل، والسيوف. 6. مدتها أربعة أيام. 7. النصر في النهاية فيها للمسلمين. ومن خلال قراءتي للموضوع لم أجد آية قرآنية مذكورة، أو حديث نبوى، يدل على تلك المعلومة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله 1. " هَرْمَجِدُّون "، أو: " آرمجدون " كلمة عبرية، مكونة من كلمتين: " هار " بمعنى " تل "، و " مجدُّو " اسم مدينة في شمال فلسطين – ويطلق عليها " مجيدو " -. 2. ليس لهذه الكلمة وجود في ديننا، لا اسماً، ولا وقوعاً، لا في أحاديث صحيحة، ولا ضعيفة، فتسمية هذه المعركة: " هرمجدون "، وتحديد مكانها في فلسطين: ليس مأخوذاً إلا من التوراة والإنجيل. أ. ففي " التلمود " – وهو عند اليهود أقدس من التوراة نفسها -: " قبل أن يحكم اليهود نهائيّاً: لا بد من قيام حرب بين الأمم، يهلك خلالها ثلثا العالم، ويبقون سبع سنين، يحرقون الأسلحة التي اكتسبوها بعد النصر ". ب. وجاء في " الإنجيل " – سِفر رؤيا يوحنا 16: 15، 16 - على لسان عيسى عليه السلام – على زعمهم - واصفاً مجيئه المفاجئ في آخر الزمان: " ها أنا آتي كلص! طوبى لمن يسهر، ويحفظ ثيابه؛ لئلاَّ يمشي عرياناً، فيروا عريته، يجمعهم إلى الموضع الذي يدعى بالعبرانية " هرمجدُّون ". 3. المعلومات التي في السؤال مصدرها: كتاب " هرمجدون، آخر بيان يا أمة الإسلام "، للمدعو: أمين محمد جمال الدين، وهو كتاب سيئ، قد ردَّ عليه كثير من أهل العلم، وبينوا تخبطه، وجهله، ويكفي أنْ يُعلم أنَّ من مراجعه المعتمدة كتاب لكاهنٍ شهير، ولم يكتف بهذا، بل زعم أن هذا الكاهن قد أخذ كهانته عن الإسلام! . وقد بان زيف ادعاءاته الممجوجة بمرور التواريخ التي ادَّعى فيها وقوع أحداث معينة، فقد ادَّعى صاحب الكتاب – مثلاً -: أن " المهدي " سيظهر بعد حكم " طالبان " لأفغانستان بست سنوات، أي: عام 2002 م، وقد بان كذب هذا، فقد سقط حكم " طالبان "، واحتُلت دولتها، ولم يظهر " المهدي "، ونحن في أوائل العام 2009 م! – 1430 هـ -. وملخص الكلام حول الكتاب في ما قاله ونقله الأستاذ حمدي شفيق: قال – حفظه الله -: إن الكتاب المذكور كتاب خطير، مليء بالجهل، والافتراءات على نبينا صلى الله عليه وسلم، ومنهجه مبني على تحريف كل شيء، وعلى لي أعناق النصوص لتوافق الواقع، إلى غير ذلك من أنواع الخطأ الكبير، والضلال المبين. ويجب الحذر من هذا الكتاب، والتحذير من كاتبه، ومقاطعة كل ما يكتبه ويؤلفه بعدم الشراء؛ لأن ذلك يردعه، هو وأمثاله عن أن يتاجر بدين الأمة، ومن أن يستخف بعقول المسلمين. " العلماء يردون على أسطورة هرمجدون " (ص 24) . وقال – حفظه الله – بعدها: من أفضل وأشمل الردود على كتاب " آخر بيان يا أمة الإسلام ": ذلك الرد العلمي الرصين، الذي كتبه الدكتور " عبد العزيز دخان " في مجلة " الفقه السياسي "، ولأهمية هذا الرد الثري الرائع: نورده فيما يلي: إن أخطر ما يمكن ملاحظته من سلبيات مثل هذا الكتاب هي: 1. المبالغة، والتهويل، والإثارة، واستغلال العواطف في قضايا تحتاج إلى دراسة علمية هادئة، وليس المناداة بالويل، والثبور، وعظائم الأمور، فهذا منهج لم يخدم قضايانا بالأمس، ولن يخدمها فى الحاضر، أو المستقبل. 2. الاعتداء على قواعد المحدثين، في توثيق النصوص، ونقد الأقوال، وتصحيح الأحاديث، وتوثيقها، والتلبيس على المسلمين فى بعض هذه القواعد، وتقريرها بشكل غير صحيح. 3. الاعتماد على مراجع نبَّه العلماء المعتمدون على ضعف ما فيها من الأحاديث والأخبار. 4. الخطأ فى الاستدلال ببعض مواقف الصحابة فى هذه المسائل والقضايا. 5. نشر روح التواكل بين أبناء المسلمين، انتظاراً للقادم الذي يخلصهم مما هم فيه. 6. الدعوة إلى العزلة، المذمومة، السلبية، التي لا تعني فى النهاية سوى الهروب من الواقع، وإفساح المجال لأهل الفساد ليعيثوا فى الأرض فساداً. انتهى وينظر في الرد على الكتاب: 1. " الحقائق المطموسة في كتاب هرمجدون " لمجدي سعد أحمد. 2. " الرد الأمين على كُتب " عُمر أُمّة الإسلام " و " ردّ السهام " و " القول المبين " لحمدي شفيق. ومن الردود الصوتية: 1. " التحذير من كتاب هرمجدون "، للشيخ محمد عبد المقصود. 2: " الرد العلمي على كتاب هرمجدون "، للشيخ عادل يوسف العزازي. وكلها متوفرة في موقع " طريق الإسلام ". 4. ثبت في صحيح السنَّة أنه سيقع في آخر الزمان " صلح " بين المسلمين والنصارى، ثم نقاتل نحن وهم عدوّاً، ثم نقاتلهم في " ملاحم كبرى ". عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ ذِي مِخْمَرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (تُصَالِحُونَ الرُّومَ صُلْحًا آمِنًا وَتَغْزُونَ أَنْتُمْ وَهُمْ عَدُوًّا مِنْ وَرَائِهِمْ فَتَسْلَمُونَ وَتَغْنَمُونَ ثُمَّ تَنْزِلُونَ بِمَرْجٍ ذِي تُلُولٍ فَيَقُومُ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ الرُّومِ فَيَرْفَعُ الصَّلِيبَ وَيَقُولُ أَلَا غَلَبَ الصَّلِيبُ فَيَقُومُ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَيَقْتُلُهُ فَعِنْدَ ذَلِكَ تَغْدِرُ الرُّومُ وَتَكُونُ الْمَلَاحِمُ فَيَجْتَمِعُونَ إِلَيْكُمْ فَيَأْتُونَكُمْ فِي ثَمَانِينَ غَايَةً مَعَ كُلِّ غَايَةٍ عَشْرَةُ) . رواه أبو داود (4292) وابن ماجه (4089) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ". والحديث – كما نرى – فيه قتالان، قتال مع النصارى ضد عدو غيره، وقتالنا ضد النصارى بعد ذلك، و " هرمَجدون " عند الكاتب هي المعركة الأولى، وهي الثانية عند أهل الكتاب! والحديث ليس فيه تعرض للعدو الذي نقاتله مع الروم، ولا فيه تعرض للمكان الذي ستقع فيه المقتلة، و " هرمجدون " عند أهل الكتاب هي قتالهم لنا نحن المسلمين، ومعنا الوثنيين! ، وأرض المعركة عندهم هي: " فلسطين "، وعليه: فمن زعم أن " هرمجدون " هي " الملحمة " الوارد ذِكرها في صحيح السنَّة ": فقد أخطأ، وثمة فروقات بين المقتلتين. قال الشيح محمد بن إسماعيل المقدَّم – حفظه الله -: وهاك حاصلَ الفروقِ الأساسية بين " الملحمة "، وبين " هرمجدون ": الأول: أن خبر الملحمة ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى، كما تقدم، أما " هرمجدون ": فاصطلاح نصراني، إسرائيلي لا يُدرى مدى مصداقيته، ولا ثبوته، وهو مجرد اسم للموضع الذي يدَّعى أن المعركة ستقع فيه، في حين ثبت عنه صلى الله عليه وسل تسمية موضع الملحمة بأنه " الأعماق "، أو " دابق " - موضعان بالشام، قرب حلب. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنْزِلَ الرُّومُ بِالْأَعْمَاقِ أَوْ بِدَابِقٍ فَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ جَيْشٌ مِنْ الْمَدِينَةِ مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ فَإِذَا تَصَافُّوا قَالَتْ الرُّومُ خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الَّذِينَ سَبَوْا مِنَّا نُقَاتِلْهُمْ فَيَقُولُ الْمُسْلِمُونَ لَا وَاللَّهِ لَا نُخَلِّي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا فَيُقَاتِلُونَهُمْ) . رواه مسلم (2897) . الثاني: ستقع الملحمة بين أهل الإسلام أتباع خير الأنام صلى الله عليه وسلم، وبين الروم النصارى الضالين، في حين يدَّعي أهل الكتاب أن معركة " هرمجدون " طرفاها: قوى الشر، ممثلة - في زعمهم - في المسلمين، ومن حالفهم - من الوثنيين، ويدخل في هذا اللفظ عندهم: الصينيون، والكوريون، والفيتناميون، واليابانيون، والذين تسميهم التوراة: " يأجوج ومأجوج " -، وقوى الخير، وهم النصارى - في زعمهم -. الثالث: ثبت أن الله عز وجلَّ ينصر المسلمين على أعدائهم في " الملحمة "، في حين يدَّعي أصحاب " هرمجدون " أن الغلبة ستكون لهم على " قوى الشر "، وهم المسلمون - في زعمهم -. الرابع: يحدد أهل الكتاب موعد " هرمجدون "، وينتظرون فيه مسيحهم على رأس الألف، سواءً الأولى، أو الثانية، فإن طال الزمان فسينتظرون في الألف الثالثة، أما الأحاديث النبوية الشريفة: فلم تحدد موعداً للملحمة سوى أنها من أشراط الساعة. إن " هرمجدون " ضد السنن الكونية، والشرعية، و " الملحمة " متوافقة معها. " هرمجدون ": يأس، وقنوط، والملحمة: بشرى، وأمل. إن " هرمجدون ": تحبِط، وتخذِّل، و " الملحمة ": تنعش الرجاء، وتبعث الأمل. " هرمجدون ": تدعو إلى استحضار هزيمتنا كأمر واقع، و " الملحمة " تجعل انتصار المسلمين هو الأمر الواقع. " خدعة هرمجدون " (ص 31 – 33) باختصار وتصرف يسير. ولا يجوز الجزم بتنزيل الأحاديث الصحيحة على واقع يراه الباحث مناسباً للحديث دون ضوابط، وهذا ليس صنيع المحققين من أهل العلم؛ إذ هو غيب لا يَدري عن حقيقته أحد، وما يراه الباحث من الوقائع مناسباً في زمانه قد يأتي ما هو أنسب منه في زمانٍ بعده، فقول الكاتب إن العدو الذي يقاتله المسلمون والنصارى هم الصين وروسيا وإيران: هو من علم الغيب، ولا يحل لأحدٍ أن يجزم به، وهو ما وقع به مؤلف كتاب " هرمجدون، آخر بيان يا أمة الإسلام "، المدعو: أمين محمد جمال الدين، حيث قال في (ص 7، 48) منه. وللوقوف على ضوابط تنزيل الأحاديث على الوقائع: ينظر: أ. " فقه أشراط الساعة " (من ص 253 – 293) للشيخ محمد إسماعيل المقدَّم. ب. " معالم ومنارات في تنزيل أحاديث الفتن والملاحم وأشراط الساعة على الوقائع والحوادث " للأستاذ عبد الله بن صالح العجيري. وكلاهما متوفر على الشبكة العنكبوتية. 6. وأخيراً: إن التنصيص على معركة باسم " هرمجدون " هو اعتقاد للنصارى، وأما اليهود فلايوافقونهم في هذا، بل هم يستثمرون بلههم، وجهلهم؛ ليمكنوهم من الاستقرار في فلسطين، ومن هدم " المسجد الأقصى "، وإلا فإنهم ينتظرون " الدجال "، فهو ملكه، لا عيسى بن مريم الذي يكفرونه، ويزعمون أنه ابن زنا – قاتلهم الله -. قال ابن القيم – رحمه الله – في بيان تلاعب الشيطان باليهود -: ومن تلاعبه بهم: أنهم ينتظرون قائماً من ولد داود النبي، إذا حرك شفتيه بالدعاء: مات جميع الأمم، وأن هذا المنتظر بزعمهم هو المسيح الذي وُعدوا به! وهم في الحقيقة إنما ينتظرون مسيح الضلالة " الدجَّال "، فهم أكثر أتباعه، وإلا فمسيح الهدى عيسى بن مريم عليه السلام يقتلهم، ولا يُبقي منهم أحداً. والأمم الثلاث تنتظر منتظراً يخرج في آخر الزمان؛ فإنهم وُعدوا به في كل ملة، والمسلمون ينتظرون نزول المسيح عيسى ابن مريم من السماء، لكسر الصليب، وقتل الخنزير، وقتل أعدائه من اليهود، وعبَّاده من النصارى، وينتظرون خروج المهدي من أهل بيت النبوة يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً. " إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان " (2 / 338) . وقال الشيخ محمد بن إسماعيل المقدَّم – حفظه الله -: إن اليهود لا يوافقون النصارى بالطبع في مفهومهم عن الألفية، فالمعركة العظمى عندهم هي " يوم غضب الرب "، وليس " هرمجدون "، كما أن الذي سيظهر – طبقاً لعقيدتهم – هو " المسيح المنتظر " الآتي للمرة الأولى، وليس المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، وبالرغم من ذلك فإن اليهود يروِّجون لعقيدة " هرمجدون " في الفكر النصراني الغربي، بل ينفقون الأموال الطائلة لترسيخها في عقل الغرب الخاوي دينيّاً، لأنها تخدِم أهدافهم السياسية، في تكوين وطن قومي لهم في " فلسطين " من جانب، كما تساعدهم على تحقيق حلْمهم في السيطرة على العالم من جانب آخر، وهو ما يعني تسييس الدين في خدمة الأهداف القومية اليهودية، بل تنظم الدولة اللقيطة رحلات سياحية دورية لجذب المؤمنين بـ " الهرمجدون " من كل دول العالم وفي مقدمتها " أمريكا "، لزيارة وادي " هرمجدون " مسرح العمليات المرتقبة، ومكان معركة نهاية البشر، التي يدَّعون أن من يدركها، أو يدرك العودة الثانية للمسيح: فإن شبابه سوف يتجدد، ليبدأ حياة سعيدة، لمدة ألف سنة من السلام التام. " خدعة هرمجدون " (ص 37) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128682 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 التعليق على صورة لشاب يُزعم أنه الدجال! وذِكر بعض صفات الدجال من السنَّة [السُّؤَالُ] ـ[طالعتنا بعض المواقع على الإنترنت بموضوع لا نعرف له أصلاً عن ظهور المسيح الدجال فى باكستان , ويظهر في هذه الصورة أن الرجل الموجود عنده عين واحدة! ولكن من وصف المسيح الدجال كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أنه أعور العين اليمنى - كما في الصحيحين - وليس له عين واحدة في وسط رأسه! فما رأيكم في هذا الموضوع؟ . ونرجو الاهتمام بهذا السؤال نظرا لأنه انتشر في بعض وسائل الإعلام، واغتر به كثير من العامة]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الجاهل عدو نفسه، ولا يزال الجاهلون بشرع الله تتقاذفهم أمواج الحكايات، والأخبار، والقصص، المخترعة، والمؤلَّفة، أو المفتراة على الشرع، وهم يصدِّقون، ويتأثرون، وينشرونها في الآفاق، ثم يجادلون عنها، ويتهمون غيرهم ممن ينفيها أو يردها بالجهل! ومحاربة الدين! . وهذه الصورة المنشورة، والمنسوبة في الخبر أنها للدجال: أنموذج لما ذكرناه، فمن صدَّق أن صاحبها هو الدجَّال فمِن جهله أتي، وقد لبَّس عليه شياطين الإنس والجن، حتى أثبت ما ليس من الشرع، ونفى ما هو منه، أضف إلى أن الخبر – أصلاً – قد يكون مفبركاً، فما اسم صاحب الصورة؟ وما هو عنوانه؟ ومن هم العلماء الذين قالوا إنه الدجال؟ وكل ما في الأمر صورة منشورة في جريدة. وهذه الصورة – إن كانت حقيقية - لا يمكن أن يكون صاحبها هو الدجَّال؛ وذلك لأسباب، منها: 1. أن الدجَّال مربوط في جزيرة، كما صحَّ ذلك في الحديث الذي رواه مسلم رحمه الله، من حديث تميم الداري رضي الله عنه. 2. وفي الحديث أنه عظيم الخلقة. راجع نص الحديث الوارد في ذلك في جواب السؤال رقم (82643) . وراجع ما ذكرناه في جواب السؤال رقم (8806) ، حول صفات الدجال، وحال فتنته. ومن الصفات الواردة في شأن للدجال، ما ثبت من حديث " ابن عمر " رضي الله عنهما، وفيه: (أَعْوَرُ الْعَيْنِ كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ) . وفي سنن أبي داود من حديث عبادة: (مَطْمُوسُ الْعَيْنِ، لَيْسَ بِنَاتِئَةٍ، وَلَا حَجْرَاءَ) . وفي بعض الروايات أن العين الأخرى معيبة أيضاً. قال النووي – رحمه الله -: وأما قوله صلى الله عليه وسلم (أعور العين اليمنى كأنها عنبة طافية) فروي بالهمز، وبغير همز، فمن همز: معناه: ذهب ضوؤها، ومن لم يهمز: معناه: ناتئة، بارزة، ثم إنه جاء هنا (أعور العين اليمنى) وجاء فى رواية أخرى (أعور العين اليسرى) وقد ذكرهما جميعاً مسلم فى آخر الكتاب، وكلاهما صحيح، قال القاضي عياض رحمه الله: روينا هذا الحرف عن أكثر شيوخنا بغير همز، وهو الذى صححه أكثرهم، قال: وهو الذى ذهب إليه الأخفش، ومعناه ناتئة كنتوء حبة العنب من بين صواحبها، قال: وضبطه بعض شيوخنا بالهمز، وأنكره بعضهم، ولا وجه لإنكاره، وقد وصف فى الحديث بأنه (ممسوح العين) وأنها (ليست جحراء، ولا ناتئة) بل مطموسة، وهذه صفة حبة العنب إذا سال ماؤها، وهذا يصحح رواية الهمز، وأما ما جاء فى الأحاديث الأُخر (جاحظ العين) و (كأنها كوكب) وفي رواية (لها حدقة جاحظة كأنها نخاعة فى حائط) فتصحح رواية ترك الهمزة، ولكن يُجمع بين الأحاديث، وتصحح الروايات جميعاً، بأن تكون المطموسة والممسوحة والتي ليست بجحراء ولا ناتئة: هي العوراء الطافئة بالهمز، وهي العين اليمنى، كما جاء هنا، وتكون الجاحظة، والتي كأنها كوكب، وكأنها نخاعة: هي الطافية بغير همز، وهي العين اليسرى، كما جاء فى الرواية الأخرى، وهذا جمع بين الأحاديث والروايات في الطافية بالهمز، وبتركه، وأعور العين اليمنى، واليسرى؛ لأن كل واحدة منهما عوراء؛ فإن الأعور من كل شيء: المعيب، لا سيما ما يختص بالعين، وكلا عيني الدجال معيبة، عوراء، إحداهما بذهابها، والأخرى بعيبها. هذا آخر كلام القاضي، وهو فى نهاية من الحسن، والله أعلم. " شرح مسلم " (2 / 235) . وبما ذكرناه هنا، وأحلنا عليه في أجوبة سابقة، يتبين أن صاحب الصورة المذكورة في السؤال – إن كانت حقيقية -: ليس هو الدجَّال، ولم نتعرض لما يكذب ذلك مما أعطاه الله تعالى للدجال من فتن، يفتن بها الناس، ومن ذلك: نهران يجريان، استجابة الجماد والحيوان له، وغير ذلك مما لم نقرأ أن ذلك الشاب قد ادعى شيئاً منه. وقد جاء في المقال ذِكر صفات وأحوال لذلك الشاب لا يُعرف في الشرع أنها صفات وأحوال للمسيح الدجال، كعدم احتراق يده إذا وضعها في النار! وكأكله الزجاج والحصى! وكشربه من ماء البحر! وكون حارسه الشخصي قط أسود! فها هم – كما قلنا – يثبتون للدجال صفات ليست من الشرع، وما نصَّ الشرع على أنها صفات له لم نجدها فيه. وبكل حال: فإننا نحذر المسلمين عموماً من الاغترار بكل ما يُنشر في وسائل الإعلام مما يتعلق بدينهم، واعتقادهم، دون الرجوع إلى أهل العلم في ذلك ليحكموا عليه بما يعلمونه من الأدلة الشرعية التي تعصمهم من الفتن، ونحذرهم من الاغترار بتصديق ما يُنشر في الإنترنت من صور لأناسٍ يُزعم أنهم مُسخوا، أو صورة فرعون، أو صورة جني على هيئته الحقيقية! أو أصوات أناس يزعم أنهم يعذبون في قبورهم، وغير ذلك كثير، مما اغتر به كثير من العامَّة، وأعانهم عليه – للأسف – بعض الخاصَّة. وليعلم المسلمون أنه لا يستبعد وجود جهات خبيثة تريد إشغال المسلمين بمثل هذه الترهات، وتريد العبث بعقولهم؛ لتجعل منهم مادة دسمة في السخرية في مواقعهم ومنتدياتهم، ونوصي الجميع بطلب العلم، والحرص على البرهان الثابت في الأخبار، وعدم التسليم لكل ما يقال وينشر، وليرجعوا في أمورهم وشئون دينهم إلى أهل العلم الثقات، ليرفعوا عنهم الجهل، ويبينوا لهم حقيقة الأمر. ونسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقّاً ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 124729 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 الجمع بين حديث الجساسة وحديث: (أرأيتكم ليلتكم هذه ... ) [السُّؤَالُ] ـ[سمعت في أشراط الساعة أن المسيح الدجال حي إلى خروجه من حديث تميم الداري، وأيضا حديث النبي رضي الله عنهما (أن كل من الأرض في عهده سيموتون خلال مائة سنة) ، واستدلوا بذلك أنه لا يوجد صحابي بعد سنة 110، سؤالي كيف يتم التوفيق بين الحديثين؟ ولماذا لم يمت المسيح الدجال؟ أعاذنا الله وإياكم من فتنته جميعا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله حديث تميم الداري رواه مسلم في صحيحه، وقد سبق إيراده بنصه في جواب السؤال رقم (82643) وهو يدل على أن الدجال حي موجود الآن، وفي زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه سيظل محبوسا حتى يؤذن له في الخروج، ولا يعارض هذا ما جاء في الصحيحين عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ، فَقَالَ: (أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ، فَإِنَّ رَأْسَ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ) رواه البخاري (116) ومسلم (2537) . فهذا الحديث عام، وحديث تميم خاص، فيكون مستثنى من العموم، أو أن الدجال كان يومئذ في البحر، لا على الأرض، فلا يشمله حديث ابن عمر. قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في "أضواء البيان" (3/397) في الجواب على من قال بحياة الخضر محتجا بأن العموم ليس نصا في الاستغراق، يعني العموم في قوله صلى الله عليه وسلم: (لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ) قال: " لأن الدجال أخرجه دليل صالح للتخصيص، وهو حديث ثابت في الصحيح من حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها، سمعت النَّبي صلى الله عليه وسلم يقول إنه حدثه به تميم الداري، وأنه أعجبه حديث تميم المذكور، لأنه وافق ما كان يحدث به أصحابه من خبر الدجال " ثم ذكر حديث تميم، ثم قال: " فهذا نص صريح في أن الدجال حي موجود في تلك الجزيرة البحرية المذكورة في حديث تميم الداري المذكور، وأنه باق وهو حي حتى يخرج في آخر الزمان، وهذا نص صالح للتخصيص يخرج الدجال من عموم حديث موت كل نفس في تلك المائة. والقاعدة المقررة في الأصول: أن العموم يجب إبقاؤه على عمومه، فما أخرجه نص مخصِّص خرج من العموم وبقي العام حجة في بقية الأفراد التي لم يدلّ على إخراجها دليل، كما قدمناه مراراً وهو الحق ومذهب الجمهور، وهو غالب ما في الكتاب والسنة من العمومات يخرج منها بعض الأفراد بنص مخصِّص، ويبقي العام حجة في الباقي" انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 117550 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 لم يثبت أن المسيح سيدفن في آخر الزمان في الحجرة النبوية [السُّؤَالُ] ـ[يروى أن هناك مساحة فارغة بجانب قبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم، لكي يستخدمها نبي الله عيسى صلى الله عليه وسلم بعد موته، فهل هذا صحيح؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لم يَرِد في السنة النبوية ما يدلُّ على مكان دفن المسيح عيسى عليه السلام في آخر الزمان، وأما الحديث الذي يُروى في ذلك فضعيف جدا لا يثبت، وهذا بيانه: عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ينزل عيسى ابن مريم إلى الأرض، فيتزوج، ويولد له، ويمكث خمسا وأربعين سنة، ثم يموت فيدفن معي في قبري، فأقوم أنا وعيسى ابن مريم من قبر واحد بين أبي بكر وعمر) . رواه ابن أبي الدنيا – كما عزاه إليه الذهبي في "ميزان الاعتدال" (2/562) - وابن الجوزي في "العلل المتناهية" (2/915) وفي "المنتظم" (1/126) ، وفي "الوفا" (2/714) أيضا: من طريق عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي. قال ابن الجوزي: " هذا حديث لا يصح، والإفريقي ضعيف بمرة " انتهى. وأورده الذهبي في "ميزان الاعتدال" في سياق المناكير التي رواها هذا الراوي، وقال: " فهذه مناكير غير محتملة " انتهى. وقال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" برقم (6562) : " منكر " انتهى. ووردت بعض الآثار في هذا الشأن عن علماء الصحابة ممن قرؤوا التوراة وعرفوا ما فيها: 1- قال عبد الله بن سلام رضي الله عنه: (مكتوب في التوراة صفة محمد، وصفة عيسى بن مريم، يدفن معه) رواه البخاري في "التاريخ الكبير" (6/229) ، والترمذي في "السنن" (رقم/3617) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (القطعة المفقودة ص/111) ، والآجري في كتاب "الشريعة" (3/1324) بألفاظ متقاربة، ولكني اخترت اللفظ الذي عند الترمذي لتصريحه بنقل الكلام عن التوراة. كلهم رووه من طريق عثمان بن الضحاك عن محمد بن يوسف بن عبد الله بن سلام عن أبيه عن جده. وهذا إسناد ضعيف، فيه عثمان بن الضحاك: قال أبو داود: ضعيف. انظر "تهذيب التهذيب" (7/124) . وفيه: محمد بن يوسف لم يوثقه أحد، وإنما ذكره ابن حبان في "الثقات" انظر ترجمته في "تهذيب التهذيب" (9/534) لذلك قال البخاري رحمه الله بعد إخراجه الحديث في التاريخ الكبير في ترجمته: " هذا لا يصح عندي، ولا يتابع عليه " انتهى. وقال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" برقم (6962) : " موقوف ضعيف " انتهى. 2- عن سعيد بن المسيب قال: (إن قبور الثلاثة في صُفَّة بيت عائشة، وهناك موضع قبر يدفن فيه عيسى عليه السلام) . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " من وجه ضعيف " انتهى. "فتح الباري" (7/66) . كما ذكر ذلك بعض العلماء والمؤرخين: قال الإمام القرطبي رحمه الله: " ثم يقبض الله روح عيسى عليه السلام ويذوق الموت، ويدفن إلى جانب النبي صلى الله عليه وسلم في الحجرة ... ، وقد قيل إنه يدفن بالأرض المقدسة مدفن الأنبياء " انتهى. "التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة" (ص/1301) وذكر نحوه ابن عساكر وغيره. والذي يتحصل مما سبق أنه لم يثبت في حوادث آخر الزمان دفن عيسى عليه السلام في الحجرة النبوية، وما ورد في ذلك إنما هي آثار ضعيفة السند، ومأخوذة عن غير الكتاب والسنة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الحديث: 115840 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 هل فتنة المسيح الدجال تلحق الأموات [السُّؤَالُ] ـ[هل الإنسان الذي توفي قبل فتنة المسيح الدجال (اللهم أعذنا منها) هل يحيى أو يظل في القبر حتى يوم البعث؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فتنة المسيح الدجال أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة، منها قوله صلى الله عليه وسلم: (مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ خَلْقٌ أَكْبَرُ مِنْ الدَّجَّالِ) رواه مسلم (5239) . وفي رواية أحمد (15831) عَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ فِتْنَةٌ أَكْبَرُ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ) . وروى البخاري (3057) عن ابْن عُمَرَ أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام فِي النَّاسِ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ فَقَالَ: (إِنِّي أُنْذِرُكُمُوهُ وَمَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا قَدْ أَنْذَرَهُ قَوْمَهُ لَقَدْ أَنْذَرَهُ نُوحٌ قَوْمَهُ وَلَكِنْ سَأَقُولُ لَكُمْ فِيهِ قَوْلًا لَمْ يَقُلْهُ نَبِيٌّ لِقَوْمِهِ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَعْوَرُ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ) . وروى مسلم (2937) عَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ قَالَ ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ فَلَمَّا رُحْنَا إِلَيْهِ عَرَفَ ذَلِكَ فِينَا فَقَالَ مَا شَأْنُكُمْ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ غَدَاةً فَخَفَّضْتَ فِيهِ وَرَفَّعْتَ حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ فَقَالَ غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ وَاللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ... ) . إلى غير ذلك من النصوص، وينظر: سؤال رقم: (8806) وهذه الفتنة إنما تكون للأحياء وقت خروج الدجال، أما الأموات، فلا خوف عليهم من هذه الفتنة. وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم من أدرك الدجال أن ينأى عنه، كما في قوله: (مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ فَوَاللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِيهِ وَهُوَ يَحْسِبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ فَيَتَّبِعُهُ مِمَّا يَبْعَثُ بِهِ مِنْ الشُّبُهَاتِ أَوْ لِمَا يَبْعَثُ بِهِ مِنْ الشُّبُهَاتِ) رواه أبو داود (4319) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. وهذا يدل على أن النائي البعيد عن الدجال يسلم من فتنته، فالميت أولى. بل أظهر من ذلك أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى لما خسفت الشمس، فلما انصرف حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: (مَا مِنْ شَيْءٍ كُنْتُ لَمْ أَرَهُ إِلَّا قَدْ رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي هَذَا، حَتَّى الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ، مِثْلَ، أَوْ قَرِيبَ مِنْ، فِتْنَةِ الدَّجَّالِ ـ[قال الراوي:] لَا أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ ـ؛ يُؤْتَى أَحَدُكُمْ فَيُقَالُ لَهُ: مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ؟ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ أَوْ الْمُوقِنُ ـ لَا أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ ـ فَيَقُولُ هُوَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى، فَأَجَبْنَا وَآمَنَّا وَاتَّبَعْنَا. فَيُقَالُ لَهُ: نَمْ صَالِحًا، فَقَدْ عَلِمْنَا إِنْ كُنْتَ لَمُؤْمِنًا. وَأَمَّا الْمُنَافِقُ، أَوْ الْمُرْتَابُ ـ لَا أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ ـ فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ!!) رواه البخاري (184) ومسلم (903) . فهذا يدل على أن للقبر فتنة أخرى، سوى فتنة الدجال، أعاذنا الله بمنه وكرمه منهما، وأن فتنة القبر، ليست بأقل شأنا ولا خطرا من فتنة الدجال؛ ولأجل ذلك كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو وَيَقُولُ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ) رواه البخاري (1377) ومسلم (589) ، واللفظ للبخاري. وانظر: " التمهيد " شرح الموطأ، لابن عبد البر، رحمه الله (22/245) وما بعدها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103713 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 تمثل العمل الصالح رجلا في القبر [السُّؤَالُ] ـ[ما صحة هذا الحديث: (عند موت الإنسان وأثناء انشغال أقربائه بمناسكِه الجنائزيةِ، يقفُ رجلٌ وسيمُ جداً بجوار رأس الميت. وعند تكفين الجثّة، يَدْخلُ ذلك الرجلِ بين الكفنِ وصدرِ الميّتِ. وبعد الدفنِ، يَعُودَ الناس إلى بيوتهم، ويأتي القبرِ ملكان مُنكرٌ ونكير، ويُحاولانَ أَنْ يَفْصلاَ هذا الرجلِ الوسيم عن الميتِ لكي يَكُونا قادرين على سؤال الرجلِ الميتِ في خصوصية حول إيمانِه. لكن يَقُولُ الرجل الوسيم: " هو رفيقُي، هو صديقُي. أنا لَنْ أَتْركَه بدون تدخّل في أيّ حالٍ منَ الأحوالِ. إذا كنتم معنينَّن لسؤالهِ، فاعمَلوا بما تؤمرونَ، أما أنا فلا أَستطيعُ تَرْكه حتى أدخلهْ إلى الجنة ِ". ويتحول الرجل الوسيم إلى رفيقه الميت ويَقُولُ له: " أَنا القرآن الذيّ كُنْتَ تَقْرؤُه بصوتٍ عالٍ أحياناً وبصوت خفيض أحياناً أخرى. لا تقلق. فبعد سؤال مُنكرٍ ونكير لا حزن بعد اليوم. وعندما ينتهى السؤال، يُرتّبُ الرجل الوسيم والملائكة فراش من الحرير مُلئ بالمسكِ للميت في الجنة) ]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الذي جاء في السنة النبوية الصحيحة من تمثل العمل الصالح، ومنه قيام العبد بالقرآن الكريم، بالرجل الحسن في القبر ما يلي: 1- عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنْ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنْ الْآخِرَةِ نَزَلَ إِلَيْهِ مَلَائِكَةٌ مِنْ السَّمَاءِ بِيضُ الْوُجُوهِ كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الشَّمْسُ، مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ، وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ ... إلى أن قال – في وصف حال المؤمن في القبر -: فَيُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ أَنْ صَدَقَ عَبْدِي فَأَفْرِشُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ، قَالَ: فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ. قَالَ: وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ، حَسَنُ الثِّيَابِ، طَيِّبُ الرِّيحِ، فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ. فَيَقُولُ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالْخَيْرِ. فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ. فَيَقُولُ: رَبِّ أَقِمْ السَّاعَةَ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي وَمَالِي) رواه أحمد (4/362) وصححه الألباني في "أحكام الجنائز" (156) 2- عن بريدة رضي الله عنه قال: سمعت النبي- صلى الله عليه وسلم - يقول: (َإِنَّ الْقُرْآنَ يَلْقَى صَاحِبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يَنْشَقُّ عَنْهُ قَبْرُهُ كَالرَّجُلِ الشَّاحِبِ. فَيَقُولُ لَهُ: هَلْ تَعْرِفُنِي؟ فَيَقُولُ: مَا أَعْرِفُكَ. فَيَقُولُ لَهُ: أَنَا صَاحِبُكَ الْقُرْآنُ الَّذِي أَظْمَأْتُكَ فِي الْهَوَاجِرِ وَأَسْهَرْتُ لَيْلَكَ، وَإِنَّ كُلَّ تَاجِرٍ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَتِهِ، وَإِنَّكَ الْيَوْمَ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ تِجَارَةٍ، فَيُعْطَى الْمُلْكَ بِيَمِينِهِ وَالْخُلْدَ بِشِمَالِهِ وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ وَيُكْسَى وَالِدَاهُ حُلَّتَيْنِ لَا يُقَوَّمُ لَهُمَا أَهْلُ الدُّنْيَا. فَيَقُولَانِ: بِمَ كُسِينَا هَذِهِ؟ فَيُقَالُ: بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ اقْرَأْ وَاصْعَدْ فِي دَرَجَةِ الْجَنَّةِ وَغُرَفِهَا فَهُوَ فِي صُعُودٍ مَا دَامَ يَقْرَأُ هَذًّا كَانَ أَوْ تَرْتِيلًا) رواه أحمد في "المسند" (394) وابن ماجه في "السنن" (3781) وحسنه البوصيري في الزوائد والألباني في "السلسلة الصحيحة" (2829) يقول السيوطي في شرح الحديث (2/1242) : " (كالرجل الشاحب) قال السيوطي: هو المتغير اللون، وكأنه يجيء على هذه الهيئة ليكون أشبه بصاحبه في الدنيا، أو للتنبيه له على أنه كما تغير لونه في الدنيا لأجل القيام بالقرآن كذلك القرآن لأجله في السعي يوم القيامة حتى ينال صاحبه الغاية القصوى في الآخرة." انتهى. ولم أقف على شيء من السنة الصحيحة في تمثل العمل الصالح رجلا في القبر إلا هذين الحديثين. أما الحديث الذي ذكرته – أخي السائل الكريم – فلم يرد في كتب السنة المعتمدة، ولم نقف له على إسناد صحيح ولا ضعيف، بل هو مما ينتشر في بعض المنتديات والمواقع من غير تحرٍّ ولا تثبت، ولعل بعض الجهلة من الناس كتبه من قبل نفسه ثم عزاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليحث الناس على الاهتمام بالقرآن والعناية به، ولم يدر هؤلاء أن الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم من أعظم الذنوب التي توبق صاحبها في نار جهنم، وأن النية الحسنة لا ترفع الإثم عن هؤلاء الذين يكذبون ويضعون الحديث على لسان النبي صلى الله عليه وسلم. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ) رواه البخاري (1291) ومسلم (4) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93151 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 حديث تميم الداري عن المسيح الدجال [السُّؤَالُ] ـ[ما حقيقة أن جماعة من المسلمين كانوا على سفر، فالتقوا برجل سألهم عن الزمان وعن بعثة محمد صلى الله عليه وسلم، فرجع وقال إن هذا ليس زمن خروجه، فقيل إنه الدجال؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله القصة التي ذكرتها جاءت في حديث مشهور، يعرف بـ (حديث الجسّاسة) ، وهو حديث عظيم، فيه علم من أعلام النبوة، فأترك لك فرصة الاستفادة والاستمتاع بقراءته. عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها قالت: (سَمِعْتُ نِدَاءَ الْمُنَادِي، مُنَادِى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يُنَادِي (الصَّلاَةَ جَامِعَةً) . فَخَرَجْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَصَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَكُنْتُ فِى صَفِّ النِّسَاءِ الَّتِى تَلِى ظُهُورَ الْقَوْمِ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلاَتَهُ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَضْحَكُ، فَقَالَ «لِيَلْزَمْ كُلُّ إِنْسَانٍ مُصَلاَّهُ» . ثُمَّ قَالَ «أَتَدْرُونَ لِمَ جَمَعْتُكُمْ» ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «إِنِّى وَاللَّهِ مَا جَمَعْتُكُمْ لِرَغْبَةٍ وَلاَ لِرَهْبَةٍ، وَلَكِنْ جَمَعْتُكُمْ لأَنَّ تَمِيماً الدَّارِىَّ كَانَ رَجُلاً نَصْرَانِيًّا فَجَاءَ فَبَايَعَ وَأَسْلَمَ، وَحَدَّثَنِى حَدِيثاً وَافَقَ الَّذِى كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْ مَسِيحِ الدَّجَّالِ، حَدَّثَنِى أَنَّهُ رَكِبَ فِى سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ مَعَ ثَلاَثِينَ رَجُلاً مِنْ لَخْمٍ وَجُذَامَ، فَلَعِبَ بِهِمُ الْمَوْجُ شَهْراً فِى الْبَحْرِ، ثُمَّ أَرْفَئُوا (أي: التجؤوا) إِلَى جَزِيرَةٍ فِى الْبَحْرِ حَتَّى مَغْرِبِ الشَّمْسِ، فَجَلَسُوا فِى أَقْرُبِ السَّفِينَةِ (وهي سفينة صغيرة تكون مع الكبيرة كالجنيبة يتصرف فيها ركاب السفينة لقضاء حوائجهم، الجمع قوارب والواحد قارب) فَدَخَلُوا الْجَزِيرَةَ فَلَقِيَتْهُمْ دَابَّةٌ أَهْلَبُ (أي: غليظ الشعر) كَثِيرُ الشَّعَرِ، لاَ يَدْرُونَ مَا قُبُلُهُ مِنْ دُبُرِهِ مِنْ كَثْرَةِ الشَّعَرِ، فَقَالُوا: وَيْلَكِ مَا أَنْتِ؟ فَقَالَتْ: أَنَا الْجَسَّاسَةُ (قيل سميت بذلك لتجسسها الأخبار للدجال) . قَالُوا: وَمَا الْجَسَّاسَةُ؟ قَالَتْ: أَيُّهَا الْقَوْمُ! انْطَلِقُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فِى الدَّيْرِ فَإِنَّهُ إِلَى خَبَرِكُمْ بِالأَشْوَاقِ. قَالَ لَمَّا سَمَّتْ لَنَا رَجُلاً فَرِقْنَا (أي خفنا) مِنْهَا أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةً، قَالَ فَانْطَلَقْنَا سِرَاعاً حَتَّى دَخَلْنَا الدَّيْرَ، فَإِذَا فِيهِ أَعْظَمُ إِنْسَانٍ رَأَيْنَاهُ قَطُّ خَلْقاً، وَأَشَدُّهُ وِثَاقاً، مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ، مَا بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى كَعْبَيْهِ بِالْحَدِيدِ، قُلْنَا: وَيْلَكَ مَا أَنْتَ؟ قَالَ: قَدْ قَدَرْتُمْ عَلَى خَبَرِي، فَأَخْبِرُونِي مَا أَنْتُمْ؟ قَالُوا: نَحْنُ أُنَاسٌ مِنَ الْعَرَبِ، رَكِبْنَا فِى سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ، فَصَادَفْنَا الْبَحْرَ حِينَ اغْتَلَمَ (أي هاج) ، فَلَعِبَ بِنَا الْمَوْجُ شَهْراً، ثُمَّ أَرْفَأْنَا إِلَى جَزِيرَتِكَ هَذِهِ، فَجَلَسْنَا فِى أَقْرُبِهَا، فَدَخَلْنَا الْجَزِيرَةَ، فَلَقِيَتْنَا دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعَرِ لاَ يُدْرَى مَا قُبُلُهُ مِنْ دُبُرِهِ مِنْ كَثْرَةِ الشَّعَرِ، فَقُلْنَا: وَيْلَكِ مَا أَنْتِ؟ فَقَالَتْ: أَنَا الْجَسَّاسَةُ. قُلْنَا: وَمَا الْجَسَّاسَةُ؟ قَالَتِ: اعْمِدُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فِى الدَّيْرِ فَإِنَّهُ إِلَى خَبَرِكُمْ بِاْلأَشْوَاقِ. فَأَقْبَلْنَا إِلَيْكَ سِرَاعاً، وَفَزِعْنَا مِنْهَا وَلَمْ نَأْمَنْ أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةً، فَقَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ نَخْلِ بَيْسَانَ. قُلْنَا: عَنْ أَىِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قَالَ: أَسْأَلُكُمْ عَنْ نَخْلِهَا هَلْ يُثْمِرُ؟ قُلْنَا لَهُ: نَعَمْ. قَالَ: أَمَا إِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ لاَ تُثْمِرَ. قَالَ: أَخْبِرُونِى عَنْ بُحَيْرَةِ الطَّبَرِيَّةِ؟ قُلْنَا: عَنْ أَىِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قَالَ: هَلْ فِيهَا مَاءٌ؟ قَالُوا: هِىَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ. قَالَ: أَمَا إِنَّ مَاءَهَا يُوشِكُ أَنْ يَذْهَبَ. قَالَ: أَخْبِرُونِى عَنْ عَيْنِ زُغَرَ؟ (وهي بلدة تقع في الجانب القبلي من الشام) قَالُوا: عَنْ أَىِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قَالَ: هَلْ فِى الْعَيْنِ مَاءٌ؟ وَهَلْ يَزْرَعُ أَهْلُهَا بِمَاءِ الْعَيْنِ؟ قُلْنَا لَهُ: نَعَمْ، هِىَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ، وَأَهْلُهَا يَزْرَعُونَ مِنْ مَائِهَا. قَالَ: أَخْبِرُونِى عَنْ نَبِىِّ الأُمِّيِّينَ مَا فَعَلَ؟ قَالُوا: قَدْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ وَنَزَلَ يَثْرِبَ. قَالَ: أَقَاتَلَهُ الْعَرَبُ؟ قُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ: كَيْفَ صَنَعَ بِهِمْ؟ فَأَخْبَرْنَاهُ أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ عَلَى مَنْ يَلِيهِ مِنَ الْعَرَبِ وَأَطَاعُوهُ، قَالَ لَهُمْ: قَدْ كَانَ ذَلِكَ؟ قُلْنَا نَعَمْ. قَالَ: أَمَا إِنَّ ذَاكَ خَيْرٌ لَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ، وَإِنِّى مُخْبِرُكُمْ عَنِّي، إِنِّى أَنَا الْمَسِيحُ، وَإِنِّى أُوشِكُ أَنْ يُؤْذَنَ لِى فِى الْخُرُوجِ، فَأَخْرُجَ فَأَسِيرَ فِى الأَرْضِ فَلاَ أَدَعَ قَرْيَةً إِلاَّ هَبَطْتُهَا فِى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً غَيْرَ مَكَّةَ وَطَيْبَةَ فَهُمَا مُحَرَّمَتَانِ عَلَيَّ كِلْتَاهُمَا، كُلَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ وَاحِدَةً أَوْ وَاحِداً مِنْهُمَا اسْتَقْبَلَنِى مَلَكٌ بِيَدِهِ السَّيْفُ صَلْتاً يَصُدُّنِى عَنْهَا، وَإِنَّ عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْهَا مَلاَئِكَةً يَحْرُسُونَهَا. قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم - وَطَعَنَ بِمِخْصَرَتِهِ فِى الْمِنْبَرِ -: «هَذِهِ طَيْبَةُ هَذِهِ طَيْبَةُ هَذِهِ طَيْبَةُ» . يَعْنِى الْمَدِينَةَ «أَلاَ هَلْ كُنْتُ حَدَّثْتُكُمْ ذَلِكَ؟» . فَقَالَ النَّاسُ:نَعَمْ. «فَإِنَّهُ أَعْجَبنِى حَدِيثُ تَمِيمٍ أَنَّهُ وَافَقَ الَّذِى كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْهُ وَعَنِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ، أَلاَ إِنَّهُ فِى بَحْرِ الشَّامِ أَوْ بَحْرِ الْيَمَنِ، لاَ بَلْ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ ما هُوَ، مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَا هُوَ، مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَا هُوَ» (قال القاضي: لفظة (ما هو) زائدة، صلة للكلام، ليست بنافية، والمراد إثبات أنه فى جهات المشرق) وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الْمَشْرِقِ. قَالَتْ فَحَفِظْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) رواه مسلم في صحيحه برقم (2942) ، فهو حديث صحيح، رواه أهل العلم في كتبهم، من طريقين عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها، وقال الترمذي رحمه الله "الجامع الصحيح" (2253) : " هذا حديث صحيح غريب " انتهى. وقال ابن عبد البر "الاستذكار" (7/338) : " ثابت صحيح من جهة الإسناد والنقل " انتهى. وللاستزادة انظر الأرقام التالية (8301) (8806) (32665) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82643 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 علامات يوم القيامة الصغرى والكبرى [السُّؤَالُ] ـ[ما هي علامات يوم القيامة الصغرى والكبرى؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله علامات يوم القيامة وأشراطها هي التي تسبق وقوع القيامة وتدل على قرب حصولها، وقد اصطُلح على تقسيمها إلى صغرى وكبرى، والصغرى – في الغالب - تتقدم حصول القيامة بمدة طويلة، ومنها ما وقع وانقضى - وقد يتكرر وقوعه - ومنها ما ظهر ولا يزال يظهر ويتتابع، ومنها ما لم يقع إلى الآن، ولكنه سيقع كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم. وأما الكبرى: فهي أمور عظيمة يدل ظهورها على قرب القيامة وبقاء زمن قصير لوقوع ذلك اليوم العظيم. وعلامات الساعة الصغرى كثيرة، وقد جاءت في أحاديث صحيحة كثيرة، وسنذكرها في سياق واحد دون ذِكر أحاديثها؛ لأن المقام لا يتسع، ونحيل من أراد التوسع في هذا الموضوع مع معرفة أدلة هذه العلامات لكتب موثوقة متخصصة، ومنها " القيامة الصغرى " للشيخ عمر سليمان الأشقر، وكتاب " أشراط الساعة " للشيخ يوسف الوابل. فمن أشراط الساعة الصغرى: 1. بعثة النبي صلى الله عليه وسلم. 2. موته صلى الله عليه وسلم. 3. فتح بيت المقدس. 4. طاعون " عمواس " وهي بلدة في فلسطين. 5. استفاضة المال والاستغناء عن الصدقة. 6. ظهور الفتن، ومن الفتن التي حدثت في أوائل عهد الإسلام: مقتل عثمان رضي الله عنه، وموقعة الجمل وصفين، وظهور الخوارج، وموقعة الحرة، وفتنة القول بخلق القرآن. 7. ظهور مدَّعي النبوة، ومنهم " مسيلمة الكذاب " و " الأسود العنسي ". 8. ظهور نار الحجاز، وقد ظهرت هذه النار في منتصف القرن السابع الهجري في عام 654 هـ، وكانت ناراً عظيمة، وقد توسع العلماء الذين عاصروا ظهورها ومن بعدهم في وصفها، قال النووي: " خرجت في زماننا نار في المدينة سنة أربع وخمسين وستمائة، وكانت ناراً عظيمة جداً من جنب المدينة الشرقي وراء الحرة، وتواتر العلم بها عند جميع الشام وسائر البلدان، وأخبرني من حضرها من أهل المدينة ". 9. ضياع الأمانة، ومن مظاهر تضييع الأمانة إسناد أمور الناس إلى غير أهلها القادرين على تسييرها. 10. قبض العلم وظهور الجهل، ويكون قبض العلم بقبض العلماء، كما جاء في الصحيحين. 11. انتشار الزنا. 12. انتشار الربا. 13. ظهور المعازف. 14. كثرة شرب الخمر. 15. تطاول رعاء الشاة في البنيان. 16. ولادة الأمة لربتها، كما ثبت ذلك في الصحيحين، وفي معنى هذا الحديث أقوال لأهل العلم، واختار ابن حجر: أنه يكثر العقوق في الأولاد فيعامِل الولدُ أمَّه معاملة السيد أمَته من الإهانة والسب. 17. كثرة القتل. 18. كثرة الزلازل. 19. ظهور الخسف والمسخ والقذف. 20. ظهور الكاسيات العاريات. 21. صدق رؤيا المؤمن. 22. كثرة شهادة الزور وكتمان شهادة الحق. 23. كثرة النساء. 24. رجوع أرض العرب مروجاً وأنهاراً. 25. انكشاف الفرات عن جبل من ذهب. 26. كلام السباع والجمادات الإنس. 27. كثرة الروم وقتالهم للمسلمين. 28. فتح القسطنطينية. وأما أشراط القيامة الكبرى: فهي التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث حذيفة بن أسيد وهي عشر علامات: الدجال، ونزول عيسى بن مريم، ويأجوج ومأجوج، وثلاث خسوفات: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، والدخان، وطلوع الشمس من مغربها، والدابة، والنار التي تسوق الناس إلى محشرهم، وهذه العلامات يكون خروجها متتابعا، فإذا ظهرت أولى هذه العلامات فإن الأخرى على إثرها. روى مسلم عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: اطَّلَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ فَقَالَ: مَا تَذَاكَرُونَ؟ قَالُوا: نَذْكُرُ السَّاعَةَ، قَالَ: إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْنَ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ فَذَكَرَ الدُّخَانَ وَالدَّجَّالَ وَالدَّابَّةَ وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَأَجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَثَلاثَةَ خُسُوفٍ خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنْ الْيَمَنِ تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ. وليس هناك نص صحيح صريح في ترتيب هذه العلامات، وإنما يستفاد ترتيب بعضها من جملة نصوص. وقد سئل الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله: هل أشراط الساعة الكبرى تأتي بالترتيب؟ فأجاب: " أشراط الساعة الكبرى بعضها مرتب ومعلوم، وبعضها غير مرتب ولا يعلم ترتيبه، فمما جاء مرتباً نزول عيسى بن مريم وخروج يأجوج ومأجوج، والدجال فإن الدجال يبعث ثم ينزل عيسى بن مريم فيقتله ثم يخرج مأجوج ومأجوج. وقد رتب السفاريني رحمه الله في عقيدته هذه الأشراط، لكن بعض هذا الترتيب تطمئن إليه النفس، وبعضها ليس كذلك، والترتيب لا يهمنا، وإنما يهمنا أن للساعة علامات عظيمة إذا وقعت فإن الساعة تكون قد قربت، وقد جعل الله للساعة أشراطاً؛ لأنها حدث هام يحتاج الناس إلى تنبيههم لقرب حدوثه " انتهى. " مجموع الفتاوى " (2 / السؤال رقم 137) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 78329 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 هل يرفع القرآن في آخر الزمان؟ [السُّؤَالُ] ـ[جاء في افتتاحية مجلة المستقبل الإسلامي الصادرة في السعودية أن إحدى علامات آخر الزمان أن القرآن يختفي، ولم أسمع بذلك من قبل، وكيف يمكن أن يكون هذا الكلام صحيحا ونحن نعلم أن هناك الكثير الكثير من الحفاظ للقرآن، أرجو أن توضحوا لي المسألة، جزاكم الله خيرا على ما تبذلونه من وقت. أخوكم في الإسلام.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله جاءت عدة أحاديث تدل على رفع القرآن الكريم في آخر الزمان، ومن هذه الأحاديث: عَنْ عبد الله بن مَسْعُودٍ قَالَ: " لَيُسْرَيَنَّ عَلَى الْقُرْآنِ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَلا يُتْرَكُ آيَةٌ فِي مُصْحَفٍ وَلا فِي قَلْبِ أَحَدٍ إِلا رُفِعَتْ " أخرجه الدارمي بسند صحيح برقم 3209. وأخرج الدارمي برقم 3207 بإسناد حسن لغيره: عن عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ: " أَكْثِرُوا تِلاوَةَ الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ " قَالُوا: هَذِهِ الْمَصَاحِفُ تُرْفَعُ! فَكَيْفَ بِمَا فِي صُدُورِ الرِّجَالِ؟ قَالَ: " يُسْرَى عَلَيْهِ لَيْلا فَيُصْبِحُونَ مِنْهُ فُقَرَاءَ، وَيَنْسَوْنَ قَوْلَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَيَقَعُونَ فِي قَوْلِ الْجَاهِلِيَّةِ وَأَشْعَارِهِمْ، وَذَلِكَ حِينَ يَقَعُ عَلَيْهِمْ الْقَوْلُ " والمراد بالقول: ماجاء في الآية الكريمة: (وَإِذَا وَقَعَ القَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجَنا لَهُمْ دَابَةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآياتِنَا لا يُوْقِنُون) النمل / 82. قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: (هذه الدابة تخرج في آخر الزمان عند فساد الناس، وتركهم أوامر الله، وتبديلهم الدين الحق يخرج الله لهم دابة من الأرض، قيل من مكة وقيل من غيرها.. فتكلم الناس على ذلك؛ قال ابن عباس والحسن وقتادة - ويروى عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم: " تكلمهم كلاماً " أي تخاطبهم مخاطبة، وقال عطاء الخراساني - ويروى عن علي واختاره ابن جرير -: " تكلمهم فتقول لهم إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون " وفي هذا القول نظر لا يخفى والله أعلم، وقال ابن عباس في رواية: " تجرحهم " وعنه رواية قال: " كُلاً تفعل " يعنى هذا وهذا، وهو قول حسن ولا منافاة والله أعلم) تفسير القرآن العظيم (3 / 375 - 378) . وقد ورد في ذكر الدابة أحاديث وآثار كثيرة؛ منها: ما روي عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال: " أشرف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من غرفة ونحن نتذاكر أمر الساعة؛ فقال: لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات: طلوع الشمس من مغربها، والدخان، والدابة، وخروج يأجوج ومأجوج، وخروج عيسى بن مريم عليه السلام، والدجال، وثلاثة خسوف خسف بالمغرب وخسف بالمشرق وخسف بجزيرة العرب، ونار تخرج من قعر عدن تسوق - أو تحشر- الناس، تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم حيث قالوا " رواه الإمام أحمد برقم 46 واللفظ له، ورواه مسلم برقم2901، وأبوداود برقم 4311، والترمذي برقم 2183 وقال: حسن صحيح، والنسائي برقم 11380، وابن ماجه برقم 4055. وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ثلاث إذا خرجن لم ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل: الدجال، والدابة، وطلوع الشمس من المغرب - أو من مغربها - " رواه الترمذي برقم 3072 وقال: حديث حسن صحيح. وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " بادروا بالأعمال ستاً: طلوع الشمس من مغربها، أو الدخان، أو الدجال، أو الدابة، أو خاصة أحدكم أو أمر العامة " رواه مسلم برقم 2947 وابن ماجه برقم 4056 وغيرهما. وهناك أحاديث كثيرة يطول ذكرها تدل على أن الدابة ستخرج في آخر الزمان، والله المستعان. ومما جاء أيضاً في رفع القرآن آخر الزمان ما رواه الطبراني في المعجم الكبير برقم 8698 عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: " لَيُنْتَزَعَنَّ هذا القرآن من بين أظهركم، قيل له: يا أبا عبد الرحمن: كيف يُنتزع وقد أثبتناه في قلوبنا وأثبتناه في مصاحفنا؟ قال: يُسْرَى عليه في ليلة فلا يبقى في قلب عبد ولا مصحف منه شيء، ويصبح الناس كالبهائم " ثم قرأ قول الله تعالى: (ولئن شئنا لَنَذْهَبَنَّ بالذي أوحينا إليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلاً) الإسراء / 86. قال ابن حجر في فتح الباري (13 /16) : سنده صحيح ولكنه موقوف. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (7 / 329) : رجاله رجال الصحيح، غير شداد بن معقل وهو ثقة. وصححه الألباني. وهذا الحديث حكمه حكم المرفوع، لأنه لا يُقال بالرأي. قال الإمام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (3 / 198) : " فإنه يسرى به فى آخر الزمان من المصاحف والصدور فلا يبقى فى الصدور منه كلمة، ولا فى المصاحف منه حرف ". وقد أنزل الله القرآن هدى للناس وتكفّل بحفظه وهو المعجزة الخالدة للنبي صلى الله عليه وسلم وسيبقى يتعلّم منه ويهتدي عليه الأولون والآخرون ولكن في آخر الزمان قبل قيام الساعة مباشرة يقبض الله أرواح المؤمنين ولا يبقى في الأرض إلا شرار الخلق ولا تكون صلاة ولا صيام ولا حجّ ولا صدقة، ولا تكون هناك فائدة من وجود الكعبة ولا بقاء القرآن فيقدِّر الله عزّ وجلّ خراب الكعبة على يد كافر من الحبشة (روى البخاري في صحيحه برقم 1519 أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة ") ، ويرفع الله عزّ وجلّ القرآن من الأرض فلا تبقى منه آية في المصاحف والصدور، والله يغار أن يبقى كتابه في الأرض بلا فائدة لا يُعمل به فيحدث هذا الأمر. وهذا الحدث المُخيف والخطير يدفع المسلم الصادق إلى المسارعة بالاهتمام بكتاب الله تعلما وحفظا وتلاوة وتدبّرا قبل أن يُرفع الكتاب. وهذا من فتن آخر الزمان التي قال عنها رسولنا صلى الله عليه وسلم: (بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا) رواه مسلم برقم 169. نسأل الله أن يثبتنا على دينه، ويرد عنا الفتن، ما ظهر منها وما بطن. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 3096 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 من علامات الساعة الكبرى: طلوع الشمس من مغربها [السُّؤَالُ] ـ[كيف يمكن فهم الحديث " أن من علامات القيامة الكبرى ظهور الشمس من المغرب "؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الشمس آية من آيات الله تعالى، جعل لها مدارا تجري فيه، ونظاما لا تخرج عنه، فهي تطلع من جهة المشرق كل يوم، فإذا أذن الله تعالى بنهاية العالم، وقيام الساعة أمرها أن تطلع من جهة المغرب، وحينئذ يؤمن الناس ويوقنون بأمر القيامة، لكن لا ينفعهم الإيمان في تلك اللحظة إلا من كان آمن من قبل. قال الله تعالى: (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً) الأنعام/158. روى البخاري (4635) ومسلم (157) عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا رَآهَا النَّاسُ آمَنَ مَنْ عَلَيْهَا، فَذَاكَ حِينَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ) . وقال تعالى في بيان سير الشمس وانضباطها بأمر الله: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) يّس/38. وجاء في السنة تفسير ذلك، فروى البخاري (3199) أن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لِأَبِي ذَرٍّ حِينَ غَرَبَتْ الشَّمْسُ: أَتَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ؟ فقال: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: (فَإِنَّهَا تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ الْعَرْشِ، فَتَسْتَأْذِنَ، فَيُؤْذَنُ لَهَا، وَيُوشِكُ أَنْ تَسْجُدَ فَلَا يُقْبَلَ مِنْهَا، وَتَسْتَأْذِنَ فَلَا يُؤْذَنَ لَهَا، يُقَالُ لَهَا ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ، فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) . قال الطحاوي رحمه الله في عقيدته المشهورة: " ونؤمن بأشراط الساعة، من خروج الدجال، ونزول عيسى ابن مريم عليه السلام من السماء، ونؤمن بطلوع الشمس من مغربها " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وهكذا تسير الشمس والقمر في فلكيهما في انتظام باهر وسير محكم، كل يجري إلى أجل مسمى، إلى أن يأذن الله بخراب هذا العالم، فتخرج الشمس من مغربها كما في صحيح البخاري عن أبي ذر، ثم ذكر الحديث المتقدِّم. وفي هذا الحديث دليل ظاهر على أن الشمس تسير بنفسها، كما يدل على ذلك قوله تعالى: (والشمس تجري لمستقر لها) وقوله: (كل يجري إلى أجل مسمى) وقوله: (وكل في فلك يسبحون) فهذه الأدلة تكذب ما يقال من أن الشمس ثابتة لا تدور، وتدل على أنه قول باطل يجب رده وتكذيبه " انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين" (6/195) . والحاصل أن من علامات قيام الساعة: أن تطلع الشمس من جهة المغرب، بدلا من طلوعها من جهة المشرق، فإذا حدث ذلك دل على قرب قيام الساعة جدا، وحينئذ لا ينفع الكافر إيمانه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 71201 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 هل يأجوج ومأجوج موجودون الآن وهل السدّ حقيقي [السُّؤَالُ] ـ[ي عن يأجوج ومأجوج: أعرف أنهم ذوو عدد كبير وأنهم ينهبون وأنهم في النار. وسؤالي هل هم ما يزالون أحياء؟ وهل هم محبوسون في السور الذي بناه ذو القرنين؟ وهل هذا السور واقعي (مصنوع من الحديد) أم تخيلي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا شك أن يأجوج ومأجوج أمتان عظيمتان من بني آدم، والناظر في قصة ذي القرنين مع هذه الأمة في سورة الكهف يعلم قطعا أنهما موجودتان وأن السد الذي بني ليس سدّا معنويا أو خياليا بل هو سد حسي مبني من الحديد والنحاس المذاب والأصل أن تؤخذ هذه النصوص القرآنية على ظواهرها دون أن يتعرض لها بأيّ نوع من أنواع التحريف يخرجها عن معناها المقصود وقد فصّل لنا القرآن طريقة البناء بل ومادته فلا يصح بعد ذلك إنه يقال أنه سد معنوي أو وهمي قال الله تعالى في سورة الكهف في قصة الملك المسلم والقائد العظيم ذي القرنين رحمه الله: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلا (93) قَالُوا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) ءَاتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَءَاتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98) . ومما يدل على أن هذه الأمة موجودة الآن بل وتحاول يوميا الخروج على الناس ما جاء عند ابن ماجة بسند صحيح عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ يَحْفِرُونَ كُلَّ يَوْمٍ حَتَّى إِذَا كَادُوا يَرَوْنَ شُعَاعَ الشَّمْسِ قَالَ الَّذِي عَلَيْهِمْ ارْجِعُوا فَسَنَحْفِرُهُ غَدًا فَيُعِيدُهُ اللَّهُ أَشَدَّ مَا كَانَ حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ مُدَّتُهُمْ وَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَهُمْ عَلَى النَّاسِ حَفَرُوا حَتَّى إِذَا كَادُوا يَرَوْنَ شُعَاعَ الشَّمْسِ قَالَ الَّذِي عَلَيْهِمْ ارْجِعُوا فَسَتَحْفِرُونَهُ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاسْتَثْنَوْا فَيَعُودُونَ إِلَيْهِ وَهُوَ كَهَيْئَتِهِ حِينَ تَرَكُوهُ فَيَحْفِرُونَهُ وَيَخْرُجُونَ عَلَى النَّاسِ فَيُنْشِفُونَ الْمَاءَ وَيَتَحَصَّنُ النَّاسُ مِنْهُمْ فِي حُصُونِهِمْ فَيَرْمُونَ بِسِهَامِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ فَتَرْجِعُ عَلَيْهَا الدَّمُ الَّذِي اجْفَظَّ (أي ترجع سهامهم وقد امتلأت دما فتنة لهم) فَيَقُولُونَ قَهَرْنَا أَهْلَ الأرْضِ وَعَلَوْنَا أَهْلَ السَّمَاءِ فَيَبْعَثُ اللَّهُ نَغَفًا (أي دودا) فِي أَقْفَائِهِمْ فَيَقْتُلُهُمْ بِهَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ دَوَابَّ الأَرْضِ لَتَسْمَنُ وَتَشْكَرُ شَكَرًا (أي تمتلىء شحما) مِنْ لُحُومِهِمْ. صحيح ابن ماجه 3298. وكذلك حديث أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ لا إِلَهَ إِلاّ اللَّهُ وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبَ فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا قَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ قَالَ نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ. رواه البخاري 3097 والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 3437 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 هل الزلازل الأخير سببه اختلال دوران الأرض وأنها في طريقها إلى الدوران العكسي؟ [السُّؤَالُ] ـ[انتشرت في الآونة الأخيرة رسالة على الهاتف المحمول (الجوال) تتحدث عن أسباب الزلزال الذي حدث في قارة آسيا، ونسب هذا القول إلى الدكتور زغلول النجار وكان نص الرسالة: د. زغلول النجار: سبب زلزال آسيا هو اختلال لدوران الأرض بسبب تباطئها مما يدل على أن الأرض في طريقها إلى الدوران العكسي والدخول في العلامات الكبرى وبداية لكوارث طبيعية إلى أن تشرق الشمس من مغربها. انشر واستغفر. ما رأيكم في هذه الرسالة وهل هي صحيحة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما نسب في هذه الرسالة إلى الدكتور زغلول النجار، غير صحيح، وقد أنكره الدكتور نفسه، حين سئل عنه في برنامج "منبر الجزيرة: التجهيزات العربية لمواجهة الكوارث" على قناة الجزيرة الفضائية. فأجاب: " والله أخي الكريم هذا الموضوع عارٍ عن الصحة تماما، جملة وتفصيلا ويبدو أن هناك شياطين من شياطين الإنس يريدون أن يروجوا بعض هذه الخرافات على لساني، لإدراكهم لمدى حب الناس لي من فضل الله وكرمه، فيصدقون هذا الكلام. أولا: أنا أكرر كثيرا أن الآخرة لها من السنن والقوانين ما يغير سنن الدنيا تماما. ثانيا: أن الآخرة كما وصفها القرآن الكريم لا تأتي إلا بغتة، يصفها ربنا تبارك وتعالى بقوله عز من قائل: (ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ والأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إلاّ بَغْتَةً) . ثالثا: أن كتلة الأرض تقدر بحوالي ستة آلاف بليون مليون مليون طن، هذا الزلزال على قوته لا يمكن أن يغير من سرعة دوران الأرض أو يبطئ منها. بعض الناس قالوا - وهذا موجود على الإنترنت - صحيح لو كان الانفجار هذا في عكس اتجاه دوران الأرض فهو يبطئ من سرعة الدوران وإذا كان في اتجاه دوران الأرض فهو يسرع من سرعة دوران الأرض حول محورها وفي الحالين التباطؤ أو التسارع لا يتجاوز واحد على المليون من الثانية فكيف يمكن أن يقال إن هذا من العلامات الكبرى للساعة، وأن العلامات الكبرى قد حددها رسولنا صلى الله عليه وسلم بدقة شديدة ولا مجال للاجتهاد بجوار أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم.. " انتهى. وقد بين الدكتور في حوارات أخرى سبب الزلزال من الناحية العلمية، مع بيان أنه عقوبة على المعاصي والآثام. قال الله تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) الشورى/30. وقال: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) الروم/41. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69861 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 المسيح ابن مريم والمهدي [السُّؤَالُ] ـ[ما هو الفرق بين المهدي والمسيح؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المهدي المُنتظر جاءت النصوص بأنَّه سيُوجد في آخر الزمان، وهو إمامٌ عادل من ذريَّة النبي عليه الصلاة والسلام، وليس بمعصوم، بخلاف عيسى عليه السلام الذي تواترت النصوص بنزوله في آخر الزمان، وحكمه بشريعة محمد عليه الصلاة والسلام، فالفرق بينهما أنَّ المسيح عيسى نبي والمهدي إمامٌ عادل. ولمزيد من التفصيل حول المسيح الدجال يراجع السؤال رقم 8806 [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 10302 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 خروج المهدي [السُّؤَالُ] ـ[هل ورد في القرآن متى يخرج المهدي لإنقاذ المسلمين؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يجب أن يعلم المسلم أن الكتاب والسنة في منزلة واحدة من حيث الاحتجاج ووجوب الإتباع، فكل من الكتاب والسنة وحي من الله يجب اتباعه، قال الله تعالى عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) النجم / 443. وعن المقدام بن معد يكرب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه لا يوشك رجلٌ شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه ". رواه أبو داود (4604) . وصححه الألباني رحمه الله في صحيح سنن أبي داود (3848) ثانياً: أمر الله بطاعة الرسول طاعة مستقلة فقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} النساء / 59، وقال تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} الحشر / 7. ثالثاً: لم يرد في القرآن ولا في السنة متى سيخرج المهدي على سبيل التحديد، غير أنه سيخرج في آخر الزمان ولكن لا بد من التنبيه على أمور: 1. خروج المهدي هو من أواخر العلامات الصغرى لقيام الساعة. 2. أدعى كثير من الناس أن المهدي خرج أو سيخرج لنصر أغراضهم الشخصية وعقائدهم الضالة كالقاديانية والبهائية والشيعة وغيرها من الطوائف المنحرفة فأدى ذلك ببعض المتأخرين أن يردوا أحاديث المهدي أو يؤولوها بأن المقصود بالمهدي نزول عيسى ابن مريم عليه السلام في آخر الزمان، واستدل بعضهم بحديث ورد مرفوعا وهو: " لا مهدي إلا عيسى بن مريم ". وهو حديث ضعيف لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم. انظر " السلسلة الضعيفة " (1 / 175) للعلامة الألباني رحمه الله. 3. قد ألف كثير من العلماء كتباً في إثبات خروجه وجعلوا ذلك من عقيدة المسلم منهم: الحافظ أبو نعيم، وأبو داود وأبي كثير والسخاوي والشوكاني وغيرهم. 4. ثبت في السنة أنه سيجتمع بعيسى ابن مريم عليه السلام وأن عيسى سوف يصلي خلفه. روى مسلم (156) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة قال فينزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم فيقول أميرهم تعال صل لنا فيقول لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة ". وهذا الأمير المذكور في الحديث هو المهدي جاء ذلك في رواية أبي نعيم والحارث بن أسامة بلفظ: (فيقول أميرهم المهدي ... ) قال ابن القيم: إسناده جيد. 5. على المسلم أن لا ينتظر خروج المهدي بل عليه أن يسارع ويجتهد ويعمل بجد ونشاط لنصر الدين، وأن يقدم ما يستطيعه للدين، وأن لا يعتمد على خروج المهدي أو غيره، بل يُصلح نفسه وأسرته ومن حوله، وبالتالي إن لقي الله لقيه وقد أعذر من نفسه. انظر كتاب المهدي حقيقة لا خرافة للشيخ محمد بن إسماعيل والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 10301 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 من هو ابن صياد؟ وهل هو المسيح الدجال؟ [السُّؤَالُ] ـ[قرأت في بعض الأحاديث كلاما عن شخصية عجيبة ظهرت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم واسمه ابن صياد أو ابن صائد فمن هو هذا الرجل وما حقيقته؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ابن صياد اسمه: صافي، وقيل عبد الله بن صياد أو صائد. كان من يهود المدينة، وقيل من الأنصار، وكان صغيراً عند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة. وقيل إنه أسلم. وكان ابن صياد دجّالاً، وكان يتكهن أحياناً فيصدق ويكذب، فانتشر خبره بين الناس، وشاع أنه الدجال. فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يطّلع على أمره ويتبين حاله، فكان يذهب إليه مختفياً حتى لا يشعر به رجاء أن يسمع منه شيئاً، وكان يوجه إليه بعض الأسئلة التي تكشف عن حقيقته. وقد عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم ثمّ فُقِدَ ابن صياد يوم الحرّة. قصة النبي صلى الله عليه وسلم مع ابن صياد حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ انْطَلَقَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَهْطٍ قِبَلَ ابْنِ صَيَّادٍ حَتَّى وَجَدُوهُ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ عِنْدَ أُطُمِ بَنِي مَغَالَةَ وَقَدْ قَارَبَ ابْنُ صَيَّادٍ الْحُلُمَ فَلَمْ يَشْعُرْ حَتَّى ضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ لابْنِ صَيَّادٍ تَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَنَظَرَ إِلَيْهِ ابْنُ صَيَّادٍ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ الأُمِّيِّينَ فَقَالَ ابْنُ صَيَّادٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَرَفَضَهُ وَقَالَ آمَنْتُ بِاللَّهِ وَبِرُسُلِهِ فَقَالَ لَهُ مَاذَا تَرَى قَالَ ابْنُ صَيَّادٍ يَأْتِينِي صَادِقٌ وَكَاذِبٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُلِّطَ عَلَيْكَ الأَمْرُ ثُمَّ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي قَدْ خَبَأْتُ لَكَ خَبِيئًا فَقَالَ ابْنُ صَيَّادٍ هُوَ الدُّخُّ فَقَالَ اخْسَأْ فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَضْرِبْ عُنُقَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ يَكُنْهُ فَلَنْ تُسَلَّطَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْهُ فَلا خَيْرَ لَكَ فِي قَتْلِهِ وَقَالَ سَالِمٌ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ انْطَلَقَ بَعْدَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ إِلَى النَّخْلِ الَّتِي فِيهَا ابْنُ صَيَّادٍ وَهُوَ يَخْتِلُ أَنْ يَسْمَعَ مِنْ ابْنِ صَيَّادٍ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ ابْنُ صَيَّادٍ فَرَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ يَعْنِي فِي قَطِيفَةٍ لَهُ فِيهَا رَمْزَةٌ أَوْ زَمْرَةٌ فَرَأَتْ أمُّ ابْنِ صَيّادٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخْلِ فَقَالَتْ لابْنِ صَيَّادٍ يَا صَافِ وَهُوَ اسْمُ ابْنِ صَيَّادٍ هَذَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَثَارَ ابْنُ صَيَّادٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ تَرَكَتْهُ بَيَّنَ. رواه البخاري 1355 قَوْله: " أُطُم " بِضَمَّتَيْنِ بِنَاء كَالْحِصْنِ. وَ " مَغَالَة " بَطْن مِنْ الأَنْصَار , وَقَوْله " فَرَفَضَهُ " أَيْ تَرَكَهُ , وكان النبي صلى الله عليه وسلم يُرِيد أَنْ يَسْتَغْفِلهُ لِيَسْمَع كَلامه وَهُوَ لا يَشْعُر. قَوْله: (لَهُ فِيهَا رُمْزَة أَوْ زُمْرَة) وفي رواية زَمْزَمَة بِمَعْنَى الصَّوْت الْخَفِيّ , أو تَحْرِيك الشَّفَتَيْنِ بِالْكَلامِ، أو الكلام الغامض. يُنظر فتح الباري شرح الحديث المتقدّم في كتاب الجنائز من صحيح البخاري *هل ابن صياد هو الدجال الأكبر؟ في الحديث السابق - الذي فيه بعض أحوال ابن صياد وامتحان النبي صلى الله عليه وسلم له - ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان متوقفاً في أمر ابن صياد، لأنه لم يُوحَ إليه أنه الدجّال ولا غيره. وكان كثير من الصحابة يظنون أن ابن صياد هو الدجال. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنهما يحلف أنه الدجال بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم وحضرة الصحابة، ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك. ففي الحديث عن محمد بن المنكدر قال: " رَأَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَحْلِفُ بِاللَّهِ أَنَّ ابْنَ الصَّائِدِ الدَّجَّالُ. قُلْتُ: تَْلِفُ بِاللَّهِ؟ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ عُمَرَ يَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُنْكِرْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رواه البخاري برقم 6808. وقد حصلت لابن عمر قصّة عجيبة مع ابن صائد وردت في صحيح الإمام مسلم عن نَافِعٍ قَالَ لَقِيَ ابْنُ عُمَرَ ابْنَ صَائِدٍ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ لَهُ قَوْلا أَغْضَبَهُ فَانْتَفَخَ حَتَّى مَلأَ السِّكَّةَ فَدَخَلَ ابْنُ عُمَرَ عَلَى حَفْصَةَ وَقَدْ بَلَغَهَا فَقَالَتْ لَهُ رَحِمَكَ اللَّهُ مَا أَرَدْتَ مِنْ ابْنِ صَائِدٍ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْ غَضْبَةٍ يَغْضَبُهَا. صحيح مسلم 2932 وبالرغم من ذلك فقد كان ابن صياد لما كبر يحاول الدّفاع عن نفسه ويُنكر أنه الدّجال ويُظهر تضايقه من هذه التهمة، ويحتج على ذلك بأن ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من صفات الدجال لا تنطبق عليه. ففي الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: " خَرَجْنَا حُجَّاجًا أَوْ عُمَّارًا وَمَعَنَا ابْنُ صَائِدٍ، قَالَ: فَنَزَلْنَا مَنْزِلا فَتَفَرَّقَ النَّاسُ وَبَقِيتُ أَنَا وَهُوَ، فَاسْتَوْحَشْتُ مِنْهُ وَحْشَةً شَدِيدَةً مِمَّا يُقَالُ عَلَيْهِ، قَالَ: وَجَاءَ بِمَتَاعِهِ فَوَضَعَهُ مَعَ مَتَاعِي. فَقُلْتُ: إِنَّ الْحَرَّ شَدِيدٌ؛ فَلَوْ وَضَعْتَهُ تَحْتَ تِلْكَ الشَّجَرَةِ. قَالَ: فَفَعَلَ. قَالَ: فَرُفِعَتْ لَنَا غَنَمٌ فَانْطَلَقَ فَجَاءَ بِعُسٍّ - قدح كبير - فَقَالَ: اشْرَبْ أَبَا سَعِيدٍ، فَقُلْتُ: إِنَّ الْحَرَّ شَدِيدٌ وَاللَّبَنُ حَارٌّ - مَا بِي إِلا أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَشْرَبَ عَنْ يَدِهِ أَوْ قَالَ آخُذَ عَنْ يَدِهِ - فَقَالَ: أَبَا سَعِيدٍ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آخُذَ حَبْلًا فَأُعَلِّقَهُ بِشَجَرَةٍ ثُمَّ أَخْتَنِقَ مِمَّا يَقُولُ لِي النَّاسُ، يَا أَبَا سَعِيدٍ مَنْ خَفِيَ عَلَيْهِ حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا خَفِيَ عَلَيْكُمْ مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَلَسْتَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ أَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ كَافِرٌ وَأَنَا مُسْلِمٌ؟ أَوَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ عَقِيمٌ لا يُولَدُ لَهُ وَقَدْ تَرَكْتُ وَلَدِي بِالْمَدِينَةِ؟ أَوَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ وَلا مَكَّةَ وَقَدْ أَقْبَلْتُ مِنْ الْمَدِينَةِ وَأَنَا أُرِيدُ مَكَّةَ؟ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: حَتَّى كِدْتُ أَنْ أَعْذِرَهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لأَعْرِفُهُ وَأَعْرِفُ مَوْلِدَهُ وَأَيْنَ هُوَ الآنَ. قَالَ: قُلْتُ لَهُ تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ " رواه مسلم برقم 5211. وقال ابن صياد في رواية: " أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لأَعْلَمُ الآنَ حَيْثُ هُوَ وَأَعْرِفُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ. وَقِيلَ لَهُ: أَيَسُرُّكَ أَنَّكَ ذَاكَ الرَّجُلُ؟ فَقَالَ: لَوْ عُرِضَ عَلَيَّ مَا كَرِهْتُ " رواه مسلم برقم 5210. وقد التبس على العلماء ما جاء في ابن صياد، وأشكل عليهم أمره، فمن قائل أنه الدجال، ومنهم من يقول أنه ليس الدجال. ومع كل فريق دليله، فتضاربت أقوالهم كثيراً، وقد اجتهد ابن حجر في التوفيق بين هذه الأقوال، فقال: " أقرب ما يجمع به بين ما تضمنه حديث تميم وكون ابن صياد هو الدجال: أن الدجال بعينه هو الذي شاهده تميم موثوقاً، وأن ابن صياد هو شيطان تبدّى في صورة الدجال في تلك المدة، إلى أن توجه إلى أصبهان فاستتر مع قرينه، إلى أن تجيء المدة التي قدّر الله تعالى خروجه فيها، فتح الباري (13 / 328) . وقيل إنّ ابن صياد هو دجّال من الدّجاجلة وليس هو الدّجال الأكبر. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 8301 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 كيفية التصرف عند وقوع الفتن والافتراق [السُّؤَالُ] ـ[هل هذا الزمان هو المقصود من قول الرسول صلى الله عليه وسلم عندما سأله صحابي: ماذا أفعل عندما تكثر الفتن والفرقة فقال له ردا على سؤاله: اعتزل الناس، اجلس في بيتك، وفي الصحيح في كتاب الفتن باب كيف الحال إذا لم يكن خليفة الحديث فيما معناه أنه صلى الله عليه وسلم أمرهم عند نزول النوازل بالاعتزال وقال: " ولو أن تعض على أصل شجرة " نرجو توضيح هذا الحديث وأقوال العلماء فيه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله في الصحيحين وغيرهما واللفظ للبخاري عن أبي إدريس الخولاني أنه سمع حذيفة بن اليمان يقول: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت يا رسول الله: إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر؟ … … … ..قال: " نعم وفيه دخن " قلت: وما دخنه؟ قال: " قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر " قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: " نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها " قلت: يا رسول الله؛ صفهم لنا، قال: " هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا " قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: " تلزم جماعة المسلمين وإمامهم " قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: " فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك " والزمن ليس خاصاً بهذا الزمان وإنما هو عام في كل زمان ومكان من عهد الصحابة رضي الله عنهم زمن الفتنة والخروج على عثمان رضي الله عنه. والمراد من اعتزال الناس زمن الفرقة ما ذكره الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح عن الطبري أنه قال: متى لم يكن للناس إمام فافترق الناس أحزاباً فلا يتبع أحداً في الفرقة ويعتزل الجميع إن استطاع ذلك خشية من الوقوع في الشر، ومتى وجد جماعة مستقيمة على الحق لزمه الانضمام إليها وتكثير سوادها والتعاون معها على الحق لأنها والحال ما ذكر هي جماعة المسلمين بالنسبة إلى ذلك الرجل وذلك المكان. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 3/95 الحديث: 11093 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 اقتربت السّاعة [السُّؤَالُ] ـ[هل يوم القيامة قريب، لأنه يبدو أن كل الناس يقترفون الذنوب الكثيرة في هذا الوقت؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال تعالى: {اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون} الأنبياء 1 قال ابن كثير في التفسير 3/172 " هذا تنبيه من الله عز وجل على اقتراب الساعة ودنوها وأن الناس في غفلة عنها أي: لا يعملون لها ولا يستعدون من أجلها ". وقال تعالى: (أتى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون) النحل 1 قال ابن كثير في التفسير 2/560 " يخبر تعالى عن اقتراب الساعة ودنوها معبراً بصيغة الماضي الدال على التحقيق والوقوع لا محالة " وقال تعالى {اقتربت الساعة وانشق القمر} . القمر 1 قال ابن كثير أيضا في التفسير 4/360 " يخبر تعالى عن اقتراب الساعة وفراغ الدنيا وانقضائها ". وقال تعالى {الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان وما يدريك لعل الساعة قريب} الشورى 17. وروى الترمذي في السنن (1980-مع الصحيح) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وكيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن واستمع الإذن متى يؤمر بالنفخ فينفخ؟! فكأن ذلك ثقل على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهم: قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل، على الله توكلنا. وروى أحمد ومسلم عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس " رواه مسلم برقم 5243 وأحمد برقم 3548. وروى أحمد والبخاري عن مرداس الأسلمي قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم " يذهب الصالحون الأول فالأول ويبقى حفالة كحفالة الشعير أو التمر لا يباليهم الله بالة " انظر الجامع الصحيح 7934 وروى أحمد والشيخان والترمذي عن أنس قال: لأحدثنكم حديثاً لا يحدثكم أحد بعدي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من أشراط الساعة أن يقل العلم ويظهر الجهل ويظهر الزنا وتكثر النساء، ويقل الرجال، حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد " رواه البخاري برقم 79 واللفظ له ومسلم برقم 4825 وأحمد برقم 12735 والترمذي برقم 2131 روى الطبراني عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " سيكون في آخر الزمان خسف وقذف ومسخ إذا ظهرت المعازف والقينات واستحلت الخمر ". صحيح الجامع 3665 كل هذه النصوص تدل بمنطوقها الصريح على قرب قيام الساعة وعلى أن كثرة الذنوب والمعاصي من أشراطها، والكفار يستبعدون قيام السّاعة ويستبطئون مجيئها ولكن الأمر كما قال الله تعالى: (إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا) ، نسأل الله النجاة والسلامة والعافية في الدنيا والآخرة والحمد لله رب العالمين. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 6190 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 يسأل عن المخلص للإسلام [السُّؤَالُ] ـ[من هو مسيح (المخلص المنتظر) الإسلام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يعلِّق المسلمون آمالهم على من يخلصهم كما هو الأمر عند اليهود والنصارى والرافضة – الشيعة -، فأمر الإسلام تمَّ وأحكامه كملت، ولعل المقصود من السؤال هو " المهدي "، وهو لا يعدو كونه رجلاً من مصلحي هذه الأمة يملأ الله الأرض عدلاً وقسطاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً، وهو مثل غيره من المصلحين يسير على الكتاب والسنَّة ويحكم بهما. قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -: أمر المهدي أمر معلوم والأحاديث فيه مستفيضة بل متواترة متعاضدة، وقد حكى غير واحد من أهل العلم: تواترها، وهي متواترة تواترا معنويا لكثرة طرقها واختلاف مخارجها وصحابتها ورواتها وألفاظها، فهي بحق تدل على أن هذا الشخص الموعود به أمره ثابت وخروجه حق وهو (محمد بن عبد الله العلوي الحسني) من ذرية الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهذا الإمام من رحمة الله عز وجل للأمة في آخر الزمان يخرج فيقيم العدل والحق ويمنع الظلم والجور، وينشر الله به لواء الخير على الأمة عدلا وهداية وتوفيقا وإرشادا للناس. وقد اطلعت على كثير من أحاديثه فرأيتها كما قال الشوكاني وغيره، وكما قال ابن القيم وغير: فيها الصحيح وفيها الحسن، وفيها الضعيف المنجبر، وفيها أخبار موضوعة، ويكفينا من ذلك ما استقام سنده، سواء كان صحيحا لذاته أو لغيره، وسواء كان حسنا لذاته أو لغيره، وهكذا الأحاديث الضعيفة إذا انجبرت وشد بعضها بعضا فإنها حجة عند أهل العلم. فإن المقبول عندهم أربعة أقسام: صحيح لذاته، وصحيح لغيره، وحسن لذاته، وحسن لغيره. هذا ما عدا المتواتر، أما المتواتر فكله مقبول سواء كان تواتره لفظيا أو معنويا، فأحاديث المهدي من هذا الباب متواترة تواترا معنويا، فتقبل بتواترها من جهة اختلاف ألفاظها ومعانيها وكثرة طرقها وتعدد مخارجها، ونص أهل العلم الموثوق بهم على ثبوتها وتواترها. وقد رأينا أهل العلم أثبتوا أشياء كثيرة بأقل من ذلك، والحق أن جمهور أهل العلم- بل هو اتفاق منهم- على ثبوت أمر المهدي، وأنه حق، وأنه سيخرج في آخر الزمان. أما من شذ عن أهل العلم في هذا الباب فلا يلتفت إلى كلامه في ذلك. " الرد على من كذب بالأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي " للشيخ عبد المحسن العبَّاد (ص 157) وكان كلام الشيخ ابن باز تعليقاً على محاضرة الشيخ العباد. وهذه بعض المعلومات عن المهدي: اسمه: محمد بن عبد الله. صفته: أجلى الجبهة أقنى الأنف. ومعنى أجلى الجبهة: أي: انحسر الشعر عن مقدمة الرأس، و " أقنى الأنف ": قَالَ فِي النِّهَايَة: اِلْقَنَا فِي الْأَنْف طُوله وَدِقَّة أَرْنَبَته مَعَ ارتفاع فِي وَسَطه اهـ بتصرف يسير. والمراد من ارتفاع أنفه أن قصبة أنفه ليست منخفضة ولا منفرشة فإنها هيئة مكروهة. قاله القاري في شرح مشكاة المصابيح (10/175) . وقت ظهوره: في آخر الزمان، قريب من قيام الساعة، ويكون بعده نزول المسيح عيسى بن مريم عليه السلام. وهذه بعض الأحاديث الواردة فيه: عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المهدي مني أجلى الجبهة أقنى الأنف يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما يملك سبع سنين ". رواه أبو داود (4285) . وحسنه الألباني في صحيح أبي داود. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطىء اسمه اسمي ". رواه الترمذي (2235) . قال الشيخ الألباني: حسن صحيح وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة قال فينزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم فيقول أميرهم تعال صل لنا فيقول لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة ". رواه مسلم (156) . والأمير المذكور في الحديث هو المهدي. وللاستزادة من أخبار المهدي فليراجع السؤال رقم (1252) . تنبيه: يخطئ بعض الناس في فهم أحاديث المهدي أو نزول المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام، فيترك العمل للإسلام والدعوة إلى الله انتظاراً منه لنزول المسيح أو خروج المهدي، هذا الفهم خاطئ بلا شك، فالواجب على المسلمين السعي لإعلاء كلمة الله تعالى، وإظهار دينه وإيصال دعوة الحق إلى جميع الناس، ولنا أن نتصور ما كان سيصل إليه حال المسلمين من الانحطاط والضعف لو أن المسلمين السابقين فهموا هذا الفهم الخاطئ وعملوا به، هل كانوا سيهزمون التتار أو الصليبين، وهل كانوا سيفتحون البلاد، وللمزيد يراجع السؤال رقم (21221) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 13818 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 للمدينة سبعة أبواب عند دخول الدجال [السُّؤَالُ] ـ[قرأت حديثاً في صحيح البخاري يذكر أن الدجال يأتي وللمدينة ثمانية أبواب وعلى كل باب ملكان يحرسانها ويمنعان الدجال من الدخول للمدينة. حسب علمي فالمدينة في هذا الوقت ليس لها أبواب وإنما طرق فقط. وسؤالي هو: هل كلمة البوابة في الحديث ترمز للطريق؟ إذا كان الجواب نعم فكم عدد الطرق المؤدية إلى المدينة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أما الحديث الذي ذكره السائل ففيه خطأ في النقل والحديث رواه البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه في كتاب فضائل المدينة (1879) وكذلك في كتاب الفتن وبرقم (7125) من حديث أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال ولها يومئذ سبعة أبواب على كل باب ملكان قال ابن حجر العسقلاني رحمه الله في الفتح في الكلام على الحديث تعليقاً على قوله صلى الله عليه وسلم " لها يومئذ سبعة أبواب " قال عياض: هذا يؤيد أن المراد بها الأنقاب كما في حديث أبي هريرة. فقد جاء في الصحيح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: على أنقاب المدينة ملائكة، لا يدخلها الطاعون ولا الدجال. قال الحافظ في الفتح 4/96 الأنقاب جمع نقب … قال ابن وهب المراد بها المداخل، وقيل الأبواب، وأصل النقب الطريق بين الجبلين، وقيل: الأنقاب الطرق التي يسلكها الناس ومنه قوله تعالى {فنقبوا في البلاد} هذا كل ما ذكره الحافظ في التعليق على الأبواب ويبقى الأمر فيه اجتهاد فيحتمل مثلاً 1- أن يكون للمدينة أبواب في المستقبل عند قدوم الدجال، وإن كانت لا توجد في يومنا هذا. 2- أن يكون المقصود بالأبواب المداخل الرئيسية وإن لم تكن على هيئة باب. 3- أن يكون الملائكة الموكلين بحراسها يغطون سبع جهات كل جهة ملكان فعبّر عن الجهة بالباب وهو جائز في لغة العرب. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 6196 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 لماذا لم يخبرنا الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوقت قيام الساعة؟ [السُّؤَالُ] ـ[لماذا لم يخبرنا الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوقت قيام الساعة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لم يخبرنا الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوقت قيام الساعة أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكن يعلم وقت قيام الساعة. وقد سبق في السؤال رقم (32627) الأدلة من الكتاب والسنة على ذلك. ثانياً: فإن قيل: لماذا لم يخبرنا الله تعالى بوقت قيام الساعة؟ فالجواب: أن الحكمة تقتضي إخفاء وقتها عن الخلق. وبيان ذلك: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث مبشراً لمن أطاعة بالجنة، ومنذراً لمن عصاه بالنار. والإنذار بالساعة والنار وأهوالها، لا تتم الفائدة منه إلا بإبهام وقتها؛ ليخشى أهلُّ كلِّ زمان إتيانَها فيه، فالإعلام بوقت إتيانها، وتحديد تاريخها، ينافي هذه الفائدة، بل فيه مفاسد أخرى؛ فلو قال الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للناس: إن الساعة تأتي بعد ألف سنة من يومنا هذا مثلا، لرأيت المكذبين يستهزئون بهذا الخبر، ويلحون في تكذيبه، والمرتابين يزدادون ارتيابا. فالحكمة البالغة إذن في إبهام أمر الساعة للعالم، كما أخفى الله تعالى وقت الساعة الخاصة بكل إنسان وهي الموت. قال الآلوسي رحمه الله: "وإنما أخفي سبحانه أمر الساعة لاقتضاء الحكمة التشريعية ذلك؛ فإنه أدعى إلى الطاعة، وأزجر عن المعصية، كما أن إخفاء الأجل الخاص للإنسان كذلك. . . وتدل الآيات على أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يعلم وقت قيامها، نعم علم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قربها على الإجمال، وأخبر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ به" اهـ. "فيجب على المؤمنين أن يخافوا ذلك اليوم، وأن يحملهم الخوف على مراقبة الله تعالى في أعمالهم؛ فيلتزموا فيها الحق ويتحروا الخير، ويتقوا الشرور والمعاصي، ولا يجعلوا حظهم من أمر الساعة الجدال، والقيل والقال" اهـ من تفسير المنار. ومن رحمة الله تعالى بخلقه أنه جعل لهم علامات دالة على قرب قيام الساعة، حتى يكون ذلك باعثاً لهم على العمل الصالح، وتقوى الله، واجتناب محارمه، فكلما رأوا علامة من علاماتها قد تحققت ازداد خوفهم من الساعة وأهوالها، وازداد يقينهم بقربها، فيزداد استعدادهم لذلك بالعمل الصالح. قال الله تعالى: (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا) محمد /18. أي علاماتها. ويدل على ذلك ما رواه مسلم (2947) أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سِتًّا: طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، أَوْ الدُّخَانَ، أَوْ الدَّجَّالَ، أَوْ الدَّابَّةَ، أَوْ خَاصَّةَ أَحَدِكُمْ، أَوْ أَمْرَ الْعَامَّةِ) . رواه مسلم (2947) . أي: سابقوا ست آيات دالة على وجود القيامة، وسارعوا بالأعمال الصالحة قبل وقوعها وحلولها؛ فإن العمل بعد وقوعها وحلولها لا يقبل، ولا يعتبر. وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَوْ خَاصَّةَ أَحَدِكُمْ) وفي رواية بالتصغير (خُوَيْصة أحدكم) وهو ما يخص الإنسان دون غيره، وأراد به الموت، الذي يخصه، ويمنعه من العمل، إن لم يبادر به قبله. و "أَمْرَ الْعَامَّةِ" المراد به القيامة. قال القاضي: "أمرهم أن يبادروا بالأعمال قبل نزول هذه الآيات؛ فإنها إذا نزلت أدهشت، وأشغلت عن الأعمال، أو سد عليهم باب التوبة، وقبول العمل". قال العلائي: "مقصود هذه الأخبار الحث على البداءة بالأعمال قبل حلول الآجال واغتنام الأوقات قبل هجوم الآفات". نسأل الله تعالى أن يوفقنا لاغتنام الأوقات في طاعته. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 21636 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 حشر الناس سيكون في الشام وليس في عرفات [السُّؤَالُ] ـ[هل حشر الناس يوم القيامة سيكون في عرفات؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس هناك دليل صحيح يدل على ذلك. الشيخ سعد الحميد. بل قد ثبت في الحديث الصحيح أن الحشر سيكون إلى الشام فعن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الشام أرض المحشر والمنشر) رواه أحمد. قال المناوي في فتح القدير: " أي البقعة التي يجمع الناس فيها إلى الحساب وينشرون من قبورهم ثم يساقون إليها، وخصت بذلك لأنها الأرض التي قال الله فيها: (باركنا فيها للعالمين) وأكثر الأنبياء بعثوا منها فانتشرت في العالمين شرائعهم فناسب كونها أرض المحشر والمنشر " انتهى. فيض القدير للمناوي - م / 4، ص / 171. ولكن اجتماع الناس في الحج في عرفات يذكّر المسلم بالمحشر واجتماع العباد كلهم للحساب والجزاء. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 11954 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 لا يمكن أن يرى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على غير صفته [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكن رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم في الرؤيا في عدة صفات أي أن يراه شخص في صفة معينة وآخر في صفة أخرى؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أخي السائل: اعلم أن العلماء في شرحهم لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لا يَتَمَثَّلُ بِي) رواه البخاري (6994) رواه مسلم (2266) واللفظ لمسلم. قالوا: إن هذا محمول على رؤية النبي صلى الله عليه وسلم بصفاته الخَلقية الواردة في الأحاديث الصحيحة، فإن الشيطان لا يتمثل بصورة النبي صلى الله عليه وسلم. أما أن يأتي الشيطان في صورة أخرى سواء في اليقظة أو في المنام ثم يكذب ويقول: إني رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا من الكذب، وليس هي رؤية النبي صلى الله عليه وسلم، وبالتالي فيجب عليك أن تعرف السمات الخلقية للنبي صلى الله عليه وسلم. راجع السؤال رقم (1512) ، وقد وردت تلك الصفات في أحاديث كثيرة من حيث صفة خلقه وصفة كفه وصفة ذراعيه وصفة فمه وأسنانه، وصفة عينيه وصفة شعره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقد كان هناك أشخاص يشبهون النبي صلى الله عليه وسلم أكثرهم شبهاً به الحسن بن علي رضي الله عنهما. وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب. فإذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في صفته الواردة في السنة فإنك رأيته حقاً، أما إن رأيته على غير صفته التي وردت في السنة المطهرة والسيرة النبوية، كأن رأيته حليق اللحية، أو اقطع اليد أو أقطع الرجل فللعلماء في هذه المسألة قولان: الأول: أن ذلك يدل على نقص دين الرجل. الثاني: الذي رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية أن هذه الصورة كذب، وهي من الشيطان، خاصة إذا رأيته في اليقظة، فإن ذلك كذب قطعاً فإن النبي صلى الله عليه وسلم حي حياة برزخيه ولا يراه أحد في اليقظة ولا يزور أحداً ولا يكلم أحداً. وما يدعيه البعض من أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أتى إليه في اليقظة وحدثه وأخبره فإن هذا بلا شك من الشياطين والجن، خاصة أن ذلك لم يحدث لأكابر الصحابة أبوبكر وعمر وعثمان وعلي والزبير وطلحة وعبد الرحمن بن عوف، وسعيد بن زيد وأبو عبيدة وسعد، وأهل بدر وأهل الشجرة وغيرهم من الصحابة سادة أولياء وأكابر المتقين، فإن ادعى أحد أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة فلا شك أن المتمثل به شيطان أو جن ولا يثبت بذلك حكم، وقد وقع أعظم من ذلك للشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله حيث رأى جالساً على عرش بين السماء والأرض يقول له: أنا ربك؟ فقال: اخسأ عدو الله إنك إبليس. فقال: كيف عرفت أني إبليس قال: لأن الله عز وجل لا نراه في الدنيا حتى نموت، ولأنك قلت: أنا ربك، ولم تجرؤ أن تقول: أنا الله. وبالتالي فرؤية مثل هذه الأمور تكون من الشيطان ولا يغتر بذكر بعض من يظن الناس فيهم الصلاح ويذكرون حكايات عن رؤيتهم للأنبياء ومجالستهم معهم فهم صادقون في المجالسة، ولكن من جالسوا؟ فقد جالسوا الجن والشياطين حتى يكون ذلك فتنة ولكن من عصمه الله بالكتاب والسنة وقرأ الأذكار وآية الكرسي والمعوذات واستعان بالله انصرف ذلك كما حدث مع الأولياء المتقين كما يحكي ذلك شيخ الإسلام في كتابه عظيم القدر جليل النفع الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان. تبقى مسألة لا بد من الإشارة إليها وهي إذا رأى الإنسان رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفته المذكورة في السنة الصحيحة فهي بشرى وأنه سيراه في اليقظة، فإذا أخبره بأمر شرعي يخالف ظاهر الكتاب والسنة فهل يعمل بما أخبره به أم يعمل بظاهر الكتاب والسنة؟ أو أخبره بمسألة لا بد فيها من بينة كأن تراءى الناس الهلال ولم يروه فأخبره أن غداً رمضان فهل يعمل بذلك أم لا أو أخبره أن فلاناً سرق من فلان أو في خصومة أن فلاناً معه الحق فهل يشهد بذلك؟ نص العلماء على أنه إذا رأى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بأمر يخالف ظاهر الكتاب والسنة أو بأمر لا بد فيه من البينة أنه لا يعمل بذلك؛ لأن الرؤية ليست تكليفاً وهو مكلف بالعمل بما في اليقظة، ويجب أن تعلم أن الرؤيا للأنبياء وحي، وأما رؤية الأنبياء في الرؤيا فليست وحياً بالاتفاق، ولكنها بشرى، وقد بين ذلك النووي رحمه الله تعالى. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 47782 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 حديث كسوف الشمس والقمر عند خروج المهدي لا يصح [السُّؤَالُ] ـ[كنت من الطائفة الأحمدية والحمد لله، فقد هداني الله إلى السنة أنا ووالدتي وشقيقاي، وأسأل الله أن يهدي والدي وسائر إخواني. وقد قرأت حديثاً: أن من علامات المهدي أن سيحدث كسوف الشمس والقمر في شهر رمضان عند أول ظهوره، فهل هذا الحديث صحيح أم ضعيف؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نحمد الله أن هداك ووفقك، وأنقذك من خطر هذه الفرقة المنحرفة، ونسأله سبحانه أن يمن على والدك وسائر أهلك بالهداية والصلاح. وأما الأثر الذي أشرت إليه فليس بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما رواه الدارقطني في سننه (2/65) من قول محمد بن الحنيفية (ابن علي بن أبي طالب) قال الدارقطني: حدثنا أبو سعيد الاصطخري ثنا محمد بن عبد الله بن نوفل ثنا عبيد بن يعيش ثنا يونس بن بكير عن عمرو بن شمر عن جابر عن محمد بن علي قال: " إن لمهدينا آيتين لم تكونا منذ خلق السماوات والأرض تنكسف القمر لأول ليلة من رمضان وتنكسف الشمس في النصف منه ولم تكونا منذ خلق الله السماوات والأرض". وهذا الأثر موضوع مكذوب على محمد بن علي (ابن الحنفية) رحمه الله. قال الدكتور عبد العليم عبد العظيم البستوي في كتابه الموسوعة في أحاديث المهدي الضعيفة والموضوعة ص 169 (وفيه: يونس بن بكير بن واصل الشيباني، أبو بكر الجمَّال الكوفي. يخطئ. من التاسعة. مات 199 هـ. وعمرو بن شَمِر الجعفي الكوفي الشيعي أبوعبد الله: وضاع. قال السليماني: كان عمرو يضع للروافض. وقال الجوزجاني: كذاب زائغ. قال الحاكم: كان كثير الموضوعات عن جابر الجعفي، وليس يروي تلك الموضوعات الفاحشة عن جابر غيره. قال ابن حبان: رافض يشتم الصحابة ويروي الموضوعات عن الثقات. قال أبوحاتم: منكر الحديث جدا ضعيف الحديث لا يشتغل به، تركوه. وكذلك وهّاه غير واحد، منهم البخاري والنسائي وابن سعد والدارقطني وآخرون. وجابر: هو الجعفي، متروك الحديث. وثقه شعبة ووكيع والثوري، ولكن كذبه ابن معين وأبو حنيفة وليث بن أبي سليم والجوزجاني وابن عيينة وابن خراش وسعيد بن جبير وغيرهم، وضعفه كثيرون. قال الذهبي: وثقه شعبة فشذ، وتركه الحفاظ. قال ابن حجر: ضعيف رافضي. والخلاصة: أن هذا الخبر موضوع، وآفته عمرو الجعفي. قال العظيم آبادي: عمرو بن شمر عن جابر: كلاهما ضعيفان لا يحتج بهما) انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 26836 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 حوادث تحصل قبل يوم القيامة تفرق بين المؤمنين والكافرين [السُّؤَالُ] ـ[ما هي الاختبارات أو المحن التي قد تظهر قبل يوم القيامة، والتي تساعد في التفريق بين المسلمين والكافرين؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن علامات وأمارات قبل قيام الساعة، منها ما اصطلح العلماء على تسميته " علامات صغرى "، ومنه " علامات كبرى "، وبعضهم يجعل لها قسماً ثالثاً وهو " علامات وسطى " وهي " خروج المهدي "، فهو من العلامات الصغرى ويحدث في زومه بعض العلامات الكبرى. وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن بعض الأشياء التي تميز المؤمن من الكافر قبل يوم القيامة، فمن ذلك: أ. خروج الدابة. قال الله تعالى: {وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون} النمل / 82. قال ابن كثير: هذه الدابة تخرج في آخر الزمان عند فساد الناس وتركهم أوامر الله وتبديلهم الدين الحق، يُخرج الله لهم دابةً من الأرض. " تفسير ابن كثير " (3 / 375) . عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تخرج الدابَّة فتسِم الناس على خراطيمهم، ثم يغمرون فيكم، حتى يشتري الرجل البعير، فيقول: ممن اشتريته؟ فيقول: اشتريته من أحد المخطَّمين ". رواه أحمد (21805) . والحديث: صححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (322) . تسِم الناس على خراطيمهم: تعلِّمهم على أنوفهم، فيصبح للمؤمن سمة وللكافر سمة. يغمرون: يكثرون. وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ثلاثٌ إذا خرجن لا ينفع نفساً إيمانُها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً: طلوع الشمس من مغربها والدجال، ودابَّة الأرض ". رواه مسلم (158) . ب. أتباع الدجَّال عند خروجه. عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفا عليهم الطيالسة ". رواه مسلم (2944) . والطيالسة نوع من الثياب. ت. نفي المدينة النبويةَّ للكفار والمنافقين زمن الدجال. عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة، ليس له من نقابها نقْب إلا عليه الملائكة صافين يحرسونها، ثم ترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات فيُخرج الله كلَّ كافرٍ ومنافقٍ ". رواه البخاري (1782) ومسلم (2943) . النقاب: الطرق. ث. هبوب الريح من اليمن. عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله يبعث ريحاً من اليمن ألين من الحرير، فلا تدع أحداً في قلبه مثقال حبة – أو: مثقال ذرة - من إيمان إلا قبضتْه ". رواه مسلم (117) . قال النووي: وأما معنى الحديث فقد جاءت في هذا النوع أحاديث منها: " لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله "، ومنها " لا تقوم على أحد يقول الله الله " ومنها " لا تقوم إلا على شرار الخلق "، وهذه كلها وما في معناها على ظاهرها، وأما الحديث الآخر " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق إلى يوم القيامة ": فليس مخالفا لهذه الأحاديث؛ لأن معنى هذا أنهم لا يزالون على الحق حتى تقبضهم هذه الريح اللينة قرب القيامة وعند تظاهر أشراطها فأطلق في هذا الحديث بقاءهم إلى قيام الساعة على أشراطها ودنوها المتناهي في القرب. " شرح مسلم " (2 / 132) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 11902 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 الساعة الوسطى [السُّؤَالُ] ـ[كنت أقرأ في موقع عن علامات الساعة وقرأت هذا الحديث (" سُئِل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة فنظر لشاب صغير وقال إذا عاش فلن يعمر طويلا حتى يرى آخر ساعة تأتيكم " ويقصد بهذا موتهم ويوم القيامة، لأن جميع الناس سيموتون ويحضرون يوم القيامة، بعض الناس يقولون بأن الرجل إذا مات بدأ حسابه، هذا الحديث بهذا المعنى صحيح) ، هل معنى هذا الحديث أن القيامة ستبدأ قبل أن يكبر هذا الصغير؟ أرجو توضيح المعنى الصحيح للحديث.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث مروي في الصحيحين بألفاظ متعددة، منها: ما رواه البخاري (6146) ومسلم (2952) عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رجال من الأعراب جفاة يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسألونه متى الساعة فكان ينظر إلى أصغرهم فيقول: إن يعش هذا لا يدركه الهرم حتى تقوم عليكم ساعتكم قال هشام [أحد رواة الحديث] : يعني موتهم. والحديث واضح المعنى، والمراد منه أن ساعة هؤلاء، أي موتهم أمر قريب، يقع عند هرم هذا الفتى الصغير. وليس المراد من هذا الحديث الساعة الكبرى وهي يوم القيامة. قَالَ الْقَاضِي: الْمُرَاد (بِسَاعَتِكُمْ) مَوْتهمْ , وَمَعْنَاهُ يَمُوت ذَلِكَ الْقَرْن , أَوْ أُولَئِكَ الْمُخَاطَبُونَ اهـ. نقلاً من شرح مسلم للنووي. وقال الكرماني: (هذا الجواب من الأسلوب الحكيم أي دعوا السؤال عن وقت القيامة الكبرى فإنها لا يعلمها إلا الله واسألوا عن الوقت الذي يقع فيه انقراض عصركم فهو أولى لكم لأن معرفتكم به تبعثكم على ملازمة العمل الصالح قبل فوته لأن أحدكم لا يدري من الذي يسبق الآخر) انتهى قال الراغب الأصفهاني: (الساعة جزء من الزمان ويعبر بها عن القيامة تشبيها بذلك لسرعة الحساب قال الله تعالى "وهو أسرع الحاسبين " أو لما نبه عليه بقوله "كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار" وأطلقت الساعة على ثلاثة أشياء: الساعة الكبرى وهي بعث الناس للمحاسبة. والوسطى وهي موت أهل القرن الواحد ... والصغرى موت الإنسان، فساعة كل إنسان موته اهـ من فتح الباري. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20673 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 كيف يجمع بين قوة إسرائيل وقرب قيام الساعة؟ [السُّؤَالُ] ـ[قال النبي صلى الله عليه وسلم إن العلامات (أشراط الساعة) سوف تقع بسرعة، وأنه عليه السلام هو أول تلك العلامات … لكن ما الذي يحدث الآن؟ كيف يمكن أن تكون إسرائيل قوية إلى هذا الحد في الأرض؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أشراط الساعة ليست كلها على درجة واحدة، بل منها الصغرى ومنها الكبرى، والكبرى هي التي إذا ظهرت الأولى منها تتابع ما بعدها كحبات العقد إذا انقطع، أما الصغرى فإن ما بين ظهور أولها وآخرها زمان كبير، وبعثة النبي صلى الله عليه وسلم هي من علامات الساعة الصغرى لا الكبرى. عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بعثت أنا والساعة كهاتين "، قال: وضم السبابة والوسطى. رواه البخاري (6139) ومسلم (2951) . قال القرطبي: أول أشراط الساعة: النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه نبي آخر الزمان، وقد بُعث وليس بينه وبين القيامة نبي. " التذكرة " (ص 111) . وأما قوة إسرائيل (دولة اليهود) فهو أمر حصل لهم بقدر الله تعالى. قال تعالى: {ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس} آل عمران / 112. وإمداد الله لهم وإمهالهم ليأخذهم بقوة وشدة. عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، قال: ثم قرأ {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد} . رواه البخاري (4409) ومسلم (2583) . وفي زمان المهدي ونزول المسيح عيسى عليه السلام يتم انتصار المسلمين على اليهود. فقد ثبت أنه بينما إمام المسلمين " المهدي " قد تقدم ليصلي بهم الصبح، إذ نزل عليهم عيسى بن مريم، فرجع الإمام يمشي القَهقَرى ليتقدم عيسى، فيضع عيسى يده بين كتفيه، ثم يقول له: تقدم فصل، فإنها لك أقيمت، فيصلي بهم إمامهم، فإذا انصرف، ثم يقصد عيسى الدجال ومع الدجال سبعون ألف يهودي، فإذا نظر إليه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء، فيدركه المسيح عيسى عليه السلام عند باب لُدّ (وهي بلدة قربية من بيت المقدس) فيقتله، فيهزم الله اليهود، فلا يبقى شيء مما خلق الله عز وجل يتواقى به يهودي، إلا أنطق الله ذلك الشيء، لا حجر ولا شجر ولا حائط ولا دابة إلا قال: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي فتعال اقتله، إلا شجر الغرقد فإنها من شجرهم لا تنطق. فإذا أراد المسلمون القضاء على اليهود وعموم الكفرة فلا بدَّ لهم من الرجوع إلى الله تعالى ونصرة دينه حتى ينصرهم الله عز وجل، فاليهود أذل وأرذل مما يُتصور لكنه استقووا في غياب تمسك المسلمين بدينهم. نسأل الله تعالى أن يرد المسلمين إلى دينهم رداً جميلاً والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 13060 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 حقيقة المهدي وترتيب أشراط الساعة [السُّؤَالُ] ـ[من هو الإمام المهدي أو من سيكون؟ وهل هناك أي دليل على خروجه من القرآن والسنة؟ ما هو ترتيب ظهور علامات القيامة بما فيها خروج المهدي وفتنة الدجال ويأجوج ومأجوج ونزول عيسى عليه السلام؟ أرجو الإجابة بالتفصيل.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الإمام المهدي هو رجل صالح من ذرية محمد صلى الله عليه وسلم، يكون في آخر الزمان، يصلح الله به أمر الناس، ويملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، واسمه على اسم النبي صلى الله عليه وسلم، واسم أبيه على اسم أبي النبي صلى الله عليه وسلم، فهو محمد بن عبد الله المهدي، أو أحمد بن عبد الله المهدي، وينتهي نسبه إلى فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من ذرية الحسن بن علي رضي الله عنهم، وعلامة ظهوره فساد الزمان، وامتلاء الأرض بالظلم والعدوان. وقد دل على ظهوره وأوصافه التي ذكرنا أهمها عدة أحاديث، بلغت في مجموعها التواتر المعنوي، وهي مبينة ومفصلة في السؤال رقم (1252) أما ترتيب أشراط الساعة فقد اختلف العلماء فيه، وسبب اختلافهم أنه لم يرد ترتيب لها في السنة، لكن استنبط العلماء ترتيب بعض الأحداث على ما يلي: 1- ظهور أشراط الساعة الصغرى، وهي كثيرة جدا، وليس بينها ترتيب معين، فمنها: بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وموته، وطاعون عمواس، وظهور الفتن، وضياع الأمانة، وقبض العلم، وظهور الجهل، وانتشار الربا والزنا والمعازف والخمور، واستحلالها، والتطاول في النبيان، وكثرة القتل، وتقارب الزمان، وزخرفة المساجد، وظهور الشرك، وانتشار الفحشاء، وكثرة الشح، وكثرة الزلازل، وظهور الخسف والمسخ والقذف، وذهاب الصالحين، وصدق رؤيا المؤمن، والتهاون بالسنن، وكثرة الكذب، وكثرة شهادة الزور، وكثرة موت الفجأة، وكثرة المطر وقلة النبات، وتمني الموت، وكثرة الروم وقتالهم، وغير ذلك مما وردت به جملة الأحاديث الثابتة عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 2- خروج المهدي، ويكون ظهوره قبل خروج الدجال وقبل نزول عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم، ويدل لذلك حديث جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ينزل عيسى بن مريم فيقول أميرهم المهدي تعال صل بنا، فيقول: لا إن بعضهم أمير بعض تكرمة الله لهذه الأمة " أخرجه الحارث بن أبي أٍسامة في مسنده، وقال ابن القيم في المنار المنيف (1/147) إسناده جيّد. والحديث أصله في صحيح مسلم بدون تسميه الأمير بلفظ: ".. فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ تَعَالَ صَلِّ لَنَا فَيَقُولُ لا إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ تَكْرِمَةَ اللَّهِ هَذِهِ الأُمَّةَ. " رواه مسلم برقم 225، فيأتم عيسى عليه السلام بالمهدي مما يدل على أنه قبل عيسى، وعيسى يقتل الدجال، مما يدل على أن الدجال يخرج في زمن المهدي. (انظر السؤال رقم 10301) 3- خروج الدجال. (انظر تفاصيل خروجه في السؤال رقم 8806، 171، 8301) 4- نزول عيسى ابن مريم وقتله للدجال. (انظر السؤال رقم 10302) 5- خروج يأجوج ومأجوج، ومما يدل على أن خروج يأجوج ومأجوج يكون في زمن عيسى عليه السلام حديث النواس بن سمعان أن النبيى صلى الله عليه وسلم حدثهم حديثا عن الدجال وقال فيه:" فبينما هو كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى إني قد أخرجت عبادا لي لا يدان لأحد بقتالهم فحرز عبادي إلى الطور، ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون، فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها ويمر آخرهم فيقولون لقد كان بهذه مرة ماء " [رواه مسلم برقم 2937] (انظر السؤال رقم 171، 3437) ثم تتوالى أشراط الساعة بسرعة، ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خروج الآيات بعضها على أثر بعض يتتابعن كما تتابع الخرز في النظام) [رواه الطبراني في معجمه الأوسط وصححه الألباني في صحيح الجامع] ، فتطلع الشمس من مغربها، وتخرج الدابة، ويظهر الخسف وغير ذلك من العلامات الكبرى، نسأل الله الثبات حتى الممات، والله أعلم. للمزيد انظر (المهدي المنتظر للدكتور عبد العليم البستوي 1 / 356، أشراط الساعة ليوسف الوابل ص 249، السؤال رقم (3259)) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 43840 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 التعوذات والأذكار النبوية في الفتن والكروب [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك أدعية نقولها عند المصائب والفتن: كالحروب واعتداء الكفار على بلاد المسلمين؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله كثيراً من الفتن كما في حديث زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن " رواه مسلم (2867) . وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتاني الليلة ربي تبارك وتعالى في أحسن صورة فذكر الحديث وفيه قوله تعالى " يا محمد إذا صليت فقل: اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لي وترحمني وتتوب علي، وإن أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون " رواه الترمذي 3233 وقال عنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (408) : صحيح لغيره. وكان النبي يتعوذ من الفتن لأنها إذا أتت لا تصيب الظالم وحده وإنما تصيب الجميع.. ويحسن بنا التعرف على أحاديث الأذكار المتعلقة بالفتن والكروب للدعاء بها ونشرها وحفظ ما تيسر حفظه منها.. وإدراك معاينها للتعبد لله بذلك إذ هي أعظم ما يقال في هذه الأحوال: 1- حديث أَبِي بُرْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا خَافَ قَوْمًا قَالَ اللَّهُمَّ إِنَّا نَجْعَلُكَ فِي نُحُورِهِمْ وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ " رواه أبو داود 1537 وصححه الألباني في صحيح أبي داوود 1360. 2- وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب: " لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم " رواه البخاري 6345 ومسلم 2730. 3- قال صلى الله عليه وسلم: " كلمات الفرج لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله العلي العظيم، لا إله إلا الله رب السموات السبع ورب العرش الكريم " صحيح الجامع الصغير وزيادته (4571) . 4- كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا غزا قال: " اللهم أنت عضدي وأنت نصيري وبك أقاتل " رواه الترمذي 3584 وصححه الألباني في صحيح الترمذي 2836 5- وقال صلى الله عليه وسلم: " ألا أخبركم بشيء إذا نزل برجل منكم كرب أو بلاء من أمر الدنيا دعا ففرج عنه ... دعاء ذي النون: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين " وفي رواية " لم يدع بها رجل مسلم في شيءٍ قط إلا استجاب الله له " صحيح الجامع الصغير وزيادته (2065) . 6- وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم صحابته من الفزع كلمات: " أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون " رواه أبو داود 3893 وحسنه الألباني في صحيح أبي داوود (3294) . 7- قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَوَاتُ الْمَكْرُوبِ: اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو فَلا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ " رواه أبو داود 5090. وحسنه الألباني في صحيح أبي داوود 4246. 8- وكان إذا كربه أمر قال: " يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث " وفي رواية: " إذا نزل به همٌّ أو غمٌّ " صحيح الجامع الصغير 4791 9- وقال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأسماء بنت عميس أَلَا أُعَلِّمُكِ كَلِمَاتٍ تَقُولِينَهُنَّ عِنْدَ الْكَرْبِ أَوْ فِي الْكَرْبِ (أي المحنة والمشقة) اللَّهُ رَبِّي لا أُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا " رواه أبو داود (1525) وصححه الألباني في صحيح أبي داوود (1349) وفي رواية في صحيح الجامع: " من أصابه همٌّ أو غمٌّ أو سقمٌّ أو شدَّة فقال: الله ربي لا شريك له كُشف ذلك عنه ". وغيرها من الأحاديث التي لها أثرها الإيجابي الكبير في أوقات الفتن والخوف ... من تهدئة للنفس وسلامة في البدن وقرب من الله عز وجل.. مع الاكتفاء بما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ففيه غنية عما لا يصح.. وفيه الخير.. والله أعلم أنظر السؤال 12715. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 21614 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 أحاديث المهدي ونزول المسيح عليه السلام ليست مدعاة لترك العمل [السُّؤَالُ] ـ[بعض الناس يفهم من أحاديث المهدي أو نزول المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام، أنها مدعاة لترك العمل للإسلام، فيجلس منتظراً خروج المهدي، أو نزول المسيح حتى تعود العزة للإسلام والمسلمين، فما رأيكم في هذا الفهم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن هذه الحال المزرية التي وصلت إليها الأمة الإسلامية اليوم، حال يندى لها الجبين، وكل المسلمين مسئول عن إصلاح هذا الوضع، غير أن بعض المسلمين يعطل العمل، اكتفاءً بالأمل، ويهرب من إصلاح الواقع المرير للأمة بحجة أنه تسبب فيه من قبلنا، وسيصلحه من بعدنا!! ويتوقف عن السعي للتمكين لدين الله، بحجة أن المهدي هو الذي سيفعل. إنه هروب إلى الأماني مع تعطيل الأسباب الشرعية، والله تعالى يقول: (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً) النساء/123. إن هذه السلبية التي يعاني منها بعض المسلمين اليوم، لا يمكن للنصوص الشرعية أن تكون دالة عليها، وإنما هو سوء الفهم، والعجز والكسل، والهروب من تحمل المسئولية. فإن الله تعالى أمر المسلمين بالعمل لهذا الدين، والدعوة إلى الله، ومجادلة الكفار ودعوتهم بالحكمة والموعظة الحسنة، وقتالهم حتى لا يكون شرك على الأرض، قال الله تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) الأنفال-39. قال ابن كثير رحمه الله: " أمر تعالى بقتال الكفار (حتى لا تكون فتنة) أي شرك (ويكون الدين لله) أي يكون دين الله هو الظاهر على سائر الأديان " انتهى. وهذا الأمر ليس خاصاًًّ بزمان دون زمان، بل المسلمون في كل زمان ومكان مأمورون بهذا. ولا شك أن العمل للإسلام وتمكينه في الأرض يستلزم من المسلمين الاجتهاد والبذل والأخذ بالأسباب المؤدية إلى هذا. وبعض الناس يسيء فهم هذه الأحاديث الواردة في خروج المهدي أو نزول المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام فيتواكل ويترك العمل ويجلس منتظراً لخروج المهدي أو نزول المسيح فيترك الدعوة إلى الله ... والعمل لإعلاء كلمة الله. وقد أمر الله تعالى ورسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالأخذ بالأسباب والسعي في الأرض والعمل. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً) النساء/71. وقال سبحانه وتعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) الأنفال/60. وقال عز وجل: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) الملك/15. وقال تعالى: (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) المطففين/26. وقال سبحانه: (لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ) الصافات/61. وقال جل وعلا: (وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) الإسراء/19. وقال تعالى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) البقرة/197. وكان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم يعُدّ لكل أمر عدّته، ويرسم له خطّته، كما حدث في رحلة الهجرة فقد أعدّ الرواحل والدليل واختار الرّفيق، وحدد مكان الاختفاء إلى أن يهدأ الطلب، وأحاط ذلك كله بسياج من الكتمان، وكذلك كانت سيرته في غزواته كلّها، وعليه ربّى أصحابه الكرام، فكانوا يلقون عدوّهم متحصنين بأنواع السلاح، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكّة والبيضة (الخوذة) على رأسه مع أن الله سبحانه وتعالى قال: (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) المائدة/67. وكان إذا سافر في جهاد أو حجّ أو عمرة حمل الزاد والمزاد. وقال صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم: (احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلا تَعْجَزْ) رواه مسلم (2664) . ولنا أن نتخيّل الحال التي كان يمكن أن يؤول إليها مصير الدعوة والأمة لو أن الأجيال السابقة أصغوا إلى نداءات الاستسلام حتى يخرج المهدي، هل كانوا سيهزمون التتار والصليبين ويفتحون القسطنطينية؟! وهذا الفهم الخاطئ للنصوص الشرعية الواردة في شأن المهدي والمسيح عليه السلام قد تصدى له كثير من العلماء والدعاة والكتاب. قال الشيخ الألباني رحمه الله: " لا يجوز للمسلمين أن يتركوا العمل للإسلام، وإقامة دولته على وجه الأرض انتظاراً منهم لخروج المهدي، ونزول عيسى ـ عليهما السلام، يأساً منهم أو توهماً أن ذلك غير ممكن قبلهما، فإن هذا توهّم باطل، ويأس عاطل، فإن الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم لم يخبرنا أن لا عودة للإسلام ولا سلطان له على وجه الأرض إلا في زمانهما، فمن الجائز أن يتحقق ذلك قبلهما إذا أخذ المسلمون بالأسباب الموجبة لذلك، لقوله تعالى: (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) محمد/7. وقوله: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ) الحج/40. . . . إن أحاديث نزول عيسى عليه السلام وغيرها، الواجب فيها الإيمان بها، وردّ ما توهّمه المتوهّمون منها من ترك العمل، والاستعداد الذي يجب القيام به في كل زمان ومكان.." انتهى. وقال الأستاذ عبد العزيز مصطفى: " جهاد الكفار أياً كانوا وأينما كانوا وفي أي زمان كانوا واجب بالشرع المحكم غير المنسوخ، وهذه حقيقة إسلامية ثابتة، وهذا الجهاد واجب بشروطه، وضوابطه وأحكامه، وليس من هذه الشروط أو الضوابط أو الأحكام أن يؤخر الجهاد انتظاراً لتحول الغيب إلى شهادة، ما هكذا فهم المسلمون الأوائل، وما هكذا فعلوا، بل إنهم لما أُخبروا بأن الله تعالى سيكسر مُلك كسرى بسيوفهم ما قبعوا في البيوت ينتظرون تحقق الخبر، ووقوع الأمر بلا مقدمات يبذلونها، وجهود يقدمونها، لا، بل أعدوا للأمر عُدّته وأخذوا للشأن أهبته، حتى وقع النصر، وتطابق أمر الشرع مع أمر القدر ... أما بعض مسلمي اليوم فيقولون: لا.. إن جهاد اليهود لن يكون حتى يخرج الدجال. . ولعل هذا من جملة فِتن الدجال في هذه الدنيا. وانطلى هذا الكلام السخيف على قطاعات من الشباب المسلم، فألقوا عن كواهلهم تحمل أية مسؤولية تجاه المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله، تماماً كما انطلى على كثير منهم من قبل كلام أسخف منه، مؤداه أن الدولة الإسلامية والخلافة لن تقوم حتى يخرج المهدي!! وعجباً لمروجي هذا الكلام ومردديه، كأنهم يقولون بلسان حالهم لليهود: اشتدوا في عدائكم.. وللنصارى استمروا في طغيانكم.. وللمسلمين استمروا في تشتتكم وتفرقكم وتنازعكم وغثائكم، حتى يخرج المهدي إليكم، ولا أدري: بأية حجج وأدلة يقعون في هذه الزلّة، متوهمين أن المهدي سيخرج إلى قوم قاعدين أو سينصره أناس خاملون" انتهى. نسأل الله تعالى أن يرد المسلمين إلى دينهم رداًّ جميلاً. والله تعالى أعلم. انظر: "المهدي وفقه أشراط الساعة" للشيخ محمد بن إسماعيل المقدم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39187 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 حديث (لا مهدي إلا عيسى) لا يصح [السُّؤَالُ] ـ[هل حديث: (لا مهدي إلا عيسى) صحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث رواه ابن ماجه في سننه (4039) . وتكاد تتفق كلمة المحدثين على تضعيف هذا الحديث. فقد ضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ وشيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة (8/256) وابن القيم في المنار المنيف (ص 148) . وقال الذهبي في "ميزان الاعتدال" (3/535) : هو خبر منكر اهـ. وقال القاري في "مرقاة المفاتيح" (10/183) : ضعيف باتفاق المحدثين اهـ. وذكره الشوكاني في "الفوائد المجموعة" (127) وقال: قال الصغاني: موضوع اهـ. وقال الألباني في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (77) : منكر اهـ. وإن صح هذا الحديث –وهو لا يصح- فمعناه لا مهدي كامل أو معصوم إلا عيسى ابن مريم. ذكره القرطبي وابن القيم وابن كثير. فلا ينافي ذلك خروج المهدي في آخر الزمان، والذي سيجتمع بعيسى ابن مريم عليه السلام، ويصلي عيسى خلفه مأموماً. وقد سبق في إجابة السؤال رقم (1252) الأدلة من السنة على خروج المهدي في آخر الزمان بالصفات التي ذكرها الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلا تعارض هذه الأحاديث الصحيحة بمثل هذا الحديث الضعيف. انظر: الأحاديث الضعيفة (1/89) للألباني، و"الموسوعة في أحاديث المهدي الضعيفة والموضوعة" للبستوي (ص 94-104) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 34890 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 من علامات الساعة تقارب الزمان [السُّؤَالُ] ـ[هل من علامات الساعة أن الأيام ستمر بسرعة وتكون قصيرة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لعل السائل يشير إلى ما رواه البخاري (1036) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلازِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ وَهُوَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ، وحَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمْ الْمَالُ فَيَفِيضَ) . وروى أحمد (10560) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، فَتَكُونَ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ، وَيَكُونَ الشَّهْرُ كَالْجُمُعَةِ، وَتَكُونَ الْجُمُعَةُ كَالْيَوْمِ، وَيَكُونَ الْيَوْمُ كَالسَّاعَةِ، وَتَكُونَ السَّاعَةُ كَاحْتِرَاقِ السَّعَفَةِ) والسعفة هي الْخُوصَةُ. قال ابن كثير: إسناده على شرط مسلم اهـ. وصححه الألباني في صحيح الجامع (7422) . فهذان الحديثان يدلان على أن من علامات الساعة تقارب الزمان. وقد اختلف العلماء في معنى تقارب الزمان على أقوال كثيرة، وأقوى هذه الأقوال: أن تقارب الزمان يحتمل أن يكون المراد به التقارب الحسي أو التقارب المعنوي. أما التقارب المعنوي؛ فمعناه ذهاب البركة من الوقت، وهذا قد وقع منذ عصر بعيد. وهذا القول قد اختاره القاضي عياض والنووي والحافظ ابن حجر رحمهم الله. قال النووي: الْمُرَاد بِقِصَرِهِ عَدَم الْبَرَكَة فِيهِ، وَأَنَّ الْيَوْم مَثَلا يَصِير الانْتِفَاع بِهِ بِقَدْرِ الانْتِفَاع بِالسَّاعَةِ الْوَاحِدَة اهـ. وقال الحافظ: وَالْحَقّ أَنَّ الْمُرَاد نَزْع الْبَرَكَة مِنْ كُلّ شَيْء حَتَّى مِنْ الزَّمَان، وَذَلِكَ مِنْ عَلامَات قُرْب السَّاعَة اهـ. ومن التقارب المعنوي أيضاً: سهولة الاتصال بين الأماكن البعيدة وسرعته مما يعتبر قد قارب الزمان، فالمسافات التي كانت تقطع قديماً في عدة شهور صارت لا تستغرق الآن أكثر من عدة ساعات. قال الشيخ ابن باز: في تعليقه على فتح الباري (2/522) : التقارب المذكور في الحديث يُفسّر بما وقع في هذا العصر من تقارب ما بين المدن والأقاليم وقِصر المسافة بينها بسبب اختراع الطائرات والسيارات والإذاعة وما إلى ذلك، والله أعلم اهـ. وأما التقارب الحسي؛ فمعناه: أن يقصر اليوم قصراً حسياً، فتمر ساعات الليل والنهار مروراً سريعاً، وهذا لم يقع بعد، ووقوعُهُ ليس بالأمر المستحيل، ويؤيده أن أيام الدجال ستطول حتى يكون اليوم كالسنة وكالشهر وكالجمعة في الطول، فكما أن الأيام تطول فكذلك تقصر. وذلك لاختلال نظام العالم وقرب زوال الدنيا. ونقل الحافظ في "الفتح" عن اِبْنِ أَبِي جَمْرَة أنه قال: "يَحْتَمِل أَنْ يَكُونُ الْمُرَاد بِتَقَارُبِ الزَّمَان قِصَره عَلَى مَا وَقَعَ فِي حَدِيث " لا تَقُوم السَّاعَة حَتَّى تَكُونَ السَّنَة كَالشَّهْرِ "، وَعَلَى هَذَا فَالْقِصَر يَحْتَمِل أَنْ يَكُونُ حِسِّيًّا، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُونُ مَعْنَوِيًّا , أَمَّا الْحِسِّيّ فَلَمْ يَظْهَر بَعْد، وَلَعَلَّهُ مِنْ الْأُمُور الَّتِي تَكُونُ قُرْب قِيَام السَّاعَة , وَأَمَّا الْمَعْنَوِيّ فَلَهُ مُدَّة مُنْذُ ظَهَرَ يَعْرِف ذَلِكَ أَهْل الْعِلْم الدِّينِيّ، وَمَنْ لَهُ فِطْنَة مِنْ أَهْل السَّبَب الدُّنْيَوِيّ، فَإِنَّهُمْ يَجِدُونَ أَنْفُسهمْ لَا يَقْدِر أَحَدهمْ أَنْ يَبْلُغ مِنْ الْعَمَل قَدْر مَا كَانُوا يَعْمَلُونَهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَيَشْكُونَ ذَلِكَ وَلا يَدْرُونَ الْعِلَّة فِيهِ , وَلَعَلَّ ذَلِكَ بِسَبَبِ مَا وَقَعَ مِنْ ضَعْف الإِيمَان لِظُهُورِ الأُمُور الْمُخَالِفَة لِلشَّرْعِ مِنْ عِدَّة أَوْجُهُ , وَأَشَدّ ذَلِكَ الأَقْوَات فَفِيهَا مِنْ الْحَرَام الْمَحْض وَمِنْ الشُّبَه مَا لا يَخْفَى، حَتَّى إِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاس لا يَتَوَقَّف فِي شَيْء، وَمَهْمَا قَدَرَ عَلَى تَحْصِيل شَيْء هَجَمَ عَلَيْهِ وَلا يُبَالِي , وَالْوَاقِع أَنَّ الْبَرَكَة فِي الزَّمَان وَفِي الرِّزْق وَفِي النَّبْت إِنَّمَا يَكُونُ مِنْ طَرِيق قُوَّة الإِيمَان وَاتِّبَاع الأَمْر وَاجْتِنَاب النَّهْي , وَالشَّاهِد لِذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْل الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَات مِنْ السَّمَاء وَالأَرْض) اِنْتَهَى مُلَخَّصًا. ونحوه قاله السيوطي في " الحاوي للفتاوي" (1/44) ، فإنه قال في معنى الحديث: "قيل هو على حقيقته نقص حسي، وأن ساعات النهار والليل تنقص قرب قيام الساعة. وقيل: هو معنوي وأن المراد سرعة مر الأيام ونزع البركة من كل شيء حتى من الزمان. . . وفيه أقوال غير ذلك. والله أعلم اهـ. وهذه الأقوال الثلاثة: "نزع البركة" و "سهولة الاتصال" و "التقارب الحسي" لا تعارض بينها، ولا مانع من حمل الحديث عليها جميعها. والله تعالى أعلم. وقد قيلت أقوال أخرى في معنى "تقارب الزمان" غير أنها لم تبلغ من القوة درجة الأقوال السابقة. منها: ما قَالَه الْخَطَّابِيُّ: هُوَ مِنْ اِسْتِلْذَاذ الْعَيْش , قال الحافظ: يُرِيد -وَاَللَّه أَعْلَم- أَنَّهُ يَقَع عِنْد خُرُوج الْمَهْدِيّ، وَوُقُوع الْأَمَنَة فِي الْأَرْض، وَغَلَبَة الْعَدْل فِيهَا، فَيَسْتَلِذّ الْعَيْش عِنْد ذَلِكَ، وَتُسْتَقْصَر مُدَّته , وَمَا زَالَ النَّاس يَسْتَقْصِرُونَ مُدَّة أَيَّام الرَّخَاء وَإِنْ طَالَتْ، وَيَسْتَطِيلُونَ مُدَّة الْمَكْرُوه وَإِنْ قَصُرَتْ. ثم قال الحافظ: وَأَقُول: إِنَّمَا اِحْتَاجَ الْخَطَّابِيُّ إِلَى تَأْوِيله بِمَا ذُكِرَ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَع النَّقْص فِي زَمَانه , وَإِلا فَاَلَّذِي تَضَمَّنَهُ الْحَدِيث قَدْ وُجِدَ فِي زَمَاننَا هَذَا، فَإِنَّا نَجِد مِنْ سُرْعَة مَرِّ الْأَيَّام مَا لَمْ نَكُنْ نَجِدهُ فِي الْعَصْر الَّذِي قَبْلَ عَصْرنَا هَذَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عَيْش مُسْتَلَذّ , وَالْحَقّ أَنَّ الْمُرَاد نَزْع الْبَرَكَة. . . اهـ. ومنها: ما قَالَه اِبْن بَطَّال أن المراد "تَقَارُب أَحْوَال أَهْله" فِي قِلَّة الدِّين، حَتَّى لا يَكُون فِيهِمْ مَنْ يَأْمُر بِمَعْرُوفٍ، وَلا يَنْهَى عَنْ مُنْكَر، لِغَلَبَةِ الْفِسْق وَظُهُور أَهْله اهـ. وهذا التأويل خلاف ظاهر الحديث، ويرده قوله صلي الله عليه وسلم في الحديث الآخر: (لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، فَتَكُونَ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ. . . الحديث) . فإنه ظاهر أن المراد تقارب الزمان نفسه، لا تقارب أحوال أهله. والله تعالى أعلم. انظر فتح الباري (13/21) شرح حديث رقم (7061) ، "إتحاف الجماعة للتويجري" (1/497) ، "السنن الواردة في الفتن وغوائلها والساعة وأشراطها" لأبي عمرو عثمان الداني، تحقيق د/ رضاء الله المباركفوري. "أشراط الساعة" للوابل (ص 120) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 34618 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 فتنة المسيح الدجال [السُّؤَالُ] ـ[أرجو أعطائي معلومات كافية عن الدجال؟ وما هي فتنته؟ وكيفية النجاة منها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله *معنى المسيح: ذكر العلماء ما يزيد عن خمسين قولاً في معنى " المسيح ". وقالوا أن هذا اللفظ يطلق على الصدّيق وعلى الضلّيل الكذاب، فالمسيح عسى ابن مريم الصدّيق، مسيح الهدى، يبرئ الأكمه والأبرص، ويحي الموتى بإذن الله. والمسيح الدجال هو الضلّيل الكذاب، مسيح الضلالة يفتن الناس بما يعطاه من الآيات كإنزال المطر وإحياء الأرض بالنبات وغيرهما من الخوارق. فخلق الله المسيحين أحدهما ضد الآخر. وقال العلماء في سبب تسمية الدجال بالمسيح: أن إحدى عينيه ممسوحة، وقيل: لأنه يمسح الأرض في أربعين يوماً.. والقول الأول هو الراجح، لما جاء في الحديث الذي رواه مسلم برقم 5221 عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الدَّجَّالُ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ.. ". *معنى الدجال: الدَّجل: هو الخلط والتلبيس، يقال دَجَلَ إذا لبّس ومَوَّهَ، والدجال: المُمَوِّه الكذاب، الذي يُكثِر من الكذب والتلبيس. ولفظة " الدجال " أصبحت عَلَمَاً على المسيح الأعور الكذاب، وسمي الدجال دجالاً: لأنه يغطي على الناس كفره بكذبه وتمويهه وتلبيسه عليهم. *صفة الدجال والأحاديث الواردة في ذلك: الدجال رجل من بني آدم، له صفات كثيرة جاءت بها الأحاديث لتعريف الناس به، وتحذيرهم من شره، حتى إذا خرج عرفه المؤمنون فلا يفتنون به، بل يكونون على علم بصفاته التي أخبر بها الصادق صلى الله عليه وسلم وهذه الصفات تميزه عن غيره من الناس، فلا يغتر به إلا الجاهل الذي سبقت عليه الشقوة. نسأل الله العافية. ومن هذه الصفات: أنه رجل شاب أحمر، قصير، أفحج جعد الرأس، أجلى الجبهة، عريض النحر، ممسوح العين اليمنى، وهذه العين ليست بناتئة - منتفخة وبارزة - ولا جحراء - غائرة - كأنها عنبة طافئة. وعينه اليسرى عليها ظفرة - لحمة تنبت عند المآقي - غليظة. ومكتوب بين عينيه " ك ف ر " بالحروف المقطعة، أو " كافر " بدون تقطيع، يقرؤها كل مسلم، كاتب وغير كاتب. ومن صفاته أنه عقيم لا يولد له. وهذه بعض الأحاديث الصحيحة التي جاء فيها ذكر صفاته السابقة وهي من الأدلة على ظهور الدجال: 1- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي أَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ سَبْطُ الشَّعَرِ بَيْنَ رَجُلَيْنِ يَنْطُفُ رَأْسُهُ مَاءً فَقُلْتُ مَنْ هَذَا قَالُوا ابْنُ مَرْيَمَ. فَذَهَبْتُ أَلْتَفِتُ فَإِذَا رَجُلٌ أَحْمَرُ جَسِيمٌ جَعْدُ الرَّأْسِ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ قُلْتُ مَنْ هَذَا قَالُوا هَذَا الدَّجَّالُ، أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا ابْنُ قَطَنٍ " رواه البخاري برقم 6508، وَابْنُ قَطَنٍ رَجُلٌ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ. 2- وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الدجال بين ظهراني الناس فقال: " إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، أَلا إِنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ.. " رواه البخاري برقم 3184. 3- وفي الحديث الطويل الذي رواه النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: " ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غَدَاةٍ فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ.. " فقال في وصف الدجال: " إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ - شديد جعودة الشعر- عَيْنُهُ طَافِئَةٌ كَأَنِّي أُشَبِّهُهُ بِعَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَطَنٍ " رواه مسلم برقم 5228. 4- وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إِنِّي قَدْ حَدَّثْتُكُمْ عَنْ الدَّجَّالِ حَتَّى خَشِيتُ أَنْ لا تَعْقِلُوا، إِنَّ مَسِيحَ الدَّجَّالِ رَجُلٌ قَصِيرٌ أَفْحَجُ جَعْدٌ أَعْوَرُ مَطْمُوسُ الْعَيْنِ لَيْسَ بِنَاتِئَةٍ وَلا حَجْرَاءَ فَإِنْ أُلْبِسَ عَلَيْكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ " رواه أبو داود برقم 3763، والحديث صحيح (صحيح الجامع الصغير / حديث رقم 2455) . 5- وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ".. وَأَمَّا مَسِيحُ الضَّلالَةِ فَإِنَّهُ أَعْوَرُ الْعَيْنِ أَجْلَى الْجَبْهَةِ عَرِيضُ النَّحْرِ فِيهِ دَفَأٌ - إنحناء -.. " رواه أحمد برقم 7564. 6- وفي حديث حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول اله صلى الله عليه وسلم: " الدَّجَّالُ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُسْرَى، جُفَالُ الشَّعَرِ - كَثِيرُهُ - مَعَهُ جَنَّةٌ وَنَارٌ فَنَارُهُ جَنَّةٌ وَجَنَّتُهُ نَارٌ " رواه مسلم برقم 5222. 7- وفي حديث أنس رضي الله عنه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " مَا بُعِثَ نَبِيٌّ إِلا أَنْذَرَ أُمَّتَهُ الأَعْوَرَ الْكَذَّابَ أَلا إِنَّهُ أَعْوَرُ وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ وَإِنَّ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ كَافِرٌ " رواه البخاري برقم 6598، وفي رواية: " وَمَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ك ف ر " مسلم برقم 5219، وفي رواية عن حذيفة: " يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ كَاتِبٍ وَغَيْرِ كَاتِبٍ " مسلم برقم 5223. وهذه الكتابة حقيقية على ظاهرها، ولا يشكل رؤية بعض الناس لهذه الكتابة دون بعض، وقراءة الأمي لها " وذلك أن الإدراك في البصر يخلقه الله للعبد كيف شاء ومتى شاء، فهذا يراه المؤمن بعين بصره، وإن كان لا يعرف الكتابة / ولا يراه الكافر ولو كان يعرف الكتابة، كما يرى المؤمن الأدلة بعين بصيرته ولا يراه الكافر فيخلق الله للمؤمن الإدراك دون تعلّم، لأن ذلك الزمن تنخرق فيه العادات " فتح الباري لابن حجر العسقلاني (13 / 100) . ومختصر الجواب عن الإشكال أنّ الله على كلّ شيء قدير فهو قادر على أن يري هذه الكتابة بعض الناس دون بعض وقادر على أن يجعل الأمّي يقرؤها. قال النووي: " الصحيح الذي عليه المحققون أن هذه الكتابة على ظاهرها، وأنها كتابة حقيقية جعلها الله آية وعلامة من جملة العلامات القاطعة بكفره وكذبه وإبطاله يظهرها الله لكل مسلم كاتب وغير كاتب، ويخفيها عمن أراد شقاوته وفتنته، ولا امتناع في ذلك " شرح النووي لصحيح مسلم (18 / 60) . 8- ومن صفاته أيضاً ما جاء في حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها في قصة الجسّاسة، وفيه قال تميم الداري رضي الله عنه: " فَانْطَلَقْنَا سِرَاعًا حَتَّى دَخَلْنَا الدَّيْرَ فَإِذَا فِيهِ أَعْظَمُ إِنْسَانٍ رَأَيْنَاهُ قَطُّ خَلْقًا وَأَشَدُّهُ وِثَاقًا " رواه مسلم برقم 5235. 9- وفتنته عظيمة جدا لدرجة أنه ليس بين خلق آدم إلى قيام الساعة فتنة أكبر من فتنة المسيح الدجال كما جاء وفي حديث عمران بن حصين رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ خَلْقٌ أَكْبَرُ مِنْ الدَّجَّالِ " رواه مسلم برقم 5239. وفي رواية أحمد عَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ فِتْنَةٌ أَكْبَرُ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ. مسند الإمام أحمد 15831 10- وأمّا أن الدجال لا يُولَدُ له فلما جاء في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في قصته مع ابن صياد، فقد قال لأبي سعيد: " أَلَسْتَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّهُ لا يُولَدُ لَهُ؟ قَالَ قُلْتُ: بَلَى.. " رواه مسلم برقم 5209. والملاحظ في الروايات السابقة أن في بعضها وصف عينه اليمنى بالعور وفي بعضها وصف عينه اليسرى بالعور، وكل الروايات صحيحة، وقد جمع بعض أهل العلم بين هذه الروايات، فقال القاضي عياض: " أن عيني الدجال كلتيهما معيبة، لأن الروايات كلها صحيحة، وتكون العين اليمنى هي العين المطموسة والممسوحة، العوراء الطافئة - بالهمز- التي ذهب نورها كما في حديث ابن عمر. وتكون العين اليسرى: التي عليها ظفرة غليظة وطافية - بلا همز - معيبة أيضاً ". فهو أعور العين اليمنى واليسرى معاً، فكل واحدة منها عوراء أي معيبة، فإن الأعور من كل شيء المعيب، لا سيما ما يختص بالعين، فكلتا عيني الدجال معيبة عوراء، إحداهما بذهابهما والأخرى بعيبها. ووافق القاضي عياض على هذا الجمع النووي، ورجحه القرطبي. *مكان خروج الدجال: يخرج الدجال من جهة المشرق من خراسان، من يهودية أصبهان، ثم يسير في الأرض فلا يترك بلداً إلا دخله، إلا مكة والمدينة، فلا يستطيع دخولهما لأن الملائكة تحرسهما. ففي حديث فاطمة بنت قيس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الدجال: " أَلا إِنَّهُ فِي بَحْرِ الشَّأْمِ أَوْ بَحْرِ الْيَمَنِ لا بَلْ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَا هُوَ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَا هُوَ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَا هُوَ وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الْمَشْرِقِ " رواه مسلم برقم 5228. وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: حدّثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الدَّجَّالُ يَخْرُجُ مِنْ أَرْضٍ بِالْمَشْرِقِ يُقَالُ لَهَا خُرَاسَانُ " رواه الترمذي برقم 2163. صححه الألباني (صحيح الجامع الصغير / حديث رقم 3398) . وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يَخْرُجُ الدَّجَّالُ مِنْ يَهُودِيَّةِ أَصْبَهَانَ مَعَهُ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ الْيَهُودِ عَلَيْهِمْ التِّيجَانُ " رواه أحمد برقم 12865. الأماكن التي لا يدخلها الدجال: حرم على الدجال دخول مكة والمدينة حين يخرج في آخر الزمان، لورود الأحاديث الصحيحة بذلك، وأما ما سوى ذلك من البلدان فإن الدجال سيدخلها واحداً بعد الآخر. جاء في حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها أن الدجّال قال: " وَإِنِّي أُوشِكُ أَنْ يُؤْذَنَ لِي فِي الْخُرُوجِ، فَأَخْرُجَ فَأَسِيرَ فِي الأَرْضِ فَلا أَدَعَ قَرْيَةً إِلا هَبَطْتُهَا فِي أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، غَيْرَ مَكَّةَ وَطَيْبَةَ فَهُمَا مُحَرَّمَتَانِ عَلَيَّ كِلْتَاهُمَا كُلَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ وَاحِدَةً أَوْ وَاحِدًا مِنْهُمَا اسْتَقْبَلَنِي مَلَكٌ بِيَدِهِ السَّيْفُ صَلْتًا يَصُدُّنِي عَنْهَا، وَإِنَّ عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْهَا مَلائِكَةً يَحْرُسُونَهَا " رواه مسلم برقم 5228. وثبت أيضاً أن الدجال لا يدخل مسجد الطور، والمسجد الأقصى. روى الإمام أحمد برقم 22572 من حديث جنادة بن أبي أمية الأزدي قال: أتيت رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقلت له: حَدِّثْنِي حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدَّجَّالِ، فذكر الحديث وقال: " وَإِنَّهُ يَلْبَثُ فِيكُمْ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا يَرِدُ فِيهَا كُلَّ مَنْهَلٍ إِلا أَرْبَعَ مَسَاجِدَ مَسْجِدَ الْحَرَامِ وَمَسْجِدَ الْمَدِينَةِ وَالطُّورِ وَمَسْجِدَ الأَقْصَى ". أتْباع الدجال: أكثر أتباع الدجال من اليهود والعجم والترك، وأخلاط من الناس غالبهم الأعراب والنساء. روى الإمام مسلم في صحيحه برقم 5237 عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يَتْبَعُ الدَّجَّالَ مِنْ يَهُودِ أَصْبَهَانَ سَبْعُونَ أَلْفًا عَلَيْهِمْ الطَّيَالِسَةُ " والطيالسة: كساء غليظ مخطط. وفي رواية للإمام أحمد: " سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ الْيَهُودِ عَلَيْهِمْ التِّيجَانُ " حديث رقم 12865. وجاء في حديث أبي بكر السابق: " يَتْبَعُهُ أَقْوَامٌ كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ " رواه الترمذي برقم 2136. وأما كون الأعراب يتبعون الدجال، فلأن الجهل غالب عليهم، أما النساء لسرعة تأثرهن وغلبة الجهل عليهن. جاء في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " يَنْزِلُ الدَّجَّالُ فِي هَذِهِ السَّبَخَةِ بِمَرِّقَنَاةَ - وادٍ بالمدينة - فَيَكُونُ أَكْثَرَ مَنْ يَخْرُجُ إِلَيْهِ النِّسَاءُ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَرْجِعُ إِلَى حَمِيمِهِ وَإِلَى أُمِّهِ وَابْنَتِهِ وَأُخْتِهِ وَعَمَّتِهِ فَيُوثِقُهَا رِبَاطًا مَخَافَةَ أَنْ تَخْرُجَ إِلَيْهِ " رواه أحمد برقم 5099. فتنة الدجال: فتنة الدجال أعظم الفتن منذ خلق الله آدم إلى قيام الساعة، وذلك بسبب ما يخلق الله معه من الخوارق العظيمة التي تبهر العقول وتحير الألباب. فقد ورد أن معه جنة وناراً، جنته ناره وناره جنته، وأن معه أنهار الماء وجبال الخبز، ويأمر السماء أن تمطر فتمطر، والأرض أن تنبت فتنبت، وتتبعه كنوز الأرض، ويقطع الأرض بسرعة عظيمة كسرعة الغيث استدبرته الريح، إلى غير ذلك من الخوارق. وكل ذلك جاءت به الأحاديث الصحيحة. روى الإمام مسلم في صحيحه عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الدَّجَّالُ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُسْرَى، جُفَالُ الشَّعَرِ - كَثِيرُهُ - مَعَهُ جَنَّةٌ وَنَارٌ فَنَارُهُ جَنَّةٌ وَجَنَّتُهُ نَارٌ " رواه مسلم برقم 5222. ولمسلم أيضاً عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لأنَا أَعْلَمُ بِمَا مَعَ الدَّجَّالِ مِنْهُ: مَعَهُ نَهْرَانِ يَجْرِيَانِ أَحَدُهُمَا رَأْيَ الْعَيْنِ مَاءٌ أَبْيَضُ وَالآخَرُ رَأْيَ الْعَيْنِ نَارٌ تَأَجَّجُ، فَإِمَّا أَدْرَكَنَّ أَحَدٌ فَلْيَأْتِ النَّهْرَ الَّذِي يَرَاهُ نَارًا وَلْيُغَمِّضْ ثُمَّ لْيُطَأْطِئْ رَأْسَهُ فَيَشْرَبَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مَاءٌ بَارِدٌ " رواه مسلم برقم 5223. وجاء في حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه في ذكر الدجال: أن الصحابة قالوا: " يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا لَبْثُهُ فِي الأَرْضِ؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ يَوْمًا؛ يَوْمٌ كَسَنَةٍ وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ " ".. قالوا: وَمَا إِسْرَاعُهُ فِي الأَرْضِ؟ قَالَ: كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ. فَيَأْتِي عَلَى الْقَوْمِ فَيَدْعُوهُمْ فَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ، فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ، وَالأَرْضَ فَتُنْبِتُ، فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ - الماشية - أَطْوَلَ مَا كَانَتْ ذُرًا - الأعالي والأسنمة - وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعًا، وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ - كناية عن الامتلاء وكثرة الأكل -. ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْمَ فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ. وَيَمُرُّ بِالْخَرِبَةِ فَيَقُولُ لَهَا أَخْرِجِي كُنُوزَكِ فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ. ثُمَّ يَدْعُو رَجُلا مُمْتَلِئًا شَبَابًا فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الْغَرَضِ ثُمَّ يَدْعُوهُ فَيُقْبِلُ وَيَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ يَضْحَكُ " رواه مسلم برقم 5228. وجاء في رواية البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن هذا الرجل الذي يقتله الدجال من خيار الناس أو خير الناس، يخرج إلى الدجال من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول للدجال: " أَشْهَدُ أَنَّكَ الدَّجَّالُ الَّذِي حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَهُ. فَيَقُولُ الدَّجَّالُ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ قَتَلْتُ هَذَا ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ هَلْ تَشُكُّونَ فِي الأَمْرِ؟ فَيَقُولُونَ لا. فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يُحْيِيهِ، فَيَقُولُ: وَاللَّهِ مَا كُنْتُ فِيكَ أَشَدَّ بَصِيرَةً مِنِّي الْيَوْمَ، فَيُرِيدُ الدَّجَّالُ أَنْ يَقْتُلَهُ فَلا يُسَلَّطُ عَلَيْهِ " البخاري برقم 6599. وفي حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم عن الدجال: " وَإِنَّ مِنْ فِتْنَتِهِ أَنْ يَقُولَ لأَعْرَابِيٍّ أَرَأَيْتَ إِنْ بَعَثْتُ لَكَ أَبَاكَ وَأُمَّكَ أَتَشْهَدُ أَنِّي رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ. فَيَتَمَثَّلُ لَهُ شَيْطَانَانِ فِي صُورَةِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَقُولانِ يَا بُنَيَّ اتَّبِعْهُ فَإِنَّهُ رَبُّكَ " رواه ابن ماجه برقم 4067. وصححه الألباني (صحيح الجامع الصغير / حديث رقم 7752) . نسأل الله العافية ونعوذ به من الفتن.. الوقاية من فتنة الدجال: أرشد النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى ما يعصمها من فتنة المسيح الدجال، فقد ترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك. فلم يدع خيراً إلا دل أمته عليه ولا شراً إلا حذرها منه، ومن جملة ما حذّر منه: فتنة المسيح الدجال لأنها أعظم فتنة تواجهها الأمة إلى قيام الساعة، وكان كل نبي ينذر أمته الأعور الدجال، واختص محمد صلى الله عليه وسلم بزيادة التحذير والإنذار، وقد بين الله له كثيراً من صفات الدجال ليُحذِّرَ أمته فإنه خارج في هذه الأمة لا محالة، لأنها آخر الأمم ومحمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين. وهذه بعض الإرشادات النبوية التي أرشد إليها المصطفى صلى الله عليه وسلم أمته لتنجو من هذه الفتنة العظيمة التي نسأل الله العظيم أن يعافينا ويعيذنا منها: التمسك بالإسلام، والتسلح بسلاح الإيمان ومعرفة أسماء الله وصفاته الحسنى التي لا يشاركه فيها أحد، فيعلم أن الدجال بشر يأكل ويشرب، وأن الله تعالى منزه عن ذلك، وأن الدجال أعور والله ليس بأعور، وأنه لا أحد يرى ربه حتى يموت والدجال يراه الناس عند خروجه مؤمنهم وكافرهم. التعوذ من فتنة الدجال، وخاصة في الصلاة، وقد وردت بذلك الأحاديث الصحيحة، منها ما روي عن أم المؤمنين عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة: " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَفِتْنَةِ الْمَمَاتِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ " رواه البخاري برقم 789. وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ، يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ " رواه مسلم برقم 924. حفظ آيات من سورة الكهف، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقراءة فواتح سورة الكهف على الدجال، وفي بعض الروايات خواتيمها، وذلك بقراءة عشر آيات من أولها أو آخرها. ومن الأحاديث الواردة في ذلك ما رواه مسلم من حديث النواس بن سمعان الطويل، وفيه قوله: " فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ " حديث رقم 5228. وروى مسلم برقم 1342 عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْف عُصِمَ مِنْ الدَّجَّالِ " أي: من فتنته، قال مسلم: قال شعبة: " مِنْ آخِرِ الْكَهْفِ وقَالَ هَمَّامٌ مِنْ أَوَّلِ الْكَهْف ". قال النووي: " سَبَب ذَلِكَ مَا فِي أَوَّلهَا مِنْ الْعَجَائِب وَالآيَات , فَمَنْ تَدَبَّرَهَا لَمْ يُفْتَتَن بِالدَّجَّالِ , وَكَذَا فِي آخِرهَا قَوْله تَعَالَى: (أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا..) " شرح صحيح مسلم 6 / 93. وهذا من خصوصيات سورة الكهف فقد جاءت الأحاديث بالحث على قراءتها وخاصة في يوم الجمعة، روى الحاكم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إِنَّ مَنْ قَرَأَ سُوْرَةَ الْكَهْفِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنَ الْنُّوْرِ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ " المستدرك (2 / 368) ، وصححه الألباني (صحيح الجامع الصغير / حديث رقم 6346) . ولا شك أن سورة الكهف لها شأن عظيم، ففيها من الآيات الباهرات كقصة أصحاب الكهف وقصة موسى مع الخضر وقصة ذي القرنين وبناءه للسد العظيم حائلاً دون يأجوج ومأجوج، وإثبات البعث والنشور والنفخ في الصور، وبيان الأخسرين أعمالاً وهم الذين يحسبون أنهم على الهدى وهم على الضلالة والعمى. فينبغي لكل مسلم أن يحرص على قراءة هذه السورة وحفظها وترديدها وخاصة في خير يوم طلعت عليه الشمس، وهو يوم الجمعة. الفرار من الدجال والابتعاد منه، والأفضل سكنى مكة والمدينة، والأماكن التي لا يدخلها الدجال، فينبغي للمسلم إذا خرج الدجال أن يبتعد منه وذلك لما معه من الشبهات والخوارق العظيمة التي يجريها الله على يديه فتنة للناس، فإنه يأتيه الرجل وهو يظن في نفسه الإيمان والثبات فيتبع الدجال، نسأل الله أن يعيذنا من فتنته وجميع المسلمين. روى الإمام أحمد (19118) وأبو داود (3762) والحاكم (4/531) عن عمران بن حصين رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ - يبتعد - مِنْهُ، فَإِنَّ الرَّجُلَ يَأْتِيهِ يَتَّبِعُهُ وَهُوَ يَحْسِبُ أَنَّهُ صَادِقٌ بِمَا يُبْعَثُ بِهِ مِنْ الشُّبُهَاتِ ". * هلاك الدجال: يكون هلاك الدجال على يدي المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة، وذلك الدجال يظهر على الأرض ويكثر أتباعه وتعم فتنته، ولا ينجو منها إلا قلة من المؤمنين. وعند ذلك ينزل عيسى بن مريم عليه السلام على المنارة الشرقية بدمشق، ويلتف حوله عباد الله المؤمنين، فيسير بهم قاصداً المسيح الدجال، ويكون الدجال عند نزول عيسى عليه السلام متوجهاً نحو بيت المقدس، فيلحق به عيسى عند باب " لُد " - بلدة في فلسطين قرب بيت المقدس -، فإذا رآه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء، فيقول له عيسى عليه السلام: " إن لي فيك ربة لن تفوتني " فيتداركه عيسى فيقتله بحربته، وينهزم اتباعه فيتبعهم المؤمنون فيقتلونهم حتى يقول الشجر والحجر: يا مسلم يا عبد الله، هذا يهودي خلفي تعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود. وإليك بعض الأحاديث الواردة في هلاك الدجال وأتباعه: روى مسلم برقم 5233 عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِي أُمَّتِي فَيَمْكُثُ أَرْبَعِينَ.. " فذكر الحديث، وفيه: " فَيَبْعَثُ اللَّهُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ كَأَنَّهُ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ فَيَطْلُبُهُ فَيُهْلِكُهُ ". وروى الإمام أحمد برقم 14920 والترمذي برقم 2170 عن مجمع بن جارية الأنصاري رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يَقْتُلُ ابْنُ مَرْيَمَ الدَّجَّالَ بِبَابِ لُدٍّ ". وروى مسلم برقم 5228 عن النواس بن سمعان رضي الله عنه حديثاً طويلاً عن الدجال، وفيه قصة نزول عيسى وقتله للدجال، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: " فَلا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلا مَاتَ وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ فَيَقْتُلُهُ " وروى الإمام أحمد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِي خَفْقَةٍ مِنْ الدِّينِ وَإِدْبَارٍ مِنْ الْعِلْمِ " فذكر الحديث وفيه: " ثُمَّ يَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ فَيُنَادِي مِنْ السَّحَرِ فَيَقُولُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تَخْرُجُوا إِلَى الْكَذَّابِ الْخَبِيثِ فَيَقُولُونَ هَذَا رَجُلٌ جِنِّيٌّ فَيَنْطَلِقُونَ فَإِذَا هُمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتُقَامُ الصَّلاةُ فَيُقَالُ لَهُ تَقَدَّمْ يَا رُوحَ اللَّهِ فَيَقُولُ لِيَتَقَدَّمْ إِمَامُكُمْ فَلْيُصَلِّ بِكُمْ فَإِذَا صَلَّى صَلاةَ الصُّبْحِ خَرَجُوا إِلَيْهِ قَالَ فَحِينَ يَرَى الْكَذَّابُ يَنْمَاثُ كَمَا يَنْمَاثُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ فَيَمْشِي إِلَيْهِ فَيَقْتُلُهُ حَتَّى إِنَّ الشَّجَرَةَ وَالْحَجَرَ يُنَادِي يَا رُوحَ اللَّهِ هَذَا يَهُودِيٌّ فَلا يَتْرُكُ مِمَّنْ كَانَ يَتْبَعُهُ أَحَدًا إِلا قَتَلَهُ " حديث رقم 14426. وبقتله - لعنه الله - تنتهي فتنته العظيمة، وينجي الله الذين آمنوا من شره وشر أتباعه على يدي روح الله وكلمته عيسى بن مريم عليه السلام وأتباعه المؤمنين ولله الحمد والمنة. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 8806 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 دخول المسيح الدجال جميع البلاد إلا مكة والمدينة [السُّؤَالُ] ـ[هل سيطوف المسيح الدجال في كل أرجاء الكرة الأرضية أم أن الناس سيأتون إليه. وهل سيلاقيه كل البشر الأحياء عندما يخرج , وهل بإمكان البعض الفرار منه وعدم رؤيته , فأنا قرأت في بعض أحاديث النبي صلى لله عليه وسلم أن الناس سيفرون منه في الجبال.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يخرج المسيح الدجال من جهة المشرق، ثم يسير في الأرض فلا يدع بلدا إلا دخله، غير مكة والمدينة والمسجد الأقصى ومسجد الطور. وبذلك صحت الأحاديث. روى الترمذي (2237) عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " الدجال يخرج من أرض بالمشرق يقال لها خراسان ". والحديث صححه الألباني في صحيح الترمذي. وروى البخاري (1881) ومسلم (2943) عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة ليس له من نقابها نقب إلا عليه الملائكة صافين يحرسونها ثم ترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات فيخرج الله كل كافر ومنافق ". وروى مسلم (2942) من حديث فاطمة بنت قيس، في قصة تميم الداري والجساسة، أن الدجال قال لهم: (وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة فهما محرمتان علي كلتاهما كلما أردت أن أدخل واحدة أو واحدا منهما استقبلني ملك بيده السيف صلتا يصدني عنها وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وطعن بمخصرته في المنبر هذه طيبة هذه طيبة هذه طيبة يعني المدينة ألا هل كنت حدثتكم ذلك فقال الناس نعم فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه وعن المدينة ومكة ". وروى أحمد (23139) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أنذرتكم المسيح وهو ممسوح العين قال أحسبه قال اليسرى يسير معه جبال الخبز وأنهار الماء علامته يمكث في الأرض أربعين صباحا يبلغ سلطانه كل منهل لا يأتي أربعة مساجد الكعبة ومسجد الرسول والمسجد الأقصى والطور " والحديث صححه شعيب الأرناؤوط في تحقيق المسند. وقد جاء الأمر بالنأي عن الدجال عند خروجه خشية الافتتان بما معه من الشبهات والخوارق، فإن الرجل يأتيه وهو يظن في نفسه الإيمان والثبات فيتبعه. روى أبو داود (4319) وأحمد (19888) عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من سمع بالدجال فلينأ عنه فو الله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث به من الشبهات أو لما يبعث به من الشبهات " والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود. وهذا الحديث دليل على أنه يمكن الفرار منه، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم من أدركه أن يقرأ عليه فواتح سورة الكهف. رواه مسلم (2937) . قال الطيب: معناه أن قراءته أمان له من فتنته. زاد أبو داود (4331) : (فإنها جِوارُكم من فتنته) صحيح أبي داود (3631) نسأل الله أن يقينا شره، وأن يعيذنا من فتنته. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 32665 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 الدجال والدابة ويأجوج ومأجوج [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكن إعطاؤنا نبذة عن الدجال والدابة ويأجوج ومأجوج؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فيما يلي وصف مختصر من الكتاب والسنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم بشأن هذه العلامات الثلاث من أشراط الساعة الكبرى التي تكون في آخر الزمان قبيل قيام الساعة. الدجال: إنسان خلقه الله، يخرج في آخر الزمان من غضبة يغضبها، يعيث في الأرض فسادا ويدّعي الألوهية، ويدعو الناس لعبادته، يفتن الناس بما أعطاه الله من الخوارق كإنزال المطر وإحياء الأرض بالنبات وإخراج كنوزها، وهو شاب أحمر قصير جعد الرأس أعور ممسوح العين اليمنى والأخرى عليها قطعة لحم غليظة مكتوب بين عينيه كافر، عامة من يتبعه من اليهود تكون نهايته على يد عيسى بن مريم بن مريم الذي يقتله بحربة في بلدة اللدّ بأرض فلسطين. يأجوج ومأجوج: قبيلتان كافرتان من ذرية آدم عراض الوجوه صغار العيون كانوا يفسدون في الأرض فسخّر الله ذا القرنين فبنى سدا حبسهم فلا يزالون يحفرونه حتى يأذن الله بخروجهم في آخر الزمان بعدما يقتل عيسى عليه السلام الدجال، فيخرجون بأعدادهم الهائلة فيشربون بحيرة طبرية ويُفسدون في الأرض ولا طاقة لأحد بمواجهتهم فينحاز عيسى عليه السلام والمؤمنون معه إلى جبل الطّور حتى يُهلك الله يأجوج ومأجوج بدود يأكل أعناقهم ويرسل الله طيرا ترمي بجثثهم في البحر ومطرا يغسل الأرض من نتنهم. الدابة: مخلوقة عظيمة يخرجها الله عند فساد الناس تكلمهم وتعظهم تعقل وتنطق وتسم الناس على أنوفهم وسما وعلامة تميز المؤمن منهم من الكافر. لمزيد من التفاصيل والأدلة يراجع كتاب أشراط الساعة ليوسف الوابل أو كتاب القيامة الكبرى لعمر الأشقر ووظيفة المسلم الإيمان والتصديق بما ورد عن الله ورسوله، وكم خلق الله ويخلق في هذا العالم من العجائب والغرائب الدالة على قوته وقدرته جلّ وعلا. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 171 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 هل المهدي حقيقة أم لا؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل الحديث الذي يخبر عن قدوم المهدي صحيح أم لا؟ وذلك لأن أحد أصدقائي أخبرني أنه ليس بصحيح وأنه ضعيف.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لقد جاءت الأحاديث الصحيحة الدالة على ظهور المهدي عليه السلام، وأنّه سيكون في آخر الزمان وهو علامة من علامات الساعة وشرط من أشراطها ومن هذه الأحاديث: 1) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يخرج في آخر أمتي المهدي يسقيه الله الغيث وتخرج الأرض نباتها ويعطي المال صحاحاً وتكثر الماشية وتعظم الأمة، يعيش سبعاً أو ثمانياً يعني حجاجاً (أي سنين) ". مستدرك الحاكم 4/557-558 وقال: {هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه} ، ووافقه الذهبي. وقال الألباني: {هذا سند صحيح رجاله ثقات} ، سلسة الأحاديث الصحيحة مجلد 2 ص336ح771. 2) وعن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة ". مسند أحمد 2/58 ح 645 تحقيق أحمد شاكر وقال: {إسناده صحيح} وسنن ابن ماجه 2/1367. والحديث صححه أيضاً الألباني في صحيح الجامع الصغير 6735 قال ابن كثير: {أي يتوب عليه ويوفقه، ويلهمه ويرشده بعد أن لم يكن كذلك} . النهاية في الفتن والملاحم 1/29 تحقيق: طه زيني. 3) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْمَهْدِيُّ مِنِّي أَجْلَى الْجَبْهَةِ (انحسار الشَّعر عن مقدّمة الجبهة) أَقْنَى الأَنْفِ (أي أنفه طويل رقيق في وسطه حدب) يَمْلأُ الأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا وَظُلْمًا يَمْلِكُ سَبْعَ سِنِينَ ". سنن أبي داود - كتاب المهدي 11/375 ح 4265. ومستدرك الحاكم 4/557 وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وهو في صحيح الجامع 6736 4) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَقُولُ الْمَهْدِيُّ مِنْ عِتْرَتِي (أي من نسبي وأهل بيتي) مِنْ وَلَدِ فَاطِمَةَ ". سنن أبي داود 11/373. وسنن ابن ماجه 2/1368، وقال الألباني في صحيح الجامع: {صحيح} 6734 5) وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ينزل عيسى بن مريم فيقول أميرهم المهدي تعال صل بنا، فيقول: لا إن بعضهم أمير بعض تكرمة الله لهذه الأمة ". والحديث في صحيح مسلم بلفظ: ".. فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ تَعَالَ صَلِّ لَنَا فَيَقُولُ لا إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ تَكْرِمَةَ اللَّهِ هَذِهِ الأُمَّةَ. " رواه مسلم 225 6) وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " منا الذي يصلي عيسى ابن مريم خلفه ". رواه أبو نعيم في أخبار المهدي وقال الألباني: " صحيح " انظر الجامع الصغير 5/219 ح5796. 7) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا تَذْهَبُ أَوْ لا تَنْقَضِي الدُّنْيَا حَتَّى يَمْلِكَ الْعَرَبَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي " مسند أحمد 5/199 ح 3573. وفي رواية: " يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي ". سنن أبي داود 11/370. وقد تواترت الأحاديث بظهور المهدي تواتراً معنوياً، كما نصَّ على ذلك بعض الأئمة والعلماء وفيما يلي ذكر طائفة من أقوالهم: 1. قال الحافظ أبو الحسن الآبري: {قد تواترت الأخبار واستفاضت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذكر المهدي وأنه من أهل بيته وأنه يملك سبع سنين وأنه يملأ الأرض عدلاً، وأن عيسى عليه السلام يخرج فيساعده على قتل الدجال وأنه يؤم هذه الأمة ويصلي عيسى خلفه} . 2. وقال محمد البرزنجي في كتابه الإشاعة لأشراط الساعة: {الباب الثالث في الأشراط العظام والأمارات القريبة التي تعقبها الساعة وهي كثيرة منها المهدي وهو أولها، وأعلم أن الأحاديث الواردة فيه على اختلاف رواياتها لا تكاد تنحصر} . وقال أيضاً: {قد علمت أن أحاديث وجود المهدي وخروجه آخر الزمان وأنه من عترة رسول الله صلى الله عليه وسلم من ولد فاطمة عليها السلام بلغت حد التواتر المعنوي فلا معنى لإنكارها} . 3. وقال العلامة محمد السفاريني: {وقد كثرت بخروجه - أي المهدي - الروايات حتى بلغت التواتر المعنوي، وشاع ذلك بين علماء السنة حتى عد من معتقداتهم} . ثم ذكر طائفة من الأحاديث والآثار في خروج المهدي وأسماء بعض الصحابة ممن رواها ثم قال: {وقد روي عمن ذكر من الصحابة وغير من ذكر منهم رضي الله عنهم بروايات متعددة، وعن التابعين من بعدهم ما يفيد مجموعه العلم القطعي، فالإيمان بخروج المهدي واجب كما هو مقرر عند أهل العلم ومُدوَّن في عقائد أهل السنة والجماعة} . 4. وقال العلامة المجتهد الشوكاني: {الأحاديث في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر التي أمكن الوقوف عليها منها خمسون حديثاً فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر وهي متواترة بلا شك ولا شبهة، بل يَصْدُق وصف التواتر على ما هو دونها في جميع الاصطلاحات المحررة في الأصول، وأما الآثار عن الصحابة المصرحة بالمهدي فهي كثيرة أيضاً لها حكم الرفع إذ لا مجال للاجتهاد في مثل ذلك} . 5. وقال العلامة الشيخ صدبق حسن خان: {الأحاديث الواردة فيه - أي المهدي - على اختلاف رواياتها كثيرة جداً تبلغ حد التواتر المعنوي، وهي في السنن وغيرها من دواوين الإسلام من المعاجم والمسانيد} . 6. وقال الشيخ محمد بن جعفر الكتاني: {والحاصل أن الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة وكذا الواردة في الدجال وفي نزول سيدنا عيسى بن مريم عليهما السلام} أنظر كتاب أشراط الساعة لـ/ يوسف بن عبد الله الوابل، ص 195 -203. هذا وينبغي العلم بأنّ عددا من الكذّابين قد وضعوا أحاديث في المهدي عليه السلام أو في تعيين أشخاص من الكذّابين على أنّهم المهدي أو أنّه على غير ملّة أهل السنّة والجماعة، كما حاول ادّعاء المهدوية عدد من الدّجالين مخادعة لعباد الله ولنيل شيء من حُطام الدّنيا ولتشويه صورة الإسلام وقام بعضهم بحركات وثوْرات وجمعوا من استغفلوهم من النّاس أو ساروا معهم منتفعين ثمّ هلك أولئك وتبيّن كذبهم وانكشف زيفهم ونفاقهم، وكلّ ذلك لا يضرّ بمعتقد أهل السنّة والجماعة في المهديّ عليه السّلام وأنّه خارج لا محالة ليحكم الأرض بشريعة الإسلام. والله تعالى أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 1252 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 هل يمكن خروج الدجال أو عيسى أو المهدي في زمننا [السُّؤَالُ] ـ[قرأت الكثير من العلامات عن ظهور المهدي والدجال والمسيح عيسى، وعلامات كثيرة من التي تنبأ بها الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد أذهلتني هذه العلامات حيث أنها أتت حقيقة أو أنها تتحقق الآن. وبالذات علامات مثل تقارب الزمان، وكثرة شرب الخمر، وازدياد الزنا وانتشار الغناء ... وغيرها الكثير سؤالي هو: هل تظن أن ظهور أحد الثلاثة المذكورين " المهدي، الدجال، عيسى " قريب جدا، وأنه سيحدث في فترة حياتنا؟ وجزاك الله خيرا]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ظهور العلامات الثلاث " المهدي، الدجال، نزول عيسى عليه السلام " متحقق وواقع كما دلت على ذلك الأدلة الصحيحة، وهذه العلامات الثلاث ظهورها متقارب فيما بينها فإن عيسى عليه السلام يصلي خلف المهدي، كما أن عيسى يقتل الدجال كما جاء في الأحاديث الصحيحة، أما عن وقت وقوعها فالله سبحانه هو أعلم بذلك، وأمّا كون ذلك سيقع قريبا فإنّ النصوص الشرعية تدل على ذلك لكن هل هو في حياتنا أم بعد ذلك فهذا غيب لا يعلمه إلا الله، وعلى المسلم أن يستعيذ بالله من الفتن عموما وفتنة الدجال خصوصا وأن يدعو الله في السر والعلن أن يثبته بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 3259 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 ما الحكمة من كتابة الله تعالى لمقادير الخلق في اللوح المحفوظ وهو لا يضل ولا ينسى؟ [السُّؤَالُ] ـ[كنت في السابق ملحدة، وكانت تأتيني بعض الشبَه، ولم أكن أجد لها جواباً، ومنها: لماذا كَتب الله كل شيء في اللوح المحفوظ مع أن الله لا يضل ولا ينسى، فكيف هذا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يعتقد المسلم الذي آمن بالله تعالى ربّاً أنه تبارك وتعالى الحكيم في فعله، وشرعه، وحُكمه , ويعتقد المسلم أنه ثمة حكَماً جليلة في أفعاله، وتشريعاته، منها ما يُعرف , ومنها ما استأثر الله بعلمه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: الحمد لله رب العالمين، قد أحاط ربنا سبحانه وتعالى بكل شيء علماً، وقدرةً، وحُكماً , ووسع كل شيء رحمةً، وعلماً، فما من ذرة في السموات والأرض، ولا معنى من المعاني، إلا وهو شاهد لله تعالى بتمام العلم والرحمة، وكمال القدرة والحكمة , وما خلق الخلق باطلاً , ولا فعل شيئاً عبثاً، بل هو الحكيم في أفعاله وأقواله، سبحانه وتعالى، ثم من حكمته ما أطلع بعض خلقه عليه، ومنه ما استأثر سبحانه بعلمه. " الفتاوى الكبرى " (8/197) . وينظر: " شفاء العليل " لابن القيم (ص 190) . وكثير من الحكَم والمقاصد استأثر الله بعلمها وحكمتها، وانظر جواب السؤال رقم: (9603) ففيه زيادة بيان مهمة. ثانياً: مما لا شك فيه: أن الله سبحانه وتعالى علِم ما يكون من الخلق، فكتب ذلك في اللوح المحفوظ , فعلمه تعالى سابق على كتابته، وقد ذكر العلماء أن القدر له أربع مراتب: العلم، ثم الكتابة، ثم المشيئة، ثم الخلق – وانظر جواب السؤال رقم: (49004) -. فالمرتبة الثانية من مراتب القدَر: كتابة مقادير كل شيء، فالمخلوقات مهما عظم شأنها، أو دق: قد كتب الله ما يخصها في اللوح المحفوظ، من خلق وإيجاد ونشأة وإعداد وإمداد، إلى غير ذلك، كما قال تعالى: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) الحج/ 70، وقال: (وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) النمل/ 75، وقال تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) فاطر/ 11، والآيات في ذلك كثيرة. وقد يقال في حكمة ذلك أمور، منها: 1. إثبات علم الله السابق على تلك الكتابة، وأنه علم لا يتبدل، ولا يتغير، وهو جواب موسى عليه السلام في حواره مع فرعون حيث سأل فرعون عن القرون السابقة ما حالهم هل هم في النار أم لا، فأجابه موسى أن علم حالهم عند الله، وهو في اللوح المحفوظ، وأعلمه أن وجود ذلك العلم في اللوح هو مع اتصاف ربه تعالى بالاستغناء عنه، وأنه سبحانه لا يتصف بالنسيان، ولا بالخطأ، كما هو حال البشر، قال تعالى: (قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى. قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى) طه/ 51، 52. 2. تطمين العبد المسلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، ففيه التسليم لقضاء الله، والرضى بقدره. قال الله تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) الحديد/22. قال أبو حيان رحمه الله: " ثم بين تعالى الحكمة في إعلامنا بذلك الذي فعله من تقدير ذلك، وسبق قضائه به فقال: {لكيلا تأسوا} : أي تحزنوا، {على ما فاتكم} ، لأن العبد إن أعلم ذلك سلم، وعلم أن ما اته لم يكن ليصيبه، وما أصابه لم يكن ليخطئه، فلذلك لا يحزن على فائت، لأنه ليس بصدد ألا يفوته، فهون عليه أمر حوادث الدنيا بذلك، إذ قد وطن نفسه على هذه العقيدة " انتهى من "البحر المحيط" (10/238) . وقد أشار صحابي جليل إلى هذه الحكمة، فعَنْ أَبِي حَفْصَةَ قَالَ: قَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ إِنَّكَ لَنْ تَجِدَ طَعْمَ حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ فَقَالَ لَهُ اكْتُبْ قَالَ رَبِّ وَمَاذَا أَكْتُبُ قَالَ اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ) يَا بُنَيَّ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ مَاتَ عَلَى غَيْرِ هَذَا فَلَيْسَ مِنِّي) . رواه أبو داود (4700) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ". 3. وفيه بيان لمشيئة الله النافذة التي لا راد لها، ولا معقب لحكمه. وإليه الإشارة في حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ) . رواه الترمذي (2516) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ". 4. إثبات عظيم قدرة الله، وكماله، وإقامة الحجة على الخلق. ومما لا شك فيه أن كتابة مقادير الخلائق، وصفاتها، وأحوالها، صغيرها وكبيرها، رطبها ويابسها: أمر عظيم، وقد بيَّن الله تعالى أنه عليه يسير؛ إثباتاً لعظيم صفاته، وكمال جلاله، قال تعالى: (أَلمْ تَعْلمْ أَنَّ اللهَ يَعْلمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلكَ عَلى اللهِ يَسِيرٌ) الحج/ 70، وقال الله تعالى: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) الأنعام/59. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: " هذه الآية العظيمة من أعظم الآيات تفصيلا لعلمه المحيط، وأنه شامل للغيوب كلها التي يطلع منها ما شاء من خلقه، وكثير منها طوى علمه عن الملائكة المقربين والأنبياء المرسلين، فضلا عن غيرهم من العالمين، وأنه يعلم ما في البراري والقفار من الحيوانات والأشجار، والرمال والحصى والتراب، وما في البحار من حيواناتها ومعادنها وصيدها، وغير ذلك مما تحتويه أرجاؤها، ويشتمل عليه ماؤها. {وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ} من أشجار البر والبحر، والبلدان والقفر، والدنيا والآخرة {إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأرْضِ} من حبوب الثمار والزروع، وحبوب البذور التي يبذرها الخلق؛ وبذور النوابت البرية التي ينشئ منها أصناف النباتات. {وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ} هذا عموم بعد خصوص. {إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} وهو اللوح المحفوظ، قد حواها واشتمل عليها، وبعض هذا المذكور، يبهر عقول العقلاء، ويذهل أفئدة النبلاء، فدل هذا على عظمة الرب العظيم وسعته في أوصافه كلها، وأن الخلق -من أولهم إلى آخرهم- لو اجتمعوا على أن يحيطوا ببعض صفاته لم يكن لهم قدرة ولا وسع في ذلك، فتبارك الرب العظيم، الواسع العليم، الحميد المجيد، الشهيد المحيط، وجل مِنْ إله، لا يحصي أحد ثناء عليه، بل كما أثنى على نفسه، وفوق ما يثني عليه عباده. فهذه الآية دلت على علمه المحيط بجميع الأشياء، وكتابه المحيط بجميع الحوادث ". انتهى. "تفسير السعدي" (259) . 5. ومن حكَم الكتابة في اللوح المحفوظ: تعليم الخلق الكتابة، والتدوين، وأنه إذا كان الخالق المتصف بصفات الجلال، والكمال، والمنزه عن الخطأ والنسيان قد كتب علمه ودوَّنه: فالإنسان صاحب النسيان والخطأ أولى بالكتابة. قال القرطبي – رحمه الله – في تفسير آية سورة " طه " (قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى) -: هذه الآية ونظائرها - مما تقم، ويأتي - تدل على تدوين العلوم، وكتْبها؛ لئلا تُنسى، فإنَّ الحفظ قد تعتريه الآفات، من الغلط، والنسيان، وقد لا يحفظ الإنسان ما يسمع، فيقيده؛ لئلا يذهب عنه، وروِّينا بالإسناد المتصل عن قتادة أنه قيل له: أنكتب ما نسمع منك؟ قال: وما يمنعك أن تكتب، وقد أخبرك اللطيف الخبير أنه يكتب، فقال: (عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى) ... . " تفسير القرطبي " (11 / 205، 206) . وبعد، فلتعلمي – أيتها الأخت السائلة – أنه لا ينبغي لك أن تشتغلي بالشبهات، والانسياق وراءها، ودين الله تعالى فيه من الآيات البينات ما لا يخفى على عاقل، فانشغلي بطلب العلم، وقراءة القرآن، وتدبر آياته، واقرئي كتب أهل العلم الراسخين، ولا تنشغلي بالوساوس، والشبهات؛ فإنها مهلكات، فإذا قوي إيمانكِ، ورسخ علمكِ: صار قلبك أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا، فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ!! واحمدي الله تعالى أن نجاك من الإلحاد، واستعيني بالله ربك على ثبات دينكِ، والفوز بمرضاته تعالى. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 138798 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 تفسير حديث (لو كان شيء يسبق القدر لسبقته العين) [السُّؤَالُ] ـ[أولا أود أن أشكرك على ما تقدمه من عمل وجهد على هذا الموقع، فلقد استفدت منه كثيرا، والحمد لله، وجزاك الله خيرا. سؤالي يتعلق بحديث قرأته في تفسير ابن كثير، في تفسيره للآية الواحدة والخمسين من سورة القلم، والحديث يقول: (نَعَمْ فَلَوْ كَانَ شَيْءٌ يَسْبِقُ الْقَدَرَ لَسَبَقَتْهُ الْعَيْن) وسؤالي هو: إذا كان الله عز وجل قد قدر لكل مخلوق ما سيكون، وحفظ ذلك في اللوح المحفوظ، وأن ما قدره سيحدث بكل تأكيد، فكيف تتفوق العين الشريرة على القدر؟ هل المقصود من هذا هو التأكيد على قوة العين الشريرة؟ أرجو أن يكون السؤال واضحا. وجزاك الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث رواه الإمام مسلم (2188) في صحيحه عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الْعَيْنُ حَقٌّ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ) . وروى الترمذي (2059) عن أسماء بنت عميس رضي الله عنها قالت: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ وَلَدَ جَعْفَرٍ تُسْرِعُ إِلَيْهِمْ الْعَيْنُ أَفَأَسْتَرْقِي لَهُمْ، فَقَالَ: نَعَمْ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ لَسَبَقَتْهُ الْعَيْنُ) وصححه ابن عبد البر في "الاستذكار" (7/409) ، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1252) . وليس في هذا الحديث ما يدل على معارضة العين لقدر الله عز وجل، بل هي من القدر، وكل ما يصيب الناس من مصائب وابتلاءات إنما هي من أقدار الله، ولكن الحديث جرى مجرى المبالغة في إثبات أثر العين، كي يندفع ما في قلوب بعض الناس من الشك في تأثير العين على الإنسان، ففي هذا الحديث إثبات أثر العين، وتأكيد ذلك بأسلوب المبالغة في سرعة التأثير وقوته، وفيه أيضا إثبات أن العين من قدر الله. قال القرطبي رحمه الله: " (ولو كان شيء سبق القدر لسبقته العين) : هذا تحقيق لإصابة العين، ومبالغة فيه تجري مجرى التمثيل، لا أنه يمكن أن يرد القدر شيء، فإن القدر عبارة عن سابق علم الله تعالى ونفوذ مشيئته، ولا راد لأمره، ولا معقب لحكمه، وإنما هذا خرج مخرج قولهم: لأطلبنك ولو تحت الثرى. أو: لو صعدت إلى السماء، ونحوه مما يجري هذا المجرى، وهو كثير" انتهى بتصرف يسير. "المفهم لما أشكل من تلخيص صحيح مسلم" (5/566) . وقال ابن عبد البر رحمه الله: "وفي قوله صلى الله عليه وسلم: (لو كان شيء يسبق القدر لسبقته العين) دليل على أن المرء لا يصيبه إلا ما قدر له، وأن العين لا تسبق القدر، ولكنها من القدر" انتهى. "التمهيد" (6/240) . وقال أيضا رحمه الله: "وفي قوله: (لو سبق شيء القدر لسبقته العين) دليل على أن الصحة والسقم قد علمهما الله تعالى، وما علم فلا بد من كونه على ما علمه، لا يتجاوز وقته، ولكن النفس تسكن إلى العلاج والطب والرقى وكل سبب من أسباب قدر الله وعلمه" انتهى. "الاستذكار" (8/403) . وقال القاضي عياض رحمه الله: " (لو سبق شيء القدر سبقته العين) : بيان أن لا شيء إلا ما قدره الله، وأن كل شيء من عين وغيره إنما هو بقدر الله ومشيئته، لكن فيه صحة أمر العين وقوة دائه" انتهى. "إكمال المعلم" (7/85) . قال النووي رحمه الله: " (ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين) فيه إثبات القدر، وهو حق بالنصوص وإجماع أهل السنة، ومعناه أن الأشياء كلها بقدر الله تعالى، ولا تقع إلا على حسب ما قدرها الله تعالى، وسبق بها علمه، فلا يقع ضرر العين ولا غيره من الخير والشر إلا بقدر الله تعالى" انتهى. "شرح مسلم" (14/174) . وقال أبو الوليد الباجي رحمه الله: " (لو سبق القدر شيء لسبقته العين) يقتضي أنه لا يسبق اقدر شيء ... لكن لما كان تأثير العين تأثيرا متواليا بينا قال فيه صلى الله عليه وسلم هذا القول على معنى المبالغة فيه" انتهى. "المنتقى شرح الموطأ" (7/258) . وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "جرى الحديث مجرى المبالغة في إثبات العين، لا أنه يمكن أن يرد القدر شيء، إذ القدر عبارة عن سابق علم الله، وهو لا راد لأمره، أشار إلى ذلك القرطبي، وحاصله: لو فرض أن شيئا له قوة بحيث يسبق القدر لكان العين، لكنها لا تسبق، فكيف غيرها؟! " انتهى. "فتح الباري" (10/203-204) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 135795 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 يحتج بالقدر عند المعصية ويقول: " الله غالب " [السُّؤَالُ] ـ[في بلدنا كثيرا ما نقول كلمة "الله غالب"، وقد يكون ذلك في سياق الاحتجاج على عدم فعل أمر ما، فمثلا تقول لشخص لماذا لم تفعل كذا وكذا؟ فيجيب الله غالب، تقول لماذا لم توف بعهدك؟ فيجيب الله غالب، فما حكم هذه الكلمة؟ خاصة في ذلك السياق؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يقول الله عز وجل: (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) يوسف / 21 قال ابن كثير: " أي إذا أراد شيئا فلا يُرَد ولا يمانع ولا يخالف، بل هو الغالب لما سواه. قال سعيد بن جبير: أي: فعال لما يشاء " انتهى. "تفسير ابن كثير" (4 / 378) . وقال الشيخ السعدي رحمه الله: " أي: أمره تعالى نافذ، لا يبطله مبطل، ولا يغلبه مغالب، (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) فلذلك يجري منهم، ويصدر ما يصدر، في مغالبة أحكام الله القدرية، وهم أعجز وأضعف من ذلك " انتهى. "تفسير السعدي" (ص 395) . وهذا كقوله تعالى: (وَهُوَ القاهر فَوْقَ عِبَادِهِ) الأنعام/ 18، ونحو ذلك. فقول القائل: " الله غالب " متى قصد به وصف الله بالغلبة والقدرة، والعزة والقهر، فقد وصف الله بما هو أهله. أما إن قصد به الاحتجاج لنفسه عند التقصير أو العصيان فهو من الاحتجاج بالقدر، والقدر إنما يحتج به على المصائب لا المعائب. قال شيخ الإسلام رحمه الله: " الْقَدَرَ يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ وَلَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ عَلَى مُخَالَفَةِ أَمْرِ اللَّهِ وَنَهْيِهِ وَوَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ " انتهى. "مجموع الفتاوى" (1 /155) . وقال أيضا: " وَلَمَا كَانَ الِاحْتِجَاجُ بِالْقَدَرِ بَاطِلًا فِي فِطَرِ الْخَلْقِ وَعُقُولِهِمْ: لَمْ تَذْهَبْ إلَيْهِ أُمَّةٌ مِنْ الْأُمَمِ، وَلَا هُوَ مَذْهَبُ أَحَدٍ مِنْ الْعُقَلَاءِ الَّذِينَ يَطْرُدُونَ قَوْلَهُمْ؛ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ عَلَيْهِ مَصْلَحَةُ أَحَدٍ لَا فِي دُنْيَاهُ وَلَا آخِرَتِهِ " انتهى. "مجموع الفتاوى" (1 / 167) . وقال الشيخ السعدي رحمه الله: " كل عاقل لا يقبل الاحتجاج بالقدر، ولو سلكه في حالة من أحواله لم يثبت عليها قدمه. وأما شرعا، فإن الله تعالى أبطل الاحتجاج به، ولم يذكره عن غير المشركين به المكذبين لرسله " انتهى. "تفسير السعدي" (1 / 763) . وقد روى مسلم (2664) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ؛ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ) . قال شيخ الإسلام رحمه الله: " فأمره إذا أصابته المصائب أن ينظر إلى القدر ولا يتحسر على الماضي، بل يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، فالنظر إلى القدر عند المصائب والاستغفار عند المعائب " انتهى. "مجموع الفتاوى" (8/ 77) . وقال أيضا: " فإن الإنسان ليس مأمورا أن ينظر إلى القدر عند ما يؤمر به من الأفعال، ولكن عند ما يجرى عليه من المصائب التي لا حيلة له في دفعها، فما أصابك بفعل الآدميين أو بغير فعلهم اصبر عليه، وارض وسلم " انتهى. "مجموع الفتاوى" (8/ 178) . ويقال لهذا القائل: كما أن الله " غالب على أمره "، فالله تعالى حكم قسط، له الخلق والأمر، وقد أمرنا بالطاعة، ونهانا عن المعصية؛ فالنظر إلى قدره، والاحتجاج به لإبطال شرعه، إنما هو من فعل المشركين، كما حكى الله تعالى عنهم ذلك، فقال الله تعالى: (وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ * قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) الأعراف/28-29. وينظر: إجابة السؤال رقم: (20806) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 132820 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 هل يجوز أن يسأل الله أن تكون الفتاة التي توفيت وكان يريد خطبتها عروسا له في الجنة؟ [السُّؤَالُ] ـ[توفيت ابنة خالي في حادث، والتي كنت أنوي خطبتها، فهل يجوز أن أدعو الله أن يجعلها عروسا لي في الجنة، أم أن هذا من التعدي في الدعاء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد للَّه بداية نسأل الله تعالى أن يتغمد تلك الفتاة برحمته، وأن يدخلها جنته، وأن يرزق أهلها وجميع ذويها الصبر والسلوان. ونوصيك أخانا السائل بالإحسان إلى والديها، ومساعدتهم على تجاوز محنتهم، ونوصيك في نفسك بالرضا بقضاء الله وقدره، والإيمان بأن لله سبحانه الأمر من قبل ومن بعد، وهو عز وجل مقدر كل شيء في هذا العالم، له الحكمة البالغة، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون. وأما سؤالك عن الدعاء بأن تكون هذه الفتاة زوجك في الجنة: فليس هناك ما يمنع منه، إن شاء الله، ولك أن تدعو به. وإن كان الذي نختاره لك أن تدعو الله عز وجل بالرحمة والمغفرة، ورفعة درجتها في الجنة؛ فهذا هو الذي ينفعها منك، وتؤجر ـ أنت ـ عليه، إن شاء الله. ونخشى عليك من المبالغة في هذا الأمر، أو اللهج بمثل هذا الدعاء، أن يزداد تعلقك بها، فينغص عليك عيشك، أو يشغلك عن طلب ما يعفك في الدنيا من الزواج الحلال. وننبهك ـ حتى لا تسترسل في تعلقك ـ إلى أنها ماتت وهي أجنبية عنك، فاحذر من الاستغراق في مشهد الحزن، والأسف على ما فاتك منها؛ وقد جعل الله لكل شيء قدرا. ونذكرك بأدب الله لنا في مثل ذلك: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) البقرة /155-157. قال الشيخ السعدي، رحمه الله: " أخبر تعالى أنه لا بد أن يبتلي عباده بالمحن، ليتبين الصادق من الكاذب، والجازع من الصابر، وهذه سنته تعالى في عباده؛ لأن السراء لو استمرت لأهل الإيمان، ولم يحصل معها محنة، لحصل الاختلاط الذي هو فساد، وحكمة الله تقتضي تمييز أهل الخير من أهل الشر. هذه فائدة المحن، لا إزالة ما مع المؤمنين من الإيمان، ولا ردهم عن دينهم، فما كان الله ليضيع إيمان المؤمنين، فأخبر في هذه الآية أنه سيبتلي عباده {بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ} من الأعداء {وَالْجُوعِ} أي: بشيء يسير منهما؛ لأنه لو ابتلاهم بالخوف كله، أو الجوع، لهلكوا، والمحن تمحص لا تهلك. {وَنَقْصٍ مِنَ الأمْوَالِ} وهذا يشمل جميع النقص المعتري للأموال من جوائح سماوية، وغرق، وضياع، وأخذ الظلمة للأموال: من الملوك الظلمة، وقطاع الطريق وغير ذلك. {وَالأنْفُسِ} أي: ذهاب الأحباب من الأولاد، والأقارب، والأصحاب، ومن أنواع الأمراض في بدن العبد، أو بدن من يحبه، {وَالثَّمَرَاتِ} أي: الحبوب، وثمار النخيل، والأشجار كلها، والخضر ببرد، أو برد، أو حرق، أو آفة سماوية، من جراد ونحوه. فهذه الأمور، لا بد أن تقع، لأن العليم الخبير، أخبر بها، فوقعت كما أخبر. فإذا وقعت انقسم الناس قسمين: جازعين وصابرين، فالجازع، حصلت له المصيبتان، فوات المحبوب، وهو وجود هذه المصيبة، وفوات ما هو أعظم منها، وهو الأجر بامتثال أمر الله بالصبر، ففاز بالخسارة والحرمان، ونقص ما معه من الإيمان، وفاته الصبر والرضا والشكران، وحصل له السخط الدال على شدة النقصان. وأما من وفقه الله للصبر عند وجود هذه المصائب، فحبس نفسه عن التسخط، قولا وفعلا واحتسب أجرها عند الله، وعلم أن ما يدركه من الأجر بصبره أعظم من المصيبة التي حصلت له، بل المصيبة تكون نعمة في حقه، لأنها صارت طريقا لحصول ما هو خير له وأنفع منها، فقد امتثل أمر الله، وفاز بالثواب، فلهذا قال تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} أي: بشرهم بأنهم يوفون أجرهم بغير حساب. فالصابرون هم الذين فازوا بالبشارة العظيمة، والمنحة الجسيمة، ثم وصفهم بقوله: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ} وهي كل ما يؤلم القلب أو البدن أو كليهما مما تقدم ذكره. {قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ} أي: مملوكون لله، مدبرون تحت أمره وتصريفه، فليس لنا من أنفسنا وأموالنا شيء، فإذا ابتلانا بشيء منها، فقد تصرف أرحم الراحمين، بمماليكه وأموالهم، فلا اعتراض عليه، بل من كمال عبودية العبد، علمه، بأن وقوع البلية من المالك الحكيم، الذي أرحم بعبده من نفسه، فيوجب له ذلك، الرضا عن الله، والشكر له على تدبيره، لما هو خير لعبده، وإن لم يشعر بذلك، ومع أننا مملوكون لله، فإنا إليه راجعون يوم المعاد، فمجاز كل عامل بعمله، فإن صبرنا واحتسبنا وجدنا أجرنا موفورا عنده، وإن جزعنا وسخطنا، لم يكن حظنا إلا السخط وفوات الأجر، فكون العبد لله، وراجعا إليه، من أقوى أسباب الصبر. {أُولَئِكَ} الموصوفون بالصبر المذكور {عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ} أي: ثناء وتنويه بحالهم {وَرَحْمَةٌ} عظيمة، ومن رحمته إياهم، أن وفقهم للصبر الذي ينالون به كمال الأجر، {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} الذين عرفوا الحق، وهو في هذا الموضع، علمهم بأنهم لله، وأنهم إليه راجعون، وعملوا به وهو هنا صبرهم لله. ودلت هذه الآية، على أن من لم يصبر، فله ضد ما لهم، فحصل له الذم من الله، والعقوبة، والضلال والخسار، فما أعظم الفرق بين الفريقين وما أقل تعب الصابرين، وأعظم عناء الجازعين. فقد اشتملت هاتان الآيتان على توطين النفوس على المصائب قبل وقوعها، لتخف وتسهل، إذا وقعت، وبيان ما تقابل به، إذا وقعت، وهو الصبر، وبيان ما يعين على الصبر، وما للصابر من الأجر، ويُعْلَم حالُ غير الصابر، بضد حال الصابر. وأن هذا الابتلاء والامتحان، سنة الله التي قد خلت، ولن تجد لسنة الله تبديلا وبيان أنواع المصائب. ". انتهى. " تفسير السعدي" (ص/75) . وتأمل معنا ـ أخانا الكريم ـ هذا الأدب النبوي، والهدي السلفي: عَنْ أم المؤمنين: أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها، أَنَّهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا؛ إِلَّا أَخْلَفَ اللَّهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا) . قَالَتْ: فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ، قُلْتُ: أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ؛ أَوَّلُ بَيْتٍ هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟!! ثُمَّ إِنِّي قُلْتُهَا؛ فَأَخْلَفَ اللَّهُ لِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ!! قَالَتْ: أَرْسَلَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ يَخْطُبُنِي لَهُ. فَقُلْتُ: إِنَّ لِي بِنْتًا، وَأَنَا غَيُورٌ؟ فَقَالَ: أَمَّا ابْنَتُهَا فَنَدْعُو اللَّهَ أَنْ يُغْنِيَهَا عَنْهَا، وَأَدْعُو اللَّهَ أَنْ يَذْهَبَ بِالْغَيْرَةِ. رواه مسلم في صحيحه (918) . فادع الله أن يأجرك في مصيبتك، وأن يخلف لك خيرا منها، وادع الله ـ أيضا ـ لهذه الفتاة، ولكل موتى المسلمين، بالرحمة والمغفرة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126724 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 كلمات وأمثال فيها اعتراض على أفعال الله وطعن في حكمته وعدله [السُّؤَالُ] ـ[لماذا ربنا يعطي الذي ليس محتاجاً، والمحتاج لحاجه لا تأتي له؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: أمر الله تعالى بحفظ اللسان، وأن لا يتكلم العبد بالكلمة إلا وهو يعلم أنه ليس فيها إثم، وأخبرنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أنه الناس يُكبون في جهنم بحصائد ألسنتهم، وما أكثر ما يخترع الناس أمثالاً، أو تجري ألسنتهم بكلمات تكون فيها مهلكتهم، إن لم يتداركهم ربهم تعالى برحمته. وإن العبد الموفَّق ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يثيبه الله عليها أعظم الثواب، وإن العبد المخذول ليتكلم بالكلمة لا يظن أنها تبلغ به شيئاً تهوي به في نار جهنم. قال تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) ق/ 18. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ) . رواه البخاري (6113) . وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ) . رواه البخاري (6109) . وقال بعض السلف: " ما على وجه الأرض شيء أَحوج إلى طول حَبْس من اللسان "! . ثانياً: مثل هذا الكلام القبيح يدرج في أمثال بعض البلاد، وتتناقله الألسن، دون أن يعي أحدهم أنه وقع بقوله في مخالفات شرعية، تتعلق بصفات الله تعالى، وأسمائه، وأفعاله، ففي هذا القول الوارد في السؤال اعتراض على أفعال الله تعالى، وتقديراته، وعلمه، وحكمته، وعدله. ومن تلك الأمثال الدارجة " يعطي الحلَق للذي ليس له أُذُن! " و " يعطي اللحم للذي ليس له أسنان "، ويعنون به: الله تعالى. وفي هذا الكلام ما لا يخفى من سوء الأدب مع الله تعالى، وسوء الظن به، فيقال فيه: 1. في كلام السوء هذا يعني أن الله تعالى أعطى النعمة من لا يستحقها، وأن هناك مَن هو أولى بهذه النعمة مِن هذا المُعطَى! وهذا من أعظم الطعن في حكمة الله، وعدله. وليس أحدٌ في غنى عن فضل الله وعطائه، وقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) فاطر/ 15. والله تعالى يقدِّر ما يشاء لحكَم جليلة، فمن أغناه الله فلحكمة، ومن أفقره الله فلحكمة، فهو يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر لحكَمة، قال تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة/من الآية 28، وقال تعالى: (فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) الحجرات/ 8. ولله خزائن السموات والأرض، وما يهبه تعالى لخلقه: فهو بقدَرٍ معلومٍ، قال تعالى: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) الحِجر/ 21. 2. وما يظنه الإنسان القاصر في فهمه وإدراكه أن الخير له هو في غناه، وسلطانه، وجاهه: خطأ، وقصور، يتناسب مع طبيعة الإنسان القاصرة، فقد يكون الخير في نزع تلك الأشياء منه، كما قد يكون الذل خيراً له! نعم، فلربما ذلُّه قاده إلى إسلام بعد كفر، أو طاعة بعد معصية، كما أن المال، والملك، والجاه، والعز قد يكون شرّاً له، فيكون هذا المسكين يعترض على قدر الله وحكمته، ويسعى لما فيه تلفه، وهلاكه. قال تعالى: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) آل عمران/ 26. ومن تأمل حديث الأقرع والأبرص والأعمى: علم أن القَرَعَ والبَرَصَ كانا خيراً لصاحبيهما من المال الذي طلباه، فلما طلب الأول شعراً حسناً فأُعطيه، وطلب الثاني جلداً حسناً فأُعطيه، بل وأُعطي كل واحد منهما مالاً وفيراً: كان ذلك سبباً في فتنتهما، وسخط الله عليهما، حيث أنكرا نعمة الله عليهما، وبخلا بما أعُطيا من مال. والحديث رواه البخاري (3277) ومسلم (2964) . 3. ثم إن الله تعالى هو المتفرد بالملك، والخلق، والرزق، ولا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، ولم يحصل الاعتراض على هبة النعمة من الله إلا من المشركين وإخوانهم. قال ابن كثير – رحمه الله – تعليقاً على آية (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ) -: أي: أنت المتصرف في خلقك، الفعَّال لما تريد، كما ردَّ تبارك وتعالى على من يتحكم عليه في أمره، حيث قال: (وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم) الزخرف / 31، قال الله تعالى ردّاً عليهم: (أهم يقسمون رحمت ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات) الآية، الزخرف/ 32، أي: نحن نتصرف في خلقنا كما نريد، بلا ممانع، ولا مدافع، ولنا الحكمة، والحجة في ذلك، وهكذا نعطي النبوة لمن نريد، كما قال تعالى: (الله أعلم حيث يجعل رسالته) الأنعام/ 124، وقال تعالى: (انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا) . " تفسير ابن كثير " (2 / 29) . ولما ذكر الله تعالى اعتراض بعض الناس على مُلكٍ آتاه الله بعض خلقه: أرجع الله تعالى الأمر إلى علمه، وحكمته، وفضله، وأن الأمر لا يرجع إلا إليه عز وجل، وذلك في قوله تعالى: (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) البقرة/ 247. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: قوله تعالى: (والله يؤتي ملكه من يشاء) أي: يُعطي ملكَه من يشاء، على حسب ما تقتضيه حكمته، كما قال تعالى: (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير) آل عمران/ 26. قوله تعالى: (والله واسع) أي: ذو سعة في جميع صفاته: واسع في علمه، وفضله، وكرمه، وقدرته، وقوته، وإحاطته بكل شيء، وجميع صفاته وأفعاله. و (عليم) أي: ذو علم بكل شيء، ومنه: العلم بمن يستحق أن يكون ملِكاً، أو غيرَه من الفضل الذي يؤتيه الله سبحانه وتعالى من يشاء. " تفسير سورة البقرة " (3 / 213، 214) . 4. أن قائل مثل هذه العبارات وقع في الفتنة من حيث يشعر أو لا يشعر، فالله تعالى جعل الناس بعضهم لبعض فتنة، منهم الغني، ومنهم الفقير، ومنهم الشريف، ومنهم الوضيع، فمن رضي بما قسم الله، ولم يسخطه: نجا من الفتنة، ومن اعترض وسخط: فله السخط، قال تعالى: (وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً) الفرقان/ من الآية 20، وقال تعالى: (وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) الأنعام/ 53. قال القرطبي – رحمه الله -: قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ) أي: إن الدنيا دار بلاء، وامتحان، فأراد سبحانه أن يجعل بعض العبيد فتنة لبعض على العموم في جميع الناس، مؤمن، وكافر، فالصحيح فتنة للمريض، والغني فتنة للفقير، والفقير الصابر فتنة للغني، ومعنى هذا أن كل واحد مختبر بصاحبه؛ فالغني ممتحن بالفقير، عليه أن يواسيه ولا يسخر منه، والفقير ممتحن بالغني، عليه ألا يحسده، ولا يأخذ منه إلا ما أعطاه، وأن يصبر كل واحد منهما على الحق، كما قال الضحاك في معنى (أَتَصْبِرُونَ) : أي: على الحق. وأصحاب البلايا يقولون: ِلمَ لمْ نُعَافَ؟ والأعمى يقول: لمَ لمْ أُجعل كالبصير؟ وهكذا صاحب كل آفة، والرسول المخصوص بكرامة النبوة فتنة لأشراف الناس من الكفار في عصره، وكذلك العلماء، وحكام العدل، ألا ترى إلى قولهم (لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) الزخرف/ 31، فالفتنة: أن يَحسد المبتلى المعافى، ويَحقر المعافى المبتلى، والصبر: أن يحبس كلاهما نفسه، هذا عن البطر، وذاك عن الضجر. (أَتَصْبِرُونَ) محذوف الجواب، يعني: أم لا تصبرون؟ . " تفسير القرطبي " (13 / 18) . 5. أن مثل هذه الكلمات الدارجة على الألسنة فيها سوء ظن بالله تعالى، وهي فتنة لم يَنج منها كثير من الناس، فيظن الواحد منهم أنه يستحق أكثر مما قدِّر له، وأنه أولى بكثرة الخير والصرف عن السوء والشر من غيره، وفي ذلك من الاعتراض على قدر الله تعالى ما يخلخل به المرء ركناً من أركان الإيمان، وهو الإيمان بالقدر شرِّه وخيره، وأنه كله من عند الله، قدَّره، وكتبه، وشاءه، ثم خلقه، بحكمته تعالى، وعدله. قال ابن القيم – رحمه الله -: فأكثر الخلق، بل كلهم، إلا مَن شاء الله: يظنون باللهِ غيرَ الحقِّ ظنَّ السَّوْءِ، فإن غالبَ بني آدم يعتقد أنه مبخوسُ الحق، ناقصُ الحظ، وأنه يستحق فوقَ ما أعطاهُ اللهُ، ولِسان حاله يقول: ظلمني ربِّي، ومنعني ما أستحقُه، ونفسُه تشهدُ عليه بذلك، وهو بلسانه يُنكره، ولا يتجاسرُ على التصريح به، ومَن فتَّش نفسَه، وتغلغل في معرفة دفائِنها، وطواياها: رأى ذلك فيها كامِناً كُمونَ النار في الزِّناد، فاقدح زنادَ مَن شئت: يُنبئك شَرَارُه عما في زِناده، ولو فتَّشت مَن فتشته: لرأيت عنده تعتُّباً على القدر، وملامة له، واقتراحاً عليه خلاف ما جرى به، وأنه كان ينبغي أن يكون كذا وكذا، فمستقِلٌّ، ومستكثِر، وفَتِّشْ نفسَك هل أنت سالم مِن ذلك؟ . فَإنْ تَنجُ مِنْهَا تنج مِنْ ذِى عَظِيمَةٍ ... وَإلاَّ فَإنِّى لاَ إخَالُكَ نَاجِيَاً فليعتنِ اللبيبُ الناصحُ لنفسه بهذا الموضعِ، وليتُبْ إلى الله تعالى، وليستغفِرْه كلَّ وقت من ظنه بربه ظن السَّوْءِ، وليظنَّ السَّوْءَ بنفسه التي هي مأوى كل سوء، ومنبعُ كل شرٍّ، المركَّبة على الجهل، والظلم، فهي أولى بظن السَّوْءِ من أحكم الحاكمين، وأعدلِ العادلين، الراحمين، الغنيِّ الحميد، الذي له الغنى التام، والحمدُ التام، والحكمةُ التامة، المنزّهُ عن كل سوءٍ في ذاته، وصفاتِهِ، وأفعالِه، وأسمائه، فذاتُه لها الكمالُ المطلقُ مِن كل وجه، وصفاتُه كذلك، وأفعالُه كذلك، كُلُّها حِكمة، ومصلحة، ورحمة، وعدل، وأسماؤه كُلُّها حُسْنَى. فَلا تَظْنُنْ بِرَبِّكَ ظَنّ سَؤْءِ ... فَإنَّ اللهَ أَوْلَى بِالجَمِيلِ وَلا تَظْنُنْ بِنَفْسِكَ قَطُّ خَيْراً ... وَكَيْفَ بِظَالِمٍ جَانٍ جَهُولِ وَقُلْ يَا نَفْسُ مَأْوَى كُلِّ سُوءِ ... أَيُرجَى الخَيْرُ مِنْ مَيْتٍ بَخيلِ وظُنَّ بِنَفّسِكَ السُّوآى تَجِدْهَا ... كَذَاكَ وخَيْرُهَا كَالمُسْتَحِيلِ وَمَا بِكَ مِنْ تُقىً فِيهَا وَخَيْرٍ ... فَتِلْكَ مَوَاهِبُ الرَّبِّ الجَلِيلِ وَلَيْسَ بِهَا وَلاَ مِنْهَا وَلَكِنْ ... مِنَ الرَّحْمن فَاشْكُرْ لِلدَّلِيلِ " زاد المعاد في هدي خير العباد " (3 / 235، 236) . وبنصيحة ابن القيم الرائعة نختم كلامنا، فلعلَّ كلَّ واحدٍ منَّا أن يفتِّش نفسه، ويتأمل في حالها، ونرجو الله تعالى أن يصلح أحوالنا، وأن يسدد أقولنا، وأعمالنا. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126019 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 سائل يقول: لماذا خلق الله الخلق وهو يعلم مصيرهم في الجنة أو النار؟! [السُّؤَالُ] ـ[لدي سؤال أتمنى منكم الإجابة عليه، وجزاكم الله خيراً، إذا كان الله سبحانه يعلم الغيب، ويعلم ماذا سيفعل الناس، ويعلم من سيذهب إلى النار، أو إلى الجنة - حيث إن علم الله سبق كل شيء - فلماذا خلَقَنَا إذن؟ ولماذا أنزل الله إبليس إلى الأرض مع آدم وحواء، مع العلم أن التوبة لن تنفعه وأنه حكم عليه بجهنم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إن معرفة الغاية التي من أجلها خلق الله الخلق فيها الجواب عن كثير من الإشكالات والشبهات التي يرددها كثير من الملحدين، وقد يتأثر بها بعض المسلمين، ومن تلك الشبهات الظن بأن الله تعالى خلق الناس من أجل أن يضع بعضهم في الجنة، وآخرين في النار! وهذا ظن خاطئ، وما من أجل ذلك خلق الله الخلق، وأوجدهم. وليعلم الأخ السائل – ومن رام معرفة الحق – أن الغاية من خلق الإنسان، وخلق السموات، والأرض: ليُعرف سبحانه وتعالى، ويوحَّد، ويطاع. قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدون) الذاريات/ 56. قال ابن كثير – رحمه الله -: أي: إنما خلقتُهم لآمرهم بعبادتي، لا لاحتياجي إليهم. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (إلا ليعبدون) أي: إلا ليقروا بعبادتي طوعاً، أو كرهاً. وهذا اختيار ابن جرير. " تفسير ابن كثير " (4 / 239) . وثمة خلط عند كثيرين بين الغاية المرادة من العباد، وهي: شرعه الذي أحبه منهم، وأمرهم به، والغاية المرادة بالعباد، وهي إثابة المطيع، ومعاقبة العاصي، وهذا من قدره الكائن الذي لا يرد ولا يبدل. قال ابن القيم - رحمه الله -: وأما الحق الذي هو غاية خلقها – أي: السموات والأرض وما بينهما -: فهو غاية تُراد من العباد، وغاية تراد بهم. فالتي تُراد منهم: أن يعرفوا الله تعالى، وصفات كماله عز وجل، وأن يعبدوه لا يشركوا به شيئاً، فيكون هو وحده إلههم، ومعبودهم، ومطاعهم، ومحبوبهم، قال تعالى: (الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً) . فأخبر أنه خلق العالم ليَعرف عبادُه كمالَ قدرته، وإحاطة علمه، وذلك يستلزم معرفته ومعرفة أسمائه وصفاته وتوحيده. وقال تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) ، فهذه الغاية هي المرادة من العباد، وهي أن يعرفوا ربهم، ويعبدوه وحده. وأما الغاية المرادة بهم: فهي الجزاء بالعدل، والفضل، والثواب، والعقاب، قال تعالى (ولله ما في السموات وما في الأرض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى) النجم/ 31، قال تعالى (إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى) طه/ 15، وقال تعالى (ليبين لهم الذي يختلفون فيه وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين) النحل/ 39، قال تعالى (إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا تذكرون إليه مرجعكم جميعا وعد الله حقا إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون) يونس/ 3، 4. " بدائع الفوائد " (4 / 971) . وللمزيد من معرفة الحكمة مِن خَلْق البشر: نرجو النظر جواب السؤال رقم (45529) . ثانياً: إن الله تعالى لا يُدخل الناس الجنة أو النار، لمجرد أنه يعلم أنهم يستحقون ذلك؛ بل يُدخلهم الجنة والنار بأعمالهم التي قاموا بها ـ فعلا ـ في دنياهم، ولو أن الله تعالى خلق خلّقاً وأدخلهم ناره: لأوشك أن يحتجوا على الله بأنه لم يختبرهم، ولم يجعل لهم مجالاً للعمل، وهذه حجة أراد الله تعالى دحضها؛ فخلقهم في الدنيا، وركَّب لهم عقولاً، وأنزل كتبه، وأرسل رسله، وكل ذلك لئلا يكون لهؤلاء حجة على الله يوم القيامة. قال تعالى: (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً) النساء/ 165. قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله -: فصرح في هذه الآية الكريمة: بأن لا بد أن يقطع حجة كل أحدٍ بإرسال الرسل، مبشِّرين من أطاعهم بالجنة، ومنذرين مَن عصاهم النار. وهذه الحجة التي أوضح هنا قطعَها بإرسال الرسل مبشرين ومنذرين: بيَّنها في آخر سورة طه بقوله (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِن قَبْلِهِ لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَذِلَّ وَنَخْزَى) ، وأشار لها في سورة القصص بقوله: (وَلَوْلا أَن تُصِيبَهُم مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُواْ رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ، وقوله جلَّ وعلا: (ذلِكَ أَن لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ) ، وقوله: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَاءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ) ، وكقوله: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ أَن تَقُولُواْ إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِن رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ) ، إلى غير ذلك من الآيات. ويوضح ما دلت عليه هذه الآيات المذكورة وأمثالها في القرآن العظيم من أن الله جلَّ وعلا لا يعذب أحداً إلا بعد الإنذار والإعذار على ألسنة الرسل عليهم الصلاة والسلام: تصريحه جلَّ وعلا في آيات كثيرة: بأنه لم يُدخل أحداً النار إلا بعد الإعذار والإنذار على ألسنة الرسل، فمن ذلك قوله جلَّ وعلا: (كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُواْ بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَىْءٍ) . ومعلوم أن قوله جلَّ وعلا: (كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ) يعم جميع الأفواج الملقين في النار. قال أبو حيان في " البحر المحيط " في تفسير هذه الآية التي نحن بصددها ما نصه: و (كُلَّمَا) تدل على عموم أزمان الإلقاء، فتعم الملقَيْن. ومن ذلك قوله جلَّ وعلا: (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُواْ بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ) ، وقوله في هذه الآية: (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ) عام لجميع الكفار ... . فقوله تعالى: (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً) إلى قوله (قالُوا بَلَى) : عام في جميع الكفار، وهو ظاهر في أن جميع أهل النار قد أنذرتهم الرسل في دار الدنيا، فعصوا أمر ربهم، كما هو واضح. " أضواء البيان " (3 / 66، 67) . وفي اعتقادنا أن معرفة الغاية التي خلَق الله الخلق من أجلها، ومعرفة أن الله تعالى لا يعذِّب أحداً وفق ما يعلم منه سبحانه، بل جزاء أعماله في الدنيا، وأن في هذا قطعاً لحجته عند الله: يكون بذلك الجواب عن الإكال الوارد في السؤال. ثالثاً: وأما لماذا أنزل إبليس إلى الأرض، مع آدم وذريته، ففرق بين نزول آدم ونزول إبليس؛ آدم عليه السلام نزل إلى الأرض، وقد تاب إلى ربه جل جلاله، فتاب عليه وهداه، وأنزله إلى دار الدنيا، نبيا مكرما، مغفورا له، يبقى في دار الدنيا إلى أجله الذي أجله الله له. وأما عدو الله إبليس، فإنه لم يتب أصلا، ولا ندم عن ذنبه، ولا رجع، ولا رجا التوبة، ولا سلك لها سبيلا، بل عاند واستكبر، وطغى وكفر، وطلب من الله جل جلاله، ألا يعجل بهلاكه وعذابه، بل يؤخر ذلك إلى يوم الوقت المعلوم، لا يأخذ فرصته في التوبة، ويتمكن من الإنابة، بل ليكمل طريق الشقاء، ويأخذ أهل الغواية معه إلى دار البوار؛ فنزل إماما لحزبه، حزب الشيطان الخاسرين، لتتم حكمة الله في خلقه، وابتلائه لهم: هل يطيعونه، أم يطيعون عدوه؛ ولتتم الشقوة على العدو اللعين: بعناده وفساده، ويستحق من ربه الخسران المبين. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 123973 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 التشاؤم من المنزل [السُّؤَالُ] ـ[شخص سكن في دار، فأصابته الأمراض، وكثير من المصائب مما جعله يتشاءم هو وأهله من هذه الدار، فهل يجوز له تركها لهذا السبب؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "ربما يكون بعض المنازل، أو بعض المركوبات، أو بعض الزوجات مشؤوماً يجعل الله بحكمته مع مصاحبته إما ضرراً، أو فوات منفعة، أو نحو ذلك؛ وعلى هذا فلا بأس ببيع هذا البيت، والانتقال إلى بيت غيره؛ ولعل الله أن يجعل الخير فيما ينتقل إليه؛ وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (الشؤم في ثلاث: الدار، والمرأة، والفرس) فبعض المركوبات يكون فيها شؤم، وبعض الزوجات يكون فيهن شؤم، وبعض البيوت يكون فيها شؤم، فإذا رأى الإنسان ذلك فليعلم أنه بتقدير الله عز وجل، وأن الله سبحانه وتعالى بحكمته قدر ذلك لينتقل الإنسان إلى محل آخر، والله أعلم" انتهى. الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. "فتاوى العقيدة" (ص303) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120212 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 كلمات في أسباب المصائب والصبر عليها [السُّؤَالُ] ـ[من المعلوم أن الصبر على أقدار الله عز وجل واحتساب أجرها عند الله من عقيدة المسلم، وكذلك الرضا بالمقدور الذي قدَّره الله عز وجل منزلة من منازل المؤمنين الذين يتفاوتون فيها، فهل هناك فرق بين المصيبة الحاصلة على الإنسان بتفريطه وتهاونه، أم الكل سواء، بمعنى آخر: إنسان فاته التعليم، والجد، والاجتهاد في طلب العلم، وهو قادر عليه ثم بعد أن بلغ من العمر ما بلغ أخذ يتحسر، بل ويصل به الحزن إلى درجة كبيرة، ويقول: كيف فرطت أيام كانت الظروف مواتية ومتاحة لي، ويرى بعض الإخوان أن هذا الحزن والتأفف فيه اعتراض على القدر؛ لأنهم يقولون لو أراد الله لك ذلك لكان. أرجو التوضيح أكثر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله 1. المؤمن الموحد يعلم أن كل شيء إنما هو بقدَر الله تعالى، وأن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنه ليس ثمة شيء يمكن أن يحجز قدر الله أن ينفذ في خلقه سبحانه وتعالى، وبذا يطمئن قلب المؤمن الموحِّد، ويعلم أن لا مجال للأسى والحزن أن يكونا في حياته؛ لأن أمر الله سبق، ومشيئته نفذت. قال الله تعالى: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ. لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) الحديد/ 22، 23. وقال تعالى: (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) التوبة/ 51. 2. وإذا كان هذا هو حال المؤمن الموحد لم يكن في حياته ندم على ما فاته، ولن يكون للتحسر و" لو " موضع في كلامه، وهذا الذي قدَّره الله تعالى على عبده لا يخلو من حالين: الأول: أن يكون بسبب معصية وقع فيها العبد، فقدَّر الله عليه بسببها مصائب. قال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) الشورى/ 30. والثاني: أن يكون ذلك ابتلاء من الله لرفع درجته، وتكفير سيئاته. فماذا يصنع المؤمن الموحِّد بعد أن يعلم هذا ويعتقده اعتقاداً جازماً؟ الواجب عليه إن كانت المصيبة بسبب معصية فعلها، أو آثام ارتكبها، أو تفريط فيما ينبغي عليه، أن يبادر إلى التوبة والاستغفار، وأن يرجع إلى ربه ويئوب، ويندم على ما اكتسبه، ويُصلح ما بينه وبين خالقه ومولاه، قال تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) طه/ 82. وإن كانت المصيبة مجرد ابتلاء لرفع الدرجات وتكفير السيئات: فليس أمام المؤمن الموحِّد إلا الرضا بقدر الله، واحتساب ما أصابه لربه تعالى، راجياً الأجور، طامعاً في تكفير الذنوب. وفي كلا الحالين لن يكون قلب المؤمن الموحد إلا قويّاً مطمئنّاً، ولن يصيبه الضعف والخور، بل يبادر إلى الطاعة والعمل، وإن كان عاصياً ترك معاصيه وعاد أفضل مما كان، وإن كان طائعاً ازداد في طاعة خالقه ومولاه. 3. والشيطان يحاول إضعاف قلب المؤمن، وإدخال الحزن والأسى على قلبه، ويبذل جهده لقذف العجز في جوارحه، وكل ذلك بقول " لو " على ما مضى مما فعله، أو مما لم يفعله، ومع هذا الشر والفساد كله: فهو يجعله يعيش في الأوهام والظنون الكاذبة، ويقول " لو كان كذا لكان كذا "! وما يدريه أن الأمر كذلك؟ فانظر – رعاك الله – إلى ما يحدثه الشيطان من التحسر والحزن والتخرص والظن على قدر الله تعالى، ومع ذلك كله فهو يضعفه عن العمل، ويُعجزه عن الطاعة، ويظل يندب حظه ويتحسر حتى يفوت عمره! وقد أخبرنا الله تعالى أن هذا من فعل المنافقين، وحذَّرنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من أن نسلك هذا الطريق. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ) . رواه مسلم (2664) . وانظر وتأمل هذا الحديث العظيم، وفيه بيان الفرق بين المؤمن القوي والمؤمن الضعيف، وفيه الحث على العمل وعدم العجز، وكل ذلك مناسب تماماً للنهي عن التحسر بقول " لو ". قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان – حفظه الله - عندما يقع الإنسان في مكروه أو تصيبه مصيبة فإنه لا يقول: " لو أني فعلت كذا ما حصل عليَّ هذا! ، أو: لو أني لم أفعل لم يحصل كذا! "؛ لما في ذلك من الإشعار بعدم الصبر على ما فات مما لا يمكن استدراكه؛ ولما يشعر به اللفظ من عدم الإيمان بالقضاء والقدر؛ ولما في ذلك من إيلام النفس، وتسليط الشيطان على الإنسان بالوساوس والهموم. والواجب بعد نزول المصائب: التسليم للقدر، والصبر على ما أصاب الإنسان، مع عمل الأساب الجالبة للخير، والواقية من الشر والمكروه بدون تلوم. وقد ذمَّ الله الذين قالوا هذه الكلمة عند المصيبة التي حلَّت بالمسلمين في وقعة أحد، فقال تعالى: (يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا) ، هذه مقالة قالها بعض المنافقين يوم " أُحد " لمَّا حصل على المسلمين ما حصل من المصيبة، قالوها يعارضون القدَر، ويعتبون على النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين خروجهم إلى العدو، فردَّ الله عليهم بقوله تعالى: (قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ) ، أي: هذا قدَر مقدَّر من الله لابد أن يقع، ولا يمنع منه التحرز في البيوت والتلهف. وقول " لو " بعد نزول المصيبة لا يفيد إلا التحسر، والحزن، وإيلام النفس، والضعف، مع تأثيره على العقيدة، من حيث إنه يوحي بعدم التسليم للقدر. ثم ذكر سبحانه عن هؤلاء المنافقين مقالة أخرى، وذلك في قوله تعالى: (الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا) ، وهذه من مقالات المنافقين يوم " أحُد " أيضاً، ويروى أن عبد الله بن أبي كان يعارض القدر ويقول: لو سمعوا مشورتنا عليهم بالقعود وعدم الخروج: ما قُتلوا مع من قتل، فردَّ الله عليهم بقوله: (قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ) ؛ أي: إذا كان القعود وعدم الخروج يسلَم به الشخص من القتل أو الموت: فينبغي أن لا تموتوا، والموت لا بدَّ أن يأتي إليكم في أي مكان؛ فادفعوه عن أنفسكم إن كنتم صادقين في دعواكم أن من أطاعكم سلِم من القتل ... فقد وجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى فعل الأسباب التي تنفع العبد في دنياه وآخرته مما شرعه الله تعالى لعباده من الأسباب الواجبة، والمستحبة، والمباحة، ويكون العبد في حال فعله السبب مستعيناً بالله، ليتم له سببه وينفعه؛ لأن الله تعالى هو الذي خلق السبب والمسبب، والجمع بين فعل السبب والتوكل على الله توحيد، ثم نهى عن العجز، وهو ترك فعل الأسباب النافعة، وهو ضد الحرص على ما ينفع، فإذا حرص على ما ينفعه، وبذل السبب، ثم وقع خلاف ما أراد أو أصابه ما يكره: فلا يقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا؛ لأن هذه الكلمة لا تجدي شيئاً، وإنما تفتح عمل الشيطان، وتبعث على التأسف ولوم القدر، وذلك ينافي الصبر والرضى، والصبر واجب، والإيمان بالقدر فرض، ثم أرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى اللفظ النافع المتضمن للإيمان بالقدر، وهو أن يقول: (قدر الله وما شاء فعل) ؛ لأن ما قدره الله لا بدَّ أن يكون، والواجب التسليم للمقدور، وما شاء الله فعل؛ لأن أفعاله لا تصدر إلا عن حكمة. قال الإمام ابن القيم رحمه الله: " والعبد إذا فاته المقدور له حالتان: حالة عجز: وهي عمل الشيطان، فيلقيه العجز إلى " لو "، ولا فائدة فيها، بل هي مفتاح اللوم. والحالة الثانية: النظر إلى المقدور وملاحظته، وأنه لو قدر لم يفته، ولم يغلبه عليه أحد، فأرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما ينفعه حال حصول مطلوبه وحال فواته، ونهاه عن قول " لو "، وأخبره أنها تفتح عمل الشيطان؛ لما فيها من التأسف على ما فات، والتحسر والحزن، ولوم القدر، فيأثم بذلك، وذلك من عمل الشيطان، وليس هذا لمجرد لفظ " لو "؛ بل لما قارنها من الأمور القائمة بقلبه المنافية لكمال الإيمان الفاتحة لعمل الشيطان ... فهذا الحديث الذي رواه أبو هريرة لا يستغني عنه العبد، وهو يتضمن إثبات القدر، وإثبات الكسب، والقيام بالعبودية. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في معنى هذا الحديث: " لا تعجز عن مأمور، ولا تجزع من مقدور ". " الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد والرد على أهل الشرك والإلحاد " (ص 130 – 133) . 4. ومن فاته التعليم في الصغر: فليكن ندمه على تفريطه دافعاً له لاستثمار ما بقي من عمره، لا أنه يضعف ويعجز ويترك التعلم، ومن فاته الحج في شبابه: فليبادر في أول فرصة لكي يحج ولا ينبغي له أن يتوانى ويكس أكثر وأكثر، وهكذا في طاعة وخير فاته، فإنما عليه أن يؤمن بأنه قدر الله، ولا ينبغي له أن يعجز، وعليه أن يكون قويّاً، ويحرص على ما ينفعه، وإن كان ما فات بسبب معاصيه: فليفعل كل ما سبق ذكره، ويضيف إليه: التوبة الصادقة من الذنوب والآثام، وليسأل ربه تعالى أن يرزقه اعتقادا حسناً، وأن يوفقه لما يحب ويرضى من القول والعمل. على أننا ننبهك ـ أخي الكريم ـ إلى أن الخير والصلاح، والهدى والفلاح، في الجنة والآخرة، ليس له باب واحد، بل له أبواب كثيرة؛ فمن عجز عن باب العلم، فعنده من العلم أبواب، يعوض بها ما فاته من العلم وفضله، فإن كنت ذا مال، فأنفق في سبيل الله، وجاهد بمالك، وإن ذا قوة، فعندك الصوم فإنه لا عدل له، وعندك الصلاة فإنها خير موضوع، وعندك الحج والعمرة، وعندك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعندك الذكر والتسبيح وتلاوة القرآن ... ، وعندك من الخير أبواب وأبواب، وكل ميسر لما خلق له، ولا يهلك على الله إلا هالك. نسأل الله أن يوفقك، ويهديك، ويثبتك على الخير. وينظر – للاستزادة -: أجوبة الأسئلة: (49039) و (49004) و (43021) و (34732) و (11010) و (85362) . والله الموفق [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114019 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 كيف يعرف المصاب إن كانت مصيبته عقوبة أو ابتلاء لرفع درجاته؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا وقعت للمسلم مصيبة، فكيف نعرف هل هي عقوبة على معاصيه، أم ابتلاء لرفع درجاته؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله للمصائب والابتلاءات في الكتاب والسنة سببان اثنان مباشران – إلى جانب حكمة الله تعالى في قضائه وقدره -: السبب الأول: الذنوب والمعاصي التي يرتكبها الإنسان، سواء كانت كفرا أو معصية مجردة أو كبيرة من الكبائر، فيبتلي الله عز وجل بسببها صاحبها بالمصيبة على وجه المجازاة والعقوبة العاجلة. يقول الله عز وجل: (وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) النساء/79، قال المفسرون: أي بذنبك. ويقول سبحانه: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) الشورى/30، انظر "تفسير القرآن العظيم" (2/363) . وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) . رواه الترمذي (2396) وحسنه، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي ". السبب الثاني: إرادة الله تعالى رفعة درجات المؤمن الصابر، فيبتليه بالمصيبة ليرضى ويصبر فيُوفَّى أجر الصابرين في الآخرة، ويكتب عند الله من الفائزين، وقد رافق البلاء الأنبياء والصالحين فلم يغادرهم، جعله الله تعالى مكرمة لهم ينالون به الدرجة العالية في الجنة، ولهذا جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا سَبَقَتْ لَهُ مِنْ اللَّهِ مَنْزِلَةٌ لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ ابْتَلَاهُ اللَّهُ فِي جَسَدِهِ أَوْ فِي مَالِهِ أَوْ فِي وَلَدِهِ) رواه أبو داود (3090) ، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (رقم/2599) وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قَالَ: إِنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ البَلاَءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاَهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ) . رواه الترمذي (2396) وحسنه، وصححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (رقم/146) وقد جُمع السببان في حديث عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ شَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَهَا إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً، أَوْ حَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً) رواه البخاري (5641) ، ومسلم (2573) . ثم إن التداخل والاشتراك بين هذين السببين أعظم من الصور التي ينفرد كل منهما به: ألا ترى أن من ابتلاه الله بمصيبة بسبب ذنبه فصبر وشكر غفر الله تعالى له ذنبه، ورفع درجته في الجنة، ووفاه أجر الصابرين المحتسبين. كما أن من بتلاه الله بالمصيبة ليبلغ المنزلة الرفيعة التي كتبها له في الجنة، تكفر عنه ذنوبه السالفة، وتعتبر جزاء له عليها في الدنيا، فلا تكرر عليه في الآخرة، كما وقع لبعض الرسل والأنبياء: كآدم عليه السلام، ويونس عليه السلام، حين ابتلى الله سبحانه وتعالى آدم بالإخراج من الجنة، وابتلى يونس بن متى بالغرق في بطن الحوت، فرفعهما الله بهذا البلاء لصبرهما واحتسابهما الثواب عنده سبحانه، وكانت كفارة للمخالفة التي وقعت من كل منهما عليهما الصلاة والسلام. ويدلك على ذلك أن الجزاء الدنيوي لا ينفصل عن الجزاء الأخروي، وأن اقتران ذكر هذين السببين جاء في كثير من الأحاديث النبوية الصحيحة، منها ما رواه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاَءً؟ قَالَ: الأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلاَؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ البَلاَءُ بِالعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ) . رواه الترمذي (2398) وقال: حسن صحيح. ومع ذلك فقد يكون أحد هذين السببين أظهر في بعض صور البلاء من السبب الآخر، ويمكن فهم ذلك من خلال قرائن الحال التي تتعلق بتلك المصيبة: فإذا كان المبتلى كافرا: فلا يمكن أن يكون بلاؤه لرفعة درجته، فالكافر ليس له عند الله وزن يوم القيامة، لكن قد يكون في ذلك عبرة وعظة لغيره، ألا يفعل مثل فعله، وقد يكون من ذلك من عاجل عقاب الله له في الدنيا، زيادة على ما ادخره له في الآخرة. قال الله تعالى: (أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي الأرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ * لَهمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ) الرعد /33-34 وأما إذا كان المبتلى مسلما عاصيا مجاهرا، أو فاسقا ظاهر الفسق: فقد يغلب على الظن وجه المجازاة والعقوبة بهذا الابتلاء، لأن تكفير السيئات أسبق من رفع الدرجات، والعاصي أحوج إلى تكفير سيئاته من رفع درجاته. وفي المقابل إذا كان المسلم عابدا طائعا صالحا، ليس بينه وبين الله إلا العبودية الحقة، والشكر والحمد والإنابة والإخبات إليه سبحانه: فهذا يغلب على الظن في ابتلائه وجه المكرمة ورفع الدرجات، والعباد شهداء الله في الأرض، فإذا عرفوا فيه الصلاح كان لهم أن يبشروه برفعة الدرجات عند الله تعالى إن هو صبر على بلائه. وأما إذا أبدى المبتلى السخط والجزع، فلا يظن أن يكون ابتلاؤه مكرمة من الله له لرفع درجاته، وقد علم سبحانه منه عدم الصبر والرضا، فالأقرب في هذه القرينة وجه المجازاة والعقوبة، وقد قال بعض الصالحين: " علامة الابتلاء على وجه العقوبة والمقابلة: عدم الصبر عند وجود البلاء، والجزع والشكوى إلى الخلق. وعلامة الابتلاء تكفيراً وتمحيصاً للخطيئات: وجود الصبر الجميل من غير شكوى، ولا جزع ولا ضجر، ولا ثقل في أداء الأوامر والطاعات. وعلامة الابتلاء لارتفاع الدرجات: وجود الرضا والموافقة، وطمأنينة النفس، والسكون للأقدار حتى تنكشف " انتهى. وهكذا، ما هي إلا قرائن ظنية يمكن للعبد أن يتأمل فيها ليعرف شيئا من حكمة الله تعالى في المصائب والمحن، لا ليجزم في الحكم بها على نفسه، أو على عباد الله المبتلين. ولعل الأهم من هذا التفصيل كله أن يقال: إن الفائدة العملية التي ينبغي للعبد التأمل فيها هي أن كل مصيبة وابتلاء هي له خير وأجر إن هو صبر واحتسب، وأن كل ابتلاء ومصيبة هي له سوء وشر إن جزع وتسخط، فإن وطَّن نفسه على تحمل المصائب، والرضى عن الله بقضائه، فلا يضره بعد ذلك إن علم سبب البلاء أو لم يعلمه، بل الأَوْلى به دائما أن يتَّهِم نفسه بالذنب والتقصير، ويفتش فيها عن خلل أو زلل، فكلنا ذوو خطأ، وأينا لم يفرط في جنب الله تعالى، وإذا كان الله سبحانه وتعالى قد أصاب المسلمين يوم أحد بمقتلة عظيمة، وهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وخير البشر بعد الرسل والأنبياء، بسبب مخالفةِ أمرِ النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف يظن المرء بعد ذلك في نفسه استحقاق رفعة الدرجات في كل ما يصيبه، وقد كان إبراهيم بن أدهم رحمه الله – إذا رأى اشتداد الريح وتقلب السماء – يقول: هذا بسبب ذنوبي، لو خرجت من بينكم ما أصابكم. فكيف بحالنا نحن المقصرين المذنبين. ثم أولى من ذلك كله وأهم، أن يحسن العبد الظن بربه دائما، وعلى كل حال؛ فالله سبحانه وتعالى هو أولى بالجميل، وهو أهل التقوى وأهل المغفرة. نسأل الله تعالى أن يرحمنا ويغفر لنا، وأن يعلمنا ما ينفعنا، ويأجرنا في مصائبنا، إنه سميع مجيب الدعوات. وانظر جواب السؤال رقم: (13205) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112905 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 ما الفائدة من صلاة الاستخارة بما أن الأمور مقدرة من قبل؟ [السُّؤَالُ] ـ[بالنسبة لصلاة الاستخارة: يجول في خاطر الإنسان أحياناً: ما الفائدة من السؤال والدعاء والسعي، ما دام أن قضاء الله هو الذي سيحدث؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله جعل الله تعالى الدعاء سبباً لحصول المطلوب، ونيل المرغوب، وقد أمر به الرب جل وعلا، فقال: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) غافر/60. إذا فهم هذا لم يبق هناك إشكال؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقدر الأمور بأسبابها، فحصول الولد - مثلا – حين يكتب لابن آدم لا بد أن يسبقه الزواج والجماع كي يأتي بعده الولد، فلا يمكن أن تقع النتائج دون أسبابها، والكون كله مفطور على هذا النسق من ارتباط الأسباب والمسببات. وهكذا الدعاء أو (الاستخارة) أيضا: فقد كتب الله تعالى كثيرا من الأقدار معلقة بدعائه وسؤاله عز وجل، فلا يقع المراد من غير سببه، وهو الدعاء، إلى جانب الأسباب الحسية، وقد دلت الأحاديث النبوية على هذا التقرير بكل وضوح. فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ، فَعَلَيْكُمْ عِبَادَ اللهِ بِالدُّعَاءِ) . رواه الترمذي (3548) وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (3409) وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – كما في "مجموع الفتاوى" (8/69) -: " ومن قال: أنا لا أدعو ولا أسأل اتكالاً على القدر، كان مخطئًا أيضًا؛ لأن الله جعل الدعاء والسؤال من الأسباب التي ينال بها مغفرته ورحمته وهداه ونصره ورزقه، وإذا قدر للعبد خيرًا يناله بالدعاء لم يحصل بدون الدعاء، وما قدره الله وعلمه من أحوال العباد وعواقبهم فإنما قدره الله بأسباب، يسوق المقادير إلى المواقيت، فليس في الدنيا والآخرة شيء إلا بسبب، والله خالق الأسباب والمسببات. فمحو الأسباب أن تكون أسبابا نقص في العقل " انتهى. وقال أيضا (8/287) : " قول بعضهم: إن الدعاء ليس هو إلا عبادة محضة؛ لأن المقدور كائن، دعا أو لم يدع. فيقال له: إذا كان الله قد جعل الدعاء سببًا لنيل المطلوب المقدر، فكيف يقع بدون الدعاء! " انتهى. وقال ابن القيم في "الجواب الكافي" (ص/4) : " الدعاء من أنفع الأدوية، وهو عدو البلاء، يدافعه ويعالجه ويمنع نزوله ويرفعه أو يخففه إذا نزل، وهو سلاح المؤمن، وله مع البلاء ثلاث مقامات: أحدها: أن يكون أقوى من البلاء فيدفعه. الثاني: أن يكون أضعف من البلاء، فيقوى عليه البلاء، فيصاب به العبد، ولكن قد يخففه وإن كان ضعيفا. الثالث: أن يتقاوما ويمنع كل واحد منهما صاحبه " انتهى باختصار. وقال الشيخ ابن عثيمين – كما في "المجموع الثمين من فتاوى فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين" (1/157) -: " الدعاء من الأسباب التي يحصل بها المدعو، وهو في الواقع يرد القضاء، ولا يرد القضاء إلا الدعاء، يعني له جهتان، فمثلاً: هذا المريض قد يدعو الله تعالى بالشفاء فيشفى، فهنا لولا هذا الدعاء لبقي مريضاً، لكن بالدعاء شُفي، إلا أنا نقول: إن الله سبحانه وتعالى قد قضى بأن هذا المرض يشفى منه المريض بواسطة الدعاء، فهذا هو المكتوب. يظن أنه لولا الدعاء لبقي المرض، ولكنه في الحقيقة لا يرد القضاء؛ لأن الأصل أن الدعاء مكتوب، وأن الشفاء سيكون بهذا الدعاء، هذا هو القدر الأصلي الذي كتب في الأزل، وهكذا كل شيء مقرون بسبب، فإن هذا السبب جعله تعالى سبباً يحصل به الشيء، وقد كتب ذلك في الأزل قبل أن يحدث " انتهى. وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل الدعاء يرد القضاء؟ فأجابوا: "شرع الله سبحانه الدعاء وأمر به، فقال: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) ، وقال: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) ، فإذا فعل العبد السبب المشروع ودعا فإن ذلك من القضاء، فهو رد القضاء بقضاء إذا أراد الله ذلك، وقد ثبت في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، ولا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر) " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/195) . وسئلوا أيضا (24/243) : هل يخفف الدعاء من المصائب، وهل يلطف الله بنا نتيجة الدعاء؟ كيف يكون ذلك والله سبحانه وتعالى ينزل المصائب على الناس على الرغم من أنهم يدعونه؟ فأجابوا: "الدعاء عبادة لله عز وجل، وقد أمر الله بدعائه، فقال تعالى: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) ، وقال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) والدعاء يخفف المصائب أو يدفعها أو يدفع ما هو أعظم منها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ل يرد القدر إلا الدعاء) ، والمصائب إذا وقعت تكفر الذنوب، وترفع الدرجات، وعلى المسلم إذا وقع في مصيبة أن يصبر عليها ويحتسب الأجر من الله عز وجل، ولا يتضجر من القضاء والقدر " انتهى. فيتحصل من هذه النقول فهم المسألة إن شاء الله تعالى، فالمسلم حين يأخذ أمر الاستخارة والدعاء على أنه سبب من أسباب حصول المطلوب، فلن يفرط فيه، ولن يحاول بلوغ مراده من غير طريقه، فيكون الدعاء مصدر قوة وباب خير للعبد المسلم كما أراده الله تعالى. وانظر لمزيد فائدة جواب السؤال رقم (11749) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112094 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 هل الرزق والزواج مكتوب في اللوح المحفوظ؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل الرزق والزواج مكتوب في اللوح المحفوظ؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "كل شيء منذ خلق الله القلم إلى يوم القيامة فإنه مكتوب في اللوح المحفوظ، لأن الله سبحانه وتعالي أول ما خلق القلم قال له: (اكتب. قال: ربي وماذا أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة) . وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الجنين في بطن أمه إذا مضى عليه أربعة أشهر، بعث الله إليه ملكاً ينفح فيه الروح ويكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد. والرزق أيضاً مكتوب مقدر بأسبابه لا يزيد ولا ينقص، فمن الأسباب: أن يعمل الإنسان لطلب الرزق كما قال الله تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) الملك/15. ومن الأسباب أيضاً: صلة الرحم، من بر الوالدين، وصلة القرابات، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه) . ومن الأسباب: تقوى الله عز وجل، كما قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) الطلاق/2، 3. ولا تقل: إن الرزق مكتوب ومحدد ولن أفعل الأسباب التي توصل إليه فإن هذا من العجز، والكياسة والحزم أن تسعى لرزقك، ولما ينفعك في دينك ودنياك، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني) . وكما أن الرزق مكتوب مقدر بأسبابه فكذلك الزواج مكتوب مقدر، وقد كتب لكل من الزوجين أن يكون زوج الآخر بعينه، والله تعالى لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء" انتهى. والله أعلم فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله. "فتاوى نور على الدرب" (ص36) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112107 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 حكم التشاؤم بالمسكن [السُّؤَالُ] ـ[امرأة لها سبعة أولاد وبنات وعندما سكنت في منزل جديد لها، توفي أحد أولادها وتبعته إحدى البنات، وقد رأت في المنام بعد وفاتهم أنها إذا بقيت في هذا المنزل فسيموت كل أطفالها. أرجو إفادة فضيلتكم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كان الواقع هو ما ذكرتم فهي مخيرة، إن شاءت سكنت في هذا البيت، وإن شاءت انتقلت عنه إلى بيت آخر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الشؤم في ثلاثة: في البيت، والمرأة، والدابة) وفق الله الجميع" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (28/257) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112132 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 فوائد الشدائد [السُّؤَالُ] ـ[لقد شاهدت على شاشات التلفاز الكثير من المصائب والمآسي التي تمر بها الأمة الإسلامية، في فلسطين جراحنا تنزف، وفي الشيشان أجسادنا تقطع، وفي أفغانستان بيوتنا تهدم، وفي الفلبين وكشمير.. واليوم في العراق.. وغداً الله أعلم بمن سيلاقي هذا المصير.. فهل هذه المصائب والمآسي التي نراها خيرٌ أم شر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله خلق المصائب والآلام فيه من الحكم ما لا يحيط بعلمه إلا الله، ومما أطلعنا الله عليه مما هو دال على ذلك: 1- أن في الآلام والمصائب امتحاناً لصبر المؤمن قال تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) البقرة / 214. 2- أن فيها دليلاً على ضعف الإنسان، وافتقاره الذاتي إلى ربه، ولا فلاح له إلا بافتقاره إلى ربه، وانطراحه بين يديه. 3- المصائب سبب لتكفير الذنوب ورفعة الدرجات قال صلى الله عليه وسلم: " ما من شيء يصيب المؤمن حتى الشوكة تصيبه إلا كتب الله له بها حسنة، أو حطّت عنه بها خطيئة " رواه مسلم (2572) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ) رواه الترمذي (2399) صححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2280) . وعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَوَدُّ أَهْلُ الْعَافِيَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يُعْطَى أَهْلُ الْبَلاءِ الثَّوَابَ لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ قُرِضَتْ فِي الدُّنْيَا بِالْمَقَارِيضِ. رواه الترمذي (2402) انظر: السلسلة الصحيحة برقم (2206) . 4- ومن حكم المصائب عدم الركون إلى الدنيا، فلو خلت الدنيا من المصائب لأحبها الإنسان أكثر ولركن إليها وغفل عن الآخرة، ولكن المصائب توقظه من غفلته وتجعله يعمل لدار لا مصائب فيها ولا ابتلاءات. 5- ومن أعظم حكم المصائب والإبتلاءات: التنبيه والتحذير عن التقصير في بعض الأمور ليتدارك الإنسان ما قصر فيه، وهذا كالإنذار الذي يصدر إلى الموظف أو الطالب المقصر، والهدف منه تدارك التقصير، فإن فعل فبها ونعمت، وإلا فإنه يستحق العقاب، ولعل من الأدلة على ذلك قوله تعالى: (فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون. فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون) . ومن الحكم المترتبة على سابقتها الإهلاك عقاباً لمن جاءته النذر، ولكنه لم يستفد منها ولم يغير من سلوكه، واستمر على ذنوبه قال تعالى: {فأهلكناهم بذنوبهم} . وقال تعالى: (ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا كذلك نجزي القوم المجرمين) ، وقال تعالى: (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً) قال ابن تيمية رحمة الله: " قد يقترن بالحزن ما يثاب صاحبه عليه ويحمد عليه، فيكون محموداً من تلك الجهة لا من جهة الحزن، كالحزين على مصيبة في دينه، وعلى مصائب المسلمين عموماً، فهذا يثاب على ما في قلبه، من حب الخير وبغض الشر، وتوابع ذلك، ولكن الحزن على ذلك إذا أفضى إلى ترك مأمور من الصبر والجهاد وجلب منفعة ودفع مضرة، نهي عنه، وإلا كان حسب صاحبه رفع الإثم عنه " فافهم هذا يا من تتمنى أن يغير الله الأحوال بلا عمل منك ومن أمثالك. 6- قال الله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) الأنعام / 42 قال السعدي رحمه الله: لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك من الأمم السالفين والقرون المتقدمين فكذبوا رسلنا وجحدوا بآياتنا. فأخذناهم بالبأساء والضراء أي بالفقر والمرض والآفات والمصائب رحمة منا بهم. لعلهم يتضرعون إلينا ويلجأون عند الشدة إلينا. وقال تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) الروم / 41. أي استعلن الفساد في البر والبحر، أي فساد معايشهم ونقصانها وحلول الآفات بها. وفي أنفسهم من الأمراض والوباء وغير ذلك. وذلك بسبب ما قدمت أيديهم، من الأعمال الفاسدة المفسدة بطبعها. هذه المذكورة (ليذيقهم بعض الذي عملوا) أي ليعلموا أنه المجازي على الأعمال فعجل لهم نموذجاً من جزاء أعمالهم في الدنيا (لعلهم يرجعون) عن أعمالهم التي أثرت لهم من الفساد ما أثرت. فتصلح أحوالهم، ويستقيم أمرهم. فسبحان من أنعم ببلائه وتفضل بعقوبته، وإلا فلو أذاقهم جميع ما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة. 7- والعبادة في الشدائد والفتن لها طعم خاص وأجر خاص: عن مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ أن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ) . رواه مسلم (2948) . قال النووي: قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْعِبَادَة فِي الْهَرْج كَهِجْرَةِ إِلَيَّ) الْمُرَاد بِالْهَرْجِ هُنَا الْفِتْنَة وَاخْتِلَاط أُمُور النَّاس. وَسَبَب كَثْرَة فَضْل الْعِبَادَة فِيهِ أَنَّ النَّاس يَغْفُلُونَ عَنْهَا , وَيَشْتَغِلُونَ عَنْهَا , وَلا يَتَفَرَّغ لَهَا إِلا أَفْرَاد. قَالَ الْقُرْطُبِيّ: أَنَّ الْفِتَن وَالْمَشَقَّة الْبَالِغَة سَتَقَعُ حَتَّى يَخِفّ أَمْر الدِّين وَيَقِلّ الاعْتِنَاء بِأَمْرِهِ وَلَا يَبْقَى لأَحَدٍ اِعْتِنَاء إِلا بِأَمْرِ دُنْيَاهُ وَمَعَاش نَفْسه وَمَا يَتَعَلَّق بِهِ , وَمِنْ ثَمَّ عَظُمَ قَدْر الْعِبَادَة أَيَّام الْفِتْنَة كَمَا أَخْرَجَ مُسْلِم مِنْ حَدِيث مَعْقِل بْن يَسَار رَفَعَهُ " الْعِبَادَة فِي الْهَرْج كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ " 8- أن حصول النعمة بعد ألم ومشقة ومصيبة أعظم قدراً عند الإنسان. فيعرف الإنسان قدر نعمة الله عليه في الصحة والعافية، ويقدرها حق قدرها. فمن فوائد المصائب: التذكير بنعم الله تعالى على الإنسان، لأن الإنسان الذي خلق مبصراً – مثلاً – ينسى نعمة البصر ولا يقدرها حق قدرها، فإن ابتلاه الله بعمى مؤقت ثم عاد إليه بصره أحس بكل مشاعره بقيمة هذه النعمة، فدوام النعم قد ينسي الإنسان هذه النعم فلا يشكرها، فيقبضها الله ثم يعيدها إليه تذكيراً له بها ليشكرها. بل إن في المصائب تذكيراً للإنسان المصاب ولغيره بنعم الله، فإذا رأى الإنسان مجنوناً أحس بنعمة العقل، وإن رأى مريضاً أحس بالصحة، وإن رأى كافراً يعيش كالأنعام أحس بنعمة الإيمان، وإن رأى جاهلاً أحس بنعمة العلم، هكذا يشعر من كان له قلب متفتح يقظ، أما الذين لا قلوب لهم فلا يشكرون نعم الله بل يبطرون، ويتكبرون على خلق الله. 9- فوائد المصيبة أنها تنقذ الإنسان من الغفلة، وتنبه العبد على تقصيره في حق الله تعالى، حتى لا يظن في نفسه الكمال فيكون سبباً لقسوة القلب والغفلة قال تعالى: (فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الأنعام / 43. 10- ومن حكم الابتلاءات والشدائد: التمحيص فالشدائد تكشف حقائق الناس وتميز الطيب من الخبيث، والصادق من الكاذب، والمؤمن من المنافق، يقول الله الباري جلا شانه عن غزوة أحد وما نال المسلمين فيها، مبيناً جانباً من الحكمة في هذا الابتلاء: (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب) فينكشف كلٌ على حقيقته: جزى الله الشدائد كل خير وإن كانت تغصصني بريقي وما شكري لها إلا لأني عرفت بها عدوي من صديقي 11- وليقوم المسلمون بإغاثة من تصيبهم المصائب من المسلمين فيؤجرون على ذلك قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى) . رواه البخاري (6011) ومسلم (2586) وقال: (لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ) رواه البخاري (13) ومسلم (45) . 12- وفي الشدائد والحروب يظهر الأثر الحقيقي لقول الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى) فمن صور التعاون في مجال الدعوة ونصرة الدين: جهاد الكفار والمنافقين في سبيل الله عز وجل، ومشاركة أهل الدعوة الإسلامية في الحروب ضد أهل الكفر والضلال، وتهيئة جميع الوسائل والعدة والعتاد من أجل الجهاد في سبيل الله. ومن صور التعاون في نصرة الدين التي حدثت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم: التعاون على قتل مدعي النبوة، وقتل رؤوس أهل الشرك والمرتدين ومنهم الذين يسبون النبي صلى الله عليه وسلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 21631 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 هل هذه العبارة صحيحة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل في هذه العبارة محظور: " لو يعرف الشخص منا وش مع الغيب بيجي له كان جنبنا المشاكل قبل ما يوقع ضررها "؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه العبارة معناها: أن الإنسان لو يعلم ما يكون له في الغيب، لكان تجنب ما يقابله من المشاكل والشرور؛ وهي متفقة مع عقيدة المسلم، وليس فيها أي خطأ أو محذور؛ لأن الغيب مما استأثر الله به، ولو فُرض أن الناس يطلعون على الغيب ويعلمون بالحوادث قبل وقوعها لاستكثروا من كل خير، واجتنبوا كل شر، فنظروا أسباب الصحة والغنى والسعادة فسلكوها، ورأوا أسباب الفقر والمرض والهلاك فاجتنبوها، وهو فرض عقلي لأمر مستحيل، الغاية منه بيان عجز الإنسان وضعفه واستسلامه للقدر الذي قضاه الله عز وجل. وفي القرآن الكريم ما يدل على صحة معنى هذه العبارة. يقول الله تعالى: (قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) الأعراف/188 جاء في تفسير ابن كثير "تفسير القرآن العظيم" (3/524) قوله: " والأحسن في هذا ما رواه الضحاك، عن ابن عباس: (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ) أي: من المال. وفي رواية: لعلمت إذا اشتريت شيئًا ما أربح فيه، فلا أبيع شيئًا إلا ربحت فيه، وما مسني السوء، قال: ولا يصيبني الفقر. وقال ابن جرير: وقال آخرون: معنى ذلك: لو كنت أعلم الغيب لأعددت للسنة المجدبة من المخصبة، ولعرفت الغَلاء من الرخص، فاستعددت له من الرخص. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: (وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ) قال: لاجتنبت ما يكون من الشر قبل أن يكون واتقيته " انتهى. ويقول الشيخ السعدي في "تيسير الكريم الرحمن" (ص/311) : " (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ) أي: لفعلت الأسباب التي أعلم أنها تنتج لي المصالح والمنافع، ولحذرت من كل ما يفضي إلى سوء ومكروه، لعلمي بالأشياء قبل كونها، وعلمي بما تفضي إليه. ولكني - لعدم علمي - قد ينالني ما ينالني من السوء، وقد يفوتني ما يفوتني من مصالح الدنيا ومنافعها، فهذا أدل دليل على أني لا علم لي بالغيب " انتهى. وانظر جواب السؤال رقم (49004) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 104202 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 حكم الاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي أو ترك الواجبات؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يصح للمذنب أن يحتج على وقوعه في المعصية بأن هذا ما قدره الله عليه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قد يتعلل بعض المذنبين المقصرين على تقصيرهم وخطئهم بأن الله هو الذي قدر هذا عليهم؛ وعليه فلا ينبغي أن يلاموا على ذلك. وهذا لا يصح منهم بحال؛ فلا شك أن الإيمان بالقدر لا يمنح العاصي حجة على ما ترك من الواجبات، أو فَعَلَ من المعاصي. باتفاق المسلمين والعقلاء. قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: " وليس لأحد أن يحتج بالقدر على الذنب باتفاق المسلمين، وسائر أهل الملل، وسائر العقلاء؛ فإن هذا لو كان مقبولاً لأمكن كل أحد أن يفعل ما يخطر له من قتل النفوس وأخذ الأموال، وسائر أنواع الفساد في الأرض، ويحتج بالقدر. ونفس المحتج بالقدر إذا اعتدي عليه، واحتج المعتدي بالقدر لم يقبل منه، بل يتناقض، وتناقض القول يدل على فساده، فالاحتجاج بالقدر معلوم الفساد في بدائه العقول " مجموع الفتاوى (8/179) وقد دل على فساد الاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي أو ترك الطاعات؛ الشرع والعقل، فمن الأدلة الشرعية: 1ـ قول الله- تعالى -: (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاءَابَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلا تَخْرُصُونَ) الأنعام/39، فهؤلاء المشركون احتجوا بالقدر على شركهم، ولو كان احتجاجهم مقبولاً صحيحاً ما أذاقهم الله بأسه. فمن احتج بالقدر على الذنوب والمعائب فيلزمه أن يصحح مذهب الكفار، وينسب إلى الله الظلم تعالى الله عن ذلك علوا كبيراً. 2ـ قال تعالى: (رُسُلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) النساء/165، فلو كان الاحتجاج بالقدر على المعاصي سائغاً لما انقطعت الحجة بإرسال الرسل، بل كان إرسال الرسل لا فائدة له في الواقع. 3ـ أن الله أمر العبد ونهاه، ولم يكلفه إلا ما يستطيع، قال تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16، وقال سبحانه: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا) البقرة/286 ولو كان العبد مجبراً على الفعل لكان مكلفاً بما لا يستطيع الخلاص منه، وهذا باطل، ولذلك إذا وقعت منه المعصية بجهل، أو إكراه، فلا إثم عليه لأنه معذور. ولو صح هذا الاحتجاج لم يكن هناك فرق بين المكره والجاهل، وبين العامد المتعمد، ومعلوم في الواقع، وبدائه العقول أن هناك فرقا جليا بينهما. 4ـ أن القدر سر مكتوم، لا يعلمه أحد من الخلق إلا بعد وقوعه، وإرادة العبد لما يفعله سابقة لفعله، فتكون إرادته للفعل غير مبنية على علم بقدر الله، فادعاؤه أن الله قدر عليه كذا وكذا ادعاء باطل؛ لأنه ادعاءٌ لعلم الغيب، والغيب لا يعلمه إلا الله، فحجته إذاً داحضة؛ إذ لا حجة للمرء فيما لا يعلمه. 5ـ أنه يترتب على الاحتجاج بالقدر على الذنوب تعطيل الشرائع والحساب والمعاد والثواب والعقاب. 6- لو كان القدر حجة لأهل المعاصي لاحتج به أهل النار، إذا عاينوها، وظنوا أنهم مواقعوها، كذلك إذا دخلوها، وبدأ توبيخهم وتقريعهم، لكن الواقع أنهم لم يحتجوا به، بل إنهم يقولون كما قال الله عز وجل عنهم: (رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرسل) إبراهيم/44. ويقولون: (ربنا غلبت علينا شقوتنا) المؤمنون/106 وقالوا: (لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ) الملك/10. و (قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) المدثر/44، إلى غير ذلك مما يقولون. ولو كان الاحتجاج بالقدر على المعاصي سائغاً لاحتجوا به؛ فهم في بأمس الحاجة إلى ما ينقذهم من نار جهنم. 7- لو كان الاحتجاج بالقدر صحيحا لكان حجة لإبليس الذي قال: (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) الأعراف/16، ولتساوى فرعون عدو الله، مع موسى كليم الله عليه السلام. 8- ومما يرد هذا القول، ويبين فساده: أننا نرى الإنسان يحرص على ما يلائمه في أمور دنياه حتى يدركه، ولا تجد شخصا يترك ما يصلح أمور دنياه ويعمل بما يضره فيها بحجة القدر فلماذا يعدل عما ينفعه في أمور دينه إلى ما يضره ثم يحتج بالقدر؟! وإليك مثالاً يوضح ذلك: لو أن إنساناً أراد السفر إلى بلد، وهذا البلد له طريقان، أحدهما آمن مطمئن، والآخر كله فوضى واضطراب، وقتل، وسلب، فأيهما سيسلك؟ لاشك أنه سيسلك الطريق الأول، فلماذا لا يسلك في أمر الآخرة طريق الجنة دون طريق النار؟ 9 ـ ومما يمكن أن يُرد به على هذا المحتج ـ بناء على مذهبه ـ أن يقال له: لا تتزوج، فإن كان الله قد قضى لك بولد فسيأتيك، وإلا فلن يأتيك. ولا تأكل ولا تشرب، فإن قدر الله لك شبعاً ورياً فسيكون، وإلا فلن يكون. وإذا هاجمك سبع ضار فلا تفر منه، فإن قدر الله لك النجاة فستنجو، وإن لم يقدرها لك فلن ينفعك الفرار. وإذا مرضت فلا تتداو، فإن قدر الله لك شفاءً شفيت، وإلا فلن ينفعك الدواء. فهل سيوافقنا على هذا القول أم لا؟ فإن وافقنا علمنا فساد عقله، وإن خالفنا علمنا فساد قوله، وبطلان حجته. 10- المحتج بالقدر على المعاصي شبه نفسه بالمجانين، والصبيان، فهم غير مكلفين، ولا مؤاخذين، ولو عومل معاملتهم في أمور الدنيا لما رضي. 11- لو قبلنا هذا الاحتجاج الباطل لما كان هناك حاجة للاستغفار، والتوبة، والدعاء، والجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 12- لو كان القدر حجة على المعائب والذنوب لتعطلت مصالح الناس، ولعمت الفوضى، ولما كان هناك داع للحدود، والتعزيرات، والجزاءات، لأن المسيىء سيحتج بالقدر، ولما احتجنا لوضع عقوبات للظلمة، وقطاع الطريق، ولا إلى فتح المحاكم، ونصب القضاء، بحجة أن كل ما وقع إنما وقع بقدر الله، وهذا لا يقول به عاقل. 13- أن هذا المحتج بالقدر الذي يقول: لا نؤاخذ، لأن الله كتب ذلك علينا، فكيف نؤاخذ بما كتب علينا؟ فيقال له: إننا لا نؤاخذ على الكتابة السابقة، إنما نؤاخذ بما فعلناه، وكسبناه، فلسنا مأمورين بما قدره الله لنا، أو كتبه علينا، وإنما نحن مأمورين بالقيام بما يأمرنا به، فهناك فرق بين ما أريد بنا، وما أريد منا، فما أراده بنا طواه عنا، وما أراده منا أمرنا بالقيام به. وكون الله علم وقوع ذلك الفعل من القدم ثم كتبه لا حجة فيه لأن مقتضى علمه الشامل المحيط أن يعلم ما خلقه صانعون، وليس في ذلك أي نوع من أنواع الجبر، ومثال ذلك من الواقع ـ ولله المثل الأعلى ـ: لو أن مدرسا علم من حال بعض تلاميذه أنه لا ينجح هذا العام لشدة تفريطه وكسله، ثم إن هذا الطالب لم ينجح كما علم بذلك الأستاذ فهل يقول عاقل بأن المدرس أجبره على هذا الفشل، أو يصح للطالب أن يقال أنا لم أنجح لأن هذا المدرس قد علم أني لن أنجح؟ ‍! وبالجملة فإن الاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي، أو ترك الطاعات احتجاج باطل في الشرع، والعقل، والواقع. ومما تجدر الإشارة إليه أن احتجاج كثير من هؤلاء ليس ناتجاً عن قناعة وإيمان، وإنما هو ناتج عن نوع هوى ومعاندة، ولهذا قال بعض العلماء فيمن هذا شأنه: " أنت عند الطاعة قدري، وعند المعصية جبري، أي مذهب وافق هواك تمذهبت به " (مجموع الفتاوى 8/107) يعني أنه إذا فعل الطاعة نسب ذلك نفسه، وأنكر أن يكون الله قدر ذلك له، وإذا فعل المعصية احتج بالقدر. قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ عن المحتجين بالقدر: " هؤلاء القوم إذا أصروا على هذا الاعتقاد كانوا أكفر من اليهود والنصارى " (مجموع الفتاوى 8 / 262) وعليه فلا يسوغ للعبد أن يحتج على معايبه ومعاصيه بالقدر. وإنما يسوغ الاحتجاج بالقدر:عند المصائب التي تحل بالإنسان كالفقر، والمرض، وفقد القريب، وتلف الزرع، وخسارة المال، وقتل الخطأ، ونحو ذلك؛ فهذا من تمام الرضا بالله رباً، فالاحتجاج إنما يكون على المصائب، لا المعائب، " فالسعيد يستغفر من المعائب، ويصبر على المصائب، كما قال تعالى: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) والشقي يجزع عند المصائب، ويحتج بالقدر على المعائب " ويوضح ذلك المثال الآتي: لو أن رجلاً أسرع بسيارته وفرَّط في أسباب القيادة السليمة فتسبب في وقوع حادث، فوبِّخ على ذلك، وحوسب عليه فاحتج بالقدر، لم يكن الاحتجاج منه مقبولاً، بينما لو أن شخصا صُدِمت سيارته وهي في مكانها لم يتحرك بها، فلامه شخص فاحتج بالقدر لكان احتجاجه مقبولا، إلا أن يكون قد أخطأ في طريقة إيقافها. فالمقصود أن ما كان من فعل العبد واختياره فإنه لا يصح له أن يحتج بالقدر، وما كان خارجا عن اختياره وإرادته فيصح له أن يحتج عليه بالقدر. ولهذا حَجَّ آدم موسى عليهما السلام كما في قوله صلى الله عليه وسلم في محاجتهما: " احتج آدم وموسى فقال له موسى: أنت آدم الذي أخرجتك خطيئتك من الجنة؟ فقال له آدم: أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه، ثم تلومني على أمر قد قدّر علي قبل أن أخلق؟ فحج آدمُ موسى" (أي: غلبه في الحجة) رواه مسلم (2652) . فآدم عليه السلام لم يحتج بالقدر على الذنب كما يظن ذلك من لم يتأمل في الحديث، وموسى عليه السلام لم يلم آدم على الذنب؛ لأنه يعلم أن آدم استغفر ربه وتاب، فاجتباه ربه، وتاب عليه، وهداه، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له. ولو أن موسى لام آدم على الذنب لأجابه: إنني أذنبت فتبت، فتاب الله علي، ولقال له: أنت يا موسى أيضاً قتلت نفساً، وألقيت الألواح إلى غير ذلك، إنما احتج موسى بالمصيبة فحجه آدم بالقدر. انظر الاحتجاج بالقدر لشيخ الإسلام ابن تيمية (18 – 22) " فما قُدِّر من المصائب يجب الاستسلام له؛ فإنه من تمام الرضا بالله رباً، أما الذنوب فليس لأحد أن يذنب، وإذا أذنب فعليه أن يستغفر ويتوب، فيتوب من المعائب ويصبر على المصائب " شرح الطحاوية (147) . تنبيه: ذكر بعض العلماء أن ممن يسوغ له الاحتجاج بالقدر التائبُ من الذنب، فلو لامه أحد على ذنب تاب منه لساغ له أن يحتج بالقدر. فلو قيل لأحد التائبين: لم فعلت كذا وكذا؟ ثم قال: هذا بقضاء الله وقدره، وأنا تبت واستغفرت، لقُبل منه ذلك الاحتجاج، لأن الذنب في حقه صار مصيبة وهو لم يحتج على تفريطه بالقدر بل يحتج على المصيبة التي ألمت به وهي معصية الله ولا شك أن المعصية من المصائب، كما أن الاحتجاج هنا بعد أن وقع الفعل وانتهى، واعترف فاعله بعهدته وأقر بذنبه، فلا يسوغ لأحد أن يلوم التائب من الذنب، فالعبرة بكمال النهاية، لا بنقص البداية. والله أعلم. يراجع (أعلام السنة المنشورة 147) (القضاء والقدر في ضوء الكتاب والسنة للشيخ الدكتور / عبد الرحمن المحمود) و (الإيمان بالقضاء والقدر للشيخ / محمد الحمد) وتلخيص الشيخ سليمان الخراشي لعقيدة أهل السنة في القدر من هذين الكتابين في كتابه: (تركي الحمد في ميزان أهل السنة) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49039 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 مجمل اعتقاد أهل السنة في القضاء والقدر [السُّؤَالُ] ـ[هل توضح لي نظرة الإسلام للقضاء والقدر، وماذا يجب علي اعتقاده في هذا الشأن؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فالكلام على نظرة الإسلام للقضاء والقدر قد يطول قليلاً وحرصاً على الفائدة فسنبدأ بمختصر مهم في هذا الباب ثم نتبعه ببعض الشرح الذي يسمح به المقام سائلين الله النفع والقبول: اعلم وفقك الله أن حقيقة الإيمان بالقضاء هي: التصديق الجازم بأن كل ما يقع في هذا الكون فهو بتقدير الله تعالى. وأن الإيمان بالقدر هو الركن السادس من أركان الإيمان وأنه لا يتم إيمان أحد إلا به ففي صحيح مسلم (8) عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه بلغه أن بعض الناس ينكر القدر فقال: " إذا لقيت هؤلاء فأخبرهم أني براء منهم وأنهم برآء مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر (أي: يحلف بالله) لو كان لأحدهم مثل أحد ذهبا ثم أنفقه ما قبله الله منه حتى يؤمن بالقدر" ثم اعلم أن الإيمان بالقدر لا يصح حتى تؤمن بمراتب القدر الأربع وهي: 1) الإيمان بأن الله تعالى علم كل شيء جملة وتفصيلا من الأزل والقدم فلا يغيب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض. 2) الإيمان بأن الله كتب كل ذلك في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة. 3) الإيمان بمشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة فلا يكون في هذا الكون شيء من الخير والشر إلا بمشيئته سبحانه. 4) الإيمان بأن جميع الكائنات مخلوقة لله فهو خالق الخلق وخالق صفاتهم وأفعالهم كما قال سبحانه: (ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء) الأنعام/102 ومن لوازم صحة الإيمان بالقدر أن تؤمن: - بأن للعبد مشيئة واختياراً بها تتحقق أفعاله كما قال تعالى: (لمن شاء منكم أن يستقيم) التكوير/28 وقال: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) البقرة/286 - وأن مشيئة العبد وقدرته غير خارجة عن قدرة الله ومشيئته فهو الذي منح العبد ذلك وجعله قادراً على التمييز والاختيار كما قال تعالى: (وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين) التكوير/29 - وأن القدر سر الله في خلقه فما بينه لنا علمناه وآمنا به وما غاب عنا سلمنا به وآمنا، وألا ننازع الله في أفعاله وأحكامه بعقولنا القاصرة وأفهامنا الضعيفة بل نؤمن بعدل الله التام وحكمته البالغة وأنه لا يسأل عما يفعل سبحانه وبحمده. وبعد فهذا مجمل اعتقاد السلف الصالح في هذا الباب العظيم وسنذكر فيما يلي تفصيلاً لبعض ما تقدم من القضايا فنقول سائلين الله العون والتسديد: أولاً: معنى القضاء والقدر في اللغة: القضاء لغة: هو إحكام الشيء وإتمام الأمر، وأما القدر فهو في اللغة: بمعنى التقدير. ثانيا: تعريف القضاء والقدر في الشرع: القدَر: هو تقدير الله تعالى الأشياء في القِدَم، وعلمه سبحانه أنها ستقع في أوقات معلومة عنده وعلى صفات مخصوصة، وكتابته سبحانه لذلك، ومشيئته له، ووقوعها على حسب ما قدرها، وخَلْقُه لها. ثالثاً: هل هناك فرق بين القضاء والقدر؟ : من العلماء من فرق بينهما، ولعل الأقرب أنه لا فرق بين (القضاء) و (القدر) في المعنى فكلٌ منهما يدل على معنى الآخر، ولا يوجد دليل واضح في الكتاب والسنة يدل على التفريق بينهما، وقد وقع الاتفاق على أن أحدهما يصح أن يطلق على الآخر، مع ملاحظة أن لفظ القدر أكثر وروداً في نصوص الكتاب والسنة التي تدل على وجوب الإيمان بهذا الركن. والله أعلم. رابعاً: منزلة الإيمان بالقدر من الدين: الإيمان بالقدر أحد أركان الإيمان الستة التي وردت في قوله صلى الله عليه وسلم عندما سأله جبريل عليه السلام عن الإيمان: " أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره " رواه مسلم (8) وقد ورد ذكر القدر في القرآن في قوله تعالى: (إنا كل شئ خلقناه بقدر) القمر/49. وقوله تعالى: (وكان أمر الله قدرا مقدورا) الأحزاب/38. خامساً: مراتب الإيمان بالقدر: اعلم وفقك الله لرضاه أن الإيمان بالقدر لا يتم حتى تؤمن بهذه المراتب الأربع وهي: أـ مرتبة العلم: وهي الإيمان بعلم الله المحيط بكل شيء الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض وأن الله قد علم جميع خلقه قبل أن يخلقهم، وعلم ما هم عاملون بعلمه القديم وأدلة هذا كثيرة منها قوله تعالى: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ) الحشر/22، وقوله تعالى: (وأن الله قد أحاط بكل شيء علما) الطلاق/12. ب ـ مرتبة الكتابة: وهي الإيمان بأن الله كتب مقادير جميع الخلائق في اللوح المحفوظ. ودليل هذا قوله تعالى: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) الحج/16. وقوله صلى الله عليه وسلم: " كتب الله مقادير الخلائق قبل أن تخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة " رواه مسلم (2653) . ج ـ مرتبة الإرادة والمشيئة: وهي الإيمان بأن كل ما يجري في هذا الكون فهو بمشيئة الله سبحانه وتعالى؛ فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فلا يخرج عن رادته شيء. والدليل قوله تعالى: (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّه ُ) الكهف/23،24 وقوله تعالى: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) التكوير/29. د ـ مرتبة الخلق: وهي الإيمان بأن الله تعالى خالق كل شيء، ومن ذلك أفعال العباد، فلا يقع في هذا الكون شيء إلا وهو خالقه، لقوله تعالى: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) الزمر/62. وقوله تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُون) الصافات/96. وقوله صلى الله عليه وسلم: " إن الله يصنع كل صانع وصنعته " أخرجه البخاري في خلق أفعال العباد (25) وابن أبي عاصم في السنة (257و 358) وصححه الألباني في الصحيحة (1637) . قال الشيح ابن سعدي ـ رحمه الله ـ: " إن الله كما أنه الذي خلقهم ـ أي الناس ـ، فإنه خلق ما به يفعلون من قدرتهم وإرادتهم؛ ثم هم فعلوا الأفعال المتنوعة: من طاعة ومعصية، بقدرتهم وإرادتهم اللتين خلقها الله) (الدرة البهية شرح القصيدة التائية ص 18) التحذير من الخوض بالعقل في مسائل القدر: الإيمان بالقدر هو المحك الحقيقي لمدى الإيمان بالله تعالى على الوجه الصحيح، وهو الاختبار القوي لمدى معرفة الإنسان بربه تعالى، وما يترتب على هذه المعرفة من يقين صادق بالله، وبما يجب له من صفات الجلال والكمال، وذلك لأن القدر فيه من التساؤلات والاستفهامات الكثيرة لمن أطلق لعقله المحدود العنان فيها، وقد كثر الاختلاف حول القدر، وتوسع الناس في الجدل والتأويل لآيات القرآن الواردة بذكره، بل وأصبح أعداء الإسلام في كل زمن يثيرون البلبلة في عقيدة المسلمين عن طريق الكلام في القدر، ودس الشبهات حوله، ومن ثم أصبح لا يثبت على الإيمان الصحيح واليقين القاطع إلا من عرف الله بأسمائه الحسنى وصفاته العليا، مسلِّماً الأمر لله، مطمئن النفس، واثقاً بربه تعالى، فلا تجد الشكوك والشبهات إلى نفسه سبيلاً، وهذا ولا شك أكبر دليل على أهمية الإيمان به من بين بقية الأركان. وأن العقل لا يمكنه الاستقلال بمعرفة القدر فالقدر سر الله في خلقه فما كشفه الله لنا في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم علمناه وصدقناه وآمنا به، وما سكت عنه ربنا آمنا به وبعدله التام وحكمته البالغة، وأنه سبحانه لا يسأل عما يفعل، وهم يسألون. والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ونبيه محمد وعلى آله وصحبه. يراجع (أعلام السنة المنشورة 147) (القضاء والقدر في ضوء الكتاب والسنة للشيخ الدكتور / عبد الرحمن المحمود) و (الإيمان بالقضاء والقدر للشيخ / محمد الحمد) [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49004 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 هل فعل أحد أفراد الأسرة لذنب اقترفه والدهم في الماضي من تعجيل العقوبة؟! [السُّؤَالُ] ـ[هل عندما يعمل شخص ذنب، وبعد ذلك يكتشف أن ابنه أو أي شخص من عائلته عمل ذات الذنب، هل ذلك: كما تدين تدان، أم إنه تعجيل للعقوبة؟ وهل يجب أن يعاقب هذا الشخص الذي تحت مسئوليته وعمل الذنب؟ أم إنه يقول: إن هذا عقاب من الله لظلمه لنفسه، وبما كسبت يداه وإنه خارج إرادة الشخص الذي تحت مسئوليته؟ أرجو إفتاءنا، وجزاكم الله خير]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فإن الإنسان لا يؤاخذ بذنب غيره، كما قال الله سبحانه: (وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) الأنعام:164، قال العلامة الشوكاني رحمه الله في فتح القدير عند تفسير الآية: " أي لا يؤاخذ مما أتت من الذنب، وارتكبت من المعصية سواها؛ فكل كسبها للشر عليها لا يتعداها إلى غيرها " انتهى. ثم قال رحمه الله: " وقد قيل: إن المراد بهذه الآية في الآخرة، والأولى حمل الآية على ظاهرها، أعني العموم. " انتهى. وإذا كان كذلك فإن الله تعالى لا يقدر الذنب على إنسان مؤاخذة له بذنب غيره، ولكنه سبحانه وتعالى حكيم فيما يفعل، وهو أعلم أين يضع فضله. قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في شفاء العليل (1/71) : (فالله أعلم حيث يضع هداه وتوفيقه كما هو أعلم حيث يجعل رسالته.) فهو سبحانه يهدي ويوفق من يشاء فضلا، ويخذل من يشاء عدلاً. ولكن شؤم المعصية قد يسري من شخص لآخر، لمجالسته له وإلفه لعمله؛ إذ ربما جره ذلك إلى موافقته في فعله، والاقتداء به، وربما كان في تقدير الله المعصية على قريب العاصي إساءة له، وتنغيص عليه؛ فكان في ذلك نوع من المجازاة له، ولكن مع اعتقاد أن الله قدر ذلك بتمام عدله وحكمته. ومن الكلام المأثور عن علي رضي الله عنه، في كتب الأدب: " من هَتك حجاب أخيه، هُتِك حجاب بنيه!! ". وفي قول الله تعالى: (يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا) مريم: 28 قال قتادة رحمه الله: " كانت من أهل بيت يُعرفون بالصلاح، ولا يُعرفون بالفساد؛ ومن الناس من يُعرفون بالصلاح ويتوالدون به، وآخرون يُعرفون بالفساد ويتوالدون به " تفسير الطبري (18/186) . وقال ابن كثير رحمه الله: "أي: أنت من بيت طيب طاهر، معروف بالصلاح والعبادة والزهادة، فكيف صدر هذا منك؟! " تفسير ابن كثير (5/226) وقال الشيخ السعدي رحمه الله: " وذلك أن الذرية - في الغالب - بعضها من بعض، في الصلاح وضده " اهـ تفسير السعدي (492) . وفي سنن أبي داود (3963) وغيره، وصححه الألباني، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَلَدُ الزِّنَا شَرُّ الثَّلَاثَةِ) ؛ أَيْ الزَّانِيَانِ وَوَلَدهمَا. قال شيخ الإسلام رحمه الله: " ولد الزنا إن آمن وعمل صالحا دخل الجنة، وإلا جوزي بعمله كما يجازى غيره، والجزاء على الأعمال لا على النسب، وإنما يذم ولد الزنا لأنه مظنة أن يعمل عملا خبيثا، كما يقع كثيرا؛ كما تحمد الأنساب الفاضلة لأنها مظنة عمل الخير؛ فأما اذا ظهر العمل فالجزاء عليه، وأكرم الخلق عند الله أتقاهم " اهـ مجموع الفتاوى (4/312) . قال الشاعر: وَأَوَّلُ خبثِ الماءِ خَبثُ تُرابِهِ وَأَوَّلُ لُؤمِ القَومِ لُؤمُ الحَلائِلِ وليس ذلك كما قلنا من مؤاخذة الإنسان بذنب غيره في شيء؛ وإنما الطبع لص، والأيام دُول، والمعاصي ديون!! وكما أن الله تعالى يمن على عبده الصالح، ويُقر عينه بصلاح زوجه وذريته، فقد يكون من عقاب العاصي أن يرى شؤم معصيته فسادا في ذريته، أو معصية في أهله، نعوذ بالله من غضبه وشر عقابه. وأما تأديبه، بل وعقابه لشخص تحت رعايته، وقد وقع في نفس الذنب الذي وقع فيه هو من قبل، فنعم هذا واجب عليه أيضا: أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر في بيته فيلزمه أن ينكر على من ولاه الله عليه إذا وقع في المعصية التي هو واقع فيها. قال العلامة السفاريني رحمه الله في غذاء الألباب (1/219) : يجب على كل مؤمن مع الشروط المتقدمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولو فاسقاً، حتى على جلسائه وشركائه في المصعية. انتهى. وقال العلامة زكريا الأنصاري رحمه الله في أسنى المطالب (4/180) : " لا يشترط في الآمر والناهي كونه متمثلاً ما يأمر به، مجتنباً ما ينهى عنه، بل عليه أن يأمر وينهى نفسه وغيره، فإن اختل أحدهما لم يسقط الآخر." انتهى. على أنه سوف يكون عيبا عليه، أي عيب، وشينا في حقه أي شين: أن يأمر الناس بالمعروف وينسى، وينهاهم عن المنكر الذي يأتيه: قال الله تعالى: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) البقرة:44،وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) الصف: 2-3. فليس له من مخرج من تلك الورطة، ولا علاج لذلك الفصام، إلا بالتوبة النصوح، والأخذ بعمل الخير، قبل أن يذوق وبال أمره: (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) . قال الشاعر: يا أَيُّها الرَجُلُ المُعَلِّمُ غَيرَهُ هَلا لِنَفسِكَ كانَ ذا التَعليمُ تَصِفُ الدَّواءَ لِذي السَّقامِ وَذي الضَّنا كيما يَصحّ بِهِ وَأَنتَ سَقيمُ لا تَنهَ عَن خُلُقٍ وَتأتيَ مِثلَهُ عارٌ عَلَيكَ إِذا فعلتَ عَظيمُ فابدأ بِنَفسِكَ فانهَها عَن غَيِّها فَإِذا اِنتَهَت عَنهُ فأنتَ حَكيمُ فَهُناكَ يُقبَلُ ما تَقولُ وَيَهتَدي بِالقَولِ منك وَينفَعُ التعليمُ والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98675 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 خرافات من العوام فيها تشاؤم بحصول مكروه [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أسأل عن حكم الإيمان بالمعتقدات التي يؤمن بها بعض الناس، كأن يلعبوا بالماء، أو أن يرشوا بعضهم بالماء، فيعتقدون أنه يسبب بذلك الفراق لهم، أو أن يعتقدوا عند العبث بالمقص كفتحه وإغلاقه بدون سبب، أنه يسبب حدوث مشاكل في البيت لدى العائلة، أو الإيمان عندما تعبر فوق طفل صغير بأنه لن يطول ويؤثر عليه. فما حكم هذه المعتقدات؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: هذه الخرافات – وأمثالها كثير – هي من باب الشؤم المنهي عنه في الشرع المطهَّر، وخرافات الناس في هذا الباب لا حصر لها، فمنهم من يتشاءم بمرئي – كرؤية البومة والقط الأسود -، ومنهم من يتشاءم بمسموع – كسماع صوت البومة والغراب -، وحتى لو كان المرئي أو المسموع آية من كتاب الله تُرى في المصحف، أو تُسمع من قارئ! كآية وعيد أو عقاب، ومنهم من يتشاءم بعدد – كالتشاؤم من رقم 13 -، أو زمان – كالتشاؤم من يوم الأربعاء، أو من شهر شوال إذا أراد الزواج فيه -، أو مكان – كالتشاؤم من مكان حصل فيه جريمة -، أو صفة شخص – كالتشاؤم من الأعرج والأعمى -، أو حال إنسان – كالتشاؤم من رؤية فقير أو محتاج -. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: (لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ، قَالُوا وَمَا الْفَأْلُ؟ قَالَ: كَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ) . رواه البخاري (5776) ومسلم (2224) . عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الطيَرَةُ شِرْك) . رواه الترمذي (1614) وأبو داود (3910) وابن ماجه (3538) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ". قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: وقوله: (الطِّيَرَة) على وزن فِعَلَة، وهي اسم مصدر تطيَّر، والمصدر منه: تطيُّر، وهي التشاؤم بمرئي، أو مسموع، وقيل: التشاؤم بمعلوم مرئيّاً كان، أو مسموعاً، زماناً كان أو مكاناً، وهذا أشمل؛ فيشمل ما لا يُرى، ولا يُسمع؛ كالتطير بالزمان. وأصل التطيُّر: التشاؤم، لكن أضيفت إلى الطير؛ لأن غالب التشاؤم عند العرب بالطير، فعلقت به، وإلا فإن تعريفها العام: التشاؤم بمرئي، أو مسموع، أو معلوم. وكان العرب يتشاءمون بالطير، وبالزمان، وبالأشخاص، وهذا من الشرك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم. والإنسان إذا فَتَحَ على نفسه باب التشاؤم: ضاقت عليه الدنيا، وصار يتخيل كل شيء أنه شؤم، حتى إنه يوجد أناس إذا أصبح وخرج من بيته ثم قابله رجل ليس له إلا عين واحدة: تشاءم، وقال: اليوم يوم سوء، وأغلق دكانه، ولم يبع، ولم يشتر - والعياذ بالله -، وكان بعضهم يتشاءم بيوم الأربعاء، ويقول: إنه يوم نحس وشؤم، ومنهم من يتشاءم بشهر شوال، ولا سيما في النكاح، وقد نقضت عائشة رضي الله عنها هذا التشاؤم، بأنه صلى الله عليه وسلم عقد عليها في شوال، وبنى بها في شوال؛ فكانت تقول: " أيكن كان أحظى عنده مني؟ " – رواه مسلم -، والجواب: لا أحد. فالمهم: أن التشاؤم ينبغي للإنسان أن لا يطرأ له على بال؛ لأنه ينكد عليه عيشه؛ فالواجب الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم حيث كان يعجبه الفأل – رواه البخاري ومسلم -، فينبغي للإنسان أن يتفاءل بالخير، ولا يتشاءم، كذلك بعض الناس إذا حاول الأمر مرة بعد أخرى تشاءم بأنه لن ينجح فيه فيتركه، وهذا خطأ؛ فكل شيء ترى فيه المصلحة: فلا تتقاعس عنه في أول محاولة، وحاول مرة بعد أخرى، حتى يفتح الله عليك. " القول المفيد شرح كتاب التوحيد " (2 / 39 – 41) ، و " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (9 / 515، 516) . وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -: وذكر البيهقي في " الشعب " عن الحليمي ما ملخصه: كان التطير في الجاهلية في العرب: إزعاج الطير عند إرادة الخروج للحاجة ... . وهكذا كانوا يتطيرون بصوت الغراب، وبمرور الظباء، فسموا الكل تطيُّراً؛ لأن أصله الأول. قال: وكان التشاؤم في العجم: إذا رأى الصبي ذاهباً إلى المعلم: تشاءم، أو راجعاً: تيمَّن، وكذا إذا رأى الجمل موقراً حملاً: تشاءم، فإن رآه واضعاً حمله: تيمَّن، ونحو ذلك. فجاء الشرع برفع ذلك كله. " فتح الباري " (10 / 215) . ولم يُذكر التطير في القرآن الكريم إلا عن أعداء الرسل، وهو يدل على أن فاعله ومعتقده فيه من جاهلية هؤلاء، بقدر ما عنده في هذا الباب. قال ابن القيم - رحمه الله -: ولم يحك الله التطير إلا عن أعداء الرسل، كما قالوا لرسلهم (إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ. قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) يس/18،19، وكذلك حكى الله سبحانه عن قوم فرعون (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ) الأعراف/131. " مفتاح دار السعادة " (3 / 231، 232) . وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – عن أهل الجاهلية -: وكان أكثرهم يتطيرون، ويعتمدون على ذلك، ويصح معهم غالباً، لتزيين الشيان ذلك، وبقيت من ذلك بقايا في كثير من المسلمين. " فتح الباري " (10 / 213) . وقد نبَّه العلماء – أيضاً – على بعض الخرافات المنتشرة بين الناس مما يتشاءمون به في حدوث قطيعة أو فساد أو طلاق. سئل علماء اللجنة الدائمة: قد حصل مني عند عقد الزواج فرقعة إصبع، وأنا جاهل في أن فرقعة الأصابع وتشبيك الأصابع يضعن تعقيداً للزواج، وبعد أن علمتُ خجلتُ أن أسأل، وأنا لي ثلاثة أطفال، ومدة زواجي سبع سنوات، فماذا أفعل؟ هل أعقد عقداً جديداً أو ماذا أفعل؟ . فأجابوا: إذا كان الواقع كما ذكرتَ: فلا تأثير لما ذكرتَ من تشبيك الأصابع، وفرقعتها حين إجراء عقد النكاح، فلا أثر لذلك على العقد، بل هو صحيح، ولا تحتاج إلى إعادته، واترك التشاؤم مما ذكرتَ ومن غيره؛ لأنه مناف للإسلام. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان. " فتاوى اللجنة الدائمة " (18 / 114) . وكل ما جاء في السؤال فهو من الباب نفسه الذي أدخل الشيطان منه كثيراً من الناس، فجعلهم يتشاءمون من أشياء لا تأثير لها على واقعهم، فلا يزال المسلمون يسبحون ويرشون بعضهم بعضاً بالماء، ويلعب الأطفال في برك السباحة، ولا يُعلم تأثير ذلك عليهم سلباً، ومثله يقال في خرافة فتح وإغلاق المقص، والعبور فوق الطفل، وقص الأظافر ليلاً، وكنس البيت بالليل، والامتناع عن الغسيل يوم الاثنين، وغير ذلك مما لا حصر له من خرافاتهم وأوهامهم التي تخوفهم مما لا يُخاف منه، وتُبعدهم عن العمل والتفاؤل، وتنقض توكلهم على ربهم تعالى. قال ابن القيم - رحمه الله -: التطير هو التشاؤم من الشيء المرئي أو المسموع، فإذا استعملها الإنسان فرجع بها من سفره، وامتنع بها مما عزم عليه: فقد قرع باب الشرك، بل ولجه، وبرئ من التوكل على الله، وفتح على نفسه باب الخوف، والتعلق بغير الله، والتطير مما يراه، أو يسمعه، وذلك قاطع له عن مقام (إياك نعبد وإياك نستعين) و (فاعبده وتوكل عليه) و (عليه توكلت وإليه أنيب) ، فيصير قلبه متعلقا بغير الله، عبادة، وتوكلا، فيفسد عليه قلبه، وإيمانه، وحاله، ويبقى هدفاً لسهام الطيرة، ويساق إليه من كل أوب، ويقيض له الشيطان من ذلك ما يفسد عليه دينه، ودنياه، وكم هلك بذلك وخسر الدنيا والآخرة، فأين هذا من الفأل الصالح، السار للقلوب، المؤيد للآمال، الفاتح باب الرجاء، المسكن للخوف، الرابط للجأش، الباعث على الاستعانة بالله، والتوكل عليه، والاستبشار، المقوي لأمله، السار لنفسه؟ ، فهذا ضد الطيرة، فالفأل: يفضي بصاحبه إلى الطاعة، والتوحيد، والطيرة تفضي بصاحبها إلى المعصية، والشرك، فلهذا استحب صلى الله عليه وسلم الفأل، وأبطل الطيرة. " مفتاح دار السعادة " (2 / 246، 247) . ثانياً: ولعلاج هذا التشاؤم الذي يوسوس به الشيطان ويزينه لأصحابه: 1. التوكل على الله حق التوكل. عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (الطِّيَرَةُ شِرْكٌ) وما مِنَّا إلا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ. رواه الترمذي (1614) وأبو داود (3910) وابن ماجه (3538) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ". قال ابن عبد البر - رحمه الله -: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه (نهى عن التطير) ، وقال (لا طِيَرة) ؛ وذلك أنهم كانوا في الجاهلية يتطيرون، فنهاهم عن ذلك، وأمرهم بالتوكل على الله؛ لأنه لا شيء في حكمه إلا ما شاء، ولا يعلم الغيب غيره. " التمهيد " (24 / 195) . 2. أن يمضي في حاجته، ولا يتأخر، ولا يرجع. 3. أن يدعو الله تعالى بأن يخلِّصه من كيد الشيطان بها، ويسأله تعالى الخير، ويستعيذ به من الشر. عن عبد اللَّهِ بن عَمْرٍو رضي الله عنهما قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (مَن رَدَّتْهُ الطِّيَرَةُ من حَاجَةٍ فَقَدْ أَشْرَكَ) قالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ ما كَفَّارَةُ ذلك؟ قال (أن يَقُولَ أَحَدُهُمْ: اللهم لاَ خَيْرَ إلا خَيْرُكَ وَلاَ طَيْرَ إلا طَيْرُكَ وَلاَ إِلَهَ غَيْرُكَ) . رواه أحمد (7045) وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (3 / 53 تحت الحديث 1056) . قال المنَّاوي – رحمه الله -: فينبغي لمن طرقته الطيرة أن يسأل الله تعالى الخير، ويستعيذ به من الشر، ويمضي في حاجته متوكلا عليه. " فيض القدير " (6 / 136) . وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: وقوله: (فلا خير إلا خيرك) : هذا الحصر حقيقي، فالخير كله من الله، سواء كان بسبب معلوم، أو بغيره. وقوله: (لا طير إلا طيرك) : أي: الطيور كلها ملكك؛ فهي لا تفعل شيئاً، وإنما هي مسخرة، قال تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ) الملك/19، وقال تعالى: (أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) النحل/79، فالمهم: أن الطير مسخرة بإذن الله؛ فالله تعالى هو الذي يدبرها، ويصرفها، ويسخرها، تذهب يميناً وشمالاً، ولا علاقة لها بالحوادث. ويحتمل أن المراد بالطير هنا: ما يتشاءم به الإنسان، فكل ما يحدث للإنسان من التشاؤم والحوادث المكروهة: فإنه مِن الله، كما أن الخير من الله؛ كما قال تعالى: (ألا إنما طائرهم عند الله) الأعراف/131. لكن سبق لنا أن الشر في فعل الله ليس بواقع، بل الشر في المفعول، لا في الفعل، بل فعله تعالى كله خير، إما خير لذاته، وإما لما يترتب عليه من المصالح العظيمة، التي تجعله خيراً. فيكون قوله: (لا طير إلا طيرك) مقابلا لقوله: (ولا خير إلا خيرك) . " القول المفيد شرح كتاب التوحيد " (2 / 117، 118) ، و " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (9 / 578) . قال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله -: فالحاصل؛ أن الطيرة تعالج بهذه الأمور الثلاثة: أولا: التوكل على الله. ثانيا: المضي وعدم التأثر بها، ولا تظهر على تصرفاتك، وما كأنها وجدت. والثالثة: أن تدعو بهذه الدعوات الواردة في الأحاديث، فإذا دعوت الله بهذه الدعوات: فإن الله يعافيك من الطيرة، ويمدك بإعانته، ونصره، وتوفيقه. " إعانة المستفيد شرح كتاب التوحيد " (2 / 14) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] اإسلام سؤال وجواب الحديث: 97221 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 إذا كانت الأمور مقدرة فكيف يحاسب العبد عليها [السُّؤَالُ] ـ[هل اكتساب المعصية، أو الإقدام عليها، أمر مكتوب ومقدر عند الله؟ إذا كانت الإجابة نعم؛ فلماذا يقدر الخالق على بشر اكتساب الذنب، وآخرون يكتسبون الأجر وجميعنا بشر من نفس الجنس؟ ولكم جزيل الشكر والتقدير]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب على العبد أن يؤمن بأمرين: الأول: أن الله تعالى خالق كل شيء، وأنه لا يقع في الكون شيء إلا بإرادته ومشيئته، وأنه علم ما سيكون، وكتب ذلك كله في كتاب، قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، كما صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم، وأنه سبحانه وتعالى عدل لا يظلم أحدا مثقال ذرة، لأنه غني عن خلقه، لا يحتاج إليهم، وهو المتفضل عليهم في جميع الأحوال، فكيف يظلمهم! وقد دل على هذا الأصل أدلة كثيرة من الكتاب والسنة، فمن ذلك قوله تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) القمر/49، وقوله: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) الحديد/22، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ قَالَ وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ) رواه مسلم (2653) . والأمر الثاني: أن العبد له مشيئة واختيار، بها يفعل ويترك، ويؤمن ويكفر، ويطيع ويفجر، وعليها يحاسب ويجازى، مع أن الله سبحانه يعلم ما يكون عليه، وما سيختاره، وكيف سيكون مصيره، لكن الله لم يجبره على فعل الشر، ولا اختيار الكفر، بل وضح له الطريق، وأرسل له الرسل وأنزل له الكتب، ودله على الصواب، فمن ضل فإنما يضل على نفسه، ومن هلك فإنما يهلك عليها. قال تعالى: (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) الكهف/29، وقال: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) الإنسان/3، وقال: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) الزلزلة/7، 8، وقال: (وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) الأعراف/43، وقال: (وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) السجدة/14. فبين سبحانه أن الإنسان يؤمن ويعمل والصالحات، باختياره ومشيئته، فيدخل الجنة، أو يكفر ويعمل السيئات باختياره ومشيئته، فيدخل النار. وكل إنسان يعلم من نفسه ومن النظر إلى من حوله، أن أعمالنا - من خير وشر، وطاعة ومعصية – نفعلها باختيارنا، ولا نشعر بسلطة تجبرنا على فعلها، فأنت تستطيع أن تسب وتشتم وتكذب وتغتاب، كما تستطيع أن تحمد وتسبح وتستغفر وتصدق وتنصح، وتستطيع أن تمشي إلى أماكن اللهو والباطل والمنكر، كما تستطيع أن تمشي إلى المساجد وأماكن الخير والطاعة، وهكذا يستطيع الإنسان أن يضرب بيده، ويسرق ويزوّر ويخون، ويستطيع أن يساعد المحتاج، ويبذل الخير، ويقدم المعروف بيده. وكل إنسان يؤدي شيئا من هذه الأعمال، لا يشعر بالجبر ولا بالقهر، بل يفعلها باختياره وإرادته، ومن ثم فإنه سيحاسب عليها، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر. وما كتبه الله تعالى وقدره، أمر لا يعلم به العبد، ولا يصح له أن يعتمد عليه، أو يحتج به، كما لا يصح أن يعترض على ربه، لم جعلت هذا في الأشقياء، وذاك في السعداء، فإن الله لم يظلم هذا الشقي، بل أعطاه المهلة والقدرة والاختيار، وأرسل له الرسل وأنزل معهم الكتب، وذكّره وأنذره بأنواع من المذكّرات، كالمصائب والابتلاءات، ليتوب إليه، ويقبل عليه، فإذا اختار طريق الغواية، وسلك سبيل المجرمين، فلن يضر إلا نفسه، وهو من أهلك نفسه، كما قال تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا. وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) الشمس/9، 10 وقال: (وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) آل عمران/117 وقال: (أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) التوبة/70 والحاصل أن الإيمان بأن الله تعالى هو الخالق، الذي قدر الأشياء وكتبها، وميز السعداء من الأشقياء، لا يعني أن الله جبر عباده على الطاعة أو المعصية، بل أعطاهم القدرة والإرادة والاختيار، فبها يفعلون، وعليها يحاسبون، وما ربك بظلام للعبيد. وانظر إجابة السؤال رقم (96989) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96978 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 معنى حديث " فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار " [السُّؤَالُ] ـ[أريد شرح هذا الحديث: عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال حدثنه رسول الله صلى الله عليه وآله وهو الصادق المصدوق (إن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوماً نطفه ثم يكون علقه مثل ذلك ثم يكون مضغه مثل ذلك ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وٍأجله وعمله وشقي أم سعيد فو الله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها) رواه البخاري بصراحة أجد نوعا من التحبيط أني قد أعمل بعمل أهل الجنة ومكتوب أني من أهل النار، وأرجو من فضيلتكم الإجابة مأجورين ومشكورين على جهودكم، والله يجعلها في ميزان حسناتكم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال ابن القيم رحمه الله: " الجهال بالله وأسمائه وصفاته، المعطلون لحقائقها، يُبَغِّضون اللهَ إلى خلقه، ويقطعون عليهم طريق محبته، والتودد إليه بطاعته من حيث لا يعلمون!! ونحن نذكر من ذلك أمثلة يُحتذى عليها: فمنها أنهم يقررون في نفوس الضعفاء أن الله سبحانه لا تنفع معه طاعة، وإن طال زمانها وبالغ العبد وأتى بها بظاهره وباطنه، وأن العبد ليس على ثقة ولا أمن من مكره؛ بل شأنه سبحانه أن يأخذ المطيع المتقي من المحراب إلى الماخور، ومن التوحيد والمسبحة إلى الشرك والمزمار، ويقلب قلبه من الإيمان الخالص إلى الكفر، ويروون في ذلك آثار صحيحة لم يفهموها، وباطلة لم يقلها المعصوم، ويزعمون أن هذا حقيقة التوحيد.. " انتهى، الفوائد (159) . ثم قال رحمه الله: " ... فأفلس هذا المسكين من اعتقاد كون الأعمال نافعة أو ضارة؛ فلا بفعل الخير يستأنس، ولا بفعل الشر يستوحش، وهل في التنفير عن الله وتبغيضه إلى عباده أكثر من هذا؟!! ولو اجتهد الملاحدة على تبغيض الدين والتنفير عن الله لما أتوا بأكثر من هذا. وصاحب هذه الطريقة يظن أنه يقرر التوحيد والقدر، ويرد على أهل البدع، وينصر الدين، ولعمر الله: العدو العاقل أقل ضررا من الصديق الجاهل، وكتب الله المنزلة كلها ورسله كلهم شاهدة بضد ذلك، ولا سيما القرآن؛ فلو سلك الدعاة المسلك الذي دعا الله ورسوله به الناس إليه لصلح العالم صلاحا لا فساد معه. فالله سبحانه أخبر، وهو الصادق الوفي، أنه إنما يعامل الناس بكسبهم، ويجازيهم بأعمالهم، ولا يخاف المحِسن لديه ظلما ولا هضما، ولا يخاف بخسا ولا رهقا، ولا يضيع عمل محسن أبدا، ولا يضيع على العبد مثقال ذرة، ولا يظلمها: (وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما) ، وإن كان مثقال حبة من خردل جازاه بها، ولا يضيعها عليه، وأنه يجزي بالسيئة مثلها، ويحبطها بالتوبة والندم والاستغفار والحسنات والمصائب، ويجزي بالحسنة عشر أمثالها، ويضاعفها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة!! وهو الذي أصلح الفاسدين، وأقبل بقلوب المعرضين، وتاب على المذنبين، وهدى الضالين، وأنقذ الهالكين، وعلَّم الجاهلين، وبصَّر المتحيرين، وذكَّر الغافلين، وآوى الشاردين، وإذا أوقع عقابا أوقعه بعد شدة التمرد والعتو عليه، ودعوة العبد إلى الرجوع إلى إليه ... ) . انتهى الفوائد (161) . وهذا الحديث العظيم رواه البخاري (3208) ومسلم (2643) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، وقد أشكل على بعض الناس قوله صلى لله عليه وسلم فيه: (فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ لَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ كِتَابُهُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ وَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ) . وهو مثال لما أشار إليه ابن القيم رحمه الله من الآثار الصحيحة التي لم يفهموها. والجواب عن ذلك أن هذا في حق من لا يعمل إخلاصا وإيمانا، بل يعمل بعمل أهل الجنة (فيما يبدو للناس) فقط، كما جاء موضحا في الحديث الآخر الذي رواه البخاري (4207) ومسلم (112) عَنْ سَهْلٍ قَالَ الْتَقَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُشْرِكُونَ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ فَاقْتَتَلُوا فَمَالَ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى عَسْكَرِهِمْ وَفِي الْمُسْلِمِينَ رَجُلٌ لَا يَدَعُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ شَاذَّةً وَلَا فَاذَّةً إِلَّا اتَّبَعَهَا فَضَرَبَهَا بِسَيْفِهِ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَجْزَأَ أَحَدٌ مَا أَجْزَأَ فُلَانٌ فَقَالَ إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَقَالُوا أَيُّنَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِنْ كَانَ هَذَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ لَأَتَّبِعَنَّهُ فَإِذَا أَسْرَعَ وَأَبْطَأَ كُنْتُ مَعَهُ حَتَّى جُرِحَ فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ فَوَضَعَ نِصَابَ سَيْفِهِ بِالْأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَجَاءَ الرَّجلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ وَمَا ذَاكَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: (إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَإِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ النَّارِ وَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ) . وأما من يعمل بعمل أهل الجنة حقيقة، إخلاصا وإيمانا، فالله تعالى أعدل وأكرم وأرحم من أن يخذله في نهاية عمره. بل هذا أهل للتوفيق والتسديد والتثبيت، كما قال تعالى: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) إبراهيم/27، وقال: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) العنكبوت/69، وقال: (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) يوسيف/90، وقال: (يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) آل عمران/171 قال ابن القيم رحمه الله في "الفوائد" ص 163: " وأما كون الرجل يعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب، فإن هذا عمل أهل الجنة فيما يظهر للناس، ولو كان عملا صالحا مقبولا للجنة قد أحبه الله ورضيه لم يبطله عليه. وقوله: (لم يبق بينه وبينها إلا ذراع) يشكل على هذا التأويل، فيقال: لما كان العمل بآخره وخاتمته، لم يصبر هذا العامل على عمله حتى يتم له، بل كان فيه آفة كامنة ونكتة خُذل بها في آخر عمره، فخانته تلك الآفة والداهية الباطنة في وقت الحاجة، فرجع إلى موجبها، وعملت عملها، ولو لم يكن هناك غش وآفة لم يقلب الله إيمانه ... والله يعلم من سائر العباد ما لا يعلمه بعضهم من بعض " انتهى. وقال ابن رجب رحمه الله: " وقوله: (فيما يبدو للناس) إشارة إلى أن باطن الأمر يكون بخلاف ذلك، وأن خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة للعبد لا يطلع عليها الناس؛ إما من جهة عمل سيء ونحو ذلك، فتلك الخصلة الخفية توجب سوء الخاتمة عند الموت. وكذلك قد يعمل الرجل عمل أهل النار، وفي باطنه خصلة خفيه من خصال الخير، فتغلب عليه تلك الخصلة في آخر عمره، فتوجب له حسن الخاتمة. قال عبد العزيز بن أبي رواد: حضرت رجلا عند الموت يلقن الشهادة: لا إله إلا الله، فقال في آخر ما قال: هو كافر بما تقول، ومات على ذلك!! قال: فسألت عنه، فإذا هو مدمن خمر!! وكان عبد العزيز يقول اتقوا الذنوب فإنها هي التي أوقعته. وفي الجملة: فالخواتيم ميراث السوابق؛ وكل ذلك سبق في الكتاب السابق، ومن هنا كان يشتد خوف السلف من سوء الخواتيم، ومنهم من كان يقلق من ذكر السوابق. وقد قيل: إن قلوب الأبرار معلقة بالخواتيم، يقولون: بماذا يختم لنا؟!! وقلوب المقربين معلقة بالسوابق، يقولون: ماذا سبق لنا؟!! ... وقال سهل التستري: المريد يخاف أن يبتلى بالمعاصي، والعارف يخاف أن يبتلى بالكفر!! ومن هنا كان الصحابة ومن بعدهم من السلف الصالح يخافون على أنفسهم النفاق، ويشتد قلقهم وجزعهم منه؛ فالمؤمن يخاف على نفسه النفاق الأصغر، ويخاف أن يغلب ذلك عليه عند الخاتمة فيخرجه إلى النفاق الأكبر؛ كما تقدم أن دسائس السوء الخلفية توجب سوء الخاتمة " انتهى. جامع العلوم والحكم (1/57-58) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " إن حديث ابن مسعود: (حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع) أي: بين الجنة، ليس المراد أن عمله أوصله إلى هذا المكان حتى لم يبق إلا ذراع، لأنه لو كان عمله عمل أهل الجنة حقيقة من أول الأمر ما خذله الله عز وجل؛ لأن الله أكرم من عبده، عبد مقبل على الله، ما بقي عليه والجنة إلا ذراع، يصده الله؟! هذا مستحيل، لكن المعنى: يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، حتى إذا لم يبق على أجله إلا القليل زاغ قلبه والعياذ بالله -نسأل الله العافية- هذا معنى حديث ابن مسعود. إذاً: لم يبق بينه وبين الجنة إلا ذراع بالنسبة لأجله، وإلا فهو من الأصل ما عمل عمل أهل الجنة -نعوذ بالله من ذلك، نسأل الله ألا يزيغ قلوبنا- عامل وفي قلبه سريرة خبيثة أودت به إلى أنه لم يبق إلا ذراع ويموت " انتهى من "اللقاء الشهري" (13/14) . وأشار بعض أهل العلم إلى أن المذكور في الحديث قد يعمل بعمل أهل الجنة حقيقة، حتى إذا اقترب أجله ساءت خاتمته، فمات على كفر أو معصية، لكن هذا نادر، وهو راجع أيضا إلى خبيئة وبلية يقيم عليها هذا الشخص، من اعتقاد فاسد أو كبيرة موبقة، أوجبت سوء خاتمته، نسأل الله العافية. فيكون الحديث فيه تحذير من الاغترار بالأعمال، وتوجيه إلى سؤال الله الثبات حتى الممات، فإن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء. قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم": " الْمُرَاد بِالذِّرَاعِ التَّمْثِيل لِلْقُرْبِ مِنْ مَوْته وَدُخُوله عَقِبه , وَأَنَّ تِلْكَ الدَّار مَا بَقِيَ بَيْنه وَبَيْن أَنْ يَصِلهَا إِلَّا كَمَنْ بَقِيَ بَيْنه وَبَيْن مَوْضِع مِنْ الْأَرْض ذِرَاع , وَالْمُرَاد بِهَذَا الْحَدِيث أَنَّ هَذَا قَدْ يَقَع فِي نَادِر مِنْ النَّاس , لَا أَنَّهُ غَالِب فِيهِمْ , ثُمَّ أَنَّهُ مِنْ لُطْ اللَّه تَعَالَى وَسَعَة رَحْمَته اِنْقِلَاب النَّاس مِنْ الشَّرّ إِلَى الْخَيْر فِي كَثْرَة , وَأَمَّا اِنْقِلَابهمْ مِنْ الْخَيْر إِلَى الشَّرّ فَفِي غَايَة النُّدُور , وَنِهَايَة الْقِلَّة , وَهُوَ نَحْو قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي وَغَلَبَتْ غَضَبِي} وَيَدْخُل فِي هَذَا مَنْ اِنْقَلَبَ إِلَى عَمَل النَّار بِكُفْرٍ أَوْ مَعْصِيَة , لَكِنْ يَخْتَلِفَانِ فِي التَّخْلِيد وَعَدَمه ; فَالْكَافِر يُخَلَّد فِي النَّار , وَالْعَاصِي الَّذِي مَاتَ مُوَحِّدًا لَا يُخَلَّد فِيهَا كَمَا سَبَقَ تَقْرِيره. وَفِي هَذَا الْحَدِيث تَصْرِيح بِإِثْبَاتِ الْقَدَر , وَأَنَّ التَّوْبَة تَهْدِم الذُّنُوب قَبْلهَا , وَأَنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى شَيْء حُكِمَ لَهُ بِهِ مِنْ خَيْر أَوْ شَرّ , إِلَّا أَنَّ أَصْحَاب الْمَعَاصِي غَيْر الْكُفْر فِي الْمَشِيئَة. وَاَللَّه أَعْلَم " انتهى. على أن الذي ينبغي أن ننتبه إليه في هذا السياق، أن في نفس الحديث الذي أشكل عليك حل هذا الإشكال؛ وذلك أنه لم يتضمن مجرد إثبات القدر، وعلم الله تعالى السابق في خلقه، وكتابته لأعمالهم، وإنما تضمن، هو وأمثاله من النصوص، إلى جانب ذلك كله، إثبات أمره ونهيه، وأن الله تعالى لا يعذب عباده، ولا ينعمهم، على مجرد علمه فيهم، بل على ما عملت أيديهم، وكسبت نفوسهم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وَهَذَا الْحَدِيثُ وَنَحْوُهُ فِيهِ فَصْلَانِ: أَحَدُهُمَا: الْقَدَرُ السَّابِقُ وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ عَلِمَ أَهْلَ الْجَنَّةِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَعْمَلُوا الْأَعْمَالَ وَهَذَا حَقٌّ يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ ; بَلْ قَدْ نَصَّ الْأَئِمَّةُ: كَمَالِكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد أَنَّ مَنْ جَحَدَ هَذَا فَقَدَ كَفَرَ ; بَلْ يَجِبُ الْإِيمَانُ أَنَّ اللَّهَ عَلِمَ مَا سَيَكُونُ كُلَّهُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ وَيَجِبُ الْإِيمَانُ بِمَا أَخْبَرَ بِهِ مِنْ أَنَّهُ كَتَبَ ذَلِكَ وَأَخْبَرَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ ... [والفصل الثاني] : أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَعْلَمُ الْأُمُورَ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَدْ جَعَلَ لِلْأَشْيَاءِ أَسْبَابًا تَكُونُ بِهَا؛ فَيَعْلَمُ أَنَّهَا تَكُونُ بِتِلْكَ الْأَسْبَابِ، كَمَا يَعْلَمُ أَنَّ هَذَا يُولَدُ لَهُ بِأَنْ يَطَأَ امْرَأَةً فَيُحْبِلَهَا؛ فَلَوْ قَالَ هَذَا: إذَا عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ يُولَدُ لِي فَلَا حَاجَةَ إلَى الْوَطْءِ كَانَ أَحْمَقَ ; لِأَنَّ اللَّهَ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ بِمَا يُقَدِّرُهُ مِنْ الْوَطْءِ، وَكَذَلِكَ إذَا عَلِمَ أَنَّ هَذَا يُنْبِتُ لَهُ الزَّرْعَ بِمَا يَسْقِيهِ مِنْ الْمَاءِ وَيَبْذُرُهُ مِنْ الْحَبِّ؛ فَلَوْ قَالَ: إذَا عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْبَذْرِ كَانَ جَاهِلًا ضَالًّا ; لِأَنَّ اللَّهَ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ بِذَلِكَ ... وَكَذَلِكَ إذَا عَلِمَ أَنَّ هَذَا يَكُونُ سَعِيدًا فِي الْآخِرَةِ وَهَذَا شَقِيًّا فِي الْآخِرَةِ، قُلْنَا: ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَعْمَلُ بِعَمَلِ الْأَشْقِيَاءِ؛ فَاَللَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ يَشْقَى بِهَذَا الْعَمَلِ، فَلَوْ قِيلَ: هُوَ شَقِيٌّ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ كَانَ بَاطِلًا ; لِأَنَّ اللَّهَ لَا يُدْخِلُ النَّارَ أَحَدًا إلَّا بِذَنْبِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} ؛ فَأَقْسَمَ أَنَّهُ يَمْلَؤُهَا مِنْ إبْلِيسَ وَأَتْبَاعِهِ، وَمَنْ اتَّبَعَ إبْلِيسَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى، وَلَا يُعَاقِبُ اللَّهُ الْعَبْدَ عَلَى مَا عَلِمَ أَنَّهُ يَعْمَلُهُ حَتَّى يَعْمَلَهُ ... وَكَذَلِكَ الْجَنَّةُ خَلَقَهَا اللَّهُ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ بِهِ وَطَاعَتِهِ فَمَنْ قَدَّرَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ يَسَّرَهُ لِلْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ؛ فَمَنْ قَالَ: أَنَا أَدْخُلُ الْجَنَّةَ سَوَاءٌ كُنْت مُؤْمِنًا أَوْ كَافِرًا، إذَا عَلِمَ أَنِّي مِنْ أَهْلِهَا كَانَ مُفْتَرِيًا عَلَى اللَّهِ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ إنَّمَا عَلِمَ أَنَّهُ يَدْخُلُهَا بِالْإِيمَانِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إيمَانٌ لَمْ يَكُنْ هَذَا هُوَ الَّذِي عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، بَلْ مَنْ لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا، بَلْ كَافِرًا، فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. وَلِهَذَا أَمَرَ النَّاسَ بِالدُّعَاءِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِاَللَّهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ. وَمَنْ قَالَ: أَنَا لَا أَدْعُو وَلَا أَسْأَلُ اتِّكَالًا عَلَى الْقَدَرِ كَانَ مُخْطِئًا أَيْضًا ; لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ الدُّعَاءَ وَالسُّؤَالَ مِنْ الْأَسْبَابِ الَّتِي يَنَالُ بِهَا مَغْفِرَتَهُ وَرَحْمَتَهُ وَهُدَاهُ وَنَصْرَهُ وَرِزْقَهُ. وَإِذَا قَدَّرَ لِلْعَبْدِ خَيْرًا يَنَالُهُ بِالدُّعَاءِ لَمْ يَحْصُلْ بِدُونِ الدُّعَاءِ، وَمَا قَدَّرَهُ اللَّهُ وَعَلِمَهُ مِنْ أَحْوَالِ الْعِبَادِ وَعَوَاقِبِهِمْ فَإِنَّمَا قَدَّرَهُ اللَّهُ بِأَسْبَابِ يَسُوقُ الْمَقَادِيرَ إلَى الْمَوَاقِيتِ؛ فَلَيْسَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ شَيْءٌ إلَّا بِسَبَبِ، وَاَللَّهُ خَالِقُ الْأَسْبَابِ وَالْمُسَبَّبَاتِ ... وَفِي هَذَا الْمَوْضِعِ ضَلَّ طَائِفَتَانِ مِنْ النَّاسِ: " فَرِيقٌ " آمَنُوا بِالْقَدَرِ وَظَنُّوا أَنَّ ذَلِكَ كَافٍ فِي حُصُولِ الْمَقْصُودِ، فَأَعْرَضُوا عَنْ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَهَؤُلَاءِ يَئُولُ بِهِمْ الْأَمْرُ إلَى أَنْ يَكْفُرُوا بِكُتُبِ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَدِينِهِ!! وَفَرِيقٌ أَخَذُوا يَطْلُبُونَ الْجَزَاءَ مِنْ اللَّهِ كَمَا يَطْلُبُهُ الْأَجِيرُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ مُتَّكِلِينَ عَلَى حَوْلِهِمْ وَقُوَّتِهِمْ وَعَمَلِهِمْ، وَكَمَا يَطْلُبُهُ الْمَمَالِيكُ، وَهَؤُلَاءِ جُهَّالٌ ضُلَّالٌ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْ الْعِبَادَ بِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ حَاجَةً إلَيْهِ، وَلَا نَهَاهُمْ عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ بُخْلًا بِهِ؛ وَلَكِنْ أَمَرَهُمْ بِمَا فِيهِ صَلَاحُهُمْ، وَنَهَاهُمْ عَمَّا فِيهِ فَسَادُهُمْ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ كَمَا قَالَ: {يَا عِبَادِي إنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضُرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي} ... فَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ نَاظِرًا إلَى الْقَدَرِ فَقَدْ ضَلَّ، وَمَنْ طَلَبَ الْقِيَامَ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ مُعْرِضًا عَنْ الْقَدَرِ فَقَدْ ضَلَّ ; بَلْ الْمُؤْمِنُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ؛ فَنَعْبُدُهُ اتِّبَاعًا لِلْأَمْرِ وَنَسْتَعِينُهُ إيمَانًا بِالْقَدَرِ ... " انتهى. مقتطفات من مجموع الفتاوى (8/66) وما بعدها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96989 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 دوافع النجاح وتجاوز الفشل [السُّؤَالُ] ـ[ما هو الدافع لدى بعض الناس لمقاومة الفشل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن اسم الفشل، أيها السائل الكريم، كاف لكي ننفر منه، ونسعى للنجاح، بغض النظر عن مكسب مادي يتحصل عليه المرء من نجاحه؛ فالفشل اسم نقص وذم، والنجاح اسم كمال ومدح: وَلَم أَرَ في عُيوبِ الناسِ شَيئاً كَنَقصِ القادِرينَ عَلى التَمامِ إن الفشل والنجاح، ثنائية منقطعة متصلة في الوقت نفسه، قد يبدو منها التناقض في أول وهلة، ولكنها في حقيقتها متلاحمة متشابكة في تنظير الفكر، وشواهد التجربة والواقع، وإن كان لكل منهما معرِّفاتُه التي من خلالها نفهم الدوافع التي تحملنا على سلوكها إقبالا أو إحجاما: فالنجاح سنة في هذا الكون أراد الله تعالى أن تكون غاية كل مؤمن، وخلق الكون كله مسخرا لتحقيق تلك الغاية، فقد أمر سبحانه الإنسان بالإيمان، وطلب منه الالتزام بالعبودية التي لا ينفك عنها، وجعل ذلك غاية الخلق حين قال: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) الذاريات/56، وعد سبحانه من مات على ذلك الطريق هو الناجح وغيره هو الخاسر: (فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ) آل عمران/185 فالنجاح إذا قصة الحياة، وغاية خلق الله تعالى لهذا الكون، وما أرسلت الرسل، وما أنزلت الكتب إلا لدعوة الناس إلى النجاح الحقيقي عند الله سبحانه، وقد وضع سبحانه من محفزات النجاح في الدنيا والآخرة ما يأخذ بأيدي السالكين إليه، وذلك: - حين كتب النعيم المقيم الخالد لمن نجح في اختبار الإيمان والعبودية، والتزم طريقهما ومات عليهما: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ. إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ. فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ. فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ. قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ. كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ) الحاقة/19-24 - وحين صور القرآن حال أولئك الذين رفضوا سبيل النجاح، وأصروا على سبيل الغواية والفشل، ووصف حالهم يوم تعرض النتائج، ويُعلم الناجح من الخاسر: (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ. وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ. يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ. مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ. هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ) الحاقة/25-29 - وحين كتب سبحانه الحياة الطيبة في الدنيا لمن يسلك سبيل النجاح، فقال عز وجل: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) النحل/97 قال ابن كثير - رحمه الله -: " هذا وعد من الله تعالى لمن عمل صالحا بأن يحييه الله حياة طيبة في الدنيا، والحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت، وقد روي عن ابن عباس وجماعة أنهم فسروها بالرزق الحلال الطيب، وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه فسرها بالقناعة، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: إنها هي السعادة، والصحيح أن الحياة الطيبة تشمل هذا كله. " تفسير القرآن العظيم " (4 / 601) . هذا هو المنهج الذي يعيش وفقه المسلم ويفهم من خلاله الحياة، ومن انطلق من هذا الفهم فإنه لا بد سيقوده إلى النجاح والتفوق في أمور دينه ودنياه، لأن المؤمن يعلم أنه مطالب بإقامة الحق والعدل في هذه الدنيا لقول الله تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) الحديد/25، ونجاح الفرد جزء من نجاح الأمة في تحقيق العدل والقسط. ولأن المؤمن يسمع كلام النبي صلى الله عليه وسلم حين يقول: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُم عَمَلًا أَن يُتقِنَهُ) رواه أبو يعلى (7 / 349) وحسنه الألباني بشواهده في " السلسلة الصحيحة " (1113) ، وإتقان العمل ركن من أركان النجاح. هذه الدوافع كلها هي التي تحفز المؤمن لبلوغ أقصى درجات النجاح، فهو يسعى دائما في تنمية مواهبه، واكتساب المهارات النافعة، وتطوير ذاته على المستوى الثقافي والأخلاقي والاجتماعي والاقتصادي، ويعلم أن المؤمن العامل الناجح خير من القاعد المحبط الكسول، الذي لا يجني من كسله سوى خسارة الدنيا والدين. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ) . رواه مسلم (2664) . قال ابن القيم رحمه الله: " فتضمن هذا الحديث الشريف أصولا عظيمة من أصول الإيمان..، ومنها: أن سعادة الإنسان في حرصه على ما ينفعه في معاشه ومعاده، والحرص هو بذل الجهد واستفراغ الوسع ... ، ولما كان حرص الإنسان وفعله إنما هو بمعونة الله ومشيئته وتوفيقه أمره أن يستعين به، ليجتمع له مقام إياك نعبد وإياك نستعين، فإن حرصه على ما ينفعه عبادة لله، ولا تتم إلا بمعونته؛ فأمره بأن يعبده وأن يستعين به. ثم قال: (ولا تعجز) ؛ فإن العجز ينافي حرصه على ما ينفعه، وينافي استعانته بالله، فالحريص على ما ينفعه، المستعين بالله، ضد العاجز؛ فهذا إرشاد له قبل وقوع المقدور إلى ما هو من أعظم أسباب حصوله، وهو الحرص عليه مع الاستعانة بمن أزمة الأمور بيده، ومصدرها منه، ومردها إليه؛ فإن فاته ما لم يُقَدَّرْ له، فله حالتان: حالة عجز، وهي مفتاح عمل الشيطان؛ فيلقيه العجز إلى لو، ولا فائدة في لو ههنا، بل هي مفتاح اللوم والجزع والسخط والأسف والحزن، وذلك كله من عمل الشيطان، فنهاه صلى الله عليه وسلم عن افتتاح عمله بهذا المفتاح، وأمره بالحالة الثانية، وهي: النظر إلى القدر وملاحظته، وأنه لو قدر له لم يفت ولم يغلبه عليه أحد؛ ... فلهذا قال: (فإن غلبك أمر فلا تقل لو أني فعلت لكان كذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل) ، فأرشده إلى ما ينفعه في الحالتين: حالة حصول مطلوبة، وحالة فواته، فلهذا كان هذا الحديث مما لا يستغني عنه العبد أبدا " شفاء العليل (37-38) . وهو بهذا الفكر يتجاوز كل عقبة وكل فشل، لا يعجزه شيء، وليس لأمانيه حدود، وليس لهمته وعزيمته نهاية. بل يعلم أن الفشل إنما هو دليل على العمل، لأن الذي يعمل هو الذي قد يفشل، وأما القاعد المتكاسل فلا يصيب فشلا ولا نجاحا، والعمل لا بد أن يثمر النجاح يوما ولو بعد حين، فهو لذلك يتخذ من الفشل خطوة نحو النجاح، يتنبه به على مواطن الخلل والنقص، ويحاول تجاوزها وإصلاحها، فيعود أقوى وأصلب مما كان عليه من قبل، حتى يصيب النجاح الذي يسعى إليه. وما باب التوبة الذي فتحه الله تعالى للذين يخطئون ويفشلون إلا حافز آخر لتجاوز مراحل الفشل إلى مراقي النجاح، خاصة إذا استفاد المقصر من تجربته، حتى قال بعض السلف: " معصية تورث ذلا وانكسارا خير من طاعة تورث عجبا واستكبارا ". وأخيراً، ومع كل هذه الحوافز والدوافع نحو النجاح وتجاوز الفشل لا يبقى عذر لقاعد أو متكاسل أو محبط، فالسبيل ميسر، إنما يَطلُبُ منك شيئا من العزيمة والإرادة والحكمة. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كُلُّ أُمَّتِي يَدخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَن أَبَى) رواه البخاري (7280) . وانظر جواب السؤال رقم (22704) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 85362 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 هل الأشياء السيئة التي تقع في الكون تحدث بإرادة الله؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل كل ما يقع في هذا الكون هو بإرادة الله تعالى؟ وإذا كان كذلك فكيف تقع الأشياء التي لا يحبها الله في ملك الله وبإرادته؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اعلم وفقك الله تعالى أن بعض الناس قد ضل في باب القدر لأنهم ظنوا أن إرادة الله للفعل تقتضي محبته له فجرهم ذلك إلى القول بأن أفعال الشر تقع بغير إرادة الله، فنسبوا إلى الله العجز والضعف حيث أثبتوا أنه يقع في ملكه ما لا يريد، وبالتالي فقد يريد الشيء ولا يقع ـ تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا ـ، والحق أنه لا تلازم بين ما يحبه الله ويريده شرعا، وبين ما يقضيه ويريده ويقدره كوناً ويتضح ذلك بالنقاط التالية: أولاً: إرادة الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة على قسمين: القسم الأول: الإرادة الكونية القدرية: وهي مرادفة للمشيئة، وهذه الإرادة لا يخرج عن مرادها شيء؛ فالكافر والمسلم تحت هذه الإرادة الكونية سواء؛ فالطاعات، والمعاصي، كلها بمشيئة الرب، وإرادته. ومن أمثلتها قوله تعالى: (وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ) الرعد/11 وقوله: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ) الأنعام/125 القسم الثاني: الإرادة الشريعة الدينية: وهي مختصة بما يحبه الله ويرضاه. ومن أمثلتها قوله ـ تعالى ـ: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْر) البقرة/185 وقوله: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ) النساء/27، وقوله (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) المائدة/6. ثانياً: الفرق بين الإرادتين: بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية فروق تميز كل واحدة منهما عن الأخرى، ومن تلك الفروق ما يلي: 1ـ الإرادة الكونية تتعلق بما يحبه الله ويرضاه، وبما لا يحبه ولا يرضاه. أما الشرعية فلا تتعلق إلا بما يحبه الله ويرضاه فالإرادة الكونية مرادفة للمشيئة، والإرادة الشرعية مرادفة للمحبة. 2ـ الإرادة الكونية قد تكون مقصودة لغيرها كخلق إبليس مثلاً، وسائر الشرور؛ لتحصل بسببها أمور كثيرة محبوبة لله تعالى كالتوبة، والمجاهدة، والاستغفار. أما الإرادة الشرعية فمقصودة لذاتها؛ فالله تعالى أراد الطاعة وأحبها، وشرعها ورضيها لذاتها. 3ـ الإرادة الكونية لابد من وقوعها؛ فالله إذا شاء شيئاً وقع ولا بد، كإحياء أحد أو إماتته، أو غير ذلك. أما الإرادة الشرعية ـ كإرادة الإيمان من كل أحد ـ فلا يلزم وقوعها، فقد تقع وقد لا تقع، ولو كان لابد من وقوعها لأصبح الناس كلهم مسلمين. 4ـ الإرادة الكونية متعلقة بربوبية الله وخلقه، أما الشرعية فمتعلقة بألوهيته وشرعه. 5ـ الإرادتان تجتمعان في حق المطيع، فالذي أدى الصلاة ـ مثلاً ـ جمع بينهما؛ وذلك لأن الصلاة محبوبة لله، وقد أمر بها ورضيها وأحبها، فهي شرعية من هذا الوجه، وكونها وقعت دل على أن الله أرادها كوناً فهي كونية من هذا الوجه؛ فمن هنا اجتمعت الإرادتان في حق المطيع. وتنفرد الكونية في مثل كفر الكافر، ومعصية العاصي، فكونها وقعت فهذا يدل على أن الله شاءها؛ لأنه لا يقع شيء إلا بمشيئته، وكونها غير محبوبة ولا مرضية لله دليل على أنها كونية لا شرعية. وتنفرد الشرعية في مثل إيمان الكافر المأمور به، وطاعة العاصي المطلوبة منه بدل معصيته، فكونها محبوبة الله فهي شرعية، وكونها لم تقع ـ مع أمر الله بها ومحبته لها ـ دليل على أنها شرعية فحسب؛ إذ هي مرادة محبوبة لم تقع. هذه بعض الفوارق بين الإرادتين، فمن عرف الفرق بينهما سلم من شبهات كثيرة، زلت بها أقدام، وضلت بها أفهام، فمن نظر إلى الأعمال الصادرة عن العباد بهاتين العينين كان بصيراً ومن نظر إلى الشرع دون القدر أو العكس كان أعور. ثالثاً: أفعال الله كلها خير وحكمة وعدل: فالله سبحانه وتعالى يفعل ما يفعل لحكمة يعلمها هو، وقد يُعْلم العباد أو بعضهم من حكمته ما يطلعهم عليه، وقد يعجز العباد بعقولهم القاصرة عن إدراك كثير من الحكم الإلهية. والأمور العامة التي يفعلها سبحانه تكون لحكمة عامة، ورحمة عامة كإرساله محمداً صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) الأنبياء/107 يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ " إنه سبحانه حكيم، لا يفعل شيئاً عبثاً ولا لغير معنى ومصلحة وحكمة، وهي الغاية المقصودة بالفعل، بل أفعاله سبحانه صادرة عن حكمة بالغة لأجلها فَعَل، كما هي ناشئة عن أسباب بها فعل، وقد دل كلامه وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم على هذا " هذا والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين يراجع (أعلام السنة المنشورة 147) (القضاء والقدر في ضوء الكتاب والسنة للشيخ الدكتور / عبد الرحمن الممود) و (الإيمان بالقضاء والقدر للشيخ / محمد الحمد) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49013 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 هل زواجي مقدَّر؟ وهل الطاعة والمعصية تغيران القدَر؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل قدَّر الله سبحانه لكل شخص من تكون زوجته؟ وهل للمعصية والطاعة دور في تغيير القدر؟ . أنا أحب فتاة ذات دين وخلق، ولكن هي لا تحبني، فهل يجوز لي أن أدعو الله بأن يحببها فيَّ ويجعلها زوجتي في المستقبل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: القدَر: هو تقدير الله تعالى الأشياء في القِدَم، وعلمه سبحانه أنها ستقع في أوقات معلومة عنده وعلى صفات مخصوصة، وكتابته سبحانه لذلك، ومشيئته له، ووقوعها على حسب ما قدرها، وخَلْقُه لها. والإيمان بالقدر من أركان الإيمان التي لا يصح إيمان أحدٍ إلا به، ولا يصح الإيمان بالقدر إلا أن يؤمن المسلم بمراتب القدر الأربع وهي: 1. الإيمان بأن الله تعالى علم كل شيء جملة وتفصيلا من الأزل والقدم فلا يغيب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض. 2. الإيمان بأن الله كتب كل ذلك في اللوح المحفوظ، قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة. 3. الإيمان بمشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة؛ فلا يكون في هذا الكون شيء من الخير والشر إلا بمشيئته سبحانه. 4. الإيمان بأن جميع الكائنات مخلوقة لله فهو خالق الخلق وخالق صفاتهم وأفعالهم. وانظر تفصيل هذا في أجوبة الأسئلة (49004) و (34732) . وهذا التفصيل يبين لك أن الله تعالى قدَّر في الأزل من يكون أهلك، ومن تكون زوجتك، ومن يكون أبناؤك، وكل ما كان ويكون في الكون فهو بتقدير الله تعالى، قال تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) القمر/49. ثانياً: لا يعني هذا أن الإنسان يكون في الدنيا بلا إرادة، كما لا يعني هذا أن لا يسعى الإنسان في أسباب سعادته وعافيته، فكل شيء جعل الله له سبباً، فمن أراد الولد فلا بدَّ له من الزواج، ومن أراد السعادة في الآخرة فلا بدَّ أن يسعى لها سعيها، وأن يأخذ في طريق الهداية، ومن أراد المال والغنى فلا بدَّ أن يسعى للكد والتعب. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ..) متفق عليه. ولم يُطلع الله تعالى أحداً على تفصيل ما سيحصل له من خير أو شر، لذا فإن كل أحدٍ يسعى لجلب الخير لنفسه ودفع الأذى عن نفسه، ولا يكون عاقلاً من يسير في طريق سريع عكس الاتجاه ثم يقول " لن يحصل معي إلا ما كُتب لي أو عليَّ " ولا يجلس أحدٌ في بيته ثم يقول " لن يأتيني إلا ما قدِّر لي من رزق " ولا يأكل أحد طعاماً فاسداً ثم يقول " لن يصيبني إلا ما كتب الله لي أو عليَّ " وهذه الأمور لو فعلها أحدٌ وقالها لعدَّ من المجانين، وهو كذلك. وفي خصوص الزواج فإن المسلم يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد حثَّه على التزوج بذات الدِّين، وهذا يقتضي منه البحث والتحري عن صاحبة الدِّين، ولا يقول عاقل إنني لن أسعى في هذا؛ لأنه لو عرض عليه امرأة مجنونة أو دميمة أو كبيرة في السن أو ذات أخلاق سيئة فإنه لن يقبل بها زوجة! ولن يدَّعي أنه سيتزوج بأول من يراها أو أول من تُعرض عليه، وهذا يؤكد ما قلناه من أنه سيعرض عن بعض النساء، ويتأمل في أخريات ويتردد في بعضهن وهكذا، ولو اختار، بعد النظر والتأمل والاستشارة والاستخارة، امرأة تناسبه فليعلم أنه ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فليجعل رجاءه في ربه عز وجل أن يهيئ له من أمره رشدا، وأن يقدر له أرشد الأمور بالنسبة إليه، وأحبها إلى رب العزة تبارك وتعالى. ثم عليه، إذا وقع الأمر، وقدر له ربه عطاءً أو منعا، على ما وافق هواه أو خالفه، أن يحسن الظن بربه عز وجل، ويعلم أن الله لا تعالى لا يقضي لعبده المؤمن الصبار الشكور إلا قضاء الخير. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) رواه مسلم (2999) . وانظر جواب السؤال رقم: (1804) . ثالثاً: أما بالنسبة لأثر الطاعة والمعصية على تغيير القدَر، فلتعلم أن أما ما كان في اللوح المحفوظ فإنه لن يتغير، قال النبي صلى الله عليه وسلم (رُفعت الأَقْلاَم وَجَفَّت الصُّحُف) - رواه الترمذي (2516) وصححه من حديث ابن عباس -، وأما ما في أيدي الملائكة من صحف فإن الله تعالى قد يأمر ملائكته بتغييرها لطاعة يفعلها المسلم أو معصية يرتكبها، ولا يكون في النهاية إلا ما كُتب أزلاً، ويدل على ذلك قوله تعالى: (يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) الرعد/39. وقد حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على القيام ببعض الطاعات التي لها أثر في زيادة عمر الإنان، كصلة الرحِم، وأخبر أن الدعاء يرد القضاء، وهذا معناه: أن الله تعالى علَم أولاً أن عبده فلان سيأتي بهذه الطاعات فقدَّر له عمراً مديداً أو بركة في الرزق، والعكس كذلك فقد يرتكب الإنسان معصية يُحرم بسببها الرزق، ويكون الله تعالى قد علَم ذلك أزلاً فقدَّره وكتبه بحسب علمه، ولم يجبر الله تعالى أحداً على طاعة ولا معصية. وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم هذا في حديث واحد: عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا يَزِيدُ فِي الْعُمْرِ إِلا الْبِرُّ وَلا يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلا الدُّعَاءُ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ) . رواه ابن ماجه (4022) . قال البوصيري في " مصباح الزجاجة " (رقم 33) : سألت شيخنا أبا الفضل العراقي – رحمه الله – عن هذا الحديث، فقال: هذا حديث حسن. انتهى وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجة. عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ) رواه البخاري (5640) ومسلم (2557) . وروى الطبري بإسناده، عن أبي عثمان النهدي: أن عمر بن الخطاب قال وهو يطوف بالبيت ويبكي: اللهم إن كنت كتبت علي شقوة أو ذنبا فامحه فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب فاجعله سعادة ومغفرة وكان أبو وائل شقيق بن سلمة التابعي مما يكثر أن يدعو بهؤلاء الكلمات: اللهم إن كنت كتبتنا أشقياء فامحنا واكتبنا سعداء وإن كنت كتبتنا سعداء فأثبتنا فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب. [تفسير الطبري 7/398] وانظر جواب السؤال رقم: (43021) . رابعاً: حبُّك للفتاة ذات الخلق والدِّين يوجب عليك الحذر من أن تقع في مخالفات شرعية كمراسلتها أو محادثتها أو الخلوة بها، ولا ننصحك أن تدعو الله تعالى أن يحببها بك، بل ننصحك بالدعاء أن يرزقك الله تعالى زوجة صالحة، وإذا رأيتَ من تنطبق عليها مواصفات المرأة الصالحة فتقدَّم لها واخطبها، ولا داعي لتعيين امرأة بعينها فقد تبادلك المحبة ثم تقعان في مخالفات شرعية، وقد لا يتيسر لكما أمر الزواج، فدعاء الله تعالى بأن ييسر لك زوجة صالحة خير لك فيما نرى. على أننا نصدقك ـ أخانا الكريم ـ القول، ونرى أن التعلق بهذه الفتاة هو مشكلة فراغ بالنسبة؛ ونعني بالفراغ هنا أنك لم تشغل نفسك بمهمات الأمور، فملأ الشيطان قلبك شغلا بما فيه المضرة عليك في نفسك ودينك، أو بما يفوت عليك مصالحك. روى ابن الجوزي عن ابن عائشة قال: قلت لطبيب كان موصوفا بالحذق: ما العشق؟ قال شغل قلب فارغ!! [ذم الهوى 290] . وإلا، فقل لي بربك يا أخي، هل أنت جاد في البحث عن زوجة مناسبة، في هذه الفترة؟! وإذا كنت جادا في ذلك البحث، فهل أنت جاد في إمضاء الزواج الآن؟! وإذا كنت جادا في إمضاء الزواج الآن، فهل ظروفك ملائمة لذلك الجِد (!!) منك؟!! عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ قَالَ: خَطَبْتُ امْرَأَةً، فَجَعَلْتُ أَتَخَبَّأُ لَهَا حَتَّى نَظَرْتُ إِلَيْهَا فِي نَخْلٍ لَهَا، فَقِيلَ لَهُ: أَتَفْعَلُ هَذَا وَأَنْتَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟!! فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِذَا أَلْقَى اللَّهُ فِي قَلْبِ امْرِئٍ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ فَلا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا) رواه ابن ماجة (1864) وصححه الألباني. فانظر ـ يا أخي ـ كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم علق الإذن بالنظر على إرادة النكاح. قال العلماء: وهذا مستثنى من النهي عن النظر إلى المرأة الأجنبية، ولذلك إنما يسوغ حيث تدعو إليه الحاجة، ويرجو أن يتم زواجه الذي يريد. قال ابن القطان رحمه الله: " لو كان خاطب المرأة عالما أنها لا تتزوجه، وأن وليها لا يجيبه، لم يجز له النظر، وإن كان قد خطب [يعني: وإن كان يطلب خِطبتها] ؛ لأنه إنما أبيح له النظر ليكون سببا للنكاح، فإذا كان على يقين من امتناعه، بقي النظر على أصله من المنع) [النظر في أحكام النظر 391] . ومعلوم أن إرادة النكاح ممن لا يقدر على مؤنته، أو لا تساعده عليه ظروفه في وقته الراهن، نوع من العبث وإضاعة الزمان، وشغل القلب بما لا ينفع، بل بما يضر. وحين تكون جادا، فاستعن بالله تعالى، واسأله التوفيق في أمرك، فإن بقيت على حالها، واستخرت ربك في شأنها، فامض في خطبتك، وإلا، فالنساء سواها كثير؛ فاظفر منهن بذات الدين؛ تربت يداك!! نسأل الله تعالى أن يهديك لما فيه رضاه، وأن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن يرزقك زوجة صالحة وذرية طيبة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83424 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 ما هي الحكمة من تألُّم الأطفال في الدنيا؟ [السُّؤَالُ] ـ[حاولت أن أدعو صديقاً لي في العمل للإسلام والإيمان بالله فقال إن الحاجز الذي يعيقه عن الإيمان بالله هو أن الأطفال البريئين يتألمون في هذه الدنيا، وهو لا يستطيع أن يفهم لماذا يحصل هذا الشيء. فما هي الطريقة المثلى لأُجيبه على هذا الإشكال؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ينبغي أن يعلم الناس جميعاً أن الله تعالى حكيم، وأن في أوامره وتقديراته الحكمة البالغة، وأنه قد يعلم عباده أو بعض عباده حكمته فيها، وقد يخفيها عنهم ابتلاء واختباراً. والأمور العامة التي يفعلها تكون لحكمة عامة، وذلك كإرسال النبي صلى الله عليه وسلم فإنه أخبر أنه أرسله رحمة للعالمين، ومثلها خلق الجن والإنس إنما هو لتوحيده سبحانه وتعالى. قال ابن تيمية: وعلى هذا فكل ما فعله علمْنا أن له فيه حكمة، وهذا يكفينا من حيث الجملة، وإن لم نعرف التفصيل، وعدم علْمنا بتفصيل حكمته بمنزلة عدم علمنا بكيفية ذاته، وكما أن ثبوت صفات الكمال له معلوم لنا وأما كنه ـ أي حقيقة ـ ذاته فغير معلومة لنا: فلا نكذب بما علمناه ـ أي من كماله ـ ما لم نعلمه ـ أي من تفاصيل هذا الكمال ـ، وكذلك نحن نعلم أنه حكيم فيما يفعله ويأمر به، وعدم علْمنا بالحكمة فى بعض الجزئيات لا يقدح فيما علمناه من أصل حكمته، فلا نكذب بما علمناه من حكمته ما لم نعلمه من تفصيلها. ونحن نعلم أن مَن علم حذق أهل الحساب والطب والنحو ولم يكن متصفاً بصفاتهم التى استحقوا بها أن يكونوا من أهل الحساب والطب والنحو: لم يمكنه أن يقدح فيما قالوه لعدم علمه بتوجيهه، والعباد أبعد عن معرفة الله وحكمته فى خلقه من معرفة عوامهم بالحساب والطب والنحو، فاعتراضهم على حكمته أعظم جهلاً وتكلفاً للقول بلا علم من العامي المحض إذا قدح فى الحساب والطب والنحو بغير علمٍ بشىءٍ من ذلك. " مجموع الفتاوى " (6 / 128) . وإيلام الله تعالى للأطفال لا شك ولا ريب أنه لحكمٍ عظيمة لكنها قد تخفى على بعض الناس فينكر تقدير الله تعالى لهذا الأمر، ويَدخل عليه الشيطان من خلاله فيصده عن الحق والهدى. ومن حِكم الله تعالى في ألم الأطفال: 1. الاستدلال به على مرضه أو وجعه، ولولا ذلك ما عُلم ما به من مرض. 2. البكاء الذي يولٍّده الألم، وفيه منافع عظيمة لجسم الطفل. 3. الاعتبار والاتعاظ، فقد يكون أهل الطفل هذا من مرتكبي المحرَّمات أو تاركي الواجبات، فإذا رأوا تألَّم طفلهم فقد يرجعهم ذلك إلى ترك المحرَّمات كأكل الربا أو الزنا أو ترك الصلوات أو شرب الدخان، وخاصة إذا كان هذا الألم بسبب مرض تسببوا بوجوده كبعض ما سبق ذكره من المحرَّمات. 4. التفكر في الدار الآخرة، وأنه لا سعادة ولا هناء إلا في الجنة، ولا يكون هناك ألَم ولا عذاب، بل صحة وعافية وسعادة، والتفكر في النار وأنها دار الألَم الدائم غير المنقطع، فيعمل ما يقربه إلى الجنة، ويباعده عن النار. قال ابن قيم الجوزية: ثم تأمل حكمة الله تعالى في كثرة بكاء الأطفال وما لهم فيه من المنفعة؛ فإن الأطباء والطبائعيين شهدوا منفعة ذلك وحِكمته، وقالوا: في أدمغة الأطفال رطوبة لو بقيت في أدمغتهم لأحدثت أحداثاً عظيمةً، فالبكاء يسيِّل ذلك ويحدِّره من أدمغتهم فتقوى أدمغتهم وتصح. وأيضاً: فإن البكاء والعِياط – أي: الصراخ - يوسِّع عليه مجاري النَّفَس، ويفتح العروق، ويصلِّبها، ويقوِّي الأعصاب. وكم للطفل مِن منفعة ومصلحة فيما تسمعه من بكائه وصراخه، فإذا كانت هذه الحكمة في البكاء الذي سببه ورود الألم المؤذي وأنت لا تعرفها ولا تكاد تخطر ببالك: فهكذا إيلام الأطفال فيه وفي أسبابه وعواقبه الحميدة مِن الحكَم ما قد خفي على أكثر النَّاس، واضطرب عليهم الكلام في حِكمته اضطراب الأرشية – أي: الخصوم -. " مفتاح دار السعادة " (2 / 228) . وقال – أيضاً -: هذه الآلام هي من لوازم النشأة الإنسانية التي لا ينفك عنها الإنسان ولا الحيوان، فلو تجرَّد عنها لم يكن إنساناً بل كان ملَكا أو خلقاً آخر. وليست آلام الأطفال بأصعب من آلام البالغين، لكن لما صارت لهم عادة سهُل موقعها عندهم، وكم بين ما يقاسيه الطفل ويعانيه البالغ العاقل. وكل ذلك من مقتضى الإنسانية وموجب الخلقة، فلو لم يُخلق كذلك لكان خلقاً آخر، أفترى أن الطفل إذا جاع أو عطش أو برَد أو تعب قد خُصَّ من ذلك بما لم يُمتحن به الكبير؟ فإيلامه بغير ذلك من الأوجاع والأسقام كإيلامه بالجوع والعطش والبرد والحر دون ذلك أو فوقه، وما خلق الإنسان بل الحيوان إلا على هذه النشأة. قالوا: فإن سأل سائل وقال: فلم خُلق كذلك؟ وهلا خُلق خلقة غير قابلة للألم؟ فهذا سؤال فاسد؛ فإن الله تعالى خلَقه في عالم الابتلاء والامتحان من مادة ضعيفة، فهي عرضة للآفات، وركبَّه تركيباً معرَّضا للأنواع من الآلام ... فوجود هذه الآلام واللذات الممتزجة المختلطة من الأدلة على المعاد، وأن الحكمة التي اقتضت ذلك هي أولى باقتضاء دارين: دار خالصة للذات لا يشوبها ألم ما، ودار خالصة للآلام لا يشوبها لذة ما، والدار الأولى: الجنة، والدار الثانية: النار ... " مفتاح دار السعادة " (2 / 230، 231) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20785 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 هل الإنسان مسير أو مخير [السُّؤَالُ] ـ[هل قدرنا مكتوب؟ البعض يقول بأنه لدينا الخيار في الطريق الذي نسلكه ولكن الذي سوف تجد في نهاية هذا الطريق هو ما قد قدره الله لك، وقد قرأت أيضاً أن القدر ربما خلقه الجهم بن صفوان وليس الله. أين يمكن أن أجد معلومات في القرآن؟ إذا كانت الأقدار قد قُدرت فكم النسبة منها قد قدره الله؟ هل صحيح أنه معلوم اليوم الذي ولد فيه الشخص الذي سيتزوجني ومتى وأين سيموت؟ ماذا لو قابلت الشخص الذي من المفترض أن أتزوجه ولكن بطريقة ما اخترت الطريق الخطأ فهل سيعود لطريقي مرة أخرى أم أن هذا سيكون قدري وأن هذا عقابي فلن أحصل على هذا الرجل مرة أخرى في حياتي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في جواب جبريل عليه السلام حين سأل عن الإيمان: " أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره". والمراد بالقدر: تقدير الله تعالى للأشياء في القَدَم، وعلمه سبحانه أنها ستقع في أوقات معلومة عنده، وعلى صفات مخصوصة، وكتابته سبحانه لذلك، ومشيئته له، ووقوعها على حسب ما قدرها وخلقه لها. [القضاء والقدر للدكتور عبد الرحمن المحمود ص 39] . فالإيمان بالقدر يقوم على الإيمان بأربعة أمور: الأول: العلم: أي أن الله علم ما الخلق عاملون، بعلمه القديم. الثاني: الكتابة: أي أن الله كتب مقادير الخلائق في اللوح المحفوظ. الثالث: المشيئة: أي أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فليس في السموات والأرض من حركة ولا سكون إلا بمشيئته سبحانه. الرابع: الخلق والتكوين: أي أن الله خالق كل شيء، ومن ذلك أفعال العباد، فهم يعملونها حقيقة، وهو خالقهم وخالق أفعالهم. فمن آمن بهذه الأمور الأربعة فقد آمن بالقدر. وقد قرر القرآن هذه الأمور في آيات عدة، منها قوله تعالى: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) الأنعام / 59 وقوله: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) الحديد / 22 وقوله: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) التكوير/ 29 وقوله: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) القمر / 49 وروى مسلم (2653) عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة. قال: وعرشه على الماء ". وبهذا يتبين لك أن القول بأن القدر خلقه الجهم بن صفوان، قول لا أساس له من الصحة، والقدر لا يُخلق، بل الخلق داخل في الإيمان بالقدر. والجهم إنما غلا في إثبات القدر، وزعم أن الناس مجبورون على أفعالهم لا اختيار لهم وهو قول باطل. والذي عليه أهل السنة والجماعة أن العبد له مشيئة واختيار، ولهذا يثاب ويعاقب، ولكن مشيئته تابعة لمشيئة الله تعالى، فلا يقع في الكون شئ لا يريده الله. فما قاله البعض من أن لدينا الخيار في الطريق الذي نسلكه ولكن الذي سوف تجده في نهاية هذا الطريق قد قدره الله لك، قول صحيح. قال الله تعالى: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) الانسان / 3 , وقال: (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) البلد / 10 وقال:) وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُر) الكهف / 29 قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مبينا مذهب أهل السنة في أفعال العباد: (والعباد فاعلون حقيقة، والله خالق أفعالهم. والعبد هو المؤمن والكافر والبر والفاجر والمصلي والصائم. وللعباد قدرة على أعمالهم، ولهم إرادة، والله خالق قدرتهم وإرادتهم، كما قال تعالى " لمن شاء منكم أن يستقيم. وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين") [الواسطية مع شرح هراس ص 65] . والزواج من جملة ما قدره الله تعالى، والشخص الذي سيتزوجك، قد علم الله من هو، ومتى ولد وأين ومتى سيموت، وكيف سيكون حاله معك، إلى غير ذلك من التفاصيل، كل ذلك قد علمه الله وكتبه في اللوح المحفوظ، وهو واقع لا محالة كما قدر الله. وإذا قدر الله لك الزواج من شخص، لكنك اخترت غيره، فإنك مهما طال الزمن ستتزوجين من ذلك الشخص، وزواجك من غيره مقدر عليك أيضا، فليس شئ إلا بتقدير الله تعالى. فقد يكون مقدرا لامرأة أن تتزوج من فلان بن فلان، فيتقدم لها فتأباه، وترفضه، وتتزوج من غيره، فيموت عنها أو يطلقها، ثم تقبل بالأول، وكل ذلك مقدر. مقدر لها أن تتزوج بفلان بن فلان بعد رفضه أو بعد تجربة أو محنة أو غير ذلك. وقد يقدر للمرأة أن رجلا صالحا يتقدم لها، فترفضه، فلا يعود لها أبدا، بل تتزوج وتعيش مع غيره ممن هو أكثر أو أقل صلاحاً، على ما قدره الله تعالى لها. ولما كان الإنان لا يدري ما قدر له، كان سبيله أن يلتزم الشرع، وأن يتقيد بالأمر والنهي، وأن يستعين بالله تعالى ويستخيره في كل أمر مع ما يبذله من الأسباب الحسية والتي من أهمها استشارية أهل النصح ممن لهم خبرة. فمتى ما تقدم الرجل الصالح لخطبة امرأة، كان عليها أن تستخير الله تعالى، وأن تقبل الزواج منه، فإن تيسرت الأمور وسُهُلت، كان هذا دليلا على أن الخير لها في الارتباط به. والخلاصة أن على الإنسان أن ينظر في شرع الله تعالى ويطبق أمر الله وإن كرهت نفسه؛ ويترك ما نهى عنه ولو تعلقت به نفسه، فإن الخير كله في امتثال الشرع، قال الله: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) البقرة / 216، ولا ينظر إلى القدر من يحتج به على ترك الأوامر وفعل المحرمات وإنما ينظر إليه نظر الرضا بما قد لا يكون موافقاً لما يحبه من الأقدار المؤلمة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20806 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 حديث: (من اعتمد على عقله ضل) [السُّؤَالُ] ـ[معنى الحديث: (من اعتمد على ماله قلَّ , ومن اعتمد على عقله ضلَّ , ومن اعتمد على الله فلا يضل) . فهل هذا يعني أن العقل لا يستخدم في الاجتهاد؟ ومتى يستخدم العقل في الاجتهاد؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله حديث: (من اعتمد على ماله قلَّ ومن اعتمد على عقله ضلَّ ومن اعتمد على الله فلا يضل) لم نجده بعد الاطلاع والبحث منسوباً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ووجدناه في بعض الكتب منسوباً لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه. والعقل في الإسلام له أهمية كبيرة، وتكمن أهميته في أمور، منها: 1. أنه شرط التكليف، فمن شروط التكليف بالأوامر وترك النواهي أن يكون المكلَّف عاقلاً. 2. أن العقل هو إحدى الضرورات الخمس التي جاءت الشريعة بحفظها والاهتمام بها، وهي: الدين، والنفس، والعقل، والعرض، والمال، ومن تشريعات حفظ العقل في الإسلام تحريم شرب الخمر والمخدرات. 3. أن استعمال الإنسان لعقله استعمالاً صحيحاً يجعله يفهم الآيات والأحاديث على وجهها الصحيح، وإذا كان كافراً فإن الله تعالى جعل في دينه من الحجج والبراهين ما لا يخفى على عاقل، لكن من لم يستخدم عقله لم ينتفع بهذه الحجج والبراهين، لذا سيندم هؤلاء يوم القيامة وسيتمنون لو أنهم استخدموا عقولهم على وجهها الصحيح، قال تعالى: (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ. فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لأَصْحَابِ السَّعِيرِ) الملك/10،11، وليس في الإسلام شيء يخالف العقل الصريح، بل العقل موافق لما جاء في الشرع، وإنما ضلَّ أقوام حكَّموا عقولهم هم في نصوص الشرع فضلوا وأضلوا، أما من استعمل عقله ليفهم ما جاء من نصوص وفق قواعد السلف ومنهجهم فهو المجتهد المأجور. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فيأخذ المسلمونَ جميعَ دينهم من الاعتقادات , والعبادات , وغير ذلك من كتاب الله , وسنَّةِ رسولِهِ , وما اتفق عليه سلف الأمّة وأئمتها، وليس ذلك مخالفاً للعقل الصريح؛ فإنّ ما خالف العقل الصريح فهو باطلٌ. وليس في الكتاب والسنَّةِ والإجماع باطل، ولكن فيه ألفاظ قد لا يفهمها بعضُ النَّاس , أو يفهمون منها معنى باطلاً , فالآفةُ منهم , لا من الكتاب والسُّنَّة؛ فإن الله تعالى قال: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدى وَرَحْمَة وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِين) " انتهى. " مجموع الفتاوى " (11 / 490) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 71323 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 هل ننقذ المريض أم نتركه للقضاء والقدر [السُّؤَالُ] ـ[الله عليم بكل شيء حتى الذي لم يحصل بعد، ما رأي الإسلام في القضاء والقدر أو هل يمكن للرجل بأن يتحكم في القسمة والنصيب أم أنه شيء مكتوب؟ مثلاً: إذا كان شخص يموت فإن بعض الناس يقولون موته في يد الله ومشيئته والبعض يحاول علاجه وإنقاذه من الموت، هل هو مكتوب أم أن الرجل يمكن أن يكتب قدره بنفسه؟ .]ـ [الْجَوَابُ] كل شيء مكتوب ومقدر كما قال تعالى: (ما فرطنا في الكتاب من شيء) ، وقال تعالى: (وكل شيء فعلوه في الزبر وكل صغير وكبير مستطر) . وفي الحديث الصحيح: (أول ما خلق الله القلم قال له: اكتب قال: يا رب وما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة) وفي الحديث الآخر: (قدر الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة) . وهذا التقدير غائب عنا لا نعلمه ولا يجوز أن نتكل عليه وندع العمل والأخذ بالأسباب فلا تنافي بين الأمرين وقد قال صلى الله عليه وسلم: (عباد الله تداووا ولا تداووا بحرام فإن الله ما أنزل داء وإلا أنزل له شفاء أو دواء) وقال صلى الله عليه وسلم: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له) ونحن لا نعلم عن المكتوب إلا بعد حصوله، وقد جعل الله لنا إرادة وقدرة ومشيئة واختياراً لا نخرج عن قدرة الله ومشيئته، والخلاصة أنه لا تعارض بين محاولة إنقاذ إنسان من الموت وبين قضاء الله المقدر والمكتوب والذي لا نعلمه إلا بعد حصوله، والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] كتبه: د. سليمان الغصن. الحديث: 6011 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 امرأة مستقيمة ابتليت، وتسأل لماذا؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا شابة كنت أعيش حياة سعيدة مع أنها ليست إسلامية جادة (أصلي وأصوم وألبس حجاباً لا بأس به) ، ومنذ أن تزوجت أصبحت متدينة أكثر والحمد لله وهنا بدأت مشاكلي. كثرة المشاكل تتعبني جداً فأرجو أن تجيب على سؤالي وتنصحني وأرجو كذلك أن تدلني على كتاب يساعدني في البحث عن أجوبة وحتى لو كان بالعربية. دائماً أفكر وأقول بأنني لم أكن بذلك السوء قبل الزواج بالمقارنة بآخرين كانوا غير متدينين أبداً، ولم أقترف الكثير من الذنوب، فلماذا يحصل لي كل هذا وما هو الحل.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القائل: (إِنَّ اللَّهَ قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَخْلاقَكُمْ كَمَا قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَرْزَاقَكُمْ وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُعْطِي الدُّنْيَا مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لا يُحِبُّ وَلا يُعْطِي الدِّينَ إِلا لِمَنْ أَحَبَّ فَمَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ الدِّينَ فَقَدْ أَحَبَّهُ ... ) رواه أحمد (3490) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة 714. وبناءً على هذا الحديث فعليكِ أن تحمدي الله حمداً كثيراً على هذه النعمة التي منّ بها عليكِ من الاستقامة على دينه، واعلمي أن البلاء هو حال هذه الدار التي هي دار بلاء وامتحان (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) الأنبياء/35، وحال المسلم مع كل بلاء هي حال الموقن بأن الله لن يقدِّر عليه إلا ما فيه الخير في دينه وفي دنياه، وقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) رواه مسلم (2999) وكل ما ذكرتيه أيتها الأخت السائلة هو داخل في هذا الابتلاء بما لا يريده الإنسان والواجب عليك فيه الصبر وأن تعلمي أن كل هذا من عند الله لخيرٍ يريده بك. وليست الاستقامة على أمر الله هي السبب فيما أصابك من بلاء؛ لأن من المتقرر شرعا أن الاستقامة هي سبب السعادة وأن ضدها هو سبب التعاسة قال تعالى (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة) النحل/97، وقال سبحانه (فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً) طه 123،124 فالإيمان سبب السعادة الحقة في الدارين والإعراض عن ذكر الله سبب التعاسة والضيق، وحقيقة السعادة في القلب فلا ينافيها ما يحصل للمؤمن من ابتلاءات، بل إن الابتلاء الدنيوي قد حصل للأنبياء أيضاً كما في الحديث " إِنَّ مِنْ أَشَدّ النَّاس بَلاء الأَنْبِيَاء , ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ , ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ " أحمد 26539، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة 1165, وفي رواية" يُبْتَلَى الرَّجُل عَلَى حَسَب دِينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه حَتَّى يَمْشِي عَلَى الأَرْض وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَة " أَخْرَجَهُ ابن ماجه4013 وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه 3249. وكما تقدم في الحديث الأول فإن السعة والضيق في أمور الدنيا لا تتوقف على دين الشخص. والذي نوصيك به أيتها الأخت: مجاهدة النفس على الصبر، وإبعاد الخواطر الفاسدة والظن السيئ بالله تعالى، وعدم الضعف في الاستقامة بسبب هذه الظنون، ومن أهم الوسائل المعينة على هذا الدعاء بل قد يكون البلاء سبباً لكثرة دعاء الإنسان لربه فيفتح له بذلك خيرات كثيرة، واختاري من الأدعية ما يناسب تفريج البلاء من القرآن والسنة كدعاء أيوب (رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين) الأنبياء/83 ، وكوني موقنة بالإجابة ولا تعجلي فإن الله تعالى أرحم بعبده من الوالدة بولدها، واحرصي على تحصين نفسك بالأذكار الشرعية. ومن الأمور المُعينة على الصبر القراءة في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وما مر عليه من البلاء والشدة وكذلك التأمل في أجور الصابرين في الدنيا والآخرة ومن الكتب المفيدة في هذا كتاب عدة الصابرين لابن القيم رحمه الله. نسأل الله تعالى لك الصبر وثبوت الأجر، والشفاء لك ولولدك، وأن يعود حالك مع زوجك وأهلك إلى خير حال، وأن يثبتنا وإياك على طريق الحق. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 22798 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 هل يجوز التخطيط للمستقبل [السُّؤَالُ] ـ[هل من الخطأ أن يقوم الشخص بالتخطيط المستقبلي لشيء ما, أعني أن يقول أنني سأفعل هذا الأمر غدا, أو في الشهر القادم أو العام القادم؟ مع أني أؤمن تماما بأن الموت قد يحين في أي وقت.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فإنه لا مانع أن يخطط الإنسان ويقدّر ما يحتاج إليه في المستقبل، وما يأمل تحقيقه، ويقول سأفعل كذا غدا أو بعد أسبوع، أو بعد سنة، لكن ينبغي أن يقول مع ذلك إن شاء الله، قال تعالى: (ولا تقولنّ لشيء إني فاعل ذلك غدا إلاّ أن يشاء الله) . وكل ما ينوي الإنسان فعله في المستقبل، ويعزم عليه أو يرجو حصوله فإنه مبني على الأمل، والأمل هو الذي يحفز الناس على العمل لكن المؤمن يسعى في هذه الحياة فيما ينفعه في دينه ودنياه، ويأخذ بالأسباب، ويتوكل على الله، ويستعين به، كما قال عليه الصلاة والسلام: " احرص على ما ينفعك واستعن بالله ". وقال تعالى: (فاعبده وتوكل عليه) . وأما الكافر والغافل فإنه يعتمد على الأسباب ويغفل عن ربه الذي بيده الملك، ولا يكون إلا ما يشاء سبحانه وتعالى ولو نظر الإنسان إلى العوارض التي تحول بينه وبين ما يأمله، وغلب عليه التفكير في الموت وغيره من العوارض لتوقف عن العمل، وعطّل مصالحه، وبهذا يعلم أن الإنسان لا يستطيع العيش في هذه الحياة إلا مع شيء من الأمل يجعله يتحرك على مصالحه التي يطمع في حصولها. ولكن ينبغي للمؤمن أن يكون قصير الأمل، لا يرْكن للدنيا، ولا يؤثر لذاتها بل يجعل الآخرة نصب عينيه، فيجتهد في الأعمال الصالحة التي تقربه إلى ربه، ويستعين بنعمته على طاعته، ليفوز بسعادة الدنيا والآخرة. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد الرحمن البراك. الحديث: 8630 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 هل تغيير البيت يجلب الرزق؟ [السُّؤَالُ] ـ[تغيير المكان يجلب الحظ السعيد , مثلاً هذا البيت ليس جيِّداً , وإذا انتقلت منه فإنه سيجلب لك ثروة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تغيير البيت لا يجلب الحظ السعيد، ولا يجلب الثروة، ولكن إذا سكن الإنسان بيتاً فأصابه فيه ضرر فله أن ينتقل إلى غيره. سئل الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله -: شخص سكن في دار فأصابته الأمراض وكثير من المصائب مما جعله يتشاءم هو وأهله من هذه الدار، فهل يجوز له تركها لهذا السبب؟ فأجاب: ربما يكون بعض المنازل أو بعض المركوبات أو بعض الزوجات مشئوماً يجعل الله بحكمته مع مصاحبته إما ضرراً أو فوات منفعة أو نحو ذلك، وعلى هذا فلا بأس ببيع هذا البيت والانتقال إلى بيتٍ غيره، ولعل الله أن يجعل الخير فيما ينتقل إليه. وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " الشؤم في ثلاث: الدار والمرأة والفرس " – رواه البخاري (5093) ومسلم (2225) -، فبعض المركوبات يكون فيها شؤم، وبعض الزوجات يكون فيهن شؤم، وبعض البيوت يكون فيها شؤم، فإذا رأى الإنسان ذلك فليعلم أنه بتقدير الله عز وجل، وأن الله سبحانه وتعالى بحكمته قدَّر ذلك لينتقل الإنسان إلى محل آخر، والله أعلم. " فتاوى علماء البلد الحرام " (ص 1212) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 10461 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 487 هل نحن نتصرف كما نشاء؟ [السُّؤَالُ] ـ[لدي شبه حول الإسلام فهل يمكن أن توضحها لي؟ هل جميع تصرفات البشر كالولادة والموت والتصرفات اليومية وجميع ما نفكر في فعله قد قدّره الله؟ هل حياتنا برمجها الله حتى قبل ولادتنا، أم لنا حرية التصرف ونستطيع أن نقرر ونتصرف كما نشاء بدون تحكم الله؟ باختصار، هل نحن نتصرف كما نشاء أم كما خلقنا الله لنتصرف؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اعلم أن أحوال العباد منها ما هو جبري ليس للناس فيه أدنى إرادة مثل اختيار يوم المولد ولون البشرة والشعر والعينين والوفاة فهذا كله مما لا سلطة للناس فيه وإنما هم مجبرون عليه ونظراً لأنهم لا اختيار لهم فيه فإنه لا يترتب عليه جنة ولا نار، ولا عذاب ولا نعيم. وبعض الأفعال هم مخيرون فيه كاختيار الإيمان والكفر والقيام في شؤون الدنيا من اختيار المطعم والمشرب والمسكن. وليس شيء من ذك كله يكون خارجاً عن إرادة الله تعالى ومشيئته وقدره. ولكن كيف يكون ذلك؟ الإيمان بالقدر أحد أركان الإيمان التي لا يصح إيمان المسلم إلا إذا سلّم بأن كل الأمر من الله، قال تعالى: (إنا كل شيء خلقناه بقدر) القمر/49، بل إن من أسماء الله تعالى القادر، والقدير، والمقتدر. وأصل المسألة: أن الله تعالى يتصف بالعلم، والقدرة، والمشيئة. وعليه: إذا أراد أصحاب الأفعال أن يقوموا بها سواء أكانت من المعاصي أو الطاعات فإن الله يعلمها ولا بد، بل لقد علمها في الأزل قبل خلق الخلائق. ثم بعد أن علمها كتبها عنده، ثم لما أراد أصحابها أن يفعلوا ذلك شاء لهم ذلك، ولو لم يشأ لم يفعلوا، ثم كان قادراً فخلق هذا الفعل لأنه خالق لمن فعله من البشر. فلذلك أفعال العباد كلها مكتوبة عند الله لأن علم الله سابق له، وليس ذلك يعني أن الله أجبر الناس على أفعالهم، فهم مخيرون في أفعالهم، كما قال تعالى: (إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً) الإنسان/3. ولكن أفعالهم لن تكون جبراً من الله تعالى، وليس الله يجبر العباد على شيء. يقول الإمام ابن أبي العز الحنفي في مثل هذا: فإن قيل: كيف يريد الله أمراً ولا يرضاه ولا يحبه؟ وكيف يشاؤه ويكوّنه؟ وكيف يجمع إرادته له وبغضه وكراهته؟ قيل: هذا السؤال هو الذي افترق الناس لأجله فرقاً، وتباينت طرقهم وأقوالهم. فاعلم أن المراد نوعان: مراد لنفسه، ومراد لغيره. فالمراد لنفسه: مطلوب محبوب لذاته، وما فيه من الخير فهو مراد إرادة الغايات والمقاصد. والمراد لغيره: قد لا يكون مقصوداً للمريد، ولا فيه مصلحة له بالنظر إلى ذاته، وإن كان وسيلة إلى مقصوده ومراده، فهو مكروه له من حيث نفسه وذاته، مراد له من حيث قضائه وإيصاله إلى مراده فيجتمع فيه الأمران: بغضه وإرادته، ولا يتنافيان لاختلاف متعلقهما، وهذا كالدواء الكريه إذا علم المتناول له أن فيه شفاءه، وقطع العضو المتآكل إذا علم أن في قطعه بقاء جسده، وكقطع المسافة الشاقة إذا علم أنها توصل إلى مراده ومحبوبه، بل العاقل يكتفي في إيثار هذا المكروه وإرادته بالظن الغالب وإن خفيت عنه عاقبته، فكيف ممن لا يخفى عليه خافية فهو سبحانه يكره الشيء ولا ينافي ذلك إرادته لأجل غيره، وكونه سبباً إلى أمر هو أحب إليه من فوقه. ومن ذلك: أنه خلق إبليس الذي هو مادة لفساد الأديان والأعمال والاعتقادات والإرادات ... ومع هذا فهو وسيلة إلى محاب كثيرة للرب تعالى تترتب على خلقه، ووجودها أحب إليه من عدمها. (شرح العقيدة الطحاوية/252-253) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 21521 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 488 والدها يرفض الخاطب لأنه مجاهد وقد يموت في المعركة [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أتزوج برجلٍ يعد نفسه للذهاب إلى الجهاد في غضون سنوات، لكن عندما ذكرت أمره لوالدي رفض؛ لأنه يقول بأنه لا يستطيع أن يراني أرملة في حياته، أنا أعي عواقب الزواج بشخصٍ قد يموت في المعركة (ومن منظور دنيوي: أي: أني سأعيش بدون زوج لأشهر كل مرة " يذهب فيها للجهاد "، وهناك احتمال كبير بأن أصبح أرملة، إلخ) ، لكن الأجر هو أعظم بكثيرٍ من المنافع الدنيوية. وعليه، فهل يجب عليَّ أن أطيع والدي؟ وهل سبب رفضه مقبول إسلاميّاً لأن يرفض هذا الخاطب، وأنا أكثر من موافقة على أن أصبح زوجة لمجاهد؟ أرجو المساعدة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: فإن النكاح رابطة شرعية شريفة حث عليها ديننا في مواضع من كتاب الله وسنة رسوله، وإن من المهم في هذه الرابطة حسن اختيار الزوج أو الزوجة، فقد قال عليه الصلاة والسلام: " تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك " رواه البخاري (4802) ومسلم (1466) ، وقال مخاطباً ولي المرأة: " إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض " – رواه الترمذي (1084) وابن ماجه (1967) – وصححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (1022) -. ثم إن الجهاد من أعظم أبواب الخير وهو ذروة سنام الإسلام، وأهله هم من خيرة عباد الله، ومن حزبه المفلحين، وفضل الجهاد والمجاهدين مما يطول ذكره. ثانياً: الذهاب للجهاد لا يعني الموت المحقق، فإن الله قد خلق الخلائق وقدر أزراقها وآجالها، وإنه لمن العجب أن يظن المسلم أن ذهاب المجاهد إلى أرض المعركة يعني أنه سيقتل فيها، ويظن أنه إن لم يجاهد فسينجو من الموت، وهذا ظن خاطىء فالذهاب إلى الجهاد لا يعجِّل ساعة الإنسان، وعدم الذهاب لا يؤخرها، وقد يعيش الإنسان عمره كله في الجهاد ولا يُقتل فيه، ومن أحسن الأمثلة على ذلك: الصحابي الجليل خالد بن الوليد – رضي الله عنه – والذي قضى كثيراً من عمره في ساحات القتال ثم كان موته على فراشه، بينما آلاف الناس يموتون في كل لحظة في بيوتهم أو متاجرهم أو في الشوارع، قال الله عز وجل: {ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} النحل / 61، وقال تعالى: {وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير} لقمان / 34. وقد أخبر الله تعالى عن مثل من يظن هذا الظن وردَّ عليهم. قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم والله يحيي ويميت والله بما تعملون بصير} آل عمران / 156. قال ابن كثير: ينهى الله تعالى عباده المؤمنين عن مشابهة الكفار في اعتقادهم الفاسد الدال عليه قولهم عن إخوانهم الذين ماتوا في الأسفار والحروب لو كانوا تركوا ذلك لما أصابهم ما أصابهم فقال تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم} أي: عن إخوانهم {إذا ضربوا في الأرض} أي: سافروا للتجارة ونحوها {أو كانوا غزى} أي: كانوا في الغزو {لو كانوا عندنا} أي: في البلد {ما ماتوا وما قتلوا} أي: ما ماتوا في السفر وما قتلوا في الغزو، وقوله {ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم} أي: خلق هذا الاعتقاد في نفوسهم ليزدادوا حسرة على موتاهم وقتلاهم. ثم قال تعالى ردّاً عليهم {والله يحيي ويميت} أي: بيده الخلق، وإليه يرجع الأمر، ولا يحيا أحد ولا يموت أحد إلا بمشيئته وقدره، ولا يزاد في عمر أحد ولا ينقص منه شيء إلا بقضائه وقدره. " تفسير ابن كثير " (1 / 420) . وقال: أي: كما أن الحذر لا يغني من القدَر، كذلك الفرار من الجهاد وتجنبه لا يقرب أجلاً ولا يُبعده، بل الإحياء المحتوم والرزق المقسوم مقدَّر مقنَّن لا يُزاد فيه ولا ينقص منه كما قال تعالى {الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرؤا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين} ، وقال تعالى {وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة} ، وروينا عن أمير الجيوش ومقدَّم العساكر وحامى حوزة الإسلام وسيف الله المسلول على أعدائه أبي سليمان خالد بن الوليد رضي الله عنه أنه قال - وهو في سياق الموت -: " لقد شهدت كذا وكذا موقفاً، وما من عضوٍ من أعضائي إلا وفيه رمية أو طعنة أو ضربة وها أنا ذا أموت على فراشي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء "، يعني: أنه يتألم لكونه ما مات قتيلاً في الحرب، ويتأسف على ذلك، ويتألم أن يموت على فراشه. " تفسير ابن كثير " (1 / 300) . ثالثاً: ومما تقدم يتبين خطأ ما قاله والدك من أنه لا يريد أن يراك أرملة في حياته، إذ لو قدر الله ذلك لحصل حتى لو تزوجت من غير المجاهد، فرفضه لأنه يعد نفسه للجهاد ليس له مسوغٌ شرعاً، أما إن كان هناك أسباب أخَ تتعلق بخلُقه ودينه: فيمكن للوالد أن يردَّ هذا الزوج. رابعاً: والنصيحة لك أن تطيعي والدكِ، وليس لك أن تتزوجي من غير إذن الوليِّ، فقد أبطل الشرع الحكيم زواج المرأة من غير إذن الولي. أ. عن أبي موسى قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا نكاح إلا بولي ". رواه الترمذي (1101) وأبو داود (2085) وابن ماجه (1881) . والحديث: صححه الشيخ الألباني رحمه الله في " صحيح الترمذي " (1 / 318) . ب. عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر لما استحل من فرجها، فإن لم يكن لها ولي فالسلطان ولي من لا ولي له. رواه الترمذي (1102) وأبو داود (2083) وابن ماجه (1879) . والحديث: حسَّنه الترمذي وصححه ابن حبان (9 / 384) والحاكم (2 / 183) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 11730 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 لا يوجد شيء يغير القدَر؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما هي الأشياء التي يمكن أن تغير القدر وما قد كتبه الله لنا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يوجد شيء يغير القدَر؛ لأن الله تعالى قال: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) الحديد / 22؛ ولقول النبي صلى الله عليه وسلم قال " رفعت الأقلام وجفَّت الصحف " – رواه الترمذي (2516) وصححه من حديث ابن عباس -. قال المباركفوري: " رفعت الأقلام وجفت الصحف " أي: كُتب في اللوح المحفوظ ما كتب من التقديرات، ولا يكتب بعد الفراغ منه شيء آخر. " تحفة الأحوذي " (7 / 186) . والكتابة نوعان: نوع لا يتبدل ولا يتغير وهو ما في اللوح المحفوظ، ونوع يتغير ويتبدل وهو ما بأيدي الملائكة، وما يستقر أمره أخيراً عندهم هو الذي قد كتب في اللوح المحفوظ، وهو أحد معاني قوله تعالى: (يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) الرعد / 39، ومن هذا يمكننا فهم ما جاء في السنة الصحيحة من كون صلة الرحم تزيد في الأجل أو تُبسط في الرزق، أو ما جاء في أن الدعاء يرد القضاء، ففي علم الله تعالى أن عبده يصل رحمه وأنه يدعوه فكتب له في اللوح المحفوظ سعةً في الرزق وزيادةً في الأجل. سئل شيخ الإسلام ابن تيمية: عن الرزق هل يزيد أو ينقص؟ وهل هو ما أكل أو ما ملكه العبد؟ فأجاب: الرزق نوعان: أحدهما: ما علمه الله أنه يرزقه فهذا لا يتغير، والثاني: ما كتبه وأعلم به الملائكة، فهذا يزيد وينقص بحسب الأسباب، فإن العبد يأمر الله الملائكة أن تكتب له رزقاً، وإن وصل رحمه زاده الله على ذلك، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " مَن سرَّه أن يبسط له في رزقه ويُنسأ له في أثره فليصِل رحِمه "، وكذلك عُمُر داود زاد ستين سنة فجعله الله مائة بعد أن كان أربعين، ومِن هذا الباب قول عمر: " اللهم إن كنت كتبتَني شقيّاً فامحني واكتبني سعيداً فإنك تمحو ما تشاء وتُثبت "، ومن هذا الباب قوله تعالى عن نوح (أنِ اعبدوا الله واتقوه وأطيعون يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجلٍ مسمَّى) ، وشواهده كثيرة، والأسباب التي يحصل بها الرزق هي من جملة ما قدَّره الله وكتبه، فإن كان قد تقدم بأنه يرزق العبد بسعيه واكتسابه: ألهمه السعي والاكتساب، وذلك الذي قدره له بالاكتساب لا يحصل بدون الاكتساب، وما قدره له بغير اكتساب كموت موروثه يأتيه به بغير اكتساب. والسعي سعيان: سعي فيما نصب للرزق كالصناعة والزارعة والتجارة، وسعي بالدعاء والتوكل والإحسان إلى الخلق ومحو ذلك، فإن الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. " مجموع الفتاوى " (8 / 540، 541) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 43021 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 لا حرج في استعمال كلمة "صدفة" [السُّؤَالُ] ـ[كلمة صدفة، هل يجوز لي أن أقول عندما ذهبت إلى السوق قابلت فلاناً صدفة؟ وهل هذه الكلمة (صدفة) حرام أو شرك بالله عز وجل، وماذا أقول بدلاً من هذه الكلمة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا بأس باستعمال كلمة قابلة فلاناً صدفة، لأن مراد المتكلم بذلك أنه قابله بدون اتفاق سابق، وبدون قصد منه، وليس المراد أنه قابله بدون تقدير من الله عز وجل. وقد ورد استعمال هذه الكلمة في بعض الأحاديث. منها: ما رواه مسلم (2144) عَنْ أَنَسٍ قَالَ فَانْطَلَقْتُ بِهِ (يعني بعبد الله بن أبي طلحة) إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَادَفْتُهُ وَمَعَهُ مِيسَمٌ. . . الحديث. والميسم أداة تستخدم في الكي. وروى أبو داود (142) عَنْ لَقِيطِ بْنِ صَبْرَةَ قَالَ كُنْتُ وَافِدَ بَنِي الْمُنْتَفِقِ أَوْ فِي وَفْدِ بَنِي الْمُنْتَفِقِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ نُصَادِفْهُ فِي مَنْزِلِهِ وَصَادَفْنَا عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ. . . الحديث. صححه الألباني في صحيح أبي داود. وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (3/393) : "ليس قول الإنسان قابلت فلاناً صدفة محرّماً أو شركاً، لأن المراد منها قابلته دون سابق وعد أو اتفاق على اللقاء مثلاً وليس في هذا المعنى حرج" اهـ. وسئل الشيخ ابن عثيمين: ما رأي فضيلتكم في استعمال كلمة "صدفة"؟ فأجاب رحمه الله: "رأينا في هذا القول أنه لا بأس به، وهذا أمر متعارف، ووردت أحاديث بهذا التعبير: صادفْنا رسول الله صادفَنا رسول الله. والمصادفة والصدفة بالنسبة لفعل الإنسان أمر واقع، لأن الإنسان لا يعلم الغيب فقد يصادفه الشيء من غير شعور به ومن غير مقدمات له ولا توقع له، ولكن بالنسبة لفعل الله لا يقع هذا، فإن كل شيء عند الله معلوم وكل شيء عنده بمقدار وهو سبحانه وتعالى لا تقع الأشياء بالنسبة إليه صدفة أبداً، لكن بالنسبة لي أنا وأنت نتقابل بدون ميعاد وبدون شعور وبدون مقدمات فهذا يقال له: صدفة، ولا حرج فيه، وأما بالنسبة لفعل الله فهذا أمر ممتنع ولا يجوز" اهـ بتصرف. فتاوى الشيخ ابن عثيمين (3/117) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 42054 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 السأم من الحياة [السُّؤَالُ] ـ[أنا شاب مللت من العيش في هذه الدنيا الفانية، وأصبح عندي شعور بالملل والسأم، فهل من ناصر، ولا ناصر إلا الله؟! .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أسباب الرغبة عن الدنيا وكراهيتها عديدة، فمن الناس من يكره هذه الدنيا الفانية رغبة فيما عند الله من الأجر والثواب، ومحبة للقاء الله تعالى، ولهذا قال بعض السلف:" تحفة المؤمن الموت "، فهو يكره الدنيا، لتعلق قلبه بالآخرة، وهو مع كراهيته للدنيا قائم بحق الله تعالى وحق عباده، وساع في الخير قدر استطاعته، على حد قوله تعالى (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) الحجر/99 ومن الناس من يكره الدنيا لا لأجل الآخرة، بل لأنه يرى أن حظه فيها قليل، وأن غيره خير منه، ولا شك أن في هذا نوعا من التسخط على أقدار الله تعالى، فالله تعالى هو معطي المنح، ومقسم الأرزاق، (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاء إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) الشورى/27 ومن الناس من يكره الدنيا لكثرة ما أصابه فيها من بلاء ونصب وتعب، ولا شك أن هذا الصنف لم يعرف حقيقة الدنيا، فالدنيا دار عمل وابتلاء، ودار نصب وتعب، لاسيما المؤمن الصالح، فإنه يلاقي من أنواع البلاء ما يكفر الله به عنه من خطاياه، ويرفع به من منزلته، قال تعالى (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ) البلد/4، وقال تعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) العنكبوت/2-3، وقال تعالى: (مَّا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاء فَآمِنُواْ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ) آل عمران/197 وقال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) البقرة/154-156 أخي الكريم .... من أي الأصناف السابقة أنت؟؟!!! تذكر أخي الحبيب كم ابتلي النبي صلى الله عليه وسلم، فقد عاداه قومه، ووقف في وجهه أقرب الناس إليه، وشتمه بعض الناس، وآذاه البعض الآخر، وطرد من دياره، وحوصر حصارا شديدا، واجتمع الكفار على قلته واغتياله، وماتت زوجته خديجة رضي الله عنها في أصعب المواقف وأحلك الظروف، وكان يبيت الشهر والشهرين لا يأكل إلا الماء والتمر، كل هذا وهو نبي الله، ورسوله وأمينه على وحيه!! كل هذا وهو صاحب المقام المحمود والحوض المورود!! كل هذا وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. فكيف بنا نحن المذنبين العاصين المقصرين؟؟؟ أنصحك أخي الكريم بما يلي: أولا: أكثر من دعاء الله عز وجل والتقرب إليه بأنواع العبادات، من صلاة وزكاة وصيام وغير ذلك، وابتهل إلى الله عز وجل أن يزيل ما نفسك، وأن يشرح صدرك، قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) الرعد/28، وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ) الأعراف/201 ثانيا: اعلم أن أقدار الله عز وجل لعبده المؤمن كلها خير، وأنه مهما ضاق عليك أمر حياتك، فعند الله خزائن السماوات والأرض، فأصلح ما بينك وبين الله، يكفك الله مؤنة الناس. ثالثا: قد يكون كدرك وحزنك على أمر فاتك فلم تحصله، وحينئذ عليك أن تعلم أنه كم من إنسان ألح في طلب شيء، وهو لا يدري أن هلاكه فيه، وكم من إنسان حزن على فوات أمور يريدها، وهو لا يدري أنه لو حصلها لأضاع دينه ودنياه، فارض بقضاء الله وقدره، واستعن بالله ولا تعجز. رابعاً: راجع فؤادك وقلبك وعلاقتك مع ربك بصورة أدق، فالعبد يحرم الرزق بالذنب يصيبه خامسا: قد تكون لديك بعض المشاكل الشخصية أو العائلية، وحل مثل تلك المشاكل أن ترتب الأولويات، وأن تستعين بالله ثم بأهل الخبرة في حلها، وفك معضلاتها. سادساً: اعلم أن أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، فقد ثبت في المسند من حديث مصعب بن سعد عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله أي الناس أشد بلاء؟ قال: (الأنبياء ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل من الناس، يبتلى الرجل على حسب دينه؛ فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه، وإن كان في دينة رقة خفف عنه، وما يزال البلاء بالعبد حتى يمشى على ظهر الأرض ليس عليه خطيئة) مسند الإمام أحد برقم 1481، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 992. سابعا: داوم على الاستغفار والعبادة، فهو خير لك من كل حظوظ الدنيا مهما عظمت وكثرت، كما أن فيه إزالة للهموم، وقد جاء في بعض الآثار أنه من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب. فاستدم طاعة الله عز وجل، واعمل بقوله تعالى (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) وقوله تعالى (ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى) طه/131، وفقنا الله وإياك لصالح القول والعمل، والله أعلم. راجع الأسئلة (21515، 30901، 2554) وانظر كتاب علاج الهموم في قسم الكتب من موقعنا. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 41703 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 الكلام الذي ينبغي الإمساك عنه [السُّؤَالُ] ـ[أعرف أن هناك كلاماً نمسك عن الخوض فيه كحديث النبي صلى الله عليه وسلم فما هي أنواع الحديث التي نمسك عنها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ينبغي للمسلم أن يحفظ لسانه، فلا يتكلم إلا بخير. روى البخاري (6018) ومسلم (47) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ. . . الحديث. قال النووي رحمه الله: مَعْنَاهُ: أَنَّهُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّم فَإِنْ كَانَ مَا يَتَكَلَّم بِهِ خَيْرًا مُحَقَّقًا يُثَاب عَلَيْهِ , وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا فَلْيَتَكَلَّمْ. وَإِنْ لَمْ يَظْهَر لَهُ أَنَّهُ خَيْر يُثَاب عَلَيْهِ , فَلْيُمْسِك عَنْ الْكَلَام سَوَاء ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ حَرَام أَوْ مَكْرُوه أَوْ مُبَاح مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ. فَعَلَى هَذَا يَكُون الْكَلَام الْمُبَاح مَأْمُورًا بِتَرْكِهِ مَنْدُوبًا إِلَى الإِمْسَاك عَنْهُ مَخَافَةً مِنْ اِنْجِرَاره إِلَى الْمُحَرَّم أَوْ الْمَكْرُوه. وَهَذَا يَقَع فِي الْعَادَة كَثِيرًا أَوْ غَالِبًا. وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) . . . وَقَدْ أَخَذَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مَعْنَى الْحَدِيث فَقَالَ: إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّم فَلْيُفَكِّرْ ; فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ لا ضَرَر عَلَيْهِ تَكَلَّمَ , إِنْ ظَهَرَ لَهُ فِيهِ ضَرَر , أَوْ شَكَّ فِيهِ أَمْسَكَ اهـ. وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بحفظ اللسان في أكثر من حديث، منها ما رواه الترمذي (2406) عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا النَّجَاةُ؟ قَالَ: أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ. صححه الألباني في صحيح الترغيب (3331) . وروى الترمذي (2616) قول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بعد ما علمه بعض شرائع الإسلام: أَلا أُخْبِرُكَ بِمَلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ. فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ وقَالَ: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا. فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ! فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟ صححه الألباني في صحيح الترمذي (2110) . وجاء في الحديث الأمر بالإمساك عن الخوض في أشياء معينة؛ لأن ذلك مما لا يفيد الإنسان شيئاً بل يضره ضرراً عظيماً في دينه ودنياه. عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا ذُكر أصحابي فأمسكوا، وإذا ذكرت النجوم فأمسكوا، وإذا ذكر القدر فأمسكوا) . رواه الطبراني في "الكبير" (2 / 96) . والحديث: صححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (34) . وهذا الحديث دليل على أنه لا يجوز للإنسان أن يذكر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بسوء وأنه يجب عليه أن يسكت عما وقع بينهم من خلاف؛ لأن ذكرهم بسوء وجرحهم يتضمن تكذيب الله تعالى في القرءان الذي زكاهم وأثنى عليهم بقوله: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم) التوبة/ 100. وقال سبحانه: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركَّعا سجَّداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود) الفتح/ 29. فهذا وصف الله لهم في كتابه فلله درهم ما أعدلهم وما أحسنهم وأعظمهم فلا يبغضهم إلا منافق ولا يحبهم إلا مؤمن. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ومن أصول أهل السنة والجماعة: سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله كما وصفهم الله بذلك في قوله: (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غِلاًّ للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم) الحشر / 10، وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: " لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحُدٍ ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه " – متفق عليه -. " مجموع الفتاوى " (3 / 152) . وقال أبو زرعة رحمه الله: إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من الصحابة فاعلم أنَّه زنديق، وذلك لأن القرءان حق، والرسول حق، وما جاء به حق، وما أدى إلينا ذلك كله إلا الصحابة فمن جرحهم إنما أراد إبطال الكتاب والسنة فيكون الجرح به أليق والحكم عليه بالزندقة والضلال أقوم وأحق. " الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة " (2 / 608) . وأما الشق الثاني من الحديث وهو: الإمساك عن الكلام في النجوم، فالمقصود به والله أعلم هو: الاهتداء بها على أشياء مغيبات كما كان يفعله أهل الجاهلية الكهنة عن طريق التنجيم وهو الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية كأوقات هبوب الريح أو مجيء المطر وتغير الأسعار وغير ذلك من الأمور التي يزعمون أنها تدرك معرفتها بسير الكواكب في مجاريها واجتماعها وافتراقها ويقولون من تزوج بنجم كذا وكذا حصل له كذا وكذا ومن سافر بنجم كذا حصل له كذا ومن ولد نجم كذا وكذا حصل له كذا من السعود والنحوس. وانظر " كتاب التوحيد " للشيخ صالح الفوزان، باب ادعاء علم الغيب في قراءة الكف والفنجان وغيرهما. وانظر " فتاوى العقيدة " (2 / 185-186-187-190) للشيخ ابن عثيمين حفظه الله فله كلام نفيس جدّاً. وأما الشق الثالث: وهو الإمساك عن الكلام في القدر فقد قال أبو جعفر الطحاوي رحمه الله تعالى: وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه، لم يطلع على ذلك ملك مقرب، ولا نبي مرسل، والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان، وسلم الحرمان، ودرجة الطغيان، فالحذر كل الحذر من ذلك نظراً وفكراً ووسوسةً، فإن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه، ونهاهم عن مرامه، كما قال تعالى في كتابه: (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون) الأنبياء/23. فمن سأل لِمَ فعل؟ فقد رد حكم الكتاب، ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين. شرح العقيدة الطحاوية ص 276. فعلى العبد المسلم أن يسلم لله في كل أموره، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه. والكلام في هذا الباب طويل، ورحم الله امرءاً آمن بقضاء الله وقدره من غير خوض ولا فلسفة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 9410 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 493 الإنسان مسيّر أو مخيّر [السُّؤَالُ] ـ[هل الإنسان مخير أو مسير؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سئل الشيخ ابن عثيمين هذا السؤال فأجاب: على السائل أن يسأل نفسه هل أجبره أحد على أن يسأل هذا السؤال وهل هو يختار نوع السيارة التي يقتنيها؟ إلى أمثال ذلك من الأسئلة وسيتبين له الجواب هل هو مسير أو مخير. ثم يسأل نفسه هل يصيبه الحادث باختياره؟ هل يصيبه المرض باختياره؟ هل يموت باختياره؟ إلى أمثال ذلك من الأسئلة وسيتبين له الجواب هل هو مسير أو مخير. والجواب: أن الأمور التي يفعلها الإنسان العاقل يفعلها باختياره بلا ريب واسمع إلى قول الله تعالى: (فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبًا) وإلى قوله: (منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة) وإلى قوله: (ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكوراً) وإلى قوله: (ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) حيث خير الفادي فيما يفدي به. ولكن العبد إذا أراد شيئاً وفعله علمنا أن الله -تعالى -قد أراده - لقوله – تعالى: (لمن شاء منكم أن يستقيم. وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين) فلكمال ربوبيته لا يقع شيء في السموات والأرض إلا بمشيئته تعالى. وأما الأمور التي تقع على العبد أو منه بغير اختياره كالمرض والموت والحوادث فهي بمحض القدر وليس للعبد اختيار فيها ولا إرادة. والله الموفق. [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين ج2. الحديث: 34898 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 494 قام بعملية تغيير الجنس من رجل إلى امرأة فهل له الخلوة بالنساء [السُّؤَالُ] ـ[رجل في بلاد غير إسلامية ... يعاني نفسيا من اعتقاده بأنه امرأة .... لكنه (في محاولة لعلاج نفسه) تزوج وأنجب ابناً، لكن لم تحل المشكلة، في الأخير قام بعمليه إزالة الأعضاء الذكرية، وعاش بعدها كامرأة وبعد ذلك بعشر سنوات ... أسلم بعد أن تعرف عبر الانترنت بإنسانة مسلمة ... والتي كلمته على أساس أنه امرأة وليس رجلا وعندما عرفت بأنها كانت يوما ما رجلا ... ارتبكت، وهي الآن لا تعرف هل تتعامل معها كامرأة (بكل المعاني) أم ماذا؟ وهل إذا رغب هذا (الرجل المرأة) أن يأتي لزيارتها في بلد الحرمين .... أن تقبل استضافته على أساس أنه رجل أم امرأة .... أم لا تقبل استضافته؟ مع العلم (أنه / أنها) تحتاج إلى من يقف (معه / معها) في الإسلام .... (لأنه / لأنها) مازال من المؤلفة قلوبهم، ولم يثبت الإسلام ثباتا قويا في قلبه .... ونخاف من أن يتسبب عدم قبول الضيافة في بيتها .... صدا..أو حتى ارتدادا عن الدين، ولا احد يريد تحمل مثل هذه المسؤولية.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هؤلاء الذين يشعرون بكراهية الجنس الذي خلقوا عليه، ويتمنون أن يكونوا من الجنس الآخر، هم في الحقيقة مرضى نفسيون، دفعهم سوء التربية أحيانا، وطبيعة المجتمع الذي نشؤوا فيه أحيانا أخرى، إلى كراهية ما هم عليه، فاعترضوا كما يقول الدكتور بعض الباحثين على مشيئة الله تعالى، ورغبوا في تحويل جنسهم إلى جنس آخر. وعملية تحويل الجنس من ذكر إلى أنثى لها أسباب، وما ذكر في السؤال هو عبارة عن رغبة داخلية فقط، مع أن الأعضاء الذكرية كاملة، وليس هناك حالة ما يسمى عند الفقهاء (الخنثى) ، بل هو ذكر طبيعي، له كل المواصفات الذكرية، لكنه يرغب في التحول إلى أنثى، فتجرى له عملية لاستئصال الذكر، والخصيتين، ثم يقوم الأطباء ببناء مهبل، وتكبير الثديين، والحقن بهرمونات لفترات طويلة حتى ينعم الصوت، وتتغير طبيعة توزيع اللحم، ويظهر الشخص بمظهر الأنثى، لكنه في حقيقته ذكر. وهذه العملية محرمة شرعا عند جميع من يعتد بقولهم من العلماء المعاصرين، وإن لم يكن للسابقين فيها كلام، فذلك لأنها لم تكن معروفة أو ممكنة في زمانهم، ويدل على تحريمها عدة أدلة، منها: أولا: قول الله تعالى: (إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَانًا مَّرِيدًا * لَّعَنَهُ اللهُ وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا * وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا * يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا * أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا) النساء/117–121، ولا شك أن إجراء مثل تلك العمليات هو نوع من العبث، وتغييرٌ لخلق الله تعالى. ثانيا: ثبت في الصحيح من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (لعن رسول الله - صلى الله عليه وسم - المشتبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال) رواه البخاري (5546) قال ابن حجر: وتشبه النساء بالرجال، والرجال بالنساء من قاصد مختار، حرام اتفاقاً. وقال أيضاً: " أما ذم الكلام والمشي فمختص بمن تعمد ذلك ... فتركه، بغير عذر، لحقه اللوم ". ثالثا: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن دخول المخنث على النساء، إذا فطن إلى المرأة ومحاسنها، بل أمر بإخراجه من البيوت، إلى حيث يُتَّقى شره. ففي حديث.. " تقبل بأربع وتدبر بثمان.. رواه البخاري ومسلم وقد ترجم الإمام البخاري رحمه الله على هذا الحديث ترجمتين: 1- في باب ما يُنهى من دخول المتشبهين بالنساء على المرأة " 2- وباب إخراج المتشبهين بالنساء من البيوت " قال ابن حجر: ويُستفاد منه – حجب النساء عمن يفطن لمحاسنهن من البيوت والنفي إذا تعين ذلك طريقاً لردعه، وظاهر الأمر وجوب ذلك " اهـ. وفي سنن أبي داود من حديث أبي هريرة (4928) بسند في ضعف أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بمخنّث قد خضب يديه.. وليس بالبقيع؟؟؟؟) رابعاً: أنه قد ثبت بشهادة المختصين من الأطباء أن هذا النوع من الجراحة لا تتوفر فيه أي دواع أو دوافع معتبرة من الناحية الطبية، وأنه لا يعدو كونه رغبة للشخص. إلى غير ذلك من الأدلة الدالة على التحريم، وللمزيد راجع أحكام الجراحة الطبية ص 199 ويقول الدكتور محمد علي البار: " ورغم أن الشكل الخارجي لمثل هذا الشخص قد يخدع الإنسان فيظنه بالفعل أنثى، إلا أن التركيب البيولوجي لا يزال ذكراً، وإن كان ممسوخا تماما، وبالتالي لا يوجد مبيض ولا رحم ولا يمكن أن تحيض (أو يحيض) مثل هذا الشخص، كما أنه لا يمكن أن يحمل قطعا. " وبناءً على ما سبق فلا يجوز بأي حال أن تخلو به امرأة لوحدها، أو تتكشف له وترفع حجابها عنده، لأنه ذكر في الحقيقة، وإن كانت ميوله الآن نحو الأنث، لكثرة الهرمونات الأنثوية التي يحملها، ولا شك أن هؤلاء وأمثالهم شر من المخنثين الذين نهى النبي صلى الله عليه وسلم من دخولهم على النساء، وأمر بنفيهم وإخراجهم من البيوت. لذا فالتقاء أكثر من شخص به يمكن أن يكون مناسبا، كما أنه من المناسب عرضه على طبيب نفسي ثقة، يعالجه مما ألم به، نسأل الله أن يهديه ويصلح حاله. ويمكن تدارك الحالة الواقعة بأن تكلموا أحد الثقات من المشايخ أو طلبة العلم ليستقبل ذلك الشخص، ويعرفه أمر دينه وأحكامه، ويقوي صلته بالإسلام، ويثبته عليه، وذلك عن طريق حضور أكثر من شخص، واعلمي أنه بعد القيام بما نستطيعه تجاه ذلك الشخص، فإن الهداية بيد الله عز وجل، يهدي بها من يشاء من عباده. والله أعلم. راجع السؤال رقم (21277) و (6285) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 34553 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 495 معنى الإيمان بالقدر [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى الإيمان بالقدر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله القَدَر: تقدير الله تعالى لكل ما يقع في الكون، حسبما سبق به علمه، واقتضته حكمته. والإيمان بالقدر يتضمن أربعة أمور: الأول: الإيمان بأن الله تعالى علم بكل شيء جملةً وتفصيلاً، أزلاً وأبداً، سواء كان مما يتعلق بأفعاله سبحانه أو بأفعال عباده. الثاني: الإيمان بأن الله تعالى كتب ذلك في اللوح المحفوظ. وفي هذين الأمرين يقول الله تعالى: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) الحج /70. وفي صحيح مسلم (2653) عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ. قَالَ: رَبِّ، وَمَاذَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ) رواه أبو داود (4700) . وصححه الألباني في صحيح أبي داود. الثالث: الإيمان بأن جميع الكائنات لا تكون إلا بمشيئة الله تعالى. سواء كانت مما يتعلق بفعله سبحانه وتعالى، أم مما يتعلق بفعل المخلوقين. قال الله تعالى فيما يتعلق بفعله: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ) القصص /68. وقال: (وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) ابراهيم /27. وقال: (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ) آل عمران /6. وقال تعالى فيما يتعلق بفعل المخلوقين: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ) النساء /90. وقال: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ) الأنعام /112. فجميع الحوادث والأفعال والكائنات لا تقع إلا بمشيئة الله تعالى، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن. الرابع: الإيمان بأن جميع الكائنات مخلوقة لله تعالى بذواتها، وصفاتها، وحركاتها. قال الله تعالى: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) الزمر /62. وقال: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) الفرقان /2. وقال عن نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنه قال لقومه: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) الصافات /96. فإذا آمن الإنسان بهذه الأمور فقد آمن بالقدر إيماناً صحيحاً. والإيمان بالقدر على ما وصفنا لا ينافي أن يكون للعبد مشيئة في أفعاله الاختيارية وقدرة عليها، بحيث يستطيع الاختيار هل يفعل أو يترك ما يكون ممكناً له من فعل الطاعات أو تركها، وفعل المعاصي أو تركها والشرع والواقع دالان على إثبات هذه المشيئة للعبد. أما الشرع: فقد قال الله تعالى في المشيئة: (ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآباً) النبأ /39. وقال: (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) البقرة /223. وقال في القدرة: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن /16. وقال: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) البقرة /286. فهذه الآيات تثبت للإنسان مشيئة وقدرة بهما يفعل ما يشاء أو يتركه. وأما الواقع: فإن كل إنسان يعلم أن له مشيئة وقدرة بهما يفعل وبهما يترك، ويفرق بين ما يقع بإرادته كالمشي، وما يقع بغير إرادته كالارتعاش، لكن مشيئة العبد وقدرته واقعتان بمشيئة الله تعالى وقدرته، لقول الله تعالى: (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ - وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) التكوير /28-29. ولأن الكون كله ملك لله تعالى فلا يكون في ملكه شيء بدون علمه ومشيئته. والله تعالى أعلم. انظر: رسالة شرح أصول الإيمان للشيخ ابن عثيمين. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 34732 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 496 فساد مقولة (إرادة الشعب من إرادة الله) [السُّؤَالُ] ـ[قرأت في بعض كتب المفكرين عبارة (إرادة الشعب من إرادة الله) أرجو الإفادة عن صحة هذه العبارة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سئل الشيخ عبد الرحمن الدوسري رحمه الله عن هذا الإطلاق فأجاب قائلاً: (هذا افتراء عظيم تجرأ به على الله بعض فلاسفة المذاهب ومنفذيها جرأة لم يسبق لها مثيل في أي محيط كافر في غابر القرون، إذا غاية ما قص الله عنهم التعلق بالمشيئة بقولهم: (لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء) الأنعام /148. فكذبهم الله، وهؤلاء جعلوا للشعب الموهوم - إرادة الأمر - لتبرير خططهم التي ينفذونها، ويلزم هذا الإفك إفساد اللوازم المبطلة له، الدافعة لمن قاله، إذ على قولهم الفاسد يكون للشعب أن يفعل ما شاء ويتصرف في حياته تصرف من ليس مقيداً بشريعة وكتاب، بل على وفق هواه، وعلى أساس المادة والشهوة، والقوة، كالشعوب الكافرة التي لا تدين بدين يقبله الله، ولا ترعى خُلقاً ولا فضيلة. فهذا الإفك العظيم لم يجرؤ عليه أبو جهل ومن على شاكلته مع خبثه وعناده، لأن قبحه معروف ببداهة العقول، حيث إن أذواق الشعوب ونزعتها تختلف، فإذا جعلت إرادة الشعب من إرادة الله صارت نزعات الوجودية، والشيوعية، والنازية، والصهونية، ووحشية الغاب وغيرها من إرادة الله التي أمر بها، وصار كل ما تهواه النفوس الشريرة، ويعشقه مرضى القلوب من التهتك، والإنحلال، ومعاقرة الخمر، ودغدغة الغرائز، وإشباع الشهوات على حساب الغير من أمر الله. فعلام ينتقدون غيرهم، ويصيحون عليه إذا كانت إرادة الشعوب ورغباتها من إرادة الله في حكمه الذي يرتضيه؟ ولأي شيء يرسل الله الرسل، وينزل الكتب، ويشرع الجهاد، والأمر والنهي على الناس إذا كانت إرادتهم من إرادته التي يرتضيها؟. هذا هو عين المحال، ومنتهى الفجور والضلال، والذين تزعموا هذا الإفك لا يطبقونه على أنفسهم، بل يسمحون لها بغزو الشعب الذي لا يخضع لسلطانهم، ولا يسير وفق أهدافهم. فكأن الشعب الذي يحكمونه هم بقوة الحديد والنار هو الشعب الذي إرادته ألوهيةً من إرادة الله. والباطل لابد أن يتناقض، وينادي على نفسه بالبطلان، فقد أشركوا بالله شركاً عظيماً، إذ جعلوا الشعب نداً من دون الله، وأهواءه أنداداً لشريعته وحكمته، بدلاً من أن يكون محتكماًُ إلى الله، ملتزماً لحدوده، متكيفاً بشريعته، منفذاً لها) . [الْمَصْدَرُ] الأجوبة المفيدة لمهمات العقيدة ص 77-78 الحديث: 9317 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 حكم استعمال كلمة لو [السُّؤَالُ] ـ[فيمن سمع رجلا يقول: لو كنت فعلت كذا لم يجر عليك شيء من هذا , فقال له رجل آخر سمعه: هذه الكلمة قد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها , وهي كلمة تؤدي قائلها إلى الكفر , فقال رجل آخر: قال النبي صلى الله عليه وسلم في قصة موسى مع الخضر: {يرحم الله موسى وددنا لو كان صبر حتى يقص الله علينا من أمرهما} واستدل الآخر بقوله صلى الله عليه وسلم: {المؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف إلى أن قال فإن كلمة لو تفتح عمل الشيطان} فهل هذا ناسخ لهذا أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله جميع ما قاله الله ورسوله حق , " ولو " تستعمل على وجهين: أحدهما: على وجه الحزن على الماضي والجزع من المقدور , فهذا هو الذي نهى عنه , كما قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم} . وهذا هو الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: {وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت لكان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن - اللو - تفتح عمل الشيطان} أي تفتح عليك الحزن والجزع , وذلك يضر ولا ينفع بل اعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك , وما أخطأك لم يكن ليصيبك , كما قال تعالى: {ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه} , قالوا: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم. والوجه الثاني: أن يقال " لو " لبيان علم نافع , كقوله: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} . ولبيان محبة الخير وإرادته , كقوله: " لو أن لي مثل ما لفلان لعملت مثل ما يعمل " ونحوه جائز. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: {وددت لو أن موسى صبر ليقص الله علينا من خبرهما} هو من هذا الباب , كقوله: {ودوا لو تدهن فيدهنون} فإن نبينا صلى الله عليه وسلم أحب أن يقص الله خبرهما , فذكرها لبيان محبته للصبر المترتب عليه , فعرفه ما يكون لما في ذلك من المنفعة , ولم يكن في ذلك جزع ولا حزن ولا ترك لما يجب من الصبر على المقدور ... والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] مجموع الفتاوى الكبرى لابن تيمية 1033 - 9 الحديث: 11010 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 498 نظرة الإسلام للقضاء والقدر [السُّؤَالُ] ـ[كيف ينظر الإسلام للقضاء والقدر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الإيمان بالقضاء والقدر أصل من أصول الإيمان وهو يعني أن الله عالم بكل شيء، خالق لكل شيء، وأنه لا يخرج شيء عن إرادته وتقديره، وكتب كل شيء عنده في اللوح المحفوظ، وذلك قبل أن يخلق الخلق بخمسين ألف عام، وأن ما في الكون خلق لله تعالى هم وأفعالهم، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وما أصاب العبد لا يمكن أن يخطئه وما أخطأه لا يمكن أن يصيبه وأن العبد ليس بمجبور على فعل الطاعات أو المعاصي بل له إرادة تليق بحاله ولكنها تحت إرادة الخالق. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 6287 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 هل يجوز قول شاءت الظروف [السُّؤَالُ] ـ[قرأت في عدد من القصص والمقطوعات الأدبية والمقالات الصحفية عبارة (شاءت الظروف أو شاءت الأقدار) فما هو حكم هذه العبارة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه من الألفاظ التي لا ينبغي قولها، لأنه ليس للظروف ولا للأقدار مشيئة. وقد سئل العلامة محمد بن صالح العثيمين حفظه الله عن هذه الألفاظ فقال: (شاءت الأقدار، وشاءت الظروف ألفاظ منكرة، لأن الظروف جمع ظرف، وهو الزمن، والزمن لا مشيئة له، وكذلك الأقدار جمع قدر، والقدر لا مشيئة له. وإنما الذي يشاء هو الله عز وجل نعم لو قال الإنسان: اقتضى قدر الله كذا وكذا فلا بأس، أما المشيئة فلا يجوز أن تضاف للأقدار، لأن المشيئة هي الإرادة، ولا إرادة للوصف، وإنما هي للموصوف) . مجموع فتاوى ورسائل محمد بن عثيمين 3/131-132. [الْمَصْدَرُ] من كتاب الإيمان بالقضاء والقدر لـ محمد بن إبراهيم الحمد ص 147. الحديث: 8621 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 500 هل يجوز أن نسأل الله رد القضاء [السُّؤَالُ] ـ[ما صحة هذا العبارة التي يدعو بها بعض الناس: (اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكني أسألك اللطف بي) ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الدعاء يجري كثيراً على الألسنة، وهو دعاء لا ينبغي، لأنه شُرع لنا أن نسأل الله رد القضاء إذا كان فيه سوء. ولهذا بوب الإمام البخاري رحمه الله باباً في صحيحه قال فيه: (باب من تعوذ بالله من درك الشقاء، وسوء القضاء، وقوله تعالى: (قل أعوذ برب الفلق، من شر ما خلق) الفلق/1-2 ثم ساق قول النبي صلى الله عليه وسلم: (تعوذوا بالله من جهد البلاء، ودرك الشقاء وسوء القضاء) البخاري 7/215 كتاب القدر. [الْمَصْدَرُ] من كتاب الإيمان بالقضاء والقدر لـ محمد بن إبراهيم الحمد ص 147. الحديث: 11522 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 501 هل تتمنى المرأة أن تكون رجلاً [السُّؤَالُ] ـ[لماذا يكافأ الرجل في الجنة بالعديد من الحور وليس الأمر كذلك بالنسبة للمرأة؟ في الحقيقة فإنها يجب أن تشترك في زوجها مع الآخرين (الحور والزوجات) . هل هناك شيء آخر عن هذا الموضوع لا أعرفه، أعلم أنه سيكون في الجنة شيء أكثر من مجرد الزواج وأزواجهن ولكني لا زلت أريد جواباً لهذا السؤال. هذا الموضوع يدور في خلدي منذ زمن طويل.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تمنى بعض الصحابيات أن يكنَّ رجالاً يجاهدن في سبيل الله، فأنزل الله تعالى: (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليماً) النساء/32 فنهى تعالى النساء عن تمني ما هو من خصائص الرجال فقد جعل الله للرجال نصيباً مقدراً من العمل في الدنيا ولهم نصيب من الجزاء المقدر في الآخرة وللنساء كذلك، فأسالوا الله الكريم الوهاب يعطيكم من فضله بدلاً من التمني، فالله أعلم بما يُصلح عباده فيما قسمه لهم من الخير. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 5710 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 502 هل المسلمون جبريون؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل المسلمون جبريون.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الجبرية والمجبرة هم الذين يرون أن العبد مجبور على فعله، وأن أفعاله كأفعال الشجرة التي تحركها الرياح، ويقابلهم القدرية النفاة الذين يرون أن العبد يخلق فعله، ومذهب أهل السنة والجماعة من المسلمين وسط بين الجبرية والقدرية، فيرون أن للعبد مشيئة وإرادة لكنها تابعة لمشيئة الله وإرادته فلا العبد يخلق فعله وليس بمجبور لا يستطيع أن يتصرف في نفسه فله تصرف تابع لإرادة الله ومشيئته. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد الكريم الخضير. الحديث: 7216 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 هل من مسئولية على الأطفال المولودين في بيئة كافرة [السُّؤَالُ] ـ[الأطفال الذين وُلدوا وتربوا في بيئات مختلفة وفي أديان مختلفة ينشؤون، وعندهم بشكل طبيعي، نزعة إلى التمرد على القيود العادية ويكون عندهم شخصيات مختلفة. فالطفل المولود لعائلة هندوسية يصبح هندوسيا عندما يكبر. وبالنسبة له، فإن الدين الهندوسي هو الدين الصحيح. ولنفترض أن من هو في مثل حال هذا الشخص، الذي تأصل في طبعه منذ الطفولة أنه هندوسي أولا وأخيرا، أنه تلقى رسالة الإسلام، فما هي احتمالات أنه سوف يتخلى عن دينه وهويته ويقبل بشيء جديد؟ أليس من العسير على مثله أن يصبح مسلما إذا ما قارنا ذلك مع آخر وُلد مسلما؟ إنه لشيء يخيفني جدا أن أفكر فيما لو أني وُلدت على دين آخر غير الإسلام فكيف يكون حالي الآن. وعليه، لماذا لا تكون القاعدة أن يحصل كل فرد على نفس الفرص كي يتمكن من تجريب الإسلام ويقبل به وهو صغير؟ هل هذا موضوع يتعلق بمشيئة الله، شيء روحاني (الهداية) أم بنفسية الإنسان؟ أرجو أن ترد مستدلا من القرآن والسنة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال تعالى: (فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون) . وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه " متفق عليه. والصواب أن المراد بالفطرة ملّة الإسلام كما في الحديث الذي رواه مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " قال الله تعالى: خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم، وحرّمت عليهم ما أحللتُ لهم، وأمرتْهم أن يُشركوا بي ما لم أنزّل به سلطانا ". ومعنى أن المولود يولد على ملة الإسلام أنه يولد مستعدا في تكوينه إذا تفتح عقله وعرض عليه الإسلام وضدّه أن يُؤْثِرَ الإسلام على ضدّه، ويختار الإسلام ديناً، مالم يمنعه من ذلك مانع كالهوى أو التعصب، فاتباع الهوى يحمل على إيثار الباطل لنيل حظ من الحظوظ من رئاسة أو مال والتعصب يحمل على اتباع الآباء والكبراء ولو كانوا على غير هدى، قال تعالى: (بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمّة وإنا على آثارهم مقتدون) ، وقال تعالى عن الأتباع من أهل النار: (وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا) . وإذا كان كل مولود يولد على الفطرة فمعلوم أن منهم من يتهيأ له ما يوافق فطرته ويثبتها كمن يولد بين أبوين مسلمين، وينشأ في مجتمع مسلم، ومنهم من يتعرض لتغيير فطرته كمن يولد بين أبوين كافرين وينشأ بين الكفار من يهود أو نصارى ومجوس أو مشركين. ولا ريب أن الذي ولد في الإسلام قد حصل له من أسباب الهداية والسعادة ما لم يحصل لغيره ممن ولدوا ونشأوا في مجتمعات كافره، والتوفيق للإيمان وتيسير أسباب الهداية فضل الله يؤتيه من يشاء. ثم يجب أن يُعلم أن من غيّرت فطرته عن الإسلام لا يعاقب بذنب غيره، وإنما يعاقب إذا بلغته دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام فأعرض عنها، ولم يقبلها إباءا واستكبارا وتعصبا لدين آبائه وأهل بلده، لأنه قد قامت عليه الحجة بدعوة الرسول، ومن قامت عليه الحجة الرسالية وأصرّ على كفره استحق العذاب، قال تعالى: (وما كنّا معذبين حتى نبعث رسولا) . وقولك في السؤال (إنه لشيء يخيفني ....... ) قول صحيح ومعقول فمن نعمة الله عليك أنْ ولِدْتَ في الإسلام، ولو ولدت في دين آخر لكان يُخشى عليك من البقاء على الدين الباطل، ولكن الله إذا أراد بالعبد خيرا يسّر له من أسباب الهداية ما ينقله عن ملّة الكفر إلى ملّة الإسلام فالأمر كلّه لله. وقولك في السؤال (لماذا لا تكون القاعدة ..... ) هو سؤال باطل سببه الجهل بحكمة الله تعالى وسنته في خلقه، ومعلوم أنه يستحيل أن تكون الفرص للجميع واحدة مع تعدد وكثرة الديانات البشرية، ثم إن الهداية إلى الإسلام تحصل بمشيئة الإنسان واختياره لأن الله تعالى أعطى الإنسان القدرة على الفرق بين الحقّ والباطل، والنافع والضار بما ركّب فيهم من العقل، وبما بعث به رسله من البينات، ومع ذلك فمشيئة العبد تابعة لمشيئة الله فإنه الذي يُضلّ من يشاء بعدله وحكمته، ويهدي من يشاء بفضله وحكمته. قال تعالى: (إن هو إلا ذكر للعالمين لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين) . [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد الرحمن البراك. الحديث: 11783 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 504 فوائد ابتلاء المؤمن [السُّؤَالُ] ـ[لماذا يثقل الله على المؤمنين الذي يكثرون العبادة بالأمراض والبلايا في حين أن العصاة يتمتعون بكل مطايب الحياة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا السؤال يَرِد على وجهين أحدهما اعتراض والثاني استرشاد، فأما وقوعه على سبيل الاعتراض فإن دليل على جهل السائل، فإنّ حكمة الله سبحانه وتعالى أعظم من أن تبلغها عقولنا والله عز وجل يقول: (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً) فهذه الروح التي هي بين جنبينا والتي هي مادة حياتنا نحن لا نعرفها وقد عجز النظار والفلاسفة والمتكلمون عن تحديدها وكيفيتها، فإذا كانت هذه الروح التي هي أقرب مخلوق إلينا لا نعلم منها إلا ما وُصف في الكتاب والسنة فما بالك بما وراء هذا؟ فالله عز وجل أحكم وأعظم وأجل وأقدر، فعلينا أن نسلم بقضائه تسليماً تاماً: قضائه الكوني وقضائه القدري، لأننا عاجزون عن إدراك غايات حكمته سبحانه وتعالى، وعليه فالجواب عن هذا الوجه من السؤال أن نقول: الله أعلم وأحكم وأقدر وأعظم. وأما الوجه الثاني وهو سؤال استرشاد فإننا نقول لهذا السائل: المؤمن يبتلى وابتلاء الله له بما يؤذيه له فائدتان عظيمتان: الفائدة الأولى اختبار هذا الرجل في إيمانه. هل إيمانه صادق أو متزعزع، فالمؤمن الصادق في إيمانه يصبر لقضاء الله وقدره، ويحتسب الأجر منه وحينئذ يهون عليه الأمر، ويذكر عن بعض العابدات أنه أصيب أصبعها بقطع أو جرح ولكنها لم تتألم ولم تظهر التضجر فقيل لها في ذلك فقالت: إن حلاوة أجرها أنستني مرارة صبرها، والمؤمن يحتسب الأجر من الله تعالى ويسلم تسليماً. وهذه فائدة. أما الفائدة الثانية: فإن الله سبحانه أثنى على الصابرين ثناءً كبيراً وأخبر أنه معهم وأنه يوفيهم أجرهم بغير حساب، والصبر درجة عالية لا ينالها إلا من أبتُلي بالأمور التي يُصبر عليها فإذا صبر نال هذه الدرجة العالية التي فيها هذا الأجر الكثير، فيكون ابتلاء الله للمؤمنين بما يؤذيهم من أجل أن ينالوا درجة الصابرين، ولهذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام وهو أعظم الناس إيماناً واتقاهم لله وأخشاهم لله كان يوعك كما يوعك الرجلان وشُدد عليه صلى الله عليه وسلم عند النزع كل ذلك لأجل أن تتم له منزلة الصبر فإنه عليه الصلاة والسلام أصبر الصابرين، ومن هذا يتبين لك الحكمة من كون الله سبحانه وتعالى يبتلي المؤمن بمثل هذه المصائب، أما كونه يعطي العصاة والفساق والفجار والكفار العافية والرزق يدره عليهم فهذا استدراج منه سبحانه وتعالى لهم، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: إن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر. فهم يُعطون هذه الطيبات لتُعجل لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا، ويوم القيامة ينالون ما يستحقونه من جزاء، قال الله تعالى: (ويوم يُعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون) فالحاصل أن هذه الدنيا هي للكفار يُستدرجون بها وهم إذا انتقلوا إلى الآخرة من هذه الحياة الدنيا التي نعموا بها وجدوا العذاب والعياذ بالله، فإنه يكون العذاب أشد عليهم لأنهم يجدون في العذاب النكال والعقوبة، ولأنه مع فوات محبوبهم من الدنيا ونعيمهم وترفهم، وهذه فائدة ثالثة يمكن أن نضيفها إلى الفائدتين السابقتين فيما سينال المؤمن من الأذى والأمراض، فالمؤمن ينتقل من دار خير من هذه الدنيا فيكون قد انتقل من أمر يؤذيه ويؤلمه إلى أمر يسره ويفرحه، فيكون فرحه بما قدم عليه من النعيم مضاعفاً لأنه حصل به النعيم وفات عنه ما يجري من الآلام والمصائب. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى الشيخ ابن عثيمين في كتاب فتاوى إسلامية 1/83. الحديث: 12099 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 505 هل مشيئة الله هي سبب إنحراف الإنسان [السُّؤَالُ] ـ[إذا ضل الإنسان وانحرف هل يكون ذلك بمشيئة الله أم أن الله لا يُقدّر ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ الشنقيطي – رحمه الله تعالى -: " قوله تعالى: (من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليّاً مرشداً) الكهف/17، بيَّن جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن الهدى والإضلال بيده وحده جل وعلا فمَن هداه فلا مُضلَّ له ومن أضلَّه فلا هاديَ له، وقد أوضح هذا المعنى في آياتٍ كثيرةٍ جدّاً كقوله تعالى: (ومن يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عُمياً وبكماً وصمّاً) الإسراء/97، وقوله: (من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون) الأعراف/178، وقوله: (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) القصص/56، وقوله: (ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا) المائدة/41، وقوله: (إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل وما لهم من ناصرين) النحل/37، وقوله تعالى: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيِّقاً حرجاً كأنَّما يصَّعَّد في السماء) الأنعام/125، والآيات بمثل هذا كثيرة جدّاً. ويؤخذ من هذه الآيات وأمثالها في القرآن بطلان مذهب القدرية: أن العبد مستقلٌّ بعمله من خيرٍ أو شرٍّ، وأن ذلك ليس بمشيئة الله وإنما بمشيئة العبد، سبحانه جل وعلا عن أن يقع في ملكه شئ بدون مشيئته، وتعالى عن ذلك علوّاً كبيراً. [الْمَصْدَرُ] " أضواء البيان " (4 / 44) . الحديث: 22236 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 حكم قول: (ما تستاهل) للمريض [السُّؤَالُ] ـ[بعض الأشخاص عندما يعود أحد المرضى يقول له ما تستاهل أو بعض الأشخاص عندما يسمع أن فلاناً من الناس مريض يقول: والله ما يستاهل نرجو بيان جواز قول هذه الكلمة من عدمه.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا اللفظ لا يجوز؛ لأنه اعتراض على الله سبحانه، وهو سبحانه أعلم بأحوال عباده، وله الحكمة البالغة فيما يقضيه ويقدره على عباده من صحة ومرض، ومن غنى وفقر وغير ذلك. وإنما المشروع أن يقول: عافاه الله وشفاه، ونحو ذلك من الألفاظ الطيبة. وفق الله المسلمين جميعاً للفقه في الدين والثبات عليه، إنه خير مسئول. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/8 ص/421. الحديث: 12867 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 507 خلق الله عز وجل لبشرٍ معوقين ذهنياً [السُّؤَالُ] ـ[لماذا خلق الله عز وجل أناساً معوقين ذهنياً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن من أصول الدين الإيمان بحكمة الرب سبحانه وتعالى في خلقه وأمره، وفي قدره وشرعه، بمعنى أنه لا يخلق شيئا عبثا، ولا يشرع ما لا مصلحة فيه للعباد، فكل ما في الوجود فهو بقدرته ومشيئته، قال تعالى: (الله خالق كل شيء) . وقد اقتضت حكمته البالغة خلق الأضداد، فخلق الملائكة والشياطين، والليل والنهار، والطيب والخبيث، والحسن والقبيح، وخلق الخير والشر، وفاضل وفاوت بين العباد في أبدانهم وفي عقولهم، وفي قواهم، فجعل منهم الغني والفقير، والسليم والسقيم، والعاقل وغير العاقل. ومن حكمة الله في خلقه أن يبتليهم ويبتلي بعضهم ببعض، ليتبين من يشكره ومن يكفره، قال تعالى: (إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا ... إلى قوله تعالى إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا) . وقال تعالى: (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا) . فالمؤمن المعافى إذا شاهد المعوقين عرف نعمة الله عليه فشكره على إنعامه، وسأله العافية، وعلم أن الله على كل شيء قدير. والعباد عاجزون عن الإحاطة بحكمته، لايسئل عما يفعل وهم يسألون سبحانه وتعالى، فما علمت أيها المسلم من حكمة ربك فآمن به، وما عجزت عنه فسلّم فيه لربك وقل: الله أعلم وأحكم، لاعلم لنا إلا ماعلمتنا وهو العليم الحكيم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد الرحمن البراك. الحديث: 7951 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 تقدير الله للمصائب على الأطفال؛ لماذا؟ [السُّؤَالُ] ـ[صديقتي غير مسلمة، وكنت أحاول مساعدتها كي تتعرف على الدين الحقيقي، ومن بين الأسئلة التي طرحتها علي هذا السؤال: "أفهم الاعتقاد بأن الله يختبر، وكي أستخدم مثالك، فالأم التي ترمي بطفلها في صندوق النفايات، لأنها لم تكن تريده، فإنها تكون قد أخفقت في اختبار الحب بشكل مخز. وكذلك المرأة التي كان عندها الكثير من الحب والشوق لأن يكون عندها طفل، ثم سرقت طفلا كي تشبع رغبتها. فإنها تكون أيضا قد أخفقت في اختبارها بسبب الطريق الخاطئة التي مكنتها الحصول على طفل. أنا لا أطرح أسئلتي بخصوص الكبار الذين ارتكبوا أخطاء. لكني أسأل عن الأساس المنطقي المتعلق بالأطفال. وبعبارة أخرى، هل كان الله يختبر الصغير لأنه سمح لوالدته أن ترميه في صندوق النفايات؟ أي نوع من الاختبارات هذا؟ هل الصغير الذي يؤذيه والداه جسديا يُختبر؟ أي نوع من الاختبارات هذا؟ على ماذا يُختبر الطفل؟ كم من الآلام يستطيع أن يتحمله الطفل؟ لذلك، فأسئلتي تتعلق بالأبرياء – وليس بالمذنبين. لماذا يسمح الله لهؤلاء الأبرياء أن يتعرضوا للأذى في جميع أنحاء العالم؟؟ أنا لا أستطيع فهم ذلك".]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحمد لله المحمود بكل لسان، المعبود في كل زمان، الذي لا يخلو من علمه مكان، ولا يُشغله شأن عن شأن، جلَّ عن الأشباه والأنداد، وتنزه عن الصاحبة والأولاد، ونفذ حكمه في جميع العباد، {ليس كمثله شيءٌ وهو السميع البصير} . والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين، وحجةً للناس أجمعين، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة، وجاهد في الله حق الجهاد، حتى تركنا على محجةٍ بيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك ... وبعد: ـ فيجب أن نعلم يا أخي أن أي مؤمن بوجود الله، وكونه ربا خالقا ولو كان هذا المؤمن بوجود الرب من غير المسلمين، يعلم أن هذا الرب يتميز عن خلقه من جميع الوجوه فليس هناك مجال للمشابهة والمقارنة بينه وبين خلقه ولذا يقول الله تعالى: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) الشورى/11. ـ وإذا كان المالك للشيء في الدنيا يتصرف فيه كيف شاء دون أن يحاسبه الخلق على ذلك لأن هذا الشيء هو ملكه؛ فإن الله الخالق الذي ليس كمثله شيء له أن يتصرف في ملكه كيف يشاء، ونوقن نحن المسلمين أن ربنا الذي خلقنا له الحكمة البالغة التي لايمكن أن يتطرق إليها أدنى نقص بأي وجه من الوجوه،بل وكل مؤمن بوجود الرب وقد رضي به ربا يلزمه أن يؤمن بذلك وإلا فهو يؤمن برب ناقص ومعلوم عند من له أدنى عقل وإيمان أن الرب لا يمكن أن يكون ربا حتى يكون كاملا من كل وجه بعيدا عن أي نقص، وإلا فهو ليس برب على الحقيقة. ونحن بدورنا ولأننا خلق من خلق الله، لايمكن أن نصل إلى إدراك شيء يسير من حكمته إلا بعد تعليمه لنا فما علّمناه من حِكم أفعاله فهمناه، وصدقناه. وما كتمه عنا مما اختص بعلمه آمنا به وعلمنا أنه لا يفعل شيئا إلا لحكمة عظيمة،لأنه هو الحكيم العليم، ولايمكن بحال أن يتطرق إلى قلوبنا احتمال أن نحاسبه على ما يفعل في ملكه وخلقه، وإلا فقد تعدينا على مقام الربوبية وتعدينا طورنا وزعمنا أن بإمكاننا أن نعلم ما يعلمه سبحانه، وهذا لايمكن أن يقوله إلا ملحد لايؤمن بوجود رب أصلا ـ نعوذ بالله من ذلك ـ. ـ وإذا كنا نقر لأهل التخصص في تخصصهم وهم من البشر دون أن نناقشهم في ذلك كالأطباء والمهندسين وغيرهم، وذلك لأن مستوانا التعليمي لا يسمح لنا بفهم كل ما يذكرونه، فلأن نقر للعليم الذي لا يغيب عن علمه شيء بأن ما يتصرف به في شؤون خلقه ونحن لا نفهمه أنه هو الحكمة والصواب ولاشك؛ من باب أولى وأحرى. ـ إننا نحن البشر نعد من الحكمة أحيانا أن نفعل بعض الأمور المكروهة لنا لما فيها من الفائدة ولو لم نفعلها لأصبحنا متهمين بنقص الحكمة والعقل، فمثلا المريض الذي يخاف على نفسه الهلاك ويعلم أن شفاءه بإذن الله إذا شرب هذا الدواء، فإن الحكمة هي أن يشرب ذلك الدواء ولو كان مُراً، ولو لم يشربه لعد تقصيرا منه ونقصا في عقله، وهكذا في أمور كثيرة في حياتنا نفعلها ونحن لها كارهون لما يترتب عليها من المصالح. ولله عز وجل المثل الأعلى، وليس هناك مجال لقياسه على خلقه، فهو يفعل سبحانه في ملكه بعض ما يبغضه لما يترتب على ذلك من الحكم العظيمة؛ التي نعجز عن إدراكها أو كثير منها، وقد تتضح لنا بعض الحكم اليسيرة، وذلك من رحمة الله بعباده المؤمنين أن يريهم بعض حكمه في الدنيا لتطمئن قلوبهم، فمثلا لو أردنا أن نلتمس بعض ما يمكن أن نفهمه من بعض الحكم من خلق الله للصبي ثم وفاته بعد ذلك، فربما لو عاش هذا الصبي لارتكب الموبقات والمعاصي العظيمة، فأوجب له ذلك الخلود في النار أدخولها مدة طويلة، أو إغواء غيره كأبويه كحال الغلام الذي قتله الخضر في قصته مع موسى عليه السلام (وهي في سورة الكهف) . كما أنه ربما لو عاش هذا الصبي لتعرض لمتاعب كثيرة يكون الموت بالنسبة لها رحمة من الله. وأيضا فلو خلقه معاقا مثلا فربما منعته هذه الإعاقة عن كثير من المعاصي التي لولاها لفعل هذه المعاصي فعوقب عليها يوم القيامة. ـ كما أنه ليس بالضرورة أن يكون كل مرض أو إعاقة عقوبة، بل قد تكون امتحانا لوالديه، فيكفرالله عنهم من سيئا تهما، أو يرفع في درجاتهما في الجنة إذا صبرا على هذا البلاء، ثم إذا كبر هذا الصبي يمتد الامتحان له، فإن صبر مع الإيمان فقد أعد الله للصابرين أجرا عظيما لايمكن أن يقدر ولا يحسب، فقال سبحانه (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَاب) الزمر/10، ونحن المسلمين لا تنتهي حياتنا بوفاتنا بل نحن نؤمن أن وراء الموت جنة ونارا، هي التي فيها الحياة الحقيقية، فأهل الخير يجدون جزاء ما عملوه من الخير في الدنيا بانتظارهم عند الله، وأهل الشر كذلك، فلا يمكن أن يستوي الطيب والخبيث، وهكذا فمن ابتلي وصبر لايمكن أن يضيع هذا الصبر عند الله، بل ربما يتمنى الذي لم يصب في الدنيا بمثل مصيبته أن يكون قد أصيب بمثل مصابه لما يرى له من المكانة العظيمة. والأدلة على هذا كثيرة في الكتاب والسنة فمنها: قوله سبحانه (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) البقرة/155. وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ " رواه مسلم 2999 وبهذا يتبين لك أن المصائب التي تجري على الأبرياء في نظرنا، بل وعلى جميع الناس ليس بالضرورة أن تكون عقوبة؛ بل قد تكون رحمة من الله لكن لأن عقولنا قاصرة فإننا في كثير من الأحيان نعجز عن فهم حكمة الله في ذلك، فإما أن نكون مؤمنين بأن الله أعدل منا وأحكم وأعلم وأرحم بخلقه، فنسلّم له، ونرضى ونحن مقرين بعجزنا لمعرفتنا بحقيقة أنفسنا، وإما أن نتبجح بعقولنا القاصرة ونغتر بأنفسنا الضعيفة ونأبى إلا محاسبة الله والاعتراض عليه، وهذا لا يمكن أن يخطر بقلب أي مؤمن بوجود ربٍ خالقٍ مالك حكيم كامل من كل وجه. ولو فعلنا فقد عرضنا أنفسنا لغضب الله ومقته، ولن يضر الله شيئا. ولذا فقد نبه الله على ذلك بقوله سبحانه: (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) الأنبياء/23 ـ كما أن من ضعف الإنسان وقصر نظره؛أن يقتصر على رؤية المصائب ولا يتفطن لما فيها من الفوائد، ولا ينظر في بقية النعم الأخرى له وفيما حوله، فنِعم الله على بني البشر لا تقارن بمقدار ما يصيبهم به من المصائب.ولو كان هناك إنسانٌ كثير الإحسان ولكنه لا يحسن أحياناً فإن نسيان إحسانه يعد من الجحود والنكران، فكيف بالله سبحانه وله المثل الأعلى، فكل تصرفاته في الكون هي خير ولا يمكن أن تكون شراً من جميع الوجوه. وأيضاً فإن الأنبياء والرسل هم أحب الخلق إلى الله ومع ذلك فهم أشد الناس بلاء وأكثرهم مصائب، فلماذا؟ ليس عقوبة لهم ولا لهوانهم على ربهم، ولكن لأن الله يحبهم فقد ادخر لهم كامل الأجر ليستوفوه في الجنة وكتب عليهم هذه المصائب ليزيدهم رفعة ودرجة. فهو سبحانه يفعل ما شاء كيف شاء متى شاء لا معقب لحكمه ولا راد لأمره وهو الحكيم العليم. والله أعلى وأعلم وأحكم. تنبيه: فيما يتعلق بقولك: (صديقتي) فإنه يحرم إقامة العلاقة غير الشرعية بين الرجل والمرأة ولمزيد من التوضيح والبيان في هذه القضية الهامة عليك مراجعة فتوى رقم (9465) و (1200) في الموقع. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 13610 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 509 تسخط الزوج إذا ولدت زوجته بنتاً [السُّؤَالُ] ـ[بعض المسلمين هداه الله إذا رزقه الله بنتاً تسخط بها، وضاق ذرعاً بمقدمها، وأعرف من هدد زوجته بالطلاق إذا أنجبت بنتاً، نرجو إلقاء الضوء من الشريعة الإسلامية على هذا الموضوع؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الصنيع ولا شك من أعمال الجاهلية الأولى، وأخلاق أهلها الأجلاف، الذين ورد ذمهم، والتشنيع عليهم في الكتاب والسنة. وما أشبه الليلة بالبارحة، فلو زرت مستشفى للولادة في بلاد المسلمين، وقلبت طرفك في وجوه الحاضرين ممن ولد لهم بنات، وراقبت كلامهم، وسبرت أحوالهم لرأيت توافقاً عجيباً وتطابقاً غريباً بين حال كثير من هؤلاء وحال أهل الجاهلية الذين قص الله تبارك وتعالى علينا خبرهم، وأنهم (إذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم، يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون) النحل /58-59 ومن مظاهر التسخط بالبنات أن يُكتشف في بعض المستشفيات ما برحم المرأة من ذكر أو أنثى، وذلك عبر الأشعة الصوتية، فإن كان ذكراً بشّروا، وإن كان أنثى أقصروا! وهذا الأمر جد خطير، ويترتب عليه عدة محاذير، منها: أنه اعتراض على قدر الله عز وجل. أنه رد لهبته سبحانه وتعالى بدلاً من شكرها، وكفى بذلك مقتاً وتعرضاً للعقوبة. أن فيه إهانة للمرأة، وحطاً من قدرها، وتحميلاً لها ما لا تطيق. كما أنه دليل على السفاهة والجهل، والحماقة وقلة العقل. كما أن فيه تشبهاً بأخلاق أهل الجاهلية. فما أجدر بالمسلم أن يتجنب تلك المسالك، وأن ينجو بنفسه من تلك المهالك، فالتسليم لقدر الله أمر واجب، والرضا به من صفات المؤمنين. ثم إن فضل البنات لا يخفى، فهن الأمهات، وهن الأخوات، وهن الزوجات، وهن نصف المجتمع ويلدن النصف الآخر، فكأنهن المجتمع كله. انظر تحفة المولود في أحكام المولود لابن القيم ص 16 ومما يدل على فضلهن أن الله عز وجل سمى إتيانهن هبة وقدمهن على الذكور في قوله تعالى: (يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور) الشورى /49 وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم بين فضلهن وحث على الإحسان إليهن كما في قوله: (من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهم كن له ستراً من النار) رواه البخاري 1418 مع الفتح، ومسلم (2629) [الْمَصْدَرُ] من كتاب الإيمان بالقضاء بالقدر لـ محمد بن إبراهيم الحمد ص 160. الحديث: 11422 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 ترك الأخذ بالأسباب بحجة التوكل على الله [السُّؤَالُ] ـ[بعض الصوفية يقول بترك الأخذ بالأسباب، بحجة التوكل على الله والتسليم لقضائه وقدره، فهل هذا الكلام صحيح، وما هو المذهب الصحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الأمر مما عمت به البلوى، واشتدت به المحنة، سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى الأمة. فأمة الإسلام مرت بأزمات كثيرة، وفترات عسيرة، وكانت تخرج منها بالتفكير المستنير، والنظرة الثاقبة، والتصور الصحيح، فتبحث في الأسباب والمسببات، وتنظر في العواقب والمقدمات، ثم بعد ذلك تأخذ بالأسباب، وتلج البيوت من الأبواب، فتجتاز - بأمر الله - تلك الأزمات، وتخرج من تلك النكبات، فتعود لها عزتها، ويرجع لها سالف مجدها، هكذا كانت أمة الإسلام في عصورها الزاهية. أما في هذه العصور المتأخرة التي غشت فيها غواشي الجهل، وعصفت فيها أعاصير الإلحاد والتغريب، وشاعت فيها البدع والضلالات، فقد اختلط هذا الأمر على كثير من المسلمين، فجعلوا من الإيمان بالقضاء والقدر تكأة للإخلاد في الأرض، ومسوغاً لترك الحزم والجد والتفكير في معالي الأمور، وسبل العزة والفلاح، فآثروا ركوب السهل الوطيء الوبيء على ركوب الصعب الأشق المريء. فكان المخرج لهم أن يتكل المرء على القدر، وأن الله هو الفعال لما يريد، وأن ما شاءه كان وما لم يشأه لم يكن، فلتمض إرادته، ولتكن مشيئئته، وليجر قضاءه وقدره، فلا حول لنا ولا طول، ولا يد لنا في ذلك كله. هكذا بكل يسر وسهولة، استسلام للأقدار دون منازعة لها في فعل الأسباب المشروعة والمباحة. فلا أمر بالمعروف، ولا نهي عن المنكر، ولا جهاد لأعداء الله، ولا حرص على نشر العلم ورفع الجهل، ولا محاربة للأفكار الهدامة والمبادئ المضللة، كل ذلك بحجة أن الله شاء ذلك! والحقيقة أن هذه مصيبة كبرى، وضلالة عظمى، أدت بالأمة إلى هوة سحيقة من التخلف والانحطاط، وسببت لها تسلط الأعداء، وجرت عليها ويلات إثر ويلات. وإلا فالأخذ بالأسباب لا ينافي الإيمان بالقدر، بل إنه من تمامه، فالله عز وجل أراد بنا أشياء، وأراد منا أشياء، فما أراده بنا طواه عنا، وما أراده منا أمرنا بالقيام به، فقد أراد منا حمل الدعوة إلى الكفار وإن كان يعلم أنهم لن يؤمنوا، وأراد منا قتالهم وإن كان يعلم أننا سُنهزم أمامهم، وأراد منا أن نكون أمة واحدة وإن كان يعلم أننا سنتفرق ونختلف، وأراد منا أن نكون أشداء على الكفار رحماء بيننا وإن كان يعلم أن بأسنا سيكون بيننا شديداً وهكذا ... فالخلط بين ما أريد بنا وما أريد منا هو الذي يُلبس الأمر، ويوقع في المحذور. صحيح أن الله عز وجل هو الفعال لما يريد، الخالق لكل شيء، الذي بيده ملكوت كل شيء، الذي له مقاليد السموات والأرض، ولكنه تبارك وتعلى جعل لهذا الكون نواميس يسير عليها، وقوانين ينتظم بها، وإن كان هو عز وجل قادراًَ على خرق هذه النواميس وتلك القوانين، وإن كان أيضاً لا يخرقها لكل أحد. فالإيمان بأن الله قادر على نصر المؤمنين على الكافرين - لا يعني أنه سينصر المؤمنين وهم قاعدون عن الأخذ بالأسباب، لأن النصر بدون الأخذ بالأسباب مستحيل، وقدرة الله لا تتعلق بالمستحيل ولأنه منافٍ لحكمة الله، وقدرته عز وجل متعلقة بحكمته. فكون الله قادراً على الشيء لا يعني أن الفرد أو الجماعة أو الأمة قادرة عليه، فقدرة الله صفة خاصة به، وقدرة العبد صفة خاصة به ـ فالخلط بين قدرة الله والإيمان بها وقدرة العبد وقيامه بما أمره الله به هو الذي يحمل على القعود، وهو الذي يخدر الأمم والشعوب. وهذا ما لاحظه وألمح إليه أحد المستشرقين الألمان فقال وهو يؤرخ لحال المسلمين في عصورهم المتأخرة: (طبيعة المسلم التسليم لإرادة الله، والرضا بقضائه وقدره، والخضوع بكل ما يملك للواحد القهار) وكان لهذه الطاعة أُثران مختلفان؛ ففي العصر الإسلامي الأول لعبت دوراً كبيراً في الحروب، وحققت نصراً متواصلاً، لأنها دفعت في الجندي روح الفداء. وفي العصور المتأخرة كانت سبباً في الجمود الذي خيم على العالم الإسلامي، فقذف به إلى الإنحدار، وعزله وطواه عن تيار الأحداث العالمية. العلمانية للشيخ سفر الحوالي نقلاً عن باول شمتز في كتابه الإسلام قوة الغد العالمية ص 87 [الْمَصْدَرُ] من كتاب الإيمان بالقضاء والقدر لـ محمد بن إبراهيم الحمد ص 144. الحديث: 11749 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 511 تمني الموت من شدة الكرب [السُّؤَالُ] ـ[حصلت لي مشاكل كبيرة في عملي وفي حياتي الاجتماعية، فهل يجوز لي تمني الموت؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله حالتك هذه تشبه ما قاله الشاعر: ألا موت يباع فاشتريه فهذا العيش ما لا خير فيه وهذا خطأ، فلا يجوز للمؤمن أن يتمنى الموت، فإن كان لابد متمنياً فليدعُ بالدعاء المأثور في ذلك. قال عليه الصلاة والسلام: (لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان لابد متمنياً فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي) رواه البخاري (الفتح) 11/154. [الْمَصْدَرُ] من كتاب الإيمان بالقضاء والقدر لـ محمد بن إبراهيم الحمد ص 159. الحديث: 9846 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 انتحر أخوه ويتساءل تساؤلات خطيرة في القدر [السُّؤَالُ] ـ[مات أخي الصغير بتعليق نفسه. كان عمره 25 عاما فقط. كانت المشكلة عبارة عن شجار بسيط بين أمي وبينه. كلنا في غاية الدهشة وفي حالة حزن شديدة. هناك أسئلة كثيرة أحب أن أسألها عن هذا الوضع. أولا، لماذا اختار الله هذا النوع من الوفاة لأخي؟ ثانيا، عمر والدي 75 عاما وهو ورع/متدين جدا وأمي شديدة الكرم والطيبة/واللطف. لماذا أراهما الله مثل هذا اليوم في حياتهما. ثالثا، كيف يمكننا أن نساعده (أخي) الذي لم يعد بيننا؟ كيف يمكننا رؤيته في الجنة؟ هل بإمكاننا أن نبلغه سلامنا؟ هل سيصله سلامنا؟ أيضا، عندما تم فحصه لتحديد سبب الوفاة، وجدنا أن وفاته لم تكن بسبب الاختناق ولكن بسبب كسر عموده الفقري. ما حدث في الواقع هو أنه كان يوجد في غرفتي أرجوحة قماشية لطفلي. أخذ أخي كرسيا صغيرا كان قريبا منه وربطه في عنقه قائلا سأقتل نفسي. كانت أمي تصلي في نفس الغرفة. نشعر بأنه لم يكن انتحارا. ربما كان غضبه هو الذي دفعه لفعل ذلك. يخبرنا أصدقاؤه بأنه ليس من نوعية الناس الذين يفكرون بالانتحار. في الحقيقة، كان ينصحهم ضد الانتحار كلما ذكروه. كانت جنازته جيدة أيضا، ولم يبدو من وجهه أنه يعاني أوشيئا من هذا القبيل. كان يبدو وكأنه نائم وما علينا إلا أن نوقظه من النوم. هل هذا يدل على شئ. أرجو الرد على هذا إذ أننا في غاية الإنزعاج بسبب هذا الموت المفاجئ.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا بد بين يدي هذه الأسئلة من معرفة ثلاثة أمور هي: أولا: أن كل شيء بقدر الله، وكل ما يجري في هذا الوجود من خير وشر فهو بتقدير الله وتدبيره ومشيئته فإنه تعالى لا ربّ غيره، ولا مدبّر معه. ثانيا: يجب الإيمان بحكمته سبحانه وتعالى في أقداره، فله الحكمة البالغة في كل ما يجري في هذا الوجود سواء أدركنا ذلك أم لم ندركه، بل كثير من حِكم الله لا تبلغها عقول العباد، فيجب التسليم لله تعالى وذلك بالإيمان بكمال حكمته، ولا يجوز الاعتراض عليه في شرعه ولا في قدره. ثالثا: أن الانتحار جريمة كبرى وسوء خاتمة، فالذي يقتل نفسه فرارا من مصيبة أو ضائقة أو فقر أو نتيجة انفعال وغضب، إنه بهذا يعرّض نفسه لعقوبة الله، فقد قال سبحانه وتعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما. ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا) ، وثبت في الصحيحين عن النبي عليه الصلاة والسلام انه قال: " من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يُلجم بها بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن قتل نفسه بسُم فسمّه في يده يتحسّاه في نار جهنم ... الحديث) . فما ذكر في هذه الحالة يجب أن يفوض الحكم فيه إلى الله سبحانه، فالظاهر أن ما فعل هو انتحار لأنه علّق نفسه، أي ربط عنقه في حبل فشنق نفسه، فهو إما أن يكون انتحر أو أراد الانتحار فالله أعلم. واما صلاح الوالدين واستقامتهما فهذا لا يمنع أن يبتليهما الله ببعض المصائب ليظهر بذلك صبرهما، وليكون في ذلك تمحيص لذنوبهما فالمؤمن أمره كلّه خير إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيرا له وليس ذلك إلا للمؤمن. فالابتلاء بالمصائب لا يدل على هوان العبد عند ربّه إذا كان مستقيما على طاعة الله، فالإيمان بالله وطاعته وتقواه هي سبب الكرامة، والكفر والفسوق والعصيان هي سبب الهوان ومن ابتلي بمصيبة فصبر كان ذلك رفعا لدرجاته، والمصائب أنواع، تكون مرضا، وتكون فقد مال، وتكون بفقد حبيب كابن، أو أخ، أو والد، أو زوج أو زوجة، فالله تعالى يبتلي عباده بالنعم والمصائب وهي الخير والشر كما قال تعالى: (ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون) . وإن كان الانتحار صدر عن جهل وكان الشخص مستقيما على طاعة الله محافظا على الصلوات فإنه يرجى له العفو من الله سبحانه وتعالى فإنه تعالى أرحم الراحمين، وإن كان يعلم تحريم الانتحار ولكنه لجأ إلى ذلك ليتخلص من المشكلة التي ضاق بها فإنه على خطر من التعرض للوعيد والعقاب الذي ورد في الحديث، ولكنه مع ذلك إن كان مؤمنا بالله ورسوله وموحدا لله غير مشرك، فإنه تحت مشيئة الله إن شاء الله غفر له، وإن شاء عذبه، ثم إذا عذبه فإنه لا بد أن يخرجه من النار، قال تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) ، وقال عليه الصلاة والسلام: " يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه مثقال ذرّة من إيمان ". وأما حاله عند تغسيله وتجهيزه وما ظهر به من المظهر الحسن فقد يستأنس به لحسن حاله، وحسن عاقبته وأنه معذور عند ربه ومغفور له، ولكن لا يجزم بشيء من ذلك لأن هذه الأمور غاية ما تفد أنها تبشر بخير. وإن كان المنتحر مسلما موحدا مصليا فيمكن الإحسان إليه بالدعاء له بالمغفرة بأن يغفر الله له ذنوبه، ومن ذلك ما فعله بنفسه من التسبب في قتل نفسه. وأما ما ورد في السؤال من انتقاد الكيفية التي اختارها الله له ليموت بها فهذا نوع اعتراض على قدر الله، فالله هو المقدّر، وهو خالق كل شيء، وكل شيء بقدره سبحانه، وهو الحكيم العليم، ولكن ما كان مخالفا لشرع الله فلا يحتج بالقدر عليه، وما يجري في الوجود من هذه الأمور لا يجوز الاعتراض على الله في تقديرها فيجب الإيمان بالقدر، والإيمان بحكمة الرب سبحانه وتعالى. [الْمَصْدَرُ] الشيخ: عبد الرحمن البراك. الحديث: 22407 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 الرد على من يبرئ اللوطية بأن هذه طبيعة خلقتهم [السُّؤَالُ] ـ[أنا لست شاذاً، ولكنني كنت أفكر من ناحية أخلاقية، بما أن الإسلام لا يبيح الشذوذ فما الذي يحصل للشاذ أو الشاذة؟ الكثير من الشواذ يقولون بأن توجههم الجنسي طبيعي وأنهم ولدوا هكذا، إذا افترضنا بأن ما يقولون صحيح لأن الناس الطبيعيين لا يعرفون هذا، فإذا كان الشذوذ محرم في الإسلام فلماذا خلقهم الله هكذا ليتعذبوا بوجودهم في هذه الدنيا ولا يستطيعون إرضاء رغبتهم الجنسية؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا نوافق على قولهم أن توجههم الجنسي طبيعي، بل انتكاسة للفطرة وقد عد الله هذا الفعل فاحشة وتعديا، وأنزل على قوم لوط عذابا لا يماثله عذاب أي أمة أخرى، وقد أخبر سبحانه أن هذه العقوبة ليست ببعيدة عن الظالمين. وقولهم أن توجههم طبيعي فهذا من ترويج الفساد وإشاعته وإيجاد المبررات له، وكثير منهم يحاول تغيير خلقته ليصبح شاذا فكيف يقال أنهم خلقوا هكذا؟ والله تعالى لم يخلق أحدا ليعذبه وإنما خلق الخلق ليعبدوه وقد يبتلي عباده بالشدائد امتحانا لإيمانهم وتكفيرا لخطاياهم ورفعة لدرجاتهم، والله تعالى أعدل من أن يجبر عبدا على معصية ثم يعاقبه، بل المخلوق يفعل المعصية باختياره - مثل هؤلاء الشاذين - وعندها يستحقون العقوبة، قال الله عز وجل: " ولا يظلم ربك أحدا "، وقال تعالى: " إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون ". والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 6285 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 514 الإيمان بالقضاء والقدر [السُّؤَالُ] ـ[ما منزلة الصبر في الإسلام؟ وعلى ماذا يصبر المسلم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الإيمان بالقضاء والقدر من أركان الإيمان.. ولا يتم إيمان المسلم حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطؤه.. وما أخطأه لم يكن ليصيبه.. وأن كل شيء بقضاء الله وقدره كما قال سبحانه.. (إنا كل شيء خلقناه بقدر) القمر/49. الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد. والصبر صفة كريمة.. وعاقبته حميدة. والصابرون يأخذون أجرهم بغير حساب كما قال سبحانه: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) الزمر / 10. وكل ما يقع من المصائب والفتن في الأرض , أو في النفس , أو في المال, أو في الأهل , أو في غير ذلك.. فالله سبحانه قد علمه قبل وقوعه.. وكتبه في اللوح المحفوظ كما قال سبحانه: (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير) الحديد/22. وما يصيب الإنسان من المصائب فهي خير له , علم ذلك أو لم يعلم لأن الله لا يقضي قضاءً إلا هو خير كما قال سبحانه (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون) التوبة/51. وكل مصيبة تقع فهي بإذن الله ومن يؤمن بالله ولو شاء ما وقعت.. ولكن الله أذن بها وقدرها فوقعت كما قال سبحانه: (ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم) التغابن/11. وإذا علم العبد أن المصائب كلها إنما بقضاء الله وقدره.. فيجب عليه الإيمان والتسليم والصبر.. والصبر جزاؤه الجنة كما قال سبحانه: (وجزاهم بما صبروا جنة وحريراً) الإنسان/12. والدعوة إلى الله رسالة عظيمة.. يتعرض من يقوم بها لكثير من الأذى والمصائب.. لذا أمر الله رسوله بالصبر كغيره من الأنبياء فقال (فاصبر كما صبر ألوا العزم من الرسل) الأحقاف/35. وقد أرشد الله المؤمنين.. إذا حزبهم أمر.. أو وقعت لهم مصيبة أن يستعينوا على ذلك بالصبر , والصلاة , ليكشف الله همهم.. ويُعجل بفرجهم.. (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين) البقرة / 153. ويجب على المؤمن الصبر على أقدار الله.. والصبر على طاعة الله.. والصبر عن معاص الله.. ومن صبر أعطاه الله الأجر يوم القيامة بغير حساب كما قال سبحانه: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) الزمر / 10. والمؤمن خاصة مأجور في حال السراء والضراء.. قال عليه الصلاة والسلام.. (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير , وليس ذلك لأحد إلاّ للمؤمن , إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له , وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له) رواه مسلم برقم 2999. وقد أرشدنا الله إلى ما نقوله عند المصيبة.. وبين أن للصابرين مقاماً كريماً عند ربهم فقال: (وبشر الصابرين، الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) البقرة /155-157. [الْمَصْدَرُ] من كتاب أصول الدين الإسلامي تأليف الشيخ محمد بن ابراهيم التويجري. الحديث: 12380 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 515 الحكمة من خلق الحيوانات الضارّة [السُّؤَالُ] ـ[لسؤال: ما الحكمة من خلق الله حيوانات مثل الأفاعي والعقارب والفئران وما إلى ذلك إذا كنا لا نأكلها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الإجابة على هذا السؤال من جانبين عام وخاصّ: أمّا العام: فإنّ المسلم يؤمن بأنّ الله حكيم عليم لا يخلق شيئا عبثا وكلّ أفعاله صادرة عن حكمة، فإذا خفيت الحكمة من فعل من أفعاله تعالى على المؤمن فإنّه يلوذ بهذا الأصل ولا يُسيء الظنّ بربّه. - وأما الخاص: فإنّ من الحكم في خلق مثل هذه المخلوقات ظهور إتقان صنعة الله في خلقه وتدبيره عزّ وجلّ في مخلوقاته فعلى كثرتها فإنّه يرزقها جميعا وكذلك فإنّه سبحانه يبتلي بها ويأجر من أصيب بها وتظهر شجاعة من قتلها وكذلك يبتلي بخلقها عباده من جهة إيمانهم ويقينهم فأمّا المؤمن فيرضى ويسلّم وأمّا المرتاب فيقول ماذا أراد الله بهذا الخلق!! وكذلك يظهر ضعف الإنسان وعجزه في تألمه ومرضه بسبب مخلوق هو أدنى منه في الخلقة بكثير، وقد سئل بعض العلماء عن الحكمة من خلق الذباب فقال: ليذلّ الله به أنوف الجبابرة، وبوجود المخلوقات الضارة تظهر عظم المنّة من خلق الأشياء النافعة كما قيل: وبضدّها تتبيّن الأشياء. ثمّ قد ظهر بالطبّ والتجربة أنّ عددا من العقاقير النافعة تُستخرج من سمّ الأفاعي وما شاكلها، فسبحان من جعل في الأمور التي ظاهرها الضرر أمورا نافعة، ثمّ إنّ كثيرا من هذه الحيوانات الضارّة تكون طعاما لغيرها من الدوابّ النافعة مما يشكّل حلقة في التوازن الموجود في الطبيعة والبيئة التي أحكم الله خلقها. هذا ويجب أن يعتقد المسلم أنّ كلّ أفعاله تعالى خير وليس في مخلوقاته شرّ محض بل لابدّ أن يكون فيها خير من وجه آخر وإن خفي على بعضنا كخلق إبليس وهو رأس الشرّ. فإنّ خلقه فيه حكم ومصالح منها أن الله يبتلي به خلقه ليتبيّن أهل الطاعة من أهل المعصية وأهل المجاهدة من أهل التفريط فيتميّز أهل الجنة من أهل النار. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا قوة الإيمان والبصيرة في الدّين وصلى الله وسلّم على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 1239 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 516 التخلي عن مساعدة المنكوبين بحجة أن هذه مشيئة الله [السُّؤَالُ] ـ[بعض الناس يرى إخوانه المسلمين تنزل بهم النوازل، وتحل بهم القوارع، فلا يتحرك لنصرتهم ولا ينبعث لمساعدتهم، ولا يحث غيره على ذلك، بحجة أن ذلك إنما وقع بمشيئة الله، وأنه لا يسوغ لنا أن نساعدهم، والله عز وجل يعاقبهم! وبعض الناس إذا قيل لهم أحسنوا إلى الفقراء والمحتاجين قال قائلهم: كيف نحسن إليهم والله قد شاء لهم ذلك؟ الله يفقرهم وأنت تغنيهم؟ أو يقول إن الله لو شاء إغناءهم لأغناهم بدون مساعدتنا؟ فما رأي الشرع بهذا الكلام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الكلام وأمثاله كلام باطل بلا ريب، وهو يدل على جهل عظيم، أو تجاهل وخيم، ذلك أن المشيئة ليست حجة لفعل المعاصي أو ترك الطاعات أبداً. ثم إن الله عز وجل أمر بإغاثة المسلم الملهوف وأوجب إعانة المحتاج، وأنكر على من يتخلى عن واجبه بهذا الشأن قال تعالى: (كلا بل لا تكرمون اليتيم، ولا تحاضون على طعام المسكين، وتأكلون التراث أكلاً لماً، وتحبون المال حباً جماً) (الفجر/17-20) وترك إطعام المساكين من أسباب دخول النار، قال تعالى: (ما سلككم في سقر، قالوا لم نك من المصلين، ولم نك نطعم المسكين) (المدثر/42-44) ثم إن المال مال الله، ولو شاء لسلب هذا القائل ماله فهل سيرضى حينئذ إذا اشتدت ضرورته إلى ما يقيم به أوده أن يقال له مثل قوله؟ فهذا القول خطأ عظيم، وضلالة كبرى، وقائله فيه شَبَهٌ ممن قال الله عز وجل فيهم: (وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه إن أنتم إلا في ضلال مبين) (يس/47) . [الْمَصْدَرُ] من كتاب القضاء بالإيمان والقدر لـ محمد بن إبراهيم الحمد ص140. الحديث: 11499 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 517 لماذا يموت أناس من الجوع مع أنّ الرزق مكتوب [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان الله قد كتب الرزق لكل إنسان فلماذا يموت الناس من الجوع؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فإن الله هو الرزاق وهو خير الرازقين وما من دابة إلا على الله رزقها، وإنّ رزق الله لا يجره حرص حريص ولا يرده كراهية كاره، ومن حكمة الله تعالى أن فارق بين العباد في أرزاقهم كما فارق بينهم في خلقهم وأخلاقهم فهو تعالى يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر أن يوسع الرزق على قوم ويضيقه على آخرين فهو تعالى متكفل بأرزاق العباد على ما سبق به علم الله وكتابه وقد علم سبحانه وتعالى وكتب أن من العباد من يبسط له في رزقه ومنهم من يضيق عليه ولله في ذلك حكم بالغة لا تحيط به العقول، ومن حكمته تعالى في البسط والتضييق ابتلاء العباد بالنعم والمصائب كما قال تعالى: (ونبلوكم بالشر والخير فتنة) ، وقال تعالى: (فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن - وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن) الفجر ثم قال تعالى: (كلا) أي ليس الأمر كما يظن هذا الإنسان بل تنعيمه تعالى وتضييقه على من شاء ليس إلاّ ابتلاء لا إكراماً ولا إهانة،، وبهذا الإبتلاء يتبين الشاكر والصابر من ضدهما والله بكل شيء عليم. أهـ [الْمَصْدَرُ] كتب إليناهذه الإجابة فضيلة شيخنا الشيخ عبد الرحمن البراك. الحديث: 3699 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 518 الله عز وجل لا يجبر الناس على الكفر [السُّؤَالُ] ـ[نقرأ في كثير من آيات القرآن أن الله تعالى يخبر بأنه جعل على قلوب الكافرين أكنة وعلى أبصارهم غشاوة وختم عليها وأنه يصمهم ويعميهم عن الحق، وقد علمنا – أيضاً – أن الله تعالى لا يجبر أحداً على الكفر، فما هو توجيه هذه الآيات؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ الشنقيطي – رحمة الله تعالى عليه -: فالجواب: أن الله جل وعلا بين في آيات كثيرة من كتابه العظيم أن تلك الموانع التي يجعلها على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم، كالختم والطبع والغشاوة والأكنة، إنما جعلها عليهم جزاءاً وفاقاً لما بادروا إليه من الكفر وتكذيب الرسل باختيارهم، فأزاغ الله قلوبهم بالطبع والأكنة ونحو ذلك، جزاء على كفرهم، فمن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى: (بل طبع الله عليها بكفرهم) النساء/155، أي بسبب كفرهم، وهو نص قرآني صريح في أن كفرهم السابق سبب الطبع على قلوبهم، وقوله: (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم) الصف/5. وهو دليل واضحٌ أيضاً على سبب إزاغة الله قلوبهم هو زيغهم السابق، وقوله: (ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم) المنافقون/3، وقوله تعالى: (في قلوبهم مرضٌ فزادهم الله مرضاً … ) البقرة/10، وقوله: (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون) الأنعام/110، وقوله تعالى: (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون) المطففين/14، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن الطبع على القلوب ومنعها من فهم ما ينفع عقاب من الله على الكفر السابق على ذلك، وهذا الذي ذكرنا هو وجه رد شبهة الجبرية الذين يتمسكون بها في هذه الآيات المذكورة وأمثالها في القرآن الكريم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 22244 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 519 هل شريكة الحياة اختيار من العبد أو قضاء من الله [السُّؤَالُ] ـ[هل شريكة الحياة اختيار من العبد أو قضاء من الله؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب أن نعلم ابتداء أنه لا تعارض بين إيماننا بتقدير الله لكل شئ وإيماننا بأنه سبحانه أعطانا مشيئة وإرادة نتمكّن بها من فعل الأشياء، قال تعالى مثبتا مشيئة العباد: (لمن شاء منكم أن يستقيم) ، ومشيئتنا وإرادتنا هي ضمن مشيئة الله لا تخرج عنها كما قال تعالى: (وما تشاءون إلا أن يشاء الله) وعليه فلا يصح ضرب هذا بهذا ولا يجوز نفي هذا ولا هذا لأنّ الله أثبتهما جميعا فأثبت للعبد قدرة واختيارا وأثبت مشيئته سبحانه التي لا يخرج عنها شيء، وإذا طبّقنا هذا على ما ورد في السؤال فإننا نؤمن أنّ للعبد مشيئة يمكنه من خلالها أن يختار من يريد من النساء ليتزوجها ومهما حصل من اختيار العبد فإنّه مكتوب عند الله، وهذه الإرادة من العبد والاختيار والمشيئة سبب لحصول مقصوده وتحقيق مطلوبه يتوصّل من خلالها إلى ما يريد، وقد تقوم موانع تحول بين العبد وبين الوصول لمطلوبه ومراده فيعلم العبد أنّ الله لم يقدّّر له ما أراد لحكمة يعلمها سبحانه وكلّ أفعاله سبحانه خير، والعبد لا يعلم الغيب ولا مآلات الأمور وقد يتأسّف على فوات شيء والخير في فواته، وقد يكره وقوع شيء والخير في وقوعه كما قال سبحانه (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (216) سورة البقرة وصلى الله على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 1804 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 520 هل يمكن للحيوانات أن ترى الجن أو تسمع أصواتهم؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكن للحيوانات أن تسمع الجن وتراه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ثبت في السنة الصحيحة أن الحمار يرى الشيطان، فيكون سببا من أسباب نهيقه: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا سَمِعْتُمْ صِيَاحَ الدِّيَكَةِ فَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ؛ فَإِنَّهَا رَأَتْ مَلَكًا، وَإِذَا سَمِعْتُمْ نَهِيقَ الْحِمَارِ فَتَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ، فَإِنَّهُ رَأَى شَيْطَانًا) رواه البخاري (3303) ومسلم (2729) وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا سَمِعْتُمْ نُبَاحَ الْكِلَابِ وَنَهِيقَ الْحُمُرِ بِاللَّيْلِ فَتَعَوَّذُوا بِاللَّهِ، فَإِنَّهُنَّ يَرَيْنَ مَا لَا تَرَوْنَ) رواه أبو داود (5103) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ". وفي هذه الأحاديث دلالة صريحة على أن من الحيوانات ما يرى الشيطان – الذي هو من جنس الجن – رؤية حقيقية تفزعه، ولا مانع من سماعها أصوات الجن والشياطين أيضا. يقول الدكتور عمر الأشقر حفظه الله: " ورؤية الحيوان لما لا نرى ليس غريباً، فقد تحقق العلماء من قدرة بعض الأحياء على رؤية ما لا نراه، فالنحل يرى الأشعة فوق البنفسجية، ولذلك فإنّه يرى الشمس حال الغيم، والبومة ترى الفأر في ظلمة الليل البهيم " انتهى. " عالم الجن والشياطين " (ص/16) وانظر جواب السؤال رقم: (40703) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 140008 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 521 هل يدخل غرفة منفصلة داخل الحمام ليستتر عن أعين الجن؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل من الضروري دخول غرف منفصلة داخل الحمامات في بيوتنا حتى نحتجب عن أعين الجن، أم أن هذا غير ضروري؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا داعي لدخول غرفة منفصلة داخل الحمامات للاحتجاب عن أعين الجن؛ لأن الطريقة الشرعية للاحتجاب عنهم هي قول: (بسم الله) قبل دخول الحمام. ويدل على ذلك ما جاء عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (سَتْرُ مَا بَيْنَ أَعْيُنِ الْجِنِّ وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ، إِذَا دَخَلَ أَحَدُهُمْ الْخَلَاءَ أَنْ يَقُولَ: بِسْمِ اللَّهِ) رواه الترمذي (606) وصححه الألباني في "الإرواء" (50) . وعن بكر بن عبد الله المزني قال: " كان يقال: إن ستر ما بين عورات بني آدم وبين أعين الجن والشياطين، أن يقول أحدكم إذا وضع ثيابه: بسم الله ". رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (6/ 93) . فلا يحرز الإنسان نفسه من الشيطان إلا بذكر الله تعالى، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (كَذَلِكَ الْعَبْدُ لَا يُحْرِزُ نَفْسَهُ مِنْ الشَّيْطَانِ إِلَّا بِذِكْرِ اللَّه) رواه الترمذي (2863) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال (26816) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 132516 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 522 تشك في شخصين أصاباها بالعين فأصبحت تكرههم [السُّؤَالُ] ـ[زوجتي أصيبت بعين، وبعد القراءة عليها لفترة استمرت ثلاث سنوات ولدى قراء مختلفين حتى شفاها الله على يد أحد القراء، حيث تبين أن بها تلبساً من شخصين أصاباها بالعين، فأصبحت الآن تكرههم، وتكره سماع أخبار عنهم، علماً بأنهم من الأقارب، فما توجيهكم لهذه الحالة،جزاكم الله خيراً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الذي يفهم من كلام السائل أن زوجته أصابها مس من الجن، وأنه لما قرئ عليها نطق الجني بأن فلانا وفلانا أصاباها بالعين. فاعلم – يا أخي – أن الأصل في الجن المشرك أنه كذوب لا يصدق، وقد قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ. ذَاكَ شَيْطَانٌ) رواه البخاري (3275) . قال الحافظ: "فِي الْحَدِيث مِنْ الْفَوَائِد: أَنَّ الشَّيْطَان مِنْ شَأْنه أَنْ يَكْذِب" انتهى باختصار. وقال أيضا: "وَقَوْله فِي آخِره (صَدَقَك وَهُوَ كَذُوب) هُوَ مِنْ التَّتْمِيم الْبَلِيغ , لِأَنَّهُ لَمَّا أَوْهَمَ مَدْحه بِوَصْفِهِ الصِّدْق فِي قَوْله صَدَقَك اِسْتَدْرَكَ نَفْي الصِّدْق عَنْهُ بِصِيغَةِ مُبَالَغَة، وَالْمَعْنَى: صَدَقَك فِي هَذَا الْقَوْل مَعَ أَنَّ عَادَته الْكَذِب الْمُسْتَمِرّ , وَهُوَ كَقَوْلِهِمْ: قَدْ يَصْدُق الْكَذُوب" انتهى. ومن مقاصد الشيطان التي يسعى إليها: التفريق بين الناس والوقيعة بينهم. قال الله تعالى عن السحرة الذين يتعلمون السحر من الشياطين: (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) البقرة/102. فشأن الشياطين: التفريق بين الأحبة، والسعي بالفساد بين الناس، فتقطع الأرحام، وتطلق الزوجات، ويتباغض الناس. فالذي نراه أنه لا يجوز الاعتماد على إخبار الجن بذلك، وقد يكون أراد بذلك تقطيع الأرحام. مع التنبيه أن العائن قد يصيب المعيون وهو لا يريد ذلك ولا يشعر به، فلا يلزم من الإصابة بالعين أن يكون العائن خبيثاً يريد الشر بالمعيون، ويكره له الخير. وعلى هذا، فالنصيحة لزوجتك أن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وتجتهد في مراغمته وإذلاله، فتحسن إلى من أوهمها الشيطان أنهم أساءوا إليها لتقطع بذلك رحمها، ولتحتسب الثواب في ذلك، فإن صلة الأرحام من أفضل الأعمال الصالحة، فإن الله تعالى يصل من وصل رحمه، ويقطع من قطعها. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 132446 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 523 هل قراءة سورة البقرة من المسجل يطرد الشيطان من المنزل؟ [السُّؤَالُ] ـ[يقول الرسول صلى الله عليه وسلم، فيما رواه الإمام مسلم في صحيحه: (لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة) . وسؤالي: هل يكفي أن يأتي الإنسان بالمسجل، ويضع فيه شريطا مسجلا عليه سورة البقرة، ويقوم بتشغيله حتى يقرأ كامل السورة؟ أو لا بد أن يقرأ الإنسان بنفسه أو من ينوب عنه السورة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأظهر- والله أعلم- أنه يحصل بقراءة سورة البقرة كلها من المذياع أو من صاحب البيت ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم من فرار الشيطان من ذلك البيت، ولكن لا يلزم من فراره أن لا يعود بعد انتهاء القراءة، كما أنه يفر من سماع الأذان والإقامة ثم يعود حتى يخطر بين المرء وقلبه، ويقول له: اذكر كذا، واذكر كذا. . كما صح بذلك الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم، فالمشروع للمؤمن أن يتعوذ بالله من الشيطان دوما، وأن يحذر من مكائده ووساوسه وما يدعو إليه من الإثم، والله ولي التوفيق " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (24/413) . [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز فتاوى نور على الدرب الحديث: 132431 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 524 المشروع لدفع العين أن يقول: بارك الله لك أو عليك [السُّؤَالُ] ـ[هل يشرع الدعاء، عند خوف الحسد، بـ: " ما شاء الله، لا قوة إلا بالله "؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصحيح من السنة أن يبرك الإنسان – أي يدعو بالبركة - إذا رأى ما يعجبه، وخاف على صاحبه من العين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا رأى أحدكم من نفسه أو ماله أو من أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة فٍان العين حق ". رواه ابن السني في " عمل اليوم والليلة " ص 168 والحاكم 4 / 216 وصححه الألباني في " الكلم الطيب " 243. وعن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال: مر عامر بن ربيعة بسهل بن حنيف وهو يغتسل فقال: لم أر كاليوم ولا جلد مخبأة، فما لبث أن لُبِط به فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم فقيل له: أدرك سهلاً صريعاً قال: مَن تتهمون به؟ قالوا: عامر بن ربيعة، قال: علام يقتل أحدكم أخاه؟! إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة، ثم دعا بماء فأمر عامراً أن يتوضأ فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين وركبتيه وداخلة إزاره، وأمره أن يصب عليه. رواه ابن ماجه 3509 وأحمد 15550 ومالك 1747. وينظر جواب السؤال رقم (7190) . 2- أما قول بعض الناس إذا أعجبه شيء وخاف عليه من العين " ما شاء الله لا قوة إلا بالله "! ، فقد رود فيه حديث رواه أبو يعلى في مسنده، كما في المطالب العالية (10/348) ، وتفسير ابن كثير (5/158) ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أنعم الله عز وجل على عبد نعمة، من أهل أو مال أو ولد، فيقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، فيرى فيه آفة دون الموت» . وكان يتأول هذه الآية: (ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله) . غير أن الحديث المذكور، ضعيف، مداره على عبد الملك بن زراة، وهو ضعيف الحديث. وينظر: الأسماء والصفات، للبيهقي، ت: عبد الله الحاشدي، وحاشية المحقق (1/417) . وذهب بعض أهل العلم إلى مشروعية مثل هذا الذكر، إذا رأى الإنسان ما يعجبه، إما خوفا من العين والآفة عليه، أو خوفا على صاحب ذلك الشيء من العجب والفخر، وتأولوا على ذلك معنى الآية، كما ذكر في آخر الحديث السابق، أنه كان يتأول الآية. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " فإذا رأى الإنسان ما يعجبه وخاف من حسد العين فإنه يقول: ما شاء الله تبارك الله، حتى لا يصاب المشهود بالعين، وكذلك إذا رأى الإنسان ما يعجبه في ماله فليقل: ما شاء الله لا قوة إلا بالله؛ لِئَلاَّ يعجب بنفسه وتزهو به نفسه في هذا المال الذي أعجبه، فإذا قال: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، فقد وكل الأمر إلى أهله تبارك وتعالى " فتاوى نور على الدرب". وقال أيضا: " الأحسن إذا كان الإنسان يخاف أن تصيب عينه أحداً لإعجابه به أن يقول: تبارك الله عليك؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال للرجل الذي أصاب أخاه بعين: (هلا برَّكت عليه) ، أما ما شاء الله لا قوة إلا بالله فهذه يقولها: من أعجبه ملكه، كما قال صاحب الجنة لصاحبه قال: {وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ} [الكهف:39] وفي الأثر: [من رأى ما يعجبه في ماله فقال: ما شاء الله لا قوة إلا بالله لم يصبه في ماله أذىً] أو كلمة نحوها " لقاء الباب المفتوح (235/19) . وفي فتاوى اللجنة (1/547) : " وأما العين فهي مأخوذة من عان يعين إذا أصابه بعينه، والعين حق، كما ورد في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «العين حق ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا» ، وحكمها أنها محرمة كالسحر. وأما العلاج للعائن فإذا رأى ما يعجبه فليذكر الله وليبرك، كما جاء في الحديث «هلا إذا رأيت ما يعجبك بركت» ، فيقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، ويدعو للشخص بالبركة". وينظر أيضا: فتاوى اللجنة (1/109) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130786 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 525 أحرقت خرقة سوداء وأدخلتها في أنف المريضة من أجل الشفاء [السُّؤَالُ] ـ[ابنتي التي تبلغ من العمر 7 أشهر مرضت فذهبت بها لعدة أطباء لعلاجها وأنا أعلم عندما يصيب المسلم في جسده يلجأ إلى الله أولاً ثم الأطباء والعلاج. عندما كانت ابنتي مريضة وبعد عرضها على الأطباء ذهبت بها أمها إلى أهلها وحكت لهم بأن ابنتنا مريضة وكانت موجودة في بيت أهلها امرأة وهذه المرأة عندما سمعت بمرض ابنتنا الصغيرة قالت: أحضروا لي خرقة سوداء فحرقتها بالنار تم أطفأتها وأدخلت الخرقة المحروقة في أنف ابنتنا المريضة وعندما أخبرتني زوجتي بهذا الفعل غضبت جداً ووبخت زوجتي لأن هذا العمل شعرت بأنه نوع من السحر والدجل واتباع الشياطين. السؤال: ما هو حكم فعل هذا الشيء الذي أرعبني؟ وهل هذه المرأة بهذا الفعل الذي فعلته نعرف أنها من النساء اللواتي يتبعن السحر في العلاج؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نسأل الله تعالى أن يشفي ابنتكم شفاء تاماً لا يغادر سقماً. ثانياً: أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بالتداوي من الأمراض فقال: (إن الله خلق الداء والدواء، فتداووا، ولا تتداووا بحرام) رواه الطبراني وحسنه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (1633) . والأدوية التي يتداوى بها المسلم نوعان: 1- أدوية دل الشرع على اعتبارها، كالتداوي بالقرآن والأدعية، أو بالعسل والحبة السوداء ... ونحو ذلك. 2- أدوية دل العلم والتجربة على اعتبارها. فهذان النوعان من الأدوية لا حرج من التداوي بهما. أما ما لم يثبت لا شرعاً ولا علماً وتجربةً أنه دواء مفيد نافع فلا يجوز التداوي به، كالتداوي بالبخور أو الشبة، بل هذا نوع من الدجل والشعوذة، ويخشى أن يكون فيه شيء من الاستعانة بالجن. ومن هذا النوع: ما قامت به تلك المرأة، فلا يعلم لا من الشرع ولا من جهة العلم والتجربة أن ما فعلته المرأة يكون دواء وعلاجاً نافعاً. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل يجوز التبخر بالشب أو الأعشاب أو الأوراق وذلك من إصابة بالعين؟ فأجابوا: " لا يجوز علاج الإصابة بالعين بما ذكر؛ لأنها ليست من الأسباب العادية لعلاجها، وقد يكون المقصود بهذا التبخر استرضاء شياطين الجن والاستعانة بهم على الشفاء، وإنما يعالج ذلك بالرقى الشرعية ونحوها مما ثبت في الأحاديث الصحيحة " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (1 / 275) . فالواجب التوبة مما حصل، وعدم تكرار مثل ذلك، والأخذ بالأسباب الصحيحة للعلاج، سواء كانت أسبابا شرعية كالرقية الشرعية، أو كانت أسباباً كونية قدرية صحيحة بالتطبب بالعلاج والدواء الذي يعرفه الأطباء من خلال علومهم وتجاربهم. كما يجب نصح هذه المرأة، ويبين لها أن ما فعلته مخالف للشرع، حتى لا تعود إليه. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129551 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 526 حقيقة قصة " هاروت وماروت " [السُّؤَالُ] ـ[من هما هاروت وماروت ? هل هما بشر أم ملكان؟ وإن كانا ملكين هل هما معصومان بالرغم من تعليم السحر للناس ?]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ورد ذِكر اسمي " هاورت وماروت " في القرآن الكريم في موضع واحد فقط، وبتأمل هذا الموضع يعرف المرء الحقائق التالية: 1. أنهما من الملائكة، لا من البشر. 2. أنهما مرسَلان من الله؛ تعليماً لأناس شيئاً يقيهم من الشر، لا أنها معاقبان على ذنب. وعليه: فمن ادَّعى أنهما من البشر، أو أنهما ملكان وقعا في معصية فمسخهما الله تعالى: فقد تكلم في أمر الغيب بلا علم، وادعى أمرا يتنقص به ملائكة الرحمن المكرمين، واعتقد بما في كتب بني إسرائيل، بغير شاهد صدق له من الوحي المعصوم. قال تعالى: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) البقرة/ 102. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -: وكذلك اتبع اليهودُ السحرَ الذي أُنزل على الملَكين، الكائنين بأرض " بابل "، من أرض العراق، أنزل عليهما السحر؛ امتحاناً وابتلاءً من الله لعباده، فيعلمانهم السحر. (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى) ينصحاه، و (يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ) أي: لا تتعلم السحر فإنه كفر، فينهيانه عن السحر، ويخبرانه عن مرتبته. فتعليم الشياطين للسحر على وجه التدليس، والإضلال، ونسبته، وترويجه، إلى مَن برَّأه الله منه، وهو سليمان عليه السلام، وتعليم الملكين امتحاناً مع نصحهما: لئلا يكون لهم حجة. فهؤلاء اليهود يتبعون السحر الذي تُعلِّمه الشياطين، والسحر الذي يعلمه الملكان، فتركوا علم الأنبياء والمرسلين، وأقبلوا على علم الشياطين، وكل يصبو إلى ما يناسبه. ثم ذكر مفاسد السحر فقال: (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) مع أن محبة الزوجين لا تقاس بمحبة غيرهما؛ لأن الله قال في حقهما: (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) ، وفي هذا دليل على أن السحر له حقيقة، وأنه يضر بإذن الله، أي: بإرادة الله، والإذن نوعان: إذن قدَري، وهو المتعلق بمشيئة الله، كما في هذه الآية، وإذن شرعي، كما في قوله تعالى في الآية السابقة: (فَإِنَّهُ نزلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ) . وفي هذه الآية وما أشبهها: أن الأسباب مهما بلغت في قوة التأثير: فإنها تابعة للقضاء والقدر، ليست مستقلة في التأثير، ولم يخالف في هذا الأصل مِن فِرَق الأمَّة غير " القدرية " في أفعال العباد، زعموا أنها مستقلة غير تابعة للمشيئة، فأخرجوها عن قدرة الله، فخالفوا كتاب الله، وسنَّة رسوله، وإجماع الصحابة، والتابعين. ثم ذكر أن علم السحر مضرة محضة، ليس فيه منفعة، لا دينية ولا دنيوية، كما يوجد بعض المنافع الدنيوية في بعض المعاصي، كما قال تعالى في الخمر والميسر: (قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا) فهذا السحر مضرة محضة، فليس له داع أصلا، فالمنهيات كلها إما مضرة محضة، أو شرها أكبر من خيرها، كما أن المأمورات إما مصلحة محضة، أو خيرها أكثر من شرها. (وَلَقَدْ عَلِمُوا) أي: اليهود، (لَمَنِ اشْتَرَاهُ) أي: رغب في السحر رغبة المشتري في السلعة: (مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) أي: نصيب، بل هو موجب للعقوبة، فلم يكن فعلهم إياه جهلاً، ولكنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة. (وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) علماً يثمر العمل: ما فعلوه. " تفسير السعدي " (ص 61) . وكل ما عدا ظاهر القرآن في حال هذين الملَكين: فهو من الإسرائيليات، يردها ما ثبت من عصمة الملائكة، على وجه العموم، دون ورود استثناء لهذا لأصل العام: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) الأنبياء/26-28. قال ابن كثير – رحمه الله -: وقد روي في قصة " هاروت وماروت " عن جماعة من التابعين، كمجاهد، والسدي، والحسن البصري، وقتادة، وأبي العالية، والزهري، والربيع بن أنس، ومقاتل بن حيان، وغيرهم، وقصها خلق من المفسرين، من المتقدمين والمتأخرين، وحاصلها راجع في تفصيلها إلى أخبار بني إسرائيل، إذ ليس فيها حديث مرفوع صحيح متصل الإسناد إلى الصادق المصدوق المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، وظاهر سياق القرآن: إجمال القصة من غير بسط، ولا إطناب فيها، فنحن نؤمن بما ورد في القرآن، على ما أراده الله تعالى، والله أعلم بحقيقة الحال. " تفسير ابن كثير " (1 / 360) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128543 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 527 الرد على خرافة في فك السحر [السُّؤَالُ] ـ[سألت في " منتدى .... للرقية الشرعية " عن رجل نعتبره طالب علم عن السحر، فأخبرنا أنه يجوز استعمال فأس قديمة، وذلك بحرقها، والتبول عليها! فأجابوني: بأنها قد أجازها أحد علماء السلف، فما قولكم في ذلك جزاكم الله خيراً على خدمتكم للإسلام، والمسلمين؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أما ما ذكرتَه من التبول على فأس قديم محماة بالنار، من أجل فك السحر: فهذه من الخرافات التي لا تليق بموحِّد، وقد اطلعنا على الموقع الذي أحلت عليه، ورأينا من أجابك هناك بجواز هذا الفعل، وهو لم ينسبه لعالم من علماء السلف، بل نسبه لابن القيم رحمه الله، وقد أعيانا البحث عن الموضع الذي ذكر فيه ابن القيم الجواز، ولم نستطع العثور عليه. ولا نظنه يثبت عنه، ولا عن غيره من العلماء السلفيين؛ بل هو أقرب لفعل المشعوذين. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127993 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 528 هل ورد أن إبليس يبكي؟ [السُّؤَالُ] ـ[قرأت هذا الموضوع وأحب أن أستفسر عنه: سبحان الله هل تعلمون أن " إبليس " يبكي..؟؟!! هل تعلمون أن عدوكم الأول يبكي..؟! هل تحبون أن تجعلوه دائما يبكي؟؟! إذاً عليكم بـ " سجدة التلاوة " فإنها تبكيه..!! فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول: يا ويلي، أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار) الراوي: أبو هريرة - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: مسلم - المصدر: المسند الصحيح - الصفحة أو الرقم: 81 أنا أحب أن أطهر المنتديات من مواضيع كهذه،. لأن المواضيع هذه منتشرة بشكل كبير]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ثبت في السنة النبوية ما يدل على وقوع البكاء من الشيطان الرجيم. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي يَقُولُ: يَا وَيْلَهُ! - وَفِي رِوَايَةِ أَبِي كُرَيْبٍ: يَا وَيْلِي - أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ، وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَأَبَيْتُ فَلِي النَّارُ) رواه مسلم (رقم/81) ، فهو حديث صحيح، وأخرجه الإمام ابن خزيمه أيضا في " صحيحه " (1/276) وبوب عليه بقوله: " باب فضل السجود عند قراءة السجدة، وبكاء الشيطان، ودعائه بالويل لنفسه عند سجود القارئ السجدة " انتهى. يقول القرطبي رحمه الله: " وبكاء إبليس المذكور في الحديث: ليس ندما على معصيته، ولا رجوعا عنها، وإنما ذلك لفرط حسده وغيظه وألمه بما أصابه من دخول أحد من ذرية آدم عليه السلام الجنة ونجاته، وذلك نحو مما يعتريه عند الأذان، والإقامة، ويوم عرفة. وقوله: يا ويلتا: الويل: الهلاك، وويل: كلمة تقال لمن وقع في هلكة، والألف في: (يا ويلتا) : للندبة والتفجع " انتهى. " المفهم " (1/274) فالحاصل أن هذا الأمر ثابت وصحيح، فلا يجوز لك الدعوة إلى تكذيب ذلك، وننصحك ألا تخوضي في التحذير من أمر أو النصيحة بأمر حتى تتثبتي – كما فعلت الآن – كي تكون دعوتك على بصيرة؛ فالعاطفة النبيلة، والنية الصالحة لا تكفي وحدها لكي يكون عمل المرء نافعا ونبيلا، بل لا بد له من أن يتعلم العلم المناسب للأمر الذي يريده، ويسلك سبيل أهله في ذلك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127768 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 529 يشرع سؤال الله الوقاية من شر ما خلق [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز دعاء الله عز وجل بأن يحميني من شر ما خلق في هذا الكون , وفي القبر وفي اليوم الآخر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الالتجاء إلى الله تعالى للحماية والوقاية من كل سوء وشر وأذى من أعظم العبادات، وأفضل الطاعات، فالله عز وجل يحب المستغيثين به، الملتجئين إليه، المستعيذين بعظمته وقدرته. قال الله عز وجل: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ. مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ. وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ. وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ. وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ) سورة الفلق/1-5. وقوله تعالى: (من شر ما خلق) جاء بصفة العموم، فشمل الاستعاذة من كل شر في الحياة الدنيا كالشيطان ووساوسه، وفي البرزخ كعذاب القبر، وفي الحياة الآخرة كجهنم. قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: " (مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ) أي: من شر جميع المخلوقات، وقال ثابت البناني والحسن البصري: جهنم وإبليس وذريته مما خلق " انتهى. " تفسير القرآن العظيم " (8/535) وقال العلامة السعدي رحمه الله: " أي: (قل) متعوذًا (أَعُوذُ) أي: ألجأ وألوذ وأعتصم (بِرَبِّ الْفَلَقِ) أي: فالق الحب والنوى، وفالق الإصباح. (مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ) وهذا يشمل جميع ما خلق الله من إنس وجن وحيوانات، فيستعاذ بخالقها من الشر الذي فيها، ثم خص بعدما عم، فقال: (وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ) أي: من شر ما يكون في الليل حين يغشى الناس وتنتشر فيه كثير من الأرواح الشريرة والحيوانات المؤذية. (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ) أي: ومن شر السواحر اللاتي يَسْتعِنّ على سحرِهن بالنفث في العقد التي يعقدنها على السحر. (وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ) والحاسد هو الذي يحب زوال النعمة عن المحسود، فيسعى في زوالها بما يقدر عليه من الأسباب، فاحتيج إلى الاستعاذة بالله من شره وإبطال كيده، ويدخل في الحاسد العاين؛ لأنه لا تصدر العين إلا من حاسد شرير الطبع، خبيث النفس، فهذه السورة تضمنت الاستعاذة من جميع أنواع الشرور عمومًا وخصوصًا. ودلت على أن السحر له حقيقة يخشى من ضرره، ويستعاذ بالله منه ومن أهله " انتهى. " تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان " (ص/937) وقد علَّمنا النبي صلى الله عليه وسلم الاستعاذة بالله من شر ما خلق في بعض الأذكار الشرعية: عن خولة بنت حكيم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا ثُمَّ قَالَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ) رواه مسلم (2708) وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَيَقُولُ: (إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ) . رواه البخاري (3371) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125923 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 530 كيف تعرف الإصابة بالمس أو بالعين؟ [السُّؤَالُ] ـ[كيف يمكن للإنسان أن يعرف أنه مصاب بمس من الجان، أو أنه مصاب بالعين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يذكر المشتغلون بالرقية الشرعية شيئاً من الأعراض التي يعرف بها أن الشخص مصاب بمس من الجن أو أنه مصاب بالعين، وهي علامات ظنية، قد تتخلف في بعض الحالات، وقد تزيد أو تنقص في حالات أخرى. أما أعراض المس فهي: 1- الإعراض والنّفور الشديد من سماع الأذان أو القرآن. 2- الإغماء أو التشنّج أو الصّرع والسقوط عند قراءة القرآن عليه. 3- كثرة الرؤى المفزعة. 4- الوحدة والعزلة والتصرّفات الغريبة. 5- قد ينطق الشيطان الذي تلبّس به عند القراءة عليه. أما أعراض الإصابة بالعين فيقول الشيخ عبد العزيز السدحان حفظه الله: " الأعراض إن لم تكن مرضا عضويا فإنها تكون غالبا على هيئة: صداع متنقل. صفرة في الوجه. كثرة تعرق وتبول. ضعف شهية. تنمل أو حرارة أو برودة في الأطراف. خفقان في القلب. ألم يتنقل أسفل الظهر والكتفين. حزن وضيق في الصدر. أرق في الليل. انفعالات شديدة من خوف غير طبيعي. كثرة تجشؤ وتثاؤب وتنهد. انعزال وحب للوحدة. خمول وكسل. ميل إلى النوم. مشاكل صحية بلا سبب طبي معروف. وقد توجد هذه العلامات أو بعضها حسب قوة العين وكثرة العائنين " انتهى. " الرقية الشرعية " (ص/10) . ولمزيد الفائدة انظر جواب السؤال رقم: (240) ، (20954) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125543 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 531 هل يصاب الإنسان بالعين عن طريق النظر لصورته أو حكاية أخباره؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل تصيب العين برؤية صورة الشخص من التلفاز أو صورة أو صوت أو في الإنترنت.. أو هل يجب لكي يصيب العين أن يرى الشخص الشخص الآخر بالعين وجها لوجه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الإصابة بالعين أمر ثابت معلوم بالشرع والعادة، ولا يتوقف على رؤية الشيء المعِين، بل قد تحصل الإصابة بالعين بمجرد الوصف أو الحكاية أو التخيّل. قال ابن القيم رحمه الله: " ونفس العائن لا يتوقف تأثيرها على الرؤية، بل قد يكون أعمى فيوصف له الشيء فتؤثر نفسه فيه وإن لم يره، وكثير من العائنين يؤثر في المعين بالوصف من غير رؤية" انتهى. "زاد المعاد" (4/153) . وبهذا يتبين أن العائن قد ينظر إلى صورة الشخص في الحقيقة أو في التلفاز، وقد يسمع أوصافه فيصيبه بعينه، نسأل الله السلامة والعافية. وننبه إلى أن بعض الناس يستسلم للوساوس والهواجس، ويظن أنه سيصاب بالعين كلما رزق نعمة، أو جاءه خير، وهذا من الضعف والعجز، فإن المؤمن لديه من الأسلحة ما يتحصن بها من شر العين والحسد والسحر، فعليه أن يتوكل على ربه، ويعتصم به، ويداوم على الذكر الواقي من تلك الشرور، وينظر جواب السؤال رقم (89604) ورقم (20954) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 122272 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 532 دخول الجني في الإنسي ومخاطبته [السُّؤَالُ] ـ[إذا أصيب إنسان بمس أو سحر فهل يمكن مخاطبة هذا الجني ودعوته إلى الإسلام ووعظه، أم أن ذلك دجل وشعوذة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليست مخاطبة الجن ووعظه ودعوته إلى الإسلام نوعاً من الدجل والشعوذة، فذلك ممكن، بل قد وقع ذلك كثيراً، وأعلن كثير من الجن إسلامهم. ولكن ... ليس معنى هذا أن كل من ادعى هذه الدعوى فهو صادق، فقد يكون كاذباً، لكن كذب بعض المشعوذين لا يجعلنا ننفي وقوع ذلك من بعض الناس. وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" (4/68، 69) عن شيخه ابن تيمية أنه كان يخاطب الجن ويعظه وينهاه عن الظلم، وسيأتي نص كلامه إن شاء الله. وذكر الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله أن امرأة كانت مصابة بمس من الجن وأن ذلك الجني أعلن إسلامه أمام الشيخ، وقد أنكر ذلك بعض الناس فكتب الشيخ مقالاً يبين فيه خطأ هؤلاء المنكرين، فقال بعد أن ذكر أن الجن أعلن إسلامه أمامه: "وقد بلغني عن فضيلة الشيخ ..... أنه أنكر مثل حدوث هذا الأمر وذكر أنه تدجيل وكذب، وأنه يمكن أن يكون كلاما مسجلا مع المرأة ولم تكن نطقت بذلك. وقد طلبت الشريط الذي سجل فيه كلامه وعلمت منه ما ذكر، وقد عجبت كثيرا من تجويزه أن يكون ذلك مسجلا مع أني سألت الجني عدة أسئلة وأجاب عنها، فكيف يظن عاقل أن المسجل يسأل ويجيب، هذا من أقبح الغلط ومن تجويز الباطل، وزعم أيضا في كلمته أن إسلام الجني على يد الإنسي يخالف قول الله تعالى في قصة سليمان: (وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي) ولا شك أن هذا غلط منه أيضا هداه الله وفهم باطل فليس في إسلام الجني على يد الإنسي ما يخالف دعوة سليمان. فقد أسلم جم غفير من الجن على يد النبي صلى الله عليه وسلم. . وقد أوضح الله ذلك في سورة الأحقاف وسورة الجن وثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الشيطان عرض لي فشد علي ليقطع الصلاة علي فأمكنني الله منه فذعتّه (أي خنقته) ، ولقد هممت أن أوثقه إلى سارية حتى تصبحوا فتنظروا إليه فذكرت قول أخي سليمان عليه السلام: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي) فرده الله خاسئا. هذا لفظ البخاري، وروى النسائي على شرط البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي فأتاه الشيطان فأخذه فصرعه فخنقه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حتى وجدت برد لسانه على يدي، ولولا دعوة سليمان لأصبح موثقا حتى يراه الناس) . وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه الشيخان عن صفية رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم) . كما ثبت في الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن كل إنسان معه قرين من الملائكة وقرين من الشياطين حتى النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن الله أعانه عليه فأسلم فلا يأمره إلا بخير. وقد دل كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة على جواز دخول الجني بالإنسي وصرعه إياه، فكيف يجوز لمن ينتسب إلى العلم أن ينكر ذلك بغير علم ولا هدى، بل تقليدا لبعض أهل البدع المخالفين لأهل السنة والجماعة؟ فالله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأنا أذكر لك أيها القارئ ما تيسر من كلام أهل العلم في ذلك إن شاء الله. بيان كلام المفسرين رحمهم الله في قوله تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) . قال أبو جعفر بن جرير رحمه الله: يعني بذلك يتخبله الشيطان في الدنيا وهو الذي يخنقه فيصرعه (من المس) يعني: من الجنون. وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية المذكورة ما نصه: أي: لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم المصروع حال صرعه وتخبط الشيطان له. وقال القرطبي رحمه الله في تفسيره على قوله تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) : في هذه الآية دليل على فساد إنكار من أنكر الصرع من جهة الجن وزعم أنه من فعل الطبائع، وأن الشيطان لا يسلك في الإنسان ولا يكون منه مس. اهـ. وكلام المفسرين في هذا المعنى كثير من أراده وجده. وقال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله في كتابه "إيضاح الدلالة في عموم الرسالة للثقلين" الموجود في "مجموع الفتاوى" جـ 19 ص 9 إلى ص 65 ما نصه بعد كلام سبق: (ولهذا أنكر طائفة من المعتزلة كالجبائي وأبي بكر الرازي وغيرهما دخول الجن في بدن المصروع ولم ينكروا وجود الجن، إذ لم يكن ظهور هذا في المنقول عن الرسول كظهور هذا وإن كانوا مخطئين في ذلك. ولهذا ذكر الأشعري في مقالات أهل السنة والجماعة أنهم يقولون إن الجني يدخل في بدن المصروع، كما قال تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) (وهذا مبسوط في موضعه) . وقال أيضا رحمه الله في جـ 24 من الفتاوى ص 276- 277 ما نصه. (وجود الجن ثابت بكتاب الله وسنة رسوله واتفاق سلف الأمة وأئمتها وكذلك دخول الجني في بدن الإنسان ثابت باتفاق أئمة أهل السنة والجماعة قال الله تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم) . وقال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل: (قلت: لأبي إن أقواما يقولون: إن الجني لا يدخل بدن المصروع، فقال: يا بني، يكذبون. هو ذا يتكلم على لسانه) ، وهذا الذي قاله أمر مشهور، فإنه يصرع الرجل فيتكلم بلسان لا يعرف معناه، ويضرب على بدنه ضربا عظيما لو ضرب به جمل لأثر به أثرا عظيما، والمصروع مع هذا لا يحس بالضرب ولا بالكلام الذي يقوله، وقد يجر المصروع غير المصروع ويجر البساط الذي يجلس عليه ويحول الآلات وينقل من مكان إلى مكان، ويجري غير ذلك من الأمور من شاهدها أفادته علما ضروريا بأن الناطق على لسان الإنسي والمحرك لهذه الأجسام جنس آخر غير الإنسان. وليس في أئمة المسلمين من ينكر دخول الجني في بدن المصروع، ومن أنكر ذلك وادعى أن الشرع يكذب ذلك فقد كذب على الشرع، وليس في الأدلة الشرعية ما ينفي ذلك) . اهـ. وقال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه [زاد المعاد في هدي خير العباد] جـ 4 ص 66 إلى 69 ما نصه: "الصرع صرعان: صرع من الأرواح الخبيثة الأرضية، وصرع من الأخلاط الرديئة، والثاني: هو الذي يتكلم فيه الأطباء في سببه وعلاجه. وأما صرع الأرواح. فأئمتهم وعقلاؤهم يعترفون به ولا يدفعونه. ويعترفون بأن علاجه بمقابلة الأرواح الشريفة الخيرة العلوية لتلك الأرواح الشريرة الخبيثة فتدافع أثارها، وتعارض أفعالها وتبطلها. وقد نص على ذلك بقراط في بعض كتبه. فذكر بعض علاج الصرع. وقال: (هذا إنما ينفع من الصرع الذي سببه الأخلاط والمادة، وأما الصرع الذي يكون من الأرواح فلا ينفع فيه هذا العلاج. وأما جهلة الأطباء وسقطهم وسفلتهم ومن يعتقد بالزندقة فضيلةً فأولئك ينكرون صرع الأرواح، ولا يقرون بأنها تؤثر في بدن المصروع وليس معهم إلا الجهل، وإلا فليس في الصناعة الطبية ما يدفع ذلك، والحس والوجود شاهد به، وإحالتهم ذلك على غلبة بعض الأخلاط هو صادق في بعض أقسامه لا في كلها. إلى أن قال: وجاءت زنادقة الأطباء فلم يثبتوا إلا صرع الأخلاط وحده، ومن له عقل ومعرفة بهذه الأرواح وتأثيراتها يضحك من جهل هؤلاء وضعف عقولهم. وعلاج هذا النوع يكون بأمرين: أمر من جهة المصروع، وأمر من جهة المعالج، فالذي من جهة المصروع: يكون بقوة نفسه. وصدق توجهه إلى فاطر هذه الأرواح وبارئها. والتعوذ الصحيح الذي قد تواطأ عليه القلب واللسان. فإن هذا نوع محاربة. والمحارب لا يتم له الانتصاف من عدوه بالسلاح إلا بأمرين: أن يكون السلاح صحيحا في نفسه جيدا، وأن يكون الساعد قويا فمتى تخلف أحدهما لم يغن السلاح كثير طائل. فكيف إذا عدم الأمران جميعا، ويكون القلب خرابا من التوحيد والتوكل والتقوى والتوجه، ولا سلاح له. والثاني من جهة المعالج: بأن يكون فيه هذان الأمران أيضا، حتى إن من المعالجين من يكتفي بقوله: (اخرج منه) أو يقول: (بسم الله) أو يقول: (لا حول ولا قوة إلا بالله) والنبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: اخرج عدو الله، أنا رسول الله. وشاهدت شيخنا يرسل إلى المصروع من يخاطب الروح التي فيه. ويقول قال لك الشيخ: اخرجي، فإن هذا لا يحل لك، فيفيق المصروع، وربما خاطبها بنفسه، وربما كانت الروح ماردة فيخرجها بالضرب. فيفيق المصروع ولا يحس بألم، وقد شاهدنا نحن وغيرنا منه ذلك مرارا. . . إلى أن قال: وبالجملة فهذا النوع من الصرع وعلاجه لا ينكره إلا قليل الحظ من العلم والعقل والمعرفة، وأكثر تسلط الأرواح الخبيثة على أهله تكون من جهة قلة دينهم وخراب قلوبهم وألسنتهم من حقائق الذكر والتعاويذ والتحصنات النبوية والإيمانية، فتلقى الروح الخبيثة الرجل أعزل لا سلاح معه وربما كان عريانا فيؤثر فيه هذا. .) . انتهى المقصود من كلامه رحمه الله. وبما ذكرناه من الأدلة الشرعية وإجماع أهل العلم من أهل السنة والجماعة على جواز دخول الجني بالإنسي، يتبين للقراء بطلان قول من أنكر ذلك. تنبيه: قد دل ما ذكرناه من الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن كلام أهل العلم على أن مخاطبة الجني ووعظه وتذكيره ودعوته للإسلام وإجابته إلى ذلك ليس مخالفا لما دل عليه قوله تعالى عن سليمان عليه الصلاة والسلام في سورة ص أنه قال: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) وهكذا أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر وضربه إذا امتنع من الخروج كل ذلك لا يخالف الآية المذكورة، بل ذلك واجب من باب دفع الصائل ونصر المظلوم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما يفعل ذلك مع الإنسي. وأرجو أن يكون فيما ذكرناه كفاية ومقنع لطالب الحق، واسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يوفقنا وسائر المسلمين للفقه في دينه، والثبات عليه، وأن يمن علينا جميعا بإصابة الحق في الأقوال والأعمال، وأن يعيذنا وجميع المسلمين من القول عليه بغير علم، ومن إنكار ما لم نحط به علما، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان" انتهى باختصار. "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" الشيخ ابن باز (3/299-308) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121276 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 533 حكم ما يسمى بعلم تحضير الأرواح [السُّؤَالُ] ـ[هل صحيح يمكن تحضير أرواح الأموات وسؤالهم عن بعض الأشياء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما يسمى بـ "تحضير الأرواح" لا حقيقة له، وهو خداع وشعوذة واستعانة بالجن، وللشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله مقال مطول عن هذا الموضوع نذكر بعض ما جاء فيه: قال رحمه الله: " الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد: فلقد شاع بين كثير من الناس من الكتاب وغيرهم ما يسمى بعلم تحضير الأرواح، وزعموا أنهم يستحضرون أرواح الموتى بطريقة اخترعها المشتغلون بهذه الشعوذة يسألونها عن أخبار الموتى من نعيم وعذاب وغير ذلك من الشؤون التي يظن أن عند الموتى علما بها في حياتهم. ولقد تأملت هذا الموضوع كثيرا فاتضح لي أنه علم باطل، وأنه شعوذة شيطانية، يراد منها إفساد العقائد والأخلاق والتلبيس على المسلمين، والتوصل إلى دعوى علم الغيب في أشياء كثيرة. ولهذا رأيت أن أكتب في ذلك كلمة موجزة لإيضاح الحق، والنصح للأمة، وكشف التلبيس عن الناس، فأقول: لا ريب أن هذه المسألة مثل جميع المسائل يجب ردها إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فما أثبتاه أو أحدهما أثبتناه، وما نفياه أو أحدهما نفيناه، كما قال الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) النساء/ 59. ومسألة (الروح) من الأمور الغيبية التي اختص الله سبحانه وتعالى بعلمها ومعرفة كنهها (حقيقتها) ، فلا يصح الخوض فيها إلا بدليل شرعي، قال الله تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا. إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا) الجن/26-27، وقال سبحانه في سورة النمل: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ) . وقد اختلف العلماء رحمهم الله في المراد بالروح في قوله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلًا) الإسراء/85. فقال بعضهم: إنه الروح الذي في الأبدان، وعلى هذا فالآية دليل على أن الروح أمر من أمر الله لا يعلم الناس عنه شيئا إلا ما علمهم الله إياه؛ لأن ذلك أمر من الأمور التي اختص الله سبحانه بعلمها وحجب ذلك عن الخلق، وقد دل القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن أرواح الموتى تبقى بعد موت الأبدان، ومما يدل على ذلك قوله تعالى: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) . وثبت أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش فقذفوا في طوي من أطواء بدر خبيث مخبث، وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال، فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته فشد عليها رحلها ثم مشى واتبعه أصحابه، وقالوا: ما نراه انطلق إلا لبعض حاجته، حتى قام على شفة الركي [طرف البئر] فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم، يا فلان بن فلان، ويا فلان بن فلان أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا، قال: فقال عمر: يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح لها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوا) ، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم: (أن الميت يسمع قرع نعال المشيعين له إذا انصرفوا عنه) . قال العلامة ابن القيم رحمه الله: " والسلف مجمعون على هذا، وقد تواترت الآثار عنهم بأن الميت يعرف زيارة الحي له ويستبشر به "، ونقل ابن القيم أن ابن عباس رضي الله عنهما قال في تفسير قوله تعالي: (اللَّهُ (يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) قال: (بلغني أن أرواح الأحياء والأموات تلتقي في المنام فيتساءلون بينهم، فيمسك الله أرواح الموتى، ويرسل أرواح الأحياء إلى أجسادها) ، ثم قال ابن القيم رحمه الله: " وقد دل على التقاء أرواح الأحياء والأموات أن الحي يرى الميت في منامه فيستخبره ويخبره الميت بما لا يعلم الحي فيصادف خبره كما أخبر ". فهذا هو الذي عليه السلف من أن أرواح الأموات باقية إلى ما شاء الله وتسمع، ولكن لم يثبت أنها تتصل بالأحياء في غير المنام، كما أنه لا صحة لما يدعيه المشعوذون من قدرتهم على تحضير أرواح من يشاءون من الأموات ويكلمونها ويسألونها، فهذه إدعاءات باطلة، ليس لها ما يؤيدها من النقل ولا من العقل، بل إن الله سبحانه وتعالى هو العالم بهذه الأرواح والمتصرف فيها، وهو القادر على ردها إلى أجسامها متى شاء ذلك، فهو المتصرف وحده في ملكه وخلقه لا ينازعه منازع، أما من يدعي غير ذلك فهو يدعي ما ليس له به علم، ويكذب على الناس فيما يروجه من أخبار الأرواح، إما لكسب مال، أو لإثبات قدرته على ما لا يقدر عليه غيره، أو للتلبيس على الناس لإفساد الدين والعقيدة. وما يدعيه هؤلاء الدجالون من تحضير الأرواح إنما هي أرواح شياطين يخدمها بعبادتها وتحقيق مطالبها وتخدمه بما يطلب منها كذبا وزورا في انتحالها أسماء من يدعونه من الأموات، كما قال الله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ) ، وقال تعالى: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) ، وذكر علماء التفسير أن استمتاع الجن بالإنس بعبادتهم إياهم بالذبائح والنذور والدعاء وأن استمتاع الإنس بالجن قضاء حوائجهم التي يطلبونها منهم، وإخبارهم ببعض المغيبات التي يطلع عليها الجن في بعض الجهات النائية، أو يسترقونها من السمع أو يكذبونه وهو الأكثر، ولو فرضنا أن هؤلاء الإنس لا يتقربون إلى الأرواح التي يستحضرونها بشيء من العبادة فإن ذلك لا يوجب حِلِّ ذلك وإباحته؛ لأن سؤال الشياطين والعرافين والكهنة والمنجمين ممنوع شرعا، وتصديقهم فما يخبرون به أعظم تحريما، وأكبر إثما، بل هو من شعب الكفر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة) ، وفي مسند أحمد والسنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم) . وقد جاء في هذا المعنى أحاديث وآثار كثيرة، ولا شك أن هذه الأرواح التي يستحضرونها بزعمهم داخلة فيما منع منه النبي صلى الله عليه وسلم، لأنها من جنس الأرواح التي تقترن بالكهان والعرافين من أصناف الشياطين فيكون لها حكمها، فلا يجوز سؤالها ولا استحضارها ولا تصديقها، بل كل ذلك محرم ومنكر، بل وباطل، لما سمعت من الأحاديث والآثار في ذلك، ولأن ما ينقلونه عن هذه الأرواح يعتبر من علم الغيب، وقد قال الله سبحانه: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ) . وقد تكون هذه الأرواح هي الشياطين المقترنة بالأموات الذين طلبوا أرواحهم فتخبر بما تعلمه من حال الميت في حياته مدعية أنها روح الميت التي كانت مقترنة به، فلا يجوز تصديقها ولا استحضارها ولا سؤالها كما تقدم الدليل على ذلك. وما يحضره ليس إلا الشياطين والجن يستخدمهم مقابل ما يتقرب به إليهم من العبادة التي لا يجوز صرفها لغير الله فيصل بذلك إلى حد الشرك الأكبر الذي يخرج صاحبه من الملة - نعوذ بالله من ذلك -. وممن كشف حقيقة هذه الدعوى الباطلة الدكتور محمد محمد حسين في كتابه [الروحية الحديثة حقيقتها وأهدافها] ، وكان ممن خدع بهذه الشعوذة زمنا طويلا، ثم هداه الله إلى الحق وكشف زيف تلك الدعوى بعد أن توغل فيها، ولم يجد فيها سوى الخرافات والدجل .... وذكر الدكتور محمد محمد حسين أنه مارس هذه البدعة، وحاول مشاهدة ما يدعونه من تجسيد الروح أو الصوت المباشر ويرونه دليل دعواهم، فلم ينجح هو ولا غيره؛ لأنه لا وجود لذلك في حقيقة الأمر، ولما لم يقتنع بتلك الأفكار الفاسدة وكشف حقيقتها انسحب منها وعزم على توضيح الحقيقة للناس. ومما ذكرناه يتضح بطلان ما يدعيه محادثو الأرواح من كونهم يحضرون أرواح الموتى ويسألونهم عما أرادوه، ويعلم أن هذه كلها أعمال شيطانية وشعوذة باطلة داخلة فيما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم من سؤال الكهنة والعرافين وأصحاب التنجيم ونحوهم، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل، وهو المسؤول سبحانه أن يصلح أحوال المسلمين، ويمنحهم الفقه في الدين، ويعيذهم من خداع المجرمين وتلبيس أولياء الشياطين إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد " انتهى باختصار. "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" للشيخ ابن باز (3/309-316) . وللفائدة ينظر جواب السؤال رقم (7107) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121236 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 534 الطريقة التي سحر بها النبي صلى الله عليه وسلم وتصرفه حيال ذلك [السُّؤَالُ] ـ[هل ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم سُحِرَ؟ وإذا ثبت ذلك؛ فكيف كان تعامُلُه عليه الصلاة والسلام مع السّحر ومع من سَحَرَهُ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "نعم؛ ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم سُحِرَ، فعن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم سُحِرَ، حتى ليُخيَّلُ إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله، وأنه قال لها ذات يومٍ: (أتاني ملَكان، فجلس أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، فقال: ما وَجَعُ الرجل؟ قال: مطبوبٌ. قال: ومن طبَّه؟ قال: لبيدُ بن الأعصم، في مُشطٍ ومُشاطةٍ وجُفِّ طلعةِ ذَكَرٍ في بئر ذروانَ) رواه البخاري (6391) . قال الإمام ابن القيِّم: " وقد أنكر هذا طائفة من الناس، وقالوا: لا يجوز هذا عليه، وظنُّوهُ نقصًا وعيبًا، وليس الأمر كما زعموا، بل هو من جنس ما كان يُؤثِّرُ فيه صلى الله عليه وسلم من الأسقام والأوجاع، وهو مرضٌ من الأمراض، وإصابتُه به كإصابته بالسُّمِّ، لا فرقَ بينهما ". وذكر رحمه الله عن القاضي عياض أنه قال: " ولا يَقدَحُ في نبوَّتِه، وأما كونه يُخيَّل إليه أنه فعل الشيء ولم يفعلهُ، فليس في هذا ما يُدخِلُ عليه داخِلةً في شيء من صدقه؛ لقيام الدَّليل والإجماع على عصمته من هذا، وإنما هذا فيما يجوزُ طُرُوُّهُ عليه في أمر دنياه التي لم يُبعث لسببها ولا فضِّلَ من أجلها، وهو فيها عُرضةٌ للآفات كسائر البشر، فغير بعيد أن يُخيَّلَ إليه من أمورها ما لا حقيقة له، ثم ينجلي عنه كما كان " انتهى. ولما علم صلى الله عليه وسلم أنه قد سُحِرَ؛ سأل الله تعالى، فدلَّه على مكان السحر، فاستخرجه وأبطله، فذهب ما به، حتى كأنما نُشِطَ من عقال. ولم يعاقب صلى الله عليه وسلم من سَحَرَه، قال صلى الله عليه وسلم: (أمَّا أنا، فقد شفاني الله، وأكرَهُ أن يُثيرَ على الناس شرًّا) رواه البخاري (6391) " انتهى. فضيلة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله. "المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (2/57، 58) . وللفائدة ينظر جواب السؤال: (68814) ، (2070) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120236 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 535 هل هناك دليل على أن الجن يدخلون الإنس؟ [السُّؤَالُ] ـ[ هل هناك دليل على أن الجن يدخلون الإنس؟ . ]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "نعم؛ هناك دليل من الكتاب والسنة، على أن الجن يدخلون الإنس، فمن القرآن قوله تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) . قال ابن كثير رحمه الله: " لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم المصروع حال صرعه وتخبط الشيطان له ". ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم) . وقال الأشعري في مقالات أهل السنة والجماعة: " إنهم (أي أهل السنة) يقولون: إن الجني يدخل في بدن المصروع ". واستدل بالآية السابقة. وقال عبد الله ابن الإمام أحمد: " قلت لأبي: إن قوماً يزعمون أن الجني لا يدخل في بدن الإنسي فقال: يا بني يكذبون هو ذا يتكلم على لسانه ". وقد جاءت أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رواها الإمام أحمد والبيهقي، أنه أُتي بصبي مجنون فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (اخرج عدو الله، اخرج عدو الله) ، وفي بعض ألفاظه: (اخرج عدو الله، أنا رسول الله) . فبرأ الصبي. فأنت ترى أن في هذه المسألة دليلاً من القرآن الكريم ودليلين من السنة، وأنه قول أهل السنة والجماعة وقول أئمة السلف، والواقع يشهد به، ومع هذا لا ننكر أن يكون للجنون سبب آخر من توتر الأعصاب واختلال المخ وغير ذلك " انتهى. فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. "فتاوى علماء البلد الحرام" (ص984) . وينظر جواب السؤال رقم (11447) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120232 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 536 الراقي الذي يطلب اسم المريض واسم والدته هو ممن يستخدم الجن [السُّؤَالُ] ـ[هناك فئة من الناس يعالجون بالطب الشعبي على حسب كلامهم وحينما أتيت إلى أحدهم قال لي: اكتب اسمك واسم والدتك ثم راجعنا غداً، وحينما يراجعهم الشخص يقولون له: إنك مصاب بكذا وكذا وعلاجك كذا وكذا ... ، ويقول أحدهم إنه يستعمل كلام الله في العلاج فما رأيكم في مثل هؤلاء وما حكم الذهاب إليهم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " من كان يعمل هذا الأمر في علاجه فهو دليل على أنه يستخدم الجن، ويدعي علم المغيبات فلا يجوز العلاج عنده، كما لا يجوز المجيء إليه ولا سؤاله؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الجنس من الناس: (من أتى عرّافاً فسأله عن شيءٍ لم تقبل له صلاة أربعين ليلة) أخرجه مسلم في صحيحه. وثبت عنه صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث النهي عن إتيان الكهان والعرافين والسحرة والنهي عن سؤالهم وتصديقهم، وقال صلى الله عليه وسلم: (من أتى عرّافاً أو كاهناً فصدّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) أخرجه الترمذي. وكل من يدعي علم الغيب باستعمال ضرب الحصى والودع أو التخطيط في الأرض أو سؤال المريض عن اسمه واسم أمه واسم أقاربه، فكل ذلك دليل على أنه من العرافين والكهان الذين نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سؤالهم وتصديقهم. فالواجب الحذر منهم ومن سؤالهم ومن العلاج عندهم وإن زعموا أنهم يعالجون بالقرآن، لأن من عادة أهل الباطل التدليس والخداع، فلا يجوز تصديقهم فيما يقولون. والواجب على من عرف أحداً منهم أن يرفع أمره إلى ولاة الأمر من القضاة والأمراء ومراكز الهيئات في كل بلد حتى يحكم عليهم بحكم الله، وحتى يسلم المسلمون من شرهم وفسادهم وأكلهم أموال الناس بالباطل. والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله " انتهى. فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله. "فتاوى علماء البلد الحرام" (ص946) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120213 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 537 هل يجوز التبخر بالشب أو الأعشاب لدفع العين؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن يتبخر المحسود بالشب من أجل دفع الحسد أو العين عنه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله علاج السحر أو العين يكون بالرقية الشرعية، وقد سبق في الموقع بيان ذلك، كما في جواب السؤال رقم (11290) ، ورقم (11359) . أما العلاج بالتبخر بالشب أو الأعشاب، فذلك لا يجوز. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل يجوز التبخر بالشب أو الأعشاب أو الأوراق وذلك من إصابة بالعين؟ فأجابوا: "لا يجوز علاج الإصابة بالعين بما ذكر؛ لأنها ليست من الأسباب العادية لعلاجها، وقد يكون المقصود بهذا التبخر استرضاء شياطين الجن والاستعانة بهم على الشفاء، وإنما يعالج ذلك بالرقى الشرعية ونحوها مما ثبت في الأحاديث الصحيحة. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/212) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120196 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 538 " هاري بوتر " و " مفكرة الموت " فتنة الصغار والكبار، كفر وإلحاد [السُّؤَالُ] ـ[انتشر في هذا الوقت ما يسمَّى بـ " هاري بوتر "، وله روايات مجزأة على 8 أو 7 أجزاء، وصورت بعضها أفلام، تتحدث عن السحر، شخصيّاً لم أطلع عليها، ولم أر شيئاً منها، ولكن سمعت عنها، وعن انتشارها كثيراً، وأيضاً هناك فيلم " مفكرة الموت " رأيت حلقة واحدة منه تحدث عن " إله الموت " أنه رمى بـ " مفكرة الموت " للبشر، وأخذها شخص، وقرأ على غلاف هذه المفكرة أنه إذا أراد أن يُميت أحداً: فإنه يكتب اسمه، وطريقة موته، ثم يموت خلال 30 ثانية، أو أقل - لا أتذكر بالضبط -، وتدور الأحداث كيف تعامل هذا الشخص مع هذه المفكرة. فما رأيكم في مثل هذه الأفلام؟ وتبادلها بين الشباب؟ وبعضهم يدعي بأنه لا يشتريها حتى لا يدعمهم، ولكن يأخذها من زميله " يقرؤها، أو يشاهدها، ويرجعها له "! هل هذا تصرف صحيح؟ وكيف يمكن إقناعهم بخطورة مثل هذه الأفلام؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: سلبَت أفلام الرسوم المتحركة الحديثة عقول الصغار والكبار! ، وتحوَّل كثير منها إلى أفلام حقيقية بسبب فتنة الملايين بها، وتعلق قلوبهم بأحداثها وشخصياتها، وقد احتوى كثير منها على عقائد تخالف دين الإسلام، وتشكك المسلمين – وخاصة الصغار منهم – بالمسلَّمات والعقائد القطعية، إضافة لما تبثه من مفاسد سلوكية، بما يظهر فيها من نساء متبرجات، وقصص حب وغرام. ونأسف أن يتلقف المسلمون تلك الأفلام ليجعلوها في بيوتهم، ويمكنوا أطفالهم من تقضية أوقاتهم في مشاهدتها، وليس عند من يفعل ذلك أدنى اهتمام بما يمكن أن تؤثر به مثل هذه المشاهدات على أولاده ذكورهم وإناثهم. ثانياً: مما فتن به العالَم في زماننا هذا قصص " هاري بوتر " الشهيرة، وهي سلسلة مكونة من سبعة كتب، كتبتها كاتبة بريطانية تدعى " ج. ك رولينج "، وتدور القصة حول فتى يدعى " هاري بوتر " وُلد لأبويْن ساحرين، وقد قتلهما ساحر شرِّير، وقد فشل هذا القاتل في قتل ابنهما " هاري "، وعندما بلغ هذا الفتى سن الحادية عشرة اكتشف أنه ساحر! ثم تبدأ سلسلة الأحداث القائمة على السحر والشعوذة والخيالات، وقد بيعت مئات الملايين من هذه القصة في أرجاء الأرض، وترجمت إلى حوالي 60 لغة! ومن بينها اللغة العربية! ، وقد أنشئت منتديات، وكتبت ألوف الصفحات في شبكات الإنترنت، تحلل القصة، وتتوقع وقائعها، وتناقش أحداثها، بل إن الموقع العربي المسمى باسم بطلها لا يكتب – كباقي المنتديات – " اسم المستخدم " للدخول لموقعه، بل يكتب " اسم الساحر "! والله المستعان. ثالثاًً: وقد كتب الأستاذ خالد الروشة نقداً علميّاً متيناً لما احتوته تلك القصص، وذكر ما فيها من خروقات عقيدية وتربوية، فقال: " وأحاول هنا بإيجاز أن أقف مع القارئ على بعض الخروق التربوية التي تؤدي إليها مثل تلك القصة وما يتبعها: 1 - القصة تقدِّم نموذجاً للقدوة عند أبنائنا , هو الساحر الشهير " هاري بوتر " , وهي هنا تهدم هذا الجدار الذي يبنيه النموذج الإسلامي بين أبناء الإسلام وبين السحر والسحرة , ولطالما لجأ الغرب إلى اختراع الشخصيات الأسطورية؛ لإلهاء الأطفال؛ ولملء الفراغ العميق بداخلهم , فاخترعوا لهم " سوبر مان " و " بات مان " و " هرقل "، وغيرهم من شخصيات يقدمونها للأبناء على أنها تستطيع أن تغير العالم وتهدم الجبال! وهذا ولاشك في ذاته دليل على عجزهم عن تقديم نموذج واقعي جاد جدير بجذب الأبناء وتعلقهم به والإقبال عليه. 2 - تقدِّم القصة السحر كمخلِّص من العقبات التي لا يمكن حلها، والأزمات التي لا يستطيع أحد السيطرة عليها، وفي لحظة واحدة، وبكلمة سحرية: يستطيع الساحر أن يحل الأزمة، ويتخطى العقبة , وهو – ولا شك - يولِّد لدى الأبناء خللاً عقائديّاً كبيراً , إذ إنه يدعوهم نحو ما يدعو إليه دافعاً إياهم إلى نسيان من ينبغي أن يلجئوا إليه في العقبات، والأزمات , ونحن ليل نهار نعلم أبناءنا (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) الأنعام/ 17، 18 , وهو المنصوص عليه في جميع الديانات الصحيحة، وعلى لسان جميع الأنبياء من لَعْن السحرة، والمشتغلين بالسحر , ولكن القصة تجعل أبناءنا يشتاقون للسحر، ويحبونه، ويتمنى كل واحد منهم أن لو صار ساحراً!! 3 - الحياة الغربية هي حياة مركزها الإنسان، ومحورها منفعته، ومكاسبه , والإسلام يعلِّمنا أن يكون مركز تفكيرنا في مرضات الله سبحانه , فطاعة الله هي مركز حياتنا , ورضاه عز وجل هو محور سعينا , وهذا ما ينبغي أن نعلمه أبناءنا من قوله تعالى (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الأنعام/ 162 , وفي تلك القصة الساقطة هم يقدِّمون الشخصية التي تفعل كل المعجزات اعتماداً على قدراتها السحرية، وسعياً وراء مصلحة الأفراد , ولا يغتر أحد أنهم يقدمونه محارباً للشر , فالخير لا يأتي عن طريق الشر أبداً , وما جعل دواء فيما حُرِّم! قصة " بوتر " قائمة على شيء حرَمه الله في ديننا الحنيف، ولعن فاعله، ذلك الشيء القبيح هو السحر , والمبدأ القرآني عندنا يقول (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) طه/ من الآية 69. 4 - اعتمدتْ القصة على التخويف والفزع من تخيلات شيطانية لا تطرأ إلا في عالم الجن، والشياطين، ومساكنهم في مجاري المياه، والمراحيض، وأماكن النجس - هكذا أوردت القصة - , والمزاج السليم يرفض ذلك، ويبعد بالأبناء عن تلك المجالات المفزعة، والقابضة لنفوس الأبناء، والمجرئة لهم – في بعض الأحيان – على عالم الشيطان , حتى يستسيغوا الحياة في ذلك العالم , فلا يجد حينئذ عبَّاد الشيطان صعوبة في دعوتهم إلى السوء! 5 - قدَّمت القصةُ الساحرَ الأكبرَ على أنه بإمكانه أن يحي ويميت! فهو يميت الطائر كذا، والحيوان كذا، ثم يحييه في صورة أفضل، وشكل أحسن , كما تقدمه على أنه يشفي المرضى، ويعالج الجروح في لحظة واحدة، وبكلمة سحرية واحدة , وهو خلل أي خلل في التكوين النفسي والفكري لدى أبنائنا الذين يجب أن نعلمهم دوما معنى قوله تعالى (الَّذي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِين. والَّذِي هُوَ يُطْعِمُني وَيَسْقِين. وَإِذَا مَرِضت فَهُوَ يَشْفِين. والَّذي يُمِيتُني ثُمَّ يُحْيين. والَّذي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّين) الشعراء/ 78 - 82. 6 - لا يهم الغرب أن يتربى الابن وقلبه مملوء بمحبة الله سبحانه والرغبة في عبادته , فهو يهتم بترفيهه وتقديم ما يبهره , ولذلك دوماً نجد أبناءهم يشبُّون على المادية الجامدة، وعلى النفعية البالغة، وعلى التقليل من شأن الروح، وإعلاء المادة عليها، وعلى البعد الكبير عن شئون القلب، وحقائق الكون , فقليل منهم من ييمم وجهه نحو البحث عن الإيمان، ولكنه يتربى على أن الإيمان هو شيء زائد يتمثله ليشعره بالراحة النفسية في بعض المواقف , وهذا يتنافى تماماً مع ما يأمرنا الإسلام بتربية أبنائنا عليه، حيث أوصانا أن نربِّي أبناءنا على حراسة القلب بالإيمان، وتعليقه بربه، وانظر إلى نصيحة النبي صلى الله عليه وسلم للغلام الصغير عبد الله بن عباس رضي الله عنه وهو يقول له: (احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ ... ) أين الثرى من الثريا، وأين الظلمات من النور؟!! " انتهى. ولقراءة المقال كاملاً: اضغط هنا: http://www.islamselect.com/mat/42292 رابعاً: قد حرمت الشريعة قراءة كتب السحر، ولا يختلف حكم مشاهدة الأفلام عن القراءة، بل هو أشد إثماً؛ لما فيه من تطبيق عملي للأمور النظرية في الأفعال السحرية المحرمة؛ ولما له من تأثير بالغ على ذهن المشاهد، وعلى حياته. سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -: أرجو من فضيلتكم أن تبينوا حرمة استعمال، وقراءة كتب السحر والتنجيم، حيث إنها موجودة بكثرة، وبعض زملائي يريدون شراءها ويقولون: إنها إذا لم تستعمل فيما لا يضر فليس في ذلك حرمه. نرجو الإفادة، وفقكم الله. فأجاب: هذا الذي قاله السائل حق، فيجب على المسلمين أن يحذروا كتب السحر والتنجيم، ويجب على من يجدها أن يتلفها؛ لأنها تضر المسلم، وتوقعه في الشرك، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد) ، والله يقول في كتابه العظيم عن الملَكين: (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ) البقرة/ 102، فدلَّ على أن تعلم السحر، والعمل به: كفر، فيجب على أهل الإسلام أن يحاربوا الكتب التي تعلِّم السحر والتنجيم، وأن يتلفوها أينما كانت. هذا هو الواجب، ولا يجوز لطالب العلم، ولا غيره، أن يقرأها، أو يتعلم ما فيها، وغير طالب العلم كذلك، ليس له أن يقرأها، ولا أن يتعلم مما فيها، ولا أن يقرَّها؛ لأنها تفضي إلى الكفر بالله، فالواجب إتلافها أينما كانت، وهكذا كل الكتب التي تعلم السحر والتنجيم يجب إتلافها. " فتاوى نور على الدرب " (1 / 148) طبعة " دار الوطن ". والخلاصة: لا يحل لمسلم أن يشتري هذه القصة المسمى " هاري بوتر " لما تحتويه من تعظيم للسحر، والسحرة؛ ولما فيها من عقائد تخالف عقيدة الإسلام، ومن باب أولى عدم جواز مشاهدة القصة مصورة في " فيلم " لما لها من تأثير بالغ على عقيدة، وسلوك مشاهديها؛ ولما تحتويه من مشاهد منكرة، وموسيقى محرمة. خامساً: الفيلم الكرتوني الآخر – وقد تحول إلى فيلم حقيقي – والمسمى " مفكرة الموت " يحتوي على عقائد كفرية، وملخص قصة الفيلم أن " إله الموت "! والمسمى " ريكو " يرمي بمفكرة سماها " مفكرة الموت " إلى عالم البشر! ، ويلتقطها بطل الفيلم " ياجامي "، ليعلم فيما بعد أنه يستطيع أن يميت من يشاء! وذلك من خلال كتابة اسم المراد موته فيها، بشرط أن يكون على علم بصورته، كما يستطيع أن يتحكم في طريقة وفاته! فإذا كتب طريقة الموت بعد " 40 " ثانية من كتابة الاسم، وكتب طريقة الموت: مات بما يطابق كتابته، وإن مرت المدة ولم يكتب طريقة موته: مات بالنوبة القلبية! فيبدأ بعدها التخلص من الأشرار! بكتابة أسمائهم في تلك المفكرة ليتم القضاء عليهم، ويبدأ محقق في تتبع أسباب وفاة أولئك، في قصة تملؤها الخرافة، والشرك، والكفر، والإلحاد، وفي كل مرة يقدَّم الكفر على أنه مخلص الأرض من الشر! وهذا ما رأيناه قبل قليل في الساحر " هاري بوتر " وكذا ما قدَّمته الرسوم المتحركة اليابانية من " ميكي ماوس " الإله الفأر الذي ينقذ المظلومين ويقضي على الأشرار، وها هم هنا يأتون بشخص يسمونه " إله الموت " – " شينيغامي " – ليجعل له وكيلاً من البشر! يقضي على من يشاء بالموت. ولا يشك موحد يعرف الإسلام أن مثل هذه القصص والرسوم المتحركة والأفلام لا يحل نشرها، ولا قراءتها، ولا مشاهدتها؛ لما فيها من مخالفات واضحة لعقيدة التوحيد؛ ولما لها من أثر سيء على قارئها ومشاهدها. ولمزيد فائدة: انظر أجوبة الأسئلة: (110352) و (71170) و (97444) و (111600) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118258 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 539 هل الشيطان يعلم خواطر الإنسان ونواياه؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل الشيطان يعلم ما يحاك في صدورنا من كلام لا يعلمه إلا الله فيوسوس ما يناسب خواطرنا أم ماذا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله دلت الأدلة الصحيحة على أن الشيطان قريب من الإنسان، بل يجري منه مجرى الدم، فيوسوس له في حال غفلته، ويخنس في حال ذكره، ومن خلال هذه الملازمة فإنه يعلم ما يهواه الإنسان من الشهوات فيزينها له، ويوسوس له بخصوصها. روى البخاري (3281) ومسلم (2175) عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ رضي الله عنها أن النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ الْإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وهم وإن شموا رائحة طيبة ورائحة خبيثة [أي الملائكة تشم ريحا طيبة حين يهم العبد بالحسنة كما جاء عن سفيان بن عيينة] ، فعلمهم لا يفتقر إلى ذلك، بل ما في قلب ابن آدم يعلمونه، بل ويبصرونه ويسمعون وسوسة نفسه، بل الشيطان يلتقم قلبه؛ فإذا ذكر الله خنس، وإذا غفل قلبه عن ذكره وسوس، ويعلم هل ذكر الله أم غفل عن ذكره، ويعلم ما تهواه نفسه من شهوات الغي فيزينها له. وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ذكر صفية رضي الله عنها (إن الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم) . وقرب الملائكة والشيطان من قلب ابن آدم مما تواترت به الآثار، سواء كان العبد مؤمنا أو كافرا " انتهى من "مجموع الفتاوى" (5/508) . فالشيطان يطلع على وسوسة الإنسان لنفسه، ويعلم ما يميل إليه ويهواه من الخير والشر، فيوسوس له بحسب ذلك. وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله – ضمن سؤال طويل -: وإذا نويت عمل خير في قلبي هل يعلم به الشيطان ويحاول صرفي عنه؟ فأجاب: " كل إنسان معه شيطان ومعه ملك , كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما منكم من أحد إلا ومعه قرينه من الجن وقرينه من الملائكة. قالوا: وأنت يا رسول الله؟ قال: وأنا إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير) . وأخبر صلى الله عليه وسلم أن الشيطان يملي على الإنسان الشر ويدعوه إلى الشر وله لَمَّة في قلبه، وله اطلاع بتقدير الله على ما يريده العبد وينويه من أعمال الخير والشر , والملَك كذلك له لمَّة بقلبه يملي عليه الخير ويدعوه إلى الخير، فهذه أشياء مكنهم الله منها: أي مكن القرينين، القرين من الجن والقرين من الملائكة , وحتى النبي صلى الله عليه وسلم معه شيطان وهو القرين من الجن كما تقدم الحديث بذلك ... والمقصود أن كل إنسان معه قرين من الملائكة وقرين من الشياطين , فالمؤمن يقهر شيطانه بطاعة الله والاستقامة على دينه , ويذل شيطانه حتى يكون ضعيفا لا يستطيع أن يمنع المؤمن من الخير ولا أن يوقعه في الشر إلا ما شاء الله , والعاصي بمعاصيه وسيئاته يعين شيطانه حتى يقوى على مساعدته على الباطل , وتشجيعه على الباطل , وعلى تثبيطه عن الخير. فعلى المؤمن أن يتقي الله وأن يحرص على جهاد شيطانه بطاعة الله ورسوله والتعوذ بالله من الشيطان , وعلى أن يحرص في مساعدة ملَكه على طاعة الله ورسوله والقيام بأوامر الله سبحانه وتعالى " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (9/369) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118151 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 540 عبارات غير مفهومة يزعم أنها أسماء الجن [السُّؤَالُ] ـ[انتشرت هذه الأيام كلمات يقال بأنها أسماء للجن، ونحن ننادي الجن فيها!! وهذا نص المقال: نحن كثيراً ننادي الجن!! عبارات نقولها عادةً.. في لحظة مرح ... في لحظة غضب ... لكن ... ماذا تعني ... وما هي النتيجة؟؟؟ (أهب هِب هِبوو هِبي) نقولها إذا أعجبنا شيء..! هل تعرفون ماذا تعني؟؟؟؟ هذا اسم واحد من كبار الجن، وإذا رأيت شيئا جميلاً وقلت هذه الكلمة فأنت تنادي هذا الجني.!! وتطلب منه تخريب هذا الشيء، قد لاحظت أحيانا أنك عندما تقولها عندها ترى تحفة مثلا فالا بها على الأرض وقد تكسرت.!! : (شبرا أمرا شمس نجوم) تعرفون هذي الأغنية أكيد غنيناها كثير صغارا.. وما زال الأطفال يغنونها إلى الآن.. لكن ماذا تعني؟؟!!! شبرا اسم جنّي من كبار الجن.. أيضا شبرا هذا يأمر الشمس والنجوم، وإذا استوعبت الكلام أعلاه وحاولت إكمالها.. فيها شرك كبير..!! (أنقلع لأقصى قريح..أو بقريح ألي ما ياقاك) هذي العبارة نقولها إذا أزعجنا أحد ورغبنا بذهابه عنا.. ونقولها كثيرا للأطفال بلحظة غضب.. ولكن.!! قريح اسم جنّي، وإذا قلت هذي العبارة فأنت تطلب من الجنّي أن يأخذ طفلك.!! وفي الختام أهديكم طرق طرد الشيطان ووساوسه.!! ومنها الاستعاذة بالله منه، والأذان والأذكار، وقراءة القرآن.. وأيضا ما يعوذ به الأولاد، فقد كان رسول الله عليه الصلاة والسلام يعوذ الحسن والحسين رضي الله عنهما..: (أعيذكما بكلمات الله التامة، من كل شيطانٍ وهامة، ومن كل عين لامه) . السؤال هنا: بماذا نرد على من يصدق هذا الكلام وينشره بدون حتى دليل أو أي شيء! وجزاكم الله خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب على كل من ينشر نصيحة للمسلمين أن يتثبت ويدلل على نصيحته، إلا إن كان لا يقصد النصيحة، وإنما إثارة الإشاعات والخرافات بين الناس، فمثل هذا يتحمل وزره ووزر من لبس عليه وغرر به. يقول الله عز وجل: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) الإسراء/36 وما ورد في السؤال مما يزعم أنها من أسماء الجن لم نقف على دليله، فلا نستطيع تأكيده ولا كذلك نفيه، إلا أن الذي يهمنا التنبيه عليه أمران اثنان: الأول: المؤمن محفوظ بحفظ الله، إذا حافظ على أوامره، واجتنب نواهيه، وحرص على التحصن بالأذكار الشرعية، فالله سبحانه وتعالى يدرأ عن عباده من الأذى والضرر الشيء الكثير. يقول سبحانه وتعالى: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ) الرعد/11 يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله: " أي: للعبد ملائكة يتعاقبون عليه، حَرَس بالليل، وحَرَس بالنهار، يحفظونه من الأسواء والحادثات، كما يتعاقب ملائكة آخرون لحفظ الأعمال من خير أو شر، ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، فاثنان عن اليمين وعن الشمال يكتبان الأعمال، وملكان آخران يحفظانه ويحرسانه، واحدا من ورائه، وآخر من قدامه، فهو بين أربعة أملاك بالنهار، وأربعة آخرين بالليل، حافظان وكاتبان " انتهى. "تفسير القرآن العظيم" (4/437) وقد قال صلى الله عليه وسلم لابن عمه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (احفظ الله يحفظك) رواه الترمذي (رقم/2516) فلا يجوز لأحد أن يصور الأمر وكأنه تسلط من الجن والشياطين على المسلمين من غير رادع ولا حافظ، أو يصوره بأن كلمات يسيرة يمكن أن تقضي على إنسان أو توقع في كل هذا البلاء. فالأمر ليس بهذا التصور. الثاني: ومع ذلك فنحن لا نستبعد أن يكون في الكلمات غير المفهومة التي تجري على ألسنة الناس ما يحتوي على شيء من أسماء الجن أو الشياطين. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " تتمثل الشياطين لمن يعبد الملائكة والأنبياء والصالحين، ويخاطبونهم، فيظنون أن الذي خاطبهم ملك، أو نبي، أو ولي، وإنما هو شيطان، جعل نفسه ملكا من الملائكة، كما يصيب عباد الكواكب وأصحاب العزائم والطلسمات، يسمون أسماء، يقولون: هي أسماء الملائكة مثل: " منططرون " وغيره، وإنما هي أسماء الجن " انتهى. "مجموع الفتاوى" (14/283) ولذلك فقد اشترط العلماء للرقية الصحيحة الجائزة أن تكون باللغة العربية المفهومة، كي لا يقع المسلم – إذا استعمل كلمات غير مفهومة - في نداء الجن والشياطين والاستعانة بهم وهو لا يشعر. يقول الإمام النووي رحمه الله: " المدح في ترك الرقى المراد بها الرقى التي هي من كلام الكفار، والرقى المجهولة، والتي بغير العربية، وما لا يعرف معناها: فهذه مذمومة، لاحتمال أن معناها كفر، أو قريب منه، أو مكروه " انتهى. "شرح مسلم" (14/168) ويقول العيني رحمه الله: " ولا يجوز بألفاظ مما لا يعلم معناها من الألفاظ الغير العربية " انتهى. "عمدة القاري" (12/100) أما إذا كانت الكلمات عربية مفهومة واضحة، فليس في الرقية بها بأس، ولا نرى أنها مما يمكن أن تكون سبيلا للشيطان على الإنسان. بل إذا قدر أن الناس يتكلم بما يفهمونه من لغتهم، ووافق أن بعض ما يتكلمونه ويتفاهمون به وينادونه، هو من أسماء الجن، فليس معنى ذلك أن الجن واقف على بابهم، يلتقط هذه الكلمة، أو هذا النداء، لينفذ هو إلى مأربه وحاجته. والواقع أن المبالغة في هذه الأمور هو من غلبة الجهل، وانتشار الخرافة والأوهام، وضعف اليقين بالله عز وجل، والتعلق به، والتوكل عليه. وعلى كل حال، ليس الأمر بالصورة التي يحاول نشرها أصحاب هذه المقالات، والمبالغة في الأمور من غير تثبت ولا تبين سبب كل مفسدة، ومفتاح كل شر. وانظر جواب السؤال رقم: (10513) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 117047 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 541 هل إبليس مخير؟ ولماذا يحرص على إغواء الناس [السُّؤَالُ] ـ[بعد الكثير من التفكير بدأت أفكر بشخصية الشيطان، إذا كان يعلم بأن مصيره جهنم فلماذا يجتهد في فعل الشر؟ الشيطان يوسوس للإنس ليفعوا الشر ولكن من يوسوس للشيطان ليفعل الشر؟ ولماذا؟ ألا يعلم بأنه سيكون وقوداً للنار؟ هل هو يكره الإنس؟ أليس له الخيار في المعصية والإحسان؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إبليس وغيره من الجن والإنس لهم مشيئة واختيار، في فعل الطاعة أو المعصية، كما قال سبحانه: (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُر) الكهف / 29، وقال: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) الإنسان/3. وقد أمر الله تعالى إبليس بالسجود لآدم، فأبى واستكبر وكان من الكافرين. فطرده الله من رحمته، وجعل عليه لعنته إلى يوم الدين. قال الله عز وجل: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) البقرة / 34 وقال: (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ. إِلا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ. قَالَ يَا إِبلِيسُ مَا لَكَ أَلا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ. قَالَ لَمْ أَكُنْ لأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ. قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ. وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ) الحجر / 30-35. وهنا طلب إبليس النظرة والتأخير إلى يوم البعث، فأعطاه الله ذلك. قال سبحانه: (قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ. قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ. إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) الحجر /36-38. فلما أيقن إبليس أنه من الهالكين، مع استكباره وكفره بربه، عزم على إغواء من استطاع من عباد الله، ليكونوا شركاءه في الجحيم. (قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) الحجر / 39، 40 فهو حريص على إلإغواء والإفساد، ليكثر أتباعه وعبّاده من الهالكين الذين يصلون مصيره. فإبليس يعلم أن مصيره إلى النار، ويطمع أن يأخذ الجميع معه إلى جهنم حسدا وبغيا، وكفرا وعنادا. وهو يكره الإنس الذين هم ذرية آدم عليه السلام، ويعاديهم لأنه لُعِن وطُرد من رحمة الله بسبب رفضه السجود لأبيهم آدم، ولهذا حَذَّر الله تعالى عباده منه فقال: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) فاطر / 6. وإبليس لا يحتاج إلى من يوسوس له، فهو رأس الشر كله. والمؤمن ينجو من كيده وشره، بطاعته لربه، واستقامته على دينه، فإن الشيطان ليس له سلطان على الذين آمنوا، كما قال سبحانه: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ. إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) النحل / 98-100 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20105 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 542 كيف نحمي أنفسنا من أذى الجن [السُّؤَالُ] ـ[أواجه مشاكل مع الجن. كنت ألاحظ الجن يظهر في أحوال مختلفة طوال أيام حياتي. ولم يحدث أن تضايقت منهم إلا في الآونة الأخيرة. لقد رأيت جنيا في أول أيام انتقالنا إلى شقتنا. وكان يحدث ذلك بين لحظة وأخرى حيث كنت أنتبه إلى أمور من هذا الجني أو حتى الجن (بالجمع) مثل أن الأبواب تفتح من تلقاء نفسها، وكنت أراهم، وأسمعهم ... الخ. لكن يبدو أن الأمور بدأت تتغير بشكل كبير. حيث بدأت بعض الأعمال تتكرر بشكل يومي، وهذه الأمور تجعلني غير مرتاحة في بيتي لدرجة أني أصبحت لا أرغب في العيش في بيتي هذا بعد الآن. الجني (أو الجن) يفتح الأبواب، يصرخ باسمي فأستيقظ من نومي مرتاعة، يطرق على بعض الأغراض، يظهر على صورة قط، يعبث بجهازي الكمبيوتر والهاتف، أنا أرى ظله.. إلى غير ذلك. الأمر غريب جدا. أنا لست متأكدة حقا كيف أتصرف في مواجهة هذه المشاكل. أنا آمل أن انتقالي من هذا البيت سينهي المشكلة. لكن في الوقت الراهن، فقد حاولت قراءة سور البقرة والإخلاص والفلق والناس، وأيضا فأنا أشغل أشرطة قراءة القرآن في بيتي. إن تلك الأعمال تتوقف بمجرد أن أقوم بما ذكرت آنفا، وإذا توقفت عن القراءة فإن الجن يظهر من جديد ويعلمني بحضوره بطريقة ما (في أغلب الأوقات) . أحيانا، يقفل جهاز تشغيل أشرطة الكاسيت ويعاد تشغيل جهاز الكمبيوتر في أثناء القراءة ... وقد وقع ذلك في مرارا. كما أن الجن يظهرون كثيرا لي في أحلامي. أنا لا أعرف كيف أتخلص من هذا الوضع، لكني سأقدر لك كثيرا جوابك أو نصحك لي في هذا الخصوص، وأرجو أن يكون ذلك سريعا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: قول السائلة أنها رأت جنيّاً قولٌ خطأ؛ لأن الجن يرى ولا يُرى من قبَل الناس. قال الشافعي: من زعم من أهل العدالة أنه يَرى الجن أبطلت شهادته لأن الله عز وجل يقول: {إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم} إلا أن يكون نبيّاً. " أحكام القرآن " (2 / 195، 196) . وقال ابن حزم: وأن الجن حق، وهم خلق من خلق الله عز وجل، فيهم الكافر والمؤمن، يروننا ولا نراهم، يأكلون وينسلون ويموتون. قال الله تعالى: {يا معشر الجن والإنس} وقال تعالى: {والجان خلقناه من قبل من نار السموم} وقال تعالى حاكيا عنهم أنهم قالوا {وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا} وقال تعالى: {إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم} وقال تعالى: {أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني} وقال تعالى: {كل من عليها فان} وقال تعالى: {كل نفس ذائقة الموت} … " المحلى " (1 / 34 / 35) . ولهذا قد يكون ما رأته السائلة من الخيالات والتهيؤات، أو أنه جنٌّ قد تشكَّل على غير هيئته التي خلقه الله عليها. ثانياً: وأما بالنسبة لأذية الجني للإنسي فهي ثابتة وواقعة، وتكون الوقاية منه بالقرآن والأذكار الشرعيّة. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: لا شك أن الجن لهم تأثير على الإنس بالأذية التي قد تصل إلى القتل، وربما يؤذونه يرمي الحجارة، وربما يروعون الإنسان، إلى غير ذلك من الأشياء التي ثبتت بها السنَّة ودلَّ عليها الواقع، فقد ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم أذِن لبعض أصحابه أن يذهب إلى أهله في إحدى الغزوات - وأظنها غزوة الخندق - وكان شابّاً حديث عهدٍ بعُرس، فلمَّا وصل إلى بيته وإذا امرأته على الباب، فأنكر عليها ذلك، فقالت له: ادخل فدخل فإذا حيَّة ملتوية على الفراش، وكان معه رمح فوخزها بالرمح حتى ماتت، وفي الحال - أي: الزمن الذي ماتت فيه الحيَّة - مات الرجل، فلا يدرى أيهما أسبق موتاً الحية أم الرجل، فلمَّا بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الجِنّان التي تكون في البيوت إلا الأبتر وذا الطُّفيتين. وهذا دليل على أن الجن قد يعتدون على الإنس، وأنهم قد يؤذونهم، كما أن الواقع شاهدٌ بذلك، فإنه قد تواترت الأخبار واستفاضت بأن الإنسان قد يأتي إلى الخربة فيرمي بالحجارة وهو لا يرى أحداً من الإنس في هذه الخِربة، وقد يسمع أصواتاً وقد يسمع حفيفاً كحفيف الأشجار وما أشبه ذلك مما يستوحش به ويتأذى به، وكذلك أيضاً قد يدخل الجني إلى جسد الآدمي إما بعشق أو بقصد الإيذاء أو لسبب آخر من الأسباب، ويشير إلى هذا قوله تعالى {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس} . وفي هذا النوع قد يتحدث الجني من باطن الإنسي نفسه ويخاطب من يقرأ عليه آيات من القرآن الكريم، وربما يأخذ القارئ عليه عهداً أن لا يعود، إلى غير ذلك من الأمور الكثيرة التي استفاضت بها الأخبار وانتشرت بين الناس. وعلى هذا فإن الوقاية المانعة من شر الجن أن يقرأ الإنسان ما جاءت به السنَّة مما يتحصن به منهم مثل آية الكرسي، فإن آية الكرسي إذا قرأها الإنسان في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح، والله الحافظ. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (1 / 287، 288) . وقد جاء في السنَّة أذكار يعتصم بها الإنسان من الشياطين ومنها: الاستعاذة بالله من الجن. قال تعالى: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم} ، وفي موضع آخر: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم} . عن سليمان بن صرد: أن رجلين استبَّا عند النبي صلى الله عليه وسلم حتى احمرَّ وجه أحدهما فقال صلى الله عليه وسلم: إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. رواه البخاري (3108) ومسلم (2610) . 2. قراءة المعوذتين. عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الجان وعين الإنسان حتى نزلت المعوذتان فلما نزلتا أخذ بهما وترك ما سواهما. رواه الترمذي (2058) وقال: حسن غريب، والنسائي (5494) وابن ماجه (3511) . والحديث: صححه الشيخ الألباني رحمه الله في " صحيح الجامع " (4902) . 3. قراءة آية الكرسي. عن أبي هريرة قال: وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان فأتاني آت، فجعل يحثو من الطعام، فأخذته فقلت لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أعلمك كلمات ينفعك الله بهن قلت: ما هي؟ قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ هذه الآية: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} . . . حتى ختم الآية فإنه لن يزال عليك حافظ من الله تعالى ولا يقربك شيطان حتى تصبح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما فعل أسيرك الليلة؟ قلت: يا رسول الله علَّمَني شيئاً زعم أن الله تعالى ينفعني به، قال: وما هو؟ قال: أمرني أن أقرأ آية الكرسي إذا أويت إلى فراشي، زعم أنه لا يقربني حتى أصبح، ولا يزال عليَّ من الله تعالى حافظ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما إنه قد صدقك وهو كذوب، ذاك الشيطان. رواه البخاري (3101) . 4. قراءة سورة البقرة. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تجعلوا بيوتكم مقابر، وإن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة. رواه مسلم (780) . 5. خاتمة سورة البقرة. عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه. رواه البخاري (4723) ومسلم (807) . وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله كتب كتابا قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عام أنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة، ولا يقرآن في دار ثلاث ليال فيقر بها شيطان. رواه الترمذي (2882) . والحديث: صححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " (1799) . 6. " لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير " مائة مرة. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مَن قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة، كانت له عدل عشر رقاب، وكتب له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حِرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد أفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك. رواه البخاري (31119) ومسلم (2691) . 7. كثرة ذكر الله عز وجل. عن الحارث الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى أمر يحيى بن زكريا عليه السلام بخمس كلمات أن يعمل بها ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها ... ، وآمركم أن تذكروا الله تعالى، فإن مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في أثره سراعا حتى إذا أتى على حصن حصين فأَحْرز نفسه منهم، كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله تعالى. . . . الحديث. رواه الترمذي (2863) وقال: حسن صحيح. والحديث: صححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " (1724) . الشُّرف: المكان المرتفع. ورِق: فضة. أحرز: حمى ومنع. 8. الآذان: عن سهيل بن أبي صالح أنه قال: أرسلني أبي إلى بني حارثة ومعي غلام لنا أو صاحب لنا، فناداه مناد من حائط باسمه، وأشرف الذي معي على الحائط فلم ير شيئا، فذكرت ذلك لأبي، فقال: لو شعرت أنك تلقى هذا لم أرسلك، ولكن إذا سمعت صوتا فناد بالصلاة، فإني سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن الشيطان إذا نودي بالصلاة ولَّى وله حُصاص ". رواه مسلم (389) . حُصاص: ضُراط، أو العَدو الشديد. 9. قراءة القرآن تعصم من الشياطين. قال تعالى: {وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً} . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 10513 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 543 يزعم قدرته على معرفة السحرة من أسمائهم! فهل يستعان به لإيذائهم؟ [السُّؤَالُ] ـ[حدثني أخ لي عن شاب وهبه الله القدرة على اكتشاف السحرة , بمجرد معرفة أسمائهم , وعن طريق أدعية يقولها (لا نعرفها بالضبط) يستطيع أن يُمرض الساحر، أو يبتليه بحيث يدخله المستشفى. وهذا الشخص يصف للناس المصابين بالسحر، أو الممسوسين، أو الذين يعانون من أحوال غريبة , بحيث يقرأ الأدعية (ربما رقية) على الملح، أو السكر، أو الزيت , ويوصي أن هذا الملح يضاف على الأكل بعد طبخه، وليس أثناء الطبخ؛ لكي يكون له المفعول المطلوب , وهذا الشخص لا يأخذ المال على خدماته , والناس يشهدون له حسن عمله، هل يحل لنا أن نستعين به ضد السحرة، أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: هذا الشاب المزعوم أنه موهوب دجَّال من الدجاجلة، وكاهن من الكهنة، وعرَّاف من العرَّافين، وليس على هدى ولا على طريق مستقيم، فهو يدَّعي علم أشياء هي من علم الغيب، ويستدل عليها بعلامات لم يجعلها الله تعالى علامات عليها، ولا هناك قواعد لذلك أصلاً، ونعني به: زعمه علمه بالسحرة من خلال معرفة أسمائهم! ومن المعلوم لكل موحد أنه ليس هناك آية، ولا حديث، ولا قاعدة، تعرِّف المسلم بأن هذا ساحر من خلال معرفة اسمه، فإذا زعم أنه يعلم السحرة من خلال أسمائهم: فإما أن يكون كاذباً أفَّاكاً، وإما أنه يعلم ذلك عن طريق أوليائه من الجن الكافر أو الفاسق. وانظر جواب السؤال رقم: (91525) . ثانياً: ادعاء ذلك الدجال بأنه يستطيع أن يمرض السحرة أو أن يؤذيهم: مما يدل على ما وصفناه به، فالنفع والضر بيد الله تعالى، وهو وحده سبحانه القادر على إيقاع الضرر على الخلق، وليس ذلك بإرادة أحدٍ غيره، والأنبياء عليهم السلام لم يكونوا يملكون هذه " الكرامة "! وكانوا عليهم السلام إذا أرادوا أن يهلك أعداء الدين: دعوا عليهم، ولم يكن باستطاعتهم إمراض الناس وإيذاؤهم وإهلاكهم، إلا أن يدعو أحدهم ربه تعالى فيستجيب الله دعاءه، فينفذ قدر الله بما شاء تعالى على أعدائهم. ثالثاً: ما يقرؤه من " كلمات " لا تعدُّ من الرقية الشرعية حتى تكون باللغة العربية، وتظهر كلماتها، وتكون موافقة للشرع لا مخالفة له، وكل ذلك لا يُعرف من ذلك الشاب؛ لأن الظاهر أنه يسر بتلك الكلمات ولا يجهر بها. وانظر شروط الرقية الشرعية في جواب السؤال رقم: (13792) ، وفي هذا الجواب بينَّا كيفية التخلص من السحر، وبينَّا كيف نكشف الرقاة المخالفين للشرع. وفي جواب السؤال رقم (21124) ذكرنا علامات السحرة، والعرافين، والكهان، وكيف نميزهم. وتنظر شروط الراقي في جواب السؤال رقم: (7874) . رابعاً: كونه لا يطلب أجراً لا يدل على أنه ثقة، ولا أنه صادق، وهذه طريقة معروفة لأولئك الدجاجلة، حيث يوهمون العامة بذلك أنهم على خير، وعلى دين، ويستدل العامة على ذلك بأنه لا يطلب أجراً، وهذا ميزان فاسد. ولا ينبغي الاغترار بشهادة العامة لأحدٍ من الناس، وخاصة في هذا الباب، فهم لا يفرقون بين المشرك والموحد، ولا بين السني والبدعي، ولا بين الصادق والكاذب، وليس عندهم ميزان علمي للحكم على أفعاله وتصرفاته لمحاكمتها وفق شرع الله تعالى، وهم يطلقون اسم " الشيخ " على كل من يعالج السحر والصرع، ولو سلك أي طريق في العلاج! ، ومن العجائب: أنه وُجد نصراني يسلك هذا الدرب في بعض البلاد، ويطلق عليه عامة الناس " الشيخ المسيحي "! وهو معروف، وقد تأكدنا من ذلك، ولا يزال كثيرون يطلقون عليه ذلك اللقب إلى الآن! . والعبرة في هذا الباب هو حكم العلماء وطلبة العلم من أهل السنَّة والجماعة، فهم أقدر الناس على الحكم على أولئك المعالِجين بما يستحقونه، وقد أكرمهم الله تعالى باعتقاد صحيح، وعلم مؤصَّل وفق الكتاب والسنَّة يستطيعون بهما أن يميزوا بين الكاهن المشعوذ وبين الثقة الصادق ممن يقرأ على الناس ويعالجهم، فلا تلتفتوا لشهادة غيرهما، ولا تغتروا بحكم العامة، فوجوده كعدمه. وعليه: فلا يحل لأحدٍ الذهاب لهذا الدجَّال، ولا الاستعانة به، ولو زعم محاربة السحرة! فهو منهم، وإنما يريد دفع التهمة عن نفسه، وإخراج نفسه من زمرتهم، وقد ورد الوعيد الشديد في الذهاب إلى هؤلاء بعدم قبول صلاة أربعين يوماً من ذلك الذاهب، فإذا صدَّقه فيما يقول فإنه يكون قد كفر بما أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم. وانظر جواب السؤال رقم (98153) و (8291) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112631 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 544 هل يستجيبون لما تطلبه منهم المعالجة بالرقية؟ [السُّؤَالُ] ـ[كانت أمي تأخذ قارئة للقرآن معها عند جدتي لكي تقرأ عليها؛ لأن جدتي كبيرة السن، ومقعدة، وفيها نوع من الخرف، وهي ليست كبيرة جدا، وهذه المرأة الراقية تقرأ الآيات، وتنفث على جدتي وعلى أمي في بعض الأحيان، ومرة من المرات وهي تقرأ مسكت رأس أمي، ووضعت يدها على رأسها، فأصبحت أمي تصرخ، لم أر هذا كله، لكن أمي قالت لي ما حصل لها، والآن أصبحت أمي تذهب لهذه القارئة، وتأخذني أنا وأختي، وعندما تقرأ عليها تصرخ، وتصبح يدها كأنها تريد أن تضرب أحدا، وتخرج أظافيرها وتتكلم كلام توعد وتهديد، وتستهزئ بالقرآن، فقالت لنا الراقية إن بها ماردا من مردة الشياطين، وأن أمي مسحورة، وهذا الجني يريد أن يؤذي أمنا ويجعلها مثل جدتي مقعدة، ولا يكون بها عقل، فوصتنا الراقية أن نقرأ سورة البقرة كل يوم، ونقرأ القرآن دائما في البيت، وأعطتنا زيت زيتون، وسدر، ومسك، وعسل، وحبة سوداء، وتمر العجوة، ووصتنا أن نداوم على استخدام هذه الأشياء، وقالت لنا أيضا: رشوا بيتكم بماء وملح خشن وماء ورد بالتعاقب، كل يوم في البيت. سؤالي: هل ما نفعله من هذه الأشياء يعتبر فيها نوع من أنواع الشرك، وهل يجوز لنا استخدام هذه الأشياء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نسأل الله تعالى لوالدتكم الشفاء التام العاجل بإذنه سبحانه، وأن يكتب لها ولكم الأجر والصبر والثبات. ثم إننا لا نرى فيما ذكرتِ في السؤال شيئا يوجب الحكم بمنع الذهاب إلى هذه المرأة "المعالجة بالرقية "، فقد جاء في السؤال أنها ترقي بالقرآن الكريم، وتستعمل الزيت المبارك، والعجوة التي تقي من السم والسحر بإذن الله، ورائحة ماء الورد الطيبة تبعث في النفس قوة لمقاومة السحر أو الحسد، ويستعمل بعضهم العود والبخور لتحقيق هذا الغرض، وكلها أمور مشروعة إن شاء الله. غير أن الذي نراه هنا هو استعمال الملح في رش البيت فإننا نخشى أن يكون هذا الأمر قد تسرب إلى بعض الراقين من اعتقادات العامة والخرافيين أن الملح يدفع العين ونحو ذلك. وقد سألنا بعض الممارسين للرقى فذكر أنه لم يثبت للملح أثر في ذلك، وإن كان قد يستعمله بعض الناس. والذي ننصحكم به التيقظ التام لألفاظها وقراءتها في رقيتها، فإذا تجاوزت الألفاظ الشرعية من أذكار وأدعية وآيات إلى أمور غير مفهومة أو يقع فيها الشك، فسارعوا حينئذ إلى استفهامها وسؤال أهل العلم عنها، فكثير من المعالجين بالرقية يظهر القراءة بالقرآن الكريم ليوهم السامعين، في حين أنه يستعمل السحر والشعوذة في كلمات مخفية يذكرها أو يكتبها ليؤذي بها المريض فلا يزال يأتيه ويدفع له الأموال. وانظري في موقعنا العديد من الأسئلة المفيدة في هذا الموضوع، تحت الأرقام الآتية: (11290) ، (12918) ، (13792) ، (21124) ، (91901) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112216 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 545 هل يكفر من أتى عرافاً وسأله عن شيء؟ [السُّؤَالُ] ـ[كيف نجمع بين الحديثين التاليين: 1- (من أتى عرافاً فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوماً) ، رواه مسلم في صحيحه. 2 – (من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) ، رواه أبو داود. فالحديث الأول لا يدل على الكفر في حين الآخر يدل على الكفر.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا تعارض بين الحديثين، فحديث: (من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد) يراد منه: أن من سأل الكاهن معتقداً صدقه وأنه يعلم الغيب فإنه يكفر؛ لأنه خالف القرآن في قوله تعالى: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) النمل/65. وأما الحديث الآخر: (من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة) رواه مسلم وليس فيه (فصدقه) . فبهذا يُعلم أن من أتى عرافا فسأله لم تقبل له صلاة أربعين ليلة، فإن صدقه فقد كفر. وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان. "فتاوى اللجنة الدائمة" (2/48) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112069 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 546 كتاب مجربات الديربي الكبير كتاب سحر وكهانة [السُّؤَالُ] ـ[أود أن أطرح سؤالاً حول كتاب مجرَّبات الديربي الكبير، هل هو كتاب سحر؟ وما حكم الاطلاع عليه من باب الفضول؟ وما حكم إبقائه في المنزل أو إهدائه لأحد؟ وإن كان كتاب سحر فكيف نتخلص منه؟ وهل يجب على من كان يقرؤه أو يعمل بما فيه من أدعية أن يتوب؟ أي أنه فعل منكرًا. للعلم فالكتاب يتحدث عن العلاج بطرق مختلفة، وفيه أدعية، منها ما هو مألوف، وبعضها غريب لم أسمعه قبلاً، وقد طرحت سؤالي لأنني ارتبت مما في الكتاب، وشككت أنه من السحر، كما قرأت في بعض المواقع الإسلامية أنه كتاب سحر وكهانة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اسم هذا الكتاب كاملا هو: " فتح الملك المجيد المؤلف لنفع العبيد وقمع كل جبار عنيد "، ويسمى اختصارا بـ " مجرَّبَات الديربي "، ومؤلفه هو: أحمد بن عمر الديربي، المتوفى سنة 1151هـ، ترجمته في "الأعلام" للزركلي (1/188) . وموضوع كتابه هذا في مُجَرَّبَات العلاج بالذكر والقرآن، حيث عقد فيه ستة وثلاثين بابا يبين فيها فوائد بعض السور والآيات والأذكار والأسماء الحسنى في علاج كثير من الأمراض، وتغيير بعض الأحوال، يزعم في مقدمته أنه جمع هذه الفوائد من: " التعاليق التي بخطوط العلماء، ومن الكتب الجليلة " ولكن الواقع خلاف ذلك: فقد اطلعنا على الكتاب المذكور، فلم نجد فيه شيئا منقولا عن أهل العلم من السلف الصالحين والفقهاء والمحدثين، بل وجدناه مليئا بالأمور الباطلة، وكثير من الكتب التي تحمل هذا العنوان " المُجَرَّبات " هي على الشاكلة نفسها، مليئة بالخرافات والأباطيل التي لا يجوز للمسلم أن يعتقد صحتها، فضلا عن أن يعمل بها. وخلاصة المآخذ عليه في أمور ثلاثة: 1- دعوى نفع آيات أو أذكار أو كلمات أو أسماء معينة في شفاء أمراض معينة لا يثبت إلا بدليل صحيح من الكتاب والسنة، وليس لأحد نسبة ذلك إلى دين الله، وإلا يكون مقتحما أبواب البدعة المنكرة. 2- استعمال كثير من الكلمات غير المفهومة، بحيث يخشى أن تحتوي على معاني باطلة، أو ذرائع شركية. 3- عدم ذكر أدلة المجربات المذكورة، ولا من جربها، ولا في كم حالة جربت ونفعت، فالتجربة لا يثبت نجاحها إلا إذا نفعت في أكثر الحالات المطبقة، وهذا يحتاج إلى دراسة علمية منهجية، وليس مجرد دعاوى لا يدرى صدق مدعيها من عدمه: وهذا مأخذ في غاية الأهمية. ولذلك فلا نعد هذا الكتاب إلا ضمن كتب الخرافة، ولا نرى جواز شرائه ولا قراءته فضلا عن العمل بما فيه لأحد من المسلمين، بل ينبغي على المسلم حفظ ماله من الضياع فيما لا يفيد، والواجب على جميع المسلمين الغيرة على دينهم أن ينسب إليه ما ليس منه مما لا تقبله العقول السليمة، ولم ترد به الأدلة الصحيحة. وقد أفتى العلماء قديما بحرمة شراء الكتب المشتملة على العلوم المحرمة، والمؤسسة على الضلالة والغواية، بل أفتوا بحرمة النظر والمطالعة فيها إلا لعالم يريد نقدها والجواب عليها. يقول ابن بطة العكبري في "الشرح والإبانة" (ص/361) : " ومن البدع النظر في كتب العزائم والعمل بها " انتهى. ويقول ابن القيم في "زاد المعاد" (5/761) : " وكذلك الكتب المشتملة على الشرك وعبادة غير الله، فهذه كلها يجب إزالتها وإعدامها، وبيعها ذريعة إلى اقتنائها واتخاذها، فهو أولى بتحريم البيع من كل ما عداها، فإن مفسدة بيعها بحسب مفسدتها في نفسها " انتهى. وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" المجموعة الثانية/ (2/198) : " السؤال: أرفق لفضيلتكم ثلاثة كتيبات هي: (حرز الجوشن) ، و (مجربات الديربي) و (أسماء أهل بدر) . فما حكم قراءتها والعمل بها، وما هي نصيحتكم لمن يصر على التعامل معها؟ والجواب: بعد اطلاع اللجنة على الكتب المذكورة وجد أنها تحتوي على شركيات وأدعية مبتدعة وطلاسم وتوسل بالصالحين، وعلى هذا فهي كتب لا يجوز اقتناؤها، ولا العمل بما فيها، بل يجب إتلافها والابتعاد عنها للسلامة من شرها. وهناك - ولله الحمد - من الأدعية الصحيحة النافعة ما يكفي المسلم، ونحيل في ذلك على كتاب (الوابل الصيب) لابن القيم، و (الكلم الطيب) لشيخ الإسلام ابن تيمية، و (الأذكار) للإمام النووي، وفيها الخير الكثير ولله الحمد " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111600 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 547 هل تنصح صديقتها بالذهاب إلى أحد المعالجين بالرقى؟ [السُّؤَالُ] ـ[يقوم شيخ وإمام مسجد بمعالجة الناس بالقرآن الكريم، حيث يقوم بالقراءة على رأس الشخص، ومن ثم يخبره بسبب حالته، سواء أكانت عينا، أم وساوس شيطان، أو إذا كانت حالته ليست مما ورد فيخبره بأن يذهب لطبيب مختص، وقد قام الشيخ بمعالجتي قبل أربع سنوات، فقال لي أن أحافظ على الصلاة في وقتها، وأن أقرأ سورة البقرة على زيت زيتون، ومن ثم أدهن جسدي به عدا شعر الرأس والعورة المغلظة لمدة سبع ليالي قبل النوم، وأن أقوم لمدة أربعين يوما بما يلي: بقراءة سورة يس يوميا على ماء وشربه، وأن أقوم بالتهليل والاستغفار والصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ثلاثين مرة، وأن أشرب ملعقة من عسل الكينا البري، أو السدر البري، ثلاث مرات يوميا، والآن هناك صديقة لي تريد أن تفعل نفس الشيء عندما أخبرتها بتجربتي، وأنا أريد أن أسأل هل هذا من الأمور المشروعة، أم هل هناك ما هو محرم منها؛ لأني في ذلك الوقت لم أفكر أن أسأل، لأنه كله من القرآن والأدعية الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، والعسل مذكور في الطب النبوي. أفيدوني جزاكم الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز للمرأة التداوي بالرقية ولا بالطب عند الرجل، إلا إذا دعت الضرورة لذلك، كأن يشتد عليها الألم ولا تجد من يعرف علاجها من النساء، فتلجأ حينئذ للرجال، لكن بشرط المحافظة على الحجاب الشرعي، ووجود محرم معها عند المعالجة، والاقتصار على لمس أو كشف ما يقتضيه أمر الفحص والعلاج. جاء في "مصنف ابن أبي شيبة" (5/467) : " عن عطاء في المرأة تنكسر، قال: لا بأس أن يجبرها الرجل. وعن قتادة قال: قلت لجابر بن زيد: المرأة ينكسر منها الفخذ أو الذراع أجبره؟ قال: نعم. وعن الشعبي سئل عن المرأة يكون بها الجرح، قال: يخرق موضعه ثم يداويها الرجل " انتهى باختصار. وقال السفاريني في "غذاء الألباب" (2/21) : " وحيث جاز للطبيب مداواة المرأة الأجنبية، فلا تجوز له الخلوة بها في بيت أو نحوه " انتهى. ثانيا: أما عن أعمال هذا الذي يرقى بالقرآن الكريم، فلا نرى فيها حرجا ولا محذورا، إلا أننا ننبه على عدم جواز اعتقاد خصوص أعداد الأذكار والسور كسورة " يس " التي أمركم بها بمزيد فضل وعظيم أثر، وإنما هي أرقام للعون على الامتثال وعدم التقصير، فليست تعبدية، ولا يتوقف العلاج على الالتزام بها تماما، أما غير ذلك فلا نرى – بحسب ما ورد في السؤال – أي حرج من التعامل معه بالشروط السابقة. وانظري في موقعنا العديد من الأسئلة المفيدة في هذا الموضوع، تحت الأرقام الآتية: (12918) ، (13792) ، (21124) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111508 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 548 هل إبليس من الجن أو من الملائكة [السُّؤَالُ] ـ[هل إبليس ملك أم جني؟ فإن كان ملكاً فكيف عصى الله والملائكة لا يعصون الله؟ وإن كان جنياً فإن هذا يوضح أن له اختيار الطاعة أو المعصية. أرجو الإجابة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إبليس - لعنه الله - من الجن، ولم يكن يوماً ملكاً من الملائكة، ولا حتى طرفة عين؛ فإن الملائكة خلق كرام لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وقد جاء ذلك في النصوص القرآنية الصريحة التي تدل على أن إبليس من الجن وليس من الملائكة، ومنها: 1- قال الله تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لآِدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً) الكهف / 50. 2- وقد بيّن الله تعالى أنه خَلَقَ الجن من النار، قال تعالى: (وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ) الحجر/27، وقال: (وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ) الرحمن/15. وجاء في الحديث الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خُلِقَت الملائكة من نور، وّخُلِقَ الجَّان من مارجٍ من نار، وخُلِقَ آدم مما وُصِفَ لكم " رواه مسلم في صحيحه برقم 2996، ورواه أحمد برقم 24668، والبيهقي في السنن الكبرى برقم 18207، وابن حبان برقم 6155. فمن صفات الملائكة أنها خُلِقت من نور، والجن خُلِق من نار، وقد جاء في الآيات أن إبليس - لعنه الله - خُلِقَ من النار، جاء ذلك على لسان إبليس لما سأله الله سبحانه وتعالى عن سبب رفضه السجود لآدم لمّا أمره الله بذلك، فقال - لعنه الله -: (قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) الأعراف/12، ص/76، فيدل هذا على أنه كان من الجن. 3- وقد وَصَفَ الله عز وجل الملائكة في كتابه الكريم، فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم /6. وقال سبحانه: (بَلْ عِبادٌ مُكْرَمون * لا يَسْبِقُوْنَهُ بالقَولِ وهُم بِأمْرِهِ يَعْمَلُونَ) الأنبياء / 26 -27. وقال: (وَلِلّهِ يَسجُدُ مَا فِي السَمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ والمَلاَئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ * يَخَافُوْنَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُوْنَ مَا يُؤْمَرُوْنَ) النحل / 49 -50. فلا يمكن أن يعصي الملائكة ربهم لأنهم معصومون من الخطأ ومجبولون على الطاعة. 4- وكون إبليس ليس من الملائكة فإنه ليس مجبراً على الطاعة، وله الاختيار، كما لنا نحن البشر، قال تعالى: (إناّ هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً) ، وأيضاً فإن هناك المسلمين والكافرين من الجن؛ جاء في الآيات من سورة الجن: (قل أوحي إلي أنه استمع نفرٌ من الجنّ فقالوا إنّا سمعنا قرآناً عجباً * يهدِي إلى الرُّشد فآمنّا به ولن نُشرِك برنا أحداً) الجن / 1-2. وجاء في نفس السورة على لسان الجن: (وأنّا لمّا سمعنا الهدى آمنّا به فمن يُؤمن بربه فلا يخاف بخساً ولا رَهَقاً * وأنّا منّا المسلمون ومنّا القاسطون..) الآيات. قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: (قال الحسن البصري: " ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين، وإنه لأصل الجن، كما أن آدم عليه السلام أصل البشر " رواه الطبري بإسناد صحيح) ج3/ 89. وقد قال بعض العلماء إن إبليس ملَكٌ من الملائكة، وأنه طاووس الملائكة، وأنه كان من أكثر الملائكة اجتهاداً في العبادة.. إلى غير ذلك من الروايات التي معظمها من الإسرائيليات، ومنها ما يُخالِف النصوص الصريحة في القرآن الكريم.. وقد قال ابن كثير مبيّناً ذلك: " وقد روي في هذا آثار كثيرة عن السلف، وغالبها من الإسرائيليات - التي تُنْقَلُ لِيُنْظَرَ فيها - والله أعلم بحال كثير منها، ومنها ما قد يُقْطَعُ بكذِبِهِ لمُخَالَفَتِهِ للحقّ الذي بأيدينا، وفي القرآن أخبار غنية عن كل ما عداه من الأخبار المتقدمة؛ لأنها لا تكاد تخلو من تبديل وزيادة ونقصان، وقد وضع فيها أشياء كثيرة، وليس لهم من الحفاظ المتقنين الذي ينفون عنها تحريف الغالين وانتحال المبطلين كما لهذه الأمة من الأئمة والعلماء والسادة والأتقياء والبررة والنجباء من الجهابذة النقاد والحفاظ الجياد الذين دَوّنوا الحديث وحرروه وبينوا صحيحه من حسنه من ضعيفه من منكره وموضوعه ومتروكه ومكذوبه وعرفوا الوضاعين والكذابين والمجهولين وغير ذلك من أصناف الرجال كل ذلك صيانة للجناب النبوي والمقام المحمدي خاتم الرسل وسيد البشر صلى الله عليه وسلم أن ينسب إليه كذب أو يحدث عنه بما ليس منه فرضي الله عنهم وأرضاهم وجعل جنات الفردوس مأواهم " تفسير القرآن العظيم ج 3/90. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 8976 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 549 تفصيل القول في وقوع وحكم نكاح الجن للإنس والعكس [السُّؤَالُ] ـ[أحببت معرفة صحة زواج الإنس بالجان هل هو صحيح وإذا كان صحيحاً كما أسمع: فكيف يتم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: امتنَّ الله تعالى علينا بأن خلق " الأنثى " من ذات جنسنا، فكانت بشراً حتى يحصل سكن الرجل إليها، ويحصل بينهما مودة ورحمة، وحتى يتم إعمار الأرض بالذرية. قال تعالى: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً) النحل/ من الآية 72. وقال تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الروم/ 21. قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله -: قوله تعالى: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً) الآية، ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنَّه امتنَّ على بني آدم أعظم مِنَّة، بأن جعل لهم من أنفسهم أزواجاً، من جنسهم وشكلهم، ولو جعل الأزواج من نوع آخر: ما حصل الائتلاف، والمودة، والرحمة، ولكن من رحمته خلق من بني آدم ذكوراً وإناثاً، وجعل الإناث أزواجاً للذكور، وهذا من أعظم المنن، كما أنه من أعظم الآيات الدالة على أنه جل وعلا هو المستحق أن يعبد وحده. وأوضح في غير هذا الموضع أن هذه نعمة عظيمة، وأنها من آياته جل وعلا، كقوله: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) ، وقوله: (أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى) ، وقوله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا) . " أضواء البيان " (2 / 412) . وأما بخصوص حكم التزاوج والنكاح بين الجن والإنس: فقد اختلف العلماء فيه إلى ثلاثة أقوال: القول الأول: التحريم، وهو قول الإمام أحمد. والقول الثاني: الكراهة، وممن كرهه: الإمام مالك، وكذا كرهه الحكم بن عتيبة، وقتادة، والحسن، وعقبة الأصم، والحجاج بن أرطاة، وإسحاق بن راهويه – وقد يكون معنى " الكراهة " عند بعضهم: التحريم -. وهو قول أكثر أهل العلم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: وكره أكثر العلماء مناكحة الجن. " مجموع الفتاوى " (19 / 40) . والقول الثالث: الإباحة، وهو قول لبعض الشافعية. قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله -: اختلف العلماء في جواز المناكحة بين بني آدم والجن. فمنعها جماعة من أهل العلم، وأباحها بعضهم. قال المناوي في " شرح الجامع الصغير ": ففي " الفتاوى السراجية " للحنفية: لا تجوز المناكحة بين الإنس والجن وإنسان الماء؛ لاختلاف الجنس، وفي " فتاوى البارزي " من الشافعية: لا يجوز التناكح بينهما، ورجح ابن العماد جوازه. وقال الماوردي: وهذا مستنكر للعقول؛ لتباين الجنسين، واختلاف الطبعين، إذ الآدمي جسماني، والجني روحاني، وهذا من صلصال كالفخار، وذلك من مارج من نار، والامتزاج مع هذا التباين مدفوع، والتناسل مع هذا الاختلاف ممنوع اهـ. وقال ابن العربي المالكي: نكاحهم جائز عقلاً، فإن صح نقلاً: فبها ونعمت. قال مقيده عفا الله عنه: لا أعلم في كتاب الله ولا في سنَّة نبيه صلى الله عليه وسلم نصّاً يدل على جواز مناكحة الإنس الجن، بل الذي يستروح من ظواهر الآيات عدم جوازه، فقوله في هذه الآية الكريمة: (والله جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً) النحل/ 72 ممتنّاً على بني آدم بأن أزواجهم من نوعهم وجنسهم: يُفهم منه أنه ما جعل لهم أزواجاً تباينهم كمباينة الإنس والجن، وهو ظاهر، ويؤيده قوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لتسكنوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً) الروم/ 21. فقوله: (أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجا) في معرض الامتنان: يدل على أنه ما خلق لهم أزواجاً من غير أنفسهم. " أضواء البيان " (3 / 43) . وقال الشيخ ولي زار بن شاهز الدين – حفظه الله -: أما القضية من حيث الواقع: فالكل قد جوز وقوعها، وحيث إن النصوص ليست قاطعة في ذلك – جوازاً أو منعاً -: فإننا نميل إلى عدم الجواز شرعاً؛ لما يترتب على جوازه من المخاطر التي تتمثل في: 1. وقوع الفواحش بين بني البشر، ونسبة ذلك إلى عالم الجن، إذ هو غيب لا يمكن التحقق من صدقه، والإسلام حريص على حفظ الأعراض وصيانتها ودرء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح، كما هو مقرر في الشريعة الإسلامية. 2. ما يترتب على التناكح بينهما من الذرية والحياة الزوجية - الأبناء لمن يكون نسبهم؟ وكيف تكون خلقتهم؟ وهل تلزم الزوجة من الجن بعدم التشكل؟ - ... 3. إن التعامل مع الجن على هذا النحو لا يسلم فيه عالم الإنس من الأذى، والإسلام حريص على سلامة البشر وصيانتهم من الأذى. وبهذا نخلص إلى أن فتح الباب سيجر إلى مشكلات لا نهاية لها، وتستعصي على الحل، أضف إلى ذلك أن الأضرار المترتبة على ذلك يقينية في النفس والعقل والعرض، وذلك من أهم ما يحرص الإسلام على صيانته، كما أن جواز التناكح بينهما لا يأتي بأية فائدة. ولذلك فنحن نميل إلى منع ذلك شرعا، وإن كان الوقوع محتملاً. وإذا حدث ذلك، أو ظهرت إحدى المشكلات من هذا الطراز: فيمكن اعتبارها حالة مرضية تعالج بقدرها، ولا يفتح الباب في ذلك. " الجن في القرآن والسنة " (ص 206) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111301 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 550 تصفيد الشياطين في رمضان [السُّؤَالُ] ـ[أود الاستفسار عن أننا نعرف أن شهر رمضان تقيد فيه الشياطين والعياذ بالله منهم ... كذلك أود الاستفسار عن هل السحرة عليهم لعنة من الله يعملون في هذا الشهر الكريم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، قد توسوس الشياطين للإنسان في رمضان، وقد يعمل السحرة في رمضان، ولكن ذلك بلا شك أقل منه في غير رمضان. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِين) . رواه البخاري (3277) ومسلم (1079) . وعند النسائي (2106) (وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ) . والمردة جمع مارد، وهو المتجرد للشر. وهذا لا يعني أنه ينعدم تأثير الشياطين تماماً، بل يدل على أنهم يضعفون في رمضان ولا يقدرون فيه على ما يقدرون عليه في غير رمضان. ويحتمل أن الذي يغل هو مردة الشياطين وليس كلهم. قَالَ الْقُرْطُبِيّ: فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ نَرَى الشُّرُورَ وَالْمَعَاصِيَ وَاقِعَةً فِي رَمَضَان كَثِيرًا فَلَوْ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ لَمْ يَقَعْ ذَلِكَ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّهَا إِنَّمَا تَقِلُّ عَنْ الصَّائِمِينَ الصَّوْم الَّذِي حُوفِظَ عَلَى شُرُوطِهِ وَرُوعِيَتْ آدَابُهُ. أَوْ الْمُصَفَّد بَعْض الشَّيَاطِينِ وَهُمْ الْمَرَدَةُ لَا كُلُّهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ. أَوْ الْمَقْصُودِ تَقْلِيل الشُّرُورِ فِيهِ وَهَذَا أَمْر مَحْسُوس فَإِنَّ وُقُوع ذَلِكَ فِيهِ أَقَلّ مِنْ غَيْرِهِ , إِذْ لا يَلْزَمُ مِنْ تَصْفِيد جَمِيعهمْ أَنْ لا يَقَعُ شَرّ وَلا مَعْصِيَة لأَنَّ لِذَلِكَ أَسْبَابًا غَيْر الشَّيَاطِينِ كَالنُّفُوسِ الْخَبِيثَةِ وَالْعَادَات الْقَبِيحَة وَالشَّيَاطِينِ الإِنْسِيَّة اهـ. من فتح الباري. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 12653 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 551 ما الفرق بين الجن والشيطان؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما الفرق بين الجن والشيطان؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الجن هو ذلك العالم الخفي الذي خلقه الله تعالى من النار، خلقه الله تعالى لعبادته، كما قال تعالى:) وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (الذريات/56. وقد بعث نبينا صلى الله عليه وسلم إلى الجن والإنس جميعاً. ووجود هذا العالم من الأمور المعلومة في دين الإسلام، ومن أنكره كفر؛ لأنه أنكر شيئا ثابتاً في القرآن الكريم، فإن من سور القرآن سورة كاملة اسمها سورة " الجن ". ولما كان هذا العالم – عالم الجن – مكلفا بالتكاليف الشرعية، مأمورا بالإيمان بوحدانية الله، وعبادة الله وحده لا شريك له، واتباع النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وجد فيه من أطاع وآمن، ومن عصى وخالف وكفر. وقد أخبرنا الله سبحانه عن ذلك على لسان الجن، فقال عز وجل: (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا. وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا) الجن/14-1. والشيطان اسم لما كفر من الجن، فلا يقال لمؤمن الجن: شيطان، وإنما يقال ذلك لكافرهم. قال الله عز وجل: (إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا) الكهف/50. قال الحافظ ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (1/16) : " الشيطان مشتق من البعد على الصحيح، ولهذا يسمون كل من تمرد من جني وإنسي وحيوان شيطانا، قال الله تعالى: (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا) " انتهى. وثبت في الصحيحين ما يدل على أن الشياطين من الجن، فعن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: انْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ، وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمْ الشُّهُبُ، فَرَجَعَتْ الشَّيَاطِينُ، فَقَالُوا: مَا لَكُمْ؟ فَقَالُوا: حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ. قَالَ: مَا حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ إِلَّا مَا حَدَثَ، فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا فَانْظُرُوا مَا هَذَا الْأَمْرُ الَّذِي حَدَثَ؟ فَانْطَلَقُوا فَضَرَبُوا مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا يَنْظُرُونَ مَا هَذَا الْأَمْرُ الَّذِي حَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ. قَالَ: فَانْطَلَقَ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا نَحْوَ تِهَامَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَخْلَةَ، وَهُوَ عَامِدٌ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ، وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الْفَجْرِ، فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ، تَسَمَّعُوا لَهُ، فَقَالُوا: هَذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، فَهُنَالِكَ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ، فَقَالُوا: (يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا) وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنْ الْجِنِّ) رواه البخاري (4921) ومسلم (449) . وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (8/675) : " وفي الحديث إثبات وجود الشياطين والجن، وأنهما لمسمى واحد، وإنما صارا صنفين باعتبار الكفر والإيمان؛ فلا يقال لمن آمن منهم إنه " شيطان " " انتهى. وقال الرازي في "مفاتيح الغيب" في تفسير سورة الحجر الآية 27: " الأصح أن الشيطان قسم من الجن: فكل من كان منهم مؤمناً فإنه لا يسمى بالشيطان، وكل من كان منهم كافرا يسمى بهذا الاسم " انتهى. وانظر جواب السؤال رقم (102373) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 108679 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 552 حكم استعمال البخور لطرد الشياطين [السُّؤَالُ] ـ[يقوم بعض الناس باستخدام بخور يباع عند العطارين يسمى "نقض" يدعون أنها تطرد الشياطين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا أعلم لهذا العمل أصلاً شرعياً، والواجب تركه، لكونه من الخرافات التي لا أصل لها، وإنما تطرد الشياطين بالإكثار من ذكر الله وقراءة القرآن والتعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من نزل منزلاً فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك) وقال له رجل: يا رسول الله، ماذا لقيت ُالبارحة من لدغة عقرب. فقال له صلى الله عليه وسلم: (أما إنك لو قلت أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضرك) ، وقال عليه الصلاة والسلام: (من قال حين يصبح: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات لم يضره شيء حتى يمسي، ومن قالها حين يمسي لم يضره شيء حتى يصبح) وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم وسائر إخواننا للعلم النافع والعمل به، إنه سميع قريب"انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (28/280) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103436 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 553 تبين له أن شيخه يتعامل مع الجن [السُّؤَالُ] ـ[شاب يدرس عند شيخ يتعامل مع الجن لعلاج الملموسين والملموسات والمسحورين والمسحورات، وقد علم الشاب بذلك متأخرا، فهل يقطع دراسته عند هذا الشيخ ويترك المكان؟ مع العلم أن دراسته على وشك الانتهاء، وهذه الدراسة في العلوم الشرعية والقرآن. وما حكم تدريس القرآن لهذا الشاب الذي يشرف عليه هذا الشيخ؟ وما حكم الصدقة التي يأخذها هذا الطالب من هذا الشيخ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: معاملة الجن خطرٌ عظيم، وبابٌ من أبواب الشر والفساد، طالما أصاب الناس من شره وآفته، وحسبك في ذلك أن الشرك لم يدخل على الناس إلا من طريقهم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم - مُخبرا عن تعليم الله عز وجل عباده بقوله -: (وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمْ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا) رواه مسلم (2865) وإن كان في الجن من المؤمنين والمسلمين كما فيهم من الكافرين الفاسقين، غير أن احتجابهم عن الإنسان يحول دون الاطمئنان إلى أي منهم، ويوجب الخوف من استدراجهم، خاصة مع انتشار الجهل واشتهار البدع التي هي بريد الشرك، فغالبا ما توقع هذه المخلوقات الإنسان فيما يحرم، ثم لا تنفعهم أيضا إلا يسيرا. وقد قال الله عز وجل: (وأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) الجن/6 لذلك كانت فتاوى أهل العلم بحرمة التعاطي مع الجن والتعامل معهم مطلقا – سواء في ذلك المؤمن منهم والكافر – وضرورة عدم التساهل في ذلك، سدا لباب الفتنة والريبة، ورعاية لقلوب الناس التي تملؤها الفطرة الإيمانية. جاء في "الإنصاف" للمرداوي (10/351) : " قوله: (فأما الذي يُعَزِّمُ على الجن، ويزعم أنه يجمعها فتطيعه: فلا يكفر ولا يقتل، ولكن يعزر) فعلى المذهب: يعزر تعزيرا بليغا لا يبلغ به القتل على الصحيح من المذهب، وقيل: يبلغ بتعزيره القتل " انتهى باختصار. وجاء في "الموسوعة الفقهية" (14/18) : " أما الاستعانة بغير الله، فإما أن تكون بالإنس أو الجن: فإن كانت الاستعانة بالجن فهي ممنوعة، وقد تكون شركا وكفرا، لقوله تعالى: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنْ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) الجن/6 " انتهى. ويقول الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (تحت حديث رقم/2760) : " ومن هذا القبيل معالجة بعض المتظاهرين بالصلاح للناس بما يسمونه بـ " الطب الروحاني "، سواء كان ذلك على الطريقة القديمة من اتصاله بقرينه من الجن - كما كانوا عليه في الجاهلية - أو بطريقة ما يسمى اليوم باستحضار الأرواح، ونحوه عندي " التنويم المغناطيسي "، فإن ذلك كله من الوسائل التي لا تُشرع؛ لأن مرجعها إلى الاستعانة بالجن التي كانت من أسباب ضلال المشركين كما جاء في القرآن الكريم: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنْ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) الجن/6، أي: خوفا وإثما. وادعاء بعض المبتلين بالاستعانة بهم أنهم إنما يستعينون بالصالحين منهم دعوى كاذبةٌ؛ لأنهم مما لا يمكن - عادة - مخالطتهم ومعاشرتهم، التي تكشف عن صلاحهم أو طلاحهم، ونحن نعلم بالتجربة أن كثيرا ممن تصاحبهم أشد المصاحبة من الإنس، يتبين لك أنهم لا يصلحون، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ) التغابن/14 هذا في الإنس الظاهر، فما بالك بالجن الذين قال الله تعالى فيهم: (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ) الأعراف/27 " انتهى. وقد سبق في موقعنا نقل فتاوى أخرى لأهل العلم في هذا الموضوع في أجوبة الأسئلة الآتية: (10518) ، (11114) ، (78546) ثانيا: أول ما ينبغي لطالب العلم في طلبه تخير العلماء الثقات، أهل الديانة والأمانة والورع، فلا يحمل العلم إلا عَمَّن يؤخذ عنه بحقه، وحقه العمل به بطاعة الله والتزام شرعه وأمره، فإن للمعلم أكبر الأثر في نفس الطالب المتعلم، ولا بد أن يتزين ذلك بتقوى الله عز وجل. عن إبراهيم النخعي قال: " كانوا إذا أتوا الرجل ليأخذوا عنه نظروا إلى سمته، وإلى صلاته، وإلى حاله، ثم يأخذون عنه " انتهى. "الجامع لأخلاق الراوي" (1/127) وقد ذكر العلماء ذلك فيما ينبغي على متعلم القرآن الكريم خاصة. يقول النووي رحمه الله في "التبيان في آداب حملة القرآن" (ص/13) : " ولا يتعلم إلا ممن تكملت أهليته، وظهرت ديانته، وتحققت معرفته، واشتهرت صيانته، فقد قال محمد بن سيرين ومالك بن أنس وغيرهما من السلف: هذا العلم دين، فانظروا عَمَّن تأخذون دينكم " انتهى. وقال الزرنوجي رحمه الله في "تعليم المتعلم" (ص/7) : " ينبغي أن يختار الأعلم والأورع واأسن، كما اختار أبو حنيفة حماد بن أبي سليمان بعد التأمل والتفكر، وقال: وجدته شيخا وقورا حليما صبورا " انتهى. ويقول ابن جماعة الكناني في كتابه "تذكرة السامع والمتكلم" (ص/133) : " ينبغي للطالب أن يقدم النظر، ويستخير الله فيمن يأخذ العلم عنه، ويكتسب حسن الأخلاق والآداب منه، وليكن إن أمكن ممن كملت أهليته، وتحققت شفقته، وظهرت مروءته، وعرفت عفته، واشتهرت صيانته، وكان أحسن تعليما، وأجود تفهيما. ولا يرغب الطالب في زيادة العلم مع نقص في ورع أو دين أو عدم خلق جميل، فعن بعض السلف: " هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم ". وإذا سبرت أحوال السلف والخلف لم تجد النفعَ يحصل غالبا، والفلاحَ يُدرِك طالبًا إلا إذا كان للشيخ من التقوى نصيبٌ وافر، وعلى نصحه للطلبة دليل ظاهر. وكذلك إذا اعتبرت المصنفات، وجدت الانتفاع بتصنيف الأتقى الأزهد أوفر، والفلاح بالاشتغال به أكثر " انتهى. ثالثا: فالنصيحة لهذا الطالب أن يترك ذلك المعلم الذي يستخدم الجن – إن ثبت ذلك عنه يقينا -، ولا يأخذ عنه شيئا من العلم أو الخلق أو الدين، فذلك أحوط لدينه ونفسه، وأبرأ لذمته، إن كان بمقدوره أن يعوض ما فاته، ويكمل دراسته عند شيخ من أهل السنة والاستقامة. وأما إن كان لا يوجد في بلده من أهل الاستقامة من يقوم له بذلك، فالذي نراه أنه يكمل القدر اليسير المتبقي له من دراسته، إذا كان الحال ما ذكر من أنه إنما يستخدم الجن في علاج المسحورين أو المرضى، ولم يعرف عنه أنه يعمل بالسحر أو أذى المسلمين، أو العدوان على أموالهم أو أعراضهم، والقاعدة عند أهل العلم أنه يغتفر في الاستدامة ما لا يغتفر في الابتداء؛ فنحن، وإن كنا نمنع ابتداء أن يتعلم الطالب على شيخ من أهل البدع، أو ممن يظهر عليه انحراف في علمه أو عمله، ففي مثل حال السائل، يرخص له في استمراره في هذه الدراسة حتى ينتهي، لا سيما إن كان القدر المتبقي يسيرا، ولا سيما ـ أيضا ـ إن كان في بلد يعز عليه أن يجد بديلا من أهل الاستقامة والسنة. على أنه يؤيد ما ذكرناه هنا ـ أيضا ـ أن هذا الشيخ ربما كان يأخذ بقول من يقول بجواز استعمال الجن في الأمور المباحة، كالتي ذكرت في السؤال، فيكون متأولا معذورا، لا نستطيع أن نبدعه أو نضلله. وهذا القول، وإن كان قال به بعض علماء أهل السنة، إلا أن الصواب هو ما ذكرناه أولا، من المنع من استخدام الجن مطلقا. لكن الراجح في المسألة شيء، وأعذار المتأولين شيء آخر. رابعا: نصيحتنا في شأن الصدقة أيضا الاستغناء عنها، والسعي الدائم إلى تحصيل العيش من كسب اليد، من غير تقصير في طلب العلم ولا انهماك في طلب الرزق، بل يكون معتدلا، يتكفف عما في أيدي الناس، ويجتهد في تعلم مسائل الدين، وبذلك ينال رضى الله عز وجل. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) رواه مسلم (2699) لكن إن أعوزت الطالب الحيلة، واضطر إلى الصدقة التي يعطيه إياها هذا المعلم، فلا حرج عليه إن شاء من قبولها وأخذها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 102843 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 554 هل يستطيع الجني أن يضع السحر في أماكن خفية في المنزل [السُّؤَالُ] ـ[أريد جوابا لسؤال محيّر: إذا كان البيت فيه عمل أو شيء من السحر والعياذ بالله، ورأينا أي شيء يدل على ذلك، وقد أخذناه إلى الشيخ: كيف يدخل السحر (العمل) ؛ هل هو عن طريق الجن أم ماذا؛ لأن المكان لا يستطيع أحد الوصول إليه؟ أتمنى أن يكون سؤالي واضحا مع جزيل الشكر]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المادة التي يضع فيها الساحر سحره، كالخيوط والعقد والأوراق وغيرها، قد يلقيها الساحر في بيت المسحور بنفسه، أو عن طريق الجن، أو يعطيها لمن طلب السحر ليضعها بنفسه حيث يريد. والجن لهم قدرات يتمكنون بها من دخول المنازل والأمكنة، وقد يسرقون منها بعض الأمتعة، كما في حديث أبي هريرة وسرقة الجني من تمر الصدقة، أو يضعون فيها ما يأمرهم به الساحر، وعلى المسلم أن يتحصن بالأذكار الشرعية، وأن يسمي الله تعالى عند دخوله وعند طعامه وشرابه، وأن يغلق بابه، فإن الشيطان لا يفتح بابا أغلق. وينظر: سؤال رقم: (101681) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في بيان ما تفعله الشياطين للسحرة: " وإما أن يأتيه بمال من أموال بعض الناس، كما تسرقه الشياطين من أموال الخائنين ومن لم يذكر اسم الله عليه، وتأتى به " انتهى من "مجموع الفتاوى" (19/35) . فمن أغلق بابه وسمى الله، ووضع متاعه وماله وسمى الله، كان ذلك حفظا له من الجن. وقد يضع الساحر السحر بنفسه، كما في قصة سحر النبي صلى الله عليه وسلم، فعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: (كان رجل [من اليهود] يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم [وكان يأمنه] فعقد له عُقَدا فوضعه في بئر رجل من الأنصار [فاشتكى لذلك أياما ـ وفي حديث عائشة (ستة أشهر) ـ] فأتاه ملكان يعودانه فقعد أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه فقال أحدهما: أتدري ما وجعه؟ قال فلان الذي [كان] يدخل عليه عقد له عُقَدا فألقاه في بئر فلان الأنصاري فلو أرسل [إليه] رجلا وأخذ [منه] العقد لوجد الماء قد اصفر. [فأتاه جبريل فنزل عليه بالمعوذتين) وقال: إن رجلا من اليهود سحرك والسحر في بئر فلان قال] فبعث رجلا وفي طريق أخرى فبعث عليا رضي الله عنه) [فوجد الماء قد اصفر] فأخذ العقد [فجاء بها] [فأمره أن يحل العقد ويقرأ آية] فحلها [فجعل يقرأ ويحل] [فجعل كلما حل عقدة وجد لذلك خفة] فبرأ. وفي الطريق الأخرى: (فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما نشط من عقال) وكان الرجل بعد ذلك يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فلم يذكر له شيئا منه ولم يعاتبه [قط حتى مات] ) أورده الألباني في السلسة الصحيحة (6/615) وعزاه للحاكم (4/460) والنسائي (2/172) وأحمد (4/367) والطبراني. وأفاد هذا الحديث أن السحر إذا استخرج وكان فيه عقد، فإنها تحل مع القراءة. وبين أهل العلم أنه يتلف ما عمله الساحر. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " ينظر فيما فعله الساحر، إذا عرف أنه مثلا جعل شيئا من الشَّعر في مكان، أو جعله في أمشاط، أو في غير ذلك، إذا عرف أنه وضعه في المكان الفلاني أزيل هذا الشيء وأحرق وأتلف فيبطل مفعوله ويزول ما أراده الساحر " انتهى من "مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز" (8/144) . وينبغي الحذر من الذهاب للعرافين والدجالين، فإنه هذا محرم لا يجوز، وإنما يجوز الاستعانة بأهل الاستقامة والصلاح، المتمسكين بالسنة، في علاج السحر وإبطاله. وينظر: سؤال رقم (13792) ورقم (21124) ورقم (11290) ورقم (12918) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 102648 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 555 هل إبليس أبٌ للجن كلهم؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل إبليس أب للجن كلهم: الصالحين والشياطين منهم، أَمْ أَبٌ للشياطين فقط؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الشياطين هم كفار الجن، قال الله تعالى عن إبليس اللعين: (إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) الكهف/50. وذهب كثير من أهل العلم إلى أن إبليس هو أبو الجن كلهم: مؤمنهم وكافرهم، فهو أصلهم وهم ذريته: نُقل هذا القول عن ابن عباس ومجاهد وقتادة والحسن البصري وغيرهم. انظر: "تفسير الطبري" (1/507) ، "الدر المنثور" (5/402) . وروي في ذلك حديث مرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم، أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (6/197) عن معاوية بن الحكم السلمي، إلا أنه ضعيف جدا، تفرد به طلحة بن زيد القرشي الذي قال فيه علي بن المديني: كان يضع الحديث. انظر "تهذيب التهذيب" (5/16) . وقد أطلق شيخ الإسلام على إبليس أنه " أبو الجن " في أكثر من موضع، انظر "مجموع الفتاوى" (4/235،346) ، وكذا تلميذه ابن القيم، ثم الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (6/369) . وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله – كما في "مجموع الفتاوى" (9/370-371) -: " والشيطان هو أبو الجن عند جمعٍ من أهل العلم , وهو الذي عصى ربه واستكبر عن السجود لآدم , فطرده الله وأبعده " انتهى. وجاء في "فتاوى نور على الدرب" للشيخ ابن عثيمين (الجن والشياطين/سؤال رقم/2) : " لا شك أن إبليس هو أبو الجن؛ لقوله تعالى: (وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ) . وقوله عن إبليس وهو يخاطب رب العزة سبحانه وتعالى: (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) . وقوله تعالى: (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُو) . فهذه الأمور أدلتها واضحة أن الشيطان له ذرية، وأن الجن ذريته. ولكن كيف يكون ذلك؟ هذا ما لا علم لنا به، وهو من الأمور التي لا يضر الجهل بها، ولا ينفع العلم بها. والله أعلم " انتهى. ولمزيد الفائدة راجع جواب السؤال رقم (13378) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 102373 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 556 الغيب المطلق لا يعلمه إلا الله [السُّؤَالُ] ـ[أود معرفة كيف يتوافق إخبار القرآن بأنه لا يعلم الغيب إلا الله مع اكتشافي بأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا في أحد الأحاديث بأن تنبؤ الجن بما سيحدث في المستقبل يحمل جزءا من الصدق، ثم يدخل الجن به مئات الأكاذيب ويخبرونا بها، كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث أخرى بأن التنجيم يقوم على الأكاذيب " الشمس والقمر هما آيتان فقط من آيات الله ". فكيف تخبرنا الجن بما سيحدث فى المستقبل مع أنه لا يعلم بذلك إلا الله؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: فإن علم الغيب مما استأثر الله تعالى بعلمه كما دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة، فقد قال الله تعالى: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) النمل/65، وقال سبحانه: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) الأنعام/59. وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم هذه المفاتيح بالأمور الخمسة التي وردت في سورة لقمان في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الآية/34، وروى البخاري في صحيحه حديث رقم (4477) عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (من حدثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب ثم قرأت: وما تدري نفس ماذا تكسب غدا) . ولكن من المهم في هذه المسألة أن نعلم ما هو الغيب الذي استأثر الله تعالى بعلمه فإن الغيب معناه ما كان غائبا؛ وهذا الغائب إما أن يكون غائبا عن الخلق كلهم - أهل السماء وأهل الأرض -، فهذا النوع من الغيب لا يعلمه إلا الله سبحانه وهو الذي يسمى بالغيب المطلق. وإما أن يكون هذا الغائب غائبا عن بعض الخلق، ومعلوما لخلق آخرين، فهذا إنما يسمى غيبا بالنسبة للجاهل به، وليس هو غيبا عن جميع الخلق، فلا يختص الله عز وجل بعلمه. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "شرح العقيدة الواسطية" (ص/158) : " المراد بالغيب: ما كان غائباً، والغيب أمر نسبي، لكن الغيب المطلق علمه خاص بالله " انتهى. وما يخبر به الكهان، مما سيقع في المستقبل ليس من علم الغيب في شيء، وليس من علم الغيب في شيء، وليس من علم ما في غد، بل هم كذابون في دعاواهم؛ لكن قد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أنهم سرقوا علم ذلك، مما أوحاه الله على ملائكته، فعن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عنها قالت: سَأَلَ أُنَاسٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْكُهَّانِ، فَقَالَ: (إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِشَيْءٍ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ بِالشَّيْءِ يَكُونُ حَقًّا، قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنْ الْحَقِّ يَخْطَفُهَا الْجِنِّيُّ فَيُقَرْقِرُهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ كَقَرْقَرَةِ الدَّجَاجَةِ فَيَخْلِطُونَ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ كَذْبَةٍ) رواه البخاري برقم (7561) . وقد بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم كيفية استراق الجن لهذه الكلمة فقال: (وَلَكِنْ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى اسْمُهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا سَبَّحَ حَمَلَةُ الْعَرْشِ، ثُمَّ سَبَّحَ أَهْلُ السَّمَاءِ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، حَتَّى يَبْلُغَ التَّسْبِيحُ أَهْلَ هَذِهِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا، ثُمَّ قَالَ الَّذِينَ يَلُونَ حَمَلَةَ الْعَرْشِ لِحَمَلَةِ الْعَرْشِ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ، فَيُخْبِرُونَهُمْ مَاذَا قَالَ. قَالَ: فَيَسْتَخْبِرُ بَعْضُ أَهْلِ السَّمَاوَاتِ بَعْضًا حَتَّى يَبْلُغَ الْخَبَرُ هَذِهِ السَّمَاءَ الدُّنْيَا، فَتَخْطَفُ الْجِنُّ السَّمْعَ فَيَقْذِفُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ وَيُرْمَوْنَ بِهِ فَمَا جَاءُوا بِهِ عَلَى وَجْهِهِ فَهُوَ حَقٌّ، وَلَكِنَّهُمْ يَقْرِفُونَ فِيهِ وَيَزِيدُونَ) رواه مسلم برقم (2229) . فتبين من هذا أن الجن لا يعلمون الغيب وإنما يسترقون السمع من الكلام الذي تردده الملائكة، والملائكة أنفسهم لم يكن عندهم شيء من علم ذلك، إلا بعد أن أعلمهم الله عز وجل به، وبعد علمهم به لم يعد غيبا مطلقا، وأما قبل ذلك فإنهم كغيرهم من الخلق لايعلمون من الغيب شيئا، فرجع هذا إلى إخبار الله، وإعلامه لهم، قال تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً) الجن/26. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " إن أشرف الرسل الملكي وهو جبريل سأل أشرف الرسل البشري وهو محمد عليه الصلاة والسلام قال أخبرني عن الساعة؟ قال: (ما المسؤول عنها بأعلم من السائل) ، والمعنى: كما أنه لا علم لك بها، فلا علم لي بها أيضا) انتهى. "شرح العقيدة الواسطية" (ص/158) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 101968 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 557 تشك في أن الجن يسرق شيئا من متاع البيت [السُّؤَالُ] ـ[أنا امرأة مسلمة أعيش في أوروبا وأسكن منزلا منذ سنة لاحظت قبل أشهر اختفاء بعض الأشياء من المنزل ولم أهتم في البداية لكن عندما عاد شيء اختفى من مدة بحثت عنه كثيرا والغريب أن أجده في نفس المكان الذي داومت على البحث عنه فيه لمدة 3 أشهر هنا أصبت بالهول وبدأت أتذكر كل الأشياء السابقة وبدأ الشك والخوف يدخل إلى قلبي هل هذا البيت فيه شيء مثل الشياطين أم ماذا؟ رغم أنني محافظة على الصلاة وتلاوة ورد يومي ولله الحمد ربما كنت مقصرة في الأذكار اليومية لكني الآن ولله الحمد محافظة على جميع الأذكار ومازلت أشعر بالخوف على نفسي وأسرتي هل أترك هذا المنزل أم لا؟ رغم أني لم أعد أطيق العيش به ونفسيتي تعبانه جدا أرجو مساعدتي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: أحسنت في مواظبتك على الصلاة وورد التلاوة اليومي، فهما من خير الأعمال، ومن أسباب الحفظ والوقاية من المهالك والمضار، نسأل الله لك الحفظ والعافية والمعافاة في الدين والدنيا. ثانيا: إذا كنت متأكدة من اختفاء بعض الأشياء من منزلك، وأن أحداً ممن يسكن معك لم يأخذها لغرض ما، وتكرر ذلك، فلا يبعد أن يكون هذا من فعل الجن، فإن فيهم الصالح والطالح، وفيهم من يسرق لنفسه أو لغيره، لكن علاج ذلك سهل والحمد لله، فإنك إذا وضعت الأشياء وذكرت اسم الله عليها، ودخلت المنزل وسميت الله، وأغلقت الباب وسميت الله، لم يكن للجن سبيل إلى دخول منزلك أو أخذ شيء من متاعك. فقد روى مسلم (2018) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَذَكَرَ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ: لَا مَبِيتَ لَكُمْ وَلَا عَشَاءَ، وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمْ الْمَبِيتَ. وَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ عِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ: أَدْرَكْتُمْ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ) . وروى مسلم (2012) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (غَطُّوا الْإِنَاءَ، وَأَوْكُوا السِّقَاءَ، وَأَغْلِقُوا الْبَابَ، وَأَطْفِئُوا السِّرَاجَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَحُلُّ سِقَاءً، وَلَا يَفْتَحُ بَابًا، وَلَا يَكْشِفُ إِنَاءً، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلَّا أَنْ يَعْرُضَ عَلَى إِنَائِهِ عُودًا وَيَذْكُرَ اسْمَ اللَّهِ فَلْيَفْعَلْ) . ورواه البخاري (3280) بلفظ: (َأَغْلِقْ بَابَكَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ، وَأَطْفِئْ مِصْبَاحَكَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ، وَأَوْكِ سِقَاءَكَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ، وَخَمِّرْ إِنَاءَكَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ، وَلَوْ تَعْرُضُ عَلَيْهِ شَيْئًا) . وعليه، فإذا أغلقت الباب وسميت الله، ووضعت متاعك في صندوق مثلا وسميت الله، فإنه يكون محفوظا بإذن الله؛ لأن الشيطان لا يفتح بابا ولا يكشف إناءً. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فوائد حديث أبي هريرة وكلامه مع الجني الذي كان يسرق من تمر الصدقة: " وَأَنَّ الْجِنّ يَأْكُلُونَ مِنْ طَعَام الْإِنْس , وَأَنَّهُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِكَلَامِ الْإِنْس , وَأَنَّهُمْ يَسْرِقُونَ وَيَخْدَعُونَ , وَفِيهِ فَضْل آيَة الْكُرْسِيّ وَفَضْل آخَر سُورَة الْبَقَرَة , وَأَنَّ الْجِنّ يُصِيبُونَ مِنْ الطَّعَام الَّذِي لَا يُذْكَر اِسْم اللَّه عَلَيْهِ " انتهى مختصرا. وإذا قدّر أنك أخذت بهذه الوسائل، ثم لم تجدي راحة في البقاء في المنزل، فالأفضل أن تبحثي عن منزل آخر، فقد روى أبو داود (3924) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا فِي دَارٍ كَثِيرٌ فِيهَا عَدَدُنَا وَكَثِيرٌ فِيهَا أَمْوَالُنَا، فَتَحَوَّلْنَا إِلَى دَارٍ أُخْرَى، فَقَلَّ فِيهَا عَدَدُنَا، وَقَلَّتْ فِيهَا أَمْوَالُنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ذَرُوهَا ذَمِيمَةً) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود. أي اتركوها مذمومة. وينظر جواب السؤال رقم (27192) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 101681 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 558 ذهب إلى ساحر لفك السحر فهل له من توبة [السُّؤَالُ] ـ[قلبي يعتصر ألما وعقلي كاد يشت أصبحت لا أدري ما الصواب وما الخطأ أشياء كثيرة كنت أتحاشا فعلها وقعت فيها، بل أكثر من ذلك فقد فعلت أشياء أخاف أن تكون شركاً , أخاف أن يكون قد حبط عملي. أشعر بأن صلاتي , صومي, حجي , كل عمل قد يكون صالحا قد أحبط كلما قرأت قوله تعالى: (لئن أشركت ليحبطن عملك) قلبي يعتصر ألما والله، ما أقوله ليس من باب الرياء ولكنه حقيقة في نفسي أذهب إلى الصلاة أجر قدمي أصبحت لا أستطيع أن أفتح القرآن أشعر بأن القرآن يلعنني لأني لم أعمل بما أحفظ وحتى إذا قرأت لا أستطيع أن أكمل فأغلقه أقول لنفسي كيف أقف أمامه وأقول وإياك نستعين أين هذه الاستعانة قد كنت كلما أهمني أمر لا أتعلق إلا به سبحانه وأدعوه وألح في الدعاء كنت أشعر بأني قريب منه حتى في هذا الأمر الذي ألم بي كنت أدعوه كثيرا ولكن لم أصبر أشعر بأن الله امتحنني فما صبرت ورسبت , أشعر أن أعمالي ليست مقبولة كأن هناك صوتاً يقول لي: لم العمل وما فائدته؟ بعد الذي فعلت إذا كان كل ما تعمله ليس متقبلا وكل ما فعلته أصبح هباءً منثوراً, ما فعلته يتلخص في أني ذهبت إلى رجل ليفك لي سحراً أصبت به بعد الزواج استمر معي أكثر من شهر وأنا كاره لذلك ولكن أعطاني أشياء لا أفهمها أخذتها وأنا كاره لكل ذلك أخذتها ونفسيتي محطمة وعقلي غائب أليس هذا نوعاً من الشرك المحبط للعمل المخرج من الملة ألم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم: (الرقى والتمائم والتولة شرك) وقال: (من ذهب إلى عراف فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد) أخبرني والله أنا في عذاب والله في عذاب، دنياي لا حظ لي فيها كل أمنياتي فيها لم يتحقق فيها شيء وأخاف أن تكون آخرتي آخرة سوء فأكون قد خسرت كل شيء.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إن شعورك بالذنب، وتألّم قلبك من أجله، دليل على صحة إيمانك، وطهارة نفسك، وهذا من فضل الله عليك، فإن أصحاب القلوب الحية هم الذين يتأثرون بالذنوب، ويفزعون إلى الله تائبين مستغفرين، وأما أصحاب القلوب الميتة فلا تؤثر فيهم جراحات المعاصي، كما قيل: ما لجرح بميتٍ إيلامُ. قال الله تعالى في شأن أهل الإيمان: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) الأعراف/201. والمعنى أنهم إذا أصابوا الذنوب، تذكروا " عقاب الله وجزيل ثوابه، ووعده، ووعيده، فتابوا وأنابوا، واستعاذوا بالله، ورجعوا إليه من قريب (فإذا هم مبصرون) أي قد استقاموا وصحوا مما كانوا فيه " انتهى من "تفسير ابن كثير". فما عليك إلا أن تتوب وتستغفر، وتعلم أنك تقبل على رب رحيم، يفرح بتوبة عبده، ويتقبلها منه، ويبدل سيئاته حسنات، مهما كانت هذه السيئات. وكأنك لا تعلم أن الله يتوب على أهل الكفر والإلحاد والبغي والفساد، إذا تابوا ورجعوا إليه، فكيف لا يتوب على أهل الإيمان إذا وقعوا في المعصية، وأصابهم الذنب، وهم المحبّون له، المقبلون عليه، الراكعون الساجدون، المتوضئون المتطهرون، علموا أنه لا يغفر ذنبهم غيرُه، ولا يجبر كسرهم سواه، فسارعوا نادمين مستغفرين، يقولون: ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، فيقول الرحمن لملائكته: علم عبدي أنه لا يغفر الذنب غيري، أشهدكم أني قد غفرت له، فتذهب الأحزان، وتزول الهموم، ويعود الوصل، ويزيد الأنس، فلله ما أحلى فرحة التائبين، وما أجمل عودة المذنبين. قال الرب الرحيم: (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) التوبة/104. وقال سبحانه: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا. إِلا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) الفرقان/68- 70. وروى البخاري (7507) ومسلم (2758) عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ عَبْدًا أَصَابَ ذَنْبًا فَقَالَ: رَبِّ، أَذْنَبْتُ فَاغْفِرْ لِي، فَقَالَ رَبُّهُ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَصَابَ ذَنْبًا أَوْ أَذْنَبَ ذَنْبًا فَقَالَ: رَبِّ، أَذْنَبْتُ أَوْ أَصَبْتُ آخَرَ فَاغْفِرْهُ، فَقَالَ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا، وَرُبَّمَا قَالَ أَصَابَ ذَنْبًا وقَالَ: رَبِّ، أَصَبْتُ أَوْ قَالَ أَذْنَبْتُ آخَرَ فَاغْفِرْهُ لِي فَقَالَ أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ غَفَرْتُ لِعَبْدِي) . وروى مسلم (2749) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ) . فبادر بالتوبة والندم والاستغفار، وأكثر من الأعمال الصالحة، وأبشر بالخير والفلاح. ثانيا: من مكر الشيطان بالإنسان أن يزين له المعصية، ويوقعه فيها، ثم يقنطه من التوبة، وينصح له بالزور: كيف تعود إلى الله وقد فعلت ما فعلت؟ أما تستحي منه؟ هل تظن أنه يقبل منك؟ فربما كانت معصية الإنسان كبيرة كالزنا، فجره بذلك إلى ما هو كفر كترك الصلاة، فتأمل كيف يتلاعب الشيطان بهذا الإنسان. وأما المؤمن فلا سبيل للشيطان عليه في هذا الباب، لأنه يعلم ما قدمنا من لزوم التوبة، وفرح الله تعالى بها، وتكريمه لأهلها، وتبديل سيئات أصحابها حسنات. ثالثا: لا يجوز الذهاب للسحرة والكهنة والعرافين، ولو كان ذلك لحل السحر، وهو ما يسمى بالنُّشْرة، بل السحر يعالج بالآيات القرآنية والأدعية النبوية واللجوء إلى خالق البرية سبحانه وتعالى، وينظر جواب السؤال رقم (11290) ورقم (48967) وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) رواه مسلم (2230) . وقال: (مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رواه أحمد (9779) وأبو داود (3904) والترمذي (135) وابن ماجه (936) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه. وهذا محمول على الكفر الأصغر عند كثير من أهل العلم، إلا إذا اعتقد أن الساحر أو الكاهن يعلم الغيب. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " قوله: (فسأله؛ لم تقبل له صلاة أربعين يوما) . ظاهر الحديث أن مجرد سؤاله يوجب عدم قبول صلاته أربعين يوما، ولكنه ليس على إطلاقه؛ فسؤال العراف ونحوه ينقسم إلى أقسام: القسم الأول: أن يسأله سؤالا مجردا؛ فهذا حرام لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أتى عرافا … ) ؛ فإثبات العقوبة على سؤاله يدل على تحريمه؛ إذ لا عقوبة إلا على فعل محرم. القسم الثاني: أن يسأله فيصدقه، ويعتبر قوله؛ فهذا كفر لأن تصديقه في علم الغيب تكذيب للقرآن، حيث قال تعالى: (قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله) (النمل: من الآية65) . القسم الثالث: أن يسأله ليختبره: هل هو صادق أو كاذب، لا لأجل أن يأخذ بقوله؛ فهذا لا بأس به، ولا يدخل في الحديث. وقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم ابن صياد؛ فقال: (ماذا خبأت لك؟ قال: الدخ. فقال: (اخسأ؛ فلن تعدو قدرك) ؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم سأله عن شيء أضمره له؛ لأجل أن يختبره؛ فأخبره به. القسم الرابع: أن يسأله ليظهر عجزه وكذبه، فيمتحنه في أمور، وهذا قد يكون واجبا أو مطلوبا. وإبطال قول الكهنة لاشك أنه أمر مطلوب، وقد يكون واجبا؛ فصار السؤال هنا ليس على إطلاقه، بل يفصل فيه هذا التفصيل على حسب ما دلت عليه الأدلة الشرعية الأخرى " انتهى من "القول المفيد" (2/49) . وعليه فإذا لم تعتقد أن الساحر يعلم الغيب، فقد سلمت من الكفر الأكبر والحمد لله. وقد ذهب بعض العلماء إلى جواز حل السحر بالسحر، لكنه قول ضعيف، يفتح باب الشر، ويغري السحرة بالبقاء على باطلهم، ويشجع غيرهم على تعلم السحر بحجة نفع الناس. وتعليق التميمة إن اعتقد فيها النفع والضر، فهذا هو الشرك الأكبر، وإن اعتقد أنها سبب، فهو شرك أصغر، وينظر السؤال رقم: (34817) نسأل الله تعالى أن يتقبل توبتك، ويغسل حوبتك، ويمحو خطيئتك، ويعافيك في دينك ودنياك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 101649 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 559 بيان في قنوات السحر والشعوذة والكهانة [السُّؤَالُ] ـ[انتشرت هذه الأيام قنوات تدعي أنها تعالج الناس من السحر عن طريق معرفة اسم الأم ومعلومات عن الشخص المصاب، وكذلك معرفة المستقبل من خلال علم النجوم والطوالع –كما يدّعون -، فما حكم مشاهدة هذه القنوات؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه أما بعد.. ما تبثه هذه القنوات من علم السحر والشعوذة والكهانة من أعظم المنكرات ومن أعظم الفساد، وإضلال الناس. وهي علوم تقوم على الكذب والدجل ودعوى علم الغيب بما يدعونه من النظر في النجوم والطوالع كما يقولون، أو مما يتلقونه من أصحابهم من شياطين الجن، وقد لا تكون لهم خبرة في هذه العلوم الشيطانية ولكنهم يدعونها كذباً وزوراً لكسب المال..وهذه العلوم لا تروج إلا على الجهال والمغفلين وضعفاء الدين..وقد ذم الله السحر والسحرة والكّهان كما قال الله تعالى: (وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) ، وقال: (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ) ، وقال تعالى في سحرة فرعون: (قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) وثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى كاهنا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوماً) وجاء في السنن: (من أتى كاهناً أو عرافاً فسأله عن شيء فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) وسواء ذهب السائل إليهم ببدنه أو اتصل عليهم بواسطة الهاتف الحكم واحد. وعلى هذا فيجب الحذر من مشاهدة هذه البرامج فمشاهدتها ولو لمجرد الفرجة حرام وأما الاتصال على أصحاب هذه البرامج لسؤالهم ففيه الوعيد المتقدم. ويجب على أولياء أمور الأسر منعهم من مشاهدتها أو الاتصال على هؤلاء السحرة والمشعوذين، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) ، وقال صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه..) . ويجب على المسلمين التناصح والحذر والتحذير من التواصل مع هذه القنوات التي هَمَّ أصحابها كسب المال ولو من الحرام.. بل وأكثرهم يقصد الفساد والإفساد، فنقول: حسبنا الله ونعم الوكيل. الموقعون: فضيلة الشيخ / عبد الرحمن بن ناصر البراك. فضيلة الشيخ / عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين. فضيلة الشيخ / عبد العزيز بن عبد الله الراجحي. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98153 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 560 إبليس ليس من الملائكة [السُّؤَالُ] ـ[صديقي قال بأن الشيطان كان من الملائكة وزوجتي تقول بأن هذا غير صحيح. هل يمكن أن تعطيني بعض المعلومات؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لم يكن إبليس من الملائكة قطعاً، ويدل على ذلك أشياء ثلاثة: تصريح القرآن، وصفات إبليس الخَلقية، وصفاته الخُلُقية. 1. أما تصريح القرآن بذلك، فقد جاء في قوله تعالى: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن} الكهف /50. قال الحسن البصري: ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين، وإنه لأصل الجن، كما أن آدم عليه السلام أصل البشر. رواه الطبري بإسناد صحيح كما قال ابن كثير في " تفسيره " (3/89) . 2. وأما الصفات الخَلقية، فقد ذكر الله تعالى أنه خلق إبليس من نار، فقال {خَلق الإنسان من صلصال كالفخار وخلق الجان من مارج من نار} الرحمن / 14،15. وثبت في صحيح مسلم (2996) من حديث عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم ". المارج لهب النار الصافي، أو الذي خالطه الدخان، (تفسير السعدي 7/248) ، (لسان العرب 2/365) فتبين الفرق بين خلق الملائكة وبين خلق إبليس، فعلم قطعاً أنه ليس منهم. 3. وأما الصفات الخُلُقية، فإن إبليس قد عصى الله تعالى في عدم سجوده لآدم، وقد علِمنا من القرآن أن الملائكة لا يمكن لهم أن يعصون الله تعالى، قال الله عز وجل {لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} التحريم / 6. وقد ورد عن بعض السلف آثار غير صحيحة منها أنه طاووس الملائكة، وأنه من خزنة الجنة..الخ، وقد علَّق على ذلك الإمام ابن كثير فقال: وقد رُوي في هذا آثار كثيرة عن السلف وغالبها من الإسرائيليات التي تُنقل لينظر فيها والله أعلم بحال كثير منها، ومنها ما قد يُقطع بكذبه لمخالفته للحق الذي بأيدينا، وفي القرآن غنية عن كل ما عداه من الأخبار المتقدمة؛ لأنها لا تكاد تخلو من تبديل وزيادة ونقصان، وقد وضع فيها أشياء كثيرة، وليس لهم من الحفاظ المتقنين الذي ينفون عنها تحريف الغالين وانتحال المبطلين كما لهذه الأمة من الأئمة والعلماء والسادة والأتقياء والبررة والنجباء من الجهابذة النقاد والحفاظ الجياد الذين دونوا الحديث وحرروه وبينوا صحيحه من حسنه من ضعيفه من منكره وموضوعه ومتروكه ومكذوبه وعرفوا الوضاعين والكذابين والمجهولين وغير ذلك من أصناف الرجال كل ذلك صيانة للجناب النبوي والمقام المحمدي خاتم الرسل وسيد البشر صلى الله عليه وسلم أن ينسب إليه كذب أو يحدث عنه بما ليس منه فرضي الله عنهم وأرضاهم وجعل جنات الفردوس مأواهم. أ. هـ " تفسير القرآن العظيم " (3/90) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 6485 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 561 القراءة على الماء للرقية وتسخينه لبرودة الجو [السُّؤَالُ] ـ[أنا شاب مسلم مصاب بنوع من أنواع السحر؛ فيما يخص الرقية بالقرآن فهل بإمكاني قراءة الآيات القرآنية بنفسي على الماء , وهل يجب التجرد من كل الملابس عند الاغتسال , وأخيرا هل يجوز تسخين الماء قليلا لبرودة الجو؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: نسأل الله تعالى أن يشفيك ويعافيك ويصرف عنك ما تجد. ثانيا: يجوز أن تقرأ على الماء، وتشرب منه وتغتسل، وقد سبق بيان هذا وبيان ما يقرأ لعلاج السحر في الجواب رقم (12918) وما أشرت إليه من القراءة بنفسك على الماء، وفي صحيح البخاري (5735) ومسلم (2192) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْفُثُ عَلَى نَفْسِهِ فِي الْمَرَضِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ، فَلَمَّا ثَقُلَ كُنْتُ أَنْفِثُ عَلَيْهِ بِهِنَّ وَأَمْسَحُ بِيَدِ نَفْسِهِ لِبَرَكَتِهَا. [قال معمر] فَسَأَلْتُ الزُّهْرِيَّ كَيْفَ يَنْفِثُ قَالَ كَانَ يَنْفِثُ عَلَى يَدَيْهِ ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وقوله: " في المرض الذي مات فيه "، ليس قيدا في ذلك؛ وإنما أشارت عائشة إلى أن ذلك وقع في آخر حياته، وأن ذلك لم ينسخ. اهـ ثالثا: لا يجب التجرد من الملابس حال الغسل، سواء كان غسلا للرقية أو كان غسلا من الجنابة ونحوها، والمعتبر هو وصول الماء إلى الجسد. وقد كان عثمان رضي الله عنه يغتسل دون أن ينزع ثوبه، لشدة حيائه رضي الله عنه. رواه أحمد (543) بإسناد حسن. وقد ترجم الإمام البخاري في كتاب الغسل من صحيحه: بَاب: مَنْ اغْتَسَلَ عُرْيَانًا وَحْدَهُ فِي الْخَلْوَةِ، وَمَنْ تَسَتَّرَ فَالتَّسَتُّرُ أَفْضَلُ. وَقَالَ بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنْ النَّاسِ. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " ودل قوله أفضل على الجواز [يعني: جواز أن يغتسل عريانا] ، وعليه أكثر العلماء " انتهى. ولا حرج في تسخين الماء، والقراءة عليه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96793 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 562 الاتصال على برامج السحرة والكهنة لطلب الرقية [السُّؤَالُ] ـ[لدي أخت كبيره عمرها 27عاما هي لم تتزوج لحد الآن، مع العلم أنها جميله ومتعلمة ومحافظة على فروض دينها وسننه، وكانت تعمل في مجال مختلط مع العلم بأنها طبيبه ولكنها محجبة لا يبدو منها غير عينيها ويديها عند ضرورة العلاج وجاء شيخ وقرأ عليها لم يكن معها أي عله وطلب منها الشيخ أن تقرا بعض الآيات القرآنية ولكن لحد الآن ودون جدوى عندما يأتي أحد ليخطبها يحصل هناك نوع من الاضطراب في البيت وكأننا مسحورين ماذا افعل؟ وهناك سؤال آخر: أن هناك بعض القنوات الفضائية تعرض برامج، يتصل عليهم المشاهدون فيطلب المقدم منهم ذكر اسم أحد الوالدين أو الزوج وغيرها أو الحروف الأولى من الاسم وبعده يقول للمتصل أن يقرأ بعض الآيات القرآنية التي تفيدهم مع العلم أن المقدم يعلم علة المتصل إذا أخبره باسمه أو اسم أحد والديه فما حكم هذه القنوات بالتفصيل]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: تأخر الزواج قد يكون لأسباب عادية، إذ ليس كل امرأة يستريح لها الخاطب ولو كانت جميلة، والأمر كله بتقدير الله تعالى، يقدم من يشاء ويؤخر من يشاء، لا معقب لحكمه سبحانه. وقد يكون ذلك لسبب آخر من سحر أو عين، وعلاج ذلك يكون بالرقية الشرعية، والمواظبة على الطاعات، وترك الذنوب والمعاصي، والمداومة على الذكر، ومن ذلك: أذكار الصباح والمساء، والنوم والاستيقاظ، ودخول المنزل والخروج منه، والأكل والشرب، وقراءة سورة البقرة في البيت كل ثلاث ليال مرة، وراجع السؤال رقم (12918) و (6530) ثانيا: لا يجوز الاتصال على البرامج المذكورة لأن القائمين عليها من السحرة والكهنة الذين لا يجوز إتيانهم ولا سؤالهم، لقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) رواه مسلم (2230) . وفي مسند الإمام أحمد (9252) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْحَسَنِ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ) وصححه الألباني في صحيح الجامع (5939) . والعراف، قال بعض العلماء: هو من يخبر عن الأمور الماضية بأشياء يستدل بها. وقيل: العراف هو الكاهن، وهو الذي يخبر عن الغيبيات في المستقبل. وكلاهما تتنزل عليهم الشياطين، ولهذا يسألون الشخص عن اسم أمه، ليخبرهم الجن بحاله وماضيه. فالحذر الحذر من سؤالهم، أو الاغترار بحالهم، ولو قرؤوا القرآن، لأنهم يفعلون ذلك حيلة وتلبيسا على الناس، وإلا فهم من أكفر الناس بالقرآن، يضعونه في النجاسات والقاذورات، ومن صلى منهم صلى للجان، لا للرحمن، لأن الجن لا يطيعهم ولا يخدمهم إلا بهذا الكفر العظيم، وبغيره من صور الكفر. (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) الشعراء/221-222 وقد انتشر هؤلاء السحرة عبر هذه البرامج، وخفي حالهم على كثير من الناس، وانخدعوا بما يذكرونه أحيانا من أمور الدين، وهم دجالون مبطلون، يفرقون بين المرء وزوجه، ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم. نسأل الله لنا ولكم العافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96278 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 563 لا يجوز حل السحر بالسحر [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز الذهاب إلى ساحر من أجل حل السحر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز حل السحر بالسحر، وإنما يحل السحر بالقرآن الكريم والأدعية النبوية، والأدوية المباحة. أما السحر فهو كفر وردة وخروج عن الإسلام، فلا يجوز فعله، ولا الذهاب إلى الساحر طلباً للشفاء، وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن النشرة وهي حل السحر، فَقَالَ: (هُوَ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) رواه أبو داود (3868) وصححه الألباني. قال ابن القيم في "فتاوى إمام المفتين" (ص207، 208) : " والنشرة حل السحر عن المسحور، وهي نوعان: حل سحر بسحر مثله، وهو الذي من عمل الشيطان، فإن السحر من عمله، فيتقرب إليه الناشر والمنتشر بما يحب، فيبطل عمله عن المسحور. والثاني: النشرة بالرقية والتعوذات والدعوات والأدوية المباحة، فهذا جائز، بل مستحب " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "القول المفيد" (2/70) : "وهذا الحديث بيَّن فيه الرسول صلى الله عليه وسلم حكم النشرة، وأنها من عمل الشيطان، وهذا يغني عن قوله إنها حرام، بل هذا أشد من قوله إنها حرام، لأن ربطها بعمل الشياطين يقتضي تقبيحها، والتنفير عنها، فهي محرمة " انتهى. وبعد هذا النص الواضح البين من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا قول لأحد، كائناً من كان. ولا يجوز أن ينصب الخلاف بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين رأي عالم أو فقيه، قال ابن القيم رحمه الله: ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين رأي فقيه وقد حكى بعض أهل العلم عن سعيد بن المسيب رحمه الله أنه يرى جواز حل السحر بالسحر للضرورة، وكلام ابن المسيب رحمه الله ليس صريحا في جواز حل السحر بالسحر، بل يحتمل أنه أراد حله بالطرق المباحة، ومع ذلك فقد أجاب الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن هذا بقوله في " القول المفيد " (2/73) : " ولكن على كل حال حتى ولو كان ابن المسيب، ومن فوق ابن المسيب ممن ليس قوله حجة يرى أنه جائز، فلا يلزم من ذلك أن يكون جائزاً في حكم الله حتى يعرض على الكتاب والسنة، وقد سُئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن النشرة، فقال: (هي من عمل الشيطان) " انتهى. وقد فهم بعضهم من تجويز الإمام أحمد للنشرة أنه أجاز حل السحر بالسحر، وإنما كلامه رحمه الله في الرقية الشرعية المباحة. قال الشيخ سليمان بن عبد الله في "تيسير العزيز الحميد" (419) : "وكذلك ما روي عن الإمام أحمد من إجازة النشرة، فإنه محمول على ذلك -أي النشرة بالرقية الشرعية- وغلط من ظن أنه أجاز النشرة السحرية، وليس في كلامه ما يدل على ذلك، بل لما سئل عن الرجل يحل السحر قال: قد رخص فيه بعض الناس. قيل: إنه يجعل في الطنجير ماء ويغيب فيه، فنفض يده وقال: لا أدري ما هذا! قيل له: أفترى أن يؤتى مثل هذا؟ قال: لا أدري ما هذا. وهذا صريح في النهي عن النشرة على الوجه المكروه، وكيف وهو الذي روى الحديث (أنها من عمل الشيطان) ، لكن لما كان لفظ النشرة مشتركا بين الجائزة والتي من عمل الشيطان ورأوه قد أجاز النشرة ظنوا أنه قد أجاز التي من عمل الشيطان، وحاشاه من ذلك" انتهى. وقد صرح كثير من العلماء بتحريم حل السحر بالسحر، وأن الضرورة لا تبيح ذلك. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " والمسلمون وإن تنازعوا في جواز التداوي بالمحرمات كالميتة والخنزير، فلا يتنازعون في أن الكفر والشرك لا يجوز التداوي به بحال، لأن ذلك محرم في كل حال، وليس هذا كالتكلم به عند الإكراه، فإن ذلك إنما يجوز إذا كان قلبه مطمئنا بالإيمان، والتكلم به إنما يؤثر إذا كان بقلب صاحبه، ولو تكلم به مع طمأنينة قلبه بالإيمان لم يؤثر، والشيطان إذا عرف أن صاحبه مستخف بالعزائم لم يساعده، وأيضا فإن المكره مضطر إلى التكلم له ولا ضرورة إلى إبراء المصاب به لوجهين: أحدهما: أنه قد لا يؤثر أكثر مما يؤثر من يعالج بالعزائم، فلا يؤثر، بل يزيده شراً. والثاني: أن في الحق ما يغني عن الباطل " انتهى من "مجموع الفتاوى" (19/61) . وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: " قال بعض الحنابلة: يجوز الحل بسحر للضرورة 0 والقول الآخر أنه لا يحل، وهذا الثاني هو الصحيح ....... والسحر حرام وكفر، أفيعمل الكفر لتحيا نفوس مريضة أو مصابة! " انتهى من "فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم" (1/165) وقال الشيخ محمد الأمين المختار الشنقيطي: " التحقيق الذي لا ينبغي العدول عنه في هذه المسألة: أن استخراج السحر إن كان بالقرآن كالمعوذتين، وآية الكرسي، ونحو ذلك مما تجوز الرقية به فلا مانع من ذلك، وإن كان بسحر أو ألفاظ أعجمية أو بما لا يفهم معناه، أو بنوع آخر مما لا يجوز فإنه ممنوع، وهذا واضح، وهو الصواب إن شاء الله تعالى كما ترى " انتهى من "أضواء البيان" (4/465) وسئل الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله عن حكم علاج السحر بالسحر عند الضرورة؟ فأجاب: "لا يجوز علاج السحر بالسحر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة فقال: (هي من عمل الشيطان) . والنشرة هي حل السحر بالسحر؛ ولأن حلها بالسحر يتضمن دعوة الجن والاستعانة بهم، وهذا من الشرك الأكبر؛ ولهذا أخبر الله سبحانه عن الملكين أنهما يقولان لمن يريد التعلم منهما ما نصه: (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ) البقرة/102، وقبلها قوله تعالى: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ) البقرة/102. ثم قال سبحانه: (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنْ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الأخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ *وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) البقرة/102،103. وفي هاتين الآيتين تحذير من تعلم السحر وتعليمه من وجوه كثيرة، منها: أنه من عمل الشيطان، ومنها: أنّ تعلمه كفر ينافي الإيمان، ومنها: أنه قد يحصل به التفريق بين المرء وزوجه، وهذا من أعظم الظلم والفساد في الأرض، ومنها: أنه لا يقع شيء من الضرر ولا غيره إلا بإذن الله، والمراد بالإذن هنا الإذن الكوني القدري، ومنها: أن هذا التعلم يضرهم ولا ينفعهم، ومنها: أن من فعله ليس له عند الله من خلاق 0 والمعنى: ليس له حظ ولا نصيب من الخير 0 وهذا وعيد عظيم يوجب الحذر من تعلم السحر وتعليمه، ومنها: ذمه سبحانه من تعاطي هذا السحر بقوله تعالى: (وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ) والمراد بالشراء هنا البيع 00 ومنها: إخباره سبحانه أن هذا العمل ينافي الإيمان والتقوى 0 وبهذه الوجوه يظهر لكل مسلم شدة تحريم تعلم السحر وتعليمه، وكثرة ما فيه من الفساد والضرر، وأنه مع هذا كفر بعد الإيمان، وردة عن الإسلام، نعوذ بالله من ذلك 0 فالواجب الحذر من ذلك، وأن يكتفي المسلم بالعلاج الشرعي وبالأدوية المباحة بدلاً من العلاج بما حرمه الله عليه شرعاً، والله ولي التوفيق " انتهى. "مجلة الدعوة" – تاريخ 10 / 11 / 1414 هـ 0 وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله عن حكم النشرة. فأجاب: "حل السحر عن المسحور (النشرة) الأصح فيها أنها تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: أن تكون بالقرآن الكريم والأدعية الشرعية والأدوية المباحة، فهذه لا بأس بها لما فيها من المصلحة وعدم المفسدة، بل ربما تكون مطلوبة لأنها مصلحة بلا مضرة 0 القسم الثاني: إذا كانت النشرة بشيء محرم كنقض السحر بسحر مثله؛ فهذا موضع خلاف بين أهل العلم: فمن العلماء من أجازه للضرورة. ومنهم من منعه لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة فقال: (هي من عمل الشيطان) رواه أبو داود وإسناده جيد. وعلى هذا يكون حل السحر بالسحر محرما، وعلى المرء أن يلجأ إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء والتضرع لإزالة ضرره والله سبحانه وتعالى يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّى فإني قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعي إِذَا دَعَانِ) ويقول الله تعالى: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أإلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ) والله الموفق " "فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (1/238،239) . وسئلت اللجنة الدائمة عن حكم حل السحر بسحر مثله، فأجابت: "لا يجوز ذلك، والأصل فيه ما رواه الإمام أحمد وأبو داود بسنده عن جابر رضي الله عنهما قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النشرة فقال: (هي من عمل الشيطان) وفي الأدوية الطبيعية، والأدعية الشرعية، ما فيه كفاية: (فإن الله ما أنزل داء إلا أنزل له شفاء، علمه من علمه، وجهله من جهله) ، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتداوي، ونهى عن التداوي بالمحرم، فقال صلى الله عليه وسلم: (تداووا ولا تتداووا بحرام) ، وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله لم يجعل شفاءكم في حرام) " انتهى 0 "فتاوى مهمة لعموم الأمة" (106،107) وقال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين حفظه الله: "لا يجوز حل السحر بسحر مثله، وذلك بأن يطلب من الساحر نفسه أن يبطل عمله الذي هو السحر، فإن في ذلك إقراراً له، وإبقاء لعمله، مع أن الواجب قتله متى عرف وتحقق أنه ساحر، فإن حده ضربة بالسيف، وكذا لا يجوز الذهاب إلى ساحر آخر لطلب حل ذلك السحر لما في ذلك من إبقائه وتقريره الذي هو كرضى بفعله " انتهى. وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله عن حكم حل السحر بسحر مثله فأجاب: "أما قضية حل السحر بسحر مثله فقد نص كثير من العلماء على أن ذلك لا يجوز، لأن التداوي إنما يكون بالحلال والمباح، ولم يجعل الله شفاء المسلمين فيما حرم عليهم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (تداووا ولا تداووا بحرام) وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم) ، ومن أعظم المحرمات السحر فلا يجوز التداوي به ولا حل السحر به، وإنما السحر يحل بالأدوية المباحة وبالآيات القرآنية والأدعية المأثورة، هذا الذي يجوز حل السحر به " انتهى من "المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح الفوزان" (2/132،133) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 92810 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 564 الشرك الأصغر هل يدخل تحت المشيئة [السُّؤَالُ] ـ[لي زميل في العمل وأثناء الحديث معه أخبرنا بأن لديه حجابا أخذه من ناس يقولون إنهم شيوخ معالجون من نفس المنطقة يقول مكتوب به آية الكرسي ووضعه في جلد ويربطه على وسطه فدار بيننا حوار أنا وهو ومجوعة من الزملاء وناصحناه بحرق الكتاب أو أن يأتي به لأحد الأشخاص الموثوقين لفكه والنفث عليه فرفض بحجة أنهم شيوخ وأن هذا الشيء ما يقدر يطلع عليه أحد وأنه مفيد فما كان مني إلا أن قلت له من باب تخويفه بالله (والله لو مت وهو معك لتدخل النار) وبصراحة بعدما قلتها ندمت وخفت أن الله يحبط عملي مثل الرجل الذي قال لأحد العصاة والله لا يغفر الله لك فقال الله تعالى (من ذا الذي يتألى علي فقد غفرت له وأحبطت عملك) وأنا الآن خائف من هذا الشيء أرجو إفادتي بماذا يجب علي فعله جزاكم الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا يجوز تعليق التمائم ولو كانت من القرآن الكريم، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَلَا أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدَعَةً فَلَا وَدَعَ اللَّهُ لَهُ) رواه أحمد (17440) وحسنه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند. وقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ) والحديث صححه الألباني في صحيح الجامع. والتمائم إذا كانت من القرآن، فهي مما اختلف فيه العلماء، والراجح المنع، لعموم الأدلة، وسدا للذريعة، ولما في ذلك من الامتهان غالبا، إذا هذه التميمة ينام بها صاحبها، ويدخل بها الخلاء، ونحو ذلك. جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/212) : " اتفق العلماء على تحريم لبس التمائم إذا كانت من غير القرآن، واختلفوا إذا كانت من القرآن، فمنهم من أجاز لبسها ومنهم من منعها، والقول بالنهي أرجح لعموم الأحاديث ولسدِّ الذريعة " انتهى. وقد سبق تفصيل ذلك في السؤال (10543) . وهذا كله إذا سلمنا أن الحجاب المسئول عنه ليس فيه إلا آية الكرسي أو نحوها من كلام الله عز وجل، وإلا فقد يكون فيه سحر وكفر، والعجيب أن السحرة يضعون كلام الله تعالى مع كفرهم وباطلهم، حتى يروج إفكهم، وينخدع الناس بهم. وربما يظهر من حرص زميلك على ألا يطلع على الحجاب أحد، وما رد عليكم حينما طلبتم الحجاب للاطلاع على ما فيه، أو القراءة عليه، ربما يظهر من ذلك أن صاحبك إما جاهل بما في الحجاب حقيقة، أو أنه يعلم أنه الحجاب ليس خالصا لكلام الله عز وجل. وعليه فالواجب نصح زميلك هذا، وتحذيره من تعليق ما لا يعلم بداخله، بل من تعليق التمائم كلها. وقوله: إنه ما يقدر أحد أن يطلع عليه، ليس صحيحا، بل هذا من دجل السحرة والمشعوذين وتخويهم للناس حتى لا يطلع على ما في تمائمهم من أسماء الشياطين، أو الكتابة التي لا معنى لها. ثانيا: وأما قولك: (والله لو مت وهو معك لتدخل النار) فإن كان مرادك أن من فعل ذلك فهو مستحق للنار، بحسب ما بلغك من نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ووعيده لمن فعله بالنار، مع علمك بأننا لا نقطع لأحد ـ على وجه التعيين ـ بجنة ولا نار، إلا بنص من الوحي، وأن عصاة الموحدين في مشيئة الله تعالى، إن شاء عذبهم، وإن شاء عفا عنهم؛ إن كان هذا مرادك، فلا حرج عليك فيه إن شاء الله. وهكذا إن كنت تريد أن تهدده بعاقبة من يتهاون في مثل ذلك، ويصر على فعله، فلا حرج عليك فيه إن شاء الله. وفي مسند الإمام أحمد (19498) عَنِ الْحَسَنِ قَالَ أَخْبَرَنِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْصَرَ عَلَى عَضُدِ رَجُلٍ حَلْقَةً أُرَاهُ قَالَ مِنْ صُفْرٍ فَقَالَ: (وَيْحَكَ مَا هَذِهِ قَالَ مِنْ الْوَاهِنَةِ قَالَ أَمَا إِنَّهَا لَا تَزِيدُكَ إِلَّا وَهْنًا انْبِذْهَا عَنْكَ فَإِنَّكَ لَوْ مِتَّ وَهِيَ عَلَيْكَ مَا أَفْلَحْتَ أَبَدًا) [ضعفه الألباني في الضعيفة 1029] . وفي سنن أبي داود (4669) عَنْ ابْنِ الدَّيْلَمِيِّ قَالَ: (أَتَيْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ فَقُلْتُ لَهُ وَقَعَ فِي نَفْسِي شَيْءٌ مِنْ الْقَدَرِ فَحَدِّثْنِي بِشَيْءٍ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُذْهِبَهُ مِنْ قَلْبِي قَالَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ عَذَّبَ أَهْلَ سَمَاوَاتِهِ وَأَهْلَ أَرْضِهِ عَذَّبَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ وَلَوْ رَحِمَهُمْ كَانَتْ رَحْمَتُهُ خَيْرًا لَهُمْ مِنْ أَعْمَالِهِمْ وَلَوْ أَنْفَقْتَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا قَبِلَهُ اللَّهُ مِنْكَ حَتَّى تُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ وَتَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ وَأَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ وَلَوْ مُتَّ عَلَى غَيْرِ هَذَا لَدَخَلْتَ النَّارَ قَالَ ثُمَّ أَتَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ ثُمَّ أَتَيْتُ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ ثُمَّ أَتَيْتُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَحَدَّثَنِي عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ) صححه الألباني في صحيح الجامع (5244) . قال القاري في قوله: (.. لدخلت النار) : يحتمل الوعيد ويحتمل التهديد!! انتهى من تحفة الأحوذي. وأما إن كان مرادك القطع على هذا الشخص المعين بأنه من أهل النار لأجل فعله هذا، فهذا خطأ منك؛ فنحن لا نشهد لمعين بجنة ولا نار، إلا من شهد له النص بذلك. تنبيه: تعليق التميمة قد يكون شركا أصغر، وقد يكون أكبر بحسب حال مستعملها، فإن اعتقد أنها تنتفع وتضر بذاتها، فهذا شرك أكبر، وإن اعتقد أنها سبب، فهذا شرك أصغر؛ لأنه جعل ما ليس سببا سببا، والشرك الأصغر إن مات عليه صاحبه دون توبة، فهل يدخل تحت المشيئة، أم لا يغفر كالأكبر، قولان لأهل العلم. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " هل قوله تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به) يشمل الشرك الأصغر؟ فأجاب قائلا: اختلف في ذلك أهل العلم: فمنهم من قال: يشمل كل شرك ولو كان أصغر كالحلف بغير الله فإن الله لا يغفره، وأما بالنسبة لكبائر الذنوب كالخمر والزنى فإنها تحت المشيئة إن شاء الله غفرها وإن شاء أخذ بها. وشيخ الإسلام اختلف كلامه، فمرة قال: الشرك لا يغفره الله ولو كان أصغر، ومرة قال: الذي لا يغفره الله هو الشرك الأكبر. وعلى كل حال يجب الحذر من الشرك مطلقا؛ لأن العموم يحتمل أن يكون داخلا فيه الأصغر لأن قوله: (أَن يُشْرَكَ بِهِ) أن وما بعدها في تأويل مصدر تقديره " إشراكا به " فهو نكرة في سياق النفي فتفيد العموم " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله" (2/203) . وأما ما يلزمك فهو التوبة إلى الله تعالى من تساهلك في مثل هذه الإطلاقات، وعدم العودة إلى ذلك مستقبلا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 91763 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 565 مصابة بالمس ويتكلم الجني على لسانها ويرفض الخروج منها [السُّؤَالُ] ـ[بنت خالتي متلبسة بجني يتكلم على لسانها بصوت رجل ويقول إنه لن يخرج لأنه يحبها، وذهبنا بها للرقية كثيراً، وكل مرة يتكلم ويقول إنه لن يخرج. فماذا تفعل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: نسأل الله تعالى أن يذهب عن ابن خالتك ما تجد، وأن يعافيها، ويصرف عنها ذلك الجني، إنه سميع مجيب. ثانيا: علاج هذه الحالة وغيرها يكون بالرقية الشرعية، من قبل المريض نفسه، أو من يعالجه، وهي نافعة بإذن الله تعالى، لكن قد تحتاج إلى تكرار، وأمور مساعدة، ونحن نذكر لك أهم هذه الأمور: 1- مواظبة المريض على أذكار الصباح والمساء والنوم، والأكل والشرب، ودخول البيت والخروج منه، والإكثار من الذكر بصفة عامة، وأعظم الذكر قراءة القرآن، وآكد ما يقرأ منه المعوذات والفاتحة وسورة البقرة وآية الكرسي. وكلما واظب المريض على الذكر، ضعف أثر الشيطان عليه، وأمكن إخراجه بالرقية. 2- أن تكون الرقية على يد صالح متمسك بالسنة، بعيد عن البدع، والشعوذة والسحر. 3- أن يكثر المريض من اللجوء إلى الله تعالى وسؤاله، فإنه سبحانه يجيب دعوة المضطر، ويكشف السوء، كما قال: (أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) النمل/62. لا سيما إذا كان الدعاء في أوقات الإجابة، كما بين الأذان والإقامة، وفي السحر، وفي الساعة الأخيرة بعد عصر يوم الجمعة، وعند فطر الصائم، وفي السفر. 4- المحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها. 5- التوبة إلى الله تعالى من الذنوب والمعاصي التي هي سبب تسلط الشيطان على الإنسان. 6- تطهير البيت من المواد التي يحبها الشيطان، كالصور، والكلاب، والغناء والموسيقى. وتخيل هذا الشيطان الذي ضُيق عليه، فلا طعام ولا شراب، ولا متعة، قد حُرم ذلك بالتسمية على الطعام والشراب، وبإخراج ما يحب من البيت، هل يحرص على البقاء؟ ولمعرفة الرقية الشرعية وآدابها، انظر السؤال رقم (12918) (11290) (3476) (11026) (21581) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 91901 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 566 علاج المحبوس عن زوجته [السُّؤَالُ] ـ[أنا حديث العهد بالزواج وقد عقدت على زوجتي وقبل الدخول بزوجتي كانت الأمور على أحسن ما يرام، لكن منذ فترة وجيزة انقلبت الأمور وأصبحت وكأني محبوس عن زوجتي بحيث عندما أريد أن أجامعها أصاب بعدم الانتصاب مما يعيق عملية الجماع، ولا أدري هل أنا مسحور أم زوجتي؟ وأنا لست متأكدا من هذا الأمر ولهذا أريد من فضيلتكم أن تدلوني على عمل من الكتاب السنة بأن يرفع عني الله هذا البلاء، لأنه قد أثر هذا الأمر بشكل كبير على حياتنا الزوجية فأصبحت أفكر في هذا الأمر يوميا وأثر بشكل كبير على نفسيتي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: على المسلم أن ينظر إلى هذه الابتلاءات والمحن التي تمر به على أنها خير من الله تعالى ورحمة، يكفر الله بها من ذنوبه وخطاياه، ويرفع درجاته، ويختبر بها صبره وإيمانه، وليستحضر دائماً قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) رواه مسلم (2999) . ثانياً: هذا الذي أصابك يحتمل أن يكون بسبب شياطين الجن إما عن طريق سحر أو مس، وهذا دواؤه سهل إن شاء الله تعالى: وذلك بالرقية الشرعية، وقد ذكر العلماء أن الرجل إذا حبس عن جماع زوجته يعالج بالرقية التالية: " يأخذ سبع ورقات من السدر الأخضر، فيدقها بحجر أو نحوه، ويجعلها في إناء، ويصب عليه من الماء ما يكفيه للغسل، ويقرأ فيها: 1- سورة الفاتحة. 2- آية الكرسي، وهي قوله تعالى: (الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السموات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤده حفظهما وهو العلي العظيم) البقرة/255. 3- آيات من سورة الأعراف، وهي قوله تعالى: (قال إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون قالوا أرجه وأخاه وأرسل في المدائن حاشرين يأتوك بكل ساحر عليم وجاء السحرة فرعون قالوا إن لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين قال نعم وإنكم لمن المقربين قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين قال ألقوا فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين وألقي السحرة ساجدين قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون) الأعراف/06-122. 4- آيات من سورة يونس، وهي قوله تعالى: (وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم فلما جاء السحرة قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون) يونس/79 –82. 5- آيات من سورة طه، وهي قوله عز وجل: (قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى فأوجس في نفسه خيفة موسى قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى) طه/65-69. 6- سورة الكافرون. 7- سورة الإخلاص والمعوذتين وهما: سورة الفلق والناس (ثلاث مرات) . 8- بعض الأدعية الشرعية مثل: (اللهم رب الناس، أذهب البأس اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً) ثلاث مرات، وإذا قرأ مع ذلك: (باسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك، بسم الله أرقيك) ثلاث مرات، فهذا طيب " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله" (8/144) . مع أهمية المحافظة على طاعة الله تعالى والبعد عن معصيته، والمداومة على قراءة القرآن وذكر الله، كالأذكار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصباح والمساء، وعند الأكل والشرب وبعد الفراغ منه، وعند الخروج من البيت، ودخوله وعند النوم والاستيقاظ .... إلخ. ولزيادة الفائدة راجع جواب السؤال (12918) و (6530) . نسأل الله لكما الشفاء والعافية. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 91627 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 567 يعاني من وسواس العين [السُّؤَالُ] ـ[إذا أعجب أحدهم بشيء وذكر الله , هل ممكن أن يصاب بالعين؟ وإذا كان أحدهم يشك بذلك الأمر , وهذا يضيق عليه حياته الاجتماعية كثيرا، وأصبح يخاف من أن ينظر إلى الأشياء أو الأشخاص , علما أنه لا يحسد الناس على ما عندهم، ولا يحب الأذى لغيره أبدا والله، ويقرأ القرآن، ويذكر الله دائما. أرجو المساعدة في فك هذا الكرب عن أخيكم المسلم. جزاكم الله كل خير.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لِلَّه أسأل الله تعالى أن يفرج كربك ويزيل همك. واعلم أخي السائل الكريم أن الشريعة لا تجيء بالحرج أبدا، بل من أهم مقاصدها رفع الحرج عن الناس. قال سبحانه وتعالى: (مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ) المائدة/6 ولا يجوز للمسلم أن يجاري الشيطان لتصير حياته شكا ووسواسا وريبة، فإنه إن فعل ذلك خسر في دنياه ولم يكسب في آخرته، ومثل هذه الوساوس إنما هي من مكائد الشيطان اللعين، يريد أن يحزن الذين آمنوا، ويريد أن يشق عليهم، والله سبحانه وتعالى خير حافظا وهو أرحم الراحمين. فالواجب عليك أخي الكريم قطع جميع هذه الوساوس، وعدم الالتفات إلى ظنون السوء، ويكفيك أن تأتي بالذكر المشروع عند رؤية الشيء الحسن، والله سبحانه وتعالى يدفع عنه العين أو الحسد، ولا يمكن أن يجتمع ذكر الله مع العين والحسد أبدا. عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أَلاَ بَرَّكْتَ، فَإِنَّ العَينَ حَقٌ) رواه مالك في "الموطأ" (2/938) وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (6/149) قال الزرقاني في شرح الموطأ (4/320) : " أي: قلت بارك الله فيك، فإن ذلك يبطل المعنى الذي يُخاف من العين، ويُذهب تأثيره " انتهى. وعن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا رَأَى أَحَدُكُم مِن نَفسِهِ وَأَخِيهِ مَا يُعجِبُهُ فَلْيَدعُ بِالبَرَكَةِ، فَإِنَّ العَينَ حَقٌّ) رواه الحاكم في "المستدرك" (4/240) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بذكر البركة. ووافقه الذهبي. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (556) جاء في "الموسوعة الفقهية" (13/31) : " فيه دليل على أنّ العين لا تضرّ ولا تعدو إذا برّك العائن، فالمشروع على كلّ من أعجبه شيء أن يبرّك، فإنّه إذا دعا بالبركة صرف المحذور لا محالة، والتّبرّك أن يقول: تبارك الله أحسن الخالقين، اللهمّ بارك فيه. وقال النّوويّ يستحبّ للعائن أن يدعو لمعيّن بالبركة، فيقال: اللهمّ بارك ولا تضرّه. ويقول: ما شاء الله لا قوّة إلّا بالله " انتهى. وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (10/205) : " الذي يعجبه الشيء ينبغي أن يبادر إلى الدعاء للذي يعجبه بالبركة، ويكون ذلك رقية منه " انتهى. وفي "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/547) : " وأما العلاج للعائن فإذا رأى ما يعجبه فليذكر الله وليبرك " انتهى. ويقول الشيخ الفوزان في "المنتقى" (1/سؤال رقم 87) : " فإذا خشي العائن أن يضر المنظور؛ فإنه يقول: اللهم بارك عليه!! وكذلك يُستحَبُّ له أن يقول: ما شاء الله لا قوَّة إلا بالله؛ لأنه رُويَ عن هشام بن عروة عن أبيه؛ أنه كان إذا رأى شيئًا يُعجِبُهُ، أو دَخلَ حائطًا من حِيطانِهِ؛ قال: ما شاء الله لا قُوَّةَ إلا بالله. فإذا لازم العائن هذا الذكر؛ فإنه يدفع ضرره بإذن الله " انتهى. وجاء في فتاوى الشيخ عبد الكريم الخضير (5) : " لا ينبغي للمسلم أن تساوره الشكوك والأوهام والظنون والخوف الزائد من العين فيصاب بأمراض نفسية وغيرها، وليحسن الظن بالله عز وجل، وليعلم أن ما أصابه لم يكن إلا بقدر الله تبارك وتعالى، فليلجأ إلى الله عز وجل؛ لأنه وحده سبحانه القادر على كشف الضر ورفع البلاء " انتهى. فإذا رأيت شيئا يعجبك أخي الكريم فادع الله له بالبركة، ثم لا تلتفت إلى غير ذلك، فإن الله سبحانه وتعالى يحفظه بدعائك، ويرد عنه كل سوء، ولا تترك نفسك في مخاوفها، فإن الله سبحانه وتعالى لا يرضى ذلك لعباده، مع مجاهدة نفسك على النظر إلى تقدير الله تعالى في كل أمر، وأن له الحكمة البالغة سبحانه فيما أعطى ومنع، وخفض ورفع، لا معقب لحكمه، ولا مبدل لكلماته سبحانه. وتذكر دائما ـ يا عبد الله ـ أن أمر الدنيا وما فيها أحقر من أن نتحاسد أو نتعادى من أجله، كما قال المتنبي: وَمُرادُ النُفوسِ أَصغَرُ مِن أَن نَتَعادى فيهِ وَأَن نَتَفانى وإلى ذلك الإشارة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (علامَ يقتلُ أحدُكم أخاه) رواه الإمام مالك (1746) أحمد (15550) وغيرهما. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 89604 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 568 ذهبت إلى العراف ليدلها على السارق فاتّهم أخاها [السُّؤَالُ] ـ[سُرق لأختي وزوجها وأبنائها خزنة فيها الكثير من المال، زوج أختي محطم معنويا فدلوه الناس على أحد المشايخ الذين يقال عنهم إنهم أقوياء بالكشف عن الغمة والمسروقات بإذن الله طلبني للتعرف علي وكان بيده سيجارة فقال لي لقد رأيتك في الليل أن اسمك كذا وكذا وأنت السارق وأنا هذا عملي ومصدر رزقي وسأحصل على 25 بالمائة من المسروقات قل لي واعترف أنت السارق الوحيد الذي يشار إليه طال الحديث بيني وبينه ونفيت أمام الله أني بريء مما قال والله على ما أقول شهيد أرشدوني أعزكم الله وارفعوا هذا الظلم والادعاء الذي أحاط بي أخشى الفتنة بين الأقارب لأن الظلم عاقبته وخيمة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: من ادعى أنه يعلم أماكن المسروقات ويدل على السارقين بأمور خفية لا يعلمها الناس، فهو أحد شخصين: كاهن تتنزل عليه الشياطين، أو دجال كذاب يوهم الناس بمعرفة ذلك ليأكل أموالهم بالباطل. وعلى كل تقدير لا يجوز الرجوع إلى هؤلاء ولا سؤالهم ولا تصديقهم، مهما تظاهروا بالصلاح؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) رواه مسلم (2230) . وقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رواه أحمد (9779) وأبو داود (3904) والترمذي (135) وابن ماجه (936) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه. قال البغوي رحمه الله: " العراف: الذي يدعي معرفة الأمور بمقدمات يستدل بها على المسروق ومكان الضالة ونحو ذلك " نقله في "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (2/178) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والعراف: قيل هو الكاهن، وهو الذي يخبر عن المستقبل. وقيل: هو اسم عام للكاهن والمنجم والرمال ونحوهم ممن يستدل على معرفة الغيب بمقدمات يستعملها، وهذا المعنى أعم، ويدل عليه الاشتقاق؛ إذ هو مشتق من المعرفة، فيشمل كل من تعاطى هذه الأمور وادعى بها المعرفة ". انتهى من "القول المفيد على كتاب التوحيد" (2/48) . وقد أخبر بعض من تاب من العرافة والكهانة بأنه كان يستعين بالجن ليعلم منهم تفاصيل ما يجري في بيت المسروق، وحاله مع أقاربه وجيرانه، وأصدقائه وأعدائه، وأنه تارة يلصق التهمة بمن يدور حوله الاشتباه. وعلى فرض أن العراف توصل إلى معرفة السارق الحقيقي وأحضر المال عن طريق أتباعه من الجن، فإنه لا يجوز الذهاب إليه ولا سؤاله لما سبق. ثانيا: ذهب بعض أهل العلم إلى كفر من يدعي معرفة المسروقات أو أن الجن تخبره بذلك، قال ابن نجيم رحمه الله في بيان المكفّرات: " وبإتيان الكاهن وتصديقه، وبقوله: أنا أعلم المسروقات، وبقوله: أنا أخبر عن إخبار الجن إياي " انتهى من البحر الرائق (5/130) . وإنما يكفر بقوله: أنا أخبر عن إخبار الجن إياي؛ لأن الجن كالإنس لا يعلمون الغيب، كما قال تعالى عنهم: (فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ) سبأ/14، قاله في حاشية البحر الرائق. فسؤال العراف والكاهن محرم. ويدخل في ذلك: سؤاله عن الضالة والمسروق، ومعرفة المرض، والعلاج. سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: أحيانا نفقد بعض المال أو الذهب من المنزل ونعتقد أنه سُرق، ونذهب لأحد الأشخاص ويُعَرف بالمخبر، ونشرح له ذلك، ويوعدنا خيرا، وأحيانا نسترجع المفقود، وأحيانا لا، فما حكم ذهابنا لهؤلاء الأشخاص؟ فأجابوا: " لا يجوز ذهابكم إليه لأنه كاهن، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن إتيان الكهان ونحوهم وسؤالهم وتصديقهم ". انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/410) . ثالثا: على من أتى هذا العراف وسأله، أن يتوب إلى الله تعالى، بالندم على فعله، والعزم على ألا يعود إليه، وأن لا يتهم أحدا بالسرقة اعتمادا على قول العراف ومساعديه من الجن، فإن الجن يكذبون، وقد يتهمون البريء للإيقاع والإفساد بين المسلمين. والتوبة هنا تلزم من أتى العراف وسأله، كما تلزم من دله وأرشده، فإن الجميع واقعون في المعصية. وراجع السؤال رقم (32863) في التوبة من سؤال العرافين أو تصديقهم. وينبغي للمسلم أن يفزع إلى الله تعالى، ويلجأ إليه عند حلول الحوادث والمصائب، فإن الأمر كله بيده سبحانه، كما قال: (أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) النمل/62 والله أعلم. وهذا ينطبق على أختك وزوجها، كما ينطبق عليك أيضا، فينبغي أن تلجأ إلى الله تعالى ليرفع عنك الاتهام والظلم. ونصيحتنا لأختك وزوجها ومن يتصل بهذه القضية ألا يتهموا أحدا بناء على كلام دجال أو عراف، فإن اتهام البريء أمر عظيم، والأصل هو البراءة والسلامة. قال صلى الله عليه وسلم: (من قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ أَسْكَنَهُ اللَّهُ رَدْغَةَ الْخَبَالِ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ) رواه أبو داود (5129) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وصححه الألباني في صحيح أبي داود. والردغة: الطين والوحل وما يسيل من عصارة أهل النار. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 85541 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 569 من أحق بابنها هي أم زوجها الذي تتهمه بالسحر؟ وما هي علامات الساحر؟ [السُّؤَالُ] ـ[ولدي عمره 11 سنة تقريبا، وأصبح عدوانيّاً كثيراً، ومرات لا يحترمني ويعلي صوته عليَ، وأيضا يمد يده فجأة من دون مبررات بعد أن أهدى إليه والده جهاز كمبيوتر، مع العلم أن أباه يتعامل بالشعوذة، ولا أعلم أو أجزم أنه ساحر، فعلا الله هو العالم، وهو يريد أن يأخذ الولد مني (نحن مطلقان) . ما هي الطريقة لأن أحمي ولدي ونفسي، وأن يرجع ولدي لما كان من قبل؟ وكيف أعرف حقيقة هذا الأب؟ وهل لي أن أمنع أباه إن أراد أن يراه، إن تأكدت أنه ساحر وأنه يريد بي وبابني شرّاً؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: أوصت الشريعة المطهرة الوالدين بالعناية بأولادهما والقيام على حسن تربيتهم، ويتربى الأولاد على ما يسمعونه ويقرؤونه ويرونه في بيتهم وشارعهم ومدارسهم، وما يحصل من خلل في تربيتهم إنما هو بسبب الخلل في أحد تلك الجوانب، أو كلها. وما حصل من ولدك من سوء خلُق تجاهكِ قد يكون سببه ما رآه وسمعه في البيت من مشكلات بينك وبين زوجك، والتي أدت للطلاق، وقد يكون بسبب ما تأثر به مما سمعه وقرأه في جهاز " الكمبيوتر "، وقد يكون نتيجة " سحر كراهية " قام عليه والده ليأخذه منكِ، وكل ذلك محتمل، وقد تكون الأسباب كلها مجتمعة هي التي أدَّت لتلك التصرفات السيئة من قبَل ابنكِ تجاهك. وعلى كل حال: فيجب عليك لإصلاح حاله أن تبحثي عن الأسباب التي أدَّت به لتلك التصرفات لكي تعالجي الأمر بمعالجة السبب، فإن كان بسبب مشاكلك مع والده: فلا بدَّ من تفهيمه لحقيقة الحال التي آلت إليه بينكما بطريقة لبقة تناسب سنَّه وعقله، وإن كان بسبب ما يسمعه ويشاهده ويقرؤه في جهاز " الكمبيوتر "، فلا بدَّ لك من مراقبة المواد التي يطلع عليها، ولا بدَّ من توجيهه نحو حسن الاستفادة من الجهاز، فإن لم يستجب فيمكنك منعه منه بالكلية. وإن كان بسبب سحر والده له: فيمكنك البدء بعلاجه بالرقية الشرعية من القرآن والأذكار النبوية الصحيحة، ولا مانع من عرضه على من يوثق بدينه ممن يقوم على العلاج الشرعي لمثل هذه الحالات. ثانياً: يمكنك معرفة حقيقة والده إن كان يشتغل بالسحر، وذلك بمعرفة طريقة علاجه للآخرين، أو معرفة حقيقية ما يقوله لزائريه ومراجعيه. وقد ذكر بعض أهل العلم علامات للساحر يمكن لأي أحدٍ تمييزه عن غيره من أهل الخير والصلاح، وهذه العلامات هي: 1. أنه يطلب من المريض اسم الأم، وبعض الأشياء الخاصة من المراد علاجه مثل الشعر أو اللباس. 2. أنه يتمتم بكلمات ليس لها معنى، ولا يفهمها السامع، وهذه التمتمات قد تكون نداءات للجن والشياطين ليقوموا بخدمته. 3. ومن العلامات: أن هذا الساحر لا يحضر صلاة الجمعة، ولا الصلوات الخمس في المسجد. 4. أنه يكون رث الثياب كريه الرائحة، يحب الظلام والوحدة. 5. أنه يعطي المريض حجاباً يحتوي على طلاسم ومربعات وأرقام. ولمعرفة حقيقته لا بدَّ من أن يكون متصفاً بتلك الصفات مجتمعة أو ببعضها، وبذلك تعرفين حقيقته، مع التنبيه أنك قد تكونين مبالغة في اتهامه بالسحر، فيجب عليكِ العدل في الحكم عليه، وتحقيق تقوى الله قبل الاتهام والادعاء بما هو منه براء. على أنك، ما دمت قد انفصلت عنه، فلا نرى لك أن تشغلي نفسك كثيرا بحال طليقِك؛ هل هو ساحر أو لا، وإنما الذي ينبغي عليك أن تشغلي نفسك به هو كيفية المحافظة على نفسك، وابنك، وكيف تؤدين واجب الرعاية والتربية الواجبة لهذا الولد عليك. ثالثاً: وأما حضانة الولد: فليعلم أن مقصود الحضانة هو حفظ الطفل ورعايته، ولهذا يسقط حق الشخص في الحضانة لفسقه وفساده، أو لإهماله وتضييعه، أو لكثرة أسفاره، بما يضر بمصلحة أولاده. قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: ومما ينبغي أن يُعلم أن الشارع ليس له نص عام في تقديم أحد الأبوين مطلقاً، ولا تخيير أحد الأبوين مطلقا، والعلماء متفقون على أنّه لا يتعيّن أحدهما مطلقا؛ بل مع العدوان والتّفريط لا يقدم من يكون كذلك [يعني: من يكون معتديا أو مفرطا من الأبوين] على البَر العادل المحسن القائم بالواجب. " مجموع الفتاوى " (34 / 132) . وليُعلم أن مدة الحضانة هي إلى سن التمييز والاستغناء، أي: أنه تستمر الحضانة إلى أن يميِّز المحضون ويستغني عن حاضنه، بمعنى أن يأكل وحده ويشرب وحده، ويستنجي وحده ونحو ذلك. وبما أنه قد بلغ سن (11) فإنه يخيَّر بين العيش مع والده أو معكِ؛ على أن يكون الاختيار نابعاً من اختياره دون ضغط أو إكراه، وعلى أن لا يكون سبب الاختيار هو أنه لن يُلزم بصلاة أو طاعة لله تعالى، أو ما فيه مصلحة دينه ودنياه؛ لأن اختياره – والحالة هذه – فيها مضرة له، وكثير من الأطفال يكون همه في اختياره من يبالغ في تدليله، أو إعطائه ما يريده من اللهو واللعب؛ فلا يمكن أن يمكَّن له ـ حينئذ ـ ما يريد. وإن ثبت أن والده يتعامل بالسحر فلا يحل له أن يأخذ ولده، بل يُمنع منه إلى أن يتوب إلى الله تعالى توبة صادقة. فإذا لم يثبت على الوالد أنه يتعامل بالسحر: فينبغي أن يتعاون الأبوان في رعاية ابنهما، مراعاةً لمصلحته، وحتى لا يكون تنازعها سبباً لفشل الأبناء وضياعهم. وانظري أجوبة الأسئلة: (8189) و (20705) و (21516) . ونسأل الله تعالى أن يصلح شأنكِ كله، وأن يهدي ابنك لما يحب ربنا ويرضى، وأن يصلح والده ويحفظ عليه دينه. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83179 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 570 هل يجوز له قتل السحرة دون إذن ولي الأمر؟ [السُّؤَالُ] ـ[ينتشر في بلادنا السحرة، ويؤذون الناس ويضرونهم، فهل يجوز قتلهم حتى نريح الناس من شرهم؟ مع العلم أن حكومتنا ترخص لهم في العمل وتأخذ منهم الضرائب.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إذا ثبت أن هذا الشخص يعمل بالسحر فالواجب قتله؛ دفعاً لضرره وشره عن الناس، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (13941) . والواجب على من ولاه الله أمر العباد أن يحكم فيهم بما أنزل الله، قال تعالى: (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ) المائدة /49، وقال: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) المائدة/44، وفي آية أخرى قال: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) المائدة /45، وفي آية ثالثة: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) المائدة /47. ولا يجوز أبدا إسقاط العقوبة الشرعية وإلغاؤها، وأقبح من ذلك وأشنع إقرار هذا العمل المحرم والترخيص للساحر أن يعمل بسحره مقابل دفعه الضرائب!! . فهذا تضييع وخيانة للأمانة التي سيسأل عنها الحاكم يوم القيامة، يوم يعض على يديه ندماً، ولكن بعد فوات الأوان، قال تعالى: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً يَا وَيْلَتِي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً) الفرقان /27-29 ثانياً: إذا كان الحاكم لا يفعل ما وجب عليه من إقامة العقوبات الشرعية، فليس لأحد من عامة المسلمين أن يفعل ذلك؛ لأن العقوبة تحتاج أولاً إلى إثبات أن هذا الشخص يستحق هذه العقوبة، ثم تحتاج ثانياً إلى قوة لتنفيذها. ولو فتح الباب للناس في إقامة العقوبات الشرعية لعَمَّت الفوضى في المجتمع، ولم يأمن أحد على نفسه وماله. قال علماء اللجنة الدائمة: والذي يتولى إثبات السحر وتلك العقوبة: هو الحاكم المتولي شؤون المسلمين؛ درءاً للمفسدة؛ وسداً لباب الفوضى. " فتاوى اللجنة الدائمة " (1 / 552) . وقد نقلنا في جواب السؤال رقم (13941) عن الشيخ سليمان العلوان قوله: وحين يثبت وصف السحر على شخص ما: فإنه يقتل وجوباً، فقد ثبت ذلك عن جماعة من الصحابة، ولكن ليس لآحاد الناس إقامة الحدود دون أمر السلطان أو من يقوم مقامه؛ لأنه يترتب على إقامة الحدود دون ولاة الأمور فساد وزعزعة للأمن وذهاب هيبة السلطان. انتهى. وقد ذكرنا مسألة اشتراط السلطان في إقامة الحدود في جواب السؤال رقم (8980) ونقلنا هناك اتفاق العلماء على ذلك. وعليك تحذير الناس من هذا الساحر، ومن الذهاب إليه، وبيان أن هذا الفعل قد يصل بصاحبه إلى الكفر والخروج من الإسلام. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82201 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 571 هل يقرأ على من به مسٌّ من الجن أو ينشغل بالدعوة؟ [السُّؤَالُ] ـ[نحن في حاجة إلى الدعوة ومع ذلك فإن أحدنا انشغل بعلاج الممسوسين بالجن. هل يحوز تعطيل الدعوة لهذا العمل، وكيف يكون علاج الممسوس، وهل يجوز أخذ مال على القراءة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سئل الشيخ محمد ابن عثيمين – رحمه الله – هذا السؤال فقال: الدعوة إلى الله عزَّ وجل فرض كفاية، إذا قام بها من يكفي سقطت عن الباقين، فإن تعينت على الشخص بحيث لا يقوم غيره مقامه فإنها مُقدمة على القراءة على من به مسٌّ من الجن؛ وذلك لأن مصلحة الدعوة مصلحة متيقنة، ومصلحة القراءة على من به مسٌ من الجن مصلحة غير متيقنة، وكم من إنسان قُرئ عليه ولم يستفد شيئاً. فيُنظر: إذا كانت الدعوة متعينة على هذا الرجل لا يقوم غيره مقامه فيها فإنه يجب عليه أن يدعو ولو ترك القراءة على من به مس من الجن. أما إذا كانت فرض كفاية فيُنظر إلى الأصلح، وإذا أمكن أن يجمع بينهما – وهو الظاهر – بتخصيص يوم لهذا ويوم لهذا مع استمرار الدعوة فهو أولى؛ ليحصل له نفع إخوانه المصابين بهذه المصيبة، ومع ذلك يستمر في الدعوة إلى الله عز وجل. وأما العلاج الصحيح للممسوس بالجن فإنه يختلف من حال إلى حال لكن أحسن ما يكون أن يقرأ عليه القرآن، مثل قوله تعالى: {يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان. فبأي آلاء ربكما تكذبان. يُرسل عليكما شواظٌ من نار ونحاسٌ فلا تنتصران. فبأي آلاء ربكما تُكذبان} . لأن هذا تحدٍ لهم أنهم لا يستطيعون الفرار من الله عزَّ وجل، وكذلك اقرأ عليهم المعوذتين وقل هو الله أحد وآية الكرسي. وكذلك تكلم عليهم بالموعظة كما كان يفعل شيخ الإسلام، يقول: هذا حرام عليكم أن تؤذوا المسلمين أو تضربوهم أو ما أشبه ذلك. أما أخذ المال: فإذا لم يأخذ مالاً فهو أفضل، وإن أخذ بدون شرط فلا بأس، وإن كان هؤلاء الذين قُرأ عليهم قد تركوا ما يجب عليهم للقارئ، وأبى أن يقرأ إلا بعوض فلا بأس كما فعل أهل السرية الذين بعثهم النبي صلى الله عليه وسلم، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ انْطَلَقَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَاسْتَضَافُوهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ فَلُدِغَ سَيِّدُ ذَلِكَ الْحَيِّ فَسَعَوْا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لَا يَنْفَعُهُ شَيْءٌ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَوْ أَتَيْتُمْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ نَزَلُوا لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شَيْءٌ فَأَتَوْهُمْ فَقَالُوا يَا أَيُّهَا الرَّهْطُ إِنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ وَسَعَيْنَا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لا يَنْفَعُهُ فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مِنْ شَيْءٍ فَقَالَ بَعْضُهُمْ نَعَمْ وَاللَّهِ إِنِّي لأَرْقِي وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَقَدْ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَلَمْ تُضَيِّفُونَا فَمَا أَنَا بِرَاقٍ لَكُمْ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلا فَصَالَحُوهُمْ عَلَى قَطِيعٍ مِنْ الْغَنَمِ فَانْطَلَقَ يَتْفِلُ عَلَيْهِ وَيَقْرَأُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فَكَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ فَانْطَلَقَ يَمْشِي وَمَا بِهِ قَلَبَةٌ قَالَ فَأَوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمْ الَّذِي صَالَحُوهُمْ عَلَيْهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ اقْسِمُوا، فَقَالَ الَّذِي رَقَى لا تَفْعَلُوا حَتَّى نَأْتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَذْكُرَ لَهُ الَّذِي كَانَ فَنَنْظُرَ مَا يَأْمُرُنَا. فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا لَهُ فَقَالَ وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ ثُمَّ قَالَ قَدْ أَصَبْتُمْ اقْسِمُوا وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ سَهْمًا فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رواه البخاري (2276) ومسلم (2201) . [الْمَصْدَرُ] المرجع اللقاء الرابع والأربعون من لقاء الباب المفتوح. الحديث: 21383 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 572 هل يجوز أن أدعو لقريني من الجن بالإسلام [السُّؤَالُ] ـ[من المعلوم أن لكل واحد من بني آدم قريناً من الجن، وذكر ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ليس منكم أحد إلا ومعه قرين من الجن، فقالوا: وإياك يا رسول الله قال: وإياي ولكن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير " أو كما قال عليه الصلاة والسلام. هل يجوز أن ندعوا للجني القرين بأن يسلم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحديث الذي ذكرته حديث صحيح وقد رواه مسلم برقم (2714) وقد وقع الخلاف في معنى قوله (فأسلم) في هذا الحديث، وذكر هذا الخلاف والترجيح فيه النووي في شرح هذا الحديث فقال: (قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَد إِلا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينه مِنْ الْجِنّ , قَالُوا: وَإِيَّاكَ؟ قَالَ: وَإِيَّايَ إِلاَّ أَنَّ اللَّه أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ فَلا يَأْمُرنِي إِلاَّ بِخَيْرٍ) (فَأَسْلَم) بِرَفْعِ الْمِيم وَفَتْحهَا , وَهُمَا رِوَايَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فَمَنْ رَفَعَ قَالَ: مَعْنَاهُ: أَسْلَمُ أَنَا مِنْ شَرّه وَفِتْنَته , وَمَنْ فَتَحَ قَالَ: إِنَّ الْقَرِين أَسْلَمَ , مِنْ الإِسْلام وَصَارَ مُؤْمِنًا لَا يَأْمُرنِي إِلَّا بِخَيْرٍ , وَاخْتَلَفُوا فِي الأَرْجَح مِنْهُمَا فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: الصَّحِيح الْمُخْتَار الرَّفْع , وَرَجَّحَ الْقَاضِي عِيَاض , الْفَتْح وَهُوَ الْمُخْتَار , لِقَوْلِهِ: " فَلا يَأْمُرنِي إِلا بِخَيْرٍ " , وَاخْتَلَفُوا عَلَى رِوَايَة الْفَتْح , قِيلَ: أَسْلَمَ بِمَعْنَى اِسْتَسْلَمَ وَانْقَادَ , وَقَدْ جَاءَ هَكَذَا فِي غَيْر صَحِيح مُسْلِم (فَاسْتَسْلَمَ) وَقِيلَ: مَعْنَاهُ صَارَ مُسْلِمًا مُؤْمِنًا , وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر) . وقال أبو نعيم الأصبهاني في دلائل النبوة 1/185 (قيل أسلم أي آمن، فيكون عليه السلام مختصا بإسلام قرينه وإيمانه) ، وعلى هذا يكون إسلام القرين من خصائص النبي صلَّى الله عليه وسلَّم. وعليه فإنه لا يشرع للمسلم أن يدعو الله بإسلام قرينه؛ لأن هذا اعتداء في الدعاء بسؤال الله ما هو من خصائصه صلى الله عليه وسلَّم، ولأن الصحابة وهم أحرص الناس على الخير وأقرب إليه منا لم يُنقل عنهم الدعاء والتوجه لله حتى يسلم قرناؤهم من الجن، ولا استعانوا بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلَّم لما سمعوا منه ذلك الحديث، فهذا أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وهم من هم من علو الهمة لم ينقل عنهم أنهم فعلوا ذلك ولا أبناؤهم ونحن يجب علينا اتباع هدي هؤلاء الصحابة الكرام لأنهم فهموا هذا الدين من مصدره وتعلموه مباشرة من رسول الله صلى الله عليه وسلم غضًّا طرياً، ولا يجوز لنا اتباع غير سبيلهم قال تعالى: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا) النساء / 115. والحديث ورد في سياق تحذير الصحابة من فتنة القرين، قال النووي: (وَفِي هَذَا الْحَدِيث: إِشَارَة إِلَى التَّحْذِير مِنْ فِتْنَة الْقَرِين وَوَسْوَسَته وَإِغْوَائِهِ , فَأَعْلَمَنَا بِأَنَّهُ مَعَنَا لِنَحْتَرِز مِنْهُ بِحَسَبِ الإِمْكَان) ، وهذا هو الواجب شرعا. فيكفيك إذا ما دلنا الله تعالى عليه من الدعاء كقوله: (وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون) المؤمنون / 97،98 وقراءة سورة الإخلاص والمعوذتين في الصباح والمساء مع ما صح من أذكار عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك قراءة آية الكرسي قبل النوم والبسملة عند عمل أي شيء والاستعاذة كلما أحسست بوسوسة من الشيطان قال تعالى: (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) فصلت / 36 أسأل الله أن يزيدك حرصاً على الخير وأن يحفظنا وإياك من الشيطان وهمزاته آمين. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 23415 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 573 حقيقة العيْن وطرق الوقاية منها وعلاجها [السُّؤَالُ] ـ[ما هي العين؟ قرأت هذا المصطلح كثيراً في هذا الموقع، أرجو التوضيح.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه بعض المسائل والفتاوى المتعلقة بالعين، ونسأل الله تعالى أن ينفع بها. سئل علماء اللجنة الدائمة: ما حقيقة العين - النضل - قال تعالى: {ومن شر حاسد إذا حسد} ؟ وهل حديث الرسول صلى الله عليه وسلم صحيح والذي ما معناه قوله: " ثلث ما في القبور من العين "؟ ، وإذا شك الإنسان في حسد أحدهم فماذا يجب على المسلم فعله وقوله؟ وهل في أخذ غُسالة العائن للمعين ما يشفي، وهل يشربه أو يغتسل به؟ فأجابوا: العين مأخوذة من عان يعين إذا أصابه بعينه، وأصلها من إعجاب العائن بالشيء، ثم تتبعه كيفية نفسه الخبيثة، ثم تستعين على تنفيذ سمها بنظرها إلى المعين، وقد أمر الله نبيَّه محمَّداً صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة من الحاسد، فقال تعالى: {ومن شر حاسد إذا حسد} ، فكل عائن حاسد وليس كل حاسد عائنا، فلما كان الحاسد أعم من العائن كانت الاستعاذة منه استعاذة من العائن، وهي سهام تخرج من نفس الحاسد والعائن نحو المحسود والمعين تصيبه تارة وتخطئه تارة، فإن صادفته مكشوفا لا وقاية عليه أثرت فيه، وإن صادفته حذراً شاكي السلاح (أي: تام السلاح) لا منفذ فيه للسهام لم تؤثر فيه وربما ردت السهام على صاحبها. (من " زاد المعاد " بتصرف) . وقد ثبتت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في الإصابة بالعين، فمن ذلك ما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرني أن أسترقي من العين "، وأخرج مسلم وأحمد والترمذي وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " العين حق ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا " صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1251) . وأخرج الإمام أحمد والترمذي (2059) وصححه، عن أسماء بنت عميس أنها قالت: يا رسول الله، إن بني جعفر تصيبهم العين، أفنسترقي لهم؟ ، قال: نعم، فلو كان شيء سابق القدر لسبقته العين. وصححه الألباني في صحيح الترمذي. وروى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان يؤمر العائن فيتوضأ ثم يغسل منه المعين. وصححه الألباني في صحيح أبي داود. وأخرج الإمام أحمد (15550) ومالك (1811) والنسائي وابن حبان وصححه الألباني في المشكاة (4562) عن سهل بن حنيف أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج وسار معه نحو مكة حتى إذا كانوا بشعب الخرار (اسم موضع) من الجحفة اغتسل سهل بن حنيف وكان رجلا أبيض حسن الجسم والجلد فنظر إليه عامر بن ربيعة أحد بني عدي بن كعب وهو يغتسل فقال: ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة، فلبط سهل، فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل: يا رسول الله، هل لك في سهل والله ما يرفع رأسه، قال: هل تتهمون فيه من أحد؟ ، قالوا: نظر إليه عامر بن ربيعة، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عامرا فتغيظ عليه، وقال: علام يقتل أحدكم أخاه، هلا إذا رأيت ما يعجبك برَّكت، ثم قال له: اغتسل له، فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح ثم صب ذلك الماء عليه يصبه رجل على رأسه وظهره من خلفه ثم يكفأ القدح وراءه، ففعل به ذلك، فراح سهل مع الناس ليس به بأس. (جلد مخبأة) أي جلد عذارء (لبط) أي صُرع وسقط. (داخلة إزاره) أي الجزء الملامس للبدن من الإزار فالجمهور من العلماء على إثبات الإصابة بالعين؛ للأحاديث المذكورة وغيرها، ولما هو مشاهد وواقع. وأما الحديث الذي ذكرته " ثلث ما في القبور من العين ": فلا نعلم صحته، ولكن ذكر صاحب " نيل الأوطار " أن البزار أخرج بسند حسن عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أكثر من يموت من أمتي بعد قضاء الله وقدره بالأنفس – يعني: بالعين – ". ويجب على المسلم أن يحصن نفسه من الشياطين من مردة الجن والإنس بقوة الإيمان بالله واعتماده وتوكله عليه ولجئه وضراعته إليه، والتعوذات النبوية وكثرة قراءة المعوذتين وسورة الإخلاص وفاتحة الكتاب وآية الكرسي، ومن التعوذات: " أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق " و " أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه، ومن شر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون "، وقوله تعالى {حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم} ونحو ذلك من الأدعية الشرعية، وهذا هو معنى كلام ابن القيم المذكور في أول الجواب. وإذا علم أن إنسانا أصابه بعينه أو شك في إصابته بعين أحد فإنه يؤمر العائن أن يغتسل لأخيه فيحضر له إناء به ماء فيدخل كفه فيه فيتمضمض ثم يمجه في القدح ويغسل وجهه في القدح ثم يدخل يده اليسرى فيصب على ركبته اليمنى في القدح ثم يدخل يده اليمنى فيصب على ركبته اليسرى ثم يغسل إزاره ثم يصب على رأس الذي تصيبه العين من خلفه صبة واحدة فيبرأ بإذن الله. " فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (1 / 186) . وسئل الشيخ محمد الصالح العثيمين: هل العين تصيب الإنسان؟ وكيف تعالج؟ وهل التحرز منها ينافي لتوكل؟ . فأجاب بقوله: رأينا في العين أنها حق ثابت شرعاً وحسّاً، قال الله – تعالى -: {وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم} القلم / 51، قال ابن عباس وغيره في تفسيرها: أي يعينوك بأبصارهم، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: " العين حق، ولو كان شيء سابق القدر سبقت العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا " رواه مسلم، ومن ذلك ما رواه النسائي وابن ماجه أن عامر بن ربيعة مر بسهل بن حنيف وهو يغتسل ... – وساق الحديث -. والواقع شاهد بذلك ولا يمكن إنكاره. وفي حالة وقوعها تستعمل العلاجات الشرعية وهي: 1- القراءة: فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا رقية إلا من عين أو حمة " الترمذي 2057 وأبو داود 3884، وقد كان جبريل يرقي النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: " باسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، من شر كل نفس أو عين حاسد، الله يشفيك، باسم الله أرقيك ". 2- الاستغسال: كما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم عامر بن ربيعة في الحديث السابق ثم يصب على المصاب. أما الأخذ من فضلاته العائدة من بوله أو غائطه فليس له أصل، وكذلك الأخذ من أثره، وإنما الوارد ما سبق من غسل أعضائه وداخلة إزاره ولعل مثلها داخلة غترته وطاقيته وثوبه، والله أعلم. والتحرز من العين مقدماً لا بأس به، ولا ينافي التوكل بل هو التوكل؛ لأن التوكل الاعتماد على الله –سبحانه – مع فعل الأسباب التي أباحها أو أمر بها وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوِّذ الحسن والحسين ويقول: " أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة " الترمذي (2060) وأبو داود (4737) ويقول: " هكذا كان إبراهيم يعوذ إسحاق وإسماعيل عليهما السلام "، رواه البخاري (3371) . " فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (2 / 117، 118) . وانظر جواب السؤالين: (7190) و (11359) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20954 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 574 مس الجنُّ للإنس والأحكام المترتبة على المس [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكن أن يمس الجن الناس؟ إذا كان ذلك ممكنا، فكيف يمكن أن يتحمل الإنسان المسؤولية عن أعماله عند التلبس يوم القيامة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نعم، يمكن للجن أن يصيب الإنس بمس، وقد ذكره الله تعالى في كتابه , في قوله: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) البقرة/275. وانظر جواب الأسئلة (11447) و (42073) و (39214) و (1819) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " دخول الجني في بدن الإنسان ثابت باتفاق أئمة أهل السنة والجماعة، قال الله تعالى: (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس) البقرة /275، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم) " انتهى. " مجموع الفتاوى " (24 / 276، 277) . ثانياً: المس نوع من المرض , فإذا كان الإنسان مع وجود هذا المرض عاقلاً وله اختيار فهو مؤاخذ بأقواله وأفعاله , أما إذا غلب عليه هذا المرض بحيث أفقده عقله واختياره فهو كالمجنون لا تكليف عليه. ولهذا يطلق في اللغة "المس" على "الجنون" انظر: "لسان العرب" (6/217) . غير أنه إذا اعتدى على أحد وقت جنونه , وأتلف ماله – مثلاً - فإنه يضمن هذا المال لصاحبه. وانظر: "زاد العاد" (4/66-71) . جاء في " الموسوعة الفقهية " (16 / 106) : " أجمع الفقهاء على أن الجنون كالإغماء والنوم , بل هو أشد منهما في فوات الاختيار وتبطل عبارات المغمى عليه , والنائم في التصرفات القولية , كالطلاق , والإسلام , والردة , والبيع , والشراء وغيرها من التصرفات القولية , فبطلانها بالجنون أولى ; لأن المجنون عديم العقل والتمييز والأهلية , واستدلوا لذلك بقوله عليه الصلاة والسلام: (رُفِعَ القَلَمُ عن ثلاثةٍ: عن النائمِ حتى يستيقظَ، وعَن الصبِيِّ حَتى يَحتلمَ، وعَن المجنونِ حتى يَعْقل) - رواه أهل السنن بإسناد صحيح -، ومثل ذلك كل تصرف قولي لما فيه من الضرر " انتهى. وفي (16 / 107) : " وأما بالنسبة لحقوق العباد كالضمان ونحوه: فلا يسقط ; لأنه ليس تكليفا له , بل هو تكليف للولي بأداء الحق المالي المستحق في مال المجنون , فإذا وقعت منه جرائم , أخذ بها ماليا لا بدنيا , وإذا أتلف مال إنسان وهو مجنون وجب عليه الضمان , وإذا قتل فلا قصاص وتجب دية القتيل " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 73412 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 575 هل كان قبل آدم عليه السلام على الأرض أحد؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل كان يوجد قوم قبل آدم عليه السلام اسمهم جن وقوم اسمهم حن؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لم يأت في الكتاب والسنة شيء يدل على أن قوما كانوا يسكنون الأرض قبل آدم عليه السلام، وإنما الذي جاء في ذلك هو من أقوال بعض المفسرين من الصحابة والتابعين، ومن ذلك: القول الأول: أن الأرض كان يسكنها الجن (بالجيم المعجمة) ، وهم الذين خلقهم الله تعالى من النار، وهذا القول مروي عن أكثر أهل التفسير. روى الطبري في تفسيره (1/232) عن ابن عباس رضي الله عنه قال: (أول من سكن الأرض الجن، فأفسدوا فيها، وسفكوا فيها الدماء، وقتل بعضهم بعضا) وروى بسنده عن الربيع بن أنس قال: (إن الله خلق الملائكة يوم الأربعاء، وخلق الجن يوم الخميس، وخلق آدم يوم الجمعة، فكفر قوم من الجن، فكانت الملائكة تهبط إليهم في الأرض فتقاتلهم، فكانت الدماء، وكان الفساد في الأرض) القول الثاني: لم يكن على الأرض قبل آدم عليه السلام أحد لا من الجن ولا من غيرهم. وهذا القول رواه الطبري في تفسيره (1/232) عن عبد الرحمن بن زيد قال: (قال الله تعالى ذكره للملائكة: إني أريد أن أخلق في الأرض خلقا، وأجعل فيها خليفة، وليس لله يومئذ خلق إلا الملائكة، والأرض ليس فيها خلق) يقول العلامة الطاهر ابن عاشور في "التحرير والتنوير" (1/228) : " تعقيبُ ذكرِ خلق الأرض ثم السماوات، بذكر إرادته تعالى جعل الخليفة، دليلٌ على أن جعل الخليفة كان أول الأحوال على الأرض بعد خلقها، فالخليفة هنا الذي يخلف صاحب الشيء في التصرف في مملوكاته، ولا يلزم أن يكون المخلوف مستقرا في المكان من قبل، فالخليفة آدم، وخَلَفِيَّتُه قيامه بتنفيذ مراد الله تعالى من تعمير الأرض بالإلهام أو بالوحي، وتلقين ذريته مراد الله تعالى من هذا العالم الأرضي " انتهى. أما ما يذكره بعض المفسرين أو المؤرخين، أن قوما اسمهم الحن (بالحاء المهملة) كانوا يسكنون الأرض، فجاء الجن (بالجيم المعجمة) فقتلوهم وسكنوا مكانهم، فيبدو أنها من القصص التي لا تستند إلى أي سند صحيح. يقول ابن كثير في "البداية والنهاية" (1/55) : " قال كثير من علماء التفسير: خلقت الجن قبل آدم عليه السلام، وكان قبلهم في الأرض (الحِنُّ والبِنُّ) ، فسلط الله الجن عليهم فقتلوهم وأجلوهم عنها وأبادوهم منها وسكنوها بعدهم " انتهى. قال العلامة الطاهر ابن عاشور في "التحرير والتنوير" (1/228) : " إذا صح أن الأرض كانت معمورة من قبل بطائفة من المخلوقات يسمون (الحِنُّ والبِنُّ) بحاء مهملة مكسورة ونون في الأول، وبموحدة مكسورة ونون في الثاني، وقيل: اسمهم (الطَّمُّ والرَّمُّ) بفتح أولهما، وأحسبه من المزاعم، وأن وضع هذين الاسمين من باب قول الناس (هيّان بن بيّان) إشارة إلى غير موجود أو غير معروف، ولعل هذا انجَرَّ لأهل القصص من خرافات الفرس أو اليونان، فإن الفرس زعموا أنه كان قبل الإنسان في الأرض جنس اسمه الطم والرم، وكان اليونان يعتقدون أن الأرض كانت معمورة بمخلوقات تدعى (التيتان) وأن (زفس) وهو (المشتري) كبير الأرباب في اعتقادهم جلاهم من الأرض لفسادهم " انتهى. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 72470 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 576 حل السحر بسحر مثله [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز فك السحر عن المسحور باستخدام السحر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن فك السحر عن المسحور لا يخلو من حالين: الحالة الأولى: أن يستخدم في ذلك الرقى الشرعية والتعوذات النبوية، والأدوية المباحة فلا بأس بذلك مع مراعاة الضوابط الشرعية للرقى. يراجع سؤال (12918) الحالة الثانية: " أن يعالجه ـ أي السحر ـ بعمل السحرة الذي هو التقرب إلى الجن بالذبح أو غيره من القربات فهذا لا يجوز؛ لأنه من عمل الشيطان بل من الشرك الأكبر فالواجب الحذر من ذلك كما لا يجوز علاجه بسؤال الكهنة والعرافين والمشعوذين واستعمال ما يقولون؛ لأنهم لا يؤمنون ولأنهم كذبة فجرة يدعون علم الغيب ويلبسون على الناس وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من إتيانهم وسؤالهم وتصديقهم فقال عليه الصلاة والسلام: " من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة " وقال صلى الله عليه وسلم: " من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم " فالسحرة كفرة لا يجوز إتيانهم ولا سؤالهم ولا تصديقهم. وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن النشرة؟ فقال: " هي من عمل الشيطان " رواه الإمام أحمد في مسنده (3/294) وأبو داود في سننه (3868) بإسناد جيد والنشرة هي حل السحر عن المسحور ومراده صلى الله عليه وسلم بكلامه هذا النشرة التي يتعاطاها أهل الجاهلية وهي سؤال الساحر ليحل السحر، أو حله بسحر مثله من ساحر آخر أما حله بالرقية والتعوذات الشرعية والأدوية المباحة فلا بأس بذلك وقد نص على ذلك العلامة ابن القيم والشيخ عبد الرحمن بن حسن في فتح المجيد رحمة الله عليهما ونص على ذلك أيضا غيرهما من أهل العلم والله المسئول أن يوفق المسلمين للعافية من كل سوء وأن يحفظ عليهم دينهم ويرزقهم الفقه فيه والعافية من كل ما يخالف شرعه وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه" ا. هـ انظر مجموع فتاوى سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله (3 / 280) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 48967 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 577 هل للسحر حقيقة؟ وهل يجوز التداوي عند السحرة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يوجد أطباء سحرة؟ وماذا نفعل إذا قال لنا أحد الأشخاص " أنا لا أؤمن بالسحر " لأنه " مجرد وهم " أو ربما " خداع للبصر "؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله السحر - عبارة عما خفي، وله حقيقة، ومنه ما يؤثر في القلوب والأبدان فيمرض ويقتل ويفرق بين المرء وزوجه وتأثيره يقع بإذن الله الكوني القدري، وهو عمل شيطاني، وكثير منه لا يتوصل إليه إلا بالشرك والتقرب إلى الجن والشياطين بما تحب، والتوصل إلى استخدامها بالإشراك بها مع الله. ويوجد من الأطباء من يكون ساحراً، فيعالج الناس عن طريق الاستعانة بالجن، ويدعي علمه بحقيقة المرض دون الحاجة لتشخيصه، ويصف للمريض من الأطعمة والأشربة ما يتقرب به إلى أوليائه من الشياطين، وقد يأمرهم بذبح خنزير مع التسمية، وقد يأمره بذبح حيوان مباح مع عدم التسمية، أو مع تسمية أحد الشياطين. وهذا كفر بالله تعالى، ولا يجوز بحال الذهاب إلى مثل هؤلاء، وحد هؤلاء القتل، وقد ثبت قتل السحرة عن ثلاثة من الصحابة – رضي الله عن الجميع -. وقد سئلت اللجنة الدائمة سؤالا في الموضوع يقول: أفيدكم علماً بأن في " زامبيا " رجلاً مسلماً يدَّعي أن عنده جنّاً، والناس يأتون إليه ويسألون الدواء لأمراضهم، وهذا الجن يحدِّد الدواء لهم. وهل يجوز هذا؟ فأجابت: لا يجوز لذلك الرجل أن يستخدم الجن، ولا يجوز للناس أن يذهبوا إليه طلباً لعلاج الأمراض عن طريق ما يستخدمه من الجن ولا لقضاء المصالح عن ذلك الطريق. وفي العلاج عن طريق الأطباء من الإنس بالأدوية المباحة مندوحة وغنية عن ذلك مع السلامة من كهانة الكهَّان. وقد صحَّ عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال " من أتى عرَّافاً فسأله عن شيء: لم تُقبل له صلاة أربعين ليلة " رواه مسلم. وخرَّج أهل السنن الأربعة والحاكم وصححه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من أتى كاهناً فصدَّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ". وهذا الرجل وأصحابه من الجن يعتبرون من العرَّافين والكهنة، فلا يجوز سؤالهم ولا تصديقهم. " فتاوى اللجنة الدائمة " (1 / 408، 409) . وقال الشيخ عبد العزيز بن باز: .... فنظرا لكثرة المشعوذين في الآونة الخيرة ممن يدَّعون الطب ويعالجون عن طريق السحر أو الكهانة، وانتشارهم في بعض البلاد واستغلالهم للسذَّج من الناس ممن يغلب عليهم الجهل، رأيتُ من باب النصيحة لله ولعباده أن أبيِّن ما في ذلك من خطر عظيم على الإسلام والمسلمين لما فيه من التعلق بغير الله تعالى ومخالفة أمره وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، فأقول مستعينا بالله تعالى: يجوز التداوي اتفاقاً، وللمسلم أن يذهب الى دكتور أمراض باطنية أو جراحية أوعصبية أو نحو ذلك، ليشخص له مرضه ويعالجه بما يناسبه من الأدوية المباحة شرعاً حسب ما يعرفه في علم الطب؛ لأن ذلك من باب الأخذ بالأسباب العادية، ولا ينافي التوكل على الله، وقد أنزل الله سبحانه وتعالى الداء وأنزل معه الدواء عرف ذلك من عرف وجهله من جهله، ولكنه سبحانه لم يجعل شفاء عباده فيما حرمه عليهم، فلا يجوز للمريض أن يذهب الى الكهنة الذين يدَّعون معرفة المغيبات ليعرف منهم مرضه، كما لا يجوز له أن يصدقهم فيما يخبرونه به فإنهم يتكلمون رجماً بالغيب أو يستحضرون الجن ليستعينوا بهم على ما يريدون، وهؤلاء حكمهم الكفر والضلال اذا ادَّعوا علم الغيب، وقد روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أتى عرافاً فسأله عن شيءٍ لم تقبل له صلاة أربعين يوماً "، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أتى كاهناً فصدَّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم " رواه أبوداود، وخرجه أهل السنن الأربع وصححه الحاكم عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ: " من أتى عرَّافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم "، وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليس منا من تَطير أو تُطير له أو تَكهن أو تُكهن له أو سَحر أوسُحر له ومن أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم " رواه البزار بإسناد جيد. ففي هذه الأحاديث الشريفة النهي عن إتيان العرافين والكهنة والسحرة وأمثالهم وسؤالهم وتصديقهم، والوعيد على ذلك، فالواجب على ولاة الأمور وأهل الحسبة وغيرهم ممن لهم قدرة وسلطان إنكار إتيان الكهان والعرافين ونحوهم، ومنع من يتعاطى شيئاً من ذلك في الأسواق وغيرها والإنكار عليهم أشد الإنكار، والإنكار على من يجيء إليهم، ولا يجوز أن يغتر بصدقهم في بعض الأمور ولا بكثرة من يأتي إليهم من الناس فإنهم جهال لا يجوز اغترار الناس بهم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد نهى عن إتيانهم وسؤالهم وتصديقهم لما في ذلك من المنكر العظيم والخطر الجسيم والعواقب الوخيمة ولأنهم كذبة فجرة، كما أن في هذه الأحاديث دليلاً على كفر الكاهن والساحر لأنهما يدعيان علم الغيب وذلك كفر، ولأنهما لا يتوصلان إلى مقصدهما إلا بخدمة الجن وعبادتهم من دون الله وذلك كفر بالله وشرك به سبحانه، والمصدق لهم في دعواهم علم الغيب يكون مثلهم، وكل من تلقى هذه الأمور عمن يتعاطاها فقد برىء منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز للمسلم أن يخضع لما يزعمونه علاجا كتمتمتهم بالطلاسم أو صب الرصاص ونحو ذلك من الخرافات التي يعملونها، فإن هذا من الكهانة والتلبيس على الناس ومن رضي بذلك فقد ساعدهم على باطلهم وكفرهم .... " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (3 / 274 – 281) . ثانياً: وأما السحر: فهو حقيقة وليس بوهم ولا بخيال، وله تأثير بإذن الله تعالى. قال القرافي: السحر له حقيقة، وقد يموت المسحور، أو يتغير طبعه وعادته، وإن لم يباشره، وقال به الشافعي وابن حنبل … " الفروق " (4 / 149) . وخالف في ذلك المعتزلة والقدرية وبعض العلماء ولا اعتبار بخلافهم، وقد ذكر القرافي وغيره أن الصحابة أجمعوا على أنه حقيقة قبل ظهور من ينكره. ومن أدلة أهل السنَّة على ذلك: 1. قوله تعالى: {ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم} البقرة / 102. والآية واضحة الدلالة على المطلوب: وهو إثبات أن السحر حقيقة، وأن الساحر يفرِّق بسحره بين المرء وزجه، وأنه يضر بسحره الناس لكن لا يقع ضرره إلا بإذن الله. 2. قوله تعالى: {ومن شر النفاثات في العقد} الفلق / 4. والنفاثات في العقد: الساحرات اللواتي يعقدن في سحرهن، وينفثن فيه، فلولا أن للسحر حقيقة لما أمر الله تعالى بالاستعاذة منه. 3. ومن الأدلة سحره صلى الله عليه وسلم من قِبَل اليهودي لبيد بن الأعصم، وهو حديث صحيح رواه البخاري ومسلم. وقال ابن القيم: والسحر الذي يؤثر مرضاً وثقلاً وعقلاً وحبّاً وبغضاً ونزيفاً موجود، تعرفه عامة الناس، وكثير من الناس عرفه ذوقاً بما أصيب به منهم. " التفسير القيم " (ص 571) . ثالثاً: أنواع السحر كثيرة، ومنه التخييل أو " خداع البصر "، وليس السحر كله كذلك، وقد ذكر بعض العلماء أنواعه وأوصلوها إلى ثمانية، ومن أشهرها: 1. عُقَد ورقى أي: قراءات وطلاسم يتوصل بها الساحر إلى استخدام الشياطين فيما يريد به ضرر المسحور، لكن قد قال الله تعالى: {وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله} البقرة / 102. 2. خفة اليد وهذه يحسنونها بالتدرب على المسارعة بفعل الأشياء، وإخراج المخبوء. فمثلا يأتي الساحر بحمامة فيخنقها أمام المشاهدين ثم يضربها بيده فتقوم وتطير! والحقيقة: أنه كان في يده بنج! فشممها إياه وأوهمهم أنه خنقها فماتت، ثم لما ضربها: أفاقت من البنج! 3. سحر العيون وهذا كثير عند الدجالين، فهو لا يُدخل السيف في جسده، لكنه يسحر عيون المشاهدين، ويمرر السيف على جانبه، ويراه الناس المسحورون مر في وسطه. وقد اشتهر عندنا دجل هؤلاء، لما وجد بين المشاهدين من حصَّن نفسه بالقرآن والأذكار، وأكثر من ذكر الله في جلسة الساحر فرأى الحقيقة على خلاف ما رآها المسحورون. 4. استعمال المواد الكيماوية وهذه يحسنها من يجيد تركيب المواد بعضها على بعض فتنتج مادة تمنع تأثير بعض المواد، مثل ما كان يصنع الرفاعية من إيهام الناس أنهم لا تؤثر بهم النار، والحقيقة أنهم يدهنون أنفسهم ببعض المواد التي تمنع تأثير النار فيهم! وقد تحداهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في أن يغتسلوا بالماء الساخن قبل دخولهم النار، فرفضوا ذلك لأنه بان عوارهم. وغير ذلك كثير مما يفعله السحرة، ولا يقع إلا ما قدره الله تبارك وتعالى. انظر: " تفسير ابن كثير " (1 / 146) و " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (2 / 178) ، و " السحر " للشيخ عمر الأشقر. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 12578 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 578 حياة الجن ومساكنهم [السُّؤَالُ] ـ[قرأت جوابك عن الجن في السؤال رقم (2340) . أرجو أن توضح أكثر عن حياة الجن ومساكنهم وأطفالهم وحياتهم العائلية وصلاتهم، هل هي كصلاتنا؟ دفنهم بعد الموت، هل الأشياء الحلال والمحرمة تنطبق عليهم؟ هل يتحاربون مثل بني البشر؟ هل لهم تصنيفات كالبشر؛ أسود، أوروبي، من هذا البلد أو ذاك؟ هل يتأثرون بالأشياء الطبيعية كالمطر والعواصف والزلازل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الجن خلق من خلق الله تعالى، وهم عباد مكلفون بالأوامر والنواهي، كالبشر، فمنهم المؤمن والكافر والفاسق، ومحسنهم يدخل الجنة، ومسيئهم يستحق العذاب، قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) الذريات/56. وقال تعالى عن الجن: (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً) الجن/11. وقال أيضاً: (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً * وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا) الجن/14، 15. أما تكليفهم بالأوامر والنواهي، فقد اتفق العلماء على أنهم مكلفون، وذهب بعض العلماء إلى أن التكاليف التي أمروا بها كالتي أمر بها البشر سواء بسواء، وذهب آخرون إلى أن تكاليفهم تناسب قدرتهم وطاقته. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فهم مأمورون بالأصول والفروع بحسبهم، فإنهم ليسوا مماثلين الإنس في الحد والحقيقة، فلا يكون ما أمروا به ونهوا عنه مساوياً لما على الإنس في الحد، لكنهم مشاركون الإنس في جنس التكليف، بالأمر والنهي، والتحليل والتحريم، وهذا ما لم أعلم فيه نزاعا بين المسلمين " انتهى. "مجموع الفتاوى" (4/233) . وأما ما يتعلق بحياتهم ومساكنهم، فهم كبقية المخلوقات لهم حياتهم الخاصة بهم، ويتزوجون ويتناسلون، قال تعالى عن إبليس: (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُو) الكهف/50. وأما مساكنهم فيكثر تجمعهم في الخراب ومواضع النجاسات كالحمامات والمزابل، قال عليه الصلاة والسلام: (إِنَّ هَذِهِ الْحُشُوشَ مُحْتَضَرَةٌ، فَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْخَلاءَ فَلْيَقُلْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ) رواه أبو داود (6) وصححه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (1070) . (الْحُشُوشَ) هي أماكن قضاء الحاجة. (مُحْتَضَرَةٌ) أي تحضرها الشياطين. (الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ) قيل: أي ذكران الشياطين وإناثهم. وقيل: المراد بالخبث الشر، وبالخبائث النفوس الخبيثة، فيشمل ذكران الشياطين وإناثهم. والجن لا شك يموتون، فهم داخلون تحت قوله تعالى: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ) الرحمن/26. وينبغي أن يعلم أن عالم الجن من عالم الغيب، لا نعلم عنه إلا ما أعلمنا الله تعالى عنه، في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم. وعلى هذا فلا نستطيع أن نتكلم عنهم بشيء إلا بما ورد في النصوص الشرعية، وما عدا ذلك يبقى خافياً علينا، قال تعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) الإسراء/36. وللتوسع في هذا الموضوع يراجع كتاب "عالم الجن والشياطين" للدكتور عمر سليمان الأشقر. ثانياً: ينبغي أن يعلم أن الله تعالى أخبرنا عن الجن أو غيرهم من المخلوقات بما ينفعنا، وما كتمه عنا فلا حاجة لنا في معرفته، ولو كانت معرفته ضرورية لنا لأخبرنا الله تعالى به، ولذلك ينبغي عدم التكلف في مثل هذه المسائل، والبحث عن غوامضها التي لا تعلم إلا بالوحي. وينبغي أن يكون سؤال المرء عن دينه هو وعبادته، وعقيدته، وماذا يفعل. . . إلى آخر ذلك من الأمور الهامة التي أمر بها أو نهي عنها، حتى يحقق العبودية لله تعالى. ولنا في صحابة النبي صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة، فإنهم لم يكونوا يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم عن مثل هذه المسائل التي لا ينفع المكلف علمها، ولا يضره الجهل بها. وأسأل الله تعالى أن يوفقنا للعلم النافع والعمل الصالح. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20666 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 579 هل تُقبل توبة الساحر؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل تقبل توبة الساحر عند الله - لأنني سمعت عن ساحرة استفتت الصحابة عن التوبة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم فلم يفتها أحد -؟ وماذا قالوا لها؟ وهل ينفعها إيمانها عند الله؟ ولماذا يفتي العلماء بقبول توبة الساحر في هذه الحال؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تعلم السحر والعمل به كفر، قال تعالى: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ) البقرة/102، والساحر قد يأتي بما يوجب ردَّته فيكفر فيقتل ردةً، وقد يسحر من غير أن يأتي بمكفِّر، وهذا قد وقع فيه خلاف بين العلماء، والصحيح من أقوالهم: أنه يقتل أيضاً إذا ثبت أنه ساحر، وهو الذي فعله الصحابة رضي الله عنهم وأمروا به، وإذا قُتل لم يغسَّل ولم يكفَّن ولم يُدفن في مقابر المسلمين. ولا ينبغي التوقف في قتل الساحر سواء قلنا بكفره أم لم نقل، لأن هذا هو الثابت عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وفي قتله منع من الإفساد وردع لغيره من إخوانه السحرة. فإذا تاب الساحر بينه وبين الله توبة صادقة: فإن الله تعالى يقبل منه، وهذا فيما بينه وبين ربه قبل أن يصل أمره للقضاء، فإذا وصل أمره للقضاء الشرعي فينبغي على القاضي قتله من غير استتابة؛ تخليصاً للمجتمع من شره، ولا يجوز لآحاد الناس أن يقيم الحد بنفسه، بل الأمر مرجعه لولي الأمر. وهذه طائفة من فتاوى العلماء في ذلك: 1. قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: " إذا تاب الساحر توبة صادقة فيما بينه وبين الله: نفعه ذلك عند الله، فالله يقبل التوبة من المشركين وغيرهم، كما قال جل وعلا: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ) الشورى/25، وقال جل وعلا: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) النور/31. لكن في الدنيا لا تقبل، الصحيح: أنه يقتل، فإذا ثبت عند حاكم المحكمة أنه ساحر يقتل، ولو قال: إنه تائب، فالتوبة فيما بينه وبين الله صحيحة , إن كان صادقا تنفعه عند الله، أما في الحكم الشرعي فيقتل، كما أمر عمر بقتل السحرة؛ لأن شرهم عظيم، قد يقولون: تبنا، وهم يكذبون، يضرون الناس، فلا يسلم من شرهم بتوبتهم التي أظهروها ولكن يقتلون، وتوبتهم إن كانوا صادقين تنفعهم عند الله " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (8 / 111) . 2. وقال الشيخ رحمه الله – أيضاً – (8/69) : " والصحيح عند أهل العلم: أن الساحر يقتل بغير استتابة؛ لعظم شره وفساده، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أنه يستتاب، وأنهم كالكفرة الآخرين يستتابون، ولكن الصحيح من أقوال أهل العلم: أنه لا يستتاب؛ لأن شره عظيم، ولأنه يخفي شره، ويخفي كفره، فقد يدعي أنه تائب وهو يكذب، فيضر الناس ضرراً عظيماً، فلهذا ذهب المحققون من أهل العلم إلى أن من عرف وثبت سحره يقتل ولو زعم أنه تائب ونادم، فلا يصدق في قوله. ولهذا ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه كتب إلى أمراء الأجناد أن يقتلوا كل من وجدوا من السحرة، حتى يتقي شرهم، قال أبو عثمان النهدي: (فقتلنا ثلاث سواحر) ، هكذا جاء في صحيح البخاري عن بجالة بن عبدة – [رواه أبو داود بإسناد صحيح وأصله في "البخاري"]-، وهكذا صح عن حفصة أنها قتلت جارية لها، لما علمت أنها تسحر قتلتها، وهكذا جندب بن عبد الله رضي الله عنه الصحابي الجليل لما رأى ساحراً يلعب برأسه - يقطع رأسه ويعيده، يخيِّل على الناس بذلك - أتاه من جهة لا يعلمها فقتله، وقال: (أعد رأسك إن كنت صادقاً) . والمقصود: أن السحرة شرهم عظيم، ولهذا يجب أن يقتلوا، فولي الأمر إذا عرف أنهم سحرة، وثبت لديه ذلك بالبينة الشرعية: وجب عليه قتلهم؛ صيانة للمجتمع من شرهم وفسادهم " انتهى. 3. وقال الشيخ – أيضاً – (8/111) : " إذا قُتل لا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، يدفن في مقابر الكفرة، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يصلى عليه، ولا يغسل ولا يكفن، ونسأل الله العافية " انتهى. 4. وقال – أيضاً -: " وحكم الساحر الذي يعلم منه أنه يخيل على الناس، أو يترتب على عمله مضرة على الناس، من سحر العيون، والتزوير عليها، أو تحبيب الرجل إلى امرأته والمرأة إلى زوجها، أو ضد ذلك مما يضر الناس، متى ثبت ذلك بالبينة لدى المحاكم الشرعية وجب قتل هذا الساحر، ولا يقبل منه توبة ولو تاب. . . وقد سبق ما ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه أمر عماله - أعني: أمراءه - بقتل السحرة، لمنع فسادهم في الأرض، وإيذائهم للمسلمين وإدخالهم الضرر على الناس، فمتى عرفوا وجب على ولاة أمر المسلمين قتلهم، ولو قالوا: تبنا؛ لأنهم لا يؤمَنون، لكن إن كانوا صادقين في التوبة نفعهم ذلك عند الله عز وجل؛ لعموم قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) الشورى/25. . . أما من جاء إلى ولاة الأمور من غير أن يقبض عليه يخبر عن توبته، وأنه كان فعل كذا فيما مضى من الزمان وتاب إلى الله سبحانه وظهر منه الخير فهذا تقبل توبته؛ لأنه جاء مختاراً طالباً للخير معلناً توبته من غير أن يقبض عليه أحد أو يدعي عليه أحد، والمقصود: أنه إذا جاء على صورة ليس فيها حيلة ولا مكر فإن مثل هذا تقبل توبته؛ لأنه جاء تائباً نادماً، كغيره من الكفرة ممن يكون له سلف سيئ ثم يمن الله عليه بالتوبة من غير إكراه ولا دعوى عليه من أحد " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (8 / 81، 82) . 5. وقال علماء اللجنة الدائمة: " إذا أتى الساحر في سحره بمكفِّر: قتل لردته حدّاً، وإن ثبت أنه قتل بسحره نفسا معصومة: قتل قصاصاً، وإن لم يأت في سحره بمكفر ولم يقتل نفساً: ففي قتله بسحره خلاف، والصحيح: أنه يقتل حدّاً لردته، وهذا هو قول أبي حنيفة ومالك وأحمد رحمهم الله؛ لكفره بسحره مطلقا لدلالة آية: (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر) على كفر الساحر مطلقاً؛ ولما ثبت في " صحيح البخاري " عن بجالة بن عبدة أنه قال: (كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن اقتلوا كل ساحر وساحرة، فقتلنا ثلاث سواحر) ، ولما صح عن حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها (أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها، فقتلت) رواه مالك في " الموطأ "؛ ولما ثبت عن جندب أنه قال: (حد الساحر ضربة بالسيف) رواه الترمذي وقال: الصحيح أنه موقوف. وعلى هذا فحكم الساحر المسئول عنه في الاستفتاء أنه يقتل على الصحيح من أقوال العلماء، والذي يتولى إثبات السحر وتلك العقوبة هو الحاكم المتولي شئون المسلمين؛ درءا للمفسدة وسدا لباب الفوضى " انتهى. " فتاوى اللجنة الدائمة " (1 / 551 – 553) . 6. وقال الشيخ ابن عثيمين: " وهذا القتل هل هو حدٌّ أم قتله لكفره؟ يحتمل هذا وهذا، بناء على التفصيل السابق في كفر الساحر، ولكن بناء على ما سبق من التفصيل نقول: من خرج به السحر إلى الكفر فقتله قتل ردة، ومن لم يخرج به السحر إلى الكفر من باب دفع الصائل يجب تنفيذه حيث رآه الإمام. والحاصل: أنه يجب أن تقتل السحرة، سواء قلنا بكفرهم أم لم نقل؛ لأنهم يمرضون، ويقتلون، ويفرقون بين المرء وزوجه، وكذلك بالعكس؛ فقد يعطفون فيؤلفون بين الأعداء، ويتوصلون إلى أغراضهم؛ فإن بعضهم قد يسحر أحدا ليعطفه إليه وينال مأربه منه، كما لو سحر امرأة ليبغي بها، ولأنهم كانوا يسعون في الأرض فساداً؛ فكان واجباً على وليِّ الأمر قتلهم بدون استتابة ما دام أنه لدفع ضررهم وفظاعة أمرهم؛ فإن الحدَّ لا يستتاب صاحبه، متى قبض عليه وجب أن ينفذ فيه الحد " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (9 / 508، 509) وهو شرح لكتاب " التوحيد ". 7. وقال الشيخ ابن عثيمين – أيضاً -: " والقول بقتلهم (يعني: السحرة) موافق للقواعد الشرعية؛ لأنهم يسعون في الأرض فساداً، وفسادهم من أعظم الفساد، فقتلهم واجب على الإمام، ولا يجوز للإمام أن يتخلف عن قتلهم؛ لأن مثل هؤلاء إذا تركوا وشأنهم انتشر فسادهم في أرضهم وفي أرض غيرهم، وإذا قتلوا سلم الناس من شرهم، وارتدع الناس عن تعاطي السحر " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (9 / 509) وهو شرح لكتاب " التوحيد ". والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69914 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 580 هل للجن دور في إجهاض الجنين وتشويهه [السُّؤَالُ] ـ[هل يستطيع الجن أن يؤثر على الجنين في بطن أمه من حيث إجهاضه أو تشويهه؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب أن تعلمي أن الله تعالى هو الذي يخلق الجنين في بطن أمه، قال تعالى: (يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) الزمر/6، وهو الذي يصوره كيف يشاء، قال الله تعالى: (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) آل عمران/6، وهو الذي يقدر زمن بقائه فيه وخروجه منه، قال تعالى: (اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ) الرعد/8. قال الشيخ الشنقيطي – بعد ذِكر الأقوال في تفسير الآية -: " مرجع هذه الأقوال كلها إلى شيء واحد، وهو أنه تعالى عالم بما تنقصه الأرحام وما تزيده؛ لأن معنى " تغيض ": تنقص، و " تزداد " أي: تأخذه زائداً، فيشمل النقص المذكور: نقص العدد، ونقص العضو من الجنين، ونقص جسمه إذا حاضت عليه فتقلص، ونقص مدة الحمل بأن تسقطه قبل أمد حمله المعتاد، كما أن الازياد يشمل زيادة العضو، وزيادة العدد، وزيادة جسم الجنين إن لم تحض وهي حامل، وزيادة أمد الحمل عن القدر المعتاد، والله جل وعلا يعلم ذلك كله، والآية تشمله كله " انتهى. " أضواء البيان " (3 / 73) . وبه تعلمي أن وجود ما يسمى " التابع " أو " التبيعة " في بطن الأم وأنه يسبب إجهاض أو تشويه الجنين أمرٌ لا صحة له، وهو من خرافات العامة وأساطيرهم. سئل علماء اللجنة الدائمة: كنت قد تزوجت في الثامن من ذي الحجة 1403هـ والتي تزوجتها ابنة خالتي، وفي أول يوم من شهر رمضان المبارك 1405هـ رزقني الله بمولود سميته: " موسى " وفي شهر شعبان 1406هـ أسقطت زوجتي جنينا بعد شهره الثالث. وفي ربيع الأول 1407هـ توفَّى الله ولدي " موسى "، وكما قلت لكم: إن زوجتي ابنة خالتي، وبعد وفاة ابني موسى جاءتني خالتي - والتي هي أم زوجتي - وقالت لي: إنها ذهبت إلى رجل عالم بالكتاب، وقالت: إن هذا الرجل قال لها: إن مع زوجتي تابعة - أو تبيعة - من الجن تقتل أولادها حسداً وحقداً من عندها، وأن هذا الرجل يمكنه أن يقطع دابر تلك التبيعة أو التابعة من الجن. فرفضت ذلك، وفي ثالث يوم من شهر شعبان الماضي 1407هـ رزقني الله بطفلة سميتها " مستورة " ولكن توفاها الله ثاني يوم ولادتها، فجاءتني خالتي وقالت لي: أما قلت لك: تذهب إلى ذلك الرجل وتنتهي من ذلك الموضوع، وأصرت أن نذهب إليه وكذلك أصر معها والدي على أن نذهب إلى ذلك الرجل الذي يقوم بإنهاء تلك التابعة أو التبيعة، فطلبت منهم مهلة عسى الله سبحانه وتعالى أن يلهمني، والحمد لله الذي هداني إلى أن أقوم بكتابة هذه الرسالة إليكم راجيا من الله سبحانه وتعالى أن يوفقكم في إفتائنا في هذا الموضوع، علما بأن هذا الموضوع يسبب لي أرقاً دائماً. فأجابوا: " لقد أحسنتَ بامتناعك من الذهاب مع خالتك - أم زوجتك - إلى الرجل الذي يدعي علم الكتاب؛ لأنه كاهن، وأحسنت أيضا بسؤالك أهل العلم للتحقق من الصواب، وعليك أن ترقي نفسك وزوجتك ومن ترزق من الأولاد بالرقية الشرعية، فتقرأ على كل منهم فاتحة الكتاب والمعوذات الثلاث: " قل هو الله أحد "، وسورة " الفلق "، وسورة " الناس " تكرر المعوذات (ثلاث مرات) وتنفث عقب كل مرة في كفيك وتمسح بهما الوجه وما أقبل من البدن، وتدعو بهذا الدعاء: " أعيذك بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامَّة ومن كل عين لامَّة "، وننصحك بشراء كتاب " الأذكار النووية " للإمام النووي، وكتاب " الكلم الطيب " لابن تيمية، وكتاب " الوابل الصيب " لابن القيم، فإن فيها كثيراً من الأذكار النافعة والرقى الشرعية " انتهى. " فتاوى اللجنة الدائمة " (1 / 619، 620) . وسئلوا أيضاً: بعض الناس الذين لم يأت لهم أولاد يرشدهم بعض الناس إلى شراء تيس مثلا، ويقول: لون التيس كذا، كأن يقول: أسود – مثلاً -، ويقول: اربطه في البيت عندك لمدة كذا، ويقولون: السبب في عدم وجود أولاد هي جنية يسمونها بـ: التابعة، فيزعمون أنه عند حالة وجود التيس في البيت يمنعها من دخول البيت وعند ذلك يحصل الحمل، فما حكم هذا؟ فأجابوا: " لا يجوز ذلك وهو نوع من الكهانة، ولا أساس لصحة ما ذكر، بل هو كذب وافتراء " انتهى. " فتاوى اللجنة الدائمة " (1 / 584) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69933 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 581 كيف يقرأ سورة البقرة في البيت؟ وهل تجزئ القراءة من المسجل؟ [السُّؤَالُ] ـ[قراءة سورة البقرة في البيت وطردها للشياطين: هل يلزم قراءتها بصوت مرتفع؟ وهل استخدام المسجل يؤدي الغرض؟ وهل يجزئ قراءتها منفصلة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الفضل العظيم لسورة البقرة كاملة، ولبعض آياتها العظيمة مثل " آية الكرسي " وآخر آيتين منها، ومما ذكره صلى الله عليه وسلم في فضلها أن الشياطين تفر من البيت الذي تُقرأ فيه هذه السورة، وأنها نافعة في الوقاية من السحر وفي علاجه. عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تجعلوا بيوتكم مقابر إن الشيطان ينفِر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة) رواه مسلم (780) . قال النووي – رحمه الله -: هكذا ضبطه الجمهور " ينفِر " ورواه بعض رواة مسلم " يفرُّ " وكلاهما صحيح. " شرح مسلم " (6 / 69) . عن أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اقرءوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البَطَلة) رواه مسلم (804) . البَطَلة: السحرة. ولا يشترط قراءتها بصوت مرتفع، بل يكفي أن تُقرأ وتتلى في البيت، ولو مع خفض الصوت، كما لا يشترط أن تُقرأ دفعة واحدة، بل يمكن أن تُقرأ على مراحل، ولا يشترط أن يكون القارئ واحداً من أهل البيت، بل لو وزعت بينهم لجاز، وإن كان الأفضل في كل ذلك أن تُقرأ دفعة واحدة ومن شخص واحد. ولا يجوز أن يُعتد بقراءة الصوت الخارج من إذاعة أو شريط، بل لا بدَّ من مباشرة القراءة من أهل البيت أنفسهم. سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: هناك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الإنسان لو قرأ سورة " البقرة " لا يدخل الشيطان في بيته، لكن لو كانت السورة مسجلة على شريط هل يحصل نفس الأمر؟ فأجاب: لا، لا، صوت الشريط ليس بشيء، لا يفيد؛ لأنه لا يقال " قرأ القرآن "، يقال: " استمع إلى صوت قارئ سابق "، ولهذا لو سجَّلنا أذان مؤذن فإذا جاء الوقت جعلناه في " الميكرفون " وتركناه يؤذن هل يُجزئ؟ لا يجزئ، ولو سجلنا خطبة مثيرة، فلما جاء يوم الجمعة وضعنا هذا المسجل وفيه الشريط أمام " الميكرفون " فقال المسجل " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته " ثم أذَّن المؤذن، ثم قام فخطب، هل تُجزئ؟ لا تُجزئ، لماذا؟ لأن هذا تسجيل صوتٍ ماضٍ، كما لو أنك كتبته في ورقة أو وضعتَ مصحفاً في البيت، هل يُجزئ عن القراءة؟ لا يُجزئ. " أسئلة الباب المفتوح " (السؤال رقم 986) . لكن إن لم يكن في أهل البيت من يستطيع أن يقرأ سورة البقرة، ولم يكن هناك من يقرؤها لهم في البيت، واستخدموا المسجل في قراءتها، فالأظهر، إن شاء الله، أنه يحصل لهم هذه الفضيلة في البيت: فرار الشيطان منه؛ لاسيما إن كان من أهل البيت من يستمع القراءة من المسجل. والله أعلم هل قراءة سورة البقرة من المسجل يطرد الشيطان من المنزل؟ السؤال: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم، فيما رواه الإمام مسلم في صحيحه: (لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة) . وسؤالي: هل يكفي أن يأتي الإنسان بالمسجل، ويضع فيه شريطا مسجلا عليه سورة البقرة، ويقوم بتشغيله حتى يقرأ كامل السورة؟ أو لا بد أن يقرأ الإنسان بنفسه أو من ينوب عنه السورة؟ الجواب: الحمد لله الأظهر- والله أعلم- أنه يحصل بقراءة سورة البقرة كلها من المذياع أو من صاحب البيت ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم من فرار الشيطان من ذلك البيت، ولكن لا يلزم من فراره أن لا يعود بعد انتهاء القراءة، كما أنه يفر من سماع الأذان والإقامة ثم يعود حتى يخطر بين المرء وقلبه، ويقول له: اذكر كذا، واذكر كذا. . كما صح بذلك الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم، فالمشروع للمؤمن أن يتعوذ بالله من الشيطان دوما، وأن يحذر من مكائده ووساوسه وما يدعو إليه من الإثم، والله ولي التوفيق " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (24/413) . فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز فتاوى نور على الدرب [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69963 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 582 قصة سحر النبي صلى الله عليه وسلم ومعناها [السُّؤَالُ] ـ[هل الحديث بخصوص تعرض النبي صلى الله عليه وسلم للسحر صحيح؟ فقد سمعت الكثير حول الموضوع.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله حديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم حديث صحيح، وقد رواه البخاري ومسلم وغيرهما من أئمة الحديث، وتلقاه أهل السنَّة بالقبول والرضا، ولم يُنكره إلا المبتدعة، وفيما يلي نص الحديث، وتخريجه، ومعناه، ورد العلماء على من أنكره. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: (سُحِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا يَفْعَلُهُ , حَتَّى كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ دَعَا , وَدَعَا ثُمَّ قَالَ: أَشَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ أَفْتَانِي فِيمَا فِيهِ شِفَائِي؟ أَتَانِي رَجُلانِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ , فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلآخَرِ: مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ؟ قَالَ: وَمَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ. قَالَ: فِيمَا ذَا؟ قَالَ: فِي مُشُطٍ وَمُشَاقَةٍ وَجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ. قَالَ فَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ. فَخَرَجَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لِعَائِشَةَ حِينَ رَجَعَ: نَخْلُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ. فَقُلْتُ: اسْتَخْرَجْتَهُ؟ فَقَالَ: لا , أَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللَّهُ , وَخَشِيتُ أَنْ يُثِيرَ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا , ثُمَّ دُفِنَتْ الْبِئْرُ) رواه البخاري (3268) ومسلم (2189) . مطبوب: مسحور. (مُشط) : آلة تسريح الشعر. (مشاقة) أو (مشاطة) : ما يسقط من الشعر. (وجف طلع نخلة ذَكَر) : هو الغشاء الذي يكون على الطلع، ويطلق على الذكر والأنثى , فلهذا قيده بالذَّكَر. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " قال المازري: أنكر المبتدعة هذا الحديث، وزعموا أنه يحط منصب النبوة ويشكك فيها , قالوا: وكل ما أدَّى إلى ذلك فهو باطل , وزعموا أن تجويز هذا يعدم الثقة بما شرعه من الشرائع إذ يحتمل على هذا أن يخيل إليه أنه يرى جبريل وليس هو ثَمَّ (هناك) , وأنه يوحي إليه بشيء ولم يوح إليه بشيء , قال المازري: وهذا كله مردود؛ لأن الدليل قد قام على صدق النبي صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن الله تعالى وعلى عصمته في التبليغ , والمعجزات شاهدات بتصديقه , فتجويز ما قام الدليل على خلافه باطل، وأما ما يتعلق ببعض الأمور الدنيا التي لم يبعث لأجلها ولا كانت الرسالة من أجلها فهو في ذلك عرضة لما يعترض البشر كالأمراض , فغير بعيد أن يخيل إليه في أمر من أمور الدنيا ما لا حقيقة له مع عصمته عن مثل ذلك في أمور الدين. قال: وقد قال بعض الناس: إن المراد بالحديث أنه كان صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه وطئ زوجاته ولم يكن وطأهن , وهذا كثيراً ما يقع تخيله للإنسان في المنام فلا يبعد أن يخيل إليه في اليقظة. قلت – أي: ابن حجر -: وهذا قد ورد صريحاً في رواية ابن عيينة عند البخاري، ولفظه: (حتى كان يرى (أي: يظن) أنه يأتي النساء ولا يأتيهن) وفي رواية الحميدي: (أنه يأتي أهله ولا يأتيهم) . قال عياض: فظهر بهذا أن السحر إنما تسلط على جسده وظواهر جوارحه لا على تمييزه ومعتقده ... . وقال المهلب: صون النبي صلى الله عليه وسلم من الشياطين لا يمنع إرادتهم كيده , ففي الصحيح أن شيطاناً أراد أن يفسد عليه صلاته فأمكنه الله منه , فكذلك السحر، ما ناله من ضرره لا يدخل نقصا على ما يتعلق بالتبليغ , بل هو من جنس ما كان يناله من ضرر سائر الأمراض من ضعف عن الكلام , أو عجز عن بعض الفعل , أو حدوث تخيل لا يستمر , بل يزول ويبطل الله كيد الشياطين " انتهى. "فتح الباري" (10/226، 227) باختصار. وقال ابن القيم رحمه الله: " هديه صلى الله عليه وسلم في علاج السحر الذي سحرته اليهود به: قد أنكر هذا طائفة من الناس، وقالوا: لا يجوز هذا عليه، وظنُّوه نقصاً وعيباً، وليس الأمر كما زعموا، بل هو من جنس ما كان يعتريه من الأسقام والأوجاع، وهو مرض من الأمراض، وإصابته به كإصابته بالسم لا فرق بينهما، وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (سُحِر رسول الله حتى إن كان ليخيَّل إليه أنه يأتي نساءه ولم يأتهن، وذلك أشد ما يكون من السحر) قال القاضي عياض: والسحر مرض من الأمراض، وعارض من العلل، يجوز عليه كأنواع الأمراض مما لا يُنكر، ولا يَقدح في نبوته. وأما كونه يخيَّل إليه أنه فعل الشيء ولم يفعله: فليس في هذا ما يُدخل عليه داخلة في شيء من صدقه؛ لقيام الدليل والإجماع على عصمته من هذا، وإنما هذا فيما يجوز أن يطرأ عليه في أمر دنياه التي لم يُبعث لسببها، ولا فُضِّل من أجلها، وهو فيها عُرضة للآفات كسائر البشر، فغير بعيد أنه يخيَّل إليه مِن أمورها ما لا حقيقة له ثم ينجلي عنه كما كان " انتهى. "زاد المعاد" (4/124) . وبعد، فقد تبيَّن صحة الحديث، وعدم تنقصه من منصب النبوة، والله سبحانه وتعالى يعصم نبيَّه صلى الله عليه وسلم قبل السحر وأثناءه وبعده، ولا يعدو سحره عن كونه متعلقاً بظن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يأتي أهله وهو لم يفعل، وهو في أمرٍ دنيوي بحت، ولا علاقة لسحره بتبليغ الرسالة البتة، وفيما سبق من كلام أهل العلم كفاية، ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى "فتح الباري" و "زاد المعاد". والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 68814 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 583 لماذا نتثاءب في رمضان.. وقد صفدت الشياطين؟ وهل نقل التلفزيون للصور محرم؟ [السُّؤَالُ] ـ[المعروف أن الشياطين تصفد في رمضان، وأن التثاؤب من الشيطان ... فلماذا نتثاءب في رمضان؟ والمعروف أيضاً أن تصوير الإنسان محرم فهل يعتبر نقل التلفزيون للصور محرما؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله روى البخاري (6226) ومسلم (2994) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ، فَإِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ وَحَمِدَ اللَّهَ، كَانَ حَقًّا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ وَأَمَّا التَّثَاؤُبُ فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ؛ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا تَثَاءَبَ ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ) . قيل في معنى ذلك: إن الشَّيْطَان يُحِبّ أَنْ يَرَى الْإِنْسَان مُتَثَائِبًا، ويعجبه ذلك منه؛ لِأَنَّهَا حَالَة تَتَغَيَّر فِيهَا صُورَته فَيَضْحَك مِنْهُ، وليس المراد أَنَّ الْمُرَاد أَنَّ الشَّيْطَان هو الذي فَعَلَ التَّثَاؤُب. وقيل: إنما أضيف التثاؤب إلى الشيطان لأن التثاؤب ينشأ عن امتلاء البطن، وينتج عنه التكاسل؛ وَذَلِكَ إنما يكون بتأثير من الشَّيْطَان. قَالَ النَّوَوِيّ رحمه الله: أُضِيفَ التَّثَاؤُب إِلَى الشَّيْطَان لِأَنَّهُ يَدْعُو إِلَى الشَّهَوَات، إِذْ يَكُون عَنْ ثِقَل الْبَدَن وَاسْتِرْخَائِهِ وَامْتِلَائِهِ , وَالْمُرَاد التَّحْذِير مِنْ السَّبَب الَّذِي يَتَوَلَّد مِنْهُ ذَلِكَ وَهُوَ التَّوَسُّع فِي الْمَأْكَل. وقال المناوي رحمه الله: أضافه إليه لأنه الداعي إلى إعطاء النفس حظها من الشهوة، وأراد به التحذير من السبب الذي يتولد منه وهو التوسع في المطعم والشبع فيثقل البدن عن الطاعة. ولا إشكال في وجود التثاؤب من العبد في رمضان، مع تصفيد الشياطين فيه؛ لأنه على القول بأن معنى ذلك أن الشيطان يحبه ويرضاه، فليس من شرط محبته ورضاه أن يكون طليقا، بل يحصل ذلك منه ولو كان مصفدا. وعلى القول بأن ذلك يكون من تأثير الشيطان، تأثيرا مباشرا، أو غير مباشر، فقد قيل إن الذي يصفد في رمضان هم المردة من الشياطين فقط، وأما غيرهم فيبقى على حاله، فلعل التثاؤب يكون من فعل من لم يصفد منهم. وأما على القول بأن المراد بتصفيد الشياطين أن إغواءهم وتصرفهم بالشر في المؤمنين يقل في ذلك الشهر عن غيره، فلعل التثاؤب يكون من ذلك التصرف القليل الذي يتمكنون منه في رمضان. وللمزيد حول معنى تصفيد الشياطين في رمضان راجع السؤال رقم (39736) ، وراجع أيضا السؤال رقم (37965) لمعرفة الجواب عن: كيف تقع المعاصي في رمضان، مع تصفيد الشياطين. وأما السؤال عن حكم نقل الصور بالتلفزيون، فتجد جوابه في السؤال رقم (10326) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 14253 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 584 الوسائل الشرعية التي يُتقى بها السحر قبل وقوعه [السُّؤَالُ] ـ[ما هي الوسائل الشرعية التي يُتقى بها السحر قبل وقوعه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فإن من أهم الوسائل التي يُتقي به خطر السحر قبل وقوعه هو التحصن بالأذكار الشرعية، والدعوات والتعوذات المأثورة، ومن ذلك: 1- قراءة آية الكرسي خلف كل صلاة مكتوبة بعد الأذكار المشروعة بعد السلام. 2- ومن ذلك قراءتها عند النوم، وآية الكرسي: هي أعظم آية في القرآن الكريم وهي قوله سبحانه وتعالى: (اللَّه لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَؤدُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) 3- ومن ذلك قراءة: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) خلف كل صلاة مكتوبة، وقراءة السور الثلاث (ثلاث مرات) : في أول النهار بعد صلاة الفجر، وفي أول الليل بعد صلاة المغرب. 4- ومن ذلك قراءة الآيتين من آخر سورة البقرة في أول الليل، وهما قوله تعالى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من قرأ آية الكرسي في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح} وصح عنه أيضا صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه} والمعنى والله أعلم: كفتاه من كل سوء. 5- ومن ذلك الإكثار من التعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، في الليل والنهار، وعند نزول أي منزل في البناء، أو الصحراء، أو الجو، أو البحر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نزل منزلا فقال أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك 6- ومن ذلك: أن يقول المسلم في أول النهار وأول الليل (ثلاث مرات) : بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم لصحة الترغيب في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن ذلك سبب للسلامة من كل سوء. وهذه الأذكار والتعوذات من أعظم الأسباب في اتقاء شر السحر وغيره من الشرور لمن حافظ عليها بصدق وإيمان، وثقة بالله واعتماد عليه، وانشراح صدر لما دلت عليه. وهي أيضا من أعظم السلاح لدفع السحر بعد وقوعه، مع الإكثار من الضراعة إلى الله، وسؤاله سبحانه: أن يكشف الضرر، ويزيل البأس، ومن الأدعية الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم في علاج الأمراض من السحر وغيره، وكان صلى الله عليه وسلم يرقي بها أصحابه: (اللهم رب الناس أذهب البأس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما) ومن ذلك الرقية التي رقى بها جبرائيل النبي صلى الله عليه وسلم وهي قوله: (بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك باسم الله أرقيك) وليكرر ذلك (ثلاث مرات) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى ومقالات الشيخ عبد العزيز ابن باز – رحمه الله – ج8. الحديث: 2662 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 585 حكم من يرى أن السحر لا يضر ما دام أنه لم يسبب شيئاً من المشاكل [السُّؤَالُ] ـ[ما رأي سماحتكم في رجل استعمل الرقية، ولم ير أنها تنفعه فتحول عنه السحر، ويقول: إنه لا يضر مادام أنه لا يسبب شيئاً من المشاكل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله السحر منكر وكفر، وإذا كان المريض لم يشف بالقراءة فالطب أيضاً لا يلزم منه الشفاء؛ لأنه ليس كل علاج ينفع ويحصل به المقصود، فقد يؤجل الله الشفاء إلى مدة طويلة، وقد يموت الإنسان بهذا المرض، وليس من شرط العلاج أن يشفى الإنسان، وليس ذلك بعذر إذا عالج عند إنسان بالقراءة ولم يظهر له الشفاء أن يتوجه إلى السحرة، لأن المكلف مأمور بتعاطي الأسباب الشرعية المباحة، وممنوع من تعاطي الأسباب المحرمة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (عباد الله تداووا، ولا تداووا بحرام) ، وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم) . فالأمور كلها بيد الله سبحانه، فهو الذي يشفي من يشاء، ويقدر الموت والمرض على من يشاء، كما قال سبحانه: (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير) الأنعام/17، وقال تعالى: (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم) يونس الآية/107، فعلى المسلم الصبر والاحتساب، والتقيد بما أباح الله له من الأسباب والحذر مما حرم الله عليه، مع الإيمان بأن قدر الله نافذ وأمره سبحانه لا راد له، كما قال عز وجل: (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) يس/82، وقال سبحانه: (وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين) التكوير/29، والآيات في هذا المعنى كثيرة. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/8 ص/112. الحديث: 11809 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 586 حكم تعلم السحر وفك السحر عن المسحور [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز تعلم حل أو فك السحر عن المسحور؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان بالشيء المباح من الأدعية الشرعية، أو الأدعية المباحة، أو الرقية الشرعية، فلا بأس، أما أن يتعلم السحر ليحل به السحر أو لمقاصد أخرى فذلك لا يجوز، بل هو من نواقض الإسلام، لأنه لا يمكن تعلمه إلا بالوقوع في الشرك، وذلك بعبادة الشياطين من الذبح لهم، والنذر لهم، ونحو ذلك من أنواع العبادة، والذبح والتقرب إليهم بما يحبون حتى يخدموه بما يحب، وهذا هو الاستمتاع الذي ذكره الله سبحانه بقوله تعالى: (ويوم يحشرهم جميعاً يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم) سورة الأنعام /128 [الْمَصْدَرُ] مجموعة فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز ص 118. الحديث: 4010 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 587 حكم تخيل المريض للعائن [السُّؤَالُ] ـ[ما مدى صحة تخيل المريض للعائن من جراء القراءة، أو طلب الراقي من القرين أن يخيل للمريض من أصابه بالعين؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تخيل المريض للعائن أثناء القراءة عليه وأمر القارئ له بذلك هو عمل شيطاني لا يجوز؛ لأنه استعانة بالشياطين، فهي التي تتخيل له بصورة الإنسي الذي أصابه، وهذا عمل محرم لأنه استعانة بالشياطين، ولأنه يسبب العداوة بين الناس، ويسبب نشر الخوف والرعب بين الناس، فيدخل في قوله تعالى: " وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا " الجن: 6. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الحديث: 11063 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 588 تعلق التميمة، وعلاج الكوابيس [السُّؤَالُ] ـ[لي صديق عندما كان صغيراً لم يكن يستطيع النوم ويرى كوابيس، كان أبوه يأخذه لرجل من الأولياء، وقد صنع له هذا الرجل قلادة من أشياء كالصناديق الصغيرة تحتوي على كتابات مقدسة. هل هذا جائز في الإسلام؟ عمره الآن 24 سنة فماذا تنصحه أن يفعل لكي يتخلص من هذه الكوابيس؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يجوز الذهاب إلى الكهنة والعرافين، والمشعوذين، ومن ذهب إليهم وسألهم عن شيء لم تُقْبِل منه صلاة أربعين يوماً، ومن صدَّقهم بأنهم يعلمون الغيب أو يكشفون الضر ويجلبون النفع فهو كافر كما جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم. ولا يجوز تعليق الخرز والتمائم، وقد جاء الوعيد الأكيد في السنة الصحيحة لمن فعل ذلك. عن عقبة بن عامر الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل إليه رهط فبايع تسعة وأمسك عن واحد فقالوا: يا رسول الله بايعتَ تسعة وتركت هذا، قال: إن عليه تميمة، فأدخل يده فقطعها فبايعه وقال: من علق تميمة فقد أشرك. رواه أحمد (16969) . والحديث: صححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (492) . وفي جواب السؤال رقم (10543) تجد تفصيل الأحاديث الواردة في التمائم، وفيه بيان حكم العلماء في التميمة المعلقة من القرآن وحكم التمائم من غيرها. وفيه – عن الشيخ سليمان بن عبد الوهاب -: هذا اختلاف العلماء في تعليق القرآن وأسماء الله وصفاته فما ظنك بما حدث بعدهم من الرقى بأسماء الشياطين وغيرهم وتعليقها بل والتعلق عليهم والاستعاذة بهم والذبح لهم وسؤالهم كشف الضر وجلب الخير مما هو شرك محض وهو غالب على كثير من الناس إلا من سلم الله. اهـ. وعن الشيخ حافظ حكمي: وإن تكن - أي: التمائم - مما سوى الوحيين بل من طلاسم اليهود وعبَّاد الهياكل والنجوم والملائكة ومستخدمي الجن ونحوهم أو من الخرز أو الأوتار أو الحلق من الحديد وغيره فإنها شرك - أي: تعليقها شرك - بدون ميْن - أي: شك -. اهـ ثانياً: وفي جواب السؤال رقم (9577) تجد سُبل الوقاية من الكوابيس والمنامات المزعجة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20349 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 589 أشخاص يدعون قدرتهم على مضاعفة الأموال باستخدام الجن [السُّؤَالُ] ـ[يوجد رجل يدعي أنه يتعامل مع الجن، ويقول: إنه على استعداد بأن يقوم بدفع الأرباح مضاعفة لمن يتعامل معه، فمثلاً إذا أعطيته مبلغ مليون فإنه يستخدم مادة الزئبق، للتعامل مع الجن، وبعدها يعطي أرباح خمسة ملايين ريال تقريباً، فما رأي فضيلتكم فيما يدعيه هذا الشخص، وهل صحيح أن الجن يحضرون مبالغ لمن يستخدمهم على حد زعمه؟ .]ـ [الْجَوَابُ] أرى أن هذا لا يجوز، حيث أن التعامل معهم غالباً لا يكون إلا بعد التقرب إليهم بما يحبون، وهو عمل الساحر الذي يتقرب إلى الشيطان بما يحب حتى يبطل عمله، وهكذا لما ذكر من استخدامهم الزئبق، فإنه خداع وأكل للمال بالباطل، وقد يدخل في القمار والاختلاس، فإن عمل الشياطين يكون بالتخييل والسحر، ومعلوم أنهم لا يملكون مثل ما نملك من الأموال والنقود والأمتعة، فإذا أعطوا الإنسان شيئاً من ذلك فإما أن يكون من التخييل الذي لا حقيقة له، أو أنه اختلاس من أموال الناس، فلا يحق التعامل معهم. انتهى وفي الحقيقة فإن كثيراً من هؤلاء المشعوذين الذين يدّعون تكثير الأموال هم محتالون وكذابون ويخدعون الناس ويأكلون أموالهم وأعمالهم لا تعدو أن تكون أعمال نصب واحتيال والجرائد طافحة بمثل هذه الأخبار نسأل الله السلامة. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 1021 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 590 أثر السحر على العلاقة الزوجية [السُّؤَالُ] ـ[هل للسحر أثر على العلاقة الزوجية؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الساحر يتعاطى أموراً يسحر بها الناس تارة بالتخييل، كما قال الله عن سحرة فرعون: (يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى) طه/66، ويعملون أعمالاً تغير مناظر الأمور في أعين الناس حتى يروا الأشياء على غير ما هي عليه، كما قال تعالى في سورة الأعراف: (فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم) /166، فهم يفعلون أشياء تسحر العيون، حتى يرى الحبل حية والعصا حية تمشي، وهي ليست حية وإنما عصا أو حبل، وكذلك يسحرون الناس بأمور أخرى مما يبغض الرجل إلى امرأته، والمرأة إلى زوجها، مما يسحرون به أعينهم، وبما يعطونهم من أدوية خبيثة يتلقونها عن الشياطين، وبما يعقدون من العقد التي ينفثون فيها بدعوة غير الله من الشياطين، والاستعانة بهم في إضرار الناس، فيخيل للرجل أن زوجته غير الزوجة المعروفة، فيراها في طلعة قبيحة ينفر منها ويبغضها، ويخيل للمرأة أن زوجها غير زوجها المعروف في صورة قبيحة وفي صورة مفزعة، بأسباب مما وقع من هؤلاء المجرمين. فسحرهم على نوعين: نوع يكون بالتخييل والتزوير على العيون حتى ترى الأشياء على غير ما هي عليه. ونوع آخر منه يسمى الصرف والعطف، يكون بالعقد والنفث والأدوية، التي يصنعونها من وحي الشياطين وما تزينه لهم ويدعونهم إليه وهذا النوع الثاني يحصل به تحبب الرجل إلى امرأته، أو بغضه لها والعكس، وهكذا غير الزوج والزوجة مع الناس الآخرين، ولهذا شرع الله لنا للاستعاذة من شر النفاثات في العقد، وشرع لنا الاستعاذة من كل سوء. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/8 ص/80. الحديث: 13005 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 591 حول دخول الجن بدن الإنسان [السُّؤَالُ] ـ[أُثِيرَت في الأيام الماضية قضية دخول الجن بدن الإنسان، وأن هذا مستحيل عقلاً ‍!! بسبب الاختلاف في أصل الخلقة، إذ خلق الإنسان من طين وخلق الجن من نار، وإن الشياطين لا تملك سوى الوسوسة ولم يجعل الله لها سلطة على الإنسان! وأن الأشرطة المسجلة التي تتداول ليست دليلاً على هذا الأمر، فما ردكم على ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن دخول الجان بدن الإنسان ثابت بالكتاب والسنة واتفاق أهل السنة والجماعة والمشاهد والمحسوس، ولم يخالف في ذلك إلا المعتزلة الذي قدموا معقولاتهم على أدلة الكتاب والسنة، ونحن نذكر من ذلك ما تيسر: قال الله عز وجل: (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا..) البقرة/275 قال القرطبي في تفسيره (ج3ص355) : (هذه الآية دليل على فساد إنكار من أنكر الصرع من جهة الجن، وزعم أنه من فعل الطبائع وأن الشيطان لا يسلك في الإنسان ولا يكون منه مس) وقال ابن كثير في تفسير (ج1ص32) بعد أن ذكر الآية السابقة (أي لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم المصروع حال صرعه وتخبط الشيطان له، وذلك أنه يقوم قياماً منكراً، وقال ابن عباس: آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنوناً يخنق) . وجاء في الحديث الصحيح الذي يرويه النسائي عن أبي اليسر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو: (اللهم إني أعوذ بك من التردي والهرم والغرق والحرق وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت ... ) قال المناوي في فيضه (ج2ص148) في شرح عبارة (وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت) أي يصرعني ويلعب بي ويفسد ديني أو عقلي (عند الموت) بنزعاته التي تزل بها الأقدام، وتصرع العقول والأحلام وقد يستولي على المرء عند فراق الدنيا فيضله أو يمنعه من التوبة ... الخ وقال ابن تيمية (مجموع الفتاوى 24/276) دخول الجن في بدن الإنسان ثابت باتفاق أهل السنة والجماعة، قال الله تعالى: (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس) البقرة /275 وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم) أ. هـ وقال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل: قلت لأبي: إن أقواماً يقولون إن الجن لا يدخل في بدن المصروع فقال: (يا بني يكذبون هو ذا يتكلم على لسانه) . قال ابن تيمية معلقاً (هذا الذي قاله مشهور فإنه يصرع الرجل فيتكلم بلسان لا يعرف معناه، ويُضرب على بدنه ضرباً عظيماً لو ضُرب به جمل لأثر به أثراً عظيماً، والمصروع مع هذا لا يحس بالضرب، ولا بالكلام الذي يقوله وقد يَجُر المصروع وغير المصروع ويجر البساط الذي يجلس عليه ويحول الآلات وينقل من مكان إلى مكان ويجري غير ذلك من الأمور، ومن شاهدها أفادته علماً ضرورياً بأن الناطق على لسان الإنس، والمحرك لهذه الأجسام جنس آخر غير الإنسان) ، ويقول رحمه الله: (وليس في أئمة المسلمين من ينكر دخول الجن بدن المصروع وغيره، ومن أنكر ذلك وادعى أن الشرع يُكذب ذلك فقد كذب على الشرع، وليس في الأدلة الشرعية ما ينفي ذلك) . فدخول الجن إلى جسد الإنس إذاً ثابت بالكتاب العزيز والسنة المطهرة وباتفاق أهل السنة والجماعة الذي سردنا بعضاً من أقوالهم. وأما قول الله عز وجل: (وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله) فهو لا شك دليل واضح على أن الجن لا يستطيعون أن يضروا أحداً بسحر أو بصرع أو غيره من أنواع الإيذاء أو الإضلال إلا بإذن الله، كما قال الحسن البصري: من شاء الله سلطهم عليه، ومن لم يشأ لم يسلط ولا يستطيعون من أحد إلا بإذن الله، كما قال الله تعالى، فالشيطان (وهو الجني الكافر) قد يسلط على المؤمنين بذنوبهم وبعدهم عن ذكر الله وتوحيده وإخلاص العبادة له، وأما عباد الله الصالحين فلا قدرة له عليهم كما قال تعالى: (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلاً) الإسراء/65. وقد كانت العرب في الجاهلية تعرف ذلك جيداً وتتداوله في أشعارها فقد شبه الأعشى ناقته في نشاطها بالجنون في قوله: وتصبح عن غب السرى وكأنما ألم بها من طائف الجن أولق والأولق: شبه الجنون. أما أسباب الصرع: فقد بين ابن تيمية (مجموع الفتاوى 19/39) ذلك بقوله: (إن صرع الجن للإنس قد يكون عن شهوة وهوى وعشق كما يتفق للإنس مع الإنس ... وقد يكون وهو الأكثر عن بغض ومجازاة مثل أن يؤذيهم بعض الإنس أو يظنوا أنهم يتعمدون أذاهم إما يبول على بعضهم وإما يصب ماءً حاراً وإما بقتل بعضهم، وإن كان الإنس لا يعرف ذلك، وفي الجن جهل وظلم فيعاقبونه بأكثر مما يستحقه، وقد يكون عن عبث منهم وشر بمثل سفهاء الإنس) انتهى. أقول: ولعل النجاة من ذلك هو ذكر الله والتسمية عند بدء الأمور كلها كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم التسمية وذكر الله عند أمور كثيرة مثل أكل الطعام والشراب وعند ركوب الدابة وعند وضع الثياب للحاجة وعند الجماع وغيرها من الأمور.. وأما عن علاجه فيقول ابن تيمية (مجموع الفتاوى 19/42) : (والمقصود أن الجن إذا اعتدوا على الإنس أخبروا بحكم الله ورسوله وأقيمت عليهم الحجة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر كما يفعل بالإنس لأن الله يقول: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً) ثم قال: وإذا لم يرتدع الجني بالأمر والنهي والبيان فإنه يجوز نهره وسبه وتهديده ولعنه، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الشيطان عندما جاء بشهاب ليرميه في وجه الرسول صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام: (أعوذ بالله منك، وألعنك بلعنة الله - ثلاثاً) رواه البخاري، ويستعان عليه أيضاً بذكر الله وقراءة القرآن، وخاصة أية الكرسي فقد قال صلى الله عليه وسلم: (فإنه من قرأها لن يزال عليه من الله حافظ ولا يقربه الشيطان حتى يصبح) رواه البخاري وقراءة المعوذتين كذلك. وأما الطبيب النفساني الذي لا يعتمد على ما ذكرنا في علاجه للمصروع فإنه لن ينفع المصروع بشيء. والمسألة تحتمل البسط أكثر من ذلك وفيما ذكرناه كفاية للمتبع. والحمد لله رب العالمين. [الْمَصْدَرُ] المرجع: مسائل ورسائل/محمد الحمود النجدي ص23 الحديث: 1819 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 592 القول الصحيح في حكم الساحر [السُّؤَالُ] ـ[ما هو القول الصحيح في حكم الساحر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله السحر بكل أنواعه محرم في كل الشرائع ومجمع على تحريمه وتحريم تعلمه. وهو يخالف ما جاءَت به الرسل ويعارض ما أنزلت من أجله الكتب. وقد ذهب أكثر أهل العلم إلى أن الساحر كافر يجب على وليّ الأمر قتله. قال تعالى {وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ... } . وقال {وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر} أي بعمل السحر فثبت أن هذا كفر. وذهب أكثر فقهاء الشافعية إلى أن الساحر لا يكفر إلا إذا اعتقد إباحة السحر أو اعتقد مثل ما يعتقده أهل بابل من التقرب للكواكب السبعة. وفيه نظر ولا دليل على اشتراط الاعتقاد. والصحيح أن الساحر كافر سواء اعتقد تحريمه أو لم يعتقد فمجرد عمل السحر كفر وهذا ظاهر الأدلة وليس في النصوص الأخرى ما يعارضها. وحين يثبت وصف السحر على شخص ما فإنه يقتل وجوباً فقد ثبت ذلك عن جماعة من الصحابة ولكن ليس لآحاد الناس إقامة الحدود دون أمر السلطان أو من يقوم مقامه لأنه يترتب على إقامة الحدود دون ولاة الأمور فساد وزعزعة للأمن وذهاب هيبة السلطان. [الْمَصْدَرُ] الشيخ سليمان العلوان الحديث: 13941 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 593 ربط خيط مقروء عليه آيات من القرآن [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن نقرأ القرآن على خيط أو ما شابهه، ثم نربطه حول معصم الطفل لحمايته من العين أو من الأمراض؟ أو بدلا عن ذلك، فهل يجوز أن نقوم بوضع آيات قرآنية داخل كبسولة معدنية صغيرة ثم نربطها حول معصم المسلم لحمايته من الاصابة بالعين أو البلايا؟ الناس عندنا في حينا السكني يعملون الأمرين أعلاه كثيرا. إنهم يقصدون إمام المسجد المحلي ليقدم لهم هذه الخدمات. وأنا لا أريد أن أفعل هذا لطفلي ما لم يكن هناك سبب تقبل به الشريعة. أرجو أن تساعدني في الوصول للحقيقة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز ربط هذه الخيوط أو القلائد، قال صلى الله عليه وسلم: " من تعلّق تميمة فلا أتمّ الله عليه " وقال: " من تعلّق شيئا وُكل إليه "، وقال: " من تعلّق تميمة فقد أشرك ". وقد أمر النبي عليه الصلاة والسلام بقطعها كما في الحديث عن عمران بن الحصين أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا في يده حلقة من صفر فقال ما هذه الحلقة قال هذه من الواهنة قال انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهنا. رواه ابن ماجة. [الْمَصْدَرُ] الشيخ وليد الفريان. الحديث: 11788 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 594 كيف تتخلص من التميمة بدون ضرر؟ [السُّؤَالُ] ـ[رجل ممن يعملون عندي والدي أقنعه أنه مصاب بالعين، وأحضر له حجراً وقال: ضعها في جيبك حتى تقيك من العين، ثم بعد فترة أحضر له ورقة مكتوباً فيها اب ع د وأسفل الورقة الله الحامي وبعض الكتابات الغير مفهومة والطلاسم والخرابيش فنحن نريد أن نتخلص من هذه الورقة لأنها غير مشروعة ولكن لم نعرف الطريقة الصحيحة للتخلص منها دون أي مضرة لنا، وأرجو من فضيلتك بعض الكلمات المفيدة والناصحة لنا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: العين حق كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، والوقاية منها تكون بالرقية الشرعية، والأوراد النبوية، لا بالتمائم، ولا بالتعاويذ التي يكتبها الدجاجلة والمشعوذون، ولمعرفة حقيقة العين وطرق الوقاية منها انظري السؤال رقم 20954، ورقم 11359. ثانيا: حمل الأحجار أو التعاويذ بقصد الحماية من العين أو السحر، يدخل في تعليق التمائم المنهي عنه، فعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ إِلَيْهِ رَهْطٌ فَبَايَعَ تِسْعَةً وَأَمْسَكَ عَنْ وَاحِدٍ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَايَعْتَ تِسْعَةً وَتَرَكْتَ هَذَا. قَالَ: إِنَّ عَلَيْهِ تَمِيمَةً، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فَقَطَعَهَا فَبَايَعَهُ، وَقَالَ: (مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ) رواه أحمد (16781) ، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (492) . وروى أحمد (17440) عن عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَلا أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدَعَةً فَلا وَدَعَ اللَّهُ لَهُ) والحديث حسنه الأرنؤوط في تحقيقه على المسند. والودعة: واحدة الودع، وهي أحجار تؤخذ من البحر يعلقونها لدفع العين. قال الخطابي رحمه الله: " التميمة يقال إنها خرزة كانوا يعلقونها يرون أنها تدفع الآفات ". وقال البغوي رحمه الله: " التمائم: جمع تميمة وهي خرزات كانت العرب تعلقها على أولادهم يتقون بها العين بزعمهم فأبطلها الشرع ". "التعريفات الاعتقادية" ص 121. والصحيح من قولي العلماء تحريم التميمة ولو كانت من القرآن، وانظري السؤال رقم (10543) ، وأما ما اشتمل على الحروف والكلمات المجهولة فلا خلاف في تحريمه، ولا يؤمن أن تكون سحرا، أو استعانة بالجن. ثالثا: طريقة التخلص من التمائم ومن السحر عند العثور عليه: يكون بحل العقد – إن وجدت - وفصل الأجزاء بعضها عن بعض ثم إتلافها بالحرق ونحوه؛ لما ثبت من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: (كان رجل من اليهود يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يأمنه، فعقد له عُقَدا فوضعه في بئر رجل من الأنصار، فاشتكى لذلك أياما. وفي حديث عائشة: (ستة أشهر) فأتاه ملكان يعودانه فقعد أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه، فقال أحدهما: أتدري ما وجعه؟ قال: فلان الذي كان يدخل عليه عقد له عُقَدا، فألقاه في بئر فلان الأنصاري، فلو أرسل إليه رجلا وأخذ منه العقد لوجد الماء قد اصفر. فأتاه جبريل فنزل عليه بالمعوذتين وقال: إن رجلا من اليهود سحرك، والسحر في بئر فلان، قال: فبعث عليا رضي الله عنه فوجد الماء قد اصفر فأخذ العقد فجاء بها، فأمره أن يحل العقد ويقرأ آية، فجعل يقرأ ويحل، فجعل كلما حل عقدة وجد لذلك خفة، فبرأ) أورده الألباني في السلسة الصحيحة (6/615) وعزاه للحاكم (4/460) والنسائي (2/172) وأحمد (4/367) والطبراني. وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " ينظر فيما فعله الساحر، إذا عرف أنه مثلا جعل شيئا من الشَّعر في مكان، أو جعله في أمشاط، أو في غير ذلك، إذا عرف أنه وضعه في المكان الفلاني أزيل هذا الشيء وأحرق وأتلف فيبطل مفعوله ويزول ما أراده الساحر " انتهى من "مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز" (8/144) . فالتخلص من الورقة التي مع أبيك، يكون بتمزيقها، وحرقها، مع تذكيره بالتوبة إلى الله تعالى من تعليق التمائم والتعلّق بها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 60359 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 595 استرجاع المسروقات والمفقودات عن طريق الكهان والعرافين [السُّؤَالُ] ـ[اختفى دفتر فواتير مهم خاص بالمؤسسة وعدم ظهوره سوف يكلفني الكثير أرسلت أحد أقاربي إلى رجل دين وسأله عن كيفية الحصول على هذا الدفتر، المهم: أمر بإحضار طفل عمره 11-12 سنة وأعطاه بيضة كتب عليها كتابة بالأزرق وغطى الطفل بشماغ وأخذ يقرأ ما تيسر من القرآن ثم سأل الطفل هل يرى الشخص الذي أخذ الدفتر فذكر الطفل شكل واسم شخص نعرفه تماماً ولا يعرفه هذا الطفل فما الحكم في هذا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: دلت الأدلة الصحيحة على تحريم إتيان العرافين والكهنة، وسؤالهم وتصديقهم، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) رواه مسلم (2230) . وقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رواه أحمد (9779) وأبو داود (3904) والترمذي (135) وابن ماجه (936) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه. قال البغوي رحمه الله: " العراف: الذي يدعي معرفة الأمور بمقدمات يستدل بها على المسروق ومكان الضالة ونحو ذلك " نقله في "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (2/178) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والعراف: قيل هو الكاهن، وهو الذي يخبر عن المستقبل. وقيل: هو اسم عام للكاهن والمنجم والرمال ونحوهم ممن يستدل على معرفة الغيب بمقدمات يستعملها، وهذا المعنى أعم، ويدل عليه الاشتقاق؛ إذ هو مشتق من المعرفة، فيشمل كل من تعاطى هذه الأمور وادعى بها المعرفة ". انتهى من "القول المفيد على كتاب التوحيد" (2/48) . فالتوصل إلى معرفة السارق بالطريقة التي ذكرت، نوع من العرافة والكهانة المحرمة، التي تعتمد على استخدام الجن والوثوق بهم، ولا ينبغي الانخداع بقراءة العراف لشيء من القرآن، فهذا من الحيلة والتمويه التي يلجأ إليها هؤلاء المبطلون. وانظر السؤال رقم (21124) : في بيان علامات السحرة والعرافين والكهان. ثانيا: ذهب بعض أهل العلم إلى كفر من يدعي معرفة المسروقات أو أن الجن تخبره بذلك، قال ابن نجيم رحمه الله في بيان المكفّرات: " وبإتيان الكاهن وتصديقه، وبقوله: أنا أعلم المسروقات، وبقوله: أنا أخبر عن إخبار الجن إياي " انتهى من البحر الرائق (5/130) . وإنما يكفر بقوله: أنا أخبر عن إخبار الجن إياي؛ لأن الجن كالإنس لا يعلمون الغيب، كما قال تعالى عنهم: (فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ) سبأ/14، قاله في حاشية البحر الرائق. وأما إتيان العراف وسؤاله، فيه تفصيل: قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " سؤال العراف ونحوه ينقسم إلى أقسام: القسم الأول: أن يسأله سؤالا مجردا؛ فهذا حرام لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أتي عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة) ؛ فإثبات العقوبة على سؤاله يدل على تحريمه؛ إذ لا عقوبة إلا على فعل محرم. القسم الثاني: أن يسأله فيصدقه، ويعتبر قوله؛ فهذا كفر لأن تصديقه في علم الغيب تكذيب للقرآن، حيث قال تعالى: (قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله) النمل/65. القسم الثالث: أن يسأله ليختبره: هل هو صادق أو كاذب، لا لأجل أن يأخذ بقوله؛ فهذا لا بأس به، وقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم ابن صياد؛ فقال: (ماذا خبأت لك؟ قال: الدخ. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (اخسأ؛ فلن تعدو قدرك) . فالنبي صلى الله عليه وسلم سأله عن شيء أضمره له؛ لأجل أن يختبره؛ فأخبره به. القسم الرابع: أن يسأله ليظهر عجزه وكذبه، فيمتحنه في أمور، وهذا قد يكون واجبا أو مطلوبا " انتهى من "القول المفيد" (2/49) . وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: أحيانا نفقد بعض المال أو الذهب من المنزل ونعتقد أنه سُرق، ونذهب لأحد الأشخاص ويعرف بالمخبر، ونشرح له ذلك، ويوعدنا خيرا، وأحيانا نسترجع المفقود، وأحيانا لا، فما حكم ذهابنا لهؤلاء الأشخاص؟ فأجابت: " لا يجوز ذهابكم إليه لأنه كاهن، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن إتيان الكهان ونحوهم وسؤالهم وتصديقهم "انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/410) . وسئلوا أيضاً (1/411) : قلتم في سؤال سابق لي وجوابه إن الذهاب إلى المخبر لا يجوز لأنه كاهن. أود أن أشير هنا أن الأشخاص الذين نذهب لهم معروفون بتمسكهم بتعاليم الدين الحنيف، ولا يقرأون غير القرآن والأحاديث الشريفة في مثل تلك المسائل التي ذكرتها في سؤالي، فما حكم ذهابنا إليهم؟ فأجابوا: " مجرد قراءة القرآن والأحاديث لا يُعرف به مكان المفقود، ولا يسترجع به، ومن ذهب إلى من يدعي معرفة مكان المفقود بمجرد قراءة القرآن والأحاديث فهو ملتجئ إلى كاهن دجال، ولو ادعى أنه صالح متمسك بالدين، وقد يتظاهر بقراءة القرآن والحديث الشريف للتضليل والتلبيس، وهم في الباطن من الكهنة والعرافين " انتهى. ثالثا: على من أتى هذا العراف وسأله، أن يتوب إلى الله تعالى، بالندم على فعله، والعزم على ألا يعود إليه، وأن لا يتهم أحدا بالسرقة اعتمادا على قول العراف ومساعديه من الجن، فإن الجن يكذبون، وقد يتهمون البريء للإيقاع والإفساد بين المسلمين. والتوبة هنا تلزم من أتى العراف وسأله، كما تلزم من دله وأرشده، فإن الجميع واقعون في المعصية. وراجع السؤال رقم 32863 في التوبة من سؤال العرافين أو تصديقهم. وينبغي للمسلم أن يفزع إلى الله تعالى، ويلجأ إليه عند حلول الحوادث والمصائب، فإن الأمر كله بيده سبحانه، كما قال: (أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) النمل/62. ولا يليق بمسلم أبداً أن يعرض دينه للضياع من أجل أن يجد شيئا فُقِدَ منه، فإن أغلى ما يجب على المسلم الحفاظ عليه هو دينه، وليبذل في سبيل الحفاظ على دينه ما أمكنه بذله من نفس ومال .... وكل شيء، ولا يجوز أبداً بحال من الأحوال أن يكون الأمر بالعكس. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 60431 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 596 كيفية التخلص من السحر بعد العثور عليه [السُّؤَالُ] ـ[أحضرنا خادمة، والآن بعد مرور 7 شهور ذات يوم بعد خروجها من دورة المياه وجدنا في مكانها شعر ملفوف غير طبيعي ومربوط عليه بخيط أربع لفات مع العلم أن الشعر ليس من شعر أهل البيت ثم قمنا بتفتيش حقيبتها فوجدنا أربع لفات من نفس الشعر وكل لفة معقود عليها بأربع لفات، ماذا نفعل بالشعر؟ مع العلم أيضا أن الشعر ليس شعر الخادمة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لف الشعر وعقده بالخيط من الطرق التي يستعملها السحرة في سحرهم وضلالهم، فإنهم يعقدون العقد وينفثون عليها بتعاويذهم الباطلة. ومن وجد شيئا من ذلك فليحل العقد وليفصل الأجزاء بعضها عن بعض مع قراءة المعوذات، ثم يتلفها بالحرق ونحوه؛ لما ثبت من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: (كان رجل من اليهود يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يأمنه، فعقد له عُقَدا فوضعه في بئر رجل من الأنصار، فاشتكى لذلك أياما، وفي حديث عائشة: (ستة أشهر) فأتاه ملكان يعودانه، فقعد أحدهما عند رأسه، والآخر عند رجليه، فقال أحدهما: أتدري ما وجعه؟ قال: فلان الذي كان يدخل عليه عقد له عُقَدا فألقاه في بئر فلان الأنصاري، فلو أرسل إليه رجلا وأخذ منه العقد لوجد الماء قد اصفر. فأتاه جبريل، فنزل عليه بالمعوذتين وقال: إن رجلا من اليهود سحرك، والسحر في بئر فلان، قال: فبعث رجلا (وفي طريق أخرى: فبعث عليا رضي الله عنه) فوجد الماء قد اصفر، فأخذ العقد فجاء بها، فأمره أن يحل العقد ويقرأ آية فحلها، فجعل يقرأ ويحل، فجعل كلما حل عقدة وجد لذلك خفة، فبرأ) . أورده الألباني في السلسة الصحيحة (6/615) وعزاه للحاكم (4/460) والنسائي (2/172) وأحمد (4/367) والطبراني. وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " ومن علاج السحر أيضا وهو من أنفع علاجه: بذل الجهود في معرفة موضع السحر في أرض أو جبل أو غير ذلك، فإذا عرف واستخرج وأتلف بطل السحر " انتهى. "مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز" (3/280) . وقال أيضا: " ينظر فيما فعله الساحر، إذا عرف أنه مثلا جعل شيئا من الشعر في مكان، أو جعله في أمشاط، أو في غير ذلك، إذا عرف أنه وضعه في المكان الفلاني أزيل هذا الشيء وأحرق وأتلف فيبطل مفعوله ويزول ما أراده الساحر " "مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز" (8/144) . وينبغي الحذر من هذه الخادمة والسعي في إرجاعها إلى بلدها، كما ينبغي لأهل المنزل أن يتحصنوا بالأذكار الشرعية، كأذكار الصباح والمساء والنوم، والدخول والخروج، والأكل والشرب. ومن الأمور التي يتقى بها خطر السحر قبل وقوعه: " أهم ذلك وأنفعه هو التحصن بالأذكار الشرعية والدعوات والمعوذات المأثورة ومن ذلك: قراءة آية الكرسي خلف كل صلاة مكتوبة بعد الأذكار المشروعة بعد السلام، ومن ذلك: قراءتها عند النوم، وآية الكرسي هي أعظم آية في القرآن الكريم وهي قوله سبحانه: (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) البقرة/255. ومن ذلك: قراءة (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) ، خلف كل صلاة مكتوبة، وقراءة السور الثلاث ثلاث مرات في أول النهار بعد صلاة الفجر وفي أول الليل بعد صلاة المغرب. ومن ذلك: قراءة الآيتين من آخر سورة البقرة في أول الليل وهما قوله تعالى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ المصير. . . إلى آخر السورة) . وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من قرأ آية الكرسي في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح) وصح عنه أيضا صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه) والمعنى والله أعلم: كفتاه من كل سوء. ومن ذلك: الإكثار من التعوذ بـ (كلمات الله التامات من شر ما خلق) في الليل والنهار وعند نزول أي منزل في البناء أو الصحراء أو الجو أو البحر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نزل منزلا فقال أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك) . ومن ذلك: أن يقول المسلم في أول النهار وأول الليل ثلاث مرات: (بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم) لصحة الترغيب في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن ذلك سبب للسلامة من كل سوء. وهذه الأذكار والتعوذات من أعظم الأسباب في اتقاء شر السحر وغيره من الشرور لمن حافظ عليها بصدق وإيمان وثقة بلله واعتماد عليه وانشراح صدر لما دلت عليه، وهي أيضا من أعظم السلاح لإزالة السحر بعد وقوعه مع الإكثار من الضراعة إلى الله وسؤاله سبحانه أن يكشف الضرر ويزيل البأس. ومن الأدعية الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم في علاج الأمراض من السحر وغيره - وكان صلى الله عليه وسلم يرقي بها أصحابه -: (اللهم رب الناس، أذهب البأس واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما) يقولها ثلاثا. ومن ذلك: الرقية التي رقى بها جبرائيل النبي صلى الله عليه وسلم وهي قوله: (بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك بسم الله أرقيك) ويكرر ذلك ثلاث مرات. انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (3/277- 279) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 60137 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 597 هل هناك فضل أو مزية لمن قتلت بالسحر؟ [السُّؤَالُ] ـ[لدي زميلة توفيت جدتها مسحورة بعد 3 سنوات من السحر، وقد حاولوا علاجها ولكن لم يفد ذلك، وتسألني زميلتي هل موتها عادي أم أن هناك فضلاً أو أي شيء يميز الإنسان الذي يموت وهو مسحور؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لم نقف على دليلٍ أو نقلٍ ـ بعد البحث ـ يدل على فضل من مات بالسحر، إلا أن المسحور إن صبر على بلواه كان له أجر الصابرين، وما أعظمه من أجر. قال الله تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) الزمر/10، وقال: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ. الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) البقرة/155- 157 وقال النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ) رواه الترمذي (2396) وابن ماجه (4031) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا يَزَالُ الْبَلاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ) رواه الترمذي (2399) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. وروى البخاري (5653) ومسلم (2576) عن عَطَاء بْن أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلَا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ، أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: إِنِّي أُصْرَعُ، وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي. قَالَ: (إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ) فَقَالَتْ: أَصْبِرُ. فَقَالَتْ: إِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لا أَتَكَشَّفَ، فَدَعَا لَهَا. وليعلم أن السحر له حقيقة، وقد يؤدي إلى مرض المسحور، وربما أدى إلى قتله. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وأما السحر في الشرع؛ فإنه ينقسم إلى قسمين: الأول: عُقَدٌ وَرُقىً؛ أي: قراءات وطلاسم يتوصل بها الساحر إلى استخدام الشياطين فيما يريد به ضرر المسحور، لكن قد قال الله تعالى: (وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ) البقرة/102. الثاني: أدوية وعقاقير تؤثر على بدن المسحور وعقله وإرادته وميله؛ فتجده ينصرف ويميل، وهو ما يسمى عندهم بالصرف والعطف. فيجعلون الإنسان ينعطف على زوجته أو امرأة أخرى، حتى يكون كالبهيمة تقوده كما تشاء، والصرف بالعكس من ذلك. فيؤثر في بدن المسحور بإضعافه شيئا فشيئا حتى يهلك. وفي تصوره بأن يتخيل الأشياء على خلاف ما هي عليه. وفي عقله؛ فربما يصل إلى الجنون والعياذ بالله " انتهى من "شرح كتاب التوحيد" (2/5) . هذا وقد ينال المسحور أجر الشهيد إذا أدى السحر إلى مرضه بداء البطن، أو الطاعون، أو ذات الجنب، أو ماتت المرأة وهي في حال الولادة، فقد روى أحمد (23804) وأبو داود (3111) والنسائي (1846) أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (مَا تَعُدُّونَ الشَّهَادَةَ؟ قَالُوا: الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الشَّهَادَةُ سَبْعٌ سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. الْمَطْعُونُ شَهِيدٌ. وَالْغَرِقُ شَهِيدٌ. وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ شَهِيدٌ. وَالْمَبْطُونُ شَهِيدٌ. وَصَاحِبُ الْحَرِيقِ شَهِيدٌ. وَالَّذِي يَمُوتُ تَحْتَ الْهَدْمِ شَهِيدٌ. وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ شَهِيدٌ) والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود. قال في "عون المعبود": " (المطعون) هو الذي يموت بالطاعون (والغرق شهيد) إذا كان سفره طاعة (وصاحب ذات الجنب) وهي قرحة أو قروح تصيب الإنسان داخل جنبه ثم تفتح ويسكن الوجع وذلك وقت الهلاك، ومن علاماتها الوجع تحت الأضلاع وضيق النفس مع ملازمة الحمى والسعال (والمبطون) من إسهال أو استسقاء أو وجع بطن (وصاحب الحريق) أي المحرق وهو الذي يموت بالحرق (تحت الهدم) أي حائط ونحوه. (والمرأة تموت بجُمع) قال الخطابي: معناه أن تموت وفي بطنها ولد " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 60160 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 598 أنواع علاج السحر [السُّؤَالُ] ـ[ما العلاج لمن به صرف أو عطف أو سحر؟ وكيف يمكن للمؤمن أن ينجو من ذلك ولا يضره فعله وهل هناك أدعية أو ذكر من القرآن والسنة لذلك الشيء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هناك أنواع من العلاج: أولاً: ينظر فيما فعله الساحر، إذا عرف أنه مثلاً جعل شيئاً من الشعر في مكان، أو جعله في أمشاط، أو في غير ذلك إذا عرف أنه وضعه في المكان الفلاني أزيل هذا الشيء وأحرق وأتلف فيبطل مفعوله ويزول ما أراده الساحر. ثانياً: أن يلزم الساحر إذا عرف أن يزيل ما فعل، فيقال له: إما أن تزيل ما فعلت أو تضرب عنقك، ثم إذا أزال ذلك الشيء يقتله ولي الأمر، لأن الساحر يقتل على الصحيح بدون استتابة، كما فعل ذلك عمر رضي الله عنه، وقد روى عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال (حد الساحر ضربه بالسيف) ولما علمت حفصة أم المؤمنين رضي لله تعالى عنها أن جارية لها تتعاطى السحر قتلتها. ثالثاً: القراءة فإن لها أثراً عظيماً في إزالة السحر: وهو أن يقرأ على المسحور أو في إناء آية الكرسي وآيات السحر التي في سورة الأعراف، وفي سورة يونس، وفي سورة طه، ومعها سورة الكافرون وسورة الإخلاص والمعوذتين، ويدعو له بالشفاء والعافية، ولاسيما بالدعاء الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو: (اللهم رب الناس أذهب البأس واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً) ، ومن ذلك ما رقى به جبرائيل النبي صلى الله عليه وسلم وهو: (بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك، بسم الله أرقيك) ويكرر هذه الرقية ثلاثاً، ويكرر قراءة (قل هو الله أحد) و (المعوذتين) ثلاثاً، ومن ذلك أن يقرأ ما ذكرناه في ماء ويشرب منه المسحور، ويغتسل بباقيه مرة أو أكثر حسب الحاجة، فإنه يزول بإذن الله تعالى، وقد ذكر هذا العلماء رحمهم الله، كما ذكر ذلك الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله في كتاب: (فتح المجيد شرح كتاب التوحيد) في (باب ما جاء في النشرة) وذكره غيره. رابعاً: أن يأخذ سبع ورقات من السدر الأخضر ويدقها ويجعلها في ماء ويقرأ فيه ما تقدم من الآيات والسور السابقة والدعوات فيشرب منه ويغتسل، كما أن ذلك ينفع في علاج الرجل إذا حبس عن زوجته فتوضع السبع ورقات من السدر الأخضر في ماء فيقرأ فيه ما سبق ثم يشرب منه ويغتسل، فإنه نافع بإذن الله جل وعلا. والآيات التي تقرأ في الماء وورق السدر بالنسبة للمسحورين ومن حبس عن زوجته ولم يجامعها هي كما يلي: 1- قراءة الفاتحة. 2- قراءة آية الكرسي من سورة البقرة وهي قوله تعالى: (الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السموات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤده حفظهما وهو العلي العظيم) /255 3- قراءة آيات الأعراف وهي قوله تعالى: (قال إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون قالوا أرجه وأخاه وأرسل في المدائن حاشرين يأتوك بكل ساحر عليم وجاء السحرة فرعون قالوا إن لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين قال نعم وإنكم لمن المقربين قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين قال ألقوا فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين وألقي السحرة ساجدين قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون) /106-122 4- قراءة آيات في سورة يونس وهي قوله تعالى: (وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم فلما جاء السحرة قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون) 79-82 5- قراءة آيات من سورة طه، وهي قوله عز وجل: (قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى فأوجس في نفسه خيفة موسى قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى) /65-69 6- قراءة سورة الكافرون. 7- قراءة سورة الإخلاص والمعوذتين وهما: سورة الفلق والناس (ثلاث مرات) . 8- قراءة بعض الأدعية الشرعية مثل: (اللهم رب الناس، أذهب البأس اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً) (ثلاث مرات) فهذا طيب، وإذا قرأ مع ذلك (باسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك، بسم الله أرقيك) (ثلاث مرات) فهذا طيب. وإن قرأ ما سبق على المسحور مباشرة ونفث على رأسه أو على صدره، فهذا من أسباب الشفاء بإذن الله أيضاً كما تقدم. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/8 ص / 144. الحديث: 12918 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 599 سحر الزوجة للزوج [السُّؤَالُ] ـ[أنا رجل طلقت زوجتي ثم تزوجت بزوجة أخرى وعندما أردت معاشرتها شعرت بأمور غريبة وكأنني مسحور فذهبت إلى شيخ فأعطاني وصفة علاجية غريبة وسؤالي هو، لماذا لم أستطع معاشرة زوجتي الجديدة؟ وما هو حكم ذلك الشيخ الذي يعالج الناس بغير القرآن؟ أفتونا مأجورين ... ]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كانت الزوجة القديمة قد أقرت بهذا العمل أو ثبت عليها ذلك بالبينة فقد فعلت منكرا عظيما بل كفرا وضلالا؛ لأن عملها هذا هو السحر المحرم، والساحر كافر كما قال الله سبحانه: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) فهذه الآية الكريمة تدل على أن السحر كفر وأن الساحر كافر والسحرة يتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم وأن من مقاصدهم التفريق بين المرء وزوجه وأنه لا خلاق لهم عند الله يوم القيامة - يعني لا حظ لهم في النجاة - وفي الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اجتنبوا السبع الموبقات قيل وما هن يا رسول الله؟ قال الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) أما الشيخ الذي أعطاك الدواء فالظاهر أنه ساحر كالمرأة؛ لأنه لا يطلع على أعمال السحر إلا السحرة وهو أيضا من العرافين والكهنة المعروفين بادعاء الغيب في كثير من الأمور، والواجب على المسلم أن يحذرهم وألا يصدّقهم فيما يدّعون من الغيب لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة) أخرجه مسلم في صحيحه وقال صلى الله عليه وسلم أيضا: (من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم) فالواجب عليك التوبة والندم على ما قد حصل منك وإخبار رئيس الهيئة ورئيس المحكمة بالشيخ المذكور وزوجتك القديمة حتى تعمل المحكمة والهيئة ما يردعهم، وإذا عرض لك مثل هذا الحادث فاسأل علماء الشرع حتى يخبروك بالعلاج الشرعي، وإذا كان الذي أصابك قد زال فالحمد لله وإلا فأخبرنا حتى نخبرك بالعلاج الشرعي رزقنا الله وإياك الفقه في الدين والثبات عليه والسلامة مما يخالفه إنه جواد كريم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز يرحمه الله، م/4، ص/431. الحديث: 13654 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 600 التعامل مع الجن [السُّؤَالُ] ـ[قال لي زوجي أن في بلده يوجد العديد من المشايخ اللذين يتعاملون مع الجان، وأنه عندما ينتاب أي شخص تعب أو مرض ما يمكنه أن يذهب إلى الجآن للحصول على المساعدة وقد أخبرت زوجي أن هذا حرام لكنه قال لي إنه حلال لأن الشيوخ يفعلون ذلك. فهل يمكنك تقديم البراهين والأدلة على هذا الأمر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله 1. الاستعانة بالجن واللجوء إليهم في قضاء الحاجات مِن الإضرار بأحدٍ أو نفعه: شرك في العبادة؛ لأنه نوعٌ من الاستمتاع بالجني بإجابته سؤاله وقضائه حوائجه في نظير استمتاع الجني بتعظيم الإنسي له ولجوئه إليه واستعانته به في تحقيق رغبته. قال الله تعالى: (ويوم يحشرهم جميعاً يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجَّلتَ لنا، قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم، وكذلك نولِّي بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون) الأنعام / 128. وقال تعالى: (وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً) الجن / 6. فاستعانة الإنسي بالجني في إنزال ضرر بغيره، واستعانته به في حفظه مِن شرّ من يخاف شرَّه: كلُّه شرك. ومن كان هذا شأنه: فلا صلاة له ولا صيام، لقوله تعالى: (لئن أشركتَ ليحبطنَّ عملُك ولتكونن من الخاسرين) الزمر / 65. ومن عُرف عنه ذلك: لا يُصلَّى عليه إذا مات، ولا تُتبع جنازته، ولا يُدفن في مقابر المسلمين. " فتاوى اللجنة الدائمة " (1 / 407، 408) . 2. وسئلت اللجنة الدائمة سؤالا في الموضوع يقول: أفيدكم علماً بأن في " زامبيا " رجلاً مسلماً يدَّعي أن عنده جنّاً، والناس يأتون إليه ويسألون الدواء لأمراضهم، وهذا الجن يحدِّد الدواء لهم. وهل يجوز هذا؟ الجواب: لا يجوز لذلك الرجل أن يستخدم الجن، ولا يجوز للناس أن يذهبوا إليه طلباً لعلاج الأمراض عن طريق ما يستخدمه من الجن ولا لقضاء المصالح عن ذلك الطريق. وفي العلاج عن طريق الأطباء من الإنس بالأدوية المباحة مندوحة وغنية عن ذلك مع السلامة من كهانة الكهَّان. وقد صحَّ عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال " من أتى عرَّافاً فسأله عن شيء: لم تُقبل له صلاة أربعين ليلة " رواه مسلم. وخرَّج أهل السنن الأربعة والحاكم وصححه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من أتى كاهناً فصدَّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ". وهذا الرجل وأصحابه من الجن يعتبرون من العرَّافين والكهنة، فلا يجوز سؤالهم ولا تصديقهم. " فتاوى اللجنة الدائمة " (1 / 408، 409) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 6846 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 601 الطرق الروحانية [السُّؤَالُ] ـ[هل تتفضلون بتعريفي بالرأي الإسلامي في الطرق الروحانية. ]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن كان المقصود تحضير الأرواح من جنٍ أو غيرهم فلا يجوز لأنه لا يتم إلا بطرق شركيه، وإن كان المراد ما يغذي الروح من إيمان بالله، ورسله، وملائكته، وكتبه، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، فهو مطلب شرعي على المسلم أن يسعى في تغذيته هذا الجانب. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ: عبد الكريم الخضير. الحديث: 7107 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 602 الجن [السُّؤَالُ] ـ[من هم الجن؟ وكيف خلقهم الله؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الجن خلق من خلق الله , خلقهم من نار قبل خلق آدم كما قال سبحانه: (ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون، والجان خلقناه من قبل من نار السموم) الحجر/26-270. وكما أن لآدم ذرية فكذلك لإبليس ذرية كما قال سبحانه عن إبليس: (أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا) الكهف/50. وقد خلق الله الجن والإنس لعبادته فمن أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون، ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون، إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) الذاريات/56-58. والجن كلهم مكلفون كالإنس منهم المؤمن ومنهم الكافر والمطيع والعاصي كما حكى الله سبحانه عنهم قولهم: (وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قدداً) الجن/11. وجزاء الجن في الآخرة كالإنس كما قال الله سبحانه عنهم: (وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون، فمن أسلم فأولك تحروا رشدا وأما القاسطون كانوا لجهنم حطباً) الجن/14- 15 0 وسيقف الجن والإنس جميعاً للحساب يوم القيامة أمام رب العالمين فلن يتأخر أو يفر منهم أحد: (يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان) الرحمن/33. ومن حاول الفرار من الجن والإنس عن الحساب فلن يتمكن كما قال عنهما سبحانه: (يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران) الرحمن/35. وحين كان الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة صرف الله إليه نفراً من الجن فسمعوا القرآن وتأثروا به: (وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قُضي ولوا إلى قومهم منذرين) الأحقاف/29. وقد آمن بعض الجن حين سمعوا القرآن كما قال سبحانه: (قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرءاناً عجباً، يهدي إلى الرشد فأمنا به ولن نشرك بربنا أحدا) الجن/1-2. وكل من آدم وإبليس وقع في المعصية لكن آدم ندم وتاب فتاب الله عليه: (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم) البقرة/37. أما إبليس فأبى واستكبر فكان من الكافرين: (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين) البقرة/34. ومن عصى الله مستكبراً من الجن والإنس فهو تبع للشيطان , يحشر معه في نار جهنم إن لم يتب كما قال سبحانه لإبليس: (قال فالحق والحق أقول، لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين) ص/84-85. وأولياء الرحمن من الإنس والجن يتعاونون على البر والتقوى وأولياء الشيطان من الإنس والجن يتعاونون على الإثم والعدوان. قال تعالى: (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون) الأنعام/112. وكان الجن لهم مقاعد في السماء يسترقون السمع فلما بعث الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم مُنعوا ذلك ومن استمع منهم أحرقته الشهب كما حكى الله عن الجن قولهم:: (وأنا لمسنا السماء فوجدناها مُلئت حرساً شديداً وشهباً، وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهاباً رصدا) الجن/8-9. والجن معنا في هذه الأرض , ولكن من رحمة الله أنهم يروننا ونحن لا نراهم كما قال سبحانه عن إبليس وقبيله: (إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم) الأعراف/27. ومن يراك وأنت لا تراه وهو عدوك فهو أشد خطراً لذا يجب الانتباه والحذر منه دائماً والاحتراس من شياطين الإنس و الجن. [الْمَصْدَرُ] من كتاب أصول الدين الإسلامي للشيخ محمد بن ابراهيم التويجري. الحديث: 13378 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 603 هل يرى المسحور مَن سحره أثناء الرقية [السُّؤَالُ] ـ[إذا أصيب الإنسان بالسحر واستعمل الرقية، فهل يمكن أن يحدث أنه أثناء قراءة القرآن يرى الشخص المصاب من قام بسحره وكيف فعل هذا؟ الناس تقول إن ما يراه الشخص المصاب أثناء الرؤية قد يكون صحيحاً وقد يكون خطأ، ويقولون بأن المصاب إذا اتهم شخصاً آخر فيجب عليه أن يتوب لأنه اتهم شخصاً بريئاً، فهل كلام هؤلاء الناس صحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما قاله لك الناس صحيح من أن رؤية المصاب لمن أصابه بعين أو سحر قد لا يكون صحيحا، ولا يجوز أن يُتهم البريء بأنه قام بسحرٍ لهذا المصاب، وما يراه المصاب أثناء الرقية لا يمكن أن يُجزم بأنه صحيح، بل الأكثر والأغلب أنه تخييل من الشيطان لإيقاع العداوة والبغضاء بين الناس، فلا ينبغي الالتفات إليه، إلا أن عدم الاعتداد به شرعا لا يمنع الإنسان من أخذ حيطته وحذره ممن قد يخشى منهم أذى من سحر أو عين أو غيره من دون أن يتضمن ذلك اتهاما لأحد بلا بينة شرعية أو يترتب عليه عداء له. وخطورة هذا الاتهام أنه قد يكون اتهاما بالكفر، وليس فقط اتهاما بإيقاع الضرر، وذلك أن الساحر إما أن يكون كافراً، وإما أن يكون مجرماً فاجراً، ويختلف حكمه لاختلاف طريقة قيامه بالسحر. قال الشيخ ابن عثيمين – في شرح حديث " اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله، والسحر، ... ": قوله: " والسحر "، أي: من الموبقات، وظاهر كلام النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا فرق بين أن يكون ذلك بواسطة الشياطين أو بواسطة الأدوية والعقاقير. لأنه إن كان بواسطة الشياطين، فالذي لا يأتي إلا بالإشراك بهم: فهو داخل في الشرك بالله. وإن كان دون ذلك: فهو أيضاً جرم عظيم؛ لأن السحر من أعظم ما يكون في الجناية على بني آدم، فهو يفسد على المسحور أمر دينه ودنياه، ويقلقه فيصبح كالبهائم، بل أسوأ من ذلك؛ لأن البهيمة خلقت هكذا على طبيعتها، أما الآدمي: فإنه إذا صرف عن طبيعته وفطرته لحقه من الضيق والقلق ما لا يعلمه إلا رب العباد، ولهذا كان السحر يلي الشرك بالله - عز وجل -. " القول المفيد شرح كتاب التوحيد " (2 / 287) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20776 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 604 السحر وأنواعه [السُّؤَالُ] ـ[هل للسحر حقيقة وهل يؤثر وما هي أنواعه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد: فإن السحر من الجرائم العظيمة، ومن أنواع الكفر ومما يبتلى به الناس قديماً وحديثاً، في الأمم الماضية وفي الجاهلية وفي هذه الأمة، وعلى حسب كثرة الجهل وقلة العلم وقلة الوازع الإيماني والسلطاني - يكثر أهل السحر والشعوذة، وينتشرون في البلاد للطمع في أموال الناس والتلبيس عليهم، ولأسباب أخرى، وعندما يظهر العلم ويكثر الإيمان، ويقوى السلطان الإسلامي يقل هؤلاء الخبثاء وينكمشون وينتقلون من بلاد إلى بلاد لالتماس المحل الذي يروج فيه باطلهم، ويتمكنون فيه من الشعوذة والفساد. وقد بين الكتاب والسنة أنواع السحر وحكمها. السحر سمي سحراً لأن أسبابه خفية، ولأن السحرة يتعاطون أشياء خفية يتمكنون بها من التخييل على الناس والتلبيس عليهم، والتزوير على عيونهم، وإدخال الضرر عليهم وسلب أموالهم إلى غير ذلك، بطرق خفية لا يفطن لها في الأغلب ولهذا يسمى آخر الليل سحراً، لأنه يكون في آخره عند غفلة الناس وقلة حركتهم، ويقال للرئة سحر، لأنها في داخل الجسم وخفية. ومعناه في الشرع: ما يتعاطاه السحرة من التخييل والتلبيس الذي يعتقده المشاهد حقيقة وهو ليس بحقيقة، كما قال الله سبحانه عن سحرة فرعون: (قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى فأوجس في نفسه خيفة موسى قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى) طه/ 65 - 69 وقد يكون السحر من أشياء يفعلها السحرة مع عقد ينفثون فيها كما قال سبحانه (ومن شر النفاثات في العقد) الفلق/4 وقد يكون من أعمال أخرى يتوصلون إليها من طريق الشياطين فيعملون أعمالاً قد تغير عقل الإنسان، وقد تسبب مرضاً له، وقد تسبب تفريقاً بينه وبين زوجته فتقبح عنده، ويقبح منظرها فيكرهها وهكذا هي قد يعمل معها الساحر ما يبغض زوجها إليها، وينفرها من زوجها وهو كفر صريح بنص القرآن، حيث قال عز وجل: (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر) البقرة /102 , فأخبر سبحانه عن كفرهم بتعليمهم الناس السحر، وقال بعدها: (وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر) البقرة/102 ثم قال سبحانه: (فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله) البقرة/102، يعني هذا السحر وما يقع منه من الشر كله بقدر سابق بمشيئة الله، فربنا جل وعلا لا يُغلب ولا يقع في ملكه ما لا يريد، بل لا يقع شيء في هذه الدنيا ولا في الآخرة إلا بقدر سابق، لحكمة بالغة شاءها سبحانه وتعالى، فقد يُبتلى هؤلاء بالسحر، ويُبتلى هؤلاء بالمرض، ويبتلى هؤلاء بالقتل ... إلى غير ذلك، لله الحكمة البالغة فيما يقضي ويقدر، وفيما يشرعه سبحانه لعباده، ولهذا قال سبحانه: (وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله) البقرة/102 يعني بإذنه الكوني القدري لا بإذنه الشرعي، فالشرع يمنعهم من ذلك ويحرم عليهم ذلك، لكن بالإذن القدري الذي مضى به علم الله وقدره السابق أن يقع من فلان السحر، ويقع من فلانة، ويقع على فلان وعلى فلانة، كما مضى قدره: بأن فلان يصاب بقتل أو يصاب بمرض كذا، ويموت في بلد كذا، ويرزق كذا ويغتني أو يفتقر، وكله بمشيئة الله وقدره سبحانه وتعالى، كما قال جل وعلا: (إنا كل شيء خلقناه بقدر) القمر/49، وقال سبحانه: (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير) الحديد/22، فهذه الشرور التي قد تقع من السحرة ومن غيرهم، لا تقع من جهل من ربنا فهو العالم بكل شيء سبحانه وتعالى لا يخفى عليه خافية جل وعلا، كما قال سبحانه: (إن الله بكل شيء عليم) الأنفال/75، وقال سبحانه (لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً) الطلاق/12، فهو يعلم كل شيء، ولا يقع في ملكه مالا يريد سبحانه وتعالى، ولكن له الحكمة البالغة، والغايات المحمودة فيما يقضي ويقدر مما يقع فيه الناس من عز وذل، وإزالة ملك، وإقامة ملك، ومرض وصحة، وسحر وغيره. وسائر الأمور التي تقع في العباد كلها عن مشيئة، وعن قدر سابق. وهؤلاء السحرة قد يتعاطون أشياء تخيلية كما تقدم في قوله عز وجل: (قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما إن نكون أول من ألقى قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى) طه/65-66، يخيل إلى الناظر أن هذه العصي، وأن هذه الحبال حيات تسعى في الوادي، وهي حبال وعصي لكن السحرة خيلوا للناس ما أظهروه أمام أعينهم من أشياء تعلموها تغير الحقائق على اناس بالنظر إلى أبصارهم، قال سبحانه: (يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى) طه/66، وقال تعالى في سورة الأعراف: (قال ألقوا فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم) آية 116، وهي في الحقيقة ما تغيرت، حبال وعصي ولكن تغير نظر الناس إليها بسبب السحر فاعتقدوها حيات بسبب التلبيس الذي حصل من السحرة، وتسميه بعض الناس "تقمير" وهو أن يعمل الساحر أشياء تجعل الإنسان لا يشعر بالحقيقة على ما هي عليه، فيكون بصره لا يدرك الحقيقة فقد يؤخذ من حانوته أو منزله ما فيه ولا يشعر بذلك، يعني أنه لم يعرف الحقيقة، فقد يرى الحجر دجاجة، أويرى الحجر بيضة، أوما أشبه ذلك، لأن الواقع تغير في عينيه، بسبب عمل الساحر وتلبيسه، فسُحرت عيناه وجعل هناك من الأشياء التي يتعاطاها السحرة من المواد ما تجعل عينيه لا تريان الحقيقة على ما هي عليه، هذا من السحر الذي سماه الله: عظيماً في قوله جل وعلا في سورة الأعراف: (فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم) آية 116. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. ص / 65. الحديث: 9432 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 605 شخص يدعي علم أماكن المسروقات [السُّؤَالُ] ـ[يزعم أحد الدجالين أنه يستطيع أن يتعرف على السارق بعد أن يسرق غيباً، وذلك بأمور لا يعلمها كثير من الناس منها، أنه يأمر بإحضار صحن ماء وطفل دون سن البلوغ، ويكون قد رضع من ثدي أمه حولين كاملين ولم يخيفه كلب، ثم يقوم بقراءة شيء من القرآن، وبعض الكلمات التي لا يفهم معناها، ثم يسأل الطفل هل رأيت شيئاً في الماء الذي في الصحن؟ فيصف الطفل السارق بالتفصيل، وأين أخفى المسروقات، فما حكم الدين فيه؟ وهل تجوز الصلاة خلفه، وأن نصله في السراء والضراء؟ علماً أنا قد نصحناه ولكن لا يقبل النصيحة ويقول: إنه على الحق.. .]ـ [الْجَوَابُ] لا شك أن هذا من السحرة، ومن عمل الشياطين، لأن هذا خارج عن قدرة البشر، فإن الغيب لا يعلمه إلا الله، والوحي إنما نزل على الرسل، ومحمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين لا نبي بعده، ولا شك أن الشيطان يتصور للكهان ويصف لهم السارق، ويبين لهم موضع السرقة، سواء في هذا الصحن والماء أو في غيره، ولا يجوز سؤالهم ولا تصديقهم (ومن أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم) صحيح، رواه أحمد (2/408) ، وأبو داود (3904) ، والترمذي (135) ، وابن ماجه (639) ، والحاكم (1/8) . وعلى هذا فلا يجوز تقديمه في الإمامة، ولا الصلاة خلفه، ولا صلته سراً أو جهراً، ولا إعطاؤه ولو في حالة الضرورة حتى يتوب، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] من كتاب اللؤلؤ المكين من فتاوى ابن جبرين ص 19. الحديث: 7873 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 606 هل الصرع من فعل الجن [السُّؤَالُ] ـ[بما أن الصرع يكون بسبب الجن، فكيف يمكننا تفسير قصة المرأة السوداء التي جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وطلبت منه أن يسأل الله أن يشفيها من الصرع الذي كانت تعاني منه ومن تكشفها بسببه؟ لكن لم يرد في القصة أن ذلك كان بسبب تلبس الجن بها؟ أم أن هناك خطأ في الترجمة، وأنها لم تكن تعاني من الصرع حقا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصرع له أكثر من سبب وغالبه من قبل الجن، وبعضه بسبب اعتلال في الجسد أو الدماغ، أو الأعصاب أو اختلاف المزاج، أو ضعف في البنية كل ذلك مما يسبب غيبة العقل، وصدور بعض التصرفات المخرجة عن حد الاعتدال. والمرأة السوداء قد يكون صرعها بسبب الجن، ولا يلزم نقل السبب، فاقتصر الرواة على ما ينبغي فعله عند حصول الصرع بأي سبب من دعاء ورقية أو صبر واحتساب. الشيخ عبد الكريم الخضير. وحديث المرأة السوداء في الصحيحين البخاري (5652) ومسلم (2576) ، وقد ورد في بعض روايات الحديث ما يشير إلى أن صرعها بسبب الجن كما عند البزار " إني أخاف الخبيث أن يجردني " قال الحافظ ابن حجر: وقد يؤخذ من الطرق التي أوردتها أن الذي كان بأم زفر كان من صرع الجن لا من صرع الخلط. فتح الباري حديث 5652 [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 9117 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 607 عالم الجن [السُّؤَالُ] ـ[قرأت في القرآن الكريم عن ما هم الجن، ولكني لا أدري ما هم في الحقيقة. أرجو تزويدي بمزيد من المعلومات عنهم إن أمكن. والسلام عليكم.]ـ [الْجَوَابُ] لقد دلت نصوص الكتاب والسنة على وجود الجن وأن لإيجادهم غاية في هذه الحياة وهي عبادة الله وحده لا شريك له قال تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) الذاريات: 56 وقال تعالى: (يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي) الأنعام: 130 وعالم الجن عالم مستقل بذاته، له طبعه الذي يتميز به وصفاته التي تخفى على عالم البشر. وبينهم وبين الإنسان قدر مشترك من حيث الاتصاف بالعقل والإدراك ومن حيث القدرة على اختيار طريق الخير والشر. وسموا جنا لاجتنانهم أي استتارهم عن العيون قال تعالى (إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم) الأعراف: 27 أصل الجن: أخبرنا الله في كتابه الكريم عن أصل خلق الجن فقال تعالى: (والجان خلقناه من قبل من نار السموم) وقال تعالى: (وخلق الجان من مارج من نار) الرحمن: 15 وفي الحديث عن عائشة عن النبي قال: " خلقت الملائكة من نور وخلق الجان من نار وخلق آدم مما وصف لكم " رواه مسلم 5314. أصناف الجن: خلق الله الجن على أصناف مختلفة. فمن الجن من يتحول إلى أشكال مختلفة كالكلاب والحيات ومنهم الريح الطيارة ذوو الأجنحة ومنهم من يحل ويضعن. عن أبي ثعلبة الخشني قال: قال رسول الله: " الجن ثلاثة أصناف: صنف لهم أجنحة يطيرون في الهواء وصنف حيات وكلاب وصنف يحلون ويظعنون." رواه الطحاوي في مشكل الآثار (4/95) ورواه الطبراني في الكبير (22/214) وقال الشيخ الألباني في المشكاة (2/1206 رقم 4148) : ورواه الطحاوي وأبو الشيخ بسند صحيح. الجن وابن آدم: كل فرد من بني آدم قد وكل به قرينه من الجن. عن ابن مسعود أنه قال: قال رسول الله: " ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن. قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: وإياي إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير. رواه مسلم (2814) قال النووي في شرحه لمسلم (17/175) : فأسلم.. صار مسلما مؤمنا وهذا هو الظاهر، قال القاضي: واعلم أن الأمة مجتمعة على عصمة النبي من الشيطان في جسمه وخاطره ولسانه. وفي هذا الحديث إشارة إلى التحذير من فتنة القرين ووسوسته وإغوائه فأعلمنا بأنه معنا لنحترز منه بحسب الإمكان.ا. هـ. قدراتهم: أعطى الله الجن قدرة لم يعطها للبشر، وقد حدثنا الله عن بعض قدراتهم فمن ذلك سرعة الحركة والانتقال فقد تعهد عفريت من الجن لنبي الله سليمان بإحضار عرش ملكة اليمن إلى بيت المقدس في مدة لا تتجاوز قيام الرجل من جلوس قال تعالى: (قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين. قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي) النمل: 39-40. طعام الجن وشرابهم: الجن يأكلون ويشربون: عن ابن مسعود قال: قال رسول الله: " أتاني داعي الجن فذهبت معه فقرأت عليهم القرآن قال: فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم وسألوه الزاد فقال: لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم لحما وكل بعرة علف لدوابكم فقال النبي: " فلا تستنجوا بهما فإنهما زاد إخوانكم " رواه مسلم (450) . وفي رواية: إِنَّهُ أَتَانِي وَفْدُ جِنِّ نَصِيبِينَ وَنِعْمَ الْجِنُّ فَسَأَلُونِي الزَّادَ فَدَعَوْتُ اللَّهَ لَهُمْ أَنْ لا يَمُرُّوا بِعَظْمٍ وَلا بِرَوْثَةٍ إِلا وَجَدُوا عَلَيْهَا طَعَامًا. " رواه البخاري 3571، فالمؤمنون من الجن لهم كل عظم ذكر اسم الله عليه لأن الرسول لم يبح لهم متروك التسمية، وأما متروك التسمية فإنه لكفرة الجن دواب الجن: في حديث ابن مسعود السابق أن الجن سألوا الرسول الزاد فقال:.. وكل بعرة علف لدوابكم. مساكن الجن: الجن يسكنون هذه الأرض التي نعيش فوقها ويكثر تواجدهم في الخراب ومواقع النجاسات كالحمامات والحشوش والمزابل والمقابر ولهذا جاء الهدي النبوي باتخاذ الأسباب عند الدخول على مثل هذه الأماكن وذلك بالأذكار المشروعة ومن ذلك ما جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث. رواه البخاري (142) ومسلم (375) ، قال الخطابي: الخُبُث جماعة الخبيث. والخبائث جمع الخبيثة يريد ذكران الشياطين وإناثهم. الجنّ منهم المؤمن ومنهم الكافر قال الله عزّ وجل عن الجنّ: وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15) سورة الجنّ، بل المسلمون منهم يتفاوتون في الصلاح والطاعة، قال تعالى في السورة نفسها: (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا (11) وقصة إسلام أوائل الجن في هذه الأمة قد جاءت عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: " انْطَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَامِدِينَ إِلَى سُوِ عُكَاظٍ وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمْ الشُّهُبُ فَرَجَعَتْ الشَّيَاطِينُ إِلَى قَوْمِهِمْ فَقَالُوا مَا لَكُمْ فَقَالُوا حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ قَالُوا مَا حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ إِلا شَيْءٌ حَدَثَ فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا فَانْظُرُوا مَا هَذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ فَانْصَرَفَ أُولَئِكَ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا نَحْوَ تِهَامَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِنَخْلَةَ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلاةَ الْفَجْرِ فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ فَقَالُوا هَذَا وَاللَّهِ الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ فَهُنَالِكَ حِينَ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ وَقَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنْ الْجِنِّ وَإِنَّمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ قَوْلُ الْجِنِّ. " رواه البخاري 731 حسابهم يوم القيامة والجن سيحاسبون يوم القيامة، قال مجاهد رحمه الله في قوله تعالى: (وَلَقَدْ عَلِمَتْ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) قال: سَتُحْضَرُ لِلْحِسَابِ. صحيح البخاري: باب ذكر الجن وثوابهم وعقابهم. الوقاية من أذى الجن لما كان الجن يروننا ولا نراهم علّمنا النبي صلى الله عليه وسلم سبلا كثيرة للوقاية من أذاهم مثل الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم ومثل قراءة سورة الفلق وسورة الناس. ومثل الاستعاذة الواردة في قوله تعالى: (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (98) سورة المؤمنون وكذلك فإن التسمية وهي قول بسم الله قبل دخول البيت وقبل الطعام والشراب وقبل الجماع يمنع الشيطان من المبيت ومشاركة الإنسان في مطعمه ومشربه ومنكحه وكذلك ذكر اسم الله قبل دخول الخلاء وقبل خلع اللباس يمنع الجنّ من رؤية عورة الإنسان ومن إيذائه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " سَتْرُ مَا بَيْنَ أَعْيُنِ الْجِنِّ وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ إِذَا دَخَلَ أَحَدُهُمْ الْخَلاءَ أَنْ يَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ رواه الترمذي 551 وهو في صحيح الجامع 3611 وقوة الإيمان والدّين عموما لدى الإنسي تمنع الجنّ من إيذائه بل ربما لو تقابلا في معركة لانتصر صاحب الإيمان كما روى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قال: لَقِيَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ رَجُلا مِنْ الْجِنِّ فَصَارَعَهُ فَصَرَعَهُ الإِنْسِيُّ فَقَالَ لَهُ الإِنْسِيُّ إِنِّي لأَرَاكَ ضَئِيلا شَخِيتًا كَأَنَّ ذُرَيِّعَتَيْكَ ذُرَيِّعَتَا كَلْبٍ فَكَذَلِكَ أَنْتُمْ مَعْشَرَ الْجِنِّ أَمْ أَنْتَ مِنْ بَيْنِهِمْ كَذَلِكَ قَالَ لا وَاللَّهِ إِنِّي مِنْهُمْ لَضَلِيعٌ وَلَكِنْ عَاوِدْنِي الثَّانِيَةَ فَإِنْ صَرَعْتَنِي عَلَّمْتُكَ شَيْئًا يَنْفَعُكَ قَالَ نَعَمْ قَالَ تَقْرَأُ: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ.. (وهي آية الكرسي) ، قَالَ نَعَمْ قَالَ فَإِنَّكَ لا تَقْرَؤُهَا فِي بَيْتٍ إِلا خَرَجَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ لَهُ خَبَجٌ كَخَبَجِ الْحِمَارِ ثُمَّ لا يَدْخُلُهُ حَتَّى يُصْبِحَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّد الضَّئِيلُ الدَّقِيقُ وَالشَّخِيتُ الْمَهْزُولُ وَالضَّلِيعُ جَيِّدُ الأَضْلاعِ وَالْخَبَجُ الرِّيحُ رواه الدارمي 3247 هذه نبذة عن الجنّ وخلقتهم وطبيعتهم والله خير حافظا وهو أرحم الراحمين. للمزيد يُراجع كتاب عالم الجن والشياطين: عمر سليمان الأشقر. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2340 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 608 متى يكفر الساحر [السُّؤَالُ] ـ[هل كل ساحر يعتبر كافراً؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الساحر هو الذي يستخدم الشياطين، ويتقرب إلى الجن بما يحبون من الذبح لهم من دون الله، ومن دعائهم مع الله، ومن طاعتهم في معصية الله بالزنا، وشرب الخمر، وأكل الحرام، وترك الصلاة والتلطخ بالنجاسات والبقاء في الأماكن القذرة، حتى تجيبه الشياطين لما طلب منها من الإضرار بالمسحورين بالصرف والعطف والملاطفة، والتفريق بين المرء وزوجه، والإخبار ببعض المغيبات، وبالمسروق ومكان الضالة فهذا مشرك كافر، لأنه عبد الله وعبد الشيطان، وهذا هو الشرك الأكبر، فيكون كافراً لقوله تعالى: (وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر) البقرة/102 ولقوله تعالى: (وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر) البقرة/102 وقد ورد الأمر بقتل الساحر لحديث (حد الساحر ضربة بالسيف) رواه الترمذي (1460) والدارقطني (3/114) والحاكم (4/360) والبيهقي (8/136) ، وانظر السلسلة الضعيفة 3/641 رقم 1446. فعلى هذا يكون كافراً ولو صلى وصام وقرأ ودعا، فإن الشرك يحبط الأعمال، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] اللؤلؤ المكين من فتاوى ابن جبرين ص 11. الحديث: 7870 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 609 ترى في منامها أحلاماً مزعجة بعد أن تزوجت [السُّؤَالُ] ـ[أنا فتاة شابة وقد تزوجت مؤخرا برجل صاحب خلق ودين، ومنذ أن تزوجت , وأنا أرى أحلاما مروعة عن زوجي وعن غيره ممن أحب. لم يسبق أن رأيت أحلاما مروعة قبل زواجي, حيث كنت أردد الأذكار دائما قبل أن أنام. في بعض الأحيان أرى أن هناك جناً داخل أشخاص أخرين وأنا أحاول دفعهم بقراءتي لآية الكرسي , لكنهم يمنعوني من فعل ذلك. أنا لا أستطيع النوم في المساء وأقوم من نومي مرارا. لقد أخبرتني إحدى الأخوات أن ذلك ربما يكون بسبب العين والحسد من بعض الناس. إذا كان ذلك هو السبب, فهل ترشدني كيف أفعل في مشكلتي هذه؟ فالأمر يضايقني جدا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا شك أن الذي تراه الأخت السائلة من الأحلام المروعة هي من الشيطان اللَّعين الذي يحاول جهده أن يصد الناس عن الدين وعن ربهم الذي يعبدون، ويريد أن يدخل الحزن على المؤمنين، ولكن كيده على أولياء الله المتقين، كيد ضعيف مهين، لا سيما الذين يحصنون أنفسهم بالرقي الشرعية في يقظتهم وعند منامهم. ثانياً: اعلمي أن أفضل ما يحفظ به المسلم نفسه من الشيطان ذكر الله تعالى وفي الحديث الذي رواه الترمذي (2863) أن الله تعالى أمر يحيى بن زكريا عليه السلام أن يأمر بني إسرائيل بخمس كان منها: (وَآمُرُكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا اللَّهَ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ خَرَجَ الْعَدُوُّ فِي أَثَرِهِ سِرَاعًا حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حِصْنٍ حَصِينٍ فَأَحْرَزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ كَذَلِكَ الْعَبْدُ لا يُحْرِزُ نَفْسَهُ مِنْ الشَّيْطَانِ إِلا بِذِكْرِ اللَّهِ) . صححه الألباني في صحيح الترمذي. فالمسلم إذا صاحبَ تقوى الله في أمره كله، وحافظ على أوامر الله واجتنب نواهيه ومحارمه، والتزم بذكر الله من صلاة وصيام وغير ذلك من الطاعات، وحصَّن نفسه بتلاوة القرآن في الليل والنهار والجهر والإسرار، وحافظ على الأوراد والأذكار التي شرع قولها والتلفظ بها من أذكار المساء والصباح والطعام والشراب واللباس والمنام: فإن الشيطان يبعد عنه مذموماً مدحوراً لا يقوى على شيء من أمره، وكيف لا والله تعالى يقول: {الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا} النساء / 76. فالشيطان لا يقرب إلا من البعيدين عن دينهم وعن قرآنهم، وقد يتعرض الشيطان للصالحين ليصدهم عن السبيل وليخرب عليهم معاشهم ودينهم ودنياهم، فالوقاية تكون منه بالذي أسلفنا وليراجع في ذلك كتب الأذكار مثل كتاب " الأذكار " للإمام النووي و " عمل اليوم والليلة " للنسائي و " عمل اليوم والليلة " لابن السني، وغير ذلك من كتب الأذكار الخاصة بهذا الموضوع أو العامة من كتب السنن، فعند ذلك نرجو أن يتعدل الحال، ويروق البال، ويغير الله من حال إلى حال. ومن الأذكار التي ننصح المداومة عليها: 1 – أذكار الصباح والمساء: أ. أن يحافظ في كل مساء على أن يقول: " أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ". عن أبي هريرة أنه قال: " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة، قال: أما لو قلت حين أمسيت: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضرك ". رواه مسلم (2709) . بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم حثنا على أن نقول ذلك في كل منزل ننزله. عن خولة بنت حكيم السلمية تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من نزل منزلا ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك ". رواه مسلم (2708) . ب. عن عثمان بن عفان رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات لم يضره شيء. رواه الترمذي (3388) وصححه، وابن ماجه (3869) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه. ج. أن يقرأ قبل النوم آية الكرسي والمعوذات: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام فأخذته فقلت لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث فقال إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدقك وهو كذوب ذاك شيطان ". رواه البخاري (3101) ومسلم (505) . والأذكار كثيرة جداً لا يسعها مثل هذا المجال. ثالثاً: أما الحسد والعين الذي تحدثت عنه، وأنه ربما يكون الأذى قد نالك بسبب ذلك، فالوقاية منه تكون بالأذكار الشرعية. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين ويقول إن أباكما كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق: أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامَّة ومن كل عين لامَّة ". رواه البخاري (3191) . أما العلاج: فعن ابن عباس: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " العين حق ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين وإذا استغسلتم فاغسلوا ". رواه مسلم (2188) . فإن كنت تعلمين أن العين التي أصابتك من إنسان معين معلوم: فاطلبي منه أن يغتسل، أو فليتوضأ ثم أهريقي عليكِ ماء غسله أو وضوئه، والكيفية فيها يبينها لنا ابن القيم فيقول: وفي سنن أبي داود، عن عائشة رضي الله عنها قالت: " كان يؤمر العائن فيتوضأ ثم يغتسل منه المعين "، وفي الصحيحين عن عائشة قالت: " أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أو أمر أن نسترقي من العين "، وذكر الترمذي من حديث سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عروة بن عامر عن عبيد بن رفاعة الزرقي أن أسماء بنت عميس قالت: " يا رسول الله إن بني جعفر تصيبهم العين أفأسترقي لهم؟ فقال: نعم، فلو كان شيء يسبق القضاء لسبقته العين " قال الترمذي: حديث حسن صحيح، ثم ذكر حديث إصابة عامر بن ربيعة لسهل بن حنيف بعينه وأمر النبي صلى الله عليه وسلم لعامر بالاغتسال، (فغسل له عامر وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح ثم صب عليه فراح مع الناس) . " الطب النبوي " (ص 127 – 129) . ولمعرفة المزيد عن العين وطرق علاجها والوقاية منها راجعي السؤال رقم (20954) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 9574 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 610 هل الجن يعاونون الإنس على بعض الأشياء [السُّؤَالُ] ـ[ما الفرق بين الشيطان والجن، وهل الشيطان يتناسل من ذكر وأنثى؟ وهل الشيطان يتعامل مع الإنسان بأن يخدمه مقابل عصيان الإنسان لربه؟ وهل هناك جن مسلمون يخدمون المسلمين كخدمتهم لسيدنا سليمان عليه السلام؟ وإذا كان الشيطان أو الجن باستطاعته خدمة الإنسان فلماذا لا يساعد المسلمون من الجن المسلمين من الإنس في حربهم مع الكفار، ونقل أسرارهم ونصرة الإسلام؟ ولماذا لا يساعد الكفار منهم الكفار من الإنس بأي شكل من الأشكال؟ وهل حصلت أمثلة في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وإذا كان يوجد كتاب فيه مثل هذه المسائل دلوني عليه حتى أستطيع أن أنجو من شر الشياطين، نجاني الله وإياكم من شرورهم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الشياطين من الجن، وهم المتمردون منهم وأشرارهم كما أن شياطين الإنس هم متمردو الإنس وأشرارهم، فالجن كالإنس منهم شياطين وهم متمردوهم وأشرارهم من الكفرة والفسقة وفيهم المسلمون من الأخيار الطيبين كما في الإنس الأخيار الطيبون، قال تعالى: (وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون) والشيطان هو أبو الجن عند جمع من أهل العلم، وهو الذي عصى ربه واستكبر عن السجود لآدم، فطرده الله وأبعده. وقال آخرون من أهل العلم: إن الشيطان من طائفة من الملائكة يقال لهم (الجن) استكبر عن السجود فطرده الله وأبعده، وصار قائداً لكل شر وخبيث، وكل كافر وظالم، وكل إنسان معه شيطان ومعه ملك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما منكم من أحد إلا ومعه قرينه من الجن وقرينه من الملائكة) قالوا: وأنت يا رسول الله؟ قال: (وأنا إلا أن الله أعانني عليه فأسلم) وأخبر صلى الله عليه وسلم أن الشيطان يملي على الإنسان الشر يدعوه إلى الشر وله لمة في قلبه وله اطلاع بتقدير الله على ما يريده العبد وينويه من أعمال الشر والخير، والملك كذلك له لمة بقلبه يملي عليه الخير ويدعوه إلى الخير فهذه أشياء مكنهم الله منها: أي مكن القرينين القرين من الجن والقرين من الملائكة، وحتى النبي صلى الله عليه وسلم معه شيطان وهو القرين من الجن كما تقدم وهو الحديث بذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما منكم من أحد إلا ومعه قرينه من الملائكة ومن الجن) قالوا: وأنت يا رسول الله، قال: (وأنا إلا أن الله أعانني عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير) ، والمقصود أن كل إنسان معه قرين من الملائكة وقرين من الشياطين، فالمؤمن يقهر شيطانه بطاعة الله والاستقامة على دينه، ويذل شيطانه حتى يكون ضعيفاً لا يستطيع أن يمنع المؤمن من الخير ولا أن يوقعه في الشر إلا ما شاء الله، والعاصي بمعاصيه وسيئاته يعين شيطانه حتى يقوى على مساعدته على الباطل، وتشجيعه على الباطل، وعلى تثبيطه عن الخير. فعلى المؤمن أن يتقي الله وأن يحرص على جهاد شيطانه بطاعة الله ورسوله والتعوذ بالله من الشيطان، وعلى أن يحرص في مساعدة ملكه على طاعة الله ورسوله والقيام بأوامر الله سبحانه وتعالى والمسلمون يعينون إخوانهم من الجن على طاعة الله ورسوله كالإنس وقد يعينهم الإنس في بعض المسائل وإن لم يعلم بذلك الإنس، فقد يعينونهم على طاعة الله ورسوله بالتعليم والتذكير مع الإنس وقد يحضر الجن دروس الإنس في المساجد وغيرها فيستفيدون من ذلك. وقد يسمع الإنس منهم بعض الشيء الذي ينفعهم، وقد يوقظونهم للصلاة، وقد ينبهونهم على أشياء تنفعهم وعن أشياء تضرهم. فكل هذا واقع وإن كانوا لا يتمثلون للناس. وقد يتمثل الجني لبعض الناس في دلالته على الخير أو في دلالته على الشر، فقد يقع هذا ولكنه قليل، والغالب أنهم لا يظهرون للإنسان وإن سمع صوتهم في بعض الأحيان يوقظونه للصلاة أو يخبرونه ببعض الأخبار. فالحاصل أن الجن من المؤمنين لهم مساعدة للمؤمنين وإن لم يعلم المؤمنون بذلك، ويحبون لهم كل خير. وهكذا المؤمنون من الإنس يحبون لإخواهم المؤمنين من الجن كل خير ويسألون الله لهم الخير. وقد يحضرون الدروس، ويحبون سماع القرآن والعلم كما تقدم فالمؤمنون من الجن يحضرون دروس الإنس، في بعض الأحيان وفي بعض البلاد، ويستفيدون من دروس الإنس، كل هذا واقع ومعلوم. وقد صرح به كثير من أهل العلم ممن اتصل به الجن وسألوه عن بعض المسائل العلمية وأخبروه أنهم يحضرون دروسه، كل هذا أمر معلوم والله المستعان، وقد أخبر الله سبحانه عن سماع الجن للقرآن من النبي صلى الله عليه وسلم في آخر سورة الأحقاف حيث قال سبحانه: (وإذ صرفنا إليك نفر من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى مصدقاً لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم) الجن/29-30 والآيتين بعدها وأنزل الله سبحانه في سورة مستقلة وهي سورة: (قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآناً عجباً) السورة. الجن/1. وهناك كتب كثيرة ألفت في هذا الباب، وابن القيم رحمه الله في كتبه قد ذكر كثيراً من هذا وكذلك كتاب لبعض العلماء سماه (المرجان في بيان أحكام الجان) لمؤلفه الشبلي، وهو كتاب مفيد وهناك كتب أخرى صنفت في هذا الباب، وبإمكان الإنسان أن يلتمسها ويسأل عنها في المكتبات التجارية، وبإمكانه أن يستفيد من كتب تفسير سورة الجن والآيات الأخرى من سورة الأحقاف وغيرها التي فيها أخبار الجن، وبمراجعة التفاسير يستفيد الإنسان من ذلك ومما قاله المفسرون رحمهم الله في أخبار الجن وأشرارهم وأخيارهم. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/9 ص/373. الحديث: 8214 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 611 هل إبليس لا زال حيا [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان الجن يعيشون ويموتون, فهل يعني ذلك أن إبليس قد مات، أم أنه ما يزال حيا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إنّ من سُنة الله في خلق الإنسان أن يبتليه ويختبره، لِيُمَحِّصه، قال تعالى: (وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) آل عمران / 154. وكان مما ابتلانا الله به، إبليس - لعنه الله -، فجعله الله من المنظرين إلى وقت معلوم، يصدّ عن الخير ويأمر بالشر، وينهى عن المعروف ويأمر بالمنكر، فصدّقه من صدّقه، واتبعه خلق كثير من بني آدم، فضلَّ وأَضَلَّ، وكان إبليس قد تعهد بأن يفعل ذلك: قال تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا * قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلا قَلِيلا * قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا * وَاسْتَفْزِزْ مَنْ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَولادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَانُ إِلا غُرُورًا * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلا) الإسراء / 61 - 65. وقال تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ * قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ * قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنْ الصَّاغِرِينَ * قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنْ الْمُنظَرِينَ * قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ * قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ) الأعراف / 11 - 18. ويدلُّ ظاهر هذه الآيات وغيرها أن إبليس - لعنه الله - أنظرهُ الله إلى أجل، والإنظار معناه التأخير، فأخرَّه الله إلى يوم معلوم عنده، لا يعلمه غيره، وكان إبليس قد سأل الله أن يؤخره، قال تعالى: (قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنْ الْمُنظَرِين * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُوم) ص / 80 - 82. وقد اختلف العلماء في قوله تعالى (إلى يوم الوقت المعلوم) : · فمنهم من قال: أنه يوم البعث، عند النفخة الثانية. · ومنهم من قال: أنه أجل إبليس المكتوب له. وذهب أكثر أهل العلم: أن المقصود بيوم الوقت المعلوم، هو يوم موت جميع الخلائق وفنائها عند النفخة الأولى، وليس النفخة الثانية، وقالوا: لأنه بعد البعث - النفخة الثانية في الصور - لا يكون هناك موت، قال تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ) الزمر / 68. قال البيضاوي في تفسيره: " إلى يوم الوقت المعلوم: المسمى فيه أجلك عند الله، أو انقراض الناس كلهم وهو النفخة الأولى عند الجمهور " تفسير البيضاوي (3 / 370) . قال القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية: " قال ابن عباس: أراد به النفخة الأولى. أي حين تموت الخلائق. وقيل: الوقت المعلوم الذي استأثر الله بعلمه ويجهله إبليس فيموت إبليس ثم يُبعَث؛ قال الله تعالى: (كل من عليها فان) " تفسير القرطبي (10 / 27) . وروى الطبري في تفسيره عن السُدِّي: " (قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون * قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم) : فلم يُنْظِرهُ إلى يوم البعث ولكن أنظره إلى يوم الوقت المعلوم، وهو يوم ينفخ في الصور النفخة الأولى فصعق من في السموات ومن في الأرض فمات " (8 / 132) . قال الإمام الشوكاني في تفسير هذه الآيات: ".. (إلى يوم الوقت المعلوم) : الذى قَدَّرَهُ الله لفناء الخلائق وهو عند النفخة الآخرة، وقيل هو النفخة الأولى. قيل إنما طلب إبليس الإنظار إلى يوم البعث ليتخلص من الموت لأنه إذا أنظر إلى يوم البعث لم يمت قبل البعث وعند مجىء البعث لا يموت فحينئذ يتخلص من الموت فأجيب بما يبطل مراده وينق عليه مقصده وهو الإنظار إلى يوم الوقت المعلوم وهو الذى يعلمه الله ولا يعلمه غيره " فتح القدير (4 / 446) . فهذا يدل على أن إبليس - لعنه الله - ما يزال حياً، وأنه ما يزال يُفسد في الأرض ويُضِّل الناس عن سبيل الله. وأنه ليس مُخلداً إلى يوم القيامة، بل له أجل سوف يموت فيه، والله أعلم بهذا الأجل، قال تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْت) وقال تعالى: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجهُ رَبِّكَ ذُو الجَلاَلِ وَالإِكْرَام) . وأيضاً فقد جاء ما يَدُلُّ على أن إبليس - لعنه الله - كان حيّاً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم: · ظهور إبليس يوم بدر على هيئة سراقة بن مالك، قال الله تعالى: (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمْ الْيَوْمَ مِنْ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتْ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ) الأنفال / 48. قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: " حَسَّنَ لهم - لعنه الله - ماجاؤا له وما همّوا به، وأطمعهم أنه لا غالب لهم اليوم من الناس، ونفى عنهم الخشية من أن يؤتوا في ديارهم من عدوهم بني بكر فقال إني جار لكم، وذلك أنه تبدى لهم في صورة سراقة بن مالك بن جعشم سيد بني مدلج كبير تلك الناحية. وكل ذلك منه كما قال تعالى عنه: (يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا) . قال ابن جريج: قال ابن عباس رضي الله عنه في هذه الآية: لمّا كان يوم بدر سار إبليس برايته وجنوده مع المشركين وألقى في قلوب المشركين أن أحدا لن يغلبكم وإني جار لكم فلما التقوا ونظر الشيطان إلى إمداد الملائكة نكص على عقبيه - رجع مدبراً - وقال إني أرى ما لا ترون.. الآية " تفسير ابن كثير (2 / 318) . · وأيضاً ظهوره - لعنه الله - يوم أُحد، جاء في الحديث الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: " لَمَّا كَانَ يَوْمَ أُحُدٍ هُزِمَ الْمُشْرِكُونَ فَصَاحَ إِبْلِيسُ: أَيْ عِبَادَ اللَّهِ أُخْرَاكُمْ. فَرَجَعَتْ أُولاهُمْ فَاجْتَلَدَتْ هِيَ وَأُخْرَاهُمْ، فَنَظَرَ حُذَيْفَةُ فَإِذَا هُوَ بِأَبِيهِ الْيَمَانِ فَقَالَ أَيْ عِبَادَ اللَّهِ أَبِي أَبِي فَوَاللَّهِ مَا احْتَجَزُوا حَتَّى قَتَلُوهُ فَقَالَ حُذَيْفَةُ غَفَرَ اللَّهُ لَكُمْ. قَالَ عُرْوَةُ: فَمَا زَالَتْ فِي حُذَيْفَةَ مِنْهُ بَقِيَّةُ خَيْرٍ حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ " رواه البخاري برقم 3047. · وقد جاء في الأحاديث الصحيحة أنه عليه الصلاة والسلام رأى إبليس، جاء في الحديث الصحيح عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: " قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ. ثُمَّ قَالَ: أَلْعَنُكَ بِلَعْنَة اللَّهِ، ثَلاثًا، وَبَسَطَ يَدَهُ كَأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ شَيْئًا. فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الصَّلاةِ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ سَمِعْنَاكَ تَقُولُ فِي الصَّلاةِ شَيْئًا لَمْ نَسْمَعْكَ تَقُولُهُ قَبْلَ ذَلِكَ! وَرَأَيْنَاكَ بَسَطْتَ يَدَكَ؟! قَالَ: إِنَّ عَدُوَّ اللَّهِ إِبْلِيسَ جَاءَ بِشِهَابٍ مِنْ نَارٍ لِيَجْعَلَهُ فِي وَجْهِي، فَقُلْتُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قُلْتُ: أَلْعَنُكَ بِلَعْنَةِ اللَّهِ التَّامَّةِ فَلَمْ يَسْتَأْخِرْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ. ثُمَّ أَرَدْتُ أَخْذَهُ؛ وَاللَّهِ لَوْلا دَعْوَةُ أَخِينَا سُلَيْمَانَ لأَصْبَحَ مُوثَقًا يَلْعَبُ بِهِ وِلْدَانُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ " رواه مسلم برقم 843، والنسائي برقم 1200. وعن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فَصَلَّى صَلاةَ الصُّبْحِ وَهُوَ خَلْفَهُ، فَقَرَأَ فَالْتَبَسَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلاتِهِ قَالَ: لَوْ رَأَيْتُمُونِي وَإِبْلِيسَ فَأَهْوَيْتُ بِيَدِي فَمَا زِلْتُ أَخْنُقُهُ حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ لُعَابِهِ بَيْنَ إِصْبَعَيَّ هَاتَيْنِ الإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا، وَلَوْلا دَعْوَةُ أَخِي سُلَيْمَانَ لأَصْبَحَ مَرْبُوطًا بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ يَتَلاعَبُ بِهِ صِبْيَانُ الْمَدِينَةِ فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ لا يَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ أَحَدٌ فَلْيَفْعَلْ " رواه أحمد برقم 11354. · وعن جابر رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إِنَّ عَرْشَ إِبْلِيسَ عَلَى الْبَحْرِ فَيَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَيَفْتِنُونَ النَّاسَ فَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً " رواه مسلم برقم 5031، وأحمد برقم 1427. فإبليس عليه لعنة الله ما زال حياً، وسيموت في الوقت المعلوم الذي أنظره الله إليه، وهو على الراجح من قول أهل العلم: يوم النفخة الأولى. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المند الحديث: 10034 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 612 هل السحر يقتل؟ [السُّؤَالُ] ـ[أريد معلومات عن السحر. ما هي آثاره؟ وهل يستطيع الإنسان استخدامه لقتل الناس؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم من السحر ما يقتل وقد ذكر العلماء في صور القتل العمد أن من قتل غيره بسحر يقتل غالبا يلزمه القود (القصاص) لأنه قتله بما يقتل غالبا. قال ابن قدامة في المغني (9/330) : النوع السادس أن يقتله بسحر يقتل غالبا فيلزمه القود لأنه قتله بما يقتل غالبا فأشبه ما لو قتله بسكين , وإن كان مما لا يقتل غالبا أو كان مما يقتل ولا يقتل ففيه الديه دون القصاص لأنه عمد الخطأ فأشبه ضرب العصا. أ.هـ. وجاء في الموسوعة الفقهية (24/267) في حكم الساحر إذا قتل بسحره: ذهب الجمهور.. إلى أن القتل بالسحر يمكن أن يكون عمدا وفيه القصاص ويثبت ذلك عند المالكية بالبينة أو الإقرار. وذهب الشافعية إلى أن الساحر إن قتل بسحره من هو مكافىء له ففيه القصاص إن تعمد قتله به، وذلك بأن يثبت ذلك بإقرار الساحر به حقيقة أو حكما كقوله قتلته بسحري أو قوله: قتلته بنوع كذا ويشهد عدلان يعرفان ذلك وقد كانا تابا، بأن ذلك النوع يقتل غالبا. فإن كان لا يقتل غالبا فيكون شبه العمد. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 1670 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 613 ما هي علامات السحرة والعرافين والكهان وكيف نميزهم؟ [السُّؤَالُ] ـ[كيف يمكن معرفة السحرة والدجالين , والذين يعالجون بالقرآن هل يجوز أن يستعينوا بالجن المسلم, وإذا من الممكن إرسال لي بعض الأدعية المؤكدة عن الرسول الكريم لمن أصابته فاقة أو تعسرت علية معيشته , وهل يمكن أن تخبروني عن سحر الفقر وكيف يمكن اجتنابه والتخلص منه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الساحر والدجال يعرف بعدّة أمور، من أهمها: دعوى معرفة الغيب، ولو لم يصرح بذلك، ولكنك تجده يخبر بأمور من الغيب قد تكون جميعها كذب ودجل وقد يصدق في بعضها ويكذب في أكثرها، ولكن يروج ذلك الكذب بسبب القليل من الصدق. وكذلك عدم الاستقامة، فلا تجدهما حريصين على الطاعة، فهم ينكشفون خاصة في الكذب، والأمور التي تتعلق بالنساء، إذ كثيرا ما يفتضحون بارتكابهم المحرمات مع النساء كالخلوة، ولمس المرأة بحجة العلاج. الشيخ سعد الحميد. ومن علامات العرافين والسحرة والكهان أنهم يسألون عن اسم أم الشخص المتقدم إليهم، ويكثر لديهم استعمال البخور والمواد الغريبة، وقد يكتبون القرآن بالنجاسات ودم الحائض، ويطلبون من الشخص الذبح لغير الله، ويستعملون الخواتم الكبار، وقد لا يغتسلون من جنابة ويتمتمون بالكلمات الغريبة الخفية، ويستعملون الرموز والطلاسم، وقد يتظاهرون بقراءة القرآن في أول الأمر مخادعة للشخص الذي يأتيهم، نسأل الله أن يقينا كيدهم فهو خير حافظاً وهو أرحم الراحمين. [الْمَصْدَرُ] الإٌسلام سؤال وجواب الحديث: 21124 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 614 هل يجوز استخدام السحر لتحقيق أغراض جيدة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز استخدام السحر لتحقيق أغراض جيدة (حسنة النية) ؟ أو لإقناع أحد والديَّ بأمر معين؟ كمثل اقتناعهما بزواجي من فتاة معينة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فإن السحر من علم الشياطين وعملهم، قال تعالى: (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر) ، وقال تعالى: (ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق) ، وقال تعالى: (ولا يفلح الساحر حيث أتى) . وقال عليه الصلاة والسلام: " اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: وما هن، قال: الشرك بالله، والسحر ... الحديث "، وقال عليه الصلاة والسلام: " ليس منا من سحر أو سُحر له ". وعلى هذا لا يجوز استخدام السحر لأي غرض من الأغراض. فإن السحر باطل، والباطل بأنواعه من الكفر، والفسوق، والمعاصي لا يكون طريقا إلى الخير، والواجب طلب الأغراض النافعة بالطرق الشرعية التي لا إثم فيها، وعاقبتها مأمونة، والله تعالى قد أغنى عباده بما أباح لهم، عما حرم عليهم فله الحمد والشكر على إنعامه. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد الرحمن البراك. الحديث: 10173 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 615 لكل إنسان قرين من الجن [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك في الإسلام شيء يسمى القرين؟ أود أن أعرف ما إذا كان هناك قرين لي. ماذا يقول الإسلام عن هذا أم أنه لا يوجد أصلاً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، هناك ما يسمَّى القرين، وقد جعله الله تعالى مع كلِّ أحدٍ من الناس، وهو الذي يدفع صاحبه للشر والمعصية، باستثناء النبي صلى الله عليه وسلم - كما سيأتي -. قال الله تعالى: (قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ. قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ. مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ) ق/27-29. قال ابن كثير: {قال قرينه} قال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وقتادة وغيرهم: هو الشيطان الذي وُكِّل به. {ربَّنا ما أطغيته} أي: يقول عن الإنسان الذي قد وافى القيامةَ كافراً يتبرأ منه شيطانه، فيقول: {ربنا ما أطغيته} أي: ما أضللتُه. {ولكن كان في ضلالٍ بعيدٍ} أي: بل كان هو في نفسه ضالاًّ قابلاً للباطل معانداً للحقِّ، كما أخبر سبحانه وتعالى في الآية الأخرى في قوله {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ابراهيم/22. وقوله تبارك وتعالى {قال لا تختصموا لديَّ} يقول الرب عز وجل للإنسي وقرينِه من الجن وذلك أنهما يختصمان بين يدي الحق تعالى فيقول الإنسي: يا رب هذا أضلَّني عن الذِّكر بعد إذ جاءني، ويقول الشيطان {ربَّنا ما أطغيتُه ولكن كان في ضلالٍ بعيدٍ} أي: عن منهج الحق. فيقول الرب عز وجل لهما: {لا تختصموا لدي} أي: عندي، {وقد قدمت إليكم بالوعيد} أي: قد أعذرت إليكم على ألسنة الرسل، وأنزلت الكتب، وقامت عليكم الحجج والبينات والبراهين. {ما يبدل القول لديَّ} قال مجاهد: يعني: قد قضيتُ ما أنا قاض. {وما أنا بظلاَّم للعبيد} أي: لست أعذِّب أحداً بذنب أحدٍ، ولكن لا أعذِّب أحداً إلا بذنبه بعد قيام الحجة عليه. " تفسير ابن كثير " (4 / 227) . وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما منكم من أحدٍ إلا وقد وكِّل به قرينه من الجن، قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: وإياي، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير. وفي رواية: " … وقد وكِّل به قرينُه من الجنِّ وقرينُه من الملائكة ". رواه مسلم (2814) . وبوَّب عليه النووي بقوله: باب تحريش الشيطان وبعثه سراياه لفتنة الناس وأن مع كل إنسان قريناً. قال النووي: " فأسلم " برفع الميم وفتحها، وهما روايتان مشهورتان، فمن رفع قال: معناه: أسلم أنا من شرِّه وفتنته، ومَن فتح قال: إن القرين أسلم، من الإسلام وصار مؤمناً لا يأمرني إلا بخير. واختلفوا في الأرجح منهما فقال الخطابي: الصحيح المختار الرفع، ورجح القاضي عياض الفتح، وهو المختار؛ لقوله: " فلا يأمرني إلا بخير "، واختلفوا على رواية الفتح، قيل: أسلم بمعنى استسلم وانقاد، وقد جاء هكذا في غير صحيح مسلم " فاستسلم "، وقيل: معناه صار مسلماً مؤمناً، وهذا هو الظاهر، قال القاضي: واعلم أن الأمَّة مجتمعة على عصمة النَّبي صلَّى الله عليه وسلم من الشيطان في جسمه وخاطره ولسانه. وفي هذا الحديث: إشارة إلى التحذير من فتنة القرين ووسوسته وإغوائه، فأعلمنا بأنه معنا لنحترز منه بحسب الإمكان. " شرح مسلم " (17 / 157، 158) . وعن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا كان أحدكم يصلِّي فلا يدع أحداً يمرُّ بين يديه، فإن أبى فليقاتلْه فإن معه القرين ". رواه مسلم (506) . قال الشوكاني: قوله " فإن معه القرين " في القاموس: " القرين ": المقارن، والصاحب، والشيطان المقرون بالإنسان لا يفارقه، وهو المراد هنا. " نيل الأوطار " (3 / 7) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 26226 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 616 كيفية الوقاية من العين [السُّؤَالُ] ـ[شعرت في السنوات الأخيرة بأني مصابة بالعين، فقد آتاني الله حسن صورة يلفت النظر،. والحمد لله لكني لا أريد أن تكون حياتي في اضطراب بسبب ذلك. أقول لك: ليس كل الناس يحمدون الله ويثنون عليه للأشياء التي يعجبون بها، خصوصا الكفار. فهل يوجد أمام الفتاة من طريق للتمكن من حماية نفسها من العين بدون (أن تحتاج إلى) تغطية وجهها؟ هل وضع مقاطع من القرآن يحمي الفرد من الإصابة بالعين؟ وماذا عن لبس القلائد والتعليقات التي تكون على شكل أعين أو أيدي؟ فقد سمعت بأن تلك التعليقات تحفظ الفرد لكنها حرام؟ حياتي أفضل كثيرا الآن بالمقارنة مع ما كانت عليه في السابق حيث كنت لا أتمسك بالإسلام مع أني ولدت مسلمة، فهل يعني هذا أنه بسبب أني مسلمة أفضل فإن العين، إن أنا كنت غير محظوظة بما يكفي لأن أصاب بها فقد اختفت من روحي (؟) ، أم يجب أن يقرأ علي القرآن كي أتخلص منها. كيف لي أن أحفظ نفسي من أن يصيبني ذلك مرة أخرى؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عليك أن تعرفي أن الحجاب واجب، وليس لشخص أن يختار من الشرع ما يميل إليه نفسه، ويترك ما لا تميل إليه نفسه، لأن الله عز وجل يقول: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) البقرة /208 قال ابن كثير: أمر الله عباده المؤمنين أن يأخذوا بجميع عرى الإسلام وشرائعه والعمل بجميع أوامره وترك جميع زواجره تفسير ابن كثير 1/566، والمؤمنات مَنْهِيّات عن إبداء الزينة لغيرالمحارم، قال تعالى: (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) النور/31، فامتثال أمر الله بالحجاب يحفظك من العين بإذن الله. في الدنيا ويحفظك من عذاب الله في الآخرة. أما تعليق مقاطع من القرآن أو غيرها أو لبس أشكال معينة، فقد روى الإمام أحمد في مسنده عن عقبة بن عامر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من تعلَّق تمِيمَةً فلا أتَمَّ الله له، ومن تَعَلَّقَ وَدعَةً فلا ودع الله له " وفي رواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل رهط فبايع تسعة، وأمسك عن واحد , فقالوا: يا رسول الله بايعت تسعة وأمسكت عن هذا، فقال: " إن عليه تميمة " فأدخل يده فقطعها، فبايعه وقال: " من تعلق تميمة فقد أشرك " من فتاوى العين والحسد ص 277. أما علاج العين والحسد، فلا شك أن الإنسان متى كان قريباً من الله عز وجل مداوماً على ذكره، وقراءة القرآن، كان أبعد عن الإصابة بالعين، وغيرها من الآفات وأذى شياطين الإنس والجن، وكذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعوِّذ نفسه، وأعظم ما يتعوذ به المسلم قراءة كتاب الله وعلى رأس ذلك: المعوذتان وفاتحة الكتاب وآية الكرسي ومن التعوذات الصحيحة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم ومنها: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) رواه مسلم (الذكر والدعاء/4881) وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَيَقُولُ إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لامَّةٍ) رواه البخاري (أحاديث الأنبياء/3120) ، ومعنى الَّلامة: قال الخطابي: المراد به كلُّ داء وآفة تُلمُّ بالإنسان من جنون وخبل. وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " يَا مُحَمَّدُ اشْتَكَيْتَ فَقَالَ نَعَمْ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ اللَّهُ يَشْفِيكَ بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ " رواه مسلم (السلام/4056) ، ولا شك أن مداومة الإنسان على أذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم، وغيرها من الأذكار له أثر عظيم في حفظ الإنسان من العين فإنها حصن له بإذن الله فينبغي الحرص عليها، ومن أهم العلاجات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخَّصَ في الرُّقية من العين وأمر بها عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: " أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أَمَرَ أَنْ يُسْتَرْقَى مِنْ الْعَيْنِ " رواه البخاري (الطب/5297) ، وما جاء عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: " كَانَ يُؤْمَرُ الْعَائِنُ فَيَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ الْمَعِينُ " رواه أبو داود (الطب/3382) قال الألباني في صحيح سنن أبي داود صحيح الإسناد برقم 3286. هذه بعض الأذكار والعلاجات التي تحفظ بإذن الله من العين والحسد، نسأل الله أن يعيذنا من ذلك , والله أعلم. يراجع كتاب زاد المعاد لابن القيم 4/162. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 11359 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 617 كيف يتخلص من السحر، وهل ماء زمزم يستخدم في علاج السحر؟ وشروط الرقية الصحيحة. [السُّؤَالُ] ـ[أعيش في الغرب، لكن كوني أتيت من شبه القارة الهندية، فإنه يصعب علي الوصول إلى أشخاص من أهل العلم ممن يمكنهم المساعدة في شفاء من يصاب بتأثيرات السحر. فهل على المرء أن يحاول التعرف ما إذا كان قد عُمل له/لها عمل بسبب الغيرة أو الكراهية أو غير ذلك؟ وما هي الأشياء التي يمكن عملها للتخلص من تأثيرات السحر؟ قرأت حديثا ورد فيه أن ماء زمزم هو لما شرب له، وأنه شفاء من جميع الأمراض. فهل في النصين ما يدل على أن استخدام زمزم يشفي من السحر؟ وهل يمكن استخدام أي نوع من أنواع الرقية؟ إذا كان الجواب بنعم، فكيف يمكن للمرء أن يباشر ذلك؟ العوام في الثقافة التي جئت منها عادة ما يذهبون إلى أناس يقال لهم "بيرز" أو أناس يظن فيهم أنهم أتقياء ومتدينون كي يأخذوا منهم تمائم توضع حول الأعناق لتخلصهم من تأثيرات السحر، فهل يعد هذا نوع من الشرك؟ لقد قرأت كثيرا أن أمثال هؤلاء هم من الصوفية، فهل يجوز الذهاب إلى أمثالهم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله جزاك الله خيرا على حرصك على سلامة عقيدتك، وسعيك للوصول إلى الحق بدليله ونسأل الله أن يثبتنا على السنة حتى نلقاه. ـ ثم اعلم وفقك الله أن المسلم ينبغي عليه أن يبتعد عن الوساوس والأوهام فإنها سبب لضيق الصدر، ونكد العيش، فلا يصح أن يعزو الإنسان كل شيء يصيبه إلى السحر أو العين، أما إذا لحظ الإنسان تغيرا ليس طبيعيا أو أمرا غير معتاد، وشك في كونه سحرا أو عينا، وأراد أن يتأكد من ذلك، أو تحقق منه وأراد العلاج، فإن الطريق الشرعي: هو الرقية الشرعية المعتمِدة على الكتاب والسنة والأدعية الصحيحة المفهومة سواء رقى المرء نفسه وهذا الأحسن، أو ذهب إلى من يرقيه بشرط أن يكون الراقي من أهل الصلاح والاستقامة واتباع السنة ـ هذا هو الطريق الصحيح لعلاج العين والسحرـ مع ملازمة دعاء لله، وطلب الشفاء والعافية منه سبحانه فهو الذي قدر البلاء، وهو الذي بيده أن يرفعه. ـ وأما بالنسبة لماء زمزم فإنه ماء مبارك وقد ورد في فضله أحاديث منها قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم (2473) : "..إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ.. ". وفي رواية أبي داود الطيالسي بإسناد صحيح: " إنها طعام طعم وشفاء سقم ". وفي حديث آخر حسنه جماعة من العلماء منهم الإمام ابن عيينة والألباني وابن القيم وغيرهم بكثرة طرقه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ماء زمزم لما شرب له ". أخرجه أحمد (3 / 357، 372) وراجع أقوال العلماء فيه في الإرواء (4 / 320، وما بعدها) قال الحافظ ابن القيم رحمه الله: " وقد جربت أنا وغيري من الاستشفاء بماء زمزم أمورا عجيبة، واستشفيت به من عدة أمراض فبرأت بإذن الله، وشاهدتُ من يتغذى به الأيام ذوات العدد قريبا من نصف شهر أو أكثر ولا يجد جوعا. " زاد المعاد (3 / 129) . فهي لاشك سبب عظيم من أسباب الشفاء من السحر وغيره من الأمراض بإذن الله، إذا شربها الشخص مصدقا بكلام الرسول صلى الله عليه وسلم، وأراد الله له الشفاء بها، فإن الله قد يعطل بعض الأسباب عن مسبباتها لحكمة، كما لو شرب المريض الدواء المجرّب فلم يبرأ، فليس ذلك عيباّ في الدواء، وإنما هو قدر الله الذي لم يكتب النفع في هذا الدواء، لحكمة يعلمها سبحانه. ـ وأما ما يتعلق بأنواع الرقية،فقد ذكر العلماء أن الرقية حتى تكون صحيحة مقبولة شرعا لابد لها من ثلاثة شروط إجمالا: الأول: أن لا يعتقد الراقي أو المرقي أن الرقية تنفع بنفسها، فهذا شرك بالله؛ بل يعتقد أنها سبب لا تنفع إلا بإذن الله. الثاني: أن لاتكون الرقية مشتملة على مخالفة شرعية كدعاء غير الله أو الاستغاثة بالجن والشياطين، وما أشبه ذلك، فتكون شركا والعياذ بالله. الثالث: أن تكون مفهومة معلومة فإن كانت مشتملة على طلاسم وشعوذة، فإنها لاتجوز. (انظر القول المفيد للشيخ ابن عثيمين 1 / 184) . فإذا سلمت الرقية من هذه المخالفات صحت بأي شكل كانت، فلو قرأ على المريض مع النفث أو بدون نفث، أو قرأ على ماء وشربه المريض، أو زيت وادّهن به المريض، أو ما أشبه ذلك، فهذا جائز وهو نافع بإذن الله وفضله. ـ وأما الناس الذين ذكرتهم باسم "بيرز" فلا يُدرى من هم ولا ما حقيقتهم وحيث أن البركة من الله يجعلها فيمن يشاء من خلقه فلا يجوز إتباعها لأشخاص بمجرد الإدعاء، وكثيراً ما أدى مثل هذا إلى الغلو الموقع في الشرك. والمقياس الذي يتم اختيار الراقي بناء عليه؛ هو اتباعه للسنة وبعده عن البدعة، وأن يكون واضحا في كلامه وتصرفاته وطلباته فلا يطلب أشياء غريبة ولا يتمتم بعبارات غير مفهومة أو يستعمل البخور أو يسأل عن اسم الأم أو قطعة من الملابس أو يداوي بالمحرمات كالدم وغير ذلك من أفعال المشعوذين وما قد يثير الريبة حوله. ـ وأما بالنسبة للتمائم فعليك مراجعة سؤال رقم (10543) من هذا الموقع. ـ وأما بالنسبة للصوفية الذين يستخدمون أساليب الشعوذة وما شابه ذلك فلا يجوز الذهاب إليهم بحال من الأحوال. وللاستزادة عن الصوفية راجع سؤال رقم (4983) من هذا الموقع. نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 13792 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 618 تلبس الجني بالإنسي [السُّؤَالُ] ـ[هل يدخل الجني في بدن الإنسي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الإمام شيخ الإسلام في الفتاوى بعد كلام سبق: (ولهذا أنكر طائفة من المعتزلة، كالجبائي وأبو بكر الرازي وغيرهما دخول الجني في بدن المصروع ولم ينكروا وجود الجن، إذ لم يكن ظهور هذا في المنقول عن الرسول صلى الله عليه وسلم كظهور هذا، وإن كانوا مخطئين في ذلك، ولهذا ذكر الأشعري في مقالات أهل السنة والجماعة أنهم يقولون: إن الجني يدخل في بدن المصروع كما قال تعالى (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ... ) البقرة/275. وقال عبد الله بن الإمام أحمد: قلت لأبي إن قوماً يزعمون أن الجني لا يدخل في بدن الإنسي، فقال: يا بني، يكذبون هو ذا يتكلم على لسانه وهو مبسوط في موضعه) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (19 / 12) وقال أيضاً رحمه الله، في المجلد الرابع والعشرين من الفتاوى (ص 276، 277) ما نصه: (وجود الجن ثابت بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واتفاق سلف الأمة وأئمتها، وكذلك دخول الجني في بدن الإنسان ثابت باتفاق أئمة أهل السنة والجماعة، قال الله تعالى: (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس) البقرة/275 وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم) .... إلى أن قال رحمه الله: وليس في أئمة المسلمين من ينكر دخول الجني في بدن المصروع، ومن انكر ذلك وادعى أن الشرع يكذب ذلك فقد كذب على الشرع، وليس في الأدلة الشرعية ما ينفي ذلك ... ) إلخ. [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله م/8. ص / 60 الحديث: 11447 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 619 هل يمكن أن يختطف الجن إنسياً [السُّؤَالُ] ـ[لقد سمعت قصصاً كثيرة عن اختطاف الجن للإنس، وقد قرأت قصة مفادها أن رجلاً من الأنصار رضي الله عنه خرج يصلي العشاء فسبته الجن، وفًقد أعواماً، فهل هذا الأمر ممكن أعني اختطاف الجن للإنس؟ .]ـ [الْجَوَابُ] من ناحية الإمكان فهذا أمر ممكن ولكنه نادر جداً، وقد أجاب الشيخ عبد الله بن جبرين عن السؤال السابق فأجاب حفظه الله بقوله: يمكن ذلك، فقد اشتهر أن سعد بن عبادة قتلته الجن لما بال في جحر فيه منزلهم، فقالوا: نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عباده ... ** ورميناه بسهم فلم نخطئ فؤاده ووقع في زمن عمر أن رجلاً اختطفته الجن، وبقي أربع سنين، ثم جاء وأخبر أن جناً من المشركين اختطفوه، فبقي عندهم أسيراً، فغزاهم جن مسلمون فهزموهم، وردوه إلى أهله، ذكر ذلك في منار السبيل وغيره (راجع منار السبيل 2/88 وقصة الرجل المخطوف رواها البيهقي (7/445-446) وصحح إسنادها الألباني في الإرواء 6/150 رقم 1709. [الْمَصْدَرُ] عبد الله بن جبرين الحديث: 7871 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 620 هل يمكن الكلام مع الجن واستخدامهم؟ [السُّؤَالُ] ـ[تكلمت مع رجل يدعي أنه يكلم الجن وأخبرنا ببعض الأمور عن نفسي وهؤلاء الناس يستخدمون ألفاظاً وكلمات من القرآن ليسيطروا على الجن. فما رأيك فيهم؟ وهل يجوز الكلام معهم؟ ومن هم أهل الكتاب؟ كيف يمكن أن أتكلم مع الجن والملائكة وأراهم فهناك كتب عن هذا وتستخدم القرآن.]ـ [الْجَوَابُ] مخاطبة الجن ممكنة، والإخبار عن المغيبات، وما في النفس، من ادعاء علم الغيب فهو حرام، والذين يستخدمون ألفاظا ً وكلمات من القرآن ليسيطروا على الجن، وسائلهم غير شرعيه غالبا ً، فاستخدام الجن من خصائص سليمان عليه السلام، ولذا لمّا أراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يوثق الجنيّ الذي تغلّب عليه في صلاته تذكر دعوة سليمان عليه السلام فتركه. وحينئذ ٍ يتعين نصح هؤلاء فإن امتثلوا وإلا فالسلامة في مقاطعتهم وعدم الكلام معهم. وأهل الكتاب هم اليهود والنصارى. والكلام مع الجن إن حصل من غير سببٍ منك فلا مانع من أن تتكلم معهم بل يستحب دعوتهم إلى دين الله والاستقامة على شرعه كما يُدعى الأنس، ولا يُنصح بقراءة كتب، ولا قراءة القرآن من أجل ذلك فالقرآن لم يُنزل لهذه الأمور بل أُنزل ليكون نبراسا ً ومنهجا ً في حياة المسلم، يقتفي المسلم أثره باتباع أوامره واجتناب نواهيه. وأما الملائكة فحصل للنبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء رؤيتهم، وحصل لبعض الأولياء مخاطبتهم كما جاء عن عمران بن حصين رضي الله عنه أنه كانت الملائكة تسلّم عليه حتى اكتوى فترك، ثم ترك الكي فعاد التسليم. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الشيخ: عبد الكريم الخضير. الحديث: 7654 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 621 طريقة علاج السحر [السُّؤَالُ] ـ[ما هي طريقة علاج السحر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من أصيب بالسحر ليس له أن يتداوى بالسحر فإن الشر لا يزال بالشر، والكفر لا يزال بالكفر، وإنما يزال الشر بالخير، ولهذا لما سئل عليه الصلاة والسلام عن النُّشرة قال: (هي من عمل الشيطان) والنشرة المذكورة في الحديث: هي حل السحر عن المسحور بالسحر. أما إن كان بالقرآن الكريم والأدوية المباحة والرقية الطيبة فهذا لا بأس به، وأما بالسحر فلا يجوز كما تقدم، لأن السحر عبادة للشياطين، فالساحر إنما يسحر ويعرف السحر بعد عبادته للشياطين، وبعد خدمته للشياطين، وتقربه إليهم بما يريدون، وبعد ذلك يعلمونه ما يحصل به السحر، لكن لا مانع والحمد لله من علاج المسحور بالقراءة وبالتعوذات الشرعية، بالأدوية المباحة، كما يعالج المريض من أنواع المرض من جهة الأطباء، وليس من اللازم أن يشفى، لأنه ما كل مريض يشفى، فقد يعالج المريض فيشفى إن كان الأجل مؤخراً وقد لا يشفى ويموت في هذا المرض، ولو عرض على أحذق الأطباء، وأعلم الأطباء، متى نزل الأجل لم ينفع الدواء ولا العلاج، لقول الله تعالى: (ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها) المنافقون/11، وإنما ينفع الطب وينفع الدواء إذا لم يحضر الأجل وقدر الله للعبد الشفاء، كذلك هذا الذي أصيب بالسحر قد يكتب الله له الشفاء، وقد لايكتب له الشفاء، ابتلاء وامتحاناً وقد يكون لأسباب أخرى الله يعلمها جل وعلا، منها: أنه قد يكون الذي عالجه ليس عنده العلاج المناسب لهذا الداء، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برئ بإذن الله عز وجل) وقال عليه الصلاة والسلام: (ما أنزل الله داءً إلا أنزل له شفاء، علمه من علمه وجهله من جهله) . ومن العلاج الشرعي أن يعالج السحر بالقراءة، فالمسحور يقرأ عليه أعظم سورة في القرآن: وهي الفاتحة، تكرر عليه، فإذا قرأها القارئ الصالح المؤمن الذي يعرف أن كل شيء بقضاء الله وقدره، وأنه سبحانه وتعالى مصرف الأمور، وأنه متى قال للشيء كن فإنه يكون فإذا صدرت القراءة عن إيمان، وعن تقوى وعن إخلاص وكرر ذلك القارئ فقد يزول السحر ويشفى صاحبه بإذن الله، وقد مر بعض الصحابة رضي الله عنهم على بادية قد لدغ شيخهم، يعني أميرهم وقد فعلوا كل شيء ولم ينفعه، فقالوا لبعض الصحابة: هل فيكم من راق؟ قالوا: نعم فقرأ عليه أحدهم سورة الفاتحة، فقام كأنه نشط من عقال في الحال، وعافاه الله من شر لدغة الحية، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا بأس بالرقي ما لم تكن شركاً) وقد رقى ورقي عليه الصلاة والسلام، فالرقية فيها خير كثير، وفيها نفع عظيم، فإذا قرئ على المسحور بالفاتحة، وبآية الكرسي، وبـ (قل هو الله أحد) ، والمعوذتين، أو بغيرها من الآيات، مع الدعوات الطيبة الواردة في الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثل قوله صلى الله عليه وسلم لما رقى بعض المرضى: (اللهم رب الناس، أذهب البأس، واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقماً) يكرر ذلك ثلاث مرات أو أكثر، ومثل ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم أن جبريل عليه السلام رقاه صلى الله عليه وسلم بقوله: (بسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك، بسم الله أرقيك) ثلاث مرات فهذه رقية عظيمة وثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، يشرع أن يرقى بها اللديغ والمسحور والمريض، ولا بأس أن يرقى المريض والمسحور واللديغ بالدعوات الطيبة، وإن لم تكن منقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يكن فيها محذور شرعي لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (لا بأس بالرقي ما لم تكن شركاً) ، وقد يعافي الله المريض والمسحور وغيرهما بغير الرقية وبغير أسباب من الإنسان، لأنه سبحانه هو القادر عل كل شيء، وله الحكمة البالغة في كل شيء، وقد قال سبحانه في كتابه الكريم (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) يس /82، فله سبحانه الحمد والشكر على كل ما يقضيه ويقدره، وله الحكمة البالغة في كل شيء عز وجل. وقد لا يشفى المريض لأنه قد تم أجله وقدر موته بهذا المرض، ومما يستعمل في الرقية آيات السحر تقرأ في الماء، وهي آيات السحر في الأعراف، وهي قوله تعالى (وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين) /117-119، وفي يونس وهي قوله تعالى (وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم) إلى قوله جل وعلا (ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون) من أية 79 إلى أية 28، وكذلك آيات طه (قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى) ... إلى قوله سبحانه (ولا يفلح الساحر حيث أتى) من أية 65 إلى أية 69، وهذه الآيات مما ينفع الله بها في رقية السحر، وإن قرأ القارئ هذه الآيات في الماء وقرأ معها سورة الفاتحة، وآية الكرسي وبـ (قل هو الله أحد) والمعوذتين في ماء ثم صبه على من يظن أنه محور، أو محبوس عن زوجته فإنه يشفى بإذن الله، وإن وضع في الماء سبع ورقات من السدر الأخضر بعد دقها كان مناسباً، كما ذكر ذلك الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله في (فتح المجيد) عن بعض أهل العلم في باب (ما جاء في النشرة) . ويستحب أن يكرر قراءة السور الثلاث، وهي (قل هو الله أحد) و (قل أعوذ برب الفلق) (وقل أعوذ برب الناس) ثلاث مرات. والمقصود أن هذه الأدوية وما أشبهها هي مما يعالج به هذا البلاء: وهو السحر ويعالج به أيضاً من حبس عن زوجته، وقد جرب ذلك كثيراً فنفع الله به، وقد يعالج بالفاتحة وحدها فيشفى، وقد يعالج بـ (قل هو الله أحد) والمعوذتين وحدها ويشفى. والمهم جداً أن يكون المعالِج والمعالَج عندهما إيمان صادق، وعندهما ثقة بالله، وعلم بأنه سبحانه مصرف الأمور، وأنه متى شاء شيئاً كان وإذا لم يشأ لم يكن سبحانه وتعالى، فالأمر بيده جل وعلا، ماشاء الله كان وما لم يشأ لم يكن فعند الإيمان وعند الصدق مع الله من القارئ والمقروء عليه يزول المرض بإذن الله وبسرعة، وتنفع الأدوية الحسية والمعنوية. نسأل الله أن يوفقنا جميعاً لما يرضيه إنه سميع قريب. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. ص / 70 الحديث: 11290 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 622 هل يُمكن حبس الشخص عن زوجته بالسّحر [السُّؤَالُ] ـ[هل صحيح بأنه يستطيع شخص أن يعمل (عملا) لشخص آخر ويجعله يفشل في حياته؟ جزاك الله خيرا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله .الصحيح عند جمهور أهل السنَّة أن السحر له حقيقة، وأنه قد يؤثّر - إذا شاء الله وقدَّر - في بدن المسحور، وقد يقتله. قال الإمام القرافي: السحر له حقيقة، وقد يموت المسحور، أو يتغير طبْعه وعادته،.. وقال به الشافعي وابن حنبل … أ. هـ " الفروق " (4 / 149) . وخالف في ذلك المعتزلة والقدرية.. ولا اعتبار بخلافهم، وقد ذكر القرافي وغيره أن الصحابة أجمعوا على أنه حقيقة قبل ظهور من ينكره. = ومن أدلة أهل السنَّة: 1. قوله تعالى: {ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم} [البقرة / 102] . والآية واضحة الدلالة على المطلوب: وهو إثبات أن السحر حقيقة، وأن الساحر يفرِّق بسحره بين المرء وزوجه، وأنه يضر بسحره الناس - بإذن الله الكوني -. 2. قوله تعالى {ومن شر النفاثات في العقد} [الفلق / 4] . والنفاثات في العقد: الساحرات اللواتي يعقدن في سحرهن، وينفثن فيه، فلولا أن للسحر حقيقة لما أمر الله تعالى بالاستعاذة منه. 3. ومن الأدلة سحره صلى الله عليه وسلم من قِبَل اليهودي لبيد بن الأعصم، وهو حديث صحيح رواه البخاري ومسلم. 4. واستدلوا كذلك بوقوعه حقيقة وعِياناً وهو ما لا يمكن لأحد دفعه. قال ابن القيم: والسحر الذي يؤثر مرضاً وثقلاً وعقلاً وحبّاً وبغضاً موجود، تعرفه عامة الناس، وكثير من الناس عرفه ذوقاً بما أصيب به منهم. أ. هـ " التفسير القيم " (ص571) . وقال ابن قدامة: اشتهر بين الناس وجود عقْد (أي حبْس) الرجل عن امرأته حين يتزوجها فلا يقدر على إتيانها وحلُّ عُقَدِه فيقدر عليها بعد عجزه عنها حتى صار متواتراً لا يمكن جحده، وروي مِن أخبار السحرة ما لا يكاد يمكن التواطىء على الكذب فيه. أ. هـ " المغني " (8 / 151) . = وطرق الوقاية من السحر كثيرة: أعظمها تقوى الله، وحفظ أوامره، والتوكل عليه، والاستعاذة بالله، والتصبح بسبع تمرات. وكل ذلك جاءت به الأحاديث الصحيحة. = أما طرق إزالة السحر كثيرة: ومنها: أ. الرقى، وأعظم ما تكون بالقرآن الكريم، ثم بالأدعية الصحيحة. ب. استخراج السحر وإبطاله. قال ابن القيم رحمه الله: ذكر هديه في علاج هذا المرض وقد روي عنه فيه نوعان: أحدهما وهو أبلغهما استخراجه وإبطاله كما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه سأل ربه سبحانه في ذلك فدل عليه فاستخرجه من بئر فكان مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر فلما استخرجه ذهب ما به حتى كأنما انشط من عقال فهذا من أبلغ ما يعالج به المطبوب وهذا بمنزلة إزالة المادة الخبيثة وقلعها من الجسد بالاستفراغ. ج. الحجامة والاستفراغ والجراحة. قال ابن القيم - متمما كلامه السابق -: والنوع الثاني الاستفراغ في المحل الذي يصل إليه أذى السحر فإن للسحر تأثيرا في الطبيعة وهيجان أخلاطها وتشويش مزاجها فإذا ظهر أثره في عضو وأمكن استفراغ المادة الرديئة من ذلك العضو نفع جدّاً. أ. هـ " زاد المعاد " (4/124، 125) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 6530 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 623 كيف سحر الرسول صلى الله عليه وسلم؟ [السُّؤَالُ] ـ[كيف يسحر الرسول صلى الله عليه وسلم والله يقول له: (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) ؟ وكيف يسحر وهو يتلقى الوحي عن ربه ويبلغ ذلك للمسلمين، فكيف يبلغ وهو مسحور وقول الكفار والمشركين: (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلا مَسْحُورًا) ؟ نرجو إيضاحها، وبيان هذه الشبهات.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فقد ثبت في الحديث الصحيح أن هذا السحر وقع في المدينة، عندما استقر الوحي واستقرت الرسالة، وبعد أن قامت دلائل النبوة وصدق الرسالة، ونصر الله نبيه على المشركين وأذلهم، تعرض له شخص من اليهود يدعى: لبيد بن الأعصم، فعمل له سحراً في مشط ومشاطة وجب طلعة ذكر النخل، فصار يخيل إليه ـ عليه الصلاة والسلام ـ أنه فعل بعض الشيء مع أهله ولم يفعله، لكن لم يَزَل بحمد الله تعالى عقله وشعوره وتمييزه معه فيما يحدث به الناس، واستمر يكلم الناس بالحق الذي أوحاه الله إليه، لكنه أحس بشيء أثَّر عليه بعض الأثر مع نسائه، كما قالت عائشة رضي الله عنها:" إنه كان يخيل إليه أنه فعل بعض الشيء في البيت مع أهله وهو لم يفعله فجاءه الوحي من ربه عز وجل بواسطة جبرائيل عليه السلام فأخبره بما وقع فبعث من استخرج ذلك الشيء من بئر لأحد الأنصار فأتلفه " وزال عنه بحمد الله تعالى ذلك الأثر وأنزل عليه سبحانه سورتي المعوذتين فقرأهما وزال عنه كل بلاء وقال عليه الصلاة والسلام ما تعوذ المتعوذون بمثلهما ولم يترتب على ذلك شيء مما يضر الناس أو يخل بالرسالة أو بالوحي، والله جل وعلا عصمه من الناس مما يمنع وصول الرسالة وتبليغها. أما ما يصيب الرسل من أنواع البلاء فإنه لم يُعصم منه عليه الصلاة والسلام، بل أصابه شيء من ذلك، فقد جُرح يوم أحد، وكُسرت البيضة على رأسه، ودخلت في وجنتيه بعض حلقات المغفر، وسقط في بعض الحفر التي كانت هناك، وقد ضيقوا عليه في مكة تضييقا شديدا، فقد أصابه شيء مما أصاب من قبله من الرسل، ومما كتبه الله عليه، ورفع الله به درجاته، وأعلى به مقامه، وضاعف به حسناته، ولكن الله عصمه منهم فلم يستطيعوا قتله ولا منعه من تبليغ الرسالة، ولم يحولوا بينه وبين ما يجب عليه من البلاغ فقد بلغ الرسالة وأدى الأمانة صلى الله عليه وسلم. والحمد لله رب العالمين. [الْمَصْدَرُ] انظر: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ ابن باز رحمه الله (8/ 149) . الحديث: 20177 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 624 هل سلس البول من تأثير الجن وماذا يفعل في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[قرأت سؤالاً عن شخص ما يعاني من مشكلة في الوضوء وعندي مشكلة مشابهه أو حتى أسوء حينما أريد أن أصلي أشعر بأن هناك ريحاً تخرج مني. لو ذهبت إلى الحمام أقضي 30 دقيقة ولكن البول وسائل آخر يستمر في الخروج مني أثناء الصلاة ويكون عندي رغبة شديدة في الذهاب إلى الحمام ولذلك علي أن أكرر وضوئي مرة بعد مرة وهذا الموقف يحيرني جداً ويخجلني حيث يجعل الصلاة صعبة جداً وهذا يؤثر على إيماني أنا متأكد أن هذا ليس مرضاً لأني ذهبت إلى كثير من الأطباء ولكن بدون تحسن وهذه المشكلة تأتي لي فقط عندما أريد أن أصلي بعض الناس يقولون لي أن هذا بسبب جن دخل جسمي من فضلك أرشدني كيف يمكن أن أصلي بسهولة هل أستطيع أن أؤدي أكثر من صلاة واحدة بنفس الوضوء حتى لو هذه الأشياء تخرج مني. لو هذا بسبب الجن كيف يمكن الخلاص منه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سلس البول وما في حكمه مما يخرج من السبيل بدون إرادة، ولا يمكن التحكم فيه لا يلتفت إليه، بل يصلي الإنسان على حسب حاله ولو خرج هذا السائل أثناء الصلاة للمشقة والحرج في الإستنزاه منه، قال تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) ، لكن إن خشي تلويث بدنه وثيابه، لفَّه (أعني فرجه) بمناديل وشبهها، ويصلي بعد وضوئه، ولا يلتفت إلى أي خارج لا يمكن أن يتحكم به، وهذا مرض عادي، ومنتشر كثيرا ً، وليس من صنع الجن، ولا بسببهم والطهارة ضرورة عليك تجديدها لكل صلاة (فريضة) . [الْمَصْدَرُ] الشيخ: عبد الكريم الخضير الحديث: 8285 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 625 حل السحر بالسحر لحل المشاكل الزوجية [السُّؤَالُ] ـ[ما نصيحتكم لمن يحل السحر بسحر مثله لحل المشاكل الزوجية؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: حل السحر عن المسحور إن كان على الوجه المباح فإنه من باب الدواء والمعالجة وهو من أفضل الأعمال لمن ابتغى بذلك وجه الله خاصة إذا كان في هذا حل المشاكل الزوجية والأسرية. فإن حل السحر عن المسحور له حالتان: الأولى: أن يكون حل السحر بسحر مثله، حيث يتقرب الساحر والمريض إلى الجن والشياطين لحل هذا السحر، وهذا محرم، ومنكر عظيم، وهو من عمل الشيطان، كما في مسند الإمام أحمد (3/294) وسنن أبي داود (3868) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النُّشْرَةِ فَقَالَ: (هُوَ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) صححه الألباني في صحيح أبي داود (3868) . والنشرة هي حل السحر عن المسحور، والمراد بها في هذا الحديث: النشرة التي كانوا يستعملونها في الجاهلية، وهي حل السحر بالسحر أو باستخدام الشياطين. انظر: " القول المفيد على كتاب التوحيد " للشيخ ابن عثيمين رحمه الله. وجه الدلالة من الحديث على حرمتها: أنه صلى الله عليه وسلم جعلها من عمل الشيطان، وما كان من عمل الشيطان فهو محرم؛ فإن الشيطان يأمر بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون. الثانية: أن يكون حل السحر بالرقية والتعوذات الشرعية، والأدوية والدعوات المباحة، فهذا جائز وعمل فاضل، يؤجر عليه الإنسان، مع مراعاة آداب العلاج والرقية. راجع السؤال رقم (12918) . ثانياً: أما النصيحة لمن يستخدم السحر لحل السحر، أن يتقي الله في نفسه، وأن يبادر إلى التوبة من هذا العمل الخطير على دينه وإسلامه، قبل أن ينزل به ملك الموت بغتة وهو لا يشعر، وحينئذ لا ينفع الندم ولا الرجوع، فإن خطر السحر على الدين عظيم وجسيم، فقد أخبر الله تعالى في كتابه أنَّ تَعُلًّمَ السحرِ وتعليمه كفر فقال تعالى: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ) البقرة/102، فجعل تعليم السحر وتعلمه من الكفر بالله تعالى، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: (الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاتِ) . والموبقات: المهلكات التي تهلك صاحبها وتلقي به في النار، فليحذر هذا الساحر غضب الله وبطشه، فإن بطشه أليم شديد، وليحذر من حبائل الشيطان وخطواته وتزينه لهذا العمل، وإيهامه بأن فيه مصلحة للمسلمين، وحلا لمشاكلهم، حتى يجلسه على مقاعد الجحيم، ويهوي به في جهنم وبئس المصير، فالحذر الحذر فإن الأمر جد خطير، إنها سعادة أبدية أو شقاء أبدي نعوذ بالله من الخذلان ودرك الشقاء. ثالثاً: النصيحة للمريض المبتلى بالسحر أن يتحلى بالصبر، واحتساب الأجر من الله جل وعلا، وليعلم أن في ذلك امتحانا له لرفع لدرجاته عند الله إذا صبر واحتسب، فقد روى الترمذي (2396) وابن ماجه (4031) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاءِ وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ) . حسنه الألباني في صحيح الترمذي (2396) . وعليه أن يعتمد على الله وحده، ويتوكل عليه في الأمور كلها، مع أخذه بالأسباب الشرعية والحسية المباحة في العلاج، وأن يعظم الرغبة إلى الله سبحانه ويلح عليه بالدعاء وقت الأسحار، وأدبار الصلوات، فإنه سبحانه كاشف الضر، مغيث اللهفات، رحيم بعباده المؤمنين، يجيب دعوة المضطرين (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ) النمل/62، وليحذر كل الحذر من طرق أبواب السحرة والكهنة والعرافين، فإنهم الداء الحقيقي والهلاك المبين، ففي صحيح مسلم (2230) عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) وفي مسند الإمام أحمد (9252) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْحَسَنِ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ) صححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع (5939) ، فليحذر المسلم من سؤالهم أو تصديقهم، طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وحفاظاً على دينه وعقيدته، وحذراً من غضب الله عليه، وابتعاداً عن أسباب الشرك والكفر التي من مات عيها خسر الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين. وللاستزادة عن هذه المسألة وطرق علاج السحر الشرعية تراجع الأسئلة رقم: (11290) و (12918) و (48967) . وانظر: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله (3/280) و (8/144) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 47130 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 626 مصير الشيطان يوم القيامة [السُّؤَالُ] ـ[ماذا سيحدث للشيطان بعد يوم البعث؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله مصير الشيطان يوم القيامة هو أسوأ وأشنع مصير ـ والعياذ بالله ـ وقد دلت على ذلك الأدلة الكثيرة جدا في كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فقد بين الله تعالى أن الشيطان من الكافرين فقال سبحانه: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) البقرة/34. ومصير الكافرين هو النار وبئس القرار. وأخبر سبحانه أن اللعنة قد حلت على الشيطان إلى يوم البعث، كما أخبر سبحانه أنه سيملأ جهنم منه ومن أتباعه فقال سبحانه: (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِين * قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ * قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُون * قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِين * قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ) الأعراف/11-18 وقال عز من قائل سبحانه وهو يخبر عن قول الشيطان لما أُخبِرَ بطرده وإبعاده عن رحمة الله: (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِين * إلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ * قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ * لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ) ص/82-85، إلى غير ذلك من الآيات التي تبين المصير المحتوم للشيطان يوم القيامة. وأخبرنا الله تعالى عن تبرئ الشيطان من أتباعه يوم القيامة، فقال: (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) إبراهيم/22. فليحذر العاقل أن يكون من أتباع الشيطان، أو حزبه، فإن أتباعه هم أهل النار – كما في الآيات السابقة - والشيطان (إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) فاطر/6. (أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمْ الْخَاسِرُونَ) المجادلة/19. ولهذا أوجب الله تعالى علينا معاداته، ومخالفته، وحذرنا من طاعته واتباع خطواته، قال الله تعالى: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً) فاطر/6. وقال تعالى: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) يس/6. وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) البقرة/168. وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) النور/21. نسأل الله تعالى أن يعيذنا من الشيطان الرجيم. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 46601 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 627 تتنبأ بأشياء تكاد تكون صحيحة ويعتقدون أنها تعلم الغيب [السُّؤَالُ] ـ[امرأة تقول إنها أخلصت في طاعة الله، وأثناء نومها زارها رجل يلبس جلباباً أبيض، وطاف حولها، وبعد ذلك أصبحت تتنبأ بأشياء تكاد تكون صحيحة، فعرف الناس بها، وأخذوا يترددون عليها، ويقولون: إنها تعلم الغيب، ولا يعلم الغيب إلا الله، فما حكم هذه المرأة؟ وبم ننصحها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز لأحد أن يدَّعي علم الغيب، ومن ادَّعاه فقد كفر، ولا يجوز لأحدٍ أن يعتقد أن أحداً يعلم الغيب، ومن اعتقد ذلك فقد كفر. وقد أخبر الله تعالى أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب، وأخبر أن الجن لا يعلمون الغيب. وإنما قصدنا بذلك الغيب المطلق الذي لا يعلمه إلا الله، وأما الغيب النسبي وهو ما يعلمه أناس دون آخرين: فهذا قد يستطيع بعض الناس علمه وإنما يكون البحث في كيفية اطلاعهم عليه، فمنهم من يعرفه بالتجسس ومنهم من يعرفه عن طريق الجن، وكلاهما طريق لا يجوز سلوكه. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل الجن يعلمون الغيب؟ . فأجاب: الجن لا يعلمون الغيب لقوله تعالى: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ) ، واقرأ قوله تعالى: (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلا دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ) ، ومن ادعى علم الغيب فهو كافر، ومن صدَّق من يدعي علم الغيب فإنه كافر أيضاً لقوله تعالى: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ) ، فلا يعلم غيب السماوات والأرض إلا الله وحده، وهؤلاء الذين يدعون أنهم يعلمون الغيب في المستقبل كل هذا من الكهانة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أن من أتى عرافاً فسأله لم تقبل له صلاة أربعين يوماً "، فإن صدَّقه فإنه يكون كافراً لأنه إذا صدَّقه بعلم الغيب فقد كذَّب قوله تعالى: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ) . " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (1 / السؤال رقم 115) بتصرف. وسئل الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله -: عن حكم من يدعي علم الغيب؟ . فأجاب: الحكم فيمن يدَّعي علم الغيب أنه كافر؛ لأنه مكذِّّّب لله عز وجل، قال الله تعالى:) قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) ، وإذا كان الله عز وجل يأمر نبيه محمداً صلي الله عليه وسلم أن يعلن للملأ أنه لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله، فإن من ادَّعى علم الغيب فقد كذب الله عز وجل في هذا الخبر. ونقول لهؤلاء: كيف يمكن أن تعلموا الغيب والنبي صلي الله عليه وسلم لا يعلم الغيب؟ هل أنتم أشرف أم الرسول صلي الله عليه وسلم؟ ! فإن قالوا: نحن أشرف من الرسول: كفروا بهذا، وإن قالوا: هو أشرف، فنقول: لماذا يحجب عنه الغيب وأنتم تعلمونه؟ ! وقد قال الله عز وجل عن نفسه: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) ، وهذه آية ثانية تدل على كفر من ادعى علم الغيب، وقد أمر الله تعالى نبيَّه صلي الله عليه وسلم أن يعلن للملأ بقوله: (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى) " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (1 / السؤال رقم 22) . والذي يتنبأ بالمستقبل يسمَّّّى " كاهناً "، ولا يحل سؤاله ولا إتيانه، وأما صدقهم أحياناً في تنبؤاتهم فإما أن يكون من باب موافقة القدَر، وإما أن يكون من الجن الذي يسترق السمع، فيلقي الجنُّ الكلمة على الكاهن فيكذب معها مئة كذبة. عن عائشة رضي الله عنها قالت: سأل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ناسٌ عن الكهان فقال: ليس بشيء، فقالوا: يا رسول الله إنهم يحدثونا أحياناً بشيء فيكون حقا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تلك الكلمة من الحق يخطفها من الجني فيقرها في أذن وليه فيخلطون معها مائة كذبة. رواه البخاري (5429) ومسلم (2228) . قال الحافظ ابن حجر: قال القرطبي: كانوا في الجاهلية يترافعون إلى الكهان في الوقائع والأحكام ويرجعون إلى أقوالهم , وقد انقطعت الكهانة بالبعثة المحمدية , لكن بقي في الوجود من يتشَّبه بهم , وثبت النهي عن إتيانهم فلا يحل إتيانهم ولا تصديقهم. قوله: " إنهم يحدثوننا أحيانا بشيء فيكون حقا " في رواية يونس " فإنهم يتحدثون " هذا أورده السائل إشكالا على عموم قوله " ليسوا بشيء " لأنه فهِم أنهم لا يصدقون أصلا فأجابه صلى الله عليه وسلم عن سبب ذلك الصدق , وأنه إذا اتفق أن يصدق لم يتركه خالصا بل يشوبه بالكذب ... قال الخطابي: بيَّن صلى الله عليه وسلم أن إصابة لكاهن أحيانا إنما هي لأن الجني يلقي إليه الكلمة التي يسمعها استراقا من الملائكة فيزيد عليها أكاذيب يقيسها على ما سمع , فربما أصاب نادرا وخطؤه الغالب." فتح الباري " (10 / 219، 220) . أما ما ذكر في السؤال من ما رأته تلك المرأة في منامها، فإن مثل هذه الأحلام لا يؤخذ منها أي دليل على حكم شرعي فضلا عن أن تدل على مصادمة لقضية من قضايا العقيدة المقررة وعليه فيُعدُّ ما رأته في منامها نوعا من أنواع تلاعب الشيطان بها واستغلاله لجهلها. ولمعرفة أحكام ما يُرى في المنام تراجع الأسئلة (25768) ، (6537) ، (23367) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45569 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 628 كيف يعرف الشخص الذي حسده، وعلاج المحسود [السُّؤَالُ] ـ[هل من الممكن للإنسان المحسود أن يعرف هل هو حسد نفسه أم حسده شخص آخر؟ وما هو الدواء في كلا الحالتين؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إذا أُعجب الإنسان بشيء عنده ولم يبرِّك، (أي: لم يدع بالبركة، بأن يقول: بارك الله فيه ـ مثلاً) وتأثر هذا الشيء فإنه يمكنه أن يعرف أنه قد حسد نفسه. ولا يمكن لأحدٍ أن يجزم أن فلاناً هو الذي حسده إلا إذا كان بمثل تلك الحال، كأن يدخل أحد محله فيبدي إعجابه به ولا يبرك عليه فيكسر ما فيه أو يتلف. وهذا في حال أن يكون التأثير مباشرة، أما إذا طال الفصل: فلا يمكن لأحدٍ أن يجزم على فلان أنه حسده. ويوجد طرق يستعملها بعض الناس لمعرفة العائن لكنها غير شرعية، بل هي شيطانية، وذلك مثل التخيل أثناء القراءة، أو الاستعانة بالجن والشياطين لمعرفة ذلك. قال علماء اللجنة الدائمة: تخيل المريض للعائن أثناء القراءة عليه وأمر القارئ له بذلك: هو عمل شيطاني لا يجوز؛ لأنه استعانة بالشياطين، فهي التي تتخيل له في صورة الإنسي الذي أصابه، وهذا عمل محرم؛ لأنه استعانة بالشياطين؛ ولأنه يسبِّب العداوة بين الناس، ويسبب نشر الخوف والرعب بين الناس، فيدخل في قوله تعالى: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً) الجن/6 وقالوا: لا تجوز الاستعانة بالجن في معرفة نوع الإصابة ونوع علاجها؛ لأن الاستعانة بالجن شرك، قال تعالى: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً) الجن/6، وقال تعالى: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْأِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الأِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) الأنعام /128، ومعنى استمتاع بعضهم ببعض: أن الإنس عظموا الجن وخضعوا لهم واستعاذوا بهم والجن خدموهم بما يريدون وأحضروا لهم ما يطلبون، ومن ذلك إخبارهم بنوع المرض وأسبابه مما يطلع عليه الجن دون الإنس، وقد يكذبون فإنهم لا يؤمنون، ولا يجوز تصديقهم. " مجلة الدعوة " العدد: (1682) . ثانياً: أما بالنسبة لعلاج المحسود فيكون بطريقتين: إذا عرف عائنَه فإنه يطلب منه أن يغتسل ليصبَّ ماء غسله عليه، وإذا لم يعرفه فإن علاجه يكون بالرقية والأذكار الشرعية. ولتفصيل الكلام عن العين والحسد والفرق بينهما، والوقاية والعلاج منهما: يرجى النظر في أجوبة الأسئلة: (20954) و (7190) و (11359) و (12205) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45659 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 629 أريد أن تعود علاقة زوجي معي كما كانت [السُّؤَالُ] ـ[أنا في محنة لا يعلمها إلا ربي سبحانه وتعالى ومشكلتي باني أعاني من سوء معاملة زوجي لي ويخونني ولا يعرف ربه، وقد حدث هذا التغيير الكلي منذ ثلاث سنوات وقد استحملت طول هذه المدة من أجل أولادي وعلى أمل أن يتغير فقد كنت اعتقد أن أمه أثرت عليه، فأمه كانت تذمني باستمرار من ورائي مع أنني كنت أحسن معاملتها واحترمها وأراعيها ولكنها كانت تحس بالغيرة من حب زوجي لي، وكنت اشعر بذلك بالرغم أنها أمامي تظهر لي الحب لأني كنت أحسن معاملتها وهذا حدث قبل ثلاث سنوات عندما جلست معنا في البيت لمدة خمسة أشهر بعد وفاة زوجها وتركتنا بعد سفرنا للخارج للعمل ومنذ ذلك اليوم وأنا أعاني أشد المعاناة. فلم يعد زوجي هو زوجي الذي أعرفه.أرجوك يا شيخ ساعدني فأنا لا اعلم ماذا أفعل أكثر لكي أرجعه معي كما كان. وأختي تؤكد لي بأنه مسحور وليس بعقله فهل هذا معقول وإذا كان كذلك ماذا افعل؟ أرجو أن تفيدني فأنا لا أريد الطلاق ولا أريد أن ألجأ إلى المشعوذين فأختي قالت لي بان هناك رجل دين يتعامل بالقرآن وطلبت مني أن أعطيها، صورتي وصورة زوجي ولكني خفت لكي لا أغضب الله. فهل هذا يجوز؟ وما العمل في هذه الحالة؟ أرجوك يا شيخ ساعدني فأنا في حاله يرثى لها. أرجو أن تجاوبني بسرعة، وأنا الجأ إليك بعد الله تعالى عسى ربي يفرج عنى مما أنا فيه. وفرج الله عنك كل ضيق وجزاك الله كل خير آمين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اعلمي أختي السائلة أن من حكمة الله تعالى في عباده أن يبتليهم بالخير والشر ليعلم من يطيعه سبحانه في كل أحواله ممن يطيعه في حال دون حال، قال تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) الملك/2، وقال: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) الأنبياء/35 ومن أنواع البلاء أن يبتلي أحد الزوجين بالآخر في سوء العشرة ونحوها لأي سبب كان، وعليه فإن كان ما تذكرينه صحيحا من أن زوجك قد أصيب بسحر أو حسد قوي، ولا شك أن السحر والعين لهما تأثير، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (العين حق) رواه البخاري برقم 5408، ومسلم برقم 2187، فعليك اتباع ما يلي: أولا: أكثري من ذكر الله والاستغفار، وسؤال الله تعالى أن يشفي زوجك، وأن يعيده لك كما كان، ولا يرد القضاء إلا الدعاء. ثانيا: راجعي نفسك وطريقة معاملتك مع زوجك، فقد تكوني أنت التي تغيرت عليه وأنت لا تشعرين، فكوني له خير امرأة وزوجة، وخير معين بعد الله تعالى، وقفي معه في هذه المحنة، وكوني سنده بعد الله تعالى. ثالثاً: لا تذهبي إلى ذلك الذي يزعم أنه رجل دين، فإن طلبه لصوركما من مثل أعمال الكهنة والمشعوذين. (راجعي سؤال رقم (21124) رابعاً: لا حرج في أن تذهبي بزوجك إلى أحد المشايخ الموثوقين، الذين يعالجون بالقرآن الكريم والأدعية النبوية، كما إنه يمكنك أن تقرئي على ماء وتسقي منه زوجك، وترقيه كل يوم، وتقرئي سورة البقرة في البيت، وللمزيد راجعي في فك السحر وطرقه الأسئلة: (11290، 4010، 13792، 21124، 12198، 8291، 20954) ، وفي الوقاية من السحر (2662، 22816) ، وفي أنواع السحر (12578، 9432، 240) . سادسا: على افتراض أن ما أصاب زوجك ليس سحرا ولا حسدا، فاجلسي معه جلسة مصارحة، وأخبريه بما تحسين به وتشعرين، واتفقا على أن تعودا لبعضكما كما كنتما. سابعا: يمكنك أن توسطي بعض المصلحين – لاسيما الثقات من الأقارب -، لبحث هذه المشكلة، والنظر فيها، وفي ماهيتها، وأسبابها، ومحاولة علاجها. وننصحك أخيرا بأن توازني بين حسنات زوجك وسيئاته وألا يغيب عن بالك ما عنده من صفات حسنة ومن إحسان إليك، من أجل أن يدعوك ذلك للسعي لإصلاحه وإعادته إلى طريق الحق والصواب في تدينه وعلاقته بربه أولا ثم في علاقته معك. يسر الله أمرك، وأسعد زوجك بطاعته وأسعدك به، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 43347 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 630 في بيته جنِّي [السُّؤَالُ] ـ[كنت أعيش في شقة في الشارقة لعدة أشهر ثم لاحظت وجود بصمات أصابع بالدم على الجدران والأرض، ثم بدأت تصدر بعض الأصوات فتركت البيت وانتقلت لبيت آخر، ثم حصل نفس الشيء في البيت الجديد، فقمت بإرسال عائلتي لبلدي وانتقلت للعيش مع بعض الأصدقاء، سمعت الأصوات هنا كذلك ولكن لا تصدر إلا إذا كنت وحيداً وأزعجتني هذه الأصوات كثيراً. اعتدت أن أصلي الصلوات الخمس وأقرأ القرآن في الصبح وإذا أردت النوم أقرأ سورة المزمل سبع مرات وسورة الملك وبدأت تقل الآن. أرجو أن تخبرني بما يجب أن أفعله الآن.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه الأصوات والأفعال ربما صدرت من الجن، والجن خلق من خلق الله تعالى يجب علينا الإيمان بوجودهم، لأن الله تعالى ذكرهم في القرآن في آيات كثيرة، بل خصهم بسورة تسمى سورة (الجن) ووجودهم متفق عليه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " وجماهير الأمم يقرّ بالجن ولهم معهم وقائع يطول وصفها، ولم ينكر الجن إلا شرذمة قليلة من جهّال المتفلسفة والأطباء ونحوهم " مجموع الفتاوى 19/32. وقدراتهم تفوق قدرات الإنسان، كما قال تعالى: (قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِك) النمل /39، وبين سليمان عليه السلام وملكة سبأ مسافة بعيدة، وقد أقدرهم الله على التشكل والطيران وغير ذلك، لكنهم مع شدة قوتهم لا سلطان لهم على عباد الله الصالحين، قال تعالى: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً) الاسراء /65، وقال: (وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ) سبأ /21. بل يعترف الشيطان بهذه الحقيقة فيقول: (قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِين) الحجر /39 – 40، وإنما يتسلط على العباد الذين يرضون بفكره ويتابعونه عن رضا وطواعية، كما أخبر الله بذلك فقال: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِين َ) الحجر/42 وقد يسلطهم الله على المؤمنين بسبب ذنوبهم، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى مع القاضي ما لم يَجُرْ، فإذا جار تبرّأ منه وألزمه الشيطان) رواه الحاكم والبيهقي وحسنه الألباني في صحيح الجامع 1823. والجَوْر عدم العدل. والمسلم يجب أن يكون قبل كل شيء متسلحاً بسلاح الإيمان والعمل الصالح لأنهما خير زادٍ له وخير وسيلة لدحر كيد شياطين الإنس والجن. وعليك أن توثق حبلك مع الله تعالى، فإنه الركن الذي يركن إليه. وأكثر من ذكر الله تعالى على كل حال، واحرص على أن لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله تعالى، فإن الإنسان لن يعصم من الشيطان بمثل ذكر الله تعالى. فقد صح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الله تعالى أمر يحيى بن زكريا عليهما السلام بخمس كلمات أن يعمل بهن ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن، وكان منها: (وَآمُرُكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا اللَّهَ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ خَرَجَ الْعَدُوُّ فِي أَثَرِهِ سِرَاعًا حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حِصْنٍ حَصِينٍ فَأَحْرَزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ كَذَلِكَ الْعَبْدُ لَا يُحْرِزُ نَفْسَهُ مِنْ الشَّيْطَانِ إِلا بِذِكْرِ اللَّهِ) . رواه الترمذي (2863) . وصححه الألباني في صحيح الترمذي. وحافظ على الأذكار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، كالذكر عند دخول الخلاء وعند الجماع وعند سماع نهيق الحمار وعند دخول البيت وفي الصباح والمساء وعند النوم. . وغير ذلك من الأحوال والأوقات التي ورد فيها عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر معين. وهي مجموعة في كتب الأذكار ككتاب الأذكار للنووي، والكلم الطيب لابن تيمية، وحصن المسلم للقحطاني. وعليك بالإكثار من قراءة القرآن في البيت لاسيما سورة البقرة في البيت، فقد روى أحمد (7762) ومسلم (780) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ، إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ [ولفظ أحمد: يَفِرّ] مِنْ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ) . وعليك أيضاً أن تطهّر بيتك من كل شيء فيه معصية لله تعالى، مثل اقتناء الصور والكلاب، فقد روى أبو طلحة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة) رواه البخاري (3322) ومسلم (2106) فإن خلت البيوت من الملائكة كانت مرتعاً ومسكناً للشياطين. أما قراءة سورة المزمل والملك عند النوم فقد ورد ما يدل على استحباب قراءة سورة الملك قبل النوم، روى الترمذي (2892) عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لا يَنَامُ حَتَّى يَقْرَأَ الم تَنْزِيلُ وَتَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ) . صححه الألباني في صحيح الترمذي. أما سورة المزمل فلم يرد ما يدل على استحباب قراءتها قبل النوم. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 42073 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 631 هل يمكن أن نرى الجن؟ وهل توجد لهم صور صحيحة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل الجن يظهر كما نرى الإنسان؟ وهل توجد صور صحيحة للجن؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا السؤال مكون من شقين: الأول: هل تظهر الجن بصور الإنسان؟ الثاني: هل هناك صورة صحيحة للجن؟ أما الشق الأول: فيقال: أولا: اعلم أن الأصل في الجن أنهم مستترون عن الإنس، ولهذا سُمُّوا (جنا) لأن المادة اللغوية (جن) الجيم والنون تدل على أصل واحد، وهو السَّتْر والتستُّر. (كما قال ابن فارس في مقاييس اللغة مادة جن) . فالجن سموا بذلك لأنهم مستترون عن الإنس، والجنين سمي بذلك لأنه مستتر في بطن أمه، والجنة لأنها مستترة بالأشجار، والمجنون لأن عقله مستتر وهكذا في جميع الاشتقاق. وقد أخبر الله تعالى بهذه الحقيقة حيث قال: (يَابَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمْ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) الأعراف/27 ثانيا: هل يمكن أن يظهروا في صور يراهم الناس فيها؟ والجواب عن ذلك: أنه ثبت في السنة وفي الواقع ظهور الجن على صور مختلفة كصور الناس والحيوانات وغيرها، فمن أصرح الأدلة على ذلك من السنة تلك القصة التي رواها البخاري (3275) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: وَكَّلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ، فَأَتَانِي آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنْ الطَّعَامِ، فَأَخَذْتُهُ وَقُلْتُ: وَاللَّهِ لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. فشكا حاجة وعيالا فرحمه أبو هريرة وتركه حتى تكرر هذا ثلاث مرات وفي الثالثة قال أبو هريرة: لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ وَهَذَا آخِرُ ثَلاثِ مَرَّاتٍ أَنَّكَ تَزْعُمُ لا تَعُودُ ثُمَّ تَعُودُ، قَالَ: دَعْنِي أُعَلِّمْكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهَا، قُلْتُ: مَا هُوَ؟ قَالَ: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) حَتَّى تَخْتِمَ الآيَةَ، فَإِنَّكَ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنْ اللَّهِ حَافِظٌ، وَلا يَقْرَبَنَّكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ. وحين أصبح أخبر رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بما حصل. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ. أتَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلاثِ لَيَالٍ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: لا. قَالَ: (ذَاكَ شَيْطَانٌ) . قال الحافظ ابن حجر في الفتح: " وفي الحديث من الفوائد ... أن الشيطان من شأنه أن يكذب، وأنه قد يتصور ببعض الصور فتمكن رؤيته، وأن قوله تعالى (إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم) مخصوص بما إذا كان على صورته التي خلق عليها " اهـ وقد روي أن الشيطان ظهر لقريش في صورة سراقة بن مالك بن جعشم، وشجعهم على قتال النبي صلى الله عليه وسلم وذلك في غزوة بدر فقد روى ابن جرير الطبري في تفسيره (12564) عن عروة بن الزبير، قال: (لما أجمعت قريش المسير ذكرت الذي بينها وبين بني بكر - يعني من الحرب - فكاد ذلك أن يثبطهم، فتبدى لهم إبليس في صورة سراقة بن جعشم المدلجي، وكان من أشراف بني كنانة، فقال: أنا جار لكم من أن تأتيكم كنانة بشيء تكرهونه! فخرجوا سراعا) وذكرها ابن كثير في البداية والنهاية (5/62) . وفي صحيح مسلم (2236) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: (إِنَّ بِالْمَدِينَةِ نَفَرًا مِنْ الْجِنِّ قَدْ أَسْلَمُوا فَمَنْ رَأَى شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْعَوَامِرِ فَلْيُؤْذِنْهُ ثَلاثًا فَإِنْ بَدَا لَهُ بَعْدُ فَلْيَقْتُلْهُ فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ) . والعوامر: الحيات والثعابين التي تكون في البيوت، لا تقتل حتى تستأذن ثلاثاً فقد تكون من الجن. انظر " غريب الحديث " لابن الأثير. قال النووي: «معناه: وإذا لم يذهب بالإنذار علمتم أنَّه ليس من عوامر البيوت، ولا ممَّن أسلم من الجنِّ، بل هو شيطان، فلا حرمة عليكم فاقتلوه، ولن يجعل اللهُ له سبيلاً للانتصار عليكم بثأره بخلاف العوامر ومن أسلم، واللهُ أعلم» . شرح مسلم 14/236 ومثل هذا في الواقع كثير، قال شيخ الإسلام: (والجن يتصورون في صور الإنس والبهائم فيتصورون في صور الحيات والعقارب وغيرها وفي صور الإبل والبقر والغنم والخيل والبغال والحمير وفى صور الطير وفى صور بنى آدم كما أتى الشيطان قريشا في صورة سراقة بن مالك بن جعشم لما أرادوا الخروج إلى بدر) مجموع الفتاوى (19/44) ثالثا: لقد أضلت الجن كثيراً من الإنس بتصورهم في صور الأولياء والصالحين وغيرهم، قال شيخ الإسلام: " وكثيراً ما يتصور الشيطان بصورة المدعو المنادى المستغاث به إذا كان ميتا. وكذلك قد يكون حيا ولا يشعر بالذي ناداه ; بل يتصور الشيطان بصورته فيظن المشرك الضال المستغيث بذلك الشخص أن الشخص نفسه أجابه وإنما هو الشيطان، وهذا يقع للكفار المستغيثين بمن يحسنون به الظن من الأموات والأحياء كالنصارى المستغيثين بجرجس وغيره من قداديسهم، ويقع لأهل الشرك والضلال من المنتسبين إلى الإسلام الذين يستغيثون بالموتى والغائبين، يتصور لهم الشيطان في صورة ذلك المستغاث به وهو لا يشعر .... وذكر لي غير واحد أنهم استغاثوا بي، كلٌّ يذكر قصة غير قصة صاحبه فأخبرت كلا منهم أني لم أجب أحداً منهم ولا علمت باستغاثته، فقيل: هذا يكون مَلَكاً، فقلت: المَلَكُ لا يغيث المشرك، إنما هو شيطان أراد أن يضله " اهـ. مجموع الفتاوى (19/47-48) ثم إن من أعظم ما ينتصر به المسلم على الشياطين التحصن بالأذكار، وقراءة آية الكرسي، كما في حديث أبي هريرة السابق، وانظر السؤال رقم (22816) و (12715) و (42073) أما الشق الثاني من السؤال وهو هل هناك صورة صحيحة للجن؟ فإن مسألة تصوير الجن صورة فوتوغرافية من الأمور التي شغف بها كثير من الناس وانتشرت في بعض مواقع الإنترنت ولا يمكن الجزم بصحة ما في هذه المواقع خاصة في هذه الآونة التي تفنن الناس فيها بأنواع الخدع التصويرية، ثم إن البحث في مثل هذه الأمور ليس ذا فائدة أو جدوى في الدين أو الدنيا، والأولى بالإنسان أن يشتغل بما يعود عليه بالفائدة الدينية أو الدنيوية من قراءة وتفهم لما في القرآن وصحيح السنة وما يجب على الإنسان في عقيدته وعبادته، والأخلاق والآداب التي ينبغي أن يتحلى بها المسلم وغير ذلك، علما بأن نشر صور ذوات الأرواح محرم شرعا وقد وردت النصوص الشرعية بذلك، ويمكنك مراجعة الأسئلة التي تحمل رقم (13633) ورقم (10668) ورقم (7918) . والله المسؤول أن يحفظك ويعلي قدرك ويغفر ذنبك ويرزقك العلم والعمل إنه خير مسؤول، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 40703 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 632 معنى تصفيد الشياطين في رمضان [السُّؤَالُ] ـ[ماذا تقولون في تصفيد الشياطين في رمضان؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله روى البخاري (1899) ومسلم (1079) ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِينُ) . وقد اختلف العلماء في معنى تصفيد الشياطين في رمضان على أقوال. قال الحافظ ابن حجر نقلا عن الحليمي: " يحتمل أن يكون المراد أن الشياطين لا يخلصون من افتتان المسلمين إلى ما يخلصون إليه في غيره لاشتغالهم بالصيام الذي فيه قمع الشهوات وبقراءة القرآن والذكر، وقال غيره - أي غير الحليمي - المراد بالشياطين بعضهم وهم المردة منهم .... وقوله صفدت ... أي شدت بالأصفاد وهي الأغلال وهو بمعنى سلسلت .... قال عياض يحتمل أنه على ظاهره وحقيقته وأن ذلك كله علامة للملائكة لدخول الشهر وتعظيم حرمته ولمنع الشياطين من أذى المؤمنين، ويحتمل أن يكون إشارة إلى كثرة الثواب والعفو وأن الشياطين يقل اغواؤهم فيصيرون كالمصفدين، قال ويؤيد هذا الاحتمال الثاني قوله في رواية يونس عن بن شهاب عند مسلم فتحت أبواب الرحمة، قال ويحتمل أن يكون .... تصفيد الشياطين عبارة عن تعجيزهم عن الإغواء وتزيين الشهوات. قال الزين بن المنير والأول أوجه ولا ضرورة تدعو إلى صرف اللفظ عن ظاهره " فتح الباري 4/114 وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى عن قول النبي صلى الله عليه وسلم (وصفدت الشياطين) ومع ذلك نرى أناسا يصرعون في نهار رمضان، فكيف تصفد الشياطين وبعض الناس يصرعون؟ فأجاب بقوله: " في بعض روايات الحديث: (تصفد فيه مردة الشياطين) أو (تغل) وهي عند النسائي، ومثل هذا الحديث من الأمور الغيبية التي موقفنا منها التسليم والتصديق، وأن لا نتكلم فيما وراء ذلك، فإن هذا أسلم لدين المرء وأحسن عاقبة، ولهذا لما قال عبد الله ابن الإمام أحمد بن حنبل لأبيه: إن الإنسان يصرع في رمضان. قال الإمام: هكذا الحديث ولا تكلم في هذا. ثم إن الظاهر تصفيدهم عن إغواء الناس، بدليل كثرة الخير والإنابة إلى الله تعالى في رمضان. " انتهى كلامه [مجموع الفتاوى 20] وعلى هذا فتصفيد الشياطين تصفيد حقيقي الله أعلم به، ولا يلزم منه ألا يحصل شرور أو معاصي بين الناس. والله أعلم. يراجع السؤال رقم (12653) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39736 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 633 خانت زوجها وسحرته وانقلب على أهله [السُّؤَالُ] ـ[لقد تزوج ابني بامرأة سوء عملت له سحراً، فانقلب على أهله جميعاً، وصار لا يرد لها أي طلب مهما كان. وقد قبضت هيئة الأمر بالمعروف عليها هي وعشيقها وثبتت تلك الجريمة عليها، ومع ذلك فابني رفض طلاقها ودائماً يدافع عنها. ودخلنا بينها فوجدنا أشياء غريبة فقد وجدنا حذاء موضوعاً على كتاب الله فوق الدولاب (والعياذ بالله) ووجدنا أشياء أخرى، وعندها خادمات من بلاد يعرفون بالسحر. مما جعلنا نقطع أنها سحرت ابني، وقد ذهبنا إلى أحد المشايخ ليقرأ عليه فظهرت عليه علامات السحر. وهو الآن يرفض العلاج ولا يصدقنا أنه مسحور. فماذا نفعل؟ هل تقوم بالذهاب إلى أحد السحرة لفك السحر؟ وقد توفي والده وهو الآن يطالبنا بنصيبه من ميراث أبيه، فهل نعطيه المال، وهو مسحور يضيع أمواله، وهذه المرأة قد سلبت جميع أمواله وضيعتها على السحر والشعوذة، مع العلم أن له أولاداً يحتاجون إلى هذا المال.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا شك أن ما أصاب ابنكم هو من البلاء لكم، ونسأل الله تعالى أن يصبِّركم، ويثبتكم على دينه، كما نسأل الله له الشفاء، والظاهر أنه واقع تحت تأثير السحر، فلا ينبغي لكم مؤاخذته على تصرفاته معكم، ولا يرضى عاقل أن يعلم عن امرأته بشيء مما فعلته ويسكت عنها، لكن يبدو أن السحر قد أثَّر عليه تأثيراً بالغاً حتى وقف معها وانقلب عليكم. وقد سبق في جواب السؤال رقم (11290) حرمة علاج السحر بالسحر، وفيه وفي جواب السؤال رقم (12918) بيان العلاج الشرعي للسحر. ويمكنكم علاج ولدكم بالقراءة على الماء وسقيه له دون علمه، وعليكم ملازمة الدعاء مع استعمال العلاج، فلعل الله تعالى أن يكشف عنه البأس والضر. ثانياً: يتوقف دفع حق ولدكم من الميراث على حسن تصرفه بالمال، فإن كان المال سيقع في يده أو يد زوجته ولن يحسنا التصرف فيه: فلا يجوز لكم تمكينه من المال، وليبقَ معكم، ولتنفقوا عليه وعلى أبنائه منه، وهو أمانة في أيديكم لا ينبغي لكم التفريط فيه. قال الله تعالى: (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلا مَعْرُوفًا. وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا) النساء/5، 6. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي: {السفهاء} جمع " سفيه " وهو: من لا يحسن التصرف في المال، إما لعدم عقله , كالمجنون والمعتوه , ونحوهما، وإما لعدم رشده , كالصغير وغير الرشيد، فنهى الله الأولياء أن يؤتوا هؤلاء أموالهم , خشية إفسادها وإتلافها، لأن الله جعل الأموال قياماً لعباده , في مصالح دينهم ودنياهم، وهؤلاء لا يحسنون القيام عليها وحفظها، فأمر الله الولي أن لا يؤتيهم إياها بل يرزقهم منها , ويكسوهم , ويبذل منها , ما يتعلق بضروراتهم وحاجاتهم الدينية والدنيوية , وأن يقولوا لهم قولاً معروفاً , بأن يعِدوهم إذا طلبوها أنهم سيدفعونها لهم بعد رشدهم , ونحو ذلك , ويلطفوا لهم في الأقوال , جبراً لخواطرهم، وفي إضافته تعالى الأموال إلى الأولياء إشارة إلى أنه يجب عليهم أن يعملوا في أموال السفهاء , ما يفعلونه في أموالهم , من الحفظ , والتصرف , وعدم التعرض للأخطار. وفي الآية دليل على أن نفقة المجنون والصغير والسفيه , في مالهم , إذا كان لهم مال لقوله (وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ) . " تفسير السعدي ". وينبغي رفع الأمر إلى المحكمة الشرعية وأقامة البينة على أن هذا الولد لا يحسن التصرف في ماله، حتى تقوم المحكمة بالحجر عليه وتعين ولي على ماله. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39795 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 634 المس وما يتعلق به من أوهام وحقائق [السُّؤَالُ] ـ[ابتليت بمس جني - ولم أشف منه - منذ سنتين تقريباً، والغريب أنني أشعر بهم في جسدي ويكاد يكون لي التحكم فيهم في جسدي مثلاً: عندما أسمع للقرآن فأشعر بحركة ألم لهم في بطني فأستطيع إن شاء الله أن أوقفهم عن تلك الحركة. وأنا أؤمن بأن خروجهم لن يتم أبدا إلا من الله العلي القدير، فلذلك أدعو الله ولا أذهب إلى معالج شرعي يرقي بالقرآن. الحمد لله أنني بفضل الله مستقيم، ولكني أقع أحيانا في بعض المعاصي، فما تفسير ذلك؟ وما هي نصيحتكم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المس بالجن فيه حقائق وفيه أوهام، وأوهامه – عند كثير من الناس الآن – أكثر من حقائقه، وأهل السنة مجمعون على تلبس الجني ببدن الإنسي، لكن ليس معنى ذلك أن كل ما يكون من المصروع هو مس من الجن، لأن الصرع قد يكون له سبب عضوي، ومثله ما يشعر به الكثيرون ويحسونه في أجسادهم، فلا يُجزَم بأنه من فعل الجن، بل قد يكون أهاماً وقد تكون خيالات. لذا فعليك ألا تلتفت إلى ما قد يوسوس به الشيطان أو يهيئه لك أنه من فِعله، وأنك تستطيع التحكم به، فهذا من أبواب تلبيسه على المسلم ليوهمه بأنه يستطيع التحكم فيه حتى يظن في نفسه ما ليس فيها، وقد يصل به إلى ما لا تحمد عقباه كما حصل مع كثيرين. وعليك بالمداومة على رقية نفسك بنفسك، وكتاب ربك تبارك وتعالى بين يديك، فاقرأ منه وارق نفسك، وسواء كان عندك مس أم لم يكن فلا شك أنك مستفيد من هذه القراءة وتلك الرقية. وللمزيد انظر سؤال رقم (3476) . وإذا ذهبت إلى من هو معروف باستعمال الرقية الشرعية مع استقامة حاله وبعده عن الشعوذة والخرافات، فإن هذا لا بأس به وقد يكون سبباً لشفائك مما تشكو منه. وعليك بالاستعانة بالله تعالى والدعاء والتضرع ليكف عنك كيد شياطين الإنس والجن، فالإنسان محتاج لربه دوماً، والله تعالى قادر على أن يخلصك من الظنون والأوهام والحقائق التي تؤذيك وتضرك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39214 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 635 المسّ الشيطاني والسّحر [السُّؤَالُ] ـ[بعد أن عاد أخي من رحلة بدأ ينطق بأشياء عجيبة وبدأ يقول بعض التكهنات ولا يتكلم مع أحد لقد بقي في الخارج عامين ووصل الأمر إلى أن يبصق على أمه ثم اعتقدنا أنه مريض نفسياً فذهبنا به إلى الطبيب لكنه لم يكتشف شيئاً. ونحن نظن أنه أصابه جن أو سحر. فكيف نعرف ذلك وكيف نخلصه منه؟ لقد مرضت أمي بسبب هذا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أما بالنسبة للتفريق بين حالة المسّ والسّحر فقد ذكر بعض المجرّبين أن من علامات المسّ ما يلي: 1- الإعراض والنّفور الشديد من سماع الأذان أو القرآن. 2- الإغماء أو التشنّج أو الصّرع والسّقوط حال القراءة عليه. 3- كثرة الرؤى المفزعة. 4- الوحدة والعزلة والتصرّفات الغريبة. 5- قد ينطق الشيطان الذي تلبّس به عند القراءة. 6- التخبّط كما قال تعالى: (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبّطه الشيطان من المسّ) . أمّا السّحر فمن أعراضه: 1- كره المسحور لزوجته أو المسحورة لزوجها كما قال تعالى: (فيتعلّمون منهما ما يُفرّقون به بين المرء وزوجه) . 2- اختلاف حاله خارج البيت عن حاله داخله اختلافا كلّيا فيشتاق إلى أهله وبيته في الخارج فإذا دخل كرههم أشدّ الكُره. 3- عدم القدرة على وقاع الزّوجة. 4- توالي إسقاط المرأة الحامل باستمرار. 5- التغيّر المفاجئ في التصرّفات دون أيّ سبب واضح. 6- عدم اشتهاء الطعام بالكلّية. 7- أن يخيّل إليه أنّه فعل الشيء وهو لم يفعله. 8- الطاعة العمياء والمحبّة المفاجئة والمفرطة لشخص معيّن. هذا ويجب الانتباه إلى أنّ الأعراض المذكورة آنفا لا يُشترط عند توفّر بعضها أن يكون الشّخص مصابا بالسّحر أو المسّ فقد يكون بعضها لأسباب عضوية أو نفسية أخرى. العلاج 1- التوكّل على الله وصدق اللجوء إليه 2- الرقى والتعويذات الشرعية وأهمّها المعوذتان وهي التي عولج النبي صلى الله عليه وسلم بها وما تعوذّ متعوّذ بمثلهما قط ويضاف إليهما قل هو الله أحد، وسورة الفاتحة رقية ناجحة كما ثبت. وفي علاج السّحر يمكن أخذ سبع ورقات من السّدر الأخضر وطحنها ثمّ وضعها في إناء ويصبّ عليها من الماء ما يكفيه للغسل ويُقرأ فيها بآية الكرسي وسورة الكافرون والإخلاص والمعوذتين وآيات السّحر الموجودة في سورة البقرة آية 102 والأعراف آية 117-119 وسورة يونس 79-82 وسورة طه 65 - 69 ثمّ يشرب بعض الماء ويغتسل بالباقي كما جرّبه بعض السّلف فنفع. 3- استخراج السّحر وإتلافه كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم لمّا سحره لبيد بن الأعصم اليهودي. 4- استعمال الأدوية المباحة كأكل سبع تمرات من تمر العالية البرنيّ (من تمور المدينة النبوية) على الرّيق وإذا لم يجد يأكل من أي تمر وجده يكون نافعا بإذن الله. 5- الحجامة 6- الدّعاء ونسأل الله أن يشفي أخاكم ويفرّج كربته وكربتكم وهو الشافي لا شافي إلا هو. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 240 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 636 هل هناك علاقة بين قص الأثر والزواج من الجن [السُّؤَالُ] ـ[هناك قول مشهور بين الناس عن بعض القبائل التي لديها فراسة وقدرة على تقصي الآثار، ومعرفة أصحابها، وقيل لأن أحد أجدادهم قد تزوج من الجن، وهذا هو سبب اكتسابهم هذه القدرة، فما مدى صحة ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] هذا غير صحيح، ولا أعرف أن الإنسان يتولد بين إنسي وجني، حيث أن الجن ليس لهم أجسام، وإنما هم أرواح هوائية، وإن كانوا يقدرون على التشكل بأشكال متنوعة، فأما هؤلاء الذين يعرفون الآثار والأشياء فهم من أهل الفراسة، وقوة الذكاء والمعرفة، والفطنة والتجربة، وقد جعل الله تعالى فروقاً بين الآثار وموطئ الأقدام، كما جعل فروقاً ظاهرة بين الناس في الطول والقصر، والسواد والبياض والصغر والكبر، فأنت ترى مائة ألف من البشر لا تجد فيهم اثنين متشابهين في كل الصفات، فهذا هو السبب الذي يميز هؤلاء بين الناس، ويعرفون الآثار والأشباه، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] من كتاب اللؤلؤ المكين من فتاوى ابن جبرين ص 15 الحديث: 1000 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 637 شخص يخبر من حضر إليه بأمور خاصة وخفية [السُّؤَالُ] ـ[يزعم أحد الدجالين بأنه يعلم الغيب، وذلك بالقراءة على المصروعين، ويأمرهم بأن يتبخروا بأوراق يُكتب عليها، ويعطيهم تمائم (حجابات) ليلبسوها، وإذا حضر إليه شخص يريد العلاج ويكون من شاربي الخمر فيخبره بأنه شرب بالأمس خمراً، وباقي الخمر موجود في مكان كذا، وإني لن أعالجك من الصرع حتى تترك شرب الخمر فيعترف بذلك، أفتونا في هذا الأمر، وهل يجوز أن نؤاكله ونسلم عليه، ونصلي خلفه، لأنه يصلي أحياناً بالناس، وقد نصحناه ولم يقبل النصيحة، ويقول: إنه على الحق ... أفتونا مأجورين.]ـ [الْجَوَابُ] هذا لا شك أنه من الكهنة الذين يستخدمون الشياطين، ويتقربون إليها بما تحب حتى تطلعهم على بعض الأمور الغائبة، وذلك أن يذبح لهم، أو يدعوهم بأسمائهم، أو يطيعهم في معصية الله بأكل الحرام والنجاسات، أو نحو ذلك، ومعلوم أن هذا من الكفر والشرك، فعلى هذا يجب أن يستتابوا فإن تابوا وإلا قتلوا، ولا تجوز الصلاة خلفهم، والسلام عليهم حتى يتوبوا، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] من كتاب اللؤلؤ المكين من فتاوى ابن جبرين ص 20. الحديث: 1023 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 638 الإصابة بالعين يمكن أن تقع من الكافر [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكن للكافر أن يصيب الآخرين بالعين؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم قد تقع الإصابة بالعين من الكافر والدليل على ذلك قول الله تعالى: (وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر.. الآية) القلم/51. قال السدي: يصيبونك بعيونهم. تفسير البغوي 8/202. وكذلك يدلّ عليه عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الْعَيْنُ حَقٌّ) رواه البخاري (5740) ومسلم (2187) . [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 31216 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 639 اعتقاد أن موت الفجأة بسبب السحر [السُّؤَالُ] ـ[أنا أمريكية ومتزوجة من رجل عربي، والناس في بلده يؤمنون أن الشخص إذا مات فجأة من مرض ما فإنه قد تعرض لسحر حيث يظن الجميع بأنه مات وهو بالفعل لم يمت فيأخذوه السحرة ليكون عبدا لهم.ما حكم الاعتقاد بمثل هذه الأفكار؟ هل سمعت بشيء كهذا من قبل؟ هل يمكن أن يحصل هذا فعلاً كوني مسلمة جديدة فأنا لا أعرف ما أصدق بالنسبة لهذا الموضوع فأرجو أن توضح لي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما ذكر في السؤال خطأ محض فالذي يموت فجأة كغيره ممن مات بأي سبب تفارق روحه جسده والروح أمر غيبي من أمر الله سبحانه وتعالى، ومن طوائف المبتدعة من يرى أن الإنسان إذا مات انتقلت روحه إلى غيره، وهذا مما يعرف بالتناسخ، وهذا القول مما عرف بطلانه بالضرورة من دين الإسلام. انتهى جواب الشيخ عبد الكريم الخضيري. وهو كفر شنيع وقول باطل ومما يترتب عليه جَحْد عذاب القبر، نسأل الله السلامة. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 4441 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 640 هل يُصيب الرجل بالعين زوجته الجميلة [السُّؤَالُ] ـ[سؤالي حول العين. إذا قال الرجل لزوجته إنها جميلة فهل يجب عليه أن يقول ما شاء الله أم أن هذا يعتبر تطرفا؟.]ـ [الْجَوَابُ] أولاً: العين حق لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " العين حق ولو كان شيء سابَق القدر لسبقته العين ". رواه مسلم (2188) من حديث ابن عباس. وروى البخاري (5048) ومسلم (2187) من حديث أبي هريرة: أوَّله. ثانياً: إن العين تكون من العائن الحاسد على الأكثر. يقول ابن القيم: وكل عائن حاسد وليس كل حاسد عائناً … ثم قال: وأصله إعجاب العائن بالشيء ثم تتبعه كيفية نفسه الخبيثة، ثم تستعين على تنفيذ سمها بنظرة إلى المعين، وقد يعين الرجل نفسه، وقد يعين بغير إرادته، بل بطبعه، وهذا أردأ ما يكون من النوع الإنساني، وقد قال أصحابنا وغيرهم من الفقهاء: عن من عرف بذلك حبسه الإمام، وأجرى له ما ينفق عليه إلى الموت، وهذا هو الصواب قطعا.. " زاد المعاد " (4 / 167) . فعليه جاء في الحديث: " أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامَّة ومن كل عين لامَّة ". رواه البخاري (3191) من حديث ابن عباس. ومعنى الهامَّة: الحيوانات والحشرات السامة القاتلة. ومنى لامَّة: التي تصيب بالحسد. ثالثاً: إن الراجح أن العين كما أنها تكون من العائن الحاسد فقد تكون من غير الحاسد بمجرد الإعجاب وذلك لحديث " إذا رأى أحدكم من نفسه أو ماله أو من أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة فٍان العين حق ". رواه ابن السني في " عمل اليوم والليلة " (ص 168) والحاكم (4 / 216) وصححه الألباني في " الكلم الطيب " (243) . فهذا الحديث يبين أن الرجل قد يصيب نفسه أو ماله - ولا أحد يحسد نفسه - فيصيب نفسه بالعين لإعجابه بنفسه، فلأن يصيب زوجته من باب أولى. قال ابن القيم: وقد يعين الرجل نفسه. " زاد المعاد (4 / 167) . رابعاً: إن الرجل قد يصيب زوجته بالعين بنظره إليها وملاحظته جمالها والإعجاب بها حتى وإن لم يقل لها إنك جميلة ويستحب له أن يقول اللهم بارك فيها. عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ وَسَارُوا مَعَهُ نَحْوَ مَكَّةَ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِشِعْبِ الْخَزَّارِ مِنَ الْجُحْفَةِ اغْتَسَلَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَكَانَ رَجُلا أَبْيَضَ حَسَنَ الْجِسْمِ وَالْجِلْدِ فَنَظَرَ إِلَيْهِ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ أَخُو بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ وَهُوَ يَغْتَسِلُ فَقَالَ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ وَلا جِلْدَ مُخَبَّأَةٍ (المخبأة: هي الفتاة في خدرها وهو كناية عن شدة بياضه) فَلُبِطَ سَهْلٌ (أي: صُرع وسقط على الأرض) فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لَكَ فِي سَهْلٍ وَاللَّهِ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَمَا يُفِيقُ قَالَ هَلْ تَتَّهِمُونَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ قَالُوا نَظَرَ إِلَيْهِ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامِرًا فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ وَقَالَ عَلامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ هَلا إِذَا رَأَيْتَ مَا يُعْجِبُكَ بَرَّكْتَ ثُمَّ قَالَ لَهُ اغْتَسِلْ لَهُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافَ رِجْلَيْهِ وَدَاخِلَةَ إِزَارِهِ فِي قَدَحٍ ثُمَّ صُبَّ ذَلِكَ الْمَاءُ عَلَيْهِ يَصُبُّهُ رَجُلٌ عَلَى رَأْسِهِ وَظَهْرِهِ مِنْ خَلْفِهِ يُكْفِئُ الْقَدَحَ وَرَاءهُ فَفَعَلَ بِهِ ذَلِكَ فَرَاحَ سَهْلٌ مَعَ النَّاسِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ) المسند 3/486 وقال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح، المجمع 5/107. خامساً: وبعض الناس إذا أعجبه شيء قال " ما شاء الله لا قوة إلا بالله "! ويستدلون لذلك بالآية من سورة الكهف وبحديث. أما الآية وهي قوله تعالى {ولولا إذ دخلتَ جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله} : فلا تصلح للاستدلال، إذ لا علاقة للحسد بالموضوع، وإنما أهلك الله جنتيه بسبب كفره وطغيانه. وأما الحديث: فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من رأى شيئاً فأعجبه فقال: ما شاء الله لا قوة إلا بالله: لم تصبه العين ". والحديث ضعيف جدّاً! قال الهيثمي: رواه البزار من رواية أبي بكر الهذلي، وهو ضعيف جدّاً. " مجمع الزوائد " (5 / 21) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 7190 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 641 شهادة التوحيد متضمنة لأنواع التوحيد الثلاثة [السُّؤَالُ] ـ[هل شهادة أن (لا إله إلا الله وحده لا شريك له) تشمل توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، أم توحيد العبودية فقط؟ لأنني قرأت في معنى (أشهد أن لا إله إلا الله) أنه (لا معبود بحقٍ إلا الله، وإنني أُقر بأنني أثبت على عبادة الله وحده وأتقي عبادة غيره) ، وهذا المعنى الذي أستحضره عند قولها عندما أريد أن أتوب، فهل شهادتي ناقصة؛ لعدم استحضاري لتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، مع أنني مؤمنٌ بهما، فهل تصح توبتي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله كلمة الإخلاص، وشهادة التوحيد هي أصل الدين، وعنوان النجاة، وبرهان الفلاح، والتي ما خلق الجن والإنس إلا للقيام بها حق القيام. وهي متضمنة لأنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية – وهو توحيد العبادة -، وتوحيد الأسماء والصفات. وعلى المتلفظ بها أن يؤمن بذلك ويستحضره عند النطق بها، وأن يستقر ذلك في نفسه استقرارا تاما غير مدخول ولا مشوش عليه، دون أدنى تكلف أو معاناة. فحاجة النفس إلى التوحيد ومعرفته أشد من حاجتها إلى الطعام والشراب والنفس، وهي حاجة فطرية تلقائية، وإنما الواجب على المكلف أن يسعى في تحقيق المعرفة وتحصيل العلم الذي به تتحقق فيه شرائطها، وتنتفي عنه موانع الإخلاص والصدق فيها. ولمعرفة شروط كلمة التوحيد عند التلفظ بها يرجى مراجعة جواب السؤال رقم: (9104) ، ورقم: (12295) . وأنواع التوحيد الثلاثة متلازمة، فمن أقر بواحد منها لزمه الإقرار بجميعها، يقول الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى: " توحيد الربوبية يستلزم توحيد الألوهية ويدل عليه ويوجبه، وتوحيد الأسماء والصفات: توحيد الربوبية يستلزمه ; لأن من كان هو الخلاق الرزاق والمالك لكل شيء , فهو المستحق لجميع الأسماء الحسنى والصفات العلى , وهو الكامل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله , لا شريك له , ولا شبيه له , ولا تدركه الأبصار وهو السميع العليم. ومن أتقن أنواع التوحيد الثلاثة , وحفظها واستقام على معناها , علم أن الله هو الواحد حقا , وأنه هو المستحق للعبادة دون جميع خلقه , ومن ضيع واحدا منها أضاع الجميع فهي متلازمة , لا إسلام إلا بها جميعا " انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (1 / 38-39) . وما دمت على إيمان بذلك كله، وعلى يقين منه، فليس في شهادتك نقص ولا خلل، وليس في توبتك شيء، بحيث تحتاج إلى تجديدها؛ والمرء قد يعزب عنه بعض ما يعلمه في موقف من المواقف، وقد يغلب عليه في موقف استحضار معنى اسم من أسماء الله تعالى، أو صفة من صفاته، دون أن يكون في ذلك خلل في إيمانه بباقي الأسماء والصفات. وهكذا قد يكون في مقام العبودية والطاعة، فيغلب عليه استحضار معنى توحيد العبودية، وإخلاص العمل لله. وقد يكون في مقام طلب الرزق، أو كشف الضر، فيغلب عليه شهود ربوبية الله لخلقه، وتفرده بالتدبير والتصريف، وهكذا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 134921 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 642 الحنيفية ملة إبراهيم عليه السلام هي الإسلام [السُّؤَالُ] ـ[دين إبراهيم عليه السلام هو الحنيفية.. ماذا تعني الحنيفية؟ وهل يوجد أحد على دين إبراهيم إلى الآن؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحنيفية مذكورة في آيات عديدة في القرآن الكريم، يصف الله سبحانه وتعالى بها نبيه إبراهيم عليه السلام، ومن يقرآ الآيات يستطيع أن يعرف معنى الحنيفية الواردة فيها، ونحن نسوقها في جوابنا هنا كي نشحذ ذهن القارئ لفهمها من سياقها: يقول الله تعالى: (وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) البقرة/135. وقال سبحانه: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ. هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ. مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) آل عمران/65-68. وقال عز وجل: (قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) آل عمران/95. وقال تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا) النساء/125. ويقول جل شأنه: (فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ. إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) الأنعام/78-79. ومنها أيضا قوله تعالى: (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) الأنعام/161-163. وقوله تعالى: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. وَآَتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ. ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) النحل/121-123. فمن تأمل في الآيات السابقات يدرك أن الحنيفية التي كان عليها سيدنا إبراهيم عليه السلام هي دين التوحيد والاستسلام لله عز وجل، ونبذ الشرك والكفر وكل ما يعبد من دون الله، وهذا هو دين الأنبياء جميعهم، واعتقاد الرسل كلهم، لم يختلفوا فيما بينهم إلا في الشرائع والأحكام، أما الاعتقاد والإيمان بالله، فقد كانوا كلهم على التوحيد. يقول القرطبي رحمه الله: " (حَنِيفاً) مائلاً عن الأديان المكوهة إلى الحق دين إبراهيم؛ وهو في موضع نصب على الحال؛ قاله الزجاج. أي: بل نتبع ملّة إبراهيم في هذه الحالة. وسُمِّيَ إبراهيم حنيفاً لأنه حَنِف إلى دين الله، وهو الإسلام. والحَنَف: المَيْل؛ ومنه رِجْلٌ حَنْفاء، ورَجُل أَحنف، وهو الذي تميل قدماه كل واحدة منهما إلى أختها بأصابعها. قالت أمّ الأَحْنَف: واللَّهِ لولا حَنَفٌ بِرجْلِه ... ما كان في فِتيانكم مِن مِثلِه وقال الشاعر: إذا حوّل الظّل العشيّ رأيتَه ... حَنِيفاً وفي قَرْن الضحى يَتنصّرُ أي: الحِرْباء تستقبل القِبْلة بالعشيّ، والمَشْرِقَ بالغداة، وهو قِبلة النصارى. وقال قوم: الحَنَف: الاستقامة؛ فسُمّيَ دين إبراهيم حنيفاً لاستقامته " انتهى. " الجامع لأحكام القرآن " (1/358) . ويقول العلامة السعدي رحمه الله: " أي: مقبلا على الله، معرضا عما سواه، قائما بالتوحيد، تاركا للشرك والتنديد، فهذا الذي في اتباعه الهداية، وفي الإعراض عن ملته الكفر والغواية " انتهى. " تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان " (ص/67) ويقول العلامة ابن عاشور رحمه الله: " المراد الميل في المذهب، أن الذي به حنف يميل في مشيه عن الطريق المعتاد، وإنما كان هذا مدحا للملة لأن الناس يوم ظهور ملة إبراهيم كانوا في ضلالة عمياء، فجاء دين إبراهيم مائلا عنهم، فلقب بالحنيف، ثم صار الحنيف لقب مدح بالغلبة. وقد دلت هذه الآية على أن الدين الإسلامي من إسلام إبراهيم " انتهى. " التحرير والتنوير " (1/717) ويقول أيضا رحمه الله: " قوله: (وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) أفاد الاستدراك بعد نفي الضد حصرا لحال إبراهيم فيما يوافق أصول الإسلام، ولذلك بيَّنَ (حنيفا) بقوله: (مسلما) لأنهم يعرفون معنى الحنيفية، ولا يؤمنون بالإسلام، فأعلمهم أن الإسلام هو الحنيفية، وقال: (وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) فنفي عن إبراهيم موافقة اليهودية، وموافقة النصرانية، وموافقة المشركين، وإنه كان مسلما، فثبتت موافقة الإسلام، وقد تقدم في سورة البقرة في مواضع أن إبراهيم سأل أن يكون مسلما، وأن الله أمره أن يكون مسلما، وأنه كان حنيفا، وأن الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو الذي جاء به إبراهيم، (وَقَالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إبراهيم حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ، وكل ذلك لا يُبقِي شكا في أن الإسلام هو إسلام إبراهيم. فقد جاء إبراهيم بالتوحيد، وأعلنه إعلانا لم يترك للشرك مسلكا إلى نفوس الغافلين، وأقام هيكلا وهو الكعبة، أول بيت وضع الناس، وفرض حجه على الناس: ارتباطا بمغزاه، وأعلن تمام العبودية لله تعالى بقوله: (وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً) الأنعام/80، وأخلص القول والعمل لله تعالى فقال: (وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً) الأنعام/81، وتطَلَّب الهدى بقوله: (رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ) البقرة/128، (وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا) البقرة/128، وكسر الأصنام بيده (فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً) الأنبياء/58، وأظهر الانقطاع لله بقوله: (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ) الشعراء/78- 81، وتصدى للاحتجاج على الوحدانية وصفات الله قال إبراهيم: (فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ) البقرة/258، (وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إبراهيم عَلَى قَوْمِه) الأنعام/83،ِ (وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ) الأنعام/80 " انتهى. " التحرير والتنوير " (3/122-123) ومما يؤكد أن معنى الحنيفية هو الإسلام آيات أخرى يأمر الله تعالى فيها جميع المسلمين بأن يوحدوه عز وجل، ويفردوه بالعبادة، ويكونوا حنفاء له مائلين عن الشرك إلى التوحيد، وذلك في قوله جل وعلا: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ) يونس/104-106. وقوله سبحانه: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) الروم/30. ولهذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه إنما جاء بالملة الحنيفية: عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنِّي أُرْسِلْتُ بِحَنِيفِيَّةٍ سَمْحَةٍ) . رواه أحمد في المسند (24334) ، وصححه الألباني في الصحيحة (1829) ، وحسنه محققو المسند. وأخبر أن ذلك أحب الطرق إلى الله عز وجل: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: (قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْأَدْيَانِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ.) . رواه أحمد (2108) وصححه الألباني في الصحيحة (881) . وبوب الإمام البخاري في كتاب الإيمان من صحيحه: (بَاب الدِّينُ يُسْرٌ وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ الدِّينِ إِلَى اللَّهِ الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ) . وقد بقيت بقايا من دين إبراهيم عليه، وصلت إلى العرب قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت قلة من العرب يدينون ـ قبل البعثة ـ بالحنيفية، دين إبراهيم عليه السلام. عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ يَسْأَلُ عَنْ الدِّينِ وَيَتْبَعُهُ، فَلَقِيَ عَالِمًا مِنْ الْيَهُودِ فَسَأَلَهُ عَنْ دِينِهِمْ، فَقَالَ: إِنِّي لَعَلِّي أَنْ أَدِينَ دِينَكُمْ، فَأَخْبِرْنِي؟! فَقَالَ: لَا تَكُونُ عَلَى دِينِنَا حَتَّى تَأْخُذَ بِنَصِيبِكَ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ!! قَالَ زَيْدٌ: مَا أَفِرُّ إِلَّا مِنْ غَضَبِ اللَّهِ، وَلَا أَحْمِلُ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ شَيْئًا أَبَدًا، وَأَنَّى أَسْتَطِيعُهُ!! فَهَلْ تَدُلُّنِي عَلَى غَيْرِهِ؟ قَالَ: مَا أَعْلَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ حَنِيفًا. قَالَ زَيْدٌ: وَمَا الْحَنِيفُ؟ قَالَ: دِينُ إِبْرَاهِيمَ؛ لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا، وَلَا يَعْبُدُ إِلَّا اللَّهَ. فَخَرَجَ زَيْدٌ، فَلَقِيَ عَالِمًا مِنْ النَّصَارَى، فَذَكَرَ مِثْلَهُ فَقَالَ: لَنْ تَكُونَ عَلَى دِينِنَا حَتَّى تَأْخُذَ بِنَصِيبِكَ مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ!! قَالَ: مَا أَفِرُّ إِلَّا مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ، وَلَا أَحْمِلُ مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ، وَلَا مِنْ غَضَبِهِ شَيْئًا أَبَدًا، وَأَنَّى أَسْتَطِيعُ؟! فَهَلْ تَدُلُّنِي عَلَى غَيْرِهِ؟ قَالَ: مَا أَعْلَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ حَنِيفًا. قَالَ: وَمَا الْحَنِيفُ؟ قَالَ: دِينُ إِبْرَاهِيمَ؛ لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا، وَلَا يَعْبُدُ إِلَّا اللَّهَ. فَلَمَّا رَأَى زَيْدٌ قَوْلَهُمْ فِي إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَام خَرَجَ، فَلَمَّا بَرَزَ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْهَدُ أَنِّي عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ!! [قال البخاري:] وَقَالَ اللَّيْثُ كَتَبَ إِلَيَّ هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ: رَأَيْتُ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ قَائِمًا مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْكَعْبَةِ يَقُولُ: يَا مَعَاشِرَ قُرَيْشٍ، وَاللَّهِ مَا مِنْكُمْ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ غَيْرِي. وَكَانَ يُحْيِي الْمَوْءُودَةَ، يَقُولُ لِلرَّجُلِ: إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَ ابْنَتَهُ لَا تَقْتُلْهَا، أَنَا أَكْفِيكَهَا مَئُونَتَهَا؛ فَيَأْخُذُهَا، فَإِذَا تَرَعْرَعَتْ قَالَ لِأَبِيهَا: إِنْ شِئْتَ دَفَعْتُهَا إِلَيْكَ وَإِنْ شِئْتَ كَفَيْتُكَ مَئُونَتَهَا. رواه البخاري (3828) . وانظر جواب السؤال رقم: (13043) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128172 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 643 حديث إخراج أناس من النار لم يعملوا خيرا قط لا يعني الكفار [السُّؤَالُ] ـ[كيف نجمع بين حديث: (أخرجوا من كان في قلبه مثقال دينار من الإيمان) ... قال: (فيقبض قبضة من النار - أو قال قبضتين - ناسا لم يعملوا لله خيرا قط..) وبين خلود الكافر في النار؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا تعارض بين إخراج أناس من النار جاء في وصفهم أنهم (لم يعملوا خيرا قط) ، وبين الآيات الكثيرة التي تقرر خلود الكفار في نار جهنم، وذلك لأن هؤلاء الموصوفين في الحديث ليسوا من الكفار، بل هم من المؤمنين الموحدين، ولكنهم فرطوا في جنب الله، وأسرفوا على أنفسهم حتى تركوا أكثر العبادات والطاعات، ولم يبق لهم ما يدخلهم الجنة إلا الشفاعة. والحديث يرويه الإمام مسلم في صحيحه (رقم/183) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (حَتَّى إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ النَّارِ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ بِأَشَدَّ مُنَاشَدَةً لِلَّهِ فِي اسْتِقْصَاءِ الْحَقِّ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ فِي النَّارِ، يَقُولُونَ: رَبَّنَا كَانُوا يَصُومُونَ مَعَنَا، وَيُصَلُّونَ، وَيَحُجُّونَ. فَيُقَالُ لَهُمْ: أَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ. فَتُحَرَّمُ صُوَرُهُمْ عَلَى النَّارِ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا قَدْ أَخَذَتْ النَّارُ إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ، وَإِلَى رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا مَا بَقِيَ فِيهَا أَحَدٌ مِمَّنْ أَمَرْتَنَا بِهِ. فَيَقُولُ: ارْجِعُوا، فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ. فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا أَحَدًا مِمَّنْ أَمَرْتَنَا. ثُمَّ يَقُولُ: ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ. فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا مِمَّنْ أَمَرْتَنَا أَحَدًا. ثُمَّ يَقُولُ: ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ. فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا خَيْرًا. وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ يَقُولُ: إِنْ لَمْ تُصَدِّقُونِي بِهَذَا الْحَدِيثِ فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا) فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: شَفَعَتْ الْمَلَائِكَةُ، وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ، وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنْ النَّارِ فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ، قَدْ عَادُوا حُمَمًا، فَيُلْقِيهِمْ فِي نَهَرٍ فِي أَفْوَاهِ الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ نَهَرُ الْحَيَاةِ، فَيَخْرُجُونَ كَمَا تَخْرُجُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ، فَيَخْرُجُونَ كَاللُّؤْلُؤِ فِي رِقَابِهِمْ الْخَوَاتِمُ يَعْرِفُهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ، هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ اللَّهِ الَّذِينَ أَدْخَلَهُمْ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ وَلَا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ) والحديث يرويه أيضا الإمام أحمد في " المسند " (18/394) من طريق أخرى. وقد بين العلماء أن هذه الشفاعة هي لمن قال لا إله إلا الله، وجاء بأصل التوحيد، ولكنه لم يعمل خيرا قط. يقول ابن حجر رحمه الله: " وشفاعة أخرى هي شفاعته فيمن قال لا إله إلا الله ولم يعمل خيرا قط " انتهى. " فتح الباري " (11/428) ويقول الحافظ ابن عبد البر رحمه الله – في شرح رواية أبي هريرة لحديث الرجل الذي أوصى بنيه أن يحرقوه ويذروا نصفه في البر ونصفه في البحر خوفا من عقاب الله، حيث جاء فيها: (قال رجل لم يعمل خيرا قط إلا التوحيد) – قال ابن عبد البر رحمه الله: " وهذه اللفظة – يعني (إلا التوحيد) - إن صحت رفعت الإشكال في إيمان هذا الرجل، وإن لم تصح من جهة النقل فهي صحيحة من جهة المعنى، والأصول كلها تعضدها، والنظر يوجبها؛ لأنه محال غير جائز أن يغفر للذين يموتون وهم كفار، لأن الله عز وجل قد أخبر أنه لا يغفر أن يشرك به لمن مات كافرا، وهذا ما لا مدفع له، ولا خلاف فيه بين أهل القبلة، وفي هذا الأصل ما يدلك على أن قوله في هذا الحديث: (لم يعمل حسنة قط) ، أو (لم يعمل خيرا قط لم يعذبه) إلا ما عدا التوحيد من الحسنات والخير، وهذا سائغ في لسان العرب جائز في لغتها، أن يؤتى بلفظ الكل والمراد البعض، والدليل على أن الرجل كان مؤمنا قوله حين قيل له: لم فعلت هذا؟ فقال: من خشيتك يا رب) والخشية لا تكون إلا لمؤمن مصدق، بل ما تكاد تكون إلا لمؤمن عالم، كما قال الله عز وجل: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) قالوا: كل من خاف لله فقد آمن به وعرفه ومستحيل أن يخافه من لا يؤمن به. وهذا واضح لمن فهم وألهم رشده. ومثل هذا الحديث في المعنى ما حدثناه عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا أبو صالح حدثني الليث عن ابن العجلان عن زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن رجلا لم يعمل خيرا قط وكان يداين الناس فيقول لرسوله: خذ ما يسر واترك ما عسر، وتجاوز لعل الله يتجاوز عنا. فلما هلك قال الله: هل عملت خيرا قط؟ قال لا، إلا أنه كان لي غلام فكنت أداين الناس، فإذا بعثته يتقاضى قلت له خذ ما يسر واترك ما عسر، وتجاوز لعل الله يتجاوز عنا، قال الله قد تجاوزت عنك) قال أبو عمر: فقول هذا الرجل الذي لم يعمل خيرا قط غير تجاوزه عن غرمائه (لعل الله يتجاوز عنا) : إيمان وإقرار بالرب، ومجازاته، وكذلك قول الآخر: (خشيتك يا رب) إيمان بالله واعتراف له بالربوبية والله أعلم " انتهى. " التمهيد " (18/40-41) ويقول الإمام ابن خزيمة رحمه الله – وقد أورد هذا الحديث تحت باب: " ذكر الدليل أن جميع الأخبار التي تقدم ذكري لها إلى هذا الموضع في شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في إخراج أهل التوحيد من النار إنما هي ألفاظ عامة مرادها خاص ": " هذه اللفظة: (لم يعملوا خيرا قط) من الجنس الذي يقول العرب، ينفي الاسم عن الشيء لنقصه عن الكمال والتمام، فمعنى هذه اللفظة على هذا الأصل: لم يعملوا خيرا قط على التمام والكمال، لا على ما أوجب عليه وأمر به، وقد بينت هذا المعنى في مواضع من كتبي " انتهى. " التوحيد " (2/732) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 122342 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 644 الفرق بين دعاء المسألة ودعاء العبادة [السُّؤَالُ] ـ[ما الفرق بين دعاء المسألة ودعاء العبادة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تستعمل كلمة "الدعاء" للدلالة على معنيين اثنين: 1- دعاء المسألة، وهو طلب ما ينفع، أو طلب دفع ما يضر، بأن يسأل الله تعالى ما ينفعه في الدنيا والآخرة، ودفع ما يضره في الدنيا والآخرة. كالدعاء بالمغفرة والرحمة، والهداية والتوفيق، والفوز بالجنة، والنجاة من النار، وأن يؤتيه الله حسنة في الدنيا، وحسنة في الآخرة ... إلخ. 2- دعاء العبادة، والمراد به أن يكون الإنسان عابداً لله تعالى، بأي نوع من أنواع العبادات، القلبية أو البدنية أو المالية، كالخوف من الله ومحبة رجائه والتوكل عليه، والصلاة والصيام والحج، وقراءة القرآن والتسبيح والذكر، والزكاة والصدقة والجهاد في سبيل الله، والدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ..... إلخ. فكل قائم بشيء من هذه العبادات فهو داعٍ لله تعالى. انظر: "القول المفيد" (1/264) ، "تصحيح الدعاء" (ص 15- 21) . والغالب أن كلمة (الدعاء) الواردة في آيات القرآن الكريم يراد بها المعنيان معاً؛ لأنهما متلازمان، فكل سائل يسأل الله بلسانه فهو عابد له، فإن الدعاء عبادة، وكل عابد يصلي لله أو يصوم أو يحج فهو يفعل ذلك يرد من الله تعالى الثواب والفوز بالجنة والنجاة من العقاب. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: "كل ما ورد في القرآن من الأمر بالدعاء، والنهي عن دعاء غير الله، والثناء على الداعين، يتناول دعاء المسألة، ودعاء العبادة" انتهى. "القواعد الحسان" (رقم/51) . وقد يكون أحد نوعي الدعاء أظهر قصدا من النوع الآخر في بعض الآيات. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله - في قول الله عزّ وجلّ: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) الأعراف/55-56-: " هاتان الآيتان مشتملتان على آداب نوعَيِ الدُّعاء: دعاء العبادة، ودعاء المسألة: فإنّ الدُّعاء في القرآن يراد به هذا تارةً وهذا تارةً، ويراد به مجموعهما؛ وهما متلازمان؛ فإنّ دعاء المسألة: هو طلب ما ينفع الدّاعي، وطلب كشف ما يضره ودفعِه، ... فهو يدعو للنفع والضرِّ دعاءَ المسألة، ويدعو خوفاً ورجاءً دعاءَ العبادة؛ فعُلم أنَّ النَّوعين متلازمان؛ فكل دعاءِ عبادةٍ مستلزمٌ لدعاءِ المسألة، وكل دعاءِ مسألةٍ متضمنٌ لدعاءِ العبادة. وعلى هذا فقوله: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فإنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذَا دَعَانِ) يتناول نوعي الدُّعاء ... وبكل منهما فُسِّرت الآية. قيل: أُعطيه إذا سألني، وقيل: أُثيبه إذا عبدني، والقولان متلازمان. وليس هذا من استعمال اللفظ المشترك في معنييه كليهما، أو استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه؛ بل هذا استعماله في حقيقته المتضمنة للأمرين جميعاً. فتأمَّله؛ فإنّه موضوعٌ عظيمُ النّفع، وقلَّ ما يُفطن له، وأكثر آيات القرآن دالَّةٌ على معنيين فصاعداً، فهي من هذا القبيل. ومن ذلك قوله تعالى: (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ) الفرقان/77 أي: دعاؤكم إياه، وقيل: دعاؤه إياكم إلى عبادته، فيكون المصدر مضافاً إلى المفعول، ومحل الأول مضافاً إلى الفاعل، وهو الأرجح من القولين. وعلى هذا؛ فالمراد به نوعا الدُّعاء؛ وهو في دعاء العبادة أَظهر؛ أَي: ما يعبأُ بكم لولا أَنّكم تَرْجُونَه، وعبادته تستلزم مسأَلَته؛ فالنّوعان داخلان فيه. ومن ذلك قوله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) غافر/60، فالدُّعاء يتضمن النّوعين، وهو في دعاء العبادة أظهر؛ ولهذا أعقبه (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي) الآية، ويفسَّر الدُّعاء في الآية بهذا وهذا. وروى الترمذي عن النّعمان بن بشير رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول على المنبر: إنَّ الدُّعاء هو العبادة، ثمّ قرأ قوله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) الآية، قال الترمذي: حديث حسنٌ صحيحٌ. وأمَّا قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ) الآية، الحج/73، وقوله: (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا) الآية، النّساء/117، وقوله: (وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ) الآية، فصلت/48، وكل موضعٍ ذكر فيه دعاءُ المشركين لأوثانهم، فالمراد به دعاءُ العبادة المتضمن دعاءَ المسألة، فهو في دعاء العبادة أظهر ... وقوله تعالى: (فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ) غافر/65، هو دعاء العبادة، والمعنى: اعبدوه وحده وأخلصوا عبادته لا تعبدوا معه غيره. وأمَّا قول إبراهيم عليه السّلام: (إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاء) إبراهيم/39، فالمراد بالسّمع ههنا ااء الطّلب، وسَمْعُ الربِّ تعال له إثابته على الثناء، وإجابته للطلب؛ فهو سميعُ هذا وهذا. وأمَّا قولُ زكريا عليه السّلام: (ولم أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا) مريم/4، فقد قيل: إنَّه دعاءُ لسّمع الخاص، وهو سمعُ الإجابة والقبول، لا السّمع العام؛ لأنَّه سميعٌ لكل مسموعٍ، وإذا كان كذلك؛ فالدُّعاء: دعاء العبادة ودعالمسألة، والمعنى: أنَّك عودتَّني إجابتَك، ولم تشقني بالرد والحرمان، فهو توسلٌ إليه سبحانه وتعالى بما سلف من إجابته وإحسانه، وهذا ظاهرٌ ههنا. وأمَّا قوله تعالى: (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ) الآية، الإسراء/110؛ فهذا الدُّعاء: المشهور أنَّه دعاءُ المسألة، وهو سببُ النّزول، قالوا: كان النّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يدعو ربه فيقول مرَّةً: يا الله. ومرَّةً: يا رحمن. فظنَّ المشركون أنَّه يدعو إلهين، فأنزل اللهُ هذه الآيةَ. وأمَّا قوله: (إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ) الطّور/28، فهذا دعاءُ العبادة المتضمن للسؤال رغبةً ورهبةً، والمعنى: إنَّا كنَّا نخلص له العبادة؛ وبهذا استحقُّوا أنْ وقاهم الله عذابَ السّموم، لا بمجرد السّؤال المشترك بين النّاجي وغيره: فإنّه سبحانه يسأله من في السّموات والأرض، (لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا) الكهف/14، أي: لن نعبد غيره، وكذا قوله: (أَتَدْعُونَ بَعْلاً) الآية، الصّافات/125. وأمَّا قوله: (وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ) القصص/64، فهذا دعاءُ المسألة، يبكتهم الله ويخزيهم يوم القيامة بآرائهم؛ أنَّ شركاءَهم لا يستجيبون لهم دعوتَهم، وليس المراد: اعبدوهم، وهو نظير قوله تعالى: (وَيَوْمَ يَقولُ نَادُوا شُرَكائِي الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فلمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ) الكهف/52 " انتهى. "مجموع فتاوى ابن تيمية" (15/10-14) باختصار. وانظر أمثلة أخرى في "بدائع الفوائد" لابن القيم (3/513-527) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 113177 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 645 منزلة الحكم بما أنزل الله في الإسلام [السُّؤَالُ] ـ[ما منزلة الحكم بما أنزل الله في الإسلام؟ وهل يكون الحاكم بغير ما أنزل الله يكون كافراً؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إن الحكم بما أنزل الله تعالى من توحيد الربوبية؛ لأنه تنفيذ لحكم الله الذي هو مقتضى ربوبيته وكمال ملكه وتصرفه، لهذا سمى الله تعالى المتبوعين في غير ما أنزل الله تعالى أرباباً لمتبعيهم فقال سبحانه: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) التوبة/31، فسمى الله تعالى المتبوعين أرباباً حيث جُعلوا مشرِّعين مع الله تعالى، وسمى المتبعين عباداً حيث إنهم ذلوا لهم وأطاعوهم في مخالفة حكم الله سبحانه وتعالى. وقد قال عدي بن حاتم لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنهم لم يعبدوهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (بلى، إنهم حرموا عليهم الحلال، وأحلوا لهم الحرام، فاتبعوهم، فذلك عبادتهم إياهم) . إذا فهمت ذلك فاعلم أن من لم يحكم بما أنزل الله وأراد أن يكون التحاكم إلى غير الله ورسوله وردت فيه آيات بنفي الإيمان وآيات بكفره وظلمه وفسقه. أما القسم الأول [يعني الآيات التي وردت بنفي الإيمان عنه] : فمثل قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا * فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا * وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا * فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) النساء/60- 65. فوصف الله تعالى هؤلاء المدعين للإيمان وهم منافقون بصفات: الأولى: أنهم يريدون أن يكون التحاكم إلى الطاغوت؛ وهو كل ما خالف حكم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن من خالف حكم الله ورسوله فهو طغيان واعتداء على حُكْمِ مَنْ له الحكم وإليه يرجع الأمر كله، وهو الله، قال الله تعالى: (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) الأعراف/54. الثانية: أنهم إذا دُعُوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول صدوا وأعرضوا. الثالثة: أنهم إذا أصيبوا بمصيبة بما قدمت أيديهم، ومنها أن يعثر على صنيعهم جاءوا يحلفون أنهم ما أرادوا إلا الإحسان والتوفيق، كحال من يرفض اليوم أحكام الإسلام ويحكم بالقوانين المخالفة لها زعماً منه أن ذلك هو الإحسان الموافق لأحوال العصر. ثم حذر سبحانه هؤلاء المدعين للإيمان المتصفين بتلك الصفات بأنه سبحانه يعلم ما في قلوبهم وما يكنون من أمور تخالف ما يقولون، وأمر نبيه أن يعظهم ويقول لهم في أنفسهم قولاً بليغاً. ثم بين الحكمة من إرسال الرسول أن يكون هو المطاع المتبوع لا غيره من الناس مهما قويت أفكارهم واتسعت مداركهم. ثم أقسم تعالى بربوبيتة لرسوله التي هي أخص أنواع الربوبية والتي تتضمن الإشارة إلى صحة رسالته صلى الله عليه وسلم أقسم بها مؤكداً أنه لا يصلح الإيمان إلا بثلاثة أمور: الأول: أن يكون التحاكم في كل نزاع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. الثاني: أن تنشرح الصدور بحكمه، ولا يكون في النفوس حرج وضيق منه. الثالث: أن يحصل التسليم التام بقبول ما حكم به وتنفيذه بدون توان أو انحراف. وأما القسم الثاني [يعني الآيات التي وردت بكفره وظلمه وفسقه] : فمثل قوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ) المائدة/44، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ) المائدة/45، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ) المائدة/47. وهل هذه الأوصاف الثلاثة تتنزل على موصوف واحد؟ بمعنى أن كل من لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر ظالم فاسق؟ لأن الله تعالى وصف الكافرين بالظلم والفسق، فقال تعالى: (وَالْكَافِرُونَ هُمْ الظَّالِمُونَ) البقرة/254، وقال تعالى: (إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وََسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ) التوبة/84، فكل كافر ظالم فاسق، أو هذه الأوصاف تتنزل على موصوفين بحسب الحامل لهم على عدم الحكم بما أنزل الله؟ هذا هو الأقرب عندي، والله أعلم. فنقول: من لم يحكم بما أنزل الله استخفافاً به، أو احتقاراً له، أو اعتقاداً أن غيره أصلح، وأنفع للخلق، فهو كافر كفراً مخرجاً عن الملة، ومن هؤلاء من يضعون للناس تشريعات تخالف التشريعات الإسلامية لتكون منهاجاً يسير الناس عليه، فإنهم لم يضعوا تلك التشريعات المخالفة للشريعة الإسلامية إلا وهم يعتقدون أنها أصلح وأنفع للخلق، إذ من المعلوم بالضرورة العقلية والجبلة الفطرية أن الإنسان لا يعدل عن منهاج إلى منهاج يخالفه إلا وهو يعتقد فَضْلَ ما عَدَلَ إليه، ونَقَصَ ما عدلَ عنه. ومن لم يحكم بما أنزل الله وهو لم يستخف به، ولم يحتقره، ولم يعتقد أن غيره أصلح منه، وأنفع للخلق وإنما حكم بغيره تسلطاً على المحكوم انتقاماً منه لنفسه أو نحو ذلك، فهذا ظالم وليس بكافر، وتختلف مراتب ظلمه بحسب المحكوم به ووسائل الحكم. ومن لم يحكم بما أنزل الله لا استخفافاً بحكم الله ولا احتقاراً ولا اعتقاداً أن غيره أصلح وأنفع للخلق وإنما حكم بغيره محاباة للمحكوم له، أو مراعاة لرشوة أو غيرها من عَرَض الدنيا، فهذا فاسق وليس بكافر، وتختلف مراتب فسقه بحسب المحكوم به ووسائل الحكم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فيمن اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله أنهم على وجهين: أحدهما: أن يعلموا أنهم يبدلوا دين الله فيتبعونهم على التبديل، ويعتقدون تحليل ما حرم وتحريم ما أحل الله اتباعاً لرؤسائهم، مع علمهم أنهم خالفوا دين الرسل. فهذا كفر، وقد جعله الله ورسوله شركاً. الثاني: أن يكون اعتقادهم وإيمانهم بتحليل الحرام وتحريم الحلال – كذا العبارة المنقولة عنه – ثابتاً، لكنهم أطاعوهم في معصية الله كما يفعل المسلم ما يفعله من المعاصي التي يعتقد أنها معاصي، فهؤلاء لهم حكم أمثالهم من أهل الذنوب" انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. "فتاوى العقيدة" (ص 208- 212) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111866 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 646 كيف أحقق التوحيد، وما هو الجزاء الموعود؟ [السُّؤَالُ] ـ[كيف يمكن للعبد أن يحقق التوحيد لله تعالى؟]ـ [الْجَوَابُ] أحكام الأضحية الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد: فقد سألتَ ـ وفقك الله ـ عن أمر عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه، نسأل الله أن ييسر لنا ولإخواننا المسلمين كل خير. اعلم أن تحقيق التوحيد إنما يكون بتحقيق شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة أن محمداً رسول الله وهذا التحقيق له درجتان: (درجة واجبة، ودرجة مستحبة) فالدرجة الواجبة تتحقق بثلاثة أمور: 1) ترك الشرك بجميع أنواعه الأكبر والأصغر والخفي. 2) ترك البدع بأنواعها. 3) ترك المعاصي بأنواعها. والدرجة المستحبة وهي التي يتفاضل فيها الناس ويتفاوتون تفاوتاً عظيماً وهي: أن لا يكون في القلب شيء من التوجه لغير الله أو التعلق بسواه؛ فيكون القلب متوجهاً بكليته إلى الله ليس فيه التفات لسواه، نطقه لله، وفعله وعمله لله، بل وحركة قلبه لله جل جلاله، وهذه الدرجة يعبر بعض أهل العلم عنها بأنها: ترك ما لا بأس به حذراً مما به بأس، وذلك يشمل أعمال القلوب واللسان والجوارح. ولابد لتحقيق هاتين الدرجتين من أمور: أولها: العلم، وإلا فكيف يحقق التوحيد ويعمل به من لا يعرفه ويفهمه، فواجب على كل مكلف أن يتعلم من توحيد الله ما يُصَحِّحُ به معتقده وقوله وعمله، ثم ما زاد فهو فضلٌ وخيرٌ. ثانيها: التصديق الجازم واليقين الراسخ بما ورد عن الله وعن نبيه صلى الله عليه وسلم من أخبار، وأقوال. ثالثها: الانقياد والامتثال لأوامر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بفعل المأمورات، وترك المحظورات والمنهيات. وكلما كان الإنسان أكثر تحقيقاً لهذه الأمور كان توحيده أعظم وثوابه أكبر. وقد بين لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم أن من حقق الدرجة العليا من التوحيد فهو موعود بأن يكون مع السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ـ نسأل الله من فضله ـ ففي صحيح البخاري (5705) ومسلم (220) عن ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ وَمَعَهُ الرُّهَيْطُ وَالنَّبِيَّ وَمَعَهُ الرَّجُلُ وَالرَّجُلَانِ وَالنَّبِيَّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ إِذْ رُفِعَ لِي سَوَادٌ عَظِيمٌ فَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ أُمَّتِي فَقِيلَ لِي هَذَا مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْمُهُ وَلَكِنْ انْظُرْ إِلَى الْأُفُقِ فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ فَقِيلَ لِي انْظُرْ إِلَى الْأُفُقِ الْآخَرِ فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ فَقِيلَ لِي هَذِهِ أُمَّتُكَ وَمَعَهُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلَا عَذَابٍ ثُمَّ نَهَضَ فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ فَخَاضَ النَّاسُ فِي أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلَا عَذَابٍ فَقَالَ بَعْضُهُمْ فَلَعَلَّهُمْ الَّذِينَ صَحِبُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ فَلَعَلَّهُمْ الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الْإِسْلَامِ وَلَمْ يُشْرِكُوا بِاللَّهِ وَذَكَرُوا أَشْيَاءَ فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا الَّذِي تَخُوضُونَ فِيهِ فَأَخْبَرُوهُ فَقَالَ هُمْ الَّذِينَ وَلَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ ولا يكتوون وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ فَقَالَ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فَقَالَ أَنْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فَقَالَ سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ " قوله: (لَا يَسْتَرْقُونَ) أي لا يطلبون من غيرهم أن يرقيهم.وإن كان طلب الرقية جائزاً لكنه خلاف الأولى والأفضل. وقوله: (وَلَا يَتَطَيَّرُونَ) أي لا يقعون في التشاؤم بالطير أو بغيرها مما يتشاءم منه الناس فيتركون بعض ما عزموا على فعله بسبب هذا التشاؤم.والتشاؤم محرم وهو من الشرك الأصغر. وقوله: (وَلَا يَكْتَوُونَ) فيتركون الاكتواء بالنار في علاج أمراضهم ولو ثبت لهم نفعه لكراهة النبي صلى الله عليه وسلم له. ولأنه لا يعذب بالنار إلا رب النار. فالصفة المشتركة في هذه الصفات الثلاثة أن أصحابها (على ربهم يتوكلون) أي حققوا أكمل درجات التوكل وأعلاها، فلم يعد في قلوبهم أدنى التفات للأسباب، ولا تعلق بها بل تعلقهم بربهم وحده سبحانه. والتوكل هو جماع الإيمان كما قال سعيد بن حبيب، بل هو الغاية القصوى كما يقول وهب بن منبه رحمه الله. وتجد في السؤال رقم (4203) مزيدا من الكلام على هذا الحديث فراجعه لأهميته. والله أعلم وأحكم. وبعد: فليس تحقيق التوحيد بالتمني،ولا بالتحلي، ولا بالدعاوى الخالية من الحقائق، وإنما بما وقر في القلوب من عقائد الإيمان، وحقائق الإحسان؛ وصدقته الأخلاق الجميلة والأعمال الصالحة الجليلة. فعلى المسلم أن يبادر لحظات العمر، وسابق ساعات الزمن في المبادرة إلى الخيرات، والمنافسة في الطاعات، وليستهون الصعب، وليستلذ الألم، فإن سلعة الله غالية. إن سلعة الله الجنة. ينظر (القول السديد على مقاصد كتاب التوحيد للشيخ عبد الرحمن السعدي ـ رحمه الله ـ20-23) والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96083 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 647 حوار مع نصراني: توحيد الله هو رسالة عيسى والأنبياء جميعا، عليهم السلام [السُّؤَالُ] ـ[لماذا تبتعدون عن الحقيقة، وتنظرون إلى عيسى على أنه رسول بدلا من النظر إليه كابن للرب، عيسى هو ابن الرب الوحيد، هذه هي الحقيقة!!.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله شكرا لك أيها السائل أن أتحت لنا فرصة التواصل معا، لنتحاور حول الحقيقة التي نحتاج أن نعرفها جميعا، ثم نتبعها مهما خالفت آراءنا السابقة، واعتقاداتنا القديمة، فبهذا فقط، أعني معرفة الحق واتباعه، نتحرر من خطايانا وذنوبنا، كما في كتابكم المقدس: {وتعرفون الحق، والحق يحرركم} [يوحنا 8/32] ، فهلم إلى وقفة قصيرة، مع هذه الحقيقة، كما يعرضها كتابكم المقدس، رغم كل ما ناله من تحريف وتغيير!! إن الدعوة التي جاء بها المسيح عليه السلام هي عبادة الله الواحد، رب المسيح ورب العالمين: {هذه هي الحياة الأبدية؛ لابد أن يعرفوك: أنت الإله الحقيقي وحدك، ويسوع المسيح الذي أرسلته} [يوحنا 17/3] {سأله رئيس قائلا: أيها المعلم الصالح، ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية؟ فقال له يسوع: لماذا تدعوني صالحا؛ ليس أحد صالحا إلا واحد؛ هو الله!!} [لوقا 18/18-19] . {وأصعده إبليس إلى جبل مرتفع، وأراه في لحظة من الزمن جميع ممالك العالم، وقال له: أعطيك هذا السلطان كله، ومجد هذه الممالك، لأنه من نصيبي، وأنا أعطيه لمن أشاء!! فإن سجدت لي يكون كله لك. فأجابه يسوع: ابتعد عني يا شيطان، يقول الكتاب: للرب إلهك تسجد، وإياه وحده تعبد.} [لوقا 4/5-8] . إن توحيد الله الذي لا إله إلا غيره، أعظم وصية جاء بها المسيح، وهو أعظم وصايا الأنبياء جميعا: {وكان أحد معلمي الشريعة هناك، فسمعهم يتجادلون، ورأى أن يسوع أحسن الرد على الصدوقيين، فدنا منه وسأله: ما هي أول الوصايا كلها؟ فأجاب يسوع: الوصية الأولى هي: اسمع يا إسرائيل، الرب إلهنا هو الرب الأحد؛ فأحب الرب إلهك بكل قلبك، وكل نفسك، وكل فكرك، وكل قدرتك. والوصية الثانية مثلها؛ أحب قريبك مثلما تحب نفسك. وما من وصية أعظم من هاتين الوصيتين. فقال له معلم الشريعة: أحسنت يا معلم؛ فأنت على حق في قولك: إن الله واحد، ولا إله إلا هو، وأن يحبه الإنسان بكل قدرته، وأن يحب قريبه بكل قلبه وكل فكره وكل قدرته، وأن يحب قريبه مثلما يحب نفسه، أحسن من كل الذبائح والقرابين. ورأى يسوع أن الرجل أجاب بحكمة، فقال له: ما أنت بعيد عن ملكوت الله. وما تجرأ أحد بعد ذلك أن يسأله عن شيء.} [مرقس 12/28-34] . ولا تظن أن هاتين الوصيتين لإسرائيل، أو لشعبه فقط، بل هي أصل الشريعة وتعاليم جميع الأنبياء، فالوصيتان نفسهما في إنجيل متى، وبعبارة قريبة، ثم قال بعدهما: {على هاتين الوصيتين تقوم الشريعة كلها، وتعاليم الأنبياء} [متى 22/39] . فهذا التوحيد حقا هو رسالة كل الأنبياء؛ قال الله تعالى: ) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ) الأنبياء/25 وهو الأصل الذي دعا إليه المسيح، وحذر من مخالفته؛ قال الله تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرائيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) المائدة/72 وهذا هو الأصل الذي ينبغي أن نلتقي عليه جميعا؛ قال الله تعالى:) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) آل عمران/64 إنها غريبة على النصرانية الحقة تلك المحاولة اليائسة للجمع بين التوحيد الذي جاءت به الأنبياء، وصرح به الكتاب المقدس لديكم، وقررته التوراة خصوصا، وبين ما تؤمنون به من التثليث. جاء في دائرة المعارف الأمريكية: (لقد بدأت عقيدة التوحيد – كحركة لاهوتية – بداية مبكرة جدا في التاريخ، وفي حقيقة الأمر فإنها تسبق عقيدة التثليث بالكثير من عشرات السنين. لقد اشتُقَّت المسيحية من اليهودية، واليهودية صارمة في عقيدة التوحيد. إن الطريق الذي سار من أورشليم [مجمع تلاميذ المسيح الأول] إلى نيقية [حيث تقرر مساواة المسيح بالله في الجوهر والأزلية عام 325م] كان من النادر القول بأنه كان طريقا مستقيما. إن عقيدة التثليث التي أقرت في القرن الرابع الميلادي لم تعكس بدقة التعليم المسيحي الأول فيما يختص بطبيعة الله؛ لقد كانت على العكس من ذلك انحرافا عن هذا التعليم، ولهذا فإنها تطورت ضد التوحيد الخالص، أو على الأقل يمكن القول بأنها كانت معارضة لما هو ضد التثليث، كما أن انتصارها لم يكن كاملا.) [27/294] ويمكنك الرجوع إلى بعض آراء من لا يزالون يذهبون إلى التوحي من المسيحيين، في المصدر السابق نفسه، دائرة المعارف [27/300-301] . إنها معضلة للعقول، مستحيلة في الفطر والأذهان، فلا عجب أنكم لم تفهموها مجرد فهم، لكن العجب هو الإيمان بما يستحيل فهمه، إلا أن نغرر أنفسنا بأن ذلك الفهم سيأتي في اليوم الآخر: (قد فهمنا ذلك على قدر عقولنا، ونرجو أن نفهمه فهما أكثر جلاء في المستقبل، حين ينكشف لنا الحجاب عن كل ما في السموات وما في الأرض، وأما في الوقت الحاضر ففي القدر الذي فهمناه كفاية) !! نعم سوفي يتجلى لكم الحق عيانا في المستقبل، كما تجلى لنا اليوم، والحمد لله؛ يوم يجمع الله الرسل فيشهدهم على أممهم؛ قال الله تعالى: (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوب ِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إ ِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (120) سورة المائدة والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 12628 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 648 معرفة أحوال الطقس هل تدخل في التنجيم أو ادعاء علم الغيب؟ [السُّؤَالُ] ـ[هناك بعض مواقع أحوال الطقس على الإنترنت تعرض أحوال الطقس المتوقعة مابين 5-10 أيام فهل يجوز لي مشاهدتها؟ أنا سألت هذا السؤال لأنني أخاف أنهم يدعون علم الغيب أو ينجمون وأنه يحرم علي مشاهدتها.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله معرفة أحوال الطقس لا تدخل في التنجيم أو ادعاء علم الغيب، وإنما تبنى على أمور حسية وتجارب، ونظر في سنن الله الكونية. وكذلك معرفة أوقات الكسوف والخسوف، أو توقع هبوب الرياح، أو نزول الأمطار. جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: " قد يعرف وقت خسوف القمر وكسوف الشمس عن طريق حساب سير الكواكب، ويعرف به كذلك كون ذلك كليا أو جزئيا، ولا غرابة في ذلك؛ لأنه ليس من الأمور الغيبية بالنسبة لكل أحد، بل غيبي بالنسبة لمن لا يعرف علم حساب سير الكواكب، وليس بغيبي بالنسبة لمن يعرف ذلك العلم، ولا ينافي ذلك كون الكسوف أو الخسوف آية من آيات الله تعالى التي يخوف بها عباده ليرجعوا إلى ربهم ويستقيموا على طاعته " وجاء فيها أيضاً: " معرفة الطقس أو توقع هبوب رياح أو عواصف أو توقع نشوء سحاب أو نزول مطر في جهة مبني على معرفة سنن الله الكونية، فقد يحصل ظن لا علم لمن كان لديه خبرة بهذه السنن عن طريق نظريات علمية أو تجارب عادية عامة فيتوقع ذلك ويخبر به عن ظن لا علم فيصيب تارة ويخطئ أخرى " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة". وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وليس من الكهانة في شيء من يخبر عن أمور تدرك بالحساب؛ فإن الأمور التي تدرك بالحساب ليست من الكهانة في شيء، كما لو أخبر عن كسوف الشمس أو خسوف القمر؛ فهذا ليس من الكهانة لأنه يدرك بالحساب، وكما لو أخبر أن الشمس تغرب في 20من برج الميزان مثلا في الساعة كذا وكذا؛ فهذا ليس من علم الغيب، لأنه من الأمور التي تدرك بالحساب؛ فكل شيء يدرك بالحساب، فإن الإخبار عنه ولو كان مستقبلا لا يعتبر من علم الغيب، ولا من الكهانة. وهل من الكهانة ما يخبر به الآن من أحوال الطقس في خلال أربع وعشرين ساعة أو ما أشبه ذلك؟ الجواب: لا؛ لأنه أيضا يستند إلى أمور حسية، وهي تكيف الجو؛ لأن الجو يتكيف على صفة معينة تعرف بالموازين الدقيقة عندهم؛ فيكون صالحا لأن يمطر، أو لا يمطر، ونظير ذلك في العلم البدائي إذا رأينا تجمع الغيوم والرعد والبرق وثقل السحاب، نقول: يوشك أن ينزل المطر. فالمهم أن ما استند إلى شيء محسوس؛ فليس من علم الغيب، وإن كان بعض العامة يظنون أن هذه الأمور من علم الغيب، ويقولون: إن التصديق بها تصديق بالكهانة. " انتهى من "القول المفيد شرح كتاب التوحيد". وينظر: "الفتاوى الكبرى" لشيخ الإسلام ابن تيمية (4/424) فيما يتعلق بمعرفة أهل التقاويم والحساب لأوقات الكسوف والخسوف، وأول الربيع، وأول الشتاء ونحو ذلك مما يعرف بالحساب، ولا يدخل في علم الغيب. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83837 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 649 هل النطق بالشهادتين كافٍ لدخول الجنة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل صحيح أنه إذا كانت عائلة الشخص تؤمن أنه " لا إله إلا الله وأن محمداً صلى الله عليه وسلم رسوله " فإن ذلك يكون كافياً لدخول المذكور الجنة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس الإسلام هو النطق بالشهادتين فقط، بل لا بدَّ من تحقيق شروطٍ في هاتين الشهادتين حتى يكون الناطق بهما مسلماً حقّاً، وأركان الإسلام: الاعتقاد والنطق والعمل. عن عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَابْنُ أَمَتِهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ شَاءَ) . رواه البخاري (3252) ومسلم (28) . قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله -: قوله (من شهد أن لا إله إلا الله) أي: من تكلم بها عارفاً لمعناها عاملاً بمقتضاها باطناً وظاهراً، فلابدَّ في الشهادتين من العلم واليقين والعمل بمدلولها كما قال الله تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلهَ إلاَّ الله) . وقوله (إِلاَّ من شهد بالحق وهم يعلمون) أما النطق بها من غير معرفة لمعناها ولا يقين ولا عمل بما تقتضيه: من البراءة من الشرك وإخلاص القول والعمل: قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح: فغير نافع بالإجماع. قال القرطبي في " المفهم على صحيح مسلم ": " باب لا يكفي مجرد التلفظ بالشهادتين، بل لابدَّ من استيقان القلب " هذه الترجمة تنبيه على فساد مذهب غلاة المرجئة القائلين بأن التلفظ بالشهادتين كافٍ في الإيمان، وأحاديث هذا الباب تدل على فساده، بل هو مذهب معلوم الفساد من الشريعة لمن وقف عليها؛ ولأنه يلزم منه تسويغ النفاق، والحكم للمنافق بالإيمان الصحيح، وهو باطل قطعاً ا. هـ وفي هذا الحديث ما يدل على هذا وهو قوله: (من شهد) فإن الشهادة لا تصح إلا إذا كانت عن علم ويقين وإخلاص وصدق. " فتح المجيد " (ص 36) وشروط " شهادة أن لا إله إلا الله " سبعة شروط، لا تنفع قائلها إلا باجتماعها؛ وهي على سبيل الإجمال: الأول: العلم المنافي للجهل، الثاني: اليقين المنافي للشك، الثالث: القبول المنافي للرد، الرابع: الانقيادُ المنافي للترك، الخامس: الإخلاص المنافي للشرك، السادس: الصدق المنافي للكذب، السابع: المحبة المنافية لضدها، وهو البغضاء. وشروط " شهادة أن محمَّداً رسول الله " هي نفسها شروط " شهادة أن لا إله إلا الله "، وهي مذكورة بأدلتها في جواب السؤالين (9104) و (12295) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82857 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 650 تقسيم التوحيد إلى أقسام [السُّؤَالُ] ـ[سمعت من بعض الأخوة الذين عندهم علم بالتوحيد وأقسامه أن شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية رحمة الله قسم التوحيد إلى نوعين (توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات) , فما مدى صحة هذا القول؟ وهل كان الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله يقسم التوحيد إلى أربعة أقسام؟ وأخيرا , فهل يقسم الشيخ صالح الفوزان حفظه الله التوحيد إلى أربعة أقسام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لابد أن نعلم أن القاعدة تقول " لا مشاحة في الاصطلاح "، وهذه قاعدة معروفة عند الفقهاء والأصوليين. قال ابن القيم -رحمه الله-: والاصطلاحات لامشاحة فيها إذا لم تتضمن مفسدة. " مدارج السالكين " (3 / 306) . ومعنى لا مشاحة أي لا تنازع. ثانيا: إن للعلماء من قديم الزمان تقسيمات للأحكام الشرعية، وهذا التقسيم إنما هو للتيسير وتسهيل الفهم للنصوص والأحكام الشرعية وخصوصا مع تأخر الزمان وضعف المعرفة باللغة العربية واختلاط اللسان العربي بالأعجمي. فرأى العلماء أن وضع قواعد ومسائل وتقسيمات لتسهيل وتيسير الفهم لا مشاحة فيه بل ذلك من الأمور المستحسنة لما يترتب عليه من تقريب العلم للمسلمين، فهذا الشافعي واضع علم الأصول في الفقه الإسلامي وقد لاقت تقسيماته قبولا حسنا وعليه درج الأصوليون مع إضافات وتعقب على ما ذكره، وهكذا جميع العلوم الشرعية كعلم التجويد وتقسيماته وترتيباته وعلوم القرآن وغيرها ومنها علم التوحيد. ثالثا: ما ذكره السائل من أن شيخ الإسلام قسَّم التوحيد إلى قسمين والشيخ محمد بن إبراهيم قسمه إلى أربعة أقسام وكذلك الشيخ صالح الفوزان: فلا إشكال في ذلك وإليك البيان: فقد ذكر بعض العلماء أن التوحيد ينقسم إلى قسمين: توحيد المعرفة والاثبات: وهو يشمل الإيمان بوجود الله والإيمان بربوبيته والإيمان بأسمائه وصفاته. توحيد القصد والطلب: وهو يشمل الإيمان بألوهية الله تعالى. وأما من قسم التوحيد إلى ثلاثة أقسام فقد فصَّل التقسيم السابق زيادة في تسهيل الفهم والمعرفة فقال: التوحيد ينقسم إلى ثلاثة أقسام: توحيد الربوبية: ويدخل فيه الإيمان بوجود الله. توحيد الألوهية أو توحيد العبادة - وهما بمعنى واحد –. توحيد الأسماء والصفات. ثم جاء بعض العلماء فزادوا في التقسيم فقالوا: التوحيد ينقسم إلى أربعة أقسام: الإيمان بوجود الله. الإيمان بربوبية الله. الإيمان بألوهية الله. الإيمان بأسماء الله وصفاته. فكما نرى لا إشكال في هذا التقسيم ما دام أنه لا يدل على شيء باطل، ولا مشاحة في الاصطلاح، وهذا التفصيل إنما هو لتسهيل الفهم فكلما بعُد العهد: قلَّ الفهم واحتاج العلماء إلى التبسيط والتسهيل والتفصيل. والخلاصة أنه لا إشكال فيما ذكره السائل لأن من قسم التوحيد إلى قسمين قد جمع في هذين القسمين ما فضّله الآخرون، ومن قسمه إلى ثلاثة أقسام أو أربعة فصّل فيما أجمله الآخرون. والجميع متفقون على أن التوحيد يشمل كل ما ذكروه. وهذه التقسيمات اصطلاحية لا مانع منها بشرط أن لا يحصل من ذلك مفسدة، كما لو أخرج من معاني التوحيد بعض ما يدخل فيه، أو يُدخل فيها ما ليس منه. وقد يأتي زمان نحتاج فيه إلى تفصيل أكثر فيفصل العلماء ويقسموا ليسهلوا الفهم. وهذا بيان مختصر لمعنى أنواع التوحيد الثلاثة: الإيمان بالربوبية: هو إفراد الله بأفعاله من خَلْق وإحياء وإماتة وغيرها. والإيمان بالألوهية: هو إفراد الله بأفعال العباد من قول أو فعل ظاهر أو باطن. فلا يُعبد إلا الله سبحانه وتعالى. والإيمان بالأسماء والصفات: هو إثبات ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات، ونفي ما نفاه الله عن نفسه من غير تعطيل أو تمثيل. رابعا: تقسيم العلماء للتوحيد على هذا التقسيم ليس محدثاً بل هو معروف في القرن الثالث والرابع كما ذكر ذلك الشيخ العلامة بكر أبو زيد عضو هيئة كبار العلماء في كتابه " الرد على المخالف "، فنقل هذا التقسيم عن ابن جرير الطبري وغيره من العلماء. تنبيه: ما ذكره السائل من أن شيخ الإسلام ابن تيمية يقسم التوحيد إلى قسمين: توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، ليس بصحيح بل يقسمه إلى قسمين وهما توحيد المعرفة والإثبات وتوحيد القصد والطلب، والأول منهما يتضمن توحيد الربوبية والأسماء والصفات انظر مجموع الفتاوى (15/164) والفتاوى الكبرى (5/250) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 10262 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 651 الجمع بين حديث من قال لا إله إلا الله دخل الجنة، وبين خلود المشركين في النار [السُّؤَالُ] ـ[كيف نجمع بين قول النبي صلى الله عليه وسلم: " ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة "، وبين خلود المشركين والمنافقين في النار مع أنهم يقولون " لا إله إلا الله "؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ محمد ابن عثيمين – رحمه الله -: الحديث يدل على أن القائل: " لا إله إلا الله " مؤمنٌ حقاً؛ لكن سولت له نفسه ففعل بعض المعاصي أو بعض الكبائر من السرقة وغيرها. وطريق أهل السنة والجماعة أن الإنسان المؤمن وإن فعل الكبيرة مآله الجنة، وما قبل الجنة من العقوبة راجع إلى الله إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له، ودليل ذلك قوله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} فصار جميع فاعلي المعاصي - وإن عظمت – إذا كانت دون الكفر لا تمنع من دخول الجنة فمآل فاعلها إلى الجنة، لكن قد يُعذب بما فعل من ذنب، وقد يغفر الله له، والأمر راجع إلى الله، أما المنافقون وأهل البدع المكفرة التي تكفرهم بدعهم فإنهم حقيقةً لم يقولوا لا إله إلا الله بقلوبهم؛ لأن هذا النفاق الذي أدى إلى الكفر ينافي الإخلاص، وقول لا إله إلا الله لا بد فيه من الإخلاص. أما أن يقول: لا إله إلا الله وهو يعتقد أنه ليس هناك رب ولا إله، أو يعتقد أن مع الله إلهاً آخر يدبر الكون، أو يعتقد أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ارتدوا كلهم بعد موته عليه الصلاة والسلام أو ما أشبه ذلك من البدع المكفرة، فهؤلاء لم يُخلصوا في قول: لا إله إلا لله، فكانت بدعهم هذه تنافي قول الرسول عليه الصلاة والسلام: " من شهد ألا إله إلا الله أو من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ". فلا بد من الإخلاص في الشهادتين، واستمع إلى قول الله تبارك وتعالى في المنافقين: {يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا} ، وفي نفس الآيات يقول: {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا} ، ويقول عنهم: {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله} ، هذه شهادة باللسان: {والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون} ، أي كاذبون في قولهم: " نشهد إنك لرسول الله " فهم يذكرون الله ويشهدون بالرسالة لرسوله لكن قلوبهم خالية مما تنطق به ألسنتهم. انتهى. [الْمَصْدَرُ] المرجع لقاء الباب المفتوح رقم 45 الحديث: 21683 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 652 ما الدليل على تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام؟ [السُّؤَالُ] ـ[يتعلق بتقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام وهل هناك دليل على ذلك؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فهذا التقسيم مأخوذ من الاستقراء والتأمل. لأن العلماء لما استقرءوا ما جاءت به النصوص من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ظهر لهم هذا، وزاد بعضهم نوعا رابعا هو توحيد المتابعة، وهذا كله بالاستقراء. فلا شك أن من تدبر القرآن الكريم وجد فيه آيات تأمر بإخلاص العبادة لله وحده، وهذا هو توحيد الألوهية، ووجد آيات تدل على أن الله هو الخلاق وأنه الرزاق وأنه مدبر الأمور، وهذا هو توحيد الربوبية الذي أقر به المشركون ولم يدخلهم في الإسلام، كما يجد آيات أخرى تدل على أن له الأسماء الحسنى والصفات العلى، وأنه لا شبيه له ولا كفو له، وهذا هو توحيد الأسماء والصفات الذي أنكره المبتدعة من الجهمية والمعتزلة والمشبهة، ومن سلك سبيلهم. ويجد آيات تدل على وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ورفض ما خالف شرعه، وهذا هو توحيد المتابعة، فهذا التقسيم قد علم بالاستقراء وتتبع الآيات ودراسة السنة، ومن ذلك قول الله سبحانه: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (الفاتحة: 4) وقوله عز وجل: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:21) وقوله جل وتعالى: (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) (البقرة: 163) وقوله سبحانه: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (57) (الذاريات:56، 57) وقوله سبحانه: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (الأعراف:54) . وقال سبحانه: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى:11) وقال عز وجل: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4) (الإخلاص) . وقال جل شأنه: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) (آل عمران:31) . وقال سبحانه: (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) (النور:54) والآيات الدالة على ما ذكر من التقسيم كثيرة. ومن الأحاديث: قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ رضي الله عنه المتفق على صحته (خ/ 2856، م/ 30) : " حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا " وقوله عليه الصلاة والسلام:" من مات وهو يدعو من دون الله ندا دخل النار " رواه البخاري (4497) ومسلم (92) . وقوله لجبريل عليه السلام لما سأله عن الإسلام قال: " (أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤدي الزكاة المفروضة.. الحديث " متفق عليه (خ/ 50، م/ 9) . وقوله صلى الله عليه وسلم: " من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصا الله " متفق على صحته (خ/ 2957، م/ 1835) . وقوله عليه الصلاة والسلام: " كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى قيل يا رسول الله ومن يأبى؟ قال من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى " رواه البخاري في صحيحه (7280) والأحاديث في هذا الباب كثيرة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:" الإله هو المعبود المطاع فإن الإله هو المألوه، والمألوه هو الذي يستحق أن يعبد، وكونه يستحق أن يعبد هو بما اتصف به من الصفات التي تستلزم أن يكون هو المحبوب غاية الحب المخضوع له غاية الخضوع ". وقال:" فإن الإله هو المحبوب المعبود الذي تألهه القلوب بحبها وتخضع له وتذل له وتخافه وترجوه وتنيب إليه في شدائدها وتدعوه في مهماتها وتتوكل عليه في مصالحها وتلجأ إليه وتطمئن بذكره وتسكن إلى حبه، وليس ذلك إلا لله وحده، ولهذا كانت لا إله إلا الله أصدق الكلام، وكان أهلها أهل الله وحزبه، والمنكرون لها أعداءه وأهل غضبه ونقمته، فإذا صحت صح بها كل مسألة وحال وذوق، وإذا لم يصححها العبد فالفساد لازم له في علومه وأعماله ". نسأل الله أن يوفق المسلمين جميعا من حكام ومحكومين للفقه في دينه والثبات عليه والنصح لله ولعباده، والحذر مما يخالف ذلك، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. [الْمَصْدَرُ] انظر: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ ابن باز رحمه الله (6/ 215) . الحديث: 26338 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 653 حكم قول (يا رحمة الله) [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم قول بعض الناس: (يا رحمة الله) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز، هذا من دعاء الصفة. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله 1/117. الحديث: 21150 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 654 معنى شهادة التوحيد [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله وبعد: فمعنى شهادة أن لا إله إلا الله: نفي استحقاق العبادة عن كل ما سوى الله تعالى، وإثباتها لله عز وجل وحده لا شريك له، قال الله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) الحج/62. فـ (لا إله) تنفي جميع ما يعبد من دون الله و (إلا الله) تثبت جميع أنواع العبادة لله وحده. فمعناها: لا معبود حقٌّ إلا الله. فكما أن الله تعالى ليس له شريك في ملكه؛ فكذلك لا شريك له في عبادته سبحانه. ومعنى شهادة أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو التصديق الجازم من صميم القلب المواطئ لقول اللسان بأن محمدا عبده ورسوله إلى الخلق كافة إنسهم وجنِّهم، فيجب تصديقه فيما أخبر به من أنباء ما قد سبق، وأخبار ما سيأتي، وفيما أحل من حلال، وحرم من حرام، والامتثال والانقياد لما أمر به، والانتهاء والكف عما نهى عنه، واتباع شريعته، والتزام سنته في السر والجهر، مع الرضا بما قضاه والتسليم له، والعلم بأن طاعته هي طاعة الله ومعصيته هي معصية الله، لأنه مبلغ عن الله رسالته، ولم يتوفه الله حتى أكمل به الدين، وبلغ البلاغ المبين، فجزاه الله عنا خير ما جزى نبيا عن قومه ورسولا عن أمته. ولا يدخل العبد في الدين إلا بهاتين الشهادتين، وهما متلازمتان، ولذا فشروط شهادة (لا إله إلا الله) هي نفس شروط شهادة أن محمدا رسول الله، وهي مذكورة بأدلتها في السؤال رقم (9104) و (12295) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 21738 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 655 قوانين القبائل والدعوة إلى إحيائها [السُّؤَالُ] ـ[نشر بعضهم مقالاً يدعون فيه إلى إحياء قوانين القبائل وأن هذا من التراث الذي لا يصح أن يضيع وأن تجمع وتدرس وتعمل فيها أبحاثاً جامعية وتقارن ببعضها وبغيرها، فما حكم ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب على جميع المسلمين أن يتحاكموا إلى كلام الله سبحانه وتعالى وسنة رسوله محمد عليه أفضل الصلاة والسلام في كل شيء لا إلى العادات والأعراف القبلية، ولا إلى القوانين الوضعية، قال الله سبحانه وتعالى: (وما اختلفتم فيه من شي فحكمه إلى الله) الشورى/10، وقال سبحانه: (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً) النساء/60، وقال تعالى: (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون) المائدة/50، وقال عزوجل: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً) النساء/59، فيجب على كل مسلم أن يخضع لحكم الله ورسوله، وألا يقدم حكم غير الله ورسوله - كائناً من كان - على حكم الله ورسوله، فكما أن العبادة لله وحده فكذلك الحكم له وحده، كما قال سبحانه وتعالى: (إن الحكم إلا لله) يوسف/40، فالتحاكم إلى غير كتاب الله سبحانه وتعالى، وإلى غير سنة رسوله صلى الله عليه وسلم من أعظم المنكرات وأقبح السيئات، بل قد يكفر المتحاكم إلى غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم إذا اعتقد حل ذلك، أو اعتقد أن حكم غيرهما أحسن، قال سبحانه وتعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً) النساء/65. فلا إيمان لمن لم يحكّم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في أصول الدين وفروعه، وفي كل الحقوق، فمن تحاكم إلى غير الله ورسوله فقد تحاكم إلى الطاغوت. وبهذا يعلم أنه لا يجوز إحياء قوانين القبائل وأعرافهم وأنظمتهم التي يتحاكمون إليها بدلاً من الشرع المطهر الذي شرعه أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين، بل يجب دفنها وإماتتها والإعراض عنها، والاكتفاء بالتحاكم إلى شرع الله سبحانه وتعالى، ففيه صلاح الجميع وسلامة دينهم ودنياهم، وعلى مشايخ القبائل ألا يحكموا بين الناس بالأعراف التي لا أساس لها من الدين، وما أنزل الله بها من سلطان، بل يجب أن يردوا ما تنازع فيه قبائلهم إلى المحاكم الشرعية، وذلك لا يمنع الصلح بين المتنازعين بما يزيل الشحناء ويجمع الكلمة ويرضي الطرفين بدون إلزام، على وجه لا يخالف الشرع المطهر، لقوله سبحانه وتعالى: (والصلح خير) النساء/128، وقوله عز وجل: (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس) النساء/114، وقوله جل وعلا: (فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم) الأنفال/1، ولما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحاً حرّم حلالاً أو أحل حراماً) . فالواجب الالتزام بكتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والتحاكم إليهما، والحذر مما يخالفهما، والتوبة النصوح مما سلف مما يخالف شرع الله تعالى. وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه وأعاذنا جميعاً من مضلات الفتن ونزغات الشيطان، إنه سميع قريب. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/8ص / 272. الحديث: 21029 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 656 الأدلة على أن القرآن كلام الله [السُّؤَالُ] ـ[أكتب لك راجية أن تتمكن من مساعدتي في الخروج من هذه الورطة. أنا فتاة متمسكة وأبلغ من العمر 20 عاما. لقد انتقلت منذ 5 سنوات للعيش في كندا. والداي لم يمارسا الشعائر الإسلامية البتة، لكن جدتي سعت في تعليمي أمور الإسلام. أنا مؤمنة بالله منذ نعومة أظفاري. لكني لم أكن أعرف كيفية تأدية الصلاة حتى وقت قريب، وقد قررت أن أتعلم بنفسي حيث أنه لا يوجد حولي من يعلمني تلك الأمور. وقد تعرفت، بفضل الله، على كيفية الصلاة، كما أني بدأت أضع الحجاب. أما عن مشكلتي فهي أني بدأت أقابل شابا وقعت في حبه. إلا أنه، للأسف، غير مسلم، ولا يؤمن بأي ديانة أخرى. إنه يؤمن بالرب، وقد حاولت إقناعه بالدخول في الإسلام وأن يكون فردا من أتباع الدين الصحيح الوحيد، وإلا فلن يكون باستطاعتي الزواج منه (ونحن نعيش سويا منذ 3 سنوات) . أما الأمر الذي لم أفلح في إقناعه به فهو أن محمدا صلى الله عليه وسلم هو رسول الله. إنه يطرح علي أسئلة من قبيل: "كيف لك التأكد أن هذا هو كلام الرب؟ ماذا لو أن محمدا أتى به من عند نفسه وجعله يظهر وكأنه كلام الرب؟ " أرجو أن توضح لي كيف أقنعه بأن القرآن هو كلام الله وحده، وأن محمدا هو رسوله. أرجو المساعدة، فهو يقول دوما أنه لو حصل وتزوجنا، فإنه لن يجد بأسا في استمراري في ممارسة ديني. إنه فخور لأني بدأت أضع الحجاب في مجتمع لا يشيع فيه هذا العمل. (فربما أكون واحدة من القلائل الآتي يضعن الحجاب هنا، وإيماني بالله هو الذي أعطاني القوة على ذلك) . أعلم أنه لن يجد غضاضة من تمسكي بديني، لكني أريده أن يسلم، فهو شخص جيد ولا يفعل ما يشين. أنا أتألم حقا عندما استحضر فكرة أننا لن نكون مع بعض. وأسأل: هل الزواج منه يعد معصية عظيمة؟ فهناك الكثيرات ممن يتزوجن بغير مسلمين، خصوصا عندما لا يوجد أي مسلم في المكان الذي أعيش فيه. فهل سأعاقب بشدة إن أنا تزوجت به؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فنحمد الله عز وجل أن حبب إليك الخير، ونسأله أن يزيدك هدى وإيماناً، وأن يهدي والديك للعمل بالإسلام،والالتزام بأحكامه.. آمين. وبعد: فأما بالنسبة للقرآن وما الذي يثبت أنه كتاب الله،فهذه الشبهة قد طرحها الكفار الأوائل الذين أرسل إليهم النبي صلى اله عليه وسلم عنادا واستكبارا، فرد الله عليهم قولهم بأدلة كثيرة تبطل قولهم وتبين فساده منها: - 1- أن هذا القرآن تحدى الله الإنس والجن على أن يأتوا بمثله فعجزوا، ثم تحداهم أن يأتوا بعشر سور فقط، فعجزوا ثم تحداهم أن يأتوا بمثل أصغر سورة من القرآن فلم يستطيعوا، مع أن الذين تحداهم كانوا أبلغ الخلق، وأفصحهم، والقرآن نزل بلغتهم، ومع هذا أعلنوا عجزهم التام الكامل، وبقي التحدي على مدار التاريخ، فلم يستطع أحد من الخلق أن يأتي بشيء من ذلك، ولو كان هذا كلام بشر لاستطاع بعض الخلق أن يأتي بمثله أو قريبا منه.والأدلة على هذا التحدي من القرآن كثيرة منها قوله تعالى: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) الاسراء:88 وقال تعالى يتحداهم بأن يأتوا بعشر سور فقط: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) هود:13 قال تعالى يتحداهم بأن يأتوا بسورة واحدة فقط: (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) البقرة:23 2- أن البشر مهما كانوا من العلم والفهم فلابد أن يقع منهم الخطأ والسهو، والنقص، فلو كان القرآن ليس كلام الله لحصل فيه أنواع من الاختلاف والنقص كما قال تعالى: (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) ، ولكنه سالم من أي نقص أو خطأ أو تعارض، بل كله حكمة ورحمة وعدل، ومن ظن فيه تعارضا فإنما أتي من عقله المريض، وفهمه الخاطئ، ولو رجع إلى أهل العلم لبينوا له الصواب، وكشفوا عنه الإشكال، كما قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيز. لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) فصلت: 41،42 3- أن الله تكفل بحفظ هذا القرآن العظيم كما قال تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) الحجر:9 فكل حرف منه ينقله الآلاف عن الآلاف على مدار التاريخ لم يختلفوا في حرف واحد منه، ولو حاول أي شخص أن يحرف فيه أو يزيد أو بنقص فإنه يفتضح مباشرة لأن الله سبحانه هو الذي تكفل بحفظ القرآن بخلاف غيره من الكتب السماوية التي أنزلها الله لقوم النبي فقط وليس لجميع الخلق، فلم يتكفل بحفظها بل وكل حفظها إلى أتباع الأنبياء فلم يحفظوها بل دخلها التحريف والتغيير المفسد لكثير من معانيه، أما القرآن فقد أنزله الله لجميع الخلق على امتداد الزمن لأن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم هي الرسالة الخاتمة، فصار القرآن محفوظا في الصدور، ومحفوظا في االسطور، وحوادث التاريخ تثبت ذلك. فكم من شخص اجتهد في تحريف آيات القرآن وترويجها عند المسلمين فسرعان ما يفتضح أمره، وينكشف زيفه، حتى عند أطفال المسلمين. وما يدل دلالة قطعية على أن هذا القرآن ليس من عند الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما هو وحي من الله أوحاه له: 4- الإعجاز العظيم الذي اشتمل عليه القرآن في التشريعات، والأحكام، والقصص، والعقائد، الذي لا يمكن أن يصدر عن أي مخلوق مهما بلغ من العقل والفهم، فمهما حاول الناس أن يسنوا تشريعات وقوانين لتنظيم حياتهم، فلا يمكن أن تفلح ما دامت بعيدة عن توجيهات القرآن، وبقدر هذا البعد بقدر ما يكون الفشل، وهذا قد أثبته الكفار أنفسهم. 5- الإخبار بالأمور الغيبية الماضية والمستقبلية مما لا يمكن أن يستقل بشر مهما بلغ من العلم أن يخبر به خاصة في ذلك الزمن الذي يعتبر بدائيا من جهة التقنية والآلات الحديثة، فهناك أشياء كثيرة لم يتم اكتشافها إلا بعد تجارب طويلة مريرة بأحدث الأجهزة، والآلات، قد أخبرنا الله عنها في القرآن، وذكرها رسوله صلى الله عليه وسلم قبل ما يقرب من خمسة عشر قرنا، كأحوال الجنين، ومراحل نموه، وأحوال البحار، وغير ذلك. مما جعل بعض الكافرين يقرون بأن هذا لايمكن أن يكون إلا من عند الله فمثلا أطوار الجنين: فمنذ 60 عاما فقط تأكد الباحثون من أن الإنسان لا يوجد دفعة واحدة إنما يمر بأطوار ومراحل طورا بعد طور ومرحلة بعد مرحلة وشكلا بعد شكل. منذ 60 عاما فقط وصل العلم إلى إحدى الحقائق القرآنية. يقول الشيخ الزنداني التقينا مرة مع أحد الأساتذة الأمريكان بروفيسور أمريكى من أكبر علماء أمريكا اسمه (بروفيسور مارشال جونسون) فقلنا له: ذكر في القرآن أن الإنسان خلق أطوارا فلما سمع هذا كان قاعدا فوقف وقال: أطوارا؟! قلنا له: وكان ذلك في القرن السابع الميلادى! جاء هذا الكتاب ليقول: الإنسان خلق أطوارا!! فقال: هذا غير ممكن.. غير ممكن.. قلنا له: لماذا تحكم عليه بهذا؟ هذا الكتاب يقول: (يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ) (الزمر) ويقول: (مَّا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا) (نوح) فقعد على الكرسي وهو يقول: بعد أن تأمل: أنا عندي الجواب: ليس هناك إلا ثلاث احتمالات: الأول: أن يكون عند محمد ميكروسكوبات ضخمة.. تمكن بها من دراسة هذه الأشياء وعلم بها ما لم يعلمه الناس فذكر هذا الكلام! الثاني: أن تكون وقعت صدفة.. وهذه جاءت صدفة الثالث: أنه رسول من عند الله قلنا: نأخذ الأول: أما القول بأنه كان عنده ميكروسكوب وآلات أنت تعرف أن الميكروسكوب يحتاج إلى عدسات وهي تحتاج للزجاج وخبرة فنية وتحتاج إلى آلات وهذه معلومات بعضها لا تأتي إلا بالميكروسكوبات الإلكترونية وتحتاج كهرباء والكهرباء تحتاج إلى علم وهذه العلوم لا تأتي إلا من جيل سابق ولا يستطيع جيل أن يحدث هذا دفعة فلا بد أن للجيل الذي قبله كان له اشتغال بالعلوم ثم بعد ذلك انتقل إلى الجيل الذي بعده ثم هكذا ... أما أن يكون واحد فقط.. لا أحد من قبله ولا من بعده ولا في بلده ولا في البلاد المجاورة والرومان كذلك كانوا جهلة ما عندهم هذه الأجهزة والفرس والعرب كذلك! واحد فقط لا غير هو الذي عنده كل هذه الأجهزة وعنده كل هذه الصناعات وبعد ذلك ما أعطاها لأحد من بعده.. هذا كلام ما هو معقول! قال: هذا صحيح صعب نقول: صدفة..ما رأيك لو قلنا لم يذكر القرآن هذه الحقيقة في آية بل ذكرها في آيات ولم يذكرها في آية وآيات إجمالا بل أخذ يفصل كل طور: قال: الطور الأول يحدث فيه وفيه والطور الثاني كذا وكذا والطور الثالث.. أيكون هذا صدفة؟! فلما عرضنا التفاصيل والأطوار وما في كل طور قال: الصدفة كلام غلط!! هذا علم مقصود قلنا: ما في تفسير عندك: قال: لا تفسير إلا وحي من فوق!! وأما الأخبار الكثيرة في القرآن عن البحار فبعضها لم يكتشف إلا في العصور المتأخرة، وكثير منها لا يزال مجهولا. فمثلاً هذه حقيقة تم الوصول إليها بعد إقامة مئات من المحطات البحرية.. والتقاط الصور بالأقمار الصناعة.. والذي قال هذا الكلام هو (البروفيسور شرايدر) .. وهو من أكبر علماء البحار بألمانيا الغربية.. كان يقول: إذا تقدم العلم فلا بد أن يتراجع الدين.. لكنه عندما سمع معاني آيات القرآن بهت وقال: إن هذا لا يمكن أن يكون كلام بشر.. ويأتي (البروفيسور دورجاروا) أستاذ علم جيولوجيا البحار ليعطينا ما وصل إليه العلم في قوله تعالى: (أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ) سورة النور: 40.. فيقول لقد كان الإنسان في الماضي لا يستطيع أن يغوص بدون استخدام الآلات أكثر من عشرين مترا.. ولكننا نغوص الآن في أعماق البحار بواسطة المعدات الحديثة فنجد ظلاما شديدا على عمق مائتي متر.. الآية الكريمة تقول: (بَحْرٍ لُّجِّيٍّ) كما.. أعطتنا اكتشافات أعماق البحار صورة لمعنى قوله تعالى: (ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ) فالمعروف أن ألوان الطيف سبعة ... منها الأحمر والأصفر والأزرق والأخضر والبرتقالي إلى آخرة.. فإذا غصنا في أعماق البحر تختفي هذه الألوان واحدا بعد الآخر.. واختفاء كل لون يعطي ظلمة.. فالأحمر يختفي أولا ثم البرتقالي ثم الأصفر.. وآخر الألوان اختفاء هو اللون الأزرق على عمق مائتي متر.. كل لون يختفي يعطي جزءا من الظلمة حتى تصل إلى الظلمة الكاملة.. أما قوله تعالى: (مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ) فقد ثبت علميا أن هناك فاصلا بين الجزء العميق من البحر والجزء العلوي.. وأن هذا الفاصل ملئ بالأمواج فكأن هناك أمواجا على حافة الجزء العميق المظلم من البحر وهذه لا نراها وهناك أمواج على سطح البحر وهذه نراها.. فكأنها موج من فوقه موج.. وهذه حقيقة علمية مؤكدة ولذلك قال البروفيسور دورجاروا عن هذه الآيات القرآنية: إن هذا لا يمكن أن يكون علما بشريا انظر الأدلة المادية على وجود الله " محمد متولي الشعراوي) الأمثلة على ذلك كثيرة جدا. 6- أن في القرآن بعض الآيات التي فيها معاتبة للنبي صلى الله عليه وسلم، وذكر بعض الأمور التي نبه الله عليها نبيه صلى الله عليه وسلم، وبعضها قد يكون فيها إحراج للنبي صلى الله عليه وسلم، فلو كان هذا القرآن من عند رسول الله، لما احتاج إلى هذا، ولو كان كتم شيئا من القرآن لكتم بعض هذه الآيات المشتملة على العتاب له وتنبيهه على بعض ما كان الأولى به أن لا يفعله كما في قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاه) (الأحزاب: من الآية37) . أيبقى بعد هذا شك عند ذي عقل أن هذا القرآن هو كلام الله، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بلغ ما أوحي إليه أكمل بلاغ وأتمه؟ ‍! ثم نقول لهذا الشخص جرب بنفسك قراءة ترجمة من تراجم القرآن الصحيحة وأعمل عقلك في تدبر هذه الأحكام والتشريعات، فلاشك أن أي عاقل عنده قدرة على التمييز سيلحظ فرقا كبيرا بين هذا الكلام، وكلام أي مخلوق على وجه الأرض. وأما علاقتِك بالشاب فإن هذا الدين الشريف قد منع المرأة من مخالطة الرجال للنساء لحكم عظيمة جليلة فيجب عليك أن تبتعدي عن اللقاء به، وأن تقطعي صلتك بهذا الشاب حتى يُسلِم، ثم يتزوجك بعد ذلك زواجا شرعيا. وتجدين في السؤال رقم (1200) بيان حكم اختلاط المسلمة بالرجال الأجانب فراجعيه. وأما حبك، وتعلقك به، فهذا ابتلاء من الله لك، هل تقدمين محبة الله على محبة مخلوق من مخلوقاته، أو تقدمين محبة هذا الشخص على محبة ربك العظيم الذي نهاك عن هذا الأمر، واعلمي أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، وأول هذا الخير الذي ستجدينه بإذن الله أن يعوضك الله راحة وأنسا بمحبته سبحانه، فتجتهدي في التقرب إلى الله بما يحبه فتزداد محبتك لربك، وتعلقك به، ويضعف تعلقك بجميع المخلوقين. وفي السؤال رقم (10254) بعض الحلول المناسبة لهذه المشكلة. وأما عن حكم زواج المسلمة بالكافر فهذا محرم بإجماع أهل العلم، بل هو من الفواحش العظيمة التي نهى الله عنها في القرآن وتجدين في إجابة السؤال (8396) و (1825) إجابة وافية عن هذا السؤال. فننصحك بالصبر والتحمل، والبعد التام عن كل ما قد يسبب لك الوقوع فيما يغضب ربك، واعلمي أن الله جعل هذه الدنيا دار ابتلاء وامتحان لعباده المؤمنين، فمن صبر، ومنع نفسه مما تشتهي رغبة في رضى الله عوضه الله في الجنة بمنه وكرمه من أنواع النعيم، ما لا يمكن أن يقارن بما ضحى به العبد من المتع الزائلة الفانية، زيادة عما قد يجده في قلبه من السعادة والراحة بطاعة ربه. ولعله إذا رأى تمسكك بدينك وأنك امتنعت عن لقائه والجلوس معه رغم محبتك له يعلم عظمة هذا الدين الذي يجعل أتباعه على أتم الاستعداد بالتضحية بكل ما يحبون لإرضاء ربهم سبحانه، ويعلم أنهم يرجون عند ربهم خيرا عظيما يكرمهم به لأجل صبرهم على طاعته، وامتناعهم عن حرماته فيكون ذلك سببا في إسلامه. نسأل الله أن يهديه للإسلام، وأن ييسر لك الخير، ويصرف عنك الشر.. آمين. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 13804 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 657 لا إكراه في قبول الإسلام [السُّؤَالُ] ـ[يقول بعض الزملاء: من لم يدخل الإسلام يعتبر حرا لا يكره على الإسلام ويستدل بقوله تعالى: (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) يونس / 99، وقوله تعالى: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) البقرة / 256، فما رأي سماحتكم في هذا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هاتان الآيتان الكريمتان والآيات الأخرى التي في معناهما بين العلماء أنها في حق من تؤخذ منهم الجزية كاليهود والنصارى والمجوس، لا يكرهون، بل يخيرون بين الإسلام وبين بذل الجزية. وقال آخرون من أهل العلم: إنها كانت في أول الأمر ثم نسخت بأمر الله سبحانه بالقتال والجهاد، فمن أبى الدخول في الإسلام وجب جهاده مع القدرة حتى يدخل في الإسلام أو يؤدي الجزية إن كان من أهلها، فالواجب إلزام الكفار بالإسلام إذا كانوا لا تؤخذ منهم الجزية؛ لأن إسلامهم فيه سعادتهم ونجاتهم في الدنيا والآخرة، فإلزام الإنسان بالحق الذي فيه الهدى والسعادة خير له من الباطل، كما يلزم الإنسان بالحق الذي عليه لبني آدم ولو بالسجن أو بالضرب، فإلزام الكفار بتوحيد الله والدخول في دين الإسلام أولى وأوجب؛ لأن فيه سعادتهم في العاجل والآجل إلا إذا كانوا من أهل الكتاب كاليهود والنصارى أو المجوس، فهذه الطوائف الثلاث جاء الشرع بأنهم يخيرون. فإما أن يدخلوا في الإسلام وإما أن يبذلوا الجزية عن يد وهم صاغرون. وذهب بعض أهل العلم إلى إلحاق غيرهم بهم في التخيير بين الإسلام والجزية، والأرجح أنه لا يلحق بهم غيرهم، بل هؤلاء الطوائف الثلاث هم الذين يخيرون؛ لأن الرسول قاتل الكفار في الجزيرة ولم يقبل منهم إلا الإسلام، قال تعالى: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) – التوبة / 5 -، ولم يقل: أو أدوا الجزية، فاليهود والنصارى والمجوس يُطالبون بالإسلام، فإن أبوا فالجزية، فإن أبوا وجب على أهل الإسلام قتالهم، إن استطاعوا ذلك، يقول عز وجل: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) - التوبة / 29 -. ولم يثبت عن النبي أنه أخذ الجزية من المجوس، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله عنهم أنهم أخذوا الجزية من غير الطوائف الثلاث المذكورة، والأصل في هذا قوله تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) - الأنفال / 39 -، وقوله سبحانه: (فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) - التوبة / 5 - وهذه الآية تسمى آية السيف. وهي وأمثالها هي الناسخة للآيات التي فيها عدم الإكراه على الإسلام. والله الموفق. [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى ومقالات للشيخ ابن باز 6 / 219 الحديث: 34770 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 658 الحكم على مقولة: (الله بالعين ما شفناه وبالعقل عرفناه) [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم قول: (الله ما شفناه بالعقل عرفناه) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه الكلمة تحتوي على مسألتين: الأولى حق، لا ريب فيها، والثانية: فيها جزء من الحقيقة، وليست الحقيقة كاملة. وبيان ذلك: 1. أما المسألة الأولى: فهي قولهم "الله ما شفناه" – أي: ما رأيناه -: فهذا حق؛: لأنه من عقيدة أهل السنة والجماعة أن الله لا يراه أحد في الدنيا؛ وإنما تكون رؤيته في الآخرة، بعد الموت، ففي صحيح مسلم (7540) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تَعَلَّمُوا أَنَّهُ لَنْ يَرَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى يَمُوتَ) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ولهذا اتفق سلف الأمة، وأئمتها، على أن الله يُرى في الآخرة، وأنه لا يَراه أحدٌ في الدنيا بعينه. "مجموع الفتاوى" (2/230) . 2. وأما المسألة الثانية: وهي قولهم " بالعقل عرفناه ": فهي تمثِّل جزء من الحقيقة؛ لأن دلائل معرفة الله متنوعة، منها الفطرية، والعقلية، والشرعية، والحسية. فوجود الله تعالى معروف بالعقل. ومن الأدلة العقلية التي يستند عليها العلماء في إثبات وجود الله تعالى: أن كل سبب لا بد له من مسبِّب , وكل محدَث - بالفتح - لا بد له من محدِث - بالكسر -، وهذا دليل عقلي. وقد أمر الله تعالى بالتفكر في خلق السماء، والأرض , وهذا التفكر إنما يتم بالعقل، قال تعالى: (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ) الأعراف/185، وقال تعالى: (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ) الروم/8. ومن ذلك قول الأعرابي: البعرة تدل على البعير، وآثار السير تدل على المسير، فأرض ذات فجاج، وسماء ذات أبراج: ألا تدل على اللطيف الخبير؟! . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أما إثبات الصانع: فطرُقه لا تحصى بل الذي عليه جمهور العلماء أن الإقرار بالصانع فطري، ضروري، مغروز في الجِبِلَّة، ولهذا كانت دعوة عامَّة الرسل إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وكان عامَّة الأمَّة مقرين بالصانع، مع إشراكهم به بعبادة ما دونه، والذين أظهروا إنكار الصانع - كفرعون - خاطبتهم الرسل خطاب مَن يعرف أنه حق، كقول موسى لفرعون (لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ) الإسراء/102، ولما قال فرعون: (وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ) الشعراء/23، قال له موسى: (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ * قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ * قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ * قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ * قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) الشعراء/24 – 28. "منهاج السنة" (2/270) . وكون الله تعالى موصوفاً بكل كمال، ومنزهاً عن كل نقص معروف أيضاً بالعقل. ولكن هذه المعرفة معرفة إجمالية , وأما المعرفة التفصيلية: فلا تتم إلا بالشرع، فبه تُعرف أسماؤه تعالى الحسنى، وصفاته العلى. وقد سئل الشيخ عبد الرحمن البرَّاك حفظه الله: ما مدى جواز قول القائل: " عرفْنا ربَّنا بالعقل تفصيلاً "؟ وجزاكم الله خيراً. فأجاب: " الحمد لله، وبعد: لقد فطر الله عباده على معرفته، فإن الإنسان بفطرته يَعلم أن كل مخلوق لا بد له من خالق، وأن المُحدَث لا بد له من مُحدِث، وقد ذكر الله الأدلة الكونية من آيات السماوات والأرض على وجوده، وقدرته، وعلمه، وحكمته، ولهذا يذكِّر الله عباده بهذه الآيات، وينكر على المشركين إعراضهم عنها، قال تعالى: (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ) يوسف/ 105. وهذه المعرفة الحاصلة بالآيات الكونية هي من معرفة العقل، فتحصل بالنظر، والتفكُّر؛ ولهذا يقول تعالى: (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ) الأعراف/185، ويقول تعالى: (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ) الروم/8. والآيات بهذا المعنى كثيرة، ومع ذلك: فالمعرفة الحاصلة بالعقل هي معرفة إجمالية؛ إذ الإنسان لا يعرف ربه بأسمائه، وصفاته، وأفعاله، على وجه التفصيل إلا بما جاءت به الرسل، ونزلت به الكتب، فالرسل صلوات الله وسلامه عليهم جاؤوا بتعريف العباد بربهم، بأسمائه، وصفاته، وأفعاله، وبهذا يُعلم أن العقول عاجزة عن معرفة ما لله من الأسماء، والصفات، وما يجب له، ويجوز عليه، على وجه التفصيل، فطريق العلم بما لله من الأسماء، والصفات تفصيلاً هو: ما جاءت به الرسل، ومع ذلك فلا يحيط به العباد علماً مهما بلغوا من معرفة، كما قال تعالى: (وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) طه/110، وقال صلى الله عليه وسلم: (لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ) أخرجه مسلم (486) . وبهذا يتبين أن من طرق معرفة الله طريقين: العقل، والسمع - وهو النقل - وهو ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الكتاب، والسنَّة، وأن مِن أسمائه وصفاته ما يُعرف بالعقل والسمع، ومنها ما لا يعرف إلا بالسمع. وبهذه المناسبة: يحسُن التنبيه إلى أنه يجب تحكيم السمع - وهو الوحي - وجعل العقل تابعاً مهتدياً بهدى الله، ومن الضلال المبين أن يعارَض النقل بالعقل، كما صنع كثير من طوائف الضلاَّل، من الفلاسفة، والمتكلمين. ووَفَّق الله أهل السنة والجماعة للاعتصام بكتابه، وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، واقتفاء آثار السلف الصالح، فحكّموا كتاب الله، وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، ووضعوا الأمور في مواضعها، وعرفوا فضيلة العقل، فلم يعطلوا دلالته، ولم يقدموه على نصوص الكتاب والسنَّة، كما فعل الغالطون، والمبطلون، فهدى الله أهل السنة صراطه المستقيم، فنسأل الله أن يسلك بنا سبيل المؤمنين، وأن يعصمنا من طريق المغضوب عليهم، والضالين. والله أعلم. من موقع الشيخ حفظه الله http://albarrak.islamlight.net/index.php?option=content&task;=view&id;=1164&Itemid;=25 أكرمنا الله، وإياك برؤية الله سبحانه في دار القرار. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 133315 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 659 كيف تعاد أرواح الكافرين بعد تحريق أجسادهم؟ [السُّؤَالُ] ـ[كيف تعاد أرواح الكافرين بعد تحريق أجسادهم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن الإيمان بأن الله على كل شيء قدير، وأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وأن الله يبعث من في القبور، وأنه كما خلقهم من عدم قادر على أن يبعثهم كيف شاء ومتى شاء، على اختلاف صورهم، وتعدد مصارعهم، مما لا يتم الإيمان بالله إلا به. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ وَسَائِرُ أَهْلِ الْمِلَلِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ كَمَا نَطَقَ بِذَلِكَ الْقُرْآنُ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ جِدًّا" انتهى. "مجموع الفتاوى" (8 / 7) . وقال أيضا: "اللَّهَ خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. وَمَنْ جَعَلَ شَيْئًا مِنْ الْأَعْمَالِ خَارِجًا عَنْ قُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ فَقَدْ أَلْحَدَ فِي أَسْمَائِهِ وَآيَاتِهِ" انتهى. "مجموع الفتاوى" (11 / 354) . وقال الله عز وجل: (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) يس/78، 79. قال السعدي: "هذا وجه الشبهة والمثل، وهو أن هذا أمر في غاية البعد على ما يعهد من قدرة البشر، وهذا القول الذي صدر من هذا الإنسان غفلة منه، ونسيان لابتداء خلقه، فلو فطن لخلقه بعد أن لم يكن شيئا مذكورا فَوُجِدَ عيانا، لم يضرب هذا المثل. فأجاب تعالى عن هذا الاستبعاد بجواب شاف كاف، فقال: (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ) وهذا بمجرد تصوره، يعلم به علما يقينا لا شبهة فيه، أن الذي أنشأها أول مرة قادر على الإعادة ثاني مرة، وهو أهون على القدرة إذا تصوره المتصور" انتهى. "تفسير السعدي" (ص 699- 700) . وروى البخاري (3481) ومسلم (2756) – واللفظ له - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (قَالَ رَجُلٌ لَمْ يَعْمَلْ حَسَنَةً قَطُّ لِأَهْلِهِ: إِذَا مَاتَ فَحَرِّقُوهُ ثُمَّ اذْرُوا نِصْفَهُ فِي الْبَرِّ وَنِصْفَهُ فِي الْبَحْرِ، فَوَ اللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ لَيُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا لَا يُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ. فَلَمَّا مَاتَ الرَّجُلُ فَعَلُوا مَا أَمَرَهُمْ، فَأَمَرَ اللَّهُ الْبَرَّ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، وَأَمَرَ الْبَحْرَ فَجَمَعَ مَا فِيهِ ثُمَّ قَالَ: لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ قَالَ: مِنْ خَشْيَتِكَ يَا رَبِّ وَأَنْتَ أَعْلَمُ. فَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ) . ولفظ البخاري: (إِذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي ثُمَّ اطْحَنُونِي ثُمَّ ذَرُّونِي فِي الرِّيحِ) . قال شيخ الإسلام: " فَهَذَا الرَّجُلُ كَانَ قَدْ وَقَعَ لَهُ الشَّكُّ وَالْجَهْلُ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى إعَادَةِ ابْنِ آدَمَ؛ بَعْدَ مَا أُحْرِقَ وَذُرِيَ وَعَلَى أَنَّهُ يُعِيدُ الْمَيِّتَ وَيَحْشُرُهُ إذَا فَعَلَ بِهِ ذَلِكَ وَهَذَانِ أَصْلَانِ عَظِيمَانِ: أَحَدُهُمَا: مُتَعَلِّقٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ الْإِيمَانُ بِأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. والثَّانِي: مُتَعَلِّقٌ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ. وَهُوَ الْإِيمَانُ بِأَنَّ اللَّهَ يُعِيدُ هَذَا الْمَيِّتَ وَيَجْزِيهِ عَلَى أَعْمَالِهِ " انتهى. "مجموع الفتاوى" (12 / 491) . فمتى علم العبد أن الله عز وجل على كل شيء قدير، وأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وأنه إذا أراد شيئا قال له كن فيكون، وأنه سبحانه أوجد الخلائق من عدم لم يمتنع لديه الإيمان بالبعث والنشور على أي صورة كان، دون أن يرهق عقله وفكره بالبحث والتحري الذي لا يجدي شيئا، ويكفيه دلالة الشاهد الذي لا يغيب عن ناظره، وهو نفسه، قال الله تعالى: (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) الذاريات/20، 2. وقال الله عز وجل لعبده زكريا عليه السلام: (يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا * قَالَ رَبِّ أنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا * قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا) مريم/7-9. فليس خلق هذا الغلام من أم عاقر، وأب كبير في السن بأعجب من خلق الأب وإيجاده من العدم. انظر: تفسير الطبري (18/151) . وقال تعالى عن مريم: (قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) آل عمران/47. وقال تعالى: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) آل عمران/59. ثم هذه السماوات والأرض أمام عينيه، وما يشاهده بينهما من أفلاك ونجوم، لا يحصي عددها إلا الله، ولا يقادر قدرها أحد من خلقه، هي أكبر من خلق الناس، فالذي خلق السماوات والأرض مع عظمهما واتساعها قادر من باب أولى على إعادة خلق الإنسان مرة أخرى. قال تعالى: (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) غافر/57. وقال تعالى: (أَوَ لَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ * إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) يس/81، 82. وقال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) الروم/27. يعني: أيسر عليه. وقال مجاهد: الإعادة أهون عليه من البَدَاءة، والبداءة عليه هَيْنٌ. وكذا قال عكرمة وغيره. "تفسير ابن كثير" (6/311) . وروى البخاري (4974) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (قَالَ اللَّهُ: كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ , وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ. فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: لَنْ يُعِيدَنِي كَمَا بَدَأَنِي. وَلَيْسَ أَوَّلُ الْخَلْقِ بِأَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ إِعَادَتِهِ. وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا. وَأَنَا الْأَحَدُ الصَّمَدُ لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفْئًا أَحَدٌ) . هذا.. وإن كان قصد السائل بسؤاله: كيف تعاد أرواح الكافرين بعد تحريق أجسادهم، يعني في النار يوم القيامة. فيقال: إن أرواحهم باقية في أجسادهم، وإن حرقت بالنار، فيوم القيامة إذا عادت الروح إلى البدن لا تخرج منه أبدا، فتبقى روح الكافر في جسده معذبة، وتبقى روح المؤمن في جسده منعمة. فإن أهل النار كلما احترقت جلودهم بالنار أبدلهم الله غيرها، حتى يستمر عذابهم ولا ينقضي، قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا) النساء/56. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130672 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 660 الحكمة من إيجاد الكرام الكاتبين مع أن الله يعلم كل شيء [السُّؤَالُ] ـ[ما الحكمة من إيجاد الكرام الكاتبين مع أن الله يعلم كل شيء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " نقول في مثل هذه الأمور: إننا قد ندرك حكمتها، وقد لا ندرك، فإن كثيراً من الأشياء لا نعلم حكمتها، كما قال الله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) الإسراء/85. فإن هذه المخلوقات لو سألنا سائل: ما الحكمة أن الله جعل الإبل على هذا الوجه، وجعل الخيل على هذا الوجه، وجعل الحمير على هذا الوجه، وجعل الآدمي على هذا الوجه؟ وما أشبه ذلك، لو سألنا عن الحكمة في هذه الأمور ما علمناها، ولو سُئلنا: ما الحكمة في أن الله عز وجل جعل صلاة الظهر أربعاً، وصلاة العصر أربعاً، والمغرب ثلاثاً، وصلاة العشاء أربعاً؟ وما أشبه ذلك ما استطعنا أن نعلم الحكمة في ذلك. وبهذا علمنا أن كثيراً من الأمور الكونية، وكثيراً من الأمور الشرعية تخفى علينا حكمتها، وإذا كان كذلك فإنا نقول: إن التماسنا للحكمة في بعض الأشياء المخلوقة أو المشروعة، إنْ مَنَّ اللهُ علينا بالوصول إليها فذاك زيادة فضل وخير وعلم، وإن لم نصل إليها، فإن ذلك لا ينقصنا شيئاً. ثم نعود إلى جواب السؤال، وهو ما الحكمة في أن الله عز وجل وَكَّل بنا كراماً كاتبين يعلمون ما نفعل؟ فالحكمة من ذلك: بيان أن الله سبحانه وتعالى نَظَّم الأشياء وقَدَّرها، وأحكمها إحكاماً متقناً، حتى إنه سبحانه وتعالى جعل على أفعال بني آدم وأقوالهم كراماً كاتبين، موكلين بهم، يكتبون ما يفعلون، مع أنه سبحانه وتعالى عالم بما يفعلون قبل أن يفعلوه، ولكن كل هذا من أجل بيان كمال عناية الله عز وجل بالإنسان، وكمال حفظه تبارك وتعالى، وأن هذا الكون منظم أحسن نظام، ومحكم أحسن إحكام، والله عليم حكيم. والله أعلم " انتهى. "مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (1/121) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120870 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 661 هل الاستنساخ نفخ للروح، وخلق كخلق الله؟! [السُّؤَالُ] ـ[أنا شاب تونسي، ملتزم، والحمد لله، أحافظ على صلواتي، لي أخي يكبرني بعامين لا يصلي، وبعيد عن الله، كما لديه فكر غربي، لا يأبه بتعاليم الإسلام، يظن نفسه متفتحاً، يعني لا مانع أن يذهب مع البنات، لا يجد حرجاً في قلة أدب سلوكه، وكنت كثير التخاصم معه خاصة في الأمور الدينية، حيث إنه جاهل بالدين بطريقة غريبة، يريد أن يردد دائما الشبهات حول الإسلام، في الآونة الأخيرة حلت الكارثة: دخل علينا بفلسفة كافرة، فاسقة، قال: " إن الله هو الخالق وحده، يخلق الكائنات الحية لأنه يبعث فيها الروح، والآن استطاع العلماء الخلق! وذلك بالاستنساخ، وبما أن الله هو الذي انفرد ببعث الروح: فقد تمكن العلماء من مضاهاته يوم بعثوا الروح عندما خلقوا بالاستنساخ ". خلاصة القول: هل فعلاً تمكن العلماء من الخلق بالاستنساخ وبعثوا الروح؟ ما الاستنساخ؟ هل هو حقيقة صنع منها البشر كائنات حية؟ نحن نعلم أن الله فقط يبعث الروح، بالله عليكم ردوا عليَّ حتى أستطيع أن أُفهمه ما هو الإستنساخ، حيث إنه يظن أنه خلق للكائنات، وبعث الروح فيها، كما خلق الله الكائنات، كما إنه يلمح من كلامه عدم وجود الله - والعياذ بالله - ولقد كفر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، لديه صديق يحمل نفس فكره الكافر، أريد نصحه، أجيبونا، يرحمكم الله.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: كنا قد فصلنا القول في " الاستنساخ " وبينا حكمه في جواب السؤال رقم: (21582) ، فلينظر، فلا داعي لتكرار الكلام من غير حاجة. وننبه هنا: إلى أنه يجب عليك الاطمئنان بأن اعتقاد المسلم أنه لا خالق إلا الله تعالى: هو اعتقاد صحيح، ليس ثمة ما يناقضه، وليس له صور استثنائية؛ فالروح من أمر الله، ولا يجعلها أحدٌ في شيء إلا أن يأذن الله تعالى، كما فعل عيسى عليه السلام فيما صنعه من الطين كهيئة الطير، وكما فعله جبريل عليه السلام حين نفخ في درع مريم عليها السلام. أ. قال تعالى: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) المائدة/ 110. فالبشر يستطيعون نحت تمثال يشبه في صورته – وليس حقيقته – البشر، ويستطيعون صناعة صورة طير من الطين، أو الجص – وهو فعل محرَّم - ولكن هل يستطيع أحدٌ أن يحيي هذا الذي صنعه، أو نحته؟! الجواب: يعرفه كل مخلوق على وجه الأرض، وحتى من كان ملحداً منهم، وهذا هو زعيم الملحدين " لينين " قد حنَّطه قومه، ولم يدفنوه – توفي سنة 1924 م - فهل يستطيع ملحدو العالَم كله أن يحيوه بعد أن أماته ربُّه؟! إنهم أعجز من ذلك، فلا يستطيع الواحد منهم منع ذبابة أن تحط على أنفه، ولا بعوضة أن تمص دماً من صلعته! فأنَّى لهم دفع الأمراض عن أنفسهم، فضلاً عن الهروب من الموت، فضلاً عما هو أعظم من ذلك أن يحيوا الأموات؟! . قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في بيان أوجه عبودية المسيح وأنه مخلوق لا خالق -: الوجه الثاني: أنه خَلق من الطين كهيئة الطير، والمراد به: تصويره بصورة الطير، وهذا الخلق يقدِر عليه عامة الناس، فإنه يمكن أحدهم أن يصوِّر من الطين كهيئة الطير، وغير الطير من الحيوانات، ولكن هذا التصوير محرَّم، بخلاف تصوير المسيح؛ فإن الله أذن له فيه، والمعجزة أنه يَنفخ فيه الروح فيصير طيراً بإذن الله عز وجل، ليس المعجزة مجرد خلقه من الطين؛ فإن هذا مشترك، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم المصوِّرين، وقال: (إن أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون) . الوجه الثالث: أن الله أخبر المسيح أنه إنما فعل التصوير والنفخ بإذنه تعالى، وأخبر المسيح عليه السلام أنه فعله بإذن الله، وأخبر الله أن هذا من نعمه التي أنعم بها على المسيح عليه السلام كما قال تعالى: (إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل) . " الجواب الصحيح لمن بدَّل دين المسيح " (4 / 46، 47) . وانظر جواب السؤال رقم: (20011) . ثانيا: قد بيَّن الله تعالى بياناً شافياً، وتحدَّى تحديّاً بليغاً كلَّ الخلق، والآلهةَ المزعومة: في الخلق من العدم، والإحياء، والإماتة، والبعث، فقال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) الروم/ 40. ال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله -: فقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: (هَلْ مِن شُرَكَائِكُمْ مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُمْ مّن شَىْء سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) : يدلّ دلالة واضحة على أن شركاءهم ليس واحد منهم يقدر أن يفعل شيئًا من ذلك المذكور في الآية، ومنه الحياة المعبّر عنها بـ: (خَلَقَكُمْ) ، والموت المعبّر عنه بقوله: (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) ، والنشور المعبّر بقوله: (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) ، وبيَّن أنهم لا يملكون نشوراً بقوله: (أَمِ اتَّخَذُواْ آلِهَةً مّنَ الاْرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ) ، وبيّن أنهم لا يملكون حياة ولا نشوراً في قوله تعالى: (قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُمْ مَّن يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُل اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) ، وبيَّن أنه وحده الذي بيده الموت والحياة في آيات كثيرة؛ كقوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَاباً مُّؤَجَّلا ً) ، وقوله تعالى: (وَلَن يُؤَخّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاء أَجَلُهَا) ، وقوله تعالى: (إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاء لاَ يُؤَخَّرُ) ، وقوله تعالى: (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْواتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) ، وقوله تعالى: (قَالُواْ رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ) ، إلى غير ذلك من الآيات. وهذا الذي ذكرنا من بيان هذه الآيات بعضها لبعض معلوم بالضرورة من الدّين. " أضواء البيان " (6 / 271) . ثالثا: الخبراء في " الاستنساخ " من أهل الفن يعلمون أنه ليس هو إخراج حي من ميت، فضلاً أن يكون إحياء من عدم، بل إن الاستنساخ من ميت أمر مبتوت فيه عندهم أنه لن يكون! ، والمصطلح المستعمل فيه يدل على هذا، فكلمة نسخ، أو استنساخ هي: clone)) ، (cloning) ، وهي تعني: إنشاء صورة طبق الأصل من المادة المراد نسخها! . فليسمع أخوك، وليقرأ هذه النقولات: 1. ذكر الدكتور " سينوت حليم دوس " - أستاذ ورئيس قسم الهرمونات بالمركز القومي للبحوث - في كتابه " استنساخ الإنسان حيّاً وميتاً " - نشر المكتبة الأكاديمية، الطبعة الأولى - في الفصل التاسع الذي سماه: " هل يستنسخ الإنسانُ ميتاً؟ " محاولات للاستنساخ من جثة فرعون! وغير ذلك، ثم وصل إلى نتيجة مهمة سطرها بالكلمات الآتية، قال: " وفي الوقت الراهن أقرر: أن استنساخ الميت: حلم لن يتحقق مطلقاً "، ثم قال: " وإلى الله ترجع الأمور ". (ص 59، 60) من كتابه. 2. كما قال في الكتاب نفسه في الفصل الثامن وهو " هل يمكن استنساخ الإنسان حيّاً؟ ": إن الاستنساخ في حقيقته عملية تمجد الخالق، وتجري في الكثير من المعامل الطبية للكشف عن الفيروس الكبدي ... وهو حقّاً عملية إبداع الخالق، تمجد الخالق فيما خلق، ونستعير عبارة قالها الكيميائي العربي جابر بن حيان " لكي تصنع الذهب: عليك أن تبدأ بالذهب " لنقول: " لكي تعيد تشكيل خلية حية: عليك أن تبدأ بخلية حية متمثلة فيها الحياة التي يتمتع بها الحمض النووي. (ص 53) . 3. وقال رياض أحمد عودة الله في كتابه: " الاستنساخ في ميزان الإسلام " - دار أسامة للنشر – الطبعة الأولى - صفحة 148 و 149: فالقول إن الاستنساخ خَلْق: أمرٌ منقوض من الوجهة النقلية الشرعية بنص القرآن الكريم والسنَّة النبوية، ومنقوض كذلك من الوجهة العلمية البحتة. ثم قال: والاستنساخ - كما هو مشاهد وملموس - ليس إيجاداً من عدم، بل إن المكونات الأساسية مخلوقة، وموجودة. انتهى 4. وقال كامل محمد صالح العجلوني في كتابه: " الاستنساخ بين العلم والأديان والمعتقدات " - مطبعة الأجيال في صفحة (64) من كتابه هذا -: " والواقع الذي ينبغي معرفته أولاً هو: أن الاستنساخ ليس خلْقاً، أو إيجاداً من العدم؛ لأن الخلق على هذا النحو إنما ينفرد به الله عز وجل، فهو الخالق. ثم قال: وقد تحدى الله تعالى جميع الناس بهذا الإبداع، أو الخلق، والتكوين لأصغر الأشياء، وأدقها، فقال: (يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون ... ) . انتهى 5. وقالت هناء نزار انشاصي في كتابها " الاستنساخ بين الحقيقة والخيال " - دار الفكر الطبعة الأولى في صفحة (132) : " فالاستنساخ ليس تخليقاً، وإنما هو عملية دمج لنواة خلية موجودة وحية، مع نواة مفرغة لتكوين موجودات متشابهة. انتهى. والخلاصة: هذا اعتقاد المسلمين في الخلق، والإحياء، وليس بينهم اختلاف في هذا، وقد قهر الله تعالى الناس بالموت، وتحداهم بأن يخلقوا شيئاً من عدم فعجزوا، واعترف كل عاقل بضعفه، وعجزه، فلم يبق إلا المجادلة بالباطل، ولذا فننصحك بتأمل ما ذكرناه، وفهمه على وجهه الصحيح، مع النظر بحقيقة الاستنساخ، لتعلم بعد أن ذلك أن ما وقع من أخيك ما هو إلا كلام في الهواء، ليس له أساس، ولا قرار، فداوم على نصحه بالتي هي أحسن، وخصَّه بدعوة في آخر الليل، عسى الله أن يتقبل منك، ويهديه لما فيه رضاه. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120271 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 662 " المطر الصناعي " حقيقته، وأقوال العلماء فيه [السُّؤَالُ] ـ[ما الحكم الشرعي فيما يسمى بـ " استمطار السحاب " بواسطة التلقيح الصناعي؟ وهل يصح قياسه على طفل الأنابيب وعمليات التلقيح الصناعي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: حقيقة " الاستمطار "، وكيفيته: جاء في " الموسوعة العربية العالمية ": " الاستمطار " – Rainmaking -: الاستِمْطار: عملية إسقاط المطر من السحب بطريقة علمية بحته تُجْرَى على السحب المتكوِّنة في الجو، ويسمَّى أيضاً: " تطعيم السحب "، يستخدم الناس هذه الطريقة لزيادة كمية المياه بمنطقة معيَّنة، أو لتوفير المياه للري، أو لتوليد الطاقة الكهربائية من المحطات الكهرومائية، وتُستخدم أيضاً لمنع سقوط الأمطار الغزيرة في المناطق الزراعية خوفاً من تلف المحاصيل، ويمكن للخبراء في بعض الأحيان تخفيض شدة العواصف بتكوين السحب قبل وصولها إلى تلك المناطق، وقد قام العديد من علماء الولايات المتحدة، الذين يعملون بصفة مستقلة، بتطوير أساليب الاستمطار وطرقها خلال الأربعينيات من القرن العشرين. ثلاث طرق للاستمطار: طرق الاستمطار: يحدث المطر عندما يُكوِّن بخار الماء في السحب بلورات ثلجية، أو قطرات ماء ضخمة وثقيلة بالقدر الكَافي للسقوط على الأرض، يمكن في بعض الحالات زيادة احتمال سقوط المطر بإضافة مواد تعرف بعوامل التطعيم إلى السحب، وتعمل عملية التكوين بصورة أفضل في السحب التي يكون احتمال سقوط الأمطار منها كبيراً، وتعتمد المادة المستخدمة في عملية التطعيم على درجة حرارة السحب. وعند درجات حرارة أعلى من الصفر المئوي: فإن عامل التطعيم الرئيسي المستخدم سائل مكون من " نترات الأمونيوم " و " اليوريا "، وتسبب جسيمات هذا العامل تكون بخار الماء حوله، ويرش عامل تطعيم السحب من الطائرات على أسفل السحابة. وعندما تتكون بلورات الثلج: تسقط في اتجاه الأرض في صورة كتل جليدية رقيقة، وعندما تدخل منطقة تكون درجة حرارتها فوق درجة الصفر: تنصهر مكونة المطر. تبلغ درجة حرارة الجليد الجاف - وهو غاز ثاني أكسيد الكربون - حوالي 80° م تحت الصفر، وتقوم كرات الثلج الجاف عند إسقاطها على السحب من الطائرة بخفض درجة حرارة الماء فائق البرودة، وعندما تنخفض درجة الحرارة: يتحول الماء إلى بلورات من الثلج، وتشبه بلورات " يوديد الفضة " بلورات الثلج، وهي التي تؤدي بالماء فائق البرودة إلى تكوين بلورات الثلج حولها، وتستخدم أجهزة تُسمى " الشعلات "، و " المولدات "، لإنتاج وتوزيع بخار يحتوي على بلورات " يوديد الفضة "، ويكوَّن هذا البخار بحرق " يوديد الفضة " مع مواد أخرى، ويتم توزيع البخار عن طريق الطائرة، كما يمكن استخدام " المولدات " أيضاً لتوزيعه على الأرض. تسبَّبت عملية " تطعيم السحب " في كثير من الخلافات، والمناقشات، فالعلماء لم يكونوا قادرين على إثبات تأثيرها العملي في كل الحالات، ويضاف إلى ذلك اعتقاد بعض الناس بأن زيادة سقوط المطر في مناطق معينة: قد يؤدي إلى نقصه في مناطق أخرى " انتهى. ثانياً: كلام بعض خبراء البيئة، والأرصاد الجوية: 1. قال الكاتب البيئي أسعد سراج أبو رزيزة: " في عام 2003 م ذكر تقرير للأكاديمية القومية للعلوم بالولايات المتحدة الأمريكية: (أنه لا توجد حتى الآن أدلة حاسمة، ونتائج موثقة تؤكد فاعلية هذه التقنية) . وتذكر جمعية الأرصاد الجوية الأمريكية: (أن هناك مؤشرات لاحتمال زيادة كمية الأمطار بنسبة 10% بعد بذر السحب، واستمطارها) . ويقول الدكتور " ويليام كوتون " من قسم علوم الأرصاد بجامعة ولاية كولورادو: " إنه لم نر - باستثناء بعض الحالات النادرة - أدلة حاسمة تؤكد أن استمطار السحب يحقق أهدافه ". وتذكر منظمة الكومنولث للعلوم والصناعة في تقرير لها: " أنه من المستحيل كسر الجفاف باصطياد المطر صناعيّاً، وتؤكد أن نجاح تجاربها كان مرهوناً بنوع السحب المستهدفة، وأن معظم السحب لا يمكن استمطارها " انتهى. 2. وقال أيضاً – الكلام لأسعد سراج -: " الأثر البيئي لهذه التقنية يجب البحث فيه ومعرفة جوانبه، فالمواد المستخدمة في بذر السحب: مواد سامة - بحسب تصنيف المنظمات العالمية -، فمكتب البيئة والصحة والسلامة بجامعة " بيركلي " - كاليفورنيا بالولايات المتحدة - يصنف " يود الفضة " بأنه مادة كيماوية غير عضوية، خطرة، لا تذوب في الماء، وسامة للإنسان، والأسماك. وتفهرس وكالة حماية البيئة الأمريكية مادة " يود الفضة " ضمن المواد الخطرة، والسامة. وفي دراسات طبية عديدة على تأثير " يود الفضة " على صحة الإنسان: ثبت أنها تدخل إلى جسمه عن طريق الجهاز الهضمي، أو التنفسي، أو عن طريق امتصاص الجلد، وتصيبه بأمراض، تبدأ بإثارة الجهاز الهضمي، وتحوِّل لون الجلد إلى الأسود، في حالات التسمم البسيطة، وتصل إلى تضخم القلب، والنوبات الصدرية الحادة، مع الجرعات العالية " انتهى. "جريدة الوطن السعودية" (الأربعاء 23 جمادى الأولى 1429هـ، الموافق 28 مايو 2008م، العدد (2798) ، السنة الثامنة) . 3. نقل الشيخ عبد المجيد الزنداني عن الدكتور محمد جمال الدين الفندي - أستاذ الفلك والطبيعة الجوية بكلية العلوم بجامعة القاهرة قوله: " إن الظروف الطبيعة التي تؤدي إلى تكوين المُزن – السحاب -، ونزول المطر: لا يمكن أن يصنعها البشر، بل وحتى لا سبيل إلى التحكم فيها، ولا يزال موضوع " المطر الصناعي " - ليس مطراً صناعيّاً، لأن المطر لا يصنعه الإنسان في المعمل، وإنما هو مطر يستحث الإنسان نزوله - واستمطار السحب العابرة: مجرد تجارب، لم يثبت نجاحها بعدُ، وحتى إذا ما تم نجاحها: فإن من اللازم أن توفر الطبيعة الظروف الملائمة للمطر الطبيعي حتى يمكن استمطار السماء صناعيّاً، أي: إن واجب علماء الطبيعة الجوية لا يتعدى قدح الزناد فقط " انتهى. "توحيد الخالق للشيخ عبد المجيد الزنداني" (ص/223) . ثالثاً: فتاوى بعض العلماء فيه: 1. سئل الشيخ عطية صقر رحمه الله: توصل بعض العلماء إلى إنزال " مطر صناعي "، فهل يتنافى ذلك مع قول الله تعالى (وينزل الغيث) ؟ فأجاب: " كلنا يعلم أن تكاثف بخار الماء الموجود في السحاب، أو في الجو عامة يحدث لعوامل، فينزل المطر أو الندى، وليس في ذلك مشاركة لقوله تعالى: (وينزل الغيث) لقمان/34؛ لأن تكوُّن السحاب، وامتلاء الجو ببخار الماء على هذا النطاق الواسع هو صنع الله بالوسائط الذي خلقها، فهو الخالق للبخار، ولحرارة الشمس، والمتحكم في برودة الجو، وكذلك في الرياح، وسوقها للسحاب، وبقدرته أن يتحكم فيها فلا تنتج أثراً، كما قال سبحانه: (ألم تر أن الله يزجى سحاباً ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من بَرَد فيصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء) النور/43. إن العمليات التي يحاول بها بعض الناس إسقاط المطر من السحاب لها نظائر في نطاق ضيق، في عمليات فصل الملح عن الماء ليصير عذباً، فهي تدور على التبخير، والتكثيف، كما يحدث في " الأنبيق " الذي تستخرج به العطور، وليس عملهم هذا تدخلاً في صنع الله، بل هو تصرف واستخدام للمادة التي خلقها الله، ولا يمكن لأحدٍ أن يخلق الحرارة، أو البرودة، أو الماء بوسائط، أو مواد غير ما أوجده الله في الكون. ومع ذلك فالمحاولات لا تغني؛ لأن كثيراً من بلاد هؤلاء العلماء تشكو الجفاف، وقلة الماء، وهلاك الزرع، والحيوان، فلو أمكنهم التحكم في المطر، والماء، والريح - كما يتحكم الله ليُغاثوا من القحط -: ما سكتوا، فقدرة الله فوق قدرتهم، وإرادة الله فوق إرادتهم، كما أن مداواة المريض بمواد خلقها الله: لا تبرر إسناد الشفاء الحقيقي إلى غير الله. وإلى جانب عجزهم عن الإغاثة من القحط: عجزوا عن دفع ما يقع من العواصف، والصواعق، والسيول، والزلازل، والبراكين على بلاد المتحضرين، المزهوين بعلومهم، واختراعاتهم، كل ذلك يزيدنا إيماناً بقوله تعالى: (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغنى الحميد. إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد. وما ذلك على الله بعزيز) فاطر/15-17 " انتهى. " فتاوى الأزهر " (7 / 405) - ترقيم " الشاملة " -. 2. وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: " ما يسمَّى بـ: " المطر الصناعي ": لم يثبت - حسب علمنا - أنه على ما يُذكر عنه، بل الأمر مبالغ فيه، وأمره - والحمد لله - لا يشكل؛ وذلك أن الله أطلعهم على أن المطر يُحدث بقدرة الله بتفاعل أشياء، فهم يعمدون إلى عملها، وقد يحدث حصول بعض الأمر، وقد لا يحدث، وإن حدث: فهو في حيِّزٍ ضيق، وليس كالمطر الذي ينزله الله تعالى من السحاب، ولذا نعلم - كما يعلم غيرنا - أن الدول التي تعمد إلى تجربة ما يسمى بـ: " المطر الصناعي " لا تستفيد منه، وإذا لم ينزل الله تعالى عليها المطر من السماء عاشت في قحط وفقر " انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد. "فتاوى اللجنة الدائمة" المجموعة الثانية (1/241) . والخلاصة: 1. بداية اكتشاف ما يسمى " المطر الصناعي " بدأ عام 1946 م، ولو أنهم أفلحوا ونجحوا في ادعاءاتهم لصارت الأرض قطعة خضراء، ولما اشتكت دولة من قحط، ولا عانت من جفاف، فكل ما في الأمر أنها تجارب. 2. حتى ما يدعونه فإنهم لا يستطيعون القيام به إلا مع وجود السحاب الذي خلقه الله تعالى، وإلا مع وجود الإمكانية التي جعلها الله تعالى فيها أنها ينزل الماء منها، وكذا ما يتعلق بالظروف الأخرى التي يحتاجها السحاب لذلك الإنزال. 3. ما يصل إليه الشرق والغرب من العلم ما هو إلا بتسهيل الله وتعليمه، ولن يكون لأحد قدرة فوق قدرة الله، ولا علم من غير تعليم الله له. 4. الماء الذي يدعون إنزاله بالاستمطار لو أنه ثبت يقيناً: فلا يمكن أن يكون إلا بإذن الله، ولو شاء الله أسقط طائراتهم، ولأرجع مدافعهم عليهم، ولأجرى السحاب حيث شاء سبحانه، أو لأمسك ما فيها أن ينزل، وإذا كان الغرب الكافر لا يعي هذا: فإنه لا يجوز أن يغيب هذا عن ذهن المسلم ولا للحظة واحدة. ويشبه هذا: إنبات الزرع – أو التلقيح الصناعي كما ذكره السائل -، فالله تعالى أخبر أنه هو الذي يُنبت الزرع، ويخرج الثمار، وما يفعله بعض المزارعين من وضع المواد الكيميائية، أو الطبيعية لسرعة الإنبات لا يعني مخالفة ما في القرآن، بل إن الله تعالى قد مكنهم من هذا، وعلمهم إياه، وقد يكون يه الضرر، كما في استعمال المواد الكيميائية، وقد يكون فيه النفع، كاستعمال المواد الطبيعية. 5. الماء الذي تكفَّل الله تعالى بإنزاله من السحاب هو " الغيث "، وكذا سماه تعالى في آية الغيبيات الخمسة (وَيُنزِّل الغَيْثَ) ، وهو الذي يغيث الله تعالى به البلاد والعباد، وتكون منه الجداول والواحات، وهو الذي يُنبت الله به الزرع، وتمسك الأرض ما يشاء الله منه في باطنها، وأما ما يزعمون أنه ينزل من السحاب بالاستمطار: فليس هو ماء الحياة، بل هو – كما سماه بعضهم – " ماء الوهم "، بل هو " ماء الضرر " كما سبق بيانه. 6. لا ينبغي للدول الإسلامية أن تتبع دعايات الشركات التجارية، والأبحاث المزورة، وليكن الأمر منهم على واقع مشاهد في بلاد تلك الشركات، والتي لو صدقت ادعاءات شركاتها لحولوا صحاريهم إلى جنان. 7. لا ينبغي للمسلم أن يغفل عن " صلاة الاستسقاء " فإنها هي " الاستمطار " الحقيقي، وقد ثبت في صحيح السنَّة أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى ربه وليس في السماء سحابة كبيرة ولا صغيرة، ثم جاء الله تعالى بالسحب المحملة بالغيث، فأغاث الله تعالى بها البلاد والعباد، وما يزعمه هؤلاء فإنهم يؤكدون أنهم لا يمكنهم " الاستمطار " إلا بوجود سحاب! فأي الأمرين أحق بأن يسمَّى استمطاراً؟ وأي الفريقين أصدق قيلاً؟ . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 119296 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 663 ذبائح البلاد التي اختلط فيها المسلمون والنصارى والوثنيون [السُّؤَالُ] ـ[نحن في بلاد اختلط فيها النصارى والوثنيون والمسلمون الجاهلون، فلا ندري أذكروا اسم الله على ذبائحهم أم لا. فما حكم الأكل من ذبائح هؤلاء جميعاً مع صعوبة التمييز بين ذبائحهم، بل في ذلك مشقة وحرج.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الأمر كما ذكر من اختلاط من يذبحون الذبائح من أهل الكتاب والوثنيين وجهلة المسلمين، ولم تتميّز ذبائحهم ولم يدر أذكر اسم الله عليها أم لا، حَرُمَ على من اختلط عليه حال الذابحين الأكل من ذبائحهم، لأن الأصل تحريم بهيمة الأنعام، وما في حكمها من الحيوانات إلا إذا ذكّيت الذكاة الشرعية، وفي هذه المسألة وقع شك في التذكية، هل هي شرعية أو لا؟ بسبب اختلاط الذابحين ومنهم من تحل ذبيحته ومن لا تحل ذبيحته، كالوثني والمبتدع من جهلة المسلمين بدعاً شركية. أما من تميّزت عنده ذبائحهم فليأكل منها ما ذبحه المسلم أو الكتابي الذي عرف أنه ذكر على ذبيحته اسم الله أو لم يدر عنه أذكر اسم الله أم لا. ولا يأكل من ذبيحة الوثني ولا المسلم المبتدع بدعاً شركية سواءً ذكروا اسم الله عليها أم لا. وينبغي للمسلم أن يحتاط لنفسه في جميع شؤون دينه، ويتحرى الحلال في طعامه وشرابه ولباسه وجميع شؤونه ففي مثل ما سئل عنه يجتهد أهل السنة أن يختاروا لأنفسهم من يذبح لهم الذبائح وتوزع عليهم بطريقة لا ريبة فيها، ولا حرج على الذابح والمستهلك. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة (22/450-451) . الحديث: 12569 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 664 حقيقة توحيد الحاكمية [السُّؤَالُ] ـ[ما رأيكم في إنكار توحيد الحاكمية، وهل إفراده بقسم مستقل خروج عن مذهب السلف، وفي أي أنواع التوحيد يدخل هذا القسم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله توحيد الحاكمية، لا يجوز إنكاره، فهو نوع من أنواع التوحيد، ولكنه داخل في توحيد العبادة بالنسبة للحاكم نفسه كشخص، أما بالنسبة له فهو يعني: التوحيد، فهو داخل في توحيد الربوبية، لأن الحاكم هو الله تعالى. فيجب أن يكون الرب المتصرف هو الذي له الحكم فهو يكون داخلاً في توحيد الربوبية من حيث الحكم والأمر والنهي والتصرف، أما من حيث التطبيق والعمل فالعبد مكلف باتباع حكم الله فهو من توحيد العبادة من هذه الجهة. وجعله قسماً رابعاً ليس له وجه، لأنه داخل في الأقسام الثلاثة، والتقسيم بلا مقتضى يكون زيادة كلام لا داعي له، والأمر سهل فيه على كل حال، إذا جعل قسماً مستقلاً فهو مرادف، ولا محذور فيه. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد الله الغنيمان. الحديث: 11745 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 665 العالم حادث بعد العدم [السُّؤَالُ] ـ[هل هذا القول صحيح؟ وهل فيه محاذير عقدية؟ مع العلم أن هذين البيتين من متن زبد ابن رسلان فاقطع يقيناً بالفؤاد واجزمِ بحدث العالم بعد العدمِ أحدثه لا لاحتياجه الإلهُ ولو أراد تركه لما ابتداهُ أفتونا مأجورين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله البيتان معناهما صحيح، ولا محذور فيهما، وقد تضمنا ثلاثة أمور: الأول: أن العالم حادث مخلوق بعد العدم، وهذا حق لا ريب فيه، فكل ما سوى الله مخلوق، كائن بعد أن لم يكن، كما قال سبحانه: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) الزمر/62 قال شيخ الإسلام رحمه الله: " وأما كون المخلوق لا وجود له إلا من الخالق سبحانه فهذا حق، ثم جميع الكائنات هو خالقها وربها ومليكها، لا يكون شيء إلا بقدرته ومشيئته وخلقه، هو خالق كل شيء سبحانه وتعالى " مجموع الفتاوى (2/27) . وقال أيضا: " فصار ما علمته العقلاء من أصناف الأمم من الفلاسفة وغيرهم، بصريح المعقول، هو عاضد وناصر لما جاء به الرسول، على من ابتدع في ملته ما يخالف أقواله، وكان ما علم بالشرع مع صريح العقل أيضا رادا لما يقوله الفلاسفة الدهرية من قدم شيء من العالم مع الله؛ بل القول بقدم العالم قول اتفق جماهير العقلاء على بطلانه، فليس أهل الملة وحدهم تبطله، بل أهل الملل كلهم، وجمهور من سواهم من المجوس وأصناف المشركين: مشركي العرب ومشركي الهند وغيرهم من الأمم، وجماهير أساطين الفلاسفة، كلهم معترفون بأن هذا العالم محدث كائن بعد أن لم يكن، بل وعامتهم معترفون بأن الله خالق كل شيء، والعرب المشركون كلهم كانوا يعترفون بأن الله خالق كل شيء، وأن هذا العالم كله مخلوق، والله خالفه وربه " مجموع الفتاوى (5/565) . الثاني: أن الله تعالى خلق العالم غير محتاج له، وهذا حق لا ريب فيه أيضا، فإنه سبحانه هو الغني، وما سواه فقير محتاج إليه. كما قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) فاطر/15 قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله في تفسيره (687) : " يخاطب تعالى جميع الناس، ويخبرهم بحالهم ووصفهم، وأنهم فقراء إلى الله من جميع الوجوه: فقراء في إيجادهم، فلولا إيجاده إياهم، لم يوجدوا. فقراء في إعدادهم بالقوى والأعضاء والجوارح، التي لولا إعداده إياهم بها، لما استعدوا لأي عمل كان. فقراء في إمدادهم بالأقوات والأرزاق والنعم الظاهرة والباطنة، فلولا فضله وإحسانه وتيسيره الأمور، لما حصل لهم من الرزق والنعم شيء. فقراء في صرف النقم عنهم، ودفع المكاره، وإزالة الكروب والشدائد، فلولا دفعه عنهم، وتفريجه لكرباتهم، وإزالته لعسرهم، لاستمرت عليهم المكاره والشدائد. فقراء إليه في تربيتهم بأنواع التربية، وأجناس التدبير. فقراء إليه، في تألههم له، وحبهم له، وتعبدهم، وإخلاص العبادة له تعالى، فلو لم يوفقهم لذلك، لهلكوا، وفسدت أرواحهم، وقلوبهم وأحوالهم. فقراء إليه، في تعليمهم ما لا يعلمون، وعملهم بما يصلحهم، فلولا تعليمه، لم يتعلموا، ولولا توفيقه، لم يصلحوا. فهم فقراء بالذات إليه، بكل معنى، وبكل اعتبار، سواء شعروا ببعض أنواع الفقر أم لم يشعروا، ولكن الموفق منهم، الذي لا يزال يشاهد فقره في كل حال من أمور دينه ودنياه، ويتضرع له، ويسأله أن لا يكله إلى نفسه طرفة عين، وأن يعينه على جميع أموره، ويستصحب هذا المعنى في كل وقت، فهذا أحرى بالإعانة التامة من ربه وإلهه، الذي هو أرحم به من الوالدة بولدها. {وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} أي: الذي له الغنى التام من جميع الوجوه، فلا يحتاج إلى ما يحتاج إليه خلقه، ولا يفتقر إلى شيء مما يفتقر إليه الخلق، وذلك لكمال صفاته، وكونها كلها، صفات كمال، ونعوت وجلال. ومن غناه تعالى، أن أغنى الخلق في الدنيا والآخرة، الحميد في ذاته، وأسمائه، لأنها حسنى، وأوصافه، لكونها عليا، وأفعاله لأنها فضل وإحسان وعدل وحكمة ورحمة، وفي أوامره ونواهيه، فهو الحميد على ما فيه، وعلى ما منه، وهو الحميد في غناه، الغني في حمده " اهـ قال الطحاوي رحمه الله في عقيدته المشهورة: " ذلك بأنه على كل شيء قدير، وكل شيء إليه فقير، وكل أمر عليه يسير، لا يحتاج إلى شيء، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير " انتهى. الثالث: ما أفاده قوله: " ولو أراد تركه لما ابتداه " وهو أن الله تعالى فاعل بالاختيار، لا موجب بالذات كما تقول الفلاسفة، فلو شاء لم يخلق العالم، ولكنه خلقه بمشيئته واختياره، وهذا حق دلت عليه النصوص، كقوله تعالى: (فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ) البروج/16، وقوله: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ) القصص/68 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 88033 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 666 هل هنالك خالق لهذا الكون [السُّؤَالُ] ـ[هل تظن أن الكون قد خلقه ونظمه خالق عظيم وذكي وقوي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نشكرك على السؤال، نريد أن نجيبك بمجموعة من الآيات في كتاب الله من كلام الله ثم أنت فكّر في الأمر بينك وبين نفسك فإذا تبين لك الحقّ فلا مناص من اتّباعه. قال الله تعالى: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ (36) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ (37) سورة الطور (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164) سورة البقرة (وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99) سورة الأنعام (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57) سورة الأعراف (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ (30) سورة الأنبياء (أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) سورة النمل (خَلَقَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10) سورة لقمان (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطَِةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ (20) سورة لقمان (وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) سورة فاطر (أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلا (45) ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا (46) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا (47) وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا (49) سورة الفرقان (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا (53) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا (54) سورة الفرقان (وَءايَةٌ لَهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (34) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ (35) سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ (36) وَءايَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40) وَءايَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41) وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (42) وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ (43) إِلا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (44) سورة يس (نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ (57) أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58) ءأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (59) نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ (61) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأُولَى فلَوْلا تَذَكَّرُونَ (62) أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) ءأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (67) أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَالَّذِي تَشْرَبُونَ (68) ءأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلا تَشْكُرُونَ (70) أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71) ءأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ (72) نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ (73) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74) فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْءانٌ كَرِيمٌ (77) سورة الواقعة (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18) يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (19) وَمِنْ ءايَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20) وَمِنْ ءايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) وَمِنْ ءايَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22) وَمِنْ ءايَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (23) وَمِنْ ءايَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24) وَمِنْ ءايَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تخْرُجُونَ (25) وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (26) وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) سورة الروم (أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَئِلَهٌ مََ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (61) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (64) قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65) سورة النمل هذه طائفة من الآيات البينات فيها جواب على سؤالك ونحن ندعوك إلى الانضمام إلى ركب المؤمنين والدخول في دين الإسلام الذي ارتضاه الله دينا للعالمين، والسلام على من اتبع الهدى. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 4548 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 667 لله الخلق والأمر [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى قوله تعالى: (ألا له الخلق والأمر) ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن الله سبحانه وتعالى خلق كل شيء ومن ذلك خلق السماوات والأرض وما فيهما وما عليهما وما بينهما من السماوات الطباق والأرضين المهاد والكواكب النيرة والنجوم المضيئة والجبال الراسية والمعادن المتنوعة والأشجار المختلفة والمياه النافعة والحيوانات المختلفة والرياح المتجددة والملائكة العظام والإنس والجان والطير والحيوان والجماد والنبات: (هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه) لقمان/11. إن هذه المخلوقات العظيمة تدل على عظمة الخالق وكثرتها تدل على قدرة الخالق وألوانها وأجناسها تدل على خبرة الخالق واختلاف وظائفها ومنافعها يدل على حكمة الخالق وحفظها وتدبيرها يدل على حياة الخالق وعلمه وقدرته وقوته وذلك هو: (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) البقرة/255. إنه ربنا الذي علم كل شيء وملك كل شيء وخلق كل شيء: (إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيامٍ ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثًا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين) الأعراف/54. سبحانه له الأسماء الحسنى والصفات العلى ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء: (إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون) يس/82. ربنا على كل شيء قدير يخلق ما يشاء كيف يشاء: (والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع يخلق الله ما يشاء إن الله على كل شيء قدير) النور/45. ربنا قوي عزيز: (خلق السماوات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وبث فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم) لقمان/10. ربنا بكل شيء عليم: (ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم) المجادلة/7. ربنا الذي خلقنا وخلق أرزاقنا: (يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون) فاطر/3. ربنا لطيف خبير: (يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير) لقمان/16. ربنا عليم قدير: (لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً إنه عليم قدير) الشورى/49 - 50. ربنا جواد كريم: (الله الذي جعل لكم الأرض قراراً والسماء بناءً وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين) غافر/64. ربنا حكيم عليم: (وهو الذي جعل لكم الليل لباساً والنوم سباتاً وجعل النهار نشوراً وهو الذي أرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماءً طهوراً، لنحيي به بلدة ميتاً ونسقيه مما خلقنا أنعاماً وأناسي كثيراً) الفرقان/47-49. ربنا الذي خلق البشرية كلها من نفس واحدة: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء) النساء/1. ربنا قوي قدير: (إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليماً غفوراً) فاطر/41. ربنا خلق كل شيء: (الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل) الزمر/62. ربنا محيط بكل شيء: (وكان الله بكل شيء محيطاً) النساء/126. الأمر كله لله: (لله الأمر من قبل ومن بعد) الروم/4. وتدبير الأمور بيد الله: (ولله غيب السماوات والأرض وإليه يرجع الأمر كله) هود/123. أمرنا الله ألا نعبد إلا إياه , ولا نحتكم لأحد سواه: (إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه) يوسف/40. أمرنا الله بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله: (وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون) آل عمران/123. أمرنا الله بالأخلاق الحسنة ونهانا عن الأخلاق السيئة بقوله: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون) النحل/90. أمرنا الله بالتعاون على الخير وحذرنا من كل شر بقوله: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) المائدة/2. الخلق والأمر والملك لله وحده: (لله ملك السماوات والأرض وما فيهن وهو على كل شيء قدير) المائدة/120. والقلوب مفطورة على الإقرار بأن الملك والخلق لله وحده دون سواه: (قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون، سيقولون لله قل أفلا تذكرون، قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم، سيقولون لله قل أفلا تتقون، قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون، سيقولون لله قل فأنى تسحرون، بل أتيناهم بالحق وإنهم لكاذبون) المؤمنون/84-90. أيها الناس ألا تجيبون؟ : (قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به) الأنعام/46. أفلا تعقلون؟ : (قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمداً إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون، قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمداً إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون) القصص/71-72. أفلا تفكرون؟ : (أفرأيتم ما تمنون، أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون) الواقعة/58-59. أفلا تبصرون؟ : (أفرأيتم ما تحرثون، أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون) الواقعة/63-64. أفلا تنظرون؟ : (أفرأيتم الماء الذي تشربون، أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون، أفرأيتم النار التي تورون، أأنتم أنشئتم شجرتها أم نحن المنشئون، نحن جعلناها تذكرة ومتاعاً للمقوين، فسبح باسم ربك العظيم) الواقعة/68-74. أفلا تعقلون؟ من سخر الليل والنهار والشمس والقمر والكواكب والنجوم إنه الله وحده كما قال سبحانه: (وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون) النحل/12. وإذا كان الله هو الذي يخلق وهو الذي يرزق وهو الذي يدبر الأمر وهو الذي يعلم كل شيء فهو الذي يستحق العبادة دون سواه لأنه حي قيوم خالق رازق عالم قادر وغيره عاجز ضعيف لا يخلق ولا يرزق ولا يملك نفعاً ولا ضراً: (والله يعلم ما تسرون وما تعلنون، والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئاً وهم يُخلقون أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون، إلهكم إله واحد فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون) النحل/19-22. [الْمَصْدَرُ] من كتاب أصول الدين الإسلامي للشيخ محمد بن ابراهيم التويجري. الحديث: 13379 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 668 وحدانية الله [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكن أن تعطي المشركين دليلاً على وحدانية الله تعالى؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن الكون كله خلقاً وتدبيراً يشهد ب وحدانية الله. . (ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين) الأعراف / 54. خلق السماوات والأرض.. واختلاف الليل والنهار.. وأصناف الجماد والنبات والثمار.. وخلق الإنسان والحيوان.. كل ذلك يدل على أن الخالق العظيم واحد لا شريك له.. (ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو فأنى تؤفكون) غافر/62. وتنوع هذه المخلوقات وعظمتها.. وإحكامها وإتقانها.. وحفظها وتدبيرها كل ذلك يدل على أن الخالق واحد يفعل ما يشاء.. ويحكم ما يريد.. (الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل) الزمر/62. وكل ما سبق يدل على أن لهذا الخلق خالقاً.. ولهذا الملك مالكاً.. ووراء الصورة مصور.. (هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى) الحشر/24. وصلاح السماوات والأرض.. وانتظام الكون.. وانسجام المخلوقات مع بعضها.. يدل على أن الخالق واحد لا شريك له.. (لو كان فيهما آلهة إلاّ الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون) الأنبياء/22. وهذه المخلوقات العظيمة إما أنها خلقت نفسها وهذا محال.. أو أن الإنسان خلق نفسه ثم خلقها وهذا محال أيضاً.. (أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون) الطور/35 - 36. وقد دل العقل والوحي والفطرة على أن لهذا الوجود موجداً.. ولهذه المخلوقات خالقاً.. حي قيوم.. عليم خبير.. قوي عزيز.. رؤوف رحيم.. له الأسماء الحسنى والصفات العلى.. عليم بكل شيء.. لا يعجزه ولا يشبهه شيء.. (وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم) البقرة/ 163. ووجود الله معلوم بالضرورة وبداهة العقول.. (قالت رسلهم أفي لله شك فاطر السماوات والأرض) إبراهيم/10. وقد فطر الله الناس على الإقرار بربوبيته ووحدانيته ولكن الشياطين جاءت إلى بني آدم.. وصرفتهم عن دينهم.. وفي الحديث القدسي (إني خلقت عبادي حنفاء كلهم وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم) رواه مسلم برقم 2865. فمنهم من أنكر وجود الله.. ومنهم من يعبد الشيطان.. ومنهم من يعبد الإنسان. ومنهم من يعبد الدينار أو النار أو الفرج أو الحيوان. ومنهم من أشرك به حجراً من الأرض.. أو كوكباً في السماء. وهذه المعبودات من دون الله.. لم تخلق ولم ترزق.. ولا تسمع ولا تبصر ولا تنفع ولا تضر.. فكيف يعبدونها من دون الله.. (أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار) يوسف/ 39. وقد نعى الله على من عبد تلك الأصنام التي لا تسمع ولا تبصر ولا تعقل بقوله (إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين - ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها) الأعراف/ 194 - 195. وقوله (قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضراً ولا نفعاً والله هو السميع العليم) المائدة/76. ألا ما أجهل الإنسان بربه الذي خلقه ورزقه.. كيف يجحده وينساه ويعبد غيره.. (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) الحج/ 46. فسبحان الله وتعالى عما يشركون.. والحمد لله رب العالمين.. (قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى آلله خير أما يشركون - أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أءله مع الله بل هم قوم يعدلون - أمن جعل الأرض قرراً وجعل خلالها أنهاراً وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزاً أءله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون - أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أءله مع الله قليلاً ما تذكرون- أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته أءله مع الله تعالى الله عما يشركون - أمن يبدؤ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أءله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) النمل / 59 - 64. [الْمَصْدَرُ] من كتاب أصول الدين الإسلامي: تأليف الشيخ محمد بن ابراهيم التويجري. الحديث: 13532 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 669 حقيقة توحيد الربوبية والمخالفين فيه [السُّؤَالُ] ـ[ما هي حقيقة توحيد الربوبية؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله توحيد الربوبية: هو إفراد الله تعالى بأفعاله كالخلق والملك والتدبير والرزق والإحياء والإماتة وإنزال المطر ونحو ذلك فلا يتم توحيد العبد حتى يقر بأن الله تعالى رب كل شيء ومالكه وخالقه ورازقه، وأنه المحيي المميت النافع الضار المنفرد بإجابة الدعاء، الذي له الأمر كله، وبيده الخير كله، القادر على ما يشاء، ويدخل في ذلك الإيمان بالقدر خيره وشره. وهذا القسم من التوحيد لم يعارض فيه المشركون الذين بعث فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم، بل كانوا مقرين به إجمالاً؛ كما قال تعالى: (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم) الزخرف/9، فهم يقرون بأن الله هو الذي يدبر الأمر، وهو الذي بيده ملكوت السماوات والأرض، فعلم بهذا أن الإقرار بربوبية الله تعالى لا يكفي العبد في تحقق إسلامه بل لابد معه من الإتيان بلازمه ومقتضاه وهو توحيد الألوهية وإفراد الله تعالى بالعبادة. وهذا التوحيد ـ أعني توحيد الربوبية ـ لم ينكره أحد معلوم من بني آدم؛ فلم يقل أحد من المخلوقين: إن للعالم خالقين متساويين. فلم يجحد أحد توحيد الربوبية؛ إلا ما حصل من فرعون؛ فإنه أنكره مكابرة منه وعنادا ً؛ بل زعم لعنه الله أن الرب، قال تعالى حكاية عنه: (فقال أنا ربكم الأعلى) النازعات/24، (ما علمت لكم من إله غيري) القصص/38. وهذه مكابرة منه لأنه يعلم أن الرب غيره؛ كما قال تعالى: (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً) النمل/14، وقال تعالى حكاية عن موسى وهو يناظره: (لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض) الإسراء/102؛ فهو في نفسه مقر بأن الرب هو الله -عز وجل-. كما أنكر توحيد الربوبية على سبيل التشريك المجوس، حيث قالوا: إن للعالم خالقين هما الظلمة والنور، ومع ذلك لم يجعلوا هذين الخالقين متساويين، فهم يقولون: إن النور خير من الظلمة؛ لأنه يخلق الخير، والظلمة تخلق الشر، والذي يخلق الخير خير من الذي يخلق الشر. وأيضاً فإن الظلمة عدم لا يضيء، والنور وجود يضيء؛ فهو أكمل في ذاته. وبعد.. فليس معنى إقرار المشركين بتوحيد الربوبية أنهم أتوا به على الوجه الأكمل؛ بل إنما كانوا يقرون به إجمالا كما حكى الله عنهم في الآيات السابقة؛ لكنهم كانوا يقعون في أشياء تخل به وتقدح فيه؛ ومن ذلك نسبتهم المطر إلى النجوم، واعتقادهم في الكهنة والسحرة بأنهم يعلمون الغيب إلى غير ذلك من صور الشرك في الربوبية؛ لكنها تبقى قليلة محصورة إذا ما قورنت بصور شركهم في الإلهية والعبادة. نسأل الله أن يثبتنا على دينه حتى نلقاه، والله أعلم. انظر (تيسير العزيز الحميد /33، والقول المفيد 1/ 14) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49025 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 670 هل يستطيع أحد أن يحيي الموتى؟! [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكن أحداً أن يحيي ميِّتا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله مِن أصول الاعتقاد الصحيح: الإيمان بأن الله تعالى هو وحده الذي يحيي ويميت , ومن ادَّعى أن غير الله تعالى قادر على الإحياء والإماتة فقد كفر، بل إن المشركين في جاهليتهم لم يعتقدوا ذلك في أصنامهم وآلهتهم. قال الله تعالى: (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) البقرة/28. وقال تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) الحج/6. وقال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الإِنْسَانَ لَكَفُورٌ) الحج/66. وقد بيَّن الله تعالى عجز الآلهة المزعومة عن الخلق والرزق والإحياء والإماتة. قال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) الروم/40. قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: " فقوله تعالى? في هذه الآية الكريمة: (هَلْ مِن شُرَكَائِكُمْ مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُمْ مّن شَىْء سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى? عَمَّا يُشْرِكُونَ) يدلّ دلالة واضحة على أن شركاءهم ليس واحد منهم يقدر أن يفعل شيئًا من ذلك المذكور في الآية، ومنه الحياة المعبّر عنها بـ: (خَلَقَكُمْ) ، والموت المعبّر عنه بقوله: (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) ، والنشور المعبّر بقوله: (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) ، وبيَّن أنهم لا يملكون نشوراً بقوله: (أَمِ ?تَّخَذُواْ آلِهَةً مّنَ ?لاْرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ) ، وبيّن أنهم لا يملكون حياة ولا نشوراً في قوله تعالى: (قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُمْ مَّن يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُل ?للَّهُ يَبْدَأُ ?لْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) ، وبيَّن أنه وحده الذي بيده الموت والحياة في آيات كثيرة؛ كقوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَاباً مُّؤَجَّلا ً) ، وقوله تعالى: (وَلَن يُؤَخّرَ ?للَّهُ نَفْساً إِذَا جَاء أَجَلُهَا) ، وقوله تعالى: (إِنَّ أَجَلَ ?للَّهِ إِذَا جَاء لاَ يُؤَخَّر) ، وقوله تعالى: (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِ?للَّهِ وَكُنتُمْ أَمْو?تًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) ، وقوله تعالى: (قَالُواْ رَبَّنَا أَمَتَّنَا ?ثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا ?ثْنَتَيْنِ) ، إلى غير ذلك من الآيات. وهذا الذي ذكرنا من بيان هذه الآيات بعضها لبعض معلوم بالضرورة من الدّين " انتهى. " أضواء البيان " (6 / 271) . وقد كان من آيات عيسى ابن مريم عليه السلام البينات أنه يحيي الموتى بإذن الله، ولم يكن عيسى عليه السلام قادراً على ذلك إلا أن يشاء ربه تبارك وتعالى. قال تعالى: (وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ) آل عمران/49. وقال تعالى: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي) المائدة/110. وأما ما وقع من المجادل لإبراهيم عليه السلام بأنه قادر على الإحياء والإماتة فهذا من أسخف الادعاءات , وأبطلها , ولهذا لما ناظره إبراهيم عليه السلام انقطع ذلك الكافر , وثبت بطلان دعواه. قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) البقرة/258. فلا يستطيع أحدٌ من البشر أن يدَّعي أنه قادر على إحياء الموتى، ومن ادعى ذلك فها هم الموتى من الرسل والأنبياء والعظماء فليحيهم إن كان صادقاً في دعواه! والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 75341 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 671 نسبة الملك والتدبير للمخلوقين [السُّؤَالُ] ـ[هل يصح أن ينسب الملك والتدبير للمخلوق وهو من أفعال الربوبية التي يجب توحيد الله تعالى بها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب على العبد أن يعتقد انفراد الله تعالى بالملك؛ وأنه لا يملك الخلق إلا خالقهم؛ كما قال تعالى: (ولله ملك السماوات والأرض) آل عمران/19، وقال تعالى: (قل من بيده ملكوت كل شيء) المؤمنون/88. وأما ما ورد من إثبات الملكية لغير الله؛ كقوله تعالى: (إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين) المؤمنون/6، وقال تعالى: (أو ما ملكتم مفتاحه) النور/61، فهذه الملكية تختلف عن ملك الله تعالى بعدة فروق منها: 1- أن ملك المخلوق ملكٌ محدود لا يشمل إلا شيئاً يسيراً من هذه المخلوقات؛ فالإنسان يملك ما تحت يده، ولا يملك ما تحت يد غيره. 2- وكذا هو ملك قاصر من حيث الوصف؛ فالإنسان لا يملك ما عنده تمام الملك، ولهذا لا يتصرف فيه إلا على حسب ما أذن له فيه شرعاً، فمثلاً: لو أراد أن يحرق ماله، أو يعذب حيوانه؛ قلنا: لا يجوز، أما الله - سبحانه ـ، فهو يملك ذلك كله ملكاً عاماً شاملاً. وأما إفراد الله بالتدبير: فهو أن يعتقد الإنسان أنه لا مدبر إلا الله وحده؛ كما قال تعالى: (قل من يرزقكم من السماء والأرض أم من يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون. فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون) يونس/31. وأما تدبير الإنسان فمحصور بما تحت يده، ومحصور بما أذن له فيه شرعاً. وعلى هذا، لا بأس أن ينسب الملك والتدبير للإنسان، وهذا الملك والتدبير قاصر، وليس هو الملك والتدبير العام الشامل لكل شيء الذي لا يملكه إلا الله تعالى. والله أعلم. انظر (القول المفيد 1 / 13) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 48980 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 672 إدعاء الربوبية [السُّؤَالُ] ـ[توجد طائفتان إسلاميتان زائفتان في الأمة الإسلامية (طائفة "الإجة محمد") التي تعتقد بالتشبيه. وقد بلغ ببعض أتباع هذه الطائفة أن أطلقوا على أنفسهم "الله". وهم أيضا يحاولون استخدام الترجمة القاديانية للقرآن محاولين بذلك إثبات صحة اعتقاداتهم. فكيف أدحض اعتقادات مدعي الربوبية (الرجل-الرب) باستخدام الكتاب والسنة؟ ليس فقط بالنسبة "لأمة الكفر"، بل أيضا للنصارى.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لابد أن نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن هذه الأمة ستفترق. عن أبي هريرة – رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " تفرقت اليهود على إحدى وسبعين أو اثنتين وسبعين فرقة والنصارى مثل ذلك وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين"، وفي رواية ابن ماجه (3993) من حديث أنس: " كلها في النار إلا واحدة ". رواه الترمذي (2640) . قال أبو عيسى الترمذي: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح. وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (3227) فإذا علم هذا فإن الفرقة الناجية والطائفة المنصورة واحدة وهي المتمسكة بالكتاب والسنة ظاهراً وباطناً. ثانيا: مدعي الربوبية هو أكفر من مشركي العرب قبل الإسلام الذين أرسل إليهم النبي صلى الله عليه وسلم، فالمشركون في الجاهلية كانوا يعتقدون أن الله هو الخالق الرازق المحي المميت والدليل على ذلك قوله تعالى {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله} لقمان / 25. ومع ذلك لم يرفع الله عنهم الشرك والكفر لأنهم كفروا بتوحيد العبودية وهو إفراد الله بالعبادة؛ فكانوا يسجدون لغير الله ويذبحون لغير الله، فكانوا يشركون في عبادتهم لله الأصنام والأوثان ويظنون أنها تنفع أو تضر من دون الله ولذلك قال الله تبارك وتعالى على لسانهم: {أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب} ص / 5. وقال أيضا: {والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} الزمر / 3. وهذا يدل على أن مشركي العرب أقل كفراً ممن ذكرهم السائل لأن مشركي العرب كانوا يقرون بتوحيد الربوبية وهؤلاء يكفرون به. ثالثا: إن الله سبحانه وتعالى قد دحض في القرآن شبهات مدعي الربوبية، فقال الله تبارك وتعالى: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} الأنبياء / 21، وقال الله تبارك وتعالى: {ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون} المؤمنون / 91. وفي قصة محاجة إبراهيم عليه السلام لمدَّعى الربوبية خير وسيلة للمحاجة قال الله تبارك وتعالى: {ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحي ويميت قال أنا أحي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين} البقرة / 258. فخذ بمثل هذا الأسلوب فقل لمدعي الربوبية إن كان ما تقولون حقا فليأتوا بالشمس من المغرب أو فليحيوا الأموات أو فلينزلوا المطر من السماء أو فليخرجوا الزرع من الأرض. رابعاً: قد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الدجال الذي سيخرج في آخر الزمان سيدَّعي الربوبية وقد دلنا النبي صلى الله عليه وسلم على علامة نستدل بها على بطلان دعواه أنه الرب، وهي أن الدجال أعور العين اليمنى. فعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فأثنى على الله بما هو أهله ثم ذكر الدجال فقال: (إني لأنذركموه وما من نبي إلا أنذره قومه لقد أنذر نوح قومه ولكني أقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه تعلمون أنه أعور وأن الله ليس بأعور) . رواه البخاري (2892) ، ومسلم (169) . وهذه علامة ظاهرة لكل من يراها، فلو كان هذا الدجال هو الرب الذي أبدع هذا الكون بهذا الجمال لاستطاع أن يرفع القبح عن نفسه وأن يرفع العور عن نفسه. فالله سبحانه وتعالى الذي أبدع هذا الكون وهذا الإنسان بهذا التناسق العجيب، والإحكام البديع، لابد أن يكون له الكمال المطلق الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه. وهؤلاء الذين يدعون الربوبية علامات النقص ظاهرة عليهم، من النوم، والمرض، والتألم، والتأذي من الحر والبرد، والحاجة إلى الطعام والشراب، بل يحمل أحدهم النجاسة بين جنبيه، ويحتاج أن يدخل إلى الخلاء في اليوم مرة أو مرتين!! فهل هؤلاء يصلحون أن يكونوا أرباباً؟! سبحانك هذا بهتان عظيم. وليس العجب أن يدعي هذه الدعوى، ولكن العجب كل العجب أن يجد هؤلاء لهم أتباعاً يوافقوانهم على ما يقولون. خامسا: لابد أن يعلم المسلم أن مثل هذه الفرق كالطائفة التي ذكرها والقاديانية والبهائية وغيرها من الفرق الضالة ما أوجدت إلا لمحاربة الإسلام وإبعاد أهله عنه وبيان ضلالها وزيفها لا يحتاج إلى جهد كبير لإبطاله وبيان زيفه، وعلى المسلم أن يَحْذَر ويُحذِّر المسلمين من هذه الفرق الضالة. سادسا: وأما بالنسبة لدحض دين النصارى فلا يحتاج إلى كبير جهد ويكفي في الرد عليهم هذا الكلام لابن القيم -رحمه الله تعالى- إذ قال: أعبَّاد المسيح نا سؤال نريد جوابه ممن وعاه؟ إذا مات الإله بصنع قوم أماتوه فما هذا الإله وهل أرضاه ما نالوه منه فبشراهم إذاً نالوا رضاه وإن سخط الذي فعلوه فيه فقوتهم إذاً أوهت قواه وهل بقي الوجود بلا إله سميع يستجيب لمن دعاه وهل خلت الطباق السبع لما ثوى تحت التراب وقد علاه وهل خلت العوالم من إله يدبرها وقد سمّرت يداه وكيف تخلت الأملاك عنه بنصرهم وقد سمعوا بكاه وكيف أطاقت الخشبات حمل الإله الحق شد على قفاه وكيف دنا الحديد إليه حتى يخالطه ويلحقه أذاه وكيف تمكنت أيدي عِدَاه وطالت حيث قد صفعوا قفاه وهل عاد المسيح إلى حياةٍ أم المُحيي له رب سواه ويا عجبا لقبر ضم رباً وأعجب منه بطن قد حواه أقام هناك تسعاً من شهور لدى الظلمات من حيض غذاه وشق الفرج مولوداً صغيرًا ضعيفا فاتحاً للثدى فاه ويأكل ثم يشرب ثم يأتي بلازم ذاك هل هذا إله تعالى الله عن إفك النصارى سيسأل كلهم عما افتراه أعباد الصليب لأي معنى يعظم أو يقبح من رماه وهل تقضى العقول بغير كسر وإحراق له ولمن بغاه إذا ركب الإله عليه كرهاً وقد شدّت لتسمير يداه فذاك المركب الملعون حقاً فدسه لا تبسه إذ تراه يهان عليه رب الخلق طراً وتعبده فإنك من عداه فإن عظمته من أجل أن قد حوى رب العباد وقد علاه وقد فقد الصليب فإن رأينا له شكلا تذكرنا سناه فهلا للقبور سجدت طرًا لضم القبر ربك في حشاه فيا عبد المسيح أفق فهذا بدايته وهذا منتهاه " إغاثة اللهفان " (2 / 291) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 10032 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 673 لماذا خلق الله السموات والأرض في ستة أيام مع قدرته على خلقها في أقل من هذه المدة؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا أراد الله أمراً فإنه يقول له كن فيكون، فلماذا استغرق 6 أيام حتى يخلق السماوات والأرض؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من المقرر عند أهل الإيمان الراسخ والتوحيد الكامل أن المولى جل وعلا قادر على كل شيء، وقدرته سبحانه ليس لها حدود، فله سبحانه مطلق القدرة وكمال الإرادة، ومنتهى الأمر والقضاء، وإذا أراد شيئاً كان كما أراد وفي الوقت الذي يريد، وبالكيفية التي أرادها سبحانه وتعالى. وقد تواترت النصوص القطعية من كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم على تقرير هذا الأمر وبيانه بياناً واضحاً لا لبس فيه ولا غموض، ونكتفي هنا بذكر بعض الآيات الدالة على ذلك، فمن ذلك قوله تعالى: (بديع السموات والأرض وإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون) البقرة / 117. قال الحافظ ابن كثير في تفسير هذه الآية الكريمة (1/175) : (يبين بذلك تعالى كمال قدرته، وعظيم سلطانه، وأنه إذا قدر أمراً وأراد كونه فإنما يقول له كن _ أي: مرة واحدة _ فيكون، أي فيوجد على وفق ما أراد كما قال تعالى: (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) يس / 82) أ. هـ. وقال تعالى: ( ... قال كذلك الله يخلق ما يشاء، إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون) آل عمران / 247. وقال تعالى: (هو الذي يحي ويميت فإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون) غافر / 68. وقال تعالى: (وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر) القمر/50. قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله تعالى - في تفسيره هذه الآية (4/261) : (وهذا إخبار عن نفوذ مشيئته في خلقه، كما أخبر بنفوذ قدره فيهم فقال: (وما أمرنا إلا واحدة) أي إنما نأمر بالشيء مرة واحدة لا نحتاج إلى توكيد بثانية، فيكون ذلك الذي نأمر به حاصلاً موجوداً كلمح البصر، لا يتأخر طرفة عين، وما أحسن ما قال بعض الشعراء: إذا ما أراد الله أمراً فإنما يقول له كن قولة فيكون) أ. هـ. وهناك آيات أخرى تقرر هذا الأمر وتوضحه. فإذا تقرر ذلك فلماذا خلق الله جل جلاله السموات والأرض في ستة أيام؟ . أولاً: قد ورد في أكثر من آية في كتاب ربنا أن الله جل وعلا خلق السموات والأرض في ستة أيام فمن ذلك قوله تعالى: (إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش ... ) الأعراف / 54. ثانياً: ما من أمر يفعله الله إلا وله فيه حكمة بالغة وهذا من معاني اسم الله تعالى " الحكيم "، وهذه الحكمة قد يطلعنا الله تعالى عليها وقد لا يطلعنا، وقد يعلمها ويستنبطها الراسخون في العلم دون غيرهم. غير أن جهلنا بهذه الحكمة لا يحملنا على نفيها أو الاعتراض على أحكام الله ومحاولة التكلف والتساؤل عن هذه الحكمة التي أخفاها الله عنا، قال الله تعالى: (لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون) الأنبياء / 23. وقد حاول بعض العلماء استباط الحكمة من خلق السموات والأرض في ستة أيام: 1- قال الإمام القرطبي - رحمه الله - في تفسيره " الجامع لأحكام القرآن " لآية الأعراف (54) (4/7/140) : ( ... وذكر هذه المدة - أي ستة أيام - ولو أراد خلقها في لحظة لفعل؛ إذ هو القادر على أن يقول لها كوني فتكون، ولكنه أراد: - أن يعلم العباد الرفق والتثبت في الأمور. - ولتظهر قدرته للملائكة شيئاً بعد شيء .... - وحكمة أخرى: خلقها في ستة أيام؛ لأن لكل شيء عنده أجلا، وبيّن بهذا ترك معالجة العصاة بالعقاب؛ لأن لكل شيء عنده أجلاً ... ) ا. هـ. 2- وقال ابن الجوزي في تفسيره المسمى بـ " زاد المسير " (3/162) في تفسير آية الأعراف: ( ... فإن قيل: فهلا خلقها في لحظة، فإنه قادر؟ فعنه خمسة أجوبة: أحدها: أنه أراد أن يوقع في كل يوم أمراً تستعظمه الملائكة ومن يشاهده، ذكره ابن الأنباري. والثاني: أنه التثبت في تمهيد ما خُلق لآدم وذريته قبل وجوده، أبلغ في تعظيمه عند الملائكة. والثالث: أن التعجيل أبلغ في القدرة، والتثبيت أبلغ في الحكمة، فأراد إظهار حكمته في ذلك، كما يظهر قدرته في قوله (كن فيكون) . والرابع: أنه علّم عباده التثبت، فإذا تثبت مَنْ لا يَزِلُّ، كان ذو الزلل أولى بالتثبت. والخامس: أن ذلك الإمهال في خلق شيء بعد شيء، أبعد من أن يظن أن ذلك وقع بالطبع أو بالاتفاق.) ا. هـ. 3- وقال القاضي أبو السعود في تفسيره عند آية الأعراف: (3/232) : ( ... وفي خلق الأشياء مدرجاً مع القدرة على إبداعها دفعة دليل على الاختيار، واعتبار للنظار، وحث على التأني في الأمور) ا. هـ. وقال عن تفسير الآية (59) من سورة الفرقان (6/226) : ( ... فإن من أنشأ هذه الأجرام العظام على هذا النمط الفائق والنسق الرائق بتدبير متين وترتيب رصين، في أوقات معينة، مع كمال قدرته على إبداعها دفعة لحكم جليلة، وغايات جميلة، لا تقف على تفصيلها العقول ... ) أ. هـ. وبناء على ما سبق اتضح أن الله جلت قدرته وعَظُم سلطانه له مطلق القدرة، ومنتهى الإرادة، وكمال التصرف والتدبير، وله في كل خلق من خلقه حِكم بليغة لا يعلمها إلا هو سبحانه، وكذلك اتضح لك بعض الحِكم والأسرار في خلق المولى سبحانه وتعالى السموات والأرض في ستة أيام، مع أنه قادر سبحانه أن يخلقها بكلمة " كن ". وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20613 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 674 لماذا يتكلم الله بصيغة الجمع والمفرد [السُّؤَالُ] ـ[لماذا يتكلم الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم أحياناً بصيغة الجمع؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الجواب نوعان: أولاً: الجواب الإجمالي: على كل مؤمن أن يعتقد أن أفعال الله لم تكن إلا لحكم جسيمة وغايات محمودة ولا يلزم من ذلك أن تتضح لكل أحد وهذا نوع من أنواع الابتلاء والاختبار كما قال تعالى: (ليبلوكم أيكم أحسن عملاً) . ثانياً: الجواب التفصيلي: أن القرآن الكريم جاء بلغة العرب، ولغة العرب يصح فيها إطلاق لفظ الجمع على الواحد، كما يصح إطلاق لفظ المفرد على الواحد لكن إطلاق لفظ الجمع يكون من باب التعظيم ولا أحد أعظم من الله فيكون إطلاق لفظ المفرد لإثبات كونه واحداً لا شريك له وإطلاق لفظ الجمع لإثبات عظمته سبحانه. ولابن تيمية كلام يفيدنا في هذه المسألة قال رحمه الله في مجموع الفتاوى 5/128: " وأما القرب - معنى قرب الله - فذكر تارة بصيغة المفرد كقوله: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع..) وفي الحديث: (إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته) وتارة بصيغة الجمع كقوله: (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) وهذا مثل قوله تعالى: (نتلوا عليك) ، (نقص عليك) .. أما قوله نتلوا، ونقص ونحوه فهذه الصيغة في كلام العرب للواحد العظيم الذي له أعوان يطيعونه فإذا فعل أعوانه فعلاً بأمره قال: نحن فعلنا، كما يقول الملك: نحن فتحنا هذا البلد وهزمنا هذا الجيش، ونحو ذلك. وانظر تكملة هذا الجواب في كلام مهم تحت السؤال 606. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2090 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 675 إضافة الخلق إلى غير الله تعالى [السُّؤَالُ] ـ[الكثير من المسلمين يستعملون كلمة "يخلق" للآدميين، مثلاً: يقولون: فلان له عقل خلاق. أو أنهم يقولون: إن فلاناً خلق هذا أو ذاك، حتى إن بعض المسلمين الملتزمين جداً يستعملون هذه الكلمة في كتبهم. الخالق الوحيد هو الله فهل يمكن أن نستعمل هذه الكلمة للآدميين؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا شك أن الله تعالى هو المنفرد بالخلق، قال الله تعالى: (هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ) فاطر/3. ولكن ورد إضافة الخلق إلى غير الله تعالى، كما في قوله سبحانه: (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) المؤمنون/14. وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أن المصورين يقال لهم يوم القيامة: (أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ) . فإضافة الخلق إلى الله تعالى معناها الإيجاد من العدم، وهذا هو الذي لا يقدر عليه أحد إلا الله تعالى. وأما إضافة الخلق إلى البشر فمعناها تحويل الشيء من صورة إلى صورة. فإذا أطلق على غير الله أنه يخلق باعتبار أنه يحول الشيء من صورة إلى أخرى فهذا صحيح، وأما إذا أطلق على غير الله أنه يخلق بمعنى أنه يوجد الشيء من العدم فهذا غير جائز. والله تعالى أعلم. كتاب القول المفيد على كتاب التوحيد للشيخ ابن عثيمين 1/6. وأما قول بعض الناس: إن فلاناً له عقل خلاق. فإنهم يقصدون بذلك حسن تفكيره، وقدرته على الابتكار، والإتيان بالأفكار الجديدة. وليس في هذا محذور شرعي. وإن كان الأولى التنزه عن مثل هذه الألفاظ التي قد يفهم منها معنى باطل. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 20011 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 676 الموقف من أخطاء القضاء [السُّؤَالُ] ـ[لقد تسبب القضاة الجهلة في نفورنا من الشرع الحكيم ليس لنقص فيه حاشا لله ولكن لنقص في عقول قضاتنا هداهم الله فإن الله أرحم بالعباد منهم فحد شارب الخمر 80 جلدة وهو من الموبقات السبع وهم يعزرون في قضايا تافهة بالجلد أكثر من ذلك وكأن القضاء في الإسلام عبارة عن العصا الغليظة والسجن فمقابلة بعض القضاة الذي لا يكاد يرد السلام هو أشد عقاب فهل يجوز المناداة بتطبيق القوانين الوضعية لأننا لا نستطيع بهذه العقليات أن نطبق شرعنا الحنيف بل نسيء إليه فالقاضي أقل الناس التزاما بدوامه الرسمي وأسوأ الناس معاملة وأكثر الناس حبا للمال ومخططات الأراضي فما هو الحل حفظكم الله وكثر من أمثالكم الملتزمين بدينهم الذين يؤمنون بأهميَّة التقنية في خدمة هذا الدين الحنيف. وأخيرا أقول ثبت الله الصالح من قضاتنا وهدى الضال منهم إلى الطريق الصحيح.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أجزم بأن ما ذكر مبالغ فيه، ولكن ليس القضاة بالمعصومين فهم كغيرهم يصيبون وهو الغالب، ويخطئون وخطأ المجتهد مغفور له إن شاء الله، فإذا وجد شيء من الأخطاء فعلى الإنسان إن كان ممن يدرك هذه الأخطاء أن يسعى في تصحيحها بالمناصحة مع المخطئ ومشاورة أهل العلم والفضل والنصح، ولا يجوز بحال من الأحوال إذا وجد شيء من الخطأ أن نطالب بتطبيق القوانين الوضعية، قال تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) ، وقال تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) ، وقال ( .... هم الفاسقون) ، وقال ( .... هم الظالمون) . فالحكم بغير ما أنزل الله من أعظم المنكرات التي يجب على المسلمين إزالتها فورا فكيف نطالب بتطبيقها؟ وعلى القضاة أن يتقوا الله في أحكامهم على أن تكون وفق ما شرعه الله، والعقوبات والتعزيرات علاج لمشاكل المجتمع، وعلى القضاة وغيرهم ممن يقصّر في الدوام الرسمي أن يتقوا الله في ذلك ويحرص على براءة ذمته، وطيب كسبه لأنه أجير لا يجوز له أن يخلّ بشيء مما أوجب الله عليه. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد الكريم الخضير. الحديث: 21887 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 677 هل قبر السيدة زينب في سوريا؟ [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أعرف أين دفنت السيده زينب رضي الله عنها، وهل هي كما قالوا في سوريا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليعلم أن من أعظم أسباب ضلال بني آدم غلوهم في الصالحين، ومن أعظم أسباب الافتتان بهم: ما يحصل عند قبورهم من الغلو والشرك بالله، وصرف العبادات، من الطواف والذبح والنذر لغير الله تعالى. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ قال: ( [اللهم] لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا، لَعَنَ اللَّهُ قَوْمًا اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ) رواه الإمام أحمد (7311) ، وصححه الألباني. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا وَلَا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ) . رواه أبو داود (2042) ، وصححه الألباني. وإن من أعظم ما يدل على بطلان ما يفعله هؤلاء القبوريون عند قبورهم: أنك تجدهم مختلفين في كثير من هذه الأماكن، فأهل مصر يزعمون أن قبر زينب رضي الله عنها في مصر، ويفعلون عندها من البدع والخرافات، بل من الشرك والضلال ما الله به عليم. وهكذا أهل سوريا كما ذكرت، يفعلون نفس الشيء عند قبرهم المزعوم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " أما هذه المشاهد المشهورة فمنها ما هو كذب قطعا.. " ثم قال: " وأصل ذلك أن عامة أمر هذه القبور والمشاهد مضطرب مُخْتَلق، لا يكاد يُوقَف منه على العلم، إلا في قليل منها، بعد بحث شديد؛ وهذا لأن معرفتها وبناء المساجد عليها ليس من شريعة الإسلام، ولا ذلك من حكم الذكر الذي تكفل الله بحفظه ". ينظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (27/444) وما بعدها، ويراجع كتاب: تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد، للشيخ الألباني رحمه الله. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 138768 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 678 لماذا لم يقم عمرو بن العاص رضى الله عنه بتحطيم التماثيل الفرعونية؟ [السُّؤَالُ] ـ[لماذا لم يقم عمرو بن العاص رضى الله عنه بتحطيم التماثيل الفرعونية عندما قام بفتح مصر؟ وهل هناك فرق بين هذا الموقف وبين تكسير تماثيل بوذا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لأن تلك التماثيل الفرعونية كانت مدفونة تحت الأرض عندما فتحت مصر، وإنما أخرجت ونُبشت في القرون المتأخرة، ومن المعلوم أنه كان في مصر وفي غيرها معابد كثيرة فهدمها المسلمون وحطموا الصور وكسروا الأخشاب والأحجار التي كهيئة الأصنام، وقطعوا الأشجار وهدموا المعابد الشركية، وأما الأهرام فإنها موجودة ولكن لم تكن تعظم وتعبد من دون الله، وأيضا فإن هدمها يكلف كثيرا فليس في إمكان المسلمين في ذلك الزمان القدرة على هدمها بخلاف تماثيل بوذا الموجودة في الأفغان والتي قام بتحطيمها المسلمون في هذه الأشهر، فإن تحطيمها قديما كان فيه صعوبة، وقد قوي المسلمون بما أعطوا من الإمكانيات فحطموها حيث إنها تحت ولا يتهم وسيطرتهم، كما حطم النبي صلى الله عليه وسلم الأصنام التي كانت في مكة والطائف ونخلة وغيرها. والله أعلم فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله. ولمزيد الفائدة انظر جواب السؤال رقم (20894) . [الْمَصْدَرُ] سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله الحديث: 129769 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 679 العبادة محبة وتعظيم وليست عناء ومشقة [السُّؤَالُ] ـ[ما هي الحكمة من عدم وجود فترة استراحة للرجل في العبادة مثل النساء، مثلا نصوم رمضان وعند الحيض نفطر، نصلي وعند الحيض والنفاس لا نصلي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليست العبادة عناء ومشقة كي يستريح منها المسلم، بل هي محبة وتعظيم لله تعالى، يبعث عليها صادق الرغبة إلى الله، ويهيج إليها عظيم الشوق إليه سبحانه، يتذلل المسلم بها بين يدي ربه ومولاه، يناديه ويناجيه مقبلا إليه، راجيا رحمته، وسائلا فضله وكرمه وقربه، فَمَن هذا حالُه لا يطلب إقالة ولا استقالة، ولا يسأل إلا المزيد من مواسم العبادة والطاعة، ويكون حاله كحال النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يقول: (أرحنا بها – يعني بالصلاة – يا بلال) . يقول ابن القيم رحمه الله: " لا ريب أن كمال العبودية تابع لكمال المحبة، وكمال المحبة تابع لكمال المحبوب في نفسه، والله سبحانه له الكمال المطلق التام في كل وجه، الذي لا يعتريه توهم نقص أصلا، ومَن هذا شأنه فإن القلوب لا يكون شيء أحب إليها منه، ما دامت فطرها وعقولها سليمة، وإذا كانت أحب الأشياء إليها فلا محالة أن محبته توجب عبوديته وطاعته، وتتبع مرضاته واستفراغ الجهد في التعبد له، والإنابة إليه، وهذا الباعث أكمل بواعث العبودية وأقواها، حتى لو فرض تجرده عن الأمر والنهي والثواب والعقاب استفرغ الوسع، واستخلص القلب للمعبود الحق، ومِن هذا قول بعض السلف: أنه ليستخرج حبه من قلبي ما لا يستخرجه قوله. ومنه قول عمر في صهيب: لو لم يخف الله لم يعصه ... وقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تفطرت قدماه، فقيل له: تفعل هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! قال: (أفلا أكون عبدا شكورا) ... فالله سبحانه يُعبَد ويُحمَد ويُحَب لأنه أهل لذلك ومستحقه، بل ما يستحقه سبحانه من عباده أمرٌ لا تناله قدرتهم ولا إرادتهم ولا تتصوره عقولهم، ولا يمكن أحدا من خلقه قط أن يعبده حق عبادته، ولا يوفيه حقه من المحبة والحمد، ولهذا قال أفضل خلقه وأكملهم وأعرفهم به وأحبهم إليه وأطوعهم له: (لا أحصى ثناء عليك) ، وأخبر أن عمله صلى الله عليه وسلم لا يستقل بالنجاة فقال: (لن ينجي أحدا منكم عمله. قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل) عليه صلوات الله وسلامه عدد ما خلق في السماء، وعدد ما خلق في الأرض، وعدد ما بينهما، وعدد ما هو خالق، وفي الحديث المرفوع المشهور أن مِن الملائكة مَن هو ساجد لله لا يرفع رأسه منذ خلق، ومنهم راكع لا يرفع رأسه من الركوع منذ خلق إلى يوم القيامة، وأنهم يقولون يوم القيامة: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك " انتهى. " مفتاح دار السعادة " (2/88-90) وانظر جواب السؤال رقم: (49016) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125994 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 680 عمر لم يتوسل بجاه العباس رضي الله عنهما [السُّؤَالُ] ـ[حديث: أنس بن مالك رضي الله عنه أن عمر رضي الله عنه كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب وقال: (اللهم إنا كنا نستسقي إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، فيسقون) هل هو صحيح؟ وهل يدل على جواز التوسل بجاه الأولياء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "هذا الحديث الذي أشار إليه السائل حديث صحيح رواه البخاري، لكن من تأمله وجد أنه دليل على عدم التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم، أو غيره؛ وذلك أن التوسل هو اتخاذ وسيلة؛ والوسيلة هي الشيء الموصل إلى المقصود؛ والوسيلة المذكورة في هذا الحديث (نتوسل إليك بنبينا فتسقينا؛ وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا) المراد بها التوسل إلى الله تعالى بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال الرجل: (يا رسول الله، هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا) ولأن عمر قال للعباس: (قم يا عباس فادع الله، فدعا) ، ولو كان هذا من باب التوسل بالجاه لكان عمر رضي الله عنه يتوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يتوسل بالعباس؛ لأن جاه النبي صلى الله عليه وسلم أعظم عند الله من جاه العباس، وغيره؛ فلو كان هذا الحديث من باب التوسل بالجاه لكان الأجدر بأمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أن يتوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم، دون جاه العباس بن عبد المطلب. والحاصل: أن التوسل إلى الله تعالى بدعاء من ترجى فيه إجابة الدعاء لصلاحه لا بأس به؛ فقد كان الصحابة رضي الله عنهم يتوسلون إلى الله تعالى بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لهم؛ وكذلك عمر رضي الله عنه توسل بدعاء العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، فلا بأس إذا رأيت رجلاً صالحاً حرياً بالإجابة لكون طعامه وشرابه وملبسه ومسكنه حلالاً وكونه معروفاً بالعبادة والتقوى، لا بأس أن تسأله أن يدعو الله لك بما تحب، بشرط أن لا يحصل في ذلك غرور لهذا الشخص الذي طلب منه الدعاء، فإن حصل منه غرور بذلك فإنه لا يحل لك أن تقتله وتهلكه بهذا الطلب منه؛ لأن ذلك يضره. كما أنني أيضاً أقول: إن هذا جائز؛ ولكنني لا أحبذه، وأرى أن الإنسان يسأل الله تعالى بنفسه دون أن يجعل له واسطة بينه وبين الله، وأن ذلك أقوى في الرجاء، وأقرب إلى الخشية، كما أنني أيضاً أرغب من الإنسان إذا طلب من أخيه الذي ترجى إجابة دعائه أن يدعو له، أن ينوي بذلك الإحسان إليه - أي إلى هذا الداعي - دون دفع حاجة هذا المدعو له؛ لأنه إذا طلبه من أجل دفع حاجته صار كسؤال المال وشبهه المذموم، أما إذا قصد بذلك نفع أخيه الداعي بالإحسان إليه - والإحسان إلى المسلم يثاب عليه المرء كما هو معروف - كان هذا أولى وأحسن. والله ولي التوفيق" انتهى. "مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (2/277) . ولمزيد الفائدة حول حديث توسل عمر بالعباس رضي الله عنهما، وبيان أن هذا التوسل كان بدعائه، لا بجاهه، انظر كتاب "التوسل" للشيخ الألباني رحمه الله ص (50-68) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118099 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 681 معنى كلمة الطّاغوت [السُّؤَالُ] ـ[هل كلمة الطاغوت تشمل الأجسام التي لا تدعو الناس لعبادتها، كالشمس والأشجار والأصنام والأحجار؟ هل المسلمون الأتقياء كالإمام الشافعي يُسمون طواغيت لأن الناس تعبدهم أو تعبد قبورهم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس كل ما عُبد من دون الله يعتبر طاغوتاً إذ أن الصحيح من أقوال أهل العلم في بيان معنى الطاغوت ما قال ابن جرير الطبري في التفسير (3/21) : " الصواب من القول عندي في الطاغوت أنه كل ذي طغيان على الله، فعبد من دونه، إما بقهر منه لمن عبده، وإما بطاعة ممن عبده له، إنساناً كان ذلك المعبود، أو شيطاناً أو وثناً أو صنماً أو كائناً ما كان من شيء وقال أيضاً: وأصل الطاغوت.. من قول القائل طغا فلان يطغو إذا عدا قدره فتجاوز حده ". فالأنبياء والعلماء وغيرهم من الصالحين والأولياء لم يحملوا الناس على عبادتهم إياهم ولا أطاعوهم في ذلك بل حذّروهم من ذلك أشد تحذير بل كان المقصد من إرسال الله الرسل إلى الخلق دعوتهم إلى توحيد الله والكفر بما دونه قال تعالى {ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} النحل: 36. قال تعالى {وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد} . فلا يسمى الأنبياء ولا العلماء وإن عبدوا من دون الله طواغيتاً. وإذا غلا أناس في الشافعي أو غيره من العلماء رحمهم الله فاستغاثوا بهم من دون الله أو عبدوا قبورهم فلا ذنب لأولئك العلماء بل الوزر على من أشرك، وكذلك النصارى الذين عبدوا عيسى عليه السلام من دون الله لا يتحمل عيسى عليه السلام شيئاً من وزرهم، ومن التعريفات المختصرة للطاغوت: من عُبِد من دون الله وهو راضٍ، ومعلوم أن عيسى عليه السلام وغيره من الأنبياء وكذلك الشافعي رحمه الله وغيره من العلماء الموحدين لا يرضون بعبادتهم أبداً من دون الله بل ينهون عن ذلك ويبيّنون التوحيد، قال تعالى: (وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمّيَ إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب _ ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم ... ) المائدة /116،117 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 5203 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 682 لماذا يمنع بعض أهل العلم من التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم؟ [السُّؤَالُ] ـ[لماذا يحرم السلفية التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم، مع أن العلماء كلهم متفقون على جوازه، حتى ظهر ابن تيمية الذي كان أول من حرمه؟ مع أن كل العلماء من جميع المذاهب يجيزون التوسل، فلماذا يُصِرُّون على تحريمه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: أولا: التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم معناه: أن يدعو الداعي ربه سبحانه وتعالى، لكنه في أثناء دعائه يذكر ذات النبي صلى الله عليه وسلم وسيلة لإجابة دعائه، أو تعجيل حاجته، فيقول: أسألك بحق النبي، أو: بجاه النبي، أو نحو ذلك. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ـ مجموع الفتاوى (1/337-338) ـ: " والسائل لله بغير الله إما أن يكون مقسما عليه، وإما أن يكون طالبا بذلك السبب، كما توسل الثلاثة في الغار بأعمالهم، وكما يتوسل بدعاء الأنبياء والصالحين. فإن كان إقساما على الله بغيره: فهذا لا يجوز. وإن كان سؤالا بسبب يقتضى المطلوب، كالسؤال بالأعمال التي فيها طاعة الله ورسوله، مثل السؤال بالإيمان بالرسول ومحبته وموالاته ونحو ذلك: فهذا جائز. وإن كان سؤالا بمجرد ذات الأنبياء والصالحين: فهذا غير مشروع، وقد نهى عنه غير واحد من العلماء، وقالوا: إنه لا يجوز. ورخص فيه بعضهم، والأول أرجح كما تقدم؛ وهو سؤال بسبب لا يقتضى حصول المطلوب. بخلاف من كان طالبا بالسبب المقتضى لحصول المطلوب، كالطلب منه سبحانه بدعاء الصالحين وبالأعمال الصالحة: فهذا جائز، لأن دعاء الصالحين سبب لحصول مطلوبنا الذي دَعَوا به. وكذلك الأعمال الصالحة سبب لثواب الله لنا، وإذا توسلنا بدعائهم وأعمالنا: كنا متوسلين إليه تعالى بوسيلة، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) المائدة/35، والوسيلة هي الأعمال الصالحة. وقال تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ) الإسراء /57. وأما إذا لم نتوسل إليه سبحانه بدعائهم ولا بأعمالنا، ولكن توسلنا بنفس ذواتهم: لم يكن نفس ذواتهم سببا يقتضى إجابة دعائنا، فكنا متوسلين بغير وسيلة، ولهذا لم يكن هذا منقولا عن النبي صلى الله عليه وسلم نقلا صحيحا، ولا مشهورا عن السلف." انتهى. ثانيا: ليس معنى ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس له جاه عند الله عز وجل، ولا منزلة لديه سبحانه، كما يقوله من يفتري على السلفيين، شيخ الإسلام ومن وافقه على ذلك، وأنهم يتجرؤون على مقام النبي صلى الله عليه وسلم، وحاشاهم من ذلك، وهو صاحب المقام المحمود، والمنزلة الرفيعة، وسيد ولد آدم، صلى الله عليه وسلم، لكن مقامه الكريم على الله ليس معناه أن نسأل أو نتوسل به. قال شيخ الإسلام رحمه الله: " ما بيّن الله ورسوله أنه حق للعباد على الله فهو حق؛ لكن الكلام في السؤال بذلك، فيقال: إن كان الحق الذي سأل به سببا لإجابة السؤال: حسُن السؤال به، كالحق الذي يجب لعابديه وسائليه. وأما إذا قال السائل: بحق فلان وفلان، فأولئك، إن كان لهم عند الله حق أن لا يعذبهم وأن يكرمهم بثوابه ويرفع درجاتهم كما وعدهم بذلك وأوجبه على نفسه، فليس في استحقاق أولئك ما استحقوه من كرامة الله، ما يكون سببا لمطلوب هذا السائل؛ فإن ذلك استحق ما استحقه بما يسره الله له من الإيمان والطاعة، وهذا لا يستحق ما استحقه ذلك؛ فليس في إكرام الله لذلك سبب يقتضى إجابة هذا. وإن قال: السبب هو شفاعته ودعاؤه، فهذا حق إذا كان قد شفع له ودعا له، وإن لم يشفع له ولم يدع له لم يكن هناك سبب ". انتهى. وقال أيضا ـ مجموع الفتاوى (1/278) ـ: " ومعلوم أن الواحد بعد موته إذا قال: اللهم فشفعه في وشفعني فيه، مع أن النبي لم يدع له: كان هذا كلاما باطلا ". انتهى. ثالثا: مدار فهم هذه المسألة أن نعلم أن الدعاء عبادة، بل هو من أجل العبادات لله تعالى، كما قال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ. قَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) رواه أبو داود (1479) وغيره، وصححه الألباني. والعبادات مبناها على التوقيف، يعني: على ورود الشرع بها، كما قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ) رواه البخاري (2697) ومسلم (1718) ، من حديث عائشة رضي الله عنها. وفي رواية لمسلم: (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) . قال الإمام النووي رحمه الله: " قَالَ أَهْل الْعَرَبِيَّة: (الرَّدّ) هُنَا بِمَعْنَى الْمَرْدُود , وَمَعْنَاهُ: فَهُوَ بَاطِل غَيْر مُعْتَدّ بِهِ. وَهَذَا الْحَدِيث قَاعِدَة عَظِيمَة مِنْ قَوَاعِد الْإِسْلَام , وَهُوَ مِنْ جَوَامِع كَلِمه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ صَرِيح فِي رَدّ كُلّ الْبِدَع وَالْمُخْتَرَعَات. وَفِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة زِيَادَة وَهِيَ أَنَّهُ قَدْ يُعَانِد بَعْض الْفَاعِلِينَ فِي بِدْعَة سَبََ إِلَيْهَا , فَإِذَا اُحْتُجَّ عَلَيْهِ بِالرِّوَايَةِ الْأُولَى يَقُول: أَنَا مَا أَحْدَثْت شَيْئًا فَيُحْتَجّ عَلَيْهِ بِالثَّانِيَةِ الَّتِي فِيهَا التَّصْرِيح بِرَدِّ كُلّ الْمُحْدَثَات , سَوَاء أَحْدَثَهَا الْفَاعِل , أَوْ سَبَقَ بِإِحْدَاثِهَا. وَفِي هَذَا الْحَدِيث: دَلِيل لِمَنْ يَقُول مِنْ الْأُصُولِيِّينَ: إِنَّ النَّهْي يَقْتَضِي الْفَسَاد. وَمَنْ قَالَ: لَا يَقْتَضِي الْفَسَاد يَقُول هَذَا خَبَر وَاحِد , وَلَا يَكْفِي فِي إِثْبَات هَذِهِ الْقَاعِدَة الْمُهِمَّة , وَهَذَا جَوَاب فَاسِد. وَهَذَا الْحَدِيث مِمَّا يَنْبَغِي حِفْظه وَاسْتِعْمَاله فِي إِبْطَال الْمُنْكَرَات , وَإِشَاعَة الِاسْتِدْلَال بِهِ " انتهى. فإذا علمنا هذا الأصل، علمنا أنه لا يجوز لنا أن نفعل شيئا على وجه العبادة لله تعالى، إلا شيئا جاء به الشرع من المعصوم صلى الله عليه وسلم، وسواء كان الذي فعلناه اختراعا من عند أنفسنا، أو اتباعا لغيرنا فيه. قال شيخ الإسلام رحمه الله ـ مجموع الفتاوى (1/265) ـ: " ولا يجوز أن يكون الشيء واجبا أو مستحبا إلا بدليل شرعي يقتضى إيجابه أو استحبابه والعبادات لا تكون إلا واجبة أو مستحبة فما ليس بواجب ولا مستحب فليس بعبادة والدعاء لله تعالى عبادة إن كان المطلوب به أمرا مباحا " انتهى. وقال أيضا ـ الفتاوى (1/278) ـ: " والدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم: لم يأمر به، والذي أمر به: ليس مأثورا عن النبي صلى الله عليه وسلم. ومثل هذا لا تثبت به شريعة، كسائر ما ينقل عن آحاد الصحابة في جنس العبادات أو الإباحات أو الإيجابات أو التحريمات، إذا لم يوافقه غيره من الصحابة عليه، وكان ما يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم يخالفه لا يوافقه: لم يكن فعله سنة يجب على المسلمين اتباعها، بل غايته أن يكون ذلك مما يسوغ فيه الاجتهاد، ومما تنازعت فيه الأمة، فيجب رده إلى الله والرسول، ولهذا نظائر كثيرة ". وقد سئلت اللجنة الدائمة عن: مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويقول في دعائه: اللهم أعطني كذا وكذا من خيري الدنيا والآخرة، بجاه النبي صلى الله عليه وسلم، أو ببركة الرسول، أو بحرمة المصطفى، أو بجاه الشيخ التيجاني، أو ببركة الشيخ عبد القادر، أو بحرمة الشيخ السنوسي فما الحكم؟ فأجابوا: " من توسل إلى الله في دعائه بجاه النبي صلى الله عليه وسلم أو حرمته أو بركته أو بجاه غيره من الصالحين أو حرمته أو بركته، فقال: (اللهم بجاه نبيك أو حرمته أو بركته أعطني مالا وولدا أو أدخلني الجنة وقني عذاب النار) مثلا، فليس بمشرك شركا يخرج عن الإسلام، لكنه ممنوع سدا لذريعة الشرك، وإبعادا للمسلم من فعل شيء يفضي إلى الشرك. ولا شك أن التوسل بجاه الأنبياء والصالحين وسيلة من وسائل الشرك التي تفضي إليه على مر الأيام، على ما دلت عليه التجارب وشهد له الواقع، وقد جاءت أدلة كثيرة في الكتاب والسنة تدل دلالة قاطعه على أن سد الذرائع إلى الشرك والمحرمات من مقاصد الشريعة، من ذلك قوله تعالى: (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الأنعام /108 فنهى سبحانه المسلمين عن سب آلهة المشركين التي يعبدونها من دون الله، مع أنها باطلة؛ لئلا يكون ذلك ذريعة إلى سب المشركين الإلهَ الحقَ سبحانه، انتصارا لآلهتهم الباطلة جهلا منهم وعدوانا، ومنها: نهيه صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور مساجد؛ خشية أن تعبد، ومنها: تحريم خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية، وتحريم إبداء المرأة زينتها للرجال الأجانب ... ولأن التوسل بالجاه والحرمة ونحوهما في الدعاء عبادة، والعبادة توقيفية، ولم يرد في الكتاب ولا في السنة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ما يدل على هذا التوسل، فعلم أنه بدعة ... " انظر: فتاوى اللجنة الدائمة (1/501-502) . رابعا: قول السائل في سؤاله إن ابن تيمية أول من حرمه: غير صحيح؛ وإنما هو تلقى ذلك عن أعداء شيخ الإسلام رحمه الله، وقد تعرض شيخ الإسلام رحمه الله، في رده على الأخنائي، وهو أحد خصومه الذين رموه بهذه الفرية، فقال في حق شيخ الإسلام: " كم لصاحب هذه المقالة من مسألة خرق فيها الإجماع "، فرد عليه شيخ الإسلام من وجوه عديدة، فقال في ضمن ذلك: " الوجه السادس: أنه إنما يقبل قول من يدعي أن غيره يخالف الإجماع إذا كان ممن يعرف الإجماع والنزاع، وهذا يحتاج إلى علم عظيم، يظهر به ذلك، لا يكون مثل هذا المعترض الذي لا يعرف نفس المذهب الذي انتسب إليه، ولا ما قال أصحابه..، فكيف يعرف مثل هذا إجماع علماء المسلمين، مع قصوره وتقصيره في النقل والاستدلال؟! الوجه السابع: أن لفظ (كم) يقتضي التكثير، وهذا يوجب كثرة المسائل التي خرق المجيب فيها الإجماع. والذين هم أعلم من هذا المعترض وأكثر اطلاعا: اجتهدوا في ذلك غاية الاجتهاد، فلم يظفروا بمسألة واحدة خرق فيها الإجماع، بل غايتهم أن يظنوا في المسألة أنه خرق فيها الإجماع، كما ظنه بعضهم في مسألة الحلف بالطلاق، وكان فيها من النزاع نقلا، ومن الاستدلال فقها وحديثا: ما لم يطلع عليه. الوجه الثامن: أن المجيب [يعني: شيخ الإسلام نفسه]ـ ولله الحمد ـ لم يقل قط في مسألة إلا بقل قد سبقه إليه العلماء؛ فإن كان قد يخطر له ويتوجه له، فلا يقوله ولا ينصره إلا إذا عرف أنه قد قاله بعض العلماء، كما قال الإمام أحمد: إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام؛ فمن كان يسلك هذا المسلك، كيف يقول قولا يخرق فيه إجماع المسلمين، وهو لا يقول إلا ما سبقه إليه علماء المسلمين؟! " انتهى. من الرد على الأخنائي (457-458) . خامسا: هذه المسألة المذكورة، والتي زعم السائل فيها، تبعا لغيره، أن شيخ الإسلام خالف فيها الإجماع، قد ثبت فيها النصوص عن غير واحد من العلماء، وخاصة الأحناف بالمنع منها، والنهي عنها. قال العلامة الحصكفي في الدر المختار (5/715) : " وفي التاترخانية معزيا للمنتقى عن أبي يوسف عن أبي حنيفة: لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به، والدعاء المأذون فيه المأمور به ما استفيد من قوله تعالى: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) ". ونفس النص في المحيط البرهاني (5/141) . قال العلامة الكاساني رحمه الله في بدائع الصنائع (5/126) : " وَيُكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَقُولَ فِي دُعَائِهِ أَسْأَلُك بِحَقِّ أَنْبِيَائِك وَرُسُلِك وَبِحَقِّ فُلَانٍ، لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَلَّ شَأْنُهُ ". ونفس النص في تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، للزيلعي (6/31) ونسب القول بذلك إلى الثلاثة، يعني: أبا حنيفة، وصاحبيه: أبا يوسف، ومحمد بن الحسن، والعناية شرح الهداية للبابرتي (10/64) ، وفتح القدير لابن الهمام (10/64) ، وفي درر الحكام (1/321) ، ومجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر (2554) . قال السيد نعمان خير الدين الآلوسي الحنفي، رحمه الله في جلاء العينين (516-517) : " وفي جميع متونهم: أن قول الداعي المتوسل: بحق الأنبياء والأولياء، وبحق البيت الحرام والمشعر الحرام: مكروه كراهة تحريم، وهي كالحرام في العقوبة بالنار عند محمد، وعللوا ذلك بقولهم: لأنه لا حق للمخلوق على الخالق " انتهى. وانظر ما نقله السيد نعمان عن العلامة السويدي الشافعي: جلاء العينين (505) وما بعدها. ولعله تبين مما سبق من النقول المستفيضة: لماذا يمنع السلفيون من ذلك النوع من التوسل، وأن شيخ الإسلام ابن تيمية ليس أول من منع من ذلك، ولا هو آخرهم أيضا. وانظر جواب السؤال رقم (979) ، ورقم (60041) ، ورقم (23265) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114142 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 683 حديث الأعمى وتوسله بالرسول صلى الله عليه وسلم [السُّؤَالُ] ـ[الحديث: أن أعمى أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ادع الله أن يكشف عن بصري، فقال: فانطلق فتوضأ ثم صل ركعتين ثم قل: (اللهم إني أسألك وأتوجه إليك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فيقضي حاجتي) ما صحة هذا الحديث وما معناه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "هذا الحديث اختلف أهل العلم في صحته فمنهم من قال: إنه ضعيف، ومنهم من قال: إنه حسن، ولكن له وجهة ليست كما يتبادر من اللفظ، فإن هذا الحديث معناه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر هذا الرجل الأعمى أن يتوضأ، ويصلي ركعتين ليكون صادقاً في طلب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم له، وليكون وضوؤه، وصلاته عنواناً على رغبته في التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم والتوجه به إلى الله سبحانه وتعالى؛ فإذا صدقت النية، وصحت، وقويت العزيمة فإن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع له إلى الله عز وجل؛ وذلك بأن يدعو النبي صلى الله عليه وسلم له. فإن الدعاء نوع من الشفاعة، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شَفَّعهم الله فيه) . فيكون معنى هذا الحديث أن هذا الأعمى يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله له؛ لأن هذا الدعاء نوع شفاعة. أما الآن وبعد موت النبي صلى الله عليه وسلم فإن مثل هذه الحال لا يمكن أن تكون لتعذر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأحد بعد الموت، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) ، والدعاء بلا شك من الأعمال التي تنقطع بالموت؛ بل الدعاء عبادة، كما قال الله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) غافر/60، ولهذا لم يلجأ الصحابة رضي الله عنهم عند الشدائد وعند الحاجة إلى سؤال النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله لهم؛ بل قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين قحط المطر: (اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فيسقون) وطلب من العباس رضي الله عنه أن يدعو الله عز وجل بالسقيا فدعا فسقوا. وهذا يدل على أنه لا يمكن أن يطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته أن يدعو لأحد؛ لأن ذلك متعذر لانقطاع عمله بموته صلوات الله وسلامه عليه؛ وإذا كان لا يمكن لأحد أن يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو له بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لا يمكن ومن باب أولى أن يدعو أحد النبيَّ صلى الله عليه وسلم نفسه بشيء من حاجاته أو مصالحه؛ فإن هذا من الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله؛ والذي حرم الله على من اتصف به الجنة، قال الله تعالى: (وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنْ الظَّالِمِينَ) يونس/106. وقال تعالى: (فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنْ الْمُعَذَّبِينَ) الشعراء/213؛ وقال الله عز وجل: (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) المؤمنون/117؛ وقال تعالى: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَار) المائدة/72. فالمهم أن من دعا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته أو غيره من الأموات لدفع ضرر أو جلب منفعة فهو مشرك شركاً أكبر مخرجاً عن الملة، وعليه أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى، وأن يوجه الدعاء إلى العلي الكبير الذي يجيب دعوة المضطر إذا دعاه ويكشف السوء. وإني لأعجب من قوم يذهبون إلى قبر فلان وفلان يدعونه أن يفرج عنهم الكربات ويجلب لهم الخيرات وهم يعلمون أن هذا الرجل كان في حال حياته لا يملك ذلك، فكيف بعد موته، بعد أن كان جثة وربما يكون رميماً قد أكلته الأرض فيذهبون يدعونه، ويتركون دعاء الله عز وجل الذي هو كاشف الضر، وجالب النفع والخير، مع أن الله تعالى أمرهم بذلك وحثهم عليه فقال: (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) غافر/60. وقال الله تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) البقرة/186. وقال تعالى منكراً على من دعا غيره: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ) النمل/62. أسأل الله تعالى أن يهدينا جميعاً صراطه المستقيم" انتهى. "مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين" (2/274) . فالحديث لا يدل على جواز التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم كما ذهب إليه البعض، بل الحديث يدل على أن هذا الرجل توسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم فقوله: (اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد) أي: بدعاء نبينا محمد، وقوله: (يا محمد إني أتوجه بك إل ربي) أي: بدعائك. ويدل على هذا: 1- أن هذا الرجل، جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وطلب منه أن يدعو له، ولو كان مراده التوسل بجاهه صلى الله عليه وسلم لقعد في بيته، وقال: اللهم إني أتوسل إليك وأسألك بجاه محمد. 2- من جملة الدعاء الذي علمه الرسول صلى الله عليه وسلم: (اللهم فشفعه فيّ، وشفعني فيه) أي: اقبل شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم فيّ، والشفاعة هي الدعاء، فيكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد دعا له. وقوله: (وشفعني فيه) أي: اقبل دعائي أن تقبل دعاءه. قال الألباني رحمه الله في كتاب التوسل ص (73، 74) : "إن مما علم النبي صلى الله عليه وسلم الأعمى أن يقوله: (وشفعني فيه) أي: اقبل شفاعتي أي دعائي في أن تقبل شفاعته صلى الله عليه وسلم أي دعاءه في أن ترد علي بصري. هذا الذي لا يمكن أن يفهم من هذه الجملة سواه. ولهذا ترى المخالفين يتجاهلونها ولا يتعرضون لها من قريب أو من بعيد، لأنها تنسف بنيانهم من القواعد، وتجتثه من الجذور، وإذا سمعوها رأيتهم ينظرون إليك نظر المغشي عليه. ذلك أن شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في الأعمى مفهومة، ولكن شفاعة الأعمى في الرسول صلى الله عليه وسلم كيف تكون؟ لا جواب لذلك عندهم البتة، ومما يدل على شعورهم بأن هذه الجملة تبطل تأويلاتهم أنك لا ترى واحدا منهم يستعملها، فيقول في دعائه مثلا: اللهم شفع فيّ نبيك وشفعني فيه" انتهى. وانظر لتفصيل الكلام على هذا الحديث: كتاب "التوسل" ص (68-93) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112131 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 684 حقيقة العبودية لله تعالى [السُّؤَالُ] ـ[قرأت في السؤال رقم (11804 ">) أن الغاية من خلق البشر هي أن يفردوا الله تعالى بالعبادة فهل توضح لي حقيقة العبادة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله العبادة في اللغة: هي الخضوع والذل تقول العرب هذا طريق مُعَبَّدْ أي مُذَلَّلْ من كثرة وطئ الأقدام عليه. أما في الشرع فالعبادة تطلق على شيئين: الأول: فعل العبد كالذي يصلي أو يزكي ففعله هذا عبادة ويعرفها العلماء بقولهم: هي طاعة الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه مع محبة الله وخوفه ورجائه. الثاني: نفس المأمور به ولو لم يفعله أحد كالصلاة في حد ذاتها والزكاة ونحو ذلك فيعرفها العلماء بقولهم: هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة. وسميت هذه المأمورات عبادات لأن المكلفين يفعلونها خاضعين متذللين محبين لربهم جل وتعالى. فلا بد في عبادة الله من كمال محبته مع كمال الخضوع والذل له سبحانه. وقد بين لنا ربنا أن الغاية العظمى والهدف الأسمى من خلق الجن والإنس هو أن يعبدوه وحده لا شريك له فقال جل شأنه: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) الذاريات/56 فكيف نحقق هذه الغاية ونصل إلى هذا الهدف؟ كثير من الناس يظن أن العبادة لا تعدو أن تكون مجموعة من الشعائر التعبدية التي أمر الله أن تؤدى في أوقاتها المعلومة ـ كالصلاة والصيام والحج، وبهذا ينتهي كل شيء ـ. وليس الأمر كما يظن هؤلاء. فكم تستغرق الشعائر التعبدية من اليوم والليلة؟ بل كم تستغرق من عمر الإنسان نفسه؟! فأين بقية العمر إذن؟ وأين بقية الطاقة؟ وأين بقية الوقت؟ أين تنفق وأين تذهب؟ أتنفق في العبادة أم في غيرها؟ وإن كانت ستنفق في غير العبادة فكيف تتحقق غاية الوجود الإنساني التي حصرتها الآية حصراً كاملاً في عبادة الله؟ وكيف يتحقق قوله تعالى: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين) الأنعام/162. إن العبودية قضية كلية تهيمن على حياة المسلم فهو حين يسعى في الأرض لطلب الرزق يعبد الله لأن ربه يأمره بذلك في قوله: (فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور) الملك/15، وهو حين ينام فهو ينام ليتقوى على عبادة الله تعالى كما قال معاذ بن جبل رضي الله عنه: " إني لأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي " أخرجه البخاري 4342، أي أنه يحتسب الأجر في نومه كما يحتسب الأجر في قيامه لِلَّيل، بل إن المسلم لا يرضى إلا أن يكون تمتعه بالطعام والشراب والنكاح في ميزان حسناته كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم (وفي بضع أحدكم صدقة. قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في الحرام أكان عليه وزر؟ قالوا: نعم. قال: فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر) أخرجه مسلم 1006 وطريق الوصول إلى هذه المرتبة العظيمة بأن يستحضر العبد ذكر ربه وهو يعمل في شتى مجالات الحياة فيسأل نفسه هل هو في الموضع الذي يرضي ربه عنه أم يسخطه عليه؟ فإذا كان في موضع الرضى فليحمد الله وليزدد من الخير، وإن كان على غير ذلك فليستغفر الله وليتب إليه كما هو حال عباد الله المتقين الذين وصفهم الله بقوله: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ. أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) آل عمران/ 135، 136. وهكذا كانت العبادة في حس سلفنا الصالح من الصحابة ومن بعدهم فلم يحصروها قط في إطار الشعائر التعبدية بحيث تصبح اللحظات التي يقومون فيها بأداء تلك الشعائر هي وحدها لحظات العبادة، وتكون بقية حياتهم " خارج العبادة " إنما كان في حس أحدهم أن حياته كلها عبادة وأن الشعائر إنما هي لحظات مركزة يتزود فيها الإنسان بالطاقة الإيمانية التي تعينه على أداء بقية العبادات المطلوبة منه، ولذلك كانوا يحتفون بها احتفاءً خاصاً كما يحتفي المسافر بالزاد الذي يعينه على الطريق وباللحظة التي يحصل فيها على الزاد. لقد كانوا كما وصفهم ربهم: (يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم) آل عمران/191 أي في جميع أحوالهم لقد كانوا يجمعون إلى الذكر باللسان الذكر بالقلب وكانت عظمة الله وخشيته حاضرة في قلوبهم في كل عمل يعملونه، أو قول يقولونه فإذا حدث وغفل أحدهم فزل أو أخطأ كان حاله كما وصف الله في الآيات التي سبق ذكرها من آل عمران. ثم اعلم ـ وفقك الله ـ أن كل إنسان عابد بفطرته. أي أنه مجبول على العبادة؛ فإما أن يكون عابدا لله وحده بلا شريك، وإما أن يكون عابدا لشيء آخر غير الله، معه أو من دونه، كلاهما سواء! وهذه العبادة هي التي يسميها الله سبحانه وتعالى " عبادة الشيطان " لأنه استجابة لدعوة الشيطان: (ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم) يس/60. ولا يستوي حياة الإنسان عابدا لله وعابدا للشيطان: (أفمن يمشي مكباًّ على وجهه أهدى أم من يمشي سويا على صراط مستقيم) الملك/22. (قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور) الرعد/16، والشيطان يستدرج الإنسان في محاولة لإبعاده عن عبادة الله فتارة ينجح في إبعاده إبعاداً مؤقتاً كما يقع في المعصية " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن..) أخرجه البخاري (2475) ومسلم (57) ، وتارة يبعده إبعاداً كاملاً ينقطع فيه ما بين العبد وبين ربه فيشرك أو يكفر أو يلحد ـ والعياذ بالله ـ وعبادة الشيطان هذه تارة تكون عبادة للهوى كما قال تعالى: (أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلاً) الفرقان/43، فهذا العبد الذي يأتمر بأمر هواه فما رآه حسنا فعله وما رآه قبيحا تركه فهو مطيع لهوى نفسه يتبع ما تدعو إليه فكأنه يعبده كما يعبد الرجل إلهه. وتارة تكون عبادة للدرهم والدينار كما قال صلى الله عليه وسلم: " تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ تَعِسَ وَانْتَكَسَ وَإِذَا شِيكَ فَلا انْتَقَشَ.. الحديث " رواه البخاري 2887 وهكذا كل من تعلق قلبه بشيء غير الله من أهواء نفسه فإن حصل له رضي وإن لم يحصل له سخط فهو عبد ما يهواه رقيق له؛ إذ الرق والعبودية في الحقيقة هو رق القلب وعبوديته. ثم بقدر ما تستعبده هذه الشهوات أو بعضها بقدر ما تضعف عبوديته لربه سبحانه فإن استحكمت عبوديته لتلك الشهوات والأهواء حتى صدته عن الدين بالكلية فهو مشرك كافر، وإن صدته تلك الأهواء والشهوات عن بعض ما يجب عليه أو زينت له فعل بعض ما يحرم عليه مما لا يخرج فاعله من الدين فقد نقص من عبوديته لربه وإيمانه به بقدر ما صُد عنه. نسأل الله تعالى أن يمن علينا بكمال العبودية له سبحانه , وأن يجعلنا من عباده المخلَصين وأوليائه المقربين، إنه سميع قريب مجيب. والله أعلم وأحكم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ونبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يراجع (مفاهيم ينبغي أن تصحح للشيخ محمد قطب 20- 23، 174- 182) و (العبودية لشيخ الإسلام ابن تيمية) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49016 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 685 نقض مقولة " ما عبدناك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك " [السُّؤَالُ] ـ[أشعر أني أقوم بالعبادات والطاعات بدافع حبِّ الجنَّة، والخوف من النَّار، وليس بدافع محبة الله، أو حب الطاعات، فما السبب في ذلك؟ وما العلاج؟ . أريد أن أقوم بأي عبادة حبّاً في الله، وحبّاً في طاعته، في المقام الأول، فما السبيل إلى ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الإشكال في سؤالك أخي الفاضل منبعه تلك المقولة الخاطئة المشتهرة " لا نعبد الله خوفاً من ناره، ولا طمعاً في جنته، بل نعبده حبّاً له "! وبعضهم يذكرها بصيغة أخرى مفادها: أنه من عبد الله خوفا من ناره فهي عبادة العبيد، ومن عبده طمعاً في جنته فهي عبادة التجار، وزعموا أن العابد هو من عبده حبّاً له تعالى!! وأيّاً كانت العبارة، أو الصيغة التي تحمل تلك المعاني، وأيا كان قائلها: فإنها خطأ، وهي مخالفة للشرع المطهَّر، ويدل على ذلك: 1. أنه ليس بين الحب والخوف والرجاء تعارض حتى تريد - أخي السائل - أن تعبد ربك تعالى حبّاً له؛ لأن الذي يخافه تعالى ويرجوه ليست محبة الله منزوعة منه، بل لعله أكثر تحقيقاً لها من كثيرين يزعمون محبته. 2. أن العبادة الشرعية عند أهل السنَّة تشمل المحبة والتعظيم، والمحبة تولِّد الرجاء، والتعظيم يولِّد الخوف. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: والعبادة مبنية على أمرين عظيمين، هما: المحبة، والتعظيم، الناتج عنهما: (إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهَباً) الأنبياء/ 90، فبالمحبة تكون الرغبة، وبالتعظيم تكون الرهبة، والخوف. ولهذا كانت العبادة أوامر، ونواهي: أوامر مبنية على الرغبة، وطلب الوصول إلى الآمر، ونواهي مبنية على التعظيم، والرهبة من هذا العظيم. فإذا أحببتَ الله عز وجل: رغبتَ فيما عنده، ورغبت في الوصول إليه، وطلبتَ الطريق الموصل إليه، وقمتَ بطاعته على الوجه الأكمل، وإذا عظمتَه: خفتَ منه، كلما هممتَ بمعصية استشعرت عظمة الخالق عز وجل، فنفرتَ، (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ) يوسف/ 24. فهذه مِن نعمة الله عليك، إذا هممتَ بمعصية وجدتَ الله أمامك، فهبتَ، وخفتَ، وتباعدتَ عن المعصية؛ لأنك تعبد الله، رغبة، ورهبة. " مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " (8 / 17، 18) . 3. أن عبادة الأنبياء والعلماء والأتقياء تشتمل على الخوف والرجاء، ولا تخلو من محبة، فمن يرد أن يعبد الله تعالى بإحدى ذلك: فهو مبتدع، وقد يصل الحال به للكفر. قال الله تعالى – في وصف حال المدعوين من الملائكة والأنبياء والصالحين -: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ) الإسراء/ 57. وقال الله تبارك وتعالى – في وصف حال الأنبياء -: (إِِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) الأنبياء/ 90. قال ابن جرير الطبري – رحمه الله -: ويعنى بقوله: (رَغَباً) : أنهم كانوا يعبدونه رغبة منهم فيما يرجون منه، من رحمته، وفضله. (وَرَهَباً) : يعني: رهبة منهم، من عذابه، وعقابه، بتركهم عبادته، وركوبهم معصيته. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. " تفسير الطبري " (18 / 521) . وقال الحافظ ابن كثير – رحمه الله -: وقوله: (إِنَّهُم كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ) أي: في عمل القُرُبات، وفعل الطاعات. (وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا) قال الثوري: (رَغَبًا) فيما عندنا، (وَرَهَبًا) مما عندنا. (وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: أي: مصدِّقين بما أنزل الله، وقال مجاهد: مؤمنين حقّاً، وقال أبو العالية: خائفين، وقال أبو سِنَان: الخشوع هو الخوف اللازم للقلب، لا يفارقه أبداً، وعن مجاهد أيضاً: (خَاشِعِينَ) أي: متواضعين، وقال الحسن، وقتادة، والضحاك: (خَاشِعِينَ) أي: متذللين لله عز وجل، وكل هذه الأقوال متقاربة. " تفسير ابن كثير " (5 / 370) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: قال بعض السلف: " مَن عبد الله بالحب وحده: فهو زنديق، ومَن عبده بالخوف وحده: فهو حروري – أي: خارجي -، ومَن عبده بالرجاء وحده: فهو مرجئ، ومن عبده بالحب والخوف والرجاء: فهو مؤمن موحد. " مجموع الفتاوى " (15 / 21) . 4. اعتقادهم أن الجنة هي الأشجار والأنهار والحور العين، وغفلوا عن أعظم ما في الجنة مما يسعى العبد لتحصيله وهو: رؤية الله تعالى، والتلذذ بذلك، والنار ليست هي الحميم والسموم والزقوم، بل هي غضب الله وعذابه والحجب عن رؤيته عز وجل. قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: ومِن هنا يتبين زوال الاشتباه في قول مَن قال: " ما عبدتُك شوقاً إلى جنَّتك، ولا خوفاً من نارك، وإنما عبدتك شوقاً إلى رؤيتك ". فإن هذا القائل ظنَّ هو ومَن تابعه أن الجنة لا يدخل في مسماها إلا الأكل، والشرب، واللباس، والنكاح، ونحو ذلك مما فيه التمتع بالمخلوقات، ولهذا قال بعض مَن غلط مِن المشائخ لما سمع قوله: (مِنْكُم مَنْ يُريدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُم مَن يُرِيدُ الآخِرَةَ) قال: فأين من يريد الله؟! وقال آخر في قوله تعالى: (إِنَّ الله اشْتَرَى مِنَ المُؤمِنينَ أنْفُسَهُم وَأَمْوَالُهُم بِأَنَّ لَهُم الجَنَّةَ) قال: إذا كانت النفوس والأموال بالجنَّة فأين النظر إليه؟! . وكل هذا لظنِّهم أنَّ الجنَّة لا يدخل فيها النظر، والتحقيق: أن الجنة هي الدار الجامعة لكل نعيم، وأعلى ما فيها: النظر إلى وجه الله، وهو من النعيم الذي ينالونه في الجنة، كما أخبرت به النصوص، وكذلك أهل النار، فإنهم محجوبون عن ربهم يدخلون النار، مع أن قائل هذا القول إذا كان عارفاً بما يقول فإنما قصده أنك لو لم تخلق ناراً، أو لو لم تخلق جنَّة لكان يجب أن تُعبد، ويجب التقرب إليك، والنظر إليك، ومقصوده بالجنة هنا ما يتمتع فيه المخلوق. " مجموع الفتاوى " (10 / 62، 63) . وقال ابن القيم - رحمه الله -: والتحقيق أن يقال: الجنَّة ليست اسماً لمجرد الأشجار، والفواكه، والطعام، والشراب، والحور العين، والأنهار، والقصور، وأكثر الناس يغلطون في مسمى الجنَّة، فإنَّ الجنَّة اسم لدار النعيم المطلق الكامل، ومِن أعظم نعيم الجنَّة: التمتع بالنظر إلى وجه الله الكريم، وسماع كلامه، وقرة العين بالقرب منه، وبرضوانه، فلا نسبة للذة ما فيها من المأكول والمشروب والملبوس والصور إلى هذه اللذة أبداً، فأيسر يسير من رضوانه: أكبر من الجنان وما فيها من ذلك، كما قال تعالى: (وَرِضْوَانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَر) التوبة/ 72، وأتى به مُنَكَّراًَ في سياق الإثبات، أي: أي شيء كان من رضاه عن عبده: فهو أكبر من الجنة. قليل منك يقنعني ... ولكن قليلك لا يقال له قليل وفي الحديث الصحيح حديث الرؤية: (فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم من النظر إلى وجهه) ، وفي حديث آخر: (أنه سبحانه إذا تجلى لهم ورأوا وجهه عيانا: نسوا ما هم فيه من النعيم وذهلوا عنه ولم يلتفوا إليه) . ولا ريب أن الأمر هكذا، وهو أجل مما يخطر بالبال أو يدور في الخيال، ولا سيما عند فوز المحبين هناك بمعية المحبة، فإن (المرء مع مَن أحب) ، ولا تخصيص في هذا الحكم، بل هو ثابت، شاهداً، وغائباً، فأي نعيم، وأي لذة، وأي قرة عين، وأي فوز، يداني نعيم تلك المعية، ولذتها، وقرة العين بها، وهل فوق نعيم قرة العين بمعية المحبوب الذي لا شيء أجل منه، ولا أكمل، ولا أجمل قرة عين ألبتة؟ . وهذا - والله - هو العِلم الذي شمَّر إليه المحبون، واللواء الذي أمَّه العارفون، وهو روح مسمَّى الجنَّة وحياتها، وبه طابت الجنة، وعليه قامت. فكيف يقال: " لا يُعبد الله طلباً لجنَّته، ولا خوفاً من ناره "؟! . وكذلك النار أعاذنا الله منها، فإن لأربابها من عذاب الحجاب عن الله، وإهانته، وغضبه، وسخطه، والبُعد عنه: أعظم من التهاب النار في أجسامهم، وأرواحهم، بل التهاب هذه النار في قلوبهم: هو الذي أوجب التهابها في أبدانهم، ومنها سرت إليها. فمطلوب الأنبياء، والمرسلين، والصدِّيقين، والشهداء، والصالحين: هو الجنَّة، ومهربهم: من النار، والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وحسبنا الله ونعم الوكيل. " مدارج السالكين " (2 / 80، 81) . 5. مؤدى تلك المقولة الاستخفاف بخلق الجنة، والنار، والله تعالى خلقهما، وأعدَّ كل واحدة منهما لمن يستحقها، وبالجنة رغَّب العابدين لعبادته، وبالنار خوَّف خلقه من معصيته والكفر به. 6. كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل الله الجنَّة، ويستعيذ به من النار، وكان يعلِّم ذلك لأصحابه رضوان الله عليهم، وهكذا توارثه العلماء والعبَّاد، ولم يروا في ذلك نقضاً لمحبتهم لربهم تعالى، ولا نقصاً في منزلة عبادتهم. عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) . رواه البخاري (6026) . وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ: (مَا تَقُولُ فِي الصَّلَاةِ؟) قَالَ: أَتَشَهَّدُ، ثُمَّ أَسْأَلُ اللَّهَ الْجَنَّةَ، وَأَعُوذُ بِهِ مِنْ النَّارِ، أَمَا وَاللَّهِ مَا أُحْسِنُ دَنْدَنَتَكَ، وَلَا دَنْدَنَةَ مُعَاذٍ – أي: ابن جبل - قَالَ: (حَوْلَهَا نُدَنْدِن) . رواه أبو داود (792) وابن ماجه (3847) ، وصححه الألباني في " صحيح ابن ماجه ". وعَنْ الْبَرَاء بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وَضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الْأَيْمَنِ وَقُلْ اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ رَهْبَةً وَرَغْبَةً إِلَيْكَ لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ فَإِنْ مُتَّ مُتَّ عَلَى الْفِطْرَةِ فَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَقُولُ) . رواه البخاري (5952) ومسلم (2710) . قال تقي الدِّين السبكي – رحمه الله -: والعاملون على أصناف: صنف عبدوه لذاته، وكونه مستحقّاً لذلك؛ فإنه مستحق لذلك، لو لم يخلق جنَّة ولا ناراً، فهذا معنى قول من قال: " ما عبدناك خوفاً من نارك، ولا طمعاً في جنَّتك "، أي: بل عبدناك لاستحقاقك ذلك، ومع هذا فهذا القائل يسأل الله الجنَّة، ويستعيذ به من النار، ويظن بعض الجهلة خلاف ذلك، وهو جهل، فمَن لم يسأل الله الجنَّة والنجاة من النار: فهو مخالف للسنَّة؛ فإن مِن سنَّة النَّبي صلى الله عليه وسلم ذلك، ولما قال ذلك القائل للنبي صلى الله عليه وسلم: " إنه يسأل الله الجنة، ويستعيذ به من النار "، وقال: " ما أُحسن دندنتك، ولا دندنة معاذ ": قال النبي صلى الله عليه وسلم: (حولها ندندن) . فهذا سيد الأولين والآخرين يقول هذه المقالة، فمن اعتقد خلاف ذلك: فهو جاهل، ختَّال. ومِن آداب أهل السنَّة أربعة أشياء لا بد لهم منها: الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، والافتقار إلى الله تعالى، والاستغاثة بالله، والصبر على ذلك إلى الممات. كذا قال سهل بن عبد الله التستري، وهو كلامٌ حقٌّ. " فتاوى السبكي " (2 / 560) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: كل ما أعده الله لأوليائه: فهو مِن الجنَّة، والنظر إليه هو من الجنة، ولهذا كان أفضل الخلق يسأل الله الجنَّة، ويستعيذ به من النَّار، ولما سألَ بعضَ أصحابه عما يقول في صلاته، قال: " إني أسأل الله الجنَّة، وأعوذ بالله من النَّار، أما إني لا أُحسن دندنتك، ولا دندنة معاذ "، فقال: (حولها ندندن) . " مجموع الفتاوى " (10 / 241) . 7. من أراد أن يعبد الله تعالى بالمحبَّة وحدها دون الخوف والرجاء: فدينه في خطر، وهو مبتدع أشد الابتداع، وقد يصل به الحال أن يخرج من ملَّة الإسلام، وبعض كبار الزنادقة يقول: إننا نعبد الله محبة له، ولو كان مصيرنا الخلود في النار!! ، ويعتقد بعضهم أنه بالمحبة فقط ينال رضا الله ورضوانه، وهو يشابه بذلك عقيدة اليهود والنصارى، حيث قال تعالى عنهم: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) المائدة/ 18. قال تقي الدين السبكي – رحمه الله -: وأما هذا الشخص الذي جرد وصف المحبة، وعبد الله بها وحدها: فقد ربا بجهله على هذا، واعتقد أن له منزلة عند الله رفَعته عن حضيض العبودية، وضآلتها، وحقارة نفسه الخسيسة، وذلتها، إلى أوج المحبة، كأنه آمِنٌ على نفسه، وآخذٌ عهداً من ربِّه أنَّه من المقربين، فضلاً عن أصحاب اليمين، كلا بل هو في أسفل السافلين. فالواجب على العبد: سلوك الأدب مع الله، وتضاؤله بين يديه، واحتقاره نفسه، واستصغاره إياها، والخوف من عذاب الله، وعدم الأمن من مكر الله، ورجاء فضل الله، واستعانته به، واستعانته على نفسه، ويقول بعد اجتهاده في العبادة: " ما عبدناك حق عبادتك "، ويعترف بالتقصير، ويستغفر عقيب الصلوات، إشارة إلى ما حصل منه من التقصير في العبادة، وفي الأسحار، إشارة إلى ما حصل منه من التقصير، وقد قام طول الليل، فكيف من لم يقم؟! . " فتاوى السبكي " (2 / 560) . وقال القرطبي – رحمه الله -: (وادعوه خوفاً وطمعاً) أمر بأن يكون الإنسان في حالة ترقب، وتخوف، وتأميل لله عز وجل، حتى يكون الرجاء والخوف للإنسان كالجناحين للطائر، يحملانه في طريق استقامته، وإن انفرد أحدهما: هلك الإنسان، قال الله تعالى: (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ) الحِجر/ 49، 50. " تفسير القرطبي " (7 / 227) . فأنت ترى أخي السائل أنه يجب عليك أن تسير في عبادتك على ما سار عليه الأنبياء والصالحون من قبلك، فتؤدي ما أمرك الله به من عبادات على الوجه الذي يحبه الله، وتقصد بذلك التقرب إليه، والرجاء بالثواب الذي أعدَّه للعابدين، والخوف من سخطه وعذابه إن حصل تقصير في الطاعات أو ترك لها، ومن زعم أنه يحب ربه تعالى فليريه منه طاعته لنبيه صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) آل عمران/ 31. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 104769 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 686 أنواع التوسل [السُّؤَالُ] ـ[ما هي أنواع التوسل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله التوسل والوسيلة يراد به أحد أمور أربعة: أحدها: لايتم الإيمان إلا به، وهو التوسل إلى الله بالإيمان به وبرسوله وطاعته وطاعة رسوله، وهذا هو المراد بقوله (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه وسيلة) سورة المائدة 35 [ويدخل في هذا؛ التوسل إلى الله بأسمائه وصفاته والتوسّل إليه بطاعات عملها المتوسّل يسأل الله بها ونحو ذلك] والثاني: التوسل إلى الله بطلب دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته وطلب المؤمنين بعضهم بعضاً أن يدعو لهم؛ فهذا تابع للأول ومرغب فيه. الثالث:التوسل بجاه المخلوق وذواتهم، مثل قوله: اللهم! إني أتوجه إليك بجاه نبيك أو نحوه؛ فهذا قد أجازه بعض العلماء، ولكنه ضعيف، والصواب الجزم بتحريمه؛ لأنه لا يتوسل إلى الله في الدعاء إلا بأسمائه وصفاته. الرابع: التوسل في عرف كثير من المتأخرين، وهو دعاء النبي صلى الله عليه وسلم والاستغاثة به (والاستغاثة بالأموات والأولياء) ؛ فهذا من الشرك الأكبر؛ لأن الدعاء والاستغاثة فيما لا يقدر عليه إلا الله عبادة، فتوجيهها لغير الله شرك أكبر. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 979 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 687 الدعاء أثناء الوضوء بجاه النبي صلى الله عليه وسلم [السُّؤَالُ] ـ[عندي عادة لا أدري أهي سيئة أم حسنة: مثلا عند غسل رجلي في الوضوء أدعو ربي أن يثبت رجلي على الصراط بجاه النبي عليه الصلاة والسلام. وكذلك في الصلاة مثلا: رب اغفر لي وارحمني وسامحني بجاه نبيك عليه الصلاة والسلام. فهل مثل هذا الدعاء يجوز أم لا؟ مع العلم أني اعتَدْتُ على الدعاء بهذه الصفة اعتقادا مني أن الله سبحانه وتعالى لا يرد الدعاء لمن توسل إليه بحبيبه عليه الصلاة والسلام.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله دعاء الله تعالى أن يثبت رجل عبده على الصراط، دعاء حسن لا بأس به، نسأل الله تعالى أن يثبت أقدمنا جميعاً. ولكن دخل الخطأ في هذا الدعاء من وجهين: الأول: اعتيادك هذا الدعاء عند غسل الرجلين في الوضوء. فإنك تعلم – أخي السائل – أن الوضوء عبادة، وأن المسلم ليس له أن يغيِّر صفة العبادة أو يزيد عليها، أو ينقص منها. بل كمال الاتباع للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نفعل كما فعل، من غير زيادة ولا نقصان. قال ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (22/510) : " وليس لأحد أن يسن للناس نوعا من الأذكار والأدعية غير المسنون، ويجعلها عبادة راتبة يواظب الناس عليها كما يواظبون على الصلوات الخمس، بل هذا ابتداع دين لم يأذن الله به " انتهى. ولم يكن من هدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدعاء عند غسل أعضاء الوضوء، وقد ورد في ذلك حديث، غير أنه لا يصح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال الحافظ ابن الصلاح: " لم يصح فيه حديث " انتهى. كذا نقله الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" (1/297) . وقال ابن القيم في "المنار المنيف" (45) : " وأما الحديث الموضوع في الذكر على كل عضو فباطل " انتهى. وقال النووي عن دعاء الأعضاء في الوضوء: دعاء الأعضاء لا أصل له" "الفتوحات الربانية" (2/27-29) وفي "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم" (2/49) : " بعض الناس يرى أَن لكل عضو ذكرًا يخصه، ويروى في ذلك شيء من الأَحاديث، لكنها لا تصح أَبدًا، بل هي باطلة " انتهى. وجاء في " دروس للشيخ عبد العزيز بن باز" (درس رقم/13 ش2) : " هذه كلها لا أصل لها، ولم يُحفظ فيها شيء عن النبي عليه الصلاة والسلام، فلا تستحب هذه الدعوات عند هذه الأعضاء، وإنما المستحب شيئان: أولاً: عند البدء بالتسمية. ثانياً: بعد الفراغ بالشهادة. هذا هو المشروع في الوضوء " انتهى. ولا يقال: إن الحديث الضعيف يُعمل به في فضائل الأعمال. لأن هذه القاعدة ليس متفقاً عليها، وهناك من ينازع فيها. ثم إن شرط العمل بالضعيف أن لا يكون شديد الضعف، وهذا الشرط مفقود هنا. كما حققه ابن علان في " الفتوحات الربانية " (2/29) . وقد كتب السيوطي رحمه الله في هذه المسألة رسالة أسماها "الإغضاء عن دعاء الأعضاء" بَيَّن فيها شدة ضعف ما ورد في ذلك وعدم صلاحيته للعمل به ولو في فضائل الأعمال. وانظر جواب السؤال رقم (45730) . وأما الخطأ الثاني فهو قولك في الدعاء (بجاه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) . ولا شك أن جاه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عظيم، ولكن الله تعالى لم يجعل التوسل إليه بذلك من أسباب إجابة الدعاء. ولم يرشدنا الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وهو الذي لم يترك خيراً إلا دلنا عليه – لم يرشدنا إلى التوسل إلى الله بذلك. فعُلِم من ذلك أن هذا الدعاء ليس مشروعاً. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (23265) فاحرص يا أخي على اتباع سنة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعدم الزيادة عليها أو النقص منها، وابتعد عن الأمور المحدثة في الدين، كما أوصنا بذلك الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله: (فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ) رواه أبو داود (4607) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 102269 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 688 الباعث الأول على الطاعة الحب والإجلال [السُّؤَالُ] ـ[أعبد الله ولا أرتكب المعاصي حبّاً فيه واستحياءً منه واحتراماً لجلاله، وليس طمعاً في الجنة أو خوفا من النار، هذا هو سؤالي، هل أنا على حق؟ إذا سألني أحد لماذا لا تزني، أرد عليه وأقول أستحيي من ربي، ولا أقول أخاف من النار؛ لأني أعتقد أن الاحترام أصدق من الخوف، أفيدوني لو سمحتم في أقرب وقت على عنواني الخاص.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ربنا تبارك وتعالى هو الله الذي لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى والصفات العلى، وهو الذي له الألوهية المطلقة، يستحق العبادة والمحبة لكمال ذاته وعظيم صفاته، تألهه قلوب العابدين لجلاله وكماله، ويعبده كل ما دونه لاستحقاقه صفات الحمد والتأله، هذا هو معنى ألوهيته الذي علمه سبحانه لأنبيائه ورسله، وهذا ما ينبغي أن يعيه كل من شهد أنه لا إله إلا هو سبحانه. يقول الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) الأنبياء/25. ويقول عز وجل: (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى. إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْري) طه/13-14. فقد رتب العبادة على تفرده سبحانه بالألوهية، واستحقاقه أن يحمد ويعبد لكمال ذاته وعظيم صفاته. قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: الله سبحانه يستحق لذاته أن يحب ويعبد، وأن يحب لأجله رسوله، والقلوب فيها معنى يقتضي حبه وطاعته، كما فيها معنى يقتضي العلم والتصديق به. " مجموع الفتاوى " (7 / 541) . وقال - رحمه الله -: فقوله: (لا إله إلا أنت) فيه إثبات انفراده بالإلهية، والإلهية تتضمن كمال علمه وقدرته ورحمته وحكمته، ففيها إثبات إحسانه إلى العباد، فإن الإله هو المألوه، والمألوه هو الذي يستحق أن يعبد، وكونه يستحق أن يعبد هو بما اتصف به من الصفات التي تستلزم أن يكون هو المحبوب غاية الحب، المخضوع له غاية الخضوع، والعبادة تتضمن غاية الحب بغاية الذل. " مجموع الفتاوى " (10 / 249) . ومن هنا ندرك أنه ينبغي أن يكون الباعث الأول على العبادة هو ما لله سبحانه من الجلال والعظمة والكمال، وما تفرد به سبحانه من صفات الألوهية والربوبية، ثم الباعث الثاني إنعام الله على عباده، وإحسانه إليهم، فإن القلوب مجبولة على حب من أحسن إليها. قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: أصل المحبة هو معرفة الله سبحانه وتعالى، ولها أصلان: أحدهما: وهو الذي يقال له (محبة العامة) لأجل إحسانه إلى عباده، وهذه المحبة على هذا الأصل لا ينكرها أحد، فإن القلوب مجبولة على حب من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها، والله سبحانه هو المنعم المحسن إلى عبده بالحقيقة، فإنه المتفضل بجميع النعم وإن جرت بواسطة، إذ هو مُيَسِّرُ الوسائط، ومسبب الأسباب، ولكن هذه المحبة فى الحقيقة إذا لم تجذب القلب إلى محبة الله نفسه فما أحبَّ العبدُ في الحقيقة إلا نفسَه، وكذلك كل من أحب شيئا لأجل إحسانه إليه، فما أحب فى الحقيقة إلا نفسه، وهذا ليس بمذموم بل محمود، والمقتصر على هذه المحبة هو لم يعرف من جهة الله ما يستوجب أنه يحبه إلا إحسانه إليه. الأصل الثانى فيه: هو محبته لما هو له أهل، وهذا حب من عرف من الله ما يستحق أن يحب لأجله، وما من وجه من الوجوه التى يعرف الله بها مما دلت عليه أسماؤه وصفاته إلا وهو يستحق المحبة الكاملة من ذلك الوجه، حتى جميع مفعولاته، إذ كل نعمة منه فضل، وكل نقمة منه عدل، ولهذا استحق أن يكون محمودا على كل حال، ويستحق أن يحمد على السراء والضراء، وهذا أعلى وأكمل، وهذا حب الخاصة، وهؤلاء هم الذين يطلبون لذة النظر إلى وجهه الكريم، ويتلذذون بذكره ومناجاته، ويكون لهم أعظم من الماء للسمك، حتى لو انقطعوا عن ذلك لوجدوا من الألم ما لا يطيقون، وهم السابقون. كما فى صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسِيرُ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ فَمَرَّ عَلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ جُمْدَانُ فَقَالَ سِيرُوا هَذَا جُمْدَانُ سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ قَالُوا وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ) . وفى رواية أخرى: (قَالُوا وَمَا الْمُفْرِدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الْمُسْتَهْتَرُونَ فِي ذِكْرِ اللَّهِ، يَضَعُ الذِّكْرُ عَنْهُمْ أَثْقَالَهُمْ، فَيَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِفَافًا) رواه الترمذي وقال: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ ". " مجموع الفتاوى " (10 / 84) . ثانياً: ومن أحب الله لكماله وجلاله واستحقاقه المحبة والتأله والتعبد لا شك أنه يحب قربَه سبحانه، ويتشوف إلى النظر إليه، ويتشوق إلى لقائه، يسعى للحصول على رضاه، ويرجو أن ينال محبته وكرمه ويكون عنده من المقربين. وذلك كله لا يكون إلا بدخول الجنة التي هي محل رضوان الله، وفيها ينظر أهلها إلى وجه الله، وتمتلئ قلوبهم بمحبة معبودهم وإلههم الذي تنفطر القلوب شوقا إليه وإجلالا له، كما يكون فيها من النعيم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. هذه هي الجنة التي طمَّعنا الله فيها، وطَمِعَ بها الأنبياء والصالحون والأولياء، كي يكونوا فيها بجوار الكريم سبحانه، ويتنعمون فيها برضوانه والقرب منه، فذلك أكبر لذات الجنة. يقول سبحانه وتعالى: (وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) التوبة/72. وبهذا نعلم أن ليس ثمة تعارض بين عبادة الله محبة له وإجلالا، وبين سؤال الجنة وطلبها والشوق إليها والحرص على المسابقة إليها، وكذا الاستعاذة من النار والخوف منها، فإن العبد الذي يحب الله لذاته إذا استحضر أن الجنة دار رضوان الله ودار كرامته، وأنه سيجد فيها من قرب الله ما يزيد محبته وأنسه وشوقه: فلا شك أنه سيعمل لدخولها، ويسعى للدرجات العلى منها، ويحتسب طاعاته في الدنيا وسائلَ تقربه إليها وتبعده عن النار التي هي دار المهانة والبعد والغضب والعذاب. ثالثا: وأنتِ - أختنا الفاضلة - إذا تصورتِ معي ما سبق علمت خطأك حين ظننت أن الطمع في الجنة والخوف من النار يتعارض مع محبة الله إجلالا وتعظيما؛ لأن محبة الله تعني الشوق إليه، والرغبة في القرب منه، والسعي إلى رضوانه وتجنب سخطه؛ ولأن المحب يشتاق إلى محبوبه، وعذابه في البعد عنه، فكيف بسخطه عليه. ولكن لما توهم كثير من الناس أن نعيم الجنة إنما هو طعام وشراب وحور عين ونحوها من اللذات الحسية قامت في أذهانهم تلك المعارضة بين محبة الله وعبادته وبين سؤال الجنة والاستعاذة من النار. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: ومن هنا يتبين زوال الاشتباه فى قول من قال: ما عبدتك شوقاً إلى جنَّتك ولا خوفاً من نارك، وإنما عبدتك شوقاً إلى رؤيتك. فإن هذا القائل ظنَّ هو ومن تابعه أن الجنة لا يدخل فى مسماها إلا الأكل والشرب واللباس والنكاح ونحو ذلك مما فيه التمتع بالمخلوقات، ولهذا قال بعض من غلط من المشائخ لما سمع قوله: (مِنْكُم مَنْ يُريدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُم مَن يُرِيدُ الآخِرَةَ) قال: فأين من يريد الله؟! وقال آخر فى قوله تعالى: (إِنَّ الله اشْتَرَى مِنَ المُؤمِنينَ أنْفُسَهُم وَأَمْوَالُهُم بِأَنَّ لَهُم الجَنَّةَ) قال: إذا كانت النفوس والأموال بالجنة فأين النظر إليه؟! . وكل هذا لظنِّهم أنَّ الجنَّة لا يدخل فيها النظر، والتحقيق أن الجنة هي الدار الجامعة لكل نعيم، وأعلى ما فيها النظر إلى وجه الله، وهو من النعيم الذى ينالونه فى الجنة كما أخبرت به النصوص، وكذلك أهل النار، فإنهم محجوبون عن ربهم يدخلون النار، مع أن قائل هذا القول إذا كان عارفاً بما يقول فإنما قصده أنك لو لم تخلق ناراً، أو لو لم تخلق جنَّة لكان يجب أن تعبد، ويجب التقرب إليك، والنظر إليك، ومقصوده بالجنة هنا ما يتمتع فيه المخلوق. " مجموع الفتاوى " (10 / 62، 63) . ويقول ابن القيم - رحمه الله -: والتحقيق أن يقال: الجنة ليست اسماً لمجرد الأشجار والفواكه والطعام والشراب والحور العين والأنهار والقصور، وأكثر الناس يغلطون في مسمى الجنة، فإن الجنة اسم لدار النعيم المطلق الكامل، ومن أعظم نعيم الجنة: التمتع بالنظر إلى وجه الله الكريم، وسماع كلامه، وقرة العين بالقرب منه وبرضوانه، فلا نسبة للذة ما فيها من المأكول والمشروب والملبوس والصور إلى هذه اللذة أبدا، فأيسر يسير من رضوانه: أكبر من الجنان وما فيها من ذلك، كما قال تعالى: (ورضوان من الله أكبر) التوبة/72، وأتى به مُنَكَّرًا في سياق الإثبات، أي أي شيء كان من رضاه عن عبده: فهو أكبر من الجنة. قليل منك يقنعني ... ولكن قليلك لا يقال له قليل وفي الحديث الصحيح حديث الرؤية: (فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم من النظر إلى وجهه) وفي حديث آخر: (أنه سبحانه إذا تجلى لهم ورأوا وجهه عيانا: نسوا ما هم فيه من النعيم وذهلوا عنه ولم يلتفوا إليه) . ولا ريب أن الأمر هكذا، وهو أجل مما يخطر بالبال أو يدور في الخيال، ولا سيما عند فوز المحبين هناك بمعية المحبة، فإن المرء مع من أحب، ولا تخصيص في هذا الحكم بل هو ثابت شاهدا وغائبا، فأي نعيم وأي لذة وأي قرة عين وأي فوز يداني نعيم تلك المعية ولذتها وقرة العين بها، وهل فوق نعيم قرة العين بمعية المحبوب الذي لا شيء أجل منه ولا أكمل ولا أجمل قرة عين ألبتة؟ . وهذا - والله - هو العلَم الذي شمر إليه المحبون، واللواء الذي أمه العارفون، وهو روح مسمى الجنة وحياتها، وبه طابت الجنة وعليه قامت. فكيف يقال: " لا يعبد الله طلباً لجنته ولا خوفاً من ناره "؟! . وكذلك النار أعاذنا الله منها، فإن لأربابها من عذاب الحجاب عن الله وإهانته وغضبه وسخطه والبعد عنه: أعظم من التهاب النار في أجسامهم وأرواحهم، بل التهاب هذه النار في قلوبهم: هو الذي أوجب التهابها في أبدانهم، ومنها سرت إليها. فمطلوب الأنبياء والمرسلين والصديقين والشهداء والصالحين: هو الجنة، ومهربهم: من النار. والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله وحسبنا الله ونعم الوكيل. " مدارج السالكين " (2 / 80، 81) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 87534 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 689 معنى العبودية في الإسلام [السُّؤَالُ] ـ[أرجو توضيح معنى العبودية في الإسلام (العبودية لله والعبودية للناس) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عبودية المسلم لله عزّ وجلّ هي التي أمر بها سبحانه في كتابه وأرسل الرسل لأجلها كما قال تعالى (ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) النحل - 36 والعبودية في اللغة مأخوذة من التعبيد تقول عبّدت الطريق أي ذللته وسهلته، وعبودية العبد لله لها معنيان عام وخاص، فإن أريد المُعبّد أي المذلل والمسخر فهو المعنى العام ويدخل فيه جميع المخلوقات من جميع العالم العلوي والسفلي من عاقل وغيره ومن رطب ويابس ومتحرك وساكن وكافر ومؤمن وبَرٍّ وفاجر فالكل مخلوق لله عز وجل مسخر بتسخيره مدبر بتدبيره ولكل منهم حدٌّ يقف عنده. وإن أريد بالعبد العابد لله المُطيع لأمره كان ذلك مخصوصا بالمؤمنين دون الكافرين لأن المؤمنين هم عباد الله حقا الذين أفردوه بربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته ولم يشركوا به شيئاً. كما قال تعالى في قصّة إبليس: قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ. سورة الحجر أما العبادة التي أمر الله بها فهي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة والبراءة مما ينافي ذلك فيدخل في هذا التعريف الشهادتان والصلاة والحج والصيام والجهاد في سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله والملائكة والرسل واليوم الآخر وقوام هذه العبادة الإخلاص بأن يكون قصد العابد وجه الله عز وجل والدار الآخرة قال تعالى {ويتجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى) الليل 17-21. فلا بد من الإخلاص ثم لا بد من الصدق: بأن يبذل المؤمن جهده في امتثال ما أمر الله به واجتناب ما نهى عنه والاستعداد للقاء الله تعالى وترك العجز والكسل وإمساك النفس عن الهوى كما قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} التوبة 119. ثم لا بد من متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيعبد العابد الله تعالى بوفق ما شَرَع عزّ وجلّ لا بحسب ما يهوى المخلوق ويبتدع وهذا هو المقصود باتّباع النبي المرسل من عند الله محمد صلى الله عليه وسلم فلا بد من الإخلاص والصدق والمتابعة فإذا عُرفت هذه الأمور تبين لنا أن كل ما يضاد هذه التعاريف فهو من العبودية للناس فالرياء هو عبودية للناس والشرك هو عبودية للناس وترك الأوامر واسخاط الرب مقابل رضى الناس عبودية للناس وكلّ من قدّم طاعة هواه على طاعة ربه فقد خرج عن مقتضى العبودية وخالف المنهج المستقيم ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم تعس عبد الدينار وتعس عبد الدرهم وتعس عبد الخميصة وتعس عبد الخميلة إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش. والعبودية لله تجمع وتتضمن المحبة والخوف والرجاء فالعبد يحبّ ربّه ويخاف عقابه ويرجو رحمته وثوابه فهذه أركانه الثلاثة التي لا تقوم إلا بها. والعبودية لله شرف وليست مذلّة كما قال الشاعر: ومما زادني شرفا وتيها وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيّرت أحمد لي نبيا نسأل الله أن يجعلنا من عباده الصالحين وصلى الله على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 6622 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 690 أول واجب على الخلق [السُّؤَالُ] ـ[ما هو أول واجب على الخلق؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أول واجب على الخلق هو أول ما يدعى الخلق إليه وقد بينه النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه حين بعثه لليمن فقال له: (إنك تأتي قوماً أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله , وأن محمداً رسول الله) . فهذا أول واجب على العباد أن يوحدوا الله عز وجل , وأن يشهدوا لرسوله صلى الله عليه وسلم بالرسالة. وبتوحيد الله عز وجل والشهادة لرسوله صلى الله عليه وسلم يتحقق الإخلاص , والمتابعة اللذان هما شرط لقبول كل عبادة. [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ج/1 ص 84. الحديث: 9358 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 691 حكم سؤال الله بجاه الصالحين ومكانتهم عنده [السُّؤَالُ] ـ[هل الأموات الصالحون ربنا يكرم بهم العبد الحي إذا سألنا الله بصلاح الشيخ فلان وبفضله عندك وبعبادته لك أن تفرج يا الله كربتي ونحن نعلم أن الفائدة من الله؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا شك أن الدعاء هو من أعظم العبادات الشرعية التي يتقرب بها العبد لربه سبحانه وتعالى، ولا شك أيضاً أنه لا يجوز لأحد من العباد أن يعبد الله إلا بما شرعه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم لما روى البخاري (2499) ومسلم (3242) من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ " وفي لفظ لمسلم (3243) :" من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " وبهذا يعلم أن التوجه إلى الله تعالى والتوسل إليه بما لم يرد عن نبيه صلى الله عليه وسلم لا قولاً ولا فعلاً، وبما لم يفعله أصحابه الكرام الذين كانوا أحرص الناس على الخير وأسبقهم إليه؛ بدعة منكرة ينبغي للعبد الذي يحب ربه، ويتابع رسوله صلى الله عليه وسلم ألا يقدم عليها ولا يتعبد بها. فإذا نظرنا إلى ما ذكرته ـ أيها السائل ـ من التوسل إلى الله بمكانة الصالحين، وعبادتهم وجاههم عند الله؛ وجدنا أنه أمر مُحْدَثٌ لم يَرِدْ عنه صلى الله عليه وسلم، ولا ورد عن صحابته الكرام أنهم توسلوا يوماً ما بجاهه ومكانته عند ربه لا في حياته ولا بعد مماته بل كانوا في حياته يتوسلون إلى الله بدعائه لهم، فلما توفي عليه الصلاة والسلام توسلوا إلى الله بدعاء الصالحين من الأحياء وتركوا التوسل بجاهه؛ مما يدل بجلاء على أن التوسل بذاته وجاهه لو كان خيراً مشروعا لسبقونا إليه، ومن ذا يزعم أنه أحرص من عمر بن الخطاب رضي الله عنه على الخير، وهاهو يُعرِض عن التوسل إلى الله بجاه نبيه صلى الله عليه وسلم ليتوسل إليه بدعاء عم نبيه، والصحابة الكرام يشهدون ذلك منه دون نكير أو مخالفة؛ كما في صحيح البخاري (954) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه: " أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ إِذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ:" اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا قَالَ فَيُسْقَوْنَ " ومعنى توسلهم بالنبي صلى الله عليه وسلم أو بالعباس هو: التوسل بدعائه بدلالة مَا وَرَدَ فِي بَعْض طُرُق الحديث ,َ عن أَنَس قَالَ " كَانُوا إِذَا قَحَطُوا عَلَى عَهْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِسْتَسْقَوْا بِهِ , فَيَسْتَسْقِي لَهُمْ فَيُسْقَوْنَ فَلَمَّا كَانَ فِي إِمَارَة عُمَر " فَذَكَرَ الْحَدِيث أخرجه الإسماعيلي في مستخرجه على الصحيح. وجاء عند عَبْد الرَّزَّاق مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس " أَنَّ عُمَر اِسْتَسْقَى بِالْمُصَلَّى , فَقَالَ لِلْعَبَّاسِ: قُمْ فَاسْتَسْقِ , فَقَامَ الْعَبَّاس " فَذَكَرَ الْحَدِيث. نقله الحافظ في الفتح وسكت عليه. فتبين بهذا أن التوسل الذي قصده عمر رضي الله عنه إنما هو التوسل بدعاء الرجل الصالح وهو توسل صحيح مشروع دلت عليه الأدلة الكثيرة وهو المعروف من حال الصحابة الكرام رضي الله عنهم فإنهم كانوا إذا أقحطوا واحتبس عنهم المطر طلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعو لهم فيدعو فيسقون، والأحاديث في ذلك كثيرة مشهورة. جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (1/153) " الدعاء بجاه رسول الله أو بجاه فلان من الصحابة أو غيرهم أو بحياته لا يجوز، لأن العبادات توقيفية، ولم يشرع الله ذلك، وإنما شرع لعباده التوسل إليه سبحانه بأسمائه وصفاته وبتوحيده والإيمان به وبالأعمال الصالحات، وليس بجاه فلان وفلان وحياته من ذلك، فوجب على المكلفين الاقتصار على ما شرع الله سبحانه، وبذلك يُعلم أن التوسل بجاه فلان وحياته وحقه من البدع المحدثة في الدين " اهـ. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:" ليس لأحد أن يُدِلَّ على الله بصلاح سلفه، فإنه ليس صلاحهم من عمله الذي يستحق به الجزاء كأهل الغار الثلاثة فإنهم لم يتوسلوا إلى الله بصلاح سلفهم وإنما توسلوا إلى الله بأعمالهم ا. هـ. نسأل الله أن يثبتنا على دينه وشرعه حتى نلقاه.. آمين. والله أعلم. انظر (التوسل أنواعه وأحكامه للشيخ الألباني ص55 وما بعدها، وفتاوى اللجنة الدائمة 1/ 153) ، والتوصل إلى حقيقة التوسل للشيخ محمد نسيب الرفاعي ص 180) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 23265 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 692 وجوب تكسير الأصنام [السُّؤَالُ] ـ[هل يجب تكسير التماثيل في الإسلام، ولو كانت من التراث الإنساني والحضاري؟ ولماذا لما فتح الصحابة البلاد ورأوا فيها التماثيل لم يكسروها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله دلت الأدلة الشرعية على وجوب هدم الأصنام، ومن ذلك: 1- ما رواه مسلم (969) عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أن لا تدع تمثالا إلا طمسته، ولا قبراً مشرفا إلا سويته ". 2- وما رواه مسلم (832) عن عمرو بن عبسة أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: وبأي شيء أرسلك؟ قال: " أرسلني بصلة الأرحام، وكسر الأوثان، وأن يوحد الله لا يشرك به شيء ". ويتأكد وجوب هدمها إذا كانت تعبد من دون الله: 3- روى البخاري (3020) ومسلم (2476) عن جرير بن عبد الله البجلي قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا جرير ألا تريحني من ذي الخلصة بيت لخثعم كان يدعى كعبة اليمانية قال فنفرت في خمسين ومائة فارس وكنت لا أثبت على الخيل فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فضرب يده في صدري فقال اللهم ثبته واجعله هاديا مهديا قال فانطلقَ فحرَّقها بالنار ثم بعث جرير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يبشره يكنى أبا أرطاة منا فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ما جئتك حتى تركناها كأنها جمل أجرب فبرك رسول الله صلى الله عليه وسلم على خيل أحمس ورجالها خمس مرات ". قال الحافظ ابن حجر: وَفِي الْحَدِيث مَشْرُوعِيَّة إِزَالَة مَا يُفْتَتَن بِهِ النَّاس مِنْ بِنَاء وَغَيْره سَوَاء كَانَ إِنْسَانًا أَوْ حَيَوَانًا أَوْ جَمَادًا اهـ. 4- وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد رضي الله عنه في سرية لهدم العزى. 5- وأرسل سعد بن زيد الأشهلي رضي الله عنه في سرية لهدم مناة. 6- وأرسل عمرو بن العاص رضي الله عنه في سرية لهدم سواع. وذلك كله بعد فتح مكة. [البداية والهاية 4/712، 776، 5/83، السيرة النبوية للدكتور علي الصلابي 2/1186] . قال النووي في "شرح مسلم" في كلام له على التصوير: وَأَجْمَعُوا عَلَى مَنْع مَا كَانَ لَهُ ظِلّ , وَوُجُوب تَغْيِيره اهـ. والذي له ظل من الصور هو الصور المجسمة كهذه التماثيل. وأما ما يقال في ترك الصحابة رضي الله عنهم للأصنام في البلاد المفتوحة، فهذا من الظنون والأوهام، فما كان لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعوا الأصنام والأوثان، لاسيما مع كونها معبودة في ذلك الزمن. فإن قيل: فهذه الأصنام القديمة للفراعنة والفينيقيين وغيرهم، كيف تركها الصحابة الفاتحون؟ فالجواب: أن هذه الأصنام لا تخرج عن ثلاثة وجوه: الأول: أن تكون تلك الأصنام في أماكن نائية لم يصل إليها الصحابة، فإن فتح الصحابة لمصر مثلاً لا يعني وصولهم إلى كل أرض فيها. الثاني: أن تكون تلك الأصنام غير ظاهرة، بل داخل منازل الفراعنة وغيرهم، وقد كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم الإسراع عند المرور على ديار الظلمة والمعذبين، بل جاء نهيه عن دخول تلك الأماكن. ففي الصحيحين: " لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين، أن يصيبكم مثل ما أصابهم " قال ذلك صلى الله عليه وسلم عند مروره على أصحاب الحجر، في ديار ثمود قوم صالح عليه السلام. وفي رواية في الصحيحين أيضاً: " فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم، أن يصيبكم مثل ما أصابهم ". والظن بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم إن رأوا معبداً أو منزلاً لهؤلاء أن لا يدخلوه، وأن لا يطلعوا على ما فيه. وهذا مما يزيل الإشكال حول عدم تعرض الصحابة للأهرام وما فيها، مع احتمال كون أبوابها ومداخلها مطمورة بالرمال في ذلك الوقت. الثالث: أن كثيراً من هذه الأصنام الظاهرة اليوم كان مغموراً مطموراً، أو اكتشف حديثاً، أو جيء به من أماكن نائية لم يصل إليها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. فقد سئل الزركلي عن الأهرام وأبي الهول ونحوها: هل رآها الصحابة الذين دخلوا مصر؟ فقال: كان أكثرها مغموراً بالرمال، ولاسيما أبا الهول. (شبه جزيرة العرب 4/1188) . ثم بقال لو قدر وجود تمثال ظاهر غير مطمور، فلا بد من ثبوت أن الصحابة رأوه، وأنهم كانوا قادرين على هدمه. والواقع يشهد أن بعض هذه التماثيل يعجز الصحابة رضي الله عنهم عن هدمه، فقد استغرق هدم بعض هذه التماثيل عشرين يوماً، مع وجود الآلات والأدوات والمتفجرات والإمكانيات التي لم تتوفر للصحابة قطعاً. ومما يدل على ذلك ما ذكره ابن خلدون في (المقدمة ص 383) أن الخليفة الرشيد عزم على هدم إيوان كسرى، فشرع في ذلك وجمع الأيدي، واتخذ الفؤوس، وحَمَّاه بالنار، وصب عليه الخل، حتى أدركه العجز وأن الخليفة المأمون أراد أن يهدم الأهرام في مصر فجمع الفعلة ولم يقدر. وأما التعلل بكون هذه التماثيل من التراث الإنساني، فهذا كلام لا يلتفت إليه، فإن اللات والعزى وهبل ومناة وغيرها من الأصنام كانت تراثاً لمن يعدها في قريش والجزيرة. وهو تراث، لكنه تراث محرم يجب إزالته، وإذا جاء أمر الله ورسوله فالمؤمن يبادر إلى الامتثال ولا يرد أمر الله ورسوله بمثل هذه الحجج الواهية، قال تعالى: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) النور / 51 ونسأل الله أن يوفق جميع المسلمين لما يحبه ويرضاه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20894 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 693 رب العالمين [السُّؤَالُ] ـ[من هو رب العالمين؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الله وحده هو الرب الخالق الرازق.. المالك المتصرف.. العليم الحكيم.. الحي القيوم.. السميع البصير.. اللطيف الخبير.. الرحمن الرحيم.. الحليم الغفور.. العزيز الجبار.. العفو الكريم.. القوي القادر.. البارئ المصور.. - له ملك السماوات والأرض بيده الخير وهو على كل شيء قدير. - لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى والصفات العلى.. (الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى) طه / 8. - يفعل ما يشاء.. ويحكم ما يريد.. (وربك يخلق ما يشاء ويختار) القصص 68 /. - مالك الملك.. يعز من يشاء.. ويذل من يشاء.. (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير) .آل عمران/26. - هو يحيي ويميت، ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.. (والله يحيي ويميت والله بما تعملون بصير) آل عمران/156. - له الخلق والأمر وحده.. (ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين) الأعراف/ 54. - هو الأول فليس قبله شيء.. والآخر فليس بعده شيء.. والظاهر فليس فوقه شيء.. والباطن فليس دونه شيء.. (هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم) الحديد /3. - خالق كل شيء وهو بكل شيء عليم.. (ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على شيء وكيل) الأنعام /102. - لطيف عظيم محيط بكل شيء.. (وكان الله بكل شيء محيطاً) النساء / 126. - حي قيوم.. له ما في السماوات وما في الأرض.. لا يخفى عليه شيء.. ولا يعجزه شيء.. ولا يحيط به شيء.. (الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم) البقرة /255. - علم كل شيء وأحصاه.. (وكل شيء أحصيناه في إمام مبين) يس / 12. - جواد كريم.. الرزق كله منه.. (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها) هود/ 6 - نعمه لا تعد ولا تحصى.. (وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) إبراهيم / 34. - وخزائنه ملأت الأرض والسماء.. (ولله خزائن السماوات والأرض) المنافقون /7. - غني حميد يعطي العباد ولا تنقضي خزائنه.. (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد) فاطر / 15. - عفو غفور يرحم عباده ويتجاوز عن سيئاتهم.. (إن الله لعفو غفور) الحج / 60. - عالم الغيب والشهادة.. عزيز في ملكه.. حكيم في تدبيره.. (عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم) التغابن / 18. - يعلم السر والجهر وما يخفى.. (وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون) الأنعام / 3. - لطيف خبير.. (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير) الأنعام / 103. - واحد في ذاته وصفاته وأفعاله 00 (قل هو الله أحد - الله الصمد - لم يلد ولم يولد - ولم يكن له كفواً أحد) الإخلاص / 1-4. - سبحانه له الأسماء الحسنى والصفات العلى لا شريك له.. (ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون) الزمر/ 6. - ومن هذا ملكه.. وهذه صفاته.. وهذا خلقه.. وهذه نعمه.. هو الذي يستحق الحمد والشكر.. وإخلاص العبادة له دون سواه.. (إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا تذكرون) يونس / 3. - خلق فسوى.. وقدر فهدى.. ورزق فأغنى.. (الله الذي جعل لكم الأرض قرارًا والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين) غافر / 64. - اللهم لك الحمد على الملك العظيم.. (الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض) سبأ / 1. - اللهم لك الحمد على الخلق العظيم.. (الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض) الأنعام / 1. -اللهم لك الحمد هديتنا للإسلام.. وأنزلت علينا القرآن.. ورزقتنا من الطيبات.. وجعلتنا خير الأمم.. وأكرمتنا بوافر النعم.. لا إله إلا أنت.. لك الملك.. ولك الخلق والأمر.. ولك الفضل كله.. ولك الحمد كله.. (الحمد لله رب العالمين - الرحمن الرحيم - مالك يوم الدين - إياك نعبد وإياك نستعين) . الفاتحة /2- 5. [الْمَصْدَرُ] من كتاب أصول الدين الإسلامي: تأليف الشيخ محمد بن إبراهيم التويجري. الحديث: 14010 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 694 حديث توسل آدم بالنبي وتفسير: (وابتغوا إليه الوسيلة) [السُّؤَالُ] ـ[أرجو تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة) المائدة/35، وذلك ردّاً على الصوفية في التوسل، حيث إن بعضهم فسرها بجواز التوسل بالأنبياء والأولياء، أما بالنسبة لحديث آدم لما اقترف الخطيئة فيقولون: إن البيهقي صحح الحديث، وإن الذهبي أثنى على هذا الكتاب.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: حديث اقتراف آدم للخطيئة وتوسله بالنبي صلى الله عليه وسلم حديث موضوع مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آدم عليه السلام. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (34715) ونقلنا عن أهل العلم تبيينهم لكذبه، ومن هؤلاء العلماء الإمام الذهبي رحمه الله. والبيهقي رحمه الله لم يرو الحديث في سننه، بل رواه في "دلائل النبوة" (5/489) وضعَّفه، فقد قال بعد سياقه للحديث: " تفرد به عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وهو ضعيف ". ومما يرجح نكارة المتن وبطلانه: أن الدعاء الذي قبِل الله به توبة آدم هو ما قاله الله في سورة الأعراف: (قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) الأعراف/23، فهذا هو الدعاء الذي دعا به آدم وحواء، وفيه دعاء الله تعالى وحده، والتوسل بأسمائه وصفاته، والتوسل بذكر حالهم، وهي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه ثم قالها فتاب الله تعالى عليه، كما قال تعالى: (فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) البقرة/37. ثانياً: أما تفسير لفظ " الوسيلة " في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) المائدة/35: فهي الطريق الموصلة إلى الله تعالى، ولا طريق موصلة إليه عز وجل إلا الطريق التي يحبها الله ويرضى عنها، وتكون بطاعته وترك معصيته. قال ابن كثير رحمه الله: " يقول تعال آمراً عباده المؤمنين بتقواه، وهي إذا قرنت بطاعته كان المراد بها الانكفاف من المحارم وترك المنهيات، وقد قال بعدها: (وابتغوا إليه الوسيلة) قال سفيان الثوري عن طلحة عن عطاء عن ابن عباس: أي: القربة، وكذا قال مجاهد وأبو وائل والحسن وقتادة وعبد الله بن كثير والسدي وابن زيد وغير واحد، وقال قتادة: أي: تقربوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه، وقرأ ابن زيد: (أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة) ، وهذا الذي قاله هؤلاء الأئمة لا خلاف بين المفسرين فيه. والوسائل والوسيلة: هي التي يتوصل بها إلى تحصيل المقصود " انتهى. "تفسير ابن كثير" (2/53، 54) . وقال الشنقيطي رحمه الله: " اعلم أن جمهور العلماء على أن المراد بالوسيلة هنا هو القربة إلى الله تعالى بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه على وفق ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم بإخلاص في ذلك لله تعالى؛ لأن هذا وحده هو الطريق الموصلة إلى رضى الله تعالى، ونيل ما عنده من خير الدنيا والآخرة. وأصل الوسيلة: الطريق التي تقرب إلى الشيء، وتوصل إليه وهي العمل الصالح بإجماع العلماء؛ لأنه لا وسيلة إلى الله تعالى إلا باتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فالآيات المبينة للمراد من الوسيلة كثيرة جدّاً كقوله تعالى: (وَمَآءَاتَـ?كُمُ ?لرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَـ?كُمْ عَنْهُ فَ?نتَهُواْ) ، وكقوله: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ?للَّهَ فَ?تَّبِعُونِى) ، وقوله: (قُلْ أَطِيعُواْ ?للَّهَ وَأَطِيعُواْ ?لرَّسُولَ) ، إلى غير ذلك من الآيات. وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن المراد بالوسيلة الحاجة. . . وعلى هذا القول الذي روي عن ابن عباس فالمعنى: (وَ?بْتَغُواْ إِلَيهِ ?لْوَسِيلَةَ) : واطلبوا حاجتكم من الله؛ لأنه وحده هو الذي يقدر على إعطائها، ومما يبين معنى هذا الوجه قوله تعالى: (إِنَّ ?لَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ?للَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَ?بْتَغُواْ عِندَ ?للَّهِ ?لرِّزْقَ وَ?عْبُدُوهُ) ، وقوله: (وَ?سْأَلُواْ ?للَّهَ مِن فَضْلِهِ) ، وفي الحديث: (إذا سألتَ فاسأل الله) . ثم قال الشنقيطي رحمه الله: التحقيق في معنى الوسيلة هو ما ذهب إليه عامة العلماء من أنها التقرب إلى الله تعالى بالإخلاص له في العبادة، على وفق ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وتفسير ابن عباس داخل في هذا؛ لأن دعاء الله والابتهال إليه في طلب الحوائج من أعظم أنواع عبادته التي هي الوسيلة إلى نيل رضاه ورحمته. وبهذا التحقيق تعلم أن ما يزعمه كثير من ملاحدة أتباع الجهَّال المدعين للتصوُّف من أن المراد بالوسيلة في الآية الشيخ الذي يكون له واسطة بينه وبين ربه: أنه تخبط في الجهل والعمى وضلال مبين، وتلاعب بكتاب الله تعالى، واتخاذ الوسائط من دون الله من أصول كفر الكفار، كما صرح به تعالى في قوله عنهم: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ?للَّهِ زُلْفَى?) وقوله: (وَيَقُولُونَ هَـ?ؤُلا?ءِ شُفَعَـ?ؤُنَا عِندَ ?للَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ ?للَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِى ?لسَّمَوَتِ وَلاَ في ?لأرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى? عَمَّا يُشْرِكُونَ) ، فيجب على كل مكلف أن يعلم أن الطريق الموصلة إلى رِضى الله وجنته ورحمته هي اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن حاد عن ذلك فقد ضل سواء السبيل، (لَّيْسَ بِأَمَـ?نِيِّكُمْ وَلا? أَمَانِىِّ أَهْلِ ?لْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُو?ءًا يُجْزَ بِهِ) . وهذا الذي فسرنا به الوسيلة هنا هو معناها أيضاً في قوله تعالى: (أُولَـ?ئِكَ ?لَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى? رَبِّهِمُ ?لْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ) ، وليس المراد بالوسيلة أيضاً المنزلة التي في الجنة التي أمرنا صلى الله عليه وسلم أن نسأل له الله أن يعطيه إياها، نرجو الله أن يعطيه إياها؛ لأنها لا تنبغي إلا لعبد، وهو يرجو أن يكون هو " انتهى باختصار. "أضواء البيان" (2/86– 88) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 60041 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 695 حكم نداء الملائكة والطّلب منهم قبل النوم [السُّؤَالُ] ـ[اشتهر عند بعض العوام أن يقول أحدهم قبل النوم يا ملائكة الحفظ أيقظوني في الساعة كذا أو عند وقت كذا؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا لا يجوز بل هو من الشرك الأكبر؛ لأنه دعاء لغير الله وطلب من الغائب، فهو كالطلب من الجن والأصنام والأموات لعموم قوله تعالى: (وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحداً) 18/الجن، وقوله سبحانه: (ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير) 13-14/فاطر، فسمى سبحانه دعاء غيره من الأموات والأصنام والجن والملائكة شركاً به سبحانه وقال عز وجل: (وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً) 6/الجن، وقال سبحانه: (ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون) 117/المؤمنون، فسمى الداعين لغيره كافرين، وهذا يعم جميع المدعوين من دون الله من أموات أو أصنام أو جن أو ملائكة، ولا يستثنى من ذلك إلا الحي الحاضر القادر لقول الله سبحانه في قصة موسى: (فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه) 15/القصص. ومن هذا الشرك قول بعض الناس: يا جن خذوه يا سبعة خذوه، أو يا جن الظهيرة خذوه، أو يا جن الشعب الفلاني أو يا جن بلد فلان فهذا كله شرك أكبر ودعوة لغير الله من الغائبين، فإذا قال يا ملائكة الله أيقظوني أو احفظوني فهذا شرك أكبر، أو يا جن البيت احفظوني أو أيقظوني فهذا شرك أكبر نعوذ بالله من ذلك والواجب على المسلم أن يحذر ذلك وأن يستغيث بالله وحده ويسأله وحده ففيه الكفاية سبحانه، وهو القادر على كل شيء وهو القائل عز وجل: (ادعوني أستجب لكم) 60/غافر، والقائل سبحانه: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) 186/البقرة، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله) . نسأل الله أن يوفقنا وجميع المسلمين للفقه في دينه والسلامة من أسباب غضبه إنه سميع قريب. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - م/7، ص/180. الحديث: 10084 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 696 ما معنى سجود الملائكة لآدم وسجود إخوة يوسف له [السُّؤَالُ] ـ[لماذا أمر الله الملائكة أن تسجد لآدم؟ ولماذا سجد إخوة يوسف ليوسف؟ أعرف أن السجود يجب أن يكون لله.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله السجود يكون على وجهين: يكون تعظيماً وتقرباً إلى من سُجِدَ لهُ، وهذا سُجود عبادة ولا يكون إِلاَّّ لله وحده في جميع الشرائع. النوع الثاني من السجود، سُجود تحيَّة وتكريم وهذا هو السُّجود الذي أَمَر الله الملائكة به لآدم فسجدوا له تكريماً، وهو منهم عبادة لله سبحانه بطاعتهم له إذْ أمرهم بالسجود. وأمّا سجود أَبَويْ يُوسُف وإخوته له فكذلك هو من سجود التحية والتكريم، وقد كان جائزاً في شريعتهم، وأمّا في الشريعة التي جاء بها خاتم النبيين محمدٌ صلى الله عليه وسلّم فلا يجوز السجود فيها لغير الله مطلقاً، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام " لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ". ونهى النبي عليه الصلاة والسلام معاذاً عن السجود له لمّا ذكر أن أهل الكتاب يسجدون لعظمائهم، وذكر الحديث المتقدم، وتحريم السجود لغير الله مطلقاً في هذه الشريعة هو من كمالها في تحقيق التوحيد وهي الشريعة الكاملة في كُلِّ ما اشتملت عليه من الأحكام، قال تعالى: (اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) . [الْمَصْدَرُ] كتبه: الشيخ عبد الرحمن البراك. الحديث: 8492 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 697 أنواع المحبة وأحكامها [السُّؤَالُ] ـ[نحن مجموعة من المسلمين دار بيننا حوار حاولنا فيه التوصل إلى تعريف لـ "الحب" في الإسلام. وعلى الرغم من أننا جميعاً ندرك تماماً ضرورة حب الله سبحانه وتعالى والتزامنا بأن نحبه هو وأنبيائه ورسله، فإننا نتساءل عما إذا كان هناك إطار واضح للحب بين البشر (مثل "الحب الأخوي" في المسيحية وليس النوع الرومانسي) . قال البعض بأن "الحب" لا يوجد إلا في نطاق الأسرة وكل ما عدا ذلك ما هو إلا احترام وصداقة وما إلى ذلك. وتساءل البعض عما إذا كان الحب يقتصر فقط على الزوج والأبناء. وتساءل آخرون عما إذا كان الحب يمكن أن يكون مشروطاً أم لا. ورأي آخر يقول بأن "الحب" (حسب التعبير الشائع) ما هو إلا "بدعة" تقوم على القصص الخيالية والفلسفة المسيحية. وقد بحث كثير منا في مصادر مختلفة للتوصل إلى إجابة، ولكن لم نعثر على إجابة قاطعة حتى الآن. فهل يمكنك أن تساعدنا؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أيتها السائلة الكريمة السلام عليكِ ورحمة الله وبركاته وبعد فإنّه لممّا يُثلج الصّدر ما تفعلينه مع أخواتك من تدارس لأمور الإيمان والإسلام ومن ذلك مناقشتكم لأمر المحبّة ولا شكّ أنّكِ وأخواتك تُدركين أهمية كلام العلماء في فضّ النّزاعات وأهمية الرّجوع إلى كلامهم في فهم القضايا الشرعية، ونحن ننقل لك هنا شيئا من كلامهم في أنواع المحبّة وأقسامها حتى تنجلي لكم القضية بإذن الله. أنواع المحبة وأحكامها تنقسم المحبّة إلى محبة خاصّة ومحبّة مشتركة والمحبّة الخاصّة تنقسم إلى محبّة شرعية ومحبة محرمة. فالمحبة الشرعية أقسام: 1- محبة الله وحكمها أنها من أوجب الواجبات وذلك لأن محبته سبحانه هي أصل دين الإسلام فبكمالها يكمل الإيمان. وبنقصها ينقص التوحيد ودليل ذلك قوله: (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) البقرة 165، وقوله: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) التوبة 24. وغيرها من الأدلة في القرآن والسنة. وهي تتمثل في إيثار ما أحبه الله من عبده وأراده على ما يحبه العبد ويريده، فيحب ما أحب الله ويبغض ما يبغضه الله، ويوالي ويعادي فيه، ويلتزم بشريعته والأسباب الجالبة لها كثيرة. 2- محبة الرسول وهي أيضاً واجبة من واجبات الدين، بل لا يحصل كمال الإيمان حتى يحب المرء رسول الله أكثر من نفسه كما في الحديث: " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. " رواه مسلم رقم 44 وحديث عبد الله بن هشام قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلاّ مِنْ نَفْسِي فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ فَإِنَّهُ الآنَ وَاللَّهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الآنَ يَا عُمَرُ. " رواه البخاري فتح رقم 6632. وهذه المحبّة تابعة لمحبة الله تعالى وتتمثل في متابعته صلى الله عليه وسلم وتقديم قوله على قول غيره. 3- محبة الأنبياء والمؤمنين وحكمها واجبة لأن محبة الله تعالى تستلزم محبة أهل طاعته وهؤلاء هم الأنبياء والصالحون ودليله قوله عليه السلام " من أحب في الله " أي أحب أهل الإيمان بالله وطاعته من أجل ذلك، ولا يكتمل الإيمان أيضاً إلا بذلك ولو كثرت صلاة الشخص وصيامه، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لقد رأيتنا في عهد رسول الله وما منا أحد يرى أنه أحق بديناره ودرهمه من أخيه المسلم. والمحبة المحرمة: منها ما هو شرك: وهو أن تحب من دون الله شيئاً كما يحب الله تعالى فهو قد اتخذ نداً وهذا شرك المحبة وأكثر أهل الأرض قد اتخذوا أنداداً في الحب والتعظيم. ومنها ما هو محرّم دون الشرك: وذلك بأن يحب أهله أو ماله أو عشيرته وتجارته ومسكنه فيؤثرها أو بعضها على فعل ما أوجبه الله عليه من الأعمال كالهجرة والجهاد ونحو ذلك ودليله قوله تعالى: (إن كان آباؤكم ... إلى قوله تعالى: أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره) فهذا الذي مضى هو المحبة الخاصة بأقسامها. أما المحبة المشتركة فهي ثلاثة أنواع: أحدها: طبيعية كمحبة الجائع للطعام،والظمآن للماء وهذه لا تستلزم التعظيم فهي مباحة. الثاني: محبة رحمة وشفقة كمحبة الوالد لولده الطفل وهذه أيضاً لا تستلزم التعظيم ولا إشكال فيها. الثالث: محبة أنس وألف كمحبة المشتركين في صناعة أو علم أو مرافقة أو تجارة أو سفر لبعضهم بعضاً فهذه الأنواع التي تصلح للخلق بعضهم بعضاً وكمحبة الأخوة بعضهم لبعض ووجودها فيهم لا يكون شركاً في محبة الله تعالى. من مراجع الموضوع: كتاب تيسير العزيز الحميد: باب ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً. ونرجو بهذا التقسيم والشّرح أن تكون القضية قد اتّضحت لكم، ونسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم لكلّ خير، وصلى الله على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 276 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 698 حكم تسمية البريد الإلكتروني باسم المؤمن [السُّؤَالُ] ـ[أنشأت أول بريد الكتروني لي عندما كنت في الصف الثامن، وكنت حينها حريصة على أن يكون له مدلول إسلامي فسميّته باسم المؤمن، ثم بعد أن كبرت أدركت أن المؤمن من أسماء الله الحسنى، وأخشى أنني بذلك ارتكبت شركاً أو انتهكت حرمةً، فهل يجوز لي أن استمر في استخدام هذا البريد أم لا؟ وما توجيهكم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) يونس/180. قال الشيخ السعدي رحمه الله: " هذا بيان لعظيم جلاله وسعة أوصافه بأن له الأسماء الحسنى، أي: له كل اسم حسن، وضابطه: أنه كل اسم دال على صفة كمال عظيمة، وبذلك كانت حسنى ... وقوله: {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} أي: عقوبة وعذابا على إلحادهم في أسمائه. وحقيقة الإلحاد: الميل بها عما جعلت له، إما بأن يسمى بها من لا يستحقها، كتسمية المشركين بها لآلهتهم، وإما بنفي معانيها وتحريفها، وأن يجعل لها معنى ما أراده الله ولا رسوله، وإما أن يشبه بها غيرها؛ فالواجب أن يُحذر الإلحادُ فيها، ويُحذر الملحدون فيها..". "تفسير السعدي" (309) باختصار. وينظر: بدائع الفوائد لابن القيم (1/179) ، القواعد المثلى، لابن عثيمين (25-26) . وبذلك يتبين أن لله تعالى أسماء، لا يستحقها غيره، وأن إطلاق هذه الأسماء على أحد من خلقه هو من الإلحاد في أسمائه، الذي يستحق صاحبه أن يجازى به عند ربه يوم القيامة. ثانيا: أسماء الله تعالى وصفاته، وإن كانت كلها مختصة به سبحانه من حيث المعنى؛ فلا يشبه أحدا من خلقه في شيء منها، بل ما ثبت له منها يليق بجلال الألوهية، وعظمة الربوبية، كما أن ما ثبت لخلقه يليق بحال العبودية؛ لكن مع ذلك قد ورد في الشرع تسمية الله تعالى بأسماء وصفات ورد إطلاقها على بعض خلقه، وهذا إنما هو من حيث اللفظ والتسمية فقط، وإلا فما يضاف إلى الله تعالى مختص به، لا يشركه فيه أحد من خلقه، كما أن ما يضاف إلى العبد هو مختص به، يليق بحاله. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ولهذا سمى الله نفسه بأسماء، وسمى صفاته بأسماء، وكانت تلك الأسماء مختصة به إذا أضيفت إليه، لا يشركه فيها غيره. وسمى بعض مخلوقاته بأسماء مختصة بهم، مضافة إليهم، توافق تلك الأسماء إذا قطعت عن الإضافة والتخصيص، ولم يلزم من اتفاق الاسمين وتماثل مسماهما واتحاده عند الإطلاق والتجريد عن الإضافة والتخصيص: اتفاقهما، ولا تماثل المسمى عند الإضافة والتخصيص، فضلا عن أن يتحد مسماهما عند الإضافة والتخصيص. فقد سمى الله نفسه حيا فقال: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} ، وسمى بعض عباده حيا، فقال: {يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي} ، وليس هذا الحي مثل هذا الحي، لأن قوله (الحي) اسم لله مختص به، وقوله: {يخرج الحي من الميت} اسم للحي المخلوق مختص به، وإنما يتفقان إذا أطلقا وجردا عن التخصيص، ولكن ليس للمطلق مسمى موجود في الخارج، ولكن العقل يفهم من المطلق قدرا مشتركا بين المسميين، وعند الاختصاص يقيد ذلك بما يتميز به الخالق عن المخلوق، والمخلوق عن الخالق. ولا بد من هذا فى جميع أسماء الله وصفاته، يفهم منها ما دل عليه الاسم بالمواطأة والاتفاق، وما دل عليه بالإضافة والاختصاص المانعة من مشاركة المخلوق للخالق في شيء من خصائصه - سبحانه وتعالى.. وسمى نفسه بالمؤمن المهيمن، وسمى بعض عباده بالمؤمن، فقال: {أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون} وليس المؤمن كالمؤمن " انتهى. "مجموع الفتاوى" (3/10-12) باختصار. والحاصل: أنه لا حرج في التسمي بـ (المؤمن) من هذه الناحية؛ لأن اسم المؤمن ليس من الأسماء الخاصة بالله جل جلاله، والتي يمنع من تسمية الخلق بها، بل قد سمى الله سبحانه نفسه بالمؤمن في كتابه الكريم، وكذلك سمى بعض عباده بالمؤمنين، والمؤمنين؛ لكن ذلك لا يعني أن المعنى فيهما واحد، بل للخالق من الصفات ما يخصه ويليق به، لا يشاركه في حقيقته شيء من خلقه، ولخلقه ما يليق بهم من الأسماء والمعاني. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 140990 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 699 هل وقت النّزول الإلهي هو السدس الخامس من الليل، أو ثلث الليل الأخير كله؟ [السُّؤَالُ] ـ[اطّلعت على الفتاوي أرقام: 34810 و 22438 وفهمت أن ثلث الليل الأخير هو وقت السّحر هو وقت النّزول الإلهي وقد ورد بالتّحديد في الفتوى رقم 34810: "وأول الثلث وآخره يعرف في كل زمان بحسبه فإذا كان الليل تسع ساعات كان أول وقت النزول أول الساعة السابعة إلى طلوع الفجر". وهذا ينطبق علينا تماماً حيث أن آذان المغرب عند السّاعة الثّامنة وآذان الفجر عند السّاعة الخامسة أي أن طول الليل 9 ساعات فيكون وقت النّزول ابتداءً من السّاعة الثّانية وحتى السّاعة الخامسة حسب الفتوى رقم 34810. ولكني قرأت في الفتوى رقم 132950 أن وقت جوف الليل الآخر هو وقت النّزول وهو السّدس الخامس من أسداس الليل: (قال الحافظ ابن رجب: " جوف الليل إذا أُطلق فالمراد به: وسطه، وإن قيل: جوف الليل الآخر، فالمراد به وسط النصف الثاني، وهو السدس الخامس من أسداس الليل، وهو الوقت الذي ورد فيه النزول الإلهي " انتهى "جامع العلوم والحكم" صـ 273) . فيكون وقت النّزول في مدينتنا حسب الفتوى السّابقة ابتداءً من السّاعة الثّانية وحتى السّاعة الثّالثة والنّصف (السّدس الخامس من أسداس الليل) . فمتى وقت النّزول الإلهي: هل هو وقت جوف الليل الآخر، أم ثلث الليل الأخير كله؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله روى البخاري (1145) ومسلم (758) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ يَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ) . وقد تظاهرت الروايات على تحديد وقت النزول الإلهي إلى السماء الدنيا بـ "ثلث الليل الآخر"، كالذي ورد هنا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال الإمام الترمذي رحمه الله: " وهو أصح الروايات". "سنن الترمذي" (2/309) . ولا يمنع ذلك أن يقال: إن السدس الخامس من أسداس الليل هو وقت النزول الإلهي؛ فإن الثلث الأخير هو عبارة عن السدسين: الخامس والسادس، وأول هذا الثلث هو السدس الخامس؛ فلذلك يصح أن يقال: إن وقت النزول هو الثلث الأخير، وهو أيضا: السدس الخامس. فإذا عرفنا أن بعض الروايات صرحت بامتداد ذلك النزول إلى الفجر؛ كما في رواية لمسلم (758) : (فَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُضِيءَ الْفَجْرُ) ؛ ازداد الأمر وضوحا، وعرفنا أن النزول يبدأ في الثلث الآخر من الليل، وهو أيضا: السدس الخامس، ليشمل السدس السادس ـ أيضا ـ بعده. على أنه قد يقال: إنه إذا كان لهذا السدس الخامس خصوصية؛ فلعله أن يكون أرجى أوقات الإجابة في الليل، كما في الحديث عن أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ؟ قَالَ: (جَوْفَ اللَّيْلِ الْآخِرِ، وَدُبُرَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ) رواه الترمذي (3499) وحسنه الألباني. هذا مع أن غير واحد من أهل العلم يعبرون عن جوف الليل الآخر بأنه الثلث الآخر، وأنه ـ أيضا ـ السدس الخامس، لما قد ذكرناه فيما سبق من أن السدس الخامس هو أول ذلك الثلث. قال الخطابي رحمه الله: " قوله (أي الساعات أسمع) ، يريد: أيها أوقع للسمع، والمعنى أيها أولى بالدعاء، وأرجى للاستجابة؟ وهذا كقول ضماد الأزدي، حين عرض عليه رسول الله الإسلام، قال: فسمعت كلاما لم أسمع قولا قط أسمع منه؛ يريد أبلغ منه ولا أنجع في القلب. وجوف الليل الآخر: إنما هو الجزء الخامس من أسداس الليل، وهذا موافق للحديث الذي يروى أن الله يمهل حتى يبقى الثلث الآخر من الليل فينزل إلى السماء الدنيا فيقول هل من سائل فيعطى هل من تائب فيغفر له " انتهى. "غريب الحديث"، للخطابي (1/134) . وقال ابن الأثير رحمه الله: " وفيه: (قِيل له: أيُّ اللَّيل أسْمَعُ؟ قال: جَوْف الليل الآخِرُ) ، أي: ثُلثُه الآخِرُ، وهو الجُزء الخامِس من أسداس الليل " انتهى. "النهاية" (1/841) . وقال المرتضى الزبيدي رحمه الله: " وجَوْفُ اللَّيْلِ: الآخِرُ في الحَدِيثِ وهو قَوْلُهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَمَّا سُئِلَ: أَي اللَّيْلِ أَسْمَعُ؟ قال: (َوْفُ اللَّيْلِ الآخِرِ) أَي: ثُلُثُةُ الآخِرُ، وهو الجُزْءُ الْخَامِسُ مِن أَسْدَاسِ اللَّيْلِ؛ أَي لا نِصْفُه كما زَعَمَهُ بَعْضُهم " انتهى. "تاج العروس" (23/108) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 140434 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 700 معنى التفويض في أسماء الله وصفاته [السُّؤَالُ] ـ[أعرف المراد - والحمد لله - بهؤلاء الأربع: التحريف والتعطيل والتوقيف والتمثيل لكن يتحدث البعض أيضا عن أمر خامس وهو التفويض وأنا لا أعرف ما هو التفويض فهل بوسعكم رجاء أن توضحوا لي معناه ودلالاته؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: التفويض في أسماء الله تعالى وصفاته له معنيان: الأول: معنى صحيح، وهو إثبات اللفظ ومعناه الذي يدل عليه، ثم تفويض علم كيفيته إلى الله، فنثبت لله تعالى أسماءه الحسنى، وصفاته العلى، ونعرف معانيها ونؤمن بها، غير أننا لا نعلم كيفيتها. فنؤمن بأن الله تعالى قد استوى على العرش، استواء حقيقيا يليق بجلاله سبحانه، ليس كاستواء البشر، ولكن كيفية الاستواء مجهولة بالنسبة لنا؛ ولذا، فإننا نفوض كيفيته إلى الله، كما قال الإمام مالك وغيره لما سئل عن الاستواء: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول". انظر: "مجموع الفتاوى" لشيخ الإسلام (3/25) . وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة: إثبات صفات الله تعالى، إثباتاً بلا تمثيل ولا تكييف، قال الله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) . قال ابن عبد البر رحمه الله: " أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة في الكتاب والسنة وحملها على الحقيقة لا على المجاز، إلا أنهم لم يكيفوا شيئا من ذلك ". "العلو للعلي الغفار" (ص 250) والمعنى الثاني للتفويض - وهو معنى باطل -: إثبات اللفظ من غير معرفة معناه. فيثبتون الألفاظ فقط، (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) ثم يقولون: لا ندري معناه، ولا ماذا أراد الله به!! قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وأما التفويض: فإن من المعلوم أن الله تعالي أمرنا أن نتدبر القرآن وحضّنا على عقله وفهمه، فكيف يجوز مع ذلك أن يراد منا الإعراض عن فهمه ومعرفته وعقله؟ وأيضا: فالخطاب الذي أريد به هدانا والبيان لنا وإخراجنا من الظلمات إلي النور إذا كان ما ذكر فيه من النصوص ظاهره باطل وكفر ولم يُرد منا أن نعرف لا ظاهره ولا باطنه، أو أريد منا أن نعرف باطنه من غير بيان في الخطاب لذلك، فعلي التقديرين لم نخاطَبْ بما بُيّن فيه الحق، ولا عرفنا أن مدلول هذا الخطاب باطل وكفر. وحقيقة قول هؤلاء في المخاطِب لنا: أنه لم يبين الحق ولا أوضحه مع أمره لنا أن نعتقده، وأن ما خاطبنا به وأمرنا باتباعه والرد إليه لم يبين به الحق ولا كشفه، بل دل ظاهره علي الكفر والباطل، وأراد منا أن نفهم منه شيئا أو أن نفهم منه ما لا دليل عليه فيه، وهذا كله مما يعلم بالاضطرار تنزيه الله ورسوله عنه، وأنه من جنس أقوال أهل التحريف والإلحاد ... إلى أن قال: فتبين أن قول أهل التفويض الذين يزعمون أنهم متبعون للسنة والسلف من شر أقوال أهل البدع والإلحاد " انتهى. "درء التعارض" (1/115) . وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: "السلف لم يكن مذهبهم التفويض، وإنما مذهبهم الإيمان بهذه النصوص كما جاءت، وإثبات معانيها التي تدلُّ عليها على حقيقتها ووضعها اللغوي، مع نفي التَّشبيه عنها؛ كما قال تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) الشورى/ 11" انتهى. "المنتقى من فتاوى الفوزان" (25/1) . وقال الشيخ ابن جبرين رحمه الله: "الصواب: ترك التأويل، وإثبات حقيقة الصفات التي أفادتها تلك النصوص، مع تفويض العلم بالكيفيات والماهيَّات، ومع اعتقاد أنها لا يُفهم منها تشبيه الرب أو شيء من صفاته بالمخلوقين، فلا تشبيه ولا تعطيل" انتهى. "فتاوى الشيخ ابن جبرين" (64/41) . وقال الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله: "مذهب السلف هو التفويض في كيفية الصفات لا في المعنى" انتهى. "فتاوى الشيخ عبد الرزاق عفيفي" (ص 104) . وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: "المفوضة قال أحمد فيهم: إنهم شر من الجهمية، والتفويض أن يقول القائل: الله أعلم بمعناها فقط، وهذا لا يجوز ; لأن معانيها معلومة عند العلماء. قال مالك رحمه الله: الاستواء معلوم والكيف مجهول، وهكذا جاء عن الإمام ربيعة بن أبي عبد الرحمن وعن غيره من أهل العلم، فمعاني الصفات معلومة، يعلمها أهل السنة والجماعة ; كالرضا والغضب والمحبة والاستواء والضحك وغيرها، وأنها معاني غير المعاني الأخرى، فالضحك غير الرضا، والرضا غير الغضب، والغضب غير المحبة، والسمع غير البصر، كلها معلومة لله سبحانه، لكنها لا تشابه صفات المخلوقين" انتهى. "فتاوى نور على الدرب لابن باز" (ص 65) . وقال أيضا: "أنكر الإمام أحمد رحمه الله وغيره من أئمة السلف على أهل التفويض , وبدّعوهم لأن مقتضى مذهبهم أن الله سبحانه خاطب عباده بما لا يفهمون معناه ولا يعقلون مراده منه , والله سبحانه وتعالى يتقدس عن ذلك , وأهل السنة والجماعة يعرفون مراده سبحانه بكلامه، ويصفونه بمقتضى أسمائه وصفاته وينزهونه عن كل ما لا يليق به عز وجل. وقد علموا من كلامه سبحانه ومن كلام رسوله صلى الله عليه وسلم أنه سبحانه موصوف بالكمال المطلق في جميع ما أخبر به عن نفسه أو أخبر به عنه رسوله صلى الله عليه وسلم" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (3/55) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "التفويض نوعان: تفويض المعنى، وتفويض الكيفية. فأهل السنة والجماعة يفوضون الكيفية، ولا يفوضون المعنى، بل يقرُّون به، ويثبتونه، ويشرحونه، ويقسمونه، فمن ادعى أن أهل السنة هم الذين يقولون بالتفويض - ويعني به تفويض المعنى - فقد كذب عليهم" انتهى. "لقاء الباب المفتوح" (67/24) . ثانياً: توهم البعض أن مذهب السلف هو التفويض، وفهموا ذلك من قول السلف في أحاديث الصفات: (أمروها كما جاءت بلا كيف) . وهو فهم غير صحيح، بل هذا القول الوارد عن السلف يدل على أنهم كانوا يثبتون الصفات بمعانيها لله تعالى، ثم ينفون علمهم بكيفية ذلك. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فقول ربيعة ومالك: (الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب) موافق لقول الباقين: (أمروها كما جاءت بلا كيف) فإنما نفوا علم الكيفية، ولم ينفوا حقيقة الصفة. ولو كان القوم قد آمنوا باللفظ المجرد من غير فهم لمعناه على ما يليق بالله لما قالوا: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، ولما قالوا: أمروها كما جاءت بلا كيف، فإن الاستواء حينئذ لا يكون معلوماً، بل مجهولاً بمنزلة حروف المعجم. وأيضاً: فإنه لا يحتاج إلى نفى علم الكيفية إذا لم يفهم عن اللفظ معنى، وإنما يحتاج إلى نفى علم الكيفية إذا أثبتت الصفات. وأيضاً: فإن من ينفى الصفات لا يحتاج إلى أن يقول: بلا كيف، فمن قال: إن الله ليس على العرش، لا يحتاج أن يقول: بلا كيف، فلو كان مذهب السلف نفى الصفات في نفس الأمر لما قالوا: بلا كيف. وأيضاً: فقولهم: "أمروها كما جاءت" يقتضي إبقاء دلالتها على ما هي عليه، فإنها جاءت ألفاظ دالة على معانٍ، فلو كانت دلالتها منتفية لكان الواجب أن يقال: أمروا لفظها مع اعتقاد أن المفهوم منها غير مراد، أو: أمروا لفظها مع اعتقاد أن الله لا يوصف بما دلت عليه حقيقة، وحينئذ فلا تكون قد أُمِرّت كما جاءت، ولا يقال حينئذ: بلا كيف، إذ نفي الكيف عما ليس بثابت لغو من القول" انتهى. "مجموع الفتاوى" الفتوى الحموية (5/41) . وقد قرب ذلك الشيخ ابن عثيمين رحمه الله فقال: "اشتهر عن السلف كلمات عامة وأخرى خاصة في آيات الصفات وأحاديثها فمن الكلمات العامة قولهم: " أمروها كما جاءت بلا كيف". روي هذا عن مكحول، والزهري، ومالك بن أنس، وسفيان الثوري، والليث بن سعد، والأوزاعي. وفي هذه العبارة رد على المعطلة والممثلة، ففي قولهم: " أمروها كما جاءت" رد على المعطلة. وفي قولهم: " بلا كيف" رد على الممثلة. وفيها أيضا دليل على أن السلف كانوا يثبتون لنصوص الصفات المعاني الصحيحة التي تليق بالله تدل على ذلك من وجهين: الأول: قولهم: "أمروها كما جاءت". فإن معناها إبقاء دلالتها على ما جاءت به من المعاني، ولا ريب أنها جاءت لإثبات المعاني اللائقة بالله تعالى، ولو كانوا لا يعتقدون لها معنى لقالوا: "أمروا لفظها ولا تتعرضوا لمعناها". ونحو ذلك. الثاني: قولهم: "بلا كيف" فإنه ظاهر في إثبات حقيقة المعنى، لأنهم لو كانوا لا يعتقدون ثبوته ما احتاجوا إلى نفي كيفيته، فإن غير الثابت لا وجود له في نفسه، فنفي كيفيته من لغو القول" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (4/32) . والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 138920 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 701 معنى (لا يمل الله حتى تملوا) [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يمل الله حتى تملوا)) ؟؟ وهل فيه إثبات صفة الملل لله عز وجل؟؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله روى البخاري (43) ومسلم (785) واللفظ له عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدِي امْرَأَةٌ، فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ فَقُلْتُ: امْرَأَةٌ لَا تَنَامُ، تُصَلِّي. قَالَ: (عَلَيْكُمْ مِنْ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ فَوَاللَّهِ لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا) وَكَانَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ. وظاهر الحديث يدل على إثبات الملل لله عز وجل على الوجه الذي يليق به سبحانه. قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله: " (فإن الله لا يمل حتى تملوا) من نصوص الصفات، وهذا على وجه يليق بالباري لا نقص فيه، كنصوص الاستهزاءِ والخداع فيما يتبادر " انتهى من فتاوى الشيخ (1/ 179) . وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء عن هذا الحديث فأجابوا: فأجابوا: "الواجب هو إمرار هذا الحديث كما جاء، مع الإيمان بالصفة، وأنها حق على الوجه الذي يليق بالله، من غير مشابهة لخلقه ولا تكييف، كالمكر والخداع والكيد الواردة في كتاب الله عز وجل، وكلها صفات حق تليق بالله سبحانه وتعالى على حد قوله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) . وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ... الشيخ صالح الفوزان. "فتاوى اللجنة الدائمة" (2/402) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل نثبت صفة الملل لله عز وجل؟ فأجاب بقوله: "جاء في الحديث عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوله: (فإن الله لا يمل حتى تملوا) فمن العلماء من قال إن هذا دليل على إثبات الملل لله، لكن ملل الله ليس كملل المخلوق، إذ إن ملل المخلوق نقص، لأنه يدل على سأمه وضجره من هذا الشيء، أما ملل الله فهو كمال وليس فيه نقص، ويجري هذا كسائر الصفات التي نثبتها لله على وجه الكمال وإن كانت في حق المخلوق ليست كمالا. ومن العلماء من يقول: إن قوله: (لا يمل حتى تملوا) يراد به بيان أنه مهما عملت من عمل فإن الله يجازيك عليه، فاعمل ما بدا لك فإن الله لا يمل من ثوابك حتى تمل من العمل، وعلى هذا فيكون المراد بالملل لازم الملل. ومنهم من قال: إن هذا الحديث لا يدل على صفة الملل لله إطلاقا لأن قول القائل: لا أقوم حتى تقوم، لا يستلزم قيام الثاني وهذا أيضا (لا يمل حتى تملوا) لا يستلزم ثبوت الملل لله عز وجل. وعلى كل حال يجب علينا أن نعتقد أن الله تعالى منزه عن كل صفة نقص من الملل وغيره، وإذا ثبت أن هذا الحديث دليل على الملل فالمراد به ملل ليس كملل المخلوق " انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (1/174) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136566 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 702 حكم إطلاق "سيدنا" على النبي صلى الله عليه وسلم والتسمي بأسماء الله [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم إطلاق كلمة "سيدنا" على النبي محمد صلى الله عليه وسلم وعلى الأولياء الصالحين؟ وحكم تسمية البشر بأسماء الله الحسنى مثل البصير والعزيز وغيرها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إطلاق لفظ سيدنا على النبي صلى الله عليه وسلم حق، لأنه سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أنا سيد ولد آدم ولا فخر) وهو سيد العباد والمرسلين، فإذا قال الرجل: سيدنا محمد، اللهم صلِّ على سيدنا محمد. فلا بأس بهذا، هو سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام، وسيد الخلق. وإنما كره ذلك على الناس في حياته؛ لأنه خاف عليهم الغلو. لما قالوا: أنت سيدنا قال: (السيد الله تبارك وتعالى) سداً للذريعة؛ خاف عليهم أن يغلوا فيه عليه الصلاة والسلام، ولكن بعد أن توفي عليه الصلاة والسلام، وأخبرنا أنه سيد ولد آدم فلا بأس أن تقول: سيدنا، عليه الصلاة والسلام، فهو خيرنا وسيدنا وإمامنا، وهو خليل الرحمن عليه الصلاة والسلام. أما بقية الناس فالأولى ألا يقال سيدنا ولا يخاطب بهذا، لكن لو قيل: فلان سيدهم، يعني رئيسهم. سيدهم فلان يعني أميرهم، وشيخ قبيلتهم فلا بأس. مثل ما قال النبي صلى الله عليه وسلم لابنه الحسن: (إن ابني هذا سيد) وقال: (مَنْ سيد بني فلان؟) وقال للصحابة يوم جاء سعد بن معاذ ليحكم في بني قريظة: (قوموا إلى سيدكم) فهذا لا بأس به. لكن لا يقول: يا سيدنا. بل تركه أولى، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (السيد الله تبارك وتعالى) ، ولأن هذا يفضي إلى التكبر والغلو فيه إذا قيل له هكذا. فالأولى أن يقول الناس: يا أخانا، يا أبا فلان فهذا يكفي، وأما إذا قيل على سبيل الإضافة: من سيد بني فلان، هذا فلان سيد؛ لأنه من بيت النبوة، أو لأنه فقيه، أو عالم أو شريف في نفسه في أخلاقه وأعماله أو جواد كريم ـ فلا بأس، لكن إذا خيف من إطلاق صفة سيد عليه أن يتكبر أو يتعاظم في نفسه يُترك ذلك. ولا يقال هذا للكافر ولا المنافق ولا العاصي؛ إنما يقال هذا للشيخ الكبير، للفقيه العالم الرئيس المعروف بالإصلاح والخير والحلم والفضل والجود. فإذا قيل لهؤلاء: سيد، فلا بأس، أما أن يخاطب: يا سيدنا فتركه أولى، أما إذا كان الفاجر أو المنافق سيد قومه فلا بأس أن يُقال له: يا سيد بني فلان. أما الشق الثاني من السؤال: فأسماء الرب تعالى قسمان: قسم يجوز التسمية به، وقسم لا يجوز، لا يقال: خلاق ولا رزَّاق، ولا رب العالمين، ولكن مثل عزيز وبصير لا بأس؛ فالله سمى بعض مخلوقاته كذلك: (فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا) الإنسان/2، (قَالَتْ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ) يوسف/51، مثل هذه الأشياء تطلق على المخلوق، عزيز قومه، كذا بصير بالأمور، أو بصير بمعنى المبصر، كذلك حكيم يعني المحكم فلا بأس بهذه الأشياء؛ لأنها مشتركة وللمخلوق نصيبه منها. والله له الأكمل منها سبحانه وتعالى، لكن الأسماء المختصة بالله لا تطلق على غير الله، لا يقال الله لابن آدم، ولا الرحمن ولا الخلاق، ولا الرزاق ولا خالق الخلق أو ما أشبهه مما يختص بالله سبحانه وتعالى" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله والله أعلم "فتاوى نور على الدرب" (1/472) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 133302 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 703 معنى "أن الله تعالى في السماء" [السُّؤَالُ] ـ[سمعت بعض من ينفي أن يكون الله تعالى في السماء يقول: السماء إلى فناء، تعالى الله أن يتحيز فيها، وقال عليه الصلاة والسلام: (أطَّت السماء وحُقَّ لها أن تئط فليس فيها مكان إلا فيها ملك قائم أو راكع أو ساجد) فتعالى الله أن يتحيز بين الملائكة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الكلام المذكور في السؤال حق أريد به باطل! فالحق أن الله ليس متحيزاً في السماء، ولا هو – تعالى – متحيز بين الملائكة، والباطل: هو إرادة نفي علو الله تعالى على خلقه، وإيهام الناس أن أهل السنة والجماعة إذا قالوا: إن الله تعالى في السماء، أن معنى ذلك أن السماء تحويه وتحيط به. وهذا لم يقل به أحد من أهل السنة. ولم يقل أهل السنَّة: إن الله تعالى في السماء أخذاً من شِعرِ شاعر، ولا من نثر فصيح، بل قالوا ذلك واعتقدوه أخذاً له من قول الله تعالى عن نفسه، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم. وللوقوف على شيء من أدلة علو الله تعالى على خلقه انظر جواب السؤال رقم (992) و (124469) . ولدحض هذه الفرية الواردة في السؤال نقول: إن لفظ "السماء" له معنيان: الأول: العلو، والثاني: الجرم المخلوق المعروف، الذي هو السقف المحفوظ، فإذا قال أهل السنة: "الله في السماء" فمعنى السماء هنا: العلو. ومن أراد بلفظ السماء ذلك الجرم المخلوق: فإنه يجعل "في" بمعنى "على". قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله: "وأما قوله تعالى: (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ) الملك/16 فمعناه: مَن على السماء يعني: على العرش. وقد يكون "في" بمعنى "على"، ألا ترى إلى قوله تعالى: (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) التوبة/2 أي: على الأرض، وكذلك قوله: (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) طه/71" انتهى. "التمهيد" (7/130) . وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: "معنى كون الله في السماء: معناه على السماء أي فوقها، فـ (في) بمعنى "على"، كما جاءت بهذا المعنى في قوله تعالى: (قل سيروا في الأرض) أي: عليها. ويجوز أن تكون (في) للظرفية، و (السماء) على هذا بمعنى العلو، فيكون المعنى: أن الله في العلو، وقد جاءت السماء بمعنى العلو في قوله تعالى: (أنزل من السماء ماء) . ولا يصح أن تكون (في) للظرفية إذا كان المراد بالسماء الأجرام المحسوسة؛ لأن ذلك يوهم أن السماء تحيط بالله، وهذا معنى باطل؛ لأن الله أعظم من أن يحيط به شيء من مخلوقاته" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ العثيمين" (4/283) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "السلف، والأئمة، وسائر علماء السنَّة إذا قالوا: " إنه فوق العرش "، و " إنه في السماء فوق كل شيء ": لا يقولون إن هناك شيئاً يحويه، أو يحصره، أو يكون محلاًّ له، أو ظرفاً، ووعاءً، سبحانه وتعالى عن ذلك، بل هو فوق كل شيء، وهو مستغنٍ عن كل شيءٍ، وكل شيءٍ مفتقرٌ إليه، وهو عالٍ على كل شيءٍ، وهو الحامل للعرش، ولحملة العرش، بقوته، وقدرته، وكل مخلوق مفتقرٌ إليه، وهو غنيٌّ عن العرش، وعن كل مخلوق. وما في الكتاب والسنة من قوله: (أأمنتم من في السماء) ونحو ذلك: قد يَفهم منه بعضُهم أن "السماء" هي نفس المخلوق العالي العرش فما دونه، فيقولون: قوله (في السماء) بمعنى: "على السماء"، كما قال: (ولأصلبنكم في جذوع النخل) أي: على جذوع النخل، وكما قال: (فسيروا في الأرض) أي: على الأرض. ولا حاجة إلى هذا، بل " السماء " اسم جنس للعالي، لا يخص شيئاً، فقوله: (في السماء) أي: في العلو دون السفل. وهو العلي الأعلى فله أعلى العلو، وهو ما فوق العرش، وليس هناك غيره، العلي الأعلى، سبحانه وتعالى" انتهى. "مجموع الفتاوى" (16/100، 101) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131956 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 704 معنى قوله تعالى: (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض) [السُّؤَالُ] ـ[سمعت من يقول في تفسير قول الله تعالى (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض) قال: فما من أحد من العلماء المعتبرين قال إن المقصود هو الله تعالى، إنما (مَنْ في السماء) ملائكته في السماء، والموكل بالخسف هو سيدنا جبريل.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: أدلة علو الله تعالى على خلقه، واستوائه على عرشه تبلغ المئات، ولا يختلف أهل السنة والجماعة وعلى رأسهم: أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعون لهم بإحسان أن الله تعالى فوق كل شيء، مستوٍ على عرشه. وقد دل على ذلك: الكتاب والسنة والإجماع والعقل والفطرة، وللوقوف على شيء من ذلك انظر جواب السؤال رقم (992) و (124469) . ثانياً: أما ما جاء في السؤال من أن قول الله تعالى: (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض) : لم يقل أحد من العلماء المعتبرين إن المقصود هو الله تعالى، وإنما المقصود الملائكة، فهذا كلام باطل كذب، وبيان ذلك: 1. أن الإمام الطبري شيخ وإمام المفسرين (توفي 310 هـ) قد قال بأن المقصود بقوله تعالى (من في السماء) : إنه الله، وهذا يكفي لتكذيب النفي الوارد في السؤال. قال الإمام الطبري رحمه الله: "قول تعالى ذِكره: (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ) أيها الكافرون. (أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ) يقول: فإذا الأرض تذهب بكم، وتجيئ، وتضطرب. (أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ) وهو الله. (أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا) وهو التراب فيه الحصباء الصغار" انتهى. "تفسير الطبري" (23/513) . وقال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله: "وأما قوله تعالى: (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ) الملك/16 فمعناه: مَن على السماء، يعني: على العرش" انتهى. "التمهيد" (7/130) . فهذان قولان لمفسِّر فقيه، ومحدِّث فقيه، وبهما يتبين بجلاء بطلان ذلك الزعم بأنه لا أحد من العلماء المعتبرين يقول بأن معنى (من في السماء) إنه الله، ولو شئنا لسردنا عشرات النقولات عن الأئمة المعتبرين، سلفاً، وخلَفاً. 2. جاءت آيات أخرى في القرآن الكريم، تؤيد ما ذكرنا في تفسير هذه الآية، وذلك أن الله تعالى قد خسف بأهل معصيته الأرض، أو يهددهم بأنه يخسف بهم الأرض، وهو يؤكد أن المقصود بـ "من في السماء" الله سبحانه وتعالى، ومن هذه الآيات: أ. قوله تعالى عن قارون (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ) القصص/81. ب. قوله تعالى: (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) النحل/ 45. ج. وقوله تعالى: (وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْأِنْسَانُ كَفُوراً. أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً. أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفاً مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعاً) الإسراء/ 67 – 69. د. وجاءت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم صريحة في أن المراد بـ (من في السماء) هو الله تعالى، ولا تحتمل غير هذا المعنى: أ. قال صلى الله عليه وسلم: (أَلاَ تَأْمَنُونِي وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِى السَّمَاءِ، يَأْتِينِي خَبَرُ السَّمَاءِ صَبَاحًا وَمَسَاءً) رواه البخاري (4351) ومسلم (1064) . ب. وقوله صلى الله عليه وسلم: (ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ) رواه الترمذي (1924) ، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي". وبتأمل هذه الآيات والأحاديث يتبين خطأ ما زعمه ذلك الزاعم الذي جاء كلامه في السؤال. وكل هذا يفعلونه، ويتجرؤون عليه، من أجل نفي صفة العلو لله تعالى، والله المستعان. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131782 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 705 حكم قول بعضهم عن الله: جسم لا كالأجسام [السُّؤَالُ] ـ[نعيش في تايلاند كأقلية حيث يوجد هنا رجل يدعي أن الله جسم لا كالأجسام، حيث قال في بعض المنتديات: "إن الأساس هو أن الله جسم، ولكن لا نعلم كيف جسمه؟ وأن جسمه ليس كسائر الأجسام، لأنه ليس كمثله شيء فهل هذا القول صحيح؟ وما حكم الشرع في القائل؟ وما هو واجبنا تجاه القول والقائل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله القول بأن الله جسم لا كالأجسام، قول غير صحيح، وذلك لعدم ثبوت وصف الله تعالى بالجسمية في الكتاب أو السنة. والأصل الذي عليه أهل السنة والجماعة: أن يوصف الله تعالى بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا يتجاوز القرآن والحديث، لكن إن أراد المثبت للجسمية إثبات أن الله تعالى سميع بصير متكلم مستو على عرشه، وأنه يُرى ويشار إليه، إلى غير ذلك من صفاته، قيل له: هذه الصفات حق، وقد أخطأت في التعبير عنها أو عن بعضها بالجسمية، ولهذا لم يعرف عن سلف الأمة التعبير بذلك. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ولفظ الجسم فيه إجمال، قد يراد به المركب الذي كانت أجزاؤه مفرقة فجمعت أو ما يقبل التفريق والانفصال، أو المركب من مادة وصورة، أو المركب من الأجزاء المفردة التي تسمى الجواهر الفردة، والله تعالى منزه عن ذلك كله، أو كان متفرقا فاجتمع، أو أن يقبل التفريق والتجزئة التي هي مفارقة بعض الشيء بعضا وانفصاله عنه أو غير ذلك من التركيب الممتنع عليه. وقد يراد بالجسم ما يشار إليه، أو ما يُرى، أو ما تقوم به الصفات، والله تعالى يُرى في الآخرة، وتقوم به الصفات، ويشير إليه الناس عند الدعاء بأيديهم وقلوبهم ووجوههم وأعينهم، فإن أراد بقوله: ليس بجسم هذا المعنى، قيل له: هذا المعنى الذي قصدت نفيه بهذا اللفظ معنى ثابت بصحيح المنقول وصريح المعقول، وأنت لم تُقم دليلا على نفيه، وأما اللفظ فبدعة نفيا وإثباتا، فليس في الكتاب ولا السنة ولا قول أحد من سلف الأمة وأئمتها إطلاق لفظ الجسم في صفات الله تعالى لا نفياًَ ولا إثباتاً، وكذلك لفظ الجوهر والمتحيز ونحو ذلك من الألفاظ التي تنازع أهل الكلام المحدَث فيها نفيا وإثباتا " انتهى من "بيان تلبيس الجهمية" (1/550) . وقد تبين بهذا أن لفظ الجسم لفظ مجمل، يحتمل حقا وباطلا، وهو لفظ مبتدع لم يرد في النصوص نفيا ولا إثباتا، فلزم اجتنابه. والقائل بأن الله جسم لا كالأجسام ينبغي نصحه، ودعوته للوقوف عند ما وصف الله به نفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ولزومِ منهج السلف. قال السفاريني رحمه الله: "قال الإمام أحمد رضي الله عنه: لا يوصف الله تعالى إلا بما وصف به نفسه، ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم لا نتجاوز القرآن والحديث. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: مذهب السلف أنهم يصفون الله تعالى بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، فالمعطّل يعبد عدما، والممثل يعبد صنما، والمسلم يعبد إله الأرض والسماء" انتهى من "لوامع الأنوار البهية" (1/24) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130759 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 706 معنى اسم الله تعالى "الجبار" [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى اسم الله تعالى الجبار؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الجبار له ثلاث معان: الأول: جبر القوة، فهو سبحانه وتعالى الجبار، الذي يقهر الجبابرة، ويغلبهم بجبروته وعظمته، فكل جبار وإن عظم فهو تحت قهر الله عز وجل وجبروته في يده وقبضته. الثاني: جبر الرحمة، فإنه سبحانه يجبر الضعيف بالغِنى والقوة، ويجبر الكسير بالسلامة، ويجبر المنكسرة قلوبهم بإزالة كسرها، وإحلال الفرج والطمأنينة فيها؛ وما يحصل لهم من الثواب والعاقبة الحميدة إذا صبروا على ذلك من أجله. الثالث: جبر العلو فإنه سبحانه فوق خلقه عالٍ عليهم، وهو مع علوه قريب منهم يسمع أقوالهم، ويرى أفعالهم، ويعلم ما توسوس به نفوسهم. قال ابن القيم في النونية في معنى الجبار: وكذلك الجبار في أوصافه والجبر في أوصافه قسمان جبر الضعيف وكل قلب قد غدا ذا كسرة فالجبر منه دان والثاني جبر القهر بالعز الذي لا ينبغي لسواه من إنسان وله مسمى ثالث وهو العلو فليس يدنو منه إنسان من قولهم جبارة للنخلة العلـ يا التي فاقت كل بنان" انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله "فتاوى العقيدة" (صـ 56) . [الْمَصْدَرُ] فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله الحديث: 130718 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 707 معنى اسم (الرقيب) [السُّؤَالُ] ـ[أنا اسمي رقيب فما معنى هذا الاسم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: "الرقيب" من أسماء الله تعالى الحسنى. قال الله عز وجل: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) النساء/1. وقال سبحانه: (وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا) الأحزاب/52. وقال تعالى عن نبيه عيسى عليه السلام: (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) المائدة/117. ومعنى "الرقيب" أي: المراقب، المطلع على أعمال العباد، الذي لا تخفى عليه خافية، ويدخل في معنى "الرقيب" أيضاً: المدبر لأمور الخلق على أحسن ما يكون. قال الخازن في "لباب التأويل" (1/473) في تفسير قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) : "والرقيب في صفة الله تعالى: هو الذي لا يغفل عما خلق، فيلحقه نقص، ويدخل عليه خلل، وقيل: هو الحافظ الذي لا يغيب عنه شيء من أمر خلقه، فبيّن بقوله: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) أنه يعلم السر وأخفى , وإذا كان كذلك فهو جدير بأن يخاف ويتقى" انتهى. وقال الألوسي في "روح المعاني" (4/209) : "ناظراً إلى قلوبكم، مطلعاً على ما فيها" انتهى. وقال في "التحرير والتنوير" (13/150) في تفسير قوله تعالى: (أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ) الرعد/33. "والقائم على الشيء: الرقيب فيشمل الحفظ والإبقاء والإمداد" انتهى. وجاء في "لسان العرب" (1/424) مادة: (رقب) : "في أَسماءِ الله تعالى: الرَّقِيبُ , وهو الحافظُ الذي لا يَغيبُ عنه شيءٌ" انتهى. وقال ابن جرير في قوله: (وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا) الأحزاب/52. "يقول: وكان الله على كل شيء: ما أحل لك، وحرم عليك، وغير ذلك من الأشياء كلها، حفيظًا، لا يعزب عنه علم شيء من ذلك، ولا يؤوده حفظ ذلك كله" انتهى. "تفسير الطبري" (20/304) . وقال السعدي: "أي: مراقبًا للأمور، وعالمًا بما إليه تؤول، وقائمًا بتدبيرها على أكمل نظام، وأحسن إحكام" انتهى. "تفسير السعدي" (ص 670) . ثانياً: أما عن اسمك "رقيب"، فهو لا يخرج من حيث الأصل عن المعنى السابق، غير أنه بحسب ما يليق بالإنسان من هذا المعنى. فمعناه: المشرف والمراقب -ومنه: رقيب الجيش-، والحارس الحافظ، فرقيب القوم هو حارسهم. راجع: "لسان العرب" (1/424) – "الصحاح" (1/264) – "مقاييس اللغة" (2/353) - "القاموس المحيط" (116) – "تاج العروس" (533) – "المخصص" (3/155) . مادة: (رقب) . وإذا اطلع الإنسان على حسن معنى اسمه، فإن عليه أن يجتهد في الاتصاف بهذا المعنى، وقد جرت العادة أن كل شخص لابد له من نصيب من اسمه، وانظر كلام ابن القيم في ذلك في جواب السؤال رقم (14622) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129110 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 708 تكرار اسم الله " الباطن " يوميّاً هل تُكشف به الأسرار؟! [السُّؤَالُ] ـ[ماذا عن تكرير اسم الله " الباطن " ثلاث مرات يوميّاً لكشف الأسرار؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: اسم الله تعالى " الباطن " ثبت في القرآن، والسنَّة: قال تعالى: (هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) الحديد/ 3. وعَنْ سُهَيْلٍ قَالَ: كَانَ أَبُو صَالِحٍ يَأْمُرُنَا إِذَا أَرَادَ أَحَدُنَا أَنْ يَنَامَ أَنْ يَضْطَجِعَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ ثُمَّ يَقُولُ: (اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ وَرَبَّ الأَرْضِ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَىْءٍ فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَىْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ اللَّهُمَّ أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَىْءٌ وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَىْءٌ وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَىْءٌ وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَىْءٌ اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ وَأَغْنِنَا مِنَ الْفَقْرِ) . وَكَانَ يَرْوِي ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم (2713) . ثانياً: وأما معنى اسم الله " الباطن ": فخير تفسير له ما فسَّره به النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (وأنت الباطن فليس دونك شيء) ومعناه: العالِم ببواطن خلقه، القريب منهم، المحيط بهم، لا تخفى عليه منهم خافية، فهو تعالى قريب من عموم خلقه بالعلم، والقدرة، والإحاطة، وقريب من خصوص أوليائه بالنصرة والتأييد. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: قوله: (وأنت الباطن فليس دونك شيء) : المعنى: ليس دون الله شيء، لا أحد يدبر دون الله، ولا أحد ينفرد بشيء دون الله، ولا أحد يخفى على الله، كل شيء فالله محيط به، ولهذا قال: (ليس دونك شيء) يعني: لا يحول دونك شيء، ولا يمنع دونك شيء، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، وهكذا. " مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " (8 / 429) . وانظر جواب السؤال رقم: (11277) ففيه شرح أوفى. ثالثاً: بعد أن علمنا ثبوت اسم الباطن أنه من أسمائه تعالى الحسنى، وعلمنا معانيه الجليلة: فليُعلم أن ما ذُكر في السؤال من كون ترداد اسم الله " الباطن " ثلاث مرات يوميّاً: يُكشف به الأسرار: قول باطل، لا قيمة له، فليس له أصل في الشرع، ولا هو ثابت في الواقع، ولا يحل لأحدٍ استعمال أسمائه تعالى الجليلة للعبث، ولا علاقة لما ورد في السؤال، ولما يزعمه المشعوذون والدجالون من خواص معينة لأسماء الله تعالى، سوى ما ورد به الشرع، من إحصائها، والتعبد لله بمقتضاها. وقد رأينا من ذكر غير عدد الثلاث مرات، فقال بعضهم: " مَن أراد أن يطلع على علم الضمائر - أي: أن يدرك ما يضمره الآخرون -: فليقل " يا باطن " 62 مرة يوميّاً! لمدة أربعين يوماً، ومَن قال: " يا أول يا آخر، يا ظاهر يا باطن " 99 مرة كل يوم: نال ذلك أيضاً، ولذلك تأثير عجيب "! . وكل ذلك لا أصل له، ولا ضابط للعدد في تلك النقولات، فكلها اختراعات من أصحابها، ولا ثمة من يطالبهم - من المريدين - بالدليل على صواب ما يقوله أحدهم، وبطلان ما يزعمه غيره. وتتبارى الفرق الباطنية فيما بينها للوصول إلى إضلال الناس، وتعليقهم بعلم المكاشفات، وتخترع كل طائفة منها سبيلاً ليسلكه المريد عندهم ليكون من " أهل الكشف "، فبعض تلك الطوائف تجعل تكرار اسم الله " المهيمن " ألفاً وأربعين مرَّة هو السبيل للاطلاع على بواطن الخلق! ومنهم يجعل تكرار اسم الله " الحكيم " حتى يغيب عن الوعي هو الطريق لذلك! وكل ذلك من الضلال، والانحراف عن اعتقاد سلف هذه الأمة، ومن تلبيس الشيطان على تلك الطوائف الضالة، وقد جمعوا ذلك تحت عناوين مثل: " أسرار أسماء الله الحسنى "! و " فوائد أسماء الله الحسنى "! . وانظر جواب السؤال رقم (12778) لمعرفة الفرق بين الكشف الرحماني، والكشف الشيطاني. وانظر جواب السؤال رقم (45559) في الإنكار على من استعمل أسماء الله تعالى في العلاج. وليُنظر كتاب " نقض الصوفية " للأستاذ عامر حسن عامر، ففيه مباحث قيمة في علم الكشف عند المتصوفة. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128539 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 709 هل "الحد" ثابت لله؟! [السُّؤَالُ] ـ[السؤال: هل الله عز وجل محدود أم غير محدود؟!]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الأصل في الكلام عن الأسماء والصفات النقل، إذ إن أسماء الله وصفاته توقيفية كما حرر ذلك أهل العلم. ينظر: إجابة السؤال رقم: (106256) ثانيا: باب الإخبار عن الله تعالى أوسع من باب الأسماء والصفات. قال ابن القيم رحمه الله: " ما يدخل في باب الإخبار عنه تعالى أوسع مما يدخل في باب أسمائه وصفاته، كالشيء والموجود والقائم بنفسه؛ فإنه يخبر به عنه ولا يدخل في أسمائه الحسنى وصفاته العليا " انتهى. "بدائع الفوائد" (1/169) وقال أيضا: " ما يطلق عليه في باب الأسماء والصفات توقيفي، وما يطلق عليه من الأخبار لا يجب أن يكون توقيفا، فهذا فصل الخطاب في مسألة أسمائه: هل هي توقيفية، أو يجوز أن يطلق عليه منها بعض ما لم يرد به السمع " انتهى مختصرا. "بدائع الفوائد" (1/170) ثالثا: قد ذم أهل العلم إطلاق القول، نفياً أو إثباتاً، في الألفاظ المحدثة المجملة، قبل الاستفصال عن معناها عند قائلها، ورد القول في ذلك إلى المحكم الثابت من الكتاب والسنة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله: " إذا منع إطلاق هذه المجملات المحدثات في النفي والإثبات، ووقع الاستفسار والتفصيل: تبيَّنَ سواءُ السبيل. وبذلك يتبين أن الشارع عليه الصلاة والسلام، نص على كل ما يعصم من المهالك، نصا قاطعا للعذر، وقال تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ) سورة التوبة /115، وقال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً) المائدة/3 ". ثم قال: " وهذه الجملة: يُعلم تفصيلها بالبحث والنظر، والتتبع والاستقراء، والطلب لعلم هذه المسائل في الكتاب والسنة؛ فمن طلب ذلك وجد في الكتاب والسنة من النصوص القاطعة للعذر في هذه المسائل، ما فيه غاية الهدي والبيان والشفاء. وذلك يكون بشيئين: أحدهما: معرفة معاني الكتاب والسنة. والثاني: معرفة معاني الألفاظ التي ينطق بها هؤلاء المختلفون، حتى يحسن أن يطبق بين معاني التنزيل، ومعاني أهل الخوض في أصول الدين؛ فحينئذ يتبين له أن الكتاب حاكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، كما قال تعالي: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ} البقرة /213، وقال تعالي {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} الشورى /10، وقال {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً * أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً} النساء / 59 – 61. ولهذا يوجد كثيرا في كلام السلف والأئمة: النهي عن إطلاق موارد النزاع بالنفي والإثبات، وليس ذلك لخلو النقيضين عن الحق، ولا قصور أو تقصير في بيان الحق؛ ولكن لأن تلك العبارة من الألفاظ المجملة المتشابهة، المشتملة علي حق وباطل؛ ففي إثباتها إثبات حق وباطل، وفي نفيها نفي حق وباطل، فيمنع من كلا الإطلاقين. بخلاف النصوص الإلهية، فإنها فرقان فرق الله بها بين الحق والباطل. ولهذا كان سلف الأمة وأئمتها يجعلون كلام الله ورسوله هو الإمام والفرقان الذي يجب اتباعه؛ فيثبتون ما أثبته الله ورسوله، وينفون ما نفاه الله ورسوله، ويجعلون العبارات المحدثة المجملة المتشابهة ممنوعا من إطلاقها: نفيا وإثباتا؛ لا يطلقون اللفظ ولا ينفونه إلا بعد الاستفسار والتفصيل؛ فإذا تبين المعنى أثبت حقه ونفي باطله، بخلاف كلام الله ورسوله فإنه حق يجب قبوله وإن لم يفهم معناه، وكلام غير المعصوم لا يجب قبوله حتى يفهم معناه. وأما المختلفون في الكتاب، المخالفون له، المتفقون علي مفارقته: فتجعل كل طائفة ما أصلته من أصول دينها الذي ابتدعته هو الإمام الذي يجب اتباعه، وتجعل ما خالف ذلك من نصوص الكتاب والسنة من المجملات المتشابهات التي لا يجوز اتباعها، بل يتعين حملها علي ما وافق أصلهم الذي ابتدعوه، أوالإعراض عنها وترك التدبر لها ". "درء تعارض العقل والنقل" (1/73-77) . رابعاً: إذا وقع الاستفصال عن المعنى، ورددنا محل النزاع إلى كتاب وسنة رسوله: ساغ استخدام اللفظ الحادث، للدلالة على معنى ثابت، عند من يحتاج إلى ذلك. قال شيخ الإسلام: " اذا أثبت الرجل معنى حقا، ونفى معنى باطلا، واحتاج إلى التعبير عن ذلك بعبارة لأجل إفهام المخاطب، لأنها من لغة المخاطب ونحو ذلك: لم يكن ذلك منهيا عنه؛ لأن ذلك يكون من باب ترجمة أسمائه وآياته بلغة أخرى، ليفهم أهل تلك اللغة معاني كلامه وأسمائه، وهذا جائز، بل مستحب أحيانا، بل واجب أحيانا. وإن لم يكن ذلك مشروعا على الإطلاق؛ كمخاطبة أهل هذه الاصطلاحات الخاصة في أسماء الله وصفاته وأصول الدين باصطلاحهم الخاص، إذا كانت المعاني التي تبيَّن لهم هي معاني القرآن والسنة، ... وهذه الترجمة تجوز لإفهام المخاطب، بلا نزاع بين العلماء ". انتهى. بيان تلبيس الجهمية (2/389) . خامسا: من هذا الباب لفظ " الحد " المذكور في السؤال؛ فمن أراد بإثبات الحد، أنه سبحانه وتعالى بائن عن خلقه بحد فاصل، بين الخالق والمخلوق، فلا يحل شيء من المخلوقات بذاته جل جلاله، كما أنه لا يحل بشيء من خلقه ولا يتّحد به: فهذا معنى صحيح، يُخْبَر به عن الله تعالى، وإن لم يكن صفة ثبوتية، تضاف إليه سبحانه. قال شيخ الإسلام: " ولما كان الجهمية يقولون ما مضمونه: إن الخالقَ لا يتميّز عن الخلقِ، فيجحدون صفاته التي يتميّز بها، ويجحدون قدره، فبيّن ابن المبارك أنّ الرب سبحانه وتعالى على عرشه مباين لخلقه، منفصلٌ عنه، وذكر الحدّ لأن الجهمية كانوا يقولون: ليس له حدٌّ، وما لا حدّ له لا يباينُ المخلوقاتِ، ولا يكون فوق العالم، لأن ذلك مستلزم للحدِّ، فلما سألوا أمير المؤمنين عبد الله بن المبارك: بماذا نعرفه؟ قال: بأنه فوق سماواته، على عرشه، بائن من خلقه، فذكروا لازم ذلك الذي تنفيه الجهمية، وبنفيهم له ينفون ملزومه الذي هو وجوده فوق العرشِ، ومباينته للمخلوقات، فقالوا له: بحدٍّ؟ قال: بحدّ.". انتهى باختصار. بيان تلبيس الجهمية (1/443) . وقال شيخ الإسلام أيضا: " هذا اللفظ لم نثبت به صفة زائدة على ما في الكتاب والسنة؛ بل بيّنّا به ما عطله المبطلون من وجود الرب تعالى ومباينته لخلقه وثبوت حقيقته ". "بيان تلبيس الجهمية" (1/445) ومن هنا نتبين أن إطلاق جمع من السلف لهذا اللفظ كان ردا على الجهمية والحلولية وأشباههم من أهل البدعة، وبياناً لمعنى شرعي صحيح في نفس الأمر، وإن كان الشرع لم يعبر عنه بهذا اللفظ. سادساً: إثبات الحد لله تعالى، والإخبار به عنه: لا يعني أن الخلق يُحيطون به علماً، سبحانه، أو أنهم يعلمون منتهى ذلك الحد، قال تعالى: (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) طه/110، وقال: (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاء) البقرة/255. قال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي رحمه الله: " والله تعالى له حد لا يعلمه أحد غيره، ولا يجوز لأحد أن يتوهم لحده غاية في نفسه، ولكن يؤمن بالحد، ويَكِل علم ذلك إلى الله. ولمكانه أيضا حد، وهو على عرشه فوق سماواته. فهذان حدان اثنان ". انتهى. "نقض الدارمي على بشر المريسي" (223-224) ، وينظر: "مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (7/193) . والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127681 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 710 استشكل صفة " العَجب " لله تعالى مع علمه بما سيفعله خلقه تعالى [السُّؤَالُ] ـ[قد أَشكل عليَّ شيءٌ في العقيدة، وأريد توضيحه إذا أمكن، نحن كمسلمين نؤمن أن علم الغيب عند الله عز وجل، فلا يعلم أحد غيره ما كان، وما يكون، وما سيكون، فكيف نوفِّق بين هذا، وبين " تعجب الله من فعل الصحابي مع ضيفه عندما قلد صوت الأكل ولم يأكل "، حيث إن الله يعلم هذا الشيء مسبقاً - سبحانه وتعالى -. أنا يا شيخ يأتيني الشيطان بهذه الوساوس، وأحاول جاهداً طرده، وأنا أعلم حقيقة أن ما بي هو سوء فهم، لا أكثر، فهلا أجبتني جزاك الله خيراً؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نسأل الله لك الهداية والتوفيق، ونسأله تعالى أن يرزقك الإخلاص واليقين، وقد أحسنتَ بسؤالك عما يقلقك، وسنجيب على سؤالك بما يقطع دابر الشك والوسوسة بإذن الله وتوفيقه، ونحن نذكر لك الحديث بنصه، ثم نعقبه بكلام الأئمة الأعلام في معناه. نص الحديث: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي مَجْهُودٌ فَأَرْسَلَ إِلَى بَعْضِ نِسَائِهِ فَقَالَتْ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا عِنْدِي إِلَّا مَاءٌ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أُخْرَى فَقَالَتْ مِثْلَ ذَلِكَ، حَتَّى قُلْنَ كُلُّهُنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا عِنْدِي إِلَّا مَاءٌ، فَقَالَ: (مَنْ يُضِيفُ هَذَا اللَّيْلَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ) فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى رَحْلِهِ فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ، قَالَتْ: لَا، إِلَّا قُوتُ صِبْيَانِي، قَالَ: فَعَلِّلِيهِمْ بِشَيْءٍ فَإِذَا دَخَلَ ضَيْفُنَا فَأَطْفِئْ السِّرَاجَ وَأَرِيهِ أَنَّا نَأْكُلُ فَإِذَا أَهْوَى لِيَأْكُلَ فَقُومِي إِلَى السِّرَاجِ حَتَّى تُطْفِئِيهِ قَالَ فَقَعَدُوا وَأَكَلَ الضَّيْفُ فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (قَدْ عَجِبَ اللَّهُ مِنْ صَنِيعِكُمَا بِضَيْفِكُمَا اللَّيْلَةَ) . رواه مسلم (2054) . مجهود: أي: أصابني الجهد، وهو المشقة، والحاجة وسوء العيش والجوع. ثانياً: سبب الإشكال عندك أخي السائل: هو ظنك أن صفة " التعجب " معناها الدهشة من فعل شيء غير متوقع أو غير معلوم، أو: أن سبب الفعل المتعجَّب منه يخفى على المتعجِّب، ومن هنا قالوا: " إذا عُرف السبب بطل العجب "! . وكلا هذين االمعنيين باطل في حق الله تعالى، وإنما هذا هو تعجب المخلوق، والله تعالى ليس كمثله شيء، فليس سمعه كسمع المخلوق، وليس بصره كبصر المخلوق، وليست رحمته كرحمة المخلوق، وهكذا سائر صفاته، وأفعاله، وأسمائه، ومثله يقال في صفة " العَجَب "، فليست هي كصفة العجَب عند المخلوق. والله تعالى يعلم ما كان، وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون، وهو خالق الخلق وخالق أفهالهم، فلا يليق بجلال الله وكماله أن نفهم أن هذه الصفة تستلزم في حقه سبحانه، ما تستلزمه في حق البشر من الجهل، والدهش أو الحيرة، أو ما إلى ذلك؛ بل هذه الصفة، وجميع صفاته، تفهم على معناها الظاهر في اللغة، مع الاعتقاد أن الله جل جلاله لا يشبه أحدا من خلقه في صفاته، كما أنه لا يشبههم في ذاته. وأما معنى الصفة اللائق بالله تعالى فهو أنها بمعنى " تعجب استحسان " لا تعجب اندهاش. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: والعجب هنا: عجبُ استحسان، استحسن عز وجل صنيعهما من تلك الليلة، لما يشتمل عليه من الفوائد العظيمة. " شرح رياض الصالحين " (3 / 420) . ثالثاً: وقد ثبتت صفة " العَجَب " لله تعالى في الكتاب والسنَّة: 1. قال تعالى: (بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ) الصافات/ 12، وفي قراءة: (عَجِبْتُ) . قال ابن جرير الطبري – رحمه الله -: قوله: (بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ) اختلفت القرَّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرَّاء الكوفة: (بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ) بضم التاء من (عَجِبْتَ) ، بمعنى: بل عظُم عندي، وكبر اتخاذهم لي شريكاً، وتكذيبهم تَنْزيلي، وهم يسخرون، وقرأ ذلك عامة قرَّاء المدينة، والبصرة، وبعض قرَّاء الكوفة (عَجِبْتَ) بفتح التاء، بمعنى: بل عجبتَ أنت يا محمد، ويسخرون من هذا القرآن. والصواب من القول في ذلك أن يقال: إنهما قراءتان مشهورتان في قرَّاء الأمصار، فبأيتهما قرأ القارئ: فمصيب. فإن قال قائل: وكيف يكون مصيباً القاريء بهما مع اختلاف معنييهما؟! قيل: إنهما وإن اختلف معنياهما فكلّ واحد من معنييه صحيح، قد عجب محمد مما أعطاه الله من الفضل، وسخر منه أهل الشرك بالله، وقد عجِب ربنا من عظيم ما قاله المشركون في الله، وسَخِر المشركونَ مما قالوه. " تفسير الطبري " (21 / 22، 23) . 2. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (عَجِبَ اللَّهُ مِنْ قَوْمٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ فِي السَّلَاسِلِ) . رواه البخاري (2848) . 3. عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَعْجَبُ مِنْ الشَّابِّ لَيْسَتْ لَهُ صَبْوَةٌ) . رواه أحمد (28 / 600) وحسنَّه محققوه، وحسَّنه الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1 / 270) . قال أبو يعلى الفراء – رحمه الله – تحت باب " إثبات صفة العَجب لربنا تبارك وتعالى -: اعلم أنَّ الكلام في هذا الحديث كالكلام في الذي قبله – وكان ساق قبله حديثين -، وأنه لا يمتنع إطلاق ذلك عليه، وحمْله على ظاهره؛ إذ ليس في ذلك ما يحيل صفاته، ولا يخرجها عما تستحقه؛ لأنا لا نثبت عَجَبَاً هو تعظيم لأمر دَهَمَه استعظمه لم يكن عالماً به؛ لأنه مما لا يليق بصفاته، بل نثبت ذلك صفة كما أثبتنا غيرها من صفاته. " إبطال التأويلات " (ص 245) . وقال الإمام أبو القاسم الأصبهاني، قوام السنة، رحمه الله: " وقال قوم: لا يوصف الله بأنه يعجب، لأن العجب ممن يعلم ما لم يكن يعلم. واحتج مثبت هذه الصفة بالحديث، وبقراءة أهل الكوفة: (بل عجبت ويسخرون) على أنه إخبار من الله عز وجل عن نفسه " "الحجة في بيان المحجة" (2/490) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وأما قوله: " التعجب استعظام للمتعجب منه ". فيقال: نعم؛ وقد يكون مقرونا بجهل بسبب التعجب، وقد يكون لما خرج عن نظائره. والله تعالى بكل شيء عليم، فلا يجوز عليه أن لا يعلم سبب ما تعجب منه ; بل يتعجب لخروجه عن نظائره تعظيما له. والله تعالى يعظم ما هو عظيم ; إما لعظمة سببه، أو لعظمته. فإنه وصف بعض الخير بأنه عظيم. ووصف بعض الشر بأنه عظيم ... ولهذا قال تعالى: {بل عجبتُ ويسخرون} على قراءة الضم، فهنا هو عَجِب من كفرهم مع وضوح الأدلة. وقال النبي صلى الله عليه وسلم للذي آثر هو وامرأته ضيفهما: (لقد عجب الله) وفي لفظ في الصحيح: (لقد ضحك الله الليلة من صنعكما البارحة) .. " "مجموع فتاوى شيخ الإسلام" (6/123-124) . وينظر: صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة، للشيخ علوي السقاف (210-213) . وبعد: فلقد رأيت – أخي السائل – أن العَجَب الذي يكون عن جهل: هو عجب البشر، وأما عجب الرب تعالى فليس كذلك، بل هو عن سابق علم، وإنما أراد الله تعالى استحسان فعلهم، وتعظيمه بذكره بهذه الصفة، اللائقة به تبارك وتعالى. فأما الوسوسة، فلها داواءان: دواء العلم البنوي الشافي من الجهل والتلبيس الشيطاني، فشد يديك بكتب أهل السنة، وأئمة أهل العلم والإيمان. ودواء آخر نبوي أيضا، يقطع عنك أبواب الخيالات الفاسدة، والوساوس المحيرة. عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ مَنْ خَلَقَ كَذَا، مَنْ خَلَقَ كَذَا، حَتَّى يَقُولَ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟! فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ) . رواه البخاري (3276) ومسلم (134) . فهذا دواء نافع، بإذن الله، من كل ووسواس فاسد، أو سؤال لا وجه له، واسترسال في خيال محير. نسأل الله أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127605 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 711 تفصيل مفيد في صفة " السمع لله تعالى، وفيها بيان سماع الله لخلقه على اختلاف لغاتهم [السُّؤَالُ] ـ[هل الله عز وجل يفهم جميع اللغات؟! ولماذا نعاني نحن كل هذه المعاناة في تعلم العربية؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ليعلم أن الله تعالى جلَّ وعلا ليس كخلْقه، بل له صفات الكمال سبحانه وتعالى، فهو عزَّ وجلَّ قال عن نفسه (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) الشورى/ من الآية11. ومن أصول الإيمان القطعية، التي لا يصح إيمان العبد، ولا معرفته بربه إلا بها: أن يعلم أن الله جل جلاله بكل شيء عليم، بما كان، وبما يكون، وبما لم يكن، يعلم السر وأخفى، لا يشغله شيء عن شيء، ولا صوت عن صوت، ولا خلق عن خلق، السر والعلن عنده سواء: (سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ) . قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله: " بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن السر والجهر عنده سواء، وأن الاختفاء والظهور عنده أيضاً سواء؛ لأنه يسمع السر كما يسمع الجهر، ويعلم الخفى كما يعلم الظاهر. وقد أوضح هذا المعنى في آيات أخر، كقوله: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [67/13، 14] ، وقوله: {وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [20/7] ، وقوله: {أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [11/5] ، وقوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} الآية [50/16] ، إلى غير ذلك من الآيات ". انتهى. "أضواء البيان" (2/236) . عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ اجْتَمَعَ عِنْدَ الْبَيْتِ قُرَشِيَّانِ وَثَقَفِيٌّ، أَوْ ثَقَفِيَّانِ وَقُرَشِيٌّ، كَثِيرَ شَحْمُ بُطُونِهِمْ، قَلِيلَ فِقْهُ قُلُوبِهِمْ؛ فَقَالَ أَحَدُهُمْ: أَتُرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ يَسْمَعُ مَا نَقُولُ؟ قَالَ الْآخَرُ: يَسْمَعُ إِنْ جَهَرْنَا، وَلَا يَسْمَعُ إِنْ أَخْفَيْنَا. وَقَالَ الْآخَرُ: إِنْ كَانَ يَسْمَعُ إِذَا جَهَرْنَا، فَإِنَّهُ يَسْمَعُ إِذَا أَخْفَيْنَا!! فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ} . رواه البخاري (4443) ومسلم (4979) . وعن أَبِي هُرَيْرَةَ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قَسَمْتُ الصَّلاَةَ بَيْنِى وَبَيْنَ عَبْدِى نِصْفَيْنِ وَلِعَبْدِى مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) قَالَ اللَّهُ: تَعَالَى حَمِدَنِى عَبْدِى، وَإِذَا قَالَ (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِى، وَإِذَا قَالَ (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي، فَإِذَا قَالَ (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ) ، قَالَ هَذَا لِعَبْدِى وَلِعَبْدِى مَا سَأَلَ» رواه مسلم (395) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: فهذا يقوله سبحانه وتعالى لكل مصلٍّ قرأ الفاتحة، فلو صلَّى الرجل ما صلَّى من الركعات قيل له ذلك، وفي تلك الساعة يصلي مَن يقرأ الفاتحة مَن لا يُحصي عددَه إلا الله، وكل واحدٍ منهم يقول الله له كما يقول لهذا، كما يحاسبهم كذلك، فيقول لكل واحد ما يقول له من القول في ساعة واحدة، وكذلك سمعه لكلامهم، يسمع كلامهم كلَّه مع اختلاف لغاتهم، وتفنن حاجاتهم؛ يسمع دعاءَهم سمْع إجابة، ويسمع كل ما يقولونه سمع علم وإحاطة، لا يشغله سمع عن سمع، ولا تغلطه المسائل، ولا يتبرم بإلحاح الملحين؛ فإنه سبحانه هو الذي خلق هذا كله، وهو الذي يرزق هذا كله، وهو الذي يوصل الغذاء إلى كل جزء من البدن على مقداره وصفته المناسبة له، وكذلك من الزرع. " مجموع الفتاوى " (5 / 479، 480) . ثانيا: الله تعالى هو الذي خلق اللغات، وجعل ذلك من آياته تعالى على ربوبيته، وقدرته، قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْعَالِمِينَ) الروم/ 22؛ وكيف يكون إلهاً، ومعبوداً، وربّاً، وهو لا يعلم ما يقوله عباده؟! إننا نرى فيما يعتاده الناس ويعرفونه: أن صاحب الصنعة هو أدرى الناس بها، وأفضل طريقة لمعرفة نظام جهاز من الأجهزة: أن تراجع كتاب التشغيل الصادر عن مصنعه؛ فكيف بالله جل جلاله، وهو خالق الخلق، وهو علام الغيوب: (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) الملك/13-14. قال الشيخ السعدي رحمه الله: " هذا إخبار من الله بسعة علمه، وشمول لطفه، فقال: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ} ، أي: كلها سواء لديه، لا يخفى عليه منها خافية، فـ {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} أي: بما فيها من النيات والإرادات، فكيف بالأقوال والأفعال التي تسمع وترى؟! ثم قال مستدلا بدليل عقلي على علمه: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} ؛ فمن خلق الخلق وأتقنه وأحسنه، كيف لا يعلمه {وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} ، الذي لطف علمه وخبره حتى أدرك السرائر والضمائر، والخبايا والخفايا والغيوب، وهو الذي {يعلم السر وأخفى} ؟! انتهى. "تفسير السعدي" (876) . ثالثا: إذا آمنا بأن الله رقيب على عباده مطلع عليهم، وآمنا بأن الخلق إليه يحشرون، وأنه سيحاسبهم على أعمالهم، فمن ضرورة ذلك: أن نؤمن إيمانا جازما باطلاعه على خلقه، وعلمه بهم: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ * وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) غافر/19-20. وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الله سيكلم خلقه يوم القيامة، من غير حجاب ولا ترجمان بينه وبينهم: عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ) . رواه البخاري (7005) ومسلم (1016) . وفي رواية للبخاري: (وَلَيَلْقَيَنَّ اللَّهَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ يَلْقَاهُ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ يُتَرْجِمُ لَهُ فَلَيَقُولَنَّ لَهُ أَلَمْ أَبْعَثْ إِلَيْكَ رَسُولًا فَيُبَلِّغَكَ فَيَقُولُ بَلَى فَيَقُولُ أَلَمْ أُعْطِكَ مَالًا وَأُفْضِلْ عَلَيْكَ فَيَقُولُ بَلَى فَيَنْظُرُ عَنْ يَمِينِهِ فَلَا يَرَى إِلَّا جَهَنَّمَ وَيَنْظُرُ عَنْ يَسَارِهِ فَلَا يَرَى إِلَّا جَهََّمَ) . رواه البخاري (3400) . رابعاً: أما تعلم اللغة العربية فالقدر الذي يجب منه: أن تتعلم المقدار الذي تصح به صلاتك وعبادتك، وما زاد على ذلك فهو نافلة مستحبة، أن تتعلم ما يعينك على فهم كتاب الله وسنة نبيه، والتفقه في دينه، ويتأكد ذلك في حق طالب العلم، ويتأكد في حق الشاب القادر على التعلم ما لا يطلب من الشيخ والمرأة الكبيرة، وهكذا كل على حسب طاقته. قال الإمام الشافعي – رحمه الله -: فعلى كل مسلم أن يتعلم من لسان العرب ما بلغه جَهده، حتى يشهد به أن لا إله إلا الله، وأن محمد عبده ورسوله، ويتلو به كتاب الله، وينطق بالذِّكر فيما افترض عليه من التكبير، وأُمر به من التسبيح، والتشهد، وغير ذلك. " الرسالة " (ص 48) . وأما سبب معاناة كثيرين في تعلم العربية: فلعل ذلك يعود لأسباب كثيرة، منها عدم سلوك الطريق المنهجي المناسب، أو عدم خبرة المعلم بتدريس اللغة لغير أهلها، أو عدم المداومة على استعمال ما تعلمه المتعلم من الألفاظ والأساليب، إلى غير ذلك من الأسباب التي من الممكن أن يستشار فيها المختص، كل على حسب حالته. ومن الأمور المهمة التي يُنصح بها هنا أن يكثر المتعلم من مخالطة العرب، ومحاولة التكلم معهم بالعربية، خاصة فيما يتعلق بالأمور الدينية والعلمية، فهذا أفضل الطرق لاكتساب اللغات: أن يخالط المرء أهلها، وأن يصبر على تعلمها بهذه الطريقة، لاسيما إذا واكب ذلك دراسة نظرية منهجية، ووفق للإخوة ناصحين له، يعينونه على هذه المخالطة التعليمية، ويعلمونه الجديد، ويصوبونه له الخطأ. وضع في علمك أن كل شيء يحتاج إلى صبر وبذل، وأنه ليس شيء يصعب على المرء مع الهمة العالية، وسلوك الطريق الصحيح. والله الموفق [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126406 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 712 الرد على مقولة " السماء قبلة الدعاء " وبيان اعتقاد أهل السنَّة أن الله تعالى في السماء [السُّؤَالُ] ـ[ما رد فضيلتكم على هذا القول: أن الله تعالى لا يتحيز في مكان، إنما السماء قبلة الدعاء، ومهبط الرحمات، قال تعالى: (يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب) ، السماء إلى فناء، تعالى الله أن يتحيز فيها، وقال عليه الصلاة والسلام: (أطَّت السماء وحُقَّ لها أن تئط فليس فيها مكان إلا فيها ملك قائم أو راكع أو ساجد) فتعالى الله أن يتحيز بين الملائكة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الكلام الوارد في السؤال هو من إنشاء أهل البدع والأهواء نفاة العلو لله الواحد القهَّار، وقد شاع بين " الأشاعرة "، وكانوا قد ورثوه عن " الجهمية ". وأصل ذلك: أنهم أرادوا نفي علو ذات الله تعالى، وغاظهم ما يجده الناس في فطَرهم ضرورةً من توجه قلوبهم نحو السماء، ومن رفع أيديهم تجاهها، فزعموا أن " السماء قبلة للدعاء "! وأن توجه المسلمين بقلوبهم نحوها، ورفع أيديهم باتجاهها: هو توجه لقبلة الدعاء، كما يتوجهون للكعبة قبلة الصلاة! حتى روى بعض الكذَّابين نفاة الصفات عن الله تعالى في ذلك حديثاً نسبه للنبي صلى الله عليه وسلم، بلفظ: (السماءُ قِبلةُ الدعاء) ! قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله: لم أقف له على أصل، إلا ما قاله الحافظ في "نتائج الأفكار" (1/259، 260) في "آداب الدعاء": "قلت: أما الاستقبال: فلم أرَ فيه شيئاً صريحاً يختص به، وقد نقل الروياني أنه يقول رافعاً بصره إلى السماء، وقد تقدم ذلك فِي حَدِيثِ عمر، وفي حديث ثوبان: " السماء قبلة الدعاء "، فلعل ذلك مراد مَن أطلق". كذا قال! وحديث ثوبان تقدم عنده (1/245) ، وليس فيه ما ذكر، ولا رأيتُ ذلك في كتاب من كتب السنَّة التي وقفتُ عليها، بل ظاهر كلام شارح "العقيدة الطحاوية" ابن أبي العز (ص 327) وغيره: أن هذا الحديث المزعوم هو من قول بعض المؤولة، أو المعطلة الذين ينكرون علو الله على خلقه، واستواءه على عرشه، وما فُطر عليه الناس من التوجه بقلوبهم في دعائهم جهة العلو، فقال الشارح: "إن قولكم: إن "السماء قبلة الدعاء": لم يقله أحدٌ من سلف الأمة، ولا أنزل الله به من سلطان ... ". "السلسة الضعيفة" (13/443) . وقد تكررت هذه العبارة "السماء قبلة الدعاء" في كتب الأشاعرة، وهو ينفون عن الله تعالى صفة العلو، والاستواء على العرش حتى ظنها كثيرون عقيدة صحيحة، والحق أحق أن يُتبَّع، ولا ينبغي التوقف في خطأ هذه العبارة، وضلال معناها. وقد أجاب ابن أبي العز الحنفي رحمه الله على هذا القول من عدة أوجه: "أحدها: أن قولكم: إن السماء قبلة للدعاء - لم يقله أحد من سلف الأمة، ولا أنزل الله به من سلطان، وهذا من الأمور الشرعية الدينية، فلا يجوز أن يخفى على جميع سلف الأمة وعلمائها. الثاني: أن قبلة الدعاء هي قبلة الصلاة، فإنه يستحب للداعي أن يستقبل القبلة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستقبل القبلة في دعائه في مواطن كثيرة، فمن قال إن للدعاء قبلة غير قبلة الصلاة، أو إن له قبلتين: إحداهما الكعبة والأخرى السماء - فقد ابتدع في الدين، وخالف جماعة المسلمين. الثالث: أن القبلة: هي ما يستقبله العابد بوجهه، كما تستقبل الكعبة في الصلاة والدعاء، والذكر والذبح، وكما يوجه المحتضر والمدفون، ولذلك سميت " وجهة "، والاستقبال خلاف الاستدبار، فالاستقبال بالوجه، والاستدبار بالدبر، فأما ما حاذاه الإنسان برأسه أو يديه أو جنبه فهذا لا يسمى " قبلة "، لا حقيقة ولا مجازاً، فلو كانت السماء قبلة الدعاء لكان المشروع أن يوجه الداعي وجهه إليها، وهذا لم يشرع، والموضع الذي ترفع اليد إليه لا يسمى " قبلة "، لا حقيقة ولا مجازاً، ولأن القبلة في الدعاء أمر شرعي تتبع فيه الشرائع، ولم تأمر الرسل أن الداعي يستقبل السماء بوجهه، بل نهوا عن ذلك. ومعلوم أن التوجه بالقلب، واللجأ والطلب الذي يجده الداعي من نفسه أمر فطري، يفعله المسلم والكافر والعالم والجاهل، وأكثر ما يفعله المضطر والمستغيث بالله، كما فطر على أنه إذا مسه الضر يدعو الله، مع أن أمر القبلة مما يقبل النسخ والتحويل، كما تحولت القبلة من الصخرة إلى الكعبة، وأمر التوجه في الدعاء إلى الجهة العلوية مركوز في الفطر، والمستقبل للكعبة يعلم أن الله تعالى ليس هناك، بخلاف الداعي، فإنه يتوجه إلى ربه وخالقه، ويرجو الرحمة أن تنزل من عنده" انتهى. "شرح العقيدة الطحاوية" (ص 327، 328) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "إن الذين يرفعون أيديهم، وأبصارهم، وغير ذلك، إلى السماء وقت الدعاء: تقصد قلوبُهم الربَّ الذي هو فوق، وتكون حركة جوارحهم بالإشارة إلى فوق: تبعاً لحركة قلوبهم إلى فوق، وهذا أمرٌ يجدونه كلهم في قلوبهم وَجْداً ضروريّاً، إلا من غُيِّرت فطرتُه باعتقاد يصرفه عن ذلك، وقد حكى محمد بن طاهر المقدسي عن الشيخ أبي جعفر الهمذاني أنه حضر مجلس أبي المعالي – أي: الجويني - فذكر العرش، وقال: "كان الله ولا عرش"، ونحو ذلك، وقام إليه الشيخ أبو جعفر، فقال: يا شيخ دعنا من ذِكر العرش، وأخبرنا عن هذه الضرورة التي نجدها في قلوبنا: فإنه ما قال عارف قط: "يا الله": إلا وجد في قلبه ضرورةً لطلب العلو، لا يلتفت يمنة، ولا يسرة، قال: فضرب أبو المعالي على رأسه، وقال: "حيرني الهمذاني". فأخبر هذا الشيخ عن كل من عرف الله: أنه يجد في قلبه حركة ضرورية إلى العلو إذا قال: "يا الله"، وهذا يقتضي أنه في فطرتهم، وخِلقتهم: العلم بأن الله فوق، وقصده، والتوجه إليه: إلى فوق". "بيان تلبيس الجهمية" (2/446، 447) ، وفي (4/518، 519) طبعة المدينة. ثم إننا عندما نقول: إن الله تعالى في السماء ليس معنى ذلك أن السماء تحيط به، أو كما يعبر هؤلاء بأن الله ساكن السماء! تعالى الله عن ذلك. بل نقول: إن الله تعالى في السماء يعني على السماء، وفوق السماء، مستوٍ على عرشه سبحانه وتعالى، كقول الله تعالى: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ) الأنعام/11. أي: على الأرض. وللوقوف على بعض الأدلة على علو الله تعالى على خلقه واستوائه على عرشه، انظر جواب السؤال رقم (992) و (124469) . ثانياً: أما قول السائل: السماء إلى فناء، تعالى الله أن يتحيز فيها ... إلخ فقد سبق الجواب عليه في جواب السؤال رقم (131956) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126154 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 713 معنى أن الله تعالى في السماء أنه سبحانه يعلو السماء [السُّؤَالُ] ـ[لقد قرأت عدة ترجمات باللغة الانجليزية للقرآن الكريم , وعندما قرأت تفسير بعض الآيات أصبح عندي نوع من الضياع والوساوس. قال تعالى: (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض) فالتفاسير التي قرأتها تقول أن الله في السماء، وهذا خلاف ما أنا مؤمن ومعتقد به، وما قرأته ـ أيضا ـ في بعض التفاسير، وهو أن الله فوق السماء. كما أنني قرأت في بعض التفاسير، في قول الله تعالى: (الرحمن على العرش استوى) ، يقول: " استوى بمعني أرتفع وعلا "، علواً يليق بجلاله جل في علاه. وسأكون ممتناً جداً لفضيلتكم إذا ما شرحتم هذا لي بالتفصيل الدقيق.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله في مسألة علو الله تعالى على خلقه واستوائه جل وعلا على عرشه قاعدتان مهمتان يجب تقريرهما والتنبيه عليهما: القاعدة الأولى: إثبات ما أثبته الله تعالى لنفسه في كتابه المحكم المبين، حيث وصف نفسه بالعلو على جميع خلقه، وباستوائه عز وجل على عرشه بعد أن خلق السماوات والأرض، وذلك في آيات محكمات بينات من الذكر الحكيم: يقول الله تعالى: (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ. يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) النحل/49-50. ويقول جل وعلا: (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ. أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ) الملك/16-17. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أَلاَ تَأْمَنُونِي وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِى السَّمَاءِ، يَأْتِينِي خَبَرُ السَّمَاءِ صَبَاحًا وَمَسَاءً) رواه البخاري (4351) ومسلم (1064) ويقول أيضا: (ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ) رواه الترمذي (رقم/1924) وقال: حسن صحيح. ويقول أيضا (لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابِهِ فَهْوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ إِنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِي) رواه البخاري (رقم/3194) ومسلم (2751) وانظر جواب السؤال رقم: (992) ، (9564) ، (11035) ، (47048) القاعدة الثانية: أن الله عز وجل لا يحيط به شيء من خلقه، ولا تحويه مخلوقاته، وهو سبحانه غني عنها، فقد تنزه عن الحاجة إليها، وتعالى أن يحيط به المخلوق المحدَث الناقص. يقول الله عز وجل: (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) الأنعام/103. ويقول تعالى: (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا) طه/110. ومن هاتين القاعدتين يقرر أهل السنة أن علو الله تعالى على عرشه وعلى جميع خلقه يعني كونه سبحانه وتعالى فوق المخلوقات كلها، فوق السماء، وفوق الجنة، وفوق العرش، وأنه سبحانه وتعالى لا يحويه شيء من هذه المخلوقات، ولا يحتاج إلى شيء منها، بل هو خالقها والقيوم عليها، وأن النصوص التي تصف الله تعالى بأنه (في السماء) تعني أنه سبحانه عالٍ على خلقه، ولا تعني أنه عز وجل تحويه السماء وتحيط به، وذلك لأن السماء هنا بمعنى العلو، وليست السماء المخلوقة، أو يقال بأن حرف الجر (في) هنا بمعنى: على، أي: على السماء. ثبت عن علي بن الحسن بن شقيق، شيخ البخاري، قال: قلت لعبد الله بن المبارك: كيف نعرف ربنا؟ قال: في السماء السابعة على عرشه. وفي لفظ: على السماء السابعة على عرشه، ولا نقول كما تقول الجهمية إنه ها هنا في الأرض. فقيل لأحمد بن حنبل، فقال: هكذا هو عندنا. قال الإمام الذهبي معلقا على هذا الأثر: " هذا صحيح ثابت عن ابن المبارك، وأحمد رضي الله عنهما، وقوله: " في السماء " رواية أخرى، توضح لك أن مقصوده بقوله " في السماء " أي: على السماء، كالرواية الأخرى الصحيحة التي كتب بها إلى يحيى بن منصور الفقيه " انتهى. " العرش " (2/189) وننقل هنا كلام أهل العلم الذي يشرح ويوضح هذا الموضوع: يقول الحافظ ابن عبد البر رحمه الله: " وأما قوله تعالى: (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ) الملك/16 فمعناه مَن على السماء يعني على العرش، وقد يكون في بمعنى على، ألا ترى إلى قوله تعالى: (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) التوبة/2 أي: على الأرض. وكذلك قوله: (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) طه/71 " انتهى. " التمهيد " (7/130) . ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " السلف والأئمة وسائر علماء السنة إذا قالوا " إنه فوق العرش، وإنه في السماء فوق كل شيء " لا يقولون إن هناك شيئا يحويه أو يحصره أو يكون محلا له أو ظرفا ووعاء سبحانه وتعالى عن ذلك، بل هو فوق كل شيء، وهو مستغن عن كل شيء، وكل شيء مفتقر إليه، وهو عالٍ على كل شيء، وهو الحامل للعرش ولحملة العرش بقوته وقدرته، وكل مخلوق مفتقر إليه، وهو غني عن العرش وعن كل مخلوق. وما في الكتاب والسنة من قوله: (أأمنتم من في السماء) ونحو ذلك قد يفهم منه بعضهم أن " السماء " هي نفس المخلوق العالي، العرش فما دونه، فيقولون: قوله (في السماء) بمعنى " على السماء "، كما قال: (ولأصلبنكم في جذوع النخل) أي: على جذوع النخل، وكما قال: (فسيروا في الأرض) أي: على الأرض. ولا حاجة إلى هذا، بل " السماء " اسم جنس للعالي، لا يخص شيئا، فقوله: (في السماء) أي: في العلو دون السفل. وهو العلي الأعلى فله أعلى العلو، وهو ما فوق العرش، وليس هناك غيره العلي الأعلى سبحانه وتعالى " انتهى. " مجموع الفتاوى " (16/100-101) . والخلاصة: أن ما تعقتده من أن الله تعالى مستو على عرشه، فوق سمائه، وفوق جميع خلقه، هو الذي يجب على كل مؤمن اعتقاده، وما قرأته في التفاسير المشار إليها من أن الله تعالى في السماء، هو أيضا صحيح، موافق لما تعتقده، قد نطق به الكتاب والسنة، لكن بشرط أن يفهم أن السماء هنا تعني: جهة العلو، أو أن في تعني: على، كما فصلناه في الجواب؛ فإن كان المفسر يريد معنى آخر سوى ما ذكرنا، فكلامه مردود، ويحسن بك أن تزودنا بكلامه كاملا، حتى نرى ما فيه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 124469 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 714 معنى إحصاء أسماء الله تعالى الحسنى [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى من أحصاها دخل الجنة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله روى البخاري (2736) ومسلم (2677) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ) . والإحصاء المذكور في الحديث يتضمّن ما يلي: 1- حفظها. 2- معرفة معناها. 3- العمل بمقتضاها: فإذا علم أنّه الأحد فلا يُشرك معه غيره، وإذا علم أنّه الرزّاق فلا يطلب الرّزق من غيره، وإذا علم أنّه الرحيم، فإنه يفعل من الطاعات ما هو سبب لهذه الرحمة ... وهكذا. 4- دعاؤه بها، كما قال عزّ وجلّ: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) الأعراف/180. وذلك كأن يقول: يا رحمن، ارحمني، يا غفور، اغفر لي، يا توّاب، تُبْ عليّ ونحو ذلك. قال الشيح محمد بن صالح العثيمين: " وليس معنى إحصائها أن تكتب في رقاع ثم تكرر حتى تحفظ ولكن معنى ذلك: أولاً: الإحاطة بها لفظاً. ثانياً: فهمها معنى. ثالثاً: التعبد لله بمقتضاها ولذلك وجهان: الوجه الأول: أن تدعو الله بها؛ لقوله تعالى: (فادعوه بها) الأعراف/180، بأن تجعلها وسيلة إلى مطلوبك، فتختار الاسم المناسب لمطلوبك، فعند سؤال المغفرة تقول: يا غفور، اغفر لي، وليس من المناسب أن تقول: يا شديد العقاب، اغفر لي، بل هذا يشبه الاستهزاء، بل تقول: أجرني من عقابك. الوجه الثاني: أن تتعرض في عبادتك لما تقتضيه هذه الأسماء، فمقتضى الرحيم الرحمة، فاعمل العمل الصالح الذي يكون جالباً لرحمة الله، هذا هو معنى إحصائها، فإذا كان كذلك فهو جدير لأن يكون ثمناً لدخول الجنة " انتهى. "مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (1/74) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121246 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 715 ينفي عن الله تعالى صفة الوجود بدعوى أن كل موجود لا بد له من موجد أوجده! [السُّؤَالُ] ـ[سمعت بعض الناس يقول بأنه لا يصح أن يوصف الله تعالى بأنه موجود، لأن كلمة "موجود" اسم مفعول، وكل موجود لا بد له من موجد أوجده، وهذا المعنى باطل في حق الله تعالى.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الواجب على من أراد أن يتكلم في الأمور الشرعية أن يكون كلامه مبنياً على علم صحيح، ومن نفى عن الله تعالى صفة ثابتة له، أو أثبت له صفة لا تليق به لمجرد ظن أو وهم توهمه، فهو على خطر عظيم، قال الله تعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) الإسراء/36. ثانياً: قد ذكرنا في جواب السؤال رقم (120190) فتوى علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: في ثبوت هذه صفة الوجود لله تعالى، ونزيد هنا بعض النقول عن شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله، وغيرهما من العلماء. قال شيخ الإسلام رحمه الله: "وهو سبحانه قديم واجب الوجود، رب كل شيء ومليكه، هو الخالق وما سواه مخلوق" انتهى. "بيان تلبيس الجهمية" (1/304) . وقال أيضاً: "فإن الله موجود حقيقةً، والعبد موجود حقيقةً، وليس هذا مثل هذا" انتهى. "مجموع الفتاوى" (5/198) . وقال أيضاً: "ولا ريب أن الله موجود قائم بنفسه" انتهى. "مجموع الفتاوى" (5/420) . وقال أيضاً: "ومعلوم أنه غني بنفسه، وأنه واجب الوجود بنفسه، وأنه موجود بنفسه" انتهى. "مجموع الفتاوى" (11/395) . وقال ابن القيم رحمه الله: "تفرد الحق تعالى بالوجود أزلا وأبداً، وأنه الأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء، ووجود كل ما سواه قائم به، وأثر صنعه، فوجوده هو الوجود الواجب الحق الثابت لنفسه أزلا وأبدا ..... فوجوده تعالى وجود ذاتي .... ليس مع الله موجود بذاته سواه، وكل ما سواه فموجود بإيجاده سبحانه" انتهى بتصرف. "مدارج السالكين" (3/34) . ومن هذه النقول يتبين أن قول القائل: كل موجود لا بد له من أحد أوجده غير صحيح، وذلك لأن الوجود نوعان: الأول: وجود ذاتي، بحيث يوصف الشيء بأنه موجود، ولم يوجده أحد، وهذا هو الوجود الذي يوصف الله تعالى به، ولا يكون لأحد سواه. والنوع الثاني: وجود بغيره، أي أن الشيء موجود، ولكن أوجده غيره، وهذا هو الوجود الذي يوصف به جميع المخلوقات، فالله تعالى هو الخالق وحده، وكل ما سواه مخلوق، وهو الواجد وحده، وكل ما سواه موجود بهذا المعنى. وقد سئل الشيخ محمد خليل هراس رحمه الله: كلمة "موجود" أليس كل موجود لابد له من واجد؟ فأجاب: "لا يقصد هذا، يقصد موجود، أي: هو متصف بصفة الوجود، .... وليس كل موجود يحتاج إلى موجِد، والله موجود" انتهى باختصار من "فتاوى كبار علماء الأمة" ص (43) . وهو يشير بقوله: "ليس كل موجود يحتاج لموجد"، إلى تقسيم الوجود إلى نوعين كما سبق. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "شرح العقيدة الواسطية"، في معرض رده على من نفى عن الله تعالى الصفات، قال: "لهذا، كان الإيمان بصفات الله من الإيمان بالله، لو لم يكن من صفات الله إلا أنه موجود واجب الوجود، وهذا باتفاق الناس، وعلى هذا، فلا بد أن يكون له صفة" انتهى. فإثبات صفة الوجود لله تعالى مما لا ينازع فيه أحد من المسلمين، بل ولا سائر أهل الملل. ومن أنكر هذه الصفة الثابتة لله تعالى من غلاة أهل البدع، فلم ينكروها للسبب المذكور في السؤال، وإنما أنكروها لأنهم ينكرون جميع الصفات. قال شيخ الإسلام في "التدمرية" بعد أن ذكر جملة من الآيات التي فيها إثبات صفات الكمال لله تعالى، قال: "فهذه طريقة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وأما من زاغ وحاد عن سبيلهم من الكفار والمشركين والذين أوتوا الكتاب ومن دخل في هؤلاء من الصابئة المتفلسفة والجهمية والقرامطة والباطنية ونحوهم: فإنهم على ضد ذلك يصفونه بالصفات السلبية على وجه التفصيل، ولا يثبتون إلا وجوداً مطلقا لا حقيقة له في الأعيان، فقولهم يستلزم غاية التعطيل وغاية التمثيل، فإنهم يمثلونه بالممتعات والمعدومات والجمادات ويعطلون الأسماء والصفات تعطيلا يستلزم نفي الذات. فإنهم يسبلون عنه النقيضين فيقولون: لا موجود ولا معدوم، ولا حي ولا ميت، ولا عالم ولا جاهل، لأنهم يزعمون أنهم إذا وصفوه بالإثبات شبهوه بالموجودات، وإذا وصفوه بالنفي شبهوه بالمعدومات، فسلبوا النقيضين، وهذا ممتنع في بداهة العقول، ووقعوا في شر مما فروا منه، فإنهم شبهوه بالممتنعات، إذ سلب النقيضين كجمع النقيضين كلاهما من الممتنعات. وذلك أنه قد علم بضرورة العقل أنه لا بد من موجود قديم غني عما سواه [وهو الله تعالى وحده لا شريك له] . وإذا كان من المعلوم بالضرورة أن في الوجود ما هو قديم واجب بنفسه، وما هو محدَث ممكن يقبل الوجود والعدم: فمعلوم أن هذا موجود، وهذا موجود، ولا يلزم من اتفاقهما في مسمى الوجود أن يكون وجود هذا مثل وجود ها، بل وجود هذا يخصه، ووجود هذا يخصه" انتهى باختصار. وبهذا الكلام لشيخ الإسلام يتبين أن الوجود والعدم نقيضان، والنقيضان لابد من اتصاف الشيء بواحد منهما، فلا يمكن أن يوصف بهما معاً، ولا أن يخلو منهما معاً، ونفي أحدهما إثبات للآخر بالضرورة. فليتنبه الذين ينفون عن الله تعالى صفة الوجود، فإنه يلزم من ذلك نفي وجود الله تعالى. وإننا لنتعجب أن يصدر هذا القول من بعض من يزعم أنه من أهل السنة والجماعة وعلى طريقة السلف، وقد أوقعه في هذا الخطأ سببان: الأول: ظنه أنه لابد لكل موجود من موجِد أوجده، وهو ظن خاطئ كما سبق. الثاني: عدم الرجوع إلى أهل العلم، وعدم الاستنارة بأقوالهم، وقد قال الله تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) النحل/43. ونزيد سبباً ثالثاً: إعجاب المتكلم برأيه، وظنه أنه هدي لما ضل عنه جميع الأمة! نسأل الله تعالى أن يرزقنا الفقه في دينه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121180 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 716 ثبوت صفة الوجود لله تعالى [السُّؤَالُ] ـ[السؤال: لم أجد في أسماء الله وصفاته اسم (الموجود) ، وإنما وجدت اسم (الواجد) وعلمت في اللغة أن الموجود على وزن مفعول ولا بد أن يكون لكل موجود موجد، كما أن لكل مفعول فاعل، ومحال أن يوجد لله موجد. ورأيت أن الواجد يشبه اسم الخالق، والموجود يشبه اسم المخلوق، وكما أن لكل موجود موجد فلكل مخلوق خالق، فهل لي بعد ذلك أن أصف الله بأنه موجود؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " وجود الله معلوم من الدين بالضرورة، وهو صفة لله بإجماع المسلمين، بل صفة لله عند جميع العقلاء حتى المشركين لا ينازع في ذلك إلا ملحد دهري، ولا يلزم من إثبات الوجود صفة لله أن يكون له موجد؛ لأن الوجود نوعان: الأول: وجود ذاتي، وهو ما كان وجوده ثابتا له في نفسه، لا مكسوبا له من غيره، وهذا هو وجود الله سبحانه وصفاته، فإن وجوده لم يسبقه عدم، ولا يلحقه عدم: (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) الحديد/3. الثاني: وجود حادث، وهو ما كان حادثا بعد عدم، فهذا الذي لا بد له من موجد يوجده، وخالق يحدثه وهو الله سبحانه، قال تعالى: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ. لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) الزمر/62، 63، وقال تعالى: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ. أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) الطور/35، 36. وعلى هذا؛ يوصف الله تعالى بأنه موجود، ويُخْبَرُ عنه بذلك في الكلام، فيقال: الله موجود، وليس الوجود اسما، بل صفة. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم " انتهى. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (3/190، 191) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120190 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 717 قوله تعالى: (أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون) [السُّؤَالُ] ـ[يروي الإمام الذهبي ـ رحمه الله ـ عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (خلق الله أربعة أشياء بيده: العرش، والقلم، وآدم، وجنة عدن، ثم قال لسائر الخلق: كن فكان) الدارمي في رده على المريسي (ص90) ، الأسماء والصفات للبيهقى (ص233) لكننا نجد في سورة يس، آية/71 أن الله تعالى يقول: (أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعامًا فهم لها مالكون) ، فأرجو توضيح هذا الأمر.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الحديث المذكور في السؤال، قد سبق الجواب عليه في جواب السؤال رقم: (117279) . ثانياً: هذه الآية من سورة " يس " لا تدل على أن الله سبحانه وتعالى خلق الأنعام بيده كما خلق آدم عليه السلام بيده، فمن تأمل قوله عز وجل: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُوْن) يس/71، ظهر له من المعنى العام والسياق أن المقصود هو ذكر منّة الله تعالى على البشر بما خلق لهم من هذه الأنعام، وليس المقصود النص على ذكر الخلق بـ " اليد " التي هي صفة من صفات الله تعالى، وذلك لعدة قرائن: 1- ذكر الأيدي بلفظ الجمع، مضافاً إلى ضمير الجمع أيضاً " نا " الذي يقصد به التفخيم والتعظيم. 2- عدم تعدية الفعل " عَمِل " بالباء، فلم يقل: عملنا بأيدينا؛ لأن التعدية بالباء هي التي تؤكد إرادة الحقيقة في السياق، كما جاء ذلك في قوله عز وجل: (خَلَقْتُ بِيَدَيَّ) 3- ولو كان كل شيء خلقه الله بيده التي هي صفته سبحانه لما كان لخلق آدم بيده على سائر الخلق فضيلة، ولاحتج إبليس على ربه عز وجل بقوله: وأنا خلقتني بيدك يا رب، فلماذا أمرتني بالسجود لآدم؟!! قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فقوله: (لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ) : لا يجوز أن يراد به القدرة؛ لان القدرة صفة واحدة، ولا يجوز أن يعبر بالاثنين عن الواحد، ولا يجوز أن يراد به النعمة؛ لأن نعم الله لا تحصى، فلا يجوز أن يعبر عن النعم التي لا تحصى بصيغة التثنية، ولا يجوز أن يكون: " لما خلقت أنا "؛ لأنهم إذا أرادوا ذلك أضافوا الفعل إلى اليد؛ فتكون إضافته إلى اليد: إضافة له إلى الفاعل؛ كقوله: (بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ) ، و (قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ) ، ومنه قوله: (مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاما) . أما إذا أضاف الفعل إلى الفاعل، وعدي الفعل إلى اليد بحرف الباء كقوله: (لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ) ، فإنه نص في أنه فعل الفعل بيديه. ولهذا لا يجوز لمن تكلم أو مشى: أن يقال: " فعلتَ هذا بيديك " ويقال: " هذا فَعَلَته يداك "؛ لأن مجرد قوله: " فعلت " كاف في الإضافة إلى الفاعل، فلو لم يرد أنه فعله باليد حقيقة كان ذلك زيادة محضة من غير فائدة " انتهى. "مجموع الفتاوى" (6/366) وقال ابن القيم رحمه الله: " لفظ: " اليد " جاء في القرآن على ثلاثة أنواع: مفرداً، ومثنى، ومجموعاً: فالمفرد كقوله: (بِيَدِهِ المُلكُ) والمثنى كقوله: (خَلَقتُ بِيَدَيَّ) والمجموع كقوله: (عَمِلَت أَيدِينَا) فحيث ذكر اليد مثناة أضاف الفعل إلى نفسه بضمير الإفراد، وعدَّى الفعل بالباء إليهما، فقال (خلقت بيدي) وحيث ذكرها مجموعة أضاف العمل إليها، ولم يعد الفعل بالباء، فهذه ثلاثة فروق، فلا يحتمل (خلقت بيدي) من المجاز ما يحتمله: (عملت أيدينا) فإن كل أحد يفهم من قوله: (عملت أيدينا) ما يفهمه من قوله: عملنا، وخلقنا. كما يفهم ذلك من قوله: (فبما كسبت أيديكم) وأما قوله: (خلقت بيدي) فلو كان المراد منه مجرد الفعل لم يكن لذكر اليد بعد نسبة الفعل إلى الفاعل معنى، فكيف وقد دخلت عليها الباء، فكيف إذا ثنيت!! وسر الفرق أن الفعل قد يضاف إلى يد ذي اليد، والمراد الإضافة إليه، كقوله: (بما قدمت يداك) ، (فبما كسبت أيديكم) وأما إذا أضيف إليه الفعل، ثم عدي بالباء إلى يده، مفردة أو مثناة، فهو ما باشرته يده، ولهذا قال عبد الله بن عمرو: (إن الله لم يخلق بيده إلا ثلاثا: خلق آدم بيده، وغرس جنة الفردوس بيده، وذكر الثالثة) فلو كانت اليد هي القدرة لم يكن لها اختصاص بذلك، ولا كانت لآدم فضيلة بذلك على شيء مما خلق بالقدرة. وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أهل الموقف يأتونه يوم القيامة فيقولون: (يا آدم! أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء، فاشفع لنا إلى ربك) فذكروا أربعة أشياء كلها خصائص ... وهذا التخصيص إنما فهم من قوله: (خلقت بيدي) ، فلو كانت مثل قوله: (مما عملت أيدينا) لكان هو والأنعام في ذلك سواء، فلما فهم المسلمون أن قوله: (ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي) موجبا له تخصيصا وتفضيلا بكونه مخلوقا باليدين على من أمر أن يسجد له، وفهم ذلك أهل الموقف حين جعلوه من خصائصه: كانت التسوية بينه وبين قوله: (أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاماً) خطأ محضاً " انتهى. "الصواعق المرسلة" (ص/75-76) وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله: " وليس المراد هنا الصفة الذاتية - بغير إشكال-، وإلا استوى خلق الأنعام وخلق آدم عليه السلام " انتهى. "فتح الباري" لابن رجب (1/7) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118987 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 718 الأشياء التي خلقها الله بيده [السُّؤَالُ] ـ[يروي الإمام الذهبي رحمه الله عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (خلق الله أربعة أشياء بيده: العرش، والقلم، وآدم، وجنة عدن، ثم قال لسائر الخلق: كن فكان) تفسير ابن جابر (23/185) ، الدارمي في رد على المريسي (ص90) ، الأسماء والصفات للبيهقى (ص233) فأرجو توضيح هذا الأمر.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الذي ثبت لنا – بعد الجمع والدراسة – أن الله سبحانه وتعالى قد خص أشياء معينة بأنه خلقها أو عملها بـ " يده " سبحانه وتعالى دون سائر المخلوقات، وهذه الأمور هي: أولاً: خلق آدم. دليل ذلك قوله عز وجل: (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ) ص/75. ثانياً: غرس جنة عدن بيده سبحانه. دليله ما ورد عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أُولَئِكَ الَّذِينَ أَرَدْتُ: غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي، وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا، فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ) رواه مسلم برقم (312) . ثالثاً: كتب الألواح لموسى عليه السلام بيده. دليله ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى، فَقَالَ مُوسَى: يَا آدَمُ! أَنْتَ أَبُونَا، خَيَّبْتَنَا وَأَخْرَجْتَنَا مِنْ الْجَنَّةِ. فَقَالَ لَهُ آدَمُ: أَنْتَ مُوسَى، اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِكَلَامِهِ، وَخَطَّ لَكَ بِيَدِهِ، أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدَّرَهُ اللَّهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى، فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ وَابْنِ عَبْدَةَ قَالَ أَحَدُهُمَا: خَطَّ، وقَالَ الْآخَرُ: كَتَبَ لَكَ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ) رواه مسلم برقم (2652) . رابعاً: القلم. دليله أثر مروي عن ابن عمر رضي الله عنهما من قوله موقوفا عليه – وهو الأثر الوارد في السؤال - قال: (خلق الله أربعة أشياء بيده: العرش، والقلم، وآدم، وجنة عدن، ثم قال لسائر الخلق: كن فكان) رواه الطبري في "جامع البيان" (20/145) ، والدارمي في "نقضه على المريسي" (ص/261) ، وأبو الشيخ الأصفهاني في "العظمة" (2/579) ، والآجري في "الشريعة" (رقم/750) ، والحاكم في "المستدرك" (2/349) ، والبيهقي في "الأسماء والصفات" (2/126) . جميعهم من طرق عن عُبيد المُكْتِب عن مجاهد عن ابن عمر رضي الله عنهما به. وهذا إسناد صحيح، عبيد هو ابن مهران المكتب الكوفي وثقه النسائي وابن معين، انظر "تهذيب التهذيب" (7/68) . لذلك قال الحاكم بعد إخراجه للأثر: " هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه " انتهى. ووافقه الذهبي. وجاء نحوه أيضا عن ابن عباس رضي الله عنهما، وعن ميسرة ووردان بن خالد وغيرهم من التابعين. انظر "الدر المنثور" للسيوطي (3/549) (7/207) ، فقد جمع كثيراً من هذه الآثار المتعلقة بالموضوع نفسه. وقد تلقى أهل السنة هذا الأثر بالقبول وأوردوه في مصنفاتهم، وردوا به على الجهمية في إنكارهم صفة اليد لله سبحانه. قال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي رحمه الله، بعد روايته للأثر: " أفلا ترى أيها المريسي كيف ميز ابن عمر وفرق بين آدم وسائر الخلق في خلقه اليد أفأنت أعلم من ابن عمر بتأويل القرآن وقد شهد التنزيل وعاين التأويل وكان بلغات العرب غير جهول ". "نقض الدارمي على بشر المريسي" (35) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ثبوت ما أثبته الدليل من هذه الصفات لم يوجب حاجة الرب إليها، فإن الله سبحانه قادر أن يخلق ما يخلقه بيديه وقادر أن يخلق ما يخلقه بغير يديه وقد وردت الأثارة من العلم بأنه خلق بعض الأشياء بيديه وخلق بعض الأشياء بغير يديه .... ، ثم نقل رحمه الله – أي: شيخ الإسلام - أثر الدارمي " انتهى. "بيان تلبيس الجهمية" (1/513) . ومما ينبغي التنبيه عليه ههنا أمران: 1- ورد في ذكر هذه الأشياء التي خلقها الله بيده أحاديث مرفوعة تجمعها في سياق واحد، ولكنها أحاديث ضعيفة، فلا حاجة لذكرها هنا. 2- المفهوم المتفق عليه من هذا التخصيص أنه لمزيد تكريم وتشريف وتعظيم، لحكمة يعلمها سبحانه وتعالى، خص هذه الأربعة بأنه خلقها بيده ولم يجعل خلقها بكلمة كن كسائر المخلوقات، فلا يجوز الخوض في تفصيل معاني هذا التخصيص، وكيفيته، بل يجب التسليم به، مع تنزيه الله تعالى عن كل نقص وعيب وتشبيه. قال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي رحمه الله: " ثم إنا ما عرفنا لآدم من ذريته ابنا أعق ولا أحسد منه؛ إذ ينفي عنه أفضل فضائله وأشرف مناقبه، فيسويه في ذلك بأخس خلق الله لأنه ليس لآدم فضيلة أفضل من أن الله خلقه بيده من بين خلائقه، ففضله بها على جميع الأنبياء والرسل والملائكة؛ ألا ترون موسى حين التقى مع آدم في المحاورة: احتج عليه بأشرف مناقبه فقال: أنت الذي خلقك الله يده، ولو لم تكن هذه مخصوصة لآدم دون من سواه ما كان يخصه بها فضيلة دون نفسه " انتهى. "نقض الدارمي على بشر المريسي" (1/255) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 117279 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 719 جواز التكني بـ أبي الطيب فهو ليس من أسماء الله [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم التسمية باسم (أبو الطيب) ، هل تجوز؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: اختلف أهل العلم في عدِّ " الطيب " مِن أسماء الله تعالى، فذكره ابن منده، وابن العربي، والشيخ ابن عثيمين، في تعدادهم لأسماء الله عز وجل، ولم يذكره الأكثرون من العلماء: كسفيان بن عيينة، والخطابي، والحليمي، والبيهقي، وابن حزم، والقرطبي، وابن القيم، وابن حجر، والسعدي، وغيرهم ممن جمعوا أسماء الله الحسنى. انظر "معتقد أهل السنة في أسماء الله الحسنى" محمد بن خليفة التميمي (ص/157) . والصواب مع هؤلاء الجمهور إن شاء الله تعالى، إذ لا دليل على اعتبار " الطَّيِّب " من الأسماء الحسنى، وأما الحديث الذي استدل به الفريق الأول، وهو ما جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) وَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ) رواه مسلم (1015) . فالجواب أن هذا الحديث ليس فيه إثبات " الطَّيِّبِ " من أسماء الله تعالى، بل فيه إثباته من الصفات، وفرقٌ بين الأمرين يدل عليه السياق؛ فالحديث مسوق أصلا لمقصد آخر، وهو الحث على أكل الحلال واجتناب الحرام، فبدأ بإثبات وصف الطيب له سبحانه للتقديم بين يدي ما يحبه الله وما يرضاه ويحله، وسياقه لفظ " طيب " من غير أل التعريف قرينة على ذلك، فأسماء الله تعالى غالبا ما تساق معرفة للدلالة على الاستغراق، وأما قوله " إن الله طيب " فالمقصود وصف الله تعالى بالطيب، وليس تسميته به، فالتسمية قدر زائد على الوصف المجرد، وباب الصفات والأخبار أوسع من باب الأسماء. ثانيا: وعلى فرض كون " الطيب " من أسماء الله تعالى، فهو ليس من الأسماء المختصة التي لا تنصرف إلا إليه عز وجل، إذ الصحيح من أقوال أهل العلم أنه يجوز التسمي بأسماء الله التي لا تختص به، مثل: علي، حكيم، رشيد، فقد كان من مشاهير الصحابة من يتسمى بهذه الأسماء، والممنوع فقط هو الأسماء المختصة بالرب عز وجل، مثل: الله، الرحمن. جاء في حاشية كتاب "أسنى المطالب شرح روض الطالب" (4/243) من كتب الشافعية: " جواز التسمية بأسماء الله تعالى التي لا تختص به، أما المختص به فيحرم، وبذلك صرح النووي في شرح مسلم " انتهى. وقرر بعض فقهاء الحنفية ذلك بقولهم: " التسمية باسم الله يوجد في كتاب الله تعالى: كالعلي والكبير والرشيد والبديع جائز؛ لأنه من الأسماء المشتركة، ويراد به في حق العباد غير ما يراد به في حق الله تعالى " انتهى. انظر: "بريقة محمودية" (3/234) نقلا عن التتارخانية. وهو المفهوم من كلام ابن القيم في "تحفة المودود" (ص/125) : " ومما يمنع تسمية الإنسان به أسماء الرب تبارك وتعالى، فلا يجوز التسمية بالأحد، والصمد، ولا بالخالق، ولا بالرازق، وكذلك سائر الأسماء المختصة بالرب تبارك وتعالى، ولا تجوز تسمية الملوك بالقاهر، والظاهر، كما لا يجوز تسميتهم بالجبار، والمتكبر، والأول، والآخر، والباطن، وعلام الغيوب " انتهى. وقد سبق تقريره في جواب السؤال رقم (114309) (1692) . فالحاصل مما سبق هو جواز التسمي والتلقب بـ " الطيب "، وجواز التكني بـ " أبي الطيب "؛ إذ لا محذور في ذلك، وفي علماء المسلمين وفقهائهم وحفاظهم عشرات ممن تسموا أو تكنوا بهذه الكنية الطيبة، من غير نكير من أحد عليهم على حد بحثنا وعلمنا، منهم فقيه الشافعية بخراسان الإمام أبو الطيب الصعلوكي (404هـ) شيخ الحاكم والبيهقي، ومنهم شيخ الإسلام القاضي أبو الطيب الطبري (450هـ) شيخ الخطيب البغدادي، وغيرهم كثير. فمن يدعي تحريم هذه الكنية فعليه الدليل. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 108437 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 720 الولي والمولى من أسماء الله ويجوز أن يقال للمسلم مولانا [السُّؤَالُ] ـ[هل اسم (الولي) من أسماء الله الحسنى؟ ونسمع أحياناً أشخاص يقولون لشيخ مولانا أو لفلان مولانا , فهل هذا يجوز؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الولي والمولى اسمان من أسماء الله عز وجل، لقوله تعالى: (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) الشورى/9، وقوله: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) البقرة/257، وقوله: (وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) الأنفال/40، وقوله: (وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) البقرة/286، وقوله: (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) التوبة/51 وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِى تَقْوَاهَا وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاَهَا) رواه مسلم (7081) . وينظر: فيض القدير (2/613) ، القواعد المثلي ص 15 ثانيا: يجوز أن يقال للمخلوق: مولانا، إذا كان مسلما، ولا يجوز أن يقال هذا للكافر. وجوز بعض أهل العلم إطلاق (المولى) بالتعريف على المسلم الفاضل بعلم أو صلاح. وقد قال النبي لزيد بن حارثة: (أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلاَنَا) رواه البخاري (2552) . والمولى يُطلق على المالك والصاحب والقريب والجار والحليف والناصر والمحبّ والمنعِم والمنعَم عليه والعبد والمعتق، ينظر القاموس المحيط قال ابن الأثير: " وقد تكرر ذكر المولى في الحديث وهو اسم يقع على جماعة كثيرة فهو الرب والمالك والسيد والمنعم والمعتق والناصر والمحب والتابع والجار وابن العم والحليف والعقيد والصهر والعبد والمعتق والمنعم عليه وأكثرها قد جاءت في الحديث فيضاف كل واحد إلى ما يقتضيه الحديث الوارد فيه وكل من ولى أمرا أو قام به فهو مولاه ووليه وقد تختلف مصادر هذه الأسماء فالولاية بالفتح في النسب والنصرة والمعتق والولاية بالكسر في الإمارة والولاء المعتق والموالاة من والى القوم " اهـ من النهاية في غريب الحديث (5/227) ولهذا لا حرج في إطلاقه على المخلوق ما لم يكن كافراً. قال ابن القيم رحمه الله: " فصل: لا يخاطب الذمي بسيدنا ونحوه. وأما أن يخاطب بسيدنا ومولانا ونحو ذلك فحرام قطعاً " انتهى من "أحكام أهل الذمة" (2/771) . وقال النووي: " قال الإمام أبو جعفر النحاس في كتابه " صناعة الكتاب ": أما المولى فلا نعلم اختلافاً بين العلماء أنه لا ينبغي لأحد أن يقول لأحد من المخلوقين: مولاي. قلت: وقد تقدم في الفصل السابق جواز إطلاق مولاي ولا مخالفة بينه وبين هذا فإن النحاس تكلَّم في المولى بالألف واللام، وكذا قال النحاس: يقال سيد لغير الفاسق ولا يقال السيد بالألف واللام لغير الله تعالى، والأظهر أنه لا بأس بقوله: المولى والسيد بالألف واللام بشرطه السابق " يعني قوله: " إذا كان المُسوَّد فاضلا خيرا، إما بعلم، وإما بصلاح، وإما بغير ذلك، وإن كان فاسقا، أو متهما في دينه، أو نحو ذلك، كره له أن يقال سيد " انتهى من "الأذكار" ص 840، وينظر: معجم المناهي اللفظية ص 535. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 107392 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 721 الله بكل شيء عليم [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى (الله بكل شيء عليم) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله - الله بكل شيء عليم. . لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.. من الأقوال والأعمال.. والحركات والسكنات.. والطاعات والمعاصي.. (ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير) الحج/70. - والله سبحانه قد أحاط بكل شيءٍ علماً.. وكتبه في اللوح المحفوظ كما قال سبحانه: (وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهوداً إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين) يونس/61. - والله وحده علام الغيوب.. يعلم ما في السماوات وما في الأرض كما قال الله سبحانه عن نفسه: (إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون) البقرة/33. - والله سبحانه وتعالى عليم بكل شيء.. ومفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو كما قال سبحانه: (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين) الأنعام/59. - والله وحده هو الذي يعلم قيام الساعة.. ونزول المطر.. وما في الأرحام.. وعمل الإنسان.. وزمان ومكان أجله قال تعالى: (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير) لقمان/34. - والله سبحانه معنا ولا يخفى عليه شيء من أمرنا.. (وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير) الحديد/4. - والله مطلع علينا.. يعلم أعمالنا خيراً كانت أو شراً.. ثم يخبرنا بها ويجازينا عليها يوم القيامة.. كما قال سبحانه: (ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم) المجادلة/7. - والله سبحانه يعلم وحده الغيب والشهادة.. والسر والجهر كما قال سبحانه عن نفسه: (عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال) الرعد/9. وقال سبحانه: (وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى) طه/7. [الْمَصْدَرُ] من كتاب أصول الدين الإسلامي: تأليف الشيخ: محمد بن ابرهيم التويجري. الحديث: 10244 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 722 هل الستير والستار من أسماء الله؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما الفرق بين الستير والستار، وأيهما اسم من أسماء الله عز وجل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: أسماء الله تعالى توقيفية، كما هو مذهب أهل السنة والجماعة، فلا يسمى سبحانه إلا بما سمى به نفسه، أو سماه به رسوله صلى الله عليه وسلم. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "أسماء الله تعالى توقيفية، لا مجال للعقل فيها: وعلى هذا فيجب الوقوف فيها على ما جاء به الكتاب والسنة، فلا يُزاد فيها ولا ينقص؛ لأن العقل لا يمكنه إدراك ما يستحقه تعالى من الأسماء، فوجب الوقوف في ذلك على النص؛ لقوله تعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) الإسراء/36، وقوله: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) الأعراف/33، ولأن تسميته تعالى بما لم يسم به نفسه، أو إنكار ما سمى به نفسه، جناية في حقه تعالى، فوجب سلوك الأدب في ذلك والاقتصار على ما جاء به النص" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (3/275) . ثانياً: لفظ "الستار" لم يثبت - فيما نعلم - في نصوص الكتاب والسنة أنه اسم من أسماء الله تعالى. وقد سُئل الشيخ عبد العزيز الراجحي حفظه الله: هل السَّتَّار من أسماء الله الحسنى؟ فأجاب: " الستار لا أعلم أنه من أسماء الله، ولكن من أسماء الله: "الستير"، كما جاء في الحديث: (إن الله حيي ستير) ، أما الستار فلا أعلم أنه من أسماء الله، وإنما هو من باب الخبر، أُخْبِرَ عن الله أنه ستار، وباب الخبر أوسع من باب الأسماء " انتهى. "نقلاً: عن شريط شرح الإبانة الصغرى لابن بطة". أما لفظ الستير، فقد روى أبو داود (4012) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَلِيمٌ حَيِيٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ، فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ) وصححه الألباني في صحيح الجامع. وقال ابن القيم رحمه الله في "نونيته": وهو الحيي فليس يفضح عبده ... ** عند التجاهر منه بالعصيان لكنه يلقي عليه ستره ... ** فهو الستير وصاحب الغفران وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "لقاء الباب المفتوح": هل المحيي والستير يعتبران من أسماء الله؟ فأجاب: " المحيي ليس من أسماء الله، بل هو صفة فعل من أفعال الله، قال الله تعالى: (هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) غافر/68، فالمحيي اسم فاعل من أحيا، فهو من صفات الأفعال وليس من الأسماء. وأما الستير فقد ورد فيه حديث، ولكن يحتاج إلى نظر في صحته، فإذا صح فهو من أسماء الله؛ لأن مذهب أهل السنة والجماعة أن كل ما صح في أسماء الله عن رسول الله فإنه يثبت، أي: ثابت التسمية به " انتهى. وأما الفرق بين "الستير" و "الستار" فكلاهما يدل على المبالغة في الستر، فالله تعالى يستر على عباده كثيراً. واسم الفاعل إذا أريد المبالغة في الوصف به جاء على عدة أوزان منها: فَعَّال، وهذا كثير مشهور، ومنه: "ستَّار". ومنها: فِعِّيل، ومن هذه الصيغة: اسم " سِتِّير"، وقد ورد استعمال هذه الصيغة في القرآن الكريم، قال الله تعالى: (يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ) يوسف/46، وقال تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ) المائدة/82. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106256 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 723 هل العدل من أسماء الله تعالى؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل العدل من أسماء الله سبحانه وتعالى؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: فالعدل لم يرد إطلاقه اسما لله تعالى في القرآن ولم يصح به حديث، ولكن ورد في حديث عد الأسماء المشهور الذي رواه الترمذي وغيره، وقد تكلم العلماء في هذا الحديث وضعفوا رفع هذا العد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله في فتح الباري (11/217) : (قال ابن العربي: يحتمل أن تكون الأسماء تكملة الحديث المرفوع ويحتمل أن تكون من جمع بعض الرواة وهو الأظهر عندي.) وقال الصنعاني في سبل السلام (4/108) : (اتفق الحفاظ أن سردها –أي عد أسماء الله تعالى في الحديث- إدراج من بعض الرواة.) لكن ورد العدل مقيداً بكونه وصفاً لكلمات الله تعالى، كقوله سبحانه: (وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً.) الأنعام (115) . ولذا اختلف العلماء في عد العدل من أسماء الله تعالى، فجماعة منهم عدوه من الأسماء، كما فعل الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في آخر تفسيره حيث قال وهو يعدد أسماء الله تعالى ويتكلم عن معانيها –: (الحكم العدل الذي يحكم بين عباده في الدنيا والآخرة بعدله وقسطه.) انتهى. وقال البيهقي في الأسماء والصفات (1/198) : (ومنها العدل وهو في خبر الأسامي مذكور.) انتهى. وبهذا القول قال جماعة من أهل العلم منهم الخطابي وابن منده وآخرون. وذهب فريق آخر إلى عدم عده من أسماء الله، لما ذكرناه من أنه لم يرد إطلاقه اسماً على الله تعالى في نص صحيح، ومن هؤلاء الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى، حيث عد تسعة وتسعين اسماً من الكتاب والسنة في كتابه القواعد المثلى، ولم يذكر اسم (العدل) منها وهكذا فعل الحافظ ابن حجر العسقلاني وآخرون. على أنه قد ثبت وصفه سبحانه بالعدل في أفعاله، كما في البخاري (3150) ومسلم (1062) من حديث عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود، في شأن الذي اعترض على قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فَقَالَ: فَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ يَعْدِلْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ) . قال ابن القيم رحمه الله: والعدْلُ من أوصافهِ في فعلهِ ومقالِهِ والحكم في الميزانِ وورد في معناه عن معاذ رضي الله عنه، أنه كَانَ لَا يَجْلِسُ مَجْلِسًا لِلذِّكْرِ حِينَ يَجْلِسُ، إِلَّا قَالَ: (اللَّهُ حَكَمٌ قِسْطٌ هَلَكَ الْمُرْتَابُونَ ... ) رواه أبو داود (4611) ـ موقوفا على معاذ ـ وصححه الألباني. قال في عون المعبود: " أي حاكم عادل ". والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 104488 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 724 هل يثبت لله تعالى صفة التردد؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى كلمة (وما ترددت في شيء أنا فاعله) في الحديث القدسي وهل يتردد ربنا سبحانه وتعالى؟ وكيف نرد على من ينفى صحة أن الله سبحانه وتعالى يتردد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله روى البخاري (6502) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ) . فالتردد الوارد في الحديث هو التردد في قبض نفس المؤمن، رحمةً وشفقةً عليه، ومحبةً له؛ لأنه يكره الموت، وربه سبحانه يكره مساءته. وليس هذا كتردد المخلوق الناشئ عن الشك في القدرة، أو في المصلحة. ولهذا يجب أن يقيد وصف الله بالتردد بقولنا: التردد في قبض نفس المؤمن، فهذا هو الوارد في النص، ولا يوصف الله تعالى بالتردد المطلق الذي يشمل أنواعا من العجز والنقص التي لا يجوز نسبتها إلى الله تعالى. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ورد في حديث: (من عادى لي ولياً) في نهاية الحديث يقول الله عز وجل: (وما ترددت في شيء أنا فاعله كترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن) فهل في هذا إثبات صفة التردد لله عز وجل؟ أو كيف التوفيق في هذا الأمر؟ فأجاب: " إثبات التردد لله عز وجل على وجه الإطلاق لا يجوز؛ لأن الله تعالى ذكر التردد في هذه المسألة: (ما ترددت في شيء أنا فاعله كترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن) ، وليس هذا التردد من أجل الشك في المصلحة، ولا من أجل الشك في القدرة على فعل الشيء، بل هو من أجل الرحمة بهذا العبد المؤمن، ولهذا قال في نفس الحديث: (يكره الموت وأكره إساءته، ولا بد منه) ، وهذا لا يعني أن الله عز وجل موصوف بالتردد في قدرته أو في علمه، بخلاف الآدمي فهو إذا أراد أن يفعل الشيء يتردد؛ إما لشكه في نتائجه ومصلحته، وإما لشكه في قدرته عليه؛ أي: هل يقدر أو لا يقدر، أما الرب عز وجل فلا " انتهى من "لقاءات الباب المفتوح" (59/12) . وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن معنى تردد الله في هذا الحديث؟ فأجاب: " هذا حديث شريف، قد رواه البخاري من حديث أبي هريرة، وهو أشرف حديث روي في صفة الأولياء، وقد ردَّ هذا الكلام طائفة، وقالوا: إنَّ الله لا يوصف بالتردد، وإنما يتردد من لا يعلم عواقب الأمور، والله أعلم بالعواقب، وربما قال بعضهم: إنَّ الله يعامل معاملة المتردد. والتحقيق: أنَّ كلام رسوله حق، وليس أحد أعلم بالله من رسوله، ولا أنصح للأمة منه، ولا أفصح ولا أحسن بياناً منه، فإذا كان كذلك؛ كان المتحذلق والمنكر عليه من أضل الناس وأجهلهم وأسوئهم أدباً، بل يجب تأديبه وتعزيره، ويجب أن يصان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الظنون الباطلة والاعتقادات الفاسدة، ولكن المتردد منا، وإن كان تردده في الأمر لأجل كونه لا يعلم عاقبة الأمور؛ لا يكون ما وصف الله به نفسه بمنْزلة ما يوصف به الواحد منا؛ فإن الله ليس كمثله شيء؛ لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، ثم هذا باطل؛ فإن الواحد منا يتردد تارة لعدم العلم بالعواقب، وتارة لما في الفعلين من المصالح والمفاسد، فيريد الفعل لما فيه من المصلحة، ويكرهه لما فيه من المفسدة، لا لجهل منه بالشيء الواحد الذي يحب من وجه ويكره من وجه؛ كما قيل: الشَّيْبُ كُرْهٌ وكُرْهٌ أَنْ أفَارِقَهُ فاعْجَبْ لِشَيْءٍ عَلى البغضاءِ محبوبُ وهذا مثل إرادة المريض لدوائه الكريه، بل جميع ما يريده العبد من الأعمال الصالحة التي تكرهها النفس هو من هذا الباب، وفي الصحيح: (حفت النار بالشهوات، وحفت الجنة بالمكاره) ، وقال تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمْ القِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ) الآية. ومن هذا الباب يظهر معنى التردد المذكور في هذا الحديث؛ فإنه قال: (لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه) ؛ فإن العبد الذي هذا حاله صار محبوباً للحق محباً له، يتقرب إليه أولاً بالفرائض وهو يحبها، ثم اجتهد في النوافل التي يحبها ويحب فاعلها، فأتى بكل ما يقدر عليه من محبوب الحق، فأحبه الحق ... والرب يكره أن يسوء عبده ومحبوبه، ..... والله سبحانه وتعالى قد قضى بالموت، فكل ما قضى به؛ فهو يريده، ولا بد منه؛ فالرب مريد لموته لما سبق به قضاؤه، وهو مع ذلك كارهٌ لمساءة عبده، وهي المساءة التي تحصل له بالموت، فصار الموت مراداً للحق من وجه، مكروهاً له من وجه، وهذا حقيقة التردد، وهو أن يكون الشيء الواحد مراداً من وجه مكروهاً ن وجه، وإن كان لابد من ترجح أحد الجانبين، كما ترجح إرادة الموت، لكن مع وجود كراهة مساءة عبده، وليس إرادته لموت المؤمن الذي يحبه ويكره مساءته كإرادته لموت الكافر الذي يبغضه ويريد مساءته " انتهى من "مجموع الفتاوى" (18/129) باختصار. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 102377 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 725 حكم وصف القرآن بأنه كلام الله القديم [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم وصف القرآن بأنه كلام الله القديم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: القرآن الكريم كلام الله تعالى: ألفاظه وحروفه ومعانيه؛ منه بدأ، وإليه يعود، تكلم الله تعالى به، وسمعه منه جبريل عليه السلام، وأنزله على محمد صلى الله عليه وسلم. قال سبحانه: (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الواقعة/77- 80، وقال: (الم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) السجدة/ 1، 2، وقال: (تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) الزمر/ 1. وهو من جملة كلامه، الذي هو صفة من صفاته، فمن قال: مخلوق، فهو كافر، هذا ما يعتقده أهل السنة والجماعة، خلافا لما عليه أهل الزيغ والانحراف. قال الطحاوي رحمه الله في عقيدته المشهورة: " وأن القرآن كلام الله، منه بدأ بلا كيفية قولا، وأنزله على رسوله وحيا، وصدقه المؤمنون على ذلك حقا، وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة، ليس بمخلوق ككلام البرية. فمن سمعه فزعم أنه كلام البشر فقد كفر، وقد ذمّه الله وعابه وأوعده بسقر، حيث قال تعالى: (سأصليه سقر) فلما أوعد الله بسقر لمن قال: (إن هذا إلا قول البشر) علمنا وأيقنا أنه قول خالق البشر، ولا يشبه قول البشر " انتهى. وقال ابن قدامة رحمه الله: " ومن كلام الله سبحانه: القرآن العظيم، وهو كتاب الله المبين، وحبله المتين، وصراطه المستقيم، وتنزيل رب العالمين، نزل به الروح الأمين، على قلب سيد المرسلين، بلسان عربي مبين، منزّل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، وهو سور محكمات، وآيات بينات، وحروف وكلمات، من قرأه فأعربه فله بكل حرف عشر حسنات، له أول وآخر، وأجزاء وأبعاض، متلو بالألسنة، محفوظ في الصدور، مسموع بالآذان، مكتوب في المصاحف، فيه محكم ومتشابه، وناسخ ومنسوخ، وخاص وعام، وأمر ونهي {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} فصلت/ 42، وقوله تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} الإسراء/ 88. وهو هذا الكتاب العربي الذي قال فيه الذين كفروا: {لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ} سبأ /31، وقال بعضهم: {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} المدثر/ 25، فقال الله سبحانه: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} المدثر/ 26 ... ولا خلاف بين المسلمين في أن من جحد من القرآن سورة أو آية أو كلمة أو حرفا متفقا عليه أنه كافر، وفي هذا حجة قاطعة على أنه حروف " انتهى "لمعة الاعتقاد" ص (28-22) . ومعنى قول أهل السنة: " منه بدأ ": أن الله تعالى تكلم به، فظهوره وابتداؤه من الله تعالى. ومعنى قولهم: " وإليه يعود ": أنه يرفع من الصدور والمصاحف في آخر الزمان، فلا يبقى في الصدور منه آية ولا في المصاحف كما جاء ذلك في عدة آثار. وللحافظ ضياء الدين المقدسي (ت: 643هـ) رحمه الله رسالة حول هذه المسألة، بعنوان: " اختصاص القرآن بالعود إلى الرحمن ". ولأهل البدع مقالات أخرى كثيرة مخالفة لما دل عليه صريح المعقول، وصحيح المنقول في هذا الباب، يمكن مراجعتها ومعرفة ردود أهل العلم عليها في كتب أهل السنة المصنفة في هذا الباب، ومنها مصنفات خاصة بالرد على أهل البدع في صفة الكلام، مثل: البرهان في مسألة القرآن، وحكاية المناظرة في القرآن، كلاهما لموفق الدين ابن قدامة، صاحب المغني، رحمه الله، ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كتب ورسائل عديدة فيما يتعلق بصفة الكلام من مسائل، فيمكن مراجعة المجلد الثاني عشر من مجموع فتاواه، ومن كتبه المهمة في ذلك كتاب التسعينية، رد على الأشاعرة بدعهم في صفة الكلام من نحو من تسعين وجها. وأما المصنفات المعاصرة، فقد أفرد هذه المسألة بالتأليف الشيخ عبد الله الجديع في كتابه: العقيدة السلفية في كلام رب البرية، وهو كتاب نافع مفيد في بابه. ثانيا: وصف القرآن بالقدم، أو وصف كلام الله تعالى بأنه قديم، يراد به معنيان: الأول: أنه غير مخلوق، كما تقدم؛ وأن جنس الكلام، في حق الله تعالى، قديم، لم يزل متكلما، متى شاء، وكيف شاء، ويكلم من عباده من شاء. وهذا حق، وهذا هو مأخذ من أطلق " القِدَم " في حق القرآن، أو في حق كلام الله تعالى عامة، من أهل السنة. ومن هؤلاء: أبو القاسم اللالكائي في كتابه " شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة " قال (2/224) : " سياق ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، مما يدل على أن القرآن من صفات الله القديمة ". ثم قال (2/227) : " ما روي من إجماع الصحابة على أن القرآن غير مخلوق ". وممن أطلق ذلك أيضا: ابن قدامة ـ رحمه الله ـ في لمعة الاعتقاد. قال (15) : " ومن صفات الله تعالى أنه متكلم بكلام قديم يسمعه منه من شاء من خلقه، سمعه موسى عليه السلام منه من غير واسطة، وسمعه جبري عليه السلام، ومن أذن له من ملائكته ورسله، وأنه سبحانه يكلم المؤمنين في الآخرة ويكلمونه، ويأذن لهم فيزورونه، قال الله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164] ، وقال سبحانه: {يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي} [الأعراف: 144] ، وقال سبحانه: {مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ} [البقرة: 253] ، وقال سبحانه: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشورى: 51] ، وقال سبحانه: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى} {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى} [طه: 11 - 12] ، وقال سبحانه: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي} [طه: 14] ، وغير جائز أن يقول هذا أحد غير الله ... " انتهى. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " السلف قالوا: القرآن كلام الله منزل غير مخلوق وقالوا لم يزل متكلما إذا شاء. فبينوا أن كلام الله قديم، أي: جنسه قديم لم يزل. ولم يقل أحد منهم: إن نفس الكلام المعين قديم، ولا قال أحد منهم القرآن قديم. بل قالوا: إنه كلام الله منزل غير مخلوق. وإذا كان الله قد تكلم بالقرآن بمشيئته، كان القرآن كلامه، وكان منزلا منه غير مخلوق، ولم يكن مع ذلك أزليا قديما بقدم الله، وإن كان الله لم يزل متكلما إذا شاء؛ فجنس كلامه قديم. فمن فهم قول السلف وفرق بين هذه الأقوال زالت عنه الشبهات في هذه المسائل المعضلة التي اضطرب فيها أهل الأرض " انتهى مجموع الفتاوى (12/54) . وقال ـ رحمه الله ـ أيضا: " وكلام الله: تكلم الله به بنفسه، تكلم به باختياره وقدرته، ليس مخلوقا بائنا عنه. بل هو قائم بذاته، مع أنه تكلم به بقدرته ومشيئته، ليس قائما بدون قدرته ومشيئته. والسلف قالوا: لم يزل الله تعالى متكلما إذا شاء؛ فإذا قيل: كلام الله قديم ; بمعنى أنه لم يصر متكلما بعد أن لم يكن متكلما، ولا كلامه مخلوق، ولا معنى واحد قديم قائم بذاته ; بل لم يزل متكلما إذا شاء فهذا كلام صحيح. ولم يقل أحد من السلف: إن نفس الكلام المعين قديم. وكانوا يقولون: القرآن كلام الله، منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود. ولم يقل أحد منهم: إن القرآن قديم، ولا قالوا: إن كلامه معنى واحد قائم بذاته، ولا قالوا: إن حروف القرآن أو حروفه وأصواته قديمة أزلية قائمة بذات الله، وإن كان جنس الحروف لم يزل الله متكلما بها إذا شاء ; بل قالوا: إن حروف القرآن غير مخلوقة وأنكروا على من قال: إن الله خلق الحروف " انتهى من الفتاوى (12/566-567) . والمعنى الثاني: أن القرآن معنى، أو معنى وحروف، تكلم الله بها في الأزل، ثم لم يتكلم بعدها، وهذا من بدع الأشاعرة ومن وافقهم من أهل الكلام، التي أرادوا بها الخروج من بدعة المعتزلة والجهمية القائلين بخلق القرآن. فمن قال في القرآن، أو غيره من صفات الله تعالى وأفعاله الاختيارية: إنه قديم، وأراد ذلك فمراده باطل، ثم إن اللفظ الذي أطلقه مجمل غير مأثور. ولأجل هذا الاحتمال الباطل الذي يحتمله إطلاق هذا اللفظ، ولأجل أنه غير مأثور، كان الراجح هنا ألا يطلق لفظ القدم على القرآن، بل يقال فيه ما قال السلف: القرآن كلام الله، غير مخلوق. قال شيخ الإسلام رحمه الله: " وأتباع السلف يقولون: إن كلام الله قديم، أي: لم يزل متكلما إذا شاء، لا يقولون: إن نفس الكلمة المعينة قديمة كندائه لموسى ونحو ذلك. لكن هؤلاء [يعني: الأشاعرة ومن وافقهم] اعتقدوا أن القرآن وسائر كلام الله قديم العين، وأن الله لا يتكلم بمشيئته وقدرته. ثم اختلفوا: فمنهم من قال: القديم هو معنى واحد، هو جميع معاني التوراة والإنجيل والقرآن؛ وأن التوراة إذا عبر عنها بالعربية صارت قرآنا، والقرآن إذا عبر عنه بالعبرية صار توراة: قالوا: والقرآن العربي لم يتكلم الله به، بل إما أن يكون خلقه في بعض الأجسام، وإما أن يكون أحدثه جبريل أو محمد؛ فيكون كلاما لذلك الرسول، ترجم به عن المعنى الواحد القائم بذات الرب، الذي هو جميع معاني الكلام. ومنهم من قال: بل القرآن القديم هو حروف، أو حروف وأصوات، وهي قديمة أزلية قائمة بذات الرب أزلا وأبدا ... ؛ إذا كلم موسى أو الملائكة أو العباد يوم القيامة فإنه لا يكلمه بكلام يتكلم به بمشيئته وقدرته حين يكلمه، ولكن يخلق له إدراكا يدرك ذلك الكلام القديم اللازم لذات الله أزلا وأبدا. وعندهم لم يزل ولا يزال يقول: {يا آدم اسكن أنت وزوجك} و: {يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك} و {يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي} ونحو ذلك وقد بسط الكلام على هذه الأقوال وغيرها في مواضع. والمقصود أن هذين القولين لا يقدر أحد أن ينقل واحدا منهما عن أحد من السلف؛ أعني الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر أئمة المسلمين المشهورين بالعلم والدين، الذين لهم في الأمة لسان صدق، في زمن أحمد بن حنبل ولا زمن الشافعي ولا زمن أبي حنيفة ولا قبلهم. وأول من أحدث هذا الأصل هو أبو محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب ... " الفتاوى (17/85) وعليه فمن قال: القرآن قديم، أو كلام الله قديم، وأراد المعنى الأول: أن القرآن، وسائر كلام الله تعالى، منزل من عنده غير مخلوق، ومع ذلك فهو متعلق بمشيئته واختياره، فمراده صحيح، وإن كان الأولى والأسلم في ذلك أن يقتصر على الألفاظ الواردة عن السلف، السالمة من الإجمال واحتمال المعاني الباطلة. وإن أراد المعنى الثاني ونفى أن يتعلق كلام الله تعالى بمشيئته واختياره، فمراده باطل، واللفظ الذي أطلقه ـ أيضا ـ مبتدع. وانظر أيضا: منهاج السنة النبوية، لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (5/419-421) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 100585 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 726 لماذ لم يُسمِّ الله نفسه بالمتكلم؟ [السُّؤَالُ] ـ[لماذا لم يسم الله نفسه بالمتكلم، مع أنه يتكلم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يمكننا – للتوضيح – أن نعبر عن السؤال بصيغة أخرى فنقول: هل يجوز أن يُشتَقَّ من صفاتِ الله تعالى وأفعالِه التي أثبتها الله لنفسه أسماءً له عز وجل يتسمى بها، ليدعوه بها عبادُه، ويحصوها مع أسمائه حتى ينالوا الأجر المذكور في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ) رواه البخاري (2736) ومسلم (2677) ، أم أنَّ هناك ضابطًا في اشتقاق الأسماء الحسنى من الصفات والأفعال؟ لا بد أولا من إرجاع الحكمة إلى الله تعالى، فهو سبحانه صاحب الكمال المطلق، يتسمى ويتصف بما هو أهل له، والعباد إنما يتلمَّسون شيئا مما بينه لهم في كتابه من كماله وجلاله وعظمته، فإليه يرجع الأمر كله، وله الحكمة البالغة سبحانه وتعالى. إلا أننا نحاول الوقوف على فقه أسمائه وصفاته من خلال ما ورد في الكتاب والسنة، نتأمل في ذلك لعلنا نصل إلى ضابط في تحديد الأسماء الحسنى. وقد اختلف العلماء فيما سأل عنه الأخ الكريم، مما أدى إلى اختلافهم في تعداد أسماء الله الحسنى ووضع الضابط لها، فقد جعل بعضهم الأمر تعبديا محضا ليس فيه شيء من معاني القياس أو الاجتهاد كما فعل ابن حزم، وتوسع بعضهم فأجاز تسمية الله بالمتكلم والمريد وبكل اسم جاء وصف الله تعالى بمعناه في الكتاب أو السنة، وهذا مذهب ابن العربي المالكي وغيره. وتوسط بعض أهل العلم، فتأملوا في موارد الأسماء الحسنى، فوجدوا أن الصفة إذا كانت صفة مدح مطلق ولا تحتمل الذم بوجه من الوجوه: كالسمع والبصر، فحينئذ يأتي في النصوص اشتقاق الاسم منها فيسمي الله نفسه بـ " السميع " و " البصير ". أما إذا كانت الصفة تحتمل النقص والذم بإحدى الوجوه: كالكلام مثلا، فإن الكلام قد يكون كذبا وظلما وسُوءًا، فيكون نقصا يفضل السكوت عليه، فحينئذ لا نجد اشتقاقا للاسم من هذه الصفة، ولا نجد من أسماء الله: المتكلم. وهذا هو تقرير العلامة ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، وقول أكثر علمائنا المعاصرين. يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى في "شرح العقيدة الأصفهانية" (1/19-20) : " وأما تسميته سبحانه بأنه مريد وأنه متكلم: فإن هذين الاسمين لم يردا في القرآن، ولا في الأسماء الحسنى المعروفة، ومعناهما حق، ولكن الأسماء الحسنى المعروفة هي: التي يدعى الله بها، وهي التي جاءت في الكتاب والسنة، وهي التي تقتضي المدح والثناء بنفسها. والعلم والقدرة والرحمة ونحو ذلك هي في نفسها صفات مدح، والأسماء الدالة عليها أسماء مدح. وأما الكلام والإرادة: فلما كان جنسه ينقسم إلى محمود: كالصدق والعدل، وإلى مذموم: كالظلم والكذب، والله تعالى لا يوصف إلا بالمحمود دون المذموم ... فلهذا لم يجئ في أسمائه الحسنى المأثورة: المتكلم والمريد " انتهى. ويقول أيضا رحمه الله في "بيان تلبيس الجهمية" (2/10-11) : " وذلك أن الله سبحانه له الأسماء الحسنى، كما سمى نفسه بذلك، وأنزل كتبه، وعلَّمه من شاء من خلقه، كاسمه: الحق، والعليم، والرحيم، والحكيم، والأول، والآخر، والعلي، والعظيم، والكبير، ونحو ذلك. وهذه الأسماء كلها أسماء مدح وحمد، تدل على ما يحمد به، ولا يكون معناها مذموما ... والله له الأسماء الحسنى، ليس له مثل السوء قط، فكذلك أيضا الأسماء التي فيها عموم وإطلاق لما يحمد ويذم، لا توجد في أسماء الله الحسنى؛ لأنها لا تدل على ما يحمد الرب به ويمدح " انتهى. ويقول ابن القيم رحمه الله تعالى كما في "مختصر الصواعق" (2/34) " لم يأت في أسمائه الحسنى المريد والمتكلم ولا الفاعل ولا الصانع لأن مسمياتها تنقسم إلى ممدوح ومذموم، وإنما يوصف بالأنواع المحمودة منها كالحليم والحكيم والعزيز والفعال لما يريد " انتهى. ويقول أيضا رحمه الله في "مدارج السالكين" (3/415-416) : " وما كان مسماه منقسما – يعني إلى كامل وناقص - لم يدخل اسمه في الأسماء الحسنى: كالشيء والمعلوم، ولذلك لم يسم بـ " المريد "، ولا بـ " المتكلم "، وإن كان له الإرادة والكلام؛ لانقسام مسمى " المريد " و " المتكلم "، وهذا من دقيق فقه الأسماء الحسنى، فتأمله وبالله التوفيق " انتهى. ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى "شرح الواسطية" (1/86) : " ولهذا لم يسم الله نفسه بالمتكلم، مع أنه يتكلم؛ لأن الكلام قد يكون خيراً، وقد يكون شراً، وقد لا يكون خيراً ولا شراً، فالشر لا ينسب إلى الله، واللغو كذلك لا ينسب إلى الله، لأنه سفه، والخير ينسب إليه، ولهذا لم يسم نفسه بالمتكلم، لأن الأسماء كما وصفها الله عز وجل: (ولله الأسماء الحسنى) الأعراف/180، ليس فيها أي شيء من النقص، ولهذا جاءت باسم التفضيل المطلق " انتهى. وانظر جواب السؤال رقم (39803) ، (48964) وللتوسع انظر كتاب "معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله الحسنى" للدكتور محمد بن خليفة التميمي (50-59) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 99624 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 727 استعمال ضمير المذكر "هو" في حق الله تعالى؟! [السُّؤَالُ] ـ[لماذا نقول عند الإشارة إلى الله فى القرآن والحديث " هو "؟ فكيف لنا أن نعلم بأن الله يشار إليه بلفظ " هو "؟ فقد أتت إليَّ إحدى الفتيات غير مسلمات وسألتني لماذا لا نقول " هي " عند الإشارة لله؟ ولماذا نقول " هو "؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لسنا ندري إلى من نوجه خطابنا أولا ـ أيتها السائلة ـ؛ أنكلمك أنت، وأنت التي وجهتِ السؤال إلينا، أم نتوجه إلى تلك التي ظل الشيطان يتلاعب بها، ويجرئُها على الله تعالى، وهو يمهلها سبحانه؛ فلم تكتف بالكفر به، حتى راحت تلقي سخافات عقلها التي يأباها العاقل، ولو كان كافرا مثلها، وأنت ـ وتلك مصيبتك ـ تسمعين إليها، وتظنين أنها قالت شيئا يستحق السؤال، والقلق في الجواب؟ على أية حال، إنما يعنينا أنت الآن، فلا هي سألتنا، ولا هي من أهل ملتنا حتى نخاطبها بما عندنا، وإن كنا نجيبك ـ إن شاء الله ـ بما يصلح في جوابها ـ أيضا ـ لو كانت من عقلاء قومها؟ فاعلمي ـ أيتها السائلة الكريمة ـ أن سبب سؤال هذه السائلة إنما هو جهلها باللغة العربية التي نتحدث بها، بل جهلها بشأن غيرها من اللغات. قال العلامة اللغوي أبو الفتح ابن جني: " باب فيما يؤمنه علم العربية من الاعتقادات الدينية. اعلم أن هذا الباب من أشرف أبواب هذا الكتاب، وأن الانتفاع به ليس إلى غاية، ولا وراءه من نهاية؛ وذلك أن أكثر من ضل من أهل الشريعة عن القصد فيها، وحاد عن الطريقة المثلى إليها، فإنما استهواه واستخف حلمه: ضعفُه في هذه اللغة الكريمة الشريفة، التي خوطب الكافة بها، وعرضت عليها الجنة والنار من حواشيها وأحنائها.. " انتهى. الخصائص (3/248) . فاعلمي ـ أيتها السائلة ـ أن من ضرورات الخطاب والتفاهم أن يُعبر عن كل أحد بما يخصه ويميز جنسه، وهذه ظاهرة قديمة في اللغات البشرية. " غير أن هناك أشياء لا صلة لها بالجنس الحقيقي، مثل الجمادات، كالحجر والجبل، والمعاني، كالعدل والكرم، وغير ذلك. فمثل هذه الأمور لا يلحظ فيها تذكير ولا تأنيث، بالمدلول الحقيقي الطبيعي لهاتين الكلمتين. وكان ذلك ـ فيما يبدو ـ هو السبب الذي جعل بعض اللغات تقسم الأسماء الموجودة فيها إلى ثلاثة أقسام: مذكر ومؤنث، وقسم ثالث هو ما يسمى في اللغات الهندوأوربية " بالمحايد" NEUTER وهو في الأصل ما ليس مذكرا ولا مؤنثا. ولكن اللغات البشرية لم تسر كلها هذا الشوط، على نمط واحد، فقد وزعت اللغات السامية ـ مثلا ـ أسماء القسم الثالث، وهو المحايد، على القسمين الآخرين، وصارت الأسماء فيها إما مذكرة وإما مؤنثة ... ومثل ذلك حدث في اللغة الفرنسية؛ إذ ليس في أسمائها إلا التذكير والتأنيث، وكانت الإنجليزية في ذلك أوغل من الفرنسية ... " انظر: مقدمة د. رمضان عبد التواب ـ رحمه الله ـ لكتاب " البلغة في المذكر والمؤنث "، لابن الأنباري (37-39) . وإذا عرفنا أن تقسيم الأشياء إلى مذكر ومؤنث ـ حتى ما لا يوصف في واقع الأمر بذلك ـ هو من خصائص معظم اللغات، خاصة الحية منها الآن؛ وليس من خصائص اللغة العربية وحدها، فلتعلمي أن الشيء ـ أي شيء ـ إذا دار بين أن يوصف في اللغة بالمذكر أو المؤنث، ولم يكن مما يوصف في حقيقة أمره بذلك، فإن اللغة ترجح الإخبار عنه بوصفه مذكرا؛ لأنه أخف عندهم، ولأنه الأصل، فلا يحتاج إلى علامة، ويتفرع عنه المؤنث، بالعلامة الدالة عليه. يقول إمام النحو سيبويه، رحمه الله: " واعلم أن المذكر أخفّ عليهم من المؤنث لأن المذكر أول، وهو أشد تمكناً، وإنما يخرج التأنيث من التذكير؛ ألا ترى أن " الشيء " يقع على كل ما أُخبر عنه، من قَبْل أن يُعلم أذكر هو أو أنثى، والشيء ذكر؟! " كتاب سيبويه (1/22) وانظر (3/241) منه. وإذا كان الأمر يدور بين قسمين، أو أمرين، أحدهما أرجح من الآخر، ولو بوجه ما، " وجب ضرورة اختصاص الرب بأشرف الأمرين وأعلاهما " [الصواعق 4/1308] . ولذلك تجد عامة من يؤمن بأن له في السماء إلاها، يخبر عنه بذلك الضمير " هو " الذي هو لائق به سبحانه، وهذا أمر فطري لا يحتاج إلى بحث ونظر أو دليل، فلا تجد عالما أو جاهلا، موحدا لله أو مشركا به، إلا ويخبر بذلك عن الله سبحانه، ولو قد تكلم أحد منهم بضمير المؤنث، كما قالت لك تلك المسكينة، لقاموا عليه جميعا، وعرفوه بالجهل والضلال المبين. فكيف إذا انضم إلى ذلك خبر الله تعالى عن نفسه، في كتابه الكريم، بل في كتبه المنزلة جميعا، بمثل ذلك الضمير. قال الله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) (الأنعام:73) وقال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (الروم:27) وقال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ) (الزخرف:84) والآيات في ذلك أكثر من أن تحصى. فكيف إذا كان الله تعالى قد عاب على المشركين أنهم يدعون عبادة الله الواحد الواحد القهار، ويعبدون من دونه إناثا، وذمهم على ذلك وبين قبيح عملهم. قال تعالى: (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَاناً مَرِيداً) (النساء:117) . يقول الإمام الطبري رحمه الله: " يقول جل ثناؤه: فحسب هؤلاء الذين أشركوا بالله، وعبدوا ما عبدوا من دونه من الأوثان والأنداد، حجّة عليهم في ضلالتهم وكفرهم وذهابهم عن قصد السبيل، أنهم يعبدون إناثًا ويدعونها آلهة وأربابًا، والإناث من كل شيء أخسُّه، فهم يقرون للخسيس من الأشياء بالعبودة، على علم منهم بخساسته، ويمتنعون من إخلاص العبودة للذي له ملك كل شيء، وبيده الخلق والأمر " تفسير الطبري (9/211) ط محمود شاكر. وقال الشيخ ابن سعدي رحمه الله: " أي: ما يدعو هؤلاء المشركون من دون الله إلا إناثا، أي: أوثانا وأصناما مسميات بأسماء الإناث كـ "العزى" و "مناة" ونحوهما. ومن المعلوم أن الاسم دال على المسمى؛ فإذا كانت أسماؤها أسماء مؤنثة ناقصة، دل ذلك على نقص المسميات بتلك الأسماء، وفقدها لصفات الكمال، كما أخبر الله تعالى في غير موضع من كتابه، أنها لا تخلق ولا ترزق ولا تدفع عن عابديها، بل ولا عن نفسها نفعا ولا ضرا، ولا تنصر أنفسها ممن يريدها بسوء، وليس لها أسماع ولا أبصار ولا أفئدة، فكيف يُعبد من هذا وصفه، ويترك الإخلاص لمن له الأسماء الحسنى، والصفات العليا، والحمد والكمال، والمجد والجلال، والعز والجمال، والرحمة والبر والإحسان، والانفراد بالخلق والتدبير، والحكمة العظيمة في الأمر والتقدير؟!! هل هذا إلا من أقبح القبيح الدال على نقص صاحبه، وبلوغه من الخسة والدناءة أدنى ما يتصوره متصور، أو يصفه واصف؟!! " انتهى، من تفسير السعدي (203) . على أننا ننبه أن الله تعالى لا يوصف بشيء من ذلك، وإنما ذلك من ضرورات الخطاب في اللغة، وما يحتاجه الناس في التفاهم؛ فكل ذكر وأنثى مخلوق، والله تعالى هو خالق الذكر والأنثى: (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى) (النجم:45) . وتعالى الله أن يكون له ند أو شبيه، أو زوجة أو ولد: (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (الأنعام:101) . وقال تعالى، في خبره عن مؤمني الجن أنهم لما سمعوا القرآن آمنوا به، وعرفوا ربهم سبحانه: (وأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً) (الجن:3) . وما عليك أيتها السائلة إلا أن ترشديها إلى كتابها، إن كانت تؤمن بأن لها إلاها، أرسل رسولا، وأنزل عليه كتابا، فلتنظر فيه، ولتعلم لماذا. فإن كانت قد تفجرت غيظا أو لعلها اغتاظ قلبها، لأنها الأنثى، والله تعالى لا يوصف بما توصف به الأنثى؛ فلقد بلغ الكفر من الناس في زماننا كل مبلغ، فراحت الأنثى تطلب أن تنتصر لبني جنسها من الإناث، بالحق وبالباطل، كفعل أهل الجهل والنقص، يشعر أحدهم بخسة نفسه، ودناءة حاله، فيريد أن يعوضه ولو بالباطل. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " الذي يعظّم نفسه بالباطل يريد أن ينصر كل ما قاله، ولو كان خطأ ". مجموع الفتاوى (10/292) . فإن كان وصل بها الجهل والنقص إلى أن تشبه الله تعالى بخلقه، بل بالإناث من خلقه، فتلك حال لم يصلها جهال العرب في عبادتهم للأوثان؛ فإنهم كانوا يعلمون أن الله الخالق الرازق هو أجل من أوثانهم هذه، ولا يليق أن يكون مثلها. فاحذري يا أمة الله من كل جاهل مارق، واعلمي أن المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل. (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98689 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 728 شروط ترجمة أسماء الله تعالى، وكتب مزكاة في الموضوع [السُّؤَالُ] ـ[أنا من " بلغاريا "، فهل يجوز لي عندما أقوم بترجمة أسماء الله سبحانه وتعالى أن أزيد أداة على الاسم في حالة الرفع؟ فقد أخبرني أخ لي في الإسلام أنه لايجوز زيادة أداة على أسماء الله إلا فى حالة كونه مفعولاً، وأن هذه قاعدة لغوية، فهل هذا صحيح؟ . رجاء راسلوني بأسرع ما يمكن! بارك الله فيكم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يوجد في الشرع ما يمنع المسلم من ترجمة معاني الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، لكن لا بدَّ من أن يكون القائم على الترجمة بصيراً باللغة العربية، وبصيراً باللغة التي يريد الترجمة لها، ولا بدَّ أن يكون أميناً في نقله وترجمته، ولابدَّ أن يكون على علمٍ بالشريعة، وأن يكون على اعتقاد أهل السنَّة والجماعة، وإلا فإنه لا يؤمن على ترجمته أن يدس بها اعتقادات ضالة منحرفة. وترجمة معاني أسماء الله وصفاته لا تخرج عما ذكرناه من الجواز، ومن الشروط، وعلى المسلم الذي يود القيام بهذه المهمة الجليلة أن يُكثر من قراءة كتب أهل السنة والجماعة المؤلفة في بيان معاني أسماء الله وصفاته، قبل القيام بالترجمة؛ لئلا يقع منه الخطأ في فهم الاسم أو الصفة؛ وحتى يترجمه إلى المعنى اللائق به. قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: وأما مُخاطبة أهل الاصطلاح باصطلاحهم، ولغتهم: فليس بمكروه إذا احتيج إلى ذلك، وكانت المعاني صحيحةً، كمخاطبة العجم من الروم والفُرس والتُّرك بلغتهم وعُرفهم، فإنَّ هذا جائزٌ حسن للحاجة، وإنما كرهه الأئمة إذا لم يُحْتَجْ إليه. … " درء تعارض العقل والنقل " (1 / 43) . وقال – رحمه الله -: وكذلك في الإثبات، له الأسماء الحسنى التي يُدعى بها ... [و] إذا أثبت الرجل معنًى حقّاً، ونفى معنًى باطلاً واحتاج إلى التعبير عن ذلك بعبارة لأجل إفهام المخاطب لأنها من لغة المخاطب، ونحو ذلك: لم يكن ذلك منهيّاً عنه؛ لأن ذلك يكون من باب ترجمة أسمائه، وآياته بلغة أخرى ليفهم أهل تلك اللغة معاني كلامه وأسمائه، وهذا جائز، بل مستحب أحياناً، بل واجب أحياناً ... إذا كانت المعاني التي تبيَّن لهم هي معاني القرآن والسنة، تشبه قراءة القرآن بغير العربية، وهذه الترجمة تجوز لإفهام المخاطب بلا نزاع بين العلماء." انتهى ـ مختصرا ـ من: " بيان تلبيس الجهمية " (2 / 389) . وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: هل يجوز ترجمة أسماء الله الحسنى إلى لغة غير عربية – يعني: أجنبية -؟ . فأجاب: ترجمة أسماء الله سبحانه وتعالى لمن يريد أن يتفهمها: هذا لا بأس به، بل قد يكون واجباً؛ إذ إن الذي لا يعرف اللغة العربية يحتاج إلى فهم المعنى، ولهذا قال الله عز وجل: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ) يعني: بِلُغتهم (لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) إبراهيم/من الآية 4. فترجمتها لأجل التفهيم: لا بأس به. أما لأجل التأسيس بمعنى أن نُحلَّ غير اللغة العربية محل اللغة العربية: فهذا لا يجوز؛ لأنه طمسٌ للغة العربية. " دروس الحرمين: دروس المسجد النبوي " الشريط 62، الوجه الثاني. وقد ذكرنا في جواب السؤال رقم (9347) فتوى اللجنة الدائمة في جواز ترجمة القرآن والحديث وأسماء الله تعالى، فلتنظر. ثانياً: والزيادة على أسماء الله تعالى باللغة المترجم إليها لا حرج فيه إن كان يؤدي إلى إيصال المعنى اللائق بالله تعالى، ولا يلتفت المترجم إلى كون الاسم منصوباً أو مرفوعاً أو مجروراً في القرآن أو السنة؛ فإن هذا لا يؤثر في الترجمة، ولن يغير معنى الاسم وروده مرفوعاً أو منصوباً؛ لأن تلك الحركات استحقها الاسم بحسب موقعه من الإعراب. ومما نزكيه للأخ المترجم من كتب يقرؤها قبل قيامه بالترجمة: 1. " تفسير أسماء الله الحسنى " للشيخ عبد الرحمن السعدي، منشور في " مجلة الجامعة الإسلامية " (العدد 112) . 2. " القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى " للشيخ محمد بن صالح العثيمين. 3. " صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنَّة " للشيخ علوي بن عبد القادر السقَّاف. 4. " النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى " للشيخ محمد الحمود. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98553 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 729 شبهة في خلق القرآن [السُّؤَالُ] ـ[أنا أؤمن أن القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق، ولكن كيف نجمع بين هذا وبين الحديث القائل بأن سورة البقرة وآل عمران تأتيان يوم القيامة كأنهما غيايتان تحاجان عن صاحبهما، وهذا قطعاً ينفي كون تلك الغيايتين من ذات الله، وكذلك الأحاديث الأخرى عن سورة تبارك في القبر، وغيرها من سور القرآن التي تتمثل في صورة مخلوق يدافع عن العبد في الآخرة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد للَّه أولا: يعتقد المسلمون أن القرآن الكريم كلام الله تعالى، تكلم به كما يليق بجلاله وعظمته سبحانه. يقول الله عز وجل: (وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ) التوبة/6 يقول الإمام الآجري في كتاب "الشريعة" (1/84) : " اعلموا رحمنا الله تعالى وإياكم: أن قول المسلمين الذين لم تزغ قلوبهم عن الحق، ووُفقوا للرشاد قديما وحديثا: أن القرآن كلام الله عز وجل، ليس بمخلوق؛ لأن القرآن من علم الله تعالى، وعلم الله عز وجل لا يكون مخلوقا، تعالى الله عز وجل عن ذلك، دل على ذلك القرآن والسنة وقول الصحابة رضي الله تعالى عنهم وقول أئمة المسلمين رحمة الله تعالى عليهم، لا ينكر هذا إلا جهمي خبيث، والجهمية عند العلماء كافرة. وقال الله عز وجل لنبيه عليه الصلاة والسلام: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) الأعراف/158. وهو القرآن. وقال جل وعلا لموسى عليه الصلاة والسلام: (قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ) الأعراف/188 ومثل هذا في القرآن كثير، وقال عز وجل: (فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ) آل عمران/61، وقال عز وجل: (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ) البقرة/145 لم يزل الله تعالى عالما متكلما سميعا بصيرا بصفاته قبل خلق الأشياء، من قال غير هذا فقد كفر. وسنذكر من السنن والآثار وقول العلماء الذين لا يستوحش من ذكرهم: ما إذا سمعها من له علم وعقل زاده علما وفهما، وإذا سمعها من في قلبه زيغ فإذا أراد الله هدايته إلى طريق الحق رجع عن مذهبه، وإن لم يرجع فالبلاء عليه أعظم " انتهى. فمن أحب التوسع فليرجع إلى ما ذكره الآجري من أدلة متواترة على أن القرآن كلام الله غير مخلوق. ثانيا: أصل القول بخلق القرآن ليس استدلالا من الكتاب والسنة، وإنما بأدلة عقلية اضطرتهم إلى نفي الصفات عن الله تعالى، وذلك حين قالوا بأن الصفات لا تقوم إلا في المخلوقات والحوادث، وتوصلوا إلى هذه القاعدة عبر سلسلةٍ من المغالطات التي يسمونها "دليل حدوث العالم"، ثم نظروا بعد ذلك في القرآن الكريم، فحرَّفوا كل دلالة تُخَالفُ هذا المفهوم الذي توصلوا إليه، وجمعوا كل شبهة يمكن أن تدل عليه، فكان مما تشبَّثُوا به ما ذكره السائل الكريم، مما جاء في السنة الآحادية الصحيحة – مع أنهم لا يحتجون في العقائد إلا بالمتواتر منها – أن القرآن يأتي يوم القيامة على هيئة معينة ليشفع لصاحبه، قالوا وهذا يدل على أنه مخلوق، فإنه لا يتصف بالمجيء والإتيان إلا المخلوق. عن أَبي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا) رواه مسلم (804) الغمامة والغياية كل شيء أظل الإنسان فوق رأسه، (الفِرقان) هما قطيعان وجماعتان من طير (صواف) جمع صافة: وهي من الطيور ما يبسط أجنحتها في الهواء. "شرح مسلم للنووي" (6/90) وعن بريدة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يَجِيءُ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَالرَّجُلِ الشَّاحِبِ فَيَقُولُ أَنَا الَّذِي أَسْهَرْتُ لَيْلَكَ وَأَظْمَأْتُ نَهَارَكَ) رواه ابن ماجه (3781) وصححه البوصيري في الزوائد، وابن حجر في "المطالب العالية" (4/66) ، وقال الألباني في ضعيف ابن ماجه: ضعيف يحتمل التحسين. وحسنه من حديث أبي هريرة في "السلسلة الصحيحة" (2829) وهذه شبهة قديمة أجاب عنها الإمام أحمد وغيره من أئمة السنة. يقول ابن قتيبة رحمه الله في "تأويل مختلف الحديث" (258) : " أراد بقوله (تجيء البقرة وآل عمران كأنها غمامتان) أن ثوابهما يأتي قارئهما حتى يظله يوم القيامة، ويأتي ثوابه الرجل في قبره، ويأتي الرجل يوم القيامة حتى يجادل عنه، ويجوز أن يكون الله تعالى يجعل له مثالا يحاج عنه ويستنقذه " انتهى. وانظر: الرد على الزنادقة والجهمية، للإمام أحمد ص (42-43) . ويقول ابن بطة في "الإبانة الكبرى" (5/476) : " ثم إن الجهمية لجأت إلى المغالطة في أحاديث تأولوها، موهوا بها على من لا يعرف الحديث، وإنما عنى في هذه الأحاديث في قوله: (يجيء القرآن وتجيء البقرة وتجيء الصلاة ويجيء الصيام) يجيء ثواب ذلك كله، وكل هذا مبين في الكتاب والسنة. قال الله عز وجل: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ) الزلزلة/7-8 فظاهر اللفظ من هذا أنه يرى الخير والشر، وليس يرى الخير والشر، وإنما ثوابَهما والجزاء عليهما من الثواب والعقاب. كما قال عز وجل (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ) آل عمران/30 وليس يعني أنها تلك الأعمال التي عملتها بهيئتها وكما عملتها من الشر، وإنما تجد الجزاء على ذلك من الثواب والعقاب. فيجوز في الكلام أن يقال: يجيء القرآن، تجيء الصلاة، وتجيء الزكاة، يجيء الصبر، يجيء الشكر، وإنما يجيء ثواب ذلك كله " انتهى. ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (8/408) : " ولما احتج الجهمية على الإمام أحمد وغيره من أهل السنة على أن القرآن مخلوق بقول النبى صلى الله عليه وسلم: (تأتي البقرة وآل عمران كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صواف) و (يأتي القرآن فى صورة الرجل الشاحب) ونحو ذلك. قالوا: ومن يأتى ويذهب لا يكون إلا مخلوقا. أجابهم الإمام أحمد: بأن الله تعالى قد وصف نفسه بالمجيء والإتيان بقوله: (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ) الأنعام/158، وقال: (وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً) الفجر/22، ومع هذا فلم يكن هذا دليلا على أنه مخلوق بالاتفاق، بل قد يقول القائل جاء أمره، وهكذا تقوله المعتزلة الذين يقولون القرآن مخلوق، يتأولون هذه الآية على أن المراد بمجيئه مجيء أمره، فَلِمَ لا يجوز أن يتأول مجيء القرآن على مجيء ثوابه، ويكون المراد بقوله (تجيء البقرة وآل عمران) بمجيء ثوابها، وثوابها مخلوق! وقد ذكر هذا المعنى غير واحد، وبينوا أن المراد بقوله (تجيء البقرة وآل عمران) أي: ثوابهما، ليجيبوا الجهمية الذين احتجوا بمجيء القرآن وإتيانه على أنه مخلوق " انتهى وفي مجموع الفتاوى (5/398) : " وأحمد وغيره من أئمة السنة فسروا هذا الحديث بأن المراد به مجىء ثواب البقرة وآل عمران، كما ذكر مثل ذلك من مجىء الأعمال فى القبر وفى القيامة، والمراد منه ثواب الأعمال، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (اقرؤوا البقرة وآل عمران فانهما يجيئان يوم القيامة كأنهما غيايتان أو غمامتان أو فرقان من طير صواف يحاجان عن أصحابهما) وهذا الحديث فى الصحيح، فلما أمر بقرائتهما، وذكر مجيئهما يحاجان عن القارىء، علم أنه أراد بذلك قراءة القارىء لهما، وهو عمله، وأخبر بمجيء عمله الذى هو التلاوة لهما فى الصورة التى ذكرها، كما أخبر بمجىء غير ذلك من الأعمال " انتهى. يتبين مما سبق أنه لا يصح الاستدلال بهذه الأحاديث على خلق القرآن، لأن المقصود بها ثواب قراءة القرآن، كما أن المقصود بقوله تعالى (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) الزلزلة/7، أنه يرى ثواب الخير. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 91306 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 730 حكم الإخراج السينمائي [السُّؤَالُ] ـ[أنا أود أن أصبح مخرجاً سينمائيّاً، فهل هذا يتعارض مع الشريعة الاسلامية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إن معرفة واقع السينما اليوم يسهِّل علينا تعريفك بحكم التأليف والإنتاج والتمثيل والإخراج السينمائي، فهو واقع مزرٍ، ولا يكاد يخلو فيلم سينمائي – عربي أو أجنبي – من نشر للفاحشة والرذيلة والجريمة، فالأفلام مليئة بمشاهد الحب والعري، وشرب الخمور، ومصادقة الأجنبيات وتقبيلهن والزنا بهن، مع ما فيها من نشر جرائم الاغتصاب والسرقة والقتل، وهو ما أثَّر في نفوس المشاهدين من الرجال والنساء والأطفال، وقد ذكر أهل الاختصاص في تقاريرهم ما ينبئ عن خطر هذه الأفلام السينمائية على الخلق والدين والمجتمع والأسرة. ولذا كانت المساهمة في ظهور هذه الأفلام مشاركة في الإثم والعدوان، ولا يشك أحد له اطلاع على واقع هذه السينما في تحريم إنتاجها وتمثيلها وإخراجها. وقد حاول بعض المفتين المعاصرين أن يضع ضوابط للسينما! لكنها أشبه ما تكون بالخيال، وهي بعيدة كل البعد عن الواقع العملي. فقال صاحب كتاب " الحلال والحرام في الإسلام " – في ذِكر ضوابط السينما -: 1. أن تنزه موضوعاتها التي تعرض فيها عن المجون والفسق وكل ما ينافي عقائد الإسلام وشرائعه وآدابه. 2. أن لا تشغل عن واجب ديني أو دنيوي كالصلوات الخمس. 3. أن يتجنب مرتادها الملاصقة والاختلاط المثيرين بين الرجال والنساء الأجنبيات عنهم منعاً للفتنة ودرأ للشبهة. انتهى. وقد ردَّ عليه كثيرون، ومنهم الشيخ صالح الفوزان حفظه الله فقال: "والجواب عن ذلك من وجهين: الوجه الأول: أن نقول: بعيد كل البعد أو قد يكون مستحيلاً في السينما أن تتوفر هذه الشروط التي ذكرها المؤلف وخلوها من هذه المحاذير لأنها لو خلت من هذه الأشياء وتمحضت للتوجيه النافع - على حد زعم المؤلف - لم يحصل الإقبال عليها من الناس ولم يكثر مرتادوها - ومهمة القائمين عليها استجلاب الناس إليها بشتى الوسائل ليحصلوا منهم على الكسب المادي لأنها أداة كسب في الغالب. الوجه الثاني: لو فرضنا خلوها من هذه المحاذير - فإنها لا تخلو من عرض الصور المتحركة ومشاهدتها - ولا شك أن التصوير لذوات الأرواح واستعمال الصور المحرمة محرم، وقد امتنع النبي صلى الله عليه وسلم من دخول الكعبة حتى محى ما فيها من الصور وامتنع صلى الله عليه وسلم من دخول بيت عائشة رضي الله عنه من أجل نمرقة فيها تصاوير، وامتنع من دخول بيت علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما رأى فيه تصاوير، فدل ذلك على أنه لا يجوز مشاهدة الصور في البيت ولا في السينما ولا في غيرها ولا دخول مكان تعرض فيه. وكشاهد على ما ذكرنا من أنه لا يمكن خلو السينما من المحاذير والشرور وأنها أداة شر: ننقل لك جملة من أقوال من عرفوا تلك الأضرار في السينما فحذروا منها: قال في كتاب " النهضة الإصلاحية " صحيفة (357) وهو يعدد جملة من المنكرات قال: ومنها: وقوع نظر النساء على الصور المتحركة - السينما - ذلك أن تلك الشاشة البيضاء كما يسمونها لا تخلو أبدا من مناظر فاجرة تمثل الفسق والغرام والهيام المفرط الذي جاوز الحد، ومعروف أن النفوس مجبولة على التقليد، ولها من الإحساس ما يتحرك ويهيج إذا رأى المحرم المهيج، وأي مهيج أقوى وأشد من هاتيك المناظر المتعمدة المقصودة للتهييج، وكيف لا تسارع المرأة ناقصة العقل والدين كل المسارعة إلى تقليد ما ترى على الشاشة البيضاء من ترام في الأحضان وتضام وعناق وتقبيل وما يتلو ذلك. إن من لا يقول إن المرأة تتأثر بهذه المناظر تأثراً خطراً يكون مريض العقل فاقد الإحساس عادم التقدير، لا أتردد أنا في ذلك، ولقد هيئت الفرص أن أتكلم في هذه النقطة مع سيدات ممن تعوَّدن الذهاب إلى حيث الصور المتحركة، فلم يترددن في موافقتي على أن تلك المناظر تؤثر عليهن كل التأثير، ولقد أخبرتني سيدة رأت في تلك الشاشة صورة حرب فيها كر وفر وتصادم وهجوم وطعن وضرب وإطلاق نيران وما إلى ذلك من فنون الحروب المهلكة تقول لي - وزوجها الذي يرغمها إلى الذهاب إلى تلك المناظر يسمع-: إني لم أقم من ذلك المكان بعد رؤية هاتيك الصور إلا وكلي رعب وفزع لا يتصل مني عضو بالآخر من شدة ما نزل من التأثر، وهي تريد أن تقول لي بتلك الحكاية: إن كل منظر مؤذ يؤثر في موضوعه فإذا كان على الشاشة صور غرامية أثرت في النفوس للحد الذي يفهمه من يعرف قوة الطبيعة الحيوانية في الإنسان. ا. هـ. وجاء في " مجلة الأزهر " (26 - 442) ما نصه: (وبحْث مشكلة السينما في مصر متشعب النواحي فقد تبحث باعتبارها فنّاً من الفنون، أو صناعة من الصناعات، أو أداة ووسيلة حيوية لتوجيه الشعب وتثقيفه وإرشاده، وهي الناحية التي سنعرض لها هنا لنتبين إلى أي مدى استطاعت السينما أن تحقق هذه الوظائف القومية في المجتمع المصري، وإن من يتابع الأفلام المصرية ويشاهد منها الكثير والكثير - وهي وفيرة العدد - لَيخرج بحقيقة واحدة لا يستطيع عنها حوَلاً، وإن أكثر من المشاهدة والتدقيق وتعب في الفحص والاختبار، هذه الحقيقة الوحيدة هي: أن هذه الأفلام قد فشلت فشلاً ذريعاً في تقيق الأهداف المذكورة، وعجزت عجزاً تامّاً عن أداء الوظائف الحيوية في خدمة الإرشاد العام في المجتمع المصري، مؤثرة عناصر التجارة على عنصر التوجيه، ومطرحة لعنصر الفن، وضاربة الصفح إلا عن ابتزاز الأموال. ا. هـ. وجاء في صحيفة (517) من المجلد (26) من تلك المجلة أيضا: (يندر أن يجد المدمن على مشاهدة الأفلام فيلما يخلو من قبلات، حتى لقد أصبحت من لوازم هذه الأفلام! إذا جلست في دار الخيالة تشاهد واحداً منها فلا بد أن تكون موطِّناً نفسك على أن تشهد منها الكثير والكثير بمناسبة وبغير مناسبة، بل إن الكثير من المراهقين والشبان والفتيات ليدخلون دور الخيالة ليشهدوا هذه الطبعات التي يحلمون بها ويشتاقون إلى ذوق أمثالها، وهنا بيت الداء ومبعث انتشاره. ا. هـ. هذه شهادات ممن خبروا أضرار السينما وواقعها وما تجر على مشاهدها من أضرار وخسارة في الأخلاق والسلوك وأنها لا يمكن بحال خلوها من تلك المفاسد وأن القائمين عليها لا ينظرون في صالح الناس، وإنما ينظرون إلى ما يمكنهم من ابتزاز الأموال. وبالجملة فلا خير فيها بوجه من الوجوه وإن زعم من زعم أنها أداة إصلاح وتوجيه. خاتمة: وأخيراً نقول: ليت فضيلة المؤلف التزم ما قرره في أول كتابه من قواعد كقوله: (ما أدى إلى الحرام فهو حرام) (اتقاء الشبهات خشية الوقوع في الحرام) (النية الحسنة لا تبرر الحرام) ليته التزم مقتضى هذه القواعد فأخلى كتابه من هذه الفتاوى التي خالف فيها الصواب، وقلد في غالبها الأقوال الشاذة التي لا تستند إلى دليل، ليته جعل كتابه مشتملاً على ما هو مفيد ونافع. قال الأستاذ عبد الحميد طهماز في رده على المؤلف: ليت المؤلف وقف عند المبدأ الذي قرره في أول الكتاب أن الحلال ما أحله الله تعالى، والحرام ما حرمه الله تعالى، فلا يكون منه التفات إلى مثل هذه الآراء الضعيفة في ثبوتها.ا. هـ. قال سليمان التيمي: لو أخذت برخصة كل عالم وزلة كل عالم اجتمع فيك الشر كله. وقال المحقق العلامة ابن القيم في " أعلام الموقعين ": (1-10-11) ولما كان التبليغ عن الله سبحانه وتعالى يعتمد العلم بما يبلغ والصدق فيه لم تصلح مرتبة التبليغ بالرواية والفتيا إلا لمن اتصف بالعلم والصدق فيكون عالما بما يبلغ صادقا فيه ويكون مع ذلك حسن الطريقة مرضي السيرة عدلا في أقواله وأفعاله متشابه السر والعلانية في مدخله ومخرجه وأحواله. وإذا كان منصب التوقيع عن الملوك بالمحل الذي لا ينكر فضله ولا يجهل قدره وهو من أعلى المراتب السنيات. فكيف بمنصب التوقيع عن رب الأرض والسماوات. فحقيق بمن أقيم في هذا المنصب أن يعد له عدته وأن يتأهب له أهبته وأن يعلم قدر المقام الذي أقيم فيه ولا يكون في صدره حرج من قول الحق والصدع به فإن الله ناصره وهاديه وكيف وهو المنصب الذي تولاه بنفسه رب الأرباب. فقال تعالى (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ) وكفى بما تولاه الله بنفسه شرفا وجلالة. إذ يقول في كتابه: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ) وليعلم المفتي عمن ينوب في فتواه وليوقن أنه مسئول غدا وموقف بين يدي الله. اهـ. وإذ كان المؤلف قد بسط القول في جانب تحريم الحلال وحمل على الذين يحرمون من غير دليل وجب عليه أيضا أن لا ينسى خطورة الجانب الثاني وهو تحليل الحرام فهو لا يقل أهمية عن الجانب الأول والواقعون فيه أكثر والله تعالى قد نهى عن الجانبين على حد سواء فقال تعالى: (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ. مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) ومعلوم أن من قواعد الشريعة (اتقاء الشبهات خشية الوقوع في المحرمات) . و (إذا تنازع حظر وإباحة غلب جانب الحظر) مما يدل على خطورة الوقوع في الحرام. هذا وأسأل الله لنا وللمؤلف ولجميع المسلمين التوفيق للعلم النافع والعمل الصالح وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه" انتهى. "الإعلام بنقد كتاب الحلال والحرام في الإسلام" (التعقيب رقم 11) . ثانياً: من درَس الإخراج السينمائي، أو يستطيع دراسته دون التعرض للآثام والمحرَّمات: فإنه يستطيع جعل مهنته في أعمال مباحة، كإخراج الأفلام الوثائقية، والمقابلات واللقاءات والندوات، على أن يلتزم بكون المادة تخلو من حرام، كوجود ممثلات، أو معازف، أو دعوة إلى بدعة أو معصية، ويوجد في هذه الأيام مجال لمثل هذه العمل المباح مع قنوات فضائية تلتزم الضوابط الشرعية، مثل " قناة المجد "، فنرجو أن يكون العمل في هذا المجال خالياً من الإثم. وعند الفتوى في موضوع السينما ذكرنا واقعها اليوم من حيث ممثليها ومادتها، وقلنا إنها تدعو إلى المحرمات، لكن لا يمنع هذا أن ندل على باب آخر للإخراج غير السينمائي، وهو ما ذكرناه من الأفلام الوثائقية واللقاءات وغيرها. ونسأل الله تعالى أن يقي المسلمين شر أعدائهم، وأن يوفقهم لأحسن الأخلاق والأقوال والأفعال، ونرجو أن يبتعد من يرغب بمثل هذه الأعمال عن الفتن، والسعيد من وُعظ بغيره، والشقي من وُعظ الناس به، والسلامة لا يعدلها شيء. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 90152 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 731 الجواد من أسماء الله تعالى [السُّؤَالُ] ـ[هل اسم (الجواد) من أسماء الله الحسنى؟ وهل يمكن أن نسمي به كأن نسمي (عبد الجواد) وإذا لم يكن من أسماء الله، فهل هو صفة لله؟ وهل يمكن التسمية به؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الجواد اسم من أسماء الله تعالى، كما دلت السنة، فقد روى البيهقي في شعب الإيمان وأبو نعيم في الحلية من حديث طلحة بن عبيد الله وابن عباس رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تعالى جواد يحب الجود، ويحب معالي الأخلاق، ويكره سفسافها) صححه الألباني في صحيح الجامع رقم 1744. قال ابن القيم رحمه الله في النونية: "وَهُوَ الجَوَادُ فَجُودُهُ عَمَّ الوُجُو دَ جَمِيعَهُ بِالفَضْلِ وَالإحْسَانِ وَهُوَ الجَوَادُ فَلا يُخَيِّبُ سَائِلاً وَلَوْ أنَّهُ مِنْ أُمَّةِ الكُفْرَانِ" وقال الشيخ السعدي في (التفسير) (5/299) : " الرحمن الرحيم والبر الكريم الجواد الرؤوف الوهاب "؛ هذه الأسماء تتقارب معانيها، وتدل كلها على اتصاف الرب بالرحمة والبر والجود والكرم، وعلى سعة رحمته ومواهبه التي عم بها جميع الوجود بحسب ما تقتضيه حكمته، وخص المؤمنين منها بالنصيب الأوفر والحظ الأكمل " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه في سرد أسماء الله الحسنى: " ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم: الجميل الجواد الحكم الحيي " انتهى من "القواعد المثلى". وانظر: "صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة" للشيخ علوي بن عبد القادر السقاف. وبناء على ذلك فيجوز التسمي بـ "عبد الجواد". والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 89763 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 732 خلق الله أربعة أشياء بيده [السُّؤَالُ] ـ[خلق الله سبحانه وتعالى آدم بيديه ونفخ فيه من روحه، فهل خلق الله بقية المخلوقات ـ من الملائكة والجن والكائنات الأخرى ـ بيديه أيضا؟ وهل نفخ فيها من روحه جلا وعلا؟ أم هذه ميزه خاصة، ومكانه خاصة لآدم وحده، دون بقية المخلوقات؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: خص الله تعالى آدم عليه السلام، فخلقه بيديه كما أخبر، ولم يخلق ذا روح ٍ غيره بيديه. قال سبحانه: (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أََسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ) ص/75، وفي حديث الشفاعة: (أَنَا سَيِّدُ الْقَوْمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هَلْ تَدْرُونَ بِمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَيُبْصِرُهُمْ النَّاظِرُ وَيُسْمِعُهُمْ الدَّاعِي وَتَدْنُو مِنْهُمْ الشَّمْسُ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ أَلَا تَرَوْنَ إِلَى مَا أَنْتُمْ فِيهِ إِلَى مَا بَلَغَكُمْ أَلَا تَنْظُرُونَ إِلَى مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ أَبُوكُمْ آدَمُ فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُونَ يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ وَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ وَأَسْكَنَكَ الْجَنَّةَ أَلَا تَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ وَمَا بَلَغَنَا فَيَقُولُ رَبِّي غَضِبَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَا يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَنَهَانِي عَنْ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ ... ) الحديث، رواه البخاري (3340) ومسلم (194) . قال الإمام الدارمي رحمه الله: " وولي خلق آدم بيده مسيسا، لم يخلق ذا روح بيديه غيره، فلذلك خصه وفضله وشرف بذلك ذكره " انتهى من "نقض الدرامي على المريسي" ص 64 وروى الدرامي واللالكائي والآجري وغيرهم بإسناد صحيح عن ابن عمر رضي الله عنه قال: (خلق الله أربعة أشياء بيده: العرش والقلم وعدن وآدم، ثم قال لسائر الخلق: كن فكان) . وروى الدارمي بسند حسن عن ميسرة أبي صالح مولى كندة، أحد التابعين أنه قال: (إن الله لم يمس شيئا من خلقه غير ثلاث: خلق آدم بيده، وكتب التوراة بيده، وغرس جنة عدن بيده) . "نقض الدارمي" ص 99، وقال محققه الشيخ منصور السماري في مقدمته: " وقد روي عن غيره من التابعين مثل حكيم بن جابر، ومحمد بن كعب القرظي بأسانيد صحيحة ذكرتها عند التعليق على الأثر في موضعه من الكتاب ". فهذه أربعة أشياء خلقها الله بيده: العرش والقلم وجنة عدن وآدم، وأما سائر الخلق، فهم مخلوقون بالكلمة (كن) فكانوا. ثانيا: وأما الروح، فإن آدم وبنيه جميعا، نفخ الله فيهم الروح، وهي روح مخلوقة، أضيفت لله من باب التشريف والتكريم. قال الله عز وجل في حق آدم عليه السلام: (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) الحجر/29 وقال في حق عيسى عليه السلام: (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ) النساء/171 وانظر تفصيل هذه المسألة في جواب السؤال رقم 50774 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 89966 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 733 حديث الأوعال حديث ضعيف [السُّؤَالُ] ـ[ما مدى صحة حديث الأوعال؟ وكيف نفسره في ضوء العلم الحديث؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أما نص حديث الأوعال فهو: عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: (كُنتُ فِي البَطْحَاءِ فِي عِصَابَةٍ فِيهِم رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَمَرَّت بِهِم سَحَابَةٌ، فَنَظَرَ إِلَيهَا فَقَالَ: " مَا تُسَمُّونَ هَذِهِ؟ " قالوا: السَّحَابُ. قَالَ: " وَالمُزنُ "، قَالُوا: وَالمُزنُ، قَالَ: " وَالعَنَانُ "، قَالُوا: وَالعَنَان، قال: " هَل تَدرُونَ مَا بُعدُ مَا بَينَ السَّمَاءِ وَالأَرضِ؟ " قالوا: لا نَدرِي. قَالَ: " إِنَّ بُعدَ مَا بَينَهُمَا إِمَّا وَاحِدَةٌ أَو اثنَتَانِ أَو ثَلاثٌ وَسَبعُونَ سَنَةً، ثُمَّ السَّمَاءُ فَوقَهَا كَذَلِكَ - " حَتَّى عَدَّ سَبعَ سَمَوَاتٍ " - ثُمَّ فَوقَ السَّابِعَةِ بَحرٌ بَينَ أسفَلِهِ وَأَعْلاهُ مِثلُ مَا بَينَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، ثُمَّ فَوقَ ذَلِكَ ثَمَانِيَةُ أَوْعَالٍ، بَينَ أَظلافِهِم وَرُكَبِهِم مِثلُ مَا بَينَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، ثُمَّ عَلَى ظُهُورِهِم العَرشُ، مَا بَينَ أَسفَلِهِ وَأَعلاهُ مِثلُ مَا بَينَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، ثُمَّ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَوقَ ذَلِكَ) . قال ابن الأثير في "النهاية" (3/355) : " (أوعال) أي ملائكةٌ على صُورة الأوْعال، وهم تُيوسُ الجَبَل، واحِدُها وَعِلٌ بكسر العين. (الظِّلْف) للبَقَر والغَنَم كالحافِر للفَرس والبَغْل والخُفِّ للبَعِير " انتهى. وهذا حديث مشهور في كتب أهل العلم، ومروي في أكثر الكتب المسندة، فقد أخرجه أحمد في "المسند" (1/206) ، وأبو داود في "السنن" (4723) ، والترمذي في "السنن" (3320) وابن ماجه (193) ، والدارمي في "الرد على الجهمية" (50) ، والبزار في مسنده (4/134) ، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة في "العرش" (1/66) ، وابن خزيمة في كتاب التوحيد (1/234) ، والحاكم في المستدرك (2/410) وغير ذلك من كتب السنة. ومجموع رواية هؤلاء الأئمة تصل إلى خمس روايات كلها تلتقي في: سِمَاك بن حرب عن عبد الله بن عميرة عن الأحنف بن قيس عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه به. أما سِمَاك بن حرب فقد أدرك العديد من الصحابة، وأخرج له مسلم، والبخاري تعليقا، وقد وثقه جماعة من أهل العلم، كالإمام أحمد وأبو حاتم والبزار وغيرهم، ولكن أخذ عليه بعض أهل العلم وجود الغرائب في حديثه، لذلك ضعفه شعبة وابن المبارك، وقال ابن أبي خيثمة سمعت ابن معين سئل عنه: ما الذي عابه؟ قال: أسند أحاديث لم يسندها غيره وهو ثقة. وقال ابن عمار: يقولون إنه كان يغلط، ويختلفون في حديثه. وكان الثوري يضعفه بعض الضعف، ولم يرغب عنه أحد. وقال النسائي: كان ربما لقن، فإذا انفرد بأصل لم يكن حجة لأنه كان يلقن فيتلقن. وقال ابن حبان في "الثقات": يخطىء كثيرا. انظر ترجمته في "تهذيب التهذيب" (4/204) وأما عبد الله بن عميرة: فلا نعرف عنه شيئا من ترجمته إلا أنه يروي عن الأحنف بن قيس، ولا يعرف عنه راو غير سماك بن حرب، ولم ينص أحد من أهل العلم على توثيقه أو تضعيفه، إلا أن ابن احبان ذكره في "الثقات"، وقال ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (5/301) " قال البخاري: لا يعلم له سماع من الأحنف. وذكره ابن حبان في "الثقات"، وحسن الترمذي حديثه، قلت (أي ابن حجر) : قال أبو نعيم في "معرفة الصحابة": أدرك الجاهلية، وكان قائد الأعشى، لا تصح له صحبة ولا رؤية. وقال مسلم في "الوُحدان": تفرد سماك بالراوية عنه. وقال إبراهيم الحربي: لا أعرفه " انتهى. ولما كان أمر سماك بن حرب قد لا يحتمل التفرد بحديث أصل، ونجد أمر عبد الله بن عميرة مشتبها ومحتملا، اختلف أهل العلم في تصحيح الحديث أو تضعيفه. فالحديث قال فيه الترمذي: حسن غريب. وصححه ابن خزيمة بإخراجه في كتاب "التوحيد" حيث اشترط الصحة، وقال الحاكم في "المستدرك": صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ومن المتأخرين ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (3/192) ، وابن القيم في "مختصر الصواعق" (433) حيث قال: إسناده جيد. أما من ضعفه من أهل العلم: فهو مفهوم كلام البزار في "مسنده" (4/115) حيث قال: " لا نعلمه روي بهذا الكلام وهذا اللفظ إلا من هذا الوجه عن العباس عن النبي صلى لله عليه وسلم، وعبد الله بن عميرة، لا نعلم روى عنه إلا سماك بن حرب " انتهى. وابن عدي في الكامل (9/27) حيث قال: غير محفوظ. وأشار إلى ضعفه المزي في "تهذيب الكمال" (10/391) وقال الذهبي في "العلو" (1/60) : " تفرد به سماك عن عبد الله، وعبد الله فيه جهالة " انتهى وإن كان الذهبي قد حسن الحديث في كتاب "العرش" (24) ومن المتأخرين أيضا العلامة الألباني في "السلسلة الضعيفة" (1247) والذي يترجح – والله أعلم – هو ضعف الحديث، فإن تفرد سماك بن حرب بمثل هذا الحديث المتعلق بالغيبيات تفرد غير مقبول، وجهالة عبد الله بن عميرة تضر في مثل هذا الموضع أيضا، ثم ثمة انقطاع بينه وبين الأحنف بن قيس. أما من أراد الاستدلال بهذا الحديث على علو الله سبحانه وتعالى على خلقه، وأنه فوق العرش العظيم، فإن الكتاب والسنة الصحيحة مليئان بما يغني في الدلالة على ذلك، حتى قد تصل الأدلة إلى ألف دليل، وقد جمعها الإمام الذهبي في كتابه "العلو" لمن أراد المزيد. وسبق في موقعنا ذكر شيء من الأدلة، انظر جواب السؤال رقم (992) و (11035) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 88746 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 734 قول الملحد: هل يقدر الله على خلق إله مثل نفسه!! [السُّؤَالُ] ـ[يسأل بعض الملحدين أسئلة مثل إذا كان الله علي كل شئ قدير فهل يقدر أن يخلق إلها آخر مثله أو يخلق شيئا ثقيلا جدا لدرجة أنه لا يقدر علي رفعه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الملحد يحتاج إلى من يدعوه إلى الله تعالى، ويذكره بآلاء الله ونعمه وآياته التي تدل على وجوده، ووحدانيته، وعظمته. فالكون كله يدل على الله تعالى، فوا عجبا، كيف يجحده الجاحد؟! فيا عجبا كيف يُعصى الإلهُ أم كيف يجحده الجاحدُ ولله في كل تحريكةٍ وفي كل تسكينة شاهدُ وفي كل شيء له آيةٌ تدل على أنه واحدُ وشبهات الملحدين والضالين، لا يجوز الإصغاء إليها، إلا لمن لديه أهلية للرد عليها ونقضها، ولهذا فالحذر الحذر؛ فالشبهة قد تعلق بالقلب، ثم يصعب إخراجها منه. ثانيا: هذه الشبهة من شبهات الملحدين قديما، ولأهل العلم جواب مشهور عليها، وحاصله أمران: الأول: أن هذه المسألة من المحال؛ لأن الآخَر لو كان إلها، ما أمكن خلقه؛ فافتراض أنه إله، وأنه يُخلق، محال. قال في "الدرر السنية من الأجوبة النجدية" (3/265) : " وقد روي عن ابن عباس، حكاية على غير هذا الوجه، وهي: أن الشياطين، قالوا لإبليس: يا سيدنا، ما لنا نراك تفرح بموت العالِم، ما لا تفرح بموت العابد؟ ! والعالِم لا نُصيب منه، والعابد نُصيب منه؟ ! قال: انطلقوا، فانطلقوا إلى عابد، فأتوه في عبادته، فقالوا: إنا نريد أن نسألك، فانصرف، فقال إبليس: هل يقدر ربك أن يخلق مثل نفسه؟ فقال: لا أدري؛ فقال: أترونه لم تنفعه عبادته مع جهله؟ ! فسألوا عالماً عن ذلك؟ فقال: هذه المسألة محال، لأنه لو كان مثله، لم يكن مخلوقاً، فكونه مخلوقاً وهو مثل نفسه مستحيل، فإذا كان مخلوقاً لم يكن مثله، بل كان عبداً من عبيده؛ فقال: أترون هذا يهدم في ساعة ما أبنيه في سنين؟ ! والله أعلم " انتهى. الثاني: أن وجود إله آخر مع الله، أمر مستحيل لذاته، وقد دل على استحالته أدلة كثيرة، أيسرها وجود هذا العالم المنتظم، إذ لو كان هناك إله آخر، لفسد نظام العالم، لتنازعهما، ورغبة كل منهما في العلو على الآخر، كما قال سبحانه: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) الأنبياء/22. وقوله: (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ) المؤمنون/91. قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: " أي لو قدّر تعدد الآلهة لانفرد كل منهم بما خلق، فما كان ينتظم الوجود، والمشاهد أن الوجود منتظم متسق، كل من العالم العلوي والسفلي مرتبط بعضه ببعض في غاية الكمال (ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت) ثم لكان كل منهم يطلب قهر الآخر وخلافه، فيعلو بعضهم على بعض " انتهى. وكذلك وجود شيء ثقيل، لا يقدر الله على رفعه: أمر مستحيل؛ لأن الله هو الذي خلقه، وأوجده، وهو قادر على إفنائه في أي لحظة، فكيف لا يقدر على رفعه؟! والملحد إنما يريد أن يطعن في العموم الذي في قوله تعالى: (إن الله على كل شيء قدير) فيقول: إذا كان قادرا على (كل شيء) فلماذا لا يقدر على هذا؟ والجواب: أن هذا المستحيل (ليس بشيء) ! فالمستحيل المعدوم، الذي لا يمكن وجوده، ليس بشيء، وإن كان الذهن قد يتخيله ويقدّره تقديرا، ومعلوم أن الذهن يفرض ويقدر المستحيل، فالذهن يقدّر اجتماع النقيضين، ككون الشيء موجود معدوما في نفس الوقت. فالآية تنص على قدرة الله على (الأشياء) فلا يدخل في ذلك الأمور المستحيلة لذاتها، لأنها ليست بشيء، بل عدم، لا يمكن أن يوجد. ولهذا نص غير واحد من العلماء على أن قدرة الله إنما تتعلق بالممكن؛ لهذا السبب الذي ذكرناه، وهو أن المعدوم المستحيل ليس بشيء. قال شيخ الإسلام رحمه الله: " وأما أهل السنة، فعندهم أن الله تعالى على كل شيء قدير، وكل ممكن فهو مندرج في هذا، وأما المحال لذاته، مثل كون الشيء الواحد موجودا معدوما، فهذا لا حقيقة له، ولا يتصور وجوده، ولا يسمى شيئا باتفاق العقلاء، ومن هذا الباب: خلق مثل نفسه، وأمثال ذلك " انتهى من "منهاج السنة" (2/294) . وقال ابن القيم رحمه الله في "شفاء العليل" ص 374: " لأن المحال ليس بشيء، فلا تتعلق به القدرة، والله على كل شيء قدير، فلا يخرج ممكن عن قدرته البتة " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 87677 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 735 هل الضار النافع من أسماء الله؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما هو تفسير ومعنى اسم الله الضار؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لم يثبت بدليل صحيح أن الضار من أسماء الله تعالى، وإنما ورد ذلك في الحديث المشهور الذي فيه تعداد الأسماء الحسنى، وهو حديث ضعيف، رواه الترمذي وغيره. والمقرر عند أهل العلم أن أسماء الله تعالى وصفاته توقيفية، أي لا يثبت منها شيء إلا بالدليل الصحيح من الكتاب والسنة. فإذا لم يثبت الاسم، وكان معناه صحيحا فإنه يجوز الإخبار به عن الله تعالى، فيقال: الله هو الضار النافع، لأن باب الإخبار أوسع من باب الأسماء والصفات، لكن لا يعبّد بهذا الاسم، فلا يقال: عبد الضار أو عبد النافع؛ لأنه لم يثبت اسما لله تعالى. وأما ما يوجد في كلام بعض أهل العلم من تسمية الله تعالى بالضار النافع، فلعل ذلك منهم اعتمادا على حديث الترمذي، وقد سبق أنه حديث ضعيف، والمعوّل عليه هو الدليل الصحيح من الكتاب أو السنة. ثانيا: معنى الضار: الذي يقدّر الضر ويوصله إلى من شاء من خلقه. فالخير والشر من الله تعالى، كما قال سبحانه: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) الانبياء/35 وقال: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) الأنعام/17 وقال: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ) الزمر/38 وروى الترمذي (3388) وأبو داود (5088) وابن ماجه (3869) عن عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ فِي صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ: بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ) . وصححه الألباني في صحيح الترمذي. وروى الترمذي (2516) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ: (يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الأَقْلامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ) . وصححه الألباني في صحيح الترمذي. قال ابن تيمية رحمه الله: فهذا يدل على أنه لا ينفع في الحقيقة إلا الله ولا يضر غيره. ثالثا: لما كان الإخبار عن الله تعالى بأنه الضار قد يوهم نقصا، بيّن أهل العلم أنه لا يذكر إلا مقرونا بالإخبار عنه بأنه النافع، سبحانه وتعالى، فيقال: الضار النافع، كما يقال: القابض الباسط، العفو المنتقم. قال ابن القيم رحمه الله: " إن أسماءه تعالى منها ما يطلق عليه مفردا ومقترنا بغيره، وهو غالب الأسماء. كالقدير والسميع والبصير والعزيز والحكيم، وهذا يسوغ أن يُدعى به مفردا ومقترنا بغيره، فتقول: يا عزيز، يا حليم، يا غفور، يا رحيم. وأن يفرد كل اسم، وكذلك في الثناء عليه والخبر عنه بما يسوغ لك الإفراد والجمع. ومنها ما لا يطلق عليه بمفرده، بل مقرونا بمقابله كالمانع والضار والمنتقم، فلا يجوز أن يفرد هذا عن مقابله، فإنه مقرون بالمعطي والنافع والعفو. فهو المعطي المانع الضار النافع المنتقم العفو المعز المذل، لأن الكمال في اقتران كل اسم من هذه بما يقابله، م، عطاء ومنعا، ونفعا وضرا،وعفوا وانتقاما. لأنه يراد به أنه المنفرد بالربوبية وتدبير الخلق والتصرف فيه؛ وأما أن يثنى عليه بمجرد المنع والانتقام والإضرار فلا يسوغ. فهذه الأسماء المزدوجة تجري مجرى الاسم الواحد الذي يمتنع فصل بعض حروفه عن بعض، ولذلك لم تجيء مفردة ولم تطلق عليه إلا مقترنة فاعلمه. فلو قلت: يا مذل، يا ضار، يا مانع، وأخبرت بذلك لم تكن مثنيا عليه، ولا حامدا له حتى تذكر مقابلها " انتهى من "بدائع الفوائد" (1/132) باختصار. وانظر السؤال رقم (20476) رابعا: يجب أن يعلم أن المطلوب من العبد في هذا المقام أن يرى تفرد الله تعالى بربوبيته لخلقه، سبحانه له الخلق والأمر، فلا منازع له في سلطانه، ولا راد لأمره، ولا معقب لحكمه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " الرب سبحانه هو المالك المدبر، المعطي المانع، الضار النافع، الخافض الرافع، المعز المذل؛ فمن شهد أن المعطي أو المانع أو الضار أو النافع أو المعز أو المذل غيره فقد أشرك بربوبيته، لكن إذا أراد التخلص من هذا الشرك فلينظر إلى المعطي الأول ـ مثلا ـ فيشكره على ما أولاه من النعم، وينظر إلى من أسدى إليه المعروف فيكافئه عليه ... ؛ لأن النعم كلها لله تعالى كما قال تعالى: (وما بكم من نعمة فمن الله) ، وقال تعالى: (كلاً نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك) فالله سبحانه هو المعطي على الحقيقة؛ فإنه هو الذي خلق الأرزاق وقدرها وساقها إلى من يشاء من عباده، فالمعطي هو الذي أعطاه وحرك قلبه لعطاء غيره؛ فهو الأول والآخر..، وكذا جميع ما ذكرنا في مقتضى الربوبية. فمن سلك هذا المسلك العظيم استراح من عبودية الخلق ونظره إليهم، وأراح الناس من لومه وذمه إياهم، وتجرد التوحيد في قلبه فقوي إيمانه وانشرح صدره وتنور قلبه؛ ومن توكل على الله فهو حسبه. ولهذا قال الفضيل بن عياض رحمه الله: من عرف الناس استراح. يريد - والله أعلم - أنهم لا ينفعون ولا يضرون. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 84270 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 736 يسأل عن كتاب في أسماء الله الـ 99 [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أعرف الفتوى في كتاب THE 99 BEAUTIFUL NAMES OF ALLAH أسماء الله ال 99 الحسنى، للشيخ محمد إدنيس ميرثي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الكتاب لا نعرفه، ولم نقف عليه حتى نحكم على ما فيه، لكن قد اهتم العلماء قديما وحديثا بمعرفة أسماء الله التسعة والتسعين التي أرادها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ) رواه البخاري (2736) ومسلم (2677) . وقد اجتهد كثير من العلماء في استخراج الأسماء الحسنى الواردة في الكتاب والسنة، ولهم في ذلك قواعد حكموا من خلالها على معرفة أسماء الله تعالى. وينبغي هنا أن ننبه على أمرين: الأول: أن تحديد العلماء لهذه الأسماء إنما هو اجتهاد منهم حسب ما ظهر لكل واحد منهم، ولا نستطيع الجزم بأن هذا هو مراد الرسول صلى الله عليه وسلم. الثاني: الحديث الوارد عند الترمذي في تحديد هذه الأسماء ضعيف باتفاق أهل الحديث. وتجد تفصيل هذه المسائل وغيرها في جواب السؤال رقم: (72318) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82739 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 737 هل يستطيع أحد أن يحيي الموتى؟! [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكن أحداً أن يحيي ميِّتا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله مِن أصول الاعتقاد الصحيح: الإيمان بأن الله تعالى هو وحده الذي يحيي ويميت , ومن ادَّعى أن غير الله تعالى قادر على الإحياء والإماتة فقد كفر، بل إن المشركين في جاهليتهم لم يعتقدوا ذلك في أصنامهم وآلهتهم. قال الله تعالى: (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) البقرة/28. وقال تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) الحج/6. وقال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الإِنْسَانَ لَكَفُورٌ) الحج/66. وقد بيَّن الله تعالى عجز الآلهة المزعومة عن الخلق والرزق والإحياء والإماتة. قال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) الروم/40. قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: " فقوله تعالى? في هذه الآية الكريمة: (هَلْ مِن شُرَكَائِكُمْ مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُمْ مّن شَىْء سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى? عَمَّا يُشْرِكُونَ) يدلّ دلالة واضحة على أن شركاءهم ليس واحد منهم يقدر أن يفعل شيئًا من ذلك المذكور في الآية، ومنه الحياة المعبّر عنها بـ: (خَلَقَكُمْ) ، والموت المعبّر عنه بقوله: (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) ، والنشور المعبّر بقوله: (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) ، وبيَّن أنهم لا يملكون نشوراً بقوله: (أَمِ ?تَّخَذُواْ آلِهَةً مّنَ ?لاْرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ) ، وبيّن أنهم لا يملكون حياة ولا نشوراً في قوله تعالى: (قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُمْ مَّن يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُل ?للَّهُ يَبْدَأُ ?لْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) ، وبيَّن أنه وحده الذي بيده الموت والحياة في آيات كثيرة؛ كقوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَاباً مُّؤَجَّلا ً) ، وقوله تعالى: (وَلَن يُؤَخّرَ ?للَّهُ نَفْساً إِذَا جَاء أَجَلُهَا) ، وقوله تعالى: (إِنَّ أَجَلَ ?للَّهِ إِذَا جَاء لاَ يُؤَخَّر) ، وقوله تعالى: (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِ?للَّهِ وَكُنتُمْ أَمْو?تًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) ، وقوله تعالى: (قَالُواْ رَبَّنَا أَمَتَّنَا ?ثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا ?ثْنَتَيْنِ) ، إلى غير ذلك من الآيات. وهذا الذي ذكرنا من بيان هذه الآيات بعضها لبعض معلوم بالضرورة من الدّين " انتهى. " أضواء البيان " (6 / 271) . وقد كان من آيات عيسى ابن مريم عليه السلام البينات أنه يحيي الموتى بإذن الله، ولم يكن عيسى عليه السلام قادراً على ذلك إلا أن يشاء ربه تبارك وتعالى. قال تعالى: (وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ) آل عمران/49. وقال تعالى: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي) المائدة/110. وأما ما وقع من المجادل لإبراهيم عليه السلام بأنه قادر على الإحياء والإماتة فهذا من أسخف الادعاءات , وأبطلها , ولهذا لما ناظره إبراهيم عليه السلام انقطع ذلك الكافر , وثبت بطلان دعواه. قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) البقرة/258. فلا يستطيع أحدٌ من البشر أن يدَّعي أنه قادر على إحياء الموتى، ومن ادعى ذلك فها هم الموتى من الرسل والأنبياء والعظماء فليحيهم إن كان صادقاً في دعواه! والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 75341 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 738 إثبات صفة النزول لله تعالى [السُّؤَالُ] ـ[قرأت حديثاً فيه: " ... يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟ ". 1) ما درجة صحة هذا الحديث؟ 2) ما معنى هذا الحديث؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فسؤالك أيها الأخ الكريم يتضمن أمرين: أولاً: درجة صحة الحديث: هذا الحديث حديث صحيح ثابت في أصح كتابين بعد كتاب الله؛ فقد أخرجه البخاري في صحيحه (1145) ومسلم (1261) عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ينزل رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ" وقد روى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوٌ من ثمانية وعشرين صحابياً ـ رضي الله عنهم ـ، واتفق أهل السنة على تلقي ذلك بالقبول. ثانياً: بيان معنى نزوله ـ جل وعلا ـ إلى السماء الدنيا: اعلم أخي ـ وفقك الله ـ أن نزول الرب جل وعلا إلى السماء الدنيا هو صفة من صفاته الفعلية، التي تتعلق بمشيئته وحكمته، وهو نزول حقيقي يليق بجلاله وعظمته. فهو سبحانه ينزل كيف شاء، متى شاء، سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، ولا يصح تحريف معنى الحديث بأن يفسر بأن المراد هو نزول أمره، أو رحمته، أو ملك من ملائكته، فإن هذا باطل لوجوه: الأول: أن هذا التأويل يخالف ظاهر الحديث، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أضاف النزول إلى الله، والأصل أن الشيء إنما يضاف إلى من وقع منه، أو قام به فإذا صرف إلى غيره كان ذلك تحريفاً يخالف الأصل. ونحن نعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بالله، وأنه صلى الله عليه وسلم أفصح الخلق، وأصدق الخلق فيما يخبر به، فليس في كلامه شيء من الكذب، ولا يمكن أن يتقول على الله تعالى شيئاً لا في أسمائه، ولا في صفاته ولا في أفعاله ولا في أحكامه قال الله تعالى: (لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ * لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ) الحاقة/44ـ46 ثم هو عليه الصلاة والسلام، لا يريد إلا الهداية للخلق فإذا قال: " ينزل ربنا " فإن أي قائل يقول بخلاف ظاهر هذا اللفظ كأن يقول: المراد ينزل أمره. فنقول: أأنت أعلم بالله من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: " ينزل ربنا " وأنت تقول: ينزل أمره، أم أنك أنصح للأمة منه حيث عمَّى عليهم فخاطبهم بما يريد خلافه؟!، ولا شك أن الإنسان الذي يخاطب الناس بما يريد خلافه غير ناصح لهم، أم تراك أفصح من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فلا شك أن مثل هذا التحريف لا يخلو من وصمة الرسول صلى الله عليه وسلم بشيء من النقص الذي لا يرضى به مسلم أبدا ً في جناب رسول الله صلى الله عليه وسلم. الثاني: أن نزول أمره أو رحمته لا يختص بهذا الجزء من الليل، بل أمره ورحمته ينزلان كل وقت. فإن قيل: المراد نزول أمر خاص، ورحمة خاصة وهذا لا يلزم أن يكون كل وقت. فالجواب: أنه لو فرض صحة هذا التقدير والتأويل، فإن الحديث يدل على أن منتهى نزول هذا الشيء هو السماء الدنيا وأي فائدة لنا في نزول رحمة إلى السماء الدنيا من غير أن تصل لنا؟! حتى يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عنها؟! الثالث: أن الحديث دل على أن الذي ينزل يقول:" من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له". ولا يمكن أن يقول ذلك أحد سوى الله تعالى. انظر: (مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن صالح العثيمين (1/ 203-215) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20081 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 739 يوسوس له الشيطان بتخيل صورة لله تعالى ليحقق معنى الإحسان! [السُّؤَالُ] ـ[أنا أحاول في العبادات المتعلقة بالذكر كالصلاة والدعاء أن أعبد الله كأني أراه , لذلك فقد اعتدت أمراً لا أدري إن كان صحيحاً أم لا , وذلك أنى أحاول أن أتصور الله أمامي وأنا في صلاتي مثلاً , ولكن عقلي البشري الضعيف أقرب ما يذهب إليه هو صورة إنسان، وأنا أعلم أن هذا أبعد ما يكون عن الملِك الذي ليس كمثله شيء , أيضاً أحاول أن أهيئ لنفسي وأنا ساجد مثلا أني أمام الكعبة، وقد أشعر بأني قريب من الله فعلا، ولكني أيضا لا أشعر بكامل القرب من الله لأني أدرك أن الله أعظم من ذلك كثيراً. أرجو أن تعلموا أن أمري ليس وسوسة، ولكني أريد القرب أكثر من الله , فانصحوني]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: اعلم يا عبد الله أن الله تعالى احتجب عن خلقه في دار الدنيا، فلا يراه بشر فيها، لا النبي صلى الله عليه وسلم ولا من دونه. قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ) رواه البخاري (4855) ومسلم (177) واللفظ له. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وقد اتفق أئمة المسلمين على أن أحدا من المؤمنين لا يرى الله بعينه في الدنيا، ولم يتنازعوا إلا في النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، مع أن جماهير الأئمة على أنه لم يره بعينه في الدنيا؛ وعلى هذا دلت الآثار الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة وأئمة المسلمين.) مجموع الفتاوى 2/335 وإذا كان البشر، كل البشر، قد حجبوا في دار الدنيا عن هذه الرؤية، فالبشر، كل البشر أيضا، عاجزون عن الوقوف على حقيقة ذاته سبحانه، أو كيفية شيء من صفاته؛ لأن الإنسان لا يتخيل شيئا تخيلا صحيحا إلا أن يكون رآه، أو رأى شبيه هذا الشيء أو نظيره، حتى ينتقل خياله من صورة الشيء الذي رآه إلى صورة ما غاب عنه. وبناء على ذلك، اعلم ـ أيها الأخ الكريم ـ أن كل صورة في خيالك، أو توهم كيفيةٍ في بالك، فالله تعالى بخلاف ذلك، بل: الله تعالى أجل وأعظم من كل ذلك. وأن اشتغالك بهذه الخيالات وساوس واستدراج من الشيطان، ليشغلك بما يضرك عما ينفعك، وبالباطل عن الحق. قال الإمام الطحاوي رحمه الله في عقيدته: (ولا تثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام. فمن رام علمَ ما حُظر عنه علمه، ولم يقنع بالتسليم فهمه، حجبه مرامه عن خالص التوحيد، وصافي المعرفة، وصحيح الإيمان؛ فيتذبذب بين الكفر والإيمان، والتصديق والتكذيب، والإقرار والإنكار، مُوَسْوِسا تائها شاكا، لا مؤمنا مصدقا، ولا جاحدا مكذبا) [متن العقيدة الطحاوية ص 14] . وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم طريق دفع الوساوس التي يلقيها الشيطان في قلب العبد، فيما يتعلق بالله جل جلاله، فقال: (يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولَ مَنْ خَلَقَ كَذَا وَكَذَا حَتَّى يَقُولَ لَهُ مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ) رواه البخاري (3276) ومسلم (134) قال النووي رحمه الله: مَعْنَاهُ: إِذَا عَرَضَ لَهُ هَذَا الْوَسْوَاس فَلْيَلْجَأْ إِلَى اللَّه تَعَالَى فِي دَفْع شَرّه عَنْهُ , وَلْيُعْرِضْ عَنْ الْفِكْر فِي ذَلِكَ , وَلْيَعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْخَاطِر مِنْ وَسْوَسَة الشَّيْطَان , وَهُوَ إِنَّمَا يَسْعَى بِالْفَسَادِ وَالْإِغْوَاء فَلْيُعْرِضْ عَنْ الْإِصْغَاء إِلَى وَسْوَسَته وَلْيُبَادِرْ إِلَى قَطْعهَا بِالِاشْتِغَالِ بِغَيْرِهَا وَاَللَّه أَعْلَم. وراجع كلاما مفيدا في فتاوى الشيخ ابن عثيمين (1 / السؤال رقم 18) وأما القرب الذي تبحث عنه وتنشده في عبادتك لربك عز وجل، فنعم مقام العابدين هو: (أن تعبد الله كأنك تراه؛ فإن لم تكن تراه، فإنه يراك!!) . غير أن هذا المقام العظيم الجليل لا يحتاج منك أن تجهد نفسك، وتشتت قلبك في البحث عن شيء لن تدركه، وهو تخيل صورة الله عز وجل؛ وإنما يحتاج منك أن تستحضر من صفات الجلال والكمال والجمال لله عز وجل ما يعينك على حضور القلب في عبادته سبحانه، والإقبال عليه بكليتك. قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: (وقوله صلى الله عليه وسلم في تفسير الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه..، يشير إلى أن العبد يعبد الله على هذه الصفة؛ وهي استحضار قربه، وأنه بين يديه؛ وذلك يوجب الخشية والخوف والهيبة والتعظيم، كما جاء في رواية أبي هريرة: " أن تخشى الله كأنك تراه " [رواه بهذا اللفظ: مسلم (10) ] . ويوجب أيضا النصح في العبادة وبذل الجهد في تحسينها وإتمامها وإكمالها) جامع العلوم والحكم 1/104 وقال ابن القيم – رحمه الله -: ومشهد الإحسان أصل أعمال القلوب كلها فإنه يوجب الحياء والإجلال والتعظيم والخشية والمحبة والإنابة والتوكل والخضوع لله سبحانه والذل له ويقطع الوسواس وحديث النفس ويجمع القلب والهم على الله. فحظ العبد من القرب من الله على قدر حظه من مقام الإحسان وبحسبه تتفاوت الصلاة حتى يكون بين صلاة الرجلين من الفضل كما بين السماء والأرض وقيامهما وركوعهما وسجودهما واحد. " رسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه " (ص 38، 39) ، وانظر أيضا: جامع العلوم والحكم، لابن رجب (1/103) وما بعدها، ط دار ابن الجوزي، معارج القبول، للشيخ حافظ الحكمي (3 / 999، 1000) . وقد أشار أهل العلم إلى جملة من الأعمال والأحوال، متى اجتهد العبد في تحقيقها كانت له عونا على القرب من ربه عز وجل، وبحسب سعي العبد في القرب من ربه عز وجل، يكون قرب الله تعالى منه؛ فأقلَّ إن شئت أو استكثر!! ومن هذه الأمور: 1. تحقيق التوحيد وترك الشرك الأكبر والأصغر. قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: وهذا تحقيق الإخلاص والتوحيد الذي من حققه كان أقرب الخلق إلى الله، وهو تحقيق كلمة الإخلاص " لا إله إلا الله ". الاستقامة " (ص 195) . 2. معرفة صفات الله تعالى وأسمائه وأفعاله. قال ابن القيم – رحمه الله -: (مشهد الإحسان، وهو مشهد المراقبة، وهو أن يعبد الله كأنه يراه، وهذا المشهد إنما ينشأ من كمال الإيمان بالله وأسمائه وصفاته، حتى كأنه يرى الله سبحانه فوق سمواته مستوياً على عرشه، يتكلم بأمره ونهيه ويدبر أمر الخليقة؛ فينزل الأمر من عنده ويصعد إليه، وتعرض أعمال العباد وأرواحهم عند الموافاة عليه؛ فيشهد ذلك كله بقلبه ويشهد أسماءه وصفاته ويشهد قيوماً حيّاً سميعاً بصيراً عزيزاً حكيماً آمراً ناهياً، يحب ويبغض، ويرضى ويغضب، ويفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وهو فوق عرشه لا يخفى عليه شيء من أعمال العباد ولا أقوالهم ولا بواطنهم، بل يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور) رسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه (ص 38) . 3. تحقيق الولاية، ويكون تحقيقها بالإيمان والتقوى، كما قال تعالى: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) يونس/62،63. قال ابن القيم رحمه الله: (الولاية هي القرب من الله عز وجل، فولي الله هو القريب منه، المختص به، والولاء هو في اللغة: القرب.) بدائع الفوائد (3 / 621) . 4. المداومة على الصلاة، وبخاصة استشعار القرب من الله تعالى في السجود؛ فإنه أقرب ما يكون العبد فيه قرباً لربه تعالى، وكذا الصلاة في آخر الليل. قال تعالى: (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) العلق/19. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ) رواه مسلم (482) . وعن عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنْ الْعَبْدِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الْآخِرِ فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللَّهَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ) . رواه الترمذي (3579) والنسائي (572) ، وصححه الألباني في " صحيح الجامع " (1173) . 5. تحقيق التوبة من الذنوب صغيرها وكبيرها: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وينبغي أن يعرف أن التوبة لا بد منها لكل مؤمن ولا يكمل أحد ويحصل له كمال القرب من الله ويزول عنه كل ما يكره إلا بها) . مجموع الفتاوى " (15 / 55) . 6. ذكر الله تعالى على كل حال، من أذكار وأدعية وتسبيح وتحميد وتهليل: قال ابن القيم رحمه الله: (والذِّكر يوجب له القرب من الله عز وجل والزلفى لديه، وهذه هي المنزلة) . " الوابل الصيب " (1 / 96) . 7. تحقيق الخوف منه عز وجل: قال ابن القيم رحمه الله: (هذا الخوف على حسب القرب من الله والمنزلة عنده، وكلما كان العبد أقرب إلى الله كان خوفه منه أشد؛ لأنه يطالَب بما لا يطالَب به غيره، ويجب عليه من رعاية تلك المنزلة وحقوقها ما لا يجب على غيره، ونظير هذا في الشاهد أن الماثل بين يدي أحد الملوك المشاهد له، أشد خوفاً منه من البعيد عنه؛ بحسب قربه منه ومنزلته عنده، ومعرفته به وبحقوقه، وأنه يطالب من حقوق الخدمة وأدائها بما لا يطالب به غيره، فهو أحق بالخوف من البعيد، ومَن تصور هذا حق تصوره فهم قوله (إني أعلمكم بالله وأشدكم له خشية) طريق الهجرتين (1 / 427، 428) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 72892 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 740 يرغب في معرفة أسماء الله تعالى وصفاته الواردة في الكتاب والسنة [السُّؤَالُ] ـ[أنا - ولله الحمد والمنَّة - أحفظ أسماء الله الحسنى الـ 98 أرجو أن تصدقوا ما تقرؤون، لأني لم أجد في أذكار الصباح والمساء التي أملك سوى 98، كذلك استفسرت من بعض زملائي بالعمل ممن أثق بفقههم فلم أجد عندهم الجواب القاطع، لذا أرجو منكم التكرم بأن ترسلوا لي أسماء الله الحسنى كاملة، وأن ترشدوني إلى صفات الله والتي لا تعد إحدى تلك الأسماء حتى أفيد غيري وأزيل هذا الخطأ الشائع.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إن معرفة أسماء الله تعالى وصفاته لها أهمية كبرى في حياة المسلم، فبها يتعرف المسلم على خالقه عز وجل، وبهذه المعرفة يستطيع تحقيق أنواع التوحيد جميعها. وقد سبق في جواب السؤال رقم (4043) أهمية معرفة أسماء الله الحسنى فلينظر. ثانياً: أسماء الله تعالى ليست محصورة في عدد معيَّن، وقد ورد نصٌّ صحيح فهم منه بعض الناس أن أسماء الله تعالى عددها (99) اسماً، وهذا النص هو ما رواه البخاري (2736) ومسلم (2677) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ) . وقد نقل النووي رحمه الله اتفاق العلماء على أن أسماء الله تعالى غير محصورة في هذا العدد، وقد سبق في جواب السؤال رقم (41003) الدليل على نفي الحصر بهذا العدد، مع أقوال أهل العلم في الرد على من فهم أن أسماء الله تعالى محصورة في هذا العدد. وفي جواب السؤال رقم (48964) تجد تفصيلاً في معرفة الضابط في الأسماء التي يصح إطلاقها على الله تعالى. والحديث الوارد عند الترمذي في تعيين هذه التسعة والتسعين اسماً حديث ضعيف. وقد ضعَّفه الإمام الترمذي رحمه الله نفسه، وغيره. قال الترمذي رحمه الله - عقب روايته للحديث -: هذا حديث غريب - (أي: ضعيف كما هو ظاهر كلامه هنا) - حدثنا به غيرُ واحدٍ عن صفوان بن صالح، ولا نعرفه إلا من حديث صفوان بن صالح، وهو ثقةٌ عند أهل الحديث، وقد روي هذا الحديث من غير وجهٍ عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا نعلمُ في كثيرِ شيءٍ من الروايات له إسنادٌ صحيح ذَكَرَ الأسماءَ إلا في هذا الحديث، وقد روى " آدم بن أبي إياس " هذا الحديث بإسنادٍ غير هذا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم -وذكر فيه الأسماء - وليس له إسنادٌ صحيحٌ. " سنن الترمذي " (5 / 530 – 532) . وقد ضعَّف الحديث - كذلك - الحافظ ابن حجر في " التلخيص الحبير " (4 / 172) ، ونقل تضعيفه عن ابنِ حزمٍ والبيهقى وغيرِهما. وضعَّفه كذلك شيخُ الإسلامِ ابن تيمية رحمه الله في " مجموع الفتاوى " (22 / 482) . وقد اجتهد كثير من العلماء في استخراج أسماء الله تعالى من الكتاب والسنة، ومن هؤلاء العلماء: الشيخ محمد بن صالح العثيمين، وذلك في كتابه " القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى "، وقد ذكر في هذا الكتاب تعداد أسماء الله تعالى من الكتاب والسنة بحسب اجتهاده – رحمه الله – وتجد هذه الأسماء في كتابه تحت هذا الرابط: http://www.ibnothaimeen.com/all/books/article_16821.shtml ثالثاً: وأما صفاته تعالى فهي أكثر من أن تحصر هنا – أيضاً – وقد سبق في جواب السؤال رقم (39803) تفصيلٌ مفيدٌ في هذا الموضوع، فلينظر. وقد ذكر الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في كتابه السابق قواعد نافعة في صفات الله تعالى، وتجدها تحت هذا الرابط: http://www.ibnothaimeen.com/all/books/article_16822.shtml أما من حيث الاجتهاد في حصرها بحسب الوارد في الكتاب والسنة: فقد اجتهد بعض العلماء والمحققين في حصر ما ورد في الكتاب والسنة من هذه الصفات، ومن أحسن ما كتب في هذا: كتاب الشيخ علوي بن عبد القادر السقاف " صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة "، ويمكن لكم تصفح الكتاب من موقعه تحت هذا الرابط: http://dorar.net/book_view.asp?book_id=2939 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 72318 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 741 هل يجوز أن يسمِّي ابنته " تبارك "؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم التسمية بتبارك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الذي يظهر هو عدم جواز إطلاق اسم " تبارك " على أحدٍ من المخلوقين؛ لأنها صفة مختصة بالله تعالى. قال ابن القيم رحمه الله: " وأما صفته " تبارك ": فمختصة به تعالى كما أطلقها على نفسه " انتهى. " بدائع الفوائد " (2 / 185) . وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – بعد نقل الأقوال في معاني " تبارك " -: " الأظهر في معنى (تَبَارَكَ) بحسب اللغة التي نزل بها القرآن: أنه تفاعل من البركة، كما جزم به ابن جرير الطبري، وعليه: فمعنى (تَبَارَكَ) : تكاثرت البركات والخيرات من قِبَله، وذلك يستلزم عظمته وتقدّسه عن كل ما لا يليق بكماله وجلاله؛ لأن من تأتي من قبله البركات والخيرات ويدرّ الأرزاق على الناس هو وحده المتفرّد بالعظمة، واستحقاق إخلاص العبادة له، والذي لا تأتي من قبله بركة ولا خير، ولا رزق كالأصنام، وسائر المعبودات من دون اللَّه لا يصحّ أن يعبد، وعبادته كفر مخلّد في نار جهنّم، ... اعلم أن قوله: (تَبَارَكَ) فعل جامد لا يتصرف، فلا يأتي منه مضارع، ولا مصدر، ولا اسم فاعل، ولا غير ذلك، وهو مما يختصّ به اللَّه تعالى?، فلا يقال لغيره " تبارك " خلافًا لما تقدّم عن الأصمعي ... وإطلاق العرب (تَبَارَكَ) مسنداً إلى اللَّه تعالى? معروف في كلامهم " انتهى. " أضواء البيان " (6 / 262، 263) . وقال الشيخ عبد العزيز السلمان رحمه الله: " (البركة) : هي صفته تضاف إليه إضافة الرحمة والعزة، والفعل منها " تبارك "، ولهذا لا يقال لغيره كذلك، ولا يصلح إلا له عَزَّ وجَلَّ؛ فهو سبحانه المبارِك، وعبده ورسوله المبارَك؛ كما قال المسيح: (وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً) ، فمن بارك الله فيه: فهو المبارَك، وأما صفته: فمختصة به؛ كما أطلق على نفسه بقوله تعالى: (تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ) " انتهى. " الكواشف الجلية شرح العقيدة الواسطية " (ص 283) . وعليه: فلا يجوز إطلاق هذا الصفة على أحدٍ إلا الله تعالى، لأن مختصة به سبحانه وتعالى. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 71296 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 742 تساؤلات عن صفة النزول لله تعالى [السُّؤَالُ] ـ[" ... يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟ ". 1) هل ينزل الله تعالى إلى السماء الدنيا أو إلى الأرض؟ 2) كما يوجد حديث آخر جاء فيه أن الله تعالى يأتي في ظلل من السحاب وبعض الحيوانات تعرف ذلك باستثناء الجن والإنس.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: هذه الأمور التي سألت عنها هي من الأمور الغيبية التي لا يمكن أن يعلمها الإنسان إلا من طريق الوحي ـ الكتاب والسنة ـ ولا شك أن منتهى النزول هو السماء الدنيا، وليس إلى الأرض، كما هو نص كلام الرسول صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربنا إلى السماء الدنيا) ، ولم يقل: إلى الأرض. ثانياً: وأما ما ذكرته من أن الله تعالى يأتي في ظلل السحاب، وأن بعض الحيوانات يعرف ذلك، فبعد البحث في أمهات الكتب الحديثية المتاحة، والرجوع إلى أقوال أهل العلم الراسخين الذين تكلموا عن مسألة نزول الرب جل جلاله إلى السماء الدنيا لم نجد ما يدل على ثبوت شيء من ذلك. والواجب علينا إثبات ما أثبته رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنه تعالى ينزل إلى السماء الدنيا، وأن نزوله يليق بجلاله وعظمته، ونفوض علم ما سوى ذلك إلى عالمه جل جلاله وتقدست أسماؤه، وهو العليم الحكيم. لكن قد جاء في القرآن الكريم أن الله تعالى يوم القيامة حين يأتي لفصل القضاء؛ يأتي في ظلل من الغمام كما قال تعالى: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ) البقرة/210، وهذا إنما هو يوم القيامة. ثم اعلم ـ وفقك الله ـ أنه لا منافاة أبداً بين إيماننا بعلو الله تعالى بذاته، وأنه هو العلي العظيم وبين نزوله سبحانه إلى السماء الدنيا؛ فإن علو الله تعالى من صفاته الذاتية التي لا يمكن أن ينفك عنها، ـ أي: أنه لا يمكن أن يكون غير متصف بها في وقت ما ـ فلا منافاة بينهما أولاً: لأن النصوص جمعت بينهما، والنصوص لا تأتي بالمحال كما هو معلوم. ثانياً: لأن الله ليس كمثله شيء في جميع صفاته، فليس نزوله كنزول المخلوقين حتى يقال: إنه ينافي علوه ويناقضه. والله تعالى أعلى وأعلم. انظر: (كتاب السنة لابن أبي عاصم (215) ، ومجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن صالح العثيمين. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 13491 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 743 معنى قوله تعالى في الحديث القدسي: " كنت سمعه الذي يسمع به ... الحديث " [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكن أن تشرح هذا الحديث لي؟ قال الله تعالى " من عادى لي ولياً فقد آذنته بحرب مني، وما تقرب لي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ومازال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها وقدمه التي يمشي بها وإذا سألني لأعطينه وإذا استغفرني لأغفرن له وإذا استعاذني أعذته. فتح الباري 11.34041 حديث رقم 6502 وقد روى الحديث الإمام البخاري وأحمد بن حنبل والبيهقي.. الجزء الذي أريد شرحه هو (كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها وقدمه التي يمشي بها) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله معنى هذا الجزء من الحديث: أن العبد المؤمن إذا اجتهد بالتقرب إلى الله بالفرائض، ثم بالنوافل قرّبه ربه إليه، ورقّاه من درجة الإيمان إلى درجة الإحسان، فيصير يعبد الله كأنه يراه، فيمتلئ قلبه بمعرفة ربه،ومحبته، وتعظيمه، وخوفه ومهابته، وإجلاله، فإذا امتلأ القلب بذلك زال منه كل تعلق بكل ما سوى الله، ولم يبق للعبد تعلق بشيء من هواه. ولا إرادة إلا ما يريده منه ربه ومولاه، فحينئذ لا ينطق العبد إلا بذكره , ولا يتحرك إلا بأمره، فإن نطق نطق بالله، وإن سمع سمع بالله وإن نظر نظر بالله، أي بتوفيق الله له في هذه الأمور فلا يسمع إلا ما يحبه الله، ولا يبصر إلا ما يرضي الله، ولا يبطش بيده، ولا يمشي برجله إلا فيما يرضي ربه ومولاه وليس المعنى: أن الله هو سمعه، وأن الله هو بصره، وأن الله هو يده ورجله. ـ تعالى الله ـ فإنه سبحانه فوق العرش، وهو العالي على جميع خلقه، ولكن مراده سبحانه: أنه يوفقه في سمعه وبصره ومشيه وبطشه؛ ولهذا جاء في الرواية الأخرى يقول سبحانه: " فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي " يعني: أن يوفقه في أعماله، وأقواله، وسمعه، وبصره، هذا معناه عند أهل السنة والجماعة، ومع ذلك يجيب الله دعوته، فإن سأله أعطاه، وإن استعان به أعانه، وإن استعاذ به أعاذه. . إ. هـ. بتصرف واختصار من (جامع العلوم والحكم 2 / 347، وفتاوى نور على الدرب الشريط (10) لسماحة الشيخ ابن باز رحمه الله) . ومن أشار إلى غير هذا المعنى فقد أساء وظلم وتعدى على مقام الله، وخالف ما تعرفه العرب من كلامها، وما تفهمه من مثل هذه الإطلاقات، يقول الشيخ ابن عثيمين في مجموع فتاواه (1 / 145 9) : " فأنت ترى أن الله تعالى ذكر عبدا ومعبودا، ومتقرِّبا، ومتقرَّبا إليه، ومحبا ومحبوبا، وسائلا، ومسئولا ومعطيا ومُعطى , مستعيذا ومستعاذا به، ومعيذا ومعاذا، فالحديث يدل على اثنين متباينين كل واحد منهما غير الآخر، فإذا كان كذلك لم يكن ظاهر قوله كنت سمعه وبصره ويده ورجله " أن الخالق يكون جزءاً من المخلوق، أو وصفا فيه تعالى الله عن ذلك، وإنما ظاهره وحقيقته أن الله تعالى يسدد هذا العبد في سمعه وبصره وبطشه، فيكون سمعه لله تعالى إخلاصا وبه استعانة وفيه شرعا واتباعا وهكذا بصره، وبطشه ومشيه. إ. هـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 21371 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 744 لا تعارض بين نزول الله تعالى إلى السماء الدنيا واستوائه على العرش [السُّؤَالُ] ـ[عندما يُطرح علي السؤال "أين الله؟ "، أجيب، بأنه "فوق السماوات السبع والعرش". لكن، إذا أخذنا الحديث الذي فيه أن الله ينزل للسماء السفلى في آخر جزء من الليل، فإذا سأل شخص، أين الله؟ ، وذكر بأن الوقت (عند طرح السؤال) هو آخر ثلث من الليل، فماهو الرد الذي يقال له؟ ونقطة أخرى هي أن بعض الناس يقولون بأن الجزء الأخير من الليل هو مستمر في كل الوقت (في مكان ما من الأرض وفي وقت محدد من الزمن) ، ومن ذلك فإنهم يستنتجون أن الله ليس على عرشه.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب علينا أولا معرفة عقيدة أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته. فعقيدة أهل السنة والجماعة هي إثبات ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، ويعتقدون ما أمرهم الله باعتقاده فقال تعالى: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) . وقد أخبرنا الله سبحانه عن نفسه فقال تعالى: (إِنَّ رَبَّكُمْ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) الأعراف/54 وقال تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) طه/5 وغيرها من الآيات التي فيها ذكر استواء الله تعالى على عرشه. واستواء الله تعالى على عرشه، علوه عليه بذاته، علوا خاصا يليق بجلاله وعظمته لا يعلم كيفيتها إلا هو. وقد ثبت كذلك في السنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله سبحانه وتعالى ينزل في الثلث الأخير من الليل فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ فَيَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ رواه البخاري (كتاب التوحيد/6940) ومسلم (صلاة المسافرين/1262) . والنزول عند أهل السنة معناه: أنه ينزل سبحانه بنفسه إلى السماء الدنيا نزولاً حقيقيا يليق بجلاله ولا يعلم كيفيته إلا هو. ولكن هل يستلزم نزول الله عز وجل خلو العرش منه أو لا؟ قال الشيخ ابن عثيمن في مثل هذا السؤال: نقول أصل هذا السؤال تنطُّعٌ وإيراده غير مشكور عليه مورده، لأننا نسأل هل أنت أحرص من الصحابة على فهم صفات الله؟ إن قال: نعم. فقد كذب. وإن قال: لا. قلنا فلْيَسَعْكَ ما وسعهم، فهم ما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: يارسول الله إذا نزل هل يخلو منه العرش؟ وما لك ولهذا السؤال، قل ينزل واسكت يخلو منه العرش أو ما يخلو، هذا ليس إليك، أنت مأمور بأن تصدِّق الخبر، لا سيما ما يتعلق بذات الله وصفاته لأنه أمر فوق العقول. مجموع فتاوى الشيخ محمد العثيمين 1/204- 205 قال شيخ الإسلام رحمه الله في هذه المسألة: والصواب أنه ينزل ولا يخلو منه العرش، وروح العبد في بدنه لا تزال ليلاً ونهاراً إلى أن يموت ووقت النوم تعرج.. قال: والليل يختلف فيكون ثلث الليل بالمشرق قبل ثلثه بالمغرب ونزوله الذي أخبر به رسوله إلى سماء هؤلاء في ثلث ليلهم وإلى سماء هؤلاء في ثلث ليلهم لا يشغله شأن.. انظر مجموع فتاوى ابن تيمية 5/132 والاستواء والنزول من الصفات الفعلية التي تتعلق بمشيئة الله. فأهل السنة والجماعة يؤمنون بذلك، ولكنهم في هذا الإيمان يتحاشون التمثيل والتكييف، أي أنهم لا يمكن أن يقع في نفوسهم أن نزول الله كنزول المخلوقين واستواءه على العرش كاستوائهم، لأنهم يؤمنون بأن الله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، ويعلمون بمقتضى العقل ما بين الخالق والمخلوق من التباين العظيم في الذات والصفات والأفعال ولا يمكن أن يقع في نفوسهم كيف ينزل؟ وكيف استوى على العرش؟ والمقصود أنهم لا يكيِّفون صفاته مع إيمانهم بأن لها كيفية لكنها غير معلومة لنا وحينئذ لا يمكن أبداً أن يتصور الكيفية. ونحن نعلم علم اليقين أن ما جاء في كتاب الله تعالى أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم فهو حق لا يناقض بعضه بعضاً لقول الله تعالى: (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً) ولأن التناقض في الأخبار يستلزم تكذيب بعضها بعضاً وهذا محال في خبر الله تعالى ورسوله. ومن توَهَّم التَّناقض في كتاب الله تعالى أو في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو بينهما إما لقلَّة علمه أو قصور فهمه أو تقصيره في التدبر، فليبحث عن العلم وليجتهد في التدبر حتى يتبين له الحق. فإن لم يتبين له الحق فليَكِل الأمر إلى عالمه وليكُفَّ عن توهُّمِه وليقل كما قال الراسخون في العلم: (آمنا به كل من عند ربنا) وليعلم أن الكتاب والسنة لا تناقض فيهما ولا بينهما اختلاف. والله أعلم انظر فتاوى ابن عثيمين 3/237- 238 وتوهّم تعارض النزول إلى السماء الدنيا مع الاستواء على العرش والعلو فوق السماء ناشئ عن قياس الخالق على المخلوق، وإذا كان الإنسان لا يتصوَّر بعقله غيبيات مخلوقة كنعيم الجنة فكيف يستطيع أن يتصور الخالق عز وجل علام الغيوب، فنؤمن بما ورد من الاستواء والنزول والعلو لله ونثبته كما يليق بجلاله وعظمته. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 12290 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 745 شرعية التخلق بما يحب الله التخلق به من معاني أسمائه وصفاته [السُّؤَالُ] ـ[سمعت بعض الخطباء في خطبة الجمعة يحث على الاتصاف بصفات الله، والتخلق بأخلاقه هل لهذا الكلام محمل صحيح، وهل سبق أن قال ذلك أحد من أهل العلم؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فهذا التعبير الذي أشرت إليه غير لائق، ولكن له محمل صحيح، وهو الحث على التخلق بمقتضى بعض صفات الله وأسمائه وموجبها، وذلك بالنظر إلى الصفات التي يحسن من المخلوق أن يتصف بمقتضاها، بخلاف الصفات المختصة بالله كالخلاق والرزاق والإله ونحو ذلك، فإن هذا شيء لا يمكن أن يتصف به المخلوق، ولا يجوز أن يدعيه، وهكذا ما أشبه هذه الأسماء، وإنما المقصود الصفات التي يحب الله من عباده أن يتصفوا بمقتضاها، كالعلم والقوة في الحق، والرحمة والحلم والكرم والجود والعفو وأشباه ذلك، فهو سبحانه عليم يحب العلماء، قوي يحب المؤمن القوي، أكثر من حبه للمؤمن الضعيف، كريم يحب الكرماء، رحيم يحب الرحماء عفو يحب العفو، إلخ، لكن الذي لله سبحانه من هذه الصفات وغيرها أكمل وأعظم من الذي للمخلوق، بل لا مقارنة بينهما؛ لأنه سبحانه ليس كمثله شيء في صفاته وأفعاله، كما أنه لا مثيل له في ذاته، وإنما حسب المخلوق أن يكون له نصيب من معاني هذه الصفات، بحسب ما يليق به ويناسبه على الحد الشرعي، فلو تجاوز في الكرم الحد صار مسرفا، ولو تجاوز في الرحمة الحد عطل الحدود والتعزيرات الشرعية، وهكذا لو زاد في العفو على الحد الشرعي وضعه في غير موضعه، وهذه الأمثلة تدل على سواها، وقد نص العلامة ابن القيم رحمه الله على هذا المعنى في كتابيه: (عدة الصابرين) و (الوابل الصيب) ، وإليك نص كلامه في العدة والوابل، قال في العدة صفحة 310:" ولما كان سبحانه هو الشكور على الحقيقة، كان أحب خلقه إليه من اتصف بصفة الشكر، كما أن أبغض خلقه إليه من عطلها، أو اتصف بضدها، وهذا شأن أسمائه الحسنى، أحب خلقه إليه من اتصف بموجبها، وأبغضهم إليه من اتصف بأضدادها، ولهذا يبغض الكافر والظالم والجاهل، والقاسي القلب والبخيل والجبان، والمهين واللئيم، وهو سبحانه جميل يحب الجمال، عليم يحب العلماء، رحيم يحب الراحمين، محسن يحب المحسنين، سِتِّير يحب أهل الستر، قادر يلوم على العجز، والمؤمن القوي أحب إليه من المؤمن الضعيف، فهو عفو يحب العفو، وتر يحب الوتر، وكلما يحبه فهو من آثار أسمائه وصفاته وموجبها، وكلما يبغضه فهو مما يضادها وينافيها ". وقال في (الوابل الصيب) صفحة 43 من مجموعة الحديث: " والجود من صفات الرب جل جلاله، فإنه يعطي ولا يأخذ، ويطعم ولا يطعم، وهو أجود الأجودين، وأكرم الأكرمين، وأحب الخلق إليه من اتصف بمقتضيات صفاته، فإنه كريم يحب الكرماء من عباده، وعالم يحب العلماء وقادر يحب الشجعان، وجميل يحب الجمال" انتهى. وأرجو أن يكون فيما ذكرناه كفاية وحصول للفائدة، وأسأل الله سبحانه أن يوفقنا جميعا للفقه في دينه والقيام بحقه إنه سميع قريب، والحمد لله رب العالمين. [الْمَصْدَرُ] انظر: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ ابن باز رحمه الله (1 / 133) . الحديث: 26348 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 746 الفرق بين أسماء الله وصفاته [السُّؤَالُ] ـ[ما الفرق بين أسماء الله وصفاته؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أسماء الله كل ما دل على ذات الله مع صفات الكمال القائمة به مثل القادر، العليم، الحكيم، السميع، البصير، فإن هذه الأسماء دلت على ذات الله وعلى ما قام بها من العلم والحكمة والسمع والبصر، فالاسم دل على أمرين، والصفة دلت على أمر واحد، ويقال: الاسم متضمن للصفة والصفة مستلزمة للاسم، ويجب الإيمان بكل ما ثبت منهما عن الله تعالى أو عن النبي صلى الله عليه وسلم على الوجه اللائق بالله سبحانه مع الإيمان بأنه سبحانه لا يشبه خلقه، في شيء من صفاته، كما أنه سبحانه لا يشبههم في ذاته لقوله تعالى: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد. الله الصمد. لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفوا أحد) سورة الإخلاص وقوله سبحانه: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) الشورى/11 وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] (فتاوى الشيخ ابن باز) . الحديث: 22642 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 747 حكم قول (يا وجه الله) [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم قول بعض الناس: (يا وجه الله) ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما تنبغي، وممكن أن مقصودهم الذات. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله ص 1/117. الحديث: 21136 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 748 المثل الأعلى [السُّؤَالُ] ـ[هذا السؤال يتكرر كثيراً وهو: من هو مثلك الأعلى وتختلف الإجابة باختلاف الأشخاص هناك من يقول: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهناك من يقول: والدي وهكذا. ما رأي سماحتكم حفظكم الله في هذا السؤال؟ وما علاقته بآية سورة النحل رقم 60 وهي قوله تعالى: (لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) وكذا آية سورة الروم رقم 27 وهي قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الحكيم) ؟ . أفيدونا أثابكم الله.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المعنى يختلف فيما أشرت إليه فإذا أريد بيان من هو الأحق بالوصف الأعلى فالجواب هو الله وحده؛ لأنه سبحانه هو الذي له المثل الأعلى في كل شيء ومعناه الوصف الأعلى، وهو سبحانه الكامل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله لا شبيه له ولا كفو له ولا ند له، وهذا المعنى هو المراد في الآيتين الكريمتين المذكورتين في سؤالك، وقد قال الله عز وجل: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) وقال سبحانه: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) أما إن أريد من هو المثل الأعلى في المنهج والسيرة فإنه يفسر بالرسول صلى الله عليه وسلم فإنه أكمل الناس هديا وسيرة وقولا وعملا وهو المثل الأعلى للمؤمنين في سيرتهم وأعمالهم وجهادهم وصبرهم وغير ذلك من الأخلاق الفاضلة كما قال الله سبحانه: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) وقال عز وجل في وصف نبيه صلى الله عليه وسلم: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) قالت عائشة رضي الله عنها: (كان خلقه القرآن) والمعنى أنه كان عليه الصلاة والسلام يعمل بأوامر القرآن وينتهي عن نواهيه ويتخلق بالأخلاق التي أثنى القرآن على أهلها ويبتعد عن الأخلاق التي ذم القرآن أهلها. والله ولي التوفيق. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز يرحمه الله، م/4، ص/425. الحديث: 21200 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 749 الدهر ليس من أسماء الله [السُّؤَالُ] ـ[قرأت حديثاً أن الله تعالى يقول: أنا الدهر. فهل معنى ذلك أن الدهر من أسماء الله الحسنى؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث الذي أشار إليه السائل رواه البخاري (4826) ومسلم (2246) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ، يَسُبُّ الدَّهْرَ، وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِي الْأَمْرُ، أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ) . ولا يدل هذا الحديث على أن الدهر من أسماء الله، وإنما معنى الحديث أن الله تعالى هو الذي يقلب الدهر ويصرفه. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَاهُ: أَنَا صَاحِب الدَّهْر، وَمُدَبِّر الْأُمُور الَّتِي يَنْسُبُونَهَا إِلَى الدَّهْر , فَمَنْ سَبَّ الدَّهْر مِنْ أَجْل أَنَّهُ فَاعِل هَذِهِ الأُمُور عَادَ سَبّه إِلَى رَبّه الَّذِي هُوَ فَاعِلهَا اهـ. وقال النووي: وَمَعْنَى "فَإِنَّ اللَّه هُوَ الدَّهْر" أَيْ: فَاعِل النَّوَازِل وَالْحَوَادِث , وَخَالِق الْكَائِنَات. وَاللَّهُ أَعْلَم اهـ. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "الدهر ليس من أسماء الله سبحانه وتعالى، ومن زعم ذلك فقد أخطأ وذلك لسببين: السبب الأول: أن أسماءه سبحانه وتعالى حسنى، أي بالغة في الحسن أكمله، فلابد أن تشتمل على وصف ومعنى هو أحسن ما يكون من الأوصاف والمعاني في دلالة هذه الكلمة، ولهذا لا تجد في أسماء الله تعالى اسماً جامداً (أي: لا يدل على معنى) ، والدهر اسم جامد لا يحمل معنى إلا أنه اسم للأوقات. السبب الثاني: أن سياق الحديث يأبى ذلك، لأنه قال: " أقلب الليل والنهار " والليل والنهار هما الدهر فكيف يمكن أن يكون المقلَّب بفتح اللام هو المقلِّب بكسر اللام؟! " اهـ. فتاوى الشيخ ابن عثيمين (1/163) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 26977 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 750 ما هو الضابط في الأسماء التي يصح إطلاقها على الله تعالى؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يصح أن يسمى الله بالمتكلم أو الباطش لأنه ورد أنه يفعل ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أسماء الله تعالى كلها توقيفية أي (أنه يجب الوقوف فيها على ما جاء في الكتاب والسنة فلا يزاد فيها ولا ينقص) وعليه فلا يصح أن يسمى الله إلا بما سمى به نفسه في كتابه أو أطلقه عليه رسوله صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه من الأحاديث، لأن العقل لا يمكنه إدراك ما يستحقه تعالى من الأسماء فوجب الوقوف على النص لقوله تعالى: (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) الإسراء/26. ولأن تسميته تعالى بما لم يسم به نفسه أو إنكار ما سمى به نفسه جناية في حقه تعالى فوجب سلوك الأدب في ذلك، والاقتصار على ما جاء به النص. وأما ما ورد في القرآن والسنة على سبيل الوصف أو الخبر فقط، بحيث لم يرد تسمية الله به، فلا يصح أن نسميه به، وذلك لأن من صفات الله ما يتعلق بأفعاله، وأفعال الله لا منتهى لها كما أن أقواله لا منتهى لها. ومن أمثلة ذلك أن من صفات الله الفعلية (المجيء والإتيان، والأخذ، والإمساك، والبطش) إلى غير ذلك من الصفات التي لا تحصى كما قال تعالى: (وجاء ربك) الفجر/22 وقال: (ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه) الحج /65 وقال: (إن بطش ربك لشديد) البروج /12، فنصف الله تعالى بهذه الصفات على الوجه الوارد، ولا نسميه بها فلا نقول إن من أسمائه الجائي والآتي والآخذ والممسك والباطش، ونحو ذلك وإن كنا نخبر بذلك عنه ونصفه به." والله أعلم. يراجع: (القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى 13 , 21) للشيخ ابن عثيمين رحمه الله. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 48964 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 751 يجادل نصرانيا ويسأل هل لله روح؟ [السُّؤَالُ] ـ[أجادل مسيحيا فيقول لي: إن لله روحا. فسؤالي هل لله روح؟ (روح كروح الإنسان والملائكة وسائر الخلق) وهل الروح شئ مخلوق أم ماذا؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس لأحد أن يصف الله تعالى إلا بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، لأنه لا أحد أعلم بالله من الله تعالى، ولا مخلوق أعلم بخالقه من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الله تعالى: (قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ) البقرة/140. (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) الإسراء/36. والروح ليست من صفات الله تعالى، بل هي خلق من مخلوقات الله تعالى. وأضيفت إلى الله تعالى في بعض النصوص إضافة ملك وتشريف، فالله خالقها ومالكها، يقبضها متى شاء، ويرسلها متى شاء. فالقول في الروح، كالقول في (بيت الله) و (ناقة الله) و (عباد الله) و (رسول الله) فكل هذه مخلوقات أضيفت لله تعالى للتشريف والتكريم. ومن النصوص التي أضيفت فيها الروح إلى الله: قوله تعالى: (ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِه) السجدة/9. وهذا في حق آدم عليه السلام. وقال سبحانه وتعالى عن آدم أيضاً: (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) الحجر/29. وقال تعالى: (فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيّاً * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيّاً) مريم/17- 19. فالروح هنا هو عبد الله ورسوله جبريل الذي أرسله إلى مريم. وقد أضافه الله إليه في قوله (رُوحَنَا) فالإضافة هنا للتكريم والتشريف، وهي إضافة مخلوق إلى خالقه سبحانه وتعالى. وفي حديث الشفاعة الطويل: (فَيَأْتُونَ مُوسَى، فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِعِيسَى، فَإِنَّهُ رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ) رواه البخاري (7510) ومسلم (193) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فليس في مجرد الإضافة ما يستلزم أن يكون المضاف إلى الله صفة له، بل قد يضاف إليه من الأعيان المخلوقة وصفاتها القائمة بها ما ليس بصفة له باتفاق الخلق، كقوله تعالى (بيت الله) و (ناقة الله) و (عباد الله) بل وكذلك روح الله عند سلف المسلمين وأئمتهم وجمهورهم. ولكن إذا أضيف إليه ما هو صفة له وليس بصفة لغيره مثل كلام الله وعلم الله ويد الله ونحو ذلك كان صفة له " انتهى من "الجواب الصحيح" (4/414) . وهذه القاعدة ذكرها شيخ الإسلام في مواضع، وحاصلها أن المضاف إلى الله نوعان: 1- أعيان قائمة بذاتها، فهذه الإضافة للتشريف والتكريم، كبيت الله وناقة الله، وكذلك الروح، فإنها ليست صفة، بل هي عين قائمة بنفسها، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث البراء بن عازب الطويل في وفاة الإنسان وخروج روحه: (فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِي السِّقَاءِ) (فَيَأْخُذُهَا (يعني يأخذ ملك الموت الروح) فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا (يعني الملائكة) فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَأْخُذُوهَا فَيَجْعَلُوهَا فِي ذَلِكَ الْكَفَنِ وَفِي ذَلِكَ الْحَنُوطِ) (وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ قَالَ فَيَصْعَدُونَ بِهَا) . انظر روايات الحديث في "أحكام الجنائز" للألباني (ص 198) . وقال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ) رواه مسلم (920) أي: إذا خرجت الروح تبعها البصر ينظر إليها أين تذهب. فهذا كله يدل على أن الروح عين قائمة بنفسها. 2- صفات لا تقوم بنفسها، بل لا بد لها من موصوف تقوم به، كالعلم والإرادة والقدرة، فإذا قيل: علم الله، وإرادة الله، فهذا من إضافة الصفة إلى الموصوف. قال ابن القيم رحمه الله في كتاب "الروح": " المسألة السابعة عشرة: وهي هل الروح قديمة أو محدثة مخلوقة؟ ثم قال: فهذه مسألة زل فيها عالَمٌ، وضل فيها طوائف من بنى آدم، وهدى الله أتباع رسوله فيها للحق المبين، والصواب المستبين، فأجمعت الرسل صلوات الله وسلامه عليهم على أنها محدثة مخلوقة مصنوعة مربوبة مدبَّرة، هذا معلوم بالاضطرار من دين الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، كما يعلم بالاضطرار من دينهم أن العالم حادث، وأن معاد الأبدان واقع، وأن الله وحده الخالق وكل ما سواه مخلوق له " ثم نقل عن الحافظ محمد بن نصر المروزي قوله: " ولا خلاف بين المسلمين أن الأرواح التي في آدم وبنيه وعيسى ومن سواه من بنى آدم كلها مخلوقة لله، خلقها وأنشأها وكونها واخترعها ثم أضافها إلى نفسه كما أضاف إليه سائر خلقه قال تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) الجاثية/13 " انتهى من "الروح" (ص144) . وربما أشكل على بعض الناس قوله سبحانه في شأن عيسى عليه السلام: (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ) النساء/171. فظنوا كما ظنت النصارى أن (مِِْن) للتبعيض، وأن الروح جزء من الله. والحق أن (مِِْن) هنا لابتداء الغاية، أي هذه الروح من عند الله، مبدأها ومنشأها من الله تعالى، فهو الخالق لها، والمتصرف فيها. قال ابن كثير رحمه الله: " فقوله في الآية والحديث: (وَرُوحٌ مِنْهُ) كقوله: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) أي من خلقه ومِنْ عنده، وليست (مِنْ) للتبعيض كما تقوله النصارى عليهم لعائن الله المتتابعة، بل هي لابتداء الغاية كما في الآية الأخرى، وقد قال مجاهد في قوله: (وروح منه) أي ورسول منه، وقال غيره: ومحبة منه، والأظهر الأول، وهو أنه مخلوق من روح مخلوقة. وأضيفت الروح إلى الله على وجه التشريف، كما أضيفت الناقة والبيت إلى الله في قوله: (هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ) الأعراف/73، وفي قوله: (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ) الحج/26. وكما روي في الحديث الصحيح: (فأدخل على ربي في داره) أضافها إليه إضافة تشريف، وهذا كله من قبيل واحد ونمط واحد " انتهى من "تفسير ابن كثير" (1/784) . وقال الألوسي رحمه الله:: حكي أن طبيبا نصرانيا حاذقا للرشيد ناظر على بن الحسين الواقدى المروزى ذات يوم فقال له: إن في كتابكم ما يدل على أن عيسى عليه السلام جزء منه تعالى، وتلا هذه الآية: (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ) فقرأ الواقدي قوله تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) الجاثية/13. فقال: إذاً يلزم أن يكون جميع الأشياء جزءاً منه سبحانه وتعالى علوا كبيرا، فانقطع النصراني فأسلم، وفرح الرشيد فرحا شديدا ". وقال رحمه الله: " لا حجة للنصارى على شيء مما زعموا في تشريف عيسى عليه السلام بنسبة الروح إليه؛ إذ لغيره عليه السلام مشاركة له في ذلك، ففي إنجيل لوقا: قال يسوع لتلاميذه: إن أباكم السماوي يعطي روح القدس الذين يسألونه. وفى إنجيل متى: إن يوحنا المعمداني امتلأ من روح القدس وهو في بطن أمه. وفى التوراة: قال الله تعالى لموسى عليه السلام: اختر سبعين من قومك حتى أفيض عليهم من الروح التي عليك. وفيها في حق يوسف عليه السلام: يقول الملك: هل رأيتم مثل هذا الفتى الذي روح الله تعالى عز وجل حال فيه. وفيها أيضا: إن روح الله تعالى حلت على دانيال. . . إلى غير ذلك " انتهى من "روح المعاني" (6/25) . وجاء في إنجيل لوقا (1/41) : (وامتلأت الياصبات من الروح القدس) . وقوله (1/25، 26) : (وكان في أورشليم رجل صالح تقي اسمه سِمعان، ينتظر الخلاص لإسرائيل، والروح القدس كان عليه، وكان الروح القدس أوحى إليه أنه لا يذوق الموت قبل أن يرى مسيح الرب. فجاء إلى الهيكل بوحي من الروح) فهذا صريح في أن الروح ملَك يأتي بالوحي، وصريح أيضا في أن عيسى عليه السلام (مسيح الرب) فهو عبد لله تعالى، والله هو الذي مسحه، وجعلها مسيحا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50774 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 752 أهمية معرفة أسماء الله الحسنى [السُّؤَالُ] ـ[ما أهمية معرفة أسماء الله الحسنى؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لمعرفة أسماء الله تعالى أهمية كبيرة لأجل ما يلي: 1- أن العلم بالله وأسمائه وصفاته أشرف العلوم وأجلها على الإطلاق، لأن شرف العلم بشرف المعلوم، والمعلوم في هذا العلم هو الله سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته وأفعاله، فالاشتغال بفهم هذا العلم، والبحث التام عنه، اشتغال بأعلى المطالب، وحصوله للعبد من أشرف المواهب، ولذلك بينه الرسول صلى الله عليه وسلم غاية البيان، ولاهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم ببيانه لم يختلف فيه الصحابة رضي الله عليهم كما اختلفوا في الأحكام. 2- أن معرفة الله تدعو إلى محبته وخشيته، وخوفه ورجائه، وإخلاص العمل له، وهذا هو عين سعادة العبد، ولا سبيل إلى معرفة الله، إلا بمعرفة أسمائه الحسنى، والتفقه في فهم معانيها. 3- أن معرفة الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى، مما يزيد الإيمان، كما قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله: (إن الإيمان بأسماء الله الحسنى ومعرفتها يتضمن أنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الإلهية، وتوحيد الأسماء والصفات، وهذه الأنواع هي روح الإيمان ورَوحه " الروح: هو الفرح، والاستراحة من غم القلب "، وأصله وغايته، فكلما زاد العبد معرفة بأسماء الله وصفاته ازداد إيمانه وقوي يقينه) التوضيح والبيان لشجرة الإيمان للسعدي ص 41. 4- أن الله خلق الخلق ليعرفوه ويعبدوه، وهذا هو الغاية المطلوبة منهم، لأنه كما يقول ابن القيم رحمه الله: (مفتاح دعوة الرسل، وزبدة رسالتهم، معرفة المعبود بأسمائه وصفاته وأفعاله؛ إذ على هذه المعرفة تبنى مطالب الرسالة كلها من أولها إلى آخرها) . الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة لابن القيم (1/150-151) فالاشتغال بمعرفة الله، اشتغال بما خلق له العبد، وتركه وتضييعه إهمال لما خلق له، وليس معنى الإيمان هو التلفظ به فقط دون معرفة الله، لأن حقيقة الإيمان بالله أن يعرف العبد ربه الذي يؤمن به، ويبذل جهده في معرفة الله بأسمائه وصفاته، وبحسب معرفته بربه يزداد إيمانه. 5- أن العلم بأسماء الله الحسنى أصل للعلم بكل معلوم، كما يقول ابن القيم رحمه الله: (إن العلم بأسماء الله الحسنى أصل للعلم بكل معلوم، فإن هذه المعلومات سواه إما أن تكون خلقاً له تعالى أو أمراً، إما علم بما كوَّنه، أو علم بما شرعه، ومصدر الخلق والأمر عن أسمائه الحسنى، وهما مرتبطان بها ارتباط المقتضى بمقتضيه.. وإحصاء الأسماء الحسنى، أصل لإحصاء كل معلوم، لأن المعلومات هي من مقتضاها ومرتبطة بها ... ) [الْمَصْدَرُ] بدائع الفوائد لابن القيم (1/163) ، من كتاب أسماء الله الحسنى ص 6-8 الحديث: 4043 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 753 هل الرشيد من أسماء الله [السُّؤَالُ] ـ[قرأت مؤخراً توثيقاً بأن الرشيد اسم من أسماء الله ولست أدرى هل هذه المعلومات أصح من المعلومات التي لدي من كتاب تحفة الذاكرين للشوكاني. هل يمكن أن توضح هذا لي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس من أسماء الله تعالى (الرشيد) لأنه لم يرد في القرآن ولا في السنة الصحيحة، وأسماء الله توقيفية، فلا يجوز أن يُسمى الله إلا بما سمى به نفسه أو سمّاه به رسوله صلى الله عليه وسلم، والله الموفق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 5457 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 754 كيف للمسلم أن يتخيل الله؟ [السُّؤَالُ] ـ[كيف للمسلم أن يتخيل الله؟ أعلم بأنه لا يمكن رؤية الله، فهل أتخيله على هيئة آدمي أم نور؟ أرجو أن تساعدني جزاك الله خيرا والسلام.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الله تعالى: " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير " فهو تعالى لا مثيل له ولا شبيه له ولا كفو له ولا ند له، وهو تعالى منزه عن مماثلة المخلوقين، وكل ما يخطر ببال ابن آدم نحو ربه فالله تعالى أعظم من ذلك، ولا يمكن للمخلوق أن يحيط به جل وعلا ولا أن يتخيل صورته، قال عز وجل: " ولا يحيطون به علما "، وليس المسلم مكلفاً أصلا أن يتخيل الله أو يتصوره، بل عليه أن يعتقد أن لله الصفات العلى التي تليق بعظمته وجلاله لا يماثله أحد فيها، ومن عقيدة المسلمين أن الله تعالى لا يُرى في الدنيا كقوله عز وجل: " لا تدركه الأبصار "، إنما يراه المؤمنون في الآخرة في العرصات - في أرض المحشر - وفي الجنة، وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح مسلم -: هل رأيت ربك؟ قال: رأيت نورا، وفي رواية: " نورٌ أنى أراه؟ " أي كيف أراه، وهذا موافق لقول الله تعالى لموسى في سورة الأعراف: " لن تراني " أي في الدنيا. فلم ير النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره ربه بعيني رأسه، وفي الآخرة إذا رآه الناس في المحشر خروا له سجّدا لعظمته وجلاله، وتكون رؤيته في الجنة أعظم نعمة يعطاها أهل الجنة على الإطلاق. فعليك يا أخي أن تتعرف على الله تعالى بأسمائه وصفاته التي أخبر عنها في كتابه وأخبر عنه بها رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا تكلف نفسك ما لا تطيق وانصرف إلى ما أمرك به ربك واترك عنك وساوس الشيطان وفقك الله لمرضاته. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 5468 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 755 معنى اسم الله عز وجل المؤمن [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى اسم الله عز وجل المؤمن؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الله سبحانه هو المؤمن المصدق الصادقين، دعا خلقه إلى الإيمان به، وهو يملك أمان خلقه في الدنيا والآخرة، ووحد نفسه بقوله: (شهد الله أنه لا إله إلا هو) آل عمران/18 والمؤمن: هو مصدق عباده المؤمنين أي يصدقهم على إيمانهم بقبول صدقهم وإيمانهم وإثابتهم عليه، كما أنه يصدق ما وعد عبده من الثواب. وهو مؤمن لأوليائه يؤمنهم عذابه وبأسه فأمنوا فلا يأمن إلا من آمنه، وهو سبحانه يصدق ظنون عباده ولا يخيب آمالهم. وهو سبحانه الذي وحّد نفسه بقوله: (وإلهكم إله واحد) البقرة/163 وهو الذي أمن الخلق من ظلمه، وأمن من عذابه من لا يستحقه. وهو الذي يصدق عباده المسلمين يوم القيامة إذا سأل الأمم عن تبليغ رسلهم، قال تعالى: (ويؤمن للمؤمنين) التوبة /61 أي يصدقهم. وكل هذه الصفات لله عز وجل لأنه صدّق بقوله ما دعا إليه عباده من توحيد، وأمن الخلق من ظلمه، ووعد الجنة لمن آمن به، والنار لمن كفر به، وهو مصدق وعده. [الْمَصْدَرُ] كتاب شرح أسماء الله تعالى الحسنى للدكتورة حصة الصغير ص 220. الحديث: 11347 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 756 معنى اسم الله عز وجل المقدم والمؤخر [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى اسم الله عز وجل المقدم والمؤخر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الله سبحانه هو الذي يقدم ما يجب تقديمه من شيء حكماً وفعلاً على ما أحب وكيف أحب، وما قدمه فهو مقدم، وما أخره فهو مؤخر، وهو الذي يؤخر ما يجب تأخيره، والحكمة والصلاح فيما يفعله الله تعالى، وإن خفي علينا وجه الحكمة والصلاح فيه. وهو سبحانه المنزل الأشياء منازلها يقدم ما شاء منها، ويؤخر ما شاء، قدم المقادير قبل خلق الخلق، وقدم من أحب من أوليائه على غيرهم من عبيده، ورفع الخلق بعضهم فوق بعض درجات، وقدم من شاء بالتوفيق إلى مقامات السابقين، وأخر من شاء عن مراتبهم، وأخر الشيء عن حين توقعه، لعلمه بما في عواقبه الحكمة، فلا مقدم لما أخر ولا مؤخر لما قدم. والتقديم يشمل: التقديم الكوني: كتقديم بعض المخلوقات على بعض، وتقديم الأسباب على مسبباتها والشروط على مشروطاتها. والتقديم الشرعي: كتفضيل بعض الأنبياء على بعض، وتفضيلهم جميعاً على الخلق، وتفضيل بعض العباد على بعض، وكل ما سبق تبع لحكمته سبحانه. قال ابن القيم: وهو المقدم والمؤخر ذانك الو ... ... * صفان للأفعال تابعان وهما صفات الذات أيضاً إذ هما ... ... * بالذات لا بالغير قائمتان [الْمَصْدَرُ] كتاب شرح أسماء الله تعالى الحسنى للدكتورة حصة الصغير ص 218. الحديث: 11366 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 757 هل العرش فوق السماء السابعة؟ [السُّؤَالُ] ـ[أعرف أن الله فوق السماء والأرض والكل تحته. فهل هذا يعني أن العرش فوق السماء السابعة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله مما لا شك فيه أن العرش فوق السماء السابعة بل هو أعلى المخلوقات كلها. وقد دلت الأدلة الصريحة على ذلك. فمن ذلك ما رواه البخاري (2581) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ وفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ ". وقد تقرر عند جميع المسلمين، أن الجنة فوق السماء السابعة، فإذا كان العرش فوق الجنة لزم من ذلك أن يكون العرش فوق السماء السابعة. ومما يشهد لهذا المعنى ويدل عليه ما رواه مسلم في صحيحه (4136) عن عَبْد اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الأَنْصَارِ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ... وَلَكِنْ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى اسْمُهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا سَبَّحَ حَمَلَةُ الْعَرْشِ ثُمَّ سَبَّحَ أَهْلُ السَّمَاءِ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ التَّسْبِيحُ أَهْلَ هَذِهِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا ثُمَّ قَالَ الَّذِينَ يَلُونَ حَمَلَةَ الْعَرْشِ لِحَمَلَةِ الْعَرْشِ: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ فَيُخْبِرُونَهُمْ مَاذَا قَالَ. قَالَ: فَيَسْتَخْبِرُ بَعْضُ أَهْلِ السَّمَاوَاتِ بَعْضًا حَتَّى يَبْلُغَ الْخَبَرُ هَذِهِ السَّمَاءَ الدُّنْيَا " فهذا ظاهر جداً في أن العرش وحملته فوق جميع السماوات. ومن ذلك مَا أَخْرَجَهُ اِبْن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحه (105) وفي كتاب التوحيد له (رقم 594) عَنْ اِبْن مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ: " بَيْن السَّمَاء الدُّنْيَا وَاَلَّتِي تَلِيهَا خَمْسمِائَةِ عَام , وَبَيْن كُلّ سَمَاء مسيرة خَمْسمِائَةِ عَام. وَفِي رِوَايَة " وَغِلَظ كُلّ سَمَاء مَسِيرَة خَمْسمِائَةِ عَام , وَبَيْن السماء السَّابِعَة وَبَيْن الْكُرْسِيّ خَمْسمِائَةِ عَام , وَبَيْن الْكُرْسِيّ وَبَيْن الْمَاء خَمْسمِائَةِ عَام , وَالْعَرْش فَوْق الْمَاء وَاَللَّه فَوْق الْعَرْش وَلا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْ أَعْمَالكُمْ " وصححه الذهبي في العلو (ص64) وابن القيم في اجتماع الحيوش الإسلامية (ص 100) . وما أخرجه الذهبي في كتاب العلو كما في مختصره (35) عن عبد الله بن عمرو قال: جعل الله فوق السماء السابعة الماء، وجعل فوق الماء العرش " وقال الشيخ الألباني: إسناده صحيح. وقد نص العلماء رحمهم الله تعالى على أن العرش سقف المخلوقات وأعلاها. قال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" (4/203) : والعرش هو سقف المخلوقات وأعظمها اهـ بتصرف يسير. وكذا قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (6/581) ، (25/1998) . وقاله ابن كثير في "البداية والنهاية" (1/9، 11) . وقاله ابن أبي العز في "شرح العقيدة الطحاوية" (1/311) . انظر: (مختصر العلو ـ للذهبي، والتوحيد لابن خزيمة، واجتماع الجيوش الإسلامية لابن القيم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 47048 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 758 معنى اسم الله الحيي [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى اسم الله عز وجل (الحيي) ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله وصف النبي صلى الله عليه وسلم ربه تعالى بالحياء، وحياء الله لا تدركه الأفهام، ولا تكيفه العقول؛ فهو حياء كرم وبر وجود وجلال؛ فإن الله سبحانه وتعالى من رحمته وكرمه وكماله وحلمه يستحيي من هتك عبده وفضيحته وإحلال العقوبة به، ويستحيي سبحانه أن يرد من يمد إليه يديه، وهو سبحانه يحب أهل الحياء. قال ابن القيم: وهو الحيي فليس يفضح عبده ... ** عند التجاهر منه بالعصيان لكنه يلقي عليه ستره ... ** فهو الستير وصاحب الغفران. [الْمَصْدَرُ] كتاب شرح أسماء الله تعالى الحسنى للدكتورة حصة الصغير ص 114. الحديث: 11301 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 759 معنى اسم الله عز وجل المصور [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى اسم الله عز وجل المصور؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الله سبحانه هو المصور خلقه كيف شاء، وهو سبحانه الذي صور جميع الموجودات ورتبها فأعطى كل شيء منها صورة خاصة هيئة مفردة يتميز بها على اختلافها وكثرتها، وقد صوّر سبحانه كل صورة لا على مثال احتذاه ولا رسم ارتسمه تعالى عن ذلك علواً كبيراً. وهو سبحانه إذا أراد شيئاً قال له: كن، فيكون على الصفة التي يريد والصورة التي يختار، وهو ينفذ ما يريد إيجاده على الصفة التي يريدها. وفرق بعضهم بين الخالق والبارئ والمصور، بأن: الخالق: هو المخرج من العدم إلى الوجود جميع المخلوقات، والمقدرة على صفاتها. والبارئ: خالق الناس من البرا وهو التراب. والمصور: خالق الصور المختلفة. فالخالق عام، والبارئ أخص منه، والمصور أخص من الأخص. [الْمَصْدَرُ] كتاب شرح أسماء الله تعالى الحسنى للدكتورة حصة الصغير ص 240. الحديث: 11317 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 760 معنى اسم الله عز وجل المتين [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى اسم الله عز وجل المتين؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الله سبحانه ذو القوة المتين أي ذو الاقتدار الشديد. وهو القوي الشديد الذي لا تنقطع قوته، ولا يلحقه في أفعاله مشقة ولا كلفة ولا تعب، وهو سبحانه بالغ القدرة تامها قوي لا تتناقص قوته فيَهِن ويفتُر تعالى الله عن ذلك. [الْمَصْدَرُ] كتاب شرح أسماء الله تعالى الحسنى للدكتورة حصة الصغير ص 229. الحديث: 11391 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 761 معنى اسم الله عز وجل (السبوح) ؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى اسم الله عز وجل (السبوح) ؟. ]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله السبوح: هو الذي تنزه عن كل شيء لا ينبغي له، فهو المنزه عن المعائب والصفات التي تعتري المحدثين من ناحية الحدوث. [الْمَصْدَرُ] كتاب شرح أسماء الله تعالى الحسنى للدكتورة حصة الصغير ص 138. الحديث: 11302 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 762 ما معنى اسم الله عز وجل السيد [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى اسم الله عز وجل السيد؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الله السيد: أي مالك الخلق، والخلق كلهم عبيده. وهو سبحانه المحتاج إليه بالإطلاق، ليس لمخلوق غنية عنه، فلو لم يوجدهم لم يوجدوا ولو لم يبقهم بعد الإيجاد لم يكن لهم بقاء، ولو لم يعنهم فيما يعرض لهم لم يكن لهم معين غيره، فحق على الخلق أن يدعوه السيد دون سواه. [الْمَصْدَرُ] كتاب شرح اسماء الله تعالى الحسنى للدكتورة حصة الصغير. الحديث: 11388 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 763 تفسير (فأينما تولوا فثم وجه الله) [السُّؤَالُ] ـ[أرجو أن تشرح لي معنى الآية الواردة أدناه. إذا كان الله فوق الجنة , فكيف يكون وجه الله أينما تولي وجهك؟ أطرح هذا السؤال لأني كنت أشرح لأحد الأشخاص أن الله فوق الجنة , لكنه استشهد بالآية أدناه؛ ولم أتمكن من الرد عليه. قال تعالى: (ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم) البقرة / 115.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يجب علينا الإيمان بأن الله تعالى فوق العرش مستوٍ على عرشه استواءً يليق بجلاله لا كاستواء البشر. وأن نؤمن بأن لله وجها لا كوجه المخلوق. وبهذا يجب ألا نضل عند تفسير الآيات وتأويلها وأن نتَّبع بذلك قول السلف الصالح. أما تفسير الآية، فقد قال الشيخ ابن عثيمين: فإن قلت: هل كل ما جاء من كلمة الوجه مضافاً إلى الله يراد به وجه الله الذي هو صفته. الجواب: هذا هو الأصل كما في قوله تعالى: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه} الأنعام / 52، {وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى} الليل / 19 – 21، وما أشبهها من الآيات. فالأصل: أن المراد بالوجه وجه الله عز وجل الذي هو صفة من صفاته، لكن هناك آية اختلف المفسرون فيها وهي قوله تعالى: {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله} البقرة / 115 ..... فمنهم من قال: إن الوجه بمعنى الجهة لقوله تعالى: {ولكل وجهة هو موليها} البقرة / 148. فالمراد بالوجه: الجهة، أي: فثمَّ جهة الله أي فثم الجهة التي يقبل الله صلاتكم إليها. قالوا: لأنها في حال السفر إذا صلى الإنسان النافلة فإنه يصلي حيث كان وجهه. ولكن الصحيح أن المراد بالوجه هنا: وجه الله الحقيقي، إلى أي جهة تتجهون فثم وجه الله سبحانه وتعالى؛ لأن الله محيط بكل شيء، ولأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن المصلي إذا قام يصلي فإن الله قبل وجهه، ولهذا نهى أن يبصق أمام وجهه؛ لأن الله قِبَل وجهه فإذا صليت في مكان لا تدري أين القبلة واجتهدت وتحريت وصليت وصارت القبلة في الواقع خلفك فالله يكون قبل وجهه حتى في هذه الحالة. وهذا معنى صحيح موافق لظاهر الآية والمعنى الأول لا يخالفه في الواقع. وحينئذ يكون المعنيان لا يتنافيان. واعلم أن هذا الوجه العظيم الموصوف بالجلال والإكرام وجه لا يمكن الإحاطة به وصفاً، ولا يمكن الإحاطة به تصوراً، بل كل شيء تُقَدره فإن الله تعالى فوق ذلك وأعظم. {ولا يحيطون به علماً} طه /110. وأما قوله تعالى: {كل شيءٍ هالكٌ إلا وجهه} القصص / 88، فالمعنى: " كل شيء هالك إلا ذاته المتصفة بالوجه " شرح العقيدة الواسطية لابن عثيمين (1 / 243 – 245) ونحن يجب علينا ألا نقيس الخالق بالمخلوق فنصفه بصفة المخلوق، فإن الله تعالى كما قال عن نفسه: (ليس كمثله شيء) الشورى / 11. فالله تعالى مستوٍ على عرشه، وهو قِبل وجه المصلي ولا منافاة بينهما في حق الله تعالى. وقد أشكل مثل هذا على بعض الناس في مسألة نزول الله تعالى في النصف الآخر من الليل إلى السماء الدنيا، فقالوا: إن الليل غير متحد على الأرض فكيف ينزل الله في ليل ونهار معا. قال الشيخ ابن عثيمين: جاء المتأخرون الذين عرفوا أن الأرض كروية وأن الشمس تدور على الأرض. قالوا: كيف ينزل في ثلث الليل، وثلث الليل إذا انتقل عن المملكة العربية السعودية ذهب إلى أوروبا وما قاربها؟ فنقول: أنتم الآن قستم صفات الله بصفات المخلوقين، أنت أو من أول بأن الله ينزل في وقت معين وإذا آمنت ليس عليك شيء وراء ذلك، لا تقل كيف وكيف؟ . فقل: إذا كان ثلث الليل في السعودية فإن الله نازل وإذا كان في أمريكا ثلث الليل يكون نزول الله أيضاً. إذاً موقفنا أن نقول أنا نؤمن بما وصل إلينا عن طريق محمد صلى الله عليه وسلم. بأن الله ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى الثلث الآخر من الليل ويقول من يدعوني، فأستجيب له ومن يسألني؟ فأعطيه من يستغفرني فأغفر له. " شرح الواسطية " (2 / 437) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 10243 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 764 معنى استخدام الضمير "نحن" في القرآن [السُّؤَالُ] ـ[لماذا يستخدم القرآن لفظ نحن في الآيات؟ كثير من غير المؤمنين يقولون إن هذا إشارة إلى عيسى.]ـ [الْجَوَابُ] من أساليب اللغة العربية أن الشخص يعبر عن نفسه بضمير " نحن " للتعظيم ويذكر نفسه بضمير المتكلم الدال على المفرد كقوله " أنا " وبضمير الغيبة نحو " هو " وهذه الأساليب الثلاثة جاءت في القرآن والله يخاطب العرب بلسانهم. فتاوى اللجنة الدائمة م4/143. " فالله سبحانه وتعالى يذكر نفسه تارة بصيغة المفرد مظهراً أو مضمراً، وتارة بصيغة الجمع كقوله: " إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً " وأمثال ذلك. ولا يذكر نفسه بصيغة التثنية قط، لأن صيغة الجمع تقتضي التعظيم الذي يستحقه، وربما تدل على معاني أسمائه، وأما صيغة التثنية فتدل على العدد المحصور، وهو مقدس عن ذلك " أ. هـ العقيدة التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية ص 75. ولفظ (إنا) و (نحن) وغيرهما من صيغ الجمع قد يتكلم بها الشخص عن جماعته وقد يتكلّم بها الواحد العظيم، كما يفعل بعض الملوك إذا أصدر مرسوما أو قرارا يقول نحن وقررنا ونحو ذلك وليس هو إلا شخص واحد وإنّما عبّر بها للتعظيم، والأحقّ بالتعظيم من كلّ أحد هو الله عزّ وجلّ فإذا قال الله في كتابه إنا ونحن فإنّها للتعظيم وليست للتعدّد، ولو أنّ آية من هذا القبيل أشكلت على شخص واشتبهت عليه فيجب أن يردّ تفسيرها إلى الآيات المحكمة، فإذا تمسك النصراني مثلا بقوله: (إنا نحن نزلنا الذكر) ونحوه على تعدد الآلهة، رددنا عليه بالمحكم كقوله تعالى: (وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم) ، وقوله: (قل هو الله أحد) ، ونحو ذلك مما لا يحتمل إلا معنى واحداً، وعند ذلك يزول اللبس عمن أراد الحقّ، وكلّ صيغ الجمع التي ذكر الله بها نفسه مبنية على ما يستحقه من العظمة ولكثرة أسمائه وصفاته وكثرة جنوده وملائكته. يُراجع كتاب العقيدة التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية ص 109. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 606 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 765 معنى اسم الله عز وجل (الرفيق) [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى اسم الله عز وجل (الرفيق) ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن الله تعالى رفيق بعباده، وهو رفيق في أفعاله: خلق المخلوقات كلها بالتدريج شيئاً فشيئاً بحسب حكمته ورفقه، مع أنه قادر على خلقها دفعة واحدة وفي لحظة واحدة، ومن تدبر الشرائع كيف يأتي بها شيئاً بعد شيء وجدها شاهداً على رفقه سبحانه. وهو سبحانه رفيق لا يعجل لأنه إنما يعجل من يخاف الفوت، فأما من كانت الأشياء قبضته وملكه فليس يعجل فيها. قال ابن القيم: وهو الرفيق يحب أهل الرفق بل يعطيهم بالرفق فوق أمان [الْمَصْدَرُ] كتاب شرح أسماء الله تعالى الحسنى للدكتورة حصة الصغير ص 134. الحديث: 11364 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 766 ما معنى اسم الله عز وجل الشهيد [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى اسم الله عز وجل الشهيد؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الشهيد: هو الأمين في شهادته، وقيل: هو الذي لا يغيب عن علمه شيء، والشهيد الحاضر، وهو أيضاً الذي يشهد على الخلق يوم القيامة، وهو سبحانه قد دلّ على توحيده بجميع ما خلق. والشهيد، والخبير، والعليم: كلها ترجع إلى العلم فالأول يرجع إلى الأمور الظاهرة، والثاني إلى الأمور الباطنة، والثالث يشملهما. والله عز وجل لما كانت الأشياء لا تخفى عليه كان شاهداً وشهيداً، أي عالماً بها وبحقائقها علم المشاهد لها لأنه لا تخفى عليه خافية. كما أنه سبحانه الشاهد للمظلوم الذي لا شاهد له، ولا ناصر على الظالم المعتدي الذي لا مانع له في الدنيا لينتصف له منه. وهو سبحانه المطلع على جميع الأشياء سمع جميع الأصوات خفيها وجليها، وأبصر جميع الموجودات دقيقها وجليلها، صغيرها وكبيرها، أحاط علمه بكل شيء وهو سبحانه الذي شهد لعباده وعلى عباده بما عملوه. [الْمَصْدَرُ] كتاب شرح أسماء الله تعالى الحسنى للدكتورة حصة الصغير ص 156. الحديث: 11194 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 767 هل الأحد من أسماء الله [السُّؤَالُ] ـ[هل الأحد من أسماء الله؟ وهل يجوز لي تسمية ابني "عبد الأحد"؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم الأحد من أسماء الله التي ُنصَّ عليها في القرآن في قوله تعالى: (قل هو الله أحد * الله الصمد) وعلى هذا يجوز أن تسمي ابنك عبد الأحد كما تسميه عبد الصمد. فضيلة الشيخ عبد الرحمن البراك. ومعنى الأحد: هو الفرد الذي لم يزل وحده ولم يكن معه آخر (النهاية 1/35) وهو المنفرد بوحدانيته في ذاته وصفاته، وقد فرق بعضهم بين الواحد والأحد: أن الواحد يفيد وحدة الذات فقط والأحد يفيده بالذات والمعاني (تفسير أسماء الله للزجاج ص58) . فقيل: الواحد منفرد بالذات في عدم المثل والنظير،والأحد بني على الانفراد فالوحدة بين الأصحاب، فالواحد منفرد بالذات، والأحد بالمعنى، والأحد من صفات الله عز وجل التي استخلصها لنفسه، ولا يشركه فيها شيء (اللسان - أحد - 1/35، وحد 8/4779 - 4783) ، فالله عز وجل الواحد الأحد الذي لا ثاني له، ولا شريك له ولا مثل ولا نظير، وهو سبحانه الواحد الذي يعتمده عباده، ويقصدونه، ولا يتكلون إلا عليه عز وجل (اشتقاق أسماء الله 90-93) ، وهو سبحانه الواحد الذي ليس كمثله شيء، وكل شيء سواه يدعى واحد من جهة غير واحد من جهات (شأن الدعاء 82 - 83) . وقد اختار ابن جرير أن معنى وحدانية الله نفي الأشباه والأمثال عنه، فالله لا مثل له ولا نظير، وهو سبحانه معبود واحد ورب واحد لا يستحق الطاعة غيره ولا يستوجب العبادة سواه (تفسير ابن جرير 3/265-266) . وقد قال تعالى: " وإلهكم إله واحد " البقرة: 163. فالله سبحانه هو الذي توحد بجميع الكمالات بحيث لا يشاركه فيها مشارك ويجب على العبيد توحيده عقدا وقولا وعملا بأن يعترفوا بكماله المطلق وتفرده بالوحدانية ويفردوه بأنواع العبادة. (تيسير الكريم الرحمن 5/485) [الْمَصْدَرُ] شرح أسماء الله تعالى الحسنى وصفاته الواردة في الكتب الستة ص 47. الحديث: 10282 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 768 معنى اسم الله عز وجل الوكيل [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى اسم الله عز وجل الوكيل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الوكيل: الحفيظ المحيط، وقيل: الشهيد. وهو المقيم الكفيل بأرزاق العباد القائم عليهم بمصالحهم، وحقيقته أنه يستقل بالأمر الموكول إليه، فالخلق والأمر كله له لا يملك أحد من دونه شيئاً، وقيل: الحافظ، الذي توكل بالقيام بجميع ما خلق. وقيل: الكفيل ونعم الكفيل بأرزاقنا. وقيل: الكافي ونعم الكافي. وقوله تعالى: (وقالوا حسينا الله ونعم الوكيل) آل عمران/173. أي كفانا الله، ونعم المولى وليه وكفله، والوكيل في كلام العرب هو المسند إليه القيام بأمر من أسند إليه القيام بأمره، ولما كان المؤمنون المذكورون في هذه الآية قد فوضوا أمرهم إلى الله ووثقوا به، وأسندوا ذلك إليه، وصف نفسه بقيامه بذلك، وتفويضهم أمرهم إليه بالوكالة فقال: ونعم الوكيل تعالى لهم. وتوكيل العبد ربه تسليم لربوبيته وقيام بعبوديته، والله له الوكالة التامة وهي التي تجمع علم الوكيل بما هو وكيل عليه، وإحاطته بتفاصيله وقدرته التامة عليه ليتمكن من التصرف فيه وحفظ ما هو وكيل عليه مع حكمته ومعرفة بوجوه التصرفات ليصرفها ويدبرها على ما هو الأليق. والله سبحانه هو المنزه عن كل نقص في أي صفة من صفاته، وهو على كل شيء وكيل، وهذا يدل على إحاطة علمه بكل شيء، وكمال قدرته على التدبير، وكمال تدبيره، وكمال حكمته، فهو نعم الوكيل. [الْمَصْدَرُ] كتاب شرح أسماء الله تعالى الحسنى للدكتورة حصة الصغير ص 276. الحديث: 11184 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 769 الحكمة مِن خَلْق البشر؟ [السُّؤَالُ] ـ[لما خُلق البشر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: من عظيم صفات الله تعالى " الحكمة "، ومن أعظم أسمائه تعالى " الحكيم "، وينبغي أن يُعلم أنه ما خلق شيئاً عبثاً، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، وإنما يخلق لِحِكَمٍ بالغة عظيمة، ومصالح راجحة عميمة، عَلِمَها من عَلِمها، وجَهِلها من جهلها، وقد ذكر الله تعالى ذلك في كتابه الكريم، فبيَّن أنه لم يخلق البشر عبثاً، ولم يخلق السموات والأرض عبثاً، فقال تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ. فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) المؤمنون/115،116، وقال سبحانه وتعالى: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ) الأنبياء/16، وقال عز وجل: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) الدخان/38، 39، ويقول سبحانه وتعالى: (حم. تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ. مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمّىً وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ) الأحقاف/1 – 3. وكما أن ثبوت الحكمة في خلق البشر ثابت من ناحية الشرع , فهو ثابت – أيضاً - من ناحية العقل، فلا يمكن لعاقل إلا أن يسلِّم أنه قد خلقت الأشياء لحكَمٍ، والإنسان العاقل ينزه نفسه عن فعل أشياء في حياته دون حكمة، فكيف بالله تعالى أحكم الحاكمين؟! ولذا أثبت المؤمنون العقلاء الحكمة لله تعالى في خلقه، ونفاها الكفار، قال تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآَيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ. الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) آل عمران/190، 191، وقال تعالى – في بيان موقف الكفار من حكمة خلقه -: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ) ص/27. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: " يخبر تعالى عن تمام حكمته في خلقه السموات والأرض، وأنه لم يخلقهما باطلاً، أي: عبثاً ولعباً، من غير فائدة ولا مصلحة. (ذلك ظن الذين كفروا) بربهم، حيث ظنوا ما لا يليق بجلاله. (فويل للذين كفروا من النار) فإنها التي تأخذ الحق منهم، وتبلغ منهم كل مبلغ، وإنما خلق الله السموات والأرض بالحق وللحق، فخلقهما ليعلم العباد كمال علمه وقدرته، وسعة سلطانه، وأنه تعالى وحده المعبود، دون من لم يخلق مثقال ذرة من السموات والأرض، وأن البعث حق، وسيفصل الله بين أهل الخير والشر، ولا يظن الجاهل بحكمة الله، أن يسوي الله بينهما في حكمه، ولهذا قال: (أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار) هذا غير لائق بحِكمَتنا وحُكْمنا " انتهى. " تفسير السعدي " (ص 712) . ثانياً: ولم يخلق الله تعالى الإنسان ليأكل ويشرب ويتكاثر، فيكون بذلك كالبهائم، وقد كرَّم الله تعالى الإنسان، وفضَّله على كثيرٍ ممن خلق تفضيلاً، ولكن أبى أكثر الناس إلا كفوراً فجهلوا أو جحدوا الحكمة الحقيقية من خلقهم، وصار كل هَمِّهِم التمتع بشهوات الدنيا , وحياة هؤلاء كحياة البهائم , بل هم أضل، قال تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ) محمد/12، وقال تعالى: (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) الحجر/3 , وقال تعالى: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) الأعراف/179. ومن المعلوم عند عقلاء الناس أن الذي يصنع الشيء هو أدرى بالحكمة منه من غيره، ولله المثل الأعلى فإنه هو الذي خلق البشر، وهو أعلم بالحكمة من خلقه للناس، وهذا لا يجادل فيه أحد في أمور الدنيا، ثم إن الناس كلهم يجزمون أن أعضاءهم خُلقت لحكمة، فهذه العين للنظر، وهذه الأذن للسمع، وهكذا، أفيُعقل أن تكون أعضاؤه مخلوقةً لحكمة، ويكون هو بذاته مخلوقاً عبثاً؟! أو أنه لا يرضى أن يستجيب لمن خلقه عندما يخبره بالحكمة من خلقه؟! ثالثاً: وقد بيَّن الله تعالى أنه خلق السموات والأرض، والحياة والموت للابتلاء والاختبار، ليبتلي الناس , مَنْ يطيعه ليثيبه، ومَنْ يعصيه ليعاقبه، قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ) هود/ 7، وقال عز وجل: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) الملك/ 2. وبهذا الابتلاء تظهر آثار أسماء الله تعالى وصفاته، مثل اسم الله تعالى " الرحمن "، و " الغفور " و " الحكيم " و " التوَّاب " و " الرحيم " وغيرها من أسمائه الحسنى. ومن أعظم الأوامر التي خلق الله البشر من أجلها – وهو من أعظم الابتلاءات -: الأمر بتوحيده عز وجل وعبادته وحده لا شريك له، وقد نصَّ الله تعالى على هذه الحكمة في خلق البشر فقال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) الذاريات/56. قال ابن كثير رحمه الله: " أي: إنما خلقتهم لآمرهم بعبادتي، لا لاحتياجي إليهم، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: إلا ليعبدون، أي: إلا ليقروا بعبادتي طوعاً أو كرهاً، وهذا اختيار ابن جرير، وقال ابن جريج: إلا ليعرفون، وقال الربيع بن أنس: إلا ليعبدون، أي: إلا للعبادة " انتهى. " تفسير ابن كثير " (4 / 239) . وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: " فالله تعالى خلق الخلق لعبادته، ومعرفته بأسمائه وصفاته، وأمرهم بذلك، فمن انقاد، وأدى ما أمر به، فهو من المفلحين، ومن أعرض عن ذلك، فأولئك هم الخاسرون، ولا بد أن يجمعهم في دار، يجازيهم فيها على ما أمرهم به ونهاهم، ولهذا ذكر الله تكذيب المشركين بالجزاء، فقال: (ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين) أي: ولئن قلتَ لهؤلاء، وأخبرتهم بالبعث بعد الموت، لم يصدقوك، بل كذبوك أشد التكذيب، وقدحوا فيما جئت به، وقالوا: (إن هذا إلا سحر مبين) ألا وهو الحق المبين " انتهى. " تفسير السعدي " (ص 333) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45529 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 770 العلاج بالأسماء الحسنى [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز العلاج بأسماء الله الحسنى، بأن يقول على المريض في عينه: " يا بصير " وهكذا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله انتشر بين الناس العلاج بأسماء الله تعالى، وقد وزعت أوراق فيها ذكر الاسم وبجانبه المرض الذي يعالجه الاسم. والذي زعم أنه أكتشف هذا النوع من العلاج هو الدكتور إبراهيم كريم، وهو مبتكر علم " البايوجيومترئ " وقد زعم أن أسماء الله الحسنى لها طاقة شفائية لعدد ضخم من الأمراض، وبواسطة أساليب القياس الدقيقة المختلفة في قياس الطاقة داخل جسم الإنسان، واكتشف أن لكل اسم من أسماء الله الحسنى طاقة تحفز جهاز المناعة للعمل بكفاءة عظمى في عضو معين بجسم الإنسان، وزعم أنه استطاع بواسطة تطبيق " قانون الرنين " أن يكتشف أن مجرد ذكر اسم من أسماء الله الحسنى يؤدي إلى تحسين في مسارات الطاقة الحيوية داخل جسم الإنسان، وبعد أبحاث استمرت 3 سنوات أخرج للناس اختراعه في جدول يبين فيه المرض وما يقابله من الاسم الذي ينفع في علاجه. ومن أمثلته: " السميع ": لإعادة توازن الطاقة، " الرزاق ": يعالج المعدة، " الجبار ": يعالج العمود الفقري، " الرؤوف ": يعالج القولون، " النافع "! يعالج العظم، " الحي " يعالج الكلية، " البديع "! : يعالج الشعر، " جل جلاله "! : قشر الشعر، " النور " و " البصير " و " الوهاب ": تعالج العيون ... وطريقة العلاج: أن يكرر الاسم على العضو المناسب أو عدة أسماء لمدة عشر دقائق. وقد زعم أنه اكتشف أن طاقة الشفاء تتضاعف عند تلاوة آيات الشفاء بعد ذكر التسبيح بأسماء الله الحسنى، وهذه الآيات هي: {ويشف صدور قوم مؤمنين} ، {وشفاء لما في الصدور} ، {فيه شفاء للناس} ، {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة} ، {وإذا مرضت فهو يشفين} ، {قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء} . والرد على هذا: 1. أن العلاج إما أن يكون بأسباب حسيَّة وإما بأسباب شرعية، فما كان بالأسباب الحسية المادية فمرجعه إلى التجربة، وما كان بالأسباب الشرعية فمرجعه إلى الشرع في بيان ما يعالج به وكيفيته وذكر الله بالأسماء الحسنى من الأمور الشرعية، ولم يأتِ هذا الباحث لكلامه بمستندٍ شرعي واحد يدل على هذا التعيين للأسماء وهذه الكيفية في العلاج وما تعالجه، فبطل كونها سبباً شرعياً للعلاج، ولا يجوز التجربة بالأدلة الشرعية وامتهانها بمثل هذه الطريقة. قال الشيخ ابن عثيمين: اعلم أن الدواء سبب للشفاء والمسبب هو الله تعالى فلا سبب إلا ما جعله الله تعالى سبباً والأشياء التي جعلها الله تعالى أسباباً نوعان: النوع الأول: أسباب شرعية، كالقرآن الكريم، والدعاء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في سورة الفاتحة: " وما يدريك أنها رقية "، وكما كان النبي صلى الله عليه وسلم يرقي المرضى بالدعاء لهم فيشفي الله تعالى بدعائه من أراد شفاءه به. النوع الثاني: أسباب حسية، كالأدوية المادية المعلومة عن طريق الشرع كالعسل، أو عن طريق التجارب مثل كثير من الأدوية، وهذا النوع لا بد أن يكون تأثيره عن طريق المباشرة لا عن طريق الوهم والخيال، فإذا ثبت تأثيره بطريق مباشر محسوس صح أن يتخذ دواء يحصل به الشفاء بإذن الله تعالى، أما إذا كان مجرد أوهام وخيالات يتوهمها المريض فتحصل له الراحة النفسية بناء على ذلك الوهم والخيال ويهون عليه المرض وربما ينبسط السرور النفسي على المرض فيزول: فهذا لا يجوز الاعتماد عليه، ولا إثبات كونه دواء، لئلا ينساب الإنسان وراء الأوهام والخيالات، ولهذا نُهي عن لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع المرض أو دفعه؛ لأن ذلك ليس سبباً شرعيّاً ولا حسيّاً، وما لم يثبت كونه سبباً شرعيّاً ولا حسيّاً: لم يجز أن يجعل سبباً؛ فإن جعله سبباً نوع من منازعة الله تعالى في ملكه وإشراك به حيث شارك الله تعالى في وضع الأسباب لمسبباتها، وقد ترجم الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله لهذه المسألة في كتاب التوحيد بقوله: " باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لدفع البلاء أو رفعه ". " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (1 / السؤال رقم 49) . 2. أنه ذكر أسماء لله تعالى زاعماً أنه سمى بها نفسه، وليس الأمر كذلك، مثل " جلَّ جلاله " و " الرشيد " و " البديع " و " النافع " وغيرها، وهو يدل على جهل هذا المدعي، ويدل على بطلان تلك الطاقة المزعومة، إذ هي مولَّدة – على حسب زعمه – من أسماء غير أسماء الله تعالى الثابتة بالأدلة الصحيحة. 3- أن تعيين كيفية التداوي وتحديد اسم لكل مرض. وبما صحَّ أنه من أسماء الله تعالى يدخل في باب القول على الله بغير علم، وقد حرم الله القول عليه بلا علم فقال سبحانه وتعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) الأعراف/33. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله- في تفسيرها: (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) : في أسمائه وصفاته وأفعاله وشرعه. " تفسير السعدي " (ص 250) . 4. وقد رد علماء اللجنة الدائمة على هذا الزاعم وزعمه حينما سئلوا عن هذه المسألة فقالوا: بعد دراسة اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء للاستفتاء أجابت بما يلي: قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ، وقال النبي صلى الله علية وسلم: " إن لله تسعة وتسعون اسما من أحصاها دخل الجنة "، ومنها اسم الله الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب وإذا سُئل به أعطي، فأسماء الله جل وعلا لا يعلم عددها إلا هو سبحانه وتعالى، وكُلها حُسنى، ويجب إثباتها وإثبات ما تدل عليه من كمال الله وجلاله وعظمته، ويحرم الإلحاد فيها بنفيها أو نفي شيء منها عن الله أو نفي ما تدل عليه من الكمال، أو نفي ما تتضمنه من صفات الله العظيمة. ومن الإلحاد في أسماء الله ما زعمه المدعي " كريم سيد " وتلميذه وابنه في ورقة يوزعونها على الناس من أن أسماء الله الحسنى لها طاقة شفائية لعدد ضخم من الأمراض، وأنه بواسطة أساليب القياس الدقيقة المختلفة في قياس الطاقة داخل جسم الإنسان اكتشف أن لكل اسم من أسماء الله الحسنى طاقة تحفز جهاز المناعة للعمل بكفاءة مثلى في عضو معين في جسم الإنسان، وإن الدكتور " إبراهيم كريم " استطاع بواسطة تطبيق قانون الرنين أن يكتشف أن مجرد ذكر اسم من أسماء الله الحسنى يؤدي إلى تحسين في مسارات الطاقة الحيوية في جسم الإنسان، وقال: والمعروف أن الفراعنة أول من درس ووضع قياسات لمسارات الطاقة الحيوية بجسم الإنسان بواسطة البندول الفرعوني، ثم ذكر جملة من أسماء الله الحسنى في جدول وزعم أن لكل اسم منها فائدة للجسم أو علاج لنوع من أمراض الجسم، ووضح ذلك برسم لجسم الإنسان، ووضع على كل عضو منها اسما من أسماء الله. وهذا العمل باطل لأنه من الإلحاد في أسماء الله، وفيه امتهان لها؛ لأن المشروع في أسماء الله دعاؤه بها كما قال تعالى: (فادعوه بها) ، وكذلك إثبات ما تتضمنه من الصفات العظيمة لله؛ لأن كل اسم منها يتضمن صفة لله جل جلاله: لا يجوز أن تُستعمل في شيء من الأشياء غير الدعاء بها، إلا بدليل من الشرع. ومن يزعم بأنها تُفيد كذا وكذا أو تُعالج كذا وكذا بدون دليل من الشرع: فإنه قول على الله بلا علم، وقد قال تعالى:) قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله مالا تعلمون) . فالواجب إتلاف هذه الورقة، والواجب على المذكورين وغيرهم التوبة إلى الله من هذا العمل، وعدم العودة إلى شيءٍ منه مما يتعلق بالعقيدة والأحكام الشرعية. وبالله التوفيق. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45559 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 771 معنى اسم الله عز وجل الواسع [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى اسم الله عز وجل الواسع؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الله سبحانه وتعالى واسع يسع خلقه كلهم بالكافية والإفضال والجود والتدبير، فالله هو الغني الذي وسع رزقه جميع خلقه، فلا تجد أحداً إلا هو يأكل من رزقه، ولا يقدر أن يأكل من غير ما رزقه، ووسعت رحمته كل شيء وغناه كل فقر، وهو الكثير العطاء الذي يسع لما يُسأل، وهو المحيط بكل شيء كما في قوله تعالى: (وسع كل شيء علماً) طه /98. فالواسع قد يتضمن من المعنى ما لا يتضمنه الغني حيث يقال: واسع الفضل وواسع الرحمة، وقد عمت رحمته كل شيء، وأحاط علمه بكل شيء، قال تعالى: (ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلماً) غافر/7 ويفضي هذا الاسم الاعتراف بأنه لا يعجزه شيء، ولا يخفى عليه، فهو الكثير مقدوراته ومعلوماته سبحانه. والله الواسع الصفات والنعوت ومتعلقاتها، بحيث لا يحصي أحد ثناء عليه، بل هو كما أثنى على نفسه، وهو واسع العظمة والسلطان والملك، واسع الفضل والإحسان، عظيم الجود والكرم. [الْمَصْدَرُ] كتاب شرح أسماء الله تعالى الحسنى للدكتورة حصة الصغير ص 268 الحديث: 11186 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 772 هل يوجد آية في القرآن تقول إن الله لا يزال يقوم بعملية الخلق؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل صحيح أنه يوجد آية في القرآن تقول إن الله لا يزال يقوم بعملية الخلق؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من أسماء الله تعالى " الخالق " و " الخلاَّق "، قال الله عز وجل: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} الحشر / 24، وقال تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ} الحجر / 86، وقال تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} الزمر / 62. ومن صفاته تعالى " الخلق "، قال تعالى: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} الأعراف / 54. ومن أفعاله تعالى أنه " يخلق "، قال الله عز وجل: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} الذريات / 49، وقال عز وجل: {إِنَّا خَلَقْنَا الأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً} الإنسان / 2. وقال تعالى: (وربك يخلق ما يشاء ويختار) القصص / 68 ومما لا شك فيه أن الله تعالى يخلق في كل لحظة ما يشاء من البشر والحيوانات والجمادات، ومن ذلك الأطفال المواليد وصغار البهائم، وكل آية في القرآن فيها بيان خلق الله للبشر فهي دالة على المراد في السؤال. قال ابن حزم: لم ينف الله عز وجل أن يخلق شيئاً بعد الستة الأيام بل قد قال عز وجل: {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ} الزمر / 6، وقال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ. ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ. ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} المؤمنون / 12 - 14. وكان هذا كله في غير تلك الستة الأيام، فإذ قد جاء النص بأن الله تعالى يخلق بعد تلك الأيام أبداً ولا يزال يخلق بعد ناشئة الدنيا ثم لا يزال يخلق نعيم أهل الجنة وعذاب أهل النار أبداً بلا نهاية ... " الفِصَل في الملل والنِّحَل " (3 / 34) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 6543 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 773 ما معنى اسم الله عز وجل القدوس [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى اسم الله عز وجل القدوس؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله القدوس هو المبارك وهو الطاهر الذي تعالى عن كل دنس، وقيل: تقدسه الملائكة الكرام وهو سبحانه الممدوح بالفضائل والمحاسن. الله القدوس: هو المنزه عن الأضداد والأنداد والصاحبة والولد، الموصوف بالكمال، بل المنزه عن العيوب والنقائص كلها، كما أنه منزه عن أن يقاربه أو يماثله أحد في شيء من الكمال وقال ابن جرير: (التقديس: هو التطهير والتعظيم ... قدوس: طهارة له وتعظيم لذلك قيل للأرض: أرض مقدسة يعني بذلك المطهرة فمعنى قول الملائكة ونقدس لك: ننسبك إلى ما هو من صفاتك من الطهارة من الأدناس، وما أضاف إليك أهل الكفر بك، وقد قيل: إن تقديس الملائكة لربها صلاتها) ثم ذكر بعض أقوال المفسرين ومنها: التقديس: الصلاة، أو التعظيم والتمجيد والتكبير، والطاعة وذلك أن الصلاة والتعظيم ترجع إلى التطهير لأنها تطهره مما ينسبه إليه أهل الكفر به. قال ابن القيم: هذا ومن أوصافه القدوس ذو الـ تنزيه بالتعظيم للرحمن [الْمَصْدَرُ] كتاب شرح أسماء الله تعالى الحسنى للدكتورة حصة الصغير ص 198 الحديث: 11157 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 774 الرد على استشهاد الكنيسة بالقرآن على بنوة عيسى لله [السُّؤَالُ] ـ[قرأت استشهاد الكنيسة بآيات من القرآن الكريم بأن عيسى عليه السلام ابن الله، ودليلهم على ذلك قالوا: لما كان الله وحده قال تعالى: (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا) ، بصفة المفرد، ولما خلق عيسى عليه السلام تغير أسلوب بعض الآيات إلى صيغة الجمع وضربوا مثلاً بالآية الشريفة:) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ) و: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ) وقالوا: الله تعالى تكلّم بصفة الجمع، أي بمعنى (الله وعيسى عليه السلام والروح القدس) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "ليس في تنوع الأسلوب القرآني وإخبار الله تعالى عن نفسه مرّة بصيغة الإفراد، وأخرى بصيغة قد تستعمل في الجمع أحياناً، وفي المفرد أحياناً على وجه التعظيم ليس في ذلك دليل على بنوّة عيسى عليه السلام لله، ولا على إلهيّته، وذلك لوجوه: الوجه الأول: أن تنوع الأسلوب في القرآن بالجمع والإفراد كان قبل أن يخلق الله عبده عيسى عليه السلام وأمه مريم بآلاف السنين وحين خلقهما وبعد أن خلقهما، فلا أثر لوجودهما في تنوع الأسلوب، بل ذلك لأمر آخر يتبين مما يأتي: قال الله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الأِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ * وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ) وقال: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ) فجاء الأسلوب متنوعاً قبل أن يكون عيسى وأمه عليهما السلام، وقال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ) إلى أن قال: (فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ* وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْس ِ) إلى أن قال:) وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الأِنْجِيلَ) إلى أن قال: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) . وقال: (إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ) وقال في خليله إبراهيم عليه السلام:) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلّاً جَعَلْنَا نَبِيّاً * وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً) وقال في كليمه موسى عليه السلام: (وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً * وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً) وقال: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ) الآية، وقال: (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ) وقال: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ) الآيات، وأمثالها من الآيات تُنَوِّع في الأسلوب إفراداً وجمعاً في خلق عيسى ومخاطبته وقبل خلقه، ومن هذا يتبيّن أن الأسلوب لم تغيّر بعد خلق عيسى عليه السلام ليكون دليلاً على بنوّته لله أو إلهيّته بل لأمر آخر يعرف من الوجه الثاني. الوجه الثاني: أن كل من عرف لغة العرب وأسلوبهم في التعبير يعلم أن ضمير التكلّم مثل كلمة (أنا) ، وتاء المتكلم يستعملها الفرد في الحديث عن نفسه، أما ضمير المتكلم (نحن) و (نا) فيستعملها الاثنان فأكثر، وقد يستعلمها الفرد العظيم أو المتعاظم إشعاراً بعظمته، وسياق الكلام ومقتضى الحال وما احتف بالحديث من القرائن هو الذي يرشد القارئ والسامع إلى المراد ويعين المقصود، ومن خالف في ذلك فهو إما جاهل عميت عليه الأنباء، وإما معاند يريد التلبيس وتحريف الكلم عن مواضعه، إتباعاً للهوى، ويأبى الله إلا أن يحق الحق بكلماته ولو كره المجرمون، يكشف ذلك الوجه الثالث. الوجه الثالث: أن القرآن كتاب أحكمت آياته، ثم فصلت من لدن حكيم خبير، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، يفسر بعضه بعضاً ويصدق بعضه بعضاً، وقد قال تعالى فيه: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا *أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا) وقال: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَد) وقال: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) فوجب على من آمن به أن يجمع بين آياته، ولزم من استدل بنصوصه أن ينصفه من نفسه، فلا يستدل ببعضه ويعرض عن بعض، وألا يلبس الحق بالباطل ليضرب بعضه ببعض بغياً وعدواناً ترويجاً للباطل كما فعل أسلافهم اليهود بالتوراة، فأنكر الله عليهم ذلك بقوله: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) الآيات. وعلى هذا لزم من استدل بالقرآن أن يستدل به على نفي بنوّة عيسى عليه السلام لله وإلهيّته مع الله، ويثبت وحدانية الله تعالى، لما ذكر من الآيات، ولقوله تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ * لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ) الآيات. وأمثال ذلك في القرآن كثير، وإلا فليكفوا عن هذا التلاعب حتى لا يلزمهم العار، ويضحكوا العقلاء من أنفسهم ويحق فيهم المثل القائل: " ليس هذا بعشك فادرجي" اهـ [الْمَصْدَرُ] من فتاوى اللجنة الدائمة (3/216-218) . الحديث: 45470 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 775 معنى اسم الله عز وجل المقيت [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى اسم الله عز وجل المقيت؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذكر ابن جرير في معناه أقوالاً: المقيت هو الحفيظ، والشهيد، والحسب، والقائم على كل شيء بالتدبير، وصوّب المعنى الأخير. والله المقيت أي الحافظ الشاهد القادر على كل شيء. فالمقيت: الحفيظ، والمقتدر، الشاهد للشيء، وهو الذي يُنزل الأقوات للخلق ويقسم أرزاقهم. والمقيت: الممد فهو سبحانه دبر الحيوانات بأن جبلها على أن يحلل منها على ممر الأوقات شيئاً بعد شيء، ويعوض ما يتحلل غيره فهو يمدها في كل وقت بما جعله قواماً لها إلى أن يريد إبطال شيء منها فيحبس عنه ما جعله مادة لبقائه فيهلك. وجاء في بعض الروايات بلفظ المغيث بدل المقيت، وفُسِّر المغيث بأنه المدرك عباده في الشدائد إذا دعَوه، ومجيبهم ومخلصهم، وهو في معنى المجيب والمستجيب إلا أن الإغاثة أحق بالأفعال، والاستجابة أحق بالأقوال، وقد يقع كل منهما موقع الآخر. قال ابن القيم: وهو المغيث لكل مخلوقاته وكذا يجيب إغاثة اللهفان [الْمَصْدَرُ] كتاب شرح أسماء الله تعالى الحسنى للدكتورة حصة الصغير ص 246 الحديث: 11220 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 776 شرح حديث " خلق الله آدم على صورته " [السُّؤَالُ] ـ[عندما قال رسول الله " وخلق الله آدم على صورته أو هيئته " إلى من تعود كلمة صورته أو هيئته، وكيف نفسر هذا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله روى البخاري (6227) ومسلم (2841) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ مِنْ الْمَلائِكَةِ جُلُوسٌ فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ فَقَالَ السَّلامُ عَلَيْكُمْ فَقَالُوا السَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ فَلَمْ يَزَلْ الْخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدُ حَتَّى الآن". وروى مسلم (2612) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَجْتَنِبْ الْوَجْهَ فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ ". وروى ابن أبي عاصم في السنة (517) عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تقبحوا الوجوه فإن ابن آدم خلق على صورة الرحمن". قال الشيخ عبد الله الغنيمان حفظه الله: (هذا حديث صحيح صححه الأئمة، الإمام أحمد وإسحاق بن راهوية وليس لمن ضعفه دليل إلا قول ابن خزيمة، وقد خالفه من هو أجل منه) . وروى ابن أبي عاصم (516) أيضا عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا قاتل أحدكم فليجتب الوجه فإن الله تعالى خلق آدم على صورة وجهه" وقال الشيخ الألباني: إسناده صحيح. وهذان الحديثان يدلان على أن الضمير في قوله " على صورته " راجع إلى الله تعالى. وروى الترمذي (3234) عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أتاني ربي في أحسن صورة فقال يا محمد قلت لبيك ربي وسعديك قال فيم يختصم الملأ الأعلى ... " الحديث، صححه الألباني في صحيح الترمذي. وفي حديث الشفاعة الطويل: " فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة" رواه البخاري (7440) ومسلم (182) . ومن هذه الأحاديث يعلم أن الصورة ثابتة لله تعالى، على ما يليق به جل وعلا، فصورته صفة من صفاته لا تشبه صفات المخلوقين، كما أن ذاته لا تشبه ذواتهم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (لفظ الصورة في الحديث كسائر ما ورد من الأسماء والصفات، التي قد يسمى المخلوق بها، على وجه التقييد، وإذا أطلقت على الله اختصت به، مثل العليم والقدير والرحيم والسميع والبصير، ومثل خلقه بيديه، واستواءه على العرش، ونحو ذلك) نقض التأسيس 3/396 والصورة في اللغة: الشكل والهيئة والحقيقة والصفة. فكل موجود لابد أن يكون له صورة. قال شيخ الإسلام: (وكما أنه لابد لكل موجود من صفات تقوم به، فلابد لكل قائم بنفسه من صورة يكون عليها، ويمتنع أن يكون في الوجود قائم بنفسه ليس له صورة يكون عليها) . وقال: (لم يكن بين السلف من القرون الثلاثة نزاع في أن الضمير في الحديث عائد إلى الله تعالى، فإنه مستفيض من طرق متعددة، عن عدد من الصحابة، وسياق الأحاديث كلها تدل على ذلك ... ولكن لما انتشرت الجهمية في المائة الثالثة جعل طائفة الضمير فيه عائدا إلى غير الله تعالى، حتى نقل ذلك عن طائفة من العلماء المعروفين بالعلم والسنة في عامة أمورهم، كأبي ثور وابن خزيمة وأبي الشيخ الأصفهاني وغيرهم، ولذلك أنكر عليهم أئمة الدين وغيرهم من علماء السنة) نقض التأسيس 3/202 وقال ابن قتيبة رحمه الله: (الصورة ليست بأعجب من اليدين والأصابع والعين، وإنما وقع الإلف لتلك لمجيئها في القرآن، ووقعت الوحشة من هذه لأنها لم تأت في القرآن، ونحن نؤمن بالجميع، ولا نقول في شيء منه بكيفية ولا حد) تأويل مختلف الحديث ص 221 قال الشيخ الغنيمان: (وبهذا يتبين أن الصورة كالصفات الأخرى، فأي صفة ثبتت لله تعالى بالوحي وجب إثباتها والإيمان بها) شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري 2/41 وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: ورد حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ينهى فيه عن تقبيح الوجه، وأن الله سبحانه خلق آدم على صورته. فما الاعتقاد السليم نحو هذا الحديث؟ فأجاب رحمه الله: الحديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه فإن الله خلق آدم على صورته" وفي لفظ آخر: " على صورة الرحمن " وهذا لا يستلزم التشبيه والتمثيل. والمعنى عند أهل العلم أن الله خلق آدم سميعا بصيرا، متكلما إذا شاء، وهذا وصف الله فإنه سميع بصير متكلم إذا شاء، وله وجه جل وعلا. وليس المعنى التشبيه والتمثيل، بل الصورة التي لله غير الصورة التي للمخلوق، وإنما المعنى أنه سميع بصير متكلم إذا شاء ومتى شاء، وهكذا خلق الله آدم سميعا بصيرا ذا وجه وذا يد وذا قدم، لكن ليس السمع كالسمع وليس البصر كالبصر، وليس المتكلم كالمتكلم، بل لله صفاته جل وعلا التي تليق بجلاله وعظمته، وللعبد صفاته التي تليق به، صفات يعتريها الفناء والنقص، وصفات الله سبحانه كاملة لا يعتريها نقص ولا زوال ولا فناء، ولهذا قال عز وجل: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) الشورى / 11، وقال سبحانه: (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) الإخلاص / 4، فلا يجوز ضرب الوجه ولا تقبيح الوجه) انتهى من مجموع فتاوى الشيخ 4/ 226 ومما يبين معنى هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر) رواه البخاري (3245) ومسلم (2834) ، فمراده صلى الله عليه وسلم أن أول زمرة هم على صورة البشر، ولكنهم في الوضاءة والحسن والجمال واستدارة الوجه، وما أشبه ذلك على صورة القمر، فصورتهم فيها شبه بالقمر، لكن بدون ممائلة ... فتبين أنه لا يلزم من كون الشيء على صورة الشيء أن يكون مماثلاً له من كل وجه. فقوله صلى الله عليه وسلم: (خلق آدم على صورته) أي أن الله عز وجل خلق آدم على صورته سبحانه، فهو سبحانه له وجه وعين وله يد ورجل سبحانه وتعالى، وآدم له وجه وله عين وله يد وله رجل ... ، لكن لا يلزم من أن تكون هذه الأشياء مماثلة للإنسان فهناك شيء من الشبه، لكنه ليس على سبيل المماثلة، كما أن الزمرة الأولى من أهل الجنة فيها شبه من القمر، لكن بدون مماثلة، وبهذا يصدق ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة من أنّ جميع صفات الله سبحانه وتعالى ليس مماثلة لصفات المخلوقين، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل. انظر شرح العقيدة الواسطية للشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله (1 / 107، 293) وللمزيد ينظر: شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري للشيخ الغنيمان 2/33-98 وفيه نقل مطول عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يبطل تأويلات أهل الكلام ومن وافقهم لهذا الحديث. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20652 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 777 الفرق بين الرحمن والرحيم [السُّؤَالُ] ـ[ما الفرق بين الرحمن والرحيم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الرحمن والرحيم اسمان من أسماء الله تعالى، يدلان على اتصاف الله تعالى بالرحمة. والرحمن يدل على سعة رحمة الله، والرحيم يدل على إيصالها لخلقه، فالرحمن: ذو الرحمة الواسعة، والرحيم: ذو الرحمة الواصلة. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (الرحمن: هو ذو الرحمة الواسعة؛ لأن فَعْلان في اللغة العربية تدل على السعة والامتلاء، كما يقال: رجل غضبان، إذا امتلأ غضبا. الرحيم: اسم يدل على الفعل؛ لأنه فعيل بمعنى فاعل، فهو دال على الفعل، فيجتمع من (الرحمن الرحيم) أن رحمة الله واسعة، وتؤخذ من (الرحمن) ، وأنها واصلة إلى الخلق، وتؤخذ من (الرحيم) ، وهذا ما رمى إليه بعضهم بقوله: (الرحمن) رحمة عامة، و (الرحيم) رحمة خاصة بالمؤمنين. ولكن ما ذكرناه أولى) . انتهى من شرح العقيدة الواسطية 1/22 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 22200 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 778 معنى الباطن والظاهر [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكن أن تشرح لنا معنى اسم الله عز وجل (الباطن) ومعنى (الظاهر) ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فسر معنى الاسمين حديث أبو هريرة رضي الله عنه وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: (وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء) رواه مسلم. فالظاهر فسره بالظهور بمعنى العلو، والله تعالى عال على كل شيء، وفسره بعضهم بالظهور، بمعنى البروز: فهو الذي ظهر للعقول بحججه وبراهين وجوده وأدلة وحدانيته فهو الظاهر بالدلائل الدالة عليه، وأفعاله المؤدية إلى العلم به ومعرفته فهو ظاهر مدرك بالعقول والدلائل، وباطن لأنه غير مشاهد كسائر الأشياء المشاهدة في الدنيا عز وجل عن ذلك وتعالى علواً كبيراً. والله سبحانه هو الظاهر بحكمته وخلقه وصنائعه وجميع نعمه التي أنعم بها فلا يرى غيره، والباطن هو المحتجب عن ذوي الألباب كنه ذاته وكيفية صفاته عز وجل. ونسب إلى بعض العلماء تفسير الباطن بالقريب حيث قال: الباطن: أقرب من كل شيء بعلمه وقدرته وهو فوق عرشه. وفسر الباطن بالعالم ببواطن الأمور، فهو ذو الباطن، وكذا هو عالم بظواهرها. قال البخاري: قال يحيى - وهو الفرّاء - "هو الظاهر على كل شيء علما، والباطن على كل شيء علما ". وفسر بعضهم: بأنه غير مدرَك بالحواس كالأشياء المخلوقة التي تدرك بالحواس. وقيل: هو المحتجب عن أبصار الخلائق وأوهامهم فلا يدركه بصر ولا يحيط به وهم. ومع أن هذه المعاني كلها صحيحة إلا أن الأولى الالتزام بالتفسير النبوي وهو خير ما يفسر به لأنه صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق بالله تعالى. وقد قال ابن جرير: " الظاهر على كل شيء دونه، وهو العالي فوق كل شيء فلا شيء أعلى منه، وهو الباطن جميع الأشياء فلا شيء أقرب إلى شيء منه ". وذكر ابن القيم أن من جحد فوقيته فقد جحد لوازم اسمه " الظاهر " ولا يصح أن يكون الظاهر من له فوقية القَدْر فقط كما يقال الذهب فوق الفضة؛ لأن هذه الفوقية تتعلق بالظهور بل قد يكون المفوق أظهر من الفائق فيها، ولا يصح أن يكون القهر والغلبة فقط وإن كان سبحانه ظاهرا بالقهر والغلبة، فله سبحانه العلو المطلق من كل وجه وهو علو الذات، وعلو القدر، وعلو القهر. واسمه سبحانه الباطن: لا يقتضي السفول، والسفول نقص هو منزه عنه، فإنه سبحانه العلي الأعلى لا يكون قط إلا عاليا. وقد ربط الظاهر بالباطن، والظهور يقارنه العلو فكلما كان الشيء أعلى كان أظهر، وكل من العلو والظهور يتضمن المعنى الآخر ولذا قال صلى الله عليه وسلم: " فليس فوقك شيء " ولم يقل: " ليس أظهر منك شيء "؛ لأن الظهور يتضمن العلو والفوقية. وفيه أيضا إحاطة الله تعالى بالعالم وعظمته سبحانه واضمحلال كل شيء عند عظمته، هو الباطن سبحانه يدل على اطلاعه على السرائر والضمائر والخبايا ودقائق الأشياء. [الْمَصْدَرُ] من كتاب شرح أسماء الله تعالى الحسنى إعداد الدكتورة حصة الصغير ص 61 الحديث: 11277 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 779 حكم قراءة الأسماء الحسنى بترتيب معين [السُّؤَالُ] ـ[قال لي بعض الناس إذا قلت كذا وكذا وبعدد معين من المرات فسوف تحصل على كذا وكذا من الأجر أو إذا قرأت أسماء الله الحسنى بترتيب معين فستحصل على كذا وكذا. فأرجو أن تنصحني.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أجاب الشيخ عبد الله بن قعود بما يلي: لا يجوز ذلك ولو اعتقده يكون بدعة. انتهى. وكلّ ذكْر يقيّد بعدد معيّن أو مكان معيّن أو زمان معيّن أو كيفيّة معيّنة لم ترد في الشريعة يكون بدعة. وأما بالنسبة للأسماء الحسنى التعبّد بها يكون بدعاء الله بها كما قال عزّ وجلّ: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) وليس مجرد قراءتها بترتيب معيّن عبادة مشروعة، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد الله بن قعود الحديث: 3927 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 780 ترجمة أسماء الله إلى غير العربية [السُّؤَالُ] ـ[هل من التحريف في أسماء الله ترجمتها إلى لغة أخرى؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تجوز ترجمة أسماء الله لمن لا يعرف اللغة العربية بلغتهم إذا كان المترجم بصيراً باللغتين كما يجوز أن تترجم لهم معاني الآيات القرآنية والأحاديث النبوية لتفهيمهم الدين. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 3/122 الحديث: 9347 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 781 معنى اسم الله الحسيب [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى اسم الله عز وجل (الحسيب) ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحسيب: الكافي فهو كافي المتوكلين وهو الكافي عن الشهود. (إن الله كان على كل شيء حسيباً) النساء/86 وفسر بالحفيظ يحفظ الأعمال ثم يجازيهم عليها، فالله عز وجل حسيب عباده أي محاسبهم على أعمالهم ومجازيهم عليها بحسب حكمته وعلمه بدقائق أعمالهم وجليلها، فحسابهم على الخير والشر يقع بمثاقيل الذر. وهو المحسوب عطاياه وفواضله، وهو المدرك للأجزاء والمقادير التي يعلم العباد أمثالها بالحساب من غير أن يحسب لأن الحاسب يدرك الأشياء فشيئاً ويعلم الجملة عند انتهاء حسابه، والله سبحانه لا يتوقف علمه على أمر يكون وحال يحدث. وهو الكافي وكفايته سبحانه وتعالى عامة وخاصة: فالعامة: كفايته سبحانه للعباد جميع ما أهمهم من أمر دينهم ودنياه من حصول المنافع ودفع المضار. والخاصة: كفايته لعبده التقي المتوكل عليه كفاية يصلح بها دينه ودنياه ومن ذلك قوله تعالى: (يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين) الأنفال/64 أي كافيك وكافي أتباعك، ويحسب ما يقوم به العبد من متابعة للرسول صلى الله عليه وسلم ظاهراً وباطناً وقيامه بعبودية الله تعالى تكون الكفاية والعزة والنصرة، فإن الله سبحانه وحده كافي عباده فإن الحسب والكفاية لله وحده كالتوكل والتقوى والعبادة كما قال تعالى: (أليس الله بكافٍ عبده) الزمر/36. والله سبحانه وتعالى هو أسرع الحاسبين فحين يرد إليه العباد فيحاسبهم لا يشق عليه ذلك فهو سبحانه يعلم عددهم وأعمالهم وآجالهم وجميع أمورهم، وقد أحصاها وعلم مقاديرها ومبالغها وهو لا يحسب بعقد يد ولكنه يعلم ذلك ولا يخفى عليه خافية ولا يعزب عنه مثقال ذرة ولا أصغر منها ولا أكبر إلا في كتاب مبين. قال ابن القيم: وهو الحسيب كفاية وحماية والله كافي العبد كل أوان [الْمَصْدَرُ] من كتاب شرح أسماء الله تعالى الحسنى للدكتورة حصة الصغير ص 93 الحديث: 11278 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 782 معنى حديث خلق الله آدم على صورته [السُّؤَالُ] ـ[أسأل عن الفهم الصحيح لحديث (خلق آدم على صورة الرحمن) ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ..) رواه البخاري (6227) ومسلم (2841) أما حديث: (لا تقبِّحوا الوجه، فإن ابن آدم خلق على صورة الرحمن) فقد ضعّفه الألباني في السلسلة الضعيفة رقم (1176) . ولعل السائل أشكل عليه فهم هذا الحديث مع قول الله تعالى: (ليس كمثله شيء) الشورى /25. وقد أجاب العلماء عن هذا الإشكال بجوابين: الأول: جواب مجمل. الثاني: جواب مفصل. أما الجواب المجمل: فهو أنه لا يمكن أن يناقض هذا الحديث قوله تعالى: (ليس كمثله شيء) الشورى/11، فإن يسّر الله لنا التوفيق بينهما، وإلا فإننا نقول: (ءَامَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَابِ) آل عمران / 7، وعقيدتنا أن الله لا مثيل له، وبهذا نسلم أمام الله عز وجل. وهذا كلام الله , وهذا كلام رسوله والكل حقّ ولا يمكن أن يكذِّب بعضه بعضاً. فنقول الآية فيها نفي مماثلة الخلق لله تعالى، والحديث فيه إثبات الصورة لله عز وجل، والكل حق نؤمن به، ونقول كل من عند ربنا، ونسكت، وهذا غاية ما نستطيع. انظر شرح الواسطية لابن عثيمين. وأما الجواب المفصل: فهذا الحديث يثبت أن الله تعالى له صورة، وأن آدم عليه السلام خلقه الله تعالى على صورته. ولكن ليس في هذا الحديث ما يدل على أن صورة آدم عليه السلام مماثلة لصورة الله تعالى، بل هذا المعنى باطل قطعاً، ولم يرده الرسول صلى الله عليه وسلم، لأن الله تعالى يقول: (ليس كمثله شيء) ولا يلزم من تشبيه شيء بشيء أن يكون مثله مطابقاً له من كلِّ وجه، بل تحصل المشابهة بالاشتراك في بعض الصفات ولا يشترط تطابق كل الصفات وتماثلها. ودليل هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ " رواه البخاري (3327) ومسلم (2834) فليس معنى هذا الحديث أنهم دخلوا الجنة وصورتهم مطابقة لصورة القمر من كلّ وجه، وإلا لزم من ذلك أنهم دخلوا الجنة وليس لهم أعين ولا أفواه، وإن شئنا قلنا: دخلوا وهم أحجار!! وإنما معنى الحديث أنهم على صورة القمر في الحسن والوضاءة والجمال واستنارة الوجه، وما أشبه ذلك. فإذا قلت: ما هي الصورة التي تكون لله عز وجل ويكون آدم عليها؟ قلنا: إن الله عز وجل له وجه وله عين وله يد وله رجل عز وجل، لكن لا يلزم من أن تكون هذه الأشياء مماثلة للإنسان فهناك شيء من الشبه، لكن ليس على سبيل المماثلة، كما أن الزمرة الأولى من أهل الجنة فيها شبه بالقمر، لكن بدون مماثلة. وبهذا يصدق ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة، من أن جميع صفات الله سبحانه وتعالى ليست مماثلة لصفات المخلوقين من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل. انظر شرح العقيدة الواسطية للشيخ محمد بن صالح العثيمين ج/1 ص/107-110. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 21949 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 783 الله تعالى عالٍ على خلقه وهو قِبَل وجه المصلي [السُّؤَالُ] ـ[قرأت حديثا أن الله تعالى يكون أمام المصلي؟ فما معنى ذلك؟ وهل هذا يعارض أن الله تعالى في السماء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سبق في السؤال رقم (992) ، (11035) ذكر الأدلة على أن الله تعالى مستوٍ على عرشه، وعالٍ على خلقه. وورد في الحديث الذي رواه البخاري (406) ومسلم (547) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى بُصَاقًا فِي جِدَارِ الْقِبْلَةِ، فَحَكَّهُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: (إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَبْصُقُ قِبَلَ وَجْهِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجْهِهِ إِذَا صَلَّى) . ولا تعارض بين هذا وبين علو الله تعالى على خلقه. قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (5/101) : قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: (إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَإِنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجْهِهِ فَلا يَبْصُقْ قِبَلَ وَجْهِهِ) حَقٌّ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ وَهُوَ قِبَلَ وَجْهِ الْمُصَلِّي ; بَلْ هَذَا الْوَصْفُ يَثْبُتُ لِلْمَخْلُوقَاتِ. فَإِنَّ الإِنْسَانَ لَوْ أَنَّهُ يُنَاجِي السَّمَاءَ أَوْ يُنَاجِي الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَكَانَتْ السَّمَاءُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ فَوْقَهُ وَكَانَتْ أَيْضًا قِبَلَ وَجْهِهِ اهـ. وقال أيضاً (5/672) : وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَنْ تَوَجَّهَ إلَى الْقَمَرِ وَخَاطَبَهُ - إذَا قُدِّرَ أَنْ يُخَاطِبَهُ - لا يَتَوَجَّهُ إلَيْهِ إلا بِوَجْهِهِ مَعَ كَوْنِهِ فَوْقَهُ، فَهُوَ مُسْتَقْبِلٌ لَهُ بِوَجْهِهِ مَعَ كَوْنِهِ فَوْقَهُ. . . فَكَذَلِكَ الْعَبْدُ إذَا قَامَ إلَى الصَّلاةِ فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ رَبَّهُ وَهُوَ فَوْقَهُ، فَيَدْعُوهُ مِنْ تِلْقَائِهِ لا مِنْ يَمِينِهِ وَلا مِنْ شِمَالِهِ، وَيَدْعُوهُ مِنْ الْعُلُوِّ لا مِنْ السُّفْلِ اهـ وقال الشيخ ابن عثيمين: الدليل على أن الله قبل وجه المصلي: قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يبصق قبل وجهه فإن الله قبل وجهه) . وهذه المقابلة ثابتة لله حقيقة على الوجه اللائق به ولا تنافي علوه والجمع بينهما من وجهين: 1- أن الاجتماع بينهما ممكن في حق المخلوق كما لو كانت الشمس عند طلوعها فإنها قبل وجه من استقبل المشرق وهي في السماء فإذا جاز اجتماعهما في المخلوق فالخالق أولى. 2- أنه لو لم يمكن اجتماعهما في حق المخلوق فلا يلزم أن يمتنع في حق الخالق لأن الله ليس كمثله شئ. اهـ "فتاوى ابن عثيمين" (4/287) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 40865 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 784 أسماء الله تعالى غير محصورة في تسعة وتسعين اسماً [السُّؤَالُ] ـ[هل أسماء الله تعالى الحسنى تسعة وتسعون اسماً فقط؟ أم أنها أكثر من ذلك.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله روى البخاري (2736) ومسلم (2677) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ) . استدل بعض العلماء (كابن حزم رحمه الله) بهذا الحديث على أن أسماء الله تعالى محصورة في هذا العدد. انظر: "المحلى" (1/51) . وهذا الذي قاله ابن حزم رحمه الله لم يوافقه عليه عامة أهل العلم، بل نقل بعضهم (كالنووي) اتفاق العلماء على أن أسماء الله تعالى ليست محصورة في هذا العدد. وكأنهم اعتبروا قول ابن حزم شذوذاً لا يلتفت إليه. واستدلوا على عدم حصر أسماء الله تعالى الحسنى في هذا العدد بما رواه أحمد (3704) عن عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلا حَزَنٌ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، وَابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي إِلا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا. فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلا نَتَعَلَّمُهَا؟ فَقَالَ: بَلَى، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا. صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (199) . فقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ) دليل على أن من أسماء الله تعالى الحسنى ما استأثر به في علم الغيب عنده، فلم يطلع عليه أحداً من خلقه، وهذا يدل على أنها أكثر من تسعة وتسعين. قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (6/374) عن هذا الحديث: فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلَّهِ أَسْمَاءً فَوْقَ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ اهـ. وقال أيضاً (22/482) : قَالَ الخطابي وَغَيْرُهُ: فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهُ أَسْمَاءً اسْتَأْثَرَ بِهَا وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: (إنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ) أَنَّ فِي أَسْمَائِهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ، كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ: إنَّ لِي أَلْفَ دِرْهَمٍ أَعْدَدْتهَا لِلصَّدَقَةِ وَإِنْ كَانَ مَالُهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. وَاَللَّهُ فِي الْقُرْآنِ قَالَ: (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) فَأَمَرَ أَنْ يُدْعَى بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى مُطْلَقًا، وَلَمْ يَقُلْ: لَيْسَتْ أَسْمَاؤُهُ الْحُسْنَى إلا تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا اهـ. ونقل النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم اتفاق العلماء على ذلك، فقال: اتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيث لَيْسَ فِيهِ حَصْر لأَسْمَائِهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى , فَلَيْسَ مَعْنَاهُ: أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَسْمَاء غَيْر هَذِهِ التِّسْعَة وَالتِّسْعِينَ , وَإِنَّمَا مَقْصُود الْحَدِيث أَنَّ هَذِهِ التِّسْعَة وَالتِّسْعِينَ مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّة , فَالْمُرَاد الإِخْبَار عَنْ دُخُول الْجَنَّة بِإِحْصَائِهَا لا الإِخْبَار بِحَصْرِ الأَسْمَاء اهـ. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن ذلك فقال: " أسماء الله ليست محصورة بعدد معين، والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك. . إلى أن قال: أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك) . وما استأثر الله به في علم الغيب لا يمكن أن يُعلم به، وما ليس معلوماً ليس محصوراً. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ) . فليس معناه أنه ليس له إلا هذه الأسماء، لكن معناه أن من أحصى من أسمائه هذه التسعة والتسعين فإنه يدخل الجنة، فقوله (مَنْ أَحْصَاهَا) تكميل للجملة الأولى وليست استئنافية منفصلة، ونظير هذا قول العرب: عندي مائة فرس أعددتها للجهاد في سبيل الله. فليس معناه أنه ليس عنده إلا هذه المائة؛ بل هذه المائة معدة لهذا الشيء" اهـ. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (1/122) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 41003 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 785 هل يوصف الله تعالى بالمكر والخيانة والخداع؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يوصف الله تعالى بالمكر والخداع والخيانة، كما في قوله تعالى: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ) وقوله: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ) ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صفات الله تعالى كلها صفات كمال، دالة على أحسن المعاني وأكملها، قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) النحل/60. وقال تعالى: (وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) الروم/27. ومعنى المثل الأعلى أي الوصف الأكمل. قال السعدي في تفسيره (ص 718، 1065) : "المثل الأعلى" هو كل صفة كمال اهـ. والصفات ثلاثة أنواع: الأول: صفات كمال، لا نقص فيه بوجه من الوجوه. فهذه يوصف الله تعالى بها وصفاً مطلقاً ولا يقيد بشيء، مثال ذلك: العلم، والقدرة، والسمع، والبصر، والرحمة. . . إلخ. الثاني: صفات نقص، لا كمال فيها، فهذه لا يوصف الله تعالى بها أبداً، كالنوم، والعجز، والظلم، والخيانة. . إلخ. الثالث: صفات يمكن أن تكون كمالاً، ويمكن أن تكون نقصاً، على حسب الحال التي تُذكر فيها. فهذه لا يوصف الله تعالى بها على سبيل الإطلاق، ولا تنفى عن الله تعالى على سبيل الإطلاق، بل يجب التفصيل، ففي الحال التي تكون كمالاً يوصف الله تعالى بها، وفي الحال التي تكون نقصاً لا يوصف الله تعالى بها. ومثال هذا: المكر، والخديعة، والاستهزاء. فالمكر والخديعة والاستهزاء بالعدو صفة كمال، لأن ذلك يدل على كمال العلم والقدرة والسلطان. . ونحو ذلك. أما المكر بالمؤمنين الصادقين فهو صفة نقص. ولذلك لم يرد وصف الله تعالى بهذه الصفات على سبيل الإطلاق، وإنما ورد مقيداً بما يجعله كمالاً. قال الله تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ) النساء /142. فهذا خداع بالمنافقين. وقال: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) الأنفال/30. وهذا مكر بأعداء الله الذين كانوا يمكرون برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقال عن المنافقين: (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) البقرة /14-15. وهذا استهزاء بالمنافقين. فهذه الصفات تعتبر كمالاً في هذا السياق الذي وردت فيه. ولهذا يقال: الله تعالى يستهزئ بالمنافقين، ويخادعهم، ويمكر بأعدائه. . . ونحو ذلك. ولا يجوز أن يوصف الله تعالى بالمكر والخادع وصفاً مطلقاً. لأنه حينئذٍ لا يكون كمالاً. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يوصف الله بالمكر؟ وهل يسمى به؟ فأجاب: " لا يوصف الله تعالى بالمكر إلا مقيداً، فلا يوصف الله تعالى به وصفاً مطلقاً، قال الله تعالى: (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) الأعراف/99. ففي هذه الآية دليل على أن لله مكراً، والمكر هو التوصل إلى إيقاع الخصم من حيث لا يشعر. ومنه جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري (الحرب خدعة) . فإن قيل: كيف يوصف الله بالمكر مع أن ظاهره أنه مذموم؟ قيل: إن المكر في محله محمود يدل على قوة الماكر، وأنه غالب على خصمه ولذلك لا يوصف الله به على الإطلاق، فلا يجوز أن تقول: "إن الله ماكر" وإنما تذكر هذه الصفة في مقام يكون مدحاً، مثل قوله تعالى: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ) الأنفال /30، وقوله: (وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) النمل /50. ولا تنفى هذه الصفة عن الله على سبيل الإطلاق، بل إنها في المقام الذي تكون مدحاً يوصف بها، وفي المقام الذي لا تكون فيه مدحاً لا يوصف بها. وكذلك لا يسمى الله به فلا يقال: إن من أسماء الله الماكر، والمكر من الصفات الفعلية لأنها تتعلق بمشيئة الله سبحانه" اهـ. "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (1/170) . وسئل أيضاً: هل يوصف الله بالخيانة؟ والخداع كما قال الله تعالى: (يخادعون الله وهو خادعهم) ؟ فأجاب: " أما الخيانة فلا يوصف الله بها أبداً، لأنها ذم بكل حال، إذ إنها مكر في موضع الائتمان، وهو مذموم، قال الله تعالى: (وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) الأنفال /71، ولم يقل: فخانهم. وأما الخداع فهو كالمكر يوصف الله تعالى به حين يكون مدحاً، ولا يوصف به على سبيل الإطلاق قال الله تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ) النساء /142 اهـ. "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (1/171) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] السلام سؤال وجواب الحديث: 39803 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 786 معنى اسم الله الحليم [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكن أن تشرح لي معنى اسم الله الحليم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ورد اسم الله الحليم في عدة مواضع من القرآن الكريم , منها قوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) البقرة/235، وقوله تعالى: (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذىً وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ) البقرة / 263. قال ابن جرير في "تفسيره" (4/144) : (يعني: أنه ذو أناة , لا يعجل على من عصاه وخالف أمره بالنقمة) ا. هـ وقال الخطابي في "شأن الدعاء" (63) : (هو ذو الصفح والأناة , الذي لا يستفزه غضب، ولا يستخفه جهل جاهل ولا عصيان عاص. ولا يستحق الصافح مع العجز اسم الحلم , إنما الحليم هو الصفوح مع القدرة , والمتأني الذي لا يعجل بالعقوبة) ا. هـ وقال قِوام السنة الأصبهاني في "الحجة في بيان المحجة" (1/144) : (حليم عمن عصاه , لأنه لو أراد أخذه في وقته أخذه , فهو يحلم عنه ويؤخره إلى أجله , وهذا الاسم وإن كان مشتركا يوصف به المخلوق , فحلم المخلوق حلم لم يكن في الصغر , ثم كان في الكبر , وقد يتغير بالمرض والغضب والأسباب الحادثة , ويفنى حلمه بفنائه , وحلم الله عز وجل لم يزل ولا يزول , والمخلوق يحلم عن شيء ولا يحلم عن غيره , ويحلم عمن لا يقدر عليه , والله تعالى حليم مع القدرة) ا. هـ وقال ابن القيم في "نونيته" (3278) : (وهو الحليم فلا يعاجل عبده بعقوبة ليتوب من عصيان) وقال السعدي في "تفسيره" (19) : (الحليم الذي يدر على خلقه النعم الظاهرة والباطنة , مع معاصيهم وكثرة زلاتهم , فيحلم عن مقابلة العاصين بعصيانهم، ويستعتبهم كي يتوبوا , ويمهلهم كي ينيبوا) ا. هـ. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 22210 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 787 معنى اسم الله الخافض [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكن أن تشرح لي معنى اسم الله الخافض؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قبل شرح معنى هذا الاسم لابد من العلم ببعض المسائل المهمة المتعلقة بأسماء الله تعالى: أولاً: (الأدلة التي تثبت بها أسماء الله تعالى وصفاته هي كتاب الله تعالى , وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم , فلا تثبت أسماء الله وصفاته بغيرهما. وعلى هذا فما ورد إثباته لله تعالى من ذلك في الكتاب والسنة وجب إثباته. وما ورد نفيه فيهما وجب نفيه مع إثبات كمال ضده. وما لم يرد إثباته ولا نفيه فيهما وجب التوقف في لفظه فلا يثبت ولا ينفى , لعدم ورود الإثبات والنفي فيه. وأما معنى اسم الخافض فيُفصل فيه: فإن أريد به حق يليق بالله تعالى فهو مقبول , وإن أريد به معنى لا يليق بالله عز وجل وجب رده) ا. هـ من "القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى" لابن عثيمين. ثانياً: (الفعل أوسع من الاسم , ولهذا أطلق الله على نفسه أفعالا لم يتسم منها بأسماء الفاعل , كأراد وشاء وأحدث , ولم يسم بـ " المريد" و"الشائي" و"المحدث" كما لم يسم نفسه بـ "الصانع" و"الفاعل" و"المتقن" وغير ذلك من الأسماء التي أطلق على نفسه , فباب الأفعال أوسع من باب الأسماء. وقد أخطأ خطأً كبيراً من اشتق له من كل فعل اسما , وبلغ بأسمائه زيادة على الألف , فسماه "الماكر , والمخادع , والفاتن , والكائد " ونحو ذلك. وكذلك باب الإخبار عنه بالاسم أوسع من تسميته به , فإنه يخبر عنه بأنه "شيء وموجود ومذكور , ومعلوم , ومراد " ولا يسمى بذلك. فأما " الواجد " فلم تجىء تسميته به إلا في حديث تعداد الأسماء الحسنى , والصحيح أنه ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم , ومعناه صحيح , فإنه ذو الوجد والغنى , فهو أولى بأن يسمى به من "الموجود" ومن " الموجد " أما " الموجود " فإنه منقسم إلى كامل وناقص , وخير وشر (ففيه يكون الشيء كاملاً أو ناقصاً) , وما كان مسماه منقسما لم يدخل اسمه في الأسماء الحسنى , كالشيء والمعلوم , ولذلك لم يسم بـ " المريد" و"المتكلم" وأما "الموجد" فقد سمى نفسه بأكمل أنواعه , وهو "الخالق , البارئ , المصور " فـ "الموجد" كـ "المحدث، والفاعل، والصانع " , وهذا من دقيق فقه الأسماء الحسنى , فتأمله , وبالله التوفيق) ا. هـ من "مدارج السالكين" لابن القيم (3/383_385) . ثالثاً: (أن ما يطلق على الله في باب الأسماء والصفات توقيفي , وما يطلق عليه من الأخبار لا يجب أن يكون توقيفيا , كالقديم والشيء والموجود والقائم بنفسه , فهذا فصل الخطاب في مسألة أسمائه هل هي توقيفية أو يجوز أن يطلق عليه منها بعض ما لم يرد به السمع) ا. هـ من "بدائع الفوائد" لابن القيم (1/162) . رابعاً: (أن من أسماء الله عز وجل ما لا يطلق عليه إلا مقترنا بمقابله , فإذا أطلق وحده أوهم نقصا تعالى الله عن ذلك , فمنها المعطي المانع , والضار النافع , والقابض الباسط , والمعز المذل , والخافض الرافع , فلا يطلق على الله عز وجل المانع الضار القابض المذل الخافض كلا على انفراده , بل لا بد من ازدواجها بمقابلاتها , إذ لم تطلق في الوحي إلا كذلك) ا. هـ من "معارج القبول" للحكمي (1/64) . إذا تبين ما سبق فاسم الخافض , لا يعرف أنه ورد إلا في حديث تعداد الأسماء الحسنى , والصحيح أنه ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم , كما سبق في كلام ابن القيم , وهو ما قرره غير واحد من أهل العلم كالإمام ابن تيمية _ كما في "الفتاوى" (6/379_380، 8/96، 22/482) _ والحافظ ابن كثير في "تفسيره" (3/515) والحافظ ابن حجر في "الفتح" (11/221) و"البلوغ" (1395) وغيرهم. ولكن معنى الاسم صحيح بشرط أن يقرن باسم الرافع , وثبت في "صحيح مسلم" (179) من حديث أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه , يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل الليل ... " الحديث , وجاء في ذلك بعض الآثار عن السلف , ومن ذلك ما علقه البخاري في "صحيحه" (فتح _ 8/487) مجزوما به عن أبي الدرداء أنه قال في تفسير قوله تعالى: (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) الرحمن / 29 قال: " يغفر ذنبا , ويكشف كربا , ويرفع قوما , ويضع آخرين ". وروي عنه مرفوعا. إذا تبين هذا فلأهل العلم كلام في معنى الخافض , ومن ذلك ما يلي: 1_ قال الخطابي في "شأن الدعاء" (58) : (الخافض الرافع: وكذلك القول في هذين الاسمين يستحسن أن يوصل أحدهما في الذكر بالآخر , فالخافض: هو الذي يخفض الجبارين ويذل الفراعنة المتكبرين , والرافع: هو الذي رفع أولياءه بالطاعة فيعلي مراتبهم وينصرهم على أعدائه ويجعل العاقبة لهم , لا يعلو إلا من رفعه الله , ولا يتضع إلا من وضعه وخفضه) ا. هـ. 2_ وقال الحليمي _ كما في "الأسماء والصفات" للبيهقي (1/193) _: (ولا ينبغي أن يفرد الخافض عن الرافع في الدعاء , فالخافض: هو الواضع من الأقدار , والرافع: المعلي للأقدار) ا. ـ. 3_ وقال قِوام السنة الأصبهاني في "الحجة في بيان المحجة" (1/140) : (ومن أسمائه: الخافض الرافع , قيل: الخافض هو الذي يخفض الجبارين , ويذل الفراعنة , والرافع هو الذي يرفع أولياءه وينصرهم على أعدائهم , يخفض من يشاء من عباده فيضع قدره ويخمل ذكره ويرفع من يشاء فيعلي مكانه ويرفع شأنه , لا يعلو إلا من رفعه ولا يتضع إلا من وضعه. وقيل: يخفض القسط ويرفعه) . ثم أورد حديث أبي موسى عند مسلم (293) : " إن الله تعالى لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه , يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل الليل ". ثم قال: (قال أهل العلم: ... ومعنى يخفض القسط ويرفعه , يخفض العدل بتسليط ذا الجور، ويرفع العدل بإظهاره العدل , يخفض القسط بأهل الجور , ويرفع العدل بأئمة العدل , وهو في خفضه العدل مرة ورفعه أخرى يبتلي عباده لينظر كيف صبرهم على ما يسؤهم , وشكرهم على ما يسرهم) ا. هـ 4_ وقال الشيخ ابن سعدي في "الحق الواضح المبين" (258) : (وهو الرافع لأقوام قائمين بالعلم والإيمان , الخافض لأعدائه) ا. هـ وقال في "توضيح الكافية الشافيه" (390) : (واعلم أن صفات الأفعال ... كلها متعلقة وصادرة عن هذه الصفات الثلاث: القدرة الكاملة , والمشيئة النافذة , والحكمة الشاملة التامة , وهي كلها قائمة بالله , والله متصف بها , وآثارها ومقتضياتها جميع ما يصدر عنها في الكون كله من التقديم والتأخير والنفع والضر والعطاء والحرمان والخفض والرفع , لا فرق بين محسوسها ومعقولها , ولا بين دينيها ودنيويها) ا. هـ 5_ وقال الشيخ محمد خليل هراس في "شرح القصيدة النونية" (2/114) : (وهو سبحانه الخافض الرافع , يخفض الكفار بالإشقاء والإبعاد , ويرفع أولياءه بالتقرب والإسعاد , ويداول الأيام بين عباده , فيخفض أقواما , يخمل شأنهم , ويذهب عزهم , ويرفع آخرين فيورثهم ملكهم وديارهم) ا. هـ وكل هذه الأقوال حق , وهي داخلة في معنى اسمي: الخافض الرافع. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 20476 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 788 معنى اسم الله الحافظ [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكن أن تشرح لي معني اسم الله الحافظ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ورد اسم الحافظ في قوله تعالى: (قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) يوسف/64. وسمى الله عز وجل نفسه في مواضع من كتابه بـ " الحفيظ " أيضا، قال تعالى: (إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) هود/57. قال الخطابي في " شأن الدعاء " (67_68) : (الحفيظ: هو الحافظ , فعيل بمعنى فاعل , كالقدير والعليم , يحفظ السموات والأرض وما فيهما لتبقى مدة بقائها فلا تزول ولا تدثر , كقوله تعالى: (وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا) البقرة/255، وقال: (وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ) الصافات/7. وهو الذي يحفظ عبده من المهالك والمعاطب ويقيه مصارع السوء , كقوله سبحانه: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ) الرعد/11 أي: بأمره. ويحفظ على الخلق أعمالهم , ويحصي عليهم أقوالهم ويعلم نياتهم وما تكن صدورهم , ولا تغيب عنه غائبة , ولا تخفى عليه خافية. ويحفظ أولياءه فيعصمهم عن مواقعة الذنوب , ويحرسهم عن مكايدة الشيطان , ليسلموا من شره وفتنته) ا. هـ وقال السعدي في " تفسيره " (18) : (الحفيظ الذي حفظ ما خلقه , وأحاط علمه بما أوجده , وحفظ أولياءه من وقوعهم في الذنوب والهلكات , ولطف بهم في الحركات والسكنات , وأحصى على العباد أعمالهم وجزاءها) ا. هـ. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 22192 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 789 كيف نفهم النزول الإلهي والليل مختلف في البلدان [السُّؤَالُ] ـ[ورد في الحديث: (ينزل الله سبحانه وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل) الحديث، متى يبدأ الثلث الأخير ومتى ينتهي، وكيف يكون النزول الإلهي في البلدان المختلفة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قد تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بإثبات النزول وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربنا إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له..) . وقد أجمع أهل السنة والجماعة على إثبات صفة النزول على الوجه الذي يليق بالله سبحانه لا يشابه خلقه في شيء من صفاته كما قال سبحانه: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) وقال عز وجل: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) فالواجب عند أهل السنة والجماعة إمرار آيات الصفات وأحاديثها كما جاءت من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل مع الإيمان بها واعتقاد أن ما دلت عليه حق ليس في شيء منها تشبيه لله بخلقه ولا تكييف لصفته بل القول عندهم في الصفات كالقول في الذات، فيما يثبت أهل السنة والجماعة ذاته سبحانه بلا كيف ولا تمثيل فهكذا صفاته يجب إثباتها بلا كيف ولا تمثيل، والنزول في كل بلاد بحسبها لأن نزول الله سبحانه لا يشبه نزول خلقه وهو سبحانه يوصف بالنزول في الثلث الأخير من الليل في جميع أنحاء العالم على الوجه الذي يليق بجلاله سبحانه ولا يعلم كيفية نزوله إلا هو كما لا يعلم كيفية ذاته إلا هو عز وجل: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) وقال عز وجل: (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) . وأول الثلث وآخره يعرف في كل زمان بحسبه فإذا كان الليل تسع ساعات كان أول وقت النزول أول الساعة السابعة إلى طلوع الفجر، وإذا كان الليل اثنتي عشرة ساعة كان أول الثلث الأخير أول الساعة التاسعة إلى طلوع الفجر وهكذا بحسب طول الليل وقصره في كل مكان. والله ولي التوفيق. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز يرحمه الله، م/4، ص/420 الحديث: 34810 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 790 هل يوصف الله تعالى بالنسيان [السُّؤَالُ] ـ[هل يوصف الله تعالى بالنسيان؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " للنسيان معنيان: أحدهما: الذهول عن شيء معلوم مثل قوله تعالى: (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) البقرة /286. ومثل قوله تعالى: (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) طه/115. على أحد القولين. ومثل قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما أنا بشر أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني) . وقوله صلى الله عليه وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) . وهذا المعنى للنسيان منتف عن الله عز وجل بالدليلين السمعي، والعقلي. أما السمعي: فقوله تعالى عن موسى: (قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى) طه /52. وأما العقلي: فإن النسيان نقص، والله تعالى منزه عن النقص، موصوف بالكمال، كما قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) النحل /60. وعلى هذا فلا يجوز وصف الله بالنسيان بهذا المعنى على كل حال. والمعنى الثاني للنسيان: الترك عن علم وعمد، مثل قوله تعالى: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْء) الأنعام /44. ومثل قوله تعالى: (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) طه /115. على القول الثاني في تفسيرها. ومثل قوله صلى الله عليه وسلم في أقسام أهل الخيل: (ورجل ربطها تغنياً وتعففاً، ولم ينس حق الله في رقابها وظهورها فهي له كذلك ستر) . وهذا المعنى من النسيان ثابت لله تعالى عز وجل قال الله تعالى: (فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ) السجدة /14. وقال تعالى في المنافقين: (نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) التوبة/67. وفي صحيح مسلم في كتاب الزهد والرقائق عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فذكر الحديث، وفيه " أن الله تعالى يلقى العبد فيقول: أفظننت أنك ملاقي؟ فيقول: لا. فيقول: فإني أنساك كما نسيتني ". وتركه سبحانه للشيء صفة من صفاته الفعلية الواقعة بمشيئته التابعة لحكمته، قال الله تعالى: (وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ) البقرة /17. وقال تعالى: (وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ) الكهف /99. وقال: (وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً) العنكبوت/35. والنصوص في ثبوت الترك وغيره من أفعاله المتعلقة بمشيئته كثيرة معلومة، وهي دالة على كمال قدرته وسلطانه. وقيام هذه الأفعال به سبحانه لا يماثل قيامها بالمخلوقين، وإن شاركه في أصل المعنى، كما هو معلوم عند أهل السنة " اهـ. [الْمَصْدَرُ] "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (1/172-174) . الحديث: 34854 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 791 في نهايات آيات القرآن الكريم كثير من أسماء الله سبحانه [السُّؤَالُ] ـ[تعلمتُ حتى الآن 33 اسماً من أسماء الله -عز وجلّ- من أصل الـ 99 اسماً، ولا أعرف الباقي. أين يمكن أن أجد قائمة بأسماء الله -سبحانه- على الإنترنت؟ أو ربما أنت تعرفها.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أسماء الله تعالى كثيرة دالّة كلّها على عظمته وكماله وجلاله سبحانه وتعالى منها ما أخبرنا عنه في كتابه وفي سنّة رسوله صلى الله عليه وسلم ومنها ما لا يعلمه إلا هو كما دلّ على ذلك حديث عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجِلاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي إِلاّ أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا قَالَ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلا نَتَعَلَّمُهَا فَقَالَ بَلَى يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا. " رواه الإمام أحمد وهو حديث صحيح. وأسماؤه سبحانه المذكورة في القرآن والسنّة تتجاوز المائة كما جمع ذلك عدد من أهل العلم (يُنظر كتاب القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه للشيخ محمد بن صالح بن عثيمين) ولكن يوجد من بينها تسعة وتسعون اسما من علمها وعمل بها فله أجر عظيم كما دلّ عل ذلك حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلاّ وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ. " رواه البخاري فتح رقم 2736 والإحصاء المذكور في الحديث يتضمّن ما يلي: 1- حفظها 2- معرفة معناها 3- العمل بمقتضاها: فإذا علم أنّه الأحد فلا يُشرك معه غيره، وإذا علم أنّه الرزّاق فلا يطلب الرّزق من غيره، وإذا علم أنّه الرحيم فلا ييأس من رحمته وهكذا. 4- دعاؤه بها كما قال عزّ وجلّ: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) . وذلك كأن يقول يا رحمن ارحمني، يا غفور اغفر لي، يا توّاب تُبْ عليّ ونحو ذلك. ويمكنكِ أيتها الأخت السائلة أن تتمعني في نهايات آيات القرآن الكريم لتجدي في كثير منها أسماء مذكورة لله عزّ وجلّ. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 1392 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 792 الله فوق الجنة [السُّؤَالُ] ـ[هل الله موجود فوق الجنة, أم داخلها؟ وأيضا هل اعتقاد أن الله أكبر من الكون هو جزء من العقيدة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ عبد الرحمن البراك حفظه الله فأجاب بما يلي: الحمد لله العلي العظيم، الكبير المتعال، وسبحان الله العظيم، ولا إله إلا الله، والله أكبر، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ... أمَّا بعد: فإنه مما يجب الإيمان به أنه تعالى العلي الأعلى، وأنه استوى على العرش، كما أخبر بذلك عن نفسه في كتابه، فهو سبحانه وتعالى فوق كل شيء، قال عليه الصلاة والسلام في دعائه " وأنت الظاهر ليس فوقك شيء ". وكذلك يجب الإيمان بأنه تعالى الكبير، وأنه أكبر من كل شيء، وأنه العظيم الذي لا أعظم منه، ومن كمال عظمته وقدرته أنه يأخذ السماوات والأرض بيديه يوم القيامة، كما قال سبحانه وتعالى: (وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون) سورة الزمر. فيجب أن يعلم أنه تعالى مع كمال علوِّه، وكمال عظمته يمتنع أن يحِلَّ في شيءٍ من مخلوقاته، فلا يجوز أن يقال أنه تعالى في الجنة، بل هو فوق العرش الذي هو سقف الفردوس، والفردوس أعلى الجنة، قال عليه الصلاة والسلام: " إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس، فإنه أعلى الجنة، وأوسط الجنة، وسقفها عرش الرحمن ". ولا يجوز للمسلم أن يُفكِّر في ذات الله، أو يتخيل عظمته فإن عقل الإنسان عاجز عن معرفة حقيقة ذات الرب وصفاته، وكيفيتها، كما قال الإمام مالك لمَّا سئل عن كيفية الاستواء على العرش {الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة} . [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد الرحمن البراك الحديث: 9564 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 793 الإصرار على المعصية هل يؤدي إلى كفر الإعراض [السُّؤَالُ] ـ[هل بعض أوجه الإصرار على المعصية يمكن أن تؤدي إلى كفر الإعراض (نرجو منكم جزاكم الله بخير إمدادنا بأسماء بعض الكتب التي تطرقت لهذا الموضوع) 2- هل بعض أوجه الإصرار على المعصية تؤدي إلى استحلال المعصية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله كفر الإعراض عرفه ابن القيم رحمه الله بقوله: " وأما كفر الإعراض: فأن يعرض بسمعه وقلبه عن الرسول لا يصدقه ولا يكذبه، ولا يواليه ولا يعاديه، ولا يصغي إلى ما جاء به ألبتة". انتهى. من " مدارج السالكين" (1/ 346) . وقال أيضا: " الثالث: كفر إعراضٍ محض، لا ينظر فيما جاء به الرسول، ولا يحبه ولا يبغضه، ولا يواليه ولا يعاديه، بل هو معرض عن متابعته ومعاداته " انتهى من " مفتاح دار السعادة" (1/ 94) . وعرفه الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله بقوله في بيان نواقض الإسلام: " العاشر: الإعراض عن دين الله تعالى، لا يتعلمه ولا يعمل به " انتهى. فما ذكره ابن القيم رحمه الله هو في الإعراض الذي يحصل من الكافر ويمنعه من الدخول في الإسلام. وما ذكره الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عام فيما يقع من الكافر: فيمنعه من الإسلام علما وعملا، وما يقع من المسلم فيرتد به عن الإسلام، ولهذا جعله من النواقض. ولا علاقة لهذا الناقض بالإصرار على المعصية التي هي دون الشرك والكفر، ولا نعلم وجها من الوجوه يجعل الإصرار على المعصية كفرا. والذي عليه أهل السنة والجماعة أن المصر على المعصية فاسق لا كافر، وأنه لا يكفر أحد من أهل القبلة بذنب - دون الشرك - ما لم يستحله. والاستحلال نوعان: الأول: استحلال في الظاهر، كأن يصرح بأن الحرام حلال، فيكفر بذلك ظاهرا وباطنا. والثاني: استحلال في الباطن، كأن يعتقد حل شيء من المحرمات المجمع على تحريمها، من غير شبهة، دون أن يصرح بذلك في الظاهر، فيكفر فيما بينه وبين الله، ويثبت له حكم الإسلام ظاهرا؛ لعدم الاطلاع على كفره، وشأنه في ذلك شأن المنافق الذي يبطن الكفر ويظهر الإسلام. والإصرار لا يدل على الاستحلال، فكم من عاص تغلبه الشهوة، فيستمر على الذنب مع اعتقاده تحريمه، وكراهة قلبه له. وقد روى البخاري (6780) عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ رَجُلًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللَّهِ وَكَانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَلَدَهُ فِي الشَّرَابِ فَأُتِيَ بِهِ يَوْمًا فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ اللَّهُمَّ الْعَنْهُ مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَلْعَنُوهُ فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ إِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. والإنسان يعلم هذا من نفسه، فقد يبتلى بذنب يقيم عليه، مع اعتقاده تحريمه، ورجائه التخلص منه. لكن الذي يخشى على المصر على ذنب من غير توبة أن يختم لصاحبه بخاتمة السوء والعياذ بالله، أو يتشرب قلبه ما أصر عليه من المعصية، فيؤول أمره إلى أن ينحل من قلبه ما يجب عليه من اعتقاد تحريمها، فيستحل الذنب من كثرة إلفه وحبه له. ولهذا قال من قال من السلف: إن المعاصي بريد الكفر، فيُخشى على المصر أن يستهين بالمعصية، ويجريها مجرى المباحات دون كراهة لها، أو خوف من عاقبتها، فينتقض إيمانه باطنا. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " الإنسان لا يفعل الحرام إلا لضعف إيمانه ومحبته، وإذا فعل مكروهات الحق فلضعف بعضها في قلبه، أو لقوة محبتها التي تغلب بعضها، فالإنسان لا يأتي شيئا من المحرمات، كالفواحش ما ظهر منا وما بطن، والإثم والبغي بغير الحق، والشرك بالله ما لم ينزل به سلطانا، والقول على الله بغير علم: إلا لضعف الإيمان في أصله، أو كماله، أو ضعف العلم والتصديق، وإما ضعف المحبة والبغض. لكن إذا كان أصل الإيمان صحيحا وهو التصديق، فإن هذه المحرمات يفعلها المؤمن مع كراهته وبغضه لها، فهو إذا فعلها لغلبة الشهوة عليه، فلا بد أن يكون مع فعلها: فيه بغض لها، وفيه خوف من عقاب الله عليها، وفيه رجاء لأن يخلص من عقابها، إما بتوبة وإما حسنات، وإما عفو، وإما دون ذلك، وإلا فإذا لم يبغضها، ولم يخف الله فيها، ولم يرج رحمته، فهذا لا يكون مؤمنا بحال، بل هو كافر أو منافق " انتهى من "قاعدة في المحبة" ص 104 والحاصل أن الإصرار على المعصية ذنب كبير، لكنه لا يكون كفرا إلا بالاستحلال، والإصرار ليس دليلا على الاستحلال، لكنه قد يقود إليه، نسأل الله العافية. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 142392 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 794 حكم تسخط زوجها على القدَر، وتنقيصه من قدْر الله تعالى، وما يترتب على ذلك [السُّؤَالُ] ـ[لدي مشكلة غريبة جدّاً، زوجي الذي يتميز بطبعه الحريص جدّاً، لديه طابع سيء جدّاً، فعندما تواجهنا بعض الصعوبات: يقول أشياء مثل: " لماذا يفعل الله معنا نحن هكذا من دون الناس؟ "، و " إن الله تعالى يستهزئ بنا، وهو الآن يضحك علينا!! " (أستغفر الله) ، ولكنني أرى هذه الصعوبات كفارة لسيئاتنا، أما هو فليس عنده سوى هذه الكلمات، وإنني في هذه الحالة أظل صامتة؛ لأنني من خلال تجربتي معه: رأيت أن محاولة إسكاته تزيد الطين بلة، أما إن بقيت صامتة: فإنه يسكت بعد جملة، أو جملتين. وسؤالي هو: هل أفعل الصواب؟ أشعر أنه عليَّ إسكاته بطريقة ما، وأن أجعله يظل صامتاً، ولكنني بالفعل لا أدري ماذا أفعل؟ أسأل الله تعالي أن يغفر لزوجي، ولكن ماذا ترى أني فاعلة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ما قاله الزوج عظيم في حق الله، يبعث على الأسى، ويصيب القلب بالكمد، فكيف لمسلم أنعم الله تعالى بخير دين، وأنعم الله بنعَم لا يمكنه إحصاءها، ثم يأتي ويعترض على قدر الله تعالى، ويطعن بحكمته؟! إنها لإحدى الكُبَر، ثم لا يكتفي بهذا حتى يجعل ربه تعالى في موقف الساخر منه، المستهزئ به، الضاحك عليه! فكيف يجرؤ من أنعم الله عليه بلسان يتكلم أن ينطق بهذا؟! وكيف لمنتسب للإسلام أن يتفوه بذلك الكلام العظيم في حق ربه عز وجل؟! . إن ما قاله الزوج من الاعتراض على قدر الله تعالى، والطعن بحكمته، وسؤاله لماذا يفعل الله معنا هكذا ": فهو من التسخط على قدر الله، وهو من كبائر الذنوب، وقد يؤدي به إلى الكفر المخرج من الملة؛ فهو طريق موصل إلى الردة، والله تعالى له الحكمة البالغة فيما يفعل ويقدِّر، وهو تعالى (لاً يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلونَ) الأنبياء/ 23. عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاءِ، وَإِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ) . رواه الترمذي (2396) وابن ماجه (4031) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ". قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: الناس حال المصيبة على مراتب أربع: المرتبة الأولى: التسخط وهو على أنواع: النوع الأول: أن يكون بالقلب، كأن يتسخط على ربه، يغتاظ مما قدَّره الله عليه: فهذا حرام، وقد يؤدي إلى الكفر، قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ) . النوع الثاني: أن يكون باللسان، كالدعاء بالويل، والثبور، وما أشبه ذلك، وهذا حرام. النوع الثالث: أن يكون بالجوارح، كلطم الخدود، وشق الجيوب، ونتف الشعور، وما أشبه ذلك، وكل هذا حرام مناف للصبر الواجب. " مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " (2 / 110) . ثانيا: إذا ابتلى الله عبده بالمصائب لم يكن ذلك علامة على أنه غير مرضي عند الله، وقد صحح الله تعالى هذا الظن الخاطئ عند الناس، فقال تعالى: (فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا * وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا) الفجر/15-20. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: " يخبر تعالى عن طبيعة الإنسان من حيث هو، وأنه جاهل ظالم، لا علم له بالعواقب، يظن الحالة التي تقع فيه تستمر ولا تزول، ويظن أن إكرام الله في الدنيا وإنعامه عليه يدل على كرامته عنده وقربه منه، وأنه إذا {قدر عَلَيْهِ رِزْقهُ} أي: ضيقه، فصار بقدر قوته لا يفضل منه، أن هذا إهانة من الله له، فرد الله عليه هذا الحسبان بقوله {كَلا} أي: ليس كل من نَعَّمْتُه في الدنيا فهو كريم عليَّ، ولا كل من قَدَرْتُ عليه رزقه فهو مهان لدي، وإنما الغنى والفقر، والسعة والضيق: ابتلاء من الله، وامتحان يمتحن به العباد، ليرى من يقوم له بالشكر والصبر، فيثيبه على ذلك الثواب الجزيل، ممن ليس كذلك فينقله إلى العذاب الوبيل " انتهى. " تفسير السعدي" (924) . وهذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم خير الناس، وأعلم الناس، وأخشاهم، وأتقاهم، قد ابتلي كثيراً، فاتهم في عقله، وطعن في عرضه، وجُرح وكُسرت رَباعيته، مع ما لاقاه صلى الله عليه وسلم من الأذى من كفار قريش، وسفهاء الطائف، وغيرهم، بل إنه صلى الله عليه وسلم قد صحَّ عنه أنه قال (إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِيَاءَ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ) رواه أحمد. قال الشيخ الألباني – رحمه الله – تعليقاً على الحديث السابق وما في معناه -: وفي هذه الأحاديث: دلالة صريحة على أن المؤمن كلما كان أقوى إيماناً: ازداد ابتلاء، وامتحاناً، والعكس بالعكس، ففيها رد على ضعفاء العقول والأحلام، الذين يظنون أن المؤمن إذا أصيب ببلاء، كالحبس، أو الطرد، أو الإقالة من الوظيفة، ونحوها: أن ذلك دليل على أن المؤمن غير مرضي عند الله تعالى! وهو ظن باطل، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أفضل البشر: كان أشد الناس - حتى الأنبياء - بلاءً، فالبلاء – غالباً - دليل خير، وليس نذير شر. " السلسلة الصحيحة " (1 / 144) . وينظر جواب السؤال رقم (71236) ففيه بيان موقف المؤمن من الابتلاء. وينظر جواب السؤال رقم (112905) ففيه بيان كيف يعرف المصاب إن كانت مصيبته عقوبة أو ابتلاء لرفع درجاته. ثالثا: إن تصوير زوجكِ الربَّ تعالى بما قاله في حقه: من استهزائه به، وضحكه عليه: من ظن السوء بالله جل جلاله، الذي هو أولى بكل جميل؛ بل ذلك من الكفر المخرج من الملة؛ لدخوله في تنقص قدر الرب تعالى، ولدخوله في حكم الاستهزاء به عز وجل، ولتشبيه الله تعالى بأفعال الناقصين من البشر، وكل ذلك كفر بالله تعالى، لا يُختلف فيه. قال تعالى: (وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ. لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ) التوبة/ 65. وليس شرطاً أن يكون ذلك الزوج عالماً أنه قد جاء بالكفر المخرج من الملة، فالحكم على فعله وقوله هو للشرع، وليس له. قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في شرح الآيات السابقة -: فدل على أنهم لم يكونوا عند أنفسهم قد أتوا كفراً، بل ظنوا أن ذلك ليس بكفرٍ، فبيَّن أن الاستهزاء بالله، وآياته، ورسوله: كفرٌ، يكفر به صاحبه بعد إيمانه، فدلَّ على أنه كان عندهم إيمان ضعيف، ففعلوا هذا المحرم الذي عرَفوا أنَّه محرم، ولكن لم يظنوه كفراً، وكان كفراً كفروا به، فإنهم لم يعتقدوا جوازه. " مجموع الفتاوى " (7 / 273) . رابعا: على الأخت السائلة أن تعلم هذا، وأن تُخبر به زوجها، وعليها أن تطلب منه أن يتلفظ بالشهادتين، ويتوب على ما صدر منه من كلمات، ويندم عليها، ويعزم على عدم العود لها، أو لمثلها. وإذا كان زوجك بهذه الحال التي وردت في السؤال، من الجهل والتمادي في غيه عند نصحك له: فحاولي أن تكلميه في وقت هدوئه وراحة باله، وبيني له عاقبة ما يقول ويفعل، وإذا كان في إمكانك أن تستعيني عليه بشيخ ثقة، يبين له سوء ما هو عليه: فهو حسن إن شاء الله، ولعل احتشامه من شخص غريب له هيئة ومنزلة: لعل ذلك أن يمنعه عن المبالغة في غيه وضلاله عند نصحه. بل لا تمكنيه من نفسك حتى يتوب، وأعلميه أنه لا يحل لك البقاء مع زوج يقول مثل ذلك في حق الله تعالى. فإن أصر على ما هو فيه من سوء الطباع، ورذيل الأقوال والأفعال، ولم يبد ندما على ما بدر منه، ولا توبة إلى الله عز وجل، وانتهاء عما يقول ويفعل: فلا خير لك في البقاء مع زوج هذه حاله، فاتركيه وما هو فيه، واحفظي ـ أنت عليك ـ دينك، وعرضك. وانظري أجوبة الأسئلة: (103082) و (21690) و (89722) . (126019) كلمات وأمثال فيها اعتراض على أفعال الله، وطعن في حكمته، وعدله. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 139751 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 795 هل يجوز الاستعانة بمن يستعين بالجن في استرجاع المفقود؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا شاب مؤمن بالله وملتزم بما مكنني الله به من الالتزام وقعت بمشكلة مالية خطيرة جدا وعويصة وسدت بوجهي جميع أبواب السماء والأرض فأصبحت أمام خيارين كلاهما سيء الأول: استرجاع النقود بمساعدة شخص يتعامل مع الجن والثاني: الانتحار فأي الطريقين أسلك؟؟؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: هون عليك أيها المسلم، فما بعد الضيق إلا الفرج، وإن مع العسر يسرا، وكلما أغرق الليل في ظلامه اقتربت تباشير الصباح، وسيأتي الفجر حتما ليمحو كل آثار الظلام الدامس، وستشرق الشمس فعلا، لينتشر النور في أرجاء الأرض، وتظهر الحياة، وجثوم الهم على قلب المسلم لا ينبغي أبدا أن يحيد به عن حسن الظن بالله، وضرورة اللجوء إليه، فما خاف غيره إلا ليأمن به، وما اضطرته البلايا إلا إلى اللجوء إليه. ولا تقل: سدت في وجهي أبواب السماء. من ذا الذي سدها في وجهك؟ ومن أين لك خبر السماء؟ وكيف تسيء الظن بربك؟ وهو الجواد الكريم سبحانه القائل – كما في الحديث القدسي الصحيح -: (يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ) . رواه مسلم (2577) . كيف تسيء الظن بمن بيده ملكوت السموات والأرض؟ يدبر الأمر، يصرف الآيات، كل يوم هو في شأن، يجيب داعيا، ويعطي سائلا، ويفك عانيا، ويشفي سقيما، ويكشف كربا، ويجيب مضطرا، ويغفر ذنبا، ويحيي حيا، ويميت ميتا، ويربي صغيرا، ويعتق رقابا، ويعطي رغابا، ويقحم عقابا. وهو أجود الأجودين وأكرم الأكرمين، يعطي عبده قبل أن يسأله فوق ما يؤمله، يشكر على القليل من العمل وينميه، ويغفر الكثير من الزلل ويمحوه، لا يشغله سمع عن سمع، ولا تغلطه كثرة المسائل، ولا يتبرم بإلحاح الملحين، يستحي من عبده حيث لا يستحي العبد منه ويستره حيث لا يستر نفسه، ويرحمه حيث لا يرحم نفسه، دعاه بنعمته وإحسانه، وناداه إلى كرامته ورضوانه، فأبي، فأرسل في طلبه وبعث معهم إليه عهده، ثم نزل سبحانه بنفسه وقال: من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ وكيف لا تحب القلوب من لا يأتي بالحسنات إلا هو، ولا يذهب بالسيئات إلا هو، ولا يجيب الدعوات ويقيل العثرات ويغفر الخطيئات ويستر العورات ويكشف الكربات ويغيث اللهفات وينيل الطلبات سواه؟ فهو أحق من ذكر، وأحق من شكر، وأحق من حمد، وأحق من عبد، وأنصر من ابتغى، وأرأف من ملك، وأجود من سئل، وأوسع من أعطي، وأرحم من استرحم، وأكرم من قصد، وأعز من التجيء اليه، وأكفي من توكل عليه. أرحم بعبده من الوالدة بولدها، وأشد فرحا بتوبة عبده التائب من الفاقد لراحلته التي عليها طعامها وشرابه في الأرض المهلكة إذا يئس من الحياة فوجدها، وهو الملك فلا شريك له، والفرد فلا ند له، كل شيء هالك إلا وجهه، لن يطاع إلا بإذنه، ولن يعصي إلا بعلمه. يطاع فيشكر، ويعصي فيغفر، أقرب شهيد وأدنى حفيظ، حال دون النفوس، وأخذ بالنواصي وكتب الآثار ونسخ الآجال، فالقلوب له مفضية، والسر عنده علانية، عنت الوجوه لنور وجهه، وعجزت القلوب عن إدراك كنهه. أكف جميع العالم ممتدة إليه بالطلب والسؤال، ويده مبسوطة لهم بالعطاء والنوال، يمينه ملأى، لا يغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار، وعطاؤه وخيره مبذول للأبرار والفجار، له كل كمال، ومنه كل خير، له الحمد كله، وله الثناء كله، وبيده الخير كله، وإليه يرجع الأمر كله، فتبارك اسمه، وتباركت أوصافه، وتباركت أفعاله، وتباركت ذاته، فالبركة كلها له ومنه، لا يتعاظمه خير سئله، ولا تنقص خزائنه على كثرة عطائه وبذله. "تفسير ابن كثير" (7/495) ، "الجواب الكافي" (ص 166) ، "شفاء لعليل" (ص 184) . فلا تقنط من رحمة الله، ولا تيأس من روح الله، وأحسن الظن به، وتوكل حق التوكل عليه، والجأ إليه في كل ما أهمك وألمّ بك، واستعن به ولا تعجز، واعلم أنه عند ظن عبده به: إن خيرا فخير، وإن شرا فشر. واعلم أن البلاء رحمة، والمؤمن بين خيري مقدورين: نعماء يشكرها، أو ضراء يصبر عليها. وقد روى الترمذي (2398) عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً؟ قَالَ: (الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ: فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ) . صححه الألباني في "صحيح الترمذي". ثانيا: الانتحار باب من أبواب العذاب، وكبيرة من كبائر الذنوب، ومسلك القانطين اليائسين من رحمة رب العالمين، وهو القائل سبحانه على لسان خليله إبراهيم عليه السلام: (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) [الحجر/56] روى البخاري (5778) ومسلم (109) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا. وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا. وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا) . وروى البخاري (3463) ومسلم (113) عن جُنْدَب بْن عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ بِهِ جُرْحٌ فَجَزِعَ فَأَخَذَ سِكِّينًا فَحَزَّ بِهَا يَدَهُ، فَمَا رَقَأَ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: بَادَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ) . فاحذر يا عبد الله من تلك الجريمة، والفعلة البائسة الضالة، فإنك مهما أصابك من ألم وضر في الدنيا، ومهما بلغت بك شدتك، فهي أهون مرات ومرات من ذلك الجرم العظيم، بل لا مقارنة بينهما أصلا؛ أين تعب الدنيا ونصبها، من جهنم وجحيمها؟! نسأل الله أن يفرج كربك، ويهدي قلبك، ويشرح صدرك. ثالثا: قد ذكرت طريقين، وتسأل عن أيهما تسلك؟ ونسيت طريقا ثالثة هي أهدى سبيلا، وأرشد دليلا: صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض. إنها طريق الأمن في أرض المخاوف، وسبيل الرشد المنقذ من الضلال، ونهج الراغبين الذين لا يزيدهم البلاء إلا رغبة فيما عند الله من الخير، ورهبة مما عنده من العذاب. يقول الله عز وجل: (وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) الأعراف/168 أي: اختبرناهم بالخير والشدة، والرغبة والرهبة، والعافية والبلاء، ليرجعوا إلى طاعة ربهم وينيبوا إليها، ويتوبوا من معاصيه. فكثيرا ما يكون البلاء أرحب أبواب التوبة والإنابة، وأوضح طريق للرجوع إلى الله. رابعا: أكثر أهل العلم على أنه لا يجوز الاستعانة بالجن في الوصول إلى المفقود، أو غير ذلك من المباحات؛ لأنهم غالبا لا يعينون شخصا إلا إذا وصلوا لمأربهم منه، من الخضوع لهم، والوقوع في أنواع من الشرك والضلالات. نسأل الله العافية. قال الله تعالى: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الِْنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) الجن/6 قال الشيخ السعدي رحمه الله: " أي: كان الإنس يعبدون الجن ويستعيذون بهم عند المخاوف والأفزاع، فزاد الإنس الجن رهقا أي: طغيانا وتكبرا لما رأوا الإنس يعبدونهم، ويستعيذون بهم، ويحتمل أن الضمير في زادوهم يرجع إلى الجن ضمير الواو؛ أي: زاد الجن الإنس ذعرا وتخويفا لما رأوهم يستعيذون بهم ليلجئوهم إلى الاستعاذة بهم، فكان الإنسي إذا نزل بواد مخوف قال: " أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه ". انتهى. "تفسير السعدي" (890) . قال علماء اللجنة الدائمة: " الاستعانة بالجن أو الملائكة والاستغاثة بهم لدفع ضر أو جلب نفع أو للتحصن من شر الجن شرك أكبر يخرج عن ملة الإسلام والعياذ بالله - سواء كان ذلك بطريق ندائهم أو كتابة أسمائهم وتعليقها تميمة أو غسلها وشرب الغسول أو نحو ذلك، إذا كان يعتقد أن التميمة أو الغسل تجلب له النفع أو تدفع عنه الضر دون الله " انتهى. "فتاوى اللجنة" (1/134-135) . وسئل علماء اللجنة: ما حكم الإسلام في الذي يستعين بالجن في معرفة المغيبات كضرب المندل؟ فأجاب علماء اللجنة: " لا يجوز الاستعانة بالجن وغيرهم من المخلوقات في معرفة المغيبات لا بدعائهم والتزلف إليهم ولا بضرب مندل أو غيره، بل ذلك شرك؛ لأنه نوع من العبادة، وقد أعلم الله عباده أن يخصوه بها فيقولوا: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لابن عباس: (إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله … الحديث) انتهى. "فتاوى اللجنة" (1/345-348) وسئل الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك حفظه الله: ترك جدنا تركة مخفية في بيت لنا قديم بحثنا عنها ولم نجدها، وتعرفت على شخص أكد وجودها وأنه يستطيع إخراجها، علماً أنه يستخدم الجن، لكنه أقسم بالله أنه لا يشرك بالله عندما يستخدمهم وأنه لم يشرك بالله، هل يجوز لي أن أستخدمه في إخراجها؟ علماً أنه قال لي: أنا وأنت نذهب لأحد المشايخ ونسأله عن جواز ذلك من عدمه، ولكنني لم أفعل، علماً أنني سمعت أنه يجوز ذلك إذا لم يكن فيه إضرار بالآخرين، وهو كذلك إذ التركة خاصة بنا وهي كبيرة جداً. فأجاب الشيخ: " ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث عدة أن من أتى كاهناً أو عرافاً فسأله عن شيء فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، والمعروف أن الكهان إنما يتلقون ما يخبرون به عن الشيطان مما يسترقه الشيطان من السماء ومما يطلعون عليه من أحوال الناس، وعلى ذلك فهذا الذي يدعي أنه يعرف مكان ذلك المال، وأنه يستعين بالجن في معرفة مكان هذا المال أو غيره من الأمور المخفية الظاهر من حاله أنه كاهن، بل هو كاهن ولو زعم أنه لا يشرك، ولو أقسم على ذلك، فلا يجوز إذاً الاستعانة به على معرفة مكان هذا المال، ولكن ابحثوا عن أسباب أخرى وتحروا لعلكم تعثرون على هذه التركة دون أن تتوسلوا بما حرم الله، ولهذا نص بعض أهل العلم في تعريف الكاهن أنه الذي يخبر بالمغيبات في المستقبل ويدل على مكان المسروق وعلى الضالة، فهذا مما يحترفه الكهان ويسألهم الناس فيه، فالواجب على المسلم أن يحرص على سلامة دينه ولو فاته ما فاته من أمر الدنيا، والله أعلم " انتهى. وقال الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ حفظه الله: " الاستعانة بالجن سواء أكانوا مسلمين أم غير مسلمين وسيلة من وسائل الشرك، والاستعانة معناها: طلب الإعانة؛ ولهذا فمن المتقرر عند أهل العلم أنه لا يجوز طلب الإعانة من مسلمي الجن؛ لأن الصحابة - رضوان الله عليهم - لم يطلبوا ذلك منهم، وهم أولى أن تخدمهم الجن، وأن تعينهم. وأصل الاستعانة بالجن: من أسباب إغراء الإنسي بالتوسل إلى الجني، وبرفعة مقامه، وبالاستمتاع به، وقد قال - جل وعلا -: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا) الأنعام / 128، فحصل الاستمتاع - كما قال المفسرون - من الجني بالإنسي: بأن الإنسي يتقرب إليه، ويخضع له، ويذل، ويكون في حاجته، ويحصل الاستمتاع من الإنسي بالجني بأن يخدمه الجني، وقد يكن مع ذلك الاستمتاع ذبح من الإنسي للجني، وتقرب بأنواع العبادات، أو بالكفر بالله - جل وعلا - والعياذ بالله، بإهانة المصحف، أو بامتهانه أو نحو ذلك؛ ولهذا نقول: إن تلك الاستعانة بجميع أنواعها لا تجوز، فمنها ما هو شرك -كالاستعانة بشياطين الجن- يعني: الكفار - ومنها ما هو وسيلة إلى الشرك، كالاستعانة بمسلمي الجن " انتهى. "التمهيد لشرح كتاب التوحيد" (2/ 373-374) - ترقيم الشاملة. والله أعلم. راجع إجابة السؤال رقم: (111938) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 137948 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 796 لا يجوز الأكل من ذبيحة ذبحت لغير الله، وإن ذكر الذابح عليها اسم الله [السُّؤَالُ] ـ[هناك ذبيحة لشخص من البوذيون اشتراها ليذبحها لمعتقد عندهم يخالف ديننا، (على ما أعتقد لطرد الأرواح الشريرة، لكن الذي ذبحها مسلم، وعلى الطريقة الإسلامية. فهل يجوز أكلها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الذبح إن كان المراد به مجرد اللحم، كما هو الأصل في ذبائح الناس: فالواجب أن يكون على اسم الله تعالى؛ فما ذكر اسم الله عليه: حل أكله، إذا كان قد ذبح بالطريقة الشرعية المعروفة، فإن لم يذكر اسم الله عليه: لم يحل أكله؛ قال الله تعالى: (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ * وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ) الأنعام /118-119. وقال تعالى أيضا: (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) الأنعام/121. وأما إن كان المراد بالذبح: القربة والعبادة: فيجب أن يضاف إلى ذلك أن تكون تلك القربة إلى الله تعالى، كسائر القربات والعبادات. قال الله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) الأنعام /162-163. قال ابن كثير رحمه الله تعالى: " يأمره تعالى أن يخبر المشركين الذين يعبدون غير الله، ويذبحون لغير اسمه، أنه مخالف لهم في ذلك؛ فإن صلاته لله ونسكه على اسمه وحده لا شريك له، وهذا كقوله تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) الكوثر / 2. أي: أخلص له صلاتك وذبيحتك؛ فإن المشركين كانوا يعبدون الأصنام ويذبحون لها، فأمره الله تعالى بمخالفتهم والانحراف عما هم فيه، والإقبال بالقصد والنية والعزم على الإخلاص لله تعالى " انتهى. تفسير ابن كثير - (3 / 381-382) وروى مسلم (1978) عن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ) . قال النووي رحمه الله: أَمَّا الذَّبْح لِغَيْرِ اللَّه: فَالْمُرَاد بِهِ أَنْ يَذْبَح بِاسْمِ غَيْر اللَّه تَعَالَى، كَمَنْ ذَبَحَ لِلصَّنَمِ أَوْ الصَّلِيب أَوْ لِمُوسَى أَوْ لِعِيسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِمَا أَوْ لِلْكَعْبَةِ وَنَحْو ذَلِكَ , فَكُلّ هَذَا حَرَام , وَلَا تَحِلّ هَذِهِ الذَّبِيحَة , سَوَاء كَانَ الذَّابِح مُسْلِمًا أَوْ نَصْرَانِيًّا أَوْ يَهُودِيًّا , نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيّ , وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابنَا , فَإِنْ قَصَدَ مَعَ ذَلِكَ تَعْظِيم الْمَذْبُوح لَهُ غَيْر اللَّه تَعَالَى وَالْعِبَادَة لَهُ كَانَ ذَلِكَ كُفْرًا , فَإِنْ كَانَ الذَّابِح مُسْلِمًا قَبْل ذَلِكَ صَارَ بِالذَّبْحِ مُرْتَدًّا " انتهى. فمن ذبح وقصد غير الله، كمن ذبح للصنم، أو لدفع الروح الشريرة – كما يزعمون – أو تقربا لما يعبد من دون الله، أو لولي ونحو ذلك: فهو مشرك خارج عن الملة، ولا يحل الأكل من ذبيحته، سواء ذكر اسم الله عليها أو لم يذكر اسم الله؛ لأنها أهلّ بها لغير الله، وقد قال الله تعالى: (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) البقرة / 173 وقوله تعالى: (وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ) أي: ذبح لغير الله. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " قوله تعالى: (وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ) ظاهره أنه ما ذبح لغير الله، مثل أن يقال هذا ذبيحة لكذا؛ وإذا كان هذا هو المقصود فسواء لفظ به أو لم يلفظ، وتحريم هذا أظهر من تحريم ما ذبحه النصراني للحم وقال فيه باسم المسيح ونحوه، كما أن ما ذبحناه نحن متقربين به إلى الله سبحانه كان أزكى وأعظم مما ذبحناه للحم وقلنا عليه باسم الله؛ فإن عبادة الله سبحانه بالصلاة له والنسك له أعظم من الاستعانة باسمه في فواتح الأمور، فكذلك الشرك بالصلاة لغيره والنسك لغيره أعظم شركا من الاستعانة باسم هذا الغير في فواتح الأمور؛ فإذا حرم ما قيل فيه باسم المسيح والزهرة فلأن يحرم ما قيل فيه لأجل المسيح والزهرة، أو قصد به ذلك أولى ... ؛ وعلى هذا فلو ذبح لغير الله متقربا به إليه: لحرم، وإن قال فيه بسم الله؛ كما يفعله طائفة من منافقي هذه الأمة الذين يتقربون إلى الأولياء والكواكب بالذبح والبخور ونحو ذلك، وإن كان هؤلاء مرتدين لا تباح ذبيحتهم بحال، لكن يجتمع في الذبيحة مانعان ... " انتهى من "اقتضاء الصراط المستقيم" (260) . وقال علماء اللجنة الدائمة: " الذبح لغير الله شرك، وحكم الذبيحة حكم الميتة، ولا يجوز أكلها، ولو ذكر عليها اسم الله، إذا تحقق أنها ذبحت لغير الله " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/226) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " الذبح لغير الله شرك أكبر، لأن الذبح عبادة، فمن ذبح لغير الله فهو مشرك شركا مخرجا عن الملة – والعياذ بالله – سواء ذبح ذلك لملك من الملائكة، أو لرسول من الرسل، أو لنبي من الأنبياء، أو لخليفة من الخلفاء، أو لولي من الأولياء، أو لعالم من العلماء، فكل ذلك شرك بالله – عز وجل – ومخرج عن الملة. وأما الأكل من لحوم هذه الذبائح فإنه محرم؛ لأنها أهل لغير الله بها، وكل شيء أهل لغير الله به، أو ذبح على النصب، فإنه محرم " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (2/148) . وهذا الذابح المسلم إن كان يعلم أنها إنما تُذبح لهذا الذي ذبحت له: فهو ذابح لغير الله، ولو ذكر اسم الله عليها، وهذا من الشرك الأكبر كما تقدم، وإن كان قد ذبحها وهو لا يعلم، وإنما طُلب منه أن يذبح فذبح، يظنهم إنما يذبحونها للحم: فلا شيء عليه. والله أعلم. راجع إجابة السؤال رقم: (44730) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136340 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 797 كذب ادعاء معرفة الغيب باستعمال " البنْدول " وأنه مصدر طاقة! [السُّؤَالُ] ـ[إنني شاب مسلم، وأعمل مهندساً، وأعيش في " الهند "، وكما تعرفون فإنَّ في " الهند " الكثير من الجماعات , وإنني أحمد الله فعقيدتي متفقة مع أهل السنَّة والجماعة، وأهل السلف , ولديَّ صديق من جماعة " التبليغ " يقول بأن هناك عالماً علَّمَنا فنّاً من الفنون، وهو معرفة الإجابات باستخدام " البندول " , وهذا الفن كالتالي: يقوم الشخص بإمساك " البندول " , ويقوم بالسؤال , ومن المفترض أنه يرسل موجات راديو إلى عقول أشخاص آخرين، ثم بعد ذلك يحصل على الإجابة منهم، ويقوم " البندول " بكشف هذا التردد، ويظهر الإجابة , وقد اعتقدت أنه كاذب، وكنت أحتاج إلى ما يثبت ذلك , وقلت له: لا أدري إن كان الإسلام يحل هذا أم يحرمه، ولكنني أرى أنها جاءت بمحض الحظ، وهو ما يجعلها حراماً، فقال لي: إن هذا ليس تنجيماً , ولكنه استخدام للحس بأعلى درجاته، كما أننا لا نقول معلومات بخصوص المستقبل , وإنما نجيب عن بعض الأسئلة التي هي في العقول، وقد فعل هذا أمامي لعدد من الأشخاص حتى أنني قلت إنه يسخر الجن، أو شيء ما، ومهما كان ما يقوم به فإنني أوقفت التفكير به، وبدأت في البحث حول هذا الأمر - " البحث بالبندول " -، ثم بدأت البحث على شبكة الإنترنت، ووجدت شيئاً غير عادي، أنه موجود على " الجوجل " , وأن هناك الكثير من الناس متورطون فيه، ويقولون بأنه يأتي بنتيجة، ثم ذهبت إلى تاريخ هذا الفن، فوجدت أنه موجود منذ أيام الفراعنة، وتم تطويره، وأن هناك بعض البندولات التي استخدموها لمعرفة قوى الحياة. ورؤيتي لهذا الأمر أنه حرام , ولا أدري لم أحسه تنجيماً، وأنه يبدو خرافة كبيرة، وكلٌّ من التنجيم والخرافات: جريمة، وإنني أريدكم أن تنيروا لي طريقي في هذا الأمر، وأريد أن أنأى بصديقي هذا عن مثل هذه الأعمال إذا كانت من المحرمات، إنني فقط أريد دليلاً من القرآن الكريم، والحديث الشريف، وطريق السلف الصالح. جزاكم الله خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله جزاك الله خيراً، وبارك فيك، فإن تنبهك لهذا الأمر الذي هو أقرب إلى الشعوذة والسحر: إن دل فهو يدل على فقهك، وفهمك للتوحيد، ثبتك الله، ونفع بك. وما سألت عنه من أمر البندول يتلخص جوابه في أمور: أولاً: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إتيان العرافين والمشعوذين والسحرة والكهنة، وحذَّر من تصديقهم , وعدَّ ذلك من الكفر، ومعلوم أن " العرَّاف " هو الذي يدَّعي معرفة الأمور الماضية، وقد يشمل لفظ العرَّاف أيضاً: الكهانة، وهو ادعاء معرفة الأمور المستقبلية. وانظر جواب السؤال رقم (85541) للوقوف على تعريفه، وحكم الذهاب إليه، وإلى السحرة. ثانياً: من المقرر في شريعتنا أنه لا يعلم الغيب إلا الله، كما قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنزلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) لقمان/ 34، ولو شاء الله أن يُطلع أحداً على شيء من الغيب فإن ذلك لا يكون إلا لرسول من رسله، قال تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا. إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا) الجن/ 26، 27. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا) من الخلق، بل انفرد بعلم الضمائر، والأسرار، والغيب. (إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ) أي: فإنه يخبره بما اقتضت حكمته أن يخبره به؛ وذلك لأن الرسل ليسوا كغيرهم، فإن الله أيدهم بتأييد ما أيده أحداً من الخلق، وحفظ ما أوحاه إليهم حتى يبلغوه على حقيقته، من غير أن تتخبطهم الشياطين، ولا يزيدوا فيه، أو ينقصوا. " تفسير السعدي " (ص 891، 892) . ومن الغيب الذي استأثر الله بعلمه: معرفة ما في القلوب، والضمائر، والأنفس، فمن زعم من البشر – غير الرسل – معرفته: فهو عرَّاف، كاذب. قال الله تعالى في ثنائه على نفسه بما هو أهله: (يَعْلَمُ خَاِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) غافر/19. قال ابن كثير رحمه الله: " يخبر تعالى عن علمه التام المحيط بجميع الأشياء، جليلها وحقيرها، صغيرها وكبيرها، دقيقها ولطيفها؛ ليحذر الناس علمه فيهم، فيستحيوا من الله حَقّ الحياء، ويَتَّقُوهُ حق تقواه، ويراقبوه مراقبة من يعلم أنه يراه، فإنه تعالى يعلم العين الخائنة وإن أبدت أمانة، ويعلم ما تنطوي عليه خبايا الصدور من الضمائر والسرائر" انتهى. "تفسير ابن كثير" (7/137) . وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم كيف يدَّعي العرَّافون والكهنة علمَ بعض الأمور الغيبية عن بعض الناس , ومن ذلك: استراق السمع من السماء , كما جاء في الحديث عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِذَا قَضَى اللَّهُ الأَمْرَ فِي السَّمَاءِ ضَرَبَتِ الْمَلاَئِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ كَالسِّلْسِلَةِ عَلَى صَفْوَانٍ يَنْفُذُهُمْ ذَلِكَ فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ، قَالُوا لِلَّذِي قَالَ: الْحَقَّ وَهْوَ الْعَلِىُّ الْكَبِيرُ، فَيَسْمَعُهَا مُسْتَرِقُو السَّمْعِ، وَمُسْتَرِقُو السَّمْعِ هَكَذَا وَاحِدٌ فَوْقَ آخَرَ - وَوَصَفَ سُفْيَانُ بِيَدِهِ، وَفَرَّجَ بَيْنَ أَصَابِعِ يَدِهِ الْيُمْنَى، نَصَبَهَا بَعْضَهَا فَوْقَ بَعْضٍ - فَرُبَّمَا أَدْرَكَ الشِّهَابُ الْمُسْتَمِعَ، قَبْلَ أَنْ يَرْمِىَ بِهَا إِلَى صَاحِبِهِ، فَيُحْرِقَهُ وَرُبَّمَا لَمْ يُدْرِكْهُ حَتَّى يَرْمِىَ بِهَا إِلَى الَّذِي يَلِيهِ إِلَى الَّذِي هُوَ أَسْفَلُ مِنْهُ حَتَّى يُلْقُوهَا إِلَى الأَرْضِ - وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى الأَرْضِ - فَتُلْقَى عَلَى فَمِ السَّاحِرِ، فَيَكْذِبُ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ فَيَصْدُقُ، فَيَقُولُونَ أَلَمْ يُخْبِرْنَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا يَكُونُ كَذَا وَكَذَا، فَوَجَدْنَاهُ حَقًّا لِلْكَلِمَةِ الَّتِي سُمِعَتْ مِنَ السَّمَاءِ) . رواه البخاري (4424) . وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ) ، قَالُوا: وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (وإياي إِلاَّ أَنَّ اللَّهَ أعانني عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ فَلاَ يَأْمُرُنِي إِلاَّ بِخَيْرٍ) . رواه مسلم (2814) . وهذا القرين ملازم للإنسان يعرف بعض شؤونه الخاصة , فربما خدم هذا القرينُ شياطينَ الساحر، والعرَّاف؛ لإغواء الناس، وإيقاعهم في الشرك، والتعلق بغير الله تعالى , فيعطي للعراف وللساحر بعض المعلومات الخاصة التي تغيب عن الناس , فيظن أن هذا الساحر، أو العراف، يعلم الغيب، أو أنه صاحب كرامات , وقد يستخدم بعض الطرق للتلبيس على الناس , كاستخدام استفتاح المصحف , أو حركة البندول، أو غير ذلك. والدليل على كذب وتدليس مستخدم البندول: أن استخداماته في أمور كثيرة، كتحديد جنس المولود , والكشف عن الأمراض، وتحديد أماكنها، وغير ذلك: مما يدل على كذب صاحب ذلك الادعاء؛ لأنه ليس المقصود هو " البندول " بحد ذاته، بل هو ادعاء صاحبه معرفة أشياء كثيرة غيبية، وما استخدام البندول إلا حيلة حتى يصير التركيز عليه باعتباره وسيلة! ولا يختلف هذا الفعل عن فعل إخوانه الكهان مما يدعون معرفة الغيب بالنظر في كف اليد، أو فنجان القهوة! . وادعاء علاقة بين البندول والطاقة: ليس له أصل في الشرع، ولا في العلم الحديث، وإنما أُخذ هذا من الفراعنة، وأتباعهم. قالت الدكتورة فوز كردي – حفظها الله -: وهذه الطاقة غير قابلة للقياس بأجهزة قياس الطاقة المعروفة، وإنما يُدّعى قياسها بواسطة أجهزة خاصة مثل " البندول "، فبحسب اتجاه دورانه تُعرف الطاقة السلبية من الطاقة الإيجابية. انتهى http://www.alfowz.com/index.php?option=com_content&task;=view&id;=44&Itemid;=2 والمسلم في حكمه على الشيء ينطلق من ثوابت ومسلمات الشريعة , فالغيب استأثر الله بعلمه , والعراف من ادعى علم المستقبل , وتصديقهم من كبائر الذنوب , بل من الكفر. ولا شك أن الشعوذة، والسحر، والكهانة، تتطور على حسب تطور العصر، فلما كان هذا العصر هو عصر التطورات والاكتشافات والتكنولوجيا: فلا بد أن يلبَس السحرُ والشعوذة لبوس العلم، والتجربة , وتحت مسميات " الطاقة الخفية "، أو " الذبذبات العقلية " ... الخ. ومثل هذه تنتشر في البلاد غير الإسلامية ممن يكثر بين أهلها انتشار الجهل والبدعة والخرافة، كالهند، وجنوب شرق آسيا، وغيرها من البلاد، ولا ينبغي أن ننسى دور " البوذيين " و " الهندوس " في نشر الخرافة في تلك البلاد، حتى وصل تأثير ذلك إلى عوام المسلمين. ثالثا: يمكن تسمية ما يدعيه ذلك المشعوذ كهانة أو عرافة أو تنجيما، فكلها ألفاظ تنطبق معانيها على ذلك الادعاء، وهي في نفسها متداخلة في صورها، ومتفقة في أحكامها. قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: والمنجم يدخل في اسم الكاهن عند الخطَّابي، وغيره من العلماء، وحكى ذلك عن العرب، وعند آخرين هو من جنس الكاهن، وأسوأ حالا منه، فلحق به من جهة المعنى. " مجموع الفتاوى " (35 / 193، 194) . وقال القرطبي – رحمه الله -: والعرَّاف: هو الحازر، والمنجم: الذي يدَّعي علم الغيب، وهي من العرافة، وصاحبها عرَّاف، وهو الذي يستدل على الأمور بأسباب، ومقدمات يدَّعي معرفتها، وقد يعتضد بعض أهل هذا الفن في ذلك بالزجر، والطرْق، والنجوم، وأسباب معتادة في ذلك، وهذا الفن هو العيافة " بالياء "، وكلها يُطلق عليها اسم الكهانة. قاله القاضي عياض. " تفسير القرطبي " (7 / 3) . وقد هدى الله هذه الأمة لسلوك طريق الحق، وكفاها عن مثل هذه الطرق , بثوابت في كتابه تعالى، وسنَّة نبيِّه صلى الله عليه وسلم , ومثل هذه الحيل والطرق المبتكرة لا تنطلي إلا على من لم يهتد بنبراس الهداية، أو على إنسان قلَّ علمه، وتفقهه بشريعة الإسلام، وغلب عليه الجهل بالتوحيد. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 135589 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 798 السؤال ببركة فلان ـ أحد الصالحين ـ [السُّؤَالُ] ـ[فضيلة الشيخ لنا إمام مسجد يقول: إنه يجوز للإنسان أن يسأل الله ببركة فلان، كأن يقول: اغفر لي يا رب ببركة فلان ـ أي أحد الصالحين مثلاً ـ فهل هذا نوع من الشرك؟ علماً بأنه في نفس الوقت لا يصرح بها شفهياً إلا إذا سألناه، كما أن هذا الإمام يكتب الحجاب والبخورات للناس كطرق علاج فهل نصلي خلفه أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "هذا ليس من الشرك، ولكنه من وسائل الشرك، وهو التوسل ببركة فلان، أو بحق فلان، أو جاه فلان، أو ذات فلان، هذا من وسائل الشرك، وليس من الشرك، بل هو بدعة عند جمهور أهل العلم، لأن التوسل عبادة لابد لها من توقيف، ولابد لها من بيان من الله عز وجل، أو من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله سبحانه بَيَّن لنا وهكذا الرسول صلى الله عليه وسلم بَيَّن لنا وسائل العبادة، وأن المشروع أن نتوسل إلى الله في دعائنا إياه بأسمائه، كما قال سبحانه: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) الأعراف/180، وهكذا صفاته سبحانه وتعالى، وهكذا التوسل بالتوحيد: اللهم إني أسألك بأنني أشهد أن لا إله إلا أنت، كما جاء في الحديث. وهكذا التوسل بالأعمال الصالحات، فيتوسل المؤمن بإيمانه بالله ورسله، وبمحبته لله ورسوله، وبره بوالديه، وبأدائه الأمانة، وبعفته عن الفواحش، وبمحافظته على الصلوات، إلى غير ذلك. وفي هذا الباب: قصة أهل الغار، الثابتة في الحديث الذي رواه الشيخان: البخاري ومسلم في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن ثلاثة من الناس فيمن كان قبلنا، آواهم المبيت، وفي رواية: (المطر) ، إلى غار فدخلوا فيه، فانحدرت عليهم صخرة سدت عليهم الغار، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنهم فيما بينهم قالوا: لن ينجيكم من هذا الأمر إلا أن تسألوا الله بصالح أعمالكم، فقام أحدهم فسأل ربه ببره لوالديه، فانفرجت الصخرة بعض الشيء، وقام الثاني وسأل الله بعفته عن الفاحشة عن الزنا، فانفرجت الصخرة بعض الشيء، وقام الثالث وتوسل إلى الله بأدائه الأمانة، فانفرجت الصخرة وخرجوا) . وهذا دليل على أن التوسل بالأعمال الصالحات وسيلة شرعية. وهكذا التوسل بأسماء الله وصفاته كما تقدم، وهكذا التوسل بتوحيده والإخلاص له، أما التوسل بجاه فلان، أو ببركة فلان، أو بحق فلان، فهذا لا أصل له، ولا يجوز، بل هو من البدع، ولكن ليس من الشرك. والصلاة خلف الإمام الذي يقول هذا صحيحة. لكن ينبغي أن يعلَّم ويوجه إلى الخير، فإن عرف الحق وامتثل له وتاب إلى الله من ذلك وإلا فالواجب أن يبدل بغيره، والواجب على المسؤولين أن يلتمسوا إماماً أصلح منه للمسجد حتى لا يَغُرَّ الناس. وهكذا إذا كان يتعاطى كتب (الحجب) وهي التمائم، فهذا أيضاً منكر، والرسول صلى الله عليه وسلم أمر بقطع التمائم وقال: (من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا أودع الله له) وأخبر أنها شرك، فلا يجوز كتابة التمائم لا من العظام، ولا من الخرز، ولا من الطلاسم، ولا من غير ذلك. واختلف العلماء فيما إذا كانت التمائم من القرآن على قولين: أحدهما: الجواز، والثاني: المنع، والصواب: المنع، فلا يجوز اتخاذ التمائم والحُجُب حتى ولو من القرآن في أصح قولي العلماء، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن التمائم، وأطلق وعَمَّم، فلا يجوز استثناء شيء من ذلك، ولأن تعليق التمائم من القرآن وسيلة إلى تعليق غيرها، فينفتح الباب، ويقع الشرك، وسد الذرائع أمر معلوم من الشريعة، وأصل من أصولها، ولأن تعليقها قد يفضي إلى امتهان الآيات القرآنية، فوجب منع ذلك. وأما البخور فشيء آخر، فقد تُعالج بعض الأمراض بالخور، ولكن بعض من يدعي الطب قد يتظاهر بأشياء وعنده أشياء أخرى، قد يتظاهر بالتمائم أو بالبخور وهو يتعاطى خدمة الجن، وسؤال الجن، ودعوى علم الغيب بواسطة الجن، ومثل هذا خطره عظيم، فالواجب أن ينكر على هذا، وإن يوجه إلى الخير، وأن يُعلَّم حتى يستفيد، وحتى ينتبه لهذا الخطر، فإن استقام وتاب إلى الله وسار على الطريق السوي وإلا فالواجب إبداله بغيره من أئمة المسلمين الذين عندهم العناية بأمر الله، وعندهم صلاح العقيدة، وسلامة الدين ـ والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (1/298 – 300) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجوب الحديث: 133637 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 799 اعتقاد النفع والضرر من الأولياء [السُّؤَالُ] ـ[بعض المسلمين يعتقدون أن للأولياء تصرفات تضر وتنفع، وتجلب النفع وتدفع البلاء، بينما هم ينتمون إلى الإسلام، ويؤدون شعائر الإسلام كالصلاة وغيرها، فهل تصح الصلاة خلف إمامهم؟ وهل يجوز الاستغفار لهم بعد موتهم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "هذا قول من أقبح الأقوال، وهذا من الكفر والشرك بالله عزَّ وجلَّ؛ لأن الأولياء لا ينفعون ولا يضرون، ولا يجلبون منافع ولا يدفعون مضاراً، إذا كانوا أمواتاً، إذا صح أن يسموا أولياء لأنهم معروفون بالعبادة والصلاح، فإنهم لا ينفعون ولا يضرون، بل النافع الضار هو الله وحده، فهو الذي يجلب النفع للعباد، وهو الذي يدفع عنهم الضر، كما قال الله جل وعلا للنبي صلى الله عليه وسلم: (قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ) الأعراف/188، فهو النافع الضار سبحانه وتعالى. قال سبحانه وتعالى في المشركين: (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ) يونس/18، فالله جل وعلا هو النافع الضار، وجميع الخلق لا ينفعون ولا يضرون. أما الأموات فظاهر؛ لأنه قد انقطعت حركاتهم، وذهبت حياتهم، فلا ينفعون أنفسهم ولا غيرهم، ولا يضرون، لأنهم فقدوا الحياة، وفقدوا القدرة على التصرف، وهكذا في الحياة لا ينفعون ولا يضرون إلا بإذن الله، ومن زعم أنهم مستقلون بالنفع والضر وهم أحياء كفر أيضاً، بل النافع الضار هو الله وحده سبحانه وتعالى، ولهذا لا تجوز عبادتهم، ولا دعاؤهم، ولا الاستغاثة بهم، ولا النذر لهم، ولا طلب المدد منهم. ومن هذا يعلم كل ذي بصيرة أن ما يفعله الناس عند قبر البدوي، أو عند قبر الحسين، أو عند قبر موسى كاظم، أو عند قبر الشيخ عبد القادر الجيلاني، أو ما أشبه ذلك، من طلب المدد والغوث أنه من الكفر بالله، ومن الشرك بالله سبحانه وتعالى، فيجب الحذر من ذلك، والتوبة من ذلك، والتواصي بترك ذلك. ولا يُصلى خلف هؤلاء، لأنهم مشركون، وعملهم هذا شرك أكبر، فلا يُصلى خلفهم، ولا يُصلى على ميتهم؛ لأنهم عملوا الشرك الأكبر الذي كانت عليه الجاهلية في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، كأبي جهل وأشباهه من كفار مكة، وعليه كفار العرب؛ وهو دعاء الأموات والاستغاثة بهم أو بالأشجار والأحجار، وهذا هو عين الشرك بالله عزَّ وجلَّ، والله سبحانه يقول: (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الأنعام/88. والواجب على أهل العلم أن يبينوا لهم، وأن يوضحوا لهم الحق، وأن يرشدوهم إلى الصواب، وأن يحذروهم من هذا الشرك بالله، فيجب على العلماء في كل من مصر والشام، والعراق، ومكة، والمدينة، وسائر البلاد، أن يرشدوا الناس، ولا سيما عند وجود الحجاج، فيجب أن يرشدوا ويبينوا لهم هذا الأمر العظيم، والخطر الكبير؛ لأن بعض الناس قد وقع فيه في بلاده فيجب أن يبين لهم توحيد الله، ومعنى لا إله إلا الله، وأن معناها لا معبود حق إلا الله، فهي تنفي الشرك وتنفي العبادة لغير الله، وتوجب العبادة لله وحده، وهذا معنى قوله سبحانه: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) الإسراء/23، وقوله سبحانه: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) البينة/5، ومعنى قوله جل وعلا: (فَاعْبُدْ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ) الزمر/2،3، وقوله سبحانه: (فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) غافر/14. فالواجب توجيه العباد إلى الخير، وإرشادهم إلى توحيد الله، وأن الواجب على كل إنسان أن يعبد الله وحده، ويخصه بالعبادة؛ من دعاء، ورجاء، وتوكل وطلب الغوث، وصلاة، وصيام، إلى غير ذلك، كله لله وحده، ولا يجوز أبداً فعل شيء من ذلك لغير الله سبحانه وتعالى، سواء كان نبياً أو ولياً أو غير ذلك. فالنبي لا يملك لنفسه ولا لغيره ضراً ولا نفعاً إلا بإذن الله، ولكن يجب أن يُتَّبع، ويطاع في الحق، ويُحَبَّ المحبة الصادقة، ونبينا صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء وأشرفهم، ومع ذلك لا يُدعى من دون الله، ولا يُستغاث به، ولا يُسجد له، ولا يُصلى له، ولا يُطلب منه المدد، ولكن يُتبع، ويُصلى ويُسلم عليه، ويجب أن يكون أحب إلينا من أنفسنا وأموالنا وآبائنا وأولادنا، وغيرهم كما قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) . لكن هذه المحبة لا توجب أن نشرك به، ولا تُسَوِّغ لنا أن ندعوه من دون الله، أو نستغيث به، أو نسأله المدد، أو الشفاء. ولكن نحبه المحبة الصادقة لأنه رسول الله إلينا، ولأنه أفضل الخلق، ولأنه بَلَّغ الرسالة، وأَدَّى الأمانة، نحبه في الله محبة صادقة فوق محبة الناس والمال والولد، ولكن لا نعبده مع الله. وهكذا الأولياء نحبهم في الله، ونترحم عليهم، من العلماء والعباد، ولكن لا ندعوهم مع الله، ولا نستغيث بهم، ولا نطوف بقبورهم، ولا نطلب منهم المدد، كل هذا شرك بالله ولا يجوز. والطواف بالكعبة لله وحده، فالطواف بالقبر من أجل طلب الفائدة من الميت، وطلب المدد، وطلب الشفاء وطلب النصر على الأعداء كل هذا من الشرك بالله عز وجل، فالواجب الحذر منه غاية الحذر. ومن وسائل الشرك بهم: البناء على قبورهم، واتخاذ المساجد والقباب عليها، ولهذا صح عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: (لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ) متفق على صحته، وثبت في صحح مسلم عن جابر رضي الله عنه أنه قال: (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ، وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ، وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ) ، وفي صحيح مسلم عن جندب بن عبد الله البجلي عَنْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: (أَلَا وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ، أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، إِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ) ، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (1/109 – 112) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 133081 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 800 القوانين التي تمنع تعدد الزوجات أو تضيقه [السُّؤَالُ] ـ[ما رأيكم في القوانين التي تمنع تعدد الزوجات؟ أو التي تجعل من حق الزوجة أن تطلب الطلاق إذا تزوج زوجها عليها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب على المسلم حاكماً أو محكوماً أن يكون تحاكمه إلى الله ورسوله، لا إلى غيرهما، فقد أمرنا الله تعالى بطاعة أولياء أمورنا، ثم أمر الجميع الحكام والمحكومين، إن تنازعوا في شيء أن يردوه إلى كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وجعل ذلك شرطاً في الإيمان، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) النساء/59. قال السعدي رحمه الله: "أمر برد كل ما تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه إلى الله وإلى رسوله أي: إلى كتاب الله وسنة رسوله؛ فإن فيهما الفصل في جميع المسائل الخلافية، إما بصريحهما أو عمومهما؛ أو إيماء، أو تنبيه، أو مفهوم، أو عموم معنى يقاس عليه ما أشبهه، لأن كتاب الله وسنة رسوله عليهما بناء الدين، ولا يستقيم الإيمان إلا بهما. فالرد إليهما شرط في الإيمان فلهذا قال: (إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) فدل ذلك على أن من لم يرد إليهما مسائل النزاع فليس بمؤمن حقيقة، بل مؤمن بالطاغوت، كما ذكر في الآية بعدها (ذَلِكَ) أي: الرد إلى الله ورسوله (خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا) فإن حكم الله ورسوله أحسن الأحكام وأعدلها وأصلحها للناس في أمر دينهم ودنياهم وعاقبتهم" انتهى. وقال تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) النساء/65. فالتحاكم إلى غير الله ورسوله وإلزام الناس بذلك أمر خطير، قد يخرج صاحبه من الإيمان بالكلية. ولذلك فإننا نتوجه بالنصيحة أولاً إلى هؤلاء الحكام الذين غَيَّروا وبَدَّلوا أحكام الله، فقد أباح الله تعالى للرجل أن يتزوج بأربع نساء، وأوجب عليه العدل بينهن، فقال تعالى: (فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ) النساء/3. ولم يشترط الله تعالى موافقة الزوجة الأولى، ولا جعل من حقها طلب الطلاق إذا تزوج زوجها عليها، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أَيُّمَا شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ) رواه البخاري (2563) ومسلم (1504) . فكل ما خالف كتاب الله فهو باطل، لا يجوز العمل به. ثم لا ينقضي العجب من التضييق على الرجل فيما أحلَّ الله له، ومنعه منه، ثم فتح باب الحرام أمامه على مصراعيه. فكثير من تلك القوانين الجاهلية التي تمنع تعدد الزوجات أو تضيقه لا تمنع أن يتخذ الرجل عشيقة، بل عشيقات، وهذا تحريم للحلال، وتحليل للحرام، وقد وصف الله كل حكم خالف حكمه بأنه حكم جاهلي، فقال تعالى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) المائدة/50. قال ابن كثير رحمه الله: "ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المُحْكَم المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات، التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات، مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكزخان، الذي وضع لهم اليَساق، وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها عن شرائع شتى، من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بنيه شرعًا متبعًا، يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ومن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله، حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير، قال الله تعالى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ) أي: يبتغون ويريدون، وعن حكم الله يعدلون. (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) أي: ومن أعدل من الله في حكمه لمن عَقل عن الله شرعه، وآمن به وأيقن وعلم أنه تعالى أحكم الحاكمين، وأرحم بخلقه من الوالدة بولدها، فإنه تعالى هو العالم بكل شيء، القادر على كل شيء، العادل في كل شيء. قال الحسن: من حكم بغير حكم الله، فحكم الجاهلية هو. وروى البخاري (6882) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَبْغَضُ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ ثَلَاثَةٌ: مُلْحِدٌ فِي الْحَرَمِ، وَمُبْتَغٍ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَمُطَّلِبُ دَمِ امْرِئٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لِيُهَرِيقَ دَمَهُ) " انتهى بتصرف يسير. "تفسير ابن كثير" (2/94) . فالنصيحة للحكام أن يعودوا إلى شرع الله تعالى، فلا يحكموا غيره في قليل ولا كثير، ولن يجنوا من وراء ذلك هم وشعوبهم إلا الخير والفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة، بينما لم تجن الشعوب من الإعراض عن حكم الله واستبداله إلا انتشار الظلم والفسق والمجون والتخلف والانحلال الخلقي وتفكك المجتمع وكثرة الجرائم واختلال الأمن. ثم نتوجه بالنصيحة ثانياً إلى الزوجة التي يريد زوجها أن يتزوج عليها، بأن الواجب عليها أن ترضى بحكم الله وتسلم وتنقاد له، وما تجده في نفسها من الغيرة أو الكراهية لذلك، فهذا أمر فطري لا تلام المرأة عليه، بشرط أن لا تعترض على حكم الله، وأن لا تطلب الطلاق أو تسيء عشرة زوجها وتمنعه حقوقه بسبب ذلك. ولا يجوز لها طلب الطلاق من أجل أن زوجها تزوج عليها، بل ذلك من كبائر الذنوب، ويدخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ) رواه ابن ماجه (2055) وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه. ولتضع نفسها مكان أختها التي يريد زوجها أن يتزوجها، فهل كانت سترضى من زوجته الأولى أن تمنع هذا الزواج، وتهدد الزوج بطلب الطلاق إن هو فعل ذلك! والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ) رواه البخاري (13) ومسلم (45) . ثم نتوجه بالنصيحة إلى الزوج الذي يريد أن يعدد، بأن الواجب عليه أن يعدل بين زوجتيه، فإن الله تعالى إنما أباح التعدد للرجل بشرط أن يعدل، فإن لم يعدل أو خاف على نفسه أن لا يعدل فالواجب عليه الاقتصار على زوجة واحدة، قال الله تعالى: (فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً) النساء/3. وأخبرنا النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن: (مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ) رواه أبو داود (2133) والترمذي (1141) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود. نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين وأن يرد المسلمين إلى دينهم رداً جميلاً. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 133049 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 801 هل يجوز أن يرسم المعلم نجمة إسرائيل للتلاميذ الممتازين لتشجيعهم؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل مباح أن يرسم بعض المعلمين نجمة للتلاميذ الممتازين لتشجيعهم مع العلم أن هذه النجمة موجودة في علم إسرائيل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز أن يرسم المعلم لتلاميذه النجباء على سبيل التشجيع والتكريم نجمة إسرائيل السداسية، والتي يسمونها: نجمة داود؛ لما في ذلك من التشبه بالكافرين الذين هم أشد الناس عداوة للذين آمنوا، ولما فيه من إضعاف روح الولاء للمسلمين والبراء من الكافرين؛ فإنه كلما ضعف البراء من أعدائه، ضعف الولاء لإخوانه، وقد يؤدى التشبه الظاهر بهم إلى نوع ولاء لا يرضى الله عنه ورسوله والمؤمنون. وقد روى الترمذي (2695) من حديث عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا، لَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ وَلَا بِالنَّصَارَى) وصححه الألباني في "الصحيحة" (2194) وروى أبو داود (4031) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ) وصححه الألباني في "الإرواء" (5/109) قال شيخ الإسلام رحمه الله: " نفس المخالفة لهم في الهدى الظاهر مصلحة ومنفعة لعباد الله المؤمنين؛ لما في مخالفتهم من المجانبة والمباينة التي توجب المباعدة عن أعمال أهل الجحيم " انتهى. "اقتضاء الصراط" (ص 56) وقال أيضا: " الْمُشَابَهَةَ فِي بَعْضِ الْهُدَى الظَّاهِرِ يُوجِبُ الْمُقَارَبَةَ وَنَوْعًا مِنْ الْمُنَاسَبَةِ يُفْضِي إلَى الْمُشَارَكَةِ فِي خَصَائِصِهِمْ الَّتِي انْفَرَدُوا بِهَا عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْعَرَبِ، وذَلِكَ يَجُرُّ إلَى فَسَادٍ عَرِيضٍ " انتهى. "الفتاوى الكبرى" (6/175) وقال ابن القيم: " نهى عن التشبه بأهل الكتاب في أحاديث كثيرة، كقوله: (إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم) وقوله: (إن اليهود لا يصلون في نعالهم فخالفوهم) وروى الترمذي عنه (ليس منا من تشبه بغيرنا) وسر ذلك أن المشابهة في الهدى الظاهر ذريعة إلى الموافقة في القصد والعمل " انتهى باختصار. "إعلام الموقعين" (3/140) ونجمة داود عبارة عن شكل مُكوَّن من مثلثين كل منهما متساوي أضلاع، ولهما مركز واحد، وهذان المثلثان رأس أحدهما إلى أعلى ورأس الآخر إلى أسفل. ويشكِّل المثلثان المتداخلان نجمة سداسية ذات ستة رؤوس تلمسها جميعاً محيط دائرة افتراضية. وأطرافها الستة ترمز إلى أيام الأسبوع الستة، أما المركز فهو السبت المقدس عند اليهود. وكانت النجمة السداسية شائعة في الأحجبة والتعاويذ السحرية عند القوم. "موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية" (7/132-138) ولا يكاد يسلم المسلم من المؤاخذة، طالما يهيجه إلى أشباه هذه الأمور الجهل بحقيقة الحال واللامبالاة التي يتصف بها كثير منا. أما إذا كانت هذه النجمة التي يرسمها المعلم ليست سداسية، وإنما هي رسم لنجمة عادية فنرجو ألا يكون به بأس، إن شاء الله، وإن كان الأوفق بالمعلم المسلم تحفيز الطلبة بما يقربهم من الله، وبما ينمّي ولاءهم لدينهم ولرسولهم ولكتابهم ولجماعتهم، دون أن يخرج عن هذه الحدود؛ فإن رسالة المعلم جليلة، وشأنها عظيم، والمعلم داخل في قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) متفق عليه. فمن أحسن لرعيته، واتقى الله فيها، أحسن الله إليه في حاله ومآله. راجع إجابة السؤال رقم: (4160) [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128195 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 802 الأصل في البشرية هو التوحيد والشرك أمر طارئ [السُّؤَالُ] ـ[بحثت في كتب المتخصصين في علم الأديان، فوجدتهم يقولون: إن الوثنيين لا يؤمنون في الأصل بعدة آلهة, يؤمنون بإله واحد لكن هذا الإله حل في موجودات أخرى، فأصبحت تلك الموجودات بذلك (ألوهية) ؛ أي يتصفون بصفة الألوهية، لأن الإله الواحد ظهر فيهم؛ (الصالحين من الناس وأجزاء من الطبيعة المادية واللامادية) . سؤالي هو: هل يمكن أن هذه في الأصل أديان توحيدية فتم تحريفها كما حدث للنصرانية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأصل في البشرية هو التوحيد والهداية والاتباع، والانحراف عن ذلك أمر طارئ وليس أصيلا في فطرة البشر وطبيعتهم، فقد كان آدم أبو البشر عليه السلام نبيا مؤمنا موحدا وكذلك أبناؤه، ثم حدث الشرك في قوم نوح بعد عشرة قرون، كما قال تعالى: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) البقرة/213 قال ابن عباس في تفسيرها: " كان بين نوح وآدم عشرة قرون، كلهم على شريعة من الحق. فاختلفوا، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ". وقال ابن كثير رحمه الله بعد نقله عن ابن عباس وتصحيحه: " لأن الناس كانوا على ملة آدم، عليه السلام، حتى عبدوا الأصنام، فبعث الله إليهم نوحًا عليه السلام، فكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض " انتهى من "تفسير ابن كثير" (1/569) . وروى مسلم (2865) عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ: (أَلَا إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا: كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عَبْدًا حَلَالٌ، وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمْ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا) . وأكثر من أشرك وعبد الآلهة مع الله إنما عبدها على اعتقاد أنها تقرب وتشفع عند الله تعالى، لا على أنها شاركته في الخلق أو الرزق، كما قال تعالى: (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ. وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا) يونس/18، 19 وقال سبحانه: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ) الزمر/3 ومنهم من عبد الآلهة على أنها صور للصالحين أو الملائكة، أو أن الله يحل فيها كما ذكرت، ولم يثبت عن أحد من القدماء إثبات ربين متساويين. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " إثبات ربين للعالم لم يذهب إليه أحد من بني آدم، ولا أثبت أحدٌ إلهين متماثلين ولا متساويين في الصفات ولا في الأفعال، ولا أثبت أحد قديمين متماثلين ولا واجبي الوجود متماثلين، ولكن الإشراك الذي وقع في العالم إنما وقع بجعل بعض المخلوقات مخلوقة لغير الله في الإلهية، بعبادة غير الله تعالى واتخاذ الوسائط ودعائها والتقرب إليها، كما فعل عباد الشمس والقمر والكواكب والأوثان وعباد الأنبياء والملائكة أو تماثيلهم ونحو ذلك، فأما إثبات خالقين للعالم متماثلين فل يذهب إليه أحد من الآدميين، وقد قال تعالى: (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله) لقمان/ 25، وقال تعالى: (قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون. سيقولون لله قل أفلا تذكرون. قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم سيقولون لله قل أفلا تتقون. قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون. سيقولون لله قل فأنى تسحرون) المؤمنون/84 - 89 وقال: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) يوسف/106 " انتهى من "درء تعارض العقل والنقل" (5/156) . والحاصل أن الأصل في الناس هو التوحيد والإسلام، والشرك أمر طارئ، وليس هناك أديان توحيدية، وإنما هو دين واحد ارتضاه الله عز وجل وهو الإسلام، وهو دين جميع الأنبياء والمرسلين وأتباعهم. وينظر: سؤال رقم (116826) ورقم (101366) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128148 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 803 اشتراط الرجوع إلى القانون الوضعي عند التنازع في الصفقات التجارية [السُّؤَالُ] ـ[هناك بعض الصفقات التي تجري عن طريق بعض المواقع التجارية عبر الإنترنت، وتنص الشروط أنه إذا حصل أي اختلاف أو نزاع فإن القضية ستحال إلى المحكمة وتحل وفقاً للقانون (قانون تلك البلاد والتي قد تكون دولة غير مسلمة أو لا يطبق فيها شرع الله) ، فما الحكم هنا هل يجوز الانخراط في مثل هذه الصفقات؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز التحاكم لغير شرع الله، ولا التحاكم إلى هيئة قد تحكم بشريعة الله أو بغيرها؛ " فإن من مقتضى الإيمان بالله تعالى وعبادته الخضوع لحكمه والرضا بشرعه والرجوع إلى كتابه وسنة رسوله عند الاختلاف في الأقوال وفي الأصول وفي الخصومات وفي الدماء والأموال وسائر الحقوق. فإن الله هو الحكم وإليه الحكم. فيجب على الحكام أن يحكموا بما أنزل الله ووجب على الرعية أن يتحاكموا إلى ما أنزل الله في كتابه وسنة رسوله قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) النساء/58، وقال في حق الرعية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) النساء/59، ثم بين أنه لا يجتمع الإيمان مع التحاكم إلى غير ما أنزل الله، فقال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا) النساء /60، إلى قوله تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) النساء/65. فنفى سبحانه - نفيا مؤكدا بالقسم - الإيمان عمن لم يتحاكم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ويرضى بحكمه ويسلم له. كما أنه حكم بكفر الولاة الذين لا يحكمون بما أنزل الله وبظلمهم وفسقهم، قال تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) المائدة/44، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) المائدة/45، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) المائدة/47. ولا بد من الحكم بما أنزل الله والتحاكم إليه في جميع مواد النزاع في الأقوال الاجتهادية بين العلماء، فلا يقبل منها إلا ما دل عليه الكتاب والسنة من غير تعصب لمذهب ولا تحيز لإمام، وفي المرافعات والخصومات في سائر الحقوق لا في الأحوال الشخصية فقط، كما في بعض الدول التي تنتسب إلى الإسلام؛ فإن الإسلام كل لا يتجزأ. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) البقرة/208، وقال تعالى: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) البقرة/85. فمن خالف ما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم بأن حكم بين الناس بغير ما أنزل الله، أو طلب ذلك اتباعا لما يهواه ويريده، فقد خلع ربقة الإسلام والإيمان من عنقه، وإن زعم أنه مؤمن " انتهى. "كتاب التوحيد" للشيخ صالح الفوزان (ص 45 – 47) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " والحكم بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم هو أكمل أنواع العدل وأحسنها، والحكم به واجب على النبي صلى الله عليه وسلم وكل من اتبعه، ومن لم يلتزم حكم الله ورسوله فهو كافر، وهذا واجب على الأمة في كل ما تنازعت فيه من الأمور الاعتقادية والعملية " انتهى ملخصاً من "منهاج السنة النبوية" (5/83-85) . وقال ابن القيم في "إعلام الموقعين" (1/40) : " أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ مَنْ تَحَاكَمَ أَوْ حَاكَمَ إلَى غَيْرِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ فَقَدْ حَكَّمَ الطَّاغُوتَ وَتَحَاكَمَ إلَيْهِ , وَالطَّاغُوتُ: كُلُّ مَا تَجَاوَزَ بِهِ الْعَبْدُ حَدَّهُ مِنْ مَعْبُودٍ أَوْ مَتْبُوعٍ أَوْ مُطَاعٍ ; فَطَاغُوتُ كُلِّ قَوْمٍ مِنْ يَتَحَاكَمُونَ إلَيْهِ غَيْرَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ , أَوْ يَعْبُدُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ , أَوْ يَتْبَعُونَهُ عَلَى غَيْرِ بَصِيرَةٍ مِنْ اللَّهِ , أَوْ يُطِيعُونَهُ فِيمَا لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ طَاعَةٌ لِلَّهِ ; فَهَذِهِ طَوَاغِيتُ الْعَالَمِ إذَا تَأَمَّلْتَهَا وَتَأَمَّلْتَ أَحْوَالَ النَّاسِ مَعَهَا رَأَيْت أَكْثَرَهُمْ عَدَلُوا مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ إلَى عِبَادَةِ الطَّاغُوتِ , وَعَنْ التَّحَاكُمِ إلَى اللَّهِ وَإِلَى الرَّسُولِ إلَى التَّحَاكُمِ إلَى الطَّاغُوتِ , وَعَنْ طَاعَتِهِ وَمُتَابَعَةِ رَسُولِهِ إلَى طَاعَةِ الطَّاغُوتِ وَمُتَابَعَتِهِ " انتهى. وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: " إن من أقبح السيئات وأعظم المنكرات التحاكم إلى غير شريعة الله من القوانين الوضعية، والنظم البشرية، وعادات الأسلاف والأجداد التي قد وقع فيها كثير من الناس اليوم وارتضاها بدلاً من شريعة الله التي بعث بها رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم، ولا ريب أن ذلك من أعظم النفاق، ومن أكبر شعائر الكفر والظلم والفسوق وأحكام الجاهلية التي أبطلها القرآن وحذر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم " انتهى. "فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم" (12/266) . وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: " الواجب على المسلمين أن يتحاكموا إلى الشريعة الإسلامية ... ويحرم على المسلمين التحاكم إلى الأحكام العرفية، والمبادئ القبلية، والقوانين الوضعية؛ لأنها من التحاكم إلى الطاغوت الذي نهينا أن نتحاكم إليه، وقد أمرنا الله بالكفر به في قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا) " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/371) . وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " يجب على المسلمين أن يتحاكموا إلى كتاب الله , وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في كل شيء، لا إلى القوانين الوضعية والأعراف والعادات القبلية " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (5/142) . وعلى هذا، فالشرط الذي ذكره السائل، وهو إحالة المسائل المتنازع فيها إلى المحكمة وتحل وفقاً للقانون الوضعي، هذا الشرط باطل لا يحل لمسلم أن يرضى به. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128075 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 804 هل يجوز الأكل من ذبيحة ذبحت لغير الله؟ [السُّؤَالُ] ـ[اسمي عبد الله وأنا من ولاية كيرلا في الهند، في هذه المنطقة الناس سنيون ولكنهم يقومون ببعض العبادات التي ليس عليها أي دليل فمثلاً في يوم الحادي عشر من ربيع الأخر تقوم كل عائلة بذبح دجاجة احتراماً أو تقديراً للشيخ عبد القادر الجيلاني ولكنهم عندما يذبحون فإنهم يذكرون اسم الله. سؤالي: هل هذا اللحم حلال أم حرام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الذبح عبادة، والعبادة لا تكون إلا لله وحده؛ فمن صرفها لغير الله فهو مشرك. قال تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) الأنعام /162-163. وقال تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) المائدة/3. وقال تعالى: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) . وروى مسلم (1978) عن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ) . - ومن ذبح لغير الله، فسواء ذكر اسم الله عليه أو لم يذكر اسم الله، فهو شرك أكبر، مخرج عن الملة، ولا تحل ذبيحته، بل هي ميتة، يحرم أكلها. قال النووي رحمه الله: " وَأَمَّا الذَّبْح لِغَيْرِ اللَّه فَالْمُرَاد بِهِ: أَنْ يَذْبَح بِاسْمِ غَيْر اللَّه تَعَالَى، كَمَنْ ذَبَحَ لِلصَّنَمِ، أَوْ الصَّلِيب، أَوْ لِمُوسَى، أَوْ لِعِيسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِمَا، أَوْ لِلْكَعْبَةِ وَنَحْو ذَلِكَ , فَكُلّ هَذَا حَرَام , وَلَا تَحِلّ هَذِهِ الذَّبِيحَة , سَوَاء كَانَ الذَّابِح مُسْلِمًا أَوْ نَصْرَانِيًّا أَوْ يَهُودِيًّا , نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيّ , وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابنَا , فَإِنْ قَصَدَ مَعَ ذَلِكَ تَعْظِيم الْمَذْبُوح لَهُ غَيْر اللَّه تَعَالَى وَالْعِبَادَة لَهُ كَانَ ذَلِكَ كُفْرًا , فَإِنْ كَانَ الذَّابِح مُسْلِمًا قَبْل ذَلِكَ صَارَ بِالذَّبْحِ مُرْتَدًّا " انتهى. وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: " الذبح لغير الله شرك، وحكم الذبيحة حكم الميتة، ولا يجوز أكلها، ولو ذكر عليها اسم الله، إذا تحقق أنها ذبحت لغير الله " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/226) . وسئلوا أيضاً: ما هو حكم الذبح للميت الذي يُدَّعَى أنه ولي الله ويُبنى عليه الجدران؟ فأجابوا: " الذبح لمن ذكرت من الميت الذي يدعى أنه ولي لله نوع من أنواع الشرك، وذابحها للولي مشرك ملعون، وهي ميتة يحرم على المسلم الأكل منها " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/194) . وقال الشيخ صالح الفوزان: " قوله تعالى: (وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ) يشمل النوعين: ما تقرب به لغير الله، ولو ذكر عليه اسم الله، ويشمل ما ذبح لغير التقرب، وإنما ذبح للحم، لكن سَمَّي عليه غير اسم الله سبحانه وتعالى عند الذبح " انتهى مختصرا. "المنتقى من فتاوى الفوزان" (49/3) . وقال الشيخ ابن عثيمين: " الذبح لغير الله شرك أكبر، لأن الذبح عبادة، فمن ذبح لغير الله فهو مشرك شركا مخرج عن الملة – والعياذ بالله – سواء ذبح ذلك لملك من الملائكة، أو لرسول من الرسل، أو لنبي من الأنبياء، أو لخليفة من الخلفاء، أو لولي من الأولياء، أو لعالم من العلماء، فكل ذلك شرك بالله – عز وجل – ومخرج عن الملة. وأما الأكل من لحوم هذه الذبائح فإنه محرم؛ لأنها أهل لغير الله بها، وكل شيء أهل لغير الله به أو ذبح على النصب فإنه محرم " انتهى. "مجموع الفتاوى" (2/148) . فعليك أن تنصح هؤلاء وتبين لهم خطأ ما يفعلون، وخطورته، وأنه أمر مخرج من الإسلام. نسأل الله تعالى أن يهديهم إلى الصواب. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127965 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 805 ترجمة ابن القيم وابن الجوزي، ومعنى " نفعنا الله ببركتهم " في كلام العلماء [السُّؤَالُ] ـ[ي هو أني وجدتُ في كتاب ابن القيم عندما يحكي عن الصالحين والذين حسنت خاتمتهم أنه يقول " نفعنا الله ببركاتهم "، وفيما معناه أنه كان يقول: أن نتبرك بقبورهم! فما الذي تحذرونا منه عن كتب ابن القيم رحمه الله، واقصد صاحب كتاب " بحر الدموع ".]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: خلط الأخ السائل بين شخصيتين، الأولى: ابن قيم الجوزية، والثاني: ابن الجوزي، وبينهما فرق في الاسم، والكنية، والميلاد، والاعتقاد. 1. فابن الجوزي: هو جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن عبد الله الجوزي. وهو منسوب إلى " فرضة الجوز " وهو مرفأ نهر البصرة، وقيل بل كانت في داره بواسط جوزة، لم يكن بواسط جوزة سواها. قال عنه ابن كثير: أحد أفراد العلماء، برَّز في علوم كثيرة، وانفرد بها عن غيره، وجمع المصنفات الكبار والصغار نحوًا من ثلاثمائة مصنف. وقال عنه الذهبي: ما علمتُ أحداً صنَّف ما صنَّف هذا الرجل. وكان مشهوراً بالوعظ البليغ المؤثر. من أبرز شيوخه: القاضي أبو بكر الأنصاري، وأبو بكر المَزْرَفي. ومن أبرز تلامذته: عبد الغني بن عبد الواحد الجماعيلي المقدسي، عبد الحليم بن محمد بن أبي القاسم. من أبرز كتبه: " زاد المسير في علم التفسير "، " صيد الخاطر "، " المنتظم في تواريخ الأمم من العرب والعجم "، " تلبيس إبليس "، " أخبار الحمقى والمغفلين ". وكانت عقيدة ابن ابن الجوزي مضطربة، يميل إلى الأشعرية أحياناً كثيرة، وإلى السلف تارة أخرى. قال ابن رجب الحنبلي – رحمه الله – في ذكر ما انتُقد على ابن الجوزي -: ومنها - وهو الذي من أجله نقم جماعة من مشايخ أصحابنا، وأئمتهم من المقادسة، والعلثيين -: مِن ميله إلى التأويل في بعض كلامه، واشتد نكيرهم عليه في ذلك، ولا ريب أن كلامه في ذلك مضطرب، مختلف، وهو وإن كان مطلعاً على الأحاديث، والآثار في هذا الباب: فلم يكن خبيراً بحل شبهة المتكلمين، وبيان فِسادها، وكان معظِّماً لأبي الوفاء بن عقيل، يتابعه في أكثر ما يجد في كلامه، وإن كان قد ردَّ عليه في بعض المسائل، وكان ابن عقيل بارعاً في الكلام، ولم يكن تام الخبرة بالحديث، والآثار، فلهذا يضطرب في هذا الباب، وتتلون فيه آراؤه، وأبو الفرج تابع له في هذا التلون. قال الشيخ موفق الدين المقدسي: كان ابن الجوزي إمام أهل عصره في الوعظ، وصنف في فنون العلم تصانيف حسنة، وكان صاحب قبول، وكان يدرِّس الفقه، ويصنِّف فيه، وكان حافظاً للحديث، وصنَّف فيه، إلا أننا لم نرض تصانيفه في السنَّة، ولا طريقته فيها. انتهى " ذيل طبقات الحنابلة " (1 / 414) . فالحذر من قراءة كتبه التي ألفها في باب الصفات ككتاب " دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه ". وكانت وفاته رحمه الله في سنة (597) هـ. وأما كتاب " بحر الدموع " الوارد في السؤال، فهو لهذا الأول، ابن الجوزي، وليس لابن القيم الآتي ترجمته فيما بعد. 2. ابن قيم الجوزية – ويُختصر اسمه إلى ابن القيِّم -: هو شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب الزُّرَعي. وكان والده عالماً مشهوراً بعلم الفرائض، كان قيِّماً – مسئولاً - للمدرسة الجوزية بدمشق , فعرف إمامنا بابن قيم الجوزية. ومن أبرز شيوخه: شيخ الإسلام ابن تيمية، وقد لازمه ملازمة تامة مدة طويلة، ونهل من علمه. ومن أبرز تلامذته: ابن رجب الحنبلي، وابن عبد الهادي، وابن كثير، رحمهم الله جميعاً. ومن أبرز كتبه: أعلام الموقعين عن رب العالمين، أحكام أهل الذمة، بدائع الفوائد، زاد المعاد في هدى خير العباد، هداية الحيارى من اليهود والنصارى. وكان ابن القيم رحمه الله سلفيّاً على الجادة. وكانت وفاته رحمه الله في سنة (751) هـ. ثانياً: وأما بخصوص مقولة ابن الجوزي رحمه الله: " نفعنا الله ببركاتهم ": ففيها تفصيل: 1. فالبركة لا تكون في ذات أحدٍ مجرداً إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد جعل الله تعالى ذات نبيه صلى الله عليه وسلم، وآثاره الطاهرة كشعْره وعرقه وبصاقه: جعله بركة، وليس هذا لأحدٍ غيره، ولو كان لإمام الأولياء بعده أبي بكر الصدِّيق رضي الله عنه. 2. والبركة لا تكون في ميت، ولا منه، وليّاً كان أو دعيّاً. 3. والبركة في أهل العلم والفضل تكون فيما تركوه من العلم النافع، والسنن الحسنة التي يقتدى بهم فيها، وما نفعوا الناس به من الدعوة إلى الله، والتربية على دينه، لا في ذواتهم المجردة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ: نَحْنُ فِي بَرَكَةِ فُلَانٍ أَوْ مِنْ وَقْتِ حُلُولِهِ عِنْدَنَا حَلَّتْ الْبَرَكَةُ: فَهَذَا الْكَلَامُ صَحِيحٌ بِاعْتِبَارِ، بَاطِلٌ بِاعْتِبَارِ. فَأَمَّا الصَّحِيحُ: فَأَنْ يُرَادَ بِهِ أَنَّهُ هَدَانَا وَعَلَّمَنَا، وَأَمَرَنَا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَانَا عَنْ الْمُنْكَرِ؛ فَبِبَرَكَةِ اتِّبَاعِهِ وَطَاعَتِهِ حَصَلَ لَنَا مِنْ الْخَيْرِ مَا حَصَلَ، فَهَذَا كَلَامٌ صَحِيحٌ. كَمَا كَانَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَرَكَتِهِ لَمَّا آمَنُوا بِهِ وَأَطَاعُوهُ فَبِبَرَكَةِ ذَلِكَ حَصَلَ لَهُمْ سَعَادَةُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، بَلْ كُلُّ مُؤْمِنٍ آمَنَ بِالرَّسُولِ وَأَطَاعَهُ حَصَلَ لَهُ مِنْ بَرَكَةِ الرَّسُولِ بِسَبَبِ إيمَانِهِ وَطَاعَتِهِ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ. وأَيْضًا: إذَا أُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّهُ بِبَرَكَةِ دُعَائِهِ وَصَلَاحِهِ دَفَعَ اللَّهُ الشَّرَّ وَحَصَلَ لَنَا رِزْقٌ وَنَصْرٌ، فَهَذَا حَقٌّ ... ، فَبَرَكَاتُ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ بِاعْتِبَارِ نَفْعِهِمْ لِلْخَلْقِ بِدُعَائِهِمْ إلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَبِدُعَائِهِمْ لِلْخَلْقِ وَبِمَا يُنْزِلُ اللَّهُ مِنْ الرَّحْمَةِ وَيَدْفَعُ مِنْ الْعَذَابِ بِسَبَبِهِمْ حَقٌّ مَوْجُودٌ؛ فَمَنْ أَرَادَ بِالْبَرَكَةِ هَذَا وَكَانَ صَادِقًا فَقَوْلُهُ حَقٌّ. وَأَمَّا " الْمَعْنَى الْبَاطِلُ ": فَمِثْلُ أَنْ يُرِيدَ الْإِشْرَاكَ بِالْخَلْقِ؛ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ مَقْبُورٌ بِمَكَانِ فَيَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ يَتَوَلَّاهُمْ لِأَجْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَقُومُوا بِطَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَهَذَا جَهْلٌ. فَقَدْ كَانَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيِّدَ وَلَدِ آدَمَ مَدْفُونا بِالْمَدِينَةِ عَامَ الْحَرَّةِ، وَقَدْ أَصَابَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ مِنْ الْقَتْلِ وَالنَّهْبِ وَالْخَوْفِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ، وَكَانَ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ بَعْدَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَحْدَثُوا أَعْمَالًا أَوْجَبَتْ ذَلِكَ وَكَانَ عَلَى عَهْدِ الْخُلَفَاءِ يَدْفَعُ اللهُ عَنْهُمْ بِإِيمَانِهِمْ وَتَقْوَاهُمْ لِأَنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ كَانُوا يَدْعُونَهُمْ إلَى ذَلِكَ وَكَانَ بِبَرَكَةِ طَاعَتِهِمْ لِلْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَبَرَكَةِ عَمَلِ الْخُلَفَاءِ مَعَهُمْ يَنْصُرُهُمْ اللَّهُ وَيُؤَيِّدُهُمْ. وَكَذَلِكَ الْخَلِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَدْفُونٌ بِالشَّامِ وَقَدْ اسْتَوْلَى النَّصَارَى عَلَى تِلْكَ الْبِلَادِ قَرِيبًا مِنْ مِائَةِ سَنَةٍ وَكَانَ أَهْلُهَا فِي شَرٍّ. فَمَنْ ظَنَّ أَنَّ الْمَيِّتَ يَدْفَعُ عَنْ الْحَيِّ مَعَ كَوْنِ الْحَيِّ عَامِلًا بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ فَهُوَ غالط. وَكَذَلِكَ إذَا ظَنَّ أَنَّ بَرَكَةَ الشَّخْصِ تَعُودُ عَلَى مَنْ أَشْرَكَ بِهِ وَخَرَجَ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، مِثْلُ أَنْ يَظُنُّ أَنَّ بَرَكَةَ السُّجُودِ لِغَيْرِهِ وَتَقْبِيلَ الْأَرْضِ عِنْدَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ يُحَصِّلُ لَهُ السَّعَادَةَ؛ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. وَكَذَلِكَ إذَا اعْتَقَدَ أَنَّ ذَلِكَ الشَّخْصَ يَشْفَعُ لَهُ وَيُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ بِمُجَرَّدِ مَحَبَّتِهِ وَانْتِسَابِهِ إلَيْهِ، فَهَذِهِ الْأُمُورُ، وَنَحْوُهَا مِمَّا فِيهِ مُخَالَفَةُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَهُوَ مِنْ أَحْوَالِ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْبِدَعِ: بَاطِلٌ لَا يَجُوزُ اعْتِقَادُهُ وَلَا اعْتِمَادُهُ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. " انتهى. "مجموع الفتاوى" (11/113-115) . وقال ـ رحمه الله ـ أيضا: وقول القائل: " أنا في بركة فلان " و " تحت نظره " إن أراد بذلك أن نظره، وبركته مستقلة بتحصيل المصالح، ودفع المضار: فكذب، وإن أراد أن فلاناً دعا لي فانتفعت بدعائه، أو أنه علَّمني، وأدبني، فأنا في بركة ما انتفعتُ به من تعليمه، وتأديبه: فصحيح، وإن أراد بذلك أنه بعد موته يجلب المنافع، ويدفع المضار، أو مجرد صلاحه، ودينه، وقربه من الله ينفعني من غير أن يطيع الله: فكذب. " الفتاوى الكبرى " (5 / 358) . وسئل الشيخ محمد بن إبراهيم – رحمه الله – عن قول: " كلك بركة "، أو " هذه من بركاتك "؟ . فأجاب: لا بأس بذلك، كما في قول أسيد بن حضير: " ما هي بأَول بركتكم يا آل أَبي بكر "، إذا تلمَّح أَن فيه البركات التي جعل الله فيه، أَو أَن الله الذي جعل فيه البركة، والبركات. والممنوع: " تباركت علينا يا فلان ". وسئل – كذلك – عن قول: " وأعاد علينا من بركته " عبارة شارح " زاد المستقنع ": فأجاب: يعني بركة علمه، وليس المراد بركة ذاته؛ فإن الذوات جعل الله فيها ما جعل من البركة، ولكن لا تصلح للتبرك بها، إلا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، من أَبعاضه، كرِيقه، ولا يقاس على النبي صلى الله عليه وسلم غيره، والصحابة ما فعلوا مع أَبي بكر، وعمر من قصد البركة فيهما كما فعلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم. " فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم " (1 / 103) . وحسن الظن بالمؤلف يقتضي القول أنه أراد أنه استفاد من علوم أولئك الذي وصفهم بما نقلته عنه، والظاهر أنه يدعو الله تعالى أن ينفعه بما تعلمه منهم، وهي البركة التي جاءته منهم. ثالثاً: وما فهمه الأخ السائل من كون قصد المؤلف ابن الجوزي أن مقولته تعني " التبرك بقبورهم ": بعيد جدّاً عن الصواب؛ لما قدمناه من التفصيل النافع إن شاء الله، في أن المقصود علم أولئك العلماء، وليس ذواتهم فضلاً أن يكون المراد به قبورهم! ، وهل يتبرك بالقبور عاقل فضلاً عن عالم؟! . قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله -: وأما التبرك بها - يعني: بالقبور -: فإن كان يعتقد أنها تنفع من دون الله عز وجل: فهذا شرك في الربوبية، مخرج عن الملة، وإن كان يعتقد أنها سبب، وليست تنفع من دون الله: فهو ضال غير مصيب، وما اعتقده: فإنه من الشرك الأصغر، فعلى من ابتلي بمثل هذه المسائل أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى، وأن يقلع عن ذلك قبل أن يفاجئه الموت فينتقل من الدنيا على أسوأ حال. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] " مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " (2 / 231، 232، سؤال رقم 290) الحديث: 127762 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 806 الكفر العملي قد يكون مخرجاً من الملة [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكن صدور كفر عملي مخرج من الملة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الكفر العملي يخرج من الملة: مثل السجود لغير الله، والذبح لغير الله، هذا كفر عملي يخرج من الملة، الذي يذبح للأصنام أو إلى الكواكب، أو إلى الجن كفر عملي أكبر، وهكذا لو صلى لهم أو سجد لهم، يكفر كفراً عملياً أكبر، وهكذا لو سب الدين أو سب الرسول أو استهزأ بالله أو بالرسول هذا كفر عملي أكبر، عند جميع أهل السنة والجماعة" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (28/146) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126993 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 807 رسائل جوال تنشر الكهانة [السُّؤَالُ] ـ[انتشرت في هذه الأيام رسائل الـ "sms"، والتي تحتوي على بعض الرموز والأرقام والحروف، ثم يُطلب من الشخص أن يختار إحداها، فيُرسل إليه رسالة تخبره عن شيء في المستقبل، أو عن شخصيته. هي في الحقيقة عبارة عن لعبة، كما لو أني جلست وكتبت بعض العبارات عن المستقبل، وأعطيت كل عبارة شكلا، أو رمزا، أو حرفا محددا؛ ثم أطلب من أحد الأشخاص أن يختار إحداها. فهل في ذلك محذور شرعي؟ وهل يُعتبر هذا نوع من التنبؤ بعلم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله؟ وهل الرد على مثل هذه الرسائل معصية؟ وجزاكم الله خيرا ً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله علم الغيب من الأمور التي استأثر الله تعالى بها، واختص بها نفسه جل وعلا، دون من سواه من ملك مقرب أو نبي مرسل، وهو يطلع من يرتضيه من رسله على بعض الغيب، متى شاء وإذا شاء. وبذلك جاءت الآيات والأحاديث. قال سبحانه وتعالى: (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ) هود /123 وقال تعالى: (فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) يونس/20 وقال عز وجل: (قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) الكهف/26 وقال سبحانه: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ) آل عمران/179 وقال تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ) الأنعام/50 قال الطبري رحمه الله: " قل لهؤلاء المنكرين نبوتك: لست أقول لكم إني الرب الذي له خزائن السماوات والأرض، فأعلمَ غيوب الأشياء الخفية، التي لا يعلمها إلا الرب الذي لا يخفى عليه شيء، فتكذبوني فيما أقول من ذلك؛ لأنه لا ينبغي أن يكون ربا إلا من له ملك كل شيء، وبيده كل شيء، ومن لا يخفى عليه خافية، وذلك هو الله الذي لا إله غيره " "تفسير الطبري" (11/371) . وقال عز وجل: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) النمل/65 قال القرطبي رحمه الله: "لا يجوز أن ينفي الله سبحانه وتعالى شيئا عن الخلق ويثبته لنفسه، ثم يكون له في ذلك شريك، ألا ترى إلى قوله تعالى: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) وقوله تعالى: (لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ) ، فكان هذا كله مما استأثر الله بعلمه لا يَشْرَكُه فيه غيره " انتهى. "تفسير القرطبي" (4/17) وهذا الذي تسأل عنه هو من باب الكهانة والتنبؤ بالغيب، والرجم بالظن الكاذب، وهو من كبائر الذنوب وموبقات الأعمال. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والذي يأتي إلى الكاهن ينقسم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: أن يأتي إلى الكاهن فيسأله من غير أن يصدقه، فهذا محرم، وعقوبة فاعله أن لا تقبل له صلاة أربعين يوماً، كما ثبت في صحيح مسلم (2230) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) . القسم الثاني: أن يأتي إلى الكاهن فيسأله ويصدقه بما أخبر به، فهذا كفر بالله عز وجل، لأنه صدقه في دعوى علمه الغيب، وتصديق البشري دعوى علم الغيب تكذيب لقول الله تعالى: (قًُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ) النمل/65. ولهذا جاء في الحديث الصحيح: (من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم) . القسم الثالث: أن يأتي إلى الكاهن فيسأله ليبين حاله للناس، وأنها كهانة وتمويه وتضليل، وهذا لا بأس به، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى ابن صياد، فأضمر له النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً في نفسه، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم ماذا خَبَّأ له؟ فقال: الدخ ـ يريد الدخان ـ. " انتهى. "مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين" (2/184) . وما ورد في السؤال من أن هذه الرسائل عبارة عن لعبة، ليس صحيحا، وإنما هو كهانة ظاهرة، ودجل وشعوذة. ثم على افتراض صحة ذلك: فليس هذا مجال اللعب والتسلية، إنما ذكر أمر دين، وقضية إيمان وكفر؛ فكيف نقبل من السفهاء أن يلعبوا بأديان الناس، وعقائدهم، كهذا الذي ذكر في السؤال؟!! قال الله تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) التوبة/65، 66 ثم إن هؤلاء الذين يرسلون هذه الرسائل لا يقصدون بذلك الجهد والتعب: مجرد اللعب، إنما يقصدون أكل أموال الناس بالباطل، ونشر الضلال، والترويج للدجل والكهانة. فليست هذه الأمور من قبيل اللعب والتسلية بوجه أصلا، إلا عند من توجه عنده الاستهزاء بآيات الله. فعليك - أخي المسلم – الابتعاد عن هؤلاء القوم المفسدين، وعن ضلالهم، وإياك ومراسلتهم والتعاون معهم، وموافقتهم أو مخالطتهم بحال، فإن الله تعالى يقول في كتابه: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) النساء/140 ثم ننصحك بالمسارعة بالتوبة إلى الله عز وجل: إن كنت قد حسنت الظن بحال هؤلاء المشعوذين، أو دخلت معهم في باطلهم، ولو على وجه اللعب؛ وإن من تمام توبتك: أن تنصح من تعلمه من إخوانك، ممن ابتلي بها، بحكمها في دين الله، وخطرها على دينه وإيمانه. نسأل الله أن يثبتنا وإياك على الإيمان، ويقينا شر الفتن، ما ظهر منها وما بطن. وراجع إجابة السؤال رقم (32863) [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126677 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 808 صور من التمائم والتشاؤم يقع فيه بعض المسلمين [السُّؤَالُ] ـ[بعض الأمهات للأسف الشديد منتشر بينهم عادات غلط، وخطر بنفس الوقت، ومخالفة للدين..منها: 1. الحزازة للطفل المولود الذي يصيبه الحزق، فيقومون بجمع أي مبلغ مهما كان من سبعة أشخاص، على شرط أن يكون اسمهم " محمد "، ويذهبون به إلى " حدَّاد " لعمل ما يسمونه " الحزازة " تقريبا؛ ليعلقوها بملابس الطفل، فيذهب عنه الحزق. 2. المرأة بعد وضعها للطفل وهي في حالة النفاس لا يجب أن يدخل عليها امرأة أخرى عليها الدورة الشهرية؛ لأنها تمنعها من الإنجاب. 3. البنات الصغار بعد أن تتم لهن عملية الختان لا يجب أيضا أن يدخلن على بعض. وأشياء كثيرة من هذا القبيل، وأريد أعرف الدلائل الدينية لتحريم هذا؛ لأني أعتقد أن أول مسألة هي مثل التمائم، وفيها شرك بالله.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: هذه الخرافات التي يتناقلها كثيرون قولاً، وعملاً لا يدل عليها شرع ولا عقل، بل ورد الشرع بالنهي عنها وتحريمها، وأنها من صور الشرك. والخرافات الثلاثة الواردة في السؤال: الأول منها: يدخل في حكم " التمائم "، والثاني والثالث منها: يدخل في حكم " الطيَرة " وهي: " التشاؤم "، وقد جاء النص الواضح أن التمائم والطيرة شرك. ثانياً: أما الخرافة الأولى: فلها حكم التمائم جمع " تميمة " وسميت كذلك لاعتقادهم أنه بها يتم النفع ودفع الضر - وهي أشياء يعلقونها، مثل: الخرز، والخيوط، وحدوة الفرس، والعين الزرقاء، والكف، وغيرها كثير مما يعتقدون فيها أنها تجلب خيراً ونفعاً، أو تدفع شرّاً وضرّاً. فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مسعود رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ) . رواه أبو داود (3883) ، وابن ماجه (3530) ، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود". وحكم هذه " التمائم " – ومنها ما جاء في السؤال من تعليق " الحزازة " -: أن متخذها، أو المعلِّق لها إن اعتقد أنها سبب لجلب النفع، ودفع الضر، وأن النفع والضر بيد الله تعالى: فقد وقع في الشرك الأصغر؛ لأنه جعل ما ليس سبباً سبباً. وإن اعتقد أنها تنفع وتضر بذاتها: فقد وقع في الشرك الأكبر. فالواجب على كل من اتخذ شيئاً من ذلك، أو ما يشبهه: أن يتخلص منه، وأن يتوب إلى الله تعالى. فعن أَبَي بَشِيرٍ الْأَنْصَارِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، وَالنَّاسُ فِي مَبِيتِهِمْ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا: (أَنْ لَا يَبْقَيَنَّ فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلَادَةٌ مِنْ وَتَرٍ - أَوْ قِلَادَةٌ - إِلَّا قُطِعَتْ) . رواه البخاري (2843) ومسلم (2115) . قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: " قوله: (قلادة من وَتَر - أو قلادة -) شك من الراوي، والأول أرجح؛ لأن القلائد كانت تُتخذ من الأوتار، ويعتقدون أن ذلك يدفع العين عن البعير، وهذا اعتقاد فاسد؛ لأنه تعلق بما ليس بسبب، وقد سبق أن التعلق بما ليس بسبب شرعي، أو حسي: شرك؛ لأنه بتعلقه أثبت للأشياء سببًا لم يثبته الله، لا بشرعه، ولا بقدره، ولهذا أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نقطع هذه القلائد" انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " (9 / 169) . ثالثاً: أما الخرافة الثانية والثالثة: فهي من " الطِّيَرة "، وهي التشاؤم. وقد ثبت عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الطيَرَةُ شِرْك) رواه أبو داود (3910) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (429) . والواقع يكذِّب تلك الخرافات الواردة في السؤال، فكثيراً ما دخلت النساء الحيَّض على المرأة النفساء، تهنئة، أو صلة: ولم يمنع ذلك من أن تنجب مرة أخرى. ولمَ لا يدخل البنات المختتنات بعضهن على بعض. وما الضرر الذي يسببه دخول امرأة حائض، أو نفساء، أو بنت مختتنة، على بنت قد اختتنت لتوها؟! . إنه لا ضرر في ذلك، إنما هي أوهام، وخرافات، يتداولها العوام، مع جهل بالتوحيد، وبالعلم الشرعي، وغياب للعقل. ونسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126359 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 809 هل ثمة علاقة بين المعاصي والشرك؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل أكون مرتكباً للشرك إذا قمتُ بتكبير بعض أجزاء من جسمي، وقمت أيضاً بنمص حاجبي , فهل هذا يعد من الشرك , لأنني بذلك أقوم بتغيير خلق الله عز وجل؟ . وهل أكون مشركاً إذا استمعت إلى أغاني شركية، أو كفرية؟ مثلاً: هناك أغاني تحتوي على الكلمات التالية: " أنت كل شيء في حياتي"، فكلمة " كل شيء ": تتضمن أيضاً الله عز وجلّ , فهل هذه الأغنية حرام؟ وهل أكون مشركاً إذا استمعتُ مجرد استماع دون أن أغنّي مع المغني؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: مما لا شك فيه أن المعاصي تتفاوت في الحرمة، وأنه ثمة فرق بين المعصية والشرك، وتغيير خلق الله تعالى بفعل ما نهى عنه الله تعالى طالباً للجمال: لا شك أنه من المحرمات، وأنه من كبائر الذنوب، وهو ليس شركاً بالله تعالى من حيث الأصل. والنمص – وهو إزالة شعر الحاجبين - جاء النص على أن فاعله والمفعول له ممن يستحقون اللعنة، وانظر في ذلك أجوبة الأسئلة: (9037) و (20108) و (13744) . والجراحات التي يجريها الرجال والنساء لتكبير عضو، أو تصغيره، أو نفخه، تغييراً لخلق الله تعالى بقصد الجمال: هو من الكبائر كذلك، وينظر في ذلك أجوبة الأسئلة: (1006) و (47694) و (24215) . والشرك بالله تعالى من أعظم المعاصي وأشدها، لكن ليست كل معصية شركا. قال الله تعالى: ومما يدل على ذلك: تفريق الشرع بين الشرك والذنوب في سياق واحد، والعطف يقتضي المغايرة. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: (الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ) . رواه البخاري (2615) ومسلم (89) . فالذنوب والمعاصي ليست من الشرك الأكبر قطعاً، لكن اقتراف الصغير منها يوشك أن يجرئ صاحبه على الكبير، والكبير يوشك أن يجرئ صاحبه على الشرك وشعبه، ولهذا قال من قال من السلف: المعاصي بريد الكفر؛ أي: أنها رسوله الموصل إليه. وأطلق عليها بعض السلف: " الشرك الخفي "، أو " الشرك الأصغر ". عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مسْعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ) شَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّنَا لَا يَظْلِمُ نَفْسَهُ؟ قَالَ: (لَيْسَ ذَلِكَ، إِنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ، أَلَمْ تَسْمَعُوا مَا قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ (يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) . رواه البخاري (3246) ومسلم (124) . فهذا الحديث نصٌّ في المسألة، وهي أن المعاصي لا تكون شركاً أكبر. قال النووي – رحمه الله -: وفي هذا الحديث جمَل من العلم، منها: أن المعاصي لا تكون كفراً. " شرح مسلم " (2 / 143) . بل إن المعاصي، وإن لم تكن شركا أكبر مخرجا من الملة في نفسها، فإنها شعبة من شعبه، وعمل من أعمال أهله. ولذلك قال الإمام البخاري رحمه الله، في كتاب الإيمان من صحيحه: " بَاب الْمَعَاصِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ وَلَا يُكَفَّرُ صَاحِبُهَا بِارْتِكَابِهَا إِلَّا بِالشِّرْكِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ " انتهى. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: وقول النبي صلى الله عليه وسلم (إِنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ) إن أراد به الشرك الأكبر: فمقصوده: أن مَن لم يكن مِن أهله: فهو آمِن مما وُعد به المشركون من عذاب الدنيا، والآخرة، وهو مهتد إلى ذلك، وإن كان مراده جنس الشرك: فيقال: ظُلم العبد نفسه كبخله - لحب المال - ببعض الواجب: هو شرك أصغر، وحبُّه ما يبغضه الله حتى يكون يقدم هواه على محبة الله: شرك أصغر، ونحو ذلك، فهذا صاحبه قد فاته من الأمن والاهتداء بحسبه، ولهذا كان السلف يدخلون الذنوب في هذا الظلم، بهذا الاعتبار. " مجموع الفتاوى " (7 / 82) . والخلاصة: أن فعل النمص، وتكبير أعضاء الجسم، ليس هو من الشرك الأكبر الذي يُخرج من الملَّة، ولا خلاف في ذلك بين أهل السنَّة والجماعة. لكن هذا لا يعني الاستهانة بأمرهما، بل هما محرمان من غير شك، بل يطلق بعض أهل العلم على أمثالهما: أنه من الشرك الأصغر، أو الشرك الخفي؛ لأن صاحبها قدَّم هواه على الشريعة، فاتخذه إلهاً، وجعل هذا العاصي ما يحبه هو مقدَّما على ما يُبغضه ربه تعالى. ثانياً: الأغاني الحالية التي تشتمل على المعازف: لا نشك في حرمتها، ولا نشك في أثرها السيئ على الناس كباراً وصغاراً، ذكوراً وإناثاً، وبخاصة تلك التي تكون مصورة، ويصحبها من المناظر المخجلة، والتهتك ما يسوء كل مسلم عفيف. ويُنظر تفصيل الحكم في هذا التحريم: أجوبة الأسئلة: (43736) و (5000) و (5011) . وإذا احتوت كلمات تلك الأغاني على جمل شركية: فلا شك في كفر قائلها، سواء كان المؤلف لها، أو المغني، والمشارك في غنائها؛ إذا كان يعلم معناها، ويعلم أن كلامه شرك، ولا ينفعه أن يكون قال ذلك مغنيا، أو لا عبا أو مازحا. وأما مستمعها، فإن كان يستمع هذه الكلمات، وهو عالم بما فيها من الشرك، وراض به، ومقر لما فيه: فهو شريكهم في إثم قول الشرك. قال الله تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) النساء/140. قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله: " أي: وقد بيَّن الله لكم، فيما أنزل عليكم، حكمَه الشرعي عند حضور مجالس الكفر والمعاصي: {أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا} أي: يستهان بها؛ وذلك أن الواجب على كل مكلف ـ في آيات الله ـ: الإيمان بها، وتعظيمها وإجلالها وتفخيمها، وهذا المقصود بإنزالها، وهو الذي خَلَق الله الخَلْق لأجله، فضد الإيمان: الكفر بها، وضد تعظيمها: الاستهزاء بها واحتقارها، ويدخل في ذلك مجادلة الكفار والمنافقين لإبطال آيات الله ونصر كفرهم ... وكذلك يدخل فيه حضور مجالس المعاصي والفسوق التي يستهان فيها بأوامر الله ونواهيه، وتُقْتحم حدوده التي حدها لعباده. ومنتهى هذا النهي عن القعود معهم: {حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} ؛ أي: غير الكفر بآيات الله والاستهزاء بها. {إِنَّكُمْ إِذًا} أي: إن قعدتم معهم في الحال المذكورة {مِثْلُهُمْ} لأنكم رضيتم بكفرهم واستهزائهم؛ والراضي بالمعصية كالفاعل لها. " تفسير السعدي (210) . وأما بخصوص الجملة الواردة في السؤال: فلا نراها من الشرك، وهي من كذبات العاشقين والعاشقات، وإنما مراده بذلك: أنه أهم ـ عنده ـ من غيره من الناس، والظفر به: أهم عنده من غيره من المطالب، ولا نظن من يقول ذلك، أو يتغنى به: يطرأ على باله دخول الله، جل اسمه، في هذه الإطلاق. غير أن مثل هذا الكلام، هو مما ينهى عن سماعه والتغني به، لأمرين: الأول: أنها من جمل العشق والغرام المهيجة للشهوة والمسببة للفتنة. والثاني: أنها جاءت ضمن أغنية يحرم سماعها؛ لما فيها من معازف محرَّمة. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: فالمراد هنا الغناء المحرم، وهو يدور على شيئين: إما أن يكون موضوع الأغنية موضوعاً فاسداً، وإما أن تكون مصحوبة بآلة لهو محرمة، هذا هو الغناء المحرم؛ إما أن يكون الموضوع موضوعاً فاسداً، كوصف النساء، والمردان، والخمر، وما أشبه ذلك، هذا محرم لذات القصيدة؛ لأن الموضوع موضوع فاسد محرم، أو يكون الموضوع غير محرم في حد ذاته، فهذا إن صحبه آلة لهو: صار حراماً لما صحبه، وإن لم يصحبه آلة لهو: فليس بحرام، وإذا كانت الأغنية في مدح آلهة المشركين: فهذا حرام، ولا يحل؛ لأن هذا أشد من وصف الزنا، واللواط، وما أشبه ذلك. " الشرح الممتع " (10 / 18) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126005 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 810 حكم من تلفظ بكلمة الكفر غير مدرك معناها [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من قال: " أنا شيوعي "، غير مدرك له؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله للكلمة شأن في دين الله عظيم؛ إذ بكلمة يقولها العبد يرفعه الله بها درجات، وبكلمة أيضا يهوي بها في جهنم. قال الله تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) ق/18. وروى البخاري (5996) ومسلم (5304) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ مَا فِيهَا يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) . وروى الترمذي (2241) وصححه، عن بِلَال بْن الْحَارِثِ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ فَيَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ. وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ، فَيَكْتُبُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ) . وروى النسائي (3712) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا لَمْ يَعُدْ إِلَى الْإِسْلَامِ سَالِمًا) . صححه الألباني في الإرواء (2576) والشيوعية مذهب إلحادي قائم على إنكار وجود الله، وتقديس المادة، واعتبارها أساسا لكل شيء. ولا يقيم وزنا للدين، بصفة عامة، أي دين؛ بل يعتبرون الدين آفة من آفات الشعوب، أو ـ على حد قولهم: مخدرا للشعوب؛ يعني: أنه يلهيها عن مقاصدها المادية التي هي أساس مذهبهم. ولا شك أن هذا أحد أخطر المذاهب الكفرية في العصر الحديث، والتي فتنت بها أناسا كثيرين، واضطهدت كثيرا من أهل الدين والإيمان. ولا شك أن الواجب على من سمع بهذا المذهب، وعلم حاله: أن يكفر به، ويبرأ إلى الله منه، ومن أهله؛ فلا يجتمع تعظيم هذا المذهب، والإيمان به، أو الدعوة إليه، أو محبته ومحبة أهله: مع الإيمان في قلب عبد. فالمنتسب إليهم وهو على معرفة بأمرهم، وما هم عليه من الضلال: كافر بالله العظيم. فإن كان قائل هذا الكلام قد جهل أصل مذهبهم، أو اغتر بدعايتهم في النواحي الاجتماعية والاقتصادية، إلى مراعاة الفقراء، أو العناية بهم، وكفالة حقوقهم: فالواجب تعريفه بحقيقة المذهب، وخطره على الدين والإيمان، وأن الله عز وجل قد أغنى عباده، بما أوحى إليهم من شرعه، عن كل دين وملة، ومذهب سواه. وننصح أن يكون توجيه من اغتر بمذهب القوم برفق ولين، وحسن حوار وبيان لأدلة ذلك من الشرع الحنيف. وينبغي أن يكون من يتعرض لذلك على إلمام كاف بذلك المذهب الكفري، وقدرة على الحوار والنقاش؛ لأن أكثر المفتونين بذلك المذهب ذوو جدل وخصومة. فإن كان حقا، جاهلا بذلك المذهب وأصوله، أو جاهلا بمصادمته للإيمان الواجب على العبيد، فهو معذور بجهله. وإن أصر ـ بعد البيان والتعريف ـ فهو كافر مرتد. نسأل الله تعالى أن يحفظ علينا إيماننا، وأن يجنبنا الفتن، ما ظهر منها وما بطن. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 123484 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 811 ما الفرق بين الشرك الأكبر والأصغر؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما الفرق بين الشرك الأكبر والأصغر من حيث التعريف والأحكام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الشرك الأكبر: أن يجعل الإنسان لله ندا؛ إما في أسمائه وصفاته، فيسميه بأسماء الله ويصفه بصفاته، قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الأعراف/180، ومن الإلحاد في أسمائه: تسمية غيره باسمه المختص به أو وصفه بصفته كذلك. وإما أن يجعل له ندا في العبادة بأن يضرع إلى غيره تعالى، من شمس أو قمر أو نبي أو ملك أو ولي مثلا بقربة من القرب، صلاة أو استغاثة به في شدة أو مكروه، أو استعانة به في جلب مصلحة، أو دعاء ميت أو غائب لتفريج كربة، أو تحقيق مطلوب، أو نحو ذلك مما هو من اختصاص الله سبحانه - فكل هذا وأمثاله عبادة لغير الله، واتخاذ لشريك مع الله، قال الله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) الكهف/110. وأمثالها من آيات توحيد العبادة كثير. وإما أن يجعل لله ندا في التشريع، بأن يتخذ مشرعا له سوى الله، أو شريكا لله في التشريع، يرتضي حكمه ويدين به في التحليل والتحريم؛ عبادة وتقربا وقضاء وفصلا في الخصومات، أو يستحله وإن لم يره دينا، وفي هذا يقول تعالى في اليهود والنصارى: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) التوبة/31، وأمثال هذا من الآيات والأحاديث التي جاءت في الرضا بحكم سوى حكم الله، أو الإعراض عن التحاكم إلى حكم الله والعدول عنه إلى التحاكم إلى قوانين وضعية، أو عادات قبلية، أو نحو ذلك. فهذه الأنواع الثلاثة هي الشرك الأكبر الذي يرتد به فاعله أو معتقده عن ملة الإسلام، فلا يصلى عليه إذا مات، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يورث عنه ماله، بل يكون لبيت مال المسلمين، ولا تؤكل ذبيحته ويحكم بوجوب قتله، ويتولى ذلك ولي أمر المسلمين إلا أنه يستتاب قبل قتله، فإن تاب قبلت توبته ولم يقتل وعومل معاملة المسلمين. أما الشرك الأصغر: فكل ما نهى عنه الشرع مما هو ذريعة إلى الشرك الأكبر ووسيلة للوقوع فيه، وجاء في النصوص تسميته شركا، كالحلف بغير الله، فإنه مظنة للانحدار إلى الشرك الأكبر؛ ولهذا نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، ومن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت) بل سماه: مشركا، روى ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حلف بغير الله فقد أشرك) رواه أحمد والترمذي والحاكم بإسناد جيد؛ لأن الحلف بغير الله فيه غلو في تعظيم غير الله، وقد ينتهي ذلك التعظيم بمن حلف بغير الله إلى الشرك الأكبر. ومن أمثلة الشرك الأصغر أيضا: ما يجري على ألسنة كثير من المسلمين من قولهم: ما شاء الله وشئت، ولولا الله وأنت، ونحو ذلك، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وأرشد من قاله إلى أن يقول: (ما شاء الله وحده) أو (ما شاء الله ثم شئت) ؛ سدا لذريعة الشرك الأكبر من اعتقاد شريك لله في إرادة حدوث الكونيات ووقوعها، وفي معنى ذلك قولهم: توكلت على الله وعليك، وقولهم: لولا صياح الديك أو البط لسرق المتاع. ومن أمثلة ذلك: الرياء اليسير في أفعال العبادات وأقوالها، كأن يطيل في الصلاة أحيانا ليراه الناس، أو يرفع صوته بالقراءة أو الذكر أحيانا ليسمعه الناس فيحمدوه، روى الإمام أحمد بإسناد حسن عن محمود بن لبيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر: الرياء) ، أما إذا كان لا يأتي بأصل العبادة إلا رياء ولولا ذلك ما صلى ولا صام ولا ذكر الله ولا قرأ القرآن فهو مشرك شركا أكبر، وهو من المنافقين الذين قال الله فيهم: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا * مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ ... الآية) ، إلى أن قال: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا) النساء/142-146. وصدق فيهم قوله تعالى في الحديث القدسي: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه) رواه مسلم في صحيحه. والشرك الأصغر لا يخرج من ارتكس فيه من ملة الإسلام، ولكنه أكبر الكبائر بعد الشرك الأكبر؛ ولذا قال عبد الله بن مسعود: (لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقا) . وعلى هذا؛ فمن أحكامه: أن يعامل معاملة المسلمين فيرثه أهله، ويرثهم حسب ما ورد بيانه في الشرع، ويصلى عليه إذا مات، ويدفن في مقابر المسلمين، وتؤكل ذبيحته، إلى أمثال ذلك من أحكام الإسلام، ولا يخلد في النار إن أدخلها كسائر مرتكبي الكبائر عند أهل السنة والجماعة، خلافا للخوارج والمعتزلة. وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (2/172-176) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121553 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 812 حكم الاستعانة بالقرين في علاج بعض الرقاة [السُّؤَالُ] ـ[يوجد شخص ظاهره الاستقامة، ويقول إنه يعالج الناس عن طريق القرين (أي: أن قرينه يسأل قرين المريض، ويخبره بالمرض) ، علماً أنه لا يسأل المريض عن اسم أمه، فما حكم هذا الفعل؟ وما حكم الذهاب لهؤلاء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله كثيرة هي المخالفات الشرعية التي يقع فيها بعض الرقاة، ولو كانوا من أهل الاستقامة، فإن الشيطان وجد طريقه في النيل منهم، وإيقاعهم فيما يحرم من أفعال، وأقوال. ومن تلك المخالفات: الاستعانة بالجن، سواء كانت تلك الاستعانة بالقرين أم بغيره، فكل ذلك من كيد الشيطان، وتلبيسه على أولئك الرقاة. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة: ... وفي بعض الحالات المرضية التي يستعصي علاجها عند الأطباء: نقرأ عليهم آيات الرقية، ولمرات عديدة، دون ظهور أي تأثير عليهم، فاكتشفنا طريقة لمخاطبة القرين قرينَ الشخص المريض! ومن خلالها يتم معرفة المرض، وقد تم علاج حالات كثيرة بهذه الطريقة، وهي: نطلب من المريض أن يردد: بسم الله أوله وآخره، مع الشهيق، ثم بعد مدة نكلم القرين ونحاوره. سؤالي هو: إن معلوماتنا عن القرين قليلة جدا لعدم وجود الأثر الكافي الذي يتحدث عنه، فمثلا: هل هو داخل الجسد أم خارجه، وما هي مدة بقائه مع المريض (الإنسان) ، وهل لكل إنسان قرين واحد أم إنه ممكن أن يتبدل في فترة من الفترات، وهل يبقى ملازم مع الإنسان أم أنه يتركه في أحيان ويعود إليه؟ وفي مرات عديدة جدّاً يذكر أن عمره (القرين) أصغر من عمر المريض. فرجائي الكبير من سماحة الشيخ الوالد أن يرد على هذه الأسئلة كتابة لينفع الله به المسلمين، فأفيدونا وأفتونا. فأجابوا: " ..... الرقية الشرعية تكون بسورة الفاتحة، وآية الكرسي، وسورة الإخلاص، والمعوذتين، والآيات القرآنية، والأدعية النبوية الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولا تجوز الاستعانة بالجن الذي تسمونه " القرين "، وسؤاله عن نوع مرض المريض؛ لأن الاستعانة بالجن: شرك بالله عز وجل، فالواجب عليكم: التوبة إلى الله من ذلك، وترك هذه الطريقة، والاقتصار على الرقية الشرعية، وفق الله الجميع لما فيه رضاه. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد. "فتاوى اللجنة الدائمة" (24/287– 289) . وسئلوا – أيضاً – عن: الاستعانة بالجان في معرفة العين، أو السحر، وكذلك تصديق الجني المتلبس بالمريض بدعوى السحر والعين، والبناء على دعواه. فأجابوا: " لا تجوز الاستعانة بالجن في معرفة نوع الإصابة ونوع علاجها؛ لأن الاستعانة بالجن شرك، قال تعالى: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) ، وقال تعالى: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَامَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) ، ومعنى استمتاع بعضهم ببعض: أن الإنس عظموا الجن، وخضعوا لهم، واستعاذوا بهم، والجن خدموهم بما يريدون، وأحضروا لهم ما يطلبون، ومن ذلك: إخبارهم بنوع المرض وأسبابه مما يطلع عليه الجن دون الإنس، وقد يكذبون، فإنهم لا يؤمنون ولا يجوز تصديقهم. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد. "فتاوى اللجنة الدائمة المجموعة الثانية " (1/92 – 93) . وينظر – للمزيد -: أجوبة الأسئلة: (78546) و (11114) و (11063) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121234 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 813 اتباع العلماء والأمراء [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم اتباع العلماء أو الحكام في تحليل ما حرم الله أو العكس؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " اتباع العلماء أو الحكام في تحليل ما حرم الله أو العكس ينقسم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: أن يتابعهم في ذلك راضياً بقولهم، مقدماً له، ساخطاً لحكم الله، فهو كافر؛ لأنه كره ما أنزل الله، وكراهة ما أنزل الله كفر؛ لقوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) محمد/9، ولا تحبط الأعمال إلا بالكفر، فكل من كره ما أنزل الله فهو كافر. القسم الثاني: أن يتابعهم في ذلك راضياً بحكم الله، وعالماً بأنه أمثل وأصلح للعباد والبلاد، ولكن لهوى في نفسه تابعهم في ذلك، فهذا لا يكفر، ولكنه فاسق. فإن قيل: لماذا لا يكفر؟ أجيب: بأنه لم يرفض حكم الله، ولكنه رضى به وخالفه لهوى في نفسه، فهو كسائر أهل المعاصي. القسم الثالث: أن يتابعهم جاهلاً، يظن أن ذلك حكم الله فينقسم قسمين: الأول: أن يمكنه معرفة الحق بنفسه فهو مفرط أو مقصر فهو آثم، لأن الله أمر بسؤال أهل العلم عند عدم العلم. الثاني: أن يكون جاهلاً ولا يمكنه معرفة الحق بنفسه فيتابعهم بغرض التقليد يظن أن هذا هو الحق فلا شيء عليه؛ لأنه فعل ما أُمر به وكان معذوراً بذلك، ولذلك ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أُفتي بغير علم كان إثمه على من أفتاه) ، ولو قلنا بإثمه بخطأ غيره للزم من ذلك الحرج والمشقة ولم يثق الناس بأحدٍ لاحتمال خطئه " انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. "فتاوى علماء البلد الحرام" (ص 475، 476) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121232 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 814 تحليل الشخصية عن طريق حروف كتابتك وتوقيعك من الكهانة والعرافة [السُّؤَالُ] ـ[أحسن الله إليكم، كثر الحديث في المجالس وفي المنتديات بين مؤيد وبين رافض وأقيمت بعض الدورات التدريبية لتعلم علم الخط – تحليل الشخصية - المسمى بالجرافولوجي هل هو من الدجل والشعوذة أو ليس كذالك؟ وهل يجوز تعلمه؟ وأيضاً أحسن الله إليكم هل البرمجة اللغوية العصبية فيها دجل وشعوذة؟ وهل تنصحون بتعلمها؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إن أحوج ما يكون إليه المسلمون في كل زمان: تعلم العقيدة الصحيحة، التي ينجيهم اعتقادها من سخط الله وعذابه، ويميزون من خلالها بين المبتدع والسنِّي، والصادق والكاذب، ومع حفظهم لدينهم فإنهم يحفظون أموالهم من أن يسلبها منهم أهل الفساد من أهل الكهانة، والعرافة، والشعوذة. ولا يزال هؤلاء يتفنون في إفساد عقائد الناس، وسلب أموالهم، بطوق ملتوية، ويتبرؤون فيها من كونهم على صفة الكهانة، أو الشعوذة، والعرافة. وانظر فيما نحن بصدده، فهذا " العرَّاف " و " الكاهن " يستطيع إخبارك بقائمة طويلة من صفاتك الخلْقية، والخلُقية، وشعورك، والأمراض الجسمية، والنفسية، وغير ذلك بأشياء منها: توقيعك! ، أو كلمات تخطها بيدك! أو رسماتك على الورق! ، ويسمون كهانتهم هذه: " الجرافولوجي ". فأي شيء جعله الله تعالى في تلك الحروف والكتابات والرسوم حتى يستدل ذلك الكاهن من خلالها على أمور غائبة عنه، وهي غيبية في واقع الحال؟! ثم يزعمون أنه لا يعلم الغيب إلا الله! وهكذا يستمر مسلسل الكذب، والكهانة، بأسماء مختلفة، وتسمى " علوماً " و " فنوناً "، وتُعقد لها الدورات القصيرة، بأثمان باهظة. وكل ما جاء في " الكهانة " و " العرافة " و " التنجيم " فهو ينطبق على أولئك الذي يزعمون تلك المعارف بكتابا الشخص، أو توقيعه، أو رسوماته. وانظر في ذلك جواب السؤال رقم: (40924) . ويُنظر تفصيلات – كذلك – في أجوبة الأسئلة: (8291) و (32863) و (45569) و (12578) . ثانياً: قالت الدكتورة فوز كردي - حفظها الله - وهي من أوائل من تنبه لطاغوت البرمجة العصبية وأخواتها، ولها ردود منتشرة عليهم، بل حازت على رسالتي الماجستير والدكتوراة في العقيدة وضمنتهما الرد على تلك البرامج والادعات والعلاجات -: من أنواع الوافدات الفكرية الباطنية أنواع من ما يسمى كذباً " تحليل الشخصية "، ففي استخدام مصطلح " تحليل الشخصية " تلبيس، يلبس به المبطلون على الناس إذ يظن طلاب هذه التحليلات أنها أداة علمية صحيحة، لذا أود التنويه بأن ما ينشر تحت هذا المصطلح، ويتداول بين الناس أنواع: منه ما هو شرك، ومنه ما هو علم، ومنه ما هو جهل: أولاً: تحليل الشخصية الباطل: وهو التحليل المدَّعى بحسب خصائص سرية، كشخصيتك من خلال لونك المفضل، أو حيوانك المفضل، أو حروف اسمك، وهذه في حقيقتها: كهانة، وعرافة، بثوب جديد لا تختلف عن القول بأن من ولد في نجم كذا فهو كذا، وحظه كذا. فهذه النماذج للتحليل تقوم على روابط فلسفية، وأسرار مدعاة، مأخوذة من الكتب الدينية للوثنيات الشرقية، وتنبؤات الكهان، ودعاواهم كخصائص الحروف، ومن ثم يكون مَن يبدأ اسمه بحرف كذا: شخصيته كذا، أو من يحب اللون كذا: فهو كذا، ومن يحب الحيوان كذا: فهو ميال إلى كذا، وغير ذلك مما قد يظن من يسمعه لأول وهلة بوجود أسس منطقية ينبني عليها مثل هذه الأنواع من التحليل، وحقيقة الأمر عقائد فلسفية يؤمن معتقدوها بما وراء هذه الأشياء (الألوان، الحيوانات، الحروف، النجوم .... ) من رموز! وأقلها ضرراً ما تبنى على مجرد القول بالظن الذي نهينا عنه لأنه يصرف عن الحق الذي تدل عليه العقول السليمة والمتوافق مع هدى النقل الصحيح. وكذا " تحليل الشخصية " من خلال الخط، أو التوقيع، يلحق بهذا النوع الباطل من وجه الكهانة والعرافة إذا تضمن ادعاء معرفة أمور تتعلق بأحداث الماضي، أو المستقبل، أو مكنونات الصدر دون قرينة صحيحة صريحة، إذ لا اعتبار للخصائص السرية المدعاة للانحناءات، أو الاستقامة، أو الميل، أو التشابك للحروف، والخطوط، ولا تعتبر بحال قرائن صحيحة في ميزان العقل السليم، فهذه النماذج ما هي إلا كهانة، وإن اتخذت من " تحليل الشخصية " ستاراً لها، قال الدكتور إبراهيم الحمد - معلقًا على الاعتقاد بتأثير تاريخ الميلاد، أو الاسم، أو الحرف -: " كل ذلك شرك في الربوبية؛ لأنه ادعاء لعلم الغيب ". ثانياً: " تحليل الشخصية " أو بعض سماتها العلمي الصحيح: وهو الذي يقوم به المختصون النفسانيون، ويعتمد على المقاييس العلمية، وطرق الاختبار الاستقرائية الرامية للكشف عن سمات أو ميول إيجابية في الشخصية خلال مقابلة الشخص، أو ملاحظة بعض فعاله، أو تصريحاته، أو سلوكه ومشاعره في المواقف المختلفة، بحيث تشكل نتائج هذه الملاحظة دلالات تدل على خفايا شخصية الإنسان يمكن إخباره بها، ودلالته على طريق تعديلها، وتنميتها. فهذه النماذج تختلف عن ذلك الهراء، والظن المحض، أو الرجم، والكذب، وتعتمد على معطيات حقيقية، وأسس سلوكية، يستشف من خلالها بعض الأمور، وتتضمن الدلالة على طريقة تعديل السيء منها، وتعزيز الجيد، ومن ثم تغيير الشخصية للأفضل، أو تزكية النفس، ولا تقف عند حد وصف الشخصية بوصف. ثالثاً: نماذج التحليل التي هي من قبيل الجهل والتعميم غير الصحيح: مثل شخصيتك من طريقة نومك، أو من طريقة مشيتك، أو طريقة استخدامك للمعجون! أو ... أو .... ومثلها شخصيتك من طريقة من حركات عينك، ونظراتك، إذا كانت للأعلى: فأنت كذا، وإذا كانت .... فهذه النماذج اعتمادها جهل محض، وإذا تبعها حديث عن الماضي، والحاضر، ومكنونات النفس: دخلت في الكهانة، والرجم بالغيب .... وخلاصة الأمر: أن في العلم الصحيح ما يغنينا عن الباطل، والجهل ففي الثابت المنقول ما يدلنا على سمات مهمة نكتشف بها أنفسنا، ومن نتعامل معهم، كقوله صلى الله عليه وسلم: (آية المنافق ثلاث ..... ) ، وفي الثابت المعقول كثير من الدلالات الصحيحة مثل القول بأن خوف الشخص من دخول مكان واسع مزدحم يدل على خجل، وبوادر انطواء في شخصيته، ويحتاج صاحبه لتذكير بمعاني، وتدريب على سلوكيات ليتخطى هذا الحاجز، ويزكي شخصيته. انتهى مقال بعنوان " أنواع تحليل الشخصية [شرك، علم، جهل] " من موقعها: http://www.alfowz.com/index.php?option=com_content&task;=view&id;=143&Itemid;=2 وسئلت – حفظها الله -: ما قولكم بخصوص دورات تحليل الشخصية بناء على الخط؟ . فأجابت: قد غزت دورات " تحليل الشخصية " ساحة التدريب في الآونة الأخيرة، وكثر إقبال الناس عليها، أحياناً بدعوى هدف دعوة الأشخاص، وأحيانا بدعوى معرفة مناسبة هذا الشخص أو ذاك لصداقة، أو شراكة، أو زواج، أو أي أعمال مشتركة، أو غير ذلك من الأسباب. والحقيقة: أن الرغبة في اكتشاف المغيبات، ومعرفة دخائل النفوس: قد تكون في أصلها فطرية، تغذيها رغبة حب الاستطلاع، والاستكشاف لدى الإنسان، إلا أنها رغبة ينبغي أن تضبط بضوابط الشرع، وينظر إلى ما يفيد منها. والشرع قد وجهنا بالنسبة للأشخاص والرغبة في معرفة حقيقتهم بتوجيهات عامة، منها: الحكم على الظواهر بالقرائن الظاهرة، وترك السرائر إلى الله عز وجل، وأعطانا قرائن للصلاح، والفساد كما في دلالة االصدق، والمحافظة على الصلاة، على الإيمان. وجهنا للجوء إلى العليم بالسرائر عبر صلاة الاستخارة الذي يعلم ولا نعلم، ويقدر، ولا نقدر متضرعين متذللين. ولم يثبت في سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم، ولا صحابته الكرام، ولا أحد من السلف المعتد بأقوالهم أنه حاول تحليل شخصية مَن أمامه، أو معرفة ماضيه، أو التكهن بمستقبله، إلا ما كان من ملاحظة قرائن ظاهر الحال. وبملاحظة مواد " تحليل الشخصية " المطروحة: يمكننا القول أن منها ما يتبع القرائن الظاهرة، كنماذج تحليل الشخصية العلمية التي عادة تشمل ملاحظة الإنسان لنفسه، أو لآخرين في مواقف متنوعة، وفق معايير متعارف عليها، فمثلا الانطوائي الطبع يشعر بالخجل في التجمعات الكبيرة، يتشاغل إذا قابل الناس هرباً من المواجهة، ونحو ذلك، وهذه الطرق وما شابهها نتاج علمي تعلّمه جيد؛ لتطوير الذات، وتربية الغير، مع ملاحظة أن مصمميها أنفسهم يعطون نسبة صدق معينة لنتائجها، ولا يجزمون بإطلاق النتيجة، ثم إنها تعطى كخطوة لتعديل السلوك، وتنمية الشخصية، فيتبعها عادة تدريبات تحدُّ – مثلاً - من الخجل، وتدفع لانطلاق أكبر. ومِن طرق تحليل الشخصية المتبع ما يتعلق بأمور باطنة، ويُزعم أنها حقائق قطعية، بل وتعدُّ حكماً على الشخصيات، لا خطوة لإصلاحها، وحقيقة هذه الأنواع: كهانة وعرافة بثوب جديد، لا تختلف عن القول بأن مَن ولد في نجم كذا، أو طالع كذا: فهو كذا، وحظه كذا! . وقد يزيِّن مروجو هذا الباطل باطلهم فيزعمون أنه " فراسة "! ، أو يلبسوه لبوس العلم والدراسات الاستقرائية، حتى يظن من يسمعه لأول وهلة بوجود أسس منطقية يبنى عليها، وحقيقة الأمر: أنها مجرد قول بالظن الذي نهينا عنه من وجه، كما أنها متعلقة بالتنجيم، والاعتقاد بالكواكب، وغيرها من وجه آخر، ثم هي تصرف عن الحق الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وعن ما تدل عليه العقول السليمة، والمتوافق مع هدي النقل الصحيح، لذلك قال ابن تيمية عن أمثالها في عصره: " فإنها بديل لهم عن الاستخارة الشرعية ". وتقوم أكثر نماذج التحليل من هذا النوع على روابط فلسفية، وأسرار مدعاة، مأخوذة من الكتب الدينية للوثنيات الشرقية، وتنبؤات الكهان، ودعاواهم، كخصائص الحروف، ومن ثم يكون مَن يبدأ اسمه بحرف كذا: شخصيته كذا، أو خصائص الألوان، فمن يحب اللون كذا: فهو كذا، أو أسماء الأبراج الصينية، فمن يحب الحيوان كذا: فهو ميال إلى كذا، وغير ذلك، وأكثر هذه الأمور عند التدقيق فيها: تشمل أمورا صحيحة، وأخرى خاطئة، ممزوجان معاً، لذا تشتبه على كثير ممن يلاحظون الصواب فيها فقط. ومن هذا النوع الفاسد: ما انتشر مؤخراً بثوب علمي متخذا اسم " علم الجرافلوجي " ومضمونه " تحليل الشخصية " عبر الخط، أو التوقيع، فالحقيقة: أن ما يتضمنه هذا العلم - إن سلمنا بهذا الوصف له - هو الظن، والرجم بالغيب، مع العرافة، والكهانة، وكلما كان صاحبه أحذق: كلما كان أقرب إلى إعانة الشياطين، بإخبارهم ببعض المغيبات الماضية، أو المستقبلية، مزينين له الباطل على أنه علم إنما تلقاه من معرفته بخصائص دلالة هذا الانحناء في التوقيع، وتلك الزواية في طريقة كتابة حرف كذا، ونحو ذلك، وقد عجبت من تلك المدربة المسلمة - عفوا " العرَّافة " - التي مضت تخبر المعلمات في إحدى المدارس بطفولتهن، وما تحب كل واحدة، وماذا تكره، وماذا تتوقع لها مستقبلاً، زاعمة أن ذلك من فراستها في خطهن وتوقيعاتهن!! . ولو فكرنا بعقولنا فقط بعيداً عن تأثير الدعاية لفوائد هذه الدورات وإيحاءات نفعها لنتساءل: ما الفائدة المرجوة من ورائها وهي تعطي حكماً على الشخصيات، لا تعطي دلائل على السمات، وتدل على طرق تقويمها؟ . ثم أي خط ذلك الذي تستشف منه شخصية شخص بارع في محاكاة الخطوط جميعها، وتزوير التوقيعات؟ ما هو مصدر هذا العلم؟ من هم أهله؟ رواده؟ ماهي مصادره المكتوبة؟ ماهي قيمته في الساحات العلمية؟ وما هي فوائده للحياة والعبادة، في الدنيا والآخرة؟ لمَ لَم يعلمنا إياه رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم الذي ما ترك من خير إلا ودلَّنا عليه، ولا شر إلا وحذرنا منه، فجزاه الله عنَّا بخير ما جزى نبيّاً عن أمته، ألف تساؤل وتساؤل، قد يجد المفتونون بهذه الضلالات جواباً لبعضها، ويجيدون التهرب من بعضها، ويبقى أكثرها دون إجابة شافية. وختاماً: أؤكد أن كل ما نحتاجه لنعرف أنفسنا، ونعرف الآخرين: قد دل عليه النقل الصحيح، أوالعقل الصريح، وما دون ذلك: فهو تزيين الشياطين، وإغواؤهم، وصرفهم لبني آدم عما ينفعهم، وتحليل الشخصية أو بعض سماتها بالمنهج العلمي الذي يقوم به المختصون يختلف عن هذا الهراء الباطل، فالتحليل الصحيح يعتمد على معطيات حقيقية، وأسس سلوكية، يستشف من خلالها بعض السمات العامة للشخصية، ويتضمن الدلالة على طريقة تعديل السيء منها، وتعزيز الجيد، ومن ثَمَّ تغيير الشخصية للأفضل، أو ما نسميه " التربية "، و " تزكية النفس ". وفق الله الجميع لما يحب ويرضى، وصرفَ عنَّا لالات الباطنية. http://www.alfowz.com/index.php?option=com_content&task;=view&id;=87&Itemid;=2 والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121011 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 815 حكم سن القوانين الوضعية [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم سن القوانين الوضعية؟ وهل يجوز العمل بها؟ وهل يكفر الحاكم بسنة هذه القوانين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " إذا كان القانون يوافق الشرع فلا بأس به، مثل أن يسن قانونا للطرق ينفع المسلمين، وغير ذلك من الأشياء التي تنفع المسلمين، وليس فيها مخالفة للشرع، ولكن لتسهيل أمور المسلمين فلا بأس بها. أما القوانين التي تخالف الشرع فلا يجوز سنها، فإذا سن قانونا يتضمن أنه لا حد على الزاني، أو لا حد على السارق، أو لا حد على شارب الخمر، فهذا قانون باطل، وإذا استحله الوالي كفر، لكونه استحل ما يخالف النص والإجماع، وهكذا كل من استحل ما حرم الله من المحرمات المجمع عليها فهو يكفر بذلك " انتهى. "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لابن باز" (7/106) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120857 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 816 حكم من يأخذ على نفسه العهد بالعمل بالقانون [السُّؤَالُ] ـ[في كثير من البلاد يلتزم المسؤول ويأخذ على نفسه العهد أنه سيعمل بقانون الدولة ولا يخالفه فما حكم ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يجب أن يعلم أن القوانين الوضعية، التي وضعها البشر، وحلَّت محل الشريعة الإسلامية لا يجوز تطبيقها ولا العمل بها ولا الرضا بها ولا إقرارها. والواجب على جميع المسلمين أن يكون تحاكمهم إلى كتاب الله تعالى، وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم. قال الله تعالى: (إِنْ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) يوسف/40، وقال تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) النساء/65. وانظر جواب السؤال رقم (11309) و (118135) و (120857) لمعرفة حكم العمل بالقوانين الوضعية. ثانياً: ليس هناك أحد من البشر ـ كائناً من كان ـ تجب طاعته في كل ما يأمر به أو نهى عنه ـ إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال الإمام مالك رحمه الله: كلٌّ يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب هذا القبر، وأشار إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فمن جعل غير الرسول تجب طاعته في كل ما يأمر به، وينهى عنه، وإن خالف أمر الله ورسوله، فقد جعله ندا، وربما صنع به كما تصنع النصارى بالمسيح ويدعوه، ويستغيث به، ويوالي أولياءه، ويعادي أعداءه، مع إيجابه طاعته في كل ما يأمر به، وينهى عنه، ويحلله ويحرمه، ويقيمه مقام الله ورسوله، فهذا من الشرك الذي يدخل أصحابه في قوله تعالى: (ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله) " انتهى. "مجموع الفتاوى" (10/267) . وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/284) : " يجب أن يكون عمل الإنسان وفق شريعة الله تعالى، فلا يجوز أن يأخذ على نفسه عهداً أن يعمل بقانون دولة أو طائفة أو فئة ما من البشر بإطلاق. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم " انتهى. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. وبهذا يتبين أنه لا يجوز للمسلم أن يأخذ على نفسه العهد بالعمل بقانون دولة ما؛ لأن هذه القوانين كثير منها يخالف الشرع، فكيف يعلن المسلم التزامه بها، مع أن الواجب عليه أن يعلن براءته منها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120845 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 817 يقول في أثناء كلامه: بالأمانة [السُّؤَالُ] ـ[أحياناً يقول الرجل أثناء كلامه: بالأمانة كذا، ولا يقصد الحلف بالأمانة، وإنما يقصد أنه يتكلم بأمانة ولا يكذب، فما حكم ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما دام أنه لم يقصد الحلف بالأمانة، فلا حرج عليه إن شاء الله، والأفضل له أن يعدل عن هذا الأسلوب، حتى لا يفهم المتكلم معه أنه يحلف بغير الله. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: رجل أراد أن يشتري من تاجر سلعة فأعطاه ثلاثة أنواع منها، فقال له الرجل: تخبرني عن الأفضل من هذه السلع، وقال التاجر: بالأمانة هذا هو الأفضل، وكلا الرجلين لم يقصد يمينا، وإنما قصدهما ائتمان أحدهما الآخر في الإخبار بالحقيقة، ويسأل هل هذا يعتبر كفرا وإلحادا؟ فأجابوا: " إذا لم يكن أحدهما قصد بقوله: بالأمانة الحلف بغير الله، وإنما أراد بذلك ائتمان أخيه في أن يخبره بالحقيقة، فلا شيء في ذلك مطلقا، لكن ينبغي ألا يعبر بهذا اللفظ الذي ظاهره الحلف بالأمانة. أما إذا كان القصد بذلك الحلف بالأمانة فهو حلف بغير الله، والحلف بغير الله شرك أصغر، ومن أكبر الكبائر؛ لما روى عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) ، وقال صلى الله عليه وسلم: (من حلف بالأمانة فليس منا) ، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: (لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقا) . وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم " انتهى. الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن منيع. "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/274) . وللفائدة ينظر جواب السؤال رقم (13019) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 119778 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 818 معنى (لعن الله من ذبح لغير الله) . [السُّؤَالُ] ـ[يقول صلى الله عليه وسلم: (لعن الله من ذبح لغير الله) ما هو المقصود من ذلك؟ وهل الذبح للضيف يكون من الذبح لغير الله؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "المقصود من الحديث: تحريم الذبح لمن مات من الأنبياء والأولياء؛ رجاء بركتهم، والذبح للجن؛ إرضاء لهم، ورجاء قضائهم للحاجات، أو دفعاً لشرهم، فإن هذا شرك أكبر يستحق فاعله لعنة الله وغضبه. أما الذبح للضيوف إكراماً لهم، أو للأهل توسعةً عليهم، والذبح تقرباً إلى الله من أجل أن تجعل صدقة على الأموات يرجى ثوابها من الله للحي والميت، فهذا جائز، بل هو إحسان يرجى ثوابه من الله، وهكذا الضحايا يوم النحر عن الأموات والأحياء. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم " انتهى. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/196) . وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" أيضاً (1/225) : " يجوز ذبح الذبيحة للضيف ويذكر اسم الله عليها عند الذبح، وليس ذلك داخلا في عموم قوله تعالى: (وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ) ، بل المقصود في الآية ما ذبح لغير الله، كالذبح للأموات ونحوهم تقربا إليهم، أما الذبح للضيف، فالمقصود به إكرامه لا عبادته؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بإكرام الضيف. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم " انتهى. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. وللفائدة ينظر جواب السؤال رقم (44730) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 119690 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 819 المقارنة بين الشريعة والقانون [السُّؤَالُ] ـ[هل المقارنة بين الشريعة والقانون يعد انتقاصاً للشريعة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " إذا كانت المقارنة لقصدٍ صالحٍ كقصد بيان شمول الشريعة وارتفاع شأنها، وتفوقها على القوانين الوضعية، واحتوائها على المصالح العامة فلا بأس بذلك؛ لما فيه من إظهار الحق، وإقناع دعاة الباطل، وبيان زيف ما يقولون في الدعوة إلى القوانين، أو الدعوة إلى أن هذا الزمن لا يصلح للشريعة أو قد مضى زمانها.. لهذا القصد الصالح الطيب، ولبيان ما يردع أولئك، ويبين بطلان ما هم عليه، ولتطمئن قلوب المؤمنين، وتثبيتها على الحق، ولهذا كله لا مانع من المقارنة بين الشريعة والقوانين الوضعية، إذا كان ذلك بواسطة أهل العلم والبصيرة المعروفين بالعقيدة الصالحة، وحسن السيرة، وسعة العلم بعلوم الشريعة ومقاصدها العظيمة " انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله. "مجلة البحوث الإسلامية" (27/89) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 119387 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 820 عمر لم يتوسل بجاه العباس رضي الله عنهما [السُّؤَالُ] ـ[حديث: أنس بن مالك رضي الله عنه أن عمر رضي الله عنه كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب وقال: (اللهم إنا كنا نستسقي إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، فيسقون) هل هو صحيح؟ وهل يدل على جواز التوسل بجاه الأولياء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "هذا الحديث الذي أشار إليه السائل حديث صحيح رواه البخاري، لكن من تأمله وجد أنه دليل على عدم التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم، أو غيره؛ وذلك أن التوسل هو اتخاذ وسيلة؛ والوسيلة هي الشيء الموصل إلى المقصود؛ والوسيلة المذكورة في هذا الحديث (نتوسل إليك بنبينا فتسقينا؛ وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا) المراد بها التوسل إلى الله تعالى بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال الرجل: (يا رسول الله، هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا) ولأن عمر قال للعباس: (قم يا عباس فادع الله، فدعا) ، ولو كان هذا من باب التوسل بالجاه لكان عمر رضي الله عنه يتوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يتوسل بالعباس؛ لأن جاه النبي صلى الله عليه وسلم أعظم عند الله من جاه العباس، وغيره؛ فلو كان هذا الحديث من باب التوسل بالجاه لكان الأجدر بأمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أن يتوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم، دون جاه العباس بن عبد المطلب. والحاصل: أن التوسل إلى الله تعالى بدعاء من ترجى فيه إجابة الدعاء لصلاحه لا بأس به؛ فقد كان الصحابة رضي الله عنهم يتوسلون إلى الله تعالى بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لهم؛ وكذلك عمر رضي الله عنه توسل بدعاء العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، فلا بأس إذا رأيت رجلاً صالحاً حرياً بالإجابة لكون طعامه وشرابه وملبسه ومسكنه حلالاً وكونه معروفاً بالعبادة والتقوى، لا بأس أن تسأله أن يدعو الله لك بما تحب، بشرط أن لا يحصل في ذلك غرور لهذا الشخص الذي طلب منه الدعاء، فإن حصل منه غرور بذلك فإنه لا يحل لك أن تقتله وتهلكه بهذا الطلب منه؛ لأن ذلك يضره. كما أنني أيضاً أقول: إن هذا جائز؛ ولكنني لا أحبذه، وأرى أن الإنسان يسأل الله تعالى بنفسه دون أن يجعل له واسطة بينه وبين الله، وأن ذلك أقوى في الرجاء، وأقرب إلى الخشية، كما أنني أيضاً أرغب من الإنسان إذا طلب من أخيه الذي ترجى إجابة دعائه أن يدعو له، أن ينوي بذلك الإحسان إليه - أي إلى هذا الداعي - دون دفع حاجة هذا المدعو له؛ لأنه إذا طلبه من أجل دفع حاجته صار كسؤال المال وشبهه المذموم، أما إذا قصد بذلك نفع أخيه الداعي بالإحسان إليه - والإحسان إلى المسلم يثاب عليه المرء كما هو معروف - كان هذا أولى وأحسن. والله ولي التوفيق" انتهى. "مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (2/277) . ولمزيد الفائدة حول حديث توسل عمر بالعباس رضي الله عنهما، وبيان أن هذا التوسل كان بدعائه، لا بجاهه، انظر كتاب "التوسل" للشيخ الألباني رحمه الله ص (50-68) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118099 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 821 حكم تشريع القوانين الوضعية ورأي الشيخ ابن عثيمين في ذلك [السُّؤَالُ] ـ[هل تشريع الأحكام الوضعية، ووضع دستور للحكم به بدلا من شرع الله أمر مختلف فيه بين أهل العلم، وكلا القولين من أقوال أهل السنة؟ حيث دار نقاش بين إخوة في: هل هذا العمل كفر مخرج من الملة أم هو معصية؟ نرجو البيان والتوضيح. وهل يحق للمقلد أخذ أي القولين أم لا؟ وهل للعلامة ابن العثيمين قول في آخر حياته يقول إن التشريع معصية خلافا لقوله الأول أنه كفر أكبر؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد الله أولا: تشريع الأحكام الوضعية المخالفة لحكم الله ورسوله في الدماء والأعراض والأموال، كفر أكبر مخرج عن ملة الإسلام، لا شك في ذلك ولا ريب، ولا خلاف فيه بين علماء الإسلام، فإن هذا التشريع منازعة لله تعالى في حكمه، ومضادة له في شرعه، وقد قال تعالى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) الشورى/21. وقال سبحانه في طاعة من أباح الميتة: (وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) الأنعام/121. وقال سبحانه: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا. وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا) النساء/60، 61. وإذا كان هذا حكم الله فيمن أراد التحاكم إلى الطاغوت، فكيف بالطاغوت نفسه الذي يشرع من دون الله. وكيف لا يكون التشريع المخالف لشرع الله كفرا، وهو لابد يتضمن تحليل الحرام، وتحريم الحلال، أو إعطاء المشرعين الحق في ذلك، فلهم أن يحلوا ما شاءوا، وأن يحرموا ما أرادوا، وما اتفق عليه أغلبيتهم كان واجب التنفيذ، يعاقب ويجرّم من يخالفه، وهذا غاية الكفر. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه، أو حرم الحلال المجمع عليه، أو بدل الشرع المجمع عليه، كان كافرا مرتدا باتفاق الفقهاء " انتهى من "مجموع الفتاوى" (3/267) . وقال ابن كثير رحمه الله: " فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء، وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر، فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدمها عليه؟! من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين " انتهى من "البداية والنهاية" (13/139) . و (الياسا) ويقال: (الياسق) هي قوانين جنكيز خان التتاري الذي ألزم الناس بالتحاكم إليها. ولاشك أن من باشر التشريع بنفسه كان أعظم كفرا وضلالا ممن تحاكم إليه. وقال العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: " ويفهم من هذه الآيات كقوله: (ولا يشرك في حكمه أحدا) ، أن متبعي أحكام المشرعين غير ما شرعه الله أنهم مشركون بالله. وهذا المفهوم جاء مبينا في آيات أخر. كقوله فيمن اتبع تشريع الشيطان في إباحة الميتة بدعوى أنها ذبيحة الله: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) فصرح بأنهم مشركون بطاعتهم. وهذا الإشراك في الطاعة، واتباع التشريع المخالف لما شرعه الله تعالى ـ هو المراد بعبادة الشيطان في قوله تعالى: (ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم) ، وقوله تعالى عن نبيه إبراهيم: (يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا) ، وقوله تعالى: (إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا) أي ما يعبدون إلا شيطانا، أي وذلك باتباع تشريعه. ولذا سمى الله تعالى الذين يطاعون فيما زينوا من المعاصي شركاء في قوله تعالى: (وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ... ) الآية. وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم هذا لعدي بن حاتم رضي الله عنه لما سأله عن قوله تعالى: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ... ) الآية، فبين له أنهم أحلوا لهم ما حرم الله، وحرموا عليهم ما أحل الله فاتبعوهم في ذلك، وأن ذلك هو اتخاذهم إياهم أربابا. ومن أصرح الأدلة في هذا: أن الله جل وعلا في سورة النساء بين أن من يريدون أن يتحاكموا إلى غير ما شرعه الله يتعجب من زعمهم أنهم مؤمنون، وما ذلك إلا لأن دعواهم الإيمان مع إرادة التحاكم إلى الطاغوت بالغة من الكذب ما يحصل منه العجب. وذلك في قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا) . وبهذه النصوص السماوية التي ذكرنا يظهر غاية الظهور: أن الذين يتبعون القوانين الوضعية التي شرعها الشيطان على ألسنة أوليائه مخالفة لما شرعه الله جل وعل على ألسنة رسله صلى الله عليهم وسلم، أنه لا يشك في كفرهم وشركهم إلا من طمس الله بصيرته، وأعماه عن نور الوحي مثلهم". إلى أن قال: " وأما النظام الشرعي المخالف لتشريع خالق السموات والأرض فتحكيمه كفر بخالق السموات والأرض. كدعوى أن تفضيل الذكر على الأنثى في الميراث ليس بإنصاف، وأنهما يلزم استواؤهما في الميراث. وكدعوى أن تعدد الزوجات ظلم، وأن الطلاق ظلم للمرأة، وأن الرجم والقطع ونحوهما أعمال وحشية لا يسوغ فعلها بالإنسان، ونحو ذلك. فتحكيم هذا النوع من النظام في أنفس المجتمع وأموالهم وأعراضهم وأنسابهم وعقولهم وأديانهم ـ كفر بخالق السموات والأرض، وتمرد على نظام السماء الذي وضعه من خلق الخلائق كلها وهو أعلم بمصالحها سبحانه وتعالى عن أن يكون معه مشرع آخر علوا كبيرا (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) ، (قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون قل إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون) " انتهى من "أضواء البيان" في تفسير قوله تعالى: (وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا) الكهف/26. وينظر جواب السؤال رقم (11309) و (974) . ثانيا: المستفيض عن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله هو تصريحه بأن تشريع القوانين المخالفة لما أنزل الله كفر أكبر، وقد ذكر هذا في مواضع من كتبه، كشرح كتاب التوحيد، وشرح الأصول الثلاثة، وشرح السياسة الشرعية، وفتاواه المطبوعة في العقيدة، ولقاءات الباب المفتوح، وكلامه في هذه المواضع متفق يجري على قاعدة واحدة، وهي أن التشريع ووضع القوانين المخالفة لشريعة الله من الكفر الأكبر، وأما الحاكم بغير ما أنزل الله فهو الذي قد يكون كافراً أو ظالماً أو فاسقاً حسب الجرم الذي ارتكبه، ولا نعلم للشيخ رحمه الله قولا آخر يجعل هذا التشريع من الكفر الأصغر، ولو كان للشيخ قول آخر لذاع وانتشر، ولصرح الشيخ برجوعه عن قوله الأول، وسعى في منع نشره، ومن ظن أن أحدا من أهل العلم يرجع عن أمر يتبين له خطؤه، ثم يستمر في نشر القول الخطأ حتى يموت دون إنكار له، أو وصية بحذفه، فقد أساء به الظن، وقدح في دينه وأمانته، فإن القول الباطل لا يجوز نشره ولا السكوت عليه، لا سيما إذا كان متعلقا بمسألة كبيرة كهذه. ومن كلامه رحمه الله في هذه المسألة: ما جاء في "شرح الأصول الثلاثة": " من لم يحكم بما أَنزل الله استخفافا به، أو احتقارا له، أو اعتقادا أن غيره أصلح منه، وأنفع للخلق أو مثله فهو كافر كفرا مخرجا عن الملة، ومن هؤلاء من يضعون للناس تشريعات تخالف التشريعات الإسلامية لتكون منهاجا يسير الناس عليه، فإنهم لم يضعوا تلك التشريعات المخالفة للشريعة الإسلامية إلا وهم يعتقدون أنها أصلح وأنفع للخلق، إذ من المعلوم بالضرورة العقلية، والجبلة الفطرية أن الإنسان لا يعدل عن منهاج إلى منهاج يخالفه إلا وهو يعتقد فضل ما عدل إليه ونقص ما عدل عنه " انتهى من "مجمع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين" (6/161) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118135 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 822 عمَّتها تعتقد اعتقادات كفرية، وتعمل أعمالاً جاهلية؟! [السُّؤَالُ] ـ[في البداية أود الاعتذار لأن الرسالة ستكون طويلة، ولكن ثقتي في سعة صدوركم لتقديم الفائدة كبيرة إن شاء الله، وأود أن تساعدوني بطريقتكم الدعوية لإعادة عمتي للنهج الصحيح للقرآن والسنة. عمتي في الخمسينات من عمرها، ولديها 4 بنات، تزوجت أولاهن في الصيف الفائت، وهي تفعل العديد من الأشياء المنافية للقرآن والسنة، وما يخرج أحيانا من الملة والعياذ بالله، كما نسمع ونتعلم من علمائنا الأفاضل. 1- فعمتي تذهب للمنجمين والعرافين للاستعلام عن أي مشكلة تقع فيها بدعوى معرفة الأسباب الحقيقية وراء المشكلة. 2- أيضا هي تعتقد بنفع وضر الأولياء الصالحين، ولديها وليٌّ نسبت نفسها وبناتها له، وتسعى لتطبيق عاداته أو طريقته كما يقولون، وتذبح له الذبائح، وتخشى منه إذا أخلت ببعض طرقه أن يعاقبها، وتفاصيل ذلك كثيرة، ولكني لا أريد الإطالة. 3- هناك أيضا ظاهرة اجتماعية وهي عبارة عن تعويذة وتسمى هنا (الصفيحة) وهي كالآتي: تقوم الأم قبل بلوغ بناتها بجرحهم 7 جروح خفيفة على مستوى الركبة، ثم تقوم بغمس 7 حبات زبيب، وتقوم البنت بأكلها، ولا أدري إن كان يصاحب ذلك كلام أو لا، هذه التعويذة تجعل الفتاة منيعة من ناحية الاعتداءات الجنسية كما يزعمون، ولا تقوم الأم بنزع هذه التعويذة إلا يوم زواج البنت بنفس الطريقة في المرة الأولى ليتمكن زوجها من الدخول بها، وإذا حدث ونسيت ذلك فلن يستطيع الزوج أن يفعل شيئاً مهما حاول حتى تستدعى الأم وتقوم بفك التعويذة، والحديث منسوب لعمتي التي قامت بها لجميع بناتها، وتبرر صحة هذه العادة بالعديد من الحالات التي نسيت الأم فتح التعويذة ولم ينجح الأزواج بالدخول بزوجاتهم إلا بعد فكها، ولما سألتها هل لديها عنها أصل في القرآن والسنة فربما كانت حراماً قالت لي أكل شيء تحرمونه، هذه عادة معروفة والعديد من الناس يفعلونها ومعروفة بنجاعتها. 4- كل هذا بالإضافة لمشاهدة الأفلام والفيديو كليب بجميع أنواعه و" ستار أكاديمي "، وما إلى ذلك من البرامج التليفزيونية، وأيضا تعلق الصور بالبيت والتحف الفخارية على شكل عرائس وحيوانات، وحضور حفلات الأعراس الممتلئة بالمعاصي، فهي أيضاً قامت بتزويج ابنتها بهذه الطريقة. المحير أنها تصلي وتذهب كل جمعة للمسجد للصلاة، وتقرأ القرآن، وتتصدق، ولكنها ترفض التسليم بتحريم ما تفعله كلما خاض بعض الأقارب الموضوع معها، وتقول: كل شيء تريدون تحريمه، ثم أنا أخاف - وتعني بذلك من الولي -. أنا أريد التحدث معها منذ مدة، ولكني أجلت ذلك لأدعم كلامي بفتاوى من العلماء مدعمة بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية وأشهر تفاسير العلماء كي لا أدع لها مجالاً للتشكيك فيما أقول، فأرجو من فضيلتكم المساعدة لأني سأطبع إجابتكم وأقدمها لها عند حديثي معها كدليل وحجة، وأود نصيحتك في كيفية التحدث معها. وجزاكم الله كل خير، وكلل مسعانا هذا بالنجاح إن شاء الله فهو ولي ذلك والقادر عليه، وهدانا جميعا لما يحب ويرضى، فكما قال عليه الصلاة والسلام بما معناه لأن يهدي بك الله عبداً خيراً لك من حمر النعم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نشكر لك أختنا السائلة هذه الغيرة على دين الله، ونسأل الله أن يجزيك خير الجزاء عليها، وأن يكلل مسعاكِ في دعوة عمتك بالنجاح، فيهديها الله، ويجعل أعمالها في ميزان حسناتك. ثانياً: ولا يخفى عليكِ أختنا الفاضلة انتشار التصوف والقبورية في أرجاء الأرض، فبعض الدول الإسلامية يوجد فيها حوالي 3 آلاف قبر يُعظَّم! وزبائن القبور والمشاهد والأوثان في العالَم الإسلامي يعدون بمئات الملايين! وللأسف أنهم يُحسبون على المسلمين، ويُحسب فعلهم على الإسلام، ولا ندري – حقيقة – كيف لمسلم يشهد الشهادتين يفعل مثل هذا، وهو يعلم ما جاء به نبيه من تحطيم الأصنام، ونقض لعقائد الجاهلية، والتي بعضها أقل كفراً من عقائدهم التي ينسبونها للإسلام، فالجاهليون كانوا إذا أصابهم الضر في البحر دعوا الله مخلصين له في الدعاء، لعلمهم أنه لا ينجيهم من كربهم إلا الله، ومشركو زماننا من أهل القبور والأوثان وتعظيم الأولياء يدعون وليهم في السراء والضراء! . ثالثاً: قال الإمام البغوي – رحمه الله -: الكاهن: هو الذي يخبر عن الكوائن في مستقبل الزمان، ويدَّعي معرفة الأسرار، ومطالعة علم الغيب، وكان في العرب كهنة يدعون معرفة الأمور، فمنهم من كان يزعم أن له رئيساً من الجن، وتابعة، تُلقي إليه الأخبار، ومنهم مَن كان يدَّعي أنه يستدرك الأمور بفهم أعطيه. والعرَّاف: هو الذي يدَّعي معرفة الأمور بمقدمات أسباب يستدل بها على مواقعها، كالمسروق مَن الذي سرقها، ومعرفة مكان الضالة، وتُتهم المرأة بالزنى، فيقول من صاحبها، ونحو ذلك من الأمور، ومنهم مَن يسمِّي المنجم كاهناً. " شرح السنَّة " (12 / 182) . وإتيان العرافين والكهَّان من كبائر الذنوب، وهذا في مجرد الإتيان، وأما من جاءهم مصدِّقاً لهم: فهو كفر مخرج من الملة؛ لمضادة ذلك للإيمان بالله تعالى أنه لا يعلم الغيب إلا هو، ومن باب أولى أن يكون حكم اكاهن والعرَّاف: الكفر المخرج من ملة الإسلام. عَنْ صَفِيَّةَ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيٍّ صلى الله عليه وسلم عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) . رواه مسلم (2230) . وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) . رواه الترمذي (135) وأبو داود (3904) وابن ماجه (936) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ". وينظر تفصيل ذلك في جوابي السؤالين: (8291) و (60431) . رابعاً: النفع والضر بيد الله، وبأمره عز وجل، وقد كان الكفار في الجاهلية يعتقدون في أصنامهم أنها تنفع مَن عَبَدها، وتضر من كفر بها، فردَّ الله عليه اعتقادهم هذا في أكثر من موضع من كتابه، وبيَّن أن هذا سفه في العقول، فهم الذين نحتوها وصنعوها، فكيف يعتقدون فيها النفع والضر، وهم الذين يلجئون إلى الله وحده لا شريك له في الشدائد، وتضل عنهم آلهتهم ومعبوداتهم في تلك الشدة، فأنَّى يكون لها النفع والضر في الدنيا فضلاً عن الآخرة؟! . قال تعالى: (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) يونس/ 18. قال الإمام الطبري – رحمه الله -: يقول تعالى ذِكره: ويَعبُد هؤلاء المشركون الذين وصفتُ لك يا محمد صفتهم، من دون الله الذي لا يضرهم شيئًا، ولا ينفعهم، في الدنيا، ولا في الآخرة، وذلك هو الآلهة، والأصنام التي كانوا يعبدونها. (ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله) ، يعني: أنهم كانوا يعبدونها رجاء شفاعتها عند الله. قال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وآله: (قل) لهم (أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض) ، يقول: أتخبرون الله بما لا يكون في السموات، ولا في الأرض؟ ؛ وذلك أن الآلهة لا تشفع لهم عند الله في السموات، ولا في الأرض، وكان المشركون يزعمون أنها تشفع لهم عند الله، فقال الله لنبيه صلى الله عليه وآله: قل لهم: أتخبرون الله أن ما لا يشفع في السموات ولا في الأرض يشفع لكم فيهما؟ وذلك باطلٌ لا تُعلم حقيقته وصحته، بل يَعلم الله أن ذلك خلاف ما تقولون، وأنها لا تشفع لأحد، ولا تنفع ولا تضر. (سبحان الله عما يشركون) ، يقول: تنزيهاً لله وعلوًّاً عما يفعله هؤلاء المشركون، من إشراكهم في عبادته ما لا يضر ولا ينفع، وافترائهم عليه الكذب. " تفسير الطبري " (15 / ص 46، 47) . وقد بيَّن الله تعالى عجز الأوثان والأصنام أن تكشف الضر عن أحد، أو تمنع وقوع الخير لأحدٍ. قال تعالى: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) الأنعام/ 17. وقال: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) يونس/ 107. وقال عز وجل: (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) فاطر/ 2. وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ: (وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ) . رواه الترمذي (2516) ، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ". ومن ينتسب للإسلام فلا نعجب إن كانت منزلة الولي عنده كمنزلة الأصنام عند الجاهليين، ولا نعجب إن رأيناهم يصرفون عباداتهم لهم، كالنذر، والذبح، والخوف، والخشية، والرجاء، وغير ذلك مما لا ينبغي للموحِّد أن يصرفه إلاَّ لربه وإلهه عز وجل. ومثل هؤلاء لا تنفعهم صلاتهم، ولا صيامهم، ولا حجهم ما داموا على ذلك؛ لأنهم نقضوا توحيد الألوهية، فصرفوا ما يجب صرفه لله تعالى وحده: صرفوه لأوليائهم، وأوثانهم، كما أنهم نقضوا توحيد الربوبية باعتقادهم في أوليائهم من الأفعال ما لا يقدر عليه إلا الله، كالنفع، والضر، والسخط، والرضا، والثواب والعقاب، كل ذلك من أفعال الله تعالى وحده، لا يشاركه فيه أحد. وهذا الولي المزعوم ليس من الصالحين، بل هو من أولياء الشيطان الذي يخوف به الشيطان الناس، ليوقعهم في الشرك الأكبر، ولو فُرض أن هذا الولي كان من الصالحين، وأن هذا الذي غلا في شأنه، واعتقد فيه هذه العقائد الجاهلية، لم يكن بعلم الولي ولا إرادته: لم يغير ذلك من حكم التابع شيئاً، ولا ينفعه عند الله شيئاً، وإن كان المتبوع الصالح بريئاً منه ومن شركه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: فكل مَن غلا في حيٍّ، أو في رجل صالح، كمِثل عليٍّ رضي الله عنه، أو " عدي "، أو نحوه، أو فيمن يَعتقد فيه الصلاح، كالحلاج، أو الحاكم الذي كان بمصر، أو يونس القتي، ونحوهم، وجعل فيه نوعاً من الإلهية، مثل أن يقول: كل رزق لا يرزقنيه الشيخ فلان ما أريده، أو يقول إذا ذبح شاة: باسم سيدي، أو يعبده بالسجود له، أو لغيره، أو يدعوه من دون الله تعالى، مثل أن يقول: يا سيدي فلان اغفر لي، أو ارحمني، أو انصرني، أو ارزقني، أو أغثني، أو أجرني، أو توكلت عليك، أو أنت حسبي، أو أنا في حسبك، أو نحو هذه الأقوال والأفعال التي هي من خصائص الربوبية التي لا تصلح إلا لله تعالى: فكل هذا شرك، وضلال، يستتاب صاحبه، فإن تاب وإلا قتل؛ فإن الله إنما أرسل الرسل، وأنزل الكتب، لنعبد الله وحده لا شريك له، ولا نجعل مع الله إلهاً آخر. " مجموع الفتاوى " (3 / 395) . وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله -: ومعلوم أن الخوف من تلك الأصنام من أشنع أنواع الكفر والإشراك بالله، وقد بيَّن جل وعلا في موضع آخر، أن الشيطان يخوِّف المؤمنين أيضاً، الذين هم أتباع الرسل، من أتباعه وأوليائه من الكفار، كما قال تعالى: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين) . "أضواء البيان " (6 / 464) . خامساً: أما التعويذة المذكورة في السؤال: فهي من الخرافات، ولا أصل لها في شرع الله تعالى، ولا في واقع الناس، وسبع حبات من الزبيب لا تمنع المرأة من الفجور بها، ولا تمنع الزوج من جماع زوجته بمجردها، اللهم إلا أن يقترن بها شيء من السحر، الذي يفعله شياطين الإنس ليمنعوا الزوج عن زوجته، والزوجة عن زوجها، فهذا ليس من التعاويذ ولا التمائم في شيء، وإنما هو من فعل مردة الشياطين والسحرة. سادساً: بخصوص مشاهدة الأفلام، والوقوف على ما فيها من مفاسد وآثام: انظري أجوبة الأسئلة: (3633، 332 4، 1107، 13003، 85232) . وبخصوص برنامج " ستار أكاديمي ": انظري جواب السؤال رقم: (43775) ففيه بيان من " اللجنة الدائمة " في التحذير منه. وننصحك أخيراً: بمداومة نصح عمتك، وعدم السآمة من ذلك، وأن تداومي على الدعاء لها، وتحرَّي من أجل ذلك الأوقات والحالات الفاضلة، فلعل الله أن يستجيب دعاءك، وأن يهديها لما فيه صلاح حالها واعتقادها. سابعاً: ننبهك ـ أختنا الكريمة ـ أخيراً إلى أن ما جاء في الدعاء الكريم الذي ختمت به سؤالك، وقلت: " وكلل مسعانا هذا بالنجاح إن شاء الله "، فإن ذكر المشيئة هنا مخالف لأدب الدعاء، بل ينبغي للإنسان أن يدعو الله عز وجل بما أحب من خير الدنيا والآخرة، من غير أن يقرن ذلك بالمشيئة، بل يجزم في مسألته، ويتضرع إلى ربها في جوابها. عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ ارْزُقْنِي إِنْ شِئْتَ وَليَعْزِمْ مَسْأَلَتَهُ إِنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ لَا مُكْرِهُ لَهُ) . رواه البخاري (7477) ومسلم (2679) . قال النووي رحمه الله: " قَالَ الْعُلَمَاء: عَزْم الْمَسْأَلَة الشِّدَّة فِي طَلَبهَا , وَالْجَزْم مِنْ غَيْر ضَعْف فِي الطَّلَب , وَلَا تَعْلِيق عَلَى مَشِيئَة وَنَحْوهَا , وَقِيلَ: هُوَ حُسْن الظَّنّ بِاَللَّهِ تَعَالَى فِي الْإِجَابَة. وَمَعْنَى الْحَدِيث: اِسْتِحْبَاب الْجَزْم فِي الطَّلَب , وَكَرَاهَة التَّعْلِيق عَلَى الْمَشِيئَة , قَالَ الْعُلَمَاء: سَبَب كَرَاهَته أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّق اِسْتِعْمَال الْمَشِيئَة إِلَّا فِي حَقِّ مَنْ يَتَوَجَّه عَلَيْهِ الْإِكْرَاه , وَاَللَّه تَعَالَى مُنَزَّه عَنْ ذَلِكَ , وَهُوَ مَعْنَى قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِر الْحَدِيث: فَإِنَّهُ لَا مُسْتَكْرِه لَهُ , وَقِيلَ: سَبَب الْكَرَاهَة أَنَّ فِي هَذَا اللَّفْظ صُورَة الِاسْتِغناء عن الْمَطْلُوب وَالْمَطْلُوب مِنْهُ " انتهى. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 117811 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 823 الحلف بغير لله هل تلزم فيه الكفارة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكنكم أن تلقوا الضوء على هذه القضية؟ لو أن شخصا يحلف برأسه، هل يعد هذا يمينا أم عهدا؟ وإذا أخل به هل عليه كفارة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحلف لا يكون إلا بالله تعالى، أو باسم من أسمائه، أو صفة من صفاته، وأما الحلف بغير الله فلا يجوز، وهو من الشرك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ) رواه الترمذي (1535) وأبو داود (3251) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ) رواه البخاري (2679) ومسلم (1646) . ويدخل في ذلك الحلف بحياة الإنسان ورأسه وشرفه، والحلف بأمه وأبيه، والحلف بالكعبة وغير ذلك من المخلوقات. واليمين بغير الله يمين غير منعقدة، ولا تلزم فيها كفارة عند أكثر العلماء. قال ابن قدامة رحمه الله: " ولا تنعقد اليمين بالحلف بمخلوق ; كالكعبة , والأنبياء , وسائر المخلوقات , ولا تجب الكفارة بالحنث فيها. وهو قول أكثر الفقهاء " انتهى من "المغني" (9/405) . وعلى هذا، فمن حلف برأسه، فقد ارتكب أمراً محرماً، وعليه التوبة إلى الله تعالى، والندم على ما فعل، والعزم على عدم العودة إلى ذلك مرة أخرى، وليس عليه كفارة إذا أخل بما حلف عليه، لأن هذه اليمين يمين محرمة لا يترتب عليها ما يترتب على الحلف بالله. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 115474 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 824 قصيدة " البردة " للبوصيري، وبيان ما فيها من كفر [السُّؤَالُ] ـ[لقد سمعتُ الكثير عن " البردة " أشياء عديدة البعض يقول: إنها جيدة، ومفيدة، والبعض الآخر يرى أنها شرك؛ لأن بعض أبياتها يمتدح النبي صلى الله عليه وسلم بصفات الله. أتساءل: هل في نظركم أنها فعلا شرك فأجتنبها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: قصيدة " البردة " تعدُّ من أشهر القصائد في مدح النبي صلى الله عليه وسلم إن لم نقل: أشهرها، وقد نظمها " البوصيري ": وهو: محمد بن سعيد بن حمّاد الصنهاجي، ولد سنة 608هـ‍ـ، وتوفي سنة 696 هـ ‍. وقد قيل في سببها: أن " البوصيري " أصيب بمرضٍ عُضالٍ، لم ينفع معه العلاج، وأنه كان يُكثر مِن الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى رآه في المنام ذاتَ ليلةٍ، وغطَّاه ببردته الشريفة، وأنه لمَّا قام " البوصيري " مِن نومه: قام، وليس به مرضٌ، فأنشأ قصيدته، والله أعلم بحقيقة ذلك. ثانياً: القصيدة المذكورة قد اشتملت على كفرٍ صريح، وقد تتابع العلماء من أهل السنَّة والجماعة على نقضها، ونقدها، وتبيين عوارها، وكشف زيغها ومخالفتها لاعتقاد أهل السنَّة والجماعة. ومن أبرز الأبيات التي انتُقدت في تلك القصيدة: قوله: 1. يا أكرمَ الخلْقِ مالي مَن ألوذُ به ... ** سواك عند حدوثِ الحادثِ العَمم 2. إن لم تكن آخذاً يوم المعاد يدي ... ** عفواً وإلا فقل يا زلة القدم 3. فإن مِن جودك الدنيا وضَرتها ... ** ومن علومك علم اللوح والقلم 4. دع ما ادعته النصارى في نبيهم ... ** واحكم بما شئت مدحاً فيه واحتكم 5. لو ناسبت قدره آياته عظما ... ** أحيا اسمه حين يدعى دارس الرمم 6. فإن لي ذمة منه بتسميتي ... ** محمداً وهو أوفى الخلق بالذمم ثالثاً: ومن كلام أهل العلم في نقض تلك الأبيات ونقدها: 1. قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله -: " وأما الملك: فيأتي الكلام عليه؛ وذلك أن قوله: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) ، وفي القراءة الأخرى (مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ) : فمعناه عند جميع المفسرين كلهم ما فسره الله به في قوله تعالى (وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ. ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ. يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) الانفطار/ 17 – 19. فمن عرف تفسير هذه الآية، وعرف تخصيص المُلك بذلك اليوم، مع أنه سبحانه مالك كل شيء ذلك اليوم وغيره: عرف أن التخصيص لهذه المسألة الكبيرة العظيمة التي بسبب معرفتها دخل الجنة من دخلها، وسبب الجهل بها دخل النار من دخلها، فيالها من مسألة لو رحل الرجل فيها أكثر من عشرين سنة لم يوفها حقها، فأين هذا المعنى، والإيمان، بما صرح به القرآن، مع قوله صلى الله عليه وسلم: (يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئاً) : من قول صاحب البردة: ولن يضيق رسولَ الله جاهك بي ... ** إذا الكريم تحلي باسم منتقم فإن لي ذمة منه بتسميتي ... ** محمداً وهو أوفى الخلق بالذمم إن لم تكن في معادي آخذاً بيدي ... ** فضلاً وإلا فقل يا زلة القدم فليتأمل من نصح نفسه هذه الأبيات ومعناها، ومن فتن بها من العباد، وممن يدعى أنه من العلماء، واختاروا تلاوتها على تلاوة القرآن: هل يجتمع في قلب عبد التصديق بهذه الأبيات والتصديق بقوله: (يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً والأمر يومئذ لله) ، وقوله: (يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئاً) ؟! لا والله، لا والله، لا والله، إلا كما يجتمع في قلبه أن موسى صادق، وأن فرعون صادق، وأن محمَّداً صادق على الحق، وأن أبا جهل صادق على الحق، لا والله ما استويا، ولن يتلاقيا، حتى تشيب مفارق الغربان. فمن عرف هذه المسألة، وعرف البردة، ومن فتن بها: عرف غربة الإسلام " انتهى. " تفسير سورة الفاتحة " من " مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب " (5/13) . 2. قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ – رحمه الله -: " من عبد الرحمن بن حسن وابنه عبد اللطيف إلى عبد الخالق الحفظي. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: فقد بلغنا من نحو سنتين: اشتغالكم ببردة " البوصيري "، وفيها من الشرك الأكبر ما لا يخفى، من ذلك قوله: " يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك " إلى آخر الأبيات، التي فيها طلب ثواب الدار الآخرة من النبي صلى الله عليه وسلم وحده ... وكونه صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء لا يلزم أن يختص دونهم بأمر نهى الله عنه عباده عموماً، وخصوصاً، بل هو مأمور أن ينهى عنه، ويتبرأ منه، كما تبرأ منه المسيح بن مريم في الآيات في آخر سورة المائدة، وكما تبرأت منه الملائكة في الآيات التي في سورة سبأ. وأما اللياذ: فهو كالعياذ، سواء، فالعياذ لدفع الشر، واللياذ لجلب الخير، وحكى الإمام أحمد وغيره الإجماع على أنه لا يجوز العياذ إلا بالله، وأسمائه، وصفاته، وأما العياذ بغيره: فشرك، ولا فرق. وأما قوله: " فإن من جودك الدنيا وضرتها ": فمناقض لما اختص به تعالى يوم القيامة من الملك في قوله: (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) ، وفي قوله تعالى في سورة الفاتحة: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) وفي قوله تعالى: (يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) ، وغير ذلك من الآيات لهذا المعنى، وقال غير ذلك في منظومته مما يستبشع من الشرك " انتهى. "رسائل وفتاوى الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد عبد الوهاب" (1/82) . 3. ذكر الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ – رحمه الله – بعض الأبيات السابقة، ثم قال: " فتأمل ما في هذه الأبيات من الشرك. منها: أنه نفى أن يكون له ملاذٌ إذا حلَّت به الحوادث، إلا النبي صلى الله عليه وسلم، وليس ذلك إلا لله وحده لا شريك له، فهو الذي ليس للعباد ملاذ إلا هو. الثاني: أنه دعاه، وناداه بالتضرع، وإظهار الفاقة، والاضطرار إليه، وسأل منه هذه المطالب التي لا تطلب إلا من الله، وذلك هو الشرك في الإلهية. الثالث: سؤاله منه أن يشفع له في قوله: ولن يضيق رسول الله ... البيت وهذا هو الذي أراده المشركون ممن عبدوه، وهو الجاه، والشفاعة عند الله، وذلك هو الشرك، وأيضاً: فإن الشفاعة لا تكون إلا بعد إذن الله، فلا معنى لطلبها من غيره؛ فإن الله تعالى هو الذي يأذن للشافع أن يشفع لا أن الشافع يشفع ابتداء. الرابع: قوله: فإن لي ذمة ... إلى آخره: كذب على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم، فليس بينه وبين من اسمه محمد ذمة إلا بالطاعة، لا بمجرد الاشتراك في الاسم مع الشرك. تناقض عظيم، وشرك ظاهر، فإنه طلب أولاً أن لا يضيق به جاهه، ثم طلب هنا أن يأخذ بيده فضلاً وإحساناً، وإلا فيا هلاكه. فيقال: كيف طلبت منه أولاً الشفاعة، ثم طلبت منه أن يتفضل عليك، فإن كنت تقول: إن الشفاعة لا تكون إلا بعد إذن الله: فكيف تدعو النبي صلى الله عليه وسلم، وترجوه، وتسأله الشفاعة؟ فهلا سألتها من له الشفاعة جميعاً، الذي له ملك السموات والأرض، الذي لا تكون الشفاعة إلا من بعد إذنه، فهذا يبطل عليك طلب الشفاعة من غير الله. وإن قلت: ما أريد إلا جاهه، وشفاعته، بإذن الله. قيل: فكيف سألته أن يتفضل عليك ويأخذ بيدك في يوم الدين، فهذا مضاد لقوله تعالى: (وما أدراك ما يوم الدين. ثم ما أدرك ما يوم الدين. يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً. والأمر يومئذ لله) ، فكيف يجتمع في قلب عبد الإيمان بهذا وهذا؟! . وإن قلت: سألته أن يأخذ بيدي، ويتفضل عليَّ بجاهه وشفاعته. قيل: عاد الأمر إلى طلب الشفاعة من غير الله، وذلك هو محض الشرك. الخامس: في هذه الأبيات من التبري من الخالق - تعالى وتقدس - والاعتماد على المخلوق في حوادث الدنيا والآخرة ما لا يخفى على مؤمن، فأين هذا من قوله تعالى: (إياك نبعد وإياك نستعين) الفاتحة، وقوله تعالى: (فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم) ، وقوله: (وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيراً) ، وقوله تعالى: (قل إني لا أملك لكم ضراً ولا رشداً. قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحداً. إلا بلاغاً من الله ورسالاته) . فإن قيل: هو لم يسأله أن يتفضل عليه، وإنما أخبر أنه إن لم يدخل في عموم شفاعته فيا هلاكه. قيل: المراد بذلك سؤاله، وطلب الفضل منه، كما دعاه أول مرة وأخبر أنه لا ملاذ له سواه، ثم صرح بسؤال الفضل والإحسان بصيغة الشرط والدعاء، والسؤال كما يكون بصيغة الطلب يكون بصيغة الشرط، كما قال نوح عليه السلام: (وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين) " انتهى. " تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد " (1/187-189) . 4. وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -: قرأتُ حديثاً فما مدى صحته، وهو: (من كان اسمه محمَّداً فلا تضربه ولا تشتمه) ؟ . فأجاب: " هذا الحديث مكذوب، وموضوع على الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس لذلك أصل في السنة المطهرة، وهكذا قول من قال: " مَن سمَّى محمَّداً فإنه له ذمة من محمد، ويوشك أن يدخله بذلك الجنة "! وهكذا من قال: " من كان اسمه محمَّداً فإن بيته يكون لهم كذا وكذا "، فكل هذه الأخبار لا أساس لها من الصحة، فالاعتبار باتباع محمد، وليس باسمه صلى الله عليه وسلم، فكم ممَّن سمي محمداً وهو خبيث؛ لأنه لم يتبع محمَّداً، ولم ينقَد لشريعته، فالأسماء لا تطهر الناس، وإنما تطهرهم أعمالهم الصالحة وتقواهم لله جل وعلا، فمن تسمى بأحمد، أو بمحمد، أو بأبي القاسم، وهو كافر، أو فاسق: لم ينفعه ذلك، بل الواجب على العبد أن يتقي الله ويعمل بطاعة الله، ويلتزم بشريعة الله التي بعث بها نبيه محمداً، فهذا هو الذي ينفعه، وهو طريق النجاة والسلامة، أما مجرد الأسماء من دون عمل بالشرع المطهر: فلا يتعلق به نجاة، ولا عقاب. ولقد أخطأ البوصيري في " بردته " حيث قال: فإن لي ذمة منه بتسميتي ... محمَّداً وهو أوفى الخلق بالذمم وأخطأ خطأ أكبر من ذلك بقوله: يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به ... ** سواك عند حلول الحادث العمم إن لم تكن في معادي آخذا بيدي ... ** فضلا وإلا فقل يا زلة القدم فإن من جودك الدنيا وضرتها ... ** ومن علومك علم اللوح والقلم فجعل هذا المسكين لياذه في الآخرة بالرسول صلى الله عليه وسلم دون الله عز وجل، وذكر أنه هالك إن لم يأخذ بيده، ونسي الله سبحانه الذي بيده الضر والنفع والعطاء والمنع، وهو الذي ينجي أولياءه، وأهل طاعته، وجعل الرسول صلى الله عليه وسلم هو مالك الدنيا والآخرة، وأنها بعض جوده، وجعله يعلم الغيب، وأن من علومه علم ما في اللوح والقلم، وهذا كفر صريح، وغلو ليس فوقه غلو، نسأل الله العافية والسلامة. فإن كان مات على ذلك، ولم يتب: فقد مات على أقبح الكفر، والضلال، فالواجب على كل مسلم أن يحذر هذا الغلو، وألا يغتر بـ " البردة "، وصاحبها، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله " انتهى. " فتاوى الشيخ ابن باز " (6 / 370، 371) . وأقوال العلماء أكثر من هذا، ويوجد من الأبيات ما فيه مجال للنقد، لكننا اخترنا بعضاً من `ذلك، وهو كافٍ في بيان المقصود، وهو التحذير من هذه القصيدة، وأنها احتوت على غلو ظاهر، وكفر وزندقة. وللمزيد في نقد هذه القصيدة: ينظر كتاب " العقيدة السلفية في مسيرتها التاريخية " للشيخ عبد الرحمن المغراوي "القسم الخامس" (ص 139 – 154) ، ومقال " قوادح عقدية في بردة البوصيري " للشيخ عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف، هنا: http://www.saaid.net/arabic/ar20.htm والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الحديث: 115502 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 825 ذهب إلى عراف ثم تاب، لكنه يجد ما أخبر به العراف يقع يوما بعد يوم! [السُّؤَالُ] ـ[أحد أصدقائي وقع في خطأ كبير ذهب إلى عراف قبل ان يبدأ دراساته الطبية، بعد ذلك طلب العلم ثم تاب إلى الله بإخلاص، لكن المشكلة هي أن كل ما أخبره العراف يأتي حقيقة يوما بعد يوم، إنه يريد أن يتخلص من التفكير بهذا لكنه لم يستطع بدأ يصلي، ما الحل لمثل هذه المشاكل وفقا لتعاليم الإسلام؟ ماذا تنصحونه حول ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا يجوز إتيان السحرة والكهنة والعرافين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) رواه مسلم (2230) . وقال عليه الصلاة والسلام: (مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رواه أبو داود (3904) ، والترمذي (135) وابن ماجه (936) وصححه الألباني رحمه الله في "صحيح ابن ماجه". والكفر الوارد في الحديث محمول على الكفر الأصغر عند كثير من أهل العلم، إلا إذا اعتقد أن الساحر أو الكاهن يعلم الغيب، أو صدقه في دعواه علم الغيب. وللفائدة راجع جواب: (8291) . وعلى من وقع في شيء من ذلك أن يتوب إلى الله تعالى، وذلك بالندم على ما فات والعزم على عدم العود إليه. ثانيا: أما كون ما أخبره به العراف يقع يوما بعد يوم، فهذا لا يضره، ولا يغير من حكم الشرع في مثل ذلك شيئا، وهو راجع لأحد أمرين: الأول: أن العراف يستعمل جملا وكلمات عامة في التعبير عن حوادث تحدث لعامة الناس، كقوله: تمر بمحنة مثلا، ثم يأتيك فرج، أو ترزق مالا أو تتزوج، ونحو ذلك، فيظن الإنسان صدق العراف لذلك. الثاني: أن العراف قد يخبر بأمر حقيقي يقع في المستقبل، ثم يقع كما أخبر، ويكون هذا مما استرقه الشيطان من السمع ثم ألقاه الشيطان على العراف، فيضيف إليه أخبارا وأمورا كاذبة، فإذا وقع الحادث الذي أخبر به، صدقه الناس في جميع قوله، وهذا ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم في توضيح هذا الأمر، فقد روى البخاري (6213) ومسلم (2228) عن عَائِشَة رضي الله عنها قالت: سَأَلَ أُنَاسٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْكُهَّانِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَيْسُوا بِشَيْءٍ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: فَإِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ أَحْيَانًا بِالشَّيْءِ يَكُونُ حَقًّا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنْ الْحَقِّ يَخْطَفُهَا الْجِنِّيُّ، فَيَقُرُّهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ قَرَّ الدَّجَاجَةِ فَيَخْلِطُونَ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ كَذْبَةٍ) . وروى البخاري (4701) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا قَضَى اللَّهُ الْأَمْرَ فِي السَّمَاءِ ضَرَبَتْ الْمَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا؛ لِقَوْلِهكَالسِّلْسِلَةِ عَلَى صَفْوَانٍ، قَالَ عَلِيٌّ (أي: على ابن المديني) ، وَقَالَ غَيْرُهُ: صَفْوَانٍ يَنْفُذُهُمْ ذَلِكَ (فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا لِلَّذِي قَالَ الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) ، فَيَسْمَعُهَا مُسْتَرِقُو السَّمْعِ وَمُسْتَرِقُو السَّمْعِ هَكَذَا وَاحِدٌ فَوْقَ آخَرَ، وَوَصَفَ سُفْيَانُ (أي: سفيان ابن عيينة) بِيَدِهِ وَفَرَّجَ بَيْنَ أَصَابِعِ يَدِهِ الْيُمْنَى نَصَبَهَا بَعْضَهَا فَوْقَ بَعْضٍ فَرُبَّمَا أَدْرَكَ الشِّهَابُ الْمُسْتَمِعَ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ بِهَا إِلَى صَاحِبِهِ فَيُحْرِقَهُ وَرُبَّمَا لَمْ يُدْرِكْهُ حَتَّى يَرْمِيَ بِهَا إِلَى الَّذِي يَلِيهِ إِلَى الَّذِي هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ حَتَّى يُلْقُوهَا إِلَى الْأَرْضِ، فَتُلْقَى عَلَى فَمْ السَّاحِرِ فَيَكْذِبُ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ فَيُصَدَّقُ فَيَقُولُونَ: أَلَمْ يُخْبِرْنَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا يَكُونُ كَذَا وَكَذَا فَوَجَدْنَاهُ حَقًّا لِلْكَلِمَةِ الَّتِي سُمِعَتْ مِنْ السَّمَاءِ) ، أي: يُصدّق لأجل الكلمة الحق التي سمعت من السماء وأخبر بها الكاهن. على أنه ربما يكون خبر العراف عن شيء قد وقع فعلا، كأن يخبره بمكان شيء ضائع، أو نحو ذلك، فهذا الذي وقع، وإن كان لا يعرفه السائل، فليس بغيب مطلق، وإنما هو غيب عمن لم يشاهده ولم يعرفه، ومثل هذا يمكن للعراف أن يطلع عليه، إما بنفسه، وإما بأعوانه وإخوانه من شياطين الإنس والجن، كما هو معلوم. والحاصل: أن صديقك مادام قد تاب إلى الله تعالى، فلا يلتفت إلى ما قال العراف، ولا يتخوف من كلامه، فقد يقع شيء مما قاله وقد لا يقع، والغالب أنه لا يقع؛ لأن نسبة الصدق – إن كان العراف يتلقى عن الجن – لا تتجاوز 1%. وللفائدة انظر جواب السؤال رقم: (32863) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114820 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 826 لماذا يمنع بعض أهل العلم من التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم؟ [السُّؤَالُ] ـ[لماذا يحرم السلفية التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم، مع أن العلماء كلهم متفقون على جوازه، حتى ظهر ابن تيمية الذي كان أول من حرمه؟ مع أن كل العلماء من جميع المذاهب يجيزون التوسل، فلماذا يُصِرُّون على تحريمه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: أولا: التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم معناه: أن يدعو الداعي ربه سبحانه وتعالى، لكنه في أثناء دعائه يذكر ذات النبي صلى الله عليه وسلم وسيلة لإجابة دعائه، أو تعجيل حاجته، فيقول: أسألك بحق النبي، أو: بجاه النبي، أو نحو ذلك. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ـ مجموع الفتاوى (1/337-338) ـ: " والسائل لله بغير الله إما أن يكون مقسما عليه، وإما أن يكون طالبا بذلك السبب، كما توسل الثلاثة في الغار بأعمالهم، وكما يتوسل بدعاء الأنبياء والصالحين. فإن كان إقساما على الله بغيره: فهذا لا يجوز. وإن كان سؤالا بسبب يقتضى المطلوب، كالسؤال بالأعمال التي فيها طاعة الله ورسوله، مثل السؤال بالإيمان بالرسول ومحبته وموالاته ونحو ذلك: فهذا جائز. وإن كان سؤالا بمجرد ذات الأنبياء والصالحين: فهذا غير مشروع، وقد نهى عنه غير واحد من العلماء، وقالوا: إنه لا يجوز. ورخص فيه بعضهم، والأول أرجح كما تقدم؛ وهو سؤال بسبب لا يقتضى حصول المطلوب. بخلاف من كان طالبا بالسبب المقتضى لحصول المطلوب، كالطلب منه سبحانه بدعاء الصالحين وبالأعمال الصالحة: فهذا جائز، لأن دعاء الصالحين سبب لحصول مطلوبنا الذي دَعَوا به. وكذلك الأعمال الصالحة سبب لثواب الله لنا، وإذا توسلنا بدعائهم وأعمالنا: كنا متوسلين إليه تعالى بوسيلة، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) المائدة/35، والوسيلة هي الأعمال الصالحة. وقال تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ) الإسراء /57. وأما إذا لم نتوسل إليه سبحانه بدعائهم ولا بأعمالنا، ولكن توسلنا بنفس ذواتهم: لم يكن نفس ذواتهم سببا يقتضى إجابة دعائنا، فكنا متوسلين بغير وسيلة، ولهذا لم يكن هذا منقولا عن النبي صلى الله عليه وسلم نقلا صحيحا، ولا مشهورا عن السلف." انتهى. ثانيا: ليس معنى ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس له جاه عند الله عز وجل، ولا منزلة لديه سبحانه، كما يقوله من يفتري على السلفيين، شيخ الإسلام ومن وافقه على ذلك، وأنهم يتجرؤون على مقام النبي صلى الله عليه وسلم، وحاشاهم من ذلك، وهو صاحب المقام المحمود، والمنزلة الرفيعة، وسيد ولد آدم، صلى الله عليه وسلم، لكن مقامه الكريم على الله ليس معناه أن نسأل أو نتوسل به. قال شيخ الإسلام رحمه الله: " ما بيّن الله ورسوله أنه حق للعباد على الله فهو حق؛ لكن الكلام في السؤال بذلك، فيقال: إن كان الحق الذي سأل به سببا لإجابة السؤال: حسُن السؤال به، كالحق الذي يجب لعابديه وسائليه. وأما إذا قال السائل: بحق فلان وفلان، فأولئك، إن كان لهم عند الله حق أن لا يعذبهم وأن يكرمهم بثوابه ويرفع درجاتهم كما وعدهم بذلك وأوجبه على نفسه، فليس في استحقاق أولئك ما استحقوه من كرامة الله، ما يكون سببا لمطلوب هذا السائل؛ فإن ذلك استحق ما استحقه بما يسره الله له من الإيمان والطاعة، وهذا لا يستحق ما استحقه ذلك؛ فليس في إكرام الله لذلك سبب يقتضى إجابة هذا. وإن قال: السبب هو شفاعته ودعاؤه، فهذا حق إذا كان قد شفع له ودعا له، وإن لم يشفع له ولم يدع له لم يكن هناك سبب ". انتهى. وقال أيضا ـ مجموع الفتاوى (1/278) ـ: " ومعلوم أن الواحد بعد موته إذا قال: اللهم فشفعه في وشفعني فيه، مع أن النبي لم يدع له: كان هذا كلاما باطلا ". انتهى. ثالثا: مدار فهم هذه المسألة أن نعلم أن الدعاء عبادة، بل هو من أجل العبادات لله تعالى، كما قال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ. قَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) رواه أبو داود (1479) وغيره، وصححه الألباني. والعبادات مبناها على التوقيف، يعني: على ورود الشرع بها، كما قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ) رواه البخاري (2697) ومسلم (1718) ، من حديث عائشة رضي الله عنها. وفي رواية لمسلم: (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) . قال الإمام النووي رحمه الله: " قَالَ أَهْل الْعَرَبِيَّة: (الرَّدّ) هُنَا بِمَعْنَى الْمَرْدُود , وَمَعْنَاهُ: فَهُوَ بَاطِل غَيْر مُعْتَدّ بِهِ. وَهَذَا الْحَدِيث قَاعِدَة عَظِيمَة مِنْ قَوَاعِد الْإِسْلَام , وَهُوَ مِنْ جَوَامِع كَلِمه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ صَرِيح فِي رَدّ كُلّ الْبِدَع وَالْمُخْتَرَعَات. وَفِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة زِيَادَة وَهِيَ أَنَّهُ قَدْ يُعَانِد بَعْض الْفَاعِلِينَ فِي بِدْعَة سَبََ إِلَيْهَا , فَإِذَا اُحْتُجَّ عَلَيْهِ بِالرِّوَايَةِ الْأُولَى يَقُول: أَنَا مَا أَحْدَثْت شَيْئًا فَيُحْتَجّ عَلَيْهِ بِالثَّانِيَةِ الَّتِي فِيهَا التَّصْرِيح بِرَدِّ كُلّ الْمُحْدَثَات , سَوَاء أَحْدَثَهَا الْفَاعِل , أَوْ سَبَقَ بِإِحْدَاثِهَا. وَفِي هَذَا الْحَدِيث: دَلِيل لِمَنْ يَقُول مِنْ الْأُصُولِيِّينَ: إِنَّ النَّهْي يَقْتَضِي الْفَسَاد. وَمَنْ قَالَ: لَا يَقْتَضِي الْفَسَاد يَقُول هَذَا خَبَر وَاحِد , وَلَا يَكْفِي فِي إِثْبَات هَذِهِ الْقَاعِدَة الْمُهِمَّة , وَهَذَا جَوَاب فَاسِد. وَهَذَا الْحَدِيث مِمَّا يَنْبَغِي حِفْظه وَاسْتِعْمَاله فِي إِبْطَال الْمُنْكَرَات , وَإِشَاعَة الِاسْتِدْلَال بِهِ " انتهى. فإذا علمنا هذا الأصل، علمنا أنه لا يجوز لنا أن نفعل شيئا على وجه العبادة لله تعالى، إلا شيئا جاء به الشرع من المعصوم صلى الله عليه وسلم، وسواء كان الذي فعلناه اختراعا من عند أنفسنا، أو اتباعا لغيرنا فيه. قال شيخ الإسلام رحمه الله ـ مجموع الفتاوى (1/265) ـ: " ولا يجوز أن يكون الشيء واجبا أو مستحبا إلا بدليل شرعي يقتضى إيجابه أو استحبابه والعبادات لا تكون إلا واجبة أو مستحبة فما ليس بواجب ولا مستحب فليس بعبادة والدعاء لله تعالى عبادة إن كان المطلوب به أمرا مباحا " انتهى. وقال أيضا ـ الفتاوى (1/278) ـ: " والدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم: لم يأمر به، والذي أمر به: ليس مأثورا عن النبي صلى الله عليه وسلم. ومثل هذا لا تثبت به شريعة، كسائر ما ينقل عن آحاد الصحابة في جنس العبادات أو الإباحات أو الإيجابات أو التحريمات، إذا لم يوافقه غيره من الصحابة عليه، وكان ما يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم يخالفه لا يوافقه: لم يكن فعله سنة يجب على المسلمين اتباعها، بل غايته أن يكون ذلك مما يسوغ فيه الاجتهاد، ومما تنازعت فيه الأمة، فيجب رده إلى الله والرسول، ولهذا نظائر كثيرة ". وقد سئلت اللجنة الدائمة عن: مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويقول في دعائه: اللهم أعطني كذا وكذا من خيري الدنيا والآخرة، بجاه النبي صلى الله عليه وسلم، أو ببركة الرسول، أو بحرمة المصطفى، أو بجاه الشيخ التيجاني، أو ببركة الشيخ عبد القادر، أو بحرمة الشيخ السنوسي فما الحكم؟ فأجابوا: " من توسل إلى الله في دعائه بجاه النبي صلى الله عليه وسلم أو حرمته أو بركته أو بجاه غيره من الصالحين أو حرمته أو بركته، فقال: (اللهم بجاه نبيك أو حرمته أو بركته أعطني مالا وولدا أو أدخلني الجنة وقني عذاب النار) مثلا، فليس بمشرك شركا يخرج عن الإسلام، لكنه ممنوع سدا لذريعة الشرك، وإبعادا للمسلم من فعل شيء يفضي إلى الشرك. ولا شك أن التوسل بجاه الأنبياء والصالحين وسيلة من وسائل الشرك التي تفضي إليه على مر الأيام، على ما دلت عليه التجارب وشهد له الواقع، وقد جاءت أدلة كثيرة في الكتاب والسنة تدل دلالة قاطعه على أن سد الذرائع إلى الشرك والمحرمات من مقاصد الشريعة، من ذلك قوله تعالى: (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الأنعام /108 فنهى سبحانه المسلمين عن سب آلهة المشركين التي يعبدونها من دون الله، مع أنها باطلة؛ لئلا يكون ذلك ذريعة إلى سب المشركين الإلهَ الحقَ سبحانه، انتصارا لآلهتهم الباطلة جهلا منهم وعدوانا، ومنها: نهيه صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور مساجد؛ خشية أن تعبد، ومنها: تحريم خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية، وتحريم إبداء المرأة زينتها للرجال الأجانب ... ولأن التوسل بالجاه والحرمة ونحوهما في الدعاء عبادة، والعبادة توقيفية، ولم يرد في الكتاب ولا في السنة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ما يدل على هذا التوسل، فعلم أنه بدعة ... " انظر: فتاوى اللجنة الدائمة (1/501-502) . رابعا: قول السائل في سؤاله إن ابن تيمية أول من حرمه: غير صحيح؛ وإنما هو تلقى ذلك عن أعداء شيخ الإسلام رحمه الله، وقد تعرض شيخ الإسلام رحمه الله، في رده على الأخنائي، وهو أحد خصومه الذين رموه بهذه الفرية، فقال في حق شيخ الإسلام: " كم لصاحب هذه المقالة من مسألة خرق فيها الإجماع "، فرد عليه شيخ الإسلام من وجوه عديدة، فقال في ضمن ذلك: " الوجه السادس: أنه إنما يقبل قول من يدعي أن غيره يخالف الإجماع إذا كان ممن يعرف الإجماع والنزاع، وهذا يحتاج إلى علم عظيم، يظهر به ذلك، لا يكون مثل هذا المعترض الذي لا يعرف نفس المذهب الذي انتسب إليه، ولا ما قال أصحابه..، فكيف يعرف مثل هذا إجماع علماء المسلمين، مع قصوره وتقصيره في النقل والاستدلال؟! الوجه السابع: أن لفظ (كم) يقتضي التكثير، وهذا يوجب كثرة المسائل التي خرق المجيب فيها الإجماع. والذين هم أعلم من هذا المعترض وأكثر اطلاعا: اجتهدوا في ذلك غاية الاجتهاد، فلم يظفروا بمسألة واحدة خرق فيها الإجماع، بل غايتهم أن يظنوا في المسألة أنه خرق فيها الإجماع، كما ظنه بعضهم في مسألة الحلف بالطلاق، وكان فيها من النزاع نقلا، ومن الاستدلال فقها وحديثا: ما لم يطلع عليه. الوجه الثامن: أن المجيب [يعني: شيخ الإسلام نفسه]ـ ولله الحمد ـ لم يقل قط في مسألة إلا بقل قد سبقه إليه العلماء؛ فإن كان قد يخطر له ويتوجه له، فلا يقوله ولا ينصره إلا إذا عرف أنه قد قاله بعض العلماء، كما قال الإمام أحمد: إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام؛ فمن كان يسلك هذا المسلك، كيف يقول قولا يخرق فيه إجماع المسلمين، وهو لا يقول إلا ما سبقه إليه علماء المسلمين؟! " انتهى. من الرد على الأخنائي (457-458) . خامسا: هذه المسألة المذكورة، والتي زعم السائل فيها، تبعا لغيره، أن شيخ الإسلام خالف فيها الإجماع، قد ثبت فيها النصوص عن غير واحد من العلماء، وخاصة الأحناف بالمنع منها، والنهي عنها. قال العلامة الحصكفي في الدر المختار (5/715) : " وفي التاترخانية معزيا للمنتقى عن أبي يوسف عن أبي حنيفة: لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به، والدعاء المأذون فيه المأمور به ما استفيد من قوله تعالى: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) ". ونفس النص في المحيط البرهاني (5/141) . قال العلامة الكاساني رحمه الله في بدائع الصنائع (5/126) : " وَيُكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَقُولَ فِي دُعَائِهِ أَسْأَلُك بِحَقِّ أَنْبِيَائِك وَرُسُلِك وَبِحَقِّ فُلَانٍ، لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَلَّ شَأْنُهُ ". ونفس النص في تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، للزيلعي (6/31) ونسب القول بذلك إلى الثلاثة، يعني: أبا حنيفة، وصاحبيه: أبا يوسف، ومحمد بن الحسن، والعناية شرح الهداية للبابرتي (10/64) ، وفتح القدير لابن الهمام (10/64) ، وفي درر الحكام (1/321) ، ومجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر (2554) . قال السيد نعمان خير الدين الآلوسي الحنفي، رحمه الله في جلاء العينين (516-517) : " وفي جميع متونهم: أن قول الداعي المتوسل: بحق الأنبياء والأولياء، وبحق البيت الحرام والمشعر الحرام: مكروه كراهة تحريم، وهي كالحرام في العقوبة بالنار عند محمد، وعللوا ذلك بقولهم: لأنه لا حق للمخلوق على الخالق " انتهى. وانظر ما نقله السيد نعمان عن العلامة السويدي الشافعي: جلاء العينين (505) وما بعدها. ولعله تبين مما سبق من النقول المستفيضة: لماذا يمنع السلفيون من ذلك النوع من التوسل، وأن شيخ الإسلام ابن تيمية ليس أول من منع من ذلك، ولا هو آخرهم أيضا. وانظر جواب السؤال رقم (979) ، ورقم (60041) ، ورقم (23265) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114142 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 827 كسر البيض عند عجلات السيارة لدفع العين [السُّؤَالُ] ـ[إحدى أقاربي امرأة كبيرة في السن (غير متعلمة) لا تزال متمسكة بعمل بعض الأشياء التي نخشى أن تؤثر على صحة عقيدتها فعلى سبيل المثال (إذا اشترى أحد أبنائها سيارة جديدة تقوم بتكسير البيض عند عجلات السيارة الأربع) وذلك لاعتقادها أن ذلك يحمي السيارة من العين أو الحسد وعندما ننصحها بأن ذلك لا يجوز وأن الأذكار الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم تكفي تقول بأن ما تفعله صدقة لله سبحانه وتعالى. فما حكم مثل هذا العمل وهل يؤثر على سلامة العقيدة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما يفعله بعض الناس من تكسير البيض أو رش الملح أو ذبح ذبيحة اتقاء للعين أو الجن بذبحهم، هو من أفعال الجاهلية المحرمة، ومن الشرك الذي يجب الحذر والتحذير منه. ووجه كونه شركا أن الله سبحانه لم يجعل هذا سببا شرعيا ولا عاديا لدفع العين، أو اتقاء شر الجن، فمن جعل ما ليس سببا سبباً فقد أشرك. والشرك نوعان: أصغر وأكبر، وهذا من الشرك الأصغر، وقد يكون أكبر إن فعل ذلك تقربا للجن، أو اعتقد أن هذا السبب يدفع العين بذاته. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ولبس الحلقة ونحوها إن اعتقد لابسها أنها مؤثرة بنفسها دون الله، فهو مشرك شركاً أكبر في توحيد الربوبية، لأنه اعتقد أن مع الله خالقاً غيره. وإن اعتقد أنها سبب، ولكنه ليس مؤثراً بنفسه، فهو مشرك شركاً أصغر؛ لأنه لما اعتقد أن ما ليس بسببٍ سبباً فقد شارك الله تعالى في الحكم لهذا الشيء بأنه سبب، والله تعالى لم يجعله سبباً. وطريق العلم بأن الشيء سبب، إما عن طريق الشرع، وذلك كالعسل {فيه شفاء للناس} [النحل: 69] ، وكقراءة القرآن فيها شفاء للناس، قال الله تعالى: {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين} [الإسراء: 82] . وإما عن طريق القدر، كما إذا جربنا هذا الشيء فوجدناه نافعاً في هذا الألم أو المرض، ولكن لا بد أن يكون أثره ظاهراً مباشراً كما لو اكتوى بالنار فبرئ بذلك مثلاً، فهذا سبب ظاهر بيّن، وإنما قلنا هذا لئلا يقول قائل: أنا جربت هذا وانتفعت به، وهو لم يكن مباشراً، كالحلقة، فقد يلبسها إنسان وهو يعتقد أنها نافعة، فينتفع لأن للانفعال النفسي للشيء أثراً بيناً، فقد يقرأ إنسان على مريض فلا يرتاح له، ثم يأتي آخر يعتقد أن قراءته نافعة، فيقرأ عليه الآية نفسها فيرتاح له ويشعر بخفة الألم، كذلك الذين يلبسون الحلق ويربطون الخيوط، قد يحسون بخفة الألم أو اندفاعه أو ارتفاعه بناءً على اعتقادهم نفعها. وخفة الألم لمن اعتقد نفع تلك الحلقة مجرد شعور نفسي، والشعور النفسي ليس طريقاً شرعياً لإثبات الأسباب، كما أن الإلهام ليس طريقاً للتشريع. قوله: "لبس الحلقة والخيط"، الحلقة: من حديد أو ذهب أو فضة أو ما أشبه ذلك، والخيط معروف. قوله: "ونحوهما"، كالمرصعات، وكمن يصنع شكلاً معيناً من نحاس أو غيره لدفع البلاء، أو يعلق على نفسه شيئاً من أجزاء الحيوانات، والناس كانوا يعلقون القرب البالية على السيارات ونحوها لدفع العين، حتى إذا رآها الشخص نفرت نفسه فلا يعين " انتهى من "القول المفيد شرح كتاب التوحيد". وقال رحمه الله: " ما يفعله بعض الناس إذا نزل منزلاً جديداً ذبح ودعا الجيران والأقارب: هذا لا بأس به ما لم يكن مصحوباً بعقيدة فاسدة، كما يُفعل في بعض الأماكن إذا نزل منزلاً فإن أول ما يفعل أن يأتي بشاة ويذبحها على عتبة الباب حتى يسيل الدم عليها، ويقول: إن هذا يمنع الجن من دخول البيت، فهذه عقيدة فاسدة ليس لها أصل، لكن من ذبح من أجل الفرح والسرور: فهذا لا بأس به " انتهى من "الشرح الممتع" (7 / 550، 551) . والمقصود أن كسر البيض أو ذبح الذبيحة أو رش الملح كل ذلك لا أثر له في دفع العين، وإنما هذا من الاعتقاد الشركي الجاهلي، وليس من الصدقة كما يُزعم، وأي صدقة في إهدار الطعام وإلقائه على الأرض! وإنما تدفع العين بالأسباب المشروعة، كقراءة القرآن الكريم، والتحصن بالأذكار الشرعية. والواجب نصح هذه المرأة وتحذيرها من هذا الاعتقاد الباطل. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 113333 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 828 حكم الطواف حول القبور [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز إطلاق التسمية على الذين يطوفون حول القبور بأنهم مشركون أم لا يجوز ذلك]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز الطواف بغير الكعبة المشرفة، سواء كان حول قبر نبي أو صالح أو غير ذلك؛ لأن الطواف عبادة لم يشرعها الله إلا حول بيته، كما قال تعالى: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) الحج/ 29، ومن صرف هذه العبادة لغير الله، فطاف حول الأضرحة والقبور فقد وقع في الشرك الأكبر. سئل الشيخ ابن باز رحمه الله، ما نصه: " كنت جالسا مع إخوة لي من أبناء وطني من صعيد مصر، فقالوا لي: يوجد عندنا مقام لأبي الحسن الشاذلي من طاف به سبع مرات كانت له عمرة، ومن طاف به عشر مرات كان له حجة، ولا يلزمه الذهاب إلى مكة، فقلت لهم: إن هذا الفعل كفر بل شرك -والعياذ بالله- فهل أنا مصيب؟ وبماذا تنصحون من ينخدع بذلك؟ الجواب: نعم قد أحسنت، لا يجوز الطواف بالقبور، لا بقبر أبي الحسن الشاذلي، ولا بقبر البدوي، ولا بقبر الحسين، ولا بالسيدة زينب، ولا بالسيدة نفيسة ولا بقبر من هو أفضل منهم، لأن الطواف عبادة لله وإنما يكون بالكعبة خاصة، ولا يجوز الطواف بغير الكعبة أبدا، وإذا طاف بقبر أبي الحسن الشاذلي أو بمقامه يتقرب إليه بالطواف، صار شركا أكبر، وليس هو يقوم مقام حجة، ولا مقام عمرة، بل هو كفر وضلال، ومنكر عظيم، وفيه إثم عظيم. فإن كان طاف يحسب أنه مشروع، ويطوف لله لا لأجل أبي الحسن فهذا يكون بدعة ومنكرا، وإذا كان طوافه من أجل أبي الحسن ومن أجل التقرب إليه فهو شرك أكبر- والعياذ بالله- وهكذا دعاؤه والاستغاثة بأبي الحسن الشاذلي، أو النذر له، أو الذبح له، كله كفر أكبر -نعوذ بالله- ... فالدعاء والاستغاثة بالأموات، والذبح لهم، والنذر لهم، والتوكل عليهم، أو اعتقاد أنهم يعلمون الغيب، أو يتصرفون في الكون، أو يعلمون ما في نفوس أصحابهم، والداعين لهم، والطائفين بقبورهم، كل هذا شرك أكبر -نعوذ بالله من ذلك- فالغيب لا يعلمه إلا الله؛ لا يعلمه الأنبياء ولا غيرهم، وإنما يعلمون من الغيب ما علمهم الله إياه، ويقول الله سبحانه وتعالى: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ [النمل: 65] . فمن زعم أن شيخه يعلم الغيب، أو يعلم ما في نفس زائره، أو ما في قلب زائره فهذا كفر أكبر- والعياذ بالله- فالغيب لله وحده سبحانه وتعالى، وكذلك إذا عكف على القبر يطلب فضل صاحب القبر، ويطلب أن يثيبه أو يدخله الجنة بالجلوس عند قبره، أو بالقراءة عند قبره، أو بالاستغاثة به أو نذره له، أو صلاته عنده، أو نحو ذلك، فهذا كفر أكبر. فالحاصل أن الواجب على المؤمن أن يحذر الشرك كله وأنواعه، والقبور إنما تؤتى للزيارة، يزورها المؤمن للدعاء لهم، والترحم عليهم، فيقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون يغفر الله لنا ولكم يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين نسأل الله لنا ولكم العافية وهكذا. أما أن يدعوهم مع الله، أو يستغيث بهم، أو ينذر لهم، أو يتقرب إليهم بالذبائح بالبقر، أو بالإبل، أو بالغنم، أو بالدجاج فكل هذا كفر أكبر- والعياذ بالله- فالواجب الحذر والواجب التفقه في الدين، المسلم عليه أن يتفقه في دينه حتى لا يقع في الشرك والمعاصي. وعلماء السوء علماء ضلالة يضلون الناس ويغشونهم، فالواجب على علماء الحق أن يتقوا الله وأن يعلموا الناس من طريق الخطب والمواعظ وحلقات العلم، ومن طريق الإذاعة، ومن طريق الكتابة والصحافة، ومن طريق التلفاز، يعلمون الناس دينهم ويرشدونهم إلى الحق حتى لا يعبدوا الأموات، ولا يستغيثوا بهم، وحتى لا يطوفوا بقبورهم، وحتى لا يتمسحوا بها، وحتى لا ينذروا لها وحتى لا يقعوا بالمعاصي. والقبور تزار للذكرى؛ لذكر الآخرة، وذكر الموت، وللدعاء للميت والترحم عليه كما تقدم، أما أن يطاف بقبره أو يدعى من دون الله أو يستغاث به، أو يجلس عنده للصلاة، فهذا لا يجوز، والجلوس عند قبره للصلاة عنده أو للقراءة عنده بدعة، وإذا كان يصلي له كان كفرا أكبر، فإن صلى لله وقرأ لله يطلب الثواب من الله، ولكن يرى أن القبور محل جلوس لهذه العبادات صار بدعة فالقبور ليست محل جلوس للصلاة أو للقراءة، ولكنها تزار للدعاء للأموات، والترحم عليهم، مثلما زارهم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم. فالنبي كان يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وكان إذا زار البقيع يقول: اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد ويترحم عليهم، وهذه هي الزيارة الشرعية، فيجب الحذر مما حرم الله مما أحدثه عباد القبور، وأحدثه الجهال، مما يضر ولا ينفع بل يوقع أصحابه في الشرك الأكبر- ولا حول ولا قوة إلا بالله " انتهى من "فتاوى نور على الدرب". (1/304) وسئلت اللجنة الدائمة (1/206) : " ما حكم الطواف حول أضرحة الأولياء، أو الذبح للأموات أو النذر، ومن هو الولي في حكم الإسلام، وهل يجوز طلب الدعاء من الأولياء أحياء كانوا أم أمواتا؟ فأجابت: الذبح للأموات أو النذر لهم شرك أكبر، ولولي: من والى الله بالطاعة ففعل ما أمر به وترك ما نهي عنه شرعا ولو لم تظهر على يده كرامات، ولا يجوز طلب الدعاء من الأولياء أو غيرهم بعد الموت، ويجوز طلبه من الأحياء الصالحين، ولا يجوز الطواف بالقبور، بل هو مختص بالكعبة المشرفة، ومن طاف بها يقصد بذلك التقرب إلى أهلها كان ذلك شركا أكبر، وإن قصد بذلك التقرب إلى الله فهو بدعة منكرة، فإن القبور لا يطاف حولها ولا يصلى عندها ولو قصد وجه الله " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " من طاف بالأضرحة -يعني: القبور- يدعو صاحب القبر، ويستغيث به، ويستنجد به، فهو مشرك شركاً أكبر، وقد قال الله تعالى: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ [المائدة:72] وإذا صلى هؤلاء في المساجد وهم مصرون على هذا الشرك -أعني: دعاء أصحاب الأضرحة والاستغاثة بهم- فإن صلاتهم لا تقبل منهم ولا تنفعهم عند الله، لقول الله تعالى: وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ [التوبة:54] . لكن الواجب على أهل العلم في تلك البلاد أن يكثفوا الدعوة، والذهاب إلى هؤلاء لبيان الحق لهم، وألا ييئسوا من روح الله، وإذا كان لا يمكن أن ندعوهم جهاراً على سبيل العموم؛ لأن من الناس من يقول: لو ذهبت إلى هؤلاء العامة وأدعوهم وأقول لهم: إن عملكم هذا شرك ربما يقتلونني، فإنه من الممكن أن يختار من زعمائهم من يختار، ويدعوه إلى بيته أو يزوره هو في بيته، ويتكلم معه بهدوء، ويبين له محاسن الإخلاص، ويبين له -أيضاً- أن هؤلاء الموتى لا يستجيبون له، كما قال الله تعالى: إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [فاطر:14] وقال تعالى: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ [الأحقاف:5-6] فليكثف الدعوة معهم؛ لأن هؤلاء الذين يترددون إلى الأضرحة ويدعونهم يعتبرون في حكم أهل الجاهلية، فلا بد من دعوتهم وتكثيف الدعوة معهم، ولعلَّ الله سبحانه وتعالى أن يهديهم على أيدي إخواننا المصلحين " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (53/6) . وبهذا يعلم أن الطائف حول القبر قد يكون واقعا في الشرك الأكبر، وقد يكون واقعا في البدعة، بحسب قصده وإرادته، هل أراد التقرب إلى صاحب القبر، أم التقرب إلى الله تعالى بهذا الطواف. هذا بالنسبة للعمل نفسه وهو الطواف، وأما الشخص المعيّن وهو من قام بالفعل، فلو فرض أنه أراد التقرب لصاحب القبر، لم يجز تكفيره إلا بعد ثبوت شروط التكفير وانتفاء موانعه، فيُطلق القول بأن الطواف حول القبر تقربا لصاحبه كفر وشرك أكبر، وأن الطائف على هذا النحو مشرك، وأما المعين فلابد من التحقق من كونه فعل ذلك مختارا على وجه لا يعذر فيه بجهل أو تأويل، وذلك يختلف باختلاف الزمان والمكان، وإمكانية التعلم، فإن كان حديث عهد بإسلام، أو ناشئا في بادية بعيدة، أو كان مثله يجهل ذلك، لخفاء المسألة وعدم من ينبه عليها، فهو معذور، وإن كان مثله لا يجهل ذلك فهو كافر مشرك. وينظر: سؤال رقم (85102) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112867 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 829 يزعم قدرته على معرفة السحرة من أسمائهم! فهل يستعان به لإيذائهم؟ [السُّؤَالُ] ـ[حدثني أخ لي عن شاب وهبه الله القدرة على اكتشاف السحرة , بمجرد معرفة أسمائهم , وعن طريق أدعية يقولها (لا نعرفها بالضبط) يستطيع أن يُمرض الساحر، أو يبتليه بحيث يدخله المستشفى. وهذا الشخص يصف للناس المصابين بالسحر، أو الممسوسين، أو الذين يعانون من أحوال غريبة , بحيث يقرأ الأدعية (ربما رقية) على الملح، أو السكر، أو الزيت , ويوصي أن هذا الملح يضاف على الأكل بعد طبخه، وليس أثناء الطبخ؛ لكي يكون له المفعول المطلوب , وهذا الشخص لا يأخذ المال على خدماته , والناس يشهدون له حسن عمله، هل يحل لنا أن نستعين به ضد السحرة، أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: هذا الشاب المزعوم أنه موهوب دجَّال من الدجاجلة، وكاهن من الكهنة، وعرَّاف من العرَّافين، وليس على هدى ولا على طريق مستقيم، فهو يدَّعي علم أشياء هي من علم الغيب، ويستدل عليها بعلامات لم يجعلها الله تعالى علامات عليها، ولا هناك قواعد لذلك أصلاً، ونعني به: زعمه علمه بالسحرة من خلال معرفة أسمائهم! ومن المعلوم لكل موحد أنه ليس هناك آية، ولا حديث، ولا قاعدة، تعرِّف المسلم بأن هذا ساحر من خلال معرفة اسمه، فإذا زعم أنه يعلم السحرة من خلال أسمائهم: فإما أن يكون كاذباً أفَّاكاً، وإما أنه يعلم ذلك عن طريق أوليائه من الجن الكافر أو الفاسق. وانظر جواب السؤال رقم: (91525) . ثانياً: ادعاء ذلك الدجال بأنه يستطيع أن يمرض السحرة أو أن يؤذيهم: مما يدل على ما وصفناه به، فالنفع والضر بيد الله تعالى، وهو وحده سبحانه القادر على إيقاع الضرر على الخلق، وليس ذلك بإرادة أحدٍ غيره، والأنبياء عليهم السلام لم يكونوا يملكون هذه " الكرامة "! وكانوا عليهم السلام إذا أرادوا أن يهلك أعداء الدين: دعوا عليهم، ولم يكن باستطاعتهم إمراض الناس وإيذاؤهم وإهلاكهم، إلا أن يدعو أحدهم ربه تعالى فيستجيب الله دعاءه، فينفذ قدر الله بما شاء تعالى على أعدائهم. ثالثاً: ما يقرؤه من " كلمات " لا تعدُّ من الرقية الشرعية حتى تكون باللغة العربية، وتظهر كلماتها، وتكون موافقة للشرع لا مخالفة له، وكل ذلك لا يُعرف من ذلك الشاب؛ لأن الظاهر أنه يسر بتلك الكلمات ولا يجهر بها. وانظر شروط الرقية الشرعية في جواب السؤال رقم: (13792) ، وفي هذا الجواب بينَّا كيفية التخلص من السحر، وبينَّا كيف نكشف الرقاة المخالفين للشرع. وفي جواب السؤال رقم (21124) ذكرنا علامات السحرة، والعرافين، والكهان، وكيف نميزهم. وتنظر شروط الراقي في جواب السؤال رقم: (7874) . رابعاً: كونه لا يطلب أجراً لا يدل على أنه ثقة، ولا أنه صادق، وهذه طريقة معروفة لأولئك الدجاجلة، حيث يوهمون العامة بذلك أنهم على خير، وعلى دين، ويستدل العامة على ذلك بأنه لا يطلب أجراً، وهذا ميزان فاسد. ولا ينبغي الاغترار بشهادة العامة لأحدٍ من الناس، وخاصة في هذا الباب، فهم لا يفرقون بين المشرك والموحد، ولا بين السني والبدعي، ولا بين الصادق والكاذب، وليس عندهم ميزان علمي للحكم على أفعاله وتصرفاته لمحاكمتها وفق شرع الله تعالى، وهم يطلقون اسم " الشيخ " على كل من يعالج السحر والصرع، ولو سلك أي طريق في العلاج! ، ومن العجائب: أنه وُجد نصراني يسلك هذا الدرب في بعض البلاد، ويطلق عليه عامة الناس " الشيخ المسيحي "! وهو معروف، وقد تأكدنا من ذلك، ولا يزال كثيرون يطلقون عليه ذلك اللقب إلى الآن! . والعبرة في هذا الباب هو حكم العلماء وطلبة العلم من أهل السنَّة والجماعة، فهم أقدر الناس على الحكم على أولئك المعالِجين بما يستحقونه، وقد أكرمهم الله تعالى باعتقاد صحيح، وعلم مؤصَّل وفق الكتاب والسنَّة يستطيعون بهما أن يميزوا بين الكاهن المشعوذ وبين الثقة الصادق ممن يقرأ على الناس ويعالجهم، فلا تلتفتوا لشهادة غيرهما، ولا تغتروا بحكم العامة، فوجوده كعدمه. وعليه: فلا يحل لأحدٍ الذهاب لهذا الدجَّال، ولا الاستعانة به، ولو زعم محاربة السحرة! فهو منهم، وإنما يريد دفع التهمة عن نفسه، وإخراج نفسه من زمرتهم، وقد ورد الوعيد الشديد في الذهاب إلى هؤلاء بعدم قبول صلاة أربعين يوماً من ذلك الذاهب، فإذا صدَّقه فيما يقول فإنه يكون قد كفر بما أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم. وانظر جواب السؤال رقم (98153) و (8291) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112631 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 830 حكم التساهل في الحكم بشريعة الله وعدم تطبيقها [السُّؤَالُ] ـ[كثير من المسلمين يتساهلون في الحكم بغير شريعة الله، والبعض يعتقد أن ذلك التساهل لا يؤثر في تمسكه بالإسلام، والبعض الآخر يستحل الحكم بغير ما أنزل الله ولا يبالي بما يترتب على ذلك، فما هو الحكم في ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "هذا فيه تفصيل، وهو أن يقال: من حكم بغير ما أنزل الله وهو يعلم أنه يجب عليه الحكم بما أنزل الله، وأنه خالف الشرع، ولكن استباح هذا الأمر، ورأى أنه لا حرج عليه في ذلك، وأنه يجوز له أن يحكم بغير شريعة الله فهو كافر كفراً أكبر عند جميع العلماء، كالحكم بالقوانين الوضعية التي وضعها الرجال من النصارى أو اليهود أو غيرهم، ممن زعم أنه يجوز الحكم بها، أو زعم أنها أفضل من حكم الله، أو زعم أنها تساوي حكم الله، وأن الإنسان مخير إن شاء حكم بالقرآن والسنة، وإن شاء حكم بالقوانين الوضعية.. من اعتقد هذا كفر بإجماع العلماء كما تقدم. أما من حكم بغير ما أنزل الله لهوى أو لحظ عاجل، وهو يعلم أنه عاص لله ولرسوله، وأنه فعل منكراً عظيماً وأن الواجب عليه الحكم بشرع الله، فإنه لا يكفر بذلك الكفر الأكبر، لكنه أتى منكراً عظيماً ومعصية كبيرة وكفراً أصغر، كما قال ذلك ابن عباس ومجاهد وغيرهما من أهل العلم، وقد ارتكب بذلك كفراً دون كفر، وظلماً دون ظلم، وفسقاً دون فسق، وليس هو الكفر الأكبر، وهذا قول أهل السنة والجماعة، وقد قال الله سبحانه: (وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ) المائدة/49، وقال تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ) المائدة/44، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ) المائدة/45، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ) المائدة/47، وقل عز وجل: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) النساء/65، وقال عز وجل: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) المائدة/50، فحكم الله هو أحسن الأحكام، وهو الواجب الاتباع، وبه صلاح الأمة وسعادتها في العاجل والآجل، وصلاح العالم كله، ولكن أكثر الخلق في غفلة عن هذا، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم" انتهى. فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز. "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" (5/355-356) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111923 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 831 هل يكفر من أتى عرافاً وسأله عن شيء؟ [السُّؤَالُ] ـ[كيف نجمع بين الحديثين التاليين: 1- (من أتى عرافاً فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوماً) ، رواه مسلم في صحيحه. 2 – (من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) ، رواه أبو داود. فالحديث الأول لا يدل على الكفر في حين الآخر يدل على الكفر.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا تعارض بين الحديثين، فحديث: (من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد) يراد منه: أن من سأل الكاهن معتقداً صدقه وأنه يعلم الغيب فإنه يكفر؛ لأنه خالف القرآن في قوله تعالى: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) النمل/65. وأما الحديث الآخر: (من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة) رواه مسلم وليس فيه (فصدقه) . فبهذا يُعلم أن من أتى عرافا فسأله لم تقبل له صلاة أربعين ليلة، فإن صدقه فقد كفر. وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان. "فتاوى اللجنة الدائمة" (2/48) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112069 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 832 شيخ صوفي يأمر مريده بالشرك بالله عز وجل [السُّؤَالُ] ـ[قال شيخ لمريده الذي يريد أن يدرس في أوربا وهو يودعه: يا بني إذا سولت لك نفسك بالمعصية هناك فتذكر شيخك يصرف الله عنك هذا السوء وهذه الفاحشة، فهل هذا شرك بالله؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "هذا منكر عظيم، وشرك بالله جل وعلا؛ لأنه فزع إلى الشيخ لينقذه من هذا الشيء، والواجب أن يقول: فاذكر الله، واسأل ربك العون والتوفيق، واعتصم به، وأما أن يوصيه بأن يذكر شيخه فهذا من أخطاء غلاة الصوفية، يوجهون مريديهم وتلاميذهم إلى أن يعبدوهم من دون الله، ويلجئوا إليهم، ويتوكلوا عليهم في قضاء الحاجات، وتفريج الكروب، وهذا من الشرك الأكبر، نعوذ بالله من ذلك. فالواجب على هذا الشخص أن يتقي الله، وأن يفزع إليه سبحانه فيما يهمه، ويسأله العون والتوفيق، لا إلى شيخه الذي عَلَّمَه أن يفزع إليه، والله المستعان" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (6/365) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112073 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 833 من اعتقد أن هناك من يتصرف في الكون سوى الله فهو كافر [السُّؤَالُ] ـ[من يقول: إن هناك من يتصرف في الكون مع الله، هل يكون كافراً؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يعتقد المسلمون أن الله تعالى هو المتصرف في الكون وحده، وهو المدبر لأمور المخلوقات وحده، وهذا داخل في توحيد الربوبية، الذي هو اعتقاد: أن لا خالق إلا الله، ولا مالك إلا الله، ولا مدبر لأمور الخلائق إلا الله، فمن اعتقد غير ذلك كان كافراً. وقد كان المشركون الذين يعبدون الأصنام والتماثيل، كانوا يقرون بأن الله تعالى هو الذي يدبر أمور المخلوقات. قال الله تعالى: (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ) يونس/31. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل من يعتقد تصرف أحد في الكون سوى الله كافر؟ فأجابوا: "من يعتقد ذلك كافر؛ لأنه أشرك مع الله غيره في الربوبية، بل هو أشد كفرا من كثير من المشركين الذين أشركوا مع الله غيره في الألوهية. وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي. "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/4) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112126 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 834 حديث الأعمى وتوسله بالرسول صلى الله عليه وسلم [السُّؤَالُ] ـ[الحديث: أن أعمى أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ادع الله أن يكشف عن بصري، فقال: فانطلق فتوضأ ثم صل ركعتين ثم قل: (اللهم إني أسألك وأتوجه إليك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فيقضي حاجتي) ما صحة هذا الحديث وما معناه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "هذا الحديث اختلف أهل العلم في صحته فمنهم من قال: إنه ضعيف، ومنهم من قال: إنه حسن، ولكن له وجهة ليست كما يتبادر من اللفظ، فإن هذا الحديث معناه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر هذا الرجل الأعمى أن يتوضأ، ويصلي ركعتين ليكون صادقاً في طلب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم له، وليكون وضوؤه، وصلاته عنواناً على رغبته في التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم والتوجه به إلى الله سبحانه وتعالى؛ فإذا صدقت النية، وصحت، وقويت العزيمة فإن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع له إلى الله عز وجل؛ وذلك بأن يدعو النبي صلى الله عليه وسلم له. فإن الدعاء نوع من الشفاعة، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شَفَّعهم الله فيه) . فيكون معنى هذا الحديث أن هذا الأعمى يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله له؛ لأن هذا الدعاء نوع شفاعة. أما الآن وبعد موت النبي صلى الله عليه وسلم فإن مثل هذه الحال لا يمكن أن تكون لتعذر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأحد بعد الموت، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) ، والدعاء بلا شك من الأعمال التي تنقطع بالموت؛ بل الدعاء عبادة، كما قال الله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) غافر/60، ولهذا لم يلجأ الصحابة رضي الله عنهم عند الشدائد وعند الحاجة إلى سؤال النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله لهم؛ بل قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين قحط المطر: (اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فيسقون) وطلب من العباس رضي الله عنه أن يدعو الله عز وجل بالسقيا فدعا فسقوا. وهذا يدل على أنه لا يمكن أن يطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته أن يدعو لأحد؛ لأن ذلك متعذر لانقطاع عمله بموته صلوات الله وسلامه عليه؛ وإذا كان لا يمكن لأحد أن يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو له بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لا يمكن ومن باب أولى أن يدعو أحد النبيَّ صلى الله عليه وسلم نفسه بشيء من حاجاته أو مصالحه؛ فإن هذا من الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله؛ والذي حرم الله على من اتصف به الجنة، قال الله تعالى: (وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنْ الظَّالِمِينَ) يونس/106. وقال تعالى: (فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنْ الْمُعَذَّبِينَ) الشعراء/213؛ وقال الله عز وجل: (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) المؤمنون/117؛ وقال تعالى: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَار) المائدة/72. فالمهم أن من دعا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته أو غيره من الأموات لدفع ضرر أو جلب منفعة فهو مشرك شركاً أكبر مخرجاً عن الملة، وعليه أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى، وأن يوجه الدعاء إلى العلي الكبير الذي يجيب دعوة المضطر إذا دعاه ويكشف السوء. وإني لأعجب من قوم يذهبون إلى قبر فلان وفلان يدعونه أن يفرج عنهم الكربات ويجلب لهم الخيرات وهم يعلمون أن هذا الرجل كان في حال حياته لا يملك ذلك، فكيف بعد موته، بعد أن كان جثة وربما يكون رميماً قد أكلته الأرض فيذهبون يدعونه، ويتركون دعاء الله عز وجل الذي هو كاشف الضر، وجالب النفع والخير، مع أن الله تعالى أمرهم بذلك وحثهم عليه فقال: (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) غافر/60. وقال الله تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) البقرة/186. وقال تعالى منكراً على من دعا غيره: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ) النمل/62. أسأل الله تعالى أن يهدينا جميعاً صراطه المستقيم" انتهى. "مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين" (2/274) . فالحديث لا يدل على جواز التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم كما ذهب إليه البعض، بل الحديث يدل على أن هذا الرجل توسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم فقوله: (اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد) أي: بدعاء نبينا محمد، وقوله: (يا محمد إني أتوجه بك إل ربي) أي: بدعائك. ويدل على هذا: 1- أن هذا الرجل، جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وطلب منه أن يدعو له، ولو كان مراده التوسل بجاهه صلى الله عليه وسلم لقعد في بيته، وقال: اللهم إني أتوسل إليك وأسألك بجاه محمد. 2- من جملة الدعاء الذي علمه الرسول صلى الله عليه وسلم: (اللهم فشفعه فيّ، وشفعني فيه) أي: اقبل شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم فيّ، والشفاعة هي الدعاء، فيكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد دعا له. وقوله: (وشفعني فيه) أي: اقبل دعائي أن تقبل دعاءه. قال الألباني رحمه الله في كتاب التوسل ص (73، 74) : "إن مما علم النبي صلى الله عليه وسلم الأعمى أن يقوله: (وشفعني فيه) أي: اقبل شفاعتي أي دعائي في أن تقبل شفاعته صلى الله عليه وسلم أي دعاءه في أن ترد علي بصري. هذا الذي لا يمكن أن يفهم من هذه الجملة سواه. ولهذا ترى المخالفين يتجاهلونها ولا يتعرضون لها من قريب أو من بعيد، لأنها تنسف بنيانهم من القواعد، وتجتثه من الجذور، وإذا سمعوها رأيتهم ينظرون إليك نظر المغشي عليه. ذلك أن شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في الأعمى مفهومة، ولكن شفاعة الأعمى في الرسول صلى الله عليه وسلم كيف تكون؟ لا جواب لذلك عندهم البتة، ومما يدل على شعورهم بأن هذه الجملة تبطل تأويلاتهم أنك لا ترى واحدا منهم يستعملها، فيقول في دعائه مثلا: اللهم شفع فيّ نبيك وشفعني فيه" انتهى. وانظر لتفصيل الكلام على هذا الحديث: كتاب "التوسل" ص (68-93) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112131 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 835 هل يجوز أن يقال: يا محمد [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن نقول لنبينا: يا محمد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يجوز مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم حال حياته بـ: "يا محمد " لقوله تعالى: (لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً) النور/63. قال الضحاك عن ابن عباس: كانوا يقولون: يا محمد، يا أبا القاسم، فنهاهم الله عز وجل عن ذلك؛ إعظامًا لنبيه صلوات الله وسلامه عليه، قال: فقالوا: يا رسول الله، يا نبي الله. وهكذا قال مجاهد، وسعيد بن جُبَير. وقال قتادة: أمر الله أن يهاب نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن يُبَجَّل، وأن يعظَّم، وأن يسوَّد. وقال مقاتل بن حَيَّان: لا تُسَمّوه إذا دَعَوتموه: يا محمد، ولا تقولوا: يا ابن عبد الله، ولكن شَرّفوه فقولوا: يا نبي الله، يا رسول الله. وقال مالك عن زيد بن أسلم: أمرهم الله أن يشرِّفوه. فلا ينادى النبي صلى الله عليه وسلم باسمه المجرد، بل يقال: يا رسول الله، يا نبي الله. ثانياً: لا يجوز أن يدعى النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته؛ لأن الدعاء عبادة لا تكون إلا الله تعالى، قال تعالى: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) الجن/13، وقال: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ) الأحقاف/5، وقال صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله: (إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ) رواه الترمذي (2516) وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي. والدعاء هو طلب جلب النفع أو دفع الضر، وليس مجرد النداء بـ (يا) لكن صار في عرف الناس استعمال هذا النداء للدعاء، لا سيما عند نزول الشدائد، وحصول الكروب، فيقولون: (يا الله) أي: يا الله نجنا، أو أغثنا، أو انصرنا. هذا صنيع الموحدين الذين لا يدعون غير الله تعالى، وأما عباد القبور والأضرحة فإنهم يلجأون إلى أوليائهم ومعظَّميهم، فيقولون: يا بدوي، يا رفاعي، يا جيلاني، ومقصودهم: يا بدوي أغثنا أو انصرنا أو نجنا. ومنهم من يقول: يا رسول الله، يا محمد، بهذا الاعتبار أيضا، وهو دعاؤه والاستغاثة به واللجأ إليه. ومعلوم أن هذا من أعظم المخالفة لما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وجاءت به الرسل، وأنزلت به الكتب، من الدعوة إلى توحيد الله تعالى، وإفراده بالعبادة، وترك عبادة غيره. فلا يشرع في دين الإسلام الذي ارتضاه الله لعباده دعاء أحد غير الله تعالى، لا نبي مرسل، ولا ملَك مقرب، بل الدعاء له سبحانه وحده، ولهذا قال عز وجل: (أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) النمل/62. وعُلم بهذا أن قول القائل: "يا محمد"، أو (يا رسول الله) إن لم يُرد به الدعاء والطلب، فلا شيء فيه، كأن يريد استحضار صورته وتذكره، كما لو قرأ حديثا فقال: صلى الله عليك يا رسول الله، أو ما أعظم وأجمل كلامك يا رسول الله، لكن قوله: (يا محمد) فيه منافاة للأدب، كما سبق. وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: هل يكون من الشرك إذا قال أحد في أي بقاع الأرض: يا محمد يا رسول الله، يناديه؟ فأجاب: "قد بَيَّن الله سبحانه في كتابه الكريم وعلى لسان رسوله الأمين عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم أن العبادة حق الله ليس فيها حق لغيره، وأن الدعاء من العبادة، فمن قال من الناس في أي بقعة من بقاع الأرض: يا رسول الله، أو يا نبي الله، أو يا محمد، أغثني أو أدركني أو انصرني أو اشفني أو انصر أمتك أو اشف مرضى المسلمين أو اهد ضالهم أو ما أشبه ذلك فقد جعله شريكا لله في العبادة، وهكذا من صنع مثل ذلك مع غيره من الأنبياء أو الملائكة أو الأولياء أو الجن أو الأصنام أو غيرهم من المخلوقات، لقول الله عز وجل: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) وقوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ... " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (2/453) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: بعض الناس عند الشدة: "يا محمد أو يا علي، أو يا جيلاني" فما الحكم؟ فأجاب: "إذا كان يريد دعاء هؤلاء والاستغاثة بهم فهو مشرك شركاً أكبر مخرجاً عن الملة، فعليه أن يتوب إلى الله عز وجل وأن يدعو الله وحده، كما قال تعالى: (أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ) النمل/62، وهو مع كونه مشركاً، سفيه مضيع لنفسه، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ) . وقال: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ) " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (2/133) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111019 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 836 جهل من يزعم أن الحج من مظاهر الوثنية [السُّؤَالُ] ـ[شيخنا الحبيب! والله إنى أحبك فى الله! نريد بعض الردود على من تتهم زيارتنا للكعبة المشرفة بأنه من الوثنية، كنوال سعداوي، وماذا تمثل الكعبة بالنسبة للمسلمين، وما يمثل الحج والعمرة كذلك للمسلمين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " الوثنية " دين أرضي ينتسب إلى الأوثان، وهي الأصنام والأنصاب والصور، وأخص أوصاف هذه النسبة هو التعلق بالأوثان بالخوف والرجاء والتذلل والعبادة، مع قدر من المحبة والتعظيم، وقد يصاحب ذلك نسبة القوة الذاتية إليها باعتقاد النفع والضر فيها، وقد لا يكون ذلك إلا عن اعتقادها وسائط إلى القوة الإلهية المطلقة. أما المسلم الموحِّد فهو الذي لا يتوجه بمعاني العبودية القلبية أو العملية إلا لله تعالى، ولا يعتبر المكان والزمان إلا ظروفا للقيام بمظاهر العبودية، فلا ينالها شيء من المعاني التي تقوم في قلبه تعبدا وتذللا لله عز وجل. ومن لم يفرق بين هذين المفهومين: " التوحيد "، و " الوثنية " لم يفهم شيئا من تاريخ الأديان وفواصل العقائد التي افترق عليها الناس، ولم يوثق بشيء من فكره، ونادى على نفسه بقلة الفهم والاطلاع. يقول الشيخ محمد رشيد رضا في "مجلة المنار" (16/675) ، جوابا على سؤال طويل يستشكل ما ذكره السائل عن بعضهم: أنَّ شعائر الحج من مظاهر الوثنية، فقال: " ما ذكره السائل في تقبيل الحجر الأسود قد سرى إليه من شبهات النصارى والملاحدة، الذين يشككون المسلمين في دينهم بأمثال هذا الكلام المبني على جهل قائليه من جهة، وسوء نيتهم في الغالب من جهة أخرى. ومن عرف معنى العبادة يقطع بأن المسلمين لا يعبدون الحجر الأسود، ولا الكعبة، ولكن يعبدون الله تعالى وحده باتباع ما شرعه فيهما، بل كان من تكريم الله تعالى لبيته أن صرف مشركي العرب وغيرهم من الوثنيين والكتابيين الذين كانوا يعظمونه قبل الإسلام عن عبادته، وقد وضعوا فيه الأصنام وعبدوها فيه، ولم يعبدوه. ذلك أن عبادة الشيء عبارة عن اعتقاد أن له سلطة غيبية يترتب عليها الرجاء بنفعه لمن يعبده، أو دفع الضرر عنه، والخوف من ضره لمن لا يعبده أو لمن يقصر في تعظيمه، سواء كانت هذه السلطة ذاتية لذلك الشيء المعبود، فيستقل بالنفع والضرر، أو كانت غير ذاتية له بأن يُعْتَقَد أنه واسطة بين من لجأ إليه وبين المعبود الذي له السلطة الذاتية. ولا يوجد أحد من المسلمين يعتقد أن الحجر الأسود ينفع أو يضر بسلطة ذاتية له، ولا أن سلطته تقريب من يعبد ويلجأ إليه إلى الله تعالى، ولا كانت العرب في الجاهلية تعتقد ذلك وتقوله في الحجر كما تقول في أصنامها: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) الزمر/3، (هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ) يونس/18 وإنما عقيدة المسلمين في الحجر هي ما صرَّح به عمر بن الخطاب رضي الله عنه عند تقبيله، قال: (إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك) . رواه الجماعة كلهم أحمد والشيخان وأصحاب السنن. وقد بيَّنَّا في المنار من قبل أن هذا القول روي أيضا عن أبي بكر رضي الله عنه، وروي مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأن أثر عمر كان العمدة في هذا الباب للاتفاق على صحة سنده. قال الطبري: إنما قال عمر ذلك ... لأن الناس كانوا حديثي عهد بعبادة الأصنام، فخشي أن يظن الجهال أن استلام الحجر الأسود من باب تعظيم الأحجار، كما كانت العرب تفعل في الجاهلية، فأراد أن يعلم الناس أن استلامه اتباع لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا لأن الحجر يضر وينفع بذاته. اهـ. بقي أن يقال: فما هي حكمة جعل ما ذكر من العبادة؟ وهل يصح ما قيل من أن النبي صلى الله عليه وسلم تركه في الكعبة مع أنه من آثار الشرك تأليفًا للمشركين، واستمالة لهم إلى التوحيد؟ والجواب: أن الحجر ليس من آثار الشرك، ولا من وضع المشركين، وإنما هو من وضع إمام الموحدين إبراهيم صلى الله عليه وآله وسلم، جعله في بيت الله ليكون مبدأ للطواف بالكعبة يعرف بمجرد النظر إليها، فيكون الطواف بنظام لا يضطرب فيه الطائفون، وبهذا صار من شعائر الله، يكرم ويقبل ويحترم لذلك كما تحترم الكعبة لجعلها بيتًا لله تعالى، وإن كانت مبنية بالحجارة، فالعبرة بروح العبادة: النية والقصد، وبصورتها الامتثال لأمر الشارع، واتباع ما ورد بلا زيادة ولا نقصان، ولهذا لا تُقَبَّلُ جميع أركان الكعبة عند جمهور السلف، وإن قال به وبتقبيل المصحف وغيره من الشعائر الشريفة بعض من يرى القياس في الأمور التعبدية. وتعظيم الشعائر والآثار الدينية والدنيوية، بغير قصد العبادة معروف في جميع الأمم، لا يستنكره الموحدون ولا المشركون ولا المعطلون، وأشد الناس عناية به الإفرنج، فقد بنوا لآثار عظماء الملوك والفاتحين والعلماء العاملين الهياكل العظيمة، ونصبوا لهم التماثيل الجميلة، وهم لا يعبدون شيئا منها، فلماذا نهتم بكل ما يلفظ به كل قسيس أو سياسي يريد تنفير المسلمين من دينهم إذا موَّه علينا في شأن تعظيم الحجر الأسود، فزعم أنه من آثار الوثنية، ونحن نعلم أنه أقدم أثر تاريخي ديني لأقدم إمام موحد داع إلى الله من النبيين المرسلين الذي عُرِفَ شيء صحيح من تاريخهم، وهو إبراهيم عليه الصلاة والسلام الذي أجمع على تعظيمه مع المسلمين اليهود والنصارى؟ ولعمري لو أن ملوك الإفرنج وعلماءهم أمكنهم أن يشتروا هذا الحجر العظيم لتغالوا في ثمنه تغاليًا لا يتغالون مثله في شيء آخر في الأرض، ولوضعوه في أشرف مكان من هياكل التحف والآثار القديمة، ولحج وفودهم إلى رؤيته، وتمنى الملايين منهم لو تيسر لهم لمسه واستلامه، وناهيك بمن يعلم منهم تاريخه وكونه من وضع إبراهيم أبي الأنبياء عليهم السلام، وإنهم ليتغالون فيما لا شأن له من آثار الملوك أو الصناع. وجملة القول: أن مناسك الحج من شريعة إبراهيم، وقد أبطل الإسلام كل ما ابتدعته الجاهلية فيها من وثنيتها وقبيح عملها، كطوافهم بالبيت عراة، وإن الكعبة من بناء إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام كما هو ثابت عند العرب بالإجماع المتواتر بينهم، وكانوا يعظمونها هم والأمم المجاورة لهم، بل والبعيدة عنهم كالهنود، ولما كانت الكعبة قد جدد بناؤها قبل الإسلام وبعده لم يبق فيها حجر يعلم باليقين أنه من وضع إبراهيم إلا الحجر الأسود؛ لامتيازه بلونه وبكونه مبدأ المطاف، كان هو الأثر الخاص المذكر بنشأة الإسلام الأولى في ضمن الكعبة المذكرة بذلك بوضعها وموضعها وسائر خصائصها، زادها الله حفظًا وشرفًا. وقد علم بهذا أن الحجر له مزية تاريخية دينية، ولنا مع علمنا بهذا أن نقول: إن لله تعالى أن يخصص ما شاء من الأجسام والأمكنة والأزمنة لروابط العبادة والشعائر، فلا فرق بين تخصيص الحجر الأسود بما خصصه وبين تخصيص البيت الحرام والمشعر الحرام وشهر رمضان والأشهر الحرم، ومبنى العبادات على الاتباع لا على الرأي. إذا وعيت ما تقدم كان نورًا بين يديك تبصر به حكم سائر مناسك الحج: أعني بها مما تَعَبَّدَنا الله تعالى بها، لتغذية إيماننا بالطاعة والامتثال، سواء عرفنا سبب كل عمل منها وحكمته، أم لا، وأنها إحياء لدين إبراهيم أبي الأنبياء وإمام الموحدين المخلصين، وتذكير بنشأة الإسلام ومعاهده الأولى، وإن لاستحضار ذلك لتأثيرا عظيما في تغذية الإيمان وتقوية الشعور به، والثقة بأنه دين الله الخالص الذي لا يقبل غيره. فإن جهلنا سبب شرع بعض تلك الأعمال أو حكمتها لا يضرنا ذلك، ولا يثنينا عن إقامتها كما إذا ثبت لنا نفع دواء من الأدوية مركب من عدة أجزاء، وجهلنا سبب كون بعضها أكثر من بعض، فإن ذلك لا يثنينا عن استعمال ذلك الدواء والانتفاع به، ولا يدعونا إلى التوقف وترك استعماله إلى أن نتعلم الطب ونعرف حكمة أوزان تلك الأجزاء ومقاديرها. أبسط ما يتبادر إلى الذهن من منشإ هذه العبادة – رمي الجمار - أن هذه المواضع التي تسمى الجمرات كانت من معاهد إبراهيم وإسماعيل عليهم السلام، فشرع لنا أن نقف عند كل واحدة منها، نكبر الله سبع تكبيرات، ترمى عند كل تكبيرة حصاة صغيرة بين أصابعنا نعد بها التكبير، روى الطبراني والحاكم والبيهقي عن ابن عباس: (لما أتى خليل الله المناسك عرض له الشيطان عند جمرة العقبة، فرماه بسبعة حصيات حتى ساخ في الأرض، ثم عرض له عند الجمرة الثانية، فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض) ثم ذكر الجمرة الثالثة كذلك. – [ورواه ابن خزيمة في صحيحه (2/100) وصححه الحاكم في "المستدرك"، والألباني في "صحيح الترغيب" (1156) وقد روي مرفوعا وموقوفا] فإذا صح أن إبليس عرض لإبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام في أثناء أداء مناسكه بظهور ذاته أو مثاله، أو بمجرد التصدي للوسوسة والشغل عن ذكر الله تعالى، فلا غرابة في قذفه ورجمه كما يطرد الكلب، فمن المعروف في الأخلاق والطباع أن يأتي الإنسان بعمل عضوي يظهر به كراهته لما يعرض له، حتى من الخواطر القبيحة، ودفعه عنه وبراءته منه، فأخذ الحصيات ورميها مع تكبير الله تعالى من هذا القبيل، وإن حركة اليد المشيرة إلى البعد لتفيد في دفع الخواطر الشاغلة للقلب.. والرجم بالحجارة بقصد الدلالة على السخط والتبري أو الإهانة معهود من الناس، وله شواهد عند الأمم، كرجم بني إسرائيل مع يشوع (النبي يوشع عليه السلام) لمجان بن زراح وأهله وماله من ناطق وصامت (كما في7: 24 و25) من سفر يشوع، وكرجم النصارى لشجرة التين التي لعنها المسيح، ورجم العرب في الجاهلية لقبر أبي رغال في المغمس بين مكة والطائف؛ لأنه كان يقود جيش أبرهة الحبشي إلى مكة لأجل هدم الكعبة حرسها الله تعالى. والعمدة في رمي الجمار ما تقدم من قصد التعبد لله تعالى وحده، بما لا حظ للنفس فيه، اتباعًا لإبراهيم أقدم رسل الله الذين بقيت آثارهم في الأرض، ومحمد خاتم رسل الله ومكمل دينه ومتممه الذي حفظ دينه كله في الأرض، صلى الله عليهم أجمعين. قال أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى في بيان أسرار الحج من "الإحياء": وأما رمي الجمار فليقصد به الانقياد للأمر إظهارًا للرق والعبودية، وانتهاضًا لمجرد الامتثال، من غير حظ للعقل والنفس في ذلك؛ ثم ليقصد به التشبه بإبراهيم عليه السلام حيث عرض له إبليس لعنه الله تعالى في ذلك الموضع ليدخل على حجه شبهة، أو يفتنه بمعصية، فأمره الله عز وجل أن يرميه بالحجارة طردًا له وقطعًا لأمله. فإن خطر لك أن الشيطان عرض له وشاهده فلذلك رماه، وأما أنا فليس يعرض لي الشيطان، فاعلم أن هذا الخاطر من الشيطان، وأنه الذي ألقاه في قلبك ليفتر عزمك في الرمي، ويخيل إليك أنه فعل لا فائدة فيه، وأنه يضاهي اللعب فلم تشتغل به؟ فاطرده عن نفسك بالجد والتشمير في الرمي، فبذلك ترغم أنف الشيطان. واعلم أنك في الظاهر ترمي الحصى إلى العقبة، وفي الحقيقة ترمي به وجه الشيطان وتقصم به ظهره، إذا لا يحصل إرغام أنفه إلا بامتثالك أمر الله سبحانه وتعالى تعظيمًا له بمجرد الأمر، من غير حظ للنفس والعقل فيه. اهـ " انتهى النقل من " مجلة المنار " وانظر في "أضواء البيان" للأمين الشنقيطي (سورة الحج/27) مبحثين في حكمة الرمي والرمل في الحج. والله أعلم. وقد سبق الجواب عن الشبهة الواردة في السؤال على لسان بعض الجهلة، وذلك في جواب السؤال رقم (82349) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106962 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 837 حكم الذهاب إلى من يفك السحر [السُّؤَالُ] ـ[هل من يذهب عند إمام مسجد يدعي أنه يزيل السحر ويتبع ما قاله ظننا منه أنه يزيل السحر دون أن يعلم ذلك حرام قد ارتكب معصية? وما حكم ذلك ?]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الذي يفك السحر عن المسحور لا يخلو من حالين: الحال الأولى: أن يستخدم في ذلك الرقى الشرعية والتعوذات النبوية، والأدوية المباحة، فهذا لا بأس به، بل مستحب. الحال الثانية: أن يعالجه ـ أي السحر ـ بعمل السحرة الذي هو التقرب إلى الجن بالذبح أو غيره من القربات فهذا لا يجوز؛ لأنه من عمل الشيطان بل من الشرك الأكبر فالواجب الحذر من ذلك، كما لا يجوز علاجه بسؤال الكهنة والعرافين والمشعوذين واستعمال ما يقولون. وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من إتيانهم وسؤالهم وتصديقهم، فقال عليه الصلاة والسلام: (مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) رواه مسلم (4137) . وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رواه أحمد في المسند (9171) وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع حديث رقم (5939) . فالسحرة لا يجوز إتيانهم ولا سؤالهم ولا تصديقهم. وقد روى أبو داود في سننه (3370) عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النُّشْرَةِ فَقَالَ: (هُوَ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) وصححه الألباني. قال ابن القيم في "إعلام الموقعين" (4/299) : " والنشرة: حل السحر عن المسحور , وهي نوعان: حل سحر بسحر مثله , وهو الذي من عمل الشيطان ; فإن السحر من عمل الشيطان فيتقرب إليه الناشر والمنتشر بما يحب , فيبطل عمله عن المسحور , والثاني: النشرة بالرقية والتعوذات والدعوات والأدوية المباحة , فهذا جائز , بل مستحب " انتهى. وبهذا تعلم أخي السائل أن هذا الإمام إن كان من الصنف الذي يحل السحر بالطريقة المحرمة فإن الذهاب إليه معصية، وقد تكون كفرا، فالواجب على من ذهب إليه التوبة من ذلك، والله يتوب على من تاب، فإن كان فعل ذلك جاهلا فنرجو أن لا يكون عليه إثم لكن عليه الإقلاع عن ذلك والعزم على عدم العود إليه في المستقبل. وإذا كان من الصنف الأول الذين يعالجون المسحور بالقرآن الكريم والأدعية النبوية، فلا حرج من الذهاب إليه، وليس ذلك معصية. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105850 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 838 أنواع التوسل [السُّؤَالُ] ـ[ما هي أنواع التوسل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله التوسل والوسيلة يراد به أحد أمور أربعة: أحدها: لايتم الإيمان إلا به، وهو التوسل إلى الله بالإيمان به وبرسوله وطاعته وطاعة رسوله، وهذا هو المراد بقوله (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه وسيلة) سورة المائدة 35 [ويدخل في هذا؛ التوسل إلى الله بأسمائه وصفاته والتوسّل إليه بطاعات عملها المتوسّل يسأل الله بها ونحو ذلك] والثاني: التوسل إلى الله بطلب دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته وطلب المؤمنين بعضهم بعضاً أن يدعو لهم؛ فهذا تابع للأول ومرغب فيه. الثالث:التوسل بجاه المخلوق وذواتهم، مثل قوله: اللهم! إني أتوجه إليك بجاه نبيك أو نحوه؛ فهذا قد أجازه بعض العلماء، ولكنه ضعيف، والصواب الجزم بتحريمه؛ لأنه لا يتوسل إلى الله في الدعاء إلا بأسمائه وصفاته. الرابع: التوسل في عرف كثير من المتأخرين، وهو دعاء النبي صلى الله عليه وسلم والاستغاثة به (والاستغاثة بالأموات والأولياء) ؛ فهذا من الشرك الأكبر؛ لأن الدعاء والاستغاثة فيما لا يقدر عليه إلا الله عبادة، فتوجيهها لغير الله شرك أكبر. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 979 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 839 هل ينتخب رئيسا لا يحكم بشرع الله؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز انتخاب رئيس لبلد إسلامي مع أنه لا يحكم بشرع الله؟ مع العلم أنه في حال عدم انتخابه قد تحصل مضايقات تصل في بعض الأحيان لحد الاعتقال.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يعتقد المؤمنون اعتقاداً جازماً أنه لا أحد أحسن من حكم الله تعالى، وأن كل حكم خالف حكم الله فهو حكم جاهلي، قال الله تعالى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) المائدة/50. وجعل الله تعالى دعوى الإيمان بالله وما أنزل على رسله مع إرادة التحكم إلى غيره، جعل ذلك أمراً عجيباً يستحق التعجب منه، قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً) النساء/60. قال الشنقيطي رحمه الله: " بَيَّن جل وعلا أن من يريدون أن يتحاكموا إلى غير ما شرعه الله يتعجب من زعمهم أنهم مؤمنون، وما ذلك إلا لأن دعواهم الإيمان مع إرادة التحاكم إلى الطاغوت بالغة من الكذب ما يحصل به العجب " انتهى. وأقسم الله تعالى بذاته الكريمة أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في جميع الأمور، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له ظاهراً وباطناً. فقال: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) النساء/65. تفسير ابن كثير. وأوجب الله تعالى رد الأمور المتنازع فيها إليه، وجعل ذلك شرطاً للإيمان، فلا يصح الإيمان مع التحاكم إلى غير ما شرعه الله تعالى. قال تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) النساء/59. قال ابن كثير: "قوله تعالى: (إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) ، دل على أن من لم يتحاكم في محل النزاع إلى الكتاب والسنة ولا يرجع إليها فليس مؤمناً بالله ولا باليوم الآخر " انتهى. وعلى هذا؛ يحرم انتخاب من يحكم بغير ما شرعه الله لما في ذلك من الرضا بهذا المحرم والإعانة عليه. وإذا أُكرِه المسلم على الذهاب للانتخاب فيمكنه الذهاب ورفض هذا الرئيس أو إفساد صوته – إن استطاع- فإن لم يستطع إلا الموافقة على الانتخاب وخشي على نفسه الضرر إن لم يوافقهم، فنرجو أن لا يكون عليه حرج في ذلك لقول الله تعالى: (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ) النحل/106، ولقول الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) رواه ابن ماجة (2045) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103040 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 840 تبين له أن شيخه يتعامل مع الجن [السُّؤَالُ] ـ[شاب يدرس عند شيخ يتعامل مع الجن لعلاج الملموسين والملموسات والمسحورين والمسحورات، وقد علم الشاب بذلك متأخرا، فهل يقطع دراسته عند هذا الشيخ ويترك المكان؟ مع العلم أن دراسته على وشك الانتهاء، وهذه الدراسة في العلوم الشرعية والقرآن. وما حكم تدريس القرآن لهذا الشاب الذي يشرف عليه هذا الشيخ؟ وما حكم الصدقة التي يأخذها هذا الطالب من هذا الشيخ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: معاملة الجن خطرٌ عظيم، وبابٌ من أبواب الشر والفساد، طالما أصاب الناس من شره وآفته، وحسبك في ذلك أن الشرك لم يدخل على الناس إلا من طريقهم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم - مُخبرا عن تعليم الله عز وجل عباده بقوله -: (وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمْ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا) رواه مسلم (2865) وإن كان في الجن من المؤمنين والمسلمين كما فيهم من الكافرين الفاسقين، غير أن احتجابهم عن الإنسان يحول دون الاطمئنان إلى أي منهم، ويوجب الخوف من استدراجهم، خاصة مع انتشار الجهل واشتهار البدع التي هي بريد الشرك، فغالبا ما توقع هذه المخلوقات الإنسان فيما يحرم، ثم لا تنفعهم أيضا إلا يسيرا. وقد قال الله عز وجل: (وأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) الجن/6 لذلك كانت فتاوى أهل العلم بحرمة التعاطي مع الجن والتعامل معهم مطلقا – سواء في ذلك المؤمن منهم والكافر – وضرورة عدم التساهل في ذلك، سدا لباب الفتنة والريبة، ورعاية لقلوب الناس التي تملؤها الفطرة الإيمانية. جاء في "الإنصاف" للمرداوي (10/351) : " قوله: (فأما الذي يُعَزِّمُ على الجن، ويزعم أنه يجمعها فتطيعه: فلا يكفر ولا يقتل، ولكن يعزر) فعلى المذهب: يعزر تعزيرا بليغا لا يبلغ به القتل على الصحيح من المذهب، وقيل: يبلغ بتعزيره القتل " انتهى باختصار. وجاء في "الموسوعة الفقهية" (14/18) : " أما الاستعانة بغير الله، فإما أن تكون بالإنس أو الجن: فإن كانت الاستعانة بالجن فهي ممنوعة، وقد تكون شركا وكفرا، لقوله تعالى: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنْ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) الجن/6 " انتهى. ويقول الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (تحت حديث رقم/2760) : " ومن هذا القبيل معالجة بعض المتظاهرين بالصلاح للناس بما يسمونه بـ " الطب الروحاني "، سواء كان ذلك على الطريقة القديمة من اتصاله بقرينه من الجن - كما كانوا عليه في الجاهلية - أو بطريقة ما يسمى اليوم باستحضار الأرواح، ونحوه عندي " التنويم المغناطيسي "، فإن ذلك كله من الوسائل التي لا تُشرع؛ لأن مرجعها إلى الاستعانة بالجن التي كانت من أسباب ضلال المشركين كما جاء في القرآن الكريم: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنْ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) الجن/6، أي: خوفا وإثما. وادعاء بعض المبتلين بالاستعانة بهم أنهم إنما يستعينون بالصالحين منهم دعوى كاذبةٌ؛ لأنهم مما لا يمكن - عادة - مخالطتهم ومعاشرتهم، التي تكشف عن صلاحهم أو طلاحهم، ونحن نعلم بالتجربة أن كثيرا ممن تصاحبهم أشد المصاحبة من الإنس، يتبين لك أنهم لا يصلحون، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ) التغابن/14 هذا في الإنس الظاهر، فما بالك بالجن الذين قال الله تعالى فيهم: (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ) الأعراف/27 " انتهى. وقد سبق في موقعنا نقل فتاوى أخرى لأهل العلم في هذا الموضوع في أجوبة الأسئلة الآتية: (10518) ، (11114) ، (78546) ثانيا: أول ما ينبغي لطالب العلم في طلبه تخير العلماء الثقات، أهل الديانة والأمانة والورع، فلا يحمل العلم إلا عَمَّن يؤخذ عنه بحقه، وحقه العمل به بطاعة الله والتزام شرعه وأمره، فإن للمعلم أكبر الأثر في نفس الطالب المتعلم، ولا بد أن يتزين ذلك بتقوى الله عز وجل. عن إبراهيم النخعي قال: " كانوا إذا أتوا الرجل ليأخذوا عنه نظروا إلى سمته، وإلى صلاته، وإلى حاله، ثم يأخذون عنه " انتهى. "الجامع لأخلاق الراوي" (1/127) وقد ذكر العلماء ذلك فيما ينبغي على متعلم القرآن الكريم خاصة. يقول النووي رحمه الله في "التبيان في آداب حملة القرآن" (ص/13) : " ولا يتعلم إلا ممن تكملت أهليته، وظهرت ديانته، وتحققت معرفته، واشتهرت صيانته، فقد قال محمد بن سيرين ومالك بن أنس وغيرهما من السلف: هذا العلم دين، فانظروا عَمَّن تأخذون دينكم " انتهى. وقال الزرنوجي رحمه الله في "تعليم المتعلم" (ص/7) : " ينبغي أن يختار الأعلم والأورع واأسن، كما اختار أبو حنيفة حماد بن أبي سليمان بعد التأمل والتفكر، وقال: وجدته شيخا وقورا حليما صبورا " انتهى. ويقول ابن جماعة الكناني في كتابه "تذكرة السامع والمتكلم" (ص/133) : " ينبغي للطالب أن يقدم النظر، ويستخير الله فيمن يأخذ العلم عنه، ويكتسب حسن الأخلاق والآداب منه، وليكن إن أمكن ممن كملت أهليته، وتحققت شفقته، وظهرت مروءته، وعرفت عفته، واشتهرت صيانته، وكان أحسن تعليما، وأجود تفهيما. ولا يرغب الطالب في زيادة العلم مع نقص في ورع أو دين أو عدم خلق جميل، فعن بعض السلف: " هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم ". وإذا سبرت أحوال السلف والخلف لم تجد النفعَ يحصل غالبا، والفلاحَ يُدرِك طالبًا إلا إذا كان للشيخ من التقوى نصيبٌ وافر، وعلى نصحه للطلبة دليل ظاهر. وكذلك إذا اعتبرت المصنفات، وجدت الانتفاع بتصنيف الأتقى الأزهد أوفر، والفلاح بالاشتغال به أكثر " انتهى. ثالثا: فالنصيحة لهذا الطالب أن يترك ذلك المعلم الذي يستخدم الجن – إن ثبت ذلك عنه يقينا -، ولا يأخذ عنه شيئا من العلم أو الخلق أو الدين، فذلك أحوط لدينه ونفسه، وأبرأ لذمته، إن كان بمقدوره أن يعوض ما فاته، ويكمل دراسته عند شيخ من أهل السنة والاستقامة. وأما إن كان لا يوجد في بلده من أهل الاستقامة من يقوم له بذلك، فالذي نراه أنه يكمل القدر اليسير المتبقي له من دراسته، إذا كان الحال ما ذكر من أنه إنما يستخدم الجن في علاج المسحورين أو المرضى، ولم يعرف عنه أنه يعمل بالسحر أو أذى المسلمين، أو العدوان على أموالهم أو أعراضهم، والقاعدة عند أهل العلم أنه يغتفر في الاستدامة ما لا يغتفر في الابتداء؛ فنحن، وإن كنا نمنع ابتداء أن يتعلم الطالب على شيخ من أهل البدع، أو ممن يظهر عليه انحراف في علمه أو عمله، ففي مثل حال السائل، يرخص له في استمراره في هذه الدراسة حتى ينتهي، لا سيما إن كان القدر المتبقي يسيرا، ولا سيما ـ أيضا ـ إن كان في بلد يعز عليه أن يجد بديلا من أهل الاستقامة والسنة. على أنه يؤيد ما ذكرناه هنا ـ أيضا ـ أن هذا الشيخ ربما كان يأخذ بقول من يقول بجواز استعمال الجن في الأمور المباحة، كالتي ذكرت في السؤال، فيكون متأولا معذورا، لا نستطيع أن نبدعه أو نضلله. وهذا القول، وإن كان قال به بعض علماء أهل السنة، إلا أن الصواب هو ما ذكرناه أولا، من المنع من استخدام الجن مطلقا. لكن الراجح في المسألة شيء، وأعذار المتأولين شيء آخر. رابعا: نصيحتنا في شأن الصدقة أيضا الاستغناء عنها، والسعي الدائم إلى تحصيل العيش من كسب اليد، من غير تقصير في طلب العلم ولا انهماك في طلب الرزق، بل يكون معتدلا، يتكفف عما في أيدي الناس، ويجتهد في تعلم مسائل الدين، وبذلك ينال رضى الله عز وجل. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) رواه مسلم (2699) لكن إن أعوزت الطالب الحيلة، واضطر إلى الصدقة التي يعطيه إياها هذا المعلم، فلا حرج عليه إن شاء من قبولها وأخذها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 102843 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 841 الدعاء أثناء الوضوء بجاه النبي صلى الله عليه وسلم [السُّؤَالُ] ـ[عندي عادة لا أدري أهي سيئة أم حسنة: مثلا عند غسل رجلي في الوضوء أدعو ربي أن يثبت رجلي على الصراط بجاه النبي عليه الصلاة والسلام. وكذلك في الصلاة مثلا: رب اغفر لي وارحمني وسامحني بجاه نبيك عليه الصلاة والسلام. فهل مثل هذا الدعاء يجوز أم لا؟ مع العلم أني اعتَدْتُ على الدعاء بهذه الصفة اعتقادا مني أن الله سبحانه وتعالى لا يرد الدعاء لمن توسل إليه بحبيبه عليه الصلاة والسلام.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله دعاء الله تعالى أن يثبت رجل عبده على الصراط، دعاء حسن لا بأس به، نسأل الله تعالى أن يثبت أقدمنا جميعاً. ولكن دخل الخطأ في هذا الدعاء من وجهين: الأول: اعتيادك هذا الدعاء عند غسل الرجلين في الوضوء. فإنك تعلم – أخي السائل – أن الوضوء عبادة، وأن المسلم ليس له أن يغيِّر صفة العبادة أو يزيد عليها، أو ينقص منها. بل كمال الاتباع للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نفعل كما فعل، من غير زيادة ولا نقصان. قال ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (22/510) : " وليس لأحد أن يسن للناس نوعا من الأذكار والأدعية غير المسنون، ويجعلها عبادة راتبة يواظب الناس عليها كما يواظبون على الصلوات الخمس، بل هذا ابتداع دين لم يأذن الله به " انتهى. ولم يكن من هدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدعاء عند غسل أعضاء الوضوء، وقد ورد في ذلك حديث، غير أنه لا يصح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال الحافظ ابن الصلاح: " لم يصح فيه حديث " انتهى. كذا نقله الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" (1/297) . وقال ابن القيم في "المنار المنيف" (45) : " وأما الحديث الموضوع في الذكر على كل عضو فباطل " انتهى. وقال النووي عن دعاء الأعضاء في الوضوء: دعاء الأعضاء لا أصل له" "الفتوحات الربانية" (2/27-29) وفي "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم" (2/49) : " بعض الناس يرى أَن لكل عضو ذكرًا يخصه، ويروى في ذلك شيء من الأَحاديث، لكنها لا تصح أَبدًا، بل هي باطلة " انتهى. وجاء في " دروس للشيخ عبد العزيز بن باز" (درس رقم/13 ش2) : " هذه كلها لا أصل لها، ولم يُحفظ فيها شيء عن النبي عليه الصلاة والسلام، فلا تستحب هذه الدعوات عند هذه الأعضاء، وإنما المستحب شيئان: أولاً: عند البدء بالتسمية. ثانياً: بعد الفراغ بالشهادة. هذا هو المشروع في الوضوء " انتهى. ولا يقال: إن الحديث الضعيف يُعمل به في فضائل الأعمال. لأن هذه القاعدة ليس متفقاً عليها، وهناك من ينازع فيها. ثم إن شرط العمل بالضعيف أن لا يكون شديد الضعف، وهذا الشرط مفقود هنا. كما حققه ابن علان في " الفتوحات الربانية " (2/29) . وقد كتب السيوطي رحمه الله في هذه المسألة رسالة أسماها "الإغضاء عن دعاء الأعضاء" بَيَّن فيها شدة ضعف ما ورد في ذلك وعدم صلاحيته للعمل به ولو في فضائل الأعمال. وانظر جواب السؤال رقم (45730) . وأما الخطأ الثاني فهو قولك في الدعاء (بجاه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) . ولا شك أن جاه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عظيم، ولكن الله تعالى لم يجعل التوسل إليه بذلك من أسباب إجابة الدعاء. ولم يرشدنا الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وهو الذي لم يترك خيراً إلا دلنا عليه – لم يرشدنا إلى التوسل إلى الله بذلك. فعُلِم من ذلك أن هذا الدعاء ليس مشروعاً. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (23265) فاحرص يا أخي على اتباع سنة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعدم الزيادة عليها أو النقص منها، وابتعد عن الأمور المحدثة في الدين، كما أوصنا بذلك الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله: (فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ) رواه أبو داود (4607) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 102269 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 842 حكم الصلاة في مسجد فيه قبر [السُّؤَالُ] ـ[هل تصح الصلاة في المساجد التي يوجد فيها قبور؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المساجد التي فيها قبور لا يصلى فيها، ويجب أن تنبش القبور وينقل رفاتها إلى المقابر العامة ويجعل رفات كل قبر في حفرة خاصة كسائر القبور، ولا يجوز أن يبقى في المساجد قبور، لا قبر ولي ولا غيره؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى وحذر من ذلك، ولعن اليهود والنصارى على عملهم ذلك، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:" لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد قالت عائشة رضي الله عنها يحذر ما صنعوا " أخرجه البخاري (1330) ومسلم (529) . وقال عليه الصلاة والسلام لما أخبرته أم سلمة وأم حبيبة بكنيسة في الحبشة فيها تصاوير فقال: " أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله " متفق على صحته (خ/ 427، م/ 528) . وقال عليه الصلاة والسلام: " ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك " خرجه مسلم في صحيحه (532) عن جندب بن عبد الله البجلي. فنهى عليه الصلاة والسلام عن اتخاذ القبور مساجد ولعن من فعل ذلك، وأخبر: أنهم شرار الخلق، فالواجب الحذر من ذلك. ومعلوم أن كل من صلى عند قبر فقد اتخذه مسجدا، ومن بنى عليه مسجدا فقد اتخذه مسجدا، فالواجب أن تبعد القبور عن المساجد، وألا يجعل فيها قبور؛ امتثالا لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم، وحذرا من اللعنة التي صدرت من ربنا عز وجل لمن بنى المساجد على القبور؛ لأنه إذا صلى في مسجد فيه قبور قد يزين له الشيطان دعوة الميت، أو الاستغاثة به، أو الصلاة له، أو السجود له، فيقع الشرك الأكبر، ولأن هذا من عمل اليهود والنصارى، فوجب أن نخالفهم، وأن نبتعد عن طريقهم، وعن عملهم السيئ. لكن لو كانت القبور هي القديمة ثم بني عليها المسجد، فالواجب هدمه وإزالته؛ لأنه هو المحدث، كما نص على ذلك أهل العلم؛ حسما لأسباب الشرك وسدا لذرائعه. والله ولي التوفيق. [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ ابن باز رحمه الله (10 / 246) . الحديث: 21394 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 843 حكم القومية العربية، وحكم الانتقاص من النبي صلى الله عليه وسلم [السُّؤَالُ] ـ[هل يرتد من سئل " أيهما أفضل عندك نبيك صلى الله عليه وسلم أم لغتك؟ " فأجاب: " لغتي "! ؟ وهل يرتد إن قال ذلك مازحا أو جاهلا؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لسنا ندري حقيقة المقارنة والمفاضلة بين " حسي " و " معنوي "، فكيف يقول المجيب إن " اللغة " – وهي شيء معنوي، ليس بذات – أفضل من النبي صلى الله عليه وسلم – وهو شيء حسي، له ذات -؟ . وعندما تأملنا وجدنا أن الأمر قد يحتمل صورتين، واحدة تتعلق بالسائل، وأخرى تتعلق بالمجيب. أما التي تتعلق بالمجيب: فهو أنه يحتمل أن " اللغة " تعني: القومية العربية - والظاهر أنهم عرب، وأن الكلام عن اللغة العربية -، وأن النبي صلى الله عليه وسلم يعني " الإسلام "، وهذا الاحتمال يجعل المقارنة والمفاضلة بين شيئين يمكن السؤال والإجابة عنهما. وأما التي تتعلق بالسائل: فهو أن يكون أراد أن يستفز السائل بالإنكار عليه في تعظيم " لغته " بذِكر شيء معظَّم عند المسلمين، وهو النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله إن كانت لغته أعظم من النبي صلى الله عليه وسلم. ثانياً: إن كان الاحتمال الأول هو الصواب: فإن المجيب وقع في الكفر، فالقومية العربية دعوى جاهلية تحمل الكفر، وتطعن في التشريعات الإسلامية، وتفرِّق بين المسلمين، وتجمع بينهم وبين غير المسلمين على أساس اللغة العربية، فالعربي الكافر عندهم أقرب لهم وأحب من المسلم الأعجمي! وهذا كفر صريح بالإسلام وتشريعاته. قال شاعر القومية: فخري البارودي: بلادُ العرب أوطاني من الشام لبغدانِ ومن نجدٍ إلى يَمَنٍ إلى مصرَ فتَطوان فلا حدٌّ يُباعدنا ولا دينٌ يُفرِّقنا لسانُ الضاد يجمعنا بغسّانٍ وعدنانِ سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -: ما رأيكم في الدعوة إلى القومية التي تعتقد أن الانتساب إلى العنصر، أو اللغة مقدَّم على الانتساب إلى الدين , وهذه الجماعات تدعي أنها لا تعادي الدين ولكنها تقدم القومية عليه، ما رأيكم في هذه الدعوى؟ . فأجاب: هذه دعوة جاهلية، لا يجوز الانتساب إليها، ولا تشجيع القائمين بها , بل يجب القضاء عليها؛ لأن الشريعة الإسلامية جاءت بمحاربتها والتنفير منها , وتفنيد شبههم ومزاعمهم والرد عليها بما يوضح الحقيقة لطالبها؛ لأن الإسلام وحده هو الذي يخلد العروبة لغة، وأدباً، وخلقاً , وأن التنكر لهذا الدين معناه القضاء الحقيقي على العروبة في لغتها، وأدبها، وخلقها , ولذلك يجب على الدعاة أن يستميتوا في إبراز الدعوة إلى الإسلام بقدر ما يستميت الاستعمار في إخفائه. ومن المعلوم من دين الإسلام بالضرورة أن الدعوة إلى القومية العربية أو غيرها من القوميات دعوة باطلة، وخطأ عظيم، ومنكر ظاهر، وجاهلية نكراء، وكيد للإسلام وأهله , وذلك لوجوه قد أوضحناها في كتاب مستقل سميته: " نقد القومية العربية على ضوء الإسلام والواقع ". " فتاوى الشيخ ابن باز " (4 / 173) . والكتاب موجود بكامله في " فتاوى الشيخ ابن باز " (1 / 280 – 318) . وقال الشيخ – رحمه الله – أيضاً: إن من أعظم الظلم، وأسفه السفه , أن يقارن بين الإسلام وبين القومية العربية , وهل للقومية المجردة من الإسلام من المزايا ما تستحق به أن تجعل في صف الإسلام , وأن يقارن بينها وبينه؟ لا شك أن هذا من أعظم الهضم للإسلام، والتنكر لمبادئه، وتعاليمه الرشيدة , وكيف يليق في عقل عاقل أن يقارن بين قومية لو كان أبو جهل , وعتبة بن ربيعة , وشيبة بن ربيعة وأضرابهم من أعداء الإسلام أحياء لكانوا هم صناديدها وأعظم دعاتها , وبين دين كريم صالح لكل زمان ومكان , دعاته وأنصاره هم: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر الصديق , وعمر ابن الخطاب , وعثمان بن عفان , وعلي بن أبي طالب , وغيرهم من الصحابة، صناديد الإسلام، وحماته الأبطال , ومن سلك سبيلهم من الأخيار؟ لا يستسيغ المقارنة بين قومية هذا شأنها , وهؤلاء رجالها، وبين دين هذا شأنه، وهؤلاء أنصاره ودعاته , إلا مصاب في عقله , أو مقلد أعمى , أو عدو لدود للإسلام، ومن جاء به، وما مثل هؤلاء في هذه المقارنة إلا مثل من قارن بين البعر والدر , أو بين الرسل والشياطين , ومن تأمل هذا المقام من ذوي البصائر , وسبر الحقائق والنتائج: ظهر له أن المقارنة بين القومية والإسلام: أخطر على الإسلام من المقارنة بين ما ذكر آنفا، ثم كيف تصح المقارنة بين قومية غاية من مات عليها النار , وبين دين غاية من مات عليه الفوز بجوار الرب الكريم , في دار الكرامة والمقام الأمين؟ . اللهم اهدنا وقومنا سواء السبيل , إنك على كل شيء قدير. " فتاوى الشيخ ابن باز " (1 / 320، 321) . وهذان جوابان نافعان من الشيخ رحمه الله حول المقارنة بين القومية العربية والإسلام، وفي الجواب الثاني حكم من قارن بينهما، وفيه ذكر أنه " مصابٌ في عقله "، أو " مقلِّد أعمى "، أو " عدو لدود للإسلام ". فمن كان يهل حال القومية: فقد يكون معذوراً، ومن جهل حال الإسلام واعتقد أن غيره من الأديان والنظم والمبادئ خير منه: فلا شك في كفره. ثالثاً: وإن كان الاحتمال الثاني هو الواقع: فإن السائل يكون أساء في ذِكر النبي صلى الله عليه وسلم في المفاضلة، والمجيب قد أساء أكثر بإجابته السخيفة، والتي هي كفر في ذاتها؛ لأن فيها انتقاصاً من النبي صلى الله عليه وسلم، وإساءة له. والواجب على المسلم أن يعظِّم نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن ينصره، ويؤيده، وأن يمنعه من كل ما يؤذيه، كما يجب عليه توقيره وتكريمه، والله تعالى ذكر ذلك أنه من صفات المؤمنين، وذكره ثانياً آمراً به المسلمين. قال تعالى: (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الأعراف/من الآية 157. وقال تعالى: (إنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً ومُبَشِّراً ونَذِيراً. لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ وتُعَزِّرُوهُ وتُوَقِّرُوهُ وتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وأَصِيلاً) الفتح/ 8، 9. قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: ومن ذلك: أن الله أمر بتعزيره فقال: (وتعزِّروه وتوقروه) الفتح/ 9، والتعزير: اسم جامع لنصره، وتأييده، ومنعه من كل ما يؤذيه. والتوقير: اسم جامع لكل ما فيه سكينة، وطمأنينة، من الإجلال والإكرام، وأن يعامَل من التشريف، والتكريم، والتعظيم بما يصونه عن كل ما يخرجه عن حدِّ الوقار. " الصارم المسلول " (1 / 425) . وليس تعظيمه وتوقيره مختصاً بحياته صلى الله عليه وسلم، بل وبعد مماته. قال القاضي عياض – رحمه الله -: واعلم أن حرمة النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته، وتوقيره، وتعظيمه: لازم، كما كان حال حياته، وذلك عند ذكره صلى الله عليه وسلم، وذكر حديثه، وسنته، وسماع اسمه، وسيرته، ومعاملة آله، وعترته، وتعظيم أهل بيته، وصحابته. " الشفا في أحوال المصطفى " (2 / 40) . وقد نهى الله تبارك وتعالى المسلمين أن ينادوا النبي صلى الله عليه وسلم باسمه المجرد كما يفعلونه مع بعضهم، وهذا من أوجه تعظيمه صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: (لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) النور/63. قال الضحاك عن ابن عباس: كانوا يقولون: يا محمد، يا أبا القاسم، فنهاهم الله عز وجل عن ذلك؛ إعظامًا لنبيه صلوات الله وسلامه عليه، قال: فقالوا: يا رسول الله، يا نبي الله. وهكذا قال مجاهد، وسعيد بن جُبَير. وقال قتادة: أمر الله أن يهاب نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن يُبَجَّل، وأن يعظَّم، وأن يسوَّد. وقال مقاتل بن حَيَّان: لا تُسَمّوه إذا دَعَوتموه: يا محمد، ولا تقولوا: يا ابن عبد الله، ولكن شَرّفوه فقولوا: يا نبي الله، يا رسول الله. وقال مالك عن زيد بن أسلم: أمرهم الله أن يشرِّفوه. هذا قول، وهو الظاهر من السياق، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا) البقرة/104، وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) إلى قوله: (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ) الحجرات/2-5. فهذا كله من باب الأدب في مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم، والكلام معه، وعنده، كما أمروا بتقديم الصدقة قبل مناجاته. " تفسير ابن كثير " (6 / 88، 89) . وقد توعَّد الله تعالى مَن رفع صوته على نبيه بذهاب عمله وبطلانه. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) الحجرات/2. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -: وهذا أدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطابه، أي: لا يرفع المخاطِب له صوته معه فوق صوته، ولا يجهر له بالقول، بل يغض الصوت، ويخاطبه بأدب ولين، وتعظيم وتكريم، وإجلال وإعظام، ولا يكون الرسول كأحدهم، بل يميزوه في خطابهم، كما تميز عن غيره في وجوب حقه على الأمة، ووجوب الإيمان به، والحب الذي لا يتم الإيمان إلا به، فإن في عدم القيام بذلك محذوراً، وخشية أن يحبط عمل العبد وهو لا يشعر، كما أن الأدب معه من أسباب حصول الثواب، وقبول الأعمال. " تفسير السعدي " (ص 799) . وقد أجمع أهل العلم على وجوب قتل من سبَّ الرسول صلى الله عليه وسلم، أو عابه، أو انتقص من قدره صلى الله عليه وسلم، سواء بالتصريح أو الإشارة. قال القاضي عِياض – رحمه الله -: اعلم وفقنا الله وإياك أن جميع مَن سَبَّ النبي صلى الله عليه وسلم، أو عابه، أو ألحق به نقصاً في نفسه، أو نسَبِه، أو دينه، أو خَصْلة من خصاله، أو عَرَّض به، أو شَبَّهه بشيء على طريق السبِّ له، أو الازدراء عليه، أو التصغير لشأنه، أو الغض منه، أو العيب له: فهو سابٌّ له، والحكم فيه حكم السابِّ، يقتل، وكذلك يُعاقَب بالقتل مَن لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو دعا عليه، أو تَمنَّى مَضَرَّة له، أو نسَب إليه ما لا يَليق بمَنْصِبِه على طريق الذم، أو عبث في جهته العزيزة بسَخَف من الكلام، وهَجْر، ومُنْكَر من القول وزور، أو عَيَّره بشيء جرى له من البلاء والمِحْنة، أو نَقَصَ من قَدْره ببعض العوارض البشرية الجائزة والمعهودة لديه. وقد انعقد على هذا إجماع العلماء، وأئمة الفتوى، من لَدُنْ صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى يومنا، وإلى أن يَرِثَ الله الأرضَ ومن عليها. " الشفا بتعريف حقوق المصطفى " (2 / 214) . رابعاً: الأقوال والأفعال التي تخرج صاحبها من الإسلام يستوي فيها حكم الجاد والمازح والمستهزئ. قال الله تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ) التوبة:65-66 قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وهذا نص في أن الاستهزاء بالله وبآياته وبرسوله كفر فالسب المقصود بطريق الأولى وقد دلت هذه الآية على أن كل من تنقص رسول الله صلى الله عليه وسلم جادا أو هازلا فقد كفر " " الصارم المسلول" (1/37) فانصح – أيها السائل الكريم – هذا الرجل، وخوفه من الله عز وجل، وبين له شناعة ما قال، وان دين الله تعالى ليس محلاً للجدال والخصام، أو السخرية والاستهزاء، وأعلمه ما يجب عليه من التوبة الصادقة إلى الله عز وجل، والندم على ما بدر منه والاستكثار من الخيرات، عسى الله أن يهديه ويعفو عنه. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97732 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 844 التحاكم إلى المحاكم الوضعية عند الاضطرار [السُّؤَالُ] ـ[هل الاحتكام إلى القوانين أو العمل بها حرام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الاحتكام إلى القوانين الوضعية المخالفة للشريعة لا يجوز، وكذلك العمل بها وتطبيقها بين الناس؛ لقوله تعالى: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) المائدة/49، 50. وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً. أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا) النساء/60، 61، وقوله تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) النساء/65. إلى غير ذلك من الآيات التي توجب تحكيم ما أنزل الله، وتمنع من تحكيم ما خالفه. لكن من اضطر إلى التحاكم إلى القوانين الوضعية، لدفع ظلم أو استرداد حق، جاز له ذلك بشروط: الأول: ألا يمكنه الوصول إلى حقه إلا بهذا الطريق. الثاني: أن يكون كارها مبغضا لهذا التحاكم. الثالث: ألا يأخذ أكثر من حقه، ولو قضى به القانون. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما حكم تحكيم القضاء الأمريكي في النزاع بين المسلمين، أمور الطلاق والتجارة وغيرها من الأمور؟ فأجابوا: "لا يجوز للمسلم التحاكم إلى المحاكم الوضعية إلا عند الضرورة إذا لم توجد محاكم شرعية، وإذا قضي له بغير حق له فلا يحل له أخذه " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (23/502) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم عمل المسلم الذي يدرس القانون الوضعي؛ ثم يفتح مكتباً للمحاماة ويقف مرافعاً أمام المحاكم المدنية لإدارات الشركات؟ وما حكم ما يجمعه من مال؟ فأجاب: "وضع القوانين المخالفة للشرع مكان الشرع كفر؛ لأنه رفع للشرع ووضع للطاغوت بدله، وهذا يدخل في قوله عز وجل: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) المائدة/44. .... وأما تعلم الإنسان للقوانين الوضعية، إذا كان يتعلمها من أجل أن يدفع الباطل بالحق؛ فهذا لا بأس به، وإذا كان يتعلمها من أجل أن يتبع ما فيها من القوانين المخالفة للشرع؛ فهذا حرام. وفي هذا نقول: حتى المحاماة في بلد تحكم الشريعة فيه نقول: إذا كان المحامي يريد إيصال الحق إلى أهله؛ فلا بأس أن يمارس هذه المهنة، وإن كان يريد أن يغلب الناس في قوله ومحاماته بالحق أو بالباطل؛ فهذا حرام " انتهى باختصار من "لقاء الباب المفتوح" (33/6) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 92650 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 845 هل المجاهرة بالمعصية من الكفر المخرج من الملة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل من الكفر اقتراف الذنب جهاراً، وتحدثنا عن فعل المعصية كمشاهدة الأفلام أو استماع الأغاني؟ وهل هذا الحكم ينطبق على صغائر الذنوب وكبائرها؟ . أرجو أن تهتم بهذا السؤال لأن عدداً من الإخوة والأخوات الحديثي الإسلام يواجهون هذه المشكلة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله مما لا شك فيه أن المجاهرة بالمعاصي والكبائر ذنبٌ فوق الذنب، وقد تؤدي بصاحبها إلى الكفر في حال المجاهرة بها استهانة بتحريمها وافتخاراً بفعلها، ولا فرق بين الصغائر والكبائر في هذا الحكم. عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه ". رواه البخاري (5721) ومسلم (2990) . قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هناك قسم ثالث فاسق مارد ماجن، يتحدث بالزنى افتخاراً والعياذ بالله، يقول: إنه سافر إلى البلد الفلاني، وإلى البلد الفلاني، وفجر وفعل وزنى بعدة نساء، وما أشبه ذلك، يفتخر بهذا. هذا يجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل؛ لأن الذي يفتخر بالزنى مقتضى حاله أنه استحل الزنى والعياذ بالله، ومن استحل الزنى فهو كافر. " شرح رياض الصالحين " (1 / 116) . ولا شك أن المعاصي درجات والإثم يتفاوت فيها بحسب حال العاصي أثناء المعصية وحاله بعدها، فليس المتخفي بمعصيته المستتر بها كالمجاهر، وليس النادم بعدها كالمفتخر بها. قال ابن القيم: وبالجملة فمراتب الفاحشة متفاوتة بحسب مفاسدها، فالمتخذ خدناً من النساء والمتخذة خدناً من الرجال أقل شرّاً من المسافح والمسافحة مع كل أحدٍ، والمستخفي بما يرتكبه أقل إثماً من المجاهر المستعلن، والكاتم له أقل إثماً من المخبِر المحدِّث للناس به، فهذا بعيد من عافية الله تعالى وعفوه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " كل أمتي معافى إلا المجاهرين ... ". " إغاثة اللهفان " (2 / 147) . الخدن والخدنة: العشيق والعشيقة. والأصل: أن يُعقب المسلمُ ذنبه بتوبة واستغفار وندم وعزم على عدم العوْد لها، لا أن يُعقبها بافتخار ومجاهرة وحديث بها. روى أحمد (8792) والترمذي (3334) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ، فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صُقِلَ قَلْبُهُ، وَإِنْ زَادَ زَادَتْ حَتَّى يَعْلُوَ قَلْبَهُ، فَذَاكَ الرَّيْنُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقُرْآنِ [كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ] ) . حسنه الألباني في صحيح الترمذي (2654) . بقي هناك مسألة ذكرتها في سؤالك وهي حصول المجاهرة من حديثي الإسلام، وهؤلاء لا زالوا يجهلون شرائع الإسلام، فهم يُعذرون إن كانوا يجهلون الأحكام الشرعية، ولكنهم يٌعلّمون. فاحرص على إرشادهم، وعرض هذا الجواب عليهم. وفقنا الله لما يحب ويرضى والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20642 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 846 الشرك الأصغر هل يدخل تحت المشيئة [السُّؤَالُ] ـ[لي زميل في العمل وأثناء الحديث معه أخبرنا بأن لديه حجابا أخذه من ناس يقولون إنهم شيوخ معالجون من نفس المنطقة يقول مكتوب به آية الكرسي ووضعه في جلد ويربطه على وسطه فدار بيننا حوار أنا وهو ومجوعة من الزملاء وناصحناه بحرق الكتاب أو أن يأتي به لأحد الأشخاص الموثوقين لفكه والنفث عليه فرفض بحجة أنهم شيوخ وأن هذا الشيء ما يقدر يطلع عليه أحد وأنه مفيد فما كان مني إلا أن قلت له من باب تخويفه بالله (والله لو مت وهو معك لتدخل النار) وبصراحة بعدما قلتها ندمت وخفت أن الله يحبط عملي مثل الرجل الذي قال لأحد العصاة والله لا يغفر الله لك فقال الله تعالى (من ذا الذي يتألى علي فقد غفرت له وأحبطت عملك) وأنا الآن خائف من هذا الشيء أرجو إفادتي بماذا يجب علي فعله جزاكم الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا يجوز تعليق التمائم ولو كانت من القرآن الكريم، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَلَا أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدَعَةً فَلَا وَدَعَ اللَّهُ لَهُ) رواه أحمد (17440) وحسنه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند. وقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ) والحديث صححه الألباني في صحيح الجامع. والتمائم إذا كانت من القرآن، فهي مما اختلف فيه العلماء، والراجح المنع، لعموم الأدلة، وسدا للذريعة، ولما في ذلك من الامتهان غالبا، إذا هذه التميمة ينام بها صاحبها، ويدخل بها الخلاء، ونحو ذلك. جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/212) : " اتفق العلماء على تحريم لبس التمائم إذا كانت من غير القرآن، واختلفوا إذا كانت من القرآن، فمنهم من أجاز لبسها ومنهم من منعها، والقول بالنهي أرجح لعموم الأحاديث ولسدِّ الذريعة " انتهى. وقد سبق تفصيل ذلك في السؤال (10543) . وهذا كله إذا سلمنا أن الحجاب المسئول عنه ليس فيه إلا آية الكرسي أو نحوها من كلام الله عز وجل، وإلا فقد يكون فيه سحر وكفر، والعجيب أن السحرة يضعون كلام الله تعالى مع كفرهم وباطلهم، حتى يروج إفكهم، وينخدع الناس بهم. وربما يظهر من حرص زميلك على ألا يطلع على الحجاب أحد، وما رد عليكم حينما طلبتم الحجاب للاطلاع على ما فيه، أو القراءة عليه، ربما يظهر من ذلك أن صاحبك إما جاهل بما في الحجاب حقيقة، أو أنه يعلم أنه الحجاب ليس خالصا لكلام الله عز وجل. وعليه فالواجب نصح زميلك هذا، وتحذيره من تعليق ما لا يعلم بداخله، بل من تعليق التمائم كلها. وقوله: إنه ما يقدر أحد أن يطلع عليه، ليس صحيحا، بل هذا من دجل السحرة والمشعوذين وتخويهم للناس حتى لا يطلع على ما في تمائمهم من أسماء الشياطين، أو الكتابة التي لا معنى لها. ثانيا: وأما قولك: (والله لو مت وهو معك لتدخل النار) فإن كان مرادك أن من فعل ذلك فهو مستحق للنار، بحسب ما بلغك من نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ووعيده لمن فعله بالنار، مع علمك بأننا لا نقطع لأحد ـ على وجه التعيين ـ بجنة ولا نار، إلا بنص من الوحي، وأن عصاة الموحدين في مشيئة الله تعالى، إن شاء عذبهم، وإن شاء عفا عنهم؛ إن كان هذا مرادك، فلا حرج عليك فيه إن شاء الله. وهكذا إن كنت تريد أن تهدده بعاقبة من يتهاون في مثل ذلك، ويصر على فعله، فلا حرج عليك فيه إن شاء الله. وفي مسند الإمام أحمد (19498) عَنِ الْحَسَنِ قَالَ أَخْبَرَنِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْصَرَ عَلَى عَضُدِ رَجُلٍ حَلْقَةً أُرَاهُ قَالَ مِنْ صُفْرٍ فَقَالَ: (وَيْحَكَ مَا هَذِهِ قَالَ مِنْ الْوَاهِنَةِ قَالَ أَمَا إِنَّهَا لَا تَزِيدُكَ إِلَّا وَهْنًا انْبِذْهَا عَنْكَ فَإِنَّكَ لَوْ مِتَّ وَهِيَ عَلَيْكَ مَا أَفْلَحْتَ أَبَدًا) [ضعفه الألباني في الضعيفة 1029] . وفي سنن أبي داود (4669) عَنْ ابْنِ الدَّيْلَمِيِّ قَالَ: (أَتَيْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ فَقُلْتُ لَهُ وَقَعَ فِي نَفْسِي شَيْءٌ مِنْ الْقَدَرِ فَحَدِّثْنِي بِشَيْءٍ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُذْهِبَهُ مِنْ قَلْبِي قَالَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ عَذَّبَ أَهْلَ سَمَاوَاتِهِ وَأَهْلَ أَرْضِهِ عَذَّبَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ وَلَوْ رَحِمَهُمْ كَانَتْ رَحْمَتُهُ خَيْرًا لَهُمْ مِنْ أَعْمَالِهِمْ وَلَوْ أَنْفَقْتَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا قَبِلَهُ اللَّهُ مِنْكَ حَتَّى تُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ وَتَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ وَأَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ وَلَوْ مُتَّ عَلَى غَيْرِ هَذَا لَدَخَلْتَ النَّارَ قَالَ ثُمَّ أَتَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ ثُمَّ أَتَيْتُ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ ثُمَّ أَتَيْتُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَحَدَّثَنِي عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ) صححه الألباني في صحيح الجامع (5244) . قال القاري في قوله: (.. لدخلت النار) : يحتمل الوعيد ويحتمل التهديد!! انتهى من تحفة الأحوذي. وأما إن كان مرادك القطع على هذا الشخص المعين بأنه من أهل النار لأجل فعله هذا، فهذا خطأ منك؛ فنحن لا نشهد لمعين بجنة ولا نار، إلا من شهد له النص بذلك. تنبيه: تعليق التميمة قد يكون شركا أصغر، وقد يكون أكبر بحسب حال مستعملها، فإن اعتقد أنها تنتفع وتضر بذاتها، فهذا شرك أكبر، وإن اعتقد أنها سبب، فهذا شرك أصغر؛ لأنه جعل ما ليس سببا سببا، والشرك الأصغر إن مات عليه صاحبه دون توبة، فهل يدخل تحت المشيئة، أم لا يغفر كالأكبر، قولان لأهل العلم. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " هل قوله تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به) يشمل الشرك الأصغر؟ فأجاب قائلا: اختلف في ذلك أهل العلم: فمنهم من قال: يشمل كل شرك ولو كان أصغر كالحلف بغير الله فإن الله لا يغفره، وأما بالنسبة لكبائر الذنوب كالخمر والزنى فإنها تحت المشيئة إن شاء الله غفرها وإن شاء أخذ بها. وشيخ الإسلام اختلف كلامه، فمرة قال: الشرك لا يغفره الله ولو كان أصغر، ومرة قال: الذي لا يغفره الله هو الشرك الأكبر. وعلى كل حال يجب الحذر من الشرك مطلقا؛ لأن العموم يحتمل أن يكون داخلا فيه الأصغر لأن قوله: (أَن يُشْرَكَ بِهِ) أن وما بعدها في تأويل مصدر تقديره " إشراكا به " فهو نكرة في سياق النفي فتفيد العموم " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله" (2/203) . وأما ما يلزمك فهو التوبة إلى الله تعالى من تساهلك في مثل هذه الإطلاقات، وعدم العودة إلى ذلك مستقبلا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 91763 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 847 لبس الذهب المنقوش عليه آية الكرسي أو على شكل عين أو كف [السُّؤَالُ] ـ[الكثير من الناس يهدي قطعاً ذهبية كتب عليها آية الكرسي أو الله أو الله جل جلاله، وقسم آخر على شكل كف أو عين أو قلب أو تحتوي على خرزة زرقاء. السؤال: أيها محرم ولماذا؟ ماذا يصنع المسلم إذا أهدي بمثل هذه القطع؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا يشرع كتابة آية الكرسي أو اسم الجلالة، على ما يلبس من الذهب، لما في ذلك من الامتهان. وقد يكون فيه مضاهاة لليهود والنصارى في تعليقهم ما يعظمونه من الصليب ونحوه. وقد وردت رخصة في كتابة الاسم على الخاتم ولو كان متضمنا لاسم الله تعالى، كعبد الله وعبد الرحمن، وكذلك لا حرج في كتابة جملة مفيدة على الخاتم ولو كانت متضمنة اسم الله تعالى، نحو: الحمد لله، توكلت على الله ...... وقد ورد كثير من ذلك عن الصحابة والتابعين، سبق ذكر بعض أمثلته في جواب السؤال رقم (68805) . وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: يوجد لدينا قلوب عليها لفظ الجلالة، ويأخذها عرب وأجانب من كل جنس، وقد نقول للعرب: يحرم دخولها إلى بيت الخلاء. أفيدونا عن حكم بيعها. فأجابت: " بيع الحلي المكتوب عليها لفظ الجلالة لا يجوز، إلا إذا رفعت منه. وسبق أن ورد إلى اللجنة سؤال مماثل لهذا السؤال أجابت عنه بالفتوى رقم (2077) الآتي نصها: نرفق لفضيلتكم مع خطابنا حلية ذهبية مكتوب عليها لفظ الجلالة (الله) وهذه الحلية تستعملها نساؤنا نحن المسلمين، حلية وزينة فقط، ومن مدة أشعرنا الإخوان في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأن استعمال هذه الحلية حرام، حيث إنه مكتوب عليها لفظ الجلالة، ونحيطكم علما بأن هذه الحلية لا يستعملها إلا المسلمون تبرجا وزينة، ومخالفةً لنساء النصارى واليهود، حيث إن النصارى يلبسون حلية مرسوم عليها الصليب وصور الأصنام، واليهود يلبسون حلية رسمت عليها نجمة داود. فنأمل من فضيلتكم النظر في موضوعها. وأجابت بما يلي: نظرا لأن هذه الحلية كتب عليها لفظ الجلالة لغرض تعليق نساء المسلمين لها على الصدر، كما يعلق النصارى حلية رسم عليها الصليب، ونساء اليهود حلية رسمت عليها نجمة داود، ونظرا لأن ما فيه اسم الله قد يعلق للتعلق به في دفع ضر أو جلب نفع، وقد يعلق لغير ذلك، ويفضي تعليقه إلى امتهانه، كأن ينام عليه، أو يدخل به في أماكن يكره دخولها بشيء فيه كلام الله أو كتب عليه اسم الله؛ ترى اللجنة أنه لا يجوز استعمال هذه الحلية التي كتب عليها اسم الجلالة؛ ابتعادا عن التشبه بالنصارى واليهود الذين نهي المسلمون عن التشبه بهم، وسدا للذريعة، وحفاظا على اسم الله من الامتهان، ولعموم النهي عن تعليق التمائم " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/473) . ثانيا: لا حرج في لبس الذهب إذا كان على شكل قلب، أما إذا كان على شكل كف أو عين أو يحتوي على خرزة زرقاء، فإنه لا ينبغي لبسه، لأنهم يلبسون هذه الأشياء ويعلقونها معتقدين أنها تدفع العين أو تجلب الحظ، حتى لو لم يقصد المسلم بلبسها هذا الاعتقاد الفاسد فلا ينبغي له لبسها أيضاً، لأنه بذلك يتشبه بمن يلبسها لهذا السبب، وقد يكون ذلك سببا لإساءة الناس الظن فيه، حيث يظنون أنه يلبسها لدفع العين، فلا يجوز لبسها حينئذ، وهذا يدخل في تعليق التمائم المنهي عنه. وقد روى أحمد (17458) عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ َقَالَ: (مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ) صححه الألباني في صحيح الجامع. وروى أحمد أيضا (17440) عن عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَلا أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ، وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدَعَةً فَلا وَدَعَ اللَّهُ لَهُ) والحديث حسنه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند. والتميمة: ما علق لدفع العين والوقاية من الآفات. قال الخطابي رحمه الله: " التميمة يقال إنها خرزة كانوا يعلقونها يرون أنها تدفع الآفات ". وقال البغوي رحمه الله: " التمائم: جمع تميمة وهي خرزات كانت العرب تعلقها على أولادهم يتقون بها العين بزعمهم فأبطلها الشرع " انظر: "التعريفات الاعتقادية" ص (121) . قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والودعة: واحدة الودع، وهي أحجار تؤخذ من البحر يعلقونها لدفع العين، ويزعمون أن الإنسان إذا علق هذه الودعة لم تصبه العين، أو لا يصيبه الجن. قوله: (لا ودع الله له) ، أي: لا تركه الله في دعة وسكون، وضد الدعة والسكون القلق والألم. وقيل: لا ترك الله له خيرا؛ فعومل بنقيض قصده. وقوله: (فقد أشرك) : هذا الشرك يكون أكبر إن اعتقد أنها ترفع أو تدفع بذاتها دون أمر الله، وإلا؛ فهو أصغر ". انتهى من "القول المفيد شرح كتاب التوحيد" (1/189) . ومن أهدي إليه قطعة من الذهب على هذا الوصف، فإنه لا يلبسها، لكن يبيعها، وينبغي أن يطمس بعض معالمها قبل البيع بحيث لا يمكن لبسها، وإنما تصهر وتصنع من جيد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 91370 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 848 إذا تاب المرتد قبلت توبته [السُّؤَالُ] ـ[أتاني أحد الإخوة في أحد الأيام نادماً خجلاً من نفسه على ما بدر منه من سوء أدب مع الله - وهذا أفضل ما استطاع أن يسميه هو نفسه - حيث أقدم في أحد الأيام في ثورة غضب من خطيبته على سب الله! نسأل الله العفو والعافية، وقد أتاني في وضع يرثى له من الندم، وأخبرني أنه خجل من نفسه، وخجل الآن من أداء صلاته، فهو إنسان - والحمد لله - ملتزم بأمور دينه وشرعه الحنيف. فأرجو من فضيلتكم أن تفيدونا بشأنه بالنصيحة، وبيان الحكم الشرعي لما حدث معه، وكفارة ذلك - إن وجد -.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا شك أن ما فعله صاحبك هو سوء أدب مع ربه عز وجل، فربه تعالى الذي خلقه في أحسن صورة، وهداه للدين الصحيح، وأكرمه بالعقل والسمع والبصر، ثم يسبه ويشتمه؟! إن هذا الأمر لو فُعل مع واحدٍ من الخلق ممن أكرمه بتفاهات الدنيا أو سقط متاعها لعدَّ منقصة له، وسوء أدب، فكيف والأمر مع الله تعالى، ولا مقارنة – أصلاً – بين إكرام الخلق وإكرام الخالق تعالى له؟! . وهذا السب يخرج صاحبه من الإسلام، ويجعله مرتدّاً، وليس بين العلماء خلاف في هذا الحكم. قال ابن قدامة المقدسي - رحمه الله -: ومَن سب الله تعالى: كفر، سواءَ كان مازحاً أو جادّاً، وكذلك من استهزأ بالله تعالى أو بآياته أو برسله أو كتبه، قال تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ) التوبة/65. " المغني " (12 / 298) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: إن سب الله أو سب رسوله كفرٌ ظاهراً وباطناً، سواء كان السابُّ يعتقد أن ذلك محرم، أو كان مستحلا له، أو كان ذاهلاً عن اعتقاده، هذا مذهب الفقهاء، وسائر أهل السنَّة القائلين بأن الإيمان قول وعمل. " الصارم المسلول " (1 / 513) . وفي " الموسوعة الفقهية " (22 / 184) : اتّفق الفقهاء على أنّ من سبّ الله تعالى كفر، سواء كان مازحاً أو جادّاً أو مستهزئاً. وفي (24 / 139) : اتّفق الفقهاء على أنّ من سبّ ملّة الإسلام أو دين المسلمين يكون كافراً. وقال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -: سب الدين من أعظم الكبائر، ومن أعظم المنكرات، وهكذا سب الرب عز وجل، وهذان الأمران من أعظم نواقض الإسلام، ومن أسباب الردة عن الإسلام، فإذا كان مَن سبَّ الرب سبحانه وتعالى أو سب الدين ينتسب إلى الإسلام: فإنه يكون بذلك مرتدّاً عن الإسلام، ويكون كافراً، يستتاب، فإن تاب وإلا قتل من جهة ولي أمر البلد بواسطة المحكمة الشرعية، وقال بعض أهل العلم: إنه لا يستتاب، بل يقتل؛ لأن جريمته عظيمة، ولكن الأرجح أنه يستتاب لعل الله يمنُّ عليه بالهداية فيلزم الحق، ولكن ينبغي أن يعزر بالجلد والسجن حتى لا يعود لمثل هذه الجريمة العظيمة، وهكذا لو سب القرآن أو سب الرسول أو غيره من الأنبياء فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل؛ فإنَّ سبَّ الدين أو سب الرسول أو سب الرب عز وجل من نواقض الإسلام، وهكذا الاستهزاء بالله أو برسوله أو بالجنة أو بالنار أو بأوامر الله كالصلاة والزكاة، فالاستهزاء بشيء من هذه الأمور من نواقض الإسلام، قال الله سبحانه وتعالى: (قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ. لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) التوبة/66،65، نسأل الله العافية. " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (6 / 387) . وقال – رحمه الله -: كلُّ مَن سبَّ الله سبحانه بأي نوع من أنواع السب، أو سب الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم، أو غيره من الرسل بأي نوع من أنواع السب أو سب الإسلام، أو تنقص أو استهزأ بالله أو برسوله صلى الله عليه وسلم: فهو كافر مرتد عن الإسلام إن كان يدَّعي الإسلام، بإجماع المسلمين؛ لقول الله عز وجل: (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) الآية. وقد بسط العلامة الإمام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله الأدلة في هذه المسألة في كتابه " الصارم المسلول على شاتم الرسول "، فمن أراد الوقوف على الكثير من الأدلة في ذلك فليراجع هذا الكتاب لعظم فائدته ولجلالة مؤلفه، واتساع علمه بالأدلة الشرعية رحمه الله. " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (7 / 77، 87) . وفي جواب السؤال رقم (42505) تجد فتوى الشيخ العثيمين في حكم سب الله ورسوله وسب الدين. ثانياً: ومع عِظم الذنب الذي فعله صاحبك، ومع شدة ما يترتب عليه من أحكام إلا أن الله تعالى قد فتح باب التوبة لمن رغب بالرجوع عن ذنبه، وأراد أن يتوب ويستغفر، ولا ينبغي له أن يستبعد عفو الله تعالى ومغفرته، وودَّ الشيطان لو ظفر بهذا من العاصي والمرتد. نعم، يجب أن يندم وأن يؤرقه ذنبه، لكن لا ينبغي أن يجعل بينه وبين الله تعالى حائلا يمنعه من التوبة والاستغفار. قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر/53. وعَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا) . رواه مسلم (2759) . قال ابن رجب الحنبلي – رحمه الله -: قيل للحسن – أي: البصري -: ألا يستحيى أحدنا من ربه يستغفر من ذنوبه ثم يعود، ثم يستغفر ثم يعود؟ فقال: ودَّ الشيطان لو ظفر منكم بهذا، فلا تملوا من الاستغفار. وروي عنه أنه قال: ما أرى هذا إلا من أخلاق المؤمنين - يعني: أن المؤمن كلما أذنب: تاب -. " جامع العلوم والحكم " (1 / 165) . فالنصيحة له بالتوبة والندم على ما فعل، والإكثار من الأعمال الصالحة، وليحرص أن يكون حاله بعد التوبة خيرا من حاله قبل ارتكاب هذه المعصية الكبيرة، والله تعالى يتوب على من تاب. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 91408 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 849 يزعم أنه يطوف بالكعبة في منامه ويخبرهم بأمور مستقبلة [السُّؤَالُ] ـ[أنا تعرفت على شخص قال لي إنه أتاه في المنام جن مسلم وقال إنه طاف به في مكة المكرمة وسقاه من ماء زمزم وزار به قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقال هذا كله حدث في نفس الليلة وإلى الآن مازال يقول إنه يطوف به في مكة ويزور به قبر النبي وهذا الرجل أخبرني بأشياء مستقبلية وتحققت بعض هذه الأشياء فعلا ولقد افتتن أخي بهذا الرجل وقد صدقه في كل ما قال وأنا لا أملك العلم الشرعي الذي أستطيع أن أبطل به ادعاءات هذا الرجل فكيف أتخلص منه؟ وأقنع أخي بأن هذا الرجل كاذب فيما قال؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: كون هذا الرجل رأى في منامه أن جنا مسلما طاف به في مكة وزار قبر النبي صلى الله عليه وسلم، لا إشكال فيه ولا غرابة، فإن الإنسان قد يرى في منامه ما هو مثل ذلك أو أعظم، كأن يرى نفسه في الجنة، أو صعد السماء ثم هبط، ونحو ذلك، مما لا يمكن حدوثه في الواقع. وهذا إن صدق في رؤياه، وإلا فإن بعض الدجالين يكذبون ويخدعون الناس بهذه الرؤى المكذوبة. ثانيا: كونه يخبر بأمور مستقبلية، يدل على أنه أحد الكهان، الذين يلجأون إلى التعامل مع الجن، وعن طريقهم يعرفون بعض المغيبات، كما في الحديث الذي رواه البخاري (4701) ومسلم (2228) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا قَضَى اللَّهُ الأَمْرَ فِي السَّمَاءِ ضَرَبَتْ الْمَلائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ كَالسِّلْسِلَةِ عَلَى صَفْوَانٍ يَنْفُذُهُمْ ذَلِكَ فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا لِلَّذِي قَالَ الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ فَيَسْمَعُهَا مُسْتَرِقُو السَّمْعِ وَمُسْتَرِقُو السَّمْعِ هَكَذَا وَاحِدٌ فَوْقَ آخَرَ وَوَصَفَ سُفْيَانُ [أحد رواة الحديث] بِيَدِهِ وَفَرَّجَ بَيْنَ أَصَابِعِ يَدِهِ الْيُمْنَى نَصَبَهَا بَعْضَهَا فَوْقَ بَعْضٍ فَرُبَّمَا أَدْرَكَ الشِّهَابُ الْمُسْتَمِعَ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ بِهَا إِلَى صَاحِبِهِ فَيُحْرِقَهُ وَرُبَّمَا لَمْ يُدْرِكْهُ حَتَّى يَرْمِيَ بِهَا إِلَى الَّذِي يَلِيهِ إِلَى الَّذِي هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ حَتَّى يُلْقُوهَا إِلَى الأَرْضِ وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى الأَرْضِ فَتُلْقَى عَلَى فَمْ السَّاحِرِ فَيَكْذِبُ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ فَيُصَدَّقُ فَيَقُولُونَ أَلَمْ يُخْبِرْنَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا يَكُونُ كَذَا وَكَذَا فَوَجَدْنَاهُ حَقًّا لِلْكَلِمَةِ الَّتِي سُمِعَتْ مِنْ السَّمَاءِ) . وروى البخاري (7561) ومسلم (2228) عن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت: سَأَلَ أُنَاسٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْكُهَّانِ فَقَالَ: إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِشَيْءٍ. فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ بِالشَّيْءِ يَكُونُ حَقًّا. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنْ الْحَقِّ يَخْطَفُهَا الْجِنِّيُّ فَيُقَرْقِرُهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ كَقَرْقَرَةِ الدَّجَاجَةِ، فَيَخْلِطُونَ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ كَذْبَةٍ) . وهذا الرجل إن ادعى علم الغيب فهو كافر، والحذر الحذر من إتيانه، فإن إتيان هؤلاء وتصديقهم محرم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) رواه مسلم (2230) . هذا إذا أتاه وسأله ولم يصدقه، أما إذا صدقه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم) رواه أحمد (9532) والحاكم (15) وصححه الألباني في صحيح الجامع. وبهذا يتبين تحريم إتيان الكهان وتصديقهم فيما يقولون. فانصح أخاك، وبيّن له ذلك، وحذره من مصاحبة هذا الرجل أو تصديقه. نسأل الله أن يحفظنا وإياكم من كل شر وفتنة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 91525 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 850 تعليق المعلقات المحتوية على خرز أزرق [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم تعليق المعلقات التى تحتوى على خرز أزرق مع القرآن مع التأكيد والعلم بأنها لا تحمي من الحسد، وأن الله سبحانه وتعالى هو الحفيظ الوحيد، أريد أن أعلم هل مجرد تعليقها في المنزل حرام حتى للزينة فقط؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: تعليق القرآن على الجدران، لا ينبغي، وفيه عدة محاذير، سبق بيانها في جواب السؤال رقم (254) . ثانيا: تعليق المعلقات التي تحتوي على خرز أزرق، لأجل الزينة، لا حرج فيه، ما لم يتضمن اعتقادا فاسدا كاعتقاد أنها تجلب الحظ أو تدفع العين، وانظر الجواب رقم (10543) . ومع ذلك فالأولى بلا شك عدم تعليقها، لأن أكثر الناس إنما يعلقونها بزعم أنها تدفع العين، أو تحمي من الحسد، فتعليقها فيه مشابهة لهؤلاء، وقد يظن به بعض الناس سوءً إذا رأى هذه الخرزات فيظن أنه علقها من أجل رفع العين، وقد يقتدي به بعض الناس في ذلك، والحاصل: أن تعليقها فيه جملة من المحاذير، فالأولى عدم تعليقها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 89893 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 851 التحاكم إلى القاضي الكافر أو إمام عاقل وليس بعالم [السُّؤَالُ] ـ[في المدينة التي نعيش فيها في بلاد الغرب لا توجد محكمة إسلامية ولا مركز إسلامي يمكن اللجوء إليه للحكم أو فض المنازعات ولدينا مركز إسلامي للدعوة لكن لا يوجد فيه مدير أو شخص يلجأ إليه في فضّ النزاعات فهل إسقاط الزوجة لحق الحضانة عند القاضي الكافر يعتبر ملزما لها؟ وهل تقرير القاضي الكافر لنفقة الأولاد على أبيهم إذا كانوا عند أمهم يعتبر ملزما له؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فاجاب حفظه الله: أولا - بارك الله فيك - المركز الدعوي هذا إذا اتفقوا على أن يكون التحاكم إليه فلا بأس، وهذا هو الواجب عليهم؛ لأن تحاكمهم إلى مسلمين هو الواجب. لكن مسألة إسقاط الحضانة - أي أن الأم تسقط حضانتها - لا يحتاج إلى حكم حاكم، يكفي إقرارها ويثبت عليها. وأما النفقة: فما داموا سيرجعون إلى أبيهم بإسقاط الأم حقها من الحضانة فسينفق عليهم. سؤال: وهل تقرير القاضي الكافر النفقة على أبيهم إذا كانوا عند أمهم يعتبر ملزما له؟ الجواب: حتى إذا لم يقرر الحاكم النفقة على أبيهم فهي على أبيهم شرعا. سؤال: لكن المقدار؟ الجواب: مقدارها يرجع في ذلك إلى العرف. سؤال: فإذا كان ما قرره القاضي الكافر موافقا للعرف التزموا به؟ الجواب: التزموا به لا على أنه حكم القاضي بل لأنه هو العرف. سؤال: لو اتفق الزوجان على التحاكم إلى أيّ مسلم فهل يُلزمان بحكمه؟ ففي بلاد الغرب قد يكون الإمام شخصا غير متديّن، فهل يتحاكمان إليه؟ الجواب: إذا لم يوجد غيره فلا بأس، لكن الفقهاء اشترطوا أن يكون صالحا للقضاء يعني أن عنده علم في الشريعة، لكن إذا لم يوجد فاتقوا الله ما استطعتم. سؤال: قد لا يوجد هناك على الإطلاق شخص يعلم بالقضاء، لكن رجل مسلم عاقل؟ الجواب: إذا حكّماه على أن ما يقوله من باب الإصلاح فلا بأس. سؤال: لكن إذا قلنا من باب الإصلاح معنى ذلك أنّ كلامه يصبح غير ملزم؟ الجواب: لا، إذا التزما به (يلزم) ، وكل إصلاح يلتزمه به الطرفان فهو ملزم للحديث " الصلح جائز بين المسلمين ". والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 4044 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 852 حكم التحاكم إلى العادات والأعراف القبلية [السُّؤَالُ] ـ[إذا زنى رجل بامرأة، تقوم القبائل بتعويض أهل البنت بمال يقدره العرف القبلي، علما أن هذا المال يشاركه في دفعه قبيلته، ما حكم المشاركة في دفع هذا المبلغ إن كنت من قبيلة الفاعل، وما حكم أخذ هذا المال إن كنت من قبيلة البنت. علما أنّ هذا البلد يحكمه نصراني ولا يحكم فيه بما أنزل الله، ولذلك تلجأ القبائل للحكم القبلي مع ما فيه من حكم بغير ما أنزل الله.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: هذا التعويض المالي له صورتان: الأولى: أن يكون خاصا بحالة الإكراه على الزنا، فيُلزم الزاني بدفع المهر للمزني بها المكرهة على ذلك، أو بدفع المهر مع أرش البكارة – إن كانت بكرا -، عند من يقول بذلك، وأرش البكارة هو الفرق بين مهر البكر والثيب. على أن يكون هذا المال واجبا على الزاني، مع إقامة الحد عليه، ويعطى للمزني بها، التي ثبت إكراهها على الزنا. وإذا كان الأمر كذلك، فهذا لا إشكال فيه، بل هو من تحكيم الشرع، ولو وافق العادة والعرف. ولو فرض أنهم عجزوا عن إقامة الحد، واستطاعوا إلزام الزاني بدفع المهر للمكرهة، لكان هذا سائغا، فإن مالا يدرك كله لا يُترك جُلّه، وقد قال الله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) . وأما إلزام القبيلة بدفع المهر أو المشاركة فيه، فلا وجه له، بل هو واجب في مال الزاني كما سبق، ومساعدته في دفعه يعني تسهيل القضية وترويج الزنا. ويأتي بيان الخلاف في وجوب المهر والأرش. الصورة الثانية: أن يكون ذلك نظاما متبعا في جميع حالات الزنى، لا فرق بين من أكرهت عليه، ومن طاوعت فيه، وتلزم القبيلة بمشاركة الزاني في دفع هذا التعويض، ويعد ذلك حكما عاما ترجع إليه القبائل فيما بينها، فهذا تنظيم وتقنين لمهور البغايا؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ وَمَهْرُ الْبَغِيِّ خَبِيثٌ وَكَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ) رواه مسلم (1568) وقال: (لا يَحِلُّ ثَمَنُ الْكَلْبِ وَلا حُلْوَانُ الْكَاهِنِ وَلا مَهْرُ الْبَغِيِّ) رواه النسائي (4293) ومن البين أن هذا الحكم القبلي، أو ما يسمى بالسلوم، هو من أحكام الجاهلية، التي لا يجوز الحكم بها، ولا التحاكم إليها، ولا الإعانة عليها؛ لقوله تعالى: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) المائدة/49، 50، وقوله: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) المائدة/44، وقوله: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً) النساء/60، وقوله: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) النساء/65. إلى غير ذلك من الآيات الدالة على وجوب تحكيم شرع الله ونبذ ما خالفه من أحكام الجاهلية. وقد حكم الله تعالى وشرَع أن يجلد الزاني إذا كان بكرا، ويرجم إن كان ثيبا، رجلا كان أو امرأة، فكل حكم يخالف هذا فهو من أحكام الجاهلية، التي يجب البراءة منها، والسعي في إبطالها. وقد نص أهل العلم على أن التحاكم إلى سلوم البادية، وأعراف القبائل المخالفة للشريعة المحمدية، أن ذلك من الكفر. قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: " (السادس) [أي من أنواع الكفر الأكبر في مسألة تحكيم القوانين] : ما يحكم به كثير من رؤساء العشائر والقبائل من البوادي ونحوهم من حكايات آبائهم وأجدادهم وعاداتهم التي يسمونها " سلومهم " يتوارثون ذلك منهم ويحكمون به ويحملون على التحاكم إليه عند النزاع، بناء على أحكام الجاهلية، وإعراضاً ورغبة عن حكم الله ورسوله فلا حول ولا قوة إلا بالله " انتهى من رسالة "تحكيم القوانين". وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في رسالة له بعنوان: " حكم التحاكم إلى العادات والأعراف القبلية من عبد العزيز بن باز إلى من يطلع عليه من المسلمين، وفقني الله وإياهم لمعرفة الحق واتباعه آمين. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. . . . أما بعد. فالداعي لهذا هو الإجابة عن أمور سأل عنها بعض الإخوة الناصحين في المملكة؛ حيث ذكر أنه يوجد في قبيلته، وفي قبائل أخرى عادات قبلية سيئة ما أنزل الله بها من سلطان منها: - ترك التحاكم إلى كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، إلى عادات قبلية وأعراف جاهلية. منها كتمان الشهادة، وعدم أدائها حمية وتعصبا، أو الشهادة زورا وبهتانا، حمية وعصبية أيضا. إلى غير ذلك من الأسباب التي قد تدعو بعض الناس إلى مخالفة الشرع المطهر. ولوجوب النصيحة لله ولعباده أقول وبالله التوفيق: يجب على المسلمين أن يتحاكموا إلى كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في كل شيء، لا إلى القوانين الوضعية والأعراف والعادات القبلية. قال الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالا بَعِيدًا وقال تعالى: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) . فيجب على كل مسلم أن لا يقدم حكم غير الله على حكم الله ورسوله كائنا من كان، فكما أن العبادة لله وحده، فكذلك الحكم له وحده، كما قال سبحانه: (إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ) . فالتحاكم إلى غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من أعظم المنكرات، وأقبح السيئات، وفي كفر صاحبه تفصيل، قال تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) ؛ فلا إيمان لمن لم يحكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في أصول الدين وفروعه، وفي كل الحقوق، فمن تحاكم إلى غير الله ورسوله، فقد تحاكم إلى الطاغوت. وعلى هذا يجب على مشايخ القبائل، ألا يحكموا بين الناس بالأعراف التي لا أساس لها في الدين، وما أنزل الله بها من سلطان. . بل يجب عليهم أن يردوا ما تنازع فيه قبائلهم إلى المحاكم الشرعية، ولا مانع من الإصلاح بين المتنازعين بما لا يخالف الشرع المطهر، بشرط الرضا وعدم الإجبار. . لقوله صلى الله عليه وسلم: (الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا حرم حلالا أو أحل حراما) ، كما يجب على القبائل جميعا ألا يرضوا إلا بحكم الله ورسوله .... " انتهى من "مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز" (5/142) . وسئلت "اللجنة الدائمة للإفتاء" ما نصه: " س: ما الحكم إذا تخاصم اثنان مثلا وتحاكما إلى الأحكام العرفية، فمثلا يضع كل منهما معدالا، كما يسمونه، ويرضون من مشايخ القبائل من يحكم بينهما، ويجلسان بين يديه، ويبث كل منهما دعواه ضد الآخر، فإذا كانت القضية بسيطة حكم فيها بذبيحة على المخطئ يذبحها لخصمه، وإذا كانت القضية كبيرة حكم فيها (بجنبية) أي: كانوا في القدم يضربونه على رأسه بآلة حادة حتى يسيل دمه، ولكن اليوم تقدر (الجنبية بدراهم) ويسمون هذا: صلحا، وهذا الشيء منتشر بين القبائل ويسمونه: مذهبا، بمعنى: إذا لم ترض بفعلهم هذا فيقولون عنك: (قاطع المذهب) ، فما الحكم في هذا يا فضيلة الشيخ؟ ج: يجب على المسلمين أن يتحاكموا إلى الشريعة الإسلامية، لا إلى الأحكام العرفية، ولا إلى القوانين الوضعية، وما ذكرته ليس صلحا في الحقيقة، وإنما هو تحاكم إلى مبادئ وقواعد عرفية ; ولذا يسمونها: مذهبا، ويقولون لمن لم يرض بالحكم بمقتضاها: إنه قاطع المذهب، وتسميته صلحا لا يخرجه عن حقيقته من أنه تحاكم إلى الطاغوت، ثم الحكم الذي عينوه من الذبح أو الضرب بآلة حادة على الرأس حتى يسيل منه الدم ليس حكما شرعيا. وعلى هذا يجب على مشايخ القبائل ألا يحكموا بين الناس بهذه الطريقة، ويجب على المسلمين ألا يتحاكموا إليهم، إذا لم يعدلوا عنها إلى الحكم بالشرع، واليوم -ولله الحمد- قد نصب ولي الأمر قضاة يحكمون بين الناس، ويفصلون في خصوماتهم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويحلون مشكلاتهم بما لا يتنافى مع شرع الله تعالى، فلا عذر لأحد في التحاكم إلى الطاغوت بعد إقامة من يتحاكم إليه من علماء الإسلام ويحكم بحكم الله سبحانه. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد, وآله وصحبه وسلم. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، انتهى. وإذا كان الأمر كذلك: فلا يجوز لك أن تشارك في هذا الحكم، ولا في دفع المال، أو أخذه، بل يجب أن تبرأ من ذلك، كما يجب أن تنصح لهؤلاء، وتبين لهم خطر ما هم عليه من تحكيم غير الشرع، وأنه لا عذر لهم في ذلك، ولو كان حاكمهم نصرانيا لا يطبق أحكام الله، وعليهم أن يتناصحوا فيما بينهم ويسعوا إلى تطبيق أحكام الشريعة قدر استطاعتهم، وما عجزوا عن تطبيقه فلا يجوز لهم إحداث حكمٍ فيه، مهما رأوا فيه من المصلحة، وإلا كانوا مشرّعين آثمين مبتغين في الإسلام سنة الجاهلية. ثانيا: ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن المرأة إذا أكرهت على الزنا، فإن الزاني يلزم بمهر مثلها. فإن كانت بكرا، فهل لها مع المهر أرش البكارة؟ ذهب إلى ذلك بعض الفقهاء، وهو رواية عن أحمد رحمه الله، لكن المذهب المعتمد عند الحنابلة هو عدم وجوب أرش البكارة، وإنما تأخذ المكرهة على الزنا مهر المثل فقط. ونبه المالكية على أن هذا المهر لا تتحمله العاقلة، لأن الزنى من باب العمد، لا الخطأ. وخالف الحنفية فلم يوجبوا مهرا للمكرهة على الزنا، بكرا كانت أو ثيبا. وهو رواية عن أحمد رحمه الله، اختارها شيخ الإسلام، وقال عن المهر: إنه خبيث. ثالثا: لو أكرهها على الزنا، فأفضاها، فإنه يلزمه المهر، مع الضمان، واختلف في تقديره، فالحنفية والحنابلة على أنه ثلث الدية، والمالكية على أن فيه حكومة عدل، والشافعية على أن فيه الدية كاملة، ووافقهم الحنفية فيما إذا أفضاها فلم تمسك البول. وينظر: "المبسوط (9/53) ، المنتقى للباجي (7/77) ، التاج والإكليل (8/342) ، مغني المحتاج (4/75) ، المغني (7/209) ، (8/373) ، الإنصاف (8/306- 308) ، الموسوعة الفقهية (5/297) ، (21/95) ". والإفضاء: إزالة الحاجز بين مخرج البول ومحل الجماع. والحاصل: أن دفع المهر للمكرهة على الزنا، أو دفع المهر وأرش البكارة، للبكر المكرهة على الزنا، إنما يكون في مال الزاني، ولا تتحمله العاقلة، ويذهب للمرأة المزني بها، وليس إلى عاقلتها، وأما المطاوعة على الزنى فلا شيء لها. وهذا كله بعد ثبوت الزنا وإقامة الحد. وبهذا يظهر الفرق بين ما ورد في الشرع، وبين ما يحكّم من العادات والأعراف القبلية. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 84073 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 853 كيف نرد على من يقول إن الطواف عبادة تشبه عبادة الأوثان؟ [السُّؤَالُ] ـ[كيف نرد على من يقول إن الطواف عبادة تشبه عبادة الأوثان؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا بد أن نحدِّد أولا ما هو الجوهر الذي جاءت الشريعة الإسلامية تدعو الناس إليه، وبه افترقت عن الوثنية الجاهلية، ثم سندرك بعد ذلك إن كان الطواف بالكعبة من مظاهر الوثنية أو من مظاهر التوحيد والإسلام. وإذا رجعنا إلى كتاب الله تعالى وجدنا أن جوهر دين الإسلام هو الانقيادُ والاستسلام لأوامر الله، واتخاذُهُ سبحانه ربا ومعبودا فرداً صمداً، والكفرُ بما دونه من المعبودات الباطلة. يقول الله سبحانه وتعالى: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً) النساء/65. وقال تعالى: (وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) لقمان/22. وقال عز وجل: (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ) الزمر/54. وأما الوثنية الجاهلية فهي تعني الاستسلام لغير الله، والإقبالَ على أي شيء دون الله من حجر أو وثن أو ولي، إقبال العابد الراغب الراهب الضعيف الذليل، وهذه الأمور – في الإسلام - لا تنبغي إلا لله سبحانه وتعالى. يقول عز وجل: (اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهاً وَاحِداً لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) التوبة/31. وقال تعالى: (ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ) غافر/12. ويقول سبحانه: (مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً) الكهف/26. فإذا تقرر هذا استطعنا أن نفرِّق بين حال المسلم الموحِّد، وبين حال المشرك الوثني في المسائل التي تتشابه في ظاهرها، فمثلا: المسلم الموحِّدُ يحبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعظمه ويبجله ويفديه بروحه ونفسه وماله ويطيع أوامره، كل ذلك امتثالا لأمر الله تعالى في قوله: (فالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الأعراف/157. أما المشرك الوثني فتراه يُقبل على قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، يسأله قضاء حوائجه، ويستغيث به لتفريج همومه، ويدعوه دعاء المذلة والعبودية، فيقيمه مقام الألوهية، وقد يعتقد أن بيده خزائن السماوات والأرض، وأن اللوح المحفوظ من علمه، إلى غير ذلك قاله أو اعتقده بعض الجهلة، والمشرك في ذلك لم يمتثل أمر الله، ولا أسلم وجهه له سبحانه، بل أسلم نفسه لغير الله، وأطاع الشيطان في ذلك. ومثال آخر: المسلم الموحِّد يطيع أوامر الله منقاداً فيها لعظمته سبحانه وتعالى، فإذا أمره بالسجود لبشر، أو بتعظيم بشر، أو حجر: فإنه يمتثل ذلك عبادة لله تعالى، واستسلاماً لأمره وحكمه، كما فعلت الملائكة حين أمرهم الله بالسجود لآدم عليه السلام فسجدوا. أما المشرك الوثني فهو يسجد للبشر أو للحجر تعظيماً لذات البشر والحجر، وانقياداً لما يتوهمه فيهم من نفع أو ضر، وإقبالا عليهم بالرغبة والرهبة والخشوع والتذلل، وهو في ذلك لم يراع أمراً لله تعالى، ولم يستجب لحكمه سبحانه، إنما توجه لمخلوق دون الله بالانقياد والعبادة بمحض هواه وإرادته. ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "أما الخضوع والقنوت بالقلوب والاعتراف بالربوبية والعبودية: فهذا لا يكون على الإطلاق إلا لله سبحانه وتعالى وحده، وهو لغيره ممتنع باطل، وأما السجود فشريعة من الشرائع إذ أمرنا الله تعالى أن نسجد له، ولو أمرنا أن نسجد لأحدٍ من خلقه غيره: لسجدنا لذلك الغير؛ طاعة لله عز وجل إذ أحب أن نعظِّم من سجدنا له، ولو لم يفرض علينا السجود: لم يجب البتة فعله، فسجود الملائكة لآدم عبادة لله وطاعة له وقربة يتقربون بها إليه، وهو لآدم تشريف وتكريم وتعظيم، وسجود إخوة يوسف له تحية وسلام" انتهى. " مجموع الفتاوى " (4 / 360، 361) . وبذلك نفرق بين أحوال كثيرة قد يتشابه فيها الفعلان في الظاهر، إلا أن حقيقة أحدهما أنه من الإسلام والتوحيد والإيمان، والثاني إنما هو شرك وكفر ووثنية. ومن ذلك الطواف بالكعبة: فالمسلم الموحد يمتثل أمر الله تعالى له في كل صغير وكبير، وهو حين يسمع قوله تعالى: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) الحج/29: لا يملك إلا أن يمتثل ذلك، فيطوف بالكعبة المشرفة حبّاً لله، وطاعة له، ورغبة إليه سبحانه، يرجو رحمة من الله، ويخشى من عذابه، ولا يتعدى ما أُمر به من الطواف، فلا يتمسح بأحجار هذا البيت، ولا يعتقد فيها النفع أو الضر. أما المشرك الوثني: فهو الذي يطوف بالأحجار أو القباب أو المقامات تعظيماً لها لذاتها، يرجو منها تفريج الكربات، وإجابة الدعوات، يبكي خوفاً منها، ويتضرع رغبة في عطائها، ويتقرب إليها بأنواع العبادات من السجود أو الذبح أو الطواف أو الدعاء، وهو في ذلك لا يمتثل أمراً لله، ولا شريعة لنبيه صلى الله عليه وسلم، بل يستجيب للهوى والشيطان. إذن فالفرق كبير وظاهر بين أعمال أهل التوحيد والإسلام، وبين مظاهر الوثنية والشرك، ومن لم يتنبه لهذا الفرق اختلطت عليه الأمور، وما عاد يفرق بين الكفر والإيمان. ونرجو أن يكون الفرق بين الحالين قد اتضح. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82349 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 854 هل يجوز أن يتعالج عند من يزعم أنه يتعامل مع طبيب من الجن المسلم؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا تعالجت عند رجل عنده أطباء مسلمون من الجن، فهل يفسد صومي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يجوز الاستعانة بالجن في العلاج أو غيره، ولا يجوز الذهاب لمن يزعم ذلك. ولا ينبغي لمسلم أن يغتر بنجاح علاج أحد ورؤية أثر ذلك في الواقع، فها هو الدجال يقول للسماء أمطري فتمطر، وللأرض أخرجي كنوزك فتخرج، فهل يغتر المسلم به ويصدقه في دعواه؟! فقد يكون فتنة واستدراجاً من الله تعالى لهم (سنستدرجهم من حيث لا يعلمون) . وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله عن حكم استخدام الجن من المسلمين في العلاج إذا لزم الأمر؟ فأجاب: " لا ينبغي للمريض استخدام الجن في العلاج ولا يسألهم، بل يسأل الأطباء المعروفين، وأما اللجوء إلى الجن فلا؛ لأنه وسيلة إلى عبادتهم وتصديقهم؛ لأن في الجن من هو كافر، ومن هو مسلم، ومن هو مبتدع، ولا تعرَف أحوالُهم، فلا ينبغي الاعتماد عليهم، ولا يسألون، ولو تمثلوا لك، بل عليك أن تسأل أهل العلم والطب من الإنس، وقد ذم الله المشركين بقوله تعالى: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنْ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) الجن/6؛ ولأنه وسيلة للاعتقاد فيهم والشرك، وهو وسيلة لطلب النفع منهم والاستعانة بهم، وذلك كله من الشرك " انتهى. " مجلة الدعوة " (العدد 1602، ربيع الأول 1418 هـ، ص 34) . وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: " لا يستعان بالجان، لا المسلم منهم ولا الذي يقول إنه مسلم؛ لأنه قد يقول مسلم وهو كذاب من أجل أن يتدخل مع الإنس، فيُسد هذا الباب من أصله، ولا يجوز الاستعانة بالجن ولو قالوا إنهم مسلمون؛ لأن هذا يفتح الباب. والاستعانة بالغائب لا تجوز سواء كان جنيّاً أو غير جني، وسواء كان مسلماً أو غير مسلم، إنما يستعان بالحاضر الذي يقدر على الإعانة، كما قال تعالى عن موسى: ( ... فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ ... ) القصص/15، هذا حاضر ويقدر على الإغاثة فلا مانع من هذا في الأمور العادية " انتهى. " السحر والشعوذة " (ص 86، 87) . ثانياً: وأما الصوم فصحيح إن شاء الله ولا يفسد بذلك، وإن كان ثواب الصيام يقل وقد ينعدم بالكلية بارتكاب المعاصي، وانظر جواب السؤال رقم (50063) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 78546 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 855 دخول الرياء على العبادة [السُّؤَالُ] ـ[هل يثاب الإنسان على عمل فيه رياء ثم تغيرت النية أثناء العمل لتكون لله؟ مثلاً لقد أنهيت تلاوة القرآن وداخلني الرياء فإذا قاومت هذه الفكرة بالتفكير في الله هل أنال ثواباً على هذه التلاوة أم أنها تضيع بسبب الرياء؟ حتى لو جاء الرياء بعد انتهاء العمل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ ابن عثيمين حفظه الله: اتصال الرياء بالعبادة على ثلاثة أوجه: الوجه الأول: أن يكون الباعث على العبادة مراءاة الناس مِن الأصل؛ كمن قام يصلِّي مراءاة الناس، مِن أجل أن يمدحه الناس على صلاته، فهذا مبطل للعبادة. الوجه الثاني: أن يكون مشاركاً للعبادة في أثنائها، بمعنى: أن يكون الحامل له في أول أمره الإخلاص لله، ثم طرأ الرياء في أثناء العبادة، فهذه العبادة لا تخلو من حالين: الحال الأولى: أن لا يرتبط أول العبادة بآخرها، فأولُّها صحيح بكل حال، وآخرها باطل. مثال ذلك: رجل عنده مائة ريال يريد أن يتصدق بها، فتصدق بخمسين منها صدقةً خالصةً، ثم طرأ عليه الرياء في الخمسين الباقية فالأُولى صدقة صحيحة مقبولة، والخمسون الباقية صدقة باطلة لاختلاط الرياء فيها بالإخلاص. الحال الثانية: أن يرتبط أول العبادة بآخرها: فلا يخلو الإنسان حينئذٍ مِن أمرين: الأمر الأول: أن يُدافع الرياء ولا يسكن إليه، بل يعرض عنه ويكرهه: فإنه لا يؤثر شيئاً لقوله صلى الله عليه وسلم " إن الله تجاوز عن أمتي ما حدَّثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم ". الأمر الثاني: أن يطمئنَّ إلى هذا الرياء ولا يدافعه: فحينئذٍ تبطل جميع العبادة؛ لأن أولها مرتبط بآخرها. مثال ذلك: أن يبتدئ الصلاة مخلصاً بها لله تعالى، ثم يطرأ عليها الرياء في الركعة الثانية، فتبطل الصلاة كلها لارتباط أولها بآخرها. الوجه الثالث: أن يطرأ الرياء بعد انتهاء العبادة: فإنه لا يؤثر عليها ولا يبطلها؛ لأنها تمَّت صحيحة فلا تفسد بحدوث الرياء بعد ذلك. وليس مِن الرياء أن يفرح الإنسان بعلم الناس بعبادته؛ لأن هذا إنما طرأ بعد الفراغ من العبادة. وليس مِن الرياء أن يُسرَّ الإنسان بفعل الطاعة؛ لأن ذلك دليل إيمانه، قال النبي صلى الله عليه وسلم " مَن سرَّته حسنته وساءته سيئته فذلك المؤمن ". وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: " تلك عاجل بشرى المؤمن ". " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (2 / 29، 30) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 9359 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 856 عمل حجاباً من القرآن لتلبسه زوجته [السُّؤَالُ] ـ[منذ سنتين عملت حجابًا من آيات القرآن وأعطيته لزوجتي كي تلبسه بناءً على طلبها، وقد نظرت في السؤال رقم 11788 وعلمت من الجواب أن هذا العمل شرك، لم أكن أعلم وقتها أن الأحجبة تعد شركًا، فهل ما زلت مشركًا؟ الرجاء النصيحة]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحجاب إذا كان من غير القرآن الكريم والأدعية النبوية أو كان فيه رموز وطلاسم وألفاظ أعجمية غير مفهومة المعنى فقد اتفق العلماء على تحريمه وأنه شرك، وأما إذا كان الحجاب من القرآن الكريم أو الأدعية النبوية ففيه خلاف بين السلف والصحيح تحريمه. انظر سؤال رقم (10543) قال علماء اللجنة الدائمة: اتفق العلماء على تحريم لبس التمائم إذا كانت من غير القرآن، واختلفوا إذا كانت من القرآن، فمنهم من أجاز لبسها ومنهم من منعها، والقول بالنهي أرجح لعموم الأحاديث ولسدِّ الذريعة. " فتاوى اللجنة الدائمة " (1 / 212) . فيجب عليك وعلى زوجتك التي طلبت منك هذا الحجاب نزع هذا الحجاب فوراً وإحراقه، وقد ذكرت أنك فعلت ذلك وأنت لا تعلم أن هذا شرك، ولذلك فإنك لا تعد مشركاً ولا آثماً بهذا الفعل لأنك لم تتعمد فعل المعصية وقد قال الله تبارك وتعالى: (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم) الأحزاب / 5، وقال: (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) البقرة / 284، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) ، فهذه الأدلة تدل على أن من ارتكب معصية وهو لا يعلم أنها معصية أنه لا شيء عليه وأن الله تعالى قد عفا عنه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20207 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 857 حكم سؤال الله بجاه الصالحين ومكانتهم عنده [السُّؤَالُ] ـ[هل الأموات الصالحون ربنا يكرم بهم العبد الحي إذا سألنا الله بصلاح الشيخ فلان وبفضله عندك وبعبادته لك أن تفرج يا الله كربتي ونحن نعلم أن الفائدة من الله؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا شك أن الدعاء هو من أعظم العبادات الشرعية التي يتقرب بها العبد لربه سبحانه وتعالى، ولا شك أيضاً أنه لا يجوز لأحد من العباد أن يعبد الله إلا بما شرعه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم لما روى البخاري (2499) ومسلم (3242) من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ " وفي لفظ لمسلم (3243) :" من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " وبهذا يعلم أن التوجه إلى الله تعالى والتوسل إليه بما لم يرد عن نبيه صلى الله عليه وسلم لا قولاً ولا فعلاً، وبما لم يفعله أصحابه الكرام الذين كانوا أحرص الناس على الخير وأسبقهم إليه؛ بدعة منكرة ينبغي للعبد الذي يحب ربه، ويتابع رسوله صلى الله عليه وسلم ألا يقدم عليها ولا يتعبد بها. فإذا نظرنا إلى ما ذكرته ـ أيها السائل ـ من التوسل إلى الله بمكانة الصالحين، وعبادتهم وجاههم عند الله؛ وجدنا أنه أمر مُحْدَثٌ لم يَرِدْ عنه صلى الله عليه وسلم، ولا ورد عن صحابته الكرام أنهم توسلوا يوماً ما بجاهه ومكانته عند ربه لا في حياته ولا بعد مماته بل كانوا في حياته يتوسلون إلى الله بدعائه لهم، فلما توفي عليه الصلاة والسلام توسلوا إلى الله بدعاء الصالحين من الأحياء وتركوا التوسل بجاهه؛ مما يدل بجلاء على أن التوسل بذاته وجاهه لو كان خيراً مشروعا لسبقونا إليه، ومن ذا يزعم أنه أحرص من عمر بن الخطاب رضي الله عنه على الخير، وهاهو يُعرِض عن التوسل إلى الله بجاه نبيه صلى الله عليه وسلم ليتوسل إليه بدعاء عم نبيه، والصحابة الكرام يشهدون ذلك منه دون نكير أو مخالفة؛ كما في صحيح البخاري (954) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه: " أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ إِذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ:" اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا قَالَ فَيُسْقَوْنَ " ومعنى توسلهم بالنبي صلى الله عليه وسلم أو بالعباس هو: التوسل بدعائه بدلالة مَا وَرَدَ فِي بَعْض طُرُق الحديث ,َ عن أَنَس قَالَ " كَانُوا إِذَا قَحَطُوا عَلَى عَهْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِسْتَسْقَوْا بِهِ , فَيَسْتَسْقِي لَهُمْ فَيُسْقَوْنَ فَلَمَّا كَانَ فِي إِمَارَة عُمَر " فَذَكَرَ الْحَدِيث أخرجه الإسماعيلي في مستخرجه على الصحيح. وجاء عند عَبْد الرَّزَّاق مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس " أَنَّ عُمَر اِسْتَسْقَى بِالْمُصَلَّى , فَقَالَ لِلْعَبَّاسِ: قُمْ فَاسْتَسْقِ , فَقَامَ الْعَبَّاس " فَذَكَرَ الْحَدِيث. نقله الحافظ في الفتح وسكت عليه. فتبين بهذا أن التوسل الذي قصده عمر رضي الله عنه إنما هو التوسل بدعاء الرجل الصالح وهو توسل صحيح مشروع دلت عليه الأدلة الكثيرة وهو المعروف من حال الصحابة الكرام رضي الله عنهم فإنهم كانوا إذا أقحطوا واحتبس عنهم المطر طلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعو لهم فيدعو فيسقون، والأحاديث في ذلك كثيرة مشهورة. جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (1/153) " الدعاء بجاه رسول الله أو بجاه فلان من الصحابة أو غيرهم أو بحياته لا يجوز، لأن العبادات توقيفية، ولم يشرع الله ذلك، وإنما شرع لعباده التوسل إليه سبحانه بأسمائه وصفاته وبتوحيده والإيمان به وبالأعمال الصالحات، وليس بجاه فلان وفلان وحياته من ذلك، فوجب على المكلفين الاقتصار على ما شرع الله سبحانه، وبذلك يُعلم أن التوسل بجاه فلان وحياته وحقه من البدع المحدثة في الدين " اهـ. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:" ليس لأحد أن يُدِلَّ على الله بصلاح سلفه، فإنه ليس صلاحهم من عمله الذي يستحق به الجزاء كأهل الغار الثلاثة فإنهم لم يتوسلوا إلى الله بصلاح سلفهم وإنما توسلوا إلى الله بأعمالهم ا. هـ. نسأل الله أن يثبتنا على دينه وشرعه حتى نلقاه.. آمين. والله أعلم. انظر (التوسل أنواعه وأحكامه للشيخ الألباني ص55 وما بعدها، وفتاوى اللجنة الدائمة 1/ 153) ، والتوصل إلى حقيقة التوسل للشيخ محمد نسيب الرفاعي ص 180) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 23265 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 858 يأتي الناس إلى منزل جده المتوفى ويتبركون بمائه فماذا يفعل؟ [السُّؤَالُ] ـ[صديقي كان جده من الأشخاص المعروف عنهم قدرته على إخراج الجن، وأعتقد والله أعلم بأنه لا يقوم بالتعامل معهم طبقا للشريعة الإسلامية؛ لأنه وحسب ما قال لي صديقي بأن جده كان لا يصلي، والآن وبعد وفاة جده يأتي الناس إلى محل سكن هذا الجد تبركاً ببركته، وبجانب هذا البيت توجد حنفية يأتيها الناس ليأخذوا منها الماء بحجة أنها ماء مبارك، ويقومون بوضع مال جنب هذه الحنفية. والسؤال هو: بماذا تنصحون صديقي؟ هل يقوم بتكسير هده الحنفية أم ماذا؟ وهل المال الذي يجده بجانب هذه الحنفية حرام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا يجوز التبرك بآثار غير الأنبياء، سواء كان المتبرك بهم صالحين أو طالحين، نسأل الله العافية، لكن تبرك الناس بمن لا يصلي، دليل على شدة الجهل وعظم الغفلة، ومدى حاجة الناس إلى تعلم العقيدة الصحيحة المنقذة من الضلال. والدليل على عدم جواز التبرك بآثار غير الأنبياء: أنه لم ينقل عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم التبرك بأبي بكر أو عمر أو غيرهم من الصحابة رضي الله عنهم، ولو كان خيرا لسبقونا إليه. قال الشاطبي رحمه الله: " الصحابة رضي الله عنهم بعد موته عليه الصلاة والسلام لم يقع من أحد منهم شيء من ذلك بالنسبة إلى من خلفه، إذ لم يترك النبي صلى الله عليه وسلم بعده في الأمة أفضل من أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فهو كان خليفته، ولم يُفعل به شيء من ذلك، ولا عمر رضي الله عنهما، وهو كان أفضل الأمة بعده، ثم كذلك عثمان، ثم علي، ثم سائر الصحابة الذين لا أحد أفضل منهم في الأمة، ثم لم يثبت لواحد منهم من طريق صحيح معروف أن متبرِّكا تبرك به على أحد تلك الوجوه أو نحوها، بل اقتصروا فيهم على الاقتداء بالأفعال والأقوال والسِّيَر التي اتبعوا فيها النبي صلى الله عليه وسلم، فهو إذاً إجماع منهم على ترك تلك الأشياء كلها " انتهى من "الاعتصام" (1/482) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ولا أحد يُتبرك بآثاره إلا محمد صلى الله عليه وسلم، أما غيره فلا يتبرك بآثاره، فالنبي صلى الله عليه وسلم يتبرك بآثاره في حياته، وكذلك بعد مماته إذا بقيت تلك الآثار، كما كان عند أم سلمة رضي الله عنها جُلجُل من فضة فيه شعرات من شعر النبي صلى الله عليه وسلم يستشفي بها المرضى، فإذا جاء مريض صبت على هذه الشعرات ماء ثم حركته ثم أعطته الماء، لكن غير النبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز لأحد أن يتبرك بريقه، أو بعرقه، أو بثوبه، أو بغير ذلك، بل هذا حرام ونوع من الشرك " انتهى من "مجموع الفتاوى" (2/107) . ثانيا: الواجب على صديقك أمران: الأول: أن ينبه الناس ويحذرهم من هذا التبرك الممنوع، إذا كان يحسن ذلك ويستطيعه، وإلا فينبغي أن يستعين بأهل العلم، ليرشد الناس إلى الحق، ويدلهم على الصواب، ويحذرهم من الاعتقادات الفاسدة التي توقعهم في الشرك والبدعة. الثاني: أن يتخلص من هذه الحنفية، بإزالتها أو قطع الماء عنها ونحو ذلك، وله أسوة في عمر رضي الله عنه، حين قطع شجرة الحديبية لما بلغه أن قوما يصلون عندها. قال الشاطبي رحمه الله: " وقال ابن وضاح: سمعت عيسى بن يونس مفتي أهل طرسوس يقول: أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقطع الشجرة التي بويع تحتها النبي صلى الله عليه وسلم، فقطعها؛ لأن الناس كانوا يذهبون فيصلون تحتها، فخاف عليهم الفتنة " انتهى من "الاعتصام" (1/448) . وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " وجدت عند ابن سعد بإسناد صحيح عن نافع أن عمر بلغه أن قوما يأتون الشجرة فيصلون عندها فتوعدهم، ثم أمر بقطعها فقطعت " انتهى من "فتح الباري" (7/513) . ثالثا: ما أخذه من هذا المال، فلا حرج عليه فيه؛ لأنه مال بذله أصحابه عن رضى، ولا مالك له، فجاز له أخذه. لكن لا يجوز له إقرار المنكر ليأخذ المال، بل يلزمه كما سبق: البيان وإزالة هذا المنكر. وقد جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (23/227) فيما يتعلق بالاستفادة من الأشياء المنذورة للأولياء والصالحين، ما نصه: " ... وأما إن كان المنذور للأولياء والصالحين غير الذبائح، من خبز وتمر وحمص وحلوى ونحو ذلك مما لا يتوقف حل أكله على الذبح أو النحر، فينبغي ترك توزيعه على الناس لما في ذلك من ترويج البدع والتعاون على انتشارها والمشاركة في مظاهر الشرك وإقرارها، لكنها في حكم الأموال التي أعرض عنها أهلها وتركوها لمن شاء أخذها، فمن أخذ شيئا منها فلا حرج عليه " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 72443 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 859 هل تُقبل توبة الساحر؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل تقبل توبة الساحر عند الله - لأنني سمعت عن ساحرة استفتت الصحابة عن التوبة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم فلم يفتها أحد -؟ وماذا قالوا لها؟ وهل ينفعها إيمانها عند الله؟ ولماذا يفتي العلماء بقبول توبة الساحر في هذه الحال؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تعلم السحر والعمل به كفر، قال تعالى: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ) البقرة/102، والساحر قد يأتي بما يوجب ردَّته فيكفر فيقتل ردةً، وقد يسحر من غير أن يأتي بمكفِّر، وهذا قد وقع فيه خلاف بين العلماء، والصحيح من أقوالهم: أنه يقتل أيضاً إذا ثبت أنه ساحر، وهو الذي فعله الصحابة رضي الله عنهم وأمروا به، وإذا قُتل لم يغسَّل ولم يكفَّن ولم يُدفن في مقابر المسلمين. ولا ينبغي التوقف في قتل الساحر سواء قلنا بكفره أم لم نقل، لأن هذا هو الثابت عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وفي قتله منع من الإفساد وردع لغيره من إخوانه السحرة. فإذا تاب الساحر بينه وبين الله توبة صادقة: فإن الله تعالى يقبل منه، وهذا فيما بينه وبين ربه قبل أن يصل أمره للقضاء، فإذا وصل أمره للقضاء الشرعي فينبغي على القاضي قتله من غير استتابة؛ تخليصاً للمجتمع من شره، ولا يجوز لآحاد الناس أن يقيم الحد بنفسه، بل الأمر مرجعه لولي الأمر. وهذه طائفة من فتاوى العلماء في ذلك: 1. قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: " إذا تاب الساحر توبة صادقة فيما بينه وبين الله: نفعه ذلك عند الله، فالله يقبل التوبة من المشركين وغيرهم، كما قال جل وعلا: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ) الشورى/25، وقال جل وعلا: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) النور/31. لكن في الدنيا لا تقبل، الصحيح: أنه يقتل، فإذا ثبت عند حاكم المحكمة أنه ساحر يقتل، ولو قال: إنه تائب، فالتوبة فيما بينه وبين الله صحيحة , إن كان صادقا تنفعه عند الله، أما في الحكم الشرعي فيقتل، كما أمر عمر بقتل السحرة؛ لأن شرهم عظيم، قد يقولون: تبنا، وهم يكذبون، يضرون الناس، فلا يسلم من شرهم بتوبتهم التي أظهروها ولكن يقتلون، وتوبتهم إن كانوا صادقين تنفعهم عند الله " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (8 / 111) . 2. وقال الشيخ رحمه الله – أيضاً – (8/69) : " والصحيح عند أهل العلم: أن الساحر يقتل بغير استتابة؛ لعظم شره وفساده، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أنه يستتاب، وأنهم كالكفرة الآخرين يستتابون، ولكن الصحيح من أقوال أهل العلم: أنه لا يستتاب؛ لأن شره عظيم، ولأنه يخفي شره، ويخفي كفره، فقد يدعي أنه تائب وهو يكذب، فيضر الناس ضرراً عظيماً، فلهذا ذهب المحققون من أهل العلم إلى أن من عرف وثبت سحره يقتل ولو زعم أنه تائب ونادم، فلا يصدق في قوله. ولهذا ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه كتب إلى أمراء الأجناد أن يقتلوا كل من وجدوا من السحرة، حتى يتقي شرهم، قال أبو عثمان النهدي: (فقتلنا ثلاث سواحر) ، هكذا جاء في صحيح البخاري عن بجالة بن عبدة – [رواه أبو داود بإسناد صحيح وأصله في "البخاري"]-، وهكذا صح عن حفصة أنها قتلت جارية لها، لما علمت أنها تسحر قتلتها، وهكذا جندب بن عبد الله رضي الله عنه الصحابي الجليل لما رأى ساحراً يلعب برأسه - يقطع رأسه ويعيده، يخيِّل على الناس بذلك - أتاه من جهة لا يعلمها فقتله، وقال: (أعد رأسك إن كنت صادقاً) . والمقصود: أن السحرة شرهم عظيم، ولهذا يجب أن يقتلوا، فولي الأمر إذا عرف أنهم سحرة، وثبت لديه ذلك بالبينة الشرعية: وجب عليه قتلهم؛ صيانة للمجتمع من شرهم وفسادهم " انتهى. 3. وقال الشيخ – أيضاً – (8/111) : " إذا قُتل لا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، يدفن في مقابر الكفرة، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يصلى عليه، ولا يغسل ولا يكفن، ونسأل الله العافية " انتهى. 4. وقال – أيضاً -: " وحكم الساحر الذي يعلم منه أنه يخيل على الناس، أو يترتب على عمله مضرة على الناس، من سحر العيون، والتزوير عليها، أو تحبيب الرجل إلى امرأته والمرأة إلى زوجها، أو ضد ذلك مما يضر الناس، متى ثبت ذلك بالبينة لدى المحاكم الشرعية وجب قتل هذا الساحر، ولا يقبل منه توبة ولو تاب. . . وقد سبق ما ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه أمر عماله - أعني: أمراءه - بقتل السحرة، لمنع فسادهم في الأرض، وإيذائهم للمسلمين وإدخالهم الضرر على الناس، فمتى عرفوا وجب على ولاة أمر المسلمين قتلهم، ولو قالوا: تبنا؛ لأنهم لا يؤمَنون، لكن إن كانوا صادقين في التوبة نفعهم ذلك عند الله عز وجل؛ لعموم قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) الشورى/25. . . أما من جاء إلى ولاة الأمور من غير أن يقبض عليه يخبر عن توبته، وأنه كان فعل كذا فيما مضى من الزمان وتاب إلى الله سبحانه وظهر منه الخير فهذا تقبل توبته؛ لأنه جاء مختاراً طالباً للخير معلناً توبته من غير أن يقبض عليه أحد أو يدعي عليه أحد، والمقصود: أنه إذا جاء على صورة ليس فيها حيلة ولا مكر فإن مثل هذا تقبل توبته؛ لأنه جاء تائباً نادماً، كغيره من الكفرة ممن يكون له سلف سيئ ثم يمن الله عليه بالتوبة من غير إكراه ولا دعوى عليه من أحد " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (8 / 81، 82) . 5. وقال علماء اللجنة الدائمة: " إذا أتى الساحر في سحره بمكفِّر: قتل لردته حدّاً، وإن ثبت أنه قتل بسحره نفسا معصومة: قتل قصاصاً، وإن لم يأت في سحره بمكفر ولم يقتل نفساً: ففي قتله بسحره خلاف، والصحيح: أنه يقتل حدّاً لردته، وهذا هو قول أبي حنيفة ومالك وأحمد رحمهم الله؛ لكفره بسحره مطلقا لدلالة آية: (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر) على كفر الساحر مطلقاً؛ ولما ثبت في " صحيح البخاري " عن بجالة بن عبدة أنه قال: (كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن اقتلوا كل ساحر وساحرة، فقتلنا ثلاث سواحر) ، ولما صح عن حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها (أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها، فقتلت) رواه مالك في " الموطأ "؛ ولما ثبت عن جندب أنه قال: (حد الساحر ضربة بالسيف) رواه الترمذي وقال: الصحيح أنه موقوف. وعلى هذا فحكم الساحر المسئول عنه في الاستفتاء أنه يقتل على الصحيح من أقوال العلماء، والذي يتولى إثبات السحر وتلك العقوبة هو الحاكم المتولي شئون المسلمين؛ درءا للمفسدة وسدا لباب الفوضى " انتهى. " فتاوى اللجنة الدائمة " (1 / 551 – 553) . 6. وقال الشيخ ابن عثيمين: " وهذا القتل هل هو حدٌّ أم قتله لكفره؟ يحتمل هذا وهذا، بناء على التفصيل السابق في كفر الساحر، ولكن بناء على ما سبق من التفصيل نقول: من خرج به السحر إلى الكفر فقتله قتل ردة، ومن لم يخرج به السحر إلى الكفر من باب دفع الصائل يجب تنفيذه حيث رآه الإمام. والحاصل: أنه يجب أن تقتل السحرة، سواء قلنا بكفرهم أم لم نقل؛ لأنهم يمرضون، ويقتلون، ويفرقون بين المرء وزوجه، وكذلك بالعكس؛ فقد يعطفون فيؤلفون بين الأعداء، ويتوصلون إلى أغراضهم؛ فإن بعضهم قد يسحر أحدا ليعطفه إليه وينال مأربه منه، كما لو سحر امرأة ليبغي بها، ولأنهم كانوا يسعون في الأرض فساداً؛ فكان واجباً على وليِّ الأمر قتلهم بدون استتابة ما دام أنه لدفع ضررهم وفظاعة أمرهم؛ فإن الحدَّ لا يستتاب صاحبه، متى قبض عليه وجب أن ينفذ فيه الحد " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (9 / 508، 509) وهو شرح لكتاب " التوحيد ". 7. وقال الشيخ ابن عثيمين – أيضاً -: " والقول بقتلهم (يعني: السحرة) موافق للقواعد الشرعية؛ لأنهم يسعون في الأرض فساداً، وفسادهم من أعظم الفساد، فقتلهم واجب على الإمام، ولا يجوز للإمام أن يتخلف عن قتلهم؛ لأن مثل هؤلاء إذا تركوا وشأنهم انتشر فسادهم في أرضهم وفي أرض غيرهم، وإذا قتلوا سلم الناس من شرهم، وارتدع الناس عن تعاطي السحر " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (9 / 509) وهو شرح لكتاب " التوحيد ". والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69914 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 860 يسب الدين فهل يصاحبه؟ وكيف يتصرف معه؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا معي صاحب يسب الدين، ويسمعني كلاماً سيئاً في رمضان، كيف أتعامل معه؟ إنه دائماً معي ويكرر لي السب والشتم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سب الله تعالى أو الدين كفر أكبر مخرج من الملة، قال الله تعالى: (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) التوبة/65، 66. والواجب عليك تذكير هذا الساب ونصحه وتخويفه من أنه قد حبطت أعماله، وأنه – إن لم يتب - سيلقى الله تعالى بالكفر الأكبر. وأعلمه أن عقوبته التي يستحقها في الدنيا: القتل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ) رواه البخاري (3017) . وذكِّره بوجوب الرجوع إلى الإسلام، وأنه إذا رجع وتاب تاب الله عليه. فإن استجاب فقد أحسن، وإن لم يستجب فلا يحل لك البقاء معه وهو يسب الدين. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين عن حكم البقاء بين قوم يسبون الله عز وجل. فأجاب: " لا يجوز البقاء مع قوم يسبون الله عز وجل، لقوله تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) النساء/140. والله الموفق " انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (2/السؤال رقم 238) . واعلم أن صحبة السوء لا تأتي إلا بالشر، فاحرص على نفسك منها، وقد شبَّه النبي صلى الله عليه وسلم صاحب السوء بنافخ الكير، فهو إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة. عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً) . رواه البخاري (5543) ومسلم (2628) . يُحذيك: يُعطيك. قال النووي رحمه الله: " فيه تمثيله صلى الله عليه وسلم الجليس الصالح بحامل المسك , والجليس السوء بنافخ الكير , وفيه فضيلة مجالسة الصالحين وأهل الخير والمروءة ومكارم الأخلاق والورع والعلم والأدب , والنهي عن مجالسة أهل الشر وأهل البدع , ومن يغتاب الناس , أو يكثر فُجْرُه وبَطَالَتُه. ونحو ذلك من الأنواع المذمومة " انتهى. " شرح مسلم " (16 / 178) . والخلاصة: أنه يجب عليك مناصحة هذا الساكن معك، فقد وقع في الكفر الأكبر عندما سب الدين، ووقع في كبيرة من كبائر الذنوب عندما سبَّك، فإن استجاب لنصحك وأصلح نفسه فابق معه وأعنه على نفسه، وإن لم يستجب فلا خير لك في مصاحبته. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65551 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 861 حكم دراسة القوانين الوضعية [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم دراسة القوانين الوضعية، وتدريسها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " لا ريب أن الله سبحانه أوجب على عباده الحكم بشريعته والتحاكم إليها، وحذر من التحاكم إلى غيرها، وأخبر أنه من صفة المنافقين، كما أخبر أن كل حكم سوى حكمه سبحانه فهو من حكم الجاهلية، وبين عز وجل أنه لا أحسن من حكمه، وأقسم عز وجل أن العباد لا يؤمنون حتى يحكموا رسوله صلى الله عليه وسلم فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا من حكمه بل يسلموا له تسليما، كما أخبر سبحانه في سورة المائدة أن الحكم بغير ما أنزل كفر وظلم وفسق، كل هذه الأمور التي ذكرنا قد أوضح الله أدلتها في كتابه الكريم، أما الدارسون للقوانين والقائمون بتدريسها فهم أقسام: القسم الأول: من درسها أو تولى تدريسها ليعرف حقيقتها، أو ليعرف فضل أحكام الشريعة عليها، أو ليستفيد منها فيما لا يخالف الشرع المطهر، أو ليفيد غيره في ذلك، فهذا لا حرج عليه فيما يظهر لي من الشرع، بل قد يكون مأجورا ومشكورا إذا أراد بيان عيوبها وإظهار فضل أحكام الشريعة عليها، وأصحاب هذا القسم حكمهم حكم من درس أحكام الربا وأنواع الخمر وأنواع القمار ونحوها كالعقائد الفاسدة، أو تولى تدريسها ليعرفها ويعرف حكم الله فيها ويفيد غيره، مع إيمانه بتحريمها كإيمان القسم السابق بتحريم الحكم بالقوانين الوضعية المخالفة لشرع الله عز وجل وليس حكمه حكم من تعلم السحر أو علمه غيره. لأن السحر محرم لذاته لما فيه من الشرك وعبادة الجن من دون الله فالذي يتعلمه أو يعلمه غيره لا يتوصل إليه إلا بذلك أي بالشرك بخلاف من يتعلم القوانين ويعلمها غيره لا للحكم بها ولا باعتقاد حلها ولكن لغرض مباح أو شرعي كما تقدم. القسم الثاني: من يدرس القوانين أو يتولى تدريسها ليحكم بها أو ليعين غيره على ذلك مع إيمانه بتحريم الحكم بغير ما أنزل الله، ولكن حمله الهوى أو حب المال على ذلك فأصحاب هذا القسم لا شك فساق وفيهم كفر وظلم وفسق لكنه كفر أصغر وظلم أصغر وفسق أصغر لا يخرجون به من دائرة الإسلام، وهذا القول هو المعروف بين أهل العلم وهو قول ابن عباس وطاووس وعطاء ومجاهد وجمع من السلف والخلف كما ذكر الحافظ ابن كثير والبغوي والقرطبي وغيرهم، وذكر معناه العلامة ابن القيم رحمه الله في كتاب (الصلاة) وللشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن رحمه الله رسالة جيدة في هذه المسألة مطبوعة في المجلد الثالث من مجموعة (الرسائل الأولى) . والمعلمون للنظم الوضعية والمتعلمون لها يشبهون من يتعلمون أنواع الربا وأنواع الخمر والقمار أو يعلمونها غيرهم لشهوة في أنفسهم أو لطمع في المال مع أنهم لا يستحلون ذلك، بل يعلمون أن المعاملات الربوية كلها حرام، كما يعلمون أن شرب المسكر حرام والمقامرة حرام، ولكن لضعف إيمانهم وغلبة الهوى أو الطمع في المال لم يمنعهم اعتقادهم التحريم من مباشرة هذه المنكرات وهم عند أهل السنة لا يكفرون بتعاطيهم ما ذكر ما داموا لا يستحلون ذلك. القسم الثالث: من يدرس القوانين أو يتولى تدريسها مستحلا للحكم بها سواء اعتقد أن الشريعة أفضل أم لم يعتقد ذلك فهذا القسم كافر بإجماع المسلمين كفرا أكبر. لأنه باستحلاله الحكم بالقوانين الوضعية المخالفة لشريعة الله يكون مستحلا لما علم من الدين بالضرورة أنه محرم فيكون في حكم من استحل الزنا والخمر ونحوهما، ولأنه بهذا الاستحلال يكون قد كذب الله ورسوله وعاند الكتاب والسنة، وقد أجمع علماء الإسلام على كفر من استحل ما حرمه الله أو حرم ما أحله الله مما هو معلوم من الدين بالضرورة ومن تأمل كلام العلماء في جميع المذاهب الأربعة في باب حكم المرتد اتضح له ما ذكرنا. [الْمَصْدَرُ] "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (2/325-331) باختصار. الحديث: 12874 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 862 كيف تتخلص من التميمة بدون ضرر؟ [السُّؤَالُ] ـ[رجل ممن يعملون عندي والدي أقنعه أنه مصاب بالعين، وأحضر له حجراً وقال: ضعها في جيبك حتى تقيك من العين، ثم بعد فترة أحضر له ورقة مكتوباً فيها اب ع د وأسفل الورقة الله الحامي وبعض الكتابات الغير مفهومة والطلاسم والخرابيش فنحن نريد أن نتخلص من هذه الورقة لأنها غير مشروعة ولكن لم نعرف الطريقة الصحيحة للتخلص منها دون أي مضرة لنا، وأرجو من فضيلتك بعض الكلمات المفيدة والناصحة لنا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: العين حق كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، والوقاية منها تكون بالرقية الشرعية، والأوراد النبوية، لا بالتمائم، ولا بالتعاويذ التي يكتبها الدجاجلة والمشعوذون، ولمعرفة حقيقة العين وطرق الوقاية منها انظري السؤال رقم 20954، ورقم 11359. ثانيا: حمل الأحجار أو التعاويذ بقصد الحماية من العين أو السحر، يدخل في تعليق التمائم المنهي عنه، فعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ إِلَيْهِ رَهْطٌ فَبَايَعَ تِسْعَةً وَأَمْسَكَ عَنْ وَاحِدٍ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَايَعْتَ تِسْعَةً وَتَرَكْتَ هَذَا. قَالَ: إِنَّ عَلَيْهِ تَمِيمَةً، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فَقَطَعَهَا فَبَايَعَهُ، وَقَالَ: (مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ) رواه أحمد (16781) ، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (492) . وروى أحمد (17440) عن عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَلا أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدَعَةً فَلا وَدَعَ اللَّهُ لَهُ) والحديث حسنه الأرنؤوط في تحقيقه على المسند. والودعة: واحدة الودع، وهي أحجار تؤخذ من البحر يعلقونها لدفع العين. قال الخطابي رحمه الله: " التميمة يقال إنها خرزة كانوا يعلقونها يرون أنها تدفع الآفات ". وقال البغوي رحمه الله: " التمائم: جمع تميمة وهي خرزات كانت العرب تعلقها على أولادهم يتقون بها العين بزعمهم فأبطلها الشرع ". "التعريفات الاعتقادية" ص 121. والصحيح من قولي العلماء تحريم التميمة ولو كانت من القرآن، وانظري السؤال رقم (10543) ، وأما ما اشتمل على الحروف والكلمات المجهولة فلا خلاف في تحريمه، ولا يؤمن أن تكون سحرا، أو استعانة بالجن. ثالثا: طريقة التخلص من التمائم ومن السحر عند العثور عليه: يكون بحل العقد – إن وجدت - وفصل الأجزاء بعضها عن بعض ثم إتلافها بالحرق ونحوه؛ لما ثبت من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: (كان رجل من اليهود يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يأمنه، فعقد له عُقَدا فوضعه في بئر رجل من الأنصار، فاشتكى لذلك أياما. وفي حديث عائشة: (ستة أشهر) فأتاه ملكان يعودانه فقعد أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه، فقال أحدهما: أتدري ما وجعه؟ قال: فلان الذي كان يدخل عليه عقد له عُقَدا، فألقاه في بئر فلان الأنصاري، فلو أرسل إليه رجلا وأخذ منه العقد لوجد الماء قد اصفر. فأتاه جبريل فنزل عليه بالمعوذتين وقال: إن رجلا من اليهود سحرك، والسحر في بئر فلان، قال: فبعث عليا رضي الله عنه فوجد الماء قد اصفر فأخذ العقد فجاء بها، فأمره أن يحل العقد ويقرأ آية، فجعل يقرأ ويحل، فجعل كلما حل عقدة وجد لذلك خفة، فبرأ) أورده الألباني في السلسة الصحيحة (6/615) وعزاه للحاكم (4/460) والنسائي (2/172) وأحمد (4/367) والطبراني. وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " ينظر فيما فعله الساحر، إذا عرف أنه مثلا جعل شيئا من الشَّعر في مكان، أو جعله في أمشاط، أو في غير ذلك، إذا عرف أنه وضعه في المكان الفلاني أزيل هذا الشيء وأحرق وأتلف فيبطل مفعوله ويزول ما أراده الساحر " انتهى من "مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز" (8/144) . فالتخلص من الورقة التي مع أبيك، يكون بتمزيقها، وحرقها، مع تذكيره بالتوبة إلى الله تعالى من تعليق التمائم والتعلّق بها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 60359 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 863 نبشت قبور مقبرة وبني مكانها مسجد فهل تجوز الصلاة فيه؟ [السُّؤَالُ] ـ[أحد المساجد في مدينتنا وهو أكبرها ثبت أنه كان قد بني مكان مقبرة بعد نبش القبور وتحويلها إلى مكان آخر. المشكلة أن هناك من يقول إنه لم تتم إزالة جميع القبور أو جميع الرفات حيث جيء بجرافة لتسوية المكان بعد إزالة القبور الظاهرة وكلما وجدوا قبراً أزالوه , فما حكم الصلاة فيه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يجب على المسلمين احترام قبور أمواتهم، ولا يحل نبش قبورهم لغير ضرورة، فإن كانت هناك ضرورة فيجب عليهم دفن كل ميت في قبر جديد. وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: أسكن في قرية على حافة جبل وبجوارنا من الجهة اليمانية جبل مرتفع ومن الجهة الغربية حافة جبل، ومن الجهة الشرقية كذلك ومدرجات زراعية تحيط بنا، وعندي قطعة أرض بجوار مقبرة فعزمت على أن أبني لي بيتاً لأن بيت والدي أصبح لا يسعنا، وبعد أن حفرت في نفس الأرض وطرحنا حجر الأساس للبيت، وجدنا قبوراً، فقمنا بإخراج العظم ونقلها إلى محل آخر حيث يوجد عندنا في القرية خندق تحت جبل يوجد فيه رؤوس وأيادي وأرجل وأجزاء من أجسام بني آدم وضعت من قديم الزمان، ولا ندري هل عملنا هذا مشروع أم لا؟ أفيدونا أفادكم الله. فأجاب: "هذا العمل لا يجوز، فما دامت الأرض فيها قبور: فالواجب تركها، فهي تبع المقبرة ما دامت المقبرة بجوار الأرض المذكورة، فالواجب أن لا يتعرض لها، ولا ينبش القبور، وإذا حفر ووجد القبور يتركها، ولا يجوز للناس أن ينبشوا القبور، ويضعوا بيوتهم في محل القبور، فهذا تعد على محل الموتى وظلم للموتى لا يجوز. قد يجوز بعض الأشياء إذا دعت الضرورة إليها مثل إذا دعت الحاجة إلى شارع ينفع المسلمين، واعترضه شيء من القبور، ولا حيلة في صرف الشارع، فقد يجوز أخذ بعض المقبرة ونقل الرفات إلى محل آخر إذا كانت الضرورة دعت إلى توسعة هذا الشارع للمسلمين، ولا حيلة في صرفه عن المقبرة، أما أن يأخذ الناس من المقبرة لتوسعة بيوتهم فهذا لا يجوز" انتهى. " فتاوى نور على الدرب " (السؤال 119) . ثانياً: فإن نبشت قبور الكفار – أو تُعدي على قبور المسلمين فنُبشت – جاز بناء المسجد مكان تلك القبور، فإن بقي من القبور شيء فلا يجوز بناء المسجد عليها، وقد ثبتت الأحاديث في النهي عن بناء المساجد على القبور في الصحيحين وغيرهما، وقد بنى النبي صلى الله عليه وسلم مسجده في المدينة بعد أن نبش قبور الكفار. فإذا بني المسجد فوق قبور المسلمين: لم تجز الصلاة فيه، ويجب هدم المسجد لأن القبور سابقة عليه، فإن كانت القبور في زاوية المسجد وبني جدار فاصل بين المسجد وتلك القبور: جاز ذلك الفعل وصحت الصلاة فيه، وهذه فتاوى العلماء في هذه المسألة: سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: توجد وسط مدينتنا مقبرة قديمة أزالت البلدية أنقاضها وأقامت مكانها حيّاً سكنيّاً ومباني لذوي الدخل المحدود وبقيت منها مساحة كبيرة أقام عليها أهل البر والإحسان مسجداً ليصلي فيه سكان الحي، وبعد بناء المسجد وقع خلاف بين أهل البلد حول جواز الصلاة في هذا المسجد أو عدم جوازها وانقسموا بين مؤيد ومعارض، ما حكم هذا المسجد؟ وهل يجب هدمه أم الإبقاء عليه؟ هل الصلاة في هذا المسجد صحيحة أم لا؟ . فأجابوا: "الأرض التي بني عليها مسجد إذا كانت خالية من القبور صحت الصلاة فيها، وإلا فيجب هدم المسجد الذي بني عليها" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان. " فتاوى اللجنة الدائمة " (1 / 418، 419) . وسئل علماء اللجنة الدائمة – أيضاً -: إن مسجدنا ببلدة " بايانج بمنطقة لاناودل سور " قد تم إنشاؤه بعد زلزال مدمر ضرب المنطقة عام 1955م، حيث تحطمت جدرانه وأساساته، وقد قرر المسئولون وزعماء البلدة تعميره واتفقوا على تسوية الأرض الواقعة على الجانب الشرقي من المسجد المذكور علما بأن هذه المساحة من الأرض كانت تستخدم في السابق مقبرة لدفن الموتى، وعند تسوية هذه الأرض بواسطة الآليات الحديثة (البلدوزرات) فقد تم العثور على عدد كبير من عظام رفات الأموات حيث تمت إعادة دفنها ونقل بعض منها إلى الجزء الغربي من المسجد ولكن بداخل سور نفس المسجد الحالي. 1- فهل من الجائز إقامة صلاة الجمعة والجماعة بداخل هذا المسجد؟ . 2- إذا كان الجواب بالنفي: فهل من الممكن معالجة الأمر بإقامة حاجز أو حائط فاصل داخل الجانب الغربي لهذا المسجد حيث تم نقل عظام رفات الموتى. فأجابوا: "إذا كان المسجد الحالي لم يعمر على أرض فيها قبور: فالواجب نبش القبور التي وضعت في جهته الغربية ونقل رفاتها إلى أرض المقابر، وإن كانت من المسلمين: فتنتقل إلى قبور المسلمين، وإن كانت قبور كفار: نقلت إلى مقابر الكفار، على أن يوضع رفات كل ميت مسلم في حفرة واحدة يسوى ظاهرها كبقية القبور حتى لا يمتهن، فإن تعذر نقل الرفات من غربي المسجد: فلا مانع من فصلها بجدار يفصلها عن بقية المسجد. أما إن كانت أصل أرض المسجد فيها قبور: فالواجب التماس أرض أخرى سليمة يقع عليها المسجد، وتبقى أرض المسجد الأولى مقبرة كأصلها" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان. " فتاوى اللجنة الدائمة " (1 / 419 – 421) . وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: "وإذا كان في المسجد قبر: وجب أن ينبش وينقل ما فيه من عظام - إن وجدت - إلى مقبرة البلد فيحفر لها وتدفن في المقبرة؛ لأنه لا يجوز شرعاً وضع قبور في المساجد ولا بناء المساجد عليها؛ لأن ذلك من وسائل الشرك والفتنة بالمقبور، كما قد وقع ذلك في أكثر بلاد المسلمين من أزمان طويلة بأسباب الغلو في أصحاب القبور، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بنبش القبور التي كانت في محل مسجده عليه الصلاة والسلام ... فهذه الأحاديث وما جاء في معناها كلها تدل على تحريم البناء على القبور، واتخاذ المساجد عليها، والصلاة فيها وإليها وتجصيصها ونحو ذلك من أسباب الشرك بأربابها ... وذكر أهل العلم أن القبر إذا وضع في مسجد وجب نبشه وإبعاده عن المسجد، وإن كان المسجد هو الذي حدث أخيرا بعد وجود القبر وجب هدم المسجد وإزالته؛ لأنه هو الذي حصل ببنائه المنكر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حذر من بناء المساجد على القبور ولعن اليهود والنصارى على ذلك، ونهى أمته عن مشابهتهم، وقال لعلي رضي الله عنه: (لا تدع صورة إلا طمستها ولا قبراً مشرفاً إلا سوَّيته) " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (6 / 337، 338) . وعلى هذا فينظر في المكان الذي بني عليه المسجد، إن كان تحت أرضية المسجد قبور، فلا تجوز الصلاة فيه، وإن لم يكن تحته قبور جازت الصلاة فيه. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 60003 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 864 حديث توسل آدم بالنبي وتفسير: (وابتغوا إليه الوسيلة) [السُّؤَالُ] ـ[أرجو تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة) المائدة/35، وذلك ردّاً على الصوفية في التوسل، حيث إن بعضهم فسرها بجواز التوسل بالأنبياء والأولياء، أما بالنسبة لحديث آدم لما اقترف الخطيئة فيقولون: إن البيهقي صحح الحديث، وإن الذهبي أثنى على هذا الكتاب.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: حديث اقتراف آدم للخطيئة وتوسله بالنبي صلى الله عليه وسلم حديث موضوع مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آدم عليه السلام. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (34715) ونقلنا عن أهل العلم تبيينهم لكذبه، ومن هؤلاء العلماء الإمام الذهبي رحمه الله. والبيهقي رحمه الله لم يرو الحديث في سننه، بل رواه في "دلائل النبوة" (5/489) وضعَّفه، فقد قال بعد سياقه للحديث: " تفرد به عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وهو ضعيف ". ومما يرجح نكارة المتن وبطلانه: أن الدعاء الذي قبِل الله به توبة آدم هو ما قاله الله في سورة الأعراف: (قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) الأعراف/23، فهذا هو الدعاء الذي دعا به آدم وحواء، وفيه دعاء الله تعالى وحده، والتوسل بأسمائه وصفاته، والتوسل بذكر حالهم، وهي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه ثم قالها فتاب الله تعالى عليه، كما قال تعالى: (فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) البقرة/37. ثانياً: أما تفسير لفظ " الوسيلة " في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) المائدة/35: فهي الطريق الموصلة إلى الله تعالى، ولا طريق موصلة إليه عز وجل إلا الطريق التي يحبها الله ويرضى عنها، وتكون بطاعته وترك معصيته. قال ابن كثير رحمه الله: " يقول تعال آمراً عباده المؤمنين بتقواه، وهي إذا قرنت بطاعته كان المراد بها الانكفاف من المحارم وترك المنهيات، وقد قال بعدها: (وابتغوا إليه الوسيلة) قال سفيان الثوري عن طلحة عن عطاء عن ابن عباس: أي: القربة، وكذا قال مجاهد وأبو وائل والحسن وقتادة وعبد الله بن كثير والسدي وابن زيد وغير واحد، وقال قتادة: أي: تقربوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه، وقرأ ابن زيد: (أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة) ، وهذا الذي قاله هؤلاء الأئمة لا خلاف بين المفسرين فيه. والوسائل والوسيلة: هي التي يتوصل بها إلى تحصيل المقصود " انتهى. "تفسير ابن كثير" (2/53، 54) . وقال الشنقيطي رحمه الله: " اعلم أن جمهور العلماء على أن المراد بالوسيلة هنا هو القربة إلى الله تعالى بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه على وفق ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم بإخلاص في ذلك لله تعالى؛ لأن هذا وحده هو الطريق الموصلة إلى رضى الله تعالى، ونيل ما عنده من خير الدنيا والآخرة. وأصل الوسيلة: الطريق التي تقرب إلى الشيء، وتوصل إليه وهي العمل الصالح بإجماع العلماء؛ لأنه لا وسيلة إلى الله تعالى إلا باتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فالآيات المبينة للمراد من الوسيلة كثيرة جدّاً كقوله تعالى: (وَمَآءَاتَـ?كُمُ ?لرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَـ?كُمْ عَنْهُ فَ?نتَهُواْ) ، وكقوله: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ?للَّهَ فَ?تَّبِعُونِى) ، وقوله: (قُلْ أَطِيعُواْ ?للَّهَ وَأَطِيعُواْ ?لرَّسُولَ) ، إلى غير ذلك من الآيات. وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن المراد بالوسيلة الحاجة. . . وعلى هذا القول الذي روي عن ابن عباس فالمعنى: (وَ?بْتَغُواْ إِلَيهِ ?لْوَسِيلَةَ) : واطلبوا حاجتكم من الله؛ لأنه وحده هو الذي يقدر على إعطائها، ومما يبين معنى هذا الوجه قوله تعالى: (إِنَّ ?لَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ?للَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَ?بْتَغُواْ عِندَ ?للَّهِ ?لرِّزْقَ وَ?عْبُدُوهُ) ، وقوله: (وَ?سْأَلُواْ ?للَّهَ مِن فَضْلِهِ) ، وفي الحديث: (إذا سألتَ فاسأل الله) . ثم قال الشنقيطي رحمه الله: التحقيق في معنى الوسيلة هو ما ذهب إليه عامة العلماء من أنها التقرب إلى الله تعالى بالإخلاص له في العبادة، على وفق ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وتفسير ابن عباس داخل في هذا؛ لأن دعاء الله والابتهال إليه في طلب الحوائج من أعظم أنواع عبادته التي هي الوسيلة إلى نيل رضاه ورحمته. وبهذا التحقيق تعلم أن ما يزعمه كثير من ملاحدة أتباع الجهَّال المدعين للتصوُّف من أن المراد بالوسيلة في الآية الشيخ الذي يكون له واسطة بينه وبين ربه: أنه تخبط في الجهل والعمى وضلال مبين، وتلاعب بكتاب الله تعالى، واتخاذ الوسائط من دون الله من أصول كفر الكفار، كما صرح به تعالى في قوله عنهم: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ?للَّهِ زُلْفَى?) وقوله: (وَيَقُولُونَ هَـ?ؤُلا?ءِ شُفَعَـ?ؤُنَا عِندَ ?للَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ ?للَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِى ?لسَّمَوَتِ وَلاَ في ?لأرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى? عَمَّا يُشْرِكُونَ) ، فيجب على كل مكلف أن يعلم أن الطريق الموصلة إلى رِضى الله وجنته ورحمته هي اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن حاد عن ذلك فقد ضل سواء السبيل، (لَّيْسَ بِأَمَـ?نِيِّكُمْ وَلا? أَمَانِىِّ أَهْلِ ?لْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُو?ءًا يُجْزَ بِهِ) . وهذا الذي فسرنا به الوسيلة هنا هو معناها أيضاً في قوله تعالى: (أُولَـ?ئِكَ ?لَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى? رَبِّهِمُ ?لْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ) ، وليس المراد بالوسيلة أيضاً المنزلة التي في الجنة التي أمرنا صلى الله عليه وسلم أن نسأل له الله أن يعطيه إياها، نرجو الله أن يعطيه إياها؛ لأنها لا تنبغي إلا لعبد، وهو يرجو أن يكون هو " انتهى باختصار. "أضواء البيان" (2/86– 88) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 60041 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 865 حكم من طلب من غير الله أن يهبه الأولاد أو يزيد في رزقه ولا ينقصه؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من اعتقد في الولي أو المرشد أنه أعطاه الولد، أو أنه يزيد في الرزق وينقص؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من اعتقد أن الولد من عطاء غير الله، أو أن أحدا سوى الله يزيد في الرزق وينقص منه، فهو مشرك شركا أشد من شرك العرب وغيرهم في الجاهلية , فإن العرب ونحوهم كانوا في جاهليتهم إذا سئلوا عمن يرزقهم من السماء والأرض، وعمن يخرج الحي من الميت، ويخرج الميت من الحي , قالوا: الله , وإنما عبدوا آلهتهم الباطلة لزعمهم أنها تقربهم إلى الله زلفى , قال الله تعالى: (قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون) يونس/31، وقال: (والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار) الزمر/3 وقال: (أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه) الملك/21 وثبت في السنة أن العطاء والمنع إلى الله وحده , فمن ذلك ما رواه البخاري (844) ، ومسلم (593) عن المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك وله الحمد , وهو على كل شيء قدير , اللهم لا مانع لما أعطيت , ولا معطي لما منعت , ولا ينفع ذا الجد منك الجد " لكن قد يعطي الله عبده ذرية ويوسع له في رزقه بدعائه إياه ولجئه إليه وحده كما هو واضح في سورة إبراهيم من دعاء إبراهيم الخليل ربه وإجابة الله دعاءه , وفي سورة مريم والأنبياء وغيرهما من دعاء زكريا ربه وإجابته دعاءه , وكما ثبت عن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أجله , فليصل رحمه " رواه البخاري (2067) ومسلم (2557) والله أعلم. وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] انظر فتاوى اللجنة الدائمة (1 / 65) . الحديث: 48993 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 866 يسأل عن معنى كلمة أنواط [السُّؤَالُ] ـ[في حديث أبي واقد الليثي، رضي الله عنه، قال: (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى حنين ونحن حدثاء عهد بكفر وللمشركين سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم يقال لها ذات أنواط ... ) ، فما معنى كلمة أنواط؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث رواه الإمام أحمد21390، والترمذي 2180وقال: حسن صحيح، وابن أبي عاصم في السنة، وقال المناوي: إسناده صحيح، وصححه الألباني في رياض الجنة رقم 76] وردت هذه الكلمة في حديث أبي واقد الليثي، رضي الله عنه: (أنَّهُمْ خَرَجُوا عَنْ مَكَّةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى حُنَيْنٍ، قَالَ وَكَانَ لِلْكُفَّارِ سِدْرَةٌ يَعْكُفُونَ عِنْدَهَا وَيُعَلِّقُونَ بِهَا أَسْلِحَتَهُم،ْ يُقَالُ لَهَا: ذَاتُ أَنْوَاطٍ، قَالَ: فَمَرَرْنَا بِسِدْرَةٍ خَضْرَاءَ عَظِيمَةٍ، قَالَ: فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْتُمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِه،ِ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى: اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةً قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ، إِنَّهَا لَسُنَنٌ لَتَرْكَبُنَّ سُنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ سُنَّةً سُنَّة.) ً وعند ابن أبي عاصم في كتاب السنة: (ونحن حديثو عهد بكفر) سدرة أي: شجرة وقَوْلُهُ: يُقَالُ لَهَا ذَاتُ أَنْوَاطٍ، الأنواط: جمع نوط، وهو كل شيء يعلق، وذات الأنواط هي الشجرة التي يعلق عليها هذه المعاليق. قَالَ ابن الأثير فِي النِّهَايَةِ: هِيَ اِسْمُ شَجَرَةٍ بِعَيْنِهَا كَانَتْ لِلْمُشْرِكِين، يَنُوطُونَ بِهَا سِلَاحَهُمْ، أَيْ يُعَلِّقُونَهُ بِهَا، وَيَعْكُفُونَ حَوْلَهَا، فَسَأَلُوهُ أَنْ يَجْعَلَ لَهُمْ مِثْلَهَا، فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ. وقوله: " قُلْتُمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِه،ِ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى: اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةً قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ "، شبه مقالتهم هذه بقول بني إسرائيل لما مروا على قوم عاكفين على أصنام لهم، طلبوا من موسى عليه السلام أن يجعل لهم إلهاً يعكفون عليه كما لأولئك إله. (إنها لسنن) ، أي: طرق، (لَتَرْكَبُنَّ) أي: لَتَتَّبِعُنَّ، (سُنَّةَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ) أي: طريقة من كان قبلكم من الأمم، وَالْمُرَادُ هُنَا طَرِيقَةُ أَهْلِ الأْهَوَاءِ وَالْبِدَعِ الَّتِي اِبْتَدَعُوهَا مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ بَعْدَ أَنْبِيَائِهِمْ مِنْ تَغْيِيرِ دِينِهِمْ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ: " لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا , وَذِرَاعًا ذِرَاعًا , حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ " قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى. قَالَ " فَمَنْ "؟ قال النووي: وَفِي هَذَا مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم؛َ فَقَدْ وَقَعَ مَا أَخْبَرَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وفي هذا الحديث من الفوائد: 1- التحذير من الشرك، وأن الإنسان قد يستحسن شيئا يظن أنه يقربه إلى الله، وهو أبعد ما يبعده من رحمة ربه، ويقربه من سخطه. 2- بيان أن التبرك بالأشجار والأحجار، والعكوف عليها، والتعلق بها، من الشرك الذي وقع في هذه الأمة، وأن من وقع فيه فهو تابع لطريق اليهود والنصارى، تارك لطريق النبي، صلى الله عليه وسلم. 3- أن العبرة بالمعاني، وليس بالألفاظ؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم شبه قولهم بقول بني إسرائيل، مع أنهم لم يطلبوا إلها من دون الله، صراحة. 4- النهي عن التشبه بأهل الجاهلية والكتاب فيما هو من خصائصهم وعباداتهم. 5- وفيه أن المنتقل من الباطل الذي اعتاده، لا يأمن أن يكون في قلبه بقية من تلك العادة لأن الصحابة الذين طلبوا ذلك لم يكن مضى على إسلامهم إلا أيام معدودة، لأنهم أسلموا يوم فتح مكة ثم خرج بهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى غزوة حنين فوقعت تلك الوقعة وهم في طريقهم إلى حنين. [انظر فتح المجيد، بشرح كتاب التوحيد، 139-147، القول المفيد، للشيخ ابن عثيمين] . ونذكر السائل الكريم بأن هذا الحديث قد ذكره شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله، في كتابه المبارك: كتاب التوحيد، في باب: من تبرك بشجرة أو حجر ونحوهما. فننصح لتمام الفائدة، باقتنائه، مع شيء من شروحه، خاصة الشرحين المشار إليهما. والله الموفق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50147 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 867 يسأل عن بيع اللعب المجسمة، وهل يؤثر في الصيام [السُّؤَالُ] ـ[أعمل في محل لُعب ونبيع الدمى والألعاب التي على شكل البشر، فما حكم ذلك؟ وهل يجوز لي أن أبدأ صيامي فيما بعد بسبب عملي هذا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قد سبق بيان تحريم صنع الصور والتماثيل سؤال رقم 7222، وسبق أيضا بيان تحريم بيعها وشرائها سؤال رقم 49676. لكن إذا كانت هذه الصور والدمى لعبا للأطفال فقد دلت السنة على جوازها؛ ففي الصحيحين من حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: (كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،َ وَكَانَ لِي صَوَاحِبُ يَلْعَبْنَ مَعِي ... الحديث) البخاري 6130، مسلم 2440 قال ابن حجر: وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى جَوَاز اِتِّخَاذ صُوَر الْبَنَات وَاللَّعِب مِنْ أَجْل لَعِب الْبَنَات بِهِنَّ , وَخُصَّ ذَلِكَ مِنْ عُمُوم النَّهْي عَنْ اِتِّخَاذ الصُّوَر , وَبِهِ جَزَمَ عِيَاض وَنَقَلَهُ عَنْ الْجُمْهُور , وَأَنَّهُمْ أَجَازُوا بَيْع اللَّعِب لِلْبَنَاتِ لِتَدْرِيبِهِنَّ مِنْ صِغَرهنَّ عَلَى أَمْر بُيُوتهنَّ وَأَوْلادهنَّ وَقَدْ تَرْجَمَ اِبْن حِبَّان الإِبَاحَةُ لِصِغَارِ النِّسَاء اللَّعِب بِاللَّعَبِ..وفي رِوَايَة جرير عن هشام: " كُنْت أَلْعَب بِالْبَنَاتِ وَهُنَّ اللُّعِب " أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَة وَغَيْره , وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ وَجْه آخَر عَنْ عَائِشَة قَالَتْ: " قَدِمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَة تَبُوك أَوْ خَيْبَر " فَذَكَرَ الْحَدِيث فِي هَتْكه السِّتْر الَّذِي نَصَبَتْهُ عَلَى بَابهَا قَالَتْ: " فَكَشَفَ نَاحِيَة السِّتْر عَلَى بَنَات لِعَائِشَة لُعَب فَقَالَ: مَا هَذَا يَا عَائِشَة , قَالَتْ: بَنَاتِي. قَالَتْ: وَرَأَى فِيهَا فَرَسًا مَرْبُوطًا لَهُ جَنَاحَانِ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قُلْت فَرَس. قَالَ فَرَس لَهُ جَنَاحَانِ؟ قُلْت: أَلَمْ تَسْمَع أَنَّهُ كَانَ لِسُلَيْمَان خَيْل لَهَا أَجْنِحَة؟ فَضَحِكَ " انتهى مختصرا. [والرواية التي ذكرها ابن حجر عند أبي داود برقم 22813، وصححها الألباني في غاية المرام 129] قال الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله: (أما الذي لا يوجد فيه تخطيط كامل، وإنما يوجد فيه شيء من الأعضاء والرأس، ولكن لم تتبين فيه الخلقة، فهذا لاشك في جوازه، وأنه من جنس البنات اللاتي كانت عائشة، رضي الله عنها، تلعب بهن. وأما إذا كان كامل الخلقة، وكأنما تشاهد إنسانا، ولاسيما إن كان له حركة أو صوت، فإن في نفسي من جواز هذه شيئا، لأنه يضاهي خلق الله تماما، والظاهر أن اللعب التي كانت عائشة تلعب بهن ليست على هذا الوصف، فاجتنابها أولى؛ ولكني لا أقطع بالتحريم؛ نظرا لأن الصغار يرخص لهم ما لا يرخص للكبار في مثل هذه الأمور، فإن الصغير مجبول على اللعب والتسلي، وليس مكلفا بشيء من العبادات حتى نقول: إن وقته يضيع عليه لهوا وعبثا، وإذا أراد الإنسان الاحتياط في مثل هذا فليقلع الرأس، أو يحميه على النار حتى يلين، ثم يضغطه حتى تزول معالمه.) مجموع فتاوى الشيخ 2/277-278 وأما قول السائل: وهل يجوز لي أن أبدأ صيامي، فيما بعد، بسبب عملي هذا؟ فلم يتبين لنا مراده به تماما؛ فإن كان يعني أن هذا العمل يبطل الصيام، ويكون المشروع في حقه قضاء الصيام في وقت آخر لا يشتغل فيه بهذا العمل المحرم، فقد سبق بيان أن جميع المعاصي تؤثر في الصيام، فينقص بذلك أجره، وقد يحرم ثواب صومه بالكلية، إذا كثر عمله بالمعاصي، لكن صيامه لا يبطل، ولا يؤمر بقضائه، وإنما عليه أن يكف نفسه عن هذه المعاصي في كل وقت، وخاصة في رمضان. انظر السؤال رقم (37877) و (37989) . وإن كان يريد السؤال عن أمر آخر، فنرجو إيضاحه حتى نتمكن من الإجابة عليه. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49844 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 868 يسأل عن بيع الصور والمجسمات [السُّؤَالُ] ـ[هل بيع الصور والمجسمات للحيوانات حرام ?.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سبق الكلام عن تحريم صناعة هذه التماثيل، والتشديد في شأنها، والأمر بطمسها وإزالتها. انظر إجابة السؤال رقم (7222) ، ويستوي في هذا الحكم صورة كل ما له روح من إنسان أو حيوان. وينبني على ذلك الكلام في حكم بيع هذه الصور والمجسمات؛ فلا شك أنه إذا حرم صناعتها، واقتناؤها، حرم بيعها، وشراؤها. وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما، عن جابرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ: إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالأَصْنَامِ. فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ؛ فَإِنَّهَا يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ؟ فَقَال:َ لا هُوَ حَرَامٌ. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ: قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُود،َ إِنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ، ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَه. البخاري 2236، مسلم 1581. [يستصبح بها الناس: أي: يشعلون بها مصابيحهم. جملوه أي: أذابوه واستخرجوا دهنه] . قال القاضي عياض، رحمه الله: (تضمن هذا الحديث أن ما حرم أكله والانتفاع به، لا يجوز بيعه، ولا يحل أكل ثمنه.) وقال الحافظ ابن حجر، رحمه الله: (وفيه أن الشيء إذا حرم عينه، حرم ثمنه.) وهذا الذي ذكره القاضي وابن حجر ثبت في رواية ابن عباس، رضي الله عنهما، لهذا الحديث، ففي آخره: (إن الله عز وجل إذا حرم أكل شيء حرم ثمنه) مسند أحمد رقم 2223. وقد سئل سماحة الشيخ ابن باز، رحمه الله: هل يجوز للمسلم أن يبيع التماثيل، ويجعلها بضاعة له، ويعيش من ذلك؟ فأجاب: (لا يجوز للمسلم أن يبيع أو يتجر فيها، لما ثبت في الأحاديث الصحيحة من تحريم تصوير ذوات الأرواح، وإقامة التماثيل لها مطلقا، والإبقاء عليها. ولاشك أن في الاتجار فيها ترويجا لها، وإعانة على تصويرها وإقامتها بالبيوت والأندية ونحوها. وإذا كان ذلك محرما، فالكسب من إنشائها وبيعها حرام، لا يجوز للمسلم أن يعيش منه بأكل أو كسوة أو نحو ذلك، وعليه إن وقع في ذلك أن يتخلص منه، ويتوب إلى الله تعالى، عسى الله أن يتوب عليه، قال تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82 وقد صدرت منا فتوى في تحريم تصوير ذوات الأرواح مطلقا، صورا مجسمة أو غير مجسمة، بنحت أو نسخ، أو صبغ أو بآلة التصوير الحديثة " كوداك ") الجواب المفيد في حكم التصوير، لسماحة الشيخ ابن باز 49-50. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49676 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 869 حكم التشاؤم برفة العين [السُّؤَالُ] ـ[عيني اليمنى لها أكثر من أسبوع ترف، ويقول لي البعض إنها فأل شر، فبماذا تفتونني؟؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا علاقة لما ذكرته من رفة العين بفأل الشر، بل هذا من التشاؤم الذي يجب على المسلم الحذر منه؛ فإنه من أفعال الجاهلية، وقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه نهى عن التطيّر، وأخبر أنه من الشرك الأصغر المنافي لكمال التوحيد الواجب، لكون الطيرة من إلقاء الشيطان وتخويفه ووسوسته، والمراد بالتطير أو الطيرة هو: (التشاؤم بمرئي أو مسموع أو معلوم) وقد جاء نهيه صلى الله عليه وسلم عنها في غير ما حديث، فمن ذلك: - حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا عدوى ولا طيرة) رواه البخاري (5757) ومسلم (102) - وما رواه أبو داود (3910) والترمذي (1614) وصححه، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الطيرة شرك، الطيرة شرك، وما منّا إلا .... ، ولكن الله يذهبه بالتوكل) وقوله: (وما منا إلا ... ) إلخ، من كلام ابن مسعود، وليس من كلام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومعناه: ما منا من أحد إلا وقد يقع في قلبه شيء من الطيرة والتشاؤم إلا أن الله تعالى يذهب ذلك من القلب بالتوكل عليه وتفويض الأمر إليه. - وما جاء أيضاً من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل قالوا: وما الفأل؟ قال: الكلمة الطيبة) رواه البخاري (5756) ومسلم (2220) فهذه الأحاديث صريحةٌ في تحريم التشاؤم والتحذير منه، لما فيه من تعلّق القلب بغير الله تعالى، ولأن كل مَنْ اعتقد أن بعض الأشياء قد تتسبب في نفعه أو ضره، والله لم يجعلها سببا لذلك؛ فقد وقع في الشرك الأصغر، وفتح للشيطان باباً لتخويفه وإيذائه في نفسه وبدنه وماله، ولذا نفاها الشارع وأبطلها وأخبر أنه لا تأثير لها في جلب نفع أو دفع ضر. فإذا علمت ذلك ـ وفقك الله ـ فإنْ وقع لك شيء من ذلك فعليك أن تتقي الله، وأن تتوكل عليه وتستعين به، ولا تلتفت إلى هذه الخواطر السيئة والأوهام الباطلة، وقد أرشدنا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى علاج التشاؤم، وذلك فيما أخرجه الإمام أحمد في مسنده (2 / 220) وصححه الألباني في الصحيحة (1065) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: (من ردّته الطيرة عن حاجته فقد أشرك، قالوا: وما كفارة ذلك؟ قال: أن تقول: اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك) . فلا ينبغي للمؤمن أن يكون متشائماً، بل عليه أن يكون دائماً متفائلاً حَسَنَ الظن بربه فإذا سمع شيئاً، أو رأى أمراً؛ ترقب منه الخير؛ وإن كان ظاهره على خلاف ذلك، فيكون مؤملاً للخير من ربه في جميع أحواله، وهذه حال المؤمن، فإن أمره كله له خير كما قال صلى الله عليه وسلم: " عجبا لأمر المؤمن. إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرا له ". صحيح مسلم (2999) ، وبهذا يكون المؤمن دائما في حال من الرضى والطمأنينة والتوكل على الله، وبُعْدٍ عن الهموم والأحزان التي يوسوس له بها الشيطان الذي يحب أن يُحزِن الذين آمنوا، وهو لا يقدر على أن يضرهم بشيء، نسأل الله لنا ولك السلامة من كل مكروه والله تعالى أعلم. للاستزادة (فتاوى الشيخ ابن عثيمين 2 / 210) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 46985 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 870 تتنبأ بأشياء تكاد تكون صحيحة ويعتقدون أنها تعلم الغيب [السُّؤَالُ] ـ[امرأة تقول إنها أخلصت في طاعة الله، وأثناء نومها زارها رجل يلبس جلباباً أبيض، وطاف حولها، وبعد ذلك أصبحت تتنبأ بأشياء تكاد تكون صحيحة، فعرف الناس بها، وأخذوا يترددون عليها، ويقولون: إنها تعلم الغيب، ولا يعلم الغيب إلا الله، فما حكم هذه المرأة؟ وبم ننصحها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز لأحد أن يدَّعي علم الغيب، ومن ادَّعاه فقد كفر، ولا يجوز لأحدٍ أن يعتقد أن أحداً يعلم الغيب، ومن اعتقد ذلك فقد كفر. وقد أخبر الله تعالى أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب، وأخبر أن الجن لا يعلمون الغيب. وإنما قصدنا بذلك الغيب المطلق الذي لا يعلمه إلا الله، وأما الغيب النسبي وهو ما يعلمه أناس دون آخرين: فهذا قد يستطيع بعض الناس علمه وإنما يكون البحث في كيفية اطلاعهم عليه، فمنهم من يعرفه بالتجسس ومنهم من يعرفه عن طريق الجن، وكلاهما طريق لا يجوز سلوكه. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل الجن يعلمون الغيب؟ . فأجاب: الجن لا يعلمون الغيب لقوله تعالى: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ) ، واقرأ قوله تعالى: (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلا دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ) ، ومن ادعى علم الغيب فهو كافر، ومن صدَّق من يدعي علم الغيب فإنه كافر أيضاً لقوله تعالى: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ) ، فلا يعلم غيب السماوات والأرض إلا الله وحده، وهؤلاء الذين يدعون أنهم يعلمون الغيب في المستقبل كل هذا من الكهانة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أن من أتى عرافاً فسأله لم تقبل له صلاة أربعين يوماً "، فإن صدَّقه فإنه يكون كافراً لأنه إذا صدَّقه بعلم الغيب فقد كذَّب قوله تعالى: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ) . " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (1 / السؤال رقم 115) بتصرف. وسئل الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله -: عن حكم من يدعي علم الغيب؟ . فأجاب: الحكم فيمن يدَّعي علم الغيب أنه كافر؛ لأنه مكذِّّّب لله عز وجل، قال الله تعالى:) قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) ، وإذا كان الله عز وجل يأمر نبيه محمداً صلي الله عليه وسلم أن يعلن للملأ أنه لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله، فإن من ادَّعى علم الغيب فقد كذب الله عز وجل في هذا الخبر. ونقول لهؤلاء: كيف يمكن أن تعلموا الغيب والنبي صلي الله عليه وسلم لا يعلم الغيب؟ هل أنتم أشرف أم الرسول صلي الله عليه وسلم؟ ! فإن قالوا: نحن أشرف من الرسول: كفروا بهذا، وإن قالوا: هو أشرف، فنقول: لماذا يحجب عنه الغيب وأنتم تعلمونه؟ ! وقد قال الله عز وجل عن نفسه: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) ، وهذه آية ثانية تدل على كفر من ادعى علم الغيب، وقد أمر الله تعالى نبيَّه صلي الله عليه وسلم أن يعلن للملأ بقوله: (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى) " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (1 / السؤال رقم 22) . والذي يتنبأ بالمستقبل يسمَّّّى " كاهناً "، ولا يحل سؤاله ولا إتيانه، وأما صدقهم أحياناً في تنبؤاتهم فإما أن يكون من باب موافقة القدَر، وإما أن يكون من الجن الذي يسترق السمع، فيلقي الجنُّ الكلمة على الكاهن فيكذب معها مئة كذبة. عن عائشة رضي الله عنها قالت: سأل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ناسٌ عن الكهان فقال: ليس بشيء، فقالوا: يا رسول الله إنهم يحدثونا أحياناً بشيء فيكون حقا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تلك الكلمة من الحق يخطفها من الجني فيقرها في أذن وليه فيخلطون معها مائة كذبة. رواه البخاري (5429) ومسلم (2228) . قال الحافظ ابن حجر: قال القرطبي: كانوا في الجاهلية يترافعون إلى الكهان في الوقائع والأحكام ويرجعون إلى أقوالهم , وقد انقطعت الكهانة بالبعثة المحمدية , لكن بقي في الوجود من يتشَّبه بهم , وثبت النهي عن إتيانهم فلا يحل إتيانهم ولا تصديقهم. قوله: " إنهم يحدثوننا أحيانا بشيء فيكون حقا " في رواية يونس " فإنهم يتحدثون " هذا أورده السائل إشكالا على عموم قوله " ليسوا بشيء " لأنه فهِم أنهم لا يصدقون أصلا فأجابه صلى الله عليه وسلم عن سبب ذلك الصدق , وأنه إذا اتفق أن يصدق لم يتركه خالصا بل يشوبه بالكذب ... قال الخطابي: بيَّن صلى الله عليه وسلم أن إصابة لكاهن أحيانا إنما هي لأن الجني يلقي إليه الكلمة التي يسمعها استراقا من الملائكة فيزيد عليها أكاذيب يقيسها على ما سمع , فربما أصاب نادرا وخطؤه الغالب." فتح الباري " (10 / 219، 220) . أما ما ذكر في السؤال من ما رأته تلك المرأة في منامها، فإن مثل هذه الأحلام لا يؤخذ منها أي دليل على حكم شرعي فضلا عن أن تدل على مصادمة لقضية من قضايا العقيدة المقررة وعليه فيُعدُّ ما رأته في منامها نوعا من أنواع تلاعب الشيطان بها واستغلاله لجهلها. ولمعرفة أحكام ما يُرى في المنام تراجع الأسئلة (25768) ، (6537) ، (23367) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45569 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 871 معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا عدوى" [السُّؤَالُ] ـ[ما النص الأصلي لحديث "لا عدوى في الدين" وما هو المقصود به؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحديث مروي بألفاظ، منها: ما رواه البخاري (5776) ومسلم (2224) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: "َ لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ قَالُوا وَمَا الْفَأْلُ قَالَ كَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ". ورواه البخاري (5316) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ وَلا هَامَةَ وَلا صَفَرَ ". قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (قوله صلى الله عليه وسلم: (لا عدوى) . لا نافية للجنس، ونفي الجنس أعم من نفي الواحد والاثنين والثلاثة؛ لأنه نفي للجنس كله، فنفي الرسول صلى الله عليه وسلم العدوى كلها. والعدوى: انتقال المرض من المريض إلى الصحيح، وكما يكون في الأمراض الحسية يكون أيضا في الأمراض المعنوية الخلقية، ولهذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن جليس السوء كنافخ الكير؛ إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه رائحة كريهة. فقوله: (لا عدوى) يشمل الحسية والمعنوية، وإن كانت في الحسية أظهر. قوله: (ولا طيرة) الطيرة هي التشاؤم بمرئي أو مسموع أو معلوم. قوله: (ولا هامة) . الهامة؛ بتخفيف الميم فسرت بتفسيرين: الأول: أنها طير معروف يشبه البومة، أو هي البومة، تزعم العرب أنه إذا قتل القتيل؛ صارت عظامُةُ هامة تطير وتصرخ حتى يؤخذ بثأره، وربما اعتقد بعضهم أنها روحه. التفسير الثاني: أن بعض العرب يقولون: الهامة هي الطير المعروف، لكنهم يتشاءمون بها، فإذا وقعت على بيت أحدهم ونعقت؛ قالوا: إنها تنعق به ليموت، ويعتقدون أن هذا دليل قرب أجله، وهذا كله بلا شك عقيدة باطلة. قوله: (ولا صفر) . قيل: إنه شهر صفر، كانت العرب يتشاءمون به ولاسيما في النكاح. وقيل: إنه داء في البطن يصيب الإبل وينتقل من بعير إلى آخر، وعلى هذا؛ فيكون عطفه على العدوى من باب عطف الخاص على العام. ... والأقرب أن صفر يعني الشهر، وأن المراد نفي كونه مشؤوما؛ أي: لا شؤم فيه، وهو كغيره من الأزمان يقدر فيه الخير ويقدر فيه الشر. وهذا النفي في هذه الأمور الأربعة ليس نفيا للوجود؛ لأنها موجودة، ولكنه نفي للتأثير؛ فالمؤثر هو الله، فما كان منها سببا معلوما؛ فهو سبب صحيح، وما كان منها سببا موهوما؛ فهو سبب باطل، ويكون نفيا لتأثيره بنفسه إن كان صحيحا، ولكونه سببا إن كان باطلا. فقوله: (لا عدوى) : العدوى موجودة، ويدل لوجودها قوله صلى الله عليه وسلم: " لا يورد ممرض على مصح " أي: لا يورد صاحب الإبل المريضة على صاحب الإبل الصحيحة؛ لئلا تنتقل العدوى. وقوله صلى الله عليه وسلم: " فر من المجذوم فرارك من الأسد " والجذام مرض خبيث معد بسرعة ويتلف صاحبه؛ حتى قيل: إنه الطاعون؛ فالأمر بالفرار من المجذوم لكي لا تقع العدوى منه إليك، وفيه إثبات لتأثير العدوى، لكن تأثيرها ليس أمرا حتميا، بحيث تكون علة فاعلة، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالفرار، وأن لا يورد ممرض على مصح من باب تجنب الأسباب لا من باب تأثير الأسباب نفسها؛ فالأسباب لا تؤثر بنفسها، لكن ينبغي لنا أن نتجنب الأسباب التي تكون سببا للبلاء؛ لقوله تعالى: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) البقرة/195، ولا يمكن أن يقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم ينكر تأثير العدوى؛ لأن هذا أمر يبطله الواقع والأحاديث الأخرى. فإن قيل: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لما قال: " لا عدوى. قال رجل: يا رسول الله! الإبل تكون صحيحة مثل الظباء، فيدخلها الجمل الأجرب فتجرب؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فمن أعدى الأول؟ " يعني أن المرض نزل على الأول بدون عدوى، بل نزل من عند الله عز وجل؛ فكذلك إذا انتقل بالعدوى؛ فقد انتقل بأمر الله، والشيء قد يكون له سبب معلوم وقد لا يكون له سبب معلوم، فَجَرَبُ الأول ليس سببه معلوما؛ إلا أنه بتقدير الله تعالى، وجرب الذي بعده له سبب معلوم، لكن لو شاء الله تعالى لم يجرب، ولهذا أحيانا تصاب الإبل بالجرب، ثم يرتفع ولا تموت، وكذلك الطاعون والكوليرا أمراض معدية، وقد تدخل البيت فتصيب البعض فيموتون ويسلم آخرون ولا يصابون. فعلى الإنسان أن يعتمد على الله، ويتوكل عليه، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه رجل مجذوم، فأخذ بيده وقال له: " كل " يعني من الطعام الذي كان يأكل منه الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لقوة توكله صلى الله عليه وسلم؛ فهذا التوكل مقاوم لهذا السبب المعدي. وهذا الجمع الذي أشرنا إليه هو أحسن ما قيل في الجمع بين الأحاديث) انتهى من شرح كتاب التوحيد 2/80 وعلى هذا فمعنى قوله صلى الله عليه وسلم: (لا عدوى) أي أن المرض لا ينتقل من المريض إلى الصحيح بنفسه، وإنما ينتقل بتقدير الله تعالى، فمخالطة المريض للصحيح سبب من أسباب انتقال المرض، ولكن ليس معنى ذلك أنه واقع لا محالة، بل لا يقع إلا إذا شاء الله، ولهذا نجد كثيرا ما يخلف المرضى الأصحاء ولا ينتقل إليهم المرض. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45694 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 872 شرح حديث (الشؤم في المرأة والدار والفرس) [السُّؤَالُ] ـ[ما المقصود في الحديث الذي يقول إن هناك فأل شر في المرأة والحصان؟ هل المقصود أنه يوجد الشر في المرأة والحصان على العموم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الثابت في السنة هو النهي عن التشاؤم - التطير - والتحذير منه، والإخبار بأنه شرك، ومن ذلك ما رواه البخاري (5776) ومسلم (2224) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: "َ لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ قَالُوا وَمَا الْفَأْلُ قَالَ كَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ". وروى أحمد (4194) وأبو داود (3910) والترمذي (1614) وابن ماجه (3538) عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الطيرة شرك " وصححه الألباني في صحيح أبي داود. وروى أحمد (7045) والطبراني عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من ردته الطيرة من حاجة فقد أشرك" قالوا يا رسول الله ما كفارة ذلك؟ قال: " أن يقول أحدهم: اللهم لا خير إلا خيرك ولا طير إلا طيرك ولا إله غيرك" [حسنه الأرناؤوط وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 6264] . وروى الطبراني في الكبير عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليس منا من تطيَّر ولا من تُطيّر له أو تَكهن أو تُكهن له أو سَحر أو سُحر له " وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 5435 قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: (والتطير: التشاؤم، وأصله الشيء المكروه من قول أو فعل أو مرئي وكانوا يتطيرون بالطيور فإن أخذت ذات اليمين تبركوا بها ومضوا في سفرهم وحوائجهم، وان أخذت ذات الشمال رجعوا عن سفرهم وحاجتهم وتشاءموا بها فكانت تصدهم في كثير من الأوقات عن مصالحهم، فنفى الشرع ذلك وأبطله ونهي عنه، وأخبر أنه ليس له تأثير بنفع ولا ضر فهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم "لاطيرة " وفى حديث آخر "الطيرة شرك" أي اعتقاد أنها تنفع أو تضر إذا عملوا بمقتضاها معتقدين تأثيرها فهو شرك لأنهم جعلوا لها أثرا في الفعل والإيجاد) أ. هـ بتصرف. هذا هو الأصل في مسألة التشاؤم (التطير) ، ثم جاءت أحاديث تفيد أن الشؤم قد يكون في المرأة والدار والفرس، روى البخاري (5093) ومسلم (2252) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الشُّؤْمُ فِي الْمَرْأَةِ وَالدَّارِ وَالْفَرَسِ". وروى البخاري (5094) ومسلم (2252) عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ ذَكَرُوا الشُّؤْمَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنْ كَانَ الشُّؤْمُ فِي شَيْءٍ فَفِي الدَّارِ وَالْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ". وروى أبوداود (3924) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي دَارٍ كَثِيرٌ فِيهَا عَدَدُنَا وَكَثِيرٌ فِيهَا أَمْوَالُنَا فَتَحَوَّلْنَا إِلَى دَارٍ أُخْرَى فَقَلَّ فِيهَا عَدَدُنَا وَقَلَّتْ فِيهَا أَمْوَالُنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ذَرُوهَا ذَمِيمَةً " والحديث حسنه الألباني في صحيح أبي داود. وقد اختلف العلماء في فهم هذه الأحاديث والتوفيق بينها وبين أحاديث النهي عن التطير، فمنهم من حملها على ظاهرها، ورأى أن هذا مستثنى من الطيرة، أي الطيرة منهي عنها إلا أن يكون له دار يكره سكناها أو امرأة يكره صحبتها أو فرس أو خادم فليفارق الجميع بالبيع ونحوه وطلاق المرأة. وقال آخرون شؤم الدار ضيقها وسوء جيرانها وأذاهم، وشؤم المرأة عدم ولادتها وسلاطة لسانها وتعرضها للريب، وشؤم الفرس أن لا يغزى عليها وقيل حرانها وغلاء ثمنها، وشؤم الخادم سوء خلقه وقلة تعهده لما فوض إليه. (شرح النووي على مسلم) . والصحيح أن الطيرة مذمومة كلها، وأنه ليس شيء من النساء أو الدور أو الدواب تضر أو تنفع إلا بإذن الله، فهو سبحانه خالق الخير والشر، وقد يبتلي العبد بامرأة سيئة الخلق، أو دار يكثر فيها العطب، فيشرع للعبد التخلص من ذلك، فرارا من قدر الله إلى قدر الله، وحذرا من الوقوع في التشاؤم المذموم. قال ابن القيم رحمه الله: (وقالت طائفة أخرى: الشؤم في هذه الثلاثة إنما يلحق من تشاءم بها وتطير بها فيكون شؤمها عليه ومن توكل على الله ولم يتشاءم ولم يتطير لم تكن مشؤومة عليه. قالوا ويدل عليه حديث أنس" الطيرة على من تطير" وقد يجعل الله سبحانه تطير العبد وتشاؤمه سببا لحلول المكروه به كما يجعل الثقة والتوكل عليه وإفراده بالخوف والرجاء من أعظم الأسباب التي يدفع بها الشر المتطير به. وسر هذا أن الطيرة إنما تتضمن الشرك بالله تعالى والخوف من غيره وعدم التوكل عليه والثقة به، فكان صاحبها غرضا لسهام الشر والبلاء فيتسرع نفوذها فيه لأنه لم يتدرع من التوحيد والتوكل بجنة واقية وكل من خاف شيئا غير الله سلط عليه كما أن من أحب مع الله غيره عذب به ومن رجا مع الله غيره خذل من جهته وهذه أمور تجربتها تكي عن أدلتها، والنفس لا بد أن تتطير ولكن المؤمن القوي الإيمان يدفع موجب تطيره بالتوكل على الله فإن من توكل على الله وحده كفاه من غيره قال تعالى: " فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون" ولهذا قال ابن مسعود: "وما منا إلا يعني من يقارب التطير ولكن الله يذهبه بالتوكل" ... قالوا فالشؤم الذي في الدار والمرأة والفرس قد يكون مخصوصا بمن تشاءم بها وتطير وأما من توكل على الله وخافه وحده ولم يتطير ولم يتشاءم فان الفرس والمرأة والدار لا يكون شؤما في حقه) . ثم قال: (فمن اعتقد أن رسول الله نسب الطيرة والشؤم إلى شيء من الأشياء على سبيل أنه مؤثر بذاته دون الله فقد أعظم الفرية على الله وعلى رسوله وضل ضلالا بعيدا ... وبالجملة فإخباره بالشؤم أنه يكون في هذه الثلاثة ليس فيه إثبات الطيرة التي نفاها، وإنما غايته أن الله سبحانه قد يخلق منها أعيانا مشؤومة على من قاربها وسكنها وأعيانا مباركة لا يلحق من قاربها منها شؤم ولا شر، وهذا كما يعطي سبحانه الوالدين ولدا مباركا يريان الخير على وجهه ويعطى غيرهما ولدا مشؤوما نذلا يريان الشر على وجهه، وكذلك ما يعطاه العبد ولاية أو غيرها فكذلك الدار والمرأة والفرس، والله سبحانه خالق الخير والشر والسعود والنحوس فيخلق بعض هذه الأعيان سعودا مباركة ويقضى سعادة من قارنها وحصول اليمن له والبركة ويخلق بعض ذلك نحوسا يتنحس بها من قارنها وكل ذلك بقضائه وقدره كما خلق سائر الأسباب وربطها بمسبباتها المتضادة والمختلفة فكما خلق المسك وغيره من حامل الأرواح الطيبة ولذذ بها من قارنها من الناس وخلق ضدها وجعلها سببا لإيذاء من قارنها من الناس والفرق بين هذين النوعين يدرك بالحس فكذلك في الديار والنساء والخيل فهذا لون والطيرة الشركية لون آخر) وقال في أمر النبي صلى الله عليه وسلم أهل الدار بالتحول عنها في الحديث الذي تقدم ذكره: (فليس هذا من الطيرة المنهي عنها وإنما أمرهم بالتحول عنها عند ما وقع في قلوبهم منها لمصلحتين ومنفعتين: إحداهما: مفارقتهم لمكان هم له مستثقلون ومنه مستوحشون لما لحقهم فيه ونالهم ليتعجلوا الراحة مما داخلهم من الجزع في ذلك المكان والحزن والهلع لأن الله عز وجل قد جعل في غرائز الناس وتركيبهم استثقال ما نالهم الشر فيه وإن كان لا سبب له في ذلك وحب ما جرى لهم على يديه الخير وإن لم يردهم به، فأمرهم بالتحول مما كرهوه لأن الله عز وجل بعثه رحمة ولم يبعثه عذابا وأرسله ميسرا ولم يرسله معسرا فكيف يأمرهم بالمقام في مكان قد أحزنهم المقام به واستوحشوا عنده لكثرة من فقدوه فيه لغير منفعته ولا طاعة ولا مزيد تقوى وهدى لاسيما وطول مقامهم فيها بعد ما وصل إلى قلوبهم منها ما وصل قد يبعثهم ويدعوهم إلى التشاؤم والتطير، فيوقعهم ذلك في أمرين عظيمين: أحدهما مقارنة الشرك. والثاني: حلول مكروه أحزنهم بسبب الطيرة التي إنما تلحق المتطير فحماهم بكمال رأفته ورحمته من هذين المكروهين بمفارقة تلك الدار والاستبدال بها من غير ضرر يلحقهم بذلك في دنيا ولا نقص في دين) مفتاح دار السعادة 2/258 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 27192 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 873 قول: "يا رسول الله" [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن نقول يا رسول الله؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز دعاء غير الله لا في الرخاء ولا عند الشدة مهما عظم شأن المدعو، ولو كان نبياً مقرباً، أو ملكاً من ملائكة الله؛ لأن الدعاء عبادة. عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الدعاء هو العبادة "، ثم قرأ (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) رواه الترمذي (2895) وابن ماجه (3818) . وصححه الألباني في صحيح الترمذي (2370) . والعبادة حق خالص لله تعالى، فلا يجوز أن تصرف لغيره، ولذلك أجمع المسلمون على أن من دعا غير الله تعالى فهو مشرك. فال شيخ الإسلام ابن تيمية: فمن جعل الملائكة والأنبياء وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم ويسألهم جلب المنافع ودفع المضار مثل أن يسألهم غفران الذنب وهداية القلوب وتفريج الكروب وسد الفاقات فهو كافر بإجماع المسلمين. " مجموع الفتاوى " (1 / 124) . وقال ابن القيم رحمه الله: ومِن أنواعه - يعني الشرك – طلب الحوائج من الموتى والاستغاثة بهم والتوجه إليهم وهذا أصل الشرك. " فتح المجيد " (ص 145) . ولذلك وصف الله تعالى من دعا غيره بأنه لا أحد أضل منه، قال الله تعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) الأحقاف/5-6. وكيف يُدعَى غير الله، والله تعالى قد أخبر عن عجزهم بقوله: (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) فاطر/ 13-14. قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ: يخبر تعالى عن حال المدعوين من دونه من الملائكة والأنبياء والأصنام وغيرها بما يدل على عجزهم وضعفهم وأنهم قد انتفت عنهم الأسباب التي تكون في المدعو، وهي الملك وسماع الدعاء والقدرة على استجابته اهـ. " فتح المجيد " (ص 158) . وكيف يُدعَى الرسول صلى الله عليه وسلم، والله تعالى أمره أن يقول: (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا) الجن/21. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ) . رواه الترمذي (2516) . وصححه الألباني في صحيح الترمذي (2043) . ولذلك فإنه لا شك في خطأ من مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، بقوله: يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم وخطَّأه في ذلك كبار العلماء: قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في تعليقه على كتاب "فتح المجيد" بشأن "بردة البوصيري" والتي فيها هذا الكلام: وحذرنا النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم: " لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم فأنا عبد الله ورسوله " وإنما تعظيمه وحبه باتباع سنته وإقامة ملته ودفع كل ما يلصقه الجاهلون بها من الخرافات، فقد ترك أكثر الناس هذا، وشغلوا بهذا الغلو والإطراء الذي أوقعهم في هذا الشرك العظيم. " فتح المجيد " (ص 155) . هذا، ولم يُعلم أن صحابيّاً واحداً كان يستغيث بالرسول أو يدعو الرسول ولا نُقِلَ ذلك عن عالمٍ من العلماء المعتبرين، إلا ما كان مِن خرافات المنحرفين. فإذا حزبك أمرٌ فقل: يا الله، فهو الذي يستجيب الدعاء، ويفرج الكروب، ويصرف الأمور. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 1741 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 874 متى يكون الذبح لغير الله شركاً [السُّؤَالُ] ـ[هل كل ذبح لا يراد به وجه الله يعتبر شركاً؟ مع التفصيل في ذلك.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الذبح تارة يكون نسكا، إجلالا لله وتعظيما له، وتارة يكون لأجل إكرام ضيف أو أكل لحم أو نحو ذلك، ففي الحالة الأولى، لا يجوز أن يصرف هذا الإجلال والتعظيم إلا لله عز وجل، ومن صرفه لغير الله، فقد أشرك شركا أكبر، وصارت ذبيحته بمنزلة الميتة، أما الحالة الثانية فهي جائزة، وقد تكون مطلوبة، إلا أنه في جميع الأحوال لا يجوز ذكر اسم غير الله على الذبيحة وإلا صارت ميتة محرمة، فذكر اسم الله عز وجل شيء، والمقصود بالذبيحة شيء آخر. فإن قيل: كيف نفرق بين ما يكون إكراما وبين ما يكون تقربا لغير الله؟ فالجواب: أنه في حال التقرب لغير الله لا يقصد بالذبيحة اللحم، وإنما يقصد بها تعظيم المذبوح له، ويصرف اللحم لأناس آخرين، كمن يذبح أمام رئيس لمقدمه من سفر أو نحو ذلك، ثم يعطي الذبيحة أناسا آخرين ليأكلوا منها، وهذا كان يفعله بعض الناس في السابق، فهذا ما ذبح للرئيس إلا تعظيما له وإجلالا، فيكون داخلا في الشرك الأكبر. قال الشيخ ابن عثيمين:" الذبح إزهاق الروح بإراقة الدم على وجه مخصوص ويقع على وجوه: الأول: أن يقع عبادة بأن يقصد به تعظيم المذبوح له والتذلل له والتقرب إليه، فهذا لا يكون إلا لله تعالى على الوجه الذي شرعه الله تعالى، وصرفه لغير الله شرك أكبر ودليله قوله تعالى: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له} والنسك هو الذبح. الثاني: أن يقع إكراما لضيف أو وليمة لعرس أو نحو ذلك فهذا مأمور به إما وجوبا أو استحبابا لقوله صلى الله عليه وسلم: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه " وقوله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف: " أولم ولو بشاة ". الثالث: أن يقع على وجه التمتع بالأكل أو الاتجار به ونحو ذلك فهذا من قسم المباح فالأصل فيه الإباحة لقوله تعالى: {أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون} يس/71، 72 وقد يكون مطلوبا أو منهيا عنه حسب ما يكون وسيلة له." شرح الأصول الثلاثة ضمن مجموع الفتاوى 6 / 62 وقال في مواهب الجليل:" وأما الذبح للأصنام، فلا خلاف في تحريمه، لأنه مما أهل به لغير الله انتهى. " 3 / 213 وذكر في ردّ المحتار [6 / 309] : أن الذبح لقدوم الأمير محرّم، بينما الذبح للإكرام للضيف جائز، ثم قال: والفارق أنه إن قدمها ليأكل منها كان الذبح لله والمنفعة للضيف أو للوليمة أو للربح، وإن لم يقدمها ليأكل منها بل يدفعها لغيره كان لتعظيم غير الله فتحرم " اهـ. وقال في المجموع:" لا يجوز أن يقول الذابح: باسم محمد، ولا باسم الله واسم محمد، بل من حق الله تعالى أن يجعل الذبح باسمه واليمين باسمه، والسجود له لا يشاركه في ذلك مخلوق. وذكر الغزالي في الوسيط أنه لا يجوز أن يقول: باسم الله ومحمد رسول الله، لأنه تشريك " 8/384 وسئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين: عن حكم الذبح لغير الله، وهل يجوز الأكل من تلك الذبيحة؟ فأجاب قائلا: الذبح لغير الله شرك أكبر لأن الذبح عبادة كما أمر الله به في قوله: {فصل لربك وانحر} . وقوله سبحانه: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين. لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين} فمن ذبح لغير الله فهو مشرك شركا مخرجا عن الملة – والعياذ بالله – سواء ذبح ذلك لملك من الملائكة، أو لرسول من الرسل، أو لنبي من الأنبياء، أو لخليفة من الخلفاء، أو لولي من الأولياء، أو لعالم من العلماء، فكل ذلك شرك بالله – عز وجل – ومخرج عن الملة والواجب على المرء أن يتقي الله في نفسه، وأن لا يوقع نفسه في ذلك الشرك الذي قال الله فيه {إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار} وأما الأكل من لحوم هذه الذبائح فإنه محرم لأنها أهل لغير الله بها وكل شيء أهل لغير الله به أو ذبح على النصب فإنه محرم كما ذكر الله ذلك في سورة المائدة في قوله - تعالى – {حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب} فهذه الذبائح التي ذبحت لغير الله من قسم المحرمات لا يحل أكلها. وسئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين: عن حكم الذبح لغير الله؟ فأجاب بقوله: تقدم لنا في غير هذا الموضع أن توحيد العبادة هو إفراد الله – سبحانه وتعالى – بالعبادة بأن لا يتعبد أحد لغير الله – تعالى – بشيء من أنواع العبادة، ومن المعلوم أن الذبح قربة يتقرب بها الإنسان إلى ربه لأن الله – تعالى – أمر به في قوله {فصل لربك وانحر} وكل قربة فهي عبادة، فإذا ذبح الإنسان شيئا لغير الله تعظيما له، وتذللا، وتقربا إليه كما يتقرب بذلك ويعظم ربه - عز وجل - كان مشركا بالله - عز وجل - وإذا كان مشركا فإن الله - تعالى قد بين أنه حرم على المشرك الجنة ومأواه النار. وبناء على ذلك نقول: إن ما يفعله بعض الناس من الذبح للقبور - قبور الذن يزعمون بأنهم أولياء - شرك مخرج عن الملة، ونصيحتنا لهؤلاء أن يتوبوا إلى الله - عز وجل - مما صنعوا، وإذا تابوا إلى الله وجعلوا الذبح لله وحده كما يجعلون الصلاة والصيام لله وحده، فإنه يغفر لهم ما سبق كما قال الله - تعالى – {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} " مجموع الفتاوى 2 / 148 للمزيد (انظر القول المفيد على كتاب التوحيد 1 / 215، تيسير العزيز الحميد 1 / 155، الدرر السنية من الأجوبة النجدية 1 / 428] . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 44730 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 875 لا يجوز أن ينتخب للمجالس البلدية أو غيرها من يسخر من الدين الإسلامي [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمسلم أن ينتخب للمجالس البلدية أو غيرها من الدوائر شخصا يعتنق الشيوعية أو يسخر بالدين أويعتنق القومية ويعتبرها دينا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز للمسلم أن ينتخب للمجالس البلدية أو الدوائر الأخرى من علم أنه شيوعي أو يسخر بالدين الإسلامي أو اعتنق القومية أو اعتبرها دينا لأنه بانتخابه إياه رضيه ممثلا له وأعانه على تولي مركز يتمكن من الإفساد فيه، ويعين فيه من يشايعه في مبدئه وعقيدته وقد يستغل ذلك المركز في إيذاء من يخالفه وحرمانه من حقوقه أو بعضها في تلك الدائرة أو غيرها بحكم مركزه وتبادل المنافع بينه وبين زملائه في الدوائر الأخرى، ولما فيه من تشجيعه على استمراره على المبدأ الباطل وتنفيذه ما يريد. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء (23 / 404) . الحديث: 42863 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 876 سب الدين وهو في حالة غضب شديد [السُّؤَالُ] ـ[رجل سب الدين هو في حالة غضب شديد، فما حكمه؟ وما هي شروط التوبة من هذا الفعل؟ وهل ينفسح نكاح زوجته؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " الحكم فيمن سب الدين الإسلامي أنه يكفر، فإن سب الدين والاستهزاء به ردة عن الإسلام وكفر بالله عز وجل وبدينه، وقد حكى الله عن قوم استهزؤوا بدين الإسلام حكى الله عنهم أنهم كانوا يقولون: إنما كنا نخوض ونلعب، فبين الله عز وجل أن خوضهم هذا ولعبهم استهزاء بالله وآياته ورسوله، وأنهم كفروا به فقال تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) التوبة/65، 66. فالاستهزاء بدين الله، أو سب دين الله، أو سب الله ورسوله، أو الاستهزاء بهما كفر مخرج عن الملة ومع ذلك فإن هناك مجالاً للتوبة منه، لقول الله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر/53. فإذا تاب الإنسان من أي ردة كانت توبةً نصوحاً استوفت شروط التوبة الخمسة، فإن الله يقبل توبته. وشروط التوبة الخمسة هي: الشرط الأول: الإخلاص لله بتوبته، بأن لا يكون الحامل له على التوبة رياء أو سمعة، أو خوفاً من مخلوق، أو رجاء لأمر يناله من الدنيا فإذا أخلص توبته لله وصار الحامل له عليها تقوى الله عز وجل والخوف من عقابه ورجاء ثوابه، فقد أخلص لله تعالى فيها. الشرط الثاني: أن يندم على ما فعل من الذنب، بحيث يجد في نفسه حسرة وحزناً على ما مضى، ويراه أمراً كبيراً يجب عليه أن يتخلص منه. الشرط الثالث: أن يقلع عن الذنب وعن الإصرار عليه؛ فإن كان ذنبه تَرْكَ واجبٍ قام بفعله وتَدَارَكَه إن أمكن، وإن كان ذنبُه بإتيانِ محرمٍ أقلع عنه، وابتعد عنه، ومن ذلك إذا كان الذنب يتعلق بالمخلوقين، فإنه يؤدي إليهم حقوقهم أو يستحلهم منها. الشرط الرابع: العزم على أن لا يعود في المستقبل، بأن يكون في قلبه عزم مؤكد ألا يعود إلى هذه المعصية التي تاب منها. الشرط الخامس: أن تكون التوبة في وقت القبول، فإن كانت بعد فوات وقت القبول لم تقبل، وفوات وقت القبول عام وخاص: أما العام؛ فإنه طلوع الشمس من مغربها، فالتوبة بعد طلوع الشمس من مغربها لا تقبل، لقول الله تعالى: (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلْ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ) الأنعام/158. وأما الخاص؛ فهو حضور الأجل، فإذا حضر الأجل فإن التوبة لا تنفع لقول الله تعالى: (وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ) النساء/18. أقول: إن الإنسان إذا تاب من أي ذنب - ولو كان ذلك سب الدين - فإن توبته تقبل إذا استوفت الشروط التي ذكرناها. ولكن ليعلم أن الكلمة قد تكون كفراً وردة، ولكن المتكلم بها قد لا يكفر بها، لوجود مانع يمنع من الحكم بكفره، فهذا الرجل الذي ذكر عن نفسه أنه سب الدين في حال غضب، نقول له: إن كان غضبك شديداً بحيث لا تدري ماذا تقول، ولا تدري حينئذ أأنت في سماء أم في أرض، وتكلمت بكلام لا تستحضره ولا تعرفه، فإن هذا الكلام لا حكم له، ولا يحكم عليك بالردة، لأنه كلام حصل عن غير إرادة وقصد، وكل كلام حصل عن غير إرادة وقصد فإن الله سبحانه وتعالى لا يؤاخذ به، يقول: الله تعالى في الأيمان: (وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ) المائدة/89. فإذا كان هذا المتكلم بكلمة الكفر في غضب شديد لا يدري ما يقول، ولا يعلم ماذا خرج منه، فإنه لا حكم لكلامه، ولا يحكم بردته حينئذ، وإذا لم يحكم بالردة فإن الزوجة لا ينفسخ نكاحها منه، بل هي باقية في عصمته. ولكن ينبغي للإنسان إذا أحس بالغضب أن يحرص على مداواة هذا الغضب بما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم، حين سأله رجل، فقال له: يا رسول الله، أوصني قال: (لا تغضب) فردد مراراً، قال: (لا تغضب) . فلْيُحْكِم الضبط على نفسه، وليستعذ بالله من الشيطان الرجيم، وإذا كان قائماً فليجلس، وإذا كان جالساً فليضطجع، وإذا اشتد به الغضب فليتوضأ، فإن هذه الأمور تذهب غضبه. وما أكثرَ الذين ندموا ندماً عظيماً على تنفيذ ما اقتضاه غضبهم، ولكن بعد فوات الأوان" اهـ. [الْمَصْدَرُ] "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (2/152) . الحديث: 42505 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 877 الاستهزاء بمظاهر السنة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الاستهزاء باللحية والثوب القصير وغيرها من مظاهر السنة المطهرة التي أُمرنا بها؟ ورأي فضيلتكم في الذين إذا أُمروا بهذه العبادات أشار بيده إلى قلبه وقال (التقوى هاهنا) ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المستهزئ باللحية أو الثوب الموافق للسنة في الطول أو بغير ذلك من السنة يكفر إذا كان يعلم ثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم لأنه يكون مستهزئاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله. ويكون في هذه الحالة معانداً للنبي عليه الصلاة والسلام ساخراً من سنته والذي يسخر من السنة ويستهزئ بما ثبت في السنة وهو يعلم ليس بمسلم. قال تعالى: (قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون، لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم) التوبة/65-66. والذي يقول إذا دُعي لحكم شرعي التقوى في القلب ولا ينفذّ الحكم الشرعي فهذا كذاب أشِر فإن الإيمان قول وعمل وليس بالقلب فقط ويكون كلامه السابق موافقا لقول المرجئة المبتدعة الخبيثة التي تحصر الإيمان بالقلب دون الجوارح ثم لو كان القلب سليماً والإيمان فيه وافر لظهر ذلك على الأعمال يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) رواه البخاري (52) ومسلم (1599) ، ويقول أيضاً: (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) رواه مسلم (2564) . وعلى أية حال فإن هذا القول من هؤلاء المعاندين الرافضين أتباع الحق وتنفيذ الأحكام الشرعية هو علامة على نقص إيمانهم ويريدون بذلك إيقاف الدعاة والناصحين عن دعوتهم ونصيحتهم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 10397 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 878 نصحت أن تغتسل بماء غسل به ميت!! [السُّؤَالُ] ـ[امرأة فجعت وأصابها حالة خوف أدى إلى بروز وجحوظ في عينيها نصحت أن تغتسل بماء قد غسل به ميت، فهل يجوز هذا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله حيث إن استعمال هذا الماء ليس سبباً للشفاء، لا شرعاً، ولا حساًّ، فيكون استعماله من الشرك الأصغر. لأن من الشرك الأصغر أن يجعل ما ليس بسبب سببا. والذي ينبغي لهذه المرأة أن ترقي نفسها بالرقية الشرعية، بالفاتحة والمعوذتين، ولا بأس أن ترجع إلى الأطباء لعلاج علتها. ونسأل الله لها الشفاء. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38749 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 879 الكلام الذي ينبغي الإمساك عنه [السُّؤَالُ] ـ[أعرف أن هناك كلاماً نمسك عن الخوض فيه كحديث النبي صلى الله عليه وسلم فما هي أنواع الحديث التي نمسك عنها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ينبغي للمسلم أن يحفظ لسانه، فلا يتكلم إلا بخير. روى البخاري (6018) ومسلم (47) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ. . . الحديث. قال النووي رحمه الله: مَعْنَاهُ: أَنَّهُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّم فَإِنْ كَانَ مَا يَتَكَلَّم بِهِ خَيْرًا مُحَقَّقًا يُثَاب عَلَيْهِ , وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا فَلْيَتَكَلَّمْ. وَإِنْ لَمْ يَظْهَر لَهُ أَنَّهُ خَيْر يُثَاب عَلَيْهِ , فَلْيُمْسِك عَنْ الْكَلَام سَوَاء ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ حَرَام أَوْ مَكْرُوه أَوْ مُبَاح مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ. فَعَلَى هَذَا يَكُون الْكَلَام الْمُبَاح مَأْمُورًا بِتَرْكِهِ مَنْدُوبًا إِلَى الإِمْسَاك عَنْهُ مَخَافَةً مِنْ اِنْجِرَاره إِلَى الْمُحَرَّم أَوْ الْمَكْرُوه. وَهَذَا يَقَع فِي الْعَادَة كَثِيرًا أَوْ غَالِبًا. وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) . . . وَقَدْ أَخَذَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مَعْنَى الْحَدِيث فَقَالَ: إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّم فَلْيُفَكِّرْ ; فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ لا ضَرَر عَلَيْهِ تَكَلَّمَ , إِنْ ظَهَرَ لَهُ فِيهِ ضَرَر , أَوْ شَكَّ فِيهِ أَمْسَكَ اهـ. وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بحفظ اللسان في أكثر من حديث، منها ما رواه الترمذي (2406) عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا النَّجَاةُ؟ قَالَ: أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ. صححه الألباني في صحيح الترغيب (3331) . وروى الترمذي (2616) قول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بعد ما علمه بعض شرائع الإسلام: أَلا أُخْبِرُكَ بِمَلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ. فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ وقَالَ: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا. فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ! فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟ صححه الألباني في صحيح الترمذي (2110) . وجاء في الحديث الأمر بالإمساك عن الخوض في أشياء معينة؛ لأن ذلك مما لا يفيد الإنسان شيئاً بل يضره ضرراً عظيماً في دينه ودنياه. عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا ذُكر أصحابي فأمسكوا، وإذا ذكرت النجوم فأمسكوا، وإذا ذكر القدر فأمسكوا) . رواه الطبراني في "الكبير" (2 / 96) . والحديث: صححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (34) . وهذا الحديث دليل على أنه لا يجوز للإنسان أن يذكر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بسوء وأنه يجب عليه أن يسكت عما وقع بينهم من خلاف؛ لأن ذكرهم بسوء وجرحهم يتضمن تكذيب الله تعالى في القرءان الذي زكاهم وأثنى عليهم بقوله: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم) التوبة/ 100. وقال سبحانه: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركَّعا سجَّداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود) الفتح/ 29. فهذا وصف الله لهم في كتابه فلله درهم ما أعدلهم وما أحسنهم وأعظمهم فلا يبغضهم إلا منافق ولا يحبهم إلا مؤمن. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ومن أصول أهل السنة والجماعة: سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله كما وصفهم الله بذلك في قوله: (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غِلاًّ للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم) الحشر / 10، وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: " لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحُدٍ ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه " – متفق عليه -. " مجموع الفتاوى " (3 / 152) . وقال أبو زرعة رحمه الله: إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من الصحابة فاعلم أنَّه زنديق، وذلك لأن القرءان حق، والرسول حق، وما جاء به حق، وما أدى إلينا ذلك كله إلا الصحابة فمن جرحهم إنما أراد إبطال الكتاب والسنة فيكون الجرح به أليق والحكم عليه بالزندقة والضلال أقوم وأحق. " الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة " (2 / 608) . وأما الشق الثاني من الحديث وهو: الإمساك عن الكلام في النجوم، فالمقصود به والله أعلم هو: الاهتداء بها على أشياء مغيبات كما كان يفعله أهل الجاهلية الكهنة عن طريق التنجيم وهو الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية كأوقات هبوب الريح أو مجيء المطر وتغير الأسعار وغير ذلك من الأمور التي يزعمون أنها تدرك معرفتها بسير الكواكب في مجاريها واجتماعها وافتراقها ويقولون من تزوج بنجم كذا وكذا حصل له كذا وكذا ومن سافر بنجم كذا حصل له كذا ومن ولد نجم كذا وكذا حصل له كذا من السعود والنحوس. وانظر " كتاب التوحيد " للشيخ صالح الفوزان، باب ادعاء علم الغيب في قراءة الكف والفنجان وغيرهما. وانظر " فتاوى العقيدة " (2 / 185-186-187-190) للشيخ ابن عثيمين حفظه الله فله كلام نفيس جدّاً. وأما الشق الثالث: وهو الإمساك عن الكلام في القدر فقد قال أبو جعفر الطحاوي رحمه الله تعالى: وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه، لم يطلع على ذلك ملك مقرب، ولا نبي مرسل، والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان، وسلم الحرمان، ودرجة الطغيان، فالحذر كل الحذر من ذلك نظراً وفكراً ووسوسةً، فإن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه، ونهاهم عن مرامه، كما قال تعالى في كتابه: (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون) الأنبياء/23. فمن سأل لِمَ فعل؟ فقد رد حكم الكتاب، ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين. شرح العقيدة الطحاوية ص 276. فعلى العبد المسلم أن يسلم لله في كل أموره، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه. والكلام في هذا الباب طويل، ورحم الله امرءاً آمن بقضاء الله وقدره من غير خوض ولا فلسفة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 9410 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 880 ما هي حقيقة الشرك، وما هي أقسامه؟ [السُّؤَالُ] ـ[أقرأ كثيراً: (هذا الفعل شرك أكبر، وهذا شرك أصغر) فهل توضح لي حقيقة الفرق بينهما؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن من الواجبات المحتمات، ومن أهم المهمات؛ أن يعرف العبد معنى الشرك وخطره وأقسامه حتى يتم توحيده، ويسلم إسلامه، ويصح إيمانه. فنقول وبالله التوفيق ومنه السداد: اعلم ـ وفقك الله لهداه ـ أن الشرك في اللغة هو: اتخاذ الشريك يعني أن يُجعل واحداً شريكاً لآخر. يقال: أشرك بينهما إذا جعلهما اثنين، أو أشرك في أمره غيره إذا جعل ذلك الأمر لاثنين. وأما في الشرع فهو: اتخاذ الشريك أو الند مع الله جل وعلا في الربوبية أو في العبادة أو في الأسماء والصفات. والند هو: النظير والمثيل. ولذا نهى الله تعالى عن اتخاذ الأنداد وذم الذين يتخذونها من دون الله في آيات كثيرة من القرآن فقال تعالى: (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) البقرة / 22. وقال جل شأنه: (وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ) إبراهيم / 30. وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مات وهو يدعو من دون الله ندا دخل النار) رواه البخاري (4497) ومسلم (92) أقسام الشرك: وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على أن الشرك والتنديد تارة يكون مخرجاً من الملة، وتارة لا يكون مخرجاً من الملة، ولذا اصطلح العلماء على تقسيمه إلى قسمين: (شرك أكبر، وشرك أصغر) وإليك تعريفاً موجزاً بكل قسم: أولاً: الشرك الأكبر: وهو أن يصرف لغير اللهِ ما هو محض حق الله من ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته. وهذا الشرك تارة يكون ظاهراً: كشرك عبَّاد الأوثان والأصنام وعبَّاد القبور والأموات والغائبين. وتارة يكون خفياً: كشرك المتوكلين على غير الله من الآلهة المختلفة، أو كشرك وكفر المنافقين؛ فإنهم وإن كان شركهم أكبر يخرج من الملة ويخلد صاحبه في النار؛ إلا أنه شرك خفي، لأنهم يظهرون الإسلام ويخفون الكفر والشرك فهم مشركون في الباطن دون الظاهر. كما أن هذا الشرك تارة يكون في الاعتقادات: كاعتقاد أن هناك من يخلق أو يحي أو يميت أو يملك أو يتصرف في هذا الكون مع الله تعالى. أو اعتقاد أن هناك من يطاع طاعة مطلقة مع الله، فيطيعونه في تحليل ما شاء وتحريم ما شاء ولو كان ذلك مخالفا لدين الرسل. أو الشرك بالله في المحبة والتعظيم، بأن يُحب مخلوقا كما يحب الله، فهذا من الشرك الذي لا يغفره الله، وهو الشرك الذي قال الله فيه: (ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله) البقرة / 165. أو اعتقاد أن هناك من يعلم الغيب مع الله، وهذا يكثر لدى بعض الفرق المنحرفة كالرافضة وغلاة الصوفية والباطنية عموما، حيث يعتقد الرافضة في أئمتهم أنهم يعلمون الغيب، وكذلك يعتقد الباطنية والصوفية في أوليائهم نحو ذلك. وكاعتقاد أن هناك من يرحم الرحمة التي تليق بالله عزَّ وجل، فيرحم مثله وذلك بأن يغفر الذنوب ويعفو عن عباده ويتجاوز عن السيئات. وتارة يكون في الأقوال: كمن دعا أو استغاث أو استعان أو استعاذ بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل؛ سواء كان هذا الغير نبيا أو وليا أو مَلَكا أو جِنِّياًّ، أو غير ذلك من المخلوقات، فإن هذا من الشرك الأكبر المخرج من الملة. وكمن استهزأ بالدين أو مثل اللهَ بخلقه، أو أثبت مع الله خالقاً أورازقاً أو مدبراً، فهذا كله من الشرك الأكبر والذنب العظيم الذي لا يغفر. وتارة يكون في الأفعال: كمن يذبح أو يصلي أو يسجد لغير الله، أو يسن القوانين التي تضاهي حكم الله ويشرعها للناس، ويلزمهم بالتحاكم إليها، وكمن ظاهر الكافرين وناصرهم على المؤمنين، ونحو ذلك من الأفعال التي تنافي أصل الإيمان، وتخرج فاعلها من ملة الإسلام. نسأل الله عفوه وعافيته. ثانياً: الشرك الأصغر: وهو كل ما كان وسيلة إلى الشرك الأكبر، أو ورد في النصوص أنه شرك، ولم يصل إلى حد الشرك الأكبر. وهذا يكون في الغالب من جهتين: الأولى: من جهة التعلق ببعض الأسباب التي لم يأذن الله جل وعلا بها، كتعليق الكَفِّ والخرز ونحو ذلك على أنها سبب للحفظ أو أنها تدفع العين والله تعالى لم يجعلها سبباً لذلك لا شرعاً ولا قدراً. الثانية: من جهة تعظيم بعض الأشياء التعظيم الذي لا يوصلها إلى مقام الربوبية، كالحلف بغير الله، وكقول: لولا الله وفلان، وأشباه ذلك. وقد وضع العلماء ضوابط وقواعد يتميز بها الشرك الأكبر عن الأصغر عند وروده في النصوص الشرعية فمن هذه الضوابط ما يلي: 1- أن ينص النبي صلى الله عليه وسلم صراحة على أن هذا الفعل من الشرك الأصغر: كما في المسند (27742) عن مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الشِّرْكُ الأَصْغَرُ. قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَمَا الشِّرْكُ الأَصْغَرُ؟ قَالَ:الرِّيَاء. إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ َوْمَ تُجَازَى الْعِبَادُ بِأَعْمَالِهِمْ اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ بِأَعْمَالِكُمْ فِي الدُّنْيَا فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً " وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (951) 2- أن يرد لفظ الشرك في نصوص الكتاب والسنة منكَّراً ـ أي غير مقترن بالألف واللام ـ فهذا في الغالب يقصد به الشرك الأصغر وله أمثلة كثيرة كقوله صلى الله عليه وسلم " إن الرقى والتمائم والتِّوَلَة شرك " أخرجه أبو داود (3883) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (331) فالمقصود بالشرك هنا الأصغر دون الأكبر. والتمائم شيء يعلق على الأولاد كالخرز ونحوه يزعمون أن ذلك يحفظه من العين. والتولة شيء يصنعونه يزعمون أنه يحبب المرأة إلى زوجها، والرجل إلى امرأته. 3- أن يفهم الصحابة من النصوص الشرعية أن المراد بالشرك في هذا الموضع هو الأصغر دون الأكبر، ولا شك أن فهم الصحابة معتبر، فهم أعلم الناس بدين الله عز وجل، وأدراهم بمقصود الشارع. ومن أمثلة ذلك ما رواه أبو داود (3910) عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الطِّيَرَةُ شِرْكٌ الطِّيَرَةُ شِرْكٌ ثَلاثًا، وَمَا مِنَّا إِلا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّل" فجملة (وما منا إلا..) هذه من كلام ابن مسعود كما بين ذلك جهابذة المحدثين فهذا يدل على أن ابن مسعود رضي الله عنه فهم أن هذا من الشرك الأصغر، لأنه لا يمكن أن يقصد وما منا إلا ويقع في الشرك الأكبر، كما أن الشرك الأكبر لا يذهبه الله بالتوكل بل لابد من التوبة. 4- أن يفسر النبي صلى الله عليه وسلم لفظ الشرك أو الكفر بما يدل على أن المقصود به الأصغر وليس الأكبر كما روى البخاري (1038) ومسلم (71) عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنْ اللَّيْلَةِ فَلَمَّا انْصَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: "هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ " قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: " أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ " فالكفر هنا جاء تفسيره في الرواية الأخرى عن أبي هريرة قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَمْ تَرَوْا إِلَى مَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالَ: "مَا أَنْعَمْتُ عَلَى عِبَادِي مِنْ نِعْمَةٍ إِلَّا أَصْبَحَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِهَا كَافِرِينَ يَقُولُونَ الْكَوَاكِبُ وَبِالْكَوَاكِبِ " فبين هنا أن من نسب إنزال المطر إلى الكواكب باعتبارها سبباً لنزوله ـ والواقع أن الله لم يجعلها سبباً لذلك ـ فكفره كفرٌ بنعمة الله عليه، ومعلوم أن كفر النعمة كفر أصغر أما من اعتقد أن الكواكب هي التي تتصرف في الكون وأنها هي التي تنزل المطر فهذا شرك أكبر. والشرك الأصغر تارة يكون ظاهراً كلبس الحلقة والخيط والتمائم ونحو ذلك من الأعمال والأقوال. وتارة يكون خفياً كيسير الرياء. كما أنه تارة يكون بالاعتقادات: كأن يعتقد في شيء أنه سبب لجلب النفع ودفع الضر ولم يجعله الله سبباً لذلك. أو يعتقد في شيء البركة، والله لم يجعل فيه ذلك. وتارة يكون بالأقوال: كمن قال مطرنا بنوء كذا وكذا؛ دون أن يعتقد أن النجوم هي التي تستقل بإنزال المطر، أو حلف بغير الله دون أن يعتقد تعظيم المحلوف به ومساواته لله، أو قال ما شاء الله وشئت. ونحو ذلك. وتارة يكون بالأفعال: كمن يعلِّق التمائم أو يلبس حلقة أو خيطا ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه، لأن كل من أثبت سبباً لشيء والله لم يجعله سببا له شرعا ولا قدراً، فقد أشرك بالله. وكذلك من يتمسح بشيء رجاء بركته ولم يجعل الله فيه البركة، كتقبيل أبواب المساجد، والتمسح بأعتابها، والاستشفاء بتربتها، ونحو ذلك من الأفعال. هذه نبذة مختصرة عن تقسيم الشرك إلى أكبر وأصغر، وتفصيلات ذلك لا يمكن استيعابها في هذه الإجابة المختصرة. خاتمة: وبعد: فالواجب على المسلم أن يحذر الشرك صغيره وكبيره، فإن أعظم معصية عصي الله بها هي الشرك به، والتعدي على خالص حقه؛ وهو عبادته وطاعته وحده لا شريك له. ولذا فقد أوجب الخلود في النار للمشركين وأخبر أنه لا يغفر لهم، وحرَّم الجنة عليهم كما قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً) النساء / 48 وقال جل شأنه (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) المائدة / 72. فوجب على كل ذي عقل ودين أن يخشى على نفسه من الشرك وأن يلوذ بربه طالباً منه أن ينجيه من الشرك؛ كما قال الخليل عليه السلام: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ) إبراهيم / 35، قال بعض السلف: " ومن يأمن البلاء بعد إبراهيم " فلا يسع العبد الصادق إلا أن يَعظُم خوفه من الشرك، وأن تشتد رغبته إلى ربه في أن ينجيه منه، داعياً بالدعاء العظيم الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه حين قال لهم: " الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل، وسأدلك على شيء إذا فعلته أذهب عنك صغار الشرك وكباره تقول: " اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم ". صححه الألباني في صحيح الجامع (3731) . ما سبق هو الفرق بين الشرك الأكبر والأصغر من حيث الحقيقة، وتعريف كل قسم وبيان أنواعه. وأما الفرق بينهما من حيث الحكم: فهو أن الشرك الأكبر مخرج من الإسلام، فيُحكم على فاعله بالخروج من الإسلام والارتداد عنه فيكون كافراً مرتداً. وأما الشرك الأصغر فلا يخرج من الإسلام، بل قد يقع من المسلم ويبقى على إسلامه، غير أن فاعله على خطر عظيم، لأن الشرك الأصغر كبيرة من كبائر الذنوب حتى قال ابن مسعود رضي الله عنه: (لأن أحلف بالله كاذباً أحب إليّ من أن أحلف بغيره صادقاً) فجعل رضي الله عنه الحلف بغير الله (وهو شرك أصغر) أقبح من الحلف بالله كاذباً ومعلوم أن الحلف بالله كاذباً من الكبائر. نسأل الله أن يثبت قلوبنا على دينه حتى نلقاه، ونعوذ بعزته – سبحانه - أن يضلنا؛ فهو الحي الذي لا يموت والجن والأنس يموتون. والله أعلم وأحكم، وإليه المرجع والمآب. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 34817 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 881 القسم بغير الله من أب وزعيم وشرف وجاه [السُّؤَالُ] ـ[في وعد الكشافة يقولون: (أعد بشرفي أن أبذل جهدي لأن أقوم بواجبي نحو الله والوطن والملك، وأن أساعد الناس في كل حين وأن أعمل بقانون الكشافة) وذلك في كتيب الكشافة الذي يصدر عن الأمانة الكشفية العربية، فما حكم هذا الوعد؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: يحرم القسم بغير الله من أب وزعيم وشرف وجاه ووجيه ونحو ذلك؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت " متفق عليه وقال: " من كان حالفا فلا يحلف إلا بالله " رواه النسائي وقال: " من حلف بغير الله فقد أشرك " ثانيا: لا ينبغي للمسلم أن يسوي بين الله وغيره؟ كالوطن والملك والزعيم في أخذ العهد على نفسه بالعمل لهم، بل يقول: علي عهد الله أن أبذل جهدي في القيام بواجبي لله وحده ثم أخدم وطني وأساعد المسلمين، وأن أعمل بنظام الكشافة الذي لا يخالف شريعة الله تعالى. ثالثا: يجب أن يكون عمل الإنسان وفق شريعة الله تعالى، فلا يجوز أن يأخذ على نفسه عهدا أن يعمل بقانون دولة أو طائفة أو فئة ما من البشر بإطلاق. وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة (1/232) . الحديث: 34501 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 882 طلب المدد من غير الله شرك [السُّؤَالُ] ـ[أسمع كثيراً من الناس يقول: مدد يا رسول الله. مدد يا سيدنا الحسين. مدد يا سيد يا بدوي. . . ولا أعلم معنى هذه الكلمة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ينبغي أن يُعلم أن الله تعالى خلق الخلق ليعبدوه وحده سبحانه، ويفردوه بالعبادة. قال الله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) الذريات/56. وأرسل الله تعالى الرسل ليدعو أقوامهم إلى توحيد الله تعالى، وينهوهم عن الشرك، قال الله سبحانه وتعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُون ِ) الأنبياء /25. والشرك هو صرف العبادة لغير الله تعالى، والدعاء من جملة العبادات التي يجب إخلاصها لله تعالى ولا يجوز صرفها لغيره، ولهذا قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الدعاء هو العبادة) رواه الترمذي (2969) . وصححه الألباني في صحيح الترمذي. وطلب المدد من غير الله -كما جاء في السؤال- من صور دعاء غير الله، ولذلك كان من الشرك. جاء في فتاوى اللجنة الدائمة" (2/193) : "قول جماعة المنشدين: مدد يا سيدنا الحسين، مدد يا سيدة زينب، مدد يا بدوي يا شيخ العرب مدد يا رسول الله، مدد يا أولياء الله.. إلى أمثال ذلك شرك أكبر يخرج قائله من ملة الإسلام والعياذ بالله؛ لأنه نداء للأموات ليعطوهم خيراً، وليغيثوهم ويدفعوا أو يكشفوا عنهم، وذلك أن المراد بالمدد هنا العطاء والغوث والنصرة، فكان معنى قول القائل: (مدد يا سيد يا بدوي، مدد يا سيدة زينب..الخ) امددنا بعطائك وخيرك واكشف عنا الشدة وادفع عنا البلاء، وهذا شرك أكبر، قال الله تعالى بعد أن بيّن لعباده تدبيره للكون وتسخيره إياه: (ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير. إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير) فاطر/13–14. فسمى دعاءهم شركاً. وقال سبحانه: (ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون) الأحقاف /6. فأخبر سبحانه بأن المدعوين سواه من الأنبياء والصالحين غافلون عن دعاء من دعاهم ولا يستجيبون دعاءهم أبداً وأنهم سيكونون أعداء لهم ويكفرون بعبادتهم إياهم وقال: (أيشركون مالا يخلق شيئاً وهم يخلقون. ولا يستطيعون لهم نصراً ولا أنفسهم ينصرون. وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون. إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين) الأعراف /191-194. وقال: (ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون) المؤمنون /117. فأخبر سبحانه بأن من دعا غير الله من الأموات ونحوهم لا فلاح له لكفره بسبب دعائه غير الله" اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 34575 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 883 حكم من كذب على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم المفتري على النبي صلى الله عليه وسلم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم، منكر عظيم، وإثم كبير، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: " إن كذبا علي ليس ككذب على أحد من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" رواه البخاري (1229) ، ورواه مسلم في مقدمة صحيحه (3) دون قوله: " إن كذبا علي ليس ككذب على أحد ". وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تكذبوا علي فإنه من كذب علي فليلج النار " رواه البخاري (106) . وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من حدث عني بحديث يُرى أنه كذب فهو أحد الكاذبِِينَ" رواه مسلم (1) . وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى كفر من تعمد الكذب عليه صلى الله عليه وسلم. قال الحافظ ابن حجر في الفتح: (فإن قيل: الكذب معصية إلا ما استثنى في الإصلاح وغيره والمعاصي قد توعد عليها بالنار فما الذي امتاز به الكاذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوعيد على من كذب على غيره؟ فالجواب عنه من وجهين: أحدهما: أن الكذب عليه يكفر متعمده عند بعض أهل العلم، وهو الشيخ أبو محمد الجويني، لكن ضعفه ابنه إمام الحرمين ومن بعده، ومال ابن المنير إلى اختياره، ووجهه بأن الكاذب عليه في تحليل حرام مثلا لا ينفك عن استحلال ذلك الحرام أو الحمل على استحلاله، واستحلال الحرام كفر، والحمل على الكفر كفر. وفيما قاله نظر لا يخفى، والجمهور على أنه لا يكفر إلا إذا اعتقد حل ذلك. الجواب الثاني: أن الكذب عليه كبيرة، والكذب على غيره صغيره فافترقا، ولا يلزم من استواء الوعيد في حق من كذب عليه أو كذب على غيره أن يكون مقرهما واحدا، أو طول إقامتهما سواء، فقد دل قوله صلى الله عليه وسلم "فليتبوأ" على طول الإقامة فيها، بل ظاهره أنه لا يخرج منها لأنه لم يجعل له منزلا غيره إلا أن الأدلة القطعية قامت على أن خلود التأبيد (يعني في النار) مختص بالكافرين، وقد فرق النبي صلى الله عليه وسلم بين الكذب عليه وبين الكذب على غيره فقال: " إن كذبا علي ليس ككذب على أحد " انتهى من الفتح 1/244 وقد فصل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله القول في هذه المسألة، وذكر حكم من كذب على الرسول صلى الله عليه وسلم مشافهة، وحكم من كذب عليه في الرواية، وحكم من روى حديثا يعلم أنه كذب، ومال رحمه الله إلى القول بكفر من كذب عليه مشافهة، قال في الصارم المسلول على شاتم الرسول (2/328 – 339) بعد ذكر حديث بريدة ولفظه: " كان حي من بني ليث من المدينة على ميلين وكان رجل قد خطب منهم في الجاهلية فلم يزوجوه فأتاهم وعليه حلة فقال إن رسول الله كساني هذه الحلة وأمرني أن أحكم في أموالكم ودمائكم، ثم انطلق فنزل على تلك المرأة التي كان يحبها، فأرسل القوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال "كذب عدو الله " ثم أرسل رجلا فقال: " إن وجدته حيا وما أراك تجده حيا فاضرب عنقه وإن وجدته ميتا فأحرقه بالنار" قال: فذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "من كذب علي متعمدا" قال شيخ الإسلام: (هذا إسناد صحيح على شرط الصحيح لا نعلم له علة) ثم قال: (وللناس في هذا الحديث قولان: أحدهما: الأخذ بظاهره في قتل من تعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن هؤلاء من قال يكفر بذلك، قاله جماعة منهم أبو محمد الجويني، حتى قال ابن عقيل عن شيخه أبي الفضل الهمداني: "مبتدعة الإسلام والكذابون والواضعون للحديث أشد من الملحدين لأن الملحدين قصدوا إفساد الدين من خارج وهؤلاء قصدوا إفساده من داخل فهم كأهل بلد سعوا في فساد أحواله، والملحدون كالمحاصرين من خارج، فالدخلاء يفتحون الحصن، فهم شر على الإسلام من غير الملابسين له". ووجه هذا القول أن الكذب عليه كذب على الله، ولهذا قال: " إن كذبا علي ليس ككذب على أحدكم" فإن ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم فقد أمر الله به، يجب اتباعه كوجوب اتباع أمر الله، وما أخبر به وجب تصديقه كما يجب تصديق ما أخبر الله به، ومن كذّبه في خبره أو امتنع من التزام أمره، فهو كمن كذب خبر الله وامتنع من التزام أمره، ومعلوم أن من كذب على الله بأن زعم أنه رسول الله أو نبيه أو أخبر عن الله خبرا كذب فيه كمسيلمة والعنسي ونحوهما من المتنبئين فإنه كافر حلال الدم، فكذلك من تعمد الكذب على رسول الله. يُبين ذلك أن الكذب عليه بمنزلة التكذيب له، ولهذا جمع الله بينهما بقوله تعالى: (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه) بل ربما كان الكاذب عليه أعظم إثما من المكذّب له، ولهذا بدأ الله به، كما أن الصادق عليه أعظم درجة من المصدّق بخبره، فإذا كان الكاذب مثل المكذّب أو أعظم، والكاذب على الله كالمكذّب له، فالكاذب على الرسول كالمكذب له. يُوضح ذلك أن تكذيبه نوع من الكذب فإن مضمون تكذيبه الإخبار عن خبره أنه ليس بصدق، وذلك إبطال لدين الله، ولا فرق بين تكذيبه في خبر واحد أو في جميع الأخبار، وإنما صار كافرا لما تضمنه من إبطال رسالة الله ودينه، والكاذب عليه يُدخل في دنه ما ليس منه عمدا، ويزعم أنه يجب على الأمة التصديق بهذا الخبر وامتثال هذا الأمر، لأنه دين الله، مع العلم بأنه ليس لله بدين. والزيادة في الدين كالنقص منه، ولا فرق بين من يكذب بآية من القرآن أو يضيف كلاما يزعم أنه سورة من القران عامدا لذلك. وأيضا، فإن تعمد الكذب عليه استهزاء به واستخفاف؛ لأنه يزعم أنه أمر بأشياء ليست مما أمر به، بل وقد لا يجوز الأمر بها، وهذه نسبة له إلى السفه أو أنه يخبر بأشياء باطلة، وهذه نسبة له إلى الكذب، وهو كفر صريح. وأيضا، فإنه لو زعم زاعم أن الله فرض صوم شهر آخر غير رمضان، أو صلاة سادسة زائدة، ونحو ذلك، أو أنه حرم الخبز واللحم، عالما بكذب نفسه، كفر بالاتفاق. فمن زعم أن النبي أوجب شيئا لم يوجبه، أو حرم شيئا لم يحرمه، فقد كذب على الله، كما كذب عليه الأول، وزاد عليه بأن صرح بأن الرسول قال ذلك، وأنه أفتى القائل - لم يقله اجتهادا واستنباطا. وبالجملة فمن تعمد الكذب الصريح على الله فهو كالمتعمد لتكذيب الله وأسوا حالا، ولا يخفى أن من كذب على من يجب تعظيمه، فإنه مستخف به مستهين بحرمته. وأيضا، فإن الكاذب عليه لابد أن يشينه بالكذب عليه وينتقصه بذلك، ومعلوم أنه لو كذب عليه كما كذب عليه ابن أبي سرح في قوله " كان يتعلم مني " أو رماه ببعض الفواحش الموبقة أو الأقوال الخبيثة، كفر بذلك، فكذلك الكاذب عليه؛ لأنه إما أن يأثر عنه أمرا أو خبرا أو فعلا، فإن أثر عنه أمرا لم يأمر به، فقد زاد في شريعته، وذلك الفعل لا يجوز أن يكون مما يأمر به؛ لأنه لو كان كذلك لأمر به؛ لقوله: " ما تركت من شيء يقربكم إلى الجنة إلا أمرتكم به ولا من شيء يبعدكم عن النار إلا نهيتكم عنه" فإذا لم يأمر به، فالأمر به غير جائز منه، فمن روى عنه أنه قد أمر به، فقد نسبه إلى الأمر بما لا يجوز له الأمر به، وذلك نسبة له إلى السفه. وكذلك إن نقل عنه خبرا، فلو كان ذلك الخبر مما ينبغي له الإخبار به لأخبر به، لأن الله تعالى قد أكمل الدين، فإذا لم يخبر به فليس هو مما ينبغي له أن يخبر به. وكذلك الفعل الذي ينقله عنه كاذبا فيه لو كان مما ينبغي فعله وترجح، لفعله، فإذا لم يفعله فتركه أولى. فحاصله أن الرسول أكمل البشر في جميع أحواله، فما تركه من القول والفعل فتركه أولى من فعله، وما فعله ففعله أكمل من تركه، فإذا كذب الرجل عليه متعمدا أو أخبر عنه بما لم يكن، فذلك الذي أخبر به عنه نقص بالنسبة إليه؛ إذ لو كان كمالا لوجد منه، ومن انتقص الرسول فقد كفر. واعلم أن هذا القول في غاية القوة كما تراه، لكن يتوجه أن يُفرق بين الذي يكذب عليه مشافهة، وبين الذي يكذب عليه بواسطة، مثل أن يقول: حدثني فلان بن فلان عنه بكذا، فإن هذا إنما كذب على ذلك الرجل ونسب إليه ذلك الحديث، فأما إن قال: هذا الحديث صحيح أو ثبت عنه أنه قال ذلك، عالما بأنه كذب، فهذا قد كذب عليه، وأما إذا افتراه ورواه رواية ساذجة ففيه نظر، لاسيما والصحابة عدول بتعديل الله لهم، فالكذب لو وقع من أحد ممن يدخل فيهم لعظم ضرره في الدين، فأراد قتل من كذب عليه، وعجل عقوبته ليكون ذلك عاصما من أن يدخل في العدول من ليس منهم من المنافقين ونحوهم. وأما من روى حديثا يعلم أنه كذب، فهذا حرام كما صح عنه أنه قال: " من روى عني حديثا يعلم أنه كذب فهو أحد الكاذبين" لكن لا يكفر إلا أن ينضم إلى روايته ما يوجب الكفر؛ لأنه صادق في أن شيخه حدثه به، لكن لعلمه بأن شيخه كذب فيه لم تكن تحل له الرواية، فصار بمنزلة أن يشهد على إقرار أو شهادة أو عقد وهو يعلم أن ذلك باطل، فهذه الشهادة حرام، لكنه ليس بشاهد زور) ثم ذكر القول الثاني في المسألة، فقال: (القول الثاني: أن الكاذب عليه تغلظ عقوبته، لكن لا يكفر، ولا يجوز قتله؛ لأن موجبات الكفر والقتل معلومة، وليس هذا منها، فلا يجوز أن يثبت ما لا أصل له، ومن قال هذا فلا بد أن يقيد قوله بأن لم يكن الكذب عليه متضمنا لعيب ظاهر، فأما إن أخبر أنه سمعه يقول كلاما يدل على نقصه وعيبه دلالة ظاهرة، مثل حديث "عرق الخيل" ونحوه من الترهات، فهذا مستهزئ به استهزاء ظاهر، ولا ريب أنه كافر حلال الدم. وقد أجاب من ذهب إلى هذا القول عن الحديث بأن النبي صلى الله عليه وسلم علم أنه كان منافقا فقتله لذلك لا للكذب، وهذا الجواب ليس بشيء ... ) ثم ذكر رحمه الله أوجها في الرد على هذا الجواب. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 34725 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 884 حكم التفاؤل والتشاؤم ببعض الأرقام [السُّؤَالُ] ـ[سمعت بأن رقم 7 هو رقم الحظ الجيد ورقم 13 و 14 هما رقمان للحظ السيئ، فهل هذا صحيح.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا صحة لما ذكرت، ولا علاقة بين الأرقام وبين الحظ. والتشاؤم من الرقمين 13، 14 أو غيرهما من الأرقام أو الأيام، أو الشهور، أو الألوان، داخل في التطير المنهي عنه شرعا. فقد روى البخاري (5776) ومسلم (2224) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: "َ لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ قَالُوا وَمَا الْفَأْلُ قَالَ كَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ ". وروى أحمد (4194) وأبو داود (3910) والترمذي (1614) وابن ماجه (3538) عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الطِيَرة شرك " وصححه الألباني في صحيح أبي داود. وروى أحمد (7045) والطبراني عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من ردته الطِيَرة من حاجة فقد أشرك" قالوا يا رسول الله ما كفارة ذلك؟ قال: " أن يقول أحدهم: اللهم لا خير إلا خيرك ولا طير إلا طيرك ولا إله غيرك" [حسنه الأرنؤوط وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 6264] . وروى الطبراني في الكبير عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليس منا من تطيَّر ولا من تُطُيِّر له أو تكهَّن أو تُكُهِّن له أو سحَر أو سُحِر له " وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 5435 قال النووي رحمه الله في شرح مسلم رقم 2224: (والتطير: التشاؤم، وأصله الشيء المكروه من قول أو فعل أو مرئي وكانوا … ينفِّرون ـ أي يهيِّجون ـ الظباء والطيور فإن أخذت ذات اليمين تبركوا به ومضوا في سفرهم وحوائجهم، وان أخذت ذات الشمال رجعوا عن سفرهم وحاجتهم وتشاءموا بها فكانت تصدهم في كثير من الأوقات عن مصالحهم، فنفى الشرع ذلك وأبطله ونهي عنه، وأخبر أنه ليس له تأثير بنفع ولا ضر فهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم "لاطِيَرة " وفى حديث آخر "الطِيَرة شرك" أي اعتقاد أنها تنفع أو تضر إذا عملوا بمقتضاها معتقدين تأثيرها فهو شرك لأنهم جعلوا لها أثرا في الفعل والإيجاد. وأما الفأل فقد فسره النبي صلى الله عليه وسلم بالكلمة الصالحة والحسنة والطيبة. قال العلماء: يكون الفأل فيما يسر وفيما يسوء، والغالب في السرور، والطِيَرة لا تكون إلا فيما يسوء. قالوا: وقد يستعمل مجازا في السرور … . قال العلماء: وإنما أحب الفأل لأن الإنسان إذا أمَّل فائدة الله تعالى وفضله عند سبب قوي أو ضعيف فهو على خير في الحال وإن غلِط في جهة الرجاء فالرجاء له خير، وأما إذا قطع رجاءه وأمله من الله تعالى فان ذلك شر له، والطِيَرة فيها سوء الظن وتوقع البلاء. ومن أمثال التفاؤل أن يكون له مريض فيتفاءل بما يسمعه فيسمع من يقول: يا سالم، أو يكون طالب حاجة فيسمع من يقول: يا واجد، فيقع في قلبه رجاء البرء أو الوجدان والله أعلم) انتهى كلام النووي رحمه الله. وقال الشيخ العثيمين رحمه الله (وإذا ألقى المسلم باله لهذه الأمور فلا يخلو من حالين: الأولى أن يستجيب لها فيقدم أو يحجم، فيكون حينئذ قد علَّق أفعاله بما لا حقيقة له. الثانية أن لا يستجيب، بأن يقدم ولا يبالي لكن يبقى في نفسه شيء من الهم أو الغم وهذا وإن كان أهون من الأول إلا أنه يجب عليه ألا يستجيب لداعي هذه الأمور مطلقا وأن يكون معتمدا على الله عز وجل) مجموع الفتاوى2/113. والحاصل أنه لا يجوز التشاؤم بشيء من الأرقام، وأن من قرأ أو سمع رقما، فتشاءم، فقد وقع في التطير المذموم، وكفارته – كما مضى في الحديث – أن يقول: اللهم لا خير إلا خيرك ولا طير إلا طيرك ولا إله غيرك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 33842 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 885 التشاؤم ببعض الأصوات عند الخروج [السُّؤَالُ] ـ[سمعت بأنه إذا ناداني شخص من خلفي أو عند خروجي من مكان ما فيجب أن أجلس لعدة لحظات وإلا لازمني الحظ السيئ فهل هذا صحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما سمعته غير صحيح، بل إن ذلك من التطيّر الذي هو: (التشاؤم بمرئي أو مسموع أو معلوم) وهو من عمل أهل الجاهلية والمشركين، وكان ذلك يصدهم عن مقاصدهم. وقد ذمّ الله تعالى أولئك به فقال تعالى: (ألا إنما طائرهم عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون) الأعراف /131، وقال أيضاً: (قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون) يس/19. والنبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن التطيّر وأخبر أنه من الشرك المنافي لكمال التوحيد الواجب لكون الطيرة من إلقاء الشيطان وتخويفه ووسوسته، وقد جاء نهيه عنها في غير ما حديث، فمن ذلك: - حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا عدوى ولا طيرة) رواه البخاري (5757) ومسلم (102) - وما رواه أبو داود (3910) والترمذي (1614) وصححه، عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً: (الطيرة شرك، الطيرة شرك، وما منّا إلا، ولكن الله يذهبه بالتوكل) وقوله: (وما منا إلا ... ) إلخ، من كلام ابن مسعود، وليس من كلام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ومعناه: ما منا من أحد إلا وقد يقع في قلبه شيء من الطيرة والتشاؤم إلا أن الله تعالى يذهب ذلك من القلب بالتوكل عليه وتفويض الأمر إليه. - وما جاء أيضاً من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل قالوا: وما الفأل؟ قال: الكلمة الطيبة) رواه البخاري (5756) ومسلم (2220) . فهذه الأحاديث صريحةٌ في تحريم الطيرة وأنها من الشرك، لما فيها من تعلّق القلب على غير الله تعالى، وقد كان أهل الجاهلية يعتقدون أنها تجلب لهم نفعاً أو تدفع عنهم ضراً إذا عملوا بموجبها، فكأنّهم بذلك أشركوا مع الله تعالى، فنفاها الشارع وأبطلها وأخبر أنه لا تأثير لها في جلب نفع أو دفع ضر. إذا ثبت هذا، فإنْ وقع لك شيء من ذلك فعليك أن تتقي الله وأن تتوكل عليه وأن تستعين به وألاّ تلتفت إليه، وأن تعالج هذا الأمر بما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك فيما أخرجه أبو داود بسند صحيح (3919) عن عروة بن عامر رضي الله عنه قال: (ذُكِرت الطيرة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أحسنها الفأل، ولا تردّ مسلماً، فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك) . وما أخرجه الإمام أحمد في مسنده (2 / 220) وصححه الألباني في الصحيحة (1065) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: (من ردّته الطيرة عن حاجته فقد أشرك، قالوا: وما كفارة ذلك؟ قال: أن تقول: اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك) . ثم اعلم أن الطيرة لا تضرّ من تركها ومضى في طريقه وفيما عزم عليه من أمره، وأمّا من لم يخلص توكّله على ربه واسترسل مع الشيطان في وساوسه فقد يُعاقب بالوقوع فيما يكرهه، لأنه أعرض عن الإيمان الواجب بالله تعالى، قال الله تعالى: (ما أصابك من حسنةٍ فمن الله وما أصابك من سيئةٍ فمن نفسك) النساء /79. وإذا ألقى المسلم باله لهذه الأمور فلا يخلو من حالين: الأولى: إما أن يستجيب لها، بأن يقدم أو يحجم، فيكون حينئذ قد علّق أفعاله بما لا حقيقة له. الثانية: أن لا يستجيب بأن يقدم ولا يبالي، لكن يبقى في نفسه نوع من الهمّ أو الغمّ. وهذا وإن كان أهون من الأول، لكن يجب أن لا يستجيب لداعي هذه الأمور مطلقاً وأن يكون معتمداً على الله عز وجل. المجموع الثمين من فتاوى ابن عثيمين 2/210. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 33844 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 886 السجود للنبي صلى الله عليه وسلم كفر بالله [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أعرف ماذا أفعل. فقد أخبرني أحدهم أنه عندما أقول دعائي، فإن علي أن أسجد سبعا للنبي صلى الله عليه وسلم، لكني لا أعرف كيف يكون ذلك.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة أنه لا يجوز صرف شيء من العبادة لغير الله لا لملك مقرّب ولا لنبي مرسل، ومن صرف شيئاً من العبادة لغير الله فهو مشرك كافر، والدليل على ذلك قول الله عز وجل: (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً) الجن / 18 قال ابن كثير: يقول تعالى آمرا عباده أن يوحدوه في محال عبادته ولا يدعى معه أحد ولا يشرك به..أهـ وهذا الفعل من الغلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي حذّر النبي صلى الله عليه وسلم منه ونهى عنه فقال:) لا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ) رواه البخاري (أحاديث الأنبياء / 3189) ، ولا شك أن هذا الفعل من العبادة، وقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من اتباع اليهود والنصارى في ذلك فقال في مرض موته: (لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا) رواه البخاري (الصلاة / 417) . وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حذَّر من القيام عليه، فقد جاء في الحديث: (إِنْ كِدْتُمْ آنِفًا لَتَفْعَلُونَ فِعْلَ فَارِسَ وَالرُّومِ يَقُومُونَ عَلَى مُلُوكِهِمْ وَهُمْ قُعُودٌ) رواه مسلم (الصلاة / 624) وجاء في الحديث: (لا تفعلوا كما تفعل أهل فارس بعظمائها) وهو في صحيح الجامع برقم (7380) فإذا كان هذا في القيام عليه صلى الله عليه وسلم، فكيف بالسجود له. وهذا السجود من أخص أنواع العبادة لله عز وجل وقد أمر الله بالسجود له وحده دون سواه قال تعالى: (واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون) ، فصّلت / 37، وقال تعالى: (فاسجدوا لله واعبدوا) النجم / 62. ثانياً: أما الفعل المشروع فهو: (الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم) في الدعاء، وهي من الآداب التي ينبغي أن تُراعى. قال النووي: أجمع العلماء على استحباب ابتداء الدعاء بالحمد لله تعالى والثناء عليه ثم الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك تختم الدعاء بهما، كما جاء في الحديث: (بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَجِلْتَ أَيُّهَا الْمُصَلِّي إِذَا صَلَّيْتَ فَقَعَدْتَ فَاحْمَدْ اللَّهَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ وَصَلِّ عَلَيَّ ثُمَّ ادْعُهُ قَالَ ثُمَّ صَلَّى رَجُلٌ آخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّهَا الْمُصَلِّي ادْعُ تُجَبْ) رواه الترمذي (الدعوات / 3398) وأبو داود 1481، وصححه الألباني في صحيح أبي داود برقم (2756) . وعن فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ قال: سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلا يَدْعُو فِي صَلاتِهِ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَجِلَ هَذَا ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ثُمَّ لْيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ لْيَدْعُ بَعْدُ بِمَا شَاءَ قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) الترمذي / 3399 وصححه الألباني في صحيح أبي داود (2767) وجاء في الحديث عن عبد الله بن مسعود قَالَ كُنْتُ أُصَلِّي وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ مَعَهُ فَلَمَّا جَلَسْتُ بَدَأْتُ بِالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ ثُمَّ الصَّلاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ دَعَوْتُ لِنَفْسِي فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلْ تُعْطَهْ سَلْ تُعْطَهْ) رواه الترمذي (الجمعة / 541) وقال الألباني في صحيح الترمذي حسن صحيح. برقم (486) فإن قيل: كيف نصلي على النبي صلى الله عليه وسلم؟ فالجواب: صفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أن يقال: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) رواه البخاري (أحاديث الأنبياء / 3119) . هذه هي صفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، أما ما ورد في السؤال من السجود للنبي صلى الله عليه وسلم فهذا محرم، وهو شرك أكبر، لأن السجود لا يكون إلا لله فالواجب على المسلم أن يتعلّم أمور دينه من الكتاب والسنة ومن أهل العلم الموثوق بعلمهم وأن يسأل عن كل ما أشكل عليه حتى لا يقع في الشرك والعياذ بالله. والابتعاد عن كل من يأمر بالشرك والبدع والضلالات نسأل الله السلامة والعافية. والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 13769 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 887 ذهب إلى عراف، ويسأل هل له من توبة؟ وكيف يتوب؟ [السُّؤَالُ] ـ[منذ سبع سنوات ذهبت عند عراف ثم عند كاهن وكنت حينها مصاباً بالوساس. وكنت أعلم أن الذهاب إلى الكاهن أو العراف شرك، ولكني لم أكن أعرف معنى الشرك وأنه خروج من الملة. وبعد هذه السنين تبت إلى الله تعالى من كل الذنوب والمعاصي، وبدأت أقرأ في كتب التوحيد حتى أصحح عقيدتي، فوجدت أني وقعت في الشرك الأكبر. فهل لي من توبة؟ وهل أعيد الشهادة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نحمد الله تعالى أن وفقك للتوبة، ونسأله سبحانه أن يرزقك الثبات والاستقامة على الحق. ثانياً: قد تظاهرت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في تحريم الذهاب إلى الكهان والعرافين، انظر السؤال (8291) . ولكن ليس كل من ذهب إلى كاهن أو عراف يكون مشركاً شركاً أكبر خارجاً عن الملة، بل الذهاب إلى الكاهن أو العراف فيه تفصيل، فقد يكون شركاً أكبر، وقد يكون معصية، وقد يكون جائزاً. قال الشيخ ابن عثيمين: " والذي يأتي إلى الكاهن ينقسم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: أن يأتي إلى الكاهن فيسأله من غير أن يصدقه، فهذا محرم، وعقوبة فاعله أن لا تقبل له صلاة أربعين يوماً، كما ثبت في صحيح مسلم (2230) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) . القسم الثاني: أن يأتي إلى الكاهن فيسأله ويصدقه بما أخبر به، فهذا كفر بالله عز وجل، لأنه صدقه في دعوى علمه الغيب، وتصديق البشري دعوى علم الغيب تكذيب لقول الله تعالى: (قًُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ) النمل/65. ولهذا جاء في الحديث الصحيح: (من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم) . القسم الثالث: أن يأتي إلى الكاهن فيسأله ليبين حاله للناس، وأنها كهانة وتمويه وتضليل، وهذا لا بأس به، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى ابن صياد، فأضمر له النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً في نفسه، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم ماذا خَبَّأ له؟ فقال: الدخ. يريد الدخان " انتهى. "مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين" (2/184) . وعليه؛ فمن أتى إلى عراف أو كاهن وكان مصدقاً له فيما يقول ومعتقدا أنه يعلم الغيب فقد كفر كفرا أكبر يخرج به من الإسلام، وأما إذا لم يكن معتقدا لصدقه فلا يكفر. وعلى كل الأحوال فباب التوبة مفتوح، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ) رواه الترمذي (3537) . أي: ما لم تبلغ الروح إلى الحلقوم، وكل ذنب يتوب منه الإنسان فإن الله يتوب عليه، قال الله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر/53. فأي ذنب وقع فيه الإنسان ثم تاب منه قبلت توبته، حتى الشرك. انظر السؤال (9393) والأصل أن الكافر – ومثله المرتد عن الإسلام- يطلب منه أن ينطق بالشهادتين حتى يدخل في الإسلام، فإن كان ذهابك إلى الكاهن من القسم الثاني السابق ذكره، فلا بد من الإتيان بالشهادتين، وحيث إنك قد تبت واستقمت فلا شك أنك قد كررت الشهادتين مرات ومرات، فلا يلزمك الآن شيء، وعليك العزم على عدم العودة لمثل هذا مرة أخرى. واجتهد في طلب العلم حتى تعبد الله على بصيرة. نسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 32863 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 888 كفر من يحكّم القوانين الوضعية [السُّؤَالُ] ـ[تارك الحكم بما أنزل الله إذا جعل القضاء عامة بالقوانين الوضعية هل يكفر؟ وهل يفرق بينه وبين من يقضي بالشرع ثم يحكم في بعض القضايا بما يخالف الشرع لهوى أو رشوة ونحو ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أي نعم، التفرقة واجبة، فرق بين من نبذ حكم الله جل وعلا واطرحه واستعاض به حكم القوانين وحكم الرجال, فإن هذا يكون كفراً مخرجاً من الملة الإسلامية، وأما من كان ملتزماً بالدين الإسلامي إلا أنه عاص ظالم بحيث أنه يتبع هواه في بعض الأحكام ويتبع مصلحة دنيوية مع إقراره بأنه ظالم في هذا، فإن هذا لا يكون كفراً مخرجاً من الملة. ومن يرى أن الحكم بالقوانين مثل الحكم في الشرع ويستحله فإنه يكفر أيضاً كفراً مخرجاً من الملة، ولو في قضية واحدة. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد الله الغنيمان. الحديث: 11309 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 889 وضع الأمانات عند قبور الأولياء ليحفظوها [السُّؤَالُ] ـ[يضع بعض الناس أماناتهم وحاجاتهم على قبور الصالحين ظنا منهم أنهم يتولون حراستها فلا تسرق ولا تنهب ولا تؤخذ.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اعتقاد أن الموتى يقومون بحراسة ما يوضع على قبورهم من الأمانات كفر بواح وشرك في الربوبية يستوجب من مات عليه الخلود في النار، ووضع الأمانات أو الحاجات الأخرى على القبور للحفظ أو البركة كله لا يجوز. والله أعلم. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 3/68 الحديث: 11998 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 890 ضلال من اعتقد أن الكفر لا يكون إلا بالتكذيب [السُّؤَالُ] ـ[القول بأن الكفر لا يكون إلا بالتكذيب؟ هل هو متفرع عن قول المرجئة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الكفر أنواع، والمرجئة وغيرهم من أهل البدع قالوا لا بد أن يكون أصله التكذيب فقط، ولكن هذا قول مخالف للأدلة وللحق، ومعلوم أن الرسل أرسلوا بالمعجزات وبالبراهين التي تخضع لها القلوب، والتكذيب من أقل ما يكون في الأمم، وإنما أكثر الكفر استكبار وجحود وعناد، وقد ذكر الله عز وجل عن قريش أنهم لا يكذبون النبي صلى الله عليه وسلم ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون وهذا كثير جدا، ولهذا قسم العلماء الكفر إلى أقسام، كفر إعراض، وكفر إباء واستكبار، وكفر تكذيب، وكفر نفاق، وكفر شك، والأدلة على ذلك كثيرة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقصة أبي طالب مع النبي صلى الله عليه وسلم واضحة وكان يصدقه، وكان يقول ابننا لا يكذب، ولا يأتي بالأكاذيب، ومع ذلك فهو كافر، لأنه لم يقر بلسانه وينقاد بعمله. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد الله الغنيمان الحديث: 12811 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 891 نشرة مكذوبة على زينب [السُّؤَالُ] ـ[هناك نشرة نصها كما يلي: (بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وعلى آله وصحبه وسلم. قال تعالى: (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولاهم يحزنون) يونس/62، صدق الله العظيم. أخي المسلم أختي المسلمة. مرضت فتاة عمرها (13) عاماً، مرضاً شديداً عجز الأطباء في علاجها، وفي ذات ليلة اشتد بها المرض فبكت حتى غلبها النوم فرأت في منامها بأن السيدة زينب رضي الله عنها وضعت في فمها قطرات فاستيقظت من نومها قد شفيت من مرضها تماماً وطلبت منها السيدة زينب رضي الله عنها أن تكتب هذه الرواية (13) مرة وتوزعها على المسلمين؛ للعبرة في قدرة الخالق جلت قدرته، وتجلت في آياته ومخلوقاته، وتعالى عما يشركون فنفذت الفتاة ما طلب منها، وقد حصل ما يلي: 1- النسخة الأولى: وقعت بيد فقير فكتبها ووزعها وبعد مضي (13) يوماً شاء المولى الكريم أن يغتني هذا الفقير. 2- النسخة الثانية: وقعت في يد عامل فأهملها وبعد مضي (13) يوماً فقد عمله. 3- النسخة الثالثة: وقعت في يد أحد الأغنياء فرفض كتابتها وبعد مضي (13) يوماً فقد كل ما يملك من ثروة. بادر أخي المسلم، أختي المسلمة بعد الاطلاع على هذه الرواية في كتابتها (13) مرة وتوزيعها على الناس قد تنال ما تتمنى من المولى الكريم جل شأنه وتعاظمت قدرته، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين) ا. هـ فما صحة هذه النشرة وما حكم توزيعها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لما اطلعت على هذه النشرة المفتراة رأيت أن من الواجب التنبيه على ما زعمه كاتبها من ترتب فوائد ومصالح لمن قام بكتابتها وترويجها، وترتب مضار لمن أهملها ولم يقم بنشرها - كذب لا أساس له من الصحة، بل هي مفتريات الكذابين والدجالين الذين يريدون صرف المسلمين عن الاعتماد على ربهم سبحانه في جلب النفع ودفع الضر وحده لا شريك له، مع الأخذ بالأسباب الشرعية والمباحة إلى الاعتماد والاتجاه إلى غيره سبحانه وتعالى في طلب جلب النفع ودفع الضر، والأخذ بالأسباب الباطلة غير المباحة وغير المشروعة، وإلى ما يدعو إلى التعلق على غير الله سبحانه وعبادة سواه. ولاشك أن هذا من كيد أعداء المسلمين الذين يريدون صرفهم عن دينهم الحق بأي وسيلة كانت، وعلى المسلمين أن يحذروا هذه المكائد ولا ينخدعوا بها، كما أنه يجب على المسلم ألا يغتر بهذه النشرة المزعومة وأمثالها من النشرات التي تروج بين حين وآخر، وسبق التنبيه على عدد منها، ولا يجوز للمسلم كتابة هذه النشرة وأمثالها والقيام بتوزيعها بأي حال من الأحوال، بل القيام بذلك منكر يأثم من فعله، ويخشى عليه من العقوبة العاجلة والآجلة؛ لأن هذه من البدع والبدع شرها عظيم وعواقبها وخيمة. وهذه النشرة على هذا النحو من البدع المنكرة، ومن وسائل الشرك والغلو في أهل البيت وغيرهم من الأموات، ودعوتهم من دون الله والاستغاثة بهم واعتقاد أنهم ينفعون ويضرون من دعاهم أو استغاث بهم، ومن الكذب على الله سبحانه، وقد قال سبحانه: (إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون) النحل/105، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) متفق على صحته. فالواجب على جميع المسلمين الذين تقع في أيديهم هذه النشرة وأمثالها تمزيقها، وإتلافها، وتحذير الناس منها، وعدم الالتفات إلى ما جاء فيها من وعد ووعيد لأنها نشرات مكذوبة لا أساس لها من الصحة ولا يترتب عليها خير ولا شر، ولكن يأثم من افتراها ومن كتبها ووزعها ومن دعا إليها وروجها بين المسلمين؛ لأن ذلك كله من باب التعاون على الإثم والعدوان الذي نهى الله عنه في محكم كتابه بقوله سبحانه: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب) المائدة/2. نسأل الله لنا وللمسلمين السلامة والعافية من كل شر، وحسبنا الله ونعم الوكيل على من افترى هذه النشرة وأمثالها وأدخل في شرع الله ما ليس منه، ونسأل الله أن يعامله بما يستحق؛ لكذبه على الله وترويجه الكذب، ودعوته الناس إلى وسائل الشرك والغلو في الأموات، والاشتغال بما يضرهم ولا ينفعهم، وللنصيحة لله ولعباده جرى التنبيه على ذلك. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد، وآله وصحبه. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/8 ص / 346. الحديث: 21316 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 892 نصراني يستعمل الموقع في ابحاثه [السُّؤَالُ] ـ[بالرغم من أنني نصراني إلا أنني أستخدم موقعك كمصدر للمعلومات عن الإسلام في بعض أبحاثي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا زلت في العشرين من العمر ولا زال الوقت متسعا لديك للاطّلاع والتفكير وإعادة النظر، ولا أعتقد أنّ دخولك في الإسلام أمر ميئوس منه، وأنت تعلم أنّ كثيرا من أعداء الإسلام بل والقساوسة والرهبان كعدي بن حاتم والنجاشي وغيرهم كانوا على الكفر ثمّ هداهم الله، وعلى أية حال مرحبا بك مستفيدا في صفحتنا هذه وإذا كان لديك سؤال جاد فلا مانع عندنا أبدا. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 583 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 893 هل يجوز سؤال ولي ميت أو حضرة علي [السُّؤَالُ] ـ[أقدم اعتذاري فسأطرح عليك أكثر من سؤال. 1- هل النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره من المخلوقات -عدا الله- كلي الوجود (موجود في كل مكان في جميع الأوقات) ؟ 2- هل يجوز أن نسأل أي شخص في أوقات الحاجة، مثلا: ولي ميت أو حضرة علي رضي الله عنه..الخ؟ أرجو الاستدلال بالأحاديث والآيات ذات العلاقة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله في البداية هناك ملاحظة على قولك في السؤال " أو غيره من المخلوقات - عدا الله - ". لابد من التنبيه على الخطأ اللفظي لأنه قد يفهم أنك ترى أن الله مخلوق وأنا على يقين بأنك لا ترى هذا. أولا: قال الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام: (إنك ميت وإنهم ميتون) وقال تعالى: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم) وقال تعالى: (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن متّ فهم الخالدون) ، وقال أبو بكر رضي الله عنه في خطبته بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام: "من كان يعبد محمدا فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت". رواه البخاري. فهذه الأدلة وأمثالها تدل على أن محمدا عليه الصلاة والسلام بشر كبقية البشر، يموت كما يموتون، ولن يخلّد كما أنه لم يخلّد أحد قبله. فالذي يريد أن يخرج النبي عن نطاق بشريته ويدعي بأن النبي موجود في كل مكان هو الذي يطالب بالدليل فما الذي أدراه بأن النبي في كل مكان، وفي جميع الأوقات؟ وليس هذا فقط بل حتى من يدعي ذلك في حقّ الله تعالى فهذا كفر وزيغ وضلال، وهذا يقتضي بأن الله موجود حتى في الأماكن المستقذرة كالحمام وغيره تعالى الله عما يقولون. ثانيا: _ عليك بقراءة كتاب فتح المجيد شرح كتاب التوحيد لمؤلفه الشيخ عبد الرحمن بن حسن. _ إعلم أن الدعاء والسؤال هو العبادة كما قال تعالى: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) ، وقال عليه الصلاة والسلام فيما رواه الترمذي: " الدعاء هو العبادة ". والعبادة لا يجوز أن تصرف لغير الله سبحانه. لكن دلّت الأدلة على أنه يجوز أن يُسأل المخلوق في بعض الأمور ولكن بشرطين: 1- أن تكون ممكنة ومقدوراً عليها، كأن تسأل شخصا إعطاءك مالاً حال احتياجك إليه. أما إن كانت الحاجة غير مقدور عليها فلا يجوز سؤالها مثل أن تسأل رجلا أن تكون من أهل الجنة، وهذا ليس بمقدوره حتى وإن كان رجلا صالحا تقيا. 2- أن يكون الشخص المسؤول قادرا، كالحي فلا يجوز دعاء الميت كما قال تعالى: (والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير. إن تدعوهم لا يسمعوا دعائكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم) . [الْمَصْدَرُ] الشيخ سعد الحميد. الحديث: 8928 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 894 إهداء ثواب العمل إلى من ذبح لغير الله لجهله [السُّؤَالُ] ـ[إن والده يذبح لغير الله فيما قيل له عن ذلك، ويريد الآن أن يتصدق عنه ويحج عنه، ويعزو سبب وقوع والده في ذلك إلى عدم وجود علماء ومرشدين وناصحين له، فما الحكم في ذلك كله؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان والده معروفاً بالخير والإسلام والصلاح، فلا يجوز له أن يصدق من ينقل عنه غير ذلك ممن لا تعرف عدالته، ويسن له: الدعاء والصدقة عنه، حتى يعلم يقيناً أنه مات على الشرك، وذلك بأن يثبت لديه بشهادة الثقات العدول اثنين أو أكثر أنهم رأوه يذبح لغير الله من أصحاب القبور أو غيرهم، أو سمعوه يدعو غير الله، فعند ذلك يمسك عن الدعاء له، وأمره إلى الله سبحانه وتعالى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم استأذن ربه أن يستغفر لأمه فلم يأذن الله له، مع أنها ماتت في الجاهلية على دين الكفار، ثم استأذن ربه أن يزورها فأذن له، فدل ذلك على أن من مات على الشرك ولو جاهلاً لا يدعى له، ولا يستغفر له، ولا يتصدق عنه، ولا يحج عنه، أما من مات في محل لم تبلغه دعوة الله، فهذا أمره إلى الله سبحانه. والصحيح من أقوال أهل العلم: أنه يمتحن يوم القيامة فإن أطاع دخل الجنة، وإن عصى دخل النار، لأحاديث صحيحة وردت في ذلك. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/8 ص / 341. الحديث: 10029 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 895 هل دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم شرك [السُّؤَالُ] ـ[هل التلفظ بالكلمات الواردة أدناه يعد شركا: "اللهم صلي وسلم على سيدنا محمد قد ضاقت حيلتي يا رسول الله"؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم هذه الكلمة تعدُّ شركاً، لأنها استغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم وشكوى الحال إليه. وذلك يتضمن أن الرسول عليه الصلاة والسلام يسمع نداء من يناديه في أي مكان، ويغيث من يستغيث به، ويفرِّج كربته وهذا ما لا يقدر عليه الرسول عليه الصلاة والسلام ولا في حياته فكيف بعد مماته، وهو لا يعلم الغيب، ولا يملك لنفسه ولا لغيره ضرا ولا نفعا. قال تعالى: (قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضراً إلاَّ ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير) ، وقال تعالى: (وقال ربكم ادعوني استجب لكم) وقال تعالى: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان) . فالواجب على العبد أن لا يدعو إلاَّ الله، ولا يستغيث إلاَّ به، ولا يرجو غيره، ولا يتوكل إلاَّ عليه فإن الله وحده هو الذي بيده الملك وبيده الخير، وهو على كل شيء قدير. وعلم الغيب، وتفريج الكروب، وسماع دعاء الداعين وإجابتهم من خصائص الرب سبحانه وتعالى، فمن جعل شيئاً من ذلك لغيره كان مشركاً شركاً أكبر. قال تعالى: (أمَّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أءله مع الله قليلاً ما تذكَّرون) ، وقال تعالى: (قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله) . والله هو الذي يغفر الذنوب، ويفرج الكروب، ويعلم ما في الصدور سبحانه وتعالى، فيجب على العبد ألا يقصد في حصول هذه المطالب _ من مغفرة الذنوب، وتفريج الكروب ونحو ذلك مما لا يقدر عليه إلا الله _ ألا يقصد سوى مولاه فإنه ولي ذلك والقادر عليه. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد الرحمن البراك. الحديث: 10289 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 896 هل تنفع الأعمال الخيرية صاحبها إذا مات كافرا [السُّؤَالُ] ـ[إذا عاش شخص من غير المسلمين حياته مبتعدا عن المعاصي الكبيرة، عاملا للخير ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وكان يعيش حياة طيبة ثم مات على غير الإسلام، فهل يدخل الجنة بسبب أعمال الخير التي كان يعملها، أم يدخل النار لأنه لم يسلم (عن علم أو جهل) ولم يقبل بتوحيد الله؟ أرجو التوضيح.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا مات الإنسان على غير الإسلام فإن الجنة عليه حرام لقوله تعالى {إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار} المائدة: 72 وأعمال الخير التي يقوم بها الإنسان مع كفره لا تنفعه في الآخرة بشي لقوله تعالى {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} آل عمران: 85 ولقوله تعالى {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا} الفرقان:23 ولقوله تعالى {والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم، هل يجزون إلا ما كانوا يعملون} الأعراف: 147 وقد سألت عائشة رضي الله عنها النبي صلى الله عليه وسلم سؤالا يُشبه ما ورد في سؤال السائل فقالت رضي الله عنها: يَا رَسُولَ اللَّهِ , ابْنُ جُدْعَانَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ وَيُطْعِمُ الْمِسْكِينَ فَهَلْ ذَاكَ نَافِعُهُ؟ قَالَ لَا يَنْفَعُهُ إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ." رواه الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه 214 وأمّا إذا كان الكافر لم يسمع عن الإسلام ولم تصل إليه الدّعوة فإنّ الله تعالى يمتحنه يوم القيامة (يراجع السؤال رقم 1244) والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 6667 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 897 حكم إتيان المنجمين وتصديقهم [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز الإتيان إلى المنجمين، وتصديقهم فيما يقولون أم لا؟ وروى النسائي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا تقبل صلاة من أتاهم وصدقهم، هل هذا صحيح، أوضحوا لنا ما جاء فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وما قاله العلماء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ثبتت أحاديث كثيرة بتحريم ذلك، منها: عن صفية بنت أبي عبيد عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من أتى عرافا فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل صلاته أربعين يوما " رواه مسلم في صحيحه، وعن قبيصة بن المخارق قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " العيافة، والطيرة، والطرق من الجبت " رواه أبو داود بإسناد حسن؛ قال أبو داود: والعيافة والخط والطرق: الزجر، أي زجر الطير، وهو أن يتيامن أو يتشاءم بطيرانه، فإن طار إلى جهة اليمين تيمن! وإن طار إلى جهة اليسار تشاءم! قال الجوهري: الجبت كلمة تقع على الصنم، والكاهن، والساحر، والمنجم، ونحو ذلك. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد " رواه أبو داود بإسناد صحيح. وعن معاوية بن الحكم رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله إني حديث عهد بجاهلية، وقد جاء الله بالإسلام، وإن منا رجالا يأتون الكهان؛ قال: لا تأتهم؛ قلت: ومنا رجال يتطيرون؛ قال: ذاك شيء يجدونه في صدورهم فلا تصدقهم " رواه مسلم. وعن أبي مسعود البدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وحلوان الكاهن. رواه البخاري ومسلم. وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قال: " سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناس عن الكهان، فقال: ليسوا بشيء. فقالوا: يا رسول الله إنهم يحدثون أحيانا بشيء فيكون حقا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تلك كلمة من الحق يخطفها الجني فيقرها في أذن وليه، فيخلطون معها مائة كذبه ". رواه البخاري ومسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من أتى كاهنا فصدقه بما يقول، أو أتى امرأة في دبرها، فقد برئ مما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم " رواه أبو داود ... ، قال العلماء فيحرم تعاطي هذه الأمور والمشي إليها، وتصديقهم، ويحرم بذل الأموال لهم، ويجب على من ابتلي بشيء من ذلك المبادرة بالتوبة منه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] فتاوى الإمام النووي 230. الحديث: 8291 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 898 سوء أدب بعض الكتاب في حق الله عز وجل [السُّؤَالُ] ـ[كتب بعضهم العبارة التالية في مقال له: المرأة أجمل قرار اتخذه الله!! فما حكم هذه العبارة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا سوء أدب مع الله -عز وجل- ولا يقال عن الله مثل هذا الكلام الذي ينضح بالشهوانية وقلة معرفة حق الرب تبارك وتعالى. والله سبحانه وتعالى قد قضى وحكم وقرر أمورا أعظم من خلق المرأة مثل توحيده عز وجل وإفراده بالعبادة. وجمال المرأة الأجنبية لا يجوز للرجل أن يطلع عليه كما قال الله تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) الآية. وللإنسان أن يستمتع بجمال زوجته التي منَّ الله عليه بجعلها سكنأ له، ويوجد مثل العبارة المذكورة آنفا عبارات أخرى كثيرة لبعض من يزعم الكتابة في الأدب تدل على وقاحتهم وأنهم لا يرجون لله وقارا ولا يعظمون الرب عز وجل ولا يتأدبون معه في الكلام، والواجب نصح هؤلاء ومحاربة باطلهم، والله الموفق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 13631 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 899 علم النجوم [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لنا قراءة علامات النجوم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال البخاري في صحيحه: قال قتادة: " خلق الله هذه النجوم لثلاث: زينةً للسماء، ورجوماً للشياطين، وعلاماتٍ يُهتدى بها، فمن تأول فيها غير ذلك أخطأ وأضاع نصيبه وكُلف ما لا علم له به ". انتهى صحيح البخاري – باب في النجوم. (2/420) وعلم النجوم ينقسم إلى قسمين: أولاً: علم التأثير. ثانياً: علم التسيير. فأما علم التأثير فهو على ثلاثة أقسام: 1- أن يعتقد أن هذه النجوم مؤثرة فاعلة بمعنى أنها هي التي تخلق الحوادث والشرور فهذا شرك أكبر؛ لأن من ادعى أن مع الله خالقاً فهو مشركٌ شركاً أكبر، وقد جعل المخلوق المُسَخََََّر خالقاً مُسَخِراً. 2- أن يجعلها سبباً يدَّعي به علم الغيب فيستدل بحركاتها وتنقلاتها وتغيراتها على أنه سيكون كذا وكذا لأن النجم الفلاني صار كذا وكذا. كأن يقول: هذا الإنسان ستكون حياته شقاء؛ لأنه ولد في النجم الفلاني، وهذا حياته ستكون سعيدة؛ لأنه ولد في النجم الفلاني. فهذا الشخص اتخذ تعلم النجوم وسيلة لادعاء علم الغيب وادعاء علم الغيب كفرٌ مُخرجٌ عن الملة لأن الله يقول: {قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله} النمل 65، وهذا من أقوى أنواع الحصر لأنه حصرٌ بالنفي والاستثناء، فإذا ادعى علم الغيب فقد كذب القرآن. 3 - أن يعتقدها سبباً لحدوث الخير والشر فهذا شرك أصغر، أي أنه إذا وقع شيء نسبه إلى النجوم. (ولا ينسب إلى النجوم شيئاً إلا بعد وقوعه) والقاعدة أن من اعتقد شيئا سببا لشيء، ولم يجعله الله كذلك فقد تعدى على الله لأن مسبب الأسباب هو الله وحده. كمن يستشفي بربط خيط ما، ويقول أنا أعتقد أن الشفاء بيد الله وهذا الخيط هو مجرد سبب فنقول له: نجوت من الشرك الأكبر، ووقعت في الشرك الأصغر لأن الله لم يجعل الخيط سببا ظاهرا للشفاء، وأنت بفعلك هذا قد اعتديت على مقام الربوبية بجعل شيء سببا لشيء والله لم يجعله كذلك. وهكذا من جعل النجوم سبب لنزول المطر وليست كذلك والدليل ما أخرجه البخاري (801) ومسلم (104) عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ فِي إِثْرِ السَّمَاءِ كَانَتْ مِنْ اللَّيْلِ فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ قَالَ أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَب " فحكم على من نسب المطر إلى النجوم نسبة سبب. الثاني: علم التسيير. وهو على قسمين: 1- أن يستدل بسيرها على المصالح الدينية فهذا مطلوب، وإذا كان يُعين على مصالح دينية واجبة كان تعلُمُهَا واجباً كأن يستدل بالنجوم على جهة القبلة. 2- أن يستدل بسيرها على المصالح الدنيوية، فهذا لا بأس به وهو نوعان: الأول: أن يستدل بها على الجهات، كمعرفة أن القطب يقع شمالاً، والجدي – وهو قريب منه – يدور حوله شمالاً ... فهذا جائز، قال تعالى: {وعلامات وبالنجم هم يهتدون} (النحل 16) . الثاني: أن يستدل بها على الفصول، وهو ما يُعرف بتعلم منازل القمر فهذا كرهه بعض السلف، وأباحه آخرون، والصحيح أنه جائز وليس فيه كراهه؛ لأنه لا شرك فيه إلا إن تعلمها ليضيف إليها نزول المطر وحصول البرد، وأنها هي الجالبة لذلك فهذا نوعٌ من الشرك، أما مجرد معرفة الوقت بها هل هو الربيع أو الخريف أو الشتاء فهذا لا بأس به. انظر القول المفيد للشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله (2/102) . [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 22445 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 900 هل النبي صلى الله عليه وسلم يسمع من يناديه وهو في قبره [السُّؤَالُ] ـ[البعض يعتقد بأن النبي محمد صلى الله عليه وسلم شهيد وأنه في حياة البرزخ حيث يستطيع أن يسمعنا إذا سألناه وطلبنا شفاعته (بسبب فضله وقربه من الله) حين ندعوا الله.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله النبي صلى الله عليه وسلم حي في قبره حياة برزخية يحصل له بها التنعم بما أعده الله له من النعيم جزاء له على أعماله العظيمة الطيبة التي قام بها في دنياه، وليست الحياة في القبر كالحياة في الدنيا ولا الحياة في الآخرة، بل هي حياة برزخية وسط بين حياته في الدنيا وحياته في الآخرة وبذلك يعلم أنه قد مات كما مات غيره ممن سبقه من الأنبياء وغيرهم قال تعالى: (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ) الأنبياء/34، وقال سبحانه: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ.وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ) الرحمن/26،27 وقال: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) الزمر/30، إلى أمثال ذلك من الآيات الدالة على أن الله توفاه إليه، ولأن الصحابة رضي الله عنهم قد غسلوه وكفنوه وصلوا عليه ودفنوه ولو كان حيا حياته الدنيوية ما فعلوا به ما يفعل بغيره من الأموات. ولأن فاطمة رضي الله عنها قد طلبت من أبي بكر رضي الله عنه إرثها من أبيها صلى الله عليه وسلم لاعتقادها بموته، ولم يخالفها في ذلك الاعتقاد أحد من الصحابة بل أجابها أبو بكر رضي الله عنه بأن الأنبياء لا يورثون. ولأن الصحابة رضي الله عنهم قد اجتمعوا لاختيار خليفة للمسلمين يخلفه وتم ذلك بعقد الخلافة لأبي بكر رضي الله عنه، ولو كان حيا كحياته في دنياه لما فعلوا ذلك فهو إجماع منهم على موته.ولأن الفتن والمشكلات لما كثرت في عهد عثمان وعلي رضي الله عنهما، وقبل ذلك وبعده لم يذهبوا إلى قبره لاستشارته أو سؤاله في المخرج من تلك الفتن والمشكلات وطريقة حلها ولو كان حيا كحياته في دنياه لما أهملوا ذلك وهم في ضرورة إلى من ينقذهم مما أحاط بهم من البلاء. أما روحه صلى الله عليه وسلم فهي في أعلى عليين لكونه أفضل الخلق، وأعطاه الله الوسيلة وهي أعلى منزلة في الجنة عليه الصلاة والسلام. وحياة البرزخ حياة خاصة فالأنبياء أحياء والشهداء أحياء في البرزخ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الأنبياء أحياء في قبورهم يصلّون) أخرجه المنذري والبيهقي، وصححه وله شواهد في الصحيحين. وقال تعالى: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون) البقرة/154، فهذه حياة خاصة لها طبيعة خاصة يعلمها الله وليست كحياة الدنيا التي تفارق فيها الروح الجسد. والأصل في الأموات أنهم لا يسمعون كلام الأحياء من بني آدم، لقوله تعالى: (وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ) فاطر/22، فأكد الله عدم سماع من يدعوهم إلى الإسلام بتشبيههم بالموتى. ولم يثبت في الكتاب ولا في السنة الصحيحة ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم يسمع كل دعاء أو نداء من البشر، وإنما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه يبلغه صلاة وسلام من يصلي ويسلم عليه فقط لما رواه أبو داود (2041) بإسناد حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام " وهذا ليس بصريح أنه يسمع سلام المسلِّم، بل يحتمل أنه يرد عليه إذا بلّغته الملائكة ذلك. ولو فرضنا سماعه سلام المسلِّم، فهو استثناء من الأصل كما استثني من ذلك سماع الميت لقرع نعال مشيعي جنازته، واستثني من ذلك سماع قتلى الكفار الذين قبروا في قليب بدر لنداء الرسول صلى الله عليه وسلم إياهم حين قال لهم: " هل وجدتم ما وعد ربكم حقا، فإنا وجدنا ما وعدنا ربنا حقا " انظر فتاوى اللجنة الدائمة (1 / 313،318، 321) وأما بالنسبة لدعاء النبي صلى الله عليه وسلم والطلب منه مباشرة فهذا عين الشرك الذي بعث النبي صلى الله عليه وسلم لينهى عنه، ويحارب أهله، ولمعرفة حكم ذلك بالتفصيل يراجع السؤال رقم (10289) و (11402) و (1439) . نسأل الله أن يرد المسلمين لدينهم ردا جميلا. والله أعلم، وصلى الله على نبيه محمد وعلى آله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 21524 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 901 الصلاة عند القبور وشروط الشفاعة [السُّؤَالُ] ـ[كنت في نقاش مع أحد الأصحاب الذين يتبعون مذهب الصوفية، وسألني عن رأيي في الصلاة على القبور وعن بعض العلماء المتدينين وشفاعتهم يوم القيامة. قلت لذلك الشخص إن الصلاة على القبور شرك وأنه لا يشفع أحد يوم القيامة إلا النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأردت أن أعرف رأي أهل العلم بهذا الشأن وأين أجد الدليل على ذلك. أرجو أن تتمكن من الإجابة على سؤالي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: مسألة الصلاة على القبور.. الصلاة على القبور على قسمين: القسم الأول: الصلاة لصاحب القبر، وهذا شرك أكبر مخرج عن الملة لأن الصلاة عبادة والعبادة لا يجوز صرفها لغير الله قال تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً) النساء/36، وقال تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالاً بعيداً) النساء/116. القسم الثاني: الصلاة لله في المقبرة، وهذا القسم تحته مسائل: 1- صلاة الجنازة على القبر، وهذه جائزة. صورة المسألة: أن يموت شخص ولم تتمكن من الصلاة عليه في المسجد فيجوز لك أن تصلي عليه بعد دفنه. دليل المسألة هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم: فعن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا أَسْوَدَ أَوْ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَ يَقُمُّ (أي يُنظِّف) الْمَسْجِدَ فَمَاتَ فَسَأَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ فَقَالُوا مَاتَ قَالَ أَفَلا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي بِهِ دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ أَوْ قَالَ قَبْرِهَا فَأَتَى قَبْرَهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا " رواه البخاري واللفظ له (458) ومسلم (956) . 2- صلاة الجنازة في المقبرة، وهذه جائزة. صورة المسألة: أن يموت شخص ولم تتمكن من الصلاة عليه في المسجد، وحضرت إلى المقبرة فصليت عليه قبل أن يُدفن. قال الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله: " تجوز الصلاة على الجنازة داخل المقبرة كما تجوز الصلاة عليها بعد الدفن؛ لما ثبت أن جارية كانت تقم المسجد، فماتت فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عنها فقالوا: ماتت، فقال: " أفلا كنتم آذنتموني؟ فدلوني على قبرها " فدلوه فصلى عليها ثم قال: " إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله ينورها لهم بصلاتي عليهم " رواه مسلم 956 انتهى من فتاوى اللجنة الدائمة 8/392 3- الصلاة في المقبرة – ما عدا صلاة الجنازة – وهذه الصلاة باطلة ولا تصح، سواءً كانت فريضة أو نافلة. الدليل: أولاً: قول النبي صلى الله عليه وسلم: " الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام " رواه الترمذي (317) وابن ماجه (745) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (606) . ثانياً: قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " رواه البخاري (435) ومسلم (529) . ثالثاً: (تعليل) وهو أن الصلاة في المقبرة قد تتخذ ذريعة إلى عبادة القبور، أو إلى التشبه لمن يعبد القبور، ولهذا لما كان الكفار يسجدون للشمس عند طلوعها وغروبها، نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عند طلوعها وغروبها لئلا يُتخذ ذريعة إلى أن تُعبد الشمس من دون الله، أو إلى أن يتشبه بالكفار. 4- الصلاة إلى المقبرة، وهذه محرمة - على الصحيح -. صورة المسألة: أن تصلي وفي قبلتك مقبرة أو قبر، ولكنك لا تصلي في أرض المقبرة، بل في أرض أخرى قريبة من المقبرة، وليس بينك وبين المقبرة سور أو حاجز. الدليل على التحريم: 1- عَنْ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ وَلا تُصَلُّوا إِلَيْهَا " رواه مسلم (972) . فهذا يدل على تحريم الصلاة إلى المقبرة أو إلى القبور أو إلى القبر الواحد. 2- ولأن العلة من منع الصلاة في المقبرة موجودة في الصلاة إلى القبر فما دام الإنسان يتجه إلى القبر أو إلى المقبرة اتجاهاً يُقال إنه يُصلي إليها فإنه يدخل في النهي، وإذا كان داخلاً في النهي فلا يصح لقوله: " لا تصلوا " فالنهي هنا عن الصلاة، فإذا صلى إلى القبر فقد اجتمع في فعله هذا طاعة ومعصية، وهذا لا يمكن أن يتقرب إلى الله تعالى به. تنبيه: إذا كان بينك وبين المقابر جدار فاصل فلا بأس من الصلاة حينئذٍ ولا نهي، كذلك إذا كان بينك وبينها شارع أو مسافة لا تصير بها مصلياً إلى المقابر فلا بأس. والله أعلم انظر المغني (1/403) والشرح الممتع لابن عثيمين (2/232) رحم الله الجميع. ثانياً: مسألة الشفاعة ... قد أخطأت في قولك إنه لا يشفع أحد يوم القيامة إلا النبي صلى الله عليه وسلم، بل يشفع النبي صلى عليه وسلم ويشفع غيره من المؤمنين، انظر السؤال (11931) . ولكن نضيف هنا مسألة لم تُذكر هناك، وهي أن الشفاعة لها شروط: الأول: الإذن من الله للشافع أن يشفع. الثاني: رضى الله عن المشفوع له. والدليل على الشرطين قوله تعالى: (وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى) النجم/26 وقوله (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) الأنبياء/28. وأما الشفاعة الموهومة التي يظنها عبَّاد الأصنام من معبوديهم فهي شفاعة باطلة؛ لأن الله لا يأذن لأحد بالشفاعة إلا من ارتضاه من الشفعاء والمشفوع لهم. انظر " القول المفيد شرح كتاب التوحيد " للشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله ص (336-337) ط1. إلا أن الإقرار بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعة المؤمنين ليس مسوغاً لطلبها منهم، كما يفعل البعض من طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 13490 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 902 حكم الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم [السُّؤَالُ] ـ[أسمع كثيراً من الناس عندما يرغب تأكيد أمر ما يقول والنبي، فهل ذلك جائز؟ .]ـ [الْجَوَابُ] هذا حلف بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو حرام، ونوع من الشرك، فإن الحلف بالشيء تعظيم للمحلوف به، والمخلوق لا يعظم المخلوق (تعظيم عبادة) ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) صحيح، رواه احمد (2/125) ، وأبو داود (3251) ، والترمذي (1535) وهو يعم الحلف بالأنبياء والملائكة والصالحين وسائر المخلوقات، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) رواه البخاري (4860 فتح 8/611) ، (6107 فتح 10/516) ، ومسلم (1647) وأحمد (2/309) وأبو داود (3247) والنسائي (3775) والترمذي (1545) ، وابن ماجه (2096) ، فأما ما ورد في القرآن من الحلف بالمرسلات والذاريات والنازعات، والفجر، والعصر، والضحى، ومواقع النجوم الخ فهو من الله تعالى، ولله أن يقسم من خلقه بما يشاء، فأما المخلوق فلا يحلف إلا بربه تعالى. [الْمَصْدَرُ] من كتاب اللؤلؤ المكين من فتاوى ابن جبرين ص 32 الحديث: 1074 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 903 غضب فسب دين وسماء القلم والورقة [السُّؤَالُ] ـ[رجل يكتب على ورقة، وفي أثناء الكتابة أخطأ في بعض الكلمات فانزعج كثيراً ومن شدة غضبه سب دين وسماء القلم والورقة، فهل يعتبر سب دين القلم أو الورقة أو الحجر أو الشجر أو الكرسي أو الكأس أو ... الخ من هذه الأشياء هل يعتبر كفراً؟.]ـ [الْجَوَابُ] لا شك أن هذا السب حرام، ولو قيل أن القلم والورقة لا يدينان بالدين الذي هو العبادات، لكن معلوم أن الدين واحد، وأن الله تعالى هو الذي سخر هذه الأقلام والأدوات، ويسر استعمالها، فيخاف أن السب يرجع إلى الله تعالى، فعليه التوبة والاستغفار، وعدم العودة إلى مثل هذا. [الْمَصْدَرُ] من كتاب اللؤلؤ المكين في فتاوى ابن جبرين ص 34 الحديث: 1079 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 904 حكم سؤال الله بجاه فلان [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم قول الإنسان في الدعاء: اللهم إني أسألك بجاه فلان أو بحق فلان. وهل هناك فرق بينها وبين قول الإنسان لصاحب القبر: يا فلان أغثني؟.]ـ [الْجَوَابُ] لا يجوز سؤال الله تعالى بجاه فلان أو بحق فلان، ولو بجاه الأنبياء أو المرسلين، أو بحق الأولياء أو الصالحين، فإنه ليس على الله حق لأحد، ولا يجوز السؤال إلا بأسماء الله تعالى وصفاته، كما قال تعالى: " ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها " الأعراف 180، فأما إذا قال لصاحب القبر: يا فلان أغثني، فإنه شرك ظاهر، لأنه دعاء لغير الله، فالسؤال بالجاه وسيلة إلى الشرك، ودعاء المخلوق شرك في العبادة، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 1439 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 905 حكم أبراج الحظ [السُّؤَالُ] ـ[السلام عليكم، أعرف أن قراءة البروج واستطلاع الغيب من المحرمات التي نهى الله عنها لأنه سبحانه وتعالى هو من يعرف المستقبل لنا ولهذا عزفت عن قراءة البروج. لكن هل تفسير الأحلام حرام أيضا أم أنه مسموح به؟ فقد حلمت أنني قد تم خطفي ثم حلمت أن إحدى خالاتي التي كانت تأكل سرطان البحر المفعم بالكاري قد عانقتني. وفي شبكة الإنترنيت يوجد موقع لتفسير الأحلام وقد قرأت فيه تفسيرا لمعنى الاختطاف وهو أنني سأواجه موقفاً سيئاً لا أحسد عليه، أما العناق الذي بادرتني به خالتي في الحلم الثاني فهو يعني أنني سأفقد خطيبي. فهل هذه التفسيرات صحيحة؟ وهل يمكنك التعليق من فضلك على ذلك؟ جزاك الله خيرا]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما يسمى بعلم النجوم والأبراج والحظ والطالع من أعمال الجاهلية التي جاء الإسلام بإبطالها وبيان أنها من الشرك لما فيها من التعلق بغير الله تعالى واعتقاد الضر والنفع في غيره وتصديق العرافين والكهنة الذين يدّعون علم الغيب زوراً وبهتاناً ليبتزوا أموال الناس ويغيروا عقائدهم، والدليل على ذلك ما رواه ابو داود في سننه بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال {من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد} وما رواه البزار بإسناد جيد عن عمران بن حصين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال {ليس منا من تطير أو تُطير له أو تكهن أو تُكهن له أو سحر أو سُحر له} ومن ادعى معرفة علم شيء من المغيبات فهو إما داخل في اسم الكاهن وإما مشارك له في المعنى، لأن الله تعالى استأثر بعلم الغيب فقال عز وجل {قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيبَ إلا الله} . ونصيحتي لكل من يتعلق بهذه الأمور أن يتوب إلى الله ويستغفره وأن يعتمد على الله وحده ويتوكل عليه في كل الأمور مع أخذه بالأسباب الشرعية والحسية المباحة وأن يدع هذه الأمور الجاهلية ويبتعد عنها ويحذر سؤال أهلها أو تصديقهم طاعةً لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وحفاظاً على دينه وعقيدته. [الْمَصْدَرُ] نقلت بتصرف من مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز - رحمه الله - (2/123) . الحديث: 2538 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 906 التوسل الشرعي والبدعي [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أسأل عن التوسل فإنني أعرف أن من يطلب التوسل من القبور أو يسأل الميت دعاء لغير الله وغير صحيح. لكن أحدهم يقول: ما الخطأ في أن أطلب الدعاء من رجل صالح وهو حي؟ وما الخطأ في أن أطلب الدعاء منه وهو ميت؟ فكيف أرد على هذا الأخ؟ وما هو التوسل المباح؟ وما هو التوسل غير المباح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله التوسل لغة: هو التقرب، ومنه قوله تعالى: (يبتغون إلى ربهم الوسيلة) أي: ما يقربهم إليه، وينقسم إلى قسمين توسل مشروع وتوسل ممنوع: فالتوسل المشروع: هو التقرب إلى الله تعالى بما يحبه ويرضاه من العبادات الواجبة أو المستحبة سواء كانت أقوالاً أو أفعالاً أو اعتقادات وهذا أنواع: الأول: التوسل إلى الله بأسمائه وصفاته، قال تعالى: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون) فيقدّم العبد بين يدي دعاء الله تعالى الاسم المناسب لمطلوبه كتقدم اسم الرحمن حال طلب الرحمة، والغفور حال طلب المغفرة، ونحو ذلك. الثاني: التوسل إلى الله تعالى بالإيمان والتوحيد، قال تعالى: (ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين) . الثالث: التوسل بالأعمال الصالحة بأن يسأل العبد ربه بأزكى أعماله عنده وأرجاها لديه كالصلاة والصيام وقراءة القرآن، والعفّة عن المحرّم ونحو ذلك، ومن ذلك الحديث المتفق عليه في الصحيحين في قصة الثلاثة نفر الذين دخلوا الغار، وانطبقت عليهم الصخرة، فسألوا الله بأرجى أعمالهم، ومن ذلك أن يتوسّل العبد بفقره إلى الله كما قال الله تعالى عن نبيه أيوب عليه السلام: (أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين) أو بظلم العبد نفسه، وحاجته إلى الله كما قال تعالى عن نبيه يونس عليه السلام: (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) . وهذا التوسل المشروع يختلف حكمه من نوع إلى آخر، فمنه ما هو واجب كالتوسل بالأسماء والصفات والتوحيد، ومنه ما هو مستحب كالتوسل بسائر الأعمال الصالحة. أما التوسل البدعي الممنوع: فهو التقرب إلى الله تعالى بما لا يحبه ولا يرضاه من الأقوال والأفعال والاعتقادات، ومن ذلك: التوسل إلى الله بدعاء الموتى أو الغائبين والاستغاثة بهم ونحو ذلك، فهذا شرك أكبر مخرج من الملة مناف للتوحيد، فدعاء الله تعالى سواء كان دعاء مسألة كطلب النفع أو دفع الضر، أو دعاء عبادة كالذل والانكسار بين يديه سبحانه لا يجوز أن يُتوجه به لغير الله، وصرفه لغيره شرك في الدعاء، قال تعالى: (وقال ربكم ادعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) ، فبيّن الله تعالى في هذه الآية جزاء من يستكبر عن دعاء الله إما بأن يدعوا غيره أو بأن يترك دعائه جملة وتفصيلاً، كبْراً وعُجْباً وإن لم يدع غيره، وقال تعالى: (ادعوا ربكم تضرعاً وخفية (فأمر الله العباد بدعائه دون غيره، والله يقول عن أهل النار: (تالله إن كنا في ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين) فكل ما اقتضى تسوية غير الله بالله في العبادة والطاعة فهو شرك به سبحانه، وقال تعالى: (ومن أضل ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين) . وقال سبحانه: (ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون) فجعل الله تعالى من دعا غيره معه متخذاً إلها من دونه، وقال سبحانه: (والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير إن تدعوهم لا يسمعوا دعائكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرن بشرككم ولا ينبئك مثل خبير) فبين الله تعالى في هذه الآية أنه هو المستحق للدعاء لأنه المالك المتصرف لا غيره، وأن تلك المعبودات لا تسمع الدعاء، فضلاً عن إجابتها للداعي، ولو قُدِّر أنها سمعت لما استجابت، لأنها لا تملك نفعا ولا ضرا، ولا تقدر على شيء من ذلك. وإنما كفر مشركوا العرب الذين بعث النبي صلى الله عليه وسلم لدعوتهم بسبب هذا الشرك في الدعاء إذ كانوا يدعون الله تعالى مخلصين له الدين في حال الشدة، ثم يكفرون به في الرخاء والنعمة بدعوة غيره معه سبحانه قال تعالى: (فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون) وقال: (وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم) ، وقال جل وعلا: (حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتهم ريح عاصف وجاءهم الموت من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين) . وشرك بعض الناس اليوم قد زاد على شرك السابقين، وذلك لأنهم يصرفون أنواعاً من العبادة لغير الله كالدعاء والاستغاثة حتى في وقت الشدة ولا حول ولا قوة إلا بالله، سأل الله السلامة والعافية. والخلاصة في الردّ على ما ذكره صاحبك: أنّ سؤال الميت شرك، وسؤال الحيّ ما لايقدر عليه إلا الله شرك أيضا والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 3297 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 907 متى تكون طاعة المخلوق شركاً أكبر [السُّؤَالُ] ـ[متى تكون طاعة المخلوق شركاً أكبر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تكون طاعة المخلوق شركاً في حالات ومنها إذا أطاعه في أمر يحلّ به حراماً، أو يحرم حلالاً، أو أنّ المخلوق شرع نظاماً، أوسن قانوناً، يخالف شرع الله، واعتقد المتّبع أن هذا التشريع أكمل من شرع الله وأصلح، أو أنه مثل شرع الله أو أنّ شرع الله أفضل ولكن يجوز العمل بهذا الشّرع البشري، والدليل على ذلك: قول الله تعالى: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله) قال عدي بن حاتم: يا رسول الله لسنا نعبدهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أليس يحلون لكم ما حرّم الله فتحلونه، ويحرمون ما أحل الله فتحرمونه؟) قال: بلى. قال النبي صلى الله عليه وسلم (فتلك عبادتهم) ، فصارت طاعة النصارى لأحبارهم في المعصية واعتقاد التحليل والتحريم لأجل كلامهم عبادة لغير الله، وهو من الشرك الأكبر المنافي للتوحيد، وأما بالنسبة لسؤالك فإن كان المطيع لوالديه في المعصية يعتقد أنها معصية وإنما يفعل ما يفعل لهوى نفسه أو خوفا من عقاب والديه ولم يصل إلى درجة الإكراه فهو عاص آثم مخالف لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. " رواه الإمام أحمد 1041 وهو حديث صحيح، ولكنه لا يكون مشركا شركا أكبر وأما إذا كان الولد يعتقد أنّ كلام والديه يحلّ ما حرّم الله ويحرّم ما أحلّ الله فإنه يكون مشركا شركا أكبر، وينبغي على المسلم أن يجاهد نفسه ليكون هواه موافقا لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وأن يقدّم طاعة الله ورسوله على طاعة كلّ أحد، وأن يكون الله ورسوله أحبّ إليه مما سواهما، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. " رواه البخاري 63، والله الهادي إلى سواء السبيل. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 3431 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 908 الشكوى للمخلوق [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الشرع فيمن اشتكى لغير الله بعد شكواه لله عز وجل، حيث إن نفس الإنسان تضيق به إذا وقع في محنة، فهل يجوز له أن يجد سلوى في عباد الله فيخرج لهم ما يضيق به صدره وربما سألهم النصح والإرشاد، أم إن ذلك عدم ثقة في إجابة الله عز وجل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إخبار المخلوق بالحال، عن كانت للاستعانة بإرشاده أو معاونته أو التوصل إلى إزالة الضرر، لم يقدح ذلك في الصبر، كإخبار المريض للطبيب بشكايته، وإخبار المظلوم لمن ينتصر به بحاله، وإخبار المبتلى ببلائه لمن كان يرجو أن يكون فرجه على يديه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل المريض يسأل عن حاله ويقول: (كيف تجدك؟) رواه الترمذي وابن ماجه وغيرهما، وقال النووي: إسناده جيد، وهذا إستخبار منه واستعلام عن حاله، وانظر عدة الصابرين للإمام ابن القيم (323) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] المرجع: كتاب مسائل ورسائل /محمد المحمود النجدي الحديث: 5952 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 909 لماذا لا يجوز الوقوف لتحية العلم [السُّؤَالُ] ـ[لماذا لا يقف المسلمون لأجل تحية العلم؟.]ـ [الْجَوَابُ] التعظيم من خواص الرب سبحانه وتعالى والذل لا ينبغي لمخلوق إلا لخالقه سبحانه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ إبراهيم الخضيري الحديث: 6484 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 910 تحريم التصوير واتّخاذ التماثيل وأثر ذلك على العقيدة [السُّؤَالُ] ـ[أجد صعوبة في أن أشرح لأحد أخواني المسلمين هنا أن عمل تمثال غير إسلامي حرام، وقد كانت إجابته أن المرأة التي يراد عمل التمثال لها من أبطال البلد إذ أنها حاربت المسلمين دفاعا عن بلادها، وهي من جداتي في الفترة قبل دخول الإسلام. هل يمكن للمسلم أن يعبد تمثالا، أو أن يعمل تمثالا كتذكار لأحد الأبطال؟ حتى لو كان هذا البطل غير مسلم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: قد يُفهم من السؤال أنّ الإنكار لكون التمثال لكافر، وأنه إن كان لمسلم فإنه يجوز صنعه، وهذا خطأ، فتماثيل ذوات الأرواح كلها حرام، ولا فرق من حيث كونه صنماً في التحريم سواء كان معمولا على صورة شخص مسلم أو كافر، لكن صُنع تمثالٍ لكافرٍ أشدَّ في الحرمة لما فيه من جمع بين شرَّين، شر صنع التمثال، وصنع تعظيم هذا الكافر. وفيما يلي تفصيل لمسألة تحريم الأصنام والتماثيل: 1. إن قضية صنع التماثيل لا تتوقف على كونها قضية فقهية، بل تتعداها إلى أبواب الاعتقاد، وذلك أن الله تعالى اختص بتصوير خلقه وإبداعهم على أحسن صورة، فكان التصوير مضاهاة لخلق الله تعالى، وكذا يتعلق الأمر في باب الاعتقاد من حيث اتخاذ هذه الأصنام آلهة تُعبد من دون الله عز وجل. ومما يدل على أنّ من أفعاله تعالى التصوير ما يلي: أ. قوله تعالى: {هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء} (آل عمران / 6) . وقوله تعالى {ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم} (الأعراف / 11) . وقوله تعالى {هو الله الذي لا إله إلا هو الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم} (الحشر / 24) . وقوله تعالى: {يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم. الذي خلقك فسواك فعدلك. في أي صورة ما شاء ركبك} (الانفطار / 6 - 8) . فهذه الآيات تقرر عقيدة لا شك فيها أن تصوير الخلق هو من قِبل ربهم وخالقهم ومصورهم، فلا يحل لأحد أن يتعدى على ربه تعالى فيضاهي الله في خلقه وتصويره. ب. عن عائشة أم المؤمنين أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير فذكرتا للنبي صلى الله عليه وسلم فقال إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور فأولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة. رواه البخاري (417) ومسلم (528) . قال الحافظ ابن حجر: وفي الحديث دليل على تحريم التصوير. " فتح الباري " (1 / 525) . وقال النووي: قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: تصوير صورة الحيوان حرام شديد التحريم، وهو من الكبائر لأنه متوعد عليه بهذا الوعيد الشديد المذكور في الأحاديث وسواء صنعه بما يمتهن أو بغيره فصنعته حرام بكل حال لأن فيه مضاهاة لخلق الله تعالى، وسواء ما كان في ثوب أو بساط أودرهم أو دينار أو فلس أو إناء أو حائط أو غيرها وأما تصوير صورة الشجر ورحال الإبل وغير ذلك مما ليس فيه صورة حيوان فليس بحرام هذا حكم نفس التصوير. " شرح مسلم " (14 / 81) . ت. عن سعيد بن أبي الحسن قال كنت عند ابن عباس رضي الله عنهما إذ أتاه رجل فقال يا أبا عباس إني إنسان إنما معيشتي من صنعة يدي وإني أصنع هذه التصاوير فقال ابن عباس لا أحدثك إلا ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول سمعته يقول من صور صورة فإن الله معذبه حتى ينفخ فيها الروح وليس بنافخ فيها أبدا فربا الرجل ربوة شديدة واصفر وجهه فقال ويحك إن أبيت إلا أن تصنع فعليك بهذا الشجر كل شيء ليس فيه روح. رواه البخاري (2112) ومسلم (2110) . ث. عن عبد الله بن مسعود قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة المصورون. رواه البخاري (5606) ومسلم (2109) . ج. عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم. رواه البخاري (5607) ومسلم (2108) . ح. عن أبي هريرة أنه دخل داراً بالمدينة فرأى أعلاها مصورا يصور قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا حبة وليخلقوا ذرَّة. رواه البخاري (5609) ومسلم (2111) . قال النووي: وأما قوله تعالى " فليخلقوا ذرة أو حبة أو شعيرة ": فالذرَّة بفتح الذال وتشديد الراء، ومعناه: فليخلقوا ذرة فيها روح تتصرف بنفسها كهذه الذرة التي هي خلق الله تعالى وكذلك فليخلقوا حبة حنطة أو شعير، أي: ليخلقوا حبة فيها طعم تؤكل وتزرع وتنبت ويوجد فيها ما يوجد في حبة الحنطة والشعير ونحوهما من الحب الذي يخلقه الله تعالى وهذا أمر تعجيز كما سبق. " شرح مسلم " (14 / 90) . إذ لا يقدر على إنشاء النبات الحيّ من العدم إا الله عزّ وجلّ. خ. عن أبي جحيفة قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب وثمن الدم ونهى عن الواشمة والموشومة وآكل الربا وموكله ولعن المصور. رواه البخاري (1980) . 2. وقد جاءت الشريعة بهدم الأصنام وتحطيمها لا بصنعها وترميمها، ومما يدل على ذلك: أ. عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة وحول الكعبة ثلاث مائة وستون نصبا فجعل يطعنها بعود في يده وجعل يقول {جاء الحق وزهق الباطل} الآية. رواه البخاري (2346) ومسلم (1781) . ب. عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أن لا تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرا مشرفا إلا سويته وفي رواية (ولا صورة إلا طمستها) . رواه مسلم (969) . قال ابن القيم: والتماثيل جمع تمثال وهو الصور الممثلة. " الفوائد " (ص 196) . قال شيخ الإسلام: فأمره بمحو التمثالين الصورة الممثلة على صورة الميت والتمثال الشاخص المشرف فوق قبره فإن الشرك يحصل بهذا وبهذا. " مجموع الفتاوى " (17 / 462) . 3. وقد توعد النبي صلى الله عليه وسلم صاحب الصور أن يدخلها في بيته، ورتب على ذلك آثاماً وحرماناً للخير، ومما يدل على ذلك: أ. عن أبي طلحة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة تماثيل ". رواه البخاري (3053) ومسلم (2106) . ب. عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها أخبرته أنها اشترت نمرقة فيها تصاوير فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب فلم يدخله فعرفت في وجهه الكراهية فقلت: يا رسول الله أتوب إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم ماذا أذنبتُ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بال هذه النمرقة؟ قلت: اشتريتها لك لتقعد عليها وتوسدها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أصحاب هذه الصور يوم القيامة يعذبون فيقال لهم أحيوا ما خلقتم وقال: إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة. رواه البخاري (1999) ومسلم (2107) . 4. واتخاذ الصور وسيلة للوقوع في الشرك، لأن بداية الوقوع فيه التعظيم لصاحب الصورة، وخاصة مع قلة العلم أو انعدامه، ويدل على هذا: عن ابن عباس رضي الله عنهما: صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد أما (ود) كانت لكلب بدومة الجندل وأما (سواع) كانت لهذيل وأما (يغوث) فكانت لمراد ثم لبني غطيف بالجوف عند سبأ وأما (يعوق) فكانت لهمدان وأما (نسر) فكانت لحمير لآل ذي الكلاع أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت. رواه البخاري (4636) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وأيضا فإن اللات كان سبب عبادتها تعظيم قبر رجل صالح كان هناك. " اقتضاء الصراط المستقيم " (2 / 333) . وقال: وهذه العلة - أي: التعظيم - التي لأجلها نهى الشارع هي التي أوقعت كثيراً من الأمم إما في الشرك الأكبر أو فيما دونه من الشرك. " الاقتضاء " (2 / 334) . وقال ابن القيم رحمه الله في بيان تلاعب الشيطان بالنصارى: وتلاعب بهم في تصوير الصور في الكنائس وعبادتها فلا تجد كنيسة من كنائسهم تخلو عن صورة مريم والمسيح وجرجس وبطرس وغيرهم من القديسين عندهم والشهداء وأكثرهم يسجدون للصور ويدعونها من دون الله تعالى حتى لقد كتب بطريق الاسكندرية إلى ملك الروم كتابا يحتج فيه للسجود للصور: بأن الله تعالى أمر موسى عليه السلام أن يصور في قبة الزمان صورة الساروس وبأن سليمان بن داود لما عمل الهيكل عمل صورة الساروس من ذهب ونصبها داخل الهيكل ثم قال في كتابه: وإنما مثال هذا مثال الملك يكتب إلى بعض عماله كتابا فيأخذه العامل ويقبله ويضعه على عينيه ويقوم له لا تعظيما للقرطاس والمداد بل تعظيما للملك كذلك السجود للصور تعظيم لاسم ذلك المصور لا للأصباغ والألوان. وبهذا المثال بعينه عبدت الأصنام. " إغاثة اللهفان " (2 / 292) . وقال: وغالب شرك الأمم كان من جهة الصور والقبور. " زاد المعاد " (3 / 458) . 5. فما سبق من الآيات والأحاديث يدل على أن علة تحريم الصور ثلاثة أمور: الأول: المضاهاة لخلق الله. والثاني: أنه مشابهة للكفار. والثالث: أنه وسيلة للتعظيم والوقوع في الشرك. مما سبق يتبين تحريم عمل التماثيل، سواء كان ذلك لمسلم أو لكافر، وأن من فعل ذلك فقد ضاهى الله في خلقه، واستحق اللعنة، نسأل الله السلامة والهداية وصلى الله على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 7222 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 911 الاستشفاء بالمياه المعدنية وذبح الخراف عندها [السُّؤَالُ] ـ[توجد في جنوب الأردن المياه المعدنية والتي يطلق عليها بئر سليمان بن داود، فيقصدها الناس للاستحمام والشفاء، ويحضرون معهم الذبائح لذبحها حال وصولها، فما حكم ذبح مثل هذه الذبائح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الماء مجرباً معلوماً، ينتفع به لبعض الأمراض فلا بأس؛ لأن الله جعل في بعض المياه فائدة لبعض الأمراض، فإذا عرف ذلك بالتجارب أن هذا الماء ينتفع به من كان به أمراض معينة، كالروماتيزم وغيره فلا بأس في ذلك. أما الذبائح ففيها تفصيل: فإن كانت تذبح من أجل حاجتهم وأكلهم ونحو ذلك، وما يقع لهم من ضيوف فلا بأس بذلك , وإن كانت تذبح لأي شيء آخر كالتقرب إلى الماء أو الجن أو الأنبياء، أو لشيء من الاعتقادات الفاسدة، فهذا لا يجوز؛ لأن الله سبحانه يقول مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له) الأنعام /162-163، ويقول عز وجل: (إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر) الكوثر /1-2. فالذبح لله سبحانه وتعالى والنسك له وحده، وهكذا سائر العبادات كلها لله وحده، لا يجوز صرف شيء منها لغير الله لقول الله عز وجل: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء) البينة /5، وقوله سبحانه: (فاعبد الله مخلصاً له الدين ألا لله الدين الخالص) الزمر /2-3، ولما تقدم من الآيات وما جاء في معناها، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله من ذبح لغير الله) خرجه مسلم في صحيحه، من حديث علي رضي الله عنه. فليس للمرء أن يذبح للجن ولا النجم الفلاني أوالكوكب الفلاني، أو الماء الفلاني، أوالنبي الفلاني، لأي شخص، أو للأصنام، بل التقرب كله لله سبحانه وتعالى بالذبائح والصلوات، وسائر العبادات، لقول الله عز وجل: (إياك نعبد وإياك نستعين) الفاتحة/5، ولما سبق من قوله جل وعلا: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء) البينة /5، وقوله سبحانه: (فاعبد الله مخلصاً له الدين ألا لله الدين الخالص) الزمر / 2-3، وغيرها من الآيات. والذبح من أهم العبادات، وأفضل القربات، فيجب إخلاصه لله وحده، لما ذكرنا من الآيات، ولما سبق من قوله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله من ذبح بغير الله) . [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/8ص / 324. الحديث: 7431 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 912 أمها أتتها بخبر من كاهن بأن زواجها سيكون تعيسا!! [السُّؤَالُ] ـ[ذهبت أمي إلى عراف حديثاً، والتي ينبغي ألا تذهب إليه لأنه حرام وقالت لي إن العراف قال: أنني ستكون حياتي تعيسة (سيئة) إذا تزوجت وأننا لن نمكث مع بعضنا أكثر من عامين وأعلم أن الله فقط هو الذي يعلم الغيب ولكني أصبحت قلقاً جداً بسبب ما قالته. ما الذي أستطيع أن أفعله لجعل هذا الأمر لا يحدث؟ أصبحت حقاً في حيرة ولا أعرف ماذا أعتقد.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: جزاك الله خيراً لاعتقادك أن الله وحده يعلم الغيب ـ وهذا أملنا بك وبكل مسلمة تقية ـ وهذا من ضروريات الإيمان بالله وحده. ولكن العجب منك بعد هذا الاعتقاد كيف تخافين ممن لا يعلم الغيب. فعليك أن تطمئني وتتوكلي على الله، فإنه لن يصيبك إلا ما كتب الله لك. ثانياً: أما حكم العرافة وهي الكهانة وادعاء علم الغيب فهي من المهلكات لصاحبها والتي تخرجه من التوحيد والدين. ثالثاً: العرافون يتعاملون مع الجن فهم مشعوذون يتعاملون مع الشياطين وهي لا تعينهم إلا بعد أن يبدلوا دينهم ومن يبدل دينه يقتل، ومن ذهب إليهم مصدقا لهم فقد وقع في الكفر، فإن لم يصدقهم فلا تقبل له صلاة أربعين ليلة. أما دليل الأول: فحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ". رواه الترمذي (135) وأبو داود (3904) وابن ماجه (639) وأحمد (9252) . والحديث: صححه الحاكم (1 / 49) ووافقه الذهبي، وقال الحافظ ابن حجر إن له شاهدين عند البزار بأسانيد جيدة. انظر " الفتح " (10 / 217) . ودليل الثاني:عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أتى كاهناً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة ". رواه مسلم (2230) . رابعاً: أما كيف يأتي الكهنة بالأخبار فبيانه في حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله كأنه سلسلة على صفوان ينفذهم ذلك، حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا الحقّ وهو العلي الكبير، فيسمعها مسترق السمع ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض - وصفه سفيان - أحد الرواة - بكفه - فحرفها وبدّد بين أصابعه فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته ثم يلقيها الآخر إلى من تحته حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها وربما ألقاها قبل أن يدركه فيكذب معها مائة كذبة، فقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا، كذا وكذا فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء ". رواه البخاري (4424) . خامساً: واستماع الشيطان للخبر من كلام الملائكة بعضهم لبعض مما قضاه الله تعالى في السماء هو من علم الشهادة وليس من معرفة الشياطين بالغيب فيكذب مع هذه الكلمة أو الخبر مائة كذبة، كأن يعلم أن فلانة تلد ذكراً فيخبر الناس فيرى الناس صدقه في ذلك فيطمئنون إليه فيكذب مع الخبر بأنه سيتزوج عام كذا ويموت عام كذا وما أشبه ذلك من التفصيلات فيعظم في نفوس الناس فيتقربوا إليه بالهدايا والأموال فيجعل هذا الكذب صنعة له بعد اطمئنان الناس إليه ويكتسب بالحرام. سادساً: ومما يجدر ذكره أنه ليس كل عراف كاهناً فقد يكون رمَّالاً أو قارئ فنجان لأن الكهّان ممن يطّلعون على أخبار الجن وهؤلاء ليسوا منهم وإنما هم مجرّد كذابين ولكنهم في الحكم سواء من جهة ادّعائهم معرفة علم الغيب وإن كان الكاهن الذي يتعامل مع الشياطين أكفر لأنّه بالإضافة إلى كفره بالكهانة يكفر بتعامله مع الشّياطين التي لا تُعطيه مطلوبه إلا بعد أن يصرف لهم أنواعا من العبادة ويخرج عن دينه. سابعاً: يجب عليك أن تنصحي أمك ألا تقرب أولئك الدجالين لكيلا تقع في الإثم أو أن يحبط عملها. ولا تعزفي عن الزواج فإن الزواج فوائده عظيمة وأمره جليل تدعو إليه الفطرة كما يدعو إليه الدين ولن تكون حياتك تعيسةً بإذن الله بل تفاءلي بأنها ستكون حياة رضية مرضية ونسأل الله أن يجمعك بصاحب علم وصلاح. ولو حصل أيّ مكروه وتزّوجت بمن شقيت معه فذلك لقدر الله لا لقول الكاهن اللعين ولا لأنه يعلم الغيب ولكن قد يكون ذلك اتفاقاً للاختبار والابتلاء، وعلى أية حال فإنّ في إقدامك على الزواج - إضافة إلى فوائده العظيمة - إرغاما لأنوف الكهنة والدجالين والمصدّقين بأخبارهم، وفقنا الله وإياك لكل خير وصلى الله على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 7961 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 913 معنى تنقض عرى الإسلام عروة عروة [السُّؤَالُ] ـ[قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها، فأولهن نقضاً الحكم وآخرهن الصلاة) . ما معنى هذا الحديث؟ وما المقصود بنقض الحكم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحديث المذكور أخرجه الإمام أحمد في مسنده والطبراني في المعجم الكبير وابن حبان في صحيحه بإسناد جيد عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها، وأولهن نقضاً الحكم وآخرهن الصلاة) .ا. هـ ومعناه ظاهر وهو أن الإسلام كلما اشتدت غربته كثر المخالفون له والناقضون لعراه يعني بذلك فرائضه وأوامره، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء) أخرجه مسلم في صحيحه. ومعنى قوله في الحديث: (وأوله نقضاً الحكم) معناه ظاهر وهو عدم الحكم بشرع الله وهذا هو الواقع اليوم في غالب الدول المنتسبة للإسلام. ومعلوم أن الواجب على الجميع هو الحكم بشريعة الله في كل شيء والحذر من الحكم بالقوانين والأعراف المخالفة للشرع المطهر لقوله سبحانه: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً) النساء/65، وقال سبحانه: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيراً من الناس لفاسقون أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون) المائدة/49-50. وقال عز وجل: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) المائدة/44. (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) المائدة/45. (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) المائدة/47. وقد أوضح العلماء رحمهم الله أن الواجب على حكام المسلمين أن يحكموا بشريعة الله في جميع شئون المسلمين , وفي كل ما يتنازعون فيه، عملاً بهذه الآيات الكريمات، وبينوا أن الحاكم بغير ما أنزل الله إذا استحل ذلك كفر كفراً أكبر مخرجاً له من الملة الإسلامية.. أما إذا لم يستحل ذلك وإنما حكم بغير ما أنزل الله لرشوة أو غرض آخر مع إيمانه بأن ذلك لا يجوز، وأن الواجب تحكيم شرع الله، فإنه بذلك يكون كافراً كفراً أصغر، وظالماً ظلماً أصغر، وفاسقاً فسقاً أصغر. فنسأل الله سبحانه أن يوفق حكام المسلمين جميعاً للحكم بشريعته والتحاكم إليها وإلزام شعوبهم بها، والحذر مما يخالف ذلك. إنه جواد كريم، ولا شك أن في تحكيم الشريعة والتحاكم إليها، والعمل بها صلاح أمر الدنيا والآخرة وعز الدنيا والآخرة والسلامة من مكائد الأعداء والإعانة على النصر عليهم، كما قال سبحانه: (يأيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) محمد/7، وقال سبحانه: (وكان حقاً علينا نصر المؤمنين) الروم/47، وقال عز وجل: (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور) الحج/40-41، وقال عز وجل: (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار) غافر/51-52، والآيات في هذا المعنى كثيرة. وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المذكور (وآخرهن الصلاة) فمعناه كثرة التاركين لها والمتخلفين عنها. وهذا هو الواقع اليوم في كثير من البلدان الإسلامية. فنسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين , وأن يوفقهم للثبات على دينه والاستقامة عليه. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/9 ص / 205. الحديث: 8034 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 914 حكم حسينيات الرافضة والذبائح التي تذبح بهذه المناسبة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم حسينيات الرافضة وما يحصل فيها من لطم وخمش للخدود ونوح وشق للجيوب وضرب يصل أحياناً بالسلاسل مع الاستغاثة بالأموات وآل البيت الكرام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا منكر شنيع وبدعة منكرة، يجب تركه ولا تجوز المشاركة فيه، ولا يجوز الأكل مما يقدم فيه من الطعام؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم من أهل البيت وغيرهم لم يفعلوه، قد قال صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) متفق على صحته، وقال عليه الصلاة والسلام: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أخرجه مسلم في صحيحه، وعلقه البخاري رحمه الله في صحيحه جازماً به. والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. أما الاستغاثة بالأموات وأهل البيت فذلك من الشرك الأكبر بإجماع أهل العلم؛ لقول الله سبحانه: (ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون) المؤمنون /117، وقال عز وجل: (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً) الجن/18، وقال سبحانه: (ومن أضل ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداءً وكانوا بعبادتهم كافرين) / 5 - 6، وقال سبحانه: (يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبؤك مثل خبير) 13-14، والآيات في هذا المعنى كثيرة. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الدعاء هو العبادة) أخرجه أهل السنن الأربع بإسناد صحيح وروى مسلم في صحيحه، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه (لعن من ذبح لغير الله) . فالواجب على جميع الشيعة وعلى غيرهم إخلاص العبادة لله وحده، والحذر من الاستغاثة بغير الله، ودعائهم من الأموات والغائبين، سواء كانوا من أهل البيت أو غيرهم. كما يجب الحذر من دعاء الجمادات والاستغاثة بها من الأصنام والنجوم وغير ذلك؛ لما ذكرنا من الأدلة الشرعية. وقد أجمع العلماء من أهل السنة والجماعة من الصحابة وغيرهم على ذلك. الثاني: ما حكم الذبائح التي تذبح في ذلك المكان بهذه المناسبة؟ وكذلك ما حكم ما يوزع من هذه المشروبات في الطرقات وعلى العامة من الناس؟ والجواب عن هذا السؤال، هو الجواب عن السؤال الأول، وهو أنه بدعة منكرة، ولا تجوز المشاركة فيه , ولا الأكل من هذه الذبائح، ولا الشرب من هذه المشروبات، وإن كان الذابح ذبحها لغير الله من أهل البيت أو غيرهم فذلك شرك أكبر؛ لقول الله سبحانه: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين) الأنعام / 162-163، وقوله سبحانه: (إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر) الكوثر /1-2. والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم وسائر المسلمين لكل ما يحبه ويرضاه، وأن يعيذنا وإياكم وسائر إخواننا من مضلات الفتن، إنه قريب مجيب. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/8ص / 320 الحديث: 9438 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 915 حكم السفر لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم السفر لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من قبور الأولياء والصالحين وغيرهم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز السفر بقصد زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو قبر غيره من الناس في أصح قولي العلماء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى) متفق عليه. والمشروع لمن أراد زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وهو بعيد عن المدينة أن يقصد بالسفر زيارة المسجد النبوي فتدخل زيارة القبر الشريف وقبري أبي بكر وعمر والشهداء وأهل البقيع تبعاً لذلك. وإن نواهما جاز؛ لأنه يجوز تبعاً ما لا يجوز استقلالاً، أما نية القبر بالزيارة فقط فلا تجوز مع شد الرحال، أما إذا كان قريباً لا يحتاج إلى شد رحال ولا يسمى ذهابه إلى القبر سفراً، فلا حرج في ذلك، لأن زيارة قبره صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه من دون شد رحال سنة وقربة , وهكذا زيارة قبور الشهداء وأهل البقيع، وهكذا زيارة قبور المسلمين في كل مكان سنة وقربة، لكن بدون شد الرحال، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة) أخرجه مسلم في صحيحه. وكان صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية) أخرجه مسلم أيضاً في صحيحه. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/8ص / 336. الحديث: 10011 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 916 حكم التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم كمسح الجدران والأبواب في الحرم النبوي الشريف وغيره؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم كان معمولاً به في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مثل ماء وضوئه، وثوبه وطعامه وشرابه وشعره وكل شيء منه، كما كان الخلفاء العباسيون ومن بعدهم العثمانيون يحتفظون بثوب النبي تبركاً به ولا سيما في الحروب. فأما التبرك بما مس جسده عليه الصلاة والسلام من وضوء أو عرق أو شعر أو نحو ذلك، فهذا أمر معروف وجائز عند الصحابة رضي الله عنهم، وأتباعهم بإحسان لما في ذلك من الخير والبركة، وهذا أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم عليه. وأما التمسح بالأبواب والجدران والشبابيك ونحوها في المسجد الحرام أو المسجد النبوي، فبدعة لا أصل لها، والواجب تركها لأن العبادات توقيفية لا يجوز منها إلا ما أقره الشرع، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) متفق على صحته، وفي رواية لمسلم، وعلقها البخاري رحمه الله في صحيحه جازماً بها: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) . وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول يوم خطبته يوم الجمعة: (أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة) والأحاديث في ذلك كثيرة، فالواجب على المسلمين التقيد بما شرعه الله كاستلام الحجر الأسود وتقبيله واستلام الركن اليماني. ولهذا صح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لما قبل الحجر الأسود: (إني أعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك) . وبذلك يعلم أن استلام بقية أركان الكعبة، وبقية الجدران والأعمدة غير مشروع لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله، ولم يرشد إليه ولأن ذلك من وسائل الشرك. وهكذا الجدران والأعمدة والشبابيك وجدران الحجرة النبوية من باب أولى لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع ذلك ولم يرشد إليه ولم يفعله أصحابه رضي الله عنهم. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/9 ص / 106. الحديث: 10045 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 917 التبرك بالعلماء والصالحين وآثارهم [السُّؤَالُ] ـ[هناك من يرى جواز التبرك بالعلماء والصالحين وآثارهم مستدلاً بما ثبت من تبرك الصحابة - رضي الله عنهم - بالنبي صلى الله عليه وسلم. فما حكم ذلك؟ ثم أليس فيه تشبيه لغير النبي صلى الله عليه وسلم بالنبي صلى الله عليه وسلم؟ وهل يمكن التبرك بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته؟ وما حكم التوسل إلى الله تعالى ببركة النبي صلى الله عليه وسلم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز التبرك بأحد غير النبي صلى الله عليه وسلم لا بوضوئه ولا بشعره ولا بعرقه ولا بشيء من جسده، بل كل هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم لما جعل الله في جسده وما مسه من الخير والبركة. ولهذا لم يتبرك الصحابة - رضي الله عنهم - بأحد منهم لا في حياته ولا بعد وفاته صلى الله عليه وسلم لا مع الخلفاء الراشدين ولا مع غيرهم فدل ذلك على أنهم قد عرفوا أن ذلك خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم دون غيره، ولأن ذلك وسيلة إلى الشرك وعبادة غير الله سبحانه، وهكذا لا يجوز التوسل إلى الله سبحانه بجاه النبي صلى الله عليه وسلم أو ذاته أو صفته أو بركته لعدم الدليل على ذلك؛ ولأن ذلك من وسائل الشرك به والغلو فيه عليه الصلاة والسلام. ولأن ذلك أيضاً لم يفعله أصحابه - رضي الله عنهم - ولو كان خيراً لسبقونا إليه، ولأن ذلك خلاف الأدلة الشرعية. فقد قال الله عز وجل: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) الأعراف/180، ولم يأمر بدعائه سبحانه بجاه أحد أو حق أحد أو بركة أحد. ويلحق بأسمائه سبحانه التوسل بصفاته كعزته، ورحمته، وكلامه وغير ذلك، ومن ذلك ماجاء في الأحاديث الصحيحة من التعوذ بكلمات الله التامات، والتعوذ بعزة الله وقدرته. ويلحق بذلك أيضاً: التوسل بمحبة الله سبحانه، ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم، وبالإيمان بالله وبرسوله والتوسل بالأعمال الصالحات كما في قصة أصحاب الغار الذين آواهم المبيت والمطر إلى غار فدخلوا فيه فانحدرت عليهم صخرة من الجبل فسدت عليهم باب الغار، ولم يستطيعوا دفعها، فتذاكروا بينهم في وسيلة الخلاص منها. . واتفقوا بينهم على أنه لن ينجيهم منها إلا أن يدعوا الله بصالح أعمالهم، فتوسل أحدهم إلى الله سبحانه في ذلك: ببر والديه.. فانفرجت الصخرة شيئاً لا يستطيعون الخروج منه.. ثم توسل الثاني بعفته عن الزنا بعد القدرة عليه، فانفرجت الصخرة بعض الشيء لكنهم لا يستطيعون الخروج من ذلك.. ثم توسل الثالث بأداء الأمانة فانفرجت الصخرة وخرجوا. وهذا الحديث ثابت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم من أخبار من قبلنا لما فيه من العظة لنا والتذكير. وقد صرح العلماء - رحمهم الله - بما ذكرته في هذا الجواب.. كشيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، والشيخ العلامة عبد الرحمن بن حسن في فتح المجيد شرح كتاب التوحيد وغيرهم، وأما حديث توسل الأعمى بالنبي صلى الله عليه وسلم في حياته فشفع فيه النبي صلى الله عليه وسلم ودعا له فرد الله عليه بصره.. فهذا توسل بدعاء النبي وشفاعته وليس ذلك بجاهه وحقه كما هو واضح في الحديث.. وكما يتشفع الناس به يوم القيامة في القضاء بينهم. وكما يتشفع به يوم القيامة أهل الجنة في دخولهم الجنة، وكل هذا توسل به في حياته الدنيوية والأخروية. . وهو توسل بدعائه وشفاعته لا بذاته وحقه كما صرح بذلك أهل العلم، ومنهم من ذكرنا آنفاً. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - م/7، ص/65. الحديث: 10083 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 918 ليس الاستحلال دائما شرطا للتكفير [السُّؤَالُ] ـ[هل يكفر ساب الرسول صلى الله عليه وسلم بمجرد السب أم يشترط في ذلك الاستحلال؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أجمع الصحابة والتابعون ومن جاء بعدهم من أهل السنة أن من قال أو فعل ما هو كفر صريح كفر دون تقييد ذلك بالاستحلال. واتفق أهل العلم على أن الكفر قد يكون بالجحد أو التكذيب أو الإعراض. وقد يكون بالقول كسب الله وسب رسوله صلى الله عليه وسلم والاستهزاء بالدين وأحكامه ويكون بالفعل كالسجود للأصنام والطواف على القبور والذبح للجن والأوثان. وقد يكون بالترك كترك جنس العمل مطلقاً وحكى إسحاق بن راهويه وغيره إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة عمداً وقد جاء في صحيح مسلم من طريق ابن جريج عن أبي الزبير المكي عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بين الرجل وبين الشرك أو الكفر ترك الصلاة. والكفر المعرف بالألف واللام يدل على الكفر الأكبر غير أنه قد جاء في كفر تارك الصلاة خلاف بين أئمة المذاهب فقالت طائفة لا يكفر مطلقاً مالم يجحد وجوبها. وقالت طائفة يكفر كفراً أكبر لإجماع الصحابة على ذلك على خلاف بينهم في القدر الذي يكفر بتركه فقالت طائفة يكفر بترك صلاة واحدة حتى يخرج وقتها وقالت أخرى لا يكفر إلا بالترك الكلي. وبالجملة فأهل السنة لا يكفرون بمطلق الذنوب ولا بكل ذنب كما تفعل الخوارج والمعتزلة حيث يكفرون بكبائر الذنوب ويعتقدون ذنباً ماليس بذنب ويرتبون عليه أحكام الكفر وتارة يأخذون الناس بلازم أقوالهم وهذا كثير في المتأخرين ولا يفرقون في إطلاق الأحكام بين النوع والعين ولا بين مسألة وأخرى وقد يكفّرون من لا يوافقهم على هذه الإنحرافات وقد جاء نعتهم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنهم يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان) . رواه البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد. فأهل السنة وسط بين الخوارج والمرجئة فلا يكفرون أهل الكبائر مالم يستحلوا ذلك ولا يقولون بقول المرجئة لا يضر مع الإيمان ذنب أو لا يكفر من أتى بمكفر حتى يستحل فهذا باطل بالكتاب والسنة والإجماع فمن سب الله أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم فقد كفر دون تقييد ذلك بالاستحلال وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد قال إسحاق بن راهويه. وقد أجمع العلماء على أن من سب الله عز وجل أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم أو دفع شيئاً أنزله الله أو قتل نبياً من أنبياء الله وهو مع ذلك مقر بما أنزل الله أنه كافر. والله اعلم [الْمَصْدَرُ] الشيخ سليمان العلوان الحديث: 10095 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 919 الملحد ذو الأعمال الخيرية أسوأ ممن يقتل أمه ويحسن إلى الكلاب [السُّؤَالُ] ـ[لماذا يُعاقب الناس الذين لا يؤمنون بالله؟ قرأت أن الأعمال الصالحة التي يؤدونها لا تقبل منهم. إذن, إذا عمل الشخص ما في وسعه لمساعدة الناس ولنفع المجتمع, فسيعاقب إذا كان لا يؤمن بالله. لكن ما هو السبب الحقيقي وراء معاقبة شخصٍ خيّرٍ بسبب الإلحاد؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فإن من المعلوم بداهة أن الإنسان مخلوق، ولا بد من أن يكون للمخلوق خالق، وخالق الإنسان هو الله الذي خلق السموات والأرض، وخلق كل شيء. ويجب على الإنسان أن يقر بهذه الحقيقة، ومعلوم بداهة أن الخالق لهذا الوجود هو الذي يستحق أن يُعبد، ويُطاع، ويُخاف، ويُرجى، ويُحب فمن لم يعترف بهذه الحقيقة فهو الملحد الجاحد، الجاهل الفاسد، العقل المنحط عن منزلة الإنسانية، ومن لم يقم بحق العبودية لله الذي خلق السموات والأرض بل استكبر عن عبادته، أو عبد معه غيره من المخلوقين فهو مستنكف عن عبادة الله، أو مشرك، والمستنكف والمشرك كلاهما كافر، كالملحد الجاحد. ومن كان جاحداًُ للخالق أو مستكبراً عن عبادته، أو مشركاً به فإنه مستحق لأشد العقوبات لأن جحد الإنسان لخالقه واستكباره عن عبادته، وتسوية غيره به هو أعظم الخطايا البشرية، وأقبح الاعتقادات، وأسوء الانحرافات ومن كان كذلك فلا قيمة لأي عمل خيري يعمله. فمثل هذا الملحد الذي يعمل أعمالا صالحة في نظره ويقدم للمجتمع ما يستطيع من نفع وإحسان مَثل الذي يقتل أباه وأمه ويحسن إلى الكلاب، أليس معقولا أنه يستحق العقاب؟ ولا قيمة إلى إحسانه إلى الكلاب. فأعظم الحقوق حق الله وهو معرفته وعبادته فالمضيّع لهذا الحق العظيم لا ينفعه ما يقوم به من حقوق الناس، وعلى هذا فالملحد الذي لا يؤمن بالله، ولا يعبد الله لا يكون خيّراً بما يقدمه من أعمال نافعة للإنسان، ولكن هذا الملحد أو المشرك الذي يحسن إلى الناس خير من ملحد أو مشرك يظلم الناس، ويسيء إليهم، ويعتدي على حقوقهم. وقد يثاب على إحسانه برزق في الدنيا من مطعم ومشرب، وليس له في الآخرة من نصيب، فانظر لنفسك أيها السائل، وآمن بالله ورسوله، واتبع هدى الله الذي بعث به رسوله عليه الصلاة والسلام خاتم النبيين لتنجو من عذاب الله واعرف الفرق بين المؤمن، والملحد، والموحد، والمشرك، قال تعالى: (مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا أفلا تذكرون) . [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد الرحمن البراك الحديث: 10300 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 920 الانحناء لغير الله حرام [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز الانحناء عند تحية شخص محترم أو كبير أو أحد الوالدين بدلا عن قول "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله التحية المعتادة هي قول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، لقوله تعالى: (فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة) ، وجاءت الأحاديث ببيان هذه التحية. وأما الانحناء فلا يجوز إلا إذا كان المسلّم عليه كبيرا لا يستطيع القيام، أو أحد الوالدين وتكره أنك تقيمه، وتكلّفه أن يقوم ليصافحك أو يعانقك، فإذا انحنيت وقبلت رأسه أو جبينه على وجه الاحترام له، لحقه عليك لم يكن ذلك انحناءً يُتعبد به. ولا شك ان الانحناء عبادة لله تعالى كما في الركوع فإذا فُعل ذلك من غير مصافحة أو تقبيل كان ذلك تعظيما لذلك الشخص فيكون شركا. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد الله بن جبرين الحديث: 10428 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 921 حكم الاستعانة والاستغاثة بالجن [السُّؤَالُ] ـ[بعض الناس إذا أراد أن يدعو على شخص قال: (يا جن خذوه، يا عفاريت انفروا به، سبعة أخذوك، كسروا ظهرك، امتصوا دمك) ، فما حكم هذه الأقوال؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا شرك، ومن الاستغاثة بالجن، ويفعله بعض الناس لما للجن من رهبة في قلوبهم، وخشية من سطوتهم، ولأن القلوب الفارغة من صدق الإيمان بالله، وصدق التوكل عليه، ركنت إلى هذه الأوهام واستغاثت بمخلوقات لا تملك لنفسها نفعا ولا ضرا فضلا عن أن تملكه لغيرها. ولما سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله عن هذا الفعل قال: (هذا أقبح من الشرك بالله سبحانه، فالواجب تركه، والحذر من ذلك، والتواصي بتركه، والإنكار على من فعله، ومن عرف من الناس بهذه الأعمال الشركية، لم تجز مناكحته، ولا أكل ذبيحته، ولا الصلاة عليه، ولا الصلاة خلفه، حتى يعلن التوبة إلى الله سبحانه من ذلك ويخلص الدعاء والعبادة لله وحده) (إقامة البراهين على حكم من استغاث بغير الله ص 30) . أما اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء فقد نصت فتواها على أن (الاستعانة بالجن واللجوء إليهم في قضاء الحاجات من الإضرار بأحد أو نفعه شرك في العبادة، لأنه نوع من الاستمتاع بالجن بإجابته سؤاله وقضائه حوائجه في نظير استمتاع الجني بتعظيم الإنسي له ولجوئه إليه، واستعانته به في تحقيق رغبته، قال الله تعالى: " ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس، وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا، قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم، وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون " الأنعام: 128 - 129، وقال تعالى: " وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا " الجن: 6، فاستغاثة الإنسي بالجني في إنزال ضرر بغيره واستعانته به في حفظه من شر من يخاف شره كله شرك، ومن كان هذا شأنه فلا صلاة له ولا صيام لقوله تعالى: " لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين " الزمر: 65، ومن عرف عنه ذلك فلا يصلى عليه إذا مات، ولا تتبع جنازته، ولا يدفن في مقابر المسلمين) (فتاوى اللجنة الدائمة 1/ 407-408) أما جاهلية الاستغاثة والاستعانة والتوكل فيما بينهم فاسمع إلى كلماتهم الشركية: أنا بالله وبك، أنا في حسب الله وحسبك، ما لي إلا الله وأنت، أنا عاني الله وعانيك، أنا متوكل على الله وعليك، هذا من الله ومنك، الله لي في السماء وأنت لي في الأرض.. إلخ. ولا شك أن هذه الألفاظ من الألفاظ الشركية لأنهم جعلوا المخلوق ندا للخالق، تعالى ربنا عن ذلك. أما جبريل عليه السلام ومحمد عليه السلام فيدعيان من دون الله بقول الجهلة: يا جبريل اجبرني، يا محمد اشفع لي!! والله المستعان. [الْمَصْدَرُ] كتيب عادات وألفاظ تخالف دين الله الحق للدكتور محمد بن سعيد القحطاني. الحديث: 10518 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 922 أحكام التمائم وتعليقها وهل تدفع التميمة العين والحسد [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أعرف إن كان يجوز وضع التمائم. لقد قرأت كتاب التوحيد وبعض الكتب الأخرى بقلم بلال فيليبس، إلا أني وجدت بعض الأحاديث في الموطأ تجيز بعض أنواع التمائم. كما أن كتاب التوحيد ذكر أن بعض السلف سمحوا بها. وهذه الأحاديث موجودة في الجزء 50 من الموطأ، وقد وردت تحت أرقام: 4 و11 و14. الرجاء الرد، وإعلامي بصحة هذه الأحاديث وإعطائي المزيد من المعلومات عن هذا الموضوع. وشكرا لك.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لم نهتد إلى الأحاديث التي أراد السائل بيان صحتها؛ وذلك لعدم معرفتنا بعين تلك الأحاديث وقد ذكر لنا أنها في الجزء (50) من الموطأ! والموطأ جزء واحد. لذا سنذكر ما تيسر من الأحاديث الواردة في الموضوع ونبين - إن شاء الله - حكم العلماء عليها، ولعل بعضها أن يكون مما أراده السائل: 1. عن عبد الله بن مسعود أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يكره عشر خصال: الصفرة - يعني: الخلوق - وتغيير الشيب وجر الإزار والتختم بالذهب والضرب بالكعاب والتبرج بالزينة لغير محلها والرقى إلا بالمعوذات وتعليق التمائم وعزل الماء عن محله وإفساد الصبي، غير محرِّمه. رواه النسائي (50880) وأبو داود (4222) . الخَلوق: نوع من الطيب أصفر اللون. عزل الماء عن محله: أي: عزل المني عن فرج المرأة. إفساد الصبي: وطء المرأة المرضع، فإنها إذا حملت فسد لبنها. والمعنى أي كره ولم يُحرِّمه والمقصود وطء المرضع. والحديث: ضعَّفه الشيخ الألباني في " ضعيف النسائي " (3075) . 2. عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود عن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الرقى والتمائم والتوَلة شرك، قالت: قلت لم تقول هذا؟ والله لقد كانت عيني تقذف وكنت أختلف إلى فلان اليهودي يرقيني فإذا رقاني سكنت، فقال عبد الله: إنما ذاك عمل الشيطان كان ينخسها بيده فإذا رقاها كف عنها إنما كان يكفيك أن تقولي كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أذهب البأس رب الناس اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقماً. رواه أبو داود (3883) وابن ماجه (3530) . والحديث: صححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (331) و (2972) . 3. عن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له ". رواه أحمد (16951) . والحديث: ضعفه الشيخ الألباني في " ضعيف الجامع " (5703) . 4. عن عقبة بن عامر الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل إليه رهط فبايع تسعة وأمسك عن واحد فقالوا: يا رسول الله بايعتَ تسعة وتركت هذا، قال: إن عليه تميمة، فأدخل يده فقطعها فبايعه وقال: من علق تميمة فقد أشرك. رواه أحمد (16969) . والحديث: صححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (492) . ثانياً: التمائم: جمع تميمة وهي ما يعلق بأعناق الصبيان أو الكبار أو يوضع على البيوت أو السيارات من خرزات وعظام لدفع الشر - وخاصة العين -، أو لجلب النفع. وهذه أقوال العلماء في أنواع التمائم وحكم كل واحدة منها، وفيها تنبيهات وفوائد: 1. قال الشيخ سليمان بن عبد الوهاب: اعلم أن العلماء من الصحابة والتابعين فمَن بعدهم اختلفوا في جواز تعليق التمائم التي من القرآن وأسماء الله وصفاته: فقالت طائفة: يجوز ذلك وهو قول عبد الله بن عمرو بن العاص وغيره، وهو ظاهر ما روي عن عائشة وبه قال أبو جعفر الباقر وأحمد في رواية، وحملوا الحديث على التمائم الشركية، أمَّا التي فيها القرآن وأسماء الله وصفاته فكالرقية بذلك. قلت: وهو ظاهر اختيار ابن القيم. وقالت طائفة: لا يجوز ذلك، وبه قال ابن مسعود وابن عباس، وهو ظاهر قول حذيفة وعقبة بن عامر وابن عكيم رضي الله عنه، وبه قال جماعة من التابعين منهم أصحاب ابن مسعود وأحمد في رواية اختارها كثير من أصحابه، وجزم بها المتأخرون، واحتجوا بهذا الحديث وما في معناه فإن ظاهره العموم لم يفرق بين التي في القرآن وغيرها بخلاف الرقى فقد فرق فيها، ويؤيد ذلك أن الصحابة الذين رووا الحديث فهموا العموم كما تقدم عن ابن مسعود. وروى أبو داود عن عيسى بن حمزة قال: دخلت على عبد الله بن عكيم وبه حمرة فقلت: ألا تعلق تميمة؟ فقال: نعوذ بالله من ذلك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مَن تعلق شيئاً وكل إليه " … هذا اختلاف العلماء في تعليق القرآن وأسماء الله وصفاته فما ظنك بما حدث بعدهم من الرقى بأسماء الشياطين وغيرهم وتعليقها بل والتعلق عليهم والاستعاذة بهم والذبح لهم وسؤالهم كشف الضر وجلب الخير مما هو شرك محض وهو غالب على كثير من الناس إلا من سلم الله؟ فتأمل ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم وما كان عليه أصحابه والتابعون وما ذكره العلماء بعدهم في هذا الباب وغيره من أبواب الكتاب ثم انظر إلى ما حدث في الخلوف المتأخرة يتبين لك دين الرسول صلى الله عليه وسلم وغربته الآن في كل شيء، فالله المستعان. " تيسير العزيز الحميد " (ص 136 - 138) . 2. وقال الشيخ حافظ حكمي: إن تك هي - أي: التمائم - آيات قرآنية مبينات، وكذلك إن كانت من السنن الصحيحة الواضحات فالاختلاف في جوازها واقع بين السلف من الصحابة والتابعين فمَن بعدهم: فبعضهم - أي: بعض السلف - أجازها، يروى ذلك عن عائشة رضي الله عنها وأبي جعفر محمد بن علي وغيرهما من السلف. والبعض منهم كفَّ - أي: منع - ذلك وكرهه ولم يره جائزاً، منهم عبد الله بن عكيم وعبد الله بن عمرو وعقبة بن عامر وعبد الله بن مسعود وأصحابه كالأسود وعلقمة ومن بعدهم كإبراهيم النخعي وغيرهم رحمهم الله تعالى. ولا شك أن منع ذلك أسد لذريعة الاعتقاد المحظور لا سيما في زماننا هذا؛ فإنه إذا كرهه أكثر الصحابة والتابعين في تلك العصور الشريفة المقدسة والإيمان في قلوبهم أكبر من الجبال فلأن يكره في وقتنا هذا - وقت الفتن والمحن - أولى وأجدر بذلك، كيف وهم قد توصلوا بهذه الرخص إلى محض المحرمات وجعلوها حيلة ووسيلة إليها؟ فمن ذلك أنهم يكتبون في التعاويذ آية أو سورة أو بسملة أو نحو ذلك ثم يضعون تحتها من الطلاسم الشيطانية ما لا يعرفه إلا من اطلع على كتبهم، ومنها أنهم يصرفون قلوب العامة عن التوكل على الله عز وجل إلى أن تتعلق قلوبهم بما كتبوه، بل أكثرهم يرجفون بهم ولم يكن قد أصابهم شيء فيأتي أحدهم إلى من أراد أن يحتال على أخذ ماله مع علمه أنه قد أولع به فيقول له: إنه سيصيبك في أهلك أو في مالك أو في نفسك كذا وكذا، أو يقول له: إن معك قريناً من الجن أو نحو ذلك ويصف له أشياء ومقدمات من الوسوسة الشيطانية موهماً أنه صادق الفراسة فيه شديد الشفقة عليه حريص على جلب النفع إليه فإذا امتلأ قلب الغبي الجاهل خوفاً مما وصف له حينئذ أعرض عن ربه وأقبل ذلك الدجال بقلبه وقالبه والتجأ إليه وعول عليه دون الله عز وجل وقال له: فما المخرج مما وصفت؟ وما الحيلة في دفعه؟ كأنما بيده الضر والنفع، فعند ذلك يتحقق فيه أمله ويعظم طمعه فيما عسى أن يبذله له فيقول له إنك إن أعطيتني كذا وكذا كتبت لك من ذلك حجابا طوله كذا وعرضه كذا ويصف له ويزخرف له في القول وهذا الحجاب علقه من كذا وكذا من الأمراض، أترى هذا مع هذا الاعتقاد من الشرك الأصغر؟ لا بل هو تأله لغير الله وتوكل على غيره والتجاء إلى سواه وركون إلى أفعال المخلوقين وسلب لهم من دينهم، فهل قدر الشيطان على مثل هذه الحيل إلا بوساطة أخيه من شياطين الإنس {قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن بل هم عن ذكر ربهم معرضون} [الأنبياء / 42] ، ثم إنَّه يكتب فيه مع طلاسمه الشيطانية شيئاً من القرآن ويعلقه على غير طهارة، ويحدث الحدث الأصغر والأكبر، وهو معه أبداً لا يقدسه عن شيء من الأشياء، تالله ما استهان بكتاب الله أحدٌ من أعدائه استهانة هؤلاء الزنادقة المدَّعين الإسلام به، والله ما نزل القرآن إلا لتلاوته والعمل به وامتثال أوامره واجتناب نواهيه وتصديق خبره والوقوف عند حدوده والاعتبار بأمثاله والاتعاظ بقصصه والإيمان به {كلٌّ من عند ربنا} وهؤلاء قد عطلوا ذلك كله ونبذوه وراء ظهورهم ولم يحفظوا إلا رسمه كي يتأكلوا به ويكتسبوا كسائر الأسباب التي يتوصلون بها إلى الحرام لا الحلال ولو أن ملكا أو أميرا كتب كتابا إلى من هو تحت ولايته أن افعل كذا واترك كذا وأمر من في جهتك بكذا وانههم عن كذا ونحو ذلك فأخذ ذلك الكتاب ولم يقرأه ولم يتدبر أمره ونهيه ولم يبلغه إلى غيره ممن أمر بتبليغه إليه بل أخذه وعلقه في عنقه أو عضده ولم يلتفت إلى شيء مما فيه البتة لعاقبه الملك على ذلك أشد العقوبة ولسامه سوء العذاب فكيف بتنزيل جبار السموات والأرض الذي له المثل الأعلى في السموات والأرض وله الحمد في الأولى والآخرة وإليه يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه هو حسبي لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم وإن تكن مما سوى الوحيين فإنها شرك بغير مين، بل إنها قسيمة الأزلام في البعد عن سيما أولي الإسلام. وإن تكن - أي: التمائم - مما سوى الوحيين بل من طلاسم اليهود وعباد الهياكل والنجوم والملائكة ومستخدمي الجن ونحوهم أو من الخرز أو الأوتار أو الحلق من الحديد وغيره فإنها شرك - أي: تعليقها شرك - بدون ميْن - أي: شك - إذ ليست من الأسباب المباحة والأدوية المعروفة بل اعتقدوا فيها اعتقادا محضا أنها تدفع كذا وكذا من الآلام لذاتها لخصوصية زعموا فيها كاعتقاد أهل الأوثان في أوثانهم بل إنها قسيمة أي شبيهة الأزلام التي كان يستصحبها أهل الجاهلية في جاهليتهم ويستقسمون بها إذا أرادوا أمرا وهي ثلاثة قداح مكتوب على إحداها افعل، والثاني لا تفعل، والثالث غفل، فإن خرج في يده الذي فيه افعل مضى لأمره، أو الذي فيه لا تفعل ترك ذلك، أو الغفل أعاد استقسامه، وقد أبدلنا الله تعالى - وله الحمد - خيراً من ذلك صلاة الاستخارة ودعاءها. والمقصود: أن هذه التمائم التي من غير القرآن والسنة شريكة للأزلام وشبيهة بها من حيث الاعتقاد الفاسد والمخالفة للشرع في البعد عن سيما أولي الإسلام - أي: عن زي أهل الإسلام - فإن أهل التوحيد الخالص من أبعد ما يكون عن هذا، والإيمان في قلوبهم أعظم من أن يدخل عليه مثل هذا، وهم أجل شأناً وأقوى يقيناً من أن يتوكلوا على غير الله أو يثقوا بغيره، وبالله التوفيق. " معارج القبول " (2 / 510 - 512) . والقول بالمنع حتى ولو كانت التمائم من القرآن هو الذي عليه مشايخنا: 3. وقال علماء اللجنة الدائمة: اتفق العلماء على تحريم لبس التمائم إذا كانت من غير القرآن، واختلفوا إذا كانت من القرآن، فمنهم من أجاز لبسها ومنهم من منعها، والقول بالنهي أرجح لعموم الأحاديث ولسدِّ الذريعة. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. " فتاوى اللجنة الدائمة " (1 / 212) . 4. وقال الشيخ الألباني رحمه الله: ولا تزال هذه الضلالة فاشية بين البدو والفلاَّحين وبعض المدنيين، ومثلها الخرزات التي يضعها بعض السائقين أمامهم في السيارة يعلقونها على المرآة، وبعضهم يعلق نعلاً عتيقة في مقدمة السيارة أو في مؤخرتها، وغيرهم يعلقون نعل فرس في واجهة الدار أو الدكان، كل ذلك لدفع العين زعموا، وغير ذلك مما عمَّ وطمَّ بسبب الجهل بالتوحيد، وما ينافيه من الشركيات والوثنيات التي ما بعثت الرسل ولا أنزلت الكتب إلا من أجل إبطالها والقضاء عليها، فإلى الله المشتكى من جهل المسلمين اليوم، وبعدهم عن الدين. " سلسلة الأحاديث الصحيحة " (1 / 890) (492) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 10543 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 923 الاستعانة بالجن في معرفة المرض [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الاستعانة بالجان في معرفة العين أو السحر، وكذلك تصديق الجني المتلبس بالمريض بدعوى السحر والعين والبناء على دعواه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا تجوز الاستعانة بالجن في معرفة نوع الإصابة ونوع علاجها؛ لأن الاستعانة بالجن شرك، قال تعالى: " وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا " الجن: 6، وقال تعالى: " ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم " الأنعام 128، ومعنى استمتاع بعضهم ببعض أن الإنس عظموا الجن وخضعوا لهم واستعاذوا بهم، والجن خدموهم بما يريدون وأحضروا لهم ما يطلبون، ومن ذلك إخبارهم بنوع المرض وأسبابه مما يطلع عليه الجن دون الإنس؛ وقد يكذبون فإنهم لا يُؤمَنون، ولا يجوز تصديقهم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الحديث: 11114 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 924 الذي يذبح للجن ليس بمسلم [السُّؤَالُ] ـ[إذا مات إنسان وهو يذبح للجن، ومصر على ذلك هل يصلى عليه ويدعى له؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز أن يصلى عليه، ولا يغسل، ولا يكفن، ولا يعتبر من المسلمين، ولا يقبر معهم؛ لأنه مشرك. وهكذا الذي يدعو الجن أو الأولياء أو أهل القبور، وينذر لهم والعياذ بالله. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. ص / 149. الحديث: 11226 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 925 التحاكم إلى محكمة العدل الدولية [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم التحاكم إلى محكمة العدل الدولية؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لقد دلت الأدلة الشرعية الصحيحة من الكتاب والسنة على أنه يجب على المسلمين جميعاً أفراداً وجماعات، أو حكومات ودولاً: التحاكم فيما شجر بينهم من خصومات ونزاعات إلى شرع الله سبحانه، والرضوخ له والتسليم به. ومن هذه الأدلة الصريحة قوله تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً) النساء /65 وقوله تعالى: (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون) المائدة /50 وقوله عز وجل: (يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً) النساء /59 وقوله سبحانه: (وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله) الشورى/10. والآيات في هذا المعنى كثيرة. ومنها يعلم أنه لا يجوز للمسلم التحاكم إلى القوانين الوضعية، أو الأعراف القبلية المخالفة للشرع. كما أوجه نصيحتي الخالصة في هذه الكلمة إلى حكام الدول الإسلامية جميعاً بسبب ما وقع ويقع بينهم من النزاعات المتعددة بأن الطريق الوحيد الذي يجب اللجوء إليه لحل النزاعات بين دولهم في الممتلكات والحقوق والحدود السياسية وغيرها - هو تحكيم شرع الله، وذلك بتشكيل لجنة أو محكمة شرعية أعضاؤها من علماء الشرع المطهر ممن هم محل رضا الجميع: علماً وفهماً وعدلاً وورعاً، تنظر في حل النزاعات ثم تحكم بما تقتضيه الشريعة الإسلامية، وليعلموا أن ما يقع من بعضهم من التحاكم إلى محكمة العدل الدولية وأمثالها من الهيئات غير الإسلامية هو تحاكم إلى غير شرع الله، ولا يجوز التقاضي إليها، أو تحكيمها بين المسلمين، فليحذروا ذلك وليتقوا الله ويخشوا عقابه الذي توعد به من يعرض عن شرعه، كما قال تعالى: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى) طه /124 - 126 وقال: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيراً من الناس لفاسقون أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون) المائدة /49- 50 والآيات الدالة على هذا المعنى كثيرة، كلها تؤكد أن طاعة الله ورسوله سبب لسعادة الدنيا ونعيم الآخرة، وأن معصية رسوله، والإعراض عن ذكر الله، والتولي عن حكمه سبب لضنك العيش وشقاء الحياة والعذاب في الآخرة. والله أسأل أن يهدي الجميع إلى الحق ويزقهم الاستقامة ويصلح أحوالهم ويعينهم على كل ما فيه صلاح أمر دينهم ودنياهم، وأن يمنح الجميع الرضا بحكم الله ورسوله إنه جواد كريم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز ابن باز رحمه الله م/8-ص/5. الحديث: 11233 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 926 لست حراً [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم قول بعضهم عند مناصحته على معصية: أنا حر في تصرفاتي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا خطأ، ونقول: لست حراً في معصية الله، بل إنك إذا عصيت ربك فقد خرجت من الرق الذي تدعيه في عبودية الله إلى رق الشيطان والهوى. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين. الحديث: 11282 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 927 الدعاء لله وحده [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم دعاء غير الله؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الله سبحانه وتعالى قريب من عباده يرى مكانهم ويعلم أحوالهم ويسمع كلامهم ويستجيب دعائهم ولا يخفى عليه شيء من أمرهم كما قال سبحانه: (إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء) آل عمران/5. والله وحده هو الذي خلقنا ورزقنا بيده الملك وهو على كل شيء قدير (لله ملك السماوات والأرض وما فيهن وهو على كل شيء قدير) المائدة/120. والله وحده بيده الخير فإذا دعا إلى شيء في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فينبغي الامتثال لذلك والاستجابة له: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحيكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون) الأنفال/24. والله على كل شيء قدير يسمع دعاء عباده.. ويستجيب لهم في كل زمان ومكان على اختلاف حاجاتهم ولغاتهم كما قال سبحانه: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعانِ فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) البقرة/186. وقد أمرنا الله عز وجل أن ندعوه سراً بخضوع وتذلل كما قال سبحانه: (ادعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين) الأعراف/55. والله سبحانه له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير تسبح له السماوات والأرض وما فيهن كما قال سبحانه (تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليماً غفوراً) الإسراء/44. وقد وعد الله من استكبر عن عبادته ودعائه بنار جهنم فقال تعالى: (إن الذي يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) غافر/60. ودعاء الله يكون بما شرعه الله ورسوله ومن ذلك دعاء الله بأسمائه الحسنى (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون) الأعراف/180. فنقول يا رحمن ارحمنا يا غفور اغفر لنا يا رزاق ارزقنا وهكذا. وإذا دعا العبد فإما أن يعطيه الله ما سأل أو يصرف عنه سوءاً أعظم مما طلب.. أو يدخر له سؤاله في الآخرة ذلك أن الله أمر بالدعاء ووعد بالإجابة فقال.. (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم) غافر/60. وقد أمرنا الله بعبادته وحده.. وحذرنا من عبادة الشيطان فقال: (ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين - وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم) يس/60 - 61. ودعوة غير الله في قضاء الحاجات وتفريج الكربات وشفاء الأمراض لوث عقلي سببه عمى البصيرة.. (قل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله) الأنعام/71. وإن دعاء من لا ينفع ولا يضر ولا يأمر ولا ينهي ولا يسمع ولا يستجيب , من الأنبياء والرسل أو الجن والملائكة..أو الكواكب والنجوم أو الأشجار والأحجار أو الأموات..كل ذلك ظلم عظيم، وضلال عن الصراط المستقيم , وشرك بالله العظيم (ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين) يونس/106. وقال سبحانه: (ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون) الأحقاف/5. ودعاء غير الله شرك والشرك ذنب عظيم بل هو أعظم الذنوب وكل ذنب يغفره الله لمن يشاء إلا الشرك كما قال سبحانه: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) النساء/48. ويوم القيامة يجمع الله المشركين وكل من عبدوه من دون الله فيتبرأ المعبودون من دون الله ممن عبدهم , ويكفرون بشركهم كما قال سبحانه: (والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير، إن تدعوهم لا يسمعوا دعائكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير، يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد) فاطر/13-15. [الْمَصْدَرُ] من كتاب أصول الدين الإسلامي للشيخ محمد بن ابراهيم التويجري. الحديث: 11402 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 928 الحكم الشرعي في المغنين الذين يلحنون آيات من القرآن [السُّؤَالُ] ـ[ذكرت جريدة النخبة الخليجية في عدديها (128) و (133) عن مجموعة من الفنانين أنهم يفتتحون الأغنية بموّال يبدأ بغناء آيات من القرآن، وهذا الأمر أصبح مألوفاً لدى كثير من الفنانين والممثلين، فما حكم الإسلام فيمن لحن الآيات القرآنية وغنّاها.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن الإنسان بفطرته التي ولد عليها يدرك عظيم هذا الفعل وكبير هذا الذنب وشناعة هذا الإجرام ولا يتجاوب مع هذه الممارسات الشيطانية سليم الفطرة نقي التوحيد. فالمسلمون كلهم مجمعون على وجوب احترام كلام الله وتعظيمه وصيانته عن العيوب والنقائص. فالقرآن كلام الله وهو صفة من صفاته والله لم يزل متكلماً إذا شاء، هذا الذي دل عليه الكتاب والسنة وقاله أئمة الإسلام. فالاستهزاء بكلام الله أو بكتابه أو محاولة إسقاط حرمته ومهابته كفر صريح لا ينازع فيه أحد، قال الله تعالى {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَءَايَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ..... } سورة التوبة. وهذه الآية نص في كفر من استهزأ بالله وآياته ورسوله سواء استحل ذلك أو لم يستحل فمجرد الاستهزاء بالمذكورات ردة عن الدين بإجماع المسلمين ولو لم يقصد حقيقة الاستهزاء كأن يكون مازحاً أو هازلاً. وقد كفر الذين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ولا أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء، روى ذلك ابن جرير في تفسيره (10 / 172) بسند جيد من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر قال قال رجل في غزوة تبوك في مجلس. ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ولا أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء فقال رجل في المجلس: كذبت ولكنك منافق لأخبرنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن فقال عبد الله بن عمر فأنا رأيته متعلقاً بحقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم تنكبه الحجارة وهو يقول يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم) . وظاهر الآية أنهم كانوا من قبل مؤمنين فكفروا بالاستهزاء الذي يعلمون حرمته ولكن لم يظنوه كفراً. ومن ذلك الذين يفتتحون أغانيهم بموّال يبدأ بغناء أيات من القرآن فهؤلاء قد اتخذوا آيات القرآن الكريم للغناء والطرب واللعب وهذا من أعظم أنواع الاستخفاف بالقرآن والاستهانة بحرمته. وقد أجمعت الأمة على كفر من استخف أو هزل بالقرآن أو بشيء منه. قال تعالى {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ (14) } سورة الطارق. فكل من اتخذ شيئاً من آيات القرآن للهزل والغناء والرقص والطرب فقد اتخذها هزواً ولعباً وقد توعد الله هؤلاء بالعذاب المهين فقال تعالى {وإذا علم من ءاياتنا شيئا اتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين (9) } سورة الجاثية. وقال {وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (34) ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْءَايَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (35) } سورة الجاثية. قال القاضي عياض رحمه الله (شرح الشفاء (2 / 549) واعلم أن من استخف بالقرآن أو المصحف أو بشيء منه أو سبهما أو جحده أو حرفاً منه أو آية أو كذب به أو بشيء منه أو كذب بشيء مما صرح به فيه من حكم أو خبر أو أثبت ما نفاه أو نفى ما أثبته على علم منه بذلك أو شك في شيء من ذلك فهو كافر عند أهل العلم بإجماع قال الله تعالى {وإنه لكتاب عزيز (41) لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد (42) } . وقال الشيخ العلامة أبو بكر محمد الحُسيني الحُصني الشافعي في كتابه كفاية الأخيار (494) [وأما الكفر بالفعل فكالسجود للصنم والشمس والقمر وإلقاء المصحف في القاذورات والسحر الذي فيه عبادة الشمس وكذا الذبح للأصنام والسخرياء باسم من أسماء الله تعالى أو بأمره أو وعيده أو قراءَة القرآن على ضرب الدف ... ) . واتخاذ آيات القرآن للغناء والعزف عليها بالموسيقى أشد كفراً وأكبر ذنباً من قراءَة القرآن على ضرب الدف. وقال العلامة الشيخ البهوتي الحنبلي رحمه الله في كتابه الروض المربع شرح زاد المستقنع (ص 682) تحت باب حكم المرتد (أو أتى بقول أو فعل صريح في الاستهزاء بالدين أو امتهن القرآن أو أسقط حرمته ... ) . وقال العلامة ابن فرحون المالكي رحمه الله في كتابه تبصرة الحكام (2 / 214) ومن استخف بالقرآن أو بشيء منه أو جحده أو حرفاً منه أو كذب بشيء منه أو أثبت ما نفاه أو نفى ما أثبته على علم منه بذلك أو شك في شيء من ذلك فهذا كافر بإجماع أهل العلم)) . والراضي بكفرهم واستخفافهم بكلام الله وكتابه كافر مثلهم قال تعالى {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْءَايَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140) } سورة النساء. وحذار حذار من أمرين عظيمين: الأول: عقوبة الله وانتقامه ممن استهزأ أو استخف بكلامه وقد جاء في صحيح البخاري (3617) من طريق عبد الوارث حدثنا عبد العزيز عن أنس رضي الله عنه قال. كان رجل نصرانياً فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران فكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم فعاد نصرانياً فكان يقول: ما يدري محمد إلا ما كتبت له فأماته الله فدفنوه فأصبح وقد لفظته الأرض فقالوا هذا فعل محمد وأصحابه لمّا هرب منهم نبشوا عن صاحبنا فألقوه، فحفروا له فأعمقوا فأصبح وقد لفظته الأرض فقالوا هذا فعل محمدٍ وأصحابه نبشوا عن صاحبنا لمّا هرب منهم فألقوه، فحفروا له وأعمقوا له في الأرض ما استطاعوا فأصبح قد لفظته الأرض فعلموا أنه ليس من الناس فألقوه)) . ورواه مسلم في صحيحه (2781) من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت البناني عن أنس قال: كان منا رجل من بني النجار ... فذكره وفي آخره فتركوه منبوذاً. الثاني: تمرير هذا الإجرام بدون عقوبة فالقرآن كلام الله له قدره ومكانته في قلوب المسلمين فالاستخفاف بحرمته والاستهزاء بشيء منه جرم كبير وذنب عظيم. فحين يأتي أراذل البشرية في القرن العشرين ويستخفّون بحرمة كلام الله وصفة من صفاته ويجعلونه كسائر كلام البشر وسقط الناس ويتخذونه للغناء والطرب واللعب وَيَسْلَمون من العقوبة والردع وإقامة حكم الله فيهم، فهذا يفتح باب التلاعب بالشريعة والطعن في الذات الإلهية وصفاته والاستهانة بأعظم شيء يفتخر به المسلمون. وإذا كانت العقوبة الدنيوية من السجن وغيره تطبق على من سب حاكماً أو أميراً بحق وبغيره ولا تتناول المستهزئ بكتاب رب العالمين وبصفة من صفاته فهذا من أعظم المحرمات وأكبر الكبائر. وإني لأخشى بغض الطرف عن هؤلاء المستهزئين بآيات الله أن تصل الأمور بالحكومات العصرية إلى حد قول الشاعر: يقاد للسجن من سب الزعيم ومن سب الإله فإن الناس أحرار وحينئذٍ فلا تفرح بالعيش في ظل الفساد وتفلت الأمور وخروجها عن طورها. [الْمَصْدَرُ] الشيخ سليمان بن ناصر العلوان. الحديث: 12930 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 929 لا يجوز الحلف بالصلاة ولا بالذمة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز التذميم بقوله لأخيه بذمتك أو بصلاتك أو بقوله أنت بحرج إن فعلت كذا، فمثل هذه العادات منتشرة بين النساء والأطفال، نرجو التوجيه جزاكم الله خيراً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز الحلف لا بالصلاة ولا بالذمة ولا بالحرج ولا بغير ذلك من المخلوقات، فالحلف يكون بالله وحده. فلا يقول: بذمتي ما فعلت كذا ولا بذمة فلان، ولا بحياة فلان، ولا بصلاتي، ولا أطالبه فأقول: قل بذمتي ولا بصلاتي، بزكاتي، كل هذا لا أصل له، لأن الصلاة فعل العباد، والزكاة فعل العباد، وأفعال العباد لا يحلف بها وإنما الحلف بالله وحده سبحانه وتعالى أو بصفاته، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) متفق على صحته، ولقوله عليه الصلاة والسلام: (من حلف بشيء دون الله فقد أشرك) أخرجه الإمام أحمد بإسناد صحيح عن عمر رضي الله عنه وأخرجه الترمذي وأبو داود بإسناد صحيح عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) وقال عليه الصلاة والسلام: (من حلف بالأمانة فليس منا) فالواجب على كل مؤمن ومؤمنة أن يحذر من ذلك وألا يحلف إلا بالله وحده سبحانه وتعالى، فيقول: بالله ما فعلت كذا، والله ما فعلت كذا، إذا دعت الحاجة. والمشروع أن يحفظ يمينه، ولا يحلف إلا لحاجة، قال تعالى: (واحفظوا أيمانكم) المائدة/89، لكن إذا دعت الحاجة يحلف فيقول: والله ما فعلت كذا إذا كان صادقاً، والله ما ذهبت إلى فلان، تالله ما ذهبت إلى فلان، فإذا كان صادقاً فلا حرج عليه، لأن هذا حلف بالله سبحانه وتعالى عند الحاجة إلى ذلك. أما الحلف بالأمانة أو بالنبي صلى الله عليه وسلم أو بالكعبة أو بحياة فلان أو بشرف فلان، أو بصلاتي أو بذمتي فلا يجوز كما تقدم للأحاديث السابقة. أما إذا قال: في ذمتي، فهذا ليس بيمين، يعني هذا الشيء في ذمتي أمانة. أما إذا قال بذمتي أو بصلاتي أو بزكاتي أو بحياة والدي فهذا لا يجوز؛ لأنه حلف بغير الله سبحانه وتعالى، نسأل الله للجميع الهداية. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/9 ص/345. الحديث: 13019 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 930 حكم من يحكم بغير ما أنزل الله [السُّؤَالُ] ـ[هل يعتبر الحكام الذين يحكمون بغير ما أنزل الله كفارا وإذا قلنا إنهم مسلمون فماذا نقول عن قوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحكام بغير ما أنزل الله أقسام، تختلف أحكامهم بحسب اعتقادهم وأعمالهم، فمن حكم بغير ما أنزل الله يرى أن ذلك أحسن من شرع الله فهو كافر عند جميع المسلمين، وهكذا من يحكّم القوانين الوضعية بدلا من شرع الله ويرى أن ذلك جائز، ولو قال: إن تحكيم الشريعة أفضل فهو كافر لكونه استحل ما حرم الله. أما من حكم بغير ما أنزل الله اتباعا للهوى أو لرشوة أو لعداوة بينه وبين المحكوم عليه أو لأسباب أخرى وهو يعلم أنه عاص لله بذلك وأن الواجب عليه تحكيم شرع الله فهذا يعتبر من أهل المعاصي والكبائر ويعتبر قد أتى كفرا أصغر وظلما أصغر وفسقا أصغر كما جاء هذا المعنى عن ابن عباس رضي الله عنهما وعن طاووس وجماعة من السلف الصالح وهو المعروف عند أهل العلم. والله ولي التوفيق. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز يرحمه الله، م/4، ص/416. الحديث: 13659 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 931 التفاؤل والتشاؤم من طنين الأذن [السُّؤَالُ] ـ[بعض الناس يتفاءل أو يتشاءم عند شعوره بصوت في إحدى أذنيه، أو إذا رفّ له جفن أو نحو ذلك. فهل لهذا أصل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا أصل لهذا، والواجب على المسلم أن يتوكل على الله سبحانه وتعالى والتشاؤم من الطيرة، وقد أبطلها النبي صلى الله عليه وسلم وأخبر أنها شرك، وإذا أحس الإنسان بشيء منها فليدفعه وليمض في شأنه ولا يتردد، قال صلى الله عليه وسلم: " الطيرة ما أمضاك أو ردك " وعلى المسلم أن يدعوا بهذا الدعاء: " اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك " وأما الفأل فإنه طيب، وكان الفأل يعجب النبي صلى الله عليه وسلم، والفأل حسن ظن بالله عز وجل. [الْمَصْدَرُ] الشيخ صالح بن فوزان الفوزان من مجلة الدعوة العدد 1809 ص 58. الحديث: 22292 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 932 الغناء بالقرآن ردة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم جعل آية من القرآن مطلع بيت من الشعر وكذلك عن حكم غناء آية منه بالموسيقى؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله التضمين لا يجوز، والغناء بالآية أشد حرمة، وهذا من الاستهزاء بالقرآن، وهو ردة عن دين الإسلام. [الْمَصْدَرُ] فتوى الشيخ صالح بن فوزان الفوزان في مجلة الحسبة العدد 35 ص 14. الحديث: 22303 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 933 حكم الاستهزاء بالحجاب [السُّؤَالُ] ـ[ما هو حكم من يستهزئ بمن ترتدي الحجاب الشرعي وتغطي وجهها وكفيها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من يستهزئ بالمسلم أو المسلمة من أجل تمسكه بالشريعة الإسلامية فهو كافر سواء كان ذلك في احتجاب المسلمة احتجاباً شرعياً أم غيره لما رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال رجل في غزوة تبوك في مجلس ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ولا أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء، فقال رجل: كذبت ولكنك منافق لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزل القرآن فقال عبد الله بن عمر: وأنا رأيته متعلقاً بحقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، تنكبه الحجارة وهو يقول: (أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون، لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين) التوبة/65،66، فجعل استهزاءه بالمؤمنين استهزاء بالله وآياته ورسوله وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة في الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة ج/3 ص 813 الحديث: 13245 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 934 حكم التبرك بالصالحين [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم التبرك بالصالحين؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله التبرك بالصالحين ينقسم إلى قسمين: أولاً: أن يتبرك بدعائهم بأن يسألهم أن يدعوا له وهذا جائز.. بشرط أن يعرف صلاحهم وتقواهم وان لا يفتتنوا هم بذلك. ثانياً: التبرك بآثارهم.. كثيابهم وأغراضهم ... الخ وهذا لا يجوز ومن البدعة وما يجب النهي عنه. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله. الحديث: 26284 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 935 حكم بناء المساجد على القبور [السُّؤَالُ] ـ[بعض الناس يقول إنه لا مانع من بناء المساجد على القبور استنادا لقوله تعالى: (قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا ً) (الكهف: 21) فهل قولهم هذا صحيح؟ وماذا يكون الجواب عنه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تشييد المساجد على قبور الأنبياء والصالحين وآثارهم مما جاءت الشريعة الإسلامية الكاملة بالمنع منه والتحذير عنه، ولعن من فعله؛ لكونه من وسائل الشرك والغلو في الأنبياء والصالحين، والواقع شاهد بصحة ما جاءت به الشريعة، ودليل على أنها من عند الله عزوجل، وبرهان ساطع وحجة قاطعة على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جاء به عن الله وبلغه الأمة، وكل من تأمل أحوال العالم الإسلامي وما حصل فيه من الشرك والغلو بسبب إشادة المساجد على الأضرحة وتعظيمها وفرشها وتجميلها واتخاذ السدنة لها علم يقينا أنها من وسائل الشرك، وأن من محاسن الشريعة الإسلامية المنع منها والتحذير من إشادتها. ومما ورد في ذلك ما رواه الشيخان البخاري (1330) ومسلم (529) رحمة الله عليهما عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " قالت عائشة: يحذِّر ما صنعوا. قالت: ولولا ذلك لأبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا ". في الصحيحين أيضا أن أم سلمة وأم حبيبة رضي الله عنهما ذكرتا لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتاها بأرض الحبشة وما فيها من الصور فقال صلى الله عليه وسلم: " أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله ". (خ/ 427، م/ 528) وفي صحيح مسلم (532) عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول: " إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل فإن الله قد اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا، ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك ". والأحاديث في هذا الباب كثيرة، وقد نص الأئمة من علماء المسلمين من جميع المذاهب الأربعة وغيرهم على النهي عن اتخاذ المساجد على القبور وحذروا من ذلك. عملا بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ونصحا للأمة وتحذيرا لها أن تقع فيما وقع فيه من قبلها من غلاة اليهود والنصارى وأشباههم من ضلال هذه الأمة. وقد تعلق بعض الناس في هذا الباب بقوله عز وجل في قصة أهل الكهف: (قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا) الكهف/21 والجواب عن ذلك أن يقال: إن الله سبحانه وتعالى أخبر عن الرؤساء وأهل السيطرة في ذلك الزمان أنهم قالوا هذه المقالة، وليس ذلك على سبيل الرضا والتقرير لهم وإنما هو على سبيل الذم والعيب والتنفير من صنيعهم، ويدل على ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أنزلت عليه هذه الآية وهو أعلم الناس بتأويلها قد نهى أمته عن اتخاذ المساجد على القبور، وحذرهم من ذلك ولعن وذم من فعله. ولو كان ذلك جائزا لما شدّد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك التشديد العظيم وبالغ في ذلك حتى لعن من فعله، وأخبر أنه من شرار الخلق عند الله عز وجل، وهذا فيه كفاية ومقنع لطالب الحق، ولو فرضنا أن اتخاذ المساجد على القبور جائز لمن قبلنا لم يجز لنا التأسي بهم في ذلك؛ لأن شريعتنا ناسخة للشرائع قبلها ورسولنا عليه الصلاة والسلام هو خاتم الرسل وشريعته كاملة عامة وقد نهانا عن اتخاذ المساجد على القبور، فلم تجز لنا مخالفته، ووجب علينا اتباعه والتمسك بما جاء به وترك ما خالف ذلك من الشرائع القديمة، والعادات المستحسنة عند من فعلها؛ لأنه لا أكمل من شرع الله ولا هدي أحسن من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. والله المسئول أن يوفقنا والمسلمين جميعا للثبات على دينه والتمسك بشريعة رسوله محمد عليه الصلاة والسلام في الأقوال والأعمال، والظاهر والباطن، وفي سائر الشئون حتى نلقى الله عز وجل وإنه سميع قريب وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين. ا. هـ. من مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ ابن باز رحمه الله (1 / 434) لمعرفة حكم الصلاة في المساجد التي فيها قبور يراجع السؤال رقم (26324) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح لمنجد الحديث: 26312 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 936 كفر من يحكم بغير ما أنزل الله [السُّؤَالُ] ـ[هل الحكم بغير الشريعة كفر أكبر أم كفر أصغر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لقد أمر الله سبحانه وتعالى بالتحاكم إليه وتحكيم شرعه وحرّم الحكم بغيره كما يتضّح ذلك في عدد من آيات القرآن الكريم ومنها ما تضمّنته سورة المائدة التي اشتملت على عدد من الآيات التي تتحدّث عن الحكم بما أنزل الله ومواضيعها تدور على ما يلي: ـ الأمر بالحكم بما أنزل الله كما في قوله تعالى: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) آية 49 ـ التحذير من التحاكم إلى غير ما أنزل الله كما في قوله عز وجل: (ولا تتبع أهواءهم) آية 49 ـ التحذير من التنازل عن شيء من الشريعة مهما قلّ كما في قوله تعالى: (واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك) آية 49 ـ تحريم ابتغاء حكم الجاهلية كما جاء ذلك بصيغة الاستفهام الإنكاري في قوله عز وجل: (أفحكم الجاهلية يبغون) آية 50 ـ النصّ على أنه لا أحد أحسن من الله في الحكم كما قال عز وجلّ: (ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) آية 50 ـ النصّ على أنّ من لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر وظالم وفاسق كما في قوله تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) آية 44 وقوله: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) آية 45 وقوله: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) آية 47 ـ النصّ على أنّه يجب على المسلمين الحكم بما أنزل الله ولو كان المتحاكمون إليهم كفارا كما قال عز وجل: (وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط) آية 42 فالحكم بغير ما أنزل الله مناف للإيمان والتوحيد الذي هو حقّ الله على العبيد، وقد يكون الحكم بغير ما أنزل الله كفرا أكبر وقد يكون كفرا أصغر بحسب الحال فيكون كفرا أكبر مخرجا من ملة الإسلام في حالات منها: 1 ـ من شرّع غير ما أنزل الله تعالى: فالتشريع حق خالص لله وحده لا شريك له، من نازعه في شيء منه، فهو مشرك، لقوله تعالى: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} . 2 ـ أن يجحد أو ينكر الحاكم بغير ما أنزل الله ـ تعالى ـ أحقية حكم الله ـ تعالى ـ ورسوله صلى الله عليه وسلم، كما جاء في رواية لابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ في قوله ـ تعالى ـ: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} حيث قال: (من جحد ما أنزل الله فقد كفر) . 3 ـ أن يفضل حكم الطاغوت على حكم الله ـ تعالى ـ سواء كان هذا التفضيل مطلقاً، أو مقيداً في بعض المسائل قال تعالى: (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون} . 4 ـ من ساوى بين حكم الله ـ تعالى ـ وبين حكم الطاغوت، قال ـ عز وجل ـ: {فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون} . 5 ـ أن يجوّز الحكم بما يخالف حكم الله ورسوله. أو يعتقد أن الحكم بما أنزل الله ـ تعالى ـ غير واجب، وأنه مخيّر فيه، فهذا كفر مناقض للإيمان. فأنزل الله عز وجل ـ: {يا أيُّها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر} إلى قوله تعالى: {إن أوتيتم هذا فخذوه} [سورة المائدة الآية: 41] يقول ائتوا محمداً صلى الله عليه وسلم، فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه، وإن أفتاكم بالرجم فاحذروه، فأنزل الله تعالى ـ: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} . 6 ـ من لم يحكم بما أنزل الله ـ تعالى ـ إباءً وامتناعاً فهو كافر خارج عن الملة. وإن لم يجحد أو يكذِّب حكم الله تعالى. ومما يمكن إلحاقه بالإباء والامتناع: الإعراض، والصدود يقول ـ تعالى ـ {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أُنزل إليك وما أُنزل من قبلك يُريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أُمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلّهم ضلالاً بعيداً. وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدُّون عنك صدوداً} . 7 ـ من ضمن الحالات التي يكون الحكم بغير ما أنزل الله ـ تعالى ـ كفرا أكبر، ما قاله الشيخ محمد بن إبراهيم عن تشريع القانون الوضعي وتحكيمه: وهو أعظمها، وأشملها، وأظهرها معاندة للشرع، ومكابرة لأحكامه، ومشاقة لله ورسوله، ومضاهاة بالمحاكم الشرعية إعداداً، وإمداداً، وإرصاداً، وتأصيلاً، وتفريعاً، وتشكيلاً، وتنويعاً، وحكماً، وإلزاماً، ومراجع مستمدات. ومما سبق يمكن تلخيص بعض الحالات التي يكون فيها الحكم بغير ما أنزل الله شركا أكبر: (1) من شرّع غير ما أنزل الله (2) أن يجحد أو ينكر أحقيّة حكم الله ورسوله (3) تفضيل حكم الطاغوت على حكم الله تعالى سواء كان التفضيل مطلقا أو مقيدا (4) من ساوى بين حكم الله تعالى وحكم الطاغوت (5) أن يجوّز الحكم بما يخالف حكم الل ورسوله أو أن يعتقد أنّ الحكم بما أنزل الله ليس بواجب أو أنه مخيّر فيه (6) الإباء والامتناع عن الحكم بما أنزل الله وبالحديث عن مظاهر هذا القسم يتبين ويتوضّح فمن مظاهر ما يعدّ كفرا أكبر ما يلي: 1- تنحية الشريعة عن الحكم وإلغاء العمل بها كما فعل مصطفى كمال في تركيا وغيره وقد ألغى المذكور العمل بمجلة الأحكام العدلية المستمدّة من المذهب الحنفي وأحلّ بدلا من ذلك القانون الوضعي. 2- إلغاء المحاكم الشرعية 3- فرض القانون الوضعي للحكم بين الناس كالقانون الإيطالي أو الفرنسي أو الألماني وغيرها أو المزج بينها وبين الشريعة كما فعل جنكيز خان بكتاب الياسق الذي جمعه من مصادر متعددة ونصّ العلماء على كفره. 4- تقليص دور المحاكم الشرعية وحصرها في النّطاق المدني بزعمهم كالنكاح والطّلاق والميراث 5- إنشاء محاكم غير شرعية. 6- طرح الشريعة للاستفتاء عليها في البرلمان وهذا يدلّ على أنّ تطبيقها عنده متوقّف على رأي غالبية الأعضاء 7- جعل الشريعة مصدرا ثانويا أو مصدرا رئيسا مع مصادر أخرى جاهلية بل وحتى قولهم الشريعة هي المصدر الأساسي للتشريع هو كفر أكبر لأن ذلك يفيد تجويز الأخذ من مصادر أخرى 8- النصّ في الأنظمة على الرجوع إلى القانون الدولي أو النصّ في الاتفاقيّات على أنه في حال التنازع يُرجع إلى المحكمة أو القانون الجاهلي الفلاني 9- النصّ في التعليقات العامة أو الخاصة على الطعن في الشريعة كوصفها بأنها جامدة أو ناقصة أو متخلّفة أو أنّ العمل بها لا يتناسب مع هذا الزمان أو إظهار الإعجاب بالقوانين الجاهلية. وأما متى يكون الحكم بما أنزل الله كفرا أصغر لا يُخرج عن الملّة؟ فالجواب أنّ الحاكم أو القاضي يكون حكمه بغير ما أنزل الله كفرا أصغر غير مخرج عن الملّة إذا حكم في واقعة ما بغير ما أنزل الله معصية أو هوى أو شهوة أو محاباة لشخص أو لأجل رشوة ونحو ذلك مع اعتقاده بوجوب الحكم بما أنزل الله وأنّ ما فعله إثم وحرام ومعصية. أمّا بالنسبة للمحكوم بالقوانين الجاهلية فإن تحاكم إليها عن رضى واختيار فهو كافر كفرا أكبر مخرجا عن الملّة وأماّ إن لجأ إليها إكراها واضطرارا فلا يكفر لأنه مكره وكذلك لو لجأ إليها لتحصيل حقّ شرعي لا يحصل عليه إلا بواسطتها مع اعتقاده بأنها من الطاغوت. هذا والله تعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد.. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 974 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 937 حكم طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم [السُّؤَالُ] ـ[كثير من الناس يقولون: الشفاعة يا محمد. فهل هذا القول شرك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم أو من غيره من الأموات لا يجوز، وهو شرك أكبر عند أهل العلم؛ لأنه لا يملك شيئاً بعدما مات عليه الصلاة والسلام، والله يقول: (قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا) الزمر/44. فالشفاعة ملكه سبحانه وتعالى، والنبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الأموات لا يملكون التصرف بعد الموت في شفاعة ولا في دعاء ولا في غير ذلك، الميت إذا مات انقطع عمله إلا من ثلاث: (صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) وإنما جاء أنها تعرض عليه الصلاة والسلام ـ عليه الصلاة والسلام ـ ولهذا قال: (صلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم) . وأما حديث إنه تعرض عليه الأعمال فما وجد فيها من خير حمد الله وما وجد فيها من شر استغفر لنا فهذا حديث ضعيف لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولو صح لم يكن فيه دلالة على أننا نطلب منه الشفاعة. فالحاصل أن طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم أو من غيره من الأموات أمر لا يجوز، وهو على القاعدة الشرعية من الشرك الأكبر؛ لأنه طلب من الميت شيئاً لا يقدر عليه، كما لو طلب منه شفاء المريض، أو النصر على الأعداء أو غوث المكروبين أو ما أشبه ذلك، فكل هذا من أنواع الشرك الأكبر، ولا فرق بين طلب هذا من النبي صلى الله عليه وسلم، أو من الشيخ عبد القادر، أو من فلان أو فلان، أو من البدوي أو من الحسين أو غير ذلك؛ طلب هذا من الموتى أمر لا يجوز، وهو من أقسام الشرك. وإنما الميت يترحم عليه إذا كان مسلماً، ويدعى له بالمغفرة والرحمة، والنبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم عليه مسلم يصلي عليه ـ عليه الصلاة والسلام ـ ويدعو له، أما أن يطلبه المدد أو الشفاعة أو النصر على الأعداء كل هذا لا يجوز، وهذا من عمل أهل الجاهلية ومن عمل أهل الشرك، فيجب على المسلم أن ينتبه لهذا وأن يحذر مثل هذا" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (1/392) . [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز فتاوى نور على الدرب الحديث: 132624 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 938 إلحاق أهل المؤمن به في الجنة [السُّؤَالُ] ـ[هل سيُلحق بالناس الذين يدخلون الجنة من يحبونهم ممن دخل النار؟ هل من الممكن إخراج المحبوبين من النار، حيث أن جميع مطالب أهل الجنة تلبى (إذا اعتبرنا أنهم يعلمون مصيرهم) ؟ هل يمكن أن نُجمع بمن نحب في هذه الدنيا ممن هم من غير المحارم بالنسبة لنا؟ وهذا يشمل أولئك الذين أحببناهم ولم نتمكن من التزوج بهم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: قولك " هل هذا يشمل الذين أحببناهم ولم نتمكن من الزواج بهم؟ " الجواب: لا يجوز للمسلم إقامة علاقات مع النساء الأجنبيات عنه وكذلك لا يجوز للمسلمة أن تقيم علاقة مع الرجل ولا أن تعلق قلبها به إلا لزوجها يُراجع سؤال رقم (9465) و (5445) و (1200) ثانياً: قولك: " هل سيُلحق بالناس الذين يدخلون الجنة من يحبونهم ممن يدخل النار؟ " الجواب: نعم يُلحق بأهل الجنة من يحبونهم من أهل النار إن كانوا من أهل التوحيد، وذلك بأن يشفعوا لهم أن يُخرجوا من النار ويُدخلوا الجنة والدليل على ذلك ما أخرجه البخاري في كتاب التوحيد رقم (7440) : " عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ هَلْ تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ إِذَا كَانَتْ صَحْوًا قُلْنَا لَا قَالَ فَإِنَّكُمْ لَا تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ يَوْمَئِذٍ إِلَّا كَمَا تُضَارُونَ فِي رُؤْيَتِهِمَا ثُمَّ قَالَ ... يُؤْتَى بِالْجَسْرِ فَيُجْعَلُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْجَسْرُ قَالَ مَدْحَضَةٌ مَزِلَّةٌ عَلَيْهِ خَطَاطِيفُ وَكَلَالِيبُ وَحَسَكَةٌ مُفَلْطَحَةٌ لَهَا شَوْكَةٌ عُقَيْفَاءُ تَكُونُ بِنَجْدٍ يُقَالُ لَهَا السَّعْدَانُ الْمُؤْمِنُ عَلَيْهَا كَالطَّرْفِ وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ وَنَاجٍ مَخْدُوشٌ وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ حَتَّى يَمُرَّ آخِرُهُمْ يُسْحَبُ سَحْبًا فَمَا أَنْتُمْ بِأَشَدَّ لِي مُنَاشَدَةً فِي الْحَقِّ قَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ الْمُؤْمِنِ يَوْمَئِذٍ لِلْجَبَّارِ وَإِذَا رَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ نَجَوْا فِي إِخْوَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِخْوَانُنَا كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَنَا وَيَصُومُونَ مَعَنَا وَيَعْمَلُونَ مَعَنَا فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ وَيُحَرِّمُ اللَّهُ صُوَرَهُمْ عَلَى النَّارِ فَيَأْتُونَهُمْ وَبَعْضُهُمْ قَدْ غَابَ فِي النَّارِ إِلَى قَدَمِهِ وَإِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا ثُمَّ يَعُودُونَ فَيَقُولُ اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ فَأَخْرِجُوهُ فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا ثُمَّ يَعُودُونَ فَيَقُولُ اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا قَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَإِنْ لَمْ تُصَدِّقُونِي فَاقْرَءُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا فَيَشْفَعُ النَّبِيُّونَ وَالْمَلَائِكَةُ وَالْمُؤْمِنُونَ فَيَقُولُ الْجَبَّارُ بَقِيَتْ شَفَاعَتِي فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنْ النَّارِ فَيُخْرِجُ أَقْوَامًا قَدْ امْتُحِشُوا فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرٍ بِأَفْوَاهِ الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ مَاءُ الْحَيَاةِ فَيَنْبُتُونَ فِي حَافَتَيْهِ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ ... " الحديث، أما من كان من أهل الشرك فلا تنفعه الشفاعة، قال الله تعالى: " إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " سورة النساء واعلم بأن الشفاعة قسمان: "القسم الأول: الشفاعة الخاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم، وهي أنواع، وأعظمها: الشفاعة العظمى، وهي من المقام المحمود الذي وعده الله إياه، في قوله تعالى: " وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79) " سورة الإسراء. وهذه الشفاعة هي أن يشفع لأهل الموقف يوم القيامة أن يخفف عنهم ما أصابهم من الكرب. القسم الثاني: الشفاعة العامة للرسول صلى الله عليه وسلم ولجميع المؤمنين، وهي أنواع: النوع الأول: الشفاعة فيمن استحق النار أن لايدخلها، وهذه قد يستدل عليها بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " ما من مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله إلا شفعهم الله فيه " رواه مسلم (2/655) النوع الثني: الشفاعة فيمن دخل النار أن يخرج منها..فعن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ بِأَشَدَّ مُنَاشَدَةً لِلَّهِ فِي اسْتِقْصَاءِ الْحَقِّ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ فِي النَّارِ يَقُولُونَ رَبَّنَا كَانُوا يَصُومُونَ مَعَنَا وَيُصَلُّونَ وَيَحُجُّونَ فَيُقَالُ لَهُمْ أَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ فَتُحَرَّمُ صُوَرُهُمْ عَلَى النَّارِ فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا قَدْ أَخَذَتْ النَّارُ إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ وَإِلَى رُكْبَتَيْهِ " رواه مسلم (269) . النوع الثالث: الشفاعة في رفع درجات المؤمنين، وهذه تؤخذ من دعاء المؤمنين بعضهم من بعض كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي سلمه: " اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين، وافسح له في قبره ونور له فيه واخلفه في عقبه ". والدعاء شفاعة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ما من مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لايشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه " المرجع القول المفيد ج1 ص332. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 11931 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 939 الشفاعة في الآخرة [السُّؤَالُ] ـ[ما هي الشفاعة؟ وهل لها أنواع؟ وهل كل الناس سيشفعون أم الأنبياء فقط؟ وهل هناك أناس لا تقبل شفاعتهم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عندما يشتد البلاء بالناس في الموقف العظيم ويطول عليهم زمن وقوفهم مع ما يعانونه من الحر والأهوال والكربات يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كيف بكم إذا جمعكم الله كما يجمع النبل في الكنانة خمسين ألف سنة، ثم لا ينظر الله إليكم) السلسلة الصحيحة 2817، فيبحث العباد عن أصحاب المنازل العالية ليشفعوا لهم عند ربهم كي ينفس عنهم ما هم فيه من البلاء وليأتي سبحانه لفصل القضاء بين العباد، فيأتون آدم فيعتذر، فيأتون نوحاً فيعتذر، فيأتون إبراهيم فيعتذر، فيأتون موسى فيعتذر، فيأتون عيسى فيعتذر، فيأتون نبينا صلى الله عليه وسلم فيقول: أنا لها، أنا لها. فيشفع في أهل الموقف لفصل القضاء وذلك من المقام المحمود الذي وعده الله إياه في قوله: (وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا) الإسراء/79. وإليك سياق حديث الشفاعة الطويل، عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ مَاجَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ فَيَقُولُ لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِإِبْرَاهِيمَ فَإِنَّهُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُ لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُوسَى فَإِنَّهُ كَلِيمُ اللَّهِ فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُ لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِعِيسَى فَإِنَّهُ رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُ لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَأْتُونِي فَأَقُولُ أَنَا لَهَا فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي فَيُؤْذَنُ لِي وَيُلْهِمُنِي مَحَامِدَ أَحْمَدُهُ بِهَا لَا تَحْضُرُنِي الْآنَ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ وَأَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا فَيَقُولُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ وَسَلْ تُعْطَ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَقُولُ يَا رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي فَيَقُولُ انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مِنْهَا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ شَعِيرَةٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ ثُمَّ أَعُودُ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ وَسَلْ تُعْطَ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَقُولُ يَا رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي فَيَقُولُ انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مِنْهَا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ أَوْ خَرْدَلَةٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجْهُ فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ ثُمَّ أَعُودُ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا فَيَقُولُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ وَسَلْ تُعْطَ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَقُولُ يَا رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي فَيَقُولُ انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى أَدْنَى أَدْنَى مِثْقَالِ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجْهُ مِنَ النَّارِ فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ) فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ أَنَسٍ قُلْتُ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا: لَوْ مَرَرْنَا بِالْحَسَنِ وَهُوَ مُتَوَارٍ فِي مَنْزِلِ أَبِي خَلِيفَةَ فَحَدَّثْنَاهُ بِمَا حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ فَأَتَيْنَاهُ فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَأَذِنَ لَنَا فَقُلْنَا لَهُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ جِئْنَاكَ مِنْ عِنْدِ أَخِيكَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَلَمْ نَرَ مِثْلَ مَا حَدَّثَنَا فِي الشَّفَاعَةِ، فَقَالَ: هِيهْ، فَحَدَّثْنَاهُ بِالْحَدِيثِ فَانْتَهَى إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ فَقَالَ: هِيهْ فَقُلْنَا لَمْ يَزِدْ لَنَا عَلَى هَذَا فَقَالَ لَقَدْ حَدَّثَنِي وَهُوَ جَمِيعٌ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً فَلَا أَدْرِي أَنَسِيَ أَمْ كَرِهَ أَنْ تَتَّكِلُوا، قُلْنَا: يَا أَبَا سَعِيدٍ فَحَدِّثْنَا، فَضَحِكَ وَقَالَ: خُلِقَ الإِنْسَانُ عَجُولا مَا ذَكَرْتُهُ إِلا وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُحَدِّثَكُمْ حَدَّثَنِي كَمَا حَدَّثَكُمْ بِهِ قَالَ: (ثُمَّ أَعُودُ الرَّابِعَةَ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ يُسْمَعْ وَسَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَقُولُ يَا رَبِّ ائْذَنْ لِي فِيمَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ فَيَقُولُ وَعِزَّتِي وَجَلالِي وَكِبْرِيَائِي وَعَظَمَتِي لأُخْرِجَنَّ مِنْهَا مَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ) رواه البخاري (7510) . وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهَلْ تَدْرُونَ مِمَّ ذَلِكَ؟ يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ يُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي، وَيَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ، وَتَدْنُو الشَّمْسُ فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنَ الْغَمِّ وَالْكَرْبِ مَا لا يُطِيقُونَ وَلا يَحْتَمِلُونَ، فَيَقُولُ النَّاسُ: أَلا تَرَوْنَ مَا قَدْ بَلَغَكُمْ أَلا تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ؟ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: عَلَيْكُمْ بِآدَمَ فَيَأْتُونَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلام. . . ثم ذكر الحديث إلى قوله: فَأَنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ الْعَرْشِ فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّي عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَى أَحَدٍ قَبْلِي ثُمَّ يُقَالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ سَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَقُولُ أُمَّتِي يَا رَبِّ أُمَّتِي يَا رَبِّ أُمَّتِي يَا رَبِّ فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لا حِسَابَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْبَابِ الأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الأَبْوَابِ ثُمَّ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ مَا بَيْنَ الْمِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَحِمْيَرَ أَوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى) رواه البخاري 4712. فهذه هي الشفاعة العظمى في أرض الموقف وهي شفاعة لفصل القضاء، والشفاعة يوم القيامة على قسمين: 1- شفاعة مقبولة أو مثبتة وهي ما أثبتته النصوص الشرعية وسيأتي تفصيلها. 2- شفاعة مردودة أو منفية وهي الشفاعة المنفية في نصوص الكتاب والسنة وسيأتي ذكرها. فالشفاعة المقبولة أنواع: 1- الشفاعة العظمى وهي المقام المحمود الذي يرغب فيه الأولون والآخرون إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليشفع لهم عند ربهم كي يخلصهم من هول المحشر وسبق بيانها. 2- الشفاعة في أهل الكبائر من الموحدين الذين دخلوا النار أن يخرجوا منها. عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (شَفَاعَتِي لأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي) صحيح سنن الترمذي 1983. 3- شفاعة الرسول في أقوام تساوت حسناتهم وسيئاتهم أن يدخلوا الجنة وفي آخرين أمر بهم إلى النار أن لا يدخلوها. 4- الشفاعة في أقوام أن يدخلوا الجنة بغير حساب. 5- شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في عمه أبي طالب، فيخفف عنه عذاب النار. وهي خاصة منه صلى الله عليه وسلم وخاصة في عمه أبي طالب. 6- شفاعة النبي للإذن للمؤمنين بدخول الجنة. والشفاعة لأرباب الذنوب والمعاصي ليست خاصة بالنبي بل يشاركه فيها الأنبياء والشهداء والعلماء والصلحاء والملائكة، وقد يشفع للمرء عمله الصالح لكن للنبي صلى الله عليه وسلم من أمر الشفاعة النصيب الأوفر. وإليك هذا الحديث من أحاديث الشفاعة والدال على عموم الشفاعة في الأنبياء وغيرهم، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَال َ: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ . . . فذكر الحديث، حتى ذكر مرور المؤمنين على الصرط وشفاعتهم في إخوانهم الذين دخلوا النار: (يَقُولُونَ رَبَّنَا إِخْوَانُنَا كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَنَا وَيَصُومُونَ مَعَنَا وَيَعْمَلُونَ مَعَنَا فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ وَيُحَرِّمُ اللَّهُ صُوَرَهُمْ عَلَى النَّارِ فَيَأْتُونَهُمْ وَبَعْضُهُمْ قَدْ غَابَ فِي النَّارِ إِلَى قَدَمِهِ وَإِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا ثُمَّ يَعُودُونَ فَيَقُولُ اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ فَأَخْرِجُوهُ فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا ثُمَّ يَعُودُونَ فَيَقُولُ اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا قَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَإِنْ لَمْ تُصَدِّقُونِي فَاقْرَءُوا (إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا) فَيَشْفَعُ النَّبِيُّونَ وَالْمَلائِكَةُ وَالْمُؤْمِنُونَ فَيَقُولُ الْجَبَّارُ بَقِيَتْ شَفَاعَتِي فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ فَيُخْرِجُ أَقْوَامًا قَدِ امْتُحِشُوا فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرٍ بِأَفْوَاهِ الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ مَاءُ الْحَيَاةِ فَيَنْبُتُونَ فِي حَافَتَيْهِ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ قَدْ رَأَيْتُمُوهَا إِلَى جَانِبِ الصَّخْرَةِ وَإِلَى جَانِبِ الشَّجَرَةِ فَمَا كَانَ إِلَى الشَّمْسِ مِنْهَا كَانَ أَخْضَرَ وَمَا كَانَ مِنْهَا إِلَى الظِّلِّ كَانَ أَبْيَضَ فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمُ اللُّؤْلُؤُ فَيُجْعَلُ فِي رِقَابِهِمُ الْخَوَاتِيمُ فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ فَيَقُولُ أَهْلُ الْجَنَّةِ هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ الرَّحْمَنِ أَدْخَلَهُمُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ وَلَا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ فَيُقَالُ لَهُمْ لَكُمْ مَا رَأَيْتُمْ وَمِثْلَهُ مَعَهُ) رواه البخاري 7440. والشفاعة يوم القيامة لا تكون إلا إذا توفرت ثلاثة شروط، دل عليها قوله تعالى: (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى) . وقوله: (يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً) . وقوله: (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) . وقوله: (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ) . وهي: 1- إذن الله سبحانه وتعالى للشافع أن يشفع. 2- ورضاه سبحانه عن الشافع. 3- ورضاه عن المشفوع فيه. وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن بعض الناس لا تقبل شفاعتهم يوم القيامة، منهم الذين يكثرون اللعن. روى مسلم (2598) عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ اللَّعَّانِينَ لا يَكُونُونَ شُهَدَاءَ وَلا شُفَعَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. أما الشفاعة المردودة المنفية: فهي ما انتفى فيه شرط الشفاعة المقبولة من الإذن أو الرضى، كالشفاعة التي يعتقدها أهل الشرك في معبوداتهم وآلهتهم فإنهم ما عبدوهم إلا لاعتقادهم أنها تشفع لهم عند الله وأنها واسطة بينهم وبينه سبحانه قال تعالى: (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ) فبين الله أن هذه الشفاعة غير حاصلة ولا واقعة وهي غير مجدية ولا نافعة يقول تعالى: (فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ) ويقول: (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) ويقول: (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) ويقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) . ولذا فإن الله تعالى لا يقبل شفاعة خليله إبراهيم في أبيه آزر المشرك عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ آزَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَى وَجْهِ آزَرَ قَتَرَةٌ وَغَبَرَةٌ فَيَقُولُ لَهُ إِبْرَاهِيم ُ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ لا تَعْصِنِي، فَيَقُولُ أَبُوهُ: فَالْيَوْمَ لا أَعْصِيكَ، فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ: يَا رَبِّ إِنَّكَ وَعَدْتَنِي أَنْ لا تُخْزِيَنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ فَأَيُّ خِزْيٍ أَخْزَى مِنْ أَبِي الأَبْعَدِ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنِّي حَرَّمْتُ الْجَنَّةَ عَلَى الْكَافِرِينَ، ثُمَّ يُقَالُ: يَا إِبْرَاهِيمُ مَا تَحْتَ رِجْلَيْكَ فَيَنْظُرُ فَإِذَا هُوَ بِذِيخٍ مُلْتَطِخٍ فَيُؤْخَذُ بِقَوَائِمِهِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ) رواه البخاري 3350. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 21672 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 940 الصلاة عند القبور وشروط الشفاعة [السُّؤَالُ] ـ[كنت في نقاش مع أحد الأصحاب الذين يتبعون مذهب الصوفية، وسألني عن رأيي في الصلاة على القبور وعن بعض العلماء المتدينين وشفاعتهم يوم القيامة. قلت لذلك الشخص إن الصلاة على القبور شرك وأنه لا يشفع أحد يوم القيامة إلا النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأردت أن أعرف رأي أهل العلم بهذا الشأن وأين أجد الدليل على ذلك. أرجو أن تتمكن من الإجابة على سؤالي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: مسألة الصلاة على القبور.. الصلاة على القبور على قسمين: القسم الأول: الصلاة لصاحب القبر، وهذا شرك أكبر مخرج عن الملة لأن الصلاة عبادة والعبادة لا يجوز صرفها لغير الله قال تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً) النساء/36، وقال تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالاً بعيداً) النساء/116. القسم الثاني: الصلاة لله في المقبرة، وهذا القسم تحته مسائل: 1- صلاة الجنازة على القبر، وهذه جائزة. صورة المسألة: أن يموت شخص ولم تتمكن من الصلاة عليه في المسجد فيجوز لك أن تصلي عليه بعد دفنه. دليل المسألة هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم: فعن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا أَسْوَدَ أَوْ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَ يَقُمُّ (أي يُنظِّف) الْمَسْجِدَ فَمَاتَ فَسَأَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ فَقَالُوا مَاتَ قَالَ أَفَلا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي بِهِ دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ أَوْ قَالَ قَبْرِهَا فَأَتَى قَبْرَهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا " رواه البخاري واللفظ له (458) ومسلم (956) . 2- صلاة الجنازة في المقبرة، وهذه جائزة. صورة المسألة: أن يموت شخص ولم تتمكن من الصلاة عليه في المسجد، وحضرت إلى المقبرة فصليت عليه قبل أن يُدفن. قال الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله: " تجوز الصلاة على الجنازة داخل المقبرة كما تجوز الصلاة عليها بعد الدفن؛ لما ثبت أن جارية كانت تقم المسجد، فماتت فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عنها فقالوا: ماتت، فقال: " أفلا كنتم آذنتموني؟ فدلوني على قبرها " فدلوه فصلى عليها ثم قال: " إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله ينورها لهم بصلاتي عليهم " رواه مسلم 956 انتهى من فتاوى اللجنة الدائمة 8/392 3- الصلاة في المقبرة – ما عدا صلاة الجنازة – وهذه الصلاة باطلة ولا تصح، سواءً كانت فريضة أو نافلة. الدليل: أولاً: قول النبي صلى الله عليه وسلم: " الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام " رواه الترمذي (317) وابن ماجه (745) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (606) . ثانياً: قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " رواه البخاري (435) ومسلم (529) . ثالثاً: (تعليل) وهو أن الصلاة في المقبرة قد تتخذ ذريعة إلى عبادة القبور، أو إلى التشبه لمن يعبد القبور، ولهذا لما كان الكفار يسجدون للشمس عند طلوعها وغروبها، نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عند طلوعها وغروبها لئلا يُتخذ ذريعة إلى أن تُعبد الشمس من دون الله، أو إلى أن يتشبه بالكفار. 4- الصلاة إلى المقبرة، وهذه محرمة - على الصحيح -. صورة المسألة: أن تصلي وفي قبلتك مقبرة أو قبر، ولكنك لا تصلي في أرض المقبرة، بل في أرض أخرى قريبة من المقبرة، وليس بينك وبين المقبرة سور أو حاجز. الدليل على التحريم: 1- عَنْ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ وَلا تُصَلُّوا إِلَيْهَا " رواه مسلم (972) . فهذا يدل على تحريم الصلاة إلى المقبرة أو إلى القبور أو إلى القبر الواحد. 2- ولأن العلة من منع الصلاة في المقبرة موجودة في الصلاة إلى القبر فما دام الإنسان يتجه إلى القبر أو إلى المقبرة اتجاهاً يُقال إنه يُصلي إليها فإنه يدخل في النهي، وإذا كان داخلاً في النهي فلا يصح لقوله: " لا تصلوا " فالنهي هنا عن الصلاة، فإذا صلى إلى القبر فقد اجتمع في فعله هذا طاعة ومعصية، وهذا لا يمكن أن يتقرب إلى الله تعالى به. تنبيه: إذا كان بينك وبين المقابر جدار فاصل فلا بأس من الصلاة حينئذٍ ولا نهي، كذلك إذا كان بينك وبينها شارع أو مسافة لا تصير بها مصلياً إلى المقابر فلا بأس. والله أعلم انظر المغني (1/403) والشرح الممتع لابن عثيمين (2/232) رحم الله الجميع. ثانياً: مسألة الشفاعة ... قد أخطأت في قولك إنه لا يشفع أحد يوم القيامة إلا النبي صلى الله عليه وسلم، بل يشفع النبي صلى عليه وسلم ويشفع غيره من المؤمنين، انظر السؤال (11931) . ولكن نضيف هنا مسألة لم تُذكر هناك، وهي أن الشفاعة لها شروط: الأول: الإذن من الله للشافع أن يشفع. الثاني: رضى الله عن المشفوع له. والدليل على الشرطين قوله تعالى: (وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى) النجم/26 وقوله (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) الأنبياء/28. وأما الشفاعة الموهومة التي يظنها عبَّاد الأصنام من معبوديهم فهي شفاعة باطلة؛ لأن الله لا يأذن لأحد بالشفاعة إلا من ارتضاه من الشفعاء والمشفوع لهم. انظر " القول المفيد شرح كتاب التوحيد " للشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله ص (336-337) ط1. إلا أن الإقرار بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعة المؤمنين ليس مسوغاً لطلبها منهم، كما يفعل البعض من طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 13490 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 941 أنواع الشفاعة [السُّؤَالُ] ـ[أسمع من يقول بأن الشفاعة ملك لله وحده لا تطلب إلا منه، وآخرين يقولون إن الله أعطى الشفاعة لنبيه صلى الله عليه وسلم ولأوليائه الصالحين فيصح أن نطلبها منهم، فما هو الصواب من ذلك مع ذكر ما تستند إليه من الأدلة الشرعية؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد: فالشفاعة هي التوسط للغير في جلب المنفعة أو دفع المضرة. وهي قسمان: القسم الأول: الشفاعة التي تكون في الآخرة ـ يوم القيامة ـ. القسم الثاني: الشفاعة التي تكون في أمور الدنيا. فأما الشفاعة التي تكون في الآخرة فهي نوعان: النوع الأول: الشفاعة الخاصة، وهي التي تكون للرسول صلى الله عليه وسلم خاصة لا يشاركه فيها غيره من الخلق وهي أقسام: أولها: الشفاعة العظمى ـ وهي من المقام المحمود الذي وعده الله إياه، في قوله تعالى: " وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79) " سورة الإسراء. وحقيقة هذه الشفاعة هي أن يشفع لجميع الخلق حين يؤخر الله الحساب فيطول بهم الانتظار في أرض المحشر يوم القيامة فيبلغ بهم من الغم والكرب ما لا يطيقون، فيقولون: من يشفع لنا إلى ربنا حتى يفصل بين العباد، يتمنون التحول من هذا المكان، فيأتي الناس إلى الأنبياء فيقول كل واحد منهم: لست لها، حتى إذا أتوا إلى نبينا صلى الله عليه وسلم فيقول: "أنا لها، أنا لها". فيشفع لهم في فصل القضاء، فهذه الشفاعة العظمى، وهي من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم. والأحاديث الدالة على هذه الشفاعة كثيرة في الصحيحين وغيرهما ومنها ما رواه البخاري في صحيحه (1748) عن ابن عمر رضي الله عنهما: "إن الناس يصيرون يوم القيامة جُثاً، كل أمة تتبع نبيها، يقولون: يا فلان اشفع، حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود". ثانيها: الشفاعة لأهل الجنة لدخول الجنة: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (آتي باب الجنة يوم القيامة فأستفتح فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمد، فيقول: بك أمرت لا أفتح لأحد قبلك " رواه مسلم (333) . وفي رواية له (332) " أنا أول شفيع في الجنة ". ثالثها: شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب: فعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر عنده عمه أبو طالب فقال: "لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة، فيجعل في ضحضاح من نار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه" رواه البخاري (1408) ومسلم (360) رابعها: شفاعته صلى الله عليه وسلم في دخول أناس من أمته الجنة بغير حساب: وهذا النوع ذكره بعض العلماء واستدل له بحديث أبي هريرة الطويل في الشفاعة وفيه: "ثُمَّ يُقَالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ سَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَقُولُ أُمَّتِي يَا رَبِّ أُمَّتِي يَا رَبِّ أُمَّتِي يَا رَبِّ فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لا حِسَابَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْبَابِ الْأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْأَبْوَابِ " رواه البخاري (4343) ومسلم (287) . النوع الثاني: الشفاعة العامة، وهي تكون للرسول صلى الله عليه وسلم ويشاركه فيها من شاء الله من الملائكة والنبيين والصالحين وهي أقسام: أولاها: الشفاعة لأناس قد دخلوا النار في أن يخرجوا منها. والأدلة على هذا القسم كثيرة جدا منها: ما جاء في صحيح مسلم (269) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعا: " فوالذي نفسي بيده ما منكم من أحد بأشد مناشدة لله في استقصاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار، يقولون: ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون. فيقال لهم: أخرجوا من عرفتم، فتحرم صورهم على النار فيخرجون خلقا كثيرا ... فيقول الله عز وجل: شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط". ثانيها: الشفاعة لأناس قد استحقوا النار في أن لا يدخلوها، وهذه قد يستدل لها بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله فيه) أخرجه مسلم (1577) فإن هذه شفاعة قبل أن يدخل النار، فيشفعهم الله في ذلك. ثالثها: الشفاعة لأناس من أهل الإيمان قد استحقوا الجنة أن يزدادوا رفعة ودرجات في الجنة،ومثال ذلك ما رواه مسلم رحمه الله (1528) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا لأبي سلمة فقال: " اللهمّ اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديّين، واخلفه في عقبه في الغابرين واغفر لنا وله يا ربّ العالمين، وافسح له في قبره، ونوّر له فيه"". شروط هذه الشفاعة: دلت الأدلة على أن الشفاعة في الآخرة لا تقع إلا بشروط هي: 1) رضا الله عن المشفوع له، لقول تعالى: (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) الأنبياء/ 28. وهذا يستلزم أن يكون المشفوع له من أهل التوحيد لأن الله لا يرضى عن المشركين. وفي صحيح البخاري (97) عن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لا يَسْأَلُنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ أَوْ نَفْسِه "ِ 2) إذن الله للشافع أن يشفع لقوله تعالى: (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) البقرة/255. 3) رضا الله عن الشافع، لقوله تعالى: (إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى) النجم/26. كما بَيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم أن اللعانين لا يكونون شفعاء يوم القيامة كما روى مسلم في صحيحه (4703) عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ اللَّعَّانِينَ لا يَكُونُونَ شُهَدَاءَ وَلا شُفَعَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَة "ِ. القسم الثاني: الشفاعة المتعلقة بالدنيا، وهي على نوعين: الأول: ما يكون في مقدور العبد واستطاعته القيام به؛ فهذه جائزة بشرطين: 1) أن تكون في شيء مباح، فلا تصح الشفاعة في شيء يترتب عليه ضياع حقوق الخلق أو ظلمهم، كما لا تصح الشفاعة في تحصيل أمر محرم. كمن يشفع لأناس قد وجب عليهم الحد أن لا يقام عليهم، قال تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) المائده/2. وفي الحديث عن عائشة رضي الله عنها " أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالُوا مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلا أُسَامَةُ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا " رواه البخاري (3261) ومسلم (3196) . وفي صحيح البخاري (5568) ومسلم (4761) عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَاهُ طَالِبُ حَاجَةٍ أَقْبَلَ عَلَى جُلَسَائِهِ فَقَالَ" اشْفَعُوا فَلْتُؤْجَرُوا وَلْيَقْضِ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا أَحَب "َّ. 2) أن لا يعتمد بقلبه في تحقيق المطلوب ودفع المكروه إلا على الله وحده،وأن يعلم أن هذا الشافع لا يعدو كونه سببا أَذِنَ الله به، وأن النفع والضر بيد الله وحده، وهذا المعنى واضح جدا في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم. فإذا تخلف أحد هذين الشرطين صارت الشفاعة ممنوعة منهيا عنها. الثاني: ما لا يكون في مقدور العبد، وطاقته ووسعه كطلب الشفاعة من الأموات وأصحاب القبور، أو من الحي الغائب معتقدا أن بمقدوره أن يسمع وأن يحقق له طلبه فهذه هي الشفاعة الشركية التي تواردت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية بنفيها وإبطالها لما في ذلك من وصفهم بصفات الخالق عز وجل، لأن من صفاته عز وجل أنه هو الحي الذي لا يموت. وشبهة هؤلاء أنهم يقولون: إن الأولياء وإن السادة يشفعون لأقاربهم، ولمن دعاهم، ولمن والاهم، ولمن أحبهم، ولأجل ذلك يطلبون منهم الشفاعة، وهذا بعينه هو ما حكاه الله عن المشركين الأولين حين قالوا: (هؤلاء شفعاؤنا عند الله) يونس/18، يعنون معبوداتهم من الملائكة، ومن الصالحين، وغيرهم، وأنها تشفع لهم عند الله. وكذلك المشركون المعاصرون الآن؛ يقولون: إن الأولياء يشفعون لنا، وإننا لا نجرؤ أن نطلب من الله بل نطلب منهم وهم يطلبون من الله، ويقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء والصالحين أعطاهم الله الشفاعة، ونحن ندعوهم ونقول: اشفعوا لنا كما أعطاكم الله الشفاعة. ويضربون مثلاً بملوك الدنيا فيقولون: إن ملوك الدنيا لا يوصل إليهم إلا بالشفاعة إذا أردت حاجة فإنك تتوسل بأوليائهم ومقربيهم من وزير وبواب وخادم وولد ونحوهم يشفعون لك حتى يقضي ذلك الملك حاجتك، فهكذا نحن مع الله تعالى نتوسل ونستشفع بأوليائه وبالسادة المقربين عنده، فوقعوا بهذا في شرك السابقين، وقاسوا الخالق بالمخلوق. والله تعالى ذكر عن الرجل المؤمن في سورة يس قوله: (أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئاً) (يس:23) ، وذكر الله تعالى أن الكفار اعترفوا على أنفسهم بقولهم: (قالوا لم نك من المصلين * ولم نك نطعم المسكين * وكنا نخوض مع الخائضين * وكنا نكذب بيوم الدين * حتى أتانا اليقين * فما تنفعهم شفاعة الشافعين) المدثر/43-48. والنبي صلى الله عليه وسلم وإن أعطي الشفاعة يوم القيامة، إلا أنه لن يتمكن منها إلا بعد إذن الله تعالى، ورضاه عن المشفوع له. ولهذا لم يدع صلى عليه وسلم أمته لطلب الشفاعة منه في الدنيا، ولا نقل ذلك عنه أحد من أصحابه رضي الله عنهم، ولو كان خيرا، لبلَّغه لأمته، ودعاهم إليه، ولسارع إلى تطبيقه أصحابه الحريصون على الخير، فعُلم أن طلب الشفاعة منه الآن منكر عظيم؛ لما فيه من دعاء غير الله، والإتيان بسبب يمنع الشفاعة، فإن الشفاعة لا تكون إلا لمن أخلص التوحيد لله. وأهل الموقف إنما يطلبون من النبي صلى الله عليه وسلم أن يشفع لهم في فصل القضاء، لحضوره معهم، واستطاعته أن يتوجه إلى ربه بالسؤال، فهو من باب طلب الدعاء من الحي الحاضر فيما يقدر عليه. ولهذا لم يرد أن أحدا من أهل الموقف سيطلب منه صلى الله عليه وسلم أن يشفع له في مغفرة ذنبه. وهؤلاء الذين يطلبون منه الشفاعة الآن، بناء على جواز طلبها في الآخرة، لو ساغ لهم ما يدّعون، للزمهم الاقتصار على قولهم: يا رسول الله اشفع لنا في فصل القضاء!! ولكن اقع هؤلاء غير ذلك، فهم لا يقتصرون على طلب الشفاعة، وإنما يسألون النبي صلى الله عليه وسلم -وغيره - تفريج الكربات، وإنزال الرحمات، ويفزعون إليه في الملمات، ويطلبونه في البر والبحر، والشدة والرخاء، معرضين عن قول الله (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أءله مع الله) النمل/62. ومن خلال ما سبق يتضح لكل منصف أن الشفاعة المثبتة هي الشفاعة المتعلقة بإذن الله ورضاه،لأن الشفاعة كلها ملك له. ويدخل في ذلك ما أذن الله به من طلب الشفاعة في أمور الدنيا من المخلوق الحي القادر على ذلك، وينتبه هنا إلى أن هذا النوع إنما جاز لأن الله أذن به، وذلك لأنه ليس فيه تعلقٌ قلبيٌ بالمخلوق وإنما غاية الأمر أنه سبب كسائر الأسباب التي أذن الشرع باستخدامها. وأن الشفاعة المنفية هي التي تطلب من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، لأن غير الله لا يملك الشفاعة ولا يستطيعها حتى يأذن الله له بها، ويرضى. فمن طلبها من غيره فقد تعدى على مقام الله، وظلم نفسه، وعرضها للحرمان من شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، نسأل الله العافية والسلامة، ونسأله أن يُشفِّع فينا نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم.. آمين. للاستزادة ينظر كتاب (الشفاعة عند أهل السنة والجماعة للشيخ / ناصر الجديع.) ، والقول المفيد للشيخ محمد ابن عثيمين (1 / 423) ، أعلام السنة المنشورة (144) . [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 26259 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 942 الأم المرتدة هل لها على أولادها حق الصلة والبِرّ؟ [السُّؤَالُ] ـ[أبي رجل مسلم، وأمي امرأة من " السيخ "، ولكنها أسلمت عندما تزوجت والدي، بعد أن أسلمت كانت تحافظ على الصلوات، وحضور المسجد والدروس، بشكل مستمر، ثم بعد ما يقارب 13 عاماً: لا أدري ما الذي حدث بينهما، فطلقها، فارتدت عن الإسلام، وعادت لديانتها السابقة – وللأسف -. حاولت معها جاهدة أن تعود إلى الإسلام لعلمي بالعقاب الأليم لمن يرتد عن الإسلام، ولكن دون جدوى، ولا أدري الآن كيف أتعامل معها، لأنها أمي، ولها عليَّ حقوق يجب مراعاتها، ولكن كيف السبيل إلى الموازنة في العلاقة معها؟ وما هي النصيحة التي يمكن أن تسدوها لي؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نسأل الله تعالى أن يردَّ أمك إلى الإسلام، وأن يُحسن لها خاتمتها. ثانياً: قولكِ "، ولها عليَّ حقوق يجب مراعاتها ": غير صحيح! ولو أنها كانت كافرة أصلية: لكان لها عليك حقوق، ولكن بما أنها صارت مرتدَّة عن دين الله تعالى: فقد سقطت حقوقها الشرعية عليكِ وعلى أولادها المسلمين. قال الشافعي - رحمه الله -: ومَن انتقل عن الشرك إلى الإيمان، ثم انتقل عن الإيمان إلى الشرك، مِن بالغي الرجال والنساء: استتيب، فإن تاب قُبل منه، وإن لم يتب: قُتل، قال الله عز وجل: (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا) إلى (هم فيها خالدون) . " الأم " (1 / 257) . والمرتد ليس له حرمة في الشرع؛ لأنه لا يقرُّ على ردته، فإما أن يرجع إلى الإسلام فتكون له أحكام المسلمين، أو يصرَّ على كفره فيُقتل، ولذا لا تحل ذبيحته، ولا يجوز التزوج من مرتدة، وليس للمرتد حق الصلة والبر والإحسان؛ بل يُهجر ويقاطَع، إلا من أجل الدعوة والنصيحة. سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين: ما حكم الشرع في نظركم في ترك أهلي ومقاطعتهم بسبب معاصيهم وتركهم للصلاة وللواجبات؟. فأجاب: لا شك أن الأهل والأقارب لهم حق على الإنسان، حتى وإن كانوا كافرين؛ لقول الله تعالى (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) ، (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً) ، ولكن هؤلاء الأهل الذين لا يصلُّون يعتبرون مرتدين عن الإسلام؛ لأن مَن لا يصلي: كافر، كما دل على ذلك كتاب الله، وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأقوال الصحابة رضي الله عنهم، بل حكاه بعض العلماء إجماعاً، فإذا كانوا تاركين للصلاة: فهم مرتدون عن دين الإسلام، ولا يجوز للإنسان أن يخالطهم، اللهم إلا على سبيل النصيحة، أن يذهب إليهم وينصحهم ويبيِّن لهم ما في هذه الردة من الخزي والعار في الدنيا والآخرة لعلهم يرجعون، فإن أصروا على ذلك: فلا حقَّ لهم، ويجب هجرهم، ومقاطعتهم، ولكني أسأل الله عز وجل أن يرد هؤلاء، وغيرهم، ممن ابتلوا بهذه البلية العظيمة أن يردَّهم إلى الإسلام حتى يقوموا بما أوجب الله عليهم من الصلوات وغيرها. وليُعلم أن المرتد أعظم جُرماً وإثماً من الكافر الأصلي؛ لأن الكافر الأصلي يقرُّ على دينه الذي هو عليه وإن كان باطلاً، أما المرتد: فإنه لا يقر على دينه، بل يؤمر بالرجوع إلى الإسلام، والقيام بما تركُه كفر، فإن لم يفعل فإنه يجب أن يُقتل ... . فتاوى نور على الدرب (شريط 161، وجه ب) . والوصية لك: بعدم اليأس من هداية والدتك، والاستمرار في دعوتها، بالحسنى، مع مداومة الدعاء لها، واختيار الأوقات الفاضلة كثلث الليل الآخر، والأحوال الفاضلة كالسجود في الصلاة، واعلمي أنه لا حقَّ لها عليكِ ما دامت مرتدة. وانظري جواب السؤال رقم (95588) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 141680 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 943 حكم الإقامة في بلاد الكفار، والتشبه بهم، والتبرع لجمعياتهم بالمال [السُّؤَالُ] ـ[هناك مدرسة إسلامية بكندا، تجعل الأطفال يقومون بالمشي لمدة ساعتين؛ تضامناً مع مرضى السرطان؛ تقليداً لأحد الكفار الذي ابتدع هذا الأمر، ثم تبيع المدرسة " البيتزا " لزيادة المال، للتبرع لصالح مؤسسة خيرية كافرة تتعامل مع السرطان، فهل المشي من أجل السرطان، أو لأسباب أخرى يعتبر تشبهاً بالكفار؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: جاءت نصوص القرآن والسنة تنهي المسلم عن الإقامة في بلاد الكفار، إلا لضرورة أو مصلحة شرعية. قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: والسفر إلى بلاد الكفار: محرَّم، إلا عند الضرورة - كالعلاج، والتجارة، والتعلم للتخصصات النافعة التي لا يمكن الحصول عليها إلا بالسفر إليهم - فيجوز بقدر الحاجة، وإذا انتهت الحاجة: وجب الرجوع إلى بلاد المسلمين، ويشترط كذلك لجواز هذا السفر: أن يكون مُظهِراً لدينه، معتزاً بإسلامه، مبتعداً عن مواطن الشر، حذراً من دسائس الأعداء ومكائدهم، وكذلك يجوز السفر، أو يجب، إلى بلادهم، إذا كان لأجل نشر الدعوة إلى الله، ونشر الإسلام. " الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد والرد على أهل الشرك والإلحاد " (ص 317) . وقال حفظه الله أيضاً – في بيان مظاهر موالاة الكفار -: الإقامة في بلادهم، وعدم الانتقال منها إلى بلد المسلمين؛ لأجل الفرار بالدين؛ لأن الهجرة بهذا المعنى ولهذا الغرض: واجبة على المسلم؛ لأن إقامته في بلاد الكفر تدل على موالاة الكافرين. ومن هنا حرَّم الله إقامة المسلم بين الكفار إذا كان يقدر على الهجرة، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا) فلم يعذر الله في الإقامة في بلاد الكفار إلا المستضعفين الذين لا يستطيعون الهجرة، وكذلك من كان في إقامته مصلحة دينية، كالدعوة إلى الله، ونشر الإسلام في بلادهم. " الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد والرد على أهل الشرك والإلحاد " (ص 316) . وانظر – لمزيد فائدة -: أجوبة الأسئلة: (11793) و (14235) و (27211) . ثانياً: أما التشبه بالكفار، فالضابط في هذا التشبه المحرم، هو: "مماثلة الكافرين بشتى أصنافهم، في عقائدهم، أو عباداتهم، أو عاداتهم، أو في أنماط السلوك التي هي من خصائصهم". " من تشبه بقوم فهو منهم " للشيخ ناصر العقل (ص 7) . فيحرم التشبه بغير المسلمين في عقائدهم، وعباداتهم، وما هو من شعائر دينهم، مثل لبس الصليب، أو الاحتفال بالأعياد الدينية. ويحرم التشبه بغير المسلمين فيما هو من خصائص عاداتهم , كلباس الرهبان، والأحبار، وغير ذلك مما يشبهه. قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: فيحرم التشبه بالكفار فيما هو من خصائصهم، ومن عاداتهم، وعباداتهم، وسمتهم وأخلاقهم، كحلق اللحى، وإطالة الشوارب، والرطانة بلغتهم إلا عند الحاجة، وفي هيئة اللباس، والأكل، والشرب، وغير ذلك. " الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد والرد على أهل الشرك والإلحاد " (ص 316) . وعليه؛ فالمشي الي يفعله بعض المسلمين تضامناً مع حدثٍ ما، أو مع أشخاص معينين، يُخشى أن يكون من التشبه بالكفار، لأنه ليس له أصل من ديننا، ولا يفعله المسلمون في بلادهم ومجتمعاتهم، ثم إن هذا المشي ليس فيه فائدة تذكر، فهو تضييع للوقت والجهد، مع ما يحصل فيه من الاختلاط والتعرض للفتن ... إلخ. ثالثاً: أما التبرع لجمعيات الكفار: ففيها تفصيل بحسب نشاط الجمعية: أ. فإن كانت جمعية دينية، تدعو إلى دينها، وتفسد عقائد المسلمين، وكان من ضمن أعمالها: إعانة المرضى، والقيام على المشردين، وإيواء العجزة: فلا يجوز التبرع لهم، ولا مساعدتهم بشيء؛ لأن قيامهم بتلك الأعمال داخل في دعوتهم لدينهم، وإفساد عقائد المسلمين، ومثل هذا لا ينبغي الاختلاف فيه؛ لظهور حكمه في الشرع. ب. وإن كانت جمعية دنيوية، ومن أعمالها ما يساهم في إفساد أخلاق الناس، كالدعوة إلى التعارف بين الرجال والنساء، أو كان من أعمالها القيام بما هو محرَّم في شرعنا، كدعم الإجهاض، وغير ذلك مما يشبهه: فلا يجوز التبرع لهم، ولو كان هناك قسم من أقسامها لعلاج المرضى، وتقديم الأدوية، أو رعاية الأيتام؛ لأن دعم المسلم لها سيكون دعماً لنشاطها، ثم إن المتبرع لا يدري هل ينفقون أمواله في أشياء محرمة، أو في إعانة المرضى. ج. أن تكون الجمعية خاصة بعلاج المرضى، وليس لها أعمال محرمة، ولا مقاصد تنشر دينها من خلالها: فيجوز التبرع لهم، وإعانتهم على علاج المرضى، وتقديم الأدوية لهم. والنصيحة للمسلمين الذين اضطروا أو ابتلوا بالإقامة في البلاد الغربية أن تكون لهم جمعياتهم الخاصة بهم، وأن يقدموا من خلالها خدمات للمجتمعات التي يعيشون بينهم، مما هو مباح لهم فعله، وأن يقدموا صورة ناصعة عن الإسلام من خلال تلك الجمعيات، وأن يحرصوا على تحقيق الهدف الأسمى وهو إنقاذ الناس من الكفر، وعلاج قلوبهم من الشك، والشبهة، وهو أولى من علاج أبدانهم، ولو جمعوا بينهما لقدموا خيراً لأنفسهم، ولغيرهم. وإذا لم يكن هناك جمعية خاصة بالمسلمين في تلك البلاد، وكانت الجمعيات القائمة على ذلك ممن يُخشى إعانتها على الكفر، والفسوق، وشعر المسلمون بحرج من عدم المشاركة في علاج المرضى: فننصح بأن تكون مشاركتهم بتقديم الأدوية، لا المال؛ خشية من استعمال المال في أشياء محرمة، وتحقيقاً لمقصود التبرع. ويدل على جواز التبرع للكافر: قوله تعالى (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الممتحنة/ 8، وقد استدل بها الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله بجواز التبرع للكافر بالدم، كما في جواب السؤال رقم (12729) . وانظر – للمزيد – جواب السؤال رقم (2756) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 137127 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 944 مسلمة عمرها 12 عاماً والدها ملحد وأمها نصرانية يسبَّان ربها ونبيَّها فماذا تصنع؟ [السُّؤَالُ] ـ[أبلغ من العمر اثني عشر عاماً، وأعيش مع أب ملحد، وأم مسيحية، وقد اعتنقتُ الإسلام مؤخراً، إن والداي لم يرحبا باعتناقي الإسلام، والأسوأ من ذلك: أنهما منعاني من قراءة القرآن، ودخول المواقع الإسلامية، وإخبار الناس بإسلامي، ومقابلة المسلمين - سواء على النت، أو في الواقع -، ومنعوني ارتداء ثياب متواضعة، وأشياء أخرى كثيرة، والسبب: " فوبيا الإسلام " الغبية، وغير العقلانية، لقد حاولت أن أريهم كيف هو الإسلام في الحقيقة، ولكن ما من شيء أقوله، أو أفعله يغيِّر من رأيهم. في الواقع: إنهما يحاولان الآن أن يرياني كيف يحتقران الإسلام في كل كلمة، وكل فعل، من إلقاء النكات الغبية عن الإرهاب، وحتى سب الله والرسول صلى الله عليه وسلم بأقذع الألفاظ. إن المشكلة تزداد سوءاً؛ لأنه نظراً لأنني ما زلت صغيرة: فأنا لا استطيع القيام بأي شيء دون مساعدة والديَّ، فعلى سبيل المثال: لا تباع هنا الملابس الإسلامية؛ نظراً لوجود قلة من المسلمين، ومن ثم أضطر إلى شراء الحجاب من الإنترنت، وأحتاج إلى بطاقات الائتمان الخاصة بهما من أجل إتمام عملية الشراء، كما أنني أدرس في مدرسة مسيحية! وأحتاج إليهما لتغييرها، حيث إنني لا أستطيع القيام بذلك بنفسي، كما أنهما لا يتركاني أغادر البيت بمفردي، لذا فأنا أحتاج إليهما لكي يقوما بتوصيلي إلى المسجد، وهكذا، لذا فإن عدم موافقتهما تعني أيضاً عدم قدرتي على إتباع الدين بالكامل. كما أنهما يجبرانني على القيام بأشياء تخالف الإسلام، مثل: الذهاب إلى الكنيسة، والرقص، وارتداء ملابس تجعل ذراعي، وساقي، وشعري: عاريا جزئيّاً، أو تماماً. إنني قلقة بهذا الشأن، فالقرآن يأمرنا بطاعة الوالدين، واحترامهما، والإحسان إليهما، ولكنه لا يبدي أي تهاون عندما يتعلق الأمر بمن يكرهون الإسلام، وأنا لا أعلم ماذا أفعل، فإذا أطعت والديَّ: فسأقوم بالكثير من الأشياء التي تخالف الإسلام، وإذا قمت باحترامهما: فإنني بذلك أحترم من لا يحترمونني كمسلمة، وسأدعهما يقولان تلك الأشياء الرهيبة عن الإسلام، ولكني إذا لم أطعهما وأحترمهما فإنني بذلك أسلك مسلكا رهيباً من وجهة نظر الإسلام، وأنا أعتقد أن كِلا الفعلين خطأ، فما الذي يجب عليَّ فعله؟ . وبارك الله فيكم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله 1. نحن في غاية الفرح أن وصلتنا رسالتك، وفيها البشارة بدخولك في الإسلام، ونعتقد أن فرحتك بالانتساب لهذا الإسلام هي فرحة العمر؛ فإن أجل نعم الله على عبد من عبيده: أن يهديه ويشرح صدره للإسلام، فنسأل الله أن يتم عليك نعمة الإيمان والعافية، وأن يثبتك على ذلك إلى يوم لقاء رب العالمين. 2. وأفرحنا جدّاً حبُّكِ للإسلام، ورغبتك بالتمسك بشرائعه، ونرى أن هذا من فضل الله تعالى عليكِ، حيث إننا نشعر أنك قد تذوقت حلاوة الإيمان، في الوقت الذي حرم منها كثيرون ممن ينتسب إلى الإسلام في الاسم والصورة. 3. وآلمنا جدّاً ما عليه والداك من الكفر بالله تعالى، وآلمنا أكثر: سبُّهم لله تعالى، ولرسوله محمد صلى الله عليه وسلم، مع أن الرب تعالى هو ربُّهم، وخالقهم، ورازقهم، والنبي محمد صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيين، الذي أخذ الله ميثاقه على كل نبي ـ وعلى أتباعه من باب أولى ـ أن يكون تابعا لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، إذا بعث محمد وهو حي. قال الله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ * فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) سورة آل عمران/81-83. وأخبر صلى الله عليه وسلم أن من سمع به، ولم يتبعه، ولم يؤمن به: فقد حرم الله عليه الجنة: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ: إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ) . رواه مسلم (153) . قال الإمام النووي رحمه الله: " وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ) : أَيْ مِمَّنْ هُوَ مَوْجُودٌ فِي زَمَنِي وَبَعْدِي، إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَكُلُّهُمْ يَجِبُ عَلَيْهِ الدُّخُولُ فِي طَاعَتِهِ. وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيَّ تَنْبِيهًا عَلَى مَنْ سِوَاهُمَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَهُمْ كِتَابٌ فَإِذَا كَانَ هَذَا شَأْنَهُمْ مَعَ أَنَّ لَهُمْ كِتَابًا، فَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ لَا كِتَابَ لَهُ أَوْلَى. وَاللَّهُ أَعْلَمُ " انتهى. "شرح مسلم". 4. إننا نقدر جدا صعوبة الظرف الذي أنت فيه، ونسأل الله جل جلاله، أن ييسر لك أمرك، وأن يجعل لك فرجا ومخرجا مما أنت فيه؛ لكن الأمر ـ رغم صعوبته ـ ليس لغزا محيرا؛ فأنت ـ أولا، وقبل كل شيء ـ مأمورة بطاعة الله جل جلاله فيما فرض عليك؛ فتفعلي ما أمرك به من العبادات، وتتركي ما نهاك عنه من المحرمات، وهذا فقط هو سبيل الهداية، قال الله تعالى: (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) سورة النور/54. وإذا كنت مأمورة بالإحسان إلى والديك وحسن صحبتهما، وإن كانا كافرين، فليس معنى ذلك أن تعصي ربك إرضاء لهما، أو أن تقدمي طاعتهما على طاعة الله تعالى، بل طاعة الله وطاعة رسوله مقدمة على كل شيء، وعلى طاعة كل أحد. قال الله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) العنكبوت /8. قال ابن كثير رحمه الله: " يقول تعالى آمرا عباده بالإحسان إلى الوالدين، بعد الحث على التمسك بتوحيده، فإن الوالدين هما سبب وجود الإنسان، ولهما عليه غاية الإحسان ... ومع هذه الوصية بالرأفة والرحمة والإحسان إليهما في مقابلة إحسانهما المتقدم، قال: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا} أي: وإن حَرَصا عليك أن تتابعهما على دينهما إذا كانا مشركين، فإياك وإياهما، لا تطعهما في ذلك، فإن مرجعكم إليَّ يوم القيامة، فأجزيك بإحسانك إليهما، وصبرك على دينك، وأحشرك مع الصالحين، لا في زمرة والديك، وإن كنت أقرب الناس إليهما في الدنيا؛ فإن المرء إنما يحشر يوم القيامة مع مَنْ أحب، أي: حبا دينيا؛ ولهذا قال: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ} " انتهى. "تفسير ابن كثير" (6/264-265) . وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ) رواه البخاري (7257) ومسلم (1840) . وقال صلى الله عليه وسلم: (لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) رواه أحمد (1089) وصححه الألباني. وبناء على ذلك: فحين يتعارض أمر والديك لك بأي شيء، مع أمر الله ورسوله لك: فلا تطيعي أبويك، بل قدمي طاعة الله ورسوله، وليس ها هنا شيء من الخطأ. لكن ذلك لا يعني سقوط كل حق لوالديك عليك، بل أمر الله تعالى بالإحسان إليهما، ومعاملتهما معاملة طيبة، رغم ذلك، قال الله تعالى: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) لقمان/15. ونعتقد أن ما قدمناه لك من بيان الموقف الشرعي من هذه المشكلة، هو حل كاف لها، من الناحية النظرية على الأقل. 5. لكن تبقى بعد ذلك الناحية العملية، وهي الجانب الأصعب في مشكلتك، نظرا لظروفك المحيطة بك، وصغر سنك الذي لا يمكنك من الاستقلال بنفسك، وتطبيق ما ترينه صحيحا؛ فاعلمي – أختنا – أن الله تعالى لا يكلفك فوق ما تستطيعين وتقدرين، قال تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة/ من الآية 286، وقال تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا) الطلاق/ من الآية 7، وقال تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/ من الآية 16، وقال النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ) . رواه البخاري (6858) ومسلم (1337) ، وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) رواه ابن ماجه (2045) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه. 6. وحينئذ؛ فالواجب عليك أن تجتهدي في عمل كل ما تسطيعينه من الواجبات الشرعية، وترك كل ما تقدرين على تركه من المحرمات، وأن تبادري إلى ذلك بقدر إمكانك؛ فإن منعوك من الصلاة أمامهم: فصلي من ورائهم، وإن منعوك من ارتداء الحجاب الكامل، أو لم تتمكني من الحصول على الملابس الإسلامية: فاجعلي ملابسك أقرب ما يمكنك إلى الملابس الإسلامي، ولو أن تتعلمي أنت أن تصنعي لنفسك شيئا من ذلك، أو قريبا منه. وإذا طلبوا منك أن تذهبي للكنيسة: فتعللي بأي شيء، وتهربي من ذلك قدر الإمكان، واخترعي الأعذار التي تعفيك من ذلك، وليس كل النصارى في الغرب، ولا في الشرق، يذهبون إلى الكنيسة، بل الأقل منهم من يفعلون ذلك. وهكذا: حاولي أن تتهربي من حفلات الرقص والغناء، وما يأمرانك به مما فيه معصية، بأي عذر تخترعينه لذلك، فإن أجبرت على حضور الحفل، فاهربي من ممارسة الرقص، خاصة إذا كان مع الرجال، أو في حضورهم، وأظهري المرض، أو نحو ذلك مما يعفيك منه. وما يجبرانك عليه من محرمات فافعلي منها الحد الأدنى، فاجعلي اللباس أستر ما يكون، ولا تسهري في مناسبتهم الحفلة كاملة، وهكذا في سائر المحرمات. وبصفة عامة: اجتهدي في أن تفعلي ما تستطيعينه من شعائر الإسلام، وأن تتركي ما تقدرين على تركه، فإن أكرهوك على شيء من ذلك، فاجعلي تصرفاتك من الخارج فقط، واجعلي قلبك دائم الصلة بالله، والذكر له، إلى أن ييسر الله لك فرجا مما أنت فيه، وأبشري فإن الفرج قريب، وإن مع العسر يسرا: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) سورة الطلاق/2-3. 7. وننصحك بالتواصل مع الأخوات المسلمات، سواء بالمواجهة، أو عن طريق الإنترنت، وكما ننصحك بالتواصل مع المواقع الإسلامية النافعة لك في دينك، والتي تستفيدين منها لتقوية إيمانك، وتزدادين بها علماً، وإذا أمكنك التواصل مع أحد المراكز الإسلامية القريبة منك: فسوف يكون في ذلك خير كثير، إن شاء الله، ولعلهم ـ بحكم خبرتهم بالمكان، وتعرضهم لكثير من هذه المشكلات ـ أن يكون عندهم من الحلول والمساعدات العملية أكثر مما اقترحناه عليك. 8. واعلمي – أختنا – أن من سبقك بالإسلام قد عاش طائفة منهم في ظروف قاسية، حيث تعذيب الأبوين، وضربهم، ومنعهم من حقوقهم الإنسانية، وقد صبروا على ما أوذوا، واحتملوا ما أصابهم في سبيل الله، حتى جاءهم نصر الله، فنجاهم الله مما كانوا فيه، وانقلبوا بنعمة من الله وفضل، وكانوا من الفائزين، فلا تيأسي مما أصابك، ولا تحزني على حالك، فأنت في رعاية الله، وتحت سمعه وبصره، واثبتي على ما أنتِ عليه من الهدى والحق، كما صبر من قبلك، واعلمي أن هذا اختبار من الله تعالى ليرى صدق إيمانك، فيجازيك عليه خير الجزاء، في الدنيا، والآخرة، وعسى الله أن يجعل نصره وتأييده لك عاجلاً غير آجل. 9. والداك بحاجة لك لإنقاذهما من نار جهنم، ومن سخط الله، فنوصيك بإظهار خير صورة للمسلمة المستقيمة، بحسن التصرف معهما، وبرهما، والتلطف في مخاطبتهما، والعناية بطعامهما وشرابهما، والقيام على خدمتهما، فلعلهما أن يراجعا نفسيهما، ويخففا عنك الضغط، أو يتركانه، كما نوصيك بصدق الدعاء والطلب من الله أن يهديهما للإسلام، وأن يميتهما على الإيمان، وما ذلك على الله بعزيز، واسمعي لهذه القصة: روى مسلم (2491) عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الْإِسْلَامِ وَهِيَ مُشْرِكَةٌ، فَدَعَوْتُهَا يَوْمًا فَأَسْمَعَتْنِي فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَكْرَهُ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَبْكِي، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الإِسْلامِ فَتَأْبَى عَلَيَّ، فَدَعَوْتُهَا الْيَوْمَ فَأَسْمَعَتْنِي فِيكَ مَا أَكْرَهُ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَهْدِيَ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اللَّهُمَّ اهْدِ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ) فَخَرَجْتُ مُسْتَبْشِرًا بِدَعْوَةِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا جِئْتُ فَصِرْتُ إِلَى الْبَابِ، فَإِذَا هُوَ مُجَافٌ، فَسَمِعَتْ أُمِّي خَشْفَ قَدَمَيَّ فَقَالَتْ: مَكَانَكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، وَسَمِعْتُ خَضْخَضَةَ الْمَاءِ، قَالَ: فَاغْتَسَلَتْ وَلَبِسَتْ دِرْعَهَا وَعَجِلَتْ عَنْ خِمَارِهَا، فَفَتَحَتْ الْبَابَ ثُمَّ قَالَتْ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ وَأَنَا أَبْكِي مِنْ الْفَرَحِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَبْشِرْ، قَدْ اسْتَجَابَ اللَّهُ دَعْوَتَكَ وَهَدَى أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ خَيْراً. 10. ولا ننصحك بالهرب من البيت، والخروج منه؛ فإن مفاسد ذلك أكثر من بقائك فيه، وإن من قد يؤويك فإنه يعرِّض نفسك لأقسى العقوبات في قوانين بلادكم الجائرة، فليس أمامنا من نصح لك إلا الصبر، وقطع التفكير في الهروب من البيت. ونسأل الله العلي القدير أن يثبتك على الهدى والرشاد، وأن يعافيك في دينك وبدنك، وأن يهدي أبويك للإسلام، وأن يقر عينيك بهما مؤمنين صالحين، في الدنيا، والآخرة. ونرجو منك أن تبقي على تواصل معنا، ونحن أهلك، وإخوانك، ولعل الله أن يرزقك من دعوات إخوانك الذي يطالعون قصتك: ما ينفعك الله به، ويفرج عنك كربك ببركته. والله الموفق [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136360 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 945 هل يجوز للمسلم أن يهدي صليباً لنصراني؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمسلم أن يشتري صليباً لشخص مسيحي كهدية؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز اقتناء الصليب ولا صنعه ولا بيعه ولا شراؤه ولا إهداؤه؛ لما يرمز إليه ويدل عليه من معالم الكفر بالله العظيم. فالنصارى يعظمون الصليب، بل ويعبدونه، وهذا مبني على اعتقادهم بصلب المسيح عليه السلام. ونحن نعتقد أن المسيح عليه السلام رفعه الله حياً إلى السماء، ونجاه من أعدائه، قال الله تعالى: (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) النساء/157. ولهذا، إذا نزل المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام آخر الزمان سيكسر الصليب ويقتل الخنزير. رواه البخاري (3447) ومسلم (155) . وذلك ليبطل قصة الصلب التي يؤمن بها النصارى، ويبطل أيضاً تعظيمهم للصليب. ويقتل الخنزير ليبطل أيضاً ما هم عليه من استحلالهم لهذا الحيوان القذر. وإهداء الصليب للنصارى أو بيعه لهم يدل على الرضا بعبادتهم له، وإعانة لهم على عبادة غير الله، وذلك خطر على دين المسلم. وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن خياط خاط للنصارى سير حرير فيه صليب ذهب فهل عليه إثم في خياطته؟ وهل تكون أجرته حلالا أم لا؟ فقال: "إذا أعان الرجل على معصية الله كان آثما. . . ثم قال: والصليب لا يجوز عمله بأجرة ولا غير أجرة، كما لا يجوز بيع الأصنام ولا عملها. كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام) وثبت أنه لعن المصورين. وصانع الصليب ملعون لعنه الله ورسوله ... إلخ" انتهى. وانظر جواب السؤال رقم (115038) . وقد روى البخاري (5952) عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَتْرُكُ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا فِيهِ تَصَالِيبُ إِلَّا نَقَضَهُ) . والمقصود بالتصاليب في الحديث: صور الصليب. والنقض: إزالة الصورة مع بقاء الثوب على حاله. انظر: "فتح الباري" (10/385) . فكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم إزالة كل ما فيه تصاليب، حمايةً لجانب التوحيد، وبعداً عن مشابهة غير المسلمين. وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: "صنع الصليب حرام، سواء كان مجسماً، أم نقشاً، أم رسماً، أو غير ذلك، على جدار، أو فرش، أو غير ذلك، ولا يجوز إدخاله مسجداً، ولا بيوتاً، ولا دور تعليم: من مدارس، ومعاهد، ونحو ذلك. ولا يجوز الإبقاء عليه، بل يجب القضاء عليه، وإزالته بما يذهب بمعالمه: من كسر، ومحو، وطمس، وغير ذلك. ولا يجوز بيعه، ولا الصلاة عليه" انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (3/437) . وعلى هذا، فلا شك في تحريم إهداء الصليب أو بيعه للنصارى، بل قد يصل ذلك بفاعله إلى الخروج من الإسلام، لما يتضمنه من مساعدتهم على الشرك بالله وإقرارهم عليه. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 132413 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 946 لا يقال للكافر أو الفاسق: يا سيد [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن يقال للكافر: يا سيد. مثل أن يكتب بالفاتورة أو غيرها: السيد فلان وهو يعلم أنه كافر، أو أثناء الحديث معه بالإنجليزية مثلاً مستر فلان؟ وإذا كان لا يجوز أن يقال للكافر يا سيد؛ فما الدليل؟ أفيدونا أفادكم الله؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " نعم، لا يقال للكافر: سيد، ولا للفاسق: سيد، لأنه ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تقولوا للمنافق سيدنا) فنهى النبي عليه الصلاة والسلام عن هذا الشيء، فلا نبغي للمؤمن أن يقول للكافر ولا للفاسق سيداً، لأن هذا وصف عظيم لا يليق بالكافر والفاسق، والسيد هو الرئيس والكبير والفقيه ـ فلا ينبغي أن يقال للكافر بالله أو المعروف بالمعاصي الظاهرة لا يقال له سيد، بل يدعى باسمه المعروف: فلان، أو: أبي فلان، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في عبد الله بن أبي: (ما فعل أبو الحباب) . فإن دعي بلقبه أو باسمه أو قيل فلان المدعو كذا وكذا فلا بأس ويكفي هذا، أما أن يقال السيد فلان، أو يأتي بما هو أعظم من ذلك، فلا يجوز لكونه فاسقاً معروفاً بالفسق، ولا حول ولا قوة إلا بالله " انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (1/300) . وانظر جواب السؤال رقم (12625) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 132136 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 947 حكم مشاركة المسلم للنصراني أو غيره في التجارة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمسلم أن يكون شريكاً للنصراني في تربية الأغنام أو تجارتها أو أي تجارة أخرى؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "اشتراك مسلم مع نصراني أو غيره من الكفرة في المواشي أو في الزراعة أو في أي شيء آخر، الأصل في ذلك جوازه إذا لم يكن هناك مولاة، وإنما تعاون في شيء من المال كالزراعة أو الماشية أو نحو ذلك، وقال جماعة من أهل العلم: بشرط أن يتولى ذلك المسلم، أي: أن يتولى العمل في الزراعة، أو في الماشية المسلم، ولا يتولى ذلك الكافر لأنه لا يؤمن. وهذا فيه تفصيل؛ فإن كانت هذه الشركة تجر إلى مولاة، أو لفعل ما حرم الله، أو ترك ما أوجب الله حرمت هذه الشركة لما تفضي إليه من الفساد، أما إن كانت لا تفضي لشيء من ذلك، والمسلم هو الذي يباشرها، وهو الذي يعتني بها حتى لا يخدع فلا حرج في ذلك. ولكن بكل حال فالأولى به السلامة من هذه الشركة، وأن يشترك مع إخوانه المسلمين دون غيرهم، حتى يأمن على دينه ويأمن على ماله، فالاشتراك مع عدو له في الدين فيه خطر على خلقه ودينه وماله، فالأولى بالمؤمن في كل حال أن يبتعد عن هذا الأمر، حفظاً لدينه، وحفظاً لعرضه، وحفظاً لماله، وحذراً من خيانة عدوه في الدين، إلا عند الضرورة والحاجة التي قد تدعو إلى ذلك، فإنه لا حرج عليه بشرط مراعاة ما تقدم. أي: بشرط أن لا يكون في ذلك مضرة على دينه أو عرضه أو ماله، وبشرط أن يتولى ذلك بنفسه، فإنه أحوط له، فلا يتولاه الكافر، بل يتولى الشركة والأعمال فيها المسلم، أو مسلم ينوب عنهما جميعاً" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (1/294) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131950 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 948 ما هي الأوصاف التي يُنادى بها على الكافر؟ وهل يجوز قول "أخي" و "سيدي"؟ [السُّؤَالُ] ـ[نحن طلاب ندرس في جامعة في أمريكا , ونعمل برامج دعوية لغير المسلمين للدعوة إلى الله، بعض الأحيان نستعمل بعض الطرق التي لا ندري عن صحتها مثل: "البرامج المختلطة بين الرجال والنساء " بحكم العادات، والتقاليد هنا في أمريكا، وبعض الأحيان نستعمل ألفاظ مثل "سيدي"، أو "صديقي"، أو "أخي"، وكلمة "أخي" تعتبر دارجة بين أوساط الشباب. أفتونا - مأجورين - في حكمها، ونرجو أن ترشدونا في كيفية التعامل مع غير المسلمين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الدراسة المختلطة بين الرجال والنساء فيها مفاسد كثيرة، ولها آثار سيئة على كلا الجنسين، فإذا كانت هذه الدراسة المختلطة في بلد غربي: ازداد الأمر سوءً، وعظمت المفاسد. وفي حكم الدراسة المختلطة: ينظر جواب السؤال رقم: (110267) . وفي حكم الإقامة في البلاد غير المسلمة وبيان شروط ذلك ينظر جواب السؤال رقم: (27211) . وفي الوقت الذي ننكر الدراسات المختلطة، لا سيما في مثل تلك الدول غير المسلمة: نشجع الطلبة على الالتزام ببرامج إيمانية فيها تزكية لنفوسهم؛ تعويضاً عما ينقص بالمشاهدات المحرَّمة، التي تضعف الإيمان، ونشجع على الالتزام ببرامج دعوية؛ استثماراً لوجودهم في هذه البلاد، لدعوة أهلها إلى الإسلام، وهي فرصة قد لا تتكرر. فنرجو الله أن يوفقكم في مسعاكم، ونسأله أن يعظم لكم الأجور، ومن الجيد أن يكون لكم اتصال مع أهل العلم، ومواقع الفتوى، للسؤال عما يشكل عليكم. ونحن يفرحنا وجود ترتيب لجهودكم في الدعوة إلى الله، وتنظيم لعملكم ذاك، ونرى أن الدعوة إلى الله في مثل تلك البلاد تحتاج لعقلاء، وحكماء، ومبدعين، لإيصال رسالة الإسلام لأكبر قدر ممكن من المدرسين، والطلبة، مع التنبيه أن يحاط ذلك كله بالالتزام بأحكام الشرع. ثانياً وجواباً على أسئلتكم تحديداُ نقول: 1- لا يجوز عمل برامج دعوية فيها اختلاط نساء برجال، ونرى أن التزامكم بالشرع في هذا الباب واجب عليكم؛ استجابة لأوامر الشرع في تحريم الاختلاط، ودفعاً للفتن المترتبة على ذلك. وهذا إذا كنتم أنتم من يقيم ذلك المعرض، أو البرنامج. وأما أن يكون قائماً من قبَل الجامعة، ويكون منكم استثمار له، بوجود زاوية أو فقرة تعرضون فيها مواد سمعية، ومرئية، ونصية، عن الإسلام: فلا نرى في ذلك بأساً، بشرط لا تشاركوا القائمين على هذا العمل في شيء من الأعمال المحرمة. 2- لا يجوز لكم استعمال الألفاظ الشرعية الخاصة بالمسلمين، كلفظ " أخي "، ولا الألفاظ التي فيها إظهار المودة المنهي عن وجودها عند المسلم تجاه غير المسلم، كلفظ " صديقي "، ولا الألفاظ التي نهينا عن مخاطبة الكفار بها، كلفظ " سيِّد ". وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: عن حكم قول: " أخي " لغير المسلم؟ وكذلك قول: " صديق " و " رفيق "؟ وحكم الضحك إلى الكفار لطلب المودة؟ . فأجاب: أما قول: " يا أخي " لغير المسلم: فهذا حرام، ولا يجوز، إلا أن يكون أخاً له من النسب، أو الرضاع؛ وذلك لأنه إذا انتفت أخوة النسب والرضاع: لم يبق إلا أخوَّة الدين، والكافر ليس أخاً للمؤمن في دينه، وتذكر قول نبي الله تعالى نوح: (رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) . وأما قول: "صديق "، " رفيق "، ونحوهما: فإذا كانت كلمة عابرة يقصد بها نداء من جهل اسمه منهم: فهذا لا بأس به، وإن قصد بها معناها تودداً وتقربّاً منهم: فقد قال الله تعالى: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) ، فكل كلمات التلطف التي يقصد بها الموادة: لا يجوز للمؤمن أن يخاطب بها أحداً من الكفار. وكذلك الضحك إليهم لطلب الموادة بيننا وبينهم: لا يجوز، كما علمت من الآية الكريمة" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " (3 / 42، 43) . وانظر جواب السؤال رقم: (118343) تجد فتاوى أخرى في الموضوع. وفي جواز معاملة الكفار بالرفق، واللين؛ طمعاً في إسلامهم: انظر جوابي السؤالين: (59879) و (41631) . 3- وأما النهي عن قول "سيد"، أو "سيدي" لأحدٍ من الكفار: فقد جاء ذلك في نص صحيح. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (لاَ تَقُولُوا لِلْمُنَافِقِ سَيِّدٌ، فَإِنَّهُ إِنْ يَكُ سَيِّدًا فَقَدْ أَسْخَطْتُمْ رَبَّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ) . رواه أبو داود (4977) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ". وإذا كان هذا الحكم في المنافق فالكافر مثله، وقد جعل النووي رحمه الله هذا الحكم شاملاً للفاسق، والظالم، والمبتدع، فقد بوَّب في كتابه "رياض الصالحين"، فقال: "باب النهي عن مخاطبة الفاسق والمبتدع ونحوهما بـ "سيِّد"، ونحوه ". وقال ابن القيم رحمه الله تحت فصل "خطاب الكتابي بسيدي ومولاي": "وأما أن يُخاطب بـ "سيدنا"، و "مولانا"، ونحو ذلك: فحرام قطعاً، وفي الحديث المرفوع: (لا تقولوا للمنافق: سيدنا، فإن يكن سيدكم فقد أغضبتم ربكم) " انتهى. " أحكام أهل الذمة " (3 / 1322) . وقال الشيخ حمود التويجري رحمه الله: "ولا يجوز وصف أعداء الله تعالى بصفات الإجلال والتعظيم كالسيد، والعبقري، والسامي ونحو ذلك، لما رواه أبو داود والنسائي والبخاري في الأدب المفرد عن بريدة رضي الله عنه ... . وقد قلَّت المبالاة بشأن هذا الحديث الشريف، حتى صار إطلاق اسم " السيد " ونحوه على كبراء الكفار، والمنافقين، مألوفاً عند كثير من المسلمين في هذه الأزمان، ومثل السيد " المستر " باللغة الإفرنجية، وأشد الناس مخالفة لهذا الحديث: أهل الإذاعات؛ لأنهم يجعلون كل مَن يستمع إلى إذاعاتهم من أصناف الكفار، والمنافقين، سادة، وسواء عندهم في ذلك الكبير، والصغير، والشريف، والوضيع، والذكر، والأنثى، بل الإناث هن المقدمات عندهم في المخاطبة بالسيادة، وفي الكثير من الأمور خلافاً لما شرعه الله من تأخيرهن. وبعض أهل الأمصار يسمُّون جميع نسائهم: " سيدات "، وسواء عندهم في ذلك المسلمة، والكافرة، والمنافقة، والصالحة، والطالحة. ويلي أهل الإذاعات في شدة المخالفة لحديث بريدة رضي الله عنه: أهل الجرائد، والمجلات، وما شابهها من الكتب العصرية؛ لأنهم لا يرون بموالاة أعداء الله، وموادتهم، وتعظيمهم بأساً، ولا يرون للحب في الله، والبغض في الله، والموالاة فيه، والمعاداة فيه: قدراً، وشأناً. " تحفة الإخوان بما جاء في الموالاة والمعاداة والحب والبغض والهجران " (ص 20، 21) ترقيم الشاملة. ولا حرج من مناداة الكفار بأسمائهم أو "القرابة" – كما في قوله صلى الله عليه وسلم لعمِّه أبي طالب "يَا عَمُّ" -، أو "المسمَّى الوظيفي" – كـ "رئيس الجامعة"، أو "عميد الكلية"، كما وصف النبي صلى الله عليه وسلم هرقل ب " عظيم الروم " -، وغيرها من الأوصاف المباح مناداته بها. ثم ينبغي التنبيه إلى أن هذه الأحكام التي قررناها هي الأصل الذي يطالب به المسلم، ولكن قد يختلف الأمر باختلاف المصلحة المترتبة على مناداة الكافر بما قد يفهم منه تعظيمه، أو المفسدة المترتبة على عدم ذلك، فقد يكون الشخص قريباً جداً من الإسلام فمثل هذا لا بأس بتأليفه على الإسلام ويتسامح في حقه ما لا يتسامح في حق من عرف بالغلظة والشدة على المسلمين. وفي هذا يقول ابن القيم رحمه الله: "ومدار هذا الباب وغيره مما تقدم على المصلحة الراجحة، فإن كان في كنيته وتمكينه من اللباس وترك الغيار [يعني: عدم تغير أسمائهم ولباسهم إذا تسموا بأسماء المسلمين ولبسوا لباسهم] والسلام عليه أيضاً ونحو ذلك تأليفاً له ورجاء إسلامه وإسلام غيره كان فعله أولى، كما يعطيه من مال الله لتألفه على الإسلام، فتألفه بذلك أولى. وقد ذكر وكيع عن ابن عباس أنه كتب إلى رجل من أهل الكتاب: سلام عليك. ومَن تأمَّل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في تأليفهم الناس على الإسلام بكل طريق: تبيَّن له حقيقة الأمر، وعلِم أن كثيراً مِن هذه الأحكام التي ذكرناها - من الغيار، وغيره - تختلف باختلاف الزمان، والمكان، والعجز، والقدرة، والمصلحة، والمفسدة. ولهذا لم يغيرهم النبي صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر رضي الله عنه، وغيرهم عمر رضي الله عنه. والنبي صلى الله عليه وسلم قال لأسقف نجران: أسلم أبا الحارث، تأليفاً له واستدعاء لإسلامه، ولا تعظيماً له وتوقيراً" انتهى. "أحكام أهل الذمة" (2/524) . والمناداة بالكنية، مثل: (أبا الحارث) فيها نوع توقير عند العرب، ففعله النبي صلى الله عليه وسلم مع هذا النصراني تأليفا له على الإسلام. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131191 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 949 حكم وصية المسلم ببناء كنيسة [السُّؤَالُ] ـ[سمعت فتوى من أحد المشايخ أنه يجوز للمسلم أن يوصي ببناء كنيسة من أمواله بعد موته، وأن هذا لا يكون معصية، فهل هذا الكلام صحيح؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا نتصور أن مسلما عاقلاً عنده علم بالشرع يمكن أن يفتي بمثل هذه الفتوى، فقد يكون حصل خطأ ما في النقل عنه أو في فهم كلامه ... إلخ. ولكننا سنجيب على ما ورد في السؤال: لا يختلف المسلمون أن الوصية بإعانة أهل المعاصي لا تجوز، وذلك لقول الله تعالى: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2. ولا نحتاج أن نقرر أن بيوت العبادة التي يتعبد فيها غير المسلمين هي بيوت معصية، فإنها يشرك فيها بالله، ويسب أنبياؤه، ويُكذَّبون، ويُسب القرآن، ويُستهزأ به، ويُحارب التوحيد، ويُنصر الشرك ويدعى إليه، وقد تحاك فيها المؤامرات على الموحدين المؤمنين، مع ما يكون فيها من أعياد محرمة، وشرب للخمور، وفعلٍ للفجور أحياناً ... ومثل هذه الأمور معلومة معروفة. وعليه، فلا يجوز للمسلم قطعاً أن يوصي بشيء من ماله لبناء كنيسة أو غيرها من معابد غير المسلمين. وهذا الحكم لا يختلف فيه العلماء، ولذلك نكتفي بنقل واحد فقط عن كل مذهب من مذاهب الأئمة المعتبرين (المذهب الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي والظاهري) . 1- المذهب الحنفي. قال الكاساني في "بدائع الصنائع" (8/341) : "وَلَوْ أَوْصَى الْمُسْلِمُ لِبَيْعَةٍ أَوْ كَنِيسَةٍ بِوَصِيَّةٍ , فَهُوَ بَاطِلٌ ; لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ" انتهى. 2- المذهب المالكي. جاء في "المدونة" (4/150) : "سئل ابن القاسم: قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ , أَيَحِلُّ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ فِي عَمَلِ كَنِيسَةٍ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: لَا يَحِلُّ لَهُ ; لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَا يُؤَاجِرُ الرَّجُلُ نَفْسَهُ فِي شَيْءٍ مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ. قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يُكْرِي دَارِهِ وَلَا يَبِيعَهَا مِمَّنْ يَتَّخِذُهَا كَنِيسَةً , وَلَا يُكْرِي دَابَّتَهُ مِمَّنْ يَرْكَبُهَا إلَى الْكَنِيسَةِ" انتهى. 3- المذهب الشافعي. قال الإمام الشافعي في "الأم" (4/225) : "فَإِذَا أَوْصَى النَّصْرَانِيُّ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ فَجَاءَنَا وَرَثَتُهُ أَبْطَلْنَا مَا جَاوَزَ الثُّلُثَ إنْ شَاءَ الْوَرَثَةُ، كَمَا نُبْطِلُهُ إنْ شَاءَ وَرَثَةُ الْمُسْلِمِ. وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْهُ يَبْنِي بِهِ كَنِيسَةً لِصَلَاةِ النَّصَارَى، أَوْ يَسْتَأْجِرُ بِهِ خَدَمًا لِلْكَنِيسَةِ، أَوْ يَعْمُرُ بِهِ الْكَنِيسَةَ، أَوْ يَسْتَصْبِحُ بِهِ فِيهَا، أَوْ يَشْتَرِي بِهِ أَرْضًا فَتَكُونُ صَدَقَةً عَلَى الْكَنِيسَةِ وَتَعْمُرُ بِهَا أَوْ مَا فِي هَذَا الْمَعْنَى كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةً" انتهى. 4- المذهب الحنبلي. جاء في "المغني" (6/122) : "وَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِمَعْصِيَةٍ وَفِعْلٍ مُحَرَّمٍ , مُسْلِمًا كَانَ الْمُوصِي أَوْ ذِمِّيًّا , فَلَوْ وَصَّى بِبِنَاءِ كَنِيسَةٍ أَوْ بَيْتِ نَارٍ , أَوْ عِمَارَتِهِمَا , أَوْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمَا , كَانَ بَاطِلًا. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ" انتهى. 5- المذهب الظاهري. قال ابن حزم في "المحلى" (8/37) : "وَلَا تَحِلُّ وَصِيَّةٌ فِي مَعْصِيَةٍ - لَا مِنْ مُسْلِمٍ وَلَا مِنْ كَافِرٍ - كَمَنْ أَوْصَى بِبُنْيَانِ كَنِيسَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ , لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: (وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) . وقوله تعالى: (وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ) فَمَنْ تَرَكَهُمْ يُنَفِّذُونَ خِلَافَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى مَنْعِهِمْ فَقَدْ أَعَانَهُمْ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ" انتهى. فهذه نصوص الأئمة، وبعضها يصرح بالحكم ذاته - وهو المنع - في وصية النصراني لكنيسة ـ وهو نصراني ـ فكيف يكون الحكم في وصية المسلم لكنيسة! وقد نقل بعض العلماء الإجماع على ذلك. قال تقي الدين السبكي الشافعي رحمه الله: "بِنَاءُ الْكَنِيسَةِ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ , وَكَذَا تَرْمِيمُهَا، وَكَذَلِكَ قَالَ الْفُقَهَاءُ: لَوْ وَصَّى بِبِنَاءِ كَنِيسَةٍ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ ; لِأَنَّ بِنَاءَ الْكَنِيسَةِ مَعْصِيَةٌ، وَكَذَا تَرْمِيمُهَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُوَصِّي مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا" انتهى. "فتاوى السبكي" (2/396) . بل الأمر أخطر من كونه معصية، فبناء معبد لغير المسلمين – كنيسة أو غيرها - فيه محبة للكفر ونشر له، ومحاربة للتوحيد، وتشجيع للكفر برب العالمين ... وهذا يصل بصاحبه إلى الكفر. قَالَ الإمام أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ رحمه الله: "إرَادَةُ الْكُفْرِ كُفْرٌ، وَبِنَاءُ كَنِيسَةٍ يَكْفُرُ فِيهَا بِاَللَّهِ كُفْرٌ، لِأَنَّهُ إرَادَةُ الْكُفْرِ" انتهى. "الفروق" للقرافي (4/124) . فكيف يقال بعد ذلك بجواز وصية المسلم بشيء من ماله لبناء كنيسة، وأن هذا ليس معصية! سبحانك هذا بهتان عظيم. نسأل الله تعالى أن يعز الإسلام والمسلمين، وأن يرد المسلمين إلى دينهم ردا جميلا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130747 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 950 يمر بأزمة مالية، ويقيم في بلاد غربية مع والديه، ومحرج من طلب رجوعهما لبلدهما [السُّؤَالُ] ـ[يعيش كلٌّ من والداي وإخوتي البنات في بيتهم في الجزائر، وأعيش في لندن، وقد قمت مؤخراً بامتلاك بيت جديد، وجاء كل من أبواي وإخوتي ليسكنوا معي منذ ذلك الحين، وقد تركوا البيت القديم لإخوتي الذكور – اثنين -، والآن تغيرت الظروف ووجدت نفسي في ضائقة مالية صعبة، وقد أصبحت كبيراً أيضاً. وسؤالي هو: هل يمكنني أن أسال والداي العودة إلى بيتهم القديم في الجزائر الذي ما زالوا يملكونه، والذي يسكنه أخواي وزوجتاهما وأبناؤهما؟ كما أنه ليس لدي سوى خيارين إما أن أبيع البيت، أو أن أتزوج، وأعيش فيه مع زوجتي، وهذا ليس بالأمر الهين بالنسبة لي، على أية حال فلا أستطيع العيش وأنا أشعر بالإثم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نشكر لك حرصك على بر والديك، وخشيتك من الوقوع في الإثم فيما تسأل عنه من التصرف حيالهما، ونسأل الله أن يُعظم لك الأجر، وأن يوفقك لما فيه رضاه. ثانياً: لا شك أنه من المؤلم أن تواجه والديك بضرورة خروجهما من بيتك، ورجوعهما إلى بلدهما، مع بقائك أنت فيه، وخاصة إن كان السبب هو تزوجك، وإحضار تلك الزوجة لتحل محلهما، ونحن نقدِّر ذلك، ونشعر به، ولكن هناك خيار آخر لم تذكره، ونحن نرى أنه الخيار الموافق للشرع، والملائم لحالتك، وهو: أن تبيع بيتك في لندن، وترجع مع والديك إلى بلدكما الأصلي، وتتزوج من مسلمة تقية، وتشتري أو تستأجر بيتاً يسعك أنت ووالديك وزوجتك. وفي هذا الحل عدة فوائد: 1. ترك بلاد الكفر التي تسكنها، والتي أسكنتَ فيها والديك. 2. عدم إيذاء والديك بإخراجهما من بيتك. 3. تزوجك من امرأة من أهل دينك، وبلدك. 4. تجميع الأسرة جميعها في مكان واحد، وعدم التسبب في تفرقها. 5. بقاء أخويك في بيت والديك، وعدم خروجهما منه. هذا ما نرى أنه الخيار الأسلم، لك، ولأهلك جميعاً، فإن أبيتَه، وأبيت إلا البقاء في تلك الديار: فنرانا مضطرين لنصحك بالخيار الآخر، وهو أقل الشرَّيْن، وهو أن تبيع بيتك، ثم تنفق ثمنه في أمرين: الأول: في إرجاع والديك لبلدهما، مع توسعة بيتهما ببناء يسعهما، ويكفيهما. والثاني: في زواجك بذات دين، وإعفاف نفسك، والسكن في بيت مستأجَر، حتى يوسع الله عليك. فإن كنت ترغب بالزواج من نصرانية: فانظر جواب السؤال رقم (2527) ففيه بيان شروط الزواج من الكتابية. ونوصيك بالتأمل في الحكم الشرعي في بقائك في تلك الديار، فلعلك تستجيب لما نصحناك به، وأن تترك تلك البلاد لله تعالى، وأنت موعود بأن يعوضك الله خيراً منه. فعَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّكَ لَنْ تَدَعَ شَيْئًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا بَدَّلَكَ اللَّهُ بِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ مِنْهُ) رواه أحمد (22565) ، وصححه الألباني في "حجاب المرأة المسلمة" (ص 47) ، وصححه محققو مسند "أحمد بن حنبل" (23074) . قد ذكرنا في أجوبة كثيرة مسألة الإقامة في بلاد الكفر، والمفاسد المترتبة على ذلك، والشروط الواجب توفرها في المقيم إن أقام لعذر شرعي يبيح له تلك الإقامة، فانظر أجوبة الأسئلة: (11793) و (14235) و (27211) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130144 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 951 تعليم أطفال المسلمين في المدارس في الدول الغربية [السُّؤَالُ] ـ[سمعنا أنه يحرم تعليم أطفال المسلمين في مدارس الكفار، أتكلم عن الأطفال الذين يعيشون في أوروبا وأمريكا (دار الكفر) للمعلومية يوجد مدارس للمسلمين ولكن جميعها خاصة وأقساطها غالية جداً، فما هو الحل بالنسبة للشخص الذي لا يستطيع أن يدفع أقساط لولده في مدارس المسلمين؟ أرجو أن تجيب على هذا السؤال لأن هذه أصبحت مشكلة عظمى يعاني منها الكثير من المسلمين الذين يهتمون بتدريس أبنائهم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا ترتب على دراستهم في مدارس الكفار مفسدة كالخوف عليهم من الانحلال واعتناق دين النصارى والزهد في دين المسلمين وتعظيم الكفار واحترامهم، واحتقار أهل الإسلام وعلومهم ونحو ذلك من الأخطاء، فنقول: يحرم تدريسهم في تلك المدارس الكفرية، وبقاؤهم على طبيعة آبائهم أولى من تدريسهم ما يصير سبباً في خروجهم من دين الإسلام، أم إذا لاحظهم أولياء أمورهم وربّوهم على الإسلام ودرسوهم بمدارس الكفار قدر ما يتعلمون به اللغة الأجنبية وما يتعلمون به الكتابة والقراءة والحساب ونحوه، فإن هذا جائز ولكن على أولياء أمورهم أن يلاحظوهم كل يوم أو كل أسبوع، ويتفقدوا معلوماتهم ويحذروهم من العقائد السيئة وينبهوهم على الكلمات الخاطئة، ويحذرونهم من الانخداع بدعاية الكفار حتى يكونوا سالمين من العقائد السيئة والملل الكفرية، وكل هذا خاص بمن يعجز عن دفع الأقساط في مدارس المسلمين. والله أعلم فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله. [الْمَصْدَرُ] سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله الحديث: 129896 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 952 كيف يتعامل مع النصارى الموجودين الآن؟ [السُّؤَالُ] ـ[كيف أتعامل مع النصارى الموجودون اليوم , باعتبارهم مشركين؟ وهل مصافحتهم والبيع والشراء منهم حرام لأنهم نجس؟ مع العلم أنني سمعت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد ابتاع من بعض النصارى جبن. وهل هذا صحيح؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عليك أولا دعوتهم إلى الإسلام وشرح تعاليم الإسلام لهم، فإذا أصروا فعليك أن تظهر لهم البغضاء والمقت والاحتقار، فلا يجوز تصديرهم في المجالس ولا القيام لهم، ولا بدايتهم بالسلام ولا مصافحتهم أو مجالستهم أو ممازحتهم، بل يجب مقاطعتهم وإظهار البغض لهم واحتقارهم والتقليل من شأنهم، فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه) . وأما البيع والشراء منهم فإنه جائز عند الحاجة إذا لم توجد تلك السلع إلا عندهم. وأما ما ذكر أن النبي عليه الصلاة والسلام ابتاع من بعض النصارى جُبناً فالظاهر أن هذا غير صحيح، ولكن لا مانع من شراء الجبن ونحوه منهم، كما لا مانع من أكل ذبائحهم إذا ذبحت على الطريقة الشرعية. والله أعلم فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله. [الْمَصْدَرُ] سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله الحديث: 129785 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 953 لا حرج من الإحسان إلى غير المسلمين إذا لم يكونوا يقاتلوننا [السُّؤَالُ] ـ[أنا امرأة تعمل وأريد أن أعرف ما إذا كان يجوز لي أن أعطي الماء أو الطعام لغير المسلمين؟ يوجد غلام يهودي في عملي، وعندما أخرج أو أذهب لأحضر الماء، فإنه يطلب مني أن أحضر له الماء أيضا، فهل يجوز لي ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج من الإحسان إلى غير المسلمين بشرط ألا يكونوا معروفين بعداء المسلمين، أو مساعدة أعدائنا علينا، قال الله تعالى: (لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ) الممتحنة/8، 9. قال ابن كثير رحمه الله: "أي: لا ينهاكم عن الإحسان إلى الكفرة الذين لا يقاتلونكم في الدين، كالنساء والضعفة منهم، (أَنْ تَبَرُّوهُمْ) أي: تحسنوا إليهم (وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) أي: تعدلوا (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) " انتهى. "تفسير ابن كثير" (4/446) . وقال الشيخ ابن عثيمين في تفسير سورة البقرة (2/294) : "وأما الكافر فلا بأس من بره، والإحسان إليه بشرط أن يكون ممن لا يقاتلوننا في ديننا، ولم يخرجونا من ديارنا؛ لقوله تعالى: (لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) " انتهى. ويثاب المسلم على إحسانه إلى هؤلاء، وله على ذلك أجر، فقد ذكر الله تعالى من صفات الأبرار الذين هم أهل الجنة: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) والأسير لا يكون إلا كافراً. قَالَ قَتَادَةَ رحمه الله، قَوْلُهُ: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) . قَالَ: لَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِالأُسَرَاءِ أَنْ يُحْسَنَ إِلَيْهِمْ، وَإِنَّ أَسْرَاهُمْ يَوْمَئِذٍ لِأَهْلُ الشِّرْكِ. انظر: تفسير الطبري (10/8364) . وقال النووي رحمه الله في "المجموع" (6/237) : "فلو تصدق على فاسق أو على كافر من يهودي أو نصراني أو مجوسي جاز , وكان فيه أجر في الجملة. قال صاحب البيان: قال الصيمري: وكذلك الحربي , ودليل المسألة: قول الله تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) ومعلوم أن الأسير حربي" انتهى. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129664 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 954 حكم التجنس بجنسية أجنبية مع العزم على العمل والاستقرار في دولة إسلامية [السُّؤَالُ] ـ[سافرت إلى كندا للدراسة وأنا متزوج والحمد لله. وأريد أن أكمل دراستي وأستقر بعد ذلك في بلاد فيها الخير كالمملكة أو غيرها من دول الخليج لكن العمل في الخليج كثيراً ما يتطلب جنسية أوربية أو كندية للعمل هناك فاستفتيت مشايخ هنا فأفتوا لي بالجواز وقالوا لي: إن الموالاة غير موجودة في الجنسية الكندية وأنها مجرد ورقة يوقع عليها ولا تفقد الجنسية الأصلية. أيضا: بلدنا للأسف كثيرة الاضطهادات ولازال فيها مشاكل أمنية واجتماعية يخاف الإنسان أن ينقلب الحال بين ليلة وضحاها، وأيضاً فإن الخدمة الوطنية هناك إجبارية ويترتب عليها مخالفات شرعية كثيرة كحلق اللحية والوقوف للعلم وغير ذلك من المنكرات. ويمكن التخلص من كل هذه المشاكل بأخذ الجنسية والانتقال من هذه البلد بسهولة، فإن الجنسية للأسف سبب لرفع الحرج وتسهيل الطريق في الخليج وغيرها. وإذا ما اختلت الحالة الأمنية في بلدي كما وقع قبل سنين يمكن الانتقال بسهولة إلى بلد مسلم آخر. وعلما أنني سأنشغل بالبحث العلمي في الجامعات في مجال الكيمياء وأريد إعانة دولة مسلمة.. أفتونا بارك الله فيكم ونفع الله بكم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا تجوز الإقامة في بلاد الكفر إلا لمن قدر على إظهار دينه، فإن لم يقدر على إظهار دينه وجبت عليه الهجرة إن قدر على ذلك، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (13363) . ثانياً: أما الحصول على الجنسية لدولة كافرة، فلا يجوز إلا في حال الاضطرار، لما يترتب عليه من مفاسد عظيمة، كالخضوع لأحكام الكفار، والقسم على الولاء لهم، وغير ذلك. قال الشيخ ابن جبرين حفظه الله: " من اضطر إلى طلب جنسية دولة كافرة كمطارَد من بلده ولم يجد مأوى، فيجوز له ذلك بشرط أن يظهر دينه، ويكون متمكنا من أداء الشعائر الدينية، وأما الحصول على الجنسية من أجل مصلحة دنيوية محضة فلا أرى جوازه " انتهى. وإذا كان الأمر كما ذكرت من عزمك على العودة إلى بلاد المسلمين، وعدم تنازلك عن جنسيتك الأولى، ومن حصول التضييق في بلدك والإلزام بالخدمة العسكرية المقتضية لارتكاب مخالفات شرعية، فالذي يظهر لنا جوز الحصول على الجنسية الكندية حينئذ. ونسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129622 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 955 التبرع بالدم لغير المسلم [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لي التبرع بنقل دم لمريض أوشك على الهلاك وهو على غير دين الإسلام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " لا أعلم مانعاً من ذلك، لأن الله تعالى يقول جل وعلا في كتابه العظيم: (لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الممتحنة/8. فأخبر سبحانه أنه لا ينهانا عن الكفار الذين لم يقاتلونا ولم يخرجونا من ديارنا أن نبرهم ونحسن إليهم، والمضطر في حاجة شديدة إلى الإسعاف، وقد جاءت أم أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما وهي كافرة إلى بنتها؛ في المدينة في وقت الهدنة بين النبي صلى الله عليه وسلم وأهل مكة تسألها الصلة، فاستفتت أسماءُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في ذلك، فأفتاها أن تصلها، وقال: (صلي أمك) وهي كافرة. فإذا اضطر المعاهد أو الكافر المستأمن الذي ليس بيننا وبينه حرب؛ إذا اضطر إلى ذلك فلا بأس بالصدقة عليه من الدم، كما لو اضطر إلى الميتة، وأنت مأجور في ذلك؛ لأنه لا حرج عليك أن تسعف من اضطر إلى الصدقة " انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (1/292، 293) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129113 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 956 هل ينظر الإسلام لغير المسلمين بعين الرحمة والعطف؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما نظرة الإسلام إلى البشرية؟ هل يحث على حب وتقدير الآخرين ككائنات بشرية، بغض النظر عن أديانهم، أو أعراقهم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إن نظرة الإسلام إلى البشرية ملؤها الرحمة، والعطف، ولا يمكن أن يكون غير هذا؛ لأن الدين الإسلامي آخر الأديان التي شرعها الله تعالى، وأمر الناس كافة بالدخول فيه، كما أنه تعالى أوحى بهذا الدين، وأنزله على قلب أرحم الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، ومصداق ذلك في كتاب الله تعالى قوله عز وجل: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) الأنبياء/107. ونستطيع أن ندلل من القرآن، والسنَّة، وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، ما يؤكد هذا المعنى، ويتجلى ذلك في صور كثيرة، منها: 1. الدعوة إلى الإسلام، وإنقاذ الناس من الشرك والكفر. وفي ذلك جاءت الأوامر في القرآن والسنَّة للمسلمين بدعوة الناس إلى توحيد الله، وبذل الأموال، والأوقات، والأنفس في سبيل ذلك؛ وما ذلك إلا رحمة بالعالَمين؛ لإنقاذهم من عبادة العبَاد إلى عبادة رب العبَاد، ولإخراجهم من ضيق الدنيا، إلى سعة الدنيا والآخرة. قال الله تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) آل عمران/104. 2. برُّ الوالدين، والإحسان إليهما، وإن كانا كافرَين. بل وإن كانا يجاهدان في سبيل صد أولادهم عن الإسلام، وأمرهم بالشرك والكفر! ، وفي هذا يقول الله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ. وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) لقمان/ 14، 15. 3. الوصية بالجيران، ولو كانوا من غير المسلمين. ولعلك لا ترى دِيناً، ولا منهجاً، ولا قانوناً، يدعو الناس إلى العناية بالجار، والاهتمام به، والوصية بحفظه، ورعاية حقه، وحرمته، مثل الإسلام، قال الله تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً) النساء/ 36. قال القرطبي رحمه الله: "قال نوف الشامي: (وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى) المسلم، (وَالْجَارِ الْجُنُبِ) اليهودي، والنصراني. قلت: وعلى هذا: فالوصية بالجار مأمور بها، مندوب إليها، مسلماً كان، أو كافراً، وهو الصحيح، والإحسان قد يكون بمعنى المواساة، وقد يكون بمعنى حسن العشرة، وكف الأذى والمحاماة دونه، روى البخاري عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه) ، وروي عن أبي شريح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن) قيل: يا رسول الله ومن؟ قال: (الذي لا يأمن جارُه بوائقَه) ، وهذا عام في كل جار، وقد أكَّد عليه السلام ترك إذايته بقسمه ثلاث مرات، وأنه لا يؤمن الإيمان الكامل من آذَى جارَه، فينبغي للمؤمن أن يحذر أذى جاره، وينتهي عما نهى الله ورسوله عنه، ويرغب فيما رضياه، وحضَّا الباد عليه. "تفسير القرطبي" (5/183، 184) . 4. العدل والإحسان في التعامل مع الكافر غير الحربي. وفي ذلك يقول تعالى: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الممتحنة/ 8. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: أي: لا ينهاكم الله عن البرِّ، والصلة، والمكافأة بالمعروف، والقسط، للمشركين، من أقاربكم، وغيرهم، حيث كانوا بحال لم ينتصبوا لقتالكم في الدِّين، والإخراج من دياركم، فليس عليكم جناح أن تَصِلُوهم؛ فإن صلتهم في هذه الحالة: لا محذور فيها، ولا مفسدة. " تفسير السعدي " (ص 856) . 5. تحريم قتل المعاهَد من الكفار، والوعيد الشديد في ذلك. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضى الله عنهما عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَنْ قَتَلَ مُعَاهَداً لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَاماً) رواه البخاري (2995) . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: والمراد به: مَن له عهد مع المسلمين، سواء كان بعقد جزية، أو هدنة من سلطان، أو أمان من مسلم. " فتح الباري " (12 / 259) . 6. تحريم ظلم المعاهَد، وتكليفه فوق طاقته. وقد جاء في ذلك الحديث عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا أَوْ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه أبو داود (3052) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ". قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: فمن قدم إلى بلادنا من الكفار لعملٍ، أو تجارة، وسُمح له بذلك فهو: إما معاهَد، أو مستأمن: فلا يجوز الاعتداء عليه، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أن من قتل معاهَداً لم يرح رائحة الجنة) ، فنحن مسلمون، مستسلمون لأمر الله عز وجل، محترِمون لما اقتضى الإسلام احترامه من أهل العهد، والأمان، فمَن أخلَّ بذلك: فقد أساء للإسلام، وأظهره للناس بمظهر الإرهاب، والغدر، والخيانة، ومَن التزم أحكام الإسلام واحترم العهود والمواثيق: فهذا هو الذي يُرجى خيرُه، وفلاحه. " فتاوى الشيخ العثيمين " (25 / 493) . 7. تحريم الاعتداء، ووجوب العدل. وفي ذلك يقول تعالى: (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ) ، وقال تعالى: (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) . قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله: فانظر ما في هذه الآيات من مكارم الأخلاق، والأمر بأن تُعامل مَن عَصى الله فيك: بأن تُطيعه فيه. " أضواء البيان " (3 / 50) . وانظر جواب السؤال رقم: (13241) ففيه بيان أحكام معاملة الأسير الكافر، وانظر جواب السؤال رقم: (10590) ففيه بيان سماحة الإسلام في تشريعاته. ونكتفي بهذا القدر، ولو شئنا التفصيل فيما سبق، والزيادة عليه: لطال بنا المقام. ثانياً: مع ما سبق بيانه فإنه ينبغي التوكيد على حقائق مهمة: 1. ما يُرى في العالَم مما يخالف ما سبق ذِكره إنما هو من جرَّاء أفعال أصحابه، ولا ينبغي نسبته للإسلام، وفي كل دين يوجد من يخالف تعاليمه، ولا يلتزم بأحكامه. 2. أن ما رأته الأرض وأهلها من " الكفار " لا يقارن البتة بما فعله المسلمون، فالحربان العالميتان اللتان راح ضحيتهما 70 مليون شخص كانت " نصرانية ". وعشرات الملايين من المسلمين قتلوا على أيدي: النصارى في الحملات الصليبية وغيرها، والشيوعيين، واليهود، والهندوس، والسيخ، والتفصيل في ذلك يطول، وليس هناك من ينكر هذا إلا من عطَّل عقله. ثم احتلال بلاد المسلمين، وسلب خيراتها كان ولا يزال على أيدي " الكفار " من جميع الملل، فليكن هذا على البال أثناء الحديث عن نظرة الإسلام للبشرية، وعن الحب، والعطف، وليقارن المنصفون من أهل التاريخ بين فتوحات المسلمين للبلاد الأخرى، وبين الحملات الصليبية – مثالاً – كيف كان حال كلٍّ منهما، ليرى الفرق واضحاً جليّاً، بين الرحمة والقسوة، بين الحب والبغض، بين الحياة والموت. 3. ما ذكرناه سابقاً عن الإسلام ونظرته للكفار وما جاء فيه من أحكام غاية في الحب، والعطف، والرحمة: لا يعني التبرؤ مما فيه من أحكام قد يطمسها بعض المميعين لديننا، ومن ذلك: أ. في الإسلام تحرم المودة القلبية، والموالاة، للكفار، ومن يعقل يستطيع التمييز بين البِرِّ، والقِسط، والعطف، والرحمة، التي أمرنا بها تجاه الكافر غير الحربي، وبين المنع من المودة القلبية، والتي منعنا منها تجاه أولئك الكفار بسبب كفرهم بالله رب العالمين، وعدم إسلامهم. ب. لا يحل لنا تزويج بناتنا وأخواتنا ونسائنا لأحدٍ من الكفار كائنا ما كان دينه، بينما يجوز لنا التزوج – فقط – من الكتابيات العفيفات من اليهود والنصارى؛ ولا شك أن للعقيدة والتوحيد دورها الرئيس في هذا الحكم، فإسلام المرأة الكتابية المتزوجة من واحد من المسلمين قريب، وممكن، وفتنة المسلمة عن دينها بتزويجها من غير مسلم ممكن وقريب، وهذا الحكم موافق جدّاً للرحمة التي جاءت بها أحكام هذا الدين العظيم، الرحمة بالكتابية لعلها تسلم، وبالمسلمة أن لا تترك دينها. ج. ليس في الإسلام إجبار للكافر أن يدخل في الإسلام؛ لأن الإخلاص، والصدق، من شروط قبول الإسلام، والله تعالى يقول: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) . د. وفي الإسلام رجم للزاني المحصَن، وقطع ليد السارق، وجلد للقاذف للعرض الغافل، ولسنا نخجل من هذه التشريعات، بل نعتقد جازمين أن الأرض كلها بحاجة لأن تطبقها، ومن فعلوا ذلك عاشوا آمنين على أعراضهم، وأموالهم، ونفوسهم، من التعرض لها بما يسوؤها، ومن تأمل من العقلاء هذه الأحكام علم أن تشريعها هو للمنع – ابتداء – من أن يتجرأ أحد على فعلها، ومن تأمل حال الغرب الكافر، ورأى انتشار الاغتصاب، وكثرة السرقات، وتفشي القتل: علم أن الحاجة ماسَّة لإيقاف هذا، وها هم جربوا غير أحكام الإسلام فماذا نفعهم هذا غير زيادة شقائهم أكثر فأكثر؟! . فهذا نزر يسير مما ينبغي التنبيه عليه، والتذكير به، ولعلَّ السائل يحتاج لزيادة المعرفة في بعض ما ذكرناه سابقاً، ونحن على استعداد لتلقي ذلك منه، وطبيعة الموقع أنه سؤال وجواب يقتضي منا الإيجاز، والاختصار، ومن احتاج الزيادة زدناه، راجين من غير المسلمين الذين سيطلعون على هذا الجواب أن يعيدوا النظر فيما هم فيه من حال، وأن يعلموا أن الله تعالى قد أمرهم بالدخول في الإسلام، وأن النبي محمَّداً صلى الله عليه وسلم هو رسولٌ لأهل الأرض جميعاً، وليس للعرب وحدهم، فليحرص كل من يقرأ هذا على النجاة بنفسه قبل فوات الأوان، وليعلن توحيده لرب العالَمين، والشهادة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة، وسيرى تغيُّراً في حياته عند أول نطقه بالشهادتين، ليدخل عالَم السعادة الدنيوية والأخروية، وليفوز برضا ربه تعالى، ويتجنب سخطه وعذابه. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128862 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 957 هاجر من أوربا إلى المغرب لكن زوجته تريد العودة [السُّؤَالُ] ـ[هاجرت من إحدى الدول الأوربية إلى المغرب مع زوجتي وأولادي الأربعة منذ أربعة أشهر تقريبا ولدينا سكن بالإيجار وسأبدأ بالعمل قريبا إن شاء الله ولكن زوجتي التي اقتنعت بهذه الهجرة في بداية الأمر أصابها اكتئاب وإحباط شديدين ونقلتها إلى المستشفى مرارا وهي غير سعيدة في بيتها وبالتالي أنا غير سعيد ولم يعجبها شيء في المغرب قط وتشتكي من كل شيء. وأنا عرضت عليها بأن تعود إلى بلد الكفر التي هاجرنا منها وهي لم تقبل , وقلت لها خذي الأولاد وارجعي واتركوني اشتغل هنا وسآتي إلى زيارتكم بين فترة وأخرى ولم تقبل, وهي تريدني أن نرجع جميعا علما بأن أولادي صغار السن حيث أكبرهم عمره 11 سنة وهم تارة يحبون وتارة لا يحبون ومن المعلوم بان حبهم وكرههم مرتبط بنا, أما أنا فليس لي بديل في الوقت الحالي وإن كان هنالك بعض الصعوبات وأريد أن أتحمل كل هذه الصعوبات لأن الغاية التي خرجت من أجلها عظيمة ألا وهي الهجرة إلى الله وإلى إرضاء الله تعالى خوفا لأنفسنا وأولادنا ولكن أرى بأنه صعب جدا مع حالة زوجتي التي تزداد سوءا يوما بعد يوم والتي بدورها تؤثر سلبا على سعادتنا وعلى تربية الأولاد , وأزيدكم علما بأني صابر معها صبرا جميلا إن شاء الله ولكن لا أعتقد بان صبري سيغير شيئا من اكتئابها وملاحظاتها عن المغرب. أرجوا منكم أن تجدوا لي حلا وأن تجيبوا على سؤالي في أسرع وقت ممكن لأن وضعنا لا يتحمل التأخير]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الهجرة من بلاد الكفر يختلف حكمها باختلاف حال الإنسان ومدى قدرته على الهجرة وعلى إظهار دينه هناك. فتجب الهجرة على من عجز عن إظهار دينه، واستطاع الهجرة. وأما من قدر على إظهار دينه، فتستحب له الهجرة ولا تجب، ومن عجز عن الهجرة، فقد عذره الله تعالى. قال ابن قدامة رحمه الله: " فالناس في الهجرة على ثلاثة أضرب: أحدها: من تجب عليه , وهو من يقدر عليها , ولا يمكنه إظهار دينه , ولا تمكنه إقامة واجبات دينه مع المقام بين الكفار , فهذا تجب عليه الهجرة ; لقول الله تعالى: (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا) . وهذا وعيد شديد يدل على الوجوب. ولأن القيام بواجب دينه واجب على من قدر عليه , والهجرة من ضرورة الواجب وتتمته , وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. الثاني: من لا هجرة عليه. وهو من يعجز عنها , إما لمرض , أو إكراه على الإقامة , أو ضعف ; من النساء والولدان وشبههم , فهذا لا هجرة عليه ; لقول الله تعالى: (إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا) . ولا توصف باستحباب ; لأنها غير مقدور عليها. والثالث: من تستحب له , ولا تجب عليه. وهو من يقدر عليها , لكنه يتمكن من إظهار دينه وإقامته في دار الكفر , فتستحب له , ليتمكن من جهادهم , وتكثير المسلمين , ومعونتهم , ويتخلص من تكثير الكفار , ومخالطتهم , ورؤية المنكر بينهم. ولا تجب عليه ; لإمكان إقامة واجب دينه بدون الهجرة" انتهى من "المغني" (9/236) . وعليه؛ فإذا كنت قادرا على إظهار دينك في البلد الأوربي، فإن الهجرة لا تجب عليك، لكن انتقالك إلى بلد من بلدان المسلمين أفضل وأسلم لك ولأولادك، فإن كان في ذلك مشقة على أهلك، فابذل الوسع في إقناعهم والتخفيف عنهم وبيان محاسن هذا الانتقال، فإن تم ذلك فالحمد لله، وإلا فلا حرج عليك في العودة إلى أوربا، ثم محاولة الهجرة مرة أخرى حين يتيسر ذلك لك ولأهلك. ولكن ... تبقى مشكلة المحافظة على الأولاد هناك دينياً وأخلاقياً، وهو أمر صعب للغاية. فإن لم يمكنك المحافظة عليهم فبقاؤك في بلاد المسلمين هو الواجب والمتعين عليك، وعلى زوجتك أن تصبر وترضى، وتقدم مصلحة الدين والمحافظة عليه على الراحة الدنيوية التي يجدها الإنسان في البلاد الغربية. ولا ينبغي أن تترك أولادك وزوجتك يعودون إلى أوروبا دونك، لما في ذلك من زيادة الخطر عليهم. وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (13363) . ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128255 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 958 حكم شراء المنتجات وعليها النجمة السداسية، وهل منها منتجات "مونت بلانك"؟ [السُّؤَالُ] ـ[فقد انتشر بين الناس ماركة عالمية " مون بلان " – للتصحيح فالماركة اسمها " مونت بلانك "، تحمل شكلاً مشابهاً لـ " نجمة إسرائيل "، فهل يجوز ارتداء حليهم، أو اقتناء أقلامهم، أو كباكتهم؟ وهل لهذه النجمة ارتباط ديني؟ أرجو توضيح ذلك؛ فقد عم يها البلاء. وهذا موقع الشركة www.montblanc.com.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: هناك اختلاف في حقيقة تاريخ اتخاذ النجمة شعاراً لليهود، والذي يعنينا الآن: أن هذه النجمة صارت شعاراً لهم، وجزءاً من علم دولتهم. جاء في " الموسوعة العربية العالمية ": " نجمة داود "، " Star of David ": وتسمَّى أيضاً " ترس داود "، وهي الرمز العالمي لليهودية، تظهر نجمة داود في علَم " دولة إسرائيل "! والمعابد اليهودية، وفي الأشياء التي تستخدم عند ممارسة الطقوس الدينية، وفي شعارات مختلف المنظمات. تتكون النجمة من مثلثين، يتشابكان لتكوين نجمة سداسية، وشكل هذه النجمة معروف منذ القدم، ولكن لا يعرف الباحثون متى اشتهر بوصفه رمزاً لليهودية، ويعتقد أنه ظهر قبل عام 960 ق. م، أما المصطلح اليهودي " ماغن ديفيد " الذي يعني " ترس داود ": فيعود إلى أواخر القرن الثالث الميلادي" انتهى. تنبيه: من الخطأ أن نقول: " نجمة داود "، والصواب: أن يقال: " النجمة السداسية "؛ لأنه لا يُعرف لداود عليه السلام نجمة، ثم هم يريدون نسبة أنفسهم لنبي من الأنبياء، مع أن الواقع أن الكفرة منهم ملعونون على لسانه عليه السلام، قال تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) المائدة/ 78. ومن أراد الزيادة في معرفة تاريخ ظهور هذه النجمة السداسية: فلينظر كتاب " موسوعة المفاهيم والمصطلحات الصهيونية " تأليف الدكتور عبد الوهاب المسيري رحمه الله. ثانياً: لكون النجمة السداسية الآن صارت شعاراً لتلك العصابة الإجرامية، وجزءاً من رايتها: فإن المنع من نقشها، ورسمها على الثياب، والساعات، والجدُر، وغيرها: هو المتعيِّن، وهو الذي أفتى به العلماء. فقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: عن حكم بيع أو شراء أو عرض: " نجمة إسرائيل "! أو " الصليب "، أو ما يمت لليهود والنصارى بشيء من شعائرهم؟ . فأجابوا: "لا يجوز عمل هذه المصوغات بما يحمل شعارات الكفر ورموزه، كالصليب، ونجمة إسرائيل، وغيرهما، ولا يجوز بيعها، ولا شراؤها" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ بكر أبو زيد. " فتاوى اللجنة الدائمة " (13 / 68 – 70) . ثالثاً: أما بخصوص العلامة التجارية الوارد ذِكرها في السؤال: فالذي علمناه أنه لا يُقصد بذلك الشعار " النجمة السداسية "، وليست الشركة المنتجة شركة يهودية. فاسم الماركة " مونت بلانك "montblanc هو اسم " جبل " ثلجي في فرنسا، يقع على الحدود الفرنسية الإيطالية، ويعد أعلى الجبال الواقعة في " أوروبا الغربية "، والشركة المنتجة لهذه المصنوعات هي شركة ألمانية، تأسست سنة 1906 م، وكان لها اسم غير هذا، وفي عام 1909 تم تغيير الاسم، وفي عام 1913 تم ابتكار هذا الشعار، وقد قصدوا بالشعار قمة ذلك الجبل، وأن مصنوعاتهم تشبه تلك القمة، في بياضها، وعالميتها، وعلو مكانتها، وهذا كله بحسب موقعهم الذي أحالنا عليه السائل. وننبه هنا على أن بعض منتجات الشركة الوارد ذكرها في السؤال قد تكون محرَّمة باعتبار آخر، إما لذاتها كساعات ذهبية للرجال، أو لاستعمالها، كزينة محرّم على المرأة إظهارها، أو عطور نسائية تخرج بها من بيتها، ويجد ريحها الرجال الأجانب عنها. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128082 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 959 حكم تهنئة غير المسلمين في مناسبات غير دينية [السُّؤَالُ] ـ[قرأت الفتاوى المتعلقة بعدم جواز مشاركة غير المسلمين في احتفالاتهم، ولكنني أريد أن أعرف ما حكم الاحتفال معهم في مناسبة مدرسية أو جامعية؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: تهنئة الكفار بأعيادهم الدينية محرم لا شك في تحريمه، وقد سبق لنا في فتاوى متعددة بيان ذلك، والتحذير منه. (947) و (11427) و (4528) و (1130) . ثانياً: وأما مناسباتهم الشخصية الخاصة، كزواج، أو نجاح في مدرسة، أو تعيين في وظيفة، أو شفاء من مرض، أو إنجاب ولد، أو قدوم من سفر، ونحوه: فهذا مما اختلف فيه العلماء إلى أقوال ثلاثة - وهي أقوال ثلاثة عن الإمام أحمد -: فمنهم من رأى الجواز، ومنهم من منع، ومنهم من أجاز بشرط وجود مصلحة شرعية، كتأليف قلوبهم للإسلام، أو دعوتهم إلى الدين. وهذا أرجح الأقوال، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. قال ابن مفلح الحنبلي – رحمه الله -: وتحرم العيادة، والتهنئة، والتعزية لهم ... ، وعنه – أي: عن الإمام أحمد -: يجوز، وعنه: لمصلحة راجحة , كرجاء إسلام , اختاره شيخنا – أي: ابن تيمية - ومعناه اختيار الآجري , وأنه قول العلماء: يُعاد، ويعرض عليه الإسلام، نقل أبو داود: إن كان يريد يدعوه إلى الإسلام: فنعم. " الفروع وتصحيح الفروع " (10 / 334) . على أننا ننبه إلى شروط أخرى يجب توفرها حتى يقال بالجواز، ومنها: 1. خلو بيئة التهنئة والزيارة من المنكرات، كالاختلاط، والمعازف، والأطعمة والأشربة المحرمة، فاحتفالات المسلمين غالباً – وللأسف – لا تخلو من منكرات، فكيف بغير المسلمين. وانظر جواب السؤال رقم: (3325) . 2. أن تخلو عبارات التهنئة من مخالفات شرعية، كابتدائه بالسلام، أو الدعاء له بالعز والبقاء. قال ابن القيم – رحمه الله -: فصل في تهنئتهم بزوجة، أو ولد، أو قدوم غائب، أو عافية، أو سلامة من مكروه، ونحو ذلك، وقد اختلفت الرواية في ذلك عن أحمد، فأباحها مرة، ومنعها أخرى، والكلام فيها كالكلام في التعزية، والعيادة، ولا فرق بينهما، ولكن ليحذر الوقوع فيما يقع فيه الجهال من الألفاظ التي تدل على رضاه بدينه، كما يقول أحدهم " متَّعك الله بدينك "، أو " نيَّحك فيه " – أي: قوَّاك فيه -، أو يقول له: " أعزك الله "، أو " أكرمك "، إلا أن يقول " أكرمك الله بالإسلام، وأعزك به "، ونحو ذلك، فهذا في التهنئة بالأمور المشتركة. " أحكام أهل الذمة " (1 / 441) . 3. أن لا يهنَّأ ذلك الكافر – ولا المسلم كذلك – إن كان رجوعه من سفر معصية، أو حرب على المسلمين، أو لتولي وظيفة محرمة، كعمل في بنك، أو قضاء بين الناس بخلاف الشرع. قال ابن القيم – رحمه الله -: فمن هنَّأ عبداً بمعصية، أو بدعة، أو كفر: فقد تعرض لمقت الله وسخطه، وقد كان أهل الورع من أهل العلم يتجنبون تهنئة الظلمة بالولايات، وتهنئة الجهال بمنصب القضاء، والتدريس، والإفتاء؛ تجنباً لمقت الله، وسقوطهم من عينه، وإن بُلي الرجل بذلك فتعاطاه دفعاً لشرٍّ يتوقعه منهم، فمشى إليهم، ولم يقل إلا خيراً، ودعا لهم بالتوفيق، والتسديد: فلا بأس بذلك. " أحكام أهل الذمة " (1 / 441، 442) . 4. تجنب تهنئة رؤوس الكفر كالقساوسة، والأحبار، وزعماء الكفر؛ لقطع الطمع في إسلامهم، ولما في تهنئتهم ومشاركتهم من عزٍّ لهم، وذل للمسلم، إلا أن يُطمع بأحد بعينه: فيجوز، كما في عيادة النبي صلى الله عليه وسلم لعمِّه أبي طالب. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – وسئل عن تهنئة " قس " بوصوله -: وأما ذهاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لليهودي الذي كان مريضاً: فإن هذا اليهودي كان غلاماً يخدم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلمَّا مرض عاده النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليعرض عليه الإسلام، فعرَضه عليه، فأسلم، فأين هذا الذي يعوده ليعرض عليه الإسلام من شخص زار قسّاً ليهنئه بسلامة الوصول، ويرفع من معنويته؟! لا يمكن أن يقيس هذا على ذاك إلا جاهل، أو صاحب هوى. " مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " (3 / 47) . والخلاصة: أن الراجح في المسألة هو جواز التهنئة، بالشروط التي قدمناها، وإن كان الأحوط أن يجتنبهم المرء تماما، وأن يبتعد عن مخالطتهم. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127500 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 960 تريد دعوة رافضي للإسلام وتسأل عن " الوطنية " وعلاجها عنده [السُّؤَالُ] ـ[أعرف رجلاً إيرانيّاً شيعيّاً , وهو مستعد لأن يكون سنيّاً , وهو رجل وطني للغاية , وأنا أتساءل دائماً: هل هو مهتم بالإخوة الإسلامية كما هو مهتم بإخوانه المنتمين لبلده؟ وأنا أعتقد أن المسلم يجب أن تكون أولويته في الحب لإخوانه المسلمين أكثر من أي حب آخر , هذا فضلاً عن محبة الله ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم , وأريد أن أقول له ذلك الأمر إلا أنني أخشى أن أكون من الذين يقومون بعمل تفرقة بين الناس. أرجو بيان هذا الأمر , فهل اعتقادي صحيح أم لا؟ . إذا كان صحيحاً: أرجو من فضيلتكم بيان كيفية إخبار هذا الرجل بهذا الأمر , كيف أخبره أن محبة الإسلام والمسلمين أولى من محبة أبناء الوطن خصوصاً الشيعة؟ . وهل يجوز دفع الزكاة للشيعي - لأنهم ليسوا كلهم كفرة -؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: قبل الجواب لا بدَّ من تحذير وتنبيه الأخت السائلة من إثم وخطر علاقة المرأة بالرجال الأجانب، فالإسلام يحرِّم تلك العلاقات بين الطرفين إذا لم يربط بينهما رابط شرعي، وللشيطان طرقه في الإيقاع بعباد الله حتى من طريق الدعوة إلى الله؛ وذلك بتزيين مثل تلك العلاقة أنها نافعة للهداية إما للإسلام، أو للطاعة. كما أن الرجل – ولدينا كثير من الحالات – يوهم المرأة أنه قريب من دينها، ومنهجها، وأنه لا تبعده عن ذلك إلا خطوات؛ من أجل أن يجد مجالاً للحديث معها، والإيقاع بها، وقد يُعلن في الظاهر أنه على دينها ومنهجها، ثم سرعان ما يتركها بعد أن يحقق مأربه. وإنما نذكر هذا نصيحة وتحذيراً للمسلمات أن ينتبهن لأنفسهن، وأن يحذرن من تغليب العاطفة على الشرع، والعقل. وفي حالتنا هذه: يمكن أن توكل مهمة دعوة ذلك الرافضي لرجل من أهل السنة، من أهلك، أو ممن يوثق به من أهل العلم والحكمة ممن هو قريب منكِ، ليتولى هو أمر دعوته والكلام معه، وإذا هداه الله ووفقه فيُكتب ذلك في ميزانك إن شاء الله. فإن لم تجدي عندك من يقوم بهذه المهمة عنك، فدعيها له، وبإمكانه هو أن يستغل الخيط الذي ألقيتِ إليه طرفه، ويبحث عما ينفعه عند أهل العلم والدين، أو يراسل بنفسه المواقع المعنية بذلك لأهل السنة، إن كان حريصا على الهداية، وأما أنت فليس لك أن تغرري بنفسك ودينك، من أجل مصلحة موهومة مظنونة، قل أن تحصل في مثل ذلك الحال، وإن حصلت فحولها أضعافها من المفاسد لك ولغيرك، وإن سلمت حالة، هلكت عشرات الحالات، في مثل تلك العلاقات. ثانياً: قد أحسنتِ في قولك إن محبة الإسلام والمسلمين مقدَّمة على حب الوطن، وأبناء الوطن، فالوطنية مصطلح خبيث في أصله؛ إنما جاءنا من دول الكفر من أجل التفرقة بين أبناء الإسلام، فرابطة الإسلام أوسع وأوثق، فجاء المستعمر الخبيث فقسَّم الدول الإسلامية إلى دويلات، ثم ربط أبناء كل دولة بعضهم ببعض؛ ليقطع أواصر العلاقة الكبيرة المتينة بين أبناء الإسلام، فصارت الرابطة الوطنية، والتي تجمع أبناء البلد الواحد بغض النظر عن دينه ومنهجه وخلُقه، فنجح في ذلك – وللأسف – نجاحاً كبيراً، فصار الحب لأبناء الوطن مقدَّماً على الحب لأبناء الإسلام، وصار القتال في سبيل الوطن، لا في سبيل الله، ولا من أجل الإسلام، وها نحن نعيش أثر ذلك في أيامنا هذه، ولا حول ولا قوة إلا بالله. ومما كذبه الكاذبون على نبينا صلى الله عليه وسلم في هذا الباب ما نسبوه إليه من قوله (حُبُّ الوَطَن من الإيمان) ! وهو حديث مكذوب لا أصل له. [ينظر: السلسلة الضعيفة، للشيخ الألباني، رحمه الله، رقم (36) ] . وما قلناه لا يعني منع حب الإنسان لبلده، ووطنه، بل هو شيء فطري لا انفكاك للإنسان منه، وإنما أردنا التحذير من أن تكون رابطة " الوطنية " هي المقدَّمة على رابطة " الإسلام " في الولاء، والمحبة، والنصرة، وأردنا التنبيه على أن المسلم الأعجمي الذي يعيش في أقصى الأرض أقرب وأحب إلينا من أبناء وطننا ممن ليس مسلماً، وإن كان من وطننا وبلدنا، بل وإن كان ابن أمنا وأبينا. وأما الحب للأرض التي يولد فيها المسلم، أو يعيش: فهذا لا يُتنازع في أنه مشروع، لكن من قاتل دفاعاً عن وطنه فينبغي أن يكون ذلك دفاعاً عن الإسلام الذي في وطنه، لا عن الأرض مجرداً. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: " ونحن إذا قاتلنا من أجل الوطن: لم يكن هناك فرق بيننا وبين الكافر؛ لأنه أيضاً يقاتل من أجل وطنه، والذي يُقتل من أجل الدفاع عن الوطن فقط: ليس بشهيد. ولكن الواجب علينا - ونحن مسلمون، وفي بلد إسلامي ولله الحمد ونسأل الله أن يثبتنا على ذلك -: الواجب أن نقاتل من أجل الإسلام في بلادنا. انتبه للفرق! نقاتِل من أجل الإسلام في بلادنا، فنحمي الإسلام الذي في بلادنا، سواء كان في أقصى الشرق أو الغرب، فيجب أن تصحَّح هذه النقطة، فيقال: نحن نقاتل من أجل الإسلام في وطننا، أو من أجل وطننا لأنه إسلامي، ندافع عن الإسلام الذي فيه. أما مجرد الوطنية: فإنها نية باطلة، لا تفيد الإسلام شيئاً، ولا فرق بين الإنسان الذي يقول إنه مسلم، والإنسان الذي يقول إنه كافر إذا كان القتال من أجل الوطن لأنه وطن. وما يُذكر من أن (حب الوطن من الإيمان) ، وأن ذلك حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: فكذب. حب الوطن إن كان إسلاميّاً: فهذا تحبه لأنه إسلامي، ولا فرق بين وطنك الذي هو مسقط رأسك، أو الوطن البعيد عن بلاد المسلمين، كلها وطن إسلامي يجب أن نحميه. على كل حال: يجب أن نعلم أن النية الصحيحة هي أن نقاتل من أجل الإسلام في بلادنا، أو من أجل وطننا لأنه إسلامي، لا لمجرد الوطنية. أما قتال الدفاع: أي لو أحداً صال عليك في بيتك يريد أخذ مالك، أو أن ينتهك عرض أهلك مثلاً: فإنك تقاتله كما أمرك بذلك النبي عليه الصلاة والسلام. فقد سئل عن الرجل يأتيه الإنسان ويقول له: أعطني مالك؟ قال: (لا تعطه) قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: (قاتله) ، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: (إن قتلك فأنت شهيد) ، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: (إن قتلتَه فهو في النار) ... والحاصل: أنه لابد من تصحيح النية، ونرجو منكم أن تنبهوا على هذه المسألة؛ لأننا نرى في الجرائد، والصحف: " الوطن "، " الوطن "، " الوطن "، وليس فيها ذكر للإسلام، وهذا نقص عظيم، يجب أن توجَّه الأمة إلى النهج، والمسلك الصحيح، ونسأل الله لنا، ولكم التوفيق لما يحب ويرضى " انتهى مختصراً. " شرح رياض الصالحين " (1 / 65 – 69) . ثالثاً: وأما بخصوص إيصال هذه الرسالة لذلك الرافضي: فنرى أن الرفض دين فاسد احتوى على مظاهر كثيرة من الشرك، والزندقة، والجاهلية، والبدع والخرافات، وليست هذه المسألة بالتي ستحول بين هداية ذلك الرافضي وبين الإسلام، فإن المطلوب منه أن يتخلى عن التعلق بالقبور، وأهلها، ومطلوب منه أن يُفرد الله تعالى بالتوحيد، وأن يعتقد بعدم تحريف القرآن، وأن يثبت إسلام الصحابة جميعهم، ويشهد لهم بالخير، وخاصة من ورد في فضله نصوص صحيحة، مطلوب منه عشرات الأصول، والسنن والعقائد، أن يعتقدها، ويعمل بها، على وفق ما جاء به كتاب الله، وهدت إليه سنة النبي صلى الله عليه وسلم، قبل أن نبحث معه في التخلي عن الوطنية التي تذكرينها. فإن تاب من بدع الرفض، وضلالاته، أوقفناه على حقيقة الولاء والبراء بين المسلمين، وأن المسلم لا يقدِّم محبة أحدٍ من أهله حتى لو كان أقرب الناس منه، ولا وطنه وبلده، ولا مالَه، على محبة الله ورسوله ودينه، كما قال تعالى: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) التوبة/ 24، وبينا له: أن الإيمان الذي يقبله الله ليس في قلب صاحبه مودة لكافرٍ، ولو كان أقرب الناس منه، كما قال تعالى: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) المجادلة/ 22. فهذا هو الواجب في دعوة هذا الرجل وأمثاله، على ألا يكون ذلك عن طريقك، كما نبهناك عليه في أول الجواب. رابعاً: أما بخصوص دفع الزكاة للشيعة – الرافضة -: فقد سبق تفصيل القول فيها في جواب السؤال رقم (1148) ، وفيه بيان عدم جواز ذلك. وهذا من حيث الأصل، أما إن كان السؤال عن ذلك الشخص القريب من الإسلام: فيجوز إعطاء الزكاة لغير المسلم طمعاً في إسلامه، ويصدق عليه أنه من " المؤلَّفة قلوبهم "، وقد ذكرنا جواز ذلك في جواب السؤال رقم (39655) فلينظر. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126852 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 961 تعليق أعلام وشعارات الدول الكافرة [السُّؤَالُ] ـ[انتشرت بين بعض الشباب ظاهرة التعلق بأعلام وشعارات بعض الدول غير المسلمة، ونراهم يقبلون على شرائها واقتنائها، ويطبعونها على القمص والبناطيل والأحزمة والنظارات، والقبعات والأحذية والمساطر والأقلام والخواتم والساعات، ويجعلونها غطاء لمقاعد السيارات، وملصقات على الزجاج، وبعضهم يشتري العلم كاملاً ويفرشه على مقدمة أو مؤخرة السيارة. فما حكم بيع وشراء واقتناء وتعليق هذه الأعلام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "من مقاصد الشريعة الإسلامية المطهرة: أن يكون المسلم متميزاً عن جميع الكفرة والفجار، في عقيدته وأخلاقه وسلوكه وتفكيره، بل وفي مظهره ولغته أيضاً، وقطع جميع علائق المحبة والولاء والنصرة لكل كافر بالله ورسوله، وقد تكاثرت الدلائل الشرعية نصية واستنباطية مؤكدة هذا الأصل الإسلامي، محذرة من نقضه أو التساهل به، عن طريق المحاكاة والتشبه بالذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله، فقال الله عز وجل: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) الجاثية/18، وقال سبحانه: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) البقرة/120، وقال جل وعلا: (وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ) المائدة/49، وقال جل وتقدس: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) الحديد/16، والآيات في هذا المعنى كثيرة معلومة. وقال عليه الصلاة والسلام لما رأى على عبد الله بن عمرو بن العاص ثوبين معصفرين: (إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها) خرجه مسلم في صحيحه، وثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم خالف أهل الكتاب في سدل الشعر. وقال عليه الصلاة والسلام: (خالفوا المشركين، وفروا اللحى، وأحفوا الشوارب) أخرجاه في الصحيحين. والأحاديث والآثار عن السلف الصالح في هذا الأمر كثيرة مشهورة. ومما تقدم يُعلم أن المرء لا يكون عاملاً بحقيقة الإسلام حتى يكون ظاهره وباطنه موافقاً لأمر الله ورسوله، فيكون ولاؤه لله ولرسوله ولإخوانه المؤمنين، كما قال الله سبحانه: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) المائدة/55. ويجب على المؤمن البراءة من الكفر وأهله، سواء كانوا من النصارى أو اليهود أو المجوس أو الملحدين أو غيرهم من سائر الملل والنحل المخالفة للإسلام. ومن أجل المحافظة على الأصل المتقدم لدى المسلم وصيانة لإسلامه من الزيغ والانحراف، جاءت النصوص الشرعية بتحريم التشبه بالكفار فيما هو من خصائصهم، في الأقوال والأفعال والألبسة والهيئة العامة؛ لما في ذلك من الخطر على عقيدة المسلم، وخشية أن يجره ذلك إلى استحسان ما هم عليه من الكفر والضلال، فقال عليه الصلاة والسلام: (بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم) رواه الإمام أحمد وغيره بسند جيد، وقال عليه الصلاة والسلام: (ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود ولا النصارى) حديث حسن، رواه الترمذي وغيره. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، مبيناً حكمة الشريعة في تحريم التشبه بالكفار، ووجوب مخالفتهم في الأمور الظاهرة؛ كالألبسة ونحوها: "وقد بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم بالحكمة التي هي سنته، وهي الشرعة والمنهاج الذي شرعه له، فكان من هذه الحكمة: أن شرع له من الأعمال والأقوال ما يباين سبيل المغضوب عليهم والضالين، فأمر بمخالفتهم في الهدْي الظاهر – وإن لم يظهر لكثير من الخلق في ذلك مفسدة – لأمور: منها: أن المشاركة في الهدي الظاهر تورث تناسباً وتشاكلاً بين المتشابهين، يقود إلى موافقةٍ ما في الأخلاق والأعمال، وهذا أمر محسوس، فإن اللابس لثياب الجند المقاتلة مثلاً يجد من نفسه نوع تخلُّق بأخلاقهم، ويصير طبعه متقاضياً لذلك، إلا أن يمنعه مانع. ومنها: أن المخالفة في الهدي الظاهر توجب مباينةً ومفارقةً توجب الانقطاع عن موجبات الغضب وأسباب الضلال، والانعطاف على أهل الهدى والرضوان، وتحقق ما قطع الله من المولاة بين جنده المفلحين وأعدائه الخاسرين. وكلما كان القلب أتم حياة وأعرف بالإسلام الذي هو الإسلام – لست أعني مجرد التوسم به ظاهراً أو باطناً بمجرد الاعتقادات، من حيث الجملة – كان إحساس بمفارقة اليهود والنصارى باطناً وظاهراً أتم، وبُعْده عن أخلاقهم الموجودة في بعض المسلمين أشد. ومنها: أن مشاركتهم في الهدي الظاهر توجب الاختلاط الظاهر، حتى يرتفع التميز ظاهراً بين المهديين المرضيين، وبين المغضوب عليهم والضالين، إلى غير ذلك من الأسباب الحكيمة. هذا إذا لم يكن ذلك الهدي الظاهر إلا مباحاً محضاً، لو تجرد عن مشابهتهم، فأما إن كان من موجبات كفرهم كان شعبة من شعب الكفر، فموافقتهم فيه موافقة في نوع من أنواع معاصيهم، فهذا أصل ينبغي أن يتفطن له". وبناء على ما تقدم فمما لا شك فيه أن من مظاهر الولاء للكفار: التشبه بهم، وارتداء ملابس تحمل شعاراتهم؛ كالصليب ونحوه، والعناية بصورهم، وتشجيع أنديتهم الرياضية، وتعليق أعلامهم على السيارات والبيوتات والمحال التجارية، والتسمي بأسمائهم الخاصة بهم، والدعوة إلى محبتهم وصداقتهم، والافتخار بالانتساب إليهم، وإلى رؤسائهم وأعيانهم، والانبهار بأهوائهم وأفكارهم المخالفة للإسلام، وما دروا أنهم بصنيعهم هذا يهدمون أصلاً من أصول الإسلام في أنفسهم وفي نفوس المسلمين، ويزيدون الأمة وهناً على وهن، فإنا لله وإنا إليه راجعون. والواجب على جميع المسلمين التمسك بهدي الإسلام المستقيم، والحذر من الانحراف عنه إلى طريق المغضوب عليهم والضالين، من اليهود والنصارى وسائر المشركين، والتواصي بالبر والتقوى، وكل ما فيه خير وعز للإسلام والمسلمين، وترك كل ما فيه ضرر على المسلمين والإعانة عليه، وترويجه ونشره. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ بكر أبو زيد. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/303) . [الْمَصْدَرُ] الحديث: 126602 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 962 هل تذهب للكنسية مع والديها إرضاء لهما؟ [السُّؤَالُ] ـ[اعتدت أن أذهب الى الكنيسة برفقة والديَّ، ولكن لم أعد أذهب إليها مطلقاً، الأمر الذي جعلهما غاضبيْن مني، فما رأيكم: هل أذهب معهما لإرضائهما فقط؟ لا سيما أن والدتي مريضة في هذه الأيام.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إن مجرد دخول المسلم لكنائس النصارى فيه خلاف بين أهل العلم، فالجمهور على التحريم، وذهبت طائفة من الحنابلة إلى الكراهة، وطائفة أخرى ذهبت إلى القول بالجواز، وقد سبق ذِكر ذلك في جواب السؤال رقم (111832) ، ورجحنا هناك: الكراهة. لكن ينبغي التفريق بين الذهاب للكنيسة الذي ليس فيه شيء من التعظيم، والتبجيل، لهم، ولدينهم، وبين الذهاب الذي يقع فيه شيء من هذه الأحوال من المسلم الذاهب إلى تلك الكنائس. وقد سبق في جواب السؤال رقم (82836) ذِكر بعض المفاسد في الذهاب للكنائس لعقد اجتماعات علمية، كما سبق التنبيه على ترك الدعوة إلى الإسلام فيها إن كان المقصود من ذلك إذلال المسلم، وينظر في ذلك جواب السؤال رقم (11232) . وليست الكراهة في الذهاب إلى الكنيسة، أو جواز دخولها يشمل الداخل فيها لسماع ما يُقرأ من الإنجيل المحرَّف، أو ادعاء الولد لله تعالى، أو الافتراء عليه في التشريع، بل مثل هذا لا يُشك في حرمته، ولا يجوز لأحدٍ حضور ذلك مجاملة، أو إرضاء لأحدٍ، ولو كانا والديْن، كما سبق ذِكر ذلك عن علماء اللجنة الدائمة في الجواب المحال عليه أولاً، ومثل هذا الدخول يجوز في حال الضرورة، وذلك كأن يكون المسلمُ مُكرهاً إكراهاً حقيقيا من جهة أخرى، سواء شخص أو جماعة، قادرة على إيقاع عقوبة لا يحتملها به. ومتى استطاع التخلص من الذهاب لم يجز له الاستمرار في فعله. ثانياً: والذي نراه في مسألتِك: أن الأمر ليس إكراهاً، بل هو من أجل إرضاء والديكِ، وعليه: فلا نرى موافقتهما على الذهاب معهما إلى الكنيسة. والذي ننصحك به في هذا المقام: 1. التلطف في معاملة والديكِ، وإظهار أكبر درجات الاحترام، والعناية بهما، والرعاية لهما، وخاصة والدتك المريضة، ومن شأن هذه المعاملة أن تجعلهم يغضون النظر عن إلزامك بالذهاب معهما إلى الكنيسة، فضلاً عن الغضب منكِ في حال لم تذهبي. 2. إبداء العذر المناسب الذي لا يجعلهما يغضبان منك، كالبقاء في البيت للدراسة، أو من أجل استقبال ضيفة من زميلاتك، وغير ذلك من الأعذار المناسبة. 3. تجنب الطعن في دينهم مباشرة، أو تسفيه ما يقال في الكنسية. 4. محاولة صرفهم عن الذهاب إلى هناك، مع إبداء عذر مقنع لك: وهو وجود الكم الهائل من أبناء دينهم ممن لا يذهبون لتلك الكنائس، ويفضل الإتيان بإحصائيات في ذلك، مما يتعلق ببلادكم. 5. عدم التقصير في دعوتهم للإسلام بالتي هي أحسن، عن طريق الكتيبات، أو الأشرطة، أو زيارة المواقع الإسلامية، أو القنوات الفضائية الإسلامية، كقناة " الهدى " باللغة الإنجليزية. 6. الصبر والاحتساب على ما تلاقينه من معاملة قاسية منهما، أو من غضب، بسبب عدم ذهابك معهما، ونسأل الله أن يجعل ذلك في ميزانك يوم تلقينه. 7. المداومة على الدعاء لهما بالهداية، واحرصي على الأوقات الفاضلة للدعاء كالثلث الأخير من الليل، واحرصي عليه في خير حالات المؤمن، وهو السجود في الصلاة. ونسأل الله أن يوفقك في مسعاكِ، وأن يثبتك على الحق والهدى، وأن يهدي والديك، ويكرمك برؤيتهما مسلميْن، موحديْن لربهما تعالى، وأن يُدخلكم جميعاً جنته. ونرحب بتواصلك معنا، وتزويدنا بأخبارك مع والديك، وإذا قدَّر الله لهما الهداية أن تفرحينا بهذا الخبر. والله الموفق [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126446 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 963 حكم التجنس بجنسية " ترنيداد وتوباكو " [السُّؤَالُ] ـ[الدولة التي أعيش فيها اسمها " ترنيداد وتوباكو "، فهذا الاسم قد سماه " كريستوفر كولومبس "، وهو مكتشف هذه المنطقة من الأرض، فهل يجوز لي أن أستخدم اسم " ترينداديان" كاسم لجنسيتي؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: جمهورية " ترينيداد وتوباغو " (بالإنجليزية: Republic of Trinidad and Tobago) هي دولة تقع في جنوب " البحر الكاريبي "، على بعد 11 كيلومتراً من " فنزويلا "، تعتبر " ترينيداد وتوباغو " أرخبيلاً مكوناً من جزيرتين رئيسيتين هما " ترينيداد " - أكبر جزر " ترينيداد وتوباغو " – و " توباغو "، بالإضافة إلى 21 جزيرة صغيرة أخرى، مساحتها: 5128 كم2، وعدد سكانها: 1262366 (عام 2000) ، اللغة الرسمية فيها هي: اللغة الإنجليزية. والبلاد مكونة من أعراق شتى، فالأفريقيون يشكلون حوالي نصف سكان البلاد - 43 % -، ويشكل الهنود الآسيويون، والصينيون نسبة عالية تصل 41 %، أما الأديان: فيمثل النصارى 53،4 %،، والهندوس 34،6 %، والمسلمون 12 % من جملة السكان. وتعد الزراعة: الحرفة الأساسية لسكان " ترينداد وتوباغو ". باختصار من موقع " ويكيبديا ". ثانيا: أما بخصوص اسم جنسيتك: فليست المسألة في الاسم، بل في التجنس نفسه، وقد ذكرنا حال الدولة من حيث عدد المسلمين – اسماً لا واقعاً -، ولا شك أن حكومة تلك الدولة ليست مسلمة، والمسلمون فيها أقلية، والذي يفتي به علماؤنا الثقات هو جواز الحصول على الجنسية من دولة كافرة إذا دعت الضرورة إلى ذلك، نحو من كان مطارداً في بلده، أو مطروداً منها، ولم يجد بلداً مسلماً يتجنس بجنسيته، بشرط أن يظهر دينه، ويكون متمكناً من أداء الشعائر الدينية، لا سيما من كان من أهل البلد الأصليين، وليس ممن دخلها للعمل أو الإقامة، فالرخصة له في حمل جنسية هذه الدولة أولى وأقوى. أما الهجرة إلى مثل هذه البلاد، والتجنس بجنسيتها، لمجرد تحقيق مصالح دنيوية من هذه الجنسية: فلا يجوز في هذه الحال؛ لما في استخراجها من تولِّي الكفار ظاهراً، وما يلزم بسببها من النطق ظاهراً بما لا يجوز اعتقاده ولا التزامه، كالرضا بالكفر، أو بالقانون المخالف لشرع الله؛ ولأن استخراجها ذريعة إلى الإقامة في بلاد الكفار الدائمة، وهو أمر غير جائز، إلا لمن عجز عن تركها إلى بلد أفضل له في دينه منها. وهذا ملخص لما ذكرناه في جواب السؤالين (14235) و (6247) ، وانظر زيادة على ذلك: جوابي السؤالين: (67782) (72955) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126305 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 964 السفر إلى الخارج لتعلم اللغة، والدراسة الجامعية المختلطة [السُّؤَالُ] ـ[أنا من بلاد الحرمين الشريفين وعلى وشك السفر إلى كندا والدراسة هناك لتعلم اللغة ومن ثم التفكير في مسألة الدراسة الجامعية أم لا، وأنا ولله الحمد ملتزم، ولا أخفيكم بأني رفضت هذه المسألة من البداية بعد أن قرأت بأنه لا يجوز الدراسة بالخارج، ولكن مع الضغوط من الأهل وأيضاً محاولة إقناعي بأن هناك في كندا لن أواجه مشكلة في إعلان ديني والقيام بكل ما أريد ولكن أواجه مشكلة مثلاً في [الاختلاط] حيث إن الدراسة هناك مختلطة. كيف أستطيع أن أواجه هذا الأمر؟ ، وأيضاً مسألة [اللحية] هل أقوم بإعفاء اللحية وهذا الذي أتمناه، أم أنه من الأفضل حلقها؟ خصوصاً وأنني باللحية ربما أكون ملفتاً للأنظار هناك، وأتمنى توجيه بعض النصائح لكل من يسافر لدراسة بالخارج.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: سبق لنا في فتاوى متعددة بيان حكم السفر لمثل تلك البلاد، والإقامة فيها، وقد بينَّا أن الأصل فيها التحريم، وأنه يجوز في بعض حالات، وضمن شروط معينة، وليس من تلك الحالات أن يذهب المسلم لدراسة علوم تتوفر في بلده، أو في غيرها من دول الإسلام مع تعريض نفسه للفتن والانحرافات. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " وأفيدك بأن الإقامة في بلد يظهر فيها الشرك والكفر , ودين النصارى وغيرهم من الكفرة لا تجوز , سواء كانت الإقامة بينهم للعمل أو للتجارة أو للدراسة , أو غير ذلك ; لقول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا) . ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين) . وهذه الإقامة لا تصدر عن قلب عرف حقيقة الإسلام والإيمان , وعرف ما يجب من حق الله في الإسلام على المسلمين , ورضي بالله ربا , وبالإسلام دينا , وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا. فإن الرضا بذلك يتضمن من محبة الله , وإيثار مرضاته , والغيرة لدينه , والانحياز إلى أوليائه ما يوجب البراءة التامة والتباعد كل التباعد من الكفرة وبلادهم , بل نفس الإيمان المطلق في الكتاب والسنة , لا يجتمع مع هذه المنكرات , وصح عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله، بايعني واشترط، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تعبد الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتناصح المسلمين، وتفارق المشركين) أخرجه أبو عبد الرحمن النسائي، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث السابق , وهو قوله عليه الصلاة والسلام: (أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين) وقال عليه الصلاة والسلام: (لا يقبل الله عز وجل من مشرك عملا بعد ما أسلم; أو يفارق المشركين) والمعنى حتى يفارق المشركين. وقد صرح أهل العلم بالنهي عن ذلك , والتحذير منه , ووجوب الهجرة مع القدرة , اللهم إلا رجل عنده علم وبصيرة , فيذهب إلى هناك للدعوة إلى الله , وإخراج الناس من الظلمات إلى النور , وشرح محاسن الإسلام لهم , وقد دلت آية سورة براءة: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) على أن قصد أحد الأغراض الدنيوية ليس بعذر شرعي , بل فاعله فاسق متوعد بعدم الهداية إذا كانت هذه الأمور أو بعضها أحب إليه من الله ورسوله , ومن الجهاد في سبيل الله. وأي خير يبقى مع مشاهدة الشرك وغيره من المنكرات والسكوت عليها , بل وفعلها , كما حصل ذلك من بعض من ذكرت من المنتسبين للإسلام. وإن زعم المقيم من المسلمين بينهم أن له أغراضا من الأغراض الدنيوية , كالدراسة , أو التجارة , أو التكسب , فذلك لا يزيده إلا مقتا. وقد جاء في كتاب الله سبحانه وتعالى الوعيد الشديد والتهديد الأكيد على مجرد ترك الهجرة , كما في آيات سورة النساء المتقدم ذكرها , وهي قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ) الآيات وما بعدها. فكيف بمن يسافر إلى بلاد الكفرة , ويرضى الإقامة في بلادهم , وكما سبق أن ذكرت أن العلماء رحمهم الله تعالى حرموا الإقامة والقدوم إلى بلاد يعجز فيها المسلم عن إظهار دينه , والمقيم للدراسة أو للتجارة أو للتكسب , والمستوطن , حكمهم وما يقال فيهم حكم المستوطن لا فرق , إذا كانوا لا يستطيعون إظهار دينهم , وهم يقدرون على الهجر. وأما دعوى بغضهم وكراهتهم مع الإقامة في ديارهم فذلك لا يكفي , وإنما حرم السفر والإقامة فيها لوجوه , منها: 1 - أن إظهار الدين على الوجه الذي تبرأ به الذمة متعذر وغير حاصل. 2 - نصوص العلماء رحمهم الله تعالى , وظاهر كلامهم وصريح إشاراتهم أن من لم يعرف دينه بأدلته وبراهينه , ويستطيع المدافعة عنه , ويدفع شبه الكافرين , لا يباح له السفر إليهم. 3 - من شروط السفر إلى بلادهم: أمن الفتنة بقهرهم وسلطانهم وشبهاتهم وزخرفتهم , وأمن التشبه بهم والتأثر بفعلهم. 4 - أن سد الذرائع وقطع الوسائل الموصلة إلى الشرك من أكبر أصول الدين وقواعده; ولا شك أن ما ذكرته في رسالتك مما يصدر عن الشباب المسلمين الذين استوطنوا هذه البلاد هو من ثمرات بقائهم في بلاد الكفر , والواجب عليهم الثبات على دينهم والعمل به , وإظهاره , واتباع أوامره , والبعد عن نواهيه , والدعوة إليه , حتى يستطيعوا الهجرة من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (9/403) . ثانيا: لا تجوز الدراسة المختلطة سواء كانت في بلادك أو في بلاد الغرب، وهي في بلاد الغرب أشد ضررا وإثما وخطرا، وقد أنعم الله عليك بجامعات غير مختلطة في بلادك فكيف تتركها وتذهب إلى أخرى مختلطة؟ وكيف تستبدل بنعمة الله عليك المقام في تلك البلدان مع البعد عن أهلك وإخوانك، ورؤية الكافرين صباحا ومساء، وما هم عليه من المنكر والباطل (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) . جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (12/182) : " اختلاط الرجال والنساء في التعليم: حرام، ومنكر عظيم؛ لما فيه من الفتنة، وانتشار الفساد، وانتهاك المحرمات، وما وقع بسبب هذا الاختلاط من الشرِّ والفساد الخلقي لهو من أوضح الدلائل على تحريمه، وإذا انضاف إلى ذلك كونه في بلاد الكفار: كان أشد حرمةً ومنعاً ... " انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد. وجاء فيها أيضا (12/173) : " لا يجوز للطالب المسلم أن يدرس في فصول مختلطة بين الرجال والنساء؛ لما في ذلك من الفتنة العظيمة، وعليك التماس الدراسة في مكان غير مختلط؛ محافظة على دينك، وعِرضك، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) " انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد. ثالثا: يحرم على الرجل حلق لحيته؛ للأدلة الآمرة بإعفائها. وينظر جواب السؤال رقم 110462. والوصية لك أن تتقي الله تعالى، وأن تدع السفر إلى تلك البلاد، سواء كان لتعلم اللغة أو للدراسة الجامعية، وأن تبين لأهلك حرمة هذا السفر الذي يعرض الإنسان للفتنة، ويوقعه في الاختلاط المحرم. ولا يلزمك طاعة أهلك في هذا السفر؛ فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. فاحفظ دينك وأمانتك، واحمد الله على ما أنعم عليك، واطلب ما تريد من العلم في بلدك، ولَنَقْصٌ في أمر الدنيا أهون من عذاب في الآخرة. نسأل الله لك التوفيق والسداد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121690 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 965 لماذا حرم الإسلام تشبه المسلمين بالكفار؟ [السُّؤَالُ] ـ[لماذا حرم الإسلام على المسلمين أن يتشبهوا بغيرهم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله التشبه بالغير حالة تطرأ على النفس البشرية، تدل على عظم محبة المتشبه بمن تشبه به، وهي في كثير من أحيانها ظاهرة غير صحية، وقد أولت الشريعة هذه القضية [تشبه المسلمين بالكفار] اهتماماً بالغاً، وحرمها الرسول صلى الله عليه وسلم تحريماً قاطعاً، فقال: (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ) رواه أبو داود (4031) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. قال شيخ الإسلام رحمه الله: "وهذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم، كما في قوله: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) المائدة/51. فقد يحمل هذا على التشبه المطلق فإنه يوجب الكفر، ويقتضي تحريم أبعاض ذلك، وقد يحمل على أنه منهم في القدر المشترك الذي شابههم فيه، فإن كان كفرا، أو معصية، أو شعارا لها كان حكمه كذلك. وبكل حال يقتضي تحريم التشبه" انتهى باختصار من "اقتضاء الصراط المستقيم" (1/270، 271) . ويمكن تلمس الحكمة من تحريم تشبه المسلمين بالكفار من معرفة أضرار هذا التشبه وآثاره السيئة، فمن ذلك: 1- أن تشبه المسلم بالكافر يدل على تفضيل المسلم لهيئة الكافر على هيئة نفسه، وهذا قد يكون فيه شيء من الاعتراض على شرع الله تعالى ومشيئته. فالمرأة التي تتشبه بالرجل كأنها معترضة على الهيئة التي خلقها الله عليها، وغير راضية عنها. وكذلك المسلم إذا تشبه بالكافر، فإنه يعلن أن هيئة الكافر خير له من الهيئة التي أكرمه الله بها، وأمره أن يكون عليها. 2- التشبه بالغير دليل على الضعف النفسي، والهزيمة النفسية، والشريعة لا تقبل من المسلمين أن يعلنوا تلك الهزيمة، حتى وإن كانت واقعاً. إن الاعتراف بالهزيمة وإعلانها يزيد الضعيف ضعفاً، ويزيد القوي قوة، وهذا قد يكون من أكبر العوائق على نهوض الضعيف وتصحيحه لمساره. ولهذا فإن العقلاء من أي أمة من الأمم يأبون أن تقلد شعوبهم عدوهم، بل إنهم يحرصون على تميزهم بتراثهم وتقاليدهم وأزيائهم حتى ولو رأوا أن العدو له تراث وتقاليد وأزياء خير مما هم عليه؛ وما ذلك إلا لأنهم يدركون الأبعاد النفسية والاجتماعية، بل والسياسية للتبعية الشكلية للعدو. 3- التشبه في المظهر الخارجي ملازم للمحبة والولاء القلبي، فلا يتشبه الإنسان إلا بمن يحبه، والمسلمون مأمورون بالبراءة من الكفار بشتى أنواعهم، قال الله تعالى: (لَا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ) آل عمران/28. وقال تعالى: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) المجادلة/22. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أوثق عرى الإيمان: الموالاة في الله، والمعاداة في الله، والحب في الله، والبغض في الله) . رواه الطبراني وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (998) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "اقتضاء الصراط المستقيم" (1/549) : "المشابهة في الظاهر تورث نوع مودة ومحبة، وموالاة في الباطن، كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر، وهذا أمر يشهد به الحس والتجربة" انتهى. فالتشبه بالكفار فيه هدم لهذا الأصل من أصول الدين: وهو البراءة من الكفار وبغضهم. 4- التشبه بالكفار في الظاهر يؤدي إلى ما هو أخطر، وهو التشبه بهم في الباطن، فيعتقد اعتقادهم، أو يرى تصحيح مذاهبهم وآرائهم، فبين الظاهر والباطن ارتباط وثيق، ويؤثر أحدهما على الآخر. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم (1/548) : "فالمشابهة والمشاكلة في الأمور الظاهرة، توجب مشابهة ومشاكلة في الأمور الباطنة على وجه المسارقة والتدريج الخفي، وقد رأينا اليهود والنصارى الذين عاشروا المسلمين، هم أقل كفراً من غيرهم، كما رأينا المسلمين الذين أكثروا من معاشرة اليهود والنصارى، هم أقل إيماناً من غيرهم" انتهى. وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: "لأن المشابهة في الزي الظاهر تدعو إلى الموافقة في الهدي الباطن كما دل عليه الشرع والعقل والحس؛ ولهذا جاءت الشريعة بالمنع من التشبه بالكفار والحيوانات والشياطين والنساء والأعراب" انتهى من الفروسية ص (122) . فهذه بعض الحكم الظاهرة جداً لتحريم الشرع تشبه المسلمين بالمشركين، وعلى المسلم أن يمتثل حكم الله تعالى ويؤمن أن الله تعالى لن يأمره إلا بما فيه الحكمة والمصلحة والسعادة في الدنيا والآخرة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121554 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 966 حديث لا تراءى ناراهما [السُّؤَالُ] ـ[ما صحة حديث ورد بمعنى أن نار المؤمن ونار الكافر لا تتراءيان، وأظن المعنى أنهما لا تتجاوران؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: عَنْ قَيْسٍ بن أبي حازم عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً إِلَى خَثْعَمٍ، فَاعْتَصَمَ نَاسٌ مِنْهُمْ بِالسُّجُودِ، فَأَسْرَعَ فِيهِمْ الْقَتْلَ، قَالَ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَ لَهُمْ بِنِصْفِ الْعَقْلِ وَقَالَ: (أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لِمَ؟ قَالَ: لَا تَرَاءَى نَارَاهُمَا) . جاء هذا الحديث على وجهين اثنين: 1. مسندا متصلا من رواية قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله البجلي: رواه أبو داود برقم (2465) ، والترمذي برقم (1064) ، وغيرهم. 2. مرسلا من رواية قيس بن أبي حازم عن النبي صلى الله عليه وسلم: رواه النسائي برقم (4780) ، وغيره. وقد ذهب غير واحد من أئمة الحديث إلى ترجيح كون الحديث مرسلا وليس مسندا، منهم أبو حاتم والبخاري والترمذي والنسائي والدارقطني وغيرهم. قال الترمذي رحمه الله: " سألت محمدا عن هذا الحديث، فقال: الصحيح عن قيس بن أبي حازم مرسل. قلت له: فإن حماد بن سلمة روى هذا الحديث عن الحجاج بن أرطاة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن جرير؟ فلم يَعُدَّهُ محفوظا " انتهى. "العلل الكبير" (2/100) . وقال أبو داود رحمه الله، بعدما روى الحديث مسندا في سننه: " رَوَاهُ هُشَيْمٌ وَمَعْمَرٌ وَخَالِدٌ الْوَاسِطِيُّ وَجَمَاعَةٌ لَمْ يَذْكُرُوا جَرِيرًا " انتهى. وانظر: "البدر المنير" لابن الملقن (9/163) . فالحديث على هذا ضعيف لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم. ثانيا: أما عن شرح هذا الحديث، فننقل هنا أقوال أهل العلم فيه: قال الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله: " أما قوله: (لا تراءى ناراهما) ففيه قولان: أما أحدهما: فيقول: لا يحل لمسلم أن يسكن بلاد المشركين، فيكون منهم بقدر ما يرى كل واحد منهم نار صاحبه، فيجعل الرؤية في هذا الحديث في النار، ولا رؤية للنار، وإنما معناه أن تدنو هذه من هذه، وكان الكسائي يقول: العرب تقول: داري تنظر إلى دار فلان ودورنا تناظر، ويقول: إذا أخذت في طريق كذا وكذا، فنظر إليك الجبل: فخذ عن يمينه أو يساره، هكذا كلام العرب. قال الله عز وجل وذكر الأصنام فقال: (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ. وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) الأعراف/197-198، فهذا وجه. وأما الوجه الآخر فيقال: أراد بقوله: (لا تراءى ناراهما) يريد نار الحرب، قال الله تعالى: (كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ) المائدة/64، فيقول: ناراهما مختلفتان، هذه تدعو إلى الله تبارك وتعالى، وهذه تدعو إلى الشيطان، فكيف تتفقان؟ وكيف يساكن المسلم المشركين في بلادهم، وهذه حال هؤلاء وهؤلاء. ويقال: إن أول هذا أن قوما من أهل مكة أسلموا وكانوا مقيمين بها على إسلامهم قبل فتح مكة، فقال النبي عليه السلام هذه المقالة فيهم، ثم صارت للعامة " انتهى. "غريب الحديث" (2/88-89) . وقال ابن الأثير رحمه الله: " أي: يلزم المسلم ويجب عليه أن يباعد منزله عن منزل المشرك، ولا ينزل بالموضع الذي إذا أوقدت فيه ناره تلوح وتظهر لنار المشرك إذا أوقدها في منزله، ولكنه ينزل مع المسلمين في دارهم. وإنما كره مجاورة المشركين لأنهم لا عهد لهم ولا أمان، وحث المسلمين على الهجرة. والترائي: تفاعل من الرؤية، يقال: تراءى القوم: إذا رأى بعضهم بعضا، وتراءى لي الشيء: أي ظهر حتى رأيته. وإسناد الترائي إلى النارين مجاز من قولهم: داري تنظر إلى دار فلان: أي تقابلها. يقول: ناراهما مختلفتان، هذه تدعو إلى الله، وهذه تدعو إلى الشيطان، فكيف يتفقان؟! والأصل في " تراءى " تتراءى، فحذف إحدى التاءين تخفيفا " انتهى. "النهاية في غريب الحديث" (2/447) . وقد سبق في موقعنا العديد من الأسئلة التي توضح حكم إقامة المسلم بين أظهر المشركين، يمكن مراجعتها في قسم (الولاء والبراء) ، وانظر جواب السؤال رقم: (11793) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121155 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 967 حكم مشاركة المسلم في التجارة مع الكافر والفاسق [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن أشترك مع كافر أو فاسق في التجارة؟ وإذا كنتُ شريكاً في التجارة مع رجل مسلم فاسق، أو كافر، ثم انسحبت لكن بقي رأس مالي عنده على أساس يسدد لي المال نقداً بدل البضاعة في المستقبل، فهل عليَّ زكاة مالي الذي يتجر فيه، علماً بأني لا أحصل على أي فائدة من ذلك المال، أم الزكاة على شريكي؟ علماً بأن شريكي لا يدفع الزكاة، أو أنه قد يدفع الزكاة لكن في غير مصاريف الزكاة، فإذا لم يدفع زكاة ذلك المال فهل عليَّ زكاة ذلك؟ وأيضاً قررنا أن يسدد لي الدَّين الذي عليه بأن نبني بناية لنؤجرها، ففي هذه الحال كيف يكون الزكاة؟ يعني: أني لا أحصل الدَّين الذي على شريكي نقداً، بل عند سداد الدَّيْن الذي عليه سيذهب ذلك المال مباشرة في تكلفة البناية، نرجو منكم التوضيح.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: مشاركة المسلم للكافر والفاسق في التجارة أو العمل جائزة، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم " خيبر " اليهود أن يعملوها، ويزرعوها، ولهم شطر ما يخرج منها. رواه البخاري (2366) . فهذه مشاركة بين النبي صلى الله عليه وسلم واليهود على العمل في الأرض، فالعمل من اليهود، والأرض من النبي صلى الله عليه وسلم، والزرع الناتج يقسم مناصفة. والحديث بوَّب عليه البخاري في كتاب الشركة من صحيحه بقوله: " باب مشاركة الذمي والمشركين في المزارعة ". ثانياً: مشاركة المسلم للكافر تكون ممنوعة إذا كانت ستؤدي إلى موالاة الكافر ومحبته. والذي ينبغي أيضاً إذا كانت المشاركة في التجارة أن يتولى المسلم التجارة بنفسه، أو يكون رقيباً على معاملات الكافر أو الفاسق، حتى لا يتعاملا بالربا أو غيره من المحرمات. قال الشيخ صالح الفوزان في " الملخص الفقهي " (2 / 124) : "وتجوز مشاركة المسلم للكافر بشرط أن لا ينفرد الكافر بالتصرف، بل يكون بإشراف المسلم؛ لئلا يتعامل الكافر بالربا، أو المحرمات إذا انفرد عن إشراف المسلم" انتهى. وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: هل يجوز للمسلم أن يكون شريكاً للنصراني في تربية الأغنام، أو تجارتها، أو أي تجارة أخرى؟ فأجاب: "فإن اشتراك مسلم مع نصراني، أو غيره من الكفرة في المواشي، أو في الزراعة، أو في أي شيء آخر: الأصل في ذلك: جوازه إذا لم يكن هناك موالاة، وإنما تعاون في شيء من المال، كالزراعة، أو الماشية، أو نحو ذلك، وقال جماعة من أهل العلم: بشرط أن يتولى ذلك المسلم، أي: أن يتولى العمل في الزراعة، أو في الماشية: المسلم، ولا يتولى ذلك الكافر؛ لأنه لا يؤمن. وهذا فيه تفصيل: فإن كانت هذه الشركة تجر إلى موالاة، أو لفعل ما حرم الله، أو ترك ما أوجب الله: حرمت هذه الشركة؛ لما تفضي إليه من الفساد، أما إن كانت لا تفضي لشيء من ذلك، والمسلم هو الذي يباشرها، وهو الذي يعتني بها، حتى لا يخدع: فلا حرج في ذلك. ولكن بكل حال: فالأولى به السلامة من هذه الشركة، وأن يشترك مع إخوانه المسلمين، دون غيرهم، حتى يأمن على دينه، ويأمن على ماله، فالاشتراك مع عدو له في الدين: فيه خطر على خلُقه، ودينه، وماله، فالأولى بالمؤمن في كل حال أن يبتعد عن هذا الأمر؛ حفظاً لدينه، وحفظاً لعِرضه، وحفظاً لماله، وحذراً من خيانة عدوه في الدين، إلا عند الضرورة والحاجة التي قد تدعو إلى ذلك، فإنه لا حرج عليه بشرط مراعاة ما تقدم. أي: بشرط أن لا يكون في ذلك مضرة على دينه، أو عرضه، أو ماله، وبشرط أن يتولى ذلك بنفسه؛ فإنه أحوط له، فلا يتولاه الكافر، بل يتولى الشركة، والأعمال فيها: المسلم، أو مسلم ينوب عنهما جميعاً" انتهى. " فتاوى نور على الدرب " (1 / 377، 378) . ثالثاً: خروجك من الشركة وبقاء نصيبك فيها دَيناً على شريكك، يقطع علاقتك بالشركة، فلا زكاة عليك فيما يتعلق بمال الشركة. وإنما عليك زكاة هذا الدَّين الذي لك عند شريكك، حتى وإن كنت ستبني به بناية. فما دام الدين في ذمة شريكك، فعليك زكاته، وزكاة الدين فيها تفصيل ذكرناه في جواب السؤال رقم (1117) ، وخلاصته: إن كان شريكك غنياً باذلا للدين فعليك أن تزكيه كلما مر عليه الحول، وإن كان فقيراً أو معسراً أو ماطلاً، فالأحوط أن تزكيه عن سنة واحدة إذا قبضته، حتى ولو مر عليه عند شريكك عدة سنوات. وانظر جواب السؤال (119047) ، فهو شبيه بسؤالك. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120694 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 968 حكم إدخال كلمات أجنبية في الكلام العربي أثناء الحديث [السُّؤَالُ] ـ[بعض الناس يتكلم بكلمات أجنبية أثناء كلامه العربي، وقد لا يكون هناك أي داع لهذه الكلمات، فما رأيكم في ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اللغة العربية هي أشرف اللغات، وهي شعار الإسلام، ولهذا اختصها الله تعالى وأنزل بها أفضل كتبه، وهو القرآن الكريم، وجعلها لغة خاتم الرسل وأفضلهم، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. فينبغي للمسلم أن يعتز بتلك اللغة ويحرص عليها، ولا يتكلم بغيرها إلا لحاجة. وقد ورد عن بعض الصحابة رضي الله عنهم أنهم نهوا عن الكلام بغير العربية. روى ابن أبي شيبة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (لا تعلموا رطانة الأعاجم، ولا تدخلوا عليهم كنائسهم، فإن السخط ينزل عليهم) . والرطانة هي التكلم بالأعجمية. "مختار الصحاح" مادة (رطن) (ص246) . وروى ابن أبي شيبة أيضاً عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه سمع قوماً يتكلمون بالفارسية، فقال: (ما بال الفارسية بعد الحنيفية!) . وكان بعض الناس يسمون التاجر بـ "السمسار" وهي كلمة أعجمية، فكره ذلك الإمام الشافعي رحمه الله، وقال: " سمى الله الطالبين من فضله في الشراء والبيع تجاراً، ولم تزل العرب تسميهم التجار، ثم سماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما سمى الله به من التجارة بلسان العرب، والسماسرة اسم من أسماء العجم، فلا نحب أن يسمى رجل يعرف العربية تاجراً إلا تاجراً، ولا ينطق بالعربية، فيسمى شيئاً بأعجمية، وذلك أن اللسان الذي اختاره الله عز وجل لسان العرب، فأنزل به كتابه العزيز، وجعله لسان خاتم أنبيائه محمد صلى الله عليه وسلم، ولهذا نقول: ينبغي لكل أحد يقدر على تعلم العربية أن يتعلمها، لأنها اللسان الأولى بأن يكون مرغوباً فيه، من غير أن يحرم على أحد أن ينطق بالعجمية " انتهى نقلا من "اقتضاء الصراط المستقيم" (1/521) . فقد كره الإمام الشافعي رحمه الله لمن يعرف العربية أن يخلط كلامه العربي بكلام أعجمي. فإن وجدت حاجة للكلام الأعجمي، كما لو كان المخاطَب لا يفهم العربية، فلا حرج من الكلام الأعجمي حينئذ. ونُقل عن بعض السلف أنهم كانوا يتكلمون في ثنايا كلامهم بكلمات أعجمية. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وفي الجملة: فالكلمة بعد الكلمة من العجمية أمرها قريب، وأكثر ما يفعلون ذلك لإفهام المخاطب، إما لكونه أعجمياً، أو قد اعتاد العجمية، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص وقد كساها ثوباً: (يا أم خالد، هذا سنا) رواه البخاري (5845) . والسنا بلغة الحبشة: الحسن، وإنما خاطبها النبي صلى الله عليه وسلم بهذا لأنها كانت صغيرة، وقد ولدت بأرض الحبشة لما هاجر أبوها. وأما اعتياد الخطاب بغير العربية – التي هي شعار الإسلام ولغة القرآن – حتى يصير ذلك عادة للمصر – أي: البلد -، وأهله، أو لأهل الدار، أو للرجل مع صاحبه ... ، فلا ريب أن هذا مكروه، فإنه من التشبه بالأعاجم " انتهى باختصار وتصرف من "اقتضاء الصراط المستقيم" (1/525 - 526) . وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: يدخل البعض في طيات كلامه العربي كلمات أجنبية عندما تتحدث معه , وربما كانت هذه الكلمات لا حاجة لها، فما تعليقكم على هذا الأمر؟ فأجاب: " تعليقي: أن المسلم ينبغي له أن لا يتكلم بغير العربية، إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك، لكون الشيء معروفاً باسمه غير العربي، أو كون المخاطب لا يفهم من العربية إلا قليلاً، فإن هذا لا بأس به. أما إذا كان الإنسان عربياً وهذا الشيء الذي تحدث عنه له اسم في اللغة العربية فلا ينبغي له أن يأتي بشيء آخر من اللغات الأخرى؛ لأن أفضل اللغات وأتمها وأحسنها هي اللغة العربية، ولهذا نزل القرآن باللغة العربية، وهو أفضل الكتب التي أنزلها الله تعالى على رسله، وكان أيضاً لسان آخر الأنبياء وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم اللسان العربي، وهو دليل واضح على فضيلة اللغة العربية " انتهى. "فتاوى علماء البلد الحرام" (1084) . وللفائدة ينظر جواب السؤال رقم (90066) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120220 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 969 الأدلة من الكتاب والسنة على تحريم التشبه بالمشركين [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكن أن تبين لي الأدلة من الكتاب والسنة على تحريم تشبه المسلمين بالكفار؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله جاء التشريع بتحريم تشبه المسلمين بالكفار، سواء في عباداتهم أو أعيادهم أو أزيائهم الخاصة بهم. وهذه قاعدة عظيمة في الشريعة الإسلامية، خرج عنها اليوم - مع الأسف - كثير من المسلمين، جهلاً بدينهم، أو اتباعاً لأهوائهم، أو انجرافاً مع العادات والتقاليد المخالفة للشرع. ومن العجيب أن هذا الأصل ـ الذي يجهله كثير من المسلمين اليوم ـ قد عرفه اليهود الذين كانوا في المدينة مع النبي صلى الله عليه وسلم، عرفوا أنه صلى الله عليه وسلم يريد أن يخالفهم في كل شؤونهم الخاصة بهم. فعن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا إِذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ فِيهِمْ لَمْ يُؤَاكِلُوهَا، وَلَمْ يُجَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ، فَسَأَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ) .. إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ الْيَهُودَ، فَقَالُوا: مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ مِنْ أَمْرِنَا شَيْئًا إِلَّا خَالَفَنَا فِيهِ) رواه مسلم (302) . وأدلة هذه القاعدة كثيرة في الكتاب والسنة. أما أدلة القرآن الكريم، فمنها: 1. قول الله تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ. وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنْ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ. ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) الجاثية/16-18. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "أخبر سبحانه أنه أنعم على بني إسرائيل بنعم الدين والدنيا، وأنهم اختلفوا بعد مجيء العلم بغياً من بعضهم على بعض، ثم جعل محمداً صلى الله عليه وسلم على شريعة من الأمر، شرعها له، وأمره باتباعها، ونهاه عن اتباع أهواء الذين لا يعلمون، وقد دخل في (الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) كل من خالف شريعته، و (أهواؤهم) هي ما يهوونه، وما عليه المشركون من هديهم الظاهر الذي هو من موجبات دينهم الباطل وتوابع ذلك فهم يهوونه، وموافقتهم فيه اتباع لما يهوونه، ولهذا يفرح الكافرون بموافقة المسلمين في بعض أمورهم، ويسرون به، ويودون أن لو بذلوا مالاً عظيماً ليحصل ذلك" انتهى. ومثل هذه الآية في الاستدلال، قوله تعالى: (وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمِنْ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ. وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ) الرعد/36، 37. فمتابعتهم والتشبه بهم فيما يختصون به هو من اتباع أهوائهم. 2. قول الله تعالى: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) الحديد/16. قال شيخ الإسلام رحمه الله: " فقوله: (ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب) نهي مطلق عن مشابهتهم، وهو خاص أيضاً في النهي عن مشابهتهم في قسوة قلوبهم، وقسوة القلوب من ثمرات المعاصي" انتهى. وقال ابن كثير رحمه الله عند تفسير هذه الآية (4/396) : "ولهذا نهى الله المؤمنين أن يتشبهوا بهم في شيء من الأمور الأصلية والفرعية " انتهى. 3. قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ) البقرة/104. قال ابن كثير رحمه الله (1/197) : " نهى الله تعالى عباده المؤمنين أن يتشبهوا بالكافرين في مقالهم وفعالهم، وذلك أن اليهود كانوا يعانون من الكلام ما فيه تورية لما يقصدونه من التنقيص، عليهم لعائن الله، فإذا أرادوا أن يقولوا: اسمع لنا قالوا: راعنا، ويورون بالرعونة، كما قال تعالى: (مِنْ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا) النساء/46. وكذلك جاءت الأحاديث بالإخبار عنهم بأنهم كانوا إذا سلموا إنما يقولون: (السام عليكم) والسام هو الموت، ولهذا أمرنا أن نرد عليهم بـ (وعليكم) وإنما يستجاب لنا فيهم ولا يستجاب لهم علينا، والغرض أن الله تعالى نهى المؤمنين عن مشابهة الكافرين قولاً وفعلاً " انتهى. فهذه الآيات ـ وغيرها مما لم نذكره ـ تبين أن ترك التشبه بالكفار في أعمالهم وأقوالهم وأهوائهم من المقاصد والغايات التي جاء بها القرآن الكريم. وأما أدلة السنة على هذه القاعدة، فهي كثيرة جداً، منها: 1. عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ) رواه أبو داود (4031) . وصحح إسناده العراقي في تخريج الإحياء (1/342) ، وحسنه الحافظ في الفتح (10/222) ، والألباني في كتاب "حجاب المرأة المسلمة" (ص203) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وهذا الحديث أقل أحواله أنه يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبِّه بهم، كما في قوله: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) . فقد يحمل هذا على التشبه المطلق فإنه يوجب الكفر، ويقتضي تحريم أبعاض ذلك، وقد يحمل على أنه صار منهم في القدر المشترك الذي شابههم فيه، فإن كان كفراً أو معصية أو شعاراً للكفر أو للمعصية كان حكمه كذلك. وبكل حال، فهو يقتضي تحريم التشبه بهم بعلة كونه تشبهاً [أي: تحريم التشبه بهم من أجل أنه تشبه، لا لسبب آخر] " انتهى. 2. روى أبو داود (652) عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خَالِفُوا الْيَهُودَ، فَإِنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ فِي نِعَالِهِمْ وَلَا خِفَافِهِمْ) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. وهذا يدل على أن مخالفة اليهود أمر مقصود في الشرع. 3. عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عَلَيَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ، فَقَالَ: (إِنَّ هَذِهِ مِنْ ثِيَابِ الْكُفَّارِ فَلَا تَلْبَسْهَا) رواه مسلم (2077) . فعلَّل الرسول صلى الله عليه وسلم النهي عن لبس هذه الثياب بأنها من لباس الكفار. 4. عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ، أَحْفُوا الشَّوَارِبَ، وَأَوْفُوا اللِّحَى) رواه مسلم (259) . فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بمخالفة المشركين أمراً مطلقاً، ثم ذكر من ذلك: قص الشوارب، وإعفاء اللحي. 5. عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا يَصْبُغُونَ فَخَالِفُوهُمْ) رواه البخاري (3462) ومسلم (2103) . وعنه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (غَيِّرُوا الشَّيْبَ، وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ وَلَا بِالنَّصَارَى) رواه أحمد (7492) ، وقال الألباني في "حجاب المرأة المسلمة (ص189) : " إسناده حسن " انتهى. وهذا الحديث أدل على الأمر بمخالفتهم، والنهي عن مشابهتهم؛ لأن بياض الشيب ليس من فعلنا، وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم إبقاءه وعدم تغييره من التشبه باليهود والنصارى، وقد نهى عن ذلك، فلأن ينهى عن إحداث التشبه بهم أولى. 6. عَنْ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عُمُومَةٍ لَهُ مِنْ الْأَنْصَارِ قَالَ: (اهْتَمَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلصَّلَاةِ كَيْفَ يَجْمَعُ النَّاسَ لَهَا، فَقِيلَ لَهُ: انْصِبْ رَايَةً عِنْدَ حُضُورِ الصَّلَاةِ فَإِذَا رَأَوْهَا آذَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِكَ، قَالَ: فَذُكِرَ لَهُ الْقُنْعُ (يعني: البوق) ، فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِكَ، وَقَالَ: هُوَ مِنْ أَمْرِ الْيَهُودِ، قَالَ: فَذُكِرَ لَهُ النَّاقُوسُ، فَقَالَ: هُوَ مِنْ أَمْرِ النَّصَارَى، فَانْصَرَفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ وَهُوَ مُهْتَمٌّ لِهَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأُرِيَ الْأَذَانَ فِي مَنَامِهِ) رواه أبو داود (498) ، وصححه الألباني في صحيح أبي داود. فعَّلل النبي صلى الله عليه وسلم كراهته للبوق بأنه من أمر اليهود، وكراهته للناقوس بأنه من أمر النصارى، وهذا يقتضي نهيه عما هو من أمر اليهود والنصارى. 7. عن عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ السُّلَمِيُّ رضي الله عنه قال: (قلت: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي عَمَّا عَلَّمَكَ اللَّهُ، وَأَجْهَلُهُ، أَخْبِرْنِي عَنْ الصَّلَاةِ، قَالَ: صَلِّ صَلَاةَ الصُّبْحِ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلَاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، حَتَّى تَرْتَفِعَ، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ، ثُمَّ صَلِّ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ حِينَئِذٍ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ، فَإِذَا أَقْبَلَ الْفَيْءُ فَصَلِّ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ الْعَصْرَ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلَاةِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَإِنَّهَا تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ) رواه مسلم (832) . قال شيخ الإسلام بن تيمية: "فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت الغروب معللاً ذلك النهي بأنها تطلع وتغرب بين قرني شيطان، وأنه حينئذ يسجد لها الكفار. ومعلوم أن المؤمن لا يقصد السجود إلا لله تعالى، وأكثر الناس قد لا يعلمون أن طلوعها وغروبها بين قرني شيطان، ولا أن الكفار يسجدون لها، ثم إنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في هذا الوقت حسماً لمادة المشابهة بكل طريق ..... وكان فيه تنبيه على أن كل ما يفعله المشركون من العبادات ونحوها مما يكون كفراً أو معصية بالنية، ينهى المؤمنون عن ظاهره وإن لم يقصدوا به قصد المشركين، سداً للذريعة، وحسماً للمادة" انتهى. 8. وعن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ) ، قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رواه مسلم (1134) . فعزم الرسول صلى الله عليه وسلم على مخالفة اليهود والنصارى بصيام يوم آخر مع يوم عاشوراء. ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنها: (صوموا التاسع والعاشر، خالفوا اليهود) أخرجه البيهقي، وصححه الألباني في "حجاب المرأة المسلمة" (ص177) . فهذه بعض الأدلة من الكتاب والسنة على النهي عن التشبه بالمشركين، والأمر بمخالفتهم، وهذا يدل على أن ذلك من مقاصد الشريعة الإسلامية، فعلى المسلمين أن يراعوا ذلك في شؤونهم كلها. وقد اختصرنا هذا البحث من كتاب اقتضاء الصراط المستقيم، فمن أراد التوسع فليرجع إليه، فإنه لم يؤلف في هذا الموضوع مثله. وانظر كتاب "حجاب المرأة المسلمة" للألباني رحمه الله (ص161-212) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120211 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 970 حكم بناء الكنائس والمعابد الكفرية في جزيرة العرب [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم بناء الكنائس أو المعابد لغير المسلمين في جزيرة العرب؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صدر من اللجنة الدائمة للإفتاء فتوى مطولة في هذا الموضوع، جاء فيها: "الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد: فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، على ما ورد إلى سماحة المفتي العام، من عدد من المستفتين بشأن حكم بناء المعابد الكفرية في جزيرة العرب، مثل: بناء الكنائس للنصارى، والمعابد لليهود وغيرهم من الكفرة، أو أن يخصص صاحب شركة أو مؤسسة مكانا للعمالة الكافرة لديهم يؤدون فيه عباداتهم الكفرية. . . إلخ. وبعد دراسة اللجنة لهذه الاستفتاءات أجابت بما يلي: كل دين غير دين الإسلام فهو كفر وضلال، وكل مكان للعبادة على غير دين الإسلام فهو بيت كفر وضلال، إذ لا تجوز عبادة الله إلا بما شرع سبحانه في الإسلام، وشريعة الإسلام خاتمة الشرائع، عامة للثقلين الجن والإنس، وناسخة لما قبلها، وهذا مجمع عليه بحمد الله تعالى. ومن زعم أن اليهود على حق، أو النصارى على حق، سواء كان منهم أو من غيرهم فهو مكذب لكتاب الله تعالى وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة، وهو مرتد عن الإسلام إن كان يدعي الإسلام بعد إقامة الحجة عليه، إن كان مثله ممن يخفى عليه ذلك، قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا) سبأ/28، وقال عز شأنه: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا) الأعراف/158، وقال سبحانه: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) آل عمران/19، وقال جل وعلا: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) آل عمران/85، وقال سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) البينة/6، وثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة) ، ولهذا صار من ضروريات الدين تحريم الكفر الذي يقتضي تحريم التعبد لله على خلاف ما جاء في شريعة الإسلام، ومنه: تحريم بناء معابد وفق شرائع منسوخة يهودية أو نصرانية أو غيرهما؛ لأن تلك المعابد سواء كانت كنيسة أو غيرها تعتبر معابد كفرية، لأن العبادات التي تؤدى فيها على خلاف شريعة الإسلام الناسخة لجميع الشرائع قبلها والمبطلة لها، والله تعالى يقول عن الكفار وأعمالهم: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا) الفرقان/23. ولهذا أجمع العلماء على تحريم بناء المعابد الكفرية، مثل: الكنائس في بلاد المسلمين، وأنه لا يجوز اجتماع قبلتين في بلد واحد من بلاد الإسلام، وأن لا يكون فيها شيء من شعائر الكفار لا كنائس ولا غيرها، وأجمعوا على وجوب هدم الكنائس وغيرها من المعابد الكفرية إذا أحدثت في أرض الإسلام، ولا تجوز معارضة ولي الأمر في هدمها، بل تجب طاعته، وأجمع العلماء رحمهم الله تعالى على أن بناء المعابد الكفرية، ومنها الكنائس في جزيرة العرب، أشد إثما وأعظم جرما؛ للأحاديث الصحيحة الصريحة بخصوص النهي عن اجتماع دينين في جزيرة العرب، منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يجتمع دينان في جزيرة العرب) رواه الإمام مالك وغيره وأصله في الصحيحين. فجزيرة العرب حرم الإسلام، وقاعدته التي لا يجوز السماح أو الإذن لكافر باختراقها، ولا التجنس بجنسيتها، ولا التملك فيها، فضلا عن إقامة كنيسة فيها لعُبَّاد الصليب، فلا يجتمع فيها دينان، إلا دينا واحدا هو دين الإسلام الذي بعث الله به نبيه ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم، ولا يكون فيها قبلتان، إلا قبلة واحدة هي قبلة المسلمين إلى البيت العتيق، والحمد لله الذي وفق ولاة أمر هذه البلاد إلى صد هذه المعابد الكفرية عن هذه الأرض الإسلامية الطاهرة. وإلى الله المشتكى مما جلبه أعداء الإسلام من المعابد الكفرية من الكنائس وغيرها في كثير من بلاد المسلمين. نسأل الله أن يحفظ الإسلام من كيدهم ومكرهم. وبهذا يعلم أن السماح والرضا بإنشاء المعابد الكفرية مثل الكنائس أو تخصيص مكان لها في أي بلد من بلاد الإسلام من أعظم الإعانة على الكفر، وإظهار شعائره، والله عز شأنه يقول: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2. قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: (من اعتقد أن الكنائس بيوت الله، وأن الله يعبد فيها، أو أن ما يفعله اليهود والنصارى عبادة لله وطاعة لرسوله، أو أنه يحب ذلك أو يرضاه، أو أعانهم على فتحها وإقامة دينهم، وأن ذلك قربة أو طاعة - فهو كافر) ، وقال أيضا: (من اعتقد أن زيارة أهل الذمة كنائسهم قربة إلى الله فهو مرتد، وإن جهل أن ذلك محرم عرف ذلك، فإن أصر صار مرتدا) انته. عائذين بالله من الحَوْر بعد الكَوْر، ومن الضلالة بعد الهداية، وليحذر المسلم أن يكون له نصيب من قول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ. ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ. فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ. ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) محمد/25-28. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد. "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/268-471) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120185 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 971 أبناؤه يرفضون العودة إلى بلاد الإسلام؟! [السُّؤَالُ] ـ[ذهبتُ مع اثنين من أبنائي منذ 5 سنوات للدراسة في دولة غير مسلمة يحملون جنسيتها، وهي متقدمة جدّاً، ثم أحضرت الثالث في السنة التالية، ورغم أن الأول أكمل الماجستير: فإنه يرفض مساعدتي له في تكاليف الزواج، أو العودة، بحجة انخفاض الرواتب، أما الثاني: لم يسمع النصيحة، ولم ينهِ دراسته، وحوَّل لكليَّة أخرى تحتاج 4 سنوات أخرى، وهو يقول إنها دولة غير مسلمة، ويكره العيش فيها، ومع ذلك يغير مجال الدراسة، ويرفض العودة لبلده، مع أنه يستطيع إنهاء الدراسة بعد سنتين ونصف بأقل من عشر المصاريف في بلد مسلم ويحصل على بكالوريوس، حيث أنني أعطيته الفرصة، وفشل، وهو يرفض العودة، فماذا أفعل؟ والثالث انتهى من دراسة دبلوم لمدة عامين في أربع سنوات، ويعمل به بدلاً من الانتهاء من البكالوريوس والعودة للعمل في بلاد المسلمين، ويرفض العودة بحجة أنه ربما يدرس مستقبلاً، والرواتب في البلاد العربية أقل بكثير من الغرب، ويرفض الزواج رغم قيامي بعرض دفع كل المصاريف من مهر، وشبكة، وشقة، فماذا أفعل؟ وما هو موقفي الشرعي من أبنائي الثلاثة؟ علماً بأن زوجتي تقول: إنه خطؤنا أن أرسلناهم هناك، مع أنهم يصلون، ويؤدون الفرائض، ولكنهم لا يسمعون النصيحة، وهي لجانبهم دوماً، وأنا لا أدري ماذا أفعل.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: أوجب الله تعالى على الآباء العناية بأولادهم، وأمرهم عز وجل أن يقوهم نار جهنم، وهذا واضح في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم/6. ومما يؤسف له في هذا الزمان أنه قد حصر كثير من الآباء أوجه تلك العناية والرعاية بالطعام، والشراب، واللباس، والدراسة، حتى لو كان ذلك على حساب دين أولادهم، وسلوكهم، ومن أخطر ما زلَّ فيه أولئك الآباء أنهم حرصوا أشد الحرص على تدريس أولادهم، وبذلوا في ذلك جهدهم، وطاقتهم، بل كثير منهم حمَّلوا أنفسهم ما لا يطيقون، وحرص الواحد منهم على اختيار جامعة، أو كلية، ليدرِّس فيها أولاده، الذكور منهم والإناث، ولم يلتفتوا إلى خطر تلك المعاهد والجامعات، ولا خطر تلك البلدان التي توجد فيها تلك المؤسسات التعليمية، ووافق ذلك كون أولئك الأولاد في أوائل فورة الشهوة الجنسية، وبداية تفتح العقل على الأشياء، فأغرتهم تلك الأشياء المادية في تلك البلاد، وسلبت عقولهم أولئك النسوة الشقراوات الحسناوات، فحصل كثير من المفاسد، حتى إنه ليتخلى كثير من أولئك الأولاد الطلاب عن دينهم، ويسفل سلوكهم، وتتردى أخلاقهم، والآباء يرون ذلك، ويسكت عنه كثير منهم؛ انتظاراً لشهادة تافهة يأتي بها ولده؛ ليرفع رأسه بين أقربائه وأقرانه وجيرانه! ؛ وليكن بعدها ما يكن من خراب ودمار. هذا للأسف هو حال كثير من أحوال بيوت المسلمين الذين يرضون لأولادهم ما ذكرناه، ثم عندما يأتي وقت قطاف ثمار عناء وتعب أولئك الآباء: تظهر آثار تلك البيئات السيئة التي درس فيها أولئك الأولاد، ويظهر تأثير مناهج الدراسة على حياتهم، فيلتفت الأب المسكين حوله، وتنظر تلك الأم المدهوشة، كلٌّ يبحث عن أولاده – وخاصة الأبناء – فلا يجدون منهم أحداً، ومن وجدوه فليس هو كما يريد عقلاء الأهل وصالحوهم. ثانياً: ذلك الواقع المرير هو ما عاشه ويعيشه الأب السائل، وإننا لنشعر معك، ونتألم لألمك، وما حصل من الأبناء بعد ذلك إنما هو نتيجة تأثير تلك الدراسة، وتلك البيئة، والتي لا تهتم لجمع الأسرة تحت سقف واحد، ولا للم شملها تحت قيادة واحدة، وكلٌّ يسير وفق المنهج الذي يريد، بزعم الحرية، وقوانين تلك البلاد تؤيدهم، وتقويهم على من يخالفهم. ثالثاً: والواجب عليك وعلى أمهم: 1. التوبة والاستغفار مما حصل من تقصير وتفريط منكما تجاه أبنائكما، ولا تضع الحِمل والوزر على أمهم فقط، فأنت تتحمل المسئولية الأكبر. 2. عدم اليأس من محاولات إرجاعهم، بالتي هي أحسن، وابذلا في ذلك كل ممكن، من بيان حقكما عليهم، إلى إرسال من يثقون بهم من الناس لنصحهم وإرشادهم، إلى غير ذلك من الوسائل المباحة لتحقيق تلك الغاية. ولتحتفظ ـ أيها الوالد الكريم ـ دائما بأكبر قدر ممكن من العلاقة السوية الأسرية بينكم، ولا تقطعا ـ أنت وزوجك ـ حبال التواصل معهم، وكونا ـ في تلك البلد ـ بجانبهم، ما دام هناك أمل في أن يعودوا معكما، ولو بعد فترة من الدراسة، ولا تتخلوا ـ أبدا ـ عن واجبكما تجاهم. 3. الإلحاح على الله تعالى بالدعاء، وخاصة من الأم، أن يهدي الله تعالى أبناءكم، وأن يرجعهم سالمين في دينهم وسلوكهم، وعليكما اختيار الأوقات والأحوال الفاضلة للدعاء، كالدعاء في ثلث الليل الآخر، وفي السجود. 04 الاستعانة على ذلك بتعويضه عما يفوته في هذه البلاد، ببذلك المغريات المادية منكما، لمن ينفع فيه ذلك، إن هو عاد إلى بلاده، وأكمل مسيرته، حيث يكون أكثر أمنا على دينه. 05 تذكير أبنائكما بمخاطر العيش في تلك البلاد، بحقارة ما يمكن أن يحصلوا عليه من أمر الدنيا، في جنب ما يفوتهم من راحة البال، واجتماع الشمل، وصلاح أمر الدين، مع الاستعانة بأمثلة من الواقع، لأناس أضاعوا شبابهم وأعمارهم في تلك البلاد، ثم صاروا جزءا من تلك المجتمعات البائسة، بكل ما فيها من ضياع وشتات، ثم من أجل ماذا، من أجل الحصول على قليل من أمر العيش: (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) الروم /6-7 ونسأل الله أن يردَّ عليكم أبناءكم وهم على أحسن حال، عاجلاً غير آجل، ونسأله تعالى أن يصبِّركم على فراقهم، وأن يكتب لكم أجور ذلك كاملاً موفوراً. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 119590 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 972 حكم السفر إلى بلاد الكفار من أجل الدراسة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم السفر إلى بلاد الكفار من أجل الدراسة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "السفر إلى بلاد الكفار خطير، يجب الحذر منه إلا عند الضرورة القصوى، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا بريء من كل مسلم يقيم بين المشركين) ، وهذا خطر فيجب الحذر. فيجب على الدولة وفقها الله أن لا تبعث إلى بلاد المشركين إلا عند الضرورة، مع مراعاة أن يكون المبعوث ممن لا يخشى عليه لعلمه وفضله وتقواه , وأن يكون مع المبعوثين من يلاحظهم ويراقبهم ويتفقد أحوالهم , وهكذا إذا كان المبعوثون يقومون بالدعوة إلى الله سبحانه , ونشر الإسلام بين الكفار لعلمهم وفضلهم، فهذا مطلوب، ولا حرج فيه. أما إرسال الشباب إلى بلاد الكفار على غير الوجه الذي ذكرنا , أو السماح لهم بالسفر إليها فهو منكر، وفيه خطر عظيم , وهكذا ذهاب التجار إلى هناك فيه خطر عظيم؛ لأن بلاد الشرك - الشرك فيها ظاهر - والمعاصي فيها ظاهرة , والفساد منتشر , والإنسان على خطر من شيطانه وهواه ومن قرناء السوء فيجب الحذر من ذلك" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (24/46) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118132 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 973 مخاطر سفر الطلاب للدراسة في الخارج والإقامة مع العائلات هناك [السُّؤَالُ] ـ[تلقيت عرضاً للعمل كممثل لمدارس لغات إنجليزية تقع بكندا واستراليا وبريطانيا وأمريكا وذلك لكي أقوم بتمثيل هذه المدارس ببعض البلاد العربية، وستتمثل مهمتي في أن أقوم بالتسويق لهذه المدارس، وتسجيل الطلاب الذين يرغبون في استكمال دراستهم أو تدريبهم بهذه البلاد، كما سيكون من واجبي أيضاً حجز السكن بالمدارس أو الجامعات أو الفنادق أو مع الأسر المضيفة، وسأتلقى عمولة عن هذا العمل، فهل هذا العمل حلال؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يخفى أن سفر الطلاب إلى الخارج، وسكنهم مع العائلات المضيفة، يحتوي على مجموعة من المحاذير الشرعية، ومنها: 1- الخطر العظيم على دينهم وأفكارهم وثقافتهم، لا سيما إذا كانوا في مرحلة الشباب، وانتقلوا إلى تلك البيئات التي يغلب عليها الانحلال الخلقي، والانحراف الفكري، ولهذا رجع كثير من أبناء المسلمين المبتعثين إلى تلك البلدان بلا دين، أو بلا هوية، أو بأمراض وانحرافات سلوكية وفكرية. ولهذا اشترط أهل العلم للدراسة في بلاد الغرب أن يكون الدارس ذا علم يمنعه من الشبهات، وذا دين يحجزه عن الشهوات، وأن يكون ذلك تحت رقابة من الدولة أو من الأسرة تحول بينه وبين التأثر بالانحرافات الموجودة هناك. 2- أن إقامة الطالب مع ما يسمى بالعائلات المضيفة، يعرضه لمزيد من الخطر والفتنة؛ لما في ذلك من الاختلاط بأهل البيت، والتأثر بعاداتهم، والمحاكاة لهم، وقد يجره ذلك إلى علاقات محرمة مع أهل البيت أو من يحيط بهم، وينظر في الموقع حكم السكن مع العوائل في الخارج (13694) . 3- أن الاختلاط في التعليم أمر محرم، والغالب في مدارس تلك الدول ومعاهدها هو الاختلاط، فلا يجوز إرسال الأبناء إلى تلك الأماكن، لما في ذلك من إعانتهم على الحرام والإثم والعدوان، وينظر في تحريم الاختلاط جواب السؤال رقم (1200) . 4- أنه إذا كانت الدارسة فتاة، فإن المحذور في حقها أشد؛ لما يقتضيه ذلك من سفرها بلا محرم، وإقامتها بعيدا عن أهلها، مما يعرضها للفتنة، ويجرها للشر. ولهذا؛ فلا يستريت عاقل في أن إرسال أبناء المسلمين إلى تلك البلدان - دون رقابة ومتابعة وإشراف مباشر يمنعهم من الاندماج في المجتمع والتأثر بثقافته وفكره - أن ذلك من أعظم الجناية عليهم، والتفريط في حقهم، وهو من أسباب انحراف المجتمع المسلم، لكون هؤلاء الدارسين يعودون فيتبوؤن المناصب، ويحوزون التقديم، وهم قد انسلخوا من دينهم وعقيدتهم، وتحللوا من أخلاقهم وقيهم، إلا من عصم الله. والمتتبع لمسيرة التغريب في المجتمعات الإسلامية يجد أنها قامت على يد هؤلاء المبتعثين إلى الخارج، الذين أرادوا أن يكون مجتمعهم جزءا من المجتمعات المنحلة التي عاشوا فيها، وانبهروا بانحرافها. وما زال أهل العلم والغيرة يحذرون من المدارس الأجنبية المقامة في بلدان المسلمين، وما لها من أثر في التغريب وطمس الهوية، فكيف إذا كان الطالب سيذهب إلى بلادهم، ويجلس فيها دون رقيب أو حسيب. قال الشيخ ابن باز رحمه الله مبينا ضوابط ابتعاث الطلاب إلى الخارج: " أما إذا اقتضت الضرورة ابتعاث بعض الطلاب إلى الخارج لعدم وجود بعض المعاهد الفنية المتخصصة لا سيما في مجال التصنيع وأشباهه فأرى أن يكون لذلك لجنة علمية أمينة لاختيار الشباب الصالح في دينه وأخلاقه المتشبع بالثقافة والروح الإسلامية , واختيار مشرف على هذه البعثة معروف بعلمه وصلاحه ونشاطه في الدعوة ليرافق البعثة المذكورة , ويقوم بالدعوة إلى الله هناك , وفي الوقت نفسه يشرف على البعثة , ويتفقد أحوالها وتصرفات أفرادها , ويقوم بإرشادهم وتوجيههم , وإجابتهم عما قد يعرض لهم من شبه وتشكيك وغير ذلك. وينبغي أن يعقد لهم دورة قبل ابتعاثهم ولو قصيرة يدرسون فيها جميع المشاكل والشبهات التي قد تواجههم في البلاد التي يبتعثون إليها , ويبين لهم موقف الشريعة الإسلامية منها , والحكمة فيها حسب ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم , وكلام أهل العلم مثل أحكام الرق , وتعدد الزوجات بصفة عامة , وتعدد أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بصفة خاصة , وحكم الطلاق , وحكمة الجهاد ابتداء ودفاعا وغير ذلك من الأمور التي يوردها أعداء الله على شباب المسلمين حتى يكونوا على استعداد تام للرد على ما يعرض لهم من الشبه " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (1/387) . وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: " إذا كان الواقع كما ذكر من أن التخصص الذي تدرسه موجود في بلدك الإسلامي، وأن الدراسة في الخارج مشتملة على مفاسد كثيرة في الدين والأخلاق وعلى الزوجة والأولاد - فإنه لا يجوز لك السفر لهذه الدراسة؛ لأنها ليست من الضرورات، مع وجودها في بلدك الإسلامي، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة في التحذير من الإقامة في بلاد الكفار من غير مسوغ شرعي؛ كقوله صلى الله عليه وسلم: (أنا بريء من كل مسلم يقيم بين المشركين) وغيره من الأحاديث، وما وقع فيه بعض المسلمين من السفر إلى بلاد الكار من غير ضرورة هو من التساهل الذي لا يجوز في دين الله، وهو من إيثار الدنيا على الآخرة، وقد قال الله جل وعلا: (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا. وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) الأعلى/16، 17، وقال سبحانه: (قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً) النساء/77. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان همه الآخرة جمع الله شمله، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه فرق الله عليه ضيعته، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له) انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (26/93) . وبناء على ذلك، فإنه لا يجوز أن تشجع أو تعين أحداً على الدراسة في الخارج إلا إذا علمت انضباطه بالشرع، وخلو سفره من المحا ذير، وذلك إذا كان يسافر لدراسة لا تتوفر في بلده، وكان ضمن هيئة تشرف عليه وتراقبه، أو كان من السن والعلم والدين بحيث يؤمن عليه الاغترار بالشبهات والانجذاب للشهوات. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 117699 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 974 المواصفات الواجب توافرها في البلاد المهاجر إليها [السُّؤَالُ] ـ[ما الشروط الواجب توفرها في بلد حتى تكون دار حرب أو دار كفر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله كل بلاد أو ديار يقيم حكامها وذوو السلطان فيها حدود الله، ويحكمون رعيتها بشريعة الإسلام، وتستطيع فيها الرعية أن تقوم بما أوجبته الشريعة الإسلامية عليها؛ فهي دار إسلام، فعلى المسلمين فيها أن يطيعوا حكامها في المعروف، وأن ينصحوا لهم، وأن يكونوا عونا لهم على إقامة شؤون الدولة، ودعمها بما أوتوا من قوة علمية وعملية، ولهم أن يعيشوا فيها، وألا يتحولوا عنها إلا إلى ولاية إسلامية، تكون حالتهم فيها أحسن وأفضل، وذلك كالمدينة بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إليها، وإقامة الدولة الإسلامية فيها، وكمكة بعد الفتح؛ فإنها صارت بالفتح وتولي المسلمين أمرها دار إسلام بعد أن كانت دار حرب تجب الهجرة منها على من فيها من المسلمين القادرين عليها. وكل بلاد أو ديار، لا يقيم حكامها وذوو السلطان فيها حدود الله، ولا يحكمون في الرعية بحكم الإسلام، ولا يقوى المسلم فيها على القيام بما وجب عليه من شعائر الإسلام؛ فهي دار كفر، وذلك مثل مكة المكرمة قبل الفتح، فإنها كانت دار كفر، وكذا البلاد التي ينتسب أهلها إلى الإسلام، ويحكم ذوو السلطان فيها بغير ما أنزل الله، ولا يقوى المسلمون فيها على إقامة شعائر دينهم، فيجب عليهم أن يهاجروا منها، فرارا بدينهم من الفتن، إلى ديار يحكم فيها بالإسلام، ويستطيعون أن يقوموا فيها بما وجب عليهم شرعا، ومن عجز عن الهجرة منها من الرجال والنساء والولدان فهو معذور، وعلى المسلمين في الديار الأخرى أن ينقذوه من ديار الكفر إلى بلاد الإسلام، قال الله تعالى: " إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا (97) إلا المستضعفين من النساء والرجال والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا (98) فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا " النساء:97-99، وقال تعالى: " وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا " النساء: 75، أما من قوي من أهلها على إقامة شعائر دينه فيها، وتمكن من إقامة الحجة على الحكام وذوي السلطان، وأن يصلح من أمرهم، ويعدل من سيرتهم، فيشرع له البقاء بين أظهرهم؛ لما يرجى من إقامته بينهم من البلاغ والإصلاح، مع سلامته من الفتن. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 3225 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 975 الاحتفال في المناسبات والأعياد، ما يجوز منه، وما لا يجوز [السُّؤَالُ] ـ[في هذا الزمن، حيث نعيش في القرية العالمية مع كل الجاليات الأخرى، هل يجوز الاحتفال بأعياد الميلاد الشخصية، ومناسبات الأعراس بطريقة إسلامية، والتي فيها لا نقحم أنفسنا في أي ممارسات غير إسلامية ما دام أن هذه المناسبات، والاحتفالات لا تنتسب إلى أي دين، مثل " الهالوين "، و " الكريسميس " و " الفالنتاين " المسيحية، و " الديسيرا " و " الديفالي " الهندوسيين، وغيرها؟ . هل يمكن الاحتفال بالمناسبات التي ليس لها ارتباط ديني؟ لقد عرفت أن هناك إمكانية لإقامة احتفال بسيط كما مذكور في الفتاوى على مواقع: daruliftaa.com; islamonline.net، أجده صعباً جدّاً أن أقنع أطفالي أن ما كنا نفعله في السنوات الخمس عشرة، وكل ما يمارس حولنا: ليس إسلاميّاً، وليس له قبول في ديننا. لطفاً، أجيبوا مع وضع كل ما مضى في ذهنكم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج في شرع الله تعالى من إقامة الاحتفالات في الأعراس، أو غيرها من المناسبات الدنيوية، بشرط خلوها من المنكرات، كالاختلاط، والمعازف، وهذه الاحتفالات ليست من العبادات التي يُتقرب فيها إلى الله تعالى، بل هو اجتماع لإظهار الفرح والسرور، والأصل في العادات الإباحة، بخلاف العبادات فإن الأصل فيها المنع والتحريم. ومن الاحتفالات الممنوعة في الشرع – عدا ما فيه منكرات ومعاصٍ -: ما كان فيه مشابهة لأهل الكفر، كالاحتفال بيوم الميلاد، ويوم الأم، ويشتد المنع إذا اتخذت صورة تشبه صورة الأعياد الشرعية؛ وهو أمر واقع حال تلك المناسبات، فيطلق عليها " عيد الميلاد "، و" عيد الأم "، وهي مناسبات فيها مشابهة لأهل الكفر، والذين نهينا على التشبه بهم، مما يختصون به، ويشتد المنع أكثر إذا كان يقصد المحتفل بها التقرب إلى الله تعالى، وحينئذٍ تجمع بين المعصية، والبدعة. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة: ما حكم تعييد ميلاد الأولاد؟ يقال عندنا: إن من الأحسن الصوم في ذلك اليوم بدلا من التعييد، ما هو الصحيح؟ فأجابوا: " عيد الميلاد، أو الصيام لأجل عيد الميلاد: كل ذلك بدعة، لا أصل له، وإنما على المسلم أن يتقرب إلى الله بما افترضه عليه، وبنوافل العبادات، وأن يكون في جميع أحيانه شاكراً له، وحامداً له، على مرور الأيام، والأعوام عليه وهو معافى في بدنه، آمناً على نفسه، وماله، وولده " انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز , الشيخ صالح الفوزان , الشيخ بكر أبو زيد " فتاوى اللجنة الدائمة " (2 / 260 , 261) . وما ذكرته في شأن الكريسميس، من أنه لا ينتمي إلى دين معين، غير صحيح، بل هو عيد ديني عند النصارى، يتحفلون فيه بميلاد المسيح عليه السلام، وإذا كنا نمنع من الاحتفال بميلاد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ونراه من الأعياد المبتدعة، فكيف بمن يوافق النصارى على عيدهم المبتدع. وانظر حول الكريسميس جواب السؤال رقم (1130) ، (947) ، (85108) . وانظر فتوى للشيخين عبد العزيز بن باز، وابن عثيمين رحمهما الله في حكم الاحتفال بعيد الميلاد في جوابي السؤالين: (1027) ، (26804) . وانظر فتوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله فيما يسمى " عيد الأم " في جواب السؤال رقم: (59905) . وفي موقعنا هذا مقال مفصَّل حول ما يسمى " عيد الأم "، وفيه نبذة عن تاريخه، وفتاوى أهل العلم في حكمه، فانظر هنا: http://www.islam-qa.com/index.php?pg=article&ln;=ara&article;_id=92 وانظر كلمة عامة في الأعياد المبتدعة: جواب السؤال رقم: (10070) . وللوقوف على منكرات الأعراس، وفتاوى أهل العلم فيها: انظر أجوبة الأسئلة: (60442) و (10791) و (9290) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 115148 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 976 غريب بين أهله وأقربائه العصاة، يريد النصح والتوجيه [السُّؤَالُ] ـ[أنا مسلم، أعيش في بنجلاديش، والدي توفي عندما كنت في الثامنة من عمري، أمي، وكل أفراد العائلة، وقريباتي لا يلتزمون بالحجاب الإسلامي، هذا هو سبب أنني لم أزر أبدا أيّاً من قريباتي عندما يدعونني إلى منازلهم، أغلب أقاربي صغار السن مثلي لا يصلون الصلوات اليومية، يقولون: إن الله قسم رحمته إلى مائة جزء، واحتفظ بتسعة وتسعين جزءا منها عنده، مشيرين إلى أنهم إذا صلوا صلاة العيد فقط: الله سيغفر لهم، أعرف بنفسي الأحاديث عن الصلاة، وحاولت أن أخبرهم أنهم غير منطقيين جدّاً، ويتبعون شهوات نفوسهم فقط، كيف ينبغي عليَّ التصرف مع مثل هؤلاء الأقارب؛ لأن كل أقاربي مثل هؤلاء؟ وبسبب توقفي عن الذهاب إلى بيوتهم عندما يدعونني: بدؤوا ينادونني بأنني غير اجتماعي، كيف ينبغي أن أرد على هؤلاء الأشخاص عديمي المنطق والعقل، الذين يتبعون شهواتهم فقط؟ كيف أتصرف مع أمي وأخي الأصغر لأنهما يشاهدان الأفلام الهندية على تلفزيون " ... "، ويستمعان إلى الأغاني على قناة " ... "؟ . أخي يصلي وقتما يشاء، أحياناً خمس مرات، وأحياناً أخرى لا شيء.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إننا نشعر معك أخي الفاضل، وشعورك بالغربة في بيئتك يشاركك فيه ألوف من الناس، بل ملايين، يعيشون بين ظهراني أهليهم، ولا يجدون منهم نصرة وتأييداً، بل يجدون كل شرٍّ وسوء، من التثبيط عن الطاعة، والتخذيل عن إقامة شرع الله في نفسه وحياته، وتزداد الغربة أكثر عندما يكون ذلك الغريب " أنثى " مكسورة الجناح، مهضومة الحقوق، ونبشرك أن هؤلاء الغرباء كان لهم من العمل لدين الله تعالى الشيء الكثير، وكانت نتائج دعوتهم عظيمة، وكل ذلك كان بفضل الله ورحمته، عندما صبروا واحتسبوا ما لا يلاقونه في سبيل الله تعالى. وفي الوقت ذاته نقول: إنَّ ما عانى منه أوائل هذه الأمة من القهر والأذى والضرر يهون معه ما يصيبنا من أهلينا وأقربائنا، فأين ما أصابك – مثلاً – من طعنهم بك أنك " غير اجتماعي " مع ما طعنوا به نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم، حيث قالوا عنه: ساحر، وكذاب، ومجنون، ثم إن المنافقين طعنوا في عرضه، فاتهموا زوجته عائشة بالفاحشة! وليس هذا فحسب، بل أيضاً رفعوا السلاح في وجوه أشقائهم، وآبائهم، وأقربائهم، واستباحوا دماءهم، وقاتلوهم، فضلاً عما قام به بعضهم من السجن، والتعذيب، والقهر. فالصبر الصبر، والاحتساب الاحتساب، ولا تكن في ضيق مما يمكرون، وكن مع الله ولا تبالِ، واحرص على نفسك أن تنقذها من النار أولاً، ثم اسعَ في دعوة غيرك. ثانياً: مما نوصيك به في باب دعوتهم ونصحهم: 1. أن تخلص نيتك في الدعوة، وأن لا تبتغي بذلك إلا وجه الله. 2. أن تكون قدوة حسنة عند أهلك وأقربائك، ومن ذلك: أن تلتزم بشرع الله تعالى في خاصة نفسك، وأن تلتزم بأخلاق الإسلام في كل أمورك. 3. أن لا تتنازل عن شيء من شرع الله من أجلهم، فإن هذا من شأنه أن يقلل من مهابة التزامك بالشرع عندهم. 4. أن تنتقي من أهلك وأقربائك العقلاء منهم، وأن تحاول أن تضم إلى صفك من يقوِّي جانبك، ويشد من أزرك، ولا تنتبه للسفهاء والحمقى، فتضيع منك أوقات أنت أولى بها. 5. أن تستمر على مقاطعتك لمجالس أقربائك إن كان فيها ما يمكن أن يؤثر على دينك سلباً، وأما إن رأيت فائدة من زياراتك لهم: فاحرص عليها، ولا تتخل عنهم، فهم مرضى وأنت طبيبهم، فاسلك الطريق المناسبة لتقديم العلاج لهم مع رفضهم ذاك، شريطة أن تكون ماهرا في طبك وعلاجك، آخذا بالحيطة لدينك، ألا يصيبك من عدوى الذنب، وشؤم المعصية، وبلاء المنكر مثل ما أصابهم، كما قال ذو النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه: (فَإِذَا أَحْسَنَ النَّاسُ فَأَحْسِنْ مَعَهُمْ وَإِذَا أَسَاءُوا فَاجْتَنِبْ إِسَاءَتَهُمْ) رواه البخاري (695) . 6. نوِّع وسائل دعوتهم وترغيبهم بالخير، بين الكتيبات الصغيرة، والأشرطة المؤثرة، للدعاة الموثوق في علمهم ودينهم، من أهل السنة. 7. احرص على الدعاء، فرب دعوة صادقة تنطلق منك في جوف الليل الآخر تجد قبولاً عند رب العالمين، فترى آثارها الحميدة أمامك، فيسعد قلبك، وينشرح صدرك. سئل الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله: لي أقارب وأرحام، ومنهم خال لي، ووالداي في بعض الأيام يسهران عندهم، ويريداني أن أذهب معهم لزيارتهم، ولكني أرفض؛ لأن مجلسهم لا يخلو من المنكرات، ويقولون لي: الله غفور رحيم، وأنَّ علي أن أصل رحمي، فهل أذهب معهم وأتحمل الصبر على منكراتهم كي أصل الرحم أم أقطعهم؟ . فأجاب: " أما إذا كان في ذهابك إليهم رجاء أن تؤثر عليهم، وأن توعظهم إلى ترك المنكر، وتقوم بواجب إنكار المنكر: فإنه يجب عليك الذهاب إليهم من ناحيتين: الناحية الأولى: صلة الرحم. الناحية الثانية: إنكار المنكر الذي تقوم به إذا ذهبت. أما إذا لم يحصل منك إنكار المنكر، أو كان الإنكار لا يجدي، وهم يستمرون على منكرهم على الرغم مما تنكر عليهم، فإنك لا تذهب إليهم؛ لأنك إذا ذهبت إليهم: فإنك تجلس في مجلس يكون فيه منكر، وأنت لا تغيره، أو لا تقدر على تغييره، فعليك أن تبتعد عنهم؛ لعل الله سبحانه وتعالى يهديهم " انتهى. " المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (2/245) . ثالثاً: لستَ بحاجة للتنبيه على ضلال من استدل منهم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ لِلَّهِ مِائَةَ رَحْمَةٍ أَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالْبَهَائِمِ وَالْهَوَامِّ فَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ وَبِهَا يَتَرَاحَمُونَ وَبِهَا تَعْطِفُ الْوَحْشُ عَلَى وَلَدِهَا وَأَخَّرَ اللَّهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) ؛ والاستدلال بهذا الحديث على ترك ما أمر الله تعالى به من أوامر ضرب من السخرية والاستهزاء، فرحمة الله تعالى لا تكتب للأشقياء الذين يتعمدون فعل المنكرات التي حذرت منها الشريعة، بل إن بعض تلك المخالفات كفر يخرج من الملة مثل ترك الصلاة، قال تعالى: (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) الأعراف/ من الآية 56، وتأمل أكثر قول الله تعالى: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ) الأعراف/ من الآية 156، وقال تعالى: (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ) غافر/ 7. قال ابن كثير رحمه الله: " (إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) أي: إن رحمته مُرْصَدة للمحسنين، الذين يتبعون أوامره، ويتركون زواجره " انتهى. " تفسير ابن كثير " (3 / 429) . وكما أن الله تعالى واسع المغفرة: فهو أيضاً شديد العقاب، كما قال تعالى: (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ) الرعد/ 32، وقال: (غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ) غافر/ 3، وقال تعالى: (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ) إبراهيم/49،50، فأين العصاة عن هذه الصفة للرب تعالى، حتى يرتدعوا عن فعل ما يغضبه، ويوجب لهم الوعيد؟! . وانظر جوابي السؤالين: (47425) و (11266) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114437 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 977 حكم العمل في بلاد الغرب، وهل يدخل دفع الضرائب في توليهم؟ [السُّؤَالُ] ـ[ي عن العيش، والعمل في بلاد الغرب، أريد أن أعرف: هل هو يجوز أن أعمل في الغرب حيث يجب عليَّ أدفع ضريبة للحكومة، وهذه الضريبة تنفق في أي شيء، داخلاً في ذلك الجيوش التي تشن حرباً على المسلمين؟ هل يدخل ذلك تحت الآيات التي عن مساعدة الكافرين وتوليهم؟ أيضاً: هل نستطيع العيش بين الكفار؟ وإذا كانت الإجابة بلا: فأين نذهب؟ لأنه لا يوجد دولة إسلامية اليوم؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز للمسلم أن يقيم في ديار الكفر من أجل العمل؛ إذ ليس العمل من الأعذار الشرعية التي تبيح له تلك الإقامة. والأعذار الشرعية التي تبيح الإقامة في تلك الديار: العلاج الذي لا يجده في بلاد المسلمين، والعلم الذي تحتاجه الأمة مما لا يتوفر إلا عندهم، والتجارة المباحة، والدعوة إلى الله، وكل ذلك يُعذر المسلم بالإقامة من أجله في ديار الكفر، بشرط أن يكون محصَّناً من الشهوات والشبهات، وبشرط أن تنقطع إقامته إذا انتهى عذره الذي من أجله أقام بين ظهرانيهم. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل تجوز الهجرة إلى بلاد الكفر للعمل فيه؟ . فأجابوا: "إذا أردتَ العمل، وطلب الرزق: فعليك بالسفر إلى بلاد المسلمين لأجل ذلك، وفيها غنية عن بلاد الكفار؛ لما في السفر إلى بلاد الكفر من الخطر على العقيدة، والدِّين، والأخلاق" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد. "فتاوى اللجنة الدائمة" (12/58) . وأرض الله واسعة، وبلاد المسلمين شاسعة، فليس المسلم معذوراً في إقامته واستيطانه بين ظهراني الكفار، وهو يعلم ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن تلك الإقامة، وهو يرى ما عندهم من فساد للخلُق والدِّين. قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في تفسير قوله تعالى: (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) العنكبوت/ 56: نادى الله جل وعلا عباده المؤمنين، وأكَّد لهم أن أرضه واسعة، وأمرهم أن يعبدوه وحده دون غيره ... والمعنى: أنهم إن كانوا في أرض لا يقدرون فيها على إقامة دينهم، أو يصيبهم فيها أذى الكفار: فإن أرض ربهم واسعة، فليهاجروا إلى موضع منها يقدرون فيه على إقامة دينهم، ويسلمون فيه من أذى الكفار، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون. وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة جاء في آيات أخر، كقوله تعالى: (إِنَّ الذين تَوَفَّاهُمُ الملائكة ظالمي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأرض قالوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ الله وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا) النساء/ 97، وقوله تعالى: (وَأَرْضُ الله وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصابرون أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) الزمر/10" انتهى. "أضواء البيان" (6/241) . والكفار الآن يضيقون على المسلمين ليتركوا شعائر الإسلام الظاهرة، فلم يعد المسلم يستطيع إظهار تلك الشعائر من الأذان للصلوات، والحجاب للمرأة، فضلا عن الولاء للمسلمين، والبراء من الكفار المحتلين الغاصبين، فلذا لا نرى للمسلم أن يعيش بين أظهرهم، ومن يقيم في تلك الديار ويدفع الضرائب لها: فهو يساهم في تقوية اقتصادها، ويعينها على حرب الإسلام والمسلمين، وهو داخل – قطعاً – في إعانتهم على الباطل، والإثم، والكفر، والعدوان، وهذا من أبرز أنواع التولِّي للكافرين. إلا من كان معذوراً مضطراً للإقامة هناك، فإن الضرورة لها أحاكم خاصة، قال الله تعالى: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) الأنعام/119. وانظر أجوبة الأسئلة: (13363) و (83912) و (27211) . وينظر جواب السؤال رقم (111564) فهو مهم. وقولك: "لا يوجد دولة إسلامية اليوم" غير صحيح. ومع الشر والفساد الموجود بكثير من البلاد الإسلامية فهي – بلا شك- لا تزال أقل شراً وفساداً من الدول الكافرة. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 113777 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 978 زيادة العبادة في أيام تنتشر فيها المعصية [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم عمل عبادة في وقت هرج الناس (مثل رأس السنة الميلادية) ، عملا بقوله صلى الله عليه وسلم: (عبادة في الهرج كهجرة إلي) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المسلم المتمسك بدينه هو الذي يذكر الله سبحانه وتعالى في السر والعلن، وفي السراء والضراء، لا يغيب ربه عن ذكره ولا عن قلبه، ولا تشغله عن عبادته الشواغل، ولا تصرفه عن حبه الصوارف، فتراه في جميع شأنه حريصا على عبادة الله، حريصا على شغل عمره بطاعة ربه ومولاه، إذا خالط العابدين نافسهم وسابقهم إلى رضوان الله، وإذا رأى الغافلين استشعر نعمة الله عليه بما حباه، فهؤلاء هم الشهداء الغرباء القابضون على الجمر، الذين وردت الأحاديث في فضل عملهم، وتمسكهم بالسنة في زمان الفتنة والمحنة والغربة. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ) رواه مسلم (145) فالفضل حاصل لمن يحافظ على السنة والطاعة والعبادة في أيام الفتنة والغفلة كما يحافظ عليها في أزمان الصلاح والتقوى، فهو عامل عابد على كل حال. هذا هو الذي جاءت الأحاديث في مدحه والثناء عليه. أما ما قد يفهمه بعض الناس، أن يترقب أحدهم أيام انتشار المعاصي والمنكرات، ليبادر إلى تخصيص ذلك اليوم بصيام أو قيام، ولا يكون ذلك من هديه وعادته في غالب أيامه وأحواله، فليس هذا من الفهم الصحيح للحديث، وليس مقصودا للشارع الحكيم، وإنما المقصود الحث على التمسك الدائم بالسنة، والقيام الكامل بأوامر الله تعالى، ليبقى المسلم منارة في الأرض في أزمنة الظلام، ويلقى الله تعالى وما استقال من بيعته التي بايع عليها حين أعلن استسلامه إليه عز وجل. وهذا هو حال النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كانت أيامه وساعاته خالصة لوجه الله تعالى، فلم يكن يدع فرصة لعبادة الله تفوته، حتى سأله أسامة بن زيد رضي الله عنه: قال: يا رسول الله، لم أرك تصوم شهرا من الشهور ما تصوم من شعبان؟ فقال: ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ. رواه النسائي في "السنن" (رقم/2357) وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (رقم/1898) وهذا هو أيضا معنى الحديث الذي يرويه مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه، أن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ) رواه مسلم (2948) قال النووي رحمه الله: " المراد بالهرج هنا الفتنة واختلاط أمور الناس، وسبب كثرة فضل العبادة فيه أن الناس يغفلون عنها، ويشتغلون عنها، ولا يتفرغ لها إلا أفراد " انتهى. "شرح مسلم" (18/88) فلا نرى للأخت السائلة ولا لغيرها من المسلمين تخصيص ليالي رأس السنة الميلادية بعبادة، على وجه المقابلة للكفار الذين يملؤونها بالمعاصي، إلا إذا كان القيام أو الصيام من عادة المسلم في باقي أيامه، فلا بأس حينئذ من العبادة تلك الليالي، والله سبحانه وتعالى يجزيه خيرا على عمله ونيته. وقد سبق التحذير من تخصيص ليالي أعياد الكفار بعبادات معينة في جواب السؤال رقم: (113064) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 113220 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 979 جمع التبرعات لشراء هدايا للعوائل الفقيرة في الكريسمس [السُّؤَالُ] ـ[مدرستي فيها تقاليد في أعياد الميلاد فكل عام يقوم أحد الفصول بتولي أمر أسرة فقيرة يجمع لها التبرعات لشراء هدايا أعياد الميلاد ولكني رفضت ذلك لأن الأسرة حينما تتلقى هذه الهدايا تدعو "بارك الله في النصارى" فهل فعلي صحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يظهر أنك تعني ميلاد المسيح عليه السلام الذي تعظمه النّصارى وتتخذه عيداً. وأعياد النصارى من دينهم، وتعظيم المسلمين لأعياد الكفّار بإظهار الفرح والسرور وتقديم الهدايا هو من التشبُّه بهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم (من تشبّه بقوم فهو منهم) . فيجب على المسلمين أن يحذروا من التشبه بالنصارى في أعيادهم، وفي العادات المختصة بهم، وقد أحسنت وأصبت حيث لم توافق على جمع التبرعات للأسر الفقيرة بمناسبة أعياد الميلاد، فاستقم على طريقك، وناصح إخوانك وبيِّن لهم أن هذا العمل لا يجوز فنحن المسلمين ليس لنا سوى عيد الفطر، وعيد الأضحى وقد أغنانا الله عن أعياد الكافرين بهذين العيدين. انتهى. كتبه: الشيخ عبد الرحمن البراك ونحن المسلمين إذا أردنا الصّدقة فإننا نبذلها للمستحقّين الحقيقيين ولا نتعمد جعْل ذلك في أيام أعياد الكفار بل نقوم به كلما دعت الحاجة وننتهز مواسم الخير العظيمة كرمضان والعشر الأوائل من ذي الحجّة وغيرها من المواسم الفاضلة التي تُضاعف فيها الأجور، وكذلك في أوقات العسرة كما قال الله تعالى: فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَءَامَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (18) سورة البلد وصلى الله على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 8375 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 980 هل تحضر الكريسمس لتسلم على أقاربها [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أسلم وعائلتي تجتمع في عيد الكريسمس، وأريد أن أحضر وأسلم عليهم، ليس بنية الاحتفال ولا المشاركة، لكن فقط لا نتهاز فرصة اجتماع أقاربي، هل هذا مسموح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله وجهت هذا السؤال لشيخنا محمد بن صالح العثيمين رحمه الله فأجاب: لا، لا يجوز، إذا من الله عليها بالإسلام أول ما تفعله التبرؤ من (دينها الأول وأعياده) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن صالح العثيمين الحديث: 11650 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 981 حجاب المرأة المسلمة أمام الكافرة [السُّؤَالُ] ـ[ما هي الأشياء التي تستطيع المرأة المسلمة كشفها أمام المرأة الكافرة كالبوذية مثلاً وهل صحيح أنه لا يجوز لها إلا كشف وجهها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصحيح أن المرأة تكشف للمرأة سواء كانت مسلمة أو كافرة ما فوق السرة وتحت الركبة أما ما بين السرة والركبة فهو عورة في حق الجميع لا تراه المرأة من المرأة سواء كانت مسلمة أو غير مسلمة قريبة أو بعيدة كالعورة للرجل مع الرجل فللمرأة أن ترى من المرأة صدرها ورأسها وساقها ونحو ذلك كالرجل يرى من الرجل صدره وساقه ورأسه وأما قول بعض أهل العلم أن المرأة الكافرة لا تكشف لها المؤمنة فهو قول مرجوح في أصح قولي العلماء لأن اليهوديات كن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهكذا الوثنيات يدخلن على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لحاجتهن ولم يُحفظ أنهن كن يتحجبن منهن وهن أتقى النساء وأفضلهن. [الْمَصْدَرُ] الشيخ ابن باز في الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة ج/3 ص 830 الحديث: 13211 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 982 حكم تهنئة الكفار بأعيادهم [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم تهنئة الكفار بأعيادهم؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تهنئة الكفار بعيد الكريسمس أو غيره من أعيادهم الدينية حرام بالاتفاق، كما نقل ذلك ابن القيم - يرحمه الله - في كتاب (أحكام أهل الذمة) حيث قال: " وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهْنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب بل ذلك أعظم إثماً عند الله، وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس، وارتكاب الفرج الحرام ونحوه، وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قبح ما فعل، فمن هنّأ عبداً بمعصية أو بدعة، أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه." انتهى كلامه - يرحمه الله -. وإنما كانت تهنئة الكفار بأعيادهم الدينية حراماً وبهذه المثابة التي ذكرها ابن القيم لأن فيها إقراراً لما هم عليه من شعائر الكفر، ورضى به لهم، وإن كان هو لا يرضى بهذا الكفر لنفسه، لكن يحرم على المسلم أن يرضى بشعائر الكفر أو يهنّئ بها غيره، لأن الله تعالى لا يرضى بذلك كما قال الله تعالى: {إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم} وقال تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً} ، وتهنئتهم بذلك حرام سواء كانوا مشاركين للشخص في العمل أم لا. وإذا هنؤنا بأعيادهم فإننا لا نجيبهم على ذلك لأنها ليست بأعياد لنا، ولأنها أعياد لا يرضاها الله تعالى، لأنها إما مبتدعة في دينهم وإما مشروعة لكن نسخت بدين الإسلام الذي بعث الله به محمداً إلى جميع الخلق، وقال فيه: {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} . وإجابة المسلم دعوتهم بهذه المناسبة حرام، لأن هذا أعظم من تهنئتهم بها لما في ذلك من مشاركتهم فيها. وكذلك يحرم على المسلمين التشبه بالكفار بإقامة الحفلات بهذه المناسبة، أو تبادل الهدايا أو توزيع الحلوى، أو أطباق الطعام،أو تعطيل الأعمال ونحو ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: {من تشبّه بقوم فهو منهم} . قال شيخ الإسلام ابن تيميه في كتابه: (اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم) : " مشابهتهم في بعض أعيادهم توجب سرور قلوبهم بما هم عليه من الباطل، وربما أطمعهم ذلك في انتهاز الفرص واستذلال الضعفاء ". انتهي كلامه يرحمه الله. ومن فعل شيئاً من ذلك فهو آثم سواء فعله مجاملة أو توددا أو حياء أو لغير ذلك من الأسباب لأنه من المداهنة في دين الله، ومن أسباب تقوية نفوس الكفار وفخرهم بدينهم. والله المسئول أن يعز المسلمين بدينهم، ويرزقهم الثبات عليه، وينصرهم على أعدائهم، إنه قوي عزيز. (مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين 3/369) . [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 947 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 983 السفر إلى البلاد الأجنبية من أجل النزهة والسياحة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم السفر إلى البلاد الأجنبية الغربية لمدة أسبوعين أو ثلاثة من أجل النزهة والسياحة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله السفر إلى بلاد الكفار لمجرد النزهة لا يجوز عند جمع من أهل العلم؛ لما فيه من التعرض للمنكرات والفتن، مع عدم وجود الضرورة أو الحاجة لذلك. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " السفر إلى بلاد الكفار محرم إلا بثلاثة شروط: الأول: أن يكون عند الإنسان علمٌ يدفع به الشبهات. والثاني: أن يكون عنده دين يحميه من الشهوات. والثالث: أن يكون محتاجاً إلى ذلك ... أن يحتاج إلى ذلك، إما لعلم لا يوجد له نظير في المملكة، أو ذهب لمرضٍ يتداوى، أو لتجارة لا بد منها، وأما إذا لم يكن له حاجة فلا يذهب، وكم من أناسٍ يذهبون إلى الخارج باسم التمشي والنزهة فتفسد أخلاقهم وتنحل عقائدهم -والعياذ بالله- ويرجعون ممسوخين، ولا شك أن هذا لا يحل للمسلم أن يتعرض له لما فيه من الشر والفساد " انتهى من "اللقاء الشهري" رقم 6. وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: "وأما السفر إلى بلاد الكفر والبلاد الإباحية فلا يجوز لما فيه من الفتن والشرور ومخالطة الكفار ومشاهدة المنكرات وتأثر القلب بذلك، إلا في حدود ضيقة حددها أهل العلم وهي: 1- العلاج الذي يضطر إليه ولا يجده في بلاد المسلمين. 2- التجارة التي تستدعي سفره. 3- تعلم العلوم التي يحتاج إليها المسلمون ولا توجد في بلادهم. 4- القيام بالدعوة إلى الله عز وجل ونشر الإسلام. ويشترط في كل الأحوال أن يكون قادراً على إظهار دينه، ومعتزاً بعقيدته، مبتعداً عن مواطن الفتن. وأما السفر لمجرد النزهة، أو الاستجمام فهو محرم شديد التحريم " انتهى. وقال أيضا: " ومن مظاهر موالاة الكفار: السفر إلى بلادهم لغرض النزهة ومتعة النفس. والسفر إلى بلاد الكفار محرم إلا عند الضرورة، كالعلاج والتجارة والتعليم للتخصصات النافعة التي لا يمكن الحصول عليها إلا بالسفر إليهم، فيجوز بقدر الحاجة، وإذا انتهت الحاجة وجب الرجوع إلى بلاد المسلمين. ويشترط كذلك لجواز هذا السفر أن يكون مظهراً لدينه، معتزاً بإسلامه، مبتعداً عن مواطن الشر؛ حذِراً من دسائس الأعداء ومكائدهم، وكذلك يجوز السفر أو يجب إلى بلادهم إذا كان لأجل الدعوة إلى الله ونشر الإسلام " انتهى من "مجلة البحوث الإسلامية" (25/118) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111934 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 984 كيف يعامل المسلم أهله الكفار؟ [السُّؤَالُ] ـ[امرأة أسلمت وتعيش مع أهلها غير المسلمين، وهم الآن لا يعترضون على إسلامها، قد حاولت دعوتهم بطرق شتى، ولكن لا جدوى، فكيف تتعامل معهم وهم على ضلالتهم؟ هل تصلهم أم تحد علاقتها بهم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب على من هداه الله تعالى للإسلام أن يبادر بهذا النور ليضيء به حياة أهله وعشيرته، فهم أولى الناس بدعوته، وبنور الإسلام، وإذا وُجد من أولئك من كان غير معترض على الإسلام فهو نعمة عظيمة على المسلم استثمارها لتقديم الإسلام لهم بطريقة حسنة، وليسلك في دعوته لهم كل سبيل مباح، من تقديم الأشرطة المرئية والمسموعة، والكتب، والمواقع، واستضافة الشخصيات الإسلامية المؤثرة، وليتقرب لهم بالهدايا، والمعاملة الحسنة، والأخلاق الفاضلة، وليبتعد عن التعنيف، وليداوم على دعاء الله أن يهديهم ويوفقهم. وإذا كان الله تعالى قد أمر بالإحسان للوالدين اللذين يدعوان ولدهما للكفر ويبذلان في ذلك جهوداً عظيمة: فأولى أن تكون تلك المعاملة لمن رضي لك إسلامك، ولم يعترض عليه. قال الله تبارك وتعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ. وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ) لقمان/ 14، 15. قال ابن جرير الطبري رحمه الله: "وإن جاهدك أيها الإنسان، والداك على أن تشرك بي في عبادتك إياي معي غيري، مما لا تعلم أنه لي شريك - ولا شريك له تعالى ذكره علوّاً كبيراً: فلا تطعهما فيما أراداك عليه من الشرك بي، (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيا مَعْرُوفًا) يقول: وصاحبهما في الدنيا بالطاعة لهما فيما لا تبعة عليك فيه فيما بينك وبين ربك، ولا إثم". " تفسير الطبري " (20 / 139) . وقال ابن كثير رحمه الله: "أي: إن حَرَصَا عليك كل الحرص، على أن تتابعهما على دينهما: فلا تقبل منهما ذلك، ولا يمنعنَّك ذلك من أن تصاحبهما في الدنيا معروفاً، أي: محسنًا إليهما، (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ) يعني: المؤمنين" انتهى. " تفسير ابن كثير " (6 / 337) . وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: لي أهل مشركون إلا أختاً لي مسلمة، فهل يجوز لي الإقامة والأكل والشرب معهم، وإن كان يجوز مع أن ذلك ليس على حساب ديني: فهل يجوز لي التصريح لهم بأنهم كفار خارجون عن دين الله؟ مع أني دعوتهم فهم مترددون، لا إلى هؤلاء، ولا إلى هؤلاء، ولكنهم أقرب للشرك، مع أني لا أجد سكناً إلا معهم. فأجابوا: "الواجب عليك الاستمرار في نصحهم، وتذكيرهم، ومصاحبتهم بالمعروف، ولين القول لهم، وإن كنتَ ذا مال: فأنفق عليهم؛ لعل الله سبحانه وتعالى أن يفتح قلوبهم، وينير بصائرهم، قال تعالى: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ) لقمان / 15. وابحث عن شتى السبل لإيصال الحق لهم بالرسائل، والكتب، والأشرطة ... " انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان. " فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 255، 256) . وقال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله: "فالله سبحانه وتعالى أوجب بر الوالدين بالمعروف والإحسان ولو كانا كافرين، وقال تعالى: (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ. وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ) لقمان / 14، 15. فيجب عليك أن تُحسن إلى والديك الإحسان الدنيوي، وأما في الدين: فأنت تتبع الدين الحق ولو خالف دين آبائك، مع الإحسان للوالدين من باب المكافأة، فأنت تحسن إليهما وتكافئهما على معروفهما، ولو كانا كافرين، فلا مانع أن تواصل والدك، وأن تبر به، وأن تكافئه؛ ولكن لا تطيعه في معصية الله عز وجل" انتهى. " المنتقى من فتاوى الفوزان " (2 / 257، السؤال رقم 226) . وانظري – لمزيد فائدة - أجوبة الأسئلة: (20961) و (27196) و (27105) و (6401) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112006 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 985 الإقامة في بلاد الكفر مع عدم وجود جالية أو جامع [السُّؤَالُ] ـ[إذا أمكن المسلم إظهار دينه في بلاد الكفر وهو مقيم للعمل ولكن لا يوجد جامع ولا جالية هل يأثم بهذا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: دلت الأدلة على تحريم المقام بين ظهراني المشركين، ووجوب الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام لمن قدر على ذلك. قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) النساء/97. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ) . رواه أبو داود (2645) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. هذا هو الأصل العام، إلا أنه يجوز الذهاب إلى تلك البلاد للمصلحة والحاجة، كالتجارة والدراسة ونحوها بشرط التمكن من إظهار الدين وشعائره. وأما من لم يمكنه إظهار الدين فإنه يحرم عليه البقاء، وتلزمه الهجرة مع القدرة. وينظر جواب السؤال رقم 13363. ثانيا: المقصود بإظهار الدين هو إعلان التوحيد، والبراءة من الشرك، وإقامة الشعائر دون خوف. فقد سئل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله: أَفتنا عن معنى حديث: (مَن سَاكَن الْمشرك وَجَامَعَه فهوَ مِثله) . وحديث: (أَنا بَرِيءٌ مِن مَسلِم بَات بَين ظهرَاني الْمشرِكِين) . فأجاب: "حديث: (مَن جَامَعَ الْمشرِك أَو سَكن مَعَه فهوَ مِثله) وحديث: (أَنا بَرِيءٌ مِن مسلِم بَات بَين ظهرَاني الْمشرِكِين) هذان الحديثان هما من الوعيد الشديد المفيد غلظ تحريم مساكنة المشركين ومجامعتهم، كما هما من أَدلة وجوب الهجرة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام، وهذا في حق من لم يقدر على إظهار دينه. وأَما من قدر على إظهار دينه فلا تجب عليه الهجرة، بل هي مستحبة في حقه. وقد لا تستحب إذا كان في بقائه بين أَظهرهم مصلحة دينية من دعوة إلى التوحيد والسنة وتحذير من الشرك والبدعة علاوة على إظهاره دينه. وإظهاره دينه ليس هو مجرد فعل الصلاة وسائر فروع الدين واجتناب محرماته من الربا والزنا وغير ذلك. إنما إظهار الدين مجاهرته بالتوحيد والبراءة مما عليه المشركون من الشرك بالله في العبادة وغير ذلك من أَنواع الكفر والضلال " انتهى من "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم" (1/77) . وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: ما حكم من خاف من اعتداء الكفار والمشركين وجاملهم في بعض أفعالهم المنكرات؛ خوفًا منهم، وليس إقرارًا أو رضاء بما يفعلون؟ فأجاب: "لا يجوز للمسلم أن يجامل الكفار على حساب دينه، أو أن يوافقهم في أفعالهم؛ لأن أفعالهم ربما تكون كفرًا وشركًا وكبائر من كبائر الذنوب؛ فلا يجوز للمسلم أن يوافقهم على ذلك، أو أن يشاركهم في ذلك باختياره، بل الواجب عليه أن يُظهِرَ دينه. ولا يجوز له الإقامة مع الكفار والبقاء في بلادهم إلا إذا كان يقدر على إظهار دينه؛ بأن يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويدعو إلى الله عز وجل، هذا هو إظهار الدين؛ فإذا كان لا يستطيع ذلك؛ وجب عليه أن يُهاجِر إلى بلاد المسلمين من بلاد الكفار، ولا يبقى فيها على حساب دينه وعقيدته " انتهى من "المنتقى" (1/254) . وإظهار الدين على هذا الوجه يتعذر غالبا على من يعيش بمفرده في هذه البلاد، أو مع جماعة قليلة من المسلمين. وعلى فرض تمكنك من إظهار دينك، فإن البقاء بمعزل عن المسلمين، له آثاره السيئة التي لا تخفى على النفس والأهل والذرية، ومعلوم أنه توجد أجيال من المسلمين قد انسلخت عن دينها ولغتها وقيمها بسبب البقاء في هذه البلدان، لا تسمع الأذان، ولا تشهد الجماعة، ولا ترى المؤمنين، والكفر يحيط بها من كل جانب، والمنكرات تغزوها من كل صوب. فلهذا ننصحك بالفرار بدينك، والمحافظة على نفسك ومن معك، والانتقال إلى بلاد الإسلام، أو إلى محل يكثر فيه تجمع المسلمين، وتتمكن معهم من إقامة الجمعة والجماعة، وإظهار الأذان، وإعلان الشعائر. ونضع بين يديك نصيحة كتبها الشيخ ابن باز رحمه الله تناسب المقام: قال رحمه الله في رسالة وجهها لمسلم يقيم في إيطاليا: " فإشارة إلى رسالتك التي تذكر فيها أنك شاب مسلم تقيم في إيطاليا، وأن بها شبابا من المسلمين كثيرين، وأن أغلبهم استجاب لرغبة الصليبيين في إبعادهم عن دين الإسلام وتعاليمه السامية، فأصبح أغلبهم لا يصلي، وتخلق بأخلاق سيئة، ويعمل المنكرات ويستبيحها. . إلى غير ذلك مما ذكرته في رسالتك. وأفيدك بأن الإقامة في بلد يظهر فيها الشرك والكفر، ودين النصارى وغيرهم من الكفرة لا تجوز، سواء كانت الإقامة بينهم للعمل أو للتجارة أو للدراسة، أو غير ذلك؛ لقول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهََّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا) . ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين) . وهذه الإقامة لا تصدر عن قلب عرف حقيقة الإسلام والإيمان، وعرف ما يجب من حق الله في الإسلام على المسلمين، ورضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا. فإن الرضا بذلك يتضمن من محبة الله، وإيثار مرضاته، والغيرة لدينه، والانحياز إلى أوليائه ما يوجب البراءة التامة والتباعد كل التباعد من الكفرة وبلادهم، بل نفس الإيمان المطلق في الكتاب والسنة، لا يجتمع مع هذه المنكرات، وصح عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله بايعني واشترط، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تعبد الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتناصح المسلمين وتفارق المشركين) أخرجه أبو عبد الرحمن النسائي، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: (أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين) وقال عليه الصلاة والسلام: (لا يقبل الله عز وجل من مشرك عملا بعد ما أسلم؛ أو يفارق المشركين) والمعنى حتى يفارق المشركين. وقد صرح أهل العلم بالنهي عن ذلك، والتحذير منه، ووجوب الهجرة مع القدرة، اللهم إلا رجل عنده علم وبصيرة، فيذهب إلى هناك للدعوة إلى الله، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وشرح محاسن الإسلام لهم، وقد دلت آية سورة براءة: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) على أن قصد أحد الأغراض الدنيوية ليس بعذر شرعي، بل فاعله فاسق متوعد بعدم الهداية إذا كانت هذه الأمور أو بعضها أحب إليه من الله ورسوله، ومن الجهاد في سبيل الله. وأي خير يبقى مع مشاهدة الشرك وغيره من المنكرات والسكوت عليها، بل وفعلها، كما حصل ذلك من بعض من ذكرت من المنتسبين للإسلام. وإن زعم المقيم من المسلمين بينهم أن له أغراضا من الأغراض الدنيوية، كالدراسة، أو التجارة، أو التكسب، فذلك لا يزيده إلا مقتا. وقد جاء في كتاب الله سبحانه وتعالى الوعيد الشديد والتهديد الأكيد على مجرد ترك الهجرة، كما في آيات سورة النساء المتقدم ذكرها، وهي قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ) الآيات وما بعدها. فكيف بمن يسافر إلى بلاد الكفرة، ويرضى الإقامة في بلادهم، وكما سبق أن ذكرت أن العلماء رحمهم الله تعالى حرموا الإقامة والقدوم إلى بلاد يعجز فيها المسلم عن إظهار دينه، والمقيم للدراسة أو للتجارة أو للتكسب، والمستوطن، حكمهم وما يقال فيهم حكم المستوطن لا فرق، إذا كانوا لا يستطيعون إظهار دينهم، وهم يقدرون على الهجرة. وأما دعوى بغضهم وكراهتهم مع الإقامة في ديارهم فذلك لا يكفي، وإنما حرم السفر والإقامة فيها لوجوه، منها: 1 - أن إظهار الدين على الوجه الذي تبرأ به الذمة متعذر وغير حاصل. 2 - نصوص العلماء رحمهم الله تعالى، وظاهر كلامهم وصريح إشاراتهم أن من لم يعرف دينه بأدلته وبراهينه، ويستطيع المدافعة عنه، ويدفع شبه الكافرين، لا يباح له السفر إليهم. 3 - من شروط السفر إلى بلادهم: أمن الفتنة بقهرهم وسلطانهم وشبهاتهم وزخرفتهم، وأمن التشبه بهم والتأثر بفعلهم. 4 - أن سد الذرائع وقطع الوسائل الموصلة إلى الشرك من أكبر أصول الدين وقواعده؛ ولا شك أن ما ذكرته في رسالتك مما يصدر عن الشباب المسلمين الذين استوطنوا هذه البلاد هو من ثمرات بقائهم في بلاد الكفر، والواجب عليهم الثبات على دينهم والعمل به، وإظهاره، واتباع أوامره، والبعد عن نواهيه، والدعوة إليه، حتى يستطيعوا الهجرة من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام. والله المسؤول أن يصلح أحوالكم جميعا، وأن يمنحكم الفقه في دينه والثبات عليه، وأن يعينكم على الهجرة من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام، وأن يوفقنا وإياكم وجميع المسلمين لكل ما يحبه ويرضاه، وأن يعيذنا وإياكم وسائر المسلمين من مضلات الفتن ومن نزغات الشيطان، وأن يعيننا جميعا على كل خير، وأن ينصر دينه، ويعلي كلمته، وأن يصلح ولاة أمور المسلمين ويمنحهم الفقه في دينه، وأن يوفقهم لتحكيم شريعة الله في بلادهم، والتحاكم إليها، والرضا بها، والحذر مما يخالفها، إنه ولي ذلك والقادر عليه" انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (9/403) . نسأل الله تعالى أن يلهمك رشدك، وأن ييسر أمرك، وأن يوفقك للخير والبر حيث كان. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111564 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 986 هل يُهدي للكافر لتأليف قلبه على الإسلام؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما الحكم إذا أعطى الكافر أموالاً أو أهدى إليه هدايا بقصد تأليف قلبه إلى الإسلام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " لا بأس بهذا – أي لا بأس أن يهدى إليه هدية أو يُعطى دراهم أو يُسكن بيتاً من أجل تأليفه على الإسلام، ولكن يجب أن تلاحظ أن التأليف لابد أن يكون له محل، بأن يكون هذا المؤلَّف ممن يُرجى إسلامه، أما إذا كان من أئمة الكفر الذين لا يُرجى إسلامهم فإنهم لا يُعطون إلا إذا كانوا يُعطون من أجل دفع ضررهم " انتهى. فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. "الإجابات على أسئلة الجاليات" (1/25، 26) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109193 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 987 هل يقضي حاجة جاره الكافر؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان جاري كافراً فهل يجوز لي أن أقضي حاجته التي يطلبها مني؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " هذا يعود إلى ما جرى به العرف، فإذا كان من عادات الجيران أن بعضهم يقضي حاجة الآخر، كما لو نزل الجار إلى السوق وقال له جاره: اشتر لي معك كذا وكذا من فاكهة أو طعام أو نحوها، فلا بأس أن يفعل ذلك مع جاره الكافر، لأن ذلك من إكرام الجار، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره) . وأما ما لم تجر به العادة والعرف فيه فهذا ينظر فيه إلى المصلحة " انتهى. فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. "الإجابات على أسئلة الجاليات" (1/15، 16) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109199 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 988 هل يبتسم في وجه الكافر ويلين له؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا التقيت بالكافر في طريق ضيق فجرى بيني وبينه حديث وابتسام ولين في الكلام مع بغضي له فهل في هذا شيء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " الكافر لا ينبغي أن تريه ما يشعر بالمودة له والمحبة له؛ لأن هذا من المودة التي قال فيها الله: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) المجادلة/22، ولكن قابله بما تقتضيه حاله، فإن كان ممن عرف بالإساءة إلى المسلمين فقابله بوجه عابس غاضب كاره، وإن كان هادئاً مسالماً وبيننا وبينه عهد فقابله بوجه لين، ولا تظهر أنك عدو له " انتهى. فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. "الإجابات على أسئلة الجاليات" (1/16، 17) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109210 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 989 أجبرها أهلها على زواج صوري ليحصل الزوج على إقامة وجنسية! [السُّؤَالُ] ـ[أنا فتاة أبلغ من العمر 23 سنة، أعيش في ألمانيا منذ 15 سنة مع والدتي وأخي، وذلك أثر طلاق والداي، قبل سنة أرغمتني والدتي على الزواج برجل ادَّعت أنه في حاجة ماسة للإعانة، وأمام غطرستها، وتهديدها الدائم لي بالغضب عليَّ، وانعدام المسؤولية عند أخي: لم يكن لي أي خيار، منذ قليل اكتشفت حماقتي، وجهلي , إذ إن أمي تبرر كل أوامرها بحجج تدَّعي أنها من الدين، وتم الزواج لدى المحاكم الألمانية , زواج صوري، يمكِّن هذا الرجل الذي لم أره سوى عند كتابة العقد من البقاء في ألمانيا والحصول على الجنسية الألمانية بعد سنتين، بعد محاولات عديدة أمكن لي الحصول على موافقة والدتي للبداية في إجراءات الطلاق، الرجل الذي أصبح اليوم قادراً على البقاء في ألمانيا موافق على طلاق التراضي، كما كان اتفاقه مع والدتي منذ البداية. سؤالي هو الآتي: كيف أكفِّر عن ذنبي؟ هل عليَّ عدة المطلقات؟ لقد تقدم شاب لي، ويود الزواج بي، وأنا حائرة، إن أعلمته أخشى أن يتركني، وإن لم أفعل أكون خدعته، ثم متى أحل له، أبعد الطلاق من الزواج الباطل أم قبل ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يجوز لأحدٍ أن يُكره موليته على النكاح ممن لا ترغب، والعقد الذي يثبت أن المرأة البالغ زُوِّجت فيه بغير إرادتها: باطل عند بعض العلماء، ومتوقف عليها لإمضائه عند آخرين، وفي كل الأحوال لا يجوز أن تُجبر البالغ على الزواج. وتفصيل ذلك في جواب السؤال رقم: (47439) . ولا نرى أنك صغيرة بحيث يتحكم في تزويجك والدتك وأخوك، فكان الأجدر بك الوقوف في وجوههم، والاعتراض على مثل هذا الزوج والزواج، وبخاصة أنكم في بلد يدَّعي أهله أنهم ينصرون النساء! . ثانياً: العقود التي تُجرى في محاكم الدول الكافرة: قد تكون عقوداً باطلة، وقد تكون صحيحة، فإن كان سبقها عقد شرعي، اشتمل على إيجاب، وقبول، وموافقة ولي، وشهود أو إعلان: كانت العقود أمام تلك المحاكم للتوثيق، والتثبيت، لا للإنشاء، وإن لم يسبقها عقود شرعية: فلا قيمة لها، ولا يُبنى عليها أحكام؛ لأنها باطلة أصلاً. وينظر جواب السؤال رقم: (4458) . ثالثاً: ثمة عقود زواج تُبرم في دول الكفر لا لأجل العفاف والستر وإنشاء أسرة، بل لغايات الإقامة والجنسية! وليُعلم أن الزواج هو " كلمة الله " وهو " الميثاق الغليظ "، وأنه لا يجوز الاستهانة بهذه العقود، وجعلها مجالاً للعبث. وليُعلم أن هذه العقود " الصُّورية " أو " الشكلية " إذا تمَّت وفق الشرع فإنه تترتب عليها آثارها الشرعية، من المهر، والعدَّة، وغير ذلك، وأما إذا لم تتم وفق الأحكام الشروط الشرعية: فإنه لا تترتب عليها آثارها الشرعية، مع وجود الإثم. سئل علماء اللجنة الدائمة: نحن شباب مسلم - والحمد لله -، من مصر، ولكننا نقيم في هولندا، ونسأل عن حكم الإسلام في بعض الشباب المسلم الذي يلجأ للزواج من الأوربية، أو بعض النسوة الأجنبيات اللاتي معهن أوراق الإقامة، وذلك للحصول على الإقامة في هولندا، مع العلم أن هذا الزواج صوري، أي: حبر على ورق - كما يقولون – أي: أنه لا يعيش معها، ولا يعاشرها كزوجة، هو فقط يذهب معها إلى مبنى الحكومة، ومعه شاهدان، ويتم توثيق العقد، وبعد ذلك كل ينصرف لطريقه؟ . فأجابوا: عقد النكاح من العقود التي أكد الله عِظم شأنها، وسمَّاه " ميثاقاً غليظاً "، فلا يجوز إبرام عقد النكاح على غير الحقيقة من أجل الحصول على الإقامة. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ بكر أبو زيد. " فتاوى اللجنة الدائمة " (18 / 98، 99) . وفي جواب السؤال رقم: (2886) فتوى أخرى بالتحريم والمنع، فلتنظر. فالذي يظهر لنا أن والدك موجود وعلى قيد الحياة، وهو في هذه الحال وليك في الزواج، ولو كان مطلِّقاً لأمك، وأخوك ليس وليّاً لك مع وجود والدكِ، فإذا تمَّ الزواج بموافقة والدك، وحضور شهود، مع رضاكِ به: فهو عقد شرعي تترتب عليه آثاره، ولو لم يكن من أجل العيش معه؛ لأن واقعه – والحالة هذه – أنه عقد شرعي مكتمل الأركان، فلا يحل لك الزواج بغيره إلا بعد أن تحصلي على الطلاق، وتنتهي عدتك. وأما إن تمَّ العقد في الدوائر الرسمية فقط، ودون موافقتك أو موافقة والدك: فهو عقد غير شرعي، ولا تترتب عليه آثاره، ولا حاجة للحصول على الطلاق، إلا من أجل أنك زوجة في الأوراق الرسمية، لا من أجل أنك زوجة شرعاً، مع استحقاق من ساهم في وجوده للإثم؛ لاستهانته بالعقد الشرعي، وجعله مجالاً للعبث. والخلاصة: أن الواجب عليك الاحتياط في أمر زواجك الجديد، على الأقل، وألا تقدمي على إتمام الخطبة الجديدة، إلا بعد طلاقك من الأول، وبإمكانك إتمام الخطبة والزواج الجديد بمجرد إنهاء الطلاق من الأول، وليس عليك عدة تنتظرينها، ولا فاصل زمني بين الزواجين. وأما بخصوص إعلام الخاطب الجديد، فإن كان يغلب على ظنك أنه لن يعلم بما حدث، فلا ننصحك بإخباره، وأتمي زواجك به، كأن شيئاً لم يكن. وإن كنت تظنين أنه سوف يعلم ذلك، فليعلمه منك أفضل وأكرم، والقلوب بيد الرحمن يقلبها كيف شاء، فاستعين بربك سبحانه، على صرف قلبه إليك، إن كان في زواجك منه خير لك. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106719 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 990 إيضاح القاعدة العظيمة: " تحريم موالاة الكفّار " [السُّؤَالُ] ـ[نرجو التوضيح بالأمثلة ما المقصود من العبارة التالية: " موالاة الكفّار حرام ".]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم الأمثلة توضّح المقصود وتجلّيه ولذلك ننتقل إليها مباشرة وننقل بعضا من أهمّ ما ذكره أهل العلم وأئمة الدّعوة من صور الموالاة الكفار: ـ الرضا بكفرهم أو الشك فيه أو الامتناع عن تكفيرهم أو الإقدام على مدح دينهم قال الله تعالى عن كفر الراضي: (ولكن من شرح بالكفر صدرا) . وقال تعالى موجبا ومشترطا الكفر بالطاغوت: (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى) . وقال عن اليهود في تفضيلهم المشركين على المسلمين: (ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا) . ـ التحاكم إليهم: كما في قوله تعالى: (يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أُمروا أن يكفروا به) ـ مودتهم ومحبتهم، قال تعالى: (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادُّون من حاد الله ورسوله.. الآية) ـ الركون إليهم والاعتماد عليهم وجعلهم سندا وظهيرا، قال تعالى: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار) . ـ إعانتهم ومناصرتهم على المسلمين. قال الله تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) وقال عن الكفار: (بعضهم أولياء بعض) . وقال: (ومن يتولّهم منكم فإنه منهم) . ـ الانخراط في مجتمعاتهم والانضمام إلى أحزابهم وتكثير سوادهم والتجنُّس بجنسياتهم (لغير ضرورة) والخدمة في جيوشهم والعمل على تطوير أسلحتهم. ـ نقل قوانينهم وتحكيمها في بلاد المسلمين، قال تعالى: (أَفَحُكم الجاهلية يبغون) ـ التولي العام لهم واتخاذهم أعوانا وأنصارا وربط المصير بهم، قال الله تعالى ناهيا عن ذلك (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء. بعضهم أولياء بعض) . ـ مداهنتهم ومجاملتهم على حساب الدين، قال تعالى: (ودوا لو تدهن فيدهنون) . ويدخل في ذلك مجالستهم والدخول عليهم وقت استهزائهم بآيات الله، قال الله تعالى: (وقد نزّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يُكفر بها ويُسْتهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم) . ـ الثقة بهم واتخاذهم بطانة من دون المؤمنين وجعلهم مستشارين. قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً ودُّوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفى صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون. ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضُّوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور. إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها} وعَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ بَدْرٍ فَلَمَّا كَانَ بِحَرَّةِ الْوَبَرَةِ أَدْرَكَهُ رَجُلٌ قَدْ كَانَ يُذْكَرُ مِنْهُ جُرْأَةٌ وَنَجْدَةٌ فَفَرِحَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَأَوْهُ فَلَمَّا أَدْرَكَهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِئْتُ لأَتَّبِعَكَ وَأُصِيبَ مَعَكَ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ قَالَ لا قَالَ فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ قَالَتْ ثُمَّ مَضَى حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالشَّجَرَةِ أَدْرَكَهُ الرَّجُلُ فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ قَالَ فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ قَالَ ثُمَّ رَجَعَ فَأَدْرَكَهُ بِالْبَيْدَاءِ فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ قَالَ نَعَمْ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْطَلِقْ. " رواه مسلم 3388. ومن هذه النصوص يتبين لنا تحريم تولية الكفار الأعمال التي يتمكنون بواسطتها من الاطلاع على أحوال المسلمين وأسرارهم ويكيدون لهم بإلحاق الضرر بهم. ـ توليتهم المناصب الإدارية التي يرأسون بها المسلمين ويذلونهم ويتحكمون في رقاب الموحدين ويحولون بينهم وبين أدائهم عباداتهم. قال الله تعالى (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) ، وروى الإمام أحمد عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قلت لعمر رضي الله عنه: لي كاتب نصراني، قال: مالك قاتلك الله، أما سمعت قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض} (المائدة:51) ألا اتخذت حنيفاً، قلت يا أمير المؤمنين لي كتابته وله دينه، قال: لا أكرمهم إذ أهانهم الله، ولا أعزهم إذ أذلهم الله، ولا أدنيهم إذ أقصاهم الله. وكذلك جعلهم في بيوت المسلمين يطلعون على العورات ويربون أبناء المسلمين على الكفر ومن هذا ما وقع في هذا الزمان من استقدام الكفار إلى بلاد المسلمين وجعله عمالاً وسائقين ومستخدمين، ومربين في البيوت وخلطهم مع العوائل والأسر المسلمة. وكذلك ضمّ الأولاد إلى المدارس الكفرية والمعاهد التبشيرية والكليات والجامعات الخبيثة وجعلهم يسكنون مع عوائل الكفار. ـ التشبه بالكافرين في الملبس والهيئة والكلام وغيرها وذلك يدل على محبة المتشبه به، وقال النبي صلى الله عليه وسلم (من تشبه بقوم فهو منهم) . فيحرم التشبه بالكفار فيما هو من خصائصهم من عاداتهم، وعباداتهم، وسمتهم وأخلاقهم، كحلق اللحى، وإطالة الشوارب، والرطانة بلغتهم إلا عند الحاجة، وفي هيئة اللباس، والأكل والشرب وغير ذلك. ـ الإقامة في بلادهم بغير حاجة ولا ضرورة، ولهذا فإن المسلم المستضعف الذي لا يستطيع إظهار شعائر دينه تحرم عليه الإقامة بين الكفار إذا كان يقدر على الهجرة، قال تعالى: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً. إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً. فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفواً غفوراً} . فلم يعذر الله في الإقامة في بلاد الكفار إلا المستضعفين الذين لا يستطيعون الهجرة. وكذلك من كان في إقامته مصلحة دينية كالدعوة إلى الله ونشر الإسلام في بلادهم. فالإقامة بين ظهرانيهم محرمة لغير ضرورة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا بريء ممن أقام بين ظهراني المشركين) . ـ السفر إلى بلادهم لغرض النزهة ومتعة النفس: أمّا الذّهاب لحاجة شرعية - كالعلاج والتجارة وتعلّم التخصصات النافعة التي لا يمكن الحصول عليها إلا بالسفر إليهم - فيجوز بقدر الحاجة، وإذا انتهت الحاجة وجب الرجوع إلى بلاد المسلمين. ويشترط للذّاهب في هذه الحالة أن يكون معه علم يدفع به الشبهات وإيمان يدفع به الشهوات وأن يكون مُظهِراً لدينه معتزاً بإسلامه مبتعداً عن مواطن الشر، حذِراً من دسائس الأعداء ومكائدهم، وكذلك يجوز السفر أو يجب إلى بلادهم إذا كان لأجل الدعوة إلى الله ونشر الإسلام. ـ مدحهم والذبّ عنهم والإشادة بما هم عليه من المدنية والحضارة والإعجاب بأخلاقهم ومهاراتهم دون نظر إلى عقائدهم الباطلة ودينهم الفاسد. قال تعالى: {ولا تمدن عينيك إلى ما متَّعنا به أزواجاً منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربِّك خيرٌ وأبقى} . وكذلك تعظيمهم وإطلاق ألقاب التفخيم عليهم والبدء بتحيتهم وتقديمهم في المجالس وفي المرور في الطرقات، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَلا النَّصَارَى بِالسَّلامِ فَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُ إِلَى أَضْيَقِهِ ". رواه مسلم 4030 ـ ترك تاريخ المسلمين والتأريخ بتأريخهم واعتماده خصوصاً التاريخ الذي يعبر عن طقوسهم وأعيادهم كالتاريخ الميلادي، وهو عبارة عن ذكرى مولد المسيح عليه السلام، والذي ابتدعوه من أنفسهم وليس هو من دين المسيح عليه السلام، فاستعمال هذا التاريخ فيه مشاركة في إحياء شعارهم وعيدهم. ولتجنب هذا لما أراد الصحابة رضي الله عنهم وضْع تاريخ للمسلمين في عهد الخليفة عمر رضي الله عنه عدلوا عن تواريخ الكفار وأرخوا بهجرة النبي صلى الله عليه وسلم مما يدل على وجوب مخالفة الكفار في هذا وفي غيره مما هو من خصائصهم ـ والله المستعان. ـ مشاركتهم في أعيادهم أو مساعدتهم في إقامتها أوتهنئتهم بمناسبتها أو حضور أماكنها. وقد فُسَّر الزور في قوله تعالى: {والذين لا يشهدون الزور} بأعياد الكفار. ـ التسمي بأسمائهم المُنكَرة، وقد غيّر النبي صلى الله عليه وسلم الأسماء الشركية كعبد العزّى وعبد الكعبة. ـ الاستغفار لهم والترحم عليهم: قال الله تعالى: (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم) . فهذه طائفة من الأمثلة التي توضّح قاعدة تحريم موالاة الكفّار، نسأل الله سلامة العقيدة وقوّة الإيمان والله المستعان. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2179 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 991 مضطر للسكن مع زملاء غير مسلمين [السُّؤَالُ] ـ[أسكن مع عشرة زملاء آخرين من دول مختلفة: تسعة منهم مسيحيون، والعاشر لا يعتنق أي دين، نتناول الوجبة الرئيسية سوياً على مائدة واحدة، يقوم بإعدادها اثنان من الطلبة كل يوم بالتناوب، فهل يصح شرعاً أن أتناول طعاماً مع هؤلاء؟ علماً بأن ظروفي المالية والدراسية لا تمكن من العيش بمفردي أبداً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "شريعة الإسلام مبنية على اليسر والسهولة، ورفع الحرج، ولك أن تستمر معهم ما دمت لا تتمكن من العيش وحدك، ولكن عليك أن تدعوهم إلى الله بأقوالك وأفعالك ومعاملتك لهم؛ لعل الله أن يجعل فيك بركة. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/87) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106433 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 992 ما هو الفرق بين عرش الربّ وكرسيه [السُّؤَالُ] ـ[ما هو الفرق بين الكرسي والعرش؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الكرسي هو موضع قدمي الرحمن عز وجل على أصح الأقوال فيه، والعرش أكبر من الكرسي. والعرش هو أعظم المخلوقات، وعليه استوى ربنا استواءً يليق بجلاله، وله قوائم، ويحمله حملة من الملائكة عظام الخلق. وقد أخطأ من جعلهما شيئاً واحداً. وهذه أدلة ما سبق مع طائفة من أقوال العلم: عن ابن مسعود قال: بين السماء الدنيا والتي تليها خمسمائة عام وبين كل سماء خمسمائة عام، وبين السماء السابعة والكرسي خمسمائة عام، وبين الكرسي والماء خمسمائة عام، والعرش فوق الماء، والله فوق العرش لا يخفى عليه شيء من أعمالكم. رواه ابن خزيمة في " التوحيد " (ص 105) ، والبيهقي في " الأسماء والصفات " (ص 401) . والأثر: صححه ابن القيم في " اجتماع الجيوش الإسلامية " (ص 100) ، والذهبي في " العلو " (ص 64) . قال الشيخ ابن عثيمين: هذا الحديث موقوف على ابن مسعود، لكنه من الأشياء التي لا مجال للرأي فيها، فيكون لها حكم الرفع، لأن ابن مسعود لم يُعرف بالأخذ من الإسرائيليات. " القول المفيد شرح كتاب التوحيد " (3 / 379) . وقال الإمام محمد بن عبد الوهاب في مسائل هذا الحديث: ... التاسعة: عِظَم الكرسي بالنسبة إلى السماء. العاشرة: عظم العرش بالنسبة إلى الكرسي. الحادية عشرة: أن العرش غير الكرسي والماء. " شرح كتاب التوحيد " (ص 667، 668) . وعرش الرحمن هو أعظم المخلوقات، وأوسعها. قال تعالى: {فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش العظيم} [المؤمنون / 116] ، وقال تعالى {وهو رب العرش العظيم} [التوبة / 129] ، وقال تعالى {ذو العرش المجيد} [البروج / 15] . قال القرطبي: خصَّ العرش لأنه أعظم المخلوقات فيدخل فيه ما دونه. " تفسير القرطبي " (8 / 302، 303) . وقال ابن كثير: {وهو رب العرش العظيم} أي: هو مالك كل شيء وخالقه؛ لأنه رب العرش العظيم الذي هو سقف المخلوقات، وجميع الخلائق من السموات والأرضين وما فيهما وما بينهما تحت العرش مقهورين بقدرة الله تعالى، وعلمه محيط بكل شيء، وقدره نافذ في كل شيء، وهو على كل شيء وكيل. " تفسير ابن كثير " (2 / 405) . وقال رحمه الله: {ذو العرش} أي: صاحب العرش العظيم العالي على جميع الخلائق، و {المجيد} : فيه قراءتان: الرفع على أنه صفة للرب عز وجل، والجر على أنه صفة للعرش، وكلاهما معنى صحيح. " تفسير ابن كثير " (4 / 474) . والمجيد: المتسع عظيم القدر. عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الناس يُصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور ". رواه البخاري (3217) . وللعرش حملة يحملونه. قال تعالى: (الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلماً فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم) [غافر / 7] . وهم على خِلقة عظيمة. عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أُذِن لي أن أحدِّث عن ملَك من ملائكة الله من حملة العرش، إنَّ ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام ". رواه أبو داود (4727) . والحديث: قال عنه الحافظ ابن حجر: وإسناده على شرط الصحيح. " فتح الباري " (8 / 665) . والعرش فوق الكرسي بل فوق كل المخلوقات. قال ابن القيم: إنه إذا كان سبحانه مبايناً للعالَم فإما أن يكون محيطا به أو لا يكون محيطا به، فإن كان محيطاً به لزِم علوّه عليه قطعاً ضرورة علو المحيط على المحاط به، ولهذا لما كانت السماء محيطة بالأرض كانت عالية عليها، ولما كان الكرسي محيطاً بالسماوات كان عالياً عليها، ولما كان العرش محيطاً بالكرسي كان عالياً فما كان محيطاً بجميع ذلك كان عالياً عليه ضرورة ولا يستلزم ذلك محايثته لشيء مما هو محيط به ولا مماثلته ومشابهته له. " الصواعق المرسلة " (4 / 1308) . 7. والعرش ليس هو المُلْك وليس هو الكرسي. قال ابن أبي العز الحنفي: وأما من حرَّف كلام الله وجعل العرش عبارة عن الملك، كيف يصنع بقوله تعالى: {ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثانية} [الحاقة / 17] ، وقوله {وكان عرشه على الماء} [هود / 7] ؟ أيقول: ويحمل ملكه يومئذ ثمانية، وكان ملكه على الماء ويكون موسى عليه السلام آخذا بقائمة من قوائم المُلْك؟ هل يقول هذا عاقل يدري ما يقول. وأما الكرسي فقال تعالى: {وسع كرسيه السموات والأرض} [البقرة / 255] ، وقد قيل: هو العرش، والصحيح: أنه غيره، نُقل ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره روى ابن أبي شيبة في كتاب " صفة العرش " والحاكم في " مستدركه " وقال: إنه على شرط الشيخين ولم يخرجاه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى: {وسع كرسيه السموات والأرض} أنه قال: " الكرسي موضع القدمين، والعرش لا يقدر قدره إلا الله تعالى ". وقد روي مرفوعاً، والصواب: أنه موقوف على ابن عباس ... قال أبو ذر رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما الكرسي في العرش إلا كحلْقة من حديد أُلقيت بين ظهري فلاة من الأرض ". .. وهو كما قال غير واحدٍ من السلف: بين يدي العرش كالمرقاة إليه. " شرح العقيدة الطحاوية " (ص 312، 313) . وقال الشيخ ابن عثيمين: هناك من قال: إن العرش هو الكرسي لحديث " إن الله يضع كرسيَّه يوم القيامة "، وظنوا أن الكرسي هو العرش. وكذلك زعم بعض الناس أن الكرسي هو العلم، فقالوا في قوله تعالى: {وسع كرسيه السموات والأرض} أي: علمه. والصواب: أن الكرسي موضع القدمين، والعرش هو الذي استوى عليه الرحمن سبحانه. والعلم: صفة في العالِم يُدرك فيها المعلوم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] القول المفيد شرح كتاب التوحيد " (3 / 393، 394) . الحديث: 9566 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 993 هل النصارى الموجودون الآن أقرب الناس إلينا مودة؟ [السُّؤَالُ] ـ[إن الله تعالى يقول في كتابه عن النصارى: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى..) المائدة / 82 ومعلوم لدينا في الوقت الحاضر عداوتهم الشديدة للإسلام والمسلمين فما موقفنا منهم؟ وهل تجوز اللعنة عليهم كما جازت على اليهود؟ هذا السؤال يحيرني كثيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس في الثناء المذكور في هذه الآيات ما يوجب الحيرة في شأن النصارى والتوقف في لعنتهم فإن الموصوفين بتلك الصفات ليس المقصود بهم جميع النصارى، بل طائفة منهم استجابت للحق ولم تستكبر عن اتباعه، وهذا هو الذي يقتضيه سياق الآيات المسؤول عنها (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ {82} وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) المائدة / 82 – 83، فالآيات تتحدث عن قوم من النصارى لما عرفوا الحق أسلموا وأعلنوا إيمانهم. قال العلامة ابن القيم في هذه الآيات: والمقصود أن هؤلاء أي الموصفين بهذه الصفات الذين عرفوا أنه رسول الله بالنعت الذي عندهم فلم يملكوا أعينهم من البكاء وقلوبهم من المبادرة إلى الإيمان. أما لعنة من لم يؤمن بمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من النصارى فلا يحصى ما جاء من الأدلة القطعية الدالة على ذلك، ومنها ما روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في مرضه الذي لم يقم منه: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) وكيف لا يلعن من وصف الله قوله في كتابه إذ يقول: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) المائدة / 72، وإذ يقول: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ) المائدة / 73 إلى غير ذلك من النصوص المتضمنة لكفرياتهم وضلالاتهم. ومن الآيات المصرحة بمصيرهم قوله تعالى في آخر تلك الآيات التي ذكرها السائل: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) المائدة / 86 فتوى الشيخ ابن إبراهيم بتصرف. مجلة البحوث الإسلامية (58/36-39) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 22182 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 994 حكم عيادة المريض الكافر [السُّؤَالُ] ـ[يحدث أن يمرض أحد النصارى معنا في العمل أو الدراسة فهل تجوز زيارته وما حكم عيادة المريض الكافر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تجوز العيادة بقصد دعوته وعرض الإسلام عليه. وهذا توسط في المسألة فلا يصح المنع مطلقاً لأنه لم يرد في ذلك دليل بل هو خلاف الأدلة الصحيحة. والقول بالجواز مطلقاً فيه شيء من النظر فلم يبق إلا جواز عيادته إذا كان يعرض عليه الإسلام أو يرتجيه. وقد جاء في صحيح البخاري من طريق حماد بن زيد عن ثابت عن أنس رضي الله عنه قال. كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمَرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقعد عند رأسه فقال له. أسلم. فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له أطع أبا القاسم صلى الله عليه وسلم. فأسلم فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول. الحمد لله الذي أنقذه من النار. وهذا الحديث فيه فوائد. الأولى: حُسنُ خُلقه صلى الله عليه وسلم. الثانية: حرصه صلى الله عليه وسلم على هداية الخلق. الثالثة: أن اليهود إذا مات على يهوديته كافر مخلد في النار وهذا لا خلاف فيه بين أحد من أهل العلم قال النبي صلى الله عليه وسلم. والذي نفسي بيده لاَ يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار. رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة. الرابعة: عيادة اليهودي إذا رجيت المصلحة. قال أبو داود رحمه الله سمعت الإمام أحمد سئل عن عيادة اليهودي والنصراني؟ قال إن كان يريد أن يدعوه إلى الإسلام فنعم. وقد جاء في الصحيحين وغيرهما من طريق ابن شهاب قال أخبرني سعيد بن المسيب عن أبيه أنه أخبره أنه لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءَه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة قال رسول الله صلى لله عليه وسلم لأبي طالب ياعم قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعودان بتلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول لا إله إلا الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم. أما والله لأستغفرنّ لك مالم أُنه عنك فأنزل الله تعالى فيه {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى..} . والحديث فيه دليل على عيادة القريب المشرك إذا رُجي إسلامه قال الفضل بن زياد سمعت أحمد بن حنبل سئل عن الرجل المسلم يعود أحداً من المشركين، قال: إن كان يرى أنه إذا عاده يعرض عليه الإسلام يقبل منه فليعده كما عاد النبي صلى الله عليه وسلم الغلام اليهودي فعرض عليه الإسلام. [الْمَصْدَرُ] الشيخ سليمان العلوان الحديث: 13933 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 995 قطع النافلة والطواف لأجل صلاة الجنازة [السُّؤَالُ] ـ[سؤال: هل تُقْطَعُ صلاة النافلة أو طواف التطوع للصلاة على الجنازة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) ، وظاهره أن النافلة لا تُقطع إلا للفريضة، فلا تقطع لصلاة الجنازة، ولو قطعها المصلي فلا بأس؛ لأنه يجوز قطع النفل لغرض صحيح. وكذلك من يطوف تطوعاً يقطع طوافه لصلاة الجنازة، لكن الأفضل أن لا يقطع " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (17/158) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105358 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 996 هل يساعد شقيقه الهندوسي بالمال؟ [السُّؤَالُ] ـ[كيف أقف وأساند شقيقي الهندوسي وهو مقبل على الزواج؟ علماً أن له مواقف معي كثيرة، وقف معي عند قضاء ديني، ومرة عندما طعن الهندوس في ديني كان له مواقف ضدهم ودافع عني. هل يمكن لي أن أسانده مادياً وأقف معه حتى يتم مراسم زواجه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا مانع من صلة أخيك الكافر بالمال والهدية، خصوصاً إذا كان له معك مواقف جيدة، فإنك تكافؤه عليها، قال الله تعالى: (لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الممتحنة/8. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ عبد العزيز آل الشيخ.. الشيخ عبد الله بن غديان.. الشيخ صالح الفوزان.. الشيخ بكر أبو زيد. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (25/379) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105426 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 997 هل يعتبر التأريخ بالتاريخ الميلادي موالاة للكفار [السُّؤَالُ] ـ[هل التأريخ بالتاريخ الميلادي يعتبر من موالاة الكفار؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يعتبر موالاة، لكن يعتبر تشبهاً بهم. والصحابة رضي الله عنهم كان التاريخ الميلادي موجوداً في عصرهم، ولم يستعملوه، بل عدلوا عنه إلى التاريخ الهجري. وضعوا التاريخ الهجري ولم يستعملوا التاريخ الميلادي مع أنه كان موجوداً في عهدهم، هذا دليل على أن المسلمين يجب أن يستقلوا عن عادات الكفار وتقاليد الكفار، لاسيما وأن التاريخ الميلادي رمز على دينهم، لأنه يرمز إلى تعظيم ميلاد المسيح والاحتفال به على رأس السنة، وهذه بدعة ابتدعها النصارى، فنحن لا نشاركهم ولا نشجهم على هذا الشيء. وإذا أرّخنا بتاريخهم فمعناه أننا نتشبه بهم. وعندنا والحمد لله التاريخ الهجري الذي وضعه لنا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخليفة الراشد بحضرة المهاجرين والأنصار، هذا يغنينا. انتهى [الْمَصْدَرُ] فضيلة الشيخ صالح الفوزان في كتاب المنتقى 1/257. الحديث: 21314 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 998 هل يدعو لوالديه ولا يعلم على أي شيء ماتا [السُّؤَالُ] ـ[مَن ترك والديه كفاراً ولم يعلم هل أسلموا أو لا، هل يجوز أن يدعو لهم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سئل شيخ الإسلام ابن تيمية السؤال السابق: فأجاب: متى كان من أمَّةٍ أصلها كفار: لم يجز أن يستغفر لأبويه، إلا أن يكونا قد أسلما، كما قال تعالى: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى مِن بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم} . [الْمَصْدَرُ] " الفتاوى الكبرى " (2 / 423) . الحديث: 21563 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 999 حكم إقامة الطلبة المبتعثين في بلاد الكفار [السُّؤَالُ] ـ[نحن طلبة مسلمون ندرس في أمريكا لفترات تتراوح ما بين ستة أشهر وأربع سنوات وجئنا للدراسة هنا بمحض إرادتنا - أي لسنا مبتعثين من أي جهة - والدراسة هنا في أمريكا لا تختلف عن الدراسة في بلادنا سوى بالحصول على اللغة الإنجليزية، فما حكم جلوسنا في هذه البلاد للدراسة؟ جزاكم الله خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من كان منكم لديه علم وبصيرة بدين الله يمكنه أن يدعو إلى الله ويعلم الناس الخير ويدفع الشبهة عن نفسه ويظهر دينه بين من لديه من الكفار فلا حرج عليه؛ لأن إقامته والحال ما ذكر وتزوده من العلم الذي يحتاج إليه ينفعه وينفع غيره، وقد يهدي الله على يديه جمعاً غفيراً إذا اجتهد في الدعوة وصبر وأخلص النية لله سبحانه وتعالى، أما من ليس عنده علم وبصيرة، أو ليس عنده صبر على الدعوة، أو يخاف على نفسه الوقوع فيما حرم الله، أو لا يستطيع إظهار دينه بالدعوة إلى توحيد الله والتحذير من الشرك به وبيان ذلك لمن حوله فلا تجوز له الإقامة بين أظهر المشركين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا برئ من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين) ولما عليه من الخطر في هذه الإقامة، والله ولي التوفيق. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/9 ص/401. الحديث: 6154 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1000 حكم قبول هدايا المشركين [السُّؤَالُ] ـ[عندنا مسجد يبنى وبجواره نصارى، والنصارى إذا أرادوا التبرع في بناء المسجد بالمال هل على المسلمين أن يأخذوا المال منهم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كان فيه شرط يخالف الشرع فلا، أما التبرع المجرد فإنه ليس فيه شيء، والنبي صلى الله عليه وسلم قبل كثيراً من هدايا المشركين" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (28/237) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103430 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1001 حكم مصادقة العصاة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للرجل المتمسك بالإسلام أن يتحدث إلى شخص مسلم بالاسم يشرب الكحول ولا يصلي، وأن تنشأ بينهما مودة وصداقة ويتخذه مساعدا له؟ ما هو الحكم في اتخاذ أمثال هؤلاء (الذين لا يمارسون شعائر الدين وهم يخالفون أوامر الله) أصدقاء ومساعدين؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المعاصي على نوعين: النوع الأول: معاص مكفرة، وهي التي تؤدي بالإنسان إلى الخروج من الملة والعياذ بالله، وصاحب هذه المعاصي كافر خارج من الملة متى توفرت فيه الشروط وانتفت الموانع، كمن يشرك بالله، أو يترك الصلاة تركاً كاملاً، ونحو ذلك. النوع الثاني: معاص غير مكفرة، وهي التي لا تخرج الإنسان من الملة، لكن يوصف فاعلها بأنه فاسق، ومؤمن ناقص الإيمان، كالزنا وشرب الخمر ونحو ذلك، ما لم يستحلها، فإن استحل الحرام خرج من الملة، إذا انطبقت عليه شروط التكفير وانتفت موانعه، فعقيدة أهل السنة والجماعة وإجماع السلف على عدم تكفير صاحب الكبيرة ما لم يستحلها، وراجع لذلك إجابة السؤال رقم (9924) . إذا علم هذا، فمصاحبة الناس ينبني حكمها على ما سبق. فلا يجوز اتخاذ الكافرين أولياء، أو مخالطتهم مع الأنس بهم أو السكن معهم واتخاذهم أصدقاء وخلان، أو محبتهم، أو تقديمهم على المؤمنين أو مودتهم ونحو ذلك، وقد قال الله تعالى: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) المجادلة/22، لكن يجب العدل معهم وعدم ظلمهم والاعتداء عليهم بغير وجه شرعي، ويجوز التعامل معهم بالبيع والشراء والقرض ونحو ذلك، فقد صح أنه صلى الله عليه وسلم استعار من صفوان بن أمية سلاحاً، وصح أنه اشترى من اليهود طعاماً. أما عصاة المؤمنين، فتجب محبتهم بقدر ما معهم من إيمان، ويجب بغضهم بقدر ما معهم من فسق ومعصية، أما اتخاذهم أصدقاء، فهذا مما يخالف قول النبي صلى الله عليه وسلم (إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَة ً) رواه مسلم برقم (2628) ، فصديق السوء يورد الإنسان المهالك، ويضره أكثر مما ينفعه، وفرق بين أن أوالي ذلك الشخص، وأحبه لأن معه وصف الإيمان، وبين أن أصاحبه فآخذ منه ويأخذ مني. لكن إن كان القصد من الجلوس مع ذلك الشخص تأليف قلبه بغرض الدعوة إلى الله تعالى، وإرشاده إلى طريق الهداية، فهذا من الأعمال الفاضلة، كما قال تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً) فصلت/33، لكن بشرط ألا يؤثر ذلك عليك، فتضر نفسك من حيث تريد أن تنفعها. وبناء على ما سبق، فإن الشخص المسؤول عنه، إن كان تاركا للصلاة بالكلّية، فهو كافر، لأن القول الراجح من أقوال أهل العلم، وهو قول السلف، أن تارك الصلاة كافر كفرا أكبر، مخرجا من الملة، وراجع لأدلة ذلك، الأسئلة التالية (2182، 5208، 6035، 33007، 10094) ، وعليه فلا تجوز مودته، ولا موالاته، بل يدعى إلى التوبة إلى الله عز وجل، والالتزام بالصلاة، وقد قال تعالى: (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين) التوبة/11 واعلم أن مصاحبة الأخيار مما أوصى به ربنا جل وعلا، ونبينا صلى الله عليه وسلم، كما سبق في الحديث المتقدم، وكما قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) التوبة /119، وقال تعالى (واصبر نفسك مع الذي يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه) الكهف/28، والله أعلم للمزيد راجع فتاوى الشيخ ابن عثيمين (3 / 31) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 11266 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1002 هل يدعو للكافرة بالهداية للإسلام ليتزوجها؟ [السُّؤَالُ] ـ[على فرض أنك رأيت امرأة جميلة بالطريق وتريد أن تتزوجها لكنها كافرة ولذلك فلا يجوز لك ذلك. سؤالي هو: هل يجوز أن أسأل الله أن يهديها للإسلام ثم أتزوجها بعد ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قبل الجواب عن السؤال نقول: إن المسلم مأمور بغض بصره عما حرَّم الله عليه، قال الله تعالى: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) النور/30، ولله عز وجل من وراء هذا التوجيه الحكمة البالغة، فإنه سبحانه رحيم بعباده روؤف بهم، فجاء شرعه بما يرفع عنهم العنت والمشقة وأسباب العذاب النفسي والبدني، ومن المعلوم أن العَين رسول القلب وبريده، فإذا ما أرسلها صاحبها وقلّبها في الصور الجملية تعلق قلبه بتلك الصور، وانطبعت فيه، ثم في أكثر الأحوال لا يستطيع الوصول إلى ما أحبه فيشقى ويتعب وصدق الشاعر حين قال: وكنت متى أرسلت طرفك رائداً ... * لقلبك يوماً أتعبتك المناظر رأيت الذي لا كله أنت قادر ... * عليه ولا عن بعضه أنت صابر فجاء الشرع الحنيف بقطع أسباب هذا العناء، فأمر بغض الأبصار، فعلى المسلم امتثال هذا الأمر ليرضي ربه وليريح نفسه. والصواب ما أشرت إليه في سؤالك من أن من اشتهى شيئاً وأحبه فإن عليه أن يمنع نفسه من الوصول إليه إلا من الطريق التي أباحها الله عز وجل، وأن يجعل هواه تبعاً لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتلك من خصال المؤمن. أما عن خصوص السؤال فالجواب: أنه يجوز الدعاء للكافر بالهداية، كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة، فقد ثبت أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (دعا لقبيلة دوس بالهداية فقال: (اللهم اهد دوساً) رواه البخاري (2937) ومسلم (2524) وروى الترمذي (5/82) عن أبي موسى رضي الله عنه قال: (كان اليهود يتعاطسون عند النبي صلى الله عليه وسلم يرجون أن يقول لهم: يرحمكم الله، فيقول: يهديكم الله ويصلح بالكم) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله في "فتح الباري" (10/604) : " حديث أبي موسى دال على أنهم يدخلون في مطلق الأمر بالتشميت، لكن لهم تشميت مخصوص وهو الدعاء لهم بالهداية وإصلاح البال وهو الشأن، ولا مانع من ذلك " انتهى. وقال العلامة ابن مفلح الحنبلي رحمه الله في "الآداب الشرعية" (1/368) ، وهو يتكلم عما يجوز وما لا يجوز الدعاء به للكافر قال: " وأما الدعاء بالهداية ونحوها فهذا جوازه واضح " انتهى. وينبغي للداعي أن يحسن نيته بهذا الدعاء بأن يقصد تحقيق مرضاة الله بإسلام هذه المرأة ونجاتها من عذاب الله ونحو ذلك من المقاصد الحسنة، ولا بأس أن ينوي مع ذلك الزواج بها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 101385 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1003 حكم الاحتفال بعيد النيروز [السُّؤَالُ] ـ[بارك الله فيكم جميعا فهذا الموقع موقع رائع! كنت أتساءل ما إذا كان الاحتفال بالنيروز حراما أم لا؟ لأنني كفارسي أحتفل به. ونحن نقوم أيضا في النيروز بإقامة مأدبة ونضع قرآنا على تلك المائدة .... فهل الاحتفال بالنيروز حرام أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: النَّيْروز: كلمة فارسيهَ معَربة، وأصلها في الفارسية "نوروز" ومعناها: اليوم الجديد. وهو عيد من أعياد الفرس، ويُعد أعْظم أعيادهم، ويقال: إنّ أول من اتخذه "جمشيد" أحد ملوك الفرس الأُول، ويقال فيهْ "جمشاد ". والنيروز: أول أيام السنة الفارسية، ويستمر خمسة أيام بعده. ويحتفل أقباط مصر بالنيروز، وهو أول سنتهم، وهو المعروف بعيد شم النسيم. قال الذهبي رحمه الله في رسالة "تشبه الخسيس بأهل الخميس"ص 46: " فأما النيروز، فإن أهل مصر يبالغون في عمله، ويحتفلون به، وهو أول يوم من سنة القبط، ويتخذون ذلك عيداً، يتشبه بهم المسلمون " انتهى نقلا عن "مجلة الجامعة الإسلامية" عدد 103- 104. ثانيا: ليس للمسلمين عيد يحتفلون به إلا عيد الفطر وعيد الأضحى، وما سوى ذلك فهو أعيادة محدثة، لا يجوز الاحتفال بها. وقد روى أبو داود (1134) والنسائي (1556) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَقَالَ: مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟ قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْأَضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2021) . ويدخل في الأعياد المحدثة: عيد النيروز، وعيد الأم، وعيد الميلاد، وعيد الاستقلال، وما شابه ذلك، وإذا كان العيد في الأصل عيدا للكفار كعيد النيروز كان الأمر أشد وأعظم. وعيد النيروز عيد جاهلي، كان يحتفل به الفرس قبل الإسلام، ويحتفل به النصارى أيضا، فيتأكد المنع من الاحتفال به لما في ذلك من المشابهة لهم. قال الذهبي رحمه الله في رسالة "التمسك بالسنن والتحذير من البدع": " أما مشابهة الذِّمة في الميلاد، والخميس، والنيروز، فبدعة وحشة. فإن فَعلها المسلم تديُّناً فجاهل، يزجر وُيعَلَّم، وإن فعلها حُبّاً [لأهل الذِّمة] وابتهاجاً بأعيادهم فمذموم أيضاً، وإنْ فعلها عادةً ولعباً، وإرضاءً لعياله، وجبراً لأطفاله فهذا محل نظر، وإنما الأعمال بالنيَّات، والجاهل يُعذر ويبين له برفق، والله أعلم " انتهى نقلا عن "مجلة الجامعة الإسلامية" عدد 103، 104. والخميس: عيد من أعياد النصارى، ويسمونه الخميس الكبير. وفي "الموسوعة الفقهية" (12/7) : التشبه بالكفار في أعيادهم: لا يجوز التشبه بالكفار في أعيادهم , لما ورد في الحديث: (من تشبه بقوم فهو منهم) , ومعنى ذلك تنفير المسلمين عن موافقة الكفار في كل ما اختصوا به ... وروي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: من مر ببلاد الأعاجم فصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك , حشر معهم يوم القيامة. ولأن الأعياد من جملة الشرع والمناهج والمناسك التي قال الله سبحانه وتعالى: (لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه) كالقبلة والصلاة والصيام، فلا فرق بين مشاركتهم في العيد وبين مشاركتهم في سائر المناهج , فإن الموافقة في جميع العيد موافقة في الكفر , والموافقة في بعض فروعه موافقة في بعض شعب الكفر , بل الأعياد من أخص ما تتميز به الشرائع ومن أظهر ما لها من الشعائر , فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع الكفر وأظهر شعائره. قال قاضي خان: رجل اشترى يوم النيروز شيئا لم يشتره في غير ذلك اليوم: إن أراد به تعظيم ذلك اليوم كما يعظمه الكفرة يكون كفرا , وإن فعل ذلك لأجل السرف والتنعم لا لتعظيم اليوم لا يكون كفرا. وإن أهدى يوم النيروز إلى إنسان شيئا ولم يرد به تعظيم اليوم , إنما فعل ذلك على عادة الناس لا يكون كفرا. وينبغي أن لا يفعل في هذا اليوم ما لا يفعله قبل ذلك اليوم ولا بعده , وأن يحترز عن التشبه بالكفرة. وكره ابن القاسم (من المالكية) للمسلم أن يهدي إلى النصراني في عيده مكافأة , ورآه من تعظيم عيده وعونا له على كفره. وكما لا يجوز التشبه بالكفار في الأعياد لا يعان المسلم المتشبه بهم في ذلك بل ينهى عن ذلك , فمن صنع دعوة مخالفة للعادة في أعيادهم لم تجب دعوته , ومن أهدى من المسلمين هدية في هذه الأعياد , مخالفة للعادة في سائر الأوقات غير هذا العيد لم تقبل هديته , خصوصا إن كانت الهدية مما يستعان بها على التشبه بهم , مثل إهداء الشمع ونحوه في عيد الميلاد. وتجب عقوبة من يتشبه بالكفار في أعيادهم " انتهى. وقال الشيخ ابن جبرين حفظه الله: " لا يجوز الاحتفال بالأعياد المبتدعة كعيد الميلاد للنصارى، وعيد النيروز والمهرجان، وكذا ما أحدثه المسلمون كالميلاد في ربيع الأول، وعيد الإسراء في رجب ونحو ذلك، ولا يجوز الأكل من ذلك الطعام الذي عده النصارى أو المشركون في موسم أعيادهم، ولا تجوز إجابة دعوتهم عند الاحتفال بتلك الأعياد، وذلك لأن إجابتهم تشجيع لهم، وإقرار لهم على تلك البدع، ويكون هذا سبباً في انخداع الجهلة بذلك، واعتقادهم أنه لا بأس به، والله أعلم " انتهى من كتاب "اللؤلؤ المكين من فتاوى ابن جبرين" ص 27. والحاصل: أنه لا يجوز للمسلمين الاحتفال بعيد النيروز، ولا تخصيصه باحتفال أو طعام أو هدايا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 101404 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1004 حكم حضور الاحتفالات بعيد الفصح [السُّؤَالُ] ـ[أود معرفة ما إذا كان يحرم الذهاب لعرض سيدنى الملكي الخاص بعيد الفصح فبالرغم من تسميته بعرض عيد الفصح فإنه ليس له علاقة بعيد الفصح وأنا أود الذهاب لمشاهدة عروض الحيل والفواكه والحيوانات وجميع تلك العروض ليس لها دخل بعيد الفصح.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز للمسلم المشاركة في أعياد الكفار واحتفالاتهم المبتدعة، كعيد الفصح والكريسمس وغيرهما، لما في المشاركة والحضور من الإعانة على هذا المنكر، والتكثير لأهله، والتشبه بهم، وكل ذلك ممنوع، قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من تشبّه بقوم فهو منهم) رواه أبو داود (4031) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (5/109) . قال ابن القيم رحمه الله: ولا يجوز للمسلمين حضور أعياد المشركين باتفاق أهل العلم الذين هم أهله. وقد صرح به الفقهاء من أتباع المذاهب الأربعة في كتبهم. . . وروى البيهقي بإسناد صحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (لا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم فإن السخطة تنزل عليهم) . وقال عمر أيضاً: (اجتنبوا أعداء الله في أعيادهم) . وروى البيهقي بإسناد جيد عن عبد الله بن عمرو أنه قال: (من مَرَّ ببلاد الأعاجم فصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة) انتهى من "أحكام أهل الذمة" (1 /723) . وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن الاحتفالات الوطنية الأرجنتينية والتي تقام في كنائسهم كعيد الاستقلال - والاحتفالات النصرانية العربية كعيد الفصح - فأجابت: " لا تجوز إقامتها من المسلمين ولا حضورها ولا المشاركة فيها مع النصارى؛ لما في ذلك من الإعانة على الإثم والعدوان، وقد نهى الله عن ذلك. وبالله التوفيق " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (2/76) . والحاصل: أن أعياد الكفار لا يجوز الاحتفال بها، ولا مشاركة أهلها، سواء مارسوا فيها شيئا من دينهم، أم اكتفوا باللهو واللعب؛ لأن نفس الاحتفال بدعة محرمة، وإن كان حضور طقوسهم الدينية أشد تحريما. وعلى المسلم أن يقضي هذا اليوم كغيره من الأيام، لا يخصه بطعام ولا شراب، ولا غيره من مظاهر السرور، التي يفعلها المحتفلون بهذا العيد، كالخروج للحدائق والمتنزهات والألعاب وما شابه ذلك؛ ليبرأ من إثم الإقرار والمشاركة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 101347 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1005 الاحتفال ببلوغ الفتاة سن المراهقة [السُّؤَالُ] ـ[أنا شابة مسلمة وكنت أتساءل عما إذا كان هناك ضير فى إقامة إحتفال ستة عشر الجميل لفتاتك الصغيرة. واحتفال ستة عشر الجميل هو احتفال كبير تقيمه من أجل فتاتك عندما يصل عمرها ستة عشر عاما أى عندما تصبح مراهقة. برجاء الرد على هذا التساؤل.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يشرع الاحتفال بهذه المناسبة وهي بلوغ الفتاة ست عشرة سنة؛ لما فيه من التشبه بالكفار الذين وضعوا هذه الاحتفالات وانشغلوا بها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تشبَّهَ بقوْمٍ فهُو مِنهُم) رواه أبو داود (3512) وصححه الألباني. وهذا السنّ لا يمثل شيئا في ديننا، فإن الفتاة تبلغ وتصير مكلفة بعلامات ليس منها بلوغها ست عشرة سنة. فعلامات البلوغ: إما الحيض، أو الاحتلام، أو نبات الشعر الخشن حول العانة، أو بلوغ خمس عشرة سنة. ولم يشرع النبي صلى الله عليه وسلم للذكر أو للأنثى الاحتفال ببلوغه أو دخوله في سن معين، لا سن البلوغ، ولا سن الشباب، ولا غير ذلك. وبعض الناس اليوم يحتفل بمرور سنة على ولادة الطفل، ثم يحتفل به إذا مشى، وإذا تكلم، وكل هذا لا أصل له في الإسلام، بل هو من العادات المأخوذة عن غير المسلمين. فالواجب الحذر من مشابهة الكفار، والحفاظ على الهوية الإسلامية، والبعد عن التقليد الأعمى. على أنه لا مانع، عند بلوغ الطفل بالعلامات الشرعية المعتبرة، من تنبيهه إلى أهمية ذلك في حياته بصفة عامة، وإلى أن أمر آخرته مرتبط ببلوغه ذلك أشد الارتباط؛ فقد صار مسئولا عن تصرفاته، محاسبا على أقواله وأعماله: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ) (الزلزلة 8-9) وفق الله الجميع لما يحب ويرضى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 101156 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1006 هل يجوز دخول الكنائس لأجل الدعوة، أو لأجل الفرجة [السُّؤَالُ] ـ[توجد هنا كنائس كثيرة، فهل يجوز الدخول فيها ومناقشة القساوسة الذين فيها؟ هل يجوز دخولها للنظر فيها ومعرفة ما يفعل هؤلاء؟.]ـ [الْجَوَابُ] يجوز دخول الكنائس لأهل العلم لدعوة أهلها إلى الإسلام، أما دخولها لأجل الفرجة فقط فلا ينبغي؛ لأنه لا فائدة من ورائه، ولأنه يُخشى على المسلم أن يتأثر بهم، لا سيما إذا كان جاهلاً بأمور دينه، ولا يستطيع رد الشبهة التي يوجهونها إليه. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى اللجنة الدائمة 13/257. الحديث: 10108 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1007 الرد على من قال إن صوم يوم عرفة ليس من السنة [السُّؤَالُ] ـ[عندنا شيخ يقول: إن صيام يوم عرفة ليس بسنة، ولا يجوز صيامه، أرجو الرد من سماحتكم على هذا السؤال، لأن هذا الشيخ يوزع منشورات تنهي عن صيام يوم عرفة. أرجو الرد من سماحتكم]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صوم يوم عرفة سنة مؤكدة لغير الحاج، فقد ورد عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عرفة فقال: (يكفر السنة الماضية والباقية) رواه مسلم (1162) وفي رواية له: (أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده) . قال النووي رحمه الله في "المجموع" (6/428) ـ من كتب الشافعية ـ: " أما حكم المسألة فقال الشافعي والأصحاب: يستحب صوم يوم عرفة لغير من هو بعرفة. وأما الحاج الحاضر في عرفة فقال الشافعي في المختصر والأصحاب: يستحب له فطره لحديث أم الفضل. وقال جماعة من أصحابنا: يكره له صومه , وممن صرح بكراهته الدارمي والبندنيجي والمحاملي في المجموع والمصنف في التنبيه وآخرون " انتهى. وقال ابن قدامة رحمه الله في المغني (4/443) ـ من كتب الحنابلة ـ: " وهو يوم شريف عظيم، وعيد كريم، وفضله كبير، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن صيامه يكفر سنتين." انتهى. وقال ابن مفلح رحمه الله في الفروع (3/108) ـ من كتب الحنابلة أيضا ـ: " ويستحب صوم عشر ذي الحجة، وآكده التاسع، وهو يوم عرفة، إجماعا. " انتهى. وقال الكاساني رحمه الله في بدائع الصنائع (2/76) ـ من كتب الأحناف ـ: " وَأَمَّا صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ: فَفِي حَقِّ غَيْرِ الْحَاجِّ مُسْتَحَبٌّ، لِكَثْرَةِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ بِالنَّدْبِ إلَى صَوْمِهِ، وَلِأَنَّ لَهُ فَضِيلَةً عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْأَيَّامِ، وَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الْحَاجِّ إنْ كَانَ لَا يُضْعِفُهُ عَنْ الْوُقُوفِ، وَالدُّعَاءِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْقُرْبَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ يُضْعِفُهُ عَنْ ذَلِكَ يُكْرَهُ لِأَنَّ فَضِيلَةَ صَوْمِ هَذَا الْيَوْمِ مِمَّا يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُهَا فِي غَيْرِ هَذِهِ السَّنَةِ، وَيُسْتَدْرَكُ عَادَةً، فَأَمَّا فَضِيلَةُ الْوُقُوفِ، وَالدُّعَاءِ فِيهِ لَا يُسْتَدْرَكُ فِي حَقِّ عَامَّةِ النَّاسِ عَادَةً إلَّا فِي الْعُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، فَكَانَ إحْرَازُهَا أَوْلَى ". وفي شرح مختصر خليل، للخرشي (6/488) ـ من كتب المالكية ـ " " وَصَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ إنْ لَمْ يَحُجَّ وَعَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ (ش) يُرِيدُ أَنَّ صَوْمَ يَوْمِ عَرَفَةَ مُسْتَحَبٌّ فِي حَقِّ غَيْرِ الْحَاجِّ، وَأَمَّا هُوَ فَيُسْتَحَبُّ فِطْرُهُ لِيَتَقَوَّى عَلَى الدُّعَاءِ وَقَدْ {أَفْطَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَجِّ} " انتهى. وفي حاشية الدسوقي (5/80) : "ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ وَنُدِبَ صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ إلَخْ الْمُرَادُ تَأَكُّدُ النَّدْبِ وَإِلَّا فَالصَّوْمُ مُطْلَقًا مَنْدُوبٌ ". وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: " ما حكم صيام يوم عرفة لغير الحاج والحاج؟ فأجاب: صيام يوم عرفة لغير الحاج سنة مؤكدة، فقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة فقال: (أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده) وفي رواية: (يكفر السنة الماضية والباقية) . وأما الحاج فإنه لا يسن له صوم يوم عرفة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان مفطراً يوم عرفة في حجة الوداع، ففي صحيح البخاري عن ميمونة ـ رضي الله عنها ـ أن الناس شكوا في صيام النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة فأرسلت إليه بحلاب وهو واقف في الموقف فشرب منه والناس ينظرون " انتهى "مجموع فتاوى ابن عثيمين" ج 20 سؤال رقم 404 فصيام عرفة للحاج مكروه، لا يستحب، فإن كان هذا مقصود المتكلم، فقد أصاب، وأما إن كان مراده عدم مشروعية صيام يوم عرفة لغير الحاج، فهذا خطأ بين مخالف لما دلت عليه السنة الصحيحة كما سبق. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98334 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1008 تريد السفر إلى كندا لإكمال دراستها [السُّؤَالُ] ـ[أنا شاب ولي خمسة إخوان ذكور ولي أخت تريد إكمال دراستها في كندا وإنني رافض هذه الفكرة وإخواني يريدون أن تذهب أختي بمفردها فأنا رفضت بشدة وقالوا لي إن كنت تقصد المحرم فاذهب أنت معها وإنني الآن في حيرة من أمري هل أذهب معها أم ماذا؟ وإن لم أذهب تركوها تذهب بمفردها علما أنني حاولت إقناع أختي فرفضت وقالت لي أريدك أن تذهب معي أفيدوني جزاكم الله كل خير.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: سفر المرأة بلا محرم، لا يجوز، سواء كان للدراسة أو لغيرها. وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال رقم (82392) ثانيا: الإقامة في بلاد الغرب، الأصل فيها المنع، ولا تباح إلا في حالات ضيقة. وإذا كانت المقيمة والدارسة امرأة، فالأمر أشد. وراجع في ذلك جواب السؤال رقم (2956) قال الشيخ ابن باز رحمه الله في رسالة وجهها لمسلم يقيم في إيطاليا: " فإشارة إلى رسالتك التي تذكر فيها أنك شاب مسلم تقيم في إيطاليا , وأن بها شبابا من المسلمين كثيرين , وأن أغلبهم استجاب لرغبة الصليبيين في إبعادهم عن دين الإسلام وتعاليمه السامية , فأصبح أغلبهم لا يصلي , وتخلق بأخلاق سيئة , ويعمل المنكرات ويستبيحها. . إلى غير ذلك مما ذكرته في رسالتك. وأفيدك بأن الإقامة في بلد يظهر فيها الشرك والكفر , ودين النصارى وغيرهم من الكفرة لا تجوز , سواء كانت الإقامة بينهم للعمل أو للتجارة أو للدراسة , أو غير ذلك ; لقول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا) . ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين) . وهذه الإقامة لا تصدر عن قلب عرف حقيقة الإسلام والإيمان , وعرف ما يجب من حق الله في الإسلام على المسلمين , ورضي بالله ربا , وبالإسلام دينا , وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا. فإن الرضا بذلك يتضمن من محبة الله , وإيثار مرضاته , والغيرة لدينه , والانحياز إلى أوليائه ما يوجب البراءة التامة والتباعد كل التباعد من الكفرة وبلادهم , بل نفس الإيمان المطلق في الكتاب والسنة , لا يجتمع مع هذه المنكرات , وصح عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله بايعني واشترط، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تعبد الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتناصح المسلمين وتفارق المشركين) أخرجه أبو عبد الرحمن النسائي، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث السابق , وهو قوله عليه الصلاة والسلام: (أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين) وقال عليه الصلاة والسلام: (لا يقبل الله عز وجل من مشرك عملا بعد ما أسلم; أو يفارق المشركين) والمعنى حتى يفارق المشركين. وقد صرح أهل العلم بالنهي عن ذلك , والتحذير منه , ووجوب الهجرة مع القدرة , اللهم إلا رجل عنده علم وبصيرة , فيذهب إلى هناك للدعوة إلى الله , وإخراج الناس من الظلمات إلى النور , وشرح محاسن الإسلام لهم , وقد دلت آية سورة براءة: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) على أن قصد أحد الأغراض الدنيوية ليس بعذر شرعي , بل فاعله فاسق متوعد بعدم الهداية إذا كانت هذه الأمور أو بعضها أحب إليه من الله ورسوله , ومن الجهاد في سبيل الله. وأي خير يبقى مع مشاهدة الشرك وغيره من المنكرات والسكوت عليها , بل وفعلها , كما حصل ذلك من بعض من ذكرت من المنتسبين للإسلام. وإن زعم المقيم من المسلمين بينهم أن له أغراضا من الأغراض الدنيوية , كالدراسة , أو التجارة , أو التكسب , فذلك لا يزيده إلا مقتا. وقد جاء في كتاب الله سبحانه وتعالى الوعيد الشديد والتهديد الأكيد على مجرد ترك الهجرة , كما في آيات سورة النساء المتقدم ذكرها , وهي قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ) الآيات وما بعدها. فكيف بمن يسافر إلى بلاد الكفرة , ويرضى الإقامة في بلادهم , وكما سبق أن ذكرت أن العلماء رحمهم الله تعالى حرموا الإقامة والقدوم إلى بلاد يعجز فيها المسلم عن إظهار دينه , والمقيم للدراسة أو للتجارة أو للتكسب , والمستوطن , حكمهم وما يقال فيهم حكم المستوطن لا فرق , إذا كانوا لا يستطيعون إظهار دينهم , وهم يقدرون على الهجرة. وأما دعوى بغضهم وكراهتهم مع الإقامة في ديارهم فذلك لا يكفي , وإنما حرم السفر والإقامة فيها لوجوه , منها: 1 - أن إظهار الدين على الوجه الذي تبرأ به الذمة متعذر وغير حاصل. 2 - نصوص العلماء رحمهم الله تعالى , وظاهر كلامهم وصريح إشاراتهم أن من لم يعرف دينه بأدلته وبراهينه , ويستطيع المدافعة عنه , ويدفع شبه الكافرين , لا يباح له السفر إليهم. 3 - من شروط السفر إلى بلادهم: أمن الفتنة بقهرهم وسلطانهم وشبهاتهم وزخرفتهم , وأمن التشبه بهم والتأثر بفعلهم. 4 - أن سد الذرائع وقطع الوسائل الموصلة إلى الشرك من أكبر أصول الدين وقواعده; ولا شك أن ما ذكرته في رسالتك مما يصدر عن الشباب المسلمين الذين استوطنوا هذه البلاد هو من ثمرات بقائهم في بلاد الكفر , والواجب عليهم الثبات على دينهم والعمل به , وإظهاره , واتباع أوامره , والبعد عن نواهيه , والدعوة إليه , حتى يستطيعوا الهجرة من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام. والله المسئول أن يصلح أحوالكم جميعا , وأن يمنحكم الفقه في دينه والثبات عليه , وأن يعينكم على الهجرة من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام , وأن يوفقنا وإياكم وجميع المسلمين لكل ما يحبه ويرضاه , وأن يعيذنا وإياكم وسائر المسلمين من مضلات الفتن ومن نزغات الشيطان , وأن يعيننا جميعا على كل خير , وأن ينصر دينه , ويعلي كلمته , وأن يصلح ولاة أمور المسلمين ويمنحهم الفقه في دينه , وأن يوفقهم لتحكيم شريعة الله في بلادهم , والتحاكم إليها , والرضا بها , والحذر مما يخالفها , إنه ولي ذلك والقادر عليه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (9/403) . وبهذا يتبين أنه ليس لك ولا لأختك السفر إلى هذه البلاد، والواجب عليك أن تنصحها وتنصح والدك بمنعها من هذا السفر، فإن حفظ الدين مقدم على المال والجاه والشهادة وغيرها. نسأل الله لك التوفيق والثبات. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97149 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1009 هل يضع في شركته هدايا تعبيرا عن عيد الميلاد [السُّؤَالُ] ـ[أعمل في دولة غير مسلمة ولى شركة يعمل بها أناس غير مسلمين فهل يحق لي أن أشترى بعض الهدايا لأضعها في الشركة تعبيرا عن عيد الميلاد ومشاركة منى لهم أم أن هذا حرام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز المشاركة في أعياد الميلاد، بتقديم الهدايا، أو تعطيل الأعمال، أو وضع الزينات ونحو ذلك، كما لا يجوز التهنئة بهذه الأعياد، لأنها أعياد مبتدعة محرمة، ومرتبطة بعقائد فاسدة، مع ما في الاحتفال بها من المشابهة للنصارى، وذلك محرم تحريما شديدا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم) رواه أبو داود (4031) وصححه الألباني في " إرواء الغليل " (5/109) . وراجع السؤال رقم (947) ورقم (12866) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96811 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1010 والدها يريد الإقامة معها وهي وزوجها يريدان الهجرة من بلاد الكفر [السُّؤَالُ] ـ[يتعلق سؤالي بكوني اضطررت للسفر لبلد غير مسلم بسبب زواجى من رجل كان يعيش ويعمل هناك، حدث ذلك منذ فترة من الزمن، ولكن يريد كلٌّ منَّا الآن الرحيل والذهاب إلى بلد مسلم، في الوقت الذي تقدم فيه أبي بطلب للمجيء إلى هنا حتى يكون قريباً مني، فهو يبلغ من العمر 70 عاماً، وليست لديه زوجة ترعاه، والآن فإن والدي يرجوني ألا أتركه وحيداً؛ لأنه تقدم في العمر للحد الذي لا يمكنه فيه الاعتناء بنفسه، وحتى لو حصل زوجي على وظيفة فى بلد مسلم فإننا لانستطيع أن نصطحب معنا والدي بسبب مشاكل فى الحصول على تأشيرة، رجاء قدموا لي يد العون.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قد أحسنتما في التخلص من الإقامة في بلاد الكفر، فلا يجوز للمسلم أن يقيم في تلك الديار ويستقر بينهم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُر المُشْرِكِينَ) رواه أبو داود (2645) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ". وقد ذكرنا في جواب السؤال رقم (27211) تحريم الإقامة في بلاد الكفر ووجوب الهجرة إلى بلاد المسلمين، فلينظر. وبخصوص والدك: فيجب عليكِ إبلاغه بهذا الحكم، وعدم التنازل عن ترك البلد من أجله، وذهابه معكم إلى بلدٍ مسلم هو الأليق به، وهو واجب عليكِ أن تسعي فيه، ولا نظن أنه أمرٌ يستحيل حدوثه، فرجل في مثل سنِّه نظن أنه من السهل الحصول على تأشيرة له، وبخاصة أنه والدك، فدرجة القرابة القوية بينكما تؤهله في كل البلدان – في الغالب - للحصول على تأشيرة. وإذا فُرض أنه صعُب ذلك عليكِ، أو أن الأمر سيتأخر بعض الوقت: فالذي ننصح به هو بقاؤه مع أسرة مستقيمة، أو مع أشخاص موثوقين لحين الحصول على تأشيرة ليلتحق بكم وإذا لم يتيسر هذا الأمر: فيمكنكِ التأخر من أجله زمناً يسيراً لحين الحصول على تأشيرة، فيسافر معك للبلد المسلم، ويكون زوجك قد سبقك وهيأ لكما أمور السكن والإقامة. وأخيراً: إذا لم يتيسر أمر تأشيرته، وليس له مكان يقيم فيه في بلده، ولم يوجد إلا أنتِ ترعينه وتقومين على خدمته: فالذي نراه هو اختيار تأخير خروجك من بلد الكفر حتى ييسر الله أمره، ولعلَّ احتسابك هذا الأمر لله تعالى أن ييسر الله لك أمرك، ويفرج عنك كربك، فاقنعي زوجك بتأخير الخروج من أجل والدك، ولعله أن يأخذ سنَّه في الحسبان، وأن يحتسب أمره عند الله تعالى. وننبه الزوجة إلى أن اختيارها التأخر، أو إلغاء الخروج من أجل والدها لا يكون دون موافقة زوجها، فزوجها له عليها طاعة، فإذا أمرها بالخروج معه، وعدم الانتظار، أو عدم الإلغاء: فليس لها أن تخالفه، وطاعته تقدَّم على طاعة والديها، لذا فليكن الأمر بينها وبين زوجها بالتفاهم والإقناع، فلعلَّه أن يرضى بحلٍّ تبر فيه والدها حتى يقضي الله أمر والدها. وهذا كله على فرض أنه لا يوجد لوالدك أبناء آخرين يقومون بشأنه غيرك، كما هو ظاهر من سؤالك؛ وإلا لو كان له أحد سواك، ولو أخ أو أخت له، لكان ذلك أعون على تخطي المشكلة، ولو إلى أن يتم لك ولزوجك الاستقرار في مكان يمكنكما اصطحابه إليه. والله الموفق [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96689 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1011 أمه نصرانية وأبوه مسلم سيء فهل يهاجر من بلده دون إذنهما؟ [السُّؤَالُ] ـ[أمي مسيحية، وأبي مسلم سيئ، وأريد - إن شاء الله - أن أهاجر - فقط – إن شاء الله ـ لبلد مسلم، فهل من الجائز، أو من الواجب عليَّ تركهما حتى أقوم بواجباتى تجاه الله؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: كل من يعيش في بلاد لا يستطيع فيها القيام بشعائر الإسلام، وبما أوجبه الله عليه: فلا يحل له البقاء فيها، مع توفر بلاد أخرى يستطيع فيها القيام بذلك، ويتحتم ذلك إن كان البدل الذي يعيش فيه من بلاد الكفر، ورأس مال المسلم هو دينه، فيجب الحفاظ عليه، وعدم التفريط فيه، وإذا اختار البقاء في البلاد التي لا يستطيع إظهار دينه والقيام بما أوجبه الله عليه، مع استطاعته الخروج منها إلى بلاد المسلمين: فهو آثم على بقائه، وعلى تفريطه في الواجبات الشرعية، ولن يكون من المعذورين يوم الحساب فيما فرط فيه من دينه. قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً) النساء/97. قال القرطبي – رحمه الله -: والمراد بقوله (ألم تكن أرض الله واسعة) : المدينة، أي: ألم تكونوا متمكنين قادرين على الهجرة والتباعد ممن كان يستضعفكم؟ وفي هذه الآية دليل على هجران الأرض التي يُعمل فيها بالمعاصي. " تفسير القرطبي " (5 / 346) . وقال ابن كثير – رحمه الله -: وقال الضحاك: نزلت في ناس من المنافقين، تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، وخرجوا مع المشركين يوم بدر، فأصيبوا فيمن أصيب، فنزلت هذه الآية الكريمة عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين وهو قادر على الهجرة، وليس متمكنا من إقامة الدين، فهو ظالم لنفسه مرتكب حراماً بالإجماع، وبنص هذه الآية، حيث يقول تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ) أي: بترك الهجرة، (قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ) أي: لم مكثتم هاهنا وتركتم الهجرة؟ (قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأرْضِ) أي: لا نقدر على الخروج من البلد، ولا الذهاب في الأرض (قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً [فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً) . " تفسير ابن كثير " (2 / 389) . وقال علماء اللجنة الدائمة: إذا كنتَ تستطيع الانتقال إلى بلاد المسلمين: فإنه يجب عليك ذلك؛ فراراً بدينك؛ لأن الله سبحانه قد أوجب على المسلم الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام، وتوعد من لم يفعل ذلك، وهو قادر عليه، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) النساء/97. وأما إذا كنت لا تستطيع الهجرة: فإنك معذور، بشرط التمسك بدين الإسلام، والثبات عليه؛ لقوله تعالى بعد الآية السابقة: (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا. فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً) النساء/ 98، 99. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد. " فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 57، 58) . وقالوا – أيضاً -: لا تجوز الإقامة في بلد يحال فيه بين المسلم وإظهاره شعائر الإسلام وإعلانها، فعلى من يستطيع الهجرة أن يهاجر منه إلى بلد يتمكن فيها من إقامة شعائر دين الإسلام وإعلانها، ويتم له التعاون مع المسلمين على البر والتقوى، ويكثر به سواد المسلمين، وسوف لا يعدم رزقاً؛ فإنه من يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب، ومن يتوكل على الله فهو حسبه، إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدراً، ومن بقي في تلك الأماكن وأمثالها مما فيه حجر على المسلمين في إعلان شعائر دينه، بعد قدرته على الهجرة منه: فهو آثم، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) النساء/97. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. " فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 54، 55) . ومن هاجر في سبيل الله تعالى فراراً من الفتن، وإقامة لشعائر الدين: فإن الله قد وعده بالهداية والتوفيق والرزق. قال تعالى: (وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) النساء/100. وقال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) الأنفال/74. وقال تعالى: (وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) النحل/41. وقال تعالى: (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) النحل/110. وانظر جواب السؤال رقم: (3225) ففيه بيان المواصفات الواجب توافرها في البلاد المهاجر إليها. ثانياً: بالنسبة لوالديك: فإنه إن كان وجودك عندهما يمنعك من إقامة شعائر دينك، والقيام بما أوجبه الله تعالى عليك: فإنه لا يجب عليه الاستئذان منهما، وبخاصة أن والدتك كافرة، ووالدك إن كان لا يصلي ـ البتة ـ فهو يلحق بها في الحكم؛ لأنه يكون بتركه للصلاة مرتداً، وقد نصَّ العلماء أن الذي يُستأذن هما الأبوان المسلمان، وحتى لو كانا مسلميْن: فإنه لا ينبغي اختيار البقاء معهما على حساب القيام بالواجبات الشرعية؛ لأن الهجرة تصير في حقك واجبة. عَن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: أَقْبَلَ رَجُلٌ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ أَبْتَغِي الْأَجْرَ مِنْ اللَّهِ، قَالَ: فَهَلْ مِنْ وَالِدَيْكَ أَحَدٌ حَيٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ، بَلْ كِلَاهُمَا، قَالَ: فَتَبْتَغِي الْأَجْرَ مِنْ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَارْجِعْ إِلَى وَالِدَيْكَ فَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا. رواه البخاري (1671) ومسلم (2549) . قال الخطابي – رحمه الله -: إن كان الخارج فيه متطوعاً: فإن ذلك لا يجوز إلا بإذن الوالدين، فأما إذا تعيَّن عليه فرض الجهاد: فلا حاجة إلى إذنهما، هذا إذا كانا مسلميْن، فإن كانا كافريْن: يخرج بدون إذنهما، فرضاً كان الجهاد، أو تطوعا. انظر " عون المعبود " (5 / 424) . وفي " دليل الفالحين لطرُق رياض الصالحين " (2 / 463) لمحمد بن علان الصديقي – رحمه الله -: أسقط الشارع عنه وجوب الهجرة تقديماً لحق أبويه، فإن الهجرة إن كانت واجبة عليه: فقد عارضها ما هو أوجب منها، وهو حق الوالدين، وإن لم تكن واجبة: فالواجب أولى، لكن هذا إنما يصح ممن يسلم له دينه في موضعهما، أما لو خاف على دينه: وجب عليه الفرار به، وترك آبائه، وأبنائه، كما فعل المهاجرون الذين هم صفوة الله من العباد. انتهى. ولا ننسى في النهاية أن نذكرك بدعوة والديك للحق، فهما أحوج ما يكون لذلك؛ إنقاذاً لهما من الكفر والإثم، وعليك سلوك الطرق الحكيمة في دعوتهما، وبما أنك تحتاج للهجرة من أجل دينك، ولا يظهر أن والديك يحتاجانك، وهما على ما هما عليه من الكفر والضلال: فلا تتحرج من الهجرة لبلاد تنقذ بها نفسك، مع ضرورة التنبه لدعوة أهلك، والإحسان إليهم، وحتى لو سافرت وهاجرت فلا تقطع الصلة بهما، وداوم على دعوتهما، فلعل الله أن ينقذهما بك. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96532 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1012 هل تجالس مسلمة لا تصلي وتأكل معها [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمسلمة أن تجالس وتسامر مسلمة لا تصلي إطلاقاً في مناسبات إسلامية أو حفل زواج تمت دعوتها إليه؟ هل يجوز أن نأكل ونشرب من نفس الكأس أو الطبق الذي استعملته؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من كان تاركا للصلاة بالكلية فهو كافر وليس بمسلم كما بسط ذلك في إجابة السؤال رقم (5208) . وعليه فهذه المرأة المذكورة في السؤال ليست بمسلمة , وعليه فالواجب هجرها وعدم مجالستها , إلا إذا كان ذلك لأجل حثها على التوبة والإنابة إلى الله بأداء الصلوات والمحافظة عليها. وفي فتوى للجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: (من ترك الصلاة متعمدا جاحدا لوجوبها فهو كافر باتفاق العلماء , وإن تركها تهاونا وكسلا فهو كافر على الصحيح من أقوال أهل العلم , وبناء على ذلك لا تجوز مجالسة هؤلاء بل يجب هجرهم ومقاطعتهم وذلك بعد البيان لهم أن تركها كفر إذا كان مثلهم يجهل ذلك , وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ". وهذا يعم الجاحد لوجوبها والتارك لها كسلا , وبالله التوفيق , وصلى الله على نبينا محمد وآله) ا. هـ من " فتاوى إسلامية " للمسند (1/373) . وأما الأكل والشرب من نفس الإناء الذي استعملته فحكمه حكم أواني الكفار , وأواني الكفار يجوز للمسلم استعمالها إذا علم أنهم لا يضعون فيها شيئا من المحرمات كالخمر والخنزير , فقد ثبت في الصحيحين البخاري برقم (344) ، ومسلم برقم (682) من حديث عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه استعملوا ماء من مزادة امرأة مشركة. وأما إذا تقين أو غلب على ظنه استخدامهم لها في شيء من المحرمات فالواجب عليه أن يغسلها قبل استعمالها , لما ثبت في الصحيحين البخاري (5496) ، ومسلم (1930) من حديث أبي ثعلبة الخشني قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله , إنا بأرض قوم من أهل الكتاب , نأكل في آنيتهم؟ .... إلى أن قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أما ما ذكرت أنكم بأرض قوم من أهل الكتاب , تأكلون في آنيتهم , فإن وجدتم غير آنيتهم فلا تأكلوا فيها , وإن لم تجدوا فاغسلوها ثم كلوا فيها ". واللفظ لمسلم. للمزيد يراجع فتح الباري لابن حجر: (1/453) , والشرح الممتع لابن عثيمين (1/67_69) . والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20471 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1013 من مآسي المسلمين في الدول الغربية [السُّؤَالُ] ـ[لا يخفى على فضيلتكم انتشار الصحوة الإسلامية المباركة وبالأخص في صفوف الفتيات المسلمات، وحيثُ إننا نعيش في بلد غير إسلامي (أوروبي) لذلك نجد صعوبة في تطبيق أحكام الإسلام، فمِن حينٍ لآخر نجد بعض الصعوبات، فمرة بالاستهزاء بالقرآن، ومرة بإلصاق الإعلانات في الأماكن العامة وقد صوروا عليها فتاة مسلمة وكتبوا تحتها عبارة (هل تريدين غطاء الرأس؟ نحن نظن أنك لا تريدين) ، وآخرها: القرار الصادر من الحكومة بمنع ارتداء النقاب كليّاً، ودفع مبلغ 150 يورو لمن ترتديه، وفي الآونة الأخيرة أصبح في الأمر صعوبة كبيرة على الأخوات؛ لأن الأمر قد تعدى العقوبة المالية إلى ممارسة بعض التصرفات العنصرية من قبل رجال الشرطة، وذلك مثل الاستهزاء والسخرية، وأحياناً يتم إجبارهن على رفع النقاب أمام الرجال، ولا ننسى الموقف المُشين والصورة الغير لائقة للفتاة المُتنقبة أمام أعين الناس ورجال الشرطة يلتفون من حولها وكأنها ارتكبت جريمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، أما بالنسبة لموقف الأخوات من هذا القرار فبعضهن انهمكت في الاتصال بالمشايخ لعلها تظفر بفتوى تُبيح لها كشف وجهها، وبالفعل وجدن من أفتى لهن بأن في الأمر خلافاً بين العلماء وأنتن في ضرورة ولا بأس بنزعه، والبعض الآخر لازلن محاصرات في بيوتهن ينتظرن رحمة رب العالمين. فضيلة الشيخ وحيثُ إنني ولدتُ وقضيتُ كل عمري في هذا البلد لذلك معذرة دعني أصارحك القول أن الإقامة في بلد الكفر تحمل في طياتها أسراراً لا يعلمها إلا من عاشها واقعيّاً. فضيلة الشيخ والله الذي لا إله غيره إن المسلمين في بلاد الكفر يعيشون في ذُل ومهانة وضياع لا يعلمه إلا الله وحده، فكم من البيوت انهارت، وكم من الأبناء لا يعرفون من الدين إلا اسمه، بل وصل الأمر إلى بيع بناتنا المسلمات إلى تجار الرقيق وإرسالهن إلى بعض دول أوروبا الشرقية، وذلك ليتم استعمالهن في ممارسة البغاء، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولقد استمعتُ يوماً من الأيام إلى رئيس قسم الأمراض المعدية - وهو عربي الجنسية - حيثُ صرح بأنه يوجد عدد 4000 أربعة آلاف من الفتيات المسلمات وبأعمار مختلفة يشتغلن في ممارسة الزنا وبأوراق رسمية، وهذا الإحصاء في مدينة واحده فقط!! وللأسف الشديد حتى ممن يوصفون بالتدين وجدوا أنفسهم بين فكي الأسد، فالأموال اختلطت بالربا، والأبناء لا يتكلمون اللغة العربية، وصلاة الجمعة تصلى ظهراً في المصانع الخ! ، ولا أقول هذا عن طريق سماع الأخبار، بل ما نراه بأعيننا، وهذا قليل من كثير، والله إن القلب ليتفطر من شدة ما نسمع ونرى وما وصلنا إلى هذا المستوى الذي نراه اليوم إلا عندما خالفنا شرع ربنا ورضينا بالعيش معهم من أجل دراهم معدودة إلا من رحم الله من الذين لهم العذر في البقاء، وفي المقابل هناك عدد من العائلات اجتهدوا في الهجرة إلى بلاد الإسلام وهم الآن يعيشون في رغد من العيش والله خير الرازقين. فضيلة الشيخ جزاك الله خيراً يوم علمتنا أن نكون مُتفائلين لا متشائمين، ولكن هذه هي الحقيقة المرة التي لا مفر منها، وحتى نكون منصفين فالحمد لله الإقبال على الإسلام كثير وبالأخص في صفوف المسلمين الجدد، فالحمد لله على نعمته وفضله. فضيلة الشيخ ما نريده من فضيلتكم ولكم الأجر من الله سبحانه وتعالى: 1. تقديم النصيحة للفتيات المسلمات بالتمسك بحجابهن، وعدم تعلقهن بالفتاوى الواهية التي تفتح لهن أبواب الشر. 2. تشجيع الشباب على الهجرة وعدم الركون إلى الدنيا؛ لأن كثيراً منهم - أو أغلبهم - كان سبباً في بقاء زوجته وأبنائه وتعرضهما إلى هذه المصائب، علماً بأن كثيراً من الإخوة لم يهاجروا بعد وذلك بحجة جمع المال الكافي الذي يمكنهم من القيام بمشروع تجاري في البلد الذي سيهاجرون إليه، فكم المبلغ المطلوب جمعه؟ ومتى سيُجمع؟ . 3. تقديم النصيحة للأخوات اللواتي يُكثرن الخروج من البيت لغير ضرورة، وبالأخص في مثل هذه الظروف الحرجة. 4. تقديم النصيحة للإخوة الذين يطلبون من زوجاتهم كشف الوجه بالقوة أمام بعض الإدارات بحجة أن الأمر فيه ضرورة، فما هو الحكم الشرعي في طاعة الزوج في هذا الأمر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا شك أن مآسي المسلمين والمسلمات في كثير من دول الكفر كثيرة، وحالهم في تلك الدول يُفطِّر القلب، ويُدمع العين. وكلنا نسمع ونقرأ ما يتعرضون له من مضايقات، وبخاصة النساء، وقد بان زيف هذه الدول التي تدَّعي الحضارة والحرية، فراحوا يضيقون على المسلمين في وظائفهم وبيوتهم، وعلى النساء في حجابهن وعملهن، فأطلقوا الحريات في زواج المثليين، والشذوذ الجنسي، وحرية الإساءة للإسلام وأهله، وضيَّقوا على المسلمين في شعائرهم وشرائعهم. والواجب على كل من قدر على الخروج من تلك الديار أن لا يقصِّر في ذلك، قبل أن يأتي يوم يندم فيه على تفويت الفرصة، ولا يملك حتى نفسه ليخرج بها، وذلك بعد أن يضِيع أولاده في خضم تلك الحضارة الزائفة الخارجة عن كل خلق وفضيلة، فيعيش سنين حياته يعمل ويكد ويجتهد، ثم يسلِّم أولاده للشارع والكنيسة، خسر الدنيا والآخرة. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: الإقامة في بلاد الكفار خطر عظيم على دين المسلم، وأخلاقه، وسلوكه، وآدابه، وقد شاهدنا وغيرنا انحراف كثير ممن أقاموا هناك فرجعوا بغير ما ذهبوا به، رجعوا فُسّاقًا، وبعضهم رجع مرتدًا عن دينه وكافرًا به وبسائر الأديان - والعياذ بالله - حتى صاروا إلى الجحود المطلق والاستهزاء بالدين وأهله السابقين منهم واللاحقين، ولهذا كان ينبغي بل يتعين التحفظ من ذلك ووضع الشروط التي تمنع من الهويّ في تلك المهالك ... . وكيف تطيب نفس مؤمن أن يسكن في بلاد كفار تعلن فيها شعائر الكفر ويكون الحكم فيها لغير الله ورسوله، وهو يشاهد ذلك بعينه ويسمعه بأذنيه ويرضى به، بل ينتسب إلى تلك البلاد ويسكن فيها بأهله وأولاده ويطمئن إليها كما يطمئن إلى بلاد المسلمين مع ما في ذلك من الخطر العظيم عليه وعلى أهله وأولاده في دينهم وأخلاقهم؟! انتهى. وانظر تتمة هذا الكلام للشيخ – رحمه الله – في جواب السؤال رقم (27211) ففيه تفصيل مسألة الإقامة في دول الكفر. ثانياً: لا يجوز للمرأة المسلمة التنازل عن عفافها وحجابها أمام تلك المغريات الفاسدة الزائلة، ولا يزال شياطين الإنس والجن يزينون للمرأة الانخراط في سلك الغاوين، فمن تبعهم زينوا الدنيا في ناظريه، وأبعدوه عن التفكير في القبر والآخرة ولقاء الله تعالى. وللأسف أن يساهم بعض مفتي الفضائيات في نزع المرأة حجابها بحجة الدراسة أو العمل، ولا خير في دراسة وعمل يسبب غضب الرب تبارك وتعالى وسخطه، وأي متاع دنيوي ستحوزه المرأة بشهادتها أو راتبها، وهي تعلم أنه على حساب ثواب الآخرة ورضا الله تعالى، فلا يرضى بهذا إلا مَنْ زُيِّن له سوء عمله فرآه حسناً. ولا يجوز للمسلمة أن تكشف عن وجهها فضلاً أن تكشف عن شعرها، ولو بحجة الدراسة أو العمل، وما عند الله خيرٌ وأبقى، ويجب على كل مسلم أن يسارع في الخروج من تلك الظلمات، وعلى العلماء أن يعينوا الأسر المسلمة على دينها وطاعة ربها بدلاً من إعانتهم على تكوين ثرواتهم وعبادة الدرهم والدولار! قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -: لا يجوز لكِ ولا لغيركِ من النساء السفور في بلاد الكفار، كما لا يجوز ذلك في بلاد المسلمين، بل يجب الحجاب عن الرجال الأجانب سواء كانوا مسلمين أو كفاراً، بل وجوبه عن الكفار أشد؛ لأنه لا إيمان لهم يحجزهم عما حرم الله. ولا يجوز لكِ ولا لغيركِ طاعة الوالدين ولا غيرهما في فعل ما حرم الله ورسوله، والله سبحانه يقول في كتابه المبين: (وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن) الأحزاب/53. فبيَّن سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة أن تحجَّب النساء عن الرجال غير المحارم أطهر لقلوب الجميع، وقال سبحانه: (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن) إلى أن قال سبحانه: ( ... ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن ... ) النور/31. " فتاوى علماء البلد الحرام " (ص 529) . ثالثاً: ينبغي للأزواج أن يكونوا عوناً لزوجاتهم على العفاف والستر والحياء، ولا يحل لهم أن يأمروهن بخلع حجابهن من أجل الدنيا كدراسة أو عمل، فإن تحتم عليهم ذلك ولم يتيسر لهم إبقاء حجاب نسائهم فيجوز كشف الوجه لتلك الضرورة، كالمطارات والجوازات، على أن يحرصوا أن يكون الناظر لها امرأة. وأما الذين يريدون من نسائهم خلع حجابهن بالكلية، أو من غير ضرورة: فلا يحل لهم هذا، والواجب عليهم أن يفخروا بانتسابهم لهذا الدين، وأن يفخروا بستر نسائهم وبناتهم، خاصة وأنهم يرون لباس الكافرات من حيث العري والشذوذ في الألوان والتفصيل! ولا يحل للمرأة طاعة زوجها إذا كان يأمرها بخلاف الستر والحجاب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف) . رواه البخاري (4085) ومسلم - واللفظ له - (1840) . وسئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله -: رجل متزوج وله أبناء، زوجته تريد أن ترتدي الزي الشرعي وهو يعارض ذلك، فبماذا تنصحونه بارك الله فيكم؟ . فأجاب: إننا ننصحه أن يتقي الله عز وجل في أهله، وأن يحمد الله عز وجل الذي يسَّر له مثل هذه الزوجة التي تريد أن تنفذ ما أمر الله به من اللباس الشرعي الكفيل بسلامتها من الفتن، وإذا كان الله عز وجل قد أمر عباده المؤمنين أن يقوا أنفسهم وأهليهم النار في قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم/6، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد حمَّل الرجل المسؤولية في أهله فقال: (الرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته) ، فكيف يليق بهذا الرجل أن يحاول إجبار زوجته على أن تدع الزي الشرعي في اللباس إلى زي محرم، يكون سبباً للفتنة بها ومنها، فليتق الله تعالى في نفسه، وليتق الله في أهله، وليحمد الله على نعمته أن يسَّر له مثل هذه المرأة الصالحة. وأما بالنسبة لزوجته: فإنه لا يحل لها أن تطيعه في معصية الله أبداً؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. " فتاوى المرأة المسلمة " (1 / 442، 443) . ولينظر جواب السؤال رقم: (45672) ففيه تفصيل لحكم إجبار الدول للمسلمات على نزع الحجاب. رابعاً: وأما خروج المرأة من بيتها: فلتعلم أخواتنا أن الأصل في المرأة أنها مكرَّمة، ومن تكريمها أن سخر لها زوجها وأولادها لخدمتها، وأوجب على الزوج النفقة عليها، وبقاؤها في بيتها ليس إلا لأنها تقوم بعمل جليل لا يمكن لمجموعة من الرجال أن يقوموا به، وهو تربية أولادها، وخدمة زوجها وبيتها، وهي أعمال جليلة عظيمة، ولذا فإنها لا تخرج إلا من ضرورة أو حاجة ماسة، وخاصة إن كانت في بلاد كافرة أو غير آمنة. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: لا شك أن بقاء المرأة في بيتها أفضل وأبعد عن الفتنة والشر, ولا يخفى علينا جميعاً ما يحصل من خروج النساء إلى الأسواق من الفتنة لهن وبهن , فإذا أمكن ألا تخرج: فهذا هو المطلوب , وإذا اضطرت للخروج: فلتخرج كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (وليخرجن تفِلات) أي: غير متبرجات بزينة ولا متطيبات , ولكن لا تخرج إلا لحاجة , ... فالذي أرى في هذه المسألة أن تلزم المرأة بيتها بكل حال، ولا تخرج إلا للضرورة , وإذا خرجت للضرورة فلتكن غير متطيبة ولا متبرجة بزينة. أما اصطحاب محرَم لها: فلا شك أنه أفضل وأولى , لكنه ليس بلازم ما دام أن المسألة لا تحتاج إلى سفر، ولكن من المؤسف أنك تجد بعض الناس يأتي إلى الخياط أو إلى التاجر ومعه أهله ثم يبقى في السيارة والمرأة هي التي تذهب وتخاطب الرجال وربما يحصل فتنة بأهله , فعلى الإنسان أن يكون رجلاً حازماً غيوراً على أهله , فلا يفعل هذا الفعل , إذا كان ولا بد فلينزل معها وليكن واقفاً عندها وهي تكلم الرجل أو يكلمها ثم هو يكلم الرجل. " لقاءات الباب المفتوح " (117 / السؤال 2) . وانظري جوابي السؤالين: (6742) و (9937) . خامساً: ولمن يريد النصح الصادق، والتوجيه الشرعي إذا أبى إلا البقاء في دول الكفر: فلينظر جوابي السؤالين: (70256) و (4237) ففيهما خير كثير إن شاء الله من التوجيه والنصح. والله الموفق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 91401 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1014 أهله يقعون في عرض النبي صلى الله عليه وسلم ويسبون أصحابه [السُّؤَالُ] ـ[أوصى الله ورسوله والأمة الإسلامية بصلة الأرحام؛ فوالله اليوم لا نشعر بها , لسوء الناس الذين نعيش معهم، ولسوء فهمهم وغفلتهم عن الله سبحانه وتعالى. الأهل آذوني، يشتمون ويسبون أمي إذا كنت موجودا!! الأهل في بيتهم إذا كنت جالسا يسبون ويشتمون في عرض الرسول صلى الله عليه وسلم -يسبون أصحابه؟!! فهل علي ذنب إن قاطعتهم؟ وأسال الله العافية وأن يوفقكم فيما تعملون.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: مثل هؤلاء الذي يعتادون شتم الأمهات، لا ينبغي للإنسان أن يجلس معهم إلا أن يضطر إلى ذلك، ويجب عليه أن يظهر لهم كراهية أفعالهم وأخلاقهم، وأن يبذل الوسائل لدعوتهم ونصحهم، حتى يقلعوا عن هذه الرذائل. وإن كان هؤلاء من القرابة والأرحام، فالأولى بالمرء أن يجاهد نفسه على صلتهم ودعوتهم إلى الله تعالى، وبذل الجهد في ذلك، فلأن يهدي الله على يديك رجلا خير لك من حمر النعم، ولا ينبغي أن يهجرهم لحق نفسه. ثانيا: كل شيء قد يُحتمل، إلا الطعن في رسولنا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم، والطعن في أصحابه وحملة دينه، وهذا مستلزم للطعن في رب العالمين سبحانه، الذي زكى نبيه صلى الله عليه وسلم واختاره واصطفاه، وزكى أصحابه واختارهم وشرفهم بصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم. والطعن في عرض النبي صلى الله عليه وسلم، أي في زوجاته أو إحداهن، طعن فيه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه اختارها، وأمسكها، وظل مصاحبا لها حتى فارق الدنيا، وهو طعن في الله تعالى الذي اختارها لنبيه، ورضيها له، ولم يأمره بفراقها. ومثل هذا الطعن لا يصدر إلا ممن طمس الله تعالى بصيرته عن الهدى ودين الحق، من الرافضة وأشباههم من أهل الضلال، أو من تأثر بهم، وانخدع بضلالتهم، نسأل الله السلامة. ولهذا فالواجب عليك أن تنكر هذا المنكر العظيم، وأن تبين لأهلك أن هذا ردة عن الدين، وسلوك لسبيل المجرمين الضالين، وأن تحذرهم من سوء العاقبة في الدنيا قبل الآخرة. فإن استجابوا فالحمد لله، وإن أصروا فابذل كل وسيلة متاحة لإقناعهم، ومن ذلك استضافة أحد العلماء لنصحهم، ولو بطريق غير مباشر، أو إحضار بعض الكتب أو الأشرطة في هذا الموضوع، فإن لم يُجد ذلك معهم، وأمكنك مقاطعتهم أو مفارقتهم، فافعل ذلك غيرة على حبيبك صلى الله عليه وسلم، وأقل الأحوال أن تعلن إنكارك كلما فعلوا ذلك وأن تفارق المجلس حينئذ. قال البغوي رحمه الله ـ في تعليقه على حديث كعب بن مالك وأصحابه ـ: " وفيه دليل على أن هجران أهل البدع على التأبيد ... ، وقد مضت الصحابة والتابعون وأتباعهم على ذلك، وعلماء السنة على هذا مجمعين متفقين على معاداة أهل البدع ومهاجرتهم. " انتهى من شرح السنة (1/227) . وقال ابن مفلح رحمه الله: " قال أحمد..: ويجب هجر من كفر , أو فسق ببدعة , أو دعا إلى بدعة مضلة , أو مفسقة على من عجز عن الرد عليه , أو خاف الاغترار به , والتأذي دون غيره وقيل: يجب هجره مطلقا وهو ظاهر كلام الإمام أحمد السابق , وقطع ابن عقيل به في معتقده قال ليكون ذلك كسرا له واستصلاحا واستدل عليه. وقال أيضا [يعني: ابن عقيل] : إذا أردت أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان فلا تنظر إلى زحامهم في أبواب الجوامع , ولا ضجيجهم في الموقف بلبيك , وإنما انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة , عاش ابن الراوندي والمعري عليهما لعائن الله ينظمون وينثرون , هذا يقول: حديث خرافة والمعري يقول: تلوا باطلا وجلوا صارما وقالوا صدقنا فقلنا نعم يعني بالباطل كتاب الله عز وجل. وعاشوا سنين وعظمت قبورهم واشتريت تصانيفهم , وهذا يدل على برودة الدين في القلب. وهذا المعنى قاله الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله تعالى. وقال الخلال: حدثنا إسماعيل بن إسحاق الثقفي النيسابوري أن أبا عبد الله سئل عن رجل له جار رافضي يسلم عليه. قال: لا وإذا سلم عليه لا يرد عليه ... وقال القاضي أبو الحسين في التمام: لا تختلف الرواية وفي وجوب هجر أهل البدع وفساق الملة أطلق كما ترى , وظاهره أنه لا فرق بين المجاهر , وغيره في المبتدع والفاسق. قال: ولا فرق في ذلك بين ذي الرحم , والأجنبي إذا كان الحق لله تعالى , فأما إذا كان الحق لآدمي كالقذف والسب والغيبة وأخذ ماله غصبا ونحو ذلك نظرت , فإن كان المهاجر والفاعل لذلك من أقاربه وأرحامه لم تجز هجرته , وإن كان غيره , فهل تجوز هجرته أم لا؟ على روايتين ... قال القاضي: وإنما كره أحمد هجرة الأقارب لحق نفسه للأخبار في صلة الرحم , وإنما أجازها في حق الله تعالى , ومنعها في حق الغير على رواية المروذي في حق الأجنبي ; لأن حق الله عز وجل أضيق لأنه لا يدخله العفو وحق الآدمي أخف لأنه يدخله العفو , ويبين هذا قول النبي: صلى الله عليه وسلم فدين الله عز وجل أحق أن يقضى. وكلام أكثر الأصحاب يقتضي أنه لا فرق , وهو ظاهر كلام الإمام أحمد في مواضع , وهو الأولى والأخبار في صلة الرحم تخص بأدلة الهجر , وحق الآدمي فيه حق الله تعالى , وهو مبني على المساهلة والمسامحة بخلاف حق الآدمي." انتهى من الآداب الشرعية (1/237-238) . نسأل الله لك التوفيق والثبات. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 91665 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1015 مسافرة بعيداً عن أهلها وتخشى على نفسها الفتنة [السُّؤَالُ] ـ[أنا فتاة مسلمة أعيش وحيدة في بلاد كافرة، بعد أن رفض أهلي كل من تقدم لي للزواج، وقد عانيت كثيراً وأنا أحاول الهروب من الفتن وأحافظ على ديني، لكن 4 سنوات من الغربة جعلتني أمرض وأعاني من آلام نفسية حادة، لكثرة ندمي على سفري بلا محرم، ولا أستطيع العودة إلى بلدي، ولا أهلي تركوني أحصن نفسي، وبالرغم من أنني حافظت على حجابي وساهمت في الدعوة إلى الله إلا أنني ضعفت وكدت أقع في الزنا، ومن ثم ساءت حالتي أكثر وأكثر. فكرت في الانتحار لكن علمي بعظم هذا الجرم منعني. سافرت في إطار عملي فالتقيت بشاب من بلدي الأصلي تظهر عليه علامات الطهر والالتزام يعيش في نفس البلد الذي أدرس فيه. كنت أبكي طيلة السفر، وأدعو الله أن أموت في تلك الرحلة، لأنني أشعر أني ضعفت وفقدت القدرة على المقاومة. عندما عدت من السفر أحسست أن شيئاً ما تغير في نفسي، وأني استعدت ثقتي بالله، وقطعت صلتي بكل من أفسدني، وأعلنتها توبة عجزت عنها منذ مدة طويلة، صليت لله واستخرت أن يكون هذا الشاب زوجي، فوالله ما فتئ يتصل بي طالباً مني الزواج على أن ألتزم بالشرع، أخبرت أهلي لكنهم رفضوا مرة أخرى وآذوني لأنهم ما فكروا فيما أعاني، فوالله لا أريد عقوقهم، لكنهم يحملوني ما لا طاقة لي به، فقد فكرت طلب ولاية الإمام، لأن الشاب من أحسن ما رأيت دينا وخلقا، ووالله لا أريد إلا تحصين نفسي لوجه الله فما أفعل؟ وسؤالي الثاني: إنني أحس بالذنب مع هذا الشاب لما أذنبته، فهل أخبره بما فعلته في الماضي برغم توبتي الصادقة! أنا على اتصال هاتفي بهذا الشاب للتفاهم، ويشهد الله أنه ما تجاوز حدوده أبدا! أفيدوني بإجابتكم فوالله إن قلبي لممزق.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نسأل الله تعالى أن يفرج همك، ويزيل غمك، ويحميك من الانزلاق في مهاوي الردى والمعصية إنه على ما يشاء قدير. اسمعي معي إلى هذا النداء الإلهي العظيم: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر/53. واسمعي إلى قوله تعالى وهو ينادي عباده المؤمنين: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ) التحريم/8. والله يقبل التوبة عن عباده، كما قال جل شأنه: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) الشورى/25. أختي السائلة: ما الذي دعاك لترك أهلك؛ والسفر إلى بلاد الكفر والعيش معهم؟! والإنسان لم يعد يأمن على نفسه حتى في بلاد الإسلام! وذلك لكثرة الشبهات والشهوات! فكيف ببلاد استبيح فيها كل شيء، وفتحت فيها أبواب المعاصي على مصراعيها! من أجل هذا – ومن حرصه صلى الله عليه وسلم على أمته, وحماية لهم من الوقوع في مثل ما وقعت به – أسأل الله أن يعافيك-، حرّم السكن والعيش بين الكفار, والإقامة في بلادهم. فقال: (أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (2654) والترمذي (1604) وصححه الألباني في إرواء الغليل (1207) . والإقامة في بلاد الكفر مرتع وخيم، وعيش نكد، وحياة قلق واضطراب، وهم – أعني أصحاب تلك البلاد – حياتهم جهنم لا تطاق – باعترافهم – لأنهم فقدوا تربية الروح، والصلة مع الله، وصارت حياتهم مادية بحتة، فكثرت فيهم الأمراض النفسية، ولجأوا في كثير من الأحيان – للتخلص من هذه الحياة – إلى الانتحار. ثانياً: النصيحة لك أن تبحثي عن الأسباب التي جعلت أهلك يقفون منك هذا الموقف، فيرفضون كل من تقدم للزواج منك , وجدي في معرفتها والعمل على إزالتها، حتى تستطيعي معالجة الأمر، وإيجاد الحلول المناسبة؛ حتى يلتم الشمل وتجتمعي مع أهلك. وإذا تعثر ذلك، وبقيت الأمور على ما هي وتبيّن أن الأسباب الحائلة بينك وبين أهلك أسباب غير شرعية. عند ذلك تنتقل ولايتك للسلطان أو القاضي الشرعي، وحيث إنك توجدين في بلاد ليس فيها قضاء شرعي وليست بلاد إسلام، فلا حرج عليك أن يكون وليك هو مدير أحد المراكز الإسلامية أو إمام المسجد، وانظري جواب السؤال (7989) . ثالثاً: إن إحساسك بالذنب على ما قد فعلته سابقاً , ورجوعك إلى الله، والتوبة الصادقة النصوح، التي يندم فيها الإنسان على ما فعل , ويعزم على أن لا يعود، ويقلع عن الذنب , ويستغفر, ويكثر من الأعمال الصالحة , إن ذلك يجبر ما فات ويطهره، قال تعالى: (فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) المائدة/39. وقال جل شأنه: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82. وقال تعالى: (وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً) الفرقان/71. فمن رجع عن المعاصي، وأناب إلى ربه، وأسلم له؛ فإن الله يقبل توبته ويحسن عاقبته، ويجعله من ورثة جنة النعيم، قال الله تعالى: (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً * إِلا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً) مريم/59-60. والتوبة تفتح على صاحبها باباً جديداً, ينطلق منه إلى حياة جديدة؛ ملؤها الإيمان , والإحسان , والأمل. قال صلى الله عليه وسلم: (التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لا ذَنْبَ لَهُ) رواه ابن ماجة (4250) وحسنه الألباني. فأنصحك بعدم ذكر ذلك له، لأن ذلك صار كأنه لم يكن – بعد التوبة – وابدئي معه حياة جديدة, ملؤها الأمل , والحب , والسعادة , وكلليها بالطاعة , والتقوى، والاستقامة على الهدى. ونصيحتنا لك أن تعجلي بأمر الزواج من هذا الشاب، لأن اتصاله بك وإقامة علاقة معه قبل الزواج أمر محرم، وقد يكون ذلك باباً من أبواب الفتنة، نسأل الله تعالى أن يحفظنا من الزلل. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 90075 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1016 قوله للكافر في عيده: أتمنى لك الخير أو الأفضل هل يعد تهنئة [السُّؤَالُ] ـ[أعلم أن تهنئة الكتابيين بأعيادهم حرام، لما فيها من إقرار لعقائد باطلة, ولكن هل يجوز لي أن أرسل لمن أعرفه منهم في أعيادهم رسائل لا تحتوى على تهنئة, كأن أرسل لهم "أتمنى لك الخير", "أتمنى لك الأفضل" بنية تمنى لهم الهدى؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تهنئة الكفار في أعيادهم، أمر محرم، كما ذكرت. وراجع السؤال رقم (947) ، ورقم (81977) والذي يظهر أن إرسال رسالة إلى من تعرفه منهم، في أيام أعيادهم، مضمونها: أتمنى لك الخير أو الأفضل، أن ذلك من التهنئة. لكن لو أرسلت هذه الرسالة في غير أيام الأعياد الخاصة بهم، بنية دعوتهم والرغبة في هدايتهم، فلا حرج. عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ كَانَ الْيَهُودُ يَتَعَاطَسُونَ [يعني: يفتعلون العطاس من عندهم] عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْجُونَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ فَيَقُولُ يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ. رواه الإمام أحمد (19089) أبو داود (5038) والترمذي (2739) وصححه الألباني في الإرواء (1277) . قال في عون المعبود: " أَيْ وَلَا يَقُول لَهُمْ يَرْحَمكُمْ اللَّه , لِأَنَّ الرَّحْمَة مُخْتَصَّة بِالْمُؤْمِنِينَ بَلْ يَدْعُو لَهُمْ بِمَا يُصْلِح بَالَهُمْ مِنْ الْهِدَايَة وَالتَّوْفِيق لِلْإِيمَانِ. فالدعاء للكافر بالهداية، أو بصلاح البال: يعني: بالإيمان والهدى، لا بأس به، بل هو ثابت بسنة النبي صلى الله عليه وسلم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 90222 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1017 حكم التحدث باللغة الانجليزية دون الحاجة لذلك [السُّؤَالُ] ـ[ماحكم التحدث باللغة (الانجليزية) دون الحاجة لذلك؟ وأرجو كتابة المرجع لكي أستند عليه.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لِلَّه أولا: يقرر علماء اللسانيات والأصوات أن اللغات في العالم بلغت ما يقرب من ثلاثة آلاف لغة، وأنها تختلف في مستوياتها، فمنها اللغة الراقية والمتصرفة والثرية ومنها دون ذلك. واللغة العربية تتربع في قمة هرم اللغات، لما لها من خصائص ذاتية في حروفها وكلماتها التي تقوم على أصول ثلاثية في الغالب، وتناوبِ الصيغ في أداء المعنى، وتقارُبِ معاني ألفاظها مع الأصوات، وكذلك للخصائص التي تحملها معاني التراكيب اللغوية، فيما يسمى بـ " علم البلاغة ". ولذلك كانت اللغة العربية لغة كتاب الله الخالد، القرآن الكريم، وقد اختارها الله سبحانه لتكون اللسان الذي أنزل به كتابه، قال الله تعالى: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) الشعراء /192-195 الإمام الشافعي رحمه الله: " ولسان العرب أوسع الألسنة مذهباً، وأكثرها ألفاظاً، ولا نعلمه يحيط بجميع علمه إنسان غيرُ نبي " انتهى. الرسالة (34) وقد شهد أهل العلم باللغات بأفضلية اللغة العربية على غيرها من اللغات. يقول ابن جني في "الخصائص" (1/243) : " إنا نسأل علماء العربية، ممن أصله أعجمي، وقد تدرب قبل استعرابه عن حال اللغتين، فلا يجمع بينهما، بل لا يكاد يَقبل السؤال عن ذلك لبعده في نفسه، وتقدُّمِ لطف العربية في رأيه وحسه، سألت غير مرة أبا علي (يعني الفارسي إمام اللغة المعروف) عن ذلك، فكان جوابه عنه نحو ما حكيته " انتهى. ويقول ابن سنان الخفاجي في "سر الفصاحة" (45) : " لا خفاء بميزاتها على سائر اللغات وفضلها " انتهى. ثم توسع في شرح ذلك. وانظر كتاب "البلاغة المفترى عليها" لفضل حسن عباس (19-78) . ثانيا: ومن عرف للغة العربية فضلها وأهميتها أدرك ما ينبغي عليه من شديد العناية بها، خاصة وأن الصلاة وهي أهم عبادات المسلم لا تصح إلا بتلاوة كتاب الله العربي، لذلك كان المسلمون في شرق الأرض وغربها يتعلمون العربية على اختلاف أجناسهم وأعراقهم، حفاظا على وحي الله تعالى الذي أنزله بهذه اللغة، فإنَّ حفظَ القوالب حفظٌ للمعاني. اللهم إلا أننا أصبحنا نجد في عصرنا هذا من يزهد في لغة القرآن، فينسبها تارة للعجز، وأخرى للصعوبة، لم يغادر شبهة أو تهمة إلا وحاول إلصاقها بها، ولكن الله سبحانه وتعالى قيض له من يبين فساد مقالته، وبطلان دعواه. كما أننا نجد في زماننا من يزهد بلغته العربية، تبعية للغرب الذي سلب لُبَّه بمدنيته الزائفة، وحضارتِه الموهومة، فأصبح يستبدل العبارات العربية بالكلمات (الانجليزية) تارة، أو بـ (الفرنسية) تارة أخرى، حتى انحرف لسانه عن لغته الأصيلة، وانحرفت أخلاقه وأطباعه تبعا لذلك. فلهؤلاء وأولئك أنقل لهم كلمة ضافية لشيخ الإسلام ابن تيمية، أوفى فيها على المقصود، وجمع فيها من المنقول والمعقول في هذا الموضوع، فقال رحمه الله تعالى في "اقتضاء الصراط المستقيم" (1/204- 208) : " اللسان العربي شعار الإسلام وأهله، واللغات من أعظم شعائر الأمم التي بها يتميزون، ولهذا كان كثير من الفقهاء، أو أكثرهم، يكرهون في الأدعية التي في الصلاة والذكر، أن يدعى الله أو يذكر بغير العربية.. وأما الخطاب بها (يعني الأعجمية) من غير حاجة في أسماء الناس والشهور، كالتواريخ ونحو ذلك، منهي عنه مع الجهل بالمعنى بلا ريب. وأما مع العلم به، فكلام أحمد بَيِّنٌ في كراهته أيضا، فإنه كره "آذرماه" ونحوه، ومعناه: ليس محرما، وأظنه سئل عن الدعاء في الصلاة بالفارسية فكرهه وقال: لسان سوء. وهو أيضا قد أخذ بحديث عمر رضي الله عنه الذي فيه النهي عن رطانتهم، وعن شهود أعيادهم. وهذا قول مالك أيضا، فإنه قال: لا يُحرِم بالعجمية ولا يدعو بها، ولا يحلف بها. وقال: نهى عمر عن رطانة الأعاجم وقال: " إنها خِبَّ " (المكر والغش، المدونة 1/62-63) ، فقد استدل بنهي عمر عن الرطانة مطلقا. وقال الشافعي فيما رواه السلفي بإسناد معروف إلى محمد بن عبد الله بن الحكم قال: سمعت محمد بن إدريس الشافعي يقول: " لا نحب ألا ينطق بالعربية فيسمي شيئا بالعجمية، وذلك أن اللسان الذي اختاره الله عز وجل لسان العرب، فأنزل به كتابه العزيز، وجعله لسان خاتم أنبيائه محمد صلى الله عليه وسلم، ولهذا نقول: ينبغي لكل أحد يَقدِرُ على تعلم العربية أن يتعلمها؛ لأنها اللسان الأَوْلَى بأن يكون مرغوبا فيه، من غير أن يحرم على أحد أن ينطق بالعجمية " فقد كره الشافعي لمن يعرف العربية أن يسمي بغيرها، وأن يتكلم بها خالطا لها بالعجمية، وهذا الذي قاله الأئمة مأثور عن الصحابة والتابعين. روى أبو بكر بن أبي شيبة في "المصنف" (9/11) حدثنا وكيع عن أبي هلال عن أبي بريدة قال: قال عمر: ما تعلم الرجل الفارسية إلا خَبَّ (صار خَدَّاعًا) ، ولا خَبَّ رجل إلا نقصت مروءته. وقال حدثنا وكيع عن ثور عن عطاء قال: لا تعلموا رطانة الأعاجم، ولا تدخلوا عليهم كنائسهم، فإن السخط ينزل عليهم. وهذا الذي رويناه فيما تقدم عن عمر رضي الله عنه. (انظر مصنف عبد الرزاق 1/411) وقال حدثنا إسماعيل بن علية عن داود بن أبي هند أن محمد بن سعد بن أبي وقاص سمع قوما يتكلمون بالفارسية فقال: ما بال المجوسية بعد الحنيفية. ونقل عن طائفة منهم أنهم كانوا يتكلمون بالكلمة بعد الكلمة من العجمية: قال أبو خلدة: كلمني أبو العالية بالفارسية. وقال منذر الثوري: سأل رجل محمد بن الحنفية عن الجبن، فقال: يا جارية اذهبي بهذا الدرهم فاشتري به نبيزا، فاشترت به نبيزا، ثم جاءت به، يعني الجبن. وفي الجملة: فالكلمة بعد الكلمة من العجمية أمرها قريب، وأكثر ما كانوا يفعلون إما لكون المخاطب أعجميا، أو قد اعتاد العجمية، يريدون تقريب الأفهام عليه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص - وكانت صغيرة قد ولدت بأرض الحبشة لما هاجر أبوها - فكساها النبي صلى الله عليه وسلم خميصة وقال: (يا أم خالد هذا سنا) والسنا: بلغة الحبشة الحسن. البخاري (5845) ورُوي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال لمن أوجعه بطنه: أشكم بدرد. وأما اعتياد الخطاب بغير العربية التي هي شعار الإسلام ولغة القرآن، حتى يصير ذلك عادة للمصر وأهله، ولأهل الدار، وللرجل مع صاحبه، ولأهل السوق، أو للأمراء، أو لأهل الديوان، أو لأهل الفقه، فلا ريب أن هذا مكروه، فإنه من التشبه بالأعاجم، وهو مكروه، ولهذا كان المسلمون المتقدمون لما سكنوا أرض الشام ومصر ولغة أهلهما رومية، وأرض العراق وخراسان ولغة أهلهما فارسية، وأهل المغرب ولغة أهلها بربرية، عودوا أهل هذه البلادِ العربيةَ، حتى غلبت على أهل هذه الأمصار مسلمهم وكافرهم، وهكذا كانت خراسان قديما. ثم إنهم تساهلوا في أمر اللغة، واعتادوا الخطاب بالفارسية حتى غلبت عليهم، وصارت العربية مهجورة عند كثير منهم، ولا ريب أن هذا مكروه. وإنما الطريق الحسن اعتياد الخطاب بالعربية حتى يتلقنها الصغار في الدور والمكاتب، فيظهر شعار الإسلام وأهله، ويكون ذلك أسهل على أهل الإسلام في فقه معاني الكتاب والسنة وكلام السلف، بخلاف من اعتاد لغة ثم أراد أن ينتقل إلى أخرى، فإنه يصعب عليه. واعلم أن اعتياد اللغة يؤثر في العقل والخلق والدين تأثيرا قويا بينا، ويؤثر أيضا في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين، ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخلق. وأيضا فإن نفس اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب، فإنَّ فهم الكتاب والسنة فرض، ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ثم منها ما هو واجب على الأعيان، ومنها ما هو واجب على الكفاية. وهذا معنى ما رواه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عيسى بن يونس عن ثور عن عمر بن يزيد قال: (كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: أما بعد، فتفقهوا في السنة، وتفقهوا في العربية، وأعربوا القرآن فإنه عربي) وفي حديث آخر عن عمر رضي الله عنه أنه قال: (تعلموا العربية فإنها من دينكم، وتعلموا الفرائض فإنها من دينكم) وهذا الذي أمر به عمر رضي الله عنه من فقه العربية وفقه الشريعة يجمع ما يحتاج إليه؛ لأن الدين فيه فقه أقوال وأعمال، ففقه العربية هو الطريق إلى فقه أقواله، وفقه السنة هو الطريق إلى فقه أعماله " انتهى. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "اللقاء الشهري" (لقاء رقم 3/سؤال رقم 12) : " السؤال: نجد أن بعض الناس ربما يتخاطب مع غيره من الشباب وغيرهم باللغة الإنجليزية أو ببعض مفرداتها، هل يفرق هذا بين من كان في مجال عمل، كما أننا نحن مثلاً في المستشفى نتخاطب مع زملائنا باللغة الإنجليزية غالباً، ولو كان الأمر لا يحتاج للكلام، ولكننا تعودنا ذلك بمقتضى مخالطتنا لهم، فهل في هذا بأس، وإذا تكلم الإنسان بكلمة من غير العربية فهل يأثم بذلك؟ الجواب: الكلام باللغة غير العربية أحياناً لا بأس به، فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال لطفلة صغيرة جارية قدمت من الحبشة فرآها وعليها ثوب جميل، فقال: (هذا سنا، هذا سنا) أي: هذا حسن، كلمها باللغة الحبشية؛ لأنها جاءت قريبة من الحبشة، فخطاب من لا يعرف العربية أحياناً باللغة التي يفهمها هو لا بأس به، وليس فيه إشكال، لكن كوننا يأتينا هؤلاء القوم لا يعلمون اللغة العربية، ثم نتعجم نحن قبل أن يتعربوا هم، مثل أن تجد بعض الناس إذا خاطب إنساناً غير عربي بدل ما يقول: لا أعرف، يقول: " ما في معلوم ". لماذا يقول: " ما في معلوم "؟ لأجل أن يعرف ما يقول له، والصحيح أن يقول له: لا أعرف، حتى يعرف هو اللغة الصحيحة، لكن مع الأسف الآن نخشى على أنفسنا أن نكون أعاجم " انتهى. ويقول الشيخ ابن عثيمين أيضا رحمه الله "لقاء الباب المفتوح" (لقاء رقم 142/سؤال رقم 3) : " الذي ينطق بالعربية لا ينطق بغير العربية، ولهذا كان عمر بن الخطاب يضرب الناس إذا تكلموا برطانة الأعاجم، والعلماء كرهوا أن يكون التخاطب بلغة غير العربية لمن يعرف اللغة العربية، ولذلك - مع الأسف الشديد - الآن عندنا هنا في السعودية التي هي أم العربية نجد بعضهم يتكلم باللغة غير العربية مع أخيه العربي، بل بعضهم يعلم صبيانه اللغة غير العربية، بل بعضهم يعلمهم التحية الإسلامية باللغة غير العربية، سمعنا من يقول لصبيه إذا أراد مغادرته أو أتى إليه، يقول: " باي باي "..؟!! ثم نرى الآن مع الأسف الشديد أنه يوجد لافتات على بعض المتاجر باللغة غير العربية، يعني: في بلادنا العربية يأتي العربي من البلد يقف على هذا الدكان لا يدري ما معناه، وما الذي فيه؟ ولا يدري ما هذا المتجر؟ ويأتي إنسان أوروبي لا يعرف البلد، ويقف ويعرف ما في الدكان، لماذا؟ لأن المكتوب باللافتة بلغته، أما نحن فلا، وهذا لا شك أنه من نقص التصور في شأننا في الواقع، من عندك ممن يفهم من اللغة الإنجليزية، أي: ولا (1%) من السكان، ثم تجعل اللافتة على دكانك بهذه اللغة! هذا أقل ما يكون حياءً من أهل البلد، لكن الحقيقة أن القلوب ميتة، وإلا كان يُهْجَر هذا الذي جعل دكانه باللغة غير العربية!! كان الذي ينبغي لنا نحن ونحن عرب، والله أنت ما فتحت دكانك لنا، إنما فتحته لأهل هذه اللغة ونقاطعه، ولو أننا قاطعناه لكان غداً يكتبها بالحرف الكبير باللغة العربية ... " انتهى. ويقول أيضا رحمه الله "لقاء الباب المفتوح" (لقاء رقم/186/ سؤال رقم/15) : " إذا خاطبك الإنسان بلغته أجب عليه بلغته، لكن الأفضل أن تبقى الألفاظ الشرعية على ما كانت عليه، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا يغلبنكم الأعراب على صلاتكم العشاء فإنهم يدعونها العتمة) ؛ لأن الأعراب يعتمون بالإبل، وهي في كتاب الله العشاء، فنهى الرسول عليه الصلاة والسلام أن يغلبنا الأعراب على لغتنا مع أنهم عرب، لكن مع الأسف الآن أن المسلمين غلبتهم البربر والعجم على لغتهم، فصاروا الآن يتعاملون باللغة الإنجليزية عندنا، حتى بلغني أن بعض الناس من جهلهم في مجالسهم العادية يتكلمون باللغة الإنجليزية وهم عرب، وهذا يدل على الضعف الشخصي إلى أبعد الحدود، وعلى عدم الفقه في دين الله، وكان عمر رضي الله عنه من حرصه على اللغة العربية التي هي لغة القرآن والحديث يضرب من يتكلم بالفارسية أو بالأعجمية " انتهى. وانظر "الآداب الشرعية" لابن مفلح (3/432-433) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 90066 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1018 هل يطرد خاله مدمن الخمر من السكن معه؟ [السُّؤَالُ] ـ[يعيش معنا -أنا واثنان من الإخوة أصغر مني- في بلاد الكفر في نفس البيت الصغير -غرفتين- خال لي مدمن خمر , لكن في بداية سكناه معنا لم يكن يشرب بهذا القدر , أضف إلى ذلك أنه لا يصلي , ويسب الدين والرب في بعض الأوقات , وهو هنا في بلاد الكفر منذ ما يقارب 30 سنة لم يذهب خلالها قط إلى البلاد.. ولقد كان صديقاً لأبي قبل أن يتزوج أبي بأمي.. ونحن ولله الحمد والمنة نصلي ونحاول اتقاء الله قدر المستطاع , ولقد تكلمنا معه بالتي هي أحسن ونصحناه بأن يتوب إلى الله , فيقول لنا؛ معكم الحق.. ادعوا الله أن يتوب عليّ.. ثم بعد يوم أو اثنين يعود لما كان عليه! ونحن إن قمنا بطرده من البيت فلا يوجد من يستضيفه في بيته مما سيؤدي به إلى النوم في الشارع ككثير من المدمنين العرب الذين يعيشون في الشوارع , نسأل الله لنا ولهم الهداية.. السؤال؛ ماذا يتوجب علي فعله مع العلم بأن أمي وأبي لا يعيشون معنا في نفس البيت فهما في بلدنا الأصلي , لكن في حالة طرد خالي أو التكلم معه بقسوة فقد تنزعج أمي لأنها رغم ذلك تحب أخاها لأنها لم تره منذ 30 سنة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله مآسي المسلمين في بلاد الكفر كثيرة , لا تعد ولا تحصى , تدمي القلب , وتفطر الكبد , وتحزن النفس , ذلك أن هذه المجتمعات؛ وتلك البيئات ليست للمسلمين , فمقوماتها لا تتناسب ودينهم , وما جاء به من مبادئ سامية , وأخلاق رفيعة , وأدب جم. لقد حذرنا الرسول صلى الله عليه وسلم من العيش في تلك البيئات والمجتمعات أشد تحذير، لما يعلم ما لهذه الإقامة من الأثر السيء على المسلمين؛ في دينهم؛ وأخلاقهم , وسلوكهم. فقال: (أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (2654) والترمذي (1604) وصححه الألباني في إرواء الغليل (1207) . وما حال خالكم المذكور ـ وغيره كثير- إلا نتيجة لتلك الإقامة التي نهانا ديننا عنها. إنه الضياع الكبير , والخسران المبين للدنيا والآخرة , إن لم يتداركه الله برحمته. أخي السائل: ليس لكم إلا الصبر على خالكم , فإنه يظهر من نصيحتكم له وجوابه لكم أن بذرة الإيمان لا زالت حية , تنبض في قلبه , فتحتاج منكم الرعاية , والسقاية , والاهتمام دون كلل , ولا ملل , واضعين نصب أعينكم قوله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: (فَوَاللَّهِ لأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ) أخرجه البخاري (2942) . فبقاؤه معكم في البيت – مع بذل النصيحة له والعناية به – خير له من التسكع في الشوارع , وعيشة المشرد , والتي قد تؤدي به إلى سوء الخاتمة , بسبب بعده عنكم. وارتكاب أخف المفسدتين ودفع إحداهما بالأخرى , هو الأصل المطلوب. مع ما في الإحسان إليه من بر الوالدة ورضاها بذلك، فاجتهدوا في دعوته إلى الخير، وحاولوا إشغاله عما هو فيه، وخذوه معكم إلى المسجد شيئاً فشيئاً، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يهدي ضال المسلمين, وينير بصائرهم ,إنه ولي ذلك والقادر عليه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 89757 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1019 التبسم في وجه الكافر لغرض تأليفه ودعوته [السُّؤَالُ] ـ[بالنظر إلى أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم في معاملة الكفار.. من عدم جواز بدئهم بالسلام.. ومن عدم إفساح الطريق لهم كما في حديث (اضطروهم إلى أضيقه) فهل يمكن أن نقيس على ذلك أيضاً عدم جواز التبسم في وجوههم؟ بمعنى آخر.. هل يجوز الابتسام في وجوه الكفار؟ فإن كان لا يجوز.. فكيف نرد على من يقول إن ذلك من باب الدعوة إلى الله وترغيبهم في الإسلام؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله دلت نصوص الشريعة المستفيضة على تحريم موالاة الكافر ومودته واتخاذه صديقا وخليلا، وإكرامه وإظهار الحفاوة والبشر له، وابتدائه بالسلام والتحية، ويستثنى من ذلك بعض هذه الأمور إذا دعت مصلحة أو حاجة، كتحيته بغير السلام عند الحاجة، والتلطف واللين معه عند دعوته للإسلام، ويدخل في ذلك التبسم في وجهه. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ما حكم مخالطة الكفار ومعاملتهم بالرفق واللين طمعاً في إسلامهم؟ فأجاب: لا شك أن المسلم يجب عليه أن يبغض أعداء الله ويتبرأ منهم لأن هذه هي طريقة الرسل وأتباعهم قال الله تعالى: (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده) الممتحنة / 4، وقال تعالى: (لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادُّون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه) المجادلة / 22. وعلى هذا لا يحل لمسلم أن يقع في قلبه محبة ومودة لأعداء الله الذين هم أعداء له في الواقع. قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق) الممتحنة / 1. أما كون المسلم يعاملهم بالرفق واللين طمعاً في إسلامهم وإيمانهم فهذا لا بأس به، لأنه من باب التأليف على الإسلام ولكن إذا يئس منهم عاملهم بما يستحقون أن يعاملهم به. وهذا مفصل في كتب أهل العلم ولاسيما كتاب " أحكام أهل الذمة " لابن القيم رحمه الله " انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" رحمه الله (3/31) . وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في "زاد المعاد" (2/424) في ابتداء الكفار بالتحية: " وقالت طائفة - أي من العلماء -: يجوز الابتداء لمصلحة راجحة من حاجة تكون إليه، أو خوف من أذاه، أو لقرابة بينهما، أو لسبب يقتضي ذلك " اهـ. وجاء في "الموسوعة الفقهية" (25/168) : " ذهب الحنفية إلى أن السلام على أهل الذمة مكروه لما فيه من تعظيمهم , ولا بأس أن يسلم على الذمي إن كانت له عنده حاجة ; لأن السلام حينئذ لأجل. الحاجة لا لتعظيمه , ويجوز أن يقول: السلام على من اتبع الهدى ... ويحرم عند الشافعية بداءة الذمي بالسلام , وله أن يحييه بغير السلام بأن يقول: هداك الله أو أنعم الله صباحك إن كانت له عنده حاجة , وإلا فلا يبتدئه بشيء من الإكرام أصلا ; لأن ذلك بسط له وإيناس وإظهار ود. وقد قال الله تعالى: (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله} " انتهى. والحاصل أن التبسط للكافر، والتبسم له، يجوز لغرض دعوته للإسلام. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 88088 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1020 هل يشارك في حفل زواج أخيه النصراني [السُّؤَالُ] ـ[أسلمت ولله الحمد، لكن عائلتي لا تزال على النصرانية. وسيتزوج أخي قريبا، مما يترتب عليه الاحتفال بخدمات دينية في الكنيسة يتبعها مأدبة طعام. وقد أخبرت عائلتي أني لن أشارك في الاحتفال الديني. وأود أن أعرف إذا كان الإسلام يجيز لي ولزوجتي وطفلي حضور مأدبة الطعام حيث قد يقدم الخمر لبعض النصارى أثناء تناولهم الطعام. إذا كان ذلك لا يجوز، فبماذا تنصحني إذن؟ أرجو أن تجيبني مع الدليل. إن هذا الموضوع مهم جدا بالنسبة لي حيث أن والدي أبعدني عنه منذ 7 سنوات (بمحض إرادته) وأنا أحاول دعوتهم للإسلام. وجزاك الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله 1. نحمد الله تعالى أن هداك للإسلام ونسأله تعالى أن يتم عليك النعمة بالثبات عليه، وهداية أهلك ودخولهم في الإسلام. 2. وقد أحسنتَ بموقفك من عدم حضور الخدمات الدينية في الكنيسة، إذ المشاركة في مثل هذه الأمور الدينية عند غير المسلمين أقل أحوالها أنها من الكبائر، وقد تصل إلى الكفر. 3. وأما المشاركة في حفل زفاف أخيك والذي يكون فيه الخمر مع الطعام، فإننا ننصحك أن تمتنع عن المشاركة كما فعلت أولا، والمشاركة في مثل هذا الاحتفال من المحرمات وكبائر الذنوب، وقد قال الله تعالى {فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين} ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فقلبه وذلك أضعف الإيمان ". رواه مسلم (49) . والمشاركة في مثل هذه الأمور لن تستطيع أن تغير المنكر بيدك ولا بلسانك - في الغالب -، فلم يبق إلا التغيير بالقلب، وهو يتنافى مع المشاركة. وقال النبي صلى الله عليه وسلم " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يشرب عليها الخمر ". رواه أحمد (14241) ، وقد صححه العلامة الألباني في " إرواء الغليل " (7 / 6) . وسبب التحريم - كما هو ظاهر - هو أن الجلوس يعني إقرار المنكر. 4. إن تقديم مثل هذه التنازلات من قبل الأخ السائل بالإضافة إلى أنه لا يجوز لها شرعاً: فإنه يضعف موقفه في محاولات دعوة أهلها إلى الإسلام، وكلما كان الداعية صادقاً في نفسه ومع ربه كلما كان تأثيره أقوى في دعوة الآخرين، وأما تمييع المسائل وتذبذب المواقف فإنه يفقد الثقة فيه من قِبَل الآخرين. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 6992 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1021 هل يسمح المسلم لضيفه الكافر بأداء شعائر الكفر في بيته [السُّؤَالُ] ـ[إذا زارك شخص كافر ليبقى في بيتك لعدة أيام فهل يجوز للمسلم المستضيف أن يسمح له بأن يؤدي صلاته وشعائر دينه التعبدية؟ هل يعتبر المسلم المستضيف مذنباً؟ لأن بعض الصلوات والشعائر التعبدية لدين آخر لا تتوافق مع الإسلام.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا هذا السؤال على الشيخ محمد صالح العثيمين فأجاب بقوله: الحمد لله، لا يجوز أن توافقه على ذلك لأن هذا كفر فإنه لا دين له كما قال الله عز وجل " ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه " وقال تعالى " وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره " ولأن هذا الزائر امتهن كرامتك لأنه يعلم أنك لا ترضى بهذا فلا تدعه يمتهن كرامتك. أهـ والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح العثيمين الحديث: 4948 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1022 معاشرة غير المسلمين [السُّؤَالُ] ـ[أنا طالب مسلم، وأنا أعيش حالة ضياع بين مصاحبة المسلمين وغير المسلمين. ففي أيام الجمع عادة، فأنا أبقى مع المسلمين، أما في باقي أيام الأسبوع، فأبقى مع غير المسلمين في الجامعة. ومشكلتي هي أني أميل إلى قضاء جزء كبير من وقتي مع غير المسلمين. ومع وجود الإغراءات من حولي، فأنا لا أعرف كيف أفعل مع النساء. أنا لا أشرب الخمر، ولا أدخن، لكن عندما يتعلق الأمر بالنساء، فإني أصبح ضعيفا. وبسبب مواقفي الإسلامية، فإن الفتيات يجدنني لطيفا بالمقارنة مع أصدقائي الآخرين. وأنا أتمنى لو أني أعرف بعض الأخوات المسلمات، اللآتي أحترمهن حقا، لأتمكن من التحدث إليهن (من منظور إسلامي) ولا أضطر عندها لأن أقضي وقتي مع الفتيات غير المسلمات. كنت أحاول منذ وقت طويل، لكن أحيانا يكون مجرد المحاولة لا يكفي. فبماذا تنصحني؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سؤالك يدل على وجود الخير في قلبك ومحبتك له وحرصك ورغبتك في الالتزام الكامل بما أمر الله عز وجل به. وقد ذكرت في سؤالك عدة قضايا: الأولى: أنك تخالط المسلمين وغير المسلمين , فاعلم يا أخي أن علاقة المسلم مع المسلمين تختلف عن علاقته مع غيرهم , وذلك أن المسلم يجب عليه أن يوالي أخاه المسلم , بأن يكن له المحبة القلبية والتقدير والاحترام , كما قال الله عز وجل: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) التوبة / 71 ولإخوانك المسلمين عليك حقوق يجب أن تؤديها إليهم , وليس هذا المقام مقام بيانها وبإمكانك الإطلاع على بعضها في إجابة السؤال رقم: 11413. أما غير المسلم فالواجب على المسلم أن يتبرأ منه , ولا يُكِن له أي مودة قلبية , كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ) الممتحنة / 1. وقال تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) الممتحنة / 4. ولكن هذا لا يمنعه من التعامل معه بأسلوب حسن ترغيبا له في الإسلام , على أن يكون ذلك وفق الضوابط الشرعية , كما قال تعالى: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الممتحنة / 8. وعلى المسلم أن يحرص كل الحرص على دعوة غير المسلمين إلى الإسلام بكل الوسائل الشرعية الممكنة , والتي يرجى معها النفع والاستجابة , كما قال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) النحل / 125. وقال تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) فصلت /33. وروى مسلم في "صحيحه" (2674) من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا ". الثانية: أنك تميل إلى قضاء جزء كبير من وقتك مع غير المسلمين , وقد عبرت عن ذلك بأنه مشكلة , وهو كذلك بالفعل , لأن مخالطة المسلم لغير المسلمين وفي مجتمع غير إسلامي مع الميل إليهم , هذا مما يؤثر على الإنسان في عقيدته ودينه وخلقه (لا سيما وقد ذكرت في سؤالك بأنك لا تشرب الخمر ولا تدخن _ وهذا من فضل الله عليك _ مما يفهم منه وقوع مثل هذه الأشياء من أولئك القوم) ولهذا جاءت النصوص الشرعية بالتحذير من مخالطة ومعاشرة غير المسلمين , فقد أمر الله عز وجل بالهجرة من بلد الكفر إلى بلد الإسلام , كما قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً.إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً) النساء /97_ 98. وروى أبو داود في "سننه" (2645) والترمذي في "جامعه" (1640) من حديث جرير بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أنا برئ من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين ". قالوا: يا رسول الله، ولم؟ قال: " لا ترايا ناراهما ". والحديث صححه الألباني في "الإرواء" (1207) . قال ابن القيم في "تهذيب السنن" (عون _ 7/304) : (والذي يظهر من معنى الحديث: أن النار هي شعار القوم عند النزول وعلامتهم , وهي تدعو إليهم , والطارق يأنس بها , فإذا ألم بها جاور أهلها وسالمهم , فنار المشركين تدعو إلى الشيطان وإلى نار الآخرة , فإنها إنما توقد في معصية الله , ونار المؤمنين تدعو إلى الله وإلى طاعته وإعزاز دينه , فكيف تتفق الناران , وهذا شأنهما؟! وهذا من أفصح الكلام وأجزله , المشتمل على المعنى الكثير الجليل بأوجز عبارة) ا. هـ. وروى أبو داود (2787) من حديث سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله ". ورواه الحاكم (2/141) بإسناد آخر عن سمرة ولفظه: " لا تساكنوا المشركين ولا تجامعوهم فمن ساكنهم أو جامعهم فليس منا ". والحديث حسنه الألباني في "الصحيحة" (2330) بمجموع طريقيه. وروى الإمام أحمد (4/365) والنسائي (4177) من حيث جرير قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبايع , فقلت: يا رسول الله ابسط يدك حتى أبايعك , واشترط علي , فأنت أعلم. قال: " أبايعك على أن تعبد الله , وتقيم الصلاة , وتؤتي الزكاة , وتناصح المسلمين , وتفارق المشرك ". والحديث صححه الألباني في "الصحيحة" (636) . فهذه النصوص تدل على أن الأصل في المسلم أن لا يقيم مع الكفار في بلادهم , وأن الواجب عليه الانتقال منها إلى بلاد الإسلام , ويستثنى من ذلك من كانت إقامته لضرورة , ولكن الضرورة تقدر بقدرها , فعلى المسلم أن يكون مع أولئك بقالبه لا بقلبه، وعليه أن يجتنب مخالطتهم بدون حاجة. فالواجب عليك يا أخي أن تبحث عن رفقة صالحة من المسلمين يعنونك على تعلم دينك والاستقامة عليه , وعليك أن تستغل أوقات فراغك بقراءة القرآن , وقراءة الكتب النافعة في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه , وفي أحكام الدين وآدابه وأخلاقه , وبذكر الله عز وجل , قال ابن القيم في "الوابل الصيب" (86) وهو يعدد فوائد الذكر: (أنه أيسر العبادات , وهو من أجلها وأفضلها , فإن حركة اللسان أخف حركات الجوارح وأيسرها , ولو تحرك عضو من الإنسان في اليوم والليلة بقدر حركة لسانه لشق عليه غاية المشقة , بل لا يمكنه ذلك) ا. هـ. ويمكنك أيضا أن تشغل وقتك بالاستماع إلى الأشرطة النافعة , وبتصفح المواقع المفيدة على شبكة "الانترنت". وإن مما يعينك على الانصراف عن مخالطة غير المسلمين: تذكر أن هؤلاء الكفار _ وإن كانت معاملتهم حسنة ولهم حسنات _ إلا أنهم قد جمعوا جملة من المنكرات العظيمة واحد منها كفيل بأن يحبط كل عمل عملوه , ومن تلك المنكرات ما يعتقده النصارى _ مثلا _ من أن الله ثالث ثلاثة، كما قال تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) المائدة / 73. وبقية الملل الكفرية كلها تجعل لله شريكا , أو لا تؤمن بوجود الإله أصلا. والكفار عموما لا يؤمنون بالقرآن ولا برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم , بل يكذبون بالقرآن ويكذبون بنبينا صلى الله عليه وسلم , فكيف يميل إليهم المسلم مع كفرهم وضلالهم. فهم وإن أعطوك شيئا من حقك بمعاملتك بالحسنى فقد سلبوا الله حقه وسلبوا القرآن حقه وسلبوا نبينا صلى الله عليه وسلم حقه , وحق الله وحق كتابه وحق نبيه أعظم من حقنا الشخصي , فتذكر هذا، فإنه ممن يعينك على بغضهم وعداوتهم حتى يؤمنوا بالله وحده , كما سبق في الآية الكريمة: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) الممتحنة / 4. ولكن نؤكد على أنه لا مانع من أن يحسن المسلم إليهم وفق الضوابط الشرعية , لا سيما إذا كانوا ممن يحسنون إلينا , فقد قال تعالى: (هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلا الإِحْسَانُ) الرحمن / 60. الثالثة: مخالطتك للفتيات غير المسلمات , ورغبتك في التعرف على فتيات مسلمات , اعلم يا أخي أن من مقاصد الشريعة الإسلامية الأساسية حفظ الأعراض , وقد فرضت شريعتنا الغراء تدابير كثيرة لتحقيق هذا المقصد السامي , ومن ذلك المنع من اختلاط الرجال بالنساء حتى في أشرف المواضع وعند طلب أسمى المقاصد , فمن هدي الإسلام فصل الرجال عن النساء في المساجد , روى مسلم في "صحيحه" (440) من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها , وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها ". قال النووي في شرح صحيح مسلم (4/159) : (والمراد بشر الصفوف في الرجال والنساء أقلها ثوابا وفضلا وأبعدها من مطلوب الشرع وخيرها بعكسه وإنما فضل آخر صفوف النساء الحاضرات مع الرجال لبعدهن من مخالطة الرجال ورؤيتهم وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم وسماع كلامهم ونحو ذلك وذم أول صفوفهن لعكس ذلك والله أعلم) ا. هـ وروى البخاري في "صحيحه" (837) من حديث أم سلمة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم قام النساء حين يقضي تسليمه , ومكث يسيرا قبل أن يقوم. قال الزهري: فأرى _ والله أعلم _ أن مكثه لكي ينفذ النساء قبل أن يدركهن من انصرف من القوم. فإذا كانت المساجد التي هي أشرف المواضع قد جاءت الشريعة بفصل الرجال عن النساء فيها فغيرها من باب أولى. وأيضا التعليم الذي هو أسمى المقاصد , ومع هذا فقد راعت الشريعة فيه فصل النساء عن الرجال، روى البخاري (101) ومسلم (2633) من حديث أبي سعيد الخدري قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، ذهب الرجال بحديثك فاجعل لنا من نفسك يوما نأتيك فيه، تعلمنا مما علمك الله، قال: " اجتمعن يوم كذا وكذا " فاجتمعن، فأتاهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلمهن مما علمه الله ... الحديث , واللفظ لمسلم. وروى مسلم (885) من حديث جابر بن عبد الله قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة يوم العيد، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة، ثم قام متوكئا على بلال فأمر بتقوى الله وحث على طاعته، ووعظ الناس وذكرهم، ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن. ومن الأحكام الشرعية المتعلقة بهذا الباب أن الله عز وجل أمر الرجال والنساء بغض البصر , فالمسلم لا يجوز له أن ينظر إلى امرأة أجنبية عنه , وكذلك المرأة لا يجوز لها أن تنظر إلى أجنبي عنها , قال الله تعالى:) قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ. وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) الآية النور / 30 _ 31. وروى مسلم في "صحيحه" (2159) من حديث جرير بن عبد الله قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة؟ فأمرني صلى الله عليه وسلم أن أصرف بصري. وروى أبو داود (2149) والترمذي (2777) من حديث بريدة بن الحصيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي: " يا علي، لا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى، وليست لك الآخرة ". والحديث حسنه الألباني في "جلباب المرأة المسلمة" (ص:77) . وأيضا جاءت الشريعة بالنهي عن خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية , وجاءت بالمنع من مصافحة الرجل للمرأة الأجنبية، وغير ذلك من الأحكام التي لا يتسع المقام لبسطها [للاستزادة بإمكانك مراجعة أجوبة الأسئلة التالية: 2459، 2986، 9989] . وهذه الأحكام تنطبق على المرأة المسلمة وغير المسلمة ما لم تكن من محارم الرجل. وعليه يا أخي فالواجب عليك أن تبتعد عن مخالطة النساء الأجنبيات وإن كن مسلمات , وأن لا تستجيب إلى ما يوقعه الشيطان في قلبك من نزغات , من إعجاب بعض الفتيات بك ونحو ذلك , واجعل تحقيق رضى الله هو غايتك , روى الترمذي (2414) من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس ". والحديث صححه الألباني في "الصحيحة" (2311) . أخي اعلم أنك قد تجد صعوبة في تطبيق ذلك في بادئ الأمر , ولكن عليك أن تجاهد نفسك , فقد قال تعالى:) وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) العنكبوت / 69. وعليك أن تصبر وتصابر وتحتسب , كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) آل عمران / 200. واعلم أنك إذا حرصت على تقوى الله فإنك في النهاية سوف تجد لك مخرجا من كل ضيق , كما قال تعالى: (ِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) الطلاق / 2. وسوف يسهل عليك كل ما كنت تجده صعبا , فالله عز وجل وجل يجعل الحَزْن إذا شاء سهلا. وأيضا سوف يعرف عنك الآخرون التزامك بما أمرك به دينك , مما يجعلهم يحترمون ذلك منك ويقدرونه لك. وفي الختام أوصيك بالإكثار من دعاء الله عز وجل , لاسيما في أوقات الإجابة ومواضعها , كالسجود وقبل السلام من الصلاة وفي الثلث الأخير من الليل , وبين الأذان والإقامة , فأدعو الله بأن يثبتك على الإسلام , واستعن بالله على التمسك بأوامره والبعد عن معاصيه , واسأل الله أن يجعل لك من كل ضيق مخرج ومن كل هم فرجا , والله معك. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 11793 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1023 قبول هدية الكافر في يوم عيده [السُّؤَالُ] ـ[جارتي أمريكية مسيحية .... ، هي وعائلتها قدموا لي هدايا بمناسبة الكريسمس، وأنا لا أستطيع رده هذه الهدايا، حتى لا تغضب مني!! فهل لي أن أقبل هذه الهدايا، كما قبل الرسول عليه الصلاة والسلام هدايا الكفار؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الأصل هو جواز قبول الهدية من الكافر، تأليفا لقلبه وترغيبا له في الإسلام، كما قبل النبي صلى الله عليه وسلم هدايا بعض الكفار، كهدية المقوقس وغيره. وبوب البخاري في صحيحه: باب قبول الهدية من المشركين، قال رحمه الله: " وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَاجَرَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام بِسَارَةَ فَدَخَلَ قَرْيَةً فِيهَا مَلِكٌ أَوْ جَبَّارٌ فَقَالَ أَعْطُوهَا آجَرَ، وَأُهْدِيَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاةٌ فِيهَا سُمٌّ، وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: أَهْدَى مَلِكُ أَيْلَةَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَغْلَةً بَيْضَاءَ وَكَسَاهُ بُرْدًا وَكَتَبَ لَهُ بِبَحْرِهِمْ " وذكر قصة اليهودية وإهداءها الشاة المسمومة للنبي صلى الله عليه وسلم. ثانيا: يجوز للمسلم أن يهدي للكافر والمشرك، بقصد تأليفه، وترغيبه في الإسلام، لاسيما إذا كان قريبا أو جارا، وقد أهدى عمر رضي الله عنه لأخيه المشرك في مكة حلة (ثوبا) . رواه البخاري (2619) . لكن لا يجوز أن يهدي للكافر في يوم عيد من أعياده، لأن ذلك يعد إقرارا ومشاركة في الاحتفال بالعيد الباطل. وإذا كانت الهدية مما يستعان به على الاحتفال كالطعام والشموع ونحو ذلك، كان الأمر أعظم تحريما، حتى ذهب بعض أهل العلم إلى أن ذلك كفر. قال الزيلعي في "تبيين الحقائق" (حنفي) (6/228) : " (والإعطاء باسم النيروز والمهرجان لا يجوز) أي الهدايا باسم هذين اليومين حرام بل كفر , وقال أبو حفص الكبير رحمه الله لو أن رجلا عبد الله خمسين سنة ثم جاء يوم النيروز , وأهدى لبعض المشركين بيضة، يريد به تعظيم ذلك اليوم، فقد كفر , وحبط عمله. وقال صاحب الجامع الأصغر: إذا أهدى يوم النيروز إلى مسلم آخر , ولم يرد به التعظيم لذلك اليوم , ولكن ما اعتاده بعض الناس لا يكفر , ولكن ينبغي له أن لا يفعل ذلك في ذلك اليوم خاصة , ويفعله قبله أو بعده، كي لا يكون تشبها بأولئك القوم , وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {من تشبه بقوم فهو منهم} . وقال في الجامع الأصغر رجل اشترى يوم النيروز شيئا، لم يكن يشتريه قبل ذلك، إن أراد به تعظيم ذلك اليوم كما يعظمه المشركون كفر , وإن أراد الأكل والشرب والتنعم لا يكفر " انتهى. وقال في "التاج والإكليل" (مالكي) (4/319) : " وكره ابن القاسم أن يهدي للنصراني في عيده مكافأة له، ونحوه إعطاء اليهودي ورق النخيل لعيده " انتهى. وقال في "الإقناع" من كتب الحنابلة: " ويحرم شهود عيد اليهود والنصارى وبيعه لهم فيه، ومهاداتهم لعيدهم " انتهى. بل ولا يجوز للمسلم أن يهدي للمسلم هدية لأجل هذا العيد، كما سبق في كلام الحنفية، وقال شيخ الإسلام رحمه الله: " ومن أهدى للمسلمين هدية في هذه الأعياد مخالِفة للعادة في سائر الأوقات غير هذا العيد: لم تقبل هديته، خصوصا إن كانت الهدية مما يستعان بها على التشبه بهم، مثل إهداء الشمع ونحوه في الميلاد، أو إهداء البيض واللبن والغنم في الخميس الصغير الذي في آخر صومهم، وكذلك أيضا لا يهدى لأحد من المسلمين في هذه الأعياد هدية لأجل العيد، لا سيما إذا كان مما يستعان بها على التشبه بهم كما ذكرناه " انتهى من "اقتضاء الصراط المستقيم" (1/227) . ثالثا: أما قبول الهدية من الكافر في يوم عيده، فلا حرج فيه، ولا يعد ذلك مشاركة ولا إقرارا للاحتفال، بل تؤخذ على سبيل البر، وقصد التأليف والدعوة إلى الإسلام، وقد أباح الله تعالى البر والقسط مع الكافر الذي لم يقاتل المسلمين، فقال: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الممتحنة/8. لكن البر والقسط لا يعني المودة والمحبة؛ إذ لا تجوز محبة الكافر ولا مودته، ولا اتخاذه صديقا أو صاحبا، لقوله تعالى: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) المجادلة/22، وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقّ) الممتحنة/1، وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) آل عمران/118 وقال عز وجل: (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) هود/113 وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) المائدة/51، إلى غير ذلك من الأدلة الدالة على تحريم مصادقة الكافر أو مودته. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وأما قبول الهدية منهم يوم عيدهم فقد قدمنا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه أتي بهدية النيروز فقبلها. وروى ابن أبي شيبة.. أن امرأة سألت عائشة قالت إن لنا أظآرا [جمع ظئر، وهي المرضع] من المجوس، وإنه يكون لهم العيد فيهدون لنا فقالت: أما ما ذبح لذلك اليوم فلا تأكلوا، ولكن كلوا من أشجارهم. و.. عن أبي برزة أنه كان له سكان مجوس فكانوا يهدون له في النيروز والمهرجان، فكان يقول لأهله: ما كان من فاكهة فكلوه، وما كان من غير ذلك فردوه. فهذا كله يدل على أنه لا تأثير للعيد في المنع من قبول هديتهم، بل حكمها في العيد وغيره سواء؛ لأنه ليس في ذلك إعانة لهم على شعائر كفرهم ... ". ثم نبه رحمه الله على أن ذبيحة الكتابي وإن كانت حلالا إلا أن ما ذبحه لأجل عيده: لا يجوز أكله. قال رحمه الله: " وإنما يجوز أن يؤكل من طعام أهل الكتاب في عيدهم، بابتياعٍ أو هديةٍ أو غير ذلك مما لم يذبحوه للعيد. فأما ذبائح المجوس فالحكم فيها معلوم فإنها حرام عند العامة، وأما ما ذبحه أهل الكتاب لأعيادهم وما يتقربون بذبحه إلى غير الله نظير ما يذبح المسلمون هداياهم وضحاياهم متقربين بها إلى الله تعالى، وذلك مثل ما يذبحون للمسيح والزهرة، فعن أحمد فيها روايتان أشهرهما في نصوصه أنه لا يباح أكله وإن لم يسم عليه غير الله تعالى، ونقل النهي عن ذلك عن عائشة وعبد الله بن عمر ... " انتهى من "اقتضاء الصراط المستقيم" (1/251) . والحاصل أنه يجوز لك قبول الهدية من جارتك النصرانية، في يوم عيدهم، بشروط: الأول: ألا تكون هذه الهدية من ذبيحةٍ ذبحت لأجل العيد. الثاني: ألا تكون مما يستعان به على التشبه بهم في يوم عيدهم، كالشمع، والبيض، والجريد، ونحو ذلك. الثالث: أن يصحب ذلك شرح وتوضيح لعقيدة الولاء والبراء لأبنائك، حتى لا ينغرس في قلوبهم حب هذا العيد، أو التعلق بالمُهدي. الرابع: أن يكون قبول الهدية بقصد تأليفها ودعوتها للإسلام، لا مجاملة أو محبة ومودة. وفي حال كون الهدية مما لا يجوز قبولها، فإنه ينبغي أن يصحب رفضها توضيح وبيان لسبب الرفض، كأن يقال: إنما رفضنا هديتك لأنها ذبيحة ذبحت لأجل العيد، وهذا لا يحل لنا أكله، أو أن هذه الأمور إنما يقبلها من يشارك في الاحتفال، ونحن لا نحتفل بهذا العيد؛ لأنه غير مشروع في ديننا، ويتضمن اعتقادا لا يصح عندنا، ونحو ذلك، مما هو مدخل لدعوتهم إلى الإسلام، وبيان خطر الكفر الذي هم عليه. والمسلم يجب أن يكون معتزا بدينه، مطبقا لأحكامه، لا يتنازل عنها حياء أو مجاملة لأحد، فإن الله أحق أن يُستحيى منه. وراجعي السؤال رقم (947) ورقم (13642) لمزيد الفائدة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 85108 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1024 السفر للعمل في بلاد الكفار [السُّؤَالُ] ـ[بعض الناس يريد أن يسافر إلى بلاد الكفار للعمل وبدعوى أن لديهم نظاما ومعاملة راقية إلخ من مزايا. فهل هذا يجوز؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: ينبغي أن تعلم أولا أن السفر والإقامة في بلاد الكفار لا تجوز إلا بشروط بينها أهل العلم، وملخصها: 1- أن يأمن الإنسان على دينه، بحيث يكون عنده من العلم والإيمان ما يبعده عن الانحراف. 2- أن يكون مضمرا لعداوة الكافرين وبغضهم، مبتعدا عن موالاتهم ومحبتهم. 3- أن يتمكن من إظهار دينه، من الصلاة وغيرها. 4- أن يكون بقاؤه هناك لضرورة أو مصلحة كالدعوة إلى الله تعالى، أو تعلم علم لا يوجد في بلده. انظر: "فتاوى علماء البلد الحرام" (ص 92-95) . هذا على سبيل الإجمال، وأما على سبيل التفصيل فيقال: الإقامة في بلاد الكفر، تارة تكون جائزة، وتارة تكون مستحبة، وتارة تكون محرمة، وذلك بحسب حال المقيم، وغرض إقامته، ومدى قدرته على إظهار دينه. وقد أجبنا على ذلك مرات، لكن سنضع هنا بين يديك كلاما دقيقا للشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله، يجمع شتات هذه المسألة: قال الشيخ رحمه الله: " وأما الإقامة في بلاد الكفار فإن خطرها عظيم على دين المسلم، وأخلاقه، وسلوكه، وآدابه وقد شاهدنا وغيرنا انحراف كثير ممن أقاموا هناك فرجعوا بغير ما ذهبوا به، رجعوا فساقا، وبعضهم رجع مرتدا عن دينه وكافرا به وبسائر الأديان والعياذ بالله حتى صاروا إلى الجحود المطلق والاستهزاء بالدين وأهله السابقين منهم واللاحقين، ولهذا كان ينبغي بل يتعين التحفظ من ذلك ووضع الشروط التي تمنع من الهوي في تلك المهالك. فالإقامة في بلاد الكفر لا بد فيها من شرطين أساسين: الأول: أمنُ المقيم على دينه، بحيث يكون عنده من العلم والإيمان وقوة العزيمة ما يطمئنه على الثبات على دينه والحذر من الانحراف والزيغ، وأن يكون مضمرا لعداوة الكافرين وبغضهم، مبتعدا عن موالاتهم ومحبتهم، فإن موالاتهم ومحبتهم مما ينافي الإيمان، قال الله تعالى: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) الآية المجادلة/22. وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ) المائدة/ 51، 52، وثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن من أحب قوما فهو منهم) ، (وأن المرء مع من أحب) . ومحبة أعداء الله من أعظم ما يكون خطرا على المسلم، لأن محبتهم تستلزم موافقتهم واتباعهم، أو على الأقل عدم الإنكار عليهم، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحب قوما فهو منهم) . الشرط الثاني: أن يتمكن من إظهار دينه، بحيث يقوم بشعائر الإسلام بدون ممانع، فلا يمنع من إقامة الصلاة والجمعة والجماعات إن كان معه من يصلي جماعة ومن يقيم الجمعة، ولا يمنع من الزكاة والصيام والحج وغيرها من شعائر الدين، فإن كان لا يتمكن من ذلك لم تجز الإقامة لوجوب الهجرة حينئذ. قال في المغني (8/457) في الكلام على أقسام الناس في الهجرة: أحدها من تجب عليه وهو من يقدر عليها ولا يمكنه إظهار دينه، ولا تمكنه إقامة واجبات دينه مع المقام بين الكفار فهذا تجب عليه الهجرة، لقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) النساء /97. وهذا وعيد شديد يدل على الوجوب، ولأن القيام بواجب دينه واجب على من قدر عليه، والهجرة من ضرورة الواجب وتتمته، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. انتهى. وبعد تمام هذين الشرطين الأساسيين تنقسم الإقامة في دار الكفر إلى أقسام: القسم الأول: أن يقيم للدعوة إلى الإسلام والترغيب فيه، فهذا نوع من الجهاد، فهي فرض كفاية على من قدر عليها، بشرط أن تتحقق الدعوة، وأن لا يوجد من يمنع منها، أو من الاستجابة إليها؛ لأن الدعوة إلى الإسلام من واجبات الدين، وهي طريقة المرسلين، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم، بالتبليغ عنه في كل زمان ومكان، فقال صلى الله عليه وسلم: (بلغوا عني ولو آية) . القسم الثاني: أن يقيم لدراسة أحوال الكافرين والتعرف على ما هم عليه من فساد العقيدة، وبطلان التعبد، وانحلال الأخلاق، وفوضوية السلوك؛ ليحذر الناس من الاغترار بهم، ويبين للمعجبين بهم حقيقة حالهم، وهذه الإقامة نوع من الجهاد أيضا لما يترتب عليها من التحذير من الكفر وأهله المتضمن للترغيب في الإسلام وهديه، لأن فساد الكفر دليل على صلاح الإسلام، كما قيل: وبضدها تتبين الأشياء. لكن لا بد من شرط أن يتحقق مراده بدون مفسدة أعظم منه، فإن لم يتحقق مراده بأن منع من نشر ما هم عليه والتحذير منه فلا فائدة من إقامته، وإن تحقق مراده مع مفسدة أعظم مثل أن يقابلوا فعله بسب الإسلام ورسول الإسلام وأئمة الإسلام وجب الكف، لقوله تعالى: (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الأنعام/ 108. ويشبه هذا أن يقيم في بلاد الكفر ليكون عينا للمسلمين؛ ليعرف ما يدبرونه للمسلمين من المكايد فيحذرهم المسلمون، كما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان إلى المشركين في غزوة الخندق ليعرف خبرهم. القسم الثالث: أن يقيم لحاجة الدولة المسلمة وتنظيم علاقاتها مع دولة الكفر كموظفي السفارات فحكمها حكم ما أقام من أجله. فالملحق الثقافي مثلا يقيم ليرعى شؤون الطلبة ويراقبهم ويحملهم على التزام دين الإسلام وأخلاقه وآدابه، فيحصل بإقامته مصلحة كبيرة، ويندرئ بها شر كبير. القسم الرابع: أن يقيم لحاجة خاصة مباحة كالتجارة والعلاج فتباح الإقامة بقدر الحاجة، وقد نص أهل العلم رحمهم الله على جواز دخول بلاد الكفار للتجارة، وأثروا ذلك عن بعض الصحابة رضي الله عنهم. القسم الخامس: أن يقيم للدراسة وهي من جنس ما قبلها إقامة لحاجة، لكنها أخطر منها وأشد فتكا بدين المقيم وأخلاقه، فإن الطالب يشعر بدنو مرتبته وعلو مرتبة معلميه، فيحصل من ذلك تعظيمهم والاقتناع بآرائهم وأفكارهم وسلوكهم فيقلدهم إلا من شاء الله عصمته وهم قليل، ثم إن الطالب يشعر بحاجته إلى معلمه فيؤدي ذلك إلى التودد إليه ومداهنته فيما هو عليه من الانحراف والضلال. والطالب في مقر تعلمه له زملاء يتخذ منهم أصدقاء يحبهم ويتولاهم ويكتسب منهم، ومن أجل خطر هذا القسم وجب التحفظ فيه أكثر مما قبله فيشترط فيه بالإضافة إلى الشرطين الأساسيين شروط: الشرط الأول: أن يكون الطالب على مستوى كبير من النضوج العقلي الذي يميز به بين النافع والضار وينظر به إلى المستقبل البعيد، فأما بعث الأحداث " الصغار السن " وذوي العقول الصغيرة فهو خطر عظيم على دينهم، وخلقهم، وسلوكهم، ثم هو خطر على أمتهم التي سيرجعون إليها وينفثون فيها من السموم التي نهلوها من أولئك الكفار كما شهد ويشهد به الواقع، فإن كثيرا من أولئكم المبعوثين رجعوا بغير ما ذهبوا به، رجعوا منحرفين في دياناتهم، وأخلاقهم، وسلوكهم، وحصل عليهم وعلى مجتمعهم من الضرر في هذه الأمور ما هو معلوم مشاهد، وما مثل بعث هؤلاء إلا كمثل تقديم النعاج للكلاب الضارية. الشرط الثاني: أن يكون عند الطالب من علم الشريعة ما يتمكن به من التمييز بين الحق والباطل، ومقارعة الباطل بالحق لئلا ينخدع بما هم عليه من الباطل فيظنه حقا أو يلتبس عليه أو يعجز عن دفعه فيبقى حيران أو يتبع الباطل. وفي الدعاء المأثور: (اللهم أرني الحق حقا وارزقني اتباعه، وأرني الباطل باطلا وارزقني اجتنابه، ولا تجعله ملتبسا علي فأضل) . الشرط الثالث: أن يكون عند الطالب دين يحميه ويتحصن به من الكفر والفسوق، فضعيف الدين لا يسلم مع الإقامة هناك إلا أن يشاء الله وذلك لقوة المهاجم وضعف المقاوم، فأسباب الكفر والفسوق هناك قوية وكثيرة متنوعة فإذا صادفت محلا ضعيف المقاومة عملت عملها. الشرط الرابع: أن تدعو الحاجة إلى العلم الذي أقام من أجله بأن يكون في تعلمه مصلحة للمسلمين ولا يوجد له نظير في المدارس في بلادهم، فإن كان من فضول العلم الذي لا مصلحة فيه للمسلمين أو كان في البلاد الإسلامية من المدارس نظيره لم يجز أن يقيم في بلاد الكفر من أجله، لما في الإقامة من الخطر على الدين والأخلاق، وإضاعة الأموال الكثيرة بدون فائدة. القسم السادس: أن يقيم للسكن وهذا أخطر مما قبله وأعظم، لما يترتب عليه من المفاسد بالاختلاط التام بأهل الكفر وشعوره بأنه مواطن ملتزم بما تقتضيه الوطنية من مودة، وموالاة، وتكثير لسواد الكفار، ويتربى أهله بين أهل الكفر فيأخذون من أخلاقهم وعاداتهم، وربما قلدوهم في العقيدة والتعبد، ولذلك جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من جامع المشرك وسكن معه فهو مثله) . وهذا الحديث وإن كان ضعيف السند لكن له وجهة من النظر، فإن المساكنة تدعو إلى المشاكلة، وعن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين، قالوا: يا رسول الله ولم؟ قال: لا تراءى نارهما) . رواه أبو داود والترمذي، وأكثر الرواة رووه مرسلا عن قيس بن أبي حازم عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال الترمذي: سمعت محمدا - يعني البخاري - يقول: الصحيح حديث قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم، مرسل. اهـ. وكيف تطيب نفس مؤمن أن يسكن في بلاد كفار تعلن فيها شعائر الكفر، ويكون الحكم فيها لغير الله ورسوله، وهو يشاهد ذلك بعينه، ويسمعه بأذنيه، ويرضى به، بل ينتسب إلى تلك البلاد ويسكن فيها بأهله وأولاده، ويطمئن إليها كما يطمئن إلى بلاد المسلمين، مع م في ذلك من الخطر العظيم عليه وعلى أهله وأولاده في دينهم وأخلاقهم. هذا ما توصلنا إليه في حكم الإقامة في بلاد الكفر نسأل الله أن يكون موافقا للحق والصواب " انتهى من "شرح الأصول الثلاثة" للشيخ ابن عثيمين رحمه الله، ضمن مجموع الفتاوى له (6/132) . ثانيا: بناء على ما سبق، فالذي يظهر أن السفر لأجل العمل في بلاد الكفار، يلحق بما ذكره الشيخ رحمه الله في القسم الخامس والسادس، وهو السفر للدراسة، وللسكن والإقامة؛ ففي هذه الحالات، تطول المدة، ويعظم الخطر، لا سيما إذا كان الإنسان محتاجا إليهم، وقد ذهب منبهرا بما عندهم من حضارة ورقي، فإن كان العامل هناك: يتمكن من إظهار دينه، ولديه نضج يميز به بين النافع والضار والصالح والطالح، وعلم يدفع به الشبهات، وإيمان يقف في وجه الشهوات، ولم يجد فرصة للعمل في بلاد المسلمين، واقتصر بقاؤه هناك على قدر حاجته، فهذا يجوز له السفر. والسلامة في ترك ذلك؛ لأنه إن أمن على نفسه، فلا يكاد يأمن على أولاده، وقد تلهيه الحياة وتطغيه، ويركن إلى البقاء هناك، فيضيع دينه، أو ينحرف أبناؤه، نسأل الله العافية. وعلى من ابتلي بالسفر إلى هذه البلاد أن يظهر ولاءه لأهل الإسلام هناك، وأن يعتصم بالأخوة الإيمانية، وأن يكون عضوا فاعلا في المراكز الإسلامية، لأن الذئب إنما يأكل من الغنم القاصية، والشيطان من الفرد قريب، ومن الاثنين أبعد. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83912 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1025 أُهدي لهم طعام في "الكريسماس" فكيف يتصرفون؟ [السُّؤَالُ] ـ[كيف نتصرف إذا كان جارنا يقدم لنا طعام الكريسمس في 25 من ديسمبر؟ هل نتخلص من الطعام، أم نرفضه، حتى ولو كان رفضنا قد يؤدي لشيء من إساءة فهمهم لنا؟ . وجزاكم الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يجوز للإنسان المسلم أن يقبل الهدايا من الكفار أو يعطيهم الهدايا، وخاصة إذا كانوا من الأقرباء، والدليل على ذلك: أ. عن أبي حميد الساعدي قال: غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم تبوك وأهدى ملك أيلة للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء وكساه بُرداً وكتب له ببحرهم. رواه البخاري (2990) . ب. عن كثير بن عباس بن عبد المطلب قال: قال عباس شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فلم نفارقه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن نُفاثة الجذامي. رواه مسلم (1775) . وقد ثبت هذا عن الصحابة بإذن النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهده، فقد زارت أم أسماء بنت أبي بكر – وهي مشركة - ابنتها وأذِن النبي صلى الله عليه وسلم لأسماء رضي الله عنها أن تصِلها، وقد ثبت أن عمر بن الخطاب أهدى حلة لأخيه وكان مشركاً، وكلا الحديثين في الصحيحين. والخلاصة: أنه يجوز للمسلم أن يهدي الكافر وأن يقبل الهدية منه. ثانياً: أما بالنسبة لهدايا أعيادهم فلا يجوز بذلها لهم ولا قبولها منهم؛ لأن في ذلك تعظيماً لأعيادهم، وإقراراً لهم عليها، وعوناً لهم على كفرهم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: ومَن أهدى للمسلمين هدية في هذه الأعياد مخالفة للعادة في سائر الأوقات غير هذا العيد: لم تُقبل هديته، خصوصاً إن كانت الهدية مما يستعان بها على التشبه بهم، مثل إهداء الشمع ونحوه في الميلاد، أو إهداء البيض، واللبن، والغنم في " الخميس الصغير " الذي في آخر صومهم. وكذلك أيضاً لا يُهدى لأحدٍ من المسلمين في هذه الأعياد هدية لأجل العيد، لا سيما إذا كان مما يستعان بها على التشبه بهم كما ذكرناه. ولا يبيع المسلم ما يستعين المسلمون به على مشابهتهم في العيد، من الطعام، واللباس، ونحو ذلك؛ لأن في ذلك إعانة على المنكرات. " اقتضاء الصراط المستقيم " (ص 227) . وقال – رحمه الله -: فأما بيع المسلم لهم في أعيادهم ما يستعينون به على عيدهم من الطعام واللباس والريحان ونحو ذلك أو إهداء ذلك لهم: فهذا فيه نوع إعانة على إقامة عيدهم المحرم، وهو مبني على أصل وهو أنه لا يجوز أن يبيع الكفار عنباً أو عصيراً يتخذونه خمراً، وكذلك لا يجوز بيعهم سلاحاً يقاتلون به مسلماً. " اقتضاء الصراط المستقيم " (ص 229) . وقال ابن القيم - رحمه الله – بخصوص أعياد أهل الكتاب -: وكما أنهم لا يجوز لهم إظهاره، فلا يجوز للمسلمين ممالأتهم عليه، ولا مساعدتهم، ولا الحضور معهم باتفاق أهل العلم الذين هم أهله، وقد صرح به الفقهاء من أتباع الأئمة الأربعة في كتبهم. - ثم ساق – رحمه الله – كلام أئمة المذاهب وأعلامها في المنع من ذلك -. " أحكام أهل الذمة " (3 / 1245 – 1250) . وينظر جواب السؤال رقم (12666) . ثالثاً: ولا يجوز للمسلم أن يتهاون في أمر دينه، ويجب عليه أن يكون مظهراً لأحكامه، وها هم قد أعلنوا دينهم وأظهروا شعائرهم بمثل هذه الأعياد، ونحن علينا أن نظهر ونعلن رفضنا لهداياهم، والمنع من مشاركتهم وإعانتهم عليها، وهذا من شعائر ديننا. ونسأل الله تعالى أن يبصرنا بأحكام دينه، وأن يرزقنا العمل بها والثبات عليها. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82860 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1026 هل تجوز الشفاعة لزميله إذا غش في الامتحان وألغيت المادة له؟ [السُّؤَالُ] ـ[زميل لنا في الدفعة غير مسلم، وغش في أحد الامتحانات، وعاقبه الدكتور بإلغاء المادة.. هل يجوز لنا مساعدته في ذلك الموقف واسترحام الدكتور؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الغش في الامتحانات محرم كغيره من أنواع الغش. سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: ما حكم غش الطلبة في اختبارات المدارس؟ فأجابت: " حديث: (من غشنا فليس منا) صحيح، وهو عام يشمل الغش في البيع والشراء، وفي النصيحة وفي العهود والمواثيق، وفي الأمانة وفي اختبار المدارس والمعاهد، ونحوها، سواء كان نقلاً من الكتب أم أخذاً عن التلاميذ أم إعطاء لهم كلاماً أم عن طريق الكتابة وتناقلها بينهم " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (12/200) . ثانيا: يشرع معاقبة الغاش وتأديبه وتعزيره بما تراه الجامعة مناسبا، كحرمانه من إكمال الامتحان أو إلغاء المادة؛ سدا لهذا الباب المحرم الذي ينشأ عنه الضعف والتخلف وتقديم من لا يستحق التقديم وإسناد الأمر لغير أهله، وأقل عقاب يستحقه الطالب إذا غش في الاختبار أن تلغى له هذه المادة التي غشّ فيها، إذ كيف يعطى درجات لا يستحقها، وكيف يقدم على غيره من الطلبة، وقد كان راسباً؟! وعلى هذا لا ينبغي لكم أن تشفعوا لهذا الطالب عند الدكتور، بل لعله يستفيد من هذا العقاب ولا يعود لمثل ذلك مرة أخرى، ويستفيد غيره أيضاً. ولكن إذا كان هذا الطالب لم يغش شيئاً، وإنما كانت مجرد محاولة، ولم يكن ذلك من عادته، وظهرت عليه أمارات الندم والعزم على عدم العودة لمثل ذلك في المستقبل، فلا حرج من شفاعتكم له عند الدكتور ليرفع عنه العقاب. ثالثاً: وأما كون هذا الطالب غير مسلم فلا يمنع الشفاعة له في الأصل، فد ثبت أن أم هانئ بنت أبي طالب أجارت: (أي: جعلته في أمانها وحماها) رجلاً كافراً يوم فتح مكة حتى لا يقتل، فقال لها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ) رواه البخاري (3171) ومسلم (336) . وهذا شفاعة لها في هذا الرجل الكافر حتى لا يقتل، وأقرها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكذلك أجار عثمان بن عفان رضي الله عنه رجلاً كان قد ارتد ثم جاء تائباً مسلماً فأجاره الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رواه أبو داود (4358) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. وهذا مما يبين سماحة الإسلام، وحرص أهله على الخير والنفع لعامة الناس، مما يحرك قلوبهم للتفكر في هذا الدين الحق، ويرغبهم فيه، وهذا هو الهدف الذي ينطلق منه المسلم في إحسانه للكافر وصلته له، أن يشرح الله صدره للإسلام، وأن ينقذه من ظلمات الكفر والشرك. ولا يخفى أن هذا الإحسان لا يقتضي المودة والمحبة والولاء، فإن ذلك لا يجوز مع الكافر، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) المائدة/51، وقال: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) المجادلة/22. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83079 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1027 لا يجوز تهنئة الكفار بأعيادهم بأي صيغة كانت [السُّؤَالُ] ـ[ما هو حكم تناول الطعام (رز أو لحم أو دجاج أو كيك) الذي يهدى إلينا من صديق نصراني والذي صنعه من أجل عيد ميلاده الشخصي أو عيد الميلاد (كريسماس) أو عيد رأس السنة الميلادية؟ وما رأي فضيلتكم في تهنئته بكلام مثل إن شاء الله تستمر في النجاح في هذه السنة لتفادي قول كل عام وأنت بخير أو عام سعيد.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز للمسلم أن يأكل ما يصنعه اليهود والنصارى في أعيادهم، أو ما يهدونه إليه من أجل عيدهم، لأن ذلك من التعاون والمشاركة معهم في هذا المنكر كما هو مبين في السؤال رقم (12666) كما لا يجوز له أن يهنئهم بعيدهم، بأي صيغة من صيغ التهنئة؛ لما في ذلك من الإقرار بعيدهم وعدم الإنكار عليهم، ومعاونتهم في إظهار شعائرهم وترويج بدعهم ومشاركتهم السرور في أعيادهم، وهي أعياد مبتدعة، تتصل بعقائد فاسدة لا يقرها الإسلام، وانظر السؤال رقم (47322) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 81977 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1028 حكم إدخال الخادمات غير المسلمات لمكة في موسم الحج [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز إدخال غير المسلمين إلى مكة المكرمة كالخادمات لفترة الحج أو العمرة، بحجة أن الشخص لا يجد لها مكاناً يبقيها فيه خلال فترة غيابه عن بلده؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: اتخاذ خادمات في البيوت له مفاسد لم تعد تخفى على أحد، وكم تسبب وجود الخادمات في كثير من المشكلات في بيوت المسلمين، ووقع كثيرون في المعاصي الصغيرة والكبيرة بسبب ذلك، فمنهن من يستعملن السحر لتثبيت وجودها في المنزل، أو لكف الأذى عنها، ومنهن من توقع صاحب المنزل أو أبناءه في غرامها، وتُفعل الفواحش في تلك البيوت، ومنهن من تتسبب بالأذى والضرر للأطفال الصغار سواء في بدنه أو في دينه، وهكذا في مفاسد يصعب حصرها. ويرجى النظر في جواب السؤال رقم (26282) ففيه زيادة بيان حول مفاسد إحضار الخادمات، وشروط جواز ذلك. ثانياً: إذا كانت الأسرة مضطرة لوجود خادمة في البيت، بسبب كثرة الأعمال البيتية، وبشرط الالتزام بالشروط الشرعية: فإنه يجوز لصاحب البيت إحضار خادمة للعمل، ويُفضَّل أن تكون مسلمة؛ لما في اتخاذها كافرة من مخاطر كبيرة على الأسرة. ولينظر جواب السؤال رقم (31242) ففيه شروط استخدام خادم غير مسلم. وأما إن كانت الأسرة تعيش في " الجزيرة العربية " فإنه لا يجوز لهم إحضار الخادمات الكافرات للعمل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإخراج المشركين من جزيرة العرب. فعن عُمَر بْن الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، حَتَّى لاَ أَدَعَ فِيهَا إِلَّا مُسْلِماً) رواه مسلم (1767) . وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَوْصَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ مَوْتِهِ بِثَلَاثٍ منها: (أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ) رواه البخاري (2888) ومسلم (1637) . وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (1 04806) . ثالثاً: أما جلب الخادمات الكافرات وغيرهن من الكفار إلى الحرم: فلا يجوز سواء للعمرة أو للحج أو لغيرهما، وهذا وجه آخر في المنع من دخولهم الحرم، فهو من جهة داخل قطعاً في " جزيرة العرب " التي نص النبي صلى الله عليه وسلم على تحريم دخولهم فيها، وكذلك من وجه آخر أنه قد وردت النصوص بتخصيص الحرم من منع دخولهم فيه، وهو المعمول به منذ أزمان بعيدة بفضل الله تعالى وتوفيقه. ومعنى هذا أنه من كان لوجوده في جزيرة العرب من الكفار مصلحة للمسلمين، أو كان أحدٌ قد تساهل في جلب الكفار لها: فإنه لا يجوز التعدي على الشرع من الجهة الأخرى بإدخالهم إلى حدود الحرم. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) التوبة/28. والمسجد الحرام هنا هو: الحرم كله. قال النووي رحمه الله: والمراد بالمسجد الحرام ها هنا: الحرم كله، فلا يمكَّن مشرك من دخول الحرم بحال، حتى لو جاء في رسالة أو أمر مهم لا يمكَّن من الدخول، بل يُخرج إليه من يقضى الأمر المتعلق به، ولو دخل خفية ومرض ومات: نبش وأخرج من الحرم. " شرح مسلم " (9 / 116) . وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: بالنسبة لحكم استصحاب الخادمة الكافرة وإدخالها إلى الحرم؟ . فأجاب: أجبني: كيف يذهب بامرأة كافرة إلى المسجد الحرام والله عز وجل يقول: (فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ) التوبة/28؟ لا، هذا حرام عليه، وإذا قدِّر أنه اضطر إلى هذا يقول لها: أسلمي، فإن أسلمت: فهذا المطلوب، وإن لم تسلم: إما أن يبقى معها، وإما أن يرسلها إلى أهلها، وأما أن يأتي بها إلى مكة: فهذا لا يجوز، أولاً: معصية لله عز وجل، ثانياً: امتهان للحرم. السائل: هو يا شيخ من غير هذه البلاد، وجاء بها، وعندما سأل عن الحكم وقيل له: لا يجوز، هل يرجع هو وإياها؟ . الشيخ: نعم، يرجع هو وإياها، أو يردها إلى بلدها. " لقاءات الباب المفتوح " (196 / السؤال رقم 18) . والخلاصة: أن جلب الخادمات وعملهن في بيوت المسلمين فيه محاذير ومخالفات شرعية كثيرة، وتزداد هذه المحاذير إذا كانت الخادمة غير مسلمة، وأنه لا يجوز جلب الخادمات الكافرات إلى جزيرة العرب، ولا دخولهن حدود الحرم. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 81897 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1029 قبول الهدية المشروطة من غير المسلم [السُّؤَالُ] ـ[أنا طالب مسلم أدرس في أمريكا، ونحن بصدد بناء مركز إسلامي في المدينة التي أقيم فيها، وقد تبرعت الجامعة بالأرض المراد إنشاء المركز عليها، وقد اشترطوا عدة شروط حيت يتم العقد الذي بموجبه نستلم الأرض ونبني عليها المركز، مما جعل بعض الأخوة يعارض قبول هذه الأرض ومن هذه الشروط: 1- أن إدارة المركز تخضع لقوانين الولاية، ولقوانين الجامعة 2- أن الجامعة لها حق الرجوع في الهبة ونقل الملكية إلى الجامعة. 3- أن المركز لا يكون خاصاً بالمسلمين، بل يكون للمسلمين وغيرهم. فهل يجوز قبول هذه الأرض الموافقة على هذه الشروط؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " إذا كان الأمر كما ذكر فلا يجوز قبول هذه الهبة، لما يترتب على تطبيق شروط العقد من المفاسد، من ذلك: خضوع إدارة المركز لضوابط وقوانين الجامعة، وهي مجهولة لمن قبل الهدية، وقد يكون منها ما يخالف الإسلام، وكذلك ما ذكر من خضوع المركز لقوانين الولاية ومعلوم أن قوانينهم منها ما يخالف الإسلام، وما جاء فيه أيضاً من أن المراكز للمسلمين وغيرهم كاليهود، وهذا يعني: أن المسلمين يقيمون مركزاً تقام فيه شعائر الدين النصراني واليهودي، وهذا سيحدث مشاكل كثيرة، وقد شرط فيه أيضاً: أن المانح له حق الرجوع في الهبة، ونقل الملكية إلى الجامعة ... إلى غير ذلك من الأمور التي اشتمل عليها العقد، وهي مخالفة للشريعة الإسلامية ". ا. هـ وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة (16/178-179) . الحديث: 22181 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1030 هل تجوز له الهجرة إلى أوربا إذا لم يستطع إظهار دينه في بلده؟ [السُّؤَالُ] ـ[في بلدنا تمنع السلفية ويمنع التمسك بالأحكام الشرعية كاللحية وتقصير الثياب والصلاة في المسجد وخاصة الفجر والكلام بما يخالف المذهب المعمول به هنا وغير ذلك أريد أن أسأل عن الهجرة شروطها ومتى تجب؟ وما هي الأماكن التي يهاجر إليها والتي لا يهاجر إليها؟ وهل تجوز الهجرة إلى أوروبا وأمريكا؟ كما أن البلدان العربية والإسلامية لا تسمح بالهجرة إليها.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: ذكر أهل العلم أن من أقسام الهجرة المشروعة: الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام، ومن دار البدعة إلى دار السنة، ومن الأرض التي يغلب عليها الحرام، والهجرة فرارا من الأذى في البدن أو المال أو الأهل. قال ابن العربي المالكي رحمه الله: " الهجرة وهي تنقسم إلى ستة أقسام: الأول: الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام، وكانت فرضا في أيام النبي صلى الله عليه وسلم مع غيرها من أنواعها، وهذه الهجرة باقية مفروضة إلى يوم القيامة، والتي انقطعت بالفتح هي القصد إلى النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان. الثاني: الخروج من أرض البدعة، قال ابن القاسم: سمعت مالكا يقول: لا يحل لأحد أن يقيم ببلد يسب فيها السلف. وهذا صحيح، فإن المنكر إذا لم يقدر على تغييره نزل عنه، قال الله تعالى: (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين) الأنعام/68. وقد كنت قلت لشيخنا الإمام الزاهد أبي بكر الفهري: ارحل عن أرض مصر إلى بلادك فيقول: لا أحب أن أدخل بلادا غلب عليها كثرة الجهل وقلة العقل، فأقول له: فارتحل إلى مكة أقم في جوار الله وجوار رسوله، فقد علمت أن الخروج عن هذه الأرض فرض لما فيها من البدعة والحرام، فيقول: وعلى يدي فيها هُدَى كثير وإرشاد للخلق وتوحيد وصد عن العقائد السيئة ودعاء إلى الله عز وجل. الثالث: الخروج عن أرض غلب عليها الحرام؛ فإن طلب الحلال فرض على كل مسلم. الرابع: الفرار من الإذاية في البدن، وذلك فضل من الله عز وجل أرخص فيه، فإذا خشي المرء على نفسه في موضع فقد أذن الله سبحانه له في الخروج عنه والفرار بنفسه ليخلصها من ذلك المحذور، وأول من حفظناه فيه الخليل إبراهيم عليه السلام لما خاف من قومه قال: (إني مهاجر إلى ربي) العنكبوت/26، وقال: (إني ذاهب إلى ربي سيهدين) الصافات/99 وموسى قال الله سبحانه فيه: (فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين) القصص/21. الخامس: خوف المرض في البلاد الوخمة والخروج منها إلى الأرض النزهة، وقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم للرعاء حين استوخموا المدينة أن يتنزهوا إلى المسرح فيكونوا فيه حتى يصحوا، وقد استثني من ذلك الخروج من الطاعون فمنع الله سبحانه منه بالحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم. السادس: الفرار خوف الأذية في المال، فإن حرمة مال المسلم كحرمة دمه، والأهل مثله أو آكد " انتهى من "أحكام القرآن" (1/611) باختصار. ولا شك أن هذه المقاصد متفاوتة في الحكم بحسب حال الشخص، فقد تجب وقد تستحب. والمتحصل من كلام أهل العلم أن الهجرة تجب على من عجز عن إظهار دينه، واستطاع الهجرة. وأما من قدر على إظهار دينه، فلا تجب عليه الهجرة، وكذلك من عجز عن إظهار دينه وعجز عن الهجرة، فقد عذره الله تعالى. قال ابن قدامة رحمه الله مبينا أصناف الناس في حكم الهجرة: " فالناس في الهجرة على ثلاثة أضرب: أحدها: من تجب عليه , وهو من يقدر عليها , ولا يمكنه إظهار دينه , ولا تمكنه إقامة واجبات دينه مع المقام بين الكفار , فهذا تجب عليه الهجرة ; لقول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً) . وهذا وعيد شديد يدل على الوجوب. ولأن القيام بواجب دينه واجب على من قدر عليه , والهجرة من ضرورة الواجب وتتمته , وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. الثاني: من لا هجرة عليه. وهو من يعجز عنها , إما لمرض , أو إكراه على الإقامة , أو ضعف ; من النساء والولدان وشبههم , فهذا لا هجرة عليه ; لقول الله تعالى: (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً) . ولا توصف باستحباب ; لأنها غير مقدور عليها. والثالث: من تستحب له , ولا تجب عليه. وهو من يقدر عليها , لكنه يتمكن من إظهار دينه , وإقامته في دار الكفر , فتستحب له , ليتمكن من جهادهم , وتكثير المسلمين , ومعونتهم , ويتخلص من تكثير الكفار , ومخالطتهم , ورؤية المنكر بينهم. ولا تجب عليه ; لإمكان إقامة واجب دينه بدون الهجرة. وقد كان العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم مقيما بمكة مع إسلامه ". انتهى من "المغني" (9/236) . ثانيا: علم مما تقدم أنه إذا لم يستطع المسلم إظهار دينه، فإنه تجب عليه الهجرة عند القدرة، فإن لم يستطع لعجزه أو مرضه أو عدم وجود جهة تسمح بانتقاله إليها، فهو معذور، وفرضه أن يتقي الله ما استطاع، ويجتهد في أداء ما يستطيعه من أمور دينه؛ قال الله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة/286، وقال: (لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) الأنعام/152. وإذا لم توجد بلد يمكن فيها إظهار الدين كاملا – ممن تسمح بالهجرة إليها -، فإنه يُبحث عن الأمثل فالأمثل، وهذا من تقوى الله تعالى، وامتثالِ أوامره، وفعلِ الممكن المستطاع. ثالثا: إذا لم توجد دولة إسلامية يمكن الانتقال إليها، وكان العيش في أوروبا أو أمريكا، مما يمكّن المسلم من إظهار دينه، أو ينجو فيه من الأذى المتوقع على بدنه أو أهله أو ماله، بحيث يكون العيش فيها آمن من العيش في بلده الأصلي، فلا حرج في ذلك، على أن يقتصر على الإقامة دون أخذ الجنسية، لما يترتب على أخذها من محظورات كبار، وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء سؤالا نصه: كثير من المسلمين الذين يقدمون إلى هذه الديار ينوون الإقامة وكذلك يحصلون على الجنسية الأمريكية فهل يجوز لهم ذلك علما بأنها ديار كفر وشرك وانحلال فكيف يعطون ولاءهم لحكومتها بالتنازل عن جنسية بلادهم الإسلامية وقبول جنسية هذه البلاد فما حكم الإسلام في ذلك علما بأنهم يبررون ذلك بنشر الإسلام؟ فأجابت: "لا يجوز لمسلم أن يتجنس بجنسية بلاد حكومتها كافرة، لأن ذلك وسيلة إلى موالاتهم والموافقة على ما هم عليه من الباطل. أما الإقامة بدون أخذ الجنسية فالأصل فيها المنع لقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرا. إلا المستضعفين ... ) النساء/97، 98. ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا برئ من كل مسلم يقيم بين المشركين) ولأحاديث أخرى في ذلك، ولإجماع المسلمين على وجوب الهجرة من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام مع الاستطاعة. لكن من أقام من أهل العلم والبصيرة في الدين بين المشركين لإبلاغهم دين الإسلام ودعوتهم إليه، فلا حرج عليه إذا لم يخش الفتنة في دينه، وكان يرجو التأثير فيهم وهدايتهم "انتهى". عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... عبد الرزاق عفيفي ..... عبد الله بن قعود "فتاوى اللجنة الدائمة" (2/69) . وجوَّزَ بعض أهل العلم أخذ الجنسية في حالة الاضطرار، كالمطارد الذي لا يجد مأوى إلا في هذه البلاد، قال الشيخ ابن جبرين حفظه الله: " من اضطر إلى طلب جنسية دولة كافرة كمطارد من بلده ولم يجد مأوى فيجوز له ذلك بشرط أن يظهر دينه ويكون متمكنا من أداء الشعائر الدينية، وأما الحصول على الجنسية من أجل مصلحة دنيوية محضة فلا أرى جوازه. والله أعلم" وللأهمية يراجع جواب السؤال رقم (13363) نسأل الله تعالى أن يظهر دينه، ويعلي كلمته، ويحفظنا وإياكم والمسلمين بحفظه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 72955 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1031 حكم الاحتفال بعيد الحب [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم عيد الحب؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: عيد الحب عيد روماني جاهلي، استمر الاحتفال به حتى بعد دخول الرومان في النصرانية، وارتبط العيد بالقس المعروف باسم فالنتاين الذي حكم عليه بالإعدام في 14 فبراير عام 270 ميلادي، ولا زال هذا العيد يحتفل به الكفار، ويشيعون فيه الفاحشة والمنكر. وانظر تفصيل الكلام على هذا العيد في ملف بعنوان: (الاحتفال بعيد الحب) ثانيا: لا يجوز للمسلم الاحتفال بشيء من أعياد الكفار؛ لأن العيد من جملة الشرع الذي يجب التقيد فيه بالنص. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " الأعياد من جملة الشرع والمنهاج والمناسك التي قال الله سبحانه (عنها) : (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) وقال: (لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه) كالقبلة والصلاة والصيام، فلا فرق بين مشاركتهم في العيد، وبين مشاركتهم في سائر المناهج؛ فإن الموافقة في جميع العيد موافقة في الكفر، والموافقة في بعض فروعه موافقة في بعض شعب الكفر، بل الأعياد هي من أخص ما تتميز به الشرائع، ومن أظهر ما لها من الشعائر، فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع الكفر وأظهر شعائره، ولا ريب أن الموافقة في هذا قد تنتهي إلى الكفر في الجملة. وأما مبدؤها فأقل أحواله أن تكون معصية، وإلى هذا الاختصاص أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (إن لكل قوم عيدا وإن هذا عيدنا) وهذا أقبح من مشاركتهم في لبس الزنار (لباس كان خاصاً بأهل الذمة) ونحوه من علاماتهم؛ فإن تلك علامة وضعية ليست من الدين، وإنما الغرض منها مجرد التمييز بين المسلم والكافر، وأما العيد وتوابعه فإنه من الدين الملعون هو وأهله، فالموافقة فيه موافقة فيما يتميزون به من أسباب سخط الله وعقابه " انتهى من "اقتضاء الصراط المستقيم" (1/207) . وقال رحمه الله أيضاً: " لا يحل للمسلمين أن يتشبهوا بهم في شيء مما يختص بأعيادهم، لا من طعام ولا لباس ولا اغتسال ولا إيقاد نيران، ولا تبطيل عادة من معيشة أو عبادة أو غير ذلك. ولا يحل فعل وليمة ولا الإهداء ولا البيع بما يستعان به على ذلك لأجل ذلك، ولا تمكين الصبيان ونحوهم من اللعب الذي في الأعياد ولا إظهار الزينة. وبالجملة: ليس لهم أن يخصوا أعيادهم بشيء من شعائرهم، بل يكون يوم عيدهم عند المسلمين كسائر الأيام، لا يخصه المسلمون بشيء من خصائصهم" انتهى من "مجموع الفتاوى" (25/329) . وقال الحافظ الذهبي رحمه الله " فإذا كان للنصارى عيد، ولليهود عيد، كانوا مختصين به، فلا يشركهم فيه مسلم، كما لا يشاركهم في شرعتهم ولا قبلتهم " انتهى من "تشبه الخسيس بأهل الخميس" منشورة في مجلة الحكمة (4/193) والحديث الذي أشار إليه شيخ الإسلام رواه البخاري (952) ومسلم (892) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ مِنْ جَوَارِي الأَنْصَارِ تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتْ الأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثَ، قَالَتْ: وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ، فَقَالَ أَبُو: بَكْرٍ أَمَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! وَذَلِكَ فِي يَوْمِ عِيدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا أَبَا بَكْرٍ إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَهَذَا عِيدُنَا) . وروى أبو داود (1134) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَقَالَ: مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟ قَالُوا كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الأَضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ) والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود. وهذا يدل على أن العيد من الخصائص التي تتميز بها الأمم، وأنه لا يجوز الاحتفال بأعياد الجاهليين والمشركين. وقد أفتى أهل العلم بتحريم الاحتفال بعيد الحب: 1- سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ما نصه: " انتشر في الآونة الأخيرة الاحتفال بعيد الحب خاصة بين الطالبات وهو عيد من أعياد النصارى، ويكون الزي كاملا باللون الأحمر، الملبس والحذاء، ويتبادلن الزهور الحمراء، نأمل من فضيلتكم بيان حكم الاحتفال بمثل هذا العيد، وما توجيهكم للمسلمين في مثل هذه الأمور والله يحفظكم ويرعاكم؟ فأجاب: الاحتفال بعيد الحب لا يجوز لوجوه: الأول: أنه عيد بدعي لا أساس له في الشريعة. الثاني: أنه يدعو إلى العشق والغرام. الثالث: أنه يدعو إلى اشتغال القلب بمثل هذه الأمور التافهة المخالفة لهدي السلف الصالح رضي الله عنهم. فلا يحل أن يحدث في هذا اليوم شيء من شعائر العيد سواء كان في المآكل، أو المشارب، أو الملابس، أو التهادي، أو غير ذلك. وعلى المسلم أن يكون عزيزا بدينه وأن لا يكون إمعة يتبع كل ناعق. أسأل الله تعالى أن يعيذ المسلمين من كل الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يتولانا بتوليه وتوفيقه " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (16/199) . 2- وسئلت الجنة الدائمة: يحتفل بعض الناس في اليوم الرابع عشر من شهر فبراير 14/2 من كل سنة ميلادية بيوم الحب ((فالنتين داي)) . ((day valentine)) . ويتهادون الورود الحمراء ويلبسون اللون الأحمر ويهنئون بعضهم وتقوم بعض محلات الحلويات بصنع حلويات باللون الأحمر ويرسم عليها قلوب وتعمل بعض المحلات إعلانات على بضائعها التي تخص هذا اليوم فما هو رأيكم: أولاً: الاحتفال بهذا اليوم؟ ثانياً: الشراء من المحلات في هذا اليوم؟ ثالثاً: بيع أصحاب المحلات (غير المحتفلة) لمن يحتفل ببعض ما يهدى في هذا اليوم؟ فأجابت: " دلت الأدلة الصريحة من الكتاب والسنة – وعلى ذلك أجمع سلف الأمة – أن الأعياد في الإسلام اثنان فقط هما: عيد الفطر وعيد الأضحى وما عداهما من الأعياد سواء كانت متعلقة بشخصٍ أو جماعة أو حَدَثٍ أو أي معنى من المعاني فهي أعياد مبتدعة لا يجوز لأهل الإسلام فعلها ولا إقرارها ولا إظهار الفرح بها ولا الإعانة عليها بشيء لأن ذلك من تعدي حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه، وإذا انضاف إلى العيد المخترع كونه من أعياد الكفار فهذا إثم إلى إثم لأن في ذلك تشبهاً بهم ونوع موالاة لهم وقد نهى الله سبحانه المؤمنين عن التشبه بهم وعن موالاتهم في كتابه العزيز وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من تشبه بقوم فهو منهم) . وعيد الحب هو من جنس ما ذكر لأنه من الأعياد الوثنية النصرانية فلا يحل لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يفعله أو أن يقره أو أن يهنئ بل الواجب تركه واجتنابه استجابة لله ورسوله وبعداً عن أسباب سخط الله وعقوبته، كما يحرم على المسلم الإعانة على هذا العيد أو غيره من الأعياد المحرمة بأي شيء من أكلٍ أو شرب أو بيع أو شراء أو صناعة أو هدية أو مراسلة أو إعلان أو غير ذلك لأن ذلك كله من التعاون على الإثم والعدوان ومعصية الله والرسول والله جل وعلا يقول: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب) . ويجب على المسلم الاعتصام بالكتاب والسنة في جميع أحواله لاسيما في أوقات الفتن وكثرة الفساد، وعليه أن يكون فطناً حذراً من الوقوع في ضلالات المغضوب عليهم والضالين والفاسقين الذين لا يرجون لله وقاراً ولا يرفعون بالإسلام رأساً، وعلى المسلم أن يلجأ إلى الله تعالى بطلب هدايته والثبات عليها فإنه لا هادي إلا الله ولا مثبت إلا هو سبحانه وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى. 3- وسئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله: " انتشر بين فتياننا وفتياتنا الاحتفال بما يسمى عيد الحب (يوم فالنتاين) وهو اسم قسيس يعظمه النصارى يحتفلون به كل عام في 14 فبراير، ويتبادلون فيه الهدايا والورود الحمراء، ويرتدون الملابس الحمراء، فما حكم الاحتفال به أو تبادل الهدايا في ذلك اليوم وإظهار ذلك العيد؟ فأجاب: أولاً: لا يجوز الاحتفال بمثل هذه الأعياد المبتدعة؛ لأنه بدعة محدثة لا أصل لها في الشرع فتدخل في حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) أي مردود على من أحدثه. ثانياً: أن فيها مشابهة للكفار وتقليدًا لهم في تعظيم ما يعظمونه واحترام أعيادهم ومناسباتهم وتشبهًا بهم فيما هو من ديانتهم وفي الحديث: (من تشبه بقوم فهو منهم) . ثالثا: ما يترتب على ذلك من المفاسد والمحاذير كاللهو واللعب والغناء والزمر والأشر والبطر والسفور والتبرج واختلاط الرجال بالنساء أو بروز النساء أمام غير المحارم ونحو ذلك من المحرمات، أو ما هو وسيلة إلى الفواحش ومقدماتها، ولا يبرر ذلك ما يعلل به من التسلية والترفيه وما يزعمونه من التحفظ فإن ذلك غير صحيح، فعلى من نصح نفسه أن يبتعد عن الآثام ووسائلها. وقال حفظه الله: وعلى هذا لا يجوز بيع هذه الهدايا والورود إذا عرف أن المشتري يحتفل بتلك الأعياد أو يهديها أو يعظم بها تلك الأيام حتى لا يكون البائع مشاركًا لمن يعمل بهذه البدعة والله أعلم " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 73007 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1032 هل من الكفار من يحب المسلمين ويريد لهم الخير؟ [السُّؤَالُ] ـ[هناك من يدعي أن بعض الكفار يحبون المسلمين وأن بعضهم يريد لنا الخير، وقد يتحجج بعلاقات واقعية مع بعضهم حيث لم ير منهم إلا الخير (وهذا شيء مشاهد) ، آمل من فضيلتكم تفنيد هذه الشبهة، وهل يختلف في ذلك عامة الكفار عن علمائهم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قد بين الله تعالى في كتابه أن الكفار يضمرون لنا العداوة، ولا يقصّرون في إلحاق الضرر بنا، ويودّون لنا العنت والمشقة، وأنهم لن يرضوا عنا حتى نتبع ملتهم، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ. هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ. إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) آل عمران/118- 120. وقال تعالى: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) البقرة/120. قال ابن كثير رحمه الله: " وقوله تعالى: (لا تتخذوا بطانة من دونكم) أي من غيركم من أهل الأديان، وبطانة الرجل هم خاصة أهله الذين يطلعون على داخلة أمره " ثم أورد ما رواه ابن أبي حاتم بسنده عن ابن أبي الدهقانة، قال: قيل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن ههنا غلاماً من أهل الحيرة حافظ كاتب، فلو اتخذته كاتباً، فقال: قد اتخذت إذاً بطانة من دون المؤمنين. قال ابن كثير: " ففي هذا الأثر مع هذه الآية دليل على أن أهل الذمة لا يجوز استعمالهم في الكتابة التي فيها استطالة على المسلمين وإطلاع على دواخل أمورهم التي يخشى أن يفشوها إلى الأعداء من أهل الحرب، ولهذا قال تعالى: (لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم) " انتهى من تفسير ابن كثير (1/528) . وقال القرطبي رحمه الله: " نهى الله عز وجل المؤمنين بهذه الآية أن يتخذوا من الكفار واليهود وأهل الأهواء دخلاء وولجاء، يفاوضونهم في الآراء، ويسندون إليهم أمورهم ... ثم بين تعالى المعنى الذي لأجله نهى عن المواصلة فقال: (لا يألونكم خبالاً) يقول: فساداً، يعني لا يتركون الجهد في فسادكم، يعني أنهم وإن لم يقاتلوكم في الظاهر فإنهم لا يتركون الجهد في المكر والخديعة ". ثم قال رحمه الله: " قوله تعالى: (ها أنتم أولاء تحبونهم) يعني المنافقين، دليله قوله تعالى: (وإذا لقوكم قالوا آمنا) قاله أبو العالية ومقاتل. والمحبة هنا بمعنى المصافاة، أي أنتم أيها المسلمون تصافونهم ولا يصافونكم لنفاقهم. وقيل: المعنى تريدون لهم الإسلام وهم يريدون لكم الكفر. وقيل: المراد اليهود، قاله الأكثر. والكتاب اسم جنس، قال ابن عباس: يعني: بالكتب. واليهود يؤمنون بالبعض، كما قال تعالى: (وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه) البقرة/91. (وإذا لقوكم قالوا آمنا) أي بمحمد صلى الله عليه وسلم، وأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإذا خلوا فيما بينهم عضوا عليكم الأنامل يعني أطراف الأصابع من الغيظ والحنق عليكم، فيقول بعضهم لبعض: ألا ترون إلى هؤلاء ظهروا وكثروا " انتهى من تفسير القرطبي (4/177) . وقال الطبري رحمه الله: " يعني بقوله جل ثناؤه: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) : وليست اليهود يا محمد، ولا النصارى براضية عنك أبدًا، فدع طلب ما يرضيهم ويوافقهم، وأقبل على طلب رضا الله في دعائهم إلى ما بعثك الله به من الحق " انتهى من "تفسير الطبري" (1/565) . وبين ربنا سبحانه وتعالى أن كثيرا من أهل الكتاب يودون لنا الكفر، حسدا وبغيا منهم، فقال: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) البقرة/109. قال ابن كثير رحمه الله: " يحذر تعالى عباده المؤمنين عن سلوك طريق الكفار من أهل الكتاب، ويعلمهم بعداوتهم لهم في الباطن والظاهر، وما هم مشتملون عليه من الحسد للمؤمنين، مع علمهم بفضلهم وفضل نبيهم " انتهى. وقال تعالى في شأن أهل الكفر: (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ) التوبة/8. فهذا هو حالهم، يرضون المسلمين بأفواههم، وأما قلوبهم فإنها تضمر العداوة والشر. والحاصل أنه إن وجد من الكفار من يظهر المحبة لأهل الإيمان، فذلك لا يخرج عن ثلاثة أمور: الأول: أن يكون ذلك تصنّعا وتظاهرا بما لا حقيقة له، كما أخبرنا ربنا سبحانه وتعالى، وهو الأعلم بنياتهم وقلوبهم. الثاني: أن يكون ذلك مع من انسلخ من الإسلام، ووقع في موالاة الكفار ومودتهم، فصار منهم، كما قال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) المائدة/51، ولهذا رضوا عنه وأحبوه. الثالث: أن يندرج ذلك تحت النادر والقليل، والنادر لا حكم له، وقد يكون مرجعه إلى عدم تمسك الكافر بكفره، أو عدم مبالاته بالأديان، كما هو حال جماعات منهم اليوم. والذي يجب على كل مسلم أن يحذره، هو ما حذر منه الله تعالى، من موالاة الكافرين ومودتهم، واتخاذهم بطانة والركون إليهم، سواء أظهر الكافر المحبة أو العداوة، وسواء كان صادقا في محبته أو مخادعا، فهذا هو الأمر المحكم الذي لا نقاش فيه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 72208 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1033 هل يذهب مع أهله إلى أماكن ترفيهية فيها سفور وغناء؟ [السُّؤَالُ] ـ[تشيع بصورة ملفتة جدّاً هذه الأيام ظاهرة السفور والتبرج في الأسواق والملاهي والموسيقى العالية في كل مكان منها. وسؤالي هو: هل الذهاب للملاهي بقصد الترفيه عن أبنائي الذكور يعتبر حراماً؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن من واجب الدولة أن توفر الأماكن الترفيهية المباحة، وفي ذلك فوائد متعددة لجميع الأطراف، فقد ذكرت إحصائية جديدة أنه من المحتمل أن يصل عدد الذين سيغادرون للسياحة خارج المملكة حوالي 5 مليون سائح! ولا شك أن كثيراً منهم سيتعرض للمحرمات وقد يفعل الموبقات في سفره ذاك، فضلاً عن الأموال التي ستنفق في الخارج في بلاد الكفر وأماكن اللهو المحرم، وكثير من هؤلاء سيرجع بأخلاق منحرفة، وأمراض مزمنة معدية، وهو ما يسبب خسارة في الدين والنفس والمال والعرض والعقل، وهي الضرورات التي جاءت الشرائع بحمايتها والعناية بها. وينبغي الاعتناء بهذه الأماكن الترفيهية المباحة من حيث توفير الأمن فيها، والاعتناء بنظافتها وخدماتها، وتخصيص أماكن للنساء والأسر، وأخرى للشباب، وينبغي منع المحرمات فيها مثل تشغيل الأغاني أو وجود التبرج والسفور، أو وجود الشباب الطائش، وبذلك تكون الدولة قد قطعت السبيل على من أراد إفساد الشباب والنساء في الخارج، وأعانت على توفير أموالهم، وكذا في الحد من استفادة أهل الكفر والضلال والانحراف منها، واستفادت توفير فرص عمل لكثير من الشباب. وقد سبق في جواب السؤال رقم (47396) أنه لا يجوز للمسلم أن يوجد في مكان به منكرات وهو عاجز عن تغييرها، بل الواجب عليه أن يسعى في تغييرها باليد واللسان فإن عجز فما بقي إلا إنكارها بالقلب، ومن لوازم هذا الإنكار القلبي أن يترك المكان. وعليه: فلا يجوز لكم ولا لغيركم الذهاب إلى أماكن ترفيهية مع وجود المعاصي فيها، مثل التبرج والسفور، أو الأغاني والمعازف، وقد جعل الله لكم بديلاً في الأماكن التي لا يوجد فيها شيء من هذه المعاصي، ولا ينبغي لكم نسيان العمرة في هذه الأيام، والمسلم العاقل يغتنم حياته قبل موته، وصحته قبل سقمه، وفراغه قبل شغله، وغناه قبل فقره، ولا نحرِّم ما أحل الله من الذهاب إلى الأماكن الترفيهية المباحة، لكن نصحناكم بالانتقاء، ونصحناكم بما هو خير لآخرتكم. والله الموفق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 72308 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1034 شراء منتجات الدول الكافرة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم بيع وشراء المنتجات الأمريكية وخصوصاً ذات التقنية مثل IBM, DELL, Microsoft جزاك الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] المنتجات الأمريكية كغيرها مما يرد على بلاد المسلمين من بلاد الكفر والتعامل مع الكفار في التجارات لا مانع منه إذا لم يكن منه ما يتعارض مع الشرع وإذا لم يكن في صناعات المسلمين ما يغني عن صناعات الكفار ومنتجاتهم وما لم يؤد شراء منتجاتهم على التقوي على المسلمين، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] كتبه: الخضير. الحديث: 6572 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1035 مقاطعة بضائع الكفار المحاربين [السُّؤَالُ] ـ[هل من العادة إباحة التعامل مع اليهود، أو شركات يملكها اليهود أو مساهمين يهود، أو شركات لها فروع في إسرائيل، إلخ.؟ مؤخرا ً كثير من المسلمين يقولون إنه حرام التعامل مع اليهود على الإطلاق. لحسب معلوماتي المحدودة، حتى عندما قاتل المسلمون اليهود في عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم، لم يمنع التعامل معهم، وعندما توفي كان درعه مرهوناً عند يهودي على دَيْن. الرجاء إعلامنا بالموقف الصحيح لهذه القضية.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الأصل هو جواز التعامل بالبيع والشراء مع اليهود وغيرهم، لما ثبت من تعامل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مع يهود المدينة بالبيع والشراء والقرض والرهن وغير ذلك من المعاملات المباحة في ديننا. وهؤلاء اليهود الذين تعامل معهم النبي صلى الله عليه وسلم كانوا من أهل العهد، ومن نقض العهد منهم فقد قُتِلَ أو أُخرِجَ، أو تُرِكَ لمصلحة. على أنه قد ثبت ما يدل على جواز البيع والشراء مع الكفار المحاربين. قال الإمام البخاري رحمه الله: بَاب الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ مَعَ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْحَرْبِ. ثم روى (2216) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ مُشْرِكٌ بِغَنَمٍ يَسُوقُهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَيْعًا أَمْ عَطِيَّةً أَوْ قَالَ أَمْ هِبَةً؟ قَالَ: لا، بَلْ بَيْعٌ، فَاشْتَرَى مِنْهُ شَاةً. وقال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم (11/41) : وقد أجمع المسلمون على جواز معاملة أهل الذِّمَّة، وغيرهم من الكفَّار إذا لم يتحقَّق تحريم ما معه، لكن لا يجوز للمسلم أن يبيع أهل الحرب سلاحاً وآلة حرب، ولا ما يستعينون به في إقامة دينهم. . . اهـ. وقَالَ اِبْنُ بَطَّالٍ: مُعَامَلَةُ الْكُفَّارِ جَائِزَةٌ , إِلا بَيْعَ مَا يَسْتَعِينُ بِهِ أَهْلُ الْحَرْبِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ اهـ. ونقل في " المجموع" (9/432) الإجماع على تحريم بيع السلاح لأهل الحرب. والحكمة من ذلك واضحة، وهي أن هذا السلاح يقاتلون به المسلمين. ثانياً: لا شك في مشروعية جهاد أعداء الله المحاربين من اليهود وغيرهم، بالنفس والمال، ويدخل في ذلك كل وسيلة تضعف اقتصادهم وتلحق الضرر بهم، فإن المال هو عصب الحروب في القديم والحديث. وينبغي على المسلمين عموما التعاون على البر والتقوى ومساعدة المسلمين في كل مكان بما يكفل لهم ظهورهم وتمكينهم في البلاد وإظهارهم شعائر الدين، وعملهم بتعاليم الإسلام وتطبيقهم للأحكام الشرعية وإقامة الحدود، وبما يكون سببا في نصرهم على القوم الكافرين من اليهود والنصارى وغيرهم، فيبذل جهده في جهاد أعداء الله بكل ما يستطيعه، وقد قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ) . رواه أبو داود (2504) صححه الألباني في صحيح أبي داود. فعلى المسلمين أن يساعدوا المجاهدين بكل ما يستطيعونه، وبذل كل الإمكانيات التي يكون فيها تقوية للإسلام والمسلمين، وعليهم أيضاً جهاد الكفار بما يستطيعونه من القدرة، وعمل كل ما فيه إضعاف للكفار أعداء الدين، فلا يستعملونهم كعمال بالأجرة كُتَّاباً أو محاسبين أو مهندسين أو خُداما بأي نوع من الخدمة التي فيها إقرار لهم وتمكين لهم بحيث يجمعون أموال المسلمين ويحاربونهم بها. والحاصل: أن من قاطع بضائع الكفار المحاربين وقصد بذلك إظهار عدم موالاتهم، وإضعاف اقتصادهم، فهو مثاب مأجور إن شاء الله تعالى على هذا القصد الحسن. ومن تعامل معهم متمسكاً بالأصل وهو جواز التعامل مع الكفار – لاسيما بشراء ما يحتاج إليه – فلا حرج عليه إن شاء الله تعالى، ولا يكون ذلك قدحاً في أصل الولاء والبراء في الإسلام. وقد سئلت اللجنة الدائمة: ما حكم ترك المسلمين التعاون بينهم بأن لا يرضى ولا يحب أن يشتري من المسلمين، ويرغب في الشراء من الكفار، هل هذا حلال أم حرام؟ فأجابت: الأصل جواز شراء المسلم ما يحتاجه مما أحل الله له من المسلم أو من الكافر، وقد اشترى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من اليهود، لكن إذا كان عدول المسلم عن الشراء من أخيه المسلم من غير سبب من غش ورفع أسعار ورداءة سلعة إلى محبة الشراء من كافر والرغبة في ذلك وإيثاره على المسلم دون مبرر فهذا حرام لما فيه من موالاة الكفار ورضاء عنهم ومحبة لهم، ولما فيه من النقص على تجار المسلمين وكساد سلعهم، وعدم رواجها إذا اتخذ المسلم ذلك عادة له، وأما إن كانت هناك دواع للعدول من نحو ما تقدم فعليه أن ينصح لأخيه المسلم بترك ما يصرفه عنه من العيوب، فإن انتصح فالحمد لله، وإلا عدل إلى غيره، ولو إلى كافر يحسن تبادل المنافع ويصدق في معاملته " اهـ. "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/18) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20732 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1036 هل يرد على الكفار إذا هنؤوه بالعام الجديد؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لي أن أقول لغير المسلمين (ولكم بالمثل) عندما يهنئونني بالعام الجديد بعبارة عام سعيد أو أحلى التهاني؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز تهنئة الكفار بعيد الكريسماس (رأس السنة الميلادية) أو غير ذلك من أعيادهم، كما لا يجوز إجابتهم في حال تهنئتهم لنا بهذه الأعياد، لأنها ليست أعيادا مشروعة في ديننا، وفي إجابة التهنئة بها إقرار واعتراف بها، وعلى المسلم أن يكون معتزا بدينه، فخورا بأحكامه، حريصا على دعوة الآخرين وتبليغهم دين الله عز وجل. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن حكم تهنئة الكفار بعيد الكريسماس؟ وكيف نرد عليهم إذا هنئونا به؟ وهل يجوز الذهاب إلى أماكن الحفلات التي يقيمونها بهذه المناسبة؟ وهل يأثم الإنسان إذا فعل شيئا مما ذكر بغير قصد؟ وإنما فعله إما مجاملة أو حياء أو إحراجا أو غير ذلك من الأسباب؟ وهل يجوز التشبه بهم في ذلك؟ فأجاب: " تهنئة الكفار بعيد الكريسماس أو غيره من أعيادهم الدينية حرام بالاتفاق، كما نقل ذلك ابن القيم رحمه الله في كتابه " أحكام أهل الذمة "، حيث قال: " وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن تهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثما عند الله، وأشد مقتا من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس، وارتكاب الفرج الحرام ونحوه. وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قبح ما فعل، فمن هنأ عبدا بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه ". انتهى كلامه رحمه الله. وإنما كانت تهنئة الكفار بأعيادهم الدينية حراما وبهذه المثابة التي ذكرها ابن القيم لأن فيها إقرارا لما هم عليه من شعائر الكفر، ورضا به لهم، وإن كان هو لا يرضى بهذا الكفر لنفسه، لكن يحرم على المسلم أن يرضى بشعائر الكفر أو يهنئ بها غيره، لأن الله تعالى لا يرضى بذلك، كما قال الله تعالى: (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) الزمر/7. وقال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا) المائدة/3. وتهنئتهم بذلك حرام، سواء كانوا مشاركين للشخص في العمل أم لا. وإذا هنئونا بأعيادهم فإننا لا نجيبهم على ذلك؛ لأنها ليست بأعياد لنا، ولأنها أعياد لا يرضاها الله تعالى، لأنها إما مبتدعة في دينهم، وإما مشروعة، لكن نسخت بدين الإسلام الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم، إلى جميع الخلق، وقال فيه: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ) آل عمران/85. وإجابة المسلم دعوتهم بهذه المناسبة حرام، لأن هذا أعظم من تهنئتهم بها، لما في ذلك من مشاركتهم فيها. وكذلك يحرم على المسلمين التشبه بالكفار بإقامة الحفلات بهذه المناسبة، أو تبادل الهدايا أو توزيع الحلوى، أو أطباق الطعام، أو تعطيل الأعمال ونحو ذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه: "اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم": " مشابهتهم في بعض أعيادهم توجب سرور قلوبهم بما هم عليه من الباطل، وربما أطمعهم ذلك في انتهاز الفرص واستذلال الضعفاء ". انتهى كلامه رحمه الله. ومن فعل شيئا من ذلك فهو آثم، سواء فعله مجاملة، أو توددا، أو حياء، أو لغير ذلك من الأسباب، لأنه من المداهنة في دين الله، ومن أسباب تقوية نفوس الكفار وفخرهم بدينهم. والله المسئول أن يعز المسلمين بدينهم، ويرزقهم الثبات عليه، وينصرهم على أعدائهم، إنه قوي عزيز ". انتهى من مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (3/44) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69811 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1037 هل تقطع علاقتها مع بعض الكافرات أم تستغلها في الدعوة؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا امرأة لي مراسلات مع أوربيات وأمريكيات عن طريق الإنترنت نقوم بتبادل الهدايا وأمور الخياطة وذلك منذ سنتين. حاولت مناقشتهن في الإسلام لكن توقفت خوفا من عدم تمكني من الدعوة وبالتالي الوقوع في الخطأ. ماذا تنصحني هل أقطع علاقتي بهن نهائيا أم أستمر بقصد دعوتهن للإسلام رغم الصعوبات وكيف أبدأ؟ وهل تعتبر هذه العلاقة صداقة وما حكمها شرعا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا يجوز للمسلم أو المسلمة اتخاذ صديق أو صديقة من غير المسلمين؛ لنهي الله تعالى عن مودة الكافرين وموالاتهم واتخاذهم بطانة، كما في قوله تعالى: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) المجادلة/22، وقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) المائدة/51، وقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) آل عمران/118. ثانيا: يجوز للمسلم مراسلة هؤلاء، وتقديم الهدايا لهم، بغرض دعوتهم للإسلام، وترغيبهم فيه، بشرط أن يكون متحصنا بالعلم والإيمان، متمكنا من الدعوة، مطلعا على شبهات القوم وأساليبهم. أما غير المتمكن فليس له أن يزج بنفسه في هذا المجال؛ لما قد يعترضه من الفتن، أو يأتيه من الشبهات التي لا يقدر على ردها، فيكون هذا سبب انحرافه وهلاكه، عياذا بالله من ذلك. ثالثا: إذا كانت مراسلة هؤلاء تقتصر على تبادل أمور الخياطة، والاستفادة منهم في ذلك من غير أن يصل الأمر إلى محبتهم ومودتهم وتهنئتهم بأعيادهم – مثلاً – فلا حرج في ذلك إن شاء الله تعالى، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعامل مع اليهود بيعاً وشراء. بل لا حرج من تقديم بعض الهدايا لهم بشرط أن يكونوا غير محاربين للإسلام والمسلمين، فإن الله تعالى قال: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الممتحنة/8. قال السعدي رحمه الله (ص 1016) : " أي لا ينهاكم الله عن البر والصلة والمكافأة بالمعروف والقسط للمشركين من أقاربكم وغيرهم، حيث كانوا بحال لم ينتصبوا لقتالكم في الدين والإخراج من دياركم، فليس عليكم جناح أن تصلوهم، فإن صلتهم في هذه الحالة لا محذور فيها " انتهى. رابعاً: وسائل الدعوة كثيرة ومتنوعة، منها: 1- الحوار المباشر، وينبغي أن يرتكز على بيان محاسن الإسلام، وحقيقة التوحيد، وأهمية الإيمان، وصدق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم بيان بطلان ما سواه من الأديان الأخرى، وما أصابها من التحريف والتغيير والتبديل. 2- إهداء الكتب والنشرات التي تتحدث عن الإسلام وترغب في الدخول فيه. 3- دلالة الآخرين على المواقع المختصة بتوضيح الإسلام، والدعوة إليه، والإجابة على شبهات المخالفين، ومجادلتهم بالتي هي أحسن. ولا بد أن يكون الداعي إلى الإسلام متحصنا بالعلم الشرعي والإيمان القوي الذي يقف في وجه الشبهات والشهوات، وإلا فليدع المجال لغيره، وليتق الله في نفسه ولا يوردها المهالك، وليحذر المسلم أن يتسرب إلى قلبه شيء من مودة الكافر ومحبته. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69876 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1038 حكم فتح المحلات التجارية في يوم عيدٍ للكفار [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك أي محظور إذا فتح الفرد متجره أيام العيد؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا حرج على المسلم في فتح متجره أيام أعياد المسلمين (عيدي الفطر والأضحى) ، بشرط أن لا يبيع ما يستعين به بعض الناس على معصية الله تعالى. ثانيا: أما فتح المتجر في الأيام التي يتخذها غير المسلمين أعيادا، كيوم الكريسمس، ونحوه من أعياد اليهود أو البوذيين أو الهندوس، فلا حرج في ذلك أيضا، بشرط ألا يبيع لهم ما يستعينون به على معاصيهم، كالأعلام والرايات، والصور، وبطاقات التهنئة، والفوانيس، والزهور، والبيض الملوّن، وكل ما يستعملونه لإقامة العيد. وكذلك لا يبيع للمسلمين ما يستعينون به على التشبه بالكفار في أعيادهم. والأصل في ذلك أن المسلم منهي عن فعل المعصية، وعن الإعانة عليها؛ لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ولا يبيع المسلم ما يستعين به المسلمون على مشابهتهم في العيد، من الطعام واللباس ونحو ذلك؛ لأن في ذلك إعانة على المنكر " انتهى من "اقتضاء الصراط المستقيم" (2/520) . وقال: " فأما بيع المسلمين لهم [أي للكفار] في أعيادهم ما يستعينون به على عيدهم من الطعام واللباس والريحان ونحو ذلك، أو إهداء ذلك لهم، فهذا فيه نوع إعانة على إقامة عيدهم المحرم ". ونقل عن ابن حبيب المالكي قوله: " ألا ترى أنه لا يحل للمسلمين أن يبيعوا من النصارى شيئا من مصلحة عيدهم، لا لحما، ولا إداما، ولا ثوبا، ولا يُعارون دابة، ولا يعاونون على شيء من عيدهم؛ لأن ذلك من تعظيم شركهم، ومن عونهم على كفرهم، وينبغي للسلاطين أن ينهوا المسلمين عن ذلك. وهو قول مالك وغيره، لم أعلمه اختلف فيه ". "اقتضاء الصراط المستقيم" (2/526) ، "الفتاوى الكبرى" (2/489) ، "أحكام أهل الذمة" (3/1250) . وقال شيخ الإسلام أيضاً: " فإن كان ما يبتاعونه [يشترونه] يفعلون به نفس المحرم، مثل صليب أو شعانين أو معمودية أو تبخير أو ذبح لغير الله أو صورة ونحو ذلك، فهذا لا ريب في تحريمه، كبيعهم العصير ليتخذوه خمرا، وبناء الكنيسة لهم. وأما ما ينتفعون به في أعيادهم للأكل والشرب واللباس، فأصول أحمد وغيره تقتضي كراهته، لكن: كراهة تحريم كمذهب مالك أو كراهة تنزيه؟ والأشبه أنه كراهة تحريم، كسائر النظائر عنده، فإنه لا يُجوّز بيع الخبز واللحم والرياحين للفساق الذين يشربون عليها الخمر، ولأن هذه الإعانة تفضي إلى إظهار الدين [الباطل] وكثرة اجتماع الناس لعيدهم وظهوره، وهذا أعظم من إعانة شخص معين ". "الاقتضاء" (2/2/552) . وسئل ابن حجر المكي رحمه الله عن بيع المِسك لكافر يعلم منه أنه يشتريه ليطيّب به صنمه، وبيع حيوان لكافر يعلم منه أنه يقتله بلا ذبحٍ ليأكله؟ فأجاب بقوله: " يحرم البيع في الصورتين، كما شمله قولهم (يعني العلماء) : كل ما يَعلم البائع أن المشتري يعصي به يحرم عليه بيعه له. وتطييب الصنم وقتل الحيوان المأكول بغير ذبح معصيتان عظيمتان ولو بالنسبة إليهم، لأن الأصح أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة كالمسلمين، فلا تجوز الإعانة عليهما ببيع ما يكون سببا لفعلهما. وكالعلم هنا غلبة الظن , والله أعلم " انتهى من "الفتاوى الفقهية الكبرى" (2/270) . والحاصل أنه يجوز للمسلم فتح متجره في أيام أعياد الكفار، بشرطين: الأول: ألا يبيع لهم ما يستعملونه في المعصية أو يستعينون به على إقامة عيدهم. والثاني: ألا يبيع للمسلمين ما يستعينون به على التشبه بالكفار في هذه الأعياد. ولا شك أن هناك سلعا معلومة، تتخذ لهذه الأعياد، كالبطاقات والصور والتماثيل والصلبان وبعض الأشجار، فهذه لا يجوز بيعها، ولا إدخالها في المحل أصلا. وما عدا ذلك مما قد يُستعمل في العيد وغيره، فيجتهد صاحب المتجر، فلا يبيعه لمن علم من حاله أو غلب على ظنه أنه يستعمله في الحرام أو يستعين به على إقامة العيد، كالملابس، والطيب، والأطعمة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69558 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1039 هل تفضيله للعمل مع غير المسلمين يعتبر من موالاتهم؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل العمل في شركة يملكها رجل كافر يعتبر من موالاة الكفار؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله العمل عند الكفار ومشاركتهم في التجارة لا يعد من موالاتهم، وعلى المسلم أن يحسن اختياره للأشخاص، ولطبيعة العمل ونوعية التجارة، ولا يجوز أن تكون أعماله أو تجاراته في المحرمات، ولا يحل له أن يوادهم في قلبه، ولا أن يثني عليهم ثناء مطلقاً، ويجب عليه أن يتحلى بالصدق والإتقان في عمله ليكون أنموذجاً طيباً لأخلاق المسلمين. قال الشيخ صالح الفوزان: ومن الموالاة المحرمة: مناصرتهم على المسلمين ومظاهرتهم أو الدفاع عنهم بالقول بتبرير ما هم عليه والاعتزاز بما هم عليه، كل هذا من أنواع الموالاة المحرمة والتي تصل إلى الردة عن الإسلام - والعياذ بالله - قال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) المائدة/51. أما ما يجوز لنا من التعامل مع الكفار فهو التعامل المباح، نتعامل معهم بالتجارة، ونستورد منهم البضائع، ونتبادل معهم المنافع، ونستفيد من خبراتهم، نستقدم منهم من نستأجره على أداء عمل كهندسة أو غير ذلك من الخبرات المباحة، هذا حدود ما يجوز لنا معهم ولابد من أخذ الحذر، وأن لا يكون له سلطة في بلاد المسلمين إلا في حدود عمله، ولا يكون له سلطة على المسلمين، أو على أحد من المسلمين، وإنما تكون السلطة للمسلمين عليهم. "المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان" (2/252) . وعلى أصحاب الأعمال من المسلمين أن يتقوا الله في أعمالهم وموظفيهم، وأن يقيموا الأعمال المباحة، وأن يعطوا موظفيهم وعمالهم حقوقهم كاملة غير منقوصة، وأن لا يتسببوا في انتقال العمال والموظفين المسلمين إلى غيرهم من الكفار. فالكثير من المسلمين يرى أن ما يحصل عليه من راتب وامتيازات عند الكافر هي التي تدفعه إلى العمل عنده؛ لأنه يرى أنه يأخذ ما يستحقه، وفي هذا من المفاسد ما فيه من مدح هؤلاء الكفار والثناء عليهم في خلقهم ومعاملاتهم، وقد يؤدي ذلك إلى الوقوع في موالاتهم، وهو ما سبب فتنة لكثيرين في دينهم بعد ذلك. وانظر جواب السؤال رقم (59879) ففيه تفصيل مهم في موالاة الكفار وأنواعها. وانظر جواب السؤال رقم (2875) ففيه حكم العمل عند الكفار، وجواب السؤال رقم (2371) ففيه بيان جواز مشاركة المسلم للكافر بشروط. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 67610 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1040 هل يجوز له أخذ الجنسية الكندية لأجل المضايقات في بلده؟ [السُّؤَالُ] ـ[شاب مسلم قدمت إلى كندا من حوالي 4 سنوات بقصد الدراسة، حصلت على الإقامة الدائمة في هذا البلد وأيضا تحصلت على شهادة جامعية. في فترة إقامتي تعلمت الكثير من الأشياء عن الإسلام ومن جملة ما تعلمت عدم جواز الإقامة في بلاد الكفر. قررت عدم البقاء. هنا يشير علي بعض الإخوان وأبي الذي يعيش في بلدنا الأصلي إلى أخذ الجنسية الكندية وذلك لما نلقاه في بلادنا من مضايقات وتنكيل بالملتزمين وأصحاب اللحى وهو بزعمهم أخذ بالأسباب حتى نتقي شر هؤلاء. فهل يجوز لي في هذه الحالة أخد الجنسية؟ وفي حالة الجواز فهل ينافي هذا التوكل على الله؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا تجوز الإقامة في بلاد الكفر إلا لمن قدر على إظهار دينه، فإن لم يقدر على إظهار دينه وجبت عليه الهجرة إن قدر على ذلك، وتطبيق هذا الحكم على الواقع يختلف من شخص لآخر، ومن بلد لآخر. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (13363) . ثانيا: أما الحصول على الجنسية لدولة كافرة، فلا تجوز إلا في حال الاضطرار، لما يترتب عليها من مفاسد عظيمة، كالخضوع لأحكام الكفار، وغير ذلك. وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: كثير من المسلمين الذين يقدمون إلى هذه الديار ينوون الإقامة وكذلك يحصلون على الجنسية الأمريكية فهل يجوز لهم ذلك؟ علماً بأنها ديار كفر وشرك وانحلال فكيف يعطون ولاءهم لحكومتها بالتنازل عن جنسية بلادهم الإسلامية وقبول جنسية هذه البلاد. فما حكم الإسلام في ذلك علما بأنهم يبررون ذلك بنشر الإسلام؟ فأجابت: " لا يجوز لمسلم أن يتجنس بجنسية بلاد حكومتها كافرة، لأن ذلك وسيلة إلى موالاتهم، والموافقة على ما هم عليه من الباطل. أما الإقامة بدون أخذ الجنسية فالأصل فيها المنع، لقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرا. إلا المستضعفين ... ) النساء/97، 98. ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا برئ من كل مسلم يقيم بين المشركين) ولأحاديث أخرى في ذلك، ولإجماع المسلمين على وجوب الهجرة من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام مع الاستطاعة. لكن من أقام من أهل العلم والبصيرة في الدين بين المشركين لإبلاغهم دين الإسلام ودعوتهم إليه، فلا حرج عليه إذا لم يخش الفتنة في دينه، وكان يرجو التأثير فيهم وهدايتهم" انتهى. عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. عبد الرزاق عفيفي.. عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (2/69) . وقال الشيخ ابن جبرين حفظه الله: " من اضطر إلى طلب جنسية دولة كافرة كمطارَد من بلده ولم يجد مأوى، فيجوز له ذلك بشرط أن يظهر دينه، ويكون متمكنا من أداء الشعائر الدينية، وأما الحصول على الجنسية من أجل مصلحة دنيوية محضة فلا أرى جوازه " انتهى. وينظر جواب السؤال رقم (6247) . وعليه؛ فإذا لم تكن مضطهدا في بلدك، وكان بإمكانك العيش فيها ولو مع نوع من التضييق، فلا يجوز لك أخذ هذه الجنسية. ومن اضطر وأخذ الجنسية، لم يكن هذا قدحا في توكله؛ لأن ذلك –حينئذ- من جملة الأسباب التي يستعان بها على رفع الضرر. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 67782 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1041 ما معنى اتخاذ الكفار أولياء؟ وحكم مخالطة الكفار [السُّؤَالُ] ـ[ورد في القرآن أنه لا يجوز لنا اتخاذ الكفار أولياء، لكن ماذا يعني ذلك؟ أقصد إلى أي حدٍّ؟ هل يجوز لنا التعامل معهم؟ أنا أدرس، فهل يجوز لنا لعب كرة السلة معهم؟ هل يجوز أن نتحدث معهم فيما يتعلق بالسلة وما إلى ذلك؟ هل يجوز أن نصاحبهم طالما أنهم أبقوا أمور اعتقاداتهم لأنفسهم؟ . أسأل عن ذلك لأني أعرف شخصاً يصاحبهم بمثل هذه الطريقة وتواجده معهم لا يؤثر على اعتقاده، لكني مع ذلك أقول له: " لماذا لا تبقى مع المسلمين بدلا من هؤلاء؟ " وهو يرد قائلا: إن أغلب - أو العديد - من المسلمين يشربون الخمر ويتناولون المخدرات في أماكن تجمعهم، كما أن لهم صديقات، وهو يخاف من أن معاصي هؤلاء المسلمين قد تغويه، لكنه متأكد تماما أن كفر الكفار لن يغريه لأنه شيء لا يُعتبر مغريا بالنسبة له، فهل تواجده ولعبه وحديثه حول أمور الرياضة مع الكفار يعتبر " من اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين "؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: حرم الله تعالى على المؤمنين اتخاذ الكافرين أولياء، وتوعد على ذلك وعيداً شديداً. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) المائدة/51. قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله: " ذكر في هذه الآية الكريمة أن من تولى اليهود والنصارى مِن المسلمين فإنه يكون منهم بتوليه إياهم، وبيَّن في موضع آخر أن توَلِّيهم موجب لسخط الله، والخلود في عذابه، وأن متوليهم لو كان مؤمناً ما تولاهم، وهو قوله تعالى: (تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) المائدة/80، 81. ونهى في موضِع آخر عن تَوليهم مبيناً سبب التنفير منه، وهو قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنْ الآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ) الممتحنة/13. وبيَّن في موضع آخر أن محل ذلك فيما إذا لم تكن الموالاة بسبب خوف، وتقية، وإن كانت بسبب ذلك فصاحبها معذور، وهو قوله تعالى: (لا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً) آل عمران/28. فهذه الآية الكريمة فيها بيانٌ لكل الآيات القاضية بمنع موالاة الكفار مطلقاً وإيضاحٌ؛ أن محل ذلك في حالة الاختيار، وأما عند الخوف والتقية فيرخص في موالاتهم، بقدر المداراة التي يكتفي بها شرهم، ويشترط في ذلك سلامة الباطن من تلك الموالاة، ومن يأتي الأمور على اضطرار فليس كمثل آتيها اختياراً. ويفهم من ظواهر هذه الآيات أن من تولى الكفار عمداً اختياراً رغبة فيهم أنه كافر مثلهم " انتهى. "أضواء البيان" (2 / 98، 99) . ومن صور مولاة الكفار المحرمة: اتخاذهم أصدقاء وأصحاباً، ومخالطتهم في الطعام واللعب معهم. وفي جواب السؤال رقم (10342) نقلنا عن الشيخ ابن باز قوله: " ليس الأكل مع الكافر حراماً إذا دعت الحاجة إلى ذلك أو المصلحة الشرعية، لكن لا تتخذوهم أصحاباً فتأكل معهم من غير سبب شرعي أو مصلحة شرعية ولا تؤانسهم، وتضحك معهم، ولكن إذا دعت إلى ذلك حاجة كالأكل مع الضيف أو ليدعوهم إلى الله ويرشدهم إلى الحق أو لأسباب أخرى شرعية فلا بأس. وإباحة طعام أهل الكتاب لنا لا يقتضي اتخاذهم أصحاباً وجلساء ولا تقتضي مشاركتهم في الأكل والشرب من دون حاجة ولا مصلحة شرعية ". انتهى. وسئل الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله: عن حكم مخالطة الكفار ومعاملتهم بالرفق واللين طمعاً في إسلامهم؟ فأجاب: لا شك أن المسلم يجب عليه أن يبغض أعداء الله ويتبرأ منهم؛ لأن هذه هي طريقة الرسل وأتباعهم، قال الله تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) الممتحنة/4. وقال تعالى: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الأِيمَانَ وَأَيََّهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) المجادلة/22. وعلى هذا لا يحل لمسلم أن يقع في قلبه محبة ومودة لأعداء الله الذين هم أعداء له في الواقع، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ) الممتحنة/1. أما كون المسلم يعاملهم بالرفق واللين طمعاً في إسلامهم وإيمانهم: فهذا لا بأس به؛ لأنه من باب التأليف على الإسلام، ولكن إذا يئس منهم عاملهم بما يستحقون أن يعاملهم به، وهذا مفصل في كتب أهل العلم ولاسيما كتاب " أحكام أهل الذمة " لابن القيم رحمه الله ". انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (3 / السؤال رقم 389) . ثانياً: وأما قول هذا القائل: إنه لا يخالط العصاة من المسلمين خوفا من أن تغويه معاصيهم، وأما الكفار فإن كفرهم لن يغريه. فجوابه أن يقال: أما عدم مخالطته لأهل المعاصي من المسلمين فَلَنِعْمَ ما فَعَلَ، إذا لم يكن قادراً على نصيحتهم، ونهيهم عن المنكر، وخاف على نفسه من الوقوع في معاصيهم واستحسانها. وأما مخالطته للكفار، فليست العلة في منع مخالطة الكفار هي الخوف من الوقوع في الكفر فقط، بل مِنْ أظهرِ عِلَلِ هذا الحكم: عداوتُهم لله ورسوله والمؤمنين، وقد أشار الله تعالى إلى هذه العلة بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ) الممتحنة/1. فكيف يليق بمسلم أن يصاحب عدو الله وعدوه ويصادقه؟! ثم مِنْ أين يأمَنُ هذا مِنِ استحسانِ طريقتهم ومذهبهم؟ وقد وقع كثير من المسلمين في الكفر والإلحاد وارتدوا عن الإسلام بسبب مصاحبتهم للكفار، وإقامتهم في بلدانهم. فبعضهم تَهَوَّدَ، وبعضهم تَنَصَّر، وبعضهم اعتنق مذاهب فلسفية ملحدة. نسأل الله أن يثبتنا على دينه. وانظر جواب السؤال رقم (2179) ففيه إيضاح القاعدة العظيمة: " تحريم موالاة الكفّار " وفيه ذِكر صور كثيرة من تلك الموالاة المحرَّمة. وفي جواب السؤال رقم (43270) تجد حكم القول بأن أخلاق الكفّار أفضل من أخلاق المسلمين، وفيه النقل عن الشيخ ابن باز بتحريم هذا القول. وفي جواب السؤال رقم (26118) ، (23325) بيان تحريم مصاحبة الكافر ومصادقته. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 59879 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1042 الفرق بين الرسول والنبي [السُّؤَالُ] ـ[إشارة إلى سورة الأحزاب، الآية رقم 40، قال تعالى: " ... ولكن رسول الله وخاتم النبيين." ما هو الفرق بين الرسول والنبي؟ لماذا قال رسول، ولم يقل الرسول الأخير؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الفرق المشهور بين النبي والرسول، أن الرسول من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه، والنبي من أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه، ولكن هذا الفرق لا يسلم من إشكال، فإن النبي مأمور بالدعوة والتبليغ والحكم ولهذا قال شيخ الإسلام بن تيمية: الصواب أن الرسول هو من أرسل إلى قوم كفار مكذبين، والنبي من أرسل إلى قوم مؤمنين بشريعة رسول قبله يعلمهم ويحكم بينهم كما قال تعالى: (إنا أرسلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا) فأنبياء بني اسرائيل يحكمون بالتوراة التي أنزل الله على موسى، وأما قوله تعالى: (وخاتم النبيين) ولم يقل خاتم المرسلين؟ فلأن ختم الرسالة لا يستلزم ختم النبوة، واما ختم النبوة فيستلزم ختم الرسالة ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: " انه لا نبي بعدي "، ولم يقل لا رسول بعدي. فعُلم أنه صلى الله عليه وسلم لا رسول بعده ولا نبي بل هو خاتم النبيين والمرسلين عليهم الصلاة والسلام. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد الرحمن البراك. الحديث: 11725 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1043 حكم السفر للسياحة [السُّؤَالُ] ـ[هل أنال الأجر إذا أخذت أهلي إلى إحدى الدول الإسلامية للترفيه عن النفس؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله البلاد الإسلامية التي تُحكم بالشريعة الإسلامية يجوز السفر إليها إن خلت من المنكرات والفواحش، والبلاد التي أهلها مسلمون ولا تُحكم بالشريعة الإسلامية فهذه لا يسافر إليها من أجل السياحة، وأولى بالتحريم البلاد التي أهلها كافرون، ولا يجوز السفر إلى هذه البلاد إلا لمضطر كمريض مسافر للعلاج، أو صاحب غرض صحيح كذاهب لتجارة أو دعوة. سئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: عن حكم السفر إلى البلاد التي لا تدين بالإسلام سواء كانت نصرانية أو لا دينية؟ وهل هناك فرق بين السفر للسياحة والسفر للعلاج والدراسة ونحو ذلك؟ فأجاب: السفر إلى بلاد الكفر لا يجوز؛ لأن فيه مخاطر على العقيدة والأخلاق ومخالطة للكفار وإقامة بين أظهرهم، لكن إذا دعت حاجة ضرورية وغرض صحيح للسفر لبلادهم كالسفر لعلاج مرض لا يتوفر إلا ببلادهم، أو السفر لدراسة لا يمكن الحصول عليها في بلاد المسلمين، أو السفر لتجارة، فهذه أغراض صحيحة يجوز السفر من أجلها لبلاد الكفار بشرط المحافظة على شعائر الإسلام، والتمكن من إقامة الدين في بلادهم، وأن يكون ذلك بقدر الحاجة فقط ثم يعود إلى بلاد المسلمين. أما السفر للسياحة فإنه لا يجوز؛ لأن المسلم ليس بحاجة إلى ذلك، ولا يعود عليه منه مصلحة تعادل أو ترجح على ما فيه من مضرة وخطر على الدين والعقيدة. وسئل حفظه الله: ما حكم السفر إلى البلاد الإسلامية التي تكثر فيها المنكرات والكبائر، كالزنا والخمر، ونحوهما؟ فأجاب: المراد بالبلاد الإسلامية هي التي تتولاها حكومة تحكم بالشريعة الإسلامية، لا البلاد التي فيها مسلمون وتتولاها حكومة تحكم بغير الشريعة فهذه ليست إسلامية، والبلاد الإسلامية بالمعنى الأول إذا كان فيها فساد ومنكرات لا ينبغي السفر إليها خشية من التأثر بما فيها من فساد، أما البلاد التي هي بالمعنى الثاني - أي: غير الإسلامية - فقد بيَّنا حكم السفر إليها في الجواب الأول. وسئل حفظه الله: ما هي نصيحتكم للآباء الذين يرسلون أبناءهم للخارج في الصيف بحجة دراسة اللغة الإنجليزية أو السياحة؟ وما هي نصيحتكم لمن يسافرون للخارج؟ فأجاب: نصيحتي لهؤلاء الآباء أن يتقوا الله في أبنائهم، فإنهم أمانة في أعناقهم يُسألون عنها يوم القيامة، فلا يجوز لهم المغامرة بهؤلاء الأبناء بإرسالهم إلى بلاد الكفر والفساد خشية عليهم من الانحراف، وتعلم اللغة الإنجليزية - إن كانوا بحاجة إليها - أمكنهم تعليمهم إياها في بلادهم بدون سفر إلى بلاد الكفار، وأعظم من هذا خطراً: إرسالهم للسياحة، والسفر لهذا الغرض محرم كما سبق في الجواب الأول. ونصيحتي لمن يسافرون للخارج ممن يجوز لهم السفر شرعًا أن يتقوا الله ويحافظوا على دينهم ويظهروه ويعتزوا به ويدعوا إليه ويبلغوه للناس، وأن يكونوا قدوة صالحة يمثلون المسلمين تمثيلاً صحيحاً، وأن لا يبقوا في بلاد الكفار أكثر من الحاجة الضرورية، والله أعلم. " المنتقى " (2 / 253 – 255) . وسُئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: عن سفر العوائل إلى خارج البلاد يعني إلى البلاد الإسلامية مع العلم بأن هناك جوازات للسفر، وينظرون إلى صورة المرأة، وقد يطلب الرجل من المرأة كشف وجهها حتى يتثبت من شخصيتها، فهل هذا يجوز من غير ضرورة؟ فأجاب: أولاً: لا نرى أن الإنسان يسافر إلى بلاد خارج بلاده إلا لحاجة أو مصلحة راجحة؛ وذلك لأن السفر إلى البلاد الخارجية يتكلف نفقات كبيرة لا داعي لها فتكون من إضاعة المال وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال. ثانياً: إن هذا السفر ربما يشغلهم عن أشياء ربما يفعلونها في بلدهم من صلة الرحم وطلب العلم إذا كانوا يطلبون العلم وغير ذلك، ولا شك أن الاشتغال عن الشيء النافع يعتبر خسارة من عمر الإنسان. ثالثاً: أن البلاد التي يسافرون إليها قد تكون بلاداً أثر فيها الاستعمار من جهة الأخلاق والأفكار فيحصل بذلك ضرر على الإنسان في أخلاقه وأفكاره، وهذا هو أشد الأمور التي يخشى منها في السفر إلى الخارج. ولهذا أقول لهذا السائل ولغيره: عندنا - ولله الحمد - من المصايف في بلادنا ما يغني عن الخارج مع قلة النفقة ونفع المواطنين. " لقاء الباب المفتوح (السؤال رقم 810) . وانظر جواب السؤال رقم (13342) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 52845 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1044 ابنها يقع في الفاحشة، فهل تحاسب على أفعاله؟ [السُّؤَالُ] ـ[يبلغ ابني من العمر 15 عاما، وقد ولد في أمريكا ونشأ فيها. ابني له صديقات، وقد اكتشفت مؤخرا أنه يمارس الجنس مع إحداهن. وأنا أشعر بالذنب، لكني لا أعرف كيف أتصرف. هل سيعاقبني الله جراء تصرفاته؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس أعظم من المصيبة في الدين؛ فهي المصيبة حقا، نسأل الله السلامة منها، وليس أكرم على الإنسان ـ بعد نفسه ـ من ولده؛ فبهم سرور القلب وقرة العين، قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً) الفرقان/74، لكن القلب لا يُسَرُّ، والعين لا تَقَرّ إلا بذرية صالحة، طائعة لله؛ قال الحسن البصري: (هي والله أن يُري الله ُ العبدَ من زوجته، من أخيه، من حميمه طاعة الله، لا والله ما شيء أحب من أن يرى ولدا، أو والدا، أو حميما، أو أخا مطيعا لله عز وجل) تحفة المودود لابن القيم ص 424 ولا شك أن أعظم ما يُسْأَل عنه الوالدان من حفظ أبنائهما ورعايتهم، تربيتهم على طاعة الله تعالى، وطردهم عن معصيته؛ قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً) التحريم/6، َقَالَ مُجَاهِد وغيره من السلف: أَوْصُوا أَهْلِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّه وَأَدِّبُوهُمْ، وقال قتادة: مُرُوهُمْ بِطَاعَةِ اللَّه وَانْهَوْهُمْ عَنْ مَعْصِيَته. وفي الصحيحين من حديث عَبْدِ اللَّهِ بن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما،ُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (كُلُّكُمْ رَاعٍ فَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) البخاري 2554 ومسلم 1829. فقد دل هذا الحديث على أَنَّ الْمُكَلَّف يُؤَاخَذ بِالتَّقْصِيرِ فِي أَمْر مَنْ هُوَ فِي حُكْمه، وتحت رعايته. وقد نص الحديث على دخول الوالدين في هذا الأصل العام: (وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ) فالوالدان مسئولان عن أبنائهما، لأَنَّهُا أُمِرَا أَنْ يَحْرِصا عَلَى وِقَايَتهمْ مِنْ النَّار , وَامْتِثَال أَوَامِر اللَّه، وَاجْتِنَاب مَنَاهِيه. فإذا قام الوالدان بما يجب عليهما من تربية أولادهما التربية الصحيحة ولم يقصرا في ذلك، فإنه لا إثم عليهما في هذه الحال إذا انحرف أولادهما. قال الله تعالى: (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) الأنعام/164 وإذا كان كل أحد يفهم من الشرع، وببديهة عقله، أنه إن فرط في واجب الأدب والتربية نحو أولاده، فإنه مسئول عما وقعوا فيه من انحراف، فإن مسئولية الأسرة التي تعيش في الغرب نحو أبنائها مسئولية من لون آخر، هي أعظم من ذلك كله؛ إنها مسئولية من ألقى ثمرة فؤاده في اليم، مكتوفا!! بل هي والله أعظم؛ إنها نار الله وعذابه، نسأل الله السلامة. وفي حالة ولدكما، ومثلها كثير، كان ينبغي سد أبواب الفتنة قبل أن تستفحل وتشتعل نارها؛ فليس في الإسلام علاقة صداقة بين رجل وامرأة أجنبية عنه، لاسيما في هذه المرحلة الخطيرة من عمر ابنكما. لكن السؤال الأهم، الآن، فعلا هو: كيف نتصرف؟ إن عليكما، أنت وأبوه، أن تتحيلا بكل حيلة سريعة لإبعاد ولدكما عن هذه العلاقات الآثمة، وقطع علاقاته بالنساء الأجنبيات، حتى ولو تحققتما من أن هذه العلاقة لم تصل إلى أوحال الزنا؛ فقد ذكرنا أن أصل هذه العلاقة مرفوض في الشرع. وقد يكون من أهم الوسائل لإبعاده عن تلك العلاقات المحرّمة التعجيل في تحصينه بالزواج، ولذلك قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاء ٌ) متفق عليه الباءة أي: تكاليف الزواج. ومعنى وجاء أي: وقاية من الوقوع في الإثم. لكنكما تعلمان أن إبعاد الشاب عن تلك العلاقات المحرمة ليس بالأمر السهل، بل تكاد هذه المهمة تكون مستحيلة في البلاد التي تعيشون فيها؛ فإن المحضن الغربي الذي تنمو فيه قلوب هذه الذرية وعقولها، ملوث بكل لون من فتن الشبهات والشهوات، تلك الفتن التي أحالت، الجيل الثاني والثالث من أبناء المسلمين هناك، إلى أجيال تتفلت يوما بعد يوم من شعائر الإسلام وشرائعه، وتتشرب بدلا منها قِيَم الغرب وأخلاقه، حتى لا يكاد يبقى لها في نهاية الأمر إلا " بركة " النسب!! فيعود السؤال إليكما مرة ثانية: هل عندكما ن القوة في أمر الله، والخوف من إضاعة الأمانة نحو نفسيكما أولا، ثم نحو ذريتكما ثانيا، والرغبة في إصلاح ما فات، هل عندكما من ذلك كله ما يدفعكما للتضحية بمتاع الدنيا وزينتها في بلاد الغرب، والعودة بأبنائكما إلى بلدكم، أو إلى حيث تكونون أكثر أمنا على دينكم، قبل أن يفوت الأوان، ويأتي الموت على هذه الحال؛ فيقول قائل: (رَبِّ ارْجِعُونِي لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) المؤمنون/99-100، وقبل أن نرى تأويل ما فعلنا؛ أي: عاقبته: (يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ) الأعراف/99؟ أم إن المسؤولية لا تستحق هذه التضحية؟! وقد تقولون: إن أكثر بلاد المسلمين اليوم يعج بالفتن والمنكرات، فلن تتوفر لنا البيئة الصالحة لتنشئة الذرية على الشرع النقي، فما الفائدة من هذه النقلة؟ ! فيقال: نعم، وأنتم محقون إلى حد كبير، لكن إذا لم نستطع جلب الخير كله، فلنكسب أقصى ما نستطيع منه، وإذا لم يمكن دفع الشر كله، فلندفع أقصى ما يمكننا منه، وبعض الشر أهون من بعض!! والأمر فقط يحتاج إلى صدق مع النفس، وصدق الله العظيم: (بَلْ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ. وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ) القيامة/14-15 والله يوفقنا وإياكم إلى ما يحب ويرضى. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 52893 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1045 مسلم يقوم بجمع التبرعات للكنيسة فهل يقبل صومه؟ [السُّؤَالُ] ـ[لي صديق مسلم مشارك في النادي الدولي في المدرسة. وقد استفسر المعلم من جميع المشتركين في النادي إن كانوا يريدون جمع التبرعات للكنيسة. وتطوع المذكور لذلك. وسيقوم بجمع التبرعات في رمضان. فهل يقبل صيامه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الكنيسة: هي البناء الذي يمارس فيه النصارى شعائرهم وطقوسهم، بما تشتمل عليه من الكفر والتثليث وعبادة غير الله. وعليه فبناء الكنائس، أو جمع التبرعات لإنشائها أو إصلاحها أو دعمها، منكر عظيم، لما فيه من الإعانة على نشر الكفر وتقريره. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " من اعتقد أن الكنائس بيوت الله , أو أنه يعبد فيها، أو أن ما يفعل اليهود والنصارى عبادة لله وطاعة له ولرسوله , أو أنه يحب ذلك , أو يرضاه فهو كافر ; لأنه يتضمن اعتقاده صحة دينهم , وذلك كفر، أو أعانهم على فتحها ; أي: الكنائس، وإقامة دينهم ; واعتقد أن ذلك قربة أو طاعة فهو كافر، لتضمنه اعتقاد صحة دينهم ". وقال: الشيخ في موضع آخر: " من اعتقد أن زيارة أهل الذمة كنائسهم قربة إلى الله ; فهو مرتد , وإن جهل أن ذلك محرم عُرِّف ذلك , فإن أصر صار مرتدا ; لتضمنه تكذيب قوله تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ) آل عمران/91 " انتهى من " مطالب أولي النهى" (6/281) بتصرف. وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (14/482) : " لا يحل لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبني كنيسة أو محلا للعبادة ليس مؤسسا على الإسلام الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم؛ لأن ذلك من أعظم الإعانة على الكفر وإظهار شعائره، والله عز وجل يقول: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2. فعليك تذكيره بالله ونصحه أن يتوب إلى الله تعالى، ويقلع عن العمل المذكور حذراً من وقوعه هو في الكفر والردة، فيحبط عمله وهو لا يشعر. وعلى هذا، فإنه يُخشى على صاحبك ما هو أعظم من عدم قبول صيامه، ألا وهو الكفر. نسأل الله أن يهديه، ويوفقه لكل خير. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50173 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1046 هل يجوز له العمل في بيع تحف تتعلق بأعياد الكفار؟ [السُّؤَالُ] ـ[يوجد مصنع لصنع التحف الزجاجية كحوامل العطور والشمعدانات وتصديرها للخارج، وعرض عليَّ بأن أكون مسؤولاً عن التصدير، ولكن المصنع يطلب مني في أعياد النصارى (الكريسماس) عمل بعض التحف الزجاجية الخاصة بعيدهم كالصلبان والتماثيل. فهل هذا العمل يجوز حيث إنني أخشى من الله بعد أن منَّ عليَّ ببعض العلم وبحفظ كتابه؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز لأحدٍ من المسلمين أن يشارك في أعياد الكفَّار، سواء بحضور أو تمكين لهم بإقامته أو ببيع مواد وسلع تتعلق بتلك الأعياد. كتب الشيخ محمد بن إبراهيم ـ رحمه الله ـ إلى وزير التجارة قائلاً: من محمد إبراهيم إلى معالي وزير التجارة سلمه الله. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: ذُكر لنا أن بعض التجار في العام الماضي استوردوا هدايا خاصة بمناسبة العيد المسيحي لرأس السنة الميلادية، من ضمن هذه الهدايا شجرة الميلاد المسيحي، وأن بعض المواطنين كانوا يشترونها ويقدمونها للأجانب المسيحيين في بلادنا مشاركة منهم في هذا العيد. وهذا أمر منكر ما كان ينبغي لهم فعله، ولا نشك في أنكم تعرفون عدم جواز ذلك، وما ذكره أهل العلم من الاتفاق على حظر مشاركة الكفار من مشركين وأهل كتاب في أعيادهم. فنأمل منكم ملاحظة منع ما يرد بالبلاد من هذه الهدايا وما في حكمها مما هو خصائص عيدهم. فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم " (3 / 105) . وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -: بعض المسلمين يشاركون النصارى في أعيادهم، فما توجيهكم؟ . فأجاب: لا يجوز للمسلم ولا المسلمة مشاركة النصارى أو اليهود أو غيرهم من الكفرة في أعيادهم، بل يجب ترك ذلك؛ لأن " مَن تشبَّه بقوم فهو منهم "، والرسول عليه الصلاة والسلام حذرنا من مشابهتهم والتخلق بأخلاقهم، فعلى المؤمن وعلى المؤمنة الحذر من ذلك، ولا تجوز لهما المساعدة في ذلك بأي شيء لأنها أعياد مخالفة للشرع، فلا يجوز الاشتراك فيها، ولا التعاون مع أهلها، ولا مساعدتهم بأي شيء لا بالشاي ولا بالقهوة ولا بغير ذلك كالأواني وغيرها؛ ولأن الله سبحانه يقول: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب) فالمشاركة مع الكفرة في أعيادهم نوع من التعاون على الإثم والعدوان. " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (6 / 405) . وفي بيان لعلماء اللجنة الدائمة حول المشاركة باحتفالات الألفية قالوا: سادساً: لا يجوز لمسلم التعاون مع الكفار بأي وجه من وجوه التعاون في أعيادهم ومن ذلك: إشهار أعيادهم وإعلانها، ومنها الألفية المذكورة، ولا الدعوة إليها بأية وسيلة سواء كانت الدعوة عن طريق وسائل الإعلام، أو نصب الساعات واللوحات الرقمية، أو صناعة الملابس والأغراض التذكارية، أو طبع البطاقات أو الكراسات المدرسية، أو عمل التخفيضات التجارية والجوائز المادية من أجلها، أو الأنشطة الرياضية، أو نشر شعار خاص بها. اهـ. وعليه: فلا يجوز لك – أخي – المشاركة في صنع شيء يتعلق بأعياد الكفار، واترك هذه الوظيفة لله تعالى، وسيبدلك الله خيراً منها إن شاء. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50074 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1047 بدء إلقاء التحيّة على الكافر [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمسلم أن يحي غير المسلم أولاً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ عن حكم السلام على غير المسلمين، فأجاب بقوله: البدء بالسلام على غير المسلمين محرّم ولا يجوز، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه) ، ولكنهم إذا سلموا وجب علينا أن نردّ عليهم، لعموم قوله تعالى: (وإذا حيّيتم بتحيّة فحيّوا بأحسن منها أو ردّوها) ، وكان اليهود يسلّمون على النبي صلى الله عليه وسلم، فيقولون: السام عليك يا محمد، والسام بمعنى الموت. يدعون على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالموت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن اليهود يقولون: السام عليكم فإذا سلموا عليكم فقولوا: وعليكم " فإذا سلّم غير المسلم على المسلم وقال: " السام عليكم " فإننا نقول: وعليكم ". وفي قوله صلى الله عليه وسلم " وعليكم " دليل على أنهم إذا كانوا قد قالوا: السلام عليكم فإن عليهم السلام فكما قالوا نقول لهم، ولهذا قال بعض أهل العلم: إن اليهودي أو النصراني أو غيرهم من غير المسلمين إذا قالوا بلفظ صريح: " السلام عليكم " جاز أن نقول: عليكم السلام. ولا يجوز كذلك أن يبدؤوا بالتحية كأهلاً وسهلاً وما أشبهها لأن في ذلك إكراماً لهم وتعظيماً لهم، ولكن إذا قالوا لنا مثل هذا فإننا نقول لهم مثل ما يقولون، لأن السلام جاء بالعدل وإعطاء كل ذي حق حقه، ومن المعلوم أن المسلمين أعلى مكانة ومرتبة عند الله عز وجل ـ فلا ينبغي أن يذلوا أنفسهم لغير المسلمين فيبدؤوهم بالسلام. إذا فنقول في خلاصة الجواب: لا يجوز أن يبدأ غير المسلمين بالسلام لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، ولأن في هذا إذلالاً للمسلم حيث يبدأ بتعظيم غير المسلم، والمسلم أعلى مرتبة عند الله ـ عز وجل ـ فلا ينبغي أن يذلّ نفسه في هذا. أما إذا سلّموا علينا فإننا نرد عليهم مثل ما سلّموا. وكذلك أيضاً لا يجوز أن نبدأهم بالتحيّة مثل أهلاً وسهلاً ومرحباً وما أشبه ذلك لما في ذلك من تعظيهم فهو كابتداء السلام عليهم " (مجموع الفتاوى 3/33) وإذا كانت هناك حاجة داعية إلى بدء الكافر بالتحية فلا حرج فيها حينئذٍِ، ولتكن بغير السلام، كما لو قال له: أهلاً وسهلاً أو كيف حالك ونحو ذلك. لأن التحية حينئذ لأجل الحاجة لا لتعظيمه. انظر: "الموسوعة الفقهية" (25/168) . وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في "زاد المعاد" (2/424) في ابتداء الكفار بالتحية: (وقالت طائفة - أي من العلماء -: يجوز الابتداء لمصلحة راجحة من حاجة تكون إليه، أو خوف من أذاه، أو لقرابة بينهما، أو لسبب يقتضي ذلك) اهـ. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 48966 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1048 هل يدعو لصديقه النصراني بالشفاء [السُّؤَالُ] ـ[لدي صديق نصراني أحبه جدا وهو من النصارى الذين مدحهم القرآن، وهو الآن مريض جدا فهل يسمح لي الإسلام أن أدعو الله له بالشفاء؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عقيدة الولاء والبراء من آكد أصول الدين، وأوثق عرى الإيمان، وكما أن الإيمان يزيد وينقص فكذلك تحقيق الناس لهذا الأصل العظيم يزيد وينقص، وأما هدم هذا الأصل في قلب العبد وترك ما يوجبه على المؤمن من الأعمال فهو هدم للإيمان كله الذي هو مبني على محبة أولياء الله تعالى، ومعاداة أعدائه، وقد دل على هذا الأصل عدة آيات من كتاب الله، وأحاديث من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فمن ذلك: قوله تعالى: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) المجادلة/22 وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُبِيناً) النساء/144 وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) المائدة/51 وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) آل عمران/118 وعن عائشة رضي الله عنها قالت: " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بدر فلما كان بِحَرَّة الوبرة أدركه رجل قد كان يذكر منه جرأة ونجدة ففرح أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأوه فلما أدركه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم جئت لأتبعك وأصيب معك، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: تؤمن بالله ورسوله؟ قال: لا، قال فارجع فلن أستعين بمشرك " رواه مسلم (1817) بل اتهم الصحابة - رضي الله عنهم – مالك بن الدخشن بالنفاق، بسبب كثرة صحبته لبعض المنافقين، ولقائه بهم، كما ثبت في الصحيحين (البخاري برقم 415، ومسلم 33) كل ما سبق وغيره كثير، يدل على تحريم موالاة الكافرين، أو محبتهم وتوليهم، وهذه الموالاة لها صور عدة، فمنها: الرضا بكفرهم، أو مخالطتهم مع الأنس بهم أو السكن معهم واتخاذهم أصدقاء وخلان، أو محبتهم، أو تقديمهم على المؤمنين أو مودتهم، أو تحكيم قوانينهم وغير ذلك، وانظر السؤال رقم (2179) ومما سبق تعلم أن محبة الكافر أمرها خطير جدا، لأنها تناقض باباً عظيما من أبواب التوحيد، ألا وهو الولاء للمؤمنين، والبراء من المشركين. وقولك إن هذا الكافر من النصارى الذي مدحهم الله في كتابه، جوابه أن الذين مدحهم الله في كتابه هم صنف معين لهم أوصاف محددة، وقد بين الله تعالى هذه الأوصاف بعد آية مدحهم مباشرة، قال تعالى: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى) ثم قال: (ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ* وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ * فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) المائدة/86 فتمام الآيات يبين أن المراد بهؤلاء من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم وتأثر بسماع القرآن ودعوته. قال العلامة عبد الرحمن السعدي في تفسير هذه الآية: " يقول تعالى في بيان أقرب الطائفتين إلى المسلمين وإلى ولايتهم ومحبتهم وأبعدهم من ذلك: لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا. فهؤلاء الطائفتان على الإطلاق أعظم الناس معاداة للإسلام والمسلمين، وأكثرهم سعيا في إيصال الضرر إليهم، وذلك لدة بغضهم لهم بغيا وحسدا وعنادا وكفرا. (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى) وذكر تعالى لذلك عدة أسباب: منها: أن منهم قسيسين ورهبانا، أي علماء متزهدين وعبادا في الصوامع متعبدين. والعلم مع الزهد وكذلك العبادة مما يلطف القلب ويرققه ويزيل عنه ما فيه من الجفاء والغلظة، فلذلك لا يوجد فيهم غلظة اليهود وشدة المشركين. ومنها: أنهم لا يستكبرون أي ليس فيهم تكبر ولا عتو عن الانقياد للحق، وذلك موجب لقربهم من المسلمين ومن محبتهم، فإن المتواضع أقرب إلى الخير من المستكبر. ومنها: أنهم إذا سمعوا ما أنزل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أثر ذلك في قلوبهم وخشعوا للذي تيقنوه، فلذلك آمنوا وأقروا به فقالوا: ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين، وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم يشهدون لله بالتوحيد ولرسله بالرسالة وصحة ما جاءوا به، ويشهدون على الأمم السابقة بالتصديق والتكذيب .... وهذه الآيات نزلت في النصارى الذين آمنوا بمحمد - صلى الله عليه وسم - كالنجاشي وغيره، ممن آمن منهم، وكذلك لا يزال يوجد فيهم من يختار دين الإسلام، ويتبين له بطلان ما كانوا عليه، وهم أقرب من اليهود والمشركين إلى دين الإسلام " [تفسير السعدي 1 / 511] أما الدعاء للكافرين فينقسم إلى قسمين: الأول: أن تدعو له بالهداية إلى الإسلام ونحو ذلك، فهذا جائز، وقد ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب) رواه الترمذي (3681) ، وصححه الألباني، وهذا دعاء لأحدهما بالهداية الثاني: أن تدعو له بالمغفرة ونحو ذلك، فهو حرام بالإجماع. قال النووي: " وأما الصلاة على الكافر والدعاء له بالمغفرة فحرام بنص القرآن والإجماع " [المجموع 5 / 120] وقال في تحفة المحتاج:" ويحرم الدعاء بأخروي لكافر وكذا من شك في إسلامه ولو من والديه " [3 / 141] أما الدعاء له بالشفاء من مرض والعافية منه، فهو جائز للمصلحة، كرجاء إسلامه وتأليف قلبه، ونحو ذلك، ويدل لهذا حديث الصحابي الذي رقى سيد القوم من لدغة العقرب، وقد سبق بيانه في السؤال رقم (6714) ، والدعاء بالشفاء من جنس الرقية. بل يجوز لك أن تزوره في مرضه هذا، والإنسان في مرضه يرقُّ قلبه ويضْعُف، ويقرب قبوله للحق، وقد كان للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غلام يهودي يخدمه، فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ أَسْلِمْ فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ) رواه البخاري (1356) قال ابن حجر: " وفي الحديث جواز استخدام المشرك وعيادته إذا مرض، وفيه حسن العهد " لكن الدعاء للكافر بالشفاء لا يعني موالاته أو محبته أو تقديمه أو مودته كما سبق ذلك، والله أعلم. وللمزيد راجع الأسئلة رقم (23325، 20471، 32560، 41631، 6517، 26721، 1398، 3485) وقد سئل الشيخ ابن عثيمين: عن حكم موالاة الكفار؟ فأجاب بقوله: موالاة الكفار بالموادة والمناصرة واتخاذهم بطانة حرام منهي عنها بنص القرآن الكريم قال الله تعالى: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) ، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) وأخبر أنه إذا لم يكن المؤمنون بعضهم أولياء بعض والذين كفروا بعضهم أولياء بعض ويتميز هؤلاء عن هؤلاء، فإنها تكون فتنة في الأرض وفساد كبير. ولا ينبغي أبدا أن يثق المؤمن بغير المؤمن مهما أظهر من المودة وأبدى من النصح فإن الله تعالى يقول عنهم (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً) . ويقول سبحانه لنبيه (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) والواجب على المؤمن أن يعتمد على الله في تنفيذ شرعه، وألا تأخذه فيه لومة لائم، وألا يخاف من أعدائه فقد قال الله تعالى: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) وقال تعالى: (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ) وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (انظر مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين 3 / 31 - 46، الولاء والبراء في الإسلام ص 352) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 47322 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1049 هل يقبل المسلم الهدية من أخيه الكافر. [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم أخوين أحدهما مسلم والآخر مشرك وغني هل يجوز للأخ المسلم قبول هدية أخيه الكافر والمشرك هذا أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قبول المسلم هدية أخيه إذا كان كافراً أو مشركاً جائزة لما في ذلك من تأليفه، لعل الله أن يهديه للإسلام. وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة (16/183) . الحديث: 46797 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1050 يعاني من كسل زملائه المسلمين في الدراسة فهل يعمل مع غير المسلمين؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا طالب بإحدى المدارس في الغرب، والحمد لله أقضي جل وقتي مع المسلمين، لكن أعاني من كسلي وكسل زملائي المسلمين هنا، ولذلك بدأت بتفضيل العمل مع غير المسلمين هنا في مجال الدراسة فقط، فهل هذا يعتبر موالاة للكفار؟ وماهي شروط العمل معهم في هذه الحالة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن من أهم ما يؤثر في أخلاق الإنسان وطبائعه، بل ودينه أيضاً: بيئته المحيطة به، من أشخاص يتعاملون معه ويتعامل معهم، ومكان يعيش فيه ويتردد عليه، وتتردد معالمه على حسه، بحيث يتأثر شعور الإنسان، وتتكون قِيَمُه التي يؤمن بها، وتتلون أخلاقه التي يتخلق بها بهذه المؤثرات المختلفة من حوله، وأخطر ما في ذلك أن هذه العملية تتم من حيث لا يدري، ولا يلقي لها بالاً، ولأجل ذلك قالوا: الطبع لص، يعني أنه ينقل مما حوله خفية، من حيث لا يشعر به الإنسان. ولأجل ما ذكرنا حدد الشرع للإنسان بيئته التي ينبغي أن يحرص على الحياة فيها، من حيث اختيار الصديق الصالح، والبيئة المسلمة التي يعيش فيها، وحذره من الإقامة بين أظهر المشركين، أومصادقتهم. [راجع أسئلة الولاء والبراء في قسم العقيدة] ، وانظر الأسئلة رقم (38284) ، (26118) ، (23325) . وهذا إنما يمكن للمرء أن يتحراها ويتحكم فيها في حال السعة، وأما حين يكون الإنسان في حال الضرورة، أو ما يشبهها، وليس في يده أمر الاختيار، فهنا يكون الكلام عن تحصيل أقصى ما يستطيع من المصالح، ودفع أقصى ما يمكنه من المفاسد. انظر للأهمية السؤال (13363) وفيما يتعلق بسؤالك، قبل أن تفكر في العمل مع غير المسلمين، لِمَ لا تحاول أن تدفع الكسل عنك وعن إخوانك المسلمين؟! لِمَ لا تحاول أن تقدم ـ مع إخوانك ـ صورة طيبة لما ينبغي أن يكون عليه المسلم من جد واجتهاد؟! إن أخشى ما أخشاه أن تؤكد بذلك السلوك صورة الكسل والتهاون والضعف التي تُنْقل عن المسلمين، ولعمر الله إنها شكوى قديمة، اشتكاها عمر رضي الله عنه من قبل: اللهم أشكو إليك جلد الفاجر، وعجز الثقة!! راجع السؤال رقم (43270) أما إن دار الأمر بين أن تعمل وتجد مع الكفار، أو تنام وادعاً بين المسلمين، فلتعمل ولتجتهد، واحرص على دينك وأخلاقك التي تعلمتها من دينك، وكن شحيحاً بدينك أشد من شحك بمالك ودمك، وانتبه إلى: 1- لا تجعل أصدقاء عملك من النساء، فأنت خبير بأحوالهن، تعرف ما يترتب على صحبتهن والاختلاط بهن، ثم فوق ذلك تعرف أن مثل هذه العلاقات مرفوضة في الشرع. 2- حاول أن تقلل من الأوقات التي تقضيها بينهم، قدر المستطاع. 3- اقتصر في حدود هذه العلاقة على ما يتطلبه العمل والدراسة منك. 4- حاول أن تكون صورة صحيحة للمسلمين: في دينهم وأخلاقهم، واربط كل خير عندك بما يأمرك به دينك. 5- اعلم أن استقامتك وحرصك على دينك من أسباب احترام الآخرين لك، ومن يدري لعل منهم من يتأثر بك، ولأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من الدنيا وما فيها. والله الموفق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 46453 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1051 حكم طلب المساعدة من الكفار وقبولها [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم طلب المساعدة من الكفار وقبولها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا فيه تفصيل؛ فإن كان طلبها منهم وقبولها لا يخشى منه ضرر في الدين على من طلبها أو قبلها فلا حرج في ذلك، وإن كان في ذلك خطر لم يجز له طلبها ولا قبولها؛ عملاً بالأدلة الشرعية الدالة على وجوب الحذر مما حرم الله، والبعد عن مساخط الله، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قبل بعض الهدايا من المشركين ولم يقبلها من آخرين، والحكمة في ذلك: هو ما ذكرنا: كما نص على ذلك أهل العلم. والله ولي التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/8 ص/432. الحديث: 9918 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1052 وجد كافراً على الطريق فهل يوصله [السُّؤَالُ] ـ[إذا وجد الإنسان شخصاً غير مسلم في الطريق وطلب إيصاله فما الحكم؟ وهل يجوز الأكل مما مسته أيدي الكفار؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: " إذا وجدت شخصاً غير مسلم في الطريق فلا حرج عليك أن توصله معك في سيارتك لأن الله يقول: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) الممتحنة / 8. أما الأكل مما مسته أيدي الكفار فجائز، لأن نجاسة الكافر نجاسة معنوية لا حسية." [الْمَصْدَرُ] انتهى من مجموع فتاوى ابن عثيمين رحمه الله 3/44. الحديث: 42958 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1053 رد السلام على الكافر على ثلاثة أقسام [السُّؤَالُ] ـ[إذا سلم الكافر على المسلم فهل يرد عليه؟ وإذا مد يده للمصافحة فما الحكم؟ وكذلك خدمته بإعطائه الشاي وهو على الكرسي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: " إذا سلم الكافر على المسلم سلاماً بيناً واضحاً فقال: السلام عليكم، فإنك تقول: عليك السلام، لقوله تعالى: (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) النساء / 86، أما إذا لم يكن بيناً واضحاً فإنك تقول: وعليك. وكذلك لو كان سلامه واضحاً يقول فيه: السام عليكم يعني الموت فإنه يقال: وعليك. فالأقسام ثلاثة: الأول: أن يقول بلفظ صريح: " السام عليكم ". فيجاب: " وعليكم ". الثاني: أن نشك هل قال: " السام " أو قال: "السلام"، فيجاب: "وعليكم". الثالث: أن يقول بلفظ صريح: "السلام عليكم". فيجاب: "عليكم السلام"؛ لقوله تعالى: (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) . قال ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ: " فلو تحقق السامع أن الذي قال له: سلام عليكم لا شك فيه، فهل له أن يقول: وعليك السلام أو يقتصر على قوله: وعليك؟ فالذي تقتضيه الأدلة وقواعد الشريعة أن يقال له: وعليك السلام، فإن هذا من باب العدل، والله تعالى يأمر بالعدل والإحسان، وقد قال تعالى: (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) . فندب إلى الفضل، وأوجب العدل، ولا ينافي هذا شيئاً من أحاديث الباب بوجه ما، فإنه صلى الله عليه وسلم، إنما أمر بالاقتصار على قول الراد: وعليكم على السبب المذكور الذي كانوا يعتمدونه في تحيتهم، ثم قال ابن القيم: والاعتبار وإن كان لعموم اللفظ فإنما يعتبر عمومه في نظير المذكور لا فيما يخالفه. قال الله تعالى: (وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول) المجادلة / 8. فإذا زال هذا السبب، وقال الكتابي: سلام عليكم ورحمة الله فالعدل في التحية أن يرد عليه نظير سلامه. أ. هـ أحكام أهل الذمة 200 /1. وفي صحيح البخاري عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " إذا سلم عليكم اليهود فإنما يقول أحدهم: السام عليكم، فقولوا: وعليك ". والسام هو الموت. وإذا مد يده إليك للمصافحة فمد يدك إليه وإلا فلا تبدأه. وأما خدمته بإعطائه الشاي وهو على الكرسي فمكروه، لكن ضع الكأس على الطاولة ولا حرج. [الْمَصْدَرُ] انتهى من مجموع فتاوى ابن عثيمين رحمه الله 3/36. الحديث: 43154 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1054 الاستفادة مما عند الكفار [السُّؤَالُ] ـ[كيف نستفيد مما عند الكفار دون الوقوع في المحظور؟ وهل للمصالح المرسلة دخل في ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: " الذي يفعله أعداء الله وأعداؤنا وهم الكفار ينقسم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: عبادات. القسم الثاني: عادات. القسم الثالث: صناعات وأعمال. أما العبادات: فمن المعلوم أنه لا يجوز لأي مسلم أن يتشبه بهم في عباداتهم، ومن تشبه بهم في عباداتهم فإنه على خطر عظيم فقد يكون ذلك مؤدياً إلى كفره وخروجه من الإسلام. وأما العادات: كاللباس وغيره فإنه يحرم أن يتشبه بهم لقول النبي صلى الله عليكم وسلم: " من تشبه بقوم فهو منهم ". وأما الصناعات والحِرَف: التي فيها مصالح عامة فلا حرج أن نتعلم مما صنعوه ونستفيد منه، وليس هذا من باب التشبه، ولكنه من باب المشاركة في الأعمال النافعة التي لا يعد مَن قام بها متشبهاً بهم. وأما قول السائل: " وهل للمصالح المرسلة دخل في ذلك؟ ". فنقول: إن المصالح المرسلة لا ينبغي أن تجعل دليلاً مستقلاً، بل نقول: هذه المصالح المرسلة إن تحققنا أنها مصلحة فقد شهد لها الشرع بالصحة والقبول وتكون من الشرع. وإن شهد لها بالبطلان فإنها ليست مصالح مرسلة ولو زعم فاعلها أنها مصالح مرسلة. وإن كان لا هذا ولا هذا فإنها ترجع إلى الأصل، إن كانت من العبادات فالأصل في العبادات الحظر، وإن كانت من غير العبادات فالأصل فيها الحل، وبهذا يتبين أن المصالح المرسلة ليست دليلاً مستقلاً. " [الْمَصْدَرُ] انتهى من مجموع فتاوى ابن عثيمين رحمه الله 3/40. الحديث: 43160 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1055 حديث " لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام.. " أليس منفراً عن الإسلام [السُّؤَالُ] ـ[ورد في الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: " لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه " أليس في العمل بهذا تنفير عن الدخول في الإسلام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: " يجب أن نعلم أن أسدَّ الدعاة في الدعوة إلى الله هو النبي صلى الله عليه وسلم، وأن أحسن المرشدين إلى الله هو النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا علمنا ذلك فإن أي فهم نفهمه من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وكان مجانباً للحكمة فالواجب علينا أن نتهم هذا الفهم، وأن نعلم أن فهمنا لكلام النبي صلى الله عليه وسلم خطأ، لكن ليس معنى ذلك أن نقيس أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم بما ندركه من عقولنا وأفهامنا؛ لأن عقولنا وأفهامنا قاصرة، لكن هناك قواعد عامة في الشريعة يرجع إليها في المسائل الخاصة الفردية. فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول: " لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه " والمعنى: لا تتوسعوا لهم إذا قابلوكم حتى يكون لهم السعة ويكون الضيق عليكم بل استمروا في اتجاهكم وسيركم، واجعلوا الضيق إن كان هناك ضيق على هؤلاء، ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن إذا رأى الكافر (كاليهود الذين في المدينة) ذهب يزحمه إلى الجدار حتى يرصه على الجدار ولم يفعل ذلك الصحابه رضي الله عنهم بعد فتوح الأمصار. فالمعنى أنكم كما لا تبدؤونهم بالسلام لا تفسحوا لهم فإذا لقوكم فلا تتفرقوا حتى يعبروا بل استمروا على ما أنتم عليه واجعلوا الضيق عليهم إن كان في الطريق ضيق، وليس في الحديث تنفير عن الإسلام بل فيه إظهار لعزة المسلم، وأنه لا يذل لأحد إلا لربه عز وجل. انتهى - بتصرف يسير – من مجموع فتاوى ابن عثيمين رحمه الله 3/38. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 42235 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1056 اللين مع الكفار بقصد الدعوة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم مخالطة الكفار ومعاملتهم بالرفق واللين طمعاً في إسلامهم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: " لا شك أن المسلم يجب عليه أن يبغض أعداء الله ويتبرأ منهم لأن هذه هي طريقة الرسل وأتباعهم قال الله تعالى: (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده) الممتحنة / 4، وقال تعالى: (لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه) المجادلة / 22. وعلى هذا لا يحل لمسلم أن يقع في قلبه محبة ومودة لأعداء الله الذين هم أعداء له في الواقع. قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق) الممتحنة / 1. أما كون المسلم يعاملهم بالرفق واللين طمعاً في إسلامهم وإيمانهم فهذا لا بأس به، لأنه من باب التأليف على الإسلام ولكن إذا يئس منهم عاملهم بما يستحقون أن يعاملهم به. وهذا مفصل في كتب أهل العلم ولاسيما كتاب " أحكام أهل الذمة " لابن القيم - رحمه الله -." [الْمَصْدَرُ] انتهى من مجموع فتاوى ابن عثيمين رحمه الله 3/31. الحديث: 41631 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1057 خطر الدراسة في مدارس الكفّار [السُّؤَالُ] ـ[ابنتي تدرس في مدرسة حكومية وكي تشعر بالراحة كونها مسلمة بين غير المسلمين، اقترحت على المدرسة أن أفعل شيئاً لفصلها في رمضان والعيد، هل لديك أي اقتراح لما يمكن أن أفعله لروضة الأطفال؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا شك أن الإقامة في بلاد الكفار فيها خطر عظيم على دين المسلم وأخلاقه، ولذلك ينبغي الحذر من ذلك والتحفظ منه، ووضع الشروط التي تمنع من الوقوع في ذلك الخطر المتحتم، فلابدّ لمن يقيم في بلاد الكفر أن يتوفر فيه شرطان هما: 1- أن يأمن على دينه بأن يكون عنده من العلم والإيمان ما يقوى على الثبات على دينه والبعد عن الانحراف والزيغ. 2- أن يتمكن من إظهار دينه المتمثّل في إقامة شعائر الإسلام دون وجود مانع، وإلاّ لم تجز الإقامة لوجوب الهجرة حينئذ، قال ابن قدامة رحمه الله في الكلام على أقسام الناس في الهجرة: (أحدها من تجب عليه، وهو من يقدر عليها ولا يمكنه إظهار دينه، ولا تمكنه إقامة واجبات دينه مع المقام بين الكفار، فهذا تجب عليه الهجرة لقوله تعالى: (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها) النساء /97، وهذا وعيد شديد يدل على الوجوب، ولأن القيام بواجب دينه واجب على من قدر عليه، والهجرة من ضرورات الواجب وتتمته، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) . انظر: المغني (8/457) ومجموع فتاوى ابن عثيمين (3/25–30) . وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. وهناك حالات يجوز فيها للمسلم أن يقيم في بلاد الكفار وللأهمية راجع سؤال رقم (13363) ثانياً: أن الذي يقيم هناك بين الكفار لحاجة كالدراسة مثلاً فإن الخطر أعظم، لأن المتعلم سيشعر بحاجته إلى معلمه مما يؤدي إلى التودد إليه بل ومداهنته فيما هو عليه، وكذلك فإن المتعلم يشعر بدنو مرتبته وعلو مرتبة مدرسه ومعلمه فيحصل تعظيمه والاقتناع بآرائه، ثم إن المتعلم لابد وأن يكون له في مقر دراسته أصدقاء يتخذهم، ولهذا كله كان وجوب التحفظ أكثر والحذر أشد، فيشترط فيه بالإضافة لما سبق شروط منها: 1- أن يكون المتعلم على مستوى كبير من النضوج العقلي، حتى يميز بين الحق والباطل، ولهذا كان بعث صغار السن فيه خطر عظيم على دينهم وأخلاقهم وتصوراتهم ومعتقداتهم. 2- أن يكون لديه علم بالشريعة يتمكن به من مقارعة الباطل بالحق، لئلا يلتبس عليه وينخدع بهم. 3- أن يكون عنده دين وإيمان يحميانه من الكفر والفسوق، فضعيفهما لا يسلم. 4- أن تكون عنده حاجة إلى العلم الذي أقام من أجله، بأن يكون في تعلمه مصلحة للمسلمين ولا يوجد مثله في مدارس المسلمين، وإلا لم تجز الإقامة عندهم. ومن هنا قال صلى الله عليه وسلم: (أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين) رواه أبو داود (2645) والترمذي (1604) وصححه الألباني في الإرواء (1207) . ولهذا كله وجب التحفظ والحذر في هذا الأمر، خاصة في بعث الأحداث وصغار السن للانضمام في مدارسهم أو حتى ما يسمى بروضة الأطفال، إذ فيه خطر على سلوكهم وتصوراتهم وأخلاقهم ولا يخفى عليك أن الخطر الذي يلحق أولادك غير مقتصر بمشاركتهم لهم في أعيادهم، بل إنه حاصل بمجرد المخالطة والتعايش معهم، فعليك أيها الأب الكريم أن تكون فطناً في ذلك كله مدركاً لهذه الأخطار قائماً على وقاية أبنائك من أن يتلوثوا بأفكارهم ويتأثروا بهم، والله تعالى يقول: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً) التحريم /6. وأبناؤك أمانة في عنقك، فإن استطعت ألا يدرسوا إلا بمدرسة إسلامية وألا يتعلموا إلا من معلمين مسلمين فافعل، والسلامة لا يعدلها شيء، فكن حذراً من كل ما يضر دينهم وسلوكهم، وأسأل الله لك الإعانة وأن يسددك وييسر لك الخير أينما كنت. وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38284 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1058 لا تصلي الصلوات في وقتها بسبب العمل فهل تترك الصوم [السُّؤَالُ] ـ[مسلمة تعيش في بلد غير مسلم، ولا تستطيع أن تصلي كل صلاة في وقتها بسبب العمل، فهل تصوم أم تفطر؟ لأن الصلاة أهم من الصوم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يجوز لمسلمٍ الإقامة في بلاد الكفر والسفر إليها من غير ضرورة تحوجه إلى ذلك، ويتحتم هذا المنع في حال عدم قدرته على القيام بشعائر الدين فيه، ومن أعظم شعائر الدين: الصلاة، فإذا كان الإنسان من أهل تلك البلاد، أو وفد إليها ثم عجز عن إظهار شعائر دينه فالواجب عليه أن يخرج من ديار الكفر إلى ديار المسلمين، ليتمكن من إظهار شعائر دينه، وليعلم أنه غير معذور ببقائه في تلك الديار إلا إن كان مستضعفاً لا يستطيع الهجرة بدينه من تلك البلاد إلى حيث يستطيع إظهار دينه. قال ابن قدامة المقدسي: ... فالناس في الهجرة على ثلاثة أضرب: أحدها: من تجب عليه , وهو من يقدر عليها , ولا يمكنه إظهار دينه , ولا تمكنه إقامة واجبات دينه مع المقام بين الكفار , فهذا تجب عليه الهجرة ; لقول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً) النساء/97، وهذا وعيد شديد يدل على الوجوب؛ ولأن القيام بواجب دينه واجب على من قدر عليه , والهجرة من ضرورة الواجب وتتمته , وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. الثاني: من لا هجرة عليه، وهو من يعجز عنها , إما لمرض , أو إكراه على الإقامة , أو ضعف ; من النساء والولدان وشبههم , فهذا لا هجرة عليه ; لقول الله تعالى: (إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً) النساء/98-99، ولا توصف باستحباب ; لأنها غير مقدور عليها. والثالث: من تستحب له , ولا تجب عليه، وهو من يقدر عليها , لكنه يتمكن من إظهار دينه , وإقامته في دار الكفر , فتستحب له , ليتمكن من جهادهم , وتكثير المسلمين , ومعونتهم , ويتخلص من تكثير الكفار , ومخالطتهم , ورؤية المنكر بينهم، ولا تجب عليه ; لإمكان إقامة واجب دينه بدون الهجرة. " المغني " (9 / 237، 238) . ولما كان أكثر الناس إنما تحمله على الإقامة في بلاد الكفر حرصه على الدنيا، وشحّه بما فيها من كثرة في المال أو عز وجاه، أو أهل وإخوان، قال تعالى بعد ما أخبر عن حال الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم، قال: (وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً) النساء/100 قال الشيخ السعدي رحمه الله: " هذا في بيان الحث على الهجرة والترغيب وبيان ما فيها من المصالح، فوعد الصادق في وعده، أن من هاجر في سبيله ابتغاء مرضاته أنه يجد مراغما في الأرض وسعة. فالمراغم مشتمل على مصالح الدين والسعة على مصالح الدنيا، وذلك أن كثيرا من الناس يتوهم أن في الهجرة شتاتا بعد الألفة، وفقرا بعد الغنى، وذلا بعد العز، وشدة بعد الرخاء، والأمر ليس كذلك. فإن المؤمن ما دام بين أظهر المشركين فدينه في غاية النقص، لا في العبادات القاصرة عليه، كالصلاة ونحوها، ولا في العبادات المتعدية، كالجهاد بالقول والفعل وتوابع ذلك، لعدم تمكنه من ذلك، وهو بصدد أن يفتن عن دينه، خصوصا إن كان مستضعفاً، فإذا هاجر في سبيل الله تمكن من إقامة دين الله وجهاد أعداء الله، ومراغمتهم، فإن المراغمة: اسم جامع لكل ما يحصل به إغاظة لأعداء الله من قول وفعل وكذلك ما يحصل له سعة في رزقه، وقد وقع كما أخبر الله تعالى، واعتبر ذلك بالصحابة رضي الله عنهم فإنهم لما هاجروا في سبيل الله وتركوا ديارهم وأولادهم وأموالهم لله كمل بذلك إيمانهم وحصل لهم من الإيمان التام والجهاد العظيم والنصر لدين الله ما كانوا به أئمة لمن بعدهم وكذلك حصل لهم ما يترتب على ذلك من الفتوحات والغنائم ما كانوا به أغنى الناس وهكذا كل من فعل فعلهم يحصل له ما حصل لهم إلى يوم القيامة " اهـ. ثانياً: لا يحل لمسلمٍ أن يؤخر الصلاة عن وقتها إلا من عذر، ومن الأعذار الشرعية التي تبيح التأخير: النوم والنسيان، ولم يكن القيام بأعمال الدنيا من الأعذار المبيحة لترك الصلاة أو تأخيرها عن وقتها، بل من صفات المؤمنين الصادقين أنهم لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذِكر الله وإقام الصلاة. قال الله تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآَصَالِ. رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ. لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) النور/36–38. وحذر الله تعالى عباده من الانشغال بأموالهم وأولادهم عن طاعته وذكره، وذكر لهم أن من فعل ذلك فهم الخاسرون حقاً، لا كما يظن من يفرط في دينه من أجل عمله ودنياه وشحّه بالربح العاجل. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) المنافقون/9 وهل للخاسرين على الحقيقة مصير، إلا مصير أئمة الكفر، الذين أضاعوا الدين شُحَّاً بدنياهم. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ ذَكَرَ الصَّلاةَ يَوْمًا فَقَالَ: (مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ، وَلا بُرْهَانٌ، وَلا نَجَاةٌ، وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ) رواه أحمد (6540) وصححه الألباني في مشكاة المصابيح قال ابن القيم رحمه الله: " وإنما خص هؤلاء الأربعة بالذكر لأنهم من رؤوس الكفرة، وفيه نكتة بديعة، وهو: أن تارك المحافظة على الصلاة؛ إما أن يشغله ماله، أو ملكه، أو رياسته، أو تجارته، فمن شغله عنها ماله فهو مع قارون، ومن شغله عنها ملكه فهو مع فرعون، ومن شغله عنها رياسة ووزارة فهو مع هامان، ومن شغله عنها تجارته فهو مع أبي بن خلف " اهـ. الصلاة وحكم تاركها (1/63) وأما داهية الدواهي فهي التفكير في الفطر وترك الصيام، تبعاً لترك الصلاة. وصدق الله العظيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) النور/21، فانظري يا أمة الله كيف جرَّك الشيطان إلى هدم عمود الدين، وركنه الثاني بعد الشهادتين، وهو الصلاة، ثم يجرك اللّعين بغروره إلى هدم ركن آخر، فثالث، فرابع، ولا حول ولا قوة إلا بالله. أيها الأخت السائلة، إن سؤالك، بل إن مسئوليتك الواجبة عليه هي أن تبحثي عن الطريق لبناء ما هدمتيه من دينك بترك صلاتك، لا أن تسألي عن هدم ما هو قائم عندك من الأركان، فأي شرع، بل أي عقل يقول ذلك. قال الله تعالى: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُون * وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) النحل/91-92 قال الشيخ السعدي رحمه الله: وهذا يشمل جميع ما عاهد العبد عليه ربه من العبادات، والنذور، والأيمان التي عقدها، إذا كان الوفاء بها برا ... " ثم قال بعد كلام له: (ولا تكونوا: في نقضكم للعهود بأسوأ الأمثال وأقبحها وأدلها على صفة متعاطيها، وذلك كالتي تغزل غزلاً قوياً، فإذا استحكم وتم ما أريد منه، نقضت غزلها من بعد قوة، فجعلته أنكاثا، فتعبت على الغزل، ثم على النقض، ولم تستفد سوى الخيبة والعناء وسفاهة العقل ونقص الرأي، فكذلك من نقض ما عاهد عليه فهو ظالم جاهل سفيه ناقص الدين والمروءة " اهـ. ونعم، الصلاة كما قلت أهم من الصوم، وهي خير ما فرضه الله على عباده من الأعمال، ولأجل ذلك نقول لك: صلِّي، يا أمة الله، واثبتي على صومك، وليس غير. قد يضيق بك عملك، قد تخسرين عمله من أصله، قد ... ، وقد ... لكن ليس إلا دينك، دينك دينك، لحمك ودمك. والله يوفقنا وإياك إلى ما يحبه ويرضاه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38158 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1059 حكم الإسلام في إقامة المشاريع الإسلامية على أيدي غير المسلمين [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الإسلام في إقامة المشاريع الإسلامية على أيدي جماعات تبشيرية مسيحية كانت أو يهودية؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز أن تسلم الأعمال الإسلامية كالتي ذكرتم إلى العمال من الكفرة، لأنهم لا يُؤمَنُون عليها، ولا يوثق بنصحهم؛ لقول الله عز وجل: (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا بُرءآؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده) الممتحنة/4، وقوله سبحانه: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) التوبة/71، وقال سبحانه: (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) الأنفال /73. وقد صدر من هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية قرار بمنع إسناد تعمير المساجد إلى غير المسلمين لما ذكرنا من الأدلة والعلة. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/8 ص / 431. الحديث: 9404 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1060 مصاحبة النصارى والمخنثين [السُّؤَالُ] ـ[أنا مسلم ولي الكثير من الأصدقاء النصارى من الذكور والإناث، هناك أحد الأصدقاء الذي أعتبره صديق بحق واكتشفت مؤخراً بأنه مخنث، أنا لا أريد أن أعامله بشكل مختلف ولكن أريد أن أعرف هل يجوز أن يكون لي صديق مخنث؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب على المسلم أن يحرص على اتخاذ الرفقة الطيبة التي تعينه على الخير، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً) أخرجه البخاري (5534) ومسلم (2628) عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه. ولا يجوز له اتخاذ أصدقاء من النصارى ولا من غيرهم من الكفار، قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين) المائدة / 51، وقال تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ) آل عمران / 118. قال السعدي رحمه الله: هذا تحذير من الله لعباده عن ولاية الكفار واتخاذهم بطانة أو خصيصة وأصدقاء. تفسير السعدي ص 198 وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي) أخرجه أبو داود (4832) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود (4045) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل) أخرجه الترمذي (2378) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (1937) . فاترك مصاحبة النصارى، واستبدل بهم مسلمين، واحرص على صحبة الصالحين. واعلم أنه لا يجوز للرجل مصاحبة الإناث ولا المخنثين، سواء كانوا مسلمين أم نصارى؛ لما في ذلك من الفتنة، ولما يكون معه من المحاذير الشرعية إما من الخلوة أو المصافحة أو ما هو أشد من ذلك. أسأل الله أن يعصمنا جميعاً من الفتن. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 26118 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1061 تبادل الزيارات بين المسلمات وغير المسلمات [السُّؤَالُ] ـ[لدي بعض الجارات من غير المسلمات ومسلمات أيضا، لكن لي عليهن بعض الملاحظات، ما حكم تبادل الزيارات فيما بيننا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تبادل الزيارات في مثل هذا إذا كان للتوجيه والنصح والتعاون على البر والتقوى طيب مأمور به، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يقول الله عز وجل وجبت محبتي للمتحابين فيّ والمتزاورين فيّ والمتجالسين فيّ والمتباذلين فيّ) أخرجه الإمام مالك رحمه الله بإسناد صحيح، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله) وذكر منهم: (رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه) مثل بالرجلين، والحكم يعم الرجلين والمرأتين، فإذا كانت الزيارة لمسلمة أو نصرانية أو غيرهما لقصد الدعوة إلى الله وتعليم الخير والإرشاد إلى الخير لا لقصد الطمع في الدنيا والتساهل بأمر الله فهذا كله طيب، فإذا زارت المسلمة أختها في الله ونصحتها عن التبرج والسفور وعن التساهل بما حرم الله من سائر المعاصي، أو زارت جارة لها نصرانية أو غير نصرانية كبوذية أو نحو ذلك لتنصحها وتعلمها وترشدها فهذا شيء طيب ويدخل في قوله صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة الدين النصيحة الدين النصيحة) فإن قبلت فالحمد لله وإن لم تقبل تركت الزيارة التي لم يحصل منها فائدة. أما الزيارة من أجل الدنيا أو اللعب أو الأحاديث الفارغة أو الأكل أو نحو ذلك - فهذه الزيارة لا تجوز للكافرات من النصارى أو غيرهن. لأن هذا قد يجر الزائرة إلى فساد دينها وأخلاقها، لأن الكفار أعداء لنا وبغضاء لنا، فلا ينبغي أن نتخذهم بطانة ولا أصحابا، لكن إذا كانت الزيارة للدعوة إلى الله والترغيب في الخير والتحذير من الشر فهذا أمر مطلوب، كما تقدم، وقد قال الله سبحانه وتعالى في سورة الممتحنة: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) الآية. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز يرحمه الله، م/4، ص/378 الحديث: 34559 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1062 أسلم ولا يحب أن يترك وطنه [السُّؤَالُ] ـ[رجل أسلم وأحب الإسلام وأهله ويبغض الشرك وأهله، وبقي في بلده الذي يَكْرَهُ أهلها الإسلام ويحاربونه ويقاتلون المسلمين، ولكنه يشق عليه ترك الوطن فلم يهاجر، فما الحكم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: " هذا الرجل يحرم عليه بقاؤه في هذا البلد ويجب عليه أن يهاجر فإن لم يفعل فليرتقب قول الله تعالى: (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً. إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً) النساء/ 97 فالواجب على هذا إذا كان قادراً على الهجرة أن يهاجر إلى بلد الإسلام، وحينئذ سوف ينسلخ من قلبه محبة البلد التي هاجر منها وسوف يرغب في بلاد الإسلام، أما كونه لا يستطيع مفارقة بلد يحارب الإسلام وأهله لمجرد أنها وطنه الأول فهذا حرام ولا يجوز له البقاء فيها. [الْمَصْدَرُ] انتهى من مجموع فتاوى ابن عثيمين رحمه الله 3/32. الحديث: 34687 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1063 حكم مساعدة الكفار في عدوانهم على المسلمين [السُّؤَالُ] ـ[تاجر مسلم عرض عليه فرص تجارية ذهبية عبر بيع معدات أو أغذية أو القيام بعقود صيانة ونقليات وتركيبات لجيش كافر يحارب المسلمين، فما حكم هذه الأعمال التجارية؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قرر علماء الإسلام أنه لا يجوز مظاهرة الكفار على المسلمين وأن ذلك كفر وردة لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) الآية المائدة / 51 وقد نص فقهاء الإسلام في كتبهم من أئمة الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وغيرهم من فقهاء الإسلام على تحريم بيعهم ما يستعينون به على المسلمين سلاحاً أو عتاداً أو دواباً فلا يجوز أن يعطوا طعاماً ولا أن يباع لهم طعام ولا شراب ولا ماء ولا خيام ولا شاحنات ولا نقل ولا أن تعقد معهم عقود صيانة أو نقليات ونحو ذلك كله حرام في حرام وآكله يأكل سحتاً، والسحت النار أولى به. فلا يجوز أن يباعوا تمرة ولا أن يعطوا ما يستعينون به على عدوانهم ومن فعل ذلك فالنار النار وكل كسب خبيث فالنار أولى به بل إنه من أخبث الخبث. لا يجوز أن يعطوا شيئاً فيه أدنى إعانة على المسلمين قال النووي في "المجموع": وَأَمَّا بَيْعُ السِّلاحِ لأَهْلِ الْحَرْبِ فَحَرَامٌ بِالإِجْمَاعِ..اهـ. وقال ابن القيم في "إعلام الموقعين": قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ السِّلاحِ فِي الْفِتْنَةِ. . . وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ هَذَا الْبَيْعَ يَتَضَمَّنُ الإِعَانَةَ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ , وَفِي مَعْنَى هَذَا كُلُّ بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ مُعَاوَضَةٍ تُعِينُ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ كَبَيْعِ السِّلاحِ لِلْكُفَّارِ وَالْبُغَاةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ. . . أَوْ إجَارَةُ دَارِهِ لِمَنْ يُقِيمُ فِيهَا سُوقَ الْمَعْصِيَةِ , وَبَيْعِ الشَّمْعِ أَوْ إجَارَتِهِ لِمَنْ يَعْصِي اللَّهَ عَلَيْهِ , وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ إعَانَةٌ عَلَى مَا يُبْغِضُهُ اللَّهُ وَيُسْخِطُهُ اهـ وفي الموسوعة الفقهية (25/153) : يَحْرُمُ بَيْعُ السِّلاحِ لأَهْلِ الْحَرْبِ وَلِمَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يُرِيدُ قَطْعَ الطَّرِيقِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَوْ إثَارَةَ الْفِتْنَةِ بَيْنَهُمْ , وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَحْمِلَ إلَى عَدُوِّ الْمُسْلِمِينَ سِلَاحًا يُقَوِّيهِمْ بِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ , وَلا كُرَاعًا , وَلا مَا يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى السِّلاحِ وَالْكُرَاعِ (الكراع هي الخيل) ; لأَنَّ فِي بَيْعِ السِّلاحِ لأَهْلِ الْحَرْبِ تَقْوِيَةً لَهُمْ عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ , وَبَاعِثًا لَهُمْ عَلَى شَنِّ الْحُرُوبِ وَمُوَاصَلَةِ الْقِتَالِ , لاسْتِعَانَتِهِمْ بِهِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي الْمَنْعَ اهـ. وهذه المسألة ليست من المعاصي العادية أو الصغائر بل إنها مسألة متعلقة بأصل العقيدة والتوحيد وموالاة المسلم لدين الله وبراءته من أعداء الله هكذا نص الأئمة في كتبهم على هذا. قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في (فتاواه) (1/274) : "وقد أجمع علماء الإسلام على أن من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم، كما قال الله سبحانه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) المائدة / 51 ". [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 33691 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1064 حكم السكن مع العوائل في الخارج [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم السكن مع العوائل لمن سافر إلى الخارج للدراسة لأجل الاستفادة من اللغة أكثر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز السكن مع العوائل لما في ذلك من تعرض الطالب للفتنة بأخلاق الكفرة ونسائهم، والواجب أن يكون سكن الطالب بعيدا عن أسباب الفتنة، وهذا كله على القول بجواز سفر الطالب إلى بلاد الكفرة للتعلم، والصواب أنه لا يجوز السفر إلى بلاد الكفار للتعلم إلا عند الضرورة القصوى، بشرط أن يكون ذا علم وبصيرة وأن يكون بعيدا عن أسباب الفتنة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله من مشرك عملا بعدما أسلم أو يزايل المشركين) أخرجه النسائي بإسناد جيد. ومعناه: حتى يفارق المشركين إلى المسلمين، وقال صلى الله عليه وسلم: (أنا بريء من كل مسلم يقيم بين المشركين) رواه أبو داود والترمذي والنسائي بإسناد صحيح، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. فالواجب على المسلمين الحذر من السفر إلى بلاد أهل الشرك إلا عند الضرورة القصوى، إلا إذا كان المسافر ذا علم وبصيرة ويريد الدعوة إلى الله والتوجيه إليه فهذا أمر مستثنى، وهذا فيه خير عظيم. لأنه يدعو المشركين إلى توحيد الله ويعلمهم شريعة الله، فهو محسن وبعيد عن الخطر لما عنده من العلم والبصيرة والله المستعان. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز يرحمه الله، م/4، ص/381. الحديث: 13694 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1065 مصادقة الكافرة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لمسلمة أن تتخذ كافرة صديقة لها إذا كانت محتشمة ومؤدبة جدّاً دون إهمال دينها؟ . وهل هناك عقوبة شديدة إذا فعلت هذا؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا شك أن مصاحبة المسلمة للكافرة مضرة لها في دينها، والكافرة لا تتخلق بما تتخلق به المسلمة ولا تَدين لله تعالى بدين الإسلام، وعليه فإنها لا تتورع عن فعل ما يضر هذه المسلمة التي قد تغتر باحتشام أو أدب هذه الكافرة خاصة ما يضر في الدين. كما أن مصادقتها والأنُس معها قد تولد في القلب نوعاً من الرضا ببعض ما تؤديه من شعائر دينها وتُضعف البراءة والمعاداة في الله. بل قد تقود بعض الجهلة إلى عدم الرضا بحكم الله تعالى على الكفار بالكفر والخلود في النار والعياذ بالله تعالى. ومن هنا قال النَّبي صلى الله عليه وسلم " لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامَك إلا تقي " رواه الترمذي (2395) وأبو داود (4832) ، وصححه ابن حبان (2 / 314) وحسَّنه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " (7341) . ولا نعني بهذا المقاطعة التامة بين المسلمة والكافرة بل لها أن تزورها وتعودها وتهديها هدايا – من غير مودة قلبية ولا مشاركة في أعيادهم -، وعلى الأخت المسلمة أن تقصد في مثل هذه الزيارت والهدايا دعوة هذه الكافرة للإسلام، وقد فعل ذلك نبيُّنا صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك حديثان: 1. عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاةُ دخل عليه النَّبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية، فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: أي عم قل لا إله إلا الله أحاج لك بها عند الله، فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: لأستغفرن لك ما لم أنه عنك، فنزلت {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم} التوبة / 113. رواه البخاري (4398) ومسلم (24) . 2. عن أنس رضي الله عنه قال: كان غلام يهودي يخدم النَّبي صلى الله عليه وسلم فمرض فأتاه النَّبي صلى الله عليه وسلم يعودُه فقعد عند رأسه، فقال له: أسلِم، فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أطع أبا القاسم صلَّى الله عليه وسلم فأسلَم، فخرج النَّبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه من النَّار. رواه البخاري (1290) . وقد أذن النَّبي صلى الله عليه وسلم لأسماء بنت أبي بكر باستقبال أمها المشركة، وأهدى عمر رضي الله عنه أخاه المشرك ثوباً. فعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قدمتْ عليَّ أمِّي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي راغبة أفأصِلُ أمِّي؟ قال: نعم صِلِي أمَّكِ. رواه البخاري (2477) ومسلم (1003) . ومعنى " راغبة ": أي: راغبة في بر ابنتها. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: رأى عمر بن الخطاب حلة سيراء عند باب المسجد فقال: يا رسول الله لو اشتريتَها فلبستَها يوم الجمعة وللوفد، قال: إنَّما يلبسها من لا خَلاق له في الآخرة، ثم جاءت حُلَل فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر منها حلة، وقال أكسوتنيها وقلت في حلة عطارد ما قلت؟ فقال: إني لم أكسكها لتلبسها، فكساها عمر أخا له بمكة مشركاً. رواه البخاري (2470) ومسلم (2068) . قال الشيخ صالح الفوزان: زيارة الكفار من أجل دعوتهم إلى الإسلام لا بأس بها، فقد زار النبي صلى الله عليه وسلم عمَّه أبا طالب وهو يحتضر ودعاه إلى الإسلام، وزار اليهودي ودعاه إلى الإسلام. أما زيارة الكافر للانبساط له والأنس به فإنها لا تجوز لأن الواجب بغضهم وهجرهم، ويجوز قبول هداياهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قبِل هدايا بعض الكفار، مثل هدية المقوقس ملك مصر، ولا تجوز تهنئتهم بمناسبة أعيادهم لأن ذلك موالاة لهم وإقرار لباطلهم. " المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (1 / 255) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 23325 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1066 إقامة حفلات توديع للكفار [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن نقيم حفلاً لتوديع موظف غير مسلم كان يعمل معنا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إقامة حفل لتوديع الكفار فيه نوع إكرام وتعظيم لهم، وهم ليسوا أهلاً للإكرام وقد كفروا بالله تعالى وسبوه وتجرأوا عليه. روى الإِمَامُ أَحْمَد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قُلْت لِعُمَرِ: إنَّ لِي كَاتِبًا نَصْرَانِيًّا قَالَ: ما لَك قَاتَلَك اللَّهُ! أَمَا سَمِعْت اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) المائدة /51. أَلا اتَّخَذْت حَنِيفِيًّا (يعني: مسلماً) قَالَ: قُلْت: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لِي كِتَابَتُهُ وَلَهُ دِينُهُ. قَالَ: لا أُكْرِمُهُمْ إذْ أَهَانَهُمْ اللَّهُ، وَلا أُعِزُّهُمْ إذْ أَذَلَّهُمْ اللَّهُ، وَلا أُدْنِيهِمْ إذْ أَقْصَاهُمْ اللَّهُ. انظر "مجموع الفتاوى" (25/327) . وقال عمر بن الخطاب أيضاً في خصوص النصارى: أهينوهم ولا تظلموهم، فقد سبوا الله مسبة ما سبه إياها أحد من البشر. وسئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن حكم إقامة حفل توديع للكافر عند انتهاء عمله؟ وحكم تعزية الكافر؟ وحكم حضور أعياد الكفار؟ فأجاب بقوله: "هذا السؤال تضمن مسائل: الأولى: إقامة حفل توديع لهؤلاء الكفار0 لا شك أنه من باب الإكرام أو إظهار الأسف على فراقهم، وكل هذا حرام في حق المسلم قال النبي صلى لله عليه وسلم: (لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه) . والإنسان المؤمن حقاً لا يمكن أن يكرم أحداً من أعداء الله تعالى والكفار أعداء الله بنص القرآن قال الله تعالى: (مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ) البقرة/98. المسألة الثانية: تعزية الكافر إذا مات له من يعزى به من قريب أو صديق. وفي هذا خلاف بين العلماء فمن العلماء من قال: إن تعزيتهم حرام، ومنهم من قال: إنها جائزة. ومنهم من فصل في ذلك فقال: إن كان في ذلك مصلحة كرجاء إسلامهم، وكف شرهم الذي لا يمكن إلا بتعزيتهم، فهو جائز وإلا كان حراماً. والراجح أنه إن كان يفهم من تعزيتهم إعزازهم وإكرامهم كانت حراماً وإلا فينظر في المصلحة. المسألة الثالثة: حضور أعيادهم ومشاركتهم أفراحهم، فإن كانت أعياداً دينية كعيد الميلاد فحضورها حرام بلا ريب، قال ابن القيم رحمه الله: لا يجوز الحضور معهم باتفاق أهل العلم الذين هم أهله، وقد صرح به الفقهاء من أتباع الأئمة الأربعة في كتبهم. والله الموفق" اهـ. مجموع فتاوى ابن عثيمين (2/303) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 32560 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1067 تقاطع البضائع الأمريكية فهل تترك المعهد لأنه يدرس مواد أمريكية؟ [السُّؤَالُ] ـ[أدرس في معهد لدورات الكمبيوتر وجميع المواد التي أدرسها في المعهد كلها من شركة مايكروسوفت الأمريكية , فبرامج الكمبيوتر كلها من ميكروسوفت الأمريكية اليهودية , ونحن نقوم بدفع مبلغ من المال شهريا للدراسة , والمشكلة أيضا أني اخترت أن أتخصص في إدخال قواعد البيانات وهو ما يسمى بالأوراكل , وهو منتج يهودي مائة بالمائة. وفكرت أن أخرج من المعهد من أجل هذا السبب , وهو أني أدفع لهم مبلغا شهريا , وجزء منه تشترى به الكتب من أمريكا ذاتها. وقد فكرت في ترك المعهد لأني برأيي الشخصي أقاطع منتجات بسيطة كالأشربة والأطعمة والعطور , وكانت لها نتيجة ولله الحمد , ولكن الغرض هو مقاطعه المنتجات الكبيرة , فأنا أعتقد لو تركت المعهد أكون أكثر تعاونا مع إخواني في المشرق والمغرب المظلومين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قد سبق الكلام على المقاطعة الاقتصادية وأهميتها وأنها نوع من جهاد أعداء الله، وذلك في جواب السؤال رقم 20732. وهناك أسباب ترفع الحرج عن المسلم في تعامله بالبيع والشراء من غير المسلمين وقد سبق ذكر بعضها في إجابة السؤال رقم (6699) . ويضاف هنا: إذا كانت البضاعة الأمريكية أو اليهودية فيها نفع للمسلمين، ولم يمكن تحصيلها من شركات أو دول إسلامية، فلا حرج في شرائها، لا سيما إذا كانت برامج وتقنيات يستفاد منها في أمور أخرى متنوعة، وليست مجرد سلع استهلاكية. فإذا كانت الدراسة في معهد الحاسب الآلي ترجين من ورائها تحصيل علم وخبرة، فلا حرج عليك في المواصلة، والاستفادة من البرامج المتوفرة في المعهد، كما أنه لا حرج عليك في التخصص في إدخال قواعد البيانات المعتمد على ما يسمى بالأوراكل. ولتكن نيتك هي نفع المسلمين، والاستفادة من كل علم متقدم يسهم في ذلك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 32564 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1068 عداوة الكفار للمؤمنين دائمة [السُّؤَالُ] ـ[هناك من يدعي أن الكفار يحبون المسلمين، وأنهم يريدون لنا الخير، فما رأيكم فيما يقولون؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله - عداوة الكفار من أهل الكتاب , والمشركين , والمنافقين للمؤمنين قائمة إلى أن تقوم الساعة، وصراع الحق والباطل باق إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، كما قال سبحانه: (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) البقرة / 217. - ولما كان الإسلام يحكم المؤمنين بالعدل ويعطي كل ذي حق حقه، وهم لا يريدون ذلك، لذلك اجتهدوا في محاربة الدين ورد الحق بالباطل، ولكن هيهات. فالدين باق والله متم نوره ولو كره الكافرون، قال تعالى: (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولوكره الكافرون، هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) الصف /7-9. - إن الكفار يريدون أن تقف أمم الأرض في الكفر صفاً واحداً: (ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء) النساء / 89. - والذين كفروا ينفقون أموالهم للصد عن سبيل الله , في كل زمان ومكان، لنشر الفساد وإشعال الحروب وقتل المؤمنين، ويأبى الله إلا أن يخذلهم وينصر دينه كما قال سبحانه: (إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون) الأنفال/36. - وقد أخبر الله عن شدة عداوة الكفار للمسلمين بقوله: (ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم) البقرة/105. - والكفار مهما عملوا فعداوتهم لا تنقطع، فهم وإن نطقت ألسنتهم بالموادعة، فإن قلوبهم تأبى إلا الغدر والكيد للإسلام وأهله: (كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلاً ولا ذمة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون) التوبة/8. - والمنافقون كفار بين المسلمين، البغضاء تبدو من أفواههم، والحقد يملأ قلوبهم، ولكن الله لهم بالمرصاد، كما قال سبحانه: (إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً إن الله بما يعملون محيط) آل عمران/120. - وأهل الكتاب يكفرون بآيات الله، ويلبسون الحق بالباطل، ويكتمون الحق ويكيدون للإسلام، ليردوا المسلمين عن دينهم كما أخبر الله عنهم بقوله: (يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون، يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون، وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون) آل عمران/72. - وقد بين الله بالنص الصريح أن طاعة الكفار مهما كانت سببٌ للهلاك والخسارة وأن طاعته سبحانه هي سبيل العز والنصر والتمكين كما قال سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين بل الله مولاكم وهو خير الناصرين) آل عمران/149. - وجميع الكفار من أهل الكتاب والمشركين والمنافقين كلهم أعداء للمسلمين فلا يجوز الاعتماد عليهم، أو الركون إليهم كما قال سبحانه: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون) هود/113. - وقد حذرنا الله من اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين، فإن خاف المسلمون شرهم جاز اتقاء شرهم بالظاهر، مع بغضهم بالباطن كما قال سبحانه: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير) آل عمران/28. - وحذرنا الله من موالاة اليهود والنصارى، وبين أن من والاهم كان منهم فقال: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين) المائدة/51. - وجميع الكافرين من أهل الكتاب والمشركين والمنافقين كلهم يوم القيامة في جهنم كما قال تعالى: (إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية) البينة/ 6. - والكفار واليهود هم أحرص الناس على الحياة، لأنهم يعلمون أنه لا حظ لهم في الآخرة، فهم يكرهون الموت خوفاً مما بعد الموت كما قال سبحانه عن اليهود والمشركين: (ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون) البقرة/96. [الْمَصْدَرُ] من كتاب أصول الدين الإسلامي تأليف الشيخ محمد بن ابراهيم التويجري. الحديث: 11400 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1069 يتظاهر بأنه غير مسلم في قنوات الحوار الإسلامية [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن أدخل إلى القناة الإسلامية للمحادثة في الإنترنت وأخاطب الناس على أني غير مسلم وأسألهم أسئلة عن الإسلام؟ هل هذا جائز أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما هي الفائدة من وراء هذا العمل؟ إذا كان لإشغال المسلمين واستنفاذ جهودهم من غير حاجة فهذا إيذاء وقد قال الله تعالى " والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبينا " الأحزاب/58 زد على ذلك ما قد يشتمل عليه من الكذب والإيهام. وإذا أردت الفائدة للقراء أو لغير المسلمين فاسلك في ذلك السّبل الشرعية - وما أكثرها -، نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 4576 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1070 هل يقال للكافر جزاك الله خيرا [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لنا أن نقول (جزاك الله خيرا) لغير المسلم إذا عمل لنا عملا، أو قدم لنا مساعدة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز الدعاء للكافر بالخير، فليس أهلا له، وإنما إذا عمل عملا نافعا ونحو ذلك فإنك تشكره بقولك: شكرا، أو أشكرك، لحديث: " من لا يشكر الناس لا يشكر الله " حديث صحيح رواه الإمام أحمد (2/258) ، والأولى ان تستعمل كلمة الشكر بلغته أي بغير العربية، ويكفي الإشارة إلى اعترافك بفعله الجميل، مع ملاحظة أنه لا يجوز استعمال الكافر، ولا قبول مساعدته، - إلا عند الحاجة- لما فيه من تحمل المنة، وفي الأثر: اللهم لا تجعل لمبتدع علي منَّة فيودُّه قلبي. اللؤلؤ المكين من فتاوى ابن جبرين ص45 وسألته شفويا عن ذلك فذكر القيد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 1476 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1071 بيع بطاقات أعياد النّصارى [السُّؤَالُ] ـ[أنا أعمل محاسب. وفي العمل يوجد بطاقات عيد ميلاد المسيح عليها عبارات شركية مثل (عيسى هو الله - وهو يحبك) … الخ. إذا كان العميل يحضر لي هذه البطاقات فأبين له أنصحه) ، وأضع النقود في آلة التسجيل. فهل أنا كافر؟ أنا أكره الشرك، وأكره المسيحية، وأكره المسيحيين، فهل أنا كافر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما دمت مؤمنا كارها للشرك كارها لدين النّصارى فلست بكافر بل أنت مسلم ما دمت على التوحيد ولم ترتكب ما يُخرج من الدّين، ولكن لا بدّ أن تعلم أنّه لا يجوز لمسلم أن يعين الكفار بأي وسيلة على إقامة أعيادهم والاحتفال بها ومن ذلك بيع ما يستخدمونه في أعيادهم. قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية رحمه الله تعالى في كتابه العظيم اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم: " فأمّا بيع المسلم لهم في أعيادهم ما يستعينون به على عيدهم من الطعام واللباس والرّيحان ونحو ذلك أو إهداء ذلك لهم فهذا فيه نوع إعانة على إقامة عيدهم المحرّم. وهو مبني على أصل وهو: أنّه لا يجوز أن يبيع الكفّار عنبا أو عصيرا يتخذّونه خمرا. وكذلك لا يجوز أن يبيعهم سلاحا يقاتلون به مسلما. " ثمّ نقل عن عبد الملك بن حبيب من علماء المالكية قوله: " ألا ترى أنّه لا يحلّ للمسلمين أن يبيعوا من النصّارى شيئا من مصلحة عيدهم؟ لا لحما ولا إداما ولا ثوبا ولا يُعارون دابّة ولا يعاونون على شيء من عيدهم لأنّ ذلك من تعظيم شركهم ومن عونهم على كفرهم.." الاقتضاء ص: 229، 231 ط. دار المعرفة بتحقيق الفقي. نسأل الله أن يثبتك على الحقّ ويجنبّك الباطل ويرزقك من لدنه رزقا حسنا. وصلى الله على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 782 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1072 حكم مشاركة الكفار في أعيادهم [السُّؤَالُ] ـ[شاهدت الكثير من المسلمين يشاركون في احتفالات الكريسمس وبعض الاحتفالات الأخرى. فهل هناك أي دليل من القرآن والسنة يمكن أن أريه لهم يدل على أن هذه الممارسات غير شرعية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز مشاركة الكفار في أعيادهم للأمور التالية: أولاً: لأنه من التشبه و " من تشبه بقوم فهو منهم. " رواه أبو داود (وهذا تهديد خطير) ، قال عبد الله بن العاص من بنى بأرض المشركين وصنع نيروزهم ومهرجاناتهم وتشبه بهم حتى يموت خسر في يوم القيامة. ثانياً: أن المشاركة نوع من مودتهم ومحبتهم قال تعالى: (لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء … ) الآية، وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق … ) الآية. ثالثاً: إن العيد قضية دينية عقدية وليست عادات دنيوية كما دل عليه حديث: " لكل قوم عيد وهذا عيدنا " وعيدهم يدل على عقيدة فاسدة شركية كفرية. رابعاً: (والذين لا يشهدون الزور … ) الآية فسرها العلماء بأعياد المشركين، ولا يجوز إهداء أحدهم بطاقات الأعياد أو بيعها عليهم وجميع لوازم أعيادهم من الأنوار والأشجار والمأكولات لا الديك الرومي ولا غيره ولا الحلويات التي على هيئة العكاز أو غيرها. وقد سبقت إجابة عن سؤال مشابه فيها مزيد من التفصيل تحت رقم 947. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 1130 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1073 اتخاذ الصداقات مع الكفار [السُّؤَالُ] ـ[عزيزي الشيخ سؤالي لك هو: ما إذا كان يجوز للمسلمين أن يكون لهم أصدقاء من غير المسلمين، مشكلتي أنني أعيش في بلد ليس فيها العديد من المسلمين وأصدقائي من غير المسلمين أشخاص جيدون، ولكنهم يقترفون الشرك، إذا توقفت عن اتخاذ أصدقاء غير مسلمين فكيف لهم أن يعرفوا الحق ويعتنقوا الإسلام؟ ولكن من جهة أخرى إذا لم يكونوا مهتمين بالاهتداء للإسلام فهل تبقى علاقتي معهم مستمرة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نهى الله تعالى المؤمنين أن يوالوا اليهود وغيرهم من الكفار ولاء ود ومحبة وإخاء ونصرة وأن يتخذونهم بطانة ولو كانوا غير محاربين للمسلمين قال تعالى: (لا تجدوا قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله.. الآية) وقال: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاًَ ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر _ إلى قوله تعالى _ ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم _ إلى قوله _ وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً إن الله بما يعملون محيط) وما في معناه من نص من الكتاب والسنة ولم ينه الله تعالى المؤمنين عن مقابلة معروف غير الحربيين بالمعروف أو تبادل المنافع المباحة من بيع وشراء وقبول الهدايا والهبات قال تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون) . وبالله التوفيق. اللجنة الدائمة برئاسة الشيخ ابن باز - رحمه الله - فتاوى اللجنة الدائمة م2 ص 42. وبالإضافة لما تقدّم عليك بملاحظة الفروق التالية: - فرق بين المعاملة الحسنة للكافر وبين اتخاذه صديقا. - فرق بين الاستفادة منه في أمر تجاري أو دراسي والاشتراك معه في ذلك وبين المصادقة التي تستلزم المحبّة والملازمة والتأثّر. - فرق بين إقامة علاقة معه لدعوته وبين المصاحبة دون قصد شرعيّ. فلتكن معاملتك لمن حولك من الكفار بهذا القصد. ونسأل الله أن يوفقك لنصرة دينه وصحبة أهل طاعته وصلى الله على نبينا محمد [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 1204 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1074 مشاركة الكفار احتفالاتهم ليشاركونا احتفالاتنا [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكن أن نشارك في احتفالات غير المسلمين فقط لكي نجذبهم لكي يشاركونا في احتفالاتنا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن كانت هذه الاحتفالات أعياد الكفار والمشركين فلا يجوز مشاركتهم في تلك الأعياد المحدثة، لما في تلك المشاركة من الإعانة على الإثم والعدوان، كما أن مشاركتهم في أعيادهم من صور التشبه بالكفار، وقد نهى الشارع عن التشبه بهم، قال صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم) أخرجه أبو داود وأحمد، وكان عمر رضي الله عنه يقول: (اجتنبوا أعداء الله في عيدهم) أخرجه البيهقي. وإن كانت المشاركة في وليمة مثلاً ولا يقع فيها شيء من المحاذير الشرعية كاختلاط الرجال بالنساء أو يُتعاطى فيها ما حرم الله من خمر أو خنزير أو رقص وموسيقى ونحوها، وكانت هذه المشاركة لا تفضي إلى محبة أو مودة لهؤلاء الكفرة فلا بأس بإجابة دعوتهم، وأن يسعى إلى تبليغهم دين الإسلام، فقد أجاب النبي صلى الله عليه وسلم دعوة بعض اليهود، والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 3325 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1075 تعلم اللغة الأجنبية [السُّؤَالُ] ـ[هل تعلم اللغة الإنجليزية حرام أم حلال؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان هناك حاجة دينية أو دنيوية إلى تعلم اللغة الإنجليزية، أو غيرها من اللغات الأجنبية فلا مانع من تعلمها، أما إذا لم يكن حاجة فإنه يكره تعلمها. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى اللجنة الدائمة 12/133. الحديث: 3414 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1076 الأرقام العربية والأرقام الأوربية [السُّؤَالُ] ـ[هناك نظرية تشيع بين بعض المثقفين، مفادها أن الأرقام العربية في رسمها الراهن (1-2-3-4 ألخ) هي أرقام هندية، وأن الأرقام الأوربية (etc 4-3-2-1) هي الأرقام العربية الأصلية، ويقودهم هذا الاستنتاج إلى خطوة أخرى هي الدعوة إلى اعتماد الأرقام في رسمها الأوروبي في البلاد العربية، داعمين هذا المطلب بأن الأرقام الأوربية أصبحت وسيلة للتعامل الحسابي مع الدول والمؤسسات الأجنبية التي باتت تملك نفوذاً واسعاً في المجالات الإقتصادية والاجتماعية في البلدان العربية، وأن ظهور أنواع الآلات الحسابية و (الكمبيوتر) التي لاتستخدم إلا هذه الأرقام يجعل اعتماد رسم الأرقام الأوربي في البلاد العربية أمراً مرغوباً فيه إن لم يكن شيئاً محتوماً لا يمكن تفاديه فما رأيكم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز تغيير رسم الأرقام العربية المستعملة حالياً إلى رسم الأرقام المستعملة في العالم الغربي للأسباب التالية: أولاً: أنه لم يثبت ما ذكره دعاة التغيير من أن الأرقام المستعملة في الغرب هي الأرقام العربية، بل إن المعروف غير ذلك، والواقع يشهد له، كما أن مضيّ القرون الطويلة على استعمال الأرقام الحالية في مختلف الأحوال والمجالات يجعلها أرقاما عربية، وقد وردت في اللغة العربية كلمات لم تكن في أصولها عربية وباستعمالها أصبحت من اللغة العربية، حتى أنه يوجد شيء منها في كلمات القرآن الكريم (وهي الكلمات التي توصف بأنها كلمات معربة) ثانياً: أن الفكرة لها نتائج سيئة، وآثار ضارة، فهي خطوة من خطوات التغريب للمجتمع الإسلامي تدريجياً. ثالثاً: أنها ستكون ممهدة لتغيير الحروف العربية واستعمال الحروف اللاتينية بدل العربية ولو على المدى البعيد. رابعاً: أنها مظهر من مظاهر التقليد للغرب واستحسان طرائقه. خامساً: أن جميع المصاحف والتفاسير، والمعاجم، والكتب المؤلفة كلها تستعمل الأرقام الحالية في ترقيمها أو في الإشارة إلى المراجع، وهي ثروة عظيمة هائلة، وفي استعمال الأرقام الافرنجية الحالية (عوضاً عنها) ما يجعل الأجيال القادمة لا تستفيد من ذلك التراث بسهولة ويسر. سادساً: ليس من الضروري متابعة بعض البلاد العربية التي درجت على استعمال رسم الأرقام الأوروبية، فإن كثيراً من تلك البلاد قد عطلت ما هو أعظم من هذا وأهم وهو تحكيم شريعة الله كلها مصدر العز والسيادة والسعادة في الدنيا والآخرة، فليس عملها حجة. [الْمَصْدَرُ] فتاوى إسلامية ص 528 الحديث: 3454 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1077 الدعاء للوالدين غير المتيقن إسلامهما [السُّؤَالُ] ـ[إنسان أسلم، وكان أبواه كافرين، وسبي وهو صغير، ومات الأبوان وما يعلم هل أسلما أم لا؟ ويغلب على ظنه إسلام أمه دون إسلام الأب، هل له الاستغفار والدعاء لهما بالرحمة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز أن يدعو لهما بأعيانهما، لأن الأصل بقاؤهما على الكفر، والدعاء للكافر حرام. قال الله تعالى: (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم) سورة التوبة /113. لكن يستحب أن يدعو بالمغفرة والرحمة لكل مسلم من والدِيه كلهم، فيدخل فيه من أسلم من أبيه وأمه، وأجداده، وجداته إلى آدم وحواء عليهما السلام، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] من كتاب فتاوى الإمام النووي ص 84 الحديث: 3485 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1078 الخدمة العسكرية في جيوش الكفار وتولي وظائف دينية فيها [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الخدمة العسكرية في جيوش الكفار؟ وما هو دليل الإباحة أو التحريم؟ وما هو الحكم إذا كان الشخص يعمل ليساعد الذين يعملون في الجيش على أدائهم لحقوق الله أثناء عملهم في الجيش أو البحرية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله فأجاب بما يلي: الحمد لله رب العالمين: الأمور العسكرية مشكلة لأنه يلزم منها مساعدة هؤلاء الكفار في حروبهم مع المسلمين أو مع من بينهم وبين المسلمين عهد، وأما إذا كان لا يلزم هذا فقد يكون من المصلحة أن يشتغل في العسكرية ليعرف أسرارهم ويحذر من شرهم. أي إذا كان عمله يفيد المسلمين وإلا فلا. أهـ وبناء عليه فإذا كان يعمل واعظا أو داعية أو إمام أو مؤذنا ينفع المسلمين ويدعو غير المسلمين فلا بأس بذلك. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 3885 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1079 تريد الإسلام ولا تريد ترك زوجها الكافر [السُّؤَالُ] ـ[تواجهنا في المراكز الإسلامية وأثناء دعوة النساء الكافرات إلى الإسلام مشكلة تعلّق الزوجة بزوجها الكافر الذي لا يريد أن يسْلم ويصعب عليها أن تضحي بزواجها منه وخصوصا عندما يكون بينهما أولاد وزوجها حسن الخلق فيتغلّب حبها له ونحن نعلم أنّ المرأة الكافرة إذا أسلمت لا يجوز لها البقاء في عصمة الرجل الكافر لقوله تعالى: (لا هنّ حِلّ لهم ولا هم يحلّون لهنّ) فكيف نتعامل مع هذه المشكلة وهل يجوز أن نركز على إسلامها ونترك باقي الموضوع؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين: امرأة تقول: أريد الإسلام وزوجي جيد ولا أريد الانفصال عنه، فماذا أفعل؟ الجواب: لابد أن تنفصل عنه، ولكن هل من الممكن أن تدعوه للإسلام؟ فتقول: إني أريد أن أسلم فإن أسلمْت فقد فسخ العقد إلا أن تسلم، فلعلها إذا ذكرت هذا له يوافق على الإسلام. سؤال: إذا أسلمت، فهل تكون في البيت حين دعوته أم تترك البيت؟ جواب: إذا كانت ترجو إسلامه تبقى في البيت حتى تنتهي العدة. سؤال: وهل تكشف عليه أثناء العدة أم لا؟ جواب: الاحتياط أن لا تكشف؛ لأنه ليس مؤكدا أنه يوافق. سؤال: ولا الخلوة؟ جواب: ولا الخلوة. سؤال: إذا كان إخبارها بهذا قد يصدها عن الإسلام، فهل يجوز لنا شرعا أن نحجب عنها النصف الثاني من الجواب، فنقول: أسلمي أولا ثم نجيبك بعد ذلك عن حكم الاستمرار؟ الجواب: لا، لو قلنا هذا ثم أُخبرت فارتدت صارت المشكلة أعظم، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب حين بعثه لأهل خيبر: أدعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه. سؤال: فهذه الآن لو بقيت معه بمعاشرة بعد الإسلام فهي صاحبة كبيرة؟ جواب: نعم، ولكن هل يجوز الإصرار على الزنا؟!! سؤال: ما ملخص ما نجيبها به؟ جواب: نقول لها: أسلمي، واعلمي أنك إذا أسلمت ولم يسلم زوجك فإنه ينفسخ النكاح. انتهى. وينبغي التركيز في الحديث مع النّساء اللاتي يتعرّضن لهذه القضية على الأمور التالية مع الشّرح المستفيض: - تقديم محبّة الله ورسوله على محبّة كلّ أحد - أنّها إذا أخلصت في دعوته والدّعاء له فقد يهديه الله على يديها - أن من ترك شيئا لله عوّضه الله خيرا منه - أنّ الله لا يُضيّع عبده الذي ضحّى بما يحبّ من أجله وكذلك أن يُسعى في حلّ مشكلة مثل هذه المرأة إذا أسلمت وانفصلت عن زوجها بأن يتقدّم من الاخوة المسلمين من يتزوجها ويضمّ إليه أولادها أو يوجد من أهل الخير المسلمين من ينفق عليها وعليهم، نسأل الله الهداية والتوفيق والسّداد، وصلى الله على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن صالح العثيمين الحديث: 4036 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1080 لبس زي غير المسلمين [السُّؤَالُ] ـ[من لبس غير زي المسلمين هل عليه ضرر في دينه وصلاته أم لا؟ وهل لبس النبي صلى الله عليه وسلم ما يلبسه الأجناد في زماننا من قباء وغيره مما هو ضيق الكمين أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يُنهى عن التشبه بالكفار في لباس وغيره، للأحاديث الصحيحة المشهورة في ذلك وتنقص به صلاته، وثبت في صحيح البخاري وغيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس قباء في بعض الأوقات، وثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس جبة شامية ضيقة الكمين. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى الإمام النووي ص 61. الحديث: 4056 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1081 مسلمة يحتفل أهلها الكفار بأعيادهم [السُّؤَالُ] ـ[والداي وأخواي ليسوا مسلمين ويصرون على الاحتفال بيوم ميلادي فيرسلون لي رسائل ويتصلون بي ويغنون أغنية عيد الميلاد، وقد قلت لهم إن هذا اليوم كأي يوم آخر. أنا المسلمة الوحيدة في العائلة ومتزوجة بمسلم وأعيش في منطقة أخرى في كندا بعيدا عن عائلتي. هذه السنة فصلت الهاتف ذلك اليوم لكي لا أستقبل مكالماتهم، فماذا أفعل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نهنئك أيتها الأخت الكريمة علىهذا الثبات على الدين، والإبتعاد عن البدع والشرك، نسأل الله أن يثبتك ويدخلك جنته إنه سميع مجيب. واحرصي كل الحرص على عدم التهنئة بأعياد المشركين، فإنها من التشبه بهم، ومعناها إقرارهم على باطلهم، وحبذا لو عرف أهلك لماذا لا تردين عليهم حتى لا يتكرر منهم الإتصال.. واسألي الله الثبات. وفقك الله لما يحبه ويرضاه، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 4528 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1082 مشكلة الذوبان اللغوي للمسلمين في الخارج [السُّؤَالُ] ـ[نواجه نحن المسلمين في الخارج مشكلة الذّوبان اللغوي بحيث نتكلّم بلغة الكفّار في بلاد الغرب من حيث نشعر ولا نشعر، مماشاةً لمن حولنا وتأثّرا بالوسط الذي نعيش فيه، فما هو موقف الشريعة من هذا الأمر وكيف نتغلّب على المشكلة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اذكر شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية رحمه الله في شأن هذه المشكلة وتبيان خطرها وأثرها والموقف الشّرعي منها كلاما متينا نفيسا هذا نصّه: " وأما اعتياد الخطاب بغير العربية التي هي شعار الإسلام ولغة القرآن حتى يصير ذلك عادة للمصر وأهله ولأهل الدار وللرجل مع صاحبه ولأهل السوق أو للأمراء أو لأهل الديوان أو لأهل الفقه فلا ريب أن هذا مكروه فإنه من التشبه بالأعاجم وهو مكروه كما تقدم. ولهذا كان المسلمون المتقدمون لما سكنوا أرض الشام ومصر ولغة أهلهما رومية وارض العراق وخراسان ولغة أهلهما فارسية وأهل المغرب ولغة أهلها بربرية عودوا أهل هذه البلاد العربية حتى غلبت على أهل هذه الأمصار مسلمهم وكافرهم وهكذا كانت خراسان قديما ثم إنهم تساهلوا في أمر اللغة واعتادوا الخطاب بالفارسية حتى غلبت عليهم وصارت العربية مهجورة عند كثير منهم ولا ريب أن هذا مكروه. وإنما الطريق الحسن اعتياد الخطاب بالعربية حتى يتلقنها الصغار في الدور والمكاتب فيظهر شعار الإسلام وأهله ويكون ذلك أسهل على أهل الإسلام في فقه معاني الكتاب والسنة وكلام السلف بخلاف من اعتاد لغة ثم أراد أن ينتقل إلى أخرى فإنه يصعب عليه واعلم أن اعتياد اللغة يؤثر في العقل والخلق والدين تأثيرا قويا بينا ويؤثر أيضا في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخلق وأيضا فإن نفس اللغة العربية من الدين ومعرفتها فرض واجب فإن فهم الكتاب والسنة فرض ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ثم منها ما هو واجب على الأعيان ومنها ما هو واجب على الكفاية وهذا معنى ما رواه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عيسى بن يونس عن ثور عن عمر بن يزيد قال كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أما بعد فتفقهوا في السنة وتفقهوا في العربية وأعربوا القرآن فإنه عربي وفي حديث آخر عن عمر رضي الله عنه أنه قال تعلموا العربية فإنها من دينكم وتعلموا الفرائض فإنها من دينكم وهذا الذي أمر به عمر رضي الله عنه من فقه العربية وفقه الشريعة يجمع ما يحتاج إليه لأن الدين فيه فقه أقوال وأعمال ففقه العربية هو الطريق إلى فقه أقواله وفقه السنة هو الطريق إلى فقه أعماله.. " اقتضاء الصراط المستقيم 2/207 وننصح بالإضافة لما تقدّم بما يلي: - أن يجاهد المسلمون أنفسهم هم وأهلوهم وأولادهم على أن يتكلموا باللغة العربية في بيوتهم ومنتدياتهم واجتماعاتهم وأن يكون الوالدان قدوة للأولاد داخل البيت في هذا وان يتعمّدا أحيانا عدم إجابة الولد إذا لم يتكلّم باللغة العربية. - الحرص على إدخال الأولاد المدارس والأكاديميات العربية ما أمكن ذلك. - أن تعيش العوائل المسلمة في تجمعات سكانية ما أمكن حيث يكون المحيط والجيران والبيئة الصغيرة عربية اللغة. - الاجتهاد في إقامة دورات لتعليم اللغة العربية واحتساب الأجر في ذلك والتقرّب إلى الله به وكذلك متابعة تعلّم اللغة العربية في الكتب والأشرطة والوسائل التعليمية الحديثة. - السماع المستمر للقرآن الكريم المسجّل وأشرطة الدروس والمحاضرات الإسلامية باللغة العربية. والله وليّ التوفيق وصلى الله على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 4839 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1083 حكم المشاركة في بعض الاحتفالات السنوية [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الشرع في المشاركة في بعض الاحتفالات والمناسبات السنوية مثل اليوم العالمي للأسرة، واليوم الدولي للمعاقين والسنة الدولية للمسنين، وكذا بعض الاحتفالات الدينية كالإسراء والمعرج والمولد النبوي والهجرة وذلك بإعداد بعض النشرات أو إقامة المحاضرات والندوات الإسلامية لتذكير الناس ووعظهم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الذي يظهر لي أن هذه الأيام التي تتكرر في كل سنة والاجتماعات هي من الأعياد المحدثة، والشرائع المبتدعة التي لم ينزل الله تعالى بها من سلطاناً، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم. وقال أيضاً: (إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا) متفق عليه. ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى كلام طويل في (اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم) في ذم المواسم والأعياد المحدثة التي لا أصل لها في الشرع الحنيف، وأن ما تشتمل عليه من الفساد في الدين ليس كل أحدٍ بل ولا أكثر الناس يُدرك فساد هذا النوع من البدع، ولا سيما إن كانت من جنس العبادات المشروعة، بل أولو الألباب هم الذين يدركون بعض ما فيه من الفساد. وأن الواجب على الخلق: اتباع الكتاب والسنة، وإن لم يدركوا ما في ذلك من المصلحة والمفسدة. وأن من أحدث عملاً في يوم كإحداث صوم أو صلاة أو صنع أطعمة أو زينة وتوسيع في النفقة ونحو ذلك، فلا بد أن يتبع هذا العمل اعتقاد في القلب، وذلك لأنه لا بد أن يعتقد أن هذا اليوم أفضل من أمثاله، إذ لولا قيام هذا الاعتقاد في قلبه، أو قلب متبوعه، لما انبعث القلب لتخصيص هذا اليوم والليلة فإن الترجيح من غير مرجح ممتنع. وأن العيد يكون اسماً لنفس المكان ولنفس الزمان، ولنفس الاجتماع، وهذه الثلاثة قد أحدث منها أشياء. أما الزمان فثلاثة أنواع، ويدخل فيها بعض بدع أعياد المكان والأفعال. إحداهما: يوم لم تعظمه الشريعة أصلاً، ولم يكن له ذكر عند السلف، لا جرى فيه ما يوجب تعظيمه. النوع الثاني: ما جرى فيه حادثة كما كان يجري في غيره، من غير أن يوجب ذلك جعله موسماً، ولا كان السلف يعظمونه. وإن من فعل ذلك فقد شابه النصارى الذين يتخذون أمثال أيام حوادث عيسى عليه السلام أعياداً أو اليهود، وإنما العيد شريعة فما شرعه الله اتُبع، وإلا لم يُحدث في الدين ما ليس منه. وكذلك ما يحدثه بعض الناس إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام وإما محبة للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيماً.. فإن هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضي له، وعدم المانع فيه لو كان خيراً ... النوع الثالث: ما هو معظم في الشريعة كيوم عاشوراء ويوم عرفة ويومي العيدين وغيرها، ثم يحدث فيه أهل الأهواء ما يعتقدون أنه فضيلة وهو منكر ينهى عنه، مثل إحداث الروافض التعطش والحزن في يوم عاشوراء وغير ذلك، من الأمور المحدثة التي لم يشرعها الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من السلف ولا من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأما اتخاذ اجتماع راتب يتكرر بتكرر الأسابيع أو الشهور أو الأعوام غير الاجتماعات المشروعة، فإن ذلك يضاهي الاجتماع للصلوات الخمس وللجمعة وللعيدين وللحج، وذلك هو المبتدع المحدث. وأصل هذا: أن العبادات المشروعة التي تتكرر بتكرر الأوقات، حتى تصير سنناً ومواسم، قد شرع الله منها ما فيه كفاية العباد، فإذا أحدث اجتماع زائد على هذه الاجتماعات معتاد، كان ذلك مضاهاة لما شرعه الله وسنه، وفيه من الفساد ما تقدم التنبيه على بعضه بخلاف ما يفعله الرجل وحده أو الجماعة المخصوصة أحياناً. انتهى ملخصاً. وبناء على ما سبق: لا يجوز للمسلم المشاركة في هذه الأيام التي يحتفل بها في كل عام، وتتكرر في كل سنة، لمشابهتها لأعياد المسلمين كما مر معنا، أما إن كانت غير متكررة، وقَدر فيها المسلم على بيان الحق الذي يحمله وتبليغه للناس فلا حرج عليه إن شاء الله تعالى، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] المرجع: مسائل ورسائل /محمد الحمود النجدي ص31. الحديث: 5219 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1084 أسلم وله أصدقاء كفار [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان لي أصدقاء غير مسلمين قبل أن أسلم فهل يمكن أن أبقي على صداقتي بهم؟ أم يجب أن أصادق المسلمين فقط؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله: لا يجب عليه (قطيعة زملائه الكفّار) مادام أنه ليس منهم أذية، لكن ينسحب منهم شيئا فشيئا، ويعرض عليهم الإسلام لعلهم إذا رأوه قد أسلم أنهم يسلمون. انتهى والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن صالح العثيمين الحديث: 6099 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1085 حكم الحصول على الجنسية الكافرة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الحصول على الجنسية الكافرة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين فأجاب حفظه الله بقوله: من اضطر إلى طلب جنسية دولة كافرة كمطارد من بلده ولم يجد مأوى فيجوز له ذلك بشرط أن يظهر دينه ويكون متمكنا من أداء الشعائر الدينية، وأما الحصول على الجنسية من أجل مصلحة دنيوية محضة فلا أرى جوازه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد الله بن جبرين الحديث: 6247 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1086 من لم يعتقد كفر الكفار فهو كافر [السُّؤَالُ] ـ[هل صحيح أن الشخص إذا لم يقتنع بأن الكافر كافر فإنه يكفر هو؟ حتى لو أنه يصلي ويؤمن بالقرآن والسنة. إذا كان الجواب نعم فما هو الدليل على هذا؟ هل يمكن للشخص أن يؤمن بأن اليهود والنصارى مؤمنون وسيدخلون الجنة بعد أن تم تبيين الحقيقة لهم، ولا يزال يعتبر مسلماً؟ .]ـ [الْجَوَابُ] 1. نعم صحيح، ومن لم يقتنع بكفر الكافر في دين الله فما صدَّق ما أخبر الله تعالى به من كفرهم، وما اعتقد أن دين الإسلام ناسخ لما قبله من الأديان، وأن على كل أحد من الناس أن يتبع هذا الدين كائناً ما كان دينه قبل ذلك. قال الله عز وجل {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} [آل عمران 85] ، وقال {قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً} [الأعراف 158] . 2. قال القاضي عياض: ولهذا نكفِّر كل من دان بغير ملة المسلمين من الملل، أو وقف فيهم، أو شك، أو صحَّح مذهبهم، وإن أظهر مع ذلك الإسلام، واعتقده، واعتقد إبطال كل مذهب سواه، فهو كافر بإظهاره ما أظهر من خلاف ذلك. أ. هـ " الشفا بتعريف حقوق المصطفى " (2 / 1071) . 3. قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى: اعلم أن من أعظم نواقض الإسلام عشرة: الأول: الشرك في عبادة الله وحده لا شريك له والدليل قوله تعالى {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} ومنه الذبح لغير الله كمن يذبح للجن أو القباب. الثاني: من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة: كفرَ إجماعاً. الثالث: من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم: كفَرَ إجْماعاً. - وبعد أن عددها قال رحمه الله: - ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد والخائف إلا المكره وكلها من أعظم ما يكون خطرا ومن أكثر ما يكون وقوعا فينبغي للمسلم أن يحذرها ويخاف منها على نفسه نعوذ بالله من موجبات غضبه وأليم عقابه وصلى الله على محمد. مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب (212، 213) . 4. والشرك والكفر سواء في الحكم. قال ابن حزم: الكفر والشرك سواء، وكل كافر فهو مشرك وكل مشرك فهو كافر وهو قول الشافعي وغيره. "الفِصَل" (3/124) . 5. واليهود والنصارى كفار مشركون قال تعالى {وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون … .. سبحانه عما يشركون} [التوبة 30، 31] . = عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار". رواه مسلم (153) . فمن قال إن اليهود ليسوا كفارا فهو مكذب بقوله تعالى عن اليهود: (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمْ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ.. (93) البقرة ومكذّب بقوله تعالى: (مِنْ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ.. (46) النساء ومكذّب بقوله تعالى: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمْ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلا قَلِيلا (155) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (156) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ.. (157) النساء ومكذّب بقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا (150) أُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (151) النساء ومن قال إن النّصارى ليسوا كفارا فهو مكذّب بقول الله تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ.. (17) المائدة ومكذّب بقوله تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنتَهُوا عَمَّ يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) المائدة ومكذّب بقوله تعالى عن اليهود والنصارى الذين لا يؤمنون بنبينا ولا يتبعونه: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا (150) أُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (151) النساء فماذا بقي بعد هذا البيان من الله عزّ وجلّ؟! ، نسأل الله الهداية، وصلى الله على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 6688 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1087 ما حكم الشراء من كفار مع وجود مسلمين [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم ترك المسلمين التعاون فيما بينهم بأن لا يرضى ولا يحب أن يشتري من المسلمين ويرغب في الشراء من دكاكين الكفار، هل هذا حلال أم حرام؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأصل جواز شراء المسلم ما يحتاجه مما أحل الله له من المسلم أو من الكافر، وقد اشترى النبي صلى الله عليه وسلم من اليهود لكن إذا كان عدول المسلم عن الشراء من أخيه المسلم من غير سبب من غش ورفع أسعار ورداءة سلعة إلى محبة الشراء من كافر والرغبة في ذلك وإيثاره على المسلم دون مبرر - فهذا حرام لما فيه من النقص على تجار المسلمين وكساد سلعهم، وعدم رواجها إذا اتخذ المسلم ذلك عادة له، وأما إن كانت دواع للعدول من نحو ما تقدم فعليه أن ينصح لأخيه المسلم بترك ما يصرفه عنه من العيوب، فإن انتصح فالحمد لله، وإلا عدل عنه إلى غيره، ولو كان كافر يحسن تبادل المنافع ويصدق في معاملته. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى اللجنة الدائمة ج13/18. الحديث: 6699 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1088 يُدعى للذهاب مع الكفّار إلى أماكن [السُّؤَالُ] ـ[أعيش في مجتمع كافر وأظن أن المسلمين من عمري لا يطبقون الإسلام كما يجب، بعض الأحيان أُدعى للذهاب لأماكن وفعل أشياء مع غير المسلمين ولست أدري هل هذا تصرف صحيح أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] ذهابك مع غير المسلمين وصنعك معهم أشياء لا تدري ما حكمها نقول لك فيه ما يلي: لا يجوز لك أن تفعل شيئاً يختص بالكفار، وأن تشاركهم به، وإذا كنت تقول الآن إنك لا تدري ما الحكم: فنقول لك إنك قد تشارك في بعض الأشياء عندهم وهي في شرعنا من الكفر، وذلك مثل المشاركة في أعيادهم وصومهم، وإن سلمْتَ من الكفر فلا تسلم من الوقوع في كبائر الإثم، كذا قرر الأئمة أمثال ابن القيم في كتابه " أحكام أهل الذمة "، وشيخه ابن تيمية في " اقتضاء الصراط المستقيم ". = بل وحتى لو كنت تعلم ثم فعلت مثل هذه الأفعال مجاملة أو تودداً: فإنك لا تسلم من الإثم. قال الشيخ محمد الصالح ابن عثيمين: ومن فعل شيئاً من ذلك - أي: المشاركة في احتفالاتهم - فهو آثم، سواء فعله مجاملة أو تودُّداً أو حياءً، أو لغير ذلك مِن الأسباب؛ لأنه من المداهنة في دين الله، ومِن أسباب تقوية نفوس الكفار وفخرهم بدينهم. أ. هـ " مجموع فتاوى ابن عثيمين " (3/110) . وإذا كان ذهابك معهم في غير مناسبات أعيادهم لحضور حفلات واجتماعات فيها رقص وغناء وموسيقى واختلاط وتبرّج فهذا حرام ولا يجوز. وإن كان ذهابك مع الكفار لحضور اجتماع عاديّ كمحاضرة علميّة ليس فيه محّرم فلا بأس بذلك مع الانتباه لما قد تنجرّ إليه من وراء كثرة المخالطة للكفّار، واحرص على الالتزام بالاجتماع إلى المسلمين الطيّبين، وفقك الله لكل خير. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 7855 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1089 السفر إلى بلاد الكفر لغير حاجة [السُّؤَالُ] ـ[إني فتاة في الخامسة عشرة من عمري وأهلي يكثرون من السفر للخارج ويجبرونني على السفر معهم وعلى خلع العباءة ولبس ملابس أخرى، علما بأني أستر رجلي تماما وإني أشعر بضيق، ولا أستطيع لبس العباءة لأنني أحرج ويستغرب الناس فما الحل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله كل هذا ليس بعذر، فالحق من شأنه أن يستغربه الناس لا سيما منهم من نشأ على الباطل، فعليك ألا تسافري - إن أمكن - إلى بلاد الكفر، فالمسافر عندما يشاهد الأوروبيين وغيرهم من ملة الكفر على هذه الحالة السيئة يخف وقع أوامر الإسلام في قلبه ولا يبالي بها، فقد يستغرب أول ما يرى ما هم فيه وينكر عليهم ويبغض هذا الشيء، لكن بالتكرار يألفه ويعتاده، وربما مالت نفسه إليه، فلا يجوز السفر مهما كانت الحالة، إلا في الحالات الضرورية. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد الله بن حميد ص 22. الحديث: 8919 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1090 تولية غير المسلم على بيت مال المسلمين [السُّؤَالُ] ـ[رجل يهودي ولي صيرفيا في بيت مال المسلمين ليزن الدراهم المقبوضة والمصروفة، وينقدها، ويعتمد في ذلك قوله، هل تحل ولايته أم لا؟ وهل يثاب ولي الأمر على عزله واستبدال ثقة مسلم بدله، وهل يثاب المساعد في عزله؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يحل تولية اليهودي ذلك، ولا يجوز إبقاؤه فيها، ولا يحل اعتماد قوله في شيء من ذلك، ويثاب ولي الأمر وفقه الله تعالى في عزله، واستبدال مسلم ثقة، ويثاب المساعد في عزله. قال الله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم " آل عمران: 118 إلى آخر الآيات، ومعناها لا تتخذوا من يداخل بواطن أموركم من دونكم، أي من غيركم، وهم الكفار، لا يألونكم خبالا أي لا يقصرون فيما يقدرون على إيقاعه من الفساد والأذى والضرر، قد بدت البغضاء من أفواههم، يقولون نحن أعداؤكم، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] فتاوى الإمام النووي 225 الحديث: 9606 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1091 حكم الدعوة إلى وحدة الأديان [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الدعوة إلى (وحدة الأديان) ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فإن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء استعرضت ما ورد إليها من تساؤلات، وما ينشر في وسائل الإعلام من آراء ومقالات بشأن الدعوة إلى (وحدة الأديان) : دين الإسلام، ودين اليهودية، ودين النصارى، وما تفرع عن ذلك من دعوة إلى بناء مسجد وكنيسة ومعبد في محيط واحد، في رحاب الجامعات والساحات العامة، ودعوة إلى طباعة القرآن الكريم والتوراة والإنجيل في غلاف واحد، إلى غير ذلك من آثار هذه الدعوة، وما يعقد لها من مؤتمرات وندوات وجمعيات في الشرق والغرب، وبعد التأمل والدراسة فإن اللجنة تقرر ما يلي: أولاً: إن من أصول الاعتقاد في الإسلام، المعلومة من الدين بالضرورة، والتي أجمع عليها المسلمون: أنه لا يوجد على وجه الأرض دين حق سوى الإسلام، وأنه خاتمة الأديان، وناسخ لجميع ما قبله من الأديان والملل والشرائع، فلم يبق على وجه الأرض دين يُتعبد الله به سوى الإسلام، قال الله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً) وقال تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) . والإسلام بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم هو ما جاء به دون ما سواه من الأديان. ثانياً: ومن أصول الاعتقاد في الإسلام: أن كتاب الله تعالى: (القرآن الكريم) هو آخر الكتب نزولاً وعهداً برب العالمين، وأنه ناسخ لكل كتاب أنزل من قبل؛ من التوراة والزبور والإنجيل وغيرها، ومهيمن عليها، فلم يبق كتاب منزل يُتعبد الله به سوى القرآن الكريم، قال الله تعالى: (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق) . ثالثاً: يجب الإيمان بأن التوراة والإنجيل قد نسخا بالقرآن الكريم، وأنه قد لحقهما التحريف والتبديل بالزيادة والنقصان، كما جاء ذلك في آيات من كتاب الله الكريم، منها قول الله تعالى: (فبما نقضهم ميثاقهم لعنّاهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظاً مما ذُكِّروا به ولا تزال تطّلع على خائنة منهم إلا قليلاً منهم) ، وقوله عز وجل: (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون) وقوله سبحانه: (وإن منهم فريقاً يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون) . ولهذا فما كان منها صحيحاً فهو منسوخ بالإسلام، وما سوى ذلك فهو محرف أو مبدل، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه غضب حين رأى مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه صحيفة فيها شيء من التوراة، وقال عليه الصلاة والسلام: " أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ ألم آت بها بيضاء نقية؟! لو كان أخي موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي " رواه أحمد والدارمي وغيرهم. رابعاً: من أصول الاعتقاد في الإسلام: أن نبينا ورسولنا محمداً صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والمرسلين، كما قال تعالى: (ما كان محمداً أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين) ، فلم يبق رسول يجب اتباعه سوى محمد صلى الله عليه وسلم، ولو كان أحد من الأنبياء حياً لما وسعه إلا اتباعه صلى الله عليه وسلم، وإنه لا يسع أتباعهم إلا ذلك، كما قال تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال ءأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين) ، ونبي الله عيسى عليه الصلاة والسلام إذا نزل في آخر الزمان يكون تابعاً لمحمد صلى الله عليه وسلم، وحاكماً بشريعته، وقال الله تعالى: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون) . كما أن من أصول الاعتقاد في الإسلام أن بعثة محمد صلى الله عليه وسلم عامة للناس أجمعين، قال الله تعالى: (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً ولكن أكثر الناس لا يعلمون) وقال سبحانه: (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً) وغيرها من الآيات. خامساً: ومن أصول الإسلام أنه يجب اعتقاد كفر كل من لم يدخل في الإسلام من اليهود والنصارى وغيرهم، وتسميته كافراً ممن قامت عليه الحجة، وأنه عدو الله ورسوله والمؤمنين، وأنه من أهل النار، كما قال تعالى: (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة) وقال جل وعلا: (إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية) ، وقال تعالى: (وأوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ) ، وقال تعالى: (هذا بلاغ للناس وليُنذَروا به) وغيرها من الآيات، وثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة: يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار ". ولهذا فمن لم يُكَفِّر اليهود والنصارى فهو كافر، طرداً لقاعدة الشريعة: " من لم يُكفِّر الكافر بعد إقامة الحجة عليه فهو كافر ". سادساً: وأمام هذه الأصول الاعتقادية، والحقائق الشرعية، فإن الدعوة إلى (وحدة الأديان) والتقارب بينها وصرفها في قالب واحد، دعوة خبيثة ماكرة، والغرض منها خلط الحق بالباطل، وهدم الإسلام وتقويض دعائمه، وجرّ أهله إلى ردة شاملة، ومصداق ذلك في قول الله سبحانه: (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا) وقوله جل وعلا: (ودُّوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء) . سابعاً: وإن من آثار هذه الدعوة الآثمة إلغاء الفوارق بين الإسلام والكفر، والحق والباطل، والمعروف والمنكر، وكسر حاجز النفرة بين المسلمين والكافرين، فلا ولاء ولا براء، ولا جهاد ولا قتال لإعلاء كلمة الله في أرض الله، والله جل وتقدس يقول: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) ، ويقول جل وعلا: (وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين) ، وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً ودوا ما عنتّم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تُخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون) . ثامناً: إن الدعوة إلى (وحدة الأديان) إن صدرت من مسلم فهي تعتبر ردة صريحة عن دين الإسلام؛ لأنها تصطدم مع أصول الاعتقاد، فترضى بالكفر بالله عز وجل، وتُبطل صدق القرآن ونَسْخه لجميع ما قبله من الشرائع والأديان، وبناء على ذلك فهي فكرة مرفوضة شرعاً، محرمة قطعاً بجميع أدلة التشريع في الإسلام من قرآن وسنة وإجماع. تاسعاً: وبناءً على ما تقدم: 1 - فإنه لا يجوز لمسلم يؤمن الله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً الدعوة إلى هذه الفكرة الآثمة، والتشجيع عليها، وتسليكها بين المسلمين، فضلاً عن الاستجابة لها، والدخول في مؤتمراتها وندواتها، والانتماء إلى محافلها. 2 - لا يجوز لمسلم طباعة التوراة والإنجيل منفردين، فكيف مع القرآن الكريم في غلاف واحد؟ فمن فعله أو دعا إليه فهو في ضلال بعيد؛ لما في ذلك من الجمع بين الحق (القرآن الكريم) والمحرف أو الحق المنسوخ (التوراة والإنجيل) . 3 - كما لا يجوز لمسلم الاستجابة لدعوة: (بناء مسجد وكنيسة ومعبد) في مجمع واحد؛ لما في ذلك من الاعتراف بدين يُعبد الله به غير دين الإسلام، وإنكار ظهوره على الدين كله، ودعوة مادية إلى أن الأديان ثلاثة، لأهل الأرض التدين بأي منها، وأنها على قدم التساوي، وأن الإسلام غير ناسخ لما قبله من الأديان، ولا شك أن إقرار ذلك واعتقاده أو الرضا به كفر وضلال؛ لأنه مخالفة صريحة للقرآن الكريم والسنة المطهرة وإجماع المسلمين، واعتراف بأن تحريفات اليهود والنصارى من عند الله، تعالى الله عن ذلك. كما أنه لا يجوز تسمية الكنائس (بيوت الله) وأن أهلها يعبدون الله فيها عبادة صحيحة مقبولة عند الله، لأنها عبادة على غير دين الإسلام، والله تعالى يقول: (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) ، بل هي بيوت يُكفَرُ فيها بالله، نعوذ بالله من الكفر وأهله، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (22/162) : " ليست - البِيَع والكنائس - بيوتاً لله، وإنما بيوت الله المساجد، بل هي بيوتٌ يُكفر فيها بالله، وإن كان قد يُذكر فيها، فالبيوت بمنزلة أهلها، وأهلها الكفار، فهي بيوت عبادة الكفار ". عاشراً: ومما يجب أن يُعلم: أن دعوة الكفار بعامة، وأهل الكتاب بخاصة إلى الإسلام واجبة على المسلمين، بالنصوص الصريحة من الكتاب والسنة، ولكن لا يكون إلا بطريق البيان والمجادلة بالتي هي أحسن، وعدم التنازل عن شيء من شرائع الإسلام، وذلك للوصول إلى قناعتهم بالإسلام، ودخولهم فيه،أو إقامة الحجة عليهم ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيّ عن بينة، قال الله تعالى: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون) ، أما مجادلتهم واللقاء معهم ومحاورتهم لأجل النزول عند رغباتهم، وتحقيق أهدافهم، ونقض عرى الإسلام ومعاقد الإيمان فهذا باطل يأباه الله ورسوله والمؤمنون والله المستعان على ما يصفون، قال تعالى: (واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك) . وإن اللجنة إذ تقرر ما تقدم ذكره وتبينه للناس؛ فإنها توصي المسلمين بعامة، وأهل العلم بخاصة بتقوى الله ومراقبته، وحماية الإسلام، وصيانة عقيدة المسلمين من الضلال ودعاته، والكفر وأهله، وتحذرهم من هذه الدعوة الفكرية. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء الحديث: 10213 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1092 حكم أكل المسلم مع الكافر [السُّؤَالُ] ـ[هل إذا أكل المسلم مع نصراني أو غيره من الكفرة أو شرب معه يعتبر ذلك حراماً؟ وإذا كان ذلك حراماً فما نقول في قول الله تعالى: (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم) المائدة/5؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس الأكل مع الكافر حراماً إذا دعت الحاجة إلى ذلك أو المصلحة الشرعية، لكن لا تتخذوهم أصحاباً فتأكل معهم من غير سبب شرعي أو مصلحة شرعية ولا تؤانسهم، وتضحك معهم، ولكن إذا دعت إلى ذلك حاجة كالأكل مع الضيف أو ليدعوهم إلى الله ويرشدهم إلى الحق أو لأسباب أخرى شرعية فلا بأس. وإباحة طعام أهل الكتاب لنا لا يقتضي اتخاذهم أصحاباً وجلساء ولا تقتضي مشاركتهم في الأكل والشرب من دون حاجة ولا مصلحة شرعية والله ولي التوفيق. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/9 ص/324. الحديث: 10342 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1093 الفرق بين موالاة الكفار والاستعانة بهم [السُّؤَالُ] ـ[ما هو الفرق بين موالاة الكفار وتوليهم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المولاة معناها: المناصرة والمساعدة على أمورهم الكفرية، ومن ذلك أن يقاتل المسلمون مع الكفار، يعني مثلاً يقوم الكفار بغزو بلد من البلدان الإسلامية فيتولاهم هذا المسلم وينصرهم ويساعدهم على هذه البلدة في القتال سواءً بالسلاح أو بإمدادهم بأي شيء يساعدهم على قتال المسلمين، هذا من موالاتهم، وهو أيضاً من توليهم، فإن المولاة والتولي يراد بها هنا المناصرة وأن يكون يداً معهم على المسلمين. أما الاستعانة بهم فهذا يرجع إلى المصلحة، إن كان في ذلك مصلحة فلا بأس، بشرط أن نخاف من شرهم وغائلتهم وألا يخدعونا، وإن لم يكن في ذلك مصلحة فلا يجوز الاستعانة بهم لأنهم لا خير فيهم. [الْمَصْدَرُ] لقاءات الباب المفتوح للشيخ محمد بن صالح العثيمين ص 20. الحديث: 10421 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1094 حضور أعياد المشركين وتهنئتهم بها [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز حضور الاحتفال بأعياد النصارى وتهنئتهم بها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال ابن القيم رحمه الله: ولا يجوز للمسلمين حضور أعياد المشركين باتفاق أهل العلم الذين هم أهله. وقد صرح به الفقهاء من أتباع المذاهب الأربعة في كتبهم. . . وروى البيهقي بإسناد صحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (لا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم فإن السخطة تنزل عليهم) . وقال عمر أيضاً: (اجتنبوا أعداء الله في أعيادهم) . وروى البيهقي بإسناد جيد عن عبد الله بن عمرو أنه قال: (من مَرَّ ببلاد الأعاجم فصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة) اهـ أحكام أهل الذمة 1 /723-724. وأما تهنئتهم بأعيادهم فقد تقدم جواب عن ذلك برقم (947) فننصح السائل بمراجعته. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 11427 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1095 مناصرة الجالية الإسلامية في السويد للمسلمين في فلسطين [السُّؤَالُ] ـ[الجالية الإسلامية عندنا في جنوب السويد قررت أن تقوم بمظاهرة تضامناً مع الشعب الفلسطيني على أن تكون المظاهرة سلمية لإيصال صوت المسلمين إلى الحكومة السويدية للضغط من أجل إيقاف المجازر في حق أطفال الشعب الفلسطيني فما حكم مثل هذه المظاهرات ونحيطكم علماً أن مثل هذه المظاهرات لها دور كبير وفعال لإيصال صوت المسلمين إلى السياسيين للضغط على حكومة الصهاينة من أجل إيقاف المجازر في حق الأطفال في فلسطين. أفتونا جزاكم الله خير الجزاء.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا بأس أن تحتج الجالية الإسلامية في السويد في محاولة لتخفيف الضغط على المسلمين في فلسطين، وأن يبينوا للشعب السويدي وحكومته جرائم اليهود التي ارتكبوها في حق المسلمين في أرض فلسطين. وأن يسلكوا في ذلك كل سبيل شرعي وفعال. وأما التظاهرات فإن فيها عدد من المحذورات الشرعية يجب الحذر منها، ومن ذلك: خروج النساء متبرجات - واستعمال أصوات موسيقية أثناء المظاهرة - والهتاف بشعارات غير صحيحة مثل القدس عربية وستبقى عربية (والصحيح أن القدس إسلامية وليست للعرب فقط) - ووقوف المظاهرة أمام ضريح كافر أو لوضع إكليل من الزهور على قبره - التوسل للكفار بعبارات فيها مذلة للمسلمين - رفع صور أو دمى ذوات الأرواح - ظلم الآخرين كسد الطريق وتعطيل مرور الناس - استخدام سباب وشتائم لا تجوز شرعاً - اختلاط الرجال بالنساء أثناء المظاهرة - التشبه بالكفار بشيء من خصائصهم من لباس أو إشارة يضعها أو يرتديها المتظاهرون المسلمون - الاعتداء على ممتلكات الأبرياء كتحطيم محلاتهم أو نوافذهم أو إيقاد النار في المرافق العامة ونحو ذلك من المحرمات والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 11469 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1096 التبرع بالدم للكافر المسالم الذي ليس بيننا وبينه حرب [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم التبرع بالدم في بلاد الكفر حيث سيعطى الدم لكافر على الأرجح؟ توجد حالات يعاني فيها أطفال من أمراض في الدم، ويكون أولئك الأطفال في حاجة ماسة للصفيحات (اللويحات) الدموية؟ فهل حكم (التبرع في هذه الحالة) هو نفس الحكم الخاص بالسؤال السابق؟ أخبرني أحد الأئمة بأن الدم يجب ألا يتبرع به، (هل قوله صحيح) ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سئل الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى عن ذلك فقال: " لا أعلم مانعاً من ذلك، لأن الله تعالى يقول في كتابه العظيم: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم) الممتحنة /8 فأخبر الله سبحانه أنه لا ينهانا عن الكفار الذين لم يقاتلونا ولم يخرجونا من ديارنا أن نبرَّهم ونُحسن إليهم، والمضطر في حاجة شديدة إلى الإسعاف، وقد جاءت أم أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها إلى بنتها وهي كافرة، في المدينة في وقت الهدنة بين النبي صلى الله عليه وسلم وأهل مكة ـ تسألها الصلة، فاستفتت أسماء النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فأفتاها أن تصِلها، وقال: (صلي أمك وهي كافرة) فإذا اضطر المعاهد أو الكافر المستأمن الذي ليس بيننا وبينه حرب، إذا اضطر إلى ذلك فلا بأس بالصدقة عليه من الدم، كما لو اضطر إلى الميتة، وأنت مأجور في ذلك، لانه لا حرج عليك أن تسعف من اضطر إلى الصدقة." من كتاب فتاوى نور على الدرب ج 1 ص 376 وبناء عليه، فإن الكافر المحارب الذي بينه وبين المسلمين حرب لا يجوز له التبرع بالدم، لأن في هذا إعانة على عدوانه على المسلمين، وهو أمر خطير جداً، نسأل الله السلامة والعافية. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 12729 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1097 تحريم الاحتفال بأعياد الكفار [السُّؤَالُ] ـ[هل تجوز مشاركة غير المسلمين في أعيادهم، كعيد الميلاد؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز للمسلم أن يشارك الكفار في أعيادهم ويظهر الفرح والسرور بهذه المناسبة ويعطل الأعمال سواء كانت دينية أو دنيوية لأن هذا من مشابهة أعداء الله المحرمة ومن التعاون معهم على الباطل، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من تشبه بقوم فهو منهم) والله سبحانه وتعالى يقول: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب) المائدة/2. وننصحك بالرجوع إلى كتاب (اقتضاء الصراط المستقيم) لشيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله، فإنه مفيد جداًّ في هذا الباب. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. فتوى رقم (2540) . الحديث: 12777 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1098 لا يجوز لمسلم أن يقاتل مع الكفار ضد المسلمين إطلاقاً [السُّؤَالُ] ـ[أعمل في جيش دولة غير مسلمة وتقع بينهم وبين المسلمين حروب فما الحكم إذا أرسلوني مع فرقة من الجيش لحرب ضد المسلمين، شعوري كمسلم يدفعني لعدم الرغبة أبدا في القتال ضد مسلم في أي حرب. فماذا علي أن أفعل؟؟؟ وما الحكم إذا ذهبت ... ]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا أرسلت لحرب ضد المسلمين فلا يجوز لك المشاركة إطلاقاً، ومساعدة الكفار ضد المسلمين كفر أكبر مخرج عن الإسلام قال الله تعالى عمن يظاهر المشركين: (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) ، أما مسألة كيفية التخلص وما هو العذر الذي ستبديه وطريقة الخروج من هذه الورطة إذا حصلت فنسأل الله أن يعينك عليها وعليك بإستشارة بعض أهل الخبرة من المسلمين ونريد أن نؤكد عليك بضرورة البحث عن وظيفة أخرى وترك الخدمة في جيش الكفار لما يترتب على ذلك من إعانتهم وتقويتهم وتكثير عدد محاربيهم ومسانديهم اللهم إلا إذا كان عملك فيه منفعة للمسلمين كنقل أخبار وأسرار الكفار إلى المسلمين ليستفيد المسلمون منها أو أن يكون عملك دعوياً إسلامياً بحتاً كالخطابة والإمامة بالمسلمين الموجودين في الجيش الكافر مع نصحهم بترك أي عمل فيه تقوية للكفار ونسأل الله السلامة من الفتن وحسن العاقبة في الدنيا والآخرة. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 14004 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1099 البقاء في البلد الإسلامي ولو كان مخالفاً لرغبة الوالدين [السُّؤَالُ] ـ[ولدت في بريطانيا وعشت هناك كل عمري، تزوجت في باكستان. والداي لا يزالان في بريطانيا ويتمنيان أن أعيش بقربهما، أنا كذلك أفتقدهم جداً وأجده من الصعب أن أعيش في بلد نامي (لأنني تعودت على المعيشة في الغرب طوال حياتي، ومع هذا فأنا أعيش حياة زوجية سعيدة) . أزورهما كل سنة وأبقى هناك على الأقل شهرين (هما يفضلان ثلاثة أشهر) فهل هذا جائز؟ هل يجوز لي ولعائلتي أن ننتقل للعيش في بريطانيا حيث أنني أستطيع تأدية فرائضي الدينية كما أفعلها هنا تماماً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا تجوز الإقامة بين ظهراني المشركين، وفي بلادهم إلا لعذر شرعي، وأنت ما دمت تتمكنين من الإقامة في بلاد الإسلام، وليس هناك ما يضطرك للإقامة في بريطانيا، فاحمدي الله على نعمة الإسلام، وابقي في البلد المسلم فقد قال عليه الصلاة والسلام: " أنا بريء من مسلم يقيم بين ظهراني المشركين، لا تتراءى نارهما ". [الْمَصْدَرُ] الشيخ: سعد الحميد. الحديث: 21344 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1100 أسس وضوابط في علاقة المسلمين بغير المسلمين [السُّؤَالُ] ـ[نريد أن نعرف بوضوح كيف ينظر المسلمون إلى غير المسلمين، وكيف يتعاملون معهم وفق شريعة الإسلام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله 1- الإسلام دين رحمة وعدل 2- المسلمون مأمورون بدعوة غير المسلمين بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن قال الله تعالى (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم) 3- لا يقبل الله غير الإسلام دينا قال تعالى (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) 4- يجب على المسلمين أن يُمَكِِِِِّنوا أي كافر من سماع كلام الله قال تعالى (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه) 5- يفرق المسلمون بين أنواع الكفار في المعاملة , فيسالمون من سالمهم ويحاربون من حاربهم ويجاهدون من وقف عائقا دون نشر رسالة الإسلام وتحكيمه في الأرض. 6- موقف المسلمين من غير المسلمين في مسألة الحب والبغض القلبي مبني على موقف هؤلاء من الله عز وجل فإن عبدوا الله لا يشركون به شيئا أحبوهم وإن أشركوا بالله وكفروا به وعبدوا معه غيره أو عادوا دينه وكرهوا الحق كرهوهم بالقلب وجوبا. 7- إن البغض القلبي لا يعني الظلم بأي حال من الأحوال لأن الله قال لنبيه صلى الله عليه وسلم فيما يجب عليه من الموقف تجاه أهل الكتاب (وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم) مع كونه مسلماً وهم على ملة اليهودية والنصرانية. 8- يعتقد المسلمون بأنه لا يجوز لمسلم بحال من الأحوال أن يظلم غير المسلم المسالم فلا يعتدي عليه ولا يخيفه ولا يرهبه ولا يسرق ماله ولا يختلسه ولا يبخسه حقه ولا يجحد أمانته ولا يمنعه أجرته ويؤدي إليه ثمن البضاعة إذا اشتراها منه وربح المشاركة إذا شاركه. 9- يعتقد المسلمون أنه يجب على المسلم احترام العهد إذا عقده مع طرف غير مسلم فإذا وافق على شروطهم في إذن الدخول إلى بلدهم (الفيزا) وتعهد بالإلتزام بذلك فلا يجوز له أن يفسد فيها ولا أن يخون ولا أن يسرق ولا أن يقتل ولا أن يرتكب عملاً تخريباً وهكذا. 10- يعتقد المسلمون أن غير المسلمين الذين يحاربونهم ويخرجونهم من ديارهم ويعينون على إخراجهم بأن دماء هؤلاء وأموالهم حلال للمسلمين. 11- يعتقد المسلمون بأنه يجوز للمسلم أن يحسن إلى غير المسلم المسالم سواء بالمساعدة المالية أو الإطعام عند الجوع أو القرض عند الحاجة أو الشفاعة في الأمور المباحة أو اللين في الكلام ورد التحية وهكذا قال الله تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) 12- لا يمانع المسلمون من التعاون مع غير المسلمين في إحقاق الحق وإبطال الباطل ونصرة المظلوم ورد الأخطار عن البشرية كالتعاون في محاربة التلوث وسلامة البيئة ومحاصرة الأمراض الوبائية ونحو ذلك. 13- يعتقد المسلمون بأن هناك فرقا بين المسلم وغير المسلم في أحكام معينة مثل الدية والميراث والزواج والولاية في النكاح ودخول مكة وغيرها كما هو مبين في كتب الفقه الإسلامي وهذا مبني على أوامر الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ولا يمكن المساواة بين من آمن بالله وحده لا شريك له وبين من كفر بالله وحده وبين من كفر بالله وأشرك به وأعرض عن دينه الحق. 14- المسلمون مأمورن بالدعوة إلى الله في جميع البلاد الإسلامية وغيرها وعليهم أن يقوموا بتبليغ دين الله الحق إلى العالمين وبناء المساجد في أنحاء العالم وإرسال الدعاة إلى الأمم غير المسلمة ومخاطبة عظمائها للدخول في دين الله. 15- ويعتقد المسلمون أن غيرهم من أهل الملل والأديان الأخرى ليسوا على دين صحيح، ولذلك فإن المسلمين لا يسمحون لغيرهم ببث دعاة أو مبشرين أو بناء كنائس في بلدان المسلمين قال الله تعالى (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) فمن ظن أن الإسلام يتساوى مع غيره من الأديان فهو مخطئ خطأً عظيماً وعلماء المسلمين يفتحون الباب للمحاورة مع غير المسلمين ويتيحون الفرصة للنقاش والسماع من غير المسلمين وعرض الحق عليهم. وأخيراً فقد قال الله تعالى (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعض أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) وقال الله تعالى: (ولو آمن أهل الكتاب لكان خيراً لهم) . [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 26721 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1101 هل تشرع مقاطعة المبتدع في هذا العصر؟ [السُّؤَالُ] ـ[متى تشرع مقاطعة المبتدع؟ ومتى يشرع البغض في الله؟ وهل تشرع المقاطعة في هذا العصر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فينبغي على المؤمن أن ينظر في هذه المقامات بنظر الإيمان والشرع والتجرد من الهوى، فإذا كان هجره للمبتدع وبعده عنه لا يترتب عليه شر أعظم فإن هجره حق، وأقل أحواله أن يكون سنة، وهكذا هجر من أعلن المعاصي وأظهرها أقل أحواله أنه سنة أما إن كان عدم الهجر أصلح لأنه يرى أن دعوة هؤلاء المبتدعين، وإرشادهم إلى السنة وتعليمهم ما أوجب الله عليهم يؤثر فيهم ويزيدهم هدى فلا يعجل في الهجر، ولكن يبغضهم في الله كما يبغض الكفار والعصاة، لكن يكون بغضه للكفار أشد؛ مع دعوتهم إلى الله سبحانه والحرص على هدايتهم عملا بجميع الأدلة الشرعية؛ ويبغض المبتدع على قدر بدعته إن كانت غير مكفرة، ويبغض العاصي على قدر معصيته، ويحبه في الله على قدر إسلامه وإيمانه، وبذلك يُعلم أن الهجر فيه تفصيل. والخلاصة: أن الأرجح والأولى النظر إلى المصلحة الشرعية في ذلك لأنه صلى الله عليه وسلم هجر قوما وترك آخرين لم يهجرهم مراعاة للمصلحة الشرعية الإسلامية، فهجر كعب بن مالك وصاحبيه رضي الله عنهم لما تخلفوا عن غزوة تبوك بغير عذر؛ هجرهم خمسين ليلة حتى تابوا فتاب الله عليهم، ولم يهجر عبد الله بن أبي بن سلول وجماعة من المتهمين بالنفاق لأسباب شرعية دعت إلى ذلك. فالمؤمن ينظر في الأصلح وهذا لا ينافي بغض الكافر والمبتدع والعاصي في الله سبحانه ومحبة المسلم في الله عز وجل، وعليه أن يراعي المصلحة العامة في ذلك، فإن اقتضت الهجر هجر، وإن اقتضت المصلحة الشرعية الاستمرار في دعوتهم إلى الله عز وجل وعدم هجرهم فعل ذلك مراعاةً لهديه صلى الله عليه وسلم. والله ولي التوفيق. [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ ابن باز رحمه الله (9 / 423) . الحديث: 22872 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1102 راغب في الإسلام من بلد المخدرات [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمسلم تعاطي المخدرات (مثل الكوكايين) ؟ هنا في كولومبيا70% من الناس يتعاطونها. فهل يجب علي أن أمتنع عنها إذا أردت الإسلام؟ أنا في انتظار إجابتك.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إنه لشيء عظيم جدا أن تفكّر باعتناق الإسلام، وأنت في بلد المخدرات ولست على دين، ولقد أثار لدينا سؤالك الدهشة والاستغراب من رجل يعيش في مثل وضعك ثمّ يتوصّل إلى بداية رغبة في الدّخول في الإسلام، ولكنّ الله على كلّ شيء قدير يهدي من يشاء إلى صراطه المستقيم، ولعلّ العناية الإلهية تهيؤك لقبول الدّين الحقّ بالرّغم من الظّلام الحالك من حولك والمرض المحيط بك مرض الكفر ومرض المخدّرات، والإنسان الكافر ميّت القلب ولو كان حيّ الجسد فإذا هداه الله لنور الإسلام دبت الحياة في قلبه وعرف لها معنى جديدا وتغيّر توجهه فصار يسير على هدى من ربّه، قال الله تعالى في كتابه العزيز: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا..) الآية 122 سورة الأنعام، فهلّم إلى الحياة الحقيقية واتّباع النّور الذي أنزله الله وسترى فيه ما تقرّ به عينك وتطمئنّ به نفسك عندما تعبد الله. وأمّا عن موضوع المخدّرات فلا شكّ أنّك تتوقّع أنّ هذا الدّين العظيم يحرّم كلّ ضار ويبيح كلّ نافع ولا يرضى أن يغيب الإنسان عن عقله فيصبح هائما مجنونا شاردا يفعل كلّ قبيح دون وعي ويجلب الدمار لجسده بهذا الدّاء الخطير ويصدّ نفسه عن ذكر الله وعبادته بتعاطي هذا السمّ الخطير الذي يفتح الباب للاعتداء على الآخرين فيكون هذا المخدّر مفسدا للدّين والنّفس والعقل والعِرض والمال، ولذلك لا يشكّ أي عاقل بتحريمه تحريما قطعيا. ونحن على إدراك تام بأنّ الإدمان ليس مرضا سهلا وأنّ الخلاص منه ليس أمرا يسيرا ولكنّ هذا كلّه لا يمنع من الدّخول في الإسلام واعتناق هذا المذهب الحقّ الذي بعث الله به نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، وثق ثقة تامّة أن اعتناقك للإسلام سيولّد فيك قوة عظيمة وإرادة جازمة ستعينك على التخلّص من الإدمان وترك هذا المرض الخطير، وقد تأخذ المسألة وقتا للشّفاء من هذا المرض والإقلاع عن هذا الذّنب ولكن لا ينبغي أن يجعلك هذا تتردد في الدّخول في الإسلام بل أسلم تسلم من آفات الدّنيا وعذاب الآخرة ونحن على استعداد للوقوف بجانبك في مواجهة أيّة صعوبة تعترضك ونشكرك على سؤالك ونسأل الله أن يعجّل بهدايتك، والسلام على من اتّبع الهدى. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2847 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1103 إذا احتاجوا لكتابة التاريخ الميلادي [السُّؤَالُ] ـ[أفيد فضيلتكم علما بأن مكاتب المنتدى الإسلامي تقع في دول تتعامل بالتاريخ الميلادي، ونحن نتعامل بالتأريخ الهجري، فسبب لنا ذلك إحراجا في التعامل مع الدوائر الحكومية التي لا تتعامل بالتأريخ الهجري، ومشكلة في تحديد الميزانية، ودفع الرواتب، ورفع التقارير المالية للجهات المختصة في تلك الدول. فهل يجوز لنا الاعتماد على التاريخ الميلادي في المعاملات والميزانية، من باب الضرورة، مع قناعتنا الكبيرة بأهمية التاريخ الهجري، وكونه شعارا للمسلمين، وعلامة من علامات التمايز عن الكافرين؟.]ـ [الْجَوَابُ] لا بأس بالجمع بين التأريخين، مع تقديم التأريخ الهجري، ويكتب بعده الموافق لكذا وكذا ميلادي، وذلك أن التأريخ الهجري يعتمد على الأشهر الهلالية، وهي مشاهدة ظاهرة للعيان، لا تخفى على ذي عينين، وأما الميلادي فليس للأشهر علامة بارزة يعلم بها إلا الحساب، ولذلك جاء الشرع الإسلامي باعتبار الاشهر العربية في الصوم والحج والاعتكاف ونحوها، فالبداءة بالتاريخ الهجري فيه إظهار لشعائر الإسلام، وخواصه بين من يجهله، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] اللؤلؤ المكين من فتاوى الشيخ ابن جبرين ص 53. الحديث: 1552 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1104 طلب التبرعات من الكفار [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمسلم قبول التبرعات من غير المسلم لصالح المشاريع الخيرية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه " باب قبول الهدية من المشركين " ثم أورد تحت هذا الباب عدداً من الأحاديث الدالة على جواز ذلك. وقال الحافظ ابن حجر في شرحه: وفي الباب (أي وفي هذا الموضوع) حديث عياض بن حمار أخرجه أبو داود والترمذي عن عياض قال: أَهديتُ للنبي صلى الله عليه وسلم ناقة فقال: أسلمت؟ قلت: لا، قال: إني نُهيت عن زَبْد المشركين (أي أُعطياتهم وهداياهم) ".. ثمّ نقل الحافظ رحمه الله عن بعض أهل العلم بأنّهم قالوا في الجمع بين نصوص الامتناع والقبول بأن الامتناع في حق من يريد بهديته الموالاة (مثل استمالة المسلم إليه) ، والقبول في حق من يرجى بذلك (أي بقبول هديته) تأنيسه وتأليفه على الإسلام. فقبول هبات الكفار وتبرعاتهم دون طلب لا بأس به ويجوز صرف هذا المال في المشاريع الإسلامية ونفقاتها المختلفة. أما طلب التبرعات من الكفار ففيه بعض المحاذير مثل الذلّ أمامهم وملكهم قلب الطالب إذا أعطوه. فلو خلا من هذه المحاذير فلا بأس، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعين (دون ذلّ) في أمور الدعوة - وهو بمكة - ببعض المشركين كعمه أبي طالب وغيره. والذلّ أمام الكفار ينتفي بوضع الصناديق لهذا الغرض إضافة إلى الإعلانات التي يُرفق معها أرقام الحسابات في البنوك مثلاً. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 212 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1105 إلقاء محاضرة عن الإسلام داخل الكنيسة [السُّؤَالُ] ـ[عرضوا عليه إلقاء محاضرة عن الإسلام في كنيسة. هل يقبل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله: هذا محل نظر، لأن المكان لا يليق. إلا على وجه بعيد وهو أن يقال أن المسلمين من قوتهم أعلنوا دينهم في معابد النصارى.. فإذا كان من هذه الناحية فهذا طيب. لكن أخشى أن يكون الأمر بالعكس.. بمعنى أن المسلمين أُخضِعوا إلى أن يتحدثوا عن دينهم في الكنيسة. لذلك أرى أن لا يفعل حذراً من هذه المفسدة. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن صالح العثيمين الحديث: 11232 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1106 بيع المحرم والمشكوك في تحريمه [السُّؤَالُ] ـ[أنا اعرف أن بيع الأشياء المحرمة لا يجوز، فإذا كان لدي دكان وأبيع فيه أنواع الشوربة ومعجون الأسنان … الخ وبعض هذه الأشياء تحوي في مكوناتها على أشياء محرمة أو فيها شك، فهل بيعي لها يعتبر معصية؟ وشكرا]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز بيعها لأن الله تعالى إذا حرم شيئاً حرم ثمنه، كما روى ابن عباس رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا حَرَّمَ أَكْلَ شَيْءٍ حَرَّمَ ثَمَنَهُ. " رواه الإمام أحمد 2546، أما المشكوك فيه فالأولى تركه إبراءً للذمة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ الْحَلالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ.. رواه مسلم 2996. والله الموفق [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 3746 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1107 امتناع عمر ومن معه من إحضار كتاب للنبي صلى الله عليه وسلم في مرضه [السُّؤَالُ] ـ[يقول أحد أصدقائي الشيعة إن عمر بن الخطاب، وأبا بكر الصديق رضي الله عنهما قد عصيا النبي محمد صلى الله عليه وسلم عندما كان في فراش موته، طلب النبي صلى الله عليه وسلم وقتها من الصحابة أن يحضروا ورقة، وقلَماً، ولكنهم رفضوا أن يحضروهما، ووفقاً لما يقوله الشيعة فإن الصحابة قد ضلوا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أوصى بأن يكون عليّ رضي الله عنه خليفة من بعده، وقد أثبتوا لي هذه الأمور بالحديث الذي يقول بأن عمر بن الخطاب عصى محمَّداً صلى الله عليه وسلم، وأنك كنت ترى الغضب على وجهه، وأريد أن أقول بأن صديقي هذا قد أثَّر في أحد أصدقائي الذين ليس لديهم أية معلومات عن الإسلام. هل يمكنكم أن تشرحوا لي لماذا عصى عمر رضي الله عنه رسولَ الله صلى الله عليه وسلم؟ وهل يمكنكم أيضا أن تخبروني كيف التعامل مع أمثال هؤلاء؟ . أرجو أن تقدموا لي المصادر. شكراً جزيلاً لكم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يجوز لك مصادقة أحد أفراد تلك الطائفة التي تنتسب إلى الإسلام، ثم هي تطعن في أصوله وحملته الذين بلغوه للناس، وتعتقد تحريف القرآن، والعصمة للبشر، وتحكم على الصحابة بالردة إلا قليلاً منهم. والواجب عليك تجاه هؤلاء وأمثالهم أن تهجرهم , وتحذر الناس من شرهم وضلالهم. وينظر أجوبة الأسئلة (91665) و (96231) و (126041) . ثانيا: لفظ الحديث الذي وردت فيه القصة التي يذكرها لك الرافضي هو: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا حُضِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَفِي الْبَيْتِ رِجَالٌ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: (هَلُمَّ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ) قَالَ عُمَرُ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَلَبَهُ الْوَجَعُ وَعِنْدَكُمْ الْقُرْآنُ فَحَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْبَيْتِ، وَاخْتَصَمُوا، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ قَرِّبُوا يَكْتُبْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ مَا قَالَ عُمَرُ، فَلَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغَطَ وَالِاخْتِلَافَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (قُومُوا عَنِّي) . قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ ذَلِكَ الْكِتَابَ مِنْ اخْتِلَافِهِمْ وَلَغَطِهِمْ. رواه البخاري (6932) ومسلم (1637) . 1. أمر النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه الذين حضروه في مرضه بإحضار ورقة وقلم ليملي عليهم شيئاً لم يكن يتعلق بوحي جديد، لم يبلغه للناس، ولا بأمر شرعي يحتاجه الناس في دينهم، ثم ترك إعلامهم به لأجل ما حصل. والدليل على ذلك أمور: أ. أن هذه الحادثة كانت يوم الخميس، وقد توفي النبي صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين، أي: بعده بأربعة أيام، وكان بإمكانه الطلب من آخرين كتابة ذلك الكتاب، فلما لم يفعل صلى الله عليه وسلم: علمنا أنه لم يكن وحياً فيكتمه. ب. أن الله تعالى قد أثنى على نبيه صلى الله عليه وسلم بأنه قد بلَّغ ما أوحي إليه، وقد امتنَّ الله تعالى على هذه الأمة بإكمال الدين، وإتمام النعمة، والقول بأن ما لم يكتبه النبي صلى الله عليه وسلم هو من الدِّين الذي تحتاجه الأمة عامة، فيه اتهام للنبي صلى الله عليه وسلم بعدم تبليغ الرسالة، وفيه تكذيب للرب تعالى في خبره بإكمال الدين وإتمام النعمة على العباد. قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: ولم تكن كتابة الكتاب مما أوجبه الله عليه أن يكتبه، أو بلغه في ذلك الوقت؛ إذ لو كان كذلك: لمَا ترك صلى الله عليه وسلم ما أمره الله به. " منهاج السنة النبوية " (6 / 315، 316) . وقال – رحمه الله -: ولا يجوز له ترك الكتاب لشك مَن شك، فلو كان ما يكتبه في الكتاب مما يجب بيانه وكتابته: لكان النبي صلى الله عليه وسلم يبيِّنه، ويكتبه، ولا يلتفت إلى قول أحدٍ؛ فإنه أطوع الخلق له، فعُلم أنه لما ترك الكتاب: لم يكن الكتاب واجباً، ولا كان فيه من الدِّين ما تجب كتابته حينئذ، إذ لو وجب: لفعله. " منهاج السنة النبوية " (6 / 12) . ج. ويؤيد ما ذكرناه: اختلاف الصحابة الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في فهم أمره، والوقوف على حقيقة معناه؛ وإلا لسارع الجميع إلى تنفيذه، وقد ثبت عنهم أنهم خلعوا نعالهم في الصلاة لمجرد رؤيته صلى الله عليه وسلم يخلع نعله فيها، ودون أن يأمرهم بذلك، فهل مثل هؤلاء يخالفون أمراً يعتقدونه من الوحي؟! حاشاهم، ولذلك قام بعضهم بإحضار ورقة وقلم، كما طلب منهم نبيهم صلى الله عليه وسلم، وامتنع آخرون، ظانين أنه صلى الله عليه وسلم قد يكون غلبه الوجع، أو يكون أمره إرشاد. قال أبو العباس القرطبي – رحمه الله -: وقوله: (ائتوني أكتب لكم كتاباً لا تضلون بعده) : لا شك في أن (ائتوني) أمرٌ، وطلبٌ، توجَّه لكل مَن حضر، فكان حق كل من حضر المبادرةُ للامتثال، ولا سيما وقد قرنه بقوله: (لا تضلُّون بعده) ، لكن ظهر لعمر رضي الله عنه، ولطائفة معه: أن هذا الأمر ليس على الوجوب، وأنَّه من باب الإرشاد إلى الأصلح، مع أن ما في كتاب الله يرشد إلى كل شيء، كما قال تعالى: (تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْء) ، مع ما كان فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوجع، فكره أن يتكلَّف من ذلك ما يشق ويثقل عليه، فظهر لهم: أن الأوَّلى ألا يكتب، وأرادت الطائفة الأخرى: أن يكتب؛ متمسِّكة بظاهر الأمر، واغتناماً لزيادة الإيضاح، ورفع الإشكال. فيا ليتَ ذلك لو وقع، وحصلَ! ولكن قدَّر الله، وما شاءَ فعل، ومع ذلك: فلا عتب، ولا لوم على الطائفة الأولى؛ إذ لم يعنفهم النبي صلى الله عليه وسلم، ولا ذمَّهم، بل قال للجميع: (دعوني فالذي أنا فيه خير) . " المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم " (15 / 18) . وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -: قال المازري: إنما جاز للصحابة الاختلاف في هذا الكتاب مع صريح أمره لهم بذلك: لأن الأوامر قد يقارنها ما ينقلها من الوجوب، فكأنه ظهرت منه قرينة دلت على أن الأمر ليس على التحتم، بل على الاختيار، فاختلف اجتهادهم، وصمم عمر على الامتناع لِما قام عنده من القرائن بأنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك عن غير قصد جازم. " فتح الباري " (8 / 133، 134) . 2. عزمه صلى الله عليه وسلم على الكتابة: إما أن يكون بوحي نسخ، أو باجتهاد تبين أن المصلحة في تركه. قال النووي – رحمه الله -: وكان النبي صلى الله عليه وسلم همَّ بالكتاب حين ظهر له أنه مصلحة، أو أوحى إليه بذلك، ثم ظهر أن المصلحة تركه، أو أوحي إليه بذلك، ونسخ ذلك الأمر الأول. " شرح مسلم " (11 / 90) ، ونقل نحوه الحافظ ابن حجر عن المازري. ينظر: " فتح الباري " (8 / 134) . 3. الرافضة يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أوصى بالخلافة بعده لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، فما لهم ولهذه الحادثة، وما حاجتهم للتلاعب بها، وادعاء أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن يكتب وصية لعلي رضي الله عنه بعده؟! ولماذا لا تكون الوصية التي كانت ستكتب في هذا الكتاب: هي وصيته لأبي بكر رضي الله عنه بالخلافة من بعده؟! قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: ومَن توهم أن هذا الكتاب كان بخلافة علي: فهو ضال، باتفاق عامة الناس، من علماء السنَّة، والشيعة، أما أهل السنَّة: فمتفقون على تفضيل أبي بكر وتقديمه، وأما الشيعة القائلون بأن عليّاً كان هو المستحق للإمامة: فيقولون: إنه قد نُصَّ على إمامته قبل ذلك نصّاً جليّاً ظاهراً معروفاً، وحينئذ فلم يكن يحتاج إلى كتاب. " منهاج السنَّة النبوية " (6 / 11) . 4. قد ثبت بأصح إسناد أن النبي صلى الله عليه أراد أن يوصي لأبي بكر الصدِّيق بالخلافة بعده، ثم ترك الأمر، وقال بأن المؤمنين لن يرضوا بغيره خليفة، فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ (لَقَدْ هَمَمْتُ - أَوْ أَرَدْتُ - أَنْ أُرْسِلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَابْنِهِ وَأَعْهَدَ؛ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُونَ، أَوْ يَتَمَنَّى الْمُتَمَنُّونَ، ثُمَّ قُلْتُ: يَأْبَى اللَّهُ وَيَدْفَعُ الْمُؤْمِنُونَ - أَوْ: يَدْفَعُ اللَّهُ وَيَأْبَى الْمُؤْمِنُونَ -) رواه البخاري (5342) – واللفظ له - ومسلم (2387) بلفظ: (وَيَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ) . ولسنا بالذي يهتم لهذا، لأنه قد أبى الله والمؤمنون أن يكون خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أبا بكر. 5. وما يحصل من مراجعة بعض الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم في بعض المسائل لا يعكر على صفة الاستجابة، والمتابعة للشرع؛ لأنهم يراجعونه صلى الله عليه وسلم حتى يأتي الوحي بالجزم بما أخبرهم به النبي صلى الله عليه وسلم، فيسارعون بعدها لتنفيذ الأمر. قال النووي – رحمه الله -: قال الخطَّابي: وقد كان أصحابه صلى الله عليه وسلم يراجعونه في بعض الأمور قبل أن يجزم فيها بتحتيم، كما راجعوه يوم الحديبية في الخلاف، وفي كتاب الصلح بينه وبين قريش، فأما إذا أمر بالشيء أمر عزيمة: فلا يراجعه فيه أحد منهم. " شرح مسلم " (11 / 91) . وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -: وقد كان الصحابة يراجعونه في بعض الأمور، ما لم يجزم بالأمر، فإذا عزم: امتثلوا. " فتح الباري " (1 / 209) . 6. قول عمر رضي الله عنه " حسبنا كتاب الله ": لم يكن خطاباً مع النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو أجلُّ من أن يفعل ذلك، وإنما كان مخاطباً من اعترض عليه بالامتناع عن إحضار كتاب. قال النووي – رحمه الله -: وقول عمر رضي الله عنه " حسبنا كتاب الله ": ردٌّ على من نازعه، لا على أمر النبي صلى الله عليه وسلم. " شرح مسلم " (11 / 93) . 7. وقد وجَّه العلماء رحمهم الله امتناع عمر رضي الله عنه عن إحضار كتاب ليكتبه النبي صلى الله عليه وسلم بتوجيهات عديدة، منها: أ. إشفاقه على النبي صلى الله عليه وسلم من تكليفه في تلك الحال إملاء الكتاب، وأن تدخل عليه مشقة من ذلك كما قال: " إن النبي صلى الله عليه وسلم اشتد به الوجع ". ب. خشيته من طعن المنافقين ومن في قلبه مرض، في ذلك الكتاب، والتشكيك بناقليه، والطعن فيهم، وفي عدالتهم. ج. خشيته " أن يكتب أموراً يعجزون عنها، فييقعوا في الحرج بالمخالفة، ورأى أن الأرفق بالأمة في تلك الأمور سعة الاجتهاد، وحكم النظر، وطلب الصواب، فيكون المصيب والمخطئ مأجوراً ". انظر: " دلائل النبوة " (7 / 184) ، " الشفا بتعريف حقوق المصطفى " للقاضي عياض (2 / 194) ، " شرح مسلم " للنووي (11 / 91) ، " فتح الباري " (1 / 209) . 8. وأما كلام ابن عباس رضي الله عنهما: فليس فيه طعن بالصحابة رضي الله عنهم، وهو ممن بايع الصدِّيق، والفاروق بعده، وإنما أراد أن الحائل نفسه كان مصيبة؛ لظهور الفتنة بعد ذلك، والطعن في أولئك الأعلام. قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: وقول ابن عباس " إن الرزية كلَّ الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب الكتاب ": يقتضي أن هذا الحائل كان رزية، وهو رزية في حق من شك في خلافة الصدِّيق، أو اشتبه عليه الأمر؛ فإنه لو كان هناك كتاب: لزال هذا الشك، فأما مَن علم أن خلافته حق: فلا رزية في حقه، ولله الحمد. " منهاج السنة النبوية " (6 / 11) . 10. وقول ابن عباس رضي الله عنه هذا إنما هو اجتهاد منه، ولا شك أن عمر أعلم وأجل من ابن عباس، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن ترك الكتابة، وعدم إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على عمر، هو ترجيح لرأيه، وتصويب لفعله. قال النووي – رحمه الله -: فكان عمر أفقه من ابن عباس، وموافقيه. " شرح مسلم " (11 / 90) . وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -: وفي تركه صلى الله عليه وسلم الإنكار على عمر: إشارة إلى تصويبه رأيه، وأشار بقوله " حسبنا كتاب الله " إلى قوله تعالى (مَا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ) ، ويحتمل أن يكون قصد التخفيف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى ما هو فيه من شدة الكرب، وقامت عنده قرينة بأن الذي أراد كتابته ليس مما لا يستغنون عنه؛ إذ لو كان من هذا القبيل: لم يتركه صلى الله عليه وسلم لأجل اختلافهم. ولا يعارض ذلك قول بن عباس " إنَّ الرزيَّةَ " الخ؛ لأن عمر كان أفقه منه قطعاً. " فتح الباري " (8 / 134) . وبه يتبين لك بطلان ادعاء الرافضة، في طعنهم في الصحابة رضي الله عنهم، وخصوصاً عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ويتبين صدق السلف في أنهم أكذب الطوائف المنتسبة للإسلام، فاحذرهم على دينك أخي السائل، ونسأل الله لك الثبات على الإسلام والسنَّة. وانظر – للمزيد حول عقائد الرافضة – أجوبة الأسئلة: (113676) و (4569) و (1148) و (21500) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 134757 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1108 فرقة " عبَدة الشيطان "، منهجها، واعتقادها، وكيفية إنقاذ من وقع في براثنها [السُّؤَالُ] ـ[لقد فاجئني تصرفات لفتاة بالمرحلة المتوسطة، من رسومات وشم، وطريقة التزين، وعبارات بذيئة، وإدعاء بترك الصلاة، رغم ذلك كان النصح غير مباشر من خلال الحصص، وجلسات الذّكر، ولكن كانت صدمتي حينما سمعت من أفواه الطالبات أنها من " عبدة الشيطان "! ، إني في حيرة شديدة بمعالجة الأمر؛ لأن ذلك عقيدة، أرجو الدعاء، وكيف أتصرف؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: فرقة " عبدة الشيطان " من الفرق، والجماعات الخطيرة، والتي انتشرت مؤخراً في كثير من البلاد , وهذه الجماعة تمثل أحد مظاهر الانتكاسة، والبعد عن الفطرة التي فطر الله الناس عليها، إذ توجهت جماعات، وأقوام إلى عبادة الشيطان، وتقديسه من دون الله. النشأة: ظهرت فكرة عبادة الشيطان وتقديسه في عدد من الديانات القديمة، وكان عند بعضها آلهة عديدة تمثل الشر. أ. ففي الحضارة المصرية القديمة وُجد الإله " سيت "، أو " سيث "، وهو يقترب من كلمة satan أي: شيطان، الذي يمثل قوة الشر، وقد قدم المصريون له القرابين اتقاءً لشرّه. ب. وفي الحضارة الهندية: كان للشيطان دور كبير في حياتهم الدينية، عبروا عنه باسم " الراكشا ". ج. وعند الإغريق: كان اسمه " دي إت بولس " (D it-Boles) ، أي: المعترض. د. وفي أرض فارس: بدأت عبادة الشر، والشيطان، على تخوم الصحراء الآسيوية، وكانوا يعبدون شياطين الليل، التي تطورت للتعبير عن الشر بالظلمة، والخير بالنور، وبما يعرف باسم " الثنوية ". هـ. وفي القرون الوسطى: ظهرت في أوروبا عدة جماعات تتخذ من الشيطان إلهاً، ومعبوداً، منها جماعة " فرسان الهيكل " التي ظهرت في فرنسا، وكان لها اجتماعات ليلية مغلقة تبتهل فيها للشيطان، وتزعم أنه يزورها بصورة امرأة، وتقوم هذه الجماعة بسب المسيح، وأمه، وحوارييه، وتدعو أتباعها إلى تدنيس كل ما هو مقدس، وكان فرسان الهيكل يتميزون بلبس قميص أسود يسمونه " الكميسية "، وقد انتشرت هذه الجماعة في فرنسا، وإنجلترا، والنمسا، ثم اكتشفتها الكنيسة، وقامت بحرق مجموعة من أتباعها، وقتلت زعيمها ما بين عامي 1310 - 1335م، وقد قالت إحدى عضوات هذه المجموعة قبل حرقها: " إن الله ملك السماء، والشيطان ملك الأرض، وهما ندّان متساويان، ويتساجلان النصر، والهزيمة، ويتفرد الشيطان بالنصر في العصر الحاضر "! . ثم ظهرت عدة جماعات مشابهة بعد ذلك، أخذ بعضها يمارس تعذيب الأطفال وقتلهم، وقد خُطف لهذا الغرض مئات الأطفال بين عامي 1432 – 1440 م، وأخذ بعضهم يقوم بتسميم الآبار والينابيع، مثل " جمعية الصليب الوردي "، وفي القرن السابع عشر ظهرت جمعية تسمى " ياكين " تمارس الطقوس نفسها، وقد أعدم منها فوق الثلاثين فرداً، ثم ظهرت جمعيات أخرى مثل: " الشعلة البافارية "، " الشعلة الفرنسية "، و " أخوة آسيا ". ثم اختفت هذه الأفكار، لتعاود الظهور في منتصف الأربعينيات من القرن العشرين. ظهورها الحديث: في عام 1948م ألّف البريطاني " ألستر كراولي " الذي تخرج من جامعة " كامبردج " كتاباً أسماه " الشيطان الأبيض " دافع فيه عن الإثارة، والشهوات الجنسية، وألقى محاضرات مطولة عن الجنس في بريطانيا، وأصبح بعد ذلك هو المعلّم الأول لجماعة " عبدة الشيطان "، التي أخذت تنتشر أيضاً في الولايات المتحدة، ليتزعمها بعد ذلك يهودي أمريكي هو " انطوان شذليفي " Antone chethleivy، الملقب بـ " البابا الأسود ". وقد ترعرع " ليفي " في كاليفورنيا، وفي سنة 1966 م أعلن عن فرقته، وأسس في سنة 1969 م معبداً يدعى بكنيسة الشيطان " cos "، كما ألّف عدداً من الكتب الفلسفية؛ لترويج الفكر الشيطاني، منها كتاب " الشيطان يقول "، ويحتوي على عبارات الشيطان التسع، وأحكام الأرض الإحدى عشر، وكتاب " الإنجيل الأسود "، وهدف إلى تحقير طقوس المسيحية، وشعائرها، وإلى بيان كيفية ممارسة العبادة، ويعتبر مرجعاً أساسياً لتوجيه الأتباع. انتقالها إلى المجتمعات الإسلامية: ظلت المجتمعات الإسلامية محصنة فترة من الوقت من هذه " الديانة الإبليسية " إلاّ أن بعض العوامل أدت إلى دخولها إلى بعض الدول الإسلامية، أهمها: 1. تطور وسائل الاتصالات، خاصة وأن شبكة الإنترنت هي الوسيلة الأهم لنشر أفكارهم، والتواصل بين الأتباع، ولهم على هذه الشبكة أكثر من ثمانية آلاف عنوان. 2. تسارع وتيرة التطبيع بين الدولة اليهودية والعديد من الدول العربية والإسلامية، الأمر الذي أدى إلى ازدياد الخلطة بين مواطني هذه الدول وبين اليهود , ولا يخفى هنا حرص اليهود على إفساد المسلمين، وصرفهم عن دينهم، ونشر الأفكار المنحرفة بينهم، ومنها أفكار عبادة الشيطان، لا سيما أن الشيطان حسب العقيدة اليهودية: رمز من رموز القوة المطلقة التي تضاهي قوة الله سبحانه، كما أنهم لا يُحمّلون الشيطان وزر إغواء آدم وإخراجه من الجنة. 3. ترويج الكُتّاب اليساريين للأفكار المنحرفة في المجتمعات الإسلامية. 4. تسخير كافة وسائل الإعلام، والثقافة، والفن، لنشر أفكار عبادة الشيطان، وجعلها مستساغة عند المسلمين، ومن ذلك: نشر وسائل الإعلام الغربية لأفلام تتحدث عن مصاصي الدماء، وأشخاص ذوي قدرات سحرية، ليغروا الشباب بامتلاكها إن وجدت , وللأسف تساهم كثير من الفضائيات العربية في نشر مثل تلك الأعمال. أفكارهم وطقوسهم وممارساتهم: 1. اعتقادهم بأن الشيطان ظُلِم من قِبَل الله - معاذ الله - عندما طرده من الجنة لمّا رفض السجود لآدم، لذلك فإنهم يعتبرون أن الشيطان يستحق التقدير، وهو رمز القوة والإصرار، كما يعتبرون الشيطان القوة العظمى التي تحرك الحياة والبشر. 2. إطلاق العنان لممارسة الجنس، والشهوات، وتعاطي المخدرات، والخمور، إذ جاء في بعض وصاياهم: " أطلق العنان لأهوائك، وانغمس في اللّذة، واتبع الشيطان فهو لن يأمرك إلاّ بما يؤكد ذاتك، ويجعل وجودك وجوداً حيويّاً "، وكان " تراولي " - الذي سبق ذكره - يقول لأتباعه: " خذ من الجنس ما شئت، وكيف تشاء، ومع من تشاء، وعلى الآخر أن يسلم لك "! . 3. من طقوسهم: ارتداء الثياب السوداء، وإطالة الشعور، ورسم وشم الصليب المعقوف، على صدورهم، وأذرعهم، أو النجمة السداسية، ولبس قلادة سوداء عبارة عن نجمة خماسية يتوسطها رأس شيطان بقرنين ملتويين إلى الخلف. 4. يفضّلون الاجتماع لأداء طقوسهم في أماكن مهجورة، أو نائية، أحياناً، ويرسمون على جدرانها أشكالاً مخيفة، كالأفاعي، والجماجم، أو أشكالاً غريبة، تدمج فيها أكثر من حيوان، أو هيئة. 5. يرافقهم في هذه الجلسات الموسيقى الصاخبة، ويرددون بعض الكلمات على شكل أغانٍ ينشد فيها الموت والانتحار، إضافة إلى تعاطي المخدرات، والمسكرات، بشكل مبالغ فيه، وفي مثل هذه الحالات قد يلعقون دماء بعض، أو يمزقون قطة، أو كلباً، أو ديكاً، ويختارون اللون الأسود من الحيوانات، ويمزقونه وهو حي، ويعبثون بدمائه. 6. إقدام بعضهم على الانتحار؛ لأن هذا من الحرية التي يزعمونها، إذ يقولون إن للإنسان الحرية أن يأكل ما يشاء، ويلبس ما يشاء، ويموت متى يشاء! والانتحار عندهم انتقال إلى عالم السعادة الحقيقية، وأشبه بمحطة من محطات كثيرة يتدرج فيها الإنسان. 7. نبش القبور، وإخراج جثث الموتى، ويتراقص كبيرهم فوق الجثة التي يعثرون عليها، ويقولون: إنهم يفعلون ذلك لتقسية قلوبهم، ولمعاينة العدم والشعور به محسوساً، والتدريب على ممارسة القتل دون أن تطرف لهم عين. 8. اعتبارهم أن الأخلاق تكرس الضعف، وحماية الضعفاء، وهم إنما يريدون أن تقوم العلاقات بين الناس وفق اللذة، والمنفعة، ويعتبرون الأخلاق عنصر تعويق، لا عامل دفع وترقية. الوصايا التسع: وهي مجموعة من الوصايا، والمبادئ، والتي تعتبر من ثوابتهم: 1. أطلق العنان لأهوائك وانغمس في اللذة. 2. اتبع الشيطان، فهو لن يأمرك إلاّ بما يؤكد ذاتك، ويجعل وجودك وجوداً حيويّاً. 3. الشيطان يمثل الحكمة، والحيوية غير المشوهة، وغير الملوثة، فلا تخدع نفسك بأفكار زائفة، سرابية الهدف. 4. أفكار الشيطان محسوسة، ملموسة، ومشاهدة، ولها مذاق، وتفعل بالنفس والجسم فعل الترياق، والعمل بها فيه الشفاء لكل أمراض النفس. 5. لا ينبغي أن تتورط في الحب، فالحب ضعف، وتخاذل، وتهافت. 6. الشيطان يمثل الشفقة لمن يستحقونها، بدلاً من مضيعة الحب للآخرين وجاحدي الجميل. 7. انتزع حقوقك من الآخرين، ومن يضربك على خدك: فاضربه بجميع يديك على جسمه كله. 8. لا تحب جارك، وإنما عامله كأحد الناس العاديين. 9. لا تتزوج، ولا تنجب، فتتخلص من أن تكون وسيلة بيولوجية للحياة، وللاستمرار فيها، وتكون لنفسك فقط. " مجلة الراصد " العدد (31) بتصرف، واختصار. ثانياً: أما بخصوص تلك الفتاة المسئول عنها: فإذا كانت لك عليها ولاية، أو وصاية: فلا بد من الاهتمام بها، والتعامل معها بحزم، وجد , وقبل أن يتطور الأمر، ويخرج الأمر عن السيطرة – لا قدّر الله -، والمسلم مسئول عن رعيته من أهله، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراًُ وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ) التحريم/ من الآية 6. قال ابن كثير – رحمه الله -: أي: مروهم بالمعروف، وانهوهم عن المنكر، ولا تدعوهم همَلاً فتأكلهم النار يوم القيامة. " تفسير ابن كثير " (5 / 240) . وفي الحديث عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِى أَهْلِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، ... ) . رواه البخاري (853) ومسلم (1829) . وأما إذا لم يكن لك عليها ولاية: فلا بد من عدم التواني في إخبار والديها، أو أقرب الناس إليها , وإيقافهم على حقيقة اعتقادها، ومنهجها، وحملهم على التعامل معها بحزم. فضياع الأولاد أكبر أسبابه: إهمال الوالدين في توجيههم، وعدم متابعتهم في نموهم , وتركهم للمدرسة، والإعلام، والأصحاب، ليربوهم لهم! . رابعاً: في مثل هذه الحالات: لا بد من قطع السبل التي يفترض أنها تتواصل بها مع هذه الجماعة، أو من يؤثر عليها بفكرها، كصديقة، أو دخول على الإنترنت، أو هاتف، أو مجلة، أو بريد، أو غير ذلك، ولعلّ تلك الأفكار المسممة أن يكتب لها الزوال إن قطعت طرق وصولها لتلك الفتاة، وإذا أمكن الانتقال بالإقامة إلى مكان آخر، تتغير فيه الصحبة، وظروف التواصل: فلعله أن يكون خيرا ونافعا. خامساً: محاولة إزالة الشبهة التي أدت إلى دخولها لهذه الجماعة، أو تقليدها لهم، فكثير من الناس يحب الأضداد، والشيء المجهول، بدافع الاستطلاع، أو لفت الانتباه , وربما يكون هذا الأمر في البداية , ولكن إن لم يتدارك يصعب بعد ذلك تداركه. وربما يكون السبب: فقدان حنان، وحب، أو اهتمام من قبَل الأهل، أو شعور بالنقص، ومحاولة تعويض ذلك بمثل هذه الأفكار، وتلك الجماعات , والعلاج يكون بالاهتمام الزائد من قبل الوالدين والأهل , ومحاولة غرس الثقة في نفس الفتاة، وتذكيرها بخلقتها، وخالقها، وفطرتها، ومخاطبة عقلها بما يتناسب مع سنّها لإيقافها على حقيقة ما تفعل، وما يؤدي به الأمر في نهايته. سادساً: هذه الفتاة ربما تجهل حقيقة أفكار هذه الجماعة , وأنها لا تزال معهم في أول الطريق، وهذا واقع كثير ممن ينحرف عن الاستقامة إلى فكر منحرف , ولكن بالتدرج وبمرور الوقت يصبح يتقبل الأفكار رويداً رويداً , وهذا من خطوات الشيطان التي نهى الله تعالى عن اتباعها، فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) النور/ 21. وعلى ذلك: فالطريقة الصحيحة لسلوكها معها: مصارحتها بفكر هذه الجماعة، وخطورة ما تحمله من أفكار , وأنها تستوجب ردة، وخروجا عن الإسلام , ومحاولة إبراز النقاط الخطيرة في فكر هذه الجماعة كتخلي الإنسان عن أغلى شيء يملكه، وهو دينه، وطاعة ربه , وكذلك التخلي عن أغلى ما تملكه الفتاة، وهو شرفها، وعفتها، وكذلك دعوة هذه الجماعة أفرادها للانتحار، وتعاطي المخدرات، والمحرمات، إلى غير ذلك كم الأشياء المستبشعة عندهم. سابعاً: مثل هذه الحالات ربما يكون السبب الرئيس لها: صحبة سيئة، كصديقة – مثلاً -؛ فلا بد من أن يكون للوالدين دور في اختيار الصحبة الصالحة , وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلا لأثر الرفقة والصحبة كما في الحديث عَنْ أَبِى مُوسَى رضي الله عنه عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً) رواه البخاري (5214) ومسلم (2628) . ثامناً: إبراز حقيقة عداوة الشيطان للإنسان , وأن مآل أتباعه ومريديه إلى النار، كما قال تعالى: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) فاطر/ 6، وإبراز فضل طريق الاستقامة، والالتزام، والتمسك بتعاليم الإسلام , وما يترتب على ذلك من راحة، وطمأنينة، وسعادة في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل/ 97، وأن من جاء بالضد ناله من الضيق، والسوء، بقدره، كما قال تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) طه/ 124. وعليك قبل ذلك كله أن تستعين بالله تعالى، وتكثر الدعاء إليه أن يصلح حال هذه الفتاة، وغيرها ممن انحرف عن طريق الاستقامة. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 133898 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1109 الطريقة " الهبرية الشاذلية " وما فيها من ضلال وانحراف عن اعتقاد أهل السنَّة [السُّؤَالُ] ـ[ظهرت في بلدنا " الجزائر " وبالأخص جنوبه، وغربه: طريقة صوفية، أخذت بلب العام والخاص , الكبير والصغير، وبالأخص: رجال المال، وكبراء القوم، تُدعى "الطريقة الهبرية"، فلو تفضلت وأفدتنا بمعلومات عن هذه الطريقة حتى نستطيع مجابهتها، والتصدي لها , وجزاك الله خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: سبق في الموقع غير مرة الكلام على الطرق الصوفية على سبيل العموم، وبيان شيء من أخطائها وضلالاتها. وانظر أجوبة الأسئلة: (20375) و (118693) و (132603) . ثانياً: " الطريقة الهبرية " هي من الطرق الصوفية التي تفرعت عن " الطريقة الشاذلية " , وهذه الطريقة الهبرية الشاذلية: تفرعت عن " الطريقة الدرقاوية الشاذلية "، وتنسب إلى " محمد الهبري العزاوي الزروالي " نسبة إلى " بني زروال " , وتأتي زاويته في الأهمية بعد " الزاوية العلوية " الجزائرية، و " الزاوية البوتشيشية " المغربية. أما أهم معتقدات الطائفة الشاذلية: فهي كما يلي: 1. الاعتقاد بوحدة الوجود على النحو الذي يعتقد بها عموم الصوفية، إذ نقل الشاذلية عن شيخهم قوله: "مَن أطاع الله في كل شيء بهجرانه لكل شيء: أطاعه الله في كل شيء، بأن يتجلى له في كل شيء". 2. تأويل آيات القرآن تأويلاً باطنيّاً، فتُصرف الآيات عن ظاهرها والمراد بها، على طريقة الفرق الباطنية التي ادّعت أن للإسلام والقرآن ظاهراً وباطناً. يقول ابن عطاء الله السكندري: "لكل آية ظاهر وباطن". 3. الغلو في الشاذلي، وشيوخهم الآخرين، حتى أوصلوا بعضهم إلى مرتبة الربوبية. انظر: "الطريقة الشاذلية" , "مجلة الراصد" , العدد الثاني والأربعين. http://alrased.net/site/topics/view/512 وانظر للمزيد حول هذه الطريقة، ومؤسسها: كتاب " أبو الحسن الشاذلي " للصوفي عبد الحليم محمود، وانظر في الردِّ عليه كتاب: " صوفيات شيخ الأزهر " للأستاذ عبد الله السبت. أما عقائد هذه الفرقة الهبرية المتفرعة عن الشاذلية فكما يلي: أ. يزعم مقدَّم هذه الطريقة: "أن المجاهدة – بعزيمتها المعهودة - توقّفت عنده"، وقد كان مريدوه لا يأخذ الواحد منهم الاسم الأعظم حتى يمرّ بالخلوات التي تنقطع لها العزائم والظهور، فيخلو الواحد منهم سنوات في غار، أو كوخ، بعيداً عن الخلْق، حتى يصير الاسم الأعظم ممتزجا بكلّ ذرة من ذراته! . ب. ويزعم أتباعه أنه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي يوصل إلى الله، وعنه يؤخذ الاسم الأعظم. ت. وكان الهبري يقول: "لا يدخل طريقتنا إلاّ من كان مكتوباً من السعداء في اللوح المحفوظ، أو شريفاً". ث. ويزعم أصحاب الطريقة أن أتباع صاحب الاسم الأعظ مكتوبون عند الله في عداد الصحابة رضوان الله عليهم. ج. وكان وارثه الشيخ الأكبر! محي الطريق "محمد بلقايد" يلقّن الاسم الأعظم في أيام معدودات، بعد ما كان التقلين في سنين معهودات , وقد صرّح أنّه لا يلقن الاسم الأعظم في الأرض إلا هو وابنه محمد عبد اللطيف التلقين الأتمّ، الذي يوصل إلى الله مباشرة، ويجعل حامل الاسم من أصحاب الذات، والاسم الأعظم. بالإضافة إلى الضلالات والخرافات الأخرى التي تشترك فيها عامة الطرق الصوفية. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما حكم الشريعة الإسلامية في الطريقتين اللتين توجدان في بلدنا الجزائر ولهما اسم " الهبريين " نسبة إلى شيخهم الكبير وهو الشيخ الهبري، وكما نعرف أن شيخهم المحبوب الحضرة، ويعتقدون أنهم في الطريق الصحيح، وكل المسلمين الآخرين في ضلال، فهل هذه الطريقة صحيحة؟ . فأجابوا: "الطريقة السليمة الصحيحة: هي التي كان عليها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فمن اقتفى أثره في ذلك: فهو على الصراط المستقيم، وأما الطرق التي حدَثت بعد ذلك: فيُعرض كل عمل منها على الشريعة الإسلامية، فما وافقها: أُخذ به، وما خالفها: رُدَّ؛ لقول الله جل وعلا: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) . وننصحك بكثرة تلاوة القرآن، وقراءة تفسيره، وخاصة "تفسير ابن جرير"، و "ابن كثير" رحمهما الله، وكذلك قراءة السنَّة وشرحها، وخاصة الصحيحين "صحيح البخاري"، و "صحيح مسلم"، والسنن الأربعة ... إلى غير ذلك من كتب الحديث الشريف، مثل: "منتقى الأخبار"، و "بلوغ المرام"، و "رياض الصالحين"، و "زاد المعاد في هدي خير العباد" للعلامة ابن القيم رحمه الله. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (2/364، 365) . ثالثاً: وننبه هنا إلى أن الغرب الكافر صار يتبنى نشر العقائد الصوفية في العالَم العربي، والإسلامي؛ لما يعلمه عنها من تأثيرها المخدِّر على عقول أتباعها، وتعلقهم بالأوثان، والقبور، والأوهام، والخيالات، فينصرفون عن معرفة توحيد خالقهم، وعن تحقيق الولاء والبراء في حياتهم. قال الأستاذ عبد الوهاب المسيري رحمه الله: "ومما له دلالته: أن العالم الغربي الذي يحارب الإسلام يشجع الحركات الصوفية، ومن أكثر الكتب انتشاراً الآن في الغرب: مؤلفات "محيي الدين بن عربي"، وأشعار "جلال الدين الرومي". وقد أوصت لجنة " الكونغرس " الخاصة بالحريات الدينية: بأن تقوم الدول العربية بتشجيع الحركات الصوفية؛ فالزهد في الدنيا، والانصراف عنها، وعن عالم السياسة: يضعف - ولا شك - صلابة مقاومة الاستعمار الغربي، ومِن ثَمَّ فعداء الغرب للإسلام ليس عداء في المطلق، وإنما هو عداء للإسلام المقاوم، ولأي شكل من أشكال المقاومة، تتصدى لمحاولة الغرب تحويل العالم إلى مادة استعمالية" انتهى. من مقاله " الإسلام والغرب ". فالغرب الذي يحارب الإسلام، يحارب بالأخص أهل السنة والجماعة، لعلمه أن هؤلاء هم الذين يقفون في وجه أطماعه الاستعمارية، وفي الوقت ذاته: يشجع الطرق والحركات الصوفية، لعلمه أنها لا تتعارض مع مصالحه، بل تخدم مصالحه. وللرد على التصوف، وعقائده المنحرفة: فننصح بقراءة الكتب التالية: ‍1. "هذه هي الصوفيَّة" للشيخ عبد الرحمن الوكيل. 2. "الفكر الصوفي في ضوء الكتاب السنة" للشيخ عبد الرحمن عبد الخالق. 3. "الكشف عن حقيقة الصوفية" للشيخ عبد الرؤوف القاسم. 4. "تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي" للشيخ محمد أحمد لوح. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130188 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1110 هل الإسلام يقر حرية العقيدة؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان الإسلام قد أقر حرية العقيدة فلماذا يحارب الارتداد والوثنية والإلحاد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " الإسلام لا يقر حرية العقيدة. الإسلام يأمر بالعقيدة الصالحة ويلزم بها ويفرضها على الناس، ولا يجعلها حرة يختار الإنسان ما شاء من الأديان، فالقول بأن الإسلام يجيز حرية العقيدة هذا غلط. الإسلام يوجب توحيد الله والإخلاص له سبحانه وتعالى، والالتزام بدينه والدخول في الإسلام، والبُعد عما حرم الله، وأعظم الواجبات وأهمها: توحيد الله والإخلاص له، وأعظم المعاصي وأعظم الذنوب: الشرك بالله عز وجل، وفعل ما يكفر العبد من سائر أنواع الإلحاد، فالله سبحانه يقول: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا) النساء/36، ويقول سبحانه: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) الإسراء/23، ويقول سبحانه: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) الفاتحة/5، ويقول عز وجل: (فَاعْبُدْ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ) الزمر/2، ويقول سبحانه: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) البينة/5. ويقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ) متفق على صحته. فَبَيَّن عز وجل وبَيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم وجوب العقيدة ووجوب الالتزام بشرع الله، وأن لا حرية للإنسان في هذا، فليس له أن يختار ديناً آخر، وليس له أن يعتنق ما حرم الله، وليس له أن يدع ما أوجب الله عليه، بل يلزمه ويُفتَرض عليه أن يستقيم على دين الله وهو الإسلام، وأن يوحد الله بالعبادة، وألا يعبد معه سواه سبحانه وتعالى، وأن يؤمن برسوله محمد عليه الصلاة والسلام، وأن يستقيم على شريعته، ويوالي على هذا ويعادي على هذا، وأن يقيم الصلاة كما أمر الله، وأن يؤدي الزكاة كما أمر الله، وأن يصوم كما أمر الله، ويحج كما أمر الله. وفي الصحيحين عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قَالَ: (أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ) قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: (أ َنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ) قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: (أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ) ، فأنزل الله في هذا قوله سبحانه: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ) الفرقان/68 – 70. فدل ذلك على أن توحيد الله والإخلاص له وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وتحريم القتل وتحريم الزنا ـ أمر مفترض لابد منه، وليس لأحد أن يشرك بالله، وليس له أن يزني، وليس له أن يسرق، وليس له أن يقتل نفساً بغير حق، وليس له أن يشرب الخمر، وليس له أن يدع الصلاة، وليس له أن يدع الزكاة وعنده مال الزكاة، وليس له أن يدع الصيام وهو قادر على صيام رمضان إلا في السفر والمرض، وليس له أن يترك الحج وهو قادر على أن يحج مرة في العمر، إلى غير ذلك. فلا حرية في الإسلام في ذلك، بل يجب أن يلتزم الإنسان العقيدة الصحيحة ويدع ما حرم الله، نعم، له حرية في الأمور المباحة التي أباحها الله له، له حرية في الأمور المستحبة التي لا تجب، فلو شاء تركها لا بأس، والمباح إن شاء فعله الإنسان وإن شاء تركه، أما ما أوجب الله عليه فيلزمه فعله، وما حرمه الله عليه فيلزمه تركه، وليس له أن يعتنق الشيوعية أو النصرانية أو اليهودية أو الوثنية أو المجوسية، ليس له ذلك بل متى اعتنق اليهودية أو اليهودية أو النصرانية أو المجوسية أو الشيوعية صار كافراً حلال الدم والمال، ويجب أن يستتاب، يستتيبه ولي الأمر المسلم الذي هو في بلده، فإن تاب ورجع إلى الحق وإلا قتله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ) رواه البخاري في الصحيح. فمن بدل دينه دين الإسلام بالكفر يجب أن يقتل إذا لم يتب، فبهذا يعلم أنه ليس للمسلم حرية أن يترك الحق وأن يأخذ بالباطل أبداً، بل يلزمه الاستقامة على الحق ويلزمه ترك الباطل، وعليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وينصح لله ويدعو إلى الله عز وجل، وأن يحذر ما حرم الله عليه، وأن يدعو الناس إلى ترك ما حرم الله عليهم، كل هذا أمر مفترض حس الطاقة " انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (1/311- 313) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129141 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1111 هل ينظر الإسلام لغير المسلمين بعين الرحمة والعطف؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما نظرة الإسلام إلى البشرية؟ هل يحث على حب وتقدير الآخرين ككائنات بشرية، بغض النظر عن أديانهم، أو أعراقهم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إن نظرة الإسلام إلى البشرية ملؤها الرحمة، والعطف، ولا يمكن أن يكون غير هذا؛ لأن الدين الإسلامي آخر الأديان التي شرعها الله تعالى، وأمر الناس كافة بالدخول فيه، كما أنه تعالى أوحى بهذا الدين، وأنزله على قلب أرحم الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، ومصداق ذلك في كتاب الله تعالى قوله عز وجل: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) الأنبياء/107. ونستطيع أن ندلل من القرآن، والسنَّة، وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، ما يؤكد هذا المعنى، ويتجلى ذلك في صور كثيرة، منها: 1. الدعوة إلى الإسلام، وإنقاذ الناس من الشرك والكفر. وفي ذلك جاءت الأوامر في القرآن والسنَّة للمسلمين بدعوة الناس إلى توحيد الله، وبذل الأموال، والأوقات، والأنفس في سبيل ذلك؛ وما ذلك إلا رحمة بالعالَمين؛ لإنقاذهم من عبادة العبَاد إلى عبادة رب العبَاد، ولإخراجهم من ضيق الدنيا، إلى سعة الدنيا والآخرة. قال الله تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) آل عمران/104. 2. برُّ الوالدين، والإحسان إليهما، وإن كانا كافرَين. بل وإن كانا يجاهدان في سبيل صد أولادهم عن الإسلام، وأمرهم بالشرك والكفر! ، وفي هذا يقول الله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ. وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) لقمان/ 14، 15. 3. الوصية بالجيران، ولو كانوا من غير المسلمين. ولعلك لا ترى دِيناً، ولا منهجاً، ولا قانوناً، يدعو الناس إلى العناية بالجار، والاهتمام به، والوصية بحفظه، ورعاية حقه، وحرمته، مثل الإسلام، قال الله تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً) النساء/ 36. قال القرطبي رحمه الله: "قال نوف الشامي: (وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى) المسلم، (وَالْجَارِ الْجُنُبِ) اليهودي، والنصراني. قلت: وعلى هذا: فالوصية بالجار مأمور بها، مندوب إليها، مسلماً كان، أو كافراً، وهو الصحيح، والإحسان قد يكون بمعنى المواساة، وقد يكون بمعنى حسن العشرة، وكف الأذى والمحاماة دونه، روى البخاري عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه) ، وروي عن أبي شريح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن) قيل: يا رسول الله ومن؟ قال: (الذي لا يأمن جارُه بوائقَه) ، وهذا عام في كل جار، وقد أكَّد عليه السلام ترك إذايته بقسمه ثلاث مرات، وأنه لا يؤمن الإيمان الكامل من آذَى جارَه، فينبغي للمؤمن أن يحذر أذى جاره، وينتهي عما نهى الله ورسوله عنه، ويرغب فيما رضياه، وحضَّا الباد عليه. "تفسير القرطبي" (5/183، 184) . 4. العدل والإحسان في التعامل مع الكافر غير الحربي. وفي ذلك يقول تعالى: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الممتحنة/ 8. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: أي: لا ينهاكم الله عن البرِّ، والصلة، والمكافأة بالمعروف، والقسط، للمشركين، من أقاربكم، وغيرهم، حيث كانوا بحال لم ينتصبوا لقتالكم في الدِّين، والإخراج من دياركم، فليس عليكم جناح أن تَصِلُوهم؛ فإن صلتهم في هذه الحالة: لا محذور فيها، ولا مفسدة. " تفسير السعدي " (ص 856) . 5. تحريم قتل المعاهَد من الكفار، والوعيد الشديد في ذلك. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضى الله عنهما عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَنْ قَتَلَ مُعَاهَداً لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَاماً) رواه البخاري (2995) . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: والمراد به: مَن له عهد مع المسلمين، سواء كان بعقد جزية، أو هدنة من سلطان، أو أمان من مسلم. " فتح الباري " (12 / 259) . 6. تحريم ظلم المعاهَد، وتكليفه فوق طاقته. وقد جاء في ذلك الحديث عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا أَوْ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه أبو داود (3052) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ". قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: فمن قدم إلى بلادنا من الكفار لعملٍ، أو تجارة، وسُمح له بذلك فهو: إما معاهَد، أو مستأمن: فلا يجوز الاعتداء عليه، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أن من قتل معاهَداً لم يرح رائحة الجنة) ، فنحن مسلمون، مستسلمون لأمر الله عز وجل، محترِمون لما اقتضى الإسلام احترامه من أهل العهد، والأمان، فمَن أخلَّ بذلك: فقد أساء للإسلام، وأظهره للناس بمظهر الإرهاب، والغدر، والخيانة، ومَن التزم أحكام الإسلام واحترم العهود والمواثيق: فهذا هو الذي يُرجى خيرُه، وفلاحه. " فتاوى الشيخ العثيمين " (25 / 493) . 7. تحريم الاعتداء، ووجوب العدل. وفي ذلك يقول تعالى: (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ) ، وقال تعالى: (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) . قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله: فانظر ما في هذه الآيات من مكارم الأخلاق، والأمر بأن تُعامل مَن عَصى الله فيك: بأن تُطيعه فيه. " أضواء البيان " (3 / 50) . وانظر جواب السؤال رقم: (13241) ففيه بيان أحكام معاملة الأسير الكافر، وانظر جواب السؤال رقم: (10590) ففيه بيان سماحة الإسلام في تشريعاته. ونكتفي بهذا القدر، ولو شئنا التفصيل فيما سبق، والزيادة عليه: لطال بنا المقام. ثانياً: مع ما سبق بيانه فإنه ينبغي التوكيد على حقائق مهمة: 1. ما يُرى في العالَم مما يخالف ما سبق ذِكره إنما هو من جرَّاء أفعال أصحابه، ولا ينبغي نسبته للإسلام، وفي كل دين يوجد من يخالف تعاليمه، ولا يلتزم بأحكامه. 2. أن ما رأته الأرض وأهلها من " الكفار " لا يقارن البتة بما فعله المسلمون، فالحربان العالميتان اللتان راح ضحيتهما 70 مليون شخص كانت " نصرانية ". وعشرات الملايين من المسلمين قتلوا على أيدي: النصارى في الحملات الصليبية وغيرها، والشيوعيين، واليهود، والهندوس، والسيخ، والتفصيل في ذلك يطول، وليس هناك من ينكر هذا إلا من عطَّل عقله. ثم احتلال بلاد المسلمين، وسلب خيراتها كان ولا يزال على أيدي " الكفار " من جميع الملل، فليكن هذا على البال أثناء الحديث عن نظرة الإسلام للبشرية، وعن الحب، والعطف، وليقارن المنصفون من أهل التاريخ بين فتوحات المسلمين للبلاد الأخرى، وبين الحملات الصليبية – مثالاً – كيف كان حال كلٍّ منهما، ليرى الفرق واضحاً جليّاً، بين الرحمة والقسوة، بين الحب والبغض، بين الحياة والموت. 3. ما ذكرناه سابقاً عن الإسلام ونظرته للكفار وما جاء فيه من أحكام غاية في الحب، والعطف، والرحمة: لا يعني التبرؤ مما فيه من أحكام قد يطمسها بعض المميعين لديننا، ومن ذلك: أ. في الإسلام تحرم المودة القلبية، والموالاة، للكفار، ومن يعقل يستطيع التمييز بين البِرِّ، والقِسط، والعطف، والرحمة، التي أمرنا بها تجاه الكافر غير الحربي، وبين المنع من المودة القلبية، والتي منعنا منها تجاه أولئك الكفار بسبب كفرهم بالله رب العالمين، وعدم إسلامهم. ب. لا يحل لنا تزويج بناتنا وأخواتنا ونسائنا لأحدٍ من الكفار كائنا ما كان دينه، بينما يجوز لنا التزوج – فقط – من الكتابيات العفيفات من اليهود والنصارى؛ ولا شك أن للعقيدة والتوحيد دورها الرئيس في هذا الحكم، فإسلام المرأة الكتابية المتزوجة من واحد من المسلمين قريب، وممكن، وفتنة المسلمة عن دينها بتزويجها من غير مسلم ممكن وقريب، وهذا الحكم موافق جدّاً للرحمة التي جاءت بها أحكام هذا الدين العظيم، الرحمة بالكتابية لعلها تسلم، وبالمسلمة أن لا تترك دينها. ج. ليس في الإسلام إجبار للكافر أن يدخل في الإسلام؛ لأن الإخلاص، والصدق، من شروط قبول الإسلام، والله تعالى يقول: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) . د. وفي الإسلام رجم للزاني المحصَن، وقطع ليد السارق، وجلد للقاذف للعرض الغافل، ولسنا نخجل من هذه التشريعات، بل نعتقد جازمين أن الأرض كلها بحاجة لأن تطبقها، ومن فعلوا ذلك عاشوا آمنين على أعراضهم، وأموالهم، ونفوسهم، من التعرض لها بما يسوؤها، ومن تأمل من العقلاء هذه الأحكام علم أن تشريعها هو للمنع – ابتداء – من أن يتجرأ أحد على فعلها، ومن تأمل حال الغرب الكافر، ورأى انتشار الاغتصاب، وكثرة السرقات، وتفشي القتل: علم أن الحاجة ماسَّة لإيقاف هذا، وها هم جربوا غير أحكام الإسلام فماذا نفعهم هذا غير زيادة شقائهم أكثر فأكثر؟! . فهذا نزر يسير مما ينبغي التنبيه عليه، والتذكير به، ولعلَّ السائل يحتاج لزيادة المعرفة في بعض ما ذكرناه سابقاً، ونحن على استعداد لتلقي ذلك منه، وطبيعة الموقع أنه سؤال وجواب يقتضي منا الإيجاز، والاختصار، ومن احتاج الزيادة زدناه، راجين من غير المسلمين الذين سيطلعون على هذا الجواب أن يعيدوا النظر فيما هم فيه من حال، وأن يعلموا أن الله تعالى قد أمرهم بالدخول في الإسلام، وأن النبي محمَّداً صلى الله عليه وسلم هو رسولٌ لأهل الأرض جميعاً، وليس للعرب وحدهم، فليحرص كل من يقرأ هذا على النجاة بنفسه قبل فوات الأوان، وليعلن توحيده لرب العالَمين، والشهادة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة، وسيرى تغيُّراً في حياته عند أول نطقه بالشهادتين، ليدخل عالَم السعادة الدنيوية والأخروية، وليفوز برضا ربه تعالى، ويتجنب سخطه وعذابه. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128862 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1112 سنيَّة ودخلت مواقع الرافضة وحضرت مناقشاتهم مع أهل السنة وحصل عندها اضطراب [السُّؤَالُ] ـ[عقيدتي في خطر؛ فأرجوك: إن كان وقتك ضيقا، ولا تستطيع الجواب على رسالتي، فدلني على إيميل شيخ، أو مشايخ، أو أرسلها أنت لمن ينقذني، لا تهملها، أرجوك. دعني أخبرك في البداية عن مذهبي حتى لا تعتقد غيره: أنا فتاة سنيَّة من أسرة متدينة؛ ولكن مشكلتي أني أدخل " النت " في مسائل المذهبين: السني، والشيعي، ودخلت في متاهات الحوارات القائمة دون علم كافي يسندني، وللأسف الشديد وقعت في المتاهة، أنا مقتنعة جدّاً بمذهبي، وأمقت المذهب الشيعي، ولكني أصبت بسهام التجريح لشخصيات أعتبرها أعلاماً شامخة في حياتي، وهم الصحابة رضوان الله عليهم، دون علم يكفيني. سأكون صريحة معك للغاية في طريقة طرحي، فأنا أريد أجوبة مقنعة لي، فأرجوك لا تهملني.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نسأل الله أن يثبتك على الحق، وأن يرزقك علماً نافعاً، وعملاً صالحاً متقبَّلاً، وقد رأينا ذِكر بعض الملاحظات لكِ قبل البدء بنقض شبهات أولئك الرافضة، فنقول ـ أيتها السائلة الكريمة ـ: 1. ثمة مواقع متخصصة بالفتاوى، وإجابة السائلين – وموقعنا هذا منها -، فمراسلة هذه المواقع أنفع لك وأجدى، وأسرع في حصول المأمول، فاحرصي – في المستقبل – على مراسلتها لتري جواباً على سؤالك في أسرع وقت إن شاء الله ويسَّر، وندلك على موقع " الشبكة الإسلامية " فهو من المواقع الموثوقة عندنا. 2. لم يكن ينبغي لك مراسلة المواقع على اختلاف دين أهلها ومناهجهم؛ فإن من شأن هذا أن يزيد في حيرتك، ويولِّد لديك شكوكاً في قواعد دينك، وأصوله، وهو ما حصل من إجابات ذلك الرافضي، والتي كان لها أسوأ الأثر عليك بما فيها من انحراف وضلال. 4. ولم يكن جائزاً لك ـ من الأصل ـ الدخول في نقاشات أهل السنة مع الرافضة، لا كتابة، ولا صوتاً؛ وقد حذَّر العلماء – قديماً وحديثاً – من السماع والقراءة لأهل البدع، والضلال؛ خشية التأثر بكلامهم، فضلاً عن عدم جواز الدخول معهم في نقاش وجدال في الشرع، وإنما يجوز ذلك – وقد يجب أحياناً – على المتخصصين في الشرع، ممن يعرفون دينهم، ويعرفون مداخل الشبَه على فرق الضلال تلك. قال الإمام أحمد - رحمه الله -: الذي كنَّا نسمع، وأدركنا عليه مَن أدركنا مِن أهل العلم: أنهم كانوا يكرهون الكلام، والجلوس، مع أهل الزيغ , وإنما الأمور في التسليم، والانتهاء إلى ما كان في كتاب الله، أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا في الجلوس مع أهل البدع، والزيغ، لترد عليهم , فإنهم يلبِّسون عليك، ولا هم يرجعون , فالسلامة إن شاء الله في ترك مجالستهم، والخوض معهم في بدعتهم، وضلالتهم. " الإبانة الكبرى " لابن بطة (2 / 471، 472) . وقال شيخ الإسلام أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني - رحمه الله – في بيان اعتقاد أهل السنَّة والجماعة -: ويجانبون أهل البدع والضلالات، ويعادون أصحاب الأهواء والجهالات، ويبغضون أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه، ولا يحبونهم، ولا يصحبونهم، ولا يسمعون كلامهم، ولا يجالسونهم، ولا يجادلونهم في الدين، ولا يناظرونهم، ويرون صون آذانهم عن سماع أباطيلهم التي إذا مرت بالأذان، وقرّتْ في القلوب: ضرَّت، وجرَّت إليها من الوساوس، والخطرات الفاسدة ما جرَّت، وفيه أنزل الله عز وجل قوله: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) الأنعام/ من الآية 68. " عقيدة السلف أصحاب الحديث " (ص 99، 100) . وقال الذهبي - رحمه الله:- أكثر أئمة السلف على هذا التحذير، يرون أن القلوب ضعيفة، والشبَه خطَّافة. " سيَر أعلام النبلاء " (7 / 261) . وينظر – لمزيد فائدة – جوابي السؤاليْن: (92781) و (96231) . ثانياً: الرافضة قومٌ بهت، كذبوا على الله، وعلى نبيه صلى الله عليه وسلم، وعلى آل البيت، وهم يزعمون تعظيمهم، فكيف سيَصْدُقون في أعدائهم، وهم الصحابة رضي الله عنهم؟! ولذلك كانوا شرَّ أهل الأهواء، وأضلهم، بل وأحمقهم، وهم ـ في حقيقة أمرهم، وآخر مذهبهم ـ أعداء للدين الذي ينتسبون إليه؛ إذ لا دين إلا ما نقله أولئك الصحابة، ولا قرآن إلا ما قرؤوه وأقرؤوه، ولا سنَّة نبوية إلا ما بلغوها، وهذا هو الإسلام الذي طعنوا فيه، وكفروا بتشريعاته بتكفيرهم للصحابة، وتكذيبهم فيما نقلوه، ولم يسمِّهم السلف أهل أهواء عبثاً، بل هو لفظ مطابق لحالهم. قال الإمام الشعبي – رحمه الله -: يا مالك – وهو: ابن مغول - إني قد درستُ الأهواء، فلم أرَ فيها أحمق من " الخشبية " - فلو كانوا من الطير لكانوا رَخَماً، ولو كانوا من الدواب لكانوا حُمُراً، يا مالك لم يدخلوا في الإسلام رغبة فيه لله، ولا رهبة من الله، ولكن مقتاً من الله عليهم، وبغياً منهم على أهل الإسلام، يريدون أن يغمصوا دين الإسلام كما غمص بولص بن يوشع ـ ملك اليهود ـ دينَ النصرانية، ولا تجاوز صلاتُهم آذانَهم، قد حرقهم علي ن أبي طالب رضي الله عنه بالنار، ونفاهم من البلاد، مِنهم: عبد الله بن سبأ، يهودي من يهود صنعاء، نفاه إلى ساباط، وأبو بكر الكروس، نفاه إلى الجابية، وحرَّق منهم قوماً أتوه فقالوا: أنت هو، فقال: من أنا؟ فقالوا: أنت ربُّنا، فأمر بنار فأججت، فأُلقوا فيها، وفيهم قال علي رضي الله عنه: لما رأيتُ الأمر أمراً منكرا ... أججتُ ناري ودعوتُ قنبرا انظري " منهاج السنَّة النبوية " لابن تيمية (1 / 29، 30) . و" الخشبية " هم الرافضة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " كما كانوا يسمَّون " الخشبية " لقولهم: " إنا لا نقاتل بالسيف إلا مع إمام معصوم، فقاتلوا بالخشب ". " منهاج السنة " (1 / 36) . واسمعي ما قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كما رووه هم في كتاب نهج البلاغة، الذي يثقون فيه، ويتلقونه بالقبول، ويسنبونه إلى أمير المؤمنين رضي الله عنه، يقول: " لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وآله، فما أرى أحدا يشبههم منكم؛ لقد كانوا يُصْبحون شُعْثا غُبرا، وقد باتوا سجدا وقياما، يراوحون بين جباههم وخدودهم، ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم، كأن بين أعينهم ركب المعزى، من طول سجودهم، إذا ذكر الله هَملت أعينهم حتى تبل جيوبهم، ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف، خوفا من العقاب، ورجاء للثواب ". انتهى. نهج البلاغة، بشرح ابن أبي الحديد (7/77) . ويقول أيضا: " أين القوم الذين دُعوا إلى الإسلام فقبلوه، وقرءوا القرآن فأحكموه، وهُيِّجوا إلى الجهاد فولِهوا ولَهَ اللِّقاح إلى أولادها، وسَلبوا السيوف أَغْمادَها، وأخذوا بأطراف الأرض زحفا زحفا، وصفا وصفا، بعضٌ هلك، وبعضٌ نجا، لا يبشرون بالأحياء، ولا يعزون عن الموتى، مُرْه العيون من البكاء، خُمص البطون من الصيام، ذُبل الشفاه من الدعاء، صفر الألوان من السهر، على وجوههم غُبرة الخاشعين، أولئك إخوانى الذاهبون، فحق لنا أن نظمأ إإليهم، ونعض الأيدى على فراقهم ". انتهى. وننصحك بقراءة كتاب: صورتان متضادتان لنتائج جهود الرسول الأعظم، للعالم الهندي الكبير: الشيخ أبو الحسن الندوي، رحمه الله. وانظري – لمزيد فائدة – أجوبة الأسئلة: (113676) و (1148) و (4569) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126041 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1113 الفرق بين " البُهرة " و " الرافضة "، وهل يكفر أتباع الطائفتين؟ [السُّؤَالُ] ـ[أرجو إخباري عن ماهية الاختلاف بين " الشيعة البهرة " و " الشيعة الرافضة " في الدين، وهل هم أسوأ من الشيعة الاثنا عشرية؟ وبما أنهم يقولون " يا علي مدد "، و " يا حسين "، وبعض البهرة يسجدون لإمامهم: فهل هم يرتكبون الشرك الأكبر؟ إذاً ما حكم تكفيرهم؟ وهل نقول إنهم كلهم كافرون أم نقول إنهم عموما ليسوا كافرين، وإنما ضالون واعتقادهم يحوي كفراً، وتكفير البهري المعين يحتاج إلى دليل إقامة الحجة عليهم، وهذا لا يمكن إلا للعلماء الكبار؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الشيعة الرافضة، والشيعة البُهرة كلاهما من الطوائف الضالة المنحرفة عن دين الله - إن كانت قد دخلت أصلاً فيه. وعلماء الفرَق يعدُّون " البُهرة " من الباطنية الإسماعيلية، وقد كانوا من فرَق " الشيعة " فغلوا في الأئمة غلوّاً عظيماً، حتى كفَّرهم الرافضة! . وقد حصل شقاق ونزاع بين " الرافضة الإمامية " و " الإسماعيلية " في ترتيب الأئمة المعصومين! من بعد جعفر الصادق، فبينما الترتيب عند " الرافضة الإمامية الاثني عشرية ": جعفر الصادق ثم ابنه موسى الكاظم، إذا هي عند " الإسماعيلية ": جعفر الصادق ثم ابنه إسماعيل، ثم في محمد بن إسماعيل. ثانياً: عقائد الرافضة الإمامية الاثني عشرية اشتملت على الزندقة، والإلحاد، والوثنية، ومن أبرز عقائدهم: 1. اعتقاد أن القرآن محرَّف. 2. تكفير الصحابة رضي الله عنهم إلا قليلاً. 3. اعتقاد عصمة أئمتهم من الخطأ والسهو، فضلاً عن المعصية والسيئة، واعتقاد علمهم بالغيب المطلق. 4. تعظيم القبور والمشاهد. قال ابن كثير – رحمه الله – في تفسير قوله تعالى (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيماً) الفتح/ 29: ومِن هذه الآية انتزع الإمام مالك رحمه الله - في رواية عنه - بتكفير الروافض، الذين يبغضون الصحابة، قال: لأنهم يغيظونهم، ومن غاظ الصحابة: فهو كافر؛ لهذه الآية، ووافقه طائفة من العلماء على ذلك، والأحاديث في فضائل الصحابة، والنهي عن التعرض لهم بمساءة: كثيرة، ويكفيهم ثناء الله عليهم، ورضاه عنهم. " تفسير ابن كثير " (7 / 362) . وقال القرطبي – رحمه الله -: لقد أحسن مالك في مقالته، وأصاب في تأويله، فمن نقص واحداً منهم، أو طعن عليه في روايته: فقد ردَّ على الله رب العالمين، وأبطل شرائع المسلمين. " تفسير القرطبي " (16 / 297) . وقال ابن حزم – رحمه الله – في ردِّه على النصارى -: وأما قولهم في دعوى الروافض تبديل القراءات: فإن الروافض ليسوا من المسلمين! إنما هي فرَق، حدث أولُّها بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بخمس وعشرين سنة، وكان مبدؤها إجابة من خذله الله تعالى لدعوة من كاد الإسلام، وهي طائفة تجري مجرى اليهود، والنصارى، في الكذب، والكفر. " الفِصَل في الملل والنِّحَل " (2 / 65) . ثالثاً: أما " البهرة " فهم خليط من عقائد منحرفة شتَّى، وهم باطنية، وهم جزء من الإسماعيلية، والتي كانت من فرق الشيعة، لكنهم غلوا في أئمتهم أشد من غلو الرافضة، وهذه بعض عقائدهم: 1. تعظيم أئمتهم لدرجة العبادة، وما يسمونه " الداعي المطلق " هو مصدر السلطات عندهم، وهو مرجعهم في كل شيء، ويسجدون له إن أقبلوا عليه. 2. لهم صلوات مبتدعة، منها: صلاة ليلة الثالث والعشرين من رمضان، وعدد ركعاتها: اثنتا عشرة ركعة، يرددون فيها: " يا عليَّاه " سبعين مرة، و " يا فاطمتاه " مئة مرة، و " ياحسناه " مئة مرة، و " يا حسيناه " تسعمائة وسبع وتسعين مرة. 3. لهم ظاهر مع الإسلام وباطن خبيث، فهم يصلون، ولكن صلاتهم للإمام الإسماعيلي المستور من نسل " الطيب بن الآمر "، يذهبون إلى مكة للحج كبقية المسلمين، لكنهم يقولون: إن الكعبة هي رمز على الإمام. 4. يعظمون القبور والمشاهد كإخوانهم الرافضة، ومن أعمالهم المعاصرة المشهورة: قيامهم بإصلاح ضريح كربلاء، والنجف، كما عملوا قبة من ذهب فوق ضريح " الحسين " المزعوم في القاهرة. قال علماء اللجنة الدائمة: إذا كان واقع كبير علماء " بوهرة " وأتباعه، وما وصفت في أسئلتك: فهم كفرة، لا يؤمنون بأصول الإسلام، ولا يهتدون بهدي كتاب الله، وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يستبعد منهم أن يضطهدوا الصادقين في إيمانهم بالله، وكتابه، وبرسوله صلى الله عليه وسلم، وسنَّته، كما اضطهد الكفار في كل أمة رسل الله الذين أرسلهم سبحانه إليهم لهدايتهم. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. " فتاوى اللجنة الدائمة " (2 / 390) . وينظر لمزيد فائدة حول " البهرة ": كتاب: " أثر الفكر الغربي في انحراف المجتمع المسلم بشبه القارة الهندية " لمؤلفه: خادم حسين إلهي بخش. وفي جواب السؤال رقم: (107544) تفصيل وافٍ عن " البهرة ". رابعاً: أما بخصوص تكفير هاتين الطائفتين: فإنه لا شك في كفر " البهرة " جميعهم، العالِم منهم والعامي؛ لأنها فرقة باطنية، والفرق الباطنية ليس فيها تفصيل في حكم كفرهم جميعاً. وأما الرافضة: فقد اختلف العلماء في كفرهم على أقوال: أ. فمن العلماء من يرى أن كفرهم أصلي وأنهم لم يدخلوا في الإسلام أصلاً؛ لأن الشهادتين لهما معنى غير ما في الإسلام، والقرآن لم يؤمنوا به، والدين الذي أوصله لنا الصحابة لا يرونه إلا كفراً وضلالاً، وعند أصحاب هذا القول: لا فرق بين عامي وعالِم، وحكم عوامهم كحكم عوام اليهود والنصارى، ومن أبرز من قال به: الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله. وظاهر حالهم، وعقائدهم المنحرفة، وضلالاتهم، مما يتوافق مع هذا القول. ب. وذهبت طائفة أخرى من العلماء إلى التفريق بين عوامهم وعلمائهم، وقالوا: إن عوامهم لا يكفرون إلا بإقامة الحجة عليهم، وأما علماؤهم فيكفرون؛ لأن الحجة مقامة عليهم بما يعرفونه من نصوص القرآن والسنَّة، ومن أبرز القائلين بهذا التفصيل قديماً: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وحديثاً: الشيخ الألباني رحمه الله. قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - عن الرافضة -: وأما تكفيرهم، وتخليدهم: ففيه أيضاً للعلماء قولان مشهوران: وهما روايتان عن أحمد، والقولان في الخوارج، والمارقين من الحرورية، والرافضة، ونحوهم، والصحيح: أن هذه الأقوال التي يقولونها التي يُعلم أنها مخالفة لما جاء به الرسول: كفر، وكذلك أفعالهم التي هي من جنس أفعال الكفار بالمسلمين هي كفر أيضاً، وقد ذكرت دلائل ذلك في غير هذا الموضع؛ لكن تكفير الواحد المعين منهم، والحكم بتخليده في النار: موقوف على ثبوت شروط التكفير، وانتفاء موانعه، فإنا نطلق القول بنصوص الوعد والوعيد، والتكفير والتفسيق، ولا نحكم للمعين بدخوله في ذلك العام حتى يقوم فيه المقتضى الذي لا معارض له، وقد بسطت هذه القاعدة في " قاعدة التكفير "، ولهذا لم يحكم النبي صلى الله عليه وسلم بكفر الذي قال: " إذا أنا مت فأحرقوني ثم ذروني في اليم فوالله لإن قدِر الله عليَّ ليعذبني عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين "، مع شكه في قدرة الله، وإعادته، ولهذا لا يكفِّر العلماء من استحل شيئاً من المحرمات لقرب عهده بالإسلام، أو لنشأته ببادية بعيدة؛ فإن حكم الكفر لا يكون إلا بعد بلوغ الرسالة، وكثير من هؤلاء قدلا يكون قد بلغته النصوص المخالفة لما يراه، ولا يعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث بذلك، فيطلق أن هذا القول كفر، ويكفر متى قامت عليه الحجة التي يكفر تاركها، دون غيره، والله أعلم. " مجموع الفتاوى " (28 / 468 – 501) باختصار. غير أنه ينبغي الانتباه هنا إلى أمرين مهمين: 1. الخلاف بين العلماء في سب الصحابة لا يدخل فيه من اعتقد فسق عامتهم، أو اعتقد تكفيرهم، أو تكفيرهم إلا نفراً قليلاً منهم، فمن اعتقد من الرافضة كفر ذلك: فلا ريب في كفره، بل إنه يكفر من شكَّ في كفرهم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: وأما من جاوز ذلك إلى أن زعم أنهم ارتدوا بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام إلا نفراً قليلاً يبلغون بضعة عشر نفساً، أو أنهم فسقوا عامتهم: فهذا لا ريب أيضاً في كفره؛ لأنه كذب لما نصه القرآن في غير موضع: من الرضى عنهم، والثناء عليهم، بل من يشك في كفر مثل هذا: فإن كفره متعين؛ فإن مضمون هذه المقالة: أن نقلة الكتاب والسنَّة كفَّار، أو فساق، وأن هذه الآية التي هي (كنتم خير أمة أخرجت للناس) آل عمران/ 110، وخيرها هو القرآن الأول: كان عامتهم كفاراً أو فساقاً، ومضمونها: أن هذه الأمة شرُّ الأمم، وأن سابقي هذه الأمة هم شرارهم، وكفر هذا مما يعلم باضطرار من دين الإسلام. " الصارم المسلول على شاتم الرسول " (1 / 590) . وبمثله تماماً قال الشيخ العثيمين رحمه، ونقلنا قوله في جواب السؤال رقم: (95588) . 2. قذف عائشة رضي الله عنها بما برأها الله به: كفر مخرج من الملَّة، وقد نُقل الإجماع على ذلك، وقد ذكرنا أقوال طائفة من أهل السنَّة في كفر من قذفها في جواب السؤال رقم: (954) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 113676 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1114 الفروقات بين " الوهابية " الإباضية، وبين " الوهابية " السلفية [السُّؤَالُ] ـ[استمعت إلى عدد من علمائنا ودعاتنا، في مواضع مختلفة، وأماكن متفرقة، وهم يتكلمون عن " الوهابية "، وقد دافعوا عنها، وبيَّنوا أنها ليست حركة، أو فرقة، إنما هي تجديد لما كان عليه السلف، من اتباع الكتاب والسنَّة، ونبذ الشرك بجميع مظاهره وأشكاله، ويقفون عند هذا الحد فقط، ولم يبيِّن أحد منهم - وخاصة المشهورين منهم - أن هناك فرقة تسمى بـ " الوهابية "، وهي فرقة ضالة، نشأت في الشمال الأفريقي، مما جعل الأمور تلتبس ببعضها، وهذا هو ما جعل بعض العلماء من خارج الجزيرة العربية ينكرون هذه الطائفة التي نشأت في الجزيرة، اعتقاداً منهم أنها امتداد لتلك، نظراً لهذا الاسم الذي ألصق بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، فياحبذا لو كُتِبَ عن تلك الفرقة الضالة، وبُيِّنَ الفرق بينها وبين دعوة الشيخ محمد من حيث الأصول والمعتقد، ولكتابة هذا السؤال سبب، ولكن لا أريد الإطالة بذكره، ولعل المقصود اتضح، والهدف تبين. أسأل الله تعالى أن ينفع بكم الإسلام، وينفعكم بالإسلام أحياءً وأمواتاً، وأن يختم لي ولكم بخير خاتمة، وأفضل عاقبة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نشكر لك غيرتك على الحق، وحبك لهداية الناس، ونسأل الله أن يتولاك برعايته. ونعلمك أن كثيراً من الباحثين قد تعرضوا لذِكر الفرق بين " الوهابية الإباضية الخارجية "، وبين دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية السنيَّة، ومع أن تلبيس شياطين الإنس لم ينطلِ على الكثيرين بسبب البون الشاسع بين الطائفتين في نواحٍ عدة، منها: 1. الشخصيتان، فالإباضية: نسبة لعبد الوهاب بن رستم، والثانية: للشيخ محمد بن عبد الوهاب – ولا تصح النسبة أصلاً لأن اسم الشيخ هو " محمَّد " -. 2. المنهجان، فالإباضية فرقة مبتدعة، لا تعظم نصوص الوحي، ولا يفهمونها كما فهمها الصحابة والتابعون، والثانية: على منهج على أهل السنَّة والجماعة في العمل بالقرآن والسنَّة الصحيحة. 3. الاعتقادان، فالأولى: خارجية، والثانية: سلفية. 4. والزمانان، فالأولى في أواخر القرن الثاني أو أوائل القرن الثالث، والثانية: في أواخر القرن الثاني عشر! . ومع ذلك فلم يمتنع العلماء وطلاب العلم من توضيح الحق لمن لبِّس عليه من دعاة السوء، وعلماء الضلالة. قال الدكتور صالح بن عبد الله العبود – حفظه الله -: الوهّابية: لقب فرقة انتشرت في الشمال الإفريقي، في القرن الثاني الهجري، على يد عبد الوهاب بن رستم، تسمى " الوهابية " نسبة إلى عبد الوهاب هذا، وتسمى أيضاً الرّستمية، نسبة إلى أبيه رستم، وهي فرقة متفرقة عن الفرقة الوهبية الخارجية، من فرق الإباضية، يطلق عليها الوهبية، نسبة إلى مؤسسها عبد الله بن وهب الراسبي، ولّما كان أهل المغرب من أهل السنة والجماعة: صاروا يناوئون تلك الفرقة الوهّابية الرستمية؛ لأنها تخالف معتقد أهل السنة والجماعة، بل كفّرهم كثير من علماء أهل المغرب القدامى، الذين توفوا قبل أن يولد الشيخ محمد بن عبد الوهاب بمئات السنين، فلما أظهر الله الشيخ محمد بن عبد الوهاب على حين غربة معتقد أهل السنة والجماعة، قائماً بالدعوة الإصلاحية التصحيحية على ضوء الكتاب والسنَّة: لم يرق ذلك لأعداء التوحيد، وعبّاد القبور، وأصحاب المطامع والأغراض والأهواء، فسحبوا هذه النسبة - الوهابية - على سبيل المغالطة الماكرة - إلى دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية، وإلى أنصارها، وأطلقوها عليها؛ لتنفير الناس عنها، وصدهم عن سبيل الله تعالى، وإيهامهم بأنّ دعوة التوحيد مبتدعة، وأنها مذهب الخوارج. والساسة العثمانيون نشروا هذا الإطلاق على دعوة الشيخ محمد إلى التوحيد، وتلّقفه الناس بواسطة القبورييّن، والصوفية، والمبتدعة، والجهلة، والعامّة، واتخذوه نبزاً مشعراً بالذم، حين خافوا على دولتهم من هذه الدعوة إلى التوحيد الذي هو حق الله على العبيد، لا سيما بعد دخول الحرمين الشريفين فيها تحت ولاية أنصارها، وساعد على ذلك توافق اسم عبد الوهاب والد الشيخ محمد مع هذا الإطلاق عند من لا يدري الحقيقة. ينظر البحث القيم " تصحيح خطأ تاريخيّ حول الوهابية "، للدكتور محمد بن سعد الشويعر، ط 3، سنة 1419هـ، الجامعة الإسلامية، فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية. " المراد الشرعي بالجماعة وأثر تحقيقه في إثبات الهوية الإسلامية " (ص 18) . وقال الدكتور محمد بن سعد الشويعر – حفظه الله -: الوهابية معروفة من القرن الثاني الهجري في المغرب بأنها فرقة خارجية إباضية، تُنسب إلى عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم الخارجي الإباضي، المتوفى عام (197هـ) على رواية، وعام (205 هـ) على رواية أخرى، بشمال أفريقيا. وقد اكتوى أهل المغرب بهذه الفرقة، وبنارها، وأفتى علماء الأندلس والمالكية بالمغرب بكفرها، فنقب المستشرقون، وأهل الفكر في الدول الغربية، التي تستعمر السواد الأعظم من ديار المسلمين ذلك الوقت، ووجدوا بغيتهم في تلك الفرقة التي لها تاريخ أسْوَد مع علماء الأندلس والشمال الأفريقي، فأرادوا من باب التنفير، والإفساد بين المسلمين، إلباس الثوب الجاهز، بعيوبه، لهذه الدعوة السلفية التصحيحية، من باب التفريق بين المسلمين، وإثارة الشحناء، ويرون أنفسهم الفائزين في مكسب أحد الطرفين أو خسارته، وقد أوضحت في كتابي: " تصحيح خطأ تاريخي حول الوهابية " شيئاً من ذلك، وكان أصله مناظرة مع بعض علماء المغرب الأقصى. " مجلة البحوث الإسلامية " (60 / 256) في مقال بعنوان: " سليمان بن عبد الوهاب الشيخ المفترى عليه ". وقال: دعوة الشيخ محمد – أي: ابن عبد الوهاب - تتنافر مع الوهابية الرستمية، من حيث المعتقد، والمحتوى، والمكان، والطريقة، وأسلوب الاستشهاد بالدليل الشرعي؛ لأن الرستمية خارجية إباضية تخالف معتقد أهل السنة والجماعة، كما هو معروف عنهم لدى علماء المالكية، في شمال أفريقيا والأندلس، قبل تغلب الإفرنج عليها وذهابها من الحكم الإسلامي الذي هيمن عليها، قرابة ثمانية قرون، بينما الشيخ محمد بن عبد الوهاب في دعوته لا يخرج عن مذهب أهل السنة والجماعة، ويدعم رأيه في كل أمر بالدليل الصحيح، من الكتاب والسنة، وما انتهجه السلف الصالح، كما هو واضح النص، والقياس، في جميع كتبه، ورسائله. " مجلة البحوث الإسلامية " (60 / 264) . ويمكنك الاطلاع على مقال " تصحيح خطأ تاريخي حول الوهابية " من هنا: http://www.wahabih.com/3.htm ثانياً: وقد ذكرنا عقائد الإباضية في جواب السؤال رقم: (11529) . وبينا في جواب السؤال رقم: (40147) عدم جواز الصلاة خلفهم. وذكرنا في جواب السؤال رقم: (66052) عدم قبول شهادتهم، ومنع تزويجهم من أهل السنَّة. وانظر: جواب السؤال رقم: (10867) من هم الوهابيون؟ وما هي دعوتهم؟ . وجواب السؤال رقم: (12203) نصيحة الذين لا يعترفون بالعلماء السلفيين ويسمونهم الوهابيين. وجواب السؤال رقم: (12932) حقيقة الشيخين الجيلاني وابن عبد الوهاب. وجواب السؤال رقم: (9243) هل خرج الشيخ محمد بن عبد الوهاب على الخلافة العثمانية وكان سبباً في سقوطها؟ . وجواب السؤال رقم: (36616) محمد بن عبد الوهاب مُصْلِحٌ مفترى عليه. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112822 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1115 قرار المجمع الفقهي في حكم الانتماء للحركة الماسونية [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الانضمام للماسونية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سبق في جواب السؤال رقم (34576) التعريف بالماسونية، وبيان حكمها، وحكم الانضمام إليها. وذكرنا فتوى علماء اللجنة الدائمة للإفتاء في ذلك، ونزيد هنا فنذكر قرار المجمع الفقهي؛ ونصه: "الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد: نظر المجمع الفقهي في دورته الأولى المنعقدة بمكة المكرمة في العاشر من شعبان 1398هـ الموافق 15/7/1978، في قضية الماسونية والمنتسبين إليها وحكم الشريعة الإسلامية في ذلك. وقد قام أعضاء المجمع بدراسة وافية عن هذه المنظمة الخطيرة، وطالع ما كتب عنها من قديم وجديد، وما نشر من وثائقها نفسها فيما كتبه ونشره أعضاؤها، وبعض أقطابها، من مؤلفات ومن مقالات، في المجلات التي تنطق باسمها. وقد تبين للمجمع بصورة لا تقبل الريب من مجموع ما اطلع عليه من كتابات ونصوص ما يلي: 1- أن الماسونية منظمة سرية تخفي تنظيمها تارة، وتعلنه تارة، بحسب ظروف الزمان والمكان، ولكن مبادئها الحقيقة التي تقوم عليها، هي سرية في جميع الأحوال، محجوب علمها حتى على أعضائها، إلا خواص الخواص الذين يصلون بالتجارب العديدة إلى مراتب عليا فيها. 2- أنها تبني صلة أعضائها بعضهم ببعض في جميع بقاع الأرض، على أساس ظاهري للتمويه على المغفلين، وهو الإخاء الإنساني المزعوم بين جميع الداخلين في تنظيمها دون تمييز بين مختلف العقائد والنحل والمذاهب. 3- أنها تجذب الأشخاص إليها ممن يهمها ضمهم إلى تنظيمها بطريق الإغراء بالمنفعة الشخصية، على أساس أن كل أخ ماسوني مجند في عون كل أخ ماسوني آخر في أي بقعة من بقاع الأرض، يعينه في حاجاته، وأهدافه، ومشكلاته، ويؤيده في الأهداف إذا كان من ذوي الطموح السياسي، ويعينه إذا وقع في مأزق من المآزق أياً كان، على أساس معاونته في الحق والباطل، ظالماً أو مظلوماً، وإن كانت تستر ذلك ظاهرياً بأنها تعينه على الباطل، وهذا أعظم إغراء تصطاد به الناس من مختلف المراكز الاجتماعية، وتأخذ منهم اشتراكات مالية ذات بال. 4- أن الدخول فيها يقوم على أساس احتفال بانتساب عضو جديد تحت مراسم رمزية إرهابية لإرهاب العضو إذا خالف تعليماتها، والأوامر التي تصدر إليه بطريق التسلسل في الرتبة. 5- أن الأعضاء المغفلين يتركون أحراراً في ممارسة عباداتهم الدينية، وتستفيد من تكليفهم في الحدود التي يصلحون لها ويبقون في مراتب دنيا، أما الملاحدة أو المستعدون للإلحاد فترتقي مراتبهم في ضوء التجارب والامتحانات المتكررة على حسب استعدادهم لخدمة مخططاتها ومبادئها الخطيرة. 6- أنها ذات أهداف سياسية، ولها في معظم الانقلابات السياسية والعسكرية والتغيرات الخطيرة ضلع وأصابع ظاهرةً أو خفيةً. 7- أنها في أصلها وأساس تنظيمها يهودية الجذور، ويهودية الإدارة العليا العالمية، صهيونية النشاط. 8- أنها في أهدافها الحقيقة السرية ضد الأديان جميعاً، لتهديمها بصورة عامة، وتهدم الإسلام في نفوس أبنائه بصورة خاصة. 9- أنها تحرص على اختيار المنتسبين إليها من ذوي المكانة المالية، أو السياسية أو الاجتماعية، أو العلمية، أو أية مكانة يمكن أن تستغل نفوذاً لأصحابها في مجتمعاتهم، ولا يهما انتساب من ليس لهم مكانة يمكن استغلالها، ولذلك تحرص كل الحرص على ضم الرؤساء والوزراء وكبار موظفي الدولة ونحوهم. 10- أنها ذات فروع تأخذ أسماء أخرى تمويهاً وتحويلاً للأنظار، لكي تستطيع ممارسة نشاطاتها تحت مختلف الأسماء إذا لقيت مقاومة لاسم الماسونية في محيط ما، وتلك الفروع المستورة بأسماء مختلفة، من أبرزها: منظمة الأسود، والروتاري، والليونز، إلى غير ذلك من المبادئ والنشاطات الخبيثة التي تتنافى كلياً مع قواعد الإسلام وتناقضه كليةً. قد تبين للمجمع بصورة واضحة العلاقة الوثيقة للماسونية باليهودية الصهيونية، وبذلك استطاعت أن تسيطر على نشاطات كثير من المسؤولين في البلاد العربية في موضوع قضية فلسطين. وتحول بينهم وبين كثير من واجباتهم في هذه القضية الإسلامية العظمى، لمصلحة اليهود والصهيونية العالمية. لذلك، ولكثير من المعلومات الأخرى التفصيلية عن نشاط الماسونية وخطورتها العظمى، وتلبيساتها الخبيثة، وأهدافها الماكرة، يقرر المجمع الفقهي اعتبار الماسونية من أخطر المنظمات الهدامة على الإسلام والمسلمين، وأن من ينتسب إليها على علم بحقيقتها وأهدافها فهو كافر بالإسلام مجانب لأهله. والله ولي التوفيق. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. "فتاوى إسلامية" (1/150- 152) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111876 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1116 الفيلم الهولندي المسيء للإسلام تعليق، ونقد، وتوجيه [السُّؤَالُ] ـ[خرج في هذه الأيام فيلم هولندي فيه إساءة للإسلام وأهله، واصفاً لهم بالإرهاب، فما هو توجيهكم للمسلمين حيال هذا الموضوع؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إن الصراع بين الحق والباطل قديم، وما يزال جنود الباطل يقفون في وجه الحق في كل عصر ومصر، فيخذلهم الله تعالى بقوة الحق، ويقذف الله تعالى بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق. ومنذ أن خُذل إبليس وترك استجابة أمر الله تعالى بالسجود لآدم عليه السلام بدأ الكيد للحق وأهله، وطلب إبليس من ربِّه الإنظار، لا ليتوب، بل ليكيد، وليُكثر من أتباعه، فيدخل وإياهم نار الله تعالى، وهناك سيقف خطيباً فيهم ويقول: (إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) إبراهيم/ 22. ثانياً: قد تعرَّض الإسلام لمكائد كثيرة وكبيرة، ولكنَّ الله تعالى تكفَّل بحفظ دينه؛ لأنه جعله خير الأديان وخاتمتها. ثالثاً: نقف هنا مع حدَث حديث، لن يكون الأخير؛ لوجود شياطين الإنس والجن، ومحاولاتهم اليائسة البائسة للنيل من هذا الدين، وكتابه المقدس والنبي العظيم صلى الله عليه وسلم. وهذا الحدَث هو ما صنعته يد الإثم والبهتان المسمَّى " غيرت فيلدرز "، زعيم حزب " الحرية "، وهو يميني هولندي متعصِّب، أراد أن يطعن في هذا الدين العظيم؛ ليُعرف، وليحصِّل مكاسب سياسية، لكنَّ الله تعالى خذله، وسيُخذل أكثر وأكثر، إن شاء الله، فأنتج ذلك الحاقد " فيلماً " قصيراً لا يتجاوز 17 دقيقة عن الإسلام والقرآن ملأه بالأكاذيب والافتراءات، وقد سمَّاه " فِتنة "! ، ولو عُرض ما قاله وقاءه على معهد أو جامعة " أكاديمية ": لكان حقه التوبيخ والإهانة؛ لعدم موضوعيته؛ ولتحريفه وتزويره للحقائق. وقد بدأ فيلمه وأنهاه بوضع صورة مشينة للنبي صلى الله عليه وسلم مما رسمته اليد الآثمة المجرمة، يد الرسام الدنماركي، وهي تمثل في أول الفيلم قنبلة على عمامة صورة للنبي صلى الله عليه وسلم – في زعمه – وهي في أول اشتعالها، وفي آخر الفيلم تصل الشعلة لنهايتها، وتنفجر! وهو يريد بذلك إيصال رسالة خسيسة بأن الإسلام جاء للدمار والخراب، وأن السكوت عنه سيؤدي إلى زوال الحضارات والأمم غير المسلمة! . رابعاً: يمكننا تقسيم وقفاتنا مع ذلك الفيلم السيئ إلى عدة أقسام: 1. آيات مقتطعة عن سياقاتها، ومحرَّفةٌ معانيها. ومن أمثلة ذلك: أ. أول الآيات في فيلمه قراءة هي قوله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ) الأنفال/ 60. وقد أوصل القراءة إلى هذا الحدِّ، ولم يُكملها، وأراد إثبات لفظ (تُرهِبون) للدلالة على أن الإسلام هو الإرهاب، وهو ما يسعى كثيرون من الحاقدين والجهلة للصقه بالإسلام. ولسنا نخجل مما في كتاب ربنا تعالى، ولسنا ننكر هذه الآية، بل نتعبد الله بقراءتها، ونسأله التوفيق للعمل بها، ونرد على استدلاله بهذا المقطع بوجهين اثنين – خشية الإكثار وخروج الرد عن منهج الموقع -: الأول: أن هذا الذي أنكره على الإسلام هو ما تفعله الدول الكبرى والعظمى، فهي تنتج الأسلحة الفتاكة، والقنابل النووية والذرية، والطائرات، والغواصات، وغيرها؛ حماية لنفسها؛ وإرهاباً لأعدائها خشية أن يتعدى أحد عليها! وهو المراد بهذه الآية، ولم يطمع الكفار المحتلون ببلاد المسلمين إلا عندما عطَّلوا العمل بهذه الآية، ومن آخر أمثلة ذلك: العراق، حيث ضغطوا على حكومته لتدمير أسلحته، وصواريخه، فلمّا تمَّ ذلك، وتأكدوا منه: غزوا البلد، واحتلوه، وساموا أهله سوء العذاب. الثاني: أن تكملة سياق الآية بعدها يفسِد عليه ما أراده من إلصاق الإرهاب – بمفهومه هو وعصابته – بالإسلام، والآية التي بعدها مباشرة: (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) الأنفال/ 61. ب. وثاني آية مسموعة في ذلك الفيلم: قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً) النساء/ 56. ومن تدليس هذا المخرج أنه جاء بهذه الآية ليبين للمشاهدين أن الإسلام يأمر بحرق المخالفين له حتى تنضج جلودهم! وأن هذا من تشريع الله لهم. والرد عليه من جهتين: الأولى: أن فعله تدليس أخرق؛ لأن الله تعالى يذكر فيها عقوبة الكفار يوم القيامة! وليس هي في الدنيا، وقد جاء بعدها ذِكر جزاء الممنين الموحدين، فقال: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً) النساء/ 57. والثانية: أن أدنى تأمل في الآية يبين به كذب وافتراء وتدليس هذا المخرج، ففي الآية قول الله تعالى (بدَّلْنَاهم جُلُوداً غَيْرَهَا) وهل يملك المسلمون تبديل جلود من احترقت جلودهم في الدنيا؟! . 2. صورٌ مفبركة، أو غير دالة على مراده، أو هي منكرة في الإسلام أصلاً. ومن أمثلتها: أ. صور لمجموعة من الرافضة – الشيعة – تجرح نفسها وأبناءها بالآلات الحادة، فتُدمى رؤوسهم، في منظر بشع سيء، وهذا ليس من ديننا، وإنما يفعله بعض المنتسبين إلى الإسلام جهلاً منهم وضلالاً. والصورة التي فيها سيوف مرفوعة عليها دماء: أيضاً هي من صور الرافضة في مناسبات عندهم، وقد أفهم المخرجُ الكذابُ النّاسَ أنها لمسلمين! وأنهم للتو قد انتهوا من حفلة تقطيع رؤوس للكفار! . ب. ومن الصور المضحكة الواضحة الكذب: صور لنساء مسلمات منتقبات يرفعن لوحات كُتب عليها " بارك الله في هتلر "! . ونقول: وهذا واضح أنه كذب وتدليس، فإن ديننا يمنعنا من الدعاء لمن مات كافراً، قال الله تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) التوبة /113، فكيف تدعو نساء منتقبات ملتزمات بأحكام الإسلام لهتلر بالبركة. 3. مقاطع مرئية، بعضها يحتوي حقّاً لا ريب فيه، وبعضها تزوير للحقائق، وتدليس على المشاهدين. ومن أمثلة ذلك: أ. لقاء مفبرك مع طفلة صغيرة، وواضح أنهم لم يحسنوا تمثيلها، ولا فبركتها، وذلك من وجهين: الأول: أنها محجبة، وهم يسألونها عن دينها! فلم التلبيس والتدليس وكأنه أمر طبيعي غير مفبرك؟! . والثاني: أن الطفلة الممثلة! سئلت عن رأيها في اليهود والنصارى، فقالت: قردة وخنازير. وهذا ليس من ديننا، فليس فيه أن اليهود والنصارى قردة وخنازير، وإنما فيه أن طائفة من اليهود السابقين احتالوا على شرع ربهم، فعاقبهم الله تعالى فمسخهم قردة، قال الله تعالى: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) البقرة/ 65، وقال تعالى: (فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) الأعراف/ 166. ب. ومن المقاطع المرئية المقطوعة عن سياقاتها: مقطع ذلك الخطيب الذي يُخرج السيف، ويتوعد الكفار! . وهذا الشيخ معروف، وهو عراقي، رفع السيف في خطبته تهييجاً للناس على الجهاد ضد الكفار المحتلين لبلده - وقد قتله الرافضة عليهم من الله ما يستحقون -، وماذا يراد من المسلمين إذا احتلت بلادهم؟ التسليم لأموالهم وأعراضهم، وانتظار القتل، أو الرضا والعفو عن المحتل المجرم؟! بل الإسلام دين العزة، والكرامة، والمسلمون يأبوْن الذل، ولا بدَّ من قتال المحتل، وهذا مؤيد من أديان الأرض وشرائعه جميعاً، بل رأس الاحتلال نفسه قال: لو احتلت بلدي لقاتلت المحتل، وعلى فرض تصديقه أنه يقاتل ولا يفر: فهو لم يقل إلا الحقيقة والواقع، أي: أن المحتل يقاتَل. فما هو المنكر في جهاد المسلمين لمن احتل أرضهم؟ خامساً: انصبت الأفكار الرئيسية جميعاً على الطعن في الإسلام، من خلال: السخرية والاستهزاء بالنبي صلى الله عليه وسلم، ومن خلال الطعن في القرآن، وأنه كتاب " فاشي "! كما قال في الفيلم، ومن خلال التنبيه على خطر المساجد، وكل ذلك حاوله المخرج في فيلمه القصير عن طريق المقاطع المرئية، والصور المؤثرة، ومن خلال الموسيقى المصاحبة لهما، لكنه فشل فشلاً ذريعاً؛ لاستعماله الكذب، والتزوير، والتدليس، وهو ما لن يقبله منه المشاهد، حتى لو كان كافراً. وقد أرجع الله تعالى مكر المخرج على نفسه، فقد انكبَّ الناس في " هولندا " على الكتب الإسلامية، وعلى المصاحف، لشرائها، والنظر فيها، وسيرون فيها ما يبين كذب وتزوير ذلك المخرج الفاشل، وقد حصل بالفعل، فقد أسلم ثلاثة أشخاص من تلك البلاد بعد عرض الفيلم، وقد هددت شركات هولندية برفع قضايا على النائب المخرج إذا قاطعت الدول الإسلامية منتوجاتها، وسيبوء ذلك النائب المخرج بالخزي والعار، ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله. سادساً: قد نصر الله تعالى دينه نصراً مبيناً، فمنذ الإعلان عن قرب عرض الفيلم والمؤسسات والحكومات والأفراد من غير المسلمين ينكرون على النائب فعله، ويبينون عدم ربط الإسلام بالعنف والإرهاب، وأن المسلمين هم ضحايا للإرهاب مثل غيرهم، ومن هؤلاء المنكرين الرافضين لفعل ذلك النائب المخرج: رئيس وزراء هولندا، وله كلام قوي في إنكاره ورفضه، وسكرتير هيئة الأمم المتحدة، والاتحاد الأوربي، وجمع من الساسة، والقادة، والدول، وقد رفضت المحطات الفضائية العامة والخاصة عرض هذا الفيلم، ولم يجد إلا موقعاً في " الإنترنت " لينشره. وجاء في " مفكرة الإسلام " (السبت 22 ربيع الأول 1429هـ، 29 – 3 - 2008م) : " ففي بروكسل: أدان البرلمان الأوروبي هذا الفيلم المسيء؛ حيث هاجم رئيس البرلمان " هانز غيرت بوتيرنغ " بشدة النائب الهولندي " فيلدرز " قائلاً في بيان له: إن محتوى الفيلم " يبدو مصمماً لاستفزاز الحساسية الدينية للمسلمين في هولندا وأوروبا والعالم ". وأضاف قائلاً: " نيابة عن البرلمان الأوروبي أرفض بشدة تأويل الفيلم بأن الإسلام ديانة عنيفة "، مشيراً إلى أنه يصادق تماماً على بيان الحكومة الهولندية الرافض لفيلم (فتنة) ". وكذلك أصدر الاتحاد الأوروبي بيانًا اعتبر فيه الفيلم الذي تبلغ مدته 15 دقيقة " معادياً للإسلام " و " مهيناً " و " ينشر الكراهية " انتهى. وأما المسلمون فقد تحركوا في الإنكار، والشجب، وإخراج البيانات والتحذيرات من الاستمرار في الإساءة لشعائر ديننا ورموزه، وقد هددت بعض الدول بقطع علاقاتها مع هولندا، وطالب نواب في بعض الدول بطرد السفير الهولندي، ومقاطعة البضائع الهولندية، وعلى الضعف والتفرق الذي يعيشه المسلمون يعتبر هذا نصراً عظيماً للإسلام، حيث يوجد من يدافع عن ديننا من الكفار والمسلمين، وقد بعث رئيس وزراء هولندا نفسه رسالة لشيخ الأزهر يبين له فيها رفض حكومته لإنتاج هذا الفيلم وعرضه، وأن هناك قضية مرفوعة في المحاكم الهولندية. فكيف سيكون الأمر والحال لو أن المسلمين كانوا على قلب رجل واحد، وكان لهم من القوة ما يهابهم الحاقدون الأفاكون بسببها؟! . سابعاً: الذي تبين لنا أن ذلك النائب الكاذب أراد تحقيق أهداف من خلال فيلمه ذاك، ومنها: 1. كسب شخصي، للشهرة، والفوز بالانتخابات. 2. إرضاء اليهود، وقد وضح ذلك في فيلمه في عدة مقاطع يُظهر فيه الشفقة عليهم! وهم محتلون مجرمون، وفي الوقت الذي تكلَّم فيه عن القتل عند المسلمين: نسي أو تناسى أمرين: الأول: أن الذي حرق الملايين من اليهود: نصراني! وهو هتلر! وقد ذكر في كتابه " كفاحي " أن هذا كان بأمر الله! . والثاني: أن اليهود قتلوا وشردوا من المسلمين أعداداً كبيرة، ولم يخجلوا من أنفسهم في معركتهم الأخيرة على " غزة " أن يسموا فعلهم " محرقة "! . 3. تنبيه الغرب على ارتفاع نسبة المسلمين في بلادهم، وأن كثرة أعداد المسلمين تشكل خطراً على أوربا! . 4. تنبيه أوربا عموما، وهولندا على وجه الخصوص من انتشار المساجد فيها، وقد بان ذلك من خلال نشره لصور مساجد في هولندا؛ ليحذر من وجودها. 5. محاولة منع المصحف من التداول في أوربا، ومقارنة القرآن الكريم بكتاب هتلر " كفاحي "! ومن هنا فقد وصف القرآن بـ " الفاشي "! وهو مصطلح يشير إلى العنف والقسوة. وقد خذل الله هذا النائب المخرج بذلك العمل الهزيل، المليء بالكذب، والافتراء، وسيرى الناس الفرق بين الكذب والحقيقة عندما يطلعون على القرآن الكريم، وعلى ما كتب عنه وعن الإسلام من عقلاء أقوامهم، وسيكون هذا الفيلم دافعاً لهم لتلك القراءة، وذلك الاطلاع، إن شاء الله، ولعله يكون سبباً لإنقاذ كثيرين من الضلالة. ثامناً: وصفُ الإسلام بالإرهاب والعنف: هو الرسالة الأصلية لهذا الفيلم، وهذا: ليس إلا إفكاً مفترىً، فالإسلام دين الرحمة، والعدل، والإنسانية، وهو الذي أنقذ أهل الأديان من جور حكامهم، ومخالفيهم، كما كان الحال في " الأندلس "، وفي " مصر " وغيرهما من البلدان التي كان يسام فيها أهل المخالفة سوء العذاب، حتى اليهود منهم! . قال " إسرائيل ولفنسون ": " إن الخسارة القليلة التي لحقت بيهود بلاد الحجاز ضئيلة بالقياس إلى الفائدة التي اكتسبها اليهود من ظهور الإسلام، لقد أنقذ الفاتحون المسلمون آلافاً من اليهود كانوا منتشرين في أقاليم الدولة الرومية، وكانوا يقاسون ألواناً من العذاب ". " اليهود والتحالف مع الأقوياء " الدكتور نعمان عبد الرزاق السامرائي، بواسطة مقال الأستاذ خالد جودة " الفارق الإنساني بين حضارة الإسلام وثقافة الغرب ". وليس الإسلام دين ذل وهوان، فالجهاد في سبيل الله من شعائره، ومن أعظم الأعمال فيه، وهو مشروع لحماية المسلمين من عدوهم، ولتبليغ دين الله تعالى، ونشر كلمة التوحيد في آفاق الأرض، وليس في الإسلام أنه يُكره الناس على دخوله؛ لأن من شرط الإسلام الصدق والإخلاص، فإذا لم يتصف بهما فسيكون منافقاً بين صفوف المسلمين، ولا يحرص الإسلام على وجود هذا الصنف الدنيء بين أفراده، بينما نجد القساوسة والرهبان قد ساهموا في إجبار الناس على اعتناق النصرانية في أوربا وغيرها، حتى بلغ القتلى من أجل ذلك الهدف أعداداً مهولة، قال المؤرخ " بريفولت " إنها من 7 – 15 مليوناً! . ومن الظلم البيِّن الالتفات إلى أخطاء بعض المسلمين مما ينكره علماؤه وأئمته من قتل الأبرياء، ونسبة ذلك للإسلام – كما جاء في بعض مقاطع في الفيلم نحو تفجير قطارات لندن ومدريد وأمثال ذلك، فهذا كله أنكره أهل العلم مع أنه لم يكن ابتداء من أحد، وإنما كان ردة فعل من الظلم والقهر - وفي الوقت ذاته يغفل هؤلاء عن قتلى الحرب العالمية الأولى والثانية والتي مات فيهما عشرات الملايين – قتلى الحرب الأولى: 14 مليوناً! وقتلى الثانية: 55 مليوناً! - ولم تكن بين المسلمين والنصارى، بل كانت بينهم أنفسهم، وعن قتلى اليابان من القنبلة الذرية الأميركية، وقتلى الهنود الحمر من الأمريكان، وقتلى الشعوب الآسيوية من الأمريكان أيضاً، وقتلى المستعمرين المحتلين. ويغفلون عن الدمار والإرهاب الذي جاءت به الحملات الصليبية على بلاد المسلمين، ويغفلون عما تفعله أمريكا وحلفاؤها اليوم في أفغانستان، والعراق، وما فعله الصرب بمباركة القساوسة في المسلمين في " البوسنة "، وغير ذلك الكثير والكثير، وإن نسي التاريخ أشياء: فإنه لا ينسى " محاكم التفتيش "، وخاصة تلك التي كانت في " إسبانيا ". قال " غوستاف لوبون " في كتابه " حضارة العرب ": " وعاهد " فرديناند " العربَ على منحهم حرية التدين، واللغة، ولكنه في سنة 1499م: لم تكد تحل: حتى حلَّ بالعرب دور الاضطهاد، والتعذيب الذي دام قروناً! والذي لم ينته إلا بطرد العرب من " أسبانية "، وكان تعميد العرب كرهاً فاتحة ذلك الدور، ثم صارت " محاكم التفتيش " تأمر بإحراق كثير من المعمَّدين على أنهم من النصارى، ولم تتم عملية التطهر بالنار إلا بالتدريج، لتعذر إحراق الملايين من العرب دفعة واحدة! . ونصح كردينال طليطلة التقي! الذي كان رئيساً لمحاكم التفتيش بقطع رؤوس جميع من لم يتنصر من العرب، رجالاً، ونساءً، وشيوخاً، وولداناً، ولم ير الراهب الدومينيكي " بليدا " الكفاية في ذلك، فأشار بضرب رقاب من تنصر من العرب، ومَن بقي على دينه منهم، وحجته في ذلك: أن من المستحيل معرفة صدق إيمان من تنصر من العرب، فمن المستحب إذن قتل جميع العرب بحد السيف؛ لكي يحكم الرب بينهم في الحياة الأخرى، ويُدخِل النار من لم يكن صادق النصرانية منهم! .... ولا يسعنا سوى الاعتراف بأننا لم نجد بين وحوش الفاتحين من يؤاخذ على اقترافه مظالم قتل كتلك التي اقترفت ضد المسلمين. " حضارة العرب " (ص 270 – 272) باختصار. ومن يتأمل الآن يجد أن أهل الإرهاب هم أهل الأديان الأخرى من النصارى، واليهود، والهندوس، والسيخ، ويجد أن المسلمين هم ضحايا هذا الإرهاب، فمتى يستيقظ النيام من نومهم؟! ومتى يصحو الغافلون من غفلتهم؟! . ونقول لهذا النائب الكاذب الذي يدعونا لتمزيق آيات إرهابية من القرآن الكريم – على حد زعمه -: تعال لنر كتابك المقدَّس ماذا فيه من الإرهاب - بنفس زعمك -: إن كنت يهوديّاً تؤمن بالعهد القديم: فهاك ما فيه مما ينسب إلى الرب تعالى مما قاله لموسى: في " سفر التثنية " (20، 10 – 17) : " إذا دَنوتَ منَ القرية لتقاتِلهم ادعُهم أوّلاً إلى الصّلح ... فأمّا القرى التي تعطَى أنت إيّاها فلا تستحيِ منها نفسًا ألبتّة، ولكن أهلِكهم إهلاكًا كلَّهم بحدِّ السيف الحَيثِيّ والأموري والكنعاني والفرزي، كما أوصاك الربّ إلَهُك ". وإن كنت نصرانيّاً وأردت شيئاً من العهد الجديد: فهاك بعض ما فيه: في " متَّى " (10 / 34 – 36) : يروى فيه عن عيسى عليه السلام قال: " لا تظنّوا أني جِئت لأحمِلَ السلام إلى العالم، ما جِئتُ لأحمل سلاماً بل سَيفاً، جئتُ لأفرّق بين الابن وأبيه، والبنتِ وأمّها، والكَنَّة وحماتها، ويكون أعداء الإنسان أهل بيته ". وللاستزادة: ينظر كتاب " السيف بين القرآن والكتاب المقدس " للدكتور حبيب عبد الملك: http://www.elforkan.com/7ewar/showthread.php?t=7597 تاسعاً: الواجب على المسلمين الآن: 1. عدم إحداث مشكلات في بلادهم، من مظاهرات تُحطم فيها الممتلكات، أو تراق فيها الدماء. 2. إرجاع الأمر إلى العلماء والحكماء لمعالجة الأمر، هذا أو غيره مما يشبهه. 3. السعي نحو التمسك بالإسلام قولاً وعملاً، فهذا من جهة يساهم في انتشار الإسلام، ومن جهة أخرى يغيظ الكفار الحاقدين على الإسلام وأهله. 4. الدعوة إلى الله بحكمة وعلم، وتوزيع المصاحف المترجمة، والكتب الإسلامية الميسرة على غير المسلمين، والاستعانة في ذلك بالمؤسسات الإسلامية الموثوقة، والعلماء الثقات. والله الهادي [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111922 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1117 نبذة عن كتاب " الكافي " للكليني [السُّؤَالُ] ـ[أريد نبذة عن كتاب الكافي للكليني؟]ـ [الْجَوَابُ] كتاب " الكافي " احتوى على كفر وزندقة، وهو عمدة مراجع الشيعة في مذهبهم، وقد اشتمل على ثلاثة أقسام: الأصول، والفروع، والروضة. ألَّفه: محمد بن يعقوب الكليني، أبو جعفر، هلك عام 328 هـ. ومن أمثلة ما في كتابه من كفر وزندقة: 1. وفي (1 / 258) بابٌ بعنوان " باب أن الأئمة عليهم السلام يعلمون متى يموتون، وأنهم لا يموتون إلا باختيارهم ". 2. وبوَّب في (1 / 260) باباً بعنوان: " باب أن الأئمة عليهم السلام يعلمون علم ما كان، وما يكون، وأنه لا يخفى عليهم شيء ". وروى فيه عن أبي عبد الله قال: إني أعلم ما في السموات، وما في الأرض، وأعلم ما في الجنة والنار، وأعلم ما كان، وما يكون ". 3. وبوَّب في (1 / 407 – 410) باباً بعنوان: " باب أن الأرض كلها للإمام ". وروى فيه عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام – أي: جعفر الصادق - قال: " أما علمتَ أن الدنيا والآخرة للإمام! يضعها حيث يشاء! ويدفعها إلى من يشاء؟! ". 4. وفي " فروع الكافي " (ص 59) : " إن زيارة قبر الحسين تعدل عشرين حجة، وأفضل من عشرين عمرة وحجة ". فهذا بعض ما في كتابهم من كفر وزندقة، ونسأل الله أن يكف بأسهم وشرَّهم وكفرهم عن المسلمين، وأن يحفظ علينا ديننا. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111952 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1118 الطائفة النصيرية أو العلوية [السُّؤَالُ] ـ[ما هي أهم أفكار وعقائد العلويين؟ وما الفرق بينهم وبين سائر المسلمين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الطائفة العلوية ظهرت في القرن الثالث من الهجرة، وتعد هذه الطائفة من غلاة الشيعة، الذين ادعوا الإلهية في علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وكان اسمهم الأول "النصيرية" ثم تسموا بعد ذلك بـ "العلويين" تمويهاً على الناس، وتغطية لحقيقة مذهبهم، وهم يحرصون على هذا الاسم الآن. مؤسس هذه الطائفة هو محمد بن نصير البصري النميري (توفي سنة270 هـ) الذي ادعى النبوة والرسالة. أهم أفكار ومعتقدات هذه الطائفة: 1- يعتقدون في علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه إله. 2- يحبون عبد الرحمن بن ملجم الذي قتل علي بن أبي طالب، ويترضون عليه، لزعمهم بأنه خلص اللاهوت من الناسوت، ويخطئون من يلعنه! 3- يعتقد بعضهم أن علياً يسكن السحاب بعد تخلصه من الجسد الذي كان يقيده، وإذا مر بهم السحاب قالوا: السلام عليك يا أبا الحسن، ويقولون: إن الرعد صوته، والبرق سوطه. 4- يعظمون الخمر، ويشربونها، ويعظمون شجرة العنب لذلك. 5- يصلون في اليوم خمس مرات، لكنها صلاة تختلف عن صلاة المسلمين، إذ ليس فيها سجود. 6- لهم قداسات شبيهة بقداسات النصارى. 7- لا يؤمنون بالحج، ويقولون بأن الحج إنما هو كفر وعبادة أصنام. 8- لا يؤمنون بالزكاة الشرعية المعروفة عند المسلمين، وإنما يدفعون ضريبة إلى مشايخهم، مقدارها خمس ما يملكون. 9- الصيام عندهم هو الامتناع عن معاشرة النساء طيلة شهر رمضان. 10- لهم تفسير باطني لشرائع الإسلام وأركانه غير ما يعرفه منها المسلمون، ولذلك فهم لا يؤمنون بالشهادتين ولا بالصلاة ولا بالزكاة ولا بالصيام ولا بالحج، ولا الطهارة والوضوء والاغتسال من الجنابة ... إلخ. 11- عقائدهم خليط من الاعتقادات والأديان الباطلة، فأخذوا من الوثنية القديمة وعُبَّاد الكواكب والنجوم، وأخذوا من الفلاسفة المجوس، والنصارى، والمعتقدات الهندية والآسيوية الشرقية، وخلطوا ذلك بمعتقدات الشيعة الغلاة. 12- لهم أعياد كثيرة يحتفلون بها تدل على مجمل عقائدهم، منها: - عيد النيروز، في اليوم الرابع من نيسان، وهو أول أيام سنة الفرس. - عيد الغدير والعاشر من المحرم (عاشوراء) . - عيد الأضحى، وهو عندهم في اليوم الثاني عشر من شهر ذي الحجة. - يحتفلون بأعياد النصارى، كعيد الغطاس وعيد الميلاد وعيد الصليب وغيرها. - يحتفلون بيوم مقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فرحا بمقتله، وشماتة به. وبهذا يتبين أن هذه الفرقة من الفرق الباطنية التي تنتسب إلى الإسلام زوراً، والإسلام منهم بريء. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "هؤلاء القوم المسمَّون بالنصيرية ـ هم وسائر الأصناف الباطنية ـ أكفر من اليهود والنصارى، بل وأكفر من كثير من المشركين، وضررهم أعظم من ضرر الكفار المحاربين مثل التتار والفرنج وغيرهم.. وهم دائماً مع كل عدو للمسلمين، فهم مع النصارى على المسلمين، ومن أعظم المصائب عندهم انتصار المسلمين على التتار، ثم إن التتار ما دخلوا بلاد الإسلام وقتلوا خليفة بغداد وغيره من ملوك المسلمين إلا بمعاونتهم ومؤازرتهم" انتهى. انظر: "الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة" (1/393-399) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109264 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1119 شبهات من نصراني حائر [السُّؤَالُ] ـ[قرأت في الصحيفة أن 15% من القرآن يتحدث عن المسيح؛ وكذلك فقد قرأت في النسخة الإنجليزية (لمعاني) القرآن أن محمدا كان يؤمن بالمسيح وإبراهيم وبجميع الأنبياء وبكتبهم التي سبقت القرآن. إذا كان الأمر كذلك, فلماذا يقبل القرآن ببعض التعاليم الواردة في الكتاب المقدس , مثل معجزات المسيح , وعدم وقوعه في المعصية, وأنه نبي, ... إلى غير ذلك , ويتناقض مع العديد من التعاليم الواردة فيه مثل إلهية المسيح كما ورد في "إيسا" 9:6 و"جان" 1:1, و3:16, وتألم المسيح وموته تكفيرا عن خطايا البشر كما ورد في العهدين القديم والجديد؟ إذا كان القرآن خاليا من الخطأ, فلماذا توجد كل هذه الطوائف في الإسلام مثل "شوهيت (؟) " و"الشيعة" على التوالي؟ لماذا يسمح القرآن بتعدد الزوجات, بينما يمنع الكتاب المقدس من ذلك كما ورد في "جن." 2:24 و"مات." 19:5؟ إن روحي تبحث عن الحقيقة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إن الله تبارك وتعالى قد أكثر من ذكر المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام في كتابه لأسباب عديدة منها: 1. أنه نبيٌّ من أنبيائه، بل ومن أولي العزم من رسله إلى خلقه وعباده، والإيمان به واجب كباقي الأنبياء كما أمر الله سبحانه بقوله {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون} البقرة/136. 2. إن أولى الناس بالعناية الدعوية هم أهل الكتاب من اليهود والنصارى؛ وذلك أنهم أقرب الأمم ممن جاءتهم الرسل من آخر الأمم التي بعث فيها آخر الرسل، وقد علم كلٌّ من اليهود والنصارى مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، وأوصافه مكتوبة عندهم في التوراة والإنجيل، والواجب أن لا ينكروها وأن يسارعوا إلى الإيمان به؛ لأنهم يؤمنون من قبل بالرسل خلافاً لغيرهم من عبدة الأوثان، فلما لم يكن منهم ما أُمروا به من الإيمان بآخر الرسل عليه الصلاة والسلام: كان لابد من الرد عليهم وتبين ما آلو إليه من تحريف التوحيد والأحكام فكثر ذكرهم في الآيات لذلك. 3. وهو أصل الأصول، وعليه قوام الدين والدنيا، وبه تكون النجاة من النار، والدخول إلى الجنان، وهو تقرير التوحيد لله الواحد الأحد، وذلك أن اليهود والنصارى اختلفوا في عيسى عليه السلام فقالت اليهود: هو دجَّال أفاك كذاب مفتر على الله وجب قتله! والنصارى كان خلافهم أشد فمنهم من قال: إنه الله! ومنهم من قال: إنه ابن الله متحد مع الله في الأقانيم، في الظاهر ابن الله وفي الحقيقة الله! ومنهم من قال: هو ثالث الأقانيم التي هي مرجع أصل التوحيد ومدار التثليث! وآخرون قالوا: بل هو رسول من عند الله وبشر كسائر الخلق لكن الله خصه بمعجزات ليقيم الحجة على العباد، والآخِرون هم المصيبون فكان لابد من تفصيل الحال وبيان حقيقة الأمر وإظهار عيسى بما يليق به ولا يُنقصه كسائر الأنبياء والمرسلين أنه بشر مخلوق من طين اختاره الله عن سائر البشر ليكون من غير أب إظهاراً لقدرة الله على إيجاد الخلق مع زوال الأسباب، وإن مثل عيسى عند الله كمثل آدم كما قال الحق سبحانه: (إن مَثَل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون) آل عمران/59 فهذا الفيصل في خلق نبي الله عيسى مع إعجازه أمام أعين البشر وآدم عليه السلام أكثر إعجازاً منه. فإن كان عيسى عليه السلام وُلد من غير أب: فإن آدم خلقه الله من غير أب وأم وهذا أدعى لإظهار قدرة الله سبحانه وتعالى في الخلق والإبداع وأعظم إعجازا من خلق عيسى عليه السلام فلكل ذلك وغيره كان لابد من التفصيل في أمر عيسى عليه السلام ووضع الأمور في نصابها وبيانها على حقيقتها. والخلاصة: أن المعجزات التي وهبها الله تبارك وتعالى لعيسى عليه السلام إنما هي كسائر معجزات الأنبياء للتدليل على صدقه وأنه رسول الله حقّاً فخلط المحرِّفون هذه المعجزات على بسطاء الناس، وجعلوا من معجزاته وسلية للقول بأنه ابن الله أو أنه الله، وهذا كله تحريف لتعاليم المسيح ورسالة المسيح عليه السلام. ومن ثم لو أن كل من اتبع نبيّاً جعل من معجزاته التي وهبه الله إياها أنَّه إلهٌ لكان كل الأنبياء آلهة فما من نبي إلا وتميز عن غيره بمعجزاته فالجبال سبَّحت مع داود عليه السلام وما سبحت مع عيسى، والبحر شُق لموسى وكلَّم ربَّه وكلمه ربُّه فكان كليم الله وما كان هذا لعيسى عليهما السلام، ونوح أغرق الله الأرض بدعائه وما كان هذا لعيسى ومحمد صلى الله خصه الله بكلامه وحفظ له معجزته من الزوال والتحريف وبعث للناس كافة وكان له من المعجزات ما لم يكن لعيسى فهل يجوز أن يكونوا آلهة؟ ! . ثانياً: أما القول أنه إذا لم يكن القرآن محرَّفاً فلمَ توجد هذه الفرق الكثيرة من شيعة وغيرها من الفرق؟ والجواب على هذا السؤال: أنه لا دخل للقرآن بصواب النَّاس وخطئهم؛ لأن القرآن الكريم هو سبيل الهداية للنَّاس وهذه الفرق قد حذَّر الله تبارك وتعالى منها، ونهى أن نتشبه بالأمم التي فرَّقت دينها كما قال الله تبارك وتعالى: {ولا تكونوا من المشركين الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون} الروم/31-32، وقال الله تعالى {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم} آل عمران/105، وأمرهم الله سبحانه بالاعتصام بكتابه واتباع سنَّة نبيِّه صلى الله عليه وسلم فقال: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون} آل عمران/103، وقال سبحانه {يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع بصير} الحجرات/11 أي: لا تقولوا قولاً ولا تفعلوا فعلاً خلاف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. فالمراد: بيان أن الله تبارك وتعالى نهى الناس عن الفرقة وأمرهم بالاجتماع فاتَّبعوا أهواءهم وتترسوا خلف شهواتهم وشبهاتهم ونبذوا كتاب الله خلف ظهورهم وإن حملوا آية من كتاب الله لم يرجعوا في فهمها إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بل يكون الرأي عندهم هو الحكم وعقلوهم الفاسدة هي المرجع وكل ذلك ليس من كتاب الله ولا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثالثاً: أما السؤال عن تعدد الزوجات في الإسلام ومنعها في العهد الجديد: فاعلم أن الله تبارك وتعالى جعل لكل رسول شرعةً ومنهاجاً فما مِن نبيٍّ أرسله الله إلا وأمره بالتوحيد، وأما الشرائع فكانت مختلفة ناسخة لبعضها البعض، فما كان جائزاً في زمن آدم عليه السلام من الأحكام والشرائع نُسخ بعضُه في زمن نوح عليه السلام. وما كان في زمن موسى نسخ بعضه في زمن عيسى عليه السلام وهذا كما قال الحق سبحانه وتعالى: {لكل جعلنا منكم شرعةً ومنهاجاً} ، فإذا فهمت هذا فاعلم أن تعدد الزوجات لم يكن في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم وحسب بل كان التعدد في شرائع الأنبياء السابقين ومثاله أن يعقوب عليه السلام قد تزوج من امرأتين وجمع بين أختين على ما ذكر في العهد القديم من سفر التكوين في الباب التاسع والعشرين (15 – 35) . وأبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام كان قد تزوج من امرأتين وهما هاجر وسارة وذكر العهد القديم أن نبي الله داود تزوج من سبعين امرأة أو تسع وتسعين على حد قول العهد القديم، وسليمان قد تزوج من مائة امرأة، وغير ذلك مما يبين لك أن كلَّ نبيٍّ من الأنبياء يطبق ما شرع الله له من الأحكام، وأن تعدد الزوجات ليس خاصّاً بهذه الأمة، وأما منع النصارى من هذا التعدد فيمكن أن يكون لسببين: الأول: أنه من شرع الله، وهذا واجب التطبيق قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم. والثاني: أنَّهم ابتدعوه من عند أنفسهم تشديداً عليها كما فعلوا في الرهبانية التي ابتدعوها ولم تكن قد كتبت عليهم لكن أرادوا منها أن يرضوا الله عز وجل بها. والله اسأل لك الهداية والتوفيق لبلوغ دين الحق وهو الإسلام وعلى سنة نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام بفهم أصحابه الغر الميامين الكرام. والله الهادي [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 10469 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1120 الصلاة خلف إمام صوفي [السُّؤَالُ] ـ[عندنا إمام صوفي، فهل تصح الصلاة خلفه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما يختص به الصوفية من الأعمال أو الأقوال أو الاعتقادات، وليس له أصل في كتاب الله أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، منه ما هو بدع مكفرة، ومنه ما هو بدع غير مكفِّرة، فإن كان الإمام من أصحاب البدع الكفرية: فلا يصلَّى وراءه ولا كرامة، وإن كان من أهل البدع غير المكفرة: فيجوز الصلاة وراءه، وغيره من أهل السنَّة أولى ولا شك. سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -: إذا حضرت بقرية وكان إمامها من الصوفية، ولا يقبض يده في الصلاة، ولا يدلي بركبتيه قبل يديه إلى السجود، فهل تجوز صلاتي معه؟ . فأجاب: إذا كان معروفاً بالتوحيد ليس مشركاً، وإنما عنده شيء من الجهل أو التصوف، ولكنه موحد مسلم يعبد الله وحده، ولا يعبد المشايخ، ولا غيرهم من المخلوقات كالشيخ عبد القادر وغيره: فمجرد كونه لا يضم يديه في الصلاة: لا يمنع من الصلاة خلفه؛ لأن هذا أمر مسنون، وليس بواجب، وهو جعل كفه اليمنى على كفه اليسرى ورسغه وساعده على صدره حال القيام في الصلاة، فمن أرسلها فلا حرج عليه وصلاته صحيحة، ... . " فتاوى الشيخ ابن باز " (12 / 120، 121) . وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – أيضاً -: ما حكم الصلاة خلف من يذهب إلى قبور الصالحين للتبرك بها وتلاوة القرآن في الموالد وغيرها بأجر على ذلك؟ . فأجاب: هذا فيه تفصيل: إن كان مجرد الاحتفال بالموالد من دون شرك: فهذا مبتدع، فينبغي أن لا يكون إماماً؛ لما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) - رواه أبو داود (3991) - والاحتفال بالموالد من البدع، أما إذا كان يدعو الأموات ويستغيث بهم، أو بالجن، أو غيرهم من المخلوقات فيقول: " يا رسول الله انصرني "، أو " اشف مريضي "، أو يقول: " يا سيدي الحسين "، أو " يا سيدي البدوي "، أو غيرهم من الأموات، أو الجمادات كالأصنام، المدد المدد: فهذا مشرك شركا أكبر، لا يصلى خلفه، ولا تصح إمامته - نسأل الله العافية -. أما إذا كان يرتكب بدعة كأن يحضر المولد ولكن لا يأتي بالشرك، أو يقرأ القرآن عند القبور، أو يصلي عندها، ولا يأتي بشرك: فهذا يكون قد ابتدع في الدين، فيعلَّم، ويوجَّه إلى الخير وصلاته صحيحة إذا لم يفعلها عند القبور، أما الصلاة في المقبرة: فلا تصح؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) متفق عليه. " فتاوى الشيخ ابن باز " (9 / 373، 374) و (12 / 108، 109) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93150 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1121 حوار مع نصراني: عيسى عبد الله ورسوله [السُّؤَالُ] ـ[لماذا يصعب على المسلمين أن يؤمنوا بأن عيسى هو ابن الرب الوحيد، مع أنه في الإنجيل ابن الله، ويقول عن الله: أبي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قد سبق لنا بيان أن الإنجيل الذي نؤمن به، بل ولا يصح لأحد إسلامه حتى يؤمن به، ليس هو الإنجيل الذي يوجد بين أيدي النصارى اليوم، فالإنجيل الذي نؤمن به هو الذي جاء به عيسى عليه السلام من عند الله تعالى، وأما الذي بين أيدي النصارى اليوم، فشيء آخر، لا يدعون هم أن عيسى هو الذي جاء به أو كتبه. [راجع السؤال رقم 47516] فإذا كان الأمر كذلك فإن ما يدعيه النصارى من أن الإنجيل يصرح بأن عيسى ابن الله، وأن الله أباه، تعالى الله أن يكون له ولد أو صاحبة، ليس شيء منه حجة علينا، لأننا نؤمن بأن ذلك من وضع البشر، وليس من دين عيسى عليه السلام، ولا من دين غيره من الرسل الكرام في شيء. ومع أننا نؤمن أن الأناجيل الموجودة اليوم بين أيدي الناس، والتي يؤمن بها النصارى، قد دخلها التحريف والتبديل، ولا يزال يدخلها بين الفينة والفينة، بحيث لم يبق أي منها على الصورة التي نزل بها الإنجيل من عند الله، فإننا نشير هنا إلى أن أشد هذه الأناجيل تصريحا بالتثليث، وإقرارا لألوهية المسيح عليه السلام، حتى صار مرجع النصارى في الاستدلال لهذه الفرية، هو إنجيل يوحنا. وهذا الإنجيل قد اكتنف تأليفه من الشك عند جمع من محققي النصارى أنفسهم، ما لم يكتنف بقية هذه الأناجيل التي يؤمنون بها، وهو شك قديم، يرجع إلى القرن الثاني الميلادي، وفي تأريخهم هم أيضا. يقول الأستاذ استادلين: (إن كافة إنجيل يوحنا تصنيف طالب من طلبة مدرسة الإسكندرية، ولقد كانت فرقة الوجين، في القرن الثاني تنكر هذا الإنجيل وجميع ما أسند إلى يوحنا) وجاء في دائرة المعارف البريطانية ما نصه: (أما إنجيل يوحنا فإنه، لا مرية ولا شك، كتاب مزور، أراد صاحبه مضاهاة اثنين من الحواريين بعضهما لبعض، وهما القديسان يوحنا ومتى. وقد ادعى هذا الكاتب الممرور في متن الكتاب أنه هو الحواري الذي يحبه المسيح، فأخذت الكنيسة هذه الجملة على علاتها، وجزمت بأن الكاتب هو يوحنا الحواري، ووضعت اسمه على الكتاب نصا، مع أن صاحبه غير يوحنا يقينا، ولا يخرج هذا الكتاب عن كونه مثل بعض كتب التوارة التي لا رابطة بينها وبين من نسبت إليه، وإنا لنرأف بالذين يبذلون منتهى جهدهم ليربطوا، ولو بأوهى رابطة ذلك الرجل الفلسفي، الذي ألف هذا الكتاب في الجيل الثاني، بالحواري يوحنا الصياد الجليل، فإن أعمالهم تضيع عليهم سدى، لخبطهم على غير هدى) [نقلا عن محاضرات في النصرانية، للشيخ محمد أبو زهرة] . بل الأعجب من طعن من طعن منهم في نسبة هذا الإنجيل، أنهم يقرون أن هذا الإنجيل قد كتب خصيصا لأجل إثبات هذه الفرية، فرية ألوهية المسيح، والتي أهملتها بقية الأناجيل، إلى وقت كتابة هذا الإنجيل , على الأقل. يقول يوسف الخوري: (إن يوحنا صنف إنجيله في آخر حياته بطلب من أساقفة كنائس آسيا وغيرها. والسبب أنه كانت هناك طوائف تنكر لاهوت المسيح، فطلبوا منه إثباته، وذكر ما أهمله متى ومرقس ولوقا في أناجيلهم) . [المصدر السابق ص 64] . على أنه، وبغض النظر عن الطعن في نسبة هذه الأناجيل عامة، وإنجيل يوحنا خاصة، فإن العبارات التي استندوا إليها من هذه الأناجيل لا تسعفهم فيما يحاولون، وإنما هي خيوط العنكبوت يتعلقون بها، كما ذكر الله تعالى عنهم وعن أمثالهم: (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) (العنكبوت: 41) . إن الكتاب المقدس الذي يُذْكر فيه أن المسيح ابن الله، هو نفس الكتاب المقدس الذي ينتهي بآدم عليه السلام إلى هذا النسب، نسب البنوة إلى الله: {وكان يسوع في نحو الثلاثين من العمر عندما بدأ رسالته، وكان الناس يحسبونه ابن يوسف، بن هالي .... بن شيث، بن آدم، ابن الله} [لوقا: 3/23-38] . وهو نفس الكتاب الذي ينسب هذا الوصف لإسرائيل: { ... تقول لفرعون: هكذا يقول الرب؛ إسرائيل ابني البكر} [سفر الخروج: 4/22] ونحوه في [سفر هوشع: 11/1] . وهكذا يقول عن سليمان، عليه السلام: {.. وقال لي إن سليمان ابنك هو يبني بيتي ودياري، لأني اخترته لي ابنا، وأنا أكون له أبا} [سفر الخروج: 28/6] . فهل كان آدم وإسرائيل وسليمان بنين آخرين لله، قبل المسيح عليه السلام، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا؟!! بل في إنجيل يوحنا نفسه بيان للمراد بهذه البنوة، بحيث تشمل كل الصالحين من عباد الله، ولا يبقى لعيسى أولغيره من الأنبياء اختصاص بها: {وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطان أن يصيروا أولاد الله؛ أي المؤمنون باسمه} [يوحنا: 1/3] ونحو هذا في إنجيل متى: {طوبى للأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله، طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناءَ الله يُدْعَون} [متى: 5/8-9] . فهذه البنوة المزعومة في لغة الكتاب المقدس، هي بنوة مجازية تعني العبد الصالح، دون أن تعطيه شيئا من الخصوصية في خلقه، أو نسبته إلى الله عز وجل. ولهذا يقول يوحنا: {انظروا أية نصيحة أعطانا الأب حتى ندعى أبناء الله} . [الرسالة الأولى: 3/1] . ولهذا أيضا كتبت البنوة بين آدم وربه، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، كتبت بالألف، بينما كتبت بين كل ابن وأبيه الحقيقي بلا ألف، على قاعدتها، إشارة إلى أن هذه البنوة المزعومة، حتى عند من وضعها، ليست على ما يظن الناس من معاني الأبوة واالبنوة. ويبقى نظير وصف البنوة لعيسى عليه السلام، ما افتروه على رب العالمين من أبوته للمسيح عليه السلام؛ فإن هذه الأبوة ـ أيضا ـ ليست خاصة بالمسيح في لغة الإنجيل: { ... قال لها يسوع: لا تلمسيني، لأني لم أصعد بعد إلى أبي، ولكن اذهبي إلى إخوتي، وقولي لهم: إني أصعد إلى أبي وأبيكم، وإلهي وإلهكم} [يوحنا: 20/17-18] . ففي نص واحد جمع لهم بين اشتراكهم معه في أبوة الله لهم، واشتراكه معهم في إلوهية الله للجميع!! فليقولوا إن شاؤوا: إن الجميع أبناء الله وأحباؤه، كما حكى الله عن أسلافهم، وحينئذ فلا خصوصية للمسيح حتى يعبدوه من دون الله تعالى، أو فليتحكموا ويتعصبوا على غير هدى، ولا كتاب منير؛ فهذا لا يعجز عنه أحد، وأحلاهما مر!! فلله الحمد رب السماوات ورب الأرض، رب العالمين، على ما من علينا من نعمة الإسلام. اللهم اهدنا صراطك المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم، ولا الضالين. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82361 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1122 يسأل عن الصابئة: من هم؟ وما حقيقة مذهبهم؟ [السُّؤَالُ] ـ[ورد ذكر الصابئة في عدة آيات من القرآن، فمن هم؟ وما الدين الذي يدينون به؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذكرت هذه الطائفة من الناس في ثلاثة مواضع من القرآن؛ فأولها في قول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) البقرة/62، والثاني في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) الحج/17، والثالث قول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) المائدة/69. والصابئة جمع صابئ، اسم فاعل من صَبَأ يصبَأ، إذا خرج من دين إلى آخر. قال الطبري: (والصابئون، جمع صابئ، وهو المستحدث سوى دينه دينا، كالمرتد من أهل الإسلام عن دينه، وكل خارج من دين كان عليه إلى آخر غيره، تسميه العرب: صابئا ... يقال صبأت النجوم: إذا طلعت..) انظر تفسير الطبري 2/145، لسان العرب صبأ وأما مذهبهم، فقال ابن القيم، رحمه الله: (وقد اختلف الناس فيهم اختلافا كثيرا، وأشكل أمرهم على الأئمة لعدم الإحاطة بمذهبهم ودينهم؛ فقال الشافعي رحمه الله تعالى: هم صنف من النصارى، وقال في موضع: ينظر في أمرهم؛ فإن كانوا يوافقون النصارى في أصل الدين، ولكنهم يخالفونهم في الفروع، فتؤخذ منهم الجزية، وإن كانوا يخالفونهم في أصل الدين لم يقروا على دينهم ببذل الجزية .... وأما أقوال السلف فيهم فذكر سفيان عن ليث عن مجاهد قال: هم قوم بين اليهود والمجوس ليس لهم دين، وفي تفسير شيبان عن قتادة قال: الصابئة قوم يعبدون الملائكة ... ) قال ابن القيم: (قلت: الصابئة أمة كبيرة، فيهم السعيد والشقي، وهي إحدى الأمم المنقسمة إلى مؤمن وكافر، فإن الأمم قبل مبعث النبي، صلى الله عليه وسلم، نوعان: نوع كفار أشقياء كلهم، ليس فيهم سعيد، كعبدة الأوثان والمجوس، ونوع منقسمون إلى سعيد وشقي، وهم اليهود والنصارى والصابئة، وقد ذكر الله سبحانه النوعين في كتابه، فقال: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُون) البقرة/62، وكذلك قال في المائدة، وقال في سورة الحج (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) فلم يقل هاهنا: من آمن منهم بالله واليوم الآخر، لأنه ذكر معهم المجوس والذين أشركوا؛ فذكر ست أمم، منهم اثنتان شقيتان، وأربع منهم منقسمة إلى شقي وسعيد، وحيث وعد أهل الإيمان والعمل الصالح منهم بالأجر ذكرهم أربع أمم ليس إلا، ففي آية الفصل بين الأمم أدخل معهم الأمتين، وفي آية الوعد بالجزاء لم يدخلها معهم، فعلم أن الصابئين فيهم المؤمن والكافر، والشقي والسعيد. وهذه أمة قديمة قبل اليهود والنصارى، وهم أنواع: صابئة حنفاء، وصابئة مشركون. وكانت حران دار مملكة هؤلاء قبل المسيح، ولهم كتب وتآليف وعلوم، وكان في بغداد منهم طائفة كبيرة، منهم إبراهيم بن هلال الصابئ صاحب الرسائل، وكان على دينهم ويصوم رمضان مع المسلمين، وأكثرهم فلاسفة ولهم مقالات مشهورة ذكرها أصحاب المقالات. وجملة أمرهم أنهم لا يكذبون الأنبياء ولا يوجبون اتباعهم، وعندهم أن من اتبعهم [يعني اتبع الأنبياء] فهو سعيد ناج وأن من أدرك بعقله ما دعوا إليه، فوافقهم فيه وعمل بوصاياهم، فهو سعيد، وإن لم يتقيد بهم، فعندهم دعوة الأنبياء حق، ولا تتعين طريقا للنجاة، وهم يقرون أن للعالم صانعا مدبرا حكيما منزها عن مماثلة المصنوعات، ولكن كثيرا منهم، أو أكثرهم، قالوا: نحن عاجزون عن الوصول إلى جلاله بدون الوسائط؛ والواجب التقرب إليه بتوسط الروحانيين المقدسين المطهرين عن المواد الجسمانية، المبرئين عن القوى الجسدية، المنزهين عن الحركات المكانية والتغييرات الزمانية، بل قد جبلوا على الطهارة، وفطروا على التقديس. ثم ذكر أنهم يعبدون هذه الوسائط ويتقربون إليها، ويقولون: (هم آلهتنا وشفعاؤنا عند رب الأرباب، وإله الآلهة) ثم قال، رحمه الله: (فهذا بعض ما نقله أرباب المقالات عن دين الصابئة وهو بحسب ما وصل إليهم، وإلا فهذه الأمة فيهم المؤمن بالله وأسمائه وصفاته وملائكته ورسله واليوم الآخر وفيهم الكافر، وفيهم الآخذ من دي الرسل بما وافق عقولهم واستحسنوه، فدانوا به ورضوه لأنفسهم. وعقد أمرهم أنهم يأخذون بمحاسن ما عند أهل الشرائع بزعمهم، ولا يوالون أهل ملة ويعادون أخرى، ولا يتعصبون لملة على ملة. والملل عندهم نواميس لمصالح العالم، فلا معنى لمحاربة بعضها بعضا بل يؤخذ بمحاسنها وما تكمل به النفوس، وتتهذب به الأخلاق، ولذلك سموا صابئين كأنهم، صبؤوا عن التعبد بكل ملة من الملل، والانتساب إليها، ولهذا قال غير واحد من السلف: ليسوا يهودا ولا نصارى ولا مجوسا. وهم نوعان صابئة حنفاء وصابئة مشركون؛ فالحنفاء هم الناجون منهم وبينهم مناظرات ورد من بعضهم على بعض، وهم قوم إبراهيم كما أن اليهود قوم موسى،والحنفاء منهم أتباعه) أحكام أهل الذمة 1/92-98 وما ذكره من انقسام الصابئة إلى موحدين ومشركين قرره شيخ الإسلام أيضا في غير موضع. انظر الرد على المنطقيين [287-290،454-458] ، منهاج السنة، تعليق المحقق [1/5] . وانظر أيضا بحث الشيخ ابن عاشور للمسألة عند تفسيره لآية البقرة. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49048 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1123 لا يصحّ التفريق بين السلفية وأهل السنة [السُّؤَالُ] ـ[ما رأيكم فيمن يفرق بين السلفية وأهل السنة، ويجعل السلفية طائفة أخص من أهل السنة، ويجعل أصولها ما عليه شيوخ هذه الطائفة من الآراء والأقوال؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا القول مجانب للصواب، فإن أهل السنة هم الذين يتبعون الصحابة وما كان عليه السلف، وليس هؤلاء فرقة وهؤلاء فرقة، أو أن السلفية أخص! والاصطلاح المصطلح عليه أن السلف هم الصحابة ومن سار على طريقهم وأهل السنة هم الذين اتبعوا سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وهم الذين ورد فيهم الحديث: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي (حديث الفرقة الناجية) . ونصب الخلاف والنزاع على مجرد الألقاب لا يجوز، والله تعالى أمر باتفاق المؤمنين ونهى عن التفرق وتوعد عليه. وينبغي للإنسان أن يكون قصده الحق، وإذا قال قولاً قال بالعدل والإنصاف، ولا يكون مبغضاً لإنسان فيدعوه بغضه إلى رد الحق الذي يقوله، أو تلمس الزلات له، ولا يأتي بأشياء قد تكون مفهومة عن بعد أو فيها تكلف لأجل ذلك، فهذا ليس من شأن أهل السنة، والمسلم يجب أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ويجب أن يكون ناصحاً له، ويؤدي النصيحة وينطوي قلبه عليها. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد الله الغنيمان. الحديث: 10714 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1124 الماسونية وحكم الانضمام لها [السُّؤَالُ] ـ[ما هي الماسونية. وما حكمها في الإسلام؟ وما حكم الانضمام لها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الماسونية هي جمعية سرية سياسية تهدف إلى القضاء على الأديان والأخلاق الفاضلة وإحلال القوانين الوضعية والنظم غير الدينية محلها، وتسعى جهدها في إحداث انقلابات مستمرة وإحلال سلطة مكان أخرى بدعوة حرية الفكر والرأي والعقيدة. وهذا ما صرحوا ويصرحون به. فمن ذلك ما أعلنه أحدهم في مؤتمر الطلاب الذي انعقد في 1865م في مدينة لييج التي تعتبر أحد المراكز الماسونية من قوله: يجب أن يتغلب الإنسان على الإله، وأن يعلن الحرب عليه. وأن يخرق السماوات ويمزقها كالأوراق. وجاء في المحفل الماسوني الأكبر سنة 1922م صفحة 98 ما نصه: سوف نقوي حرية الضمير في الأفراد بكل ما أوتينا من طاقة، وسوف نعلنها حرباً شعواء على العدو الحقيقي للبشرية الذي هو الدين. ويقول الماسونيون: إن الماسونية تتخذ من النفس الإنسانية معبوداً لها. ويقولون: إنا لا نكتفي بالانتصار على المتدينين ومعابدهم، إنما غايتنا الأساسية إبادتهم من الوجود. مضابط المؤتمر الماسوني العالمي سنة 1903م صفحة 102. ويقولون: ستحل الماسونية محل الأديان وأن محافلها ستحل محل المعابد ... إلى غير ذلك مما فيه التصريح بشدّة عداوتهم للأديان، وحربهم لها حرباً شعواء لا هوادة فيها. والجمعيات الماسونية من أقدم الجمعيات السرية التي لا تزال قائمة ولا يزال منشؤها غامضاً وغايتها غامضة على كثير من الناس بل لا تزال غامضة على كثير من أعضائها. لإحكام رؤسائها ما بيتوا من مكر سيء وخداع دفين ولشدة حرصهم على كتمان ما أبرموه من تخطيط وما قصدوا إليه من نتائج وغايات. ولذا يدبر أكثر أمورها شفوياً. وإن أريد كتابة فكرة أو إذاعتها عرضت قبل ذلك على الرقابة الماسونية لتقرها أو تمنعها. وقد وضعت أسس الماسونية على نظريات فأخذت من مصادر عدة، أكثرها التقاليد اليهودية. ويؤيد ذلك أن النظم والتعاليم اليهودية هي التي اتخذت أساساً لإنشاء المحفل الأكبر سنة 1717م ولوضع رسومه ورموزه وأن الماسونيين لا يزالون يقدسون حيرام اليهودي، ويقدسون الهيكل والمعبد الذي شيده حتى اتخذوا منه نماذج للمحافل الماسونية في العالم، وأن كبار الأساتذة من اليهود لا يزالون العمود الفقري للماسونية، وهم الذين يمثلون الجمعيات اليهودية في المحافل الماسونية وإليهم يرجع انتشار الماسونية والتعاون بين الماسونية في العالم، وهم القوة الكامنة وراء الماسونية وإلى خواصهم تسند قيادة خلاياها السرية يدبرون أمرها ويرسمون الخطط لها ويوجهونها سراً كما يشاءون، ويؤيد ذلك ما جاء في مجلة أكاسيا الماسونية سنة 1908 م عدد 66 من أنه لا يوجد محفل ماسوني خال من اليهود وأن جميع اليهود لا تحتضن المذاهب بل هناك المبادئ فقط وكذلك الحال عند الماسونية ولهذه العلة تعتبر المعابد اليهودية خليفتنا ولذا نجد بين الماسونيين عدداً كبيراً من اليهود اهـ. ويؤيد أيضاً ما ذكر في سجلات الماسونية من قولهم: لقد تيقن اليهود أن خير وسيلة لهدم الأديان هي الماسونية، وأن تاريخ الماسونية يشابه تاريخ اليهود في الاعتقاد.. وأن شعارهم هو نجمة داود المسدسة، ويعتبر اليهود والماسونيون أنفسهم معا الأبناء الروحيين لبناة هيكل سليمان، وأن الماسونية التي تزيف الأديان الأخرى تفتح الباب على مصراعيه لإعلاء اليهودية وأنصارها، وقد استفاد اليهود من بساطة الشعوب وحسن نيتها، فدخلوا في الماسونية، واحتلوا المراكز الممتازة وبذلك نفثوا الروح اليهودية في المحافل الماسونية وسخروها لأغراضهم اهـ. ومما يدل على شدة حرصهم على سريتها وبذلهم الجهد في كتمان ما يخططون لهدم الأديان وتبييتهم المكر السيء لإحداث الانقلابات السياسية ما جاء في بروتوكولات حكماء صهيون من قولهم: وسوف نركز هذه الخلايا تحت قيادة واحدة معروفة لنا وحدنا، وستتألف هذه القيادة من علمائنا وسيكون لهذه الخلايا ممثلوها الخصوصيون، كي تحجب المكان الذي تقيم فيه قيادتنا حقيقة، وسيكون لهذه القيادة وحدها الحق في تعيين من يتكلم، وفي رسم نظام اليوم، وفي هذه الخلايا سنضع الحبائل والمصايد لكل الاشتراكيين وطبقات المجتمع الثورية، وإن معظم الخطط السياسية السرية معروفة لنا وسنهديها إلى تنفيذها عندما تتشكل، ولكن الوكلاء في البوليس الدولي السري تقريباً سيكونون أعضاء في هذه الخلايا..وحينما تبدأ المؤامرات خلال العالم فإن بدأها يعني أن واحداً من أشد وكلائنا إخلاصاً يقوم على رأس هذه المؤتمرات وليس إلا طبيعيا أننا كنا الشعب الوحيد الذي يوجه المشروعات الماسونية ونحن الشعب الوحيد الذي يعرف أن يوجهها ونعرف الهدف الأخير لكل عمل على حين أن الأمميين ـ أي غير اليهود ـ جاهلون بمعظم هذه الأشياء الخاصة بالماسونية ولا يستطيعون حتى رؤية النتائج العاجلة لما هم فاعلون. إلى غير ذلك مما يدل على قوة الصلة بين اليهودية والماسونية، ومزيد التعاون بين الطائفتين في المؤامرات الثورية وإحداث الحركات الهادمة، وعلى أن الماسونية في ظاهرها دعوة إلى الحرية في العقيدة والتسامح في الرأي والإصلاح العام للمجتعمات، ولكنها في حقيقتها ودخيلة أمرها دعوة إلى الإباحية والانحلال وعوامل هرج ومرج وتفكك في المجتمعات، وانفصام لعرى الأمم ومعاول هدم وتقويض لصرح الشرائع ومكارم الأخلاق وإفساد وتخريب العمران. على هذا فمن كان من المسلمين عضواً في جمعة الماسونية وهو على بيّنة من أمرها، ومعرفة بحقيقتها ودفين أسرارها أو أقام مراسمها وعني بشعائرها كذلك فهو كافر يستتاب فإن تاب وإلا قتل وإن مات على ذلك فجزاؤه جزاء الكافرين، ومن انتسب إلى الماسونية وكان عضوا في جماعتها وهو لا يدري عن حقيقتها ولا يعلم ما قامت عليه من كيد للإسلام والمسلمين وتبييت الشر لكل من يسعى لجمع الشمل وإصلاح الأمم وشاركهم في الدعوة العامة والكلمات المعسولة التي لا تتنافى حسب ظاهرها مع الإسلام فليس بكافر، بل هو معذور في الجملة لخفاء واقعهم عليه، ولأنه لم يشارك في أصول عقائدهم ولا في مقاصدهم ورسم الطريق لما يصل بهم إلى غاياتهم الممقوتة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى " لكن يجب عليه أن يتبرأ منهم إذا تبين له أمرهم ويكشف للناس عن حقيقتهم ويبذل جهده في نشر أسرارهم وما بيتوا للمسلمين من كيد وبلاء ليكون ذلك فضيحة لهم ولتحبط به أعمالهم. ينبغي للمسلم أن يحتاط لنفسه في اختيار من يتعاون معه في شئون دينه ودنياه وأن يكون بعيد النظر في اصطفاء الأخلاء والأصدقاء حتى يسلم من مغبّة الدعايات الخلابة وسوء عاقبة الكلمات المعسولة ولا يقع في حبائل أهل الشرك ولا في شباكهم التي نصبوها للأغرار وأرباب الهوى وضعاف العقول " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (2/312-315) بتصرف يسير. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 34576 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1125 كتاب إحياء علوم الدين [السُّؤَالُ] ـ[هل تنصحوننا بقراءة كتاب إحياء علوم الدين للشيخ أبي حامد الغزالي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فقد سئل شيخ الإسلام عن هذا الكتاب فأجاب بقوله: " أما كتاب (قوت القلوب) ، وكتاب (الإحياء) تبعٌ له فيما يذكره من أعمال القلوب مثل الصبر والشكر والحب والتوكل والتوحيد ونحو ذلك، وأبو طالب أعلم بالحديث والأثر وكلام أهل علوم القلوب من الصوفية وغيرهم من أبى حامد الغزلي، وكلامه أَسَدُّ، وأجود تحقيقاً وأبعد عن البدعة، مع أنَّ في قوت القلوب أحاديث ضعيفة وموضوعة وأشياء كثيرة مردودة، وأما ما في الإحياء من الكلام في المهلكات مثل الكلام على الكبر والعجب والرياء والحسد ونحو ذلك فغالبه منقول من كلام الحارث المحاسبي في الرعاية، ومنه ما هو مقبول، ومنه ما هو مردود، ومنه ما هو متنازع فيه، والإحياء فيه فوائد كثيرة لكن فيه مواد مذمومة، فإنه فيه مواد فاسدة من كلام الفلاسفة تتعلق بالتوحيد والنبوة والمعاد، فإذا ذكر معارف الصوفية كان بمنزلة من أخذ عدواً للمسلمين ألبسه ثياب المسلمين، وقد أنكر أئمة الدين على أبى حامد هذا في كتبه، وقالوا مَرَّضَهُ " الشفاء " يعنى شفاء ابن سينا في الفلسفة. وفيه أحاديث وآثار ضعيفة، بل موضوعة كثيرة. وفيه أشياء من أغاليط الصوفية وتُّرهاتهم. وفيه مع ذلك من كلام المشايخ الصوفية العارفين المستقيمين في أعمال القلوب الموافق للكتاب والسنة، ومن غير ذلك من العبادات والأدب ما هو موافق للكتاب والسنة، ما هو أكثر مما يرد منه، فلهذا اختلف فيه اجتهاد الناس وتنازعوا فيه." انتهى مجموع الفتاوى ج10 ص551 ولهذا فالنصيحة بعدم قراءته، وخصوصاً أن هناك ما يغني عنه في بابه مثل ("كتاب حادي الأرواح، وكتاب الفوائد، وكتاب زاد المعاد، لابن القيم"، "وكتاب العبودية، وكتاب الإيمان، لشيخ الإسلام ابن تيمية"، "وكتاب لطائف المعارف، ورسالة الخشوع في الصلاة، لابن رجب") بالإضافة إلى أن هناك تلخيص لكتاب إحياء علوم الدين، يمكن الاستفادة منه مثل مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة. وأما طالب العلم المتمكن فلا بأس أن يقرأ فيه إذا كان يميز بين الصحيح والضعيف، والحق والضلال. ومن أراد الزيادة عن الغزالي وكتابه فليُراجع السؤال رقم (13473) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 27328 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1126 لمن ينسب كتاب " نهج البلاغة " [السُّؤَالُ] ـ[أود أن اسأل عن مدى مصداقية كتاب نهج البلاغة ورأي فضيلتكم فيه.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله كتاب "نهج البلاغة"من الكتب المنسوبة إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وفيه كثير من الأمور التي وقع فيها الخلاف بين المنتسبين إلى الإسلام، وتبعا للقاعدة العلمية العظيمة التي سار عليها أئمة الإسلام امتثالاً للأمر الشرعي بالتثبُّت فإننا لا بدَّ أن نرجع إلى أهل العلم والاختصاص للتأكد من صدق ما ينسب إلى علي رضي الله عنه لأن ما ينقل عن الصحابة رضي الله عنهم له أثره في الشريعة، لا سيما من كان مثل أمير المؤمنين علي رضي الله عنه الذي غلا في حقه من غلا وقصَّر من قصَّر ووفق الله أهل السنة للتوسط. وبالرجوع إلى كلام أهل العلم في هذا الكتاب وبالنظر والمقارنة بين ما فيه وما ثبت بالأسانيد الصحيحة عن علي رضي الله عنه، يتبيَّن ما في هذا الكتاب من أمور تخالف ما ثبت عنه رضي الله عنه، ولنترك الكلام لبعض هؤلاء الأئمة الأعلام: قال الإمام الذهبي رحمه الله في ترجمة المرتضى علي بن حسين بن موسى الموسوي (المتوفى سنة436هـ) قلت: هو جامع كتاب " نهج البلاغة" , المنسوبة ألفاظه إلى الإمام علي -رضي الله عنه- , ولا أسانيد لذلك , وبعضها باطل , وفيه حق , ولكن فيه موضوعات حاشا الإمام من النطق بها , ولكن أين المنصف؟! وقيل: بل جمع أخيه الشريف الرضي ... وفي تواليفه سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم , فنعوذ بالله من علم لا ينفع. سير أعلام النبلاء 17/589. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (أكثر الخطب التي ينقلها صاحب "نهج البلاغة "كذب على علي، وعليٌّ رضي الله عنه أجلُّ وأعلى قدرا من أن يتكلم بذلك الكلام، ولكن هؤلاء وضعوا أكاذيب وظنوا أنها مدح، فلا هي صدق ولا هي مدح، ومن قال إن كلام علي وغيره من البشر فوق كلام المخلوق فقد أخطأ، وكلام النبي صلى الله عليه وسلم فوق كلامه، وكلاهما مخلوق ... وأيضا فالمعاني الصحيحة التي توجد في كلام علي موجودة في كلام غيره، لكن صاحب نهج البلاغة وأمثاله أخذوا كثيرا من كلام الناس فجعلوه من كلام علي، ومنه ما يحكى عن علي أنه تكلم به، ومنه ما هو كلام حق يليق به أن يتكلم به ولكن هو في نفس الأمر من كلام غيره، ولهذا يوجد في كلام البيان والتبيين للجاحظ وغيره من الكتب كلام منقول عن غير علي وصاحب نهج البلاغة يجعله عن علي، وهذه الخطب المنقولة في كتاب نهج البلاغة لو كانت كلها عن علي من كلامه لكانت موجودة قبل هذا المصنف منقولة عن علي بالأسانيد وبغيرها، فإذا عرف من له خبرة بالمنقولات أن كثيرا منها بل أكثرها لا يعرف قبل هذا علم أن هذا كذب، وإلا فليبيِّن الناقل لها في أي كتاب ذكر ذلك، ومن الذي نقله عن علي، وما إسناده، وإلا فالدعوى المجردة لا يعجز عنها أحد، ومن كان له خبرة بمعرفة طريقة أهل الحديث ومعرفة الآثار والمنقول بالأسانيد وتبين صدقها من كذبها؛ علم أن هؤلاء الذين ينقلون مثل هذا عن علي من أبعد الناس عن المنقولات والتمييز بين صدقها وكذبها) . منهاج السنة النبوية 8/55. وممن أشار إلى الكذب فيه أيضاً الخطيب البغدادي في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2/161، وكذلك القاضي ابن خلكان، والصفدي وغيرهم، وخلاصة المآخذ التي قيلت فيه يمكن حصرها في التالي: بين مؤلف الكتاب وبين علي رضي الله عنه سبع طبقات من الرواة وقد قام بحذفهم كلهم، ولهذا لا يمكن قبول كلامه من غير إسناد لو ذكر هؤلاء الرواة فلا بد من البحث عنهم وعن عدالتهم. عدم وجود أكثر هذه الخطب قبل ظهور الكتاب يدل على وضعها. المرتضى ـ صاحب الكتاب ـ ليس من أهل الرواية بل إنه من المتكلم في دينه وعدالته. ما فيه من سب لسادات الصحابة كافٍ في إبطاله. ما فيه من الهمز واللمز والسب مما ليس هو من أخلاق المؤمنين فضلا عن أئمتهم كعلي رضي الله عنه. فيه من التناقض والعبارات الركيكة ما يعلم قطعاً أنه لا يصدر عن أئمة البلاغة واللغة. كونه أصبح عند الرافضة مسلَّماً به ومقطوعاً بصحته كالقرآن مع كل هذه الاعتراضات يدل على عدم مراعاتهم في أمور دينهم لأصول التثبت والتأكد السليمة. وبناءً على ما تقدم ذكره يتبين عدم ثبوت نسبة هذا الكتاب لعلي رضي الله عنه، وعليه؛ فإن كل ما فيه فإنه لا يحتج به في المسائل الشرعية أيًّا كانت، أما من قرأه ليطالع بعض ما فيه من الجمل البلاغية فإن حكمه حكم بقية كتب اللغة، من غير نسبة ما فيه لأمير المؤمنين علي رضي الله عنه. (أنظر كتاب " كتب حذًّر منها العلماء" 2/250) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 30905 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1127 ولاية علي بن أبي طالب رضي الله عنه [السُّؤَالُ] ـ[هل الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه هو ولي الله، كما ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أن عليا: (وليكم من بعدي) ، أو (أنا مِن عَلِي، وعَلِيٌّ مني) ، هل هذه الأشياء صحيحة؟ وهل علي وفاطمة والحسين والحسن هم بمنزلة الأنبياء (لا الرسل) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: علي بن أبي طالب رضي الله عنه - في عقيدة أهل السنة والجماعة – من أولياء الله المكرمين، ومن الأئمة المهديين، هو رابع الخلفاء الراشدين، ورابع العشرة المبشرين بالجنة الذين هم أفضل الصحابة رضوان الله عليهم، فضائله ومناقبه زادت على العد والحصر، حتى صنف فيها بعض علمائنا مصنفات خاصة، كالإمام أحمد بن حنبل في: " مناقب علي بن أبي طالب "، والإمام النسائي في كتابه: " خصائص علي ". ثانيا: ومن هذه الفضائل: قوله صلى الله عليه وسلم: (أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ) رواه البخاري (رقم/2699) . يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله: " أي: في النسب، والصهر، والمسابقة، والمحبة، وغير ذلك من المزايا " انتهى. " فتح الباري " (7/507) ومن هذه الفضائل أيضا: ما يرويه عمران بن حصين رضي الله عنه فيقول: (بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَيْشًا، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَمَضَى فِي السَّرِيَّةِ، فَأَصَابَ جَارِيَةً، فَأَنْكَرُوا عَلَيْهِ، وَتَعَاقَدَ أَرْبَعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: إِذَا لَقِينَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرْنَاهُ بِمَا صَنَعَ عَلِيٌّ. وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ إِذَا رَجَعُوا مِنْ السَّفَرِ بَدَءُوا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ ثُمَّ انْصَرَفُوا إِلَى رِحَالِهِمْ، فَلَمَّا قَدِمَتْ السَّرِيَّةُ سَلَّمُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ أَحَدُ الْأَرْبَعَةِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَلَمْ تَرَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ صَنَعَ كَذَا وَكَذَا؟! فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ الثَّانِي فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ قَامَ الثَّالِثُ فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ قَامَ الرَّابِعُ فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالُوا. فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْغَضَبُ يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ: مَا تُرِيدُونَ مِنْ عَلِيٍّ، مَا تُرِيدُونَ مِنْ عَلِيٍّ، مَا تُرِيدُونَ مِنْ عَلِيٍّ، إِنَّ عَلِيًّا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، وَهُوَ وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي) . رواه أحمد (33/154) طبعة مؤسسة الرسالة، والترمذي (رقم/3712) وآخرون كثيرون، كلهم من طريق: جعفر بن سليمان، قال حدثني يزيد الرشك، عن مطرق بن عبد الله، عن عمران بن حصين به. قال الذهبي رحمه الله: " هو من أفراد جعفر " انتهى. " سير أعلام النبلاء " (8/199) . وقد اختلف علماؤنا في حكم هذا الحديث على قولين: القول الأول: الحكم بقبول الحديث: قال الترمذي: " هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث جعفر بن سليمان " انتهى. وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم " انتهى. وسكت عنه الذهبي. " المستدرك " (3/119) وصححه ابن حبان بإخراجه في " صحيحه " (15/374) وقال ابن عدي رحمه الله: " أدخله أبو عبد الرحمن النسائي في صحاحه، ولم يدخله البخاري " انتهى. " الكامل " (2/146) وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " إسناد قوي " انتهى. " الإصابة " (4/569) وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (رقم/2223) . وحجتهم في تصحيح الحديث: توثيق كثير من أهل العلم لجعفر بن سليمان الضبعي، ووقوفهم على شاهدين آخرين للحديث، وهما عن ابن عباس في " مسند أحمد " (1/330) ، وفي " مسند الطيالسي " (4/470) طبعة هجر بعناية الشيخ عبد المحسن التركي، وفي سنده أبو بلج مختلف فيه. والشاهد الثاني من حديث بريدة بن الحصيب في " مسند أحمد " (38/118) وفي سنده أجلح بن عبد الله الكندي وهو شيعي ضعيف، ورواه غير واحد عن بريدة وليس فيه هذا اللفظ، ومنها في صحيح البخاري برقم: (4350) . القول الثاني: الحكم بتضعيف الحديث: يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث " انتهى. " منهاج السنة النبوية " (7/385) وضعفه محققو مسند أحمد طبعة مؤسسة الرسالة. وسبب تضعيفهم له هو جعفر بن سليمان الضبعي الذي تفرد به، فقد كان يحيى بن سعيد القطان يستضعفه، وكان عبد الرحمن بن مهدي: لا ينبسط لحديثه. وقال فيه البخاري رحمه الله: يخالف في بعض حديثه. وقال علي بن المديني: أكثر عن ثابت، وبقية أحاديثه مناكير. وقال ابن سعد: كان ثقة وبه ضعف. ينظر ذلك في " تهذيب التهذيب " (2/97) ولما أجمع المحدثون أيضا على أنه كان شيعيا جلدا، يشتم معاوية، حينئذ اختار جمع من أهل العلم تضعيف حديثه الذي يتفرد به، فمثله لا يقبل تفرده، خاصة وأن ما يرويه ههنا مما ينصر بدعته، وهذا ما نميل إليه في مثل أحاديث الفضائل التي معنا. ثالثا: على فرض تصحيح الحديث وقبوله، فليس فيه من قريب ولا من بعيد دلالة على ما يريده الشيعة من إثبات الخلافة لعلي رضي الله عنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك من أوجه عدة: 1- أن كلمة (ولي) لها معان كثيرة في اللغة العربية، فبأي دليل يخص الشيعة معناها ههنا بالخلافة، يقول الفيروزأبادي رحمه الله: " الوَلْيُ: أي: القُرْبُ، والدُّنُوُّ، والمَطَرُ بعدَ المَطَرِ. والوَلِيُّ: الاسمُ منه، والمُحِبُّ، والصَّدِيقُ، والنَّصيرُ. ووَلِيَ الشيءَ وعليه وِلايَةً وَوَلايَةً أَو هي المَصْدَرُ وبالكسر: الخُطَّةُ والأمارَةُ والسُّلطانُ. والوَلاءُ: المِلْكُ. والمَوْلَى: المالِكُ، والعَبْدُ، والمُعْتِقُ، والمُعْتَقُ، والصاحِبُ، والقريبُ كابنِ العَمِّ ونحوِه، والجارُ، والحَليفُ، والابنُ، والعَمُّ، والنَّزيلُ، والشَّريكُ، وابنُ الأُخْتِ، والوَلِيُّ، والرَّبُّ، والناصِرُ، والمُنْعِمُ، والمُنْعَمُ عليه، والمُحِبُّ، والتابِعُ، والصِهْرُ " انتهى. " القاموس المحيط " (ص/1732) 2- لو كان المقصود بها الإمارة والخلافة فكيف يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ولي كل مؤمن بعدي) ، وعلي رضي الله عنه إنما كان خليفة على من عاش في زمانه، ولم يكن أميرا على كل مؤمن إلى يوم القيامة. 3- جاء في بعض روايات الحديث لفظ: (ولي كل مؤمن في الدنيا والآخرة) " مسند أحمد " (5/179) : وهذا اللفظ ينفي أن معنى (ولي) ههنا هي الإمارة، إذ كيف يكون أميرا على المؤمنين في الآخرة؟! 4- لم نسمع من علي رضي الله عنه ولا من أحد من أنصاره، بل ولا من أحد من الصحابة الكرام الاحتجاج بهذا الحديث في إثبات الخلافة لعلي رضي الله عنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. والمعنى الصحيح لهذه الجملة هو ولاء المحبة والنصرة والتأييد، فحُبُّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه واجب على كل مؤمن، ونصرته وتأييده على الحق كذلك. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " قوله: (هو ولي كل مؤمن بعدي) كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هو في حياته وبعد مماته ولي كل مؤمن، وكل مؤمن وليه في المحيا والممات، فالولاية التي هي ضد العداوة لا تختص بزمان، وأما الولاية التي هي الإمارة فيقال فيها: (والي كل مؤمن بعدي) كما يقال في صلاة الجنازة: إذا اجتمع الولي والوالي قدم الوالي في قول الأكثر، وقيل يقدم الولي. فقول القائل: (علي ولي كل مؤمن بعدي) كلام يمتنع نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه إن أراد الموالاة لم يحتج أن يقول بعدي، وإن أراد الإمارة كان ينبغي أن يقول وال على كل مؤمن " انتهى. " منهاج السنة " (7/278) وانظر جواب السؤال رقم: (26794) ويقول أيضا رحمه الله: " وليس في الكلام ما يدل دلالة بينة على أن المراد به الخلافة، وذلك أن المولى كالولي، والله تعالى قال: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا) ، وقال: (وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير) فبين أن الرسول ولي المؤمنين، وأنهم مواليه أيضا، كما بين أن الله ولي المؤمنين، وأنهم أولياؤهم، وأن المؤمنين بعضهم أولياء بعض، فالموالاة ضد المعاداة، وهي تثبت من الطرفين، وإن كان أحد المتواليين أعظم قدرا، وولايته إحسان وتفضل، وولاية الآخر طاعة وعبادة، كما أن الله يحب المؤمنين، والمؤمنون يحبونه، فإن الموالاة ضد المعاداة والمحاربة والمخادعة، والكفار لا يحبون الله ورسوله، ويحادون الله ورسوله ويعادونه، وقد قال تعالى: (لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء) وهو يجازيهم على ذلك كما قال تعالى: (فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله) وهو ولي المؤمنين، وهو مولاهم، يخرجهم من الظلمات إلى النور، وإذا كان كذلك فمعنى كون الله ولي المؤمنين ومولاهم، وكون الرسول وليهم ومولاهم، وكون علي مولاهم هي الموالاة التي هي ضد المعاداة. والمؤمنون يتولون الله ورسوله الموالاة المضادة للمعاداة، وهذا حكم ثابت لكل مؤمن، فعلي رضي الله عنه من المؤمنين الذين يتولون المؤمنين ويتولونه. وفي هذا الحديث إثبات إيمان علي في الباطن، والشهادة له بأنه يستحق الموالاة باطنا وظاهرا، وذلك يرد ما يقوله فيه أعداؤه من الخوارج والنواصب، لكن ليس فيه أنه ليس للمؤمنين مولى غيره، فكيف ورسول الله صلى الله عليه وسلم له موالي، وهم صالحو المؤمنين، فعلي أيضا له موالى بطريق الأولى والأحرى، وهم المؤمنون الذين يتولونه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أسلم وغفارا ومزينة وجهينة وقريشا والأنصار ليس لهم مولى دون الله ورسوله) وجعلهم موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جعل صالح المؤمنين مواليه، والله ورسوله مولاهم. وفي الجملة: فرق بين الولي والمولى ونحو ذلك، وبين الوالي، فباب الولاية التي هي ضد العداوة شيء، وباب الولاية التي هي الإمارة شيء، والحديث إنما هو في الأولى دون الثانية، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: (من كنت واليه فعلي واليه) وإنما اللفظ: (من كنت مولاه فعلي مولاه) وهذا مما يدل على أنه لم يرد الخلافة، فإن كونه ولي كل مؤمن وصف ثابت له في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لم يتأخر حكمه إلى الموت، وأما الخلافة فلا يصير خليفة إلا بعد الموت، فعلم أن هذا ليس هذا. وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم، في حياته وبعد مماته إلى يوم القيامة، وإذا استخلف أحدا على بعض الأمور في حياته، أو قدر أنه استخلف أحدا على بعض الأمور في حياته، أو قدر أنه استخلف أحدا بعد موته وصار له خليفة بنص أو إجماع، فهو أولى بتلك الخلافة وبكل المؤمنين من أنفسهم، فلا يكون قط غيره أولى بكل مؤمن من نفسه لا سيما في حياته، وأما كون علي وغيره مولى كل مؤمن فهو وصف ثابت لعلي في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد مماته، وبعد ممات علي، فعلي اليوم مولى كل مؤمن، وليس اليوم متوليا على الناس، وكذلك سائر المؤمنين بعضهم أولياء بعض أحياء وأمواتا " انتهى. " منهاج السنة النبوية " (7/322-325) ، مختصرا. رابعا: أما دعوى أن علي بن أبي طالب وفاطمة، والحسن، والحسين رضي الله عنهم جميعا هم في مرتبة الأنبياء: فهذه دعوى كاذبة باطلة، بل هي كفر هادم لعقيدة المسلم، لمخالفتها لإجماع أهل العلم على أن مرتبة جميع الأنبياء لا يبلغها أحد من غير الأنبياء؛ قال الله تعالى: (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) الحج/75. فالرسل والأنبياء هم المصطفون من خلق الله، ومن ادعى خلاف ذلك فإنه مطالب بالدليل، ولن يستطيع أحد أن يثبت أن عليا وفاطمة والحسن والحسين في مرتبة الأنبياء إلا بالكذب والتحريف واختلاق الأحاديث والأخبار. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " من غلا في الأولياء، أو من يسميهم أولياء الله، أو يسميهم أهل الله، أو يسميهم الحكماء أو الفلاسفة أو غير ذلك من الأسماء التي يقرنها بأسماء الأنبياء، وجعلهم مثل الأنبياء، أو أفضل من الأنبياء، فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل " انتهى. " الصفدية " (1/262) ويقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: " من اعتقد في غير الأنبياء كونه أفضل منهم، أومساوياً لهم فقد كفر، وقد نقل على ذلك الإجماع غير واحد من العلماء، فأي خير في قوم اعتقادهم يوجب كفرهم " انتهى. " رسالة في الرد على الرافضة " (ص/29) ، وانظر: " الفصل في الملل والأهواء النحل " (4/21) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 139054 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1128 ينزل عيسى عليه السلام آخر الزمان حاكما بالشريعة المحمدية [السُّؤَالُ] ـ[ي هو ناتج عن مناظرة لي مع قادياني قال فيها أن النبي محمدا (صلى الله عليه وسلم) كان خاتم النبيين فبأي معنى يأتي عيسى عليه السلام بعد ذلك وهل سيأتي كنبي أم خليفة؟ أرجو الجواب من فضلك]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: قد تواترت الأدلة الشرعية، من نصوص الكتاب والسنة، وإجماع الأمة في كل عصر ومصر، على أن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيين والمرسلين، ومن ادعى النبوة بعده فهو كذاب دجال. قال الله عز وجل: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) الأحزاب / 40 قال ابن كثير رحمه الله: " أخبر تعالى في كتابه، ورسوله في السنة المتواترة عنه: أنه لا نبي بعده؛ ليعلموا أن كل مَنِ ادعى هذا المقام بعده فهو كذاب أفاك، دجال ضال مضل، ولو تخرق وشعبذ، وأتى بأنواع السحر والطلاسم، فكلها محال وضلال عند أولي الألباب، كما أجرى الله، سبحانه وتعالى على يد الأسود العَنْسي باليمن، ومسيلمة الكذاب باليمامة، من الأحوال الفاسدة والأقوال الباردة، ما علم كل ذي لب وفهم وحِجى أنهما كاذبان ضالان، لعنهما الله. وكذلك كل مدع لذلك إلى يوم القيامة حتى يختموا بالمسيح الدجال. " انتهى من "تفسير ابن كثير" (6/430-431) وروى البخاري (3455) ومسلم (1842) عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي) . وروى مسلم (523) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (فُضِّلْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ: أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا، وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً، وَخُتِمَ بِيَ النَّبِيُّونَ) . وروى الترمذي (2272) وصححه عن أنس بن مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ الرِّسَالَةَ وَالنُّبُوَّةَ قَدْ انْقَطَعَتْ، فَلَا رَسُولَ بَعْدِي وَلَا نَبِيَّ) . صححه الألباني في "صحيح الترمذي"، وقال محققو المسند: إسناده صحيح على شرط مسلم. ثانيا: دلت الأدلة الصحيحة أيضا على نزول عيسى ابن مريم عليه السلام في آخر الزمان، وأنه ينزل حاكما بشريعة نبينا صلى الله عليه وسلم، متبعا له، لا ينزل برسالة مستقلة، وشريعة جديدة. روى البخاري (2222) ومسلم (155) عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ) . قال العراقي رحمه الله: " الْمُرَادُ أَنَّهُ يَنْزِلُ حَاكِمًا بِهَذِهِ الشَّرِيعَةِ لَا نَبِيًّا بِرِسَالَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ وَشَرِيعَةٍ نَاسِخَةٍ؛ فَإِنَّ هَذِهِ الشَّرِيعَةَ بَاقِيَةٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا تُنْسَخُ، وَلَا نَبِيَّ بَعْدَ نَبِيِّنَا كَمَا نَطَقَ بِذَلِكَ، وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ بَلْ هُوَ حَاكِمٌ مِنْ حُكَّامِ هَذِهِ الْأُمَّةِ " انتهى. "طرح التثريب" (8/ 117) وروى مسلم (156) عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. قَالَ: فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ: تَعَالَ صَلِّ لَنَا. فَيَقُولُ: لَا إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ، تَكْرِمَةَ اللَّهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ) . وعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ) متفق عليه. قال الحافظ رحمه الله: " قَالَ أَبُو الْحَسَن الْآبِريّ فِي مَنَاقِب الشَّافِعِيّ: تَوَاتَرَتْ الْأَخْبَار بِأَنَّ الْمَهْدِيّ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة وَأَنَّ عِيسَى يُصَلِّي خَلْفه. وَقَالَ أَبُو ذَرّ الْهَرَوِيُّ: حَدَّثَنَا الْجَوْزَقِيّ عَنْ بَعْض الْمُتَقَدِّمِينَ قَالَ: مَعْنَى قَوْله: " وَإِمَامكُمْ مِنْكُمْ " يَعْنِي أَنَّهُ يَحْكُم بِالْقُرْآنِ لَا بِالْإِنْجِيلِ. وَقَالَ اِبْن التِّين: مَعْنَى قَوْله: " وَإِمَامكُمْ مِنْكُمْ " أَنَّ الشَّرِيعَة الْمُحَمَّدِيَّة مُتَّصِلَة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة , وَأَنَّ فِي كُلّ قَرْن طَائِفَة مِنْ أَهْل الْعِلْم. وَقَالَ اِبْن الْجَوْزِيّ: لَوْ تَقَدَّمَ عِيسَى إِمَامًا لَوَقَعَ فِي النَّفْس إِشْكَال، وَلَقِيلَ: أَتُرَاهُ تَقَدَّمَ نَائِبًا أَوْ مُبْتَدِئًا شَرْعًا , فَصَلَّى مَأْمُومًا لِئَلَّا يَتَدَنَّس بِغُبَارِ الشُّبْهَة وَجْه قَوْله: " لَا نَبِيّ بَعْدِي " انتهى مختصرا. وقال علماء اللجنة الدائمة: " دلت الأحاديث على نزوله آخر الزمان، وعلى أنه يحكم بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى أن إمام هذه الأمة ـ في الصلاة وغيرها، أيام نزول عيسى ـ من هذه الأمة، وعلى ذلك لا تكون هناك منافاة بين نزوله وبين ختم النبوة بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ؛ حيث لم يأت عيسى برسالة جديدة، ولله الحكم أولا وآخرا، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، ولا معقب لحكمه، وهو العزيز الحكيم " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (3 / 301-302) وقال علماء اللجنة أيضا: " ورد في القرآن نصوص في رفع عيسى ابن مريم حيا إلى السماء، ونزوله نبيا رسولا؛ وذلك امتدادا لنبوته ورسالته قبل رفعه، لكن لا يدعو إلى شريعته، بل يدعو إلى أصول الإسلام التي دعا إليها الأنبياء والمرسلون جميعا، وإلى الفروع التي جاء بها خاتم الرسل محمد عليه الصلاة والسلام، فليست نبوة ورسالة جديدة حتى تتنافى مع ختم النبوات برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (3 / 328-329) ثالثا: ينبغي أن يعلم أن هذه الفرقة – القاديانية – فرقة ضالة خبيثة، قد جرت خطوط العلماء بتكفير من ينتسب إليها؛ لما هم عليه من الكفر والضلال المبين، حيث يؤمنون بنبوة إمامهم الضال غلام أحمد القادياني، الذي ادعى النبوة، وادعى نسخ الجهاد في سبيل الله خدمة للاستعمار، وألغى الحج إلى مكة، وحوله إلى قاديان، التي عندهم أفضل من مكة والمدينة. كما يدعون في إمامهم الدجال الضال أنه ابن الله، ويؤمنون بعقيدة التناسخ والحلول، ويشبهون الله تعالى بالبشر.. إلى آخر ما يدينون به من الكفر، ويؤمنون به من الضلال. راجع لمعرفة حقيقة أمرهم وما هم عليه من الكفر إجابة السؤال رقم: (4060) . والذي ننصح به: ألا يشتغل بالمناظرة معهم، أو مع غيرهم من أهل البدع والضلال، إلا من كانت عنده الأهلية لذلك، من تمكنه في العلم الشرعي، ومعرفته بحقيقة مذهب القوم وضلالهم، وما قاله أهل العلم فيهم وفي ضلالاتهم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 137821 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1129 التحذير من فرقة تسمَّى " المهدية " يدعي مؤسسها أنه المهدي ولهم عقائد أخرى منحرفة [السُّؤَالُ] ـ[إنني أرغب في تعريف فضيلتكم بجماعة، أو فرقة تدعى " المهدية " نسبة إلى الإمام المهدي، الذي ولد في " جانبور " بالهند في القرن التاسع الهجري , وتوفي في فرح بأفغانستان عن عمر يناهز الثالثة والستين , ودفن هناك، فهل هو المهدي الذي أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم؟ . إن المهديين يزعمون بأنهم هم فقط المسلمون الحق في هذا العالم بأسره , وأن من ينكر إمامهم المزعوم المهدي: يكون كافراً، إن هذه الجماعة تزعم أن الإسلام قد اكتمل بالإمام المهدي، كما أن ليلة القدر كانت للإمام المهدي , وقد أوضح لهم أنها في السابع والعشرين من رمضان، كما أنهم يزعمون أن إمامهم المهدي عَرف الطريق لرؤية الله سبحانه وتعالى. ومن زعمهم أيضاً: أن حروف القرآن مثل أل م (الم) ، أل ر (الر) ، ومعاني الحروف الأخرى التي لم تكن معروفة للرسول صلى الله عليه وسلم قد عرفها الإمام المهدي وأخبر بها أصحابه. وفيما يلي قائمة بمبادئ الاعتقاد الأساسية لهذه الجماعة، كما أوضحها إمامهم المزعوم المهدي: الرغبة في رؤية الله. صلاة ليلة القدر في السابع والعشرين من رمضان. كمال الإسلام بالإمام المهدي. يزعم بعض أتباع المهدي أن الرسول صلى الله عليه وسلم والإمام المهدي متساويان. ترك الدنيا يشبه التصوف. الاختلاء. وكلما حاولت محاورة هذه الجماعة وإخبارهم أن المهدي سيأتي عند نزول سيدنا عيسى عليه السلام يستشهدون بالحديث الآتي: (كيف تهلك أمة أنا في أولها، وعيسى بن مريم في آخرها، والمهدي في وسطها) . لقد تم تدوين هذا الحديث مع بعض الاختلاف في النص في المصادر التالية: مسند الإمام أحمد بن حنبل (164 - 221 هـ) من حديث ابن عباس رضي الله عنه. الحاكم النيسابوري (321 - 405 هـ) في " المستدرك على الصحيحين " من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه. " حلية الأولياء وطبقات الأصفياء " لأبي نعيم الأصفهاني (334 - 430 هـ) وقد نقل هذا الحديث عن ابن عباس رضي الله عنه. " مشكاة المصابيح " للإمام ولي الدين التبريزي (421 - 502 هـ) وتفسيراته. المرقاة واللمعات للإمام جعفر والرازين؟!! " تفسير المدارك " للإمام عبد الله أحمد بن النسفي (المتوفى 710 هـ) . " كنز العمال " للحافظ علي المتقي الهندي (المتوفى 975 هـ) عن علي رضي الله عنه. فهل يمكنكم إثبات صحة الحديث السابق، حيث إنهم أيضاً ينكرون كل الأحاديث الأخرى الصحيحة المشهورة عن الإمام المهدي الحقيقي، مثل: أنه سيحكم الأمة سبع سنوات، وأنه سيملأ الأرض عدلاً، وسيعطيه الله المدد في ليلة واحدة، كما أنه سيفر من المدينة إلى مكة حيث يدين له الناس بالولاء. وبالنسبة لكل هذه الأحاديث السابقة: فهم يرون أنه قد أساء فهمها العلماءُ , وأن علماءهم لهم فهمهم الخاص لهذه الأحاديث. ولمزيد من المعلومات المفصلة عن هذه الجماعة - أو الفرقة - إليكم هذا الرابط: http://khalifatullahmehdi.info/ هناك أكثر من مائة ألف من هذه الجماعة في جميع أنحاء العالم، إنني أناشدكم أن تقوموا بعمل بحث عن هذه الجماعة، ثم تصدروا فتوى في ضوء القرآن والسنَّة، إننا يمكننا تغيير حياة وعقيدة الآلاف من الناس إذا استطعنا توضيح الطريق الصحيح، ولمزيد من المعلومات أرجو الاتصال بي علي العنوان التالي: ... . وإذا كانت هذه الجماعة على خطأ: فهل بوسع فضيلتكم - أو هيئة إصدار الفتوى - أن تقوم بإصدار فتوى ضدهم؟ وأنا في انتظار ردِّكم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يعتقد أهل السنَّة والجماعة أنه سيخرج في آخر الزمان رجل من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت جوراً وظلماً , وأنه يوافق اسمُه اسمَ النبي صلى الله عليه وسلم، واسمَ أبيه اسمَ أبي النبي صلى الله عليه وسلم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: فالمهدي الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم اسمه " محمد بن عبد الله "، لا محمد بن الحسن , وقد روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: هو من ولد الحسن بن على، لا من ولد الحسين بن علي. وأحاديث المهدي معروفة، رواها الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، وغيرهم، كحديث عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطوَّل الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً من أهل بيتي يواطيء اسمُه اسمي، واسمَ أبيه اسمَ أبي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً) . " منهاج السنَّة " (4 / 95) . وللوقوف على بعض أحاديث المهدي، وعقيدة أهل السنة والجماعة فيه: انظر جوابي السؤالين: (1252) و (43840) . ثانياً: لا يستغرب أن يظهر من يدَّعي المهدية؛ فقد ادَّعاها أشخاص كثُر على مرِّ التاريخ، بل وينتظِر خروجَه طوائف عدة، وكل طائفة تنسب له من الصفات ما لم يقم عليه دليل من الوحي، ونجَّى الله تعالى أهلَ السنَّة فلم يثبتوا له إلا ما صحَّ في الشرع، ولم يدعوه في غير شخصه، وكذَّبوا كل من زعم المهدية ليضل الناس. قال ابن القيم – رحمه الله -: وقد اختلف الناس في المهدي على أربعة أقوال: أحدها: أنه المسيح بن مريم. القول الثاني: أنه المهدي الذي ولي من بني العباس , وقد انتهى زمانه. القول الثالث: أنه رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، من ولد الحسن بن علي، يخرج في آخر الزمان , وقد امتلأت الأرض جوراً وظلماً، فيملؤها قسطاً وعدلاً , وأكثر الأحاديث على هذا تدل. وفي كونه من ولد الحسن سرٌّ لطيف , وهو أن الحسن رضي الله تعالى عنه ترك الخلافة لله فجعل الله من ولده من يقوم بالخلافة الحق، المتضمن للعدل الذي يملأ الأرض , وهذه سنَّة الله في عباده: أنه من ترك لأجله شيئاً أعطاه الله، أو أعطى ذريته، أفضل منه ... وأما الرافضة الإمامية: فلهم قول رابع، وهو أن المهدي هو: محمد بن الحسن العسكري المنتظر، من ولد الحسين بن علي لا من ولد الحسن، الحاضر في الأمصار، الغائب عن الأبصار، الذي يورث العصا , ويختم الفضا، دخل سرداب سامراء طفلاً صغيراً من أكثر من خمس مئة سنَة، فلم تره بعد ذلك عينٌ , ولم يحسَّ فيه بخبر , ولا أثر، وهم ينتظرونه كل يوم! يقفون بالخيل على باب السرداب , ويصيحون به أن يخرج إليهم: " اخرج يا مولانا "، ثم يرجعون بالخيبة والحرمان، فهذا دأبهم، ودأبه. أما مهدي المغاربة " محمد بن تومرت ": فإنه رجل كذَّاب، ظالم، متغلب بالباطل، ملَكَ بالظلم، والتغلب، والتحيل، فقتل النفوس , وأباح حريم المسلمين، وسبى ذراريهم، وأخذ أموالهم , وكان شرّاً على الملَّة من الحَجَّاج بن يوسف، بكثير ... ثم خرج المهدي الملحد " عبيد الله بن ميمون القدَّاح "، وكان جدُّه يهوديّاً من بيت مجوسي، فانتسب بالكذب والزور إلى أهل البيت , وادَّعى أنه المهدي الذي بشَّر به النبي صلى الله عليه وسلم، وملَكَ , وتغلَّب، واستفحل أمره إلى أن استولت ذريته الملاحدة المنافقون الذين كانوا أعظم الناس عداوة لله ولرسوله، على بلاد المغرب، ومصر، والحجاز، والشام , واشتدت غربة الإسلام ومحنته ومصيبته بهم , وكانوا يدَّعون الإلهية , ويدعون أن للشريعة باطناً يخالف ظاهرها. وهم ملوك القرامطة الباطنية، أعداء الدين، فتستروا بالرفض والانتساب - كذباً - إلى أهل البيت، ودانوا بدين أهل الإلحاد , وروَّجوه , ولم يزل أمرُهم ظاهراً إلى أن أنقذ الله الأمة منهم، ونصر الإسلام بصلاح الدين يوسف بن أيوب، فاستنقذ الملة الإسلامية منهم، وأبادهم , وعادت مصر دار إسلام بعد أن كانت دار نفاق وإلحاد في زمنهم. والمقصود: أن هؤلاء لهم مهدي، وأتباع ابن تومرت لهم مهدي , والرافضة الاثنا عشرية لهم مهدي، فكل هذه الفرق تدعي في مهديِّها الظلوم، الغشوم، والمستحيل المعدوم: أنه الإمام المعصوم , والمهدي المعلوم الذي بشَّر به النبي صلى الله عليه وسلم , وأخبر بخروجه , وهي تنتظره كما تنتظر اليهود القائم الذي يخرج في آخر الزمان فتعلو به كلمتهم , ويقوم به دينهم , ويُنصرون به على جميع الأمم. والنصارى تنتظر المسيح يأتي قبل يوم القيامة، فيقيم دين النصرانية, ويبطل سائر الأديان ... فالملل الثلاث تنتظر إماماً قائماً يقوم في آخر الزمان , وينتظر اليهودُ الدجالَ الذي يتبعه من يهود أصبهان سبعون ألفاً , وفي المسند مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أكثر أتباع الدجال اليهود والنساء) . " المنار المنيف في الصحيح والضعيف " (ص 148 – 155) باختصار. ثالثا: كل طائفة من أولئك تدَّعي أن المهدي معها، فمَن هو المحق؟ وأي طائفة هي الصواب؟ ولا نزال نسمع بين الحين والآخر أنه خرج في الجماعة الفلانية، أو في البلد الفلاني: المهدي , فما هو الضابط في معرفة صدق الادعاءات من كذبها؟ والجواب: أنه يمكن أن نلخص أهم النقاط التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم عن المهدي كالآتي: أ. أنه مِن ولد فاطمة ابنة النبي صلى اله عليه وسلم، ومِن ذرية الحسن بن علي رضي الله عنه، واسمه محمد بن عبد الله. ب. أنه يخرج في آخر الزمان، مصاحباً لنزول عيسى عليه السلام، ومقتل الدجال. ت. أنه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملأت جوراً وظلماً. ث. يمكث سبعاً، أو ثمانياً من السنين؛ وتكثر الخيرات في زمنه. ج. ينصر الله به الإسلامَ، والمسلمين، وتكون العزة في الأرض لأهل الإسلام. ح. وَصَفَه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه أَجْلَى الْجَبْهَةِ (انحسار الشَّعر عن مقدّمة الجبهة) ، أَقْنَى الأَنْفِ (أي: أنفه طويل رقيق في وسطه حدب) . خ. يعتصم بالبيت الحرام، ويغزوه جيشٌ يُخسف به بين مكة والمدينة. د. وهو لا يدَّعي المهدية لنفسه , وإنما الناس يبايعونه لدلائل يرونها فيه. ذ. يصلي خلفه عيسى عليه السلام. فلمعرفة هذا الشخص: لا بد أن ننظر إلى تحقق هذه الصفات التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم عنه، فإن تحققت به: فهو من أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا فهو كاذب في سلسلة الكذابين. رابعا: لا شك أن شأن ذلك الدعي الهندي المذكور هو شأن غيره من الكذابين الدجالين، فقد توفي ولم يحقق شيئاً مما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم! ولا انطبقت عليه شيء من الأوصاف التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم، وأتباعه يتعلقون بالوهم والأماني، يعِدُهم الشيطان، ويمنِّيهم، قال تعالى: (يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلا غُرُورًا) النساء/ 120. قال الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله -: أما إنكار المهدي المنتظر بالكلية - كما زعم ذلك بعض المتأخرين -: فهو قول باطل ; لأن أحاديث خروجه في آخر الزمان، وأنه يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً: قد تواترت تواتراً معنويّاً، وكثرت جدّاً، واستفاضت، كما صرح بذلك جماعة من العلماء , منهم: أبو الحسن الآبري السجستاني من علماء القرن الرابع , والعلامة السفاريني، والعلامة الشوكاني، وغيرهم , وهو كالإجماع من أهل العلم، ولكن لا يجوز الجزم بأن فلاناً هو المهدي إلا بعد توافر العلامات التي بيَّنها النبي في الأحاديث الصحيحة الثابتة , وأعظمها وأوضحها: كونه يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلما، كما سبق بيان ذلك. " فتاوى الشيخ ابن باز " (4 / 168) . رابعاًً: مما يدل على كذب هذا الشخص، وأنه دعي دجال: تلك المعتقدات التي يعتقد بها أصحابه، كما ورد في السؤال: 1. اعتقادهم أن من ينكر إمامهم المزعوم المهدي: يكون كافراً. وهذا من أدلة ضلال هذه الجماعة؛ فلا يجوز تكفير المسلم إلا بشروط وضوابط. وانظر جواب السؤال رقم: (85102) . 2. اعتقادهم أن الإسلام قد اكتمل بالإمام المهدي. وهذا من الكذب على الشرع؛ لأن الله تعالى قد بيَّن في كتابه أنه أتمَّ الدين، وأكمل النعمة، ولم يبق الناس في حاجة من أمر دينهم بعد تمام نزول الوحي، وبعثة الرسول إلى شيء غيره، قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا) المائدة/ 3. 3. اعتقادهم أن ليلة القدر كانت للإمام المهدي , وأنها في السابع والعشرين من رمضان. وهذا - أيضاً - من الكذب، فقد ذكر الله تعالى ليلة القدر قبل خلق ذلك الدجال بقرون، وأخبرنا بما فيها من فضل تعظيماً لليوم الذي ابتدأ الله به إنزال القرآن؛ وكذلك لزيادة وتكثير أجور هذه الأمة، بأن جعل عبادة تلك الليلة تعدل عبادة ألف شهر , وهي ليلة التقدير للسنة. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -: يقول تعالى مبيِّنًا لفضل القرآن وعلو قدره: (إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) كما قال تعالى: (إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ) وذلك أن الله تعالى ابتدأ بإنزاله في رمضان في ليلة القدر، ورحم الله بها العباد رحمة عامة، لا يقدر العباد لها شكراً. وسمِّيت " ليلة القدر " لعظَ قدَرِها، وفضلها، عند الله، ولأنه يُقدَّر فيها ما يكون في العام من الأجل، والأرزاق، والمقادير القدرية. ثم فخَّم شأنها، وعظَّم مقدارها فقال: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ) أي: فإن شأنها جليل، وخطرها عظيم. (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) أي: تعادل في فضلها ألف شهر، فالعمل الذي يقع فيها خير من العمل في ألف شهر خالية منها، وهذا مما تتحير فيه الألباب، وتندهش له العقول، حيث مَنّ تبارك وتعالى على هذه الأمة الضعيفة القوة والقوى، بليلة يكون العمل فيها يقابل ويزيد على ألف شهر، عمر رجل معمَّرٍ عمراً طويلاً نيِّفًا وثمانين سنة. (تَنزلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا) أي: يكثر نزولهم فيها (مِنْ كُلِّ أَمْر سَلامٌ هِيَ) أي: سالمة من كل آفة وشرٍّ، وذلك لكثرة خيرها، (حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) أي: مبتداها من غروب الشمس، ومنتهاها طلوع الفجر. وقد تواترت الأحاديث في فضلها، وأنها في رمضان، وفي العشر الأواخر منه، خصوصاً في أوتاره، وهي باقية في كل سنَة إلى قيام الساعة. ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف، ويكثر من التعبد في العشر الأواخر من رمضان، رجاء ليلة القدر. " تفسير السعدي " (ص 931) . أما أنه تعالى شرع ليلة القدر للمهدي المزعوم – أو حتى الحقيقي -: فهو من الكذب الصريح، ولو كان حقّاً أنها شرعت لأحدٍ: لكان شرعت لمن هو أولى منه، وهو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي أنزل عليه القرآن فيها , ولكان تعالى أخبر بذلك، ولكن ما أرخص الكذب عند من لم يستنر قلبه بالهداية. أما تحديد ليلة القدر بليلة السابع والعشرين: فهو قول مرجوح , والصواب أنها ليلة متنقلة في ليالي العشر الأخيرة , وانظر جواب السؤال رقم: (50693) . 4. اعتقادهم أن حروف القرآن مثل أل م (الم) ، أل ر (الر) ومعاني الحروف الأخرى التي لم تكن معروفة للرسول صلي الله عليه وسلم: قد عرفها مهديهم! وأخبر بها أصحابه. وهذا – أيضاً - من الكذب؛ فقد توقف في تفسير هذه الآية وغيرها من الحروف المقطعة جمع من العلماء، كالخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم، وغيرهم من الصحابة، والتابعين، وأتباعهم، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فسرها. وانظر جواب السؤال رقم: (21811) . وأرجح الأقوال في تفسيرها ما ذكره ابن كثير رحمه الله - وهو ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله – في قوله: وقال آخرون: بل إنما ذكرت هذه الحروف في أوائل السور التي ذكرت فيها؛ بيانًا لإعجاز القرآن، وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله، هذا مع أنه تركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها، ولهذا كل سورة افتتحت بالحروف: فلا بد أن يُذكر فيها الانتصار للقرآن، وبيان إعجازه، وعظمته، وهذا معلوم بالاستقراء، وهو الواقع في تسع وعشرين سورة، ولهذا يقول تعالى: (الم. ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ) البقرة/ 1، 2، (الم. اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ. نزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ) آل عمران/ 1 – 3، (المص. كِتَابٌ أُنزلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ) الأعراف/ 1، 2. ... . وغير ذلك من الآيات الدالة على صحة ما ذهب إليه هؤلاء لمن أمعن النظر، والله أعلم. " تفسير القرآن العظيم " (1 / 160) . 5. اعتقادهم في رؤية الله. فإن قصدوا بذلك الرؤية يقظة في دار الدنيا: فهو كذب، وافتراء , ويرده الأحاديث الصحيحة التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه هو لم يره، مع أنه كان في السماء. وانظر جوابي السؤالين: (43176) و (14096) . 6. اعتقاد بعض أتباع المهدي المزعوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم والإمام المهدي متساويان. وهذا أيضا من الكذب، بل هو أبطل الباطل؛ فنبينا محمد صلى الله عليه وسلم سيد بني آدم؛ وقد خصه الله بالفضائل والمزايا التي لم يصل إليها الأنبياء؛ فهو صاحب المقام المحمود، والشفاعة العظمى. وانظر جواب السؤال رقم (97384) للوقوف على أقوال العلماء في أفضليته على الخلق. وهذا الدعي لا يصل إلى مرتبة صالحي آخر هذه الأمة؛ فكيف بمتقدميها، فكيف بالصحابة، وكيف بالأنبياء، وكيف بأولي العزم من الرسل؟! بل إن هذا القول قد يصل به وبأصحابه إلى الكفر، والردة، والعياذ بالله. 7. وأما تأثر الفرقة بالتصوف، كالاختلاء وغيره: فهذا هو الأليق بهذه الجماعة، فمثل هذه الترهات، والضلالات، تليق بمن تأثر بضلالات الصوفية ومن أشبههم. وانظر جواب السؤال رقم: (118693) للوقوف على موقف المسلم من الصوفية. 8. وأما تكذيبهم لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي فيها ذكر لصفات المهدي المتقدمة: فهو يدل على ضلال هذه الجماعة، وبُعدها عن الحق، ويصدق عليهم ما قاله الله تعالى عن حال أهل الكتاب: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) البقرة/ من الآية 85. وكما قال الإمام أحمد رحمه الله: من ردَّ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهو على شفا هلكة. " طبقات الحنابلة " لأبي يعلى (2 / 14) . خامساً ً: أما الحديث الذي يستدلون به وهو (كيف تهلك أمةٌ أنا في أولها وعيسى ابن مريم في آخرها والمهدي في وسطها) : فهذا الحديث جاء من طرق عن عدة من الصحابة: أ. من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كيف تهلك أمة أنا أولها وعيسى بن مريم آخرها والمهدي من أهل بيتي في وسطها. أخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (47 / 522) وقد حكم عليه العلامة الألباني بالنكارة، كما في " السلسلة الضعيفة " (2349) . قال رحمه الله: والحديث منكر عندي؛ لأن ظاهره أن بيْن المهدي وعيسى سنين كثيرة، مع أنه صح في غير ما حديث أنهما يلتقيان في دمشق، ويأتم عيسى بالمهدي عليهما السلام، فكيف يقال: إن المهدي في وسطها وعيسى في آخرها؟! . ب. من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كيف تهلك أمة أنا أولها وعيسى بن مريم آخرها) . أخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (47 / 521) . وفي إسناده كذاب، كما ذكر الشيخ الألباني رحمه الله في " السلسلة الضعيفة " (2349) . ج. ومنها: قال ابن حجر – رحمه الله -: رَوَى اِبْن أَبِي شَيْبَة - (8 / 548) - مِنْ حَدِيث عَبْد الرَّحْمَن بْن جُبَيْر بْن نُفَيْر ـ أَحَد التَّابِعِينَ ـ بِإِسْنَادٍ حَسَن قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَيُدْرِكَنَّ الْمَسِيح أَقْوَامًا إِنَّهُمْ لَمِثْلُكُمْ أَوْ خَيْر - ثَلَاثًا - وَلَنْ يُخْزِي اللَّه أُمَّة أَنَا أَوَّلهَا وَالْمَسِيح آخِرهَا) . " فتح الباري " (7 / 6) . وأراد ابن حجر رحمه الله أن إسناده حسن إلى التابعي، غير أن رواية التابعي له مرسلة، والمرسل من أقسام الضعيف. وأخرجه أيضا الحاكم في " مستدركه " (3 / 43) وقال الذهبي: مرسل منكر. فتبين أن الحديث بذكر المهدي لا يصح إسناده، وهو منكر من حيث المعنى. ولو افترضنا صحة المرسل، فإنه لم يذكر فيه المهدي، وعلى ذلك: لا يتم مقصود تلك الطائفة بالاستدلال بهذا الحديث. والخلاصة: أن هذه الطائفة من الطوائف المنحرفة التي يجب الحذر والتحذير منها. وأن مهديهم المزعوم لم تتوفر فيه الصفات التي أخبر بها النبي صلى الله عليه أنها من صفاته , وعليه: فاعتقاد أنه المهدي الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم لا شك أنه خطأ وضلال , وأن هذه العقائد التي تعتقدها طائفته به: لا شك في مخالفتها لعقيدة أهل السنة والجماعة، والواجب على المسلم أن يحذر من الانتساب إليها , أو مساندتها، بل وعليه أن يحذر المسلمين منها , ومن ضلالها، وأخطائها. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136388 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1130 هل يسقط وجود جائع واحد في المسلمين حق الملكية الفردية؟ [السُّؤَالُ] ـ[ (أيما أهل عرصة - منطقة أو حي سكن - أصبح فيهم امرؤ جائعاً، فقد برئت منهم ذمة الله ورسوله) ثم هذا الحديث الخطير في مدلوله: (إذا بات المؤمن جائعاً فلا مال لأحد) ويعلق الدكتور علي البارودي على هذا الحديث في كتابه " دروس في الاشتراكية العربية " بقوله: " إنه ما دام في المجتمع جائع واحد أو عارٍ واحد فإن حق الملكية لأي فرد من أفراد هذا المجتمع لا يمكن أن يكون شرعياً، ولا يجب احترامه، ولا تجوز حمايته، ومعنى ذلك أن هذا الجائع يسقط شرعية حقوق الملكية إلى أن يشبع ". وقد حدث في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن أصاب بعض المسلمين عطش شديد، فمروا على بئر، ولكن أصحابه رفضوا أن يشربوا منه، فلما وفدوا على عمر بالأمر فقال: هلا وضعتم فيهم السلاح. ومشهور بيننا قول الصحابي أبو ذر الغفاري: عجبت لمسلم لا يجد قوت يومه ولا يخرج على الناس شاهرا سيفه!]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله حق الملكية الفردية من أركان قواعد الاقتصاد الإسلامي، امتاز به عن النظام الاشتراكي الذي خالف الفطرة والعقل والشرع حين ألغى هذا الحق، وامتاز به أيضاً عن النظام الرأسمالي حين أطلق العنان للحرية الفردية حتى أصبحت غولاً يأكل الأخضر واليابس. وقد حاول بعض الناس في القديم والحديث التنظير للاشتراكية من خلال نصوص الشريعة، والتأصيل لمبادئها من خلال بعض الأحاديث والآثار التي أساؤوا فهمها. والعلة التي أصابت هذا المنهج في التفكير فلبَّست عليه فهمَ حقيقة النظام الاقتصادي الإسلامي: هي إخراج النصوص عن سياقها وإطارها المقيد، ونقلها إلى الإطار العام والتقعيد المطلق المناقض لقواعد الاقتصاد الإسلامي. فمثلاً: الحديث الوارد في السؤال، وهو حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أَيُّمَا أَهْلُ عَرْصَةٍ أَصْبَحَ فِيهِمْ امْرُؤٌ جَائِعٌ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ تَعَالَى) رواه أحمد في " المسند " (8/482) . أولاً: هذا الحديث ضعيف، فقد قال أبو حاتم في " العلل " (2/238) : منكر. وكذا قال الشيخ الألباني في " ضعيف الترغيب " (1/275) ، وقال محققو المسند بإشراف الشيخ شعيب الأرنؤوط: " إسناده ضعيف لجهالة أبي بشر " انتهى. وينظر: المسند (8/486) – ط الرسالة ـ. ثانياً: غاية ما في الحديث الحث على إطعام الجائع والإحسان إلى الفقير، وليس فيه من قريب ولا من بعيد إلغاء حق الملكية الفردية إلغاء تاماً، كما هي النظرة الاشتراكية، وكما فهم بعض الناس خطأ وأشكل عليهم الأمر. ومثله الآثار التي ذُكرت في السؤال، يرويها الحنفية، ومنهم أبو يوسف القاضي في كتاب "الآثار" (رقم/899) عن أبي حنيفة النعمان رحمه الله، عن الهيثم: أن قوماً مروا بماء، فسألوا أهلها: أين البئر؟ فأبوا أن يدلوهم، وأبوا أن يعطوهم الدلو. فقالوا: ويحكم، إن أعناقنا وأعناق ركابنا قد كادت تقطع عطشاً، فأبوا أن يعطوهم أو يدلوهم، فذكروا ذلك لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: ألا وضعتم فيهم السلاح. فهي – رغم أنها مرسلة منقطعة – إنما جاءت تبين حكما مخصوصاً في حالة مقيدة، فيما إذا اضطر المسلم، فلم يجد طعاماً ولا شراباً وأشرف على الهلاك، فله حينئذ – وحينئذ فقط – أن يأكل من أموال المسلمين القادرين ولو بغير رضاهم، ولو اضطره الأمر إلى مقاتلتهم على سد ضرورته بالسلاح، أما أن يُستدل بهذا الأثر على إلغاء حق الملكية مطلقاً فهذا أيضاً فهم خاطئ للنصوص. وأما حديث: (إذا بات المؤمن جائعاً فلا مال لأحد) فليس هو بحديث أصلاً، ولا وجود له في كتب السنة والآثار. ونحن نعلم أن بعض الناس يورد الكلام الوارد في السؤال على محمل حسن، وليس دعوة منه إلى الاشتراكية الكاملة. جاء في " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " رحمه الله (7/394) : " إنكار النظام الاشتراكي في العراق: برقية: فخامة رئيس الجمهورية أخذ الله بيده إلى الحق: إن الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة تستنكر ما أصدرته الحكومة العراقية من القرارات الاشتراكية , وتضم صوتها إلى صوت علماء العراق وغيرهم من العلماء في إنكار النظام الاشتراكي , وتؤكد بأنه نظام كفري يصادم نظام الإسلام ويناقضه , وتنصح حكومة العراق بالرجوع إلى نظام الإسلام وتطبيقه في البلاد , لكونه أعدل نظام وأصلح تشريع عرفته البشرية , وهو كفيل بتحقيق العدالة الاجتماعية السليمة، وحل للمشاكل الاقتصادية وغيرها , وإيصال حق الفقير إليه على خير وجه إذا أخلص المسلمون في تطبيقه. والإسلام يحرم على المسلم دم أخيه وماله وعرضه، ويعطيه حرية التصرف الكامل في ماله في ظل الحكم الشرعي , وتصرح تعاليمه بأن ما يزعمه بعض الناس من أن النظام الاشتراكي مستمد من روح الإسلام زعم باطل، لا يستند لأي أساس من الصحة " انتهى. ومن أراد المزيد فليرجع إلى كتاب " حكم الإسلام في الاشتراكية " للشيخ عبد العزيز البدري رحمه الله. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 134948 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1131 امتناع عمر ومن معه من إحضار كتاب للنبي صلى الله عليه وسلم في مرضه [السُّؤَالُ] ـ[يقول أحد أصدقائي الشيعة إن عمر بن الخطاب، وأبا بكر الصديق رضي الله عنهما قد عصيا النبي محمد صلى الله عليه وسلم عندما كان في فراش موته، طلب النبي صلى الله عليه وسلم وقتها من الصحابة أن يحضروا ورقة، وقلَماً، ولكنهم رفضوا أن يحضروهما، ووفقاً لما يقوله الشيعة فإن الصحابة قد ضلوا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أوصى بأن يكون عليّ رضي الله عنه خليفة من بعده، وقد أثبتوا لي هذه الأمور بالحديث الذي يقول بأن عمر بن الخطاب عصى محمَّداً صلى الله عليه وسلم، وأنك كنت ترى الغضب على وجهه، وأريد أن أقول بأن صديقي هذا قد أثَّر في أحد أصدقائي الذين ليس لديهم أية معلومات عن الإسلام. هل يمكنكم أن تشرحوا لي لماذا عصى عمر رضي الله عنه رسولَ الله صلى الله عليه وسلم؟ وهل يمكنكم أيضا أن تخبروني كيف التعامل مع أمثال هؤلاء؟ . أرجو أن تقدموا لي المصادر. شكراً جزيلاً لكم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يجوز لك مصادقة أحد أفراد تلك الطائفة التي تنتسب إلى الإسلام، ثم هي تطعن في أصوله وحملته الذين بلغوه للناس، وتعتقد تحريف القرآن، والعصمة للبشر، وتحكم على الصحابة بالردة إلا قليلاً منهم. والواجب عليك تجاه هؤلاء وأمثالهم أن تهجرهم , وتحذر الناس من شرهم وضلالهم. وينظر أجوبة الأسئلة (91665) و (96231) و (126041) . ثانيا: لفظ الحديث الذي وردت فيه القصة التي يذكرها لك الرافضي هو: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا حُضِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَفِي الْبَيْتِ رِجَالٌ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: (هَلُمَّ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ) قَالَ عُمَرُ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَلَبَهُ الْوَجَعُ وَعِنْدَكُمْ الْقُرْآنُ فَحَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْبَيْتِ، وَاخْتَصَمُوا، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ قَرِّبُوا يَكْتُبْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ مَا قَالَ عُمَرُ، فَلَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغَطَ وَالِاخْتِلَافَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (قُومُوا عَنِّي) . قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ ذَلِكَ الْكِتَابَ مِنْ اخْتِلَافِهِمْ وَلَغَطِهِمْ. رواه البخاري (6932) ومسلم (1637) . 1. أمر النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه الذين حضروه في مرضه بإحضار ورقة وقلم ليملي عليهم شيئاً لم يكن يتعلق بوحي جديد، لم يبلغه للناس، ولا بأمر شرعي يحتاجه الناس في دينهم، ثم ترك إعلامهم به لأجل ما حصل. والدليل على ذلك أمور: أ. أن هذه الحادثة كانت يوم الخميس، وقد توفي النبي صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين، أي: بعده بأربعة أيام، وكان بإمكانه الطلب من آخرين كتابة ذلك الكتاب، فلما لم يفعل صلى الله عليه وسلم: علمنا أنه لم يكن وحياً فيكتمه. ب. أن الله تعالى قد أثنى على نبيه صلى الله عليه وسلم بأنه قد بلَّغ ما أوحي إليه، وقد امتنَّ الله تعالى على هذه الأمة بإكمال الدين، وإتمام النعمة، والقول بأن ما لم يكتبه النبي صلى الله عليه وسلم هو من الدِّين الذي تحتاجه الأمة عامة، فيه اتهام للنبي صلى الله عليه وسلم بعدم تبليغ الرسالة، وفيه تكذيب للرب تعالى في خبره بإكمال الدين وإتمام النعمة على العباد. قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: ولم تكن كتابة الكتاب مما أوجبه الله عليه أن يكتبه، أو بلغه في ذلك الوقت؛ إذ لو كان كذلك: لمَا ترك صلى الله عليه وسلم ما أمره الله به. " منهاج السنة النبوية " (6 / 315، 316) . وقال – رحمه الله -: ولا يجوز له ترك الكتاب لشك مَن شك، فلو كان ما يكتبه في الكتاب مما يجب بيانه وكتابته: لكان النبي صلى الله عليه وسلم يبيِّنه، ويكتبه، ولا يلتفت إلى قول أحدٍ؛ فإنه أطوع الخلق له، فعُلم أنه لما ترك الكتاب: لم يكن الكتاب واجباً، ولا كان فيه من الدِّين ما تجب كتابته حينئذ، إذ لو وجب: لفعله. " منهاج السنة النبوية " (6 / 12) . ج. ويؤيد ما ذكرناه: اختلاف الصحابة الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في فهم أمره، والوقوف على حقيقة معناه؛ وإلا لسارع الجميع إلى تنفيذه، وقد ثبت عنهم أنهم خلعوا نعالهم في الصلاة لمجرد رؤيته صلى الله عليه وسلم يخلع نعله فيها، ودون أن يأمرهم بذلك، فهل مثل هؤلاء يخالفون أمراً يعتقدونه من الوحي؟! حاشاهم، ولذلك قام بعضهم بإحضار ورقة وقلم، كما طلب منهم نبيهم صلى الله عليه وسلم، وامتنع آخرون، ظانين أنه صلى الله عليه وسلم قد يكون غلبه الوجع، أو يكون أمره إرشاد. قال أبو العباس القرطبي – رحمه الله -: وقوله: (ائتوني أكتب لكم كتاباً لا تضلون بعده) : لا شك في أن (ائتوني) أمرٌ، وطلبٌ، توجَّه لكل مَن حضر، فكان حق كل من حضر المبادرةُ للامتثال، ولا سيما وقد قرنه بقوله: (لا تضلُّون بعده) ، لكن ظهر لعمر رضي الله عنه، ولطائفة معه: أن هذا الأمر ليس على الوجوب، وأنَّه من باب الإرشاد إلى الأصلح، مع أن ما في كتاب الله يرشد إلى كل شيء، كما قال تعالى: (تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْء) ، مع ما كان فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوجع، فكره أن يتكلَّف من ذلك ما يشق ويثقل عليه، فظهر لهم: أن الأوَّلى ألا يكتب، وأرادت الطائفة الأخرى: أن يكتب؛ متمسِّكة بظاهر الأمر، واغتناماً لزيادة الإيضاح، ورفع الإشكال. فيا ليتَ ذلك لو وقع، وحصلَ! ولكن قدَّر الله، وما شاءَ فعل، ومع ذلك: فلا عتب، ولا لوم على الطائفة الأولى؛ إذ لم يعنفهم النبي صلى الله عليه وسلم، ولا ذمَّهم، بل قال للجميع: (دعوني فالذي أنا فيه خير) . " المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم " (15 / 18) . وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -: قال المازري: إنما جاز للصحابة الاختلاف في هذا الكتاب مع صريح أمره لهم بذلك: لأن الأوامر قد يقارنها ما ينقلها من الوجوب، فكأنه ظهرت منه قرينة دلت على أن الأمر ليس على التحتم، بل على الاختيار، فاختلف اجتهادهم، وصمم عمر على الامتناع لِما قام عنده من القرائن بأنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك عن غير قصد جازم. " فتح الباري " (8 / 133، 134) . 2. عزمه صلى الله عليه وسلم على الكتابة: إما أن يكون بوحي نسخ، أو باجتهاد تبين أن المصلحة في تركه. قال النووي – رحمه الله -: وكان النبي صلى الله عليه وسلم همَّ بالكتاب حين ظهر له أنه مصلحة، أو أوحى إليه بذلك، ثم ظهر أن المصلحة تركه، أو أوحي إليه بذلك، ونسخ ذلك الأمر الأول. " شرح مسلم " (11 / 90) ، ونقل نحوه الحافظ ابن حجر عن المازري. ينظر: " فتح الباري " (8 / 134) . 3. الرافضة يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أوصى بالخلافة بعده لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، فما لهم ولهذه الحادثة، وما حاجتهم للتلاعب بها، وادعاء أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن يكتب وصية لعلي رضي الله عنه بعده؟! ولماذا لا تكون الوصية التي كانت ستكتب في هذا الكتاب: هي وصيته لأبي بكر رضي الله عنه بالخلافة من بعده؟! قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: ومَن توهم أن هذا الكتاب كان بخلافة علي: فهو ضال، باتفاق عامة الناس، من علماء السنَّة، والشيعة، أما أهل السنَّة: فمتفقون على تفضيل أبي بكر وتقديمه، وأما الشيعة القائلون بأن عليّاً كان هو المستحق للإمامة: فيقولون: إنه قد نُصَّ على إمامته قبل ذلك نصّاً جليّاً ظاهراً معروفاً، وحينئذ فلم يكن يحتاج إلى كتاب. " منهاج السنَّة النبوية " (6 / 11) . 4. قد ثبت بأصح إسناد أن النبي صلى الله عليه أراد أن يوصي لأبي بكر الصدِّيق بالخلافة بعده، ثم ترك الأمر، وقال بأن المؤمنين لن يرضوا بغيره خليفة، فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ (لَقَدْ هَمَمْتُ - أَوْ أَرَدْتُ - أَنْ أُرْسِلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَابْنِهِ وَأَعْهَدَ؛ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُونَ، أَوْ يَتَمَنَّى الْمُتَمَنُّونَ، ثُمَّ قُلْتُ: يَأْبَى اللَّهُ وَيَدْفَعُ الْمُؤْمِنُونَ - أَوْ: يَدْفَعُ اللَّهُ وَيَأْبَى الْمُؤْمِنُونَ -) رواه البخاري (5342) – واللفظ له - ومسلم (2387) بلفظ: (وَيَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ) . ولسنا بالذي يهتم لهذا، لأنه قد أبى الله والمؤمنون أن يكون خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أبا بكر. 5. وما يحصل من مراجعة بعض الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم في بعض المسائل لا يعكر على صفة الاستجابة، والمتابعة للشرع؛ لأنهم يراجعونه صلى الله عليه وسلم حتى يأتي الوحي بالجزم بما أخبرهم به النبي صلى الله عليه وسلم، فيسارعون بعدها لتنفيذ الأمر. قال النووي – رحمه الله -: قال الخطَّابي: وقد كان أصحابه صلى الله عليه وسلم يراجعونه في بعض الأمور قبل أن يجزم فيها بتحتيم، كما راجعوه يوم الحديبية في الخلاف، وفي كتاب الصلح بينه وبين قريش، فأما إذا أمر بالشيء أمر عزيمة: فلا يراجعه فيه أحد منهم. " شرح مسلم " (11 / 91) . وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -: وقد كان الصحابة يراجعونه في بعض الأمور، ما لم يجزم بالأمر، فإذا عزم: امتثلوا. " فتح الباري " (1 / 209) . 6. قول عمر رضي الله عنه " حسبنا كتاب الله ": لم يكن خطاباً مع النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو أجلُّ من أن يفعل ذلك، وإنما كان مخاطباً من اعترض عليه بالامتناع عن إحضار كتاب. قال النووي – رحمه الله -: وقول عمر رضي الله عنه " حسبنا كتاب الله ": ردٌّ على من نازعه، لا على أمر النبي صلى الله عليه وسلم. " شرح مسلم " (11 / 93) . 7. وقد وجَّه العلماء رحمهم الله امتناع عمر رضي الله عنه عن إحضار كتاب ليكتبه النبي صلى الله عليه وسلم بتوجيهات عديدة، منها: أ. إشفاقه على النبي صلى الله عليه وسلم من تكليفه في تلك الحال إملاء الكتاب، وأن تدخل عليه مشقة من ذلك كما قال: " إن النبي صلى الله عليه وسلم اشتد به الوجع ". ب. خشيته من طعن المنافقين ومن في قلبه مرض، في ذلك الكتاب، والتشكيك بناقليه، والطعن فيهم، وفي عدالتهم. ج. خشيته " أن يكتب أموراً يعجزون عنها، فييقعوا في الحرج بالمخالفة، ورأى أن الأرفق بالأمة في تلك الأمور سعة الاجتهاد، وحكم النظر، وطلب الصواب، فيكون المصيب والمخطئ مأجوراً ". انظر: " دلائل النبوة " (7 / 184) ، " الشفا بتعريف حقوق المصطفى " للقاضي عياض (2 / 194) ، " شرح مسلم " للنووي (11 / 91) ، " فتح الباري " (1 / 209) . 8. وأما كلام ابن عباس رضي الله عنهما: فليس فيه طعن بالصحابة رضي الله عنهم، وهو ممن بايع الصدِّيق، والفاروق بعده، وإنما أراد أن الحائل نفسه كان مصيبة؛ لظهور الفتنة بعد ذلك، والطعن في أولئك الأعلام. قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: وقول ابن عباس " إن الرزية كلَّ الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب الكتاب ": يقتضي أن هذا الحائل كان رزية، وهو رزية في حق من شك في خلافة الصدِّيق، أو اشتبه عليه الأمر؛ فإنه لو كان هناك كتاب: لزال هذا الشك، فأما مَن علم أن خلافته حق: فلا رزية في حقه، ولله الحمد. " منهاج السنة النبوية " (6 / 11) . 10. وقول ابن عباس رضي الله عنه هذا إنما هو اجتهاد منه، ولا شك أن عمر أعلم وأجل من ابن عباس، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن ترك الكتابة، وعدم إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على عمر، هو ترجيح لرأيه، وتصويب لفعله. قال النووي – رحمه الله -: فكان عمر أفقه من ابن عباس، وموافقيه. " شرح مسلم " (11 / 90) . وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -: وفي تركه صلى الله عليه وسلم الإنكار على عمر: إشارة إلى تصويبه رأيه، وأشار بقوله " حسبنا كتاب الله " إلى قوله تعالى (مَا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ) ، ويحتمل أن يكون قصد التخفيف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى ما هو فيه من شدة الكرب، وقامت عنده قرينة بأن الذي أراد كتابته ليس مما لا يستغنون عنه؛ إذ لو كان من هذا القبيل: لم يتركه صلى الله عليه وسلم لأجل اختلافهم. ولا يعارض ذلك قول بن عباس " إنَّ الرزيَّةَ " الخ؛ لأن عمر كان أفقه منه قطعاً. " فتح الباري " (8 / 134) . وبه يتبين لك بطلان ادعاء الرافضة، في طعنهم في الصحابة رضي الله عنهم، وخصوصاً عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ويتبين صدق السلف في أنهم أكذب الطوائف المنتسبة للإسلام، فاحذرهم على دينك أخي السائل، ونسأل الله لك الثبات على الإسلام والسنَّة. وانظر – للمزيد حول عقائد الرافضة – أجوبة الأسئلة: (113676) و (4569) و (1148) و (21500) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 134757 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1132 حكم الطرق الصوفية في الإسلام [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الطرق في الإسلام؟ علماً أنني سألت بعض الأساتذة فقال: هذا حرام، وقال البعض الآخر: ليست فرضاً ولا حراماً. أرجو الإجابة الواضحة على ذلك وفقكم الله.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا السؤال عن الطرق مجمل؛ فإن كانت السائلة تريد الطرق الصوفية فهي منكرة، وبعضها كفر، وبعضها بدعة وليس بكفر، لأن الطريق الذي يجب سلوكه هو طريق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. قال الله جل وعلا: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ) الأنعام/153، وقال سبحانه وتعالى: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ) الأنعام/155، وقال جل وعلا: (وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) الحشر/7. فالواجب على أهل الإسلام أن يسيروا على نهج محمد صلى الله عليه وسلم، وأن يستقيموا على سيرته ودينه، قال تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) أل عمران/31. فصراط الله المستقيم هو ما جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الطريق المُنَعم عليهم المذكورين في قوله جل وعلا: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) ، وهم النبيون والصديقون والشهداء والصالحون المذكورون في قوله تعالى: (وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا) النساء/69. فهذا هو الطريق السوي، أما طرق الصوفية ففيها الشرك، كعبادة بعض شيوخهم، والاستغاثة ببعض شيوخهم، وكهجر بعضهم لعلوم السُنة، وقوله: حدثني قلبي عن ربي، وعدم الاعتراف بالشرع الذي جاء به محمد عليه الصلاة والسلام، إلى غير هذا من بدعهم الكثيرة. وكفعل بعض المريدين، حيث يقول: عليك أن تسلم للشيخ حاله ومراده، وألا تعترض عليه، وأن تكون معه كالميت بين يدي الغاسل، فهذه كلها طرق فاسدة، وكلها ضالة. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله. "فتاوى نور على الدرب" (1/21،22) . وقد ذكرنا جملة من البدع والمخالفات التي تقع فيها الطرق الصوفية في كثير من الأجوبة، تحت تصنيف (مذاهب وفرق) فلتنظر للأهمية. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 132603 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1133 حكم اتباع الطريقة الشاذلية وحضور الحضرات التي تقيمها [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم اتباع شيخ الطريقة الشاذلية، وحضور الحضرات التي يقيمها لذكر الله؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمدلله لا يجوز الانتساب إلى هذه الطريقة البدعية، وما شابهها من الطرق الصوفية. ولا يجوز اتباع هؤلاء المشايخ الذين يقومون على هذه الطرق، وأئمة البدعة المخالفين للسنة. كما لا يجوز حضور حضراتهم التي يزعمون أنهم يقيمونها لذكر الله؛ لما تتضمنه من الشرك بالله العظيم، والأوراد المبتدعة، والأذكار غير المشروعة. وعلى المسلم أن يحرص على تعلم السنة والعمل بها، وليحذر من الابتداع في الدين. وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم (20375) و (118693) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131955 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1134 ما حكم هذه الطرق: القاديانية والرفاعية والشاذلية والنقشبندية والتيجانية؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما هو الموقف إزاء" الطريقة"، مثل القاديانية، الرفاعية، الشاذلية، النقشبندية، التيجانية. اشرحوا لنا ماذا يقول شيوخ أهل السنة والجماعة عن عبد القادر الجيلاني، الرفاعي، أبو حسن الشاذلي، أحمد تيجاني، بدوي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه كلها بدع الصوفية ما عدا القاديانية، فهم يتبعون غلام أحمد القادياني الذي ادعى النبوة وله أتباع، وهؤلاء لا شك في كفرهم وخروجهم عن الإسلام، ولا يجوز إقرارهم ولا التعامل معهم لإعلانهم الكفر. التيجانية هم فرقة من غلاة الصوفية وشيخهم التيجاني يدعون أنه ولي، وأن له ولاية، وأنه ممن يعلمون الغيب، ويزعمون أنه يطّلع على اللوح المحفوظ، ولهم عنه حكايات وقصص خرافية لا يجوز أن يصدقوا فيها، ولا يجوز إقرارهم على ذلك، ولا سماع أقوالهم، وقد ردّ عليهم العلماء وبينوا ما هم فيه من عقائد فاسدة كعبادة الأولياء، وتقديم أقوالهم على أقوال الرسول عليه الصلاة والسلام، وهكذا النقشبندية والرفاعية فإن أولياءهم وما يحكون عنهم ليسوا على صواب، بل هم من البشر. أما عبد القادر الجيلاني فهو عالم من علماء أهل السنة، ولكن كذبوا عليه أكاذيب، وادعوا أنه ولي، وصاروا يعبدونه من دون الله، وزعموا أنه يطلع على الأسرار، ويتصرف في الكون فهذه كلها أكاذيب وبدع. أما الشاذلية فهي فرقة من فرق غلاة الصوفية يدّعون أن معبودهم الشاذلي له مكانة رفيعة، وأنه أفضل من الرسل وهذا كله مما لا أصل له. سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله. ولمزيد الفائدة عن الطريقة التيجانية انظر جواب السؤال رقم (108382) . ولمزيد الفائدة عن الطريقة الرفاعية انظر جواب السؤال رقم (9338) . وانظر لحكم الطرق الصوفية عموماً جواب السؤال رقم (20375) ، (118693) . [الْمَصْدَرُ] سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله الحديث: 130698 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1135 الطريقة " الهبرية الشاذلية " وما فيها من ضلال وانحراف عن اعتقاد أهل السنَّة [السُّؤَالُ] ـ[ظهرت في بلدنا " الجزائر " وبالأخص جنوبه، وغربه: طريقة صوفية، أخذت بلب العام والخاص , الكبير والصغير، وبالأخص: رجال المال، وكبراء القوم، تُدعى "الطريقة الهبرية"، فلو تفضلت وأفدتنا بمعلومات عن هذه الطريقة حتى نستطيع مجابهتها، والتصدي لها , وجزاك الله خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: سبق في الموقع غير مرة الكلام على الطرق الصوفية على سبيل العموم، وبيان شيء من أخطائها وضلالاتها. وانظر أجوبة الأسئلة: (20375) و (118693) و (132603) . ثانياً: " الطريقة الهبرية " هي من الطرق الصوفية التي تفرعت عن " الطريقة الشاذلية " , وهذه الطريقة الهبرية الشاذلية: تفرعت عن " الطريقة الدرقاوية الشاذلية "، وتنسب إلى " محمد الهبري العزاوي الزروالي " نسبة إلى " بني زروال " , وتأتي زاويته في الأهمية بعد " الزاوية العلوية " الجزائرية، و " الزاوية البوتشيشية " المغربية. أما أهم معتقدات الطائفة الشاذلية: فهي كما يلي: 1. الاعتقاد بوحدة الوجود على النحو الذي يعتقد بها عموم الصوفية، إذ نقل الشاذلية عن شيخهم قوله: "مَن أطاع الله في كل شيء بهجرانه لكل شيء: أطاعه الله في كل شيء، بأن يتجلى له في كل شيء". 2. تأويل آيات القرآن تأويلاً باطنيّاً، فتُصرف الآيات عن ظاهرها والمراد بها، على طريقة الفرق الباطنية التي ادّعت أن للإسلام والقرآن ظاهراً وباطناً. يقول ابن عطاء الله السكندري: "لكل آية ظاهر وباطن". 3. الغلو في الشاذلي، وشيوخهم الآخرين، حتى أوصلوا بعضهم إلى مرتبة الربوبية. انظر: "الطريقة الشاذلية" , "مجلة الراصد" , العدد الثاني والأربعين. http://alrased.net/site/topics/view/512 وانظر للمزيد حول هذه الطريقة، ومؤسسها: كتاب " أبو الحسن الشاذلي " للصوفي عبد الحليم محمود، وانظر في الردِّ عليه كتاب: " صوفيات شيخ الأزهر " للأستاذ عبد الله السبت. أما عقائد هذه الفرقة الهبرية المتفرعة عن الشاذلية فكما يلي: أ. يزعم مقدَّم هذه الطريقة: "أن المجاهدة – بعزيمتها المعهودة - توقّفت عنده"، وقد كان مريدوه لا يأخذ الواحد منهم الاسم الأعظم حتى يمرّ بالخلوات التي تنقطع لها العزائم والظهور، فيخلو الواحد منهم سنوات في غار، أو كوخ، بعيداً عن الخلْق، حتى يصير الاسم الأعظم ممتزجا بكلّ ذرة من ذراته! . ب. ويزعم أتباعه أنه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي يوصل إلى الله، وعنه يؤخذ الاسم الأعظم. ت. وكان الهبري يقول: "لا يدخل طريقتنا إلاّ من كان مكتوباً من السعداء في اللوح المحفوظ، أو شريفاً". ث. ويزعم أصحاب الطريقة أن أتباع صاحب الاسم الأعظ مكتوبون عند الله في عداد الصحابة رضوان الله عليهم. ج. وكان وارثه الشيخ الأكبر! محي الطريق "محمد بلقايد" يلقّن الاسم الأعظم في أيام معدودات، بعد ما كان التقلين في سنين معهودات , وقد صرّح أنّه لا يلقن الاسم الأعظم في الأرض إلا هو وابنه محمد عبد اللطيف التلقين الأتمّ، الذي يوصل إلى الله مباشرة، ويجعل حامل الاسم من أصحاب الذات، والاسم الأعظم. بالإضافة إلى الضلالات والخرافات الأخرى التي تشترك فيها عامة الطرق الصوفية. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما حكم الشريعة الإسلامية في الطريقتين اللتين توجدان في بلدنا الجزائر ولهما اسم " الهبريين " نسبة إلى شيخهم الكبير وهو الشيخ الهبري، وكما نعرف أن شيخهم المحبوب الحضرة، ويعتقدون أنهم في الطريق الصحيح، وكل المسلمين الآخرين في ضلال، فهل هذه الطريقة صحيحة؟ . فأجابوا: "الطريقة السليمة الصحيحة: هي التي كان عليها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فمن اقتفى أثره في ذلك: فهو على الصراط المستقيم، وأما الطرق التي حدَثت بعد ذلك: فيُعرض كل عمل منها على الشريعة الإسلامية، فما وافقها: أُخذ به، وما خالفها: رُدَّ؛ لقول الله جل وعلا: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) . وننصحك بكثرة تلاوة القرآن، وقراءة تفسيره، وخاصة "تفسير ابن جرير"، و "ابن كثير" رحمهما الله، وكذلك قراءة السنَّة وشرحها، وخاصة الصحيحين "صحيح البخاري"، و "صحيح مسلم"، والسنن الأربعة ... إلى غير ذلك من كتب الحديث الشريف، مثل: "منتقى الأخبار"، و "بلوغ المرام"، و "رياض الصالحين"، و "زاد المعاد في هدي خير العباد" للعلامة ابن القيم رحمه الله. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (2/364، 365) . ثالثاً: وننبه هنا إلى أن الغرب الكافر صار يتبنى نشر العقائد الصوفية في العالَم العربي، والإسلامي؛ لما يعلمه عنها من تأثيرها المخدِّر على عقول أتباعها، وتعلقهم بالأوثان، والقبور، والأوهام، والخيالات، فينصرفون عن معرفة توحيد خالقهم، وعن تحقيق الولاء والبراء في حياتهم. قال الأستاذ عبد الوهاب المسيري رحمه الله: "ومما له دلالته: أن العالم الغربي الذي يحارب الإسلام يشجع الحركات الصوفية، ومن أكثر الكتب انتشاراً الآن في الغرب: مؤلفات "محيي الدين بن عربي"، وأشعار "جلال الدين الرومي". وقد أوصت لجنة " الكونغرس " الخاصة بالحريات الدينية: بأن تقوم الدول العربية بتشجيع الحركات الصوفية؛ فالزهد في الدنيا، والانصراف عنها، وعن عالم السياسة: يضعف - ولا شك - صلابة مقاومة الاستعمار الغربي، ومِن ثَمَّ فعداء الغرب للإسلام ليس عداء في المطلق، وإنما هو عداء للإسلام المقاوم، ولأي شكل من أشكال المقاومة، تتصدى لمحاولة الغرب تحويل العالم إلى مادة استعمالية" انتهى. من مقاله " الإسلام والغرب ". فالغرب الذي يحارب الإسلام، يحارب بالأخص أهل السنة والجماعة، لعلمه أن هؤلاء هم الذين يقفون في وجه أطماعه الاستعمارية، وفي الوقت ذاته: يشجع الطرق والحركات الصوفية، لعلمه أنها لا تتعارض مع مصالحه، بل تخدم مصالحه. وللرد على التصوف، وعقائده المنحرفة: فننصح بقراءة الكتب التالية: ‍1. "هذه هي الصوفيَّة" للشيخ عبد الرحمن الوكيل. 2. "الفكر الصوفي في ضوء الكتاب السنة" للشيخ عبد الرحمن عبد الخالق. 3. "الكشف عن حقيقة الصوفية" للشيخ عبد الرؤوف القاسم. 4. "تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي" للشيخ محمد أحمد لوح. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130188 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1136 صديقه الشيعي يدعوه إلى التشيع، ويطعن في عمر رضي الله عنه [السُّؤَالُ] ـ[صديقي الشيعي يقول إنه حين قربت وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان في بيته الكثير من الناس وكان بينهم عمر بن الخطاب فقال له الرسول دعني أكتب لكم شيئا حتى لا تضلوا بعدي أبدا، فقال عمر: إن الرسول تحت تأثير الحمى، وربما أنه لا يعي ما يقول، ولدينا القرآن وهو كتاب الله يكفينا. ارتفع صوت من عند رسول الله وهم يتناقشون ثم انقسموا إلى قسمين فبعضهم قال: لنستمع إلى الرسول لعله يقول لنا ما يحفظنا من الضلال بعده، والقسم الآخر كرر ما قاله عمر بن الخطاب، وعندما زادت الفرقة بينهم وارتفع صوتهم قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم: (اذهبوا بعيدا عني) . قال صديقي الشيعي: إن هذا موجود في صحيح البخاري جزء 4 صفحة 4. فإذا كان هذا صحيحا فلماذا فعل هذا عمر بن الخطاب؟ صديقي قال لي لاحقا إن عمر بن الخطاب كان يرى بأنه ليس مقيداً بسنة الرسول وكان يفعل ما يراه هو، ويؤكد هذا ما فعله حين أصبح خليفة فقد كانت أفعاله تناقض السنة وقد حرم ما أباح الله، وأباح ما حرم الله. فهل هذا صحيح؟ مع أن هذا مذكور في كتب أهل السنة؟ أنا سني وأريد أن أعرف الحقيقة لأن صديقي يريد أن يحولني إلى شيعي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس الأمر كما فهمه هذا الشيعي المتطاول على أمير المؤمنين عمر الفاروق رضي الله عنه، وإنما قال بعضهم: (أهجر) على سبيل الإنكار على من توقف في امتثال أمره بإحضار ما يلزم للكتابة، فكأنه قال: كيف تتوقف أتظن أنه كغيره يقول الهذيان في مرضه، امتثل أمره وأحضر ما طلب، فإنه لا يقول إلا الحق. وربما كان قائل العبارة ممن أسلم حديثاً.. وإلا فإنه متقرر عند الصحابة الأجلاء وعلى رأسهم عمر الفاروق أنه صلى الله عليه وسلم معصوم في جميع أحواله. وإن مقالة عمر: حسبنا كتاب الله، فقد قال النووي: اتفق العلماء على أن قول عمر: (حسبنا كتاب الله) من قوة فقهه، ودقيق نظره، لأنه خشي أن يكتب أموراً ربما عجزوا عنها فاستحقوا العقوبة لكونها منصوصة، وأراد أن لا يسد باب الاجتهاد على العلماء، وفي تركه صلى الله عليه وسلم الإنكار على عمر إشارة إلى تصويب رأيه، ويحتمل أن يكون قَصَدَ التخفيف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقوله صلى الله عليه وسلم: (قوموا) لما وقع منهم الاختلاف ارتفعت البركة كما جرت العادة بذلك عند وقوع التنازع والتشاجر. ويراجع فتح الباري (8/133،134) ويراجع كلام ابن تيمية في المنهاج (6/24) . وأما دعوى هذا الشيعي البغيض أن عمر يخالف السنة فهي كذبة صلعاء وفرية مكشوفة.. فقد عرف عمر رضي الله عنه بتمام التأسي والاتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم.. وكان وقافاً على كتاب الله، وقد كان فوق ذلك حيث كان محدثاً ملهماً يأتي الوحي موافقاً لرأيه في عدة مسائل. قال شيخ الإسلام: "أما عمر فقد ثبت من علمه وفضله ما لم يثبت لأحد غير الصدّيق". "المنهاج" (6/20) . قال صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه: (ما رآك الشيطان سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجك) أخرجه البخاري. وقال ابن مسعود رضي الله عنه: (كان عمر أعلمنا بكتاب الله، وأفقهنا في دين الله، وأعرفنا بالله) . وننصحك بمفارقة هذا الشيعي بعد دعوته وتذكيره من قِبل طلبة العلم، وعليك أن تتخذ أصدقاء من أهل السنة والصلاح زادك الله هداية وتوفيقاً. سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله. [الْمَصْدَرُ] سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله الحديث: 129737 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1137 هل يدخل أتباع المذاهب الأربعة في حديث ال 73 فرقة [السُّؤَالُ] ـ[خلال أحد الأحاديث للرسول صلى الله عليه وسلم فيما معناه أن الأمة ستنقسم إلى 73 فرقة كلها في النار إلا واحدة التي على سنته، والآن المذاهب الأربعة مختلفة فيما بينها فهل يشملها الحديث؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحديث المشهور الوارد في افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة هو حديث مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ: (أَلَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِينَا فَقَالَ: أَلَا إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ افْتَرَقُوا عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَإِنَّ هَذِهِ الْمِلَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ، ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ، وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ) رواه أبو داود (4597) وغيره وصححه الحاكم (1/128) بل قال: إنه حديث كبير في الأصول، وصححه ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (3/345) والشاطبي في "الاعتصام" (1/430) والعراقي في "تخريج الإحياء" (3/199) . والحديث رواه الترمذي (2641) بلفظ: (وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً، قَالُوا: وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي) وحسَّنه ابن العربي في " أحكام القرآن " (3 /432) ، والعراقي في "تخريج الإحياء" (3/284) والألباني في "صحيح الترمذي". وقوله صلى الله عليه وسلم: (وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً) فيه إشارة إلى أن الخلاف الموجب للافتراق هو الخلاف في الأصول والعقائد، لا في الفروع والأحكام الفقهية. وقوله صلى الله عليه وسلم عن الفرقة الناجية: (وَهِيَ الْجَمَاعَةُ) وفي رواية: (مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي) يؤكد ذلك أيضاً، فمن خالف في الفروع لم يكن بذلك خارجاً عن الجماعة، ولا عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقد اختلف الصحابة في فروع شتى، ولم يوجب ذلك افتراقهم وتفرقهم، ولا قال قائل إنهم بذلك يدخلون في حديث الفرق، بل هم جماعة واحدة، على نهج واحد، وأصول اعتقادية واحدة، وهكذا الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المتبوعة ومن سواهم من أهل العلم والفضل، هم الجماعة، والفرقة الناجية، وأهل السنة، ومن شذ عن أصولهم واعتقاداتهم فهو الحري بأن يكون من أهل الفرقة والابتداع والزيغ. ولهذا قال الشاطبي رحمه الله: " هذه الفرق إنما تصير فرقاً بخلافها للفرقة الناجية في معنًى كليٍّ في الدين، وقاعدة من قواعد الشريعة، لا في جزئي من الجزئيات، إذ الجزئي والفرع الشاذ لا ينشأ عنه مخالفة يقع بسببها التفرق شيعاً، وإنما ينشأ التفرق عند وقوع المخالفة في الأمور الكلية؛ لأن الكليات تقتضي عدداً من الجزئيات غير قليل، وشاذها في الغالب لا يختص بمحل دون محل، ولا بباب دون باب " انتهى من " الاعتصام " (2/200) . وبهذا تعلم براءة الأئمة الأربعة من وصمة الافتراق، وكذلك براءة أتباعهم ممن لزم أصول أهل السنة، وأما من خالف ذلك ونحا إلى الاعتزال أو التشيع أو الإرجاء أو غيره من النحلل والأهواء، فهذا هو المفارق لأهل السنة الداخل في عداد الفرق المذمومة. وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (90112) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129109 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1138 العلاقة بين آية (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ) وتنامي نفوذ الشيعة الآن [السُّؤَالُ] ـ[أتعتقد أن هذا الحديث له علاقة بما نمر به هذه الأيام من تنامي نفوذ الشيعة؟ وإذا كان الجواب بلا: فما تفسير هذا الحديث: عن أبي هريرة قال: لمَّا نزلت (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) كان سلمان إلى جنب رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم , فقالوا: يا رسول الله من هؤلاء القوم الذين إن تولينا استُبدلوا بنا؟ , قال: فضرب النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم على منكب سلمان , فقال: (مِن هذا وَقَومِه , والذي نفسي بيده لَوْ أنَّ الدّينَ تَعَلَّقَ بالثُّرَيَّا لَنالَتْهُ رِجالٌ من أهْل فارِس) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: هذا الحديث رواه الترمذي (3261) ، وفي إسناده مقال، وقد ضعفه كثير من أهل العلم، قال الترمذي بعد روايته له: غريب في إسناده مقال. وقال البغوي في "شرح السنة" (7/261) : غريب. وقال ابن العربي في "عارضة الأحوذي" (6/330) : روي من طرق كثيرة لم تبلغ مرتبة الصحة. وقال الشوكاني في "فتح القدير" (5/61) : في إسناده مسلم بن خالد الزنجي، فيه مقال معروف. ورأى بعض العلماء أن تعدد طرق الحديث يقوي بعضها يعضاً، كالألباني رحمه الله، ولهذا صححه في صحيح الترمذي. والقطعة الأخيرة من الحديث رواها البخاري (4615) ومسلم (2546) ولفظها: (لَوْ كَانَ الدِّينُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَذَهَبَ بِهِ رَجُلٌ مِنْ فَارِسَ - أَوْ قَالَ مِنْ أَبْنَاءِ فَارِسَ - حَتَّى يَتَنَاوَلَهُ) . وأما اللفظ الآخر وهو: (لَوْ كَانَ الْعِلْمُ بِالثُّرَيَّا لَتَنَاوَلَهُ أُنَاسٌ مِنْ أَبْنَاءِ فَارِسَ) : فقد رواه أحمد في "مسنده" (13/331) وضعفه محققوه، وضعفه الألباني في "السلسلة الضعيفة" (2054) ، وفيها قوله: "وجملة القول: أن الحديث ضعيف بهذا اللفظ: "العلم"، وإنما الصحيح فيه: "الإيمان"، و "الدين". انتهى. ثانياً: هذا الحديث لا يدل على أن أهل فارس أفضل من الصحابة رضي الله عنهم، وذلك للوجوه التالية: الحديث في ذاته ضعيف عند كثير من أهل العلم، كما سبق. على فرض صحة الحديث، فالآية المذكورة فيه وهي قوله تعالى: (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) المراد منها التخويف فقط، وإلا فلا يوجد من هو أفضل من الصحابة رضي الله عنهم، ولا مثلهم. قال القرطبي رحمه الله: "قوله تعالى: (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ) هو إخبار عن القدرة، وتخويف لهم، لا أن في الوجود من هو خير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم" انتهى. " تفسير القرطبي " (18 / 194) . ج. لم يتفق العلماء والمفسرون على تفسير الآية بهذا الحديث، وأن القوم الذين سيأتون هم من فارس. قال الماوردي رحمه الله: " (يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ) فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: أنهم أهل اليمن، وهم الأنصار، قاله شريح بن عبيد. الثاني: أنهم الفرس – وذكر حديث أبي هريرة -. الثالث: أنهم مَن شاء مِن سائر الناس، قاله مجاهد" انتهى. " النكت والعيون " (5 / 307، 308) . 3. وعلى فرض أن الآية في الردة، وأن المقصود بهم العرب، وأن القوم الذين سيحلون مكانهم هم " الفرس ": فإنها تحوي علماً غيبيّاً فيها بشارة للمسلمين من أهل الفرس أنه لا يحدث فيهم ردة عن الدِّين، وفيه إشارة لاحتمال وقوعها من غيرهم، وهو ما حصل بالفعل. قال الطاهر بن عاشور رحمه الله: "وأقول: هو يدل على أن " فارس " إذا آمنوا: لا يرتدون، وهو من دلائل نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن العرب ارتد منهم بعض القبائل بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وارتدّ البربر بعد فتح بلادهم وإيمانهم ثنتي عشرة مرة، فيما حكاه الشيخ أبو محمد بن أبي زيد، ولم يرتد أهل فارس بعد إيمانهم" انتهى. " التحرير والتنوير " (26 / 139) . وعلى هذا؛ فلا تعلق للآية ولا الحديث بانتشار الرافضة في الأرض؛ لأن الكلام عن الفرس المسلمين، والرافضة الفرس ليسوا منهم. فإما أن يقال: لم يحصل تولي عموماً لا عن الطاعة، ولا عن النفقة، فلم يحصل استبدال، أو يقال: حصل التولي من بعض العرب فجاء الله تعالى بالبديل من مسلمي الفرس، فخدموا دين الله تعالى، وساهموا في نشره، وبذلوا أنفسهم وأموالهم في ذلك. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "قال القرطبي: وقع ما قاله صلى الله عليه وسلم عِياناً، فإنه وُجد منهم – أي: من الفرس - من اشتُهر ذِكرُه من حفَّاظ الآثار، والعناية بها، ما لم يشاركهم فيه كثيرٌ من أحدٍ غيرهم" انتهى. " فتح الباري " (8 / 643) . ولمعرفة بعض عقائد الشيعة الروافض التي خالفوا بها المسلمين انظر جواب السؤال رقم (45563) و (118101) و (60046) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128718 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1139 نصائح وتوجيهات مهمة لأخت تحب شيختها أكثر من والديها! [السُّؤَالُ] ـ[هل شعور طالبة العلم تجاه شيختها بالحب، والاحترام، أكثر من حب الوالدين هو من العقوق؟ وماذا تنصحون بخصوص هذا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن شعور الطالبة بالحب والتقدير لشيختها أمر طيب، وإن بذل الاحترام لها من الأخلاق الجليلة في شرع الله تعالى، ولكن لا نرى مجالاً للمقارنة بين حبِّ الطالبة لشيختها مع حبها لوالديها؛ ذلك أن حب الوالدين فطري، ومنبعه ليس كمنبع حب الشيخة المتولد من سبب دفعها لذلك الحب. ولكننا نلمح في السؤال أمراًً خطيراً، ويتمثل ذلك في أمرين: الأول: أننا نخشى على ذلك " الحب " بين الطالبة وشيختها أن يتطور إلى " إعجاب "، وهو داء عظيم ابتليت به فئام من الناس، فتعلق الطالب بأستاذه، والعكس، وتعلقت الفتاة بمدرستها، والعكس، ونتج عن ذلك مفاسد لا حصر لها، وكنا قد نبهنا على هذا الداء، وذكرنا مفاسده، وآثاره السيئة، وكيفية علاجه في جواب السؤال رقم (104078) فلينظر؛ ليحذر من الوقوع في هذا الداء. والثاني: أننا نخشى أن يتطور ذلك " الحب " بين الطالبة وشيختها إلى " التعظيم "، و " التقديس "، وهو ما يحصل في الجماعات الصوفية، وخاصة ما يطلق عليه جماعة " القبيسيات " في دمشق، أو " الطبَّاعيات " في الأردن، أو " السَّحَريات " في لبنان، أو " بيادر السلام " في الكويت، وكلها أسماء لمسمى واحد، وهي جماعة صوفية نسائية، تتبنى الطريقة النقشبندية، وتجتمع على تعظيم الشيخة! وتقديسها، وتتربى الفتيات والنساء المنتسبات لهذه الجماعة على تقديم شيختهن على الوالدين، وعلى الأزواج، وهو ما سبَّب فتناً كثيرة في بيوت تلك المنتسبات، وأدى لطلاقهن. وقد صدرت فتوى مطولة بخصوص تلك الجماعة من علماء اللجنة الدائمة، نقتطف منها: 1. الطرق الصوفية، ومنها النقشبندية: كلها طرق مبتدعة مخالفة للكتاب والسنة. 2. الطرق الصوفية لم تقتصر على كونها بدعة - مع ما في البدعة من الضلال -، ولكن داخلها كثير من الشرك الأكبر، وذلك بالغلو في مشائخ الطرق والاستغاثة بهم من دون الله. 3. ومن ذلك ما ورد في السؤال من قولهم: " مَن لا شيخ له: فشيخه الشيطان "، و " مَن لم ينفعه أدب المربي: لم ينفعه كتاب ولا سنَّة "، و " مَن قال لشيخه: لمَ؟ : لمْ يفلح أبداً "، وهذه كلها أقوال باطلة، مخالفة للكتاب والسنَّة؛ لأن الذي يقبل قوله مطلقاً بدون مناقشة، ولا معارضة هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. 4. فالواجب: الحذر من الصوفية، ومَن يتبعها، رجالاً، ونساءً، ومِن توليهم التدريس، والتربية، ودخولهم في الجمعيات النسائية وغيرها؛ لئلا يفسدوا عقائد الناس، والواجب على الرجل: منع موليته من الدخول في تلك الجمعيات، أو المدارس التي يتولاها الصوفية، أو يدرسون فيها؛ حفاظاً على عقائدهن، وحفاظاً على الأسَر من التفكك، وإفساد الزوجات على أزواجهن. 5. والذي ننصح به للنسوة المذكورات هو التوبة إلى الله، والرجوع إلى الحق، وترك هذا المذهب الباطل، والحذر من دعاة السوء، والتمسك بمذهب أهل السنَّة والجماعة، وقراءة الكتب النافعة المشتملة على العقيدة الصحيحة، والاستماع للدروس والمحاضرات والبرامج المفيدة التي يقوم بإعدادها العلماء المستقيمون على المنهج الصحيح، كما ننصح لهن بطاعة أزواجهن وأولياء أمورهن في المعروف. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد. " فتاوى اللجنة لدائمة " المجموعة الثانية (2 / 74 – 79) . فننصح الأخت السائلة أن تقتصد بحب شيختها، وأن تكون محبتها لها مبنية على الشرع، فتحبها لاستقامتها، ويكون ذلك بقدَر، من غير غلو ولا إفراط، وإذا رأت أن محبتها بدأت تنحرف عن مسارها الشرعي الصحيح إلى ما ذكرناه من " إعجاب "، أو " تعظيم ": فلتسارع لعلاج نفسها، ولتقوِّم تلك المحبة، فإن لم تستطع: فلتتركها، ولن تكون آثمة، بل الإثم – حينئذٍ – في الاستمرار بتلك العلاقة. ولتعلمي أيتها السائلة، أن لأبويك عليك حقاً، وأي حق، وأن لزوجك عليك حقاً، وأي حق، وأن لأبنائك عليك حقاً، وأن لمعلمتك عليك حقاً، فأعطي كل ذي حق حقه. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127838 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1140 حكم الانتقال من مذهب أهل السنة إلى الشيعة الزيدية والفرق بين المذهبين [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم تغيير المذهب من سني إلى شيعي (الطائفة الزيدية) وما الفرق بينهما؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الواجب على المسلم اتباع ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في جميع أموره اعتقاداً وقولاً وعملاً وسلوكاً، على ضوء فهم السلف الصالح من الصحابة والتابعين، والأدلة الواردة في وجوب التمسك بهدي القرآن والسنة، والتحذير من البدع والفرق المحدثة كثيرة مشهورة منها: قوله صلى الله عليه وسلم في حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا؟ فَقَالَ: (أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا؛ فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلُّ بِدْعَةٌ ضَلاَلَةٌ) أبو داود (4443) والترمذي (2676) ، وقال: هذا حديث حسن صحيح. وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2676) . وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم (أن هَذِهِ الْأُمَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، قال: كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ) رواه الإمام أحمد (16490) ، وأبو داود (4597) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. وفي حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما عند الترمذي (2641) : (قَالُوا: وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي. فاتباع السنة ليس أمرا اختياريا، بحيث يسوغ للمسلم الانتقال عنه متى ما أراد ذلك، فلا يجوز له بحال الانتقال إلى ما يخالف السنة من المذاهب والفرق، سواء كان ذلك فرقة زيدية أم غيرها من الفرق والمذاهب. ثانياً: الزيدية فرقة من فرق الشيعة، نسبةً إلى زيد بن علي بن الحسين زين العابدين المتوفى سنة (122هـ) . وبعد قتل الحسين بن علي رضي الله عنه ظهرت معظم الفرق التي تزعم التشيع، بل أخذت دعوى التشيع تتصاعد في الغلو، وفي أيام علي بن الحسين الملقب "زين العابدين" طمع الشيعة في استجلابه إليهم، غير أنه كان على ولاء ووفاء لحكام دولة بني أمية، متجنباً لمن ينازعهم. وكان له أولاد منهم: زيد، وعمر ومحمد. وقد اختلف الشيعة في أمر زيد ومحمد أيهما أولى بالإمامة بعد أبيهما؟ فذهبت طائفة إلى أن الإمامة لزيد فسموا "زيدية"، ويرتبون الأئمة ابتداء بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ثم ابنه الحسن ثم الحسين ثم هي شورى بعد ذلك بين أولادهما، ثم علي بن الحسين زين العابدين، ثم ابنه زيد ثم ابنه يحيى بن زيد ثم ابنه عيسى بن زيد. وبعد ذلك يشترطون أن يكون كل فاطمي اجتمعت فيه خصال الولاية من الشجاعة والسخاء والزهد، وخرج ينادي بالإمامة، يكون إماماً واجب الطاعة سواء كان من أولاد الحسن أو الحسين، عكس ما يعتقده الشيعة الاثنا عشرية الذين جعلوا الأئمة في أولاد الحسين فقط. ومن فرق الزيدية: 1- الجارودية، وهي أشهرها 2- السليمانية أو الجريرية 3- البترية أو الصالحية 4- اليعقوبية. ومن معتقدات الزيدية: 1- القول بالمهدي المنتظر والغائب المكتوم، وأنه سيخرج ويغلب. 2- القول بأن مرتكب الكبيرة مخلد في النار، كما يقول الخوارج والمعتزلة. 3- تفضيل علي على الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهم. 4- يرى فرقة منهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى للأئمة من بعده، وأنهم معصومون. 5- منهم من يرفض خلافة أبي بكر وعمر ويتبرأ منهما، ومن يكفر عثمان. ينظر: "فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام" د. غالب العواجي (1/334 – 343) . ثالثاً: أما الفرق بين مذهب أهل السنة والزيدية فواضح جلي، ويتمثل ذلك في أن أهم المعتقدات التي قامت عليها هذه الفرقة ـ كما تقدم ذكر بعضها ـ مخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، وهدي السلف الصالح من الصحابة والتابعين بما فيهم آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأهل السنة يخالفونهم في معتقداتهم تلك، فهم لا يقولون بوصية النبي صلى الله عليه وسلم للأئمة من آل بيته، ولا بعصمة أحد من البشر إلا الأنبياء، وأن مرتكب الكبيرة تحت مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، وأن أفضل الأمة بعد رسول الله هو أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، ويحبونهم وجميع الصحابة ويترضون عنهم، كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة الثابتة. نسأل الله عز وجل أن يهدينا وإياك وسائر المسلمين إلى الصراط المستقيم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127152 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1141 تريد دعوة رافضي للإسلام وتسأل عن " الوطنية " وعلاجها عنده [السُّؤَالُ] ـ[أعرف رجلاً إيرانيّاً شيعيّاً , وهو مستعد لأن يكون سنيّاً , وهو رجل وطني للغاية , وأنا أتساءل دائماً: هل هو مهتم بالإخوة الإسلامية كما هو مهتم بإخوانه المنتمين لبلده؟ وأنا أعتقد أن المسلم يجب أن تكون أولويته في الحب لإخوانه المسلمين أكثر من أي حب آخر , هذا فضلاً عن محبة الله ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم , وأريد أن أقول له ذلك الأمر إلا أنني أخشى أن أكون من الذين يقومون بعمل تفرقة بين الناس. أرجو بيان هذا الأمر , فهل اعتقادي صحيح أم لا؟ . إذا كان صحيحاً: أرجو من فضيلتكم بيان كيفية إخبار هذا الرجل بهذا الأمر , كيف أخبره أن محبة الإسلام والمسلمين أولى من محبة أبناء الوطن خصوصاً الشيعة؟ . وهل يجوز دفع الزكاة للشيعي - لأنهم ليسوا كلهم كفرة -؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: قبل الجواب لا بدَّ من تحذير وتنبيه الأخت السائلة من إثم وخطر علاقة المرأة بالرجال الأجانب، فالإسلام يحرِّم تلك العلاقات بين الطرفين إذا لم يربط بينهما رابط شرعي، وللشيطان طرقه في الإيقاع بعباد الله حتى من طريق الدعوة إلى الله؛ وذلك بتزيين مثل تلك العلاقة أنها نافعة للهداية إما للإسلام، أو للطاعة. كما أن الرجل – ولدينا كثير من الحالات – يوهم المرأة أنه قريب من دينها، ومنهجها، وأنه لا تبعده عن ذلك إلا خطوات؛ من أجل أن يجد مجالاً للحديث معها، والإيقاع بها، وقد يُعلن في الظاهر أنه على دينها ومنهجها، ثم سرعان ما يتركها بعد أن يحقق مأربه. وإنما نذكر هذا نصيحة وتحذيراً للمسلمات أن ينتبهن لأنفسهن، وأن يحذرن من تغليب العاطفة على الشرع، والعقل. وفي حالتنا هذه: يمكن أن توكل مهمة دعوة ذلك الرافضي لرجل من أهل السنة، من أهلك، أو ممن يوثق به من أهل العلم والحكمة ممن هو قريب منكِ، ليتولى هو أمر دعوته والكلام معه، وإذا هداه الله ووفقه فيُكتب ذلك في ميزانك إن شاء الله. فإن لم تجدي عندك من يقوم بهذه المهمة عنك، فدعيها له، وبإمكانه هو أن يستغل الخيط الذي ألقيتِ إليه طرفه، ويبحث عما ينفعه عند أهل العلم والدين، أو يراسل بنفسه المواقع المعنية بذلك لأهل السنة، إن كان حريصا على الهداية، وأما أنت فليس لك أن تغرري بنفسك ودينك، من أجل مصلحة موهومة مظنونة، قل أن تحصل في مثل ذلك الحال، وإن حصلت فحولها أضعافها من المفاسد لك ولغيرك، وإن سلمت حالة، هلكت عشرات الحالات، في مثل تلك العلاقات. ثانياً: قد أحسنتِ في قولك إن محبة الإسلام والمسلمين مقدَّمة على حب الوطن، وأبناء الوطن، فالوطنية مصطلح خبيث في أصله؛ إنما جاءنا من دول الكفر من أجل التفرقة بين أبناء الإسلام، فرابطة الإسلام أوسع وأوثق، فجاء المستعمر الخبيث فقسَّم الدول الإسلامية إلى دويلات، ثم ربط أبناء كل دولة بعضهم ببعض؛ ليقطع أواصر العلاقة الكبيرة المتينة بين أبناء الإسلام، فصارت الرابطة الوطنية، والتي تجمع أبناء البلد الواحد بغض النظر عن دينه ومنهجه وخلُقه، فنجح في ذلك – وللأسف – نجاحاً كبيراً، فصار الحب لأبناء الوطن مقدَّماً على الحب لأبناء الإسلام، وصار القتال في سبيل الوطن، لا في سبيل الله، ولا من أجل الإسلام، وها نحن نعيش أثر ذلك في أيامنا هذه، ولا حول ولا قوة إلا بالله. ومما كذبه الكاذبون على نبينا صلى الله عليه وسلم في هذا الباب ما نسبوه إليه من قوله (حُبُّ الوَطَن من الإيمان) ! وهو حديث مكذوب لا أصل له. [ينظر: السلسلة الضعيفة، للشيخ الألباني، رحمه الله، رقم (36) ] . وما قلناه لا يعني منع حب الإنسان لبلده، ووطنه، بل هو شيء فطري لا انفكاك للإنسان منه، وإنما أردنا التحذير من أن تكون رابطة " الوطنية " هي المقدَّمة على رابطة " الإسلام " في الولاء، والمحبة، والنصرة، وأردنا التنبيه على أن المسلم الأعجمي الذي يعيش في أقصى الأرض أقرب وأحب إلينا من أبناء وطننا ممن ليس مسلماً، وإن كان من وطننا وبلدنا، بل وإن كان ابن أمنا وأبينا. وأما الحب للأرض التي يولد فيها المسلم، أو يعيش: فهذا لا يُتنازع في أنه مشروع، لكن من قاتل دفاعاً عن وطنه فينبغي أن يكون ذلك دفاعاً عن الإسلام الذي في وطنه، لا عن الأرض مجرداً. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: " ونحن إذا قاتلنا من أجل الوطن: لم يكن هناك فرق بيننا وبين الكافر؛ لأنه أيضاً يقاتل من أجل وطنه، والذي يُقتل من أجل الدفاع عن الوطن فقط: ليس بشهيد. ولكن الواجب علينا - ونحن مسلمون، وفي بلد إسلامي ولله الحمد ونسأل الله أن يثبتنا على ذلك -: الواجب أن نقاتل من أجل الإسلام في بلادنا. انتبه للفرق! نقاتِل من أجل الإسلام في بلادنا، فنحمي الإسلام الذي في بلادنا، سواء كان في أقصى الشرق أو الغرب، فيجب أن تصحَّح هذه النقطة، فيقال: نحن نقاتل من أجل الإسلام في وطننا، أو من أجل وطننا لأنه إسلامي، ندافع عن الإسلام الذي فيه. أما مجرد الوطنية: فإنها نية باطلة، لا تفيد الإسلام شيئاً، ولا فرق بين الإنسان الذي يقول إنه مسلم، والإنسان الذي يقول إنه كافر إذا كان القتال من أجل الوطن لأنه وطن. وما يُذكر من أن (حب الوطن من الإيمان) ، وأن ذلك حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: فكذب. حب الوطن إن كان إسلاميّاً: فهذا تحبه لأنه إسلامي، ولا فرق بين وطنك الذي هو مسقط رأسك، أو الوطن البعيد عن بلاد المسلمين، كلها وطن إسلامي يجب أن نحميه. على كل حال: يجب أن نعلم أن النية الصحيحة هي أن نقاتل من أجل الإسلام في بلادنا، أو من أجل وطننا لأنه إسلامي، لا لمجرد الوطنية. أما قتال الدفاع: أي لو أحداً صال عليك في بيتك يريد أخذ مالك، أو أن ينتهك عرض أهلك مثلاً: فإنك تقاتله كما أمرك بذلك النبي عليه الصلاة والسلام. فقد سئل عن الرجل يأتيه الإنسان ويقول له: أعطني مالك؟ قال: (لا تعطه) قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: (قاتله) ، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: (إن قتلك فأنت شهيد) ، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: (إن قتلتَه فهو في النار) ... والحاصل: أنه لابد من تصحيح النية، ونرجو منكم أن تنبهوا على هذه المسألة؛ لأننا نرى في الجرائد، والصحف: " الوطن "، " الوطن "، " الوطن "، وليس فيها ذكر للإسلام، وهذا نقص عظيم، يجب أن توجَّه الأمة إلى النهج، والمسلك الصحيح، ونسأل الله لنا، ولكم التوفيق لما يحب ويرضى " انتهى مختصراً. " شرح رياض الصالحين " (1 / 65 – 69) . ثالثاً: وأما بخصوص إيصال هذه الرسالة لذلك الرافضي: فنرى أن الرفض دين فاسد احتوى على مظاهر كثيرة من الشرك، والزندقة، والجاهلية، والبدع والخرافات، وليست هذه المسألة بالتي ستحول بين هداية ذلك الرافضي وبين الإسلام، فإن المطلوب منه أن يتخلى عن التعلق بالقبور، وأهلها، ومطلوب منه أن يُفرد الله تعالى بالتوحيد، وأن يعتقد بعدم تحريف القرآن، وأن يثبت إسلام الصحابة جميعهم، ويشهد لهم بالخير، وخاصة من ورد في فضله نصوص صحيحة، مطلوب منه عشرات الأصول، والسنن والعقائد، أن يعتقدها، ويعمل بها، على وفق ما جاء به كتاب الله، وهدت إليه سنة النبي صلى الله عليه وسلم، قبل أن نبحث معه في التخلي عن الوطنية التي تذكرينها. فإن تاب من بدع الرفض، وضلالاته، أوقفناه على حقيقة الولاء والبراء بين المسلمين، وأن المسلم لا يقدِّم محبة أحدٍ من أهله حتى لو كان أقرب الناس منه، ولا وطنه وبلده، ولا مالَه، على محبة الله ورسوله ودينه، كما قال تعالى: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) التوبة/ 24، وبينا له: أن الإيمان الذي يقبله الله ليس في قلب صاحبه مودة لكافرٍ، ولو كان أقرب الناس منه، كما قال تعالى: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) المجادلة/ 22. فهذا هو الواجب في دعوة هذا الرجل وأمثاله، على ألا يكون ذلك عن طريقك، كما نبهناك عليه في أول الجواب. رابعاً: أما بخصوص دفع الزكاة للشيعة – الرافضة -: فقد سبق تفصيل القول فيها في جواب السؤال رقم (1148) ، وفيه بيان عدم جواز ذلك. وهذا من حيث الأصل، أما إن كان السؤال عن ذلك الشخص القريب من الإسلام: فيجوز إعطاء الزكاة لغير المسلم طمعاً في إسلامه، ويصدق عليه أنه من " المؤلَّفة قلوبهم "، وقد ذكرنا جواز ذلك في جواب السؤال رقم (39655) فلينظر. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126852 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1142 تزوجت قريبته من رجل ينتمي لطائفة الأحباش فماذا يصنع [السُّؤَالُ] ـ[عندنا رجل تزوج من قريبة لنا، وبعد الزواج بفترة تبين أنه ينتمي إلى فئة الأحباش الضالة ... أرجو منكم أن ترشدوني على توجيهه إلى الطريق المستقيم والسنة الصحيحة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تقدم الكلام على طائفة الأحباش وبيان ما عندها من مخالفات لعقيدة أهل السنة والجماعة في جواب السؤال رقم (8571) وقد حذر من ضلالاتهم وانحرافتهم جمع من أهل العلم، وكتبتْ في ذلك بعض المؤلفات التي يحسن بك الرجوع إليها. وأما نصح هذا الرجل المنتمي للأحباش، فينبغي أن يكون على يد طالب علم متمكن، وقف على ضلالاتهم، ويُحسن الإجابة عنها، كما يُحسن شرح عقيدة أهل السنة والجماعة، فإن لم يكن فبإهداء كتاب مختص في الرد عليهم، دون الدخول في نقاش أو حوار ممن لم يكن أهلا لذلك، لا سيما أمام العوام الذين يخشى عليهم من التأثر بهذه الأفكار. وينبغي أن يتم النصح والتوجيه بالحكمة والموعظة الحسنة، فإن بعض الناس ينتمي لهذه الطائفة عن جهل بمعتقداتها، وإحسان ظن بأفرادها، وقد تدفعه الشدة في النصيحة إلى التمسك بها والمنافحة عنها. كما ينبغي أن توجه النصيحة إلى الزوجة بأسلوب مناسب، لتحذر من ضلالات هذه الطائفة. وننصحك بالرجوع إلى هذا الموقع لكشف حقيقة الأحباش: http://antihabashis.com/index2.htm والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126156 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1143 البيعة والميراث بين أبي بكر وعمر من جهة وعلي وفاطمة من جهة أخرى [السُّؤَالُ] ـ[ما هي حقيقة الخلاف الذي وقع ما بين " علي " وزوجته رضي الله عنهما، مع عمر، وعائشة رضي الله عنهما؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لم يكن بين الصحابة خلاف في الاعتقاد، بل ولا في منهج الاستدلال، فهم خير القرون، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق، ولقد كانت علاقتهم بعضهم مع بعض أسمى، وأعلى مما يكذب بضده الرافضة، ومن أدل شيء على ذلك: ما بينهم من مصاهرة، وما حصل من تسمية أبنائهم بأسماء الكبار العظماء من الصحابة الأجلاء. فإذا انتقلنا إلى موضوع السؤال، قلنا: لقد تزوج عمر بن الخطاب من ابنة علي بن أبي طالب وفاطمة، وهي " أم كلثوم "! ، وفي أسماء أبناء الحسين: أبو بكر، وعمر! ، فهذا هو الحال، وما حصل من خلافٍ بين فاطمة رضي الله عنها، وبين أبي بكر الصدِّيق: فإن الحق فيه مع أبي بكر رضي الله عنها، فقد كانت تريد فاطمة رضي الله عنها أن ترث من أبيها، وهو النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبرها أبو بكر أن الأنبياء لا يورثون، وهكذا سمع هو من النبي صلى الله عليه وسلم، وليس لأبي بكر حظ نفس في هذا، فقد أغناه الله تعالى بالمال، وقد منع فاطمة أن ترث، كما منع ابنته عائشة – وهي زوج النبي صلى الله عليه وسلم – أن ترث هي كذلك، فلم يكن له هوى في ذلك، ولا كان بينه وبين فاطمة ما يجعله يولِّد العداء بينه وبينها، وقد وقف علي رضي الله عنه بجانب زوجه فاطمة؛ ليخفف عنها بوفاة والدها، ويسليها في موقفها من العتب على أبي بكر في منعه إعطاءها من ميراث أبيها صلى الله عليه وسلم، وقد امتنع عن الذهاب لأبي بكر رضي الله عنه لبيعته طيلة حياة فاطمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وهي ستة أشهر، لهذا السبب، ولسبب آخر: وهو أنه رأى استعجال الصحابة في الخلافة والبيعة، وأنه كان ينبغي أن يُشاور، ويحضر في الأمر، وكان رأي الصحابة على خلافه، فلما ماتت فاطمة رضي الله عنها، ودفنها: راجع نفسه، وطلب حضور أبي بكر لبيته، فحضر فأخبره عذره في التأخر عن البيعة، ثم أصرَّ أبو بكر على صحة موقفه من منع ميراث النبي صلى الله عليه وسلم، فاطمأن قلب علي رضي الله عنه، وتواعدا على البيعة في اليوم نفسه ظهراً، وبايعه، ففرح المسلمون فرحاً عظيماً. هذا ملخص ما جرى، وقد روى هذا البخاري ومسلم، ولم يكن علي رضي الله عنه نازعاً يده من طاعة أبي بكر، ولا شاقّاً عصا المسلمين، وليس شرطاً في صحة بيعة الخليفة أن يبايعه كل المسلمين. وهذا نص الحديث كاملاً بحروفه: عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَام بِنْتَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَتْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ، وَ " فَدَكٍ "، وَمَا بَقِيَ مِنْ خُمُسِ " خَيْبَرَ "، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ، إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْمَالِ) وَإِنِّي وَاللَّهِ لَا أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْ صَدَقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ حَالِهَا الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَأَعْمَلَنَّ فِيهَا بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَبَى أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَدْفَعَ إِلَى فَاطِمَةَ مِنْهَا شَيْئًا، فَوَجَدَتْ فَاطِمَةُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي ذَلِكَ، فَهَجَرَتْهُ، فَلَمْ تُكَلِّمْهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ، وَعَاشَتْ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ دَفَنَهَا زَوْجُهَا عَلِيٌّ لَيْلًا وَلَمْ يُؤْذِنْ بِهَا أَبَا بَكْرٍ، وَصَلَّى عَلَيْهَا، وَكَانَ لِعَلِيٍّ مِنْ النَّاسِ وَجْهٌ، حَيَاةَ فَاطِمَةَ، فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ: اسْتَنْكَرَ عَلِيٌّ وُجُوهَ النَّاسِ، فَالْتَمَسَ مُصَالَحَةَ أَبِي بَكْرٍ، وَمُبَايَعَتَهُ، وَلَمْ يَكُنْ يُبَايِعُ تِلْكَ الْأَشْهُرَ، فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ " أَنْ ائْتِنَا وَلَا يَأْتِنَا أَحَدٌ مَعَكَ " - كَرَاهِيَةً لِمَحْضَرِ عُمَرَ - فَقَالَ عُمَرُ: " لَا وَاللَّهِ لَا تَدْخُلُ عَلَيْهِمْ وَحْدَكَ "، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَمَا عَسَيْتَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا بِي؛ وَاللَّهِ لآتِيَنَّهُمْ، فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ، فَتَشَهَّدَ عَلِيٌّ فَقَالَ: " إِنَّا قَدْ عَرَفْنَا فَضْلَكَ وَمَا أَعْطَاكَ اللَّهُ، وَلَمْ نَنْفَسْ عَلَيْكَ خَيْرًا سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيْكَ، وَلَكِنَّكَ اسْتَبْدَدْتَ عَلَيْنَا بِالْأَمْرِ، وَكُنَّا نَرَى لِقَرَابَتِنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصيبًا "، حَتَّى فَاضَتْ عَيْنَا أَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي، وَأَمَّا الَّذِي شَجَرَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِنْ هَذِهِ الْأَمْوَالِ: فَلَمْ آلُ فِيهَا عَنْ الْخَيْرِ، وَلَمْ أَتْرُكْ أَمْرًا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُهُ فِيهَا إِلَّا صَنَعْتُهُ، فَقَالَ عَلِيٌّ لِأَبِي بَكْرٍ: مَوْعِدُكَ الْعَشِيَّةَ لِلْبَيْعَةِ، فَلَمَّا صَلَّى أَبُو بَكْرٍ الظُّهْرَ رَقِيَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَتَشَهَّدَ وَذَكَرَ شَأْنَ عَلِيٍّ وَتَخَلُّفَهُ عَنْ الْبَيْعَةِ وَعُذْرَهُ بِالَّذِي اعْتَذَرَ إِلَيْهِ، ثُمَّ اسْتَغْفَرَ، وَتَشَهَّدَ عَلِيٌّ، فَعَظَّمَ حَقَّ أَبِي بَكْرٍ، وَحَدَّثَ أَنَّهُ لَمْ يَحْمِلْهُ عَلَى الَّذِي صَنَعَ نَفَاسَةً عَلَى أَبِي بَكْرٍ، وَلَا إِنْكَارًا لِلَّذِي فَضَّلَهُ اللَّهُ بِهِ، وَلَكِنَّا نَرَى لَنَا فِي هَذَا الْأَمْرِ نَصِيبًا، فَاسْتَبَدَّ عَلَيْنَا، فَوَجَدْنَا فِي أَنْفُسِنَا، فَسُرَّ بِذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ، وَقَالُوا: أَصَبْتَ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى عَلِيٍّ قَرِيبًا حِينَ رَاجَعَ الْأَمْرَ الْمَعْرُوفَ. رواه البخاري (3998) ومسلم (1759) . وهذه وقفات مع الحديث من كلام أهل العلم: أ. قال النووي – رحمه الله -: أما تأخر علي رضي الله عنه عن البيعة: فقد ذكره علي في هذا الحديث، واعتذر أبو بكر رضي الله عنه، ومع هذا: فتأخره ليس بقادح في البيعة، ولا فيه، أما البيعة: فقد اتفق العلماء على أنه لا يشترط لصحتها مبايعة كل الناس، ولا كل أهل الحل والعقد، وإنما يشترط مبايعة من تيسر إجماعهم من العلماء، والرؤساء، ووجوه الناس، وأما عدم القدح فيه: فلأنه لا يجب على كل واحد أن يأتي إلى الإمام فيضع يده في يده، ويبايعه، وإنما يلزمه إذا عقد أهل الحل والعقد للإمام الانقياد له، وأن لا يظهر خلافاً، ولا يشق لعصا، وهكذا كان شأن علي رضي الله عنه في تلك المدة التي قبل بيعته، فإنه لم يُظهر على أبي بكر خلافاً، ولا شق العصا، ولكنه تأخر عن الحضور عنده للعذر المذكور في الحديث، ولم يكن انعقاد البيعة وانبرامها متوقفاً على حضوره، فلم يَجب عليه الحضور لذلك، ولا لغيره، فلما لم يجب: لم يحضر، وما نُقل عنه قدحٌ في البيعة، ولا مخالفة، ولكن بقي في نفسه عتب، فتأخر حضوره إلى أن زال العتب، وكان سبب العتب: أنه مع وجاهته، وفضيلته في نفسه في كل شيء، وقربه من النبي صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك: رأى أنه لا يُستبد بأمر إلا بمشورته، وحضوره، وكان عذر أبي بكر وعمر وسائر الصحابة واضحاً؛ لأنهم رأوا المبادرة بالبيعة من أعظم مصالح المسلمين، وخافوا من تأخيرها حصول خلاف، ونزاع، تترتب عليه مفاسد عظيمة، ولهذا أخروا دفن النبي صلى الله عليه وسلم حتى عقدوا البيعة؛ لكونها كانت أهم الأمور، كيلا يقع نزاع في مدفنه، أو كفنه، أو غسله، أو الصلاة عليه، أو غير ذلك، وليس لهم من يفصل الأمور، فرأوا تقدم البيعة أهم الأشياء. " شرح مسلم " (12 / 77، 78) . ب. وليس معنى هجران فاطمة رضي الله عنها لأبي بكرٍ رضي الله عنه الهجران المحرَّم، فهي أجنبية عنه أصلاً. قال بدر الدين العيني – رحمه الله -: معنى هجرانها: انقباضها عن لقائه، وعدم الانبساط، لا الهجران المحرَّم مِن ترك السلام، ونحوه. " عمدة القاري شرح صحيح البخاري " (17 / 258) . وقال – رحمه الله -: قال المهلب: إنما كان هجرها انقباضاً عن لقائه، وترك مواصلته، وليس هذا من الهجران المحرم، وأما المحرَّم من ذلك: أن يلتقيا، فلا يسلم أحدهما على صاحبه، ولم يَروِ أحدٌ أنهما التقيا وامتنعا من التسليم، ولو فعلا ذلك: لم يكونا متهاجريْن، إلا أن تكون النفوس مظهرة للعداوة، والهجران، وإنما لازمت بيتها، فعبَّر الراوي عن ذلك بالهجران. " عمدة القاري " (15 / 20) . ج. وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -: وكأنهم كانوا يعذرونه في التخلف عن أبي بكر في مدة حياة فاطمة، لشغله بها، وتمريضها، وتسليتها عما هي فيه من الحزن على أبيها صلى الله عليه وسلم؛ ولأنها لما غضبت من رد أبي بكر عليها فيما سألته من الميراث: رأى على أن يوافقها في الانقطاع عنه. " فتح الباري " (7 / 494) . هـ. وقال – رحمه الله – أيضاً -: قوله " كراهية ليحضر عمر " في رواية الأكثر: " لمحضر عمر "، والسبب في ذلك: ما ألِفوه من قوة عمر، وصلابته، في القول، والفعل، وكان أبو بكر رقيقاً، ليِّناً، فكأنهم خشوا من حضور عمر كثرة المعاتبة التي قد تفضي إلى خلاف ما قصدوه من المصافاة. " فتح الباري " (7 / 494) . و. وقال – رحمه الله - قوله " ولم ننفس عليك خيراً ساقه الله إليك " بفتح الفاء من ننفس، أي: لم نحسدك على الخلافة. وقوله " استبددت " أي: لم تشاورنا، والمراد بالأمر: الخلافة. ز. قوله " لقرابتنا " أي: لأجل قرابتنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم نصيباً " أي: لنا في هذا الأمر. " فتح الباري " (7 / 494) . هذا ما جرى بين فاطمة وأبي بكر، وعلي وأبي بكر، رضي الله عنهم جميعاً، ومن يسمع ويقرأ للرافضة ير عجباً، وكذباً، فها هو علي يعتذر لأبي بكر، ويعظمه، وعترف له بالخلافة، ويبايعه على رؤوس الأشهاد، وقد سبق من أبي بكر زيارة علي في بيته، والثناء عليه، وعلى آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وقرابته، وتفضيلهم على قرابته هو، فأين الحقد، واللعن، والتقية، والخبث، والسوء، والبغض؟! إنه لا وجود له إلا في عقول وقلوب شيعة المجوس، وحلفاء هولاكو، وإخوان العلقمي، وهذه الرواية أصح الروايات في المسألة، وقد اتفق على إخراجها البخاري ومسلم رحمهما الله، ولسنا نخفي شيئاً من ديننا، وقد نقلنا فيها عدم رغبة علي رضي الله عنه أن يأتي مع أبي بكر أحد، ولم تُخف عائشة – أو غيرها – أنه لعله المقصود به عمر رضي الله عنه، وقد وافق أبو بكر رضي الله عنه على هذا، ورأى أنه أمر لا ضير فيه، ولا مخافة من ورائه. قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -: قال القرطبي: " مَن تأمل ما دار بين أبي بكر وعلي من المعاتبة، ومن الاعتذار، وما تضمن ذلك من الإنصاف: عَرف أن بعضهم كان يعترف بفضل الآخر، وأن قلوبهم كانت متفقة على الاحترام، والمحبة، وإن كان الطبع البشري قد يغلب أحياناً، لكن الديانة ترد ذلك، والله الموفق ". وقد تمسك الرافضة بتأخر علي عن بيعة أبي بكر إلى أن ماتت فاطمة، وهذيانهم في ذلك مشهور، وفي هذا الحديث ما يدفع في حجتهم. " فتح الباري " (7 / 495) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125876 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1144 هل يجوز الاستماع لأناشيد الرافضة؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الاستماع إلى أناشيد الشيعة لمجرد أن أصواتهم جميلة، ومع العلم أنني لا أصدق شيئاً منها؟ . أفيدونا، حفظكم الله.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأناشيد التي تصدح بأصوات أهل السنَّة فيها كثير من المخالفات الشرعية، ولم يعُد الكثيرون من المنشدين يلتزمون بالضوابط الشرعية لإباحتها، فيكف بأناشيد الرافضة، وهم من أشد الفرق غلوا، وأكثرهم بدعا وضلالا. ولا تخلو كلمات تلك الأناشيد مِن غلو في أهل البيت، ومِن طعن في صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، ومِن تعظيم للقبور والأوثان؟! . ومن المعلوم أنهم يعهدون في إنشادهم إلى منشدين - " رادود " - ذوي أصوات فاتنة؛ وذلك لجلب الناس إلى مجالس عزائهم، فيثبت الرافضي على دينه، ويزداد غلوّاً، وطعناً في الصحابة رضي الله عنهم، وحقداً على أهل السنَّة، كما أن تلك الأناشيد تستخدم في الدعاية لمذهبهم، وذلك بجلب قلوب الضعاف من أهل السنَّة لحضور مجالس عزائهم، واجتماعاتهم. وعليه: فلا يجوز لمسلم يوحِّد الله تعالى أن يصغي بسمعه لأناشيد أولئك الروافض؛ لما فيها من مخالفات شرعية في ذات كلامهم، ولما فيها من الرضا بعقائدهم وضلالاتهم، ولما فيها من السكوت عن الإنكار عليهم ونصحهم ودعوتهم، وليست المسألة متعلقة بالأدوات الموسيقية التي قد تستعمل مع تلك الأناشيد، وإنما النهي والمنع بسبب ما في عقائدهم من انحراف، وما في كلامهم من مخالفات لشرع الله تعالى المطهَّر. وهذه المجالس المنكرة الآثمة التي تقام من قبَل هؤلاء الروافض: الواجب إنكارها، وعدم تشجيعها، وعدم الاستماع لما فيها من شرك، وبدعة، وضلالة، واستماع الأناشيد التي تصدح منها مخالف لواجب الإنكار، ومخالف لتحريم تكثير سواد أهل البدعة، وهجر مجالسهم. قال تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) النساء/ 140. وعن أبي سَعِيد الخُدْري قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ) . رواه مسلم (49) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125645 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1145 السلفية الحقة هي اتباع منهج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه [السُّؤَالُ] ـ[نريد أن نعرف ما هي السلفية كمنهج، وهل لنا أن ننتسب إليها؟ وهل لنا أن ننكر على من لا ينتسب إليها، أو ينكر على كلمة سلفي أو غير ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "السلفية: هي اتباع منهج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ لأنهم هم الذين سلفونا وتقدموا علينا، فاتباعهم هو السلفية. وأما اتخاذ السلفية كمنهج خاص ينفرد به الإنسان ويضلل من خالفه من المسلمين ولو كانوا على حق، واتخاذ السلفية كمنهجٍ حزبي فلا شك أن هذا خلاف السلفية، فالسلف كلهم يدعون إلى الاتفاق والالتئام حول سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يضللون من خالفهم عن تأويل، اللهم إلا في العقائد، فإنهم يرون أن من خالفهم فيها فهو ضال، أما في المسائل العملية فإنهم يخففون فيها كثيراً. لكن بعض من انتهج السلفية في عصرنا هذا صار يضلل كل من خالفه ولو كان الحق معه، واتخذها بعضهم منهجاً حزبياً كمنهج الأحزاب الأخرى التي تنتسب إلى دين الإسلام، وهذا هو الذي يُنكر ولا يمكن إقراره، ويقال: انظروا إلى مذهب السلف الصالح ماذا كانوا يفعلون؟ انظروا طريقتهم وفي سعة صدورهم في الخلاف الذي يُسوغ فيه الاجتهاد، حتى إنهم كانوا يختلفون في مسائل كبيرة، وفي مسائل عقدية، وعملية، فتجد بعضهم مثلاً يُنكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى ربه، وبعضهم يقول: بلى، وترى بعضهم يقول: إن التي توزن يوم القيامة هي الأعمال، وبعضهم يرى أن صحائف الأعمال هي التي توزن، وتراهم أيضاً في مسائل الفقه يختلفون كثيراً، في النكاح، والفرائض، والبيوع، وغيرها، ومع ذلك لا يضلل بعضهم بعضاً. فالسلفية بمعنى أن تكون حزباً خاصاً له مميزاته ويضلل أفراده من سواهم فهؤلاء ليسوا من السلفية في شيء. وأما السلفية التي هي اتباع منهج السلف عقيدة وقولاً وعملاً وائتلافاً واختلافاً واتفاقاً وتراحماً وتواداً، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) فهذه هي السلفية الحقة" انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. "لقاءات الباب المفتوح" (3/246) . [الْمَصْدَرُ] موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125476 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1146 عقيدة التجسيم والتمثيل، وأبرز فِرقها، وحكم الإسلام عليها [السُّؤَالُ] ـ[أود أن أعرف ما هي الفِرق المجسِّمة، والفِرق المشبِّهة؟ وما الفرق بينهما إن كان فرق؟ وما هو قول أهل السنة والجماعة بهذا الموضوع؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الشائع في الكتب المصنفة في العقائد والفرق استعمال هذه المصطلحات: التجسيم، والتشبيه، والتمثيل، من غير تفرقة بينها، وإنما تتوارد في الاستعمال لتدل على نفس المعنى. لكن ثمة فرق في الحقيقة بين تلك الألفاظ، فالتجسيم: إثبات الجسم لله تعالى، والتشبيه أوسع معنى حيث يشبِّه أهلُ الكفر والضلال الربَّ تعالى بخَلْقه، ولفظ التمثيل هو الأوسع في معناه، وهو الأولى في الاستعمال من التشبيه؛ لأسباب ثلاثة. سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: أيهما أولى: التعبير بالتمثيل، أم التعبير بالتشبيه؟ . فأجاب: التعبير بالتمثيل خير من التعبير بالتشبيه لوجوه ثلاثة: الوجه الأول: أن نفي التمثيل هو الذي ورد في القرآن الكريم، ولم يرد في القرآن نفي التشبيه، واللفظ الذي هو التعبير القرآني خير من اللفظ الذي هو التعبير الإنساني قال الله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) . الوجه الثاني: أن التشبيه لا يصح نفيه على الإطلاق؛ لأنه ما من شيئين إلا وبينهما قدر مشترك اتفقا فيه وإن اختلفا في الحقيقة، فلله وجود وللإنسان وجود، ولله حياة وللإنسان حياة، وهذا الاشتراك في أصل المعنى - الحياة - نوع من التشابه، لكن الحقيقة: أن صفات الخالق ليست كصفات المخلوق، فحياة الخالق ليست كحياة المخلوق، فحياة المخلوق ناقصة مسبوقة بعدم وملحوقة بفناء، وهي أيضا ناقصة في حد ذاتها، يوم يكون طيِّباً، ويوم يكون مريضاً، ويوم يكون متكدراً، ويوم يكون مسروراً، وهي أيضا حياة ناقصة في جميع الصفات، البصر ناقص، السمع ناقص، العلم ناقص، القوة ناقصة، بخلاف حياة الخالق جل وعلا فإنها كاملة من كل وجه. الوجه الثالث: أن بعض أهل التعطيل يسمون المثبتين للصفات " مشبِّهة " فإذا قلت: " من غير تشبيه " فهِم هؤلاء أن المراد من غير إثبات صفة، ولذلك نقول: إن التعبير بقولنا: " من غير تمثيل " أولى من التعبير بالتشبيه. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (1 / 179، 180، السؤال رقم 90) . ثانياً: ولم يختلف أهل السنَّة في تكفير الممثلة، أو المشبهة، أو المجسمة. ولمَّا نقل محمد بن طاهر الإسفراييني مقالة هشام بن الحكم، وهشام الجواليقي، وأتباعهما في التجسيم: قال: والعاقل بأول وهلة يعلم أن من كانت هذه مقالته لم يكن له في الإسلام حظ. " التبصير في الدين " (ص 40) . وقال نعيم بن حماد – رحمه الله – وهو أحد شيوخ الإمام البخاري -: مَن شبَّه الله تعالى بخلقه: كَفَر، ومن جحد ما وصف الله نفسه: فقد كفر. انظر " شرح أصول اعتقاد أهل السنة " لللالكائي (3 / 532) . ثالثاً: أشهر من قال بالتمثيل – التجسيم، والتشبيه – لله رب العالمين هم اليهود، وقدماء الرافضة، واشتهرت نسبة التجسيم ـ بخصوصه ـ إلى الكرامية، وهي من الفرق المبدعة، التي لم يصلنا من كتبها شيء. وقد ألصقت فرق وقد ألصق أهل البدع المعطلين للصفات، والنافين عن الله عز وجل ما أثبته لنفسه: ألصقوا بأهل السنة فرية التشبيه التمثيل والتجسيم، وليس هذا عليهم بغريب، حيث عطَّلوا صفات الله تعالى، ولذا نسبوا من أثبت تلك الصفات لله تعالى نسبوه إلى التجسيم، وهذا محض افتراء، وكذب. قال الإمام أبو زرعة الرازي، رحمه الله (ت: 264هـ) : " المعطلة النافية: الذي ينكرون صفات الله عز وجل، التي وصف بها نفسه في كتابه، وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، ويكذبون بالأخبار التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصفات، ويتأولونها بآرائهم المنكوسة، على موافقة ما اعتقدوا من الضلالة، وينسبون رواتها إلى التشبيه؛ فمن نسب الواصفين ربهم تبارك وتعالى بما وصف به نفسه في كتابه، وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، من غير تمثيل ولا تشبيه، إلى التشبيه: فهو معطل نافٍ، ويُستدل عليهم بنسبتهم إياهم إلى التشبيه: أنهم معطلة نافية. كذلك كان أهل العلم يقولون، منهم عبد الله بن المبارك، ووكيع بن الجراح ". نقله أبو القاسم الأصبهاني في كتابه: الحجة في بيان المحجة (1/187) . والعجيب أن الأشاعرة وغيرهم من الفرق المبتدعة يثبتون بعض الصفات لله تعالى، وهم " مجسمة " و " ومشبهة " عند المعتزلة! فانظر إليهم كيف أنهم نُسبوا إلى ما اتهموا به أهل السنَّة افتراء عليهم، فإذا كان إثبات الصفات لله تعالى تجسيماً: فهم مع أهل السنَّة في هذا، وإذا كان لا يلزم من إثبات الصفات التجسيم: فيكون اتهامهم بهذه الفرية من الضلال المبين، فها هم يثبتون صفاتٍ لله تعالى ولا يعدون أنفسهم مجسِّمة، فكذا ينبغي أن يكون أهل السنَّة عندهم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: كلُّ مَن نَفَى شيئاً من الأسماء والصفات سمَّى مَن أثبت ذلك " مجسِّماً " قائلاً بالتحيز، والجهة، فالمعتزلة، ونحوهم يسمُّون الصفاتية - الذين يقولون: إن الله تعالى حي بحياة، عليم بعلم، قدير بقدرة، سميع بسمع، بصير ببصر، متكلم بكلام - يسمُّونهم: " مجسِّمة "، " مشبِّهة "، " حشوية "، والصفاتية هم: السلف، والأئمة، وجميع الطوائف المثبتة للصفات: كالكلابية، والكرامية، والأشعرية، والسالمية، وغيرهم من طوائف الأمة. " مجموع الفتاوى " (6 / 40) . ونحن نذكر هنا أبرز تلك الفرق القائلة بهذا بالتجسيم والتمثيل: الفرقة الأولى: " السبئية " أتباع اليهودي الذي أظهر الإسلام عبد الله بن سبأ، فقد ألَّهت هذه الفرقة عليَّ بن أبي طالب، وشبهوه بذات الله، وقد ازدادوا اعتقاداً بهذا الإفك عندما حرَّقهم بالنار. الفرقة الثانية: " الهشامية " أصحاب هشام بن الحكم الرافضي، يزعمون أن معبودهم جسم، وله نهاية، وحد طويل عريض عميق، طوله مثل عرضه ... . والفرقة الثالثة: " الهشامية " أصحاب هشام بن سالم الجواليقي، يزعمون أن ربهم على صورة الإنسان، وينكرون أن يكون لحماً، ودماً، ويقولون: إنه نور ساطع يتلألأ بياضاً. الفرقة الرابعة: " اليونسية " أصحاب يونس بن عبد الرحمن القمِّي. الفرقة الخامسة: " البيانية " أتباع بيان بن سمعان، وكان يقول: إن معبوده: نور، صورته صورة إنسان، وله أعضاء كأعضاء الإنسان، وأن جميع أعضائه تفنى إلا الوجه. الفرقة السادسة: " المغيرية " أتباع مغيرة بن سعيد العجلي، وكان يقول: إن للمعبود أعضاء، وأعضاؤه على صورة حروف الهجاء. الفرقة السابعة: " المنصورية " أتباع أبي منصور العجلي، وكان يقول: إنه صعد إلى السماء إلى معبوده، وإن معبوده مسح على رأسه وقال: يا بني بلغ عني. الفرقة الثامنة: " الخطابية " أتباع أبي الخطاب الأسدي، كانوا يقولون: إن أبا الخطاب الأسدي إله. انظر " التبصير في الدين " للإسفراييني (ص 119 – 121) ، و " الفرق بين الفِرق " (ص 214 – 219) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 122675 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1147 ما هي العلمانية؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما هي العلمانية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "العلمانية: مذهب جديد، وحركة فاسدة تهدف إلى فصل الدين عن الدولة، والانكباب على الدنيا، والانشغال بشهواتها وملذاتها، وجعلها هي الهدف الوحيد في هذه الحياة، ونسيان الدار الآخرة والغفلة عنها، وعدم الالتفات إلى الأعمال الأخروية أو الاهتمام بها، وقد يصدق على العلماني قول النبي صلى الله عليه وسلم: (تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ) رواه البخاري (2887) . وقد دخل في هذا الوصف كل من عاب شيئاً من تعاليم الإسلام قولا وفعلا، فمن حَكَّم القوانين وألغى الأحكام الشرعية فهو علماني، ومن أباح المحرمات كالزنى والخمور والأغاني والمعاملات الربوية واعتقد أن منعها ضرر على الناس، وَتَحَجُّرٌ لشيء فيه مصلحة نفسية، فهو علماني، ومن منع أو أنكر إقامة الحدود كقاتل القاتل ورجم أو جلد الزاني والشارب، أو قطع السارق أو المحارب، وادعى أن إقامتها تنافي المرونة، وأن فيها بشاعة وشناعة، فقد دخل في العلمانية. أما حكم الإسلام فيهم فقد قال تعالى في وصف اليهود: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) البقرة/85. فمن قبل ما يناسبه من الدين كالأحوال الشخصية وبعض العبادات ورَدَّ ما لا تهواه نفسه، دخل في الآية. وهكذا يقول الله تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ) هود/15، 16. فالعلمانيون هدفهم جمع الدنيا والتلذذ بالشهوات ولو محرمة ولو منعت من الواجبات، فيدخلون في هذه الآية، وفي قوله تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا) الإسراء/18. ونحو ذلك من الآيات والأحاديث. والله أعلم". فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين حفظه الله. "فتاوى كبار علماء الأمة " ص (78) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121550 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1148 نبذة عن جماعة " النورسية " أتباع الشيخ سعيد النورسي [السُّؤَالُ] ـ[أود أن أسأل عن جماعة " النورسية "، ما لها، وما عليها، وهل كتبهم تعد من الكتب الإسلامية؟ وهل يجوز لنا قراءتها؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله جاء في " الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة " (1 / 328 – 333) : - النورسية: جماعة دينية، إسلامية، هي أقرب في تكوينها إلى الطرق الصوفية منها إلى الحركات المنظمة، ركَّز مؤسسها على الدعوة إلى حقائق الإيمان، والعمل على تهذيب النفوس، مُحْدِثاً تياراً إسلاميّاً، في محاولة منه للوقوف أمام المد العلماني، الماسوني، الكمالي، الذي اجتاح تركيا عقب سقوط الخلافة العثمانية، واستيلاء " كمال أتاتورك " على دفة الحكم فيها. - المؤسس هو: الشيخ سعيد النورسي 1873 - 1960م، ولد من أبوين كرديين، في قرية " نورس " القريبة من بحيرة " وان "، في مقاطعة " هزان " بإقليم " بتلس " شرقي الأناضول، تلقى تعليمه الأولي في بلدته، ولما شبَّ ظهرت عليه علامات الذكاء، والنجابة، حتى لُقِّب بـ " بديع الزمان " و " سعيدي مشهور ". - في الثامنة عشر من عمره ألَمَّ بالعلوم الدينية، وبجانب كبير من العلوم العقلية، وعرف الرماية، والمصارعة، وركوب الخيل، فضلاً عن حفظه القرآن الكريم، آخذاً نفسه بالزهد والتقشف. - عندما دخل " الحلفاء " استانبول محتلين: كان في مقدمة المجاهدين ضدهم. - في عام 1908 م بعد الإطاحة بالسلطان عبد الحميد بتآمر من " جمعية الاتحاد والترقي " التي رفعت شعار (الوحدة، الحرية، الإصلاحية) لتخفي وراءه دسائسها ومؤامراتها على الإسلام والمسلمين: ألّف بديع الزمان جمعية " الاتحاد المحمدي "، واستخدموا نفس شعارات الاتحاديين، ولكن بالمفهوم الإسلامي؛ كشفاً لخدعهم التي يتسترون خلفها، وتجلية لحقيقتهم الماسونية. - لقد كان العلمانيون الذين حكموا " تركيا " بعد زوال الخلافة يخشون من دعوته، ويعارضونها أشد المعارضة، فما كان منهم إلا أن استغرقوا حياته بالسجن، والتعذيب، والانتقال من سجن إلى منفى، ومن منفى إلى محاكمة. - عاش آخر عمره في " إسبارطة " منعزلاً عن الناس، وقبل ثلاثة أيام من وفاته: اتجه إلى " أورفه " دون إذن رسمي، حيث عاش يومين فقط، فكانت وفاته في اليوم السابع والعشرين من شهر رمضان سنة 1379هـ. - قال بديع الزمان للمحكمة عندما كان مسجوناً في سجن " اسكشير ": " لقد تساءلتم هل أنا ممن يشتغل بالطرق الصوفية، وإنني أقول لكم: إن عصرنا هذا هو عصر حفظ الإيمان لا حفظ الطريقة، وإن كثيرين هم أولئك الذين يدخلون الجنة بغير طريقة، ولكن أحداً لا يدخل الجنة بغير إيمان ". - إن التهم الرئيسية التي كانت توجه إلى " بديع الزمان " في المحاكمات يمكن تلخيصها فيما يلي: 1. العمل على هدم الدولة العلمانية، والثورة الكمالية. 2. إثارة روح التدين في تركيا. 3. تأليف جمعية سرية. 4. التهجم على مصطفى كمال أتاتورك. لكنه كان يتصدى لهذه التهم بمنطق بليغ من الحجة والبرهان حتى أصبحت هذه المحاكمات مجال دعاية له تزيد في عدد أتباعه. - لقد كرس المؤسس نشاطه ودعوته على مقاومة المد العلماني الذي تمثل في: 1. إلغاء الخلافة العثمانية. 2. استبدال القوانين الوضعية - والقانون السويسري المدني تحديداً - بالشريعة الإسلامية. 3. إلغاء التعليم الديني. 4. منع الكتابة بالحروف العربية وفرضها بالحروف اللاتينية. 5. تغيير الأذان من الكلمات العربية إلى الكلمات التركية. 6. فرض النظرية الطورانية " وأن الترك أصل الحضارات ". 7. إلزام الناس بوضع القبعة غطاء للرأس. 8. جعل يوم الأحد يوم العطة الرسمية بدلاً من يوم الجمعة. 9. ارتداء الجبَّة السوداء، والعمامة البيضاء مقصور على رجال الدين. 10. ترجمة القرآن إلى اللغة التركية، وذلك عام 1350هـ / 1931م، وتوزيعه في المساجد. 11. تحريم الاحتفال بعيدي الأضحى، والفطر، وإلغاء التقويم الهجري، وإحداث تغييرات في نظام المواريث. 12. الاتجاه نحو الغرب، ومحاكاته في عاداته، وتقاليده، واهتماماته. 13. طمس العقيدة الإسلامية في نفوس الناس بعامة، والناشئة بخاصة. - يمتاز شباب هذه الجماعة بالعفة، والنظافة، شباب قابض على دينه، في عصر شاعت فيه الفتن، والإغراءات، والانحلال. - هذا، وثمة بعض المآخذ على هذه الجماعة: 1. أن هذه الجماعة لم تُعن بنشر عقيدة السلف، والتوحيد الخالص، بين أتباعها، وبين عوام المسلمين ممن يحتاجون إلى تصحيح عقائدهم قبل شغلهم بأمور أخرى. بل تبنت عقيدة " الماتريدية " التي كانت تُدعم من قبل الدولة العثمانية؛ فلم تحاول التخلص من هذه العقيدة البدعية. 2. أنهم لم يستطيعوا تأسيس عمل إسلامي منظم يستطيع التصدي للمكر اليهودي الذي كان متغلغلاً في معظم نواحي الحياة السياسية المعادية للإسلام والمسلمين إذ ذاك، لكن الإنصاف يقتضينا أن نقر بأن الظروف المحيطة بنشأة هذه الجماعة لم تكن مواتية لها للظهور في غير الشكل الذي ظهرت فيه. 3. أن اشتراك بديع الزمان مع آخرين في تأليف " جمعية الاتحاد المحمدي " ليس أكثر من رد فعل، سرعان ما انفرطت، فضلاً عن استعداء الاتحاديين عليه، وتركيزهم الكيد، والتآمر للقضاء عليه، وعلى دعوته. 4. إن تخلي هذه الجماعة عن السياسة واتخاذ سعيد النورسي شعار " أعوذ بالله من الشيطان والسياسة " وذلك منذ عام 1921م: قد ترك أثراً سلبيّاً على أتباعها إذ وقع بعضهم فريسة لأحزاب علمانية. 5. يؤخذ على الشيخ تخليه عن مساندة الشيخ سعيد الكردي الذي قام بثورة ضد مصطفى كمال أتاتورك سنة1925م واقفاً إلى جانب الخلافة، وقد حدثت معارك رهيبة بينه وبين الكماليين في منطقة " ديار بكر " سقط فيها آلاف من المسلمين. 6. ويأتي هذا الموقف انطلاقًا من فكره في وجوب جهاد النفس أولاً، ثم الدعوة إلى تنوير الأفكار، وقد نادت الجماعة بإصلاح القلوب وعدم الدخول في معارك داخلية مع المخالفين المسلمين سواء كانوا حكاماً، أو محكومين، والتزام طريق الدعوة السلمية، والتطور التدريجي، ولا يلجأ إلى الجهاد المسلح إلا ضد العدو الخارجي من الكفار، والزنادقة. 7. لدى بعض أفراد " جماعة النور " - مؤخراً - شعور بالانعزالية، والاستعلاء، وهذا أفقدهم القدرة على التغلغل بين طبقات الشعب المسلم لدعوته وتوعيته. - بلغ عدد أعضائها أكثر من مليون شخص، يقضي أحدهم عمره في استنساخ " رسائل النور "، وتوزيعها، وكانت الفتيات نشيطات في ذلك كثيراً. انتهى باختصار وتصرف يسير. ولما سبق ذِكره فإننا لا ننصح بقراءة كتب هذه الجماعة، إلا للمتخصص وطالب العلم المميز؛ لما تتبناه من اعتقاد مخالف لأهل السنَّة والجماعة، وجهود شيخهم في نصرة الإسلام مشكورة، ونسأل الله أن يثيبه عليها، لكن هذا لا يجعلنا نزكي اعتقاده المخالف، ولا نزكي من بعده ممن هو على من جماعته، وقد افترق أتباعه كثيراً، ولا يمكن جمعهم في سياق واحد، وإنما يكون الحكم على كل واحد منهم أو طائفة بحسب ما يُظهر من اعتقاد، أو منهج. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121124 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1149 الطرق الصوفية وموقف المسلم منها [السُّؤَالُ] ـ[هو كم فريق من الصوفية موجودين؟ وهل جميع الصوفية مخطئون؟ لقد سمعت أن الإمام النووي كان متأثراً بهم، وكانوا ينصحون الناس بالتخلي عن الكراهية والحقد ولم يشركوا بالله؟ فما رأيكم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصوفية فرق وشيع وأحزاب، كل حزب بما لديهم فرحون، وكل طريقة لها شيخ، وأوراد، وطقوس، يجمعها البعد عن الفهم الصحيح للكتاب والسنة، والترويج للبدع والمحدثات والخرافات، ويغلو كثير منها حتى يقع في الشرك اعتقادا وعملا، كاعتقاد وحدة الوجود، واعتقاد التصريف والتدبير للأولياء والأقطاب، وعبادة هؤلاء، دعاء ونذرا وطوافا بقبورهم وذبحا لهم. والتصوف في القديم كان أقل انحرافا وخطرا، وكان يقصد به في بعض الأحيان الزهد والورع والتقشف، حتى نسب إليه بعض العلماء والعباد، مع سلامة المنهج وصحة الاعتقاد. والواجب على المسلم: تحقيق التوحيد، واتباع الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح، وتجنب البدع والمحدثات، فإن هذا هو طريق النجاة. روى أحمد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: خَطَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ مُسْتَقِيمًا، قَالَ: ثُمَّ خَطَّ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ، ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ السُّبُلُ، وَلَيْسَ مِنْهَا سَبِيلٌ إِلَّا عَلَيْهِ شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ، ثُمَّ قَرَأَ: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) وصححه الألباني في كتاب "التوسل" (ص / 125) . وروى أبو داود (4607) والترمذي (2676) وابن ماجه (44) عن الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رضي الله عنه أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي، وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ) وصححه الألباني في صحيح أبي داود (3851) . ومن نظر في القرآن والسنة، وتأمل سيرة الخلفاء الراشدين، وحال القرون الثلاثة المهديين، علم بطلان ما عليه الصوفية من تقديس الأشخاص، وعبادة الأموات، واختراع الأوراد، والتعلق بالخرافات، والهادي هو الله، (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ) النور/40. وينظر: للفائدة جواب السؤال رقم (4983) و (20375) و (34575) و (89961) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118693 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1150 لا يمكن التقريب بين السنة والشيعة [السُّؤَالُ] ـ[من خلال معرفتكم بتاريخ الرافضة، ما هو موقفكم من مبدأ التقريب بين أهل السنة وبينهم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "التقريب بين الرافضة وبين أهل السنة غير ممكن؛ لأن العقيدة مختلفة، فعقيدة أهل السنة والجماعة توحيد الله، وإخلاص العبادة لله سبحانه وتعالى، وأنه لا يدعى معه أحد، لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، وأن الله سبحانه وتعالى هو الذي يعلم الغيب، ومن عقيدة أهل السنة محبة الصحابة رضي الله عنهم جميعا، والترضي عنهم، والإيمان بأنهم أفضل خلق الله بعد الأنبياء، وأن أفضلهم أبو بكر الصديق، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، رضي الله عن الجميع، والرافضة خلاف ذلك، فلا يمكن الجمع بينهما، كما أنه لا يمكن الجمع بين اليهود والنصارى والوثنيين وأهل السنة، فكذلك لا يمكن التقريب بين الرافضة وبين أهل السنة لاختلاف العقيدة التي أوضحناها" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (27/325) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118101 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1151 موقف المسلم من الخلافات بين الأحزاب والجماعات [السُّؤَالُ] ـ[ما هو موقف المسلم من الخلافات المذهبية المنتشرة بين الأحزاب والجماعات؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الواجب عليه أن يلزم الحق الذي يدل عليه كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن يوالي على ذلك ويعادي على ذلك، وكل حزب أو مذهب يخالف الحق يجب عليه البراءة منه وعدم الموافقة عليه. فدين الله واحد، وهو الصراط المستقيم، وهو عبادة الله وحده واتباع رسوله محمد عليه الصلاة والسلام. فالواجب على كل مسلم أن يلزم هذا الحق، وأن يستقيم عليه؛ وهو طاعة الله واتباع شريعته التي جاء بها نبيه محمد عليه الصلاة والسلام، مع الإخلاص لله في ذلك، وعدم صرف شيء من العبادة لغيره سبحانه وتعالى، فكل مذهب يخالف ذلك وكل حزب لا يدين بهذه العقيدة يجب أن يبتعد عنه، وأن يتبرأ منه، وأن يدعو أهله إلى الحق بالأدلة الشرعية مع الرفق وتحري الأسلوب المفيد ويبصرهم بالحق" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (27/327) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118109 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1152 كيف يصير الشيعي من أهل السنة والجماعة [السُّؤَالُ] ـ[كيف لشيعي أن يكون من أهل السنة والجماعة؟ فالكافر ينطق بالشهادتين أما هو فما يجب عليه أن يفعل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من كان على عقيدة مخالفة لما عليه أهل السنة والجماعة، كاعتقاد أن القرآن محرف، أو أن الأئمة معصومون وينفعون ويضرون، ويستغاث بهم في الشدائد ويفزع إليهم في النوائب، أو اعتقاد أن الصحابة ارتدوا إلا نفرا يسيرا، أو اعتقاد الرجعة والبداء وتكفير أهل السنة، فسبيل توبته واستقامته أن يقلع عن هذه العقائد، وأن يدين بما يدين به أهل السنة من توحيد الله تعالى وعدم الإشراك به، ومن تعظيم الصحابة والمحبة لهم والترضي عنهم، واعتقاد سلامة القرآن من التحريف بالزيادة أو النقصان، وأن يبني اعتقاده على الدليل من الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة. ولمزيد من التفصيل حول العقائد المخالفة في هذا الباب: ينظر سؤال رقم (60046) ورقم (44970) ورقم (101272) ورقم (95588) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114347 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1153 هل ينتسب إلى أهل السنة أم إلى السلف الصالح؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل الانتساب الصحيح يكون لأهل السنة والجماعة، أم للسلف الصالح؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله النسبتان صحيحتان، السلف الصالح هم خلاصة أهل السنة والجماعة، واتباعهم هو الميزان الذي يعرف به أهل السنة ممن عداهم. ولكن ... الأهم من مجرد الانتساب أن يكون هذا الانتساب حقيقياً، انتساباً بالقول والاعتقاد والعمل، ومتابعتهم في ذلك. وقد سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: بعض الناس ينكرون الانتساب إلى أهل السنة والجماعة، ويقولون: كل يدعي ذلك، ولكن الأولى أن ينتسب إلى السلف؟ فأجاب: "السلف هم أهل السنة والجماعة. الانتساب إليهم لا بأس، بل حق، وأنه من المؤمنين، ومن أتباع أهل السنة والجماعة، من أتباع الصحابة، ومن المؤمنين بالله واليوم الآخر، ينتسب إلى أهل الحق لا ينتسب إلى أهل الباطل، يجاهد نفسه على الصدق، وألا تكون دعوى، يجاهد نفسه حتى يصدق" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (28/50) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112125 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1154 الطريقة التيجانية [السُّؤَالُ] ـ[عندنا ناس كثيرون متمسكون بالطريقة التيجانية، وأهلي عندهم ورد الشيخ أحمد التيجاني، وهي صلاة الفاتح؛ ويقولون: إن صلاة الفاتح هي الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فهل صلاة الفاتح هذه هي الصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم أم لا؟ حيث يقولون إن من كان يقرأ صلاة الفاتح وتركها يعتبر كافرا، ويقولون: إذا ما كنت تتحمل هذا وتركتها فما عليك شيء، وإذا تحملتها وتركتها تعتبر كافرا، فنرجو التوجيه.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الطريقة التيجانية لا شك أنها طريقة مبتدعة، ولا يجوز لأهل الإسلام أن يتبعوا الطرق المبتدعة، لا التيجانية ولا غيرها، بل الواجب الاتباع والتمسك بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله يقول: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) آل عمران/31، ويقول عز وجل: (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) الأعراف/3، ويقول تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) الحشر/7، ويقول تبارك وتعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) الأنعام/153، والسبل: هي الطرق المحدثة من البدع والأهواء والشبهات والشهوات المحرمة، فالله أوجب علينا أن نتبع صراطه المستقيم، وهو ما دل عليه القرآن الكريم، وما دلت عليه سنة رسوله عليه الصلاة والسلام الصحيحة الثابتة، هذا هو الطريق الذي يجب اتباعه. أما الطريقة التيجانية أو الشاذلية أو القادرية أو غيرها من الطرق التي أحدثها الناس فلا يجوز اتباعها، إلا ما وافق شرع الله منها أو غيرها فيعمل به؛ لأنه وافق الشرع المطهر لا لأنه من الطريقة الفلانية أو غيرها، للآيات السابقة، ولقوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) الأحزاب /21، وقوله عز وجل: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) التوبة/100، ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) متفق على صحته من حديث عائشة رضي الله عنها، وقوله صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) أخرجه مسلم في صحيحه، وقوله صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة: (أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة) أخرجه مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. وصلاة الفاتح هي الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكروا، ولكن صيغة لفظها لم ترو عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قالوا فيها: " اللهم صل وسلم على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق، والخاتم لما سبق، والناصر الحق بالحق ". وهذا اللفظ لم ترد به الإجابة الصحيحة التي يبين فيها النبي صلى الله عليه وسلم صفة الصلاة عليه لما سأله الصحابة عن ذلك، فالمشروع للأمة الإسلامية أن يصلوا عليه، عليه الصلاة والسلام بالصيغة التي شرعها لهم، وعلمهم إياها دون ما أحدثوه، من ذلك ما ثبت في الصحيحين عن كعب بن عجرة رضي الله عنه أن الصحابة رضي الله عنهم قالوا: (يا رسول الله، أمرنا الله أن نصلي عليك، فكيف نصلي عليك؟ فقال عليه الصلاة والسلام: قولوا: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد) . ومن ذلك ما ثبت في صحيح البخاري ومسلم أيضا من حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (قولوا: اللهم صل على محمد، وعلى أزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد) . وفي حديث ثالث رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد) . فهذه الأحاديث وما جاء في معناها قد أوضحت صفة الصلاة عليه التي رضيها لأمته وأمرهم بها، أما صلاة الفاتح وإن صح معناها في الجملة فلا ينبغي الأخذ بها والعدول عما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في بيان صحة الصلاة عليه المأمور بها، مع أن كلمة: (الفاتح لما أغلق) فيها إجمال قد يفسر من بعض أهل الأهواء بمعنى غير صحيح، والله ولي التوفيق" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله. "مجلة البحوث الإسلامية" (39/145-148) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 108382 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1155 من هم " البهرة "؟ وما هي عقائدهم؟ وما حكم تزويجهم والتزوج منهم؟ [السُّؤَالُ] ـ[ي يتعلق بي وبزوجتي، تنتمي زوجتي لطائفة " البهرة "، وهي إحدى طوائف الشيعة، مواقعهم على الإنترنت هي " مؤمنين دوت أورج " و " معلومات دوت كوم "، كنت أنتمي لتلك الطائفة، لكنَّ الله تعالى هداني لدينه الصحيح. تزوجتها من أجل خاطر والديّ بعدما قالا لي إنها فتاة جيدة، وإنها سوف تطيعني في مسألة الدين بعد الزواج، حاولت بكل جهدي أن أبيِّن لها من القرآن والسنَّة، ولكنها مازالت على رفضها. أكبر اختلاف بيننا هو أنها - أو تلك الطائفة عموماً - تتوسل بـ " علي " أو بـ " حسين " رضي الله عنهما، ولجعل الصورة أوضح أمامكم هم مثلا يقولون " يا الله بوسيلة الحسين ساعدني، أو اشفني "، فيذهب الحسين لله، ويطلب منه، وهكذا يتم الشفاء، أو تحدث المساعدة المطلوبة، اعتادت زوجتي قبل ذلك أن تقول " يا حسين ساعدني أو اشفني، أو أنقذني "، وهذا - على ما أعتقد - شرك، توقفتْ عن ذلك بعدما شرحت لها، ولكنها مازلت تتوسل بالأئمة، وتتبع البدع، هل هذا النوع من التوسل يعد شركاً؟ هل ذكر الله في آيات عديدة ألا نسأل إلا هو؟ إن كان ما تفعله من توسل شرك: فهل زواجي بها صحيح؟ هل الشرك كفر؟ والزواج من كافرة لا يجوز؟ . يطلب منهم أئمتهم أن ينحنوا أمامهم، ويقبلوا أقدامهم، ويذهبوا للقبور، وينحنوا أمام الموتى، ويعتقدون أنه سيأخذ بأيديهم إلى الجنة، هؤلاء يجعلون اسم سيدنا " علي " في الأذان ويذكرونه في التشهد في الصلاة، ويتبعون العديد من البدع، يقولون – أيضاً - إن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا الله مرات عديدة باسم سيدنا على، بالإضافة إلى أنهم يسبون ويلعنون السيدة عائشة، وأبا بكر، وعمر، وعثمان، رضي الله عنهم أجمعين، ويقولون: إنهم عذبوا السيدة فاطمة وسيدنا علي رضي الله عنهما. ما سردته لكم ما كان إلا قليلاً من كثير، ومازال مسموحاً لهؤلاء أن يذهبوا للحج، ويصلوا بطريقتهم ويفعلون بدعهم في مكة. أخي أرجوك أجبني في أقرب وقت ممكن لأنه إن لم يكن زواجي منها جائزاً فأنا زانٍ! . أسأل الله تعالى أن يحميني والمؤمنين من الشرك والذنوب وأن ينقذنا من النار، آمين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: جاء تعريف " البهرة " في " الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة " (2 / 389) : هم إسماعيلية مستعلية، يعترفون بالإمام " المستعلي "، ومن بعده " الآمر "، ثم ابنه " الطيب "، ولذا يسمون بـ " الطيبية "، وهم إسماعيلية الهند، واليمن، تركوا السياسة، وعملوا بالتجارة، فوصلوا إلى الهند، واختلط بهم الهندوس الذين أسلموا، وعرفوا بـ " البهرة "، والبهرة: لفظ هندي قديم، بمعنى " التاجر ". - الإمام الطيب دخل الستر سنة 525 هـ‍، والأئمة المستورون من نسله إلى الآن لا يُعرف عنهم شيء، حتى إن أسماءهم غير معروفة، وعلماء البهرة أنفسهم لا يعرفونهم. - انقسمت البهرة إلى فرقتين: 1. البهرة الداوودية: نسبة إلى قطب شاه داود: وينتشرون في الهند، وباكستان، منذ القرن العاشر الهجري، وداعيتهم يقيم في " بومباي ". 2. البهرة السليمانية: نسبة إلى سليمان بن حسن، وهؤلاء مركزهم في اليمن حتى اليوم. انتهى ثانياً: " البهرة " خليط من عقائد منحرفة شتَّى، وهم باطنية، وهم جزء من الإسماعيلية، والتي كانت من فرق الشيعة، لكنهم غلوا في أئمتهم أشد من غلو الرافضة، وهذه بعض عقائدهم: 1. لا يقيمون الصلاة في مساجد المسلمين. 2. ظاهرهم في العقيدة يشبه عقائد سائر الفرق الإسلامية المعتدلة. 3. باطنهم شيءٌ آخر، فهم يصلون، ولكن صلاتهم للإمام الإسماعيلي المستور من نسل " الطيب بن الآمر ". 4. يذهبون إلى مكة للحج كبقية المسلمين، لكنهم يقولون: إن الكعبة هي رمز على الإمام. انتهى من " الموسوعة الميسرة " (2 / 390) . وأما الغلو في إمامهم: فله صور متعددة، من السجود له، وتقبيل يده ورجله من الرجال والنساء، وغير ذلك، ونحن نسوق بعضها مع الحكم عليها من خلال طائفة من فتاوى علماء اللجنة الدائمة: 1. سئل علماء اللجنة الدائمة: كبير علماء بوهرة يصر على أنه يجب على أتباعه أن يقدموا له سجدة كلما يزورونه، فهل وجد هذا العمل في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو الخلفاء الراشدين، وحديثاً نشرت صورة لرجل بوهري يسجد لكبير علماء بوهرة في جريدة " من " الباكستانية المعروفة الصادرة في 6 / 10 / 1977 م، ولاطلاعكم عليها نرفق لكم تلك الصورة؟ . فأجابوا: السجود نوع من أنواع العبادة التي أمر الله بها لنفسه خاصة، وقربة من القرب التي يجب أن يتوجه العبد بها إلى الله وحده؛ لعموم قوله تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) النحل/ من الآية 36؛ وقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ) الأنبياء/ 25؛ ولقوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) فصلت/ 37، فنهى سبحانه عباده عن السجود للشمس والقمر، لكونهما آيتين مخلوقتين لله فلا يستحقان السجود ولا غيره من أنواع العبادات، وأمر تعالى بإفراده بالسجود لكونه خالقاً لهما، ولغيرهما من سائر الموجودات، فلا يصح أن يُسجد لغيره تعالى من المخلوقات عامة؛ ولقوله تعالى: (أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ. وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ. وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ. فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا) النجم/ 59 – 62، فأَمر بالسجود له تعالى وحده، ثم عمَّ فأمر عباده أن يتوجهوا إليه وحده بسائر أنواع العبادة دون سواه من المخلوقات، فإذا كان حال " البوهرة " كما ذكر في السؤال: فسجودهم لكبيرهم عبادة وتأليه له، واتخاذ له شريكاً مع الله، أو إلهاً من دون الله، وأمره إياهم بذلك أو رضاه به: يجعله طاغوتاً يدعو إلى عبادة نفسه، فكلا الفريقين التابع والمتبوع كافر بالله خارج بذلك عن ملة الإسلام، والعياذ بالله. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. " فتاوى اللجنة الدائمة " (2 / 382، 283) . 2. وسئل علماء اللجنة الدائمة – أيضاً -: جميع النساء يقبلن يده ورجله، فهل يجوز في الإسلام لرجل غير محرم للنساء أن يلمسن أيدي كبير العلماء، وهذا العمل ليس خاصّاً بكبير العلماء، بل هو لكل فرد من أفراد أسرته؟ فأجابوا: أولاً: ما ذُكر من تقبيل نساء " البوهرة " يد كبيرهم، ورجله، وتقبيلهن يد كل فرد من أسرته ورجله: لا يجوز، ولم يُعرف ذلك مع النبي صلى الله عليه وسلم، ولا مع أحد من الخلفاء الراشدين؛ وذلك لما فيه من الغلو في تعظيم المخلوق، وهو ذريعة إلى الشرك. ثانياً: لا يجوز للرجل أن يصافح امرأة أجنبية منه، ولا أن يمس جسدها؛ لما في ذلك من الفتنة؛ ولأنه ذريعة إلى ما هو شر منه، من الزنا، ووسائله، وقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: " كان رسول الله صلى الله علية وسلم يمتحن من هاجرن إليه من المؤمنات بهذه الآية بقول الله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ) إلى قوله: (إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) الممتحنة/ 12، قال عروة: قالت عائشة: فمَن أقرَّ بهذا الشرط من المؤمنات قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قد بايعتك) ، كلاماً، ولا والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة، ما يبايعهن إلا بقوله: (قد بايعتك على ذلك) متفق عليه، فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبايع النساء مصافحة، بل بايعهن كلاماً فقط مع وجود المقتضي للمصافحة، ومع عصمته، وأمن الفتنة بالنسبة له: فغيره من أمَّته أولى بأن يجتنب مصافحة النساء الأجنبيات منه، بل يحرم عليه ذلك، فضلا عن تقبيل يده ورجله، وأيدي أفراد أسرته، وأرجلهم، وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إني لا أصافح النساء) رواه النسائي وابن ماجه، وقد قال الله عز وجل: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) الأحزاب/ من الآية 21. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. " فتاوى اللجنة الدائمة " (2 / 383 – 385) . 3. وسئلوا: كبير علماء " بوهرة " يدَّعي أنه المالك الكلي للروح والإيمان - العقائد الدينية - نيابة عن أتباعه. فأجابوا: إذا كان كبير علماء " بوهرة " يدَّعي ما ذكر: فدعواه باطلة، سواء أراد بما يدعيه من ملك الروح والإيمان أن الأرواح والقلوب بيده يصرفها كيف يشاء فيهديها إلى الإيمان، أو يضلها عن سواء السبيل: فإن ذلك ليس إلى أحدٍ سوى الله تعالى؛ لقوله سبحانه: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) الأنعام/ 125؛ وقوله: (مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا) الكهف/ 17 … إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن تصريف القلوب بهدايتها وإضلالها إلى الله دون سواه؛ ولما ثبت من قوله صلى الله عليه وسلم: (قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يصرفها كيف يشاء) مسلم. ومن دعائه صلى الله عليه وسلم عند فزعه إلى ربه بقوله: (يا مقلب القلوب، ثبِّت قلبي على دينك) رواه الترمذي، أو أراد بملكه الأرواح والإيمان نيابة عن جماعته أن إيمانه يكفي أتباعه أن يؤمنوا، وأنهم يثابون بذلك، ويؤجرون، وينجون من العذاب وإن أساءوا العمل، وارتكبوا الجرائم، والمنكرات: فإن ذلك مناقض لما جاء في القرآن من قوله تعالى: (لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) البقرة الآية 286، وقوله: (كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) الطور الآية 21، وقوله: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ. إِلا أَصْحَابَ الْيَمِينِ. فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ. عَنِ الْمُجْرِمِينَ. مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ) المدثر/ 38 - 42 الآيات، وقوله: (مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا. وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} النساء/ 123، 124، وقوله: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى) النجم/ 39، وقوله: (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى) فاطر/ 18 … إلى غير ذلك من الآيات التي تدل على أن كل إنسان يجزى بعمله خيراً كان أم شرّاً؛ ولما ثبت في الحديث من أن النبي صلى الله عليه وسلم قام حين أنزل عليه: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) الشعراء/ 214 فقال: (يا معشر قريش - أو كلمة نحوها - اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئاً، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئاً، يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئاً، يا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت لا أغني عنك من الله شيئاً) متفق عليه. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. " فتاوى اللجنة الدائمة " (2 / 385 – 387) . 4. وسئلوا: ويدَّعي أنه المالك الكلي لجميع أملاك الوقف، وأنه غير محاسب على جميع الصدقات، وهو الله على الأرض، كما ادعى ذلك كبير العلماء المتوفى سيدنا طاهر سيف الدين في قضية بالمحكمة العليا في مدينة " بومباي "، وله القدرة الكاملة على جميع أتباعه. فأجابوا: ما ذكر في السؤال عن دعوى كبير " البوهرة " ملكه الكلي لجميع أملاك الوقف، وأنه غير محاسب على جميع الصدقات، وأنه هو الله على الأرض: كلها دعاوى باطلة، سواء صدرت منه أم من غيره، أما الأولى: فلأنَّ أعيان الأوقاف لا تُملك، وإنما يملك الانتفاع بغلَّتها، وذلك بصرفها إلى الجهات التي جعلت وقفاً عليها لا إلى غيرها، فلا يملك كبير " البوهرة " أعياناَ – أي: أوقافاً - ولا يملك شيئاً من غلتها إلا غلة ما جعل وقفاً عليه إن كان أهلاً لذلك. وأما الثانية: وهي دعوى أنه غير محاسب: فلأن كل امرئ محاسب على جميع أعماله من التصرف في الصدقات، وغيرها بنص الكتاب، والسنَّة، وإجماع الأمة. وأما الثالثة: وهي دعوى أنه الله في الأرض: فكفر صراح، ومن ادَّعى ذلك: فهو طاغوت يدعو إلى تأليه نفسه، وعبادتها، وبطلان ذلك معلوم من دين الإسلام بالضرورة. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. " فتاوى اللجنة الدائمة " (2 / 387، 388) . 5. وسئلوا: ويدَّعي أنه يحق له أن يعلن البراءة والمقاطعة الاجتماعية ضد الذين يعترضون على مثل هذه الأعمال. فأجابوا: إن كانت صفة كبير علماء " بوهرة " على ما تقدم في الأسئلة: فلا يجوز له أن يتبرأ ممن يعترضون عليه فيما ارتكبه من أنواع الشرك، بل يجب عليه قبول نصحهم، والإقلاع عن تأليه نفسه، وعن دعوى اتصافه بما هو من اختصاص الله تعالى: الألوهية، وملك الأرواح والقلوب، ودعوة من حوله إلى عبادته، وإلى غلوهم في الضراعة والخضوع له ولأفراد أسرته، بل يجب على من اعترضوا على ما يرتكبه من ألوان الكفر أن يتبرءوا منه ومن ضلاله وإضلاله إذا لم يقبل نصحهم، ولم يعتصم بكتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وأن يتبرءوا من اتباعه وكل من كان على شاكلتهم من الطواغيت وعبدة الطواغيت، قال الله تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا) آل عمران/ الآية 103، وقال: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) الأحزاب/ 21، وقال: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) النحل/ الآية 36 وقال: (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ. الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ) الزمر/ 17، 18، وقال: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) الممتحنة الآية 4، الآية، إلى أن قال سبحانه وتعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) الممتحنة/ 6. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. " فتاوى اللجنة الدائمة " (2 / 388، 389) . وأخيراً قال علماء اللجنة الدائمة: إذا كان واقع كبير علماء " بوهرة " وأتباعه، وما وصفت في أسئلتك: فهم كفرة، لا يؤمنون بأصول الإسلام، ولا يهتدون بهدي كتاب الله، وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يستبعد منهم أن يضطهدوا الصادقين في إيمانهم بالله، وكتابه، وبرسوله صلى الله عليه وسلم، وسنَّته، كما اضطهد الكفار في كل أمة رسل الله الذي أرسلهم سبحانه إليهم لهدايتهم. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. " فتاوى اللجنة الدائمة " (2 / 390) . وينظر لمزيد فائدة حول " البهرة ": كتاب: " أثر الفكر الغربي في انحراف المجتمع المسلم بشبه القارة الهندية " لمؤلفه: خادم حسين إلهي بخش. ثالثاً: وبما ذكرنا يتبين للمسلمين جميعاً: تحريم التزوج من نساء " البهرة "، وتحريم تزويج رجالهم، وأنهم فرقة باطنية تخالف أصول الإسلام وتهدمها، وزوجتك إما أن تتبرأ من تلك الطائفة تبرءاً كاملاً واضحاً بيِّناً، وتكفر بما هم عليه من اعتقادات فاسدة، وإلا فإنه لا يحل لك البقاء معها، وعقدك معها مفسوخ، واستمرارك معها بعد علمك بما عليه من كفر وردَّة يجعل جماعك لها زناً، وليست هي كاليهودية والنصرانية؛ لأنهما كتابيَّات، وأما البهرة فكفَّار باطنيون. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 107544 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1156 من دان بغير الإسلام فهو كافر سواء كان من الصابئة أو من غيرهم [السُّؤَالُ] ـ[هنا بالمغرب جماعة تسمى بالصابئين يدعون أنهم على دين إسماعيل عليه السلام ما حكمهم في الدين؟ وهل هم على صواب أم هم ضالون؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف العلماء في حال الصابئة الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم، هل هم من النصارى أو من اليهود أو المجوس، إلى غير ذلك من الأقوال، وقد سبق بيانها في جواب السؤال رقم (49048) . وأما بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم، فيجب أن يعتقد أن كل من دان بغير دينه فهو كافر، ولا ينفعه انتسابه إلى إبراهيم أو إسماعيل أو موسى أو عيسى عليهم السلام، لأن الله تعالى أرسل محمدا صلى الله عليه وسلم خاتما للأنبياء، وأوجب على الجن والإنس اتباعه والإيمان به، وجعل شريعته ناسخة لجميع الشرائع ومهيمنة عليها، كما قال سبحانه: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) الأحزاب/40، وقال تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) آل عمران/81، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآَمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) النساء/170، وقال سبحانه: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا) المائدة/48. وقال صلى الله عليه وسلم: (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ) رواه مسلم (153) . وعليه؛ فهذه الجماعة التي ذكرتها إذا كانوا لا يدينون بالإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فهم كفار، لا شك في ذلك ولا ريب. وقد أوردت الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة نبذة عن الصابئة الذين يعيشون اليوم في جنوبي العراق وإيران، وأنهم يزعمون أن يحيى عليه السلام هو نبيهم، وذكرت شيئا من عبادتهم كالصلاة التي تختلف عن صلاة المسلمين، والطهارة والتعميد. ينظر: "الموسوعة الميسرة" (2/724- 733) . وأما الصابئة بالمغرب فلا نعلم شيئا عن حالهم، وحسبك ما ذكرنا من أن كل من دان بغير الإسلام فهو كافر، سواء انتسب إلى اليهودية أو النصرانية أو الصابئة أو غيرها، حتى يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم وبدينه وبكتابه ويلتزم شريعته. وقد نص أهل العلم على أن المسلم يكفر ويرتد إذا اعتقد أن أحدا يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، فكيف إذا خرج عنها بالفعل. قال في "كشاف القناع عن متن الإقناع" (6/171) في باب المرتد: " من اعتقد أن لأحدٍ طريقا إلى الله من غير متابعة محمد صلى الله عليه وسلم، أو لا يجب عليه اتباعه، أو أن له أو لغيره خروجا عن اتباعه صلى الله عليه وسلم وعن أخذ ما بُعث به، أو قال: إن من الأولياء من يسعه الخروج عن شريعته صلى الله عليه وسلم كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى صلى الله عليه وسلم، فهو كافر؛ لتضمنه تكذيب قوله تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) الأنعام/153. أو اعتقد أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه، فهو كافر " انتهى بتصرف. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 104342 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1157 هل هذا التصرف يدل على أنه من المكارمة أو الإسماعيلية [السُّؤَالُ] ـ[مديرنا في القطاع من منطقة يعيش فيها إسماعيلية، وأسمع من بعض المراجعين لنا بأنه (مكرمي) وليس (سني) . لكن الذي أجزم به يقينا أنه يقيم صلاته بالصفة التالية (إذا كانوا مجموعة من المصلين يؤدي كل منهم صلاته بمفرده) فهل هذا دليل كاف على أن نصفهم بأنهم (غير مسلمين) ؟؟ وهل يجوز إلقاء السلام عليه؟؟ علما بأنه يلقي علينا السلام؟؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأصل إحسان الظن بالمسلم وحمله على السلامة، ولا يجوز الخروج عن هذا الأصل إلا ببينة، وما ذكرته من صلاته منفردا لا يكفي للحكم عليه بأنه من المكارمة أو الإسماعيلية، مع العلم أن هناك من ينتسب إلى هذه الفرقة اسما، وهو غير عالم بحقيقة مذهبهم، وهذا كثير فيهم، وينبغي أن يكون انشغالك بالدعوة والنصيحة فوق انشغالك بإطلاق الأحكام، ولهذا نقول: توجه بالنصيحة لهذا المدير ليصلي مع الجماعة، فإن صلاة الجماعة واجبة في أصح قول العلماء، وإن بدا في كلامه ما يدل على مخالفته لأهل السنة، فلتكن دعوته بالحكمة والموعظة الحسنة، ويمكنك الاستفادة مما كتب عن الإسماعيلية وعقائدها، في بعض المواقع المتخصصة، وينظر للفائدة: سؤال رقم (7974) ، ورقم (82287) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " لي جار من الطائفة الإسماعيلية يسلم عليَّ فهل لي أن أرد عليه السلام، وهل لي أن أسلم عليه أيضاً؟ فأجاب: نعم رد عليه السلام، عاملوهم بما يعاملونكم به، وادعوهم إلى الله عز وجل؛ لأن الإنسان مسئول عن الدعوة إلى الله عز وجل، والجار أحق بالدعوة إلى الله، فأنت ادعه إلى الله، إما أن تطلبه يزورك، أو تزوره أنت، وتدعوه إلى الله عز وجل، وتبين له الحق، والإنسان بفطرته مجبول على الحق، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (كل مولودٍ يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه) " انتهى من "لقاء الباب الباب المفتوح" (189/18) . وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103329 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1158 نبذة عن حال الدولة العبيدية، نسباً، ومعتقداً [السُّؤَالُ] ـ[ما رأيكم فيمن يدعو إلى إعادة الخلافة \" الفاطمية \"، و \" دولة العبيديين \"، ويقول: إن الدولة المسماة بالدولة الفاطمية هي دولة الإسلام التي يكمن فيها الحل المناسب في الحاضر كما كان حلاًّ في الماضي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قد أخطأ هذا القائل خطأ بالغاً حين نسب الدولة العبيدية للإسلام. والدولة العبيدية – وأطلقوا عليها الدولة الفاطمية لأجل التغرير والتلبيس - أُسست في تونس سنة 297 هـ، وانتقلت إلى مصر سنة 362 هـ، واستقر بها المقام فيها، وامتد سلطانها إلى أجزاء كثيرة من العالم الإسلامي، مثل: الشام، والجزيرة العربية. وقد بدأ حكمهم بالمعز لدين الله!! معاذ بن المنصور العبيدي، وانتهى بالعاضد عبد الله بن يوسف عام 567 هـ. وقد تكلَّم أئمة السنَّة من العلماء والمؤرخين عن نسب هذه الدولة فيبنوا زيف ادعائهم أنهم ينتسبون لفاطمة رضي الله عنها، وبينوا ما فعلته من نشر الكفر والزندقة، وإيذاء أهل السنَّة، وتمكين الكفار، بل والتعاون معهم ضد المسلمين، ومن هؤلاء الأئمة والمؤرخين: أبو شامة، وابن تغري بردي، وابن تيمية، وابن كثير، والذهبي، وغيرهم كثير. قال الإمام الذهبي عن " عبيد الله المهدي " وهو أول حكام تلك الدولة: " وفي نسب المهدي أقوالٌ: حاصِلُها: أنَّه ليس بهاشميٍّ، ولا فاطميٍّ " انتهى. " سير أعلام النبلاء " (15 / 151) . وقال: "وأهل العلم بالأنساب والمحقّقين يُنكِرون دعواه في النَّسبِ " انتهى. " تاريخ الإسلام " حوادث سنة 321 - 330، ص 23. ونقل عن أبي شامة - الذي كتب عن هذه الدولة كتاباً سمّاه " كشف ما كان عليه بنو عبيد من الكفر والكذب والمكر والكيد "- قوله: " يدَّعون الشرف، ونسبتهُم إلى مجوسي، أو يهودي، حتى اشتهر لهم ذلك، وقيل: " الدولة العلوية " و " الدولة الفاطمية "، وإنما هي " الدولة اليهودية " أو " المجوسية " الملحدة، الباطنية " انتهى. انظر " سير أعلام النبلاء " (15 / 213) ، و " الروضتين في أخبار الدولتين " (1 / 216) . ومن أفعال حكام تلك الدولة واعتقادهم: ادعاء علم الغيب، وادعاء النبوة والألوهية، وطلب السجود من رعاياهم وأتباعهم، وسب الصحابة، وهذا توثيق بعض ما سبق وزيادة: 1. ادعاء الألوهية والربوبية: نقل الذهبي رحمه الله أن الفقهاء والعبَّاد نصروا الخوارج في حربهم على الدولة العبيدية لما عندهم من كفر وزندقة، فعندما أراد أبو يزيد مخلد بن كيداد الخارجي حرب بني عبيد قال الذهبي رحمه الله: تسارع الفقهاء والعبَّاد في أهبَّة كاملة بالطبول والبنود، وخَطبهم في الجمعة أحمد بن أبي الوليد، وحرَّضهم، وقال: جاهدوا مَن كفر بالله، وزعم أنه رب من دون الله، ... وقال: اللهم إن هذا القرمطي الكافر المعروف بابن عبيد الله المدعي الربوبية جاحدٌ لنعمتك، كافر بربوبيتك، طاعن على رسلك، مكذب بمحمد نبيك، سافك للدماء، فالعنه لعناً وبيلاً، وأخزه خزياً طويلاً، واغضب عليه بكرةً وأصيلاً، ثم نزل فصلى بهم الجمعة. " سير أعلام النبلاء " (15 / 155) . وممن كان يدعي الربوبية والإلهية الحاكم العبيدي حيث قال عنه الذهبي: " الإسماعيلي، الزنديق، المدعي الربوبية ". " السير " (15 / 173) . وقال عنه أيضاً: يقال: إنه أراد أن يدّعي الإلهية، وشرع في ذلك! فكلّمه أعيان دولته، وخوَّفوه بخروج النّاس كلهم عليه، فانتهى. " السير " (15 / 176) . وممن حرض الحاكم على هذا الادعاء: " حمزة بن علي الزوزني " وهو من دعاة تأليه الحاكم، ومؤسس المذهب الدرزي ببلاد الشام. قال الذهبي - رحمه الله – عنه: وقد قُتل الدرزي الزنديق؛ لادعائه ربوبية الحاكم، وكان قوم من جهلة الغوغاء إذا رأوا " الحاكم " يقولون: يا واحد يا أحد، يا محيي يا مميت. " السير " (15 / 180، 181) . وقال الذهبي – رحمه الله -: قرأت في تاريخ صُنِّف على السنين، في مجلد، صنَّفه بعض الفُضَلاء، سنة بضع وثلاثين وستمائة، قدَّمه لصاحب مصر الملك الصالح: في سنة سبع وستين قال: وكانت الفِعْلة (أي: القضاء على الدولة العبيدية) مِن أشرف أفعاله (أي: صلاح الدين الأيوبي) ، فَلَنِعْمَ ما فعل؛ فإنّ هؤلاء كانوا باطنية زنادقة، دعوا إلى مذهب التناسخ، واعتقاد حلول الجزء الإلهي في أشباحهم. وقال الذهبي: إن الحاكم قال لداعيه: كم في جريدتك؟ قال: ستة عشر ألفاً يعتقدون أنّك الإله. قال شاعرهم: فاحكم فأنت الواحد القهار ... ما شئتَ لا ما شاءت الأقدار! فلعن الله المادح والممدوح، فليس هذا في القبح إلا كقول فرعون " أنا ربكم الأعلى ". وقال بعض شُعرائهم في المهديّ برَقّادة: حل بها آدمُ ونوحُ ... فما سوى الله فهو ريحُ حلّ برقادة المسيحُ ... حلَّ بها الله في عُلاهُ قال: وهذا أعظم كُفراً من النّصارى؛ لأن النّصارى يزعمون أن الجزء الإلهيّ حلّ بناسوت عيسى فقط، وهؤلاء يعتقدون حُلُوله في جسد آدم، ونوح، والأنبياء، وجميع الأئمة. هذا اعتقادهم لعنهم الله. " تاريخ الإسلام " حوداث سنة 561 - 570، ص 274 – 281. وعندما ادعى " عبيد الله " الرسالة أحضر فقيهين من فقهاء القيروان، وهو جالس على كرسي ملكه، وأوعز إلى أحد خدمه فقال للشيخين: أتشهدا أن هذا رسول الله؟ فقالا: والله لو جاءنا هذا والشمس عن يمينه والقمر عن يساره يقولان: إنه رسول الله: ما قلنا ذلك، فأمر بذبحهما. " السير " (14 / 217) . 2. ومن عقائدهم: ادعاء علم الغيب: قال ابن خَلِّكان – رحمه الله -: وذلك لأنهم ادَّعوا علم المغيبات، ولهم في ذلك أخبار مشهورة. " وفيات الأعيان " (5 / 373، 374) . 3. وكان يُسجد لهم، ويأمرون الناس بالسجود لهم، قال الذهبي رحمه الله: ففي سنة 396 هـ خُطب بالحرمين لصاحب مصر " الحاكم "، وأُمَر الناس عند ذكره بالقيام، وأن يسجدوا له، فإنا لله وإنا إليه راجعون. " دول الإسلام " (1 / 350) . وكانوا إذا ذُكِر " الحاكم " قاموا وسجدوا له، قال الذهبي – رحمه الله -: قاموا، وسجدوا في السُّوق، وفي مواضع الاجتماع، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، فلقد كان هؤلاء العُبَيْدِيُّون شرّاً على الإسلام وأهله. " التاريخ " حوادث 381 - 400، ص 234. 4. وكانوا يقتلون العلماء ممن لا يقول بقولهم: قال أبو الحسن القابسي صاحب " الملخص ": إن الذين قتلهم عبيد الله وبنوه: أربعة آلاف في دار النحر في العذاب، مِن عالِم، وعابِد؛ ليردَّهم عن الترضي عن الصحابة. " السير " (15 / 145) . 5. وقد شاركوا القرامطة جرائمهم، قال الذهبي – رحمه الله -: ففي أيام المهدي عاثت القرامطة بالبحرين، وأخذوا الحجيج، وقتلوا، وسبوا، واستباحوا حرم الله، وقلعوا الحجر الأسود، وكان عبيد الله يكاتبهم، ويحرِّضهم، قاتله الله. " السير " (15 / 147) . 6. سب الصحابة: وفي أيامه (العزيز) أُظهر سبُّ الصحابةِ جِهَاراً. " السير " (15 / 170) . فقد أمر بكَتْب سَبّ الصّحابة على أبواب المساجد والشّوارع، وأمر العمال بالسب في سنة خمسٍ وتسعين وثلاث مئة. " تاريخ الإسلام " حوادث سنة 395، ص 283. وقال: وكان سَبُّ الصحابة فاشياً في أيامه (أي: المستنصر) ، والسنَّة غريبة مكتومة. " السير " (15 / 196) . وبالجملة فقد كانوا باطنية، قلبوا الإسلام، وأظهروا الرفض، وأبطنوا الزندقة. قال الذهبي – رحمه الله -: قلبوا الإسلام، وأعلنوا بالرفض، وأبطنوا مذهب الإسماعيلية. " السير " (15 / 141) . وقال الذهبي – رحمه الله -: وأما العبيديون الباطنية: فأعداء الله ورسوله. " السير " (15 / 373) . وقال أيضاً – رحمه الله -: لا يوصف ما قلب هؤلاء العبيديون الدِّين ظهراً لبطن. " السير " (16 / 149) . وقال القاضي عياض – رحمه الله -: قال أبو يوسف الرعيني: " أجمع العلماء بالقيروان: أن حال بني عبيد حال المرتدين والزنادقة ". " ترتيب المدارك " (4 / 720) ، وانظر " السير " (15 / 151) . وقال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله في "الرد على البكري": " العبيديون، وهم ملاحدة في الباطن، أخذوا من مذاهب الفلاسفة والمجوس ما خلطوا به أقوال الرافضة، فصار خيار ما يظهرونه من الإسلام دين الرافضة، وأما في الباطن فملاحدة، شر من اليهود والنصارى. . . ولهذا قال فيهم العلماء: ظاهر مذهبهم الرفض، وباطنه الكفر المحض، وهم من أشد الناس تعظيما للمشاهد، ودعوة الكواكب، ونحو ذلك من دين المشركين، وأبعد الناس عن تعظيم المساجد التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، وآثارهم في القاهرة تدل على ذلك" انتهى. وقال رحمه الله في "الرد على المنطقيين": "العبيديون كانوا يتظاهرون بالإسلام ويقولون إنهم شيعة، فالظاهر عنهم الرفض لكن كان باطنهم الإلحاد والزندقة، كما قال أبو حامد الغزالي في كتاب "المستظهري": ظاهرهم الرفض، وباطنهم الكفر المحض. وهذا الذي قاله أبو حامد فيهم هو متفق عليه بين علماء المسلمين" انتهى. وقال رحمه الله في "منهاج السنة": "وأخبارهم (يعني حكام الدولة العبيدية) مشهورة بالإلحاد والمحادة لله ورسوله والردة والنفاق" انتهى. وقال ابن كثير في "البداية والنهاية" (11/386) : "كان إذا ذكر الخطيب الحاكم يقوم الناس كلهم إجلالاً له، وكذلك فعلوا بديار مصر مع زيادة السجود له، وكانوا يسجدون عند ذكره، يسجد من هو في الصلاة ومن هو في الأسواق يسجدون لسجودهم، لعنه الله وقبحه" انتهى. فهذه هي الدولة العبيدية، وتلك بعض قبائحهم، وبه يتبين خطأ ذلك القائل بحكمه على الدولة العبيدية بأنها كانت على الإسلام، وباختزاله الدول والأزمنة المباركة التي حكمت بالإسلام إلى جعله الدولة العبيدية هي الحل المناسب في هذا الزمان، وهذا قول سوء قبيح. فالذي يقول ذلك يريد إعادة نشر الزندقة والكفر والإلحاد وسب الصحابة وقتل العلماء! وليس هناك حل للمسلمين إلا أن يعودوا إلى هدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصحابته الكرام رضي الله عنهم. نسأل الله تعالى أن يرد المسلمين إلى دينهم رداً جميلاً. وانظر بحثاً بعنوان " موقف الإمام الذهبي من الدولة العبيدية، نسباً ومعتقداً " للدكتور سعد بن موسى الموسى، أستاذ مساعد بكلية الشريعة بجامعة " أم القرى "، نُشر في " مجلة جامعة أم القرى "، العدد 24، ربيع الأول 1423 هـ، مايو (آيار) 2002 م. والله الموفق [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 101896 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1159 دخل في الإسلام، ويدعو الناس إليه، لكنه على علاقة بصديقة له؟!! [السُّؤَالُ] ـ[لدى صديق أسلم، وهو ملتزم دينيّاً، ويقوم كلانا بالدعوة بمدرستنا، لكن ما أود أن أسأل عنه هو أننى لا أستطيع تناسى حقيقة أن لديه صديقة، وقد أخبرتُه دائماً أنه يحرم ذلك، لكنه عندما أخبره بذلك يغضب بشدة مني، ويقول لي: إن عليَّ أن أهتم بشؤوني الخاصة، كما سمعتُ أنه على علاقة بها، هذا بالإضافة إلى حقيقة كونها شيعية، برجاء تقديم النصح حول ما يجب القيام به، أنا لا أستطيع التعايش مع حقيقة أنه يقوم بدعوة المسلمين وغير المسلمين فى حين أن لديه صديقة، ويعلم بذلك مَن بالمدرسة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نسأل الله تعالى أن يتقبل من صديقك إسلامه، وأن يثبته عليه، وأن يوفقه في دعوته التي هي وظيفة الرسل الكرام، وهي من أفضل الأعمال الشرعية، ولكن ينبغي له أن يعلم أن الدعوة إلى الله لا بدَّ أن تكون صادقة حتى يؤجر عليها صاحبها، ومن علامات صدقها: أن يحقق الداعية قولَه بالعمل، ومع الأجر من الله تعالى عليها فإنها سبيلٌ ليتأثر الناس بصاحبها. قال تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) فصلت/ 33. قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: وهذه الآية الكريمة تفيد: أن الدعاة إلى الله عز وجل هم أحسن الناس قولاً، إذا حققوا قولَهم بالعمل الصالح، والتزموا الإسلام عن إيمان ومحبة وفرح بهذه النعمة العظيمة، وبذلك يتأثر الناس بدعوتهم وينتفعون بها ويحبونهم عليها. " فتاوى الشيخ ابن باز " (2 / 319) . ونحن نعجب مثلك من صديقك الداعية كيف يدعو الناس إلى الإسلام، والأخلاق، والاتباع، ثم هو يخالف ذلك بإنشائه علاقة محرَّمة مع من يجب عليه بغضها والبراءة منها ومن أفعالها، وهي الرافضية التي من دينها واعتقادها: تحريف القرآن، وتكفير الصحابة إلا قليلاً منهم، عدا عما تحمله قلوبهم من غل وحقد على عموم أهل السنَّة. وليس هذا من خلق الدعاة إلى الله، ولا من هدي سلفهم من الأنبياء والرسل الكرام. قال علماء اللجنة الدائمة: من الشروط التي يجب أن تتوافر في الداعية إلى الله: ما جاء ذكرها في قصة شعيب، قال الله تعالى حكايةً عن شعيب عليه الصلاة والسلام: (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) هود/ 88. ففي هذه الآية بيان: أن مِن شروط الدعوة: العلم، والكسب الحلال، وامتثاله لما يدعو إليه، فيجتنب ما نهى الله عنه، ويمتثل ما أمر الله به، والنية الحسنة، وتفويض الأمر إلى الله تعالى، والتوكل عليه، وأنه هو الذي بيده التوفيق والإلهام. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. " فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 243) . وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله –: ومما تجب العناية به بالنسبة للداعي: أن يكون هو أسوة حسنة، عنده عبادة، ومعاملة طيبة، وعنده أيضاً أخلاق يدعو الناس بها، وفي الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام: (إنكم لن تسعوا الناس بأرزاقكم، ولكن تسعوهم بحسن الخلق) فحُسن الخلق جذاب، كم من إنسان قليل العلم يهدي الله على يديه أمماً لأنه حسن الخلق، وكم من إنسان عنده علم واسع كثير لكنه جاف سيء الخُلق، ينفِّر الناس منه، وقد ذكَّر الله نبيه بهذا فقال: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) آل عمران/ 159، وهذه الرحمة رحمة للداعي وللمدعو، فهي رحمة من الله لرسوله عليه الصلاة والسلام، ورحمة من الله للخَلْق الذين يدعوهم الرسول؛ لأنه لو كان فظّاً غليظ القلب ما اهتدوا على يديه، فلهذا ينبغي للداعية أن يكون رحب الصدر واسعاً، يأخذ ويعطي ولا يأنف ... " لقاءات الباب المفتوح " (مقدمة اللقاء رقم 94) . ولا ينبغي للداعية أن يعظ الناس ويرشدهم للخير وينسى نفسه، وإذا ذكَّرها فتذكرت فينبغي أن يبادر الداعية بفعل كل ما يأمر به من خير، وأن يبتعد عن كل ما يحذِّر منه من شر وسوء. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ. كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) الصف/ 2، 3. وقال سبحانه: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) البقرة/ 44. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله –: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ) أي: بالإيمان والخير. (وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) أي: تتركونها عن أمرها بذلك، والحال: (وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) وأسمى العل " عقلاً "؛ لأنه يعقل به ما ينفعه من الخير، وينعقل به عما يضره، وذلك أن العقل يحث صاحبه أن يكون أول فاعل لما يأمر به، وأول تارك لما ينهى عنه، فمن أمر غيره بالخير ولم يفعله، أو نهاه عن الشر فلم يتركه: دل على عدم عقله، وجهله، خصوصاً إذا كان عالما بذلك، قد قامت عليه الحجة. وهذه الآية وإن كانت نزلت في سبب بني إسرائيل: فهي عامة لكل أحد؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) وليس في الآية أن الإنسان إذا لم يقم بما أمر به أنه يترك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، لأنها دلت على التوبيخ بالنسبة إلى الواجبين، وإلا فمن المعلوم أن على الإنسان واجبين: أمر غيره ونهيه، وأمر نفسه ونهيها، فترك أحدهما لا يكون رخصة في ترك الآخر، فإن الكمال أن يقوم الإنسان بالواجبين، والنقص الكامل أن يتركهما، وأما قيامه بأحدهما دون الآخر: فليس في رتبة الأول، وهو دون الأخير، وأيضا فإن النفوس مجبولة على عدم الانقياد لمن " تفسير السعدي " (ص 50 , 51) . وقال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -: بخلاف الدعاة الذين يقولون ما لا يفعلون؛ فإنهم لا حظ لهم من هذا الثناء العاطر، ولا أثر لدعوتهم في المجتمع، وإنما نصيبهم في هذه الدعوة: المقت من الله سبحانه، والسب من الناس، والإعراض عنهم، والتنفير من دعوتهم، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ. كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) الصف/ 2، 3، وقال سبحانه: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) البقرة/ 44، فأرشد سبحانه في هذه الآية إلى أن مخالفة الداعي لما يقول: أمرٌ يخالف العقل، كما أنه يخالف الشرع، فكيف يرضى بذلك من له دين أو عقل؟!! . " فتاوى الشيخ ابن باز " (2 / 319) . ثانياً: وأنت أخي الفاضل بعد أن تبين له ما ذكرناه آنفاً من أهمية الدعوة إلى الله، وحقيقتها، وأهمية التزام الداعية بما يرشد الناس إليه، وعدم مخالفة أفعاله لأقواله: عليك واجب النصح – أيضاً – بما يقترفه من إثم في تلك العلاقة الفاجرة بتلك الرافضية، ولا تستمع لقوله، ولا تلتفت لفعله في صدك عن نصحه. عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: (بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِم) . رواه البخاري (57) ومسلم (56) . وعليك بالحكمة في نصحه وإرشاده، فأمر الشهوة عظيم، وفتنة النساء لا تخفى حقيقتها وآثارها على أحد، فكم أزهقت من نفوس، وكم أتلفت من أخلاق، وكم أفسدت من أديان، فتنبه لهذا، وتلطف في دعوته وتوجيهه ونصحه، ولا تستبعد قيام تلك الرافضية بسحره، فلا تتخلى عن صديقك البتة، وإن عجزت عن نصحه وأغلق الباب عليك: فانظر من يمكنك أن تطلعه على أمره من العقلاء المقربين لكما ليقوم بنصحه وإرشاده، وليس ثمة داعٍ لتفصيل الأمر لهذا الناصح؛ لئلا تتسبب في إيجاد حاجز بينك وبين صديقك. ومع نصحك له بترك العلاقة المحرَّمة لا بدَّ من التبيين له عقائد الرافضة، وخطرهم على دينه، وأنه لا يبعد أن تكون هذه مكيدة من أهل دينها للإيقاع به، ليترفض ويترك دينه. وأعلمه أنه حتى لا يجوز له التزوج بها وهي على دينها، إلا أن تتركه وتتبرأ منه، فكيف يجوِّز لنفسه العلاقة بها وهي لا تحل له حتى بالنكاح. سئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: عن الرافضة هل تزوَّج؟ . فأجاب: الرافضة المحضة هم أهل أهواء وبدع وضلال، ولا ينبغي للمسلم أن يزوِّج موليته من رافضي. وإن تزوج هو رافضية: صح النكاح إن كان يرجو أن تتوب، وإلا فترك نكاحها أفضل؛ لئلا تفسد عليه ولده. " مجموع الفتاوى " (32 / 61) . فأنت ترى منع شيخ الإسلام رحمه الله من تزويج الرافضة؛ لما للزوج من أثر على زوجته، وأجاز التزوج بالرافضية بشرط أن يرجو أن تتوب مما عليه، وإلا فلا يجوز. وانظر في تحريف القرآن عند الرافضة: جواب السؤال رقم: (21500) . وانظر في حكم موقفهم من الصحابة: جوابي السؤالين: (45563) و (95588) . وفي الموقع أجوبة كثيرة تتعلق بالرافضة وعقائدهم، فانظر – إن شئت المزيد -: أجوبة الأسئلة (23487) , (12103) , (1148) , (4569) . وليعلم هذا الأخ المنصوح أن من شر ما يكيد به لنفسه، ويغلق عنها أبواب الخير أن يتباعد عن الناصح الأمين الحريص على مصلحته، والداعي له إلى سبيل الخير، وإن ما يرد به على الناصح من مثل هذا القول هو من أسوأ المقال، وقد قال الله تعالى: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً) (الاسراء:53) . وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أحب الكلام إلى الله أن يقول العبد سبحنك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك، وإن أبغض الكلام إلى الله أن يقول الرجل للرجل: اتق الله، فيقول عليك نفسك) . رواه النسائي في الكبرى (10619ـ الرسالة) ، وصحح الألباني إسناده في الصحيحة (2598) والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 101432 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1160 ما يفعله الشيعة في عاشوراء بدعة وضلالة [السُّؤَالُ] ـ[أعيش بدبي وحولنا عد كبير من الشيعة هنا وهم يقولون دائما إن ما يقومون به يومي التاسع والعاشر من شهر محرم هو دليل على حبهم للحسين، ولا شيء فيه، وهو كما قال يعقوب: (يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم. قالوا تالله تفتؤا تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين. قال إنما أشكوا بثى وحزنى إلى الله وأعلم من الله مالا تعلمون) برجاء إطلاعي على الإجابة بخصوص ما إذا كان يجوز ضرب الصدر أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما يفعله الشيعة في عاشوراء من ضرب الصدور، ولطم الخدود، وضرب السلاسل على الأكتاف، وشج الرؤوس بالسيوف وإراقة الدماء، محدث لا أصل له في الإسلام، فإن هذه أمور منكرة نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم، كما أنه لم يشرع لأمته أن تصنع شيئا من ذلك أو قريبا منه، لموت عظيم، أو فقد شهيد، مهما كان قدره ومنزلته. وقد استشهد في حياته صلى الله عليه وسلم عدد من كبار أصحابه الذين حزن لفقدهم كحمزة بن عبد المطلب، وزيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة، فلم يفعل شيئا مما يفعله هؤلاء، ولو كان خيرا لسبقنا إليه صلى الله عليه وسلم. ويعقوب عليه السلام لم يضرب صدرا، ولم يخمش وجها، ولم يُسل دما، ولا اتخذ يوم فقد يوسف عيدا ولا مأتما، وإنما كان يذكر حبيبه وغائبه، فيحزن لذلك ويغتم، وهذا مما لا ينكر على أحد، وإنما المنكر هو هذه الأعمال الموروثة عن الجاهلية، التي نهى عنها الإسلام. فقد روى البخاري (1294) ومسلم (103) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ) . فهذه الأعمال المنكرة التي يعملها الشيعة في يوم عاشوراء لا أصل لها في الإسلام، لم يعملها النبي صلى الله عليه وسلم لأحد من أصحابه، ولا عملها أحد من أصحابه لوفاته أو لوفاة غيره، مع أن المصاب بمحمد صلى الله عليه وسلم أعظم من موت الحسين رضي الله عنه. قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: " فكل مسلم ينبغي له أن يحزنه قتله – أي الحسين- رضي الله عنه، فإنه من سادات المسلمين، وعلماء الصحابة وابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم التي هي أفضل بناته، وقد كان عابدا وشجاعا وسخيا، ولكن لا يحسن ما يفعله الشيعة من إظهار الجزع والحزن الذي لعل أكثره تصنعٌ ورياءٌ، وقد كان أبوه أفضل منه، فقتل وهم لا يتخذون مقتله مأتما كيوم مقتل الحسين، فإن أباه قتل يوم الجمعة وهو خارج إلى صلاة الفجر في السابع عشر من رمضان سنة أربعين، وكذلك عثمان كان أفضل من علي عند أهل السنة والجماعة، وقد قتل وهو محصورٌ في داره في أيام التشريق من شهر ذي الحجة سنة ست وثلاثين، وقد ذبح من الوريد إلى الوريد، ولم يتخذ الناس يوم قتله مأتماً، وكذلك عمر بن الخطاب وهو أفضل من عثمان وعلي، قتل وهو قائم يصلي في المحراب صلاة الفجر ويقرأ القرآن ولم يتخذ الناس يوم قتله مأتماً، وكذلك الصديق كان أفضل منه ولم يتخذ الناس يوم وفاته مأتما، ورسول الله صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم في الدنيا والآخرة، وقد قبضه الله إليه كما مات الأنبياء قبله، ولم يتخذ أحد يوم موتهم مأتما يفعلون فيه ما يفعله هؤلاء الجهلة من الرافضة يوم مصرع الحسين ... وأحسن ما يقال عند ذكر هذه المصائب وأمثالها ما رواه علي بن الحسين عن جده رسول الله صلى الله عليه وسلمأنه قال: (ما من مسلم يصاب بمصيبة فيتذكرها وإن تقادم عهدها فيحدث لها استرجاعا إلا أعطاه الله من الأجر مثل يوم أصيب بها) رواه الإمام أحمد وابن ماجه. " انتهى من "البداية والنهاية" (8/221) . وقال في (8/220) : " وقد أسرف الرافضة في دولة بني بويه في حدود الأربعمائة وما حولها فكانت الدبادب - أي الطبول - تضرب ببغداد ونحوها من البلاد في يوم عاشوراء، ويُذر الرماد والتبن في الطرقات والأسواق، وتعلق المسوح على الدكاكين، ويظهر الناس الحزن والبكاء، وكثيرٌ منهم لا يشرب الماء تلك الليلة موافقةً للحسين؛ لأنه قتل عطشان ثم تخرج النساء حاسراتٍ عن وجوههن ينحن ويلطمنَ وُجوههن وصدورهن حافيات في الأسواق إلى غير ذلك من البدع الشنيعة والأهواء الفظيعة، والهتائك المخترعة، وإنما يريدون بهذا وأشباهه أن يشنعوا على دولة بني أمية، لأنه قتل في دولتهم. وقد عاكس الرافضةَ والشيعة يوم عاشوراء النواصبُ من أهل الشام، فكانوا إلى يوم عاشوراء يطبخون الحبوب ويغتسلون ويتطيبون ويلبسون أفخر ثيابهم ويتخذون ذلك اليوم عيدا يصنعون فيه أنواع الأطعمة، ويظهرون السرور والفرح، يريدون بذلك عناد الروافض ومعاكستهم " انتهى. والاحتفال بهذا اليوم بدعة، كما أن جعله مأتما بدعة كذلك، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وصار الشيطان بسبب قتل الحسين رضي الله عنه، يُحدث للناس بدعتين: بدعة الحزن والنوح يوم عاشوراء من اللطم والصراخ والبكاء وإنشاد المراثى. . . وبدعة السرور والفرح. . . فأحدث أولئك الحزن، وأحدث هؤلاء السرور، فصاروا يستحبون يوم عاشوراء الاكتحال والاغتسال واتوسعة على العيال وإحداث أطعمة غير معتادة. . . وكل بدعة ضلالة، ولم يستحبَّ أحدٌ من أئمة المسلمين الأربعة وغيرهم لا هذا ولا هذا " انتهى من "منهاج السنة" (4/554) باختصار. وينبغي التنبيه على أن هذه الأعمال المنكرة يشجعها أعداء الإسلام، ليتوصلوا بها إلى مقاصدهم الخبيثة لتشويه صورة الإسلام وأهله، وفي هذا يقول موسى الموسوي في كتابه: "الشيعة والتصحيح": " ولكن الذي لا شك فيه أن ضرب السيوف على الرؤوس، وشج الرأس حداداً على " الحسين " في يوم العاشر من محرم تسرب إلى إيران والعراق من الهند، وفي إبان الاحتلال الإنجليزي لتلك البلاد، وكان الإنجليز هم الذين استغلوا جهل الشيعة وسذاجتهم وحبهم الجارف للإمام الحسين فعلموهم ضرب القامات على الرؤوس، وحتى إلى عهد قريب كانت السفارات البريطانية في طهران وبغداد تمول المواكب الحسينية التي كانت تظهر بذلك المظهر البشع في الشوارع والأزقة، وكان الغرض وراء السياسة الاستعمارية الإنجليزية في تنميتها لهذه العملية البشعة واستغلالها أبشع الاستغلال هو إعطاء مبرر معقول للشعب البريطاني وللصحف الحرة التي كانت تعارض بريطانيا في استعمارها للهند ولبلاد إسلامية أخرى، وإظهار شعوب تلك البلاد بمظهر المتوحشين الذين يحتاجون إلى قيِّم ينقذهم من أودية الجهل والتوحش، فكانت صور المواكب التي تسير في الشوارع في يوم عاشوراء وفيها الآلاف من الناس يضربون بالسلاسل على ظهورهم ويدمونها بالقامات والسيوف على رؤوسهم ويشجونها تنشر في الصحف الإنجليزية والأوربية، وكان الساسة الاستعماريون يتذرعون بالواجب الإنساني في استعمار بلادٍ تلك هي ثقافة شعوبها ولحمل تلك الشعوب على جادة المدنية والتقدم، وقد قيل إن " ياسين الهاشمي " رئيس الوزراء العراقي في عهد الاحتلال الإنجليزي للعراق عندما زار لندن للتفاوض مع الإنجليز لإنهاء عهد الانتداب قال له الإنجليز: نحن في العراق لمساعدة الشعب العراقي كي ينهض بالسعادة وينعم بالخروج من الهمجية، ولقد أثار هذا الكلام " ياسين الهاشمي " فخرج من غرفة المفاوضات غاضباً غير أن الإنجليز اعتذروا منه بلباقة ثم طلبوا منه بكل احترام أن يشاهد فيلماً وثائقياً عن العراق، فإذا به فيلم عن المواكب الحسينية في شوارع النجف وكربلاء والكاظمية تصور مشاهد مروعة ومقززة عن ضرب القامات والسلاسل، وكأن الإنجليز قد أرادوا أن يقولوا له: هل إن شعباً مثقفاً لم يحظ من المدنية بحظ قليل يعمل بنفسه هكذا؟! " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 101268 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1161 منزلة أئمة الشيعة الاثني عشرية [السُّؤَالُ] ـ[ما هي منزلة أئمة الشيعة الاثنى عشر وبالأخص المتأخرون منهم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الرافضة أو الإمامية أو الاثنا عشرية، إحدى فرق الشيعة، وسموا رافضة لرفضهم أكثر الصحابة، ورفضهم لإمامة الشيخين أبي بكر وعمر، أو لرفضهم إمامة زيد بن علي، وتفرقهم عنه. وسموا بالإمامية لأنهم أكثروا من الاهتمام بمسألة الإمامة، وجعلوها أصل الدين، أو لزعمهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم نص على إمامة علي وأولاده. وسموا بالاثنى عشرية لاعتقادهم وقولهم بإمامة اثنى عشر رجلا من آل البيت، أولهم علي رضي الله عنه، وآخرهم محمد بن الحسن العسكري الغائب الموهوم، الذي يزعمون أنه دخل سرداب سامراء في منتصف القرن الثالث الهجري!! وأنه لا يزال حيا بداخله، وهم ينتظرون خروجه! ولهم عقائد وأصول مخالفة لما عليه أهل الإسلام، منها: 1- غلوهم في أئمتهم: فقد ادعوا لهم العصمة، وصرفوا لهم كثيرا من العبادات كالدعاء والاستغاثة والذبح والطواف، وهذا من الشرك الأكبر الذي أخبر الله تعالى أنه لا يغفر. وهذا الشرك يقترفه علماؤهم وعامتهم دون نكير. 2- القول بتحريف القرآن الكريم، بالنقص والزيادة، ولهم في ذلك مؤلفات يعرفها علماؤهم وكثير من عامتهم، حتى جعلوا القول بتحريف القرآن من ضرورات مذهبهم، وراجع السؤال رقم سؤال رقم (21500) 3- تكفير أكثر الصحابة رضي الله عنهم، والتبرؤ منهم، والتقرب إلى الله بلعنهم وشتمهم، ودعواهم أنهم ارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه إلا نفرا يسيرا (سبعة فقط) ؛ وهذا تكذيب للقرآن الذي أظهر فضلهم، وأخبر أن الله قد رضي عنهم واختارهم لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، كما يلزم منه الطعن في القرآن نفسه لأنه منقول عن طريقهم، فإذا كانوا كفارا، لم يؤمن تحريفهم وتبديلهم له، وهذا ما يعتقده الرافضة كما سبق. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وأما من جاوز ذلك إلى أن زعم أنهم ارتدوا بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام إلا نفراً قليلاً لا يبلغون بضعة عشر نفساً، أو أنهم فسقوا عامتهم، فهذا لا ريب أيضاً في كفره، لأنه كذب لما نصه القرآن في غير موضع: من الرضى عنهم والثناء عليهم، بل من يشك في كفره مثل هذا فإن كفره متعين، فإن مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب والسنة كفار أو فساق، وأن هذه الآية التي هي: (كنتم خير أمة أخرجت للناس) وخيرها هو القرن الأول، كان عامتهم كفاراً أو فساقاُ، ومضمونها أن هذه الأمة شر الأمم، وأن سابقي هذه الأمة هم شرارها، وكفر هذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام " انتهى من "الصارم المسلول على شاتم الرسول" ص 590. 4- نسبة البداء إلى الله تعالى: ومعناه حدوث رأي جديد لم يكن من قبل، وفيه نسبة الجهل إلى الله تعالى. 5- القول بالتقية، وهي أن يظهر الإنسان خلاف ما يبطن، فحقيقتها الكذب والنفاق، والبراعة في خداع الناس، وليس ذلك مقصورا عندهم على حالة الخوف، بل يرون استعمال التقية دينا، في الصغير والكبير، والخوف والأمن، وكل ما جاء من حق عن إمام من أئمتهم، كمدح أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أو موافقة لأهل السنة ولو كان في مسائل الطهارة والطعام والشراب، رفضه الشيعة، وقالوا: إن الإمام تكلم به على سبيل التقية. 4- القول بالرجعة: وهي اعتقادهم أن النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته عليّ والحسن والحسين وبقية الأئمة سيرجعون. وفي المقابل يرجع أبو بكر وعمر وعثمان ومعاوية، ويزيد وابن ذي الجوشن، وكل من آذى أهل البيت بزعمهم. فكل هؤلاء سيرجعون عندهم إلى الدنيا مرة أخرى قبل يوم القيامة عند رجوع المهدي إلى الظهور -كما قرره لهم عدو الله ابن سبأ- يرجعون ليتم عقابهم كما آذوا أهل البيت واعتدوا عليهم ومنعوهم حقوقهم، فينالهم العقاب الشديد ثم يموتون جميعاً، ثم يحيون يوم القيامة للجزاء الأخير مرة أخرى – هكذا يزعمون. إلى غير ذلك من العقائد الفاسدة، التي يمكن الوقوف على تفاصيلها وبيان بطلانها من خلال كتاب: الخطوط العريضة لمحب الدين الخطيب، أو أصول مذهب الشيعة الإمامية للدكتور ناصر القفاري، أو فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام، للدكتور غالب بن علي عواجى 1/127-269، أو الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة 1/51-57 وينظر جواب السؤال رقم (1148) وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل الطريقة الشيعة الإمامية من الإسلام؟ ومن الذي اخترعها؟ لأنهم أي الشيعة ينسبون مذهبهم لسيدنا علي كرم الله وجهه؟ الجواب: " مذهب الشيعة الإمامية مذهب مبتدع في الإسلام أصوله وفروعه، ونوصيك بمراجعة كتاب " الخطوط العريضة " و "مختصر التحفة الإثني عشرية" و"منهاج السنة" لشيخ الإسلام، وفيها بيان الكثير من بدعهم. عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد الله بن غديان " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (2/377) ثانيا: تبين مما سبق بطلان هذا المذهب، ومخالفته لما عليه أهل السنة والجماعة، وأنه لا يقبل من أحد اعتقاده، لا من العلماء ولا من العمة. وأما الأئمة الذين ينتسب إليهم هؤلاء، فإنهم بريئون من هذا الإفك والباطل. وإليك أسماء هؤلاء الأئمة: 1- علي بن أبي طالب رضي الله عنه، استشهد سنة 40 هـ 2- الحسن بن علي رضي الله عنه (3 – 50 هـ) . 3- الحسين بن علي رضي الله عنه (4- 61 هـ) . 4- علي زين العابدين بن الحسين (38- 95 هـ) ويلقبونه بالسجاد. 5- محمد بن علي زين العابدين (57- 114 هـ) ويلقبونه بالباقر. 6- جعفر بن محمد الباقر (83- 148 هـ) ويلقبونه بالصادق. 7- موسى بن جعفر الصادق (128- 183 هـ) ويلقبونه بالكاظم. 8- علي بن موسى الكاظم (148- 203 هـ) ويلقبونه بالرضا. 9- محمد الجواد بن علي الرضا (195- 220 هـ) ويلقبونه بالتقي. 10- علي الهادي بن محمد الجواد (212- 254 هـ) ويلقبونه بالنقي. 11- الحسن العسكري بن علي الهادي (232- 260 هـ) ويلقبونه بالزكي. 12- محمد المهدي بن الحسن العسكري، ويلقبونه بالحجة القائم المنتظر. ويزعمون أنه دخل سردابا في سامراء. وأكثر الباحثين على أنه غير موجود أصلا، وأنه من اختراعات الشيعة. وينظر: الموسوعة الميسرة (1/51) . قال ابنُ كثيرٍ في " البداية والنهاية " (1/177) : " وأما ما يعتقدونه بسرداب سامرا فذاك هوس في الرؤوس، وهذيان في النفوس، لا حقيقة له، ولا عين، ولا أثر " انتهى. ويُقّسِّم ابن تيمية رحمه الله الأئمة الاثنى عشر إلى أربعة أقسام: القسم الأول: علي بن أبي طالب، والحسن، والحسين رضي الله عنهم وهم صحابة أجلاء، لا يُشَكّ في فضلهم وإمامتهم، ولكن شَاركَهُم في فضل الصحبة خلق كثير، وفي الصحابة من هو أفضل منهم بأدلة صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم. القسم الثاني: علي بن الحسين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر، وهؤلاء من العلماء الثقات المعتد بهم. منهاج السنة: (2/243،244) . القسم الثالث: علي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي بن موسى الجواد، وعلي بن محمد بن علي العسكري، والحسن بن علي بن محمد العسكري، وهؤلاء يقول عنهم شيخ الإسلام: " فهؤلاء لم يظهر عليهم علمٌ تستفيده الأمة، ولا كان لهم يدٌ تستعين بها الأمة، بل كانوا كأمثالهم من الهاشميين، لهم حرمة ومكانة، وفيهم من معرفة ما يحتاجون إليه في الإسلام والدين ما في أمثالهم، وهو ما يعرفه كثير من عوام المسلمين، وأما ما يختص به أهل العلم، فهذا لم يُعرف عنهم، ولهذا: لم يأخذ عنهم أهل العلم كما أخذوا عن أولئك الثلاثة، ولو وجدوا ما يُستفاد لأخذوا، ولكن طالب العلم يعرف مقصوده " منهاج السنة (6/387) . القسم الرابع: محمد بن الحسن العسكري المنتظر، وهذا لا وجود له كما سبق. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 101272 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1162 حكم القومية العربية، وحكم الانتقاص من النبي صلى الله عليه وسلم [السُّؤَالُ] ـ[هل يرتد من سئل " أيهما أفضل عندك نبيك صلى الله عليه وسلم أم لغتك؟ " فأجاب: " لغتي "! ؟ وهل يرتد إن قال ذلك مازحا أو جاهلا؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لسنا ندري حقيقة المقارنة والمفاضلة بين " حسي " و " معنوي "، فكيف يقول المجيب إن " اللغة " – وهي شيء معنوي، ليس بذات – أفضل من النبي صلى الله عليه وسلم – وهو شيء حسي، له ذات -؟ . وعندما تأملنا وجدنا أن الأمر قد يحتمل صورتين، واحدة تتعلق بالسائل، وأخرى تتعلق بالمجيب. أما التي تتعلق بالمجيب: فهو أنه يحتمل أن " اللغة " تعني: القومية العربية - والظاهر أنهم عرب، وأن الكلام عن اللغة العربية -، وأن النبي صلى الله عليه وسلم يعني " الإسلام "، وهذا الاحتمال يجعل المقارنة والمفاضلة بين شيئين يمكن السؤال والإجابة عنهما. وأما التي تتعلق بالسائل: فهو أن يكون أراد أن يستفز السائل بالإنكار عليه في تعظيم " لغته " بذِكر شيء معظَّم عند المسلمين، وهو النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله إن كانت لغته أعظم من النبي صلى الله عليه وسلم. ثانياً: إن كان الاحتمال الأول هو الصواب: فإن المجيب وقع في الكفر، فالقومية العربية دعوى جاهلية تحمل الكفر، وتطعن في التشريعات الإسلامية، وتفرِّق بين المسلمين، وتجمع بينهم وبين غير المسلمين على أساس اللغة العربية، فالعربي الكافر عندهم أقرب لهم وأحب من المسلم الأعجمي! وهذا كفر صريح بالإسلام وتشريعاته. قال شاعر القومية: فخري البارودي: بلادُ العرب أوطاني من الشام لبغدانِ ومن نجدٍ إلى يَمَنٍ إلى مصرَ فتَطوان فلا حدٌّ يُباعدنا ولا دينٌ يُفرِّقنا لسانُ الضاد يجمعنا بغسّانٍ وعدنانِ سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -: ما رأيكم في الدعوة إلى القومية التي تعتقد أن الانتساب إلى العنصر، أو اللغة مقدَّم على الانتساب إلى الدين , وهذه الجماعات تدعي أنها لا تعادي الدين ولكنها تقدم القومية عليه، ما رأيكم في هذه الدعوى؟ . فأجاب: هذه دعوة جاهلية، لا يجوز الانتساب إليها، ولا تشجيع القائمين بها , بل يجب القضاء عليها؛ لأن الشريعة الإسلامية جاءت بمحاربتها والتنفير منها , وتفنيد شبههم ومزاعمهم والرد عليها بما يوضح الحقيقة لطالبها؛ لأن الإسلام وحده هو الذي يخلد العروبة لغة، وأدباً، وخلقاً , وأن التنكر لهذا الدين معناه القضاء الحقيقي على العروبة في لغتها، وأدبها، وخلقها , ولذلك يجب على الدعاة أن يستميتوا في إبراز الدعوة إلى الإسلام بقدر ما يستميت الاستعمار في إخفائه. ومن المعلوم من دين الإسلام بالضرورة أن الدعوة إلى القومية العربية أو غيرها من القوميات دعوة باطلة، وخطأ عظيم، ومنكر ظاهر، وجاهلية نكراء، وكيد للإسلام وأهله , وذلك لوجوه قد أوضحناها في كتاب مستقل سميته: " نقد القومية العربية على ضوء الإسلام والواقع ". " فتاوى الشيخ ابن باز " (4 / 173) . والكتاب موجود بكامله في " فتاوى الشيخ ابن باز " (1 / 280 – 318) . وقال الشيخ – رحمه الله – أيضاً: إن من أعظم الظلم، وأسفه السفه , أن يقارن بين الإسلام وبين القومية العربية , وهل للقومية المجردة من الإسلام من المزايا ما تستحق به أن تجعل في صف الإسلام , وأن يقارن بينها وبينه؟ لا شك أن هذا من أعظم الهضم للإسلام، والتنكر لمبادئه، وتعاليمه الرشيدة , وكيف يليق في عقل عاقل أن يقارن بين قومية لو كان أبو جهل , وعتبة بن ربيعة , وشيبة بن ربيعة وأضرابهم من أعداء الإسلام أحياء لكانوا هم صناديدها وأعظم دعاتها , وبين دين كريم صالح لكل زمان ومكان , دعاته وأنصاره هم: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر الصديق , وعمر ابن الخطاب , وعثمان بن عفان , وعلي بن أبي طالب , وغيرهم من الصحابة، صناديد الإسلام، وحماته الأبطال , ومن سلك سبيلهم من الأخيار؟ لا يستسيغ المقارنة بين قومية هذا شأنها , وهؤلاء رجالها، وبين دين هذا شأنه، وهؤلاء أنصاره ودعاته , إلا مصاب في عقله , أو مقلد أعمى , أو عدو لدود للإسلام، ومن جاء به، وما مثل هؤلاء في هذه المقارنة إلا مثل من قارن بين البعر والدر , أو بين الرسل والشياطين , ومن تأمل هذا المقام من ذوي البصائر , وسبر الحقائق والنتائج: ظهر له أن المقارنة بين القومية والإسلام: أخطر على الإسلام من المقارنة بين ما ذكر آنفا، ثم كيف تصح المقارنة بين قومية غاية من مات عليها النار , وبين دين غاية من مات عليه الفوز بجوار الرب الكريم , في دار الكرامة والمقام الأمين؟ . اللهم اهدنا وقومنا سواء السبيل , إنك على كل شيء قدير. " فتاوى الشيخ ابن باز " (1 / 320، 321) . وهذان جوابان نافعان من الشيخ رحمه الله حول المقارنة بين القومية العربية والإسلام، وفي الجواب الثاني حكم من قارن بينهما، وفيه ذكر أنه " مصابٌ في عقله "، أو " مقلِّد أعمى "، أو " عدو لدود للإسلام ". فمن كان يهل حال القومية: فقد يكون معذوراً، ومن جهل حال الإسلام واعتقد أن غيره من الأديان والنظم والمبادئ خير منه: فلا شك في كفره. ثالثاً: وإن كان الاحتمال الثاني هو الواقع: فإن السائل يكون أساء في ذِكر النبي صلى الله عليه وسلم في المفاضلة، والمجيب قد أساء أكثر بإجابته السخيفة، والتي هي كفر في ذاتها؛ لأن فيها انتقاصاً من النبي صلى الله عليه وسلم، وإساءة له. والواجب على المسلم أن يعظِّم نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن ينصره، ويؤيده، وأن يمنعه من كل ما يؤذيه، كما يجب عليه توقيره وتكريمه، والله تعالى ذكر ذلك أنه من صفات المؤمنين، وذكره ثانياً آمراً به المسلمين. قال تعالى: (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الأعراف/من الآية 157. وقال تعالى: (إنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً ومُبَشِّراً ونَذِيراً. لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ وتُعَزِّرُوهُ وتُوَقِّرُوهُ وتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وأَصِيلاً) الفتح/ 8، 9. قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: ومن ذلك: أن الله أمر بتعزيره فقال: (وتعزِّروه وتوقروه) الفتح/ 9، والتعزير: اسم جامع لنصره، وتأييده، ومنعه من كل ما يؤذيه. والتوقير: اسم جامع لكل ما فيه سكينة، وطمأنينة، من الإجلال والإكرام، وأن يعامَل من التشريف، والتكريم، والتعظيم بما يصونه عن كل ما يخرجه عن حدِّ الوقار. " الصارم المسلول " (1 / 425) . وليس تعظيمه وتوقيره مختصاً بحياته صلى الله عليه وسلم، بل وبعد مماته. قال القاضي عياض – رحمه الله -: واعلم أن حرمة النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته، وتوقيره، وتعظيمه: لازم، كما كان حال حياته، وذلك عند ذكره صلى الله عليه وسلم، وذكر حديثه، وسنته، وسماع اسمه، وسيرته، ومعاملة آله، وعترته، وتعظيم أهل بيته، وصحابته. " الشفا في أحوال المصطفى " (2 / 40) . وقد نهى الله تبارك وتعالى المسلمين أن ينادوا النبي صلى الله عليه وسلم باسمه المجرد كما يفعلونه مع بعضهم، وهذا من أوجه تعظيمه صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: (لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) النور/63. قال الضحاك عن ابن عباس: كانوا يقولون: يا محمد، يا أبا القاسم، فنهاهم الله عز وجل عن ذلك؛ إعظامًا لنبيه صلوات الله وسلامه عليه، قال: فقالوا: يا رسول الله، يا نبي الله. وهكذا قال مجاهد، وسعيد بن جُبَير. وقال قتادة: أمر الله أن يهاب نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن يُبَجَّل، وأن يعظَّم، وأن يسوَّد. وقال مقاتل بن حَيَّان: لا تُسَمّوه إذا دَعَوتموه: يا محمد، ولا تقولوا: يا ابن عبد الله، ولكن شَرّفوه فقولوا: يا نبي الله، يا رسول الله. وقال مالك عن زيد بن أسلم: أمرهم الله أن يشرِّفوه. هذا قول، وهو الظاهر من السياق، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا) البقرة/104، وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) إلى قوله: (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ) الحجرات/2-5. فهذا كله من باب الأدب في مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم، والكلام معه، وعنده، كما أمروا بتقديم الصدقة قبل مناجاته. " تفسير ابن كثير " (6 / 88، 89) . وقد توعَّد الله تعالى مَن رفع صوته على نبيه بذهاب عمله وبطلانه. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) الحجرات/2. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -: وهذا أدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطابه، أي: لا يرفع المخاطِب له صوته معه فوق صوته، ولا يجهر له بالقول، بل يغض الصوت، ويخاطبه بأدب ولين، وتعظيم وتكريم، وإجلال وإعظام، ولا يكون الرسول كأحدهم، بل يميزوه في خطابهم، كما تميز عن غيره في وجوب حقه على الأمة، ووجوب الإيمان به، والحب الذي لا يتم الإيمان إلا به، فإن في عدم القيام بذلك محذوراً، وخشية أن يحبط عمل العبد وهو لا يشعر، كما أن الأدب معه من أسباب حصول الثواب، وقبول الأعمال. " تفسير السعدي " (ص 799) . وقد أجمع أهل العلم على وجوب قتل من سبَّ الرسول صلى الله عليه وسلم، أو عابه، أو انتقص من قدره صلى الله عليه وسلم، سواء بالتصريح أو الإشارة. قال القاضي عِياض – رحمه الله -: اعلم وفقنا الله وإياك أن جميع مَن سَبَّ النبي صلى الله عليه وسلم، أو عابه، أو ألحق به نقصاً في نفسه، أو نسَبِه، أو دينه، أو خَصْلة من خصاله، أو عَرَّض به، أو شَبَّهه بشيء على طريق السبِّ له، أو الازدراء عليه، أو التصغير لشأنه، أو الغض منه، أو العيب له: فهو سابٌّ له، والحكم فيه حكم السابِّ، يقتل، وكذلك يُعاقَب بالقتل مَن لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو دعا عليه، أو تَمنَّى مَضَرَّة له، أو نسَب إليه ما لا يَليق بمَنْصِبِه على طريق الذم، أو عبث في جهته العزيزة بسَخَف من الكلام، وهَجْر، ومُنْكَر من القول وزور، أو عَيَّره بشيء جرى له من البلاء والمِحْنة، أو نَقَصَ من قَدْره ببعض العوارض البشرية الجائزة والمعهودة لديه. وقد انعقد على هذا إجماع العلماء، وأئمة الفتوى، من لَدُنْ صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى يومنا، وإلى أن يَرِثَ الله الأرضَ ومن عليها. " الشفا بتعريف حقوق المصطفى " (2 / 214) . رابعاً: الأقوال والأفعال التي تخرج صاحبها من الإسلام يستوي فيها حكم الجاد والمازح والمستهزئ. قال الله تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ) التوبة:65-66 قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وهذا نص في أن الاستهزاء بالله وبآياته وبرسوله كفر فالسب المقصود بطريق الأولى وقد دلت هذه الآية على أن كل من تنقص رسول الله صلى الله عليه وسلم جادا أو هازلا فقد كفر " " الصارم المسلول" (1/37) فانصح – أيها السائل الكريم – هذا الرجل، وخوفه من الله عز وجل، وبين له شناعة ما قال، وان دين الله تعالى ليس محلاً للجدال والخصام، أو السخرية والاستهزاء، وأعلمه ما يجب عليه من التوبة الصادقة إلى الله عز وجل، والندم على ما بدر منه والاستكثار من الخيرات، عسى الله أن يهديه ويعفو عنه. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97732 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1163 التفصيل في فرق الشيعة [السُّؤَالُ] ـ[نحن بحاجة ماسة لمعرفة أوجه الخلاف بين أهل السنة والشيعة، نرجو توضيح عقائدهم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الشيعة فرق كثيرة وفيهم الكافر الذي يعبد علياً ويقول: يا على، ويعبد فاطمة والحسين وغيرهم. ومنهم من يقول: جبريل عليه الصلاة والسلام خان الأمانة وأن النبوة عند على وليست عند محمد. وفيهم أناس آخرون، منهم الإمامية ـ وهم الرافضة الاثنا عشريةـ عُبَّاد علي ويقولون: إن أئمتهم أفضل من الملائكة والأنبياء. ومنهم أقسام كثيرة وفيهم الكافر وفيهم غير الكافر، وأسهلهم وأيسرهم من يقول على أفضل من الثلاثة (أبوبكر وعمر وعثمان) وهذا ليس بكافر لكن مخطئ، فإن علياً هو الرابع، والصدّيق وعمر وعثمان هم أفضل منه، إذا فضله على أولئك الثلاثة فإنه قد أخطأ وخالف إجماع الصحابة ولكن لا يكون كافراً، وهم طبقات وأقسام ومن أراد ذلك فليراجع كلام الأئمة، مثل الخطوط العريضة لمحب الدين الخطيب، و"منهاج السنة" لشيخ الإسلام ابن تيمية، وكتب أخرى أٌلفت في ذلك "كالشيعة والسنة "لإحسان إلهي ظهير، وغير ذلك كتب كثيرة فى مثل هذا الباب نوعت وبينت أغلاطهم وشرهم نسأل الله العافية. ومن أخبثهم الإمامية الاثنا عشرية والنصيرية ويقال لهم الرافضة، لأنهم رفضوا زيد بن علي لما أبى أن يتبرأ من الشيخين أبى بكر وعمر وخالفوه ورفضوه، فما كل من ادعى الإسلام يسلم له بأنه أصبح مسلماً، من ادعى الإسلام ينظر في دعواه، فمن عبد الله وحده، وصدّق رسوله، وتابع ما جاء به فإن هذا هو المسلم، وأما إذا ادعى الإسلام وهو يعبد فاطمة ويعبد البدوي ويعبد العيدروس وغيرهم فهو ليس بمسلم، نسأل الله السلامة والعافية وهكذا من سبٌ الدين أو ترك الصلاة ولو قال: إنه مسلم ما يكون مسلماً، أو استهزأ بالدين أو استهزأ بالصلاة أو بالزكاة أو بالصيام أو بمحمد عليه الصلاة والسلام أو كذبه، أو قال: إنه جاهل أو قال: إنه ما أتم الرسالة ولا بلغ البلاغ المبين، كل هؤلاء كفرة، نسأل الله العافية" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (28/257) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97448 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1164 الفرقة الناجية [السُّؤَالُ] ـ[كثرت الطوائف والفرق التي تزعم أنها هي الطائفة المنصورة، واشتبه على كثير من الناس الأمر، فماذا نفعل؟ خاصة أن هناك فرقا تنتسب للإسلام كالصوفية والسلفية ونحو ذلك من الفرق فكيف نميز بارك الله فيكم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة- يعني كلها في النار إلا واحدة وهم أتباع موسى- وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة- والمعنى أن كلها في النار إلا واحدة وهم التابعون لعيسى عليه السلام- قال وستفترق هذه الأمة- يعني أمة محمد عليه الصلاة والسلام- على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قيل: يا رسول الله، من هي الفرقة الناجية؟ قال: الجماعة) وفي لفظ: (ما أنا عليه وأصحابي) رواه ابن ماجة (3992) . هذه هي الفرقة الناجية، الذين اجتمعوا على الحق الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم واستقاموا عليه، وساروا على نهج الرسول صلى الله عليه وسلم ونهج أصحابه، وهم أهل السنة والجماعة، وهم أهل الحديث الشريف السلفيون الذين تابعوا السلف الصالح، وساروا على نهجهم في العمل بالقرآن والسنة، وكل فرقة تخالفهم فهي متوعدة بالنار. فعليك أن تنظر في كل فرقة تدعي أنها فرقة ناجية، فتنظر أعمالها؟ فإن كانت أعمالها مطابقة للشرع فهي من الفرقة الناجية، وإلا فلا، والمقصود أن الميزان هو القرآن العظيم والسنة المطهرة في حق كل فرقة، فمن كانت أعمالها وأقوالها تسير على كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم فهذه داخلة في الفرقة الناجية، ومن كانت بخلاف ذلك كالجهمية والمعتزلة والرافضة والمرجئة وغير ذلك. وغالب الصوفية الذين يبتدعون في الدين ما لم يأذن به الله، هؤلاء كلهم داخلون في الفرق التي توعدها الرسول صلى الله عليه وسلم بالنار حتى يتوبوا مما يخالف الشرع. وكل فرقة عندها شيء يخالف الشرع المطهر فعليها أن تتوب منه، وترجع إلى الصواب وإلى الحق الذي جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وبهذا تنجو من الوعيد، أما إذا بقيت على البدع التي أحدثتها في الدين ولم تستقم على طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنها داخلة في الفرق المتوعدة، وليست كلها كافرة، إنما هي متوعدة بالنار، فقد يكون فيها من هو كافر لفعله شيئا من الكفر، وقد يكون فيها من هو ليس بكافر ولكنه متوعد بالنار، بسبب ابتداعه في الدين، وشرعه في الدين ما لم يأذن به الله سبحانه وتعالى. انتهى فتاوى نور على الدرب للشيخ عبد العزيز بن باز (1/15) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97250 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1165 صديقه مبتدع أدخل في قلبه بغض بعض الصحابة فماذا يفعل؟ [السُّؤَالُ] ـ[كان لي صديق من أحد الفرق الضالة وكان يحدثني عن بعض القصص التي حدثت بين الصحابة رضي الله عنهم وكان ينتقص بعض الصحابة من خلال القصص بشكل غير علني وكنت أستمع إليه مجاملة له وأنا في نفسي أعلم أنه كاذب ولكن مع مرور الأيام عندما أسمع أسماء بعض الصحابة أجد في نفسي عليهم حنقا لم أجده من قبل أن أستمع إلى هذا الضال سؤالي: هل من نصيحة لي لكي أعيد تعظيم الصحابة وعدم الشك فيهم في نفسي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما ذكرته من وجْدك وحنقك على بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هو أثر من آثار صحبة هذا المبتدع، وهو دال على فقه السلف في تحذيرهم من مجالسة أهل البدع، وتشديدهم في ذلك. كان أبو قلابة رحمه الله يقول: " لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم، فإني لا آمن أن يغمسوكم في الضلالة، أو يلبسوا عليكم في الدين بعض ما لبس عليهم ". وقال أبو إسحاق الهمداني: " من وقَّر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام ". ودخل رجلان على محمد بن سيرين من أهل الأهواء، فقالا: يا أبا بكر نحدثك، قال: لا، قالا: فنقرأ عليك آية من كتاب الله عز وجل، قال: لا، لتقومن عني أو لأقومنَّ، فقام الرجلان فخرجا. وقال الفضيل بن عياض: " لا تجلس مع صاحب بدعة؛ فإني أخاف أن تنزل عليك اللعنة ". وقال محمد بن النضر الحارثي: " من أصغى سمعه إلى صاحب بدعة، وهو يعلم أنه صاحب بدعة، نزعت منه العصمة، ووكل إلى نفسه ". وقال عبد الرزاق الصنعاني الإمام: قال لي إبراهيم بن أبي يحيى: إني أرى المعتزلة عندكم كثيرا. قلت: نعم، وهم يزعمون أنك منهم. قال: أفلا تدخل معي هذا الحانوت حتى أكلمك؟ قلت: لا. قال: لم؟ قلت: لأن القلب ضعيف، وإن الدين ليس لمن غلب. وانظر هذه الآثار في "الشريعة" للآجري، و"أصول اعتقاد أهل السنة" للالكائي. قال الآجري رحمه الله في كتابه "الشريعة": " باب ذكر هجرة أهل البدع والأهواء: ينبغي لكل من تمسك بما رسمناه في كتابنا هذا وهو كتاب الشريعة أن يهجر جميع أهل الأهواء من الخوارج والقدرية والمرجئة والجهمية، وكل من ينسب إلى المعتزلة، وجميع الروافض، وجميع النواصب، وكل من نسبه أئمة المسلمين أنه مبتدع بدعة ضلالة، وصح عنه ذلك، فلا ينبغي أن يكلم ولا يسلم عليه، ولا يجالس ولا يصلى خلفه، ولا يزوج ولا يتزوج إليه من عرفه، ولا يشاركه ولا يعامله ولا يناظره ولا يجادله، بل يذله بالهوان له، وإذا لقيته في طريق أخذت في غيرها إن أمكنك. فإن قال: فلم لا أناظره وأجادله وأرد عليه قوله؟ قيل له: لا يؤمن عليك أن تناظره وتسمع منه كلاما يفسد عليك قلبك ويخدعك بباطله الذي زين له الشيطان فتهلك أنت؛ إلا أن يضطرك الأمر إلى مناظرته وإثبات الحجة عليه بحضرة سلطان أو ما أشبهه لإثبات الحجة عليه، فأما لغير ذلك فلا. وهذا الذي ذكرته لك لقول من تقدم من أئمة المسلمين، وموافق لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى. وقال الذهبي رحمه الله: " أكثر أئمة السلف على هذا التحذير، يرون أن القلوب ضعيفة، والشبه خطافة " انتهى من "سير أعلام النبلاء (7/261) . فما حصل لك أيها الأخ الكريم هو بسبب تفريطك، وتساهلك في الجلوس مع هذا المبتدع، حتى أوغر صدرك على أفضل الخلق بعد الأنبياء، وهم قوم اختارهم الله لصحبة نبيه، ونصرة دينه، وقد توفي صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، فلا يطعن فيهم إلا شقي محروم. وقد روى الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) حسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (2340) وأما سبيل الإصلاح لقلبك، فبالتوبة إلى الله تعالى، وبالإقبال على القرآن والسنة وكتب السيرة، وسترى فيها ثناء الله تعالى على أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم، وتعلم كم ضحى هؤلاء بأنفسهم وأموالهم حتى وصل إلينا هذا الدين العظيم. ولعلك ترجع إلى كتاب فضائل الصحابة من صحيح مسلم أو من غيره من كتب السنة، ليزداد حبك وتعظيمك لصحابة رسولك صلى الله عليه وسلم. ومن الكتب المختصرة الجامعة التي نوصيك بقراءتها: كتاب الصحيح المسند من فضائل الصحابة للشيخ مصطفى العدوي، وكتاب: صور من حياة الصحابة للأستاذ عبد الرحمن رأفت الباشا. ولتعلم أن عامة ما يقوله أهل البدع عن الصحابة كذب وافتراء، ناتج عن تعصب مقيت وحقد أعمى ونفوس مريضة، صورت لهم أن الصحابة أناس يتقاتلون على الدنيا، ويلهثون وراءها، ويكيدون المكائد، ويدبرون المؤامرات، وكما قيل قديما: كل ينظر بعين طبعه، فنفوسهم الحاقدة اللاهثة خلف الدنيا، صورت لهم أن الصحابة مثلهم، والواقع أن الصحابة طراز فريد، وجيل متميز، وصفوة مختارة، لأنهم نتاج مدرسة عظيمة، وتربية مستقيمة، وصحبة مباركة، تلقوا فيها العلم والخلق على يد أشرف الخلق صلى الله عليه وسلم. واعلم أن الطعن في هؤلاء الصحابة، طعن في نبيهم الذي اختارهم، وقرّبهم، وصاهرهم، بل طعن في الله تعالى الذي رضي أن يكون هؤلاء جلساءَ نبيه، وحملةَ دينه، وكتبةَ وحيه. نسأ الله تعالى أن يشرح صدرك، ويطهر قلبك، ويملأه محبة لدينه وكتابه، ونبيه وأصحابه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96231 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1166 إذا كان القرآن كاملا مكتملا وافيا للشريعة فما الحاجة إلى السنة؟! [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان القرآن كاملا مكتملا وافيا للشريعة فما الحاجة إلى السنة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يزال أعداء الدِّين يحرصون على النيل من دين الله تعالى بشتى الصور والأساليب، وينشرون شبهاتهم وضلالاتهم بين عامة المسلمين، فينساق وراءهم بعض ضعاف الإيمان، والجهلة من المسلمين، ولو أن واحداً من هؤلاء العامة فكَّر قليلاً لعلم أن شبههم خاوية، وأن حجتهم داحضة. ومن أيسر ما يمكن أن يرد به العامي على هذه الشبهة المتهافتة أن يسأل نفسه: كم ركعة أصلي الظهر؟ وكم هو نصاب الزكاة؟ وهذا سؤالان يسيران، ولا غنى بمسلم عنهما، ولن يجد إجابتهما في كتاب الله تعالى، وسيجد أن الله تعالى أمره بالصلاة، وأمره بالزكاة، فكيف سيطبق هذه الأوامر من غير أن ينظر في السنَّة النبوية؟ إن هذا من المحال، ولذا كانت حاجة القرآن للسنَّة أكثر من حاجة السنَّة للقرآن! كما قال الإمام الأوزاعي - رحمه الله -: " الكتاب أحوج إلى السنَّة من السنَّة إلى الكتاب "، كما في " البحر المحيط " للزركشي (6 / 11) ، ونقله ابن مفلح الحنبلي في " الآداب الشرعية " (2 / 307) عن التابعي مكحول. ولا نظن بالأخ السائل إلا خيراً، ونظن أنه سأل مستفهماً عن أوجه الرد على من يقول بمثل هذه الأقاويل زاعماً تعظيمه للقرآن الكريم. ثانياً: من أوجه الرد على من يزعم أنه لا حاجة للمسلمين للسنَّة المشرفة، وأنه يُكتفى بالقرآن الكريم: أنه بهذا القول يرد كلام الله تعالى في كتابه الكريم، حيث أمر في آيات كثيرة بالأخذ بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وبالانتهاء عما نهى عنه، وبطاعته، وقبول حكمه، ومن ذلك: قال تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) الحشر: من الآية7. وقال تعالى: (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) النور/54. وقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ) النساء/من الآية64. وقال تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) النساء/65. فماذا يصنع هذا الزاعم المدعي أنه يُكتفى بالقرآن ويُستغنى به عن السنَّة في هذه الآيات؟ وكيف سيستجيب لأمر الله تعالى فيها؟ . وهذا بالإضافة إلى ما قلناه أولاً باختصار، وهو أنه كيف سيقيم الصلاة التي أمره الله تعالى بها في كتابه الكريم؟ وما عددها؟ وما أوقاتها؟ وما شوطها؟ وما مبطلاتها؟ وقل مثل ذلك في الزكاة، والصيام، والحج، وباقي شعائر الدين وشرائعه. وكيف سيطبق قول الله تعالى (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) المائدة/38؟ فكم هو نصاب السرقة؟ ومن أين تُقطع اليد؟ وهل هي اليمين أم الشمال؟ وما هي الشروط في الشيء المسروق؟ ، وقل مثل ذلك في حد الزنا والقذف واللعان وغيرها من الحدود. قال بدر الدين الزركشي – رحمه الله -: وقال الشافعي في " الرسالة " - في باب فرض طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم -: قال تعالى: (من يطع الرسول فقد أطاع الله) وكل فريضة فرضها الله تعالى في كتابه: كالحج، والصلاة، والزكاة: لولا بيان الرسول ما كنا نعرف كيف نأتيها , ولا كان يمكننا أداء شيء من العبادات , وإذا كان الرسول من الشريعة بهذه المنزلة: كانت طاعته على الحقيقة طاعة لله. " البحر المحيط " (6 / 7، 8) . وكما يرى المسلم العاقل أن الزاعم أنه معظم لكتاب الله تعالى هو من أعظم المخالفين للقرآن، ومن أعظم المنسلخين عن الدين؛ حيث جعل القرآن كافيا لإقامة الدين والأحكام، وهو بالضرورة إما أنه لا يفعل ما جاء بالسنة فيكفر، أو أنه يفعلها فيتناقض! ثالثاً: والله تعالى بعث نبيه صلى الله عليه وسلم بالإسلام، وهذه النعمة العظيمة ليست القرآن وحده، بل هي القرآن والسنَّة، ولما امتنَّ الله على الأمة بإتمام الدين وإكمال النعمة لم يكن المقصود منه إنزال القرآن، بل إتمام الأحكام في القرآن والسنَّة، بدليل نزول آيات من القرآن الكريم بعد إخبار الله تعالى بمنته على عباده بإكمال الدين وإتمام النعمة. قال الله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً) المائدة/من الآية3. قال بدر الدين الزركشي – رحمه الله -: قوله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم) أي: أكملت لكم الأحكام، لا القرآن؛ فإنه نزل بعد ذلك منه آيات غير متعلقة بالأحكام. " المنثور في القواعد " (1 / 142) . وقال ابن القيم – رحمه الله -: فقد بيَّن الله - سبحانه - على لسان رسوله بكلامه وكلام رسوله جميع ما أمره به، وجميع ما نهى عنه، وجميع ما أحله، وجميع ما حرمه، وجميع ما عفا عنه , وبهذا يكون دينُه كاملا كما قال تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي) . " إعلام الموقعين " (1 / 250) . رابعاً: وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن السنَّة التي جاء بها هي مثل القرآن في كونها من الله تعالى، وفي كونها حجة، وفي كونها ملزمة للعباد، وحذَّر من الاكتفاء بما في القرآن وحده للأخذ به والانتهاء عن نهيه، وبيَّن مثالاً لحرامٍ ثبت في السنَّة ولم يأت له ذِكر في القرآن، بل في القرآن إشارة لحلِّه، وكل ذلك في حديث واحدٍ صحيح. عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ أَلَا لَا يَحِلُّ لَكُمْ لَحْمُ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ وَلَا كُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السَّبُعِ) . رواه أبو داود (4604) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود. وهذا الذي فهمه الصحابة رضي الله من دين الله تعالى: عن عبد الله قال: " لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب فجاءت فقالت: إنه بلغني أنك لعنت كيت وكيت، فقال: ومالي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن هو في كتاب الله؟ فقالت: لقد قرأتُ ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول، قال: لئن كنتِ قرأتيه لقد وجدتيه؛ أما قرأت: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) الحشر/7؟ ، قالت: بلى، قال: فإنه قد نهى عنه، قالت: فإني أرى أهلك يفعلونه، قال: فاذهبي فانظري، فذهبت فنظرت فلم تر من حاجتها شيئاً، فقال: لو كانتْ كذلك ما جامعَتنا. رواه البخاري (4604) ، ومسلم (2125) . وهو الذي فهمه التابعون وأئمة الإسلام من دين الله تعالى، ولا يعرفون غيره، أنه لا فرق بين الكتاب والسنَّة في الاستدلال والإلزام، وأن السنَّة مبينة ومفسرة لما في القرآن. قال الأوزاعي عن حسان بن عطية: كان جبريل ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والسنَّة تفسر القرآن. وقال أيوب السختياني: إذا حدَّث الرجل بالسنَّة فقال: دعنا من هذا، حدِّثنا من القرآن: فاعلم أنه ضال مضل. وقال الأوزاعي: قال الله تعالى (من يطع الرسول فقد أطاع الله) ، وقال (وما آتاكم الرسول فخذوه) .... . وقال الأوزاعي: قال القاسم بن مخيمرة: ما توفي عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حرام: فهو حرام إلى يوم القيامة , وما توفي عنه وهو حلال: فهو حلال إلى يوم القيامة. انظر: " الآداب الشرعية " (2 / 307) . قال بدر الدين الزركشي – رحمه الله -: قال الحافظ الدارمي: يقول: (أوتيت القرآن , وأوتيت مثله) : من السنن التي لم ينطق بها القرآن بنصه , وما هي إلا مفسرة لإرادة الله به , كتحريم لحم الحمار الأهلي , وكل ذي ناب من السباع , وليسا بمنصوصين في الكتاب. وأما الحديث المروي من طريق ثوبان في الأمر بعرض الأحاديث على القرآن , فقال الشافعي في " الرسالة ": " ما رواه أحد ثبت حديثه في شيء صغير ولا كبير " , وقد حكم إمام الحديث يحيى بن معين بأنه موضوع , وضعته الزنادقة، قال ابن عبد البر في كتاب " جامع بيان العلم ": قال عبد الرحمن بن مهدي: الزنادقة والخوارج وضعوا حديث: (ما أتاكم عني فاعرضوه على كتاب الله , فإن وافق كتاب الله فأنا قلته , وإن خالف فلم أقله) ، قال الحافظ: وهذا لا يصح , وقد عارضه قوم , وقالوا: نحن نعرضه على كتاب الله فوجدناه مخالفا للكتاب ; لأنا لم نجد فيه: لا يقبل من الحديث إلا ما وافق الكتاب , بل وجدنا فيه الأمر بطاعته , وتحذير المخالفة عن أمره حكم على كل حال. انتهى. وقال ابن حبان في " صحيحه " في قوله صلى الله عليه وسلم: (بلغوا عني ولو آية) : فيه دلالة على أن السنَّة يقال فيها: آي. " البحر المحيط " (6 / 7، 8) . خامساً: قد ذكر العلماء أوجهاً لبيان السنة للقرآن، ومنها: أنها تأتي موافقة لما في القرآن، وتأتي مقيدة لمطلقه، ومخصصة لعمومه، ومفسرة لمجمله، وناسخة لحكمه، ومنشئة لحكم جديد، وبعض العلماء يجمع ذلك في ثلاث منازل. قال ابن القيم - رحمه الله -: والذي يجب على كل مسلم اعتقاده: أنه ليس في سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة سنَّة واحدة تخالف كتاب الله، بل السنن مع كتاب الله على ثلاث منازل: المنزلة الأولى: سنَّة موافقة شاهدة بنفس ما شهد به الكتاب المنزل. المنزلة الثانية: سنَّة تفسر الكتاب، وتبين مراد الله منه، وتقيد مطلقه. المنزلة الثالثة: سنَّة متضمنة لحكم سكت عنه الكتاب، فتبيِّنه بياناً مبتدأً. ولا يجوز رد واحدة من هذه الأقسام الثلاثة، وليس للسنة مع كتاب الله منزلة رابعة. وقد أنكر الإمام أحمد على من قال " السنة تقضي على الكتاب " فقال: بل السنَّة تفسر الكتاب وتبينه. والذي يشهد الله ورسوله به أنه لم تأت سنَّة صحيحة واحدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تناقض كتاب الله وتخالفه ألبتة، كيف ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو المبين لكتاب الله، وعليه أنزل، وبه هداه الله، وهو مأمور باتباعه، وهو أعلم الخلق بتأويله ومراده؟! . ولو ساغ رد سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فهمه الرجل من ظاهر الكتاب لردت بذلك أكثر السنن، وبطلت بالكلية. وما من أحد يُحتج عليه بسنَّة صحيحة تخالف مذهبه ونحلته إلا ويمكنه أن يتشبث بعموم آية، أو إطلاقها، ويقول: هذه السنة مخالفة لهذا العموم والإطلاق فلا تقبل. حتى إن الرافضة قبحهم الله سلكوا هذا المسلك بعينه في رد السنن الثابتة المتواترة، فردوا قوله صلى الله عليه وسلم (لا نُورث ما تركنا صدقة) وقالوا: هذا حديث يخالف كتاب الله، قال تعالى (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) . وردت الجهمية ما شاء الله من الأحاديث الصحيحة في إثبات الصفات بظاهر قوله (ليس كمثله شيء) . وردت الخوارج من الأحاديث الدالة على الشفاعة، وخروج أهل الكبائر من الموحدين من النار بما فهموه من ظاهر القرآن. وردت الجهمية أحاديث الرؤية مع كثرتها وصحتها بما فهموه من ظاهر القرآن في قوله تعالى (لا تدركه الأبصار) . وردت القدرية أحاديث القدر الثابتة بما فهموه من ظاهر القرآن. وردت كل طائفة ما ردته من السنة بما فهموه من ظاهر القرآن. فإما أن يطرد الباب في رد هذه السنن كلها، وإما أن يطرد الباب في قبولها، ولا يرد شيء منها لما يفهم من ظاهر القرآن، أما أن يرد بعضها ويقبل بعضها - ونسبة المقبول إلى ظاهر القرآن كنسبة المردود -: فتناقض ظاهر. وما مِن أحد رد سنَّة بما فهمه من ظاهر القرآن إلا وقد قبل أضعافها مع كونها كذلك. وقد أنكر الإمام أحمد والشافعي وغيرهما على من ردَّ أحاديث تحريم كل ذي ناب من السباع بظاهر قوله تعالى (قل لا أجد في ما أوحى إليَّ محرماً) الآية. وقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على من رد سنَّته التي لم تذكر في القرآن، ولم يدَّعِ معارضة القرآن لها: فكيف يكون إنكاره على من ادعى أن سنَّته تخالف القرآن وتعارضه؟ . " الطرق الحكمية " (65 – 67) . وللشيخ الألباني – رحمه الله - رسالة بعنوان " منزلة السنة في الإسلام، وبيان أنه لا يستغنى عنها بالقرآن "، وفيها: تعلمون جميعاً أن الله تبارك وتعالى اصطفى محمداً صلى الله عليه وسلم بنبوته، واختصه برسالته، فأنزل عليه كتابه القرآن الكريم، وأمره فيه - في جملة ما أمره به - أن يبينه للناس، فقال تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزِّل إليهم) النحل/44، والذي أراه أن هذا البيان المذكور في هذه الآية الكريمة يشتمل على نوعين من البيان: الأول: بيان اللفظ ونظمه، وهو تبليغ القرآن، وعدم كتمانه، وأداؤه إلى الأمة، كما أنزله الله تبارك وتعالى على قلبه صلى الله عليه وسلم، وهو المراد بقوله تعالى: (يا أيها الرسول بلِّغ ما أنزل إليك من ربك) المائدة/67، وقد قالت السيدة عائشة - رضي الله عنها - في حديث لها " ومن حدثك أن محمداً كتم شيئاً أُمر بتبليغه: فقد أعظم على الله الفرية "، ثم تلت الآية المذكورة " - أخرجه الشيخان -، وفي رواية لمسلم: " لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتماً شيئاً أُمر بتبليغه لكتم قوله تعالى: (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمتَ عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه) الأحزاب/37. والآخر: بيان معنى اللفظ، أو الجملة، أو الآية الذي تحتاج الأمة إلى بيانه، وأكثر ما يكون ذلك في الآيات المجملة، أو العامة، أو المطلقة، فتأتي السنَّة، فتوضح المجمل، وتُخصِّص العام، وتقيِّد المطلق، وذلك يكون بقوله صلى الله عليه وسلم، كما يكون بفعله وإقراره. وقوله تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) المائدة/38، مثال صالح لذلك، فإن السارق فيه مطلقٌ كاليد، فبينتِ السنَّة القوليَّة الأول منهما، وقيدته بالسارق الذي يسرق ربع دينارٍ بقوله صلى الله عليه وسلم: (لا قطع إلا في ربع دينار فصاعداً) - أخرجه الشيخان - كما بينتِ الآخَرَ بفعله صلى الله عليه وسلم أو فعل أصحابه وإقراره، فإنهم كانوا يقطعون يد السارق من عند المفصل، كما هو معروف في كتب الحديث، وبينت السنة القوليَّة اليد المذكورة في آية التيمم: (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم) النساء/43 والمائدة /6 بأنها الكف أيضاً بقوله صلى الله عليه وسلم: (التيمم ضربة للوجه والكفين) أخرجه أحمد والشيخان وغيرهم من حديث عمار بن ياسر رضي الله عنهما. وإليكم بعض الآيات الأخرى التي لم يمكن فهمها فهماً صحيحاً على مراد الله تعالى إلا من طريق السنة: 1. قوله تعالى: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) الأنعام /82، فقد فهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قوله (بظلم) على عمومه الذي يشمل كل ظلم ولو كان صغيراً، ولذلك استشكلوا الآية فقالوا: يا رسول الله أيُّنا لم يلبس أيمانه بظلم؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (ليس بذلك، إنما هو الشرك؛ ألا تسمعوا إلى قول لقمان: (إن الشرك لظلم عظيم) لقمان/13؟) أخرجه الشيخان وغيرهما. 2. قوله تعالى: (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) النساء/101، فظاهر هذه الآية يقتضي أن قصر الصلاة في السفر مشروط له الخوف، ولذلك سأل بعض الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ما بالنا نقصر وقد أَمِنَّا؟ قال: (صدقة تصدَّق الله بها عليكم فقبلوا صدقته) - رواه مسلم -. 3. قوله تعالى: (حرمت عليكم الميتة والدم) المائدة/3، فبينت السنة القولية أن ميتة الجراد والسمك، والكبد والطحال، من الدم حلال، فقال صلى الله عليه وسلم: (أحلت لنا ميتتان ودمان: الجراد والحوت - أي: السمك بجميع أنواعه -، والكبد والطحال) - أخرجه البيهقي وغيره مرفوعاً وموقوفاً، وإسناد الموقوف صحيح، وهو في حكم المرفوع؛ لأنه لا يقال من قِبَلِ الرأي -. 4. قوله تعالى: (قل لا أجد في ما أوحي إلي مُحرَّماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً، أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقاً أهل لغير الله به) الأنعام/145، ثم جاءت السنَّة فحرمت أشياء لم تُذكر في هذه الآية، كقوله صلى الله عليه وسلم: (كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير حرام) ، وفي الباب أحاديث أخرى في النهي عن ذلك، كقوله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر: (إن الله ورسوله ينهيانكم عن الحمر الإنسية؛ فإنها رجس) - أخرجه الشيخان -. 5. قوله تعالى: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق) الأعراف/32، فبينت السنة أيضاً أن من الزينة ما هو محرم، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خرج يوماً على أصحابه وفي إحدى يديه حرير، وفي الأخرى ذهب، فقال: (هذان حرام على ذكور أمتي، حلٌّ لإناثهم) - أخرجه الحاكم وصححه -. والأحاديث في معناه كثيرة معروفة في " الصحيحين " وغيرهما، إلى غير ذلك من الأمثلة الكثيرة المعروفة لدى أهل العلم بالحديث والفقه. ومما تقدم يتبين لنا - أيها الإخوة - أهمية السنَّة في التشريع الإسلامي، فإننا إذا أعدنا النظر في الأمثلة المذكورة - فضلا عن غيرها مما لم نذكر - نتيقن أنه لا سبيل إلى فهم القرآن الكريم فهماً إلا مقروناً بالسنَّة. " منزلة السنة في الإسلام " (ص 4 – 12) . وننصح بالرجوع إلى رسالة الشيخ الألباني – رحمه الله – فهي في صلب موضوع السؤال. وبه يتبين: أنه لا يحل لأحدٍ أن يفصل القرآن عن السنَّة في إثبات الأحكام ولزومها للمكلَّف، وأن من فعل ذلك فهو من أعظم المخالفين لما في القرآن من أوامر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم والأخذ بسنَّته والانتهاء عن نهيه، وأن السنَّة النبوية جاءت مؤيدة لما في القرآن وموضحة له ومقيدة لمطلقه ومخصصة لعمومه، وجاءت كذلك مستقلة في إنشاء الأحكام، وكل ذلك لازم للمسلم الأخذ به. وأمر أخير: هب أننا نعدُّ هذا تنازعاً بيننا وبين خصومنا الذين يرون الاكتفاء بالقرآن: فإننا نقول: إننا أُمرنا في القرآن الكريم عند التنازع أن نرجع إلى القرآن والسنَّة! فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) النساء/59، فماذا هو صانعٌ خصمنا بهذه الحجة القرآنية؟ إن قبلها: رجع إلى السنَّة فبطل قوله، وإن لم يرجع: فقد خالف القرآن الذي يزعم أنه كافٍ عن السنَّة. والحمد لله رب العالمين [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93111 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1167 دفاع عن الشيخ أحمد ديدات رحمه الله [السُّؤَالُ] ـ[أود أن أطمئن بخصوص الداعية " أحمد ديدات " يرحمه الله، حيث علت أصوات تتهمه بأنه كان من طائفة الأحمدية والتي مقرها الرئيس باكستان، ويستشهدون بما قد يورده الشيخ أحيانا في مناظراته من النظرية التي تقول بأن المسيح صلب ولكنه لم يمت على الصليب، وإنما أغمي عليه فحسب، ولكنه مات بعد ذلك في حادث عرضي ثم رفعت روحه إلى السماء. أود أن أعرف ما هي وجهة نظر الداعية المعروف " أحمد ديدات "؟ وهل تلك الاتهامات صحيحة؟ حيث إني من محبي الشيخ عليه رحمة الله، وأتابع بشغف مناظراته، ومؤلفاته، ولكم جزيل الشكر.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ولد الشيخ أحمد حسين ديدات في مدينة " سيرات " بالهند عام 1918 م , وقد هاجر والده إلى دولة " جنوب أفريقيا " بعد وقت قصير من ولادته، وعندما بلغ تسع سنوات ماتت والدته، فلحق بأبيه إلى جنوب أفريقيا حيث عاش هناك بقية عمره. وفي جنوب أفريقيا خرج الشيخ أحمد ديدات إلى العالم في أول مناظرة عالمية عام 1977 م بقاعة ألبرت هول في " بريطانيا "، وقد ناظر كبار رجال الدين النصراني أمثال: كلارك –، وجيمي سواجارت، وأنيس شروش، وغيرهم، وقد انتفع بها المسلمون فثبت اعتقادهم بالإسلام والقرآن، وعرفوا التحريف والكذب في الأديان المحرفة، كما انتفع بها بعض من منَّ الله عليه بالهداية من النصارى. وفي يوم الاثنين الثامن من أغسطس 2005 م توفي الداعية والشيخ المجاهد أحمد ديدات، وقد لاقى ربَّه عن عمر يناهز (87) عاماً بمنزله في منطقة " فيرولام " بإقليم " كوازولو ناتال " بجنوب إفريقية بعد صراع طويل مع المرض. ثانياً: وأما اعتقاد المسلمين في المسيح عليه السلام: فهو اعتقاد دليله الكتاب والسنَّة، فالمسيح عيسى عليه السلام من أولي العزم من الرسل، ويعتقد المسلمون بأن عيسى عليه السلام رفعه الله تعالى إلى السماء حياً، وأنه لم يصلب ولم يُقتل، وأنه باقٍ حيّاً فيها إلى قرب قيام الساعة، وأنه سينزل إلى الأرض فيقتل الدجال، ويكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويحكم بالشريعة الإسلامية، ثم يموت – عليه السلام – كسائر البشر. قال الإمام أبو محمد عبد الحق بن عطية - رحمه الله -: وأجمعت الأمة على ما تضمنه الحديث المتواتر من أن عيسى عليه السلام في السماء حي، وأنه ينزل في آخر الزمان فيقتل الخنزير، ويكسر الصليب، ويقتل الدجال، ويفيض العدل، ويظهر هذه الملة - ملة محمد - ويحج البيت ويعتمر، ...... ثم يميته الله تعالى. " المحرر الوجيز " (3 / 143) . ويقول السفاريني – رحمه الله -: فقد أجمعت الأمة على نزوله، ولم يخالف فيه أحد من أهل الشريعة، وإنما أنكر ذلك الفلاسفة والملاحدة ممن لا يعتد بخلافه، وقد انعقد إجماع الأمة على أنه ينزل، ويحكم بهذه الشريعة المحمدية، وليس ينزل بشريعة مستقلة عند نزوله من السماء. " لوامع الأنوار البهية " (2 / 94، 95) . ثالثاً: القاديانية حركة نشأت سنة 1900 م بتخطيط من الاستعمار الإنجليزي في القارة الهندية، بهدف إبعاد المسلمين عن دينهم وعن فريضة الجهاد بشكل خاص. ويعتقد القاديانية أن النبوة لم تختم بمحمد صلى الله عليه وسلم بل هي مستمرة، والله يرسل الرسول حسب الضرورة، وأن " غلام أحمد " – مؤسس القاديانية ولد عام 1839 م، وتوفي عام 1908 م - هو أفضل الأنبياء جميعا!! ويعتقدون أن جبريل كان ينزل على " غلام أحمد "، وأنه كان يوحى إليه، وأن إلهاماته كالقرآن. وانظر تفصيل اعتقادهم وبيان كفرهم في جواب السؤال رقم (4060) . رابعاً: أما قول الأحمدية - القاديانية – في المسيح عليه السلام: فهو أنهم يعتقدون أن المسيح عليه السلام صُلِب ولم يمت على الصّليب، لكنه أُغمِي عليه، ودُفن، ثم هرب من قبره إلى " كشمير "! ومات هناك ميتة طبيعية، وقبره هناك موجود. وهم يؤولون الرفع على أنه مجازي لا حقيقي , أي: رفع المكانة والمنزلة لا رفع البدن. وقد جاء اعتقادهم هذا في رسالتين لهم الأولى بعنوان: " المسيح الناصري في الهند "، وهي من تأليف ميرزا غلام أحمد نفسه، والثانية بعنوان " وفاة المسيح ابن مريم والمراد من نزوله "، وهي من نشر " الجماعة الإسلامية الأحمدية العالمية "، وقد وضعوا على غلافها صورة مزعومة لقبر عيسى عليه السلام في " سري نغر " بكشمير الهند. وقد قالوا في (ص 2) : إن عيسى عليه السلام لم يُرفع حيّاً، ولم يُلق شبهه على أحد، وإنما عُلق على الصليب بضع ساعات، ولما أُنزل كان في حالة إغماء شديد حتى خُيل إليهم أنه قد مات، ثم بعد واقعة الصلب هاجر من فلسطين إلى البلاد الشرقية: العراق، وإيران، وأفغانستان، وكشمير، والهند، وعاش عشرين ومائة سنة. وقد ادعى ميرزا غلام أحمد القادياني كذباً وزوراً بأن الله أوحى له بهذا التفسير، وهو قول بعض النصارى من قبله، والظاهر أنه سرق الفكرة منهم. وغرض القاديانية من نشر هذا الاعتقاد في المسيح عيسى عليه السلام: تسهيل ادعاء أن الأحاديث الواردة في نزول المسيح وخروج المهدي آخر الزمان هي في خروج القادياني الكذاب ميرزا غلام أحمد. وقد صرحت الرسالة المشار إليها بذلك إذ جاء فيها (ص 6) : فالمراد من نزول عيسى ابن مريم: بعثة رجل آخر من أمة المصطفى صلى الله عليه وسلم، يشبه عيسى ابن مريم في صفاته وأعماله وحالاته، وقد ظهر هذا الموعود في قاديان الهند باسم: ميرزا غلام أحمد ... إماماً مهديّاً، وجعله الله مثيل المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام، فكان هو المسيح الموعود، والإمام المهدي للأمة المحمدية الذي وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعثته قائلا: (لا المهدي – كذا، والصواب: مهدي - إلا عيسى) ابن ماجه، كتاب الفتن. انتهى. وفي اعتقاد المسلمين: أن عيسى عليه السلام نبي مرسل، وأن المهدي مسلم مصلح لا نبي ولا رسول، وأن خروج المهدي من علامات الساعة الصغرى، ونزول عيسى عليه السلام من علامات الساعة الكبرى، وبينهما فرق لا يخفى على أحدٍ. والحديث الذي استدلوا به: (لا مهدي إلا عيسى) لا يصح، بل هو حديث منكر، حكم بنكارته جمع من الأئمة، منهم النسائي والذهبي والألباني، وضعفه الحاكم والبيهقي والقرطبي وابن تيمية، بل حكم بوضعه الصغاني. وانظر: " منهاج السنة " (8 / 256) ، و " الصواعق المحرقة " للهيتمي (2 / 476) ، و " السلسلة الضعيفة " (77) . خامساً: وأما أن الشيخ أحمد ديدات – رحمه الله – كان يقول بقول القاديانية: فهذا أبعد ما يكون عن الحق، وهو محض افتراء على الشيخ، وذلك من وجوه كثيرة: 1. مناظرات الشيخ وكتبه ومقالاته أكثر من أن تحصى، وليس فيها دعوة للدين القادياني ولا ثناء على زعيمه ولا أتباعه، ولو كان على طريقتهم لم تخلُ كتبه من ذلك. 2. والقاديانية ألغت الجهاد من دينها، فمن دعا إلى مثل ما دعا إليه القاديانيون فهو منهم، وحاشا الشيخ أحمد ديدات أن يكون واحداً منهم، بل كان ينادي بالجهاد، ويرى أن السيف والقرآن هما سبيل عزة هذه الأمة. قال الشيخ أحمد ديدات – رحمه الله -: سلاحنا الوحيد في مواجهة هذا الخطر الداهم المفزع المروع المسمى بالتبشير: هو القرآن، وحمل السيف في سبيل الله لمواجهة هذا الخطر الداهم، إنها مقولة مصيرية بين الإيمان والإلحاد , بين الإسلام وقوى الطغيان , بين العدل والجور , بين النور والظلمات , بين الحق والضلال , فلا ينفع ولا يجدي في هذه المعركة إلا السيف والقرآن يتعانقان حتى يقيم السيف ما تُرك من القرآن، ويسود الإسلامُ العالمَ أجمع، ويعود المسلمون إلى رشدهم لمواجهة هذا الخطر الكامن في الصليبية والصهيونية العالمية. " حوار مع مبشر " (ص 30) المختار الإسلامي. 3. لا ترى القاديانية الصلاة والصوم والحج على ما جاءت به شريعتنا، بل لها عندهم معانٍ أُخر، كما أنهم يرون أن كل من ليس قاديانيا فهو كافر، ولا يبيحون للقادياني أن يتزوج من غيرهم، كما أنهم يبيحون الخمر والمسكرات، فهل كان الشيخ أحمد ديدات على مثل ما كان عليه أولئك الكفار؟ اللهم لا. أ. فالشيخ له كتاب نافع بعنوان " مفهوم العبادة في الإسلام " طبعة " المختار الإسلامي "، وقد ذكر فيه ما يتعلق بعبادات المسلم من صلاة وزكاة وصيام وحج , بآيات وأحاديث، تدل على سعة علمه، وعلى حسن اعتقاده. ب. وقد كان الشيخ متزوجاً من امرأة مسلمة فاضلة، تخدم الإسلام، وتعينه على الدعوة إلى الله، وهي الأخت " حواء " , ولو صحَّ ما نسب للشيخ من كونه قاديانيا لكان متزوجاً من كافرة، وهو لا يجوز عندهم، بل يراه بعضهم كفراً. ج. وأما بالنسبة لحرمة الخمر والمخدرات: فالشيخ له كتاب نافع قوي، وهو بعنوان " الخمر بين المسيحية والإسلام " وقد نصر فيه الإسلام وأحكامه بنقله لتحريم الخمر والمسكرات من الكتاب والسنَّة. ومما جاء في الكتاب: " الإسلام هو الدين الوحيد على وجه الأرض الذي يحرم المسكرات بالكامل , وقد قال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم (ما أسكر كثيره فقليله حرام) , فلا يوجد عذر في دار الإسلام لمن يرشف رشفة، أو يتناول جرعة من أي شراب مسكر , إن القرآن الكريم - كتاب الحق - حرم بأشد العبارات ليس فقط الخمر وما تجلبه من شرور: بل إنه حرم الميسر " القمار " و " الأنصاب " - التي كانوا يذبحون عندها - و " الأزلام " - التي كانوا يقتسمون بها -، أي: أنه حرم الخمر، وعبادة الأوثان والأصنام، والعرافة - أو معرفة البخت -، وقراءة الطالع في آية واحدة , قال تعالى: (يا أيها الذين أمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون) المائدة/90.. . إن هذا التوجيه الصريح البسيط قد جعل من الأمة الإسلامية أكبر تجمع من الممتنعين امتناعاً تامّاً عن المسكرات في العالم ". " الخمر بين المسيحية والإسلام " (ص 18) طبعة " المختار الإسلامي ". 4. ويعتقد القاديانيون بموت المسيح عليه السلام بعد أن صُلب بمدة، وهم يعتقدون أن الميرزا غلام أحمد هو المسيح وهو المهدي – كما سبق -، فهل كان الشيخ أحمد ديدات – رحمه الله – على هذه العقيدة؟ اللهم لا. وهذا سؤال وجِّه للشيخ من رجل قادياني حول ختم الرسالة بمحمد صلى الله عليه وسلم، وعقيدة القاديانية، ولنقرأ ماذا قال الشيخ – رحمه الله -: لأخ يسأل هل أؤمن بأنّ نبيّنا الكريم محمَّداً صلّى الله عليه وسلّم خاتم النّبيّين؟ هل هو آخر الأنبياء وخاتم الأنبياء؟ أقول: نعم , لكنّ اقاديانية يقولون بأنّ المسيح يعود في آخر الزّمان , ولذلك فإنّ محمَّداً ليس خاتم الأنبياء , هذا هو السّؤال؟ فكيف نجيب؟ . إنّ الذي أخذ لقب خاتم الأنبياء لا يمكن أن يُنزَع هذا اللّقب منه أبداً , فلو أنّني قلتُ إنّني سأعطي لآخر مائة رجل هديّةً , فيأتي الواحد تلو الآخر , ثمّ يأتي آخر رجل ويأخذ هديّته وجائزته , الآن عندما يرجع أحد الرّجال مرّة أخرى بعد أن يأخذ الأخير جائزته: فإنّه لا يمكنه أن يأخذها منه. نبيّنا محمّد صلّى عليه وسلّم أخذ لقبه , وهو آخر الأنبياء، وخاتم المرسلين , والقرآن آخر الكتب المنزّلة من عند الله , لا نحتاج أيّ إضافة , فلا نحتاج رسولاً آخر , ولا نحتاج كتاباً آخر , ذاك الرّجل – وهو السائل القادياني - لأنّه يريد أن يجعل صاحبه " ميرزا غلام أحمد " هو المسيح في رجوعه الثّاني: فلهذا السّبب كلّ هذا يثار الآن , يريد أن يربط ميرزا غلام أحمد مع ديدات!! من أجل أن يأخذ مكانة المسيح عليه السّلام في عودته الثّانية , من أجل أن يعتبر " ميرزا غلام أحمد " هو المسيح عليه السّلام , فلذلك يريد أن يقتل المسيح - أي: يقول بأنه قد مات - , ويريد أن يثير كلّ هذا , الآن ماذا يريد من كلّ هذا؟ إذا أردتَ أن تعمل من أجل الإسلام , حسنًا , انظر، النّصارى حولك بالملايين، لكنّ الظّاهر أنّه ليس مهتمًّا بالنّصارى , هو مهتمّ بكم أنتم – أي: بالمسلمين - , إذا أردت أن تمارس الدّعوة: اذهب ومارس الدّعوة على اليهود والنّصارى والهندوس , إنّهم بالملايين حول العالم , لماذا تريد فتح صراع معي؟ إنّني مسلم، أؤمن بالله، وبرسوله، وبالقرآن الكريم , إنّك تضيّع وقتك معي. " محاضرة في مسجد جامعة " ألقاها خلال زيارته إلى كينيا سنة 1993 م. 5. ومما يؤكد ما قلناه من نفي اتهام الشيخ أحمد ديدات – رحمه الله – بالقاديانية: كتابته لشهادة يثبت فيها إسلامه، ويكفِّر فيها الميرزا غلام أحمد القادياني، بل ويكفِّر أتباعه، وينفي فيه توزيعه أو توزيع مركزه لبعض تفاسيرهم. فقد راجت إشاعات في بلده - جنوب إفريقيا - بأنه قادياني، وأنه كان يوزع تفسير القرآن للمدعو " محمد أسد "، مما اضطر الشيخ أحمد ديدات أن يصدر توضيحاً حول هذا الأمر بتاريخ 23 / 7 / 1987 م أكد فيه تكفيره لميرزا غلام أحمد القادياني، كما أعلن تكفيره لكل أتباعه. وهنا تجدون صورة البراءة من القاديانية وتكفير زعيمها وأتباعه: http://www.ahmed-deedat.net/Files/Articles/Website/B01.jpg وهذا نص ترجمتها: مركز الدعوة الإسلامي العالمي إشهار أنا " أحمد حسين ديدات " , رئيس مجلس الدعوة الإسلامية , أشهد هنا أمام الله , وأنا في كامل الأهلية التامة لشهادة أن لا اله الا الله , محمد رسول الله. إنني أومن أن محمَّداً صلى الله عليه وسلم هو النبي والرسول الخاتم، وأنه لا نبي ولا رسول بعده. إنني أومن أن ميرزا غلام أحمد القاديانى ما هو إلا دجال كافر. إنني أومن أن أولئك الذين يقبلونه كنبي أو رسول أو مجدد أو حتى إنه رجل عظيم: أنهم كافرون وخارجون عن حظيرة الإسلام. إن كتابي " crucifixion or crucifiction " يحوي كلمة أخيرة (الخاتمة) توضح موقفي فيما أعتقده من عودة المسيح مرة ثانية. إن مركز الدعوة الإسلامية لم ينشر - مطلقًا - ولم يوزع ولم يبع أو يشجع على بيع ترجمة محمد أسد لمعاني القرآن الكريم. أسأل الله أن يحمينا من مروجي الإشاعات المتاجرين، ومن يعضون من الخلف ومروجي الفساد. أحمد ديدات. وما سبق يؤكد أن اتهام الشيخ أحمد ديدات بالقاديانية لم يأتِ إلا من كافر أراد تشويه دين الشيخ وصد الناس عنه بعد أن نجح بإدخال الآلاف في الإسلام، أو من حاسد ساءه ما رأى من تعظيم الناس – خاصتهم وعامتهم – للشيخ، أو من جاهل قرأ أو سمع شيئا من كلام الشيخ – رحمه الله – وأساء الفهم وغلَّب سوء الظن على حسنه. سادساً: ما هو موقف الشيخ أحمد ديدات من صلب المسيح عليه السلام وقتله؟. مما لا شك فيه عندنا أن الشيخ أحمد ديدات – رحمه الله - ينفي الصلب والقتل معاً عن المسيح عليه السلام، ولا يتجاوز ما جاء في قوله تعالى: (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) النساء/ من الآية 157. أ. قال الشيخ أحمد ديدات – رحمه الله -: لا أتوقع أن يسألني أي شخص عن عقيدتي كمسلم فيما يتعلق بموضوع الصلب، عقيدتي هي عقيدة القرآن كما وردت بدقة في الآية 157 من سورة النساء. " مسألة صلب المسيح بين الحقيقة والافتراء " (ص 88) دار الفضيلة. ويجب أن ننبه إلى أن المدعو " على الجوهري " هو مترجم الكتاب السابق – وغيره كذلك – وهو يرى نظرية " الإغماء " التي يقول بها القاديانيون، ويدافع عنها بشدة في تعليقاته على الكتاب، بل ويعيب على المسلمين عدم تبنيها، ويراها غير مخالفة لما جاء في القرآن! ب. وقال الشيخ أحمد ديدات – رحمه الله -: فهم لم يقتلوه ولم يصلبوه، ولكن بدا لهم كأنهم فعلوا ذلك، فقد ظنوا أنهم فعلوا ولكنهم لم يصلبوا ولم يقتلوا المسيح.. لأنه من المؤكد أنهم لم يقتلوه، هذا هو مفهوم المسلمين لشبهة صلب المسيح وقتله، هي أنهم لم يقتلوه، ولكن هذا ما ظنوه في عقولهم أنهم فعلوه. " عيسى إله أم بشر أم أسطورة؟ " (ص 112) ترجمة محمد مختار. ج. وقال – رحمه الله -: إن الذي صُلب هو شخص آخر يشبهه، أما إنجيل " برنابا " فيؤيد النظرية التي تقول إن شخصاً آخر قتل محله على الصليب، وهذا يتفق مع وجهة نظرنا نحن المسلمين، فهنا الشبهة التي حصلت بقتلهم شخصاً آخر يشبهه. " عيسى إله أم بشر أم أسطورة؟ " (ص 138) . والقاديانيون يرون أن المسيح عليه السلام صُلب، بينما نجد النص في كتاب الله تعالى على نفيه، وهو ما يقول به الشيخ أحمد ديدات، وهو إن كان يخالفهم في الصلب فكيف سيوافقهم في الموت أو القتل؟! . د. وفي بداية مناظرة الشيخ – رحمه الله - مع " فلويد كلارك " والتي كانت بعنوان " هل صلب المسيح؟ " بيَّن الشيخ عقيدته الصحيحة في المسيح عليه السلام بذكر الآيات من سورة النساء، ثم أخذ في استخدام أدلتهم ليقيم الحجة عليهم في بطلان عقيدتهم. ومما جاء في تلك المناظرة قوله: " بالنسبة للمسلمين: فإن الأمر محسوم، إن المسيح لم يُقتل ولم يُصلب، فهي نقطة لا يختلف عليها المسلمون، وإن المسيحيين يتبعون الظن، وما قتلوه يقيناً. وقال: سنثبت أن المسيح عليه السلام لم يمت على الصليب كما يدعى النصارى لأنه لم يصلب أصلا , وذلك من خلال كتبهم تماشياً مع قول الله تعالى: (قل هاتوا برهانكم) . وقال: ومهما يكن: فهو لم يُقتل ولم يُصلب , وذلك وفقاً لكتاب الله. هـ. وفي بداية مناظرته - رحمه الله - مع " روبرت دوجلاس " والتي كانت بعنوان " صلب المسيح حقيقة أم خيال؟ " بيَّن الشيخ - رحمه الله – اعتقاده وفق القرآن الكريم. و. وقال – رحمه الله -: وهذا يعني أن هؤلاء القوم – أي: اليهود - اعتقدوا أن عيسى كان مدعيّاً للنبوة، وأنهم قتلوه، وتخلصوا منه , ولكن الله سبحانه وتعالى بيَّن لهم أنهم ما قتلوه، وما صلبوه، ولكن شبِّه لهم , فهم لم يقتلوه ولم يصلبوه ولكن بدا لهم كأنهم فعلوا ذلك , فقد ظنوا أنهم فعلوا ذلك , ولكنهم لم يصلبوا ولم يقتلوا المسيح ... . وقال: (وما قتلوه يقينا) لأنه من المؤكد أنهم لم يقتلوه، هذا هو مفهوم المسلمين لشبهة صلب المسيح وقتله، وهي أنهم لم يصلبوه، ولم يقتلوه، ولكن هذا ما ظنوا في عقولهم أنهم فعلوه، وهم لم يفعلوا ذلك، هذا ما نؤمن به نحن المسلمين. " هل عيسى إله أم بشر أم أسطورة " (ص 111، 112) طبعة " المختار الإسلامي ". ز. وقال – رحمه الله -: وهو قوله تعالى (بل رفعه الله إليه) ، وهذا يعنى أن المسيح عيسى عليه السلام لم يذق الموت بل رفعه الله إليه، وأنا أؤمن بعودة المسيح عيسى عليه السلام قبل يوم القيامة. " هل عيسى إله أم بشر أم أسطورة؟ " (ص 118) طبعة " المختار الإسلامي " ص 118. والخلاصة: أنه لا يستغرب اتهام الشيخ أحمد ديدات – رحمه الله – من الكفار بأنه قادياني، وهو الذي يرى كفرهم كلهم، لكن المستغرب أن يأتي حاسد أو جاهل فيأخذ بعض كلام الشيخ ويحمله على أسوء المحامل، وفي أحسن صور ذلك الكلام أنه يكون من المتشابه، وقد نقلنا كثيراً من كلامه المحكم فيما يتعلق بدينه، وموقفه من القاديانية، واعتقاده في صلب المسيح عليه السلام، فكل من يأتي بكلام خلاف هذا فليتق الله تعالى، وليعلم أنه متشابه، فليحمله على المحكم، أو لينتبه فقد يكون الشيخ – رحمه الله – قاله على سبيل التنزل مع الخصم، أو كان يريد محاججة القوم بما عندهم من اعتقاد ليلزمهم به. ونسأل الله تعالى أن يرحم الشيخ أحمد ديدات، وأن يُكرمه، ويعلي منزلته. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 91658 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1168 حكم الانتماء إلى الجماعات الإسلامية [السُّؤَالُ] ـ[احترت بشأن الجماعات الإسلامية الموجودة حالياً. هل يجب على الشخص أن يتبع أو ينضم لمجموعة ما؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجب على المسلم أن يتبع أحداً بحيث يأخذ كل ما يقول ويعمل به إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل من عدا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يؤخذ من قوله ويترك، كما قال الإمام مالك رحمه الله تعالى: كل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر. وأشار إلى قبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وأما الانضمام لمجموعة ما، فلا شك أن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم قد أمرا بالجماعة وحثا عليها، قال صلى الله عليه وسلم: (يَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ) رواه الترمذي (2167) وصححه الألباني. وقال: (َعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ) رواه النسائي (847) وحسنه الألباني في صحيح النسائي. وقال: (الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد) رواه الترمذي (2165) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. والأحاديث في هذا كثيرة. ولا شك أن تعاون المسلم مع مجموعة من إخوانه على طاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله، وطلب العلم، والتواصي فيما بينهم بالحق والصبر. . . إلخ لا شك أن هذا عمل مشروع، وبذلك يعصم الإنسان نفسه من الشيطان كما دل على ذلك الأحاديث المتقدمة، وهو مما يدخل في قول الله تعالى: (والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) سورة العصر. أما إن كان قصد السائل بالانضمام لجماعة ما أن يتعصب لها، فيرى أن هذه الجماعة هي الجماعة الوحيدة التي على الحق، وكل من عداها على الباطل، ويوالي من معه في هذه الجماعة، ويعادي من سواهم (كما هو واقع كثير من أفراد هذه الجماعات اليوم) فإن هذا من الجَوْر الذي يأباه الله ورسوله والمؤمنون، ولا يزيد الأمة إلا تفرقاً وضعفا، بل المؤمن يوالي جميع المؤمنين، كما قال الله تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا) المائدة/55. وقال تعالى: (إنما المؤمنون إخوة) الحجرات/10. وقال صلى الله عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم) . وكلٌّ من هذه الجماعات (المتفقة على أصول أهل السنة والجماعة) على ثغر من ثغور الإسلام، فليس الحق حكراً على أحد دون أحد، والدعوة إلى الله تحتاج إلى جهود هؤلاء جميعاً وأضعافهم معهم. فالمؤمن يوالي جميع المؤمنين ويتعاون معهم على طاعة الله تعالى، ولو كانوا بعيدين عنه. ويكف عن معاونتهم على معصية الله، ولو كانوا أقرب الناس إليه. وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن حكم الانتماء للجماعات الإسلامية، والالتزام بمنهج جماعة معينة دون سواها؟ فأجاب: " الواجب على كل إنسان أن يلتزم بالحق، قال الله عز وجل، وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، وألا يلتزم بمنهج أي جماعة لا إخوان مسلمين ولا أنصار سنة ولا غيرهم، ولكن يلتزم بالحق، وإذا انتسب إلى أنصار السنة وساعدهم في الحق، أو إلى الإخوان المسلمين ووافقهم على الحق من دون غلو ولا تفريط فلا بأس، أما أن يلزم قولهم ولا يحيد عنه فهذا لا يجوز، وعليه أن يدور مع الحق حيث دار، إن كان الحق مع الإخوان المسلمين أخذ به، وإن كان مع أنصار السنة أخذ به، وإن كان مع غيرهم أخذ به، يدور مع الحق، يعين الجماعات الأخرى في الحق، ولكن لا يلتزم بمذهب معين لا يحيد عنه ولو كان باطلاً ولو كان غلطاً، فهذا منكر، وهذا لا يجوز، ولكن مع الجماعة في كل حق، وليس معهم فيما أخطأوا فيه " اهـ. "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله (8/237) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 12491 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1169 من هي الفرقة الناجية؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا سمحتم بيان وتوضيح كيفية التفريق بين الفرق التي تدَّعي أنها على المنهج الصحيح، ونحن نعلم أن أهل السنة والجماعة هم الذين على المنهج الصحيح، ولكن هناك بعض المسلمين لا يعلمون ما حكم الطوائف الأخرى، والتي بدأت تنتشر وتعرف في هذا الزمان كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام في حديثه، وبما معناه أنه ستوجد طوائف عددها والله أعلم 73 طائفة، وواحدة هي الصحيحة الناجية، فكيف نفرق ونعرف تلك الطوائف، وكيفية الرد عليهم، والابتعاد عنهم وعن تصرفاتهم؟ أرجو الإتيان بالأدلة، والتوثيق من القرآن والحديث للأهمية، فالأكثر لا يعلمون، ونخاف على من أسلم جديدا من الضياع في تلك المتاهات. وجدت سؤالا يتكلم في هذا الصدد في الموقع، ولكن أريد المزيد من التوضيح.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: التفرق والاختلاف في هذه الأمة واقع لا محالة، يشهد له التاريخ، وتشهد له نصوصٌ من سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. فقد قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّهُ مَن يَعِشْ مِنكُم بَعدِي فَسَيَرَى اختِلاَفًا كَثِيرًا) رواه أبو داود (4067) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود "، وقد وقع الاختلاف في جوانب الحياة السياسية، كما وقع الاختلاف في الفكر والعقيدة، وتمثل ذلك بظهور الفرق في أواخر عهد الخلفاء الراشدين، كالمرجئة والشيعة والخوارج. ثم إن من رحمته سبحانه وتعالى أن جعل هذا التفرق والاختلاف طارئا على جماعة المسلمين، حادثا على عقيدتهم، متميزا باسمه الخاص وشكله المستقل، فلم تلتبس يوما عقيدة أهل السنة والجماعة، وعقيدة عموم المسلمين، بعقائد ومناهج الفرق الضالة الأخرى، حتى إن تلك الفرق المخالفة لم تجرؤ على تسمية نفسها بأهل السنَّة والجماعة، وإنما كانت تنتسب إلى بدعتها التي أحدثتها، أو إلى الشخص الذي أسس هذه الفرقة، وتأمَّل ذلك في أسماء الفرق جميعها. والحديث المشهور في افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة شاهدٌ على ذلك. فعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ: (أَلَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِينَا فَقَالَ: أَلَا إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ افْتَرَقُوا عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَإِنَّ هَذِهِ الْمِلَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ، ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ، وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ) رواه أبو داود (4597) وغيره وصححه الحاكم (1 / 128) بل قال: إنه حديث كبير في الأصول، وحسنه ابن حجر في " تخريج الكشاف " (63) ، وصححه ابن تيمية في " مجموع الفتاوى " (3 / 345) ، والشاطبي في " الاعتصام " (1 / 430) ، والعراقي في " تخريج الإحياء " (3 / 199) وتوارد على ذكره والاستشهاد به أهل العلم في كتب السنة، وقد ورد عن جماعة من الصحابة بطرق كثيرة، أكثرها وأصحها على تحديد عدد الفرق بثلاث وسبعين فرقة. فقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الفرقة الناجية بأنها الجماعة، يعني إجماع علماء المسلمين، كما وصفها في روايات أخرى للحديث بأنهم (السواد الأعظم) كما في حديث أبي أمامة وغيره عند ابن أبي عاصم في " السنَّة " (1 / 34) والطبراني في " المعجم الكبير " (8 / 321) بإسناد حسن لغيره. وأيضا جاء وصفها بقوله صلى الله عليه وسلم: (وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً، قَالُوا: وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي) ، كما في حديث عبد الله بن عمرو عند الترمذي (2641) وحسَّنه، وحسَّنه ابن العربي في " أحكام القرآن " (3 / 432) ، والعراقي في " تخريج الإحياء " (3 / 284) ، والألباني في " صحيح الترمذي ". إذاً فهذه أظهر علامة يمكن للمسلم أن يستدل بها على الفرقة الناجية، فيتبع ما عليه عامة علماء الأمة، الذين يشهد لهم جميع الناس بالأمانة والديانة، ويتبع ما كان عليه العلماء السابقون من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وغيرهم من أهل العلم، ويحذر من كل فرقة تتميز عن جماعة المسلمين ببدعة محدثة. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " شعار أهل البدع ترك انتحال اتباع السلف " انتهى من " مجموع الفتاوى " (4 / 155) . وقال أيضاً (3/346) : "وشعار هذه الفرق – يعني الثنتين وسبعين فرقة المخالفة لأهل السنة والجماعة- مفارقة الكتاب والسنة والإجماع. فمن قال بالكتاب والسنة والإجماع كان من أهل السنة والجماعة " انتهى. فلا يجوز أن يتصور أحد بعد ذلك أن تكون الشيعة مثلا هي الفرقة الناجية، أو منحرفة الصوفية أو الخوارج أو الأحباش، بل هذه فرق حادثة، لا تمثل إلا أفكارا طارئة، ينكرها أهل العلم وعامة المسلمين، ويجدون في قلوبهم نفورا عنها، ولم تكن أفكارها التي تحملها يوما عقيدة عند أبي بكر أو عمر أو عثمان أو علي رضي الله عنهم، كما لم يحمل أفكارهم تلك الإمام أبو حنيفة أو مالك أو الشافعي أو أحمد بن حنبل، وهل يظن عاقل أن عقيدة غابت عن هؤلاء الأئمة يمكن أن تكون صوابا؟! . أظن - أخي الكريم - أنه قد ظهر أعظم فرق وأوضح فرق بين أهل السنة والجماعة (الفرقة الناجية) وبين غيرها من الفرق الضالة. يقول ابن تيمية - رحمه الله -: ولهذا وصف الفرقة الناجية بأنها أهل السنة والجماعة، وهم الجمهور الأكبر، والسواد الأعظم، وأما الفرق الباقية فإنهم أهل الشذوذ والتفرق والبدع والأهواء، ولا تبلغ الفرقة من هؤلاء قريبا من مبلغ الفرقة الناجية، فضلا عن أن تكون بقدرها، بل قد تكون الفرقة منها في غاية القلة، وشعار هذه الفرق مفارقة الكتاب والسنة والإجماع، فمن قال بالكتاب والسنة والإجماع كان من أهل السنة والجماعة. " مجموع الفتاوى " (3 / 346) . وقد توسع في ذكر سمات الفرق الهالكة الشاطبي في " الاعتصام " (1 / 453 – 460) . ثانياً: وقد قرر علماء السنة والجماعة في كتبهم أن الفرق الأخرى هي مِنَ الفرق الضالة الهالكة المبتدعة، وأنها تستحق دخول النار بسبب ما أحدثته في دين الله من أقوال شنيعة، وبدع عظيمة، إلا أنها في غالبها لا تُعتبر كافرة، بل تعد من فرق المسلمين. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: وكذلك سائر الثنتين وسبعين فرقة: مَن كان منهم منافقاً: فهو كافر فى الباطن، ومن لم يكن منافقا بل كان مؤمنا بالله ورسوله فى الباطن: لم يكن كافراً في الباطن وإن أخطأ في التأويل كائناً ما كان خطؤه، وقد يكون فى بعضهم شعبة من شعب النفاق ولا يكون فيه النفاق الذى يكون صاحبه فى الدرك الأسفل من النار. ومن قال إن الثنتين وسبعين فرقة كل واحد منهم يكفر كفراً ينقل عن الملة: فقد خالف الكتاب والسنة وإجماع الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، بل وإجماع الأئمة الأربعة وغير الأربعة، فليس فيهم من كفَّر كل واحد من الثنتين وسبعين فرقة، وإنما يكفر بعضهم بعضا ببعض المقالات. " مجموع الفتاوى " (7 / 218) . ولا يعني ذلك أن كل فرقة تنتسب إلى الإسلام أنها مسلمة، بل قد تكون كافرة مرتدة كغلاة الرافضة وغلاة الصوفية والفرق الباطنية كالدروز والنصيرية وغيرها، وألحق بعضهم الجهمية بهم، فهؤلاء جميعا خارجون عن ملة الإسلام ولا يُعدون من الفرق الواردة في الحديث. ثالثاً: مورد الافتراق والاختلاف بين هذه الفرق المقصودة في الحديث هو مسائل الدين الكلية، وأمور العقائد العامة، وليس الاختلاف الفقهي. يقول الشاطبي – رحمه الله -: هذه الفرق إنما تصير فرقاً بخلافها للفرقة الناجية في معنًى كليٍّ في الدين، وقاعدة من قواعد الشريعة، لا في جزئي من الجزئيات، إذ الجزئي والفرع الشاذ لا ينشأ عنه مخالفة يقع بسببها التفرق شيعاً، وإنما ينشأ التفرق عند وقوع المخالفة في الأمور الكلية؛ لأن الكليات تقتضي عدداً من الجزئيات غير قليل، وشاذها في الغالب أن لا يختص بمحل دون محل، ولا بباب دون باب. " الاعتصام " (1 / 439) . فإذا تميزت بعض الجماعات الإسلامية عن الأخرى بطريقة معينة في الدعوة والعمل للإسلام، ولم تخالف أهل السنة والجماعة في عقيدتهم: فلا تعد من الفرق الهالكة، بل هي من أهل الفرقة الناجية إن شاء الله تعالى إذا كانت تتبع ما كان عليه الصحابة والتابعون في العقيدة والعمل. وفي موقعنا مجموعة من الأجوبة التي تزيد المسألة شرحا وتوضيحا، فانظر:: (206) ، (1393) ، (10121) ، (10554) ، (10777) ، (12761) ، (21065) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 90112 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1170 نبذة عن البابية والبهائية [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أسأل عن البابية والبهائية وما هي عقائدهم؟ وهل هم مسلمون؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لسماحة الشيخ ابن باز رحمه الله نبذة مختصرة في التعريف بالبابية والبهائية، نقتصر هنا على إيرادها، قال رحمه الله: "أما بعد: فهذه كلمات مختصرة في التعريف بالبابية والبهائية. الباب يشار به عندهم إلى شخص جاهل إيراني ينتسب إلى التصوف يدعى: علي بن محمد الشيرازي ويزعم أنه الباب إلى بهاء الله مرزا حسين علي، وأنه الرسول الذي أتاه الوحي من قبل بهاء. والبابية تنسب إليه، وهو عندما يضيق عليه ويستتاب يتوب من البابية ويعلن أنه جعفري من الطائفة الاثني عشرية الإمامية. وقد عقد البابيون مؤتمرا عاما في صحراء بدشت لإظهار مذهبهم وبيان البشائر عن الإمام المنتظر الذي يزعمون خروجه. والبابيون في عقائدهم وآرائهم في الباب لم يكونوا على عقيدة واحدة ولا على رأي واحد في ذلك كما في صفحة 97 من كتاب: (البهائية تاريخها وعقيدتها وصلتها بالباطنية والصهيونية) لرئيس جماعة أنصار السنة المحمدية في مصر الشيخ عبد الرحمن الوكيل رحمه الله. وكان البابيون في مؤتمرهم فريقين أحدهما: تابع لرئاسة البشروئي والقدوس، والثاني: تابع لرئاسة البهاء وقرة العين كما في صفحة 98 من هذا الكتاب، كما كانت منتدياتهم نوعين: نوع خاص بأئمة البابية، والثاني: للعموم، وكان موضع البحث في هذه المنتديات الخاصة هو مسألة نسخ البابية للشريعة الإسلامية، وقد انتهى رأيهم إلى أن الباب أعظم وأجل مقاما من جميع الرسل، وأن ما أوحي إليه من دين هو أتم وأكمل من كل وحي ودين سابق. وقد خطبت قرة العين في المؤتمر كما في صفحة 99 وصفحة 100 من الكتاب المذكور خطبة شنيعة عند احتجاب البشروئي والقدوس، وتغيب البهاء بعذر المرض خوفا من معرة خطبتها وانتظارا لما سينجم عنها من قبول المؤتمرين لها ومقاومتهم لها. فصرحت في الخطبة المذكورة بأن دين محمد منسوخ كله بالدين الجديد: (دين البهائية) الواصل إلى الأمة من طريق الباب وإن لم يصل منه الآن إلا نزر يسير، وأنهم الآن في وقت فترة، والاشتغال بأحكام الإسلام أمر لا وجه له، وأباحت للناس بل شرعت لهم الاشتراك في أموالهم ونسائهم. وذكر الوكيل أن هذا هو ما صرح به مؤرخ البهائية في كتابه الكواكب الدرية صفحة 180، 219 وقد صرحت في خطبتها بإنكار البعث. وقرة العين المذكورة حملت راية مذهبهم والدعوة إليه، وهي القائمة بالفتوى قبل اتصالها بالبهاء فلما اتصلت بالبهاء خضعت له وأسندت الفتوى إليه. وقد قام البابيون بحركة رهيبة مسلحة سفكوا بها الدماء وقتلوا فيها مئات من الناس، وقامت الدولة الإيرانية ضدهم، وجندت لهم قوة حتى قضت عليهم وفرقت شملهم وقتلت باب الباب البشروئي وصاحبه القدوس وذلك في عام 1265 هـ كما في الكتاب المذكور أعني- كتاب الوكيل- ثم أفتى العلماء بكفر الباب وردته واستحقاقه القتل- أعني علماء الشيعة- فأمرت الحكومة بقتله فقتل على مشهد من الناس، وكان قبل ذلك في القلعة مسجونا. وقد نوظر أمام العلماء- أعني علماء الشيعة- عدة مرات فافتضح وظهر جهله وغباؤه وكان من أحكم الأسئلة التي وجهت إليه أن سئل عن النقص الذي في الشريعة الإسلامية وعن الكمال الذي أتى به فلم يستطع أن يجد جوابا بل ارتج عليه وانقطعت حجته، فطلب أن يخطب فخطب خطبة باردة لا قيمة لها ولا تستحق أن يصغى لها، ولذلك أفتى العلماء بكفره وإعدامه فأعدم. (تنبيه) : تقدم أن الباب يعتقد فيه البهائيون أنه المبشر بالبهاء ومحل الوحي والتبليغ فهو بمثابة الرسول عن البهاء- يعتقد البابيون في الباب، وهو علي بن محمد الشيرازي الجاهل المركب الصوفي المخدوع أنه أتم وأكمل هيكل بشري ظهرت فيه حقيقة الإلهية، وأنه هو الذي خلق كل شيء بكلمته انظر صفحة 117، رووا عنه أنه قال: كنت في يوم نوح نوحا، وفي يوم إبراهيم إبراهيم، وفي يوم موسى موسى، وفي يوم عيسى عيسى، وفي يوم محمد محمدا، وفي يوم علي عليا إلى أن قال: وسأكون في يوم من يظهره الله من يظهره الله آخر الذي لا آخر له قبل أول الذي لا أول له، كنت في ظهور حجة الله على العالمين. فاعجب لهذا الهذيان الذي لا يقوله عاقل (شرعة الباب) صفحة 119. ألغى الباب الصلوات الخمس والجمعة والجماعة إلا في الجنازة، وقرر أن التطهير في الجنابة غير واجب، والقبلة هي البيت الذي ولد فيه بشيراز، أو محل سجنه، أو البيوت التي عاش فيها هو وأتباعه وهي الأماكن التي فرض على أتباعه الحج إليها. أما الصوم فمن شروق الشمس إلى غروبها، وعدته شهر بابي وهو تسعة عشر يوما، أما الزكاة فخمس العقار يؤخذ في آخر العام ويسلم للمجلس البابي، وهناك شرائع أخرى مضحكة انظرها صفحة 120 من كتاب الوكيل. البهائية أما البهاء ويقال له بهاء الدين فهو: مرزا حسين بن علي ابن الميرزا عباس بزرك المازندراني النوري الإيراني ولد بطهران سنة 1233 هـ واشتغل في أثناء عمره بعلم التصوف، وأخذ عن شيوخه خرافاته وإشاراته، ثم انتقل إلى بغداد من طهران زائرا أو طريدا، ثم انتقالات كثيرة من بغداد إلى غيرها، ثم إلى عكا لأمور سياسية ومآرب خاصة ونزاع كثير بين أتباعه من البابية وأتباع أخيه: يحيى بن علي بن ميرزا، بعد هذا كله وبعد تطورات كثيرة ادعى البهاء ما يلي انظر صفحة 143 من كتاب الشيخ: الوكيل. ادعى البهاء أول أمره أنه خليفة الباب أو بمعنى آخر خليفة القائم، ثم زعم أنه هو القائم نفسه، ثم خلع على نفسه صفة النبوة فالألوهية والربوبية زاعما أن الحقيقة الإلهية لم تنل كمالها الأعظم إلا بتجسدها فيه. هلاك البهاء: في عنفوان قوته وسلطان دعوته سلط الله عليه الحمى فهلك بها وهو على عقيدته القذرة ودعاويه الباطلة وخرافاته المضحكة المحزنة، وكان هلاكه في ذي القعدة من عام 1309 هـ انظر صفحة 144 من رسالة أبي الفضائل وحاشيتها، أبو الفضائل أحد دعاة البهاء ومروجي نحلته الباطلة. أسلوب البهاء في الدعوة صوفي فج يعتمد على التلويحات والرموز وكثرة المصطلحات انظر صفحة 147 من كتاب الوكيل. كتبه: أشهرها الإيقان والأقدس. صنف الأول في بغداد وموضوعه إثبات مهدوية الباب وقائميته، وفيه إشارة إلى ما ادعاه البهاء وقد ألف هذا الكتاب تلبية لسؤال من سأله عن شأن الباب، وقد اعترف البهاء في هذا الكتاب بأنه مذنب وعاص في تأليفه هذا الكتاب واشتغاله بمقالاته، فاعجب أيها القارئ بصنع هذا المجرم وسوء التصرف- فسبحان الله ما أعظم شأنه- لقد أبى سبحانه إلا أن يفضح المجرمين والكذابين بما يقولونه بألسنتهم ويعملونه بجوارحهم فلله الحمد سبحانه على إيضاح الحق وفضح الباطل. انظر نص الوكيل صفحة 150. حقد البهاء على المسلمين ما حقد الميرزا على أمة حقده على أمة خاتم المرسلين، وحسبك أن يبهت السلف والخلف جميعا بأنهم لم يفقهوا شيئا من القرآن فيقول: انقضى ألف سنة ومائتان وثمان من السنين من ظهور نقطة الفرقان، وجميع هؤلاء الهمج الرعاع يتلون الفرقان في كل صباح وما فازوا للآن بحرف من المقصود- ثم يقول البهاء: إن الذي ما شرب من رحيقنا المختوم الذي فككنا ختمه باسمنا القيوم إنه ما فاز بأنوار التوحيد، وما عرف المقصود من كتب الله، وكان من المشركين. تنبيه: ما رأيت في هذه الخلاصة عن البابية والبهائية من كلمات لم تجدها في كتاب الوكيل فاعلم أن بعضها من كتاب الدكتور محمد مهدي خان الإيراني التبريزي نزيل مصر المسمى: (مفتاح باب الأبواب) ، وبعضها أخذ من مقالات كتبها محب الدين الخطيب في شأن البابية والبهائية، وبشيء يسير من كلامي والله الموفق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه " انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز" (7/407-412) . وللشيخ ابن باز رحمه الله فتوى أخرى في تكفير البهائية، سئل فيها عن الذين اعتنقوا مذهب (بهاء الله) الذي ادعى النبوة، وادعى أيضا حلول الله فيه، هل يسوغ للمسلمين دفن هؤلاء الكفرة في مقابر المسلمين؟ فأجاب: " إذا كانت عقيدة البهائية كما ذكرتم فلا شك في كفرهم وأنه لا يجوز دفنهم في مقابر المسلمين؛ لأن من ادعى النبوة بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فهو كاذب وكافر بالنص وإجماع المسلمين؛ لأن ذلك تكذيب لقوله تعالى: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين) ، ولما تواترت به الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه خاتم الأنبياء لا نبي بعده، وهكذا من ادعى أن الله سبحانه حالٌّ فيه، أو في أحد من الخلق فهو كافر بإجماع المسلمين؛ لأن الله سبحانه لا يحل في أحد من خلقه بل هو أجل وأعظم من ذلك، ومن قال ذلك فهو كافر بإجماع المسلمين، مكذب للآيات والأحاديث الدالة على أن الله سبحانه فوق العرش، قد علا وارتفع فوق جميع خلقه، وهو سبحانه العلي الكبير الذي لا مثيل له، ولا شبيه له، وقد تعرَّف إلى عباده بقوله سبحانه: (إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش) الأعراف/54 " انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز" (13/169) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 88689 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1171 الأقطاب والأبدال في الفكر الصوفي [السُّؤَالُ] ـ[سمعت وقرأت عن ما يسمى بالأبدال والأقطاب وغيرهم، هل هم فعلا موجودون بيننا؟ وهل حديث (لا تسبوا أهل الشام؛ فإن فيهم الأبدال) صحيح أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الولاية عند أهل السنة هي التي عرَّفها الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم، حيث قال تعالى: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ، الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ، لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ، لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) يونس/62-64 فأعلنت الآية أن ولي الله هو المؤمن التقي، الذي يحب الله وينصره، ويسير في مرضاته، ويحفظ حدوده، ويقيم شريعته ودينه، وهو عبد من عباد الله، لا يخرج عن قهره وسلطانه، بل لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا، ولا يعلم ما قدر الله له، فهذا هو ولي الله عند أهل السنة. وطريق الولاية للعبد هو أن يقوم بأداء الفرائض، ثم يتدرج في أداء النوافل حتى يحبه الله تعالى، فإذا أحبه كان وليا حقا له جل وعلا، وقد جاء في الحديث الصحيح: (إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبدًا دَعَا جِبرِيلَ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّ فُلانًا فَأَحِبَّهُ. قَالَ: فَيُحِبُّهُ جِبرِيلُ. ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ فَيَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلانًا فَأَحِبُّوهُ. فَيُحِبُّهُ أَهلُ السَّمَاءِ، قَالَ: ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ القبُولُ فِي الأَرضِ) رواه مسلم (2637) ثانيا: أما الولاية في عرف التصوف البدعي فلها معنى آخر يختلف عما عند أهل السنة، فولي الله عندهم من اختاره الله، ولو لم يكن فيه من مواصفات الصلاح والتقوى ما يؤهله لحب الله له، إذ الولاية عندهم نوع من الوهب الإلهي دون سبب، وبغير حكمة، لذلك كانوا يعتقدون في بعض الظلمة والفسقة والمجانين وأهل الفجور أنهم من الأولياء بمجرد أن يظهر على أيديهم من خوارق العادات، مثل: ضرب الجسم بالسكاكين، واللعب بالحيات والنار وأمثال ذلك، حتى عَدُّوا في أوليائهم من يشرب الخمر ويزني، ويقولون: الولي الصادق لا تضره معصية أبدا. ولم يكتفوا بهذا في تعريف الولاية، بل يقررون أن الولي يتصرف في الأكوان، ويقول للشيء كن فيكون، وكل ولي عندهم قد وكَّله الله بتصريف جانب من جوانب الخلق، فأربعة أولياء يمسكون العالم من جوانبه الأربعة، ويسمون الأوتاد، وسبعة أولياء آخرون كل منهم في قارة من قارات الأرض السبع، ويسمون الأبدال (لكونهم إذا مات واحد منهم كان الآخر بدله) ، وعدد آخر من الأولياء في كل إقليم، في مصر ثلاثون أو أربعون، وفي الشام كذلك، والعراق وهكذا، وكل واحد منهم قد أوكل إليه التصريف في شيء ما، وفوقهم جميعا ولي واحد يسمى القطب الأكبر أو الغوث، وهو الذي يدبر شأن الملك كله، وهكذا أسسوا لهم دولة في الباطن تحكم وتنفذ وتتحكم في شؤون الناس على منوال الدولة السياسية، وهذه الدولة يترأسها القطب أو الغوث، يليه الإمامان (وهما الوزيران) ، ثم الأوتاد الأربعة، ثم الأبدال السبعة. هذه هي الولاية الصوفية، وهي لا تمت من قريب أو بعيد للولاية الإسلامية القرآنية، فالولي في الإسلام عبد هداه الله ووفقه وسار في مرضاة ربه حسب شريعته، وهو يخشى على نفسه من النفاق وسوء العاقبة، ولا يعلم هل يقبل الله عمله أو لا، وأما الولي الصوفي فقد أعطوه من خصائص الربوبية ما يتصرف به في جانب من جوانب الكون، ولا يلتزم بما شاء من شريعة الله، ويدخل الملائكة تحت مشيئته. وأصل فكرة الولاية الصوفية مأخوذة من الفلسفة الإغريقية القديمة التي تقوم على فكرة تعدد الآلهة، وكان أول من وضع فكرة الولاية الصوفية في أواخر القرن الثالث الهجري هو محمد بن علي بن الحسن الترمذي، الذي يسمونه (الحكيم) - وهو غير الإمام صاحب السنن المشهورة بسنن الترمذي - ثم بعد ذلك اشتهرت أقوالهم، وأصبحت كتب أئمتهم مليئة بهذه الأفكار والمصطلحات، ولو ذهبنا ننقل أقوالهم وأباطيلهم لطال بنا المقام، وحتى لا يظن أحد أننا نتجنى عليهم، فهذه أسماء بعض مراجعهم، وستجد أن ما ذكرناه أقل بكثير من شناعة أفكارهم، انظر "الفتوحات المكية" لابن عربي (2/537،455) ، كتاب "اليواقيت والجواهر" لعبد الوهاب الشعراني (2/79) ، "المعجم الصوفي" لسعاد الحكيم (189-191، 909-913) ، وانظر من مراجع أهل السنة "الفكر الصوفي" للشيخ عبد الرحمن عبد الخالق (343-383) ثالثا: الحديث الذي ذكره السائل الكريم حديث ضعيف، لا يصح بوجه من الوجوه، ولم يرد من طريق صحيحة ذكر شيء من مراتب الولاية عند الصوفية. يقول ابن القيم رحمه الله تعالى في "المنار المنيف" (136) : " أحاديث الأبدال والأقطاب والأغواث والنقباء والنجباء والأوتاد كلها باطلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقرب ما فيها (لا تسبوا أهل الشام؛ فإن فيهم البدلاء، كلما مات رجل منهم أبدل الله مكانه رجلا آخر) ذكره أحمد، ولا يصح أيضا، فإنه منقطع " انتهى. (وانظر تفصيل الأحاديث المروية ف ذلك وبيان نكارتها في "المقالات القصار" لأبي محمد الألفي (69-81)) وقد سئل شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله: عن الحديث المروى فى الأبدال، هل هو صحيح أم مقطوع، وهل الأبدال مخصوصون بالشام أم حيث تكون شعائر الاسلام قائمة بالكتاب والسنة يكون بها الأبدال، بالشام وغيره من الأقاليم، وهل صحيح أن الولى يكون قاعدا فى جماعة ويغيب جسده، وما قول السادة العلماء فى هذه الاسماء التى تسمى بها أقوام من المنسوبين إلى الدين والفضيلة، ويقولون هذا غوث الأغواث، وهذا قطب الأقطاب، وهذا قطب العالم، وهذا القطب الكبير، وهذا خاتم الأولياء؟ فأجاب رحمه الله: " أما الاسماء الدائرة على ألسنة كثير من النساك والعامة، مثل الغوث الذي بمكة، والأوتاد الأربعة، والأقطاب السبعة، والأبدال الأربعين، والنجباء الثلاثمائة، فهذه أسماء ليست موجودة فى كتاب الله تعالى، ولا هي أيضا مأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح ولا ضعيف يحمل عليه، إلا لفظ الأبدال، فقد روي فيهم حديث شامى منقطع الإسناد عن على بن أبى طالب رضي الله عنه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (إن فيهم - يعني أهل الشام - الأبدال الأربعين رجلا، كلما مات رجل أبدل الله تعالى مكانه رجلا) ، ولا توجد هذه الأسماء فى كلام السلف كما هي على هذا الترتيب، ولا هي مأثورة على هذا الترتيب والمعانى عن المشائخ المقبولين عند الأمة قبولا عاما، وإنما توجد على هذه الصورة عن بعض المتوسطين من المشائخ، وقد قالها إما آثرا لها عن غيره، أو ذاكرا، فأما لفظ الغوث والغياث فلا يستحقه إلا الله، فهو غياث المستغيثين، فلا يجوز لأحد الاستغاثة بغيره، ولا بملك مقرب، ولا نبى مرسل، ومن زعم أن أهل الأرض يرفعون حوائجهم التي يطلبون بها كشف الضر عنهم ونزول الرحمة إلى الثلاثمائة، والثلاثمائة إلى السبعين، والسبعون إلى الأربعين، والأربعون إلى السبعة، والسبعة إلى الأربعة، والأربعة إلى الغوث، فهو كاذب ضال مشرك، فقد كان المشركون كما أخبر الله تعالى عنهم بقوله: (وإذا مسكم الضر فى البحر ضل من تدعون إلا إياه) وقال سبحانه وتعالى: (أمَّن يجيب المضطر إذا دعاه) فكيف يكون المؤمنون يرفعون إليه حوائجهم بعده بوسائط من الحُجَّاب وهو القائل تعالى: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) ، وقد علم المسلمون كلهم أنه لم يكن عامة المسلمين ولا مشايخهم المعروفون يرفعون إلى الله حوائجهم، لا ظاهرا ولا باطنا، بهذه الوسائط والحجاب، فتعالى الله عن تشبيهه بالمخلوقين من الملوك وسائر ما يقوله الظالمون علوا كبيرا، وهذا من جنس دعوى الرافضة أنه لا بد فى كل زمان من إمام معصوم يكون حجة الله على المكلفين، لا يتم الإيمان إلا به، بل هذا الترتيب والأعداد تشبه من بعض الوجوه ترتيب الإسماعيلية والنصيرية ونحوهم فى السابق والتالي والناطق والأساس والجسد وغير ذلك من الترتيب الذى ما نزل الله به من سلطان. وأما الأوتاد فقد يوجد فى كلام البعض أنه يقول: فلان من الأوتاد، يعني بذلك أن الله تعالى يثبت به الإيمان والدين فى قلوب من يهديهم الله به، كما يثبت الأرض بأوتادها، وهذا المعنى ثابت لكل من كان بهذه الصفة من العلماء، فكل من حصل به تثبيت العلم والإيمان في جمهور الناس كان بمنزلة الأوتاد العظيمة والجبال الكبيرة، ومن كان بدونه كان بحسبه، وليس ذلك محصورا فى أربعة ولا أقل ولا أكثر، بل جعل هؤلاء أربعة مضاهاة بقول المنجمين فى أوتاد الأرض. واما القطب فيوجد أيضا فى كلامهم: (فلان من الأقطاب) ، أو (فلان قطب) فكل من دار عليه أمر من أمور الدين أو الدنيا باطنا أو ظاهرا فهو قطب ذلك الأمر ومداره، ولا اختصاص لهذا المعنى بسبعة ولا أقل ولا أكثر، لكن الممدوح من ذلك من كان مدارا لصلاح الدنيا والدين، دون مجرد صلاح الدنيا، فهذا هو القطب فى عرفهم. وكذلك لفظ البدل، جاء فى كلام كثير منهم. فأما الحديث المرفوع فالأشبه أنه ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الإيمان كان بالحجاز وباليمن قبل فتوح الشام، وكانت الشام والعراق دار كفر، ثم لما كان فى خلافة علي رضي الله عنه، قد ثبت عنه عليه السلام أنه قال: (تمرق مارقة من المسلمين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق) ، فكان علي وأصحابه أولى بالحق ممن قاتلهم من أهل الشام، ومعلوم أن الذين كانوا مع علي رضي الله عنه من الصحابة، مثل: عمار بن ياسر، وسهل بن حنيف ونحوهما، كانوا أفضل من الذين كانوا مع معاوية، فكيف يعتقد مع هذا أن الأبدال جميعهم، الذين هم أفضل الخلق، كانوا في أهل الشام، هذا باطل قطعا، وإن كان قد ورد فى الشام وأهله فضائل معروفة، فقد جعل الله لكل شىء قدرا، والكلام يجب أن يكون بالعلم والقسط. والذين تكلموا باسم (البدل) فسروه بمعان، منها: أنهم أبدال الأنبياء، ومنها: أنه كلما مات منهم رجل أبدل الله تعالى مكانه رجلا، ومنها: أنهم أبدلوا السيئات من أخلاقهم وأعمالهم وعقائدهم بحسنات، وهذه الصفات كلها لا تختص بأربعين، ولا بأقل ولا بأكثر، ولا تحصر بأهل بقعة من الأرض " انتهى باختصار من مجموع فتاوى ابن تيمية (11/433-444) رابعا: جاء في كلام بعض السلف، وبعض أهل العلم المتأخرين إطلاق لفظ: (فلان من الأبدال) ، ومن ذلك ما جاء في "التاريخ الكبير" للبخاري (7/127) في ترجمة فروة ب مجالد: " وكانوا لا يشكّون في أنه من الأبدال " انتهى، وقال الإمام أحمد كما في "العلل" للدارقطني (6/29) : " إن كان من الأبدال في العراق أحد، فأبو إسحاق إبراهيم بن هانئ " انتهى. ولا يعنون به ما يريده المتصوفة في اصطلاحهم الباطني البدعي، وإنما يريدون المعنى اللغوي، فمن قيل فيه ذلك من أهل العلم فهو من ورثة الأنبياء بما معه من العلم الشرعي، فكأنه بدل عنهم في تبليغ الوحي وتعليمه الناس. يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى في "مجموع الفتاوى" (4/97) : " وأما أهل العلم فكانوا يقولون هم الأبدال؛ لأنهم أبدال الأنبياء، وقائمون مقامهم حقيقة، ليسوا من المعدمين الذين لا يعرف لهم حقيقة، كل منهم يقوم مقام الأنبياء في القدر الذي ناب عنهم فيه، هذا في العلم والمقال، وهذا في العبادة والحال، وهذا في الأمرين جميعا، وكانوا يقولون هم الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة، الظاهرون على الحق، لأن الهدى ودين الحق الذي بعث الله به رسله معهم وهو الذي وعد الله بظهوره على الدين كله وكفى بالله شهيدا " انتهى. وانظر سؤال رقم (10527) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83038 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1172 له صديق رافضي هل يبقى على صحبته؟ [السُّؤَالُ] ـ[عندي صديق من أهل السنة والجماعة، لديه صديق شيعي، أريد أن أستفسر عن حكم مصاحبة أهل المذاهب المخالفة، مع العلم أنه نصحه - كما قال لي - باعتناق مذهب الفرقة الناجية، ولكن دون فائدة، فما حكم مصاحبتهم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب عليك أن تنصح صاحبك بالابتعاد عن مصاحبة أهل البدع، وخاصة البدع المغلظة كالشيعة الروافض لما في مصاحبتهم من خطر على دين المسلم ودنياه، أما الخطر على دينه فهو بما يلقيه هذا الرافضي من شبهات تشكك المسلم في دينه، وأما الخطر الدنيوي فهو ما يكنه الرافضي من عداء وبغض لأهل السنة والسعي في إيذائه بكل ما يستطيع. وقد جاءت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم تحث على حسن اختيار الصاحب، وذلك لما له من تأثير على خلق ودين صاحبه، ومن هذه الأحاديث: 1. عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِي رضي الله عنه عنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِنًا وَلا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيٌّ) . رواه الترمذي (2395) وأبو داود (4832) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ". 2. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ) . رواه الترمذي (2378) وأبو داود (4833) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ". قال الخطابي رحمه الله: " لا تخالل إلا من رضيت دينه وأمانته؛ فإنك إذا خاللته قادك إلى دينه ومذهبه، فلا تغرر بدينك ولا تخاطر بنفسك فتخالل من ليس مرضيّاً في دينه ومذهبه " انتهى. " العزلة " (ص 141) . وقال ابن عبد البر رحمه الله: " وهذا معناه – والله أعلم – أن المرء يعتاد ما يراه من أفعال من صحبه، والدين العادة، فلهذا أمر ألا يصحب إلا من يرى منه ما يحل ويجمل فإن الخير عادة ... . والمعنى في ذلك: ألا يخالط الإنسان من يحمله على غير ما يحمد من الأفعال والمذاهب، وأما من يؤمن منه ذلك فلا حرج في صحبته " انتهى. " بهجة المجالس " (2 / 751) . وأما كلام السلف في التحذير من صحبة أهل البدع فكثير، ومنه: 1. ما نقله شيخ الإسلام ابن تيمية عن أبي يوسف تلميذ أبي حنيفة: قال: لا ينبغي لأحد من أهل السنة والجماعة أن يخالط أحداً من أهل الأهواء حتى يصاحبه ويكون خاصته؛ مخافة أن يستزله أو يستزل غيره بصحبه هذا. " مجموع الفتاوى " (16 / 475) . 2. قال أبو داود السجستاني رحمه الله: قلت لأبي عبد الله - أحمد بن حنبل -: أرى رجلاً من أهل السنة مع رجل من أهل البدعة أترك كلامه؟ قال: لا، أو تعلمه أن الرجل الذي رأيته معه صاحب بدعة، فإن ترك كلامه فكلِّمه، وإلا فألحقه به. " طبقات الحنابلة " (1 / 160) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82287 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1173 البابية والبهائية ليسوا مسلمين [السُّؤَالُ] ـ[ما هي أفكار وعقائد البهائية؟ وما الفرق بينهم وبين سائر المسلمين؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله البابية والبهائية حركة نبعت من فرقة من فرق الشيعة وهي الشيخية سنة 1260هـ /1844م تحت رعاية الاستعمار الروسي واليهودية العالمية والاستعمار الإنجليزي، بهدف إفساد العقيدة الإسلامية وتفكيك وحدة المسلمين، وصرفهم عن قضاياهم الأساسية. التأسيس وأبرز الشخصيات: 1- أسس البابية الميرزا على محمد رضا الشيرازي الذي تلقى العلوم الشيعية والصوفية منذ الصغر. وفي سنة 1260هـ / 1844م أعلن الشيرازي هذا أنه الباب الموصل إلى الحقيقة الإلهية، وشجعه على ذلك أحد الجواسيس الروس. ثم ادعى بعد ذلك أنه رسول كموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام، بل ادعى أنه أفضل شأناً منهم. وفي عام 1266 هـ ادعى حلول الإلهية فيه، فحكم عليه بالإعدام. 2- قرة العين، وهي امرأة فصيحة بليغة، رافقت الشيرازي في تعلم العلوم الشيعية الشيخية، وكانت إباحية فاجرة، فطلقها زوجها، وتبرأ منها أولادها. عقدت مؤتمراً مع زعماء البابية بدشت بإيران أعلنت فيه نسخ الشريعة الإسلامية، وتم إعدامها سنة 1268هـ 1852م. البهائية: قبل مقتل الشيرازي كان قد أوصى بخلافته للميرزا يحيى علي الملقب بـ (صبح أزل) ولكن نازعه أخوه حسين البهاء، وبعد خلافات بينهما وفتن، ومحاولة كل منهما قتل أخيه، نُفي صبح أزل إلى جزيرة قبرص، ومات بها سنة 1912 م. ونُفي حسين البهاء إلى عكا بفلسطين، وقتل بها على يد بعض أتباع أخيه عام 1892 م ودفن بها. عقائد البهائية وأفكارها وشعائرها: 1- الإيمان بحلول الله في بعض خلقه، وأن الله قد حلَّ في "الباب" و"البهاء". 2- الإيمان بتناسخ الكائنات، وأن الثواب والعقاب يقع على الأرواح فقط. 3- الاعتقاد بأن جميع الأديان صحيحة، وأن التوراة والإنجيل غير محرَّفين، ويرون ضرورة توحيد جميع الأديان في دين واحد هو البهائية. 4- يعتقد البهائيون أن كتاب "الأقدس" الذي وضعه البهاء حسين ناسخ لجميع الكتب السماوية بما فيها القرآن الكريم. 5- يقولون بنبوة بوذا وكنفوشيوس وبراهما وزرادشت وأمثالهم من حكماء الهند والصين والفرس. 6- يؤمنون - موافقة لليهود والنصارى - بصلب المسيح. 7- ينكرون معجزات الأنبياء وحقيقة الملائكة والجن كما ينكرون الجنة والنار. 8- يحرمون الحجاب على المرأة، ويحللون المتعة، ويدعون إلى شيوعية النساء والأموال. من الواضح جدا أنه دين يسعى إلى هدم القيم والأخلاق والسعي نحو الإباحية والفسق. 9- يقولون إن دين الباب ناسخ لشريعة محمد صلى الله عليه وسلم. 10- يؤولون القيامة بظهور البهاء، أما قبلتهم فهي إلى البهجة بعكا بفلسطين (حيث يوجد قبر البهاء) بدلاً من المسجد الحرام. 11- الصلاة عندهم تؤدى في اليوم ثلاث مرات، كل صلاة ثلاث ركعات، صبحا وظهرا ومساء، والوضوء لها بماء الورد، وإن لم يوجد فيكتفون بالبسملة "بسم الله الأطهر الأطهر" خمس مرات. 12- لا يجوزون الصلاة جماعة إلا عند الصلاة على الميت. يتضح هنا مدى سعيهم لتفرقة المسلمين بتحريمهم صلاة الجماعة. 13- يقدّس البهائيون العدد تسعة عشر، ويجعلون عدد أشهر السنة تسعة عشر شهرا، عدد كل شهر تسعة عشر يوما. 14- يصوم البهائيون شهرا بهائيا واحدا هو شهر العلا ويبدأ من 2 إلى 21 مارس وهو آخر الشهور البهائية، وفيه يجب الامتناع عن تناول الطعام من الشروق إلى الغروب، ويعقب شهر صومهم عيد النيروز. 15- يحرم البهائيون الجهاد وحمل السلاح وإشهاره ضد الكفار الأعداء!! خدمةً للمصالح الاستعمارية. كما سيأتي. وهذا يؤيد ما قيل عنها: إنها حركة تربت في حجر الاستعمار، وما زالت تحظى بتأييده إلى الآن. 16- ينكرون أن محمداً - خاتم النبيين - مدعين استمرار الوحي بعده. 17- يبطلون الحج إلى مكة، ولهذا كان حجهم إلى حيث دفن البهاء في عكا بفلسطين. 18- لا يرون الاغتسال من الجنابة ولا تطهير النجاسة لأنهم يعتقدون أن من اعتقد بالبهائية فقد طهر. 19- والزكاة استبدلوها بنوع من الضريبة تقدر بـ 19% من رأس المال تدفع مرة واحدة. تلك هي البهائية، وتلك بعض عقائدها، خليط غير متجانس من العقائد السماوية والأفكار الوثنية، أخرجها "البهاء" في قالب غريب، سماه وحياً وكتاباً مقدساً، فيالله أين عقول الخلق حين اتبعوه، وأين بصيرتهم حين قلدوه؟! علاقة البابية والبهائية بالاستعمار واليهود والنصارى: 1- أحد الجواسيس الروس هو الذي شجع علي الشيرازي على دعواه أنه الباب. 2- اشترك "البهاء" في محاولة اغتيال الملك " ناصر الدين" شاه إيران، إلا أن المحاولة باءت بالفشل، وكشف الفاعلون، ففر "البهاء" إلى سفارة روسيا التي قدمت له الحماية الكاملة، ولم تسلمه إلى السلطات الإيرانية إلا بعد أن أخذت وعدا منها بعدم إعدامه. 3- لما نفي البهاء إلى عكا سنة 1285هـ /1868م، لقي حفاوة بالغة من اليهود الذين أحاطوه بالرعاية، وأضحت عكا منذ ذلك التاريخ مقرا دائما للبهائية ومكانا مقدسا لهم. 4- يقف وراء هؤلاء بعض النصارى، ففي إحدى الدول العربية التي للبهائيين وجود بها، رئيس الحركة ومحاميها، كلاهما نصراني. 5- أشارت الأنباء إلى أن السفير الإسرائيلي في إحدى الدول العربية، قام بزيارة البهائيين في أحد معاقلهم، والتقى بقياداتهم وطالبهم بضرورة المشاركة في النشاط السياسي عن طريق إنشاء جمعية أو حزب والترشيح للمجالس البرلمانية وممارسة الأنشطة الفاعلة في الحياة السياسية للتأثير على مراكز القرار، وقد وعدهم أيضًا بتقديم تسهيلات لهم لزيارة إسرائيل ليقوموا بالحج إلى قبر البهاء. 6- لهذه الطائفة عدة ممثلين وأعضاء في مكاتب وهيئات تابعة للأمم المتحدة، يبلغ عددهم نحو سبعة أشخاص!! ولهذا لا تعجب أيها القارئ أبداً إذا عرفت بعد كل هذا، أن البهائيين يحرمون الجهاد ضد الأعداء، ويوجبون على المسلمين أن يستسلموا للاستعمار والاحتلال، وأن البهاء كان يدعو في كتبه إلى التجمع الصهيوني في أرض فلسطين. الانتشار ومواقع النفوذ: توجد الغالبية العظمى من البهائيين في إيران، وقليل منهم في العراق وسوريا ولبنان، وفلسطين، ولهم وجود في مصر، ولهم عدة محافل في إثيوبيا وأوغندا وزامبيا وجنوب إفريقيا وباكستان، ولهم حضور في بعض الدول والمدن الغربية كلندن، وفيينا وفرانكفورت وسيدني، ويوجد في شيكاغو أكبر معبد لهم. الحكم عليها وفتاوى العلماء فيها: يظهر مما سبق أن البابية والبهائية من الفئات الضالة الخارجة عن الإسلام. وقد صدرت العديد من الفتاوى من علماء المسلمين بتكفير هؤلاء، وبيان خروجهم عن الإسلام، ووجوب الحذر منهم. فقد أصدر الشيخ سليم البشري شيخ الأزهر سنة 1910 م بكفر البهائيين. كما صدر حكم قضائي بتاريخ 30/6/1946 م من محكمة شرعية في مصر بطلاق وتفريق امرأة اعتنق زوجها البهائية لأنه مرتد عن الإسلام. كما أصدرت لجنة الفتوى بالأزهر في عام 1947 م فتوى بردة معتنقي البهائية. بالإضافة إلى فتوى من دار الإفتاء المصرية عام 1939 م بارتداد البهائي. وفتوى أخرى من "دار الإفتاء المصرية" عام 1968 م جاء فيها: " من اعتنق الدين البهائي يكون مرتدا عن الدين الإسلامي، وحكم المرتد شرعاً أنه يستتاب ويعرض عليه الإسلام وتكشف شبهته إن كانت، فإن تاب فيها، وإلا قتل شرعاً " انتهى من "فتاوى دار الإفتاء" (6/2138) . وفي عام 2003 م، أصدر مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر. فتوى جاء فيها " إن هذا المذهب البهائي وأمثاله من نوعيات الأوبئة الفكرية الفتاكة التي يجب أن تجند الدولة كل إمكاناتها لمكافحته والقضاء عليه". وأكد الشيخ إبراهيم الفيومي أمين مجمع البحوث الإسلامية على أن البهائيين فرقة خارجة عن وعلى الإسلام وهي من أخطر القوى المعادية للإسلام وقد نشأت في حجر الاستعمار الصهيوني ولا تزال تلقى الرعاية والعناية من أعداء الإسلام. ولدى البهائية مشروع يسمى المشروع السياسي العدائي للأمة الإسلامية، وغرضهم الأول ضرب الإسلام وزعزعة الاستقرار السياسي والديني في المجتمعات الإسلامية، كما قاموا بإلغاء آيات كثيرة من القرآن اعتقاداً منهم بأن المسلمين قد حرفوها، كما أبطلوا الحج وطالبوا بهدم الكعبة وتوزيع حطامها على بلاد العالم. ولشيخ الأزهر السابق الشيخ جاد الحق رحمه الله فتوى في تكفير البهائية وردتها عن الإسلام، أقرها مجمع البحوث الإسلامية الحالي، جاء فيها: " والبابية أو البهائية فكر خليط من فلسفات وأديان متعددة، ليس فيها جديد تحتاجه الأمة الإسلامية لإصلاح شأنها وجمع شملها، بل وضُح أنها تعمل لخدمة الصهيونية والاستعمار، فهي سليلة أفكار ونحل ابتليت بها الأمة الإسلامية حربا على الإسلام وباسم الدين " انتهى. وقد نقلنا في جواب السؤال رقم (88689) فتوى الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في كفر هذه الطائفة، وخروجها عن الإسلام، وأنه لا يجوز أن يدفنوا في مقابر المسلمين. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 71346 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1174 الفَرق بين الفرَق العقائدية والمذاهب الفقهية، وهل تتزوج مبتدعاً؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما الفرق بين أهل السنة والجماعة والمذاهب الأخرى (مثل الشافعية والمالكية.. إلخ) ؟ وهل يجوز لفتاة من أهل السنة والجماعة أن تتزوج من رجل لا ينتمي لمذهب؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أهل السنة والجماعة لا يقابلهم المالكية والشافعية والحنابلة وأمثالهم، بل يقابلهم أهل البدع والضلال في الاعتقاد والمنهج كالأشعرية والمعتزلة والمرجئة والصوفية وأشباههم. أما الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة فهي مدارس فقهية، وأئمتها من أهل السنة والجماعة بل هم من رؤوس أهل السنة والجماعة، لكن مما يؤسف له أن أتباع أكثر تلك المذاهب والمدارس قد اتبعوا في اعتقادهم أهل البدع والضلال، فأصبح الكثير من الشافعية والمالكية من الأشعرية، وأصبح الكثير من الحنفية من الماتريدية، وقد سلِم الحنابلة – إلا قليلا جدّاً منهم – من الانتساب في العقائد لغير أهل السنة والجماعة. والأصل في المسلم أن يكون ملتزماً بالكتاب والسنة وعلى فهم وهدي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم بإحسان , " وأما اتباع مذهب من هذه المذاهب الأربعة أو غيرها فليس بواجب ولا مندوب , وليس على المسلم أن يلتزم واحداً منها بعينه , بل من التزم واحداً منها بعينه في كل مسألة فهو متعصب مخطئ مقلد تقليداً أعمى " انتهى. "هل المسلم ملزم باتباع مذهب معين من المذاهب الأربعة؟ " للمعصومي (ص 38) . واتباع المذاهب الفقهية الأربعة لا حرج فيه إذا كان المسلم ليس عنده من العلم ما يستطيع به استنباط الأحكام من الكتاب والسنة , لكن متى ظهر له أن الصواب خلاف مذهبه فالواجب عليه اتباع الصواب وترك مذهبه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " قد ذم الله تعالى في القرآن من عدل عن اتباع الرسل إلى ما نشأ عليه من دين آبائه وهذا هو التقليد الذي حرمه الله ورسوله وهو: أن يتبع غير الرسول فيما خالف فيه الرسول، وهذا حرام باتفاق المسلمين على كل أحد ; فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق , والرسول طاعته فرض على كل أحد من الخاصة والعامة في كل وقت وكل مكان ; في سره وعلانيته وفي جميع أحواله. . . . وقد أوجب الله طاعة الرسول على جميع الناس في قريب من أربعين موضعا من القرآن. وتقليد العاجز عن الاستدلال للعالم يجوز عند الجمهور. . . والتقليد المحرم بالنص والإجماع: أن يعارض قول الله ورسوله بما يخالف ذلك كائنا من كان المخالف لذلك " انتهى. "مجموع الفتاوى" (19/260-266) . وأتباع السلف هم الذين استقاموا على الكتاب والسنَّة في اعتقادهم وفِقْهِهِم وسلوكهم ولم يخالفوا ما ثبت في الكتاب والسنة وأجمع عليه سلف الأمة. قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: " المقصود بالمذهب السّلفي هو ما كان عليه سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين والأئمة المعتبرين من الاعتقاد الصّحيح، والمنهج السّليم، والإيمان الصّادق، والتمسُّك بالإسلام عقيدة وشريعة وأدبًا وسلوكًا؛ خلاف ما عليه المبتدعة والمنحرفون والمخرِّفون. ومن أبرز من دعا إلى مذهب السّلف الأئمة الأربعة، وشيخ الإسلام ابن تيميَّة، وتلاميذه، والشيخ محمد بن عبد الوهَّاب، وتلاميذه، وغيرهم من كلّ مصلح ومجدِّد، حيث لا يخلو زمان من قائم لله بحجَّةٍ. ولا بأس من تسميتهم بأهل السنة والجماعة؛ فرقًا بينهم وبين أصحاب المذاهب المنحرفة، وليس هذا تزكية للنفس، وإنما هو من التمييز بين أهل الحق وأهل الباطل " انتهى. " المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (1 / السؤال رقم (206)) . وعليه فإذا جاء للمسلمة من يُرضى دينُه وخلقُه: فإنَّ عليها أن تقبل به ولو لم ينتسب إلى أحد هذه المذاهب، أما إذا كان المتقدم لها من الفرق الضالة المنحرفة فإنها لا تقبل به. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69836 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1175 الفرق الضالة لا ينبغي أن يزوجوا من أهل السنة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للشاب صاحب المذهب الإباضي الزواج من الفتاه صاحبة المذهب الشافعي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الإباضية من فرق الخوارج، وهي من فرق الضلال، وقد جاءت نصوص كثيرة صحيحة في ذمهم. وانظر في ذلك جواب السؤال رقم (11529) . وقد نقلنا في جواب السؤال رقم (40147) عن علماء اللجنة الدائمة: " فرقة الإباضية من الفرق الضالة لما فيهم من البغي والعدوان والخروج على عثمان بن عفان وعلي رضي الله عنهما، ولا تجوز الصلاة خلفهم " انتهى. وفي "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم" (13/30) : أن شهادة " الإباضية " غير مقبولة شرعاً. وقد جاءت النصوص الواضحة في حسن اختيار الزوج من قبل أولياء الزوجة، ومن ذلك الرضا بدينه وخلقه، وأي دين يُرضى من أهل الفرق الضالة، والتي ترى الخروج على أئمة المسلمين، وترى خلق القرآن، وترى كفر مرتكب الكبيرة، وترى إنكار رؤية الله تعالى في الآخرة؟! عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ) رواه الترمذي (1084) وابن ماجه (1967) . والحديث: حسَّنه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (1022) . فالذي ينبغي هو عدم تزويج المبتدعة من نساء أهل السنة؛ وتأثير الزوج على الزوجة كبير، فقد تتأثر به فتعتقد اعتقاده فتنتقل من الفرقة الناجية إلى إحدى فرق الضلال. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 66052 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1176 سدل اليدين عند التعب هل فيه مشابهة للرافضة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لي أن أسدل يديّ أثناء الصلاة، كما يفعل الشيعة عندما أشعر بالتعب؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: مما لا شك فيه أن السنة هي وضع المصلي يده اليمنى على اليسرى في الصلاة. عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة. قال أبو حازم: لا أعلمه إلا يُنمي ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم – أي: يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم -. رواه البخاري (707) . وعن وائل بن حُجْر رضي الله عنه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين دخل في الصلاة كبَّر حيال أذنيه ثم التحف بثوبه ثم وضع يده اليمنى على اليسرى. رواه مسلم (401) . وانظر جواب السؤال رقم (5770) لترى حقيقة دين الرافضة، وفيه سقنا الأدلة الصحيحة على وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة. وفي جواب السؤال رقم (6109) ترى الرد على من نقل عن الإمام مالك خلاف هذه السنَّة، وفيه تصريح بعض كبار المالكية في إثبات هذه السنة عن النبي صلى الله عليه وعن الإمام مالك. ثانياً: من شعر بالتعب فإن له أن يسدل يديه بقدر ما يرتاح به، ثم يعود إلى قبضهما، وقد قال الله تعالى: (لاَ يكلِّف الله نَفْساً إلا وُسْعَهَا) ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلِّي من الليل فإذا تعب جلس فإذا قرب من الركوع قام ليركع. عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في شيء من صلاة الليل جالساً حتى إذا كبر قرأ جالسا، فإذا بقي عليه من السورة ثلاثون أو أربعون آية قام فقرأهن ثم ركع. رواه البخاري (1097) ومسلم (731) . وثبت في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم صلى أياماً وهو جالس بسبب مرضه، فإذا جاز أن يترك القيام وهو ركن من أركان الصلاة بسبب المرض، فيجوز ترك السنة من أجل التعب من باب أولى، على أن يرجع للقبض بعد ذهاب ما به من تعب. قال الشافعي رحمه الله في "الأم" (1/100) : " ولو افتتح الصلاة قائما ثم عرض له عذر جلس، فإن ذهب عنه لم يجزه إلا أن يقوم " انتهى. وقال النووي في "شرح مسلم" (6/11) : " قولها: (قرأ جالسا حتى إذا بقي عليه من السورة ثلاثون أو أربعون آية قام فقرأهن ثم ركع) فيه: جواز الركعة الواحدة بعضها من قيام وبعضها من قعود , وهو مذهبنا ومذهب مالك وأبي حنيفة وعامة العلماء , وسواء قام ثم قعد , أو قعد ثم قام، ومنعه بعض السلف , وهو غلط " انتهى. وخلاصة الجواب: أنه لا حرج من سدل اليدين في الصلاة بسبب التعب، على أن يعود للقبض متى زال التعب، ولا يعد ذلك مشابهة للرافضة لأنه سيكون مؤقتا، وللعذر، وإنما يكون مشابهة لهم إذا اتخذه المصلي شعارا له بحيث لا يصلي صلاة إلا ويسدل يديه، ولا يقبضهما أبدا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65597 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1177 حكم ذبائح الشيعة – الرافضة - [السُّؤَالُ] ـ[نحن نعيش في مجتمع شيعي، وأنتم تعلمون عقائد الشيعة المخالفة للكتاب والسنة مع دعواهم الإسلام، فهل يجوز لنا أن نأكل ذبائحهم التي يذكرون اسم الله عليها ويذبحونها - للبيع في الأسواق - للقبور أو الأموات أو المشاهد أو للنذر؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من شروط حل الذبيحة أن يكون الذابح لها مسلماً أو كتابيّاً، فلا تحل ذبيحة المشرك ولا المجوسي ولا المرتد. والشيعة لهم جملة من العقائد والأعمال التي تخرجهم من دائرة الإسلام، كاعتقادهم تحريف القرآن الكريم، وأن أئمتهم يعلمون الغيب، وأنهم معصومون من السهو والخطأ. ويستغيثون بالأموات، ويدعونهم من دون الله، ويسجدون لقبورهم، ويسبون أفضل البشر بعد الأنبياء والرسل وهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ويكفرونهم، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (1148) و (10272) و (21500) . فمن اعتقد شيئاً من ذلك، أو فعل شيئاً من هذه الكفريات، فهو خارج عن الإسلام ولا تحل ذبيحته. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: عن أكل ذبائح الشيعة الجعفرية، علماً بأنهم يدعون علياً والحسن والحسين وسائر سادتهم في الشدة والرخاء: فأجابوا: "إذا كان الأمر كما ذكر السائل من أن الجماعة الذين لديه من الجعفرية يدعون علياً والحسن والحسين وسادتهم فهم مشركون مرتدون عن الإسلام والعياذ بالله، ولا يحل الأكل من ذبائحهم، لأنها ميتة ولو ذكروا عليها اسم الله " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (2/264) . وسئلوا أيضاً: أنا من قبيلة تسكن في الحدود الشمالية ومختلطين نحن وقبائل من العراق ومذهبهم شيعة وثنية يعبدون قبباً ويسمونها بالحسن والحسين وعلي، وإذا قام أحدهم قال: يا علي، يا حسين، وقد خالطهم البعض من قبائلنا في النكاح في كل الأحوال، وقد وعظتهم ولم يسمعوا، وقد سمعت أن ذبحهم لا يؤكل وهؤلاء يأكلون ذبحهم ولم يتقيدوا ونطلب من سماحتكم توضيح الواجب نحو ما ذكرنا؟ فأجابوا: "إذا كان الواقع كما ذكرت من دعائهم عليّاً والحسين والحسن ونحوهم: فهم مشركون شركاً أكبر يخرج من ملة الإسلام، فلا يحل أن نزوجِّهم المسلمات، ولا يحل لنا أن نتزوج من نسائهم، ولا يحل لنا أن نأكل من ذبائحهم، قال الله تعالى: (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنَّ ولأمَةٌ مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبدٌ مؤمنٌ خيرٌ من مشركٍ ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون) " انتهى. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود " فتاوى اللجنة الدائمة " (2 / 264) . وسئل الشيخ عبد الله بن جبرين حفظه الله عن الأكل من ذبائح الرافضة: فأجاب: "لا يحل ذبح الرافضي ولا أكل ذبيحته، فإن الرافضة غالباً مشركون حيث يدعون علي بن أبي طالب دائماً في الشدة والرخاء حتى في عرفات والطواف والسعي، ويدعون أبناءه وأئمتهم كما سمعنا مراراً، وهذا شرك أكبر وردة عن الإسلام يستحقون القتل عليها، كما يغلون في وصف علي رضي الله عنه ويصفونه بأوصاف لا تصلح إلا لله كما سمعناهم في عرفات، وهم بذلك مرتدون حيث جعلوه ربّاً وخالقاً ومتصرفاً في الكون ويعلم الغيب ويملك الضر والنفع ونحو ذلك، كما أنهم يطعنون في القرآن الكريم ويزعمون أن الصحابة حرفوه وحذفوا منه أشياء كثيرة تتعلق بأهل البيت وأعدائهم فلا يقتدون به ولا يرونه دليلا، كما أنهم يطعنون في أكابر الصحابة كالخلفاء الثلاثة وبقية العشرة وأمهات المؤمنين ومشاهير الصحابة كأنس وجابر وأبي هريرة ونحوهم، فلا يقبلون أحاديثهم لأنهم كفار في زعمهم، ولا يعملون بأحاديث الصحيحين إلا ما كان عن أهل البيت، ويتعلقون بأحاديث مكذوبة، أو لا دليل فيها على ما يقولون، ولكنهم مع ذلك ينافقون فيقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ويخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك، ويقولون: "من لا تقية له فلا دين له"، فلا تقبل دعواهم في الأخوة ومحبة الشرع ... إلخ , فالنفاق عقيدة عندهم، كفى الله شرهم" انتهى. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 60046 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1178 خصائص الفرقة الناجية [السُّؤَالُ] ـ[ما هي أبرز خصائص الفرقة الناجية؟ وهل النقص من هذه الخصائص يخرج الإنسان من الفرقة الناجية؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أبرز الخصائص للفرقة الناجية هي التمسك بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم في العقيدة والعبادة والأخلاق والمعاملة هذه الأمور الأربعة تجد الفرقة الناجية بارزة فيها: ففي العقيدة تجدها متمسكة بما دل علبه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم , من التوحيد الخالص في ألوهية الله , وربوبيته , وأسمائه وصفاته. وفي العبادات تجد هذه الفرقة متميزة في تمسكها التام وتطبيقها لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم , في العبادات في أجناسها , وصفاتها وأقدارها وأزمنتها وأمكنتها وأسبابها , فلا تجد عندهم ابتداعاً في دين الله , بل هم متأدبون غاية الأدب مع الله ورسوله لا يتقدمون بين يدي الله ورسوله في إدخال شيء من العبادات لم يأذن به الله. وفي الأخلاق تجدهم كذلك متميزين عن غيرهم بحسن الأخلاق كمحبة الخير للمسلمين , وانشراح الصدر , وطلاقة الوجه , وحسن المنطق والكرم, والشجاعة إلى غير ذلك من مكارم الأخلاق ومحاسنها. وفي المعاملات تجدهم يعاملون الناس بالصدق , والبيان اللذين أشار إليهما النبي صلى الله عليه وسلم, في قوله: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما , وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما) . والنقص من هذه الخصائص لا يخرج الإنسان عن كونه من الفرقة الناجية لكن لكل درجات مما عملوا , والنقص في جانب التوحيد ربما يخرجه عن الفرقة الناجية مثل الإخلال بالإخلاص, وكذلك في البدع ربما يأتي ببدع تخرجه عن كونه من الفرقة الناجية. أما في مسألة الأخلاق والمعاملات فلا يخرج الإخلال بهما من هذه الفرقة وإن كان ذلك ينقص مرتبته. وقد نحتاج إلى تفصيل في مسألة الأخلاق فإن من أهم ما يكون من الأخلاق اجتماع الكلمة, والاتفاق على الحق الذي أوصانا به الله تعالى في قوله: (شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) الشورى/13. وأخبر أن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً أن محمداً صلى الله عليه وسلم , برئ منهم فقال الله عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) الأنعام/159. فاتفاق الكلمة وائتلاف القلوب من أبرز خصائص الفرقة الناجية - أهل السنة والجماعة - فهم إذا حصل بينهم خلاف ناشئ عن الاجتهاد في الأمور الاجتهادية لا يحمل بعضهم على بعض حقداً , ولا عداوة , ولا بغضاء بل يعتقدون أنهم إخوة حتى وإن حصل بينهم هذا الخلاف , حتى إن الواحد منهم ليصلي خلف من يرى أنه ليس على وضوء ويرى الإمام أنه على وضوء , مثل أن الواحد منهم يصلي خلف شخص أكل لحم إبل , وهذا الإمام يرى أنه لا ينقض الوضوء , والمأموم يرى أنه ينقض الوضوء فيرى أن الصلاة خلف ذلك الإمام صحيحة , وإن كان هو لو صلاها بنفسه لرأى أن صلاته غير صحيحة , كل هذا لأنهم يرون أن الخلاف الناشئ عن اجتهاد فيما يسوغ فيه الاجتهاد ليس في الحقيقة بخلاف , لأن كل واحد من المختلفين قد تبع ما يجب عليه اتباعه من الدليل الذي لا يجوز له العدول عنه , فهم يرون أن أخاهم إذا خالفهم في عمل ما اتباعاً للدليل هو في الحقيقة قد وافقهم, لأنهم هم يدعون إلى اتباع الدليل أينما كان, فإذا خالفهم موافقة لدليل عنده فهو في الحقيقة قد وافقهم، لأنه تمشي على ما يدعون إليه ويهدون إليه من تحكيم كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يخفى على كثير من أهل العلم ما حصل من الخلاف بين الصحابة في مثل هذه الأمور, حتى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعنف أحداً منهم , فإنه عليه الصلاة والسلام لما رجع من غزوة الأحزاب وجاءه جبريل وأشار إليه أن يخرج إلى بني قريظة الذين نقضوا العهد فندب النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فقال: لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة) . فخرجوا من المدينة إلى بني قريظة وأرهقتهم صلاة العصر فمنهم من أخر صلاة العصر حتى وصل إلى بني قريظة بعد خروج الوقت لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة) . ومنهم من صلى الصلاة في وقتها , وقال إن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد منا المبادرة إلى الخروج ولم يرد منا أن نؤخر الصلاة عن وقتها - وهؤلاء هم المصيبون - ولكن مع ذلك لم يعنّف النبي صلى الله عليه وسلم أحداً من الطائفتين , ولم يحمل كل واحد على الآخر عداوة أو بغضاء بسبب اختلافهم في فهم هذا النص، لذا أرى أنه من الواجب على المسلمين الذين ينتسبون إلى السنة أن يكونوا أمة واحدة , وأن لا يحصل بينهم تحزب هذا إلى طائفة والآخر إلى طائفة أخرى والثالث إلى طائفة ثالثة وهكذا بحيث يتناحرون فيما بينهم بأسنة الألسن , ويتعادون ويتباغضون من أجل اختلاف يسوغ فيه الاجتهاد , ولا حاجة إلى أن أخص كل طائفة بعينها , ولكن العاقل يفهم ويتبين له الأمر. فأرى أنه يجب على أهل السنة والجماعة أن يتحدوا حتى وإن اختلفوا فيما يختلفون فيه فيما تقتضيه النصوص حسب أفهامهم فإن هذا أمر فيه سعة ولله الحمد , والمهم ائتلاف القلوب واتحاد الكلمة ولا ريب أن أعداء المسلمين يحبون من المسلمين أن يتفرقوا سواء كانوا أعداءً يصرحون بالعداوة , أو أعداء يتظاهرون بالولاية للمسلمين أو للإسلام وهم ليسوا كذلك, فالواجب أن نتميز بهذه الميزة التي هي ميزة للطائفة الناجية وهي الاتفاق على كلمة واحدة. [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ج/1 ص 38-41. الحديث: 10554 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1179 هل الجماعات الإسلامية من الفرق الضالة [السُّؤَالُ] ـ[ما رأيك في الذي يقول: بأن هذه الجماعات الإسلامية من الفرق التي تدعو إلى جهنم والتي أمر النبي باعتزالها فهل كلامه صحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الذي يدعو إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ليس من الفرق الضالة، بل هو من الفرق الناجية المذكورة في قوله صلى الله عليه وسلم: (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة) ، قيل: ومن هي يا رسول الله؟ قال: (من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي) . وفي لفظ: (هي الجماعة) . والمعنى أن الفرقة الناجية: هي الجماعة المستقيمة على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم؛ من توحيد الله، وطاعة أوامره وترك نواهيه، والاستقامة على ذلك قولاً وعملاً وعقيدة، هم أهل الحق وهم دعاة الهدى ولو تفرقوا في البلاد، يكون منهم في الجزيرة العربية، ويكون منهم في الشام، ويكون منهم في أمريكا ويكون منهم في مصر، ويكون منهم في دول أفريقيا، ويكون منهم في آسيا، فهم جماعات كثيرة يعرفون بعقيدتهم وأعمالهم، فإذا كانوا على طريقة التوحيد والإيمان بالله ورسوله، والاستقامة على دين الله الذي جاء به الكتاب وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فهم أهل السنة والجماعة وإن كانوا في جهات كثيرة، ولكن في آخر الزمان يقلون جداً. فالحاصل أن الضابط هو استقامتهم على الحق، فإذا وجد إنسان أو جماعة تدعو إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وتدعو إلى توحيد الله واتباع شريعته فهؤلاء هم الجماعة، وهم من الفرقة الناجية وأما من دعا إلى غير كتاب الله، أو إلى غير سنة الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا ليس من الجماعة، بل من الفرق الضالة الهالكة، وإنما الفرقة الناجية: دعاة الكتاب والسنة، وإن كان منهم جماعة هنا وجماعة هناك مادام الهدف والعقيدة واحدة، فلا يضر كون هذه تسمى: أنصار السنة وهذه تسمى: الإخوان المسلمين، وهذه تسمى كذا، المهم عقيدتهم وعملهم، فإذا استقاموا على الحق وعلى توحيد الله والإخلاص له واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم قولاً وعملاً وعقيدة فالأسماء لا تضرهم، لكن عليهم أن يتقوا الله، وأن يصدقوا في ذلك، وإذا تسمى بعضهم بـ: أنصار السنة، وتسمى بعضهم بـ: السلفيين، أو بالإخوان المسلمين، أو تسمى بعضهم بجماعة كذا، لا يضر إذا جاء الصدق، واستقاموا على الحق باتباع كتاب الله والسنة وتحكيمهما، والاستقامة عليهما عقيدة وقولاً وعملاً، وإذا أخطأت الجماعة في شيء فالواجب على أهل العلم تنبيهها وإرشادها إلى الحق إذا اتضح دليله. والمقصود: أنه لابد أن نتعاون على البر والتقوى، وأن نعالج مشاكلنا بالعلم والحكمة والأسلوب الحسن، فمن أخطأ في شيء من هذه الجماعات أو غيرهم مما يتعلق بالعقيدة، أو بما أوجب الله، أو ما حرم الله نبهوا بالأدلة الشرعية بالرفق والحكمة والأسلوب الحسن، حتى ينصاعوا إلى الحق، وحتى يقبلوه، وحتى لا ينفروا منه، هذا هو الواجب على أهل الإسلام أن يتعاونوا على البر والتقوى، وأن يتناصحوا فيما بينهم، وألا يتخاذلوا فيطمع فيهم العدو. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/8 ص/181. الحديث: 10121 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1180 من هم أهل السنة والجماعة [السُّؤَالُ] ـ[من هم أهل السنة والجماعة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أهل السنة والجماعة هم الذين تمسكوا بالسنة , واجتمعوا عليها , ولم يلتفتوا إلى سواهما , لا في الأمور العلمية العقدية , ولا في الأمور العملية الحكمية , ولهذا سموا أهل السنة , لأنهم متمسكون بها , وسموا أهل الجماعة لأنهم مجتمعون عليها. وإذ تأملت أحوال أهل البدعة وجدتهم مختلفين فيما هم عليه من المنهاج العقدي أو العملي , مما يدل على أنهم بعيدون عن السنة بقدر ما أحدثوا من البدعة. [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ج/1 ص 37. الحديث: 10777 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1181 هل خرج الشيخ محمد بن عبد الوهاب على الخلافة العثمانية وكان سبباً في سقوطها [السُّؤَالُ] ـ[بعض الناس يقعون في محمد بن عبد الوهاب (رحمه الله) . إنهم يتهمونه أنه حارب ضد الخلافة الإسلامية العثمانية وضد خليفة المسلمين. ولذلك , فإنه عدو للمسلمين. وجدالهم يدور حول هذه المسألة, فهل هذا صحيح؟ كيف يمكن أن يقاتل شخص ما أمير المسلمين , مع أن الخليفة يصلي ويؤدي الزكاة وما إلى ذلك؟ إنهم يقولون أيضا أنه اتفق مع الجيش الإنكليزي، وأنه قاتل معهم ضد المسلمين. أرجو أن تعطيني جواب مفصل حول هذه المسألة التاريخية , وأن توضح لي الحقيقة. من نصدق؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما من رجل يجيء إلى الدنيا بالخير إلا وكان له أعداء من الإنس والجن، حتى أنبياء الله تعالى لم يسلموا من ذلك. وكان عداء الناس للعلماء قديماً لا سيما أصحاب الدعوة الحق فقد لقوا من الناس العداء الشديد، ومثال ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى فقد لاقى من بعض الحسَّاد مَن استحل دمه ومن رماه بالضلال والخروج من الدين والردة. وما كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلا رجلا من هؤلاء العلماء المظلومين الذين قال الناس فيهم ما لم يعلموا ابتغاء الفتنة، وما حملهم على ذلك إلا الحسد والبغضاء مع رسوخ البدعة في نفوسهم أو الجهل وتقليد أصحاب الهوى. وإليك عرض بعض الشبه التي قيلت في الشيخ والرد عليها: يقول الشيخ عبد العزيز العبد اللطيف: ادعى بعض خصوم الدعوة السلفية أن الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب قد خرج على دولة الخلافة العثمانية ففارق بذلك الجماعة وشق عصا السمع والطاعة. " دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب " (ص 233) . وقال: ويدَّعي " عبد القديم زلُّوم " أن الوهابيين بظهور دعوتهم قد كانوا سببا في سقوط دولة الخلافة، يقول: وكان قد وجد الوهابيون كياناً داخل الدولة الإسلامية بزعامة محمد بن سعود ثم ابنه عبد العزيز فأمدتهم إنجلترا بالسلاح والمال واندفعوا على أساس مذهبي للاستيلاء على البلاد الإسلامية الخاضعة لسلطان الخلافة أي رفعوا السيف في وجه الخليفة وقاتلوا الجيش الإسلامي جيش أمير المؤمنين بتحريض من الإنجليز وإمداد منهم. " كيف هدمت الخلافة " (ص 10) . وقبل أن نورد الجواب على شبهة خروج الشيخ محمد بن عبد الوهاب على دولة الخلافة فإنه من المناسب أن نذكر ما كان عليه الشيخ الإمام من اعتقاد وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين برّهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية الله لأن الطاعة إنما تكون في المعروف. يقول الشيخ الإمام في رسالته لأهل القصيم: وأرى وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين برّهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية الله ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به وغلبهم بسيفه حتى صار خليفة وجبت طاعته وحرم الخروج عليه. " مجموعة مؤلفات الشيخ " (5 / 11) . ويقول أيضا: الأصل الثالث: أن من تمام الاجتماع السمع والطاعة لمن تأمّر علينا ولو كان عبداً حبشيّاً.." مجموعة مؤلفات الشيخ (1 / 394) بواسطة " دعاوى المناوئين " (233 – 234) . ويقول الشيخ عبد العزيز العبد اللطيف: وبعد هذا التقرير الموجز الذي أبان ما كان عليه الشيخ من وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين برّهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية الله: فإننا نشير إلى مسألة مهمة جوابا عن تلك الشبهة فهناك سؤال مهم هو: هل كانت " نجد " موطن هذه الدعوة ومحل نشأتها تحت سيطرة دولة الخلافة العثمانية؟ . يجيب الدكتور صالح العبود على هذا فيقول: لم تشهد " نجد " على العموم نفوذا للدولة العثمانية فما امتد إليها سلطانها ولا أتى إليها ولاة عثمانيون ولا جابت خلال ديارها حامية تركية في الزمان الذي سبق ظهور دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ومما يدل على هذه الحقيقة التاريخية استقرار تقسيمات الدولة العثمانية الإدارية فمن خلال رسالة تركية عنوانها: " قوانين آل عثمان مضامين دفتر الديوان"، يعني: " قوانين آل عثمان في ما يتضمنه دفتر الديوان "، ألّفها يمين علي أفندي الذي كان أمينا للدفتر الخاقاني سنة 1018 هجرية الموافقة لسنة 1609م من خلال هذه الرسالة يتبين أنه منذ أوائل القرن الحادي عشر الهجري كانت دولة آل عثمان تنقسم إلى اثنتين وثلاثين ايالة منها أربع عشرة ايالة عربية وبلاد نجد ليست منها ما عدا الإحساء إن اعتبرناه من نجد … . " عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأثرها في العالم الإسلامي " – غير منشور – (1 / 27) . ويقول الدكتور عبد الله العثيمين: ومهما يكن فإن " نجداً " لم تشهد نفوذاً مباشراً للعثمانيين عليها قبل ظهور دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب كما أنها لم تشهد نفوذاً قويّاً يفرض وجوده على سير الحوادث داخلها لأية جهة كانت فلا نفوذ بني جبر أو بني خالد في بعض جهاتها ولا نفوذ الأشراف في بعض جهاتها الأخرى أحدث نوعاً من الاستقرار السياسي فالحروب بين البلدان النجدية ظلت قائمة والصراع بين قبائلها المختلفة استمر حادّاً عنيفاً. " محمد بن عبد الوهاب حياته وفكره " (ص 11) بواسطة " دعاوى المناوئين " (234 – 235) . واستكمالا لهذا المبحث نذكر جواب سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز على ذلك الاعتراض قول رحمه الله: لم يخرج الشيخ محمد بن عبد الوهاب على دولة الخلافة العثمانية فيما أعلم وأعتقد فلم يكن في نجد رئاسة ولا إمارة للأتراك بل كانت نجد إمارات صغيرة وقرى متناثرة وعلى كل بلدة أو قرية - مهما صغرت - أمير مستقل … وهي إمارات بينها قتال وحروب ومشاجرات والشيخ محمد بن عبد الوهاب لم يخرج على دولة الخلافة وإنما خرج على أوضاع فاسدة في بلده فجاهد في الله حق جهاده وصابر وثابر حتى امتد نور هذه الدعوة إلى البلاد الأخرى … " ندوة مسجلة على الأشرطة " بواسطة " دعاوى المناوئين " (ص 237) . وقال الدكتور عجيل النشمي: … .. لم تحرك دولة الخلافة ساكنا ولم تبدر منها أية مبادرة امتعاض أو خلاف يذكر رغم توالي أربعة من سلاطين آل عثمان في حياة الشيخ ... " مجلة المجتمع " (عدد 510) . إذا كان ما سبق يعكس تصور الشيخ لدولة الخلافة فكيف كانت صورة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب لدى دولة الخلافة؟ يقول د. النشمي مجيباً على هذا السؤال: لقد كانت صورة حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب لدى دولة الخلافة صورة قد بلغت من التشويه والتشويش مداه فلم تطلع دولة الخلافة إلا على الوجه المعادي لحركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب سواء عن طريق التقارير التي يرسلها ولاتها في الحجاز أو بغداد أو غيرهما..أو عن طريق بعض الأفراد الذين يصلون إلى الأستانة يحملون الأخبار. " المجتمع " (عدد 504) بواسطة " دعاوى المناوئين " (ص 238 – 239) . وأما دعوى " زلوم " أن دعوة الشيخ أحد أسباب سقوط الخلافة وأن الإنكليز ساعدوا الوهابيين على إسقاطها: فيقول محمود مهدي الاستانبولي جوابا على هذه الدعوى العريضة: قد كان من واجب هذا الكاتب أن يدعم رأيه بأدلة وإثباتات وقديما قال الشاعر: وإذا الدعاوى لم تقم بدليلها بالنص فهي على السفاه دليل مع العلم أن التاريخ يذكر أن هؤلاء الإنكليز وقفوا ضد هذه الدعوة منذ قيامها خشية يقظة العالم الإسلامي. " الشيخ محمد عبد الوهاب في مرآة الشرق والغرب " (ص 240) . ويقول: والغريب المضحك المبكي أن يتهم هذا الأستاذ حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب بأنها من عوامل هدم الخلافة العثمانية مع العلم أن هذه الحركة قامت حوالي عام 1811 م وأن الخلافة هدمت حوالي 1922 م. " المرجع السابق " (ص 64) . ومما يدل على أن الإنكليز ضد الحركة الوهابية أنهم أرسلوا الكابتن فورستر سادلير ليهنئ إبراهيم باشا على النجاح الذي حققه ضد الوهابيين - إبان حرب إبراهيم باشا للدرعية - وليؤكد له أيضا مدى ميله إلى التعاون مع الحركة البريطانية لتخفيض ما أسموه بأعمال القرصنة الوهابية في الخليج العربي. بل صرحت هذه الرسالة بالرغبة في إقامة الاتفاق بين الحكومة البريطانية وبين إبراهيم باشا بهدف سحق نفوذ الوهابيين بشكل كامل. ويقول الشيخ محمد بن منظور النعماني: لقد استغل الإنجليز الوضع المعاكس في الهند للشيح محمد بن عبد الوهاب ورموا كل من عارضهم ووقف في طريقهم ورأوه خطرا على كيانهم بالوهابية ودعوهم وهابيين … وكذلك دعا الإنجليز علماء ديوبند - في الهند - بالوهابيين من أجل معارضتهم السافرة للإنجليز وتضييقهم الخناق عليهم … " دعايات مكثفة ضد الشيخ محمد عبد الوهاب " (ص 105 – 106) . وبهذه النقول المتنوعة ينكشف زيف هذه الشبهة وتهافتها أمام البراهين العلمية الواضحة من رسائل الشيخ الإمام ومؤلفاته كما يظهر زيف الشبهة أمام الحقائق التاريخية التي كتبها المنصفون. " دعاوى المناوئين " (239، 240) . وأخيرا ننصح كل من أطال لسانه بحق الشيخ أن يكفه عنه وأن يتقي الله تعالى في أمره كله عسى الله تعالى أن يتوب عليه وأن يهديه سواء السبيل. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 9243 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1182 من هم الوهابيون، وما هي دعوتهم [السُّؤَالُ] ـ[لقد أسلمت حديثاً وأخبرني الكثيرون أن أبتعد عن الوهابيين فمن هم؟ وما هي دعوتهم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب على المسلم اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، على منهج السلف الصالح الذين ساروا على هدي النبي صلى الله عليه وسلم، من الصحابة ومن تبعهم رضوان الله عليهم أجمعين، وهؤلاء يسمون بأهل السنة والجماعة، وكل من سار على الطريق الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو منهم، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما جاء بالتوحيد، ونبذ الشرك، والدعوة إلى عبادة الله وحده دون سواه، أما كلمة الوهابيين، فيطلقها عدد من الناس على دعوة الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التَّمِيمي الحنبلي رحمه الله، ويسمونه وأتباعه الوهَّابيين، وقّدْ علم كلّ من له أدنى بصيرةٍ بحركة الشِّيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، ودعوته أنَّه قام بِنَشْر دعوة التوحيد الخالص، والتَّحْذِير من الشرك، بسائر أنواعه، كالتَّعلُّقِ بالأموات، والأشجار والأحجار ونحو ذلك، وهو رحمه الله في العقيدة على مذهب السلف الصالح والتابعين، كما تدلُّ على ذلك كتبه وفتاواه، وكتب أتباعه من أبنائه وأحفاده وغيرهم، وقد طبعت كلها وانتشرت بين الناس، وكانت دعوته وِفْقَ كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والوهابية ليست طريقة أو مذهباً، وإنما كانت دعوة للتوحيد، وتجديد ما اندثر من معالم الدين، والواجب عليك أيها السائل أن تحذر من الذين حذَّروك منهم لأنهم يحذرونك من اتِّباع الحق وسلف الأمة، وإطلاق كلمة الوهابيين على من تمسك بالعقيدة الصحيحة، والتحذير منهم إنما هي طريق الجاهلين والمغرضين، نسأل الله العافية. انظر فتاوى الشيخ ابن باز رحمه الله 3/1306، ويراجع سؤال رقم 12203. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 10867 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1183 نصيحة الذين لا يعترفون بالعلماء السلفيين ويسمونهم الوهابيين [السُّؤَالُ] ـ[ماذا تقول لأولئك الذين لا يوافقون ولا يعترفون (لأي سبب كان) بالعلماء المعاصرين من أمثال الشيخ العثيمين، والشيخين ابن باز والألباني رحمهم الله؟ البعض يقولون عنهم انهم من الوهابيين، ويقولون انهم يتبعون طائفة جديدة بدلا عن الدين الإسلامي العام الذي اتبعه غالبية العلماء في السابق.]ـ [الْجَوَابُ] الواجب على المسلم أن يقبل تعاليم الإسلام، ويعمل بها، فمتى سمع بقول أو عمل يكون دليله من الكتاب والسنة فعليه أن يقبله وأن يقدمه على ما سواه، وأن يعرض أقوال الناس على الأدلة الشرعية، ويأخذ منها ما وافق الدليل. وقد عُلم أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب _ رحمه الله _ كانت دعوته إلى التوحيد وألّف في ذلك كتابه المشهور الذي هو كتاب التوحيد، واقتصر فيه على الأدلة الواضحة من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة، وشرحه حفيده عبد الرحمن بن حسن، وغيره من العلماء، ولهذا لم يقدر أحد من خصمائه أن يردّ على هذا الكتاب، ولا أن يُبطل أدلته، وإنما جمعوا أكاذيب عليه واعتقدوا صحتها، فلذلك اعتقدوا أنه على ضلالة وألحقوا به علماء المسلمين كالشيخ ابن باز والشيخ الألباني رحمهما الله، ومعلوم أن المشائخ المذكورين لم يخرجوا عن القول الصحيح في الاعتقاد والعمل، وأنهم على ما كان عليه الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وأصحاب الكتب الستة وغيرهم. أما الذين لا يعترفون بهم فإنما ذلك لجهل أو تقليد، أو حسد أو عناد أو اتباع للأهواء، أو تمسك بالعادات والتقاليد والبدع والمنكرات المخالفة للدليل، وقد ردّ عليهم العلماء المتقدمون والمتأخرون فيجب اتباع الدليل وتقديمه على قول كل أحد. [الْمَصْدَرُ] الشيخ ابن جبرين الحديث: 12203 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1184 نبذة عن مذهب الدروز [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكن أن تعطيني نبذة عن مذهب الدروز وأفكارهم وحكمهم في الإسلام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أصل الدروز فرقة سرية من فرق الباطنية يتظاهرون بالإسلام، ويلبسون أحياناً لباس التدين والزهد والورع ويظهرون الغيرة الدينية الكاذبة ويتلونون ألواناً عدة من الرفض والتصوف وحب آل البيت، ويزعمون أنهم حملة لواء الإصلاح بين الناس وجمع شملهم ليلبسوا على الناس ويخدعوهم عن دينهم حتى إذا سنحت لهم الفرصة وقويت شوكتهم ووجدوا من الحكام من يواليهم وينصرهم ظهروا على حقيقتهم وأعلنوا عقائدهم وكشفوا عن مقاصدهم وكانوا دعاة شر وفساد ومعاول هدم للديانات والعقائد والأخلاق. يتبين ذلك لمن تتبع تاريخهم وعرف سيرتهم من يوم وضع عبد الله بن سبأ اليهودي أصولهم وبذر بذورهم فورثها لاحقهم عن سابقهم وتواصوا بها وأحكموا تطبيقها واستمر ذلك إلى وقتنا الحاضر. والدروز وإن كانوا فرعاً من فروع الباطنية لهم مظاهرهم الخاصة من جهة نسبهم ونسبتهم والزمن الذي ظهروا فيه. والظروف التي ساعدتهم على الظهور. ونذكر فيما يلي مجمل ذلك وحكم العلماء فيهم: 1. ينسب الدروز إلى درزي وهو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل الدرزي وقد يروى اسمه بلفظ عبد الله الدرزي ودرزي بن محمد ويقال: إن محمد بن إسماعيل الدرزي هو تشتكين أو هشتكين الدرزي، وقيل ينسبون إلى طيروز إحدى بلاد فارس، ويرى الزبيدي أن الصواب ضبط الدرزي بفتح الدال نسبة إلى أولاد درزة وهم السفلة. 2. ظهر محمد بن إسماعيل الدرزي أيام الحاكم بأمره أبي على المنصور بن العزيز أحمد ملوك العبيديين الذين حكموا مصر قريباً من مائتي سنة وزعموا أنهم من آل البيت زوراً وبهتاناً وأنهم من نسل فاطمة رضي الله عنها. وقد كان محمد بن إسماعيل الدرزي أولاً من الفرقة الإسماعيلية الباطنية التي تزعم أنها من أتباع محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق ثم خرج عليهم واتصل بالحاكم العبيدي ووافقه على دعواه الإلهية ودعا الناس إلى عبادته وتوحيده. وادعى أن الإله حل في علي بن أبي طالب، وأن روح علي انتقلت إلى أولاده واحداً بعد واحد حتى انتقلت إلى الحاكم وقد فوض إليه الحاكم الأمور بمصر ليطيعه الناس في الدعوة ولما انكشف أمره ثار عليه المسلمون بمصر وقتلوا ممن معه جماعة ولما أرادوا قتله هرب واختفى عند الحاكم فأعطاه مالاً وأمره أن يخرج إلى الشام لينشر الدعوة هناك فخرج إليها ونزل بوادي تيم الله بن ثعلبة غربي دمشق فدعاهم إلى تأليه الحاكم ونشر فيهم مبادئ الدروز ووزع فيهم المال فاستجابوا له. وقد قام بالدعوة أيضاً إلى تأليه الحاكم رجل آخر فارسي اسمه حمزة بن علي بن أحمد الحاكمي الدرزي من كبار الباطنية فقد اتصل برجال الدعوة السرية من شيعة الحاكم ودعا إلى تأليهه خفية حتى أصبح ركناً من أركانها ثم أعلن ذلك وادعى أنه رسول الحاكم فوافقه على ذلك. ولما توفي الحاكم وتولى ابنه على الملقب الظاهر لإعزاز دين الله. وتبرأ من الدعوة إلى تأليه أبيه طوردت الدعوة في مصر ففر حمزة إلى الشام وتبعه بعض من استجاب له واستقر أكثرهم في المقاطعة التي سميت فيما بعد (جبل الدروز) في سورية. مبادؤهم: (أ) يقولون بالحلول، فهم يعتقدون أن الله حل في علي رضي الله عنه ثم حل في أولاده بعده واحداً بعد واحد حتى حل في الحكام العبيدي أبي على المنصور ابن العزيز ويؤمنون برجعة الحاكم وأنه يغيب ويظهر. (ب) التقية، (أي النفاق والتستر) فهم لا يبينون حقيقة مذهبهم إلا لمن كان منهم بل لا يفشون سرهم إلا أمنوه ووثقوا به من جماعتهم. (ج) عصمة أئمتهم، فهم يرون أن أئمتهم معصومون من الخطأ والذنوب بل ألهوهم وعبدوهم من دون الله كما فعلوا ذلك بالحاكم. (د) دعواهم إلى الباطن، فهم يزعمون أن لنصوص الشريعة معاني باطنية هي المقصود منها دون ظواهرها وبنوا على هذا إلحادهم في نصوص الشريعة وتحريفهم لأخبارها وأوامرها ونواهيها. أما إلحادهم في الأخبار فإنهم أنكروا ما لله من صفات الكمال وأنكروا اليوم الآخر وما فيه من حساب وجزاء من جنة ونار واستعاضوا عن ذلك بما يسمى التقمص أو تناسخ الأرواح وهو انتقال روح الإنسان أو الحيوان عند موته إلى بدن إنسان أو حيوان آخر عند بدء خلقه لتعيش فيه منعمة أو معذبة وقالوا دهر دائم وعالم قائم وأرحام تدفع وأرض تبلع، وأنكروا الملائكة ورسالة الرسل واتبعوا المتفلسفة المشائين أتباع أرسطو في مبادئه ونظرياته. وأما إلحادهم في نصوص التكليف من الأوامر والنواهي فإنهم حرفوها عن موضعها فقالوا الصلاة معرفة أسرارهم لا الصلوات الخمس التي تؤدى كل يوم وليلة، والصيام كتمان أسرارهم لا الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، والحج زيارة الشيوخ المقدسين لديهم، واستحلوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، واستحلوا نكاح البنات والأمهات إلى غير ذلك من التلاعب بالنصوص وجحد ما جاء فيها مما علم بالضرورة أنه شريعة لله فرضها على عباده، ولذا قال فيهم أبو حامد الغزالي وغيره: ظاهر مذهبهم الرفض وباطنه الكفر المحض. (هـ) النفاق علي الدعوة والمخادعة فيها: فهم يظهرون التشيع وحب آل البيت لمن يدعونه وإذا استجاب لهم دعوه إلى الرفض وأظهروا له معايب الصحابة وقدحوا فيهم، فإذا قبل منهم كشفوا له معايب علي وطعنوا فيه، فإذا قبل منه ذلك انتقلوا به إلى الطعن في الأنبياء، وقالوا إن لهم بواطن وأسراراً تخالف ما دعوا إليه أممهم، وقالوا إنهم كانوا أذكياء وضعوا لأممهم نواميس شرعية ليتحققوا بذلك مصالح وأغراضاً دنيوية.. إلخ. وسئل شيخ الإسلام عما يُحكم به في الدروز والنصيرية فأجاب: فَأَجَابَ: هَؤُلاءِ " الدُّرْزِيَّةُ " و " النصيرية " كُفَّارٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ لا يَحِلُّ أَكْلُ ذَبَائِحِهِمْ وَلا نِكَاحُ نِسَائِهِمْ ; بَلْ وَلا يُقِرُّونَ بِالْجِزْيَةِ ; فَإِنَّهُمْ مُرْتَدُّونَ عَنْ دِينِ الإِسْلامِ لَيْسُوا مُسْلِمِينَ ; وَلا يَهُودَ وَلا نَصَارَى لا يُقِرُّونَ بِوُجُوبِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَلا وُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ وَلا وُجُوبِ الْحَجِّ ; وَلا تَحْرِيمِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ الْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ وَغَيْرِهِمَا. وَإِنْ أَظْهَرُوا الشَّهَادَتَيْنِ مَعَ هَذِهِ الْعَقَائِدِ فَهُمْ كُفَّارٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ. فَأَمَّا " النصيرية " فَهُمْ أَتْبَاعُ أَبِي شُعَيْبٍ مُحَمَّدِ بْنِ نَصِيرٍ وَكَانَ مِنْ الْغُلاةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إنَّ عَلِيًّا إلَهٌ وَهُمْ يَنْشُدُونَ أَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ إلا حيدرة الأَنْزَعُ الْبَطِين وَلا حِجَابَ عَلَيْهِ إلا مُحَمَّدٌ الصَّادِقُ الأَمِينُ وَلا طَرِيقَ إلَيْهِ إلا سَلْمَانُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ و (حيدرة) لقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وَأَمَّا " الدُّرْزِيَّةُ " فَأَتْبَاعُ هشتكين الدُّرْزِيُّ ; وَكَانَ مِنْ مَوَالِي الْحَاكِمِ أَرْسَلَهُ إلَى أَهْلِ وَادِي تَيْمِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ فَدَعَاهُمْ إلَى إلَهِيَّةِ الْحَاكِمِ وَيُسَمُّونَهُ " الْبَارِي الْعَلَّامُ " وَيَحْلِفُونَ بِهِ وَهُمْ مِنْ الإسماعيلية الْقَائِلِينَ بِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ نَسَخَ شَرِيعَةَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَهُمْ أَعْظَمُ كُفْرًا مِنْ الْغَالِيَةِ يَقُولُونَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ وَإِنْكَارِ الْمَعَادِ وَإِنْكَارِ وَاجِبَاتِ الإِسْلامِ وَمُحَرَّمَاتِهِ وَهُمْ مِنْ الْقَرَامِطَةِ الْبَاطِنِيَّةِ الَّذِينَ هُمْ أَكْفَرُ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَمُشْرِكِي الْعَرَبِ وَغَايَتُهُمْ أَنْ يَكُونُوا " فَلاسِفَةً " عَلَى مَذْهَبِ أَرِسْطُو وَأَمْثَالِهِ أَوْ " مَجُوسًا ". وَقَوْلُهُمْ مُرَكَّبٌ مِنْ قَوْلِ الْفَلَاسِفَةِ وَالْمَجُوسِ وَيُظْهِرُونَ التَّشَيُّعَ نِفَاقًا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ شَيْخُ الإِسْلامِ أيضاً رَدًّا عَلَى نُبَذٍ لِطَوَائِفَ مِنْ " الدُّرُوزِ ": كُفْرُ هَؤُلاءِ مِمَّا لا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ ; بَلْ مَنْ شَكَّ فِي كُفْرِهِمْ فَهُوَ كَافِرٌ مِثْلُهُمْ ; لا هُمْ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ ; بَلْ هُمْ الْكَفَرَةُ الضَّالُّونَ فَلَا يُبَاحُ أَكْلُ طَعَامِهِمْ وَتُسْبَى نِسَاؤُهُمْ وَتُؤْخَذُ أَمْوَالُهُمْ. فَإِنَّهُمْ زَنَادِقَةٌ مُرْتَدُّونَ لا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُمْ ; بَلْ يُقْتَلُونَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا ; وَيُلْعَنُونَ كَمَا وُصِفُوا ; وَلا يَجُوزُ اسْتِخْدَامُهُمْ لِلْحِرَاسَةِ وَالْبِوَابَةِ وَالْحِفَاظِ. وَيَجِبُ قَتْلُ عُلَمَائِهِمْ وَصُلَحَائِهِمْ لِئَلا يُضِلُّوا غَيْرَهُمْ ; وَيَحْرُمُ النَّوْمُ مَعَهُمْ فِي بُيُوتِهِمْ ; وَرُفْقَتِهِمْ ; وَالْمَشْيُ مَعَهُمْ وَتَشْيِيعُ جَنَائِزِهِمْ إذَا عُلِمَ مَوْتُهَا. وَيَحْرُمُ عَلَى وُلاةِ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ إضَاعَةُ مَا أَمَرَ اللَّهُ مِنْ إقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَيْهِمْ بِأَيِّ شَيْءٍ يَرَاهُ الْمُقِيمُ لا الْمُقَامُ عَلَيْهِ. وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَعَلَيْهِ التكلان اهـ. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء "مجلة البحوث الإسلامية" (36/85-89) . الحديث: 26139 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1185 لم يمد الرسول صلى الله عليه وسلم يده لأحد من قبره [السُّؤَالُ] ـ[ما القول الحق فيما يروى عن أحد أئمة الصوفية المعروفين وهو السيد أحمد الرفاعي من أنه زار مسجد المصطفى صلى الله عليه وسلم بالمدينة ودعا عند القبر فمد الرسول صلى الله عليه وسلم يده الشريفة له وقبلها وهذا مستفيض عند أتباع طريقته وفي حكم الجزم عندهم مع أنه عاش في القرن السادس الهجري فما مدى صحة ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا أمر باطل ولا أساس له من الصحة، لأنه صلى الله عليه وسلم قد توفي الموتة التي كتبها الله عليه كما قال سبحانه: (إنك ميت وإنهم ميتون) وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام) وقال صلى الله عليه وسلم: (ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام) وقال عليه الصلاة والسلام: (إن خير أيامكم يوم الجمعة فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي) قالوا: يا رسول الله، وكيف تعرض عليك وقد أرمت؟ قال: (إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء) ، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، ولم يقل في شيء منها أنه يصافح أحداً، فدل ذلك على بطلان هذه الحكاية، ولو فرضنا صحة ذلك فإن ذلك يحمل على أنه شيطان صافحه ليلبس عليه أمره، ويفتنه ومن بعده، فالواجب على جميع المسلمين أن يتقوا الله وأن يتمسكوا بشرعه الذي دل عليه كتابه الكريم وسنة رسوله الأمين، وأن يحذروا ما يخالف ذلك، أصلح الله أحوال المسلمين ومنحهم الفقه في دينه والتمسك بشريعته إنه جواد كريم. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/9 ص/310. الحديث: 9340 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1186 ماذا إذا سئلت عن مذهبي [السُّؤَالُ] ـ[كثيراً ما يسألني بعض الأخوة الوافدون عن مذهبي هل أنا حنبلي أم شافعي.. الخ، وأنا في الحقيقة أجهل ذلك الأمر تماماً، فقط يكفيني أنني مسلم، إذا أشكل عليّ شيء من أمر ديني أسأل العلماء.. فما هو توجيه فضيلتكم؟ .]ـ [الْجَوَابُ] يكفيك أنك مسلم متبع للشريعة فأما المذهب الحنبلي أو الشافعي فلا يلزم التقيد به، لكن أولئك العلماء كان لهم مكانة مرفوعة مشهورة بين الأمة، ودونت أقوالهم فاتبعها أصحابهم وأتباعهم، فأصبحت مذاهب معترفاً بها، مع أنهم متفقون في باب المعتقد والتوحيد وكذا متقاربون في الفروع لكن بعضهم قد يخفى عليه الدليل أو وجه الدليل فيجتهد ويفتي بحسب اجتهاده، ولا يُلزم غيره بما قال به، لكن أولئك الأتباع تعصب أكثرهم، وتقيد بأقوال أولئك الأئمة ولو كانت مخالفة للدليل، وتكلفوا في رد النصوص حتى توافق ما ذهبوا إليه، فعلى هذا ننصح العامة بأن ينتموا إلى الإسلام، وأن يرجعوا فيما أشكل عليهم إلى العلماء المعتبرين، وإلى مؤلفات أهل العلم الذين عرف عنهم النصح للإسلام والمسلمين والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] من كتاب اللؤلؤ المكين من فتاوى ابن جبرين ص 30. الحديث: 1059 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1187 هل مشايخ الصّوفية متصلون بالله [السُّؤَالُ] ـ[ما هو مكان الصوفية في الإسلام؟ ما صحة القول بأن هناك عبّاد وأولياء يتّصلون بالله، بعض الناس يعتقدون بهذه الظاهرة وأنّ هناك ما يُثبت ذلك في الأديان المختلفة والأنحاء المختلفة في الأرض. كيف تمكن رؤية الذين يدعون بأنهم صوفية أو تابعين للصوفيين؟ أليست الصلاة والذكر نوع من الاتصال بالله سبحانه وتعالى؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لم يعرف الإسلام اسم الصوفية في زمن الرسول وصحابته والتابعين حتى جاء جماعة من الزهاد لبسوا الصوف فأطلقوا هذا الاسم عليهم، وقيل مأخوذ من كلمة صوفيا ومعناها الحكمة باليونانية وليست مأخوذة من الصفاء كما يدعي بعضهم لأن النسبة إلى الصفاء صفائي وليست صوفي. وظهور هذا الاسم الجديد والطائفة التي تحمله زاد الفرقة في المسلمين، وقد اختلف الصوفية الأوائل عن الصوفية المتأخرة التي انتشرت فيها البدع بشكل أكبر وعمّ فيهم الشرك الأصغر والأكبر وبدعهم مما حذرنا منه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: " إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة. رواه الترمذي وقال حسن صحيح وفيما يلي مقارنة بين معتقدات الصوفية وطقوسها وبين الإسلام المبني على القرآن والسنّة: الصوفية: لها طرق متعددة كالتيجانية والقادرية والنقشبندية والشاذلية والرفاعية وغيرها من الطرق التي يدعي أصحابه أنهم على الحق وغيرهم على الباطل والإسلام ينهى عن التفرق ويقول الله تعالى { ... ولا تكونوا من المشركين (31) من الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون} (سورة الروم الآيات 31-32) . الصوفية: عبدوا غير الله من الأنبياء والأولياء الأحياء والأموات فهم يقولون (يا جيلاني ويا رفاعي ويا رسول الله غوثاً ومدد، ويا رسول الله عليك المعتمد) . والله ينهى عن دعاء غيره فيما لا يقدر عليه إلا هو ويعدّه شركاً إذ يقول {ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك من الظالمين} سورة يونس،آية 106. الصوفية: تعتقد أن هناك أبدالاً وأقطاباً وأولياء سلّم الله لهم تصريف الأمور وتدبيرها والله يحكي جواب المشركين حين يسألهم: {ومن يدبر الأمر فسيقولون الله} سورة يونس: 31. فمشركو العرب أعرف بالله من هؤلاء الصوفية. والصوفية يلجأون لغير الله عند نزول المصائب والله يقول: {وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير} . بعض الصوفية: يعتقد بوحدة الوجود فليس عندهم خالق ومخلوق فالكل خلق والكل إله. الصوفية: تدعو إلى الزهد في الحياة وترك الأخذ بالأسباب وعدم الجهاد والله تعالى يقول {وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا} (سورة القصص،آية 77) . {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} (سورة الأنفال،آية 60) . الصوفية: تعطي مرتبة الإحسان إلى شيوخهم وتطلب من المريدين أن يتصورا شيخهم عندما يذكرون الله حتى في صلاتهم وكان بعضهم يضع صورة شيخه أمامه في الصلاة والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ". رواه مسلم. الصوفية: تبيح الرقص والدف والمعازف ورفع الصوت بالذكر والله تعالى يقول {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم} (سورة الأنفال، آية 3) . ثم تراهم يذكرون بلفظ الجلالة: الله فقط فيقولون الله، الله، الله وهذه بدعة وكلام غير مفيد لمعنى شرعي بل يصلون إلى حدّ التلفظ بكلمة (أهـ، أهـ) . أو هو، هو. والإسلام والسنة أن يذكر المسلم ربّه بكلام مفيد صحيح يُؤجر عليه كقوله: سبحان الله والحمد له ولا إله إلا الله والله أكبر ونحو ذلك. الصوفية تتغزل باسم النساء والصبيان في مجالس الذكر فيرددون اسم الحب والعشق والهوى وغيرها وكأنهم في مجلس طرب فيه الرقص وذكر الخمر مع التصفيق والصياح وكلّ هذا من عادة المشركين وعبادتهم قال الله تعالى: {وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية} سورة الأنفال آية 35. (المكاء: الصفير، والتصدية: التصفيق) . بعض الصوفية يضرب نفسه بسيخ حديد قائلاً (يا جداه) فتأتيه الشياطين ليساعدوه على فعله لأنه استغاث بغير الله، قال الله تعالى: {ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين} سورة الزخرف، آية 36. الصوفية: تدعي الكشف وعلم الغيب والقرآن يكذبهم: قال عزّ وجلّ: {قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله} . (سورة النمل آية 65) . الصوفية: تزعم أن الله خلق الدنيا لأجل محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن يكذبهم قائلاً {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} (سورة الذرايات آية 56) . وخاطب الله سبحانه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين} سورة الحجر آية 99) . الصوفية: تزعم رؤية الله في الدنيا والقرآن يكذبهم حين قال على لسان موسى: {رب أرني أنظر إليك قال لن تراني} (سورة الأعراف، آية 143) . الصوفية: تزعم أنها تأخذ العلم من الله مباشرة بدون واسطة الرسول صلى الله عليه وسلم يقظة فهل هم أفضل من الصحابة؟ الصوفية: تزعم أنها تأخذ العلم من الله مباشرة بدون واسطة الرسول صلى الله عليه وسلم فيقولون: حدثني قلبي عن ربي. الصوفي: تقيم الموالد والاجتماع باسم مجلس الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وهم يخالفون تعاليمه حينما يرفعون أصواتهم في الذكر والأناشيد والقصائد التي فيها الشرك الصريح. وهل احتفل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمولده أو أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ والأئمة الأربعة وغيرهم فمن أعلم وأصحّ عبادة هؤلاء أم الصوفية. الصوفية: تشد الرحال إلى القبور للتبرك بأهلها أو للطواف حولها أو الذبح عندها مخالفين قول الرسول صلى الله عليه وسلم: " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى " متفق عليه. الصوفية: تتعصب لشيوخها ولو خالفت قول الله ورسوله، والله تعالى يقول: {يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله} سورة الحجرات آية 1. الصوفية: تستعمل الطلاسم والحروف والأرقام لعمل الاستخارة والتمائم والحجب وغير ذلك. الصوفية: لا تتقيد بالصلوات الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم بل يبتدعون صلوات فيها التبرك الصريح والشّرك الفظيع الذي لا يرضاه الذي يصلون عليه. أما السؤال عن صحة اتصال مشايخ الصوفية فهي صحيحة لكنها مع الشياطين وليس مع الله فيوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا قال تعالى: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوّاً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه} الأنعام (112) . وقال تعالى: {وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم} الأنعام /121) . وقال تعالى: {هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم) الشعراء 121/222) . فهذا هو الاتصال الذي يحدث حقيقة، لا الاتصال الذين يزعمونه زوراً وبهتاناً من اتصالهم بالله، تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا، يُنظر معجم البدع: 346- 359 واختفاء بعض مشايخ الصوفية فجأة عن أنظار أتباعهم هو نتيجة لهذا الاتّصال مع الشياطين حتى لربما حملوهم إلى أماكن بعيدة وعادوا بهم في اليوم نفسه أو الليلة نفسها إضلالا للبشر من أتْباعهم. ولذلك كانت القاعدة العظيمة أننا لا نزن الأشخاص بالخوارق التي تظهر على أيديهم وإنما بحسب بعدهم وقربهم والتزامهم بالكتاب والسنّة، وأولياء الله حقّا لا يُشترط أن تظهر لهم خوارق بل هم الذين يعبدون الله بما شرع ولا يعبدونه بالبدع، أولياء الله الذين ذكرهم ربنا في الحديث القدسي الذي رواه البخاري في الصحيح 5/2384 عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله قال من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه ". والله الموفق والهادي إلى طريق الصّواب. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 4983 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1188 صفات الطائفة المنصورة أهل السنّة والجماعة [السُّؤَالُ] ـ[ما هي شروط الجماعة التي يجب أن يتبّعها المسلم شرعا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب على المسلم اتباع الحقّ والسير في ركاب الطائفة المنصورة أهل السنّة والجماعة أتباع السَلف الصالح يحبهم في الله أينما كانوا في بلده أو في غير بلده ويتعاون معهم على البرّ والتقوى وينصر معهم دين الله تعالى. أما أوصاف هذه الطائفة المنصورة فقد ورد في شأنها عدة أحاديث صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم منها: عن معاوية رضي الله عنه قال: (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك) وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة) . وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يزال من أمتي قوم ظاهرين على الناس حتى يأتيهم أمر الله) . وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق، ظاهرين على من ناوأهم، حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال) . ويؤخذ من هذه الأحاديث عدة أمور: الأول: قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تزال طائفة من أمتي) . فيه دليل على أنّها فئة من الأمّة وليست كل الأمّة، وفيه إيماءة إلى أن هناك فئات أخرى، وطوائف أخرى. الثاني: قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يضرهم من خالفهم) . يدلّ على أن هناك فرقاً أخرى تخالف الطائفة المنصورة فيما هم عليه من أمر الدين، وهذا كذلك يوافق مدلول حديث الافتراق حيث إن الفرق الثنتين والسبعين تخالف الفرقة الناجية فيما هم عليه من الحق. الثالث: كلا الحديثين يحمل البشرى لأهل الحق، فحديث الطائفة المنصورة يبشّرهم بالظفر والنصر والظهور في الدنيا. الرابع: والمراد بقوله صلى الله عليه وسلم ((حتى يأتي أمر الله)) أي الريح التي تأتي فتأخذ روح كل مؤمن ومؤمنة. ولا ينافي هذا حديث: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق إلى يوم القيامة. لأن معنى هذا أنهم لا يزالون على الحق حتى تقبضهم هذه الريح اللينة قرب القيامة وعند تظاهر أشراطها. صفات الطائفة المنصورة يؤخذ من مجموع الأحاديث المتقدمة والروايات الأخرى الصفات التالية للطائفة المنصورة: 1- أنها على حق: فجاء الحديث بأنهم (على حق) . وأنهم (على أمر الله) . وأنهم (على هذا الأمر) . وأنهم (على الدين) . وهذه الألفاظ تجتمع في الدلالة على استقامتهم على الدين الصحيح الذي بعث به محمد صلى الله عليه وسلم. 2 - أنها قائمة بأمر الله: وقيامهم بأمر الله يعني: أــ أنهم تميزوا عن سائر الناس بحمل راية الدعوة إلى الله. ب ــ وأنهم قائمون بمهمة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) . 3 - أنها ظاهرة إلى قيام الساعة: وقد وصفت الأحاديث هذه الطائفة بكونهم: (لا يزالون ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون) . وبكونهم (ظاهرين على الحق) أو (على الحق ظاهرين) . أو (ظاهرين إلى يوم القيامة) . أو (ظاهرين على من ناوأهم) . وهذا الظهور يشمل ـ: الوضوح والبيان وعدم الاستتار فهم معرفون بارزون مستعلون. ـ: ثباتهم على ما هم عليه من الحق والدين والاستقامة والقيام بأمر الله وجهاد أعدائه. ـ: الظهور بمعنى الغلبة 4 - أنها صابرة مصابرة: عن أبي ثعلبة الخشني -رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن من ورائكم أيام الصبر، الصبر فيه مثل قبض على الجمر.) من هم أهل الطائفة المنصورة؟ قال البخاري: (هم أهل العلم) . وذكر كثير من العلماء أن المقصود بالطائفة المنصورة هم: (أهل الحديث) وقال النووي: (ويحتمل أن هذه الطائفة مفرقة بين أنواع المؤمنين: منهم شجعان مقاتلون، ومنهم فقهاء، ومنهم محدّثون، ومنهم زهّاد، وآمرون بالمعروف وناهون عن المنكر ومنهم أنواع أخرى من الخير.) وقال أيضا: (يجوز أن تكون الطائفة جماعة متعددة من أنواع المؤمنين، ما بين شجاع وبصير بالحرب وفقيه ومحدّث ومفسّر وقائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وزاهد وعابد) . وقال ابن حجر رحمه الله - مفصّلاً القول في المسألة (ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين في بلد واحد بل يجوز اجتماعهم في قطر واحد وافتراقهم في أقطار الأرض، ويجوز أن يجتمعوا في البلد الواحد وأن يكونوا في بعض منه دون بعض، ويجوز إخلاء الأرض كلها من بعضهم أولاً فأولاً، إلى أن لا يبقى إلا فرقة واحدة ببلد واحد فإذا انقرضوا جاء أمر الله) وكلام العلماء يدور على أن هذه الطائفة ليست محصورة في فئة معينة من الناس كما أنها ليست محددة ببلد معين، وإن كان آخرها يكون بالشام وتقاتل الدجال كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم. ولا شك أن المشتغلين بعلم الشريعة - عقيدة وفقها وحديثا وتفسيرا وتعلما وتعليما ودعوة وتطبيقا - هم أولى القوم بصفة الطائفة المنصورة وهم الأولى بالدعوة والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والرد على أهل البدع إذ أن ذلك كله لابد أن يقترن بالعلم الصحيح المأخوذ من الوحي. نسأل الله أن يجعلنا منهم، وصلى الله على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 206 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1189 طائفة ضالة يستحلون أموال الناس ولا ينظرون إلى غيرهم [السُّؤَالُ] ـ[في إندونيسيا هناك جماعة لهم قوانين غريبة (قوانين متشددة جداً) . قوانينهم تسمح لهم بأن يستعملوا أشياء الناس بدون إذن لأنهم يقولون بأنها ملك لله. لا يتكلمون أو يلمسون أو ينظرون إلى أحد إلا إذا كان من جماعتهم. ومن قوانينهم أنهم لا يؤمنون بالعلوم الطبيعية التي يدرّسها لهم المدرسون، مثال: الجاذبية الأرضية لا تهم والمهم أن لا نجيب على شيء (أو نبحث عن الإجابة) لأن الله يعلمها. سؤالي هو: هل هذه الجماعة على الطريق المستقيم؟ هذه الجماعة تشوش علينا كثيراً فالرجاء أجب على هذا السؤال والسلام]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله بحسب ما ورد في السؤال فإنّ هذه جماعة شاذّة وضالة في أفكارها ومعتقداتها ومعاملاتها والعجيب أنّك تقول بأن لهم قوانين متشددّة جدّا ثمّ يتساهلون هذا التساهل الشنيع ويتعدّون الحدود باستعمال ممتلكات الناس دون إذنهم وهذا ظلم وقد قال الله تعالى: (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42) سورة الشورى وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ " رواه مسلم 4650 وقال عليه الصلاة والسلام: " أَلا وَلا يَحِلُّ لامْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ شَيْءٌ إِلا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ. " رواه الإمام أحمد 20170 فخالق الأموال وربّها هو الذي حرّم الاعتداء على أموال النّاس التي يرزقهم إياها في الدنيا ويأذن لهم بتملكها فكيف يُقدم هؤلاء على مخالفة أحكام الله عزّ وجلّ بهذا التبرير الفاسد الذي يقولونه، ثمّ يتّضح غلوّ هؤلاء بجلاء في عدم لمسهم من ليس من طائفتهم ومنع التحدّث مع من هو من غير ملّتهم وإنني أتعجّب كيف يعيش هؤلاء بين النّاس إذا كانوا لا يُجيزون النّظر إلى غيرهم؟!! ثمّ هم يعطّلون النّظر في السماوات والأرض ومعرفة ما خلق الله فيهما بمنعهم البحث في العلوم ومعرفة إجابات الأسئلة حول الظّواهر الطّبيعية وقد قال الله عزّ وجلّ: (قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) سورة العنكبوت، وقال تعالى: (قُلْ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) سورة يونس 101 وقال تعالى: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20) سورة الغاشية، إلى غير ذلك من النصوص الدّالة على التفكّر في الكون ومعرفة ما خلق الله. إنّ أفكار مثل هؤلاء لا تروج إلا في مجتمعات الجهل وبين الأغبياء والسذّج الذين لا يعرفون قواعد دين الإسلام والواجب نصح هذه الطائفة الضّالة ودعوتهم إلى الحقّ وتحذير النّاس من باطلهم، وقانا الله وإياكم الزّيغ والبدع والضلال، والله الهادي إلى سواء السبيل. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 5869 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1190 ما هو أصح المذاهب الأربعة [السُّؤَالُ] ـ[أي الأئمة الأربعة على الطريق الصحيح وعلى جماعة المسلمين؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن الله تعالى تعبدنا بكتابه العزيز وبسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، والحق أن نفهم النصوص الشرعية بفهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعهم من العلماء المجتهدين المعتبرين ومن هؤلاء الأئمة المشهود لهم بالصدق والعدالة والإمامة في الدين والعلم والفضل والخير والصلاح؛ الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب الفقهية (الإمام أبو حنيفة والإمام مالك والإمام الشافعي والإمام أحمد) رحم الله الجميع، وكل هؤلاء متبعون للنصوص الشرعية، وكان حرصهم وتعليمهم ونشرهم إنما هو للعلم الشرعي الصحيح، وكلهم على الطريق الصحيح، وكلهم متبعون للنبي صلى الله عليه وسلم حريصون على ذلك، أما الخطأ فهو واقع حتى من الصحابة؛ لكن المسائل المتبعة في الشرع هي التي قام عليها الدليل وقد يخفى الدليل على بعض العلماء وقد يظهر لغيره أدلة أخرى وهذا لا يقدح في علمهم وعدالتهم، فكلهم يطلب الحق وينشره، وإذا أراد السائل أن يتبع إماما منهم يكون على مذهبه فيوافقه فيما قام عليه الدليل الصحيح الصريح فإن هذا هو المطلوب، ولكن لا يتعصب لأحد، ولا يجوز أن يعتقد وجوب اتباع أحد غير النبي في كل ما يقول. والمؤهل للنظر في كلام العلماء ما وافقه الدليل، والعامي الذي لا يعرف النظر في الأدلة والموازنة يقلد من يثق بدينه وعلمه من العلماء ويعمل بفتواه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 5523 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1191 يسأل عن الصوفية وجماعة التبليغ [السُّؤَالُ] ـ[هل فرقة "الدعوة والتبليغ" من الفرق الضالة وماذا عن "الصوفية"؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من المهم أن نعلم أولا أن مصطلح التصوف والصوفية من المصطلحات الحادثة، والتي لم يعلق عليها مدح شرعي، فتمدح ـ أو يمدح صاحبها ـ بإطلاق، مثل أسماء الإيمان، والإسلام، والإحسان، ولم يعلق عليها أيضا ذم شرعي، فتذم ـ أو يذم صاحبها ـ أيضا بإطلاق، مثل ألفاظ الكفر والفسوق والعصيان. وما كان كذلك فإنه ينبغي الاستفصال عن حقيقة حاله، وما يراد به قبل إطلاق القول فيه. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: (لفظ الفقر والتصوف قد أدخل فيها أمور يحبها الله ورسوله، فتلك يؤمر بها، وإن سميت فقرا أو تصوفا؛ لأن الكتاب والسنة إذا دل على استحبابها لم يخرج عن ذلك بأن تسمى باسم آخر، كما يدخل في ذلك أعمال القلوب، كالتوبة والصبر ... وقد أدخل فيها أمور يكرهها الله ورسوله؛ كما يدخل فيها بعضهم نوعا من الحلول والاتحاد، وآخرون نوعا من الرهبانية المبتدعة في الإسلام، وآخرون نوعا من المخالفة للشريعة، إلى أمور ابتدعوها، إلى أشياء أخر، فهذه الأمور ينهى عنها بأي اسم سميت، ... وقد يدخل فيها التقييد بلبسة معينة، وعادة معينة، في الأقوال والأفعال، بحيث من خرج عن ذلك عد خارجا عن ذلك، وليست من الأمور التي تعينت بالكتاب والسنة، بل إما أن تكون مباحة، وإما أن تكون ملازمتها مكروهة، فهذا بدعة ينهى عنه، وليس هذا من لوازم طريق الله وأوليائه، فهذا وأمثاله من البدع والضلالات يوجد في المنتسبين إلى طريق الفقر، كما يوجد في المنتسبين إلى العلم أنواع من البدع في الاعتقاد والكلام المخالف للكتاب والسنة، والتقيد بألفاظ واصطلاحات لا أصل لها في الشريعة، فقد وقع كثير من هذا في طريق هؤلاء. والمؤمن الكيس يوافق كل قوم فيما وافقوا فيه الكتاب والسنة، وأطاعوا الله ورسوله، ولا يوافقهم فيما خالفوا فيه الكتاب والسنة أو عصوا فيه الله ورسوله، ويقبل من كل طائفة ما جاء به الرسول، ..... ،ومتى تحرى الإنسان الحق والعدل، بعلم ومعرفة، كان من أولياء الله المفلحين، وحزبه الغالبين.) انتهى. (الفتاوى 11/280ـ29) . غير أن ما قاله شيخ الإسلام من التفصيل في حال المنتسبين إلى التصوف يوشك أن يكون نظريا في واقعنا المعاصر، حيث صارت المحاذير التي أشار إليها شيخ الإسلام ملازمة لمسلك المنتسبين إلى التصوف في زماننا، فضلا عما التزموه من الأعياد والموالد المبتدعة، وغلوهم في مشايخهم الأحياء، وتعلقهم بالمشاهد والقبور، يصلون عندها، ويطوفون حولها، وينذرون لها، إلى آخر ما هو معلوم من مسالكهم. ولهذا كله كان إطلاق القول بالتحذير من مسالكهم متوجها الآن، وهو الذي اعتمدته اللجنة الدائمة في جوابها عن سؤال حول حكم الطرق الصوفية الموجودة الآن، فقالت: (الغالب على ما يسمى بالتصوف الآن العمل بالبدع الشركية، مع بدع أخرى، كقول بعضهم: مدد يا سيد، وندائهم الأقطاب، وذكرهم الجماعي، فيما لم يسم الله به نفسه، مثل: هو هو، وآه آه، ومن قرأ كتبهم عرف كثيرا من بدعهم الشركية، وغيرها من المنكرات.) اهـ وأما جماعة التبليغ فهي من الجماعات العاملة في حقل الدعوة إلى الله، لها الكثير من الحسنات، والجهد المشكور؛ وكم تاب على أيديهم من عاص، وتنسك من فاسق، إلا أنها لا تخلو من بعض البدع في العلم والعمل، نبه عليها أهل العلم، لكنها لا توصف على كل حال بأنها من الفرق الضالة. وقد سبق قول شيخ الإسلام: والمؤمن الكيس يوافق كل قوم فيما وافقوا فيه الكتاب والسنة، ولا يوافقهم فيما خالفوا فيه الكتاب والسنة. وانظر تفصيلا أكثر حول هذه الجماعة في الجواب عن السؤال (8674) ، (39349) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 47431 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1192 نبذة عن مذهب الإمام أبي حنيفة [السُّؤَالُ] ـ[نرجو من فضيلتكم إعطاء نبذة عن الإمام أبي حنيفة وعن مذهبه حيث أنني أسمع البعض ينتقصون من مذهب الإمام وذلك لاعتماده في كثير من الأحيان على القياس والرأي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الإمام أبو حنيفة هو فقيه الملة عالم العراق أبو حنيفة النعمان بن ثابت التيمي الكوفي، ولد سنة ثمانين في حياة صغار الصحابة ورأى أنس بن مالك لما قدم عليهم الكوفة، وروى عن عطاء بن أبي رباح وهو أكبر شيخ له، وعن الشعبي وغيرهم كثير. وقد عني رحمه الله بطلب الآثار وارتحل في ذلك، وأما الفقه والتدقيق في الرأي وغوامضه فإليه المنتهى والناس عليه عيال في ذلك كما يقول الإمام الذهبي، حتى قال:" وسيرته تحتمل أن تفرد في مجلدين رضي الله عنه ورحمه " وكان الإمام فصيح اللسان عذب المنطق، حتى وصفه تلميذه أبو يوسف بقوله:" كان أحسن الناس منطقا وأحلاهم نغمة، وأنبههم على ما يريد "، وكان ورعا تقيا، شديد الذب عن محارم الله أن تؤتى، عرضت عليه الدنيا والأموال العظيمة فنبذها وراء ظهره، حتى ضُرب بالسياط ليقبل تولي القضاء أو بيت المال فأبى. حدث عنه خلق كثير، وتوفي شهيدا مسقيا في سنة خمسين ومائة وله سبعون سنة. [سير أعلام النبلاء 6 \ 390 – 403، أصول الدين عند الإمام أبي حنيفة ص 63] أما المذهب الحنفي فهو أحد المذاهب الأربعة المشهورة المتبوعة، وهو أول المذاهب الفقهية، حتى قيل:" الناس عالة في الفقه على أبي حنيفة "، وأصل المذهب الحنفي وباقي المذاهب أن هؤلاء الأئمة - أعني أبا حنيفة ومالك والشافعي وأحمد - كانوا يجتهدون في فهم أدلة القرآن والسنة، ويفتون الناس بحسب الدليل الذي وصل إليهم، ثم أخذ أتباع أولئك الأئمة فتاوى الأئمة ونشروها وقاسوا عليها، وقعدوا لها القواعد، ووضعوا لها الضوابط والأصول، حتى تكوَّن المذهب الفقهي، فتكوَّن المذهب الحنفي والشافعي والمالكي والحنبلي وتكوّنت مذاهب أخرى كمذهب الأوزاعي وسفيان لكنه لم يُكتب لها الاستمرار. وكما ترى فإن أساس تلك المذاهب الفقهية كان قائما على اتباع الكتاب والسنة. أما الرأي والقياس الذي أخذ به الإمام أبو حنيفة، فليس المراد به الهوى والتشهي، وإنما هو الرأي المبني على الدليل أو القرائن أو متابعة الأصول العامة للشريعة، وقد كان السلف يطلقون على الاجتهاد في المسائل المشكلة " رأيا " كما قال كثير منهم في تفسير آيات من كتاب الله: أقول فيها برأيي، أي باجتهادي، وليس المراد التشهي والهوى كما سبق. وقد توسع الإمام أبو حنيفة في الأخذ بالرأي والقياس في غير الحدود والكفارات والتقديرات الشرعية، والسبب في ذلك أنه أقل من غيره من الأئمة في رواية الحديث لتقدم عهده على عهد بقية الأئمة، ولتشدده في رواية الحديث بسبب فشو الكذب في العراق في زمانه وكثرة الفتن. ويجب ملاحظة أن المذهب الحنفي المنسوب إلى الإمام أبي حنيفة، ليس كل الأقوال والآراء التي فيه هي من كلام أبي حنيفة، أو تصح أن تنسب إليه، فعدد غير قليل من تلك الأقوال مخالف لنص الإمام أبي حنيفة نفسه، وإنما جعل من مذهبه بناء على تقعيدات المذهب المستنبطة من نصوص أخرى للإمام، كما أن المذهب الحنفي قد يعتمد رأي التلميذ كأبي يوسف ومحمد، إضافة إلى أن المذهب يضم اجتهادات لتلاميذ الإمام، قد تصبح فيما بعد هي المذهب، وليس هذا خاصا بمذهب أبي حنيفة، بل قل مثل ذلك في سائر المذاهب المشهورة. فإن قيل: إذا كان مستند المذاهب الأربعة في الأصل الكتاب والسنة، فلماذا وجدنا اختلافا في الآراء الفقهية بينها؟ فالجواب: أن كل إمام كان يفتي بحسب ما وصل إليه من دليل، فقد يصل إلى الإمام مالك حديث فيفتي به، ولا يصل إلى الإمام أبي حنيفة، فيفتي بخلافه، والعكس صحيح، كما إنه قد يصل إلى أبي حنيفة حديث ما بسند صحيح فيفتي به، ويصل إلى الإمام الشافعي نفس الحديث لكن بسند آخر ضعيف فلا يفتي به، ويفتي بأمر آخر مخالف للحديث بناء على ما أداه إليه اجتهاده، ولأجل هذا حصل الخلاف بين الأئمة - وهذا باختصار -، لكن المعول والمرجع في النهاية لهم جميعا إلى الكتاب والسنة. ثم إن الإمام أبا حنيفة وغيره من الأئمة في حقيقة أمرهم وسيرتهم قد أخذوا بنصوص الكتاب والسنة، وإن لم يفتوا بها، وبيان ذلك أن كل الأئمة الأربعة قد نصوا على أنه إن صح حديث ما فهو مذهبهم، وبه يأخذون، وبه يفتون، وعليه يستندون. قال الإمام أبو حنيفة:" إذا صح الحديث فهو مذهبي "، وقال رحمه الله:" لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه "، وفي رواية عنه:" حرام على من لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي "، زاد في رواية أخرى:" فإننا بشر، نقول القول اليوم ونرجع عنه غدا "، وقال رحمه الله:" إذا قلت قولا يخالف كتاب الله تعالى، وخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فاتركوا قولي " وقال الإمام مالك رحمه الله:" إنما أنا بشر أخطيء وأصيب، فانظروا في رأيي، فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه "، وقال رحمه الله:" ليس أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا ويؤخذ من قوله ويترك، إلا النبي صلى الله عليه وسلم " وقال الإمام الشافعي رحمه الله:" ما من أخذ إلا وتذهب عليه سنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعزب عنه - أي تغيب -، فمهما قلت من قول، أو أصَّلت من أصل، فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلاف ما قلت، فالقول ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو قولي " وقال الإمام أحمد:" لا تقلدني ولا تقلد مالكا ولا الشافعي ولا الأوزاعي ولا الثوري، وخذ من حيث أخذوا "، وقال رحمه الله:" رأي الأوزاعي ورأي مالك ورأي أبي حنيفة كله رأي، وهو عندي سواء، وإنما الحجة في الآثار - أي الأدلة الشرعية " هذه نبذه يسيرة عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله، ومذهبه، وختاما: لا يسع المسلم إلا أن يعرف لهؤلاء فضلهم، ومكانتهم، على أن ذلك لا يدعوه إلى تقديم أقوالهم على كتاب الله، وما صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسم -، فإن الأصل اتباع الكتاب والسنة لا أقوال الرجال، فكل يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله - صلى الله عليه وسم - كما قال الإمام مالك رحمه الله. ولمزيد من الفائدة انظر (5523، 13189، 23280، 21420) وانظر المدخل إلى دراسة المدارس والمذاهب الفقهية لعمر الأشقر. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 46992 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1193 حول طائفة القرآنيين الضالة [السُّؤَالُ] ـ[هناك جماعة تطلق على نفسها (القرآنيين) وتدعي أنها لن تتبع إلا القرآن، فما رأيك بقولهم؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لقد أثار بعض الناس أن السنة ليست مصدراً للتشريع، وسموا أنفسهم بالقرآنيين، وقالوا: إن أمامنا القرآن، نحل حلاله، ونحرم حرامه، والسنة كما يزعمون قد دس فيها أحاديث مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء امتداد لقوم آخرين نبأنا عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روى أحمد وأبو داود والحاكم بسند صحيح عن المقدام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يوشك أن يقعد الرجل متكئاً على أريكته يحدث بحديث من حديثي فيقول بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله) الفتح الكبير 3/438 ورواه الترمذي باختلاف في اللفظ، وقال: حسن صحيح (سنن الترمذي بشرح ابن العربي ط الصاوي 10/132) وهؤلاء ليسوا بقرآنيين، لأن القرآن أوجب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يقرب من مائة آية، واعتبر طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم من طاعة الله عز وجل (من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً) سورة النساء/80، بل إن القرآن الكريم الذي تدعون التمسك به نفى الإيمان عمن رفض طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يقبل حكمه: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً) سورة النساء /65. وقولهم: إن السنة قد دست فيها أحاديث موضوعة مردود بأن علماء هذه الأمة قد عنوا أشد العناية بتنقية السنة من كل دخيل، واعتبروا الشك في صدق راو من الرواة أو احتمال سهوه رداً للحديث. وقد شهد أعداء هذه الأمة بأنه ليست هناك أمة عنيت بالسند وبتنقيح الأخبار ولا سيما المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كهذه الأمة. ويكفي لوجوب العمل بالحديث معرفة صحّته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان صلى الله عليه وسلم يكتفي بإبلاغ دعوته بإرسال واحد من الصحابة مما يدل على أن خبر الواحد الثقة يجب العمل به. ثم نسأل هؤلاء أين هي الآيات التي تدل على كيفية الصلاة، وعلى أن الصلوات المفروضة خمس، وعلى أنصبة الزكاة، وعلى تفاصيل أعمال الحج، وغير ذلك من الأحكام التي لا يمكن معرفتها إلا بالسنة. الموسوعة الفقهية 1/44 ولمزيد من معرفة الأدلة الشرعية على حجية السنة النبوية يُنظر السؤال رقم 604. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 3440 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1194 بعضهم يزعم أنّ هناك آية تؤيّد مذهب الصوفية [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكن أن تشرح آية 69 من سورة 4؟ البعض قال بأن هذه الآية هي التي سوغت للناس الصوفية.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الآية التي تسأل عنها هي قول الله تعالى: (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا) سورة النساء 69. قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره: (أي من عمل بما أمره الله ورسوله، وترك ما نهاه الله عنه ورسوله، فإن الله عز وجل يسكنه دار كرامته، ويجعله مرافقا للأنبياء ثم لمن بعدهم في الرتبة، وهم الصديقون، ثم الشهداء، ثم عموم المؤمنين وهم الصالحون الذين صلحت سرائرهم وعلانيتهم. ثم أثنى عليهم تعالى فقال: (وحسن أولئك رفيقا) . وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من نبي يمرض إلا خيّر بين الدنيا والآخرة) وكان في شكواه الذي قبض فيه، فأخذته بحة شديدة، فسمعته يقول: (مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين) فعلمت أنه خيّر) . تفسير ابن كثير ثم ذكر رحمه الله تعالى بعض ما روي في سبب نزول الآية، ثم قال: (وأعظم من هذا كله بشارة: ما ثبت في الصحاح والمسانيد وغيرهما من طرق متواترة عن جماعة من الصحابة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم؟ أي لم يصل إلى مرتبتهم في العمل الصالح، فقال صلى الله عليه وسلم: (المرء مع من أحب) قال أنس بن مالك رضي الله عنه: فما فرح المسلمون فرحهم بهذا الحديث، إني أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحب أبا بكر وعمر رضي الله عنهما وأرجو أن يبعثني الله معهم وإن لم أعمل بعملهم) . انتهى فليس في الآية كما ترى أي مسوغ للصوفية أو لمذهبهم. وإن كان الصوفية صادقين فليطيعوا الله ورسوله ويلتزموا بشرعه - كما نصّت عليه الآية - ليكونوا من الفائزين، أما أن يدّعوا معرفة الأولياء بالغيب الذي لا يعلمه إلا الله ويجعلوا الطّواف بالقبور والطلب من الموتى عبادة وقُربة وهو في الحقيقة استغاثة بغير الله وكفر وشرك، ويقولون إنّ الله يوحي إلينا بأمور يُلقيها في قلوبنا زائدة على ما في القرآن والسنّة، وأنّ الخواص ليسوا ملزمين بشريعة الإسلام المفروضة على العوام، ويبتدعون أذكارا يواظبون عليها ليست في الكتاب ولا في سنّة النبي صلى الله عليه وسلم، ثمّ بعد هذا كله يريدون أن يكونوا من الفائزين ومع النبيين والصّديقين فهيهات هيهات بل هم مع الشياطين والمشركين، نسأل الله السلامة والعافية، رزقنا الله وإياك حب نبيه صلى الله عليه وسلم وحب صحابته الكرام وجمعنا بهم في مقعد صدق عنده إنه مليك مقتدر. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 5638 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1195 هل يقدم المذهب على الحديث [السُّؤَالُ] ـ[يتعلق سؤالي بالأحاديث وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وبالمذهب، يتبع أهل بلادي مذهب الإمام الشافعي. وفي بعض الحالات فإن المذهب يُقدم على الحديث والسنة، فهل أتبع المذهب أم السنة في هذه الحالة؟ على سبيل المثال، ينتقض وضوء الرجل، في المذهب الشافعي، إذا لمس الرجل امرأة عامدا أو عن طريق الخطأ، وسواء أكانت من المحارم أم ليست من المحارم. وقد وجدت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحرك رجل عائشة رضي الله عنها أثناء تأديته لصلوات الفجر. مثلا: يُعلم المسلمون في بلادي أنه أثناء الحج فإن نية الوضوء تحول من المذهب الشافعي إلى المذهب الحنبلي، وهم يتوضئون كما يفعل أتباع المذهب الحنبلي. والسبب وراء ذلك هو ذاته الوارد في المثال أعلاه. فهل يصح هذا، أي التحول من مذهب لآخر أثناء تأدية الحج؟ مثلا، في المذهب الشافعي، يُعد دعاء القنوت أثناء صلاة الفجر سنة مؤكدة. فهل فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك أثناء صلاة الفجر؟ وما هو الحكم في من لا يقنت؟.]ـ [الْجَوَابُ] الواجب اتباع ما دلَّ عليه الدليل من الكتاب والسنة وإن خالف المذهب المتبوع، لكن لابد أن يكون فهم الكتاب والسنة كما فهمه السلف لا بأفهامنا المجردة، والمقصود بالسلف الصحابة والتابعين. والمثال الذي ذكرته القول الصحيح أن مس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقاً سواء أكان بشهوة أم بدونها، لحديث أنه صلى الله عليه وسلم قبل بعض نسائه وخرج إلى الصلاة ولم يتوضأ) إلا أن يخرج منه شيء بسبب الشهوة فيتوضأ لا للمس ولكن للخارج منه. وأما الآية وهي قوله تعالى: (أو لامستم النساء) فالمراد به الجماع على الصحيح. 2- لا تحتاج إلى التحول من مذهب على مذهب وفريضة الحج تُؤدى كما أدها النبي صلى الله عليه وسلم لقوله صلى الله عليه وسلم: (خذوا عني مناسككم) . 3- القنوت في الفجر الصحيح أنه سنة عند النوازل فقط يعني إذا نزلت بالمسلمين أو بعضهم مصيبة فإنه يستحب أن يُقنَت ويُدعى الله تعالى ليصرفها عنهم، أما في الحالات المعتادة فالصحيح أنه لا يستحب هذا ما دل عليه الدليل. ومن ترك القنوت فصلاته صحيحة حتى عند الشافعية رحمهم الله. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 5459 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1196 جماعة الأحباش [السُّؤَالُ] ـ[ما هو رأي الإسلام في الطائفة التي ظهرت وتدعى بـ (الأحباش) ؟ ما هو موقفنا تجاههم؟ وما هي أخطاؤهم في العقيدة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أما بعد ك فقد ورد إلى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء أسئلة واستفسارات حول (جماعة الأحباش) والشخص الذي تنتمي إليه، المدعو / عبد الله الحبشي، القاطنة في لبنان، ولها جمعيات نشطة في بعض دول أوروبا وأمريكا وأستراليا، فاستعرضت اللجنة لذلك ما نشرته هذه الجماعة من كتب ومقالات، توضح فيها اعتقادها وأفكارها ودعوتها، وبعد الاطلاع والتأمل فإن اللجنة تبين لعموم المسلمين ما يلي: أولاً: ثبت في الصحيحين من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم " وله ألفاظ أخر، وقال عليه الصلاة والسلام: " أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد، وإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة " رواه أحمد وأبوداود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح. وإن من أهم الخصال التي امتازت بها تلك القرون المفضلة، وحازت بها الخيرية على جميع الناس: تحكيم الكتاب والسنة في جميع الأمور، وتقديمها على قول كل أحد كائناً من كان، وفهم جميع الأمور، وتقديمها على قول كل أحد كائناً من كان، وفهم نصوص الوحيين الشريفين حسب القواعد الشرعية واللغة العربية، وأخذ الشريعة كلها بعمومها وكلياتها، وآحادها وجزئياتها، ورد النصوص المتشابهات إلى النصوص المحكمات، ولهذا استقاموا على الشريعة وعملوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، ولم يزيدوا فيها ولم ينقصوا، وكيف يحدث منهم زيادة أو نقص في الدين وهم مستمسكون بالنص المعصوم من الخطأ والزلل؟ ثانياً: ثم خلفت من بعدهم خلوف كثرت فيهم البدع والمحدثات، وأعجب كل ذي رأي برأيه، وهجرت النصوص الشرعية، وأولت وحرفت لتوافق الأهواء والمشارب، فشاقّوا بذلك الرسول الأمين، واتبعوا غير سبيل المؤمنين، والله سبحانه يقول: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً) ، ومن فضل الله عز وجل على هذه الأمة أنه يقيض لها في كل عصر من العلماء الراسخين في العلم من يقوم في وجه كل بدعة تشوه جمال الدين، وتعكر صفوه، وتزاحم السنة أو تقضي عليها، وهذا تحقيق لوعد الله بحفظ دينه وشرعه في قوله سبحانه: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الثابت في الصحاح والسنن والمسانيد وغيرها: " لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله عز وجل، لا يضرها من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس "، وله ألفاظ أخرى. ثالثاً: ظهرت في الربع الأخير من القرن الرابع عشر الهجري جماعة يتزعمها عبد الله الحبشي الذي نزح من الحبشة إلى الشام بضلالته، وتنقل بين دياره حتى استقر به المقام في لبنان، وأخذ يدعو الناس على طريقته، ويكثِّر أتباعه وينشر أفكاره التي هي أخلاط من اعتقادات الجهمية والمعتزلة والقبورية والصوفية، ويتعصب لها ويناظر من أجلها، ويطبع الكتب والصحف الداعية إليها. والناظر فيما كتبته ونشرته هذه الطائفة يتبين لهم بجلاء أنهم خارجون في اعتقادهم عن جماعة المسلمين (أهل السنة والجماعة) فمن اعتقاداتهم الباطلة على سبيل المثال لا الحصر: 1- أنهم في مسألة الإيمان على مذهب أهل الإرجاء المذموم. ومعلوم أن عقيدة المسلمين التي كانت التي كان عليها الصحابة والتابعون ومن سار على هديهم إلى يومنا هذا أن الإيمان قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح، فلا بد أن يكون مع التصديق موافقة وانقياد وخضوع للشرع المطهر، وإلا فلا صحة لذلك الإيمان المُدَّعى. وقد تكاثرت النقول عن السلف الصالح في تقرير هذه العقيدة، ومن ذلك قول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: " وكان الإجماع من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، ومن أدركناهم يقولون: الإيمان قول وعمل ونية، ولا يجزئ واحد من الثلاث إلا بالآخر ". 2- ويجوزون الاستغاثة والاستعاذة والاستعانة بالأموات ودعائهم من دون الله تعالى، وهذا شرك أكبر بنص القرآن والسنة وإجماع المسلمين، وهذا الشرك هو دين المشركين الأولين من كفار قريش وغيرهم، كما قال الله سبحانه عنهم: (ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله) ، وقال جل وعلا: (فاعبد الله مخلصاً له الدين * ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفّار) ، وقال سبحانه: (قل من ينجيكم من ظمات البر والبحر تدعونه تضرعاً وخفية لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين * قل الله ينجّيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون) ، وقال جل وعلا: (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً) ، وقال سبحانه: (ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير * إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " الدعاء هو العبادة " أخرجه أهل السنن بإسناد صحيح، والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وهي تدل على أن المشركين الأولين يعلمون أن الله هو الخالق الرازق النافع الضار، وإنما عبدوا آلهتهم ليشفعوا لهم عند الله، ويقربوهم لديه زلفى؛ فكفَّرهم سبحانه بذلك، وحكم بكفرهم وشركهم، وأمر نبيه بقتالهم حتى تكون العبادة لله وحده، كما قال سبحانه: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) ، وقد صنف العلماء في ذلك كتباً كثيرة، وأوضحوا فيها حقيقة الإسلام الذي بعث الله به رسله ن أنزل به كتبه، وبينوا فيها دين أهل الجاهلية وعقائدهم وأعمالهم المخالفة لشرع الله، ومن أحسن من كتب في ذلك ك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، في كتبه الكثيرة، ومن أخصرها كتابه: (قاعدة جلية في التوسل والوسيلة) . 3- أن القرآن عندهم ليس كلام الله حقيقة. ومعلوم بنص القرآن والسنة وإجماع المسلمين، أن الله تعالى يتكلم متى شاء، على الوجه اللائق بجلاله سبحانه، وأن القرآن الكريم كلام الله تعالى حقيقة، حروفه ومعانيه، كما قال الله تعالى: (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله) ، وقال سبحانه: (وكلم الله موسى تكليماً) ، وقال جل وعلا: (وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً) ، وقال سبحانه: (وقد كان فريق منهم يسمعون كلم الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون) ، وقال جل وعلا: (يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل) ، والآيات في هذا المعنى كثيرة معلومة. وتواتر عن السلف الصالح إثبات هذه العقيدة، كما نطقت بذلك نصوص القرآن والسنة ولله الحمد والمنة. 4- يرون وجوب تأويل النصوص الواردة في القرآن والسنة، في صفات الله جل وعلا، وهذا خلاف ما أجمع عليه المسلمون، من لدن الصحابة والتابعين ومن سار على نهجهم، إلى يومنا هذا، فإنهم يعتقدون بوجوب الإيمان بما دلت عليه نصوص أسماء الله وصفاته من المعاني من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، بل يؤمنون بأن الله سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، فلا ينفون عنه ما وصف به نفسه، ولا يحرفون الكلم عن مواضعه، ول يلحدون في أسمائه وآياته، ولا يكيفون ولا يمثلون صفاته بصفات خلقه؛ لأنه لا سمي له، ولا كفؤ له، ولا ند، قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: " آمنت بالله وبما جاء عن الله على مراد الله، وآمنت برسول الله وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله "، وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: " نؤمن بها ونصدق، ولا نرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نصف الله بأكثر مما وصف به نفسه ". 5- ومن عقائدهم الباطلة: نفي علو الله سبحانه على خلقه. وعقيدة المسلمين التي دلت عليها آيات القرآن القطعية، والأحاديث النبوية، والفطرة السوية، والعقول الصريحة: أن الله جل جلاله، عالٍ على خلقه، مستوٍ على عرشه، لا يخفى عليه شيء من أمور عباده. قال الله تعالى: (ثم استوى على العرش) ، في سبعة مواضع في كتابه، وقال جل شأنه: (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) ، وقال جل وعلا: (وهو العلي العظيم) ، وقال جل وعز: (سبح اسم ربك الأعلى) ، وقال جل جلاله: (ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون * يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون) ، وغيرها من الآيات الكريمات. وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث الصحاح الشيء الكثير، ومنها: قصة المعراج المتواترة، وتجاوز النبي صلى الله عليه وسلم السماوات سماءً سماءً، حتى انتهى إلى ربه تعالى، فقربه أو ناداه، وفرض عليه الصلوات خمسين صلاة، فلم يزل يتردد بين موسى عليه السلام وبين ربه تبارك وتعالى، ينزل من عند بره إلى عند موسى، فيسأله كم فرض عليه، فيخبره فيقول: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فيصعد إلى ربه فيسأله التخفيف. ومنها ما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لما خلق الله الخلق كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي سبقت غضبي "، وثبت في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء "، وفي صحيح ابن خزيمة وسنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " العرش فوق الماء، والله فوق العرش، والله يعلم ما أنتم عليه "، وفي صحيح مسلم وغيره في قصة الجارية، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: " أين الله؟ " قالت: في السماء، قال: " من أنا؟ " قالت: أنت رسول الله، قال: " أعتقها فإنها مؤمنة ". وعلى هذه العقيدة النقية درج المسلمون: الصحابة والتابعون وتابعوهم بإحسان إلى يومنا هذا والحمد لله. ولعظم هذه المسألة وكثرة دلائلها التي تزيد على ألف دليل أفردها أهل العلم بالتصنيف، كالحافظ أبي عبد الله الذهبي في كتابه: (العلو للعلي الغفار) ، والحافظ ابن القيم في كتابه: (اجتماع الجيوش الإسلامية) . 6- إنهم يتكلمون في بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بما لا يليق. ومن ذلك تصريحهم بتفسيق معاوية رضي الله عنه، وهم بذلك يشابهون الرافضة - قبحهم الله - والواجب على المسلمين الإمساك عما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، وحفظ ألسنتهم مع اعتقاد فضلهم، ومزية صحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه " رواه البخاري ومسلم. ويقول جل وعلا: (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم) ، وهذا الاعتقاد السليم نحو أصحاب النبي صلى اله عليه وسلم هو اعتقاد أهل السنة والجماعة على مر القرون، قال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله تعالى في بيان عقيدة أهل السنة والجماعة: (ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نفرط في حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم، وبغير الخير يذكرهم ن ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان) . رابعاً: ومما يؤخذ على هذه الجماعة ظاهرة الشذوذ في فتاويها، ومصادمتها للنصوص الشرعية من قرآن وسنة، ومن أمثلة ذلك: إباحتهم للقمار مع الكفار لسلب أموالهم، وتجويزهم سرقة زروعهم، وحيواناتهم، بشرط أن لا تؤدي السرقة إلى فتنة، وتجويزهم تعاطي الربا مع الكفار، وجواز تعامل المحتاج بأوراق اليانصيب المحرمة، ومن مخالفاتهم الصريحة أيضاً: تجويزهم النظر إلى المرأة الأجنبية في المرآة، أو على الشاشة ولو بشهوة، وأن استدامة النظر إلى المرأة الأجنبية ليس حراماً، وأن نظر الرجل إلى شيء من بدن المرأة التي لا تحل له ليس بحرام، وأن خروج المرأة متزينة متعطرة مع عدم قصدها استمالة الرجال إليها ليس بحرام، وإباحة الإختلاط بين الرجال والنساء، إلى غيرها من تلك الفتاوى الشاذة الخرقاء، التي فيها مناقضة للشريعة، وعدُّ ما هو من كبائر الذنوب من الأمور الجائزات المباحات. نسأل الله العافية من أسباب سخطه وعقوبته. خامساً: ومن أساليبهم الوقحة للتنفير من علماء الأمة الراسخين -والإقبال على كتبهم، والاعتماد على نقولهم - سبهم وتقليلهم والحط من أقدارهم، بل وتكفيرهم، وعلى رؤوس هؤلاء العلماء: الإمام المجدد شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية رحمه الله تعالى، حتى إن المدعو: عبد الله الحبشي ألف كتاباً خاصاً في هذا الإمام المصلح، نسبه فيه إلى الضلال والغواية، وقوّله ما لم يقله، وافترى عليه، فالله حسيبه، وعند الله تجتمع الخصوم. ومن ذلك أيضاً طعنهم في الإمام المجدد، الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، ودعوته الإصلاحية التي قام بها في قلب جزيرة العرب، فدعا الناس إلى توحيد الله تعالى ونبذ الإشراك به سبحانه، وإلى تعظيم نصوص القرآن والسنة والعمل بها، وإقامة السنن وإماتة البدع، فأحيا الله به ما اندرس من معالم الدين، وأمات به ما شاء من البدع والمحدثات،وانتشرت آثار هذه الدعوة - بفضل الله ومنته - في جميع أقطار العالم الإسلامي، وهدى الله بها كثيراً من الناس، فما كان من هذه الجماعة الضالة إلا أن صوبوا سهامهم نحو هذه الدعوة السنية ومن قام بها، فلفقوا الأكاذيب وروجوا الشبهات، وجحدوا ما فيها من الدعوة الصريحة إلى الكتاب والسنة، وفعلوا ذلك كله تنفيراً للناس من الحق، وقصداّ للصد عن سواء السبيل، عياذاً بالله من ذلك. ولا شك أن بغض هذه الجماعة لهؤلاء الصفوة المباركة من علماء الأمة دليل على ما تنطوي عليه قلوبهم من الغل والحقد على كل داع إلى توحيد الله تعالى، والمتمسك بما كان عليه أهل القرون المفضلة من الاعتقاد والعمل، وأنهم بمعزل عن حقيقة الإسلام وجوهره. سادساً: وبناء على ما سبق ذكره، وغيره مما لم يذكر؛ فإن اللجنة تقرر ما يلي: 1- أن جماعة الأحباش فرقة ضالة، خارجة عن جماعة المسلمين (أهل السنة والجماعة) ، وأن الواجب عليهم الرجوع إلى الحق الذي كان عليه الصحابة والتابعون في جميع أبواب الدين والعمل والاعتقاد، وذلك خير لهم وأبقى. 2- لا يجوز الاعتماد على فتوى هذه الجماعة؛ لأنهم يستبيحون التدين بأقوال شاذة، بل ومخالفة لنصوص القرآن والسنة، ويعتمدون الأقوال البعيدة الفاسدة لبعض النصوص الشرعية، وكل ذلك يطرح الثقة بفتاويهم والاعتماد عليها من عموم المسلمين. 3- عدم الثقة بكلامهم على الأحاديث النبوية، سواء من جهة الأسانيد أو من جهة المعاني. 4- يجب على المسلمين في كل مكان الحذر والتحذير من هذه الجماعة الضالة، ومن الوقوع في حبائلها تحت أي اسم أو شعار، واحتساب النصح لأتباعه والمخدوعين بها، وبيان فساد أفكارهم وعقائدهم. واللجنة إذ تقرر ذلك وتبينه للناس تسأل الله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، أن يجنب المسلمين الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يهدي ضال المسلمين، وأن يصلح أحوالهم، وأن يرد كيد الكائدين في نحوهم، وأن يكفي السلمين شرورهم، والله على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى اللجنة الدائمة 12 / 323. الحديث: 8571 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1197 حقيقة الشيخين الجيلاني وابن عبد الوهاب [السُّؤَالُ] ـ[ما رأيك في الشيخ عبد القادر الجيلاني؟ لقد سمعت بعض القصص السيئة عن عبد الوهاب وكيف خزى الإسلام. ما رأيك فيه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب عند الكلام في الناس أن يكون بعلم وعدل. والرجل الذي له في الدين مقامات محمودة ينبغي أن يُعرف له فضله، ولا يمنع ذلك من تخطئته إن أخطأ. وهذه القاعدة العامة المذكورة تنطبق على الشيخ عبد القادر الجيلاني وغيره من علماء المسلمين. والشيخ عبد القادر - رحمه الله - من أئمة الإسلام الذين انتهت إليهم الرئاسة على مسلمي زمانه علما وعملا وإفتاء وغير ذلك من مقامات الدين. وقد كان رحمه الله من أعظم مشايخ زمانه أمرا بالالتزام بالشرع والأمر والنهي وتقديم ذلك على كل شيء. وكان زاهداً واعظا يتوب في مجالسه الخلق الكثير من الناس. وقد أجمل الله ذكره ونشر بين العالمين فضله - رحمه الله رحمة واسعة -. والشيخ عبد القادر كان متبعا لا مبتدعا، وكان على طريقة السلف الصالح يحث في مؤلفاته على اتباع السلف، ويأمر أتباعه بذلك. وكان يأمر بترك الابتداع في الدين، ويصرح بمخالفته للمتكلمين من الأشاعرة ونحوهم. والشيخ موافق لأهل السنة والجماعة - أهل الحق - في جميع مسائل العقيدة من مسائل التوحيد والإيمان والنبوات واليوم الآخر. وقد وقع في مؤلفاته بعض الغلطات والهفوات والبدع التي تنغمر في بحار فضائله. وللتعرف عليها مع بيان وجه الخطأ فيها يمكن مراجعة كتاب (الشيخ عبد القادر الجيلاني وآراؤه الاعتقادية والصوفية) للشيخ الدكتور: سعيد بن مسفر القحطاني:440-476. ثم إنه لايصح أن يجعل رجل من علماء المسلمين فضلا عن غيرهم مصدرا كاملا للحق والصواب، فيكون ما قاله هو الحق وما خالفه هو الباطل، لا الشيخ عبد القادر ولا غيره. ولكن الحق ما وافق الكتاب والسنة مهما يكن القائل به، وما خالف الكتاب والسنة فإنه ينبغي تركه واجتنابه وإن قاله عبد القادر الجيلاني أو مالك أو الشافعي أو أحمد أو أي شخص كان. وهنا ملاحظة لا بد من التنبيه عليها وهي أن تزكية الشيخ عبد القادر لا تعني تزكية كل من انتسب إليه فليس كل من انتسب إلى شيخ أو طريقة أو أي أمر يُسلم له ذلك. فكم ممن يظن صحة انتسابه إلى أمر يكون هو من أبعد الناس عنه فيكون ظنه في غير محله، وكم من مضلل يلبس رداء الزهد والتقوى وهي منه براء. ولذلك فإن الطريقة الصوفية المعروفة اليوم باسم الطريقة القادرية ليست على الطريقة السوية التي كان عليها الشيخ - رحمه الله -، بل هي طريقة صوفية منحرفة عن هدي الكتاب والسنة، كثيرة الغلو في الشيخ عبد القادر، ولربما زعمت له مقامات لا تجوز إلا لله جل جلاله، وقد وقع منهم غلو في قبره، وفي الاستغاثة به، والمبالغة في أوصافه وكراماته. وبالمقارنة بين أفعال هؤلاء المنتسبين للشيخ مع ما ورد بالكتاب والسنة وما ورد عن السلف الصالحين بل وما ورد عن الشيخ - يرحمه الله - يتبين بُعد الهوة بين الطائفتين، وانحراف الطائفة القادرية عن طريقة شيخها الذي تنتسب إليه وذلك بإدخالهم للكثير من البدع في دين الله مما لم يكن يرتضيه الشيخ رحمه الله. وقد ورد في كلام أهل العلم المعتبرين عد هذه الطائفة من الغلاة كما في كلام لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله - في رده على البكري في مسألة الزيارة: 1/228. وورد في فتاوى الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ ما يدل على وقوعهم في بعض الشركيات. انظر فتاوى ابن إبراهيم: 1/276، 109، وفي فتاوى اللجنة الدائمة:2/250-252. والدرر السنية:1/74. وأما عبد الوهاب المذكور في السؤال فلعل المقصود به: الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله - وإذا أردنا التعريف به فإنا لن نجد من يعرفنا بالرجل مثل تعريفه هو بنفسه؛ وذلك أن الرجل من الناس إذا تباينت كلمات الناس فيه بالمدح أو القدح فإنه يُنظر إلى كلامه في مؤلفاته وكتبه، وينظر فيما صح من المنقول عنه، ثم يُوزن ذلك كله بميزان الكتاب والسنة. ومما قاله الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله معرِّفا بنفسه:" أُخبركم أني - ولله الحمد - عقيدتي وديني الذي أدين الله به: مذهب أهل السنة والجماعة الذي عليه أئمة المسلمين، مثل الأئمة الأربعة وأتباعهم إلى يوم القيامة؛ لكني بينت للناس إخلاص الدين لله، ونهيتهم عن دعوة الأنبياء والأموات من الصالحين وغيرهم، وعن إشراكهم في ما يعبد الله به من الذبح والنذر والتوكل والسجود وغير ذلك مما هو حق الله الذي لا يشركه فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل، وهو الذي دعت إليه الرسل من أولهم إلى آخرهم، وهو الذي عليه أهل السنة والجماعة. وأنا صاحب منصب في قريتي، مسموع الكلمة، فأنكر هذا بعض الرؤساء لكونه خالف عادة نشؤوا عليها. وأيضا ألزمت من تحت يدي بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وغير ذلك من فرائض الله، ونهيتهم عن الربا وشرب المسك، وأنواع من المنكرات،فلم يمكن الرؤساء القدح في هذا وعيبه لكونه مستحسنا عند العوام، فجعلوا قدحهم وعداوتهم في ما آمر به من التوحيد، وما نهيتهم عنه من الشرك، ولبَّسوا على العوام أن هذا خلاف ما عليه الناس، وكبرت الفتنة جدا ... " انتهى المقصود منه من الدرر السنية: 1/64-65،79-80. والمنصف إذا اطلع على كتب هذا الرجل علم أنه من الداعين إلى الله على بصيرة، وأنه قد تحمل الصعوبات والمشاق الكثيرة في سبيل إرجاع الإسلام إلى صورته الصافية النقية، التي تبدلت كثيرا في عصره. وأنه بسبب مخالفته لأهواء الكبراء والمطاعين ألّب عليه هؤلاء الغوغاء والعامة لتسلم لهم دنياهم، وتسلم لهم مناصبهم وعوائدهم. وأنا أدعوك أخي السائل أن لا تكون إمعة معتمدا على غيرك فيما تسمع وتعتقد، وإنما كن طالبا للحق مدافعا عنه مهما يكن القائل به، وأدعوك إلى مجانبة الباطل والخطأ مهما يكن قائله. وعليه فلو أنك اطلعت على كتاب من كتب الشيخ - رحمه الله - وأرشح لك (كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد) لعلمت مقدار علم الشيخ، ومدى أهمية دعوته، وحجم المغالطات والافتراءات المختلقة عليه. ويمكنك مراجعة بعض المغالطات المفتراة على الشيخ ومعرفة الجواب عنها على هذا الرابط للغة الانجليزية وهذا الرابط للغة العربية. وأهم من ذلك كله أدعوك إلى تدبر القرآن والسنة، وسؤال الثقات من أهل العلم عن ما أشكل عليك منهما، واحذر من اتباع الأهواء المختلفة، والشرك بجميع صوره. فإذا فعلت ذلك فلا عليك إن علمت أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - كان مصيبا أم مخطئا.واعلم أن أعراض المسلمين يحرم الكلام فيها على وجه التنقص ولو كان الكلام حقا، فكيف إذا كان كلاما غلطا. وفقنا الله وإياك لاتباع الهدى ودين الحق، وأخذ بنواصينا لما يحب ويرضى. والله أعلم.. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 12932 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1198 موقف الإسلام من الأحزاب المنحرفة ومن المنخرطين فيها [السُّؤَالُ] ـ[بعض الناس مسلمون ولكنهم ينخرطون في الأحزاب السياسية، ومن بين الأحزاب السياسية إما تابعة لروسيا أو تابعة لأمريكا، وهذه الأحزاب متفرعة وكثيرة؛ أمثال: حزب التقدم والاشتراكية، حزب الاستقلال، حزب الأحرار - حزب الأمة - حزب الشبيبة الاستقلالية، حزب الديمقراطية ... ، إلى غيرها من الأحزاب التي تتقارب فيما بينها، ما هو موقف الإسلام من هذه الأحزاب، ومِن المسلم الذي ينخرط في هذه الأحزاب، هل إسلامه صحيح.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من كان لديه بصيرة في الإسلام وقوة إيمان وحصانة إسلامية وبعد نظر في العواقب وفصاحة لسان، ويقوى مع ذلك على أن يؤثر في مجرى الحزب فيوجهه توجيهاً إسلامياً، فله أن يخالط هذه الأحزاب، أو يخالط أرجاهم لقبول الحق؛ عسى أن ينفع الله به، ويهدي على يديه من يشاء فيترك تيار السياسات المنحرفة إلى سياسة شرعية عادلة ينتظم بها شمل الأمة، فتسلك قصد السبيل، والصراط المستقيم، لكن لا يلتزم مبادئهم المنحرفة. ومن ليس عنده ذلك الإيمان ولا تلك الحصانة ويخشى عليه أن يتأثر ولا يؤثر، فليعتزل تلك الأحزاب؛ اتقاء للفتنة ومحافظة على دينه أن يصيبه منه ما أصابهم، ويبتلى بما ابتلوا به الانحراف والفساد. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى اللجنة الدائمة 12 / 385. الحديث: 11180 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1199 صمود الإسلام بالرغم من انشقاقات المبتدعة [السُّؤَالُ] ـ[لقد عانى الدين الإسلامي من الانشقاق وانقسامات في الاعتقاد، فهل تذكر لنا السبب وراء ذلك؟ وعلى الرغم من الاختلاف بين المسلمين، فقد تمكنوا -مع اختلاف طوائفهم- من المحافظة على شعور بالوحدة فيما بينهم. فكيف حدث ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اعلم هدانا الله وإياك للحق، ورزقنا اتباعه: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى أوضح الحجة، وجلى الطريق لأمته، فلم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا وترك لنا من الله فيها علما، ونزل في آخر حجة حجها النبي صلى الله عليه وسلم قول الله عز وجل: " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ". وسار الصحابة رضي الله عنهم على هذا النهج سيرا دقيقا جدا، فحفظ الله عز وجل بذلك أتباع الإسلام من التفرق المذموم. وتبعهم على ذلك التابعون رحمهم الله، ولكن حصول بعض العوامل الداخلية والخارجية أدى إلى ظهور شيء من الاختلاف المذموم بعد القرون الثلاثة المفضلة، فمن الأسباب الخارجية: مخالطة الأمم الأخرى من غير المسلمين: كالفرس، والروم، والهند، واليونان، والاحتكاك كذلك بالملل: كاليهودية، والنصرانية، والصابئة، والمجوسية، وأديان الهند وغيرها. ومن الأسباب الداخلية: اتباع الأهواء، والتعلق بالشبهات والشهوات، والإعراض عن تعلم دين الله عز وجل وشرعه، والجهل، والغلو، والتشبه بغير المسلمين ... إلخ. وجود جميع هذه الأسباب وغيرها أدت إلى شق صفوف صغيرة عن الجادة الصحيحة التي كان عليها جمهور المسلمين، وظهرت فرق وبدع وأقوال تخالف النهج الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتابعوهم ومن بعدهم ممن سلك سبيلهم. ولكن يلحظ أن هذه الطوائف والفرق: كانت في الحقيقة صوتا نشازا عند جمهور المسلمين، فأهلها منبوذون محاربون من أهل العلم والخلفاء ومن عامة المسلمين، مما سبب تحجيما لتلك الأهواء عن الانتشار بين الناس، وضعفا لها في أغلب أطوار التاريخ الإسلامي. فبقي أكثر المسلمين وجمهورهم على الجادة السنية - في الجملة - فإن ظهرت صور للبدع بينهم سارع علماء الحق لمحاربتها وبيان زيفها، وقد أخبرنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بحصول هذا الاختلاف، وحذرنا منه وأمرنا بلزوم جماعة المسلمين فقال: " افترقت اليهود والنصارى ثنتين وسبيعين فرقة كلها في النار، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على ما مثل أنا عليه اليوم وأصحابي "، وقال: " لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة ". وأما بقاء المسلمين على شعورهم بالوحدة فلذلك أسباب كثيرة - مر بعضها -، لكن أظهر الأسباب وأوضحها هو أن هذا الدين من عند الله عز وجل، فهو محفوظ بحفظ الله له، ولو تعرض دين لمثل ما تعرض له الإسلام من الحروب والمؤامرات والمكائد لزال منذ زمن بعيد (كما نرى في غيره من الأديان) ، وكل عاقل يفهم أن عقيدة تبقى أكثر من (1400) سنة على حالها الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم - في الجملة - شبرا بشبر وذراعا بذراع، ثم هي لا تزال تتجدد في نفوس أهلها (حماسا وتمسكا بها) كتجدد زهر الربيع لهو أول دليل على أنه دين الله حقا، والله الهادي على سواء السبيل. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 6280 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1200 ذكر الله بالاسم المفرد "الله" أو بضمير "هو" من بدع الصوفية [السُّؤَالُ] ـ[هل يحرم ترديد لفظ الجلالة (الله) أو أحد أسمائه سبحانه كنوع من الذكر؟ نحن نعلم أن " أستغفر الله - سبحان الله - الحمد لله … " جائزة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا شك في بدعية ذكر الله تعالى باسمه المفرد - الله - وأشد منه ذكره باسمه المضمر - هو -، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وأما الاسم المفرد مظهراً أو مضمراً: فليس بكلام تام، ولا جملة مفيدة، ولا يتعلق به إيمان ولا كفر ولا أمر ولا نهي ولم يذكر ذلك أحدٌ مِن سلف الأمة، ولا شَرعَ ذلك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ولا يعطي القلب بنفسه معرفة مفيدة، ولا حالاً نافعاً، وإنما يعطيه تصوراً مطلقاً لا يُحكم عليه بنفي ولا إثبات فإن لم يقترن به من معرفة القلب وحاله ما يفيد بنفسه وإلا لم يكن فيه فائدة، والشريعة إنما تشرع من الأذكار ما يفيد بنفسه لا ما تكون الفائدة حاصلة بغيره. وقد وقع بعض من واظب على هذا الذكر في فنونٍ مِن الإلحاد، وأنواع مِن الاتحاد كما قد بسط في غير هذا الموضع. وما يُذكر عن بعض الشيوخ مِن أنه قال: أخاف أن أموت بين النفي والإثبات! : حالٌ لا يُقتدى فيها بصاحبها فإن في ذلك من الغلط ما لا خفاء به، إذ لو مات العبد في هذه الحال لم يمت إلا على ما قصده ونواه إذ الأعمال بالنيات، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتلقين الميت لا إله إلا اله الله، وقال: " مَن كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة "، ولو كان ما ذكره محذوراً لم يلقَّن الميت كلمة يخاف أن يموت في أثنائها موتاً غير محمودٍ بل كان يلقَّن ما اختاره من ذكر الاسم المفرد. والذكر بالاسم المضمر المفرد أبعد عن السنَّة، وأدخل في البدعة، وأقرب إلى إضلال الشيطان، فإن من قال " يا هو يا هو " أو " هو هو " ونحو ذلك: لم يكن الضمير عائداً إلا إلى ما يصوِّره قلبُه، والقلب قد يهتدي وقد يضل … . ثم كثيراً ما يَذكر بعض الشيوخ أنه يحتج على قول القائل " الله " بقوله {قل الله ثم ذرهم} ويظن أن الله أمر نبيَّه بأن يقول الاسم المفرد، وهذا غلط باتفاق أهل العلم فإن قوله {قل الله} معناه: الله الذي أنزل الكتاب الذي جاء به موسى وهو جواب لقوله {قل مَن أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نوراً وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيراً وعُلِّمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل الله} أي: الله الذي أنزل الكتاب الذي جاء به موسى، ردَّ بذلك قول من قال " ما أنزل الله على بشر من شيء " فقال: من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى؟ ثم قال: قل الله أنزله ثم ذر هؤلاء المكذبين في خوضهم يلعبون. ومما يبين ما تقدم ما ذكره سيبويه وغيره من أئمة النحو أن العرب يحكون بالقول ما كان كلاما لا يحكون به ما كان قولاً فالقول لا يحكى به إلا كلام تام أو جملة اسمية أو فعلية ولهذا يكسرون " أن " إذا جاءت بعد القول فالقول لا يحكى به اسم والله تعالى لا يأمر أحداً بذكر اسم مفرد ولا شرع للمسلمين اسماً مفرداً مجرداً، والاسم المجرد لا يفيد الإيمان باتفاق أهل الإسلام ولا يؤمر به في شيء من العبادات ولا في شيء من المخاطبات. " مجموع الفتاوى " (10 / 226 - 229) . وقال - رحمه الله - أيضاً: فأما الاسم المفرد مظهرا مثل " الله، الله " أو مضمراً مثل " هو، هو ": فهذا ليس بمشروع في كتاب ولا سنَّة ولا هو مأثور أيضاً عن أحد مِن سلف الأمة ولا عن أعيان الأمة المقتدى بهم وإنما لهج به قوم من ضلال المتأخرين. وربما اتبعوا فيه حالَ شيخ مغلوب فيه مثلما يروى عن الشبلي أنه كان يقول " الله، الله " فقيل له: لم لا تقول لا إله إلا الله؟ فقال: أخاف أن أموت بين النفي والإثبات! . وهذه مِن زلات الشبلي التي تُغفر له لصدق إيمانه وقوة وجْده وغلبة الحال عليه؛ فإنه كان ربما يجنُّ، ويُذهب به إلى المارستان، ويَحلق لحيته، وله أشياء من هذا النمط التي لا يجوز الاقتداء به فيها وإن كان معذوراً أو مأجوراً فإن العبد لو أراد أن يقول لا إله إلا الله ومات قبل كمالها لم يضره ذلك شيئاً إذ الأعمال بالنيات بل يكتب له ما نواه. وربما غلا بعضهم في ذلك حتى يجعلوا ذكر الاسم المفرد للخاصة، وذكر الكلمة التامة للعامة، وربما قال بعضهم " لا إله إلا الله " للمؤمنين، و " الله " للعارفين، و " هو " للمحققين، وربما اقتصر أحدهم في خلوته أو في جماعته على " الله الله الله "، أو على " هو "، أو " يا هو "، أو " لا هو إلا هو "! . وربما ذكر بعض المصنفين في الطريق تعظيم ذلك واستدل عليه تارة بوجد، وتارة برأي، وتارة بنقل مكذوب كما يروي بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لقَّن عليَّ بن أبى طالب أن يقول " الله الله الله " فقالها النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا، ثم أمَر عليّاً فقالها ثلاثا، وهذا حديث موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث. وإنما كان تلقين النبي صلى الله عليه وسلم للذكر المأثور عنه، ورأس الذكر لا إله إلا الله، وهي الكلمة التي عرضها على عمِّه أبي طالب حين الموت، وقال: " يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله " وقال: " إني لأعلم كلمة لا يقولها عبدٌ عند الموت إلا وجد روحه لها روحاً "، وقال: " مَن كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة "، وقال: " مَن مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة "، وقال " أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمَّداً رسول الله فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله "، والأحاديث كثيرة في هذا المعنى. " مجموع الفتاوى " (10 / 556 - 558) . ومن جعل مرجعه الكتاب والسنة في عبادته لم يعجز في معرفة الصواب والخطأ، نسأل الله أن يردنا إلى دينه ردّاً جميلاً. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 9389 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1201 اسماعيلي يسأل عن الفرق بيننا وبينهم [السُّؤَالُ] ـ[المسلمون السنة يقرأون القرآن ونحن (الشيعة الإسماعيلية) نقرأ القرآن أيضاً وهم يصلون العيد ونحن نصلي صلاة العيد أيضاً. فلماذا نقول أنهما طائفتان مختلفتان السنة والشيعة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فإن كل المنتسبين إلى الإسلام ممن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله يقرأون القرآن ويقرون بوجوب الصلاة، والصيام، والزكاة، والحج ولكنهم طوائف مختلفة، ولكل طائفة طريقة تختص بها في اعتقاداتهم، وعباداتهم وخير هذه الطوائف طائفة أهل السنة والجماعة، وهي المتمسكة بالكتاب والسنة ظاهرا وباطنا والمتبعون لرسول الله عليه الصلاة والسلام، وللسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، قال تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) ، وقال تعالى: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ... الآية) . وشر الطوائف هم المنافقون الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر ويقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم وهم الذين قال الله فيهم: (ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين إلى قوله تعالى.. وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤن) . وما بين الطائفتين هم درجات متفاوتة في القرب والبعد من الخير والشر. والإسماعيلية طائفة من غلاة الرافضة، وهم يتظاهرون بموالاة أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، ويبطنون الكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله، ولهذا قال بعض العلماء في الفاطميين إخوان الإسماعيلية: أنهم يظهرون الرفض، ويبطنون الكفر المحض، ويقال لهم الباطنيون لأنهم يزعمون أن للنصوص وللشرائع معانٍ باطنة تخالف ما يعرفه المسلمون منها. كقولهم الصلوات الخمس: معرفة أسرارهم، وصوم رمضان: كتمان أسرارهم، والحج: السفر إلى شيوخهم. ولكن مذهب الباطنية _ ومنهم الإسماعيلية _ مبني على السرية، فحقائق معتقادتهم أسرار يختص بمعرفتها السادة عندهم، وهؤلاء السادة يموهون على عامتهم، ويستعبدونهم، ويستغلونهم، ويفرضون عليهم خُلفا ً مالية يدفعونها إليهم في أوقات معلومة، ويلزمونهم بطاعتهم طاعة مطلقة، ويخوفونهم إن خالفوا أمرهم ان يصابوا ببلاء، ويأمرونهم بمخالفة أهل السنة في صومهم وفطرهم وحجهم، وقد يتسامحون بشيء من ذلك مجاملة وخداعا. وأنت أيها السائل من عوام الإسماعيلية لاتعرف الأسرار التي عند السادة، وهم لايرونك أهلا لأن يطلعونك عليها لأنهم يعرفون أنك وأمثالك لو اطلعتم على تلك الأسرار لنفرتم عنهم، وتبرأتم منهم وكفرتم بمعتقداتهم، وهم يريدون أن تبقوا اتباعا مستعبدين لهم، وتبقى لهم السيادة عليكم. فاتق الله أيها السائل وأنقذ نفسك من العبودية لغير الله والتبعية لغير رسول الله عليه الصلاة والسلام لأنه لا أحد يجب اتباعه وطاعته إلا الرسول عليه الصلاة والسلام، منّ الله عليك بالهداية إلى السنة، وجنبك طريق البدعة، وبصرك بالحق إنه على كل شيء قدير. [الْمَصْدَرُ] فضيلة الشيخ عبد الرحمن البراك. الحديث: 7974 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1202 ما هي الفرقة القاديانية؟ وهل يجوز للمسلم التزوج منهم؟ [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أعرف معلومات عن " الفقه الأحمدي "؛ لأن أحد أصدقائي أخذ يحب فتاة أحمدية، مع أني أخبرته أن فعله خطأ لكنه أصبح يحبها حبّاً شديداً الآن. أنا أريد الجواب لأقدمه إليه.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سبق في جواب السؤال (4060) بيان كفر هذه الطائفة المسماة " الأحمدية " أو " القاديانية " أتباع الميرزا غلام أحمد، وفي الجواب تجد ذِكر عقائدهم الكفرية وأقوال العلماء فيهم. وعليه: لا يجوز لمسلم أن يتزوج منهم، ولا أن يزوِّجهم؛ لأنهم كفار مرتدون، وقد قال الله تعالى: (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) البقرة/221. قال السعدي رحمه الله في تفسيره (ص 99) : " أي (وَلا تَنْكِحُوا) النساء (الْمُشْرِكَاتِ) ما دمن على شركهن (حَتَّى يُؤْمِنَّ) لأن المؤمنة - ولو بلغت من الدمامة ما بلغت - خير من المشركة , ولو بلغت من الحسن ما بلغت , وهذه عامة في جميع النساء المشركات، وخصصتها آية المائدة في إباحة نساء أهل الكتاب، كما قال تعالى: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) . . . ثم ذكر تعالى الحكمة في تحريم نكاح المسلم أو المسلمة , لمن خالفهما في الدين فقال: (أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) أي: في أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم , فمخالطهم على خطر منهم , والخطر ليس من الأخطار الدنيوية , إنما هو الشقاء الأبدي " انتهى. وإذا كان صديقك هذا على علاقة محرمة فعليك أن تبين له حرمة هذه العلاقة، وأنه لا يجوز لمسلم أن يختلي بأجنبية ولا أن يصافحها ولا أن يراسلها، وأنه لا يستطيع أن ينهي هذه العلاقة بالزواج بسبب حرمة التزوج من المرتدات، وليبحث عن صاحبة الدين التي تحفظ له دينه، وتعينه على طاعة ربه، ويأمنها على ولده وذريته. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45525 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1203 حكم بغض الصحابة [السُّؤَالُ] ـ[كنت في حوار مع أحد الأشخاص حول الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، وقال لي: إنه يمكن لأي منَّا أن يكره أيّاً من الصحابة دون أن يتناقض ذلك مع الإسلام، وقال: ربما أن ذلك (أي: كره الصحابة) يخرج صاحبه من دائرة الإيمان، ولكنه يظل في دائرة الإسلام. وعليه: نرجو من فضيلتكم توضيح وبيان هذا الأمر.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لاشك أن من الخذلان الكبير وعدم التوفيق من الله تعالى للعبد أن يجعل من نهجه وسعيه الوقوع في صحابة خير الخلق صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورضي عنهم أو الخوض فيما وقع بينهم بدلاً من أن يشغل عمره بما ينفعه في أمر دينه ودنياه وليس هناك أي وجه لأحدٍ أن يسب أو يبغض صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، ففضائلهم كثيرة متعددة، فهم الذين نصروا الدين ونشروه، وهم الذين قاتلوا المشركين، وهم الذين نقلوا القرآن والسنَّة والأحكام، وقد بذلوا أنفسهم ودماءهم وأموالهم في سبيل الله، وقد اختارهم الله تعالى لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، فلا يسبهم ولا يبغضهم إلا منافق لا يحب الدين ولا يؤمن به. عن البراء رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الأنصار: لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، فمن أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله ". رواه البخاري (3572) ومسلم (75) . فإذا كان الإيمان ينتفي عن رجل يبغض الأنصار ويثبت له النفاق: فكيف بمن يبغض الأنصار والمهاجرين والتابعين لهم بإحسان ويشتمهم ويلعنهم ويكفرهم، ويُكفِّرُ من يواليهم ويترضى عليهم، كما تفعل الرافضة؟ لاشك أنهم أولى بالكفر والنفاق، وانتفاء الإيمان. قال الطحاوي – في بيان اعتقاد أهل السنة والجماعة -: ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولا نفرط في حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم، وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان. قال الشيخ صالح الفوزان: ومذهب أهل السنة والجماعة: موالاة أهل بيت النبي عليه الصلاة والسلام. وأما النواصب: فيوالون الصحابة، ويبغضون بيت النبي عليه الصلاة والسلام، ولذلك سموا بالنواصب؛ لنصبهم العداوة لأهل بيت النبي عليه الصلاة والسلام. والروافض: على العكس، والوا أهل البيت بزعمهم، وأبغضوا الصحابة، ويلعنونهم ويكفرونهم ويذمونهم ... ومن يبغض الصحابة فإنه يبغض الدين؛ لأنهم هم حملة الإسلام وأتباع المصطفى عليه الصلاة والسلام، فمن أبغضهم فقد أبغض الإسلام؛ فهذا دليل على أنه ليس في قلوب هؤلاء إيمان، وفيه دليل على أنهم لا يحبون الإسلام ... هذا أصل عظيم يجب على المسلمين معرفته، وهو محبة الصحابة وتقديرهم؛ لأن ذلك من الإيمان، وبغضهم أو بغض أحد منهم من الكفر والنفاق؛ ولأن حبهم من حب النبي صلى الله عليه وسلم، وبغضهم من بغض النبي صلى الله عليه وسلم. " شرح العقيدة الطحاوية ". وقد فصَّل بعض أهل العلم في " بغض الصحابة " فقالوا: إن كان قد وقع في بغض بعضهم لأمرٍ دنيوي فلا يقع في الكفر والنفاق، وإن كان لأمرٍ ديني باعتبار كونهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فلا شك في كفرهم. وهو تفصيل حسن لا يخالف ما قدمناه، بل يبينه ويؤكده. قال أبو زرعة الرازي: إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: فاعلم أنه زنديق. وقال الإمام أحمد: إذا رأيت الرجل يذكر أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوء: فاتهمه على الإسلام. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وأما من سبهم سباً لا يقدح في عدالتهم ولا في دينهم مثل وصف بعضهم بالبخل أو الجبن أو قلة العلم أو عدم الزهد ونحو ذلك، فهذا هو الذي يستحق التأديب والتعزير، ولا نحكم بكفره بمجرد ذلك، وعلى هذا يحمل كلام من لم يكفرهم من أهل العلم. وأما من لعن وقبح مطلقاً فهذا محل الخلاف فيهم، لتردد الأمر بين لعن الغيظ ولعن الاعتقاد. وأما من جاوز ذلك إلى أن زعم أنهم ارتدوا بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام إلا نفراً قليلاً لا يبلغون بضعة عشر نفساً، أو أنهم فسقوا عامتهم، فهذا لا ريب أيضاً في كفره، لأنه كذب لما نصه القرآن في غير موضع: من الرضى عنهم والثناء عليهم، بل من يشك في كفره مثل هذا فإن كفره متعين، فإن مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب والسنة كفار أو فساق، وأن هذه الآية التي هي {كنتم خير أمة أخرجت للناس} وخيرها هو القرن الأول، كان عامتهم كفاراً أو فساقاُ، ومضمونها أن هذه الأمة شر الأمم، وأن سابقي هذه الأمة هم شرارها، وكفر هذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام. ولهذا تجد عامة من ظهر عليه شيء من هذه الأقوال، فإنه يتبين أنه زنديق، وعامة الزنادقة إنما يستترون بمذهبهم، وقد ظهرت لله فيهم مثلات، وتواتر النقل بأن وجوههم تمسخ خنازير في المحيا والممات، وجمع العلماء ما بلغهم في ذلك، وممن صنف فيه الحافظ الصالح أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي كتابه في النهي عن سب الأصحاب، وما جاء فيه من الإثم والعقاب. وبالجملة فمن أصناف السابة من لا ريب في كفره ومنهم من لا يحكم بكفره، ومنهم من تردد فيه. " الصارم المسلول على شاتم الرسول " (ص 590 - 591) . وقال تقي الدين السبكي: وينبني على هذا البحث سب بعض الصحابة فإن سب الجميع لا شك أنه كفر وهكذا إذا سب واحدا من الصحابة حيث هو صحابي ; لأن ذلك استخفاف بحق الصحبة ففيه تعرض إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلا شك في كفر الساب، وعلى هذا ينبغي أن يحمل قول الطحاوي " وبغضهم كفر " فإن بغض الصحابة بجملتهم لا شك أنه كفر , وأما إذا سب صحابيا لا من حيث كونه صحابيا بل لأمر خاص به وكان ذلك الصحابي مثلا ممن أسلم من قبل الفتح ونحن نتحقق فضيلته كالروافض الذين يسبون الشيخين، فقد ذكر القاضي حسين في كفر من سب الشيخين وجهين. ووجه التردد ما قدمناه فإن سب الشخص المعين قد يكون لأمر خاص به , وقد يبغض الشخص الشخص لأمر دنيوي وما أشبه ذلك فهذا لا يقتضي تكفيرا , ولا شك أنه لو أبغض واحدا منهما لأجل صحبته فهو كفر بل من دونهما في الصحبة إذا أبغضه لصحبته كان كافرا قطعا. " فتاوى السبكي " (2 / 575) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45563 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1204 كيف يخبر الصغير عن معنى الشيعة [السُّؤَالُ] ـ[لي ابن أخت ويبلغ من العمر 8 سنوات وفاجأني مرة إذ سألني قائلاًًًَ من هم الشيعة؟ لم أدر ما أقول له إلا أني قلت له ستعرف بعد أن تكبر! ولكنه لم يرض بهذه الإجابة , وبعد أن قال له ابن أخي الصغير-عمره 10 سنوات- أنا سنة، بادله قائلا: وأنا شيعة. فما هي الإجابة التي تتماشى مع سنه ويقتنع بها؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا سأل الطفل عن الشيعة قيل له هؤلاء أناس غير جيدين، يعملون المعاصي والمخالفات، ويسبون أصحاب نبيّنا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وزوجاته، الذين هم أفضل الناس بعد الأنبياء ونحن لا نحبهم لأجل ذلك، ولو فرض أنه رآهم في التلفاز يتمسحون بالقبور أو يحتفلون بعاشوراء، قيل له: هذا الذي يعملونه لا يجوز، ونحن لا نعبد إلا الله تعالى، ولا نسجد لقبر ولا لغيره من المخلوقات، ولا نضرب أنفسنا ولا أبناءنا، وهكذا يفهم الطفل أن هؤلاء القوم غير مرضيين، بل مخطئون منحرفون، وعلى قدر انتباه الطفل وإدراكه تكون المعلومة الموجهة له. ولتصحيح ما جرى، يقال له: نحن سنّة، أي نتبع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا نبتدع في ديننا، ولا نفعل كما يفعل هؤلاء، ولو أمكن أن يشاهد الطفل شيئا من مخالفات الشيعة، ليقترن التحذير منهم بالصورة الموضحة، كان حسنا، وبإمكانك الوقوف على شيء من ذلك من خلال المواقع الموثوقة التي تحذّر من الشيعة وتبيّن ضلالهم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45638 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1205 طالب جامعي يواجه بعض المبتدعة [السُّؤَالُ] ـ[أنا طالب بجامعة في أمريكا وقابلت العديد من المسلمين ذوي المعتقدات العجيبة فالبعض يعتقد أن الله ليس له يد وإنما تعني القوة والبعض يقول أن الله في كل مكان والبعض الآخر (الرافضة) يقولون أن أبا بكر وعمر كافران. وسؤالي هو كيف أتعامل مع هؤلاء الناس؟ مع أني وضحت لهم الاعتقاد الصحيح مع الدليل ولكنهم لا يستجيبون. هل يجب علي أن لا أصلي خلفهم أو معهم لأن خشوعي يذهب بسبب تفكيري في انحرافهم؟ هل أستمر في السلام عليهم والحديث معهم في أمور بعيدة عن الدين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ننصحك أن تأخذ الإسلام والعقيدة من الكتاب والسنة، ومن كتب سلف الأمة وعليك بكتب العقيدة التي كتبها السلف من المتقدمين، ككتاب السنة للإمام أحمد وابنه عبد الله، وكتاب السنة لأبي عاصم وكتاب الإيمان لابن أبي شيبة وغيرها من الكتب التي كتبها علماء لم ينحازوا إلى طائفة ولا إلى فرقة يتعصبون لها، إنما يعتمدون على الأدلة الواضحة وعلى السنة النبوية. ولا شك أن هذه العقائد التي أشرت إليها في سؤالك بدعية فأصحابها ينكرون صفات الله كصفة اليد فيفسرونها بالقوة أو القدرة مع أن الله أثبت لنفسه يدا كما يشاء سبحانه، وكذلك يزعمون أن الله في كل مكان، وينكرون آيات الاستواء والعلو وما شابهها، وكذلك الرافضة الذين يكفّرون الصحابة فإن مثل هؤلاء مبتدعة وبدعهم لا دليل عليها. ننصحك أن تبتعد عن مثل هؤلاء إن لم يقتنعوا، وعليك أن تحرص على إقناعهم وأن تعرض عليهم كتب العقيدة السلفيّة، وكذلك تدلهم على كتب المناقشة التي تناقش شبهات أولئك المبتدعة مثل كتاب عثمان بن سعيد الدارمي فإن له كتابين في الرد على الجهمية وغيرها، فإذا لم يقتنعوا فابتعد عنهم، ولا تصلِّ خلفهم، والتمس منْ هم على العقيدة السلفية. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد الله بن جبرين الحديث: 9832 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1206 الفِرق في الإسلام والتأثّر بالدّيانات الأخرى [السُّؤَالُ] ـ[كم عدد طوائف الإسلام؟ وكيف يؤثر الإسلام على الأديان؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الدّين الذي لا يقبل الله غيره هو الإسلام وهو طريق واحد ومنهج واحد وهو الذي كان عليه نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه وليس يوجد في دين الله فِرَق ولا طرائق مختلفة ولكن انحرف عدد من الناس عن دين الإسلام وكوّنوا فِرَقا كثيرة لا علاقة لها بالإسلام كفرق الباطنية والقاديانية والبهائية وغيرها مما حذّرنا الله منه بقوله جلّ وعلا: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكمْ تَتَّقُونَ (153) سورة الأنعام أمّا بالنسبة للشقّ الثاني من السؤال فينبغي أن تعلم أيها السائل الكريم أنّ الإسلام وحي نزل من السماء خالصا من الله تعالى رضيه لعباده دينا وشاء أن يختم به الأديان ويكون مهيمنا على ما سبقه ولذلك فلا يُمكن القول بأن ّ الإسلام تأثّر بالأديان الأخرى. نرجو أن تقرأ المزيد عن هذا الدّين ونسأل الله أن يهديك إلى طريق الحقّ والصواب. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 783 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1207 حقيقة الطريق القادرية [السُّؤَالُ] ـ[هناك قصيدة قالها الشيخ عبد القادر الجيلاني شيخ الطريقة القادرية، فما رأيكم في هذه القصيدة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الشيخ عبد القادر الجيلاني من علماء أهل السنة، وكان رحمه الله متبعا لا مبتدعا، وكان على طريقة السلف الصالح يحث في مؤلفاته على اتباع السلف، ويأمر أتباعه بذلك. وكان يأمر بترك الابتداع في الدين، ويصرح بمخالفته للمتكلمين من الأشاعرة ونحوهم. وقد وقع في مؤلفاته بعض الغلطات والهفوات والبدع التي تنغمر في بحار فضائله. وللتعرف عليها مع بيان وجه الخطأ فيها يمكن مراجعة كتاب (الشيخ عبد القادر الجيلاني وآراؤه الاعتقادية والصوفية) للشيخ الدكتور: سعيد بن مسفر القحطاني:440-476. راجع السؤال رقم (12932) . ثانياً: كَذَبَ أتباع الشيخ عبد القادر الجيلاني عليه كثيراً، ونسبوا إليه ما لم يقله ولا يرضاه مما هو مخالف لسيرته ودعوته إلى اتباع السلف واجتناب البدع. وقد ذكر شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (27/127) بعض هذه الأكاذيب ثم قال: "وَلا رَيْبَ أَنَّ الشَّيْخَ عَبْدَ الْقَادِرِ لَمْ يَقُلْ هَذَا، وَلا أَمَرَ بِهِ، وَمَنْ يَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ عَنْهُ فَقَدْ كَذَبَ عَلَيْهِ اهـ. ومن هذه الأكاذيب ما نسبوه إليه في هذه القصيدة، والتي نعلم علم اليقين براءة الشيخ عبد القادر مما فيها. وقد سئلت اللجنة الدائمة عن تلك القصيدة، فأجابت: "إن هذه القصيدة تدل على أن قائلها جاهل يدعي لنفسه دعاوى كلها كفر وضلال. فيدعي أن كل علوم العلماء مستقاة من علمه وفروع له وأن سلوك العباد إنما هو بما فرضه وسنه لهم، وأنه يقدر على إغلاق الجحيم بعظمته لولا سابق عهد من الرسول، وأنه يغيث من وفى له من المريدين، وينجيه من البلايا، ويحييه في الدنيا والآخرة، ويؤمنه من المخاوف، ويحضر معه الميزان يوم القيامة. فهذه الدعاوى الكاذبة لا تصدر إلا من جاهل لا يعرف قدر نفسه، فإن كمال العلم لله وحده وإن شئون الآخرة ومقاليد الأمور إلى الله وحده لا إلى مَلَك مقرب ولا نبي مرسل ولا لصالح ما من الصالحين، وقد أمر الله رسولَه وهو خير خلقه أن يتلو على الأمة قوله تعالى: (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) الأعراف /188. وقوله تعالى: (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا * قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنْ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا) الجن /21-22. وقد أمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم ألصق الناس به وأقربهم إليه رحماً وأولاهم بمعروفه أن ينقذوا أنفسهم من عذاب الله بالإيمان به سبحانه والعمل بشريعته وأخبرهم أنه لا يغني عنهم من الله شيئاً، وأخبر أن آدم ونوحاً وإبراهيم وموسى وعيسى يقول كل منهم يوم القيامة نفسي نفسي، فكيف يملك شيخ الطريقة القادرية أو غيره من المخلوقين أن ينجي مريديه وأن يحمي من وفى له بعهده ويغيثه ويحضر معه عند وزن أعماله يوم القيامة؟ وكيف يملك أن يغلق أبواب الجحيم بعظمته؟ إن هذا لهو البهتان المبين، والكفر الصراح بشريعة رب العالمين. لقد زاد صاحب هذه القصيدة في غلوه وتجاوز حد الحس والعقل والشرع، فادعى أنه كان بنور محمد قبل أن يكون الخلق، وأنه كان في قاب قوسين اجتماع الأحبة أي مع جبريل ومحمد عليهما الصلاة والسلام، وأنه كان مع نوح عليه السلام في السفينة وشاهد الطوفان على كف قدرته، وأنه كان مع إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار، وأن هذه النار بردت بدعوته، وأنه كان مع إسماعيل، وأنه ما نزل الكبش إلا بفتواه أو فتوته، وأنه كان مع يعقوب عليه السلام حينما أصيب بصره وأن عينيه ما برئتا إلا بتفلته، وأنه هو الذي أقعد إدريس عليه السلام في جنة الفردوس، وأنه كان مع موسى عليه السلام حين مناجاته لربه، وأن عصا موسى مستمدة من عصاه، وأنه كان مع عيسى في المهد، وأنه هو الذي أعطى داود حسن الصوت في القراءة، بل ادعى أفحش من ذلك: ادعى أنه هو الله في الأبيات الثلاثة من قصيدته وأصرحها قوله: أنا الواحد الفرد الكبير بذاته * * * أنا الواصف الموصوف شيخ الطريقة تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، فأي كفر بعد هذا الكفر والعياذ بالله؟ فيا أيها الأخ المستفتي يكفيك من شر سماعه، ويغنيك عن معرفة تفاصيل تاريخ وسيرة القادرية ما في قصيدة شيخ هذه الطائفة من البهتان والكفر والطغيان، واجتهد في معرفة الحق من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وبيان السلف الصالح من الصحابة وتابعيهم للكتاب والسنة النبوية الصحيحة. مع اعتقادنا أن الشيخ عبد القادر الجيلاني الذي تنسب إليه هذه الطريقة بريء من هذه القصيدة براءة الذئب من دم ابن يعقوب، وأتباعه يكذبون عليه كثيراً وينسبون إليه ما هو بريء منه. وبالله التوفيق " اهـ. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45435 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1208 القادياينة في ميزان الإسلام [السُّؤَالُ] ـ[أنا شخص غير قادياني واعلم انهم يؤمنون بوجود نبي بعد محمد عليه السلام، فهل هم خارج الإسلام؟ أنا اعتقد انهم خارج الإسلام وأتصرف معهم على هذا الأساس.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله التعريف: القاديانية حركة نشأت سنة 1900 م بتخطيط من الاستعمار الإنجليزي في القارة الهندية، بهدف إبعاد المسلمين عن دينهم وعن فريضة الجهاد بشكل خاص، حتى لا يواجهوا الاستعمار باسم الإسلام، ولكن لسان حال هذه الحركة هو مجلة الأديان التي تصدر باللغة الإنجليزية. التأسيس وأبرز الشخصيات: · كان مرزا غلام أحمد القادياني 1839 - 1908 م أداة التنفيذ الأساسية لإيجاد القاديانية. وقد ولد في قرية قاديان من بنجاب في الهند عام 1839م، وكان ينتمي إلى أسرة اشتهرت بخيانة الدين والوطن، وهكذا نشأ غلام أحمد وفيا للاستعمار مطيعا له في كل حال، فاختير لدور المتنبئ حتى يلتف حوله المسلمون وينشغلوا به عن جهاد الاستعمار الإنجليزي، وكان للحكومة البريطانية إحسانات كثيرة عليهم، فأظهروا الولاء لها، وكان غلام أحمد معروف عند أتباعه باختلال المزاج وكثرة الأمراض وإدمان المخدرات. - وممن تصدى له ولدعوته الخبيثة، الشيخ أبوالوفا ثناء الأمرتسري أمير جمعية أهل الحديث في عموم الهند، حيث ناظره وأفحم حجته، وكشف خبث طويته وكفر وانحراف نحلته. ولما لم يرجع غلام أحمد إلى رشده باهله الشيخ أبوالوفا على من يموت الكاذب منهما في حياة الصادق، ولم تمر سوى أيام قلائل حتى هلك المرزا غلام احمد القادياني في عام 1908م مخلفا أكثر من خمسين كتابا ونشرة ومقالا، ومن أهم كتبه: إزالة الأوهام، إعجاز أحمدي، براهين أحمدية، أنوار الإسلام، إعجاز المسيح، التبليغ، تجليات إلهية. · نور الدين: الخليفة الأول للقاديانية، وضع الإنجليز تاج الخلافة على رأسه فتبعه المريدون. من مؤلفاته: فصل الخطاب. · محمد علي وخوجة كمال الدين: أميرا القاديانية اللاهورية، وهما مُنظِّرا القاديانية وقد قدَّم الأول ترجمة محرفة للقرآن الكريم إلى الإنجليزية ومن مؤلفاته: حقيقة الاختلاف، النبوة في الإسلام، والدين الإسلامي. أما خوجة كمال الدين فله كتاب: المثل الأعلى في الأنبياء وغيره من الكتب، وجماعة لاهور هذه الأحمدية تنظر إلى غلام أحمد ميرزا على أنه مجدد فحسب، لكنهما يعتبران حركة واحدة تستوعب الأولى ما ضاقت به الثانية والعكس. · محمد علي: أمير القاديانية اللاهورية، وهو مُنظِّر القاديانية وجاسوس الاستعمار والقائم على المجلة الناطقة باسم القاديانية، قدم ترجمة محرفة للقرآن إلى الإنجليزية. من مؤلفاته: حقيقة الاختلاف، النبوة في الإسلام. على ما تقدم. · محمد صادق: مفتي القاديانية، من مؤلفاته: خاتم النبيين. · بشير أحمد بن الغلام: من مؤلفاته سيرة المهدي، كلمة الفصل. · محمود أحمد بن الغلام وخليفته الثاني: من مؤلفاته أنوار الخلافة، تحفة الملوك، حقيقة النبوة. · كان لتعيين ظفر الله خان القادياني كأول وزير للخارجية الباكستانية أثر كبير في دعم هذه الفرقة الضالة حيث خصص لها بقعة كبيرة في إقليم بنجاب لتكون مركزا عالميا لهذه الطائفة وسموها ربوة استعارة من نص الآية القرآنية: " وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين " سورة المؤمنون الآية 50 الأفكار والمعتقدات: · بدأ غلام أحمد نشاطه كداعية إسلامي حتى يلتف حوله الأنصار ثم ادعى أنه مجدد ومُلهَم من عند الله ثم تدرج خطوة أخرى فادعى أنه المهدي المنتظر والمسيح الموعود ثم ادعى النبوة وزعم أن نبوته أعلى وأرقى من نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. · يعتقد القاديانيون أن الله يصوم ويصلي وينام ويصحو ويكتب ويخطئ ويجامع - تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا -. · يعتقد القادياني أن إلهه إنجليزي لأنه يخاطبه بالإنجليزية. · يعتقد القاديانية أن النبوة لم تختم بمحمد صلى الله عليه وسلم بل هي جارية، والله يرسل الرسول حسب الضرورة، وأن غلام أحمد هو أفضل الأنبياء جميعا. · يعتقدون أن جبريل كان ينزل على غلام أحمد وأنه كان يوحى إليه، وأن إلهاماته كالقرآن. · يقولون لا قرآن إلا الذي قدمه المسيح الموعود (الغلام) ، ولا حديث إلا ما يكون في ضوء تعاليمه، ولا نبي إلا تحت سيادة غلام أحمد. · يعتقدون أن كتابهم منزل واسمه الكتاب المبين وهو غير القرآن الكريم. · يعتقدون أنهم أصحاب دين جديد مستقل وشريعة مستقلة وأن رفاق الغلام كالصحابة. · يعتقدون أن قاديان كالمدينة المنورة ومكة المكرمة بل وأفضل منهما وأرضها حرم وهي قبلتهم وإليها حجهم. · نادوا بإلغاء عقيدة الجهاد كما طالبوا بالطاعة العمياء للحكومة الإنجليزية لأنها حسب زعمهم ولي الأمر بنص القرآن. · كل مسلم عندهم كافر حتى يدخل في القاديانية، كما أن من زوج أو تزوج من غير القاديانيين فهو كافر. · يبيحون الخمر والأفيون والمخدرات والمسكرات. الجذور الفكرية والعقائدية: · كانت حركة سير سيد أحمد خان التغريبية قد مهدت لظهور القاديانية بما بثته من الأفكار المنحرفة. · استغل الإنجليز هذا الظرف فصنعوا الحركة القاديانية واختاروا لها رجلا من أسرة عريقة في العمالة. · في عام 1953م قامت ثورة شعبية في باكستان طالبت بإقالة ظفر الله خان وزير الخارجية حينئذ واعتبار الطائفة القاديانية أقلية غير مسلمة، وقد استشهد فيها حوالي العشرة آلاف من المسلمين ونجحوا في إقالة الوزير القادياني. · وفي شهر ربيع الأول عام 1394هـ الموافق إبريل 1974م انعقد مؤتمر كبير برابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة وحضره ممثلون للمنظمات الإسلامية العالمية من جميع أنحاء العالم، وأعلن المؤتمر كفر هذه الطائفة وخروجها عن الإسلام، وطالب المسلمين بمقاومة خطرها وعدم التعامل مع القاديانيين وعدم دفن موتاهم في قبور المسلمين. · قام مجلس الأمة في باكستان (البرلمان المركزي) بمناقشة زعيم الطائفة مرزا ناصر أحمد والرد عليه من قبل الشيخ مفتي محمود رحمه الله. وقد استمرت هذه المناقشة قرابة الثلاثين ساعة عجز فيها ناصر أحمد عن الإجابة وانكشف النقاب عن كفر هذا الطائفة، فأصدر المجلس قرارا باعتبار القاديانية أقلية غير مسلمة. · من موجبات كفر الميرزا غلام أحمد الآتي: - ادعاؤه النبوة. - نسخه فريضة الجهاد خدمة للاستعمار. - إلغاؤه الحج إلى مكة وتحويله إياه إلى قاديان. - تشبيهه الله تعالى بالبشر. - إيمانه بعقيدة التناسخ والحلول. - نسبته الولد إلى الله تعالى وادعاؤه أنه ابن الإله. - إنكاره ختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم وفتح بابها لكل من هب ودب. · للقاديانية علاقات وطيدة مع إسرائيل وقد فتحت لهم إسرائيل المراكز والمدارس ومكنتهم من إصدار مجلة تنطق باسمهم وطبع الكتب والنشرات لتوزيعها في العالم. · تأثرهم بالمسيحية واليهودية والحركات الباطنية واضح في عقائدهم وسلوكهم رغم ادعائهم الإسلام ظاهريا. الانتشار ومواقع النفوذ: · معظم القاديانيين يعيشون الآن في الهند وباكستان وقليل منهم في إسرائيل والعالم العربي ويسعون بمساعدة الاستعمار للحصول على المراكز الحساسة في كل بلد يستقرون فيه. · وللقاديانيين نشاط كبير في أفريقيا، وبعض الدول الغربية، ولهم في أفريقيا وحدها ما يزيد عن خمسة آلاف مرشد وداعية متفرغين لدعوة الناس إلى القاديانية، ونشاطهم الواسع يؤكد دعم الجهات الاستعمارية لهم. · هذا وتحتضن الحكومة الإنجليزية هذا المذهب وتسهل لأتباعه التوظف بالدوائر الحكومية العالمية في إدارات الشركات والمفوضيات وتتخذ منهم ضباطا من رتب عالية في مخابراتها السرية. · نشط القاديانيون في الدعوة إلى مذهبهم بكافة الوسائل وخصوصا الثقافية منها حيث أنهم مثقفون ولديهم كثير من العلماء والمهندسين والأطباء. ويوجد في بريطانيا قناة فضائية باسم التلفزيون الإسلامي يديرها القاديانية. ويتضح مما سبق: أن القاديانية دعوة ضالة، ليست من الإسلام في شيء، وعقيدتها تخالف الإسلام في كل شيء، وينبغي تحذير المسلمين من نشاطهم، بعد أن أفتى علماء الإسلام بكفرهم. للتوسع مراجعة: القاديانية لإحسان إلهي ظهير المرجع: الموسوعة الميسرة في الأديان المذاهب والأحزاب المعاصرة للدكتور مانع بن حماد الجهني 1 / 419 - 423 وقد جاء في قرارات مجمع الفقه الإسلامي ما يلي: بعد أن نظر في الاستفتاء المعروض عليه من مجلس الفقه الإسلامي في كيبتاون بجنوب أفريقيا بشأن الحكم في كل من القاديانية والفئة المتفرعة عنها التي تدعى اللاهورية، من حيث اعتبارهما في عداد المسلمين أو عدمه، وبشأن صلاحية غير المسلم للنظر في مثل هذه القضية، وفي ضوء ما قدم لأعضاء المجمع من أبحاث ومستندات في هذا الموضوع عن ميرزا غلام أحمد القادياني الذي ظهر في الهند في القرن الماضي وإليه تنسب نحلة القاديانية واللاهورية، وبعد التأمل فيما ذكر من معلومات عن هاتين النحلتين وبعد التأكد من أن ميرزا غلام أحمد قد ادعى النبوة بأنه نبي مرسل يوحى إليه، وثبت عنه هذا في مؤلفاته التي ادعى أن بعضها وحي أنزل عليه، وظل طيلة حياته ينشر هذه الدعوة ويطلب إلى الناس في كتبه وأقواله الاعتقاد بنبوته ورسالته، كما ثبت عنه إنكار كثير مما علم من الدين بالضرورة كالجهاد. قرر ما يلي: أولاً: أن ما ادعاه ميرزا غلام أحمد من النبوة والرسالة ونزول الوحي عليه إنكار صريح لما ثبت من الدين بالضرورة ثبوتاً قطعياً يقينياً من ختم الرسالة والنبوة بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه لا ينزل وحي على أحد بعده، وهذه الدعوى من ميرزا غلام أحمد تجعله وسائر من يوافقونه عليها مرتدين خارجين عن الإسلام، وأما اللاهورية فإنهم كالقاديانية في الحكم عليهم الردة، بالرغم من وصفهم ميرزا غلام أحمد بأنه ظل وبروز لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم. ثانياً: ليس لمحكمة غير إسلامية، أو قاض غير مسلم، أن يصدر الحكم بالإسلام أو الردة، ولا سيما فيما يخالف ما أجمعت عليه الأمة الإسلامية من خلال مجامعها وعلمائها، وذلك لأن الحكم بالإسلام أو الردة، لا يقبل إلا إذا صدر عن مسلم عالم بكل ما يتحقق به الدخول في الإسلام، أو الخروج منه بالردة ومدرك لحقيقة الإسلام أو الكفر، ومحيط بما ثبت في الكتاب والسنة والإجماع، فحكم مثل هذه المحكمة باطل. والله أعلم. مجمع الفقه الإسلامي ص13 [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 4060 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1209 الانتماء للجماعات الإسلامية [السُّؤَالُ] ـ[يتساءل كثير من شباب الإسلام عن حكم الانتماء للجماعات الإسلامية، والالتزام بمنهج جماعة معينة دون سواها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب على كل إنسان أن يلتزم بالحق، قال الله عز وجل، وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، وألا يلتزم بمنهج أي جماعة لا إخوان مسلمين ولا أنصار سنة ولا غيرهم، ولكن يلتزم بالحق، وإذا انتسب إلى أنصار السنة وساعدهم في الحق، أو إلى الإخوان المسلمسن ووافقهم على الحق من دون غلو ولا تفريط فلا بأس، أما أن يلزم قولهم ولا يحيد عنه فهذا لا يجوز، وعليه أن يدور مع الحق حيث دار، إن كان الحق مع الإخوان المسلمين أخذ به، وإن كان مع أنصار السنة أخذ به، وإن كان مع غيرهم أخذ به، يدور مع الحق، يعين الجماعات الأخرى في الحق، ولكن لا يلتزم بمذهب معين لا يحيد عنه ولو كان باطلاً ولو كان غلطاً فهذا منكر، وهذا لا يجوز، ولكن مع الجماعة في كل حق، وليس معهم فيما أخطأوا فيه. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. ص / 237 الحديث: 9429 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1210 تعرف أخوه على فتاة شيعية ويريد الزواج منها [السُّؤَالُ] ـ[لي أخ يصغرني في السن، يبلغ من العمر 30 سنة، غير متزوج، كان محافظاً على أداء جميع الصلوات بما فيها الفجر في المسجد، وهو يصوم من النوافل ما ورد في سنة نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام والحمد لله، تعرف على فتاة شيعية وهو يرغب بالزواج منها، ومن الطبيعي أن يرفض جميع الأهل وذلك لاختلاف المذهب، حاول الجميع التحدث معه إلاّ أنه يرفض التفاهم أو حتى الحديث في الموضوع، وهو حالياً يرفض الزواج من أي فتاة أخرى علماً بأنه لن يتزوج من هذه الفتاة الشيعية بدون رضى والديه، وهو مازال على علاقة بها وبأهلها وقد لاحظنا مؤخراً أنه يقتني بعض كتب الشيعة ويقرؤها ويجادلنا في بعض الأمور ومن هذه الأمور أنه لم يعد يصوم يوم العاشر من محرم ويقول إنه غير ثابت، أرجو أن يكون الرد على هذا السؤال موجهاً له]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أمته ستفترق على ثنتين وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، كما في الحديث الذي رواه ابن ماجه (3993) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة وإن أمتي ستفترق على ثنتين وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، وهى الجماعة) والحديث قال عنه البوصيري في الزوائد: إسناده صحيح رجاله ثقات، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة. وقد بَيَّنَ النبي صلى الله عليه وسلم الفرقة الناجية، بقوله: (ما أنا عليه وأصحابي، فقد روى الترمذي (2641) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة) قالوا: ومن هي يا رسول الله؟ قال: " ما أنا عليه وأصحابي" والحديث حسنه الألباني في صحيح الترمذي. فالأمة ستفترق على ثنتين وسبعين أو ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، وهي المستمسكة بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، السائرة على طريقة أصحابه رضوان الله عليهم، وهذا لا ينطبق إلا على أتباع السلف الصالح من أهل السنة والجماعة، فهم الذين لزموا طريقة الصحابة في أبواب الاعتقاد والعمل والسلوك، غير مبتدعين ولا مغيرين، وأما الشيعة فإن شعارهم هو بغض خاصة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأبي بكر وعمر وعثمان وعائشة وحفصة رضي الله عنهم جميعا، فهم أبعد الناس عن هذا الوصف، وهو التمسك بما عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بل يذهب الشيعة إلى تكفير كل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا نفراً يسيراً (سبعة فقط) ! . وهذا الانحراف عن منهج الصحابة أوقع الشيعة في ألوان من الابتداع والضلال، كالغلو في علي والحسن والحسين رضي الله عنهم، بل الغلو في آل البيت بصفة عامة، حتى صرفوا لهم أنواعا من العبادة، كالدعاء والذبح والطواف والحلف، فتراهم يستغيثون ويهتفون بأسمائهم عند النوائب، وهذا هو الشرك الأكبر، الذي أخبر الله أنه لا يغفر: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) النساء / 116. ومن ضلال هؤلاء أنهم يزعمون أن الصحابة حرفوا كتاب الله، بالزيادة والنقصان، وهذا كفر آخر، فإن من اعتقد أن القرآن الذي بين أيدينا قد زيد فيه أو نقص منه ولو حرف واحد، فهو كافر بإجماع المسلمين، لما في ذلك من تكذيب قوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) الحجر / 9. ويعتقدون في أئمتهم أنهم يعلمون الغيب، ويعلمون ما كان وما يكون ومتى وأين يقبضون، وهذا تكذيب لقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) لقمان / 34 وقوله تعالى: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) النمل/65. إلى غير ذلك من العقائد الفاسدة المنتشرة بين هذه الطائفة. واعلم أن الطعن في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، طعن في الله، وفي رسوله صلى الله عليه وسلم. ووجه ذلك: أن من زعم أن أبا بكر وعمر وعثمان وعامة المهاجرين والأنصار كانوا على ضلال وانحراف، فقد طعن في الله الذي اختارهم لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، وطعن في النبي الذي ائتمنهم، وصاهرهم، وصلى خلف أناس منهم، وشهد أنهم من أهل الجنة، وهذا يعني أنهم يموتون على الإيمان دون تبديل أو تغيير، خلاف ما تزعم الرافضة. وننصحك بقراءة رسالة "الخطوط العريضة" لمحب الدين الخطيب، أو "أصول مذهب الشيعة الإمامية الاثنى عشرية"، أو "مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة"، كلاهما للدكتور ناصر القفاري. إذا تقرر هذا فنقول: اقطع علاقتك بهذه الفتاة وبأهلها، لأنه واضح أنهم يدعونك إلى مذهبهم، ويطمعون في إضلالك، فهم يعطونك الكتب التي تدعو إلى باطلهم، فاحذر أن تدخل عليك شبهة من شباتهم فيزيغ قلبك، واعلم أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، والنساء سواها كثير، ولا تستجب لنداءات الشيطان ووسوسته وتزيينه، قال تعالى: (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ) النمل/24. وقال تعالى: (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ) العنكبوت/ 38. ولا تغتر بما يزخرفوه لك من القول، فإن دين هؤلاء مبني على الكذب المسمى عندهم بالتقية، فقد يزعمون أنهم يحبون أبابكر وعمر وعائشة، حتى إذا ما أنسوا من انقيادك لهم كاشفوك بمذهبهم الرديء، فالفرار الفرار من الآن. واعلم أن قراءة كتب أهل البدع والضلال محظورة إلا على المتمكن من دفع الشبهات، وتمييز الحقائق من الأكاذيب والأباطيل، فتخلص مما لديك من الكتب، واعرض ما اشتبه عليك على أهل العلم، وانظر ما قاله الإمام الحافظ الذهبي رحمه الله، وقد ساق قول سفيان: (من أصغى بسمعه إلى صاحب بدعة وهو يعلم خرج من عصمة الله ووكل إلى نفسه، وقال أيضاً: من يسمع ببدعة فلا يحكها لجلسائه لا يلقيها في قلوبهم. قلت: (الذهبي) أكثر أئمة السلف على هذا التحذير يرون أن القلوب ضعيفة والشبه خطافة) انتهى من "سير أعلام النبلاء" 7/261. فالأمر كما قال رحمه الله: الشبه خطافة، لا سيما لمن لم يتضلع من علوم الكتاب والسنة. وأما صوم اليوم العاشر من محرم، فلا خلاف عند المسلمين في استحباب صيامه، فقد ثبت فيه أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم. منها: ما رواه البخاري (1865) ومسلم (1910) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى. قَالَ: فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ، فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ. قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: "والعلماء مجمعون على استحبابه للأحاديث". فكيف يقال عن أمر ثابت بالأحاديث الصحيحة، وانعقد عليه الإجماع إنه أمر غير ثابت؟! ونوصيك أن تكثر من دعاء الله تعالى وسؤاله أن يثبت قلبك، وأن يحفظك من مضلات الفتن. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 44970 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1211 الأب يهمل الأسرة ويخرج مع جماعة التبليغ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الوالد الذي يهمل في أسرته ولا ينفق على أسرته ويتلقى إعانات البطالة وهو يوفر هذه الأموال أما ما تحصل عليه أمي من رعاية الأطفال فينفق على الأساسيات مثل الطعام. فهل غضب أبي علي بسبب المال ولا يتكلم معي إثم علي وهل علي إثم إذا تكلمت مع أمي بدون أبي. أبي يقوم بالدعوة مع جماعات التبليغ ولكنه ليس لديه مسؤولية نحو الأسرة فهل كان الصحابة يفعلون ذلك يتركون أبناءهم ويخرجون للدعوة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا شك أن سبب هذه المشكلة وما شاكلها، الجهل بكثير من أحكام الشرع، وعدم فقه المرء ما يلزمه تجاه من يعول، وما أوجبه الله تعالى عليه من الحقوق والواجبات نحو أسرته. وإن من أعظم حقوق الزوجة والأولاد النفقة عليهم، بل إن من أعظم القرب والطاعات التي يعملها العبد، والنفقة تشمل: الطعام والشراب والملبس والمسكن، وسائر ما تحتاج إليه الزوجة والأولاد لإقامة المهجة، وقوام البدن. وقد أخبر الله عز وجل أن الرجال هم المنفقون على النساء، ولذلك كانت لهم القوامة والفضل عليهن بسبب الإنفاق عليهن بالمهر والنفقة، فقال تبارك وتعالى: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم) ، وقد دل على وجوب هذه النفقة: الكتاب والسنة الصحيحة وإجماع أهل العلم والمعقول. أما أدلة الكتاب: فمنها قوله تعالى: (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله، لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسراً) ، ومنها قوله تعالى: (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها) ، ومنها قوله تعالى: (وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) . وأما أدلة السنة، فقد وردت أحاديث كثيرة تفيد وجوب نفقة الزوج على أهله وعياله، ومن تحت ولايته، كما ثبت من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبة حجة الوداع: " اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم، أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولهن عليكم رزقهن، وكسوتهن بالمعروف " رواه مسلم 8/183. وعن عمرو بن الأحوص رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في حجة الوداع: " (ألا إن لكم على نسائكم حقاً، ولنسائكم عليكم حقاً، فأما حقكم على نسائكم، فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن) " رواه الترمذي 1163 وابن ماجه 1851. وفي حديث معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، ما حق زوجة أحدنا علينا؟ قال: " أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تقبح الوجه، ولا تضرب " رواه أبو داود 2/244 وابن ماجه 1850 وأحمد 4/446. قال الإمام البغوي: قال الخطابي: في هذا إيجاب النفقة والكسوة لها، وهو على قدر وسع الزوج، وإذا جعله النبي صلى الله عليه وسلم حقاً لها فهو لازم حضر أو غاب، فإن لم يجد في وقته كان دينا عليه كسائر الحقوق الواجبة، سواء فرض لها القاضي عليه أيام غيبته، أو لم يفرض. أ. هـ وعن وهب قال: إن مولى لعبد الله بن عمرو قال له: إني أريد أن أقيم هذا الشهر هاهنا ببيت المقدس، فقال له: تركت لأهلك ما يقوتهم هذا الشهر؟ قال: لا، قال: فارجع إلى أهلك فاترك لهم ما يقوتهم، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت " رواه أحمد 2/160 وأبو داود 1692. وأصله في مسلم 245 بلفظ: " كفى بالمرء إثماً أن يحبس عمن يملك قوته ". وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله سائل كل راع عما استرعاه، أحفظ ذلك أم ضيع، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته " رواه ابن حبان. وجاء من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " والله لأن يغدو أحدكم فيحتطب على ظهره، فيبيعه ويستغني به، ويتصدق منه خير له من أن يأتي رجلاً فيسأله، يؤتيه أو يمنعه، وذلك أن اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول " رواه مسلم 3/96. وفي رواية عند أحمد 2/524: فقيل: من أعول يا رسول الله؟ قال: امرأتك ممن تعول ". وفي حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أعطى الله أحدكم خيراً فليبدأ بنفسه وأهل بيته " رواه مسلم 1454. وأما إجماع أهل العلم: فقال الإمام الموفق ابن قدامة رحمه الله في المغني 7/564: اتفق أهل العلم على وجوب نفقات الزوجات على أزواجهن إذا كانوا بالغين إلا الناشز منهن ذكره ابن المنذر وغيره. وما سبق من النصوص الشرعية تدل على وجوب نفقة الرجل على أهل بيته والقيام بمصالحهم ورعايتهم، وقد ثبت أحاديث متكاثرة عن النبي صلى الله عليه وسلم تفيد فضل هذا وأنه من الأعمال الصالحة عند الله تعالى، كما جاء في حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أنفق المسلم نفقة على أهله، وهو يحتسبها، كانت صدقة له " رواه البخاري 1/136. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح 9/498: النفقة على الأهل واجبة بالإجماع، وإنما سماها الشارع صدقة خشية أن يظنوا أن قيامهم بالواجب لا أجر لهم فيه، وقد عرفوا ما في الصدقة من الأجر، فعرفهم أنها لهم صدقة حتى لا يخرجوها إلى غير الأهل إلا بعد أن يكفوهم، ترغيباً لهم في تقديم الصدقة الواجبة قبل صدقة التطوع أ. هـ وفي حديث سعد بن مالك رضي الله عن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: " إنك مهما أنفقت على أهلك من نفقة فإنك تؤجر، حتى اللقمة تضعها ترفعها إلى في امرأتك " رواه البخاري 3/164 ومسلم 1628. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " دينار تنفقه في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة ـ أي في عتقها ـ ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك " رواه مسلم 2/692. وجاء في حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: مر على النبي صلى الله عليه وسلم رجل، فرأى أصحابه من جلده ونشاطه ما أعجبهم، فقالوا: يا رسول الله، لو كان هذا في سبيل الله؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كان خرج يسعى على أولاده صغاراً فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياءً ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان " رواه الطبراني، صحيح الجامع 2/8. وقد فقه السلف رحمه الله تعالى هذا الواجب حق الفهم، وكان نبراساً في حياتهم العملية مع أهليهم، وما أعظم ما قال الإمام الرباني عبد الله بن المبارك رحمه الله حيث قال: لا يقع موقع الكسب على شيء، ولا الجهاد في سبيل الله. السير: 8/399. فلا يجوز لمسلم أن يضيّع أهله ولو زعم أنّه يُسافر في برّ وطاعة لأنّ تضييع الأهل وعدم الإنفاق عليهم حرام وقد تقدّمت نصيحة عبد الله بن عمرو لمن أراد أن يُقيم في بيت المقدس بأنّه يجب عليه أن يتدبّر أمر نفقة أهله أولا، فعليك أيها السائل أن تنصح والدك بمقتضى هذا الجواب وتبيّن له الأمر بلطف، وإذا قمت بسدّ الثغرة ومعالجة الإهمال الذي وقع فيه والدك وتعويض النّقص من مالك بحسب استطاعتك فلك أجر عظيم إن شاء الله، نسأل الله أن يصلح أحوال الجميع وصلى الله على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 3043 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1212 سينتقل إلى بلد آخر قد يختلفون عن أهل السنة [السُّؤَالُ] ـ[أجدني أتطلع لمعرفة سبب اختلاف المسلمين السنة (عن غيرهم) . وكيف كان لهذه الفرقة أن تختلف عن الوضع السائد الذي عليه غيرهم من المسلمين؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال صلى الله عليه وسلم: " افترقت اليهود على احدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقه كلها في النار إلا واحدة. قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: " من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي ". فمن كان على مثل ما كان عليه النبي وأصحابه فهو المتبع للحق، الناجي من كل باطل. وأصل هذا الحق ومادته القرآن الكريم، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، قال عليه الصلاة والسلام: " تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا، كتاب الله وسنتي ". وما وقع من المخالفة لهما فإنه من انحراف عن الحق. وأهل السنة والجماعة هم القائمون بالحق، المعظمون لله ورسوله، الآخذون بما في القرآن والسنة، المتبعون للسلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان، لا يخرجون عن هديهم، ولا يخالفون نهجهم لأنهم أعلم الناس بالكتاب والسنة، فبلغتهم جاء، وبأسلوبهم العربي، قال تعالى: (قرآنا عربيا غير ذي عوج) . فالحق في اتباعهم، والهداية في طريقهم حيث ساروا على وفق ما جاء في القرآن والسنة، ومن خالف شيئا من ذلك رد عليه. [الْمَصْدَرُ] الشيخ وليد الفريان. الحديث: 11737 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1213 المكاشفات [السُّؤَالُ] ـ[هل كشف الإلهام حقيقي في ضوء الإسلام؟ الصوفيون يدعون كل مرة أن عندهم العلم بالغيب وهم يطلقون على ذلك "كشف الإلهام"، والبعض يبررون ذلك قائلين أنه عندما كان عمر رضي الله عنه يخطب ذات مرة قال أن هناك جيش في ساحة المعركة، أرجو توضيح ذلك.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الكشف الذي يحصل للمرء أنواع، فمنه النفساني وهو مشترك بين المسلم والكافر، ومنه الرحماني وهو الذي يكون عن طريق الوحي والشرع، ومنه الشيطاني وهو ما يحصل عن طريق الجن. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: نحن لا ننكر أن النفس يحصل لها نوع من الكشف إما يقظةً وإما مناماً بسبب قلة علاقتها مع البدن إما برياضة أو بغيرها، وهذا هو الكشف النفساني وهو القسم الأول من أنواع الكشف. لكن قد ثبت أيضاً بالدلائل العقليَّة مع الشرعيَّة وجود الجن وأنها تخبر الناس بأخبار غائبة عنهم كما للكهان المصروعين وغيرهم … ولكن المقصود هنا أنه يعلم وجود أمور منفصلة مغايرة لهذه القوى كالجن المخبرين لكثير من الكهان بكثير من الأخبار وهذا أمر يعلمه بالضرورة كل من باشره أو من أخبره من يحصل له العلم بخبره ونحن قد علمنا ذلك بالاضطرار غير مرة فهذا نوع من المكاشفات والإخبار بالغيب غير النفساني وهو القسم الثاني من أنواع الكشف. وأما القسم الثالث: وهو ما تخبر به الملائكة فهذا أشرف الأقسام كما دلت عليه الدلائل الكثيرة السمعية والعقلية، فالإخبار بالمغيبات يكون عن أسباب نفسانية ويكون عن أسباب خبيثة شيطانية وغير شيطانية ويكون عن أسباب ملكية. " الصفدية " (ص 187 - 189) . وقال ابن القيم: الكشف الجزئي مشترك بين المؤمنين والكفار والأبرار والفجار كالكشف عما في دار إنسان أو عما في يده أو تحت ثيابه أو ما حملت به امرأته بعد انعقاده ذكراً أو أنثى وما غاب عن العيان من أحوال البعد الشاسع ونحو ذلك فإن ذلك يكون من الشيطان تارة، ومن النفس تارة، ولذلك يقع من الكفار كالنصارى وعابدي النيران والصلبان فقد كاشف ابن صياد النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بما أضمره له وخبَّأه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنما أنت من إخوان الكهان "، فأخبر أن ذلك الكشف من جنس كشف الكهان، وأن ذلك قدره، وكذلك مسيلمة الكذاب مع فرط كفره كان يكاشف أصحابه بما فعله أحدهم في بيته وما قاله لأهله يخبره به شيطانه ليغوي الناس، وكذلك الأسود العنسي، والحارث المتنبي الدمشقي الذي خرج في دولة عبد الملك بن مروان وأمثال هؤلاء ممن لا يحصيهم إلا الله، وقد رأينا نحن وغيرنا منهم جماعة وشاهد الناس من كشف الرهبان عباد الصليب ما هو معروف. والكشف الرحماني من هذا النوع هو مثل كشف أبي بكر لما قال لعائشة رضي الله عنهما إن امرأته حامل بأنثى، وكشف عمر رضي الله عنه لما قال يا سارية الجبل – أي إلزم الجبل - وأضعاف هذا من كشف أولياء الرحمن. " مدارج السالكين " (3 / 227، 228) . ثانياً: وما حدث مع عمر بن الخطاب رضي الله صحيح ثابت عنه، فقد قال نافع أن عمر بعث سريَّة فاستعمل عليهم رجلاً يقال له " سارية "، فبينما عمر يخطب يوم الجمعة، فقال: " يا ساريةُ الجبلَ، يا ساريةُ الجبلَ "، فوجدوا " سارية " قد أغار إلى الجبل في تلك الساعة يوم الجمعة وبينهما مسيرة شهر ". رواه أحمد في " فضائل الصحابة " (1 / 269) ، وصححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (1110) . وهذا كرامة لعمر رضي الله عنه وذلك إما بإلهامه وتبليغ صوته – وهو ما يراه ابن القيم – أو بالكشف النفساني وتبليغ صوته – وهو ما سيأتي في كلام الشيخ الألباني -، وفي كلا الحالين هو كرامة له ولا شك. ثالثاً: وأمّا ما يحصل مع الصوفية فليس من الكشف الرحماني بل إما أن يكون من النفساني وهو ما يشركهم به الكفار، وإما أن يكون الشيطاني وهو الأغلب. والكشف الرحماني إنما يحدث لأولياء الله تعالى الذين يقيمون الشرع ويعظمونه، وقد عُرف من حال الصوفية أنهم ليسوا كذلك، وما حصل من عمر إن صحَّ تسميته " كشفاً " فهو من الكشف الرحماني. قال الشيخ الألباني – عن حادثة عمر بن الخطاب -: ومما لا شك فيه أن النداء المذكور إنما كان إلهاماً من الله تعالى لعُمر، وليس ذلك بغريب عنه فإنه " محدَّث " كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن ليس فيه أن عمر كُشف له حال الجيش، وأنه رآهم رأي العين، فاستلال بعض المتصوفة بذلك على ما يزعمونه من الكشف للأولياء وعلى إمكان اطلاعهم على ما في القلوب: من أبطل الباطل، كيف لا وذلك من صفات رب العالمين المنفرد بعلم الغيب والاطلاع على ما في الصدور. وليت شعري كيف يزعم هؤلاء ذلك الزعم الباطل والله عز وجل يقول في كتابه {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً. إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} الجن / 26، 27؟ فهل يعتقدون أن أولئك الأولياء رسل الله حتى يصحَّ أن يقال إنهم يطلعون على الغيب باطاع الله إياهم؟! سبحانك هذا بهتان عظيم … . فالقصة صحيحة ثابتة، وهي كرامة أكرم الله بها عمر، حيث أنقذ به جيش المسلمين من الأسر أو الفتك به، ولكن ليس فيها ما زعمه المتصوفة من الاطلاع على الغيب، وإنما هو من باب الإلهام (في عرف الشرع) أو (التخاطر) في عرف العصر الحاضر الذي ليس معصوماً، فقد يصيب كما في هذه الحادثة، وقد يخطئ كما هو الغالب على البشر، ولذلك كان لا بدَّ لكل وليٍّ من التقيد بالشرع في كل ما يصدر منه من قول أو فعل خشية الوقوع في المخالفة، فيخرج بذلك عن الولاية التي وصفها الله تعالى بوصف جامع شامل {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ. الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} يونس / 63، ولقد أحسن من قال: إذا رأيت شخصاً قد يطير وفوق ماء البحر قد يسير ولم يقف على حدود الشرعِ فإنه مُستَدرج وبدعي. " السلسلة الصحيحة " (3 / 102 – 104) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 12778 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1214 الرفاعية الذين يطعنون أنفسهم بالسكاكين ولا يتأثرون [السُّؤَالُ] ـ[ما رأيكم في هؤلاء الذين يسمون أنفسهم بالدراويش ويطعنون أنفسهم بالخناجر والسكاكين وغيرها، وهم في ذلك قبل أن يقول: يا الله، يقول: يا رفاعي. فما رأي الشرع في ذلك؟ هل يوجد دليل على عملهم؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هؤلاء كذابون ومحتالون، ليس لعملهم أصل بل هم كذبة يستعملون أشياء تلبس على الناس حتى يظن الناس أنهم يطعنون أنفسهم وليس الأمر كذلك. وإنما هو تلبيس وتزوير على العيون وسحر للناس كما قال الله عن سحرة فرعون أنهم استرهبوا الناس وسحروا أعينهم فالمقصود أن هذا الصنف من الناس - من الفجرة والمحتالين - الذين لا أصل لما يفعلون ولا يجوز أن يصدقوا بل هم كاذبون محتالون ملبسون على الناس وإذا كانوا يدعون الرفاعي - أو غير الرفاعي، فهذا شرك أكبر كالذي يقول: يا رفاعي أو يا رسول الله انصرنا أو اشفع لنا أو يا علي - يا سيدي - أو يا حسين أو يا فلان أو يا سيدي البدوي، أو كذا فكل هذا من الشرك الأكبر.. كل هذا من العبادة لغير الله وكل هذا من جنس عمل عباد القبور، وعباد اللات والعزى وأشباههم. فهو شرك أكبر نعوذ بالله من ذلك - وهؤلاء الذين يطعنون أنفسهم بالخناجر والسكاكين كله تلبيس وخداع ليس له أصل بل هم بهذا كذبة فجرة، يجب على ولاة الأمور إذا كان هناك ولي أمر مسلم في بلدهم أن يأخذ على أيديهم وأن يعزرهم ويؤدبهم حتى يتوبوا من أعمالهم الخبيثة. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/9 ص/285. الحديث: 9338 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1215 الإباضية [السُّؤَالُ] ـ[من هم الإباضية؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: التعريف: الإباضية إحدى فرق الخوارج، وتنسب إلى مؤسسها عبد الله بن إباض التميمي، ويدعي أصحابها أنهم ليسوا من الخوارج، وينفون عن أنفسهم هذه النسبة، والحقيقة أنهم ليسوا من غلاة الخوارج كالأزارقة مثلاً، لكنهم يتفقون مع الخوارج في مسائل عديدة منها: تعطيل الصفات والقول بخلق القرآن وتجويز الخروج على أئمة الجور. ثانياً: لمن تنسب الإباضية: * مؤسسها الأول عبد الله بن إباض من بني مرة بن عبيد بن تميم، ويرجع نسبه إلى إباض وهي قرية العارض باليمامة، وعبد الله عاصر معاوية وتوفي في أواخر أيام عبد الملك بن مروان. ثالثاً: أهم العقائد: * يظهر من خلال كتبهم تعطيل الصفات الإلهية، وهم يلتقون إلى حد بعيد مع المعتزلة في تأويل الصفات، ولكنهم يدعون أنهم ينطلقون في ذلك من منطلق عقدي، حيث يذهبون إلى تأويل الصفة تأويلاً مجازياً بما يفيد المعنى دون أن يؤدي ذلك إلى التشبيه، ولكن كلمة الحق في هذا الصدد تبقى دائماً مع أهل السنة والجماعة المتبعين للدليل، من حيث إثبات الأسماء الحسنى والصفات العليا لله تعالى كما أثبتها لنفسه، بلا تعطيل ولا تكييف ولا تحريف ولا تمثيل. * ينكرون رؤية المؤمنين لله تعالى في الآخرة. * يحرفون بعض أمور الآخرة وينفون حقيقتها كالميزان والصراط. * صفات الله ليست زائدة على ذات الله ولكنها هي عين ذاته. * القرآن لديهم مخلوق، وقد وافقوا الخوارج في ذلك، يقول الأشعري في مقالات الإسلاميين (والخوارج جميعاً يقولون بخلق القرآن) مقالات الإسلاميين 1/203. * مرتكب الكبيرة عندهم كافر كفر نعمة أو كفر نفاق. * الناس في نظرهم ثلاثة أصناف: - مؤمنون أوفياء بإيمانهم. - مشركون واضحون في شركهم. - قوم أعلنوا كلمة التوحيد وأقروا بالإسلام لكنهم لم يلتزموا به سلوكاً وعبادة فهم ليسوا مشركين لأنهم يقرون بالتوحيد، وهم كذلك ليسوا بمؤمنين لأنهم لا يلتزمون بما يقتضيه الإيمان، فهم إذن مع المسلمين في أحكام الدنيا لإقرارهم بالتوحيد وهم مع المشركين في أحكام الآخرة لعدم وفائهم بإيمانهم ولمخالفتهم ما يستلزمه التوحيد من عمل أو ترك. * يعتقدون بأن مخالفيهم من أهل القبلة كفار غير مشركين، ومناكحتهم جائزة وموارثتهم حلال، وغنيمة أموالهم من السلاح والخيل وكل ما فيه من قوة الحرب حلال وما سواه حرام. * مرتكب الكبيرة كافر ولا يمكن في حال معصيته وإصراره عليها أن يدخل الجنة إذا لم يتب منها، فإن الله لا يغفر الكبائر لمرتكبيها إلا إذا تابوا منها قبل الموت. * الذي يرتكب كبيرة من الكبائر يطلقون عليه لفظة (كافر) زاعمين بأن هذا كفر نعمة أو كفر نفاق لا كفر ملة، بينما يطلق عليه أهل السنة والجماعة كلمة العصيان أو الفسوق، ومن مات على ذلك – في اعتقاد أهل السنة – فهو في مشيئة الله، إن شاء غفر له بكرمه وإن شاء عذبه بعدله حتى يطهُر من عصيانه ثم ينتقل إلى الجنة، أما الإباضية فيقولون بأن العاصي مخلد في النار، وهي بذلك تتفق مع بقية الخوارج والمعتزلة في تخليد العصاة في جهنم. * ينكرون الشفاعة لعصاة الموحدين، لأن العصاة – عندهم – مخلدون في النار فلا شفاعة لهم حتى يخرجوا من النار. * يتهجم بعضهم على أمير المؤمنين عثمان بن عفان ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص رضي الله عنهم. [الْمَصْدَرُ] موسوعة الأديان والمذاهب المعاصرة (1 / 63) الحديث: 11529 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1216 بعض كتب الردود على شبه الرافضة [السُّؤَالُ] ـ[لقد قرأت كتاب كشف الحقائق للشيعي علي محسن فهل هناك رد على ما به من شبهات في حق منهج أهل السنة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا أعلم كتابا معينا رد فيه على كشف الحقائق، لكن اطلعت على فهرسة الكتاب، فوجدت أن أغلب تلك الشبهات مكررة، وقد رد عليها أهل السنة في العديد من الكتب والمؤلفات، ومن تلك الكتب: 1- بل ضللت، لخالد العسقلاني. 2- الشيعة وأهل البيت، والشيعة والقرآن، الشيعة وأهل السنة، بين الشيعة والسنة كلها لإحسان إلهي ظهير. 3- كشف الجاني- محمد التيجاني في كتبه الأربعة، للشيخ عثمان الخميس. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 43305 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1217 من هم النواصب وما هو حكمهم [السُّؤَالُ] ـ[أود أن تعريف المصطلحات التالية: 1- ما هو تعريف الناصبي؟ 2- وما هو حكمه؟ هل مسلم أو كافر أو ضال أو مبتدع؟ 3- هل من بعض المصادر التي تكلمت عن النصب..؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فالنصب لغة: إقامة الشيء ورَفعِهِ، ومنه ناصِبَةُ الشرِّ والحرب. (مختار الصحاح 1 / 275) وفي القاموس: " النواصب والناصبة وأهل النصب المتدينون بِبُغض علي - رضي الله عنه -؛ لأنهم نصبوا له، أي عادوه ". وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " النواصب، هم الذين ينصبون العداء لآل البيت، ويقدحون فيهم، ويسبونهم، فهم على النقيض من الروافض " (شرح الواسطية 2 / 283) وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان عقيدة أهل السنة والجماعة:" ويحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتولونهم ويحفظون فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ..... ويتبرءون من طريقة الروافض الذين يبغضون الصحابة ويسبونهم، ومن طريقة النواصب الذين يؤذون أهل البيت بقول أو عمل ويمسكون عما شجر بين الصحابة " (العقيدة الواسطية مجموع الفتاوى 3 / 154) فالنواصب هم الذين عادوا أهل البيت، لاسيما عليّاً رضي الله عنه فمنهم من يسبُّه ومنهم من يفسِّقه ومنهم من يكفره،كما أشار لذلك شيخ الإسلام (منهاج السنة7/339) . ومن أشهر الطوائف التي تبنت منهج النصب الخوارج الذين خرجوا على عليٍّ رضي الله عنه وكفروه، وجمعوا إلى ذلك بدعا أخرى. ولا شك أن النصب وبغض أهل البيت أو غيرهم من الصحابة بدعة من البدع العظيمة التي تؤدي للطعن في هذا الدين الذي نقل إلينا عن طريق الصحابة من أهل البيت وغيرهم. أما تكفيرهم فهذا يختلف باختلاف نوع بغضهم للصحابة وبواعثه، وخلاصة القول فيه أنه إن كان بغضهم لأمر دنيوي فلا يوقع في الكفر والنفاق، وإن كان لأمر ديني باعتبار كونهم أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فهذا كفر، وما تردد بين ذلك فهو محل خلاف في الجملة، وراجع في تفصيل ذلك الأدلة والنقول الموجودة في السؤال (45563) . أما حكم الخوارج ـ وهم ممن تبنى منهج الرفض، وجمعوا إليه تكفير الصحابة وتكفير صاحب الكبيرة وغير ذلك من البدع ـ، ففيه خلاف بين العلماء، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " فإن الأمة متفقون على ذم الخوارج وتضليلهم وإنما تنازعوا في تكفيرهم على قولين مشهورين في مذهب مالك وأحمد، وفى مذهب الشافعي أيضا نزاع في كفرهم، ولهذا كان فيهم وجهان في مذهب أحمد وغيره على الطريقة الأولى أحدهما: أنهم بغاة، والثاني: أنهم كفار كالمرتدين يجوز قتلهم ابتداء وقتل أسيرهم وإتباع مدبرهم، ومن قدر عليه منهم استتيب كالمرتد فإن تاب وإلا قتل " (مجموع الفتاوى 28 / 518) وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " وأما تكفيرهم وتخليدهم ففيه أيضا للعلماء قولان مشهوران وهم روايتان عن أحمد، والقولان في الخوارج والمارقين من الحرورية والرافضة ونحوهم، والصحيح أن هذه الأقوال التي يقولونها التي يعلم أنها مخالفة لما جاء به الرسول كفر، وكذلك أفعالهم التي هي من جنس أفعال الكفار بالمسلمين هي كفر أيضا، وقد ذكرت دلائل ذلك في غير هذا الموضع. لكن تكفير الواحد المعين منهم والحكم بتخليده في النار موقوف على ثبوت شروط التكفير وانتفاء موانعه، فإنا نطلق القول بنصوص الوعد والوعيد والتكفير والتفسيق ولا نحكم للمعين بدخوله في ذلك العام حتى يقوم فيه المقتضى الذي لا معارض له وقد بسطت هذه القاعدة في (قاعدة التكفير) " (مجموع الفتاوى 28/500) ، والله أعلم. وينبغي أن تعلم أخي السائل أن الروافض الذين يغلون في حق علي رضي الله عنه وآل البيت ويسبون الصحابة ويكفرونهم، كثيرا ما يستخدمون في كتبهم التهمة بمنهج النصب في حق من خالفهم في باطلهم ويعنون بالناصبة أهل السنة والجماعة وذلك للتنفير منهم لمخالفتهم لهم في منهجهم الباطل ولموافقتهم لمنهج الحق. قال شيخ الإسلام ابن تيمية (وأما أهل السنة فيتولون جميع المؤمنين ويتكلمون بعلم وعدل ليسو من أهل الجهل ولا من أهل الأهواء ويتبرءون من طريقة الروافض والنواصب جميعا ويتولون السابقين والأولين كلهم ويعرفون قدر الصحابة وفضلهم ومناقبهم ويرعون حقوق أهل البيت التي شرعها الله ... ويعلمون مع هذا مراتب السابقين الأولين فيعلمون أن لأبي بكر وعمر من التقدم والفضائل ما لم يشاركهما فيها أحد من الصحابة ... ) منهاج السنة2/71. وبناءً على هذا فلا بد من معرفة من يطلق هذا الوصف ومن الذين يعنيهم به حتى لا يقع المرء في رد الحق بسبب وصم المبطلين لأهل الحق بما ليس فيهم؛ إذ من سمات أهل البدعة الوقيعة في أهل السنة ولمزهم بالأوصاف المنفرة. والعبرة بما وافق الكتاب والسنة ومنهج سلف الأمة مهما حاول أهل الباطل تشويهه. ومن الكتب التي تكلمت عن النواصب وردت عليهم وعلى مقابليهم في البدعة الروافض كتاب منهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية فيمكنك مراجعته أو مراجعة بعض مختصراته. نسأل الله أن يلهمنا وإياك اتباع كتابه وسنة نبيه صلَّى الله عليه وسلَّم وأن يجيرنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 43322 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1218 هل يؤخذ من غضب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لغضب فاطمة أنها معصومة [السُّؤَالُ] ـ[أورد بعض الرافضة إشكالا وهو القول بعصمة فاطمة رضي الله عنها مستدلا بقوله صلى الله عليه وسلم (فاطمة بضعة مني فمن أغضبها فقد أغضبني) فقال إن فاطمة رضي الله عنها بما أن غضبها من غضب رسول الله وغضب رسول من غضب الله فلذلك فاطمة رضي الله عنها لا تغضب لباطل أي أنها معصومة فكيف يجاب عن هذا الإشكال؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: فإن الرافضة قوم خصمون، فهم يثيرون الشبهات الواهية، ويهولونها حتى يجعلوها حقائق، ثم يرمونها أمام العامة ليحاجوهم بها، لكن من وهبه الله تعالى فقها في دينه، وسؤالا لأهل العلم، فإنه لا شك سينكشف له زيف شبهاتهم، وتهافت حججهم، ومن ذلك الشبهة التي ذكرها السائل، والجواب عن هذه الشبهة من وجوه: أولا: أن الرافضة يستدلون بهذا الحديث، ويوردون هذا الاستدلال الذي ذكره السائل، ليتوصلوا به إلى أن أبا بكر رضي الله عنه قد أغضب فاطمة حين منعها ما طلبته من ميراث النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا كان الأمر كذلك، فإن أبا بكر قد أغضب فاطمة، وبالتالي قد أغضب النبي صلى الله عليه وسلم، وبالتالي قد أغضب الله!! ، وهذا من جهلهم وسفههم، إذ إن الحديث وارد أصلا في حق علي رضي الله عنه وأرضاه، فقد روى البخاري ومسلم عن المسور بن مخرمة أنه قال:" إن عليا خطب بنت أبي جهل، فسمعت بذلك فاطمة فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يزعم قومك أنك لا تغضب لبناتك، وهذا علي ناكح بنت أبي جهل، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمعته حين تشهد يقول: أما بعد، أنكحت أبا العاص بن الربيع فحدثني وصدقني، وإن فاطمة بضعة مني وإني أكره أن يسوءها، والله لا تجتمع بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنت عدو الله عند رجل واحد، فترك علي الخطبة " وفي رواية للبخاري " فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني " [البخاري رقم 3523، 3556، ومسلم برقم 2449] ، وبالنظر إلى الراوية السابقة يتبين أنه إن كان سيلحق الذم أحدا، فإنه سيلحق عليا رضي الله عنه، إذ إن سبب ورود الحديث السابق هو رغبته في خطبة بنت أبي جهل، وحينها غضبت فاطمة رضي الله عنها، وقد تقرر عند الأصوليين أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، لكن تقرر عندهم أيضا أن السبب داخل دخولا أوليا في النص، ولا يمكن أن يخرج عنه بحال، فإذا كان الرافضة يريدون أن يستدلوا بهذا الحديث على ذم أبي بكر رضي الله عنه، فإنه من جهلهم وتلبيسهم كتموا أن هذا الذم – إن كان حاصلا – فإنه سيلحق عليا رضي الله عنه أولا. ثانيا: أن الغضب الوارد في الحديث، ورد على سبب معين ذكر سابقا، وهو يفيد بأن الغضب ليس لأن فاطمة معصومة أو نحو ذلك مما يدعيه الرافضة، بل لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان حريصا على مشاعر ابنته، فكان ما يغضبها يغضبه صلى الله عليه وسلم، ويدل لهذا ما جاء في رواية مسلم " إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها "، فهذه أذية لشخص النبي صلى الله عليه وسلم، ولا علاقة للأمر بالعصمة كما يدعي ذلك الرافضة. ثالثا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في أحاديث صحيحة أخرى:" من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصى أميري فقد عصاني " [رواه البخاري برقم 6718، ومسلم برقم 1835] ، وهذا بالاتفاق – حتى عند الرافضة – لا يقتضي أن يكون الأمير معصوما، بل إن بعض الأمراء الذين أرسلهم النبي صلى الله عليه وسلم قد أخطؤوا في أمور يعلم مخالفتها لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك ما ثبت عن علي رضي الله عنه قال:" بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية فاستعمل عليها رجلا من الأنصار وأمرهم أن يطيعوه، فغضب فقال: أليس أمركم النبي صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني؟ قالوا: بلى، قال فاجمعوا لي حطبا، فجمعوا فقال: أوقدوا نارا فأوقدوها، فقال ادخلوها فهمُّوا (أي فكّروا أن يدخلوها) وجعل بعضهم يمسك بعضا ويقولون فررنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من النار فما زالوا حتى خمدت النار فسكن غضبه، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يوم القيامة الطاعة في المعروف " [رواه البخاري برقم 4085، ومسلم برقم 1840] ، ولهذا قيد النبي صلى الله عليه وسلم هذه الطاعة بالمعروف، وهكذا إذا كان غضب فاطمة من غضب الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه بالاتفاق مقيد بالمعروف، فإذا كان غضب فاطمة في مقابل شرع الله تعالى، فإن المعروف هو في تطبيق شرع الله تعالى، وإن كان فيه غضب فاطمة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:" لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها "، وقال صلى الله عليه وسلم:" ... ويا فاطمة بنت محمد اشتريا أنفسكما من الله لا أملك لكما من الله شيئا سلاني من مالي ما شئتما "، وهذا يقتضي أنه لا عصمة لها. [وانظر منهاج السنة النبوية 4 / 250] [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 43458 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1219 الصلاة خلف الإباضية وأهل البدع [السُّؤَالُ] ـ[ما هو رأيكم في فرقة الإباضية وهل صحيح أن ابن باز (رحمه الله) قد كفر هذه الفرقة فنحن هنا في مسجد في أمريكا ويوجد به فرق مختلفة منهم الزيدية والشيعة أيضا فهل نسمح لأحد منهم بالإمامة والصلاة خلفه أم تكون لأهل السنة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الإباضية إحدى الفرق الضالة، كما جاء في فتوى اللجنة الدائمة رقم 6935، ونصها: السؤال: هل تعتبر فرقة الإباضية من الفرق الضالة من فرق الخوارج وهل يجوز الصلاة خلفهم؟ فكان جواب اللجنة كما يلي: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه.. وبعد: فرقة الإباضية من الفرق الضالة لما فيهم من البغي والعدوان والخروج على عثمان بن عفان وعلي رضي الله عنهما، ولا تجوز الصلاة خلفهم. وبالله التوفيق. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء للمزيد عن الإباضية راجع سؤال رقم (11529) ولم نقف على تكفير الشيخ ابن باز رحمه الله لهذه الفرقة. وانظر حكم الصلاة خلف الشيعة، في جواب السؤال رقم 20093 ولا يجوز تمكين أهل البدع المكفِّرة من إمامة الصلاة، لعدم صحة الصلاة خلفهم عند جمع من أهل العلم، ولكونهم أهلا للهجر والزجر لا للإمامة والتقديم، ولما يترتب على تقديمهم للصلاة من اغترار الجاهل بهم. والبدع المكفرة: كبدعة القول بخلق القرآن، ونفي رؤية المؤمنين لربهم في الجنة، والقول بتكفير مرتكب الكبيرة أو تخليده في النار، وتكفير أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، أو القول بتحريف القرآن، أو ادعاء أن الأئمة يعلمون الغيب، أو الاستغاثة بالأموات، وغير ذلك من صور الكفر والشرك. وهذا بخلاف صاحب البدعة غير المكفرة، فإن الصلاة خلفه صحيحة. جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (7/364) السؤال التالي: هل تجوز الصلاة خلف الإمام المبتدع؟ جواب اللجنة: من وجد إماما غير مبتدع فليصل وراءه دون المبتدع، ومن لم يجد سوى المبتدع نصحه عسى أن يتخلى عن بدعته، فإن لم يقبل وكانت بدعته شركية كمن يستغيث بالأموات أو يدعوهم من دون الله أو يذبح لهم فلا يصلى وراءه لأنه كافر وصلاته باطلة ولا يصح أن يجعل إماما وإن كانت بدعته غير مكفرة كالتلفظ بالنية صحت صلاته وصلاة من خلفه. وبالله التوفيق. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 40147 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1220 متحير من معرفة الحق من بين الطوائف والجماعات [السُّؤَالُ] ـ[أعلم بأنك شرحت طريقة معرفة الجماعة الحقيقية التي تتبع الحديث والسنة ولن يضل من اتبعهم، كنت مع جماعة أهل الحديث - (السعوديون السلفيون) - حتى وصلني الكثير من المعلومات من بعض الناس، يتهمون بها السلفيون وبالتأكيد فكلامهم مدعم بالحديث الذي لا أستطيع أن أرده أو أرفضه. نقلت هذه الاتهامات للسلفيين فذكروا لي أحاديث مقنعة كذلك ولا أستطيع رد هذه كذلك. لا أستطيع ترك السلفيين لأنهم الجماعة الوحيدة الموجودة في مدينتي الصغيرة بجانب عبَّاد القبور، وإذا اتبعتهم فهل هذا يجعلني من أصحاب التقليد الأعمى للسلفيين؟ فكما يقول المخالفون للسلفيين إننا يجب أن نتبع إماماً واحداً. باختصار ما هو أفضل حل؟ لماذا أكثر الجماعات والمذاهب يذكرون أحاديث ويقولون بأن سندها صحيح ثم يعارضون بها أحاديث أخرى؟ كيف إذا تكون أحاديث صحيحة؟ ماذا أفعل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قد بيَّنا في كثيرٍ من أجوبتنا الميزان الذي يستطيع المسلم الحكمَ به على الجماعات والفِرَق والأحزاب المخالفة للشرع، ومما نوضحه أكثر وأكثر هنا: أن الاختلاف الذي تراه بين المسلمين الآن لم يجعل الله تعالى فيه الناس حيارى لا يعرفون الحق منه من الباطل، بل جعل الله تعالى للحق أمارات، ووضع للصادقين علامات، ونصب للمناهج أدلة وبيِّنات واضحات لا يزيغ عنها إلا هالك. وعندما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة أخبر أنها كلها في النار إلا واحدة، وهي " من كان على مثل ما عليه هو وأصحابه "، فهذا هو الميزان، فلابد من موافقة الصحابة رضي الله عنهم، فلا يكفي أن يأتي الشخص بحديث ويقول عنه أنه صحيح ثم يستدل به على تصحيح مذهبه أو رأيه حسب ما فهمه هو من ذلك الحديث، وإنما الذي ينبغي هو البحث هل فهم الصحابة رضي الله عنهم هذا الحديث على هذا الوجه أم لا؟ فهذا هو الضابط الذي يفرق أهل الحق حقيقة وغيرهم، ألا وهو الرجوع في فهم الدين إلى السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان فإنهم أفضل هذه الأمة وخيرها وأعلمها كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم. والذي ينظر في الفرق التي حادت عن الصواب يرى أنهم قد يلبسون على الناس بالاستدلال بآية أو بحديث في غير موضعه حتى يوهموا الناس أنهم يتبعون الكتاب والسنة، ولكنهم لا يستطيعون أن يثبتوا أن هذا هو ما فهمه الصحابة رضي الله عنهم من هذه النصوص. فالذين يحرفون صفات الرب تبارك وتعالى، والذين يعبدون القبور ويطوفون حولها، والذين يرقصون في الذِّكر، والذين ينفون القدَر، والذين يقولون بخلْق القرآن، وغير ذلك من العقائد والمناهج المنحرفة ليس أحدٌ منهم يزعم أنه على اعتقاد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وإن زعم أن معه آية أو حديثاً لكنه لا يستطيع أن يثبت أن فهمهما هو فهم من شاهد التنزيل وسمع النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة الكرام رضي الله عنهم. وهذا ميزان دقيق عظيم يستطيع الإنسان أن يعلم من خلاله صحة وفساد ما يسمعه ويقرؤه من عقائد ومناهج يزعم أصحابها أنهم على هدى وحق. واتباعك لما يقوله لك العلماء السلفيون ويذكرونه لك من التوحيد والفقه والحديث إنما هو اتباع للإسلام الحق الذي رضيه الله تعالى للناس أجمعين، وقد يدخل عليك الشيطان ويوسوس لك أن هذا تقليد وهو غير جائز، ولا شك أن هذا بداية طريق الانحراف عن الجادة والصواب، فالعامي من المسلمين أوجب الله تعالى عليه سؤال أهل العلم والأخذ بكلامهم وفتاواهم، وأنت تعلم أن أقرب هؤلاء إلى الصواب والحق هو من يسير على طريق أصحاب النبي صل الله عليه وسلم في فهم نصوص الكتاب والسنة، وهم أتباع السلف الصالح. والمسلم الذي عنده قدر من العلم الشرعي يستطيع أن يكتشف بنفسه صحة أو فساد ما يسمعه ويقرؤه من خلال دراسته والمقارنة بينه وبين ما ثبت عن السلف الصالح. ولا مانع أن يكون الحق في بعض القضايا مع المخالف لكن لا يمكن أن يكون المنهج والطريق صحيحاً غير طريق سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان. فكل ما ينقله العلماء السلفيون إنما هو قول الصحابة وسعيد بن المسيب والزهري ومجاهد وعطاء ومالك وحماد بن زيد وحماد بن سلمة والشافعي وأحمد والبخاري ومسلم وأبي داود وغيرهم من منارات الهدى وعلامات الحق. وستجد أهل البدع يذكرون ما لهم دون ما عليهم، وستجدهم يعارضون السنة بكتبهم، ويرفضون السنة لمخالفتها كتبهم، ويحرفون ما يأتي في كتاب الله صريحاً، ويضعفون ما يأتي في السنَّة واضحاً بيِّناً مخالفاً لآرائهم وأهوائهم، وهكذا، ولهذا سموا " أهل الأهواء ". وأما أهل السنَّة فيذكرون ما لهم وما عليهم، وينظرون إلى السنة بكل تجرد، مقدمين السنة – إن صحت -على كل ما سواها، وليس عندهم هوى يتبعونه حتى يرفضوا من أجله حديثاً أو يحرفوا آية. وليس بين نصوص الوحي أي تعارض في الحقيقة إنما التعارض في الظاهر فقط، ولكل علم أهله المتخصصون به، فالحديث له أهله الذين يبينون صحيحه من سقيمه، ويوضحون المقصود منه، ويزيلون الإشكال، ويوفقون بين ما ظاهره اتعارض. والخلاصة: خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وأعلم الناس بهذا الهدي هم أهل الحديث وفقهاؤه، وهم السلف الصالح، من تبع قولهم نجا ومن خالفه هلك. وعليك بلزوم هذا الطريق وسؤال الله تعالى الهداية والتوفيق والثبات. وأما قول السائل عن أهل الحديث أنهم (السعوديون السلفيون) هذا الحصر غير صحيح. فلا يختص أهل الحديث ببلد معين أو أشخاص معينين بل أهل الحديث كل من ابتع سنة النبي صلى الله عليه وسلم وفهمها الفهم الصحيح الموافق لفهم الصحابة رضي الله عنهم والتابعين لهم بإحسان. والله الهادي. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20760 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1221 صلاة التراويح غير واجبة، وحكم الإفطار مع أهل البدع [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من لم يصل التراويح طيلة شهر رمضان من دون عذر شرعي. وهل عليه إثم في ذلك؟ أنا أعمل في شركة أرامكو وبعض الأيام يتطلب العمل أن أبقى إلى ما بعد المغرب فأضطر إلى أن أفطر في العمل، وأنا تقريباً السني الوحيد، والباقي شيعة وإسماعيلية، فهل يجوز أن أُفطر معهم؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا ترك المسلم صلاة التراويح فلا إثم عليه في ذلك، سواء تركها بعذر أم بغير عذر، لأنها غير واجبة، وإنما هي سنة مؤكدة فعلها النبي صلى الله عليه وسلم وداوم عليها ورغب المسلمين فيها بقوله: (من قام رمضان إيمانا واحتساباً غُفِر له ما تقدم من ذنبه) رواه البخاري (37) ومسلم (760) . وينبغي للمسلم ألا يتركها، فإن لم يستطع أن يصليها مع الإمام في المسجد فإنه يصليها في البيت، فإن لم يستطع أن يصلي إحدى عشرة ركعة، صلى ما تيسر له ولو ركعتين، ثم يصلي الوتر. والله أعلم. أما الإفطار مع الشيعة والإسماعيلية، فإن رأيت أن إفطارك معهم فيه مصلحة تأليف قلوبهم لدعوتهم إلى السنة وترك البدع التي هم عليها، فإن ذلك عمل مشروع. أما إن رأيت أنه لا مصلحة في إفطارك معهم فالأفضل ألا تفطر معهم، وأن تجتنبهم، إنكارا لما هم عليه من البدع. وخشية أن يلقوا إليك بشبهاتهم ولا يكون عندك من العلم ما تعلم به بطلانها فتعرض نفسك للفتنة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37742 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1222 محمد بن عبد الوهاب مُصْلِحٌ مفترى عليه [السُّؤَالُ] ـ[شيخ الإسلام محمد عبد الوهاب لماذا هو محارب وكثير ما يقال فيه ويسمون من يتبعه بالوهابي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لتعلم أخي أن من سنن الله تعالى في عباده المصطفين أن يبتليهم على قدر إيمانهم ليبين الصادق من الكاذب، كما قال سبحانه: (ألم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) العنكبوت / 1 – 3، وأشدّ أولئك العباد بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، كما صحّ ذلك عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ولو تأمّل الإنسان سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم لوجد أنه – بأبي هو وأمي – قد أصابه من البلاء الشيءُ العظيم، حتى نُعت بأنه كذاب وساحر ومجنون، ووُضع سلا جزور على ظهره، وطرد من مكة، وأدميت قدماه الشريفتان في الطائف، حاله حال الأنبياء الذين كُذِّبوا من قبله صلوات ربي وسلامه عليهم. والشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله قد أصيب بما أصيب به العلماء والدعاة المخلصون، لكن كانت العاقبة في النهاية للحق الذي كان يحمله، وأنّى للحق أن يخبو نوره أو يعفو أثره، ولك أن تتصوّر أن يوفّق الله هذا الرجل بغرس التوحيد في أنحاء الجزيرة العربية وأطرافها، ويقضي على جلّ صور الشرك وأشكاله، وهذا إن دلّ فإنما يدلّ على إخلاصه وتفانيه في دعوته فيما نحسب، مع ما اقترن ذلك من سداد الله له وتوفيقه إياه. وأما أعداء الدعوة فلم يألوا جهداً في إلصاق التهم الباطلة به، فزعموا – وهم كاذبون – بأن الشيخ يدّعي النبوة، وأنه ينتقص من قدر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه يكفّر الأمة جزافاً.. إلى غير ذلك من الافتراءات التي أُلصقت به، ومن ينظر إلى تلك الدعاوى يعلم يقيناً أنها محض كذب وافتراء، وكتب الشيخ المبثوثة أكبر شاهد على ذلك، وأتباعه من الذين استجابوا لدعوته لم يذكروا ذلك أيضاً، ولو كان الأمر كما ادّعى المدّعون لأبان ذلك أتباعُه، وإلاّ كانوا له عاقّين غير بارّين، ولو أردت الاستفصال في هذا الأمر واستجلاء ما خفي عليك من حقائق فعليك بالرجوع إلى كتاب " دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب" للدكتور عبد العزيز العبد اللطيف. فإنك ستجد فيه ما يشفي تساؤلاتك بإذن الله. أما نعت أتباعه (بالوهابية) فما هو إلاّ مسلسل من مسلسلات افتراءات أعداء الدعوة فيه أيضاً، ليحولوا الناس عن دعوة الحق، وليبنوا بين دعوته وبين الناس جداراً وحاجزاً يحول دون بلوغ الدعوة، ولو تأمّلت قصة إسلام الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه لوجدت أحداثها تقارب ما حصل لدعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب. فقد أورد ابن هشام في السيرة (1/394) أن الطفيل خرج قاصداً مكة، فتلقفته قريش على أبوابها وحذرته من السماع من محمد صلى الله عليه وسلم، وأوحوا إليه بأنه ساحر وأنه يفرّق بين المرء وزوجه ... ، فلم يزالوا به حتى عمد إلى قطن فوضعه في أذنيه، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حدّث نفسه بأن ينزع القطن، ويسمع منه، فإن كان ما يقوله حقاً قبل منه، وإن كان ما يقوله باطلاً وقبيحاً ردّ، فلما استمع إليه ما كان منه إلاّ أن أسلم في مكانه. نعم أسلم بعد أن وضع القطن في أذنيه، وهكذا ينهج المناوئون لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب نهج قريش في الافتراء، ذلك لأن قريشاً تدرك تمام الإدراك أن دعوة محمد صلى الله عليه وسلم تلامس شغاف القلوب والأفئدة، وتهتدي إليها الفطرة، فعمدوا إلى تهويل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحولوا دون بلوغ الناس الحق، وهكذا نرى الذين يتكلمون على الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه يعيدون نفس الفصول والمؤامرات التي حيكت حيال الدعوة الأولى. وعليك أخي الكريم – إن كنت تنشد الحق – أن لا تترك لتلك الدعاوى مجالاً لسمعك وقلبك واقصد الحق في المسألة بالنظر إلى كتب الشيخ محمد، فكتبه أعظم دليل على كذب القوم والحمد لله. وثمت أمرٌ آخر لطيف وهو أن اسم الشيخ هو (محمد) والنسبة إليه محمدي، أما (وهّابي) فهو نسبة إلى الوهّاب، والوهاب هو الله تعالى كما قال: (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) آل عمران /8. والوهاب كما قال الزجاج في اشتقاق أسماء الله ص: 126: " الكثير الهبة والعطية، وفعّال في كلام العرب للمبالغة، فالله عز وجل وهّاب يهب لعباده واحداً بعد واحد ويعطيهم ". ولاشك أن سبيل الوهّاب هو السبيل الحق الذي لا اعوجاج فيه ولا افتراء، وحزبه غالب ومفلح (ومن يتولّ الله ورسوله فإن حزب الله هم الغالبون) المائدة /56، (أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون) المجادلة/22. وقديماً اتهموا الشافعي بالرفض فردّ عليهم قائلاً: إن كان رفضاً حبّ آل محمد ... فليشهد الثقلان أني رافضي ونحن نردّ على من يتّهمنا بالوهابية بقول الشيخ ملا عمران الذي كان شيعياً فهداه الله إلى السنة، قال رحمه الله: إن كان تابع أحمد متوهّباً ... فأنا المقرّ بأنني وهّابي أنفي الشريك عن الإله فليس لي ... ربٌ سوى المتفرّد الوهّاب نفر الذين دعاهم خير الورى ... إذ لقّبوه بساحرٍ كذّاب (انظر: منهاج الفرقة الناجية للشيخ محمد جميل زينو ص: 142 – 143) والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36616 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1223 هل الكلمات في السكر الروحي معفوٌّ عنها؟ [السُّؤَالُ] ـ[قال حمزة يوسف عندما تحدث عن المخاوف التي يخافها الناس من الصوفية: " السبب الرابع: هو الخوف عموماً من الضلال باتباع عقائد خفية دون التأكد من صحتها كما يحدث لكثير من الجهال، لذلك ربما يسمع الجهال من الناس بعض العبارات التي تقال على ألسنة الصوفية ولا يفهمونها بالكلية، وفي طبقات الإمام الذهبي أن أبا اليزيد البسطامي يعتبر فقيهاً وأن الإمام الذهبي يُعتبر تلميذ ابن تيمية ويَعتبر أبا اليزيد البسطامي مصدراً للحديث، ولكنَّ أبا اليزيد هذا هو الذي قال " سبحاني " وهذه الكلمة معروفة بالكلمة الفنية للصوفيين " شطحة " بحيث لو قالها شخص وهو مغيب النفس لا يؤاخذ بها، وهناك دليل في البخاري عن عبدٍ في وسط الصحراء وفيه يقول النبي صلى الله عليه وسلم أن الرجل لما وجد راحلته المفقودة صاح بفرحة " اللهم أنت عبدي وأنا ربك "، وأوضح النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا العبد أخطأ في مقولته بعد أن وجد راحلته، هذا بالنسبة للشخص الذي وجد راحلته فكيف بالشخص الذي يجد ربَّه؟ . هل يعني الحديث في البخاري أن الكلمات التي يقولها الشخص وهو في حالة " سكر روحي " معفو عنها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أبو يزيد البسطامي هو: طيفور بن عيسى، توفي سنة 261 هـ ‍. ولا يُعلم عنه أنه كان من المشتغلين بالحديث، ولم يذكر ذلك عنه الذهبي في ترجمته، بل ذَكَرَ عنه ما قد يُؤخذ منه سخريته من أهل الحديث ودعواه أنه يتلقى علمه عن الله تعالى مباشرة!! وهو قوله: ما المحدِّثون؟ إن خاطبهم رجل عن رجل فقد خاطبنا القلب عن الرب!! وقد نُقلت عنه شطحات كثيرة قوله: "ما في الجُبَّة إلا الله"، و "ما النَّار؟ لأستندنَّ إليها غداً وأقول: اجعلني فداءً لأهلها وإلا بلعتُها"، و "ما الجنَّة؟ لعبة صبيان، ومراد أهل الدنيا". ومن أجل هذه العبارات التي ظاهرها الكفر والإلحاد حكم عليه بعض العلماء بفساد الاعتقاد، وأنه مبتدع واعتذر عنه آخرون. قال ابن كثير رحمه الله: وقد حُكي عنه شطحاتٌ ناقصاتٌ، وقد تأوَّلها كثيرٌ من الفقهاء والصوفية، وحملوها على محاملَ بعيدةٍ، وقد قال بعضُهم إنَّه قال ذلك في حال الاصطلام – أي: الفناء – والغيبة، ومن العلماء مَن بدّعه وخطّأه وجعل ذلك من أكبر البدع، وأنَّها تدلُّ على اعتقادٍ فاسدٍ كامِنٍ في القلب ظهر في أوقاته. " البداية والنهاية " (11 / 38) . وبالرجوع إلى سير أعلام النبلاء للذهبي تبين أن الذهبي لم يصف أبا يزيد بأنه فقيه، ولا اعتبره مصدراً للحديث، بل نقل عنه كلمات جيدة، ونقل عنه أيضاً هذه الشطحات، فقال: وجاء عنه – أي: عن أبي يزيد - أشياء مشكلة لا مساغ لها، الشأن في ثبوتها عنه، أو أنه قالها في حال الدهشة والسكر والغيبة والمحو، فيطوى ولا يحتج بها، إذ ظاهرها إلحاد مثل "سبحاني"، و "ما في الجبة إلا الله"، "ما النار؟ لأستندن إليها غداً وأقول: اجعلني فداء لأهلها وإلا بلعتُها"، و "ما الجنة؟ لعبة صبيان، ومراد أهل الدنيا". . . إلخ " سير أعلام النبلاء " (13 / 88) . ولعل الذي حمل بعض العلماء على الاعتذار عنه أنه نُقلت عنه كلمات جيدة في الحث على اتباع الشرع والوقوف عند حدوده، مع ما حُكي عنه أنه كان إذا أفاق أنكر هذه الشطحات. انظر: منهاج السنة (5/357) ، ومدارج السالكين (2/119) . ومما ينبغي أن يُعلم أن مثل هذه الكلمات غاية أمر صاحبها أن يكون معذوراً فيها غير مؤاخذ عليها، ولا يصح أن تجعل هذه الكلمات دليلاً على الولاية والعلم والتحقيق. قال شيخ الإسلام: والذين يذكرون عن أبى يزيد وغيره كلمات من الاتحاد الخاص ونفي الفرق ويعذرونه في ذلك يقولون إنه غاب عقله حتى قال: "أنا الحق" و "سبحاني"، و "ما في الجبة إلا الله". ويقولون إن الحب إذا قوي على صاحبه وكان قلبه ضعيفا يغيب بمحبوبه عن حبه، وبموجوده عن وجوده، وبمذكوره عن ذكره، حتى يفنى من لم يكن، ويبقى من لم يزل. . . فمثل هذا الحال التي يزول فيها تمييزه بين الرب والعبد وبين المأمور والمحظور ليست علما ولا حقا، بل غايته أنه نَقَصَ عقلُه الذي يفرق به بين هذا وهذا، وغايته أن يعذر لا أن يكون قوله تحقيقا اهـ مجموع الفتاوى 8/313. ثم محل العذر إذا كان الإنسان وصل إلى حال غياب العقل من غير اختياره، أما إذا فعل ما يذهب عقله، فإنه يلام بلا شك على ذلك الفعل. كما لو شرب الخمر أو جعل يرقص في حِلَق الذكر حتى غاب عن الوعي. قال شيخ الإسلام: لكن بعض ذوى الأحوال قد يحصل له فى حال الفناء القاصر سكر وغيبة. . . فقد يقول فى تلك الحال: "سبحانى" أو "ما فى الجبة إلا الله" أو نحو ذلك من الكلمات التى تؤثر عن أبى يزيد البسطامى. . . وكلمات السكران تطوى ولا تروى ولا تؤدى إذا لم يكن سكره بسبب محظور من عبادة أو وجه منهى عنه فأما إذا كان السبب محظورا لم يكن السكران معذورا، لا فرق في ذاك بين السكر الجسمانى والروحانى اهـ مجموع الفتاوى (2/461) . وأما مدح هذه الكلمات، وكذلك مدح كلام الرجل الذي أخطأ من شدة الفرح وقال: "اللهم أنت عبدي وأنا ربك" فمن الخطأ الفاحش إذ كيف يمدح هذا الكلام بعد ما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بالخطأ فقال: (أخطأ من شدة الفرح) ؟! وهذه الكلمات تدل على نقص عقل صاحبها أو غيابه بالكلية وقت تلفظه بها، فكيف يكون نقص العقل وغيابه مدحاً وكمالاً وولايةً؟! وهؤلاء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا أكمل البشر بعد الأنبياء خوفا من الله، ورجاء له، وتحقيقا للعبودية والولاية لم تنقل عنهم مثل هذه الكلمات لكمال عقولهم واتباعهم للشرع رضي الله عنهم أجمعين. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 6083 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1224 الطرق الصوفية وحكم الانضمام إليها [السُّؤَالُ] ـ[في الطرق الصوفية يوجد طريقة تسمى: سياريا (syari'a) ، طريقة، حقيقة، معرفة، هل صحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم علَّم أصحابه هذه الطرق وبنفس ما تعنيه هذه الطرق لدى الصوفية؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا بد أن نعلم أن النسبة إلى الصوفية هي إلى لبس الصوف لا إلى شيء آخر. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: واسم الصوفية هو نسبة إلى لباس الصوف هذا هو الصحيح، وقد قيل إنه نسبة إلى صفوة الفقهاء، وقيل إلى صوفة بن أد بن طانجة قبيلة من العرب كانوا يعرفون بالنسك، وقيل إلى أهل الصُّفة، وقيل إلى الصفا، وقيل إلى الصفوة، وقيل إلى الصف المقدم بين يدي الله؛ وهذه الأقوال: ضعيفة فإنه لو كان كذلك لقيل صفي أو صفائي أو صفوي أو صفي ولم يقل صوفي. " مجموع الفتاوى " (11 / 195) . ولم يظهر التصوف إلا بعد القرون الثلاثة التي أثنى علها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله:" خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم … ." - رواه البخاري (2652) ، ومسلم (2533) من حديث ابن مسعود -. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وأما لفظ الصوفية فإنه لم يكن مشهوراً في القرون الثلاثة وإنما اشتهر التكلم به بعد ذلك. " مجموع الفتاوى " (11 / 5) . وهذه الطريقة ومثيلاتها من الطرق المبتدعة المخالفة للكتاب والسنَّة ولما كان عليه خير القرون، فقد اخترع كل شيخٍ لهذه الطرق ورداً وحزباً وطريقة في العبادة يُميِّز بها نفسه عن غيره، مخالفاً للشرع، ومفرقاً للصف. وقد امتن الله على الأمَّة بأن أكمل لها دينها وأتمَّ عليه نعمته، فكل من جاء بعبادة وطريقة لم يأتِ بها الشرع فهو مكذب بما قاله الله تعالى متهم للنبي صلى الله عليه وسلم بالخيانة. وقد يكون مع ابتداعهم هذا كذبٌ أيضاً بأن زعم زاعمهم أنهم تلقوا طريقتهم هذه من النبي صلى الله عليه وسلم أو أنهم على طريق وهدي الخلفاء الراشدين. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة: هل يوجد في الإسلام طرق متعددة مثل: الطريقة الشاذلية، والطريقة الخلوتية، وغيرهما من الطرق، وإذا وجدت هذه الطرق فما هو الدليل على ذلك؟ وما معنى قول الحق تبارك وتعالى {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} الأنعام / 153، وما معنى قوله أيضاً: {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} النحل / 9، ما هي السبل المتفرقة، وما هو سبيل الله، ثم ما معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه الذي رواه عنه ابن مسعود أنه خط خطّاً ثم قال: " هذا سبيل الرشد " ثم خطَّ عن يمينه وعن شماله خطوطاً ثم قال: " هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه "؟ فأجابوا: لا يوجد في الإسلام شيء من الطرق المذكورة، ولا من أشباههما، والموجود في الإسلام هو ما دلت عليه الآيتان والحديث الذي ذكرتَ وما دلَّ عليه قوله صلى الله عليه وسلم: " افترقت اليهود على إحدى وسبعين فِرقة، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فِرقة، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فِرقة، كلها في النار إلا واحدة "، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: " من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي "، وقوله عليه الصلاة والسلام: " لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة، لا يضرُّهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك "، والحق هو اتباع القرآن الكريم والسنَّة النبويَّة الصحيحة الصريحة، وهذا هو سبيل الله، وهو الصراط المستقيم، وهو قصد السبيل، وهو الخط المستقيم المذكور في حديث ابن مسعود، وهو الذي درج عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم وعن أتباعهم من سلف الأمَّة ومن سار على نهجهم، وما سوى ذلك من الطرق والفِرق هي السبل المذكورة في قوله سبحانه وتعالى: {وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} الأنعام / 153. " فتاوى اللجنة الدائمة " (2 / 283، 284) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20375 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1225 أخذ العلم عن الأشاعرة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن أدرس الفقه أو علوم الحديث على شخص أشعري؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأشاعرة فهي فرقة تنتسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري - رحمه الله -، وقد مر الأشعري بثلاث مراحل - كما ذكر ابن تيمية في مجموع الفتاوى ج4/72 – وهي باختصار: مرحلة الاعتزال، ثم متابعة ابن كلاب، ثم موافقة أهل السنة، وعلى رأسهم الإمام أحمد بن حنبل، وقد صرح الأشعري بهذا الموقف الأخير في كتبه الثلاثة: رسالة إلى أهل الثغر، ومقالات الإسلاميين، والإبانة، فمن تابع الأشعري على هذه المرحلة، فهو موافق لأهل السنة والجماعة في أكثر المقالات، ومن لزم طريقته في المرحلة الثانية، فقد خالف الأشعري نفسه، وخالف أهل السنة في العديد من مقالاتهم. قال الشيخ ابن عثيمين في الفتاوى ج3/338: " والمتأخرون الذين ينتسبون إلى أبي الحسن الأشعري، أخذوا بالمرحلة الثانية من مراحل عقيدته، والتزموا طريق التأويل في عامة الصفات، ولم يثبتوا إلا الصفات السبع المذكورة في هذا البيت: حي عليم قدير والكلام له إرادة وكذا السمع والبصر على خلاف بينهم وبين أهل السنة في كيفية إثباتها. " انتهى. وقد أفتت اللجنة الدائمة فتوى رقم 6606 ج3/220: " إن الأشاعرة ليسوا كفارا، وإنما أخطأوا في تأويلهم بعض الصفات " انتهى. وعلى هذا فالأولى ألا يدرس المسلم علوم الشريعة إلا على العلماء المعروفين بعلمهم، وسلامة اعتقادهم، والبعد عن المبتدعة والمخالفين لأهل السنة ومنهم الأشاعرة، والأمر في هذا سهل ولله الحمد، فقد أصبحت سبل التعلم متاحة في كل الأوقات لجميع الناس، فها هو علم علماء أهل السنة موجودة بعدة وسائل كالشريط الإسلامي، وهذه الكتب والكتيبات النافعة، وهذه المنتديات الإسلامية على الإنترنت، وهذه المواقع الإسلامية المفيدة، فطرق الخير وأبواب العلم سهلة ميسرة ولله الحمد والمنة فاللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمنا وزدنا علماً وللمزيد راجع سؤال رقم (10693) والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 34531 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1226 ما هي الطريقة الظاهرية [السُّؤَالُ] ـ[نسمع بالطريقة الظاهرية، لم تدعو؟ وهل هي موافقة للسنة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الطريقة الظاهرية معروفة، وهي التي يسير عليها داود بن علي الظاهري، وأبو محمد ابن حزم، ومن يقول بقولهما. ومعناها: الأخذ بظاهر النصوص وعدم النظر في التعليل والقياس، فلا قياس عندهم ولا تعليل، بل يقولون بظاهر الأوامر والنواهي، ولا ينظرون إلى العلل والمعاني، فسموا ظاهرية لهذا المعنى؛ لأنهم أخذوا بالظاهر ولم ينظروا في العلل والحكم والأقيسة الشرعية التي دل عليها الكتاب والسنة، ولكن قولهم في الجملة أحسن من قول أهل الرأي المجرد الذين يحكمون الآراء والأقيسة، ويعرضون عن العناية بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة، لكن عليهم نقص ومؤاخذات في جمودهم على الظاهر، وعدم رعايتهم للعلل والحكم والأسرار التي نبه عليها الشارع وقصدها، ولهذا غلطوا في مسائل كثيرة دل عليها الكتاب والسنة. والله ولي التوفيق. [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى ومقالات للشيخ ابن باز 6 / 218 الحديث: 34759 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1227 وضع اليدين في الصلاة بين أهل السنة وغيرهم [السُّؤَالُ] ـ[أنا متحير في الطريقة التي يصلي بها السنة والشيعة، والدي شيعي وعلمني أن أصلي ويداي في جانبي ولكنني لست أدري ما الفرق. لماذا يوجد هذا الاختلاف بينهما؟ سأكون ممتناً إذا قلت لي أي طريقة كان يستعملها الرسول صلى الله عليه وسلم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله 1. الفرق بين الشيعة – الرافضة - وأهل السنة كبير جداً؛ وذلك لاختلاف المراجع والأصول التي يرجع إليها كل منهما، فالشيعة يعتمدون على كتب وعلماء ليسوا عند أهل السنة بشيء. فمثلاً أهل السنة يعتمدون كتاب صحيح البخاري بعد القرآن، والشيعة لا يعتمدونه مرجعاً ولا يعتبرون صاحبه شيئاً، حتى إنهم ليختلفون معنا في الصحابة، فالشيعة يكفرون الصحابة إلا قليلاً منهم، بل إن بعضهم يزعم أن القرآن الذي في أيدي أهل السنة ناقص ومحرف، ومَن لم يقل بنقص القرآن وتحريفه قال بتحريف معناه، وأبطل ما ورد عن أئمتنا في تفسيره. قال الشعبي: أحذركم الأهواء المضلة وشرها الرافضة، وقد حرقهم علي بن أبي طالب بالنار ونفاهم في البلدان وآية ذلك أن محنة الرافضة محنة اليهود: قالت اليهود: لا تصلح الإمامة إلا لرجل من آل داود، وقالت الرافضة: لا تصلح الإمامة إلا لرجل من ولد علي بن أبي طالب. وقالت اليهود: لا جهاد في سبيل الله حتى يخرج المسيح الدجال وينزل سبب من السماء، وقالت الرافضة: لا جهاد في سبيل الله حتى يخرج المهدي وينادي مناد من السماء. واليهود: يؤخرون صلاة المغرب حتى تشتبك النجوم، وكذلك الرافضة والحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تزال أمتي على الفطرة ما لم يؤخروا صلاة المغرب حتى تشتبك النجوم ". أبو داود 418، وابن ماجة 689، وصححه الألباني في صحيح أبي داود 444. واليهود: تزول عن القبلة شيئاً، وكذلك الرافضة. واليهود: تنود في الصلاة، وكذلك الرافضة … واليهود: يستحلون دم كل مسلم، وكذلك الرافضة. واليهود: لا يرون على النساء عدة، وكذلك الرافضة. واليهود: لا يرون الطلاق الثلاث شيئاً، وكذلك الرافضة. واليهود: حرفوا التوراة، وكذلك الرافضة حرفوا القرآن. واليهود: يبغضون جبريل ويقولون هو عدونا من الملائكة، وكذلك صنف من الرافضة يقولون غلط بالوحي إلى محمد صلى الله عليه وسلم. " السنة " للخلال (3 / 497 – 498) . وهذا بعض من ضلالات الشيعة وخزعبلاتهم، لذا فلا تعجب من سدلهم أيديهم في الصلاة الذي هو مخالفة صريحة لصحيح السنة وصريحها. وأما الأدلة على وجوب القبض ـ أي وضع اليد اليمنى على اليسرى ـ فهي كثيرة، ومنها: عن سهل بن سعد قال: كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة. قال أبو حازم: لا أعلمه إلا يُنمي ذلك إلى النبي الله صلى الله عليه وسلم – أي: يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم -. رواه البخاري (707) . و (كان صلى الله عليه وسلم يضع يده اليمنى على اليسرى) . رواه مسلم 401 مر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل وهو يصلي وقد وضع يده اليسرى على اليمنى فانتزعها ووضع اليمنى على اليسرى. رواه أحمد برقم 12671 عن وائل بن حجر: أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين دخل في الصلاة كبر وصف همام حيال أذنيه ثم التحف بثوبه ثم وضع يده اليمنى على اليسرى فلما أراد أن يركع أخرج يديه من الثوب ثم رفعهما ثم كبر فركع فلما قال سمع الله لمن حمده رفع يديه فلما سجد سجد بين كفيه. رواه مسلم (401) . عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنا معشر الأنبياء أمرنا بتعجيل فطرنا وتأخير سحورنا وأن نضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة ". رواه ابن حبان (3 / 13) . والحديث: صححه الشيخ الألباني في " صفة الصلاة " (ص 87) . وقال ابن حجر: قال ابن عبد البر: لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه خلاف وهو قول الجمهور من الصحابة والتابعين وهو الذي ذكره مالك في الموطأ ولم يحك ابن المنذر وغيرُه عن مالك غيرَه، وروى ابن القاسم عن مالك الإرسال وصار إليه أكثر أصحابه، وعنه التفرقة بين الفريضة والنافلة، ومنهم من كره الإمساك ونقل ابن الحاجب أن ذلك حيث يمسك معتمدا لقصد الراحة. " فتح الباري " (2 / 224) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 5770 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1228 الطائفة البريلوية [السُّؤَالُ] ـ[ما هي الطائفة البريلوية وما هي معتقداتهم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لقد ولدت البريلوية في الهند إبان الاحتلال البريطاني، وهي فرقة صوفية، ويعتقد أتباع هذه الفرقة ويروا أنفسهم في تجاوز الحب للأولياء والأنبياء عامة ورسولنا صلى الله عليه وسلم خاصة. مؤسس هذه الفرقة اسمه أحمد رضا خان بن تقي علي خان والمولود في عام 1272 هـ (1851م) ، وسمى نفسه: "عبد المصطفى". وُلد في مدينة برايلي في إقليم أوتار براديش، وكان تلميذا للميرزا غلام قادر بيج الذي كان بدوره شقيق الميرزا غلام أحمد القادياني: مؤسس القاديانية. لقد كان ضئيل الحجم ولكنه كان أيضا معروفا بالذكاء والدهاء والقسوة، كما أنه كان بذيء اللسان وحاد الطبع سريع الغضب، كما كان يعاني من الأمراض المزمنة ويكثر الشكوى من الصداع المستمر وآلام الظهر. وفي عام 1295 هـ (1874م) زار مكة ودرس على بعض علمائها. من كتبه المشهورة: "أنباء المصطفى" , "خالص الاعتقاد". من اعتقاد هذه الفرقة أن النبي صلى الله عليه وسلم والأولياء لديهم القدرة على التصرف في الخلق وما قد يحدث أو يكون. وقد غلو خاصة في الرسول صلى الله عليه وسلم إلى درجة أنهم كادوا أن يعبدوه، فقد قالوا إن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب، وأنه لم يكن بشرا من بني آدم ولكنه كان نورا، إذ هو نور الله، وهم يجيزون الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم وبالأولياء إلى آخر معتقداتهم الباطلة. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 1487 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1229 من هو ابن عربي؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكن أن توضح من هو ابن عربي. لقد ارتبكت كثيراً من المصادر المتعددة فالشيخ محي الدين ابن عربي (رحمه الله ورضي عنه) لم يكن مهرطقاً (زنديقاً) فقد كان رجل يسبق زمانه وهؤلاء الذين لم يفهموا ما أوتي من الحكمة وسموه بالزندقة لكنه منها بعيد فإن لم تكن أستاذ في التصوف لكنت طلبت منك أن تكف عن تسمية خادم لله ; زنديق لقد وصل إلى درجة عالية من الفهم وتعاليمه كانت تنضح بالإسلام لكن ليس أحد يستطيع أن ينال نور حكمته حتى في أيامنا هذه هناك من يصفه بالخطأ وذلك لنقص فهمهم. للأسف فإن الناس حين لا يفهمون يحاولون أن يدمروا غيرهم. إن كان عندك وقت وقرأت كتبه فسوف تنال معرفة عظيمة ليس حسناً أن تحكم على شخص يسبق فهمه أعوامك ويضيء الطريق أمامك. لا تتبع الوهابيين أو السلفيين أو السعوديين فإنهم يكرسون الشك في كل من يفهم الحقيقة لكي يرجوا لضلالهم الشرير أن ابن عربي لم يضلل أحداً ولكنه سبق زمانه ولم يكن لابن تيميه نفس الفهم والعبقرية لكن ابن عربي كان عملاقاً ولم يكن نقص في جهل ابن تيميه الذي كان نملة يشكل رأي شخص يسبقه بأعوام ولا تظن أن ابن تيميه اقتبس هذا الكلام منه لكن ابن عربي كان عالماً بحق لقد كان ابن تيميه نفسه منحرفاً وضالاً كبيراً وكانت فتواه مصدر لجهل عظيم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من هو ابن عربي؟ هو الصوفي الجلد، بل هو من غلاة الصوفية: محمد بن علي بن محمد الطائي الأندلسي ويعرفنا العلماء بحاله إجابة عن سؤال طرح عليهم، وهذا نصه: ما يقول السادة أئمة الدين وهداة المسلمين في كتاب أُظهر للناس، زعم مصنفه أنه وضعه وأخرجه للناس، بإذن النبي صلى الله عليه وسلم، في منامٍ زعم أنه رآه، وأكثر كتابه ضدّ لما أنزل الله من كتبه المنزّلة، وعكس وضدّ لما قاله أنبياؤه. فمما قال فيه: إن آدم إنّما سمّي إنساناً، لأنه من الحق بمنزلة إنسان العين من العين، الذي يكون به النظر. وقال في موضع آخر: إن الحقّ المنزّه، هو الخلق المشبّه. وقال في قوم نوح: إنهم لو تركوا عبادتهم لودٍّ وسواعٍ ويغوث ويعوق، لجهلوا من الحق أكثر مما تركوا. ثم قال: إن للحقّ في كلّ معبود وجهاً يعرفه من يعرفه، ويجهله من يجهله، فالعالم يعلم من عبد، وفي أي صورة ظهر حين عُبد، وإن التفريق والكثرة، كالأعضاء في الصورة المحسوسة. ثم قال في قوم هود: إنهم حصلوا في عين القرب، فزال البعد، فزال به حر جهنم في حقهم، ففازوا بنعيم القرب من جهة الاستحقاق، فما أعطاهم هذا الذوقي اللذيذ من جهة المنّة وإنما استحقته حقائقهم من أعمالهم التي كانوا عليها، وكانوا على صراط مستقيم. ثم أنكر فيه حكم الوعيد في حقّ من حقّت عليه كلمة العذاب من سائر العبيد. فهل يكفر من يصدّقه في ذلك، أو يرضى به منه، أم لا؟ وهل يأثم سامعه إذا كان بالغاً عاقلاً، ولم ينكره بلسانه أو بقلبه، أم لا؟ أفتونا بالوضوح والبيان، كما أخذ الله على العلماء الميثاق بذلك، فقد أضر الإهمال بالجهال. " عقيدة ابن عربي وحياته " لتقي الدين الفاسي (ص 15، 16) . ونذكر أجوبة بعض العلماء: قال القاضي بدر الدين بن جماعة: هذه الفصول المذكورة، وما أشبهها من هذا الباب: بدعة وضلالة، ومنكر وجهالة، لا يصغي إليها ولا يعرّج عليها ذو دِين. ثم قال: وحاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يأذن في المنام بما يخالف ويعاند الإسلام، بل ذلك من وسواس الشيطان ومحنته وتلاعبه برأيه وفتنته. وقوله في آدم: أنه إنسان العين، تشبيه لله تعالى بخلقه، وكذلك قوله: الحق المنزه، هو الخلق المشبّه إن أراد بالحق رب العالمين، فقد صرّح بالتشبيه وتغالى فيه. وأما إنكاره ما ورد في الكتاب والسنة من الوعيد: فهو كافر به عند علماء أهل التوحيد. وكذلك قوله في قوم نوح وهود: قول لغوٍ باطل مردود وإعدام ذلك، وما شابه هذه الأبواب من نسخ هذا الكتاب، من أوضح طرق الصواب، فإنها ألفاظ مزوّقة، وعبارات عن معان غير محققة، وإحداث في الدين ما ليس منه، فحُكمه: رده، والإعراض عنه. " المرجع السابق " (ص 29، 30) . وقال خطيب القلعة الشيخ شمس الدين محمد بن يوسف الجزري الشافعي: الحمد لله، قوله: فإن آدم عليه السلام، إنما سمّي إنساناً: تشبيه وكذب باطل، وحكمه بصحة عبادة قوم نوح للأصنام كفر، لا يقر قائله عليه، وقوله: إن الحق المنزّه: هو الخلق المشبّه، كلام باطل متناقض وهو كفر، وقوله في قوم هود: إنهم حصلوا في عين القرب، افتراء على الله وردّ لقوله فيهم، وقوله: زال البعد، وصيرورية جهنم في حقهم نعيماً: كذب وتكذيب للشرائع، بل الحقّ ما أخبر الله به من بقائهم في العذاب. وأمّا من يصدقه فيما قاله، لعلمه بما قال: فحكمه كحكمه من التضليل والتكفير إن كان عالماً، فإن كان ممن لا علم له: فإن قال ذلك جهلاً: عُرِّف بحقيقة ذلك، ويجب تعليمه وردعه مهما أمكن. وإنكاره الوعيد في حق سائر العبيد: كذب وردّ لإجماع المسلمين، وإنجاز من الله عز وجل للعقوبة، فقد دلّت الشريعة دلالة ناطقة، أن لا بدّ من عذاب طائفة من عصاة المؤمنين، ومنكر ذلك يكفر، عصمنا الله من سوء الاعتقاد، وإنكار المعاد. " المرجع السابق " (ص 31، 32) . قال ابن تيمية: وقد علم المسلمون واليهود والنصارى بالاضطرار من دين المسلمين، أن من قال عن أحد من البشر: إنه جزء من الله، فإنه كافر في جميع الملل، إذ النصارى لم تقل هذا، وإن كان قولهم من أعظم الكفر، لم يقل أحد: إن عين المخلوقات هي أجزاء الخالق، ولا إن الخالق هو المخلوق، ولا إن الحق المنزه هو الخلق المشبّه. وكذلك قوله: إن المشركين لو تركوا عبادة الأصنام، لجهلوا من الحق بقدر ما تركوا منها، هو من الكفر المعلوم بالاضطرار بين جميع الملل، فإن أهل الملل متفقون على أن الرسل جميعهم نهوا عن عبادة الأصنام، وكفّروا من يفعل ذلك، وأن المؤمن لا يكون مؤمناً، حتى يتبرأ من عبادة الأصنام، وكل معبود سوى الله، كما قال الله تعالى: {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنّا برءاء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتّى تؤمنوا بالله وحده} [الممتحنة / 4] ، - واستدل على ذلك بآيات أخر -، ثم قال: فمن قال إن عبّاد الأصنام، لو تركوهم لجهلوا من الحق بقدر ما تركوا منها: أكفر من اليهود والنصارى، ومن لم يكفّرهم: فهو أكفر من اليهود والنصارى، فإن اليهود والنصارى يكفّرون عبّاد الأصنام، فكيف من يجعل تارك عبادة الأصنام جاهلاً من الحق بقدر ما ترك منها؟! مع قوله: فإن العالم يعلم من عبد، وفي أي صورة ظهر حين عبد، فإن التفريق والكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة، وكالقوة المعنوية في الصورة الروحانية، فما عبد غير الله في كل معبود، بل هو أعظم كفراً من عبّاد الأصنام، فإن أولئك اتخذوهم شفعاء ووسائط، كما قالوا: {ما نعبدهم إلا ليقرّبونا إلى الله زلفى} [الزمر / 40] ، وقال تعالى: {أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئاً ولا يعقلون} [الزمر /43] وكانوا مقرين بأن الله خالق السماوات والأرض، وخالق الأصنام، كما قال تعالى: {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولنّ الله} [الزمر / 38] . " المرجع السابق " (ص 21 - 23) . وقال شيخ الإسلام أيضاً: وقال الفقيه أبو محمد بن عبد السلام، لمّا قدم القاهرة، وسألوه عن ابن عربي، قال: هو شيخ سوء مقبوح، يقول بقدم العالم، ولا يحرم فرجاً أ. هـ فقوله بقدم العالم؛ لأن هذا قوله، وهو كفر معروف فكفّره الفقيه أبو محمد بذلك، ولم يكن ـ بعد ـ ظهر من قوله: أن العالم هو الله، وأن العالم صورة الله وهوية الله، فإن هذا أعظم من كفر القائلين بقدم العالم الذي يثبتون واجباً لوجوده ويقولون أنه صدر عنه الوجود الممكن. وقال عنه من عاينه من الشيوخ: أنه كان كذاباً مفترياً، وفي كتبه مثل "الفتوحات المكية " وأمثالها من الأكاذيب مالا يخفى على لبيب. ثم قال: ولم أصف عُشر ما يذكرونه من الكفر، ولكن هؤلاء التبس أمرهم على يعرف حالهم، كما التبس أمر القرامطة الباطنية، لما ادعوا أنهم فاطميون، وانتسبوا إلى التشيع، فصار المتشيعون مائلين إليهم، غير عالمين بباطن كفرهم. ولهذا كان من مال إليهم أحد رجلين: إما زنديقاً منافقاّ، أو جاهلاً ضالاً هؤلاء الاتحادية، فرؤوسهم هم أئمة كفر يجب قتلهم، ولا تقبل توبة أحد منهم إذا أخذ قبل التوبة، فإنه من أعظم الزنادقة، الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر، وهم الذين يبهمون قولهم ومخالفتهم لدين الإسلام، ويجب عقوبة كل من انتسب إليهم، أو ذب عنهم، أو أثنى عليهم، أو عظّم كتبهم، أو عرف بمساعدتهم ومعاونتهم، أو كره الكلام فيهم، وأخذ يعتذر عنهم أو لهم بأن هذا الكلام لا يدرى ما هو، ومن قال: إنه صنف هذا الكتاب! وأمثال هذه المعاذير التي لا يقولها إلا جاهل أو منافق، بل تجب عقوبة كل من عرف حالهم، ولم يعاون على القيام عليهم، فإن القيام على هؤلاء من أعظم الواجبات؛ لأنهم أفسدوا العقول والأديان، على خلق من المشايخ والعلماء والملوك والأمراء، وهم يسعون في الأرض فساداً، ويصدون عن سبيل الله، فضررهم في الدين أعظم من ضرر من يفسد على المسلمين دنياهم ويترك دينهم، كقطاع الطريق، وكالتتار الذي يأخذون منهم الأموال، ويبقون لهم دينهم، ولا يستهين بهم من لم يعرفهم، فضلالهم وإضلالهم أطمّ وأعظم من أن يوصف. ثم قال: ومن كان محسنا للظن بهم وادعى أنه لم يعرف حالهم: عُرِّف حالهم، فإن لم يباينهم وتظهر لهم الإنكار، وإلا ألحق بهم وجعل منهم. وأما من قال: لكلامهم تأويل يوافق الشريعة، فإنه من رؤوسهم وأئمتهم، فإنه إن كان ذكياً: فإنه يعرف كتاب لهم فيما قال، وإن كان معتقداً لهذا باطناً وظاهراً: فهو أكفر من النصارى. باختصار " المرجع السابق " (ص 25 - 28) . قال ابن حجر: أنه ذكر لمولانا شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني، شيئاً من كلام ابن عربي المشكل، وسأله عن ابن عربي، فقال له شيخنا البلقيني: هو كافر. " المرجع السابق " (ص 39) . قال ابن خلدون: ومن هؤلاء المتصوفة: ابن عربي، وابن سبعين، وابن برّجان، وأتباعهم، ممن سلك سبيلهم ودان بنحلتهم، ولهم تواليف كثيرة يتداولونها، مشحونة من صريح الكفر، ومستهجن البدع، وتأويل الظواهر لذلك على أبعد الوجوه وأقبحها، مما يستغرب الناظر فيها من نسبتها إلى الملّة أو عدّها في الشريعة. " المرجع السابق " (ص 41) . وقال السبكي: ومن كان من هؤلاء الصوفية المتأخرين، كابن العربي وأتباعه، فهم ضلاّل جهال، خارجون عن طريقة الإسلام، فضلاً عن العلماء. " المرجع السابق " (ص 55) . قال أبو زرعة ابن الحافظ العراقي: لا شك في اشتمال" الفصوص" المشهورة على الكفر الصريح الذي لا شك فيه، وكذلك " فتوحاته المكية "، فإن صحّ صدور ذلك عنه، واستمر عليه إلى وفاته: فهو كافر مخلد في النار بلا شك. " المرجع السابق " (ص / 60) . وبعد، فهل يستطيع عاقل أن يسمي هؤلاء الجهابذة من العلماء بأنهم لم يفهموا ابن عربي فإذا لم يفهمه هؤلاء فمن يفهمه إذاً. = حادثة فيهما عبرة قال الفاسي: وسمعت صاحبنا الحافظ الحجة، القاضي شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر الشافعي يقول: جرى بيني وبين بعض المحبين لابن عربي منازعة كثيرة في أمر ابن عربي، حتى نلت منه لسوء مقالته، فلم يسْلَ ذلك بالرجل المنازع لي في أمره، وهددني بالشكوى إلى السلطان بمصر، بأمر غير الذي تنازعنا فيه، ليتعب خاطري، فقلت له: ما للسلطان في هذا مدخل! ألا تعال نتباهل، فقل أن تباهل اثنان، فكان أحدهما كاذباً إلا وأصيب، قال: فقال لي: بسم الله، قال: فقلت له: قل: اللهم إن كان ابن عربي على ضلال فالعني بلعنتك، فقال ذلك، وقلت أنا: اللهم إن كان ابن عربي على هدى فالعني بلعنتك، وافترقنا، قال: ثم اجتمعنا في بعض متنزهات مصر في ليلة مقمرة، فقال لنا: مرّ على رجلي شيء ناعم، فانظروا فنظرنا فقلنا: ما رأينا شيئاً، قال: ثم التمس بصره، فلم يرَ شيئاً. (أي أصابه الله بالعمى) هذا معنى ما حكاه لي الحافظ شهاب الدين بن حجر العسقلاني. " المرجع السابق " (ص 75، 76) . فهذه بعض ضلالات الرجل وخزعبلاته لمن أراد الحق أو أراد أن يتبع سبيل الرشاد، فهو مهرطق زنديق لم يسبق زمانه إلا بالضلال والكفر، وليس له نور وحكمة بل هو في ظلمة الجهل. وقد سقنا إليك من كلام العلماء غير ابن تيمية ما يبين كفر ابن عربي حتى لا تظن أن شيخ الإسلام انفرد بتكفيره أما سوء أدبك مع شيخ الإسلام ابن تيمية وزعمك أنه جاء بعده بسنين فنقول: وأنت جئت بعد ابن تيمية بأضعاف ما كان بينه وابن عربي فأنت أولى بالسكوت منه. ولا يجوز سوء الأدب مع شيخ كابن تيمية طبَّق علمه الدنيا وما فيها، فكيف لرجل مثلك أن يصفه بأنه نملة. من أنت حتى تصف شيخ الشيوخ وشيخ الإسلام بأنه نملة أما تخاف أن تقف بين يدي الله ويسألك لم أسأت الأدب مع العلماء. ونحن نسألك بالله الذي لا إله إلا هو هل الذي يقول إن المخلوق جزء من الخالق هو إنسان مسلم؟ بناء على جوابك تعرف حقيقة إسلامك، والله الهادي إلى سواء السبيل.. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 7691 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1230 من هو الغزالي [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكن أن تلقي بعض الضوء على (من هو الإمام الغزالي) ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الغزالي: هو محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي المعروف بالغزالي، ولد بطوس سنة (450هـ) وكان والده يغزل الصوف ويبيعه في دكانه بطوس. والحديث عن الغزالي يطول نظراً لأنه مرَّ بعدة مراحل، فقد خاض في الفلسفة ثم رجع عنها وردَّ عليها، وخاض بعد ذلك فيما يسمى بعلم الكلام وأتقن أصوله ومقدماته ثم رجع عنه بعد أن ظهر له فساده ومناقضاته ومجادلات أهله، وقد كان متكلماً في الفترة التي ردَّ فيها على الفلاسفة ولُقب حينها بلقب " حجة الإسلام " بعد أن أفحمهم وفند آراءهم، ثم إنه تراجع عن علم الكلام وأعرض عنه وسلك مسلك الباطنية وأخذ بعلومهم ثم رجع عنه وأظهر بطلان عقائد الباطنية وتلاعبهم بالنصوص والأحكام، ثم سلك مسلك التصوف. فهذه أربعة أطوار مرَّ بها الغزالي وما أحسن ما قاله الشيخ أبو عمر ابن الصلاح - رحمه الله - عنه حيث قال: " أبو حامد كثر القول فيه ومنه، فأما هذه الكتب – يعني كتبه المخالفة للحق – فلا يُلتفت إليها، وأما الرجل فيُسكت عنه، ويُفَوَّضُ أمره إلى الله " أنظر كتاب (أبو حامد الغزالي والتصوف) لعبد الرحمن دمشقية. ولا يُنكر المُنْصِف ما بلغه أبو حامد الغزالي من الذكاء المتوقد والعبقرية النادرة حتى قال عنه الذهبي: " الغزالي الشيخ الإمام البحر حجة الإسلام أعجوبة الزمان زين الدين أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي الشافعي الغزالي صاحب التصانيف والذكاء المفرط تَفَقَّه ببلده أولاً ثم تحول إلى نيسابور في مرافقة جماعة من الطلبة فلازم إمام الحرمين فبرع في الفقه في مدة قريبة ومهر في الكلام والجدل حتى صار عين المناظرين ... " سير أعلام النبلاء ج9 ص 323. وتجد أبا حامد الغزالي مع أن له من العلم بالفقه والتصوف والكلام والأصول وغير ذلك مع الزهد والعبادة وحسن القصد وتبحره في العلوم الإسلامية ... يميل إلى الفلسفة لكنه أظهرها في قالب التصوف والعبارات الإسلامية ولهذا فقد رد عليه علماء المسلمين حتى أخص أصحابه أبو بكر بن العربي فإنه قال شيخنا أبو حامد دخل في بطن الفلاسفة ثم أراد أن يخرج منهم فما قدر وقد حكى عنه من القول بمذاهب الباطنية ما يوجد تصديق ذلك في كتبه. أنظر مجموع الفتاوى ج4 ص66 ومع تقدم الغزالي في العلوم إلا أنه كان مُزْجَى البضاعة في الحديث وعلومه، لا يميز بين صحيح الحديث وسقيمه قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله –: " فإن فرض أن أحداً نقل مذهب السلف كما يذكره (الخارج عن مذهب السلف) ؛ فإما أن يكون قليل المعرفة بآثار السلف كأبي المعالي وأبي حامد الغزالي وابن الخطيب وأمثالهم ممن لم يكن لهم من المعرفة بالحديث ما يُعَدَّونَ به من عوام أهل الصناعة فضلا عن خواصها ولم يكن الواحد من هؤلاء يعرف البخاري ومسلماً وأحاديثهما إلا بالسماع كما يذكر ذلك العامة، ولا يميزون بين الحديث الصحيح المتواتر عند أهل العلم بالحديث، وبين الحديث المفترى المكذوب، وكتبهم أصدق شاهد بذلك، ففيها عجائب. وتجد عامة هؤلاء الخارجين عن منهاج السلف من المتكلمة والمتصوفة يعترف بذلك، إما عند الموت، وإما قبل الموت، والحكايات في هذا كثيرة معروفة ... هذا أبو حامد الغزالي مع فرط ذكائه وتألهه ومعرفته بالكلام والفلسفة وسلوكه طريق الزهد والرياضة والتصوف ينتهي في هذه المسائل إلى الوقف والحيرة ويحيل في آخر أمره على طريقة أهل الكشف ... " مجموع الفتاوى ج4 ص71 وقال أيضاً: " ولهذا كان أبو حامد مع ما يوجد في كلامه من الرد على الفلاسفة، وتكفيره لهم، وتعظيم النبوة، وغير ذلك، ومع ما يوجد فيه من أشياء صحيحةٍ حسنةٍ بل عظيمة القدر نافعة، يوجد في بعض كلامه مادة فلسفية وأمور أضيفت إليه توافق أصول الفلاسفة الفاسدة المخالفة للنبوة، بل المخالفة لصريح العقل، حتى تكلم فيه جماعات من علماء خراسان والعراق والمغرب، كرفيقه أبي إسحاق المرغيناني وأبي الوفاء بن عقيل والقشيري والطرطوشي وابن رشد والمازري وجماعات من الأولين، حتى ذكر ذلك الشيخ أبو عمرو بن الصلاح فيما جمعه من طبقات أصحاب الشافعي، وقرره الشيخ أبو زكريا النووي، قال في هذا الكتاب: فصلٌ في بيان أشياء مهمة أُنكرت على الإمام الغزالي في مصنفاته ولم يرتضيها أهلُ مذهبه وغيرُهم من الشذوذ في تصرفاته منها: قوله في مقدمة المنطق في أول المستصفي: هذه مقدمة العلوم كلها، ومن لا يحيط بها فلا ثقة بعلومه أصلاً. قال الشيخ أبو عمرو: وسمعت الشيخ العماد بن يونس يحكي عن يوسف الدمشقي مدرس النظامية ببغداد وكان من النظار المعروفين أنه كان ينكر هذا الكلام ويقول: فأبو بكر وعمر وفلان وفلان يعني أن أولئك السادة عظمت حظوظهم من الثلج واليقين ولم يحيطوا بهذه المقدمة وأسبابها " العقيدة الأصفهانية. ج 1 ص169 ونقل الذهبي في كتابه سير أعلام النبلاء عن محمد بن الوليد الطرطوشي في رسالة له إلى ابن مظفر قال: فأما ما ذكرت من أبي حامد فقد رأيته وكلمته فرأيته جليلا من أهل العلم، واجتمع فيه العقل والفهم، ومارس العلوم طول عمره، وكان على ذلك معظم زمانه، ثم بدا له عن طريق العلماء، ودخل في غُمار العُبَّاد، ثم تصوَّف، وهجر العلومَ وأهلها، ودخل في علوم الخواطر وأرباب القلوب ووساوس الشيطان، ثم شابها بآراء الفلاسفة ورموز الحلاج، وجعل يطعن على الفقهاء والمتكلمين، ولقد كاد أن ينسلخَ من الدين، فلما عمل الإحياء عمد يتكلم في علوم الأحوال ومرامز الصوفية، وكان غير أنيس بها، ولا خبير بمعرفتها، فسقط على أمِّ رأسه، وشحن كتابه بالموضوعات. قلت (القائل هو الذهبي) أما الإحياء ففيه من الأحاديث الباطلة جملة، وفيه خيرٌ كثير، لولا ما فيه من آداب ورسوم وزهد من طرائق الحكماء ومنحرفي الصوفية نسأل الله علماً نافعاً، تدري ما العلم النافع؟ هو ما نزل به القرآن وفسره الرسول صلى الله عليه وسلم قولاً وفعلاً ولم يأت نهي عنه. قال عليه السلام: " من رغب عن سنتي فليس مني ". فعليك يا أخي بتدبر كتاب الله، وبإدمان النظر في الصحيحين، وسنن النسائي، ورياض النواوي وأذكاره، تفلح وتنجح. وإياك وآراء عباد الفلاسفة ووظائف أهل الرياضات وجوع الرهبان وخطاب طيش رؤوس أصحاب الخلوات، فكل الخير في متابعة الحنيفية السمحة. فواغوثاه بالله اللهم اهدنا إلى صراطك المستقيم ... ثم إن المازري أثنى على أبي حامد في الفقه، وقال هو بالفقه أعرف منه بأصوله، وأما علم الكلام الذي هو أصول الدين فإنه صنف فيه وليس بالمُتَبَحِر فيها، ولقد فطنت لعدم استبحاره فيها، وذلك أنه قرأ علوم الفلسفة قبل استبحاره في فن الأصول فأكسبته الفلسفة جرأة على المعاني، وتسهلاً للهجوم على الحقائق؛ لأن الفلاسفة تمر مع خواطرها، لا يردعها شرع. وعرَّفني صاحب له أنه كان له عكوف على رسائل إخوان الصفا وهي إحدى وخمسون رسالة، ألفها من قد خاض في علم الشرع والنقل وفي الحكمة، فمزج بين العلمين، وقد كان رجلٌ يعرف بابن سينا ملأ الدنيا تصانيف، أدته قوته في الفلسفة إلى أن حاول رد أصول العقائد إلى علم الفلسفة وتلطف جهده حتى تم له ما لم يتم لغيره، وقد رأيت جملا من دواوينه، ووجدت أبا حامد يعول عليه في أكثر ما يشير إليه من علوم الفلسفة. وأما مذاهب الصوفية فلا أدري على من عَوَّل فيها، لكني رأيت فيما علق بعض أصحابه أنه ذكر كتب ابن سينا وما فيها، وذكر بعد ذلك كتب أبي حيان التوحيدي، وعندي أنه عليه عول في مذهب التصوف، وأُخبرت أن أبا حيان ألف ديوانا عظيماً في هذا الفن وفي الإحياء من الواهيات كثير ... ثم قال: ويستحسن أشياء مبناها على مالا حقيقة له، كقص الأظفار أن يبدأ بالسبابة لأن لها الفضل على باقي الأصابع؛ لأنها المسبحة، ثم قص ما يليها من الوسطى؛ لأنها ناحية اليمين، ويختم بإبهام اليمنى وروى في ذلك أثراً. قلت (القائل هو الذهبي) : هو أثر موضوع ... قال أبو الفرج ابن الجوزي صنف أبو حامد الإحياء وملأه بالأحاديث الباطلة ولم يعلم بطلانها، وتكلم على الكشف وخرج عن قانون الفقه، وقال عن المراد بالكوكب والقمر والشمس اللواتي رآهن إبراهيم أنوار هي حُجُبُ الله عز وجل، ولم يُرِد هذه المعروفات، وهذا من جنس كلام الباطنية. " السير ج19 ص340 ثم إن الغزالي – رحمه الله – رجع في آخر حياته إلى عقيدة أهل السنة والجماعة، وأكب على الكتاب والسنة، وذم الكلام وأهله، وأوصى الأمة بالرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والعمل بما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، قال شيخ الإسلام رحمه الله: " ... وإن كان بعد ذلك رجع إلى طريقة أهل الحديث وصنف إلجام العوام عن علم الكلام " مجموع الفتاوى ج4 ص72. " وإن نظرة إلى كتابه المسمى إلجام العوام عن علم الكلام، ليثبت لنا حقيقة هذا التغيُّر من وجوهٍ عديدة: الوجه الأول: أنه انتصر في هذا الكتاب لعقيدة السلف، منبهاً على أن الحق هو مذهب السلف، وأن من خالفهم في ذلك فهو مبتدع. الوجه الثاني: أنه نهى عن التأويل أشد النهي، داعياً إلى إثبات صفات الله، وعدم تأويلها بما يودي بها إلى التعطيل. الوجه الثالث: أنه شدد النكير على المتكلمين، ووصف كل أصولهم ومقاييسهم بـ" البدعة المذمومة "، وبأنها كانت سبب تضرر أكثر الخلق به، ومنبت الشر بين المسلمين قائلاً: والدليل على تضرر الخلق به: المشاهدة والعيان والتجربة، وما ثار من الشر منذ نبغ المتكلمون، وفشت صناعة الكلام مع نهي العصر الأول من الصحابة رضي الله عنهم عن مثل ذلك. ويدل عليه أيضاً أن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة بأجمعهم ما سلكوا في المحاجة مسلك المتكلمين في تقسيماتهم وتدقيقاتهم – لا لعجز منهم عن ذلك – فلو علموا أن ذلك نافع لأطنبوا فيه، ولخاضوا في تحرير الأدلة خوضاً يزيد على خوضهم في مسائل الفرائض. وقال أيضاً: إن الصحابة رضي الله عنهم كانوا محتاجين إلى محاجة اليهود والنصارى في إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، فما زادوا على أدلة القرآن شيئاً، وما ركبوا ظهر اللجاج في وضع المقاييس العقلية وترتيب المقدمات. كل ذلك لعلمهم بأن ذلك مثار الفتن ومنبع التشويش، ومن لا يقنعه أدلة القرآن، لا يقنعه إلا السيف والسنان فما بعد بيان الله بيان " أنظر كتاب (أبو حامد الغزالي والتصوف) هذه مجموعة من النقولات عن بعض العلماء الموثوق بعلمهم عن الغزالي رحمه الله ولعل فيها الكفاية لمن أراد الهداية. والله الهادي إلى سواء السبيل. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 13473 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1231 هل يمكن أن يعيش المسلمون بسلام في فلسطين [السُّؤَالُ] ـ[أتكلم راجياً التصحيح، طبقاً للكتاب المقدس (الإنجيل) ليس هناك بلد يسمى إسرائيل، فقط فلسطين، وكلا الشعبين العربي واليهودي من نسل سيدنا إبراهيم، وفي الحقيقة هم أخوة، فلماذا لا يعيشون في انسجام في بلد يدعى فلسطين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يمكن الإجابة عن هذا السؤال من خلال الفقرات التالية: - لا شك أن نبي الله إبراهيم كان موحدا حنيفا ولم يك من المشركين الكافرين , واليهود وإن كانوا من نسل إبراهيم عليه السلام إلا أنهم خالفوا ملة إبراهيم فأشركوا بالله وزعموا أن عزيرا ابن الله وقالوا إن الله بخيل ويده مغلولة وقالوا إن الله فقير ونحن أغنياء وقالوا إن الله لما خلق السماوات والأرض في ستة أيام تعب فاستراح يوم السبت - تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا - وشبّهوا في صفات الله وقتلوا الأنبياء.. إلخ انحرافاتهم. - فإذا تقررت هذه المفارقة والمخالفة فلا أخوة بين مؤمن موحد وبين كافر مشرك كما قال تعالى على لسان إبراهيم الخليل: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ لأسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) .. لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (6) ، سورة الممتحنة، وإذا تقررت هذه المفاصلة والعداوة فإن العداء والبراء وما يلزمه من جهاد لأعداء الله أمر لا انفكاك عنه، فما دام أن سنة الله تعالى وحكمته قضت أن ثمة مؤمن وكافر. فلا بد من وجود هذه العداوة وظهورها ولن تجد لسنة الله تبديلا. - ثم إنه لا يمكن أيضا الانسجام مع يهود غاصبين معتدين - آذوا وظلموا وعُرفوا بالغدر والخيانة والإفساد في الأرض قديما وحديثا - وبين أصحاب الأرض المسلمين الموحدين الذين قتل اليهود رجالهم وسجنوا أبناءهم وهدموا بيوتهم وغصبوا أرضهم وحاربوهم في أرزاقهم، وأجروا التجارب الكيميائية والإشعاعية على سجنائهم واستأصلوا منهم أعضاء بشرية لمصلحة بعض المرضى اليهود.. إلى آخر أنواع الظلم والاضطهاد. - وبالإضافة إلى ذلك فاليهود أهل غدر وخيانة، ولا يمكن الوثوق بهم إطلاقا، وسلوكهم الحالي من الشواهد والأدلة على ذلك، فهل هناك اتفاقية أو معاهدة عقدوها فوفّوا بها، وهذا ليس باكتشاف أو مفاجأة للمسلم الذي يعرف ماذا قال الله في كتابه عن اليهود، قال ربنا عزّ وجلّ: (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (100) سورة البقرة. - ثم لو رضي المسلمون أن يعيشوا مع اليهود سلميا فلمن سيكون الحكم؟ إن من القواعد الإسلامية أنّ الإسلام يعلو ولا يُعلى، ومن شرط إقامة أهل الكتاب مع المسلمين في بلد المسلمين أن يلتزم اليهود أو النصارى بشروط أهل الذمّة مقابل الأمان والحماية التي يمنحها لهم المسلمون، ومن أهم شروط أهل الذمة أن لا يُفشي الكتابيون شركهم وكفرهم في بلد المسلمين لا بالقول ولا بالفعل. - وحيث أن المسلمين واليهود كيانان متنافران ومتعاديان دينيا وعقديا فإنه لا يُمكن اجتماعهما معا إلا أن يرضخ أحدهما للآخر بالقوة بل إن اليهود الآن لا يسمحون للمسلمين بالبقاء ولو لم يقم المسلمون بأي عمل استفزازي ولذلك ينزعون ملكية أراضي المسلمين بالقوة ويبنون مستوطناتهم عليها ويريدون طرد المسلمين بأي طريقة وقد شرّدوا الملايين منهم إلى الدول المجاورة التي أقيم بها ما يُعرف بمخيمات اللاجئين الفلسطينيين. - وأخيرا فإن كون المسلمين الآن في مرحلة استضعاف وذلّ - بسبب تخلفهم عن دينهم - وكونهم لا يستطيعون قتال اليهود واسترجاع الأراضي المغتصبة وفرض أحكام الشريعة الإسلامية على أرض فلسطين فإن ذلك لا يعني أن الأمر سيستمر هكذا إلى نهاية الدنيا بل لا بدّ أن يتغيّر الحال ومن أدلة ذلك الخبر المستقبلي الذي أخبرنا به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهو المؤيد بالوحي من ربّه فلا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، قال عليه الصلاة والسلام: " تُقَاتِلُكُمْ الْيَهُودُ فَتُسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَقُولَ الْحَجَرُ يَا مُسْلِمُ هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي فَاقْتُلْهُ. " رواه مسلم 2921 والحديث في البخاري 2926 وفي رواية لمسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ فَيَقْتُلُهُمْ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوْ الشَّجَرُ يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ الَّهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ إِلا الْغَرْقَدَ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ. " رواه مسلم 2922 ونحن إذ نشكرك أيها السائل على رغبتك في معرفة الحقيقة وأدبك في السؤال فإننا ندعوك للإيمان بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا فإنها - واللهِ - تنجيك وتنفعك وتحفظك في الدنيا، وفي القبر بعد الموت، وفي الآخرة يوم يقوم الحساب، والله يوفقنا وإياك لكل خير. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 1098 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1232 الفِرق أصحاب العقائد المختلفة في هذه الأمة كلها في النار إلا واحدة [السُّؤَالُ] ـ[سأكون ممتنة لكم إذا وضحتم لي الخلافات الرئيسية للطوائف الإسلامية، مع أني أعرف أن الإسلام دين واحد؟ .]ـ [الْجَوَابُ] جواب سؤالكِ أيتها الأخت السائلة طويل يصلح أن يكون في كتاب وليس في مثل هذا الموقع ولكن يُمكن أن نقول هنا في هذه العجالة: إنّ النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا سلفا بتفرّق هذه الأمّة كما افترقت الأمم قبلها وذلك فيما جاء في الحديث الصحيح حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ عَنْ خَالِدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افْتَرَقَتْ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى أَوْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَتَفَرَّقَتْ النَّصَارَى عَلَى إِحْدَى أَوْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً رواه أبو داود في سننه: كتاب السنّة: باب شرح السنّة. وعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افْتَرَقَتْ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَافْتَرَقَتْ النَّصَارَى عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً فَإِحْدَى وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِي عَلَى ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ قَالَ الْجَمَاعَةُ سنن ابن ماجة رقم 3982 والمقصود بالجماعة هي ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في العقيدة والعمل. فمن الفرق التي تنتسب إلى الإسلام من ضلّ في باب توحيد الله وأسمائه وصفاته فقالوا إنّ الوجود كله هو الله أو أنّ الله حلّ في خلقه - تعالى الله عن قولهم - بل هو سبحانه وتعالى فوق سماواته مستو على عرشه منفصل عن خلقه، ومن الفرق من ضلّ في باب الإيمان فأخرجوا العمل من الإيمان وقالوا إنّ الإيمان لا يزيد ولا ينقص والصحيح أنّ الإيمان قول وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان، ومنهم من ضلّ بإخراج مرتكب الكبيرة من الإسلام والحكم عليه بالخلود في النّار مع أنّ الصحيح أنّ مرتكب الكبيرة - غير الشرك والكفر الأكبر - لا يخرج من الإسلام، ومن الفرق من ضلّ في باب القضاء والقدر فقالوا إنّ الإنسان مجبور على أفعاله مع أنّ الصحيح أنّ الإنسان له إرادة ومشيئة بناء عليها يحاسب ويتحمّل تبعة فعله، ومن الفرق من ضلّ في باب القرآن فقالوا هو مخلوق مع أنّ الصحيح أنّه كلام الله منزّل غير مخلوق، ومن الفرق من ضلّ في باب الصحابة فكفّروهم وسبّوهم مع أنّهم أصحاب النبي الكريم الذين نزل الوحي بينهم وهم أعلم الأمّة وأعبد الأمّة وجاهدوا في الله حقّ جهاده ونصر الله بهم الدّين رضي الله عنهم. وهكذا سائر الفِرَق التي انحرفت عن الإسلام وابتدعت في دين الله كل فرقة بما لديهم فرحون قد سلكوا سبُل الشيطان مخالفين قول الله تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) سورة الأنعام. نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل السنّة الناجين من النار وأن يدخلنا الجنّة مع الأبرار وصلى الله على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 1393 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1233 سؤال عن عبد الله الهرري الحبشي [السُّؤَالُ] ـ[هل عبد الله الهرري الحبشي خدم الإسلام أم هدمه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الرجل المذكور رجل سوء، من رؤوس البدعة والضلال في هذا العصر، وقد جنّد نفسه وأتباعه لهدم عقيدة المسلمين التي كان عليها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون، وجمعوا لأنفسهم مذهباً فاسداً في الفقهيات، ملؤوه بكل شاذ ورديء من القول لا سند له من كتاب أو سنة، ولهم أوابد وطوام كثيرة في الاعتقاديات والعمليات، والطعن في أئمة هذا الدين. فالواجب على المسلمين في كل مكان الحذر والتحذير من هذه الفرقة الضالة، ومن أفكارها المنحرفة، وآرائها الشاذة. نسأل الله الكريم أن يكف عن المسلمين شرهم وشر غيرهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى اللجنة الدائمة 12 / 308. الحديث: 10216 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1234 الالتزام بالمذهب مع العلم بأنه مرجوح [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الالتزام بالمذهب ولو تبيّن أنه مرجوح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الذي يلتزم بمذهب معين ثم تبين له أنّه مرجوح بمقتضى الأدلة فهذا خطر عظيم على الفاعل ولا يجوز وهذا يدخل في قوله تعالى (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) التوبة/31 وهذا فيه إعراض عن هديه تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله الحديث: 26269 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1235 طائفة الديوبندية [السُّؤَالُ] ـ[هل الديوبانديين من أهل السنة؟ هل هم في حقل الإسلام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الديوبندية طائفة من طوائف المسلمين، تنسب إلى جامعة ديوبند – دار العلوم – في الهند. وهي مدرسة فكرية عميقة الجذور طبعت كل خريج منها بطابعها العلمي الخاص، حتى أصبح ينسب إليها. التأسيس وأبرز الشخصيات: أسس جامعة ديوبند مجموعة من علماء الهند بعد أن قضى الإنجليز على الثورة الإسلامية في الهند عام 1857م، فكان تأسيسها ردَّ فعلٍ قوي لوقف الزحف الغربي ومدنيته المادية على شبه القارة الهندية لإنقاذ المسلمين من مخاطر هذه الظروف، خاصة وأن دلهي العاصمة قد خرِّبت بعد الثورة وسيطر عليها الإنجليز سيطرة كاملة، وخاف العلماء أن يُبتلع دينهم، فأخذ الشيخ إمداد الله المهاجر المكي وتلميذه الشيخ محمد قاسم الناناتووي وأصحابهما برسم الخطط للمحافظة على الإسلام وتعاليمه، فرأوا أن الحل بإقامة المدارس الدينية، والمراكز الإسلامية، وهكذا أُسست المدرسة الإسلامية العربية بديوبند كمركز للدين والشريعة في الهند في عصر حكومة الإنجليز. أبرز شخصيات هذه المدرسة الفكرية: 1- محمد قاسم. 2- رشيد أحمد الكنكوهي. 3- حسين أحمد المدني. 4- محمد أنور شاه الكشميري. 5- أبو الحسن الندوي. 6- المحدث حبيب الرحمن الأعظمي. الأفكار والمعتقدات: - هم في الأصول (العقيدة) على مذهب أبي منصور الماتريدي في الاعتقاد. - وعلى مذهب الإمام أبي حنيفة في الفقه والفروع. - وسلكوا الطرق الصوفية من النقشبندية والجشتية والقادرية والسهروردية في السلوك والاتباع. ويمكن تلخيص أفكارهم ومبادئ الدراسة الديوبندية بما يلي: - المحافظة على التعاليم الإسلامية، والإبقاء على شوكة الإسلام وشعائره. - نشر الإسلام ومقاومة المذاهب الهدَّامة والتبشرية. - نشر الثقافة الإسلامية ومحاربة الثقافة الإنجليزية الغازية. - الاهتمام بنشر اللغة العربية لأنها وسيلة الاستفادة من منابع الشريعة الإسلامية. - الجمع بين العقل والقلب، وبين العلم والروحانية. أنظر الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب. (1/308) . وحيث أن الديوبندية تتبنى مذهب الماتريدية في العقيدة فلا بد من التعريف بالماتوريدية: وهي فرقة كلامية، تُنسب إلى أبي منصور الماتريدي، قامت على استخدام البراهين والدلائل العقلية والكلامية في محاججة خصومها، من المعتزلة والجهيمة وغيرهم لإثبات حقائق الدين والعقيدة الإسلامية. ومن حيث مصدر التلقي فقد قسم الماتريدية أصول الدين حسب مصدر التلقي على قسمين: الإلهيات (العقليات) : وهي ما يستقل العقل بإثباتها والنقل تابع له، وتشمل أبواب التوحيد والصفات. الشرعيات (السمعيات) : وهي الأمور التي يجزم العقل بإمكانها ثبوتاً ونفياً، ولا طريق للعقل إليها مثل: النبوات،وعذاب القبر، وأمور الآخرة، علماً بأن بعضهم جعل النبوات من قبيل العقليات. ولا يخفى ما في هذا من مخالفةٍ لمنهج أهل السنة والجماعة حيث أن القرآن والسنة وإجماع الصحابة هم مصادر التلقي عندهم، فضلاً عن مخالفتهم في بدعة تقسيم أصول الدين إلى عقليات وسمعيات، والتي قامت على فكرة باطلة وضعها الفلاسفة تفترض أن نصوص الدين متعارضة مع العقل، فعملوا على التوسط بين العقل والنقل، مما اضطرهم إلى إقحام العقل في غير مجالات بحثه، فخرجوا بأحكام باطلة تصطدم مع الشرع ألجأتهم إلى التفويض والتأويل، بينما لا منافاة عند أهل السنة والجماعة بين العقل السليم الصريح والنقل الصحيح. انظر الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة (1/99) . موقف أهل السنة من الماتريدية: ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن هذه الأمة سوف تفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، وبيَّن عليه الصلاة والسلام أن الفرقة الناجية هي الجماعة،وهي التي تكون على مثل ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصحابته الكرام. ولا ريب أن أهل السنة والجماعة المتمسكون بالكتاب والسنة علماً وعملاً هم الفرقة الناجية وذلك لتحقق الوصف فيهم،وهو الالتزام بما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم علماً وعملا. فلا يكفي ليكون الفرد أو الجماعة من الفرقة الناجية مجرد الانتساب للسنة مع المخالفة لمنهج السلف من الصحابة والتابعين، بل لا بد من الالتزام بمنهجهم في العلم والعمل والتصور والسلوك. والماتريدية من الطوائف التي في أقوالها حق وباطل ومخالفة للسنة، ومعلوم أن هذه الطوائف تتفاوت في مدى القرب والبعد من الحق، فإن كل من كان أقرب إلى السنة كان أقرب إلى الحق والصواب، فمنهم " من يكون قد خالف السنة في أصول عظيمة، ومنهم من يكون إنما خالف السنة في أمور دقيقة، ومن يكون قد رد على غيره من الطوائف الذين هم أبعد عن السنة منه، فيكون محموداً فيما رده من الباطل وما قاله من الحق، لكن يكون قد جاوز العدل في رده بحيث جحد بعض الحق، وقال بعض الباطل فيكون قد رد بدعة كبيرة ببدعة أخف منها، ورد بالباطل باطلاً بباطل أخف منه، وهذه حال أكثر أهل الكلام المنتسبين إلى السنة والجماعة ... " انتهى من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية الفتاوى (1/348) . بقيت مسألة مهمة هنا وهي: ما هو واجبنا تجاه الماتريدية، ومن نحى نحوهم في العقيدة كالديوبندية وغيرهم؟ والجواب يختلف باختلاف الأشخاص: فمن كان منهم معانداً داعياً إلى بدعته فيجب التحذير منه وبيان ضلاله وانحرافه، وأما من لم يكن داعياً إلى بدعته واتضح من قوله وعمله طلب الحق والسعي إليه فإنه يُناصح ويبين له خطأ هذا المعتقد وإرشاده بالتي هي أحسن، لعل الله أن يرده إلى الحق، وهذه النصيحة داخلة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: " الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا لِمَنْ قَالَ لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ " رواه مسلم (55) [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 22473 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1236 هل الجماعات الإسلامية المعاصرة من الثلاث وسبعين فرقة [السُّؤَالُ] ـ[في الساحة من يقول إن الفرق التي ورد الأمر باعتزالها في حديث حذيفة هي الجماعات الإسلامية كالسلفيين والإخوان والتبليغيين فما قول سماحتكم في ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله النبي صلى الله عليه وسلم قال لحذيفة لما قال: يا رسول الله كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (نعم) ، قال حذيفة: فهل بعد هذا الشر من خير؟ قال: (نعم وفيه دخن) قلت: وما دخنه؟ قال: (قوم يهدون بغير هديي ويستنون بغير سنتي تعرف منهم وتنكر) ، قال حذيفة: يا رسول الله فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: (نعم، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها) قلت: يا رسول الله صفهم لنا؟ قال: (هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا) يعني: من العرب. قلت: يا رسول الله فما تأمرنا عند ذلك؟ قال: (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم) ، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: (فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك) رواه البخاري ومسلم. هذا الحديث العظيم يبين لنا، أن الواجب على المسلم: لزوم جماعة المسلمين والتعاون معهم في أي مكان سواء كانت جماعة وجدت في الجزيرة العربية، أو في مصر أو في الشام أو في العراق أو في أمريكا أو في أوروبا أو في أي مكان. فمتى وجد المسلم جماعة تدعو إلى الحق ساعدهم وصار معهم، وأعانهم وشجعهم، وثبتهم على الحق والبصيرة، فإذا لم يجد جماعة بالكلية فإنه يلزم الحق: وهو الجماعة، ولو كان واحداً كما قال ابن مسعود رضي الله عنه لعمرو بن ميمون: (الجماعة ما وافق الحق، وإن كنت وحدك) . فعلى المسلم أن يطلب الحق، فإذا وجد مركزاً إسلامياً يدعو إلى الحق، أو جماعة في أي مكان يدعون إلى الحق - أي: إلى كتاب الله وسنة رسوله، وإلى العقيدة الطيبة - في أوروبا أو في أفريقيا أو في أي مكان، فليكن معهم يطلب الحق ويلتمس الحق ويصبر عليه ويكون مع أهله. هذا هو الواجب على المسلم، فإذا لم يجد من يدعو إلى الحق لا دولة ولا جماعة لزم الحق وحده واستقام عليه، فهو الجماعة حينئذ كما قال ابن مسعود رضي الله عنه لعمرو بن ميمون. وفي زمننا هذا - والحمد لله - توجد الجماعات الكثيرة الداعية إلى الحق، كما في الجزيرة العربية ... ، وفي اليمن والخليج، وفي مصر والشام وفي أفريقيا وأوروبا وأمريكا وفي الهند وباكستان وغير ذلك من أنحاء العالم، توجد جماعات كثيرة ومراكز إسلامية وجمعيات إسلامية تدعو إلى الحق وتبشر به، وتحذر من خلافه. فعلى المسلم الطالب للحق في أي مكان أن يبحث عن هذه الجماعات، فإذا وجد جماعة أو مركزاً أو جمعية تدعو إلى كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم تبعها ولزمها، كأنصار السنة في مصر والسودان، وجمعية أهل الحديث في باكستان والهند، وغيرهم ممن يدعو إلى كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويخلص العبادة لله وحده، ولا يدعو معه سواه من أصحاب القبور ولا غيرهم. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/8 ص / 179. الحديث: 21065 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1237 تحب رجلاً من غير أهل السنة وتريد الزواج منه [السُّؤَالُ] ـ[أعرف رجلا شيعيا يحبني كثيرا ويريد أن يتزوجني زواج دائم وليس زواج متعة، أعرف أن معتقد الشيعة مختلف عن معتقد السنة فناقشت هذا معه ووافق على أن يبحث عن الفروق بين المعتقدين، وأتمنى أن هذه الطريقة سوف تمكنه من أن يكتشف بنفسه الطريق الصحيح. المشكلة أنني لم أستطع العثور على موقع على الإنترنت يزودني بمعلومات عن هذا الموضوع ويوضح الفروق ولا يتهم الشيعة مباشرة بأنهم مخطئين. أتمنى أن أتحدث مع شخص عن هذا الموضوع لأن عندي أسئلة كثيرة وأحتاج مساعدة وأتمنى أن أتحدث مع شخص ما أو أن أحصل على مصدر يسهل عليه البحث ولا يجعله متهما أو أن يحط من قيمة مذهبه. أعتقد أن الحديث معه بأسلوب جيد وبلطف تجعله أكثر قابلية للقبول والسماع من محاولة إقناعه بأنه على خطأ.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نحن معشر أهل السنة نحب الخير للجميع، ونسأل الله تعالى أن يهدي كل ضال، ويثيب كل مطيع، ونرجو الله أن يهدي أولئك الرافضة.. إن الفروق بين مذهب أهل السنة والرافضة جذرية وكبيرة جداً منها أن الرافضة يقولون بتحريف القرآن الكريم، ويطعنون ويضللون جمهور الصحابة رضي الله عنهم، ويغلون في أئمتهم ويعبدونهم، ويفضلونهم على الأنبياء والملائكة، ويحجّون إلى المشاهد والقبور، ويمارسون عندها أنواعاً من الشرك بالله تعالى، كما يعتقدون بالنفاق ويسمونها (التقية) ، كما يقولون بالبداء والرجعة والعصمة المطلقة للأئمة، وعقيدة الطينة.. وننصحك بقراءة رسالة الخطوط العريضة لمحب الدين الخطيب أو كتاب مختصر التحفة الأثني عشرية للدهلوي، أو فكرة التقريب بين أهل السنة والشيعة لناصر القفاري، وننصحك بعدم التفكير بالزواج منه.. ومن ترك شيئاً لله عوضه خيراً منه، نسأل الله لك التوفيق والحياة الطيبة في الدنيا والآخرة. ونذكّرك بالامتناع عن إقامة العلاقة مع الرجال الأجانب كما تجدين توضيحه في سؤال رقم 1114و9465و2005، نسأل الله أن يوفقك لكل خير. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد آل عبد اللطيف الحديث: 4569 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1238 كيف يتصرَّف مع " منصِّر " طرق بابه ليعرِض عليه نسخة من الإنجيل؟ [السُّؤَالُ] ـ[ماذا تفعل لو طرق بابك مبشِّر؟ فما هو أفضل طريقة للتعامل معه؟ وماذا تفعل معه إن حاول أن يهديك نسخة من " الكتاب المقدس "؟ وبماذا تنصح في أن نستبدل الأدوار فأدعوه للإسلام، وأهديه في نهاية الأمر نسخة من القرآن؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ثمة تنبيهان على مصطلحين استعملا في السؤال: أ. لفظ " مبشِّر ". فالواجب استعمال كلمة " التنصير " بدلاً من كلمة " التبشير " , والمنصِّر بدلاً من " المبشِّر "، فالبشارة في استعمالها عندهم هي البشارة بالهداية، والجنَّة! , فهم على ذلك من دعاة الهدى، وهذا بخلاف الواقع، وإلا فهم من دعاة جهنم – والعياذ بالله -. قال علماء اللجنة الدائمة: وكان من أبرز أعداء هذا الدين: " النصارى الحاقدون "، الذين كانوا - ولا يزالون - يبذلون قصارى جهدهم، وغاية وسعهم، لمقاومة المد الإسلامي في أصقاع الدنيا، بل ومهاجمة الإسلام والمسلمين في عقر ديارهم، لا سيما في حالات الضعف التي تنتاب العالم الإسلامي، كحالته الراهنة اليوم، ومن المعلوم بداهة: أن الهدف من هذا الهجوم هو زعزعة عقيدة المسلمين، وتشكيكهم في دينهم؛ تمهيداً لإخراجهم من الإسلام، وإغرائهم باعتناق النصرانية، عبر ما يعرف خطأ بـ " التبشير "، وما هو إلا دعوة إلى الوثنية في النصرانية المحرَّفة، التي ما أنزل الله بها من سلطان، ونبي الله عيسى عليه السلام منها براء. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد. " فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 306) . ب. لفظة " الكتاب المقدَّس ". فلا يجوز إطلاق " الكتاب المقدس " على الكتب التي بأيدي اليهود، والنصارى، الآن؛ لأن هذه الكتب - في الواقع - محرَّفة، كما لا يخفى عليكم , والقداسة، والتعظيم إنما هما لكلام الله تعالى، وكتبه المحفوظة، الخالية من التحريف، وهو ما لا ينطبق إلا على القرآن. نسأل الله أن يجزيك خيراً، أن يبارك فيك، ويوفقك لهداية الناس، وإخراجهم من الظلمات إلى النور. ثانياً: من المفيد أن يقابِل المسلمُ الدعوةَ إلى الكفر بالدعوة إلى الإسلام , والكلمة الباطلة بالكلمة الحق , بشرط أن يكون هذا المسلمُ متمكناً من الأمر الذي يدعو إليه , وعنده علم برد الشبَه التي يتوقع أن يثيرها الطرف المقابل , وفي سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ " ضِمَاداً " قَدِمَ مَكَّةَ وَكَانَ مِنْ " أَزْدِ شَنُوءَةَ " وَكَانَ يَرْقِي مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ فَسَمِعَ سُفَهَاءَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يَقُولُونَ إِنَّ مُحَمَّداً مَجْنُونٌ، فَقَالَ: لَوْ أَنِّي رَأَيْتُ هَذَا الرَّجُلَ لَعَلَّ اللَّهَ يَشْفِيهِ عَلَى يَدَيَّ، قَالَ: فَلَقِيَهُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنِّي أَرْقِى مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ وَإِنَّ اللَّهَ يَشْفِي عَلَى يَدِي مَنْ شَاءَ فَهَلْ لَكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَمَّا بَعْدُ) قَالَ: فَقَالَ: أَعِدْ عَلَيَّ كَلِمَاتِكَ هَؤُلاَءِ، فَأَعَادَهُنَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، قَالَ: فَقَالَ: لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ وَقَوْلَ السَّحَرَةِ وَقَوْلَ الشُّعَرَاءِ فَمَا سَمِعْتُ مِثْلَ كَلِمَاتِكَ هَؤُلاَءِ وَلَقَدْ بَلَغْنَ نَاعُوسَ الْبَحْرِ، قَالَ: فَقَالَ هَاتِ يَدَكَ أُبَايِعْكَ عَلَى الإِسْلاَمِ، قَالَ: فَبَايَعَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (وَعَلَى قَوْمِكَ) قَالَ: وَعَلَى قَوْمِي، قَالَ: فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً فَمَرُّوا بِقَوْمِهِ فَقَالَ صَاحِبُ السَّرِيَّةِ لِلْجَيْشِ هَلْ أَصَبْتُمْ مِنْ هَؤُلاَءِ شَيْئًا فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ أَصَبْتُ مِنْهُمْ مِطْهَرَةً، فَقَالَ: (رُدُّوهَا فَإِنَّ هَؤُلاَءِ قَوْمُ ضِمَادٍ) . رواه مسلم (868) . وأما إدارة الحوار، وكيف يكون أسلوب تعاملك معه، بالشدة أو باللين، فهذا يرجع إلى المصلحة، وإلى طبيعة الموقف، ومن المهم، بل من المؤكد في حقك ألا تقف موقف الدفاع، ولا تدع له الفرصة لأخذ زمام المبادرة، بل تكون أنت مالك الزمام، وتستطيع التخلص من الموقف برمته متى أحببت ذلك، ومن المهم أن يكون عندك مجموعة من الكتب التي تنتقد أصول دينه، ولا بأس أن تهديه بعضها. ثالثاً: لا يجوز إعطاء الكافر نسخة من القرآن العربي إذا غلب على الظن امتهانه له، فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (نَهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ) . رواه البخاري (2828) ومسلم (1869) . قال النووي – رحمه الله -: وفي الرواية الأخرى (مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ العَدُو) , وفى الرواية الأخرى: (فَإِنِّي لاَ آمَنُ أََنْ يَنَالَهُ العدو) , فيه: النهي عن المسافرة بالمصحف إلى أرض الكفار للعلة المذكورة في الحديث، وهى خوف أن ينالوه فينتهكوا حرمته، فإن أُمنت هذه العلة بأن يدخل في جيش المسلمين الظاهرين عليهم: فلا كراهة , ولا منع منه حينئذ؛ لعدم العلة، هذا هو الصحيح , وبه قال أبو حنيفة، والبخاري، وآخرون. " شرح مسلم " (13 / 13) . وأما إعطاؤهم نسخة من ترجمة القرآن: فلا بأس؛ لأن الترجمة لا تعتبر قرآناً , وانظر جواب السؤال رقم: (10694) . ويمكن الاستعاضة عن المصحف ببعض الكتب، والمنشورات، التي ترغب في الإسلام , وتبين حقيقته، وشرائعه. وعلى ذلك: فلو قمتَ بنصحه، وطلبت منه القراءة عن الإسلام الصحيح، والتجرد عن الهوى والتعصب , ولو رافق ذلك إهداء لكتاب عن الإسلام، أو نسخة لترجمة معاني القرآن، أو لزيارة مركز إسلامي، أو غير ذلك: فهذا خير وبركة، إن شاء الله. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 138030 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1239 ولد مسلما، فشك في الإسلام، فخرج يبحث عن دينه، فمات [السُّؤَالُ] ـ[إذا ولد شخص مسلما، لكنه شب لا يؤمن بالإسلام، ويبحث عن الدين الصحيح، ومات قبل أن يكتشف أن الإسلام هو الدين الحق؛ فهل سيذهب إلى الجنة أم إلى النار؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: أولا: قد دلت النصوص القاطعة المتكاثرة من الكتاب والسنة، وإجماع أهل العلم المقطوع به، على أن كل من مات موحدا مسلما، فهو من أهل الجنة ولا بد، حتى وإن عذب قبل دخولها بذنوبه، وأما من مات مشركا، كافرا بالله العظيم، أيا كانت ملته وديانته: فهو في النار خالدا فيها مخلدا، أبد الآبدين. قال الله تعالى: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) المائدة/72. وقال تعالى: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) الزمر/65-66. وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ وَقُلْتُ أَنَا مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ) . رواه البخاري (1238) ومسلم (92) . قال القاضي عياض رحمهُ اللهُ عند كلامهِ عن تكفيرِ من صوب أقوال المجتهدين في أصولِ الدين: " وقائلُ هذا كلهِ كافرٌ بالإجماعِ على كفرِ من لم يكفر أحداً من النصارى واليهود، وكل من فارق دين المسلمين أو وقف في تكفيرهم أو شك " انتهى. " الشفا " (2/281) ثانيا: من رحمة الله تعالى بعباده أنه لا يعذب أحدا حتى تبلغه رسالة ربه، وأنه أرسل رسله رحمة بعباده، وقطعا لعذر من اعتذر. قال تعالى: (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً) النساء/65. وقال تعالى: (مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) الإسراء/15. وروى مسلم (153) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ) . قال النووي: " َفِي مَفْهُومِهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةُ الْإِسْلَامِ فَهُوَ مَعْذُورٌ، وَهَذَا جَارٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْأُصُولِ أَنَّهُ لَا حُكْمَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ عَلَى الصَّحِيحِ " انتهى. ثالثا: إذا حصل البلاغ وورد الشرع وأقيمت الحجة، فلا يعذر المخالف، ولا يمهل وينتظر به حتى يتعرف – بزعمه – على الحق. (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ) [فاطر/37] " متعناكم في الدنيا، وأدررنا عليكم الأرزاق، وقيضنا لكم أسباب الراحة، ومددنا لكم في العمر، وتابعنا عليكم الآيات، وأوصلنا إليكم النذر، وابتليناكم بالسراء والضراء، لتنيبوا إلينا وترجعوا إلينا، فلم ينجع فيكم إنذار، ولم تفد فيكم موعظة، وأخرنا عنكم العقوبة، حتى إذا انقضت آجالكم، وتمت أعماركم، ورحلتم عن دار الإمكان، بأشر الحالات، ووصلتم إلى هذه الدار، دار الجزاء على الأعمال: سألتم الرجعة!! هيهات هيهات، فات وقت الإمكان، وغضب عليكم الرحيم الرحمن، واشتد عليكم عذاب النار، ونسيكم أهل الجنة، فامكثوا فيها خالدين مخلدين، وفي العذاب مهانين ". "تفسير السعدي" (ص 690) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وهنا تكلم الناس في وجوب إمهال الكافر، إذا طلب الإمهال للنظر: فأوجبه من أوجبه من المتكلمين، من المعتزلة ومن تبعهم على هذه الطريقة ... وأما الفقهاء أئمة الدين فلا يوجبون ذلك مطلقا؛ أما في حال المقاتلة: فيقاتلون حتى يسلموا أو يقروا بالجزية إن كانوا من أهلها. فإذا أُسِر الرجل منهم: فهذا لا يتعين قتله؛ فإذا طلب مثلُ هذا الإمهال، ورُجي إسلامه، أمهل. وأما المرتد: فلا يؤخر عند الجماهير أكثر من ثلاث. وأما من له عهد: فذلك لا يكره على الإسلام، فهو في مهلة النظر دائما. ولو طلب أهل دار ممتنعين من الإمام أن يمهلهم مدة، ورجا بذلك إسلامهم، ولم يخف مفسدة راجحة: أمهلهم. والحربي إذا طلب الأمان حتى يسمع القرآن، وينظر في دلائل الإسلام: أمَّناه، كما قال تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} التوبة/6. " انتهى. " درء تعارض العقل والنقل" (8/15) . وقال علماء اللجنة: " المسلمون لا يحكمون على غيرهم بأنهم في النار إلا بشرط وهو: أن يكونوا قد بلغهم القرآن، أو بيان معناه من دعاة الإسلام بلغة المدعوين؛ لقول الله عز وجل: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} وقوله سبحانه: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} فمن بلغتهم الدعوة الإسلامية من غير المسلمين وأصر على كفره فهو من أهل النار، لما تقدم من الآيتين، ولقول النبي صلى لله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار» خرجه مسلم في صحيحه. والأدلة في هذا المعنى من الآيات والأحاديث كثيرة " انتهى وقال علماء اللجنة أيضا: " ومن عاش في بلاد يسمع فيها الدعوة إلى الإسلام وغيره، ثم لا يؤمن، ولا يطلب الحق من أهله: فهو في حكم من بلغته الدعوة الإسلامية وأصر على الكفر " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (2 /148) وقالوا أيضا: " من بلغته الدعوة من سائر الكفرة على وجه يفهم به ما بلغه لو أراد الفهم، فقد قامت عليه الحجة، فلا يعذر بالجهل " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/427) وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " من بلغه القرآن وبلغه الإسلام , ثم لم يدخل فيه فله حكم الكفرة "انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (1 / 50) وسئل الشيخ ابن باز: ما مصير من لا يعلم بأن دين الإسلام هو الدين الصحيح، والمقبول عند الله، ويعتقد دينا خيرا [من] الإسلام؟ فأجاب الشيخ: " إذا كان المسئول عنه عاش بين المسلمين، وقد بلغه القرآن والسنة، ومع ذلك يعتقد دينا غير دين الإسلام فحكمه حكم أهل الدين الذي اعتقده وهو الكفر " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" - (28 /202- 203) وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " من بلغته رسالة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يؤمن به ويتبعه لم يكن مؤمنا ولا مسلما بل هو كافر من أهل النار " انتهى. "مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (4 / 219) . فيتبين مما سبق أن هذا المذكور في السؤال: مرتد، وأن المرتد ليس له أن يمهل أكثر من ثلاثة أيام؛ فإن عاد إلى الإسلام، وإلا قتل. فإن مات قبل ذلك، ولم يستتب، ولم يقم عليه الحد: فهو كافر، له أحكام الكفار، فلا يغسل , ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يورث ماله. فإن قدر أنه لم يدر شيئا عن الإسلام، ولم يبلغه على وجه صحيح، أو أن له عذرا عند الله، فذاك أمره إلى الله، يحكم فيه بحكمه وعدله في الدار الآخرة، وهو أحكم الحاكمين. يراجع السؤال رقم: (9607) ، (111362) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130271 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1240 تعريف موجز بديانة الهندوس [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكن تزويدي ببعض الحقائق عن الهندوسية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: التعريف. الهندوسية: ويطلق عليها أيضاً البرهمية، ديانة وثنية، يعتنقها معظم أهل الهند، وهي مجموعة من العقائد والعادات والتقاليد التي تشكلت عبر مسيرة طويلة من القرن الخامس عشر قبل الميلاد إلى وقتنا الحاضر، حيث كان هناك – في القرن الخامس عشر قبل الميلاد - سكان الهند الأصليون من الزنوج الذين كانت لهم أفكار ومعتقدات بدائية، ثم جاء الغزاة الآريون مارّين في طريقهم بالإيرانيين فتأثرت معتقداتهم بالبلاد التي مروا بها، ولما استقروا في الهند حصل تمازج بين المعتقدات تولدت عنه الهندوسية كدين فيه أفكار بدائية من عبادة الطبيعة والأجداد والبقر بشكل خاص، وفي القرن الثامن قبل الميلاد تطورت الهندوسية عندما وُضع مذهب البرهمية، وقالوا بعبادة براهما. ولا يوجد للديانة الهندوسية مؤسس معين، ولا يعرف لمعظم كتبها مؤلفون معينون، فقد تمّ تشكُّل الديانة وكذلك الكتب عبر مراحل طويلة من الزمن. ثانيا: الأفكار والمعتقدات. نستطيع فهم الهندوسية من خلال كتبها، ونظرتها إلى الإله، ومعتقداتها، وطبقاتها، إلى جانب بعض القضايا الفكرية والعقائدية الأخرى. أ- كتبها: للهندوسية عدد هائل من الكتب عسيرة الفهم، غريبة اللغة، وقد أُلّفت كتب كثيرة لشرحها، وأخرى لاختصار تلك الشروح، وكلها مقدسة عندهم، وأهمها: 1- " الفيدا " (veda) : وهي كلمة سنسكريتية، معناها الحكمة والمعرفة، وتصور حياة الآريين، ومدارج الارتقاء للحياة العقلية من السذاجة إلى الشعور الفلسفي، وفيه أدعية تنتهي بالشك والارتياب، كما أن فيه تأليهاً يرتقي إلى وحدة الوجود، وهي تتألف من أربعة كتب. 2- مها بهارتا: ملحمة هندية تشبه الإلياذة والأوديسة عند اليونان، ومؤلفها " وياس " ابن العارف " بوسرا " الذي وضعها سنة 950 ق. م، وهي تصف حرباً بين أمراء من الأسر المالكة، وقد اشتركت الآلهة في هذه الحرب. ب- نظرة الهندوسية إلى الآلهة: - التوحيد: لا يوجد توحيد بالمعنى الدقيق، لكنهم إذا أقبلوا على إله من الآلهة أقبلوا عليه بكل جوارحهم حتى تختفي عن أعينهم كل الآلهة الأخرى، وعندها يخاطبونه برب الأرباب، أو إله الآلهة. - التعدد: يقولون بأن لكل طبيعة نافعة أو ضارة إلهاً يُعبد: كالماء والهواء والأنهار والجبال.. وهي آلهة كثيرة يتقربون إليها بالعبادة والقرابين. - التثليث: في القرن التاسع قبل الميلاد جمع الكهنة الآلهة في إله واحد أخرج العالم من ذاته وهو الذي أسموه: 1- براهما: من حيث هو موجود. 2- فشنو: من حيث هو حافظ. 3- سيفا: من حيث هو مهلك. فمن يعبد أحد الآلهة الثلاثة فقد عبدها جميعاً أو عبد الواحد الأعلى ولا يوجد أي فارق بينها، وهم بذلك قد فتحوا الباب أمام النصارى للقول بالتثليث. - يلتقي الهندوس على تقديس البقرة وأنواع من الزواحف كالأفاعي وأنواع من الحيوان كالقردة، ولكن تتمتع البقرة من بينها جميعاً بقداسة تعلو على أي قداسة، ولها تماثيل في المعابد والمنازل والميادين، ولها حق الانتقال إلى أي مكان، ولا يجوز للهندوكي أن يمسها بأذى أو بذبحها، وإذا ماتت دفنت بطقوس دينية. - يعتقد الهندوس بأن آلهتهم قد حلت كذلك في إنسان اسمه كرشنا، وقد التقى فيه الإله بالإنسان، وحل اللاهوت في الناسوت، وهم يتحدثون عن كرشنا كما يتحدث النصارى عن المسيح، وقد عقد الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله مقارنة بينهما مظهراً التشابه العجيب، بل التطابق، وعلق في آخر المقارنة قائلاً: " وعلى المسيحيين أن يبحثوا عن أصل دينهم ". ج- الطبقات في المجتمع الهندوسي: - منذ أن وصل الآريون إلى الهند شكَّلوا طبقات ما تزال قائمة إلى الآن، ولا طريق لإزالتها؛ لأنها تقسيمات أبدية من خلق الله كما يعتقدون. - وردت الطبقات في قوانين منو على النحو التالي: - 1- البراهمة: وهم الذين خلقهم الإله براهما من فمه: منهم المعلم، والكاهن، والقاضي، ولهم يلجأ الجميع في حالات الزواج والوفاة، ولا يجوز تقديم القرابين إلا في حضرتهم. 2- الكاشتر: وهم الذين خلقهم الإله من ذراعيه: يتعلمون ويقدمون القرابين ويحملون السلاح للدفاع. 3- الويش: وهم الذين خلقهم الإله من فخذه: يزرعون ويتاجرون ويجمعون المال وينفقون على المعاهد الدينية. 4- الشودر: وهم الذين خلقهم الإله من رجليه، وهم مع الزنوج الأصليين يشكلون طبقة " المنبوذين "، وعملهم مقصور على خدمة الطوائف الثلاث السابقة الشريفة، ويمتهنون المهن الحقيرة والقذرة. - يلتقي الجميع على الخضوع لهذا النظام الطبقي بدافع ديني. - يجوز للرجل أن يتزوج من طبقة أعلى من طبقته، ويجوز أن يتزوج من طبقة أدنى، على أن لا تكون الزوجة من طبقة الشودر الرابعة، ولا يجوز للرجل من طبقة الشودر أن يتزوج من طبقة أعلى من طبقته بحال من الأحوال. - البراهمة هم صفوة الخلق، وقد ألحقوا بالآلهة، ولهم أن يأخذوا من أموال عبيدهم " شودر " ما يشاؤون. - البرهمي الذي يكتب الكتاب المقدس هو رجل مغفور له ولو أباد العوالم الثلاثة بذنوبه. - لا يجوز للملك - مهما اشتدت الظروف - أن يأخذ جباية أو إتاوة من البرهمي. - إن استحق البرهمي القتل لم يجز للحاكم إلا أن يحلق رأسه، أما غيره فيقتل. - البرهمي الذي هو في العاشرة من عمره يفوق الشودري الذي ناهز المائة، كما يفوق الوالد ولده. - لا يصحُّ لبرهمي أن يموت جوعاً في بلاده. - المنبوذون أحط من البهائم وأذل من الكلاب بحسب قانون منو. - من سعادة المنبوذين أن يخدموا البراهمة وليس لهم أجر أو ثواب. - إذا مدّ أحد المنبوذين إلى برهمي يداً أو عصاً ليبطش به قطعت يده، وإذا رفسه فُدِعت رجله. - إذا هَمَّ أحد من المنبوذين بمجالسة برهمي فعلى الملك أن يكوي استه وينفيه من البلاد. - إذا ادّعى أحد المنبوذين أنه يعلِّم برهمياً فإنه يسقى زيتاً مغليًّا. - كفارة قتل الكلب والقطة والضفدعة والوزغ والغراب والبومة ورجل من الطبقة المنبوذة سواء. - ظهر مؤخراً بعض التحسن البسيط في أحوال المنبوذين خوفاً من استغلال أوضاعهم ودخولهم في أديان أخرى لا سيما النصرانية التي تغزوهم أو الشيوعية التي تدعوهم من خلال فكرة صراع الطبقات، ولكن كثيراً من المنبوذين وجدوا العزة والمساواة في الإسلام فاعتنقوه. د- معتقداتهم: تظهر معتقداتهم في " الكارما "، وتناسخ الأرواح، والانطلاق، ووحدة الوجود: 1- " الكارما ": قانون الجزاء، أي أن نظام الكون إلهي قائم على العدل المحض، هذا العدل الذي سيقع لا محالة، إما في الحياة الحاضرة، أو في الحياة القادمة، وجزاء حياةٍ يكون في حياة أخرى، والأرض هي دار الابتلاء، كما أنها دار الجزاء والثواب. 2- تناسخ الأرواح: إذا مات الإنسان يفنى منه الجسد، وتنطلق منه الروح لتتقمص وتحل في جسد آخر بحسب ما قدم من عمل في حياته الأولى، وتبدأ الروح في ذلك دورة جديدة. 3- الانطلاق: صالح الأعمال وفاسدها ينتج عنه حياة جديدة متكررة لتثاب فيها الروح أو لتعاقب على حسب ما قدمت في الدورة السابقة. - من لم يرغب في شيء ولن يرغب في شيء وتحرر من رق الأهواء، واطمأنت نفسه، فإنه لا يعاد إلى حواسه، بل تنطلق روحه لتتحد بالبراهما. 4- وحدة الوجود: التجريد الفلسفي وصل بالهنادكة إلى أن الإنسان يستطيع خلق الأفكار والأنظمة والمؤسسات، كما يستطيع المحافظة عليها أو تدميرها، وبهذا يتحد الإنسان مع الآلهة، وتصير النفس هي عين القوة الخالقة. أ - الروح كالآلهة أزلية سرمدية، مستمرة، غير مخلوقة. ب - العلاقة بين الإنسان والآلهة كالعلاقة بين شرارة النار والنار ذاتها، وكالعلاقة بين البذرة وبين الشجرة. ت - هذا الكون كله ليس إلا ظهوراً للوجود الحقيقي، والروح الإنسانية جزء من الروح العليا. هـ- أفكار ومعتقدات أخرى: - الأجساد تحرق بعد الموت لأن ذلك يسمح بأن تتجه الروح إلى أعلى، وبشكل عمودي، لتصل إلى الملكوت الأعلى في أقرب زمن، كما أن الاحتراق هو تخليص للروح من غلاف الجسم تخليصاً تاماً. - عندما تتخلص الروح وتصعد يكون أمامها ثلاثة عوالم: 1- إما العالم الأعلى: عالم الملائكة. 2- وإما عالم الناس: مقر الآدميين بالحلول. 3- وإما عالم جهنم: وهذا لمرتكبي الخطايا والذنوب. - ليس هناك جهنم واحدة، بل لكل أصحاب ذنب جهنم خاصة بهم. - البعث في العالم الآخر إنما هو للأرواح لا للأجساد. - المرأة التي يموت عنها زوجها لا تتزوج بعده، بل تعيش في شقاء دائم، وتكون موضعاً للإهانات والتجريح، وتكون في مرتبة أقل من مرتبة الخادم، ولذلك قد تحرق المرأة نفسها إثر وفاة زوجها تفادياً للعذاب المتوقع الذي ستعيش فيه، وقد حرم القانون هذا الإجراء في الهند الحديثة. ثالثا: الانتشار ومواقع النفوذ. كانت الديانة الهندوسية تحكم شبه القارة الهندية وتنتشر فيها على اختلاف في التركيز، ولكن البون الشاسع بين المسلمين والهندوس في نظرتيهما إلى الكون والحياة وإلى البقرة التي يعبدها الهندوس ويذبحها المسلمون ويأكلون لحمها؛ كان ذلك سبباً في حدوث التقسيم، حيث أُعلن عن قيام دولة الباكستان بجزأيها الشرقي والغربي والتي معظمها من المسلمين، وبقاء دولة هندية معظم سكانها هندوس والمسلمون فيها أقلية كبيرة. هذا التعريف مأخوذ من " الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة " (2/724-731) مع شيء من الاختصار والتصرف اليسير. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126472 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1241 يعتقد أن عيسى خير من محمد ويطعن في نبينا [السُّؤَالُ] ـ[لماذا تقولون إن محمداً هو خير خلق الله - والذي لا أظن ذلك -؛ لأن خير خلق الله يجب أن لا يكون له ذنوب، وهذا يخالف محمَّداً؛ لأنه كثير الذنوب. خير خلق الله هو الذي ليس للشيطان عليه سلطان، وهو المسيح، وأنتم تعرفون والقرآن يقر بذلك. وكذلك خير خلق الله لا يلقي الشيطان على لسانه آيات دون أن يعلم , وكذلك خير خلق الله لا يخالف أمراً من الله، وخير خلق الله لا يمكن أن يجري عليه سحرٌ، وكيف يكون أَبَوَا خير خلق الله مشركين، وماتا مشركين؟ وأيضاً فإن خير خلق الله لا ينشر دينه بالسيف، أو بالمال يبيعه. إنكم تبالغون كثيراً، إن أردتم أورد لكم الآيات التي تثبت صحة كلامي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: قد قرأنا ما كتبت بحروفه كلها، وأعدنا القراءة مرة وأخرى، فمن حقنا عليك أن تقرأ لنا ما ندافع به عن ديننا، وعن نبينا محمد - صلى الله عليه وعلى أخيه عيسى وسلم -، ومن حقنا عليك أن تتأمل كلامنا كما تأملْنا كلامك، أليس كذلك؟ . ثانياً: من الجيد أن تكون خاتمة رسالتك فيها إقرار بأن " عيسى " عليه السلام خير خلق الله تعالى، والإقرار بأنه مخلوق ينفي عنه الألوهية، وأنه إله رب؛ لأنك أقررتَ أنه مخلوق مربوب، ولن يجتمع في ذات أنها خالق ومخلوق، ورب ومربوب، أو " لاهوت وناسوت "، ولعلك باعتقادك هذا تعتقد أيضاً بطلان العقيدة التي تثبت لهذا المخلوق أنه إله، أليس كذلك؟ . إن المسيح الذي تتكلم عنه في سؤالك، ليس هو المسيح الذي تؤمنون به معشر النصارى، فعن أيهما تريد أن تتحدث، وأن يدور حوارنا: عبد الله عيسى ابن مريم، المخلوق؛ أو الابن الذي اتخذتموه إلها؟! انظر إجابة السؤال رقم (82361) ثالثاً: لسنا في صدد المقارنة بين عيسى ومحمد عليهما السلام، فنحن في شرعنا قد نهينا عن المفاضلة بين الأنبياء، وبخاصة تلك المفاضلة التي فيها إنقاص لقدر الطرف الآخر، وهو ما فعلته أنتَ، فلم تستطع إثبات خيرية عيسى عليه السلام على خلق الله تعالى إلا بالطعن بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا أمرٌ مرفوض في شرعنا لو كان الطرف الآخر أقل منزلة، وأما مع الطعن بأحد الأنبياء فإن من يفعل ذلك يكفر ويخرج من ملة الإسلام، فديننا المطهَّر يحفظ كرامة الأنبياء والرسل، ويُعلي شأنهم، والإيمان بهم جميعاً ركن من أركان الإيمان، ولا يكون مسلماً من لم يؤمن ولو بنبي واحد، وليس في شرعنا المطهَّر إلا ذِكر الأنبياء والرسل بخير، فقد ذكر الله تعالى في كتابه الكريم " القرآن " عبادتهم، وأثنى عليها، وذكر دعاءهم، وخشيتهم، ودعوتهم لأقوامهم، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، وليس في كتاب الله تعالى ولا في سنة النبي صلى الله عليه وسلم ما يسيء لأحدٍ منهم، بل فيهما وجوب تعظيم قدرهم، وإعلاء شأنهم. رابعاً: بحث المفاضلة بين عيسى ومحمد عليهما السلام ليس هو مقصوداً عندنا في الدين، ولا ينبغي أن يكون عندك كذلك، والسبب: أننا أُمرنا باتباعه صلى الله عليه وسلم، وقبل ذلك بالشهادة أنه رسول الله، وهذا لا علاقة له بكونه خير خلق الله أو لا، وليس هذا في ديننا فحسب، بل كل قوم أرسل لهم رسول من قبَل ربهم تعالى فإنهم مأمورون بالإيمان به وباتباعه ولو لم يكن خير خلق الله، وهل من شرط النبي أن يكون خير خلق الله؟! فماذا إذن يكون حال الأمم السابقة التي اجتمع في عصر واحدٍ مجموعة عظيمة من الأنبياء والرسل؟! نحن لم نشهد لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة لأنه خير خلق الله، ولا قال هو اتبعوني لأنني خير خلق الله، بل نحن عرفنا ذلك من رفع الله تعالى لمقامه، ومن إعلائه لشأنه، وسنذكر ما يؤيد هذا بآية، وحادثة، وحديث: 1. أما الآية: فهي قول الله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) آل عمران/ 81. فهذا عهد وميثاق أخذه الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى الأنبياء جميعاً أن يؤمنوا بمُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن ينصروه في دعوته. 2. وأما الحادثة: فهي صلاة نبينا صلى الله عليه وسلم بالأنبياء جميعاً إماماً، وذلك في رحلته المسماة " الإسراء والمعراج "، فقد صلَّى بهم جميعاً عليهم السلام في بيت المقدس. وإن لم يدل هذا على فضله وخيريته فلا ندري أي شيء يمكن أن يدل على ذلك. 3. وأما الحديث: فهو ما صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم مما يجري يَوْمَ القِيَامَةِ حين يتراجع الأَنْبِيَاء صلوات الله وسلامه عليهم كلهم عن الشفاعة للناس في الفصل بينهم، فيعتذرون، وكلهم يقول: نفسي، نفسي، فيتقدم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للشفاعة العظمى ويقول: أنا لها، أنا لها، ثُمَّ يكرمه ربه تعالى، ويقبل شفاعته في أهل المحشر، وذلك هو المقام المحمود الذي لم يجعله الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى لبشرٍ غيره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فهذه بعض أدلة من ديننا على أفضلية النبي صلى الله عليه وسلم على إخوانه الأنبياء عليهم السلام، وليسوا ينكرون هم ذلك، فها هو موسى عليه السلام يعترف بذلك في حديث صحيح عندنا، وها هو عيسى عليه السلام يرفض أن يؤم بالمسلمين، بل يرضى أن يكون مأموماً؛ لأنه سيعمل بالعهد والميثاق الذي أخذهما الله تعالى عليه، فعندما ينزل في آخر الزمان فإنه سيقتل الخنزير، وسيكسر الصليب، وسيصلي مأموماً وراء إمامٍ من أئمة المسلمين. وقد ثبت في أصح الكتب عندنا – البخاري ومسلم – بيان هذه الأمور مجتمعة، مع تعظيم قدر عيسى عليه السلام، ومدى ارتباطه به صلى الله عليه وسلم، فقف على هذا الحديث: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى بْنِ مَرْيَمَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ) رواه البخاري ومسلم. ومعنى (أولى الناس بعيسى) : أي: أخصهم به، وأقربهم إليه. ومعنى (إخوة لِعَلاَّت) : أي: إخوة لأب من أمهات شتى. معنى الحديث: أن أصل إيمان الأنبياء واحد، وشرائعهم مختلفة. فأنت بكلامك الوارد في سؤالك تظن أنه ثمة فجوة بين الأنبياء والمرسلين وبين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وليس هذا هو واقعهم عليهم السلام، بل هم جميعاً إخوة، جاءوا برسالة عقائدية واحدة، وهي الدعوة لعبادة الله تعالى وحده، وترك الإشراك به. خامساً: وأما قولك عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أنه " كثير الذنوب ": فهو قول يمكن أن يزعمه أي أحد في أي شخص، ولو كنت تسلك الجادة العلمية لما قلتَ هذا القول، ونحن ننزه الأنبياء والمرسلين الذين أرسلوا لغيرنا من الأمم أن يكونوا من أصحاب المعاصي والذنوب: فكيف يكون حال أفضلهم وخيرهم؟ وانظر للفرق العظيم بيننا وبينك، ففي الوقت الذي تطعن فيه بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم دون بيِّنة: فإننا ننكر هذا أن يكون من أخلاق أحد من الأنبياء والرسل لغيرنا، وهكذا علَّمنا ديننا: أن نحترم الأنبياء والمرسلين، وأن نجلَّهم، ونقدِّرهم. ونحن لا نعجب منكم إذا طعنتم بنبينا وأسأتم له؛ لأن شتم الأنبياء ديدنكم، والطعن فيهم منهجكم، وقد لبَّس عليكم اليهود دينَكم، وحرَّفوه فتبعتموهم على عماية وضلالة، وكل ما في التوراة من طعن في الأنبياء والمرسلين فأنتم تصدقونه، وأضفتم إليه ما في كتبكم المحرَّفة من طعن في صفوة الناس: 1. جاء في إنجيل " متَّى " أن عيسى من نسل سليمان بن داود، وأن جدهم فارض الذي هو من نسل الزنى من يهوذا بن يعقوب. إصحاح متى الأول، عدد (10) . 2. وفي إنجيل " يوحنَّا " إصحاح (2) عدد (4) : أن يسوع أهان أمَّه في وسط جمع من الناس! . 3. وفي إنجيل " يوحنا "، إصحاح (10) عدد (8) : أن يسوع شهد بأن جميع الأنبياء الذين قاموا في بني إسرائيل هم سرَّاق ولصوص! . وجاء في التلمود - وهو مؤلَّف ضخم، يعد مصدراً أساسيّاً من مصادر التشريع اليهودي، ويعد في وقتنا الحالي المرجع الديني لليهود الأصوليين، والمتشددين في إسرائيل، والعالم أجمع، وهو يتبوأ مكانة أسمى من مكانة التوراة -: 1. " إن تعاليم يسوع كفر , وتلميذه يعقوب كافر , وإن الأناجيل كتُب الكافرين ". 2. وجاء فيه - والعياذ بالله -: " إن يسوع الناصري موجود في لجات الجحيم بين القار والنار، وإن أمَّه مريم أتت به من العسكري " بانديرا " عن طريق الخطيئة، وإن الكنائس النصرانية هي مقام القاذورات والواعظون فيها أشبه بالكلاب النابحة ". 3. وقال الحاخام " اباربانيل ": " المسيحيون كافرون؛ لأنهم يعتقدون أن الله له لحم ودم ". 4. وجاء في التلمود: " كل الشعوب ماعدا اليهود: وثنيون , وتعاليم الحاخامات مطابقة لذلك ". 5. وجاء في موضع آخر من التلمود: " إن المسيح كان ساحراً ووثنيّاً، فينتج أن المسيحيين وثنيون أيضاً مثله ". 6. وجاء في التلمود - أيضاً -: " النعيم مأوى أرواح اليهود، ولا يدخل الجنة إلا اليهود، أما الجحيم: فمأوى الكفار من المسيحيين، والمسلمين، ولا نصيب لهم فيها سوى البكاء؛ لما فيها من الظلام والعفونة ". فأين هذا الذي تدعيه كتبكم على أنبياء الله الكرام، مما تدعيه على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من كثرة الذنوب. وانظر جواب السؤال رقم (42216) . سابعاً: وأما قولك " وكذلك خير خلق الله لا يلقي الشيطان على لسانه آيات دون أن يعلم ": فأنت تريد به " قصة الغرانيق " وملخصها: أن الرسول عليه الصلاة والسلام وهو يقرأ: (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى. وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى) النجم/ 19، 20 ألقى الشيطان على لسانه: تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى! وأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والمشركون سجدوا بعد ذلك! وهذه القصة قد ضعَّفها كثير من أهل العلم والتحقيق. قال البيهقي: هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل. انظر " تفسير الفخر الرازي " (23 / 44) . وقال ابن حزم: وأما الحديث الذي فيه: " وأنهن الغرانيق العلى، وإن شفاعتها لترتجى " فكذب بحت موضوع؛ لأنه لم يصح قط من طريق النقل، ولا معنى للاشتغال به، إذ وضع الكذب لا يعجز عنه أحد. " الفِصَل في الملل والنحل " (2 / 311) . وقال القاضي عياض: هذا حديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة، ولا رواه ثقة بسند سليم متصل .... ، ومن حُكيت هذه الحكاية عنه من المفسرين والتابعين لم يسندها أحد منهم، ولا رفعها إلى صاحب، وأكثر الطرق عنهم فيها ضعيفة واهية. " الشفا في أحوال المصطفى " (2 / 79) . وقال الحافظ ابن كثير: قد ذكر كثير من المفسرين قصة الغرانيق، وما كان من رجوع كثير من المهاجرة إلى أرض الحبشة، ظنّاً منهم أن مشركي قريش قد أسلموا، ولكنها من طرق كلها مرسلة، ولم أرها مسندة من وجه صحيح، والله أعلم. " تفسير ابن كثير " (3 / 239) . وقال الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله -: ليس في إلقاء هذه الألفاظ في قراءته صلى الله عليه وسلم حديث صحيح يعتمد عليه فيما أعلم، ولكنها رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث مرسلة، كما نبه على ذلك الحافظ ابن كثير في تفسير آية الحج، ولكن إلقاء الشيطان في قراءته صلى الله عليه وسلم في آيات النجم وهي قوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الحج / 52] فقوله سبحانه: {إِلا إِذَا تَمَنَّى} أي: تلا، وقوله سبحانه: {أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} أي: في تلاوته، ثم إن الله سبحانه ينسخ ذلك الذي ألقاه الشيطان ويوضح بطلانه في آيات أخرى، ويحكم آياته؛ ابتلاء وامتحانا، كما قال سبحانه بعد هذا: {لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ} الآيات [الحج / 53] . فالواجب على كل مسلم أن يحذر ما يلقيه الشيطان من الشبه على ألسنة أهل الحق وغيرهم، وأن يلزم الحق الواضح الأدلة، وأن يفسر المشتبه بالمحكم حتى لا تبقى عليه شبهة، كما قال الله سبحانه في أول سورة آل عمران: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [آل عمران / 7] وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أنه قال: " إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم " متفق على صحته. والله ولي التوفيق. " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (8 / 301، 302) . وقد تكلَّم على القصة سنداً ومتناً وبيَّن ضعف سندها ونكارة متنها: الشيخ الألباني - رحمه الله - في رسالته النافعة " نصب المجانيق في بطلان قصة الغرانيق ". ومن صحح القصة من العلماء فإنه لم يقل بما توهمه في ظاهرها من التغيير والتبديل في كلام الله تعالى ومن الخطأ من النبي صلى الله عليه وسلم، بل بيَّنوا لها أوجهاً تلتقي مع اعتقاد المسلمين جميعاً بعدم تحريف القرآن وبعصمة النبي صلى الله عليه فيما يبلغ عن ربه تعالى. ومن وجوه التأويل ما ذكره بعض العلماء من كون الشيطان ألقى تلك الكلمات في أسماع المشركين لا أنه ألقاها على لسان النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في " مجموع الفتاوى " (2 / 282) . أما عن سبب سجود المشركين في نهاية تلاوة السورة: فإليك ما قاله العلماء فيه. قال الشيخ الألباني - رحمه الله - في آخر كتابه السابق الذكر -: رب سائل يقول: إذا ثبت بطلان إلقاء الشيطان على لسانه عليه الصلاة والسلام جملة " تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى " فَلِمَ إذن سجد المشركين معه صلى الله عليه وسلم وليس ذلك من عادتهم؟ . والجواب ما قاله المحقق الآلوسي بعد سطور من كلامه الذي نقلته آنفاً: " وليس لأحد أن يقول: إن سجود المشركين يدل على أنه كان في السورة ما ظاهره مدح آلهتهم، وإلا لما سجدوا؛ لأننا نقول: يجوز أن يكونوا سجدوا لدهشة أصابتهم وخوف اعتراهم عند سماع السورة لما فيها من قوله تعالى: {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى. وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى. وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى. وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى. فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى} إلى آخر الآيات [النجم / 50 - 54] ، فاستشعروا نزول مثل ذلك بهم، ولعلهم لم يسمعوا قبل ذلك مثلها منه صلى الله عليه وسلم، وهو قائم بين يديْ ربه سبحانه في مقام خطير وجمع كثير، وقد ظنّوا من ترتيب الأمر بالسجود على ما تقدم أن سجودهم ولو لم يكن عن إيمان كافٍ في دفع ما توهَّموه، ولا تستبعد خوفهم من سماع مثل ذلك منه صلى الله عليه وسلم، فقد نزلت سورة (حم السجدة) بعد ذلك كما جاء مصرّحا به في حديث عن ابن عباس، ذكره السيوطي في أول " الإتقان " فلما سمع عُتبة بن ربيعة قوله تعالى فيها: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} " [فصّلت / 13] ! أمسك على فم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وناشده الرحم واعتذر لقومه حين ظنوا به أنه صبأ وقال: " كيف وقد علمتم أن محمَّداً إذا قال شيئاً لم يكذب؟ فخفت أن ينزل بكم عذاب " وقد أخرج ذلك البيهقي في " الدلائل " وابن عساكر في حديث طويل عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه. ثامناً: وأما قولك: " وكذلك خير خلق الله لا يخالف أمراً من الله ": لا نعرف ما الأمر الذي أمر الله تعالى نبيَّه ولم يفعله! وقد وصفه ربه تعالى بالعبودية، وأثنى عليه، وهو أعلم الناس بربه، وأتقاهم وأخشاهم له، فأي أمرٍ يمكن أن يخالفه؟! إن هذا إلا اختلاق. تاسعاً: وقولك: " وخير خلق الله لا يمكن أن يجري عليه سحرٌ ": قول باطل، فالسحر الذي جرى له صلى الله عليه وسلم لم تعلمه أنت حتى أعلمك به النبي صلى الله عليه وسلم! ولم يخبر به النبي صلى الله عليه وسلم حتى أذن الله تعالى له بالإخبار به! فهو من جملة العوارض التي تصيب الإنسان، وهو يدل على أنه صلى الله عليه وسلم بشر، وقد ردَّ بعض أهل البدع من المنتسبين للإسلام هذا الحديث، وظنوه مخالفاً لكونه معصوماً صلى الله عليه وسلم، ومحطاًّ لقدر النبوة، وقد كفانا العلماء الأثبات مئونة الرد على أولئك قديماً، وعليكم حديثاً. قال النووي – رحمه الله –: قال الإمام المازري: وقد أنكر بعض المبتدعة هذا الحديث بسببٍ آخر، فزعم أنه يحط منصب النبوة، ويشكك فيها، وأن تجويزه يمنع الثقة بالشرع! وهذا الذي ادَّعاه هؤلاء المبتدعة: باطل؛ لأن الدلائل القطعية قد قامت على صدقه، وصحته، وعصمته فيما يتعلق بالتبليغ، والمعجزة شاهدة بذلك، وتجويز ما قام الدليل بخلافه: باطل، فأما ما يتعلق ببعض أمور الدنيا التي لم يبعث بسببها، ولا كان مفضَّلا من أجلها، وهو مما يعرض للبشر: فغير بعيد أن يخيَّل إليه من أمور الدنيا ما لا حقيقة له، وقد قيل: إنه إنما كان يتخيل إليه أنه وطىء زوجاته وليس بواطئ، وقد يتخيل الإنسان مثل هذا في المنام، فلا يبعد تخيله في اليقظة ولا حقيقة له، وقيل: إنه يخيل إليه أنه فعله وما فعله ولكن لا يعتقد صحة ما يتخيله فتكون اعتقاداته على السداد. قال القاضي عياض: وقد جاءت روايات هذا الحديث مبيِّنة أن السحر إنما تسلَّط على جسده وظواهر جوارحه، لا على عقله، وقلبه، واعتقاده، ويكون معنى قوله في الحديث " حتى يظن أنه يأتي أهله ولا يأتيهن "، ويروى: " يُخيل إليه " أي: يظهر له من نشاطه، ومتقدم عادته القدرة عليهن فإذا دنى منهن أخذته أخذة السحر فلم يأتهن، ولم يتمكن من ذلك كما يعتري المسحور، وكل ما جاء في الروايات من أنه يخيل إليه فعل شيء لم يفعله، ونحوه: فمحمول على التخيل بالبصر لا لخلل تطرق إلى العقل، وليس في ذلك ما يدخل لبساً على الرسالة، ولا طعناً لأهل الضلالة. " شرح مسلم " (14 / 174، 175) . وقال الإمام ابن قيم الجوزية – رحمه الله -: قد أنكر هذا طائفة من الناس، وقالوا: لا يجوز هذا عليه، وظنُّوه نقصاً وعيباً، وليس الأمر كما زعموا، بل هو من جنس ما كان يعتريه صلى الله عليه وسلم من الأسقام والأوجاع، وهو مرض من الأمراض، وإصابته به كإصابته بالسم لا فرق بينهما، وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إن كان ليخيل إليه أنه يأتي نساءه ولم يأتهن، وذلك أشد ما يكون من السحر. " زاد المعاد " (4 / 113) . ثم نسألك، إن كنت جاداً في الحوار: أيهما أشد على صاحبه، وأدل على نزول قدره، جريان هذا السحر، الذي هو مرض من الأمراض، تسبب فيه هذا اليهودي، أو تسلّط اليهود على عيسى ابن مريم النبيّ عندنا، والإله أو ابن الإله عندكم، حتى صلبوه وقتلوه وسط شماتة الأعداء وإهانتهم: (وكان المارة يهزون رؤوسهم ويشتمونه، ويقولون: ... إن كنت ابن الله، فخلص نفسك، وانزل عن الصليب. وكان رؤساء الكهنة، ومعلمو الشريعة والشيوخ يستهزئون به، فيقولون: خلَّصَ غيره، ولا يقدر أن يخلص نفسه؟! هو ملك إسرائيل، فلينزل الآن عن الصليب لنؤمن به؛ توكَلَ على الله وقال: أنا ابن الله، فلينقذه الله إن كان راضيا عنه. وعيره اللصان المصلوبان معه أيضا، فقالا مثل هذا الكلام.) (وعند الظهر خيم على الأرض كلها ظلام حتى الساعة الثالثة , ونحو الساعة الثالثة صرخ يسوع بصوت عظيم: إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟!!) [متى: 27/38-47] وأيضا: [مرقس: 15/29-35] راجع جواب السؤال رقم (12615) ونحن نقول: حاشا لأنبياء الله الكرام، محمد وأخيه عيسى وإخوانهم جميعاً عليهم السلام من هذا الإفك والبهتان ومن كل ذلة وهوان " عاشراً: وأما قولك: " وكيف يكون أبوا خير الله مشركين، وماتا مشركين؟ ": فهذا من العجائب، وما دخل كونه أفضل الخلق بكون والديه مشركين؟! وهل الرب تعالى اصطفاه هو أم اصطفاه واصطفى أهله وأقرباءه؟! وها هو إبراهيم عليه السلام قد توفي والده على الشرك، فلم يُنقص ذلك من رتبته ومنزلته، وهو أبو الأنبياء، صلى الله عليه وسلم، وها هو نوح عليه السلام تموت زوجته وابنه على الكفر، وها هو لوط عليه السلام تُهلك زوجته وهي على الكفر، فكان ماذا؟ . ثم انظروا، ما تقوله كتبكم المقدسة عندكم، وعند اليهود عن مريم البتول عليها السلام، بل وعن أنبياء الله أنفسهم، لتعلم أيها السائل أي الفريقين أصدق قيلاً، وأهدى سبيلاً؟! حادي عشر: وأما قولك: "؟ وأيضاً فإن خير خلق الله لا ينشر دينه بالسيف، أو بالمال يبيعه " فقد سبق أن ناقشنا ذلك في موقعنا، فنرجو مراجعة جواب السؤالين (43087) و (100521) فإذا انتهيت من مراجعة هذين الجوابين، فمن الحسن أن تتأمل هذه النصوص من كتبكم، لعلك أن يكون لك رأي آخر: 1. قال المسيح عليه السلام: " لا تظنوا أني جئتُ لألقي سلاماً على الأرض، ما جئت لألقي سلاماً بل سيفاً، وإني جئت لأفرق الإنسان ضد أبيه، والابنة ضد أمها، والكنة ضد حماتها، وأعداء الإنسان أهل بيته. من أحب أبا أو أماً أكثر مني فلا يستحقني، ومن أحب ابناً أو ابنة أكثر مني فلا يستحقني، ومن لا يأخذ صليبه ويتبعني فلا يستحقني، من وجد حياته يضيعها، ومن أضاع حياته من أجلي يجدها ". " إنجيل متى، الإصحاح العاشر، فقرة 35 وما بعدها. 2. قال المسيح عليه السلام: " من له سيف: فليأخذه، ومن ليس له: فليبع ثوبه، ويشتري سيفاً ". " لوقا " (22 / 36، 37) . 3. ويقول المسيح عليه السلام: " أما أعدائي أولئك الذين لم يريدوا أن أملك عليهم: فأتوا بهم إلى هنا، واذبحوهم قدامي ". " لوقا " (11) . ج. واسمع لعقلاء من غير المسلمين من الكتَّاب والأدباء والتاريخيين ماذا يقولون: 1. قال توماس كارليل في كتابه " الأبطال وعبادة البطولة ": " إن اتهامه - أي: محمد صلى الله عليه وسلم - بالتعويل على السيف في حمل الناس على الاستجابة لدعوته: سخفٌ غير مفهوم؛ إذ ليس مما يجوز في الفهم أن يُشهر رجل فرد سيفه ليقتل به الناس، أو يستجيبوا له، فإذا آمن به مَن يقدرون على حرب خصومهم: فقد آمنوا به طائعين مصدقين، وتعرضوا للحرب من غيرهم قبل أن يقدروا عليها ". انظر: " حقائق الإسلام وأباطيل خصومه " لعباس لعقاد (ص 227) . 2. ويقول المؤرخ الفرنسي غوستاف لوبون في كتابه " حضارة العرب " وهو يتحدث عن سر انتشار الإسلام في عهده صلى الله عليه وسلم وفي عصور الفتوحات من بعده -: " قد أثبت التاريخ أن الأديان لا تُفرض بالقوة، ولم ينتشر الإسلام إذن بالسيف، بل انتشر بالدعوة وحدها، وبالدعوة وحدها اعتنقته الشعوب التي قهرت العرب مؤخراً كالترك والمغول، وبلغ القرآن من الانتشار في الهند - التي لم يكن العرب فيها غير عابري سبيل - ما زاد عدد المسلمين إلى خمسين مليون نفس فيها، ولم يكن الإسلام أقل انتشاراً في الصين التي لم يفتح العرب أي جزء منها قط، وسترى في فصل آخر سرعة الدعوة فيها، ويزيد عدد مسلميها على عشرين مليوناً في الوقت الحاضر ". فهل تبين لك مدى بُعد التهمة عن الإسلام؟! هل تبين لك مدى تضليل الأحبار والرهبان ووسائل الإعلام لك؟ . د. وكأني بك تريد تنزيه دينك عن انتشاره بالسيف! وكأني بك تريد إقناع الناس بما يحمله أهل دينك من الرحمة والرأفة! وكل ذلك غير صحيح، وإليكَ أمثلة من واقعكم: 1. الملِك " أولاف " ذبَح كلَّ مَن رفض اعتناق النصرانية في " النرويج "، قطع أيديهم، وأرجلهم، ونفاهم، وشرَّدهم، حتى انفردت النصرانية بالبلاد. 2. وفي الجبل الأسود بالبلقان قاد الأسقف الحاكم " دانيال بيتر وفتش " عملية ذبح غير المسيحيين ليلة عيد الميلاد. 3. وفي الحبشة قضى الملك سيف أرعد (1342 – 1370 م) بإعدام كل من أبى الدخول في النصرانية، أو نفيهم من البلاد. 4. ثم نجد أن النصرانية - وليس الإسلام - هي التي أبادت الهنود الحمر في أمريكا. 5. ثم نجد النصرانية هي التي اقتلعت الشعب الفلسطيني من أرضه لتسليمها إلى أعداء المسيح ومحمد - عليهما السلام - على السواء. 6. من الذي أشعل الحروب العالمية؟ لقد قُتل في الحرب العالمية الأولى عشرة ملايين، وفي الثانية حوالي 70 مليوناً! . 7. وكم قُتل من البشر بالقنابل الذرية التي ألقيت على مدينتي " نجازاكي " و " هيروشيما " في اليابان؟ . 8. وترى النصرانية في حربها الصليبية عندما حاصرت بيت المقدس وشددت الحصار ورأى أهلها أنهم مغلوبين فطلبوا من قائد الحملة " طنكرد " الأمان على أنفسهم وأموالهم، فأعطاهم الأمان على أن يلجأوا إلى المسجد الأقصى رافعين راية الأمان، فامتلاء المسجد الأقصى بالشيوخ والأطفال والنساء، وذُبحوا كالنعاج، وسالت دماؤهم في المعبد حتى ارتفعت الدماء إلى ركبة الفارس، وعجَّت شوارعنا بالجماجم المحطمة، والأذرع، والأرجل المقطعة، والأجسام المشوهة، ويذكر المؤرخون أن الذين قُتلوا في داخل المسجد الأقصى فقط سبعين ألفاً، ولا ينكر مؤرخو الفرنج هذه الفضائح. 9. وعصرنا اليوم خير شاهد على ذلك، لقد قصفوا أفغانستان، ثم تحولوا إلى العراق ليدمروها، فقصفوا، وقتلوا، وعاثوا في الأرض فساداً، وقد قال كبيرهم: إن الله أمره بدخول العراق!! فأين وصايا المسيح التي يدعونها ويتشدقون بها؟! . 10. ألم يقف " اللورد اللنبي " ممثل الحلفاء: إنجلترا، وفرنسا، وإيطاليا، ورومانيا، وأميركا في بيت المقدس في سنة 1918 حين استولى عليه في أخريات الحرب الكبرى الأولى قائلاً: " اليوم انتهت الحروب الصليبية "؟! . 11. ألم يقف الفرنسي " غورو " ممثل الحلفاء أيضاً - وقد دخل دمشق - أمام قبر البطل المسلم " صلاح الدين الأيوبي " قائلاً: " لقد عدنا يا صلاح الدين "؟! . 12. وهل هدمت الديار، وسفكت الدماء، واغتصبت الأعراض في البوسنة والهرسك إلا باسم الصليب؟ . 13. بل أين هؤلاء مما حدث في الشيشان - ومازال يحدث -؟ وفي إفريقيا؟ وإندونيسيا؟ وغيرها؟ وهل يستطيع هؤلاء إنكار أن ما حدث في كوسوفا كان حربا صليبية؟ ألم يقل بوش في حربه الأخيرة " ستكون حربا صليبية "؟! . ومثل هذه الفظائع لم يقع في جهاد المسلمين لأعدائهم، فما كانوا يقتلون النساء، ولا الأطفال، ولا الدهماء من الناس، ويجدر أن نذكر بوصية أبي بكر الصدِّيق حيث قال لأسامة بن زيد وجنده: " لا تخونوا، ولا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تمثِّلوا، ولا تقتلوا طفلاً، ولا شيخاً كبيراً، ولا امرأة، ولا تعزقوا نخلاً، ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة، ولا بقرة، ولا بعيراً إلا للأكل، وإذا مررتم بقوم فرَّغوا أنفسهم في الصوامع: فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له ". ينظر: " موسوعة شبهات النصارى حول الإسلام "، " السيرة النبوية " للشيخ محمد أبو شهبة. وأما كلامك عن المال: فإن هذا يجب أن يُستحيى من ذِكره، فالعالم كله يعرف من الذي يذهب إلى الدول الفقيرة وبيده اليمنى خبزة، وبالأخرى نسخة من الإنجيل! وكل العالم يعرف من يحمل بيده حبة الدواء وحفنة الدولارات، وبيده الأخرى نسخة من الإنجيل! . وأخيراً: لعلنا أن نكون قد أظهرنا لك خطأ ما ذكرتَه عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولعلك علمت أنك ضحية إعلام مزوَّر، جعلك تسيء إلى من لا يستحق الإساءة، وتسكت عمن يستحق البيان والفضح، واعلم أن الإسلام دين الأدلة والبراهين، وليس دين الادعاءات والتزوير، فأدرك نفسك، والتحق بركب الأنبياء والصالحين، واحرص على أن لا تموت إلا على الدين الذي كان يعتقده الأنبياء والمرسلون، وهو التوحيد، واحرص على أن تكون ضمن قافلة أتباع خير الأديان وخاتمتها. نسأل الله تعالى أن يهديك، ويشرح صدرك للإسلام، ونسأله أن يريك الحق حقا ويرزقك اتباعه، ويريك الباطل باطلا ويرزقك اجتنابه. والله الموفق [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126168 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1242 هل يثبت الإسلام لمن يعتقد أن عيسى ابن الله؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكن أن يكون الإنسان مسلماً وهو لا يزال يؤمن بأن عيسى هو ابن الله؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من أهم أركان الإيمان بالله الإيمانُ بتنزيه الله تعالى عن كل صفات النقص ومن صفات النقص التي يجب على المسلم أن ينفيها عن الله تعالى صفة الولد لأنه يلزم منها الحاجة وووجود المماثل وهذه أمور ينزه الله تبارك وتعالى عنها قال تعالى في سورة الإخلاص التي تسمَّى صفة الرحمن وتعدل في الأجر ثلث القرآن (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4) سورة الصمد. ولما كان النصارى يعتقدون أن عيسى ابن لله ـ تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً ـ كثر في آيات القرآن نفي هذه الدعوى والرد عليها كما في قوله تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) التوبة/30. وقوله: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً) النساء/171 وقوله: (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) المائدة/75. وقوله سبحانه: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) التوبة/30 ولما كان هذا الاعتقاد الباطل موجوداً عند النصارى كان من الواجب على من دخل منهم الإسلام أن يتخلى عن اعتقاداته الباطلة التي تناقض الإسلام والتي منها هذا الاعتقاد كما ثبت عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: (مَنْ شَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ وَالْجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنْ الْعَمَلِ) البخاري 3435 مسلم 28 قال القرطبي رحمه الله ويستفاد منه ما يلقنه النصراني إذا أسلم انظر فتح الباري حديث رقم 3435. وعليه فلا يثبت الإسلام إلا بالتبرؤ من هذه العقيدة الباطلة، واعتقاد تنزيه الرب جلَّ وعلا عن كل نقص، ومن علم عظمة الله تعالى سهل عليه مفارقة ما كان عليه من اعتقاد ما لا يليق بالله تعالى، ونسأل الله أن يرزقنا تعظيمه ومعرفة قدره جلَّ وعلا. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 26301 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1243 حكم دخول المسلم للكنيسة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم دخول المسلم للكنيسة لسماع محاضرة تُلقى هناك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله دخول الكنائس للاجتماعات وسماع المحاضرات لا يخلو من محاذير عدة، سبق بيان بعضها في جواب السؤال رقم (82836) . وقد اختلف العلماء في حكم دخول المسلمِ الكنيسةَ ابتداء، على أقوال: القول الأول: التحريم، وهو قول الحنفية والشافعية إلا أن الشافعية قيدوا التحريم بوجود الصور، كما في " تحفة المحتاج " (2 / 424) و " نهاية المحتاج " (2 / 63) و " حاشيتا قليوبي وعميرة على شرح المحلي " (4 / 236) . أما الحنفيَّة فكان تحريمهم مطلقا، وعللوه بأنها مأوى الشياطين، كما قال ابن نجيم من الحنفية في " البحر الرائق " (7 / 364) ، وفي " حاشية ابن عابدين " (2 / 43) . القول الثاني: الكراهة، وهو قولٌ عند الحنابلة، إلا أن بعضهم قيد الكراهة بما إذا وجدت الصور في الكنيسة، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " الفتاوى الكبرى " (5 / 327) : " والمذهب الذي عليه عامة الأصحاب: كراهة دخول الكنيسة المصورة، وهذا هو الصواب الذي لا ريب فيه ولا شك " انتهى. انظر: "الفروع" (5/308) و "الآداب الشرعية" (3/415) و "الإنصاف" (1/496) . واستدلوا بالأدلة الآتية: 1. عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَأَى الصُّوَرَ فِي الْبَيْتِ لَمْ يَدْخُلْ حَتَّى أَمَرَ بِهَا فَمُحِيَتْ) رواه البخاري (3352) . 2. عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (وَعَدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِبْرِيلُ، فَرَاثَ عَلَيْهِ حَتَّى اشْتَدَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَقِيَهُ، فَشَكَا إِلَيْهِ مَا وَجَدَ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ وَلَا كَلْبٌ) رواه البخاري (5960) . 3. وعن أسلم مولى عمر قال: (لما قدم عمر الشام صنع له رجل من عظماء النصارى طعاما ودعاه فقال عمر: إنا لا ندخل كنائسكم من الصور التي فيها - يعني: التماثيل -) رواه عبد الرزاق في " المصنف " (1 / 411 و 10 / 398) . القول الثالث: جواز دخول الكنيسة مطلقا، وهو قولٌ للحنابلة، وعليه المذهب، كما في " المغني " (8 / 113) و " الإنصاف " (1 / 496) . وهو قول ابن حزم الظاهري كما في " المحلى " (1 / 400) . واستدلوا بما يلي: 1. ما ورد في شروط عمر على أهل الذمة أن يوسعوا كنائسهم وبيَعهم ليدخلها المسلمون للمبيت بها والمارة بدوابهم. " المغني " (8 / 113) . 2. وروى ابن عائذ في " فتوح الشام " أن النصارى صنعوا لعمر رضي الله عنه حين قدم الشام طعاما فدعوه، فقال أين هو: قالوا: في الكنيسة، فأبى أن يذهب، وقال لعلي: امض بالناس فليتغدوا، فذهب علي بالناس، فدخل الكنيسة وتغدى هو والمسلمون، وجعل علي ينظر إلى الصور ويقول: ما علي أمير المؤمنين لو دخل. " المغني " (8 / 113) . وبالتأمل في الأدلة السابقة لا يظهر أن هناك دليلا صريحا على تحريم دخول الكنائس، ووجود التماثيل والصور فيها وفي أي مكان لا يحرم دخوله، فالإثم على المصورين وعلى من يصنع تلك التماثيل، وأما من يدخل مكانا فيه تلك التماثيل فإنما عليه النصح والبيان، ولا يجب عليه الخروج من ذلك المكان. قال ابن قدامة رحمه الله: "فأما دخول منزل فيه صورة: فليس بمحرم، وإنما أبيح ترك الدعوة من أجله عقوبة للداعي بإسقاط حرمته لإيجاده المنكر في داره، ولا يجب على من رآه في منزل الداعي الخروج في ظاهر كلام أحمد، فإنه قال في رواية الفضل: إذا رأى صورا على الستر لم يكن رآها حين دخل قال: هو أسهل من أن يكون على الجدار، قيل: فإن لم يره إلا عند وضع الخوان بين أيديهم أيخرج؟ فقال: لا تضيق علينا، ولكن إذا رأى هذا وبخهم ونهاهم" انتهى. " المغني " (8 / 113) . ولكن.. لا أقل من أن يُقال بكراهة دخول الكنيسة من غير حاجة، فإن امتناع الملائكة وامتناع النبي صلى الله عليه وسلم من دخول البيت الذي فيه صورة، يدل على كراهة ذلك. ثم هذه الكراهة قد تصل إلى التحريم إذا ترتب على دخول الكنيسة مفسدة، كما لو كان فيه إقرار للنصارى على شركهم ودعواهم الصاحبة والولد لله، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. أو كان في دخول الكنيسة مصادقة للنصارى ومودة لهم ... إلخ. جاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (2 / 115) : "إن كان ذهابك إلى الكنيسة لمجرد إظهار التسامح والتساهل: فلا يجوز، وإن كان ذلك تمهيدا لدعوتهم إلى الإسلام وتوسيع مجالها، وكنت لا تشاركهم في عبادتهم، ولا تخشى أن تتأثر بعقائدهم ولا عاداتهم وتقاليدهم: فذلك جائز" انتهى. وانظر جواب السؤال رقم (11232) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111832 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1244 الطائفة النصيرية أو العلوية [السُّؤَالُ] ـ[ما هي أهم أفكار وعقائد العلويين؟ وما الفرق بينهم وبين سائر المسلمين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الطائفة العلوية ظهرت في القرن الثالث من الهجرة، وتعد هذه الطائفة من غلاة الشيعة، الذين ادعوا الإلهية في علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وكان اسمهم الأول "النصيرية" ثم تسموا بعد ذلك بـ "العلويين" تمويهاً على الناس، وتغطية لحقيقة مذهبهم، وهم يحرصون على هذا الاسم الآن. مؤسس هذه الطائفة هو محمد بن نصير البصري النميري (توفي سنة270 هـ) الذي ادعى النبوة والرسالة. أهم أفكار ومعتقدات هذه الطائفة: 1- يعتقدون في علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه إله. 2- يجبون عبد الرحمن بن ملجم الذي قتل علي بن أبي طالب، ويترضون عليه، لزعمهم بأنه خلص اللاهوت من الناسوت، ويخطئون من يلعنه! 3- يعتقد بعضهم أن علياً يسكن السحاب بعد تخلصه من الجسد الذي كان يقيده، وإذا مر بهم السحاب قالوا: السلام عليك يا أبا الحسن، ويقولون: إن الرعد صوته، والبرق سوطه. 4- يعظمون الخمر، ويشربونها، ويعظمون شجرة العنب لذلك. 5- يصلون في اليوم خمس مرات، لكنها صلاة تختلف عن صلاة المسلمين، إذ ليس فيها سجود. 6- لهم قداسات شبيهة بقداسات النصارى. 7- لا يؤمنون بالحج، ويقولون بأن الحج إنما هو كفر وعبادة أصنام. 8- لا يؤمنون بالزكاة الشرعية المعروفة عند المسلمين، وإنما يدفعون ضريبة إلى مشايخهم، مقدارها خمس ما يملكون. 9- الصيام عندهم هو الامتناع عن معاشرة النساء طيلة شهر رمضان. 10- لهم تفسير باطني لشرائع الإسلام وأركانه غير ما يعرفه منها المسلمون، ولذلك فهم لا يؤمنون بالشهادتين ولا بالصلاة ولا بالزكاة ولا بالصيام ولا بالحج، ولا الطهارة والوضوء والاغتسال من الجنابة ... إلخ. 11- عقائدهم خليط من الاعتقادات والأديان الباطلة، فأخذوا من الوثنية القديمة وعُبَّاد الكواكب والنجوم، وأخذوا من الفلاسفة المجوس، والنصارى، والمعتقدات الهندية والآسيوية الشرقية، وخلطوا ذلك بمعتقدات الشيعة الغلاة. 12- لهم أعياد كثيرة يحتفلون بها تدل على مجمل عقائدهم، منها: - عيد النيروز، في اليوم الرابع من نيسان، وهو أول أيام سنة الفرس. - عيد الغدير والعاشر من المحرم (عاشوراء) . - عيد الأضحى، وهو عندهم في اليوم الثاني عشر من شهر ذي الحجة. - يحتفلون بأعياد النصارى، كعيد الغطاس وعيد الميلاد وعيد الصليب وغيرها. - يحتفلون بيوم مقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فرحا بمقتله، وشماتة به. وبهذا يتبين أن هذه الفرقة من الفرق الباطنية التي تنتسب إلى الإسلام زوراً، والإسلام منهم بريء. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "هؤلاء القوم المسمَّون بالنصيرية ـ هم وسائر الأصناف الباطنية ـ أكفر من اليهود والنصارى، بل وأكفر من كثير من المشركين، وضررهم أعظم من ضرر الكفار المحاربين مثل التتار والفرنج وغيرهم.. وهم دائماً مع كل عدو للمسلمين، فهم مع النصارى على المسلمين، ومن أعظم المصائب عندهم انتصار المسلمين على التتار، ثم إن التتار ما دخلوا بلاد الإسلام وقتلوا خليفة بغداد وغيره من ملوك المسلمين إلا بمعاونتهم ومؤازرتهم" انتهى. انظر: "الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة" (1/393-399) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112130 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1245 " السيخ "، عقيدتهم، منهجهم، موقفهم من المسلمين [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أعرف ضلالات " السيخ "، لي صديقة تقول: إن كلاًّ من " السيخ "، والمسلمين يعبدون نفس الرب! ، وتدَّعي أن هناك العديد من أوجه التشابه بين عقيدة السيخ والإسلام، وأنا أريد أن أشرح لها باستخدام أمثلة من عقائد السيخ أنفسهم، وأبيِّن لها خطأ عقيدتهم. لم أستطع الحصول على أي موقع إلكتروني للمقارنة بين " السيخية " والإسلام، تقول أيضاً: إن بداية السيخية كانت بسبب الاضطهاد الهائل في " الهند " الذي مارسه " المغول "، حيث كانوا يجبرون الهندوس على اعتناق الإسلام بالقوة عن طريق التعذيب، وقتل النساء، والأطفال، فما مدى صحة ما تدَّعيه؟ وهل ما ذكرتْه صديقتي موثق تاريخيّاً ومعترف به؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: التعريف: السيخ: جماعة دينية من الهنود الذين ظهروا في نهاية القرن الخامس عشر وبداية القرن السادس عشر الميلاديين، داعين إلى دينٍ جديد، زعموا أن فيه شيئاً من الديانتين الإسلامية، والهندوسية تحت شعار: " لا هندوس ولا مسلمون ". وقد عادوا المسلمين خلال تاريخهم، وبشكل عنيف، كما عادوا الهندوس بهدف الحصول على وطن خاص بهم، وذلك مع الاحتفاظ بالولاء الشديد للبريطانيين خلال فترة استعمار الهند. وكلمة " سيخ " كلمة سنسكريتية تعني: المريد، أو التابع. ثانياً: التأسيس وأبرز الشخصيات: المؤسس: " تاناك "، ويدعى: " غورو "، أي: المعلِّم، ولد سنة 1469 م في قرية " ري بوي دي تلفندي " التي تبعد 40 ميلاً عن لاهور، كانت نشأته هندوسية تقليدية. - لما شبَّ عمل محاسباً لزعيم أفغاني في " سلطانبور "، وهناك تعرَّف على عائلة مسلمة كانت تخدم هذا الزعيم. - درس علوم الدين، وتنقل في البلاد، كما قام بزيارة مكة، والمدينة، وزار أنحاء العالم المعروفة لديه، وتعلم: الهندية، والسنسكريتية، والفارسية. - ادَّعى أنه رأى الرب، حيث أمره بدعوة البشر، ثم اختفى أثناء استحمامه في أحد الجداول، وغاب لمدة ثلاثة أيام، ظهر بعدها معلناً: " لا هندوس ولا مسلمون ". - كان يدّعي حب الإسلام، مشدوداً إلى تربيته وجذوره الهندوسية من ناحية أخرى، مما دفعه لأن يعمل على التقريب بين الديانتين، فأنشأ ديناً جديداً في القارة الهندية، وبعض الدارسين ينظرون إليه على أنه كان مسلماً في الأصل ثم ابتدع مذهبه هذا. - أنشأ المعبد الأول للسيخ في " كارتاربور " بالباكستان حاليًّا، وقبل وفاته عام 1539م عيّن أحد أتباعه خليفة له، وقد دفن في بلدة ديرة " باباناناك " من أعمال البنجاب الهندية الآن، ولا يزال له ثوب محفوظ فيه مكتوب عليه سورة الفاتحة وبعض السور القصيرة من القرآن الكريم. قال الشيخ محمد بن إبراهيم الحمد وفقه الله: وقد كتب بعض المؤرخين أنه كان مسلماً، لذا كانوا يترحمون عليه! . وهذا بعيد جدّاً؛ إذ لو كان مسلماً: لدعا إلى الإسلام، ولم يخترع ديناً جديداً. وربما كان سببُ ادعائهم الإسلام له: ورودَ بعض العبارات في كتابه؛ بحيث يوجد بها بعض الروح الإسلامية، كقوله: " اقرأ كلمة الإله التي معها اسم محمد محبوب، وقد ضحى بما لديه في سبيل الله ". وكذلك كان يذكر في كتابه: القرآنَ، والرسولَ، واليومَ الآخر، والرحمن، والرحيم، وغيرها من الكلمات الإسلامية. ولكن ذلك ليس كافياً بالحكم له بالإسلام، ولذلك كانت السيخ تقول: إن " نانك " لم يكن مسلماً، ولا هندوكياً، وإنما كان يُحب فقراء المسلمين، وفقراء الهنادك.انتهى. http://www.toislam.net/files.asp?order=3#=2538&per;=2534&kkk;= - خلفه من بعده عشرة خلفاء معلِّمون، آخرهم: " غوبند سنغ " (1675 - 1708م) الذي أعلن انتهاء سلسلة المعلمين. قال الشيخ محمد بن إبراهيم الحمد وفقه الله: وهذا الخليفة كان من أشجع خلفاء السيخ، وأخبرهم بأمور الحرب، وهو الذي صرف همَّه كله لتوحيد صفوف السيخ، وبث فيهم روح العداء للمسلمين، وفتح الباب لجميع من أراد الدخول في الديانة السيخية، ولم يفرق بين الطبقات، فدخل الناس في دينه أفواجاً. ثم جعل لقومه زيّاً خاصّاً يتميزون به عن الآخرين، وأوجب على كلِّ سيخي أن يتخذ لديه قطعة من الحديد؛ وذلك دليلاً على شجاعته وصلابته، وألا يحلق شيئاً من شعر جلده، وأن يكون عنده مشاطة، وأوجب تعظيم البقرة، ورفع القيود عن المأكل والمشرب حتى أباح الخمر. واتخذ مع اسمه لقب " سنغ " أي: الأسد، ثم أطلق هذا اللفظ على كل سيخي، فما منهم من أحد إلا وفي اسمه " سنغ "، وهو الذي لقب السيخ بـ: " الخالصة "، أي: القوم الأحرار، وهو الذي فصل الأمة السيخية عن الأمة الهندوسية فصلاً تامّاً، وفي عهده أصبح السيخ أعدى أعداء المسلمين، وصاروا يسعون للانتقام منهم في كل فرصة سنحت لهم. http://www.toislam.net/files.asp?order=3#=2538&per;=2534&kkk;= - صار زعماؤهم بعد ذلك يُعرفون باسم المهراجا، ومنهم المهراجا " رانجيت سنغ " المتوفى سنة 1839 م. ثالثاً: الأفكار والمعتقدات: 1. يدعن إلى الاعتقاد بخالقٍ واحد، ويقولون بتحريم عبادة الأصنام، وينادون بالمساواة بين الناس. 2. يؤكدون على وحدانية الخالق الحي الذي لا يموت، والذي ليس له شكل، ويتعدى أفهام البشر، كما يستعملون عدة أسماء للإله منها: "واه غورو" و "الجاب"، وأفضلها عند "ناناك": "الخالق الحق"، وكل ما عداه وَهْمٌ "مايا". 3. يمنعون تمثيل الإله في صور، ولا يقرون بعبادة الشمس والأنهار والأشجار التي يعبدها الهندوس، كما لا يهتمون بالتطهر والحج إلى نهر "الغانج"، وقد انفصلوا تدريجيَّا عن المجتمع الهندوسي، حتى صارت لهم شخصية دينية متميزة. 4. أباح ناناك الخمر، وأكل لحم الخنزير، وقد حرم لحم البقر؛ مجاراة للهنادكة. 5. يعتقد السيخ بعقيدة تناسخ الأرواح، فيعتقدون أن روح كل واحد من المعلمين تنتقل منه إلى المعلم التالي له. 6. ويعتقدون تقديس البقر إلى حد ما. 7. يحرقون موتاهم كالهندوس. 8. أصول الدين لديهم خمسة، وهي الكافات الخمس، ذلك أنها تبدأ بحرف " الكاف " باللغة الكورمكية، وهي: أ. كيش: ويعني: ترك الشعر مرسلاً بدون قص من المهد إلى اللحد، وذلك لمنع دخول الغرباء بينهم بقصد التجسس. ب. كازا: ويعني: أن يلبس الرجل سواراً حديداً في معصميه؛ بقصد التذلل، والاقتداء بالدراويش. ج. كريباك: ويعني: أن يلبس الرجل تبّاناً - وهو أشبه بلباس السباحة - تحت السراويل؛ رمزاً للعفة. د. كانجا: ويعني: أن يضع الرجل مشطاً صغيراً في شعر رأسه؛ وذلك لتمشيط الشعر، وترجيله، وتهذيبه. هـ. كاخ: ويعني: أن يتمنطق السيخي بحَربة صغيرة - أو خنجر - على الدوام؛ وذلك لإعطائه قوة واعتداداً، وليدافع به عن نفسه إذا لزم الأمر. وهذه الأمور ليست من وضع "ناناك"، بل هي من وضع الخليفة العاشر "غوبند سنغ" – كما سبق -، والذي حرّم أيضاً التدخين على أتباعه، ويقصد بهذه الأمور التميز عن جميع الناس. 9. للمعلِّم - ويسمَّى عندهم " غورو " - درجة دينية تأتي بعد مرحلة الرب، فهو الذي يدل في نظرهم على الحق والصدق، كما أنهم يتعبدون الإله بإنشاد الأناشيد الدينية التي نظمها المعلمون. 10. يعتقدون بأن ترديد أسماء الإله "الناما" يطهِّر المرء من الذنوب، ويقضي على مصادر الشر في النفوس، وإنشاد الأناشيد "كيرتا "، والتأمل بتوجيه من معلم "غورو": كل هذا يؤدي إلى الاتصال بالإله. 11. أعياد السيخ هي نفس أعياد هندوس الشمال في الهند، بالإضافة إلى عيد مولد أول وآخر "غورو"، وعيد ذكرى استشهاد "الغورو" الخامس، والتاسع. رابعاً: السيخ والمغول والإنجليز والهندوس والمسلمون: 1. تعرض السيخ لاضطهاد "المغول"، الذين أعدموا اثنين من معلميهم، وقد كان أشد المغول عليهم نادر شاه 1738 – 1839 م، الذي هاجمهم، مما اضطرهم إلى اللجوء إلى الجبال، والشعاب. 2. صاروا بعد عام 1761 م حكاماً لـ "البنجاب"؛ وذلك بعد ضعف "المغول"، حيث احتلوا لاهور عام 1799 م، وفي عام 1819 م امتدت دولتهم إلى بلاد "الباتان"، وقد وصلت إلى ممر "خيبر" في عهد المهراجا "رانجيت سنغ" – توفي 1839 م - متغلبين على الأفغان. 3. تحول السيخ إلى أداة في أيدي الإنجليز يضطهدون بهم حركات التمرد 1857 م. 4. حصلوا من الإنجليز على امتيازات كثيرة، منها منحهم أراض زراعية، وإيصال الماء إليها عبر قنوات، مما جعلهم في رخاءٍ مادي، يمتازون به عن جميع المقيمين في المنطقة. 5. في الحرب العالمية الأولى كانوا يشكلون أكثر من 20 % من الجيش الهندي البريطاني. 6. ألغت الحكومة الهندية الامتيازات التي حصل عليها السيخ من الإنجليز، مما دفعهم إلى المطالبة بولاية "البنجاب" وطناً لهم. 7. على إثر المصادمات المستمرة بين الهندوس والسيخ: أمرت " أنديرا غاندي " - رئيسة وزراء الهند - في شهر يونيو 1984 م باقتحام المعبد الذهبي في " أمرتيسار " حيث اشتبك الطرفان، وقتل فيه حوالي 1500 شخص من السيخ، و 500 شخص من الجيش الهندي. 8. وفي يوم 31 أكتوبر 1984 م أقدم السيخ على قتل رئيسة الوزراء هذه؛ انتقاماً لاقتحام المعبد، وقد حصلت مصادمات بين الطرفين عقب الاغتيال قتل بسببها عدة آلاف من السيخ يقدرها بعضهم بحوالي خمسة آلاف شخص. 9. اشتهر السيخ خلال حكمهم بالتعسف والظلم والجور والغلظة على المسلمين، مثل: منعهم من أداء الفرائض الدينية، والأذان، وبناء المساجد في القرى التي يكونون فيها أكثرية، وذلك فضلاً عن المصادمات المسلحة بينهما، والتي يقتل فيها كثير من المسلمين الأبرياء، ومن الذين قُتل على أيديهم العالِم القائد شاه محمد إسماعيل الدهلوي، وهو المعروف بـ "إسماعيل الشهيد"، وذلك في معركة "بالاكوت" سنة 1246هـ (1831 م) ، رحمه الله. خامساً: الانتشار ومواقع النفوذ: أ. لهم بلد مقدس يعقدون فيه اجتماعاتهم المهمة، وهي مدينة "أمرتيسار" من أعمال "البنجاب"، وقد دخلت عند التقسيم في أرض الهند. ب. لهم في مدينة "أمرتيسار" أكبر معبد يحجون إليه، ويسمَّى "دربار صاحب" أي: مركز ديوان السيد الملك، وأما سائر المعابد: فتسمى "كرو داوره"، أي: مركز الأستاذ. ج. أكثرية السيخ - وهم الأقلية الثالثة بعد الإسلام والمسيحية - تقطن "البنجاب"، إذ يعيش فيها 85 % منهم، فيما تجد الباقي في ولاية "هاريانا"، وفي "دلهي"، وفي أنحاء متفرقة من الهند، وقد استقر بعضهم في ماليزيا، وسنغافورة، وشرق إفريقيا، وإنجلترا، والولايات المتحدة، وكندا، ورحل بعضهم إلى دول الخليج العربي بقصد العمل. د. يقدَّر عدد السيخ حاليًّا بحوالي 15 مليون نسمة، داخل الهند، وخارجها. سادساً: مما سبق يتبين أن هذه الديانة ديانة وثنية كافرة، وأن تأثر بداياتها بالإسلام لا يجعلها محسوبة على الإسلام، وشعارهم المذكور في أول الجواب "لا هندوس ولا مسلمون" يؤكد هذا، بالإضافة لعدائهم الشديد للإسلام، وقتلهم للمسلمين، ومنعهم من إقامة شعائرهم، والوثنية بادية ظاهرة في هذه الديانة، ولا يُعرف عن أحدٍ من المسلمين أنه يحسبهم على الإسلام. وليس هناك خالق يعبدونه وحده لا شريك كما هو الحال في دين الإسلام، وتأثر مؤسسهم بالإسلام لا يجعله مسلماً، وقوله بوجود خالق واحد لا يجعله موحِّداً، والمشركون في زمان النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يعتقدون بوجود خالقٍ واحد للكون، وهو الرب سبحانه وتعالى، بل كانوا يعتقدون أكثر من ذلك، وأنه هو الذي ينزل من السماء ماء، وهو الذي يخرج الحيَّ من الميت، وهو الذي يسخر الشمس والقمر، وغير ذلك، ولم يجعلهم ذلك موحِّدين، ولا مسلمين؛ لأنهم صرفوا عبادتهم لغيره عز وجل، ولذا فإن كلمة العلماء متفقة على عدِّ "السيخ" من الوثنيين الكفار. 1. جاء في "الموسوعة الميسرة في الأديان": ويتضح مما سبق: أن عقيدة السيخ تعتبر إحدى حركات الإصلاح الديني التي تأثرت بالإسلام واندرجت ضمن محاولات التوفيق بين العقائد، ولكنها ضلت الطريق، حيث لم تتعرف على الإسلام بما فيه الكفاية من ناحية، ولأن الأديان ينزل بها الوحي من السماء، ولا مجال لاجتهاد البشر بالتلفيق والتوليف واختيار عناصر العقيدة من هنا وهناك. 2. وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: الكفار الذين يعملون معنا في الشركات، من السيخ، والهندوس، والنصارى، ماذا لهم؟ وماذا علينا نحوهم؟ وكيف يمكننا معاملتهم دون الوقوع في الموالاة؟ . فأجابوا: "تدعونهم إلى الإسلام، وتأمرونهم بالمعروف، وتنهونهم عن المنكر، وتقابلون برَّهم بالبر، وتستميلونهم بالمعروف إلى الإسلام، مع بغض ما هم عليه من الكفر والضلال" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان. "فتاوى اللجنة الدائمة" (2/66) . 3. وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: عرض التلفزيون مساء الجمعة 4 صفر 1403 هـ برنامج "العالم الفطري"، والذي يقدمه إبراهيم الراشد، وكانت الحلقة عن "الهند" , وفي مستهل مقدمته قال: حقّاً إن الهند تسمى بلاد الأديان، ففيها نجد: الهندوسية , البوذية , السيخ ... إلخ , فأرجو منك إيضاح الآتي: هل الأديان التي ذكرها مقدم البرنامج كما يدعي حقا أديان؟ وهل هي منزلة ومرسلة من عند الله؟ . فأجاب: "كلُّ ما يدين به الناس ويتعبدون به يسمَّى دِيناً، وإن كان باطلاً، كالبوذية، والوثنية، واليهودية، والهندوسية، والنصرانية، وغيرها من الأديان الباطلة، قال الله سبحانه في سورة الكافرون: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) فسمَّى ما عليه عبَّاد الأوثان دِيناً , والدين الحق هو الإسلام وحدة كما قال الله عز وجل: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) ، وقال تعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) ، وقال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) . والإسلام: هو عبادة الله وحده، دون كل ما سواه , وطاعة أوامره، وترك نواهيه، والوقوف عند حدوده، والإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله مما كان وما يكون، وليس شيء من الأديان الباطلة منزَّلاً من عند الله، ولا مرضيّاً له , بل كلها محدثة، غير منزلة من عند الله، والإسلام هو دين الرسل جميعاً , وإنما اختلفت شرائعهم؛ لقول الله سبحانه: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) " انتهى. "فتاوى الشيخ ابن باز" (4/321) . وانظر: "موسوعة الأديان والمذاهب المعاصرة " (2/774 – 780) . والله الهادي [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 110908 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1246 حكم إطلاق لفظة نحن أبناء الله [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من قال من المسلمين "نحن نؤمن أن كلنا أبناء الله" مستشهداً بالحديث الضعيف " الخلق كلهم عيال الله ".؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فالحديث المذكور رواه البزار وأبو يعلى من حديث أنس، ولفظه: " الخلق كلهم عيال الله، فأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله". وهو حديث ضعيف جدا كما قال الألباني في ضعيف الجامع (حديث رقم 2946) . ومن قال من المسلمين: نحن نؤمن بأننا جميعا أبناء الله، وجب أن يُستفصل عن مراده قبل أن يُحكم عليه: 1- فإن أراد بالبنوة المعنى المجازي، وهو كون الناس محتاجين مفتقرين إلى الله تعالى، واستعمل هذه العبارة في غرض مشروع كالرد على النصارى القائلين بأن المسيح ابن الله، فلا حرج عليه في إلزامه النصارى بهذا لإبطال عقيدتهم - مع عدم التسليم باستعماله مع غيرهم لما يورثه من لبس ومعانٍ باطلة – وذلك لأن من وسائل إبطال اعتقاد النصارى في عيسى عليه السلام إيقافهم على عبارات وردت في كتابهم المقدس تثبت البنوة لغير عيسى بما يدل بصورة واضحة على أن معنى النبوة في كل نصوص الإنجيل ليس المراد به البنوة الحقيقة التي زعموها لعيسى بما أدخله القسيس بولس لحرفهم عن عقيدة التوحيد، معتمداً على اللبس الذي توحيه كلمة (الأب) و (الابن) ومن هذه النصوص التي ترد عليهم ما جاء في إنجيل لوقا (20/36) قال عيسى عن المؤمنين به (هم مثل الملائكة، لا يموتون، وهم أبناء الله لأنهم أبناء القيامة) . وكما في سفر أشعيا (43/6) (ائت ببني من بعيد وبناتي من أقصى الأرض) . وكما في إنجيل يوحنا (1/12) (وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانا أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنين باسمه، الذين ولدوا ليس من دم ولا مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من الله) . وهكذا ما جاء في وصف الله بالأب، كما في إنجيل متى (6/1) من كلام المسيح لتلاميذه (وإلا فليس لكم أجر عند أبيكم الذي في السموات) . وفي إنجيل لوقا (11/2) (متى صليتم فقولوا: أبانا الذي في السموات) . وفي إنجيل يوحنا (20/17) (إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم) . فالنصارى لا يقولون بأن الملائكة وبني إسرائيل والحواريين أبناء الله حقيقة، كما لا يقولون بأن الله أب لهؤلاء حقيقة، وإنما يحملون ذلك على المعنى المجازي، أي أب لهم في النعمة والإحسان والحفظ والرعاية، وهم أبناؤه في العبادة والحاجة والافتقار. وبهذا يبطل استدلالهم على بنوة عيسى لله بكونه وصف في الإنجيل بأنه ابن الله. 2- وإن أراد أن الناس جميعا أبناء الله كبنوة المسيح لله، على نحو ما يعتقده النصارى، فهذا كفر فوق كفر النصارى. 3- وإن أراد أن الجميع أبناء الله أو عياله فلا فرق بين المسلم والكافر، وأراد بذلك عدم تكفير اليهود والنصارى وعباد الأوثان، فهذه ردة منه عن الإسلام؛ فإن من شك في كفر اليهود والنصارى أو صحح مذهبهم كفر إجماعاً. 4- وإن أراد من ذلك تسويغ إطلاق لفظ " الأخ " على اليهودي والنصراني لأن الجميع عيال الله، فهذا باطل، فإنه لا أخوة بين المؤمنين والكافرين، والحديث لم يصح، ولو صح لما كان فيه مستند لهذا الإطلاق. وينبغي الحذر من إطلاق الألفاظ الموهمة، التي قد توقع الإنسان في المحظور، وتدعو إلى إساءة الظن به لاسيما ما يتعلق منها بتوحيد الله تعالى، وإفراده في أسمائه وصفاته إذ حق الله تعالى هو أولى ما يراعى ويجنب ما يخدشه، لاسيما وأن هذه اللفظة قد استعملها اليهود وساقها الله تعالى في القرآن عنهم في سياق الذم (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءالله وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِم يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ) المائدة / 18 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 26728 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1247 بوذا كان فيلسوفاً كافراً ولم يكن نبياً [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الإسلام فيمن يقول: إن (بوذا) نبي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "بوذا ليس نبياً، بل كافراً فيلسوفاً، يتنسك على غير دين سماوي، فمن اعتقد بنبوته فهو كافر. وقد غلا قومه فيه، واعتقدوا فيه الألوهية، وعبدوه من دون الله، واعتنق هذه النحلة البوذية الوثنية كثير من البشر قديماً وحديثاً، فالواجب على المسلم بغض هذه النحلة، وبغض أهلها، والبراءة منهم، ومعاداتهم في الله. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ... الشيخ صالح بن فوزان الفوزان ... الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/44) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106416 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1248 أجوبة من دخل في الإسلام على السؤال المتبادر " لماذا أسلمتَ "؟ [السُّؤَالُ] ـ[يسألني أحد زملاء العمل " لماذا أسلمت؟ " فقلت له: إن هذا هو الطريق الذي كان يجب أن أسلكه، لا أعرف أحيانًا ما يجب أن أقوله، وعندما أحاول: أشعر أن ردي غير صحيح، كيف أرد على مثل هذا السؤال؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نسأل الله تعالى أن يتقبل إسلامك، وأن يثبتك على الحق، ويهديك لما يحب ويرضى. واعلمي أيتها الأخت الفاضلة أنك سلكتِ الطريق الصحيح، فالإسلام دين الفطرة، ودين الأمن، والسعادة، يشعر بذلك كل من انتسب لهذا الدين العظيم، وقد يشعر بذلك أكثر من كان غارقاً في ظلمات الجهل والضلال والكفر، ويشعر الناطق بالشهادتين بشيء في قلبه لا يستطيع وصفه لأحدٍ، ولذلك تغلب أكثرهم دموع الفرح والسعادة، ولا شك أن الله تعالى قد جعل للإسلام طعماً، وللإيمان حلاوة، وهو ما نصَّت عليه نصوص شريعتنا، ويشعر بذلك الطعم، ويتذوق تلك الحلاوة من آمن بالله ربّاً وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيّاً ورسولاً. ثانياً: إن الذي يكرمه الله تعالى بدخول الإسلام يجد من الأسباب لدخوله فيه ما لا يجده غيره، ويرى فيه من الجوانب ما لا يراه غيره، وما ذلك إلا لعظمة هذا الدين، وكثرة جوانب الخير فيه، وصلاحيته لجميع طبقات الناس وبيئاتهم وثقافاتهم، ومن هنا فإن من يدخل في هذا الدين العظيم يذكر من الأسباب لإسلامه ما لا يذكره غيره غالباً، وكلها إجابات صحيحة تحكي واقعهم وواقع الإسلام ذاته، ويمكنك الوقوف على بعض تلك الإجابات، والاستفادة منها، ونحن نفضل أن تذكري شعورك أنت، والسبب الذي دفعك أنت للدخول في هذا الدين، فهو تعبير عن واقعك الذي تعيشين، وأنت أبلغ من يستطيع التعبير عنه. ولا مانع من ذِكر بعض تلك الأسباب عند غيرك ممن دخل في الإسلام؛ فقد يكون ثمة اشتراك في بعضها بينك وبينهم. 1. سئل أعرابي: لماذا أسلمتَ؟ قال: لم أرَ شيئاً من قول، أو فعل يستحسنه العقل، وتستطيبه الفطرة: إلا وحثَّ عليه الإسلام، وأمر به، وأحلَّه رب العزة سبحانه، ولم أجد شيئاً يستقبحه العقل، وتستقذره الفطرة: إلا ونهى الله عنه، وحرَّمه على عباده. 2. قال " روبرت ديكسن " رئيس جمعية المحامين الأمريكيين: جوابي لمن سألني لماذا أسلمت: هو: أن الإسلام دين التوحيد، والسعادة، والراحة النفسية، والعيشة الهانئة، إذا التزمت به، وطبقت تعاليمه، وهو دين العدل الإلهي. 3. قال " محمد أسد " - السياسي، والمؤلف النمساوي -: لم يكن هناك شيء بعينه من تعاليم الإسلام هو الذي أخذ بمجامع قلبي، إنه المجموع المتكامل المتناسب والمتماسك من هذه التعاليم الروحية من جانب، والتي ترسم برنامجاً عمليّاً للحياة من الجانب الآخر. 4. قالت الفرنسية المهتدية " سيلفي فوزي: لقد وجدت في الإسلام منهاج حياة يجيب عن كل التساؤلات، وينظم للإنسان حياته وفق ما ينفعه، ويتناسب مع فطرته، ملبسه، ومأكله، وعمله، ونظام زواجه، اختياراته في الحياة، علاقاته بالآخرين، ومن ثم فلا عجب أن من يلتزم بالإسلام يستشعر الاطمئنان، والأمان النفسي، الذي هو في رأيي أهم العناصر لاستمرار الحياة. 5. قالت أم عبد الملك – الأمريكية المسلمة -: أذهلني الإسلام الذي رفع من مقدار الوالدين. 6. قال الشيخ محمد بن إبراهيم – رحمه الله -: إن أَحد فلاسفة الهنود درس تاريخ الأَديان كلها، وبحث فيها بحثَ مستقلٍّ منصفٍ، وأَطال البحث في النصرانية؛ لما للدول المنسوبة إليها من الملك، وسعة السلطان، والتبريز في الفنون، والصناعات، ثم نظر في الإسلام، فعرف أَنه الدين الحق، فأَسلم، وأَلف كتاباً باللغة الإنجليزية سماه " لماذا أَسلمت "، بيَّن فيه ما ظهر له من مزايا الإسلام على جميع الأَديان، وكان أَهمها عنده: أَن الإسلام هو الدين الوحيد الذي له تاريخ صحيح محفوظ، فالآخذ به يعلم أَنه هو الدين الذي جاء به محمد بن عبد الله، النبي الأمي العربي، المدفون في المدينة المنورة من بلاد العرب، وقد كان من مثار العجب عنده أَن ترضى أُوربا لنفسها دينًا ترفع من تنسبه إليه عن مرتبة البشر، فتجعله إلهاً وهي لا تعرف من تاريخه شيئًا يعتد به، فإن هذه الأناجيل الأربعة على عدم ثبوت أَصلها، وعدم الثقة بتأْريخها، ومؤلفيها: لا تذكر من تاريخ المسيح إلا وقائع قليلة، حدثت - كما تقول - في أَيام معدودة، ولا يذكر فيها شيء يعتد به عن نشأَة هذا الرجل، وتربيته، وتعليمه، وأَيام صباه، وشبابه، ولله في خلقه شئون. " فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم " (1 / 48) . 7. قال " يوسف خطَّاب " – المتحول من اليهودية إلى الإسلام – لما سئل لماذا أسلمت -: لأن الإسلام دين التوحيد، قرأت عنه كثيراً، وأخيراً اقتنعت بأنه هو السبيل للجنة. والكلمات كثيرة، ويجمعها أن الإسلام دين الفطرة، والأمن، والسعادة، والأحكام الحكيمة، والأخلاق الرفيعة، ومن رام المقارنة بين الإسلام وغيره من الأديان المحرَّفة، أو الأنظمة والقوانين البشرية: فسيتبين له بجلاء أوجه الاختلاف، وأنه ليس ثمة مجال للمقارنة أصلاً. 8. وتصف " ميري واتسون " – الأمريكية الحاصلة على ثلاث درجات علمية، وبعضها في علم اللاهوت لحظة تسلل نور الإيمان إلى قلبها فتقول: شعرت في ليلة - وأنا مستلقية على فراشي وكاد النوم يقارب جفوني - بشيء غريب استقر في قلبي، فاعتدلت من فوري، وقلت: يا رب أنا مؤمنة بك وحدك، ونطقت بالشهادة، وشعرت بعدها باطمئنان، وراحة تعم كل بدني، والحمد لله على الإسلام، ولم أندم أبداً على هذا اليوم الذي يعتبر يوم ميلادي. انتهى وننصحك – أختنا الفاضلة – بقراءة كتاب: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، للشيخ أبي الحسن الندوي، وكتاب: الإسلام على مفترق الطرق، والطريق إلى الإسلام، وهما للأستاذ محمد أسد، والثلاثة متوفرة باللغة الإنجليزية. كما ننصحك بقراءة قصص واقعية لمن اهتدوا إلى الطريق المستقيم، وأسلموا لله تعالى، وفيها بيان: كيف اهتدوا، وما هي خطواتهم الأولى نحو الهداية، وذلك تحت هذا الرابط: http://www.themwl.com/AlDaawa/default.aspx?ct=1&cid;=7&l;=AR ونسأل الله لك الثبات على الحق، والتوفيق للعلم النافع، والعمل الصالح. والله الموفق [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103524 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1249 هل يقال عن الإسلام دين محمد وعن المسلمين المحمديين [السُّؤَالُ] ـ[يطلق أحد إخواننا المسلمين على الإسلام أنه دين محمد، وهو يدعم هذا القول بشدة لأنه بما أن النبى (صلى الله عليه وسلم) هو الذى أتى بالإسلام، فهو يرى أنه لا ضير من تسمية الإسلام بدين محمد، فهل يجوز أن نطلق على الإسلام أنه دين محمد، وعلى المسلمين أنهم المحمديون؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا شك أن هذا الإسلام الذي ندين به، هو دين محمد صلى الله عليه وسلم، فقد بُعث به إلينا، وبلغه لنا، كما أمره ربه سبحانه، لكن ينبغي أن يُعلم أن الإسلام خاص وعام: فالإسلام الخاص المشتمل على هذه الشريعة التي نعلمها، وفيها الصلوات الخمس، والزكاة، وصوم رمضان، والحج على الصفة التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم، وفيها أحكام المعاملات والجنايات وغير ذلك، هذا الإسلام الخاص هو الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. وأما الإسلام العام الذي يقوم على توحيد الله تعالى، واتباع رسوله المرسل من عنده، فهو دين جميع الأنبياء، صلوات الله عليهم، دين نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم، كما قال تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) آل عمران/19، وقال: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) آل عمران/85 وقال عن نوح عليه السلام: (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) يونس/72. وقال عن إبراهيم: (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) آل عمران/67. وقال: (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ) الحج/78 وقال عن موسى (يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) يونس/84. وقال عن يوسف: (تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) يوسف/101. فالإسلام هو عبادة الله وحده لا شريك له، والإيمان بما جاء من عنده، وهذا قدر مشترك متفق عليه بين جميع الأنبياء، ثم يقع التمييز بينهم في تفاصيل الشرائع، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَالْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ) رواه البخاري (3443) . والإخوة لعلات: هو الإخوة لأب. والمراد أن أصل دينهم واحد، وإن اختلفت فروعهم. ولهذا يخشى من قولنا عن الإسلام: إنه دين محمد صلى الله عليه وسلم أن يظن السامع وغيره أن دين الأنبياء الآخرين ليس هو الإسلام. ولهذا كان الاسم العلم على هذا الدين هو " الإسلام "، وأصحابه هم " المسلمون "؛ قال الله تعالى: (هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا) الحج: 78 قال الشيخ السعدي رحمه الله: " أي: في الكتب السابقة، مذكورون ومشهورون، وَفِي هَذَا الكتاب، وهذا الشرع؛ أي: ما زال هذا الاسم لكم قديما وحديثا ". تفسير السعدي (546) باختصار يسير. ولم يزل أتباع هذه الملة يسمون به، قال تعالى: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) الأحزاب/35، وقال: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) فصلت/33 وروى الترمذي (2863) عن الْحَارِثَ الْأَشْعَرِيَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( ... فَادْعُوا بِدَعْوَى اللَّهِ الَّذِي سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمِينَ الْمُؤْمِنِينَ عِبَادَ اللَّهِ) والحديث صححه الألباني في صحيح الترمذي. وروى مسلم (1336) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَ رَكْبًا بِالرَّوْحَاءِ فَقَالَ مَنْ الْقَوْمُ؟ قَالُوا الْمُسْلِمُونَ فَقَالُوا مَنْ أَنْتَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ فَرَفَعَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ صَبِيًّا فَقَالَتْ أَلِهَذَا حَجٌّ قَالَ نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ) . فهذا هو اسمنا وشعارنا، وهذا ما كان عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان، فليسعنا ما وسعهم. ثانياً: وأما في مقام بيان إمام هذه الأمة، وأن متبوعهم الذي يأخذون عنه هو النبي محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم، فلا بأس بالنسبة إليه هنا؛ وقد تواتر في الحديث تسمية المسلمين: " أمة محمد "؛ بل استعمل غير واحد من أهل العلم كلمة " المحمديون " في التعبير عن أتباع النبي صلى الله عليه وسلم، إما خاصة أتباعه الذين هم أهل سنته، أو في التعبير عن أمته صلى الله عليه وسلم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كلامه عن أهل الحيل الشيطانية والدجل: " وإذا اجتمعوا مع من له حال رحماني بطلت أحوالهم وهربت شياطينهم، وإنما يظهرون عند الكفار والجهال، كما يظهر أهل الإشارات عند التتر والأعراب والفلاحين ونحوهم من الجهال الذين لا يعرفون الكتاب والسنة، وأما إذا ظهر المحمديون أهل الكتاب والسنة فإن حال هؤلاء يبطل " مجموع الفتاوى (27/500) . وقال الذهبي رحمه الله: " الطريقة المثلى هي المحمدية " السير (12/89) ، وانظر: معجم المناهي اللفظية، للشيخ بكر أبو زيد حفظه الله، ص (497، 610) . مع أننا ننبه هنا إلى أن بعض أعداء الإسلام يلقبون المسلمين بذلك تشبيها للهم بالنصارى " المسيحيون "، الذين ينسبون إلى المسيح ويعبدونه من دون الله، فلذلك كان الأسلم أن يستعمل الاسم الذي هو علم على هذا الدين وأتباعه، وسماهم الله به: " المسلمون "، وإذا استعمل غير المسلمين هذا، أو استعمله المسلم أمام غير المسلمين، بين لهم مدلول هذه النسبة عندنا، واختلافها عن مدلول الانتساب عند غير الأمة المرحومة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 101366 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1250 لماذا يُعاقَب من وُلِد في أسرة كافرة ومات على الكفر [السُّؤَالُ] ـ[نؤمن كمسلمين بالقضاء والقدر، فإذا كان مكتوباً على الطفل أن يولد في أسرة كافرة، فلماذا يعاقب بدخول النار إذا كبر ومات على ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] أحكام الأضحية الحمد لله: نعم أخانا المكرم، نحن نؤمن بالقضاء والقدر، لكن قبل ذلك وبعده، نحن نؤمن بكمال الله تعالى وعدله، وتنزهه عن ظلم عباده، أدنى ما يكون ذلك الظلم، قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (يونس:44) ، والآيات في هذا المعنى كثيرة معلومة، بل فوق ذلك نعلم أن الله تعالى رفيق يحب الرفق في الأمر كله، رحمن، رحيم، ذو رحمة واسعة هي أوسع من غضبه وانتقامه، كما في حديث أبي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي فَهُوَ مَكْتُوبٌ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ) رواه البخاري (7554) ومن أجل ذلك يحب أن يمهل عباده ويحلم عليهم، ويعذر إليهم، قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (.. لَا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنْ اللَّهِ وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثَ الْمُبَشِّرِينَ وَالْمُنْذِرِينَ..) رواه البخاري (7416) فإذا استقر عندك هذا الأصل البيِّن المحكم المنير، الذي لا يصح لأحد إيمانه إلا بالتمكن فيه، فرُدّ إليه – رحمنا الله وإياك – كل غبش من ظلمةِ جهل، أو شبهة هوى، وسرعان ما تجد قلبك قد استراح، وقد علمت أن الله تعالى أرحم بك وبسائر عباده من الوالدة بولدها، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيٌ فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنْ السَّبْيِ قَدْ تحلّب ثَدْيهَا تَسْقِي إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتُرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ قُلْنَا لَا وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ فَقَالَ لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا) رواه البخاري (5999) ومسلم (2754) والله الرحمنُ الرحيم أرحم بهذا الذي تسألُ وتجادل عنه، منك ومن نفسه، فإما كان من أهل رحمة الله فستدركه إن شاء الله، لا محالة. وإما كان من المحادين المعاندين فاشتغل بما ينفعك أنتَ وينجيك " ولا تكن للخائنين خصيماً " وأحذر أن تغفل عن ذلك الأصل طرفة عين، ثم احذر أن تنظر في القدر قبل أن تُحكِمه، واعلم أن باب القدر كالشمس، متى آمنت به، وسلمت، على ما أتاك من خبر الله ووحيه، استرحت، واطمأنت نفسك، كالذي يسير في وضح النار. وأما إذا دققت وشققت، وتعمقت وتنطعت، فما يستفيد المحدِّق في قرص الشمس سوى تلف عينيه؟! فإذا جئنا إلى ما سألت عنه، حتى لا تظن أن ما قدمناه لك حيدةٌ عن الجواب، فاعلم مما يَجِبُ أن الله سبحانه وتعالى قد هيأ لكل إنسان ما يمكنه من معرفة الخير والشر، قال تعالى: (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ) (البلد:8) ، أي عينين يبصر بهما، (وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ) (البلد:9) ، أي ولسانا ينطق به عما في ضميره وشَفَتَينِ يَسْتَعِين بهما على الكلام، (وهَدَيْنَاهُ النَّجدين) البلد/10، قال ابن مسعود: الخير والشر، وقوله تعالى: (إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) (الانسان:2-3) ، فقد بَيّن لله في الآيات السابقة أنه عز وجل وَهَبَ للإنسان الوسائل والآلات التي يُمْكِنُه معها معرفة طريق الخير والشر. ثم إنه سبحانه لم يجعل هذه الآلات حجة على عباده بمفردها، بل فتح لهم باب العذر، وأملى لهم في الحجة، حتى يأتيهم نور الوحي من السماء، قال تعالى: (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) النساء/165، وقال تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) الإسراء/ 15 ومن أجل ذلك يوبخ الله تعالى الكفار به على ما أضاعوا من عذر الله وإمهاله، وغفلوا عن رسله وبيناته: (َيا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ * ذَلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ) (الأنعام 130-131) أما هذا الذي قَلّد أباه على الكفر، ومات عليه، فقد قال ابن القيم رحمه الله: " َيُفَرّق بين مُقَلّدٍ تَمَكّن من العلم ومعرفة الحق، ومُقَلّد لم يتمكن من ذلك بِوَجْهٍ، والقسمان واقعان في الوجود فالمُتمَكِّن المُعْرِض، مفرطٌ تاركٌ للواجب عليه، لأنه لا عذر له عند الله، وأما العاجز عن السؤال والعلم، الذي لا يتمكن من العلم بوجه، فهم قسمان أيضا: أحدهما: مُرِيدٌ للهدى مُؤْثِر له، مُحِب له، غير قادر عليه، ولا على طلبه، لعدم من يُرْشِده، فهذا حكمه حكم أرباب الفترات ومن لم يبلغه الدعوة. الثاني: معرض لا إِرَادة له، ولا يحدث نفسه بغير ما هو عليه، فالأول يقول: يا رب لو أعلم دينا خيرا مما أنا عليه لَدِنْتُ به وتركت ما أنا عليه، والثاني راضٍ بما هو عليه، لا يُؤْثِر غيره عليه، ولا تَطْلُب نفسه سواه، ولا فرق عنده بين حال عجزه وقدرته، وكلاهما عاجز، فالأول كمن طلب الدين في الفترة ولم يَظْفَر به، فعدل عنه بعد استفراغ الوسع في طلبه عَجْزاً وجهلاً، والثاني كمن لم يطلبه، بل مات على شركه " أهـ. طريق الهجرتين 678. وإن كان لو طلبه لعجز عنه، ففرق بين عجز الطالب وعجز المعرض، فتأمل هذا الموضع، والله يقضي بين عباده يوم القيامة بحكمه وعدله، ولا يعذب إلا من قامت عليه حجته بالرسل، فهذا مقطوع به في جملة الخلق، وأما كون إنسا معين قد قامت عليه الحجة أم لا، فذلك ما لا يمكن الدخول بين الله وبين عباده فيه، وهذا في أحكام الثواب والعقاب، وأما في أحكام الدنيا فهي جارية على ظاهر الأمر، فأطفال الكفار ومجانينهم كفار في أحكام الدنيا، لهم حكم أوليائهم " وهؤلاء الذين لم تبلغهم الدعوة، ولم تقم عليهم حجة الله بالرسل، أصح الأقوال فيهم أنهم يمتحنون في عرصات القيامة، ويرسل إليهم هناك رسول، فمن أطاعه دخل الجنة، ومن عصاه دخل النار، كما في مسند الإمام أحمد (18566) وغيره من حديث الْأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أرْبَعَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ أَصَمُّ لَا يَسْمَعُ شَيْئًا وَرَجُلٌ أَحْمَقُ وَرَجُلٌ هَرَمٌ وَرَجُلٌ مَاتَ فِي فَتْرَةٍ فَأَمَّا الْأَصَمُّ فَيَقُولُ رَبِّ لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَمَا أَسْمَعُ شَيْئًا وَأَمَّا الْأَحْمَقُ فَيَقُولُ رَبِّ لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَالصِّبْيَانُ يَحْذِفُونِي بِالْبَعْرِ وَأَمَّا الْهَرَمُ فَيَقُولُ رَبِّي لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَمَا أَعْقِلُ شَيْئًا وَأَمَّا الَّذِي مَاتَ فِي الْفَتْرَةِ فَيَقُولُ رَبِّ مَا أَتَانِي لَكَ رَسُولٌ فَيَأْخُذُ مَوَاثِيقَهُمْ لَيُطِيعُنَّهُ فَيُرْسِلُ إِلَيْهِمْ أَنْ ادْخُلُوا النَّارَ قَالَ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ دَخَلُوهَا لَكَانَتْ عَلَيْهِمْ بَرْدًا وَسَلَامًا) وفي رواية: (فَمَنْ دَخَلَهَا كَانَتْ عَلَيْهِ بَرْدًا وَسَلَامًا وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْهَا يُسْحَبُ إِلَيْهَا) رواه أحمد والله الموفق [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 10127 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1251 الحكمة من وقوع التحريف في الإنجيل [السُّؤَالُ] ـ[لم سمح الله سبحانه وتعالى بتحريف الإنجيل، مع أنه سبحانه قادر على حفظه؟ وما هي التعاليم التي اتبعها المسلمون قبل مجيء النبي محمد صلى الله عليه وسلم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: أولا: قد وكَّل الله تعالى حفظ التوراة والإنجيل إلى علمائهم ورهبانهم، بدليل قوله: (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء) المائدة/44. ولم يتكفل سبحانه وتعالى بحفظه كما تكفل بحفظ القرآن، وفي ذلك بعض الحِكَم: 1. أراد سبحانه وتعالى أن يبقى القرآن الكريم هو الكتاب الخالد، والشريعة الباقية إلى يوم القيامة، قال تعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) المائدة/48، فلم تكن ثمة حاجة لحفظ الكتب السابقة وتخليدها، وخاصة أن عهد القرآن قريب من عهد الإنجيل، فليس بينهما سوى ستمائة عام. 2. وليكون ذلك فتنة واختباراً للذين أوتوا الكتاب هل يقومون بدورهم في حفظ الكتاب؟ وهل يؤمنون بما جاء فيه؟ وهل يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل، أم يصروا على عنادهم، فيقوموا بالتحريف والكتمان والتزوير؟! 3. وفي ذلك بلاء أيضا لكل أتباع الديانة النصرانية إلى يوم القيامة، وهم يرون كتابهم الذي يؤمنون به لم يسلم من يد التحريف أو التشكيك أو الضياع، ويرون كتاب خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم محفوظا متواتراً لا يشك أحد في صحته، فيكون ذلك داعيا لهم إلى الإيمان بالكتاب المبين - القرآن الكريم -. ثانيا: كان الناس في الجاهلية قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم على الشرك والوثنية، ولم يكن لأغلبهم دين متبع، ولا شريعة محترمة، اللهم إلا بعض من اتبعوا شريعة المسيح عليه السلام، مثل ورقة بن نوفل، وبعض من كان حنيفا على دين إبراهيم، يجتنب الشرك والأوثان والخمر والفواحش ويسجد لله الواحد رب العالمين، مثل زيد بن عمرو بن نفيل الذي صح في البخاري (3614) أنه قال: (إِنِّي لَا آكُلُ مِمَّا تَذْبَحُونَ عَلَى أَنْصَابِكُمْ وَلَا آكُلُ إِلَّا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ) وكان يقول أيضا: (يَا مَعَاشِرَ قُرَيْشٍ! وَاللَّهِ مَا مِنْكُمْ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ غَيْرِي. وَكَانَ يُحْيِي الْمَوْءُودَةَ، يَقُولُ لِلرَّجُلِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَ ابْنَتَهُ: لَا تَقْتُلْهَا، أَنَا أَكْفِيكَهَا مَئُونَتَهَا، فَيَأْخُذُهَا، فَإِذَا تَرَعْرَعَتْ قَالَ لِأَبِيهَا: إِنْ شِئْتَ دَفَعْتُهَا إِلَيْكَ، وَإِنْ شِئْتَ كَفَيْتُكَ مَئُونَتَهَا) رواه البخاري (3616) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98280 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1252 يرد على شبهات النصارى ويطلب النصح يستمر أم لا؟ [السُّؤَالُ] ـ[هناك موقع نصراني يبث شبهات كثيرة حول الإسلام وشرائع الإسلام، وأقوم - بفضل الله - برد هذه الشبهات من خلال المواقع الإسلامية، ومواقع الرد على الشبهات، ويقومون في هذا المنتدى بسب الرسول صلى الله عليه وسلم، فهل أكمل في هذا المنتدى في رد شبهاتهم بفضل الله؟ أم إذا بقيت في المنتدى ينطبق عليَّ قول الله تعالى (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) سورة النساء (140) ، (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) سورة الأنعام (68) ؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نشكر لك أخي الفاضل غيْرتك على دين الله، ونثمِّن موقفك في الدفاع عنه ضد أعدائه من المشككين، ولكن لا يمنعنا هذا من نصحك وتوجيهك لما فيه الخير لك ولدين الله تعالى الذي تغار عليه. وهذه النصيحة تتلخص في عدم الدخول في معترك الشبهات والردود عليها إلا بعد أن تتقوى معرفتك بأحكام الإسلام وشرائعه، ويتقوى إيمانك ويقينك، وليس هذا من باب الاستحباب بل هو واجب في حقك، وفي حق كل من يدخل في معترك الشبهات والردود على أهل البدع والضلال والأديان المحرَّفة، وفي هذا الأمر عدة فوائد مهمة: 1. الحفاظ على دين الله وشريعته من المتحمسين الذين ليس عندهم زاد علمي، فترى الشبهة التي يطرحهما أعداء الدين غير التي يردون عليها، وترى – أحياناً أخرى – الرد ضعيفاً يقوِّي الباطل ويُضعف الحق. 2. الحفاظ على المسلمين المتحمسين لتلك الردود من الانجراف وراء الشبهة وأهلها، فكثير من الداخلين في هذا المعترك يدخلون بزاد قليل، فتخطف الشبهةُ قلوبَهم، ولا يجد لها جواباً عنده، فيحار، ويتشكك، كما أن كثرة النظر في الشبهات تُضعف القلب. قال ابن القيم رحمه الله: وقال لي شيخ الإسلام رضي الله عنه - وقد جعلت أورد عليه إيراداً بعد إيرادٍ -: " لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة، فيتشربها، فلا ينضح إلا بها، ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة تمر الشبهات بظاهرها، ولا تستقر فيها، فيراها بصفائه ويدفعها بصلابته، وإلا فإذا أشربت قلبك كل شبهة تمر عليها صار مقرا للشبهات " أو كما قال. فما أعلم أني انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك. " مفتاح دار السعادة " (1 / 140) . ونقل الإمام الذهبي رحمه الله عن سفيان الثوري رحمه الله قولَه: " من سمع ببدعة فلا يحكها لجلسائه، لا يلقها في قلوبهم ". فعلَّق عليه بقوله: قلت: أكثر أئمة السلف على هذا التحذير، يروْن أن القلوب ضعيفة، والشُّبَه خطَّافة. " سير أعلام النبلاء " (7 / 261) . 3. الحفاظ على الوقت وعدم إهداره مع المعاندين والجاحدين، وعدم إهدار الوقت في باب واحد من العلم يجب أن يسبقه أبواب، فلا يصلح الرد على أولئك الطاعنين في الدين إلا بعد الإلمام بالقرآن، وصحيح السنَّة، وهذا يستغرق من الطالب وقتاً طويلاً، فبعض الشبهات الرد عليها من باب اللغة، وبعضها من باب التفسير، وأخرى من باب الحديث، وأخرى من باب المنطق، فأين المبتدئ المتحمس من هذا كله؟! . 4. اختيار الطريقة المناسبة للدعوة، فالدعوة إلى الله تحتاج لعلمٍ من الداعي، وتحتاج لحكمة حتى يضع الأمور في مكانها المناسب، فمن المدعوين من يكون هيناً ليِّناً قريباً للحق، ومنهم من يكون معانداً، فيحتاج الداعي لسلوك الطريق المناسبة مع كل واحدٍ من هؤلاء، بالغلظة مع قوم، وباللين والرقة مع آخرين. قال الله تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) النحل/125، وقال سبحانه (: وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) العنكبوت/46. فكيف سيعرف المبتدئ الطريقة المناسبة للتعامل مع هؤلاء؟ وكيف سيسلكها؟ ومتى سيتوقف عنها؟ كل ذلك يحتاج لأن يكون الداعي على قدر من العلم والحكمة، وهذا ما لا يوجد في غالب المتحمسين المبتدئين. ومنه يُعرف جواب سؤال الأخ الفاضل: هل يبقى في المنتدى مع رؤيته لسب الله تعالى ورسوله ودينه أم يخرج؟ وهل ينطبق عليه ما ذكره من الآيات القرآنية في صلب السؤال؟ . ليس على ذلك جواب محدَّد، إلا أن نعرف حال المنتدى، وحال الداعي، وحال الشبهات، وهل يُسمح له بالرد والتعقب، أم يقرأ فقط ولا يشارك؟ إن معرفة هذه الأحوال تكوِّن فكرة عن الجواب اللائق المناسب. وقد رأينا بعض إخواننا المتحمسين للدعوة يدخل غرف الزنادقة في " البال توك " الذين يسبون الصحابة ويكفرونهم، ويؤذون المسلمين بفحش كلامهم وهم مع هذا يمنعون الأخ المسلم الداعية من أن يعلِّق بلسانه، بل ولا يكتب ببنانه! فأي وجه في بقائه بتلك الغرف الفاسدة؟ إنه هنا ينطبق عليه ما ذُكر من الآيات في السؤال، وهذا بخلاف من استمع ليجمع أقوالهم ويوثقها، أو من استمع ليُفسَح له المجال في الرد عليها، فمثل هذا لا ينطبق عليه ما ذُكر من الآيات القرآنية في السؤال. وهذه وصية جامعة، نسأل الله أن ينفع بها: قال الشيخ العثيمين: لا يجوز للإنسان أن يقرأ كتاباً مضلاً من كتب اليهود، أو النصارى، أو المشركين، أو أهل البدع؛ إلا إذا كان عنده رصيد قوي يمكن أن يتحصن به، وأما إذا كان مبتدئاً في القراءة: فلا يجوز له أن يبدأ بقراءة هذه الكتب الباطلة؛ لأنه ربما تأثر بما فيها من الباطل، فهؤلاء ننصحهم بأن يتركوا هذه الكتب، حتى يحصنوا أنفسهم بالعلوم الشرعية الصحيحة قبل أن يدخلوا في هذه الكتب المضلة، فالإنسان إذا أراد أن يتحصن من السيل: أخذ في بناء السدود والمصارف قبل مجيء السيل، لا يفعل ذلك بعد مجيئه، فنقول: أولاً: حصنوا أنفسكم بمعرفة الشريعة، واغرسوها في قلوبكم، حتى إذا تمكنتم: فلا بأس أن تقرءوا، لتردوا على شبهات القوم وأباطيلهم. " لقاءات الباب المفتوح " (47 / السؤال رقم 7) . ونرجو النظر في السؤال رقم (22029) و (83621) ففيه بيان حكم النظر في كتب أهل الكتاب، ومحاورتهم عبر الإنترنت. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97726 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1253 هل يقرن بين حمد الله وشكره وشكر الوالدين؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لي القول: الحمد والشكر لله رب العالمين، والشكر لوالدي، عملا بقوله تعالى: (أن اشكر لي ولوالديك الي المصير) ]ـ [الْجَوَابُ] الحمد للَّه بر الوالدين من أعظم القربات، وأولى الطاعات، وهو حق معظم لهما في شريعة الإسلام، حتى قرن الله سبحانه وتعالى في أكثر من موضع طاعته بطاعتهما، وحقَّه بحقِّهما. يقول الله سبحانه وتعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) لقمان/14 قال القرطبي رحمه الله في تفسيره (5/171) : " قال العلماء: فأحق الناس بعد الخالق المنان بالشكر والإحسان والتزام البر والطاعة له والإذعان من قرن الله الإحسان إليه بعبادته وطاعته وشكره بشكره وهما الوالدان فقال تعالى: {أن اشكر لي ولوالديك} لقمان: 14. ... عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رضى الرب في رضى الوالدين وسخطه في سخط الوالدين " [قال الألباني: حسن لغيره] . والتصريح بشكر الوالدين والاعتراف بفضلهما وقدرهما لا شك أنه داخل في معنى الآية، ولكن لا ينبغي فهم الآية على ذلك فقط، فيظن أن من قال "الشكر لوالدي" قد أدى ما عليه، بل حقيقة الشكر أعظم وأعلى من ذلك، بل المراد بالشكر ما هو أعم من ذلك؛ أن يقوم العبد بحق ربه عليه بقلبه ولسانه وجوارحه، وهكذا يقوم بحق والديه عليه من ذلك. قال ابن القيم رحمه الله في "مدارج السالكين" (2/244-246) : " والشكر مبني على خمس قواعد: خضوع الشاكر للمشكور، وحبه له، واعترافه بنعمته، وثناؤه عليه بها، وأن لا يستعملها فيما يكره. فهذه الخمس: هي أساس الشكر وبناؤه عليها، فمتى عدم منها واحدة: اختل من قواعد الشكر قاعدة، وكل من تكلم في الشكر وحده فكلامه إليها يرجع وعليها يدور. والشكر يكون: بالقلب خضوعا واستكانة، وباللسان ثناء واعترافا، وبالجوارح طاعة وانقيادا " انتهى. وفي تفسير هذه الآية، يقول الشيخ السعدي رحمه الله: " ولما أمر بالقيام بحقه، بترك الشرك الذي من لوازمه القيام بالتوحيد، أمر بالقيام بحق الوالدين فقال: {وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ} أي: عهدنا إليه، وجعلناه وصية عنده، سنسأله عن القيام بها، وهل حفظها أم لا؟ فوصيناه {بِوَالِدَيْهِ} وقلنا له: {اشْكُرْ لِي} بالقيام بعبوديتي، وأداء حقوقي، وأن لا تستعين بنعمي على معصيتي. {وَلِوَالِدَيْكَ} بالإحسان إليهما بالقول اللين، والكلام اللطيف، والفعل الجميل، والتواضع لهما، [وإكرامهما] (5) وإجلالهما، والقيام بمئونتهما واجتناب الإساءة إليهما من كل وجه، بالقول والفعل. فوصيناه بهذه الوصية، وأخبرناه أن {إِلَيَّ الْمَصِيرُ} أي: سترجع أيها الإنسان إلى من وصاك، وكلفك بهذه الحقوق، فيسألك: هل قمت بها، فيثيبك الثواب الجزيل؟ أم ضيعتها، فيعاقبك العقاب الوبيل؟ " انتهى [التفسير 648] . فلا حرج على من قرن شكر الله تعالى بشكر الوالدين، وجمع بينهما في مقام واحد، لكن لا ينبغي أن يلتزم ذلك دائما كما يلتزم الذكر الوارد بلفظه عن النبي صلى الله عليه وسلم، لعدم وروده عن النبي صلى الله عليه وسلم. وفي موقعنا العديد من الإجابات التي تبين أمر بر الوالدين، انظر: (13783) ، (22782) ، (35533) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 89945 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1254 اعتقاد المسلمين في مصير الملاحدة يوم القيامة [السُّؤَالُ] ـ[أنا أدرس الإسلام كجزء من دراستي وأتساءل عن موقف الإسلام من الملحدين. هل يعتقد المسلمون أن مصير الملحدين إلى الجحيم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اهتمامك أيتها السائلة الكريمة بدراسة الإسلام أمر عظيم تُشكرين عليه وعلى الإنسان أن يبحث عن الحقّ أينما كان ويتبّعه ولو خالف آباءه وأجداده ودين بلده ومجتمعه لأنّ نجاة نفسه يوم القيامة من عذاب جهنم مقدّمة على كلّ شيء. ومن الأمور المهمة لمن أراد أن يدرس دين الإسلام أن يرجع إلى مراجع الإسلام الأصيلة لمعرفة حقيقة هذا الدين كترجمة معاني القرآن الكريم ومعاني أحاديث رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم وأن تكون الترجمة صحيحة سليمة. وأما دراسة الإسلام من مراجع وكتب كتبها غير المسلمين أو ممن لا يعلمون حقيقة الدين ولا مارسوه فهو أمر مناف لمنهج البحث العلمي والطريقة الصحيحة للتوصّل إلى الحقيقة. وعودا إلى السؤال الذي أرسلت به وهو ما اعتقاد المسلمين في الموحدين من غير المسلمين؟ وهل سيكون مصيرهم النار يوم القيامة؟ فالجواب على ذلك بكلّ وضوح أنّ الله سبحانه وتعالى خلق الخلق وأنعم عليهم بجميع النعم وأرسل إليهم الرسل وأنزل عليهم الكتب وأخبرهم أنّ من وحّده وعبده وحده لا شريك له دخل الجنة ومن جحده أو أشرك به وعبد معه غيره أو اتخذ آلهة أخرى من دونه أو جعل له زوجة أو ولدا أو جعل الملائكة بناته أو اتبع غير شرعه الذي أنزله ليحكم بين الناس بالحقّ أو ترك دينه وأعرض عنه أنّه سيكون يوم القيامة في عذاب جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، وهذا عين العدل وهو ما يستحقّه هذا الذي ظلم ربّه وخالقه وموجده من العدم وصاحب النّعم. وعبادة البشر لله وطاعتهم لأوامره واجتنابهم لنواهيه أمر أساس بل هو حقيقة العلاقة بين الخالق والمخلوق كما قال الله تعالى: " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " وكانت الرسل تبعث بأمر واحد يقولونه لأقوامهم وهو " اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ". وهنا يمكن معرفة النقص العظيم الذي يحصل لمن اعتقد أنّ الله واحد لا شريك له ثمّ لم يعبده ولم يطع له أمرا بل عصاه وخالفه ولم يتبّع دينه ولا شرعه ولا وحيه ولا رسله الذين أرسلهم له ولأمثاله. فهل يستحقّ هذا دخول الجنة أم النار؟ فهذا الذي يقول أنا أعتقد أنّ هناك إلها واحدا خلق الكون ولكنني سأقف عند هذا الحدّ فلن أصلي له ولن أصوم ولن أحجّ ولن أؤدي زكاة مالي كما أمر ولن أقوم تجاهه بأيّ واجب وسأتّبع هواي وأفعل ما أشاء سواء كان مما أحلّه أو مما حرّمه فهل يمكن أن ينجو مثل هذا يوم القيامة؟ وقد بعث الله في كلّ أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت، وكانت آخر الأمم هذه الأمة وآخر رسول هو محمد صلى الله عليه وسلم بعثه الله إلى هذه البشرية وإلى العالم كافة ونسخ الله به سائر الشرائع السابقة وجعل دينه أكمل الأديان وأتمها وأفضلها وأعلاها وأوجب على كلّ أحد أن يدخل في هذا الدين وأخبر سبحانه وتعالى أنه " من يبتغ غير الإسلام دينا فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين " وبناء على هذا يتبين - من زاوية أخرى - مصير الذي يقول أنا أؤمن بفكرة الإله الواحد ولكنني لا أريد أن أكون مسلما ولا أن أعتنق آخر الأديان ولا أن أتبّع آخر الرسل وخاتمهم. وختاما فإنني أرجو أن تكون القضية قد اتضحت لك أيتها السائلة الكريمة، أسأل الله تعالى أن يهدينا جميعا إلى الحقّ ويرزقنا اتباعه إنه نعم المولى ونعم النصير. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 314 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1255 نصراني يسأل عن موقف المسلمين من الكاثوليك والتعايش السلمي [السُّؤَالُ] ـ[لست أدري كيف هي علاقتكم بالكنيسة الكاثوليكية، أنا من أمريكا والبلاد الإسلامية تبدو غريبة بالنسبة لي، لا أعرف الكثير عنهم ولكن الذي يبدو أن المسلمين يعادون الدين الكاثوليكي. هل هم منفتحين للحوار؟ لماذا لا تؤمنون بالرب عيسى؟ أليس الحب الأبدي لله عظيم لدرجة أنه يستطيع أن يتنزل علينا ويحفظنا من جميع الذنوب حتى نتمكن من العيش معه للأبد؟ لماذا توجد حروب في الشرق الأوسط؟ ألا يرى الإسلام أو يقبل بالقوة المخلصة للمسيح، مع تعليماته بأن نحب بعضنا البعض، هل إذا اتبعت أنا وأنت (الإسلام -التسليم الكامل) فكل شيء سيسير على ما يرام بالنسبة للبشر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله العداوة في الإسلام وعند المسلمين ليست أمرا عشوائياً بل تحكمها أصول وثوابت شأنها في ذلك شأن باقي الأحكام الإسلامية الشرعية وهذه الأصول والثوابت هي من عند الله تعالى المنزّه عن النقائص الذي له الأسماء الحسنى والصفات العلى ومصدر الأحكام عندنا هو القرآن والسنة الصحيحة الثابتة، والقرآن والسنة جاءا بعقيدة واضحة وهي عقيدة التوحيد المبنية على شهادة أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء وإمام المرسلين ولا نشرك مع الله آلهة أخرى بل نفرده بالألوهية والربوبية والأسماء والصفات ولا ندعو له صاحبة ولا ولدا، ونوالي من والى الله ونعادي من عاداه ونُبغض من سبّه وجعل له زوجة وولدا فالله فرد أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له صاحبة ولا ولد سبحانه أنّى يكون له ولد وله ما في السماوات وما في الأرض ليس له شريك وليس محتاجا إلى ولد كما يحتاج البشر وهو خالق الوالد وما ولد، فالمسلمون طوع أمر الله وليس عندهم اختيار في التشريع بل هم ملزمون بأحكام الله، قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا (36) سورة الأحزاب ومن هذه الأحكام الحب في الله والبغض في الله والمسلمون عندهم مجال واسع للحوار بل أمر الله في كتابه النبي صلى الله عليه وسلم وأمته من بعده بمحاورة أهل الكتاب من اليهود والنصارى فقال سبحانه: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) آل عمران: 64. ونحن نؤمن بعيسى عليه السلام نبياً مرسلاً من عند الله، ومعاذ الله أن نجعل عيسى إلها وربا كما يزعم النصارى ولا يفرّقون بين الرسول والمُرسِل، وبين الخالق والمخلوق قال الله تعالى: (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ءأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) سورة المائدة، وقال تعالى يخاطبك - أيها السائل أنت وأصحابك وستكون سعيدا إذا استجبت -: (يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيراً لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلاً) النساء - 171. والإسلام دين الهدى والرحمة والمحبة ولكن أقواماً يفرضون على المسلمين قتالهم عندما يقفون في طريق إبلاغ الهدى للناس، والمسلمون لا يقاتلون أحداً حتى يبلغوه دين الله ويخيرونه بين أمور أولها الإسلام، وثانيها: إذا أبى الإسلام وبقي على دينه فعليه دفع الجزية للمسلمين لقاء رعايته فإذا رفض الأول والثاني فالقتال. ونحن المسلمين إذا قاتلنا فإنما نقاتل من أجل تخليص العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العالمين وننقلهم من جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة. ونؤمن أن عيسى عليه السلام لم يمت وأن الله رفعه إليه وأنه ينزل في آخر الزمان إلى الدنيا ويحكم بالإسلام حيث قال صلى الله عليه وسلم ينزل عيسى في دمشق عند المنارة البيضاء رواه أبو داود (4/117) وصححه الألباني رحمه الله. والإسلام ناسخ للرسالات السابقة ولا يقبل الله من أحد غيره ممن عاش وأدرك الإسلام. وإذا أسلم الناس لرب العالمين واتبعوا خير المرسلين محمدا صلى الله عليه وسلم وعملوا الصالحات فإن الله يرضى عنهم ويرزقهم حياة طيبة في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97) سورة النحل، نرجو أن نكون قد وفقنا في الإجابة على التساؤلات التي طرحتها ونسأل الله أن يهدينا جميعا لاتّباع الحقّ، والسلام على من اتّبع الهدى. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 5976 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1256 ضوابط الدين الحق [السُّؤَالُ] ـ[ما هي صفات الدين الصحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله كل صاحب ملة يعتقد أن ملته هي الحق , وكل أتباع دين يعتقدون أن دينهم هو الدين الأمثل والمنهج الأقوم , وحينما تسأل أتباع الأديان المحرفة أو أتباع الملل البشرية الوضعية عن الدليل على اعتقادهم؛ يحتجون بأنهم وجدوا آبائهم على طريقة , فهم على آثارهم مقتدون , ثم يذكرون حكايات وأخباراً لا يصح سندها , ولا يسلم متنها من العلل والقوادح , ويعتمدون على كتب متوارثة لا يعلم من قالها ولا من كتبها , ولا بأي لغة كتبت أول مرة ولا في أي بلد وجدت؛ إنما هي أمشاج جمعت فعظّمت فتوارثتها الأجيال دون تحقيق علمي يحرر السند , ويضبط المتن. وهذه الكتب المجهولة والحكايات والتقليد الأعمى لا تصلح حجة في باب الأديان والعقائد , فهل كل هذه الأديان المحرفة والملل البشرية صحيحة أم باطلة؟ ... يستحيل أن يكون الجميع على حق؛ لأن الحق واحد لا يتعدد ويستحيل أن تكون كل هذه الأديان المحرفة والملل البشرية من عند الله وأنها حق , وإذا تعددت – والحق واحد – فأيها الحق؟ إذا لا بد من ضوابط نعرف بها الدين الحق من الدين الباطل , فإذا وجدنا هذه الضوابط منطبقة على دين علمنا أنه الحق , وإذا اختلت هذه الضوابط أو واحد منها في دين علمنا أنه باطل. الضوابط التي نميز بها بين الدين الحق والدين الباطل هي: الأول: أن يكون الدين من عند الله أنزله بواسطة مَلَك من الملائكة على رسول من رسله ليبلغه إلى عباده؛ لأن الدين الحق هو دين الله , والله - سبحانه – هو الذي يدين ويحاسب الخلائق يوم القيامة على الدين الذي أنزل إليهم , قال تعالى: (إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبوراً) سورة النساء /163 , وقال سبحانه: (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) , وبناء على ذلك فأي دين يأتي به شخص ما وينسبه إلى نفسه لا إلى الله فهو دين باطل لا محالة. الثاني: أن يدعو إلى إفراد الله سبحانه بالعبادة , وتحريم الشرك , وتحريم الوسائل المفضية إليه؛ لأن الدعوة إلى التوحيد هي أساس دعوة جميع الأنبياء والمرسلين وكل نبي قال لقومه: (اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) سورة الأعراف/73 , وعليه فإن أي دين اشتمل على الشرك وأشرك مع الله غيره من نبي أو ملك أو ولي فهو دين باطل ولو انتسب أصحابه إلى نبي من الأنبياء. الثالث: أن يكون متفقاً مع الأصول الذي دعت إليها الرسل من عبادة الله وحده , والدعوة إلى صراطه , وتحريم الشرك , وعقوق الوالدين وقتل النفس بغير حق , وتحريم الفواحش ما ظهر منها وما بطن , قال تعالى: (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) سورة الأنبياء/25, وقال جل ثناؤه: (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئاًً وبالوالدين إحساناً ولا تقتلوا أولادكم من إملاقٍ نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون) سورة الأنعام/151 , وقال تعالى: (واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهةً يعبدون) سورة الزخرف/45. الرابع: ألا يكون متناقضاً ولا مختلفاً بعضه مع البعض الآخر , فلا يأمر بأمر ثم ينقضه بأمر آخر , ولا يحرم شيئاً ثم يبيح ما يماثله من غير علة , ولا يحرم أمراً أو يجيزه لفرقة ثم يحرمه على أخرى قال تعالى: (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً) سورة النساء/82. الخامس: أن يتضمن الدين ما يحفظ على الناس دينهم وأعراضهم وأموالهم وأنفسهم وذرياتهم بما يشرع من الأوامر والنواهي والزواجر والأخلاق التي تحفظ هذه الكليات الخمس. السادس: أن يكون الدين رحمة للخلق من ظلم أنفسهم وظلم بعضهم لبعض , سواءً أكان هذا الظلم بانتهاك الحقوق , أم بالاستبداد بالخيرات , أم بإضلال الأكابر للأصاغر , قال – تعالى – مخبراً عن الرحمة التي ضمنها التوراة التي أنزلها على موسى عليه السلام: (ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون) الأعراف/154 , وقال سبحانه مخبراً عن مبعث عيسى عليه السلام (ولنجعله آية للناس ورحمة) سورة مريم/21. وقال جل ثناؤه عن صالح عليه السلام: (قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني منه رحمة) سورة هود/63 , وقال عز من قائل عن القرآن: (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين) سورة الإسراء/82. السابع: أن يتضمن الهداية إلى شرع الله , ودلالة الإنسان على مراد الله منه , وإخباره من أين أتى وإلى أين المصير؟ قال تعالى مخبراً عن التوراة: (إنا أنزلنا التوارة فيها هدى ونور..) سورة المائدة/44 , وقال عز شأنه عن الإنجيل: (وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور) سورة المائدة/46 , وقال جل ثناؤه عن القرآن الكريم: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق) سورة التوبة/33 , والدين الحق هو الذي يتضمن الهداية إلى شرع الله ويحقق للنفس الأمن والطمأنينة , حيث يدفع عنها كل وسوسة , ويجيب عن كل تساؤل , ويبين عن كل مشكل. الثامن: أن يدعو إلى مكارم الأخلاق والأفعال كالصدق والعدل والأمانة والحياء والعفاف والكرم , وينهى عن سيئها كعقوق الوالدين وقتل النفس وتحريم الفواحش والكذب والظلم والبغي والبخل والفجور. التاسع: أن يحقق السعادة لمن آمن به قال تعالى: (طه - ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى) طه/1-2 , وأن يكون متفقاً مع الفطرة السوية: (فِطرَة الله التي فطر الناس عليها) الروم/30 , متفقاً مع العقل الصحيح لأن الدين الصحيح هو شرع الله , والعقل الصحيح هو خلق الله , ومحال أن يتناقض شرع الله وخلقه. العاشر: أن يدل على الحق ويحذر من الباطل , ويرشد إلى الهدى وينفر من الضلال , وأن يدعو الناس إلى صراط مستقيم لا التواء فيه ولا اعوجاج , قال تعالى مخبراً عن الجن أنهم حينما سمعوا القرآن قال بعضهم لبعض: (يا قومنا إنِّا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى مصدّقاً لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم) سورة الأحقاف/30 , فلا يدعوهم إلى ما فيه شقاؤهم قال تعالى: (طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى) سورة طه/ 1-2 , ولا يأمرهم بما فيه هلاكهم قال تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً) النساء/29 , ولا يفرق بين أتباعه بسبب الجنس أو اللون أو القبيلة قال تعالى: (يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم إنّ الله عليم خبير) الحجرات/13 , فالمعيار المعتبر للتفاضل في الدين الحق هو تقوى الله. [الْمَصْدَرُ] من كتاب الإسلام أصوله ومبادؤه تأليف د. محمد بن عبد الله بن صالح السحيم. الحديث: 9607 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1257 كيف اختلطت النصرانية بالعقائد الشركية؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا كانت النصرانية الحقة قد جاءت بتوحيد الله تعالى، وإفراده بالعبادة دون ما سواه من الخلق، سواء كان عيسى أو غيره، فكيف اختلطت هذه الديانة بالعقائد الشركية، فاتخذوا عيسى عليه السلام، وأمه إلهين من دون الله؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس من شك أن الدعوة إلى توحيد الله تعالى، وإفراده بالعبادة دون ما سواه من الخلق، هو أصل الرسالة التي جاء بها نبي الله عيسى، عليه السلام، كما أنها أصل الرسالة التي جاء بها سائر الأنبياء، قال الله تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) النحل/36 وقال تعالى أيضا: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ) الانبياء/25 وعلى هذه الدعوة يشهد عيسى عليه السلام على قومه؛ قال الله تعالى: (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) ، وأما كيف انحرف أصحاب هذه الديانة بعد ذلك عن التوحيد الخالص إلى العقائد الوثنية، وعبادة عيسى وأمه من دون الله، فهي قصة مبكرة في تاريخ النصرانية، وسوف نورد هنا بعض الشواهد عليها، من كلام أهلها، وليسمع من له أذنان: . . جاء في دائرة المعارف الأمريكية: (لقد بدأت عقيدة التوحيد – كحركة لاهوتية – بداية مبكرة جدا في التاريخ، وفي حقيقة الأمر فإنها تسبق عقيدة التثليث بالكثير من عشرات السنين. لقد اشتُقَّت المسيحية من اليهودية، واليهودية صارمة في عقيدة التوحيد. إن الطريق الذي سار من أورشليم [مجمع تلاميذ المسيح الأول] إلى نيقية [حيث تقرر مساواة المسيح بالله في الجوهر والأزلية عام 325م] كان من النادر القول بأنه كان طريقا مستقيما. إن عقيدة التثليث التي أقرت في القرن الرابع الميلادي لم تعكس بدقة التعليم المسيحي الأول فيما يختص بطبيعة الله؛ لقد كانت على العكس من ذلك انحرافا عن هذا التعليم، ولهذا فإنها تطورت ضد التوحيد الخالص، أو على الأقل يمكن القول بأنها كانت معارضة لما هو ضد التثليث، كما أن انتصارها لم يكن كاملا.) [27/294] ويمكنك الرجوع إلى بعض آراء من لا يزالون يذهبون إلى التوحيد من المسيحيين، في المصدر السابق نفسه، دائرة المعارف [27/300-301] . ويقول وول ديورانت: (لما فتحت المسيحية روما انتقل إلى الدين الجديد [أي المسيحي] دماء الدين الوثني القديم: لقب الحبر الأعظم، وعبادة الأم العظمى، وعدد لا يحصى من الأرباب التي تبث الراحة والطمأنينة في النفوس، وتمتاز بوجود كائنات في كل مكان لا تدركها الحواس، كل هذا انتقل إلى المسيحية كما ينتقل دم الأم إلى ولدها. وأسلمت الإمبراطورية المحتضرة أزِمَّة الفتح والمهارة الإدارية إلى البابوية القوية، وشحذت الكلمة بقوة سحرها ما فقده السيف المسلول من قوته. وحل مبشرو الكنيسة محل الدولة. إن المسيحية لم تقض على الوثنية، بل ثبتتها؛ ذلك أن العقل اليوناني عاد إلى الحياة في صورة جديدة، في لاهوت الكنيسة وطقوسها، ونقلت الطقوس اليونانية الخفية إلى طقوس القداس الرهيبة، وجاءت من مصر آراء الثالوث المقدس، ويوم الحساب، وأبدية الثواب والعقاب، وخلود الإنسان في هذا أو ذاك. ومن مصر جاءت عبادة الأم الطفل، والاتصال الصوفي بالله؛ ذلك الاتصال الذي أوجد الأفلوطينية واللاأدرية، وطمس معالم العقيدة المسيحية. ومن بلاد الفرس جاءت عقيدة رجوع المسيح وحكمه الأرض لمدة 1000) . [قصة الحضارة 11/418] . وعلى الرغم من النفثة الإلحادية في كلام ديورانت، وهو أمر معروف به، والتي تظهر في زعمه أن أبدية الثواب والعقاب منقولة عن المصرية، فإن تتبع الأصول الوثنية للنصرانية المحرفة لم يعد بالأمر الخفي، ولم ينفرد هو ببحثه؛ ففي كتابه " المسيحية والوثنية " يقرر روبرتسون أن الميثراثية، وهي ديانة فارسية الأصل، ازدهرت في بلاد فارس قبل الميلاد بنحو ستة قرون، قد دخلت إلى روما حوالي عام 70 م، وانتشرت في بلاد الرومان، ثم وصلت إلى بريطانيا، وانتشرت في العديد من مدنها. وما يعنينا هنا من أمر هذه الديانة أنها تقول: - إن ميثراس، الذي تنسب إليه، كان وسيطا بين الله والناس. {انظر مقابله ف النصرانية: أعمال الرسل 4/12} - وأن مولده كان في كهف، أو زاوية من الأرض. {انظر: لوقا 2/7} . - وأن مولده كان في يوم 25 ديسمبر. {وهو يوم احتفال النصارى بمولد المسيح} - كان له اثنا عشر حواريا. {انظر: متى 10/1} - مات ليخلص العالم {انظر: كورنثوس الأولى 15/3} - دفن ولكنه عاد إلى الحياة {انظر: السابق 15/4} - صعد إلى السماء أمام تلاميذه {انظر: أعمال الرسل 1/9} - كان يدعى مخلصا ومنقذا {انظر: تيطس 2/13} - من أوصافه أنه حمل وديع {انظر: يوحنا 1/ 29} - في ذكراه كل عام يقام العشاء الرباني {انظر: كورنثوس الأولى 11/23-25} - من شعائره التعميد. - يوم الأحد مقدس عندهم. بينما يذهب المستشرق الفرنسي ليون جوتيه في كتابه " مقدمة لدراسة الفلسفة الإسلامية " إلى أن أصول التثليث النصراني ينبغي تلمسها في الفلسفة اليونانية، وتحديدا في أفكار الأفلاطونية المحدثة، التي تلقت مبادئ فكرة التثليث في النظرة إلى خالق الكون عن أفلاطون، ثم عمقتها إلى حد كبير، بحيث اتضح التشابه الكبير بينها وبين النصرانية؛ فالخالق، ذو الكمال المطلق، جعل بينه وبين العالم وسيطين، صادرين عنه، وهما أيضا داخلان فيه في نفس الوقت؛ أي تتضمنهما ذاته، وهما العقل والروح الإلهية. ثم قال: (وهكذا كان التزاوج بين العقيدة اليهودية والفلسفة الإغريقية لم ينتج فلسفة فقط، بل أنتج معها دينا أيضا، أعني المسيحية التي تشربت كثيرا من الآراء والأفكار الفلسفية عن اليونان؛ ذلك أن اللاهوت المسيحي مقتبس من نفس المعين الذي كانت فيه الأفلاطونية الحديثة، ولذا تجد بينهما مشابهات كثيرة، وإن افترقا أحيانا في بعض التفاصيل، فإنهما يرتكزان على عقيدة التثليث، والثلاثة الأقانيم واحدة فيهما.) وهذا هو ما يشير إليه الكاتب الأمريكي (درابر) : (دخلت الوثنية والشرك في النصرانية بتأثير المنافقين الذين تقلدوا وظائف خطيرة، ومناصب عالية في الدولة الرومية بتظاهرهم بالنصرانية، ولم يكونوا يحتفلون بأمر الدين، ولم يخلصوا له يوما من الأيام، وكذلك كان قسطنطين فقد قضي عمره في الظلم والفجور، ولم يتقيد بأوامر الكنيسة الدينية، إلا قليلا في آخر عمره (337م) . إن الجماعة النصرانية، وإن كانت قد بلغت من القوة بحيث ولت قسطنطين الملك، ولكنها لم تتمكن من أن تقطع دابر الوثنية، وتقتلع جرثومتها، وكان نتيجة كفاحها أن اختلطت مبادئها، ونشأ من ذلك دين جديد تتجلى فيه النصرانية والوثنية سواء بسواء) . وهكذا سلك النصارى بدينهم مسلك الذين كفروا من قبلهم، حذو القذة بالقذة، كما يشهد كتابهم على أنفسهم وبني قومهم، وكفى بالله شهيدا؛ قال الله تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) التوبة/30 والله الموفق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 12634 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1258 حاجة البشر إلى الدين [السُّؤَالُ] ـ[لماذا يحتاج الناس إلى الدين؟ ألا تكفي القوانين لضبط حياة الناس!.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله حاجة البشر إلى الدين أعظم من حاجاتهم إلى ما سواه من ضرورات الحياة؛ لأن الإنسان لا بد له من معرفة مواقع رضى الله – سبحانه – ومواقع سخطه , ولابد له من حركة يجلب بها منفعته , وحركة يدفع بها مضرته , والشرع هو الذي يميز بين الأفعال التي تنفع والتي تضر , وهو عدل الله في خلقه , ونوره بين عباده , فلا يمكن للناس أن يعيشوا بلا شرع يميزون به بين ما يفعلونه وما يتركونه. وإذا كان للإنسان إرادة فلا بد من معرفة ما يريده , وهل هو نافع أو ضار؟ وهل يصلحه أو يفسده؟ . وهذا قد يعرفه بعض الناس بفطرهم وبعضه يعرفونه بالاستدلال إليه بعقولهم , وبعضه لا يعرفونه إلا بتعريف الرسل وبيانهم لهم وهدايتهم إياهم – أنظر التدمرية , تأليف شخ الإسلام ابن تيمية وص: 213, 214 , ومفتاح دار السعادة , جـ2 , ص: 383 -. فمهما استعلت المذاهب المادية الإلحادية وتزخرفت ومهما تعددت الأفكار والنظريات فلن تغني الأفراد والمجتمعات عن الدين الصحيح , ولن تستطيع أن تلبي متطلبات الروح والجسد , بل كلما توغل الفرد فيها؛ أيقن تمام اليقين أنها لا تمنحه أمناً , ولا تروي له ظمأً , وألا مهرب منها إلا إلى الدين الصحيح , يقول أرنست رينان: (إن من الممكن أن يضمحل كل شيء نحبه وأن تبطل حياة استعمال العقل والعلم والصناعة , ولكن مستحيل أن ينمحي التدين , بل سيبقى حجة باطلة على بطلان المذهب المادي الذي يريد أن يحصر الإنسان في المضايق الدنيئة للحياة الأرضية) انظر: الدين , تأليف عبد الله دراز , ص: 87. ويقول محمد فريد وجدي: (يستحيل أن تتلاشى فكرة التدين؛ لأنها أرقى ميول النفس وأكرم عواطفها , ناهيك بميل يرفع رأس الإنسان , بل إن هذا الميل سيزداد , ففطرة التدين ستلاحق الإنسان ما دام ذا عقل يعقل به الجمال والقبح , وستزداد فيه هذه الفطرة على نسبة علو مداركه ونمو معارفه) المصدر السابق , ص: 87. فإذا ابتعد الإنسان عن ربه فعلى قدر علو مداركه واتساع آفاق علمه , يدرك عظم جهله بربه وما يجب له , وجهله بنفسه وما يصلحها ويفسدها , ويسعدها ويشقيها , وجهله في جزئيات العلوم ومفرداتها كعلوم الأفلاك والمجرات وعلوم الحاسب والنواة وغيرها ... وحينئذ يتراجع العالم من مرحلة الغرور والكبرياء إلى التواضع والاستسلام , ويعتقد أن وراء العلوم عالماً حكيماً , ووراء الطبيعة خالقاً قادراً , وتلزم هذه الحقيقة الباحث المنصف بالإيمان بالغيب والإذعان للدين القويم , والاستجابة لنداء الفطرة والغريزة الجِبِلََّيَّة .... وإذا تخلى الإنسان عن ذلك انتكست فطرته وتردى على مستوى الحيوان الأعجم. ونخلص بهذا إلى التدين الحق – الذي يعتمد على إفراد الله بالتوحيد , والتعبد له وفق ما شرع – عنصر ضروري للحياة ليحقق المرء من خلال عبوديته للَّه رب العالمين , ولتحصيل سعادته وسلامته من العطب والنصب والشقاء في الدارين , وهو ضروري لتكتمل القوة النظرية في الإنسان؛ فبه وحده يجد العقل ما يشبع نهمته , ومن دونه لا يحقق مطامحه العليا. وهو عنصر ضروري لتزكية الروح وتهذيب قوة الوجدان , إذ العواطف النبيلة تجد في الدين مجالاً ثرياً ومنهلاً لا ينفد معينه تدرك فيه غايتها. وهو عنصر ضروري لتكتمل قوة الإرادة بما يمدها بأعظم البواعث والدوافع ويدرّعها بأكبر وسائل المقاومة لعوامل اليأس والقنوط. وعلى هذا فإذا كان هناك من يقول: إن الإنسان مدني بطبعه , فينبغي أن نقول: (إن الإنسان متدين بفطرته) انظر السابق ص: 84 , 98, لأن للإنسان قوتين: قوة علمية نظرية , وقوة علمية إرادية , وسعادته التامة موقوفة على استكمال قوته العلمية والإرادية , ولا يتحقق استكمال القوة العلمية إلاّ بمعرفة ما يلي: 1- معرفة الإله الخالق الرازق الذي أوجد الإنسان من عدم وأسبغ عليه النعم. 2- معرفة أسماء الله وصفاته , وما يجب له – سبحانه - , وأثر هذه الأسماء على عباده. 3- معرفة الطريق التي توصل إليه سبحانه. 4- معرفة المعوقات والآفات التي تحول بين الإنسان وبين معرفة هذا الطريق وما توصل إليه من النعيم العظيم. 5- معرفة نفسك معرفة حقيقية , ومعرفة ما تحتاج إليه , وما يصلحها أو يفسدها , ومعرفة ما تشتمل عليه من المزايا والعيوب. فبهذه المعارف الخمس يستكمل الإنسان قوته العلمية , واستكمال القوة العلمية والإرادية لا يحصل إلاّ بمراعاة حقوقه سبحانه على العبد , والقيام بها إخلاصاً وصدقاً ونصحاً ومتابعةً , وشهوداً لمنته عليه ولا سبيل إلى استكمال هاتين القوتين إلاّ بمعونته فهو مضطر إلى أن يهديه الصراط المستقيم الذي هدى أولياءه إليه. انظر: الفوائد , ص: 18-19. بعد أن عرفنا أن الدين الصحيح هو المدد الإلهي لقوى النفس المختلفة , فإن الدين – أيضاً – هو الدرع الواقي للمجتمع , ذلك لأن الحياة البشرية لا تقوم إلاّ بالتعاون بين أعضائها , ولا يتم هذا التعاون إلاّ بنظام ينظم علاقاتهم , ويحدد واجباتهم , ويكفل حقوقهم , وهذا النظام لا غنى له عن سلطان نازع وازع يردع النفس عن انتهاكه , ويرغبها في المحافظة عليه , ويكفل مهابته في النفوس ويمنع انتهاك حرماته , فما هو هذا السلطان؟ فأقول: ليس على وجه الأرض قوة تكافئ قوة التدين أو تدانيها في كفالة احترام النظام , وضمان تماسك المجتمع واستقرار نظامه , والتئام أسباب الراحة والطمأنينة فيه. والسر في ذلك أن الإنسان يمتاز عن سائر الكائنات الحية بأن حركاته وتصرفاته الاختيارية يتولى قيادتها شيء لا يقع عليه سمع ولا بصر , وإنما هو عقيدة إيمانية تهذب الروح وتزكي الجوارح , فالإنسان مقود أبداً بعقيدة صحيحة أو فاسدة , فإذا صلحت عقيدته صلح فيه كل شيء , وإذا فسدت فسد كل شيء. والعقيدة والإيمان هما الرقيب الذاتي على الإنسان وهما – كما يلاحظ في عموم البشرية – على ضربين: - إيمان بقيمة الفضيلة وكرامة الإنسانية وما إلى ذلك من المعاني المجردة التي تستحي النفوس العالية من مخالفة دواعيها حتى ولو أعفيت من التبعات الخارجية والجزائية المادية. - وإيمان بالله سبحانه وتعالى وأنه رقيب على السرائر , يعلم السر وأخفى , تستمد الشريعة سلطانها من أمره ونهيه , وتلتهب المشاعر بالحياء منه إما محبة له أو خشية منه أو بهما معاً ... ولا ريب أن هذا الضرب من الإيمان هو أقوى الضربين سلطاناً على النفس الإنسانية , وهو أشدهما مقاومة لأعاصير الهوى وتقلبات العواطف , وأسرعها نفاذاً في قلوب العامة والخاصة. من أجل ذلك كان الدين خير ضمان لقيام التعامل بين الناس على قواعد العادلة والإنصاف , وكان لذلك ضرورة اجتماعية , فلا غرو إن حل الدين من الأمة محل القلب من الجسد. _ انظر: الدين , ص: 98 , 102 _. وإذا كان الدين عموماً بهذه المنزلة , فالمشاهد اليوم تعدد الأديان والملل في هذا العالم , وتجد كل قوم بما لديهم من الدين فرحون مستمسكون به , فما الدين الصحيح الذي يحقق للنفس البشرية ما تصبو إليه؟ وما ضوابط الدين الحق؟ . [الْمَصْدَرُ] من كتاب الإسلام أصوله ومبادؤُه تأليف د. محمد بن عبد الله بن صالح السحيم. الحديث: 14055 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1259 هل الإنجيل المكتوب بالآرامية موجود اليوم؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل الإنجيل الأصلي الذي باللغة الآرامية موجود هذا الزمان وأين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: اختلف الباحثون والمتخصصون في علوم الديانات والتاريخ القديم في اللغة التي كان يتحدث بها الرسول الكريم عيسى بن مريم عليه السلام. " ويجمع الباحثون أن فلسطين زمن بعثة عيسى كانت بمثابة لوحة فسيفسائية، وأن سكانها كانوا خليطا من كل أمة ولسان، وكانوا يتكلمون بدرجات متفاوتة: العبرانية، والآرامية بلهجاتها، والإغريقية، واللاتينية. ولكن الاختلاف يقوم بينهم حين يسعون إلى تلمس الحدود الجغرافية لكل واحدة من تلك اللغات، وحين يريدون حصر الخصائص المميزة لتلك اللغات، وتحديد نسبة تأثر بعضها ببعض، ونحن حين نقرأ سيرة عيسى في الأناجيل الأربعة نجده يخاطب فئات مختلفة من الناس: فقد خاطب عامة الناس من مختلف المدائن والبوادي، وخاطب أعضاء المجلس الأعلى، ومعلمي الشريعة، والقائمين على تسيير الهيكل وإدارة الشؤون الدينية اليهودية، كما خاطب الحاكم الروماني لفلسطين وكانت لغته اللاتينية. وفي كلمات المسيح المنسوبة إليه في الإنجيل كلمات آرامية: " إيلي إيلي لما شبقتني؟! أي إلهي إلهي لماذا تركتني؟! (إنجيل متى 27 / 46) . " وأمسك بيد الصبية وقال لها: " طليثا، قومي! " الذي تفسيره: يا صبية، لك أقول: قومي! (إنجيل مرقص 5 / 41) . وفيه كلمات عبرية: " قال لها يسوع: " يا مريم " فالتفتت تلك وقالت له: " رَبُّونِي "، الذي تفسيره: يا معلم " (إنجيل يوحنا 20 / 17) . " وكان يخاطب ويباحث اليونانيين " (أعمال الرسل 9 / 29) وظاهره أن المباحثة كانت بلغتهم، ولاختلاف هذه الشواهد كان الخلاف شديدا بين العلماء والباحثين في تحديد لغة المسيح عليه السلام. وذهب ابن تيمية وابن القيم إلى أنه لم يتكلم بغير العبرانية، فقال ابن تيمية في " الجواب الصحيح " (3 / 75) : " والمسيح كان عبرانيا لم يتكلم بغير العبرانية " انتهى. وقال في (1 / 90) : " ومن قال إن لسان المسيح كان سريانيّاً (أي آراميّاً) أو روميّاً: فقد غلط " انتهى. وذهب بعضهم إلى أن " هذه المعطيات جميعها تبين أن أغلب حديث عيسى عليه السلام كان باللغة الآرامية، وهي اللغة الشعبية التي كانت شائعة أكثر من غيرها، ثم يتلوه حديثه باللغة العبرانية لغة العهد القديم، كما يبدو أنه كان مثقفا باللاتينية والإغريقية ". انظر " لغة المسيح عيسى بن مريم " بحث د. عبد العزيز شهبر (ص 112، 113) ، منشور في كتاب " لغات الرسل ". ثانيا: يجب على المسلمين جميعا الإيمان بالإنجيل الذي أوحاه الله إلى نبيه عيسى المسيح عليه السلام، ومن أنكره كفر باتفاق أهل العلم. يقول سبحانه وتعالى: (وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ) المائدة/46. وإيماننا بالإنجيل يقتضي منا الإيمان بوجوده وتمام وحيه، وكذلك الإيمان بكل ما جاء فيه أنه حق ومن عند الله. ولكن لم يأت في شريعتنا شيء في بيان هل كان هذا الإنجيل مكتوبا ومجموعا جميعه في عهد عيسى عليه السلام، ومن الذي كتبه، ومن الذي حفظه ونشره، أم كان المسيح يعلمه الناس مشافهة، ثم يتناقله الحواريون ومن آمن به؟ أم كتب بعضه وترك بعض آخر؟ فهذه أسئلة قد لا نستطيع أن نجزم فيها بجواب اليوم، بل إن بعض الباحثين ينفي أن يكون الإنجيل الحقيقي مدونا على هيئة كتاب، وإنما كان أقوالا متناقلة. يقول العلامة الطاهر ابن عاشور في " التحرير والتنوير " (3 / 26) في مطلع تفسير آل عمران: " وأما الإنجيل: فاسم للوحي الذي أوحي به إلى عيسى عليه السلام فجمعه أصحابه " انتهى. يقول الشيخ أحمد ديدات – رحمه الله -: فنحن نؤمن بإخلاص بأن كل ما كان يقوله عيسى عليه السلام كان وحياً من الله، وبأنه هو الإنجيل والبشارة إلى بني إسرائيل، وخلال حياته لم يكتب عيسى كلمة واحدة، كما أنه لم يأمر أحداً بالكتابة. " هل الكتاب المقدس كلمة الله " (ص 14) . وإن كان الظاهر أن المسيح عليه السلام يعرف الكتابة والقراءة، ويفهم ذلك من قوله تعالى: (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ) آل عمران/48 قال ابن كثير – رحمه الله -: الظاهر أن المراد بالكتاب ههنا الكتابة. " تفسير القرآن العظيم " (1 / 485) . إلا أننا لا نملك دليلا على كتابة الوحي زمن عيسى عليه السلام، وليس في تسمية الإنجيل " كتابا " في القرآن الكريم دليل على كتابته في الصحف زمن الوحي، فإن التسمية بـ " الكتاب " إنما هي باعتبار ما عند الله في اللوح المحفوظ، أو باعتبار تهيئه للكتابة والتدوين، واعتبر ذلك بالقرآن الكريم، فقد سماه الله " كتابا "، وإنما كان يتناقل شفاها مع كتابة متفرقة له في الجلود والصحف، وفي الحقيقة لم يكن كتابا مجموعا حتى كان زمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، بل قال سبحانه وتالى: (وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ) الأنعام/7. يقول الطاهر ابن عاشور في تفسير سورة مريم الآية/30: والكتاب: الشريعة التي من شأنها أن تكتب لئلا يقع فيها تغيير. فإطلاق الكتاب على شريعة عيسى كإطلاق الكتاب على القرآن. " التحرير والتنوير " (8 / 470) . والنصارى كذلك لا يؤمنون أن ثمة كتابا كتبه المسيح أو أحد تلامذته في عهده، ثم فُقِدَ بعد ذلك. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: وأما الإنجيل الذي بأيديهم فهم معترفون بأنه لم يكتبه المسيح عليه السلام، ولا أملاه على من كتبه، وإنما أملوه بعد رفع المسيح. " الجواب الصحيح " (1 / 491) . وهذا فرق ظاهر بين الوحي الذي أنزل على موسى والوحي الذي أنزل على عيسى، فقد جاء في القرآن الكريم ما يدل على كتابة الأول في قوله تعالى: (وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ) الأعراف/145. وإن كان يبدو من كلام بعض علماء المسلمين أن الإنجيل الحقيقي كان مدونا ومكتوبا في عهد المسيح عليه السلام، تجد ذلك في كلام ابن حزم في " الفِصَل "، وابن تيمية في " الجواب الصحيح ". وكذلك جاء في " الإنجيل " إطلاق هذا اللفظ على ما أوحاه الله إلى المسيح، حيث جاء في (إنجيل مرقص 8/35) : " ومن أهلك نفسه من أجلي ومن أجل الإنجيل يخلصها ". أما الأناجيل الموجودة اليوم، فليست هي الإنجيل الحقيقي، ولكن لا ينكر احتواؤها على كثير من الإنجيل الذي أوحاه الله سبحانه إلى المسيح. قال ابن تيمية - رحمه الله - هذه المقالات الأربعة التي يسمونها الإنجيل، وقد يسمون كل واحد منهم إنجيلا إنما كتبها هؤلاء بعد أن رفع المسيح، فلم يذكروا فيها أنها كلام الله، ولا أن المسيح بلغها عن الله، بل نقلوا فيها أشياء من كلام المسيح، وأشياء من أفعاله ومعجزاته، وذكروا أنهم لم ينقلوا كل ما سمعوه منه ورأوه، فكانت من جنس ما يرويه أهل الحديث والسير والمغازي عن النبي صلى الله عليه وسلم من أقواله وأفعاله التي ليست قرآنا، فالأناجيل التي بأيديهم شبه كتاب السيرة وكتب الحديث أو مثل هذه الكتب، وإن كان غالبها صحيحاً. " الجواب الصحيح " (2 / 14) . وانظر جواب السؤال رقم (47516) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 85280 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1260 هدي النبي صلى الله عليه وسلم في معاملة اليهود [السُّؤَالُ] ـ[كيف كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم مع اليهود؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فإن أحسن الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، فهو أكمل الخلق وسيد الرسل، وقد أمرنا بالتمسك بهديه، فقال: (عَلَيكُم بِسُنَّتِي) رواه أبو داود (4607) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ". وقد جاء هديه وسنته بأحسن الأحوال وأقوم الأخلاق، خاصة في تعامله صلى الله عليه وسلم مع أهل الديانات الأخرى، ونستطيع أن نجمل هديه صلى الله عليه وسلم في التعامل مع اليهود في المسائل التالية: 1. اتخاذ الموقع الصحيح من اليهودية وجميع الأديان، وهذا الموقع يتمثل باعتقاد أحقية دين الإسلام والتوحيد، وكفر وفساد كل ديانة أخرى، وتقرير أن الله تعالى لا يقبل يوم القيامة إلا أن يكون العبد مسلما حنيفا لله تعالى، كما قال سبحانه: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) آل عمران/85. وقد كان هذا التقرير هو المحور الذي تدور عليه صلى الله عليه وسلم دعوته صلى الله عليه وسلم، ويتخذ المواقف تبعا له؛ لأنه من ضرورات عقيدة المسلم التي تعرضت في العصور الأخيرة للتحريف والتشويه من دعاة " توحيد الأديان "! انظر جواب السؤال رقم (21534) . 2. ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يحرص على دعوتهم للإسلام، ولا يفوت فرصة يمكن أن يبلغهم فيها دين الله تعالى إلا وفعل، حتى إنه صلى الله عليه وسلم لم يبدأ حربا معهم – بسبب غدرهم وخيانتهم – إلا ويسبقها بدعوتهم وتذكيرهم، كما قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم فتح خيبر: (انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ) رواه البخاري (2942) ومسلم (2406) . 3. التأكيد على أن عقد الموالاة إنما هو بين المؤمنين، وأن البراء واجب من كل كفر مبين، وجعل صلى الله عليه وسلم مناط الأخوة الإسلام، فلا يجوز لمسلم أن يوالي أهل أي ملة بالمحبة والمودة، لذلك تجده صلى الله عليه وسلم يسارع في أول قدومه المدينة في تقرير المفارقة بين الإسلام واليهودية، فكان في نص الوثيقة " الدستور " التي أمر النبي صلى الله عليه سلم بكتابته لتنظيم العلاقات بين سكان المدينة: " المؤمنون أمة واحدة دون الناس " رواه القاسم بن سلام في " الأموال " (517) من مراسيل الزهري. يقول الدكتور أكرم العمري: " الروابط تقتصر على المسلمين ولا تشمل غيرهم من اليهود والحلفاء، ولا شك أن تمييز الجماعة الدينية كان أمرا مقصودا يستهدف زيادة تماسكها واعتزازها بذاتها " انتهى. انظر " السيرة النبوية الصحيحة " للدكتور أكرم العمري (1 / 272 – 291) فقد توسع في الحكم على الوثيقة وتحليلها. 4. ولكنه صلى الله عليه وسلم كان يعترف بحقوق اليهود والنصارى، ويخطئ من يتوهم أن التبرأ من ديانة اليهود المحرفة يلزم منه ظلمهم ومصادرة حقوقهم، فقد قبل النبي صلى الله عليه وسلم وجود اليهود في المدينة، وكتب في دستور المدينة: " وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين "، وتكفل لهم بجميع أنواع الحقوق: أ. حق الحياة: فلم يقتل يهوديا إلا من خان وغدر. ب. وحق اختيار الدين: حيث أقرهم على ديانتهم ولم يكره أحداً على الإسلام، عملا بقوله سبحانه وتعالى: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) البقرة/256، وكتب في ميثاق المدينة: " لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم ". ج. حق التملك: فلم يصادر أملاك أحد منهم، بل أقر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين على تجارتهم معهم. د. حق الحماية والدفاع: فقد جاء في ميثاق المدينة: " وإن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم، وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة " هـ. حق العدل في المعاملة ورفع الظلم: وذلك مقرر في صحيفة المدينة حيث جاء فيها: " وأنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم "، وقد عدل النبي صلى الله عليه وسلم في الحكم ولو كان ذلك على حساب المسلمين، فلما قتل أهلُ خيبر عبدَ الله بن سهل رضي الله عنه لم يقض النبي صلى الله عليه وسلم عليهم بالدية، ولم يعاقبهم على جريمتهم، لعدم وجود البينة الظاهرة ضدهم، حتى دفع النبي صلى الله عليه وسلم ديته من أموال المسلمين، والقصة في البخاري (6769) ومسلم (1669) ، ولما اختصم الأشعث بن قيس ورجل من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم في أرض باليمن ولم يكن لعبد الله بيِّنة قضى فيها لليهودي بيمينه، كما في البخاري (2525) ومسلم (138) . و. بل منحهم النبي صلى الله عليه وسلم حق التحاكم فيما بينهم إلى قوانين دينهم، ولم يلزمهم بقوانين المسلمين ما دام طرفا القضية من أتباعهم، إلا إذا ترافعوا إليه صلى الله عليه وسلم، وطلبوا منه الحكم بينهم، فكان حينئذ يحاكمهم بشريعة الله ودين المسلمين، يقول الله سبحانه وتعالى: (فَإِن جَآؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) المائدة/42. 5. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحسن معاملة جميع الناس، ومنهم اليهود، فقد أمر الله سبحانه بالقسط والبر وحسن الخلق وأداء الأمانة مع اليهود وغيرهم، حيث قال سبحانه: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الممتحنة/8. ومن بره صلى الله عليه وسلم في معاملة اليهود: أ. أنه كان يعود مريضهم: روى البخاري (1356) عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أَنَّ غُلَامًا مِنَ اليَهُودِ كَانَ يَخدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِندَ رَأسِهِ، فَقَالَ: أََسلِم. فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِندَ رَأسِهِ، فَقَالَ لَه: أَطِع أَبَا القَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَأَسلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: الحَمدُ لِلَّهِ الذِي أَنقَذَهُ مِنَ النَّارِ) . ب. وكان صلى الله عليه وسلم يقبل هداياهم: فقد روى البخاري (2617) ومسلم (2190) عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أَنَّ امرَأَةً يَهُودِيَّةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ مَسمُومَةٍ فَأَكَلَ مِنهَا) . ج. كما كان صلى الله عليه وسلم يعفو عن مسيئهم: إذ لم ينه عن قتل تلك المرأة التي وضعت السم في الشاة، ففي تكملة الحديث السابق: (فَجِيءَ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ: أَرَدْتُ لِأَقْتُلَكَ، قَالَ: مَا كَانَ اللَّهُ لِيُسَلِّطَكِ عَلَى ذَاكِ - قَالَ: أَوْ قَالَ: عَلَيَّ - قَالَ: قَالُوا: أَلَا نَقْتُلُهَا؟ قَالَ: لَا) ، بل وفي حديث أبي هريرة في صحيح البخاري (3169) أن ذلك كان بعلم من اليهود وأنهم اعترفوا بمحاولة القتل بالسم، ومع ذلك لم يأمر صلى الله عليه وسلم بالانتقام لنفسه، لكنه قتلها بعد ذلك لموت الصحابي الذي كان معه صلى الله عليه وسلم وكان أكل من الشاة المسمومة , وهو بشر بن البراء رضي الله عنه. وكذلك لما سحره اليهودي لبيد بن الأعصم، وعافاه الله من السحر، لم ينتقم منه ولا أمر بقتله، بل جاء في " سنن النسائي " (4080) وصححه الألباني عن زيد بن أرقم قال: (فَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ لِذَلِكَ اليَهُودِيِّ وَلَا رَآهُ فِي وَجهِهِ قَط) . د. وكان صلى الله عليه وسلم يعامل اليهود بالمال، ويفي لهم معاملتهم: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ الْيَهُودَ أَنْ يَعْمَلُوهَا وَيَزْرَعُوهَا وَلَهُمْ شَطْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا) رواه البخاري (2165) ومسلم (1551) . وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (اشْتَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا بِنَسِيئَةٍ وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ) رواه البخاري (1990) ومسلم (1603) . هـ. وفي أول قدومه صلى الله عليه وسلم المدينة كان يحب موافقة اليهود في أعمالهم وعاداتهم ليتألف قلوبهم على الإسلام، ولكنه لما رأى عنادهم وجحودهم ومكابرتهم أمر بمخالفتهم، ونهى عن التشبه بهم. عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْدِلُ شَعَرَهُ وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْرُقُونَ رُءُوسَهُمْ فَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَسْدِلُونَ رُءُوسَهُمْ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءٍ ثُمَّ فَرَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ) رواه البخاري (3728) ومسلم (2336) . و. ولم يكن صلى الله عليه وسلم يترفع عن محاورتهم، بل كان يتواضع لهم، ويجيب على أسئلتهم وإن كان مرادهم منها العنت والمجادلة بالباطل. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: (بَيْنَمَا أَنَا أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَرْثٍ وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى عَسِيبٍ إِذْ مَرَّ بِنَفَرٍ مِنْ الْيَهُودِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ سَلُوهُ عَنْ الرُّوحِ فَقَالُوا مَا رَابَكُمْ إِلَيْهِ لَا يَسْتَقْبِلُكُمْ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ فَقَالُوا سَلُوهُ فَقَامَ إِلَيْهِ بَعْضُهُمْ فَسَأَلَهُ عَنْ الرُّوحِ قَالَ فَأَسْكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا فَعَلِمْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ قَالَ فَقُمْتُ مَكَانِي فَلَمَّا نَزَلَ الْوَحْيُ قَالَ: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) رواه البخاري (4444) ومسلم (2794) . ز. وكان يدعو لهم بالهداية وصلاح البال: فعَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: (كَانَ الْيَهُودُ يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْجُونَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ فَيَقُولُ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ) رواه الترمذي (2739) وقال: حسن صحيح، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ". 6. وفي المقابل: لم يكن صلى الله عليه وسلم يرضى أن ينتهك اليهود حرمات المسلمين، ويتمادوا في ذلك، فكان يعاقب كل من يعتدي على المسلمين ويظلمهم ويتجاوز حدوده في ذلك، فلما اعتدى بعض يهود بني قينقاع على امرأة مسلمة في السوق واحتالوا لكشف عورتها، وتوعدوا النبي صلى الله عليه وسلم بالقتال، وقالوا: (يا محمد، لا يغرنك من نفسك أنك قتلت نفرا من قريش كانوا أغمارا لا يعرفون القتال، إنك لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس) نقله ابن حجر في " فتح الباري " وحسَّنه (7 / 332) فقام النبي صلى الله عليه وسلم إليهم وأجلاهم من المدينة، وكان ذلك في شوال من السنة الثانية للهجرة. ثم لما عَظُمَ أذى كعب بن الأشرف اليهودي للمسلمين، وبدأ يخوض في أعراضهم، ويشبب بنسائهم في شعره، وارتحل إلى مكة يحرض زعماء قريش على المسلمين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله في قصة طويلة حدثت في ربيع الأول من السنة الثالثة للهجرة، رواها البخاري (2375) ومسلم (1801) . وكذلك لما تكررت محاولات بني النضير لقتل النبي صلى الله عليه وسلم في قصص مشهورة يذكرها أهل المغازي والسير، ودسوا إلى قريش يحضونهم على غزو المدينة، ويدلونهم على العورة، أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإجلائهم من المدينة في السنة الرابعة من الهجرة. انظر " المغازي " للواقدي (1 / 363 – 370) و " سيرة ابن هشام " (3 / 682) . وأما يهود بني قريظة فقد قتل النبي صلى الله عليه وسلم مقاتلتهم لما غدروا به يوم الأحزاب، وتحالفوا مع قريش والعرب ضد المسلمين، وخانوا العهود معهم، وكان ذلك في العام الهجري الخامس. انظر " سيرة ابن هشام " (3 / 706) . وقد وردت أخبار كثيرة في أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعفو عن كل من أظهر الوفاء بالعهد من اليهود، ولا يعاقب إلا من شارك في الغدر أو أقر ورضي. انظر " السيرة النبوية الصحيحة " أكرم العمري (1 / 316) ، وقد جاء في ميثاق المدينة: " لليهود دينهم وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم، إلا من ظلم نفسه وأثم، فإنه لا يوتِغ – أي: يُهلِك - إلا نفسه وأهل بيته ". وأخيرا لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم غدر اليهود وخيانتهم، أوحى الله إليه أن يُخلِصَ جزيرة العرب لديانة التوحيد، فلا يبقى فيها غير الدين الذي ارتضاه الله لنفسه. عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصاهم في مرض موته فقال: (أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ) رواه البخاري (2888) ومسلم (1637) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 84308 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1261 لماذا لا يعجل الله تعالى بهلاك الكفار؟ ولماذا المسلمون في تأخر؟ [السُّؤَالُ] ـ[لماذا لا يعاقب الله المسيحيين واليهود ? لماذا المسلمون في تأخر والمسيحيون واليهود في تطور؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لعلَّ الأخ السائل أراد بالعقوبة في سؤاله العذاب والإهلاك؛ لأن لفظ العقوبة أعم من العذاب، والكفار يعاقبهم الله تعالى على كفرهم بالمعيشة الضنك، وبظلمة القلوب وقسوتها، ومن يُرى منهم على حال حسنة ونعيم في طعامه ولباسه ومسكنه فإنما هو ظاهر الأمر لا حقيقة بواطنهم وقلوبهم، ويشترك العاصي مع الكافر في هذا الباب. وأما تأخير العذاب والإهلاك لمن كفر بالله تعالى: فقد ذكر الله تعالى في كتابه حِكَماً كثيرة لذلك، ومنها: 1. أنه تعالى غفور رحيم، وإنما يؤخر إهلاكهم لأجل أن يتوبوا ويُسلموا. قال الله تعالى: (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ) الكهف/58. قال الإمام الطبري – رحمه الله -: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وربك الساتر يا محمد على ذنوب عباده بعفوه عنهم إذا تابوا منها. (ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا) هؤلاء المعرضين عن آياته إذا ذكروا بها بما كسبوا من الذنوب والآثام. (لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ) ولكنه لرحمته بخلقه غير فاعل ذلك بهم إلى ميقاتهم وآجالهم. " تفسير الطبري " (18 / 52) . 2. أن من صفاته تعالى الحلم، ومن أسمائه الحسنى الحليم، فهو لا يعجل بالعقوبة، بل يمهل لخلقه من غير إهمال، ولن تفوته عقوبتهم لو أراد، كما هو الحال في البشر. أ. قال الشيخ الشنقيطي – رحمه الله -: قوله تعالى: {لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُواْ لَعَجَّلَ لَهُمُ العذاب} الآية. بيَّن في هذه الآية الكريمة: أنه لو يؤاخذ الناس بما كسبوا من الذنوب، كالكفر والمعاصي، لعجَّل لهم العذاب، لشناعة ما يرتكبونه، ولكنه حليم لا يعجل بالعقوبة، فهو يمهل ولا يهمل". أضواء البيان " (4 / 164) . ب. وقال – رحمه الله – في تفسير قوله تعالى (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) النحل/61 -: ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه لو عاجل الخلق بالعقوبة لأهلك جميع من في الأرض، ولكنه حليم لا يعجل بالعقوبة؛ لأن العجلة من شأن من يخاف فوات الفرصة، ورب السموات والأرض لا يفوته شيء أراده. وذكر هذا المعنى في غير هذا الموضع، كقوله في آخر سورة فاطر: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله الناس بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ على ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ) فاطر/45 الآية، وقوله: (وَرَبُّكَ الغفور ذُو الرحمة لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُواْ لَعَجَّلَ لَهُمُ العذاب) الكهف/ 58، الآية. وأشار بقوله: (ولكن يُؤَخِّرُهُمْ إلى أَجَلٍ مسمى) إلى أنه تعالى يمهل ولا يهمل. " أضواء البيان " (3 / 263) . 3. أن عذاب الكفار حاصل ولا شك في الآخرة، وأن التأخير فيه إنما لأنه لم يحن وقته الذي قدَّره الله تعالى عليهم، وهو يوم القيامة. قال الله تعالى: (وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ) هود/110. وقال تعالى: (وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى) طه/129. وقال تعالى: (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلا) الكهف/58. وقال تعالى: (وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبْصَارُ) إبراهيم/42. أ. قال البغوي – رحمه الله -: (وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى) فيه تقديم وتأخير، تقديره: ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاماً وأجلٌ مسمّى، والكلمة: الحُكم بتأخير العذاب عنهم، أي: ولولا حكمٌ سبق بتأخير العذاب عنهم وأجلٌ مسمى، وهو القيامة. (لَكَانَ لِزَاماً) أي: لكان العذاب لازماً لهم، كما لزم القرون الماضية الكافرة. " تفسير البغوي " (5 / 302) . ب. وقال ابن كثير – رحمه الله -: قال تعالى: (وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) أي: لولا الكلمة السابقة من الله بإنظار العباد بإقامة حسابهم إلى يوم المعاد: لعجل لهم العقوبة في الدنيا سريعاً. " تفسير ابن كثير " (7 / 195) . ج. وقال الشيخ السعدي – رحمه الله -: (وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) بتأخيرهم، وعدم معاجلتهم بالعذاب. (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) بإحلال العقوبة بالظالم، ولكنه تعالى اقتضت حكمته أن أخَّر القضاء بينهم إلى يوم القيامة. " تفسير السعدي " (ص 390) . د. وقال الشنقيطي – رحمه الله -: قوله تعالى: {بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُواْ مِن دُونِهِ مَوْئِلاٍ} الآية. بيَّن جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه وإن لم يجعل لهم العذاب في الحال: فليس غافلاً عنهم ولا تاركاً عذابهم، بل هو تعالى جاعل لهم موعداً يعذبهم فيه، لا يتأخر العذاب عنه، ولا يتقدم. " أضواء البيان " (4 / 164، 165) . 4. وأما من كفر نعمة ربه , ولم يتعرض لرحمته، وأصر على كفره وعناده، فإن في تأخير العذاب عنه زيادة في إثمه، حتى يوافي ربه العزيز المنتقم، وقد ازداد إثمه، وأحاط به جرمه، وانقطع عذره، وذهبت حجته: قال الله تعالى: (فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَام ٍ) ابراهيم/47 وقال تعالى: (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) آل عمران/178. وقال تعالى: (فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا) مريم/85. أ. قال الإمام الطبري – رحمه الله -: وتأويل قوله: (إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا) : إنما نؤخر آجالهم فنطيلها ليزدادوا إثماً، يقول: يكتسبوا المعاصي فتزداد آثامهم وتكثر. (وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) يقول: ولهؤلاء الذين كفروا بالله ورسوله في الآخرة عقوبة لهم مهينة مذلة. " تفسير الطبري " (7 / 423) . ب. وقال الطبري – أيضاً -: وقوله (فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا) يقول عزّ ذكره: فلا تعجل على هؤلاء الكافرين بطلب العذاب لهم والهلاك يا محمد. (إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا) يقول: فإنما نؤخر إهلاكهم ليزدادوا إثماً، ونحن نعدّ أعمالهم كلها ونحصيها حتى أنفاسهم لنجازيهم على جميعها، ولم نترك تعجيل هلاكهم لخير أردناه بهم. " تفسير الطبري " (18 / 252) . فيا له من وعيد وتخويف، وياله من بأس وانتقام، حين يعد الجبار الجليل، للمجرم الآبق ما يستحقه على جرمه، حين لا مفر له ولا مهرب. روى البخاري (4686) ومسلم (2583) عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُمْلِي لِلظَّالِمِ فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ ثُمَّ قَرَأَ {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} . ثانياً: وأما الأمر الآخر وهو تأخر المسلمين وتقدم الكفار في أسباب المعاش، وعلوم الدنيا: فاعلم أن أمر تطورهم وتقدمهم لا يتعدى الأمور الدنيوية، وأما العلم الحقيقي، وهو العلم بالله والدار الآخرة فهم في معزل عنه. قال الله تعالى: (يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) الروم/7. وهذا أيضا من تمام حجة الله تعالى عليهم؛ أن أعطاهم الأسباب التي تمكنهم من العلم النافع لهم، وتدلهم على الدين الحق، فشغلوها بأمر الدنيا، ولم ينتفعوا بها فيما ينجيهم عنده، ويصلح لهم أمر آخرتهم، فينصلح تبعا له أمر دنياهم ـ أيضا ـ. قال الله تعالى: (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) الاحقاف/26 ولهذا قال الله تعالى، ناهيا عباده عن الاغترار بما عندهم من أسباب الدنيا، وزينتها وزخرفها،: (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ. مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ) آل عمران/196، 197. قال الشوكاني رحمه الله: (لا يَغُرَّنَّكَ) خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد تثبيته على ما هو عليه، كقوله تعالى (يَا أَيُّها الَّذِينَ آمَنوا آمِنوا) وخطاب لكل أحدٍ، وهذه الآية متضمنة لقبح حال الكفار بعد ذكر حسن حال المؤمنين، والمعنى: لا يغرنك ما هم فيه من تقلبهم في البلاد بالأسفار للتجارة التي يتوسعون بها في معاشهم، فهو متاع قليل يتمتعون به في هذه الدار ثم مصيرهم إلى جهنم، فقوله: (مَتَاعٌ) خبر مبتدأ محذوف: أي: هو متاع قليل لا اعتداد به بالنسبة إلى ثواب الله سبحانه. (وَمَأْوَاهُم) أي: ما يأوون إليه. والتقلب في البلاد: الاضطراب في الأسفار إلى الأمكنة، ومثله قوله تعالى (فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُم فِي البِلاَدِ) والمتاع ما يعجل الانتفاع به، وسمَّاه " قليلاً " لأنه فانٍ، وكلُّ فانٍ وإن كان كثيراً فهو قليل. وقوله (وَبِئْسَ المَصِيرُ) ما مهدوا لأنفسهم في جهنم بكفرهم، أو ما مهد الله لهم من النار، فالمخصوص بالذم محذوف: وهو هذا المقدر. " فتح القدير " (1 / 622، 623) . واعلم ـ أخانا الكريم ـ أن الله تعالى قد جعل لعمارة الأرض، والتمكن من خيرها، والانتفاع بما فيها، وبلوغ أسباب القوة، سننا كونية، هي جارية على العباد كلهم؛ فمن أخذ بأسباب القوة بلغها، بإذن ربه، لكن الشأن فيمن يبلغ ذلك، كما شرع له ربه، ثم يستعمله فيما يوصله، ويوصل العباد إلى مرضاة ربه. قال الله تعالى: (مَن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً * وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً * كُلاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً) الاسراء/18-20. ثم إن من حكم الله تعالى في تيسير أسباب المعاش، وزينة الدنيا لهؤلاء الكفار، أن من أحسن منهم في شيء، تمتع بما عنده من الدنيا، جزاء حسنته، حتى إذا وافى ربه يوم القيامة، لم يكن له عند الله حسنة يجازى بها. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَةً؛ يُعْطَى بِهَا فِي الدُّنْيَا، وَيُجْزَى بِهَا فِي الْآخِرَةِ. وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ بِهَا لِلَّهِ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الآخِرَةِ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا) رواه مسلم (2808) . ولهذا قال شداد بن أوس رضي الله عنه: (إن الدنيا عرض حاضر، يأكل منها البر والفاجر، والآخرة وعد صادق، يحكم فيها ملك قاهر، ولكل بنون؛ فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا) صفة الصفوة (1/709) . على أننا ـ أيضا ـ ننبه هنا إلى أن ذلك لا يعني أن يترك المؤمنون أسباب القوة، يتمتع بها الكفار، ويصدون الناس بها عن سبيل الله، بل إن المؤمن مأمور بعمارة الأرض على منهج ربه عز وجل. قال الله تعالى: (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ) هود/61، وأمر الله تعالى عباده بالأخذ بأسباب القوة، كل القوة، في مواجهة عدوهم: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ) الأنفال/من الآية60 قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله: (أي: كل ما تقدرون عليه، من القوة العقلية والبدنية، وأنواع الأسلحة ونحو ذلك، مما يعين على قتالهم. فدخل في ذلك أنواع الصناعات التي تعمل فيها أصناف الأسلحة والآلات من المدافع، والرشاشات، والبنادق، والطيارات الجوية، والمراكب البرية والبحرية، والقلاع، والخنادق، وآلات الدفاع، والرأي والسياسة التي بها يتقدم المسلمون ويندفع عنهم به شر أعدائهم، وتعلم الرمي، والشجاعة والتدبير. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا إن القوة الرمي» [رواه مسلم (1917) ] . ومن ذلك: الاستعداد بالمراكب المحتاج إليها عند القتال، ولهذا قال تعالى: (ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) ؛ وهذه العلة موجودة فيها في ذلك الزمان، وهي إرهاب الأعداء، والحكم يدور مع علته. فإذا كان شيء موجودا أكثر إرهابا منها، كالسيارات البرية والهوائية، المعدة للقتال التي تكون النكاية فيها أشد، كانت مأمورا بالاستعداد بها، والسعي لتحصيلها، حتى إنها إذا لم توجد إلا بتعلم الصناعة، وجب ذلك، لأن «ما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب» ) . وانظر جواب السؤال رقم: (33679) لتقف على بعض ما في حياة الكفار من هموم وغموم وشقاء. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 84091 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1262 أخفى إسلامه ودُفن في مقابر الكفار فهل يكون كافراً؟ [السُّؤَالُ] ـ[لنفرض أن هناك نصرانيّاً قد أسلم ولم يخبر أهله، فبعد فترة توفي، ولكن أهله لا يعرفون أنه قد أسلم فسيصلون عليه في الكنيسة ويدفنونه على الطريقة النصرانية، أريد أن أعرف ما حكم هذا؟ هل يموت على الإسلام أم على الكفر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اعلم أخي الكريم ـ أولا ـ أن الفقهاء اتفقوا على أنه لا يجوز أن يدفن المسلم في مقابر الكفار، ولا الكافر في مقابر المسلمين، إلا لضرورة [انظر: الموسوعة الفقهية: 21/20، أحكام المقابر في الشريعة الإسلامية، د عبد الله السحيباني، ص:231-232] . وإذا مات المسلم في بلاد الكفار، فإنه يجب على وليه، أو من علم به من المسلمين، أن ينقله إلى بلاد المسلمين حتى يدفن فيها. وهذا النقل والتحويل إلى بلاد الإسلام حسب الاستطاعة، فإن تعذر نقله فيدفن في بلاد الكفار، لكن في غير مقابرهم. [انظر: أحكام المقابر ص: 225-226] . قال شيخ الإسلام رحمه الله: " وهذا آكد من التمييز بينهم حال الحياة، بلبس الغيار ونحوه؛ فإن مقابر المسلمين فيها الرحمة، ومقابر الكفار فيها العذاب " [الاختيارات ص 94] . ثانيا: الصورة التي سألت عنها، وهي حالة تتكرر لكثير من المسلمين المستضعفين في بلاد الكفر، الذين لا يتمكنون من الهجرة إلى بلد يعلنون فيه إسلامهم، ويأمنون فيه على دينهم وأنفسهم، ولا يستطيعون ـ أيضا ـ إظهار إسلامهم في البلاد التي يعيشون فيها، إما خشية على أنفسهم من بطش أقربائهم بهم، كما هو الحال في سؤالك، أو لغير ذلك من الأسباب؛ فهؤلاء يبعثون على نياتهم، وحكم في الآخرة حكم ما عندهم من الإيمان والعمل الصالح، وليس حكم الأرض التي ماتوا فيها، أو القبر الذي دفنوا فيه؛ عَنْ جَابِر بنِ عَبْدِ الله قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ) رواه مسلم (2878) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جَنَازَةٍ فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الإِيمَانِ وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الإِسْلامِ اللَّهُمَّ لا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ وَلا تُضِلَّنَا بَعْدَهُ. رواه أبو داود (3201) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ". قال الشيخ محمد الصالح العثيمين – رحمه الله -: " اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الإِيمَانِ وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الإِسْلامِ) الحياة ذكر معها الإسلام، وهو الاستسلام الظاهر، ومع الموت ذكر الإيمان؛ لأن الإيمان أفضل، ومحله القلب، والمدار على ما في القلب عند الموت وفي يوم القيامة " " شرح رياض الصالحين " (2 / 1200) . وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عما يقول بعض الناس: إن لله ملائكة ينقلون من مقابر المسلمين إلى مقابر اليهود والنصارى، وينقلون من مقابر اليهود والنصارى إلى مقابر المسلمين؛ ومقصودهم: أن من ختم بشر في علم الله، وقد مات في الظاهر مسلما، أو كان كتابيا وختم له بخير، فمات مسلما في علم الله، وفي الظاهر مات كافرا، فهؤلاء ينقلون؛ فهل ورد في ذلك خبر أم لا؟ وهل لذلك حجة؟ أم لا؟ فقال رحمه الله: أما الأجساد فإنها لا تنقل من القبور، لكن نعلم أن بعض من يكون ظاهره الإسلام، ويكون منافقا: إما يهوديا أو نصرانيا أو مرتدا..، فمن كان كذلك فإنه يكون يوم القيامة مع نظرائه، كما قال تعالى: (احشروا الذين ظلموا وأزواجهم) أي أشباههم ونظراءهم. وقد يكون بعض من مات، وظاهره الكفر، قد آمن بالله قبل أن يغرغر، ولم يكن عنده مؤمن، وكتم عن أهله ذلك؛ إما لأجل ميراث أو لغير ذلك، فيكون مع المؤمنين، وإن كان مقبورا مع الكفار. وأما الأثر في نقل الملائكة فما سمعت في ذلك أثرا. انتهى من الفتاوى الكبرى (3/27) بتصرف يسير. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83471 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1263 نصرانية تسأل: لم لا يجوز تزوج المسلمة بالكتابي ويجوز العكس؟ [السُّؤَالُ] ـ[من زوجتي المسيحية: لماذا لا يحل للمرأة المسلمة الزواج من أهل الكتاب - المسيحيين واليهود - بينما هو محلَّل للرجل المسلم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن من أسماء الله تعالى التي نؤمن بها، ولا نظن أن أحدا ممن يعتقد أن له ربا يشك فيها، أنه سبحانه الحكيم، وبهذا أثنت عليه الملائكة المكرمون، لما علموا حكمته في أمره لهم بالسجود لآدم: (قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) البقرة/32 وبهذا ـ أيضا ـ شهد لنفسه سبحانه، وشهدت له ملائكته، وشهد له أهل العلم به سبحانه: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) آل عمران/18. وبذلك قامت حجته سبحانه على خلقه. قال الله تعالى: (قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ) الأنعام/149 ومعلوم ـ من ذلك ـ أن الحكيم لا يفعل ما يفعل عبثا، ولا يضع شيئا في غير موضعه، ولا يأمر بأمر إلا وهو أحسن لخلقه من غيره، كما قال سبحانه: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) الزمر/23. وهذا كما أنه مقتضى اسمه الحكيم، فهو كذلك مقتضى تفرده بالخلق سبحانه، فمنطقي أن من صنع شيئا هو أعلم بما يصلحه ويلائمه من غيره؛ فكيف بالخالق العليم: (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) الملك/14. وأما عن هذه الحكمة التي تسألين عنها، فعلك أيتها السائلة على علم بأن الإسلام هو آخر دين نزل من عند الله تعالى، ولذلك نسخ كل دين سواه، كما قال الله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) التوبة/33. وقال تعالى: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا) النساء/141. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الإسلام يعلو ولا يُعلَى) رواه الدارقطني وغيره، وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (2778) ومعلوم أن الزوج له القوامة على زوجته، ومقامه من الأسرة أعلى من مقام زوجته، وربما كان هذا العلو دافعا له لإكراه زوجته على ترك دينها واتباع دينه، أو التأثير فيها بغية ذلك، وهو ما لا يرضاه الإسلام. وسوف يكون ذلك العلو الذي للزوج سببا ـ أيضا ـ في اتباع أبناء هذه المرأة لأبيهم على دينه، وهي جناية عظيمة على تلك الذرية، أن تتشأ ولم تهتد إلى دين الله الخاتم. وهذه الحكمة العظيمة قد ذكرها ربنا تبارك وتعالى في سياق تحريم تزويج المسلمات لغير المسلمين فقال تعالى: (وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) البقرة/221. ثم إن الكتابية حين تتزوج بمسلم، تتزوج برجل يؤمن بنبيها، بل وبسائر أنبياء الله، ولا يكون مسلماً إلا بهذا، ولا يحل له أن يفرِّق بين أحد منهم، قال تعالى: (آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) البقرة/285، في حين أن الكتابي - من يهودي أو نصراني - لا يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم وأنه خاتم الأنبياء، فكيف يستوي الأمران لتكون نساء المسلمين عند رجل يكفر بنبيها ولا يؤمن به؟! على أننا ننبه هنا إلى أن زواج المسلم بالكتابية، وإن كان مباحا في الشرع، لما يرجى من وراءه من المصلحة، وما فيه من التخفيف على العباد، فإنه " مستثقل مذموم " كما قال الإمام مالك رحمه الله [تفسير القرطبي 3/67] . وبعد، فهذا دعوة هادئة لأهل الكتاب، لعلهم ينتبهون إلى أن الإسلام قد استثنى أهل الكتاب في بعض الأحكام من دون باقي الكفار، فأباح الله تعالى أن نأكل مما يذبحه أهل الكتاب، كما أباح لنا التزوج من نسائهم، تقديراً لأصل دينهم الذي جاء بالتوحيد، وإكراماً لرسل تلك الأديان الذين أُمرنا بالإيمان بهم وتعظيمهم، وليُنظر الفرق بين موقف أهل الديانتين اليهودية والنصرانية من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وبين موقف ديننا من أنبيائهم. وأخيرا؛ فإن هذا الحكم ليس غريبا على الأديان الأخرى، ولا شاذا تفرد به الإسلام، لماذا يستغرب بعض الطاعنين في ديننا من منع الإسلام من تزويج نسائنا بغير المسلمين وهم بينهم لا يزوجون بعضهم بعضاً وهم أهل ديانة واحدة؟! فالكاثوليكي لا يستطيع أن يتزوج بامرأة بروتستانتية، وإن تجرأ على ذلك عوقب من قبل الكنيسة، والعكس بالعكس! وفي قانون الأقباط الأرثوذكس المصري الصادر عام 1938م تنص المادة السادسة على أن " اختلاف الدين مانع من الزواج ". والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83736 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1264 أُهدي لهم طعام في "الكريسماس" فكيف يتصرفون؟ [السُّؤَالُ] ـ[كيف نتصرف إذا كان جارنا يقدم لنا طعام الكريسمس في 25 من ديسمبر؟ هل نتخلص من الطعام، أم نرفضه، حتى ولو كان رفضنا قد يؤدي لشيء من إساءة فهمهم لنا؟ . وجزاكم الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يجوز للإنسان المسلم أن يقبل الهدايا من الكفار أو يعطيهم الهدايا، وخاصة إذا كانوا من الأقرباء، والدليل على ذلك: أ. عن أبي حميد الساعدي قال: غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم تبوك وأهدى ملك أيلة للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء وكساه بُرداً وكتب له ببحرهم. رواه البخاري (2990) . ب. عن كثير بن عباس بن عبد المطلب قال: قال عباس شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فلم نفارقه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن نُفاثة الجذامي. رواه مسلم (1775) . وقد ثبت هذا عن الصحابة بإذن النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهده، فقد زارت أم أسماء بنت أبي بكر – وهي مشركة - ابنتها وأذِن النبي صلى الله عليه وسلم لأسماء رضي الله عنها أن تصِلها، وقد ثبت أن عمر بن الخطاب أهدى حلة لأخيه وكان مشركاً، وكلا الحديثين في الصحيحين. والخلاصة: أنه يجوز للمسلم أن يهدي الكافر وأن يقبل الهدية منه. ثانياً: أما بالنسبة لهدايا أعيادهم فلا يجوز بذلها لهم ولا قبولها منهم؛ لأن في ذلك تعظيماً لأعيادهم، وإقراراً لهم عليها، وعوناً لهم على كفرهم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: ومَن أهدى للمسلمين هدية في هذه الأعياد مخالفة للعادة في سائر الأوقات غير هذا العيد: لم تُقبل هديته، خصوصاً إن كانت الهدية مما يستعان بها على التشبه بهم، مثل إهداء الشمع ونحوه في الميلاد، أو إهداء البيض، واللبن، والغنم في " الخميس الصغير " الذي في آخر صومهم. وكذلك أيضاً لا يُهدى لأحدٍ من المسلمين في هذه الأعياد هدية لأجل العيد، لا سيما إذا كان مما يستعان بها على التشبه بهم كما ذكرناه. ولا يبيع المسلم ما يستعين المسلمون به على مشابهتهم في العيد، من الطعام، واللباس، ونحو ذلك؛ لأن في ذلك إعانة على المنكرات. " اقتضاء الصراط المستقيم " (ص 227) . وقال – رحمه الله -: فأما بيع المسلم لهم في أعيادهم ما يستعينون به على عيدهم من الطعام واللباس والريحان ونحو ذلك أو إهداء ذلك لهم: فهذا فيه نوع إعانة على إقامة عيدهم المحرم، وهو مبني على أصل وهو أنه لا يجوز أن يبيع الكفار عنباً أو عصيراً يتخذونه خمراً، وكذلك لا يجوز بيعهم سلاحاً يقاتلون به مسلماً. " اقتضاء الصراط المستقيم " (ص 229) . وقال ابن القيم - رحمه الله – بخصوص أعياد أهل الكتاب -: وكما أنهم لا يجوز لهم إظهاره، فلا يجوز للمسلمين ممالأتهم عليه، ولا مساعدتهم، ولا الحضور معهم باتفاق أهل العلم الذين هم أهله، وقد صرح به الفقهاء من أتباع الأئمة الأربعة في كتبهم. - ثم ساق – رحمه الله – كلام أئمة المذاهب وأعلامها في المنع من ذلك -. " أحكام أهل الذمة " (3 / 1245 – 1250) . وينظر جواب السؤال رقم (12666) . ثالثاً: ولا يجوز للمسلم أن يتهاون في أمر دينه، ويجب عليه أن يكون مظهراً لأحكامه، وها هم قد أعلنوا دينهم وأظهروا شعائرهم بمثل هذه الأعياد، ونحن علينا أن نظهر ونعلن رفضنا لهداياهم، والمنع من مشاركتهم وإعانتهم عليها، وهذا من شعائر ديننا. ونسأل الله تعالى أن يبصرنا بأحكام دينه، وأن يرزقنا العمل بها والثبات عليها. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82860 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1265 الفرق بين المشركين والكفار ومن أي الفريقين اليهود والنصارى؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما الفرق بين المشركين والكافرين؟ وهل اليهود والنصارى مشركون أم كفار؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الكفر هو جحد الحق وستره، فأصل الكفر في اللغة: التغطية، وأما الشرك فهو صرف العبادة لغير الله تعالى. فالكفر قد يكون بالجحود والتكذيب، أما المشرك فإنه يؤمن بالله تعالى، هذا هو الفرق بين المشرك والكافر. وقد يأتي كل من اللفظين بمعنى الآخر، فيطلق الكفر بمعنى الشرك، ويطلق الشرك بمعنى الكفر. قال النووي رحمه الله: " الشرك والكفر قد يطلقان بمعنى واحد وهو الكفر بالله تعالى، وقد يفرق بينهما فيخص الشرك بعبادة الأوثان وغيرها من المخلوقات مع اعترافهم بالله تعالى ككفار قريش، فيكون الكفر أعم من الشرك " انتهى. "شرح صحيح مسلم" (2/71) . وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: " الكفر جحد الحق وستره، كالذي يجحد وجوب الصلاة أو وجوب الزكاة أو وجوب صوم رمضان أو وجوب الحج مع الاستطاعة أو وجوب بر الوالدين ونحو هذا، وكالذي يجحد تحريم الزنا أو تحريم شرب المسكر أو تحريم عقوق الوالدين أو نحو ذلك. أما الشرك فهو: صرف بعض العبادة لغير الله، كمن يستغيث بالأموات أو الغائبين أو الجن أو الأصنام أو النجوم ونحو ذلك، أو يذبح لهم أو ينذر لهم، ويطلق على الكافر أنه مشرك، وعلى المشرك أنه كافر، كما قال الله عز وجل: (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) المؤمنون/117، وقال سبحانه: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ) المائدة/72، وقال جل وعلا في سورة فاطر: (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ. إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) فاطر/13، 14، فسمى دعاءهم غير الله شركا في هذه السورة، وفي سورة المؤمنون سماه كفراً. وقال سبحانه في سورة التوبة: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ. هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) التوبة/32، 33، فسمى الكفار به كفاراً، وسماهم مشركين، فدلَّ ذلك على أن الكافر يسمى مشركاً، والمشرك يسمى كافراً، والآيات والأحاديث في ذلك كثيرة، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْك الصَّلاةِ) ، أخرجه مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وقوله صلى الله عليه وسلم: (الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ) أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه بإسناد صحيح عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه، والله ولي التوفيق " انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (9/174، 175) . وقال الشيخ رحمه الله – أيضاً -: " ومن الشرك أن يعبد غير الله عبادة كاملة، فإنه يسمى شركا، ويسمى كفرا، فمن أعرض عن الله بالكلية وجعل عبادته لغير الله كالأشجار أو الأحجار أو الأصنام أو الجن أو بعض الأموات من الذين يسمونهم بالأولياء، يعبدهم أو يصلي لهم أو يصوم لهم وينسى الله بالكلية، فهذا أعظم كفرا وأشد شركا، نسأل الله العافية، وهكذا من ينكر وجود الله، ويقول ليس هناك إله، والحياة مادة، كالشيوعيين والملاحدة المنكرين لوجود الله، هؤلاء أكفر الناس وأضلهم وأعظمهم شركا وضلالا نسأل الله العافية، والمقصود أن أهل هذه الاعتقادات وأشباهها كلها تسمى شركا، وتسمى كفرا بالله عز وجل، وقد يغلط بعض الناس لجهله فيسمي دعوة الأموات والاستغاثة بهم وسيلةً، ويظنها جائزة، وهذا غلط عظيم؛ لأن هذا العمل من أعظم الشرك بالله، وإن سماه بعض الجهلة أو المشركين وسيلة، وهو دين المشركين الذي ذمهم الله عليه وعابهم به، وأرسل الرسل وأنزل الكتب لإنكاره والتحذير منه " انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (4/32، 33) . ثانياً: واليهود والنصارى كفار ومشركون، أما كفرهم فلأنهم جحدوا الحق، وكذبوا به، وأما شركهم فلأنهم عبدوا غير الله تعالى. قال الله تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ. اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ ومَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) التوبة/30، 31. فوصفهم هنا بالشرك، وفي سورة البينة وصفهم بالكفر، قال الله تعالى: (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) البينة/1. قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله ردّاً على من قال: إن لفظ المشركين بإطلاقه لا يتناول أهل الكتاب: " والأقرب أن أهل الكتاب داخلون في المشركين والمشركات عند الإطلاق رجالهم ونساؤهم؛ لأنهم كفار مشركون بلا شك، ولهذا يمنعون من دخول المسجد الحرام، لقوله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) التوبة/28. ولو كان أهل الكتاب لا يدخلون في اسم المشركين عند الإطلاق لم تشملهم هذه الآية، ولما ذكر سبحانه عقيدة اليهود والنصارى في سورة براءة قال بعد ذلك: (وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) التوبة/31، فوصفهم جميعا بالشرك؛ لأن اليهود قالوا: عزير ابن الله، والنصارى قالوا: المسيح ابن الله؛ ولأنهم جميعاً اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله، وهذا كله من أقبح الشرك والآيات في هذا المعنى كثيرة " انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (4/274) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 67626 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1266 هل يدعو الشيطان المحتضر لليهودية والنصرانية؟ ما معنى " فتنة الممات "؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل صحيح أن من فتن القبر تشكل شيطانين في صورة الوالدين وقولهما إنا اتبعنا اليهودية والنصرانية فأدخلَنا الله الجنة؟ وهل هو قبل نزول منكر ونكير؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس على هذا القول دليل من الكتاب والسنة، بل هو من أقوال بعض أهل العلم، وليس هو في القبر، بل عند الاحتضار قبل قبض الروح، وقد ذكر بعض أهل العلم أن هذا داخل في "فتنة المحيا". قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وعرض الأديان على العبد عند الموت ليس عاما لكل أحد , ولا هو أيضاً منفي عن كل أحد، بل من الناس من لا تعرض عليه الأديان , ومنهم من تعرض عليه، وذلك كله من فتنة المحيا التي أمرنا الرسول أن نستعيذ في صلاتنا منها، ووقت الموت يكون الشيطان أحرص ما يكون على إغواء بني آدم " انتهى من "الاختيارات" (ص 85) . ولا يزال الشيطان حريصاً على إغواء الإنسان ما دامت روحه في جسده، فيأتيه ويوسوس له ويزين له الباطل. فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال إبليس: وعزتك لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم، فقال: وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني. رواه أحمد (10974) ، وحسَّنه الألباني في "صحيح الترغيب " (1617) . وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله تعالى من " فتنة المحيا والممات "، وندب المصلين إلى الاستعاذة منها قبل السلام من الصلاة. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر فليتعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر المسيح الدجال) رواه البخاري (1311) ومسلم (588) . قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: " قوله: " ومن فتنة المحيا والممات " معطوفة على " من عذاب جهنم "، والمراد بالفتنة: اختبار المرء في دينه؛ في حياته وبعد مماته، وفتنة الحياة عظيمة وشديدة، وقلَّ من يتخلَّص منها إلا مَنْ شاء الله، وهي تدور على شيئين: 1 – شُبُهات. 2 – شهوات. أما الشُّبُهات: فتعرض للإنسان في عِلْمِه ِ، فيلتبس عليه الحقُّ بالباطل، فيرى الباطل حقًّا، والحقَّ باطلاً، وإذا رأى الحقَّ باطلاً تجنَّبه، وإذا رأى الباطلَ حقّاً فَعَلَهُ. وأمَّا الشَّهوات فتعرض للإنسان في إرادته، فيريد بشهواته ما كان محرَّماً عليه، وهذه فتنة عظيمة، فما أكثر الذين يرون الرِّبا غنيمة فينتهكونه! وما أكثر الذين يرون غِشَّ النَّاسِ شطارةً وجَودةً في البيع والشِّراء فيغشُّون! وما أكثر الذين يرون النَّظَرَ إلى النساء تلذُّذاً وتمتُّعاً وحرية، فيطلق لنفسه النظر للنساء! بل ما أكثر الذين يشربون الخمر ويرونه لذَّة وطرباً! وما أكثر الذين يرون آلاتِ اللهو والمعازف فنًّا يُدرَّسُ ويُعطى عليه شهادات ومراتب! وأما فتنة الممات: فاختلف فيها العلماءُ على قولين: القول الأول: إن " فتنة الممات ": سؤال الملَكَين للميِّت في قَبْرِه عن ربِّه، ودينه ونبيِّه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه أُوحِيَ إليَّ أنكم تُفتنون في قبوركم مثل أو قريباً من فتنة المسيح الدَّجَّال) ، فأمَّا مَنْ كان إيمانُه خالصاً فهذا يسهل عليه الجواب. فإذا سُئل: مَنْ ربُّك؟ قال: ربِّي الله. مَنْ نبيُّك؟ قال: نبيِّي محمَّد. ما دينك؟ قال: ديني الإسلام، بكلِّ سُهولة. وأما غيره - والعياذ بالله - فإذا سُئل قال: هاه ... هاه ... لا أدري؛ سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته. وتأمل قوله: " هاه ... هاه ... " كأنه كان يعلم شيئاً فنسيه، وما أشدَّ الحسرة في شيء علمتَه ثم نسيتَه؛ لأن الجاهل لم يكسب شيئاً، لكن النَّاسي كسب الشيء فخسره، والنتيجة يقول: لا أدري مَنْ ربِّي، ما ديني، مَنْ نبيي، فهذه فتنة عظيمة؛ أسألُ الله أن ينجِّيني وإيَّاكم منها، وهي في الحقيقة تدور على ما في القلب، فإذا كان القلب مؤمناً حقيقة: يرى أمور الغيب كرأي العين، فهذا يجيب بكلِّ سُهولة، وإن كان الأمر بالعكس: فالأمر بالعكس. القول الثاني: المراد بـ " فتنة الممات ": ما يكون عند الموت في آخر الحياة، ونصَّ عليها - وإنْ كانت مِن فتنة الحياة - لعظمها وأهميتها، كما نصَّ على فِتنة الدَّجَّال مع أنها مِن فتنة المحيا، فهي فِتنة ممات؛ لأنها قُرب الممات، وخصَّها بالذِّكر لأنها أشدُّ ما يكون؛ وذلك لأن الإنسان عند موته ووداع العمل صائر إما إلى سعادة، وإما إلى شقاوة، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن أحدَكُم ليعملُ بعملِ أهلِ الجنَّة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتابُ؛ فيعملُ بعملِ أهل النَّارِ) فالفتنة عظيمة. وأشدُّ ما يكون الشيطانُ حرصاً على إغواء بني آدم في تلك اللحظة، والمعصومُ مَنْ عَصَمَه الله، يأتي إليه في هذه الحال الحرجةِ التي لا يتصوَّرها إلا من وقع فيها، قال تعالى: (كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ. وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ. وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ. وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ. إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ) القيامة/26– 30، حال حرجة عظيمة، الإنسانُ فيها ضعيفُ النَّفْسِ، ضعيفُ الإِرادة، ضعيفُ القوَّة، ضيقُ الصَّدر، فيأتيه الشيطانُ ليغويه؛ لأن هذا وقت المغنم للشيطان، حتى إنه كما قال أهل العلم: قد يعرضُ للإِنسان الأديان اليهودية، والنصرانية، والإسلامية بصورة أبويه، فيعرضان عليه اليهودية والنصرانية والإسلامية، ويُشيران عليه باليهودية أو بالنصرانية، والشيطان يتمثَّلُ كُلَّ واحد إلا النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه أعظم الفِتَن ِ. ولكن هذا - والحمد لله - لا يكون لكلِّ أحدٍ، كما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وحتى لو كان الإنسان لا يتمكَّن الشيطان من أن يَصِلَ إلى هذه الدرجة معه، لكن مع ذلك يُخشى عليه منه. يقال: إنَّ الإمام أحمد وهو في سكرات الموت كان يُسمَعُ وهو يقول: بعدُ، بعدُ، فلما أفاق قيل له في ذلك؟ قال: إنَّ الشيطان كان يعضُّ أنامله يقول: فُتَّني يا أحمد، يعضُّ أنامله ندماً وحسرة كيف لم يُغوِ الإمام أحمد! فيقول له أحمد: بعدُ، بعدُ، أي: إلى الآن ما خرجت الرُّوح، فما دامت الرُّوح في البدن فكلُّ شيء وارد ومحتمل، (رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا) آل عمران/8، في هذه الحال فتنة عظيمة جدّاً، ولهذا نصَّ النبي صلى الله عليه وسلم عليها قال: " مِن فِتنة المحيا والممات ". فالحاصل: أنَّ فتنة الممات فيها تفسيران: التفسير الأول: الفتنة التي تكون عند الموت. والثاني: التي تكون بعد الموت، وهي سؤال الملكين الإنسان عن رَبِّه ودينه ونبيِّه. ولا مانع بأن نقول: إنَّها تشمَلُ الأمرين جميعاً، ويكون قد نصَّ على الفتنة التي قبل الموت وعند الموت؛ لأنَّها أعظم فتنة تَرِدُ على الإنسان، وذكر ما يُخشى منها من سوء الخاتمة إذا لم يُجِرِ اللَّهُ العبد من هذه الفتنة. وعلى هذا ينبغي للمتعوِّذ مِن فِتنة الممات أن يستحضر كلتا الحالتين. " الشرح الممتع " (3 / 185 – 188) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 60191 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1267 هل هناك فرق بين النصارى العرب والنصارى من غير العرب [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك فرق بين المسيحي العربي وغير العربي؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا فرق بين المسيحي العربي وغير العربي. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى اللجنة الدائمة 12 / 252 الحديث: 8769 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1268 زواج المسلم من غير مسلمة [السُّؤَالُ] ـ[قررت امرأة غير مسلمة الزواج من شاب مسلم بعد أن أحبته، ليس لديها مانع من أن تسلم، هل يجوز للمسلم أن يتزوج بامرأة غير مسلمة من آسيا؟ كلاهما يحب الآخر كثيراً ولا يستطيعان العيش بعيدين عن بعضهما، ما الذي يجب فعله؟ كيف ومتى يمكن أن تسلم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نوجه عبر هذا الموقع رسالة إلى هذه المرأة – غير المسلمة – وغيرها بأن الحياة الحقيقية والسعادة القلبية والطمأنينة لا تحصل لأحد إلا إذا آمن بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً، فالكون كله مخلوق، وخالقه هو الله، فهو الذي رفع السماء بلا عمد، وبسط الأرض وجعل فيها الوتد وأجرى البحر والنهر (آلا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين) الأعراف / 54، فإذا تبين ذلك فليُعلم بأن الله قد أرسل رسلاً إلى عباده، ليدلوهم ويعلموهم ويهدوهم إلى طريق النجاة (رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل) البقرة / 150، وختم رسالاته بمحمد صلى الله عليه وسلم (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبين) الأحزاب / 40، فأرسله الله بدين الإسلام الذي لا يُقبل من أحد ديناً سواه (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) آل عمران / 85 ثانياً: وأما متى وكيف تسلم: فالأمر يسير جداً، فما عليها إلا أن تقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله. فإذا قالت ذلك صارت مسلمة، وعليها أن تبادر بذلك فإن الموت يأتي بغتة، والإنسان لا يدري هل يعيش إلى الغد أم لا؟ ونرحب بها أختاً لنا في الله، ونسأل الله أن يلهمها رشدها ويوفقها لما فيه سعادتها في الدنيا والآخرة. ثالثاً: الذي ورد في السؤال أن المرأة " غير مسلمة " وهذا اللفظ محتمل لأن تكون كتابية – يهودية أو نصرانية – ومحتمل لأن تكون غير ذلك – كأن تكون بوذية أو مجوسية أو شيوعية -، فإن كانت المرأة الراغبة بزواج المسلم كتابية: فلا مانع شرعاً من هذا الزواج إذا تحققت الشروط الشرعيَّة فيها مثل أن تكون محصنة عفيفة، وعلى الزوج المسلم أن يحرص على دخول زوجته في الإسلام لينقذها من الخلود في النار، وليحقق لنفسه وأولاده بيتاً قائماً على الإسلام. وأما إن كانت المرأة الراغبة في الزواج من مسلم غير كتابية: فإنه لا يحل للمسلم الزواج منها. قال تعالى: {وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} البقرة / 221. قال ابن كثير: هذا تحريم من الله عز وجل على المؤمنين أن يتزوجوا من المشركات من عبدة الأوثان ثم إن كان عمومها مراداً وأنه يدخل فيها كل مشركة من كتابية ووثنية فقد خُص من ذلك نساء أهل الكتاب بقوله: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} . قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: {وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} استثنى الله من ذلك نساء أهل الكتاب، وهكذا قال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير ومكحول والحسن والضحاك وزيد بن أسلم والربيع بن أنس وغيرهم، وقيل: بل المراد بذلك المشركون من عبدة الأوثان ولم يُرد أهل الكتاب بالكلية والمعنى قريب من الأول والله أعلم. " تفسير ابن كثير " (1 / 474) . ومع القول بالجواز إلا أن الشرع المطهر رغَّب بالزواج من مسلمة ذات دين؛ لأن حياة المسلم مع زوجته حياة كاملة وشاملة ففيها العفاف وغض البصر وحفظ البيت والأولاد ورعايتهما وهذه الأشياء ومثيلاتها لا تتحقق إلا من امرأة متدينة. وانظر جواب السؤال رقم (12283) – مهم -، وجواب السؤال رقم (20227) ففيه زيادة بيان وتوضيح لمفاسد الزواج من غير المسلمة، وفي جواب السؤال رقم (3320) بيان عدم جواز السماح لها بإقامة الأعياد في بيتها ولا خارجه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20884 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1269 موقف الإسلام من الديانات الأخرى [السُّؤَالُ] ـ[لدي شبه حول الإسلام فهل يمكن أن توضحها لي؟ ما هو رأي الإسلام في الناس من الديانات الأخرى؟ هل جميع الناس غير المسلمين يُعتبرون مذنبين لأنهم لا يتبعون الله والإسلام؟ هل يمكن لأي شخص غير مسلم بأن يدخل الجنة دون أن يتبع الإسلام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله حكم الإسلام في الديانات الأخرى أنها كلها إما موضوعة باطلة أو منسوخة. فالموضوع الباطل منها: كعبادة العرب الأقدمين للأصنام والأحجار. والمنسوخ من الديانات: هي ما كان عليه الأنبياء الذين سبقوا نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم فهي صحيحة لأن أصلها من عند الله ولكن جاء الإسلام فحل محلها، لا في أصل المعتقد كمعرفة الله أو الملائكة والجنة والنار، فهذا متفق عليه بين الرسل أجمعين، ولكن الاختلاف بينهم في طرق العبادات والتقرب إلى الله تعالى من صلاة وصيام وحج وزكاة وغير ذلك , وإن كان أتباع الأنبياء قد وقع في المتأخرين منهم التحريف في الاعتقاد والوقوع في الشرك ما جاء الإسلام بتبيينه وإرجاع الناس إلى العقيدة الصحيحة التي جاء بها الأنبياء السابقون. عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: جاء عمر بجوامع من التوراة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله جوامع من التوراة أخذتُها من أخ لي من " بني زريق " فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عبد الله بن زيد – الذي أُري الأذان – أَمَسَخَ الله عقلك؟ ألا ترى الذي بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً وبالقرآن إماماً، فسرّي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: (والذي نفس محمد بيده لو كان موسى بين أظهركم ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم ضلالاً بعيداً أنتم حظي من الأمم وأنا حظكم من النبيين) رواه أحمد/15437. وقال ابن حجر: .. جميع طرق هذا الحديث، وهي إن لم يكن فيها ما يحتج به لكن مجموعها يقتضي أن لها أصلاً. (فتح الباري 13/525) . والدليل على ذلك قوله تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) آل عمران/85. قال الإمام الطبري في تفسير هذه الآية: يعني بذلك جل ثناؤه: ومن يطلب ديناً غير دين الإسلام ليدين به: فلن يقبل الله منه، " وهو في الآخرة من الخاسرين "، يقول: من الباخسين أنفسهم حظوظها من رحمة الله عز وجل. (تفسير الطبري 3/339) . والإسلام لا ينظر إليهم على أنهم مذنبون فحسب بل على أنهم كافرون مخلدون في نار جهنم كما سبق في الآية السابقة. هو خاسر في جهنم لا يخرج منها، ولا يمكن للكافر أن يدخل الجنة إلا أن يسلم، قال الله تعالى: (إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين) الأعراف/40. وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار) رواه مسلم، ونسأل الله تعالى أن يهدي الباحث عن الحق من أتباع الديانات الأخرى على أن يمعن النظر في دين الإسلام وكتابه القرآن عسى الله أن يهديه ويشرح صدره للدخول فيه. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 21534 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1270 من هم اليهود والنصارى الذين يدخلون الجنة [السُّؤَالُ] ـ[كيف نجمع بين قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَءَامَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْءَامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (وبين أن من لم يؤمن من اليهود والنصارى بالإسلام فلن يدخل الجنة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الآية التي أشرت إليها في سؤالك مذكورة في موضعين متشابهين من كتاب الله، فالأول هو قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَءَامَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْءَامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) سورة البقرة والثاني هو قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ ءامَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ ءامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (69) سورة المائدة وحتى نفهم المراد من الآيتين فهما صحيحا فلا بدّ أن نرجع إلى علماء التفسير، قال الإمام الكبير إسماعيل بن كثير رحمه الله في تفسير آية البقرة: نبه تعالى على أن من أحسن من الأمم السالفة وأطاع فإن له جزاء الحسنى وكذلك الأمر إلى قيام الساعة كل من اتبع الرسول النبي الأمي فله السعادة الأبدية ولا خوف عليهم فيما يستقبلونه ولا هم يحزنون على ما يتركونه ويخلّفونه كما قال تعالى "ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون" وكما تقول الملائكة للمؤمنين عند الاحتضار في قوله "إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون".. فكان إيمان اليهود أنه من تمسك بالتوراة وسنة موسى عليه السلام حتى جاء عيسى فلما جاء عيسى كان من تمسك بالتوراة وأخذ بسنة موسى فلم يدعها ولم يتبع عيسى كان هالكا، وإيمان النصارى أن من تمسك بالإنجيل منهم وشرائع عيسى كان مؤمنا مقبولا منه حتى جاء محمد صلى الله عليه وسلم فمن لم يتبع محمدا صلى الله عليه وسلم منهم ويدع ما كان عليه من سنة عيسى والإنجيل كان هالكا. (وقوله تعالى) "ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين".. إخبار عن أنه لا يقبل من أحد طريقة ولا عملا إلا ما كان موافقا لشريعة محمد صلى الله عليه وسلم بعد أن بعثه به فأما قبل ذلك فكل من اتبع الرسول في زمانه فهو على هدى وسبيل ونجاة فاليهود أتباع موسى عليه السلام والذين كانوا يتحاكمون إلى التوراة في زمانهم.. فلما بعث عيسى صلى الله عليه وسلم وجب على بني إسرائيل اتباعه والانقياد له فأصحابه وأهل دينه هم النصارى.. فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم خاتما للنبيين ورسولا إلى بني آدم على الإطلاق وجب عليهم تصديقه فيما أخبر وطاعته فيما أمر والانكفاف عما عنه زجر وهؤلاء هم المؤمنون حقا وسميت أمة محمد صلى الله عليه وسلم مؤمنين لكثرة إيمانهم وشدة إيقانهم ولأنهم يؤمنون بجميع الأنبياء الماضية والغيوب الآتية. ثم قال رحمه الله في تفسير آية المائدة: والمقصود أن كل فرقة آمنت بالله وباليوم الآخر وهو الميعاد والجزاء يوم الدين وعملت عملا صالحا ولا يكون ذلك كذلك حتى يكون موافقا للشريعة المحمدية بعد إرسال صاحبها المبعوث إلى جميع الثقلين فمن اتصف بذلك فلا خوف عليهم فيما يستقبلونه ولا على ما تركوا وراء ظهورهم ولا هم يحزنون. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2912 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1271 من ضلالات اليهود في العقيدة [السُّؤَالُ] ـ[نحن نعلم أين وقع الخطأ عند النصارى, فأين وقع الخطأ عند اليهود؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لاشك أن ما وقع فيه اليهود أعظم مما وقع فيه النصارى وإن كان كلاهما على خطأ وكفر وفي القرآن ذِكر لعدد من ضلالات اليهود الكفرية. 1. فمنهم طائفة يدعون أن لله ولدا كما قال تعالى: {وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهؤون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون} [التوبة / 30] . 2. وقد وصفوا الله بالنقائص، وقتلوا أنبياء الله ورسله كما قال الله تعالى: {وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء} [المائدة / 64] ، وقال تعالى: {لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق} [آل عمران / 181] . 3. وقد حرفوا كلام الله وهي التوراة، قال الله تعالى: {فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه} [المائدة / 13] ، وقال تعالى: {فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون} [البقرة / 79] . 4. وقد استحقوا لعنة الله، وذلك بسبب ما ذكره الله عنهم بقوله تعالى: {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون} [المائدة / 78] . وأما افتراءهم على أنبيائهم فكثير ومن ذلك 1- نسبت اليهود الردة إلى نبي الله " سليمان " وأنه عبد الأصنام كما في " سفر الملوك " الإصحاح 11 / عدد 5. 2- نسبت اليهود إلى " لوط " عليه السلام شرب الخمر وأنه زنى بابنتيه كما في " سفر التكوين " الإصحاح 19 / العدد 30. 3- ونسبت اليهود السرقة إلى نبي الله " يعقوب " كما في " سفر التكوين " الإصحاح 31 / العدد 17. 4- ونسبت اليهود الزنى إلى نبي الله " داود " فوُلد له " سليمان " كما في " سفر صموئيل الثاني " الإصحاح 11 العدد / 11. إلى غير ذلك قبحهم الله وأخزاهم. وقد لعنهم الله ورسوله من أجل مخازيهم الكثيرة في عدد من المواضع في الكتاب والسنة ومن ذلك: (وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلا مَا يُؤْمِنُونَ (88) وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89)) (مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (46) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَءَامِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا (47)) (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلا قَلِيلا مِنْهُمْ) (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (60)) (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64)) وقال النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ وقال: لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَجَمَّلُوهَا فَبَاعُوهَا. والحديثان في صحيح الإمام البخاري وقد أحسن ابن القيم -رحمه الله -في وصفهم إذ يقول: فالأمة الغضبية هم: اليهود أهل الكذب، والبهت، والغدر، والمكر، والحيل، قتلة الأنبياء، وأكلة السحت وهو الربا والرشا، أخبث الأمم طوية، وأرداهم سجية، وأبعدهم من الرحمة، وأقربهم من النقمة، عادتهم البغضاء، وديدنهم العداوة والشحناء، بيت السحر والكذب والحيل، لا يرون لمن خالفهم في كفرهم وتكذيبهم الأنبياء حرمة، ولا يرقبون في مؤمن إلاًّ ولا ذمة، ولا لمن وافقهم حق ولا شفقة، ولا لمن شاركهم عندهم عدل ولا نصفة، ولا لمن خالطهم طمأنينة ولا أمنة، ولا لمن استعملهم عندهم نصيحة، بل أخبثهم: أعقلهم، وأحذقهم: أغشهم، وسليم الناصية - وحاشاه أن يوجد بينهم -: ليس بيهودي على الحقيقة، أضيق الخلق صدورا، وأظلمهم بيوتا، وأنتنهم أفنية، وأوحشهم سجية، تحيتهم لعنة، ولقاؤهم طيرة، شعارهم: الغضب، ودثارهم: المقت. " هداية الحيارى " (ص 8) . وهذا غيض من فيض ومن يبحث يجد الكثير من مخازيهم وأنواع كفرهم وانحلالهم نسأل الله أن يكبتهم ويخزيهم ويذلّهم ويهزمهم وينصر المسلمين عليهم عاجلا غير آجل وصلى الله على نبينا محمد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 9905 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1272 قول اليهود عزير ابن الله [السُّؤَالُ] ـ[إلى أي شيء تشير سورة التوبة /30 وقالت اليهود عزير ابن الله … ) نرجو الإفادة بالمصادر حتى العربية.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لما أمر الله تعالى بقتال أهل الكتاب من اليهود والنصارى وذلك في قوله تعالى: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ماحرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون) . ذكر بعد ذلك ما يوجب قتالهم، وهو كفرهم بالله وشركهم، ومن ذلك تنقصهم لله بنسبة الولد إليه، وهو الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد. فاليهود قالت عزير ابن الله، وقالت النصارى المسيح ابن الله. وعزير رجل صالح من بني اسرائيل، معظَّم عند اليهود، قيل من أسباب تعظيمه أنه حفظ التوراة، فغلت اليهود أو بعضهم فيه، فزعموا أنه ابن الله فذمهم الله لذلك وأخبرهم أنهم يضاهئون بهذا القول قول المشركين الذين قالوا الملائكة بنات الله. وكذلك النصارى تنقصوا الله حيث قالوا المسيح ابن الله فشابهوا بذلك اليهود والمشركين. قال تعالى: (وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون) . راجع تفسير ابن كثير، الجزء الثاني في تفسير سورة التوبة. وتفسير ابن جرير وتفسير القرطبي. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد الرحمن البراك. الحديث: 9459 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1273 صحة حديث قتال اليهود [السُّؤَالُ] ـ[هل هذا الحديث صحيح " أنه سيأتي يوم ينتصر فيه المسلمون على اليهود، حتى الحجر الذي يختفي فيه يهودي يتكلم وينادي بأنه تحتي يهودي فاقتله "؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " تقاتلكم اليهود فتسلطون عليهم ثم يقول الحجر يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله " (رواه البخاري برقم 3593) ، وعن ابن عمر أيضاً رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " تقاتلكم اليهود فتسلطون عليهم حتى يقول الحجر يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله " رواه أحمد والترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ينزل الدجال بهذه السبخة بمر قناة فيكون أكثر من يخرج إليه النساء، حتى إن الرجل ليرجع إلى حميمه وإلى أمه وابنته وأخته وعمته يوثقها رباطاً مخافة أن تخرج إليه ثم يسلط الله المسلمين عليه فيقتلونه ويقتلون شيعته حتى إن اليهودي ليختبئ تحت شجرة أو حجر فيقول الحجر أو الشجرة للمسلم هذا يهودي تحتي فاقتله " رواه أحمد في مسنده وكذا رواه ابن ماجه عن أبي أمامة الباهلي عن النبي صلى الله عليه وسلم في شأن المسيح الدجال. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 3/91 الحديث: 9341 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1274 حكم النظر في كتب أهل الكتاب، ومحاورتهم عبر الإنترنت [السُّؤَالُ] ـ[خوفي من الأفكار الخاطئة التي يبثها بعض المسيحيين من خلال الانترنت، فهم يرسلون رسائل يدعون فيها المسلمين إلى المسيحية عن طريق القصص الملفقة، أريد أن أعرف بماذا يجب أن نرد عليهم فيما يتعلق بالأكسندر الأعظم الذي يزعمون أنه توفي عن 33 سنة بينما في القرآن ثابت أنه توفي في سن الكهولة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز قراءة ما يبثه النصارى من شبهات عبر الإنترنت وغيرها من الوسائل، ولا الدخول معهم في شيء من الحوارات والمناقشات الدينية إلا لمن كان أهلا لذلك، ممن لديه العلم والحجة والمعرفة بطرق المحاجة والمناظرة، وقد جزم جمع من أهل العلم بتحريم النظر في شيء من كتب أهل الكتاب إلا للراسخين في العلم؛ لأننا مأمورون ألا نصدقهم وألا نكذبهم فيما يحكونه من أخبار لا وجود لها في شريعتنا، والعامي لا يؤمن عليه أن يصدق بما هو باطل أو يكذب بما هو حق، ولأن القلوب ضعيفة، والشبه خطافة، وقد تستقر الشبهة في القلب، فيعسر إخراجها. جاء في فتاوى اللجنة الدائمة ما نصه: (الكتب السماوية السابقة وقع فيها كثير من التحريف والزيادة والنقص كما ذكر الله ذلك، فلا يجوز للمسلم أن يقدم على قراءتها والاطلاع عليها إلا إذا كان من الراسخين في العلم ويريد بيان ما ورد فيها من التحريفات والتضارب بينها) 3/311 فما جاءك من رسائل النصارى فبادر بالتخلص منها. وأما ما ذكرت عن الاسكندر الأكبر فهي شبهة تدل على غباء النصارى وجهلهم، وجوابها من وجوه: الأول: أنه ليس في القرآن الكريم ذكر لعمر ذي القرنين (الإسكندر) ولا للعصر الذي عاش فيه. الثاني: أن ذي القرنين المذكور في القرآن ليس هو الاسكندر المقدوني اليوناني الذي بنى الإسكندرية، فهذا هو المتوفى عن 33 سنة، كما في كتب النصارى، وقد عاش قبل مولد المسيح عليه السلام ب 323 سنة. أما ذو القرنين المذكور في القرآن فكان في زمن إبراهيم عليه السلام، ويقال إنه أسلم على يدي إبراهيم عليه السلام، وحج البيت ماشيا. وقد اختلف الناس فيه هل كان نبيا أم كان عبدا صالحا وملكاً عادلاً، مع اتفاقهم على أنه مسلم موحد طائع لله تعالى. والصواب: هو التوقف في شأنه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " ما أدري أتبع نبيا كان أم لا، وما أدري ذا القرنين نبيا كان أم لا " رواه الحاكم والبيهقي وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 5524 الثالث: أن الفرق بين هذا العبد الصالح، وبين الاسكندر المقدوني الكافر أمر معروف لدى علماء المسلمين، قال ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية (1/493) : (عن قتادة قال: اسكندر هو ذو القرنين وأبوه أول القياصرة وكان من ولد سام بن نوح عليه السلام. فأما ذو القرنين الثاني فهو اسكندر بن فيلبس ... بن رومي بن الأصفر بن يقز بن العيص بن إسحق بن إبراهيم الخليل كذا نسبه الحافظ ابن عساكر في تاريخه، المقدوني اليوناني المصري باني إسكندرية الذي يؤرخ بأيامه الروم وكان متأخرا عن الأول بدهر طويل، كان هذا قبل المسيح بنحو من ثلاثمائة سنة وكان أرطاطاليس الفيلسوف وزيره وهو الذي قتل دارا بن دارا وأذل ملوك الفرس وأوطأ أرضهم. وإنما نبهنا عليه لأن كثيرا من الناس يعتقد أنهما واحد وأن المذكور في القرآن هو الذي كان أرطاطاليس وزيره فيقع بسبب ذلك خطأ كبير وفساد عريض طويل كثير، فإن الأول كان عبدا مؤمنا صالحا وملكا عادلا ... ، وأما الثاني فكان مشركا وكان وزيره فيلسوفا وقد كان بين زمانهما أزيد من ألفي سنة فأين هذا من هذا لا يستويان ولا يشتبهان إلا على غبي لا يعرف حقائق الأمور) انتهى كلام ابن كثير رحمه الله. الرابع: أن النصارى ليس في كتابهم المقدس معلومات وافية عن الاسكندر الثاني، فضلا عن الأول، وغاية ما عندهم رؤيا لدانيال، زعموا أن فيها إشارة لحكم هذا الاسكندر الكافر وانقسام مملكته من بعده. الخامس: أنه لو فرض وجود اختلاف بين القرآن وكتابهم حول شخصية أو حدث، فأي غرابة في هذا؟ ّ! وما أكثر هذه الاختلافات، لاسيما حول قصص أنبياء الله كإبراهيم ونوح ولوط وموسى وداود وعيسى عليهم السلام. فالنصارى لا يملكون سندا متصلا لهذه الكتب التي يؤمنون بها، ولا معرفة بحال الذين قاموا بترجمتها، مع اشتمالها على عشرات المواضع المتناقضة والمختلفة التي ينتفي معها دعوى العصمة وأنها كتبت بالإلهام من الروح القدس، وحسبك باختلافهم في نسب عيسى عليه السلام! فكيف يجعل ما في هذه الكتب المحرفة حكما على القرآن العظيم، المحفوظ بحفظ الله تعالى؟! والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 22029 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1275 بعض طائفة المورمون يزورونه ويشككونه بدينه [السُّؤَالُ] ـ[أنا مسلم أعيش في أمريكا وفي المدرسة تهان عقيدتي من النصارى حتى أن بعض النصارى جاءوا إلي لدعوتي إلى النصرانية وهم من طائفة المورمون. فهل هم نصارى أم طائفة أقل؟ هم يقولون: أنه لو كان الإسلام هكذا لفند كتابهم. كيف أفعل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أيها الأخ الفاضل يجب أن تعلم علم اليقين بأن دين الإسلام هو الدين الحق المرضي لله، الذي لا يقبل الله من أحد دينا سواه، وهو يقوم على عبادة الله وحده لا شريك له ومتابعة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. وإذا استقر هذا الاعتقاد في قلب المسلم، فإنه لا يهمه اعتراض المعارضين، واستهزاء المستهزئين، بل يدعو إلى الله ويعمل بدين الله، ويقول إنني من المسلمين. كما قال تعالى: (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين) . وقال تعالى: (فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين، إنا كفيناك المستهزئين، الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون) . والنصارى من هؤلاء المشركين لأنهم يعبدون المسيح وأمه، ويعبدون الصليب فلا تبال بهم، ولا باستهزائهم، بل أعرض عنهم ولا تدخل في جدل معهم لئلا يشوشوا عليك بشبهاتهم. وإذا أمكنك التحول من هذه المدرسة إلى مدرسة أخرى لا تتعرض فيها للأذى فافعل. وطائفة المورمون يظهر أنها من النصارى بدليل ذكرهم لكتابهم وهو الإنجيل، وقولهم: لو كان الإسلام هكذا، يعنون أنه ضد دينهم لفنّد كتابهم، هذا جهل أو تلبيس منهم، فالإسلام لم يفنّد الإنجيل الذي أنزله الله على عيسى، بل القرآن مصدق له ولما قبله من الكتب، ولكن الإسلام يفند دين النصارى الذين اتخذوا المسيح وأمه إلهين من دون الله كما يفند الإسلام الأناجيل المحرفة التي في أيدي النصارى، قال الله تعالى بعد ذكر التوراة والإنجيل: (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب) . يعني أن القرآن مصدق لما قبله من الكتب كالتوراة والإنجيل وهؤلاء النصارى المشركون قد تبرأ المسيح منهم في الدين، ويتبرء منهم يوم القيامة كما قال تعالى: (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني اسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم) . وقال تعالى: (وإذ قال الله ياعيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ... إلى قوله ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنتُ عليهم شهيداً ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيءٍ شهيد) . نسأل الله أن يثبتك على الإسلام وأن يكفيك شرَّ الأشرار، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد الرحمن البراك الحديث: 9461 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1276 التثليث عند النصارى هل له وجود في الإسلام؟ [السُّؤَالُ] ـ[في النصرانية يستخدمون كلمة " التثليث " على أنها الركن الأساس لذلك الدين، فهل ورد ذكر لذلك الاعتقاد في القرآن؟ وإذا كان ذلك اعتقاداً صحيحاً، أفلا يندرج ذلك تحت مقدمات الشرك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم ورد ذكر لهذا الاعتقاد في القرآن الكريم، ولكنه ورد ببطلانه والمنادة على صاحبه بالكفر والشرك، قال الله تعالى: (لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) المائدة / 17، وقال تعالى: (لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) المائدة / 73، وقال تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ، اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) التوبة / 31 وصار هذا من الأمور المنتشرة علمها بين المسلمين، ولذلك أجمعوا على كفر النصارى، بل أجمعوا على كفر من لم يكفرهم، قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في نواقض الإسلام المجمع عليها: (من لم يُكَفِّر المشركين، أو شَكَّ في كفرهم، أو صحّح مذهبهم كفر) . راجع السؤال رقم 31807 وإننا لنعجب من هذا السؤال والذي يظن صاحبه أن الشرك الذي عند النصارى له وجود في دين المسلمين، ولذلك فإننا ننصح السائل بالقراءة في كتب العقائد والتي تبين التوحيد ومعناه وأحكامه، وتبين أيضاً الشرك وأنواعه، وسماع الأشرطة المفيدة في ذلك، فإن هذا من أوجب الواجبات على العبد، وهذا التثليث الذي يعتقده النصارى ليس من مقدمات الشرك، بل هو الشرك بعينه، والتثليث الذي اخترعه النصارى المتأخرون لا يستدل عليه بشيء من العقل والفطرة ولا بشيء من الكتب الإلهية التي أنزلها الله سبحانه وتعالى. قال ابن القيم: وهذا شأن جميع أهل الضلال مع رؤسائهم ومتبوعيهم، فجهَّال النصارى إذا ناظرهم الموحِّد في تثليثهم وتناقضه وتكاذبه قالوا: الجواب على القسيس، والقسيس يقول: الجواب على المطران، والمطران يحيل الجواب على البترك، والبترك على الأسقف، والأسقف على الباب، والباب على الثلاثمائة والثمانية عشر أصحاب المجْمَع الذي اجتمعوا في عهد " قسطنطين "، ووضعوا للنصارى هذا التثليث والشرك المناقض للعقول والأديان ... " مفتاح دار السعادة " (2 / 148) . ومن حيث اللفظ فإنه لم يأت في القرآن ولا في السنة، بل جاء لفظ " التثليث " في كلام العلماء عند كلامهم على التثليث في " الاستجمار بالحجارة، الوضوء، الغسل، غسل الميت، التسبيح في الركوع والسجود، الاستئذان للدخول للبيت، وغير ذلك. والمعنى في كل ما سبق إنما هو فعل الأمر ثلاث مرات، ولا علاقة له بتثليث النصارى، والذي بيَّن الله تعالى أنه قولهم وأمرهم بتوحيده تعالى والاعتقاد بعيسى أنه رسول وليس بإله. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: قال تعالى: {يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيراً لكم} ، فذكر سبحانه في هذه الآية " التثليث والاتحاد "، ونهاهم عنهما وبيَّن أن المسيح إنما هو {رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه} ، وقال: {فآمنوا بالله ورسله} ، ثم قال: {ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيراً لكم} . " الجواب الصحيح " (2 / 15) . وقد ظن بعض النصارى – لجهلهم – أن ضمير الجمع الدال على التعظيم في نحو قوله تعالى: (إنا فتحنا لك) ، (إنا أنزلناه) أنه يدل على عقيدتهم الفاسدة عقيدة التثليث. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ومذهب سلف الأمَّة وأئمَّتها وخلفها: أن النَّبي صلَّى الله عليه وسلم سمع القرآن من جبريل، وجبريل سمعه من الله عز وجل، وأما قوله {نتلوا} و {نقص} {فإذا قرأناه} : فهذه الصيغة في كلام العرب للواحد العظيم الذي له أعوان يطيعونه، فإذا فعل أعوانه فعلاً بأمره قال: نحن فعلنا، كما يقول الملك: نحن فتحنا هذا البلد، وهزمنا هذا الجيش، ونحو ذلك؛ لأنه إنما يفعل بأعوانه، والله تعالى رب الملائكة وهم لا يسبقونه بالقول، وهم بأمره يعملون، ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وهو مع هذا خالقهم وخالق أفعالهم وقدرتهم، وهو غني عنهم، وليس هو كالملِك الذي يفعل أعوانه بقدرة وحركة يستغنون بها عنه، فكان قوله لِما فعله بملائكته: نحن فعلنا: أحق وأولى من قول بعض الملوك. وهذا اللفظ هو من " المتشابه " الذي ذكر أن النصارى احتجوا به على النبي صلى الله عليه وسلم على التثليث لمَّا وجدوا في القرآن {إنا فتحنا لك} ونحو ذلك، فذمَّهم الله حيث تركوا المحكَم من القرآن أن الإله واحد، وتمسكوا بالمتشابه الذي يحتمل الواحد الذي معه نظيره، والذي معه أعوانه الذين هم عبيده وخلقه، واتبعوا المتشابه يبتغون بذلك الفتنة، وهي فتنة القلوب بتوهم آلهة متعددة، وابتغاء تأويله، وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم. " مجموع الفتاوى " (5 / 233، 234) . وللمزيد عن هذا الموضوع راجع سؤال رقم 606. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 12713 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1277 أقسام الديانات [السُّؤَالُ] ـ[ما هي أنواع الأديان الموجودة في العالم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تنقسم البشرية بحسب أديانها إلى قسمين: قسم له كتاب منزل من عند الله كاليهود والنصارى والمسلمين , فاليهود والنصارى بسبب عدم عملهم بما ورد في كتبهم , وبسبب اتخاذهم البشر أرباباً من دون الله , وبسبب تطاول العهد.. فُقدت كتبهم التي أنزلها الله على أنبيائهم؛ فكتب الأحبار لهم كتباً زعموا أنها من عند الله , وما هي من عند الله , إنما هي انتحال المبطلين وتحريف الغالين. أما كتاب المسلمين (القرآن العظيم) فهو آخر الكتب الإلهية عهداً , وأوثقهم عقداً وتكفل الله بحفظه؛ ولم يكل ذلك إلى البشر قال تعالى: (إنَّا نحن نزلنا الذّكر وإنَّا له حافظون) سورة الحجر/9 , فهو محفوظ في الصدور والسطور؛ لأنه الكتاب الأخير الذي ضمنه الله الهدى لهذه البشرية , وجعله حجة عليهم إلى قيام الساعة , وكتب له البقاء , وهيأ له في كل زمان من يقيمون حدوده وحروفه , ويعملون بشريعته ويؤمون به , وسيأتي مزيد من التفصيل عن هذا الكتاب العظيم في فقرة قادمة – انظر: ص: 113. 119 ـ 143. 137 من هذا الكتاب -. وقسم ليس لهم كتاب منزل من عند الله , وإن كان لديهم كتاب متوارث منسوب إلى صاحب ديانتهم كالهندوس والمجوس والبوذيين والكنفوشيسيين وكالعرب قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم. وما من أمة إلا ولها علم وعمل بحسب ما تقوم به مصالح دنياهم , وهذا من الهداية العامة التي جعلها الله لكل إنسان , بل لكل حيوان , كما يهدي الحيوان إلى جلب ما ينفعه من الأكل والشرب , ودفع ما يضره , وقد خلق الله فيه حباً لهذا , وبغضاً لهذا , قال تعالى: (سبح اسم ربك الأعلى – الذي خلق فسوى – والذي قدر فهدى) سورة الأعلى/1–3 , وقال موسى عليه السلام لفرعون: (ربنا الذي أعطى كل شيئاً خلقه ثم هدى) سورة طه/50 , وقال الخليل عليه السلام: (الذي خلقني فهو يهدين) سورة الشعراء/87 , وانظر: الجواب الصحيح فيمن بدل دين المسيح , ج 4 , ص: 97. ومن المعلوم لكل عاقل – له أدنى نظر وتأمل – أن أهل الملل أكمل في العلوم النافعة , والأعمال الصالحة , ممن ليسوا من أهل الملل , فما من خير يوجد عند غير المسلمين من أهل الملل إلا وعند المسلمين ما هو أكمل منه وعند أهل الأديان ما لا يوجد عند غيرهم؛ وذلك أن العلوم والأعمال نوعان: النوع الأول: يحصل بالعقل كعلم الحساب والطب والصناعة , فهذه الأمور عند أهلل الملل كما هي عند غيرهم , بل هم فيها أكمل , أما ما لا يعلم بمجرد العقل كالعلوم الإلهية , وعلوم الديانات فهذه مختصة بأهل الأديان , وهذه منها ما يمكن أن يقام عليه أدلة عقلية , والرسل هدوا الخلق وأرشدوهم إلى دلالة العقول عليها فهي عقلية شرعية. النوع الثاني: ما لا يعلم إلا بخبر الرسل – فهذا لا سبيل إلى تحصيله من طريق العقول – كالخبر عن الله وأسمائه وصفاته وما في الدار الآخرة من النعيم لمن أطاعه , والعذاب لمن عصاه , وبيان شرعه , وخبر الأنبياء السابقين مع أممهم وغير ذلك – انظر: مجموع فتاوي شيخ الإسلام ابن تيمية , ج4 , ص: 210 – 211. [الْمَصْدَرُ] من كتاب الإسلام أصوله ومبادؤه تأليف د. محمد بن عبد الله بن صالح السحيم. الحديث: 21525 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1278 هل الإسلام كان موجوداً قبل النبي صلى الله عليه وسلم؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل قبل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان هناك دين اسمه الإسلام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لتعلم يا أخي أن الإسلام يطلق على معنيين: معنى عام، ومعنى خاص. أما الإسلام بالمعنى العام فهو الاستسلام لله وحده، وذلك يتضمن عبادته وحده، وطاعته وحده. فكل من آمن بالله تعالى ووحَّدَه وعبده بشريعة صحيحة غير منسوخة فهو مسلم. قال شيخ الإسلام في "التدمرية" (ص: 168-170) : " وهذا الدين هو دين الإسلام، الذي لا يقبل الله ديناً غيره، لا من الأولين ولا من الآخرين، فإن جميع الأنبياء على دين الإسلام، قال تعالى عن نوح: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ* فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) يونس /71-72. وقال عن إبراهيم: (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) البقرة /130-132. وقال عن موسى: (وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) يونس /84. وقال في خبر المسيح: (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ) المائدة/111. وقال فيمن تقدم من الأنبياء: (يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا) المائدة/44. وقال عن بلقيس أنها قالت: (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) النمل/44. . . وهذا دين الإسلام الذي لا يقبل الله غيره، وذلك إنما يكون بأن يطاع في كل وقت بفعل ما أمر به في ذلك الوقت، فإذا أمر في أول الأمر باستقبال الصخرة، ثم أمر ثانياً باستقبال الكعبة، كان كل من الفعلين حين أمر به داخلاً في دين الإسلام، فالدين هو الطاعة والعبادة له في الفعلين، وإنما تنوع بعض صور الفعل وهو وجهة المصليِّ، فكذلك الرسل دينهم واحد، وإن تنوعت الشرعة " اهـ باختصار. وبهذا المعنى العام للإسلام يصح أن يقال: كان هناك دين اسمه الإسلام قبل بعثة النبي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فجميع الأنبياء المرسلين مسلمون، وأتباعهم على دينهم الصحيح قبل أن يحرف أن ينسخ هم مسلمون. وكان قبل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوجد أفراد قليلون من النصارى على الدين الصحيح الذي بعث الله به عيسى عليه السلام. ويدل لذلك ما رواه مسلم (2865) عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ: (وَإِنَّ اللَّهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ إِلا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَقَالَ: إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِيَ بِكَ. . . الحديث) . قال النووي رحمه الله: " الْمَقْت: أَشَدّ الْبُغْض , وَالْمُرَاد بِهَذَا الْمَقْت وَالنَّظَر مَا قَبْل بَعْثَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمُرَاد بِبَقَايَا أَهْل الْكِتَاب الْبَاقُونَ عَلَى التَّمَسُّك بِدِينِهِمْ الْحَقّ مِنْ غَيْر تَبْدِيل " اهـ. وأما الإسلام بالمعنى الخاص فهو الدين الذي بعث الله به رسوله محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وبهذا المعنى الخاص للإسلام لا يصح أن يقال كان هناك دين اسمه الإسلام قبل بعثة النبي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال شيخ الإسلام في "التدمرية" (ص 173-174) : " وقد تنازع الناس فيمن تقدم من أمة موسى وعيسى هل هم مسلمون أم لا؟ وهو نزاع لفظي، فإن الإسلام الخاص الذي بعث الله به محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المتضمن لشريعة القرآن ليس عليه إلا أمة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والإسلام اليوم عند الإطلاق يتناول هذا، وأما الإسلام العام المتناول لكل شريعة بعث الله بها نبياً من الأنبياء فإنه يتناول إسلام كل أمة متبعة لنبي من الأنبياء " اهـ. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 48987 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1279 الفروق بين النصرانية والإسلام [السُّؤَالُ] ـ[ما هي العوامل التي توسع الفارق بين المسلمين والنصارى؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله العوامل التي توسِّع الفارق بين المسلمين والنصارى كثيرة وعظيمة، والخلاف العقدي الذي بيننا وبينهم لا يسمح بالتقارب إلا أن يتركوا ما هم فيه من كفر وضلال، ويلتحق بركب الموحدين لرب وإله واحد، والشهادة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة، والاعتقاد ببشرية عيسى عليه السلام. وهذه أبرز الانحرافات في دينهم والتي توسع الفارق بيننا نحن المسلمين وبينهم. 1. اعتقاد النصارى أن المسيح ابن الله. 2. اعتقاد النصارى أن المسيح عليه السلام إله مع الله، بل هو الأقنوم الثاني من الثالوث المقدس عندهم. 3. اعتقاد أن اللاهوت حلّ في الناسوت. 4. اعتقاد أن الله يتكون من ثلاثة أقانيم وهو ما يعرف بـ "عقيدة الثليث ". 5. اعتقاد النصارى أن المسيح عليه السلام صلبته اليهود بأمر بيلاطس النبطي وتوفي على الصليب. 6. اعتقاد النصارى أن المسيح مات مصلوباً فداءاً للبشرية وكفارة للخطيئة الموروثة. 7. موقف النصارى من اليهود الذين يكذبون عيسى عليه السلام، ويزعمون أنهم صلبوه وقتلوه، ويتهمون أمه " مريم " بالزنى – وهي المبرأة من ذلك -، ومع هذا فإن موقف النصارى منهم اليوم موقف النصرة والولاء، وموقفهم من المسلمين الذين يعظمون عيسى عليه السلام وأمه موقف العداء والبراء. 8. تحريفهم لكتاب الله تعالى الإنجيل، سواء تحريف اللفظ بالتغيير أو الزيادة أو تحريف المعنى، وفي ذلك من نسبة السوء والشر لله تعالى ولدينه ما فيه. 9. عقيدة الخلاص، وهي اعتقادهم أن الله أرسل ابنه الوحيد ليخلص الناس من إثم ارتكبه أبو البشرية عليه السلام فعجز الله عن مغفرة ذنبه فأرسل ابنه الوحيد الذي لا ذنب له ليضحي بنفسه من أجل زوال الخطيئة. وهذا انتقاص لرب العالمين وتكذيب للحقائق من توبة آدم عليه السلام وتنجية الله تعالى للمسيح عليه السلام من القتل. 10. كفرهم بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، مع أنه منصوص عليه في العهدين الجديد والقديم. 11. إيمانهم بصحة التوراة المحرفة التي بين أيديهم اليوم، وفيها من سب الله تعالى ووصفه بالنقائص وسب الأنبياء والمرسلين ما يتعاظم المرء أن يتكلم به، لكننا نذكره ليُعلم شناعة ما هم عليه من الكفر. فيصفون الله تعالى أنه بكى ندماً على الطوفان الذي أغرق قوم نوح حتى رمد وعادته الملائكة تعالى الله عز وجل عن ذلك علواً كبيراً. ويصفون لوطاً عليه السلام بأنه زنى بأبنيته، ونوحاً بأنه شرب الخمر حتى ثمل وبدت عورته، ومخازيهم أكثر من ذلك. انظر " هداية الحيارى في أوبة اليهود والنصارى " لابن القيم، و " نقض النصرانية " للدكتور محمد بن عبد الله السحيم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 27093 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1280 الإسلام والغرب بين القوة والضعف [السُّؤَالُ] ـ[أنظر إلى مآسي المسلمين في كل مكان، وأريد أن أعرف ما الفرق بين الحياة الإسلامية وحياة الغنى والتقدم والقوة في الغرب؟ وأحكام المرأة في المجتمعين، أسأل لأني أحزن لحال المسلمين في تلك البلاد.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ما يحصل للمسلمين من مآسٍ وآلام إنما هو بسبب تركهم لشرع الله تعالى في أنفسهم ومجتمعاتهم ودولهم، فهم لم ينصروا الله تعالى فكيف سينصرهم؟ . وعندما عصى بعض المسلمين النبيَّ صلى الله عليه وسلم في " غزوة أُحد " عاقبهم الله تعالى بالهزيمة، وقد كان بينهم النبي صلى الله عليه وسلم وكبار أصحابه، فكيف يكون حال المسلمين الآن وهم يعصون الله تعالى ليل نهار، وينتهكون حرماته، إلا من رحم الله. ثانياً: ومع ما يعيشه المسلمون من مآسٍ ويقاسونه من آلام فإن ما عند الغرب في مجتمعاتهم وأحوال أنفسهم أكثر وأشد، من حيث الإيمان والأمن والأسرة، وخاصة فيما يتعلق بالمرأة. وإذا نظر الإنسان إلى إحصائيات حديثة في بلاد الغرب يجد أنهم هم أحق بالشفقة والعطف على ما وصلت إليهم أحوالهم، ولنأخذ على ذلك أمثلة: 65 % من العاملات يتعرضن للتحرش الجنسي في أماكن عملهن في بعض الدول الأوربية. 18% من النساء في أمريكا اغتصبن أو تعرضن لمحاولة اغتصاب في مرحلة من مراحل عمرهن. أكثر من نصف النساء المغتصبات تحت سن الـ 17 سنة. " إحصاءات، دراسات، أرقام " (ص 140) . وفي إحصائية جرت في كندا عن طريق الهاتف في الفترة ما بين فبراير إلى يونيو 1993 على: 12.300 امرأة في أنحاء كندا: نصف نساء كندا تعرضن إلى حادثة عنف (جنحة إجرامية) على الأقل جسدي أو جنسي بعد السن 16 عام 45% تعرضن للاعتداء من (رجال) معروفين لديهن. 23% منهن تعرضن لاعتداء من غرباء. 23% من المشادات بين الأزواج تم فيها استخدام السلاح. " إحصاءات، دراسات، أرقام " (ص 141) . في أمريكا: مليون طفل يولدون سنويا من السفاح. 12 مليون طفل مشرد في ظروف غير صحية. مليون حالة إجهاض سنويا في أمريكا. في بريطانيا: 25 مليون معاكسة هاتفية سجلت في عام واحد. 40 مليون طفل مشرد في أمريكا اللاتينية. أباح القانون في السويد زواج الأشقاء. " إحصاءات، دراسات، أرقام " (ص 150) . ثالثاً: وإننا لنشكر لك غيرتك على دين الله تعالى، وعلى المسلمين، ونسأل الله لنا ولك التوفيق. والله الموفق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 33679 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1281 بيع المحرم والمشكوك في تحريمه [السُّؤَالُ] ـ[أنا اعرف أن بيع الأشياء المحرمة لا يجوز، فإذا كان لدي دكان وأبيع فيه أنواع الشوربة ومعجون الأسنان … الخ وبعض هذه الأشياء تحوي في مكوناتها على أشياء محرمة أو فيها شك، فهل بيعي لها يعتبر معصية؟ وشكرا]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز بيعها لأن الله تعالى إذا حرم شيئاً حرم ثمنه، كما روى ابن عباس رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا حَرَّمَ أَكْلَ شَيْءٍ حَرَّمَ ثَمَنَهُ. " رواه الإمام أحمد 2546، أما المشكوك فيه فالأولى تركه إبراءً للذمة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ الْحَلالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ.. رواه مسلم 2996. والله الموفق [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 3746 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1282 تحديد المفصلّ من القرآن وطواله وقصاره [السُّؤَالُ] ـ[ما هو المفصل من القران الكريم؟ ومن سماه هكذا؟ ولماذا سمي به؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: المفصّل هو سور القرآن القصيرة التي كثر الفصل بينها بالبسملة، سمي مفصلا لكثرة فواصله. وقد اختلف في تحديده هل يبدأ من سورة ق أو من الحجرات، واختلف كذلك في طواله وأوساطه وقصاره على أقوال: جاء في "الموسوعة الفقهية" (33/ 48) : " اختلفوا في المفصل: فذهب الحنفية إلى أن طوال المفصل من (الحجرات) إلى (البروج) , والأوساط منها إلى (لم يكن) , والقصار منها إلى آخر القرآن. وعند المالكية: طوال المفصل من (الحجرات) إلى (النازعات) , وأوساطه من (عبس) إلى (الضحى) , وقصاره من (الضحى) إلى آخر القرآن. وقال الشافعية: طوال المفصل كالحجرات واقتربت والرحمن , وأوساطه كالشمس وضحاها والليل إذا يغشى , وقصاره كالعصر وقل هو الله أحد. وذهب الحنابلة إلى أن أول المفصل سورة ق؛ لحديث أوس بن حذيفة قال: " سألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يحزبون القرآن؟ قالوا: ثلاث وخمس , وسبع , وتسع , وإحدى عشرة , وثلاث عشرة , وحزب المفصل وحده " [رواه أبو داود (1395) وابن ماجه (1345) وحسنه إسناده ابن كثير في فضائل القرآن (83) ، وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود] . قالوا: وهذا يقتضي أن أول المفصل السورة التاسعة والأربعون من أول البقرة لا من الفاتحة. وآخر طواله سورة عم , وأوساطه منها للضحى , وقصاره منها لآخر القرآن " انتهى. وينظر: "فتح الباري" (2/249) ، الإتقان في علوم القرآن، للسيوطي (1/180) . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " أول المفصل من ق إلى آخر القرآن على الصحيح، وسمي مفصلا لكثرة الفصل بين سوره بالبسملة على الصحيح " انتهى، باختصار يسير من "فتح الباري" (2/259) ، وينظر أيضا: "فتح الباري" (9/43) . ثانيا: وأما أول تسمية ذلك بالمفصل: فقد كان هذا الاسم معلوما شائعا بين الصحابة، وردت به أحاديث كثيرة منوعة عن عدد من الصحابة. جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ: قَرَأْتُ الْمُفَصَّلَ اللَّيْلَةَ فِي رَكْعَةٍ؟ فَقَالَ: هَذًّا كَهَذِّ الشِّعْرِ؟! لَقَدْ عَرَفْتُ النَّظَائِرَ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرُنُ بَيْنَهُنَّ؛ فَذَكَرَ عِشْرِينَ سُورَةً مِنْ الْمُفَصَّلِ، سُورَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ. رواه البخاري (775) ومسلم (822) . والأحاديث التي ذكر فيها التسمية بالمفصل كثيرة جدا، ومتنوعة، في الصحيحين وغيرهما، مما يرجح أن التسمية بذلك توقيفية عن النبي صلى الله عليه وسلم عن جَابِر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ، فَصَلَّى الْعِشَاءَ فَقَرَأَ بِالْبَقَرَةِ، فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ، فَكَأَنَّ مُعَاذًا تَنَاوَلَ مِنْهُ. فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (فَتَّانٌ، فَتَّانٌ، فَتَّانٌ) ثَلَاثَ مِرَارٍ، وَأَمَرَهُ بِسُورَتَيْنِ مِنْ أَوْسَطِ الْمُفَصَّلِ. قَالَ عَمْرٌو ـ راوي الحديث ـ: لَا أَحْفَظُهُمَا. رواه البخاري (701) ومسلم (465) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 143301 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 1 تشغيل القران في السيارة من سماعات بجانب الأرجل [السُّؤَالُ] ـ[لدي سؤال عن حكم تشغيل القران في السيارة، علما بأن مخارج الصوت بجانب الأرجل مباشرة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الاستماع إلى القرآن الكريم في السيارة عمل صالح، وقربة نافعة، ووجود السماعات بجانب الأرجل مباشرة بحيث يسمع صوت القرآن من أسفل أمر لا يليق، فينبغي الاقتصار على السماعات الخلفية إن وجدت، أو العمل على تغيير موضع السماعات. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " في بعض السيارات تكون سماعات المسجل محاذية للأقدام، وقد توضع الأقدام والحذاء على السماعة. والسؤال هو: عندما يشغل القرآن فهل يكون في هذا امتهان لكتاب الله تعالى؟ وهل يقاس هذا الفعل على فتواكم على من يمد أقدامه أمام كتاب الله تعالى، نرجو التوجيه والله يحفظكم؟ فأجاب: إذا كانت السماعات كما ذكر تحت الأقدام، أو عند حذاء الأقدام، فإنه لا يفتحه على القرآن الكريم؛ لأن كون القرآن الكريم يسمع من تحت قدم الإنسان لا شك أن فيه إهانة للقرآن، وإذا كان الإنسان لا بد أن يستمع إلى القرآن فليرفع السماعة عن محاذاة الأقدام " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (57/ 13) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 142880 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 2 ما هو الترجيع في قراءة القرآن؟ [السُّؤَالُ] ـ[قرأت في " زاد المعاد " عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن أنه كان يُرَجِّع. فما هو الترجيع؟ وهل نفعل الترجيع عند تلاوتنا للقرآن؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحديث الوارد في ترجيع النبي صلى الله عليه وسلم عند التلاوة هو ما يرويه عبد الله بن مغفل المزني رضي الله عنه فيقول: (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفَتْحِ - أَوْ مِنْ سُورَةِ الْفَتْحِ - قَالَ: فَرَجَّعَ فِيهَا. قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ مُعَاوِيَةُ يَحْكِي قِرَاءَةَ ابْنِ مُغَفَّلٍ. وَقَالَ: لَوْلَا أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ عَلَيْكُمْ لَرَجَّعْتُ كَمَا رَجَّعَ ابْنُ مُغَفَّلٍ يَحْكِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقُلْتُ لِمُعَاوِيَةَ: كَيْفَ كَانَ تَرْجِيعُهُ؟ قَالَ: آآ آثَلَاثَ مَرَّاتٍ) رواه البخاري (7540) والمقصود بالترجيع ههنا هو تحسين الصوت والتغني بالقرآن الكريم عند الإتيان بالمدود، من خلال ترديد الصوت بالحلق وإشباع المد. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " الترجيع: هو تقارب ضروب الحركات في القراءة، وأصله الترديد، وترجيع الصوت ترديده في الحلق. وقد فسره كما سيأتي في حديث عبد الله بن مغفل المذكور في هذا الباب في كتاب التوحيد بقوله: (أاأ) بهمزة مفتوحة، بعدها ألف ساكنة، ثم همزة أخرى. ثم قالوا: يحتمل أمرين: أحدهما: أن ذلك حدث من هز الناقة. والآخر: أنه أشبع المد في موضعه فحدث ذلك. وهذا الثاني أشبه بالسياق، فإن في بعض طرقه: (لولا أن يجتمع الناس لقرأت لكم بذلك اللحن) أي: النغم. وقد ثبت الترجيع في غير هذا الموضع: فأخرج الترمذي في " الشمائل " والنسائي وابن ماجه وابن أبي داود واللفظ له من حديث أم هانئ: كنت أسمع صوت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ وأنا نائمة على فراشي يرجع القرآن. والذي يظهر أن في الترجيع قدرا زائدا على الترتيل: فعند ابن أبي داود من طريق أبي إسحاق، عن علقمة قال: بِتُّ مع عبد الله بن مسعود في داره، فنام ثم قام، فكان يقرأ قراءة الرجل في مسجد حيه لا يرفع صوته ويسمع من حوله، ويرتل ولا يرجع. وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة: معنى الترجيع: تحسين التلاوة، لا ترجيع الغناء؛ لأن القراءة بترجيع الغناء تنافي الخشوع الذي هو مقصود التلاوة " انتهى. " فتح الباري " (9/92) وقال ابن القيم رحمه الله: " إذا جمعت هذه الأحاديث إلى قوله: (زينوا القرآن بأصواتكم) ، وقوله: (ليس منا من لم يتغن بالقرآن) ، وقوله: (ما أذن الله لشيء كأذنه لنبي حسن الصوت يتغنى بالقران) ، علمت أن هذا الترجيع منه صلى الله عليه وسلم كان اختيارا، لا اضطرارا لهز الناقة له، فإن هذا لو كان لأجل هز الناقة، لما كان داخلا تحت الاختيار، فلم يكن عبد الله بن مغفل يحكيه ويفعله اختيارا ليؤتسى به، وهو يرى هز الراحلة له حتى ينقطع صوته، ثم يقول كان يرجع في قراءته، فنسب الترجيع إلى فعله، ولو كان من هز الراحلة لم يكن منه فعل يسمى ترجيعا " انتهى. " زاد المعاد " (1/483-484) وقال ابن بطال رحمه الله: " ومعنى حديث ابن مغفل في هذا الباب التنبيه على أن القرآن أيضا رواية النبي رواية النبي عن ربه. وفيه من الفقه: إجازة قراءة القرآن بالترجيع والألحان الملذة للقلوب، بحسن الصوت ... ، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يبالغ في تزيين قراءته لسورة الفتح التي كان وعده الله فيها بفتح مكة، فأنجزه له؛ ليستميل قلوب المشركين العتاة على الله لفهم ما يتلوه من إنجاز وعد الله له فيهم، بإلذاذ أسماعهم بحسن الصوت المرجَّع فيه بنغم ثلاث، في المدة الفارغة من التفصيل. وقول معاوية: (لولا أن يجتمع الناس إلي لرجعت كما رجَّع ابن مغفل، يحكي عن النبي صلى الله عليه وسلم) يدل أن القراءة بالترجيع والألحان تجمع نفوس الناس إلى الإصغاء والتفهم، ويستميلها ذلك حتى لا تكاد تصبر عن استماع الترجيع المشوب بلذة الحكمة المفهومة منه " انتهى. " شرح صحيح البخاري " (10/537-538) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 139978 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 3 حكم التخاطب مع الغير أثناء قراءة القرآن [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز التخاطب مع الغير أثناء قراءة القرآن؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا نعلم حرجاً في ذلك، فلا نعلم حرجاً في أن يتكلم المسلم وهو يقرأ القرآن، لكن كونه يستمر في قراءته ولا ينشغل بالكلام أولى، حتى يحضر بقلبه للتدبر والتعقل، فهذا أفضل إذا لم تدع الحاجة إلى الكلام. أما إذا دعت الحاجة إلى الكلام فلا حرج إن شاء الله أن يتكلم ثم يرجع إلى قراءته، مثل أن يرد السلام على من سلم عليه، مثل أن يجيب المؤذن إذا سمع الأذان وينصت له؛ لأن هذه سنن ينبغي للمؤمن أن يأخذ بها ولا يتساهل فيها، فإذا سمع الأذان أنصت للأذان وأجاب المؤذن ثم عاد إلى قراءته، وهذا هو الأفضل. كذا إذا سلم عليه إنسان فيرد عليه السلام، أو سمع عاطساً حمد الله يشمته، أو جاءه إنسان يسأله حاجة فيعطيه، فكل هذا لا بأس به. أما إذا كان كلاماً ليس له حاجة فالأولى له تركه حتى يشتغل بالقراءة وحتى يتدبر ويتعقل؛ لأن هذا هو المطلوب، فالله سبحانه وتعالى يقول: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) ص/29، ومعلوم أن الكلام الذي ليس له حاجة يكون فيه شغل للقلب، وفيه أيضاً إضعاف للتدبر، فالأولى تركه" انتهى. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (1/335) الحديث: 134192 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 4 هل قراءة سورة البقرة من المسجل يطرد الشيطان من المنزل؟ [السُّؤَالُ] ـ[يقول الرسول صلى الله عليه وسلم، فيما رواه الإمام مسلم في صحيحه: (لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة) . وسؤالي: هل يكفي أن يأتي الإنسان بالمسجل، ويضع فيه شريطا مسجلا عليه سورة البقرة، ويقوم بتشغيله حتى يقرأ كامل السورة؟ أو لا بد أن يقرأ الإنسان بنفسه أو من ينوب عنه السورة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأظهر- والله أعلم- أنه يحصل بقراءة سورة البقرة كلها من المذياع أو من صاحب البيت ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم من فرار الشيطان من ذلك البيت، ولكن لا يلزم من فراره أن لا يعود بعد انتهاء القراءة، كما أنه يفر من سماع الأذان والإقامة ثم يعود حتى يخطر بين المرء وقلبه، ويقول له: اذكر كذا، واذكر كذا. . كما صح بذلك الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم، فالمشروع للمؤمن أن يتعوذ بالله من الشيطان دوما، وأن يحذر من مكائده ووساوسه وما يدعو إليه من الإثم، والله ولي التوفيق " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (24/413) . [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز فتاوى نور على الدرب الحديث: 132431 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 5 أيهما أفضل قراءة القرآن أم استماعه عبر الأشرطة المسجلة؟ [السُّؤَالُ] ـ[أيهما أفضل قراءة القرآن أم الاستماع إلى أحد القراء عبر الأشرطة المسجلة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله كل من قراءة القرآن أو استماعه عمل صالح، يثاب عليه المسلم. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أحيانا يحب أن يستمع القرآن من غيره، روى البخاري (4582) (5049) ومسلم (800) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اقْرَأْ عَلَيَّ الْقُرْآنَ. قُلْتُ: آقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ! قَالَ: إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي. قَالَ: فَقَرَأْتُ النِّسَاءَ حَتَّى إِذَا بَلَغْتُ: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا) قَالَ: لِي كُفَّ، أَوْ أَمْسِكْ، فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَذْرِفَانِ) . ولمسلم: (فَرَأَيْتُ دُمُوعَهُ تَسِيلُ) . فـ"الأفضل أن يعمل بما هو أصلح لقلبه، وأكثر تأثيراً فيه من القراءة أو الاستماع، لأن المقصود من القراءة هو التدبر والفهم للمعنى والعمل بما يدل عليه كتاب الله عز وجل، كما قال الله سبحانه: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) ص/29، وقال عز وجل: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) الإسراء/9، وقال سبحانه: (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ) فصلت/44" انتهى. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] "فتاوى الشيخ ابن باز" (11/364) الحديث: 131946 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 6 هل يجوز قراءة القرآن بدون فهم معناه [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز قراءة القرآن دون فهم معانيه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "نعم، يجوز أن يقرأ المؤمن والمؤمنة القرآن وإن لم يفهم المعنى، لكن يشرع له التدبر والتعقل حتى يفهم، ويراجع كتب التفسير إذا كان له فهم يستطيع به المراجعة، يراجع كتب التفسير وكتب اللغة العربية حتى يستفيد من ذلك، ويسأل أهل العلم عما أشكل عليه، والمقصود أنه يتدبر، لأن الله سبحانه وتعالى قال: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) ص/29. فالمؤمن يتدبر، يعني: يعتني بالقراءة ويفكر في معناها، ويتعقل معناها وبهذا يستفيد، وإن لم يستفد المعنى كاملاً فقد يستفيد معاني كثيرة، فيقرأ بتدبر وتعقل، والمرأة كذلك؛ حتى يستفيد من كلام ربه، وحتى يعرف مراده وحتى يعمل بذلك، والله سبحانه يقول: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) محمد/24. فربنا عز وجل حثنا وحرضنا على التعقل والتدبر بكلامه سبحانه، فإذا قرأ المؤمن أو قرأت المؤمنة كتاب الله فمشروع لهما التدبر والتعقل والعناية بما يقرأ؛ حتى يستفيد من كلام الله وحتى يعقل كلام الله، وحتى يعمل بما عرف من كلام الله، ويستعين في ذلك بكتب التفسير التي ألفها العلماء مثل تفسير ابن كثير، وتفسير ابن جرير، وتفسير البغوي، وتفسير الشوكاني، وغيرها من التفاسير، ويستفيد من كتب اللغة العربية، وهكذا يسأل أهل العلم المعروفين عنده بالعلم والفضل، يسألهم عما قد يشكل عليه" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (1/332) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131788 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 7 هل أسماء سور القرآن الكريم توقيفية؟ [السُّؤَالُ] ـ[متى وضعت أسماء سور القرآن في زمن نزول الوحي، هل النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو من قام بتسمية تلك السور في حياته، أم الصحابة من بعده عند جمعهم للقرآن في المصحف خلال فترة حكم عمر وعثمان رضي الله عنهم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم سَمَّى بعض سور القرآن، كالفاتحة، والبقرة، وآل عمران، والكهف. واختلف العلماء، هل أسماء سور القرآن الكريم كلها ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، أم أن بعضها ثبت اجتهاداً عن الصحابة رضي الله عنهم؟ فذهب أكثر العلماء إلى أن أسماء سور القرآن كلها توقيفية عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله: "لِسوَر القرآن أسماءٌ سمّاها بها رسول الله صلى الله عليه وسلم" انتهى. "جامع البيان" (1/100) . وقال الزركشي رحمه الله: "ينبغي البحث عن تعداد الأسامي: هل هو توقيفي، أو بما يظهر من المناسبات؟ فإن كان الثاني فلن يعدم الفَطِنُ أن يستخرج من كل سورة معاني كثيرة تقتضي اشتقاق أسمائها، وهو بعيد" انتهى. "البرهان في علوم القرآن" (1/270) . وقال السيوطي رحمه الله: "وقد ثبتت جميع أسماء السور بالتوقيف من الأحاديث والآثار، ولولا خشية الإطالة لبينت ذلك" انتهى. "الإتقان" (1/148) . وقال الشيخ سليمان البجيرمي رحمه الله: "أسماء السور بتوقيف من النبيّ صلى الله عليه وسلم؛ لأن أسماء السور وترتيبها وترتيب الآيات كل من هذه الثلاثة بتوقيف من النبيّ صلى الله عليه وسلم، أخبره جبريل عليه السلام بأنها هكذا في اللوح المحفوظ" انتهى باختصار. "تحفة الحبيب على شرح الخطيب" (2/163) . وقال العلامة الطاهر بن عاشور رحمه الله: "وأما أسماء السور فقد جُعلت لها من عهد نزول الوحي، والمقصود من تسميتها تيسير المراجعة والمذاكرة" انتهى. "التحرير والتنوير" (1/88) . وهذا ما اختاره بعض المعاصرين الذين كتبوا في علوم القرآن، مثل الدكتور فهد الرومي في "دراسات في علوم القرآن" (ص/118) ، والدكتور إبراهيم الهويمل في بحث "المختصر في أسماء السور" في "مجلة جامعة الإمام" (ع30، ص135) . وقد ذهب بعض أهل العلم إلى القول بأن بعض أسماء سور القرآن الكريم كان بتسمية النبي صلى الله عليه وسلم لها، وبعضها كان باجتهاد من الصحابة رضوان الله عليهم. جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (4/16) : "لا نعلم نصا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على تسمية السور جميعها، ولكن ورد في بعض الأحاديث الصحيحة تسمية بعضها من النبي صلى الله عليه وسلم، كالبقرة، وآل عمران، أما بقية السور فالأظهر أن تسميتها وقعت من الصحابة رضي الله عنهم" انتهى. وهو الذي رجحته الدكتور منيرة الدوسري في رسالتها: "أسماء سور القرآن الكريم وفضائلها". والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131664 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 8 سمة الآيات المكية مخاطبة جميع الناس [السُّؤَالُ] ـ[في كل موضع من القرآن يرد فيه كلمة عن " الحج " أو " مكة " أو " الكعبة " يكون المخاطبون هم الناس، حتى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع كان يقول: أيها الناس! ما السر الذي يربط مكة بالناس، ففي كل التكاليف والخطابات يكون المخاطبون هم المؤمنون؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: النداء في القرآن الكريم بـ (يا أيها الناس) ورد في عشرين موضعا في القرآن الكريم، اثنان منها في سورة البقرة، وأربعة في النساء، وواحد في الأعراف، وأربعة في يونس، وأربعة في الحج، وواحد في لقمان، وثلاثة في فاطر، وواحد في الحجرات. والمتأمل في هذه الآيات جميعا يجد أنها تخاطب جميع الناس، مؤمنهم وكافرهم، صالحهم وفاسقهم، تدعوهم إلى التأمل فيما ينفعهم في آخرتهم، وتذكرهم بربوبية الله لهم، وفقرهم إليه سبحانه، كي يكون ذلك دافعا إلى عبادته وحده لا شريك له، وإخلاص الدين له، ولما كان المقصود من هذا الخطاب جميع الخلق، ولم يكن محصورا بفئة معينة، ناسب أن يكون بصيغة (يا أيها الناس) ، دون النداء بـ (يا أيها الذين آمنوا) . وليس لذلك علاقة بذكر الكعبة أو مكة أو الحج خاصة، بل إن معظم السور السابقة التي ورد فيها النداء بـ (يا أيها الناس) ليس فيها ذكر الكعبة أو مكة أو الحج مطلقا، فلا نرى أن هذا النداء قد خص عند ذكر الكعبة أو مكة دون سائر التكاليف الشرعية. وقد ذكر بعض العلماء من الفروق بين السور المكية والسور المدنية، أن الخطاب بـ (ياأيها الناس) يكون في السور المكية، والخطاب بـ (ياأيها الذين آمنوا) يكون في السور المدنية. وهذا هو الغالب، فقد ورد في السور المكية كالبقرة والنساء الخطاب بـ (ياأيها الناس) ، وورد في بعض السور المكية كالحج الخطاب بـ (ياأيها الذين آمنوا) . ثانياً: أما ما جاء في القرآن الكريم من اقتران خطاب عموم " الناس " عند ذكر الحج ومناسكه فلعل سببه هو أن أول ما فرض الحج كان بنداء إبراهيم عليه السلام أهل الأرض جميعا، يدعوهم إلى زيارة بيت الله الحرام والتنسك فيه، وذلك في قوله سبحانه وتعالى: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) الحج/27. قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: " أي: ناد في الناس داعيا لهم إلى الحج إلى هذا البيت الذي أمرناك ببنائه. فَذُكر أنه قال: يا رب، وكيف أبلغ الناس وصوتي لا ينفذهم؟ فقيل: ناد وعلينا البلاغ. فقام على مقامه، وقيل: على الحِجْر، وقيل: على الصفا، وقيل: على أبي قُبَيس [جبل عند الكعبة] ، وقال: يا أيها الناس، إن ربكم قد اتخذ بيتا فحجوه. فيقال: إن الجبال تواضعت حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض، وأسمَعَ مَن في الأرحام والأصلاب، وأجابه كل شيء سمعه من حَجَر ومَدَر وشجر، ومن كتب الله أنه يحج إلى يوم القيامة: " لبيك اللهم لبيك ". هذا مضمون ما روي عن ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جُبَير، وغير واحد من السلف، والله أعلم. أوردها ابن جَرير، وابن أبي حاتم مُطَوّلة " انتهى. " تفسير القرآن العظيم " (5/414) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131433 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 9 إذا نسي الإمام بعض آيات فكيف يأتي بها ليكون قد ختم القرآن؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا نسي الإمام آية أو شيئا من القرآن أثناء صلاة التراويح، ثم تذكرها فيما بعد، فماذا يفعل؟ هل يمكن أن يكون ختم القرآن في الصلاة مع أنه لم يقرأ هذه الآية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا ينال القارئ ثواب ختم القرآن الكريم إلا إذا قرأه جميعاً، ولم يترك منه شيئاً، فلو أسقط آية ولم يقرأها لم يكن قد ختم القرآن الكريم. حتى ذكر العلماء أنه ينبغي أن يأتي بالبسملة في أول كل سورة إلا سورة براءة، ويعتني بذلك حتى يكون خاتما للقرآن. قال النووي رحمه الله: "وينبغي أن يحافظ على قراءة (بسم الله الرحمن الرحيم) في أول كل سورة سوى براءة، فإن أكثر العلماء قالوا: إنها آية، حيث كتبت في المصحف، وقد كتبت في أوائل السور سوى براءة، فإن قرأها كان مثبتاً قراءة الختمة أو السورة، وإذا أخل بالبسملة كان تاركاً بعض القرآن عند الأكثرين" انتهى. "التبيان" (صـ 61، 62) . وعلى هذا، فلابد أن يأتي القارئ بما نسيه من الآيات حتى ينال ثواب الختمة. وقد ذكر العلماء رحمهم الله طريقتين عند السلف، في الإتيان بالآية أو الآيات التي نسيها الإمام في صلاة التراويح: الأولى: أن يجمع كل هذه الآيات ويقرأها جميعاً في آخر ليلة من ليالي رمضان، وهذا كان فعل الأئمة في مكة قديماً. الثانية: أنه متى تذكر الآية التي نسيها رجع إليها [وهذا إذا كان لا يزال في القراءة في الصلاة] ثم يكمل بعدها من حيث انتهى، وهذا روي عن علي رضي الله عنه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو يذكر أن الترتيب فيما شُرع فيه الترتيب يسقط بالنسيان، قال: "ومنها: إذا نسى بعض آيات السورة في قيام رمضان، فإنه لا يعيدها، ولا يعيد ما بعدها، مع أنه لو تعمد تنكيس آيات السورة وقراءة المؤخر قبل المقدم لم يجز بالاتفاق .... سئل الإمام أحمد رحمه الله عن الإمام في شهر رمضان يدع الآيات من السورة، ترى لمن خلفه أن يقرأها؟ قال: نعم، ينبغي له أن يفعل، قد كانوا بمكة يوكلون رجلاً يكتب ما ترك الإمام من الحروف وغيرها، فإذا كان ليلة الختمة أعاده. قال الأصحاب ـ كأبي محمد (ابن قدامة) ـ: وإنما استحب ذلك لتتم الختمة، ويكمل الثواب. فقد جعل أهل مكة وأحمد وأصحابه إعادة المنسي من الآيات وحده يكمل الختمة والثواب، وإن كان قد أخل بالترتيب هنا، فإنه لم يقرأ تمام السورة، وهذا مأثور عن علي أنه نسي آية من سورة ثم أثناء القراءة قرأها، وعاد إلى موضعه ولم يشعر أحد أنه نسي إلا من كان حافظاً" انتهى. "مجموع الفتاوى" (21/410، 411) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130865 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 10 كل القرآن فاضل، ولكن بعضه أفضل من بعض [السُّؤَالُ] ـ[ما هي أهمية سور القرآن؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أنزل الله سبحانه القرآن على نبيه، وجعله سورا مجموعها 114 سورة،، وبين هذه السور تفاضل كما جاءت الأحاديث الصحيحة بفضل سورة الفاتحة، والإخلاص، وسورة الكافرون، والمعوذتين، والزلزلة، والأعلى، وسورة البقرة وآل عمران. أما بقيت القرآن فله مزية وفضل أيضا. سميت السورة بذلك لأن السورة تتميز بموضوع تختص به ويكون فيها أحكام ومواعظ وآداب ولها أهميتها بحيث إن الذي يقرأها له أجر بحسب ما تضمنته تلك السور من مواعظ وأحكام تختص بها. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله الحديث: 129425 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 11 اختلاف العلماء في عدِّ البسملة آية من الفاتحة لا يدخل في تحريف القرآن؟ [السُّؤَالُ] ـ[القرآن الكريم نقل إلينا بالتواتر، من غير نقص، ولا زيادة , ولا شك فيه، ولا ريب , ولا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه , وهذا ما تعلمناه وتربينا عليه. سؤالي هو: كيف اختلف أهل العلم من السلف على أن البسملة آية من سورة الفاتحة، أو أنها ليست بآية؟ وهل هذا الخلاف معتبر؟ وأنا هنا لا أبحث في أدلة هذا الفريق، وذلك الفريق , ولا أبحث عن معلومات إضافية في هذه المسألة من ناحية فقهية , فلقد قرأت فيها الكثير والكثير من الأبحاث , ولكن بحثي وسؤالي هو: كيف نسوِّغ الاختلاف في آية من القرآن الكريم الذي نقل إلينا بالتواتر، جمع عن جمع، وهكذا، على أنها آية، أو ليست بآية؟ هل يجب أن لا يكون هناك خلاف في هذه المسألة؟ . أرجو أن تنفِّسوا عنِّي كربة هذا الهم الذي أصابني من هذه المسألة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لم يختلف المسلمون في أن الله تعالى قد حفظ كتابه من الزيادة والنقصان؛ تحقيقاً لقوله عز وجل: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) الحِجر/ 9. وقد أجمع المسلمون على كفر كل من يخالف هذا فيزعم أن كتاب الله تعالى فيه ما ليس منه، أو نقص منه ما أنزل الله فيه. قال القاضي عياض رحمه الله: "وقد أجمع المسلمون أن القرآن المتلو في جميع أقطار الأرض، المكتوب في المصحف بأيدى المسلمين، مما جمعه الدفتان من أول (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) إلى آخر (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) أنه كلام الله، ووحيه المنزَّل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وأن جميع ما فيه حق، وأن من نقص منه حرفاً قاصداً لذلك، أو بدَّله بحرف آخر مكانه، أو زاد فيه حرفاً مما لم يشتمل عليه المصحف الذي وقع الإجماع عليه، وأُجمع على أنه ليس من القرآن، عامداً لكل هذا: أنه كافر" انتهى. "الشفا بتعريف حقوق المصطفى" (2/304، 305) . وأما اختلاف العلماء في عد البسملة آية من القرآن أم لا؟ فلا يدخل في هذا، لأن أئمة القراءات لم يختلفوا في قراءتها في أوائل السور، وقد اتفق الصحابة رضي الله عنهم على إثباتها في أوائل السور إلا سورة التوبة، وذلك في المصحف الذي كتبه عثمان بن عفان رضي الله عنه وبعث به إلى الأمصار. قال الشوكاني رحمه الله في الكلام عن البسملة: واعلم أن الأمة أجمعت أنه لا يكفر من أثبتها، ولا من نفاها؛ لاختلاف العلماء فيها، بخلاف ما لو نفى حرفاً مُجمعاً عليه، أو أثبت ما لم يقل به أحد: فإنه يكفر بالإجماع. ولا خلاف أنها آية في أثناء سورة " النمل "، ولا خلاف في إثباتها خطّاً في أوائل السور في المصحف، إلا في أول سورة " التوبة ". "نيل الأوطار" (2/215) . وقد جعل بعض العلماء الاختلاف في عد البسملة آية من القرآن، كاختلاف أئمة القراءات في بعض الكلمات والحروف، فقد يثبت في بعض القراءات ما لا يثبت في غيرها. قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: "اختلف العلماء في البسملة، هل هي آية من أول كل سورة، أو من الفاتحة فقط، أو ليست آية مطلقاً، أما قوله في سورة النمل: (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِاِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) : فهي آية من القرآن إجماعاً. وأما سورة " براءة ": فليست البسملة آية منها اجماعاً، واختُلف فيما سوى هذا، فذكر بعض أهل الأصول أن البسملة ليست من القرآن، وقال قوم: هي منه في الفاتحة فقط، وقيل: هي آية من أول كل سورة، وهو مذهب الشافعي رحمه الله تعالى. ومِن أحسن ما قيل في ذلك: الجمع بين الأقوال: بأن البسملة في بعض القراءات - كقراءة ابن كثير - آية من القرآن، وفي بعض القرآءات: ليست آية، ولا غرابة في هذا. فقوله في سورة "الحديد" (فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) لفظة (هُوَ) من القرآن في قراءة ابن كثير، وأبي عمرو، وعاصم، وحمزة، والكسائي، وليست من القرآن في قراءة نافع، وابن عامر؛ لأنهما قرءا (فإن الله الغني الحميد) ، وبعض المصاحف فيه لفظة (هُوَ) ، وبعضها ليست فيه. وقوله: (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) ، (وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا) الآية، فالواو من قوله (وقالوا) في هذه الآية من القرآن على قراءة السبعة غير ابن عامر، وهي في قراءة ابن عامر ليست من القرآن لأنه قرأ (قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا) بغير واو، وهي محذوفة في مصحف أهل الشام، وقس على هذا. وبه تعرف أنه لا إشكال في كون البسملة آية في بعض الحروف دون بعض، وبذلك تتفق أقوال العلماء " انتهى. " مذكرة في أصول الفقه " (ص 66، 67) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129170 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 12 هل يجوز الاقتباس من القرآن في الشعر عامة، وفي الأناشيد خاصة؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الأناشيد التي يكون فيها قصة دينية ولكنها تكون على شكل أناشيد، وفيها أحياناً كلمات من القرآن الكريم؟ . هذه الأناشيد الموجودة حاليّاً بالأسواق]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الأناشيد هي كلام ملحَّن، وفيه الغث والسمين، وفيه الطيب والخبيث، وهو وإن كان في الأصل جائزاً لكن قد طرأ عليه ما أفسده، من الانشغال به أكثر الوقت، ومن تأثيره على المنشغلين به بما يؤدي إلى قلة أو انعدام حفظ القرآن والسنة، ومن التشبه بالفسَّاق في اللباس، والهيئات، والألحان، ومن التكسر والتغنج في الألفاظ، وغير ذلك من المفسدات. وعليه: فما كان من الأناشيد جادّاً، يحتوي على كلمات لها هدف سامٍ، وما كان يسمع منه بقدر معيَّن من غير إفراط، وكان يخلو من المعازف، كالدفوف والطبول: فلا بأس به، إن شاء الله. وللوقوف على الضوابط الشرعية للنشيد المباح، وللوقوف على المفاسد التي وُجدت في أناشيد زماننا هذا: نرجو الاطلاع على جوابي السؤالين: (91142) و (11563) ، ففيهما كفاية للمستفيد. ثانياً: وأما بخصوص اقتباس كلمات من القرآن الكريم لوضعها في تلك الأناشيد: فهو داخل في حكم الاقتباس من القرآن في الشِّعر، وقد اختلف العلماء في أصل الاقتباس من القرآن، فالجمهور على الجواز، ومنهم من منع منه مطلقاً، وذهبت طائفة من العلماء إلى المنع من الاقتباس في الشعر، دون النثر. وفي " الموسوعة الفقهية " (6 / 17) : يرى جمهور الفقهاء جواز الاقتباس في الجملة، إذا كان لمقاصد لا تخرج عن المقاصد الشرعية، تحسيناً للكلام، أما إن كان كلاماً فاسداً: فلا يجوز الاقتباس فيه من القرآن، وذلك ككلام المبتدعة، وأهل المجون والفحش. انتهى وفيها – أيضاً - (6 / 18) : وقد اشتهر عند المالكية تحريمه – أي: الاقتباس -، وتشديد النكير على فاعله، لكن منهم من فرَّق بين الشِّعر فكره الاقتباس فيه، وبين النثر فأجازه، وممن استعمله في النثر من المالكية: القاضي عياض، وابن دقيق العيد، وقد استعمله فقهاء الحنفية في كتبهم الفقهية. انتهى وقد نقل السيوطي رحمه الله الإجماع على جواز الاقتباس في النثر، فقال: ولا أعلم بين المسلمين خلافاً في جوازه في النثر، في غير المجون، والخلاعة، وهزل الفساق، وشربة الخمر، واللاطة، ونحو ذلك. وقد نصَّ على جوازه: أئمة مذهبنا بأسرهم، واستعملوه في الخطب، والرسائل، والمقامات، وسائر أنواع الإنشاء، ونقلوا استعماله عن أبي بكر الصدِّيق، وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وابنه الحسن، وعبد الله بن مسعود، وغيرهم من الصحابة، والتابعين، فمن بعدهم، وأوردوا فيه عدة أحاديث صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استعمله. " تنوير الحوالك شرح موطأ مالك " (1 / 312) . والراجح: جواز الاقتباس من القرآن، إذا كان لغرض صحيح، دون ما يُقصد به المزاح والسخرية، ويستعمل في البدعة والمجون، ويشمل هذا الاقتباس ما كان في النثر، أو الشعر. وينظر تفصيل القول في الاقتباس مع بيان الراجح في جواب السؤال رقم: (119673) . وعليه: فالاقتباس من القرآن للنشيد جائز، بشرط أن يكون نشيداً مباحاً، جادّاً. وللدكتور عبد المحسن العسكر – حفظه الله – دراسة موسعة في الاقتباس، وقد أسماها " الاقتباس، أنواعه، وأحكامه، دراسة شرعية، بلاغية "، وبعد أن عرض الخلاف في الاقتباس من القرآن في الشعر قال – (ص 66) -: والحق الذي يجب المصير إليه: ما ذهب إليه الأكثرون، من جواز الاقتباس في النظم؛ لعدم الدليل المانع من ذلك، ثم إن القول بمنع الاقتباس في الشعر: موجب للتفريق بين النثر، والشعر، وهما سواء، كما قال الإمام الشافعي رحمه الله: " الشِّعر كلام، حسَنُه كحسن الكلام، وقبيحه كقبيح الكلام ". انتهى وقد بيَّن – حفظه الله – بعض الوجوه مما لا يجوز الاقتباس من القرآن فيها، لا شعراً، ولا نثراً، ومنها: 1. ما أضافه الله إلى نفسه مما تكلم به سبحانه وتعالى، مثل (إني أنا ربك فاخلع نعليك) . 2. ما أقسم الله به من مخلوقاته، كما في قول بعضهم: " والتين والزيتون ... وطور سينين ... وهذا البلد المحزون ". 3. ما خوطب به الرب جل وعلا، كما وقع في كتابٍ لعبد الرحمن المرشدي إلى القضاة، جاء فيه: " يا أعدل قاضٍ به عماد الدين , آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين ". 4. ما يتبادر إلى السامع أنه من القرآن، مع تغيير بعض الكلمات، كقول أحدهم: " والنجم إذا هوى ... ما ضل يراعك وما غوى ... علَّمه شديد القوى , ذو مرة فاستوى ". 5. ومنه ما يعد محاكاة للقرآن واستعمالا له في غير معناه، كقول النبيه يمدح القاضي الفاضل: " لا تسمِّه وعداً بغير نوال ... إنه كان وعده مفعولاً ". انتهى باختصار، من " الاقتباس، أنواعه، وأحكامه " للعسكر (74 – 76) . وقد ذكرنا في جواب السؤال رقم (103923) جواز الاقتباس من الحديث النبوي. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127745 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 13 هل يأثم من نسي ما حفظه من القرآن بسبب ضعف ذاكرته؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من حفِظ شيئاً من القرآن الكريم، أو الأسماء الحسنى، ثم نسيها، أو نسي بعضاً منها بسبب ذاكرته الضعيفة، هل سيعذبه الله على ذلك؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا ينبغي للمسلم أن يقول " نسيتُ " فيما ضاع من ذاكرته في حفظه للقرآن، بل " أُنسيتُ " أو " نُسِّيت ". عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مسعود قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (بِئْسَمَا لأَحَدِهِمْ يَقُولُ نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ بَلْ هُوَ نُسِّيَ، اسْتَذْكِرُوا الْقُرْآنَ، فَلَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنَ النَّعَمِ بِعُقُلِهَا) . رواه البخاري (4744) ومسلم (790) . وفي لفظ لمسلم: (لاَ يَقُلْ أَحَدُكُمْ نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ بَلْ هُوَ نُسِّيَ) . وهو الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم. عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَمِعُ قِرَاءَةَ رَجُلٍ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: (رَحِمَهُ اللَّهُ، لَقَدْ أَذْكَرَنِي آيَةً كُنْتُ أُنْسِيتُهَا) . رواه البخاري (4751) ومسلم (788) . قال أبو العباس القرطبي – رحمه الله -: قوله في آخر الحديث: (بل هو نُسِّي) ، وهذا اللفظ رويناه مشدَّدًا مبنيًّا لما لم يسم فاعله، وقد سمعناه من بعض من لقيناه بالتخفيف، وبه ضُبِط عن أبي بحر، والتشديد لغيره، ولكل منهما وجهٌ صحيح، فعلى التشديد يكون معناه: أنه عوقب بتكثير النسيان عليه؛ لما تمادى في التفريط، وعلى التخفيف يكون معناه: تُرِك غير مُلْتَفَتٍ إليه، ولا مُعْتَنىً به، ولا مرحوم، كما قال الله تعالى: (نسوا الله فنسيهم) ؛ أي: تركهم في العذاب، أو تركهم من الرحمة. " المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم " (2 / 419) . ثانياً: وقد اختلف العلماء في حكم نسيان القرآن ممن كان حفظه، وقد ذهب طائفة من الشافعية إلى أنه من الكبائر! وقال بعضهم إنه من الذنوب. قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: فإن نسيان القرآن من الذنوب. " مجموع الفتاوى " (13 / 423) . وقال الشيخ زكريا الأنصاري – رحمه الله -: (ونسيانه كبيرة) , وكذا نسيان شيء منه؛ لخبر (عُرضت عليَّ ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها) ، وخبر (من قرأ القرآن ثم نسيه لقي الله عز وجل يوم القيامة أجذم) رواهما أبو داود) ا. هـ. وفي حاشية " الرملي " عليه: قوله: (ونسيانه كبيرة) موضعه إذا كان نسيانه تهاوناً وتكاسلاً. " أسنى المطالب " (1 / 64) . والأظهر أن نسيان القرآن: ليس كبيرة، بل ولا ذنبا، ولكنه مصيبة، أو عقوبة، والغالب أن يكون هذا بسبب إعراضه عن العمل به، وعدم تعاهده، وقد أمِر بكلا الأمرين، فلما لم يستجب للأمر عوقب بما فيه سلب لخيرٍ عظيم، وقد يكون نسيانه له بسبب معاصٍ وذنوب، فيأثم عليها، ويعاقب بسلب القرآن منه، وأما إن كان نسيانه لما حفِظَ بسبب ضعفٍ في ذاكرته: فلا شيء عليه، لكن عليه المداومة على تنشيطها بكثرة القراءة، وبالقيام بما يحفظ؛ فإنه من أعظم السبل للبقاء على ما يحفظ. 1. من قال إن نسيان القرآن مصيبة: قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -: وأخرج أبو عبيد من طريق الضحاك بن مزاحم موقوفاً قال: " ما مِن أحد تعلم القرآن ثم نسيه إلا بذنب أحدثه؛ لأن الله يقول: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم) ، ونسيان القرآن من أعظم المصائب. " فتح الباري " (9 / 86) . 2. من قال إنه عقوبة: قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -: قال أبو العباس القرطبي – رحمه الله -: مَن جمع القرآن: فقد علت رتبته، ومرتبته، وشرف في نفسه، وقومه شرفاً عظيماً، وكيف لا يكون ذلك و " من حفظ القرآن فكأنما أدرجت النبوة بين كتفيه " [قاله عبد الله بن عمرو بن العاص، وانظر " السلسلة الضعيفة " (5118) ] ، وقد صار ممن يقال فيه: " هو مِن أهلِ الله تعالى وخاصته " [رواه ابن ماجه (215) وهو صحيح] ، وإذا كان كذلك: فمِن المناسب تغليظ العقوبة على من أخلَّ بمزيته الدينية، ومؤاخذته بما لا يؤاخذ به غيره، كما قال تعالى: (يا نساء النبي من يأتِ منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين) ؛ لاسيما إذا كان ذلك الذنب مما يحط تلك المزية ويسقطها؛ لترك معاهدة القرآن المؤدي به إلى الرجوع إلى الجهالة. " المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم " (2 / 419) . وبكل حال: فهي مصيبة أو عقوبة، لكن لا نجزم بالإثم لمجرد النسيان. قال علماء اللجنة الدائمة: فلا يليق بالحافظ له أن يغفل عن تلاوته، ولا أن يفرط في تعاهده، بل ينبغي أن يتخذ لنفسه منه ورداً يوميّاً يساعده على ضبطه، ويحول دون نسيانه؛ رجاء الأجر، والاستفادة من أحكامه، عقيدة، وعملاً، ولكن مَن حفظ شيئاً مِن القرآن ثم نسيه عن شغل، أو غفلة: ليس بآثم، وما ورد من الوعيد في نسيان ما قد حفظ: لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. " فتاوى اللجنة الدائمة " (4 / 99) . والظاهر أن من قال إن نسيان القرآن من الذنوب، أو الكبائر: قد استدل بحديثين وردا في ذلك – كما نقلناه عن زكريا الأنصاري -، لكن كلا الحديثين لا يصحان، فلا يصلح الاستدلال بهما. 1. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عُرِضَتْ عَلَيَّ أُجُورُ أُمَّتِي حَتَّى الْقَذَاةُ يُخْرِجُهَا الرَّجُلُ مِنْ الْمَسْجِدِ وَعُرِضَتْ عَلَيَّ ذُنُوبُ أُمَّتِي فَلَمْ أَرَ ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ آيَةٍ أُوتِيَهَا رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَهَا) . رواه الترمذي (2916) وضعفه، ونقل عن البخاري استغرابه، وأبو داود (461) ، وضعفه الألباني في " ضعيف الترمذي ". 2. عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا مِنْ امْرِئٍ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ ثُمَّ يَنْسَاهُ إِلَّا لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَجْذَمَ) . رواه أبو داود (1474) وضعفه الألباني في " ضعيف أبي داود ". والظاهر أن من قال إن النسيان كبيرة، أو أنه ذنب: لم يرِد ما يكون بسبب ضعف الذاكرة، بل ما كان النسيان بسبب التهاون، والكسل، كما صرَّح به الرملي الشافعي. سئل الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين - رحمه الله -: نحن طلاب العلم نحفظ الكثير من الآيات على سبيل الاستشهاد، وفي نهاية العام نكون قد نسينا الكثير منها، فهل ندخل في حكم من يعذبون بسبب نسيان م حفظوه؟ . فأجاب: نسيان القرآن له سببان: الأول: ما تقتضيه الطبيعة. والثاني: الإعراض عن القرآن، وعدم المبالاة به. فالأول: لا يأثم به الإنسان، ولا يعاقب عليه، فقد وقع من رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صلى بالناس، ونسي آية، فلما انصرف ذكَّره بها أبيّ بن كعب، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (هلا كنت ذكرتنيها) ، وسمع رسول الله قارئاً يقرأ، فقال: (يرحم الله فلاناً فقد ذكرني آية كنت أنسيتها) . وهذا يدل على أن النسيان الذي يكون بمقتضى الطبيعة: ليس فيه لوم على الإنسان. أما ما سببه الإعراض، وعدم المبالاة: فهذا قد يأثم به، وبعض الناس يكيد له الشيطان، ويوسوس له أن لا يحفظ القرآن لئلا ينساه ويقع في الإثم! والله سبحانه وتعالى يقول: (فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً) النساء/ 76، فليحفظ الإنسان القرآن؛ لأنه خير، وليؤمل عدم النسيان، والله سبحانه عند ظن عبده به. " كتاب العلم " (96، 97) . وما سبق من الجواب هو في " نسيان القرآن "، ولم نجد شيئاً من كلام العلماء في " نسيان أسماء الله الحسنى "، وليسا سواءً. وانظر أجوبة الأسئلة: (3704) و (83287) و (121246) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127485 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 14 يريد معاونة في " الإعجاز العلمي " في القرآن ليستعمله في دعوة الكفار [السُّؤَالُ] ـ[أنا مؤمن - بلا شك - أن القرآن الكريم الذي بين أيدينا اليوم هو نفسه الذي كان أُنزل على قلب النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله تعالى قال في كتابه العزيز: (إنّا نحن نزلنا الذِّكْر وإنّا له لحافظون) . أقول ذلك لأن عندي بعض الأصدقاء الكفرة، وأود أن أتكلم معهم في " فضائل الإسلام "، على أمل أن يسلموا، وإن أحد الأمور المهمة التي أريد طرحها لهم عن الإسلام هي عن معجزات القرآن الكريم , مثل أن أقول لهم: إن القرآن الكريم الذي بين أيدنا هو نفسه الذي كان قبل 1429 سنة , فأقول لهم: إن القرآن الكريم يُثبت أنه لا يوجد تشابه بين بصمتين لأصبعين في العالم , وأقول لهم أيضا الكثير من العلوم الحديثة التي تم اكتشافها، مثل كروية الأرض، أنه قد أثبتها القرآن الكريم , والكثير من المعجزات. فكيف لي أن أُثبت أصالة القرآن الكريم لأنني أشعر أن أحدهم سيجادل ويقول: إن أحداً ما قد أدخل على القرآن مثل تلك الحقائق؟ . وجزاكم الله خيراً على الإجابة سلفاً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نشكر لك أخي السائل حرصك على الخير، وعلى هداية الناس لهذا الدين العظيم، ونبشرك أن ما تفعله هو من أجلِّ العبادات، والطاعات، وهو مما يميز هذه الأمة الخيِّرة، أن جعلها الله تعالى آمرة بالمعروف، وناهية عن المنكر، قال تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) آل عمران/ 110. فاستمر – بارك الله فيك – على نشر الخير في الأرض، وابذل ما تستطيع من جهد لهداية من ضل عن الطريق. وفي الوقت نفسه ننبهك إلى ضرورة طلب العلم، والسعي في تحصيله؛ لأن ما تقوم به هو من مهمات الأنبياء، ولا بدَّ لمن قام بهذا الجهد أن يكون على دراية بما يتكلم به، وخاصة أنك تتكلم في شرع الله، وهو ما ينبغي التأني فيه حتى تتقن العلوم الشرعية، وخاصة المتعلقة بموضوع الدعوة، وهو المسائل العلمية في الإعجاز القرآني. ثانياً: ينبغي أن نتنبه في سياق الكلام عن " الإعجاز العلمي " في القرآن الكريم إلى أمور منهجية مهمة: 1. القرآن الكريم كتاب هداية، احتوى على ما يُصلح حال الفرد، والأسرة، والمجتمع، والدولة، وهو ليس كتاب " كيمياء "، أو " جيولوجيا "، أو " طب "، وما فيه من إشارات لعلوم الطبيعة لا ننكرها، لكن لا نعطيها أكبر من حجمها. وإعجاز القرآن في أصله هو إعجاز لغوي، بياني، ومن هنا فقد تحداهم النبي صلى الله عليهم بالإتيان بمثله، فعجزوا، مع أنهم أهل فصاحة، وبيان. 2. ينبغي التفريق بين " النظريات " و " الحقائق " في هذا الباب، فكثيراً ما يُخلط بينهما، فتُجعل النظريات حقائق ثابتة، فيحمل المتحمسون آيات القرآن عليها، ثم سرعان ما تُنقض بنظرية أخرى! فيقع في قلب المسلم من الشك والريب ما يكون سببه جهل من تكلم في هذا العلم، وخلط بين الأمور. كما أنه توجد حقائق لا شك فيها، لكن ليس من اللازم أن يكون في القرآن حديث عنها بنفسها، ويأتي بعض المتحمسين ليتكلف حمل نصوص من القرآن أو السنة عليها، وقد نهينا عن التكلف. 3. وللأخذ بما يقوله بعض العلماء المعاصرين بما تدل عليه بعض الآيات القرآنية من أوجه الإعجاز العلمي ينبغي مراعاة أمور: أ. عدم الجزم بالنظريات العلمية على أنها حقائق علمية لا تقبل المناقشة. ب. عدم الجزم بأن ما يقولونه هو تفسير للآية القرآنية، ولا هو بالمرجح بين الأقوال المختلفة فيها. ج. يجب مطابقة المعنى المذكور للغة العربية؛ لأنها لغة القرآن. د. أن يكون المتكلم في دلالة الآية من أصحاب العلم الشرعي. هـ. أن لا يخالف المعنى المذكور آية، أو حديثاً صحيحاً، أو إجماعاً. و. الابتعاد عن التكلف والتمحل في الاستنباط من الآية القرآنية. انظر " التفسير العلمي للقرآن بين المجيزين والمانعين " للشيخ محمد الأمين ولد الشيخ. ثالثاً: وأما قولك في احتمال أن يزعم زاعم أنه ثمة من وضع هذه الأشياء في القرآن: فهو احتمال بعيد أن يلجأ إليه إنسان عاقل جاد في مناقشته؛ لأن وجود هذا الاحتمال مرفوض حتى عند أعداء الدين، وهم يعلمون قطعاً أن ما تلاه جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم، وما تلاه النبي على أصحابه: هو الذي بين أيدينا الآن، ليس فيه حرف زائد، ولا ناقص، فلو أدخل أحد حرفاً فيه: لانكشف أمره، وافتُضح، وقد تكفل الله تعالى بحفظه، ولا نظن أنك قصدت أن أحداً من المتقدمين قد يكون هو الذي وضع مثل هذه الزيادات في القرآن؛ فبالإضافة لما ذكرناه من حفظ الله له من التحريف: فقد كان المتقدمون في غفلة وبُعد عن العلم التجريبي هذا، وعن اكتشافه بالأدوات والآلات المخترعة حديثاً. ثم إن النسخ الخطية المكتوبة من قديم، محفوظة في مكتبات العالم، على صورة واحدة، وكتب التفسير القديمة محفوظة في مكتبات المشرق والمغرب، والعرب والعجم، وكلها تحتوي على تلك الآيات، بصورة واحدة. والمسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، عربهم وعجمهم، علماؤهم وعامتهم، يحفظون القرآن على هيئة واحدة. فقد تواتر نقل القرآن تواترا قطعيا، بما لم يتواتر به علم كتاب آخر، ولا كلام آخر، واللجوء إلى هذه السفسطة في الحوار، يعني أنه لا فائدة منه، ولا سبيل إلى الاقتناع بحقيقة، وبإمكان المناقش أن يرد عليها بنفس الرد في جميع ما يعتقده مخالفه من النصوص والكتب العلمية والدينية. وانظر جواب السؤال رقم: (5105) ففيه تفصيل إثبات القرآن، وعدم تعرضه للتحريف، والتبديل. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127249 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 15 هل يجوز له تعليم الأطفال القرآن مع أنه ليس من العلماء؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا شخص بفضل الله أستطيع أن أقرأ القرآن الكريم، وأقوم بتدريسه لولدي وابناء أختي؛ مع أنني لست عالما ولا شيخا؛ فهل يجوز لي ذلك؟ وما الأجر المترتب عليه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تعليم تلاوة القرآن الكريم التلاوة الصحيحة من أفضل الأعمال وأزكاها عند الله عز وجل، لأن القرآن كلام الله، صفة من صفاته، وهو سبحانه يحب أن يتعبد إليه المسلمون بصفاته. ولذلك جاء في السنة النبوية الحديث المشهور الذي يحفظه الصغار والكبار، عن أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خَيرُكُم مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ) . قال: وأقرأ أبو عبد الرحمن في إمرة عثمان حتى كان الحجاج، قال: وذاك الذي أقعدني مقعدي هذا. رواه البخاري (5027) قال الحافظ ابن حجر "فتح الباري" (9/96) : " بين أول خلافة عثمان وآخر ولاية الحجاج اثنتان وسبعون سنة إلا ثلاثة أشهر " انتهى. يدل هذا الحديث على الخيرية التي ينالها من يشتغل بتعليم الناس قراءة القرآن وتلاوته، والمقام الرفيع الذي يكتبه الله له، جزاء اشتغاله بصفة الله التي يعظمها وهي كلامه عز وجل. ولذلك ورد عن سفيان الثوري أنه كان يقدم تعليم القرآن على الغزو لهذا الحديث. انظر " فتح الباري " (8/694) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " مِن أشرف العمل تعليم الغير، فمعلم غيره يستلزم أن يكون تعلمه، وتعليمه لغيره عمل وتحصيل نفع متعد، والقرآن أشرف العلوم، فيكون من تعلمه وعلمه لغيره أشرف ممن تعلم غير القرآن، ولا شك أن الجامع بين تعلم القرآن وتعليمه مكمِّلٌ لنفسه ولغيره، جامع بين النفع القاصر والنفع المتعدي، ولهذا كان أفضل، وهو من جملة مَنْ عنى سبحانه وتعالى بقوله: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) ، والدعاء إلى الله يقع بأمور شتى من جملتها تعليم القرآن، وهو أشرف الجميع " انتهى باختصار. " فتح الباري " (9/76) وقد ورد في القرآن الكريم حث خاص على الاشتغال بتعليم القرآن الكريم، وذلك في قوله تعالى: (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ) آل عمران/79. وإن كان المقصود بتعليم الكتاب في الآية ليس تعليم التلاوة فقط، بل تفسيره وأحكامه وتعليم العمل به أيضا، غير أننا نرجو أن يدخل فيها أيضا من يعلم تلاوته وقراءته القراءة السليمة، فهي أول درجة من تعلم الكتاب والتفقه فيه. وعلى كل حال ننصحك بلزوم ما بدأته من تعليم القرآن الكريم وإقرائه الصغار والكبار، بشرط أن تكون قد أتقنت أنت تلاوته وأحسنت قراءته، أو ـ على الأقل ـ أن تكون أتقنت قراءة القدر الذي تعلمه لهم. وعليك ألا تخوض في تفسيره وبيان أحكامه حتى تدرسه وتصبح متقنا فيه، وبإمكانك، إن أحببت الوقوف معهم على بعض معانيه، أن تقرأ شيئا من كتب أهل العلم الثقات في ذلك الباب؛ مثل: تفسير الشيخ عبد الرحمن بن سعدي، أو تفسير الحافظ ابن كثير، رحمهما الله. أما إن اقتصرت على تعليم التلاوة السليمة، فذلك عمل عظيم مأجور عليه إن شاء الله، تسهم به في بناء الجيل الصالح، وتشارك في غرس القرآن الكريم في قلوب الناس، ولا يشترط لذلك أن تكون شيخا، يعني: متخصصا في ذلك، أو عالما في علوم الشريعة الأخرى. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " أنت على كل حال مشكور على هذا العمل الطيب , وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) ، فأنت مشكور على عملك , وأنت على أجر عظيم، ولا حرج عليك ما دمت مخلصا لله في عملك هذا " انتهى. " مجموع فتاوى ابن باز " (5/387) وانظر جواب السؤال رقم: (3601) ، (2023) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127146 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 16 أوجه الاستعاذة والبسملة عند الانتقال بين أواسط السور [السُّؤَالُ] ـ[ما هي أوجه قراءة البسملة بين أواسط السور: كالانتقال من وسط سورة البقرة، ثم البسملة والانتقال إلى وسط سورة الحشر. هل هناك وجه وصل البسملة بالمقطع الأول بالبسملة مع المقطع الثالث، ما يسمى وصل الجميع، وما هي الأوجه الأخرى؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لم نقف – بعد البحث والتفتيش – على كلام لعلماء التجويد والقراءات في هذه المسألة الدقيقة، في شروح الشاطبية، والجزرية، والدرر اللوامع وغيرها، وهي مسألة أوجه الاستعاذة والبسملة عند الانتقال بين أواسط السور، وحينئذ فلا يمكننا إجابة السائل بأسماء المصادر والمراجع، غير أن الذي وجدناه لدى بعض المعاصرين المتخصصين في التجويد، هو النص على الانتقال بين أواسط السور من غير استعاذة ولا بسملة، وإنما بسكتة يسيرة. يقول الشيخ حسام الكيلاني: " ولا حاجة إلى الاستعاذة والبسملة عند الانتقال من سورة إلى بعض آيات من سورة أخرى ليس من أولها " انتهى. " البيان في أحكام تجويد القرآن " (ص/27) . ويمكن الاستئناس بخطبة الحاجة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب بها ويعملها أصحابه لذلك القول؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ فيها مجموعة من الآيات الواردة في سور عدة، ولم يرد فيها ذكر الاستعاذة والبسملة. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: (عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُطْبَةَ الْحَاجَةِ: إَنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)) رواه أبو داود (رقم/2118) وصححه الشيخ الألباني في " صحيح أبي داود ". والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126600 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 17 هدي النبي صلى الله عليه وسلم في قراءة القرآن [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أعرف سنة الرسول صلى الله عليه وسلم في قراءة القرآن.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سنة النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن هي العمل به، والتخلق بأخلاقه، والتأدب بآدابه، ودعوة الناس إليه، كما وصفته عائشة رضي الله عنها بقولها: (إِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ الْقُرْآنَ) رواه مسلم (746) . وهكذا يجب أن يكون هدي المسلم مع القرآن الكريم، السعي الدائم في العمل به والاهتداء بهداه، فهو نور من الله مبين، من تمسك به نجا، ومن اعتصم به هدي إلى صراط مستقيم. وأما هديه صلى الله عليه وسلم في تلاوة القرآن: فقد شرحه العلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله في كتابه العظيم " زاد المعاد "، جمع فيه الأحاديث الواردة في الموضوع، واختصرها في جمل وعبارات من عنده توضح المقصود، وهي كلها أحاديث صحيحة يمكن الرجوع إلى الكتاب نفسه محققا للتأكد منها، ونحن ننقل كلامه هنا اكتفاء به، خشية الإطالة على السائل والقارئ. يقول العلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله: " فصل: في هديه صلى الله عليه وسلم في قراءة القرآن، واستماعه، وخشوعه، وبكائه عند قراءته واستماعه، وتحسين صوته به، وتوابع ذلك. كان له صلى الله عليه وسلم حِزب يقرؤه ولا يُخِلُّ به، وكانت قراءتُه ترتيلاً لا هذَّا ولا عجلة، بل قِراءةً مفسَّرة حرفاً حرفاً، وكان يُقَطِّع قراءته آية آية، وكان يمدُّ عند حروف المد، فيمد (الرحمن) ، ويمد (الرحيم) ، وكان يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم في أول قراءته، فيقول: (أعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَجِيم) ، ورُبَّما كان يقول: (اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم من هَمْزِهِ ونَفْخِهِ، ونَفثِهِ) وكان تعوّذُه قبلَ القراءة، وكان يُحبُّ أن يسمع القراَنَ مِن غيره، وأمر عبد الله بن مسعود، فقرأ عليه وهو يسمع، وخَشَع صلى الله عليه وسلم لسماع القرآن مِنه حتى ذرفت عيناه. وكان يقرأ القراَن قائماً، وقاعداً، ومضطجعاً، ومتوضئاً، ومُحْدِثاً، ولم يكن يمنعه من قِراءته إلا الجنابة. وكان صلى الله عليه وسلم يتغنَّى به، ويُرجِّع صوتَه به أحياناً كما رجَّع يوم الفتح في قراءته: (إنَّا فتَحْنَا لَكَ فَتْحَاً مُبِيناً) الفتح/1. وحكى عبد الله بن مغفَّل ترجِيعَه، آاآ ثلاث مرات، ذكره البخاري، وإذا جمعت هذه الأحاديثَ إلى قوله: (زَيِّنُوا القُرآن بأصْواتِكُم) ، وقوله: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالقُرْآن) ، وقوله: (ما أَذِنَ اللهُ لِشَيء، كأَذَنِهِ لِنَبيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ يَتَغَنَّى بِالقُرْان) ، علمت أن هذا الترجيعَ منه صلى الله عليه وسلم كان اختياراً لا اضطراراً لهزِّ الناقة له، فإن هذا لو كان لأجل هزِّ الناقة لما كان داخلاً تحت الاختيار، فلم يكن عبدُ الله بن مغفَّل يحكيه ويفعلُه اختياراً لِيُؤتسى به، وهو يرى هزَّ الراحلة له حتى ينقطع صوتُه ثم يقول: (كان يُرجِّعُ في قراءته) فنسب التَّرجيع إلى فعله. ولو كان مِن هزِّ الراحلة، لم يكن منه فعل يسمى ترجيعاً " انتهى. " زاد المعاد " (1/482-484) . وقد ذكر الإمام أبو بكر محمد بن الحسين الآجري رحمه الله، في كتابه النافع "أخلاق حملة القرآن"، بابا في (أدب القراء عند تلاوتهم القرآن مما لا ينبغي لهم جهله) ، لخص فيه جملة من آداب قارئ القرآن، من أدب السنة، وهدي السلف، فقال رحمه الله: " وأحب لمن أراد قراءة القرآن، من ليل أو نهار أن يتطهر، وأن يستاك، وذلك تعظيم للقرآن؛ لأنه يتلو كلام الرب عز وجل؛ وذلك أن الملائكة تدنو منه عند تلاوته للقرآن، ويدنو منه الملك، فإن كان متسوكا وضع فاه على فيه، فكلما قرأ آية أخذها الملك بفيه، وإن لم يكن تسوك تباعد منه؛ فلا ينبغي لكم يا أهل القرآن أن تباعدوا منكم الملك، استعملوا الأدب، فما منكم من أحد إلا وهو يكره إذا لم يتسوك أيجالس إخوانه. وأحب أن يكثر القراءة في المصحف لفضل من قرأ في المصحف، ولا ينبغي له أن يحمل المصحف إلا وهو طاهر، فإن أحب أن يقرأ في المصحف على غير طهارة فلا بأس، ولكن لا يمسه، ولكن يصفح المصحف بشيء، ولا يمسه إلا طاهرا. وينبغي للقارئ إذا كان يقرأ فخرجت منه ريح أمسك عن القراءة، حتى تنقضي الريح، ثم إن أحب أن يتوضأ ثم يقرأ طاهرا فهو أفضل، وإن قرأ غير طاهر فلا بأس منه. وإذا تثاءب وهو يقرأ، أمسك عن القراءة حتى ينقضي التثاؤب ... وأحب للقارئ أن يأخذ نفسه بسجود القرآن كلما مر بسجدة سجد فيها، وفي القرآن خمس عشرة سجدة، وقد قيل: أربع عشرة، وقد قيل: إحدى عشرة سجدة، والذي أختار له أن يسجد كلما مرت به سجدة؛ فإنه يرضي ربه عز وجل ويغيظ عدوه الشيطان. روي عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد، اعتزل الشيطان يبكي، يقول: يا ويله أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار» [رواه مسلم في صحيحه (81) ] ... وأحب لمن كان جالسا يقرأ أن يستقبل بوجهه القبلة، إذا أمكن ... وأحب لمن تلا القرآن أن يقرأه بحزن، ويبكي إن قدر، فإن لم يقدر تباكى. وأحب له أن يتفكر في تلاوته، ويتدبر ما يتلوه، ويستعمل غض الطرف عما يلهي القلوب، ولو ترك كل شيء حتى ينقضي درسه كان أحب إلي؛ ليحضر فهمه، فلا يشتغل بغير كلام مولاه. وأحب إذا درس فمرت به آية رحمة سأل مولاه الكريم، وإذا مرت به آية عذاب استعاذ بالله عز وجل من النار، وإذا مر بآية تنزيه لله عز وجل عما قال أهل الكذب سبح الله وعظمه. وإذا كان يقرأ فأدركه النعاس، فحكمه أن يقطع القرآن حتى يرقد، حتى يقرأه وهو يعقل ما يتلو.. " وذكر رحمه الله طرفا من الآثار التي تشهد لما ذكره، ثم قال في آخر الفصل: " جميع ما ذكرته ينبغي لأهل القرآن أن يتأدبوا به ولا يغفلوا عنه، فإذا انصرفوا عن تلاوة القرآن: اعتبروا نفوسهم بالمحاسبة لها: فإن تبينوا منها قبول ما ندبهم إليه مولاهم الكريم،مما هو واجب عليهم من أداء فرائضه، واجتناب محارمه: حمدوه في ذلك، وشكروا الله على ما وفقهم له. وإن علموا أن النفوس معرضة عما ندبهم إليه مولاهم الكريم، قليلة الاكتراث به، استغفروا الله من تقصيرهم، وسألوه النُّقلة من هذه الحال التي لا تحسن بأهل القرآن، ولا يرضاها لهم مولاهم، إلى حال يرضاها، فإنه لا يقطع من لجأ إليه. ومن كانت هذه حاله وجد منفعة تلاوة القرآن في جميع أموره [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125788 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 18 حكم الرجوع إلى سورة الفاتحة وأوائل البقرة بعد ختم القرآن [السُّؤَالُ] ـ[هناك بعض النساء يجتمعن لتدارس تفسير القرآن، وعندما ينتهين من قراءة المصحف فإنهن يبدأن بالفاتحة، وبداية سورة البقرة، من أجل تبيين أن القراءة متواصلة، وأن القرآن لا ينتهي، فما رأيكم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف العلماء في حكم ما يعتاده كثير من القراء عند ختم المصحف من الشروع في ختمة جديدة، وذلك بالرجوع إلى سورة الفاتحة وقراءتها مع الآيات الخمس الأول من سورة البقرة فقط، فكان خلافهم على قولين اثنين: القول الأول: مشروعية ذلك العمل، واستحبابه. وهو ما ذهب إليه القراء ونص عليه بعض العلماء، واستُدِل لهذا القول بأدلة، منها: الدليل الأول: حديث عن عبد الله بن عباس، عن أبي بن كعب، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان إذا قرأ: (قل أعوذ برب الناس) افتتح من الحمد، ثم قرأ من البقرة إلى: (وأولئك هم المفلحون) ، ثم دعاء بدعاء الختمة، ثم قام. رواه الدارمي – كما عزاه إليه السيوطي في " الإتقان " (1/295) وقال بسند حسن -، والحافظ أبو عمرو الداني، والحافظ أبو العلاء الهمذاني – كما نقل عنهما ابن الجزري في " النشر " (688-694) ، والحسن بن علي الجوهري في " فوائد منتقاة " (2/29) ، جميعهم من طريق: العباس بن أحمد البرتي، ثنا عبد الوهاب بن فليح المكي، ثنا عبد الملك بن عبد الله بن شعوة، عن خاله وهب بن زمعة بن صالح، عن زمعة بن صالح، عن عبد الله بن كثير، عن درباس مولى ابن عباس وعن مجاهد، عن عبد الله بن عباس، عن أبي بن كعب، عن النبي صلى الله عليه وسلم به. قال الشيخ الألباني رحمه الله: " هذا إسناد ضعيف؛ وله علتان: الأولى: أن مداره على زمعة بن صالح، قال الذهبي في " الكاشف ": " ضعفه أحمد، قرنه مسلم بآخر ". وقال الحافظ في "التقريب": " ضعيف، وحديثه عند مسلم مقرون ". والأخرى: الاضطراب في إسناده عليه على وجهين: الأول: هذا: عن درباس وعن مجاهد؛ قرنه معه. الثاني: عن درباس وحده؛ لم يذكر مجاهداً معه. وقد ساق ابن الجزري في "النشر" (2/ 420 - 425) الأسانيد بذلك. وفي رواية له عن وهب بن زمعة بن صالح عن عبد الله بن كثير عن درباس عن عبد الله بن عباس ... به مرفوعاً؛ لم يذكر في إسناده زمعة. وقال عَقِبَه: "حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وإسناده حسن؛ إلا أن الحافظ أبا الشيخ الأصبهاني وأبا بكر الزينبي روياه عن وهب عن أبيه زمعة ... ، وهو الصواب ". فأقول: هذا التصويب صواب؛ لأنه عليه أكثر الروايات، وعليه فلا وجه لتحسين إسناده؛ لأن مداره على - زمعة بن صالح الضعيف - كما تقدم -. وكيف يكون حسناً وفيه درباس مولى ابن عباس، وَهُوَ مَجْهُولٌ - كما قال أبو حاتم، وتبعه الذهبي والعسقلاني -؟! نعم قد قُرِنَ به مجاهد في بعض الروايات - كما في رواية الجوهري وغيره -، فإن كان محفوظاً؛ فالعلة واحدة وهي زمعة. والله أعلم " انتهى. " السلسلة الضعيفة " (رقم/6134) الدليل الثاني: حديث مرفوع جاء فيه: (قال رجل: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: الْحَالُّ الْمُرْتَحِلُ. قَالَ: وَمَا الْحَالُّ الْمُرْتَحِلُ؟ قَالَ: الَّذِي يَضْرِبُ مِنْ أَوَّلِ الْقُرْآنِ إِلَى آخِرِهِ كُلَّمَا حَلَّ ارْتَحَلَ) وقد وي هذا الحديث على وجهين: 1- مسندا متصلا: من طريق صالح المري، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن ابن عباس به. رواه عن صالح المري على هذا الوجه الهيثم بن الربيع – كما عند الترمذي (رقم/2948) -، وعمرو بن عاصم – كما عند البزار (2/213) -، وعاصم الكلابي، وعمرو بن مرزوق، وزيد بن الحباب في " المستدرك " (1/757) ، وإبراهيم بن أبي سويد الذارع – كما في " معجم الطبراني " (12/168) - 2- مرسلا من طريق صالح المري، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن النبي صلى الله عليه وسلم، من غير ذكر ابن عباس. رواه عن صالح المري على هذا الوجه مسلم بن إبراهيم، كما عند الترمذي (رقم/2948) . وإسحاق بن عيسى – كما عند الدارمي (2/560) -، وعبد الله بن معاوية الجمحي – كما في " النشر " لابن الجزري (ص/699) -، وقد رجح الترمذي رواية من أرسله فقال: " هذا حديث غريب، لا نعرفه من حديث ابن عباس إلا من هذا الوجه وإسناده ليس بالقوي ... وهذا – يعني المرسل - عندي أصح من حديث نصر بن علي عن الهيثم بن الربيع " انتهى. وله شاهد مرفوع من حديث أبي هريرة يرويه الحاكم في " المستدرك " (1/758) وفيه مقدام بن داود ضعيف الحديث، انظر: " لسان الميزان " (6/84) ، وله شاهد آخر من رواية زيد بن أسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، أسنده أبو عمرو الداني – كما في " النشر " (ص/700) -. وقد ضعف هذا الحديث جمع من أهل العلم، منهم: راويه الإمام الترمذي، والحافظ ابن حجر – كما في " الفتوحات الربانية " (3/248) -، وكذا الشيخ الألباني في " السلسلة الضعفة " (رقم/1834) . الدليل الثالث: عمل السلف الصالحين، ونقل هذه السنة من عادتهم. قالابن الجزري رحمه الله: " روى الحافظ أبو عمرو أيضا بإسناد صحيح عن الأعمش، عن إبراهيم قال: كانوا يستحبون إذا ختموا القرآن أن يقرؤوا من أوله آيات. وهذا صريح في صحة ما اختاره القراء وذهب إليه السلف " انتهى. " النشر " (2/449) (ص/703) وقال الحافظ أبو عمرو الداني: " لابن كثير – يعني المقرئ المشهور - في فعله هذا دلائل من آثار مروية ورد التوقيف فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبار مشهورة مستفيضة جاءت عن الصحابة والتابعين والخالفين " انتهى. نقلا عن " النشر في القراءات العشر " لابن الجزري (ص/688) الدليل الرابع: عمل المسلمين بهذه السنة في الأمصار عامة. قال ابن الجزري رحمه الله: " وصار العمل على هذا في أمصار المسلمين في قراءة ابن كثير وغيرها، وقراءة العرض وغيرها، حتى لا يكاد أحد يختم ختمة إلا ويشرع في الأخرى، سواء ختم ما شرع فيه أو لم يختمه، نوى ختمها أو لم ينوه، بل جعل ذلك عندهم من سنة الختم، ويسمون من يفعل هذا " الحال المرتحل "، أي الذي حل في قراءته آخر الختمة، وارتحل إلى ختمة أخرى " انتهى. " النشر " (ص/694) . وقال النووي رحمه الله: " يستحب إذا فرغ من الختمة أن يشرع في أخرى عقيب الختمة؛ فقد استحبه السلف والخلف، واحتجوا فيه بحديث أنس رضي الله عنه ... " انتهى. "التبيان في آداب حملة القرآن" (ص/110) . وقال السيوطي رحمه الله: " يسن إذا فرغ من الختمة أن يشرع في أخرى عقب الختم لحديث الترمذي وغيره ... " انتهى. " الإتقان " (1/295) ، وانظر: " سنن القراء ومناهج المجودين " (ص/227) القول الثاني: المنع وعدم الاستحباب، نص عليه الإمام أحمد رحمه الله. ووجه ذلك القول عدم ورود ذلك الفعل عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان صلى الله عليه وسلم يعرض القرآن على جبريل في كل عام مرة، وعرضه مرتين في العام الذي توفي فيه، ولم ينقل لنا أحد شيئا عن هذه السنة المتبعة اليوم. قال ابن قدامة رحمه الله: " قال أبو طالب: سألت أحمد إذا قرأ: (قل أعوذ برب الناس) يقرأ من البقرة شيئا؟ قال: لا. فلم يستحب أن يصل ختمته بقراءة شيء، ولعله لم يثبت فيه عنده أثر صحيح يصير إليه " انتهى. " المغني " (1/838) وجاء في " الفروع " (1/554) : " ولا يقرأ الفاتحة وخمسا من البقرة نص عليه، قال الآمدي: يعني قبل الدعاء، وقيل يستحب " انتهى. وقال ابن مفلح في " الآداب الشرعية " (2/316) : " إذا فرغ من قراءة الناس لم يزد الفاتحة وخمسا من البقرة، نص عليه، وذلك إلى قوله: (وأولئك هم المفلحون) قال في الشرح: ولعله لم يثبت فيه عنده أثر صحيح، وقيل: يجوز بعد الدعاء، وقيل: يستحب. قال القاضي بعد ذكره لمعنى هذا الخبر من حديث أنس رواه ابن أبي داود – يعني حديث الحال المرتحل - قال: وظاهر هذا أنه يستحب ذلك، والجواب أن المراد به الحث على تكرار الختم ختمة بعد ختمة، وليس في هذا ما يدل على أن الدعاء لا يتعقب الختمة " انتهى. وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: " وفَهِمَ بعضهم من هذا: أنه كلما فرغ من ختم القرآن؛ قرأ فاتحة الكتاب، وثلاث آيات من سورة البقرة؛ لأنه حل بالفراغ، وارتحل بالشروع! وهذا لم يفعله أحد من الصحابة، ولا التابعين، ولا استحبه أحد من الأئمة ... وقد جاء تفسير الحديث متصلا به: أن يضرب من أول القرآن إلى آخره كلما حل ارتحل. وهذا له معنيان: أحدهما: أنه كلما حل من سورة أو جزء ارتحل في غيره. والثاني: أنه كلما حل من ختمة ارتحل في أخرى " انتهى. " إعلام الموقعين " (4/306) والقول الثاني أظهر من حيث الأدلة، إن شاء الله، لعدم ثبوت دليل على استحباب مثل ذلك، بل ظاهر السنة خلافه، كما تقدم بيانه، وقد سبق اختيار هذا القول في جواب رقم: (12032) على أننا ننبه ـ هنا ـ إلى أن المسألة، رغم ما رجحناه، هي مسألة اجتهادية، وليست من المسائل القطعية؛ فمن صح عنده أن السلف كانوا يفعلون ذلك، أو اعتقد صحة الحديث الوارد فيه: فإنه لا يبدع ولا يضلل؛ بل لا ينكر عليه. وهكذا من ترجح عند القول الذي اخترناه، فإنه لا ينكر عليه؛ بل إن الإمام ابن الجزري، رحمه الله، وهو من القائلين بمشروعية ذلك، يقول: " وعلى كل تقدير فلا نقول: إن ذلك لازم كل قارئ، بل نقول كما قال أئمتنا فارس بن أحمد وغيره: من فعله فحسن، ومن لم يفعله فلا حرج عليه " انتهى. " النشر " (ص/704) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125693 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 19 تحريم قراءة القرآن بأجرة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم قراءة القرآن للناس بأجرة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إن كان المقصود تعليم القرآن للناس وتحفيظهم إياه فلا حرج في أخذ الأجرة على ذلك في أصح قولي العلماء، للحديث الصحيح في القراءة على اللديغ بشرط أجرة معلومة، ولقوله صلى الله عليه وسلم، في الحديث نفسه: (إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله) أخرجه البخاري رحمه الله في صحيحه. أما إن كان المراد أخذ الأجرة على مجرد التلاوة في أي مناسبة فهذا لا يجوز أخذ الأجرة عليه. وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه لا يعلم نزاعا بين أهل العلم في تحريم ذلك" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (21/211) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125103 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 20 جمع عثمان رضي الله عنه المصحف على حرف واحد [السُّؤَالُ] ـ[هل صحيح أن عثمان رضي الله عنه عندما جمع القرآن في مصحف واحد حذف بعض الأحرف أم أنه أثبت بعض القراءات دون بعض؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: (إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا ما تيسر منه) . وقال المحققون من أهل العلم: إنها متقاربة في المعنى مختلفة في الألفاظ. وعثمان رضي الله عنه لما بلغه اختلاف الناس وجاءه حذيفة رضي الله عنه وقال: أدرك الناس. استشار الصحابة الموجودين في زمانه كعلي وطلحة والزبير وغيرهم فأشاروا بجمع القرآن على حرف واحد حتى لا يختلف الناس، فجمعه رضي الله عنه , وكَوَّن لجنة رباعية لهذا , ويرأسهم زيد بن ثابت رضي الله عنه , فجمعوا القرآن على حرف واحد وكتبه ووزعه في الأقاليم حتى يعتمده الناس وحتى ينقطع النزاع. أما القراءات السبع أو القراءات العشر فهي موجودة في نفس ما جمعه عثمان رضي الله عنه في زيادة حرف أو نقص حرف أو مد أو شكل للقرآن , كل هذا داخل في الحرف الواحد الذي جمعه عثمان رضي الله عنه. والمقصود من ذلك حفظ كلام الله ومنع الناس من الاختلاف الذي قد يضرهم ويسبب الفتنة بينهم. والله جل وعلا لم يوجب القراءة بالأحرف السبعة ; بل قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ) فجمع الناس على حرف واحد عمل طيب، ويشكر عليه عثمان والصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، لما فيه من التيسير والتسهيل، وحسم مادة الخلاف بين المسلمين" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز" (9/362) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125091 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 21 تحريم أخذ أجرة على تلاوة القرآن الكريم [السُّؤَالُ] ـ[نشاهد في كثير من بلاد المسلمين استئجار قارئ يقرأ القرآن، فهل يجوز للقارئ أن يأخذ أجرا على قراءته، وهل يأثم من يدفع له الأجر على ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "قراءة القرآن عبادة محضة، وقربة يتقرب بها العبد إلى ربه، والأصل فيها وفي أمثالها من العبادات المحضة أن يفعلها المسلم ابتغاء مرضاة الله، وطلبا للمثوبة عنده، لا يبتغي بها من المخلوق جزاء ولا شكورا، ولهذا لم يعرف عن السلف الصالح استئجار قوم يقرؤون القرآن للأموات أو في ولائم أو حفلات، ولم يؤثر عن أحد من أئمة الدين أنه أمر بذلك أو رخص فيه، ولم يعرف أيضا عن أحد منهم أنه أخذ أجرة على تلاوة القرآن، بل كانوا يتلونه رغبة فيما عند الله سبحانه، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم من قرأ القرآن أن يسأل الله به، وحذر من سؤال الناس، روى الترمذي في سننه عن عمران بن حصين أنه مر على قارئ يقرأ ثم سأل؛ فاسترجع ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من قرأ القرآن فليسأل الله به، فإنه سيجيء أقوام يقرؤن القرآن يسألون به الناس) . وأما أخذ الأجرة على تعليمه أو الرقية به ونحو ذلك مما نفعه متعدِّ لغير القارئ فقد دلت الأحاديث الصحيحة على جوازه؛ لحديث أبي سعيد في أخذه قطيعا من الغنم جُعْلاً (يعني: أجرة) على رقية اللديغ، الذي رقاه بسورة الفاتحة، وحديث سهل في تزويج النبي صلى الله عليه وسلم امرأة لرجل بتعليمه إياها ما معه من القرآن، فمن أخذ أجرا على نفس التلاوة أو استأجر جماعة لتلاوة القرآن فهو مخالف للسنة، ولما أجمع عليه السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن منيع، الشيخ عبد الله بن غديان. "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/40) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125090 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 22 قراءة القرآن للمستلقي على السرير [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم قراءة القرآن من المصحف في أثناء الاستلقاء على السرير للشخص الذي لا يعاني من أي مشاكل صحية وجسدية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج في قراءة القرآن من المصحف والإنسان مستلقي. وقد روى البخاري (7549) ومسلم (301) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتكئ في حجر عائشة ويقرأ القرآن. قال النووي رحمه الله في "شرح صحيح مسلم": "فيه جواز قراءة القرآن مضطجعا ومتكئاً" انتهى. وقال الشيخ صالح الفوزان: "قراءة القرآن من المضطجع لا بأس بها سواء كان مضطجعًا على السرير أو على الأرض. لا بأس بذلك فيتلو الإنسان القرآن على أي حال كان. قائمًا أو قاعدًا أو مضطجعًا. وسواء كان متوضئًا أو محدثًا حدثًا أصغر. إذا كانت القراءة عن ظهر قلب. أما إذا كانت القراءة من المصحف فإن المحدث لا يجوز له مس المصحف حتى يتوضأ" انتهى. "المنتقى من فتاوى الفوزان". والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 124657 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 23 عقيدة السلف في القرآن الكريم [السُّؤَالُ] ـ[نود أن نعرف عقيدة السلف في القرآن الكريم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " عقيدة السلف في القرآن الكريم كعقيدتهم في سائر أسماء الله وصفاته، وهي عقيدة مبنية على ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكلنا يعلم أن الله سبحانه وتعالى وصف القرآن الكريم بأنه كلامه، وأنه منزل من عنده، قال تعالى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) التوبة/6، والمراد بلا ريب بكلام الله هنا القرآن الكريم، وقال تعالى: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) النمل/76، فالقرآن كلام الله تعالى لفظاً ومعنىً، تكلم الله به حقيقة، وألقاه إلى جبريل الأمين، ثم نزل به جبريل على قلب النبي صلى الله عليه وسلم ليكون من المنذرين، بلسان عربي مبين. ويعتقد السلف أن القرآن منزل، نزله الله عز وجل على محمد صلى الله عليه وسلم منجماً، أي: مفرقاً، في ثلاث وعشرين سنة حسب ما تقتضيه حكمة الله عز وجل. ثم إن النزول يكون ابتدائياً، ويكون سببياً، بمعنى: أن بعضه ينزل لسبب معين اقتضى نزوله، وبعضه ينزل بغير سبب، وبعضه ينزل في حكاية حال مضت للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وبعضه ينزل في أحكام شرعية ابتدائية على حسب ما ذكره أهل العلم في هذا الباب. ثم إن السلف يقولون: إن القرآن من عند الله ابتداءً وإليه يعود في آخر الزمان، هذا قول السلف في القرآن الكريم. ولا يخفى علينا أن الله تعالى وصف القرآن الكريم بأوصاف عظيمة، وصفه بأنه حكيم، وبأنه كريم، وبأنه عظيم، وبأنه مجيد، وهذه الأوصاف التي وصف الله بها كلامه تكون لمن تمسك بهذا الكتاب، وعمل به ظاهراً وباطناً، فإن الله تعالى يجعل له من المجد، والعظمة، والحكمة، والعزة، والسلطان، ما لا يكون لمن لم يتمسك بكتاب الله عز وجل، ولهذا أدعو من هذا المنبر جميع المسلمين حكاما ًومحكومين، علماء وعامة إلى التمسك بكتاب الله عز وجل ظاهراً وباطناً، حتى تكون لهم العزة، والسعادة، والمجد، والظهور في مشارق الأرض ومغاربها " انتهى. فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. "فتاوى كبار علماء الأمة" ص (45) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120984 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 24 هل تغيير الراديو من القرآن إلى الأخبار يعتبر إعراضاً عن سماع القرآن؟ [السُّؤَالُ] ـ[أثناء السير بالسيارة أو الجلوس بالمنزل كثيراً ما نسمع آيات القرآن الكريم تتلى، ولكن يكون الإنسان في حاجة إلى استماع شيء آخر مثل الأخبار أو قراءة الجريدة، فهل إقفال الراديو أو غيره لغرض استماع الأخبار أو قراءة الصحف يعتبر إعراضاً عن ذكر الله، وما هو الحل في مثل ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " لا حرج من سماع الأخبار وقراءة الصحف بدلاً من فتح الإذاعة على القرآن؛ لأن كل شيء له وقته، ولا يتضمن ذلك الإعراض عن القرآن ولا هجره إذا كان للمؤمن أوقات أخرى يقرأ فيها القرآن أو يستمع فيها إذاعة القرآن. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم " انتهى. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (4/103) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120231 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 25 تفسير قوله تعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا) [السُّؤَالُ] ـ[قال الله تعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا) وهذا يعني أنه سبحانه ألزم نفسه بنفسه إطعام كل ما يدب على هذه الأرض من إنسان أو حيوان أو حشرات إلخ، فبماذا نفسر المجاعة التي تجتاح بعض بلدان قارة أفريقيا وغيرها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الآية على ظاهرها، وما يُقَدِّر الله سبحانه من الكوارث والمجاعات لا تضر إلا من تم أجله، وانقطع رزقه، أما من كان قد بقي له حياة أو رزق فإن الله يسوق له رزقه من طرق كثيرة، قد يعلمها وقد لا يعلمها، لقوله سبحانه: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) وقوله: (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها) . وقد يعاقب الإنسان بالفقر وحرمان الرزق لأسباب فعلها من كسل وتعطيل للأسباب التي يقدر عليها، أو لفعله المعاصي التي نهاه الله عنها، كما قال الله سبحانه: (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) . وقال عز وجل: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) ، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه) رواه الإمام أحمد والنسائي وابن ماجة بإسناد جيد. وقد يبتلى العبد بالفقر والمرض وغيرهما من المصائب لاختبار شكره وصبره لقول الله سبحانه: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) وقوله عز وجل: (وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) والمراد بالحسنات في هذه الآية: النعم، وبالسيئات: المصائب. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه. والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. وبالله التوفيق" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (24/241) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118138 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 26 تفسير قوله تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) [السُّؤَالُ] ـ[ما تفسير قول الله تبارك وتعالى في سورة الرعد: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الآية الكريمة آية عظيمة تدل على أن الله تبارك وتعالى بكمال عدله وكمال حكمته لا يُغير ما بقوم من خير إلى شر، ومن شر إلى خير، ومن رخاء إلى شدة، ومن شدة إلى رخاء حتى يغيروا ما بأنفسهم، فإذا كانوا في صلاح واستقامةَ وغَيّروا غَيَّر الله عليهم بالعقوبات والنكبات والشدائد والجدب والقحط، والتفرق وغير هذا من أنواع العقوبات جزاء وفاقا، قال سبحانه: (وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ) . وقد يمهلهم سبحانه ويملي لهم ويستدرجهم لعلهم يرجعون، ثم يؤخذون على غرة، كما قال سبحانه: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ) يعني آيسون من كل خير، نعوذ بالله من عذاب الله ونقمته، وقد يؤجلون إلى يوم القيامة فيكون عذابهم أشد، كما قال سبحانه: (وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ * إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ) والمعنى: أنهم يؤجلون ويمهلون إلى ما بعد الموت، فيكون ذلك أعظم في العقوبة وأشد نقمة. وقد يكونون في شر وبلاء ومعاصٍ ثم يتوبون إلى الله ويرجعون إليه ويندمون ويستقيمون على الطاعة فيغير الله ما بهم من بؤس وفرقة، ومن شدة وفقر إلى رخاء ونعمة واجتماع كلمة وصلاح حال بأسباب أعمالهم الطيبة وتوبتهم إلى الله سبحانه وتعالى، وقد جاء في الآية الأخرى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) فهذه الآية تبين لنا أنهم إذا كانوا في نعمة ورخاء وخير ثم غيروا بالمعاصي غير عليهم - ولا حول ولا قوة إلا بالله - وقد يمهلون كما تقدم، والعكس كذلك: إذا كانوا في سوء ومعاص، أو كفر وضلال ثم تابوا وندموا واستقاموا على طاعة الله غيَّر الله حالهم من الحالة السيئة إلى الحالة الحسنة، غَيَّر تفرقهم إلى اجتماع ووئام، وغَيَّر شدتهم إلى نعمة وعافية ورخاء، وغَيَّر حالهم من جدب وقحط وقلة مياه ونحو ذلك إلى إنزال الغيث ونبات الأرض وغير ذلك من أنواع الخير" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (24/249-251) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118139 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 27 حكم المساجلة بآيات القرآن الكريم [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم المساجلة بآيات القرآن الكريم من أجل تذكار آيات القرآن الكريم وملئ الوقت بشيء مفيد، وليس المقصود امتهان آيات الله تعالى.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج في استعمال الوسائل المعينة على حفظ وإتقان القرآن الكريم، كالمسابقات، واختبار الحفاظ، والعناية بالمتشابهات، بل ذلك من الأمور المستحبة، لما فيها من تثبيت الحفظ وتقويته والإعانة عليه. ويدخل في ذلك ما يسمى بالمساجلات، بأن تتلى على الحافظ آية، ثم يطلب منه أن يأتي بآية تبدأ بالحرف الذي ختمت به تلك الآية. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 117712 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 28 ما سر العدد 7 ومضاعفاته في القرآن الكريم والسنة النبوية؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما سر العدد 7 ومضاعفاته في القرآن والحديث]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا شك أن القرآن معجز، وأن أوجه إعجازه كثيرة , فمنها: الإعجاز البياني , والإعجاز التشريعي , والإعجاز الغيبي , وغير ذلك , وأن تحديه للإنس والجن أن يأتوا بمثله ما زال موجودا، قال الله تعالى: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) الإسراء/88. وقد تعرض ابن القيم رحمه الله في كتابه "زاد المعاد في هدى خير العباد" (4/90) للعدد سبعة عند كلامه على حديث الصحيحين: (من تصبح بسبع تمرات من تمر العالية لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر) فقال: وأما خاصية السبع فإنها وقعت قَدَراً وشرعاً، فخلق الله عز وجل السموات سبعا، والأرضين سبعا، والأيام سبعا، والإنسان كمل خلقه في سبعة أطوار، وشرع الله لعباده الطواف سبعا، والسعي بين الصفا والمروة سبعا، ورمي الجمار سبعا سبعا، وتكبيرات العيدين سبعا في الأولى، وقال صلى الله عليه وسلم: (مروهم بالصلاة لسبع) وإذا صار للغلام سبعُ سنين خُيِّر بين أبويه في رواية، وفى رواية أخرى: أبوه أحق به من أمه وفى ثالثة: أمه أحق به، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه أن يصب عليه من سبع قرب، وسخَّر الله الريح على قوم عاد سبع ليال، ودعا النبي صلى الله عليه وسلم أن يعينه الله على قومه بسبع كسبع يوسف، -أي سبع سنوات من الجدب - ومَثَّل الله سبحانه ما يضاعف به صدقة المتصدق بحبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة، والسنابل التي رآها صاحب يوسف سبعا، والسنين التي زرعوها سبعا، وتضاعف الصدقة إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ويدخل الجنة من هذه الأمة بغير حساب سبعون ألفا. ثم عَلَّق ابن القيم قائلا: فلا ريب أن لهذا العدد خاصية ليست لغيره، والسبعة جمعت معاني العدد كله وخواصه، فإن العدد شفع ووتر، والشفع أول وثان، والوتر كذلك، فهذه أربعة مراتب، شفع أول وثان، ووتر أول وثان، ولا تجتمع هذه المراتب فى أقل من سبعة، وهى عدد كامل جامع لمراتب العدد الأربعة، ثم قال: والله تعالى أعلم بحكمته وشرعه وقَدَره في تخصيص هذا العدد هل هو لهذا المعنى أو لغيره" انتهى. وعلى هذا؛ فالصواب التوقف عن الخوض في علة تخصيص هذا العدد بالذكر إلا بدليل صحيح صريح. ولمزيد الفائدة يراجع جواب السؤال رقم (69741) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 116594 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 29 تفسير قوله تعالى الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار [السُّؤَالُ] ـ[الآية رقم: (16) من سورة آل عمران، والآية التي تليها: (الذين يقولون ربنا إننا ءامنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار) . أريد منكم أعزكم الله تفسير الآيتين، وتفسير الآية (15) التي بدايتها (قل أؤنبئكم) وربط المعنى العام، وهل الصبر يليه في المنزلة الصدق، ثم القنوت، ثم الإنفاق في سبيل الله، ثم الاستغفار، أم ماذا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: تفسير السياق. هذه الآيات جاءت في سياق المقارنة بين شهوات الدنيا ونعيم الآخرة، فبعد أن ذكر الله عز وجل متاع الدنيا وما زين للناس فيها من ملذات، شرع في ذكر نعيم الآخرة، وأنه هو النعيم الحقيقي، والسعادة الأبدية، وقد بدأ الله عز وجل هذا السياق بصيغة الاستفهام التشويقي، فقال سبحانه وتعالى: (قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ. الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ) آل عمران/15-17. فمتاع الآخرة خالٍ من كل أذى وكدر، فإذا كان في الدنيا نساء وبنين، ففي الآخرة أزواج مطهرة من كل ما ينفر من نساء الدنيا، وفي هذا الوصف ارتفاع حقيقي على شهوات الأرض وملذاتها. وأعظم من ذلك كله (رضوان من الله) يعدل الحياة الدنيا والحياة الأخرى، فهو أعظم نعيم يتنعم به أهل الجنة، أن يحل عليهم رضوان الله وحبه ولطفه فلا يشقون بعده أبدا. ثم شرع سبحانه في بيان حقيقة العباد الذي يستحقون هذا النعيم الكبير، وهو سبحانه بصير بهم جميعا، فقال سبحانه: (الذين يقولون ربنا إننا آمنا، فاغفر لنا ذنوبنا، وقنا عذاب النار) وقولهم هذا ليس مقصودا لذاته، وإنما المقصود ذلك الإيمان والإقبال على الله تعالى، الذي يحيل حياة المؤمنين إلى تعلق تام بالله عز وجل، وذل وانكسار بين يديه سبحانه، حتى تغدو مغفرة الذنوب، والوقاية من النار أغلى أماني هؤلاء العباد المؤمنين. يقول ابن القيم رحمه الله: " أخبر سبحانه أن ذلك كله متاع الحياة الدنيا، ثم شوَّق عباده الى متاع الآخرة، وأعلمهم أنه خير من هذا المتاع وأبقى فقال: (قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) . ثم ذكر سبحانه من يستحق هذا المتاع ومن هم أهله الذين هم أولى به فقال: (الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ) ، فأخبر سبحانه أن ما أعد لأوليائه المتقين من متاع الآخرة خير من متاع الدنيا، وهو نوعان: ثواب يتمتعون به، وأكبر منه وهو رضوانه عليهم، قال تعالى: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً) ، فأخبر سبحانه عن حقيقة الدنيا بما جعله مشاهَدا لأولي البصائر، وأنها لعب ولهو تلهو بها النفوس وتلعب بها الأبدان، واللعب واللهو لا حقيقة لهما، وأنهما مشغلة للنفس، مضيعة للوقت، يُقطع بها الجاهلون، فيذهب ضائعا في غير شيء " انتهى. "عدة الصابرين" (ص/168) . ثانيا: تفسير المفردات. ذكر سبحانه وتعالى أوصاف عباده المتقين الذين أعد لهم في الجنة من النعيم ما لا يقارن بنعيم الدنيا، وذكر هذه الأوصاف ترغيبا في التحلي بها، والمحافظة على مضامينها. يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله: " يصف تعالى عباده المتقين الذين وعدهم الثواب الجزيل، فقال تعالى: (الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا) أي: بك، وبكتابك، وبرسولك. (فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا) أي: بإيماننا بك وبما شرعته لنا، فاغفر لنا ذنوبنا وتقصيرنا من أمرنا بفضلك ورحمتك. (وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) ثم قال: (الصَّابِرِين) أي: في قيامهم بالطاعات وتركهم المحرمات. (وَالصَّادِقِينَ) فيما أخبروا به من إيمانهم بما يلتزمونه من الأعمال الشاقة. (وَالقَانِتِينَ) والقنوت: الطاعة والخضوع. (والْمُنفِقِينَ) أي: من أموالهم في جميع ما أمروا به من الطاعات، وصلة الأرحام والقرابات، وسد الخَلّات، ومواساة ذوي الحاجات. (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأسْحَارِ) دل على فضيلة الاستغفار وقت الأسحار، وقد قيل: إن يعقوب عليه السلام لما قال لبنيه: (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي) يوسف/98، أنه أخرهم إلى وقت السحر، وثبت في الصحيحين وغيرهما من المساند والسنن من غير وجه، عن جماعة من الصحابة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ينزلُ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى في كُلِّ لَيْلَةٍ إلَى سمَِاءِ الدُّنيا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِر. فيقولُ: هَلْ مِنْ سَائل فأعْطِيَه؟ هَلْ مِنْ دَاع فَأسْتجيبَ له؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِر فأغْفِرَ لَهُ) الحديث " انتهى. ثالثا: البلاغة والبيان. ونبين هنا بعض الأمور البلاغية والبيانية في قوله سبحانه: (الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار) ، على طريقة السؤال والجواب، مسترشدين بكلام أهل العلم المفسرين. 1- لماذا ذكر الله تعالى هذه الأوصاف دون غيرها من أوصاف المؤمنين؟ يبين بعض المفسرين أن هذه الأوصاف الخمسة هي التي تجمع وتشمل جميع مقامات العبودية والمعاملة مع الله تعالى. يقول الإمام البيضاوي رحمه الله: " (الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار) : حصرٌ لمقامات السالك على أحسن ترتيب. فإن معاملته مع الله تعالى: إما توسل، وإما طلب. والتوسل: إما بالنفس: وهو منعها عن الرذائل وحبسها على الفضائل، والصبر يشملهما. وإما بالبدن: وهو إما قولي: وهو الصدق. وإما فعلي: وهو القنوت الذي هو ملازمة الطاعة. وإما بالمال: وهو الإِنفاق في سبل الخير. وأما الطلب: فبالاستغفار؛ لأن المغفرة أعظم المطالب، بل الجامع لها. "تفسير البيضاوي" (2/16) ويقول العلامة الطاهر ابن عاشور رحمه الله: " ذكر هنا أصول فضائل صفات المتدينين، وهي: الصبر: الذي هو ملاك فعل الطاعات وترك المعاصي. والصدق: الذي هو ملاك الاستقامة وبث الثقة بين أفراد الأمة. والقنوت: وهو ملازمة العبادات في أوقاتها، وإتقانها، وهو عبادة نفسية جسدية. والإنفاق: وهو أصل إقامة أَوَد الأمة بكفاية حاجة المحتاجين، وهو قربة مالية، والمال شقيق النفس. وزاد الاستغفار بالأسحار: وهو الدعاء والصلاة المشتملة عليه في أواخر الليل، والسحر سدس الليل الأخير؛ لأن العبادة فيه أشد إخلاصا، لما في ذلك الوقت من هدوء النفوس، ولدلالته على اهتمام صاحبه بأمر آخرته، فاختار له هؤلاء الصادقون آخر الليل لأنه وقت صفاء السرائر، والتجرد عن الشواغل " انتهى. "التحرير والتنوير" (3/43) . 2- لماذا جاءت هذه الأوصاف بالترتيب المذكور، هل لذلك سبب معين، وهل يدل ذلك على تفاضل هذه المقامات، أم أنها مقامات متساوية؟ قد يبدو للمتأمل أن هذا الترتيب جاء بسبب تفاضل المقامات المذكورة: فالصبر يقتضي حبس النفس على الطاعات وترك المعاصي، ولكن حبس النفس لا يؤجر عليه المرء إلا إذا كان صادقا مخلصا لله تعالى، فبدأ بـ " الصابرين " ثم: " والصادقين ". ثم قد ينقطع العبد عن صبره وصدقه، فيكسل عن العبادة، ويتأخر عن الترقي في مراتبها، فجاء وصف القنوت، وهو الدوام على العبادة والاستقامة، فقال سبحانه: " والقانتين "، ثم سمى سبحانه وتعالى بعض الطاعات التي أوجبت لهم أوصاف التقوى والصبر والمرتبة العالية: فذكر عز وجل: (المنفقين والمستغفرين بالأسحار) . يقول الفخر الرازي رحمه الله: " اعلم أن لله تعالى على عباده أنواعاً من التكليف، والصابر هو من يصبر على أداء جميع أنواعها. وكمال هذه المرتبة أنه إذا التزم طاعة أن يصدق نفسه في التزامه، وذلك بأن يأتي بذلك للملتزم من غير خلل ألبتة، ولما كانت هذه المرتبة متأخرة عن الأولى، لا جرم ذكر سبحانه الصابرين أولاً، ثم قال: (الصادقين) ثانياً. ثم إنه تعالى ندب إلى المواظبة على هذين النوعين من الطاعة، فقال: (والقانتين) . فهذه الألفاظ الثلاثة للترغيب في المواظبة على جميع أنواع الطاعات. ثم بعد ذلك ذكر الطاعات المعينة، وكان أعظم الطاعات قدراً أمران: أحدهما: الخدمة بالمال، فذكر هنا بقوله: (والمنفقين) . والثاني: الخدمة بالنفس، فذكره هنا بقوله: (والمستغفرين بالأسحار) . فإن قيل: فلم قدم ههنا ذكر المنفقين على ذكر المستغفرين؟ قلنا: لأن هذه الآية في شرح عروج العبد من الأدنى إلى الأشرف، فلا جرم وقع الختم بذكر المستغفرين بالأسحار " انتهى باختصار. "مفاتيح الغيب" (7/176-177) . هذا وقد ذكر المفسرون كلاما دقيقا في سر العطف بالواو بين هذه الأوصاف، لا نحب أن نطيل به على القارئ الكريم، فمن أحب الاستزادة منه فليرجع إلى التفاسير السابق ذكرها في هذا الجواب. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114969 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 30 معنى حديث قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن [السُّؤَالُ] ـ[فيما يخص جوابك على السؤال رقم 4156 البند رقم 2، إذن فلن يكون هناك حاجة لتعلم القرآن بكامله , أو حتى لقراءته في شهر رمضان.. إلخ، كل ما تحتاج إليه هو أن تقرأ سورة الإخلاص. أظن أنك أخطأت. فسورة الإخلاص تعادل ثلث القرآن. إنه من المدهش أن نعتقد أن قراءة سورة الإخلاص 3 مرات تمنحك بركة قراءة القرآن "بأكمله"، وإذن فلن تكون هناك فائدة من قراءة القرآن كاملا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: هذه بعض الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، والتي فيها أن سورة (قل هو الله أحد) تعدل ثلث القرآن. روى البخاري (6643) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلًا سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ يُرَدِّدُهَا فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، وَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا [أي يراها قليلة] فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ) . وروى مسلم (811) عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ فِي لَيْلَةٍ ثُلُثَ الْقُرْآنِ؟ قَالُوا: وَكَيْفَ يَقْرَأْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ. قَالَ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ. وروى مسلم (812) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: احْشُدُوا فَإِنِّي سَأَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ فَحَشَدَ مَنْ حَشَدَ، ثُمَّ خَرَجَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ثُمَّ دَخَلَ، فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ: إِنِّي أُرَى هَذَا خَبَرٌ جَاءَهُ مِنْ السَّمَاءِ، فَذَاكَ الَّذِي أَدْخَلَهُ، ثُمَّ خَرَجَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي قُلْتُ لَكُمْ سَأَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ، أَلَا إِنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ. ثانياً: فضل الله واسع، فقد تفضَّل الله على الأمة، وعوَّض قِصَر عمرها بمزيد من الأجر على أعمال يسيرة. والعجيب أن بعض الناس بدلاً من أن يكون ذلك دافعاً له على الازدياد من الخير والحرص عليه تحوَّل هذا عنده إلى فتور وكسل عن أداء الطاعات، أو تَعَجُّبٍ واستبعادٍ لهذا الفضل والثواب. وأما معنى الحديث: فهناك فرق بين الجزاء والإجزاء. والذي أوقع الأخ السائل في الإشكال هو عدم التفريق بينهما. فالجزاء: هو الثواب الذي يعطيه الله تعالى على الطاعة. والإجزاء: هو أن يسدَّ الشيء عن غيره ويجزئ عنه. فقراءة {قل هو الله أحد} لها جزاء قراءة ثلث القرآن، لا أنها تجزئ عن قراءة ثلث القرآن. فمن نذر – مثلاً – أن يقرأ ثلث القرآن، فلا يجزئه قراءة {قل هو الله أحد} لأنها تعدل ثلث القرآن في الجزاء والثواب لا في الإجزاء والإغناء عن قراءة ثلث القرآن. ومثل هذا يقال في قراءتها ثلاث مرات، فمن قرأها في صلاته ثلاث مرات لا تجزئه عن قراءة الفاتحة، مع أنه يُعطى جزاء وأجر قراءة القرآن كاملاً، لكن لا يعني هذا أنها أجزأته عن الفاتحة. ومثل هذا في الشرع: ما أعطاه الشارع لمن صلَّى صلاة واحدة في الحرم المكي، وأنه له أجر مائة ألف صلاة، فهل يفهم أحد من هذا الفضل الرباني أنه لا داعي للصلاة عشرات السنين لأنه صلَّى صلاة واحدة في الحرم تعدل مائة ألف صلاة؟ . بل هذا في الجزاء والثواب، أما الإجزاء فشيء آخر. ثم إنه لم يقل أحد من أهل العلم إنه ليس بنا حاجة لقراءة القرآن، وأن {قل هو الله أحد} كافية عنه؛ ذلك أن القول الصحيح من أقوال أهل العلم أن هذه السورة كان لها هذا الفضل لأن القرآن أُنزل على ثلاثة أقسام: ثلث منها للأحكام، وثلث منها للوعد والوعيد، وثلث منها للأسماء والصفات. وهذه السورة جمعت الأسماء الصفات. هذا قول أبي العباس بن سريج واستحسنه شيخ الإسلام ابن تيمية في " مجموع الفتاوى " (17 / 103) . والمسلم لا غنى له عن الأمرين الآخرين وهما الأحكام والوعد والوعيد، ولا يتم له معرفتهما إلا بالنظر في كتاب الله كاملاً، ولا يمكن لمن يقف عند سورة " الصمد " أن يعرف هذين الأمرين. قال شيخ الإسلام رحمه الله: والثواب أجناس مختلفة كما أن الأموال أجناس مختلفة من مطعوم ومشروب وملبوس ومسكون ونقد وغير ذلك، وإذا ملك الرجل من أحد أجناس المال ما يعدل ألف دينار مثلا لم يلزم من ذلك أن يستغنيَ عن سائر أجناس المال، بل إذا كان عنده مال وهو طعام فهو محتاج إلى لباس ومسكن وغير ذلك، وكذلك إن كان من جنس غير النقد فهو محتاج إلى غيره، وإن لم يكن معه إلا النقد فهو محتاج إلى جميع الأنواع التي يحتاج إلى أنواعها ومنافعها، والفاتحة فيها من المنافع: ثناء ودعاء مما يحتاج الناس إليه ما لا تقوم {قل هو الله أحد} مقامه في ذلك، وإن كان أجرها عظيماً فذلك الأجر العظيم إنما ينتفع به صاحبه مع أجر فاتحة الكتاب ولهذا لو صلى بها وحدها بدون الفاتحة: لم تصح صلاته، ولو قدِّر أنه قرأ القرآن كله إلا الفاتحة: لم تصح صلاته لأن معاني الفاتحة فيها الحوائج الأصلية التي لابد للعباد منها. " مجموع الفتاوى " (17 / 131) . وقال رحمه الله: فالقرآن يحتاج الناس إلى ما فيه من الأمر والنهي والقصص، وإن كان التوحيد أعظم من ذلك، وإذا احتاج الإنسان إلى معرفة ما أُمر به وما نهي عنه من الأفعال أو احتاج إلى ما يؤمر به ويعتبر به من القصص والوعد والوعيد: لم يسدَّ غيرُه مسدَّه، فلا يسدُّ التوحيدُ مسدَّ هذا، ولا تسدُّ القصص مسدَّ الأمر والنهي ولا الأمر والنهي مسدَّ القصص، بل كل ما أنزل الله ينتفع به الناس ويحتاجون إليه. فإذا قرأ الإنسان {قل هو الله أحد} : حصل له ثوابٌ بقدر ثواب ثلث القرآن لكن لا يجب أن يكون الثواب من جنس الثواب الحاصل ببقية القرآن، بل قد يحتاج إلى جنس الثواب الحاصل بالأمر والنهي والقصص، فلا تسد {قل هو الله أحد} مسد ذلك ولا تقوم مقامه. ثم قال رحمه الله: فالمعارف التي تحصل بقراءة سائر القرآن لا تحصل بمجرد قراءة هذه السورة فيكون من قرأ القرآن كله أفضل ممن قرأها ثلاث مرات من هذه الجهة لتنوع الثواب، وإن كان قارئ {قل هو الله أحد} ثلاثاً يحصل له ثواب بقدر ذلك الثواب لكنه جنس واحد ليس فيه الأنواع التي يحتاج إليها العبد كمن معه ثلاثة آلاف دينار وآخر معه طعام ولباس ومساكن ونقد يعدل ثلاثة آلاف دينار فإن هذا معه ما ينتفع به في جميع أموره وذاك محتاج إلى ما مع هذا، وإن كان ما معه يعدل ما مع هذا، وكذلك لو كان معه طعام من أشرف الطعام يساوي ثلاثة آلاف دينار فإنه محتاج إلى لباس ومساكن وما يدفع به الضرر من السلاح والأدوية وغير ذلك مما لا يحصل بمجرد الطعام. " مجموع الفتاوى " (17 / 137 – 139) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 10022 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 31 القرآن الكريم هل هو من أنواع الشِّعْر أم من النثر أم هو شيء آخر؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكن القول بأن القرآن شكل من أشكال الشعر، مع العلم أنه يقال إن في القرآن مذكور أنه ليس بقول شاعر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ليس القرآن شعراً، ولم يكن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم شاعراً، بل وما ينبغي له، قال تعالى: (فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ. وَمَا لا تُبْصِرُونَ. إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ. وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ. وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ. تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الحاقة/38-43، وقال تعالى: (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ) يس/69. ثانياً: كلام العرب لا يخرج عن كونه شعراً ونثراً، ولا يعرف العرب غيرهما، وما يذكره بعض العلماء من وجود قسم ثالث وهو " السجع ": فهو داخل في النثر، وليس قسماً مستقلاًّ، حتى جاء الله تعالى بالقرآن، وأنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فبهرت كلماته عقول العرب، وأخذ أسلوبه بألبابهم، فتركهم في حيرة، فلا هو بالشعر الذي ينظمونه، ولا هو بالنثر الذي يقولونه، ومن قال منهم إنه " شعر ": فهو مكابر، كاذب، يعرف نفسه أنه غير صادق، أو أنه لا يعرف الشعر، ولو كان شعراً فما الذي منعهم من النظم على منواله؟! . ولذلك رأينا اعتراف الصادقين منهم أن القرآن ليس بشعر، ومن هؤلاء المعترفين بذلك: 1. أبو الوليد عتبة بن ربيعة: روى ابن إسحاق عن محمد بن كعب القرظي قال: حُدثت أن عتبة بن ربيعة - وكان سيِّداً -، قال يوماً - وهو في نادي قريش، ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد وحده -: يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد فأكلمه، وأعرض عليه أموراً لعله يقبل بعضها، فنعطيه أيها شاء ويكف عنَّا؟ وذلك حين أسلم حمزة رضي اللَّه عنه، ورأوا أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يكثرون، ويزيدون، فقالوا: بلى، يا أبا الوليد قم إليه، فكلمه، فقام إليه عتبة، حتى جلس إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال: يا ابن أخي إنك منَّا حيث قد علمت من السطة في العشيرة، والمكان في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم، فرقت به جماعتهم، وسفهت به أحلامهم، وعبت به آلهتهم ودينهم، وكفرت به من مضى من آبائهم، فاسمع مني أعرض عليك أموراً تنظر فيها، لعلك تقبل منها بعضها، قال: فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: قل يا أبا الوليد أسمع، قال: يا ابن أخي، إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً: جمعنا لك من أموالنا كيْ تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد به شرفاً: سودناك علينا حتى لا نقطع أمراً دونك، وإن كنت تريد به ملكاً: ملكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رِئياً تراه لا تستطيع رده عن نفسك: طلبنا لك الطب، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه، فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه - أو كما قال له - حتى إذا فرغ عتبة، ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يستمع منه، قال: أقد فرغت يا أبا الوليد؟ قال: نعم، قال: فاسمع مني، قال: أفعل، فقال: بسم اللَّه الرحمن الرحيم (حم. تَنزِيلٌ مِنْ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ. كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ. وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ) فصلت/ 1 – 5، ثم مضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فيها يقرؤها عليه، فلما سمعها منه عتبة أنصت لها، وألقى يديه خلف ظهره معتمداً عليهما يسمع منه، ثم انتهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى السجدة منها فسجد، ثم قال: قد سمعتَ يا أبا الوليد ما سمعت، فأنت وذاك، فقام عتبة إلى أصحابه، فقال بعضهم لبعض: نحلف باللَّه لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به، فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال: ورائي أني سمعت قولاً واللَّه ما سمعت مثله قط، واللَّه ما هو بالشعر، ولا بالسحر، ولا بالكهانة، يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي، خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه، فو اللَّه ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم، فإن تصبه العرب: فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب: فمُلكه ملككم، وعزُّه عزكم، وكنتم أسعد الناس به، قالوا: سحرك واللَّه يا أبا الوليد بلسانه، قال: هذا رأيي فيه، فاصنعوا ما بدا لكم. رواه البيهقي في " دلائل النبوة " (2 / 205) ، وأبو نعيم في " الدلائل " (1 / 304) وحسَّنه الألباني في التعليق على " فقه السيرة " للغزالي (ص 113) . 2. الشاعر أنيس الغفاري: قد روى مسلم (2473) من حديث أبي ذر رضي الله عنه: قصة إسلامه وإسلام أنيس أخيه، وفيها قال: (فقال أنيس: إن لي حاجة بمكة فاكفني - أي: ابق مع أمي - فانطلق أنيس، حتى أتى مكة، فراث علىَّ، ثم جاء، فقلت ما صنعت؟ قال: لقيت رجلا بمكة على دينك، يزعم أن الله أرسله، قلت: فما يقول الناس؟ قال: يقولون: شاعر، كاهن، ساحر وكان أنيس أحد الشعراء. قال أنيس لقد سمعت قول الكهة فما هو بقولهم، ولقد وضعت قوله على أقراء الشعر - (أي على أنواع الشعر وطرقه وأوزانه، واحدها: قَرْء) - فما يلتئم على لسان أحد بعدي أنه شعر - أي: إنه ليس بشعر - والله إنه لصادق وإنهم لكاذبون ... ) . قال أبو العباس القرطبي – رحمه الله -: ومعنى الكلام: أنه لما اعتبر القرآن بأنواع الشعر: تبيَّن له أنه ليس من أنواعه، ثم قطع: بأنه لا يصح لأحد أن يقول: إنه شِعر. " المفهم لما أشكل من تلخيص صحيح مسلم " (6 / 394) . ثالثاً: إذا كان القرآن ليس شعراً، كما نفاه الله تعالى عنه، ونفاه عنه الشعراء الصادقون، فهل هو من النثر؟ والجواب: لا، ولا هو من النثر، ومن تأمل في كتاب الله تعالى حق التأمل، وكان له ذوق لغوي وبلاغي: علم أنه ليس من النثر، بل هو قسم ثالث من أقسام الكلام في لغة العرب، وقد اعترف بهذا كبار الأدباء قديماً وحديثاً، ونذكر هنا شهادة رجل من الأدباء، وله موقف معروف من الشرع، وهو " طه حسين " وشهادته هنا مهمة؛ لأنه من أهل الاختصاص من جهة، ومن جهة أخرى فهو لن يجامل أحداً! ومما قاله طه حسين: ولكنكم تعلمون أن القرآن ليس نثراً، كما أنه ليس شعراً، إنما هو قرآن، ولا يمكن أن يسمَّى بغير هذا الاسم، ليس شعراً، وهذا وضع، فهو لم يتقيد بقيود الشعر، وليس نثراً؛ لأنه مقيّد بقيود خاصة به، لا توجد في غيره، فهو ليس شعراً، ولا نثراً، ولكنه: (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) ، فلسنا نستطيع أن نقول: إنه نثر، كما نص على أنه ليس شعراً. كان وحيدا في بابه، لم يكن قبله، ولم يكن بعده مثله، ولم يحاول أحد أن يأتي بمثله، وتحدى الناس أن يحاكوه، وأنذرهم أن لن يجدوا إلى ذلك سبيلاً ... . " من حديث الشعر والنثر " - الأعمال الكاملة – (5 / 577) بواسطة مقال " حول إعجاز القرآن الكريم، الابتداء بالأسلوب " (من ص 75 - 84) للدكتور علي حسن العماري، نشر في مجلة " الجامعة الإسلامية " العدد 24،، ربيع الثاني 1394هـ. وهذا المقال نفيس، وفيه بيان المسألة بوضوح وجلاء، ومما قاله الدكتور الفاضل فيه: فمشركو العرب ادَّعوا أن القرآن شعر، وادعوا أنه كهانة، ومعنى هذا: أن شبه القرآن عندهم بالشعر، وبكلام الكهان هو الذي يمكن أن يذيعوه، وهم حريصون على أن يقولوا ما يمكن أن يُصدّقوا فيه، فهم - بذلك - يقرون أنه ليس كسائر الكلام، وإنما هو نوع خاص منه، وقد نفى بعض فصحائهم أن يكون القرآن شعراً، أو أن يكون قول كاهن، كما نفى القرآن الكريم ذلك، فثبت أن القرآن في أسلوبه وطريقة أدائه ومبناه الكلي: مخالف لكلام العرب، ومتميز عنه، وإن كانت ألفاظه ألفاظهم، وتراكيبه تراكيبهم. وقال: ذكر " عيسى بن علي الرماني " (متوفى 386 هـ) في رسالته " النكت في إعجاز القرآن " أن القرآن جاء بأسلوب جديد حيث قال: " وأما نقض العادة: فإن العادة كانت جارية بضروب من أنواع الكلام معروفة: منها الشعر، ومنها السجع، ومنها الخطب، ومنها الرسائل، ومنها المنثور الذي يدور بين الناس في الحديث، فأتى القرآن بطريقة مفردة خارجة عن العادة لها منزلة في الحسن، تفوق كل طريقة " انتهى. وقال الدكتور الفاضل: وسار على هذا المنهج أبو بكر الباقلاني، فأطال القول في هذا المعنى، ومن ذلك قوله: " إنه نظم خارج عن جميع وجوه النظم المعتاد في كلامهم، ومباين لأساليب خطابهم، ومن ادعى ذلك: لم يكن له بدٌّ من أن يصحح أنه ليس من قبيل الشعر، ولا من قبيل السجع، ولا الكلام الموزون غير المقفى؛ لأن قوماً من كفار قريش ادعوا أنه شعر، ومن الملحدة من يزعم أن فيه شعراً، ومن أهل الملة من يقول: إنه كلام مسجع، إلا أنه أفصح مما قد اعتادوه من أسجاعهم، ومنهم من يدعي أنه كلام موزون، فلا يخرج بذلك عما يتعارفونه من الخطاب " انتهى. فتبين مما سبق أن القرآن كلام الله تعالى، أحكم آياته، وفصَّلها، وبيَّنها، بكلام عربي مبين، وليس هو على طريقة ما عرفه العرب من الشعر، والنثر، بل هو قرآن، قسم خاص، لا يشبه الشعر والنثر، ولا يشبهانه. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114028 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 32 علم المكي والمدني من سور القرآن الكريم [السُّؤَالُ] ـ[ما الفرق بين السور المكية والسور المدنية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عناية المسلمين بالقرآن الكريم عناية فائقة، ولا يعرف كتاب على وجه الأرض نال من الدراسة والشرح والبيان ما ناله القرآن، حتى أنشأ العلماء مئات العلوم المستقلة المتعلقة به، كان من أهمها علم: " المكي والمدني ". ويمكن أن نوجز ببيان هذا العلم من علوم القرآن الكريم في المسائل الآتية: أولا: بيان معنى مصطلح: " المكي والمدني ". هو اصطلاح أطلقه العلماء ليميزوا بين الآيات والسور التي نزلت في المرحلة المكية للدعوة الإسلامية، وبين ما نزل في المرحلة المدنية، فاشتهر بين أكثر أهل العلم هذا التقسيم، وجعلوا مناطه ومداره على الزمان، وليس على المكان: فالمكي من الآيات والسور: ما نزل قبل الهجرة النبوية، سواء كان في مكة أو ضواحيها. والمدني من الآيات والسور: ما نزل بعد الهجرة النبوية، سواء كان مكان نزوله المدينة، أو مكة بعد فتحها، أو أي مكان في الجزيرة ذهب إليه النبي صلى الله عليه وسلم. ثانيا: أهمية هذا العلم وفوائده. 1- معرفة الناسخ من المنسوخ: وهذه فائدة عظيمة مفيدة في فهم القرآن وبيانه، فالنسخ – وهو إزالة حكم الآية بحكم جديد – واقع في القرآن، ولتحديد الآية الناسخة لا بد من معرفة زمان نزولها، هل هو قديم في بداية الإسلام، أو متأخر، فتكون الآية المدنية ناسخة للمكية، إذا ثبت وقوع النسخ في حكمها. 2- معرفة تاريخ التشريع ومراحله، وتلمس الحكمة في تدرج أحكامه وآياته، حتى بلغت الكمال في آخر العهد النبوي، ولا شك أن معرفة مراحل التشريع مفيدة جدا في فهم الشريعة ومقاصد القرآن وحكمته. 3- الوصول إلى الفهم الصحيح لآيات القرآن وسوره، لأن معرفة تاريخ النزول وظرف الآيات يساعد كثيرا على فهمها واستجلاء مقاصدها، فمن قطع النصوص عن سياقها الزماني أو المكاني فقد قطع على نفسه سبيل الحقيقة والفهم السليم. 4- ومن فوائده بيان عظيم عناية المسلمين بالقرآن الكريم، حيث لم يحفظوا نصوصه فقط، بل حفظوا ونقلوا الزمن الذي نزلت فيه، ليكون ذلك شاهدا على الثقة المطلقة التي يمنحها المؤمنون لهذا الكتاب العظيم. 5- التذوق اللغوي لأساليب البيان العالية في القرآن الكريم، فقد تميزت سور كل مرحلة مكية أو مدنية بأساليب بيانية تناسب ما تضمنته من معاني ومقاصد، وكل هذه الأساليب لها من الرونق والبريق ما يأخذ الألباب ويدهش الأسماع، ومعرفة المكي والمدني يساعد على هذا التذوق ويقربه للأذهان. 6- معرفة السيرة النبوية، فقد استغرق تنزل القرآن الكريم ثلاثة وعشرين عاما، رافق فيها جميع الأحداث التي مر بها النبي صلى الله عليه وسلم، فكان فهم " المكي والمدني " رافدا من روافد علم السيرة النبوية، ومكملا لدراساته. ثالثا: الفرق بين المكي والمدني. تبين للعلماء – بعد تأمل السور المكية والسور المدنية – أن ثمة فرقا في الغالب بينهما من جهتين اثنتين: المضمون، والأسلوب. يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " يتميز القسم المكي عن المدني من حيث الأسلوب والموضوع: أ- أما من حيث الأسلوب فهو: 1- الغالب في المكي قوة الأسلوب، وشدة الخطاب؛ لأن غالب المخاطبين معرضون مستكبرون، ولا يليق بهم إلا ذلك، أقرأ سورتي المدثر، والقمر. أما المدني: فالغالب في أسلوبه اللين، وسهولة الخطاب؛ لأن غالب المخاطبين مقبلون منقادون، أقرا سورة المائدة. 2- الغالب في المكي قصر الآيات، وقوة المحاجة؛ لأن غالب المخاطبين معاندون مشاقون، فخوطبوا بما تقتضيه حالهم، أقرا سورة الطور. أما المدني: فالغالب فيه طول الآيات، وذكر الأحكام مرسلة بدون محاجة؛ لأن حالهم تقتضي ذلك، أقرأ آية الدين في سورة البقرة. ب- وأما من حيث الموضوع فهو: 1- الغالب في المكي تقرير التوحيد والعقيدة السليمة، خصوصا ما يتعلق بتوحيد الألوهية والإيمان بالبعث؛ لأن غالب المخاطبين ينكرون ذلك. أما المدني: فالغالب فيه تفصيل العبادات والمعاملات؛ لأن المخاطبين قد تقرر في نفوسهم التوحيد والعقيدة السليمة، فهم في حاجة لتفصيل العبادات والمعاملات. 2- الإفاضة في ذكر الجهاد وأحكامه والمنافقين وأحوالهم في القسم المدني لاقتضاء الحال، ذلك حيث شرع الجهاد وظهر النفاق، بخلاف القسم المكي " انتهى. "أصول التفسير" (ص/13) ويقول الدكتور مناع القطان رحمه الله: " استقرأ العلماء السور المكية والسور المدنية، واستنبطوا ضوابط قياسية لكل من المكي والمدني، تبين خصائص الأسلوب والموضوعات التي يتناولها، وخرجوا من ذلك بقواعد ومميزات: ضوابط المكي ومميزاته الموضوعية: 1- كل سورة فيها سجدة فهي مكية. 2- كل سورة فيها لفظ " كلا " فهي مكية، ولم ترد إلا في النصف الأخير من القرآن. وذُكرت ثلاثًا وثلاثين مرة في خمس عشرة سورة. 3- كل سورة فيها: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) ، وليس فيها: (يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواُ) فهي مكية، إلا سورة الحج، ففي أواخرها: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا) ، ومع هذا فإن كثيرًا من العلماء يرى أن هذه الآية مكية كذلك. 4- كل سورة فيها قصص الأنبياء والأمم الغابرة فهي مكية، سوى البقرة. 5- كل سورة فيها آدم وإبليس فهي مكية، سوى البقرة كذلك. ضوابط المدني ومميزاته الموضوعية: 1- كل سورة فيها فريضة أو حد فهي مدنية. 2- كل سورة فيها ذكر المنافقين فهي مدنية، سوى العنكبوت، فإنها مكية. 3- كل سورة فيها مجادلة أهل الكتاب فهي مدنية. هذا من ناحية الضوابط، أما من ناحية المميزات الموضوعية، وخصائص الأسلوب، فيمكن إجمالها فيما يأتي: 1- بيان العبادات، والمعاملات، والحدود، ونظام الأسرة، والمواريث، وفضيلة الجهاد، والصلات الاجتماعية، والعلاقات الدولية في السلم والحرب، وقواعد الحكم، ومسائل التشريع. 2- مخاطبة أهل الكتاب من اليهود والنصارى، ودعوتهم إلى الإسلام، وبيان تحريفهم لكتب الله، وتجنيهم على الحق، واختلافهم من بعد ما جاءهم العلم بغيًا بينهم. 3- الكشف عن سلوك المنافقين، وتحليل نفسيتهم، وإزاحة الستار عن خباياهم، وبيان خطرهم على الدين. 4- طول المقاطع والآيات في أسلوب يقرر الشريعة ويوضح أهدافها ومراميها " انتهى. "مباحث في علوم القرآن" (62-64) وأخيرا: من أراد التفصيل في هذا العلم، والاطلاع على كلام العلماء وتعدادهم للسور المكية والمدنية، واختلافهم في بعضها، وكذلك الجواب على الشبه الساقطة التي أوردها المستشرقون حول هذا الموضوع، فنحيله إلى المراجع الآتية: "البرهان في علوم القرآن" للزركشي (1/187-206) ، "الإتقان في علوم القرآن" (1/34-59) ، "مناهل العرفان في علوم القرآن" لمحمد عبد العظيم الزرقاني (1/135-167) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 113148 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 33 حكم الإنصات لقارئ القرآن من المسجل، وهل يقرأ مع القارئ؟ [السُّؤَالُ] ـ[عادة إذا كنت أسمع لشيخ يقرأ القرآن في الإذاعة، أو المسجل، أو التلفاز: أردد معه الآيات في نفس وقت قراءته، وأسترجع بذلك حفظي، أو أشجع نفسي، ويكون بذلك إنصاتي أقوى، وتدبري أفضل، مع تعلمي للقراءة الصحيحة، إلا أن هناك من نهاني من ذلك مستشهداً بقوله تعالى: (لا تحرك به لسانك لتعجل به) ، وقوله: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) فهل عملي خاطئ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: سبق في جواب السؤال رقم: (88728) أن ذكرنا اختلاف العلماء في حكم الإنصات لقراءة قارئ القرآن خارج الصلاة، وأن من العلماء من قال بالوجوب، ومنهم من قال بالاستحباب، وهو ما رجحناه. وعلى هذا؛ فإذا كانت القراءة مسجلة فلا يجب الإنصات لها. وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: هل السامع للقارئ في الشريط له حكم سامع القارئ العادي تلاوةً، من وجوب الإنصات إليه؟ فأجاب: "إذا سجل الإنسان في الشريط: فقد انتهى من أول مرة , وانقطع أجره وثوابه , اللهم إلا أن ينتفع أحد بالاستماع إلى صوته عبر الشريط، فيؤجر على هذا الانتفاع , أما بالنسبة للاستماع إليه: فلا يجب الاستماع إليه، ولا إلى القارئ مباشرة، قال الإمام أحمد رحمه الله في قوله تعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) الأعراف/ 204: قال: أجمعوا على أن هذا في الصلاة، يعني: إذا كان المأموم خلف الإمام , أما الإنسان يقرأ إلى جنبك، وأنت مشغول بذكرك الخاص: فإنه لا يجب عليك الإنصات، ثم إذا فرض أن هذا القارئ عبر الشريط مر بآية سجدة هل تسجد؟ الجواب: لا تسجد إذا مر بآية سجدة. أولاً: لأنه لم يسجد هو .... فالحاصل: أن الاستماع إلى القراءة من الشريط ليست كالاستماع من القارئ المباشر , وأيضاً لا يجب الإنصات، لا للشريط، ولا للقارئ المباشر؛ لأن قوله تعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) الأعراف/ 204 - كما سمعتم - قال الإمام أحمد: أجمعوا أن ذلك في الصلاة" انتهى. " لقاءات الباب المفتوح " (118 / السؤال رقم 4) . ثانياًَ: الترديد مع القارئ من أجل إتقان القراءة، أو من أجل مراجعة الحفظ: أمرٌ لا حرج في فعله. فقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: ما حكم القراءة مع القارئ الذي من المسجل، وهل هذا يخالف قول الله تعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) الأعراف/ 204؟ . فأجاب: "إذا كان للحفظ: فلا بأس به، وإذا كان لغيره: فيقال: الأفضل أن تنصت" انتهى. " الفتاوى الثلاثية ". وأما قوله تعالى: (لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ. إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) القيامة/ 16، 17: فإن الذي نهى عنه الله تعالى رسولَه صلى الله عليه وسلم هو العجلة بالقراءة مع جبريل من أجل أن يحفظ ما يُلقى إليه من الوحي، فليس في الآية ما يدل على النهي عن القراءة مع القارئ إذا كان ذلك من أجل المراجعة أو إتقان التلاوة. قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: "قوله تعالى: (وَلاَ تَعْجَلْ بالقرآن مِن قَبْلِ إَن يقضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً) : كان النَّبي صلى الله عليه وسلم إذا جاءه جبريل بالوحي كلما قال جبريل آية قالها معه صلى الله عليه وسلم، من شدة حرصه على حفظ القرآن، فأرشده الله في هذه الآية إلى ما ينبغي، فنهاه عن العجلة بقراءة القرآن مع جبريل، بل أمره أن ينصت لقراءة جبريل حتى ينتهي، ثم يقرؤه هو بعد ذلك، فإن الله ييسر له حفظه، وهذا المعنى المشار إليه في هذه الآية أوضحه الله في غير هذا الموضع، كقوله في " القيامة ": (لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ. إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ. فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فاتبع قُرْآنَهُ. ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) القيامة/ 16- 19، وقال البخاري في صحيحه: حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا أبو عوانة قال: حدثنا موسى بن أبي عائشة قال: حدثنا سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى: (لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) قال: كان رسول الله صلى الله لعيه وسلم يعالج من التنزيل شدة، وكان مما يحرك شفتيه، فقال ابن عباس: فأنا أحركهما لكم كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحركهما. وقال سعيد: أنا أحركهما كما رأيت ابن عباس يحركهما، فحرك شفتيه. فأنزل الله تعالى: (لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) قال: جمعه لك في صدرك، ونقرأه (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فاتبع قُرْآنَهُ) قال: فاستمع له وأنصت (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) ثم علينا أن نقرأه، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إذا أتاه جبريل استمع، فإذا انطلق جبريل قرأه النَّبي صلى الله عليه وسلم كما قرأه" انتهى. " أضواء البيان " (4 / 174) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112763 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 34 هل يترك قراءة القرآن اكتفاءاً بقراءة سورة الإخلاص ثلاث مرات؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا كانت قراءة سورة الإخلاص ثلاث مرات تعادل ثواب قراءة القرآن فهل على المسلم إثم إذا ترك تلاوة القرآن اكتفاء بقراءة هذه السورة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الدين النصيحة) ثلاثا، فقيل: لمن يا رسول الله؟ قال: (لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) . والنصيحة لكتاب الله تعالى تكون بتلاوته، وتدبر آياته، والاتعاظ بمواعظه، والوقوف عند حدوده، بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، ولا شك أن الاكتفاء بقراءة سورة الإخلاص دون سائر كتاب الله لا يتفق مع النصيحة لكتاب الله، ولا يتأتى لمن يكتفي بذلك النصح لنفسه بما يحصل له من تلاوة كتاب الله من الأجر والمثوبة، وزيادة الإيمان، ومعرفة الأحكام من الحلال والحرام، والواجب والمسنون والمكروه، والتأدب بآداب القرآن، والتخلق بأخلاقه، وكفى بانتقاص العبد هذه الأمور زاجرا عن ترك تلاوة كتاب الله، والرسول صلى الله عليه وسلم مع علمه بفضل هذه السورة، وإخباره بأنها تعدل ثلث القرآن، وزيادة حرصه على عظم الأجر والثواب، لم يقتصر على تلاوة هذه السورة، بل كان يداوم على تلاوة سائر كتاب الله، وقد قال الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) الأحزاب/21. وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن منيع. "فتاوى اللجنة الدائمة" (4/29-30) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112093 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 35 كتابة آيات من القرآن ومحوها بالماء ثم شربها [السُّؤَالُ] ـ[بعض الناس يكتبون آيات من القرآن ويمحونها بالماء ويشربونها، وإذا اعترض عليهم قالوا: إنه كلام الله نستشفي به. هل يجوز هذا العمل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "هذا العمل جائز، يجوز للإنسان أن يكتب القرآن بمداد يجوز شربه، ثم يوضع هذا المكتوب في ماء ويرج ثم يشرب، وقد كان بعض السلف يفعلون هذا، ويفعلونه في الأواني كالصحون وما أشبهها، إذا فعل الإنسان ذلك فله سلف فيه، وقد يستدل لهذا بعموم قول الله تبارك وتعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) الإسراء/82، فإذا استشفي بالقرآن على هذا الوجه، وجُرِّبَ وصار نافعاً فإنه يدخل في عموم هذه الآية الكريمة" انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. "اللقاء المفتوح" (ص112) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112110 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 36 هل تقرأ البسملة في وسط السورة؟ [السُّؤَالُ] ـ[البسملة في وسط السورة بعض الفقهاء رحمهم الله قالوا: إنها مستحبة؛ لأنه كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع أو أبتر) فهل هي مستحبة، أو غير مشروعة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الصحيح أن البسملة إذا قرأ الإنسان من أثناء السورة لا تستحب؛ لأن الله قال في كتابه: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) النحل/98، ولم يأمر بسوى ذلك، فما دامت المسألة فيها نص خاص بأن المطلوب ممن أراد قراءة القرآن أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم فإن هذا يخصص العام وهو قوله: (كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر) " انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. "لقاءات الباب المفتوح" (1/177) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112111 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 37 أخوف آية في القرآن العظيم [السُّؤَالُ] ـ[ما صحة هذا الكلام، وما مدى صدقه، فقد ذكر بمنتديات كثيرة، واختلفنا بين مؤيد ومعارض، ولم نجد مصدرا لصحة هذا الكلام ... فالرجاء إفادتنا بأسرع وقت ممكن، وجزاكم الله كل خير. السؤال هو: أكثر آيات القرآن تخويفا للمؤمنين، أتعلمون ما هي أخوف آية في القرآن؟ أتعلمون أن أخوف آية في القرآن هي قوله تعالى: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا) الفرقان/23، إنها حقا من أكثر آيات القرآن تخويفا للمؤمنين.. وتتحدث عن فئة من المسلمين تقوم بأعمال كجبال تهامة من حج، وصدقات، وقراءة قرآن، وأعمال بر كثيرة، وقيام ليل، ودعوة، وصيام، وغيرها من الأعمال.. وإذا بالله تعالى ينسف هذه الأعمال فيكون صاحبها من المفلسين! وذلك لأن عنصر الإخلاص كان ينقص تلك الأعمال، فليس لصاحب تلك الأعمال إلا التعب والسهر والجوع، ولا خلاص يوم القيامة من العذاب والفضيحة إلا بالإخلاص، ولا قبول للعمل إلا بالإخلاص. هذا ما يتم تناقله عبر المنتديات، وكثيرون يعارضون هذا الكلام، وأنه لا صحة له، ولا مصدر يصدقه، وآخرون يوافقونه. فما مدى صدقه، رجاء الإفادة، جزاكم الله كل خير.]ـ [الْجَوَابُ] أولا: التعبد لله عز وجل مبني على الإخلاص والاتباع، فهو أساس كل العبادات، وهو مقصد جميع الأنبياء، وعليه مدار الثواب والعقاب يوم القيامة، فمن عمل صالحا يقصد به وجه الله تعالى، من غير التفات إلى حظوظ دنيوية عاجلة كان من الفائزين، أما من راقب الجاه والمال والسمعة كان عمله وبالا عليه يوم القيامة. يقول ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (6/103) : " وقوله تعالى: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا) ، هذا يوم القيامة، حين يحاسب الله العباد على ما عملوه من خير وشر، فأخبر أنه لا يتحصل لهؤلاء المشركين من الأعمال - التي ظنوا أنها منجاة لهم – شيء؛ وذلك لأنها فقدت الشرط الشرعي: إما الإخلاص فيها، وإما المتابعة لشرع الله. فكل عمل لا يكون خالصا وعلى الشريعة المرضية فهو باطل. فأعمال الكفار لا تخلو من واحد من هذين، وقد تجمعهما معا، فتكون أبعد من القبول حينئذ؛ كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا) البقرة/264 " انتهى مختصرا. وقد اتفق أهل العلم على أن الرياء يحبط ثواب العمل المراءى به، لقوله عليه الصلاة والسلام: (قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ) رواه مسلم (2985) يقول النووي في "شرح مسلم" (18/116) : " والمراد: أن عمل المرائي باطل لا ثواب فيه، ويأثم به " انتهى. فلا شك أن مثل هذا الوعيد مخوف للمسلم أشد التخويف، ودافع له نحو مراقبة الإخلاص لله في قلبه، وقطع كل أسباب المراءاة والتسميع، وإلا فقد خسر أعماله التي راءى بها ولو كانت كأمثال الجبال. وللنظر في تفصيلات الفقهاء حول موضوع إحباط الثواب بالرياء ينظر "إحياء علوم الدين" للغزالي (4/384) أما حديث ثوبان رضي الله عنه المشهور، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا. قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا، أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ. قَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا) ، فهذا رواه ابن ماجه في سننه (رقم/4245) ، والروياني في "المسند" (1/425) ، والطبراني في "الأوسط" (5/46) و"الصغير" (1/396) ، وقال المنذري في "الترغيب والترهيب" (3/242) : " رواته ثقات " انتهى، وقال الألباني في "السلسلة الصحيحة": " إسناده صحيح " انتهى. والذي يبدو من حال هؤلاء هو الجرأة على معاصي السر، حين يستخفون من الناس، مع إظهار الصلاح والاستقامة أمام الناس. ثانيا: أما الأعمال التي أخلص العبد فيها لله سبحانه، ولم يقصد بها غير وجهه عز وجل، فهذه يكتب الله له به الحسنات، ويثيبه عليها في الجنة، ولا يحبطها وقوع الرياء في أعمال أخرى، ولا ارتكابه المعاصي في أبواب أخرى، فهو سبحانه لا يضيع أجر المحسنين، ولا يظلم مؤمنا حسنة عملها، وقد قرر ذلك في قاعدة عامة في سورة الزلزلة فقال: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) الزلزلة/7-8 يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – كما في "مجموع الفتاوى" (10/321) -: " صاحب الكبيرة إذا أتى بحسنات يبتغي بها رضا الله أثابه الله على ذلك وإن كان مستحقا للعقوبة على كبيرته. وعند أهل السنة والجماعة يُتقبل العمل ممن اتقى الله فيه فعمله خالصا لله موافقا لأمر الله، فمن اتقاه في عمل تقبله منه وإن كان عاصيا في غيره، ومن لم يتقه فيه لم يتقبله منه وإن كان مطيعا في غيره " انتهى باختصار. ثالثا: في القرآن الكريم الكثير من آيات الترهيب التي تتضمن من المعاني الثقيلة العظيمة التي تحدث في قلوب المؤمنين من تقوى الله والخوف من عقابه ما يكون له أكبر الأثر في ارتقائهم مدارج السالكين، وفوزهم بأعلى درجات النعيم. عن سفيان قال: " ما في القرآن آية أشد علي مِن (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) المائدة/68. " انتهى. وعن ابن سيرين: " لم يكن شيء عندهم أخوف من هذه الآية: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) البقرة/8 " انتهى. وعن أبي حنيفة: " أخوف آية في القرآن: (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) آل عمران/131 " انتهى. وعن الشافعي قوله تعالى (إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ. إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) العصر/2-3. وقيل إن أخوف آية في القرآن: (وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ) آل عمران/28، وقيل: (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ) الرحمن/31، وقيل: (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ) التكوير/26، وقيل: (مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ) النساء/123، وقيل: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ) المؤمنون/115، وقيل: (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ) البروج/12، وقيل: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) الجاثية/21 يمكن مراجعة هذه الأقوال في "الإتقان في علوم القرآن" للسيوطي (2/430) وفي "الحاوي" له أيضا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111414 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 38 حكم مس المصحف من الغلاف من غير وضوء [السُّؤَالُ] ـ[أود سؤالكم عن حكم لمس غلاف المصحف وأنا غير طاهرة؟ لأني سمعت أن المصحف الذي يكون مغلف بأخضر يجوز لمس غلافه إذا لم أكن طاهرة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله غلاف المصحف المتصل به إما بالخياطة أو اللصق أو غير ذلك له حكم المصحف فلا يجوز لغير المتوضئ أن يمسه، أما الغلاف المنفصل عن المصحف، كالجراب الذي يوضع فيه المصحف لحفظه، فلا حرج في مسه من غير وضوء. جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: "ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يمتنع على غير المتطهّر مس جلد المصحف المتّصل , والحواشي الّتي لا كتابة فيها من أوراق المصحف , والبياض بين السطور , وكذا ما فيه من صحائف خاليةٍ من الكتابة بالكلّيّة , وذلك لأنّها تابعة للمكتوب وذهب بعض الحنفيّة والشّافعيّة إلى جواز ذلك" انتهى. وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: "لا يجوز مس المصحف للمسلم إلا على طهارة من الحدثين الأكبر والأصغر، وهكذا نقله من مكان إلى مكان، إذا كان الناقل على غير طهارة. لكن إذا مسه أو نقله بواسطة، كأن يأخذه في لفافة أو في جرابه، أو بعلاقته فلا بأس، أما أن يمسه مباشرة وهو على غير طهارة فلا يجوز على الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم؛ لما تقدم، وأما القراءة فلا بأس أن يقرأ وهو محدث عن ظهر قلب، أو يقرأ ويمسك له القرآن من يرد عليه ويفتح عليه فلا بأس بذلك" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (10/149، 150) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 110808 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 39 نسخ التلاوة في القرآن الكريم [السُّؤَالُ] ـ[أعرف أن آيات من القرآن قد نسخت بآيات أخرى، بعض الآيات نسخت نسخ تلاوة، كآية الرجم مثلا، أريد أن أعرف كم آية في القرآن نسخت نسخ تلاوة؟ قرأت حديثا ورد في صحيح مسلم، أن سورا كاملة نسخت نسخ تلاوة، كانت تلك السور طويلة، ربما في طول سورة التوبة. (رجاء النظر في صحيح مسلم: كتاب الزكاة، باب لو كان لابن آدم وادٍ من ذهب أحب أن يكون له واديا آخر) . أريد أيضا أن أعرف هل تحدي الكفار في أن يأتوا بمثل القرآن متضمن للآيات المنسوخة؟ أسأل لأن الآية المذكورة في حديث صحيح مسلم لا تبدو لي كآية من القرآن إطلاقا!]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: ذهب جماهير الأصوليين والفقهاء والمحدثين والمفسرين إلى جواز وقوع نسخ التلاوة والرسم مع بقاء الحكم الشرعي المتضمن في الآية ثابتا. واستدلوا على ذلك بما نقل عن الصحابة رضوان الله عليهم من نصوص تدل على ذلك، ونحن نذكر هنا بعض ما وقفنا عليه من الأمثلة المنقولة: 1- نسخ تلاوة آية الرجم. دليله قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه – وهو يخطب الناس على المنبر -: (إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم بِالْحَقِّ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةُ الرَّجْمِ، فَقَرَأْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا، رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ، فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: وَاللَّهِ مَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِى كِتَابِ اللَّهِ. فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ. وَالرَّجْمُ فِى كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أُحْصِنَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوْ الاِعْتِرَافُ) رواه البخاري (6830) ومسلم (1691) . يقول أبو العباس أحمد بن عمر القرطبي رحمه الله: " وقول عمر: (كان مما أنزل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم آية الرَّجم، فقرأناها، ووعيناها، وعقلناها) ، هذا نصٌّ من عمر رضى الله عنه على أنَّ هذا كان قرآنًا يُتلى. وفي آخره ما يدلُّ على أنَّه نُسخً كَونُها من القرآن، وبقي حُكْمُها معمولاً به، وهو الرَّجم. وقال ذلك عمر بمحضرِ الصحابة رضى الله عنهم، وفي مَعْدن الوحي، وشاعت هذه الخطبة في المسلمين، وتناقلها الرُّكبان، ولم يسمع في الصحابة ولا فيمن بعدهم من أنكر شيئًا مِمَّا قاله عمر، ولا راجعه في حياته ولا بعد موته، فكان ذلك إجماعًا منهم على صحة هذا النوع من النسخ، وهو نسخ التلاوة مع بقاء الحكم، ولا يلتفت لخلاف من تأخر زمانه، وقل علمه في ذلك، وقد بيَّنا في الأصول: أن النسخ على ثلاثة أضرب: نسخ التلاوة، ونسخ الحكم مع بقاء التلاوة، ونسخ التلاوة مع بقاء الحكم " انتهى. "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (5/85) وانظر جواب السؤال رقم: (111382) . 2- نسخ تلاوة آية: (لا ترغبوا عن آبائكم، فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم) . دليله قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه – في تكملة الحديث السابق -: (ثُمَّ إِنَّا كُنَّا نَقْرَأُ فِيمَا نَقْرَأُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ: " أَنْ لاَ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ، فَإِنَّهُ كُفْرٌ بِكُمْ أَنْ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ، أَوْ إِنَّ كُفْرًا بِكُمْ أَنْ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ ") رواه البخاري (6830) ومسلم (1691) . يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله: " قوله: (ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله) أي: مما نسخت تلاوته، قوله: (لا ترغبوا عن آبائكم) ، أي: لا تنتسبوا إلى غيرهم " انتهى. "فتح الباري" (12/148) . 3- نسخ تلاوة آية: (ألا بلغوا عنا قومنا بأنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا) . دليله ما رواه قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ رضى الله عنه: (أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم أَتَاهُ رِعْلٌ وَذَكْوَانُ وَعُصَيَّةُ وَبَنُو لِحْيَانَ، فَزَعَمُوا أَنَّهُمْ قَدْ أَسْلَمُوا، وَاسْتَمَدُّوهُ عَلَى قَوْمِهِمْ، فَأَمَدَّهُمُ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم بِسَبْعِينَ مِنَ الأَنْصَارِ. قَالَ أَنَسٌ: كُنَّا نُسَمِّيهِمُ الْقُرَّاءَ، يَحْطِبُونَ بِالنَّهَارِ وَيُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ، فَانْطَلَقُوا بِهِمْ حَتَّى بَلَغُوا بِئْرَ مَعُونَةَ غَدَرُوا بِهِمْ وَقَتَلُوهُمْ، فَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَبَنِى لِحْيَانَ. قَالَ قَتَادَةُ: وَحَدَّثَنَا أَنَسٌ أَنَّهُمْ قَرَءُوا بِهِمْ قُرْآنًا: " أَلاَ بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا بِأَنَّا قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِىَ عَنَّا وَأَرْضَانَا "، ثُمَّ رُفِعَ ذَلِكَ بَعْدُ) انتهى. رواه البخاري (3064) . 4- نسخ تلاوة سورة طويلة، ذُكر أن مِن آياتها: (لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثا) . دليله عن أبي الأسود رحمه الله قال: (بَعَثَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ إِلَى قُرَّاءِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ ثَلَاثُ مِائَةِ رَجُلٍ قَدْ قَرَءُوا الْقُرْآنَ، فَقَالَ: أَنْتُمْ خِيَارُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَقُرَّاؤُهُمْ، فَاتْلُوهُ، وَلَا يَطُولَنَّ عَلَيْكُمْ الْأَمَدُ فَتَقْسُوَ قُلُوبُكُمْ كَمَا قَسَتْ قُلُوبُ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، وَإِنَّا كُنَّا نَقْرَأُ سُورَةً كُنَّا نُشَبِّهُهَا فِي الطُّولِ وَالشِّدَّةِ بِبَرَاءَةَ فَأُنْسِيتُهَا، غَيْرَ أَنِّي قَدْ حَفِظْتُ مِنْهَا: " لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لَابْتَغَى وَادِيًا ثَالِثًا، وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ "، وَكُنَّا نَقْرَأُ سُورَةً كُنَّا نُشَبِّهُهَا بِإِحْدَى الْمُسَبِّحَاتِ فَأُنْسِيتُهَا، غَيْرَ أَنِّي حَفِظْتُ مِنْهَا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ) فَتُكْتَبُ شَهَادَةً فِي أَعْنَاقِكُمْ فَتُسْأَلُونَ عَنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه مسلم (1050) ، يقول الحافظ ابن حجر في معرض الحديث عن إحدى الروايات التي تذكر هذه الآية (لو كان لابن آدم ... ) : " وهذا يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أخبر به عن الله تعالى على أنه من القرآن، ويحتمل أن يكون من الأحاديث القدسية، والله أعلم، وعلى الأول فهو مما نسخت تلاوته جزما، وإن كان حكمه مستمرا. ويؤيد هذا الاحتمال ما أخرج أبو عبيد في "فضائل القرآن" من حديث أبي موسى قال: " قرأت سورة نحو براءة فغبت وحفظت منها: ولو أن لابن آدم واديين من مال لتمنى واديا ثالثا" الحديث، ومن حديث جابر: " كنا نقرأ لو أن لابن آدم ملء واد مالا لأحب إليه مثله " انتهى. "فتح الباري" (11/258) . يقول أبو العباس القرطبي رحمه الله: " قوله: (كنا نقرأ سورة نشبهها في الطول والشدّة ببراءة فأنسيتها) وهذا ضرب من النسخ، فإن النسخ على مانقله علماؤنا على ثلاثة أضرب: أحدها: نسخ الحكم وبقاء التلاوة. والثاني: عكسه، وهو نسخ التلاوة وبقاء الحكم. والثالث: نسخ الحكم والتلاوة، وهو كرفع هاتين السورتين اللتين ذكرهما أبو موسى، فإنهما رُفِعَ حُكْمَهُما وتلاوتُهما. وهذا النسخ هو الذي ذكر الله تعالى حيث قال: (مَا نَنْسخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا) ، على قراءة من قرأها بضم النون، وكسر السين، وكذلك قوله تعالى: (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى إلا ما شاء الله) وهاتان السورتان مما شاء الله تعالى أن يُنْسِيَه بعد أن أنزله، وهذا لأن الله تعالى فعال لما يريد، قادر على ما يشاء؛ إذ كل ذلك ممكن. ولا يتوهم متوهم من هذا وشبهه أن القرآن قد ضاع منه شيء، فإن ذلك باطل؛ بدليل قوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزْلَنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) ، وبأن إجماع الصحابة ومن بعدهم انعقد على أن القرآن الذي تعبدنا بتلاوته وبأحكامه هو ما ثبت بين دفتي المصحف، من غير زيادة ولا نقصان، كما قررناه في أصول الفقه " انتهى. "المفهم" (3/93-94) ويقول السيوطي رحمه الله: " هذا من المنسوخ تلاوة الذي أشير إليه بقوله تعالى: (ما ننسخ من آية أو ننسها) ، فكان الله ينسيه الناس بعد أن حفظوه، ويمحوه من قلوبهم، وذلك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، إذ لا نسخ بعده " انتهى. "الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج" (3/129) 5- وأشياء آخرى متفرقة: يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله: " ثبت عن جماعة من الصحابة من ذكر أشياء نزلت من القرآن فنسخت تلاوتها وبقي حكمها أو لم يبق، مثل ... حديث أبي بن كعب: (كانت الأحزاب قدر البقرة) ، وحديث حذيفة: (ما يقرءون ربعها) يعني براءة، وكلها أحاديث صحيحة. وقد أخرج ابن الضريس من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه " كان يكره أن يقول الرجل قرأت القرآن كله، ويقول: إن منه قرآنا قد رفع ". وليس في شيء من ذلك ما يعارض حديث الباب؛ لأن جميع ذلك مما نسخت تلاوته في حياة النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى. "فتح الباري" (9/65) ثانيا: يجب الإيمان بأن لله الحكمة البالغة في هذا الشأن، فهو سبحانه منزه عن العبث، وله في خلقه وأمره حكم عالية رفيعة، قد نعلمها، وقد لا نعلمها، ولكن العلماء يحاولون دائما تلمس الحكم وتأملها استجابة لأمر الله سبحانه بالتفكر والتدبر في آياته عز وجل. يقول الزرقاني رحمه الله – في معرض الجواب عن الشبه التي يذكرها بعضهم في نسخ التلاوة دون الحكم -: " يقولون: إن الآية دليل على الحكم، فلو نسخت دونه لأشعر نسخها بارتفاع الحكم، وفي ذلك ما فيه من التلبيس على المكلف والتوريط له في اعتقاد فاسد. وندفع هذه الشبهة بان تلك اللوازم الباطلة، تحصل لو لم ينصب الشارع دليلا على نسخ التلاوة وعلى إبقاء الحكم، أما وقد نصب الدليل على نسخ التلاوة وحدها، وعلى إبقاء الحكم وتقرير استمراره، كما في رجم الزناة المحصنين، فلا تلبيس من الشارع على عبده ولا توريط. يقولون: إن نسخ التلاوة مع بقاء الحكم عبث لا يليق بالشارع الحكيم؛ لأنه من التصرفات التي لا تعقل لها فائدة؟ وندفع هذه الشبهة بجوابين: أحدهما: أن نسخ الآية مع بقاء الحكم ليس مجردا من الحكمة، ولا خاليا من الفائدة حتى يكون عبثا، بل فيه فائدة أي فائدة، وهي حصر القرآن في دائرة محدودة تيسر على الأمة حفظه واستظهاره، وتسهل على سواد الأمة التحقق فيه وعرفانه، وذلك سور محكم وسياج منيع يحمي القرآن من أيدي المتلاعبين فيه بالزيادة أو النقص؛ لأن اكلام إذا شاع وذاع وملأ البقاع ثم حاول أحد تحريفه سرعان ما يعرف، وشد ما يقابل بالإنكار، وبذلك يبقى الأصل سليما من التغيير والتبديل، مصداقا لقوله سبحانه: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) والخلاصة أن حكمة الله قضت أن تنزل بعض الآيات في أحكام شرعية عملية، حتى إذا اشتهرت تلك الأحكام نسخ سبحانه هذه الآيات في تلاوتها فقط، رجوعا بالقرآن إلى سيرته من الإجمال، وطردا لعادته في عرض فروع الأحكام من الإقلال، تيسيرا لحفظه، وضمانا لصونه، والله يعلم وأنتم لا تعلمون. ثانيهما: أنه على فرض عدم علمنا بحكمة ولا فائدة في هذا النوع من النسخ، فإن عدم العلم بالشيء لا يصلح حجة على العلم بعدم ذلك الشيء، وإلا فمتى كان الجهل طريقا من طرق العلم، ثم إن الشأن في كل ما يصدر عن العليم الحكيم الرحمن الرحيم أن يصدر لحكمة أو لفائدة نؤمن بها، وإن كنا لا نعلمها على التعيين، وكم في الإسلام من أمور تعبدية استأثر الله بعلم حكمتها، أو أطلع عليها بعض خاصته من المقربين منه، والمحبوبين لديه، وفوق كل ذي علم عليم، وما أوتيتم من العلم إلا قليلا. ولا بدع في هذا، فرب البيت قد يأمر أطفاله بما لا يدركون فائدته لنقص عقولهم، على حين أنه في الواقع مفيد، وهم يأتمرون بأمره، وإن كانوا لا يدركون فائدته، والرئيس قد يأمر مرؤوسيه بما يعجزون عن إدراك سره وحكمته، على حين أن له في الواقع سرا وحكمة وهم ينفذون أمره، وإن كانوا لا يفهمون سره وحكمته. كذلك شأن الله مع خلقه فيما خفي عليهم من أسرار تشريعه، وفيما لم يدركوا من فائدة نسخ التلاوة دون الحكم، ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم " انتهى. "مناهل العرفان" (2/156-158) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 110237 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 40 هل يقل الأجر إذا قرأ القرآن من الجوال أو من حفظه؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يقل الأجر إذا قرأت القرآن من الجوال أو من حفظي ولم أقرأ القرآن من المصحف؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأفضل في حال القراءة أن يفعل الإنسان ما يزداد به خشوعه، فإن كان يزيد خشوعه بالقراءة من حفظه، فهو أفضل، وإن كان يزيد خشوعه بالقراءة من المصحف أو من الجوال فهو أفضل. قال النووي رحمه الله في: "الأذكار" (ص 90-91) : " قراءة القرآن من المصحف أفضل من القراءة من حفظه، هكذا قال أصحابنا، وهو مشهور عن السلف رضي الله عنهم، وهذا ليس على إطلاقه، بل إن كان القارئ من حفظه يحصل له من التدبر والتفكر وجمع القلب والبصر أكثر مما يحصل من المصحف فالقراءة من الحفظ أفضل، وإن استويا فمن المصحف أفضل، وهذا مراد السلف " انتهى. وقد رويت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحاديث ضعيفة لا يصح الاستدلال بها في فضل النظر في المصحف، وينظر في ذلك جواب السؤال رقم 32594. وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: هل هناك فرق في الأجر بين قراءة القرآن من المصحف أو عن ظهر قلب؟ وإذا قرأت القرآن في المصحف فهل تكفي القراءة بالعينين أم لابد من تحريك الشفتين؟ وهل يكفي تحريك الشفتين أم لا بد من إخراج الصوت؟ فأجاب: "لا أعلم دليلا يفرق بين القراءة في المصحف أو القراءة عن ظهر قلب، وإنما المشروع التدبر وإحضار القلب، سواء قرأ من المصحف أو عن ظهر قلب، وإنما تكون قراءة إذا سمعها. ولا يكفي نظر العينين ولا استحضار القراءة من غير تلفظ. والسنة للقارئ أن يتلفظ ويتدبر، كما قال الله عز وجل: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) وقال عز وجل: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) وإذا كانت القراءة عن ظهر قلب أخشع لقلبه وأقرب إلى تدبر القرآن، فهي أفضل، وإن كانت القراءة من المصحف أخشع لقلبه، وأكمل في تدبره كانت أفضل، والله ولي التوفيق " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (24/352) . وبهذا يتبين أنه إذا قرأت القرآن في الجوال بخشوع وتدبر، لم ينقص أجرك عن قراءته في المصحف إن شاء الله، فالمدار كله على حضور القلب وانتفاعه بالقرآن. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109198 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 41 معنى التغني بالقرآن [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى التغني بالقرآن؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "جاء في السنة الصحيحة الحث على التغني بالقرآن، يعني تحسين الصوت به، وليس معناه أن يأتي به كالغناء، وإنما المعنى تحسين الصوت بالتلاوة، ومنه الحديث الصحيح: (مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ) وحديث: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ، يَجْهَرُ بِهِ) ومعناه: تحسين الصوت بذلك كما تقدم. ومعنى الحديث المتقدم: (ما أذن الله) أي: ما استمع الله (كإذنه) أي: استماعه، وهذا استماع يليق بالله لا يشابه صفات خلقه، مثل سائر الصفات، يقال في استماعه سبحانه وإذنه مثل ما يقال في بقية الصفات، على الوجه اللائق بالله سبحانه وتعالى، لا شبيه له في شيء سبحانه وتعالى، كما قال عز وجل: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) الشورى/11، والتغني: الجهر به مع تحسين الصوت والخشوع فيه، حتى يحرك القلوب، لأن المقصود تحريك القلوب بهذا القرآن، حتى تخشع، وحتى تطمئن، وحتى تستفيد، ومن هذا قصة أبي موسى الأشعري رضي الله عنه لما مر عليه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ، فجعل يستمع له عليه الصلاة والسلام، وقال: (لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ) فلما جاء أبو موسى أخبره النبي عليه الصلاة والسلام بذلك، قال أبو موسى: لو علمت يا رسول الله أنك تستمع إليّ لحبرته لك تحبيراً. ولم ينكر عليه النبي عليه الصلاة والسلام ذلك، فدل على أن تحبير الصوت وتحسين الصوت والعناية بالقراءة أمر مطلوب، ليخشع القارئ والمستمع، ويستفيد هذا وهذا" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله" (11/348- 350) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106525 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 42 ترديد الإمام لبعض آيات الرحمة أو العذاب [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم ترديد الإمام لبعض آيات الرحمة أو العذاب؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا أعلم في هذا بأساً، لقصد حث الناس على التدبر والخشوع والاستفادة، فقد روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه ردد قوله تعالى: (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) المائدة/118، رددها كثيراً عليه الصلاة والسلام. فالحاصل: أنه إذا كان لقصدٍ صالحٍ لا لقصد الرياء، فلا مانع من ذلك، لكن إذا كان يرى أن ترديده لذلك قد يزعجهم ويحصل به أصوات مزعجة من البكاء فترك ذلك أولى، حتى لا يحصل تشويش، أما إذا كان ترديد ذلك لا يترتب عليه إلا خشوع وتدبر وإقبال على الصلاة، فهذا كله خير" انتهى "مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله" (11/343، 344) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106529 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 43 وضع دعاء أو قرآن أو أذان لانتظار الرد على الاتصال [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم (خدمة صدى) وأقصد تحديدا وضع دعاء أو قرآن أو أذان لانتظار الرد أثناء الاتصال بشخص ما؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله خدمة "صدى" تسمح باختيار صوت معين يسمعه المتصل فقط، وبعض الناس يختار أن يكون هذا الصوت قرآناً أو أذاناً، أو دعاء ًَ، أو نشيداً مفيداً، وبعضهم يختار أن يكون أغنية أو موسيقى ..... إلخ. ولا بأس من حيث الأصل بهذه الخدمة، على أن يكون الصوت المختار ليسمعه المتصل شيئاً مباحاً أو مفيداً. ولا يجوز أن يكون هذا الصوت موسيقى أو أغنية هابطة، لما ثبت من تحريم الأغاني والموسيقى، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (5000) . وأما اختيار صوت قارئ يقرأ القرآن، فهذا قد يكون فيه نوع امتهان للقرآن الكريم، فإن الله تعالى أنزل القرآن ليُقرأ ويُتدبر ويُتعبد بتلاوته ويُعمل بما فيه. وكلام الله تعالى أعظم من أن نجعله مجرد وسيلة لشغل الفراغ أو التنبيه. وكذلك الأذان فإنه شرع للإعلام بأفضل وأهم عبادات الإسلام وهي الصلاة، فله من التعظيم والإجلال ما يليق به، فلا ينبغي استعماله في هذه الخدمة. أما الدعاء فالأمر فيه أهون. وقد سئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: ما رأيكم فيمن يضع في الجوال بدلا من الموسيقى أذان أو قراءة القرآن الكريم؟ فأجاب: "هذا امتهان للأذان والذكر والقرآن الكريم، فلا يتخذ لأجل التنبيه، ما يتخذ القرآن لأجل التنبيه. يقال: هذا خير من الموسيقى! فهل الموسيقى أنت ملزم بها؟! اترك الموسيقى، ضع شيئا منبها، لا فيه موسيقى ولا فيه قرآن، منبه فقط " انتهى من "مجلة الدعوة" عدد 2097. وينظر جواب السؤال رقم (34494) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105479 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 44 ضرب الأمثلة من القرآن [السُّؤَالُ] ـ[نسمع كثيراً من الناس يستخدمون الآيات القرآنية لضرب أمثلة أو ما شابه ذلك، كقوله: (لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ) الغاشية/7، وقوله: (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ) طه/55، ومن تلك الآيات القرآنية الكريمة التي لا يمكن التلفظ بها إلا لما يفيد وينفع، لا للسخرية والاستهتار، كالدارج على ألسنة بعض الناس، وما نسمعه أو نقرأه، فهل هذا جائز أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " لا بأس بالتمثيل بالقرآن، إذا كان ذلك لغرض صحيح، كأن يقول: هذا الشيء لا يسمن ولا يغني من جوع، أو يقول: منها خلقناكم وفيها نعيدكم، إذا أراد التذكير بحالة الإنسان مع الأرض وأنه خُلق منها ويعود إليها، فالتمثيل بالقرآن إذا لم يكن على وجه السخرية والاستهزاء فلا بأس به، أما إذا كان على وجه السخرية والاستهزاء - كما يقول السائل، فهذا يعتبر ردة عن الإسلام، لأن من استهزأ بالقرآن أو بشيء من ذكر الله عز وجل، فإنه يرتد عن دين الإسلام، كما قال تعالى: (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) التوبة/65، 66، فيجب تعظيم القرآن واحترامه، ولا يمنع هذا أن الإنسان يتمثل به على وجه نزيه، وعلى وجه طيب، لا مانع من ذلك، أما استعماله من باب السخرية والاستهزاء، فهذا ردة عن الإسلام" انتهى. والله تعالى أعلم. "مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (1/127) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105322 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 45 حرق أوراق المصحف الذي تمزق [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز حرق أوراق من المصحف الشريف إذا خيف عليها الامتهان؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، إذا تمزَّق المصحف وخُشي عليه من الامتهان وأصبح في حالة لا يمكن الانتفاع به والقراءة فيه، فلا بأس أن يُحرق أو أن يُدفن في أرض طاهرة، لأنَّ كلاً من الأمرين فعله الصحابة رضي الله عنهم فقد دفنوا المصاحف، وكذلك حرَّقوا المصاحف لمَّا جمعوا النَّاس على مصحفٍ واحد، وهو مصحف عثمان رضى الله عنه، حرَّقوا ما عداه من بقية المصاحف. فالمصحف إذا كان في حالةٍ لا يُمكن الانتفاع به لتمزقه، فإنَّه إمَّا أن يُدفن في مكان طاهر، وإمَّا أن يُحرق، وكلا الأمرين فعله صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ". "مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (1/127) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105326 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 46 بداية الاحتفالات والندوات بقراءة القرآن الكريم [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم بداية الاحتفالات والندوات والاجتماعات بقراءة شيء من القرآن الكريم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس ذلك من السنة، فلم يكن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ـ فيما نعلم ـ، فالمداومة على ذلك يدخل في الابتداع في الدين. وخير الهدي هدي النبي محمد صلى الله عليه وسلم. وقد سُئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن إدارة مدرسة تريد أن تبدأ الإذاعة المدرسية يومياً بقراءة شيء من القرآن الكريم. فأجاب: "الذي ينبغي أن لا يتخذ ذلك سنة دائمة - أعني: البداءة بالقرآن الكريم عند فتح الإذاعة -، لأن البداءة بالقرآن الكريم عبادة، والعبادة تحتاج إلى توقيف من الشرع، ولا أعلم أن الشرع سن للأمة أن تبتدأ خطاباتها ومحاضراتها وما أشبه ذلك بالقرآن الكريم، لكن إّذا ابتدأ أحد بقراءة ما يناسب المحاضرة مثلا تقدمةً لها، ولعل المحاضر يتكلم على معاني الآيات التي قرأها فإن هذا طيب لا بأس به، مثل أن تكون المحاضرة عن الصيام فيقوم أحد الناس يقرأ آيات الصيام قبل بدأ المحاضرة، أو تكون المحاضرة في الحج فيقوم أحد ويقرأ آيات الحج، فإن هذا لا بأس به، لأنه مناسب، فهو كالتقدمة لهذه المحاضرة التي تتناسب مع هذه الآيات، أما اتخاذ هذا سنة راتبة كلما أراد المحاضرة، أو كلما أردنا كلاما قرأنا القرآن، فهذا ليس بسنة" انتهى. http://www.ibnothaimeen.com/all/noor/article_8296.shtml وقال الشيخ بكر أبو زيد: "ومن المحدثات التي لم تكن في هدي من مضى من صالح سلف هذه الأمة: التزام افتتاح المؤتمرات، والاجتماعات، والمجالس والمحاضرات، والندوات بآيات من القرآن الكريم، ولا أعلم حدوث هذا في تاريخ المسلمين إلا بعد عام 1342 من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، أما قبل ذلك فلا، فهذا قدوة الأمة رسول رب العالمين لم يعهد من هديه فعل ذلك ولا مرة واحدة، لا سيما في حال جمعه لوجوه الصحابة رضي الله عنهم للمشورة في مهمات الأمور، وهكذا الخلفاء الراشدون من بعده رضي الله عنهم من اجتماع السقيفة إلى الآخر، وهكذا في حياة من تبعهم بإحسان. هذا إذا كان الأمر المفتتح مشروعاً، أما إذا كان محظوراً أو محرماً أو مكروهاً؛ فيحرم شرعاً افتتاحه بالقرآن لعدم شرعية السبب، ولما فيه من تعريض كلام الله تعالى للامتهان في مجلس محظور مثل دورات الرهان المحرم على لعب محرم في ميادين الكرة، والمصارعة، والملاكمة، ونطاح الحيوانات، وسباق السيارات، والدراجات، إلى غير ذلك من أمور مبنية على الرهان المحرم، وما تفضي إليه من محرمات أخرى" انتهى. "تصحيح الدعاء" (ص 298) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105327 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 47 المحكم والمتشابه في القرآن الكريم [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى قول الله تعالى: (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات) الآية، وماذا يفعل من لبس عليه بسبب تشابه القران؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) آل عمران/7 المراد منه أن القرآن الكريم فيه المحكم والمتشابه، والمحكم هو البيّن الواضح الذي لا يلتبس أمره، وهذا هو الغالب في القرآن، فهو أمّ الكتاب وأصل الكتاب، وأما المتشابه، فهو الذي يشتبه أمره على بعض الناس دون بعض، فيعلمه العلماء ولا يعلمه الجهال، ومنه ما لا يعلمه إلا الله تعالى. وأهل الحق يردون المتشابه إلى المحكم، وأما أهل الزيغ فيتبعون المتشابه، ويعارضون به المحكم، ابتغاء الفتنة، وجريا خلف التحريف والتضليل. قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (2/6) : " يخبر تعالى أن في القرآن آيات محكمات هن أم الكتاب، أي: بينات واضحات الدلالة، لا التباس فيها على أحد من الناس، ومنه آيات أخر فيها اشتباه في الدلالة على كثير من الناس أو بعضهم، فمن ردّ ما اشتبه عليه إلى الواضح منه، وحكم محكمه على متشابهه عنده، فقد اهتدى. ومن عكس انعكس؛ ولهذا قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنزلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} أي: أصله الذي يرجع إليه عند الاشتباه {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} أي: تحتمل دلالتها موافقة المحكم، وقد تحتمل شيئًا آخر من حيث اللفظ والتركيب، لا من حيث المراد ... {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} أي: ضلال وخروج عن الحق إلى الباطل {فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} أي: إنما يأخذون منه بالمتشابه الذي يمكنهم أن يحرّفوه إلى مقاصدهم الفاسدة، وينزلوه عليها، لاحتمال لفظه لما يصرفونه، فأما المحكم فلا نصيب لهم فيه؛ لأنه دامغ لهم وحجة عليهم، ولهذا قال: {ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ} أي: الإضلال لأتباعهم، إيهامًا لهم أنهم يحتجون على بدعتهم بالقرآن، وهذا حجة عليهم لا لهم، كما لو احتج النصارى بأن القرآن قد نطق بأن عيسى هو روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم، وتركوا الاحتجاج بقوله تعالى: {إِنْ هُوَ إِلا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ} [الزخرف: 59] وبقوله: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران: 59] وغير ذلك من الآيات المحكمة المصرحة بأنه خلق من مخلوقات الله، وعبد، ورسول من رسل الله. وقوله: {وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} أي: تحريفه على ما يريدون " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " قسم الله تبارك وتعالى القرآن الكريم إلى قسمين: محكم ومتشابه، والمراد بالمحكم هنا الواضح البين الذي لا يخفى على أحدٍ معناه مثل السماء والأرض والنجوم والجبال والشجر والدواب وما أشبهها، هذا محكم؛ لأنه لا اشتباه في معناه، وأما المتشابهات فهي الآيات التي يشتبه معناها ويخفى على أكثر الناس ولا يعرفها إلا الراسخون في العلم، مثل بعض الآيات المجملة التي ليس فيها تفصيل، فتفصلها السنة مثل قوله تعالى (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) فإن إقامة الصلاة غير معلومة، والمعلوم من هذه الآية وجوب إقامة الصلاة فقط، لكن كيف الإقامة، هذا يعرف من دليل آخر، والحكمة من أن القرآن نزل على هذين الوجهين الابتلاء والامتحان؛ لأن من في قلبه زيغ يتبع المتشابه، فيبقى في حيرةٍ من أمره، وأما الراسخون في العلم فإنهم يؤمنون به كله، متشابهه ومحكمه، ويعلمون أنه من عند الله وأنه لا تناقض فيه. ومن أمثلة المتشابه: قول الله تبارك وتعالى (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ) مع قوله (يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوْا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمْ الأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً) فيأتي الإنسان ويقول: هذا متناقض كيف يقولون (وَاللَّهِ رَبِّنَا مَاكُنَّا مُشْرِكِينَ) ثم يقال عنهم إنهم (لا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً) فيضرب الآيات بعضها ببعض؛ ليوقع الناس في حيرة، لكنّ الراسخين في العلم يقولون: كله من عند الله ولا تناقض في كلام الله، ويقولون: إن يوم القيامة يومٌ مقداره خمسون ألف سنة، فتتغير الأحوال وتتبدل، فتُنزّل هذه على حال وهذه على حال " انتهى من "فتاوى نور على الدرب". وقال أيضا: " وأما أهل الضلال والزيغ فاتبعوا المتشابه وجعلوه مثاراً للشك والتشكيك فضلوا، وأضلوا وتوهموا بهذا المتشابه مالا يليق بالله عز وجل ولا بكتابه ولا برسوله. مثال الأول: قوله تعالى: (إنا نحن نحيي الموتى) . وقوله: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) ونحوهما مما أضاف الله فيه الشيء إلى نفسه بصفة الجمع، فاتبع النصراني هذا المتشابه وادعى تعدد الآلهة وقال: إن الله ثالث ثلاثة، وترك المحكم الدال على أن الله واحد. وأما الراسخون في العلم: فيحملون الجمع على التعظيم لتعدد صفات الله وعظمها، ويردون هذا المتشابه إلى المحكم في قوله تعالى: (وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو) . ويقولون للنصراني: إن الدعوى التي ادعيت بما وقع لك من الاشتباه قد كفّرك الله بها وكذبك فيها فاستمع إلى قوله تعالى: (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد) أي كفروا بقولهم: إن الله ثالث ثلاثة. ومثال الثاني: قوله تعالى: لنبيه صلى الله عليه وسلم: (إنك لا تهدي من أحببت) وقوله: (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) ففي الآيتين موهم تعارض، فيتبعه من في قلبه زيغ ويظن بينهما تناقضاً وهو النفي في الأولى، والإثبات في الثانية. فيقول: في القرآن تناقض. وأما الراسخون في العلم فيقولون: لا تناقض في الآيتين فالمراد بالهداية في الآية الأولى هداية التوفيق، وهذه لا يملكها إلا الله وحده فلا يملكها الرسول ولا غيره. والمراد بها في الآية الثانية هداية الدلالة وهذه تكون من الله تعالى، ومن غيره فتكون من الرسل وورثتهم من العلماء الربانيين ... " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (4/186) . وهذه كلها أمثلة للمتشابهة النسبي الذي يخفى على بعض الناس، ويعلمه الراسخون في العلم، وأما المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله فمثل حقيقة وكيفية صفات الله تعالى، وحقيقة ما يكون عند الله تعالى من نعيم لأهل الجنة، وعذاب لمن عصاه؛ فهذا كله لا يعلمه إلا الله. ثانيا: من التبس عليه أمر شيء من المتشابه، فليرده إلى المحكم، إن كان من أهل العلم القادرين على الاستدلال والاستنباط، وإلا فليسأل أهل العلم، كما قال تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) النحل/43 وليقل في كل حال: (آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) . وقد عمد قوم من أهل الزيغ والزندقة قديما وحديثا إلى تتبع المتشابه من القرآن والسنة، ابتغاء الفتنة والتشكيك، وتصدى أهل العلم لذلك، وألفوا مؤلفات نافعة في رد هذا التشكيك، ومن ذلك ما ألفه الإمام ابن قتيبة رحمه الله بعنوان: تأويل مختلف الحديث. وما ألفه الشيخ الأمين الشنقيطي رحمه الله بعنوان: دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب. فليس بحمد الله بين آيات الكتاب تناقض ولا اضطراب، وليس بين السنة والقرآن تعارض؛ لأن الأمر كله من عند الله، وقد قال سبحانه: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) النساء/82 ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد والعلم النافع والعمل الصالح. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103146 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 48 حكم مس الكافر للمصحف [السُّؤَالُ] ـ[سمعت أحد الدعاة في الصين يقول: إن مس المصحف بغير طهارة حرام بالنسبة للمسلم، وأما الكافر فيجوز له ذلك، حتى يتمكن من معرفة الإسلام، فهل هذا الكلام صحيح.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز للمحدث مس المصحف؛ لما جاء في كتاب عمرو بن حزم الذي كتبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن وفيه: (ألا يمس القرآن إلا طاهر) رواه مالك (468) وابن حبان (793) والبيهقي (1/87) . قال الحافظ ابن حجر: " وقد صحح الحديث بالكتاب المذكور جماعة من الأئمة لا من حيث الإسناد بل من حيث الشهرة، فقال الشافعي في رسالته: لم يقبلوا هذا الحديث حتى ثبت عندهم أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال ابن عبد البر: هذا كتاب مشهور عند أهل السير معروف ما فيه عند أهل العلم معرفة يستغنى بشهرتها عن الإسناد لأنه أشبه التواتر في مجيئه لتلقي الناس له بالقبول والمعرفة" انتهى من "التلخيص الحبير" (4/17) . والحديث صححه الشيخ الألباني في "إرواء الغليل" (1/158) . وهذا يشمل المحدث حدثا أصغر أو أكبر، والكافر جامع للحدثين، إذ تصيبه الجنابة، فلا يغتسل منها، ولو اغتسل لم يصح غسله. ولهذا ذهب جمهور الفقهاء إلى منع الكافر من مس المصحف، وتحريم تمكينه منه، وهو أولى بالمنع من المسلم؛ لأنه يُخشى من امتهانه له، ولهذا نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن السفر بالقرآن إلى أرض العدو، كما روى البخاري (2990) ومسلم (1869) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ. قال النووي رحمه الله في "المجموع" (2/85) : " قال أصحابنا: لا يمنع الكافر سماع القرآن، ويمنع مس المصحف " انتهى. وقال الرملي رحمه الله: " ويمنع الكافر من وضع يده على المصحف لتجليده، كما قاله ابن عبد السلام، وإن رجي إسلامه " انتهى من "نهاية المحتاج" (3/389) . وقال الباجي في "المنتقى" (3/165) : " ولو أن أحدا من الكفار رغب أن يرسل إليه بمصحف يتدبره لم يرسل إليه به؛ لأنه نجس جنب ولا يجوز له مس المصحف، ولا يجوز لأحد أن يسلمه إليه ذكره ابن الماجشون " انتهى. وجاء في "الموسوعة الفقهية": " مس الكافر المصحف وعمله في نسخ المصاحف وتصنيعها: يمنع الكافر من مسّ المصحف , كما يمنع منه المسلم الجنب , بل الكافر أولى بالمنع " انتهى. وفيها أيضا: " ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وأبو يوسف من الحنفيّة إلى أنّه لا يجوز للكافر مس المصحف لأنّ في ذلك إهانةً للمصحف. وقال محمّد بن الحسن: لا بأس أن يمسّ الكافر المصحف إذا اغتسل , لأنّ المانع هو الحدث وقد زال بالغسل , وإنّما بقي نجاسة اعتقاده وذلك في قلبه لا في يده " انتهى. وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: ما حكم مس النصراني للمصحف، وكذلك مسه لترجمة معاني القرآن الكريم؟ فأجاب: " هذا فيه نزاع بين أهل العلم، والمعروف عند أهل العلم منع النصراني واليهودي وسائر الكفرة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو، قال: لئلا تناله أيديهم، فدل ذلك على أنهم لا يمكنون منه، وإنما يمكنون من السماع، قال تعالى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ) الآية، يعني: يتلى عليهم حتى يسمعوه ولكن لا يدفع إليهم القرآن. وذهب بعض أهل العلم إلى جواز ذلك إذا رجي إسلام الكافر واحتجوا على هذا بأنه صلى الله عليه وسلم كتب إلى هرقل عظيم الروم قوله جل وعلا: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ) الآية، قالوا: هذه الآية العظيمة آية من كتاب الله وقد كتبها إلى هرقل. والصواب أنه ليس بحجة، وإنما يدل على جواز الكتابة للآية والآيتين من كتاب الله. أما تسليم المصحف فليس بثابت عنه صلى الله عليه وسلم. أما بالنسبة لكتاب ترجمة معاني القرآن فلا حرج في أن يمسه الكافر؛ لأن المترجم معناه أنه كتاب تفسير وليس بقرآن، أي أن الترجمة تفسير لمعاني القرآن، فإذا مسه الكافر أو من ليس على طهارة فلا حرج؛ لأنه ليس له حكم القرآن، وحكم القرآن يختص بما إذا كان مكتوبا بالعربية وحدها وليس فيه تفسير، أما إذا كان معه الترجمة فحكمه حكم التفسير، والتفسير يجوز أن يحمله المحدث والمسلم والكافر؛ لأنه ليس كتاب القرآن ولكنه يعتبر من كتب التفسير " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (24/340) . وعُلم من هذا جواز مس الكافر للترجمة، لأن الترجمة ليست قرآنا، فإذا أريد دعوته أعطي ترجمةً لمعاني القرآن الكريم. وانظر جواب السؤال رقم (96646) وفق الله الجيع لما يحب ويرضى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 100228 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 49 الوصايا العشر [السُّؤَالُ] ـ[هل يوجد في القرآن شيء شبيه بالوصايا العشرة الموجودة في الإنجيل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله شكرا لك على توجيه هذا السؤال الذي يظهر منه الاهتمام بالقرآن الكريم ونقدّم لك جواب سؤالك بكلّ سرور: في القرآن الكريم آيات أطلق عليها بعض العلماء آيات الوصايا العشر نظرا لاشتمالها على عشر وصايا عظيمة من الله للبشرية، وهذه الآيات في موضعين من القرآن الكريم: الأول في سورة الأنعام في قول الله تعالى: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) سورة الأنعام والموضع الثاني في سورة الإسراء ويكاد أن يكون شرحا للموضع الأول، قال الله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا (25) وَءَاتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27) وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلا مَيْسُورًا (28) وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (30) وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31) وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً (32) وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (33) وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً (34) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (35) وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً (36) وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً (37) كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (38) ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًاءَاخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا (39) . ولعلك أيها السّائل بعد تمعّنك في هذه الآيات يكون لك موقف من القرآن أجود بكثير من ذي قبل، وأن يكون ذلك فاتحة لتغيّر جذري في حياتك، وسبيلاً كريماً لاعتناق دين الإسلام ونتمنى لك التوفيق دائما، والسلام على من اتّبع الهدى. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2273 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 50 كتابة القرآن في الجوال بغير الرسم العثماني [السُّؤَالُ] ـ[نحن شركة كمبيوتر تقوم بتطوير برنامج أذكار ليعمل على أجهزة الهاتف المحمولة. ضمن مواصفات البرنامج: عرض بعض الأذكار وبعض الآيات والأحاديث التي تحث على الذكر والدعاء وذلك على شاشة الجهاز. يوجد بعض الصعوبات الفنية في عرض الآيات بالرسم العثماني وبالتشكيل. السؤال هو هل يجوز عرض بعض الآيات القليلة بدون رسم عثماني وبدون تشكيل وذلك على شاشة جهاز الهاتف لتذكير صاحبه بالذكر والدعاء؟ وجزاكم الله خيرا]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: المصحف لا تجوز كتابته بغير الرسم العثماني المتفق عليه منذ عهد الصحابة: قال أشهب: " سئل مالك رحمه الله: هل تَكتب المصحف على ما أخذتْه الناس من الهجاء؟ فقال: لا؛ إلا على الكِتْبة الأولى. رواه أبو عمرو الداني في المقنع، ثم قال: " ولا مخالف له من علماء الأمة " ... وقال الإمام أحمد رحمه الله: " تحرم مخالفة خط مصحف عثمان فى ياء أو واو أو ألف أو غير ذلك " ... وقد قال البيهقي في شعب الإيمان: " من كتب مصحفا فينبغي أن يحافظ على حروف الهجاء التي كتبوا بها تلك المصاحف، ولا يخالفهم فيها، ولا يغير مما كتبوه شيئا؛ فإنهم أكثر علما، وأصدق قلبا ولسانا، وأعظم أمانة منا؛ فلا ينبغي أن نظن بأنفسنا استدراكا عليهم. وروى بسنده عن زيد قال: القراءة سنة. قال سليمان بن داود الهاشمى يعنى ألا تخالف الناس برأيك في الاتباع. قال: وبمعناه بلغني عن أبى عبيد في تفسير ذلك وترى القراء لم يلتفوا إلى مذهب العربية في القراءة إذا خالف ذلك خط المصحف واتباع حروف المصاحف عندنا كالسنن القائمة التى لا يجوز لأحد أن يتعداها. " انتهى. [انظر: البرهان في علوم القرآن، للزركشي (1/379) والإتقان للسيوطي (4/146) ] وقال السيوطي رحمه الله في الإتقان: " أجمعوا على لزوم اتباع رسم المصاحف العثمانية في الوقف إبدالا وإثباتا وحذفا ووصلا وقطعا " انتهى من الإتقان في علوم القرآن (1/250) . وهذا كله فيما إذا كان الغرض كتابة المصحف، يعني: كاملا. وأما كتابة آية منه، أو بعض آيات، ونقلها في كتب العلم، أو المجلات النافعة، أو نحو ذلك، فلا بأس به، وعليه جرى عمل الناس في كتبهم، وإن كان الأحسن مراعاة رسم المصحف، متى أمكن ذلك، بنقله من المصحف مباشرة. وقد سبق بيان حكم ذلك في السؤال رقم (97741) وعليه: فلا حرج فيما ذكرت من عرض بعض الآيات الكريمة على شاشة الجوال بغير الرسم العثماني، إذا تعذّر عرضها بالرسم العثماني، مع مراعاة أن تكون الآيات المكتوبة بهذه الطريقة مما يسهل قراءتها عادة، ولا يحصل فيها الغلط، ومراعاة ضبط ما يشكل منها حتى لا يحصل الخطأ في قراءتها ونشرها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98922 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 51 لبس الطبيبة والممرضة معطفا أبيض فوق الثياب [السُّؤَالُ] ـ[أنا طالبة فى كلية الطب وأرتدى النقاب والحمد لله ولكني أرتدي معطفا أبيض طويلا فضفاضا كجزء من الزى الرسمى لكليتى أثناء تواجدى بالكلية وأرتدى عباءة طويلة عندما أذهب إلى السوق أو أي مكان آخر خلاف الكلية. فهل من الضرورى ارتداء العباءة أثناء ارتداء المعطف الطويل الذى يصل إلى الركبة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سبق بيان الشروط المعتبرة في لباس المرأة، وانظري جواب السؤال رقم (6991) ولا حرج فيما ذكرت من لبس معطف أبيض طويل فضفاض فوق ملابسك. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " الواجب على الطبيبات وغيرهن من ممرضات وعاملات أن يتقين الله تعالى وأن يلبسن لباسا محتشما لا يبين معه حجم أعضائهن أو عوراتهن , بل يكون لباسا متوسطا لا واسعا ولا ضيقا , ساترا لهن سترا شرعيا مانعا من أسباب الفتنة " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (9/427) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96111 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 52 من الذي سمّى القرآن بهذا الاسم [السُّؤَالُ] ـ[من الذي سمّى القرآن بهذا الاسم؟ قرأت في مجلة أنه أبو بكر رضي الله عنه إلا أنني لا أعتقد أن هذا صحيح، حيث أن الله سبحانه وتعالى قال في سورة الإنسان: " إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا ". أخي العزيز: رجاءً أعطني صورة واضحة حول هذا الموضوع.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أيها الأخ السائل لقد أجبت نفسك بنفسك فإن الله هو الذي سمى كتابه بـ " القرآن ". قال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) البقرة / 185 وقال: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ) النساء / 82 وقال: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) الأعراف / 204 وقال: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ) التوبة / 111 وقال: (وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) يونس / 37 وقال: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) يوسف / 2 وقال: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنْ الْغَافِلِينَ) سورة يوسف / 3 وقال: (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنْ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) الحِجْر / 87 وقال: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) النحل / 98 وقال: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) الإسراء / 9 وقال: (وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا) الإسراء / 82 وقال: (قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) الإسراء / 88 وقال: (وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً) الإسراء / 106 وقال: (مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى) طه / 2 وقال: (فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) طه / 114 وقال: (طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ) النمل / 1 وقال: (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ) النمل / 6 وقال: (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ) القصص / 85 وقال: (يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) سورة يس وقال: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) القمر / 40 وقال: (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) الواقعة / 77 وقال: (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) الحشر / 21 وقال: (أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) المزم / 4 وقال: (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ) البروج / 21 فهل بقي بعد ذلك شكّ في أنّ الله هو الذي سمّى كتابه الذي أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم " القرآن "؟؟ وليس أبو بكر رضي الله عنه ولا غيره. والقرآن في اللغة العربية من القَرْء وهو الجمع والضمّ سمي بذلك لأنّه جمع السور بعضها إلى بعض وقيل لأنّه جمع ثمرات الكتب السالفة المنزلّة كلها، وقيل لأنه جمع أنواع العلوم كلها. (انظر الإتقان للسيوطي 1/162 - 163) وأخيرا نوصيك بالتثبّت وحسن الانتقاء لما تقرأ حتى لا تشوّش عليك المصادر غير الموثوقة من الكتب والمجلات فكرك وتشكّكك بالحقّ. وفقنا الله وإياك للعلم النافع والعمل الصالح. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 1005 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 53 مصحف التجويد الملون [السُّؤَالُ] ـ[أود السؤال عن مصحف التجويد الذي يحتوي على الحروف الملونة التي تساعد على صحة نطق الحروف ومخارجها؟ هل ما يحويه هذا المصحف من ألوان ومربعات ومسافات للوقفات يعتبر من البدع أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله بعد الاطلاع على مصحف التجويد الملون، تبين أنه لا محذور في استعمال هذه الألوان، بل فيها تيسير تعلم التجويد، على من لا يستطيع التلقي المباشر عن أهل الاختصاص. وقد نشر موقع دار المعرفة صورة من اعتماد مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر لهذا المصحف الذي استعملت فيه الألوان، كما نقل موافقة شيخ قراء الديار الشامية الشيخ محمد كريم راجح، وموافقة الشيخ الدكتور وهبة الزحيلي، وهذا نص ما ورد في الموقع: " وفيما يتعلّق بعملنا هذا، بيّن شيخ قرّاء الديار الشاميّة محمد كريم راجح في 21 صفر1412 هـ، بأنّ هذا العمل (مقبول وإذا لم ينفع لم يضر، ثمّ هو يُذكر ويدل، ولا يغني عن التلقّي من أفواه المشايخ) ، في حين بيّن الشيخ القارئ محي الدين الكردي في 18 صفر 1415هـ (بأنّه قد يستفيد من هذا العمل البعيدُ عن التعلّم والكبير، فإنّهم لا يستطيعون التلقّي) . وقد بيّن الأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي عضو مجمّع الفقه الإسلامي بجدّة ورئيس قسم الفقه الإسلامي ومذاهبه بجامعة دمشق في 18 محرم 1415 هـ ما يلي: (يقول الله تعالى: (ولقد يسّرنا القرآن للذكر فهل من مدَّكِر) وفي هذا دلالة واضحة على أنّ كل ما يُيَسّر تلاوة القرآن المفروض شرعاً تدبّره وفهم معانيه وإدراكه، والعمل بما جاء فيه، أمر واجب شرعاً على أولي العلم والفقه وتفسير كتاب الله، وإذا كان ترتيل القرآن المجيد واجباً شرعاً على النحو المعروف في علم التجويد، فإنّ كل أسلوب يُسهّل على القارئ معرفة أحكام التجويد والالتزام بها في التلاوة أمر جائز شرعاً، سواء أكانت حروف الطباعة بلون واحد أم بألوان مختلفة، والقراءة الناجحة هي التي ترتسم حروف كلماتها في الذهن، وهذه الطبعة للقرآن المجيد بالألوان تتفق مع تيسير القرآن وترتيله، وتثبيت الأحكام في الذهن، فذلك أسلوب معاصر مرغوب فيه ولا ينافي المأثور والرسم المنقول، والله الموفق لدار المعرفة على هذا العمل المبرور" انتهى. وينظر صورة اعتماد مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر تحت هذا الرابط: http://www.dar-al-maarifah.com/ar/azhar.htm ولا وجه للحكم ببدعية هذه الألوان، فقد كان علماء الضبط قديما من زمن التابعين يشكلون المصاحف وينقطونها باللون الأحمر. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " لم يكن الصحابة ينقطون المصاحف ويشكلونها حيث كانوا عربا لا يلحنون، فلم يحتاجوا إلى تقييدها بالنقط، وكان في اللفظ الواحد قراءتان يقرأ بالياء والتاء مثل يعملون، وتعملون، فلم يقيدوه بأحدهما ليمنعوه من الأخرى. ثم إنه في زمن التابعين لما حدث اللحن صار بعض التابعين يشكل المصاحف وينقطها، وكانوا يعملون ذلك بالحمرة، ويعملون الفتح بنقطة حمراء فوق الحرف، والكسرة بنقطة حمراء تحته، والضمة بنقطة حمراء أمامه، ثم مدوا النقطة الحمراء، وصاروا يعملون الشدة بقولك " شد " ويعملون المدة بقولك " مد "، وجعلوا علامة الهمزة تشبه العين؛ لأن الهمزة أخت العين، ثم خففوا ذلك وصارت علامة الشدة مثل رأس السين، وعلامة المدة مختصرة، كما يختصر أهل الديوان ألفاظ العدد وغير ذلك، كما يختصر المحدثون أخبرنا وحدثنا فيكتبون أول اللفظ وآخره على شكل (أنا) وعلى شكل (ثنا) وتنازع العلماء هل يكره تشكيل المصاحف وتنقيطها على قولين معروفين، وهما روايتان عن أحمد، لكن لا نزاع بينهم أن المصحف إذا شكل ونقط وجب احترام الشكل والنقط، كما يجب احترام الحرف) انتهى من "مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية" (12/101) . وقال الشيخ الدكتور عبد الله بن محمد المطلق حفظه الله: " لا يدخل في الرسم العثماني الأمور التالية: أولا: النقط التي تتميز بها الحروف فإنها إنما ألحقت بالحروف العربية في عصر التابعين وكانت الحروف قبل ذلك تكتب غير منقوطة. قال أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني المتوفى سنة 444 هـ: " باب ذكر من نقط المصاحف أولا من التابعين ومن كره ذلك ومن ترخص فيه من العلماء: اختلفت الرواية لدينا فيمن ابتدأ بنقط المصاحف من التابعين فروينا أن المبتدئ بذلك كان أبا الأسود الدؤلي. وروينا أن ابن سيرين كان عنده مصحف نقطه يحيى بن يعمر وأن يحيى أول من نقطها" [كتاب النقط المطبوع مع المقنع في معرفة مرسوم مصاحف أهل الأمصار ص129] . ثانيا: الحركات والتنوين وأول من وضعها أبو الأسود الدؤلي وكانت نقطا، وذلك أنه أراد أن يعمل كتابا في العربية يقوّم الناس به ما فسد من كلامهم إذ كان ذلك قد نشأ في خواص الناس وعوامهم فأحضر من يمسك المصحف، وأحضر صبغا يخالف لون المداد، وقال للذي يمسك المصحف عليه: إذا فتحت فاي فاجعل نقطة فوق الحرف، وإذا كسرت فاي فاجعل نقطة تحت الحرف، وإذا ضممت فاي فاجعل نقطة أمام الحرف، فإن أتبعت هذه الحروف غنّة يعني تنوينا، فاجعل نقطتين حتى آتي على آخر المصحف. وقيل إن أول من فعل ذلك نصر بن عاص الليثي. [كتاب النقط المطبوع مع المقنع في معرفة مرسوم مصاحف أهل الأمصار ص129] . ثم إن الخليل بن أحمد طور ذلك حيث اخترع الحركات المأخوذة من الحروف. [الإتقان في علوم القرآن ص 219] . ثالثا: الهمزة والتشديد والرَّوْم والإشمام، وأول من وضعها الخليل بن أحمد الفراهيدي. رابعا: علامات التجويد وعلامات الوصل والوقف فإنها لم تكن في الرسم العثماني وإنما كتبت بعد الكتابة في علم التجويد " انتهى من "كتابة القرآن الكريم بخط برايل للمكفوفين" منشور في مجلة البحوث الإسلامية (66/337) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 95430 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 54 متى يجب الإنصات لتلاوة القرآن؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما هو حكم إذا كنا جالسين في مجلس كبير يقرأ فيه القرآن، وكنت أنا ورفيق لي منفصلين بحوار آخر عن الموجودين. إذا كنا في سيارة أو حافلة والسائق يستمع إلى القرآن أو يقرؤه ولم نكن مشاركين له فيما يقرأ. إذا كنا في غرفة ما، ويوجد من يصلي جهراً، أو يقرأ القرآن جهرا. أو أي حالة أخرى في مكان يقرأ القرآن فيه ولم نكن نرغب أو نشارك فيما يقرأ، فهل يجب علينا أن ننصت حتى يفرغ القارئ، وتنطبق علينا الآية الكريمة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد للَّه اختلف العلماء في حكم الإنصات لقراءة القرآن خارج الصلاة، على قولين: القول الأول: الوجوب، وهو مذهب الأحناف، وبعضهم جعله وجوبا عينيا، وآخرون قالوا وجوب كفائي، واستدلوا بعموم قوله سبحانه وتعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) الأعراف/204 جاء في "الموسوعة الفقهية" (4/86) : " الاستماع إلى تلاوة القرآن الكريم حين يقرأ خارج الصلاة واجبٌ إن لم يكن هناك عذرٌ مشروعٌ لترك الاستماع. وقد اختلف الحنفيّة في هذا الوجوب، هل هو وجوبٌ عينيٌّ، أو وجوبٌ كفائيٌّ؟ قال ابن عابدين: الأصل أنّ الاستماع للقرآن فرض كفايةٍ، لأنّه لإقامة حقّه، بأن يكون ملتفتاً إليه غير مضيّعٍ، وذلك يحصل بإنصات البعض، كما في ردّ السّلام. ونقل الحمويّ عن أستاذه قاضي القضاة يحيى الشّهير بمنقاري زاده: أنّ له رسالةً حقّق فيها أنّ سماع القرآن فرضُ عينٍ. نعم إنّ قوله تعالى في سورة الأعراف (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) قد نزلت لنسخ جواز الكلام أثناء الصّلاة، إلاّ أنّ العبرة لعموم اللّفظ لا لخصوص السّبب، ولفظها يعمّ قراءة القرآن في الصّلاة وفي غيرها " انتهى. القول الثاني: الاستحباب والندب، وحملوا الآية التي في سورة الأعراف في حال الصلاة فقط، أما في غير الصلاة فالأمر على الندب والاستحباب، وهذا قول جماهير أهل العلم. يقول ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (2/372) : " وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في الآية قوله: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) الأعراف/204: يعني في الصلاة المفروضة. وكذا روي عن عبد الله بن المغفل. وقال ابن جرير: حدثنا حميد بن مسعدة حدثنا بشر بن المفضل حدثنا الجريري عن طلحة بن عبيد الله بن كريز قال: رأيت عبيد بن عمير وعطاء بن أبي رباح يتحدثان والقاص يقص فقلت: ألا تستمعان إلى الذكر وتستوجبان الموعود؟ قال: فنظرا إلي ثم أقبلا على حديثهما. قال: فأعدت، فنظرا إلي وأقبلا على حديثهما. قال: فأعدت الثالثة، قال: فنظرا إلي فقالا: إنما ذلك في الصلاة (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) الأعراف/204 وكذا رواه غير واحد عن مجاهد وقال عبد الرزاق عن الثوري عن ليث عن مجاهد قال: لا بأس إذا قرأ الرجل في غير الصلاة أن يتكلم. وكذا قال سعيد بن جبير والضحاك وإبراهيم النخعي وقتادة والشعبي والسدي وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم: أن المراد بذلك في الصلاة. وهذا اختيار ابن جرير: أن المراد من ذلك الإنصات في الصلاة وفي الخطبة كما جاء في الأحاديث من الأمر بالإنصات خلف الإمام وحال الخطبة " انتهى. ويظهر أن هذا القول هو القول الراجح، لأن الوجوب يلزمه دليل صريح، وإلا ألزمنا الناس بما فيه مشقة ظاهرة من غير دليل. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله كما في "لقاءات الباب المفتوح" (لقاء رقم/197، سؤال رقم/26) : كان مجموعة في السيارة يمشون، وشغل أحدهم شريط قرآن، فهل يجب على الجميع استماع هذا الشريط، وهل يأثم من يتكلم والشريط شغال؟ فكان الجواب: قال الإمام أحمد رحمه الله في هذه الآية: هذا في الصلاة. وقال: أجمعوا على أن ذلك في الصلاة. وعلى هذا فلو كنت بجوار شخص يقرأ القرآن ويجهر به، وأنا أسبح وأهلل - ذكر خاص - فإنه لا يلزمني أن أستمع له، وإنما ذلك في الصلاة فقط. ولكني أقول للأخ الذي شغل المسجل: لا تشغل والناس غافلون؛ لأن هذا أدنى ما نقول فيه أنه يشبه من قال الله فيهم: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) فصلت/26، فإذا رأيت إخوانك لا يريدون الاستماع، إنما هم مشغولون بالحديث بينهم، فلا تشغل المسجل، وإذا كنت تشتاق لهذا فهناك سماعة صغيرة أدخلها في أذنك، ويجعل الصوت له وحده " انتهى. وجاء في "المنتقى من فتاوى الفوزان" (3/سؤال رقم 437) " أقضي بعض الأوقات الساعات الطوال في المطبخ، وذلك لإعداد الطعام لزوجي، وحرصًا مني على الاستفادة من وقتي؛ فإنني أستمع إلى القرآن الكريم، سواء كان من الإذاعة، أو من المسجل؛ فهل عملي هذا صحيح أم أنه لا ينبغي لي فعل ذلك؛ لأن الله تعالى يقول: (وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) ؟ الجواب: لا بأس باستماع القرآن الكريم من لمذياع أو من المسجل والإنسان يشتغل، ولا يتعارض هذا مع قوله: (فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ) ؛ لأن الإنصات مطلوب حسب الإمكان، والذي يشتغل ينصت للقرآن حسب استطاعته " انتهى. واختيار القول بالاستحباب لا يعني التساهل وتعمد التغافل عن الإنصات لكلام الله سبحانه وتعالى حين يتلى، فالحرص على الإنصات لا بد أن يكون أصلا ثابتا في حياة المسلم، ولا ينصرف عنه إلا لشغل أو حاجة. يقول النووي في "التبيان في آداب حملة القرآن" (92) : " ومما يُعْتنى به ويتأكد الأمر به: احترام القرآن من أمور قد يتساهل فيها بعض الغافلين القارئين مجتمعين، فمن ذلك: اجتناب الضحك واللغط والحديث في خلال القراءة، إلا كلاما يضطر إليه، وليمتثل قول الله تعالى: (وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) وليقتد بما رواه ابن أبي داود عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أنه كان إذا قُرئ القرآنُ لا يتكلم حتى يُفرَغَ منه) " انتهى. ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "لقاءات الباب المفتوح" (لقاء رقم/146،سؤال رقم 9) : " ليس من الآداب أن يتلى كتاب الله ولو بواسطة الشريط وأنت متغافل عنه " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 88728 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 55 التكبير من سورة الضحى إلى سورة الناس [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز التهليل والتكبير من بعد سورة الضحى إلى سورة الناس؟ وهل ثبت ذلك على الرسول صلى الله عليه وسلم أو الصحابة أو التابعين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: اختلف العلماء في حكم التكبير بعد كل سورة، من سورة الضحى إلى الناس، فاستحبه الإمام أحمد، وخالفه باقي الأئمة؛ وعن الإمام أحمد رواية أخرى توافق قول الجمهور، والصحيح أنه لا يشرع التكبير، ولم يثبت هذا في حديث مرفوع للنبي صلى الله عليه وسلم، كما لم يصح التكبير عن أحدٍ من الصحابة رضي الله عنهم، وإنما ثبت ذلك عن بعض قراء أهل مكة. عن عكرمة بن سليمان قال: قرأت على إسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين فلما بلغت (وَالضُّحَى) قال لي: كبِّر كبِّر عند خاتمة كل سورة حتى تختم، وأخبره عبد الله بن كثير أنه قرأ على مجاهد فأمره بذلك، وأخبره مجاهد أن ابن عباس أمره بذلك، وأخبره ابن عباس أن أبي بن كعب أمره بذلك، وأخبره أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بذلك. رواه الحاكم في " المستدرك " (3 / 304) . والحديث ضعيف، في إسناده أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي بزة المقرئ، قال أبو حاتم: ضعيف الحديث، لا أُحَدِّث عنه، وقال العقيلي: منكر الحديث، وقال الذهبي: هذا حديث غريب، وهو مما أنكر على البزي، قال أبو حاتم: هذا منكر، وقال: وصحح له الحاكم حديث التكبير، وهو منكر. انظر: " الضعفاء " للعقيلي (1 / 127) ، و" ميزان الاعتدال " (1 / 144، 145) و " سير أعلام النبلاء" (12 / 51) كلاهما للإمام الذهبي. قال ابن مفلح الحنبلي – رحمه الله -: " واستحب أحمد التكبير من أول سورة الضحى إلى أن يختم، ذكره ابن تميم وغيره، وهو قراءة أهل مكة، أخذها البزي عن ابن كثير، وأخذها ابن كثير عن مجاهد، وأخذها مجاهد عن ابن عباس، وأخذها ابن عباس عن أبيّ بن كعب، وأخذها أبيّ عن النبي صلى الله عليه وسلم، روى ذلك جماعة منهم: البغوي في تفسيره، والسبب في ذلك انقطاع الوحي. وهذا حديث غريب، رواية أحمد بن محمد بن عبد الله البزي، وهو ثبت في القراءة، ضعيف في الحديث. وقال أبو حاتم الرازي: هذا حديث منكر ... . وعنه – أي: عن الإمام أحمد - أيضاً: لا تكبير، كما هو قول سائر القراء " انتهى. " الآداب الشرعية " (2 / 295، 296) . وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: عن جماعة اجتمعوا في ختمة وهم يقرؤون لعاصم وأبى عمرو فإذا وصلوا إلى سورة الضحى لم يهللوا ولم يكبروا إلى آخر الختمة، ففعلهم ذلك هو الأفضل أم لا؟ وهل الحديث الذي ورد في التهليل والتكبير صحيح بالتواتر أم لا؟ فأجاب: " الحمد لله، نعم، إذا قرؤوا بغير حرف ابن كثير كان تركهم لذلك هو الأفضل، بل المشروع المسنون؛ فإن هؤلاء الأئمة من القراء لم يكونوا يكبرون لا في أوائل السور، ولا في أواخرها، فإن جاز لقائل أن يقول إن ابن كثير نقل التكبير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: جاز لغيره أن يقول إن هؤلاء نقلوا تركه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ من الممتنع أن تكون قراءة الجمهور التي نقلها أكثر من قراءة ابن كثير قد أضاعوا فيها ما أمرهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن أهل التواتر لا يجوز عليهم كتمان ما تتوفر الهمم والدواعي إلى نقله، فمن جوَّز على جماهير القراء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأهم بتكبير زائد فعصوا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتركوا ما أمرهم به: استحق العقوبة البليغة التي تردعه وأمثاله عن مثل ذلك ... . وأما التكبير: فمن قال إنه من القرآن: فإنه ضال باتفاق الأئمة، والواجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل، فكيف مع هذا ينكر على من تركه؟! ومن جعل تارك التكبير مبتدعاً أو مخالفاً للسنَّة أو عاصياً: فإنه إلى الكفر أقرب منه إلى الإسلام، والواجب عقوبته؛ بل إن أصرَّ على ذلك بعد وضوح الحجة وجب قتله. ولو قدِّر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتكبير لبعض من أقرأه: كان غاية ذلك يدل على جوازه، أو استحبابه، فإنه لو كان واجباً: لما أهمله جمهور القراء، ولم يتفق أئمة المسلمين على عدم وجوبه، ولم ينقل أحد من أئمة الدين أن التكبير واجب، وإنما غاية من يقرأ بحرف ابن كثير أن يقول: إنه مستحب، وهذا خلاف البسملة، فإن قراءتها واجبة عند من يجعلها من القرآن، ومع هذا فالقراء يسوغون ترك قراءتها لمن لم ير الفصل بها، فكيف لا يسوغ ترك التكبير لمن ليس داخلا في قراءته؟ " انتهى. " مجموع الفتاوى " (13/ 417 - 419) . وقال – رحمه الله -: " والتكبير المأثور عن ابن كثير ليس هو مسنداً عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يسنده أحد إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا البزي، وخالف بذلك سائر من نقله، فإنهم إنما نقلوه اختياراً ممن هو دون النبي صلى الله عليه وسلم، وانفرد هو برفعه، وضعَّفه نقلة أهل العلم بالحديث والرجال من علماء القراءة وعلماء الحديث، كما ذكر ذلك غير واحد من العلماء " انتهى. " مجموع الفتاوى " (17 / 130) . وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: بعض قراء القرآن يفصلون بين السورة والأخرى بقول " الله أكبر " دون بسملة، هل يجوز ذلك، وهل له دليل؟ فأجاب: هذا خلاف ما فعل الصحابة رضي الله عنهم من فصلهم بين كل سورة وأخرى بـ " بسم الله الرحمن الرحيم "، وخلاف ما كان عليه أهل العلم من أنه لا يفصل بالتكبير في جميع سور القرآن. غاية ما هناك أن بعض القراء استحب أن يكبر الإنسان عند ختم كل سورة من الضحى إلى آخر القرآن مع البسملة بين كل سورتين، والصواب: أنه ليس بسنة؛ لعدم ورود ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فالمشروع أن تفصل بين كل سورة وأخرى بالبسملة " بسم الله الرحمن الرحيم " إلا في سورة " براءة " فإنه ليس بينها وبين الأنفال بسملة " انتهى. " فتاوى إسلامية " (4 / 48) . وقد ذكر الشيخ بكر أبو زيد – حفظه الله - في كتابه " بدع القراء " (ص 27) سبعة أمور تتعلق بختم القرآن نذكر منها: التكبير في آخر سورة الضحى إلى آخر سورة الناس داخل الصلاة أو خارجها. ثم قال: " فهذه الأمور السبعة: لا يصح فيها شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن صحابته رضي الله عنهم، وعامة ما يُروى في بعضها مما لا تقوم به الحجة، فالصحيح عدم شرعية شيء منها " انتهى. وألَّف شيخ المقرئين في المدينة النبوية الشيخ إبراهيم الأخضر رسالة بعنوان " تكبير الختم بين القراء والمحدثين "، وقد ذكر في خاتمة هذه الرسالة ما نصه: " ومن خلال ما تقدم من بحث أحوال الروايات، وتحقيق سندها، وتراجم رجالها: لم نجد غير رواية البزي - كما ذكر العلماء -، وهي رواية تسلسلت بالضعفاء والمجروحين، ولم تعضدها رواية أخرى من غير طريق البزي، وذلك كما صرح كثير من علماء الروايات، على أن بعضاً من مشاهير القراء كابن مجاهد في كتابه " السبعة " لم يورد التكبير، وكذلك أبو القاسم الهذلي في كتابه " الكامل " لم يورد التكبير أيضاً، وهذا مما يدل على عدم ثبوت الرواية عندهما، والله أعلم ... . وبهذا فلا نثبت سنَّة بخبر كهذا، بل الأفضل والأولى تركه سواء في رواية البزي أو رواية غيره من القراء، وذلك صوناً لكتاب الله، وتجريداً له عن كل ما ليس منه ممن يظن أنه سنَّة وهو ليس بسنَّة، والحمد لله رب العالمين " انتهى. ثانياً: وقد ذُكر في سبب التكبير أسباب عديدة، أشهرها أنه صلى الله عليه وسلم كان قد انقطع عنه الوحي مدة، فلما عاد بعد انقطاع نزل عليه بسورة الضحى، وفيها (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى) فكبَّر فرحاً بهذا، وهذا لو صحَّ فإنه لا يدل على استحباب التكبير الذي قال به بعض القراء، وذلك من وجوه: 1. أنه ليس فيه تكبير من بعد كل قراءة للسورة. 2. وليس فيه أنه كبَّر إلى سورة الناس. 3. وأنه كان التكبير مرة واحدة ولسبب مجيء الوحي بعد انقطاعه. 4. وأنه ليس في كل السور الأخرى ما في سورة الضحى من معاني. على أن هذه الرواية لم يأتِ لها سند صحيح بل ولا ضعيف. قال الإمام ابن كثير – رحمه الله -: " وذكر القرَّاء في مناسبة التكبير من بعد سورة الضحى: أنه لما تأخر الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفتر تلك المدة ثم جاءه الملَك فأوحى إليه: (وَالضُّحَى. وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى) السورة بتمامها: كبَّر فرَحاً، وسروراً. ولم يُروَ ذلك بإسناد يُحكم عليه بصحة أو ضعف، فالله أعلم " انتهى. " تفسير ابن كثير " (8 / 423) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82762 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 56 التكرار في القرآن الكريم أنواعه وفوائده [السُّؤَالُ] ـ[أبحث في موضوع وهو: مظاهر التكرار في القرآن الكريم]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه بعض المباحث اليسيرة في " التكرار في القرآن "، وهي تتناسب مع طبيعة الموقع، ويمكنك التوسع في الموضوع فيما نحيل عليه من مراجع، ومن كتب علوم القرآن عموماً. أولاً: تعريف التكرار لغة واصطلاحاً. قال ابن منظور: الكَرُّ: الرجوع، يقال: كَرَّه وكَرَّ بنفسه، يتعدّى ولا يتعدّى، والكَرُّ مصدر كَرَّ عليه يَكُرُّ كرًّا ... والكَرُّ: الرجوع على الشيء، ومنه التَّكْرارُ ... (قال) الجوهري: كَرَّرْتُ الشيء تَكْرِيراً وتَكْراراً. " لسان العرب " (5 / 135) . التكرار في الاصطلاح: تكرار كلمة أو جملة أكثر من مرة لمعاني متعددة كالتوكيد، والتهويل، والتعظيم، وغيرها. ثانياً:التكرار من الفصاحة. اعترض بعض من لا يفقه لغة العرب فراح يطعن بالتكرار الوارد في القرآن، وظن هؤلاء أن هذا ليس من أساليب الفصاحة، وهذا من جهلهم، فالتكرار الوارد في القرآن ليس من التكرار المذموم الذي لا قيمة له – كما سيأتي تفصيله – والذي يرد في كلام من لا يحسن اللغة أو لا يحسن التعبير. قال السيوطي – رحمه الله -: التكرير وهو أبلغ من التأكيد، وهو من محاسن الفصاحة خلافاً لبعض من غلط. " الإتقان في علوم القرآن " (3 / 280) طبعة مؤسسة النداء. ثالثاً:أنواع التكرار. قسَّم العلماء التكرار الوارد في القرآن إلى نوعين: أحدهما: تكرار اللفظ والمعنى. وهو ما تكرر فيه اللفظ دون اختلاف في المعنى، وقد جاء على وجهين: موصول، ومفصول. أما الموصول: فقد جاء على وجوه متعددة: إما تكرار كلمات في سياق الآية، مثل قوله تعالى (هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ) المؤمنون/36، وإما في آخر الآية وأول التي بعدها، مثل قوله تعالى (وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا. قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً) الإنسان/15، 16، وإما في أواخرها، مثل قوله تعالى (كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكّاً دَكّاً) الفجر/21، وإما تكرر الآية بعد الآية مباشرة، مثل قوله تعالى (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً. إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) الشرح/5، 6. وأما المفصول: فيأتي على صورتين: إما تكرار في السورة نفسها، وإما تكرار في القرآن كله. مثال التكرار في السورة نفسها: تكرر قوله تعالى (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) في سورة " الشعراء " 8 مرات، وتكرر قوله تعالى (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ) في سورة " المرسلات " 10 مرات، وتكرر قوله تعالى (فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) في سورة " الرحمن " 31 مرة. ومثال التكرار في القرآن كله: تكرر قوله تعالى (وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) 6 مرات: في " يونس " (48) و "الأنبياء" (38) و " النمل " (71) و "سبأ" (29) و " يس " (48) و " الملك " (25) ، وتكرر قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) مرتين: في " التوبة " (73) و " التحريم " (9) . والثاني: التكرار في المعنى دون اللفظ. وذلك مثل قصص الأنبياء مع أقوامهم، وذِكر الجنة ونعيمها، والنار وجحيمها. رابعاً: فوائد التكرار قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: وليس في القرآن تكرار محض، بل لابد من فوائد في كل خطاب. " مجموع الفتاوى " (14 / 408) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في التعليق على تكرار قصة موسى مع قومه -: وقد ذكر الله هذه القصة في عدة مواضع من القرآن، يبين في كل موضع منها من الاعتبار والاستدلال نوعاً غير النوع الآخر، كما يسمَّى اللهُ ورسولُه وكتابُه بأسماء متعددة، كل اسم يدل على معنى لم يدل عليه الاسم الآخر، وليس في هذا تكرار، بل فيه تنويع الآيات مثل أسماء النبي صلى الله عليه وسلم إذا قيل: محمد، وأحمد، والحاشر، والعاقب، والمقفى، ونبي الرحمة، ونبي التوبة، ونبي الملحمة، في كل اسم دلالة على معنى ليس في الاسم الآخر، وإن كانت الذات واحدة فالصفات متنوعة. وكذلك القرآن إذا قيل فيه: قرآن، وفرقان، وبيان، وهدى، وبصائر، وشفاء، ونور، ورحمة، وروح: فكل اسم يدل على معنى ليس هو المعنى الآخر. وكذلك أسماء الرب تعالى إذا قيل: الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، الخالق، البارئ، المصور: فكل اسم يدل على معنى ليس هو المعنى الذي في الاسم الآخر، فالذات واحدة، والصفات متعددة، فهذا في الأسماء المفردة. وكذلك في الجمل التامة، يعبَّر عن القصة بجُمَل تدل على معانٍ فيها، ثم يعبر عنها بجُمَل أخرى تدل على معانٍ أُخَر، وإن كانت القصة المذكورة ذاتها واحدة فصفاتها متعددة، ففي كل جملة من الجُمَل معنًى ليس في الجُمَل الأُخَر. " مجموع الفتاوى " (19 / 167، 168) . وقال السيوطي – رحمه الله -: وله – أي: التكرار - فوائد: منها: التقرير، وقد قيل " الكلام إذا تكرَّر تقرَّر "، وقد نبه تعالى على السبب الذي لأجله كرر الأقاصيص والإنذار في القرآن بقوله (وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا) . ومنها: التأكيد. ومنها: زيادة التنبيه على ما ينفي التهمة ليكمل تلقي الكلام بالقبول، ومنه (وَقَالَ الَّذِي آَمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ. يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ) ، فإنه كرر فيه النداء لذلك. ومنها: إذا طال الكلام وخشي تناسي الأول أعيد ثانيها تطرية له وتجديداً لعهده، ومنه (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا) ، (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا) ، (وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) إلى قوله (فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) ، (لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ) ، (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ) . ومنها: التعظيم والتهويل نحو (الْحَاقَّةُ. مَا الْحَاقَّةُ) ، (الْقَارِعَةُ. مَا الْقَارِعَةُ) ، (وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ) . " الإتقان في علوم القرآن " (3 / 281، 282) طبعة مؤسسة النداء. خامساً: فوائد تكرار بعض القصص والآيات 1. قال أبو الفرج ابن الجوزي – رحمه الله -: فإن قيل: ما الفائدة في تكرار قوله: (فبأيِّ آلاء ربِّكما تُكذِّبانِ) ؟ . الجواب: أن ذلك التكرير لتقرير النِّعم وتأكيد التذكير بها، قال ابن قتيبة: من مذاهب العرب التكرار للتوكيد والإفهام، كما أن من مذاهبهم الاختصار للتخفيف والإيجاز؛ لأن افتنان المتكلِّم والخطيب في الفنون أحسن من اقتصاره في المقام على فنٍّ واحدٍ، يقول القائل منهم: واللهِ لا أفعله، ثم واللهِ لا أفعله، إذا أراد التوكيد وحسم الأطماع مِنْ أنْ يفعله، كما يقول: واللهِ أفعلُه، بإضمار " لا " إذا أراد الاختصار، ويقول القائل المستعجِل: اعْجَل اعْجَل، وللرامي: ارمِ ارمِ، ... . قال ابن قتيبة: فلمّا عَدَّد اللهُ تعالى في هذه السورة نعماءَه، وأذكَرَ عِبَادَه آلاءَه، ونبَّههم على قُدرته، جعل كل كلمة من ذلك فاصلة بين كل نِعمتين، ليُفَهِّمهم النِّعم ويُقَرِّرهم بها، كقولك للرجل: أَلم أُبَوِّئْكَ مَنْزِلاً وكنتَ طريداً؟ أفتُنْكِرُ هذا؟ ألم أحُجَّ بك وأنت صَرُورَةٌ [هو من لم يحج قط] ؟ أفَتُنْكِرُ هذا؟ . " زاد المسير " (5 / 461) . 2. قال القرطبي – رحمه الله -: وأما وجه التكرار – أي: {قل يا أيها الكافرون} - فقد قيل إنه للتأكيد في قطع أطماعهم، كما تقول: والله لا أفعل كذا، ثم والله لا أفعله. قال أكثر أهل المعاني: نزل القرآن بلسان العرب، ومن مذاهبهم التكرار إرادة التأكيد والإفهام، كما أن من مذاهبهم الاختصار إرادة التخفيف والإيجاز؛ لأن خروج الخطيب والمتكلم من شيء إلى شيء أولى من اقتصاره في المقام على شيء واحد، قال الله تعالى: (فبأي آلاء ربكما تكذبان) ، (ويل يومئذ للمكذبين) ، (كلا سيعلمون. ثم كلا سيعلمون) ، و (فإن مع العسر يسرا. إن مع العسر يسرا) : كل هذا على التأكيد. " تفسير القرطبي " (20 / 226) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82856 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 57 حكم الاستعاذة قبل قراءة الفاتحة في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الاستعاذة قبل قراءة القرآن في الصلاة؟ هل هي واجبة أم مستحبة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ قبل قراءة الفاتحة في الصلاة. رواه أبو داود (775) وصححه الألباني. ثانياً: اختلف العلماء في حكم الاستعاذة قبل قراءة الفاتحة في الصلاة فذهب بعضهم إلى الوجوب، وذهب إليه عطاء والثوري والأوزاعي وداود، نقله ابن حزم في "المحلى" (3/247-248) واختاره، وهو رواية عن أحمد اختارها ابن بطة كما في "الإنصاف" (2/119) ، واختار هذا القول من المتأخرين الشيخ الألباني رحمهم الله جميعا. وذهب آخرون إلى الاستحباب فقط وليس الوجوب، وهو قول جماهير أهل العلم من الصحابة والتابعين والأئمة أبي حنيفة والشافعي وأحمد في المعتمد من مذهبه. انظر: "تبيين الحقائق" (1/107) ،"المجموع" (3/280-282) ، "المغني" (1/283) ، "الفتاوى الكبرى" لابن تيمية (5/332) . واستدل القائلون بالوجوب بقوله تعالى: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) النحل/98، قالوا: وفي الآية أمر بالاستعاذة، والقاعدة أن الأمر يفيد الوجوب ما لم تأت قرينة – يعني دليل – آخر يدل على أن المقصود بالأمر الاستحباب. قال ابن حزم في "المحلى" (2/279) : " وأما قول أبي حنيفة والشافعي أن التعوذ ليس فرضا فخطأ؛ لأن الله تعالى يقول: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) ، ومن الخطأ أن يأمر الله تعالى بأمر ثم يقولَ قائل بغير برهان من قرآن ولا سنة: هذا الأمر ليس فرضا، لا سِيَّما أمره تعالى بالدعاء في أن يعيذنا من كيد الشيطان، فهذا أمر مُتَيَقَّنٌ أنه فرض؛ لأن اجتناب الشيطان والفرار منه وطلب النجاة منه لا يختلف اثنان في أنه فرض، ثم وضع الله تعالى ذلك علينا عند قراءة القرآن " انتهى. وأجاب الجمهور عن هذا الدليل بأنه قد جاءت بعض القرائن فصرفت الأمر عن الوجوب إلى الاستحباب، وهذه القرائن هي: 1- حديث المسيء صلاته: فقد عَلَّمَه النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة فقال له: (إِذَا قُمتَ إِلَى الصَّلاةِ فَكَبِّر ثُمَّ اقرَأ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ القُرآنِ ثُمَّ اركَع..إلخ) رواه البخاري ومسلم (397) ولم يذكر له الاستعاذة. قال الإمام الشافعي في "الأم" (1/208) : " وإن تركه ناسيا أو جاهلا أو عامدا لم يكن عليه إعادة ولا سجود سهو، وأكره له تركه عامدا، وأحب إذا تركه في أول ركعة أن يقوله في غيرها، وإنما منعني أن آمره أن يعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم عَلَّمَ رجلا ما يكفيه في الصلاة فقال: (كَبِّر ثُمَّ اقْرَأ) قال: ولم يُروَ عنه أنه أمره بتعوذ ولا افتتاح، فدل على أن افتتاح رسول الله صلى الله عليه وسلم اختيارٌ، وأن التعوذ مما لا يُفسِدُ الصلاةَ إن تركه " انتهى. 2- وجاء في "الموسوعة الفقهية" (4/6) : " واحتجّ الجمهور بأنّ الأمر للنّدب، وصرفه عن الوجوب إجماع السّلف على سنّيّته " انتهى. وقد اختار القول بأنه سنة مستحبة وليست واجبة علماء اللجنة الدائمة للإفتاء، والشيخ ابن عثيمين. جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (6/383) : ما حكم من نسي الاستعاذة من الشيطان الرجيم وتذكر بعد انقضاء الصلاة، أو ذكر أنه لم يقل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وهو بالصلاة؟ فأجابت: " الاستعاذة سنة، فلا يضر تركها في الصلاة عمدًا أو نسيانا " انتهى. وسئل الشيخ ابن عثيمين: هل الاستعاذة في كل ركعة أو في الأولى فقط؟ فأجاب: " الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم في الصلاة سنة. واختلف العلماء - رحمهم الله - هل يستعيذ في كل ركعة، أم في الركعة الأولى فقط، بناء على القراءة في الصلاة: هل هي قراءة واحدة، أم لكل ركعة قراءة منفردة؟ والذي يظهر لي: أن قراءة الصلاة واحدة، فتكون الاستعاذة في أول ركعة، إلا إذا حدث ما يوجب الاستعاذة، كما لو انفتح عليه باب الوساوس، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر الإنسان إذا انفتح عليه باب الوساوس أن يتفل عن يساره ثلاثاً، ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (13/110) . وسبق اختيار هذا القول في جواب السؤال رقم (65847) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 74341 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 58 كيف يقرأ سورة البقرة في البيت؟ وهل تجزئ القراءة من المسجل؟ [السُّؤَالُ] ـ[قراءة سورة البقرة في البيت وطردها للشياطين: هل يلزم قراءتها بصوت مرتفع؟ وهل استخدام المسجل يؤدي الغرض؟ وهل يجزئ قراءتها منفصلة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الفضل العظيم لسورة البقرة كاملة، ولبعض آياتها العظيمة مثل " آية الكرسي " وآخر آيتين منها، ومما ذكره صلى الله عليه وسلم في فضلها أن الشياطين تفر من البيت الذي تُقرأ فيه هذه السورة، وأنها نافعة في الوقاية من السحر وفي علاجه. عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تجعلوا بيوتكم مقابر إن الشيطان ينفِر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة) رواه مسلم (780) . قال النووي – رحمه الله -: هكذا ضبطه الجمهور " ينفِر " ورواه بعض رواة مسلم " يفرُّ " وكلاهما صحيح. " شرح مسلم " (6 / 69) . عن أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اقرءوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البَطَلة) رواه مسلم (804) . البَطَلة: السحرة. ولا يشترط قراءتها بصوت مرتفع، بل يكفي أن تُقرأ وتتلى في البيت، ولو مع خفض الصوت، كما لا يشترط أن تُقرأ دفعة واحدة، بل يمكن أن تُقرأ على مراحل، ولا يشترط أن يكون القارئ واحداً من أهل البيت، بل لو وزعت بينهم لجاز، وإن كان الأفضل في كل ذلك أن تُقرأ دفعة واحدة ومن شخص واحد. ولا يجوز أن يُعتد بقراءة الصوت الخارج من إذاعة أو شريط، بل لا بدَّ من مباشرة القراءة من أهل البيت أنفسهم. سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: هناك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الإنسان لو قرأ سورة " البقرة " لا يدخل الشيطان في بيته، لكن لو كانت السورة مسجلة على شريط هل يحصل نفس الأمر؟ فأجاب: لا، لا، صوت الشريط ليس بشيء، لا يفيد؛ لأنه لا يقال " قرأ القرآن "، يقال: " استمع إلى صوت قارئ سابق "، ولهذا لو سجَّلنا أذان مؤذن فإذا جاء الوقت جعلناه في " الميكرفون " وتركناه يؤذن هل يُجزئ؟ لا يجزئ، ولو سجلنا خطبة مثيرة، فلما جاء يوم الجمعة وضعنا هذا المسجل وفيه الشريط أمام " الميكرفون " فقال المسجل " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته " ثم أذَّن المؤذن، ثم قام فخطب، هل تُجزئ؟ لا تُجزئ، لماذا؟ لأن هذا تسجيل صوتٍ ماضٍ، كما لو أنك كتبته في ورقة أو وضعتَ مصحفاً في البيت، هل يُجزئ عن القراءة؟ لا يُجزئ. " أسئلة الباب المفتوح " (السؤال رقم 986) . لكن إن لم يكن في أهل البيت من يستطيع أن يقرأ سورة البقرة، ولم يكن هناك من يقرؤها لهم في البيت، واستخدموا المسجل في قراءتها، فالأظهر، إن شاء الله، أنه يحصل لهم هذه الفضيلة في البيت: فرار الشيطان منه؛ لاسيما إن كان من أهل البيت من يستمع القراءة من المسجل. والله أعلم هل قراءة سورة البقرة من المسجل يطرد الشيطان من المنزل؟ السؤال: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم، فيما رواه الإمام مسلم في صحيحه: (لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة) . وسؤالي: هل يكفي أن يأتي الإنسان بالمسجل، ويضع فيه شريطا مسجلا عليه سورة البقرة، ويقوم بتشغيله حتى يقرأ كامل السورة؟ أو لا بد أن يقرأ الإنسان بنفسه أو من ينوب عنه السورة؟ الجواب: الحمد لله الأظهر- والله أعلم- أنه يحصل بقراءة سورة البقرة كلها من المذياع أو من صاحب البيت ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم من فرار الشيطان من ذلك البيت، ولكن لا يلزم من فراره أن لا يعود بعد انتهاء القراءة، كما أنه يفر من سماع الأذان والإقامة ثم يعود حتى يخطر بين المرء وقلبه، ويقول له: اذكر كذا، واذكر كذا. . كما صح بذلك الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم، فالمشروع للمؤمن أن يتعوذ بالله من الشيطان دوما، وأن يحذر من مكائده ووساوسه وما يدعو إليه من الإثم، والله ولي التوفيق " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (24/413) . فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز فتاوى نور على الدرب [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69963 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 59 قراءة القرآن مع الإخلال بنطق بعض الحروف كالثاء والذال [السُّؤَالُ] ـ[هل تجوز قراءة القرآن المجيد على طريقة أهل بعض البلاد غير العربية في نطق الحروف؟ فمثلا هم يلفظون بالحرف (ث) وكأنه (س) ، والحرف (ذ) وكأنه (ز) إلى غير ذلك.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب قراءة القرآن الكريم بحروفه التي أنزله الله بها، قراءةً عربية صحيحة، كما قال سبحانه: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) الشعراء/192-195. وقال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) يوسف/2. ولا يجوز لأحد أن يتعمد تبديل حرف منه بحرف، مع قدرته على النطق بالحرف الصحيح، وهذا من اللحن الجلي الذي يأثم صاحبه. ومن وجد صعوبة في النطق بالحرف الصحيح - كأهل البلاد الذين لا توجد في لغتهم بعض الحروف العربية كالثاء والذال والخاء - فهؤلاء يلزمهم تعلم النطق الصحيح، فإن عجزوا عنه فهم معذورون، لكن لا يُقتدى بهم في ذلك، وينبغي دعوتهم إلى بذل الجهد في التعلم والتصحيح، كما لا ينبغي تقديم أحدهم للإمامة، إلا أن يؤم أمثاله ممن لا يحسن النطق. قال ابن الجزري رحمه الله: " فمن قدر على تصحيح كلام الله تعالى باللفظ الصحيح العربي الفصيح، وعدل إلى اللفظ الفاسد العجمي أو النبطي القبيح، استغناءً بنفسه، واستبداداً برأيه وحدْسه واتكالاً على ما ألِفَ من حفظه، واستكباراً عن الرجوع إلى عالمٍ يوقفه على صحيح لفظه، فإنه مقصر بلا شك، وآثم بلا ريب، وغاش بلا مرية، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) . أما من كان لا يطاوعه لسانه، أو لا يجد من يهديه إلى الصواب بيانه، فإن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها " انتهى من "النشر في القراءات العشر" (1/299) . وينبغي أن يُعلم أن الله تعالى قد يسر حفظ القرآن وتلاوته، كما قال: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر ٍ) القمر/17. ولهذا نرى كثيراً من إخواننا في البلاد المشار إليها يجيدون النطق بالحروف إجادة لا تقل عن إجادة إخوانهم من أهل العربية، فينبغي الاجتهاد في تعلم النطق الصحيح وتجويد القرآن وعدم اليأس من ذلك. والله الموفق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 67586 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 60 هل تصلَّى التراويح مفردة أم جماعة؟ وهل ختم القرآن في رمضان بدعة؟ [السُّؤَالُ] ـ[سمعت أنه من المندوب إليه أن يؤدي المسلم التراويح مفردة كما صلاها النبي صلى الله عليه وسلم بمفرده عدا 3 مرات، هل هذا صحيح؟ كما أني سمعت أن من البدعة قراءة القرآن كاملا في التراويح في رمضان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل هذا، فهل هذا صحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: تشرع صلاة القيام في رمضان جماعةً، وتشرع مفردةً، وفعلها جماعةً أفضل من فعلها منفرداً، فقد صلاها النبي صلى الله عليه بأصحابه جماعةً عدة ليالٍ. فقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه ليالٍ، ولما كانت الثالثة أو الرابعة لَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: (لَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ) . رواه البخاري (1129) ، وفي لفظ مسلم (761) (وَلَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ صَلاةُ اللَّيْلِ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا) . فثبتت الجماعة في التراويح بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم المانع من الاستمرار في صلاتها جماعة، وهو خوف أن تُفرض، وهذا الخوف قد زال بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنه لما مات صلى الله عليه وسلم انقطع الوحي فأمن من فرضيتها، فلما زالت العلة وهو خوف الفريضة بانقطاع الوحي، فحينئذ تعود السنية لها. انظر " الشرح الممتع " للشيخ ابن عثيمين (4 / 78) . قال الإمام ابن عبد البر – رحمه الله -: وفيه: أن قيام رمضان سنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم، مندوب إليها، مرغوب فيها، ولم يسن منها عمر بن الخطاب إذ أحياها إلا ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه ويرضاه، ولم يمنع من المواظبة عليه إلا خشية أن يفرض على أمته، وكان بالمؤمنين رؤوفا رحيما - صلى الله عليه وسلم -، فلما علم ذلك عمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلم أن الفرائض لا يزاد فيها ولا ينقص منها بعد موته عليه الصلاة والسلام: أقامها للناس وأحياها وأمر بها، وذلك سنة أربع عشرة من الهجرة، وذلك شيء ادخره الله له وفضَّله به. "التمهيد " (8 / 108، 109) . وقد صلاها الصحابة رضي الله عنهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم جماعات وأفراداً حتى جمعهم عمر رضي الله عنه على إمام واحد. عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ، يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ، وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلاتِهِ الرَّهْطُ، فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ، ثُمَّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاةِ قَارِئِهِمْ، قَالَ عُمَرُ: نِعْمَ الْبِدْعَةُ هَذِهِ، وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنْ الَّتِي يَقُومُونَ - يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ - وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ. رواه البخاري (1906) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية - في معرض رده على الذين يحتجون بقول عمر: " نعمت البدعة " على تجويز البدع -: أما قيام رمضان فإن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سنَّه لأمَّته، وصلَّى بهم جماعة عدة ليالٍ، وكانوا على عهده يصلون جماعة وفرادى، لكن لم يداوموا على جماعة واحدة؛ لئلا تفرض عليهم، فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم استقرت الشريعة، فلما كان عمر رضي الله عنه جمعهم على إمامٍ واحدٍ، وهو أُبي بن كعب الذي جمع الناس عليها بأمر من عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعمر رضي الله عنه هو من الخلفاء الراشدين، حيث يقول صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ " يعنى الأضراس؛ لأنها أعظم في القوة، وهذا الذي فعله هو سنة لكنه قال " نعمت البدعة هذه "، فإنها بدعة في اللغة لكونهم فعلوا ما لم يكونوا يفعلونه في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني: من الاجتماع على مثل هذه، وهي سنة من الشريعة ". " مجموع الفتاوى " (22 / 234، 235) . وللمزيد: راجع السؤال (21740) ، (45781) ثانياً: ختم القرآن في رمضان في الصلاة وخارجها أمر محمود لصاحبه، وقد كان جبريل عليه السلام يدارس القرآن مع النبي صلى الله عليه وسلم في كل رمضان، فلما كان العام الذي توفي فيه دارسه إياه مرتين. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (66504) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65572 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 61 هل في السنة دعاء بعد ختم القرآن؟ [السُّؤَالُ] ـ[أرجو منكم إرسال دعاء ختم القرآن الكريم كما ورد في السنة النبوية.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس في السنة النبوية دعاء خاص بعد ختم القرآن الكريم، ولا حتى عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو الأئمة المشهورين، ومن أشهر ما ينسب في هذا الباب الدعاء المكتوب في آخر كثير من المصاحف منسوباً لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ولا أصل له عنه. انظر: "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (14/226) . والدعاء بعد ختم القرآن إما أن يكون بعد ختمه في الصلاة، أو خارجها، ولا أصل للدعاء بعد الختمة في الصلاة، وأما خارجها فقد ورد فعله عن أنس رضي الله عنه. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم دعاء ختم القرآن في قيام الليل في شهر رمضان؟ فأجاب: " لا أعلم في ختمة القرآن في قيام الليل في شهر رمضان سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن الصحابة أيضا، وغاية ما ورد في ذلك أن أنس بن مالك رضي الله عنه كان إذا ختم القرآن جمع أهله ودعا. وهذا في غير الصلاة " انتهى. "فتاوى أركان الإسلام" (ص 354) . وللشيخ بكر أبو زيد رسالة نافعة في هذه المسألة، ومما جاء في خاتمتها: من مجموع السياقات في الفصلين السالفين نأتي إلى الخاتمة في مقامين: المقام الأول: في مطلق الدعاء لختم القرآن: والمتحصل في هذا ما يلي: أولاً: أن ما تقدم مرفوعا وهو في مطلق الدعاء لختم القرآن: لا يثبت منه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم , بل هو إما موضوع أو ضعيف لا ينجبر، ويكاد يحصل القطع بعدم وجود ما هو معتمد في الباب مرفوعاً؛ لأن العلماء الجامعين الذين كتبوا في علوم القرآن وأذكاره أمثال: النووي , وابن كثير , والقرطبي , والسيوطي , لم تخرج سياقاتهم عن بعض ما ذكر، فلو كان لديهم في ذلك ما هو أعلى إسناداً لذكروه. ثانياً: أنه قد صح من فعل أنس بن مالك رضي الله عنه الدعاء عند ختم القرآن، وجمع أهله وولده لذلك , وأنه قد قفاه (أي: تابعه) على ذلك جماعة من التابعين , كما في أثر مجاهد بن جبر رحمهم الله تعالى أجمعين. ثالثاً: أنه لم يتحصل الوقوف على شيء في مشروعية ذلك في منصوص الإمامين: أبي حنيفة والشافعي رحمهما الله تعالى. وأن المروي عن الإمام مالك رحمه الله: أنه ليس من عمل الناس، وأن الختم ليس سنة للقيام في رمضان. رابعاً: أن استحباب الدعاء عقب الختم , هو في المروي عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى , كما ينقله علماؤنا الحنابلة , وقرره بعض متأخري المذاهب الثلاثة. المقام الثاني: في دعاء الختم في الصلاة: وخلاصته فيما يلي: أولاً: أنه ليس فيما تقدم من المروي حرف واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن أحد من صحابته رضي الله عنهم يفيد مشروعية الدعاء في الصلاة بعد الختم قبل الركوع أو بعده لإمام أو منفرد. ثانياً: أن نهاية ما في الباب هو ما يذكره علماء المذهب من الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى في رواية حنبل والفضل والحربي عنه - والتي لم نقف على أسانيدها -: من جعل دعاء الختم في صلاة التراويح قبل الركوع. وفي رواية عنه - لا يعرف مخرجها -: أنه سهل فيه في دعاء الوتر ... انظر: " مرويات دعاء ختم القرآن ". وانظر جواب السؤال رقم (12949) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65581 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 62 حكم تعليق الآيات للحفظ والحماية [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم وضع المصحف في السيارة من أجل التبرك والحصن من العين وأيضا خشية أن تصدم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله حكم وضع المصحف في السيارة دفعا للعين أو توقيا للخطر بدعة فإن الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا يحملون المصحف دفعا للخطر أو للعين، وإذا كان بدعة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار " (سؤال على الهاتف الشيخ محمد بن صالح العثيمين) (البدع والمحدثات وما لا أصل له ص259) وسئل أيضا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله السؤال التالي: يعلق بعض الناس آيات قرآنية وأحاديث نبوية في غرف المنازل أو في المطاعم أو المكاتب، وكذلك في المستشفيات والمستوصفات يعلقون قوله تعالى " وإذا مرضت فهو يشفين " وغير ذلك.. فهل تعليق ذلك يعتبر من التمائم المنهي عنها شرعا، علما بأن مقصودهم استنزال البركات وطرد الشياطين، وقد يقصد من ذلك أيضا تذكير الناسي وتنبيه الغافل، وهل من التمائم وضع المصحف في السيارة بحجة التبرك به؟ فأجاب سماحته قائلا: إذا كان المقصود بما ذكره السائل تذكرة الناس وتعليمهم ما ينفعهم فلا حرج في ذلك، أما إذا كان المقصود اعتبارها حرزا من الشياطين أو الجن فلا أعلم لهذا أصلا وهكذا وضع المصحف في السيارة للتبرك بذلك ليس له أصل وليس بمشروع، أما إذا وضعه في السيارة ليقرأ فيه بعض الأحيان أو ليقرأ فيه بعض الركاب فهذا طيب ولا بأس.. والله ولي التوفيق [الْمَصْدَرُ] (فتاوى إسلامية 4/29) (الشيخ ابن باز) الحديث: 2915 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 63 سماعات مسجّل القرآن بمستوى أقدام الركّاب [السُّؤَالُ] ـ[في بعض السيارات تكون سماعات المسجل مساوية للأقدام، وقد توضع الأقدام والحذاء على السماعات، فهل عندما يُشغل القرآن يكون هذا امتهان لكتاب الله؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كانت السماعات كما ذكرت تحت الأقدام أو حذاء الأقدام، فإنه لا يفتحه على القرآن الكريم، لأن كون القرآن الكريم يسمع من تحت قدم الإنسان أو حذاء قدم الإنسان لا شك أن فيه إهانة للقرآن، وإذا كان الإنسان لا بد أن يستمع إلى القرآن فليرفع السماعة عن محاذاة الأقدام. [الْمَصْدَرُ] لقاء الباب المفتوح لابن عثيمين /165 الحديث: 2297 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 64 هل يؤجر قارئ القرآن الذي لا يعرف معنى ما يقرأ [السُّؤَالُ] ـ[أداوم على قراءة القرآن لكنني لا أفهم معانيه.. فهل أثاب من الله على ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله القرآن الكريم مبارك كما قال الله تعالى: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب} . فالإنسان مأجور على قراءته سواء أفهم معناه أم لم يفهم.. ولكن لا ينبغي للمؤمن أن يقرأ دون أن يسعى لأن يفهم معناه، فالإنسان لو أراد أن يتعلم الطب مثلاً ودرس كتب الطب فإنه لا يمكن أن يستفيد منها حتى يفهم معناها وتشرح له، بل هو يحرص كل الحرص على أن يفهم معناها من أجل أن يطبقها، فما بالك بكتاب الله سبحانه وتعالى الذي هو شفاء لما في الصدور وموعظة للناس أن يقرأه الإنسان بدون تدبر وبدون فهم لمعناه.. ولهذا كان الصحابة رضوان الله عليهم لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل، فالإنسان مثاب ومأجور على قراءة القرآن سواء أفهم معناه أم لم يفهم ولكن ينبغي له أن يحرص كل الحرص على فهم معناه وأن يتلقى هذا المعنى من العلماء الموثوقين بعلمهم وفي أمانتهم، فإن لم يتيسر له عالم يفهمه المعنى فليرجع إلى كتب التفسير الموثوقة مثل تفسير ابن جرير وتفسير ابن كثير وغيرهما والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى الشيخ ابن عثيمين. لقاء الباب المفتوح لابن عثيمين /165 الحديث: 4040 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 65 هل يجب قراءة القرآن بالتسلسل لمن أراد الختمة؟ [السُّؤَالُ] ـ[في رمضان إذا أراد المرء أن يختم القرآن هل يجب قراءة القرآن بالتسلسل؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يستحب الإكثار من تلاوة القرآن في رمضان، فهو شهر القرآن، قال الله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) البقرة/185. وكان جبريل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم كل ليلة في رمضان فيدارسه القرآن. رواه البخاري (5) ومسلم (4268) . وروى البخاري (4614) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن جبريل (كان يعْرضُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً، فَعرضَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ فِي الْعَامِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ) . وهذا يدل على استحباب ختم القرآن ومدارسته في رمضان. ولذلك كان السلف يكثرون من تلاوة القرآن في رمضان، اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم. " فكان قتادة رحمه الله يختم القرآن في كل سبع ليال دائما، وفي رمضان في كل ثلاث، وفي العشر الأخير منه في كل ليلة. وكان إبراهيم النخعي رحمه الله يختم القرآن في رمضان في كل ثلاث ليال، وفي العشر الأواخر في كل ليلتين. وكان الأسود رحمه الله يقرأ القرآن كله في ليلتين في جميع الشهر " انتهى من مجالس شهر رمضان للشيخ ابن عثيمين رحمه الله ص 65. ثانياً: الأفضل قراءة القرآن على ترتيب السور الوارد في المصحف، وهو الترتيب الذي عرض به جبريل القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حياته. انظر: "التحبير في علم التفسير" للسيوطي ص 637. قال النووي رحمه الله في "التبيان": " قال العلماء رحمهم الله: الاختيار أن يقرأ على ترتيب المصحف، فيقرأ الفاتحة، ثم البقرة ثم آل عمران، ثم النساء إلى أن يختم بـ (قُلْ أَعوذ بربِ النَّاس) سواء قرأ في الصلاة أم خارجاً عنها، ويستحب أيضاً إذا قرأ سورة أن يقرأ بعدها السورة التي تليها، ولو قرأ في الركعة الأولى: (قُلْ أَعوذ بربِ النَّاس) يقرأ في الثانية من البقرة. ودليل هذا: أن ترتيب المصحف لحكمة، فينبغي أن يحافظ عليها إلا فيما ورد الشرع باستثنائه كصلاة الصبح يوم الجمعة، يقرأ في الركعة الأولى: (ألم تَنزيل) وفي الثانية: (هَلْ أتَى) وصلاة العيدين (قاف) و (اقتربت) . ولو خالف الترتيب فقرأ سورة ثم قرأ التي قبلها، أو خالف الموالاة فقرأ قبلها ما لا يليها جاز وكان تاركاً للأفضل، وأما قراءة السورة من آخرها إلى أولها فمتفقٌ على منعه وذمِّه؛ فإنه يُذهب بعض أنواع الإعجاز، ويزيل حِكمة الترتيب " انتهى كلام النووي. وقد ورد عن عائشة رضي الله عنها ما يدل على عدم وجوب قراءة القرآن مرتباً. روى البخاري (4993) عن يُوسُفُ بْنُ مَاهَكٍ قَالَ: إِنِّي عِنْدَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إِذْ جَاءَهَا عِرَاقِيٌّ فَقَالَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَرِينِي مُصْحَفَكِ. قَالَتْ: لِمَ؟ قَالَ: لَعَلِّي أُوَلِّفُ الْقُرْآنَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يُقْرَأُ غَيْرَ مُؤَلَّفٍ. قَالَتْ: وَمَا يَضُرُّكَ أَيَّهُ قَرَأْتَ قَبْلُ؟ إِنَّمَا نَزَلَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنْهُ سُورَةٌ مِنْ الْمُفَصَّلِ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ إِلَى الإِسْلامِ نَزَلَ الْحَلالُ وَالْحَرَامُ، وَلَوْ نَزَلَ أَوَّلَ شَيْءٍ: لا تَشْرَبُوا الْخَمْرَ. لَقَالُوا: لا نَدَعُ الْخَمْرَ أَبَدًا! وَلَوْ نَزَلَ: لا تَزْنُوا. لَقَالُوا: لا نَدَعُ الزِّنَا أَبَدًا! لَقَدْ نَزَلَ بِمَكَّةَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ أَلْعَبُ: (بَلْ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ) وَمَا نَزَلَتْ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ إِلا وَأَنَا عِنْدَهُ. قال الحافظ: " اَلَّذِي يَظْهَر لِي أَنَّ هَذَا الْعِرَاقِيّ كَانَ مِمَّنْ يَأْخُذ بِقِرَاءَةِ اِبْن مَسْعُود , وَكَانَ اِبْن مَسْعُود لَمَّا حَضَرَ مُصْحَف عُثْمَان إِلَى الْكُوفَة لَمْ يُوَافِق عَلَى الرُّجُوع عَنْ قِرَاءَته وَلا عَلَى إِعْدَام مُصْحَفه. . . فَكَانَ تَأْلِيف مُصْحَفه مُغَايِرًا لِتَأْلِيفِ مُصْحَف عُثْمَان. (تأليف المصحف هو جمع سوره مرتبة) وَلا شَكّ أَنَّ تَأْلِيف الْمُصْحَف الْعُثْمَانِيّ أَكْثَر مُنَاسَبَة مِنْ غَيْره , فَلِهَذَا أَطْلَقَ الْعِرَاقِيّ أَنَّهُ غَيْر مُؤَلَّف. . . قَالَ اِبْن بَطَّال: لا نَعْلَم أَحَدًا قَالَ بِوُجُوبِ تَرْتِيب السُّوَر فِي الْقِرَاءَة لا دَاخِل الصَّلاة وَلا خَارِجهَا , بَلْ يَجُوز أَنْ يَقْرَأ الْكَهْف قَبْل الْبَقَرَة وَالْحَجّ قَبْل الْكَهْف مَثَلا , وَأَمَّا مَا جَاءَ عَنْ السَّلَف مِنْ النَّهْي عَنْ قِرَاءَة الْقُرْآن مَنْكُوسًا فَالْمُرَاد بِهِ أَنْ يَقْرَأ مِنْ آخِر السُّورَة إِلَى أَوَّلهَا , وَكَانَ جَمَاعَة يَصْنَعُونَ ذَلِكَ فِي الْقَصِيدَة مِنْ الشِّعْر مُبَالَغَة فِي حِفْظهَا وَتَذْلِيلا لِلِسَانِهِ فِي سَرْدهَا , فَمَنَعَ السَّلَف ذَلِكَ فِي الْقُرْآن فَهُوَ حَرَام فِيهِ. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض: وَتَرْتِيب السُّوَر لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي التِّلاوَة وَلا فِي الصَّلاة وَلا فِي الدَّرْس وَلا فِي التَّعْلِيم فَلِذَلِكَ اِخْتَلَفَتْ الْمَصَاحِف , فَلَمَّا كُتِبَ مُصْحَف عُثْمَان رَتَّبُوهُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ الآن , فَلِذَلِكَ اِخْتَلَفَ تَرْتِيب مَصَاحِف الصَّحَابَة ثُمَّ ذَكَرَ نَحْو كَلام اِبْن بَطَّال " انتهى من فتح الباري ملخصا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50781 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 66 يقرأون القرآن قبيل صلاة التراويح ثم يكملون في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[نحن في أمريكا، سيعقد حلقة قرآن بعد الإفطار في تمام الساعة 7:15 إلى الساعة 7:30 ثم تقام الصلاة للعشاء وبعدها التراويح، في حلقة القرآن سيقرأ أحد المسلمين ويستخدم الميكرفون ليسمعه الرجال والنساء، والتخطيط أن يقرأ 12 وجهاً، ثم يكملون في التراويح 8 أوجه، وبذلك يكملوا كل ليلة جزءً إلى أن يتم ختم القرآن في نهاية الشهر، هل الجلسة لقراءة القرآن بهذه الطريقة من السنة أم من البدعة؟ وهل من الأفضل قراءة القرآن على المأمومين أثناء التراويح أم في حلقة القرآن؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج عليكم من عمل هذه الجلسة، فقراءة القرآن من واحدٍ منكم واستماع الباقين له أمرٌ مشروع، وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم. عَن ابن مَسعودٍ رضي اللَّه عنه قالَ: قال لي النبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: " اقْرَأْ علَّي القُرآنَ " قلتُ: يا رسُولَ اللَّه، أَقْرَأُ عَلَيْكَ، وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ ، قالَ: " إِني أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي " فقرَأْتُ عليه سورَةَ النِّساء، حتى جِئْتُ إلى هذِهِ الآية: {فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّة بِشَهيد وِجئْنا بِكَ عَلى هَؤلاءِ شَهِيداً} النساء/40 قال: " حَسْبُكَ الآن " فَالْتَفَتَّ إِليْهِ، فَإِذَا عِيْناهُ تَذْرِفانِ. رواه البخاري (4763) ومسلم (800) . قال الشيخ عبد العزيز بن باز: ويشرع للمسلمين في هذا الشهر العظيم دراسة القرآن الكريم ومدارسته في الليل والنهار تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم، فإنه كان يدارس جبرائيل القرآن كل سنة في رمضان، ودارسه إياه في السنة الأخيرة مرتين، ولقصد القربة والتدبر لكتاب الله عز وجل والاستفادة منه والعمل به، وهو من فعل السلف الصالح فينبغي لأهل الإيمان من ذكور وإناث أن يشتغلوا بالقرآن الكريم تلاوة وتدبرا وتعقلا ومراجعة لكتب التفسير للاستفادة والعلم. " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (11 / 319، 320) . والأفضل أن يكون مع القراءة تعليم لأحكام القرآن، وفهم لمعانيه، فإذا أضفتم إلى القراءة تفسيراً لما تقرأون أو بعضه فقد جمعتم خيراتٍ متعددة، منها: إصابة السنة في فعلكم، ومدارستكم القرآن، وتعليمكم المسلمين، وإعانتهم على التدبر القرآن. . . وإذا كانت هذه الختمة في صلاة التراويح كانت أفضل من كونها خارجها. قال شيخ الإسلام في "الفتاوى الكبرى" (2/297) : " إِنَّ الأَمْرَ بِالْقِرَاءَةِ وَالتَّرْغِيبَ فِيهَا يَتَنَاوَلُ الْمُصَلِّيَ أَعْظَمَ مِمَّا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ , فَإِنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ فِي الصَّلاةِ أَفْضَلُ مِنْهَا خَارِجَ الصَّلاةِ , وَمَا وَرَدَ مِنْ الْفَضْلِ لِقَارِئِ الْقُرْآنِ يَتَنَاوَلُ الْمُصَلِّيَ أَعْظَمَ مِمَّا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ " انتهى. فإذا شقَّ على الناس ختم القرآن في الصلاة فيمكنكم أن تجمعوا بين الخيرين: المدارسة للقرآن قبل الصلاة، والقراءة لباقيه في الصلاة، كما تعتزمون. وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ. رواه البخاري (3048) ومسلم (2308) . وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: هل يمكن أن يستفاد من مدارسة جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم القرآن في رمضان أفضلية ختم القرآن؟ فأجاب: يستفاد منها المدارسة وأنه يستحب للمؤمن أن يدارس القرآن من يفيده وينفعه؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام دارس جبرائيل للاستفادة؛ لأن جبرائيل هو الذي يأتي من عند الله جل وعلا، وهو السفير بين الله والرسل. فجبرائيل لا بد أن يفيد النبي صلى الله عليه وسلم أشياء من جهة الله عز وجل، من جهة إقامة حروف القرآن ومن جهة معانيه التي أرادها الله، فإذا دارس الإنسان من يعينه على فهم القرآن ومن يعينه على إقامة ألفاظه فهذا مطلوب، كما دارس النبي صلى الله عليه وسلم جبرائيل، وليس المقصود أن جبرائيل أفضل من النبي عليه الصلاة والسلام، لكن جبرائيل هو الرسول الذي أتى من عند الله فيبلغ الرسول عليه الصلاة والسلام ما أمره الله به من جهة القرآن ومن جهة ألفاظه ومن جهة معانيه، فالرسول عليه الصلاة والسلام يستفيد من جبرائيل من هذه الحيثية، لا أن جبرائيل أفضل منه عليه الصلاة والسلام بل هو أفضل البشر وأفضل من الملائكة عليه الصلاة والسلام، لكن المدارسة فيها خير كثير للنبي صلى الله عليه وسلم وللأمة؛ لأنها مدارسة لما يأتي به من عند الله وليستفيد مما يأتي به من عند الله عز وجل. وفيه فائدة أخرى وهي: أن المدارسة في الليل أفضل من النهار، لأن هذه المدارسة كانت في الليل، ومعلو أن الليل أقرب إلى اجتماع القلب وحضوره والاستفادة أكثر من المدارسة نهاراً. وفيه أيضا من الفوائد: شرعية المدارسة وأنها عمل صالح حتى ولو في غير رمضان، لأن فيه فائدة لكل منهما ولو كانوا أكثر من اثنين فلا بأس يستفيد كل منهم من أخيه ويشجعه على القراءة وينشطه، فقد يكون لا ينشط إذا جلس وحده لكن إذا كان معه زميل له يدارسه أو زملاء كان ذلك أشجع له وأنشط له مع عظم الفائدة فيما يحصل بينهم من المذاكرة والمطالعة فيما قد يشكل عليهم كل ذلك فيه خير كثير. ويمكن أن يفهم من ذلك أن قراءة القرآن كاملة من الإمام على الجماعة في رمضان نوع من هذه المدارسة لأن في هذا إفادة لهم عن جميع القرآن، ولهذا كان الإمام أحمد رحمه الله يحب ممن يؤمهم أن يختم بهم القرآن وهذا من جنس عمل السلف في محبة سماع القرآن كله، ولكن ليس هذا موجبا لأن يعجل ولا يتأنى في قراءته، ولا يتحرى الخشوع والطمأنينة بل تحري هذه الأمور أولى من مراعاة الختمة. " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (11 / 331 – 333) . وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله - أيضاً -: يحرص كثير من الأئمة على أن يختموا القرآن في التراويح والتهجد لإسماع الجماعة جميع القرآن فهل في ذلك حرج؟ فأجاب: هذا عمل حسن فيقرأ الإمام كل ليلة جزءا أو أقل لكن في العشر الأخيرة يزيد حتى يختم القرآن ويكمله هذا إذا تيسر بدون مشقة ... وقد عقد العلامة ابن القيم رحمه الله بابا في كتابه: " جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام " ذكر فيه حال السلف في العناية بختم القرآن فنوصي بمراجعته للمزيد من الفائدة. " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (11 / 333، 334) . وانظر أجوبة الأسئلة: (46088) و (1505) و (4039) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50675 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 67 ما حكم سماع القران قبل النوم من مسجل أو غيره؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم سماع القرآن أثناء النوم من مسجل أو غيره لتكون خاتمة المسلم على ذكر الله؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج من أن يستمع المسلم قبل نومه للقرآن، أو لمحاضرة، أو لشيء مباح، بل قد جاء في السنَّة الصحيحة أن من أذكار ما قبل النوم أدعية وقراءة آيات وسورٍ من القرآن. قال البخاري: باب التعوذ والقراءة عند المنام عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أخذ مضجعه نفث في يديه وقرأ بالمعوذات ومسح بهما جسده. رواه البخاري (5960) . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: وكَّلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام، فأخذته، فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - فذكر الحديث - فقال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " صدقك وهو كذوب، ذاك شيطان ". رواه البخاري (3101) . وسماع القرآن قبل النوم وبعده - في رمضان وفي غيره – يورث طمأنينة للقلوب، وانشراحاً للصدور، قال تعالى: (أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) الرعد/28. قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -: بعض الناس يقول لي: لا ينام إلا على سماع القرآن، إذا كان كذلك فلا بأس إذا كان مضطجعاً ينتظر النوم ما عنده شغل، فيستمع هذا لا بأس به، ومن استعان بسماع كلام الله على ما يريد الإنسان من الأمور المباحة، لا بأس ليس هناك مانع. " لقاءات الباب المفتوح " (146 / سؤال رقم 9) . وقال الشيخ عبد الله بن منيع – حفظه الله -: لا يظهر لي بأس في ذلك، وكونك أخذك النوم وأنت تستمع القرآن: لا تثريب عليك، فالأمر باستماع القرآن حين يُتلى موجه إلى السامع العاقل، قال تعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) الأعراف/204. " مجموع فتاوى وبحوث الشيخ عبد الله المنيع " (1 / 266) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50010 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 68 تحذير من موقع في الإنترنت لتحريف القرآن [السُّؤَالُ] ـ[أبلغني صديق لي بوجود موقع على الإنترنت يحرف فيه صاحبه آيات القرآن ويقول إنه من القرآن. فما الذي نفعله لوقف هذا العمل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قبل الإجابة على هذه السؤال ينبغي التنبيه على أهمية التحلي بالحكمة في إنكار المنكر وأن لا يُستدرج المسلم إلى فخّ الدّعاية والإعلان لمواقع تعادي الإسلام فيروّجها - عن غير قصد - بين المسلمين بحيث يتّجه إليها الجميع للاطّلاع عليها وقراءة ما فيها فيكون قد أسهم بشكل غير مباشر في إشهار شأن هذا التّافه الذي يزعم أنّه يقلّد القرآن ويأتي بسور مثله، والإتيان بمثل القرآن أمر محال لأنّ الله جلّ وعلا تحدّى أحدا أن يفعل ذلك وتحدّى فصحاء العرب وشعراءهم المتقنين للعربية وكانوا حين نزول القرآن في قمّة فصاحتهم وبيانهم فقال عزّ وجلّ: (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (34) سورة الطّور، فلما عجزوا تحدّاهم أن يأتوا بعشر سور مثل سوره فقال سبحانه: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13) سورة هود فلمّا عجزوا تحدّاهم أن يأتوا بسورة واحدة فقط على مستوى فصاحة القرآن وبلاغته وحكمته فقال عزّ وجلّ: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38) سورة يونس ودعاهم إلى الاستعانة بمن شاءوا للمحاولة وقبول التحدّي فقال: (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) سورة البقرة فلمّا عجزوا أخبرهم بأنّهم لا يستطيعون ذلك مطلقا في أيّ وقت وفي أيّ زمان ومهما استعانوا بأحد فقال سبحانه: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْءَانِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88) سورة الإسراء فلا يوجد أحد غير الله يأتي بمثله لأنّ القرآن - كما قال عزّ وجلّ - (كِتَابٌ أُحْكِمَتْءَايَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) سورة هود ولما حاول بعض المفترين أن يقلّدوا القرآن أتوا بسخافات يضحك منها الصّبيان فضلا عن كبار النّاس وعقلائهم كقول مسيلمة الكذّاب: يا ضفدع بنت ضفدعين، نقي ما تنقّين، أعلاك في الماء وأسفلك في الطّين. وغير ذلك من الترّهات التي قالها هو وغيره ممن ادّعى النّبوة. أنظر صيد الخاطر لابن الجوزي ص: 404. وقد يروج بعض الباطل على بعض النّاس لجهلهم وعدم علمهم بقواعد اللغة العربية وأساليب البلاغة فيها، ولكن يُمكن لمن عنده فهم أو فطنة أن يميّز على الأقلّ ويعرف أنّ هذا الكلام المُفترى لا يُمكن أن يكون قرآنا، ولو ألقينا نظرة على الموقع المُشار إليه في السّؤال لوجدنا الكفر ينطق في تلك السّور المزيّفة كالنّص على أنّ المسيح ابن الله وأنّه هو الله والدّعوة إلى مذهب الرافضة الخبيث إلى غير ذلك من الترّهات ثم تجد التّناقض العجيب، ففي الوقت الذي يقول فيه الكذّاب في السّورة التي افتراها وسمّاها سورة التجسّد في الآية السادسة - حسب زعمه -: سبحانه رب العالمين أن يتخذ من خلقه ولدا. تجد في الآية التاسعة من سورة الإيمان - المزعومة - قوله: أنت هو ابن الله حقّا بك آمنّا..، لقد صدق ربنا حين قال: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا (82) سورة النساء. ثمّ يجد النّاظر أيضا في تلك السور المفتريات عبارة سخيفة أخرى يدّعي فيها الكذّاب أن الله سمح لنبيّه أن يغيّر ويبدّل في القرآن كما يشاء، فتقول العبارة السخيفة فيما عدّه الآية السادسة من سورة الوصايا: فانسخ ما لك أن تنسخ مما أمرناهم به فقد سمحنا لك أن تجري على قراراتنا تغييرا!! إنّ كلّ مسلم يعلم قدر الإفك الذي انطوت عليه هذه العبارة المنبعثة من عقل المُغرض الذي ألّفها، فهل رأيت بالله عليك أيّها القارئ اللبيب كلاما سخيفا مثل هذا، هل يُمكن أن ينزّل الله قرآنا يأمر فيه بالتطبيق والتنفيذ والالتزام بما في كتابه كما في قوله: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155) سورة الأنعام، ويأمر رسوله بالتمسك بالقرآن قائلا - سبحانه -: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43) سورة الزخرف، ويتهدّد رسوله إن لم يبلّغ ما أوحاه إليه بالنصّ دون تغيير أو إخفاء كما في قوله سبحانه: (وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاتَّخَذُوكَ خَلِيلا (73) وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلا (74) إِذًا لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَ نَصِيرًا (75) سورة الإسراء، وكما في قوله سبحانه: (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقَاوِيلِ (44) لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) سورة الحاقّة وغير ذلك من الآيات، ثمّ تأتي بعد ذلك كلّه سورة مزعومة بأنّ للرسول الحقّ أن ينسخ ما شاء من القرآن ويغيّر ويبدّل وأنّه مخوّل بذلك وعنده صلاحيّة الإلغاء وشطب ما يشاء من الأحكام؟؟ إنّ الذي ينسخ من القرآن ما يشاء هو الذي أنزل القرآن سبحانه وحده لا غير، كما قال عزّ وجلّ: (يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39) سورة الرّعد، وقال: (مَا نَنْسَخْ مِنْءَايَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106) سورة البقرة، والواجب على رسولنا وعلينا التدّبر والتنفيذ لا التحريف والإلغاء والتبديل، قال سبحانه: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُواءَايَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ (29) سورة ص لقد رأينا في السّور الزائفة المفتراة في ذلك الموقع على شبكة الانترنت مثالا واقعيا لما تضمنّه قوله تعالى: (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78) سورة آل عمران. نسأل الله أن ينصر دينه ويُعلي كتابه ويعزّ أولياءه كما نسأله سبحانه أن يذلّ أعداءه وأن يجعل الصّغار عليهم ويردّهم خائبين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2428 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 69 حكم قراءة القرآن بشكل جماعي [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم قراءة القرآن في المسجد جماعة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله السؤال فيه إجمال، فإذا كان المقصود أنهم يقرؤون جميعاً بصوت واحد ومواقف ومقاطع واحدة فهذا غير مشروع وأقل أحواله الكراهة لأنه لم يؤثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن الصحابة رضي الله عنهم لكن إذا كان ذلك من أجل التعليم فنرجو أن يكون ذلك لا بأس به وإن كان المقصود أنهم يجتمعون على قراءة القرآن لحفظه أو تعلمه ويقرأ أحدهم وهم يستمعون أو يقرأ كل منهم لنفسه غير ملتق بصوته ولا بموافقة مع الآخرين فذلك مشروع لما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وحفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله فيمن عنده) رواه مسلم. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى اللجنة الدائمة 4/112. الحديث: 4039 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 70 أيهما أفضل قراءة القرآن من المصحف أو عن ظهر قلب [السُّؤَالُ] ـ[هل القراءة من المصحف أفضل من القراءة عن ظهر قلب، نرجو الإفادة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أما من جهة قراءة القرآن في غير الصلاة فالقراءة من المصحف أولى لأنه أقرب إلى الضبط وإلى الحفظ إلا إذا كانت قراءته عن ظهر قلب أحفظ لقلبه وأخشع له فليقرأ عن ظهر قلب. وأما في الصلاة، فالأفضل أن يقرأ عن ظهر قلب وذلك لأنه إذا قرأ من المصحف فإنه يحصل له عمل متكرر في حمل المصحف وإلقائه وفي تقليب الورق وفي النظر إلى حروفه وكذلك يفوته وضع اليد اليمنى على اليسرى على الصدر في حال القيام وربما يفوته التجافي في الركوع والسجود إذا جعل المصحف في إبطه ومن ثم رجحنا قراءة المصلي عن ظهر قلب على قراءته من المصحف. هذا وبعض المأمومين نشاهدهم خلف الإمام يحملون المصحف يتابعون قراءة الإمام وهذا أمر لا ينبغي لما فيه من الأمور التي ذكرناها ولأنه لا حاجة بهم إلا أن يتابعوا الإمام. نعم لو فرض أن الإمام ليس بجيد الحفظ وقال لأحد المأمومين: صلّ ورائي وتابعني في المصحف إذا أخطأت فإن هذا لا بأس به. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى الشيخ ابن عثيمين من كتاب فتاوى إسلامية 4/8. الحديث: 3465 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 71 أحكام المد في القرآن [السُّؤَالُ] ـ[أرجو أن تخبرني ما هو تأثير الرمز "~" على معاني كلمات القرآن؟ إذا لم يمد شخص الحرف الذي يقع تحت هذا الرمز فهل يغير هذا المعنى؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تستخدم هذه العلامة " ~ " للدلالة على مواضع المد الزائد على المد الطبيعي، فتستخدم في المد اللازم مثل " الطآمّة " وتمد بمقدار ست حركات تقدر الحركة تقريبا بمقدار قبض الإصبع أو بسطه. وتستخدم في المد المتصل مثل " سوآء علينا " ويمد من أربع حركات إلى ست حركات. وتستخدم في الكتابة بدلا عن الهمزة التي تأتي بعدها ألف مثل (آمن، آذاننا، آدم) وأصلها (ءامن، ءاذاننا، ءادم) . وليس لهذه الإشارة تأثير على معاني الكلمات، وإنما هي دلالة على بعض المدود كما سبق. والمد الذي هو فوق المد الطبيعي لا يتغير المعنى عند الإتيان به، ولكن على الإنسان أن يحافظ على سنة القراءة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يمد في قراءته. والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 5368 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 72 حكم تعليق الآيات على الجدران [السُّؤَالُ] ـ[عند زيارة لبعض بيوت المسلمين أجد أن كثيراً منهم يقومون بتعليق لوحات على الجدران مكتوب عليها آيات من القرآن وأسماء الله الحسنى أو غير ذلك؟ ما حكم الشريعة الإسلامية في هذا العمل؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن تعليق اللوحات والخِرَق التي فيها آيات من القرآن في البيوت أو المدارس أو النوادي أو المحلات التجارية فيه عدد من المنكرات والمحاذير الشرعية ومنها: 1- أنّ تعليقها في الغالب هو للزينة وتجميل الجدران بنقوش الآيات والأذكار المزخرفة الملونة وفي هذا انحراف بالقرآن عما أنزل من أجله من الهداية والموعظة الحسنة والتعهد بتلاوته ونحو ذلك. والقرآن لم ينزل لتزيين الحيطان وإنما نزل هدى للناس وبياناً. 2- أنّ عدداً من الناس يعلّقونها للتبرّك بها وهذا من البدع فإنّ التبرّك المشروع هو بتلاوة القرآن لا بتعليقه ووضعه على الأرفف وتحويله إلى لوحات ومجسّمات. 3- أن في ذلك مخالفة لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون رضي الله عنهم فإنهم لم يكونوا يفعلون ذلك والخير في اتباعهم لا في الابتداع، بل التاريخ يشهد في بلاد الأندلس وتركيا وغيرها أنّ الزخرفة وعمل هذه اللوحات والزّينات ونقش الآيات في جدران البيوت والمساجد لم يكن إلا في عصور ضعف المسلمين وهوانهم. 4- أن في التعليق ذريعة للشرك فإنّ بعض الناس يعتقد أنّ هذه اللوحات أو المعلّقات هي حروز تحمي البيت وأهله من الشرور والآفات وهذا اعتقاد شركيٌّ محرّم فالذي يحمي فعلا هو الله جل وعلا ومن أسباب حمايته تلاوة القرآن والأذكار الشرعية بخشوع ويقين. 5- ما في الكتابة عليها من اتخاذ القرآن وسيلة لترويج التجارة فيها والزيادة في كسبها وينبغي أن يُصان القرآن عن أن يكون مجالا لذلك، ومعلوم أنّ بعض هذه اللوحات في شرائها إسراف أو تبذير. 6- أنّ كثيرا من هذه اللوحات مطلية بالذّهب فتشتدّ حرمة استعمالها وتعليقها. 7- أنّ في بعض هذه اللوحات عبث واضح كالكتابات الملتوية المعقّدة التي لا يُنتفع بها لأنّها لا تكاد تُقرأ، وبعضها مكتوب على هيئة طائر أو رَجُل ساجد ونحو ذلك من صور ذوات الأرواح المحرّمة. 8- أنّ في ذلك تعريض آيات القرآن وسوره للامتهان والأذى، فمثلا عند الانتقال من بيت إلى آخر توضع مع الأثاث المتراكم على اختلاف أنواعه كما وتوضع فوقها أشياء أخرى وكذلك يحدث عند تنزيلها لطلاء الجدران أو تنظيف البيت. 9- أنّ بعض المسلمين المقصّرين يعلّقونها إشعارا لأنفسهم بأنهم يقومون بأمور من الدّين ليخفّفوا من لوم ضمائرهم لهم مع أنّها لا تُغني عنهم شيئا. وبالجملة فإنه ينبغي إغلاق باب الشر والسير على ما كان عليه أئمة الهدى في القرون الأولى التي شهد لها النبي صلى الله عليه وسلم بأنّ أهلها أفضل المسلمين في عقائدهم وسائر أحكام دينهم. ثمّ إذا قال قائل بأننا لن نهينها ولن نجعلها زينة ولن نغالي فيها وإنما نريد بها تذكير الناس في المجالس، فالجواب على ذلك أننا إذا نظرنا في الواقع فهل سنجد أنّ ذلك هو الذي يحدث فعلا؟ وهل يذكر الجالسون الله أو يقرؤون الآيات المعلقة إذا رفعوا رؤوسهم إليها؟ إن الواقع لا يشهد بذلك بل يشهد بخلافه فكم من المجالس ذات الآيات المعلّقة يخالف الجالسون فيها ما هو معلّق فوق رؤوسهم ويكذبون ويغتابون ويسخرون ويفعلون المنكر ويقولونه، ولو فرضنا أنّ هناك من يستفيد منها فعلا فإنهم قلة قليلة لا تأثير لها في حكم هذه المسألة. فينبغي على المسلمين أن يُقبلوا على كتاب الله يتلونه ويعملون بما فيه، نسأل الله أن يجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا وصلى الله على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 254 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 73 يجتمعون ويقرأ كل منهم جزءاً فهل تعتبر ختمة لكل واحد [السُّؤَالُ] ـ[لسؤال: هناك أناس يجلسون لقراءة القرآن في السر، وكل فرد يقرأ جزءا من القرآن، بدعوى ختم القرآن كاملا في هذه الجلسة، فهل هذا العمل جائز أم يعتبر من قبيل البدعة؟.]ـ [الْجَوَابُ] أرى أن العمل المذكور لا يجوز، ولا أذكر أنه نقل مثله عن السلف، والإنسان إنما يثاب على ما قرأه بنفسه، أو أنصت له للاستفادة، فأما قراءة غيره وهو لا يستمعها فأجرها لصاحبها، ولا يعتبر هؤلاء قد ختموا القرآن، وإنما قرأ كل واحد جزءاً فله أجره، فعليهم أن لا يفعلوا مثل هذا، بل إما أن يقرأ أحدهم والبقية يستمعون، وإما أن يقرأ كل منهم بنفسه من غير ارتباط بقراءة غيره. [الْمَصْدَرُ] اللؤلؤ المكين من فتاوى الشيخ ابن جبرين ص 50. الحديث: 1505 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 74 نسخ آية حبس الزانية في البيت [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أعرف معنى الآية الخامسة عشر من سورة النساء التي تقول بحبس المرأة الزانية في البيت حتى الموت أو يحدث فرج بطريقة ما. هل يعنى هذا معاقبة الزانية بذلك أو سجنها بقية عمرها؟ وما معنى أن الله سيجعل لها طريقاً؟ أريد أن أتوصل لفهمٍ أحسن للإسلام بواسطة المسلمين أنفسهم. وشكراً على إتاحة الوقت.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الله تعالى في سورة النساء: (وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا (15) قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: كان الحكم في ابتداء الإسلام أن المرأة إذا ثبت زناها بالبينة العادلة حبست في بيت فلا تمكن من الخروج منه إلى أن تموت ولهذا قال: "واللاتي يأتين الفاحشة" يعني الزنا "من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا" فالسبيل الذي جعله الله هو الناسخ لذلك. قال ابن عباس رضي الله عنه: كان الحكم كذلك حتى أنزل الله سورة النور فنسخها بالجلد أو الرجم وكذا رُوِيَ عن عكرمة وسعيد بن جبير والحسن وعطاء الخراساني وأبي صالح وقتادة وزيد بن أسلم والضحاك أنها منسوخة وهو أمر متفق عليه - قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا سعيد عن قتادة عن الحسن عن حطان بن عبد الله الرقاشي عن عبادة بن الصامت قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي أثر عليه وكرب لذلك وتغير وجهه فأنزل الله عز وجل عليه ذات يوم فلما سرى عنه قال: "خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا الثيب بالثيب والبكر بالبكر الثيب جلد مائة ورجم بالحجارة والبكر جلد مائة ثم نفي سنة". وقد رواه مسلم وأصحاب السنن من طرق عن قتادة عن الحسن عن حطان عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولفظه " خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم ". قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقال القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية: هذه أول عقوبات الزناة، وكان هذا في ابتداء الإسلام.. قاله ابن عباس والحسن. زاد ابن زيد: وأنهم منعوا من النكاح حتى يموتوا عقوبة لهم حين طلبوا النكاح من غير وجهه.. غير أن ذلك الحكم كان ممدودا إلى غاية.. وهي قوله عليه السلام في حديث عبادة بن الصامت: (خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم) .. وقد قال بعض العلماء: أن الأذى والتعيير باق مع الجلد، لأنهما لا يتعارضان بل يحملان على شخص واحد. وأما الحبس فمنسوخ بإجماع.. والله أعلم. ولإتمام الفائدة يحسن معرفة تفسير الآية التي تليها أيضا في سورة النساء وهي قوله تعالى: وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا (16) قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية: " وقوله تعالى "واللذان يأتيانها منكم فآذوهما" أي واللذان يفعلان الفاحشة فآذوهما قال ابن عباس رضي الله عنهما وسعيد بن جبير وغيرهما: أي بالشتم والتعيير والضرب بالنعال وكان الحكم كذلك حتى نسخه الله بالجلد أو الرجم وقال عكرمة وعطاء والحسن وعبد الله بن كثير: نزلت في الرجل والمرأة إذا زنيا.. وقوله "فإن تابا وأصلحا" أي أقلعا ونزعا عما كان عليه وصلحت أعمالهما وحسنت "فأعرضوا عنهما" أي لا تعنفوهما بكلام قبيح بعد ذلك لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له "إن الله كان توابا رحيما" وقد ثبت في الصحيحين "إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد ولا يثرب عليها" أي لا يعيرها بما صنعت بعد الحد الذي هو كفارة لما صنعت. " [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 839 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 75 مخالفة الترتيب في السور والآيات عند التلاوة [السُّؤَالُ] ـ[سؤالي يتعلق بترتيب قراءة سور القرآن في الصلاة الجهرية أو السرية. هل على المصلي أن يقرأ السور والآيات حسب الترتيب الذي وردت به في القرآن، بمعنى، قراءة سورة النصر في الركعة الأولى ثم سورة الكوثر في الركعة الثانية، وهل يجوز قراءة الآيات 50-60 من سورة البقرة (مثلا) في الركعة الأولى ثم قراءة الآيات 10-20 في الركعة الثانية؟ أرجو توضيح هذا الأمر وبيان السبب.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قراءة المتأخر قبل المتقدم من القرآن يسمى تنكيساً، وهو أقسام: تنكيس الحروف تنكيس الكلمات تنكيس الآيات تنكيس السور أما تنكيس الحروف، فهو تقديم الحروف المتأخرة على المتقدمة في الكلمة الواحدة، فيقرأ - مثلاً - بدلاً من {رب} : " بر "! و"هذا لا شك في تحريمه، وأن الصلاة تبطل به؛ لأنه أخرج القرآن عن الوجه الذي تكلم الله به، كما أن الغالب أن المعنى يختلف اختلافاً كثيراً." " الشرح الممتع لابن عثيمين " (3 / 110) . أما تنكيس الكلمات، فهو أن يقدم الكلمة اللاحقة على التي قبلها، فيقرأ - مثلاً - بدلاً من {قل هو الله أحد} : " أحد الله هو قل "! و"هذا أيضاً محرم بلا شك؛ لأنه إخراج لكلام الله عن الوجه الذي تكلم الله به." " الشرح الممتع " (3 / 110) . وأما تنكيس الآيات، وهو قراءة الآية اللاحقة قبل الآية السابقة، فيقرأ {من شر الوسواس الخناس} قبل {إله الناس} ! فقد قال عنه القاضي عياض رحمه الله: ولا خلاف أن ترتيب آيات كل سورة بتوقيف من الله تعالى على ما هي عليه الآن في المصحف , وهكذا نقلته الأمة عن نبيها صلى الله عليه وسلم. من " شرح النووي " (6 / 62) ، وكذا قال ابن العربي كما في " الفتح " (2 / 257) . وقال الشيخ ابن عثيمين: تنكيس الآيات أيضاً محرم على القول الراجح؛ لأن ترتيب الآيات توقيفي، ومعنى توقيفي: أنه بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم. " الشرح الممتع " (3 / 110) . وأما تنكيس السور، فهو قراء السورة اللاحقة قبل السابقة، فيقرأ - مثلاً - " آل عمران " قبل " البقرة ". حكمه: من قال من العلماء إن ترتيب السور ليس توقيفياً: لم ير بذلك بأساً. ومن رأى أن الترتيب توقيفي، أو أن إجماع الصحابة على ترتيبه حجة: لم ير جواز ذلك. والصحيح: أن الترتيب ليس توقيفيّاً، وإنما هو من اجتهاد بعض الصحابة. وأنه لا إجماع على الترتيب بين الصحابة، إذ كان مصحف " عبد الله بن مسعود " - مثلاً - على خلاف تلك المصاحف ترتيباً. وفي السنة ما يؤيد الجواز: أ. عن حذيفة قال: صليتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح بالبقرة، فقلت: يركع عند المائة، ثم مضى، فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى، فقلت: يركع بها ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح آل عمران فقرأها … … رواه مسلم (772) . الشاهد في الحديث أنه قرأ النساء قبل آل عمران. قال النووي: قال القاضي عياض: فيه دليل لمن يقول إن ترتيب السور اجتهاد من المسلمين حين كتبوا المصحف , وإنه لم يكن ذلك من ترتيب النبي صلى الله عليه وسلم بل وَكَله إلى أمته بعده. قال: وهذا قول مالك وجمهور العلماء , واختاره القاضي أبو بكر الباقلاني، قال ابن الباقلاني: هو أصح القولين مع احتمالهما. قال: والذي نقوله: إن ترتيب السور ليس بواجب في الكتابة، ولا في الصلاة، ولا في الدرس، ولا في التلقين، والتعليم , وأنه لم يكن من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك نص، ولا حدٌّ تحرم مخالفته، ولذلك اختلف ترتيب المصاحف قبل مصحف عثمان. قال: واستجاز النبي صلى الله عليه وسلم والأمة بعده في جميع الأعصار ترك ترتيب السور في الصلاة والدرس والتلقين. قال: وأما على قول من يقول من أهل العلم: إن ذلك بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم حدده لهم كما استقر في مصحف عثمان، - وإنما اختلاف المصاحف قبل أن يبلغهم التوقيف والعرض الأخير -، فيتأول قراءته صلى الله عليه وسلم النساء أولا ثم آل عمران هنا على أنه كان قبل التوقيف والترتيب , وكانت هاتان السورتان هكذا في مصحف أبيّ. قال: ولا خلاف أنه يجوز للمصلي أن يقرأ في الركعة الثانية سورة قبل التي قرأها في الأولى، وإنما يكره ذلك في ركعة ولمن يتلو في غير صلاة. قال: وقد أباحه بعضهم. وتأويل نهي السلف عن قراءة القرآن منكوسا على من يقرأ من آخر السورة إلى أولها. قال: ولا خلاف أن ترتيب آيات كل سورة بتوقيف من الله تعالى على ما هي عليه الآن في المصحف , وهكذا نقلته الأمة عن نبيها صلى الله عليه وسلم. هذا آخر كلام القاضي عياض. والله أعلم. " شرح مسلم " (6 / 61، 62) . وقال السندي: قوله (ثم افتتح آل عمران) مقتضاه عدم لزوم الترتيب بين السور في القراءة. " شرح النسائي " (3 / 226) . ب. عن أنس بن مالك رضي الله عنه كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء وكان كلما افتتح سورة يقرأ بها لهم في الصلاة مما يقرأ به افتتح بـ {قل هو الله أحد} حتى يفرغ منها ثم يقرأ سورة أخرى معها وكان يصنع ذلك في كل ركعة فكلمه أصحابه فقالوا إنك تفتتح بهذه السورة ثم لا ترى أنها تجزئك حتى تقرأ بأخرى فإما تقرأ بها وإما أن تدعها وتقرأ بأخرى فقال ما أنا بتاركها، إن أحببتم أن أؤمكم بذلك فعلت وإن كرهتم تركتكم، وكانوا يرون أنه من أفضلهم وكرهوا أن يؤمهم غيره فلما أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه الخبر فقال يا فلان ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك؟ وما يحملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة؟ فقال إني أحبها فقال حبك إياها أدخلك الجنة. رواه البخاري معلقاً، والترمذي من طريق البخاري (2901) . والشاهد منه: قراءة الرجل سورة الإخلاص في صلاته قبل المتقدِّم عليها، وقد أقرَّه النبي صلى الله عليه وسلم. ج. وهو فعل عمر رضي الله عنه: قال الإمام البخاري: وقرأ الأحنف بالكهف في الأولى وفي الثانية بيوسف أو يونس وذكر أنه صلى مع عمر رضي الله عنه الصبح بهما. " باب الجمع بين السورتين في الركعة " من كتاب الأذان. 5. أما القسم الأخير من السؤال، فنقول: يجوز قراءة الآية من (50 - 60) من البقرة في الأولى ثم القراءة من (1 - 20) من سورة البقرة في الركعة الثانية؛ لأن المعنى يكون تاماً. أما من (10-20) : ففيه انقطاع بالمعنى والأحسن تركه، ولعلك ذكرت الأرقام على سبيل التمثيل ولا تقصد ذات الآيات، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 7198 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 76 بخصوص إدعاء عدم وجود دليل على أثر القرآن في القرن السابع [السُّؤَالُ] ـ[هل صحيح أنه لا يوجد دليل أن القرآن كان له أثر مكتوب في القرن السابع؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الكلام باطل لا حقيقة له، وإنما يقوله الطاعنون في الإسلام لصدّ الناس عن الإسلام، ويكفي أن يُعلم أن الله تكفل بحفظ القرآن، فقال سبحانه: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) الحجر / 9. ثم التواتر في نقل القرآن - الجماعات عن الجماعات - حفظاً وكتابات معلوم لمن لديه أدنى اطّلاع على العلم الشرعي، لا سيما علم القراءات والقرّاء. ولا يزال كثير من الناس إلى اليوم يتلقون القرآن بالمشافهة بالأسانيد إلى النبي صلى الله عليه وسلم. ومن عجائب حفظ الله سبحانه للقرآن: أنه ما من أحد يريد تحريف القرآن إلا ويُكتشف. والحاصل أن جميع ما كان ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم كان يُكتب بين يديه مباشرة، كما كان لبعض الصحابة مصاحف، وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم جمع الخليفة الأول أبو بكر الصديق رضي الله عنه القرآن في صحف واحتفظ بها، ثم جمعه الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه في مصاحف استناداً إلى تلك المصاحف التي جمعها أبو بكر الصديق إضافة إلى الحفظ. فإذا علمنا أن القرآن قد كتبه الصحابة وجمعوه، وأرسل عثمان نسخاً من المصحف في عهده إلى أمصار الإسلام الرئيسية، لتكون مرجعاً لهم، فلا يختلفوا، فكيف يقال بعد ذلك ليس للقرآن أثر مكتوب في القرن السابع، وبالإضافة إلى ذلك توجد أعداد من المخطوطات القديمة للقرآن في عدد من المكتبات والمتاحف العلمية تشهد عياناً بوجود نسخ محفوظة من القرآن قديمة تثبت بأنه لم يطرأ على كتاب الله تعالى أي تغيير ولا تبديل. قال تعالى: (لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) فصلت / 42. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 4607 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 77 مواضع سجود التلاوة في القرآن الكريم [السُّؤَالُ] ـ[ما هي الآيات في القرآن التي ينبغي أن نسجد عندها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله مواضع السجود في القرآن خمسة عشر موضعاً فعن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن منها ثلاث في المفصل وفي الحج سجدتان رواه أبو داود وابن ماجة والحاكم والدارقطني وحسنه المنذري والنووي وهي: 1- (إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون) (الأعراف/206) . 2- (ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً وظلالهم بالغدو والآصال) . (الرعد/15) . 3- (ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون) (النحل/49) . 4- (قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا) (الإسراء/107) . 5- (إذ تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكياً) (مريم/58) . 6- (ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء) (الحج/18) . 7- (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون) (الحج/77) 8- (وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزداهم نفوراً) . (الفرقان/60) . 9- (ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون) (النمل/25) . 10- (إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجداً وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون) (السجدة/15) . 11- (وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعاً وأناب) (ص/24) . 12- (ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون) (فصلت/37) . 13- (فاسجدوا لله واعبدوا) (النجم/63) . 14- (وإذا قرء عليهم القرآن لا يسجدون) (الانشقاق/21) . 15- (كلا لا تطعه واسجد واقترب) (العلق/19) . فقه السنة 1/186-188 قال الألباني في تمام المنة 269 معلقا: " كلا ليس بحسن، لأن فيه مجهولين، فقد قال الحافظ في التلخيص بعد أن نقل تحسين المنذري والنووي للحديث: وضعفه عبد الحق وابن القطان وفيه عبد الله بن منين وهو مجهول والراوي عنه الحارث بن سعيد العتقي وهو لا يعرف أيضاً وقال ابن ماكولا: ليس له غير هذا الحديث ". ولذلك اختار الطحاوي أن ليس في الحج سجدة ثانية قرب آخرها وهو مذهب ابن حزم في المحلى قال: " لأنه لم يصح فيها سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجمع عليها وصح عن عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وأبي الدرداء السجود فيها " ثم ذهب ابن حزم إلى مشروعية السجود في السجدات الأخرى المذكورة في الكتاب وذكر أن العشر الأولى متفق على مشروعية السجود فيها عند العلماء وكذلك حكى الاتفاق عليها الطحاوي في شرح المعاني (1/211) إلا أنه جعل سجدة (فصلت) بدل سجدة (ص) ثم أخرجا كلاهما بأسانيد صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سجد في (ص) (والنجم) والانشقاق) و (اقرأ) وهذه الثلاث الأخيرة من المفصل التي أشير إليها في حديث عمرو المذكور آنفا. وبالجملة فالحديث مع ضعف إسناده قد شهد له اتفاق الأمة على العمل بغالبه، ومجيء الأحاديث الصحيحة شاهدة لبقيته إلا سجدة الحج الثانية فلم يوجد ما يشهد لها من السنة والاتفاق، إلا أن عمل بعض الصحابة على السجود فيها قد يستأنس بذلك على مشروعيتها ولا سيما ولا يعرف لهم مخالف. والخلاصة أنّ السجود للتلاوة في الخمسة عشر موضعا المذكورة والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 5126 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 78 من ينظر في المصحف دون تحريك الشفتين هل يثاب على ذلك؟ [السُّؤَالُ] ـ[بعض الناس يأخذون المصحف ويطالعون فيه دون تحريك شفتيهم هل هذه الحالة ينطبق عليها اسم قراءة القرآن؟ أم لابد من التلفظ بها والإسماع، لكي يستحقوا بذلك ثواب قراءة القرآن؟ وهل المرء يثاب على النظر في المصحف؟ أفتونا جزاكم الله خيراًَ.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا مانع من النظر في القرآن من دون قراءة للتدبر والتعقل وفهم المعنى، لكن لا يعتبر قارئاً ولا يحصل له فضل القراءة إلا إذا تلفظ بالقرآن ولو لم يسمع من حوله، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه) رواه مسلم. ومراده صلى الله عليه وسلم بأصحابه: الذين يعملون به، كما في الأحاديث الأخرى، وقال صلى الله عليه وسلم: (من قرأ حرفاً من القرآن فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها) خرجه الترمذي، والدارمي بإسناد صحيح، ولا يعتبر قارئاً إلا إذا تلفظ بذلك. والله ولي التوفيق. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/8 ص / 363. الحديث: 8177 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 79 حكم قراءة القرآن في منزل فيه كلب [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم قراءة القرآن في منزل فيه كلب؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج في ذلك والواجب إخراج الكلب وعدم بقائه في المنزل إلا إذا كان لأحد ثلاثة أمور وهي: الصيد والحرث والماشية؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من اقتنى كلباً إلا كلب صيد، أو ماشية، أو زرع، فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراطان) متفق عليه. والله ولي التوفيق. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/8ص / 362. الحديث: 8029 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 80 يجوز أخذ أجر على تعليم القرآن [السُّؤَالُ] ـ[هل من الصواب أخذ مال مقابل تعليم القرآن؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سئلت اللجنة الدائمة عن جواز أخذ أجر على تعليم القرآن فأجابت: نعم يجوز أخذ الأجر على تعليم القرآن في أصح قولي العلماء، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله) رواه البخاري، ولمسيس الحاجة إلى ذلك. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة م/4 ص/91. الحديث: 20100 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 81 القرآن شفاء ورحمة للمؤمنين [السُّؤَالُ] ـ[أخبرني المزيد عن القرآن.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله القرآن: هو كلام الله تعالى المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم المتعبد بتلاوته. وهذا التعريف للقرآن جامع مانع. فقولنا " كلام الله ": خرج به: كلام البشر وغيرهم. وقولنا " المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ": خرج به: الذي أنزل على غيره كالإنجيل والتوراة والزبور. وقولنا " المتعبد بتلاوته ": خرج به الأحاديث القدسية. وهو نور ويقين، وهو الحبل المتين، وهو منهج الصالحين، فيه أخبار الأولين من الأنبياء والصالحين وكيف أن من عصى أمرهم ذاق بأس الله وكان من الأذلين، وفيه آيات تحكي معجزات الله وقدرته في هذا الكون المتين، وفيه بيان لأصل هذا الآدمي الذي كان من ماء مهين، وفيه أحكام العقيدة التي يجب أن ينطوي عليها كل قلب مستكين، وفيه أحكام الشريعة التي تبين المباح من الحرام وتبين الباطل من الحق المبين، وفيه بيان المعاد ومصير الآدمي إما إلى نار يخزى فيها فيكون من الصاغرين، وإما إلى جنة ذات جنات وعيون وزروع ومقام أمين. وفيه شفاء للصدور، وفيه للأعمى تبصرة ونور، قال الله تعالى: (وننزل من القرءان ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً) الإسراء / 82 قال الحافظ ابن كثير في تفسير هذه الآيات: يقول تعالى مخبراً عن كتابه الذي أنزله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وهو القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد إنه (شفاء ورحمة للمؤمنين) أي: يذهب ما في القلوب من أمراض من شك ونفاق وشرك وزيغ وميل، فالقرآن يشفي من ذلك كله، وهو أيضا رحمة يحصل فيها الإيمان والحكمة وطلب الخير والرغبة فيه، وليس هذا إلا لمن آمن به وصدقه واتبعه فإنه يكون شفاء في حقه ورحمة، وأما الكافر الظالم نفسه بذلك فلا يزيده سماعه القرآن إلا بعداً وكفراً والآفة من الكافر لا من القرآن، قال تعالى: (قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك يُنادون من مكان بعيد) فصلت / 44، وقال تعالى: (وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون. وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون) التوبة / 124 – 125، والآيات في ذلك كثيرة. قال قتادة - في قوله: (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين) -: إذا سمعه المؤمن انتفع به وحفظه ووعاه، {ولا يزيد الظالمين إلا خساراً} ، أي: لا ينتفع به ولا يحفظه ولا يعيه فإن الله جعل هذا القرآن شفاء ورحمة للمؤمنين. " تفسير ابن كثير " (3 / 60) . وقال الله تعالى: (يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين) يونس / 57، وقال الله تعالى: (ولو جعلناه قرءاناً أعجمياً لقالوا لولا فصلت آياته ءاعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد) فصلت / 44. وفيه هداية الناس من الضلال إلى الحق قال الله تعالى: (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين) البقرة / 2، وقال الله تعالى: (وكذلك أوحينا إليك قرآناً عربياً لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير) الشورى / 9، وقال الله تعالى: (وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم. صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور) الشورى / 52 – 53. وفيه ما لا يستطيع عده جهد العادِّين، فيجب على كل من أرد السعادتين في هذين الدارين أن يحتكم إليه ويعمل بأمره. يقول الإمام ابن حزم: ولما تبين بالبراهين والمعجزات أن القرآن هو عهد الله إلينا والذي ألزمنا الإقرار به والعمل بما فيه، وصح بنقل الكافة الذي لا مجال للشك فيه أن هذا القرآن هو المكتوب في المصاحف المشهورة في الآفاق كلها وجب الانقياد لما فيه فكان هو الأصل المرجوع إليه لأننا وجدنا فيه: (وما من دآبة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون) الأنعام / 38، فما في القرآن من أمر أو نهي فواجب الوقوف عنده. " الإحكام " (1 / 92) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 6577 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 82 من الذي كتب القرآن وكيف تم تجميعه؟ [السُّؤَالُ] ـ[من الذي كتب القرآن وكيف تم تجميعه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: قد تكفل الله تعالى بحفظ هذا القرآن بنفسه فقال: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) الحجر/9. قال ابن جرير الطبري في تفسيره (14/8) : يقول تعالى ذكره إنا نحن نزلنا الذكر وهو القرآن وإنا له لحافظون قال وإنا للقرآن لحافظون من أن يزاد فيه باطل ما ليس منه أو ينقص منه ما هو منه من أحكامه وحدوده وفرائضه اهـ وقال السعدي في تفسيره (ص: 696) : إنا نحن نزلنا الذكر أي: القرآن الذي فيه ذكرى لكل شيء من المسائل والدلائل الواضحة، وفيه يتذكر من أراد التذكر. وإنا له لحافظون أي: في حال إنزاله وبعد إنزاله، ففي حال إنزاله حافظون له من استراق كل شيطان رجيم، وبعد إنزاله أودعه الله في قلب رسوله، واستودعه في قلوب أمته، وحفظ الله ألفاظه من التغيير فيها والزيادة والنقص، ومعانيه من التبديل، فلا يحرف مُحَرِّف معنىً من معانيه إلا وقيض الله له من يبين الحق المبين، وهذا من أعظم آيات الله ونعمه على عباده المؤمنين، ومن حفظه أن الله يحفظ أهله من أعدائهم، ولا يسلط عليهم عدوا يجتاحهم اهـ أنزل القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم مفرقاً، على مدى ثلاث وعشرين سنة، قال الله تعالى: (وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلا) الإسراء/106. قال السعدي رحمه الله: أي: وأنزلنا هذا القرآن مفرقًا، فارقًا بين الهدى والضلال، والحق والباطل. (لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ) أي: على مهل، ليتدبروه ويتفكروا في معانيه، ويستخرجوا علومه. (وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلا) أي: شيئًا فشيئًا، مفرقًا في ثلاث وعشرين سنة اهـ تفسير السعدي (ص: 760) . ثانيا: كانت الكتابة قليلة في العرب، وقد وصفهم الله بذلك في قوله: (هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم) الجمعة / 2، فكانوا يحفظون القرآن في صدورهم، وقليل منهم كان يكتب بعض آيات أو سور على الجلود والحجارة الرقاق ونحو ذلك. ثالثا: نهى النبي صلى الله عليه وسلم في أول الأمر عن كتابة شيءٍ سوى القرآن ونهاهم عن كتابة كلامه مؤقتا حتى تتوافر همم الصحابة على حفظ القرآن وكتابته ولا يختلط كلام النبي صلى الله عليه وسلم بكلام الله تعالى فيبقى القرآن محفوظاً من الزيادة فيه أو النقص. رابعا: وكَّل النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من الصحابة الأمناء الفقهاء حتى يكتبوا الوحي، وهم ما عرفوا في تراجمهم بكتاب الوحي كالخلفاء الأربعة وعبد الله بن عمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان وزيد بن ثابت وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين. خامساً: أنزل القرآن على سبعة أحرف كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه. رواه البخاري (2287) ، ومسلم (818) وهي لغات العرب المشهود لها بالفصاحة. سادساً: بقي القرآن محفوظاً في صدور الحفاظ من الصحابة وعلى الجلود وغيرها إلى زمان الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وفي حروب الردة قتل كثير من حفاظ القرآن من الصحابة فخشي أبو بكر- رضي الله عنه - أن يذهب القرآن ويضيع في صدور الصحابة، فاستشار كبار الصحابة لجمع القرآن كاملا في كتابٍ واحدٍ حتى يبقى محفوظاً من الضياع، وأوكل المهمة إلى جبل الحفظ زيد بن ثابت رضي الله عنه فأخرج البخاري في " صحيحه " (4986) عن زَيْدَ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عِنْدَهُ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي، فَقَالَ: إِنَّ الْقَتْلَ قَدْ اسْتَحَرَّ [أي: كثر] يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ بِالْمَوَاطِنِ فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْقُرْآنِ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْمُرَ بِجَمْعِ الْقُرْآنِ. قُلْتُ: لِعُمَرَ كَيْفَ تَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ عُمَرُ: هَذَا وَاللَّهِ خَيْرٌ، فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِذَلِكَ، وَرَأَيْتُ فِي ذَلِكَ الَّذِي رَأَى عُمَرُ. قَالَ زَيْدٌ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ لا نَتَّهِمُكَ، وَقَدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَتَبَّعْ الْقُرْآنَ فَاجْمَعْهُ. قال زيد: فَوَاللَّهِ لَوْ كَلَّفُونِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنْ الْجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ. قُلْتُ: كَيْفَ تَفْعَلُونَ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ. فَلَمْ يَزَلْ أَبُو بَكْرٍ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ لَهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنْ الْعُسُبِ وَاللِّخَافِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ، حَتَّى وَجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ الْأَنْصَارِيِّ لَمْ أَجِدْهَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرِهِ (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ ... ) حَتَّى خَاتِمَةِ بَرَاءَةَ فَكَانَتْ الصُّحُفُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَيَاتَهُ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. العُسُب: جريد النخل، كانوا يكشطون الخوص ويكتبون في الطرف العريض. واللخاف: الحجارة الرقاق. وكان الصحابي زيد بن ثابت رضي الله عنه يحفظ القرآن ولكن اتخذ منهجا في التثبت فكان لا يقبل أن يكتب آية إلا أن يُشهد على ذلك اثنين من الصحابة أنهما سمعاها من رسول الله صلى الله عليه وسلم. واستمر هذا المصحف بيد الخلفاء إلى زمن الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه، وكان الصحابة رضي الله عنهم قد تفرقوا في البلاد وكانوا يقرؤون القرآن على حسب ما سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأحرف السبعة، فكان تلاميذهم يقرأ كل واحد منهم على حسب ما أقرأه شيخه. وكان التلميذ إذا سمع قارئاً يقرأ بخلاف قراءته أنكر عليه وخطأه وهكذا حتى خشي بعض الصحابة أن تحدث فتنة بين التابعين ومن بعدهم فرأى أن يجمع الناس على حرف واحد وهو لغة قريش التي نزل القرآن عليها أولاً لرفع الخلاف وحسم الأمر فاستشار عثمان رضي الله عنه فوافق على هذا الرأي. فروى البخاري في "صحيحه" (4988) عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ قَدِمَ عَلَى عُثْمَانَ وَكَانَ يُغَازِي أَهْلَ الشَّأْمِ فِي فَتْحِ إِرْمِينِيَةَ وَأَذْرَبِيجَانَ مَعَ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَأَفْزَعَ حُذَيْفَةَ اخْتِلَافُهُمْ فِي الْقِرَاءَةِ فَقَالَ حُذَيْفَةُ لِعُثْمَانَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَدْرِكْ هَذِهِ الأُمَّةَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِفُوا فِي الْكِتَابِ اخْتِلافَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فَأَرْسَلَ عُثْمَانُ إِلَى حَفْصَةَ أَنْ أَرْسِلِي إِلَيْنَا بِالصُّحُفِ نَنْسَخُهَا فِي الْمَصَاحِفِ ثُمَّ نَرُدُّهَا إِلَيْكِ فَأَرْسَلَتْ بِهَا حَفْصَةُ إِلَى عُثْمَانَ فَأَمَرَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فَنَسَخُوهَا فِي الْمَصَاحِفِ وَقَالَ عُثْمَانُ لِلرَّهْطِ الْقُرَشِيِّينَ الثَّلاثَةِ إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ فَفَعَلُوا حَتَّى إِذَا نَسَخُوا الصُّحُفَ فِي الْمَصَاحِفِ رَدَّ عُثْمَانُ الصُّحُفَ إِلَى حَفْصَةَ وَأَرْسَلَ إِلَى كُلِّ أُفُقٍ بِمُصْحَفٍ مِمَّا نَسَخُوا وَأَمَرَ بِمَا سِوَاهُ مِنْ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ صَحِيفَةٍ أَوْ مُصْحَفٍ أَنْ يُحْرَقَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَأَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ سَمِعَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ فَقَدْتُ آيَةً مِنْ الْأَحْزَابِ حِينَ نَسَخْنَا الْمُصْحَفَ قَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِهَا فَالْتَمَسْنَاهَا فَوَجَدْنَاهَا مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَأَلْحَقْنَاهَا فِي سُورَتِهَا فِي الْمُصْحَفِ. وبذلك انقطع الخلاف واتفقت الكلمة وبقي القرآن متواترا ومحفوظا في صدور الرجال إلى يوم القيامة وكان هذا من حفظ الله تعالى لكتابه مصداقاً لقوله تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) الحجر / 9. والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 10012 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 83 أيما أفضل قراءة القرآن الجماعية أم الفردية؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما هي صورة مدارسة جبريل للرسول صلى الله عليه وسلم في رمضان للقرآن؟ وهل يدل على أن الاجتماع أفضل من الانفراد على القرآن؟ وهل هناك مزية لليل على النهار؟ نرجو التوضيح.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: " أولاً: أما كيفية المدارسة فلا أعلم عن كيفيتها. ثانياً: وأما هل المستحب أن يجتمع الناس على القرآن أو أن يقرأ كل إنسان بمفرده؟ فهذه ترجع إلى الإنسان نفسه، إن كان إذا اجتمع إلى إخوانه لتدارس القرآن صار أخشع لقلبه، وأنفع في العلم فالاجتماع أفضل، يعني إذا كان الاجتماع صار هناك حضور قلب وخشوع وتدبر للقرآن، وتساؤل فيما بينهم فهذا أفضل، وإن كان الأمر بالعكس فالانفراد أفضل. ثالثاًَ: وأما مدارسة جبريل للنبي عليه الصلاة والسلام فهو من أجل تثبيت القرآن بقلب النبي صلى الله عليه وسلم. وأما الفقرة الثالثة من السؤال وهي: هل هناك مزية لليل على النهار فهذا نعم، لكن قد يكون للإنسان أعمال لا يستطيع معها أن يدرس القرآن في الليل، فيجعل أكثر دراسته في النهار، فالإنسان ينظر ما هو أنفع له، لعموم قول الرسول عليه الصلاة والسلام: «احرص على ما ينفعك» فما كان أنفع لك إذا لم يكن محظوراً شرعاً فهو أفضل " [الْمَصْدَرُ] انتهى مجموع الفتاوى 8/78. الحديث: 46088 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 84 سورة فيها لفظ الجلالة في كل آية [السُّؤَالُ] ـ[ما هي السورة التي ذكر اسم الله في كل آية منها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله السورة هي: المجادلة. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 21182 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 85 الأوقات التي يجوز فيها قراءة القرآن [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز قراءة سورة الفاتحة في أي وقت؟ لقد سمعت أنه لا يجوز قراءتها إلا في أوقات محددة، مثل الصلاة أو وفقا لما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من أمور محددة. وإذا كان الأخير هو الصحيح، فأنا أرجو أن تقدم لي قائمة بالأوقات المناسبة لقراءة الفاتحة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز لك أن تقرأ القرآن أو أي سورة منه، في أي وقت وعلى أي حال، إلا إذا كنت جنباً، فإنه يحرم عليك حينئذٍ قراءة القرآن، لحديث عَلِيٍّ قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقْرِئُنَا الْقُرْآنَ عَلَى كُلِّ حَالٍ مَا لَمْ يَكُنْ جُنُبًا " رواه الترمذي (الطهارة/136) قَالَ الترمذي: حَدِيثُ عَلِيٍّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَبِهِ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ قَالُوا يَقْرَأُ الرَّجُلُ الْقُرْآنَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ وَلا يَقْرَأُ فِي الْمُصْحَفِ إِلا وَهُوَ طَاهِرٌ وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَق انظر ضعيف سنن الترمذي للألباني حديث رقم 22. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: أجمع الأئمة على تحريم قراءة القرآن للجنب. وليس من الأدب مع القرآم قراءته على جنب وهو كلام الله عز وجل، الذي يجب احترامه وتعظيمه وأن يُبْعَد عن كل ما يَمَسّ كرامته وقُدْسِيَّته من الأمكنة القذرة والمَحَالِّ المُحَرَّمة، ولأن الجُنُبَ قادر على رفع الجنابة عنه متى شاء، فَمُنِع من ذلك، أما إذا كان عليك حدث أصغر فيجوز لك القراءة فقط دون مس المصحف، يراجع سؤال رقم 10672، أما المرأة في حالة الحيض والنفاس فيراجع سؤال 2564. والله أعلم يراجع كتاب توضيح الأحكام للبسام 1/309. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 10984 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 86 هل يُحتفل بختمة القرآن [السُّؤَالُ] ـ[فتاة ختمت القرآن تلاوة للمرة الأولى وتريد دعوة صاحباتها للاحتفال بهذه المناسبة فماذا تكتب في بطاقات الدّعوة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إنه عمل جليل أن تنهي فتاة مسلمة في هذا السنّ (أحد عشر عاما) تلاوة كتاب الله تعالى كاملا في بلاد غربة الدّين وسط ذلك المجتمع المنحرف وكما أخفت هذه الفتاة اسمها في السؤال وهو من علامات الإخلاص إن شاء الله فإنني أرى أن لا يُعلن ذلك إلا على سبيل تشجيع الآخرين للقيام بالأمر نفسه، فلو اقتصر الأمر على دعوة عادية تقوم بها بعض قريباتك أو صاحباتك تحضرين فيها مع زميلاتك وتذكرين فيها تجربتك في ختم القرآن للحاضرات لتحميسهنّ لا رياء ولا سمعة ويكون هناك تعليقات من بعض الأمهات حول عظمة القرآن الكريم وفضل تلاوته وأدب المسلم مع القرآن، وكذلك لو دعت هذه الفتاة صاحباتها إلى وليمة بهذه المناسبة من باب شكر النّعمة وفرحا بحصولها فلا بأس بذلك مع الحرص أن لا يتحوَّل ذلك إلى مظهر من مظاهر الاحتفال. يتضح مما تقدم أن الاحتفال بختم القرآن حفظاً أو تلاوة وجمع الناس وصنع الطعام بهذه المناسبة يخشى فيه من فتنتين: إحداهما الرياء والسمعة والفخر والغرور، والثانية: الدخول في البدعة باعتقاد أن هذا الاحتفال من الدّين وأن كل من ختم القرآن يشرع له ذلك وتحصل السلامة من الآفة الأولى بمجاهدة النفس على الإخلاص لله تعالى، ومن الآفة الثانية بالاقتصار على العدد القليل من الحضور من الأهل والأقارب، وينبغي ترك ذلك الاجتماع أحيانا حتى لا يظن أنه سنة. أسأل الله أن يزيدك من فضله ويرزقك قوة الحفظ والإخلاص في القول والعمل. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 695 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 87 ترتيب السور والآيات في المصحف [السُّؤَالُ] ـ[لماذا لم ترتب سور المصحف على أولية النزول؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الإجماع والنصوص الكثيرة على ترتيب الآيات في السورة الواحدة أمر معلوم ومشهور، أما الإجماع فنقله غير واحد منهم الزركشي في البرهان وأبو جعفر وعبارته: ترتيب الآيات في سورها واقع بتوقيفه صلى الله عليه وسلم وأمره من غير خلاف في هذا بين المسلمين. انتهى وأما النصوص فمنها: ما أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم عن ابن عباس قال: قلت لعثمان ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني والى براءة وهي من المئين فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتموهما في السبع الطوال فقال عثمان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تنزل عليه السورة ذات العدد فكان إذا أنزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب فيقول ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا وكانت الأنفال من أوائل ما نزل بالمدينة وكانت براءة من آخر القرآن نزولا وكانت قصتها شبيهة بقصتها فظنت أنها منها فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها فمن أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتها في السبع الطوال. قال الحاكم: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي (المستدرك) (2/330) (ومنها) ما أخرجه أحمد في المسند (4/218) بإسناد حسن عن عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا إِذْ شَخَصَ بِبَصَرِهِ ثُمَّ صَوَّبَهُ حَتَّى كَادَ أَنْ يُلْزِقَهُ بِالأَرْضِ قَالَ ثُمَّ شَخَصَ بِبَصَرِهِ فَقَالَ أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلام فَأَمَرَنِي أَنْ أَضَعَ هَذِهِ الآيَةَ بِهَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. (ومنها) ما أخرجه البخاري في الصحيح برقم (4536) عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ قُلْتُ لِعُثْمَانَ هَذِهِ الْآيَةُ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا إِلَى قَوْلِهِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ قَدْ نَسَخَتْهَا الأُخْرَى فَلِمَ تَكْتُبُهَا قَالَ تَدَعُهَا يَا ابْنَ أَخِي لا أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْهُ مِنْ مَكَانِهِ. (ومنها) ما رواه مسلم برقم (1617) عن عمر قال ما سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء أكثر مما سألته عن الكلالة حتى طعن بإصبعه في صدري وقال ألا تكفيك آية الصّيْف التي في آخر سورة النساء. (ومنها) الأحاديث في خواتيم سورة البقرة. (ومنها) ما رواه مسلم برقم (809) عن أبي الدرداء مرفوعاً من حفظ عشر آيات من أول الكهف عصم من الدجال وفي لفظ عنده من قرأ العشر الأواخر من سورة الكهف. وقراءته صلى الله عليه وسلم للسور المختلفة بمشهد من الصحابة يدلّ على أن ترتيب آياتها توقيفي وما كان الصحابة ليرتبوا ترتيباً سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ على خلافة فبلغ ذلك مبلغ التواتر. قال القاضي أبو بكر في الانتصار: ترتيب الآيات أمر واجب وحكم لازم فقد كان جبريل يقول ضعوا آية كذا في موضع كذا. وقال أيضاً: الذي نذهب إليه أن جميع القرآن الذي أنزله الله وأمر بإثبات رسمه ولم ينسخه ولا رفع تلاوته بعد نزوله هو هذا الذي بين الدفتين الذي حواه مصحف عثمان وأنه لم ينقص منه شيء ولا زيد فيه وأن ترتيبه ونظمه ثابت على ما نظمه الله تعالى ورتّبه عليه رسوله من آي السور لم يُقدّم من ذلك مؤخّر ولا أخّر منه مقدّم وأن الأمة ضبطت عن النبي صلى الله عليه وسلم ترتيب آي كل سورة ومواضعها وعرفت مواقعها كما ضبطت عنه نفس القراءات وذات التلاوة.. وقال البغوي في شرح السنة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقن أصحابه ويعلمهم ما نزل عليه من القرآن على الترتيب الذي هو الآن في مصاحفنا بتوقيف جبريل إياه على ذلك وإعلامه عند نزول كل آية أن هذه الآية تكتب عقب آية كذا في سورة كذا فثبت أن سعي الصحابة كان في جمعه في موضع واحد لا في ترتيبه فإن القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ على هذا الترتيب أنزله الله جملة إلى السماء الدنيا ثم كان ينزله مفرّقاً عند الحاجة وترتي النزول غير ترتيب التلاوة. وأما ترتيب السور فهل هو توقيفي أيضاً أو هو باجتهاد من الصحابة؟ في هذه المسألة خلاف فجمهور العلماء على الثاني منهم مالك والقاضي أبو بكر في أحد قوليه قال ابن فارس: جمع القرآن على ضرْبين أحدهما تأليف السور كتقديم السبع الطوال وتعقيبها بالمئين فهذا الذي تولته الصحابة وأما الجمع الآخر وهو جمع الآيات في السور فهو توفيقي تولاه النبي صلى الله عله وسلم كما أخبر به جبريل عن أمر ربه ومما استدل به لذلك اختلاف السلف في ترتيب السور فمنهم من رتبها على النزول وهو مصحف عليّ كان أوله اقرأ ثم المدثر ثم نون ثم المزمل وهكذا وكان أول مصحف ابن مسعود البقرة ثم النساء ثم آل عمران على اختلاف شديد وكذا مصحف أبيّ. وقال الكرماني في البرهان: ترتيب السور هكذا هو عند الله في اللوح المحفوظ على هذا الترتيب وعليه كان صلى الله عليه وسلم يعرض على جبريل كل سنة ما كان يجتمع عنده منه وعرضه عليه في السنة التي توفي فيها مرتين وكان آخر الآيات نزولاً {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله} فأمره جبريل أن يضعها بين آيتي الربا والدين. وقال الزركشي في البرهان: والخلاف بين الفريقين لفظي لأن القائل بالثاني يقول أنه رمز إليهم ذلك ليعلّمهم بأسباب نزوله ومواقع كلماته ولهذا قال مالك إنما ألّفوا القرآن (أي جمعوه) على ما كانوا يسمعونه من النبي صلى الله عليه وسلم مع قوله بأن ترتيب السور باجتهاد منهم فآل الخلاف إلى أنه هل هو بتوقيف قوليّ أو بمجرد إسناد فعليّ بحيث يبقى لهم فيه مجال للنظر. وقال البيهقي في المدخل: كان القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم مرتباً سوره وآياته على هذا الترتيب إلا الأنفال وبراءة لحديث عثمان السابق. وقال ابن عطية: كثير من السور كان قد عُلم ترتيبها في حياته صلى الله عليه وسلم كالسبع الطوال والحواميم والمفصّل وأن ما سوى ذلك يمكن أن يكون قد فَوَّض الأمر فيه إلى الأمة بعده. وقال أبو جعفر: الآثار تشهد بأكثر مما نص عليه ابن عطية ويبقى منها قليل يمكن أن يجرى فيه الخلاف كقوله اقرءوا الزهراوين البقرة وآل عمران رواه مسلم برقم (804) . وروى البخاري برقم (4739) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالْكَهْفُ وَمَرْيَمُ وَطه وَالأَنْبِيَاءُ هُنَّ مِنْ الْعِتَاقِ الأُوَلِ وَهُنَّ مِنْ تِلادِي (أي من قديم ما قرأته) . وقال أبو جعفر النحاس المختار أن تأليف السور على هذا الترتيب من رسول الله صلى الله عليه وسلم لحديث واثلة أعطيت مكان التوارة السبع الطوال "، قال فهذا الحديث يدل على أن تأليف القرآن مأخوذ عن النبي صلى الله عليه وسلم.. وقال ابن حجر ترتيب بعض السور على بعضها أو معظمها لا يمتنع أن يكون توقيفاً، قال: ومما يدل على أن ترتيبها توقيفي ما أخرجه أحمد وأبو داود عن أَوْسِ بْنِ حُذَيْفَةَ قَالَ.. سَأَلْنَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَصْبَحْنَا قَالَ قُلْنَا كَيْفَ تُحَزِّبُونَ الْقُرْآنَ قَالُوا نُحَزِّبُهُ سِتَّ سُوَرٍ وَخَمْسَ سُوَرٍ وَسَبْعَ سُوَرٍ وَتِسْعَ سُوَرٍ وَإِحْدَى عَشْرَةَ سُورَةً وَثَلاثَ عَشْرَةَ سُورَةً وَحِزْبُ الْمُفَصَّلِ مِنْ ق حَتَّى تَخْتِمَ. قال فهذا يدل على أن ترتيب السور - على ما هو في المصحف الآن - كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن الذي كان مرتباً حينئذ حزب المفصل خاصة بخلاف ماعداه.. أنظر (الإتقان في علوم القرآن) للسيوطي (1/62 ـ 65) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 3214 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 88 دخول الخلاء بعقد فيه آيات قرآنية [السُّؤَالُ] ـ[لدى زوجتي عقد يحتوي على آيات قرنية فهل يجوز لها أن تدخل الحمام وهي تلبسه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز دخول الخلاء بشيء فيه آيات من القرآن الكريم لما يفضي إليه من الإهانة لكلام الله عزّ وجلّ، وبالتالي يجب على زوجتك خلعه قبل الدّخول للخلاء، والنّصيحة أن لا تعلّق المرأة ولا الطفل ولا أحد من الناس في العنق شيئا فيه آيات ولا تعويذات لما في ذلك من المحاذير حتى ولو لم يدخل الخلاء بها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2255 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 89 القرآن والطب [السُّؤَالُ] ـ[سمعت في محاضرة بأن علماء الطب والدكاترة يدعون بأن العديد من الأدوية والعلاجات تم اكتشافها والوصول إليها عن طريق استنتاج حقائق من القرآن الكريم. وعليه , فهذا هو سؤالي: هل الموجود بين أيدينا هو جميع ما يتعلق بالطب الذي ورد ذكره في القرآن الكريم؟ أم أن القرآن يحتوي على المزيد الذي يمكننا الاستفادة منه؟ أسأل عن ذلك بسبب طلب جاد تقدم به أحد أصدقائي، وهو هندوسي ويدعى "فيقنيش", حيث سأل عما إذا بقي في القرآن الكريم أمور لم تكتشف بعد تتعلق بالسيطرة على الأمراض القاتلة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: أرسل الله تعالى محمَّداً صلى الله عليه وسلم بدين شامل لكل نواحي الحياة كما قال أبو ذر رضي الله عنه: " لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يحرك طائر جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علما ". رواه أحمد (20399) انظر" مجمع الزوائد " (8 / 263) . قال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ وهو ثقة. فجاء الإسلام ليسد حاجات الناس في كل شؤون حياتهم. ثانياً: وما جاء في السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه مكمِّل لما جاء في القرآن، وهذان المصدران هما المصدران الرئيسيان عند المسلمين، وقد بيَّن لنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى ما أنزل داءً إلا وأنزل له دواء. عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء ". رواه البخاري في (5678) . ثالثاً: وما ذكره السائل عن بعض المسلمين من كون كثير من العلاجات اكتشفت عن طريق القرآن الكريم: فنقول إن هذا من الأمور المبالغ فيها. فالقرآن الكريم ليس كتاب طبٍّ ولا كتاب (جغرافيا) ولا (جيولوجيا) كما يحلو لبعض المسلمين أن يقول ذلك أمام الغرب، بل هو كتاب هداية للناس ومن أعظم معجزاته: بلاغته وقوة معانيه، وهو الأصل في إعجازه، فقد أنزله الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم في زمان بلغت الفصاحة والبلاغة فيه مبلغاً عظيماً فجاء هذا الكتاب ليعجز أولئك القوم فيما يتقنونه ليبيِّن لهم أنه من عند الله. وهذا الأمر ليس بالمستغرب ولا بالمبتدع في هذا الدين، فقد جاءت آيات موسى عليه السلام – العصا واليد – من جنس ما انتشر في زمانه وهو السحر، وكانت آيات عيسى عليه السلام – من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص – من جنس ما أتقنه قومه وانتشر عندهم وهو الطب. لذا نقول: إن أعظم ما في القرآن الكريم هو فصاحته وبلاغته، ولا زال العلماء إلى هذا الوقت يتبيَّن لهم ذلك بالتدبر والتفكر في آياته. وهذا لا يعني أنه ليس فيه غير ذلك، بل ذكر الله تعالى فيه بعض الآيات في بيان تركيب جسم الإنسان، وتدرج خلقه، وبعض مظاهر الطبيعة، وغير ذلك. أما بالنسبة لما يتعلق بالعلاج الذي ذكره السائل، فإن القرآن الكريم شفاء للمؤمنين، وهذا يشمل شفاء القلوب والأبدان، وذكر الله تعالى فيه (العسل) وبيَّن أنه شفاء للناس، وذكر فيه أصل حفظ الصحة والوقاية من الأمراض، فمن قال إن القرآن ذكر كثيراً من الأدوية بهذا المعنى فقد أصاب، وأما غير ذلك فغير صحيح، بل هو من مبالغات بعض المسلمين، فالقرآن الكريم ليس كتاب طب، وقد جاءت أمراض لم تكن في سالف الأزمان، فكيف يأتي علاجها – باعتبار ما قاله السائل – قبل مجيئها؟ . رابعاً: أ. وهذه بعض الآيات الدالة على أن القرآن شفاء. قال تعالى: {وننزل من القرآن ما هو شفاءٌ ورحمة للمؤمنين} الإسراء / 82. قال ابن القيم رحمه الله: قال الله تعالى: {وننزل مِن القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين} والصحيح: أن {مِن} ها هنا لبيان الجنس لا للتبعيض، وقال تعالى: {يا أيها الناس قد جاءكم موعظة مِن ربكم وشفاء لما في الصدور} . فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية، وأدواء الدنيا والآخرة، وما كل أحدٍ يؤهل ولا يوفَّق للاستشفاء به، وإذا أحسن العليل التداوي به ووضعه على دائه بصدق وإيمان وقبول تام واعتقاد جازم واستيفاء شروطه: لم يقاومه الداء أبداً. وكيف تقاوم الأدواءُ كلامَ ربِّ الأرض والسماء الذي لو نزل على الجبال لصدَّعها؟ ، أو على الأرض لقطَّعها؟ فما من مرض من أمراض القلوب والأبدان إلا وفي القرآن سبيل الدلالة على دوائه وسببه والحمية منه لمن رزقه فهماً في كتابه. " زاد المعاد " (4 / 352) . ب. والقرآن الكريم فيه علاج للنفوس والأرواح، ومن صحَّ ذلك فيه: كان سبباً لطرد الآفات والأمراض من بدنه، والقرآن بهذا الاعتبار شفاء وعلاج لكثير من الأمراض. قال ابن القيم رحمه الله: وقد جربنا نحن وغيرنا من هذا أمورا كثيرة ورأيناها تفعل ما لا تفعل الأدوية الحسية بل تصير الأدوية الحسية عندها بمنزلة أدوية الطرقية عند الأطباء وهذا جار على قانون الحكمة الإلهية ليس خارجا عنها ولكن الأسباب متنوعة فإن القلب متى اتصل برب العالمين خالق الداء والدواء ومدبر الطبيعة ومصرفها على ما يشاء كانت له أدوية أخرى غير الأدوية التي يعانيها القلب البعيد منه المعرض عنه وقد علم أن الأرواح متى قويت وقويت النفس والطبيعة تعاونا على دفع الداء وقهره فكيف ينكر لمن قويت طبيعته ونفسه وفرحت بقربها من بارئها وأنسها به وحبها له وتنعمها بذكره وانصراف قواها كلها إليه وجمعها عليه واستعانتها به وتوكلها عليه أن يكون ذلك لها من أكبر الأدوية وأن توجب لها هذه القوة دفع الألم بالكلية ولا ينكر هذا إلا أجهل الناس وأغلظهم حجابا وأكثفهم نفسا وأبعدهم عن الله وعن حقيقة الإنسانية. " زاد المعاد " (4 / 12) . ج. وفي القرآن سورة الفاتحة وهي رقية للأمراض. عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: انطلق نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في سفرة سافروها حتى نزلوا على حي من أحياء العرب فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم، فلُدغ سيد ذلك الحي، فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا لعله أن يكون عند بعضهم شيء فأتوهم فقالوا يا أيها الرهط إن سيدنا لدغ وسعينا له بكل شيء لا ينفعه فهل عند أحد منكم من شيء؟ فقال بعضهم: نعم والله إني لأرقي، ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جُعلا فصالحوهم على قطيع من الغنم فانطلق يتفل عليه ويقرأ {الحمد لله رب العالمين} فكأنما نشط من عقال فانطلق يمشي وما به قلبة، قال: فأوفوهم جُعلهم الذي صالحوهم عليه، فقال بعضهم: اقسموا، فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي النبي صلى الله عليه وسلم فنذكر له الذي كان فننظر ما يأمرنا، فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له، فقال: وما يدريك أنها رقية؟ ثم قال: قد أصبتم، اقسموا واضربوا لي معكم سهماً فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري (2156) ومسلم (2201) . قلبة: داء أو ألم يتقلب منه صاحبه. قال ابن القيم رحمه الله عن سورة الفاتحة: ومَن ساعده التوفيق، وأُعين بنور البصيرة حتى وقف على أسرار هذه السورة وما اشتملت عليه من التوحيد ومعرفة الذات والأسماء والصفات والأفعال وإثبات الشرع والقدر والمعاد وتجريد توحيد الربوبية والإلهية وكمال التوكل والتفويض إلى من له الأمر كله وله الحمد كله وبيده الخير كله وإليه يرجع الأمر كله والافتقار إليه في طلب الهداية التي هي أصل سعادة الدارين وعلم ارتباط معانيها بجلب مصالحها ودفع مفاسدهما وأن العاقبة المطلقة التامة والنعمة الكاملة منوطة بها موقوفة على التحقيق بها: أغنته عن كثير من الأدوية والرقى، واستفتح بها من الخير أبوابه ودفع بها من الشر أسبابه. " زاد المعاد " (4 / 347) . د. وفي القرآن ذكر أصول حفظ الصحة. وقال ابن القيم: وأصول الطب ثلاثة: الحمية، وحفظ الصحة، واستفراغ المادة المضرة. وقد جمعها الله تعالى له ولأمته في ثلاثة مواضع من كتابه: فحمى المريض من استعمال الماء خشية من الضرر فقال تعالى: {وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً} النساء / 42 والمائدة / 6. فأباح التيمم للمريض حمية له كما أباحه للعادم. وقال في حفظ الصحة: {فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر} البقرة / 181. فأباح للمسافر الفطر في رمضان حفظاً لصحته لئلا يجتمع على قوته الصوم ومشقة السفر فيضعف القوة والصحة. وقال في الاستفراغ في حلق الرأس للمُحرم: {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} البقرة / 196. فأباح للمريض ومَن به أذى مِن رأسه وهو محرم أن يحلق رأسه ويستفرغ المواد الفاسدة والأبخرة الرديئة التي تولد عليه القمل، كما حصل لكعب بن عجرة، أو تولد عليه المرض. وهذه الثلاثة هي قواعد الطب وأصوله، فذكر من كل جنس منها شيئاً وصورة تنبيها بها على نعمته على عباده في أمثالها من حميتهم، وحفظ صحتهم، واستفراغ مواد أذاهم، رحمة لعباده ولطفا بهم ورأفة بهم وهو الرؤوف الرحيم. " زاد المعاد " (1 / 164، 165) . قال ابن القيم: وذاكرت مرة بعض رؤساء الطب بمصر، فقال: والله لو سافرت إلى الغرب في معرفة هذه الفائدة لكان سفراً قليلاً أو كما قال إغائة اللهفان 1 / 25 هـ - ذِكر العسل في القرآن وأنه شفاء للناس. قال الله تعالى {يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس} النحل / 69. قال ابن القيم رحمه الله: وأما هدية في الشراب فمن أكمل هدي يحفظ به الصحة فإنه كان يشرب العسل الممزوج بالماء البارد، وفي هذا من حفظ الصحة ما لا يهتدي إلى معرفته إلا أفاضل الأطباء، فإنَّ شُربَه ولعقَه على الريق يذيب البلغم، ويغسل خمل المعدة، ويجلو لزوجتها، ويدفع عنها الفضلات، ويسخنها باعتدال، ويفتح سددها، ويفعل مثل ذلك بالكبد والكلى والمثانة، وهو أنفع للمعدة من كل حلو دخلها، وإنما يضر بالعَرَض لصاحب الصفراء لحدته وحدة الصفراء فربما هيَّجها، ودَفْع مضرته لهم بالخلِّ فيعود حينئذ لهم نافعاً جدّاً وشربه أنفع من كثير من الأشربة المتخذة من السكر أو أكثرها، ولا سيما لمن لم يعتد هذه الأشربة، ولا ألفها طبعه فإنه إذا شربها لا تلائمه ملاءمة العسل ولا قريبا منه والمحكم في ذلك العادة فإنها تهدم أصولا وتبني أصولا. وأما الشراب إذا جمع وصفي الحلاوة والبرودة فمن أنفع شيء للبدن ومن أكبر أسباب حفظ الصحة، وللأرواح والقوى والكبد والقلب عشق شديد له واستمداد منه وإذا كان فيه الوصفان حصلت به التغذية وتنفيذ الطعام إلى الأعضاء وإيصاله إليها أتم تنفيذ الطعام إلى الأعضاء وإيصاله إليها أتم تنفيذ. " زاد المعاد " (4 / 224، 225) . وقال رحمه الله: والعسل فيه منافع عظيمة: فإنه جلاء للأوساخ التي في العروق والأمعاء وغيرها محلل للرطوبات أكلاً وطلاء، نافع للمشايخ وأصحاب البلغم ومن كان مزاجه بارداً رطباً، وهو مغذٍّ ملين للطبيعة، حافظ لقوى المعاجين ولما استودع فيه، مُذهب لكيفيات الأدوية الكريهة، منقٍّ للكبد والصدر، مُدِّر للبول، موافق للسعال الكائن عن البلغم، وإذا شرب حارّاً بدهن الورد: نفع من نهش الهوام وشرب الأفيون، وإن شرب وحده ممزوجاً بماء: نفع من عضه الكلْب الكلِب، وأكل الفُطُر القتَّال، وإذا جعل فيه اللحم الطري حفظ طراوته ثلاثة أشهر، وكذلك إن جعل فيه القثاء والخيار والقرع والباذنجان ويحفظ كثيراً من الفاكهة ستة أشهر، ويحفظ جثة الموتى، ويسمى الحافظ الأمين، وإذا لطخ به البدن المقمَّل والشَّعر: قتَل قمله وصئبانه وطوَّل الشعر وحسَّنه ونعَّمه، وإن اكتحل به: جلا ظلمة البصر، وإن استن به: بيض الأسنان وصقلها وحفظ صحتها وصحة اللثة، ويفتح أفواه العروق، ويدرُّ الطمث، ولعقه على الريق: يُذهب البلغم، ويغسل خمل المعدة، ويدفع الفضلات عنها ويسخنها تسخيناً معتدلاً ويفتح سددها، ويفعل ذلك بالكبد والكلى والمثانة وهو أقل ضرراً لسدد الكبد والطحال من كل حلو. وهو مع هذا كله مأمون الغائلة، قليل المضار مضر بالعَرَض للصفراويين ودفعها بالخل ونحوه فيعود حينئذ نافعاً له جدّاً. وهو غذاء مع الأغذية، ودواء مع الأدوية، وشراب مع الأشربة، وحلو مع الحلوى، وطلاء مع الأطلية، ومفرح مع المفرحات، فما خُلق لنا شيءٌ في معناه أفضل منه ولا مثله ولا قريبا منه، ولم يكن معوَّل القدماء إلا عليه، وأكثر كتب القدماء لا ذِكر فيها للسكر البتة ولا يعرفونه فإنه حديث العهد حدث قريباً، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يشربه بالماء على الريق، وفي ذلك سر بديع في حفظ الصحة لا يدركه إلا الفطن الفاضل. " زاد المعاد " (4 / 33، 34) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 9691 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 90 دعوى تحريف القرآن [السُّؤَالُ] ـ[أرجو أن تجيب على هذا السؤال فهو مهم بالنسبة لي، فقد كنت أقرأ في صفحة معادية للإسلام على الإنترنت حيث قال أحد النصارى بأن الشيخ السجستاني قال في كتابه " المصاحف " بأن الحجاج قد غيَّر في حروف المصحف وغيَّر على الأقل عشر كلمات، يدَّعي بأن السجستاني قد ألَّف كتاب اسمه " ما غيَّره الحجاج في مصحف عثمان " وقد ادَّعى هذا النصراني بأنَّه جمع الكلمات العشر التي تم تغييرها باللغة العربية. حاولتُ الحصول على نسخةٍ من هذا الكتاب دون جدوى فأرجو التوضيح، فأنا لا أتخيَّل أنَّ جميع العلماء والحفَّاظ يسمحون لشخصٍ بأن يغيِّر القرآن ولا يقولوا شيئاً، حتى ولو أن السجستاني روى هذا. هذا الأمر لا يُعقل أبداً لأننا لسنا كاليهود والنصارى لا نحفظ كتابنا ونتركه لرجال الدين، فالمسلمون يحفظ كثير منهم القرآن وكلهم يتلوه فلا يعقل أن لا يلاحظ أحد الفروق والاختلافات.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يمكن أن يتطرق الشك بالنسبة للمسلم في ثبوت القرآن، فقد تكفَّل الله تعالى بحفظ القرآن فقال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} الحجر / 9، وقد كان القرآن محفوظاً في صدور الحفاظ من الصحابة وعلى جذوع الأشجار واللخاف (الخزف) إلى زمان الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وفي حروب الردة قتل كثير من حفاظ الصحابة فخشي أبو بكر- رضي الله عنه -أن يذهب القرآن ويضيع في صدور الصحابة، فاستشار كبار الصحابة لجمع القرآن كاملا في كتابٍ واحدٍ حتى يبقى محفوظاً من الضياع، وأوكل المهمة إلى جبل الحفظ زيد بن ثابت وغيره من كتاب الوحي فأخرج البخاري في " صحيحه " (4986) عن زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه قال: " أرسل إليّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب عنده قال أبو بكر رضي الله تعالى عنه إن عمر أتاني فقال إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن قلت لعمر: كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! قال عمر: هذا والله خير فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ورأيت في ذلك الذي رأى عمر قال زيد: قال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتتبع القرآن فاجمعه فو الله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن قلت: كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله قال هو والله خير فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم} حتى خاتمة براءة فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر حياته ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله تعالى عنهما ". ثانياً: وأما الحجاج فلم يباشر بنفسه كتابة المصحف، بل أمره بعض الحاذقين بذلك، وإليك القصة كاملة: قال الزرقاني: والمعروف أن المصحف العثماني لم يكن منقوطاً … وسواء أكان هذا أم ذاك فإن إعجام – أي: تنقيط - المصاحف لم يحدث على المشهور إلا في عهد عبد الملك بن مروان، إذ رأى أن رقعة الإسلام قد اتسعت واختلط العرب بالعجم وكادت العجمة تمس سلامة اللغة وبدأ اللبس والإشكال في قراءة المصاحف يلح بالناس حتى ليشق على السواد منهم أن يهتدوا إلى التمييز بين حروف المصحف وكلماته وهي غير معجمة، هنالك رأى بثاقب نظره أن يتقدم للإنقاذ فأمر الحجاج أن يُعنى بهذا الأمر الجلل، وندب " الحجاج " طاعة لأمير المؤمنين رجلين يعالجان هذا المشكل هما: نصر بن عاصم الليثي، ويحيى بن يعمر العدواني، وكلاهما كفء قدير على ما ندب له، إذ جمعا بين العلم والعمل والصلاح والورع والخبرة بأصول اللغة ووجوه قراءة القرآن، وقد اشتركا أيضاً في التلمذة والأخذ عن أبي الأسود الدؤلي، ويرحم الله هذين الشيخين فقد نجحا في هذه المحاولة وأعجما المصحف الشريف لأول مرة ونقطا جميع حروفه المتشابهة، والتزما ألا تزيد النقط في أي حرف على ثلاث، وشاع ذلك في الناس بعدُ فكان له أثره العظيم في إزالة الإشكال واللبس عن المصحف الشريف. وقيل: إن أول من نقط المصحف أبو الأسود الدؤلي، وإن ابن سيرين كان له مصحف منقوط نقطه يحيى بن يعمر، ويمكن التوفيق بين هذه الأقوال بأن أبا الأسود أول من نقط المصحف ولكن بصفة فردية، ثم تبعه ابن سيرين، وأن عبد الملك أول من نقط المصحف، ولكن بصفة رسميَّة عامَّة ذاعت وشاعت بين الناس دفعاً للبس، والإشكال عنهم في قراءة القرآن. " مناهل العرفان " (1 / 280، 281) . ثالثاً: وأما ما جاء في السؤال نقلاً عن كتاب " المصاحف " لابن أبي داود: فإليك الرواية فيه والحكم عليها: عن عبَّاد بن صهيب عن عوف بن أبي جميلة أن الحجاج بن يوسف غيّر في مصحف عثمان أحد عشر حرفاً، قال: كانت في البقرة: 259 {لم يتسن وانظر} بغير هاء، فغيرها " لَم يَتَسَنه ". وكانت في المائدة: 48 {شريعة ومنهاجاً} ، فغيّرها " شِرعَةً وَمِنهاجَاً ". وكانت في يونس: 22 {هو الذي ينشركم} ، فغيَّرها " يُسَيّرُكُم ". وكانت في يوسف: 45 {أنا آتيكم بتأويله} ، فغيَّرها " أنا أُنَبِئُكُم بِتَأوِيلِهِ ". وكانت في الزخرف: 32 {نحن قسمنا بينهم معايشهم} ، فغيّرها " مَعِيشَتَهُم ". وكانت في التكوير: 24 {وما هو على الغيب بظنين} ، فغيّرها {بِضَنينٍ} … الخ.. كتاب " المصاحف " للسجستاني (ص 49) . وهذه الرواية ضعيفة جدّاً أو موضوعة؛ إذ فيها " عبَّاد بن صهيب " وهو متروك الحديث. قال علي بن المديني: ذهب حديثه، وقال البخاري والنسائي وغيرهما: متروك، وقال ابن حبان: كان قدريّاً داعيةً، ومع ذلك يروي أشياء إذا سمعها المبتدئ في هذه الصناعة شهد لها بالوضع، وقال الذهبي: أحد المتروكين. انظر " ميزان الاعتدال " للذهبي (4 / 28) . ومتن الرواية منكر باطل، إذ لا يعقل أن يغيِّر شيئاً من القرآن فيمشي هذا التغيير على نسخ العالم كله، بل إن بعض من يرى أن القرآن ناقص غير كامل من غير المسلمين كالرافضة - الشيعة – أنكرها ونقد متنها: قال الخوئي – وهو من الرافضة -: هذه الدعوى تشبه هذيان المحمومين وخرافات المجانين والأطفال، فإنّ الحجّاج واحدٌ من ولاة بني أُمية، وهو أقصر باعاً وأصغر قدراً من أن ينال القرآن بشيءٍ، بل هو أعجز من أن يغيّر شيئاً من الفروع الإسلامية، فكيف يغير ما هو أساس الدين وقوام الشريعة؟! ومن أين له القدرة والنفوذ في جميع ممالك الإسلام وغيرها مع انتشار القرآن فيها؟ وكيف لم يذكر هذا الخطب العظيم مؤرخ في تاريخه، ولا ناقد في نقده مع ما فيه من الأهمية، وكثرة الدواعي إلى نقله؟ وكيف لم يتعرض لنقله واحد من المسلمين في وقته؟ وكيف أغضى المسلمون عن هذا العمل بعد انقضاء عهد الحجاج وانتهاء سلطته؟ وهب أنّه تمكّن من جمع نسخ المصاحف جميعها، ولم تشذّ عن قدرته نسخةٌ واحدةٌ من أقطار المسلمين المتباعدة، فهل تمكّن من إزالته عن صدور المسلمين وقلوب حفظة القرآن وعددهم في ذلك الوقت لا يحصيه إلاّ الله. " البيان في تفسير القرآن " (ص 219) . وما نقله السائل عن الإمام السجستاني من أنه ألَّف كتاباً اسمه " ما غيَّره الحجاج في مصحف عثمان ": غير صحيح بل كذب ظاهر، وكل ما هنالك أن الإمام السجستاني ترجم للرواية سالفة الذكر عن الحجاج بقوله: (باب ما كتب الحجَّاج بن يوسف في المصحف) . وعلى هذا فإنه لا يمكن أن يعتمد على هذا الرواية بحال من الأحوال، ويكفي في تكذيبها أنه لم يثبت حتى الآن أن أحداً نجح في محاولة لتغيير حرف واحد، فلو كان ما روي صحيحاً لأمكن تكراره خاصة في عصور ضعف المسلمين وشدة الكيد من أعدائهم، بل مثل هذه الشبهات التي تثار هي أحد الأدلة على بطلان هذه الدعاوى، وأن الأعداء قد عجزوا عن مقارعة حجج القرآن وبيانه فلجؤوا للطعن فيه. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 23487 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 91 الرد على من يحاول أن يثبت عدم صحة القرآن [السُّؤَالُ] ـ[قرأت مؤخرا بحثاً كتبه باحثون ألمان عن صحة القرآن. بعض ما قالوه نوقش في مقال في مجلة أتلانتك الشهرية بعنوان "ما هو القرآن؟ " كتبه توبي ليستر نُشر في عدد يناير 1999 من تلك المجلة. لب القضية كان عن وجود نسخة قديمة جدا من القرآن في مسجد في اليمن يرى تحريفاً في القرآن الموجود. في بعض المواضع الكتابة التي كانت توجد في هذه النسخة قد مُسحت وكُتب فوقها. المقال يحاول أن يلقي الشبهة للمسلمين في نظرتهم للقرآن بأنه موثوق به تماماً، وحاول أن يثبت أن القرآن عبارة عن كلام يتعرض للتغيير مثل أي كلام آخر. أنا غير مسلمة ولكنني أعلم بأن القرآن له مكانة في الإسلام كمكانة المسيح في النصرانية. بالنظر لهذا، كيف تجيب على محاولة الذي يريد أن يفند صحة القرآن؟ وهل يوجد لديك رد آخر على هذا الهجوم على صدق القرآن؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله 1. إن ثبوت صحة ما في أيدينا من نسخ القرآن الكريم لم يثبت عندنا بدليل أو بدليلين، بل ثبت بأدلة كثيرة متوافرة لا يقع عليها عاقل منصف إلا ويقطع أنه هو كما أنزله الله على قلب محمد صلى الله عليه وسلم. 2. وقد تعاقبت الأجيال جيلا بعد جيل تتلو كتاب الله وتتدارسه بينهم، فيحفظونه ويكتبونه، لا يغيب عنهم حرف، ولا يستطيع أحد تغيير حركة حرف منه، ولم تكن الكتابة إلا وسيلة من وسائل حفظه وإلا فإن الأصل أن القرآن في صدورهم. 3. ولم يُنقل القرآن لنا وحده حتى يمكن تطرق التحريف المدَّعى إليه، بل نقل تفسير آياته، ومعاني كلماته، وأسباب نزوله، وإعراب كلماته، وشرح أحكامه، فأنَّى لمثل هذه الرعاية لهذا الكتاب أن تتطرق إليه أيدي آثمة تحرِّف فيه حرفاً، أو تزيد كلمة، أو تسقط آية؟ 4. وإن تحدَّث القرآن عن أشياء غيبية مستقبلية، أنزلها الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ليبيِّن أنه من عند الله، وأن البشر لو أرادوا كتابة كتاب فإنهم قد يبدعون في تصوير حادث، أو نقل موقف، لكن أن يتحدث أحدهم عن أمر غيبي فليس له في هذا المجال إلا الخرص والكذب، وأما القرآن فإنه أخبر عن هزيمة الروم من قبل الفرس، وليس هناك وسائل اتصال تنقل لهم هذا الحدث، وأخبر في الآيات نفسها أنهم سيَغلبون فيما بعد في مدة معينة، ولو أن ذلك لم يكن لكان للكفار أعظم مجال للطعن في القرآن. 5. ولو جئت إلى آية من كتاب الله تعالى فذهبت إلى أمريكا أو آسيا أو أدغال أفريقيا أو جئت إلى صحراء العرب أو إلى أي مكان يوجد فيه مسلمون لوجدت هذه الآية نفسها في صدورهم جميعاً أو في كتبهم لم يتغير منها حرف. فما قيمة نسخة مجهولة في (اليمن) لم نرها يمكن أن يحرِّف فيها أحد العابثين في هذا العصر آية أو كلمة؟ وهل يقوم مثل هذا الكلام في سوق البحث والنظر؟ وخاصة أن القوم يدَّعون البحث والإنصاف والعدل في القول. فماذا يكون رد هؤلاء لو جئنا إلى كتاب من كتبهم الموثوقة لمؤلِّفين معروفين، ولهذا الكتاب نسخ كثيرة في العالم، كلها على نسقٍ واحدٍ، ثم ادَّعى مدَّعٍ وجود نسخة من هذا الكتاب في بلدٍ ما، وفيها زيادات وتحريفات عما في نسخهم، فهل يعتدون بها؟ جوابهم هو جوابنا. 6. والنسخ المخطوطة عند المسلمين لا تثبت بهذا الشكل الساذج، فعندنا خبراء يعرفون تاريخ الخط، وعندنا قواعد يضبط فيها إثبات صحة هذه المخطوطة كوجود السماعات والقراءات عليها، واسم وتوقيع من سمعها وقرأها. ولا نظن أن هذا قد وجد في هذه النسخة المزعومة من اليمن أو من غيرها. 7. ويسرنا أن نختم ردنا بهذه القصة الحقيقية والتي حدثت في بغداد في العصر العباسي، حيث أراد يهودي أن يعرف صدق الكتب المنسوبة لله من أهلها وهي التوراة عند اليهود، والإنجيل عند النصارى، والقرآن عند المسلمين. فراح إلى التوراة فزاد فيها ونقص أشياء غير ظاهرة جداً، ثم دفعه إلى ورَّاقٍ – كاتب – منهم وطلب نسخ هذه النسخة، قال: فما هو إلا زمن يسير حتى صارت نسختى في معابد اليهود وبين كبار علمائهم. ثم راح إلى الإنجيل فزاد فيه ونقص كما فعل في التوراة، ودفعه إلى ورَّاقهم وطلب نسخه فنسخه، قال: فما هو إلا زمن يسير حتى صار يقرأ في كنائسهم وتتناوله أيدي علمائهم. ثم راح إلى القرآن فزاد فيه ونقص كما فعل في التوراة والإنجيل، ودفعه إلى ورَّاق المسلمين لينسخه له. فلما رجع إليه لاستلام نسخته ألقاه في وجهه وأعلمه أن هذا ليس قرآن المسلمين! فعلم هذا الرجل من هذه التجربة أن القرآن هو كتاب الله بحق وأن ماعداه لا يعدو أن يكون من صنع البشر. وإذا كان ورَّاق المسلمين قد علم تحريف هذه النسخة فهل يمكن أن تمشي هذه على علماء المسلمين؟ وإذا أرادت السائلة تحويل هذه التجربة القديمة إلى واقع حالي فما عليها إلا أن تفعل فعل ذلك اليهودي الذي أسلم وتزيد وتنقص من هذه الكتب الثلاثة ولتر نتيجة تجربتها. ولن نقول لها اعرضي نسختك من القرآن على ورَّاق، بل سنقول اعرضيها على صبيان وأطفال المسلمين ليكشفوا لك خطأ نسختك! وقد طبعت بعض الدول الإسلامية مصاحف فيها أخطاء كان مكتشفها من الأطفال الصغار قبل الكبار. والله الهادي. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 5105 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 92 تحريف القرآن عند الرافضة [السُّؤَالُ] ـ[سمعت من أحد الزملاء الشيعة بأنه يوجد عندهم سورة لا توجد في مصحفنا، فهل هذا صحيح؟ هذه السورة تُسمى سورة " الولاية ".]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أما " سورة الولاية " فقد أقر بعض علماء الشيعة وأئمتهم بوجودها، ومن أنكر ذلك منهم فإنما يفعل ذلك تقية، وممن صرَّح بوجودها المسمَّى " ميرزا حسين محمد تقي النوري الطبرسي " – توفي سنة 1320 هـ - فقد ألف كتاباً زعم فيه أن القرآن الكريم قد حرف، وأن الصحابة قد أخفوا منه أشياء منها سورة الولاية، وقد أكرمه " الرافضة " بعد موته بدفنه في " النجف "، وقد طبع كتاب الطبرسي هذا في إيران سنة 1298هـ، وعند طبعه قامت حوله ضجة لأنهم كانوا يريدون أن يبقى التشكيك في صحة القرآن محصوراً في خاصتهم ومتفرقاً في مئات الكتب المعتبرة عندهم، وأن لا يجمع ذلك كله في كتاب واحد، قال في بداية كتابه: هذا كتاب لطيف وسفر شريف ويسمى، بـ" فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب " ... وقد ذكر آيات وسوراً يزعم أن الصحابة حذفوها وأخفوها، ومنه " سورة الولاية " ونصها عندهم – كما في الكتاب -: " يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالنبي والولي الذين بعثناهما يهديانكم إلى الصراط المستقيم نبي وولي بعضهما من بعض وأنا العليم الخبير ... "، وسورة أخرى عندهم يسمونها سورة النورين: " يأيها الذين آمَنوا آمِنوا بالنورين أنزلناهما يتلوان عليكم آياتي ويحذرانكم عذاب يوم عظيم. بعضهما من بعض وأنا السميع العليم. إن الذين يوفون بعهد الله ورسوله في آيات لهم جنات النعيم. والذين كفروا من بعد ما آمنوا بنقضهم ميثاقهم وما عاهدهم الرسول عليه يقذفون في الجحيم. ظلموا أنفسهم وعصوا وصية الرسول أولئك يسقون من حميم ... إلى آخر هذه السخافات. ويمكنك مشاهدتها كاملة مع صورة التلغراف من المصحف الفارسي: http://arabic.islamicweb.com/shia/nurain.htm وقد اطلع الأستاذ محمد علي سعودي - الذي كان كبير خبراء وزارة العدل بمصر - على مصحف إيراني مخطوط عند المستشرق " براين " فنقل منه هذه السورة بالتلغراف، وفوق سطورها العربية ترجمتها باللغة الإيرانية. وكما أثبتها الطبرسي في كتابه " فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب " فإنها ثابتة أيضاً في كتابهم " دبستان مذاهب " باللغة الإيرانية لمؤلفه محسن فاني الكشميري، وهو مطبوع في إيران طبعات متعددة، ونقل عنه هذه السورة المكذوبة على الله المستشرق " نولدكه " في كتابه " تأريخ المصاحف " (2 / 102) ، ونشرتها " الجريدة الآسيوية الفرنسية " سنة 1842 (ص 431 – 439) . وقد ذكرها – أيضاً -: ميرزا حبيب الله الهاشمي الخوئي في كتابه " منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة " (2 / 217) ، ومحمد باقر المجلسي في كتابه " تذكرة الائمة " (ص 19، 20) باللغة الفارسية منشورات مولانا- ايران. انظر كتاب: " الخطوط العريضة للأسس التي قام عليها دين الشيعة " لمحب الدين الخطيب وهذا الزعم منهم تكذيب لقول الله تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) الحجر / 9، ولذلك أجمع المسلمون على كفر من زعم أن في القرآن تبديلاً وتحريفاً. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وكذلك من زعم منهم أن القرآن نقص منه آيات وكتمت أو زعم أن له تأويلات باطنة تسقط الأعمال المشروعة ونحو ذلك، وهؤلاء يسمَّون القرامطة والباطنية، ومنهم التناسخية، وهؤلاء لا خلاف في كفرهم. " الصارم المسلول " (3 / 1108 – 1110) . قال ابن حزم: القول بأن بين اللوحين تبديلا: كفر صحيح وتكذيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم. " الفِصَل في الأهواء والملل والنِّحَل " (4 / 139) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 21500 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 93 نزول القرآن على سبعة أحرف [السُّؤَالُ] ـ[قرأت أنه أثناء خلافة عثمان، شُكلت لجنة يشرف عليها زيد بن ثابت لتتبع القرآن الكريم بكامله. لكن هذا النص "العثماني" لم يوفر قراءة موحدة، حيث أن اللغة العربية الأولى لم يكن فيها حروف علة، كما أن بعض الأحرف الصحيحة لم يكن لها نفس الشكل. وقد أوجدت علامات جديدة للتفريق بين الأحرف المختلفة. لكن ذلك لم يوقف الطرق المتعددة لقراءة القرآن. ففي النصف الأول من القرن الرابع/العاشر توصل إمامُ قراءِ القرآن في بغداد، ابن مجاهد، لحل لهذه المشكلة. فقد قال إن الكلمة "حرف" يمكن أن تحل مكان "قراءة". وقد أعلن عن سبع طرق للقراءة الصحيحة. لأنه حسب ما يراه، فإن قول الرسول صلى الله عليه وسلم أن القرآن نزل بسبعة أحرف، تعني أن هناك سبع طرق موحاة لقراءة القرآن. وفي هذه الأيام فإن القراءات المشهورة والمستخدمة هي: ورش ونافع وحفص عن عاصم. أرجو أن تخبرني عن هذه الطرق المختلفة للقراءة. هل توجد أحاديث تتعلق بهذا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: اعلم –وفقك الله – أنّ القرآن نزل على حرف واحد أول الأمر ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظل يستزيد جبريل حتى أقرأه على سبعة أحرف كلها شافٍ كافٍ والدليل على ذلك حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أقرأني جبريل على حرف فراجعته فزادني فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى على سبعة أحرف ". رواه البخاري (3047) ومسلم (819) . ثانياً: ما معنى الأحرف؟ أحسن الأقوال مما قيل في معناها أنها سبعة أوجه من القراءة تختلف باللفظ وقد تتفق بالمعنى واٍن اختلفت بالمعنى: فاختلافها من باب التنوع والتغاير لا من باب التضاد والتعارض. ومعنى " حرف " في اللغة: الوجه، قال تعالى: (ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين) سورة الحج /11. ثالثاً: قال بعض العلماء: إن معنى الأحرف لغات العرب وهذا بعيد لحديث عمر بن الخطاب قال: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأها عليه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأنيها فكدت أن أعجل عليه ثم أمهلته حتى انصرف ثم لببته بردائه فجئت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأ فقرأ القراءة التي سمعته يقرأ. فقال: هكذا أنزلت. ثم قال لي اقرأ فقرأت فقال هكذا أنزلت. إنّ هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسّر منه. رواه البخاري (2287) ومسلم (818) . ومما هو معلوم أن " هشاماً " أسدي قرشي، وأن " عمر " عدوي قرشي فكلاهما من قريش وليس لقريش إلا لغة واحدة، فلو كان اختلاف الأحرف اختلافاً في اللغات لما اختلف القرشيان. وقد ذكر العلماء قرابة أربعين قولاً في هذه المسألة! ولعل الأرجح ما قد ذكرنا آنفاً. والله اعلم رابعاً: تبين أن الأحرف نزلت على ألفاظ متعددة كما بينه حديث عمر لأن إنكار عمر وقع على الحروف وليس على المعاني والخلاف بهذه الحروف ليس للتضاد ولكنه للتنوع كما قال ابن مسعود ((هو بمنزلة قول أحدكم هلمّ أقبل تعال)) . خامساً: أما تحديد القراءات السبعة فهي ليست من تحديد الكتاب والسنة ولكنها من اجتهاد ابن مجاهد رحمه الله فظن الناس أن الأحرف السبعة هي القراءات السبعة لاتفاقها في العدد، وإنما جاء العدد مصادفة واتفاقاً أو قصداً منه ليوافق ما ورد من كون الأحرف سبعة وقد ظن بعض الناس أن الأحرف هي القراءات وهذا خطأ، ولا يُعرف هذا عن أهل العلم. والقراءات السبعة هي إحدى الأحرف السبعة وهي الحرف الذي جمع عثمان عليه المسلمين. سادساً: لما نسخ عثمان المصحف نسخه على حرف واحد ولكنه ترك النقط والتشكيل ليتسع هذا الرسم لحمل ما يستطيع حمله من الأحرف الأخرى فجاء المصحف برسمه محتملاً لبعض الأحرف فما احتمله جاءت به القراءة وما لم يحتمله نُسخ، وذلك لأن الناس أنكر بعضهم على بعض عند اختلافهم في القراءة فجمعهم عثمان على نُسخه واحدة ليجمع شملهم. سابعاً: قولك إن مجاهداً ظن أن القراءة تحل محل الحرف فهذا غير صحيح. كما أشار إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيميه. مجموعة الفتاوى / ج13 / 210 ثامناً: وأما القرّاء السبعة فهم: 1- نافع المدني 2- ابن كثير المكي 3- عاصم الكوفي 4- حمزة الزيات الكوفي 5- الكسائي الكوفي 6- أبو عمرو بن العلاء البصري 7- عبد الله بن عامر الشامي وأقواهم سنداً في القراءة: نافع وعاصم. وأفصحهم: أبو عمرو والكسائي. ويروي عن نافع: ورش وقالون. ويروي عن عاصم: حفص وشعبة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 5142 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 94 يدعي نقصاً في بلاغة القرآن وفصاحته [السُّؤَالُ] ـ[في سورة البقرة (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ) البقرة / 87 يقول زميلي المسيحي انظر كيف عطف جملة الماضي (تقتلون) على جملة الماضي (كذبتم) . فيجب أن تكون الآية - والعياذ بالله أن نبدل بكتابه العزيز - (ففريقا كذبتم وفريقا قتلتم) ، ويجب أن يكون الفعل تقتلون بالماضي؛ لأن الأنبياء قد انتهوا ومحمد هو خاتم الأنبياء - علما بأنه لا يعتقد بأن النبي محمد هو نبي بل النبي عيسى هو آخر الرسل. وفي سورة آل عمران آية 47 (فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) ، ويعتقد زميلي المسيحي بأنها ضعيفة أيضا، ويقول الأصح أن تكون - والعياذ بالله من أن نبدل كتابه العزيز - كن فكان، الرجاء التوضيح لأستطيع الرد عليه، واسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: ينبغي لمن لا قدرة له على النقاش أن يتقى الله في نفسه، ولا يدخل نفسه في نقاش مع الغير، بل يحرص على صيانة دينه من المراء مع الجهلة، أو أصحاب الشبه. ثانيا: بالنسبة لما ذكر من الشبه - والتي هي أوهى من بيت العنكبوت – الجواب عنها من طريقين: الطريق الأولى: طريق مجمل، وهي: أن القرآن كتاب الله، نزل على عرب أقحاح، فاقوا الأمم في ميدان الفصاحة والبلاغة، واعتنوا بذلك أتم العناية، وبلغوا المنزلة العظمى في التفنن في البيان، فأقاموا الأسواق في الشعر والخطابة، وعلقوا معلقاتهم على الكعبة رفعا لشأن البلاغة والبيان، وتنافسوا في جميل القصائد، وروائع الخطب، وكانت قصائدهم تجري في عروقهم، فلا تنفك عنهم في فرح ولا حزن، ولا موت ولا حياة، ولا سعادة وشقاء، ولا نصر ولا هزيمة، وشهد لهم به القاصي والداني، ولم يعرف مثل هذا لأمة سواهم. لهذا كان من حكمة الله سبحانه وتعالى أن أنزل لهم هذا القرآن بهذه اللغة التي يفتخرون بها، وتعالوا بها على الأمم، فبهرهم القرآن ببديع ألفاظه، وجميل معانيه، وعظيم مقاصده ومبانيه، فخضعوا وخنعوا له هيبةً أن يتكلموا فيه طعنا في لفظ، أو إعراب، أو بيان.!! وتحداهم الله سبحانه في كتابه أن يأتوا بمثل هذا القرآن، فلم يستطيعوا أن يأتوا بمثله، فضلا أن يأتوا بما يخل به من إعراب أو فصيح في الكمال، فقال تعالى: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) الاسراء / 88. ثم تحداهم الله أن يأتوا بعشر سور مثله، فقال تعالى: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) هود / 13 فلما عجزوا عن ذلك انتقل التحدي إلى أن تحداهم الله بأن يأتوا بسورة مثله، قال تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) البقرة / 23 فما كان لمن جاء بعد فساد اللغة، واختلاط لغته بلغة العجم أن يأتي بمثل هذه الترهات التي لا تدل إلا على عمق الجهل، وضحالة الفكر والمنطق، وعجمة اللغة، وكما قيل: وكم من عائب قولا صحيحا وآفته من الفهم السقيم أما الطريق الثاني: وهو الجواب المفصل ببيان وجوه البلاغة والفصاحة فيما انتقده، فنقول: أما قوله تعالى: (فريقاً كذبتم وفريقاً تقتلون) . قال العلامة الطاهر بن عاشور في تفسيره (التحرير والتنوير 1/598) : " وجاء (تقتلون) بالمضارع عوضا عن الماضي لاستحضار الحالة الفظيعة، وهي حال قتلهم رسلهم، كقوله تعالى: (وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ) فاطر / 9، مع ما في صيغة (تقتلون) من مراعاة الفواصل، فاكتمل بذلك بلاغة المعنى وحسن النظم." انتهى كلامه. ونقل الشيخ ابن عثيمين في تفسيره (1 / 283) عن بعض العلماء فائدة أخرى من التعبير بالفعل المضارع (تقتلون) الذي يفيد الاستمرار وهي (أن هؤلاء اليهود استمر قتلهم الرسل حتى آخرهم محمد صلى الله عليه وسلم فإنهم قتلوا الرسول صلى الله عليه وسلم بالسم الذي وضعوه له في خيبر، فإنه صلى الله عليه وسلم ما زال يتأثر منه حتى إنه صلى الله عليه وسلم في مرض موته قال: (ما زالت أكلت خيبر تعاودني، وهذا أوان انقطاع الأبهر مني) أبو داود (4512) والبخاري معلقاً، وقال الألباني في صحيح أبي داود حسن صحيح (3784) . وأما قوله تعالى (وإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون) آل عمران / 47، فهذه أدل وأدل على جهل هذا المعترض لأن الآية إنما تتحدث عن إرادة الله للشيء في المستقبل لا في الماضي بدليل ظرف الزمان (إذا) وهو ظرف لما يستقبل من الزمان، لذلك أتى الفعل (يقول) بالمضارع الدال على الاستقبال، وتلاه الفعل (يكون) بالمضارع الدال على الاستقبال أيضاً. والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 34234 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 95 هل للأحجار الكريمة ذكر في القرآن؟ [السُّؤَالُ] ـ[كم عدد الأحجار الكريمة التي تم ذكرها في القرآن؟ وفي أي سورة ذُكرت؟ وهل لهذه الأحجار أي أهمية روحانية؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله مقصود القرآن الأعظم هو دلالة الخلق على الله، ليوحدوه ويعبدوه، وليفوزوا بجنته ورضوانه، وليس القرآن كتاب علوم أو طب أو فلك، وإن اشتملت آياته على شيء من ذلك. ولهذا فلا ينبغي للمسلم أن ينشغل عن الهدف الأعظم من تلاوة القرآن إلى البحث عن عدد الأحجار أو الأنهار أو أنواع الحيوانات المذكورة فيه. وقد ورد ذكر بعض الأحجار الكريمة كالياقوت واللؤلؤ والمرجان قال سبحانه: (كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ) الرحمن / 58. وقال: (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ) الرحمن / 22. وقال: (كَأَمْثَالِ الْلُؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ) الواقعة / 23. وقال: (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً) الإنسان / 19. وليس لهذه الأحجار أهمية روحانية، وإنما ذكرت في القرآن الكريم لبيان ما أنعم الله على عباده من البحار وما يستخرج منها، أو للتشبيه وتقريب الصورة، فشبّه الحور العين بالياقوت والمرجان واللؤلؤ المكنون، بجامع الصفاء في الياقوت، والبياض في اللؤلؤ والمرجان. وشبه الولدان باللؤلؤ المنثور دلالة على الجمال وحسن المنظر. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 33583 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 96 هل الأفضل قراءة القرآن حفظاً أم من المصحف؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل الأفضل أن أقرأ القرآن وأنا أنظر إلى المصحف، أو أقرأ حفظاً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أما في الصلاة؛ فالأفضل أن يقرأ من حفظه. راجع السؤال رقم (3465) . وأما خارج الصلاة؛ فالأفضل في هذا أن يفعل الإنسان ما يزداد به خشوعه، فإن كان يزيد خشوعه بالقراءة من حفظه، فهو أفضل، وإن كان يزيد خشوعه بالقراءة من المصحف فهو أفضل، فإن استوى خشوعه في الحالين فالقراءة من المصحف أفضل، لأنه يجمع بين القراءة والنظر، ويحفظ بصره من الالتفات إلى ما يشغله عن القراءة والتدبر. قال النووي في: " الأذكار " (ص 90-91) : قراءة القرآن من المصحف أفضل من القراءة من حفظه، هكذا قال أصحابنا، وهو مشهور عن السلف رضي الله عنهم، وهذا ليس على إطلاقه، بل إن كان القارئ من حفظه يحصل له من التدبر والتفكر وجمع القلب والبصر أكثر مما يحصل من المصحف فالقراءة من الحفظ أفضل وإن استويا فمن المصحف أفضل، وهذا مراد السلف اهـ. وقد رويت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحاديث ضعيفة لا يصح الاستدلال بها في فضل النظر في المصحف. نذكرها للتنبيه على ضعفها، منها: حديث: (النظر في المصحف عبادة، ونظر الولد إلى الوالدين عبادة، والنظر إلى علي بن أبي طالب عبادة) . وهو حديث موضوع، كما قال الألباني في السلسلة الضعيفة (1/531) . وحديث: (أعطوا أعينكم حظها من العبادة: النظر في المصحف، والتفكر فيه، والاعتبار عند عجائبه) وهو موضوع كذلك [سلسلة الأحاديث الضعيفة 4/88] . وحيث: (خمس من العبادة: قلة الطعام، والقعود في المساجد، والنظر إلى الكعبة، والنظر في المصحف، والنظر إلى وجه العالم) . وهو حديث ضعيف جدا [ضعيف الجامع الصغير رقم:2855] . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 32594 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 97 لماذا لم يذكر القرآن قصة هاجر وزمزم [السُّؤَالُ] ـ[لماذا لا يذكر القرآن عادة الختان وقصة هاجر ومعجزة بئر زمزم، بينما يذكر الكتاب المقدس ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله كان من الأولى أن تسأل فتقول: لماذا لم يفصل القرآن في ذكر عدد الصلوات في اليوم والليلة، وعدد كل صلاة، وماذا يُقرأ فيها، وما صفة الصلاة ... وهكذا الزكاة والحج والصيام وغيرها. أخي السائل: إن الله جعل سنّة النبي عليه الصلاة والسلام مبيّنة ومفصلة لما أُجمل في القرآن كما قال تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) . فهذه الأمور التي تذكرها بينتها السنة وكلاهما وحيٌ من عند الله: السنة والقرآن. الشيخ سعد الحميد. وإليك من السنة في قصة هاجر وزمزم ما يغنيك عن كل الأناجيل التي لا نعلم صحة ما فيها: فقد روى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه قصة هاجر زوجة إبراهيم وأم ابنه إسماعيل فقال في الرّواية: جَاءَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ وَبِابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُرْضِعُهُ حَتَّى وَضَعَهُمَا عِنْدَ الْبَيْتِ عِنْدَ دَوْحَةٍ فَوْقَ زَمْزَمَ فِي أَعْلَى الْمَسْجِدِ وَلَيْسَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ فَوَضَعَهُمَا هُنَالِكَ وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ وَسِقَاءً فِيهِ مَاءٌ ثُمَّ قَفَّى إِبْرَاهِيمُ مُنْطَلِقًا فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَقَالَتْ يَا إِبْرَاهِيمُ أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الْوَادِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلا شَيْءٌ فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا وَجَعَلَ لا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا فَقَالَتْ لَهُ أَاللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا قَالَ نَعَمْ قَالَتْ إِذَنْ لا يُضَيِّعُنَا ثُمَّ رَجَعَتْ فَانْطَلَقَ إِبْرَاهِيمُ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ الثَّنِيَّةِ حَيْثُ لا يَرَوْنَهُ اسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ الْبَيْتَ ثُمَّ دَعَا بِهَؤُلاءِ الْكَلِمَاتِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ، وَجَعَلَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ تُرْضِعُ إِسْمَاعِيلَ وَتَشْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ حَتَّى إِذَا نَفِدَ مَا فِي السِّقَاءِ عَطِشَتْ وَعَطِشَ ابْنُهَا وَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ يَتَلَوَّى أَوْ قَالَ يَتَلَبَّطُ فَانْطَلَقَتْ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَيْهِ فَوَجَدَتْ الصَّفَا أَقْرَبَ جَبَلٍ فِي الأَرْضِ يَلِيهَا فَقَامَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَتْ الْوَادِيَ تَنْظُرُ هَلْ تَرَى أَحَدًا فَلَمْ تَرَ أَحَدًا فَهَبَطَتْ مِنْ الصَّفَا حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ الْوَادِيَ رَفَعَتْ طَرَفَ دِرْعِهَا ثُمَّ سَعَتْ سَعْيَ الإِنْسَانِ الْمَجْهُودِ حَتَّى جَاوَزَتْ الْوَادِيَ ثُمَّ أَتَتْ الْمَرْوَةَ فَقَامَتْ عَلَيْهَا وَنَظَرَتْ هَلْ تَرَى أَحَدًا فَلَمْ تَرَ أَحَدًا فَفَعَلَتْ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَلِكَ سَعْيُ النَّاسِ بَيْنَهُمَا فَلَمَّا أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَرْوَةِ سَمِعَتْ صَوْتًا فَقَالَتْ صَهٍ تُرِيدُ نَفْسَهَا ثُمَّ تَسَمَّعَتْ فَسَمِعَتْ أَيْضًا فَقَالَتْ قَدْ أَسْمَعْتَ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ غِوَاثٌ فَإِذَا هِيَ بِالْمَلَكِ عِنْدَ مَوْضِعِ زَمْزَمَ فَبَحَثَ بِعَقِبِهِ أَوْ قَالَ بِجَنَاحِهِ حَتَّى ظَهَرَ الْمَاءُ فَجَعَلَتْ تُحَوِّضُهُ وَتَقُولُ بِيَدِهَا هَكَذَا وَجَعَلَتْ تَغْرِفُ مِنْ الْمَاءِ فِي سِقَائِهَا وَهُوَ يَفُورُ بَعْدَ مَا تَغْرِفُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْحَمُ اللَّهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ لَوْ تَرَكَتْ زَمْزَمَ أَوْ قَالَ لَوْ لَمْ تَغْرِفْ مِنْ الْمَاءِ لَكَانَتْ زَمْزَمُ عَيْنًا مَعِينًا قَالَ فَشَرِبَتْ وَأَرْضَعَتْ وَلَدَهَا فَقَالَ لَهَا الْمَلَكُ لا تَخَافُوا الضَّيْعَةَ فَإِنَّ هَا هُنَا بَيْتَ اللَّهِ يَبْنِي هَذَا الْغُلامُ وَأَبُوهُ وَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَهْلَهُ وَكَانَ الْبَيْتُ مُرْتَفِعًا مِنْ الأَرْضِ كَالرَّابِيَةِ تَأْتِيهِ السُّيُولُ فَتَأْخُذُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ فَكَانَتْ كَذَلِكَ حَتَّى مَرَّتْ بِهِمْ رُفْقَةٌ مِنْ جُرْهُمَ أَوْ أَهْلُ بَيْتٍ مِنْ جُرْهُمَ مُقْبِلِينَ مِنْ طَرِيقِ كَدَاءٍ فَنَزَلُوا فِي أَسْفَلِ مَكَّةَ فَرَأَوْا طَائِرًا عَائِفًا فَقَالُوا إِنَّ هَذَا الطَّائِرَ لَيَدُورُ عَلَى مَاءٍ لَعَهْدَُا بِهَذَا الْوَادِي وَمَا فِيهِ مَاءٌ فَأَرْسَلُوا جَرِيًّا أَوْ جَرِيَّيْنِ فَإِذَا هُمْ بِالْمَاءِ فَرَجَعُوا فَأَخْبَرُوهُمْ بِالْمَاءِ فَأَقْبَلُوا قَالَ وَأُمُّ إِسْمَاعِيلَ عِنْدَ الْمَاءِ فَقَالُوا أَتَأْذَنِينَ لَنَا أَنْ نَنْزِلَ عِنْدَكِ فَقَالَتْ نَعَمْ وَلَكِنْ لا حَقَّ لَكُمْ فِي الْمَاءِ قَالُوا نَعَمْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَلْفَى ذَلِكَ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُحِبُّ الإنْسَ فَنَزَلُوا وَأَرْسَلُوا إِلَى أَهْلِيهِمْ فَنَزَلُوا مَعَهُمْ حَتَّى إِذَا كَانَ بِهَا أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْهُمْ وَشَبَّ الْغُلامُ وَتَعَلَّمَ الْعَرَبِيَّةَ مِنْهُمْ وَأَنْفَسَهُمْ وَأَعْجَبَهُمْ حِينَ شَبَّ فَلَمَّا أَدْرَكَ زَوَّجُوهُ امْرَأَةً مِنْهُمْ وَمَاتَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ بَعْدَمَا تَزَوَّجَ إِسْمَاعِيلُ يُطَالِعُ تَرِكَتَهُ.. ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِسْمَاعِيلُ يَبْرِي نَبْلاً لَهُ تَحْتَ دَوْحَةٍ قَرِيبًا مِنْ زَمْزَمَ فَلَمَّا رَآهُ قَامَ إِلَيْهِ فَصَنَعَا كَمَا يَصْنَعُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ وَالْوَلَدُ بِالْوَالِدِ ثُمَّ قَالَ يَا إِسْمَاعِيلُ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِأَمْرٍ قَالَ فَاصْنَعْ مَا أَمَرَكَ رَبُّكَ قَالَ وَتُعِينُنِي قَالَ وَأُعِينُكَ قَالَ فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِيَ هَا هُنَا بَيْتًا وَأَشَارَ إِلَى أَكَمَةٍ مُرْتَفِعَةٍ عَلَى مَا حَوْلَهَا قَالَ فَعِنْدَ ذَلِكَ رَفَعَا الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ فَجَعَلَ إِسْمَاعِيلُ يَأْتِي بِالْحِجَارَةِ وَإِبْرَاهِيمُ يَبْنِي حَتَّى إِذَا ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ جَاءَ بِهَذَا الْحَجَرِ فَوَضَعَهُ لَهُ فَقَامَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَبْنِي وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ وَهُمَا يَقُولانِ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ قَالَ فَجَعَلا يَبْنِيَانِ حَتَّى يَدُورَا حَوْلَ الْبَيْتِ وَهُمَا يَقُولانِ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) صحيح البخاري 3113. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 11069 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 98 تفسير قوله: (آتاني الكتاب وجعلني نبيا) [السُّؤَالُ] ـ[في قوله تعالى من سورة مريم بسم الله الرحمن الرحيم: (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً) مريم/30. صدق الله العظيم. سؤالي: ما هو الكتاب الذي كان يعنيه سيدنا عيسى عليه السلام، هل هو الإنجيل؟ وإذا كان هو، كيف يعطى لطفل في المهد؛ هل يعني أنه يحفظه غيبا؟ وكيف علمه للناس؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المقصود بالكتاب في قوله تعالى: (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا) مريم/30 - هو الإنجيل، وقد عبر بلفظ الماضي (آتاني) ليدل على تحقق الوقوع، فسيؤتيه الله الكتاب مستقبلا، أو أن المراد: قضى أن يؤتيني الكتاب. قال عكرمة: " (آتَانِيَ الْكِتَابَ) أي: قضى أنه يؤتيني الكتاب فيما قضى " حكاه ابن كثير عنه في تفسيره (5/ 229) . وقال الشنقيطي رحمه الله في "أضواء البيان": " وقوله: في هذه الآية الكريمة: (آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً) ، التحقيق فيه إن شاء الله: أنه عبر بالماضي عما سيقع في المستقبل تنزيلاً لتحقق الوقوع منزلة الوقوع. ونظائره في القرآن كثيرة، كقوله تعالى: (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) ، وقوله تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ) - إلى قوله -: (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا) ، وقوله تعالى: (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ) فهذه الأفعال الماضية المذكورة في الآيات بمعنى المستقبل، تنزيلاً لتحقق وقوعه منزلة الوقوع بالفعل، ونظائرها كثيرة في القرآن. وهذا الذي ذكرنا ـ من أن الأفعال الماضية في قوله تعالى: (آتَانِيَ الْكِتَابَ) الخ، بمعنى المستقبل هو الصواب إن شاء الله. خلافاً لمن زعم أنه نبىء وأوتي الكتاب في حال صباه، لظاهر اللفظ " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 142741 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 99 الحكمة في اختلاف اللفظ القرآني للحدث أو الموقف [السُّؤَالُ] ـ[ما هو سبب اختلاف اللفظ القرآني لنفس الحدث أو الموقف على لسان قائليه، مثال ذلك قصة إبليس عليه لعنة الله، في سورة الأعراف يقول إبليس: ( ... قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) آية/2، بينما في سورة الحجر يقول: (قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون) آية/33. فلماذا اختلف النصان هنا مع العلم بأن الموقف واحد؟ وأمثلة هذا كثيرة في القرآن الكريم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا بد أن نعرف في بداية الجواب أن الكلام المحكي في القرآن الكريم على ألسنة المتكلمين إنما هو بالمعنى وليس باللفظ، وذلك لدليلين ظاهرين: 1- أن القرآن كلام الله، وليس كلام أحد من المخلوقين، ولما كان كذلك كانت الأقوال المحكية على ألسنة المتكلمين بها من الناس والدواب، هي من كلام الله، يقص به أخبار الأولين، وينقل كلامهم. فهي تنسب إليهم باعتبار مضمون الكلام ومعناه. 2- أن لغات الأمم السابقة لم تكن هي العربية الواردة في القرآن الكريم، وبذلك نجزم أن الكلام المنقول على ألسنتهم إنما هو كلام الله عز وجل، متضمنا معاني كلام المذكورين من الأمم السابقة. جاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (4/6-7) : " الكلام يطلق على اللفظ والمعنى، ويطلق على كل واحد منهما وحده بقرينة. وناقله عمن تكلم به من غير تحريف لمعناه ولا تغيير لحروفه ونظمه: مُخبِرٌ مُبَلِّغٌ فقط، والكلام إنما هو لِمَن بدأه. أمَّا إن غيَّر حروفه ونظمه مع المحافظة على معناه، فينسب إليه اللفظ: حروفه ومعناه، وينسب من جهة معناه إلى من تكلم به ابتداءً. ومن ذلك ما أخبر الله به عن الأمم الماضية، كقوله تعالى: (وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ) غافر/27، وقوله: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ) غافر/36. فهاتان تسميان قرآناً، وتنسبان إلى الله كلاماً له باعتبار حروفهما ونظمهما؛ لأنهما من الله لا من كلام موسى وفرعون؛ لأن النظم والحروف ليس منهما. وتنسبان إلى موسى وفرعون باعتبار المعنى، فإنه كان واقعاً منهما. وهذا وذاك قد علمهما الله في الأزل وأمر بكتابتهما في اللوح المحفوظ، ثم وقع القول من موسى وفرعون بلغتهما طبق ما كان في اللوح المحفوظ، ثم تكلم الله بذلك بحروف أخرى ونظم آخر في زمن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فنسب إلى كلٍّ منهما باعتبار. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود " انتهى. ثانيا: أسلوب تكرار العبارة والقصة في القرآن الكريم، ولكن في سياقات مختلفة وألفاظ مترادفة: هو من سمات القصص القرآني الظاهرة، حيث يتكرر ذكر القصة الواحدة في كثير من السور، وفي كل مرة يتنوع السياق، ويتعدد الأسلوب، وترد القصة بعبارات جديدة، تفتح آفاقا للمعاني والفوائد، وأنماطا متنوعة من أساليب البلاغة والبيان، ولذلك عد العلماء والمفسرون هذا التنوع في اللفظ والعبارة من مظاهر الفصاحة والبيان، ونصوا على أن من مقاصد القصص القرآني تفريق الحدث الواحد في سياقات مختلفة، بل وألفوا في هذا الفن مؤلفات خاصة، منها كتاب " المقتنص في فوائد تكرار القصص " لبدر الدين بن جماعة، كما ذكر ذلك السيوطي في " الإتقان " (2/184) يقول الزركشي رحمه الله: " إبراز الكلام الواحد في فنون كثيرة وأساليب مختلفة لا يخفى ما فيه من الفصاحة " انتهى. " البرهان في علوم القرآن " (3/26) وإذا رحنا نعدد الفوائد التي يضفيها هذا الأسلوب على مجمل ما في القرآن الكريم لعددنا شيئا كثيرا، ولكنا نذكر ههنا بعض هذه الفوائد: 1- زيادة بعض التفاصيل التي لم تذكرها الآيات من قبل، والمثال الوارد في السؤال واحد من صور هذه الفوائد، فقد زادت الآيات في سورة الحجر قيدا في وصف الأصل الذي خلق منه آدم عليه السلام، وهو كونه من صلصال من حمإ مسنون، في حين لم تذكر ذلك آيات سورة الأعراف المتعلقة بالقصة. 2- تأكيد التحدي الذي جاء به القرآن لمشركي العرب أن يأتوا بشيء من مثله، فقد كشف هذا التنوع في العبارة عن عجزهم عن الإتيان بمثله بأي نظم جاء، وبأي عبارة عبَّروا. 3- إذهاب السآمة والملل عن القصة، وذلك أن العرض الجديد يشد الأسماع، ويلفت الأنظار، ويبقي صلة المتعة والفائدة بين القارئ والنص المقدس، وهذا من المقاصد العظيمة أيضا، " فيجد البليغ ميلا إلى سماعها، لما جبلت عليه النفوس من حب التنقل في الأشياء المتجددة التي لكل منها حصة من الالتذاذ " 4- " ظهور الأمر العجيب في إخراج صور متباينة في النظم بمعنى واحد، وقد كان المشركون في عصر النبي صلى الله عليه وسلم يعجبون من اتساع الأمر في تكرير هذه القصص والأنباء مع تغاير النظم، وبيان وجوه التأليف، فعرفهم الله سبحانه أن الأمر بما يتعجبون منه مردود إلى قدرة من لا يلحقه نهاية، ولا يقع على كلامه عدد" 5- التناسق مع الموضوع والمناسبة التي وردت القصة لأجلها، فأحيانا تقتضي هذه المناسبة إبراز معنى في الحوار الدائر لم يكن من الضروري إبرازه في مناسبة أخرى وردت فيها القصة، وهذه الفائدة باب واسع من أبواب اكتشاف بحور بلاغة القرآن وإعجازه، وأمثلتها التفصيلية موجودة في بطون كتب التفسير. يمكن الاطلاع على هذه الفوائد وغيرها في كتاب " البرهان في علوم القرآن " (3/26-29) يقول الدكتور فضل حسن عباس حفظه الله: " المنهج القصصي في القرآن الكريم هو المنهج البديع المعجز، حيث ذكرت القصة في سور كثيرة، وإن خصت بعض السور بذكر حدث واحد، ثم توزعت هذه المشاهد والأحداث على السور التي ذكرت فيها القصة، قلت أم كثرت، بحيث تجد في كل سورة ما لا تجده في غيرها، وبحيث يذكر في كل سورة ما يتلاءم مع موضوعها وسياقها، وبحيث تذكر القصة في السورة في الموضع الذي اختيرت له والذي اختير لها " انتهى. " القصص القرآني " (ص/81) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 140060 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 100 تفسير قوله تعالى ففروا إلى الله [السُّؤَالُ] ـ[ما تفسير قوله تعالى: (ففروا إلى الله إنني لكم منه نذير مبين) ، ولماذا لم يصدّر الآية بكلمة (قل) كما في كثير من الآيات؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: هذه الآية من أعظم آيات القرآن الكريم، تجمع معاني الخوف والرجاء: الخوف من الله تعالى، واللجوء إليه سبحانه، إذ لا منجا منه إلا إليه عز وجل، أمر بالفرار منه إليه ليدل العباد على أنه أرحم بهم من كل من سواه، وأنه عز وجل يريد بالعباد الرحمة والمغفرة. وفي " مدارج السالكين " (1/469-481) للعلامة ابن القيم كلام مطول مفيد عن منزلة " الفرار " من منازل السائرين. يقول الله تعالى: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) الذاريات/50. قال الإمام الطبري رحمه الله: " يقول تعالى ذكره: فاهربوا أيها الناس من عقاب الله إلى رحمته بالإيمان به، واتباع أمره، والعمل بطاعته (إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ) يقول: إني لكم من الله نذير أنذركم عقابه، وأخوّفكم عذابه الذي أحلَّه بهؤلاء الأمم الذين قصّ عليكم قصصهم، والذي هو مذيقهم في الآخرة. وقوله: (مُبِينٌ) يقول: يبين لكم نذارته " انتهى. " جامع البيان " (22/440) وقال القرطبي رحمه الله: " لما تقدم ما جرى من تكذيب أممهم لأنبيائهم وإهلاكهم لذلك، قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: قل لهم يا محمد، أي قل لقومك: (ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين) أي: فروا من معاصيه إلى طاعته. وقال ابن عباس: فروا إلى الله بالتوبة من ذنوبكم. وعنه: فروا منه إليه واعملوا بطاعته. وقال محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان: (ففروا إلى الله) اخرجوا إلى مكة. وقال الحسين ابن الفضل: احترزوا من كل شيء دون الله، فمن فر إلى غيره لم يمتنع منه. وقال أبو بكر الوراق: فروا من طاعة الشيطان إلى طاعة الرحمن. وقال الجنيد: الشيطان داع إلى الباطل، ففروا إلى الله يمنعكم منه. وقال ذو النون المصري: ففروا من الجهل إلى العلم، ومن الكفر إلى الشكر. وقال عمرو بن عثمان: فروا من أنفسكم إلى ربكم. وقال أيضا: فروا إلى ما سبق لكم من الله، ولا تعتمدوا على حركاتكم. وقال سهل بن عبد الله: فروا مما سوى الله إلى الله. (إني لكم منه نذير مبين) أي: أنذركم عقابه على الكفر والمعصية " انتهى. " الجامع لأحكام القرآن " (17/53-54) وقال العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله: " لما دعا العباد للنظر لآياته الموجبة لخشيته والإنابة إليه، أمر بما هو المقصود من ذلك، وهو الفرار إليه أي: الفرار مما يكرهه الله ظاهرًا وباطنًا، إلى ما يحبه ظاهرًا وباطنًا، فرار من الجهل إلى العلم، ومن الكفر إلى الإيمان، ومن المعصية إلى الطاعة، ومن الغفلة إلى ذكر الله، فمن استكمل هذه الأمور فقد استكمل الدين كله، وقد زال عنه المرهوب، وحصل له نهاية المراد والمطلوب. وسمى الله الرجوع إليه فرارًا: لأن في الرجوع لغيره أنواع المخاوف والمكاره، وفي الرجوع إليه أنواع المحاب والأمن والسعادة والفوز، فيفر العبد من قضائه وقدره إلى قضائه وقدره، وكل من خفت منه فررت منه، إلا الله تعالى؛ فإنه بحسب الخوف منه، يكون الفرار إليه، (إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) ؛ أي: منذر لكم من عذاب الله، ومخوف بَيِّنُ النذارة " انتهى. " تيسير الكريم الرحمن " (ص/811) ثانيا: أما كلمة (قل) فقد وردت في آيات كثيرة في القرآن الكريم، عددها نحو العشرة وثلاثمائة آية، وذلك في سياقات متعددة، ومواقف كثيرة، ومعان عديدة، غير أن ذلك لا يعني أن كل أمر يأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يبلغه للناس لا بد وأن يبدأ بكلمة (قل) ، فللقرآن أسلوبه المعروف، ولغة العرب تسع ألوانا عديدة من البيان البليغ، والتفنن في الأساليب هو من وجوه جمالها وتميزها. وحول هذه الكلمة المذكورة بخصوصها، يقول الدكتور فضل حسن عباس: " أما كلمة (قل) فالمتدبر لآي القرآن وأسلوبه يجد أنها تأتي حينما تدعو الحاجة إليها، وذلك حينما يكون الأسلوب أسلوبا تلقينيا، سواء كان هذا التلقين تعليميا أم ردا على شبهات، وذلك كما في السور الأخيرة الثلاث، الإخلاص والمعوذتين، وكما في الآيات التالية: (قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ. مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ) الأنعام/14-16. (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ) الأنعام/46، (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الأنعام/161-162 والمتأمل في هذه الآيات الكريمة لا يرتاب في أنها جاءت في سياق خاص تلقينا وتعليما " انتهى. "قضايا قرآنية في الموسوعة البريطانية " (ص/57) . ومن المهم أن نعلم أن التماس مثل هذه الحكم: إنما هو أمر اجتهادي؛ قد يأتي باحث آخر بحكمة أخرى مع هذه، أو هي أرجح وأولى، ومثل هذه الأمور تحتاج إلى تتبع إلى أساليب القرآن في التعبير، والسياقات المختلفة التي وردت فيها الكلمة، لالتماس محلها من البلاغة، وتعرف الحكمة في ورودها. وفوق كل ذي علم عليم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 139799 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 101 قضية الإعجاز العلمي في القرآن الكريم [السُّؤَالُ] ـ[أثنى الله عز وجل في سورة آل عمران على الذين يتفكرون في خلق السموات والأرض، وقد أثبت العلم الحديث توافق أشياء كثيرة مع ما ذكر في القران، ولكن مع هذا هناك بعض الناس من يقول إنه ينبغي أن لا تنزل المكتشفات العلمية الحديثة على الحقائق التي في القرآن؛ لأن العلم دائماً في تغير مستمر، بينما القرآن ثابت معجز في كل زمان ومكان، فقد يكتشف العلم الحديث شيئاً ويسارع الناس لتنزيل هذا المكتشف على ما جاء في القران، ثم ما يلبث هذا المكتشف أن يثبت عكسه، فيتأثر بذلك مَن في قلبه مرض. وقد قرأت مقالات لأحد العلماء يتحدث فيها عن العلم الحديث والقرآن، وأنه لا يمكن أن يتعارضا مع بعض، ولكن مع هذا كله ما زال كثير من الناس يصرون على عدم استخدام هذه الحقائق العلمية حتى في دعوة غير المسلمين إلى الإسلام. فما هو رأيكم في ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله النظر في قضية الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، هو كغالب القضايا العلمية والفكرية: يكتنفه طرفان: إفراط وتفريط، والتوسط بين هذين الطرفين عادة ما يكون هو الأوفق والأقرب للصواب: 1- فمن الخطأ والتقصير الظاهر عدم الاستفادة من حقائق العلم الحديث في تفسير كثير من الآيات الكونية في القرآن الكريم، والأحاديث الصحيحة في السنة المطهرة، ونحن نؤمن أن خالق الكون ومنزل القرآن الكريم إله واحد، فلا بد أن تتطابق التفاصيل الواردة فيهما، والعلم الحديث خير معين على كشف هذا التطابق. 2- ومن الخطأ الظاهر أيضا المبالغة في هذا التوجه، وتحميل الآيات ما لا تحتمل من أوجه المجاز المخالفة للسياق، أو المخالفة لما ثبت في السنة المطهرة من تفسير هذه الآيات، أو التسرع في عرض الفرضيات والنظريات على أنها حقائق علمية. يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " الإعجاز العلمي في الحقيقة لا ننكره، لا ننكر أن في القرآن أشياء ظهر بيانها في الأزمنة المتأخرة، لكن غالى بعض الناس في الإعجاز العلمي، حتى رأينا من جعل القرآن كأنه كتاب رياضة، وهذا خطأ. فنقول: إن المغالاة في إثبات الإعجاز العلمي لا تنبغي؛ لأن هذه قد تكون مبنية على نظريات، والنظريات تختلف، فإذا جعلنا القرآن دالاًّ على هذه النظرية ثم تبين بعد أن هذه النظرية خطأ، معنى ذلك أن دلالة القرآن صارت خاطئة، وهذه مسألة خطيرة جدًّا. ولهذا اعتني في الكتاب والسنة ببيان ما ينفع الناس من العبادات والمعاملات، وبين دقيقها وجليلها حتى آداب الأكل والجلوس والدخول وغيرها، لكن علم الكون لم يأتِ على سبيل التفصيل. ولذلك فأنا أخشى من انهماك الناس في الإعجاز العلمي وأن يشتغلوا به عما هو أهم، إن الشيء الأهم هو تحقيق العبادة؛ لأن القرآن نزل بهذا، قال الله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) " انتهى. " مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين " (26/28) . وقد قام كثير من الباحثين والعلماء المعاصرين – جزاهم الله خيرا – بكتابة الأبحاث العلمية الرصينة المتزنة في هذا الباب، وقامت لذلك هيئات علمية متخصصة، ومؤتمرات دولية، ومجامع عامة يمكن أن تثمر فيما تثمره تقعيدا مؤصلا منضبطا لقضايا هذا العلم الجديد، حتى يصل إلى درجة من الكمال الممكن، كحال كل علم ينشأ غرسا صغيرا، ثم يكبر ويثبت بدراسات العلماء الأفذاذ المتخصصين. ونحن ننقل هنا بعض الضوابط المهمة للوصول إلى نتائج سليمة في هذا المنهج العلمي: يقول الدكتور عبد الله المصلح حفظه الله: " إن المراد بهذه الضوابط تلك القواعد التي تحدد مسار بحوث الإعجاز العلمي وفق الأصول الشرعية المقررة، مع الالتزام بالجوانب الفنية والعلمية المطلوبة. وتكمن أهمية هذه الضوابط في كونها مناط استرشاد للباحثين في الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة، وخصوصا في هذا الوقت الذي كثر فيه إقبال الباحثين والكاتبين على هذا الموضوع لأهميته في الدعوة والإقناع، وذلك لتميز هذا العصر بالعلم ومكتشفاته، حتى أصبح العلم سمة من سماته. وهذا الاهتمام من غير سير على ضوابط واضحة أوجد مزالق كثيرة حتى عند بعض المخلصين، وإسهاما في علاج ذلك جاءت هذه الضوابط علها أن تكون مانعا من الوقوع في تلك الأخطاء، وحافزا للكتابة في هذا الموضوع الحيوي. والتزام هذه الضوابط يساعد كذلك على إنهاء الخلاف الفكري بين المؤيدين لموضوع التفسير العلمي والمعارضين له؛ لأن جوهر الخلاف بينهم يرجع سببه إلى تلك المظاهر الارتجالية التي لا يصدر أصحابها عن منهج صحيح. وتلك الضوابط هي: 1- ثبوت النص وصحته إن كان حديثا، لتواتر القرآن دون الحديث. 2- ثبوت الحقيقة العلمية ثبوتا قاطعا، وتوثيق ذلك علميا متجاوزة مرحلة الفرض والنظرية إلى القانون العلمي. 3- وجود الإشارة إلى الحقيقة العلمية في النص القرآني أو الحديثي بشكل واضح لا مرية فيه. فإذا تم ذلك أمكنت دراسة القضية لاستخراج وجه الإعجاز. ويجب في أثناء تلك الدراسة مراعاة الضوابط التالية: 1- جمع النصوص القرآنية أو الحديثية المتعلقة بالموضوع، ورد بعضها إلى بعض لتخرج بنتيجة صحيحة لا يعارضها شيء من تلك النصوص، بل يؤيدها. 2- جمع القراءات الصحيحة المتعلقة بالموضوع إن وجدت، وكذلك روايات الحديث بألفاظها المختلفة. 3- معرفة ما يتعلق بالموضوع من سبب نزول ونسخ، وهل يوجد شيء من ذلك أو لا؟ 4- محاولة فهم النص الواقع تحت الدراسة على وفق فهوم العرب إبان نزول الوحي، وذلك لتغير دلالات الألفاظ حسب مرور الوقت، ولهذا يقتضي الأمر الإلمام بمسائل تعين على فهم النص والتمكن من تقديم معنى على آخر، وهي كالآتي: أ-إن النص مقدم على الظاهر، والظاهر مقدم على المؤول. ب -إن المنطوق مقدم على المفهوم، وإن المفاهيم بعضها مقدم على الآخر كذلك. ت -أن يخضع في تناوله للنص لقاعدة: العام والخاص، والمطلق والمقيد، والمجمل والمبين، وأن العموم مقدم على الخصوص، والإطلاق مقدم على التقييد، والإفراد على الاشتراك، والتأصيل على الزيادة، والترتيب على التقديم والتأخير، والتأسيس على التأكيد، والبقاء على النسخ، والحقيقة الشرعية على العرفية، والعرفية على اللغوية. ث -مراعاة السياق والسباق وعدم اجتزاء النص عما قبله وما بعده. ج - مراعاة قاعدة العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. ح - معرفة معاني الحروف، وعدم تفسير حرف أو حمله على معنى لا يقتضيه الوضع العربي. خ - مراعاة أوجه الإعراب، وعدم القول بتوجيه لا يسانده إعراب صحيح أو قرينة أخرى. د - أن المشترك اللفظي يمكن حمله على واحد من معانيه دون نفي الآخر أو القطع بأن هذا الصواب وحده ما لم تكن هناك قرينة راجحة. 5- إظهار وجه الإعجاز: فإذا تم ذلك لم يبق على الباحث سوى أن يظهر الربط بين الحقيقة الشرعية والعلمية بأسلوب واضح مختصر. 6- أن هناك أمورا من قبيل المتشابه لا مجال لفهمها أو تناولها بالبحث. 7- عدم البحث في الأمور الغيبية، كموعد قيام الساعة، وبداية الخلق، والجنة والنار. 8- عدم الاعتماد على الإسرائيليات أو الروايات الضعيفة. 9- الاعتماد على المصادر المعتبرة في ذلك دون غيرها، كأمهات التفسير والحديث وكتب غريب القرآن والسنة، مع الإشارة إلى جهود الدراسات السابقة إن وجدت. 10- الابتعاد عن تسفيه آراء السلف من علماء التفسير والحديث ورميهم بالجهل؛ لأن القرآن والسنة خطاب للبشرية في كل عصر، والكل يفهم منها بقدر ما يفتح الله عليه، وبحسب ما يبذله من جهد وما هو متوفر لديه من وسائل، ولن يحيط بفهم الوحي أهل عصر إلى قيام الساعة، فلا مجال للتسفيه والتجهيل، وإنما هي الاستفادة والتكميل والدعاء لمن تقدم، قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِاْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) الحشر/10، بل الواجب اتباع فهم السلف رضي الله عنهم، وخصوصا الصحابة رضوان الله عليهم؛ لأنهم أدرى بذلك لما شاهدوا من القرائن والأحوال التي اختصوا بها، ولما لهم من الفهم التام والعلم الصالح، لا سيما علماؤهم وكبراؤهم كالأئمة الأربعة الخلفاء الراشدين، وعبد الله بن عباس، وابن مسعود رضي الله عنهم، فهم العمدة والعدول بخبر الله تعالى، وعنهم أخذ التابعون، وعلى نهجهم ساروا، فمن عدل عن تفسيرهم إلى ما يخالفه كان مخطئا، بل ومبتدعا، لأنهم كانوا أعلم بتفسير كتاب الله من غيرهم، وأورع، وأتقى. 11- ينبغي أن تحصر الدراسة فيما تمكن القدرة عليه، فالأفراد يمكن أن يقصروا بحوثهم فيما يتعلق بالاكتشافات فيما هو خاضع لتجاربهم المخبرية، ليصلوا من خلال ذلك إلى الحق، وللجامعات والمراكز والدول مجالات أكثر وأكبر. 12- ينبغي أن يعلم الباحث في هذا المجال أن كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم صدق وحق، ولا يمكن بحال أن يخالف حقيقة علمية؛ لأن منزل القرآن هو الخالق العالم بأسرار الكائنات، قال تعالى: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) الملك/14، ومعرفة ذلك تقتضي منا التريث وعدم تحميل النص ما لا يحتمله من أجل أن يوافق ما نظنه حقيقة، فإذا لم يتيسر ذلك بشكل واضح فعلينا أن نتوقف دون نفي أو إثبات، ونبحث عن موضوع آخر، والزمن كفيل بانكشاف الحق بعد ذلك. 13- على الباحث أن يتحرى الصدق والصواب وأن يخلص نيته لله في تبيين الحق للناس من أجل هدايتهم، وأن يعلم خطورة ما يتناوله، ويعبر عنه، فهو عندما يقول: هذا المعنى هو الذي يشير إليه قوله تعالى: فهو يفسر كلام رب العالمين، لذا يجب عليه أن يتذكر دائما قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار) رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح. (رقم/2950) ، وضعفه الألباني في " ضعيف الترمذي ". 14- ينبغي أن يتصف الباحث كذلك بالصبر، مع توفر الكفاءة العلمية المكتسبة، حتى يميز الحق من الباطل، ويقبله ويلتزم بالموضوعية، ومعناها هنا: حصر المعلومات ودراستها من غير تحيز لفكرة أو رأي سابق، مع التقيد بالمنهج العلمي في التوثيق والاقتباس والإحالات " انتهى. " الإعجاز العلمي في القرآن والسنة تاريخه وضوابطه " (ص/30-37) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 138144 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 102 تفسير قوله تعالى ـ عن النحل ـ: (ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ) . [السُّؤَالُ] ـ[يقول الله تعالى في سورة النحل: (ثم كلي من كل الثمرات) فمن المعلوم أن النحل لا تأكل الثمرات ذاتها، وإنما تمتص (تأكل) من أزهار الثمار فقط، فما تفسير هذه الآية تمامًا؟ أرجو التوضيح.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه الآية من الآيات الكونية الدالة على عظيم خلق الله ودقيق إبداعه في صنعه، وقد جعل عز وجل للبشر في خلق النحل وعجائب هدايته له ما يبهر العقول ويحير الألباب، وهذا ما ندعو إلى التأمل فيه، وليس التنقير عن شبهات يختلقها بعض الناس في المنتديات، تذهب ببريق الحكمة والعظة من كلام الله عز وجل، وهو أمر لا ينطلي إلا على ضعاف العقول، أو من هانت عليه نفسه، وهان عليه أمر دينه، ففتح قلبه للشهوات، وجعل نفسه تبعا لكل ناعق!! يقول العلامة السعدي رحمه الله: " في خلق هذه النحلة الصغيرة، التي هداها الله هذه الهداية العجيبة، ويسر لها المراعي، ثم الرجوع إلى بيوتها التي أصلحتها بتعليم الله لها، وهدايته لها، ثم يخرج من بطونها هذا العسل اللذيذ مختلف الألوان بحسب اختلاف أرضها ومراعيها، فيه شفاء للناس من أمراض عديدة، فهذا دليل على كمال عناية الله تعالى، وتمام لطفه بعباده، وأنه الذي لا ينبغي أن يحب غيره، ويُدعَى سواه " انتهى. " تيسير الكريم الرحمن " (444) وعلى كل حال: فأساس هذه الشبهة الضعف البالغ في فهم أساليب اللغة العربية وأبواب البيان والمجاز فيها، وليس أي شيء آخر، والجهل أساس كل داء. يقول الله تعالى: (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ. ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) النحل/68-69. فقوله تعالى: (كلي من كل الثمرات) يتضمن مسائل لغوية مهمة، منها: أولا: قوله عز وجل (مِن) يحتمل ثلاثة معاني: 1- يحتمل أن يراد به (مِن) التبعيضية. 2- ويحتمل أن يراد به (مِن) التي هي لابتداء الغاية، وهذان المعنيان من معاني حرف الجر (مِن) أشهر معانيها التي تفيدها، كما ذكر ذلك ابن هشام في " مغني اللبيب " (ص/419-420) . 3- ويحتمل أن يراد بها (مِن) التي هي لبيان الجنس. فإذا قلنا إنها (مِن) التبعيضية: أفادت أن إلهام الله للنحل كان بأن تأكل جزءا من الثمار، وليس كل الثمار، وهذا الجزء هو ما تأخذه النحلة من رحيق الأزهار، وإن كان العلماء المتقدمون يذكرون في كتبهم أن النحل يصنع العسل من أكله لأوراق الشجر أيضا، بل ومن بعض الذرات التي تكون في الهواء، ولكن العلم الحديث لا يذكر ذلك، فاكتفينا بما يذكره العلم الحديث، والقرآن الكريم ذكر (من) التبعيضية، ولم يحدد هذا البعض الذي تأكله النحلة فتصنع منه العسل. وإطلاق (الثمرات) على الأزهار هو من المجاز المعروف باعتبار ما سيكون، تماما كقوله تعالى: (إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا) يوسف/36، وهو إنما يعصر العنب، ولكن أطلق عليه الخمر باعتبار ما سيكون عليه عصير العنب بعد وقت، وهكذا، أطلق على الأزهار أنها ثمار، باعتبار ما ستؤول إليه من الثمار النافعة، بقرينة المشاهد المحسوس من معاينة كل الناس، أن النحل إنما تقف على الأزهار، ولا تأكل من الثمرات الحقيقية شيئا. يقول القرطبي رحمه الله: " قوله تعالى: (ثم كلي من كل الثمرات) : وذلك أنها إنما تأكل النوار من الأشجار " انتهى. " الجامع لأحكام القرآن " (10/135) ويقول ابن جزي الغرناطي: " (من) للتبعيض، وذلك أنها إنما تأكل النوار من الأشجار، وقيل المعنى من كل الثمرات التي تشتهيها " انتهى. " التسهيل " (2/257) ويقول أبو حيان الأندلسي رحمه الله: " وظاهر (مِن) في قوله: (من كل الثمرات) أنها للتبعيض، فتأكل من الأشجار الطيبة والأوراق العطرة أشياء يولد الله منها في أجوافها عسلاً. قال ابن عطية: إنما تأكل النوّار من الأشجار " انتهى. " البحر المحيط " (5/496) وأما إذا قلنا: إن (مِن) هنا لابتداء الغاية، فالمعنى المقصود أن النحل تأكل الرحيق، ويكون أكلها مبتدأ من هذه الأزهار، وليس من مكان آخر. وإذا قلنا: إن (مِن) ههنا لبيان الجنس، كقوله تعالى: (وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ) الكهف/31، أفادت معنى بيان ما ألهم الله النحل أن تأكله، وهو الثمرات، وليس أي جنس آخر من أجناس الطعام. وكل هذه المعاني صحيحة، لا تعارض بينها، واتساع اللغة العربية يضيف إلى آيات القرآن الكريم آفاقا كثيرة من المعاني والدلالات البديعة الجميلة. يقول الخطيب الشربيني: " لفظ (من) هذا للتبعيض، أو لابتداء الغاية " انتهى. " السراج المنير " (2/273) . ثانيا: وأما قوله تعالى في هذه الآية: (كل الثمرات) : فيحتمل أن تكون الكلية ههنا مقصودة، فتدل الآية على أن من هدي النحل وجبلته أخذ رحيق الأزهار، من أي زهرة كانت. ويحتمل ألا يكون التعميم مقصودا، بل أغلبيا على سبيل المجاز، كقوله تعالى: (لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ) البقرة/266. والحقيقة أننا لا نستطيع الجزم بأحد هذين الاحتمالين، إذ كل منهما معقول محتمل، ولم نقف على دراسة علمية حديثة تحدد طبيعة الأزهار التي يقف عليها النحل، ويصنع من رحيقها العسل المعروف، على أن أكثر المفسرين حملوا ذلك على التبعيض، وأن العموم غير مراد. قال ابن قتيبة رحمه الله: " (ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ) أي: من الثمرات، وكلّ هاهنا ليس على العموم، ومثل هذا قوله تعالى: (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا) " انتهى. " غريب القرآن " (ص/246) . وينظر: " البحر المحيط "، لأبي حيان (2/326) . وقال العلامة الطاهر بن عاشور رحمه الله: " (كُلَّ) هنا مستعملة في معنى الكثير، وهو استعمال وارد في القرآن والكلام الفصيح، قال تعالى: (وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ) يونس/97 " انتهى. " التحرير والتنوير " (23/160) . وقال الدميري رحمه الله: " القرآن يدل على أنها ترعى الزهر، فيستحيل في جوفها عسلاً وتلقيه من أفواهها، فيجتمع منه القناطير المقنطرة قال الله تعالى: (ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللاً يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس) ، وقوله: (من كل الثمرات) ، المراد به بعضها، نظيره قوله تعالى: (وأوتيت من كل شيء) يريد البعض، واختلاف الألوان في العسل بحسب اختلاف النحل والمرعى، وقد يختلف طعمه لاختلاف المرعى " انتهى. " حياة الحيوان الكبرى " (2/463) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 137861 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 103 هل يمكن إلغاء فريضة الحج والعمرة بسبب انتشار مرض "انفلونزا الخنازير"؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكن إلغاء فريضة الحج والعمرة بسبب انتشار مرض " انفلونزا الخنازير "؟ وهل يعتبر ذلك طاعوناً؟ وهل مكة والمدينة في مأمن من الأوبئة بحفظ الله أو يمكن انتقال العدوى في هذه الأماكن؟ وهل قوله تعالى: (ومن دخله كان آمناً) يشمل أيضا الأوبئة، أي: يكون آمناً من الأوبئة؟ . أفيدونا مأجورين؛ لأني مقدم على العمرة خلال شهر.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا ريب أن الأمراض والأوبئة الفتاكة التي من طبيعتها الانتشار بالعدوى: تقاس على مرض الطاعون، من حيث أحكامه المتعلقة بما يسمَّى " الحجر الصحي ". فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ حَتَّى إِذَا كَانَ بِسَرْغَ لَقِيَهُ أُمَرَاءُ الأَجْنَادِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَأَصْحَابُهُ، فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِأَرْضِ الشَّأْمِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقَالَ عُمَرُ: ادْعُ لِي الْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ ... . فجاء عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رضي الله عنه، وَكَانَ مُتَغَيِّبًا فِي بَعْضِ حَاجَتِهِ فَقَالَ: إِنَّ عِنْدِي فِي هَذَا عِلْماً، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَاراً مِنْهُ) رواه البخاري (5397) ومسلم (2219) . قال النووي رحمه الله: وأما الطاعون: فهو قروح تخرج في الجسد، فتكون في المرافق، أو الآباط، أو الأيدي، أو الأصابع، وسائر البدن , ويكون معه ورم، وألَم شديد , وتخرج تلك القروح مع لهيب، ويسودّ ما حواليه، أو يخضر، أو يحمر حمرة بنفسجية، كدرة، ويحصل معه خفقان القلب، والقيء , وأما الوباء: فقال الخليل وغيره: هو الطاعون، وقال: هو كل مرض عام , والصحيح الذي قاله المحققون: أنه مرض الكثيرين من الناس في جهة من الأرض، دون سائر الجهات , ويكون مخالفاً للمعتاد من أمراض في الكثرة، وغيرها , ويكون مرضهم نوعاً واحداً، بخلاف سائر الأوقات؛ فإن أمراضهم فيها مختلفة، قالوا: وكل طاعون وباء، وليس كل وباء طاعوناً , والوباء الذي وقع في الشام في زمن عمر كان طاعوناً , وهو طاعون " عمواس " , وهى قرية معروفة بالشام. " شرح النووي " (14 / 204) . وعليه: فكل مرض فتاك من شأنه الانتقال للآخرين بالعدوى التي يقدِّرها الله فيه: فإن له حكم الطاعون؛ لأن الشريعة لا تفرِّق بين متماثلين. ثانياً: أخذ العلماء من الحديث السابق أنه لا يجوز القدوم على أرض بها وباء فتَّاك ينتقل بالعدوى , ولا الخروج من أرض وقع فيها، كما هو ظاهر النص السابق. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وفِي هذا الحَدِيث جَوَاز رُجُوع مَن أَرَادَ دُخُول بَلدَة فَعَلِمَ أَنَّ بِهَا الطَّاعُون، وَأَنَّ ذَلِكَ لَيسَ مِن الطِّيَرَة، وَإِنَّمَا هِيَ مِن مَنْع الإِلقَاء إِلَى التَّهْلُكَة، أَو سَدّ الذَّرِيعَة ... . وَفِي الحَدِيث أَيضاً: مَنْع مَنْ وَقَعَ الطَّاعُون بِبَلَدٍ هُوَ فِيها مِن الخُرُوج مِنهَا. " فتح الباري " (10 / 186، 187) . وقال ابن القيم رحمه الله: "وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم للأمة في نهيه عن الدخول إلى الأرض التي هو بها , ونهيه عن الخروج منها بعد وقوعه: كمال التحرز منه؛ فإن في الدخول في الأرض التي هو بها تعرضاً للبلاء , وموافاة له في محل سلطانه , وإعانة للإنسان على نفسه , وهذا مخالف للشرع والعقل، بل تجنب الدخول إلى أرضه من باب الحمية التي أرشد الله سبحانه إليها، وهي حمية عن الأمكنة، والأهوية المؤذية" انتهى. " زاد المعاد " (4 / 42 - 44) . ثالثاً: اختلف العلماء في المقصود بالأمن في قوله تعالى: (وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا) آل عمران/97 على أقوال، ومنها ما هو مقبول، ومنها ما هو ضعيف لا يلتفت إليه. أما الأقوال الضعيفة، أو الباطلة في معنى الآية: 1. فمنها قول من قال: إن من دخله يأمن من عذاب النار في الآخرة! . 2. وكقول من قال: إن من دخله يأمن من الموت على غير الإسلام! . 3. وكقول من قال: إن المعنى: أن من دخل الحرم يأمن من الأمراض. 4. وكقول من قال: إن معنى الآية: الأمن من القتل. لوجود كل ذلك في واقع الأمر، كمن مات على الكفر، والردة، وكان قد دخل الحرم، ولوجود المرض، والوباء فيه، وكذا حصول القتل فيه، قديماً، وحديثاً. 05 وقيل: إن (مَن) ها هنا لمن لا يعقل، والآية في أمان الصيد. وأما الأقوال المعتبرة في الآية: 1. أن معنى الآية: أن هذا الأمن على النفس من آيات الحرم؛ لأن الناس كانوا يُتخطفون من حواليه، ولا يصل إليه جبار، فقصد الله تعالى بذلك تعديد النعم على كل مَن كان بها جاهلاً، ولها منكراً من العرب، كما قال تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) العنكبوت/ 67، فكانوا في الجاهلية من دخله ولجأ إليه: أمِن من الغارة، والقتل. 2. أنه أراد به: أن مَنْ دخله عام " عمرة القضاء " مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كان آمِناً، كما قال تعالى: (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَآءَ اللَّهُ آمِنِينَ) الفتح/ 27. 3. أنها خبر بمعنى الأمر، تقديره: " ومَن دخله: فأمِّنوه "، كقوله تعالى: (فلا رفثَ ولا فسوقَ ولا جدال في الحج) البقرة/ 197، أي: لا ترفثوا، ولا تفسقوا. قال ابن القيم رحمه الله: وهذا إما خبر بمعنى الأمر؛ لاستحالة الخُلْفِ في خبره تعالى، وإما خبرٌ عن شرعه ودينه الذي شرَعه في حرمه، وإما إخبارٌ عن الأمرِ المعهود المستمِرِّ في حرمه في الجاهلية والإسلام، كما قال تعالى: (أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) العنكبوت/ 67، وقوله تعالى: (وَقَالُواْ إن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا، أَوَ لَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيءٍ) القصص/ 57، وما عدا هذا من الأقوال الباطلة: فلا يُلتفت إليه، كقول بعضهم: " ومَن دخله كان آمناً مِن النار "، وقول بعضهم: " كان آمناً مِن الموت على غير الإسلام "، ونحو ذلك، فكم ممن دخله وهو في قعر الجحيم. " زاد المعاد في هدي خير العباد " (3 / 445) . والقول الأول الذي ذكره ابن القيم هو الأليق بمعنى الآية. قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: ويقول سبحانه: (وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا) يعني: وجب أن يؤمَّن , وليس المعنى أنه لا يقع فيه أذى لأحدٍ , ولا قتل , بل ذلك قد يقع , وإنما المقصود: أن الواجب تأمين من دخله , وعدم التعرض له بسوء. وكانت الجاهلية تعرف ذلك , فكان الرجل يلقى قاتل أبيه أو أخيه فلا يؤذيه بشيء حتى يخرج. " فتاوى الشيخ ابن باز " (3 / 380) . وعلى هذا: ليس المقصود بالأمنِ الأمنَ مِنَ الأمراض والأوبئة؛ فالأمراض والأوبئة قد تنزل أرض الحرم المكي والمدني , وهذا معروف، قديماً، وحديثاً. وقد سبق في جواب السؤال رقم (131887) أن مكة والمدينة محفوظتان من الطاعون، وليستا محفوظتين من سائر الأوبئة والأمراض العامة. رابعاً: نحمد لله على أن هذا الوباء لم يبلغ مكة، أو المدينة، وإنما هي بضع حالات في عموم المملكة العربية السعودية، كما هو في أكثر الدول، مع الوجود الكبير اليومي من المصلين، والمعتمرين، ومع ذلك فلا بأس أن يأخذ الإنسان بأسباب السلامة، كلبس الكمامات , وغير ذلك من أسباب الوقاية من المرض. والملاحظ أن بعض وسائل الإعلام تهول من هذا الأمر , ويستغل بعض الحاقدين والمتربصين ذلك للتنفير من شعائر الإسلام , مع أن هناك تجمعات كبيرة مماثلة - كملاعب كرة القدم، والمهرجانات الغنائية - ولم نر، أو نسمع، من أولئك التحذير والتنفير من تلك التجمعات، بل على العكس من ذلك، نرى التشجيع على الحضور، والمشاركة. وإن تعجب فعجب من بعض العلماء حيث يفتون بعدم جواز الذهاب إلى الحج هذا العام بسبب ظهور بضع حالات في المملكة العربية السعودية! وكانوا يشددون أن النص النبوي في الطاعون لا يقبل الجدال أنه منطبق على هذه الحالة! وقد ظهر المرض في كثير من الدول، وشفي كثير منها، ولم يصل الأمر إلى إغلاق الدول الأبواب على نفسها. وبكل حال: فإذا صارت بلد موبوءة بمرض " انفلونزا الخنازير "، أو " الطاعون ": فالحكم واحد، ولا فرق بين المملكة العربية السعودية، وغيرها، لكن ليس الحكم في هذا لأحدٍ من الناس، إلا أن يُعلن من مختصين أن تلك البقعة صارت موبوءة، فحينئذٍ نطبق عليها الحكم الشرعي، من تحريم دخولها، وتحريم خروج أحدٍ منها، لكن لا يتعجلن أحد بالحكم على موسم الحج، أو العمرة بالإلغاء، قبل دارسة ذلك من أهل الاختصاص من الأطباء، ثم اعتماد علمائنا ذلك وإصدارهم فتوى في الموضوع. قال الدكتور أحمد الريسوني - الخبير في " مجمع الفقه الإسلامي " -: إن مسألة إلغاء العمرة في رمضان أو موسم الحج المقبل بسبب " إنفلونزا الخنازير ": يرجع القرار فيها إلى الأطباء المسلمين المختصين. وقال: إن " منظمة المؤتمر الإسلامي "، أو " مجمع الفقه الإسلامي الدولي " مطالبان في هذه الحالة بتنظيم لقاء للأطباء المسلمين من عدد من الدول الإسلامية؛ ليتدارسوا الوضعية، ويقدروا الاحتمالات، ويصدروا توصياتهم، وبناء عليها يقرر الفقهاء في " مجمع الفقه الإسلامي "، أو أي هيئة فقهية تشكَّل لهذا الغرض ما إذا كانت الضرورة تدعو لإلغاء الشعيرتين. وقال: إن تقدير أطباء غير مسلمين، من أمريكا، أو كندا، أو غيرهما: لا يكفي؛ لأن الأمر يتعلق بالعالم الإسلامي، والحجاج والمعتمرين القادمين منه، ويتعلق كذلك بموازنة بين فريضة الحج وشعيرة العمرة، وما لهما من أهمية، مع احتمالات الخطورة، وانتشار الوباء. وقال: إذا قرر الأطباء المسلمون أن هناك احتمالات مرتفعة لانتشار الوباء بواسطة تجمع الحج، والعمرة: فيتعين حينئذ على جميع الدول الإسلامية، وعلى المملكة العربية السعودية على الخصوص، اتخاذ التدابير اللازمة لوقف هذه التجمعات، وتعليقها إلى حين انجلاء هذا الوباء. وقال: إن هذا الإجراء لا غبار عليه، وعلى مشروعيته، ووجوبه؛ لأن الله تعالى يقول: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان الوباء - أو الطاعون - في بلد فلا تخرجوا منه ولا تدخلوا إليه) ، وكذلك سيدنا عمر رضي الله عنه أوقف سير جيش بكامله كان يتجه إلى الشام لما علم أن بها وباء الطاعون. وقال: لكن لا ينبغي التعجل، بل اتخاذ الخطوات اللازمة التي تبتدئ بتقرير، وتقدير الأطباء المختصين بشكل جماعي، وتنتهي بفتوى الفقهاء، ثم بتنفيذ المسؤولين السياسيين في البلدان المعنية، وخاصة المملكة العربية السعودية. انتهى من موقعه. http://www.raissouni.org/affdetail.asp?codelangue=6&info;=300 فالنصيحة للسائل أن يتوكل على الله , ويتوجه لأداء العمرة , والحج، وأن يأخذ بأسباب السلامة - كما تقدم -، إلا أن يظهر – لا قدَّر الله – ما يستوجب التوقف عن دخول البلد الحرام، ويظهر ذلك بفتاوى أهل العلم الثقات، والله هو المأمول أن يحفظنا وإياكم من كل سوء وشر. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 137801 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 104 هل أنزل الله تعالى المائدة على الحواريين؟ [السُّؤَالُ] ـ["قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ. قَالَ اللهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِّنَ الْعَالَمِينَ" هناك اختلاف بين المفسرين حول ما إذا كان الله تعالى أنزل المائدة أم لا. أرجوا أن تخبرونا رأيكم في هذا الأمر.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف السلف في المائدة: هل أنزلها الله تعالى على أصحاب عيسى عليه السلام، أم إنهم خافوا لما قال الله تعالى لنبيه عيسى: (فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ) فلم ينزلها عليهم؟ فجمهور السلف على أن الله تعالى أنزلها عليهم؛ لقوله عز وجل (إِنِّي مُنزلُهَا عَلَيْكُمْ) ووعد الله حق لا يتخلف. وهو المروي عن سلمان الفارسي وعمار بن ياسر وابن عباس، وإسحاق بن عبد الله ووهب بن منبه وسعيد بن جبير وعكرمة وقتادة وعطية العوفي وأبي عبد الرحمن السلمي وعطاء بن السائب، وغيرهم. وقال مجاهد والحسن: لم ينزلها عليهم. ووجه ذلك: أن الله لما أوعد على كفرهم بعد نزول المائدة خافوا أن يكفر بعضهم، فاستعفوا عن إنزال المائدة، فعلى هذا تقدير قوله: (إني منزلها عليكم) يعني إن سألتم، إلا أنهم استعفوا فلم تنزل. قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله: "والصواب من القول عندنا في ذلك أن يقال: إن الله تعالى ذكره أنزل المائدة على الذين سألوا عيسى مسألتَه ذلك ربَّه. فإن الله تعالى ذكره لا يخلف وعدَه، ولا يقع في خبره الْخُلف، وقد قال تعالى ذكره مخبرًا في كتابه عن إجابة نبيه عيسى صلى الله عليه وسلم، حين سأله ما سأله من ذلك: (إني منزلها عليكم) ، وغير جائز أن يقول تعالى ذكره: (إني منزلها عليكم) ، ثم لا ينزلها؛ لأن ذلك منه تعالى ذكره خبر، ولا يكون منه خلاف ما يخبر. ولو جاز أن يقول: (إني منزلها عليكم) ، ثم لا ينزلها عليهم، جاز أن يقول: (فمن يكفر بعد منكم فإنّي أعذبه عذابًا لا أعذبه أحدًا من العالمين) ، ثم يكفر منهم بعد ذلك فلا يعذّبه، فلا يكون لوعده ولا لوعيده حقيقة ولا صحة. وغير جائز أن يوصف ربنا تعالى ذكره بذلك " انتهى مختصرا. "تفسير الطبري" (11/ 232) وقال ابن كثير رحمه الله: " وكل هذه الآثار دالة على أن المائدة نزلت على بني إسرائيل، أيام عيسى ابن مريم، إجابة من الله لدعوته، وكما دل على ذلك ظاهر هذا السياق من القرآن العظيم: (قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنزلُهَا عَلَيْكُمْ) الآية. وقد قال قائلون: إنها لم تنزل، وقد يتقوى ذلك بأن خبر المائدة لا تعرفه النصارى، وليس هو في كتابهم، ولو كانت قد نزلت لكان ذلك مما يتوفر الدواعي على نقله، وكان يكون موجودًا في كتابهم متواترًا، ولا أقل من الآحاد، والله أعلم. ولكن الذي عليه الجمهور أنها نزلت، وهو الذي اختاره ابن جرير، وهذا القول هو - والله أعلم- الصواب، كما دلت عليه الأخبار والآثار عن السلف وغيرهم " انتهى مختصرا. "تفسير ابن كثير" (3/230-231) فالقول الصحيح في ذلك: أنها أنها نزلت فعلا، وهو قول جمهور أهل العلم، واختاره ابن الجوزي والسمعاني وأبي جعفر النحاس وابن جزي والقرطبي وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن عاشور والشوكاني وغيرهم. ينظر: "تفسير البغوي" (3/118) ، "زاد المسير" (2/462) ، "معاني القرآن" (2/387) ، "التسهيل" (1/342) ، تفسير القرطبي" (6/369) "التحرير والتنوير" (ص1236) ، "فتح القدير" (2/136) "الجواب الصحيح" (3/ 127) . قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " ففي هذا بيان شيء من قدرة الله جل وعلا , وأنه سبحانه القادر على كل شيء قدير , وأنه سبحانه في العلو , لأن الإنزال يكون من الأعلى إلى الأسفل. فإنزال المائدة وطلب إنزالها , كل ذلك دليل على أن القوم قد عرفوا أن ربهم في العلو , فهم أعرف بالله وأعلم به من الجهمية وأضرابهم ممن أنكر العلو. فالحواريون طلبوا ذلك، وعيسى بين لهم ذلك، والله بين ذلك أيضا , ولهذا قال: (إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ) فدل ذلك على أن ربنا جل وعلا يطلب من أعلى , وأنه في العلو سبحانه وتعالى فوق السماوات وفوق جميع الخلائق وفوق العرش , قد استوى عليه استواء يليق بجلاله وعظمته , لا يشابه خلقه في شيء من صفاته جل وعلا " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (2/56-57) والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 137241 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 105 تفسير قول الله تعالى: (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) . [السُّؤَالُ] ـ[قال تعالى: "وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ" (الزمر: 55) أريد منكم أن تقوموا بتفسير هذه الآية تفسيرا موثقا، وما هو معني "أحسن ما أنزل" في الآية؟ وهل تكون السنة مساوية للقرآن الكريم بأي حال من الأحوال؟]ـ [الْجَوَابُ] قال الإمام الشافعي رحمه الله: " فذكر الله الكتاب وهو القرآن، وذكر الحكمة؛ فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة سنة رسول الله. وهذا يشبه ما قال والله أعلم؛ لأن القرآن ذُكر، وأتبعته الحكمة، وذكر الله مَنَّه على خلقه بتعليمهم الكتاب والحكمة؛ فلم يجز الله ـ والله اعلم ـ أن يقال: الحكمة ـ ها هنا ـ إلا سنة رسول الله؛ وذلك أنها مقرونة مع كتاب الله، وأن الله افترض طاعة رسوله، وحتم على الناس اتباع أمره، فلا يجوز أن يقال لقول: فرض؛ إلا لكتاب الله، ثم سنة رسوله؛ لما وصفنا من أن الله جعل الإيمان برسوله مقرونا بالإيمان به ". انتهى. "الرسالة" (78) . وروى أبو داود (4604) عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود". وروى أبو داود (4605) والترمذي (2663) وابن ماجة (13) عن أَبِي رَافِعٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَأْتِيهِ الْأَمْرُ مِنْ أَمْرِي مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ فَيَقُولُ: لَا نَدْرِي، مَا وَجَدْنَا فِي كِتَابِ اللَّهِ اتَّبَعْنَاهُ، وإلا فَلاَ) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" وغيره. وروى الترمذي (2664) وابن ماجة (12) عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ الْكِنْدِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يُوشِكُ الرَّجُلُ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يُحَدَّثُ بِحَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِي فَيَقُولُ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَلَالٍ اسْتَحْلَلْنَاهُ وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ. أَلَّا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ) . صححه الألباني في "صحيح ابن ماجة". وعن إسماعيل بن عبيد الله قال: " ينبغي لنا أن نحفظ ما جاءنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن الله يقول: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) فهو عندنا بمنزلة القرآن ". "السنة" لمحمد بن نصر المروزي (ص 88) وعن حسان بن عطية قال: " كان جبريل ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعلمه السنة كما يعلمه القرآن ". "الزهد" لابن المبارك (ص 23) وقال ابن القيم رحمه الله: " قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا) فأمر تعالى بطاعته وطاعة رسوله، وأعاد الفعل إعلاما بأن طاعة الرسول تجب استقلالا من غير عرض ما أمر به على الكتاب، بل إذا أمر وجبت طاعته مطلقا سواء كان ما أمر به في الكتاب أو لم يكن فيه، فإنه أوتي الكتاب ومثله معه، ولم يأمر بطاعة أولي الأمر استقلالا بل حذف الفعل وجعل طاعتهم في ضمن طاعة الرسول؛ إيذانا بأنهم إنما يطاعون تبعا لطاعة الرسول، فمن أمر منهم بطاعة الرسول وجبت طاعته، ومن أمر بخلاف ما جاء به الرسول فلا سمع له ولا طاعة " انتهى. "إعلام الموقعين" (1 / 48) وقال أيضا: " أنزل الله سبحانه وتعالى على رسوله وحيين وأوجب على عباده الإيمان بهما والعمل بما فيهما، وهما الكتاب والحكمة، وقال تعالى: (وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة) وقال تعالى: (هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلهم الكتاب والحكمة) وقال تعالى: (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة) . والكتاب هو القرآن، والحكمة هي السنة باتفاق السلف. وما أخبر به الرسول عن الله فهو في وجوب تصديقه والإيمان به كما أخبر به الرب تعالى على لسان رسوله، هذا أصل متفق عليه بين أهل الإسلام، لا ينكره إلا من ليس منهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إني أوتيت الكتاب ومثله معه) " انتهى. "الروح" (ص 75) . فتبين بذلك أن السنة هي وحي من عند الله، وأنها لازمة الطاعة والاتباع على كل من آمن بنبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن كان هذا مراد السائل، فقد تبين كلام أهل العلم فيه، وإلا فبينهما من الفروق الأخرى أشياء كثيرة: فالقرآن هو كتاب الله تعالى، الذي أنزله على رسوله وحيا باللفظ والمعنى، وهو معجِز ومتعبَّد بتلاوته، ولا تجوز روايته بالمعنى، ولا يجوز مسه للمحدث حتى يتطهر. بخلاف السنة فإن لفظها من عند الرسول، وهو غير معجِز، وتجوز روايتها بالمعنى لمن لا يُخِلُّ به، ولا يَحْرُم مَسُّها على المُحدِث. والقرآن يتعبد بتلاوته في الصلوات بخلاف السنة، فإنه لا يجوز أن يقرأ بها في الصلوات. ومن كذب بحرف واحد من كتاب الله كفر، وليس كذلك الحال في السنة. وهناك فروق أخرى، يمكن مراجعتها في بابه من كتب علوم القرآن والسنة، وكتب أصول الفقه. والله أعلم. الجواب: الحمد لله أولا: يقول الله عز وجل في كتابه الكريم: (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ) الزمر/55 قال ابن جرير الطبري رحمه الله: " يقول تعالى ذكره: واتبعوا أيها الناس ما أمركم به ربكم في تنزيله، واجتنبوا ما نهاكم فيه عنه، وذلك هو أحسن ما أنزل إلينا من ربنا. فإن قال قائل: ومن القرآن شيء هو أحسن من شيء؟ قيل له: القرآن كله حسن، وليس معنى ذلك ما توهمت، وإنما معناه: واتبعوا مما أنزل إليكم ربكم من الأمر والنهي والخبر، والمثل، والقصص، والجدل، والوعد والوعيد؛ أحسنه أن تأتمروا لأمره، وتنتهوا عما نهى عنه؛ لأن النهي مما أنزل في الكتاب، فلو عملوا بما نهوا عنه كانوا عاملين بأقبحه، فذلك وجهه " انتهى. "تفسير الطبري" (21/ 312) وقال البغوي رحمه الله: " (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) يعني: القرآن، والقرآن كله حسن، ومعنى الآية ما قاله الحسن: التزموا طاعته واجتنبوا معصيته، فإن القرآن ذكر القبيح لتجتنبه، وذكر الأدون لئلا ترغب فيه، وذكر الأحسن لتؤثره. قال السدي: " الأحسن " ما أمر الله به في الكتاب " انتهى. "تفسير البغوي" (7/ 128) وقال السعدي رحمه الله: (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) مما أمركم من الأعمال الباطنة، كمحبة الله، وخشيته، وخوفه، ورجائه، والنصح لعباده، ومحبة الخير لهم، وترك ما يضاد ذلك. ومن الأعمال الظاهرة، كالصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والصدقة، وأنواع الإحسان، ونحو ذلك، مما أمر الله به، وهو أحسن ما أنزل إلينا من ربنا، فالمتبع لأوامر ربه في هذه الأمور ونحوها هو المنيب المسلم " انتهى. "تفسير السعدي" (ص 727-728) . فالحاصل من ذلك: أن اتباع أحسن ما أنزل الله: هو الائتمار بأمره، والانتهاء بنهيه. قال الإمام الآجري رحمه الله: " فكل كلام ربنا حسن لمن تلاه ولمن استمع إليه، وإنما هذا - والله أعلم - صفة قوم إذا سمعوا القرآن تتبعوا من القرآن أحسن ما يتقربون به إلى الله تعالى، مما دلهم عليه مولاهم الكريم، يطلبون بذلك رضاه، ويرجون رحمته ". "أخلاق حملة القرآن" (8) . ثانيا: لا يتم هذا الاتباع المأمور به إلا باتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن ذلك مما أُنزِل إلينا من ربنا، كما قال تعالى: (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ) آل عمران/32 وقال تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) آل عمران/132 وقال تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) الأنفال/1 وقال سبحانه: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) النساء/65. فالسنة مبينة لمراد الله في كتابه، قال تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) النحل / 44. ثالثا: السنة وحي منزل من عند الله. قال الله تعالى: (وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا) النساء/113، وقال تعالى لأمهات المؤمنين: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا) الأحزاب/34. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 137235 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 106 الفرق بين الكفل والنّصيب [السُّؤَالُ] ـ[قال تعالى: (من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها) : ما الفرق بين الكفل والنصيب؟ هل الكفل أعلى وأثقل من النصيب في الثواب والعقاب؟ وهل يقترن الكفل بالسوء، أو نستطيع توظيفه في الجانب الحسن؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: النصيب: هو الحظّ من كلّ شيء. ينظر: الصّحاح (1/225) ، ولسان العرب (1/761) مادة نصب. والِكْفل: هو الحظّ والضِّعف من الأجر والإثم، ويأتي بمعنى المثل، وفي التنزيل: (يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِه) الحديد/ 28، قيل: معناه ضعفين، وقيل: مثلين. ينظر: تهذيب اللّغة (10/250) ، ولسان العرب (11/589) مادة كفل. فالنصيب والكفل بمعنى واحد، كما سبق عند أهل اللّغة. وقد فرّق بعض أهل العلم بينهما في الاستعمال في هذه الآية الكريمة بما يأتي: 1- أنّ الكفل يستعمل في الشّدّة وفي الشّيء الرديء. قال القاسمي رحمه الله: " نكتة اختيار النصيب في (الحسنة) والكفل في (السيئة) : ما أشرنا إليه، وذلك أن النصيب يشمل الزيادة، لأن جزاء الحسنات يضاعف، وأما الكفل فأصله المَرْكَب الصَّعب، ثم استعير للمِثل المُساوي، فلذا اختير، إشارة إلى لطفه بعباده، إذ لم يضاعف السيئات كالحسنات. ويقال: إنه وإن كان معناه المثل، لكنه غلب في الشر، وندر في غيره، كقوله تعالى: {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رّحْمَتِهِ} [الحديد: 28] ، فلذا خُص به السيئة، تطرية [أي: تحسينا للعبارة] ، وهرباً من التكرار" انتهى. " محاسن التأويل". وينظر: "مفردات ألفاظ القرآن" للراغب الأصفاني (ص718) . 2- إنّ المغايرة بينهما في الآية لكون الكفل يستعمل في الشّرّ كثيراً. قال أبو حيّان في البحر المحيط (3/322) : " وغاير في النصيب فذكره بلفظ الكفل في الشفاعة السيّئة؛ لأنّه أكثر ما يستعمل في الشّرّ، وإن كان قد استعمل في الخير؛ لقوله تعالى: (يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِه) [الحديد: 28] ". وقال القرطبي رحمه الله (5 / 296) : " ويستعمل في النصيب من الخير والشّر، وفي كتاب الله تعالى: (يؤتكم كفلين من رحمته) ". والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136533 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 107 توجيه قوله تعالى: (إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) [السُّؤَالُ] ـ[أنا بفضل الله أؤمن بالقرآن وأؤمن أنه لا تعارض بين نصوص القرآن أو بين نصوص السنة بعضها ببعض كما هو معتقد أهل السنة والجماعة وأن ما يحدث للإنسان من اشتباه وتعارض إنما يكون عن قصر فهم أو علم أو قلة بحث وكنت أود أن لو عرضت عليكم شبهتي لكي يزول ما في صدري من اشتباه.. والسؤال كيف أجمع بين قول الله تعالى: (وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) وبين الواقع حيث إننا نشاهد كثيراً من الرجال تزوجوا وهم فقراء وماتوا فقراء وقد وعدهم الله بالغنى.. فهل معنى الغنى في الآية هو غنى النفس بحيث يمتلىء صدره بالرضا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذهب كثير من المفسرين إلى أن هذه الآية الكريمة: (وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) النور/32، وعدٌ من الله تعالى للفقراء بالغنى إن أرادوا النكاح. قال ابن عباس رضي الله عنهما: أمر الله سبحانه بالنكاح، ورغَّبهم فيه، وأمرهم أن يزوّجوا أحرارهم وعبيدهم، ووعدهم في ذلك الغنى. وعن ابن مسعود: التمسوا الغنى في النكاح، يقول الله تعالى: (إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) . "تفسير الطبري" (19/166) . وقال ابن كثير رحمه الله: "وقد زوَّج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل الذي لم يجد إلا إزاره، ولم يقدر على خاتم من حديد، ومع هذا فزوّجه بتلك المرأة، وجعل صداقها عليه أن يعلمها ما يحفظه من القرآن. والمعهود من كرم الله تعالى ولطفه أن يرزقه وإياها ما فيه كفاية له ولها" انتهى. "تفسير ابن كثير" (6/51-52) . وقال ابن عاشور رحمه الله: " وعد الله المتزوج من هؤلاء إن كان فقيرا أن يغنيه الله، وإغناؤه تيسير الغنى إليه إن كان حرا، وتوسعة المال على مولاه إن كان عبدا" انتهى. "التحرير والتنوير" (ص 2901) . وقال السعدي رحمه الله: "فلا يمنعكم ما تتوهمون من أنه إذا تزوج افتقر بسبب كثرة العائلة ونحوه، وفيه حث على التزوج، ووعد للمتزوج بالغنى بعد الفقر" انتهى. "تفسير السعدي" (ص 567) . ويؤيد ذلك: ما رواه الترمذي (1655) عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمْ: الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الْأَدَاءَ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ) . وحسنه الألباني في "صحيح الترمذي". ولا شك أن كثيراً ممن تزوجوا لم يحصل لهم الغنى بالمال، وماتوا وهم فقراء، وقد ذكر العلماء رحمهم الله أوجهاً كثيرة للجمع بين هذا الواقع، وبين هذه الآية الكريمة: (وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) النور/32، منها: 1- أنه ليس المقصود بالغنى في الآية الغنى بالمال، وإنما المراد غنى النفس، وهو القناعة، وهذا الغنى أفضل من غنى المال، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ، وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ) رواه البخاري (6446) . قال السمرقندي: "والغنى على وجهين: غني بالمال وهو أضعف الحالين، وغنى بالقناعة وهو أقوى الحالين" انتهى. "بحر العلوم" (3/214) . وانظر: تفسير القرطبي (12/241، 242) . 2- أنه ليس المقصود بالفقر والغنى في الآية المال، وإنما المراد أن من أراد أن يتزوج ليعف نفسه وهو محتاج إلى ذلك، فإن الله تعالى ييسر له النكاح الحلال ليستغن به عن الزنا. قال القرطبي: "وقيل: المعنى: إن يكونوا فقراء إلى النكاح يغنهم الله بالحلال ليتعففوا عن الزنا " انتهى. "تفسير القرطبي" (12/241، 242) . 3- أن هذه الآية الكريمة: (إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) مقيدة بمشيئة الله تعالى، فمن شاء الله أن يغنيه أغناه، ومن شاء ألا يغنيه لم يغنه، وتقييد ذلك بمشيئة الله وإن لم يذكر في الآية الكريمة، إلا أنه معلوم، وقد ذُكر مثله في آيات أخرى، كقوله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ) التوبة/28، وقوله تعالى: (يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ) الرعد/26، وقوله: (فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ) الأنعام/41. قال الشوكاني: " قال الزجاج: حث الله على النكاح وأعلم أنه سبب لنفي الفقر، ولا يلزم أن يكون هذا حاصلا لكل فقير إذا تزوج؛ فإن ذلك مقيد بالمشيئة، وقد يوجد في الخارج كثير من الفقراء لا يحصل لهم الغنى إذا تزوجوا. وقيل المعنى: إنه يغنيه بغنى النفس، وقيل المعنى: إن يكونوا فقراء إلى النكاح يغنهم الله من فضله بالحلال ليتعففوا عن الزنا. والوجه الأول أولى ويدل عليه قوله سبحانه: (وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء) فيحمل المطلق هنا على المقيد هناك " انتهى. فتح القدير - (ج 4 / ص 41) . وانظر: "تفسير القرطبي" (12/241 – 242) ، و "تفسير البيضاوي" (ص 184) . 4- أنه سواء كان المقصود الغنى بالمال، أو غنى النفس بالقناعة، فليس في الآية أن هذا الغنى يكون مستمراً في جميع الأوقات، بل متى حصل هذا الغنى ولو وقتاً يسيراً فقد تحقق الوعد المذكور في الآية الكريمة. قال القرطبي: "فإن قيل: فقد نجد الناكح لا يستغنى، قلنا: لا يلزم أن يكون هذا على الدوام، بل لو كان في لحظة واحدة لصدق الوعد" انتهى. "تفسير القرطبي" (12/241 – 242) وانظر: "أحكام القرآن" (6/84) . 5- ما ذهب إليه ابن القيم رحمه الله: أن هذه الآية: (إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) ليست وعداً بالغنى لكل أحد تزوج، وإنما هي وعد لمن ذكروا في الآية فقط، وهم: الأيامى أي: النساء، والعبيد والإماء، فهؤلاء هم الذين يحصل لهم الغنى، أما النساء والإماء فيحصل لهن الغنى بنفقة أزواجهن عليهن، وأما العبد فيغنيه الله إما بالعمل والكسب، وإما بإنفاق سيده عليه. فقال رحمه الله: " فإن قيل: فقد قال الله تعالى: (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) وقال في الآية الأخرى: (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله) فأمرهم بالاستعفاف إلى وقت الغنى وأمر بتزويج أولئك مع الفقر وأخبر أنه تعالى يغنيهم، فما محمل كل من الآيتين؟ فالجواب: أن قوله: (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله) في حق الأحرار، أمرهم الله تعالى أن يستعفوا حتى يغنيهم الله من فضله؛ فإنهم إن تزوجوا مع الفقر التزموا حقوقا لم يقدروا عليها وليس لهم من يقوم بها عنهم. وأما قوله: (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم) فإنه سبحانه أمرهم فيها أن يُنكحوا الأيامى وهن النساء اللواتي لا أزواج لهن، هذا هو المشهور من لفظ الأيم عند الإطلاق وإن استعمل في حق الرجل بالتقييد، مع أن العزب عند الإطلاق للرجل , وإن استعمل في حق المرأة، ثم أمرهم سبحانه أن يزوجوا عبيدهم وإماءهم إذا صلحوا للنكاح. فالآية الأولى في حكم تزوجهم لأنفسهم , والثانية في حكم تزويجهم لغيرهم. وقوله في هذا القسم: (إن يكونوا فقراء) يعم الأنواع الثلاثة التي ذكرت فيه، فإن الأيم تستغني بنفقة زوجها وكذلك الأمة، وأما العبد فإنه لما كان لا مال له وكان ماله لسيده فهو فقير ما دام رقيقا، فلا يمكن أن يجعل لنكاحه غاية وهي غناه ما دام عبدا , بل غناه إنما يكون إذا عتق واستغنى بهذا العتق، والحاجة تدعوه إلى النكاح في الرق، فأمر سبحانه بإنكاحه وأخبر أنه يغنيه من فضله: إما بكسبه وإما بإنفاق سيده عليه وعلى امرأته، فلم يمكن أن ينتظر بنكاحه الغنى الذي ينتظر بنكاح الحر، والله أعلم" انتهى. "روضة المحبين" (ص 317-318) . وبهذا يتبين أنه ليس هناك تعارض بين هذه الآية الكريمة وبين الواقع من كون بعض الناس يتزوج ولا يحصل له الغنى. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136076 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 108 كيف يبتلى الصالحون في الدنيا والله يقول في القرآن: (فلَنَحيينهم حياة طيبة) ؟ [السُّؤَالُ] ـ[هناك بعض الأمور التي يظهر لي أن فيها تعارضاً, وأحتاج منكم أن تنوروني بعلمكم جزاكم الله خيراً. نجد أن الصالحين يبتلون في الدنيا، وعلى قدر قوة الإيمان يزيد البلاء، والله يقول في القرآن: (فلَنَحيينهم حياة طيبة) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يجب أن يُعلم أن ما أخبر الله به لا يمكن أن يتعارض مع الواقع أبداً، لأن أخبار الله تعالى بلغت الغاية في الصدق، قال الله تعالى: (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا) الأنعام/115، وقال: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ قِيلًا) النساء/122، وقال: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ حَدِيثًا) النساء/87. ثانياً: لا شك أن عِظَم الجزاء مع عِظَم البلاء , وأن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم , وفي الابتلاء للعبد حكَم وفوائد كثيرة، في الدنيا، والآخرة. وانظر في ذلك: جوابي السؤالين: (35914) و (21631) . وأما معنى " الحياة الطيبة " الوارد ذِكرها في قوله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل/ 97: فالأقوال فيها متنوعة، وليس منها أن الله يفتح للمؤمن العامل للصالحات الدنيا، ويقيه الحزن، والفقر، والسوء، فالواقع يشهد بغير هذا - بل إن أولئك من أكثر الناس ابتلاء بمثل هذا -، وجماع معنى الحياة الطيبة في الآية: حياة القلب، وسعادته، وانشراحه، وإذا رُزق شيئا من متاع الدنيا فيكون حلالاً يقنع به، وعلى ذلك جاءت أقوال المفسرين. 1. ذَكر الإمام الطبري رحمه الله أقوال العلماء في معنى " الحياة الطيبة "، وهي: أ. يحييهم في الدنيا ما عاشوا فيها بالرزق الحلال. ب. يرزقهم القناعة. ج. الحياة الطيبة: الحياة مؤمنًا بالله عاملا بطاعته. د. الحياة الطيبة: السعادة. هـ. الحياة في الجنة. واختار رحمه الله من هذه الأقوال - غير المتضادة -: القول الثاني، فقال: وأولى الأقوال بالصواب: قول من قال: تأويل ذلك: فلنحيينه حياة طيبة بالقناعة؛ وذلك أن من قنعه الله بما قسم له من رِزق: لم يَكثر للدنيا تعبُه، ولم يعظم فيها نَصَبه، ولم يتكدّر فيها عيشُه باتباعه نفسه ما فاته منها وحرصه على ما لعله لا يدركه فيها ... وأما القول الذي رُوي عن ابن عباس أنه الرزق الحلال: فهو مُحْتَمَل أن يكون معناه الذي قلنا في ذلك، من أنه تعالى يقنعه في الدنيا بالذي يرزقه من الحلال، وإن قلّ: فلا تدعوه نفسه إلى الكثير منه من غير حله، لا أنه يرزقه الكثير من الحلال؛ وذلك أن أكثر العاملين لله تعالى بما يرضاه من الأعمال: لم نرهم رُزِقوا الرزق الكثير من الحلال في الدنيا، ووجدنا ضيق العيش عليهم أغلب من السعة. " تفسير الطبري " (17 / 291، 292) . ب. وقال ابن القيم رحمه الله: وأطيب العيش واللذة على الإطلاق: عيش المشتاقين، المستأنسين، فحياتهم: هي الحياة الطيبة في الحقيقة، ولا حياة للعبد أطيب، ولا أنعم، ولا أهنأ منها، فهي الحياة الطيبة المذكورة في قوله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) وليس المراد منها الحياة المشتركة بين المؤمنين والكفار، والأبرار والفجار، من طيب المأكل، والمشرب، والملبس، والمنكح، بل ربما زاد أعداء الله على أوليائه في ذلك أضعافاً مضاعفة، وقد ضمن الله سبحانه لكل مَن عمل صالحاً أن يحييه حياة طيبة، فهو صادق الوعد الذي لا يخلف وعده، وأي حياة أطيب من حياة اجتمعت همومه كلها، وصارت هي واحدة في مرضات الله، ولم يستشعب قلبه، بل أقبل على الله، واجتمعت إرادته، وأفكاره التي كانت منقسمة، بكل واد منها شعبة على الله، فصار ذكر محبوبه الأعلى، وحبه، والشوق إلى لقائه، والأنس بقربه، وهو المتولى عليه، وعليه تدور همومه، وإرادته، وتصوره، بل خطرات قلبه ... . " الجواب الكافي " (ص 129، 130) . وقال رحمه الله أيضاً: وقد فُسرت الحياة الطيبة: بالقناعة، والرضى، والرزق الحسن، وغير ذلك، والصواب: أنها حياة القلب، ونعيمه، وبهجته، وسروره بالإيمان، ومعرفة الله، ومحبته، والإنابة إليه، والتوكل عليه؛ فإنه لا حياة أطيب من حياة صاحبها، ولا نعيم فوق نعيمه، إلا نعيم الجنة، كما كان بعض العارفين يقول: " إنه لتمر بي أوقات أقول فيها: إن كان أهل الجنة في مثل هذا: إنهم لفي عيش طيب "، وقال غيره: " إنه ليمر بالقلب أوقات يرقص فيها طرباً ". " مدارج السالكين " (3 / 259) . والأقوال في هذا المعنى كثيرة، وكلها تدل على أن الحياة الطيبة هي حياة معنوية، يعيشها قلب المؤمن مطمئناً بقضاء الله تعالى، ومنشرحاً بما قدره عليه، وسعيداً بإيمانه بربه تعالى، وليس المراد من الحياة الطيبة – قطعاً – النعيم البدني، وانعدام الأمراض والفقر وضيق العيش. وننبه إلى أن القول بأن الحياة الطيبة إنما تكون الجنة: بعيد عن معنى الآية؛ لأن الله تعالى ذَكَرَ بعدها نعيم الجنة لمن آمن وعمل صالحاً. قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: "وفي الآية الكريمة قرينة تدل على أن المراد بالحياة الطيبة في الآية: حياته في الدنيا حياة طيبة، وتلك القرينة هي أننا لو قدرنا أن المراد بالحياة الطيبة: حياته في الجنة في قوله: (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) : صار قوله: (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) : تكراراً معه؛ لأن تلك الحياة الطيبة هي أجر عملهم، بخلاف ما لو قدرنا أنها في الحياة الدنيا، فإنه يصير المعنى: فلنحيينه في الدنيا حياة طيبة، ولنجزينه في الآخرة بأحسن ما كان يعمل، وهو واضح، وهذا المعنى الذي دل عليه القرآن: تؤيِّده السنة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم ... " انتهى. " أضواء البيان " (2 / 441) . وعلى هذا؛ فالحياة الطيبة للمؤمن في الدنيا لا تنافي الابتلاء؛ وذلك لأسباب: 1. المسلم يعلم أن رفع الدرجات، وتكفير السيئات، وبلوغ الغايات: لا يمكن أن تنال إلا على جسر من الابتلاءات، والامتحانات , ولذلك كان السلف يفرحون بالابتلاء؛ لما يرجون من الثواب، والجزاء , كما جاء في الحديث عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاَءً؟ قَالَ: الأَنْبِيَاءُ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ الصَّالِحُونَ إِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ لَيُبْتَلَى بِالْفَقْرِ حَتَّى مَا يَجِدُ أَحَدُهُمْ إِلاَّ الْعَبَاءَةَ يُحَوِّيهَا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ لَيَفْرَحُ بِالْبَلاَءِ كَمَا يَفْرَحُ أَحَدُكُمْ بِالرَّخَاءِ) رواه ابن ماجه (4024) ، وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه". وهذا الفرح غير مسألة تمني البلاء , فتمني البلاء لا يجوز، كما جاء في الحديث عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى أَوْفَى رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: (أَيُّهَا النَّاسُ، لاَ تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ) رواه البخاري (6810) ومسلم (1742) . قال ابن القيم رحمه الله: وإذا تأملت حكمته سبحانه فيما ابتلى به عباده، وصفوته بما ساقهم به إلى أجلِّ الغايات، وأكمل النهايات التي لم يكونوا يعبرون إليها إلا على جسر من الابتلاء والامتحان ... وكان ذلك الابتلاء والامتحان عين الكرامة في حقهم، فصورته صورة ابتلاء، وامتحان، وباطنه فيه الرحمة والنعمة، فكم لله مِن نعمة جسيمة، ومنَّة عظيمة، تُجنى من قطوف الابتلاء، والامتحان، فتأمل حال أبينا آدم صلى الله عليه وسلم، وما آلت إليه محنته، من الاصطفاء، والاجتباء، والتوبة، والهداية، ورفعة المنزلة ... وتأمل حال أبينا الثاني نوح صلى الله عليه وسلم، وما آلت إليه محنته، وصبره على قومه تلك القرون كلها، حتى أقر الله عينه، وأغرق أهل الأرض بدعوته، وجعل لعالم بعده من ذريته، وجعله خامس خمسة، وهم أولو العزم الذين هم أفضل الرسل , وأمَر رسولَه ونبيه محمَّداً أن يصبر كصبره، وأثنى عليه بالشكر، فقال: (إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً) فوصفه بكمال الصبر، والشكر، ثم تأمل حال أبينا الثالث إبراهيم صلى الله عليه وسلم إمام الحنفاء، وشيخ الأنبياء، وعمود العالم، وخليل رب العالمين من بني آدم، وتأمل ما آلت إليه محنته، وصبره، وبذله نفسه لله، وتأمل كيف آل به بذله لله نفسه، ونصره دينه إلى أن اتخذه الله خليلاً لنفسه ... وضاعف الله له النسل، وبارك فيه، وكثر، حتى ملؤوا الدنيا، وجعل النبوة والكتاب في ذريته خاصة، وأخرج منهم محمَّداً صلى الله عليه وسلم وأمَره أن يتبع ملة أبيه إبراهيم ... . فإذا جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وتأملت سيرتَه مع قومه، وصبره في الله، واحتماله ما لم يحتمله نبي قبله، وتلون الأحوال عليه، مِن سِلْم وخوف، وغنى وفقر، وأمن وإقامة، في وطنه وظعن عنه، وتركه لله، وقتل أحبابه، وأوليائه بين يديه، وأذى الكفار له بسائر أنواع الأذى، من القول، والفعل، والسحر، والكذب، والافتراء عليه، والبهتان، وهو مع ذلك كله صابر على أمر الله، يدعو إلى الله، فلم يُؤْذَ نبي ما أوذي، ولم يحتمل في الله ما احتمله، ولم يُعْطَ نبي ما أعطيه، فرفع الله له ذِكره، وقرن اسمه باسمه، وجعله سيد الناس كلهم، وجعله أقرب الخلق إليه وسيلة، وأعظمهم عنده جاهاً، وأسمعهم عنده شفاعة، وكانت تلك المحن والابتلاء عين كرامته، وهي مما زاده الله بها شرفاً، وفضلاً، وساقه بها إلى أعلى المقامات، وهذا حال ورثته من بعده، الأمثل، فالأمثل، كلٌّ له نصيب من المحنة، يسوقه الله به إلى كماله بحسب متابعته له. " مفتاح دار السعادة " (1 / 299 – 301) . 2. والمسلم جنته في صدره , ولو كان مكبَّلا بأصناف البلاء , قال ابن القيم - يصف حال شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو يتنقل في أصناف من البلاء والاختبار -: قال لي مرة - يعني: شيخ الإسلام -: ما يصنع أعدائي بي؟! أنا جنتي وبستاني في صدري، أنَّى رحت فهي معي لا تفارقني، إنّ حبْسي خلوة، وقتْلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة ". وكان يقول في محبسه في القلعة: " لو بذلت ملء هذه القلعة ذهباً ما عدل عندي شكر هذه النعمة "، أو قال: " ما جزيتهم على ما تسببوا لي فيه من الخير "، ونحو هذا. وكان يقول في سجوده وهو محبوس: " اللهم أعنِّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ما شاء الله، وقال لي مرة: " المحبوس من حُبس قلبه عن ربه تعالى، والمأسور من أسره هواه "، ولما دخل إلى القلعة وصار داخل سورها نظر إليه وقال: (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ) الحديد/13، وعلم الله ما رأيتُ أحداً أطيب عيشاً منه قط، مع كل ما كان فيه من ضيق العيش، وخلاف الرفاهية والنعيم، بل ضدها، ومع ما كان فيه من الحبس، والتهديد، والإرهاق، وهو مع ذلك من أطيب الناس عيشاً، وأشرحهم صدراً، وأقواهم قلباً، وأسرهم نفساً، تلوح نضرة النعيم على وجهه، وكنا إذا اشتد بنا الخوف، وساءت منا الظنون، وضاقت بنا الأرض: أتيناه، فما هو إلا أن نراه، ونسمع كلامه، فيذهب ذلك كله، وينقلب انشراحاً، وقوةً، ويقيناً، وطمأنينة، فسبحان من أشهد عباده جنته قبل لقائه، وفتح لهم أبوابها في دار العمل، فأتاهم من روحها، ونسيمها، وطيبها، ما استفرغ قواهم لطلبها والمسابقة إليها. " الوابل الصيب " (ص 110) . فهذه الجنة التي وجدها شيخ الإسلام، ويجدها أهل الإيمان والتقوى، من انشراح الصدر، والبال ومن الطمأنينة , والعيش بين الشكر والصبر: لهي والله السعادة التي ينشدها العقلاء، ويطلبها الصالحون، ويسعى إليها الساعون. وهذه والله هي حقيقة الحياة الطيبة التي وعدهم الله إياها في الدنيا. رزقنا الله وإياكم إياها , وجعلنا من أهلها. وانظر في فوائد ابتلاء المؤمن جواب السؤال رقم: (12099) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 135711 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 109 كيف يفسَّر امتنان الله بتيسير السفن بالرياح مع وجود سفن تسير بالوقود؟ [السُّؤَالُ] ـ[قال الله تعالى (وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِي فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ. إِنْ يَشَأْ يُسْكِنْ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) الشورى/ 32، 33، كيف نفسر الآيتين وفي عصرنا الجواري تتحرك بالوقود، ولا تنتظر الرياح؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يخبر الله تعالى في هاتين الآيتين عن آية مشاهَدة من آياته العظام، وهي مسير السفن في البحار، وأطلق على السفن لفظ " الجواري "، وهي جمع " جارية "، كما قال تعالى: (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ) الحاقة/ 11، وسمِّيت جارية: لجريها في البحار، وأخبر تعالى أن السفن في البحار كالجبال في البر، ولذا وصفها بأنها " أعلام "، وأخبر تعالى عن تسييره لتلك السفن بالريح، وأنه لو يشاء لأسكن تلك الرياح فتوقفت السفن عن الجري، أو يهلك الله تلك السفن بمن فيها، وهو على كل شيء قدير، لكنه تعالى تسبق رحمته غضبه، ويعفو تعالى عن كثير من مما يفعله عباده من السوء. ثانياً: الاتجاهات في تفسير هاتين الآيتين متعددة، ونحن نذكر أشهرها، فنقول: 1. ذهب عامة المفسرين إلى أن هذه الآيات في سفن معروفة منذ القدم، وهي السفن الشراعية، ولا يزال هذا النوع مستعملاً الآن، وهي تعتمد في حركتها على الريح، باعتباره سبباً قدره الله تعالى لتحريكها في عباب البحار. 2. ومن المفسرين من رأى أن " الريح " في الآية بمعنى القوة، واستدل على ذلك بقوله تعالى (وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) الأنفال/ من الآية 46، وذكر هؤلاء أن " الريح " أُطلقت في القرآن وأريد بها معاني: القوة – وسبق الدليل عليه -، والرائحة، والدليل عليه قوله تعالى (وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ) يوسف/ 94، والمعنى الثالث: الرياح في الفضاء، ودليله: قوله تعالى (مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ) آل عمران/ من الآية 117. 3. وذهب آخرون إلى أن سكون الريح في الفضاء يتسبب في إيقاف السفن على أي وجه كان تشغيلها، وبأي وقود تحركت به. 4. وقال آخرون: إن كل أنواع الوقود المستعمل في تحريك السفن الحديثة يعتمد على إخراج هواء لدفع السفن للأمام، وأن هذا الهواء يدخل في معنى الآية العام. هذه هي أبرز اتجاهات من تكلم في معنى الآيات السابقة، والذي يظهر – والله أعلم -: أن المعنى الأول هو المراد، وأنه هو الذي عليه عامة المفسرين، لا يُعرف بينهم خلاف، وأنه إن ثبت على وجه القطع أثر الريح في إيقاف السفن على أي وقود كان تحركها: فهو غير مخالف للآية، بل يكون دليلاً يضاف إلى أدلة الشرع الكثيرة في " الإعجاز العلمي "، وإن لم يثبت: فلا حاجة لنا به، وثمة ما يغني عنه. ومما يدل على خطأ من ذكر أن الريح هنا بمعنى القوة: قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) يونس/ 22، فقوله تعالى " بريح طيبة " يرد على من قال إنها القوة. ثالثاً: ننبه هنا إلى أمور: أ. أنه لا مانع من الحديث في القرآن، والسنَّة عن نوع واحد من المركوبات، أو وسائل النقل، وهي التي يعرفها المخاطَب ويستعملها، وإنه لمن الغلو أن نجعل ذلك اللفظ يشمل غيره من وسائل النقل، أو المركوبات، إلا أن يكون اللفظ اسم جنس، فيعم. ب. نصَّ الله تعالى على وجود وسائل للركوب، والنقل، لا يعرفها المخاطَبون بالقرآن في زمانهم، لكن على وجه الإجمال والإشارة المفهمة لما وراءها من المعنى؛ لعدم إحاطة المخاطبين في ذلك الزمان بمعناها على التفصيل. فهل سيقال لهم ـ مثلا ـ إن ثمة سفنا ستتحرك بالطاقة النووية – مثلاً -؟ وفي ضوء ذلك تأمل ما تضمنته تلك الآيات من الإعجاز والبيان، نحو قوله تعالى: (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ) النحل/ 8، وقوله تعالى (وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ. وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ) يّس/ 41، 42. ج. أن الله تعالى ذكر في كتابه الكريم أنه تعالى هو الذي يُسَيِّر الفلك بأمره، وهذا حكم عام، يشمل كل ما يسير في البحر، وبأي وقود كان، ومنه: قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ) الحج/ من الآية 65، وقوله: (وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ) الروم/ 46، وهذا كافٍ في بيان المقصود، وأنه مهما كانت السفن تمخر عباب البحار والمحيطات فإنها تسير بأمر الله تعالى، والقادر على تسكين الريح في السفن الشراعية، ليس عاجزا عن إيقاف المحركات المصنوعة من البشر العاجز الضعيف، أو تقدير ما به يكون تلف السفينة وغرق أهلها، ولنعتبر جميعاً بالسفينة العملاقة " تايتنك "! – وتعني: القوة الهائلة، أو الجبارة -، والتي سارت في " المحيط الأطلنطي " من " بريطانيا " إلى " أمريكا " عام 1912 م، وقد بلغت الجرأة بأحد موظفي الشركة المصنعة للسفينة أن يقول بما ترجمته " حتى الله نفسه لا يستطيع إغراق هذه السفينة "! وهو لسان حال كثيرين ممن رأى الاحتياطات التي في السفينة من أجل أن لا تغرق! فكان أن قدَّر الله لها جبلاً جليديّاً في طريقها تسبَّب في تلفها، ومن ثم إغراقها بالكلية، وغرق حوالي 1500 راكب! ، فمن الذي جرت تلك السفينة العملاقة بأمره؟ ومن الذي قدَّر عليها الغرق؟ إنه الله تعالى، وما البشر إلا عبيد ضعفاء، لا يملكون من أمرهم شيئاً. ولذا جاء بعد الآيتين اللتين في الشورى الواردتين في السؤال قوله تعالى: (أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ) الشورى/ 34، ومعنى " يوبقهن " أي: يهلك السفن، وأهلها. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 134550 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 110 تفسير قوله تعالى (وَلَهُنَّ مِثلُ الَّذِي عَلَيهِنَّ بِالمَعرُوفِ) [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى قوله تعالى: (وَلَهُنَّ مِثلُ الَّذِي عَلَيهِنَّ بِالمَعرُوفِ) ، أرجو الإجابة بالتفصيل إن أمكنكم ذلك.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد الله أولا: يقول الله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ، وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحاً، وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ، وَاللهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ) البقرة/228 في هذه الآية بيان لعدة المطلقة المدخول بها إذا كانت من ذوات الأقراء (أي يأتيها الحيض وليست من ذوات الحمل) ، فتتربص وتقعد عدتها ثلاثة قروء، أي حيضات أو أطهار، على خلاف بين أهل العلم، ولما كانت مستأمنة على أمر حيضها وطهارتها وانقضاء عدتها، حذرها الله تعالى من محاولة كتم ذلك أو تحريفه رغبة في تطويل العدة أو تقصيرها، فقال سبحانه وتعالى: (وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) ثم أعطى الله تعالى الزوج حق إرجاع زوجته أثناء العدة إن لم تكن قد بانت، فقال سبحانه: (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحاً) هذا تفسير موجز لسياق الآية السابقة، كان لا بد من بيانه، حتى يفهم السياق كاملا. ثانيا: بعد ذلك قرر سبحانه وتعالى قاعدة عظيمة من قواعد الحياة الزوجية، وتعتبر أساسا من أسس التعامل بين الزوجين، ومن الأركان العظيمة في قيام الأسر على العدل والرحمة. فقال سبحانه وتعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) يقول ابن كثير رحمه الله "تفسير القرآن العظيم" (1/363) : " أي: ولهن على الرجال من الحق مثل ما للرجال عليهن، فليؤد كل واحد منهما إلى الآخر ما يجب عليه بالمعروف. كما ثبت في صحيح مسلم [1218] عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته في حجة الوداع: (فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُم أَخَذتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ، وَاستَحلَلتُم فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ، وَلَكم عَلَيهِنَّ أَنْ لا يُوطِئْنَ فُرُشَكُم أَحَدًا تَكرَهُونَهُ، فَإِن فَعَلنَ ذَلِكَ فَاضرِبُوهُنَّ ضَربًا غَيرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ رِزقُهُنَّ وَكِسوَتُهُنَّ بِالمَعرُوفِ) وفي حديث بهز بن حكيم عن معاوية بن حيدة القشيري عن أبيه عن جده أنه قال: يا رسول الله! ما حق زوجة أحدنا؟ قال: (أَن تُطعِمَهَا إِذَا طَعِمتَ، وَتَكسُوَهَا إِذَا اكتَسَيتَ، وَلا تَضرِبِ الوَجهَ، وَلا تُقَبِّح، وَلا تَهجُر إِلا فِي البَيتِ) [2142، وصححه الألباني] . وقال وكيع عن بشير بن سليمان عن عكرمة عن ابن عباس قال: (إني لأحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي المرأة؛ لأن الله يقول (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) ورواه ابن جرير وابن أبي حاتم " انتهى. ثالثا: هذا هو المعنى العام للآية، أن للنساء من الحقوق مثل ما للرجال عليهن من الحقوق، ولكن ما معنى هذه المثلية (وَلَهُنَّ مِثلُ) ، هل تعني التماثل التام بين الأزواج في الحقوق؟ يقول العلامة الطاهر ابن عاشور في "التحرير والتنوير" (1/642) : " والمثل أصله النظير والمشابه: وقد يكون الشيء مثلا لشيء في جميع صفاته، وقد يكون مثلا له في بعض صفاته، وهي وجه الشبه. وقد ظهر هنا أنه لا يستقيم معنى المماثلة في سائر الأحوال والحقوق: أجناسا أو أنواعا أو أشخاصا؛ لأن مقتضى الخلقة، ومقتضى المقصد من المرأة والرجل، ومقتضى الشريعة، التخالف بين كثير من أحوال الرجال والنساء في نظام العمران والمعاشرة. فتعين صرفها إلى معنى المماثلة في أنواع الحقوق على إجمال تُبَيِّنُهُ تفاصيل الشريعة: فلا يُتَوَهَّم أنه إذا وجب على المرأة أن تَقُمَّ – أي تنظف - بيت زوجها وأن تجهز طعامه أنه يجب عليه مثل ذلك، كما لا يُتَوَهم أنه كما يجب عليه الإنفاق على امرأته أنه يجب على المرأة الإنفاق على زوجها، بل كما تقم بيته وتجهز طعامه، يجب عليه هو أن يحرس البيت وأن يحضر لها المعجنة والغربال، وكما تحضن ولده يجب عليه أن يكفيها مؤنة الارتزاق كي لا تهمل ولده، وأن يتعهده بتعليمه وتأديبه، وعلى هذا القياس " انتهى. رابعا: بناء على ما ذكرناه في معنى المثلية، فالحقوق والوجبات التي على الزوجين تنقسم إلى قسمين: 1- حقوق وواجبات يتساوى فيها كل من الزوجين تساويا تاما: مثل إحسان المعاشرة، وقصر الطرف عن غير ما أحل الله لهما، والمماثلة في وجوب الرعاية (الرجل راع على أهله والمرأة راعية في بيت زوجها) ، والتشاور في الرضاع، ونحو ذلك. 2- وحقوق وواجبات تكون بين الزوجين على وجه المقابلة، كل بحسب ما قضاه الله عليه بمقتضى الفطرة والخلقة والشرع والحكمة، ومرجع ذلك إلى الشريعة وتفاصيلها، كما تقرره السنة المطهرة، وبحسب أنظار المجتهدين. ويدل على هذا التقسيم قوله تعالى في الآية (وَلِلرِّجَالِ عَلَيهِنَّ دَرَجَةٌ) يقول الشيخ الطاهر ابن عاشور رحمه الله، في "التحرير والتنوير" (1/643) : " وفي هذا الاهتمام مقصدان: أحدهما: دفع توهم المساواة بين الرجال والنساء في كل الحقوق، توهما من قوله آنفا (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) . وثانيهما: تحديد إيثار الرجال على النساء بمقدار مخصوص؛ لإبطال إيثارهم المطلق الذي كان متَّبَعا في الجاهلية. وهذه الدرجة هي ما فضل به الأزواج على زوجاتهم: من الإذن بتعدد الزوجة للرجل دون أن يؤذن بمثل ذلك للأنثى، وذلك اقتضاه التزيد في القوة الجسمية، ووفرة عدد الإناث في مواليد البشر. ومن جعل الطلاق بيد الرجل دون المرأة والمراجعة في العدة كذلك، وذلك اقتضاه التزيد في القوة العقلية وصدق التأمل. وكذلك جعل المرجع في اختلاف الزوجين إلى رأي الزوج في شئون المنزل؛ لأن كل اجتماع يتوقع حصول تعارض المصالح فيه يتعين أن يجعل له قاعدة في الانفصال والصدر عن رأي واحد معين من ذلك الجمع، ولما كانت الزوجية اجتماع ذاتين لزم جعل إحداهما مرجعا عند الخلاف، ورجح جانب الرجل لأن به تأسست العائلة؛ ولأنه مظنة الصواب غالبا، ولذلك إذا لم يمكن التراجع واشتد بين الزوجين النزاع لزم تدخل القضاء في شأنهما، وترتب على ذلك بعث الحكمين كما في آية (وإن خفتم شقاق بينهما) " انتهى. وللاطلاع على تفاصيل هذه الحقوق والوجبات، انظر سؤال رقم (10680) فستجد فيه تفصيلا مفيدا إن شاء الله. خامسا: المرجع في تحديد هذه الحقوق والواجبات هو (المعروف) كما ذكرت الآية، وفي هذه الكلمة دلالات عظيمة، وإشارات إلى أمور كثيرة: قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله: " وللنساء على بعولتهن من الحقوق واللوازم مثل الذي عليهن لأزواجهن من الحقوق اللازمة والمستحبة. ومرجع الحقوق بين الزوجين ويرجع إلى المعروف وهو: العادة الجارية في ذلك البلد وذلك الزمان من مثلها لمثله، ويختلف ذلك باختلاف الأزمنة والأمكنة والأحوال والأشخاص والعوائد. وفي هذا دليل على أن النفقة والكسوة والمعاشرة والمسكن وكذلك الوطء - الكل يرجع إلى المعروف فهذا موجب العقد المطلق، وأما مع الشرط فعلى شرطهما، إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا " انتهى. ويقول ابن عاشور (1/643) : " وقوله (بالمعروف) الباء للملابسة، والمراد به: ما تعرفه العقول السالمة المجردة من الانحياز إلى الأهواء أو العادات أو التعاليم الضالة، وذلك هو الحسن، وهو ما جاء به الشرع نصا أو قياسا أو اقتضته المقاصد الشرعية أو المصلحة العامة التي ليس في الشرع ما يعارضها، والعرب تطلق المعروف على ما قابل المنكر. أي: وللنساء من الحقوق مثل الذي عليهن ملابسا ذلك دائما للوجه غير المنكر شرعا وعقلا، وتحت هذا تفاصيل كبيرة تؤخذ من الشريعة، وهي مجال لأنظار المجتهدين في مختلف العصور والأقطار.." انتهى. سادسا: دين الإسلام حري بالعناية بإصلاح شأن المرأة، وكيف لا وهي شقيقة الرجل، والمربية الأولى في المجتمع، فلذلك شرع من قواعد العدالة ما لم يكن معروفا على وجه الأرض في شريعة ولا في قانون، فسبق إليه الإسلام الحنيف، وجاء بإصلاح حال المرأة ورفع شأنها؛ وارتقى بها من متاع يرثه الرجال، كما يرثون سائر المال والمتاع، فجعلهن شقائق الرجال، لهن مثل الذي عليهن من الحقوق والواجبات، لا يضيع لهن عمل ولا سعي، ودروهن في النهوض بالأمة، عامة، وببيتها خاصة لا يقل عن دور الرجل بحال!! والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 134114 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 111 إبراهيم عليه السلام لم يقنط من رحمة الله [السُّؤَالُ] ـ[هل بوسعكم – يا شيخ - تفسير بعض آيات سورة " الحِجر "؛ لأني لا أفهمها، وأنا أبحث عن تفسيرها في تفاسير مختلفة، لكنى أعجز عن إيجاده، يقولون في الآية 55: (قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالحَقِّ فَلاَ تَكُنْ مِنَ القَانِطِينَ) فيقول هو في الآية 56: (قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ) لأن الشيطان يوسوس لي، ويوهن قلبي بالقول بأن الله تعالى لم يقبل الدعاء، فإبراهيم عليه السلام قد تقدم به العمر، وهو يدعو الله سبحانه وتعالى أن يرزقه بابنٍ من سارة عليها السلام، فلا تتوقع أن يجيب الله سبحانه وتعالى دعاءك عندما تكون في شدة، بل إنك عندما تطعن في العمر وتكون قد اقترفت الكثير من الذنوب: فإن من الممكن أن يكون مصيرك إلى جهنم! . ويقول الله تعالى في القرآن: (فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ) ، كما ذكر في الحديث (كلٌّ مُيسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ) ، فهل بوسعكم - رجاء - تفسير لماذا قالت الملائكة لإبراهيم عليه السلام: " بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين"؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال تعالى: (وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْراَهِيمَ. إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلامًا قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ. قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ. قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ. قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ. قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ) الحِجر/ 51 – 56. قول الملائكة لإبراهيم عليه السلام ذلك كان من أجل قوله " أبشرتموني بذلك على أن مسني الكبَر وأثَّر فيَّ "، فقد تعجَّب عليه الصلاة والسلام من بشارتهم بالولد في حالة مباينة للولادة؛ فإن البشارة بما لا يُتصور وقوعه عادةً: تُدخل في النفس التعجب منها، ولم يكن عليه السلام قانطاً، ولا منكراً لقدرة الله، وهو الذي رأى بعيني رأسه موت الطيور الأربعة التي ذبحها بنفسه، ثم قسَّمها أجزاء، فأحياها الله تعالى له، فجاءته تسعى! وهو عليه السلام آمَن بأن الله قد خلق بشراً بغير أبوين، فكيف من شيخ فانٍ، وعجوزٍ عقيم. وأول ذلك أن الله تعالى أرسل ملائكة لتبشر إبراهيم عليه السلام وزوجه " سارة " بإسحاق، فلما جاءت الملائكة بالبشرى: سألهم عليه السلام عن طبيعة البشارة، وكيف سيكون الولد، مع أنه بلغ به السن ما بلغ، فأكدُّوا له الأمر أن ما جاءوا به هو بشارة حق. قال ابن كثير رحمه الله: ثم قال مُتعجباً من كِبَره، وكِبَر زوجته، ومتحققًا للوعد: (أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُون) . "تفسير ابن كثير" (4/541) . فقول إبراهيم عليه السلام " فبِمَ تبشرون " يحتمل الاستفهام، والتعجب معاً، ولا تعارض بينهما. قال الماوردي رحمه الله: (فَبِمَ تُبَشِّرُونَ) فيه وجهان: أحدهما: أنه قال ذلك استفهاماً لهم، هل بشروه بأمر الله؟ ليكون أسكن لنفسه. الثاني: أنه قال ذلك تعجباً من قولهم، قاله مجاهد. "تفسير الماوردى" (3/163، 164) . وقال ابن الجوزي رحمه الله: وهذا استفهام تعجب كأنه عجب من الولد على كبره. "زاد المسير" (4/406) . فأكدوا بشارتهم بالولد، وأنها من الله تعالى، وهي حقٌّ لا ريب فيه. قال ابن كثير رحمه الله: فأجابوه مؤكدين لما بشروه به تحقيقاً، وبشارة بعد بشارة، (قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ) . "تفسير ابن كثير" (4/541) . وقولهم له بعدها (فَلاَ تَكُن مِّنَ القَانِطِينَ) لا يقتضي أنه كان قانطاً، بل هو تلطف من الملائكة في التنبيه له أن لا يصل به الأمر أن يكون في زمرة القانطين، وهذا الأسلوب معروف في التنبيه، ولا يلزم كون المخاطب به منهم، كما قال تعالى لنوح عليه السلام: (فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) هود/46. قال الطاهر بن عاشور رحمه الله: فقالوا: (فَلاَ تَكُنْ مِنَ القَانِطِينَ) ذلك أنه لمَّا استبعد ذلك استبعاد المتعجب من حصوله: كان ذلك أثَراً من آثار رسوخ الأمور المعتادة في نفسه، بحيث لم يقلعه منها الخبر الذي يعلم صدقه، فبقي في نفسه بقية من التردّد في حصول ذلك، فقاربتْ حاله تلك حال الذين يَيأسون من أمر الله، ولما كان إبراهيم عليه السلام منزّهاً عن القنوط من رحمة الله: جاءوا في موعظته بطريقة الأدب المناسب، فنهوه عن أن يكون من زمرة القانطين؛ تحذيراً له مما يدخله في تلك الزمرة، ولم يفرضوا أن يكون هو قانطاً؛ لرفعة مقام نبوءته عن ذلك، وهو في هذا المقام كحاله في مقام ما حكاه الله عنه من قوله: (أَرني كَيْفَ تُحْيي المَوْتَى قَالَ أَوْ لَمْ تُؤمن قَالَ بَلَى وَلكنْ ليَطْمَئنَّ قَلْبي) البقرة/260. وهذا النّهي كقول الله تعالى لنوح عليه السلام: (إنّي أَعظُكَ أَنْ تَكُونَ منَ الجَاهلينَ) هود/46. "التحرير والتنوير" (14/60) . وقال الشيخ الشنقيطي رحمه الله: ولا ينافي كون استفهام إبراهيم للتعجب من كمال قدرة الله: قول الملائكة له فيما ذَكَرَ الله عنهم: (قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بالحق فَلاَ تَكُن مِّنَ القَانِطِينَ) الحجر/55، بدليل قوله: (قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضآلون) الحجر/56؛ لأنه دليل على أن استفهامه ليس استفهام منكر، ولا قانط. قوله تعالى: (قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضّالُّونَ) . بيَّن تعالى في هذه الآية الكريمة أن نبيَّه إبراهيم قال للملائكة: "إنه لا يقنط من رحمة الله جل وعلا إلا الضالون عن طريق الحق". "أضواء البيان" (2/283) . فإبراهيم عليه السلام لم يقنط من رحمة الله، ولا يجوز أن ينسب ذلك إلى الأنبياء، فهم أكمل البشر علماً وعملاً. بل لا يجوز لأحد من المؤمنين أن ييأس ويقنط من رحمة الله. وقد عَدَّ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه "القنوط من رحمة الله" من أكبر الكبائر، رواه عبد الرزاق. فلا يجوز لمؤمن أن يدعو الله تعالى وهو يائس من الإجابة، بل عليه أن يحسن ظنه بالله، ويوقن أنه سيستجيب له، ويعطيه ما سأل، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَة) رواه الترمذي (3479) وحسنه الألباني في صحيح "سنن الترمذي". وكذلك مهما تقدم العمر بالإنسان، وعمل من المعاصي ما عمل، فإن رحمة الله واسعة، يغفر لمن تاب إليه، وندم على ما فعل، ما لم يحضره الموت، قال الله تعالى: (قُلْ يَاعِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر/53، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ) رواه الترمذي (3537) وحسنه الألباني في صحيح "سنن الترمذي". والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 133678 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 112 كيف الجمع بين تمام الدين في قوله تعالى: (الْيَوْم أَكْمَلْتُ لَكُم دينَكُم) واختلاف العلماء؟ [السُّؤَالُ] ـ[الحمد لله، أنا مسلم، ولله الفضل والمنَّة، ولكن أشكلت عليَّ آية في كتاب الله العزيز، وهي (اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُم دينَكُم) فإذا كان الدّين كاملاً - وهو كذلك -، فكيف نجمع بين هذه الآية وبين خلاف العلماء في مسائل كثيرة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ليس هناك تعارض بين كمال الشريعة، وما يوجد من اختلاف بين علماء الإسلام؛ وذلك إذا عُرف المراد من كمال الدّين في الآية، وكماله هو: أصول الدّين، وقواعد الأخلاق، وكليّات الشرع، أما المسائل الجزئية فهي متجددة ولا نهاية لها، ولهذا لم يأت النص من الشرع على حكمها، وإنما يجتهد العلماء في إدخالها في تلك القواعد العامة، أو الاستدلال لها بمختلف الأدلة، كالقياس وغيره، ومن هنا جاء اختلاف العلماء. قال الشاطبي رحمه الله - في بيان معنى الآية -: "المراد: كلياتها، فلم يبقَ للدّين قاعدة يحتاج إليها في الضروريات، والحاجيات، أو التكميليات، إلا وقد بُينت غاية البيان. نعم، يبقى تنزيل الجزئيات على تلك الكليات موكولاً إلى نظر المجتهد؛ فإن قاعدة الاجتهاد أيضاً ثابتة في الكتاب والسنّة، فلا بد من إعمالها، ولا يسع الناس تركها ... ولا يوجد ذلك إلا فيما لا نص فيه، ولو كان المراد بالآية الكمال بحسب تحصيل الجزئيات بالفعل: فالجزئيات لا نهاية لها، فلا تنحصر بمرسوم، وقد نص العلماء على هذا المعنى، فإنما المراد: الكمال بحسب ما يحتاج إليه من القواعد، التي يجري عليها ما لا نهاية له من النوازل" انتهى. "الاعتصام" (1/507) . وقال ابن القيم رحمه الله: "فقد بيَّن الله سبحانه على لسان رسوله بكلامه، وكلام رسوله: جميع ما أمره به، وجميع ما نهى عنه، وجميع ما أحله، وجميع ما حرمه، وجميع ما عفا عنه , وبهذا يكون دينُه كاملا كما قال تعالى: (اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُم دينَكُم وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُم نعْمَتي) " انتهى. "إعلام الموقعين" (1/332) . ثانياً: كمال الدّين، وتمامه، لا يمنع من الاختلاف في فهم آية، أو سبب نزولها، أو صحة حديث، أو فهمه على وجهه الصحيح؛ فليس العلماء على درجة واحدة من العلم، فقد يخفى على واحد منهم ما علمه غيره، وقد يَفهم من النصوص ما لا يفهمه غيره عندما يختفي عليه الدليل الواضح، وهذا كله لا يتعارض مع تمام الدين، بل هو محاولة من المجتهد للوصول إلى حكم الله، فيما لم يأت نص بحكمه، ونظراً لاختلاف الناس في الفهم والعلم فقد وقع الخلاف بينهم في حكم كثير من الجزئيات. قال ابن القيم رحمه الله – متمماً كلامه السابق نقله عنه -: "ولكن قد يقصر فَهم أكثر الناس عن فَهم ما دلّت عليه النصوص، وعن وجه الدلالة، وموقعها، وتفاوت الأمّة في مراتب الفهم عن الله ورسوله: لا يحصيه إلا الله، ولو كانت الأفهام متساوية: لتساوت أقدام العلماء في العلم، ولما خص سبحانه سليمان بفهم الحكومة في الحرث، وقد أثنى عليه، وعلى داود بالعلم، والحكم، وقد قال عمر لأبي موسى في كتابه إليه " الفهم، الفهم فيما أدلي إليك "، وقال علي: " إلا فهماً يؤتيه الله عبداً في كتابه "، وقال أبو سعيد: " كان أبو بكر أعلمَنا برسول الله صلى الله عليه وسلم "، ودعا النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس أن (يفقهه في الدّين ويعلمه التأويل) " انتهى. "إعلام الموقعين" (1/332) . وبهذا يعلم أن اختلاف العلماء لا ينافي كمال الدين. ومن تأمل أسباب اختلاف العلماء: لم يجد فيها سبباً واحداً مرجعه إلى الشرع ذاته، فالتعارض بين الأدلة ليس موجوداً على الحقيقة في نصوص الشرع، بل فقط في نظر المجتهد، وخفاء الأدلة، وعدم العلم بها، أو عدم فهمهما على وجهها: وكل ذلك يؤكد ما قلناه من أن الشريعة كاملة تامّة وإنما يبحث كل مجتهد بما وهبه الله من علم وفهم: لمعرفة الحكم المطابق لمراد الله تعالى في نصوص الوحي. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 133393 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 113 سبب تقديم قوله تعالى في سورة الرحمن (عَلَّمَ الْقُرْآنَ) على قوله (خَلَقَ الْإِنسَانَ) [السُّؤَالُ] ـ[لماذا ذكر في سورة الرحمن: (عَلَّمَ الْقُرْآنَ) قبل (خَلَقَ الْإِنسَانَ) ، وعلمه لمن؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله في هذه السورة العظيمة من سور القرآن الكريم يتعرف الله سبحانه وتعالى إلى خلقه بنعمه عليهم، وآلائه التي ملأت أرجاء السماء والأرض، يذكرهم بها عبوديتهم له عز وجل، ويلزمهم طاعته وابتغاء مرضاته. ولما كان القرآن الكريم النعمة الكبرى والآية العظمى التي أنزلت على الإنسانية جمعاء، بدأ بها عز وجل، وقدمها على كل شيء، حتى على خلق الإنسان نفسه، ليوحي بذلك إلى الغاية التي خلق الإنسان من أجلها، وهي معرفة وحي الله والالتزام به، فلا يشتغل الإنسان بالخلق عن الخالق، ولا بالوسيلة عن المقصد. وذكر الله تعالى خلق الإنسان بعد ذِكْر تعليم القرآن ليبين أن الإنسان هو المقصود بتعليم القرآن. قال الله تعالى: (الرَّحْمَنُ. عَلَّمَ الْقُرْآنَ. خَلَقَ الإنْسَانَ. عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) الرحمن/1-4. قال أبو حيان الأندلسي رحمه الله: "ولما عدّد نعمه تعالى، بدأ مِن نِعَمه بما هو أعلى رتبها، وهو تعليم القرآن، إذ هو عماد الدين ونجاة من استمسك به. ولما ذكر تعليم القرآن ولم يذكر المعلَّم، ذكره بعد في قوله: (خَلَقَ الإنْسَانَ) ، ليُعلم أنه المقصود بالتعليم" انتهى. "البحر المحيط" (10/187) . وقال الألوسي رحمه الله: "ثم أتبع سبحانه نعمة تعليم القرآن بخلق الإنسان فقال تعالى: (خَلَقَ الإنْسَانَ) ؛ لأن أصل النعم عليه، وإنما قدم ما قدم منها لأنه أعظمها، وقيل: لأنه مشير إلى الغاية من خلق الإنسان، وهو كماله في قوة العلم، والغاية متقدمة على ذي الغاية ذِهْنًا، وإن كان الأمر بالعكس خارجا" انتهى. "روح المعاني" (27/99) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وبدأ الله تعالى بتعليم القرآن قبل خلق الإنسان إشارة إلى أن نعمة الله علينا بتعليم القرآن أشد وأبلغ من نعمته بخلق الإنسان، وإلا من المعلوم أن خلق الإنسان سابقٌ على تعليم القرآن، لكن لما كان تعليم القرآن أعظمَ مِنَّةٍ من الله عز وجل على العبد قدمه على خلقه " انتهى. "لقاءات الباب المفتوح" (رقم/188) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 132619 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 114 استفسار عن رأي شيخ الإسلام في آية المباهلة [السُّؤَالُ] ـ[ما هو رأي شيخ الإسلام ابن تيميه في آية المباهلة]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: المباهلة هي الملاعنة، والمقصود منها أن يجتمع القوم إذا اختلفوا في شيء، فيقولوا: لعنة الله على الظالم منا. ينظر: "النهاية في غريب الأثر" (1/439) . وآية المباهلة هي قوله تعالى: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ * فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) . [آل عمران/59-61] وكان سبب نزول هذه الآية أن وفد نصارى نجران حين قدموا المدينة جعلوا يُجادلون في نبي الله عيسى عليه السلام، ويزعمون فيه ما يزعمون من البنوة والإلهية. وقد تصلبوا على باطلهم، بعدما أقام عليهم النبي صلى الله عليه وسلم البراهين بأنه عبد الله ورسوله. فأمره الله تعالى أن يباهلهم. فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المباهلة، بأن يحضر هو وأهله وأبناؤه، وهم يحضرون بأهلهم وأبنائهم، ثم يدعون الله تعالى أن ينزل عقوبته ولعنته على الكاذبين. فأحضر النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم، وقال: هؤلاء أهلي. فتشاور وفد نجران فيما بينهم: هل يجيبونه إلى ذلك؟ فاتفق رأيهم أن لا يجيبوه؛ لأنهم عرفوا أنهم إن باهلوه هلكوا، هم وأولادهم وأهلوهم، فصالحوه وبذلوا له الجزية، وطلبوا منه الموادعة والمهادنة، فأجابهم صلى الله عليه وسلم لذلك. ينظر: "تفسير ابن كثير" (2 /49) ، "تفسير السعدي" (1 /968) . ثانياً: ليس لشيخ الإسلام ابن تيمية رأي خاص في آية المباهلة، بل كلامه فيها ككلام سائر أهل السنة، إلا أنه قد بين بعض المفاهيم المغلوطة التي يحاول البعض أخذها من هذه القصة. ونستطيع أن نلخص كلام شيخ الإسلام في المباهلة في نقاط: 1- إتيان النبي صلى الله عليه وسلم بعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم عند المباهلة ثابت بالأحاديث الصحيحة. قال شيخ الإسلام: " أما أخذه علياً وفاطمة والحسن والحسين في المباهلة فحديث صحيح رواه مسلم عن سعد بن أبي وقاص، قال في حديث طويل: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ (فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ ... ) دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا وَفَاطِمَةَ وَحَسَنًا وَحُسَيْنًا فَقَالَ: اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلِي ". انتهى. "منهاج السنة النبوية" (7 / 123) . 2- ليس في ذلك دلالة على أنهم أفضل هذه الأمة. قال: " لا دلالة في ذلك على الإمامة ولا على الأفضلية ". انتهى. "منهاج السنة النبوية" (7/123) وقال: " ولا يقتضي أن يكون من باهل به أفضل من جميع الصحابة، كما لم يوجب أن تكون فاطمة وحسن وحسين أفضل من جميع الصحابة ". انتهى. "منهاج السنة النبوية" (7 /125) . 3- المباهلة إنما يختار لها الإنسان أقرب الناس منه نسباً، لا أفضلهم عنده. قال شيخ الإسلام: " وسبب دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لهؤلاء فقط: أن المباهلة إنما تحصل بالأقربين إليه، وإلا فلو باهلهم بالأبعدين في النسب وان كانوا أفضل عند الله لم يحصل المقصود.. ". وقال: " وهؤلاء أقرب الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم نسباً، وإن كان غيرهم أفضل منهم عنده، فلم يؤمر أن يدعو أفضل أتباعه؛ لأن المقصود أن يدعو كل واحد منهم أخص الناس به، لما في جِبِلّة الإنسان من الخوف عليه وعلى ذوي رحمه الأقربين إليه ... والمباهلة مبناها على العدل، فأولئك أيضا يحتاجون أن يدعوا أقرب الناس إليهم نسبا، وهم يخافون عليهم ما لا يخافون على الأجانب، ولهذا امتنعوا عن المباهلة لعلمهم بأنه على الحق وأنهم إذا باهلوه حقت عليهم بُهْلة الله، وعلى الأقربين إليهم ". انتهى. "منهاج السنة النبوية" (5/45) 4- سبب تخصيص علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين بالمباهلة أنهم أخص أهل بيته به في ذلك الوقت. قال شيخ الإسلام: " وأما آية المباهلة فليست من الخصائص، بل دعا علياً وفاطمة وابنيهما، ولم يكن ذلك لأنهم أفضل الأمة، بل لأنهم أخص أهل بيته". انتهى. "مجموع الفتاوى" (4/419) وقال: " وآية المباهلة نزلت سنة عشر لما قدم وفد نجران، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم قد بقي من أعمامه إلا العباس، والعباس لم يكن من السابقين الأولين، ولا كان له به اختصاص كعلي. وأما بنو عمه فلم يكن فيهم مثل علي، وكان جعفر قد قتل قبل ذلك ... بمؤتة سنة ثمان، فتعين علي رضي الله عنه ". انتهى. "منهاج السنة النبوية" (7/125) . وقال: " لم يكن عنده إذ ذاك إلا فاطمة، فإن رقية وأم كلثوم وزينب كنَّ قد توفين قبل ذلك ... وإنما دعا حسناً وحسيناً؛ لأنه لم يكن ممن ينسب إليه بالبنوة سواهما، فإن إبراهيم، إن كان موجودا إذ ذاك، فهو طفل لا يُدعى ". انتهى. "منهاج السنة النبوية" (7/ 129) . 5- ليس في آية المباهلة دليل على أحقية علي بن أبي طالب رضي الله عنه للخلافة والإمامة، بزعم أن الله جعله مقام نفس الرسول بقوله: (فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ... ) ، والاتحاد في النفس محال، فلم يبق إلا المساواة له في الولاية العامة. قال شيخ الإسلام: " لا نسلم أنه لم يبق إلا المساواة، ولا دليل على ذلك، بل حمله على ذلك ممتنع، لأن أحداً لا يساوي رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا علياً ولا غيره. وهذا اللفظ في لغة العرب لا يقتضي المساواة، قال تعالى في قصة الإفك (لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا..) ولم يوجب ذلك أن يكون المؤمنون والمؤمنات متساوين. وقد قال الله تعالى في قصة بني إسرائيل (فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ) أي يقتل بعضكم بعضا، ولم يوجب ذلك أن يكونوا متساوين، ولا أن يكون من عبد العجلَ مساوياً لمن لم يعبده. وكذلك قد قيل في قوله (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) أي لا يقتل بعضكم بعضاً، وان كانوا غير متساوين. وقال تعالى (وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) أي لا يلمز بعضكم بعضاً، فيطعن عليه ويعيبه، وهذا نهي لجميع المؤمنين أن لا يفعل بعضهم ببعض هذا الطعن والعيب، مع أنهم غير متساوين، لا في الأحكام، ولا في الفضيلة، ولا الظالم كالمظلوم، ولا الإمام كالمأموم ... فهذا اللفظ يدل على المجانسة والمشابهة، والتجانس والمشابهة يكون بالاشتراك في بعض الأمور، كالاشتراك في الإيمان ". انتهى. "منهاج السنة النبوية" (7 / 123) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 132473 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 115 كيف يتطابق قوله تعالى عن اليهود: (وَضُرِبَتْ عَلَيْهم الذِّلَّةُ وَالمَسْكَنَةُ) مع واقعهم الحالي؟ [السُّؤَالُ] ـ[يقول الله سبحانه وتعالى عن اليهود في السورة رقم 3 آية 112 (باءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة) ، لكن يبدو أن أحوال اليهود حسنة، ويبدو أنهم أثرياء، ويبلون حسناً، فهل بوسعكم - رجاء – التفسير، بارك الله فيكم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الآية الكريمة التي ذكرها السائل هي قوله تعالى: (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) آل عمران/112. وأما معناها: فقد قال ابن كثير رحمه الله: أي: ألزمهم الله الذلة، والصَّغَار، أينما كانوا، فلا يأمنون (إِلا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ) أي: بذمَّة من الله، وهو عَقْد الذمة لهم، وضَرْب الجزية عليهم، وإلزامهم أحكام الملة، (وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ) أي: أمانٌ منهم، ولهم ... . وقوله: (وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ) أي: أُلزموا، فالتزَمُوا بغضب من الله، وهم يستحقونه. (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ) أي: أُلزِموها قَدراً، وشَرْعاً، ولهذا قال: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ) أي: وإنما حملهم على ذلك: الكبْر، والبَغْي، وَالْحسَد، فأعْقَبَهم ذلك: الذِّلة، والصَّغَار، والمسكنة، أبداً، متصلا بذلة الآخرة، ثم قال تعالى: (ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) أي: إنما حَمَلهم على الكفر بآيات الله، وقَتْل رُسُل الله، وقُيِّضوا لذلك: أنّهم كانوا يُكثرون العصيان لأوامر الله عز وجل، والغشيان لمعاصي الله، والاعتداء في شرع الله، فَعِياذًا بالله من ذلك، والله المستعان. " تفسير ابن كثير " (2 / 104) . والذلة التي ضربها الله على اليهود تشمل الذلة القدرية التي قدَّرها الله عليهم، والذلة الشرعية، بمعنى أن الله تعالى أمرنا بإذلالهم، بضرب الجزية عليهم. قال الطبري رحمه الله: و" الذلة " هي الصغار الذي أمر الله جل ثناؤه عبادَه المؤمنين أن لا يعطوهم أماناً على القرار على ما هم عليه من كفرهم به، وبرسوله، إلا أن يبذلوا الجزية عليهم لهم. " تفسير الطبري " (2 / 136) . وقال رحمه الله: أخبرهم الله جل ثناؤه أنه يبدلهم بالعز ذلاًّ، وبالنعمة بؤساً، وبالرضا عنهم غضباً، جزاء منه لهم على كفرهم بآياته، وقتلهم أنبياءه ورسله، اعتداءً، وظلماً منهم بغير حق، وعصيانهم له، وخلافاً عليه. " تفسير الطبري " (2 / 137) . وسبق قول ابن كثير رحمه الله: " أُلزِموها قَدراً، وشَرْعاً ". فالله تعالى قدَّر عليهم الإذلال بسبب كفرهم، وفسادهم، وحكم به عليهم شرعاً بما ضربه عليهم من الجزية. ومن هذا الباب قول تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) الأعراف/ 167. قال ابن كثير رحمه الله: قوله: (لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ) أي: على اليهود، (إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ) أي: بسبب عصيانهم، ومخالفتهم أوامر الله، وشرعه، واحتيالهم على المحارم. ويقال: إن موسى عليه السلام ضرب عليهم الخراج سبع سنين، وقيل: ثلاث عشرة سنة، وكان أول من ضرب اخراج، ثم كانوا في قهر الملوك، من اليونانيين، والكشدانيين، والكلدانيين، ثم صاروا في قهر النصارى، وإذلالهم إياهم، أخذهم منهم الجزية، والخراج، ثم جاء الإسلام، ومحمد عليه أفضل الصلاة والسلام، فكانوا تحت صغاره، وذمته، يؤدون الخراج، والجزية. " تفسير ابن كثير " (3 / 497) . وهذا هو واقع اليهود على مرِّ الأزمان؛ وحتى في هذا العصر الحديث لا تجد لهم محبة، ولا قبولاً في الأرض، وما مذابح الأوربيين لهم في " أوربا " ببعيد، وهم يؤمنون بذلك , ولذلك لا يعيشون إلا منعزلين، منطوين، أو أذلاء يستجدون النصرة من دول الكفر، والمنظمات الدولية. قال ابن القيم رحمه الله في وصف اليهود -: فالأمَّة الغضبية هم اليهود، أهل الكذب، والبهت، والغدر , والمكر، والحيل , قتلة الأنبياء , وأكلة السحت - وهو الربا، والرشوة - أخبث الأمم طوية , وأرداهم سجية , وأبعدهم من الرحمة , وأقربهم من النقمة , عادتهم البغضاء , وديدنهم العداوة والشحناء , بيت السِّحِر، والكذب، والحيل , لا يرون لمن خالفهم في كفرهم وتكذيبهم الأنبياء حرمة , ولا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة , ولا لمن وافقهم حق، ولا شفقة , ولا لمَن شاركهم عندهم عدل , ولا نَصَفَة , ولا لِِمَن خالطهم طمأنينة , ولا أمََنة , ولا لمن استعملهم عندهم نصيحة، بل أخبثهم: أعقلهم، وأحذقهم: أغشهم , وسليم الناصية - وحاشاه أن يوجد بينهم: ليس بيهودي على الحقيقة , أضيق الخلْق صدوراً , وأظلمهم بيوتاً , وأنتنهم أفنيةً , وأوحشهم سجيَّةً , تحيتهم: لعنة , ولقاؤهم: طيرة، شعارهم: الغضب , ودثارهم: المقت. " هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى " (ص 8) . وهذه صفات اتفق عليها القاصي والداني، والقريب والبعيد، ولذلك لوحقوا، وطوردوا، على مر الزمان؛ وحتى في هذا العصر لا ينعمون بالأمان حتى في دولتهم المزعومة. ثانياً: أما ما يقوله الأخ السائل من وجود " الغنى " و " العز " لليهود في زماننا هذا: فهو لا يخالف معنى الآية، وبيان ذلك من وجهين مُجملين: 1. ضرب الذلة والمسكنة على اليهود لازم لا يتخلف، وقد استثنى الله تعالى في " الذلة " – لا المسكنة - بقوله: (إِلا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ) فما تراه هو من هذا، وأما بمجردهم: فهم أحقر من أن يكون لهم عز، ونصر، ولذلك لا يُعرف لهم انتصار في معركة دخلوها وحدهم، ولا يزالون في حاجة إلى الشرق والغرب لتثبيت دولتهم، فإما مددهم من الله ليذل بهم من تركوا دينه، أو حبل من الناس: عهد وميثاق مع المؤمنين، أو تحالف مع دول الكفر لنصرتهم، وتأييدهم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وأمَّا كون اليهود كانوا ينتصرون على العرب: فهذا لا يُعرف، بل المعروف خلافه , والله تعالى قد أخبر بما يدل على ذلك، فقال تعالى: (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) آل عمران / 12، فاليهود من حين ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله، وحبل من الناس: لم يكونوا بمجردهم ينتصرون، لا على العرب، ولا غيرهم، وإنما كانوا يقاتلون مع حلفائهم قبل الإسلام، والذلة ضربت عليهم من حين بعْث المسيح عليه السلام فكذبوه، قال تعالى: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) آل عمران/ 55، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ) الصف/ 14. " مجموع الفتاوى " (1 / 302) . وقال الطاهر بن عاشور رحمه الله: والمعنى: لا يسلمون من الذلّة، إلاّ إذا تلبَّسُوا بعهدٍ من الله، أي: ذمّة الإسلام، أو إذا استنصروا بقبائل أولى بأس شديد، وأمّا هم في أنفسهم: فلا نصر لهم، وهذا من دلائل النُّبوّة؛ فإنّ اليهود كانوا أعزّة بيثربَ، وخيبر، والنضير، وقريظة، فأصبحوا أذلّة، وعمَّتهم المذلّة في سائر أقطار الدنيا. " التحرير والتنوير " (4 / 56) . 2. أن " المسكنة " ليست هي " الفقر "، بل لعلهم أغنى الناس، لكن المسكنة التي ضربها الله عليهم هي إظهار فقرهم، وبُخلهم بما في أيديهم، وقد أخبرنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أنه (لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ) رواه البخاري (6081) ومسلم (1051) ، وأنَّى لهؤلاء هذا الغنى؟! . وقد ردَّ الشيخ العثيمين رحمه الله على ما ذكره الأخ السائل، وقد لخَّصنا كلامه في نقاط، نرجو أن تكون مفيدة. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – في تفسير قوله تعالى: (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ) البقرة/ من الآية 61 -: (وضربت عليهم الذلة والمسكنة) : 1. خبرٌ مِن الله عن بني إسرائيل أنه ضُربت عليهم الذلة والمسْكنة، (الذلة) هذه في الشجاعة، أذلة، لا يقابِلون عدوّاً، قال الله تعالى: (لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ) الحشر/14. 2. و (المَسْكَنة) يعود إلى الفقر، فليس عندهم شجاعة، وليس عندهم غِنى، لا كرماً بالمال، ولا كرماً بالنفس؛ لأن الشجاعة كرم بالنفس، يجود الإنسان بنفسه لإعلاء كلمة الله، والكرم: جود بالمال، ثم - والعياذ بالله - ما حصل لهم هذا، ولا هذا، بل العكس (ضُرِبَت عَلَيْهِم الذِّلَّة) فلا شجاعة عندهم، وضربت عليهم المسكنة فلا جود عندهم، ولهذا لا يوجد أمَّة أفقر من اليهود، ولا أبخل، أي: لا أفقر قلباً منهم، وليس مالاً، وإلا فأموالهم كثيرة. 3. فهذه الذلة - والعياذ بالله - عليهم مضروبة، وكذلك المسْكنة، فإذا قال قائل: الواقع خلاف هذا الأمر؟! قلنا: لا يمكن أن يكون الواقع مخالفاً لكلام الله، ورسوله، وإنما الخطأ في الفهم، والتصور، أما كلام الله: فلا يختلف، فنقول: هذه الآية مطلقة – أي: قوله تعالى: (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ) البقرة/61 - وفي قوله تعالى في آل عمران: (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ) آل عمران/112: يقيِّد هذه الآية، ويصير المعنى: " ضُربت الذلة والمسكنة إلا بحبلٍ مِن الله وحبلٍ مِن الناس "، فإذا وصلهم الله تعالى، أو وصلهم الناس: فإنهم تزول عنهم الذلة، ويكون معهم شجاعة، وقوة. 4. الحبل من الله ما هو؟ قيل: إنه الإسلام، والحبل من الناس: أن يمدهم الناس غير اليهود بما يمدونهم به، فاليهود الموجودون الآن في حبلٍ من الناس يمدهم، وهم النصارى في كل مكان، يمدونهم؛ لأن الله يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) المائدة/51، وهذا خبر، والخبر من الله: لا يُخلف، النصارى تمدهم من جميع أقطار الدنيا، إما علناً وإما سرّاً، وإما مباشراً أو غير مباشرٍ. 5. الحبل من الله قلنا: إنه الإسلام - على ما ذكره كثير من أهل العلم - ويحتمل عندي: أنه أعم من الإسلام؛ لأنهم إذا أسلموا: زال عنهم وصف اليهودية، وصاروا من المسلمين، لكن عندي أنه (حبل من الله) : أن الله قد يسلطهم على غيرهم؛ عقوبةً لهم، قد يُسلَّطون على غيرهم، وتكون لهم الغلبة، عقوبة على الآخرين؛ لعلهم يرجعون إلى الله عز وجل، لا سيما إذا كانوا من أمَّة محمد عليه الصلاة والسلام، وعصوا وأَبعدوا عن هذه الملة: فإن الله عز وجل يسلِّط عليهم مَن شاء مِن خلقه؛ لعلهم يرجعون، وهذا الأمر هو الواقع، لو نظرنا إلى الذين جعلوا أنفسهم في مسير هؤلاء اليهود - وهم العرب -: لوجدنا أكثرهم ضالين - ولا سيما ذوي القيادات منهم - منحرفين عن الحق، بل ربما يصل أمر بعضهم إلى الكفر - والعياذ بالله -، فلذلك يسلَّط عليهم هؤلاء، ويحصل ما يحصل. 6. إذن يزول عنَّا الاشتباه في قوله: (وَضُرِبَت عَلَيْهِم الذِّلَّةُ وَالمَسْكَنَةُ) : " لماذا نراهم الآن في هذه الحال، والآية خبرٌ من الله، وخبر الله حق وصدق، لا يمكن أن يتخلف ": فالجواب: أن هذه الآية مقيَّدة بقوله تعالى (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ) ، وانظر التقييد في " آل عمران ": تقييد في الذلة فقط، لكن المسكنة غير مقيدة، ولذلك هم مضروب عليهم المسكنة أينما كانوا، ولا يمكن أن يبذلوا قرشاً إلا وهم في أملٍ أن يحصلوا درهماً، فالمسكَنة مطلقة، والمذلة مقيدة، (إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنَ الله وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ) . " تفسير سورة البقرة " (الشريط رقم 10، وجه أ) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 132458 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 116 سبب نزول سورة الكافرون [السُّؤَالُ] ـ[ما هو سبب نزول سورة " الكافرون "؟ وما هي قصتها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله جاء في سبب نزول هذه السورة أن كفار قريش عرضوا على النبي صلى الله عليه وسلم أن يعبدوا الله سبحانه وتعالى ويقبلوا ما جاء به، بشرط أن يشاركهم في عبادة آلهتهم الباطلة بعض الزمان، فنزلت هذه السورة تقطع كل مفاوضات لا تفضي إلى تحقيق التوحيد الكامل لله رب العالمين. فعن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن قريشا وعدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطوه مالا فيكون أغنى رجل بمكة، ويزّوجوه ما أراد من النساء، ويطئوا عقبه، فقالوا له: هذا لك عندنا يا محمد، وكفّ عن شتم آلهتنا، فلا تذكرها بسوء، فإن لم تفعل فإنا نعرض عليك خصلة واحدة، فهي لك ولنا فيها صلاح. قال: ما هي؟ قالوا: تعبد آلهتنا سنة: اللات والعزي، ونعبد إلهك سنة، قال: حتى أنْظُرَ ما يأْتي مِنْ عِنْدِ رَبّي. فجاء الوحي من اللوح المحفوظ: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) السورة، وأنزل الله: (قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ) ... إلى قوله: (فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) . رواه ابن أبي حاتم في " التفسير " (10/3471) ، والطبري في " جامع البيان " (24/703) ، والطبراني في " المعجم الصغير " (751) جميعهم من طريق أبي خلف عبد الله بن عيسى الخزاز الحداد، ثنا داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما به. وقال الطبراني: لم يروه عن داود بن أبي هند إلا عبد الله بن عيسى ... أحاديثه أفراد كلها. انتهى. وعبد الله بن عيسى الخزاز ضعيف عند عامة العلماء، لا سيما رواياته عن داود بن أبي هند. انظر ترجمته في " تهذيب التهذيب " (5/353) . وعن سعيد بن مينا مولى البَختري قال: لقي الوليد بن المُغيرة والعاص بن وائل، والأسود بن المطلب، وأميَّة بن خلف، رسولَ الله، فقالوا: يا محمد! هلمّ فلنعبد ما تعبد، وتعبدْ ما نعبد، ونُشركك في أمرنا كله، فإن كان الذي جئت به خيرا مما بأيدينا كنا قد شَرِكناك فيه، وأخذنا بحظنا منه ; وإن كان الذي بأيدينا خيرا مما في يديك كنت قد شَرِكتنا في أمرنا، وأخذت منه بحظك، فأنزل الله: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) حتى انقضت السورة. رواه الطبري في " جامع البيان " (24/703) قال: حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، عن محمد بن إسحاق، قال: ثني سعيد بن مينا مولى البَختري به. وسعيد بن ميناء من أوساط التابعين، فروايته مرسلة ضعيفة. وقال السيوطي رحمه الله: "أخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن وهب قال: قالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم: إن سرك أن نتبعك عاما وترجع إلى ديننا عاما، فأنزل الله: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) إلى آخر السورة. وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن مردويه، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن قريشا قالت: لو استلمت آلهتنا لعبدنا إلهك، فأنزل الله: (قل يا أيها الكافرون) السورة كلها" انتهى. "الدر المنثور" (8/655) . والحاصل: أن الآثار السابقة – وإن ضعفت أسانيد أفرادها – إلا أنها تتقوى بمجموعها، ويشهد بعضها لبعض، خاصة وأنه ليس في متنها ما يستنكر، ووافقت ظاهر القرآن الكريم، ولذلك صحح مضمونها الشيخ الألباني رحمه الله في " صحيح السيرة النبوية " (201) ، وانظر: " السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية " (ص/175) . وأما معنى السورة: فقال ابن جرير الطبري رحمه الله: " يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم - وكان المشركون من قومه فيما ذكر عرضوا عليه أن يعبدوا الله سنة، على أن يعبد نبيّ الله صلى الله عليه وسلم آلتهم سنة - فأنزل الله معرفة جوابهم في ذلك: (قُلْ) يا محمد لهؤلاء المشركين الذين سألوك عبادة آلهتهم سنة، على أن يعبدوا إلهك سنة (يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) بالله (لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ) من الآلهة والأوثان الآن (وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ) الآن (وَلا أَنَا عَابِدٌ) فيما أستقبل (مَا عَبَدْتُمْ) فيما مضى (وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ) فيما تستقبلون أبدا (مَا أَعْبُدُ) أنا الآن، وفيما أستقبل. وإنما قيل ذلك كذلك؛ لأن الخطاب من الله كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أشخاص بأعيانهم من المشركين، قد علم أنهم لا يؤمنون أبدا، وسبق لهم ذلك في السابق من علمه، فأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يؤيسهم من الذي طمعوا فيه، وحدّثوا به أنفسهم، وأن ذلك غير كائن منه ولا منهم في وقت من الأوقات، وآيس نبي الله صلى الله عليه وسلم من الطمع في إيمانهم، ومن أن يفلحوا أبدا، فكانوا كذلك لم يفلحوا ولم ينجحوا، إلى أن قتل بعضهم يوم بدر بالسيف، وهلك بعض قبل ذلك كافرا، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، وجاءت به الآثار " انتهى. " جامع البيان " (24/702) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 132099 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 117 تفسير قوله تعالى: (وَمِنْ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) [السُّؤَالُ] ـ[ (وَمِنْ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمْ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) سألني أحدهم عن معنى الآية السابقة، لكني لم أجبه لأني لا أعرف، فهل بوسعكم رجاء إخباري بمعنى الآية السابقة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: هذه الآية التي في سورة التوبة تتحدث عن الأعراب وليس عن العرب، وفرق بين اللفظين، فالعرب هم الجنس المعروف الذي ينقسم إلى حضر وبدو، والحضر هم ساكنو المدن والقرى، أما البدو فهم " الأعراب " سكان البادية، وهؤلاء هم الذين تخبر عنهم الآيات الكريمات في سورة التوبة. قال النووي رحمه الله: "أهل البادية هم الأعراب، ويغلب فيهم الجهل والجفاء، ولهذا جاء في الحديث: (من بدا جفا) ، والبادية والبدو بمعنًى [واحد] : وهو ما عدا الحاضرة والعمران. والنسبة إليها بدوي " انتهى. "شرح مسلم" (1/169) . وقال الدكتور جواد علي: " المجتمع العربي: بدو وحضر. . ويعرف الحضر، وهم العرب المستقرون بـ " أهل المدر "، عرفوا بذلك لأن أبنية الحضر إنما هي بالمدر. والمدر: قطع الطين اليابس. وورد أن أهل البادية إنما قيل لهم " أهل الوبر "، لأن لهم أخبية الوبر. تمييزاً لهم عن أهل الحضر الذين لهم مبان من المدر. وتطلق لفظة " عرب " على أهل المدر خاصة، أي على الحضر و " الحاضر " و " الحاضرة " من العرب، أما أهل البادية فعرفوا بـ " أعراب ". " انتهى باختصار. " المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام " (4/271) . ثانياً: أما الآيات الواردة في ذلك في سورة التوبة، فهي قول الله تعالى: (الأعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. وَمِنَ الأعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. وَمِنَ الأعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) التوبة/97-99. قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: "أخبر تعالى أن في الأعراب كفارا ومنافقين ومؤمنين، وأن كفرهم ونفاقهم أعظم من غيرهم وأشد، وأجدر: أي: أحرى ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله ... عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سكن البادية جفا، ومن اتبع الصيد غَفَل، ومن أتى السلطان افتتن) رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن غريب .... وقوله: (وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) أي: عليم بمن يستحق أن يعلمه الإيمان والعلم، (حَكِيمٌ) فيما قسم بين عباده من العلم والجهل والإيمان والكفر والنفاق، لا يسأل عما يفعل لعلمه وحكمته. وأخبر تعالى أن منهم (مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ) أي: في سبيل الله (مَغْرَمًا) أي: غرامة وخسارة، (وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ) أي: ينتظر بكم الحوادث والآفات، (عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ) أي: هي منعكسة عليهم والسوء دائر عليهم، (وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) أي: سميع لدعاء عباده، عليم بمن يستحق النصر ممن يستحق الخذلان. وقوله: (وَمِنَ الأعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ) ، هذا هو القسم الممدوح من الأعراب، وهم الذين يتخذون ما ينفقون في سبيل الله قربة يتقربون بها عند الله، ويبتغون بذلك دعاء الرسول لهم، (أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ) أي: ألا إن ذلك حاصل لهم (سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) " انتهى. "تفسير القرآن العظيم" (4/201-202) . وقال العلامة السعدي رحمه الله: " يقول تعالى: (الأعْرَاب) وهم سكان البادية والبراري (أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا) من الحاضرة الذين فيهم كفر ونفاق، وذلك لأسباب كثيرة: منها: أنهم بعيدون عن معرفة الشرائع الدينية والأعمال والأحكام، فهم أحرى (وَأَجْدَرُ أَلا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ) من أصول الإيمان وأحكام الأوامر والنواهي، بخلاف الحاضرة، فإنهم أقرب لأن يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله، فيحدث لهم - بسبب هذا العلم - تصورات حسنة، وإرادات للخير الذي يعلمون، ما لا يكون في البادية. وفيهم من لطافة الطبع والانقياد للداعي ما ليس في البادية، ويجالسون أهل الإيمان، ويخالطونهم أكثر من أهل البادية، فلذلك كانوا أحرى للخير من أهل البادية، وإن كان في البادية والحاضرة، كفار ومنافقون، ففي البادية أشد وأغلظ مما في الحاضرة. ومن ذلك أن الأعراب أحرص على الأموال، وأشح فيها. فمنهم (مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ) من الزكاة والنفقة في سبيل الله وغير ذلك (مَغْرَمًا) أي: يراها خسارة ونقصا، لا يحتسب فيها، ولا يريد بها وجه الله، ولا يكاد يؤديها إلا كرها. (ويَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ) أي: من عداوتهم للمؤمنين وبغضهم لهم، أنهم يودون وينتظرون فيهم دوائر الدهر، وفجائع الزمان، وهذا سينعكس عليهم فعليهم دائرة السوء. وأما المؤمنون فلهم الدائرة الحسنة على أعدائهم، ولهم العقبى الحسنة، (وَاللَّهُ سميع عليم) يعلم نيات العباد وما صدرت عنه الأعمال من إخلاص وغيره. وليس الأعراب كلهم مذمومين، بل منهم (مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) فيسلم بذلك من الكفر والنفاق، ويعمل بمقتضى الإيمان. (وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ) أي: يحتسب نفقته، ويقصد بها وجه الله تعالى والقرب منه. (و) يجعلها وسيلة لـ (صَلَوَاتِ الرَّسُولِ) أي: دعائه لهم، وتبريكه عليهم، قال تعالى مبينا لنفع صلوات الرسول: (أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ) تقربهم إلى الله، وتنمي أموالهم، وتحل فيها البركة. (سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ) في جملة عباده الصالحين إنه غفور رحيم، فيغفر السيئات العظيمة لمن تاب إليه، ويعم عباده برحمته التي وسعت كل شيء، ويخص عباده المؤمنين برحمة يوفقهم فيها إلى الخيرات، ويحميهم فيها من المخالفات، ويجزل لهم فيها أنواع المثوبات. وفي هذه الآية دليل على أن الأعراب كأهل الحاضرة، منهم الممدوح ومنهم المذموم، فلم يذمهم الله على مجرد تعربهم وباديتهم، إنما ذمهم على ترك أوامر الله، وأنهم في مظنة ذلك. ومنها: أن الكفر والنفاق يزيد وينقص ويغلظ ويخف بحسب الأحوال. ومنها: فضيلة العلم، وأن فاقده أقرب إلى الشر ممن يعرفه، لأن الله ذم الأعراب، وأخبر أنهم أشد كفرا ونفاقا، وذكر السبب الموجب لذلك، وأنهم أجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله. ومنها: أن العلم النافع الذي هو أنفع العلوم، معرفة حدود ما أنزل الله على رسوله، من أصول الدين وفروعه، كمعرفة حدود الإيمان، والإسلام، والإحسان، والتقوى، والفلاح، والطاعة، والبر، والصلة، والإحسان، والكفر، والنفاق، والفسوق، والعصيان، والزنا، والخمر، والربا، ونحو ذلك، فإن في معرفتها يُتَمَكَّن من فعلها - إن كانت مأمورا بها، أو تركها إن كانت محظورة، ومن الأمر بها، أو النهي عنها. ومنها: أنه ينبغي للمؤمن أن يؤدي ما عليه من الحقوق، منشرح الصدر، مطمئن النفس، ويحرص أن تكون مغنما، ولا تكون مغرما " انتهى. " تيسير الكريم الرحمن " (394) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131936 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 118 من هو تبع المذكور في القرآن الكريم؟ [السُّؤَالُ] ـ[أريد من فضيلتكم إلقاء بعض الضوء مما ثبت عن تُبع الذي ورد ذكره في الآية: (أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ) والآية (وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ) وهل كان تبع هذا شخصاً؟ وهل كان موحدًا أم كافرًا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذكر الله تعالى في القرآن الكريم " تبعا " هذا في موضعين اثنين، في معرض الإخبار عن كفر قومه وذكر ما حل بهم من عذاب الله وسخطه. قال الله تعالى: (أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ) الدخان/37. وقال سبحانه: (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ. وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ. وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ) ق/12-14. وكان تبع هذا ـ كما ذكر المفسرون ـ أحد ملوك اليمن، وكان مشركاً ثم أسلم، وكان يعبد الله على شريعة موسى عليه السلام، وقد توقف نبينا صلى الله عليه وسلم في شأنه، في بادئ الأمر، هل كان رجلاً صالحاً أم لا؟ ثم بعد ذلك نزل عليه الوحي بأنه كان رجلاً صالحاً، فنهانا عن سبه فقال صلى الله عليه وسلم: (لَا تَسُبُّوا تُبَّعًا، فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ أَسْلَمَ) رواه أحمد في " المسند " (37/519) عن سهل بن سعد رضي الله عنه وقال المحققون: حسن لغيره. وحسنه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (2423) . وقد ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره شيئاً من سيرة تبع هذا، فقال: " كانت حِمْيَر - وهم سبأ - كلما ملك فيهم رجل سموه " تُبَّعًا "، كما يقال: كسرى: لمن ملك الفرس، وقيصر: لمن ملك الروم، وفرعون: لمن ملك مصر كافرا، والنجاشي: لمن ملك الحبشة، وغير ذلك من أعلام الأجناس. ولكن اتفق أن بعض تبابعتهم خرج من اليمن، وسار في البلاد حتى وصل إلى سمرقند، واشتد ملكه وعظم سلطانه وجيشه، واتسعت مملكته وبلاده، وكثرت رعاياه، وهو الذي مَصَّر الحيرة، فاتفق أنه مَرَّ بالمدينة النبوية وذلك في أيام الجاهلية، فأراد قتال أهلها فمانعوه وقاتلوه بالنهار، وجعلوا يَقْرُونه بالليل، فاستحيا منهم وكف عنهم، واستصحب معه حبرين من أحبار يهود كانا قد نصحاه وأخبراه أنه لا سبيل له على هذه البلدة؛ فإنها مُهَاجَرُ نبي يكون في آخر الزمان، فرجع عنها وأخذهما معه إلى بلاد اليمن، فلما اجتاز بمكة أراد هدم الكعبة، فنهياه عن ذلك أيضًا، وأخبراه بعظمة هذا البيت، وأنه من بناية إبراهيم الخليل، وأنه سيكون له شأن عظيم على يدي ذلك النبي المبعوث في آخر الزمان، فعظمها وطاف بها، وكساها الملاء والوصائل والحبير، ثم كر راجعًا إلى اليمن، ودعا أهلها إلى التهود معه، وكان إذ ذاك دين موسى عليه السلام، فيه من يكون على الهداية قبل بعثة المسيح عليه السلام، فتهود معه عامة أهل اليمن. وقد ذكر القصة بطولها الإمام محمد بن إسحاق في كتابه السيرة، وقد ترجمه الحافظ ابن عساكر في تاريخه ترجمة حافلة، أورد فيها أشياء كثيرة مما ذكرنا ومما لم نذكر، وذكر أنه ملك دمشق، وأنه كان إذا استعرض الخيل صُفَّت له من دمشق إلى اليمن. ثم ساق من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أدري الحدود طهارة لأهلها أم لا؟ ولا أدري تبع لعينًا كان أم لا؟ ولا أدري ذو القرنين نبيًّا كان أم ملكا) ، وقال غيره: (أعزيرًا كان نبيًّا أم لا؟) . – رواه أبو داود (4674) - وكأنه - والله أعلم - كان كافرًا ثم أسلم وتابع دين الكليم على يدي من كان من أحبار اليهود في ذلك الزمان على الحق قبل بعثة المسيح عليه السلام، وحج البيت في زمن الجُرهُميين، وكساه الملاء والوصائل من الحرير والحبر، ونحر عنده ستة آلاف بدنة، وعظمه وأكرمه. ثم عاد إلى اليمن. وقد ساق قصته بطولها الحافظ ابن عساكر من طرق متعددة مطولة مبسوطة، عن أبي بن كعب، وعبد الله بن سلام، وعبد الله بن عباس، وكعب الأحبار، وإليه المرجع في ذلك كله، وإلى عبد الله بن سلام أيضًا، وهو أثبت وأكبر وأعلم. وكذا روى قصته وهب بن مُنَبِّه، ومحمد بن إسحاق في السيرة، كما هو مشهور فيها. وقد اختلط على الحافظ ابن عساكر في بعض السياقات ترجمة " تُبَّع " هذا بترجمة آخر متأخر عنه بدهر طويل، فإن " تُبَّعًا " هذا المشار إليه في القرآن أسلم قومه على يديه، ثم لما مات عادوا بعده إلى عبادة الأصنام والنيران، فعاقبهم الله تعالى كما ذكره في سورة سبأ. وقال سعيد بن جبير: كسا " تُبَّعٌ " الكعبة، وكان سعيد ينهى عن سبه. و" تُبَّع " هذا هو تُبَّع الأوسط، واسمه أسعد أبو كُرَيْب بن مَلْكيكرب اليماني، ذكروا أنه ملك على قومه ثلاثمائة سنة وستا وعشرين سنة، ولم يكن في حمير أطول مدة منه، وتوفي قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو من سبعمائة عام، وذكروا أنه لما ذكر له الحبران من يهود المدينة أن هذه البلدة مُهَاجَرُ نبي في الزمان اسمه أحمد قال في ذلك شعرا واستودعه عند أهل المدينة، وكانوا يتوارثونه ويروونه خلفًا عن سلف، وكان ممن يحفظه أبو أيوب خالد بن زيد الذي نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في داره، وهو: شَهِدْتُ عَلَى أَحْمَدَ أنَّه ... رَسُولٌ مِنَ اللهِ بَاري النَّسَم ... فَلَو مُدَّ عُمْري إلى عُمْرِهِ ... لَكُنْت وَزيرا له وابن عَم ... وَجَاهَدْتُ بالسَّيفِ أعْدَاءَهُ ... وَفرَّجتُ عَنْ صَدْرِه كُلَّ غَم ... وذكر ابن أبي الدنيا أنه حُفِر قبر بصنعاء في الإسلام، فوجدوا فيه امرأتين صحيحتين، وعند رءوسهما لوح من فضة مكتوب فيه بالذهب: " هذا قبر حبي ولميس – وروي: حبي وتماضر- ابنتي " تُبَّع "، ماتتا وهما تشهدان أن لا إله إلا الله ولا تشركان به شيئًا، وعلى ذلك مات الصالحون قبلهما. قال قتادة: ذكر لنا أن كعبًا كان يقول في " تُبَّع ": نُعِت نَعْت الرجل الصالح، ذم الله تعالى قومه ولم يذمه، قال: وكانت عائشة تقول: لا تسبوا " تُبَّعًا "؛ فإنه قد كان رجلا صالحًا " انتهى باختصار. " تفسير القرآن العظيم " (7/256-259) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131521 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 119 تفسير قوله تعالى: (لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى) [السُّؤَالُ] ـ[ما سبب نزول الآية في القرآن الكريم: (لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى) حيث إن هناك من يعللها بأن شرب الخمر يجوز بعد الصلاة.. وأستغفر الله العظيم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه الآية تمثل مرحلة من مراحل التشريع الإسلامي في التدرج في تحريم الخمر، فكان التحريم فيها مؤقتاً بوقت الصلاة، وكانوا يشربونها في غير أوقات الصلاة، ثم نزل بعد ذلك التحريم النهائي والقطعي للخمر. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "التدرج في التشريع حتى يصل إلى درجة الكمال، كما في آيات الخمر الذي نشأ الناس عليه وألفوه، وكان من الصعب عليهم أن يجابهوا بالمنع منه منعا باتا، فنزل في شأنه أولا قوله تعالى: (يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا) البقرة/219، فكان في هذه الآية تهيئة للنفوس لقبول تحريمه، حيث إن العقل يقتضي أن لا يمارس شيئا إثمه أكبر من نفعه. ثم نزل ثانيا قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ) النساء/43، فكان في هذه الآية تمرين على تركه في بعض الأوقات، وهي أوقات الصلوات. ثم نزل ثالثا قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ. وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) المائدة/90-92. فكان في هذه الآيات المنع من الخمر منها باتا في جميع الأوقات، بعد أن هيئت النفوس، ثم مرنت على المنع منه في بعض الأوقات" انتهى. " تفسير القرآن " http://www.ibnothaimeen.com/all/books/article_16804.shtml وقد دل على وقوع هذا التدرج في التشريع أحاديث كثيرة: 1- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شِفَاءً. فَنَزَلَتْ الْآيَةُ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ) الْآيَةَ، قَالَ: فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ. قَالَ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شِفَاءً. فَنَزَلَتْ الْآيَةُ الَّتِي فِي النِّسَاءِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى) ، فَكَانَ مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ يُنَادِي: أَلَا لَا يَقْرَبَنَّ الصَّلَاةَ سَكْرَانُ. فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شِفَاءً. فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) قَالَ عُمَرُ: انْتَهَيْنَا) رواه أبو داود (3670) وصححه الألباني في صحيح أبو داود. 2- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (حُرِّمَتْ الْخَمْرُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَهُمْ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَأْكُلُونَ الْمَيْسِرَ، فَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُمَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا) إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، فَقَالَ النَّسُ مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا، إِنَّمَا قَالَ: (فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ) . وَكَانُوا يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمٌ مِنْ الْأَيَّامِ صَلَّى رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ أَمَّ أَصْحَابَهُ فِي الْمَغْرِبِ خَلَطَ فِي قِرَاءَتِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهَا آيَةً أَغْلَظَ مِنْهَا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ) ، وَكَانَ النَّاسُ يَشْرَبُونَ حَتَّى يَأْتِيَ أَحَدُهُمْ الصَّلَاةَ وَهُوَ مُفِيقٌ. ثُمَّ أُنْزِلَتْ آيَةٌ أَغْلَظُ مِنْ ذَلِكَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) فَقَالُوا انْتَهَيْنَا رَبَّنَا) رواه أحمد في " المسند " (14/267) وحسنه المحققون في طبعة مؤسسة الرسالة. وقد انعقد إجماع الأمة إجماعاً قطعياً على تحريم الخمر، وأن شربها من كبائر الذنوب، وأن شاربها تقام عليه العقوبة الشرعية في الدنيا وهي: الحد. وعلى هذا، فالآية المسؤول عنها، هي مرحلة من مراحل تحريم شرب الخمر، وليست هي المرحلة النهائية التي استقر عليها الحكم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131502 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 120 معنى قوله تعالى: (ولا تنس نصيبك من الدنيا) [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى الآية: (وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا) ]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لأهل العلم في تفسير هذه الآية قولان مشهوران: القول الأول: أن المعني: لا تنس نصيبك مما أباح الله لك فيها من المآكل والمشارب والملابس والمساكن والمناكح، فإن لربك عليك حقًّا، ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقا. "تفسير ابن كثير" (6/253) . وهذا قول الحسن وقتادة وابن جريج. وقد سئل الإمام مَالِكٌ رحمه الله عَنْ هذه الآية فَقَالَ: (أَنْ يَعِيشَ وَيَأْكُلَ وَيَشْرَبَ غَيْرَ مُضَيِّقٍ عَلَيْهِ فِي رَأْيٍ) انتهى. "المنتقى" (4 / 302) . ويؤيده قوله تعالى قبلها: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ) أي: استعمل ما وهبك الله من هذا المال الجزيل والنعمة الطائلة، في طاعة ربك والتقرب إليه بأنواع القربات، التي يحصل لك بها الثواب في الدار الآخرة، ولا تنس مع ذلك نصيبك من الدنيا. فلا نأمرك أن تتصدق بجميع مالك وتبقى ضائعا، بل أنفق لآخرتك، واستمتع بدنياك استمتاعا لا يضر دينك، ولا يضر بآخرتك. راجع: "تفسير الطبري" (19 / 625) - "تفسير ابن كثير" (6/253) – "زاد المسير" (6/241) - "تفسير السعدي" (ص/623) . "والإسلام وسط في العمل للدنيا والآخرة، فكل منهما عبادة لله تعالى، وتحقيق لغاية الوجود الإنساني ضمن شروط معينة، بينما تأرجحت المذاهب الأخرى بين الاهتمام بالنواحي المادية الذي يظهر في المدنية الغربية الحديثة، وأصبح معبودها هو المال والقوة والرفاهية والرقي المادي - وبين الإزراء بهذا الرقي المادي والمتاع الدنيوي كما هو الشأن في المذاهب التي تدعو إلى الرهبنة وتعذيب الجسد من أجل الروح وتهذيبها للوصول إلى مرحلة الفناء، أما الإسلام فيقول الله تعالى: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) البقرة /201، وقوله: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) القصص/77 ". "بحوث ندوة أثر القرآن في تحقيق الوسطية ودفع الغلو" (ص/400) . والقول الثاني: لا تنس نصيبك من الدنيا بأن تعمل فيها للآخرة. وهذا القول اختاره أكثر المفسرين، وهو قول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما. قال الشوكاني: "قال جمهور المفسرين: وهو أن يعمل في دنياه لآخرته، ونصيبُ الإنسان: عمرهُ وعملُه الصالح. قال الزجاج: معناه: لا تنس أن تعمل لآخرتك، لأن حقيقة نصيب الإنسان من الدنيا الذي يعمل به لآخرته" انتهى. "فتح القدير" (4/266) . وعن مجاهد قال: عمرك تعمل فيه لآخرتك. "تفسير ابن أبى حاتم" (9 / 3010) . وقال مجاهد أيضا: لا تترك أن تعمل في الدنيا للآخرة حتى تنجو من العذاب، لأن حقيقة نصيب الإنسان من الدنيا أن يعمل للآخرة. "تفسير البغوي" (6 / 221) . وقال عون بن عبد الله: إن قوما يضعونها على غير موضعها (وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا) : تعمل فيها بطاعة الله. "تفسير الطبري" (19 / 524) . وقال الطبري يقول: ولا تترك نصيبك وحظك من الدنيا، أن تأخذ فيها بنصيبك من الآخرة، فتعمل فيه بما ينجيك غدا من عقاب الله. "تفسير الطبري" (19 / 524) . وقال القرطبي: "اختلف فيه؛ فقال ابن عباس والجمهور: لا تضيع عمرك في ألا تعمل عملا صالحا في دنياك؛ إذ الآخرة إنما يعمل لها، فنصيبُ الإنسان: عمره وعمله الصالح فيها، فالكلام على هذا التأويل شدة في الموعظة. وقال الحسن وقتادة: معناه: لا تضيع حظك من دنياك في تمتعك بالحلال وطلبك إياه، ونظرك لعاقبة دنياك. فالكلام على هذا التأويل فيه بعض الرفق به وإصلاح الأمر الذي يشتهيه" انتهى. "الجامع لأحكام القرآن" (13 / 314) . ولا منافاة بين القولين فالمؤمن لا ينسى نصيبه من الدنيا ـ فيتمتع بها تمتعاً مباحاً، لا يجره إلى الحرام، ويستعين بهذا المباح على طاعة الله تعالى، فهو ترويح عن النفس، واستجماع لنشاطها. والمؤمن لا ينسى نصيبه من الدنيا، وهو عمله الصالح الذي سيصحبه في قبره، ولهذا أثنى الله تعالى على من يدعو قائلاً: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) البقرة/201. قال ابن كثير: " فجمعت هذه الدعوةُ كلَّ خير في الدنيا، وصرَفت كلّ شر؛ فإن الحسنة في الدنيا تشملُ كلّ مطلوب دنيوي، من عافية، ودار رحبة، وزوجة حسنة، ورزق واسع، وعلم نافع، وعمل صالح، ومركب هنيء، وثناء جميل، إلى غير ذلك مما اشتملت عليه عباراتُ المفسرين، ولا منافاة بينها، فإنها كلها مندرجة في الحسنة في الدنيا. وأما الحسنة في الآخرة فأعلى ذلك دخول الجنة وتوابعه من الأمن من الفزع الأكبر في العَرَصات، وتيسير الحساب وغير ذلك من أمور الآخرة الصالحة " انتهى. "تفسير ابن كثير" (1/558) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131088 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 121 لا تعارض بين إنجاء الله تعالى أهل نوح عليه السلام وإغراق ولده [السُّؤَالُ] ـ[يقول الله عز وجل في سورة الأنبياء عن نوح عليه السلام: (فاستجبنا له فنجيناه وأهله من الكرب العظيم) ويقول جل وعلا في سورة " الصافات ": (وجعلنا ذريته هم الباقين) ، ولكن يقول الله عن ابن نوح في سورة هود: (فحال بينهما الموج فكان من المغرقين) فكيف يمكن الجمع؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الله تعالى: (وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ. وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ) الأنبياء/76-77. وقد فسر العلماء قوله تعالى: (فنجيناه وأهله) بأن معنى الأهل ههنا هم جميع أتباع نوح عليه السلام الذين آمنوا به، سواء كانوا من قرابته أو لا. قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: " (وأهله) أي: الذين آمنوا به كما قال: (وَأَهْلَكَ إِلا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلا قَلِيلٌ) هود/40" انتهى. "تفسير القرآن العظيم" (5/354) . وقال أبو بكر الجصاص رحمه الله: " الأهل: اسم يقع على الزوجة، وعلى جميع من يشتمل عليه منزله، وعلى أتباع الرجل وأشياعه , قال الله تعالى: (إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ) العنكبوت/33، فكان ذلك على جميع أهل منزله من أولاده وغيرهم , وقال: (فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ) الشعراء/170، ويقع على من اتبعه في دينه كقوله: (وَنُوحاً إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) الأنبياء/76، فسمى أتباعه في دينه أهله ; وقال في ابنه: (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ) هود/46، فاسم الأهل يقع على معاني مختلفة" انتهى. "أحكام القرآن" (2/286) . ويحتمل أن يكون المراد من أهله هنا أقاربه وزوجته، ولكن يستثنى منهم من دل القرآن على استثنائه، وأنه ليس من الناجين، بل من الهالكين، وقد دل القرآن على استثناء ابنه وامرأته. قال العلامة الأمين الشنقيطي رحمه الله: "قوله تعالى في هذه الآية الكريمة: (فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ) يعني إلا من سبق عليه القول من أهله بالهلاك مع الكفرة الهالكين، كما قال تعالى: (قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) ، ومن سبق عليه القول منهم: ابنه المذكور في قوله: (وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ) ، وامرأته المذكورة في قوله: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُواْ امْرَأَةَ نُوحٍ) إلى قوله: (ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَاخِلِينَ) " انتهى. "أضواء البيان" (4/169) . وعلى هذا فليس بين الآيات تعارض بوجه من الوجوه. ولمزيد الفائدة انظر جواب السؤال رقم: (10470) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130950 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 122 الأدب مع الله بإضافة الخير إليه، وإضافة الشر إلى غيره [السُّؤَالُ] ـ[قال تعالى في سورة الكهف (وأما السفينة فأردت أن أعيبها .... وأما الغلام .... فأردنا أن يبدلهما ... وأما الجدار ..... فأراد ربك أن ... ) والسؤال هو: لماذا ذكر في أمر السفينة على لسان الرجل الصالح أردت ونسب الإرادة إلى نفسه فقط , وفي الحالة الثانية نسبة الإرادة إلى الله عز وجل وإلى نفسه , وفي الحالة الثالثة نسبة الإرادة إلى الله فقط , ثم قال: (وما فعلته عن أمري) ؟ فهل هناك تفسير لهذا الأمر من هذا الوجه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قول الخضر عليه السلام عن السفينة: (فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا) هو من التأدب مع الله تعالى، حيث نسب إرادة العيب إلى نفسه، ولم ينسبه إلى الله مع أنه هو الذي قدَّره، تأدباً مع ربه سبحانه. وأما قوله: (فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا) فالإرادة هنا تخصه هو، وهو نبي، يفعل عن أمر الله، كما قال: (وما فعلته عن أمري) فناسب ضمير الجمع. قال القرطبي رحمه الله: " وقال في الغلام: (فأردنا) فكأنه أضاف القتل إلى نفسه، والتبديل إلى الله تعالى " انتهى. "الجامع لأحكام القرآن" (11 / 40) . وأما قوله: (فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) فهو جار على الأصل من نسبة الخير إلى الله تعالى. وقد كان من ثناء النبي صلى الله عليه وسلم على الله تعالى قوله: (وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ) رواه مسلم (771) . قال النووي: " قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْره: فِيهِ الْإِرْشَاد إِلَى الْأَدَب فِي الثَّنَاء عَلَى اللَّه تَعَالَى , وَمَدْحه بِأَنْ يُضَاف إِلَيْهِ مَحَاسِن الْأُمُور دُون مَسَاوِيهَا عَلَى جِهَة الْأَدَب " انتهى. قال ابن القيم: " الطريقة المعهودة في القرآن الكريم هي أن أفعال الإحسان والرحمة والجود تضاف إلى الله سبحانه وتعالى، فيذكر فاعلها منسوبة إليه ولا يبني الفعل معها للمفعول، فإذا جيء بأفعال العدل والجزاء والعقوبة حذف وبني الفعل معها للمفعول أدبا في الخطاب، وإضافته إلى الله تعالى أشرف قسمي أفعاله. فمنه قوله تعالى: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) . [يعني أنه في الإنعام قال: (أنعمت) وفي الغضب قال: (المغضوب عليهم) ولم يقل: غضبت عليهم] . ونظيره قول إبراهيم الخليل صلوات الله وسلامه عليه (الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين) الشعراء/78-80. فنسب الخلق والهداية والإحسان بالطعام والسقي إلى الله تعالى، ولما جاء إلى ذكر المرض قال: (وإذا مرضت) ولم يقل: (أمرضني) وقال: (فهو يشفين) . ومنه قوله تعالى حكاية عن مؤمني الجن: (وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا) الجن/10. فنسبوا إرادة الرشد إلى الرب، وحذفوا فاعل إرادة الشر، وبنوا الفعل للمفعول. ومنه قول الخضر عليه الصلاة والسلام في السفينة (فأردت أن أعيبها) فأضاف العيب إلى نفسه. وقال في الغلامين: (فأراد ربك أن يبلغا أشدهما) الكهف/82 " انتهى مختصرا. "بدائع الفوائد" (2/256) . " ومثله قوله: (ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان) الحجرات/7. فنسب هذا التزيين المحبوب إليه، وقال: (زُيّن للناس حب الشهوات من النساء والبنين ... ) آل عمران/14، فحذف الفاعل المُزَيِّن " "بدائع الفوائد" (2/440) . وقال القرطبي رحمه الله: " أضاف عيب السفينة إلى نفسه رعاية للأدب؛ لأنها لفظة عيب فتأدب بأن لم يسند الإرادة فيها إلا إلى نفسه، كما تأدب إبراهيم عليه السلام في قوله: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) فأسند الفعل قبل وبعد إلى الله تعالى، وأسند إلى نفسه المرض، إذ هو معنى نقصى ومصيبة، فلا يضاف إليه سبحانه وتعالى من الألفاظ إلا ما يستحسن منها دون ما يستقبح، وهذا كما قال تعالى: (بِيَدِكَ الْخَيْرُ) واقتصر عليه فلم ينسب الشر إليه، وإن كان بيده الخير والشر والضر والنفع، إذ هو على كل شيء قدير " انتهى. "الجامع لأحكام القرآن" (11 / 39-40) . وقال ابن كثير في "تفسيره" (6 / 146) : " وقوله: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) أسند المرض إلى نفسه، وإن كان عن قدر الله وقضائه وخلَقْه، ولكن أضافه إلى نفسه أدبا " انتهى. وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: ورد في سورة الكهف على لسان الرجل الصالح في قصته مع موسى عليه السلام، في قوله تعالى: (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ) إلى قوله تعالى: (ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا) لاحظت أنه عند السفينة قال: (فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا) وعند ذكر الأبوين المؤمنين: (فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا) وعند ذكر قصة اليتيمين صاحبي الجدار: (فَأَرَادَ رَبُّكَ) فما الفرق بين التعابير الثلاثة؟ وهل ذلك يعني أن للرجل الصالح إرادة في الأمر مع إرادة الله؟ فأجاب: " الصحيح أن هذا الرجل هو الخضر صاحب موسى عليه الصلاة والسلام، وأنه نبي، وليس مجرد رجل صالح بل الصحيح أنه نبي، ولهذا قال: (وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي) أي: بل عن أمر الله سبحانه وتعالى. وجاء في القصة نفسها في الصحيح أنه قال لموسى: (إنك على علم من علم الله علمك الله إياه لا أعلمه أنا، وأنا على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت) . فدل ذلك على أنه من الأنبياء، ولهذا قال: (فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا) وقال: (وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي) والرسول يعلم إرادة الله حيث جاءه الوحي بذلك. وفي قصة السفينة نسب الأمر إليه (فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا) هذا والله أعلم لأن الرب سبحانه ينسب إليه الشيء الطيب، والعيب ظاهره ليس من الشيء الطيب، فنسبه إلى نفسه تأدبا مع ربه عز وجل، فقال: (فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا) وهذا عيب يراد منه أن تسلم السفينة حتى لا يأخذها الملك ; لأنه كان يأخذ كل سفينة صالحة سليمة فأراد الخضر أن يعيبها لتسلم من هذا الملك إذا رآها معيبة خاربة تسلم من شره وظلمه، فلما كان ظاهر الأمر لا يناسب ولا يليق إضافته لله نسبه لنفسه فقال: (فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا) وعند ذكر الأبوين المؤمنين قال: (فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا) كذلك لما كان أمرا طيبا نسبه إلى نفسه؛ لأنه مأمور من جهة الله عز وجل (أردنا) ، وذكر نون الجمع؛ لأنه نبي، والنبي رجل عظيم فناسب أن يقول: (أردنا) ، ولأنه عن أمر الله وعن توجيه الله فناسب أن يقال فيه: (أردنا) ، ولأنه كان عملا طيبا ومناسبا وفيه مصلحة. ولما كان أمر اليتيمين فيه خير عظيم وصلاح لهما، ومنفعة لهما قال: (فَأَرَادَ رَبُّكَ) فنسب الخير إليه سبحانه وتعالى، وهذا من جنس قول الجن في سورة الجن، حيث قال سبحانه عن الجن: (وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا) الجن/10، فالشر لم يضيفوه إلى الله سبحانه وتعالى، ولما جاء الرشد قالوا: (أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا) فنسبوا الرشد إلى الله سبحانه وتعالى، لأن الرشد خير فنسبوه إلى الله، وأما الشر فلا ينسب إليه، كما جاء في الحديث الصحيح: (والشر ليس إليك) ، وهذا من الأدب الصالح، من أدب الجن المؤمنين، ومن أدب الخضر عليه الصلاة والسلام " انتهى. "فتاوى نور على الدرب" (1 /109-111) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130685 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 123 كيف نمتثل قوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ) ؟ [السُّؤَالُ] ـ[كيف نمتثل هذه الآية ونطبقها في حياتنا، قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نزلت هذه الآية تعلم الصحابة رضوان الله عليهم بعض الآداب في تعاملهم مع النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وتحذرهم من التشبه بحال المنافقين الذين لا يراعون خلقاً ولا أدباً. قال الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) النور/62. قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: "هذا أدب أرشد الله عبادَه المؤمنين إليه، فكما أمرهم بالاستئذان عند الدخول، كذلك أمرهم بالاستئذان عند الانصراف، لا سيما إذا كانوا في أمر جامع مع الرسول صلوات الله وسلامه عليه، من صلاة جمعة أو عيد أو جماعة أو اجتماع لمشورة ونحو ذلك - أمرهم الله تعالى ألا ينصرفوا عنه والحالة هذه إلا بعد استئذانه ومشاورته، وأن من يفعل ذلك فهو من المؤمنين الكاملين. ثم أمر رسوله صلوات الله وسلامه عليه إذا استأذنه أحد منهم في ذلك أن يأذن له إن شاء؛ ولهذا قال: (فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) . عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلِّم، فإذا أراد أن يقوم فليسلِّم، فليست الأولى بأحق من الآخرة) رواه الترمذي وقال: حسن" انتهى باختصار. "تفسير القرآن العظيم" (6/88) . وقال العلامة السعدي رحمه الله: "هذا إرشاد من الله لعباده المؤمنين، أنهم إذا كانوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم على أمر جامع، أي: من ضرورته أو من مصلحته أن يكونوا فيه جميعاً، كالجهاد، والمشاورة، ونحو ذلك من الأمور التي يشترك فيها المؤمنون، فإن المصلحة تقتضي اجتماعهم عليه وعدم تفرقهم، فالمؤمن بالله ورسوله حقاً لا يذهب لأمر من الأمور، لا يرجع لأهله، ولا يذهب لبعض الحوائج التي يشذ بها عنهم إلا بإذن من الرسول أو نائبه من بعده، فجعل موجب الإيمان عدم الذهاب إلا بإذن، ومدحهم على فعلهم هذا، وأدبهم مع رسوله، ووليّ الأمر منهم، فقال: (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) . ولكن هل يأذن لهم أم لا؟ ذكر لإذنه لهم شرطين: أحدهما: أن يكون لشأن من شئونهم، وشغل من أشغالهم، فأما من يستأذن من غير عذر فلا يؤذن له. والثاني: أن يشاء الإذن فتقتضيه المصلحة، من دون مضرة بالآذن، قال: (فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ) ، فإذا كان له عذر واستأذن، فإن كان في قعوده وعدم ذهابه مصلحة برأيه، أو شجاعته، ونحو ذلك، لم يأذن له، ومع هذا إذا استأذن وأذن له بشرطيه، أمر الله رسوله أن يستغفر له، لما عسى أن يكون مقصراً في الاستئذان، ولهذا قال: (وَاسْتَغْفِرْ لَهُم اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) يغفر لهم الذنوب ويرحمهم، بأن جوز لهم الاستئذان مع العذر" انتهى. "تيسير الكريم الرحمن" (576) . ثانياً: أما في زماننا هذا فيمكننا الاستفادة من الآية وامتثالها بطرائق عدة، من أهمّها: 1- الالتزام بأحكام الشريعة وهدي النبي صلى الله عليه وسلم، ففي ذلك استئذان معنوي منه صلى الله عليه وسلم. قال ابن القيم رحمه الله: "فإذا جَعل من لوازم الإيمان أنهم لا يذهبون مذهباً إذا كانوا معه إلا باستئذانه، فأولى أن يكون مِن لوازمه أن لا يذهبوا إلى قول ولا مذهب علمي إلا بعد استئذانه وإذنه، يُعرَف بدلالة ما جاء به على أنه أذن فيه" انتهى من "إعلام الموقعين" (1/51) . 2- استئذان وليّ الأمر أو المسؤول قبل الانصراف من الأمر الجامع الذي هو من مصالح المسلمين. ولذلك بوب الإمام البخاري في صحيحه بقوله: " باب استئذان الرجل الإمام؛ لقوله تعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ) " انتهى. وسبق في كلام السعدي رحمه الله أن هذه الآية في حكم الاستئذان من الرسول صلى الله عليه وسلم ووليّ الأمر. وجاء في "الموسوعة الفقهية" (3/155) : "أقيمت الولايات رعاية للمصالح وحفاظا عليها، واستئذان من له الولاية في حدود ولايته أمر لا بد منه؛ لتستقيم الأمور وتحسم الفوضى، وهذا باب واسع، منه: إذا غزا الأمير بالناس لم يحلّ لأحد ممن معه أن يخرج من المعسكر ليحضر الزاد والعتاد، ولا أن يبارز أحداً من العدو، ولا أن يحدث حدثاً إلا بإذنه؛ لأن الأمير أعرف بحال الناس، وحال العدو، ومكامنهم ومواضعهم وقربهم وبعدهم، فإذا خرج خارج بغير إذنه لم يأمن أن يصادف كميناً للعدو أو طليعة لهم فيأخذوه، أو يرحل الأمير بالمسلمين ويتركه فيهلك، ومن كان مع الجيش في الغزو فأراد الجيش أن ينتقل من موقع لآخر، وأراد بعض الجند التخلف لأمر ما، لا يحل لأحد منهم التخلف عن المسير مع الجيش، إلا بإذن. وإذا جمع الإمام أو الأمير أولي الرأي لاستشارتهم في أمر من الأمور، فليس لأحد منهم أن ينصرف بغير استئذان؛ لأنه قد يحتاج إلى رأيه؛ لقوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) ، والآية ليست خاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الولاة خلفاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في رعاية المصالح العامة فتنطبق عليه الآية" انتهى. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129724 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 124 العلاقة بين آية (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ) وتنامي نفوذ الشيعة الآن [السُّؤَالُ] ـ[أتعتقد أن هذا الحديث له علاقة بما نمر به هذه الأيام من تنامي نفوذ الشيعة؟ وإذا كان الجواب بلا: فما تفسير هذا الحديث: عن أبي هريرة قال: لمَّا نزلت (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) كان سلمان إلى جنب رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم , فقالوا: يا رسول الله من هؤلاء القوم الذين إن تولينا استُبدلوا بنا؟ , قال: فضرب النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم على منكب سلمان , فقال: (مِن هذا وَقَومِه , والذي نفسي بيده لَوْ أنَّ الدّينَ تَعَلَّقَ بالثُّرَيَّا لَنالَتْهُ رِجالٌ من أهْل فارِس) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: هذا الحديث رواه الترمذي (3261) ، وفي إسناده مقال، وقد ضعفه كثير من أهل العلم، قال الترمذي بعد روايته له: غريب في إسناده مقال. وقال البغوي في "شرح السنة" (7/261) : غريب. وقال ابن العربي في "عارضة الأحوذي" (6/330) : روي من طرق كثيرة لم تبلغ مرتبة الصحة. وقال الشوكاني في "فتح القدير" (5/61) : في إسناده مسلم بن خالد الزنجي، فيه مقال معروف. ورأى بعض العلماء أن تعدد طرق الحديث يقوي بعضها يعضاً، كالألباني رحمه الله، ولهذا صححه في صحيح الترمذي. والقطعة الأخيرة من الحديث رواها البخاري (4615) ومسلم (2546) ولفظها: (لَوْ كَانَ الدِّينُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَذَهَبَ بِهِ رَجُلٌ مِنْ فَارِسَ - أَوْ قَالَ مِنْ أَبْنَاءِ فَارِسَ - حَتَّى يَتَنَاوَلَهُ) . وأما اللفظ الآخر وهو: (لَوْ كَانَ الْعِلْمُ بِالثُّرَيَّا لَتَنَاوَلَهُ أُنَاسٌ مِنْ أَبْنَاءِ فَارِسَ) : فقد رواه أحمد في "مسنده" (13/331) وضعفه محققوه، وضعفه الألباني في "السلسلة الضعيفة" (2054) ، وفيها قوله: "وجملة القول: أن الحديث ضعيف بهذا اللفظ: "العلم"، وإنما الصحيح فيه: "الإيمان"، و "الدين". انتهى. ثانياً: هذا الحديث لا يدل على أن أهل فارس أفضل من الصحابة رضي الله عنهم، وذلك للوجوه التالية: الحديث في ذاته ضعيف عند كثير من أهل العلم، كما سبق. على فرض صحة الحديث، فالآية المذكورة فيه وهي قوله تعالى: (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) المراد منها التخويف فقط، وإلا فلا يوجد من هو أفضل من الصحابة رضي الله عنهم، ولا مثلهم. قال القرطبي رحمه الله: "قوله تعالى: (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ) هو إخبار عن القدرة، وتخويف لهم، لا أن في الوجود من هو خير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم" انتهى. " تفسير القرطبي " (18 / 194) . ج. لم يتفق العلماء والمفسرون على تفسير الآية بهذا الحديث، وأن القوم الذين سيأتون هم من فارس. قال الماوردي رحمه الله: " (يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ) فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: أنهم أهل اليمن، وهم الأنصار، قاله شريح بن عبيد. الثاني: أنهم الفرس – وذكر حديث أبي هريرة -. الثالث: أنهم مَن شاء مِن سائر الناس، قاله مجاهد" انتهى. " النكت والعيون " (5 / 307، 308) . 3. وعلى فرض أن الآية في الردة، وأن المقصود بهم العرب، وأن القوم الذين سيحلون مكانهم هم " الفرس ": فإنها تحوي علماً غيبيّاً فيها بشارة للمسلمين من أهل الفرس أنه لا يحدث فيهم ردة عن الدِّين، وفيه إشارة لاحتمال وقوعها من غيرهم، وهو ما حصل بالفعل. قال الطاهر بن عاشور رحمه الله: "وأقول: هو يدل على أن " فارس " إذا آمنوا: لا يرتدون، وهو من دلائل نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن العرب ارتد منهم بعض القبائل بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وارتدّ البربر بعد فتح بلادهم وإيمانهم ثنتي عشرة مرة، فيما حكاه الشيخ أبو محمد بن أبي زيد، ولم يرتد أهل فارس بعد إيمانهم" انتهى. " التحرير والتنوير " (26 / 139) . وعلى هذا؛ فلا تعلق للآية ولا الحديث بانتشار الرافضة في الأرض؛ لأن الكلام عن الفرس المسلمين، والرافضة الفرس ليسوا منهم. فإما أن يقال: لم يحصل تولي عموماً لا عن الطاعة، ولا عن النفقة، فلم يحصل استبدال، أو يقال: حصل التولي من بعض العرب فجاء الله تعالى بالبديل من مسلمي الفرس، فخدموا دين الله تعالى، وساهموا في نشره، وبذلوا أنفسهم وأموالهم في ذلك. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "قال القرطبي: وقع ما قاله صلى الله عليه وسلم عِياناً، فإنه وُجد منهم – أي: من الفرس - من اشتُهر ذِكرُه من حفَّاظ الآثار، والعناية بها، ما لم يشاركهم فيه كثيرٌ من أحدٍ غيرهم" انتهى. " فتح الباري " (8 / 643) . ولمعرفة بعض عقائد الشيعة الروافض التي خالفوا بها المسلمين انظر جواب السؤال رقم (45563) و (118101) و (60046) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128718 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 125 تفسير الإمام الشافعي لقوله تعالى ذلك أدنى ألا تعولوا [السُّؤَالُ] ـ[ما مدى صحة حديث (تزوجوا الولود الودود) ، وعن تفسير الشافعي لقوله تعالى في سورة النساء (ذلك أدنى ألا تعولوا) ، قال في تفسيره: أي لا تكثر عيالكم. كيف يجمع بين الحديث والتفسير إذا كان الحديث صحيحا؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: وردت هذه الآية في شأن اليتيمة تكون في حجر وليها، ثم يرغب في نكاحها، من غير أن يعطيها مهر مثلها. قال الله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا) النساء /3. قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية: " إذا كان تحت حجر أحدكم يتيمة، وخاف ألا يعطيها مهر مثلها، فليعدل إلى ما سواها من النساء فإنهن كثير، ولم يضيق الله عليه. وقوله: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) أي: فإن خشيتم من تعداد النساء ألا تعدلوا بينهن كما قال تعالى: (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ) النساء/129، فمن خاف من ذلك فيقتصر على واحدة، أو على الجواري السراري، فإنه لا يجب قسم بينهن ولكن يستحب، فمن فعل فحسن، ومن لا فلا حرج " انتهى باختصار. " تفسير القرآن العظيم " (2/208-212) . ثانيا: اختلف المفسرون في تفسير قوله تعالى: (ذلك أدنى ألا تعولوا) ، على قولين: القول الأول: ذلك أدنى ألا تظلموا وتجوروا، وهذا قول جماهير المفسرين من الصحابة والتابعين والعلماء المحققين. روي ذلك عن وروى عن ابن عباس، وعائشة، ومجاهد، وعكرمة، والحسن، وأبي مالك وأبي رَزِين والنَّخعي، والشَّعْبي، والضحاك، وعطاء الخراساني، وقتادة، والسُّدِّي، ومُقاتل بن حَيَّان وغيرهم. انظر: تفسير ابن أبي حاتم (4/13) ، تفسير ابن كثير (2/213) . وهذا التفسير المروي عن جمهور السلف والعلماء، قد اختاره أيضا غير واحد من المحققين. ينظر: " مجموع الفتاوى " لابن تيمية (32/70-71) ، " تفسير القرآن العظيم " (2/212) . قال الطحاوي رحمه الله: " ولا نعلمه روي عن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في تأويلها غير هذا القول، وقد روي عن غير واحد من التابعين في تأويلها مثل ذلك أيضا ". انتهى. " شرح مشكل الآثار" (14/429) . القول الثاني: ذلك أدنى ألا تكثر عيالكم. قال الإمام الشافعي رحمه الله: " أَنْ لَا يَكْثُرَ من تَعُولُونَ إذَا اقْتَصَرَ الْمَرْءُ على وَاحِدَةٍ، وَإِنْ أَبَاحَ له أَكْثَرَ منها " انتهى. الأم، للشافعي (6/275) ط دار الوفاء، وانظر: أحكام القرآن للشافعي، جمع البيهقي (1/274) . وروي هذا القول أيضا عن سفيان بن عيينة وزيد بن أسلم. انظر: تفسير ابن كثير (2/212) . وهذا القول الثاني، وإن كان خلاف المشهور في تفسيرها، وخلاف المعنى المتبادر منها، حتى صرح بعض أهل العلم بتغليطه، وأنه لا أصل له في اللغة؛ فقد انتصر لصحته في اللة غير واحد من أهل العلم، وصرح بعضهم بأنه لا تنافي بينه وبين القول الأول. قال الإمام أبو منصور الأزهري رحمه الله: " قال أكثر أهل التفسير: معناه: ذلك أقرب ألا تجوروا وتميلوا. وروى عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أنه قال في قوله (ذلك أدنى ألا تعولوا) : أي أدنى ألا يكثر عيالكم. قلت: وإلى هذا القول ذهب الشافعي، فيما أخبرني عبد الملك عن الربيع عنه. قلت: والمعروف في كلام العرب: عال الرجل يعول، إذا جار، وأعال يُعيل إذا كثر عياله. " وقد روى أبو عمر عن أحمد بن يحيى عن سَلَمة عن الفراء، أن الكسائي قال: عال الرجل يَعيل: إذا افتقر، وأعال الرجل: إذا كثر عياله. قال الكسائي: ومن العرب الفصحاء من يقول: عال يعول: إذا كثر عياله. قلت: وهذا يؤيد ما ذهب إليه الشافعي في تفسير الآية، لأن الكسائي لا يحكى عن العرب إلاّ ما حفظه وضبطه. وقول الشافعي نفسه حجَّة؛ لأنه عربيّ اللسان فصيح اللهجة، وقد اعترض عليه بعض المتحذلقين فخطَّأه؛ وقد عجل ولم يتثبت فيما قال. ولا يجوز للحضريّ أن يعجل إلى إنكار مالا يعرفه من لغات العرب " انتهى. "تهذيب اللغة" (3/194-195) . وقال الزمخشري في تفسيره: " والذي يحكى عن الشافعي رحمه الله..، فوجهه أن يجعل من قولك: عال الرجل عياله يعولهم، كقولهم: مانهم يمونهم، إذا أنفق عليهم، لأنّ من كثر عياله لزمه أن يعولهم، وفي ذلك ما يصعب عليه المحافظة على حدود الكسب وحدود الورع وكسب الحلال والرزق الطيب. وكلام مثله من أعلام العلم وأئمة الشرع ورؤوس المجتهدين، حقيق بالحمل على الصحة والسداد، وأن لا يظنّ به تحريف تعيلوا إلى تعولوا..، وكفى بكتابنا المترجم بكتاب «شافي العيِّ، من كلام الشافعي» شاهداً بأنه كان أعلى كعباً وأطول باعاً في علم كلام العرب، من أن يخفى عليه مثل هذا، ولكن للعلماء طرقاً وأساليب. فسلك في تفسير هذه الكلمة طريقة الكنايات. فإن قلت: كيف يَقِل عيال من تَسَرِّى، وفي السرائر نحو ما في المهائر [أي: الحرائر] ؟ قلت: ليس كذلك، لأن الغرض بالتزوّج التوالد والتناسل، بخلاف التسرِّي، ولذلك جاز العزل عن السراري بغير إذنهن، فكان التسري مظِنَّة لقلة الولد بالإضافة إلى التزوج، كتزوّج الواحدة بالإضافة إلى تزوج الأربع. " انتهى. "الكشاف" (1/469) . وينظر أيضا: الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي، للأزهري (352) ، رد الانتقاد على ألفاظ الشافعي، للبيهقي (115-119) وحواشي محققه، أضواء البيان، للشنقيطي (1/317-318) . ثالثا: بناء على ما سبق فلا إشكال بين الآية السابقة، والأحاديث الصحيحة التي تدل على استحباب تكثير النسل، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: (تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ) رواه أبو داود (رقم/2050) وصححه ابن حجر في " فتح الباري " (9/13) ، والشيخ الألباني في " صحيح أبي داود ". فعلى القول المشهور الذي ذهب إليه الجمهور: لا إشكال ولا تعارض؛ وإنما المراد: الاحتياط للعدل بين الزوجات، أو الاقتصار على واحدة إذا خاف الظلم. وقد ذكر ابن القيم هذا الاستشكال الظاهري بعد أن استعرض مجموعة من الأحاديث التي تدل على فضل الأولاد والأبناء، ثم أجاب عن الاستشكال المبني على تفسير الإمام الشافعي من عشرة أوجه، أهمها: " يتعين الأول – يعني تفسير جماهير العلماء للآية وليس تفسير الشافعي - لوجوه: أحدها: أنه المعروف في اللغة الذي لا يكاد يُعرف سواه، ولا يعرف عال يعول إذا كثر عياله إلا في حكاية الكسائي، وسائر أهل اللغة على خلافه. الثاني: أنه مروي عن عائشة وابن عباس، ولم يعلم لهما مخالف من المفسرين. الثالث: أن الأدلة التي ذكرناها على استحباب تزوج الولود، وإخبار النبي صلى الله عليه وسلم أنه يكاثر بأمته الأمم يوم القيامة ترد هذا التفسير. الرابع: أن سياق الآية إنما هو في نقلهم مما يخافون الظلم والجور فيه إلى غيره، فإنه قال في أولها: (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) فدلهم سبحانه على ما يتخلصون به من ظلم اليتامى، وهو نكاح ما طاب لهم من النساء البوالغ، وأباح لهم منه، ثم دلهم على ما يتخلصون به من الجور والظلم في عدم التسوية بينهن فقال: (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم) ، ثم أخبر سبحانه أن الواحدة وملك اليمين أدنى إلى عدم الميل والجور، وهذا صريح في المقصود. الخامس: أنه من الممتنع أن يقال لهم: إن خفتم ألا تعدلوا بين الأربع فلكم أن تتسروا بمائة سرية وأكثر فإنه أدنى أن لا تكثر عيالكم. السادس: أنه سبحانه قال: (فإن خفتم ألا تعدلوا) ولم يقل: (وإن خفتم ألا تفتقروا أو تحتاجوا) ، ولو كان المراد قلة العيال لكان الأنسب أن يقول ذلك. انتهى ملخصا من " تحفة المودود بأحكام المولود " (ص/17-20) . وعلى القول الثاني في تفسير الآية: يكون الأمر في الحديث عاما: أن يسعى المسلم إلى تكثير النسل، وتكثير سواد المسلمين بالزوجة الولود؛ لكن إن خاف أن يغلب على حق أهله، أو يعجز عن الوفاء بكسبهم المشروع، ونفقتهم الواجبة: فله أن يقتصر على واحدة من الزوجات، وما عنده من الإماء؛ ليكون ذلك أخف لحمله، وأيسر لمؤونته، وأبعد له عن العجز عن مقام الرعاية والكفاية؛ وهذا كما أن الشرع أرشد إلى النكاح إرشادا عاما، ثم إنه أمر من عجز عن ذلك بالعفة وأسبابها، حتى ييسر الله له أمر زواجه. قال تعالى: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) النور/32-33. ونحو ذلك ما رواه البخاري (4678) ومسلم (2485) عن عَبْد اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قال: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَابًا لَا نَجِدُ شَيْئًا فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128619 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 126 كيف عرفت الملائكة أن البشر سيفسدون في الأرض؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل خلق الله البشر أولا أم الملائكة؟ وإذا كان الملائكة، فكيف عرفوا أن البشر سيفسدون في الأرض كما في سورة البقره آيه 30؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا شك أن خلق الملائكة كان سابقا على خلق آدم عليه السلام، فقد أخبرنا الله تعالى في أكثر من موضع من كتابه العزيز أنه أعلم الملائكة بأنه سيخلق بشرا من طين، ثم أمرهم بالسجود له حين يتم خلقه، وذلك دليل ظاهر على أن الملائكة كانوا موجودين قبل خلق البشر. يقول الله تعالى: (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن طِينٍ، فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) ص/71-72 ثانيا: وقد أخبر سبحانه وتعالى في سورة البقرة عن حواره مع الملائكة قبل خلق آدم، وذلك دليل ظاهر أيضا على وجودهم قبل آدم عليه السلام. قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً، قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ، قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) البقرة/30 ولكن كيف عرفت الملائكة أن الخليفة الجديد في الأرض سيفسد فيها ويسفك الدماء؟ اختلف في ذلك أهل العلم على أقوال: القول الأول: أنهم علموا ذلك بإعلام الله تعالى لهم، وإن كان ذلك لم يذكر في السياق. قاله ابن مسعود وابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة وابن زيد وابن قتيبة. كما في "زاد المسير" لابن الجوزي (1/60) وهو قول أكثر المفسرين كما قاله ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (7/382) يقول ابن القيم رحمه الله: " وفي هذا دلالة على أن الله قد كان أعلمهم أن بني آدم سيفسدون في الأرض، وإلا فكيف كانوا يقولون ما لا يعلمون، والله تعالى يقول وقوله الحق (لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعلمون) ، والملائكة لا تقول ولا تعمل إلا بما تؤمر به لا غير، قال الله تعالى (ويفعلون ما يؤمرون) " انتهى. "مفتاح دار السعادة" (1/12) . القول الثاني: أنهم قاسوه على أحوال من سلف قبل آدم على الأرض، وهم الجن، فقد سبقوا الإنسان في الأرض وكانوا يفسدون فيها ويسفكون الدماء، فعلمت الملائكة أن البشر سيكونون على حال من سبقهم. روي نحو هذا عن ابن عباس وأبي العالية ومقاتل. انظر "زاد المسير" (1/61) يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " قول الملائكة: (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) يرجِّحُ أنهم خليفة لمن سبقهم، وأنه كان على الأرض مخلوقات قبل ذلك تسفك الدماء وتفسد فيها، فسألت الملائكة ربها عزّ وجلّ: (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) كما فعل من قبلهم " انتهى. "تفسير القرآن الكريم" (1/آية 30) . القول الثالث: أنهم فهموا ذلك من الطبيعة البشرية. وهو الذي يبدو من اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "منهاج السنة" (6/149) يقول العلامة الطاهر ابن عاشور: " وإنما ظنوا هذا الظن بهذا المخلوق من جهة ما استشعروه من صفات هذا المخلوق المستخلف، بإدراكهم النوراني لهيئة تكوينه الجسدية والعقلية والنطقية، إما بوصف الله لهم هذا الخليفة، أو برؤيتهم صورة تركيبه قبل نفخ الروح فيه وبعده، والأظهر أنهم رأوه بعد نفخ الروح فيه، فعلموا أنه تركيب يستطيع صاحبه أن يخرج عن الجبلة إلى الاكتساب، وعن الامتثال الى العصيان ... ، ومجرد مشاهدة الملائكة لهذا المخلوق العجيب المراد جعله خليفة في الأرض كاف في إحاطتهم بما يشتمل عليه من عجائب الصفات.. " قال: " وفي هذا ما يغنيك عما تكلف له بعض المفسرين من وجه اطلاع الملائكة على صفات الإنسان قبل بدوها منه.. " انتهى مختصرا من "التحرير والتنوير" (1/230) . القول الرابع: أنهم فهموا من قوله تعالى (خليفة) أنه الذي يفصل بين الناس ما يقع بينهم من المظالم، ويردعهم عن المحارم والمآثم، قاله القرطبي "الجامع لأحكام القرآن" (1/302) . والمعنى: أنه إذا كان هناك خليفة يحكم بين الناس في المظالم، فإنه يلزم من ذلك أن هؤلاء الناس تقع منهم المظالم. وأنت ترى أخي السائل أنها أقوال مختلفة ليس على أي منها نصوص صريحة من الكتاب والسنة، إنما هي استنباطات لأهل العلم، قد تصيب وقد تخطئ، وإنما أراد الله تعالى أن نتعلم ما في هذه القصة من العبرة والعظة، وما كرم الله تعالى به الإنسان حين خلق آدم فأسجد له الملائكة، وما سوى ذلك من تفاصيل القصة، لا يضر الجهل بها، لذلك لم يأت الكتاب ببيانها، والله تعالى أعلم بالصواب. تنبيه: ليس في هذا السؤال من الملائكة المكرمين لرب العزة سبحانه، عن خلق آدم وذريته اعتراض على الحكمة، أو معارضة لله سبحانه، فإنهم منزهون عن ذلك. قال ابن كثير رحمه الله: وقول الملائكة هذا ليس على وجه الاعتراض على الله، ولا على وجه الحسد لبني آدم، كما قد يتوهمه بعض المفسرين , وقد وصفهم الله تعالى بأنهم لا يسبقونه بالقول، أي: لا يسألونه شيئاً لم يأذن لهم فيه ,.. وإنما هو سؤال استعلام واستكشاف عن الحكمة في ذلك؛ يقولون: يا ربنا ما الحكمة في خلق هؤلاء، مع أن منهم من يفسد في الأرض ويسفك الدماء؟!! فإن كان المراد عبادتك فنحن نسبح بحمدك ونقدس لك، أي نصلي لك ... ولا يصدر منا شيء من ذلك, وهلا وقع الاقتصار علينا؟ قال الله تعالى مجيباً لهم عن هذا السؤال: {إني أعلم مالا تعلمون} أي: إني أعلم من المصلحة الراجحة في خلق هذا الصنف، على المفاسد التي ذكرتموها، مالا تعلمون أنتم؛ فإني جاعل فيهم الأنبياء، وأرسل فيهم الرسل، ويوجد منهم الصديقون والشهداء والصالحون والعباد والزهاد والأولياء والأبرار والمقربون والعلماء والعاملون والخاشعون والمحبون له تبارك وتعالى المتبعون رسله صلوات الله وسلامه عليهم..) تفسير ابن كثير (1/69) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128573 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 127 الذي يقبض الأرواح ملك واحد أم ملائكة؟. [السُّؤَالُ] ـ[هناك بعض المسيحيين الذين يقولون بوجود بعض المتناقضات في القرآن، ويدّعون بأن القرآن يقول بأن ملك الموت واحد (سورة السجدة: 11) ثم يأتي مرة أخرى ليقول أن ملائكة يتوفون الناس (سورة محمد: 27) . فهل يمكن مساعدتي في الرد على هذا، إنني أعلم أنه لا يوجد متناقضات في القرآن لذا أخبروني ما هو الخطأ في فكرتهم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: أولا: لا شك في أن القرآن كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو كتاب محكم لا اختلاف فيه ولا تناقض. وما يزعمه البعض من وجود تناقض في القرآن فبسبب قصور علمهم وقلة اطلاعهم وتدبرهم لكلام الله. قال تعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ، وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) [النساء/82] قال ابن كثير رحمه الله: " يقول تعالى آمرا لهم بتدبر القرآن، وناهيا لهم عن الإعراض عنه وعن تفهم معانيه المحكمة وألفاظه البليغة، ومخبرا لهم أنه لا اختلاف فيه، ولا اضطراب، ولا تعارض؛ لأنه تنزيل من حكيم حميد، فهو حق من حق ". انتهى من " تفسير القرآن العظيم" (1/529) . ثانياً: جاء في بعض الآيات أن الذي يقبض أرواح الناس ملَك واحد، كما في قوله تعالى: (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) [السجدة/11] ولم يثبت في حديث صحيح تسميته بـ "عزرائيل" كما هو مشهور عند كثير من الناس. وجاء في آيات أخرى أن الناس تتوفاهم ملائكة لا ملَك واحد، كقوله تعالى: (إِنَّ الذين تَوَفَّاهُمُ الملائكة ظالمي أَنْفُسِهِمْ) [النساء: 97] ا. وقوله تعالى: (فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الملائكة يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ) [محمد: 27] وقوله تعالى: (حتى إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ الموت تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ) [الأنعام: 61] إلى غير ذلك من الآيات. ولا تعارض بين هذه الآيات ولا تناقض بحمد الله تعالى، وذلك لأن الموكل بقبض الأرواح ملك واحد، إلا أن له أعواناً يعملون بأمره ويعينونه على ذلك. ومما يدل على وجود أعوان لملك الموت ما رواه الإمام أحمد في مسنده (18063) عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنْ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنْ الْآخِرَةِ، نَزَلَ إِلَيْهِ مَلَائِكَةٌ مِنْ السَّمَاءِ بِيضُ الْوُجُوهِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الشَّمْسُ، مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ، حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ.. فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِي السِّقَاءِ، فَيَأْخُذُهَا، فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَأْخُذُوهَا فَيَجْعَلُوهَا فِي ذَلِكَ الْكَفَنِ وَفِي ذَلِكَ الْحَنُوطِ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ. فَيَصْعَدُونَ بِهَا ... ) الخ، والحديث صححه ابن القيم في " إعلام الموقعين " (1 / 214) ، والألباني في "أحكام الجنائز" صـ 159. فهذا الحديث يدل على أن مع ملك الموت ملائكة آخرين يأخذون من يده الروح حين يأخذها من بدن الميت. قال شيخ المفسرين ابن جرير الطبري: " إن قال قائل: أو ليس الذي يقبض الأرواح ملك الموت، فكيف قيل: (توفته رسلنا) ، و"الرسل" جملة، وهو واحد؟ قيل: جائز أن يكون الله تعالى ذكره أعان ملك الموت بأعوان من عنده، فيتولون ذلك بأمر ملك الموت. فيكون" التوفي" مضافًا إلى ملك الموت، كما يضاف قتلُ من قتله أعوانُ السلطان، وجلدُ من جلدوه بأمر السلطان، إلى السلطان، وإن لم يكن السلطان باشر ذلك بنفسه، ولا وليه بيده ". انتهى من تفسير الطبري (11/410) بتصرف يسير. وقال الإمام أبو المظفر السمعاني: " فإن قيل: قد قال في آية أخرى: (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ) السجدة /11، وقال هاهنا: (تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا) الأنعام /61، فكيف وجه الجمع؟ قيل: قال إبراهيم النخعي: لملك الموت أعوان من الملائكة، يتوفَّوْن عن أمره؛ فهو معنى قوله: (توفته رسلنا) ، ويكون ملك الموت هو المتوفى في الحقيقة؛ لأنهم يصدرون عن أمره، ولذلك نسب الفعل إليه في تلك الآية. وقيل: معناه: ذكر الواحد بلفظ الجمع، والمراد به: ملك الموت. " وقال القرطبي: " والتوفي تارة يُضاف إلى ملك الموت، كما قال: (قل يتوفاكم ملك الموت) . وتارة إلى الملائكة لأنهم يتولون ذلك، كما في قوله: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ) . وتارة إلى الله وهو المتوفي على الحقيقة، كما قال: (الله يتوفى الأنفس حين موتها) " انتهى من " تفسير القرطبي" (7/7) . قال الشيخ ابن عثيمين: " إن ملك الموت له أعوان يعينونه على إخراج الروح من الجسد حتى يوصلوها إلى الحلقوم، فإذا أوصلوها إلى الحلقوم قبضها ملك الموت. وقد أضاف الله تعالى الوفاة إلى نفسه، وإلى رسله أي: الملائكة، وإلى ملك واحد ... ولا معارضة بين هذه الآيات، فأضافه الله إلى نفسه؛ لأنه واقع بأمره، وأضافه إلى الملائكة؛ لأنهم أعوان لملك الموت، وأضافه إلى ملك الموت؛ لأنه هو الذي تولى قبضها من البدن ". انتهى " الشرح الممتع" (5/ 114) وينظر: أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن (6/291) . ثالثاً: ننصحك أخي السائل بالابتعاد عن سماع الشبه، خاصة مع عدم وجود القدرة العلمية على ردها، والانشغال بما ينفعك من العلم النافع والعمل الصالح. فالاستماع إلى الشبهات من أعظم الفتن التي تضر العبد في دينه , ولذلك كان السلف ينهون عن الاستماع لأهل الأهواء والبِدع، فكيف بسماع شبه غير المسلمين!! وللوقوف على خطر الاستماع للشبهات يمكنك الرجوع إلى جواب السؤال (97726) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128486 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 128 تفسير قوله تعالى في وصف الشمس والقمر أنهما دائبان وأنهما في فلك يسبحون [السُّؤَالُ] ـ[ورد في القرآن قول الله تعالى: (وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار) ، وقوله تعالى في سورة " يس ": (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون) فما المقصود بـ " فلك " و " دائبين "؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: هاتان الآيتان من الآيات التي تتحدث عن المظاهر الكونية الباهرة التي تدل على سعة خلق الله تعالى وعظمته، الآية الأولى رقم/33 في سورة الرعد يقول الله تعالى فيها: (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ) وقد ذكر المفسرون لوصف دؤوب الشمس والقمر معاني عدة: أشهرها دوام المسير في هذا الكون الفسيح من غير توقف. ومنها: دوام طاعة الله تعالى والافتقار إلى تدبيره عز وجل. ومنها: دوام نفعهما واستمرار فوائدهما على هذا الكون. يقول الحافظ ابن جرير الطبري رحمه الله: " يتعاقبان عليكم أيها الناس بالليل والنهار، لصلاح أنفسكم ومعاشكم (دَائِبَيْنِ) في اختلافهما عليكم. وقيل: معناه: أنهما دائبان في طاعة الله ... عن ابن عباس، في قوله: (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ) قال: دءوبهما في طاعة الله " انتهى. " جامع البيان " (16/13-14) ويقول الحافظ ابن كثير رحمه الله: " أي: يسيران لا يقران ليلا ولا نهارا " انتهى. " تفسير القرآن العظيم " (4/511) ويقول الرازي رحمه الله: " وقوله: (دَائِبَينَ) معنى الدؤوب في اللغة: مرور الشيء في العمل على عادة مطردة، يقال دأب يدأب دأباً ودؤوباً، قال المفسرون: قوله (دَائِبَينَ) معناه: يدأبان في سيرهما وإنارتهما وتأثيرهما في إزالة الظلمة وفي إصلاح النبات والحيوان، فإن الشمس سلطان النهار، والقمر سلطان الليل، ولولا الشمس لما حصلت الفصول الأربعة، ولولاها لاختلت مصالح العالم بالكلية " انتهى. " مفاتيح الغيب " (19/101) ثانيا: وأما الآية الثانية التي يصف الرب فيها عز وجل الشمس والقمر بالسباحة في الفلك فقد جاء ذلك في موضعين من القرآن الكريم: الأول: قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) الأنبياء/33 والثاني: قوله عز وجل: (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) يس/40 وحاصل تفسير العلماء لهذه الآية هو أنها تصف النجوم والشمس والقمر والأفلاك بالدوران والحركة والسير في الفضاء الفسيح دورانا محكما موزونا. يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله: " (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) أي: يدورون. قال ابن عباس: يدورون كما يدور المغزل في الفلكة. وكذا قال مجاهد: فلا يدور المغزل إلا بالفلكة، ولا الفلكة إلا بالمغزل، كذلك النجوم والشمس والقمر لا يدورون إلا به، ولا يدور إلا بهن، كما قال تعالى: (فَالِقُ الإصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) الأنعام/96. " انتهى. " تفسير القرآن العظيم " (5/341) ويقول العلامة القرطبي رحمه الله: " (كلٌّ) يعني من الشمس والقمر والنجوم والكواكب والليل والنهار (في فلك يسبحون) أي: يجرون ويسيرون بسرعة كالسابح في الماء " انتهى. " الجامع لأحكام القرآن " (11/286) أما تقييد الآيات جريان وسباحة أجرام السماء بكونها (في فلك) ، فقد اختلف العلماء في تفسير شكله وهيئته وحقيقته على أقوال كثيرة، لكنها تتفق في النهاية على المعنى المقصود، وهو أن كل أجرام السماء من نجوم وشمس وقمر تجري وتسبح في فلك خاص، أي: مدار خاص، ونطاق معين، لا تصطدم بغيرها، ولا تختل مسيرتها. يقول العلامة الطاهر ابن عاشور رحمه الله: " والفلك: فسره أهل اللغة بأنه مدار النجوم، وكذلك فسره المفسرون لهذه الآية، ولم يذكروا أنه مستعمل في هذا المعنى في كلام العرب. ويغلب على ظني أنه من مصطلحات القرآن، ومنه أخذه علماء الإسلام، وهو أحسن ما يعبر عنه عن الدوائر المفروضة التي يضبط بها سير كوكب من الكواكب، وخاصة سير الشمس، وسير القمر. والأظهر أن القرآن نقله من فلك البحر، وهو الموج المستدير، بتنزيل اسم الجمع منزلة المفرد، والأصل الأصيل في ذلك كله " فَلْكة المِغْزَل " بفتح الفاء وسكون اللام، وهي خشبة مستديرة في أعلاها مسمار مثني، يدخل فيه الغزل، ويدار لينفتل الغزل " انتهى. " التحرير والتنوير " (17/45) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128067 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 129 الفرق بين الكبائر والصغائر [السُّؤَالُ] ـ[هل من الممكن أن تبينوا لي الفرق بين الكبائر والصغائر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال ابن القيم رحمه الله: " الذنوب تنقسم إلى صغائر وكبائر بنص القرآن والسنة وإجماع السلف وبالاعتبار " انتهى. "مدارج السالكين" (1/315) فمتى عرفنا الكبائر عرفنا الصغائر. وقد تعددت أقوال العلماء في تعريف الكبيرة بعد التسليم بعدم إرادة الحصر في السبع: قال الحافظ: " قِيلَ: الكبيرة مَا يَلْحَقُ الْوَعِيدُ بِصَاحِبِهِ بِنَصِّ كِتَاب أَوْ سُنَّة. وَقَالَ اِبْن عَبْد السَّلَام: لَمْ أَقِف عَلَى ضَابِط الْكَبِيرَة يَعْنِي يَسْلَم مِنْ الِاعْتِرَاض , قَالَ: وَالْأَوْلَى ضَبْطُهَا بِمَا يُشْعِرُ بِتَهَاوُنِ مُرْتَكِبِهَا إِشْعَارَ أَصْغَرِ الْكَبَائِرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا , قَالَ وَضَبَطَهَا بَعْضهمْ بِكُلِّ ذَنْب قُرِنَ بِهِ وَعِيد أَوْ لَعْن. وَقَالَ اِبْن الصَّلَاح: لَهَا أَمَارَات مِنْهَا إِيجَاب الْحَدّ , وَمِنْهَا الْإِيعَاد عَلَيْهَا بِالْعَذَابِ بِالنَّارِ وَنَحْوهَا فِي الْكِتَاب أَوْ السُّنَّة , وَمِنْهَا وَصْف صَاحِبهَا بِالْفِسْقِ , وَمِنْهَا اللَّعْن. وَقَدْ أَخْرَجَ إِسْمَاعِيل الْقَاضِي بِسَنَدٍ صَحِيح عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ قَالَ " كُلّ ذَنْب نَسَبَهُ اللَّه تَعَالَى إِلَى النَّار فَهُوَ كَبِيرَة " وَمِنْ أَحْسَنِ التَّعَارِيفِ قَوْلُ الْقُرْطُبِيّ فِي الْمُفْهِم " كُلّ ذَنْب أُطْلِقَ عَلَيْهِ بِنَصِّ كِتَاب أَوْ سُنَّة أَوْ إِجْمَاع أَنَّهُ كَبِيرَة أَوْ عَظِيم أَوْ أُخْبِرَ فِيهِ بِشِدَّةِ الْعِقَاب أَوْ عُلِّقَ عَلَيْهِ الْحَدّ أَوْ شُدِّدَ النَّكِير عَلَيْهِ فَهُوَ كَبِيرَة ". وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي تَتَبُّع مَا وَرَدَ فِيهِ الْوَعِيد أَوْ اللَّعْن أَوْ الْفِسْق مِنْ الْقُرْآن أَوْ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة وَالْحَسَنَة وَيُضَمّ إِلَى مَا وَرَدَ فِيهِ التَّنْصِيص فِي الْقُرْآن وَالْأَحَادِيث الصِّحَاح وَالْحِسَان عَلَى أَنَّهُ كَبِيرَة. وَقَالَ الْحَلِيمِيّ فِي " الْمِنْهَاج " مَا مِنْ ذَنْب إِلَّا وَفِيهِ صَغِيرَة وَكَبِيرَة , وَقَدْ تَنْقَلِب الصَّغِيرَةُ كَبِيرَةً بِقَرِينَةٍ تُضَمّ إِلَيْهَا , وَتَنْقَلِب الْكَبِيرَةُ فَاحِشَةً كَذَلِكَ , كَقَتْلِ النَّفْس بِغَيْرِ حَقٍّ فَإِنَّهُ كَبِيرَة , فَإِنْ قَتَلَ أَصْلًا أَوْ فَرْعًا أَوْ ذَا رَحِمٍ أَوْ بِالْحَرَمِ أَوْ بِالشَّهْرِ الْحَرَام فَهُوَ فَاحِشَة. وَالزِّنَا كَبِيرَةٌ , فَإِنْ كَانَ بِحَلِيلَةِ الْجَار أَوْ بِذَاتِ رَحِم أَوْ فِي شَهْر رَمَضَان أَوْ فِي الْحَرَم فَهُوَ فَاحِشَة. وَسَرِقَة مَا دُون النِّصَاب صَغِيرَة , فَإِنْ كَانَ الْمَسْرُوق مِنْهُ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ وَأَفْضَى بِهِ عَدَمُهُ إِلَى الضَّعْف فَهُوَ كَبِيرَة " انتهى كلام الحافظ ملخصا. وينظر: "تفسير ابن كثير" (2/285-286) وَسُئِلَ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عَنْ الذُّنُوبِ الْكَبَائِرِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ. هَلْ لَهَا حَدٌّ تُعْرَفُ بِهِ؟ فأجاب: " أَمْثَلُ الْأَقْوَالِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْقَوْلُ الْمَأْثُورُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ: أَنَّ الصَّغِيرَةَ مَا دُونُ الْحَدَّيْنِ: حَدُّ الدُّنْيَا وَحَدُّ الْآخِرَةِ. وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: مَا لَيْسَ فِيهَا حَدٌّ فِي الدُّنْيَا، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْقَائِلِ: كُلُّ ذَنْبٍ خُتِمَ بِلَعْنَةِ أَوْ غَضَبٍ أَوْ نَارٍ فَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ. وَمَعْنَى قَوْلِ الْقَائِلِ: وَلَيْسَ فِيهَا حَدٌّ فِي الدُّنْيَا وَلَا وَعِيدٌ فِي الْآخِرَةِ أَيْ " وَعِيدٌ خَاصٌّ " كَالْوَعِيدِ بِالنَّارِ وَالْغَضَبِ وَاللَّعْنَةِ. وَكَذَلِكَ كُلُّ ذَنْبٍ تُوُعِّدَ صَاحِبُهُ بِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَلَا يَشُمُّ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَقِيلَ فِيهِ: مَنْ فَعَلَهُ فَلَيْسَ مِنَّا وَأَنَّ صَاحِبَهُ آثِمٌ. فَهَذِهِ كُلُّهَا مِنْ الْكَبَائِرِ " انتهى باختصار. "مجموع الفتاوى" (11/650- 652) ، وينظر: "مجموع الفتاوى" (11/658-659) ، "مدارج السالكين" لابن القيم (1/315-327) في بحث له نفيس. وقد جاء ما يفيد بظاهره حصر الكبائر في سبع: فروى البخاري (2767) ومسلم (89) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: (الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ) . وروى الطبراني في "المعجم الأوسط" (5709) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الكبائر سبع: الإشراك بالله وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وقذف المحصنة والفرار من الزحف وأكل الربا وأكل مال اليتيم والرجوع إلى الأعرابية بعد الهجرة) وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (4606) إلا أن الحصر في سبع غير مراد. قال الحافظ في الفتح: " أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قِيلَ لَهُ الْكَبَائِر سَبْع فَقَالَ: هُنَّ أَكْثَرُ مِنْ سَبْع وَسَبْع , وَفِي رِوَايَة عَنْهُ هِيَ إِلَى السَّبْعِينَ أَقْرَبُ , وَفِي رِوَايَة إِلَى السَّبْعمِائَةِ , وَيُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى الْمُبَالَغَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ اِقْتَصَرَ عَلَى سَبْع " انتهى. وها هنا ثلاثة أمور ينبغي الالتفات إليها والتفطن لها: أولها: أن الإصرار على الصغيرة قد يجعلها كبيرة. قالَ الْقَرَافِيُّ: الصَّغِيرَةُ لَا تَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ وَلَا تُوجِبُ فُسُوقًا , إلَّا أَنْ يُصِرَّ عَلَيْهَا فَتَكُونُ كَبِيرَةً. . . فَإِنَّهُ لَا صَغِيرَةَ مَعَ إصْرَارٍ , وَلَا كَبِيرَةَ مَعَ اسْتِغْفَارٍ كَمَا قَالَ السَّلَفُ. . . وَيَعْنُونَ بِالِاسْتِغْفَارِ التَّوْبَةَ بِشُرُوطِهَا , لَا طَلَبَ الْمَغْفِرَةِ مَعَ بَقَاءِ الْعَزْمِ " انتهى. "الموسوعة الفقهية" (34/156) وقال ابن القيم رحمه الله: " الإصرار على الصغيرة قد يساوي إثمه إثم الكبيرة أو يربى عليها " انتهى. "إغاثة اللهفان" (2/151) وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " إذا أصر الإنسان على الصغيرة وصار هذا ديدنه صارت كبيرة بالإصرار لا بالفعل، مكالمة المرأة على وجه التلذذ حرام وليس بكبيرة، ولكن إذا أصر الإنسان عليه وصار ليس له هم إلا أن يشغل الهاتف على هؤلاء النساء ويتحدث إليهن صار كبيرة، فالإصرار على الصغيرة يجعلها كبيرة من حيث الإصرار؛ لأن إصراره على الصغيرة يدل على تهاونه بالله عز وجل، وأنه غير مبال بما حرم الله " انتهى بمعناه. "لقاء الباب المفتوح" (172/5) ثانيها: أن الاستهانة بالصغائر مهلكة؛ فقد روى أحمد (3808) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ) . وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ لَهُنَّ مَثَلًا: (كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا أَرْضَ فَلَاةٍ فَحَضَرَ صَنِيعُ الْقَوْمِ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْطَلِقُ فَيَجِيءُ بِالْعُودِ وَالرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْعُودِ حَتَّى جَمَعُوا سَوَادًا فَأَجَّجُوا نَارًا وَأَنْضَجُوا مَا قَذَفُوا فِيهَا) . صححه الألباني في "صحيح الترغيب" (2470) راجع إجابة السؤال رقم (22422) واجتناب الكبائر مكفرة للصغائر. أنه لا يخلو أحد من ذنب يأتيه في عيشه، إما بينه وبين ربه، وإما بينه وبين الخلق، فليجتهد أن يطهر صحيفته دائما، وليعلم أنه إذا اتقى المهلكات، والكبائر والموبقات، غفر الله له ما بين ذلك من اللمم. قال الله تعالى: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا) النساء/31، وقال سبحانه: (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ) النجم/32 قال الحافظ ابن حجر رحمه اله: " قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْمُرَاد بِاللَّمَمِ مَا ذَكَرَهُ اللَّه فِي قَوْله تَعَالَى: (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ) وَهُوَ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ. وَقَالَ فِي الْآيَة الْأُخْرَى: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) فَيُؤْخَذ مِنْ الْآيَتَيْنِ أَنَّ اللَّمَم مِنْ الصَّغَائِر وَأَنَّهُ يُكَفَّر بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِر " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127480 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 130 مختصر قصة أهل الكهف [السُّؤَالُ] ـ[كنت أتحدث مع والدي، فأخبرني أن هناك سورة في القرآن تتحدث عن أهل الكهف، وأن لها فضلاً خاصاً. فهل بالإمكان أن تبينوا لي ما قصة أهل الكهف، وما فضل هذه السورة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سورة الكهف سورة مكية، عدد آياتها (110) آيات، والكهف هو الغار في الجبل. وقد تضمنت هذه السورة قصصا أربعة، وهي قصة أصحاب الكهف، وقصة صاحب الجنتين، وقصة موسى والخضر، وقصة ذي القرنين. وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن فضلها أنه (مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْف عُصِمَ مِنْ الدَّجَّالِ) رواه مسلم (809) . وعَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الْكِلاَبِىِّ قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الدَّجَّالَ فَقَالَ: (إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ، وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ، وَاللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ فَإِنَّهَا جِوَارُكُمْ مِنْ فِتْنَتِهِ) رواه أبو داود (رقم/4321) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ". وورد في فضل قراءتها يوم الجمعة أيضا أحاديث أخر يمكن مراجعتها في الجواب رقم: (10700) وخلاصة قصة أصحاب الكهف أنها قصة شبان (فتية) فروا من قومهم خشية الفتنة في دينهم. قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في شأنهم: " قال كثير من المفسرين والمؤرخين وغيرهم: كانوا في زمن ملك يقال له دقيانوس، وكانوا من أبناء الأكابر، واتفق اجتماعهم في يوم عيد لقومهم، فرأوا ما يتعاطاه قومهم من السجود للأصنام والتعظيم للأوثان، فنظروا بعين البصيرة، وكشف الله عن قلوبهم حجاب الغفلة، وألهمهم رشدهم، فعلموا أن قومهم ليسوا على شيء، فخرجوا عن دينهم، وانتموا إلى عبادة الله وحده لا شريك له " انتهى. " البداية والنهاية " (2/135) وقال الشيخ ابن سعدي رحمه الله: " وهم فتية وفقهم الله، وألهمهم الإيمان، وعرفوا ربهم، وأنكروا ما عليه قومهم من عبادة الأوثان، وقاموا بين أظهرهم معلنين فيما بينهم عقيدتهم، خائفين من سطوة قومهم، فقالوا: {رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا} أي: إن دعونا غيره. {شَطَطًا} أي: زورا وبهتانا وظلما. {هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} الكهف /14 و 15. فلما اتفقوا على هذا الأمر، وعرفوا أنهم لا يمكنهم إظهار ذلك لقومهم، سألوا الله أن يسهل أمرهم فقالوا: {رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} الكهف /10. فأووا إلى غار يسره الله غاية التيسير، واسع الفجوة، بابه نحو الشمال لا تدخله الشمس، لا في طلوعها ولا في غروبها، فناموا في كهفهم بحفظ الله ورعايته ثلاثمائة سنة وازدادوا تسعا، وقد ضرب الله عليهم نطاقا من الرعب على قربهم من مدينة قومهم، ثم إنه في الغار تولى حفظهم بقوله: {وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ} الكهف /18؛ وذلك لئلا تُبلي الأرضُ أجسادهم، ثم أيقظهم بعد هذه المدة الطويلة: {لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ} ، وليقفوا في آخر الأمر على الحقيقة: {قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ} [الكهف: 19] إلى آخر القصة. ففيها آيات بينات وفوائد متعددة: ومنها: أن قصة أصحاب الكهف وإن كانت عجيبة، فليست من أعجب آيات الله؛ فإن لله آيات عجيبة وقصصا فيها عبرة للمعتبرين. ومنها: أن من أوى إلى الله أواه الله، ولطف به، وجعله سببا لهداية الضالين ; فإن الله لطف بهم في هذه النومة الطويلة، إبقاء على إيمانهم وأبدانهم من فتنة قومهم وقتلهم، وجعل هذه النومة من آياته التي يستدل بها على كمال قدرة الله، وتنوع إحسانه، وليعلم العباد أن وعد الله حق. ومنها: الحث على تحصيل العلوم النافعة والمباحثة فيها؛ لأن الله بعثهم لأجل ذلك، وببحثهم، ثم بعلم الناس بحالهم، حصل البرهان والعلم بأن وعد الله حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها. ومنها: الأدب فيمن اشتبه عليه العلم أن يرده إلى عالمه، وأن يقف عند ما يعرف. ومنها: صحة الوكالة في البيع والشراء، وصحة الشركة في ذلك، لقولهم: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ} . ومنها: جواز أكل الطيبات، والتخير من الأطعمة ما يلائم الإنسان ويوافقه، إذا لم تخرج إلى حد الإسراف المنهي عنه، لقوله: {فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ} . ومنها: الحث [على] التحرز والاستخفاء، والبعد عن مواقع الفتن في الدين، واستعمال الكتمان الذي يدرأ عن الإنسان الشر. ومنها: بيان رغبة هؤلاء الفتية في الدين، وفرارهم من كل فتنة في دينهم، وتركهم لأوطانهم وعوائدهم في الله. ومنها: ذكر ما اشتمل عليه الشر من المضار والمفاسد الداعية لبغضه وتركه، وأن هذه الطريقة طريقة المؤمنين. ومنها: أن قوله: {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا} الكهف /21، فيه دليل على أن هؤلاء القوم الذين بعثوا في زمانهم أناس أهل تدين؛ لأنهم عظموهم هذا التعظيم حتى عزموا على اتخاذ مسجد على كهفهم، وهذا إن كان ممنوعا - وخصوصا في شريعتنا - فالمقصود بيان أن ذلك الخوف العظيم من أهل الكهف وقت إيمانهم ودخولهم في الغار أبدلهم الله به بعد ذلك أمنا وتعظيما من الخلق، وهذه عوائد الله فيمن تحمل المشاق من أجله أن يجعل له العاقبة الحميدة. ومنها: أن كثرة البحث وطوله في المسائل التي لا أهمية لها لا ينبغي الانهماك به، لقوله: {فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا} الكهف /22. ومنها: أن سؤال من لا علم له في القضية المسئول فيها، أو لا يوثق به: منهي عنه، لقوله: {وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا} الكهف/22. " انتهى. تيسير اللطيف المنان، لابن سعدي (421-424) . ويمكن مراجعة قصتهم مطولة في كتاب " البداية والنهاية " (2/133-139) للحافظ ابن كثير رحمه الله. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127317 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 131 تفسير قوله تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) [السُّؤَالُ] ـ[أرجو تفسير قوله تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "هذه الآية عظيمة، تدل على: أن العلماء، وهم العلماء بالله وبدينه وبكتابه العظيم وسنة رسوله الكريم، هؤلاء هم أكمل الناس خشية لله، وأكملهم تقوى لله وطاعة له سبحانه، وعلى رأسهم: الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام. فمعنى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ) أي الخشية الكاملة من عباده: العلماء، وهم الذين عرفوا ربهم بأسمائه وصفاته وعظيم حقه سبحانه وتعالى، وتبصروا في شريعته، وآمنوا بما عنده من النعيم لمن اتقاه، وما عنده من العذاب لمن عصاه وخالف أمره، فهم لكمال علمهم بالله، وكمال معرفتهم بالحق كانوا أشد الناس خشية لله، وأكثر الناس خوفا من الله وتعظيما له سبحانه وتعالى، وليس معنى الآية: أنه لا يخشى الله إلا العلماء، فإن كل مسلم ومسلمة وكل مؤمن ومؤمنة يخشى الله عز وجل ويخافه سبحانه، لكن الخوف متفاوت، ليسوا على حد سواء، فكلما كان المؤمن أعلم بالله وأفقه في دينه كان خوفه من الله أكثر وخشيته أكمل، وهكذا المؤمنة كلما كانت أعلم بالله وأعلم بصفاته وعظيم حقه كان خوفها من الله أعظم، وكانت خشيتها لله أكمل من غيرها، وكلما قَلَّ العلم وقَلَّت البصيرة قَلَّ الخوف من الله وقَلَّت الخشية له سبحانه، فالناس متفاوتون في هذا حتى العلماء متفاوتون، فكلما كان العالم أعلم بالله، وكلما كان العالم أقوم بحقه وبدينه وأعلم بأسمائه وصفاته كانت خشيته لله أكمل ممن دونه في هذه الصفات، وكلما نقص العلم نقصت الخشية لله، ولكن جميع المؤمنين والمؤمنات كلهم يخشون الله سبحانه وتعالى على حسب علمهم ودرجاتهم في الإيمان؛ ولهذا يقول جل وعلا: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) البينة/7، 8، وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) الملك/12، وقال تعالى: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) الرحمن/46، فهم مأجورون على خشيتهم لله، وإن كانوا غير علماء وكانوا من العامة، لكن كمال الخشية يكون للعلماء؛ لكمال بصيرتهم وكمال علمهم بالله، فتكون خشيتهم لله أعظم؛ وبهذا يتضح معنى الآية ويزول ما يتوهم بعض الناس من الإشكال في معناها، والله ولي التوفيق" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (24/268-270) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126876 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 132 لماذا أمات الله بني إسرائيل بالصاعقة ثم أحياهم؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان الناس سيموتون جميعهم ثم يحييهم الله جميعا يوم القيامة , فلماذا أمات الله بني إسرائيل بالصاعقة ثم أحياهم مرة أخرى؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذكر الله تعالى في كتابه الكريم قصة صعق بني إسرائيل، ثم بعثهم بعد الموت، في موضعين اثنين، وقد جاءا في سياق الحديث عن بني إسرائيل وما أنعم الله به عليهم، وذكر حالهم وما قابلوا تلك النعم بالكفر والجحود والنسيان. يقول الله تعالى: (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ. ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) البقرة/55-56. ويقول سبحانه: (يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا) النساء/153. فقد كانت الصاعقة عقوبة لهم على جرأتهم على الله، وإصرارهم على التعنت في السؤال، والتكلف في تحقيق أسباب الإيمان، ومكابرتهم رغم كل الآيات والبراهين التي أراهم الله عز وجل، ومع ذلك سألوا الله أن يروه جهرة في الدنيا، وعلقوا إيمانهم بهذه الآية، وقد تعالى جل وعلا عن أن تراه العيون الضعيفة الكليلة في الدنيا، وإنما تراه في الجنة، فعاقبهم بالموت بالصاعقة التي أخذتهم أخذا شديدا، ولكنه سبحانه لحلمه وعفوه وصفحه وتجاوزه عن عباده بعثهم بعد الموت إلى الدنيا، ليعلموا عظيم نعمة الله عليهم، ويشكروه سبحانه على إمهاله لهم، ومنحهم الفرصة مرة أخرى للتوبة والأوبة، فكانت الصاعقة عقوبة لهم، وكان البعث بعد الموت آية ومنحة منه سبحانه ليعتبروا ويذكروا بها، ثم يشكروا نعمة الله تعالى عليهم حق شكره، ولذلك ختم الآية في سورة البقرة بقوله: (لعلكم تشكرون) يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله: " اذكروا نعمتي عليكم في بعثي لكم بعد الصعق إذ سألتم رؤيتي جهرة عيانًا، مما لا يستطاع لكم ولا لأمثالكم، كما قال ابن جريج. قال ابن عباس في هذه الآية: (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً) ، قال: علانية " انتهى باختصار. " تفسير القرآن العظيم " (1/264) ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " قوله تعالى: (وإذ قلتم يا موسى) أي: واذكروا أيضاً يا بني إسرائيل إذ قلتم ... ؛ والخطاب لمن كان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن إنعامه على أول الأمة إنعام على آخرها؛ فصح توجيه الخطاب إلى المتأخرين مع أن هذه النعمة على من سبقهم. قوله تعالى: (لن نؤمن لك) أي: لن ننقاد، ولن نصدق، ولن نعترف لك بما جئت به. قوله تعالى: (فأخذتكم الصاعقة) يعني الموت الذي صعقوا به. وقوله تعالى: (بعثناكم من بعد موتكم) : هذه نعمة كبيرة عليهم أن الله تعالى أخذهم بهذه العقوبة، ثم بعثهم ليرتدعوا؛ ويكون كفارة لهم؛ ولهذا قال تعالى: (لعلكم تشكرون) أي: تشكرون الله سبحانه وتعالى؛ و " لعل " هنا للتعليل " انتهى باختصار. " تفسير سورة البقرة " (1/191) يقول الطاهر بن عاشور رحمه الله: " وكان ذلك إرهابا لهم وزجرا، ولذلك قال: (بظلمهم) ، والظلم هو المحكي في سورة البقرة من امتناعهم من تصديق موسى إلى أن يروا الله جهرة، وليس الظلم لمجرد طلب الرؤية؛ لأن موسى قد سأل مثل سؤالهم مرة أخرى: حكاه الله عنه بقوله: (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) الآية " انتهى. " التحرير والتنوير " (4/301) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125716 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 133 كيف التوفيق بين قوله تعالى ما كان محمد أبا أحد من رجالكم وحديث إن ابني هذا سيد [السُّؤَالُ] ـ[يقول الله تعالى: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) وعند البخاري وغيره يقول صلى الله عليه وسلم في حق الإمام الحسن رضي الله عنه: (ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين) سؤالي رعاك الله: هل يصح أن نقول إن الإمام الحسن أو الحسين أبناء النبي صلى الله عليه وسلم لما سبق من قوله صلى الله عليه وسلم؟ أم إنهم يدخلون في عموم قوله تعالى: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم. . الآية) فيما يخص النهي عن التبني بشكل عام، ويدخل فيه تبني رجل أحدا ليس من صلبه مباشرة، وإن كان من سلالته وإن نزلت؟ وهل منزلة البنوة التي أثبتها صلى الله عليه وسلم في الحديث المذكور آنفاً حقيقية أم مجازية؟ وفقكم الله، وفتح عليكم من واسع فضله وعلمه.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس بين الآية والحديث تعارض والحمد لله، وإنما يقوم التعارض في ذهن بعض السامعين بسبب عدم تمكنهم من تصور مقصود السياق تصوراً تاما. فالآية الكريمة إنما تتحدث عن شأن زواج النبي صلى الله عليه وسلم من زينب بعد أن طلقها زيد بن حارثة الذي كان قد تبناه النبي صلى الله عليه وسلم قبل تحريم التبني، فأنزل الله تعالى هذه الآيات الكريمات ليزيل ما قد يقع في قلوب بعض الناس من إنكار زواج النبي صلى الله عليه وسلم من زوجة ابنه بالتبني سابقا، فذكر عز وجل أن التبني باطل، وأنه لا تنبني عليه أحكام أبوة النسب الحقيقي، فقال عز وجل: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37) مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا (38) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (39) مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) الأحزاب/37-39. ومعلوم أنه ولد للنبي صلى الله عليه وسلم أربعة من الأولاد الذكور، وولد له حفيدان اثنان من ابنته فاطمة رضي الله عنهما، وليس هؤلاء الأولاد محل إشكال ولم يدخلوا في النفي أصلا، لأسباب عدة: 1- أن سياق الآيات لا يقصدهم أصلا، بل يقصد نفي وجود أبوة نسب بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أحد من المسلمين كي لا تنكر قلوبهم زواجه من زينب رضي الله عنها، ولذلك جاءت الآية بلفظ الخطاب فقال: (من رجالكم) ، فلا يدخل فيه أصلا أبناء النبي صلى الله عليه وسلم. 2- أن أبناءه الذكور صلى الله عليه وسلم ماتوا جميعا قبل بلوغ الحلم، وهذا من حكمة الله عز وجل، لما في ذلك من تقرير ختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم، ونفي توهم كون النبوة تنتقل بالوراثة بين الأب وأبنائه، وأما الحسن والحسين فهما وإن كانا من أحفاده صلى الله عليه وسلم لكنهما لا ينتسبان إليه من جهة الأبوة، بل ينتسبان إلى أبيهما علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولذلك كان بقاؤهما أحياء بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم من حكمة الله عز وجل أيضا، فلم يدَّعِ أحد لهما النبوة بعد جدهما من أمهما النبي صلى الله عليه وسلم، فلا تعارض مع نفي أبوة النبي صلى الله عليه وسلم لأحد من رجال المسلمين. 3- ثم إن الآية نفت أبوة النبي صلى الله عليه وسلم الحقيقية لأحد من المسلمين، وليس الأبوة المجازية، وأبوة الرجل لأحفاده من جهة ابنته أبوة مجازية، بل أبوة النبي صلى الله عليه وسلم لسائر المسلمين أبوة مجازية، وفي تفسير بعض الصحابة لقول الله تعالى: (وأزواجه أمهاتهم) قال: وهو أب لهم. وننقل هنا كلام أهل العلم في هذه الآية، وفي بعضه جواب عن التعارض الذي عرض للسائل الكريم: قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: " وقوله: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ) نهى تعالى أن يقال بعد هذا: " زيد بن محمد " أي: لم يكن أباه وإن كان قد تبناه، فإنه صلوات الله عليه وسلامه لم يعش له ولد ذكر حتى بلغ الحلم؛ فإنه ولد له القاسم، والطيب، والطاهر، من خديجة، فماتوا صغارا، وولد له إبراهيم من مارية القبطية، فمات أيضا رضيعا، وكان له من خديجة أربع بنات: زينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة، رضي الله عنهم أجمعين، فمات في حياته ثلاث، وتأخرت فاطمة حتى أصيبت به، صلوات الله وسلامه عليه، ثم ماتت بعده لستة أشهر " انتهى. " تفسير القرآن العظيم " (6/428) ونحوه في " معالم التنزيل " للبغوي (6/358) ، و" اللباب " لابن عادل (15/557) . وقال بهاء الدين ابن قدامة (682هـ) رحمه الله: " وقول النبي صلى الله عليه وسلم للحسن: (إن ابني هذا سيد) – رواه البخاري (2704) - مجاز بالاتفاق، بدليل قول الله تعالى: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله) " انتهى. " الشرح الكبير " (6/224) ويقول ابن حجر الهيتمي رحمه الله: " فقوله تعالى: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم) إنما سيق لانقطاع حكم التبني، لا لمنع هذا الإطلاق المراد به أنه أبو المؤمنين في الاحترام والإكرام " انتهى. " الصواعق المحرقة " (2/462) وجاء في " الدرر السنية " (13/368) : " وسئل أيضا الشيخ عبد الله بن الشيخ عن قوله تعالى: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ) سورة الأحزاب آية/40 هل هذه الآية قطعت كون رسول الله صلى الله عليه وسلم والدا للحسن والحسين، مع ما ورد من الأحاديث الدالة على تسميتهما ابنين له؟ فأجاب: سبب نزول الآية يزيل هذا الإشكال ; وذلك أنه ذكر المفسرون: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوج زينب قال الناس: تزوج امرأة ابنه، وأنزل الله هذه الآية – يعني: زيد بن حارثة – يعني: لم يكن أبا لرجل منكم على الحقيقة، حتى يثبت بينه وبينه ما يثبت بين الأب وولده من حرمة الصهر والنكاح. فإن قيل: قد كان له أبناء: القاسم، والطيب، والطاهر، وإبراهيم، وقال للحسن: (إن ابني هذا سيد) ؟ فالجواب: أنهم قد خرجوا من حكم النفي بقوله: (من رجالكم) ، وهؤلاء لم يبلغوا مبلغ الرجال. وأجاب بعضهم: بأنه ليس المقصود أنه لم يكن له ولد فيحتاج إلى الاحتجاج في أمر بنيه بأنهم كانوا ماتوا، ولا في أمر الحسن والحسين بأنهما كانا طفلين، وإضافة (رجالكم) إلى المخاطبين يخرج من كان من بنيه، لأنهم رجاله لا رجال المخاطبين " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125443 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 134 دراسة ترجمة الطبطبائي للتفسير المسمى بـ تفسير الميزان [السُّؤَالُ] ـ[هل التفسير المسمَّى بـ " تفسير الميزان " الذي قام بتأليفه الطبطبائي موثوق به، ولماذا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: مؤلف كتاب " الميزان في تفسير القرآن " من كبار الشيعة ومقدَّميهم، وهو محمد حسين، بن محمد، المتصل نسبه بالطباطبائي التبريزي، نسبة إلى " تبريز " ثاني مدن إيران بعد طهران. ولد سنة (1903م) ، وأقام في " قم " يُعَلِّم ويتعلَّم حتى صار من كبار المتصدرين للتدريس والفتوى والتأليف في مدارس الشيعة هناك، ولما توفي سنة (1981م) أعلنت الدولة الحداد الرسمي. إذا علم ذلك فلا يسع المسلم إلا أن يتوقف فيما يرد في مؤلفات هذا الكاتب ابتداء، لما عليه الشيعة الاثنا عشرية (الرافضة) من انحراف عقائدي خطير. ثانيا: هذا الكتاب " الميزان في تفسير القرآن " يُعَدُّ أولَ تفسير شيعي جديد بعد تفسيري " مجمع البيان " للطبرسي، و " التبيان " للطوسي، كانت بداياته على شكل محاضرات يلقيها الطباطبائي على طلابه، صدر المجلد الأول منه سنة (1956م) ، وتوالت أجزاؤه حتى بلغ (20) مجلدا، وترجم إلى الإنجليزية والفارسية. هذه المعلومات ملخصة من رسالة ماجستير مقدمة إلى الجامعة الأردنية عام (1994م) " تفسير محمد حسين الطباطبائي الميزان في تفسير القرآن: دراسة منهجية ونقدية " للباحث: يوسف الفقير، (ص/6-23) ثالثا: لنا على هذا التفسير الكثير من الملاحظات، منها: 1- تشكيكه بوقوع النقص في القرآن الكريم - وهذا كفر نعرفه عن كثير من علماء الشيعة -، فقد قال وهو يتحدث عن توثيق النص القرآني بطرق عدد من الروايات في جمع القرآن: " وبالجملة الذي تدل عليه هذه الروايات أن الموجود فيما بين الدفتين من القرآن هو كلام الله تعالى، فلم يزد فيه شيء، ولم يتغير منه شيء، وأما النقص فإنها لا تفي بنفيه نفيا قطعيا " انتهى. " الميزان " (12/125) ويقول أيضا: " وبالجملة الروايات السابقة كما ترى آحاد محفوفة بالقرائن القطعية نافية للتحريف بالزيادة والتغيير قطعا، دون النقص إلا ظنا، ودعوى بعضهم التواتر من حيث الجهات الثلاثة لا مستند لها " انتهى. " الميزان " (12/126) 2- التفسير الباطني الذي هو في حقيقته خروج عن الشريعة باسم الكشف والإلهام والفتوحات، تجد ذلك في " تفسير الميزان " عند تفسير قوله تعالى: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) النور/35 فهو ينقل البحث الروائي عن الإمام الصادق أنه سئل عن هذه الآية فقال: هو مثل ضربه الله لنا، فالنبي والأئمة صلوات الله عليهم من دلالات الله وآياته التي يهتدي بها إلى التوحيد ومصالح الدين. ثم يعلق الطباطبائي فيقول: " الرواية من قبيل الإشارة إلى بعض المصاديق، وهو من أفضل المصاديق، وهو النبي صلى الله عليه وسلم والطاهرون من أهل بيته عليهم السلام، وإلا فالآية تعم بظاهرها غيرهم من الأنبياء والأوصياء والأولياء " انتهى. " الميزان " (15/141) 3- كثرة الموضوعات والمكذوبات والأحاديث التي لا أصل لها، والتي يقرر من خلالها عقائد ومبادئ باطلة، وهذه أمثلتها لا تحصى كثرة. يقول الدكتور محمد حسين الذهبي رحمه الله: " وأشهر تعاليم الإمامية الاثني عشرية أمور أربعة: العصمة، والمهدية، والرجعة، والتقية. أما العصمة: فيقصدون منها أن الأئمة معصومون من الصغائر والكبائر في كل حياتهم، ولا يجوز عليهم شيء من الخطأ والنسيان. وأما المهدية: فيقصدون منها الإمام المنتظر الذي يخرج في آخر الزمان، فيملأ الأرض أمناً وعدلاً بعد أن مُلئت خوفاً وجوراً، وأول مَن قال بهذا هو " كيسان " مولى عليّ بن أبي طالب في محمد ابن الحنفية، ثم تسرَّبت إلى طوائف الإمامية فكان لكل منها مهدي منتظر. وأما الرجعة: فهي عقيدة لازمة لفكرة المهدية، ومعناها: أنه بعد ظهور المهدي المنتظر يرجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى الدنيا، ويرجع عليّ، والحسن، والحسين، بل وكل الأئمة، كما يرجع خصومهم، كأبي بكر وعمر، فيُقتص لهؤلاء الأئمة من خصومهم، ثم يموتون جميعاً، ثم يحيون يوم القيامة. وأما التقية: فمعناها المداراة والمصانعة، وهي مبدأ أساسي عندهم، وجزء من الدين يكتمونه عن الناس، فهي نظام سري يسيرون على تعاليمه، فيدعون في الخفاء لإمامهم المختفي، ويظهرون الطاعة لمن بيده الأمر، فإذا قويت شوكتهم أعلنوها ثورة مسلحة في وجه الدولة القائمة الظالمة " انتهى. " التفسير والمفسرون " (3/65-66) وتفسير " الميزان " مليء بهذه العقائد الفاسدة، ولتعرف مثالا واحدا من الاستدلالات الفاسدة التي يأتي بها المؤلف في هذا الكتاب، فانظر كيف يستدل على عقيدة الرجعة – بكل خصوصياتها وتعلقاتها - بقوله تعالى: (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ) النمل/83، فيقول: " ظاهر الآية أن هذا الحشر في غير يوم القيامة – ثم ذكر سببا ساقطا لهذا التوجيه المتهافت - " انتهى. " الميزان " (15/400) 5- تقرير الكتاب لرؤوس المسائل الفقهية التي ضل فيها الشيعة وخالفوا ما أجمع عليه المسلمون فيها، مثل نكاح المتعة، فقد نصر القول بجوازه وأنكر على القائلين بحرمته في أكثر من موضع في كتابه، انظر " الميزان " (4/279-316) 6- المراجع والمصادر التي ينقل منها الطباطبائي هي – في أغلبها – من كتب الشيعة الغارقة في الضلالة، كتفسير " الصافي " لمؤلفه الحاقد ملا محسن الكاشاني المعروف بالفيض الكاشاني الذي ملأ كتابه بالطعن على الخلفاء الراشدين وأمهات المؤمنين، نقل عنه في " الميزان " (1/309) ، وقد بلغت هذه القائمة نحوا من (83) كتابا – كما عدها الباحث يوسف الفقير في دراسته " تفسير محمد حسين الطباطبائي الميزان في تفسير القرآن: دراسة منهجية ونقدية " (ص/83) -. 7- وغير ذلك من المخالفات العقائدية الكلامية: مثل مسائل صفات الله تعالى، ورؤية الله يوم القيامة، وغير ذلك، وقد سار في أغلبها على ما يقول به المعتزلة من أقوال تخالف الكتاب والسنة. يمكن مراجعة هذه المسائل عند الباحث يوسف الفقير (ص/139-160) . والخلاصة أننا نحذر من قراءة هذا الكتاب إلا للمتخصصين الذي يميزون الغث من السمين، ويعرفون الحق من الباطل، أما عامة الناس فلا يجوز لهم إقحام أنفسهم في هذه المتاهات من الشبهات التي تطمس نور القلب والعقل. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125203 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 135 من يؤتى كتابه بشماله سيؤتاه من وراء ظهره [السُّؤَالُ] ـ[كيف نجمع بين قول الله تعالى: (وأما من أوتي كتابه بشماله) وقوله: (وأما من أوتي كتابه وراء ظهره) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الجمع بينهما أن يقال: يأخذه بشماله لكن تخلع الشمال إلى الخلف من وراء ظهره، والجزاء من جنس العمل، فكما أن هذا الرجل جعل كتاب الله وراء ظهره، أعطي كتابه يوم القيامة من وراء ظهره، جزاءً وفاقاً" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" رحمه الله (2/42) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125105 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 136 تفسير قوله تعالى: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا) [السُّؤَالُ] ـ[ما تفسير قوله تعالى: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الورود في الآية الكريمة: هو المرور على الصراط المنصوب على متن جهنم، فقد دلت الأحاديث والآثار الكثيرة على أن الصراط ينصب على جهنم، ويمر الناس عليه على قدر أعمالهم. ونوصيك بمراجعة تفسير ابن كثير في ذلك؛ لمزيد الفائدة. وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود، الشيخ عبد الله بن غديان. "فتاوى اللجنة الدائمة" (4/258) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125099 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 137 لا يقبل التفسير العلمي للقرآن إذا خالف تفسير السلف [السُّؤَالُ] ـ[هل إذا فسر أحد المتأخرين آيات القرآن تفسيراً علمياً الآن، هل نرد تفسيره؛ لأن السلف كان لهم تفسير مخالف لهذا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا فسر المتأخرون الآية بتفسير لم يتكلم فيه السابقون، وكان لا يخالف، فإنه يؤخذ به، مثل تفسير كثير من الآيات الكونية بما ثبت الآن مما كان مجهولاً من قبل. أما إذا كان يخالف ما كان عليه السلف مخالفةً واضحة كتفسير (الاستواء على العرش) بـ (الاستيلاء على العرش) ، فهذا يجب أن يُرَدَّ، ولا يجوز قبوله" انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. "لقاءات الباب المفتوح" (2/108) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125098 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 138 الشر من خلق الله ونفي نسبته إلى الله من التأدب اللفظي [السُّؤَالُ] ـ[قال تعالى: (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا. مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا) النساء/78-79. سؤالي هو: هل الشر من عند أنفسنا أم من عند الله عز وجلّ؟ لأن بعض غير المسلمين يعدّون هذا الأمر تناقضا في القرآن الكريم. فهلا وضحتم لنا هذا الأمر.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فهم هذه الآية يسير على من يسره الله عليه، فهي من الآيات المحكمات في كتاب الله المبين، ليس فيها تناقض ولا تعارض إلا في أذهان بعض الحاقدين، ساعدهم جهلهم باللغة ومعاني القرآن الكريم، فظنوا أن قوله تعالى: (وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) يعني أن المصائب التي هي (السيئة) هنا يخلقها الإنسان نفسه، وهذا جهل بالغ لا يقع فيه إلا أعجمي نزعته عجمته، أو عربي مفتون غلبه هواه، وذلك أن حرف الجر (مِن) هنا – في قوله تعالى: (فمن نفسك) - تعني السببية، أي: بسببك أنت أيها الإنسان، بسبب معصيتك ومخالفتك أمر الله تعالى تصيبك المصائب، كما قال عز وجل: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) الشورى/30. يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله: " قوله: (وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ) أي: خِصب ورزق من ثمار وزروع وأولاد ونحو ذلك، هذا معنى قول ابن عباس وأبي العالية والسدي. (يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ) أي: قحط، وجدب، ونقص في الثمار والزروع، أو موت أولاد أو نتاج، أو غير ذلك، كما يقوله أبو العالية والسدي. (يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ) أي: من قِبَلك، وبسبب اتباعنا لك، واقتدائنا بدينك، كما قال تعالى عن قوم فرعون: (فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ) الأعراف/131، وكما قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ [فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وِإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ) الحج/11. (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) أي: الجميع بقضاء الله وقدره، وهو نافذ في البَرّ والفاجر، والمؤمن والكافر. قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) أي: الحسنة والسيئة. وكذا قال الحسن البصري. ثم قال تعالى مخاطبًا للرسول صلى الله عليه وسلم، والمراد جنس الإنسان ليحصل الجواب: (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ) أي: من فضل الله ومنِّه ولطفه ورحمته. (وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) أي: فمن قِبَلك، ومن عملك أنت، كما قال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) الشورى/30، قال السدي، والحسن البصري، وابن جُريج، وابن زيد: (فَمِنْ نَفْسِكَ) أي: بذنبك. وقال قتادة: (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) عقوبة يا ابن آدم بذنبك. قال: وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: (لا يصيب رجلا خَدْش عود، ولا عثرة قدم، ولا اختلاج عِرْق، إلا بذنب، وما يعفو الله أكثر) وهذا الذي أرسله قتادة قد روي متصلا في الصحيح: (والذي نفسي بيده، لا يصيب المؤمن هَمٌّ ولا حَزَنٌ، ولا نَصَبٌ، حتى الشوكة يشاكها إلا كَفَّر الله عنه بها من خطاياه) " انتهى باختصار. " تفسير القرآن العظيم " (2/361-363) ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " قال تعالى: (ما أصابك من حسنة فمن الله) أي: ما أصابك من نصر ورزق وعافية فمن الله، نعمة أنعم بها عليك وإن كانت بسبب أعمالك الصالحة، فهو الذي هداك وأعانك ويسرك لليسرى ومنَّ عليك بالإيمان وزيَّنه في قلبك، وكرَّه إليك الكفر والفسوق والعصيان. وفي آخر الحديث الصحيح الإلهي حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى: (يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه) وفي الحديث الصحيح: (سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي؛ فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. من قالها إذا أصبح موقنا بها فمات من يومه ذلك دخل الجنة، ومن قالها إذا أمسى موقنا بها فمات من ليلته دخل الجنة) ثم قال تعالى: (وما أصابك من سيئة) مِن ذل، وخوف، وهزيمة، كما أصابهم يوم أحد (فمن نفسك) أي بذنوبك وخطاياك، وإن كان ذلك مكتوبا مقدرا عليك، فإن القدر ليس حجة لأحد، لا على الله، ولا على خلقه، ولو جاز لأحد أن يحتج بالقدر على ما يفعله من السيئات لم يعاقَب ظالم، ولم يقاتَل مشرك، ولم يُقم حد، ولم يَكف أحد عن ظلم أحد، وهذا من الفساد في الدين والدنيا، المعلوم ضرورة فساده للعالَم بصريح المعقول المطابق لما جاء به الرسول " انتهى. " مجموع الفتاوى " (8/113-114) ويقول العلامة السعدي رحمه الله: " يخبر تعالى عن الذين لا يعلمون، المعرضين عما جاءت به الرسل، المعارضين لهم: أنهم إذا جاءتهم حسنة أي: خصب وكثرة أموال وتوفر أولاد وصحة، قالوا: (هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) ، وأنهم إن أصابتهم سيئة أي: جدب وفقر ومرض وموت أولاد وأحباب، قالوا: (هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ) أي: بسبب ما جئتنا به يا محمد، تطيروا برسول الله صلى الله عليه وسلم كما تطير أمثالهم برسل الله، كما أخبر الله عن قوم فرعون أنهم قالوا لموسى: (فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ) ، وقال قوم صالح: (قالوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ) ، وقال قوم ياسين لرسلهم: (إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ) الآية. فلما تشابهت قلوبهم بالكفر تشابهت أقوالهم وأعمالهم، وهكذا كل من نسب حصول الشر أو زوال الخير لما جاءت به الرسل أو لبعضه فهو داخل في هذا الذم الوخيم. قال الله في جوابهم: (قُلْ كُلٌّ) أي: من الحسنة والسيئة، والخير والشر. (مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) أي: بقضائه وقدره وخلقه. ثم قال تعالى: (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ) أي: في الدين والدنيا (فَمِنَ اللَّهِ) هو الذي مَنَّ بها ويسرها بتيسير أسبابها. (وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ) في الدين والدنيا (فَمِنْ نَفْسِكَ) أي: بذنوبك وكسبك، وما يعفو الله عنه أكثر. فالله تعالى قد فتح لعباده أبواب إحسانه وأمرهم بالدخول لبره وفضله، وأخبرهم أن المعاصي مانعة من فضله، فإذا فعلها العبد فلا يلومن إلا نفسه، فإنه المانع لنفسه عن وصول فضل الله وبره " انتهى. " تيسير الكريم الرحمن " (ص/188) وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " قول الله عز وجل: (وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله) النساء/78، ثم يقول في الآية التي بعدها: (ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك) النساء/79، فكيف الجمع بينهما؟ فأجاب: الجمع بينهما أن الآية الأولى تقديرا، يعني من الله، هو الذي قدرها، والآية الثانية سببا يعني: أن ما أصابك من سيئة فأنت السبب، والذي قدر السيئة وقدر العقوبة عليه هو الله " انتهى. " لقاءات الباب المفتوح " (لقاء رقم/15، سؤال رقم/15) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 124504 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 139 تفسير قوله تعالى (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة) [السُّؤَالُ] ـ[برجاء التكرم بتفسير الآية رقم 1،2،3 من سورة النور: (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين) ]ـ [الْجَوَابُ] االجواب: الحمد لله اختلف المفسرون في دلالة قوله تعالى: (الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) النور/3 على تحريم زواج العفيف من المرأة الزانية حتى تتوب، وتحريم زواج المرأة العفيفة من الرجل الزاني حتى يتوب، وذلك على قولين: القول الأول: أنها تدل على التحريم: وهو قول الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله كما نجد ذلك في " المغني " لابن قدامة (7/108) ، وانتصر له شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم بالأدلة الكثيرة، انظر " مجموع الفتاوى " (15/315) ، (32/113) ، " إغاثة اللهفان " (1/65) ، وقد سبق في موقعنا اختيار هذا القول في أجوبة الأسئلة الآتية: (85335) و (96460) و (104492) . ونحوه قول الإمام الشافعي رحمه الله، إلا أن الشافعي قال بأنها منسوخة، وأجاز الزواج من الزاني أو الزانية. يقول رحمه الله: " اختلف أهل التفسير في هذه الآية اختلافا متباينا، والذي يشبهه عندنا - والله أعلم - ما قال ابن المسيب: هي منسوخة، نسختها: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ) النور/32. فهي من أيامى المسلمين. فهذا كما قال ابن المسيب إن شاء الله، وعليه دلائل من الكتاب والسنة " انتهى. " الأم " (5/158) القول الثاني: أنها لا تدل على التحريم أصلا: وهو قول أكثر أهل العلم. يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله: " هذا خبر من الله تعالى بأن الزاني لا يطأ إلا زانية أو مشركة، أي: لا يطاوعه على مراده من الزنى إلا زانية عاصية أو مشركة لا ترى حرمة ذلك، وكذلك: (الزانية لا ينكحها إلا زان) أي: عاص بزناه، (أو مشرك) لا يعتقد تحريمه. عن ابن عباس رضي الله عنهما: ليس هذا بالنكاح، إنما هو الجماع، لا يزني بها إلا زان أو مشرك. وهذا إسناد صحيح عنه، وقد روي عنه من غير وجه أيضا. وقد روي عن مجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير، وعروة بن الزبير، والضحاك، ومكحول، ومقاتل بن حيان، وغير واحد، نحو ذلك " انتهى. " تفسير القرآن العظيم " (6/9) وفي مناقشة هذين القولين الكثير من التدقيق والتحرير، وقد شرح ذلك ووضحه العلامة الأمين الشنقيطي في كتابه " أضواء البيان " (5/417-428) ، ننقل كلامه هنا بشيء من التصرف والاختصار: " من أنواع البيان التي تضمّنها هذا الكتاب المبارك أن يقول بعض العلماء في الآية قولاً، ويكون في نفس الآية قرينة دالَّة على عدم صحة ذلك القول، ومن أمثلة ذلك هذه الآية الكريمة. وإيضاح ذلك: أن العلماء اختلفوا في المراد بالنكاح في هذه الآية: فقال جماعة: المراد بالنكاح في هذه الآية: الوطء الذي هو نفس الزنى. وقالت جماعة أخرى من أهل العلم: إن المراد بالنكاح في هذه الآية هو عقد النكاح. قالوا: فلا يجوز لعفيف أن يتزوّج زانية كعكسه، وهذا القول - الذي هو أن المراد بالنكاح في الآية: التزويج لا الوطء - في نفس الآية قرينة تدلّ على عدم صحّته، وتلك القرينة هي ذكر المشرك والمشركة في الآية؛ لأن الزاني المسلم لا يحلّ له نكاح مشركة، لقوله تعالى: (وَلاَ تَنْكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ) ، وقوله تعالى: (لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) ، وقوله تعالى: (وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ) وكذلك الزانية المسلمة لا يحلّ لها نكاح المشرك؛ لقوله تعالى: (وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ) ، فنكاح المشركة والمشرك لا يحلّ بحال. وذلك قرينة على أن المراد بالنكاح في الآية التي نحن بصددها الوطء، الذي هو الزنى، لا عقد النكاح؛ لعدم ملاءمة عقد النكاح لذكر المشرك والمشركة. اعلم أن العلماء اختلفوا في جواز نكاح العفيف الزانية، ونكاح العفيفة الزاني، فذهب جماعة من أهل العلم منهم الأئمّة الثلاثة إلى جواز نكاح الزانية مع الكراهة التنزيهية عند مالك وأصحابه ومن وافقهم، واحتجّ أهل هذا القول بأدلّة: منها عموم قوله تعالى: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ) ، وهو شامل بعمومه الزانية والعفيفة، وعموم قوله تعالى: (وَأَنْكِحُواْ الايَامَى مِنْكُمْ) ، وهو شامل بعمومه الزانية أيضًا والعفيفة. ومن أدلّتهم على ذلك: حديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما: أن رجلاً جاء إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: إن امرأتي لا تردّ يد لامس، قال: (غرّبها) ، قال: أخاف أن تتبعها نفسي؟ قال: (فاستمتع بها) . قال ابن حجر في " بلوغ المرام " في هذا الحديث، بعد أن ساقه باللفظ الذي ذكرنا: رواه أبو داود، والترمذي، والبزار ورجاله ثقات، وأخرجه النسائي من وجه آخر، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما، لفظ قال: (طلّقها) ، قال: لا أصبر عنها، قال: (فأمسكها) اهـ من " بلوغ المرام ". ثم اعلم أن الذين قالوا بجواز تزويج الزانية والزاني أجابوا عن الاستدلال بالآية التي نحن بصددها، وهي قوله تعالى: (الزَّانِى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً) ، من وجهين: الأول: أن المراد بالنكاح في الآية هو الوطء الذي هو الزنى بعينه، قالوا: والمراد بالآية تقبيح الزنى وشدّة التنفير منه؛ لأن الزاني لا يطاوعه في زناه من النساء إلا التي هي في غاية الخسّة لكونها مشركة لا ترى حرمة الزنى أو زانية فاجرة خبيثة. وعلى هذا القول فالإشارة في قوله تعالى: (وَحُرّمَ ذالِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) راجعة إلى الوطء الذي هو الزنى، أعاذنا اللَّه وإخواننا المسلمين منه، كعكسه، وعلى هذا القول فلا إشكال في ذكر المشركة والمشرك. الوجه الثاني: هو قولهم: إن المراد بالنكاح في الآية التزويج، إلا أن هذه الآية التي هي قوله تعالى: (الزَّانِى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً) الآية منسوخة بقوله تعالى: (وَأَنْكِحُواْ الايَامَى مِنْكُمْ) وممن ذهب إلى نسخها بها: سعيد بن المسيّب، والشافعي. وقال القرطبي في تفسير هذه الآية: وقد روي عن ابن عباس وأصحابه أن النكاح في هذه الآية: الوطء. وابن عباس رضي اللَّه عنهما من أعلم الصحابة بتفسير القرءان العظيم، ولا شكّ في علمه باللغة العربية، فقوله في هذه الآية الكريمة بأن النكاح فيها هو الجماع لا العقد يدلّ على أن ذلك جار على الأسلوب العربي الفصيح، فدعوى أن هذا التفسير لا يصحّ في العربية، وأنه قبيح، يردّه قول البحر ابن عباس. وقالت جماعة أخرى من أهل العلم: لا يجوز تزويج الزاني لعفيفة ولا عكسه، وهو مذهب الإمام أحمد، وقد روي عن الحسن وقتادة، واستدلّ أهل هذا القول بآيات وأحاديث: فمن الآيات التي استدلّوا بها هذه الآية التي نحن بصددها، وهي قوله تعالى: (الزَّانِى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرّمَ ذالِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) ، قالوا: المراد بالنكاح في هذه الآية: التزويج، وقد نصّ اللَّه على تحريمه في قوله: (وَحُرّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) قالوا: والإشارة بقوله: (ذلِكَ) ، راجعة إلى تزويج الزاني بغير الزانية أو المشركة، وهو نصّ قرءاني في تحريم نكاح الزاني العفيفة، كعكسه. ومن الآيات التي استدلّوا بها قوله تعالى: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِى أَخْدَانٍ) ، قالوا: فقوله: (مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ) ، أي: أعِفَّاء غير زناة. ويفهم من مفهوم مخالفة الآية أنه لا يجوز نكاح المسافح الذي هو الزاني لمحصنة مؤمنة، ولا محصنة عفيفة من أهل الكتاب، وقوله تعالى: (فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَءاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَات غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ) ، فقوله: (مُحْصَنَات غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ) ، أي: عفائف غير زانيات، ويفهم من مفهوم مخالفة الآية، أنهن لو كنّ مسافحات غير محصنات، لما جاز تزوّجهن. ومن أدلّة أهل هذا القول أن جميع الأحاديث الواردة في سبب نزول آية (الزَّانِى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً) كلّها في عقد النكاح وليس واحد منها في الوطء، والمقرّر في الأصول أن صورة سبب النزول قطعية الدخول. وأنه قد جاء في السنّة ما يؤيّد صحّة ما قالوا في الآية، من أن النكاح فيها التزويج، وأن الزاني لا يتزوّج إلا زانية مثله، فقد روى أبو هريرة عن رسول اللَّه (صلى الله عليه وسلم) أنّه قال: (الزاني المجلود لا ينكح إلا مثله) ، وقال ابن حجر في بلوغ المرام في حديث أبي هريرة هذا: رواه أحمد، وأبو داود ورجاله ثقات. وأمّا الأحاديث الواردة في سبب نزول الآية: فمنها ما رواه عبد اللَّه بن عمرو بن العاص أن رجلاً من المسلمين استأذن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في امرأة يقال لها أُمّ مهزول، كانت تسافح، وتشترط له أن تنفق عليه، قال: فاستأذن النبيّ صلى الله عليه وسلم أو ذكر له أمرها، فقرأ عليه نبيّ اللَّه: (وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ) . رواه أحمد. ومنها حديث عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده: أن مرثد بن أبي مرثد الغنوي كان يحمل الأسارى بمكّة، وكانت بمكّة بغي يقال لها عناق، وكانت صديقته، قال: فجئت النبيّ صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول اللَّها أنكح عناقًا؟ قال: فسكت عني، فنزلت: (وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ) ، فدعاني فقرأها عليّ، وقال: (لا تنكحها) . رواه أبو داود، والنسائي والترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلاّ من هذا الوجه. قالوا: فهذه الأحاديث وأمثالها تدلّ على أن النكاح في قوله: (الزَّانِى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً) ، أنه التزويج لا الوطء، وصورة النزول قطعية الدخول؛ كما تقرّر في الأصول. وقال ابن القيّم في (زاد المعاد) ، ما نصّه: وأمّا نكاح الزانية فقد صرّح اللَّه سبحانه وتعالى بتحريمه في سورة (النور) ، وأخبر أن من نكحها فهو إما زانٍ أو مشرك، فإنه إما أن يلتزم حكمه سبحان، ويعتقد وجوبه عليه أو لا، فإن لم يلتزمه، ولم يعتقده فهو مشرك، وإن التزمه واعتقد وجوبه، وخالفه فهو زان، ثم صرح بتحريمه، فقال: (وَحُرّمَ ذالِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) ، ولا يخفى أن دعوى النسخ للآية بقوله: (وَأَنْكِحُواْ الايَامَى مِنْكُمْ) من أضعف ما يقال، وأضعف منه حمل النكاح على الزنى. إذ يصير معنى الآية: الزاني لا يزنى إلا بزانية أو مشركة، والزانية لا يزني بها إلا زان أو مشرك، وكلام اللَّه ينبغي أن يصان عن مثل هذا، وكذلك حمل الآية على امرأة بغي مشركة في غاية البعد عن لفظها وسياقها، كيف وهو سبحانه إنما أباح نكاح الحرائر والإماء بشرط الإحصان، وهو العفة، فقال: (فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَات غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ) فإنما أباح نكاحها في هذه الحالة دون غيرها، وليس هذا من دلالة المفهوم، فإن الأبضاع في الأصل على التحريم، فيقتصر في إباحتها على ما ورد به الشرع، وما عداه فعلى أصل التحريم، انتهى محل الغرض من كلام ابن القيّم. وهذه الأدلّة التي ذكرنا هي حجج القائلين بمنع تزويج الزاني العفيفة كعكسه، وإذا عرفت أقوال أهل العلم، وأدلّتهم في مسألة نكاح الزانية والزاني، فهذه مناقشة أدلّتهم: أمّا قول ابن القيم: إن حمل الزنا في الآية على الوطء ينبغي أن يصان عن مثله كتاب اللَّه، فيردّه أن ابن عباس وهو في المعرفة باللغة العربية وبمعاني القرءان صحّ عنه حمل الزنى في الآية على الوطء، ولو كان ذلك ينبغي أن يصان عن مثله كتاب اللَّه لصانه عنه ابن عباس، ولم يقل به ولم يخف عليه أنه ينبغي أن يصان عن مثله. وقال ابن العربي في تفسير ابن عباس للزنى في الآية بالوطء: هو معنى صحيح. انتهى منه بواسطة نقل القرطبي عنه. وأمّا قول سعيد بن المسيّب والشافعي، بأن آية: (الزَّانِى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً) ، منسوخة بقوله: (وَأَنْكِحُواْ الايَامَى مِنْكُمْ) فهو مستبعد؛ لأن المقرّر في أصول الشافعي ومالك وأحمد هو أنه لا يصحّ نسخ الخاص بالعام، وأن الخاص يقضى على العام مطلقًا، سواء تقدم نزوله عنه أو تأخّر، ومعلوم أن آية (وَأَنْكِحُواْ الأيَامَى مِنْكُمْ) أعمّ مطلقًا من آية: (الزَّانِى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً) فالقول بنسخها لها ممنوع على المقرّر في أصول الأئمة الثلاثة المذكورين، وإنما يجوز ذلك على المقرّر في أصول أبي حنيفة رحمه اللَّه، كما قدمنا إيضاحه في سورة (الأنعام) ، وقد يجاب عن قول سعيد، والشافعي بالنسخ بأنهما فهماه من قرينة في الآية، وهي أنه لم يقيد الأيامى الأحرار بالصلاح، وإنما قيّد بالصلاح في أيامى العبيد والإماء، ولذا قال بعد الآية: (وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ) قال مقيّده عفا اللَّه عنه وغفر له: هذه الآية الكريمة من أصعب الآيات تحقيقًا؛ لأن حمل النكاح فيها على التزويج، لا يلائم ذكر المشركة والمشرك، وحمل النكاح فيها على الوطء لا يلائم الأحاديث الواردة المتعلّقة بالآية، فإنها تعين أن المراد بالنكاح في الآية: التزويج. ولا أعلم مخرجًا واضحًا من الإشكال في هذه الآية إلا مع بعض تعسّف، وهو أن أصحّ الأقوال عند الأصوليين - كما حرّره أبو العباس بن تيمية في رسالته في علوم القرءان، وعزاه لأجلاّء علماء المذاهب الأربعة - هو جواز حمل المشترك على معنييه، أو معانيه، فيجوز أن تقول: عدا اللصوص البارحة على عين زيد، وتعني بذلك أنهم عوّروا عينه الباصرة وغوّروا عينه الجارية، وسرقوا عينه التي هي ذهبه أو فضّته. وإذا علمت ذلك، فاعلم أن النكاح مشترك بين الوطء والتزويج، خلافًا لمن زعم أنه حقيقة في أحدهما، مجاز في الآخر، كما أشرنا له سابقًا، وإذا جاز حمل المشترك على معنييه، فيحمل النكاح في الآية على الوطء، وعلى التزويج معًا، ويكون ذكر المشركة والمشرك على تفسير النكاح بالوطء دون العقد، وهذا هو نوع التعسّف الذي أشرنا له، والعلم عند اللَّه تعالى. وأكثر أهل العلم على إباحة تزويج الزانية والمانعون لذلك أقلّ، وقد عرفت أدلّة الجميع. واعلم أن الذين قالوا بجواز نكاح العفيف الزانية، لا يلزم من قولهم أن يكون زوج الزانية العفيف ديوثًا؛ لأنه إنما يتزوّجها ليحفظها، ويحرسها، ويمنعها من ارتكاب ما لا ينبغي منعًا باتًّا بأن يراقبها دائمًا، وإذا خرج ترك الأبواب مقفلة دونها، وأوصى بها من يحرسها بعده فهو يستمتع بها، مع شدّة الغيرة والمحافظة عليها من الريبة، وإن جرى منها شىء لا علم له به مع اجتهاده في صيانتها وحفظها فلا شىء عليه فيه، ولا يكون به ديوثًا، كما هو معلوم. والأظهر لنا في هذ المسألة أن المسلم لا ينبغي له أن يتزوّج إلا عفيفة صينة، للآيات التي ذكرنا والأحاديث ويؤيّده حديث: (فاظفر بذات الدين تربت بداك) ، والعلم عند اللَّه تعالى " انتهى كلام الشيخ الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 122639 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 140 هل الرفع لدرجة الآباء في الجنة يكون للذرية جميعها صغارها وكبارها؟ [السُّؤَالُ] ـ[السؤال: قرأتُ أنه من كرم الله سبحانه وتعالى أنه يرفع درجة الأبناء في الجنة إلى درجة آبائهم الأعلى منهم , وعلى هذا الأمر فإن أبناء الصحابة سترفع درجتهم لدرجة آبائهم، والأحفاد لدرجة الآباء، وهكذا كل جيل يرفع الجيل التالي حتى يصل الأمر لجيلنا فنرتفع لدرجة الصحابة إذا كنا أحفادهم، مما قد يسبب التهاون بالعمل ونعتمد على هذا الكرم الإلهي، فما رأيكم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الإشكال الوارد في السؤال يرد عند الحديث على قوله تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) الطور/21، وقد اختلف أهل التفسير في لفظ " الذرية " هل يراد به: الصغار، أو الكبار، فأما من قال إن المراد به الصغار، فلا إشكال عنده في معنى الآية، وإنما يرد الإشكال في حال كون معنى " الذرية ": الكبار، والراجح في تفسيرها أنهم الصغار، وعليه: فلا يرد ما استشكله الأخ السائل، فالرفع للذرية الصغار، وإلا للزم كون جميع أهل الجنة في درجة واحدة. 1. قال ابن قيم الجوزية رحمه الله: " وقد اختلف المفسرون في " الذرية " في هذه الآية، هل المراد بها: الصغار، أو الكبار، أو النوعان، على ثلاثة أقوال. .... ثم قال: واختصاص " الذرية " ههنا بالصغار: أظهر؛ لئلا يلزم استواء المتأخرين بالسابقين في الدرجات، ولا يلزم مثل هذا في الصغار؛ فإن أطفال كل رجل وذريته معه في درجته، والله أعلم " انتهى. "حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح" (ص 279-281) باختصار. 2. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: " إذا كان الأولاد سعداء، والأب من السعداء: فإن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) يعني: أن الإنسان إذا كان له ذرية، وكانوا من أهل الجنة: فإنهم يَتبعون آباءهم، وإن نزلت درجتُهم عن الآباء، ولهذا قال: (وَمَا أَلَتْنَاهُمْ) أي: ما نقصنا الآباء (مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) بل الآباء بقي ثوابهم موفَّراً، ورُفعت الذرية إلى مكان آبائها، هذا ما لم يَخرج الأبناء عن الذرية بحيث ينفردون بأزواجهم، وأهليهم، فيكون هؤلاء لهم فضلهم الخاص، ولا يلحقون بآبائهم؛ لأننا لو قلنا: كل واحد يلحق بأبيه ولو كان له أزواج، أو كان منفرداً بنفسه: لكان أهل الجنة كلهم في مرتبة واحدة؛ لأن كل واحد من ذرية من فوقه، لكن المراد بالذرية: الذين كانوا معه، ولم ينفردوا بأنفسهم، وأزواجهم، وأولادهم، فهؤلاء يرفعون إلى منزلة آبائهم، ولا يُنقص الآباء من عملهم من شيء " انتهى. "فتاوى نور على الدرب" (شريط 324، وجه: أ) . 3. وقال رحمه الله - أيضاً -: " ثم قال عز وجل: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) الطور/21، الذين آمنوا واتبعتهم الذرية بالإيمان، والذرية التي يكون إيمانها تبعاً: هي الذرية الصغار، فيقول الله عز وجل: (أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) أي: جعلنا ذريتهم تلحقهم في درجاتهم. وأما الكبار الذين تزوجوا: فهم مستقلون بأنفسهم في درجاتهم في الجنة، لا يلحقون بآبائهم؛ لأن لهم ذرية، فهم في مقرهم، أما الذرية الصغار التابعون لآبائهم: فإنهم يرقَّون إلى آبائهم، هذه الترقية لا تستلزم النقص من ثواب ودرجات الآباء، ولهذا قال: (وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) ، (ألتناهم) يعني: نقصناهم، يعني: أن ذريتهم تلحق بهم، ولا يقال أخصم من درجات الآباء بقدر ما رفعتم درجات الذرية، بل يقول: (وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) " انتهى. "تفسير القرآن من الحجرات إلى الحديد" (ص 187) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121192 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 141 هل ثمة تعارض بين خلق الجان من نار وبين قوله تعالى (وجعلنا من الماء كل شيء حي) ؟ [السُّؤَالُ] ـ[في سؤال يثيره بعض المسيحيين في المنتديات، وهو الآية القرآنية (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ) الأنبياء/30، والآية الأخرى (وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ) الرحمن/15، فهل هذا تناقض؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لِلَّه أولا: أخبرنا الله في كتابه الكريم عن أصل خلق الجن، فقال تعالى: (وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ) الحجر/27، وقال تعالى: (وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ) الرحمن/15 وفي الحديث عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خُلِقَتْ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ) رواه مسلم (2996) انظر جواب السؤال رقم (2340) ، (6485) ، (13378) ثانيا: يقول سبحانه وتعالى: (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ) الأنبياء/30. ولفهم معنى الآية الكريمة فهما صحيحا، وللوقوف على ما تقتضيه اللغة العربية في ذلك، لا بد من بيان بعض الأمور: 1- التأمل في سياق الآيات من ضرورات الفهم الصحيح، ويبدو للقارئ أن سياق هذه الآية في معرض إفحام المشركين بالحجج والبراهين، والرد على بعض ما يعتقدونه من الباطل. يقول ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (3/238) : " يقول تعالى منبها على قدرته التامة وسلطانه العظيم في خلقه الأشياء وقهره لجميع المخلوقات فقال: (أولم ير الذين كفروا) أي: الجاحدون لإلهيته، العابدون معه غيره، ألم يعلموا أن الله هو المستقل بالخلق، المستبد بالتدبير، فكيف يليق أن يعبد معه غيره، أو يشرك به ما سواه، ألم يروا (أن السموات والأرض كانتا رتقا) أي: كان الجميع متصلا بعضه ببعض، متلاصق متراكم بعضه فوق بعض في ابتداء الأمر، ففتق هذه من هذه، فجعل السموات سبعا، والأرض سبعا، وفصل بين السماء الدنيا والأرض بالهواء، فأمطرت السماء وأنبتت الأرض، ولهذا قال: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤمِنُُونَ) أي: وهم يشاهدون المخلوقات تحدث شيئا فشيئا عيانا، وذلك كله دليل على وجود الصانع الفاعل المختار القادر على ما يشاء " انتهى. إذا فمناسبة سياق المحاججة تقتضي الاستشهاد بآيات ظاهرة يشاهدها المخاطبون ويعايشونها، فكان قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) منطلقا من واقعهم الذي يرونه: من حاجتهم وحاجة جميع الحيوانات إلى الماء، أو من تخلقهم وتخلق الحيوانات من ماء التناسل. وليس في هذا السياق تعرض ـ أصلا ـ لعالم الغيب من الملائكة أو الجن أو غيرهم من خلق الله؛ لأن المحاججة إنما تكون بعالم الشهادة، حتى تكون الحجة أقوى وأبين، وأما عالم الغيب فقد لا يؤمن به المخاطب، فضلا عن أن يعرف كيفية خلقه وما هي مكوناته، وعلى هذا يكون الجن والملائكة لم يدخلوا في سياق العموم ابتداء. 2- صيغ العموم في اللغة العربية ليست دائما على إطلاق عمومها، فقد تكون مخصوصة، بل قال أهل العلم: إن أكثر عمومات القرآن مخصوصة. وقد جاءت صيغة العموم (كل) في بعض الآيات، ولم تدل على العموم المطلق، وذلك في قوله تعالى عن الريح التي أرسلها لإهلاك قوم عاد: (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) الأحقاف/25، وقوله تعالى عن ملكة سبأ: (إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ) النمل/23، ومن المعلوم أن الريح لم تدمر السماء ولا حتى المساكن، وأن ملكة سبأ لم تؤت ما أوتيه النبي سليمان عليه السلام. وعلى هذا ينبغي فهم صيغ العموم في القرآن، لأنه نزل بلسان عربي مبين، والعرب تطلق صيغ العموم كثيرا، وهي تعلم أن ثمة بعض المخصوصات. فكذلك قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) ينبغي تخصيصه بالملائكة، فإنها قد خلقت من نور، ولا تحتاج إلى الماء، ويبقى الجن أيضا في دائرة احتمال التخصيص. وبهذا يظهر التوافق وعدم التناقض بين الآيات. يقول الألوسي في "روح المعاني" (7/36) : " ولا بد من تخصيص العام، لأن الملائكة عليهم السلام وكذا الجن أحياء، وليسوا مخلوقين من الماء " انتهى. وانظر "البحر المحيط" لأبي حيان (8/327) . ويقول الرازي في تفسيره (11/13) : " لقائل أن يقول: كيف قال: وخلقنا من الماء كل حيوان، وقد قال: (والجآن خلقناه مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السموم) الحجر/27، وجاء في الأخبار أن الله تعالى خلق الملائكة من النور، وقال تعالى في حق عيسى عليه السلام: (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطين كَهَيْئَةِ الطير بِإِذْنِى فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِى) المائدة/110، وقال في حق آدم: (خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ) آل عمران/59. والجواب: اللفظ وإن كان عاماً إلا أن القرينة المخصِّصَة قائمة، فإن الدليل لا بد وأن يكون مشاهداً محسوساً ليكون أقرب إلى المقصود، وبهذا الطريق تخرج عنه الملائكة والجن وآدم وقصة عيسى عليهم السلام؛ لأن الكفار لم يروا شيئاً من ذلك " انتهى. ونقله الشنقيطي في "أضواء البيان" (4/215) . 3- وخلق الجن من النار هو في أصل خلق الله سبحانه وتعالى لهم، ثم كان تكاثرهم عن طريق التناسل، تماما كما أن الله خلق الإنسان بداية من الطين، ثم بدأ بالتناسل والتكاثر، ولما لم نكن نعرف شيئا عن كيفية تناسل الجن، يبقى احتمال تناسلهم بماء التناسل قائما، ومن ينفي الاحتمال يحتاج إلى دليل حسي أو عقلي أو شرعي، وقد لا يوجد، وقد فسر بعض أهل العلم: ومنهم أبو العالية من السلف، الماءَ الوارد في قوله سبحانه: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) بماء النطفة التي جعلها الله طريق التناسل في جميع الحيوانات، فقد يكون الجن يتناسلون بالنطف أيضا. يقول الشنقيطي في "أضواء البيان" (4/216-217) : " قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنَ المآء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ) الظاهر أن (جَعل) هنا بمعنى خَلَق؛ لأنها متعدية لمفعول واحد؛ ويدل لذلك قوله تعالى في سورة النور: (والله خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن مَّآءٍ) النور/45 واختلف العلماء في معنى: " خلق كل شيء من الماء ": قال بعض العلماء: الماء الذي خلق منه كل شيء هو النطفة؛ لأن الله خلق جميع الحيوانات التي تولد عن طريق التناسل من النطف، وعلى هذا فهو من العام المخصوص. وقال بعض العلماء: هو الماء المعروف؛ لأن الحيوانات إما مخلوقة منه مباشرة، كبعض الحيوانات التي تتخلق من الماء، وإما غير مباشرة؛ لأن النطف من الأغذية، والأغذية كلَّها ناشئة عن الماء، وذلك في الحبوب والثمار ونحوها ظاهر، وكذلك هو في اللحوم والألبان والأسماك ونحوها: لأنه كله ناشئ بسبب الماء. وقال بعض أهل العلم: معنى خَلْقه كل حيوان من ماء: أنه كأنما خلقه من الماء لفرط احتياجه إليه، وقلة صبره عنه، كقوله: (خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ) " انتهى. وانظر "زاد المسير" (5/348) ، "تفسير القرطبي" (11/248) ، "الدر المنثور" (5/626) . ثالثا: يظهر جليا لمن يهتم بالجواب عن الشبه التي يطلقها بعض النصارى أنَّ هؤلاء المنشغلين باستخراج هذه الشبه بعيدون كل البعد عن فهم اللغة العربية، بل قد يكونون من الأعاجم الذين لم يدرسوا العربية، وإنما يريدون العبث ومحاولة الطعن في هذا القرآن العظيم. وكل عاقل يدرك أن لا محل لأي تناقض في كتاب الله تعالى، ليس ذلك فقط لأن الله سبحانه وتعالى قال فيه: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً) النساء/82، بل لأن العرب أصحاب اللسان العربي العالي، البالغ في الفصاحة والبلاغة القمة العالية، والذي تحداهم القرآن في آيات عديدة أن يجاروا أسلوب القرآن الرفيع، فلم يستطيعوا إليه سبيلا، لم يَدُر في خلدهم مثل هذه الدعاوى المتنطَّعة في تناقض القرآن، ولم يخطر لهم مثل هذه الشبه مع شدة تحريهم عن كل مطعن في القرآن. ويدلك ذلك على الجهل الذي يخيم في أذهان أصحاب الشبه هؤلاء، وهم لا يشعرون أنهم بشبهاتهم هذه إنما يكشفون عن جهلهم وقلة معرفتهم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121153 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 142 معنى قوله تعالى: (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) [السُّؤَالُ] ـ[قال الله تعالى: (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) ، ولم يقل على وجوههن، فدل ذلك على أن وجه المرأة ليس عورة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يصح الاستدلال بقوله تعالى: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) على عدم وجوب ستر المرأة وجهها، بل العكس هو الصحيح، فهذه الآية تدل على وجوب ذلك، ويبين هذا: فعل الصحابيات الجليلات من المهاجرات بعد نزول هذه الآية، فقد شققن أزرهنَّ وغطين بها رؤوسهن ووجوههن، كما ذكرت ذلك عائشة رضي الله عنها. فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: يَرْحَمُ اللَّهُ نِسَاءَ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلَ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) : شَقَّقْنَ مُرُوطَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ بِهَا) رواه البخاري (4480) . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "قوله: (مروطهن) : جمع مرط، وهو الإزار، وفي الرواية الثانية: (أزرهن) ، قوله: (فاختمرن) أي: غطين وجوههن، وصفة ذلك: أن تضع الخمار على رأسها، وترميه من الجانب الأيمن على العاتق الأيسر، وهو التقنع" انتهى. " فتح الباري " (8 / 490) . وقال الشنقيطي رحمه الله: "وهذا الحديث الصحيح صريح في أن النساء الصحابيّات المذكورات فيه فهمن أن معنى قوله تعالى: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) : يقتضي ستر وجوههن، وأنهن شققن أزرهن فاختمرن، أي: سترن وجوههن بها؛ امتثالاً لأمر اللَّه في قوله تعالى: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) ، المقتضي: ستر وجوههن. وبهذا يتحقّق المنصف: أن احتجاب المرأة عن الرجال وسترها وجهها عنهم: ثابت في السنَّة الصحيحة، المفسّرة لكتاب اللَّه تعالى، وقد أثنت عائشة رضي اللَّه عنها على تلك النساء بمسارعتهن لامتثال أوامر اللَّه في كتابه، ومعلوم أنهن ما فهِمْن ستر الوجوه من قوله: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) ، إلا من النبيّ صلى الله عليه وسلم؛ لأنه موجود، وهنَّ يسألنه عن كل ما أشكل عليهن في دينهن، واللَّه جلَّ وعلا يقول: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) ، فلا يمكن أن يفسرنها من تلقاء أنفسهن ... . فالعجب كل العجب، ممن يدّعي من المنتسبين للعلم أنه لم يرد في الكتاب ولا السنَّة ما يدلّ على ستر المرأة وجهها عن الأجانب، مع أن الصحابيات فعلن ذلك ممتثلات أمر اللَّه في كتابه إيمانًا بتنزيله، ومعنى هذا ثابت في الصحيح، كما تقدم عن البخاري، وهذا من أعظم الأدلّة وأصرحها في لزوم الحجاب لجميع نساء المسلمين، كما ترى" انتهى. " أضواء البيان " (6 / 250، 251) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120392 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 143 وقفة مع قوله تعالى (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها) [السُّؤَالُ] ـ[بعض أعداء الإسلام من الملحدين يحاولون النيل والطعن في هذا الدين وإثارة الشبه، فحاولوا تفسير الآية من سورة الإسراء المباركة (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا) (16) , وفق تفسيرات ونظرة مجردة توهم القارئ الغافل ويدّعون بأن الآية الكريمة تُظهر الله عز وجل وكأنه - تنزَّه الله عن ذلك - الإله الظالم المستبد , وأن إرادته للشر تفوق خيره وأنا وللأسف الشديد جدّاً , لست على دراية كاملة بقرآني , ولكن والله إني لما سمعت هذا الكلام: انتفض الدم في عروقي، أنا من نظري وعلمي المحدود أفادنا الله منكم - بأن هذه الآية المباركة وثيقة الصلة بما قبلها من آيات , وأنها مربوطة بحال بني إسرائيل، وظلمهم، وكفرهم البين , مع الإصرار على المعصية، وتجاهل العقاب الرباني العادل، فالله عز وجل لما رأى منهم الإصرار على المعصية مع سبق الإصرار والترصد في الذنب أراد أن يحكم عليهم بأن أدام المترفين في غيهم، فهم الفئة التي يلجأ إليها الناس دوما، وهم القدوة، لتكون حجة قاطعة من عنده سبحانه وتعالى. أفيدوني فوراً، أفادكم الله تعالى]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه الآية فيها أقوال للعلماء مشهورة، وملخصها: أن الأمر فيها إما أن يكون أمراً شرعيّاً وهو موجه للمترفين، لكنه أمر بالطاعة، فأبوها، وإما أن يكون من الأمر الكوني لله تعالى، كما هو الحال في القضاء الكوني في قوله تعالى (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً) الإسراء/ 4، والقول الثالث: أنه " أمَرنا " بمعنى أكثرنا، وليس ثمة عاقل يقول إن الأمر في الآية هو الأمر الشرعي للمترفين بالفسق؛ يعني: أن الله شرع الفسق، وجعله دينا لهم، جل الله عما يقول الجاهلون، وتقدس وتنزه؛ كما قال تعالى عن نفسه (وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) الأعراف/ 28. قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله -: قوله تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) . في معنى قوله (أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا) في هذه الآية الكريمة ثلاثة مذاهب معروفة عند علماء التفسير: الأول: وهو الصواب الذي يشهد له القرآن، وعليه جمهور العلماء أن الأمر في قوله (أَمْرُنَا) هو الأمر الذي هو ضد النهي، وأن متعلق الأمر محذوف لظهوره. والمعنى: (أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا) بطاعة الله وتوحيده، وتصديق رسله وأتباعهم فيما جاؤوا به (فَفَسَقُواْ) أي: خرجوا عن طاعة أمر ربهم، وعصوه وكذبوا رسله. (فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ) أي: وجب عليها الوعيد (فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) أي: أهلكناها إهلاكاً مستأصلاً، وأكد فعل التدمير بمصدره للمبالغة في شدة الهلاك الواقع بهم. وهذا القول الذي هو الحق في هذه الآية تشهد له آيات كثيرة، كقوله: (وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ... ) . فتصريحه جل وعلا بأنه لا يأمر بالفحشاء دليل واضح على أن قوله (أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ) أي: أمرناهم بالطاعة فعصوا، وليس المعنى أمرناهم بالفسق ففسقوا؛ لأن الله لا يأمر بالفحشاء. ومن الآيات الدالة على هذا: قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ وَقَالُواْ نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) . فقوله في هذه الآية (وَمَا أَرْسَلْنَا فِى قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ ... ) الآية: لفظ عام، في جميع المترفين، من جميع القرى، أن الرسل أمرتهم بطاعة الله فقالوا لهم: (إنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ) ، وتبجحوا بأموالهم وأولادهم، والآيات بمثل ذلك كثيرة ... وهذا القول الصحيح في الآية جارٍ على الأسلوب العربي المألوف، من قولهم: " أمرتُه فعصاني "، أي: أمرته بالطاعة فعصى، وليس المعنى: أمرته بالعصيان، كما لا يخفى. القول الثاني في الآية هو: أن الأمر في قوله (أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا) أمرٌ كوني قدري، أي: قدَّرنا عليهم ذلك، وسخرناهم له؛ لأن كلاًّ ميسرٌ لما خُلق له، والأمر الكوني القدري كقوله (وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحِ بِالْبَصَرِ) ، وقوله: (فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ) ، وقوله (أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً) ، وقوله (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ) . القول الثالث في الآية: أن (أَمَرْنَا) بمعنى: أكْثرنا، أي: أكثرنا مترفيها، ففسقوا. وقال أبو عبيدة: (أَمْرُنَا) بمعنى: أكثرنا، لغة فصيحة، كآمرنا، بالمد. وقد علمتَ أن التحقيق الذي دل عليه القرآن: أنَّ معنى الآية: أمَرْنا مترفيها بالطاعة فعصوا أمْرَنا، فوجب عليهم الوعيد، فأهلكناهم، كما تقدم إيضاحه. تنبيه: في هذه الآية الكريمة سؤال معروف، وهو أن يقال: إن الله أسند الفسق فيها لخصوص المترفين دون غيرهم في قوله (أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا) مع أنه ذكر عموم الهلاك للجميع، المترفين وغيرهم، في قوله (فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) يعني: القرية، ولم يستثن منها غير المترفين؟ . والجواب من وجهين: الأول: أن غير المترفين تبع لهم، وإنما خص بالذكر المترفين الذين هم سادتهم وكبراؤهم لأن غيرهم تبع لهم، كما قال تعالى: (وَقَالُواْ رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاْ) ، وكقوله (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ) ، وقوله: (حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا) ، وقوله تعالى: (وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِن شَىْءٍ) ، وقوله: (وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِى النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِّنَ النَّارِ) إلى غير ذلك من الآيات. الوجه الثاني: أن بعضهم إن عصى الله، وبغى، وطغى، ولم ينههم الآخرون: فإن الهلاك يعم الجميع، كما قال تعالى: (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً) ، وفي الصحيح من حديث أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها: أنها لما سمعت النَّبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا إله إلا الله، ويل للعرب من شرٍّ قد اقتربْ، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه) وحلق بإصبعه الإبهام والتي تليها، قالت له: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: (نعم، إذا كثر الخبث) " أضواء البيان " (3 / 75 – 79) باختصار. وبه يتبين أنه لا يتعلق بتلك الآية لتشكيك الناس في أمر دينهم، أو الطعن في كتاب ربهم، إلا جاهل بلغة العرب، جاهل بكتاب الله، جاهل بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120342 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 144 تفسير قوله تعالى (خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب) [السُّؤَالُ] ـ[ما هو تفسير قوله تعالى: (يخرج من بين الصلب والترائب) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: المراد بالآية تذكير الإنسان بأصل نشأته، وخلقه من ذلك الماء الدافق، وأن الذي خلقه هذه الخلقة بقدرته، قادر ـ سبحانه ـ على أن يعيد بعثه للحساب، مرة أخرى. قال الزمخشري: " فإن قلت: ما وجه اتصال قوله (فَلْيَنظُرِ) بما قبله؟ قلت: وجه اتصاله به: أنه لما ذكر أن على كل نفس حافظاً، أتبعه توصيةَ الإنسان بالنظر في أوّل أمره ونشأته الأولى؛ حتى يعلم أنّ من أنشأه قادر على إعادته وجزائه، فيعملَ ليوم الإعادة والجزاء، ولا يُملي على حافظه إلا ما يسره في عاقبته " انتهى من "تفسير الكشاف". وإذا كان الصلب هو: الظهر، باتفاق المفسرين هنا، وأما الترائب، فقد اختلف أهل العلم فيما هي، وأين موضعا. قال الإمام الطبري رحمه الله: " واختلف أهل التأويل في معنى الترائب، وموضعها: قال بعضهم: الترائب: موضع القلادة من صدر المرأة "، وهو مروي عن ابن عباس وعكرمة، وغيرهما. وقال آخرون: الترائب: ما بين المنكبين والصدر، وهو مروى عن مجاهد، وغيره من السلف. وقال آخرون: معنى ذلك، أنه يخرج من بين صلب الرجل ونحره "، وهو مروى عن قتادة. وروى ـ أيضا ـ قول من قال: هو اليدان والرجلان والعينان، ومن قال: هي الأضلاع التي أسفل الصلب، ومن قال: هي عصارة القلب. ثم قال – أي: الطبري - رحمه الله: " والصواب من القول في ذلك عندنا، قولُ من قال: هو موضع القِلادة من المرأة، حيث تقع عليه من صدرها؛ لأن ذلك هو المعروف في كلام العرب، وبه جاءت أشعارهم، قال المثقَّب العبدي: وَمِنْ ذَهَبٍ يُسَنُّ عَلَى تَرِيبٍ ... كَلَوْنِ العَاجِ لَيْسَ بِذِي غُضُونِ " انتهى بتصرف. تفسير الطبري (24/354-356) . وهذا الذي اختاره إمام المفسرين: من أن المراد به: صلب الرجل، وترائب المرأة، وهو موضع القلادة منها، هو الذي اختاره الإمام القرطبي في تفسيره (16/343،20/5) ، والحافظ ابن كثير في تفسيره (8/375) ، واختاره أيضا: العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله، قال: " اعلم أنه تعالى بين أن ذلك الماء، الذي هو النطفة، منه ما هو خارج من الصلب، أي: وهو ماء الرجل، ومنه ما هو خارج من الترائب، وهو ماء المرأة، وذلك قوله جل وعلا: (فَلْيَنظُرِ الإنسان مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصلب والترآئب) الطارق/5-7 لأن المراد بالصلب: صلب الرجل، وهو ظهره، والمراد بالترائب: ترائب المرأة، وهي موضع القلادة منها. ومنه قول امرىء القيس: مُهَفهَفَةٌ بَيضاءُ غَيرُ مُفاضَةٍ تَرائِبُها مَصقولَةٌ كَالسَجَنجَلِ " انتهى. أضواء البيان (3/194) . واختار ابن القيم رحمه الله أن المراد صلب الرجل وترائبه، قال: " لا خلاف أن المراد بالصلب صلب الرجل. واختلف في الترائب: فقيل: المراد به ترائبه أيضا، وهي عظام الصدر، ما بين الترقوة إلى الثندوة. وقيل: المراد ترائب المرأة. والأول أظهر: 1- لأنه سبحانه قال: (يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ) ولم يقل يخرج من الصلب والترائب، فلا بد أن يكون ماء الرجل خارجا من بين هذين المختلفين، كما قال في اللبن: (يخرج من بين فرث ودم) . 2- وأيضا فإنه سبحانه أخبر أنه خلقه من نطفة في غير موضع، والنطفة هي ماء الرجل. كذلك قال أهل اللغة: قال الجوهري: " والنطفة الماء الصافي قل أو كثر، والنطفة ماء الرجل، والجمع نطف ". 3- وأيضا فإن الذي يوصف بالدفق والنضح إنما هو ماء الرجل، ولا يقال نضحت المرأة الماء ولا دفقته " انتهى. "إعلام الموقعين" (1/145-146) . وهو اختيار الشيخ ابن عاشور، وابن سعدي، وابن عثيمين، كما في "لقاء الباب المفتوح" (رقم/45) ، وانظر نحوا من ذلك في "اللقاء الشهري" (رقم/45) . ونقل القرطبي عن الحسن البصري رحمه الله أن: " المعنى: يخرج من صلب الرجل وترائب الرجل، ومن صلب المرأة وترائب المرأة " انتهى. تفسير الطبري (20/4) . واختار هذا القول الإمام ابنُ جُزي، رحمه الله، في تفسيره. انظر: تفسير التسهيل، لابن جزي (785) . ثانيا: ثم السؤال الثاني هو أن الحقائق العلمية المكتشفة اليوم تقول بأن مني الرجل يصنع في الخصية التي تحتوي على الخلايا المهيئة لذلك، وليس في منطقة الظهر أو الصدر، فكيف يصف القرآن خروج الماء الدافق بأنه من بين الصلب والترائب؟ والجواب: أن هذا من الإعجاز العلمي لهذا الكتاب العظيم، فقد اكتشف الطب الحديث أن هذا المكان – بين الصلب والترائب - هو مكان نشوء الخلايا الأولى للخصية التي تنزل بعد مرحلة من تخلق الجنين إلى كيس الصفن أسفل البطن. يقول الدكتور محمد دودح: " والحقيقة العلمية هي أن الأصول الخلوية للخصية في الذكر أو المبيض في الأنثى تجتمع في ظهر الأبوين خلال نشأتهما الجنينية، ثم تخرج من الظهر من منطقة بين بدايات العمود الفقري وبدايات الضلوع ليهاجر المبيض إلى الحوض بجانب الرحم، وتهاجر الخصية إلى كيس الصفن حيث الحرارة أقل، وإلا فشلت في إنتاج الحيوانات المنوية، وتصبح معرضة للتحول إلى ورم سرطاني إذا لم تُكمل رحلتها. والتعبير (يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ) يفي بوصف تاريخ نشأة الذرية، ويستوعب كافة الأحداث الدالة على سبق التقدير والاقتدار والإتقان والإحكام في الخلق، منذ تكوين البدايات في الأصلاب وهجرتها خلف أحشاء البطن، ابتداءً من المنطقة بين الصلب والترائب إلى المستقر , وحتى يولد الأبوان ويبلغان ويتزاوجان وتخلق الذرية مما يماثل نطفة ماء في التركيب عديمة البشرية من المني لكنها حية تتدفق ذاتياً لتندمج مع نطفة نظير، فتتكون النطفة الأمشاج من الجنسين. (خُلِقَ مِن مّآءٍ دَافِقٍ. يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ) .. حقائق علمية تأخر العلم بها والكشف عن معرفتها وإثباتها ثلاثة عشر قرنًا , بيان هذا أن صلب الإنسان هو عموده الفقري (سلسلة ظهره) وترائبه هي عظام صدره.. وإذا رجعنا إلى علم الأجنة وجدنا في منشأ خصية الرجل ومبيض المرأة ما يفسر لنا هذه الآيات التي حيرت الألباب..، فكل من الخصية والمبيض في بدء تكوينهما يجاور الكلى ويقع بين الصلب والترائب، أي ما بين منتصف العمود الفقري تقريباً، ومقابل أسفل الضلوع.. فإذا كانت الخصية والمبيض في نشأتهما وفي إمدادهما بالدم الشرياني وفي ضبط شئونهما بالأعصاب قد اعتمدتا في ذلك كله على مكان في الجسم يقع بين الصلب والترائب، فقد استبان صدق ما نطق به القرآن الكريم وجاء به رب العالمين، ولم يكشفه العلم إلا حديثاً بعد ثلاثة عشر قرناً من نزول ذلك الكتاب , هذا وكل من الخصية والمبيض بعد كمال نموه يأخذ في الهبوط إلى مكانه المعروف؛ فتهبط الخصية حتى تأخذ مكانها في الصفن، ويهبط المبيض حتى يأخذ مكانه في الحوض بجوار بوق الرحم , وقد يحدث في بعض الأحيان ألا تتم عملية الهبوط هذه فتقف الخصية في طريقها ولا تنزل إلى الصفن فتحتاج إلى عملية جراحية " انتهى. نقلا عن هذا الرابط: http://islamtoday.net/questions/show_question_content.cfm?id=10335 ويقول الدكتور محمد علي البار حفظه الله: " تقول الآية الكريمة أن الماء الدافق يخرج من بين الصلب والترائب , ونحن قد قلنا أن هذا الماء (المني) إنما يتكون في الخصية وملحقاتها , كما تتكون البويضة في المبيض لدى المرأة , فكيف تتطابق الحقيقة العلمية مع الحقيقة القرآنية؟ إن الخصية والمبيض إنما يتكونان من الحدبة التناسلية بين صلب الجنين وترائبه , والصلب هو العمود الفقري والترائب هي الأضلاع , وتتكون الخصية والمبيض في هذه المنطقة بالضبط، أي بين الصلب والترائب , ثم تنزل الخصية تدريجيا حتى تصل إلى كيس الصفن (خارج تجويف البطن) في أواخر الشهر السابع من الحمل، بينما ينزل المبيض إلى حوض المرأة.. , ومع هذا فإن تغذية الخصية والمبيض بالدماء والأعصاب واللمف تبقى من حيث أصلها، أي من بين الصلب والترائب , فشريان الخصية أو المبيض يأتي من الشريان الأبهر (الأورطي البطني) من بين الصلب والترائب , كما أن وريد الخصية يصب في نفس المنطقة، أي بين الصلب والترائب , كما أن الأعصاب المغذية للخصية أو للمبيض تأتي من المجموعة العصبية الموجودة تحت المعدة من بين الصلب والترائب , وكذلك الأوعية اللمفاوية تصب في نفس المنطقة، أي بين الصلب والترائب. فهل يبقى بعد كل هذا شك أن الخصية أو المبيض إنما تأخذ تغذيتها ودماءها وأعصابها من بين الصلب والترائب!! فالحيوانات المنوية لدى الرجل أو البويضة لدى المرأة إنما تستقي مواد تكوينها من بين الصلب والترائب , كما أن منشأها ومبدأها هو من بين الصلب والترائب , والآية الكريمة إعجاز كامل، حيث تقول: (مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ) , ولم تقل من الصلب والترائب , فكلمة " بَيْنِ " ليست بلاغية فحسب، وإنما تعطي الدقة العلمية المتناهية. والعلم الحديث يقرر أن الماء الذي لا يقذف ولا يندفع وإنما يسيل.. إنما هو إفرازات المهبل وغدد بارثولين المتصلة به، وأن هذه الإفرازات ليس لها دخل في تكوين الجنين، وإنما وظيفتها ترطيب المهبل.. ولكن العلم الحديث يكشف شيئا مذهلا؛ أن الحيوانات المنوية يحملها ماء دافق هو ماء المني , كذلك البويضة في المبيض تكون في حويصلة " جراف " محاطة بالماء، فإذا انفجرت الحويصلة تدفق الماء.. وتلقفت أهداب البوق البويضة لتدخلها إلى قناة الرحم حيث تلتقي بالحيوان المنوي لتكون النطفة الأمشاج.. هذا الماء يحمل البويضة تماما كما يحمل ماء الرجل الحيوانات المنوية , كلاهما يتدفق , وكلاهما يخرج من بين الصلب والترائب: من الغدة التناسلية؛ الخصية أو المبيض. وتتضح مرة أخرى معاني الآية الكريمة في إعجازها العلمي الرائع: ماء دافق من الخصية يحمل الحيوانات المنوية , وماء دافق من حويصلة " جراف " بالمبيض يحمل البويضة " انتهى. "خلق الإنسان بين الطب والقرآن" (ص/114-124) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118879 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 145 هل أٌبيح للنبي صلى الله عليه وسلم التزوج على نسائه قبل وفاته؟ [السُّؤَالُ] ـ[سمعتُ أنَّ الله قد حرَّم على النَّبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج على نسائه أخريات، وحرَّم عليه أيضاً أن يطلقهن، ثم بعد ذلك نسخ الحكم، وأحل الله له أن يتزوج عليهن، وأن يطلقهن، فهل هذا صحيح؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: اختلف العلماء رحمهم الله في مسألة حكم تزوج النبي صلى الله عليه وسلم على نسائه التسع، هل هو على الإباحة أن ينكح من يشاء، أو هو ممنوع؟ . والذي يظهر – والعلم عند الله – أن الله تعالى منع نبيه صلى الله عليه وسلم من التزوج على نسائه رضي الله عنهن أولاً بقوله تعالى (لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً) الأحزاب/ 52؛ إكراماً لنسائه؛ لأنهن اخترن الله ورسله والدار الآخرة عندما خيَّرهن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم نُسخ هذا الحكم المانع بحكم آخر يبيح له صلى الله عليه التزوج بغيرهن؛ وذلك إكراماً للنبي صلى الله عليه وسلم. ثم أكرم النبي صلى الله عليه وسلم نساءَه بأن لم يتزوج عليهنَّ، فكانت المنَّة له عليهن بذلك. ثانياً: اختلف العلماء فيما نسخ ذلك المنع، على ثلاثة أقوال: 1. القول الأول: أن الناسخ هو قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الأحزاب/ 50. ولا يشكل كون الآية الناسخة قبل المنسوخة في المصحف؛ إذا العبرة بالنزول وليس بالتدوين والكتابة، وثمة موضع آخر – عند الجمهور – يشبه هذا، ولم يستنكروا كون الآية الناسخة قبل المنسوخة في ترتيب المصحف، والآيتان هما: قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) البقرة/ 234 , وهي ناسخة – عند الجمهور - لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ) البقرة/ 240. قال القرطبي – رحمه الله -: ويبيِّن لك أن اعتراض هذا المعترض لا يلزم: أن قوله عز وجل (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصية لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراج) منسوخة على قول أهل التأويل - لا نعلم بينهم خلافاً - بالآية التي قبلها (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً) . " تفسير القرطبي " (14 / 218، 219) . وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله -: قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) , هذه الآية يظهر تعارضها مع قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ) ، والجواب ظاهر، وهو: أن الأولى ناسخة لهذه , وإن كانت قبلها في المصحف؛ لأنها متأخرة عنها في النزول. وليس في القرآن آية هي الأولى في المصحف وهي ناسخة لآية بعدها إلاّ في موضعين، أحدهما: هذا الموضع , الثاني: آية (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ) هي الأولى في المصحف , وهي ناسخة لقوله: (لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ) الآية؛ لأنها تقدمت في المصحف، فهي متأخرة في النزول , وهذا على القول بالنسخ. " دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب " (ص 13) . 2. القول الثاني: أن الناسخ هو قوله تعالى: (تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً) الأحزاب/ 51. وهو قول " الضحَّاك " رحمه الله، كما في " معاني القرآن " للنَّحاس (5 / 368) ، وهو الذي رجَّحه النووي رحمه الله، كما في " شرح مسلم " (10 / 50) ، وقال: " قال أصحابنا: الأصح: أنه صلى الله عليه وسلم ما توفي حتى أبيح له النساء مع أزواجه " انتهى. وهو – كذلك – ترجيح الشيخ أبي بكر الجزائري حفظه الله، كما في كتابه: " أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير " (4 / 284) . 3. القول الثالث: أن الذي نسخ المنع هو السنَّة النبوية: عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ الله عَنْها: " مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أُحِلَّ لَهُ النِّسَاءُ ". رواه الترمذي (3216) وقال: حسن صحيح، والنسائي (3204) . وروي عن أم سلمة رضي الله عنها بلفظ: " لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحلّ الله له أن يتزوج من النساء ما شاء، إلا ذات محرم، وذلك قول الله عز وجل: (تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ) ". لكنَّ الأثر ضعيف لا يصح، فقد أخرجه ابن أبى حاتم في " تفسيره " (10 / 3145) ، وفيه: عمر بن أبي بكر الموصلي، وهو متروك، فالإسناد ضعيف جدّاً. ورواه ابن سعد (8 / 194) من طريق الواقدي، وهو ضعيف جدّاً. انظر " بيان مشكل الآثار " (1 / 453) . وقد رجح " النحَّاس " هذا القول، ورأى أن السنَّة هي التي نسخت المنع، وذكر كونها منسوخة بالقرآن احتمالاً، لا ترجيحاً، فقال رحمه الله: وهذا والله أعلم أولى ما قيل في الآية، وهو وقول عائشة رضي الله عنها واحد في النسخ، وقد يجوز أن تكون عائشة أرادت أحل له ذلك بالقرآن. " الناسخ والمنسوخ " (ص 629) . وهو الذي رآه الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله، وذكر لفتة متينة، فقال: قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَك) الآية، يظهر تعارضه مع قوله: (لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ) الآية. والجواب: أن قوله: (لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ) منسوخ بقوله: (إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَك) ، وقد قدمنا في " سورة البقرة " أنه أحد الموضعين اللّذين في المصحف ناسخهما قبل منسوخهما لتقدمه في ترتيب المصحف مع تأخره في النزول - على القول بذلك -، وقيل: إن الآية الناسخة لها هي قوله تعالى: (تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ) الآية. والذي يظهر لنا: أن القول بالنسخ أرجح، وليس المرجح لذلك عندنا أنه قول جماعة من الصحابة ومَن بعدهم، منهم: علي، وابن عباس، وأنس، وغيرهم، ولكن المرجح له عندنا: أنه قول أعلم الناس بالمسألة، أعني أزواجه صلى الله عليه وسلم؛ لأن حِليَّة غيرهن من الضرات، وعدمها: لا يوجد مَن هو أشد اهتماماً بهما منهن، فهن صواحبات القصة، وقد تقرر في علم الأصول أن صاحب القصة يقدَّم على غيره، ولعل هناك تفريق بين ما إذا كان صاحب القصة راوياً، وبين كونه مستنبطاً، كقصة فاطمة بنت قيس في إسقاط النفقة والسكنى، فالحجة معها، والحديث يؤيدها، ومع ذلك فعمَر يرد قولها، ولذلك قدم العلماء رواية ميمونة، وأبي رافع (أنه صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو حلال) على رواية ابن عباس المتفق عليها (أنه تزوجها مُحْرِماً) ؛ لأن ميمونة صاحبة القصة وأبا رافع سفير فيها. فإذا علمت ذلك: فاعلم: أن ممن قال بالنسخ: أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: " ما مات صلى الله عليه وسلم حتى أحلَّ الله له النساء "، وأم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها قالت: " لم يمت صلى الله عليه وسلم حتى أحل الله له أن يتزوج من النساء ما شاء إلا ذات محرم ". أما عائشة: فقد روى عنها ذلك: الإمام أحمد، والترمذي وصححه، والنسائي في سننيهما، والحاكم وصححه، وأبو داود في " ناسخه "، وابن المنذر، وغيرهم. وأما أم سلمة: فقد رواه عنها: ابن أبي حاتم - كما نقله عنه ابن كثير -، وغيره. ويشهد لذلك: ما رواه جماعة عن عبد الله بن شداد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج أم حبيبة وجويرية رضي الله عنهما بعد نزول (لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء) ، قال الألوسي في " تفسيره " إن ذلك أخرجه عنه ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، والعلم عند الله تعالى. " دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب " (ص 68، 69) . فالخلاصة: أن الله تعالى أباح لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يتزوج من يشاء من النساء غير من عنده من التسع، وكان هذا بعد المنع منه، ولكنه صلى الله عليه وسلم اقتصر عليهنَّ؛ إكراماً لهنَّ. قال الشيخ أبو بكر الجزائري حفظه الله - في تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ) -: هذه الآية من المتقدم في التلاوة المتأخر في النزول، ونظيرها آيتي الوفاة في " البقرة " على رأي الجمهور، إذ مضمون هذه الآية التوسعة على الرسول صلى الله عيه وسلم؛ إكراماً له لما تحمَّله من نكاح زينب، ثم قصره في الآيات بعد على من تحته من النساء؛ إكراماً لهن أيضاً، وذلك في قوله (لا يحل لك النساء من بعد) ، ثم لم يُقبض حتى رَفع الله عنه الحظر؛ إكراماً؛ وإعلاءً من شأنه، إذ قالت عائشة: " ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل له النساء ". " أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير " (4 / 281) ، وينظر ما قرره الإمام الطحاوي حول ذلك المعنى في كتابه: " بيان مشكل الآثار " (1 / 457) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118492 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 146 تفسير قوله تعالى: (يخرجهم من الظلمات إلى النور) [السُّؤَالُ] ـ[قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أََوْلِيَاؤُهُمْ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ) ما المقصود بـ " النور " في الآية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إن الله ولي الذين آمنوا، وناصرهم، ومعينهم، وموفقهم، يخرجهم من الظلمات؛ ظلمات الشرك، وظلمات المعاصي، والبدع، إلى نور التوحيد والحق والإيمان، يعني: بواسطة الرسل، وبواسطة كتبه المنزلة، فكفار قريش، وكفار بني إسرائيل وغيرهم أولياؤهم الطاغوت، والطاغوت الشيطان من الإنس والجن، فالشياطين من الإنس والجن هم أولياء الكفرة، يخرجونهم من نور التوحيد والحق إلى ظلمات الشرك والجهل والمعاصي والبدع، فالنور في هذه الآية المقصود به: التوحيد والإيمان والهدى، والظلمات: الشرك والمعاصي والبدع، نسأل الله العافية" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (24/209) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118142 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 147 تفسير قوله تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ) [السُّؤَالُ] ـ[ما تفسير قوله تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ) وما هو الشيء الذي يجب فيه تحكيم الرسول صلى الله عليه وسلم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "قوله تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ) عامة على ظاهرها، فلا يجوز للمسلمين أن يخرجوا عن شريعة الله، بل يجب عليهم أن يحكموا شرع الله في كل شيء، فيما يتعلق بالعبادات، وفيما يتعلق بالمعاملات، وفي جميع الشؤون الدينية والدنيوية، لكونها تعم الجميع، ولأن الله سبحانه يقول: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) ويقول: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) فهذه الآيات عامة لجميع الشؤون التي يتنازع فيها الناس ويختلفون فيها، ولهذا قال سبحانه: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ) يعني الناس من المسلمين وغيرهم (حَتَّى يُحَكِّمُوكَ) يعني محمداً صلى الله عليه وسلم، وذلك بتحكيمه صلى الله عليه وسلم حال حياته، وتحكيم سنته بعد وفاته، فالتحكيم لسنته هو التحكيم لما أنزل من القرآن والسنة (فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ) أي: فيما تنازعوا فيه، هذا هو الواجب عليهم: أن يحكموا القرآن الكريم، والرسول صلى الله عليه وسلم، في حياته، وبعد وفاته باتباع سنته التي هي بيان للقرآن الكريم، وتفسير له، ودلالة على معانيه. أما قوله سبحانه: (ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) فمعناه: أنه يجب أن تنشرح صدورهم لحكمه، وألا يبقى في صدروهم حرج مما قضى بحكمه عليه الصلاة والسلام. لأن حكمه هو الحق الذي لا ريب فيه، وهو حكم الله عز وجل، فالواجب التسليم له وانشراح الصدر بذلك، وعدم الحرج، بل عليهم أن يسلموا لذلك تسليما كاملا، رضاً بحكم الله، واطمئناناً إليه، هذا هو الواجب على جميع المسلمين فيما شجر بينهم من دعاوى وخصومات، سواء كانت متعلقة بالعبادات أو بالأموال أو بالأنكحة أو الطلاق أو بغيرها من شؤونهم. وهذا الإيمان المنفي هو أصل الإيمان بالله ورسوله بالنسبة إلى تحكيم الشريعة والرضا بها والإيمان بأنها الحكم بين الناس، فلا بد من هذا، فمن زعم أنه يجوز الحكم بغيرها، أو قال إنه يجوز أن يتحاكم الناس إلى الآباء أو إلى الأجداد أو إلى القوانين الوضيعة التي وضعها الرجال سواء كانت شرقية أو غربية - فمن زعم أن هذا يجوز فإن الإيمان منتف عنه، ويكون بذلك كافرا كفرا أكبر. فمن رأى أن شرع الله لا يجب تحكيمه، ولكن لو حَكَمَ كان أفضل، أو رأى أن القانون أفضل، أو رأى أن القانون يساوي حكم الله فهو مرتد عن الإسلام. وهي ثلاثة أنواع: النوع الأول: أن يقول: إن الشرع أفضل ولكن لا مانع من تحكيم غير الشرع. النوع الثاني: أن يقول: إن الشرع والقانون سواء ولا فرق. النوع الثالث: أن يقول إن القانون أفضل وأولى من الشرع. وهذا أقبح الثلاثة، وكلها كفر وردة عن الإسلام. أما الذي يرى أن الواجب تحكيم شرع الله، وأنه لا يجوز تحكيم القوانين ولا غيرها مما يخالف شرع الله، ولكنه قد يحكم بغير ما أنزل الله لهوىً في نفسه ضد المحكوم عليه، أو لرشوة، أو لأمور سياسية، أو ما أشبه ذلك من الأسباب وهو يعلم أنه ظالم ومخطئ ومخالف للشرع - فهذا يكون ناقص الإيمان، وقد انتفى في حقه كمال الإيمان الواجب، وهو بذلك يكون كافرا كفرا أصغر، وظالما ظلما أصغر، وفاسقا فسقا أصغر، كما صح معنى ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وجماعة من السلف رحمهم الله، وهو قول أهل السنة والجماعة خلافا للخوارج والمعتزلة ومن سلك سبيلهم. والله المستعان" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (24/220-223) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118136 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 148 تفسير قوله تعالى: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) [السُّؤَالُ] ـ[يقول الله تعالى: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) فما هو معنى الآية؟ وما هو المراد بالشرك في الآية الكريمة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "قد أوضح العلماء معناها كابن عباس وغيره، وأن معناها: أن المشركين إذا سُئلوا عمن خلق السماوات والأرض ومن خلقهم يقولون الله، وهم مع هذا يعبدون الأصنام والأوثان كاللات والعزى ونحوهما، ويستغيثون بها وينذرون ويذبحون لها. فإيمانهم هذا هو توحيد الربوبية، ويبطل ويفسد بشركهم بالله تعالى ولا ينفعهم. فأبو جهل وأشباهه يؤمنون بأن الله خالقهم ورازقهم، وخالق السماوات والأرض، ولكن لم ينفعهم هذا، لأنهم أشركوا بالله بعبادة الأصنام والأوثان. هذا هو معنى الآية عن أهل العلم" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (24/248) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118140 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 149 معنى قوله تعالى: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) [السُّؤَالُ] ـ[هل بوسعكم رجاء توضيح معنى الآية (195:2) : (وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين) وأنا في حيرة، حيث قرأت في الفتوى رقم (46807) إلى أن المقصود من إلقاء النفس في التهلكة هو عدم الإنفاق في سبيل الله. ثم قرأت فتوى أخرى برقم (21589) تقول بأن المقصود هو قتل النفس، وهذا إذا كنت قد أحسنت فهمها، أرجو الرد.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يتفق أهل العلم من المفسرين والفقهاء وغيرهم على أن قول الله تعالى: (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) البقرة/195 أنه وارد في سياق الأمر بالنفقة، وأنه قد ورد في سبب نزول الآية أن بعضَ الصحابة أرادوا أن يركنوا إلى ضيعاتهم وتجاراتهم ليصلحوها ويتركوا الجهاد في سبيل الله، فحذرهم الله من ذلك في هذه الآية. فقد روى الإمام البخاري رحمه الله (4516) عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه قال في هذه الآية: " نزلت في النفقة " انتهى. وروى الترمذي (2972) عَنْ أَسْلَمَ أَبِي عِمْرَانَ قَالَ: (كُنَّا بِمَدِينَةِ الرُّومِ فَأَخْرَجُوا إِلَيْنَا صَفًّا عَظِيمًا مِنْ الرُّومِ، فَحَمَلَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى صَفِّ الرُّومِ حَتَّى دَخَلَ فِيهِمْ، فَصَاحَ النَّاسُ وَقَالُوا: سُبْحَانَ اللَّهِ! يُلْقِي بِيَدَيْهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ! فَقَامَ أَبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِيُّ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ تَتَأَوَّلُونَ هَذِهِ الآيَةَ هَذَا التَّأْوِيلَ، وَإِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةَ فِينَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، لَمَّا أَعَزَّ اللَّهُ الإِسْلامَ، وَكَثُرَ نَاصِرُوهُ، فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ سِرًّا دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أَمْوَالَنَا قَدْ ضَاعَتْ، وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعَزَّ الإِسْلامَ، وَكَثُرَ نَاصِرُوهُ، فَلَوْ أَقَمْنَا فِي أَمْوَالِنَا فَأَصْلَحْنَا مَا ضَاعَ مِنْهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرُدُّ عَلَيْنَا مَا قُلْنَا (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) فَكَانَتْ التَّهْلُكَةُ الإِقَامَةَ عَلَى الأَمْوَالِ وَإِصْلاحِهَا، وَتَرْكَنَا الْغَزْوَ. فَلَمْ يَزَلْ أَبُو أَيُّوبَ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى دُفِنَ بِالْقُسْطَنْطِينِيَّة) وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (13) ومع ذلك، فإن العلماء - من المتقدمين والمتأخرين - يستدلون بهذه الآية أيضا على النهي عن قتل النفس وإيذائها وإلقائها إلى التهلكة بأي طريقة من طرق التهلكة، آخذين بعموم لفظ الآية، وبالقياس الجلي، مقررين بذلك القاعدة الأصولية القائلة: " العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب " يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله: " وأما قصرها عليه – يعني قصر الآية على موضوع ترك النفقة في سبيل الله - ففيه نظر، لأن العبرة بعموم اللفظ " انتهى. "فتح الباري" (8/185) ويقول الشوكاني رحمه الله: " أي: لا تأخذوا فيما يهلككم. وللسلف في معنى الآية أقوال. والحق أن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فكل ما صدق عليه أنه تهلكة في الدين أو الدنيا فهو داخل في هذا، وبه قال ابن جرير الطبري " انتهى. "فتح القدير" (1/193) ويدل على ذلك أيضا تنوع تفسيرات السلف لهذه الآية، فقد ورد عن البراء بن عازب رضي الله عنه أنه اعتبر من يذنب الذنب ثم ييأس من رحمة الله: أنه ألقى بيده إلى التهلكة. قال ابن حجر في "فتح الباري" (8/33) : أخرجه ابن جرير وابن المنذر بإسناد صحيح. وبهذا يتبين أنه ليس بين الجوابين السابقين في موقعنا تناقض، فالذي جاء في جواب السؤال رقم: (46807) ، بيان لسبب نزول هذه الآية وسياقها. والذي جاء في جواب السؤال رقم: (21589) هو الاستدلال بعموم لفظ الآية، وبيان أنه لا يجوز الإلقاء باليد إلى التهلكة مطلقا، مهما كان شكل وطريقة هذه التهلكة أو الأذى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 117275 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 150 روايات مكذوبة أن الأرض موضوعة على ظهر ثور [السُّؤَالُ] ـ[مررت برواية مفادها أن الأرض موضوعة على ظهر ثور، وعندما يحرك الثور رأسه يحدث زلزالا. أظن أنني رأيت هذا في ابن كثير (2/29 و 1/50) . هل يمكنكم تفسير هذا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما ذكره السائل هنا لم يرد بإثباته دليل من القرآن الكريم، ولا من السنة النبوية الصحيحة، وغاية ما ورد فيه آثار عن بعض الصحابة والتابعين. فقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (أوّل ما خلق الله من شيء القلم، فجرى بما هو كائن، ثم رفع بخار الماء، فخلقت منه السماوات، ثم خلق " النون " – يعني الحوت - فبسطت الأرض على ظهر النون، فتحرّكت الأرض فمادت، فأثبت بالجبال، فإن الجبال لتفخر على الأرض، قال: وقرأ: (ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ) أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" (2/307) وابن أبي شيبة (14/101) وابن أبي حاتم – كما في تفسير ابن كثير (8/210) – والطبري في "جامع البيان" (23/140) والحاكم في "المستدرك" (2/540) ، وغيرهم كثير، جميعهم من طريق الأعمش، عن أبي ظبيان حصين بن جندب، عن ابن عباس به. وهذا إسناد صحيح. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقال الذهبي في التلخيص: على شرط البخاري ومسلم. كما ورد ذلك عن مجاهد ومقاتل والسدي والكلبي. وانظر: "الدر المنثور" (8/240) ، وتفسير ابن كثير (8/185) في بداية تفسير سورة القلم. وهذا الأثر – كما ترى – موقوف من كلام ابن عباس، وليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، والغالب أن ابن عباس رضي الله عنهما أخذه عن كعب الأحبار، أو عن كتب بني إسرائيل التي تحتوي على كثير من العجائب والغرائب والكذب، يدل على ذلك التفاصيل التي تذكرها بعض كتب التفسير في هذا الموضوع: يقول الإمام البغوي رحمه الله: " وقالت الرواة: لما خلق الله الأرض وفتقها بعث من تحت العرش ملكًا، فهبط إلى الأرض حتى دخل تحت الأرضين السبع، فوضعها على عاتقه، إحدى يديه بالمشرق، والأخرى بالمغرب، باسطتين قابضتين على الأرضين السبع، حتى ضبطها، فلم يكن لقدميه موضع قرار، فأهبط الله عز وجل من الفردوس ثورًا له أربعون ألف قرن، وأربعون ألف قائمة، وجعل قرار قدمي الملك على سنامه، فلم تستقر قدماه، فأخذ الله ياقوتة خضراء من أعلى درجة في الفردوس، غلظها مسيرة خمسمائة عام، فوضعها بين سنام الثور إلى أذنه فاستقرت عليها قدماه، وقرون ذلك الثور خارجة من أقطار الأرض، ومنخراه في البحر، فهو يتنفس كل يوم نفسًا، فإذا تنفس مدَّ البحر، وإذا رد نفسه جزر البحر، فلم يكن لقوائم الثور موضع قرار، فخلق الله تعالى صخرة كغلظ سبع سماوات وسبع أرضين فاستقرت قوائم الثور عليها، وهي الصخرة التي قال لقمان لابنه: (يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة) ، ولم يكن للصخرة مستقر، فخلق الله نونًا وهو الحوت العظيم، فوضع الصخرة على ظهره وسائر جسده خال، والحوت على البحر، والبحر على متن الريح، والريح على القدرة. يقال: فكل الدنيا كلها بما عليها حرفان، قال لها الجبار جل جلاله: كوني فكانت. قال كعب الأحبار: إن إبليس تغلغل إلى الحوت الذي على ظهره الأرض فوسوس إليه، فقال له: أتدري ما على ظهرك يا لوِيثا – اسم الحوت - من الأمم والدواب والشجر والجبال لو نفضتهم ألقيتهم عن ظهرك، فهمّ لوِيثا أن يفعل ذلك فبعث الله دابة فدخلت منخره فوصلت إلى دماغه، فعج الحوت إلى الله منها، فأذن لها الله فخرجت. قال كعب: فوالذي نفسي بيده إنه لينظر إليها وتنظر إليه إن همَّ بشيء من ذلك عادت كما كانت " انتهى. "معالم التنزيل" (8/186) ونحوه في تفسير القرطبي (29/442) ، وكلام كعب الأحبار رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (6/8) ، وعلق محققو تفسير القرطبي (1/385) : كل من الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، ومحمد رضوان عرقسوسي على هذا الأثر بقولهم: " خبر إسرائيلي لا أساس له، وكان من الأولى بالمصنف أن ينزه كتابه عن مثل هذا " انتهى. فانظر كيف أن القصة زاد فيها الرواة وفصلوا، ثم رجع الأمر إلى كعب الأحبار الذي هو مصدر كثير من العجائب المنسوبة إلى هذا الدين. ولذلك أشار الحافظ ابن كثير في "البداية والنهاية" (1/15) – بعد ذكر مجموعة من الغرائب منها هذا الحديث – إلى أنها من الإسرائيليات، فقال: " هذا الإسناد يذكر به السدي أشياء كثيرة فيها غرابة، وكأن كثيرا منها متلقى من الإسرائيليات " انتهى. وقد وردت بعض الأحاديث المرفوعة المنكرة في هذا المعنى، منها ما روي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الأرض على الماء، والماء على صخرة، والصخرة على ظهر حوت يلتقي حرفاه بالعرش، والحوت على كاهل ملك قدماه في الهواء) وهو حديث موضوع، انظر: "السلسلة الضعيفة" (رقم/294) . وإذا كان مثل ذلك لم يصح فيه شيء عن الشرع المعصوم، لا من كتاب الله ولا من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإنما غاية ما فيه آثار عن بعض السلف، ومن الظاهر أن مردها جميعا إلى الأخبار عن بني إسرائيل؛ فالواجب في مثل ذلك الإمساك عن الجزم فيه بشيء، وتفويض العلم بشأنه إلى علام الغيوب، كما أدبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَيُفَسِّرُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا الْآيَةَ) , رواه البخاري (4485) . وفي رواية أخرى بيان سبب التوقف عن تصديق أو تكذيب مثل ذلك: (فَإِنْ كَانَ بَاطِلًا لَمْ تُصَدِّقُوهُ وَإِنْ كَانَ حَقًّا لَمْ تُكَذِّبُوهُ) رواه أبو داود (3644) وأحمد (16774) ، وصححه الألباني في الصحيحة (2800) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114861 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 151 سؤال من نصراني عن اختلاف العلماء في تفسير القرآن الكريم؟ [السُّؤَالُ] ـ[من ملحد في كندا: لماذا العلماء اختلفوا في تفسير القرآن الكريم، يدَّعون أن الإنجيل الذي في كندا نسخة واحدة، والتفسير فيها واحد، ليس هناك رأيان؟ فما قولكم جزاكم الله عنا خيراً؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لم يقع الخلاف بين العلماء في تفسير جميع القرآن، وإنما اختلفوا في تفسير بعض آيات منه، ولا شك أن أكثر الآيات لم يقع في تفسيرها خلاف، بل يتفق المفسرون من السلف والخلف والعلماء على تفسيرها، وذلك أمر ظاهر لكل من يقرأ القرآن ويقرأ كتب التفسير، وما زال عامة المسلمين يقرؤون القرآن ويسمعون آياته ولا يستشكلون أكثرها، بل يعرفون المراد منها، وهذا كافٍ في تحقيق هداية القرآن. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وأما ما صح عن السلف أنهم اختلفوا فيه اختلاف تناقض: فهذا قليل بالنسبة إلى ما لم يختلفوا فيه" انتهى. "مجموع الفتاوى" (5/162) . ثانياً: كما أن الاختلاف الواقع أكثره حدث بعد القرون المفضلة، أما الصحابة والتابعون فكان الخلاف بينهم في تفسير القرآن قليلاً. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ولهذا كان النزاع بين الصحابة في تفسير القرآن قليلا جدا، وهو وإن كان في التابعين أكثر منه في الصحابة، فهو قليل بالنسبة إلى ما بعدهم، وكلما كان العصر أشرف، كان الاجتماع والائتلاف والعلم والبيان فيه أكثر" انتهى. "مجموع الفتاوى" (13/332) . ثالثاً: أما الآيات القليلة التي وقع في تفسيرها الخلاف، فهي أيضا على أقسام: القسم الأول: الخلاف فيها خلاف تنوّع وليس خلاف تضاد، فهو خلاف لفظي غير مؤثر، وخلاف التنوع في حقيقته ليس اختلافا، إذ من شرط الاختلاف تناقض القولين، وهذا غير واقع في هذا القسم من الخلاف. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله شارحا اختلاف التنوع: "وذلك صنفان: أحدهما: أن يعبر كل واحد منهم – يعني من المفسرين - عن المراد بعبارة غير عبارة صاحبه، تدل على معنى في المُسَمَّى غير المعنى الآخر، مع اتحاد المُسَمَّى، كما قيل في اسم السيف: الصارم، والمهند، وذلك مثل أسماء الله الحسنى، وأسماء رسوله صلى الله عليه وسلم، وأسماء القرآن، فإن أسماء الله كلها تدل على مسمى واحد، وكل اسم من أسمائه يدل على الذات المسماة وعلى الصفة التي تضمنها الاسم، وكذلك أسماء النبي صلى الله عليه وسلم، مثل محمد، وأحمد، والماحي، والحاشر، والعاقب، وكذلك أسماء القرآن: مثل القرآن، والفرقان، والهدى والشفاء، والبيان، والكتاب. وأمثال ذلك. إذا عرف هذا فالسلف كثيرا ما يعبرون عن المسمى بعبارة تدل على عينه وإن كان فيها من الصفة ما ليس في الاسم الآخر، كمن يقول: أحمد: هو الحاشر، والماحي، والعاقب، والقدوس هو الغفور والرحيم، أي أن المسمى واحد، لا أن هذه الصفة هي هذه الصفة، ومعلوم أن هذا ليس اختلاف تضاد كما يظنه بعض الناس. مثال ذلك: تفسيرهم للصراط المستقيم. فقال بعضهم: هو " القرآن ": أي اتباعه. وقال بعضهم: هو " الإسلام ". فهذان القولان متفقان؛ لأن دين الإسلام هو اتباع القرآن، ولكن كل منهما نبَّه على وصف غير الوصف الآخر. كما أن لفظ (صراط) يشعر بوصف ثالث، وكذلك قول من قال: هو " السنة والجماعة " وقول من قال: " هو طريق العبودية " وقول من قال: " هو طاعة الله ورسوله " صلى الله عليه وسلم، وأمثال ذلك فهؤلاء كلهم أشاروا إلى ذات واحدة؛ لكن وصفها كل منهم بصفة من صفاتها. الصنف الثاني: أن يذكر كل منهم من الاسم العام بعض أنواعه على سبيل التمثيل وتنبيه المستمع على النوع، لا على سبيل الحد المطابق للمحدود في عمومه وخصوصه. مثل سائل أعجمي سأل عن مسمى لفظ " الخبز "، فأري رغيفا، وقيل له: هذا. فالإشارة إلى نوع هذا لا إلى هذا الرغيف وحده. مثال ذلك: ما نقل في قوله تعالى: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ) فمعلوم أن (الظالم) لنفسه يتناول المضيع للواجبات والمنتهك للمحرمات، و (المقتصد) يتناول فاعل الواجبات وتارك المحرمات، و (السابق) يدخل فيه من سبق فتقرب بالحسنات مع الواجبات. ثم إن كلا منهم – يعني من المفسرين - يذكر هذا في نوع من أنواع الطاعات: كقول القائل: السابق الذي يصلي في أول الوقت، والمقتصد الذي يصلي في أثنائه. والظالم لنفسه الذي يؤخر العصر إلى الاصفرار. ويقول الآخر: السابق والمقتصد والظالم قد ذكرهم في آخر سورة البقرة، فإنه ذكر المحسن بالصدقة، والظالم بأكل الربا، والعادل بالبيع. فكل قول فيه ذكر نوع داخل في الآية ذكر لتعريف المستمع بتناول الآية له وتنبيهه به على نظيره؛ فإن التعريف بالمثال قد يسهل أكثر من التعريف بالحد المطلق. والعقل السليم يتفطن للنوع كما يتفطن إذا أشير له إلى رغيف فقيل له: هذا هو الخبز " انتهى باختصار. "مجموع الفتاوى" (13/332-338) . وقال أيضا رحمه الله: "ينبغي أن يُعلم أن الاختلاف الواقع من المفسرين وغيرهم على وجهين: أحدهما: ليس فيه تضاد وتناقض؛ بل يمكن أن يكون كل منهما حقا، وإنما هو اختلاف تنوع، أو اختلاف في الصفات أو العبارات، وعامة الاختلاف الثابت عن مفسري السلف من الصحابة والتابعين هو من هذا الباب، فإن الله سبحانه إذا ذكر في القرآن اسما مثل قوله: (اهدنا الصراط المستقيم) فكل من المفسرين يعبر عن الصراط المستقيم بعبارة يدل بها على بعض صفاته، وكل ذلك حق ... فيقول بعضهم: الصراط المستقيم: كتاب الله، أو اتباع كتاب الله، ويقول الآخر: الصراط المستقيم: هو الإسلام، أو دين الإسلام. ويقول الآخر: الصراط المستقيم: هو السنة والجماعة. ويقول الآخر: الصراط المستقيم: طريق العبودية أو طريق الخوف والرجاء والحب وامتثال المأمور واجتناب المحظور، أو متابعة الكتاب والسنة، أو العمل بطاعة الله، أو نحو هذه الأسماء والعبارات. ومعلوم أن المسمى هو واحد وإن تنوعت صفاته وتعددت أسماؤه وعباراته. ومنه قسم آخر: وهو أن يذكر المفسر والمترجم معنى اللفظ على سبيل التعيين والتمثيل لا على سبيل الحد والحصر، مثل أن يقول قائل مِن العجم: ما معنى الخبز؟ فيشار له إلى رغيف" انتهى باختصار. "مجموع الفتاوى" (13/381-384) . القسم الثاني: الآيات التي اختلف في تفسيرها اختلاف تضاد وتباين، وهذا القسم قليل، آياته معدودة، والاختلاف فيها مشهور ومحصور. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "الخلاف بين السلف في التفسير قليل، وخلافهم في الأحكام أكثر من خلافهم في التفسير، وغالب ما يصح عنهم من الخلاف يرجع إلى اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد" انتهى. "مجموع الفتاوى" (13/178) . ولوقوع هذا الاختلاف أسباب كثيرة، يدرسها العلماء المتخصصون، يمكن الرجوع إليها في كتاب: " أسباب اختلاف المفسرين " للأستاذ الدكتور محمد الشايع، وكتاب: " اختلاف المفسرين أسبابه وآثاره " للأستاذ الدكتور سعود الفنيسان. رابعاً: لا يجوز أن يكون هذا القسم الثاني وهو خلاف التضاد، مثار طعن ولا تشكيك في القرآن الكريم لأسباب عدة: 1- أنه لم يقع في الآيات المتعلقة بعقائد الإسلام أو مقاصد التشريع، بل إنما وقع في آيات الأحكام، مثل اختلاف العلماء في تفسير قوله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ) البقرة/228، هل القرء هو الطهر أم الحيض؟ أو وقع في تفسير بعض سياقات القرآن المتعلقة بالقصص أو الوعظ ونحوه، كاختلافهم في تفسير قوله تعالى: (فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا) مريم/24، هل المنادي جبريل أم عيسى عليهما السلام. وهذا الاختلاف – كما ترى – لا يتعلق بصلب العقيدة والشريعة، بل في أمر فقهي أراد الله أن يقع فيه الخلاف رحمةًً بهذه الأمة، وابتلاءً أيضا، أو في أمر لا يتوقف فهم سياق الآيات على معرفة معناه. 2- وهذا الخلاف – على قلته – أغلبه واقع في القرون المتأخرة، ولو رجعنا إلى تفسير السلف من الصحابة والتابعين لما وجدنا أكثر هذا الخلاف الموجود في كتب التفسير المتأخرة. 3- وأخيرا، فالله سبحانه وتعالى له الحكمة في خفاء معاني بعض الآيات، كي يجتهد المجتهدون، ويثور العلم في الكتب والعقول. خامساً: أما دعوى نفي الاختلاف في الإنجيل أو في تفاسير الإنجيل فهذه دعوى غريبة عجيبة لا يدعيها النصارى أنفسهم، لما فيها من مناقضة للواقع، حيث تختلف نسخ الإنجيل ورواياته وترجماته اختلافا كثيرا متناقضا، كما تتكاثر فرق النصارى وخلافاتهم الدينية، واختلافهم في تفسيره واقع في صلب عقائدهم، في تفسير التثليث والتوحيد والأقانيم الثلاثة، وهو اختلاف تضاد أدى إلى حدوث فرق كثيرة فيهم تختلف في أصل الدين والعقيدة، أما الإسلام والقرآن فليس بين علماء الإسلام من أهل السنة الذين هم غالب الأمة من عهد الصحابة والتابعين إلى يومنا هذا خلاف في أركان الدين وحقائقه الرئيسية. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وتفاسير النصارى للكتب الإلهية فيها من التحريف لكتاب الله والإلحاد في أسماء الله وآياته ما يطول وصفه ولا ينقضي التعجب منه" انتهى. "الجواب الصحيح" (3/93) . وقال أيضا: "النصارى المقرون بأن هذه العبارة في الإنجيل المأخوذ عن المسيح مختلفون في تفسير هذا الكلام، فكثير منهم يقول: الأب هو الوجود، والابن هو الكلمة، وروح القدس هو الحياة. ومنهم من يقول: بل الأب هو الوجود، والابن هو الكلمة، وروح القدس هو القدرة. وبعضهم يقول: إن الأقانيم الثلاثة: جواد، حكيم، قادر، فيجعل الأب هو الجواد، والابن هو الحكيم، وروح القدس هو القادر، ويزعمون أن جميع الصفات تدخل تحت هذه الثلاثة، وقد رأيت في كتب النصارى هذا وهذا وهذا، ومنهم من يعبر عن الكلمة بالعلم، ومنهم من يقول قائم بنفسه حي حكيم، وهم متفقون على أن المتحد بالمسيح والحالّ فيه هو أقنوم الكلمة، وهو الذي يسمونه الابن دون الأب، ومن أنكر الحلول والاتحاد منهم كالأريوسية يقول إن المسيح عليه السلام عبد مرسل كسائر الرسل صلوات الله عليهم وسلامه، فوافقهم على لفظ الأب والابن وروح القدس، ولا يفسر ذلك بما يقوله منازعوه من الحلول والاتحاد، كما أن النسطورية يوافقونهم أيضا على هذا اللفظ وينازعونهم في الاتحاد الذي يقوله اليعقوبية والملكية. فإذا كانوا متفقين على اللفظ متنازعين في معناه، علم أنهم صدّقوا أولا باللفظ لأجل اعتقادهم مجيء الشرع به، ثم تنازعوا بعد ذلك في تفسير الكتاب كما يختلفون هم وسائر أهل الملل في تفسير بعض الكلام الذي يعتقدون أنه منقول عن الأنبياء عليهم السلام" انتهى باختصار. " الجواب الصحيح " (3/189-192) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112787 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 152 تفسير قوله تعالى واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى الآية الكريمة: (واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون) ، فكيف يسأل الرسول الرسل الذين من قبله؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه الآية في سورة الزخرف يقول الله عز وجل فيها: (وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آَلِهَةً يُعْبَدُونَ) رقم/45. وظاهرها – كما يبدو - أمر النبي صلى الله عليه وسلم بسؤال الرسل الذين بعثوا قبله عن التوحيد، فاستشكل العلماء ذلك إذ كيف يأمره الله بسؤالهم مع الانقطاع الزمني الظاهر بينه وبينهم، فكانت تفسيراتهم على عدة أقوال: القول الأول: المقصود أمره بسؤال الرسل والأنبياء الذين صلى بهم ليلة الإسراء. نقل هذا ابن جرير الطبري في "تفسيره" (21/611) عن ابن عباس، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وعزاه القرطبي إلى سعيد بن جبير وقتادة وغيرهم من التابعين ثم قال في "الجامع لأحكام القرآن" (16/95) : " هذا هو الصحيح في تفسير هذه الآية " انتهى. القول الثاني: المقصود أن يسأل الأمم التي أرسل إليها الأنبياء من قبله، وليس سؤال الرسل أنفسهم. قال ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (7/230) : " قوله: (وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ) ، أي: جميع الرسل دعوا إلى ما دعوت الناس إليه من عبادة الله وحده لا شريك له، ونهوا عن عبادة الأصنام والأنداد، كقوله: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) النحل/36. قال مجاهد: في قراءة عبد الله بن مسعود: " واسأل الذين أرسلنا إليهم قبلك رسلنا "، وهكذا حكاه قتادة والضحاك والسدي عن ابن مسعود، وهذا كأنه تفسير لا تلاوة " انتهى. قال ابن جرير الطبري في تفسيره (21/612-613) : " وأولى القولين بالصواب في تأويل ذلك قول من قال: عنى به: سل مؤمني أهل الكتابين. فإن قال قائل: وكيف يجوز أن يقال: سل الرسل، فيكون معناه سل المؤمنين بهم وبكتابهم؟ قيل: جاز ذلك من أجل أن المؤمنين بهم وبكتبهم أهل بلاغ عنهم ما أتوهم به عن ربهم، فالخبر عنهم وعما جاءوا به من ربهم، إذا صحَّ، بمعنى خبرهم، والمسألة عما جاءوا به بمعنى مسألتهم إذا كان المسئول من أهل العلم بهم والصدق عليهم، وذلك نظير أمر الله جلّ ثناؤه إيانا برد ما تنازعنا فيه إلى الله وإلى الرسول، يقول: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) ، ومعلوم أن معنى ذلك: فردوه إلى كتاب الله وسنة رسوله، لأن الرد إلى ذلك رد إلى الله والرسول. وكذلك قوله: (وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا) إنما معناه: فاسأل كتب الذين أرسلنا من قبلك من الرسل، فإنك تعلم صحة ذلك من قبلنا، فاستغنى بذكر الرسل من ذكر الكتب، إذ كان معلوما ما معناه " انتهى. وهناك أقوال أخرى غير قوية يمكن مراجعتها في "تفسير القرطبي" (16/96) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112358 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 153 من هم حاضرو المسجد الحرام؟ [السُّؤَالُ] ـ[قال الله تعالى: (ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) البقرة/196، من هم حاضرو المسجد الحرام؟ هل هم أهل مكة أم أهل الحرم؟ وما رأيكم فيمن قال: إن المكي لن يتمتع ولن يقرن بدون أهله؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "هذا الذي ذكره السائل هو جزء من آية ذكرها الله سبحانه وتعالى فيمن تمتع فقال: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ) البقرة/196، وقد اختلف العلماء رحمهم الله في المراد بحاضري المسجد الحرام. فقيل: هم من كان داخل حدود الحرم، فمن كان خارج حدود الحرم فليسوا من حاضري المسجد الحرام. وقيل: هم أهل المواقيت ومن دونهم. وقيل: هم أهل مكة ومن بينه وبينها دون مسافة القصر. والأقرب أن حاضري المسجد الحرام هم أهل الحرم. فمن كان من حاضري المسجد الحرم فإنه إذا تمتع بالعمرة إلى الحج فليس عليه هدي مثل: لو سافر الرجل من أهل مكة إلى المدينة مثلاً في أشهر الحج ثم رجع من المدينة فأحرم من ذي الحليفة بالعمرة مع أنه قد نوى أن يحج هذا العام فإنه لا هدي عليه هنا؛ لأنه من حاضري المسجد الحرام، وكذلك أهل مكة يمكن أن يقرنوا ولكن لا هدي عليهم مثل: أن يكون أحد من أهل مكة في المدينة ثم يحرم من ذي الحليفة في أيام الحج بعمرة وحج قارناً بينهما، فهذا قارن ولا هدي عليه أيضاً، لأنه من حاضري المسجد الحرام" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 70، 71) . وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/389) : "اختلف أهل العلم في المعنى بـ: (حاضري المسجد الحرام) ، والراجح أنهم أهل الحرم. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112003 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 154 كيف يكون المسلم فتنة للكافر؟ [السُّؤَالُ] ـ[يقول الله سبحانه وتعالى: (رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) الممتحنة/5، فكيف يكون المسلم فتنة للذين كفروا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "يكون فتنة للذين كفروا بتسلُّط الكفار عليه؛ لأن تسلط الكفار على المؤمن فتنة، حيث إنهم يؤزَرون على ذلك، ويأثمون عليه، فيكون ذلك فتنة لهم. ويحتمل أن معنى (فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) أي: أن يفتنونا هم عن ديننا، كقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) البروج/10. والآية تشتمل المعنيين جميعاً؛ لأن المعنيين لا ينافي أحدهما الآخر، والقاعدة في التفسير: أن الآية إذا احتملت معنيين لا ينافي أحدهما الآخر فإن الواجب حملها على المعنيين جميعاً" انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. "لقاءات الباب المفتوح" (2/106) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112040 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 155 هل يوجد في القرآن الكريم أو الأحاديث النبوية أن الأرضين سبع؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يوجد في القرآن الكريم: الأرضون السبع، أو عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ وفي أي سورة من القرآن الكريم أو حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "ثبت في القرآن الكريم أن الله تعالى خلق سبع أرضين، كما خلق سبع سماوات، قال سبحانه: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) الطلاق/12، وثبت أيضا في الحديث الصحيح: أن الأرضين سبع، فقد روى البخاري ومسلم، عن سعيد بن زيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من اقتطع شبرا من الأرض ظلما طوقه الله يوم القيامة من سبع أرضين) وفي الصحيحين عن عائشة مرفوعا مثله. وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/63) . وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ) الطلاق/12، قال: "يقول تعالى مخبرا عن قدرته التامة وسلطانه العظيم، ليكون ذلك باعثًا على تعظيم ما شرع من الدين القويم: (اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ) أي: سبعا أيضا" انتهى. وقال السعدي رحمه الله: "أخبر تعالى أنه خلق الخلق من السماوات السبع ومن فيهن، والأرضين السبع ومن فيهن ... " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "وأما الأرض فإنها جاءت بلفظ الإفراد في القرآن، وجاءت في السنة بلفظ الجمع؛ وعددها سبع: جاء ذلك في صريح السنة، وفي ظاهر القرآن؛ ففي ظاهر القرآن: (اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ) ؛ لأن المماثلة في الوصف متعذرة؛ فلم يبق إلا العدد" انتهى. "تفسير سورة البقرة" (3/436) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الأسلام سؤال وجواب الحديث: 112059 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 156 من هم أصحاب الأعراف؟ [السُّؤَالُ] ـ[سمعت من شخص يقول: إن الأعراف سور بين الجنة والنار يمكثون فيه عدداً من السنين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الناس إذا كان يوم القيامة انقسموا إلى ثلاثة أقسام: قسم ترجح حسناتهم على سيئاتهم فهؤلاء لا يعذبون ويدخلون الجنة، وقسم آخر ترجح سيئاتهم على حسناتهم فهؤلاء مستحقون للعذاب بقدر سيئاتهم ثم ينجون إلى الجنة، وقسم ثالث سيئاتهم وحسناتهم سواء، فهؤلاء هم أهل الأعراف، ليسوا من أهل الجنة، ولا من أهل النار، بل هم في مكان برزخ عالٍ مرتفع يرون النار ويرون الجنة، يبقون فيه ما شاء الله وفي النهاية يدخلون الجنة، وهذا من تمام عدل الله سبحانه وتعالى أن أعطى كل إنسان ما يستحق، فمن ترجحت حسناته فهو من أهل الجنة، ومن ترجحت سيئاته عذب في النار إلى ما شاء الله، ومن كانت حسناته وسيئاته متساوية فهو من أهل الأعراف لكنها -أي الأعراف- ليست مستقراً دائماً، وإنما المستقر: إما إلى الجنة، وإما إلى النار، جعلني الله وإياكم من أهل الجنة" انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. "لقاءات الباب المفتوح" (1/408) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112117 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 157 يسأل عن السبيل الذي وسوس به إبليس لأبينا آدم [السُّؤَالُ] ـ[أخبرنا الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز أنه عندما رفض إبليس لعنه الله السجود لسيدنا آدم قام سبحانه وتعالى بطرده من الجنة. أريد من فضيلتكم توضيح أمر قد أشكل علي، وهو كيف وسوس إبليس لسيدنا آدم وهو في الجنة، مع أن الله تعالى طرده؟ جزاك الله كل خير.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا نرى للسائل الكريم، ولا لغيره من المسلمين الاشتغال كثيرا بتفاصيل القصص التي طوى القرآن ذكرها، ولم يَرِد بها أثرٌ صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، إذ لو كان فيها كبير فائدة أو حكمة لذكرها الله عز وجل في كتابه، أو علَّمها الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه، فلا ينبغي للمسلم أن ينشغل بالمفضول عن الفاضل، وبالفروع عن الأصول. عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ) رواه البخاري (2408) ومسلم (593) يقول ابن حجر في "فتح الباري" (3/342) : " قال ابن التين: يحتمل أن يكون المراد السؤال عن المشكلات، أو عما لا حاجة للسائل به، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (ذروني ما تركتكم) قلت: وحمله على المعنى الأعم أولى " انتهى. ثانيا: ومن ذلك الخوض في تفاصيل الطريقة التي وسوس بها إبليس لعنه الله، لأبينا آدم وأمنا حواء عليهما السلام، فقد اقتصر القرآن الكريم على ذكر أصل الحادثة من غير تفصيل طبيعة الوسوسة ولا طريقتها، وأوضح ما جاء في ذلك قوله عز وجل: (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ. وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ) الأعراف/20-21 وقوله سبحانه: (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى) طه/120 فإذا وقفنا مع ظاهر الآيات بدا لنا أن هذه الوسوسة كانت مشافهة ومخاطبة مباشرة، وقد نقل بعض أهل العلم ذلك عن جمهور المفسرين، فقال القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (1/312) : " قال ابن مسعود وابن عباس وجمهور العلماء: أغواهما مشافهة، ودليل ذلك قوله تعالى: (وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين) ، والمقاسمة ظاهرها المشافهة " انتهى. غير أن هذا الظاهر لا يفسر كيف استطاع إبليس أن يخاطب آدم وحواء بهذا الخطاب، وهل كان على هيئته المعروفة أم تمثل لهما، وهل دخل الجنة دخولا حقيقيا أم عارضا، كل ذلك من الغيب الذي لا يمكننا أن نخوض فيه من غير أثارة من علم. إلا أن نذهب إلى ما روي عن بعض الصحابة والتابعين، ومال إليه ابن جرير الطبري (1/532) ، وأصله من كلام وهب بن منبه عن علوم أهل الكتاب أنه: " لما أراد إبليس أن يستزلَّهما دَخل في جوف الحية، وكانت للحية أربع قوائم كأنها بُخْتِيَّة، من أحسن دابة خلقها الله، فلما دخلت الحية الجنة، خرج من جوفها إبليس " انتهى باختصار. أو يقال بما قرره الشيخ الأمين الشنقيطي في "أضواء البيان" حين قال: " والمفسرون يذكرون في ذلك قصة الحية، وأنه دخل فيها فأدخلته الجنة، والملائكة الموكّلون بها لا يشعرون بذلك، وكل ذلك من الإسرائيليات، والواقع أنه لا إشكال في ذلك، لإمكان أن يقف إبليس خارج الجنة قريباً من طرفها، بحيث يسمع آدم كلامه وهو في الجنة، وإمكان أن يدخله الله إياها لامتحان آدم وزوجه، لا لكرامة إبليس، فلا محال - عقلاً - في شيء من ذلك، والقرآن قد جاء بأن إبليس كلّم آدم، وحلف له حتى غره وزوجه بذلك " انتهى. وإنما يعنينا من ذلك أن نؤمن إيماناً لا شك فيه، أن هذه القصة وقعت، كما أخبرنا الله في كتابه، وأن سوق العداوة قد قامت بين إبليس وجنده وآدم وذريّته: (إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً) الإسراء / 53، فاحذره كما حذّرك الله، واستعن عليه بإخلاص الدين لله (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) ص/82-83، واحذر يا عبد الله أن تكون من حزب الغاوين (قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ) الحجر41-44. والله تعالى أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111596 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 158 تفسير قوله تعالى هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا [السُّؤَالُ] ـ[ورد في السورة رقم (76) - سورة " الإنسان " - قوله تعالى: (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا) ما المقصود بقوله تعالى (الدهر) ؟ وهل آدم وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام ضِمن المقصود بـ " الإنسان" في الآية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سورة الإنسان تبدأ باستفهام تقريري رفيق مُنَبِّهٍ للقلب، يوقظه إلى حقيقةِ عدمه قبل أن يكون، ومن الذي أوجده وجعله شيئا مذكورا بعد أن لم يكن، وجاء على صيغة الاستفهام تشويقا للسامع لينتظر الخطاب الذي يلحقه، فيقول الله تعالى: (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا) الإنسان/1 وكلمة (الإنسان) في الآية تعم كل إنسان، إذ البشرُ كلهم مخلوقون، حادثون، وُجدوا بعد أن كانوا في العدم، ولم يكونوا شيئا يذكر، كقوله سبحانه وتعالى – في شأن النبي زكريا عليه السلام -: (قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا) مريم/9 يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: " ذكر الله في هذه السورة الكريمة أول حالة الإنسان، ومبتدأها، ومتوسطها، ومنتهاها، فذكر أنه مر عليه دهر طويل - وهو الذي قبل وجوده - وهو معدوم، بل ليس مذكورا " انتهى. "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان" (ص/900) ويقول العلامة الطاهر ابن عاشور رحمه الله: " المعنى: هل يقر كل إنسان موجود أنه كان معدوما زمانا طويلا، فلم يكن شيئا يذكر، أي: لم يكن يُسمَّى ولا يُتحدَّث عنه بذاته، وتعريف: (الإنسان) للاستغراق، مثل قوله: (إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) العصر: 2-3 الآية. أي: هل أتى على كل إنسان حين كان فيه معدوما. و (الدهر) : الزمان الطويل " انتهى باختصار. "التحرير والتنوير" (29/345-346) ولعل هذا القول – وهو مروي عن ابن عباس وابن جريج – أقرب من القول بتعيين آدم عليه السلام مرادا من قوله (الإنسان) ، فالسياق عام، ويدل على عمومه الآية التي بعدها، التي يقول الله تعالى فيها: (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا) ، ومعلوم أن بني آدم هم الذين خلقوا من نطفة أمشاج، فهو دليل على أن المراد بكلمة (الإنسان) في الآية الأولى جميع الناس. وهذا النفي لوجود الإنسان إنما هو بالنسبة للخلق والواقع، وبهذا الاعتبار فالنفي يشمل جميع الخلق، حتى الرسل والأنبياء، فكلهم كانوا في العدم ثم خلقهم الله تعالى. أما بالنسبة لذكر الله تعالى وعلمه، فالبشر كلهم مذكورون في العلم الأزلي، مكتوبون في اللوح المحفوظ، وللرسل والأنبياء جميعا ذكر خاص في المرتبة العليا، فهم أفضل البشر، وذكرهم في علم الله تعالى يناسب رفيع مقام النبوة والرسالة التي وهبهم الله إياها. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 110417 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 159 قوله تعالى وأطعموا القانع والمعتر [السُّؤَالُ] ـ[يقول الله تعالى: (وأطعموا القانع والمعتر) ، مَن هو المعتر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه الكلمة جاءت في سياق آيات من سورة الحج، حيث يقول الله عز وجل: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ. لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) الحج/36-37 يقول الحافظ ابن كثير في تفسير المعنى الإجمالي للآية – كما في "تفسير القرآن العظيم" (5/425) -: " يقول تعالى ممتنا على عباده فيما خلق لهم من البدن، وجعلها من شعائره، وهو أنه جعلها تهدى إلى بيته الحرام، بل هي أفضل ما يهدى إلى بيته الحرام. وقوله: (لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ) ، أي: ثواب في الدار الآخرة. وقال الأعمش، عن أبي ظِبْيَان، عن ابن عباس في قوله: (فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ) ، قال: قيامًا على ثلاث قوائم، معقولةً يدُها اليسرى، يقول: " بسم الله والله أكبر، اللهم منك ولك " وكذلك روى مجاهد، وعلي بن أبي طلحة، والعَوْفي، عن ابن عباس، نحو هذا. وقوله: (فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا) قال: ابن أبي نَجِيح، عن مجاهد: يعني: سقطت إلى الأرض " انتهى باختصار. أما قوله تعالى: (وأطعموا القانع والمعتر) : فقد اختلف في تفسيرها أهل العلم على أقوال كثيرة، اختار الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسيره (ص/538) منها: أن القانع هو الفقير الذي لا يَسأل، والمعتر: هو الفقير الذي يسأل. وهو اختيار الطاهر ابن عاشور في تفسيره "التحرير والتنوير" (17/192) ، بل هو اختيار أكثر المفسرين. ويكفي السائل ـ إن شاء الله ـ أن حفظ ذلك، من جملة الأقوال التي قيلت في تفسيرها. وأما عن جملة الأقوال التي قيلت فيها، فقال ابن الجوزي في "زاد المسير" (5/433) : " فيهما ستة أقوال: أحدها: أن القانع: الذي يسأل، والمعتر: الذي يتعرض ولا يسأل: رواه بكر بن عبد الله عن ابن عباس، وبه قال سعيد بن جبير، واختاره الفراء. والثاني: أن القانع: المتعفف، والمعتر: السائل: رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال قتادة، والنخعي، وعن الحسن كالقولين. والثالث: أن القانع: المستغني بما أعطيته وهو في بيته، والمعتر: الذي يتعرض لك ويلم بك ولا يسأل: رواه العوفي عن ابن عباس. والرابع: القانع: أهل مكة، والمعتر: الذي يعتر بهم من غير أهل مكة: رواه خصيف عن مجاهد. والخامس: القانع: الجار وإن كان غنيا، والمعتر الذي يعتر بك: رواه ليث عن مجاهد. والسادس: القانع: المسكين السائل، والمعتر: الصديق الزائر: قاله زيد بن أسلم " انتهى باختصار. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 108943 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 160 الغلامان الحليم والعليم اللذان بشر بهما إبراهيم عليه السلام [السُّؤَالُ] ـ[بشر الله تعالى إبراهيم عليه السلام بغلام حليم وفي آية أخرى (بغلام عليم) . فهل هو شخص واحد أم شخصان؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، بشر الله تعالى إبراهيم عليه السلام بغلام حليم في آية من كتابه في سورة الصافات. وجاءت البشرى بالغلام العليم في موضعين في القرآن الكريم، في سورة الذاريات وفي سورة الحجر. والذي ذهب إليه جمهور المفسرين ـ وهو الصحيح ـ أن الغلام الحليم إسماعيل عليه السلام، والغلام العليم هو إسحاق عليه السلام. ويدل على صحة هذا القول دليلان: الأول: أن الغلام العليم جاءت به البشرى لإبراهيم وامرأته وهي سارة، وابن سارة هو إسحاق. وأما إسماعيل فهو ابن هاجر جارية إبراهيم. الدليل الثاني: سياق الآيات، فإن سياق الآيات ظاهر جداً. للدلالة على هذا القول. أما البشرى بالغلام الحليم، فقد قال الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام أنه دعا ربه قائلاً: (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ * وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنْ الصَّالِحِينَ * وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ) سورة الصافات/100-113. فهذه الآيات تدل على أن الغلام الحليم هو إسماعيل، لأنه هو الذي أمر إبراهيم بذبحه. ولا يمكن أن يكون هو إسحاق، لأن الله تعالى بعد أن ذكر قصة الغلام الحليم وهو الذبيح، بشر إبراهيم بإسحاق، فقال: (وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنْ الصَّالِحِينَ) وهذا يدل دلالة واضحة على أن الغلام السابق ليس هو إسحاق، وأيضاً: لأن إسحاق بشر أنه سيكون نبياً فلا يمكن أن يؤمر بذبحه. ووصف إسماعيل بـ (الحليم) ، مناسب جداً، فإن الحلم هو العقل، وكمال الرأي، المتضمن كمال الصبر، وجوابه عليه السلام لما أخبر بالأمر بذبحه يدل على كمال عقله، وكمال صبره، (قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ) . قال ابن كثير رحمه الله: "وإسماعيل وصف هاهنا بالحليم؛ لأنه مناسب لهذا المقام" انتهى. وأما الغلام العليم، فقد قال الله تعالى: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنكَرُونَ * فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ * فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ * فَأَقْبَلَتْ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ * قَالُوا كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ * قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ) الذاريات/24-30. وقال تعالى: (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ * وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ * قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ * قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِي الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ) الحجر/49-4. فآيات سورة الذاريات تدل على أن هذا الغلام العليم سيكون من امرأته، وامرأته هي سارة، وابنها هو إسحاق. بل جاءت هذه البشرى في سورة هود صريحة بأنه إسحاق. قال الله تعالى: (وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ * فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ * وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ * قَالَتْ يَاوَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ * قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ * فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ * إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ) هود/96-75. فسياق هذه الآيات موافق لسياق آيات سورة الذاريات، مما يدل على أن المبشر به في السورتين هو شخص واحد وهو إسحاق عليه السلام. وانفرد مجاهد رحمه الله، وقال: الغلام العليم هو إسماعيل، ولم يوافقه أحد من العلماء على هذا القول، بل حكموا بضعفه ورده. وهذه طائفة من أقوال العلماء، في أن الغلام الحليم هو إسماعيل، والغلام العليم هو إسحاق عليه السلام. قال ابن جرير الطبري (9/7626) : " (قَالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ) يعني: بإسحاق، و (عليم) بمعنى عالم إذا كبر. ورُوي عن مجاهد في قوله: (بِغُلامٍ عَلِيمٍ) قال: إسماعيل. وإنما قلت (ابن جرير) : عنى به إسحاق، لأن البشارة كانت بالولد من سارّة، وإسماعيل لهاجَر لا لسارّة" انتهى باختصار. وقال ابن كثير (4/299) : " (وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ) وهو إسحاق، عليه السلام، كما تقدم في سورة هود" انتهى. واختار القرطبي أيضاً أن المراد بـ "الغلام العليم" هو إسحاق عليه السلام، فقال: " (وبشروه بغلام عليم) أي بولد يولد له من سارة زوجته .... "ومعنى (عليم) أي: يكون بعد بلوغه من أولي العلم بالله وبدينه. والجمهور على أن المبشَّر به هو إسحق. وقال مجاهد وحده: هو إسماعيل، وليس بشيء، فإن الله تعالى يقول: (وبشرناه بإسحق) . وهذا نص" انتهى. "تفسير القرطبي" (19/494) . يشير القرطبي بذلك إلى أن آيات الصافات ذكرت البشرى بإسحاق بعد ذكر البشرى بالغلام الحليم وهو الذبيح، إسماعيل عليه السلام. وقال في "البحر المحيط" (10/139) : " (بغلام عليم) : أي سيكون عليماً، وفيه تبشير بحياته حتى يكون من العلماء. وعن الحسن: عليم نبي؛ والجمهور: على أن المبشر به هو إسحاق بن سارة. وقال مجاهد: هو إسماعيل" انتهى. وقال الشوكاني في فتح القدير (4/183) : " (إِنَّا نُبَشّرُكَ بغلام عَلِيمٍ) والعليم: كثير العلم ..... وهذا الغلام: هو إسحاق كما تقدّم في هود" انتهى. وقال أيضاً (7/46) : " (وَبَشَّرُوهُ بغلام عَلَيمٍ) أي: بشروه بغلام يولد له كثير العلم عند أن يبلغ مبالغ الرجال، والمبشر به عند الجمهور هو إسحاق. وقال مجاهد وحده: إنه إسماعيل، وهو مردود بقوله: (وبشرناه بإسحاق) الصافات/112" انتهى. وقال الطاهر بن عاشور في "التحرير والتنوير" (7/485) : " (إنا نبشرك بغلام عليم) والغلام العليم: إسحاق عليه السلام، أي: عليم بالشريعة، بأن يكون نبياً". وقال أيضاً (12/140) : " (فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ) الغلام الذي بشر به هو الولد الأول الذي ولد له، وهو إسماعيل لا محالة. والحليم: الموصوف بالحلم، وهو اسم يجمع أصالة الرأي، ومكارم الأخلاق، والرحمة بالمخلوق. وهذا الغلام الذي بشر به إبراهيم هو إسماعيل ابنه البكر، وهذا غير الغلام الذي بشره به الملائكة الذين أرسلوا إلى قَوم لوط في قوله تعالى: (قَالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ) الذاريات/28، فذلك وُصف بأنه (عليم) . وهذا وصُف بـ (حَلِيمٍ) . وأيضاً: ذلك كانت البشارة به بمحضر سَارَة أمِّه، وقد جُعلت هي المبشرة في قوله تعالى: (فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ * قَالَتْ يَاوَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا) هود/72، فتلك بشارة كرامة، والأولى بشارة استجابة دعائه، فلما ولد له إسماعيل تحقق أمل إبراهيم أن يكون له وارث من صلبه" انتهى باختصار. وقال السعدي (ص963) : " (لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ) وهو إسحاق عليه الصلاة والسلام، تضمنت هذه البشارة بأنه ذكر لا أنثى (عليم) أي: كثير العلم، وفي الآية الأخرى: (وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) " انتهى. وقال أيضاً (ص831) : "فبشرناه بغلام حليم" وهذا إسماعيل بلا شك، فإنه ذكر بعده البشارة بإسحاق، ولأن الله تعالى قال في بشراه بإسحاق: (فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب) ، فدل على أن إسحاق غير الذبيح، ووصف الله إسماعيل عليه السلام بالحلم، وهو يتضمن الصبر وحسن الخلق وسعة الصدر والعفو عمن جنى" انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين في تفسير سورة الذاريات: " (وبشروه بغلام عليم) البشارة هي الإخبار بما يسر، أي: أخبروه بما يسره وهو الغلام العليم، وكان إبراهيم عليه الصلاة والسلام قد بلغ من الكبر عتيًّا قبل أن يولد له، فبشروه بهذا الغلام، وبشروه بأنه عليم أي: سيكون عالماً؛ لأن الله تعالى جعله من الأنبياء، والأنبياء هم أعلم الخلق بالله عز وجل وأسمائه وصفاته وأحكامه وأفعاله، وهذا الغلام العليم غير الغلام الحليم، لأن في القرآن أن إبراهيم بُشر بغلام عليم في آيتين من كتاب الله، وبشر بغلام حليم في آية واحدة، وهما غلامان، أما الغلام الحليم فإنه إسماعيل أبو العرب، وأما الغلام العليم فإنه إسحاق أبو بني إسرائيل، ولذلك تجد قصتهما مختلفة، ولقد أبعد عن الصواب، من قال: إن الغلام الحليم هو الغلام العليم، بل ونص صريح في سورة الصافات أنهما غلامان مختلفان، فإن الله تعالى لما ذكر قصة الذبيح في سورة الصافات قال بعدها: (وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) فكيف يبشر بمن أمر بذبحه، وكان عنده وبلغ معه السعي، كل هذا مما يدل على أن الغلام الحليم غير الغلام العليم" انتهى. وقال ابن القيم رحمه الله بعد أن ذكر آيات سورة الصافات وفيها قصة الذبيح الذي هو الغلام العليم: ثم قال تعالى: (وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) الصافات/112، فهذه بشارة من الله تعالى له شكراً على صبره على ما أمر به، وهذا ظاهر جدا في أن المبشَّر به غير الأول، بل هو كالنص فيه" انتهى من "زاد المعاد" (1/73) . وقال أيضاً (1/74) : " فإن الله سبحانه سمى الذبيح حليما، لأنه لا أحلم ممن أسلم نفسه للذبح طاعة لربه، ولما ذكر إسحاق سماه عليما، فقال تعالى: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنكَرُونَ) الذاريات/24، 25، إلى أن قال: (قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ) الذاريات/28، وهذا إسحاق بلا ريب لأنه من امرأته وهي المبشرة به، وأما إسماعيل فمن السُّرِّيّة (يعني: الأمة) ، وأيضا: فإنهما بشرا به على الكبر واليأس من الولد، وهذا بخلاف إسماعيل فإنه ولد قبل ذلك" انتهى. وبهذا يتبين أن الغلام الحليم الذي بشر به إبراهيم هو إسماعيل، والغلام العليم هو إسحاق، عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 108912 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 161 كم سنة عاش نوح عليه السلام؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل عاش نوح عليه السلام (950) سنة، ولماذا ذكر قي القرآن أنه عاش ألف سنة إلا خمسين عاما، حيث ميز بين السنة والعام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله في عمر نوح عليه السلام العظة والعبرة البالغة: فهي قرون طويلة قضاها في قومه يدعوهم إلى الله تعالى، يشفق عليهم من عذابه، ويرجو لهم رحمته، ولم يصبه اليأس ولا أخذه القنوط، بل رجا أن يهديهم الله على يديه وإن طال الزمان، فكانت سنوات عمره دروسا للدعاة والمعلمين والمربين في الصبر والعزيمة والإيمان. كما أن فيها من العظة والعبرة لكل إنسان، ليدرك أن الموت آت وإن طال الزمان، وأن العمر إنما هو أيام تتقضى مع غروب شمس كل يوم، لتسدل الستار على قصة روحه التي منحت فرصة نيل السعادة الأبدية في الجنة، فيا فوزها إن كان سعيها في تحصيل هذه السعادة، ويا خسارها إن قصرت وفرطت. روى ابن أبي الدنيا في "الزهد" (رقم/358) بسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء ملك الموت إلى نوح عليه السلام، فقال: يا أطول النبيين عمرا! كيف وجدت الدنيا ولذتها؟ قال: " كرجل دخل بيتا له بابان، فقام في وسط البيت هنيهة – القليل من الزمان -، ثم خرج من الباب الآخر " انتهى. والمسلم الحصيف هو الذي يلتفت إلى هذه المعاني والعبر، فتبعث في نفسه العزيمة وتحثها على العمل، ولا ينبغي أن يشغل باله كثيرا بتفاصيل التاريخ التي لم يلتفت إليها الوحي في بيانه، ولم يثبت فيها شيء من أدلة الشريعة المعتمدة. ومن ذلك السؤال عن تحديد عمر نوح عليه السلام، فقد ورد فيه عدة أقوال لعلماء للسلف من الصحابة والتابعين، ولم يثبت فيه شيء من الكتاب والسنة الصريحة كي يجزم بأحد هذه الأقوال، ولكننا نسرد هذه الأقوال هنا من باب زيادة العلم بما تنقله كتب السلف: القول الأول: (950) سنة: وهو قول قتادة. جاء في "تفسير القرآن العظيم" لابن كثير (6/268) : " وقال قتادة: يقال إن عمره كله كان ألف سنة إلا خمسين عاما، لبث فيهم قبل أن يدعوهم ثلثمائة سنة، ودعاهم ثلثمائة، ولبث بعد الطوفان ثلثمائة وخمسين سنة " انتهى. روى نحوه ابن أبي حاتم في "التفسير" (رقم/18041) القول الثاني: (1050) سنة: قاله ابن عباس. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " بعث الله نوحا وهو ابن أربعين سنة، ولبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى الله، وعاش بعد الطوفان ستين سنة حتى كثر الناس وفشوا " انتهى. عزاه السيوطي في "الدر المنثور" (6/455) لكل من ابن أبي شيبة (7/18) ، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، والحاكم (9/251) ، وصححه وابن مردويه. القول الثالث: (1020) سنة: قول كعب الأحبار. روى ابن أبي حاتم في "التفسير" (رقم/18043) حدثنا أبو زرعة، ثنا صفوان، ثنا الوليد، ثنا أبو رافع إسماعيل بن رافع، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن كعب الأحبار، في قول الله: " فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما "، قال:"عاش بعد ذلك سبعين عاما". القول الرابع: (1400) سنة: يحكى عن ابن عباس، وهو قول وهب بن منبه: انظر "تفسير القرطبي" (13/332) القول الخامس: (1650) سنة: قول عون بن أبي شداد. عن عون بن أبي شداد، قال: " إن الله تبارك وتعالى أرسل نوحا إلى قومه وهو ابن خمسين وثلاث مائة سنة، فدعاهم ألف سنة إلا خمسين عاما، ثم عاش بعد ذلك خمسين وثلاث مائة سنة " رواه ابن أبي حاتم في "التفسير" (رقم/18044) والطبري في "جامع البيان" (20/17) القول السادس: (1700) سنة، قول عكرمة. عن عكرمة رضي الله عنه قال: " كان عمر نوح عليه السلام قبل أن يبعث إلى قومه وبعدما بعث ألفا وسبعمائة سنة " انتهى. عزاه السيوطي في "الدر المنثور" (6/456) لعبد بن حميد قال ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (6/268) بعد أن استغرب الأقوال السابقة: " وقول ابن عباس أقرب " انتهى. ثانيا: اختلف المفسرون أيضا في الحكمة من استعمال لفظي " السنة " و " العام "، على قولين: القول الأول: ذهب بعض المفسرين إلى أنها حكمة لفظية فحسب، لأن تكرار اللفظ نفسه فيه ثقل على اللسان، فجاء بلفظ مرادف مغاير، وهو " عاما " لتحقيق الخفة المطلوبة. يقول الزمخشري في "الكشاف": " فإن قلت: فلم جاء المميز أوّلاً بالسنة وثانياً بالعام؟ قلت: لأنّ تكرير اللفظ الواحد في الكلام الواحد حقيق بالاجتناب في البلاغة، إلا إذا وقع ذلك لأجل غرض ينتحيه المتكلم من تفخيم أو تهويل أو تنويه أو نحو ذلك " انتهى. وبنحوه في "التحرير والتنوير" (20/146) القول الثاني: أن استعمال لفظ " السنة " جاء للدلالة على صعوبة السنوات التي قضاها نوح عليه السلام في دعوة قومه، فهي سنوات عجاف من حيث الخير والمطر والبركة، ومن حيث مشقتها أيضا على نوح عليه السلام في أمر الدعوة، حيث واجهه قومه بالإعراض والأذى، ثم عاش بعد الطوفان وهلاك الكفر من الأرض أعواما من الخصب والنعيم والرخاء، والعرب تطلق لفظ " السنة " على أيام الجدب والقحط، ولفظ " العام " على أيام الرخاء والنعيم. يقول الراب الأصفهاني في "مفردات ألفاظ القرآن" (2/140) : " العام كالسنة، لكن كثيرا ما تستعمل السنة في الحول الذي يكون فيه الشدة أو الجدب؛ ولهذا يعبر عن الجدب بالسنة، والعام بما فيه الرخاء والخصب، قال: (عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون) يوسف/49، وقوله: (فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما) العنكبوت/14، ففي كون المستثنى منه بالسنة والمستثنى بالعام لطيفة. وقال برهان الدين البقاعي "نظم الدرر" (14/404) : " وعبر بفلظ " سنة " ذما لأيام الكفر ... وقال: " عاما " إشارة إلى أن زمان حياته عليه الصلاة والسلام بعد إغراقهم كان رغدا واسعا حسنا بإيمان المؤمنين، وخصب الأرض " انتهى. ونحوه توجيه الإمام الزركشي في "البرهان في علوم القرآن" (3/386) وجمع بعض أهل العلم بين هذين القولين، إذ لا مانع من اعتبار الحكمتين من هذه المغايرة: اللفظية والمعنوية، وأقوال المفسرين - إن لم تتعارض - فالأخذ بها جميعها أولى من اطراح بعضها: يقول ابن عادل في "اللباب" (12/429) : " وقد روعيت هنا نكتة لطيفة، وهو أن غَايَرَ بين تَمْيِيزي العَدَد فقال في الأول " سنة " وفي الثاني " عاماً "، لئلا يثقل اللفظ، ثم إنه خص لفظ العام بالخمسين إيذاناً بأن نبي الله صلى الله عليه وسلم لما استراح منهم بقي في زمن حسن، فالعرب تعبر عن الخَصْب بالعام، وعن الجَدْب بالسنة " انتهى. وانظر جواب السؤال رقم (10470) ، (10551) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105695 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 162 تفسير قوله تعالى: (وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا) [السُّؤَالُ] ـ[في سورة الجن، الآية (رقم/3) : (وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا) يكررها النصارى تشكيكا في ديننا، كيف نرد عليهم ردا مفحما؟ هل المتحدث هنا هم الجن جهلا منهم؟ أم المقصود بقوله (جد) ضد الهزل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه الآية من سورة " الجن " ذات الوقع المؤثر في النفوس، تحكي حديثا صدر عن الجن الذين استمعوا القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم، فآمنوا بالقرآن، وأسلموا. قال الله تعالى: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا. يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا. وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا. وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا) الجن/1-4. وظاهر جداً من سياق الآيات: أن الجن أعلنوا إيمانهم بوحدانية الله، ورفضهم لما يقوله المشركون من نسبة الصاحبة والولد إلى الله، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. والجد في الآية معناه: العظمة والجلال، وليس معناه "أبو الأب" كما فهم هؤلاء المفترون. قال ابن فارس في "معجم مقاييس اللغة" (1/364) : " الجيم والدال أصولٌ ثلاثة: الأوَّل العظمة، والثاني: الحَظ، والثالث: القَطْع. فالأوّل: العظمة: قال الله جلّ ثناؤُه إخباراً عمّن قال: (وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا) الجن/3. ويقال: " جَدَّ الرجُل في عَينِي " أي: عَظُم، قال أنسُ بنُ مالكٍ: (كان الرجلُ إذا قرأ سورةَ البقرة وآلِ عِمرانَ جَدَّ فينا) أي: عَظُم في صُدورِنا. والثاني: الغِنَى والحظُّ: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه: (لا يَنْفَع ذا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ) يريد: لا ينفَعُ ذا الغنى منك غِناه، إنّما ينفعه العملُ بطاعتك. والثالث: يقال: جَدَدت الشيءَ جَدّاً، وهو مجدودٌ وجَديد، أي: مقطوع " انتهى. وانظر: "لسان العرب" (3/107) . فتفسير عبارة الجن التي حكاها الله عنهم: (وأنه تعالى جد ربنا) كتفسير دعاء استفتاح الصلاة أيضا: (سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، تَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ) رواه مسلم موقوفا عن عمر (399) . والمقصود في كل منهما: تعالت وارتفعت عظمة الله تعالى، وكبرياؤه، وعزته، ونحو ذلك من المعاني التي فيها تعظيم الله تعالى وإجلاله. لذلك حكى ابن الجوزي في "زاد المسير" (8/378) الأقوال في تفسير الآية، فقال: " للمفسرين في معنى: (تعالى جَدُّ ربِّنا) سبعة أقوال: أحدها: قدرة ربنا، قاله ابن عباس. والثاني: غنى ربنا، قاله الحسن. والثالث: جلال ربنا، قاله مجاهد وعكرمة. والرابع: عظمة ربنا، قاله قتادة. والخامس: أمر ربنا، قاله السُّدِّي. والسادس: ارتفاعُ ذِكْرِه وعظمته، قاله مقاتل. والسابع: مُلك ربنا وثناؤه وسلطانه، قاله أبو عبيدة " انتهى. وهذه المعاني كلها متقاربة وتدل على عظمة الله تعالى وكبريائه. والمعنى الإجمالي منها في الآية: هو التعبير عن الشعور باستعلاء الله سبحانه وبعظمته وجلاله عن أن يتخذ صاحبة، أي: زوجة، وولداً، بنين أو بنات! وكانت العرب تزعم أن الملائكة بنات الله، جاءته من صهر مع الجن! فكذبت الجن هذه الخرافة الأسطورية. قال ابن عاشور في "التحرير والتنوير" (14/222) : "التعالي: شدة العلوّ. والجَدّ: العظمة والجلال، وهذا تمهيد وتوطئة لقوله: (ما اتخذ صاحبة ولا ولَداً) ، لأن اتخاذ الصاحبة للافتقار إليها لأنسها وعونها والالتذاذ بصحبتها، وكل ذلك من آثار الاحتياج، والله تعالى الغني المطلق، وتعالى جَدّه بغناه المطلق، والولد يرغب فيه للاستعانة والأنس به. . . وكل ذلك من الافتقار والانتقاص" انتهى. وقال السعدي في تفسيره (ص 1055) : " (وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا) أي: تعالت عظمته وتقدست أسماؤه، (مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا) فعلموا من جَدِّ الله وعظمته، ما دلهم على بطلان من يزعم أن له صاحبة أو ولدا، لأن له العظمة والكمال في كل صفة كمال، واتخاذ الصاحبة والولد ينافي ذلك، لأنه يضاد كمال الغنى" انتهى وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: ما معنى قولنا في دعاء الاستفتاح للصلاة: (وتعالى جدك) ؟ الجواب: " معنى ذلك: تعالى كبرياؤك وعظمتك، كما قال سبحانه في سورة الجن - عن الجن - أنهم قالوا: (وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا) " انتهى. "فتاوى الشيخ ابن باز" (11/74) . فتبين من ذلك أن في الآية رداًّ على من نسب لله الصاحبة والولد، كالمشركين والنصارى، لأن ذلك يتنافى من عظمة الله وجلاله. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105011 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 163 الجمع بين آية (والله يعصمك من الناس) وموته صلى الله عليه وسلم بالسم [السُّؤَالُ] ـ[كيف نوفق بين الآية (والله يعصمك من الناس) أي: من القتل، وبين الحديث الذي ترويه عائشة في صحيح البخاري (يا عائشة، ما أزال أجد الم الطعام الذي أكلت بخيبر، فهذا أوان انقطاع أبهري من ذلك السم) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نص الآية: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) المائدة/ 67. نص الحديث: قالت عَائِشَةُ رضى الله عنها: كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِى مَرَضِهِ الَّذِى مَاتَ فِيهِ: يَا عَائِشَةُ، مَا أَزَالُ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ الَّذِى أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ، فَهَذَا أَوَانُ وَجَدْتُ انْقِطَاعَ أَبْهَرِى مِنْ ذَلِكَ السَّمِّ. رواه البخاري (4165) . " الطعام ": هو الشاة المسمومة. " أوان ": وقت، وحين. " أبهَري ": عرق مرتبط بالقلب، إذا انقطع مات الإنسان. وأصل القصة: عَنْ أَنَسٍ أَنَّ امْرَأَةً يَهُودِيَّةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ، فَأَكَلَ مِنْهَا، فَجِيءَ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ: أَرَدْتُ لأَقْتُلَكَ، قَالَ: مَا كَانَ اللَّهُ لِيُسَلِّطَكِ عَلَى ذَاكِ. رواه البخاري (2474) ومسلم (2190) . ثانياً: يجب أن يَعلم المسلم أنه ليس ثمة تعارض بين نصوص الوحي، وما يظنه بعض الناس من وجود تعارض بين نصوص الوحي بعضها مع بعض: فهو تعارض في ظاهر الأمر بالنسبة له، وليس تعارضاً في واقع الأمر، ولذا فإن علماء الإسلام الراسخين لا يعجزهم – بفضل الله وتوفيقه – من بيان أوجه التوفيق بين ما ظاهره التعارض بالنسبة لمن يرى ذلك ممن يخفى عليه وجه الجمع بين تلك النصوص. قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: لا يجوز أن يوجد في الشرع خبران متعارضان من جميع الوجوه، وليس مع أحدهما ترجيح يقدم به. " المسودة " (306) . وقال ابن القيم - رحمه الله -: وأما حديثان صحيحان صريحان متناقضان من كل وجه ليس أحدهما ناسخاً للآخر: فهذا لا يوجد أصلاً، ومعاذ الله أن يوجد في كلام الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم الذي لا يخرج من بين شفتيه إلا الحق. " زاد المعاد " (4 / 149) . وقال ابن القيم - رحمه الله – أيضاً -: فصلوات الله وسلامه على مَن يصدّق كلامُه بعضه بعضاً، ويشهد بعضه لبعض، فالاختلاف، والإشكال، والاشتباه إنما هو في الأفهام، لا فيما خرج من بين شفتيه من الكلام، والواجب على كل مؤمن أن يَكِلَ ما أشكل عليه إلى أصدق قائل، ويعلم أن فوق كل ذي علم عليم. " مفتاح دار السعادة " (3 / 383) . وقال الشاطبي – رحمه الله -: كل مَن تحقق بأصول الشريعة: فأدلتها عنده لا تكاد تتعارض، كما أن كل مَن حقق مناط المسائل: فلا يكاد يقف في متشابه؛ لأن الشريعة لا تعارض فيها البتة، فالمتحقق بها متحقق بما في الأمر، فيلزم أن لا يكون عنده تعارض، ولذلك لا تجد ألبتة دليلين أجمع المسلمون على تعارضهما بحيث وجب عليهم الوقوف، لكن لما كان أفراد المجتهدين غير معصومين من الخطأ: أمكن التعارض بين الأدلة عندهم. " الموافقات " (4 / 294) . وقد برز طوائف من العلماء يتحدون من يزعم وجود تعارض بين نصوص الوحي؛ ومنهم الإمام ابن خزيمة رحمه الله حيث كان يقول – كما في " تدريب الراوي " (2 / 176) -: " لا أعرف حديثين متضادين، فمن كان عنده فليأتني به لأؤلف بينهما ". ثالثاً: ما ذكره الأخ السائل مما ظاهره التعارض بين قوله تعالى (والله يعصمك من الناس) مع قوله صلى الله عليه وسلم (وهذا أوان انقطاع أبهري) وأنه مات بالسم الذي وضعه له اليهود: فليس بينهما تعارض – بتوفيق الله -؛ لأن " العصمة " في الآية هي: العصمة من الفتنة، ومن الضلال، ومن القتل قبل تبليغ الرسالة، وكل ذلك قد تحقق له صلى الله عليه وسلم، وقد عصمه ربه تعالى من كل ذلك، ولم يمت صلى الله عليه وسلم إلا بعد أن أبلغ رسالة ربه تعالى، وقد قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً) المائدة/ من الآية 3، وقد ذكر بعض العلماء معنى لطيفاً ها هنا، وهو أن الله تعالى أبى إلا أن يجمع لنبينا صلى الله عليه وسلم بين النبوة والشهادة. وقد عصم الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم من كفار قريش عندما أرادوا قتله في مكة، وعصمه ربه من القتل في المدينة فيما حضره من غزوات، بل وحتى محاولة اليهود قتله بالسم: فإن الله تعالى قد عصمه منها، فأخبرته الشاة أنها مسمومة، ومات الصحابي الذي كان معه، وأكل منها – وهو بِشْر بْن الْبَرَاء بْن مَعْرُور - ولم يمت صلى الله عليه وسلم، ولا يخالف هذا وجوده أثر ذلك السم، واعتقاده أنه سيموت بسببه، وما قاله صلى الله عليه وسلم ليس فيه أن السم هو سبب موته، بل فيه أنه يشعر به، ونه قد يكون هذا هو الموافق لانتهاء أجله. وبكل حال: فإن العصمة من القتل هي فيما كان قبل تبليغ رسالة ربه، ولم يمت صلى الله عليه وسلم إلا وقد أبلغها على أكمل وجه، وسياق الآية يدل على ذلك، حيث أمره ربه تعالى بتبليغ الرسالة، وأخبره أنه يعصمه من الناس. ومما يدل على ذلك أيضاً: قوله صلى الله عليه وسلم لليهودية (مَا كَانَ اللَّهُ لِيُسَلِّطَكِ عَلَى ذَاكِ) بعد أن أخبرته أنها أرادت قتله، وهو نص إما في عصمته من القتل بالسم حتى فارق الدنيا، أو هو نص في ذلك قبل تبليغ الرسالة. وخلاصة الكلام: أنه إما أن يُقال بأن النبي صلى الله عليه سلم عُصم من القتل بالسم – كما سيأتي في كلام ابن كثير والنووي وغيرهما -، وقد أوحى الله بوجود السم فيها، وهذا من عصمته له، أو يقال: إن العصمة هي في أثناء التبليغ لرسالة الإسلام، ولا ينافي ذلك وقوع القتل بعد التبليغ لها – كما سيأتي في كلام القرطبي وابن حجر والعثيمين -، وأن الله تعالى جمع بذلك القتل لنبينا صلى الله عليه وسلم بين النبوة والشهادة، وجعل ذلك تذكيراً لنا على الدوام بعداوة اليهود لنا ولديننا. وهذه بعض أقوال علماء الأمة فيما ذكرناه، وهو يوضح المقصود إن شاء الله. 1. قال ابن كثير – رحمه الله -: ومِن عصمة الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم: حفْظُه له من أهل مكة، وصناديدها، وحسَّادها، ومُعَانديها، ومترفيها، مع شدة العداوة، والبِغْضة، ونصب المحاربة له ليلاً، ونهاراً، بما يخلقه الله تعالى من الأسباب العظيمة بقَدَره، وحكمته العظيمة، فصانه في ابتداء الرسالة بعمه أبي طالب، إذ كان رئيساً مطاعاً كبيراً في قريش، وخلق الله في قلبه محبة طبيعية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لا شرعيَّة، ولو كان أسلم لاجترأ عليه كفارها وكبارها، ولكن لما كان بينه وبينهم قدر مشترك في الكفر، هابوه، واحترموه، فلما مات أبو طالب نال منه المشركون أذى يسيراً، ثم قيض الله عز وجل له الأنصار، فبايعوه على الإسلام، وعلى أن يتحول إلى دارهم - وهي المدينة -، فلما صار إليها حَمَوه من الأحمر والأسود، فكلما همَّ أحد من المشركين وأهل الكتاب بسوء: كاده الله، ورد كيده عليه، لما كاده اليهود بالسحر: حماه الله منهم، وأنزل عليه سورتي المعوذتين دواء لذلك الداء، ولما سم اليهود في ذراع تلك الشاة بخيبر: أعلمه الله به، وحماه الله منه؛ ولهذا أشباه كثيرة جدّاً، يطول ذِكْرها. " تفسير ابن كثير " (3 / 154) . 2. وقال النووي – في شرحه لحديث الشاة المسمومة -: فيه بيان عصمته صلى الله عليه وسلم من الناس كلهم، كما قال الله: (والله يعصمك من الناس) وهي معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في سلامته مِن السم المهلك لغيره، وفي إعلام الله تعالى له بأنها مسمومة، وكلام عضو منه له، فقد جاء في غير مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إن الذراع تخبرني أنها مسمومة) . " شرح مسلم " (14 / ص 179) . 3. وقال ابن الجوزي – رحمه الله –: قوله تعالى: (والله يعصمك من الناس) قال ابن قتيبة: أي: يمنعك منهم، وعصمة الله: منعه للعبد من المعاصي، ويقال: طعام لا يعصم، أي: لا يمنع من الجوع. فان قيل: فأين ضمان العصمة وقد شُجَّ جبينه، وكسِرت رَباعيته، وبولغ في أذاه؟ : فعنه جوابان: أحدهما: أنه عصمه من القتل، والأسرِ، وتلفِ الجملة، فأمّا عوارض الأذى: فلا تمنع عصمة الجملة. والثاني: أن هذه الآية نزلت بعدما جرى عليه ذلك؛ لأن " المائدة " من أواخر ما نزل. " زاد المسير " (2 / 397) . 4. وقال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -: أما ما يصيب الرسل من أنواع البلاء: فإنه لم يُعصم منه عليه الصلاة والسلام , بل أصابه شيء من ذلك , فقد جُرح يوم أحد , وكُسرت البيضة على رأسه , ودخلت في وجنتيه بعض حلقات المغفر , وسقط في بعض الحفر التي كانت هناك , وقد ضيقوا عليه في مكة تضييقاً شديداً , فقد أصابه شيء مما أصاب من قبله من الرسل , ومما كتبه الله عليه , ورفع الله به درجاته , وأعلى به مقامه , وضاعف به حسناته , ولكن الله عصمه منهم فلم يستطيعوا قتله، ولا منعه من تبليغ الرسالة , ولم يحولوا بينه وبين ما يجب عليه من البلاغ، فقد بلغ الرسالة وأدى الأمانة صلى الله عليه وسلم. " فتاوى الشيخ ابن باز " (8 / ص 150) . 5. وقال القرطبي - رحمه الله -: ليس في الآية ما ينافي الحراسة، كما أن إعلام الله نصر دينه وإظهاره، ما يمنع الأمر بالقتال، وإعداد العدد. " المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم " (6 / 280) . 6. وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله - بعد أن ساق كلام القرطبي هذا -: وعلى هذا فالمراد: العصمة من الفتنة، والإِضلال، أو إزهاق الروح، والله أعلم. " فتح الباري " (6 / 82) . رابعاً: من الشواهد العملية على عصمته صلى الله عليه وسلم من القتل قبل تبليغ الرسالة: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةً قِبَلَ نَجْدٍ فَأَدْرَكَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاهِ فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ شَجَرَةٍ فَعَلَّقَ سَيْفَهُ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا، قَالَ: وَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي الْوَادِي يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ رَجُلاً أَتَانِي وَأَنَا نَائِمٌ فَأَخَذَ السَّيْفَ فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِي فَلَمْ أَشْعُرْ إِلا وَالسَّيْفُ صَلْتًا فِي يَدِهِ، فَقَالَ لِي: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ فِي الثَّانِيَةِ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُ، قَالَ: فَشَامَ السَّيْفَ فَهَا هُوَ ذَا جَالِسٌ ثُمَّ لَمْ يَعْرِضْ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رواه البخاري (2753) ومسلم (843) . وفي رواية: فقال: يا محمد من يمنعك مني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله يمنعني منك، ضع السيف، فوضعه. قال النووي: ففيه بيان توكل النبي صلى الله عليه وسلم على الله، وعصمة الله تعالى له من الناس، كما قال الله تعالى (والله يعصمك من الناس) . " شرح مسلم " (15 / 44) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 104825 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 164 معنى (الخبيثات للخبيثين) وهل يمكن العثور على زوجة صالحة ظاهراً وباطناً؟! [السُّؤَالُ] ـ[كتبت هذه الرسالة بعد قراءتي لمقال وفي آخر المقال ذكر الموقف التالي: ساق اللالكائي بسنده أن الحسن بن زيد لما ذَكَرَ رجل بحضرته عائشة بذكر قبيح من الفاحشة، فأمر بضرب عنقه، فقال له العلويون: هذا رجل من شيعتنا، فقال: معاذ الله، هذا رجل طعن على النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله عزّ وجلّ: (الخبيثاتُ للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطّيِّباتُ للطّيِّبين والطَّيِّبون للطَّيِّبات أولئك مُبرَّئون ممّا يقولون لهم مَّغفرةٌ ورزقٌ كريمٌ) ، فإن كانت عائشة رضي الله تعالى عنها خبيثة فالنبي صلى الله عليه وسلم خبيث، فهو كافر، فاضربوا عنقه، فضربوا عنقه. فما هو تفسير آية (الخبيثاتُ للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطّيِّباتُ للطّيِّبين والطَّيِّبون للطَّيِّبات أولئك مُبرَّئون ممّا يقولون لهم مَّغفرةٌ ورزقٌ كريمٌ) ؟! وقد حدثت لي تجربة شخصية من عهد قريب، حيث تزوجت من فتاة كنت أعتقد فيها الصلاح، وكان هدفي هو إقامة بيت مسلم أحاول فيه بكل جهدي أن أسير على نهج رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام، ومن بعده صحابته الكرام رضي الله عنهم أجمعين، وبدون الكثير من التفاصيل فقد قصَّرت في حق نفسي، ولم أُحسن السؤال عنها وعن أخلاقها، ووجدتها - غفر الله لي ولها - على جانب عظيم من الخبث، وأكثر حديثها كذب وخداع، ولم أشعر أن عندها أي حب للدين أو للالتزام، وقد طلقتها بعد أن أنجبتُ منها مرة واحدة بعدما يئستُ تماماً من الإصلاح، وأنا في قلبي حب شديد للدِّين، ولمن أراه من الصالحين، وفي المقابل عندي بغض شديد لمن أراه غير ملتزم، وبالذات إن كان يصر على المعصية أو يجاهر بها، المهم كانت تجربة زواجي وطلاقي أقسى وأمرّ ما مررت به في حياتي، وأنا الآن خائف من تكرار التجربة، وهل سأجد من تعينني على الصلاح، وكيف أطمئن طالما تعوَّد الناس على إظهار غير حقيقتهم وبالذات عند هذه الأمور؟ لأني قبل أن أتزوج تلك الفتاة كنت قد استخرت الله كثيراً، وكنت أحيانا أبكي أثناء الصلاة ليرشدني الله، وبالذات لما كنت أرى علامات منها، أو من أسرتها لا تدل على الالتزام الحقيقي، أنا لا أبرئ نفسي من الخطأ والتقصير، ولا أزكى نفسي، ولكني - والله - أحب دينه، وأغار عليه بشدة، وأبغض الكذب بغضاً شديداً، باختصار: فإني لست أظن مهما سألت أو جمعت المعلومات أو حاولت دراسة شخصية الفتاة قبل الارتباط بها - مع الضوابط الشرعية بالطبع - أني سأحسن الاختيار، إلا برحمة وفضل من الله، كما أن الزواج أصبح شديد الصعوبة هذه الأيام، وأصعب وأشد ما فيه هو كيف أجد هذه الزوجة الصالحة، فوالله إني لأظنه الآن من أصعب الأمور، وأكاد أظنه من المستحيلات إلا بقدر الله وتوفيقه عز وجل، وعندما أسمع أو أقرأ هذه الآية فإني بدون إرادتي أشعر بالحزن الشديد، فهل تعني هذه الآية أنني ما تزوجت هذه الفتاة إلا لأني أستحقها؟ أعلم أنه بلاء من الله، ولكني أبغي سماع رأي واضح في تفسير الآية، وإن أمكن الرد على باقي ما ذكرته من الاستفسارات.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: اختلف المفسرون في معنى قوله تعالى (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ) النور/ 26، فقال بعضهم: هو الخبث والطِّيب في الأقوال، فيكون معنى الآية: الكلمات الخبيثات من القول للخبيثين من الرجال، وكذا الخبيثون من الناس للخبيثات من القول، وكذا الكلمات الطيبات من القول للطيبين من الناس، والطيبون من الناس للطيبات من القول. وقال آخرون: هو الخبث والطيب من الأفعال، فيكون معنى الآية: الأفعال الخبيثات للخبيثين من الرجال، وكذا الخبيثون من الناس للخبيثات من الأفعال، وكذا الأفعال الطيبات للطيبين من الناس، والطيبون من الناس للطيبات من الأفعال. والقول الثالث في الآية: أن الخبث والطيب هو من الأشخاص في النكاح، فيكون معنى الآية: الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال، وكذا الخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء، والطيبات من النساء للطيبين من الرجال، والطيبون من الرجال للطيبات من النساء. ولا مانع من حمل الآية على المعاني جميعها، وإن كان أظهر الأقوال هو القول الأول، وعليه الجمهور من المفسرين، ويليه: القول الثاني. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -: (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ) أي: كل خبيث من الرجال والنساء، والكلمات، والأفعال مناسب للخبيث، وموافق له، ومقترن به، ومُشاكِل له، وكل طيِّب من الرجال والنساء، والكلمات والأفعال مناسب للطيب، وموافِق له، ومقترن به، ومشاكِل له، فهذه كلمة عامة وحصر، لا يخرج منه شيء، من أعظم مفرداته: أن الأنبياء - خصوصا أولي العزم منهم، خصوصا سيدهم محمد صلى الله عليه وسلم، الذي هو أفضل الطيبين من الخلق على الإطلاق - لا يناسبهم إلا كل طيب من النساء، فالقدح في عائشة رضي الله عنها بهذا الأمر قدح في النبي صلى الله عليه وسلم، وهو المقصود بهذا الإفك من قصد المنافقن، فمجرد كونها زوجة للرسول صلى الله عليه وسلم يُعلم أنها لا تكون إلا طيبة طاهرة من هذا الأمر القبيح. فكيف وهي هي؟ صدِّيقة النساء، وأفضلهن، وأعلمهن، وأطيبهن، حبيبة رسول رب العالمين، التي لم ينزل الوحي عليه وهو في لحاف زوجة من زوجاته غيرها، ثم صرح بذلك بحيث لا يُبقي لمُبطل مقالاً، ولا لشك وشبهة مجالاً فقال: (أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ) والإشارة إلى عائشة رضي الله عنها أصلا، وللمؤمنات المحصنات الغافلات تبعا. (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) تستغرق الذنوب. (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) في الجنة صادر من الرب الكريم. " تفسير السعدي " (ص 563) . ثانياً: ما نقلتَه بشأن قتل من قذف عائشة رضي الله عنها صحيح، وهذا هو الذي ينبغي على الحكام المسلمين أن يفعلوه، وهو قتل كل من قذف عائشة رضي الله عنها؛ لأن الطعن في عرض عائشة تكذيب للقرآن، وطعن في النبي صلى الله عليه وسلم، وكل واحدٍ من هذين يوجب الكفر المخرج من الملة، ويستحق فاعله القتل على الردة. وفي " الموسوعة الفقهية " (22 / 185) : اتّفق الفقهاء على أنّ من قذف عائشة رضي الله عنها: فقد كذّب صريح القرآن الّذي نزل بحقّها، وهو بذلك كافر، قال تعالى - في حديث الإفك بعد أن برّأها الله منه -: (يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) ، فمن عاد لذلك: فليس بمؤمنٍ. وهل تعتبر مثلها سائر زوجات النّبيّ صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهنّ؟ . قال الحنفيّة والحنابلة في الصّحيح واختاره ابن تيميّة: إنّهنّ مثلها في ذلك، واستدلّ لذلك بقوله تعالى: (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) . والطّعن بهنّ يلزم منه الطّعن بالرّسول والعار عليه، وذلك ممنوع. والقول الآخر وهو مذهب الشّافعيّة والرّواية الأخرى للحنابلة: أنّهنّ - سوى عائشة - كسائر الصّحابة، وسابّهنّ يجلد، لأنّه قاذف. انتهى وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: قذْف عائشة بما برأها الله منه: كفر؛ لأنه تكذيب للقرآن، وفي قذف غيرها من أمهات المؤمنين قولان لأهل العلم، أصحهما: أنه كفر؛ لأنه قدح في النبي صلى الله عليه وسلم، فإن (الخبيثات للخبيثين) . " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (5 / ص 86) . وانظر جواب السؤال رقم: (954) . ثالثاً: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تُنكَحُ المرأةُ لأربَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظفَر بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَت يَدَاكَ) . رواه البخاري (4802) ومسلم (1466) . ليس من المستحيل أن يجد الرجل امرأة صالحة تعينه على طاعة الله، وتقوم بخدمته، وتربي أولاده، وتحفظ ماله وبيته، وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بنكاح ذات الدِّين، ولولا أنه بمقدور الرجل واستطاعته أن يجد تلك المرأة المتدينة لما أوصاه نبيه صلى الله عليه وسلم بتزوجها، وهو الذي أخبر في الحديث نفسه أن من الرجال من ينكح المرأة لجمالها، ومنهم من ينكحها لحسبها، ومالها، فالرجال يختارون من النساء كلٌّ حسب رغبته، وعادته، وعرفه، والوصية لجميع المسلمين بأن يكون البحث عن ذات الدين، والاقتران بها؛ لأن في التزوج منها خيراً يراه الرجل في نفسه، وفي بيته، وعلى أولاده. ولا ينبغي لك أخي السائل قطع الأمل من وجود امرأة صاحبة دين وخلق، فما تزال أمة الإسلام بخير، وما تزال بيوت المسلمين تربي أجيالاً من النساء يحملن أخلاق الإسلام، ويتربين عليه. ولا يعني فشل تجربة في الزواج أن الحكم سينساق ليشمل كل زواج بعده، فلا يخرج ما حصل معك أولاً عن كونه عقوبة لك بسبب تقصيرك في السؤال والاستفصال عن المرأة التي تزوجتها. والناس يعرف بعضهم بعضاً، ويختلط بعضهم ببعض، فلا يخفى حال الأسرة وأفرادها عن أقربائهم، وجيرانهم، كما أن أفراد الأسرة يختلطون في المسجد، والمدرسة، والزيارات، فتُعرف المرأة الصالحة من عكسها، ويُعرف الرجل المتدين من عكسه؛ وذلك بمحافظتهما على الصلاة، والالتزام بالشرائع الظاهرة، والأخلاق في التعامل مع الآخرين، وما يخفيه أحدهم في باطنه: فهذا مما لا يمكن لأحد معرفته، ولا يلام من اغتر بصلاح الظاهر وخفي عليه فساد الباطن؛ إذ لم يكلفنا ربنا بشق بواطن الناس والاطلاع عليها. ثم إن ما يجري على النساء اللاتي تبحث بينهن عن شريكةٍ لحياتك يجري عليك أيضاً! فما الذي يُدري الناس بحقيقة أمرك، وعلم باطنك؟! وقد أوصي الأولياء بأن يزوجوا أهل الدين والخلُق من الرجال، وذلك بحسب ما يظهر منهم، مع السؤال والاستفصال من المقربين لهذا الخاطب، وما قد يقع من الإيهام والخديعة من قبَل المرأة فإنه قد يقع مثله – بل وأضعافه – من الرجال، فلا ينبغي لك أخي السائل أن تقلق وأن تغتم بسبب زواجك الأول، وكل ما عليك الآن هو البحث بأناة، وسؤال أهل الخير عن الأسر الفاضلة الكريمة التي ربَّت بناتها على طاعة الله تعالى، وعلى الأخلاق الفاضلة، ومن ثمَّ تخصص سؤالك عمن ترغب نكاحها من تلك الأسرة بسؤال صديقاتها وزميلاتها عن التزامها واستقامتها وعن أخلاقها وتعاملها، وبذلك تكون حققت وصية النبي صلى الله ليه وسلم، والمرجو أن لا يخيب ظنك بها، وأن لا تخيِّب أنت ظنهم بك. ونسأل الله تعالى أن يوفقك لحسن الاختيار، وأن يرزقك زوجة صالحة، تعفُّك، وتعفها، وتُحسن إليها وتُحسن إليك، وأن يرزقكم ذرية طيبة. ولمعرفة مواصفات الزوجة انظر جوابي السؤالين: (26744) و (10376) . والله الموفق [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103845 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 165 الجمع بين آيتي تبشير مريم بعيسى عليه السلام [السُّؤَالُ] ـ[كنت أتكلم إلى واحد من غير المسلمين حين قال أنه يوجد تعارض في القرآن؛ نعوذ بالله. وأنا أعلم تماما أن هذا إما فساد تصور أو سوء ترجمة لمعاني القرآن. لكني لم أستطع الرد عليه بالشكل الكافي لقلة علمي. وملخص هذا التعارض الذي ادعاه ما يلي: ذُكر في آية أن العديد من الملائكة بشرت السيدة مريم بميلاد عيسى (الآية 42 من سورة آل عمران) بينما ذكر في آية أخرى أن الذي بشرها بذلك هو ملك واحد (الآية 17 من سورة مريم) ؟ فهل هم ملك واحد أم عدة ملائكة؟ رجاء إزالة هذا اللبس وتفسيره لي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فقد صدقت في وصفك هذا القول الذي زعم صاحبه أن القرآن متعارض أنه فساد تصور، وهو إما أن يكون لسوء فهم صاحبه أو لعناده، فيبحث عن شبه يهز بها إيمان بعض المسلمين الذين يجهلون دينهم، ولذا فإن النصح مبذول لجميع إخواننا المسلمين: أن لا يتصدى أحد منهم لمناقشة المبطلين قبل أن يتسلح بسلاح العلم الذي يدفع به شبههم، وليترك هذا الأمر لأهله من العلماء الراسخين، وطلبة العلم المتقنين فربما وردت شبهة على القلب الفارغ فأثرت فيه أعظم الأثر والسلامة لا يعد لها شيء. وأما عن خصوص هذه المسألة فإنه لا تعارض بين الآيتين والحمد لله، وقد أجاب عنها علماء التفسير قديما إذ قال الرازي في تفسيره عند تفسير آية آل عمران: (المراد بالملائكة ههنا جبريل وحده وهذا كقوله سبحانه: (ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده) يعني جبريل) اهـ. وهذا ليس غريبا على لغة العرب أن يطلق الجمع ويراد به واحد، وأمثلة هذا كثيرة في القرآن كقوله سبحانه: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) آل عمران (173) والمقصود بـ (الناس) الأولى: نعيم بن مسعود، والناس الثانية المقصود به: أبو سفيان وأصحابه وليس المقصود جميع الناس. قال الإمام ابن عطية في تفسيره المحرر الوجيز: (وعبر عن جبريل بالملائكة إذ هو منهم فذكر اسم الجنس كما قال تعالى: (الذين قال لهم الناس) اهـ. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 102852 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 166 هل ثبت في النصوص أن مكة المكرمة هي مركز الأرض؟ [السُّؤَالُ] ـ[سَمعتُ بأنّ مكة المكرمة مركزُ الأرضِ. هَلْ ذلك حق؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله دراسة هذه المسألة تتفرع إلى جانبين اثنين: الجانب الشرعي، وذلك للبحث عن الأدلة من القرآن والأحاديث والآثار الواردة في هذا الموضوع. والجانب العلمي: للنظر في الأبحاث العلمية والبراهين الحسية التي تبين القضية. أولا: أما الجانب الشرعي فقد قال بعض أهل العلم: إن في القرآن الكريم إشارات إلى هذه النظرية، وفي السنة النبوية وآثار السلف تصريحٌ بها. أما إشارات القرآن ففي قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمّةً وَسَطاً) البقرة/143، لأن الآية في معرض الأمر باتخاذ الكعبة قبلة، فكأن معنى الآية: كما كانت الكعبة وسط الأرض، كذلك جعلناكم أنتم أمةً وسطا بين الأمم. يقول القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (2/153) : " المعنى: وكما أن الكعبة وسط الأرض، كذلك جعلناكم أمة وسطا " انتهى. ولكن هذا واحدٌ من وجوه ستة يذكرها المفسرون في طرفي التشبيه في قوله تعالى: (وكذلك جعلناكم) ، لعل أظهرها ما ذكره ابن جرير الطبري في "تفسيره" (3/141) : " كما هديناكم - أيّها المؤمنون - بمحمد عليه الصلاة والسلام، وبما جاءكم به من عند الله، فخصصناكم بالتوفيق لقِبلة إبراهيم وملته، وفضلناكم بذلك على مَن سِواكم مِن أهل الملل، كذلك خصصناكم ففضَّلناكم على غيركم مِن أهل الأديان، بأن جعلناكم أمة وسطًا " انتهى. وانظر: "تفسير القرآن العظيم" (1/454) ، "مفاتيح الغيب" (2/387) ، "الدر المصون" (2/134) . وأيضا هناك إشارة في قوله عز وجل: (وَهََذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مّصَدّقُ الّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمّ الْقُرَىَ وَمَنْ حَوْلَهَا) الأنعام/92 فقال بعض العلماء: إنما سميت مكة " أم القرى " لأنها أصل قرى الأرض كلها، ومنها دحيت الأرض، فهي لذلك وسط الأرض. بل قال بعض أهل العلم: إن في تسميتها " مكة " إشارة إلى أنها مركز الأرض ووسطها: يقول الراغب الأصفهاني في "مفردات القرآن" (1/470 – 471) : " مكك: اشتقاق مكة من تمكَّكْتُ العظم: أخرجت مخه، وامتكَّ الفصيلُ ما في ضِرع أمه، وعبَّر عن الاستقصاء بالتمكُّكِ. وتسميتها بذلك لأنها كانت تَمُكُّ مَن ظلم بها: أي تدقُّه وتهلكه. قال الخليل: سميت بذلك لأنها وسط الأرض، كالمخ الذى هو أصل ما في العظم " انتهى. وانظر "مفاتيح الغيب" (4/310) حيث ذكر في اشتقاق مكة وجوها أخرى كثيرة. فالحاصل أن القرآن الكريم لا يتضمن نصًّا ولا دلالةً أو إشارةً ظاهرة بأن مكة المكرمة أو الكعبة المشرفة تقع في مركز الأرض ووسطها، وما ورد في ذلك لا يعدو كونه إشارات محتملة وإيماءات بوجه مشتبه. ثانيا: أما الأحاديث النبوية المرفوعة، فقد حاولنا جمعها بالاستقصاء من كتب السنة، كي نقف على جميع طرقها ورواياتها، فلم نجد إلا حديثا واحدا مرفوعا في هذا الباب، وهو ما جاء: عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أول بقعة وضعت في الأرض موضع البيت، ثم مدت منها الأرض، وإن أول جبل وضعه الله على وجه الأرض " أبو قبيس "، ثم مدت منه الجبال) . قال المناوي في "فيض القدير" (3/108) : " (ثم مُدَّت) بالبناء للمجهول أي: بسطت. (منها الأرض) : من سائر جوانبها، فهي وسط الأرض وقطبها " انتهى. لكن الحديث: رواه العقيلي في "الضعفاء الكبير" (2/341) ، والبيهقي في "شعب الإيمان" (3/431) ، والديلمي في "مسند الفردوس" (1/1/11) وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (10/31) وعزاه السيوطي في "الجامع" (9603) إلى الحاكم في تاريخه. كلهم من طريق: سليمان بن عبد الرحمن: نا عبد الرحمن بن علي بن عجلان القرشي نا عبد الملك بن جريج عن عطاء عن ابن عباس مرفوعاً. وهذا الحديث معل بجهالة عبد الرحمن بن علي، وبوقف الرواية على عطاء أو مجاهد من قولهم. وعبد الرحمن بن علي بن عجلان الدمشقي هذا: روى عن ابن جريج وعن عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، وروى عنه سليمان بن عبد الرحمن وعمرو بن عثمان الحمصي وابن بنته شيبة بن الوليد. لم يرد توثيقه إلا عن سليمان بن عبد الرحمن الراوي عنه، نقله عنه ابن عساكر في ترجمته في "تاريخ دمشق" (35/133) ، غير أن سليمان هذا – وهو أبو أيوب الدمشقي – متكلم فيه، أخذوا عليه كثرة روايته عن المجهولين. قال فيه ابن معين: ثقة إذا روى عن المعروفين. وقال ابن حبان: يعتبر حديثه إذا روى عن الثقات المشاهير، فأما إذا روى عن المجاهيل ففيها مناكير. انظر ترجمته في "تهذيب الكمال" (12/26) ، لذلك لم يعتبر أهل العلم توثيق سليمان بن عبد الرحمن لبعض من يروي هو عنهم، فذكر العقيلي عبد الرحمن بن علي بالجهالة، وأعل حديثه بالوقف على عطاء أو مجاهد، وروى ذلك بالأسانيد إليهم، فقال في ترجمته في "الضعفاء" (2/341) : " مجهول بنقل الحديث، حديثه غير محفوظ إلا عن عطاء من قوله، مجهول بالنقل ... حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا الحارث بن زياد الجعفي قال سمعت عطاء بن أبى رباح قال: أول جبل وضع على الأرض أبو قبيس. وحدثنا أبو يحيى بن أبى مسرة قال حدثني أبى قال حدثنا سعيد بن سالم المقداح عن ابن جريج عن مجاهد قال: أول لمعة من الأرض موضع البيت مدت الأرض منها. قال أبو جعفر: هذه الرواية أولى " انتهى باختصار. كما أنه ورد نحو هذا الحديث من قول ابن عباس رضي الله عنه كما سيأتي، وهو ما يبين وهم من رفع الحديث. وضعفه الألباني في "السلسلة الضعيفة" (رقم/5881) ثالثا: قد ورد في آثار الصحابة والتابعين روايات كثيرة تدل على أنهم كانوا يرون وسط الأرض في مكة المكرمة: 1- جاء من قول عبد الله بن عمرو بن العاص: " خلق الله البيت قبل الأرض بألفي سنة، وكان إذ كان عرشه على الماء زبدةً بيضاء، وكانت الأرض تحته كأنها حشفة، فدحيت الأرض من تحته " رواه الطبري في "تفسيره" (6/20) بسند رواته ثقات. وعزاه في الدر المنثور" (2/265) لابن المنذر والطبراني والبيهقي في "الشعب". 2- وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: " وضع البيت على الماء على أربعة أركان قبل أن تخلق الدنيا بألفي عام، ثم دحيت الأرض من تحت البيت ". رواه الطبري في تفسيره (3/61) بسند لا بأس به. 3- وورد من كلام أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: " خُلقت الكعبة قبل الأرض بألفي سنة. قالوا: كيف خلقت قبل وهي من الأرض؟ قال: كانت حشفة – يعني: جزيرة - على الماء، عليها ملكان يسبحان الليل والنهار ألفي سنة، فلما أراد الله أن يخلق الأرض دحاها منها، فجعلها في وسط الأرض " عزاه في "الدر المنثور" (1/115) إلى سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم. وقد وقفت على سنده في "مجلس إملاء في رؤية الله تبارك وتعالى" لأبي عبد الله الدقاق (ص/287) وفي "أمالي ابن بشران" (2/204) وفيه أبو معشر نجيح بن عبد الرحمن المدني ترجمته في "تهذيب التهذيب" (10/422) وأكثر كلمة المحدثين على تضعيفه. أما عن التابعين: فقد جاء عن مجاهد وعطاء وعمرو بن دينار وغيرهم نحو هذا الكلام، كما عند ابن أبي حاتم والطبري في تفسيريهما، وكذا في مصنف عبد الرزاق (5/90) ، ومن الكتب التي توسعت في نقل هذه الأخبار: "أخبار مكة" للأزرقي، و "أخبار مكة" للفاكهي. وهذه الآثار مما تحتمل أن يكون لها حكم الرفع، وتحتمل أيضا أن تكون منقولة عن أهل الكتاب، فإن كتبهم مليئة بأخبار خلق السماوات والأرض وبدء الخليقة. يؤيد ذلك ورود الأثر السابق عن كعب الأحبار، كما يرويه عنه عبد الرزاق في "المصنف" (5/95) أنه قال: " كان البيت غثاء على الماء قبل أن يخلق الله تعالى الأرض بأربعين عاما، ومنه دحيت الأرض " انتهى. كما ورد عن قتادة رحمه الله – في "فضائل الصحابة" للإمام أحمد (2/901) – أن صخرة بيت المقدس هي وسط الأرض. وذلك ما قد يشعر بأن الأمر مأخوذ عن أخبار متضاربة عن أهل الكتاب. رابعا: فالحاصل مما سبق أنك لا تجد دليلا ظاهرا يقوى للدلالة على أن مكة المكرمة هي مركز الأرض، ولكن الإشارات التي ذكرناها في بعض النصوص، على ما فهمه منها بعض أهل العلم، وما جاء في الآثار السابقة، تشعر بأن لهذه الكلام أصلا، وهي قرائن ترجح قول من قال ذلك، ما لم يظهر خلافها بالأدلة العلمية الصحيحة. خامسا: أما من الناحية العلمية، فنحن لسنا من أهل التخصص في علوم الأرض و " الجغرافيا "، فلزم أن نقف في البحث عند هذا الحد، ولكن نحيلك على بعض المتخصصين من أهل العلم الذين بحثوا في هذا الأمر، وتوصلوا إلى أن مكة المكرمة هي مركز الأرض ووسطها، فلعل في أبحاثهم العلمية ما يقوي هذا الجانب، مع إبقاء الأمر تحت دائرة البحث والنظر، وهو في غايته أمر اجتهادي قابل للصواب والخطأ. انظر: بحث: " إسقاط الكرة الأرضية بالنسبة لمكة المكرمة " د. حسين كمال الدين أحمد: " مجلة البحوث الإسلامية " – الرياض – (2/292) وبحث " الإسقاط المكي للعالم " د. حسين كمال الدين أحمد: "مجلة البحوث الإسلامية" – الرياض – (6/225) وانظر الروابط الآتية: http://www.elnaggarzr.com/index.php?l=ar&id;=11&cat;=39 http://www.elnaggarzr.com/index.php?l=ar&id;=476&p;=2&cat;=575 http://www.elnaggarzr.com/index.php?l=ar&id;=488&p;=2&cat;=595 http://www.islamtoday.net/questions/show_question_content.cfm?id=114583 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 102590 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 167 الغيب المطلق لا يعلمه إلا الله [السُّؤَالُ] ـ[أود معرفة كيف يتوافق إخبار القرآن بأنه لا يعلم الغيب إلا الله مع اكتشافي بأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا في أحد الأحاديث بأن تنبؤ الجن بما سيحدث في المستقبل يحمل جزءا من الصدق، ثم يدخل الجن به مئات الأكاذيب ويخبرونا بها، كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث أخرى بأن التنجيم يقوم على الأكاذيب " الشمس والقمر هما آيتان فقط من آيات الله ". فكيف تخبرنا الجن بما سيحدث فى المستقبل مع أنه لا يعلم بذلك إلا الله؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: فإن علم الغيب مما استأثر الله تعالى بعلمه كما دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة، فقد قال الله تعالى: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) النمل/65، وقال سبحانه: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) الأنعام/59. وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم هذه المفاتيح بالأمور الخمسة التي وردت في سورة لقمان في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الآية/34، وروى البخاري في صحيحه حديث رقم (4477) عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (من حدثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب ثم قرأت: وما تدري نفس ماذا تكسب غدا) . ولكن من المهم في هذه المسألة أن نعلم ما هو الغيب الذي استأثر الله تعالى بعلمه فإن الغيب معناه ما كان غائبا؛ وهذا الغائب إما أن يكون غائبا عن الخلق كلهم - أهل السماء وأهل الأرض -، فهذا النوع من الغيب لا يعلمه إلا الله سبحانه وهو الذي يسمى بالغيب المطلق. وإما أن يكون هذا الغائب غائبا عن بعض الخلق، ومعلوما لخلق آخرين، فهذا إنما يسمى غيبا بالنسبة للجاهل به، وليس هو غيبا عن جميع الخلق، فلا يختص الله عز وجل بعلمه. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "شرح العقيدة الواسطية" (ص/158) : " المراد بالغيب: ما كان غائباً، والغيب أمر نسبي، لكن الغيب المطلق علمه خاص بالله " انتهى. وما يخبر به الكهان، مما سيقع في المستقبل ليس من علم الغيب في شيء، وليس من علم الغيب في شيء، وليس من علم ما في غد، بل هم كذابون في دعاواهم؛ لكن قد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أنهم سرقوا علم ذلك، مما أوحاه الله على ملائكته، فعن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عنها قالت: سَأَلَ أُنَاسٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْكُهَّانِ، فَقَالَ: (إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِشَيْءٍ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ بِالشَّيْءِ يَكُونُ حَقًّا، قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنْ الْحَقِّ يَخْطَفُهَا الْجِنِّيُّ فَيُقَرْقِرُهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ كَقَرْقَرَةِ الدَّجَاجَةِ فَيَخْلِطُونَ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ كَذْبَةٍ) رواه البخاري برقم (7561) . وقد بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم كيفية استراق الجن لهذه الكلمة فقال: (وَلَكِنْ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى اسْمُهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا سَبَّحَ حَمَلَةُ الْعَرْشِ، ثُمَّ سَبَّحَ أَهْلُ السَّمَاءِ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، حَتَّى يَبْلُغَ التَّسْبِيحُ أَهْلَ هَذِهِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا، ثُمَّ قَالَ الَّذِينَ يَلُونَ حَمَلَةَ الْعَرْشِ لِحَمَلَةِ الْعَرْشِ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ، فَيُخْبِرُونَهُمْ مَاذَا قَالَ. قَالَ: فَيَسْتَخْبِرُ بَعْضُ أَهْلِ السَّمَاوَاتِ بَعْضًا حَتَّى يَبْلُغَ الْخَبَرُ هَذِهِ السَّمَاءَ الدُّنْيَا، فَتَخْطَفُ الْجِنُّ السَّمْعَ فَيَقْذِفُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ وَيُرْمَوْنَ بِهِ فَمَا جَاءُوا بِهِ عَلَى وَجْهِهِ فَهُوَ حَقٌّ، وَلَكِنَّهُمْ يَقْرِفُونَ فِيهِ وَيَزِيدُونَ) رواه مسلم برقم (2229) . فتبين من هذا أن الجن لا يعلمون الغيب وإنما يسترقون السمع من الكلام الذي تردده الملائكة، والملائكة أنفسهم لم يكن عندهم شيء من علم ذلك، إلا بعد أن أعلمهم الله عز وجل به، وبعد علمهم به لم يعد غيبا مطلقا، وأما قبل ذلك فإنهم كغيرهم من الخلق لايعلمون من الغيب شيئا، فرجع هذا إلى إخبار الله، وإعلامه لهم، قال تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً) الجن/26. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " إن أشرف الرسل الملكي وهو جبريل سأل أشرف الرسل البشري وهو محمد عليه الصلاة والسلام قال أخبرني عن الساعة؟ قال: (ما المسؤول عنها بأعلم من السائل) ، والمعنى: كما أنه لا علم لك بها، فلا علم لي بها أيضا) انتهى. "شرح العقيدة الواسطية" (ص/158) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 101968 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 168 معنى آية (والقمر قدّرناه منازل..) [السُّؤَالُ] ـ[إنني أميل إلى الإسلام، ومنذ عام 1994م بدأت أقرأ القرآن وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم من وقت مبكر من هذه السنة، ولقد وجدت إشباعاً روحياً عظيماً في الإسلام. سوف أتلقى دروساً لأنني أخطط لاعتناق الإسلام. أنا لست متأكدة من معنى آية في سورة ياسين وآمل أن تستطيع مساعدتي (الآية رقم 39) وهي قوله تعالى: (والقمر قدرناه منازل … الآية) إنني ممتنة لمساعدتك، وأدعو الله أن يهديك ويحفظك ويبارك لمساعدتك التي تمنحها لناس كثير في أنحاء العالم عن طريق أجوبتك.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: أريد أن أهنئك أيتها السائلة على القناعة التي وصلت إليها بصحة دين الإسلام وأنّه الدّين الوحيد الذي يلبي حاجات النفس ويجلب لها الطمأنينة والسعادة ويبدو من ألفاظ سؤالك التأثّر الواضح بما قرأتيه عن الإسلام حتى لو أنّك لم تخبرينا بأنّك هندوسية لما ظنّنا إلا أنك مسلمة من خلال الأسلوب المستخدم في السؤال. وأهمّ ما أريد أن أقدّمه لك من النّصيحة هنا هو المسارعة بالدخول في الإسلام وأن يكون ذلك عاجلا غير آجل وإذا كان الشّخص قد تبينت له كلّ هذه الحقائق فلماذا يتأخّر عن الدخول في الإسلام؟ وهناك أمر آخر يحسن التنبيه عليه وهو أنّ بعض الذين يريدون الدّخول في الإسلام يؤخّرون دخولهم فيه حتى يتعلموا قدرا من هذا الدّين ككيفية الصلاة ونحو ذلك لظنّهم ربّما أنّه لا يصلح الدّخول في الدّين إلا بعد قطع شوط في تعلّمه وهذا أمر غير صحيح فإنّه متى تبيّن للإنسان الحقّ وجب عليه أن يتّبعه ويدخل في الإسلام فورا ثمّ يتعلّم الكتاب والسنّة ويتفقّه في الدّين ويتدرّج في سلّم العلم والعمل بحسب قدرته واستطاعته، لأنّ الإنسان لا يدري متى توافيه المنيّة، فإذا لقي الله بغير الإسلام كان من الهالكين، ثمّ إنّ الإنسان لا يُؤجر ولا تُكتب له الحسنات إلا بعد الدّخول في الدّين فيفوته خير كثير نافع إذا أخّر إسلامه، والوقت المنصرم من العُمُر لا يُمكن أن يعود. هذا ونعود إلى سؤالك - أيتها السائلة العاقلة الموفّقة إلى الحقّ بإذن الله - بشأن معنى الآية التاسعة والثلاثين من سورة يس. في هذه الآية يقول جلّ وعلا: " والقمر قدرناه منازل" أي جعلناه يسير سيرا آخر يستدل به على مضي الشهور كما أن الشمس يعرف بها الليل والنهار كما قال عز وجل "يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج". وقال تعالى: "هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب" الآية.. فجعل الشمس لها ضوء يخصها والقمر له نور يخصه وفاوت بين سير هذه وهذا فالشمس تطلع كل يوم وتغرب في آخره على ضوء واحد ولكن تنتقل في مطالعها ومغاربها صيفا وشتاء يطول بسبب ذلك النهار ويقصر الليل ثم يطول الليل ويقصر النهار وجعل سلطانها بالنهار فهي كوكب نهاري وأما القمر فقدّره منازل يطلع في أول ليلة من الشهر القمري ضئيلا قليل النور ثم يزداد نورا في الليلة الثانية ويرتفع منزلة ثم كلما ارتفع ازداد ضياء وإن كان مقتبسا من الشمس حتى يتكامل نوره في الليلة الرابعة عشرة ثم يَشرع في النقص إلى آخر الشهر حتى يصير كالعرجون القديم. قال ابن عباس رضي الله عنهما وهو أصل العذق. وقال مجاهد العرجون القديم أي العذق اليابس يعني ابن عباس رضي الله عنهما أصل العنقود من الرطب إذا عتق ويبس وانحنى ". (المرجع تفسير ابن كثير) . وهذا التشبيه في الآية للقمر في آخر الشهر بالعرجون هو قمّة البلاغة والجمال في التعبير، والحسن البالغ في انتقاء المشبّه به من البيئة المحيطة للمقارنة بالمشبّه. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 1084 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 169 هل يدخل المسلمون في الذين أذهبوا طيباتهم في الحياة الدنيا؟ [السُّؤَالُ] ـ[من هم الذين أذهبوا طيباتهم في حياتهم الدنيا؟ هل يدخل فيهم من تلذذ بالطعام والشراب ولبس أحسن الثياب، واشترى أغلى العطور، وركب أحسن السيارات؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الله تعالى: (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ) الأحقاف/ 20. قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله -: " اعلم أن للعلماء كلاما كثيراً في هذه الآية، قائلين: إنها تدل على أنه ينبغي التقشف، والإقلال من التمتع بالمآكل، والمشارب، والملابس، ونحو ذلك، وأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يفعل ذلك خوفاً من أن يدخل في عموم مَن يقال لهم يوم القيامة: (أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا) ، والمفسرون يذكرون هنا آثاراً كثيرة في ذلك، وأحوال أهل الصفة، وما لاقوه مِن شدة العيش. قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: التحقيق إن شاء الله في معنى هذه الآية هو: أنها في الكفار، وليست في المؤمنين الذين يتمتعون باللذات التي أباحها الله لهم؛ لأنه تعالى ما أباحها لهم ليُذهب بها حسناتهم. وإنما قلنا: إن هذا هو التحقيق؛ لأن الكتاب والسنَّة الصحيحة دالان عليه، والله تعالى يقول: (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) النساء/ 59. أما كون الآية في الكفار: فقد صرح الله تعالى به في قوله: (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ) . والقرآن والسنَّة الصحيحة قد دلا على أن الكافر إن عمل عملاً صالحاً مطابقاً للشرع، مخلصاً فيه لله، كالكافر الذي يبر والديه، ويصل الرحم، ويقري الضيف، وينفس عن المكروب، ويعين المظلوم يبتغي بذلك وجه الله: يثاب بعمله في دار الدنيا خاصة بالرزق، والعافية، ونحو ذلك، ولا نصيب له في الآخرة. فمن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ. أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخرةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) هود/ 15، 16 , وقوله تعالى: (وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخرةِ مِنْ نَصِيبٍ) الشورى/ 20. وقد قيَّد تعالى هذا الثواب الدنيوي المذكور في الآيات بمشيئته وإرادته، في قوله تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً) الإسراء/ 18. وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله لا يظلم مؤمناً حسنةً، يُعطي بها في الدنيا، ويُجزى بها في الآخرة، وأما الكافر: فيُطعم بحسناته ما عمل بها لله في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزي بها) هذا لفظ مسلم في صحيحه. وفي لفظ له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الكافر إذا عمل حسنة أطعم بها طعمة في الدنيا، وأما المؤمن فإن الله يدخر له حسناته في الآخرة، ويعقبه رزقاً في الدنيا على طاعته) ا. هـ. فهذا الحديث الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه التصريح بأن الكافر يُجازى بحسناته في الدنيا فقط، وأن المؤمن يجازى بحسناته في الدنيا والآخرة معاً، وبمقتضى ذلك يتعين تعييناً لا محيص عنه أن الذي أذهب طيباته في الدنيا، واستمتع بها هو الكافر؛ لأنه لا يجزى بحسناته إلا في الدنيا خاصة. وأما المؤمن الذي يُجزى بحسناته في الدنيا والآخرة معاً: فلم يُذهب طيباته في الدنيا؛ لأن حسناته مدخرة له في الآخرة، مع أن الله تعالى يثيبه بها في الدنيا، كما قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) الطلاق/ 2،3 , فجعل المخرج من الضيق له، ورزقه من حيث لا يحتسب ثواباً في الدنيا، وليس ينقص أجر تقواه في الآخرة، والآيات بمثل هذا كثيرة معلومة. وعلى كل حال: فالله جل وعلا أباح لعباده على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم الطيبات في الحياة الدنيا، وأجاز لهم التمتع بها، ومع ذلك جعلها خاصة بهم في الآخرة، كما قال تعالى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ) الأعراف/ 32. فدل هذا النص القرآني أن تمتع المؤمنين بالزينة والطيبات من الرزق في الحياة الدنيا لم يمنعهم من اختصاصهم بالتنعم بذلك يوم القيامة، وهو صريح في أهم لم يُذهبوا طيباتِهم في حياتهم الدنيا. ولا ينافي هذا أن من كان يعاني شدة الفقر في الدنيا كأصحاب الصفة يكون لهم أجر زائد على ذلك؛ لأن المؤمنين يؤجرون بما يصيبهم في الدنيا من المصائب والشدائد، كما هو معلوم. والنصوص الدالة على أن الكافر هو الذي يُذهب طيباته في الحياة الدنيا؛ لأنه يجزي في الدنيا فقط كالآيات المذكورة، وحديث أنس المذكور عند مسلم: قد قدمناها موضحة في سورة " بني إسرائيل " في الكلام على قوله تعالى: (وَمَنْ أَرَادَ الآخرةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) الإسراء/ 19، وذكرنا هناك أسانيد الحديث المذكور وألفاظه. " أضواء البيان " (7 / 229 – 231) . غير أن هذه الآية العظيمة، وإن كانت واردة في شأن الكفار، كما هو بيِّنٌ من لفظها، وكما حققه الشيخ رحمه الله، فلقد كانت عادةً معروفة في السلف: أن يستدلوا بالآيات الواردة في شأن الكفار، على من عمل مثل أعمالهم من المسلمين. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، بعد ما ذكر قول الله تعالى: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) (لأعراف:179) ، وآيات أخرى في ذلك السياق: " فطائفة من المفسرين تقول في هذه الآيات وما أشبهها كقوله: {وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه} وأمثالها مما ذكر الله في عيوب الإنسان وذمها، فيقول هؤلاء: هذه الآية في الكفار، والمراد بالإنسان هنا: الكافر؛ فيبقى من يسمع ذلك يظن أنه ليس لمن يظهر الإسلام في هذا الذم والوعيد نصيب ; بل يذهب وهمه إلى من كان مظهرا للشرك من العرب، أو إلى من يعرفهم من مظهري الكفر كاليهود والنصارى ومشركي الترك والهند ونحو ذلك، فلا ينتفع بهذه الآيات التي أنزلها الله ليهتدي بها عباده. فيقال: - أولا -: المظهرون للإسلام فيهم مؤمن ومنافق، والمنافقون كثيرون في كل زمان والمنافقون في الدرك الأسفل من النار. ويقال: " ثانيا: الإنسان قد يكون عنده شعبة من نفاق وكفر، وإن كان معه إيمان، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: {أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب وإذا اؤتمن خان وإذا عاهد غدر. وإذا خاصم فجر} فأخبر أنه من كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق. وقد ثبت في الحديث الصحيح أنه قال لأبي ذر رضي الله عنه: {إنك امرؤ فيك جاهلية} وأبو ذر - رضي الله عنه - من أصدق الناس إيمانا ... وإذا عرف هذا علم أن كل عبد ينتفع بما ذكر الله في الإيمان من مدح شعب الإيمان وذم شعب الكفر " انتهى. مجموع الفتاوى (10/105-106) ويشهد لذلك الأصل ـ أن من استعجل الطيبات، على وجه محرم، فإنه معرض للحرمان من طيبات الآخرة، بقدر ما استعجل، وإن كان مؤمنا ـ قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ) . رواه البخاري (5494) ومسلم (2073) . قال ابن القيم رحمه الله - وهو يعدد العقوبات التي تقع على الزاني إذا لم يتب -: ومنها: أنه يعرض نفسه لفوات الاستمتاع بالحور العين في المساكن الطيبة في جنات عدن، والله سبحانه وتعالى إذا كان قد عاقب لابس الحرير في الدنيا بحرمانه لبسه يوم القيامة، وشارب الخمر في الدنيا بحرمانه إياها يوم القيامة، فكذلك مَن تمتع بالصور المحرمة في الدنيا، بل كل ما ناله العبد في الدنيا من حرام: فاته نظيره يوم القيامة. " روضة المحبين " (365 - 368) . وذكر الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة رقم (384) حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: (من لبس الحرير في الدنيا: لم يلبسه في الآخرة، ومن شرب الخمر في الدنيا: لم يشربه في الآخرة، ومن شرب في آنية الذهب والفضة في الدنيا: لم يشرب بها في الآخرة، ثم قال: لباس أهل الجنة، وشراب أهل الجنة، وآنية أهل الجنة) ، ثم قال: " اعلم أن الأحاديث في تحريم لبس الحرير , وشرب الخمر , والشرب في أواني الذهب والفضة , هي أكثر من أن تحصر , وإنما أحببت أن أخص هذا الحديث بالذكر , لأنه جمع الكلام على هذه الأمور الثلاثة , وساقها مساقاً واحداً , ثم ختمها بقوله: (لباس أهل الجنة ... ) , الذي يظهر أنه خرج مخرج التعليل , يعني: أن الله تعالى حرم لباس الحرير - على الرجال خاصة - لأنه لباسهم في الجنة كما قال تعالى (وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ) الحج/ 23 , وحرَّم الخمر على الرجال والنساء؛ لأنه شرابهم في الجنة قال تعالى (مّثَلُ الْجَنّةِ الّتِي وُعِدَ الْمُتّقُونَ فِيهَآ أَنْهَارٌ مّن مّآءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مّن لّبَنٍ لّمْ يَتَغَيّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مّنْ خَمْرٍ لّذّةٍ لّلشّارِبِينَ) محمد/ 15، وحرَّم الشرب في آنية الذهب والفضة على الرجال والنساء أيضاً؛ لأنها آنيتهم قال تعالى: (ادْخُلُواْ الْجَنّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ) الزخرف/ 71، فمن استعجل التمتع بذلك غير مبال ولا تائب , عوقب بحرمانه منها في الآخرة، جزاء وِفاقاً. وما أحسن ما رواه الحاكم عن صفوان بن عبد الله بن صفوان قال: " استأذن سعد على ابن عامر , وتحته مرافق - وهي شيء يتكأ عليه شبيه بالوسادة - من حرير , فأمر بها فرفعت , فدخل عليه وعليه مِطْرف خز , فقال له: استأذنت عليَّ وتحتي مرافق من حرير فأمرت بها فرفعت , فقال له: نعم الرجل أنت يا ابن عامر، إن لم تكن ممن قال الله عز وجل (أَذْهَبْتُمْ طَيّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدّنْيَا) الأحقاف/ 20 , والله لأن أضطجع على جمر الغضا أحب إليَّ من أن أضطجع عليها " صحيح، على شرط مسلم. " انتهى على أن التمتع بالطيبات من الرزق، وإن كان مباحا، إلا أنه لا ينبغي أن يكون غالب شأن الإنسان، ولا ينبغي له أن يعود نفسه على التنعم والإرفاه، فليس ذلك من شأن المنشغلين بالآخرة، كما في مسند الإمام أحمد (21600) عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَعَثَ بِهِ إِلَى الْيَمَنِ قَالَ: (إِيَّاكَ وَالتَّنَعُّمَ فَإِنَّ عِبَادَ اللَّهِ لَيْسُوا بِالْمُتَنَعِّمِينَ) حسنه الألباني في صحيح الجامع. ومن السلف من كان يعد ذلك، بل ما هو دونه، من إذهاب الطيبات: روى البخاري (1274) أن عبد الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أتي يَوْمًا بِطَعَامِهِ فَقَالَ: " قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَكَانَ خَيْرًا مِنِّي فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ إِلَّا بُرْدَةٌ وَقُتِلَ حَمْزَةُ أَوْ رَجُلٌ آخَرُ خَيْرٌ مِنِّي فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ إِلَّا بُرْدَةٌ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ قَدْ عُجِّلَتْ لَنَا طَيِّبَاتُنَا فِي حَيَاتِنَا الدُّنْيَا ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِي ". وفي رواية للبخاري (4045) : (وَقَدْ خَشِينَا أَنْ تَكُونَ حَسَنَاتُنَا عُجِّلَتْ لَنَا ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِي حَتَّى تَرَكَ الطَّعَامَ) . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " وَفِي الْحَدِيثِ فَضْلُ الزُّهْدِ , وَأَنَّ الْفَاضِلَ فِي الدِّينِ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ التَّوَسُّعِ فِي الدُّنْيَا لِئَلَّا تَنْقُصَ , حَسَنَاتُهُ , وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِقَوْلِهِ خَشِينَا أَنْ تَكُونَ حَسَنَاتُنَا قَدْ عُجِّلَتْ ". وروى مالك في الموطأ (1742) أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَدْرَكَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَمَعَهُ حِمَالُ لَحْمٍ فَقَالَ: " مَا هَذَا فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَرِمْنَا إِلَى اللَّحْمِ فَاشْتَرَيْتُ بِدِرْهَمٍ لَحْمًا فَقَالَ عُمَرُ أَمَا يُرِيدُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَطْوِيَ بَطْنَهُ عَنْ جَارِهِ أَوْ ابْنِ عَمِّهِ أَيْنَ تَذْهَبُ عَنْكُمْ هَذِهِ الْآيَةُ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمْ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا " في إسناده انقطاع، وضعفه الألباني. قال الحليمي رحمه الله: " وهذا الوعيد من الله تعالى، وإن كان للكفار الذين الذين يقدمون على الطيبات المحظورة، ولذلك قال: {اليوم تجزون عذاب الهون} ، فقد يخشى مثله على المنهمكين في الطيبات المباحة؛ لأن من تعودها مالت نفسه إلى الدنيا فلم يؤمن أن يرتبك في الشهوات والملاذ، كلما أجاب نفسه إلى واحدة منها دعته إلى غيرها، فيصير إلى أن لا يمكنه عصيان نفسه في هوى قط، وينسد باب العبادة دونه؛ فإذا آل الأمر به إلى هذا لم يبعد أن يقال: {أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها} ؛ فلا ينبغي أن تُعود النفسُ ما يميل بها إلى الشره، ثم يصعب تداركها، ولتُرَضْ من أول الأمر على السداد، فإن ذلك أهون من أن تَدْرَب على الفساد، ثم يجتهد في إعادتها إلى الصلاح، والله أعلم. " انتهى. نقله الببيهقي في شعب الإيمان (7/462-463) . وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله ـ فتح الباري (9/106) : " والحق أن ملازمة استعمال الطيبات تفضي إلى الترفُّه والبطر، ولا يأمن من الوقوع في الشبهات؛ لأن من اعتاد ذلك قد لا يجده أحيانا، فلا يستطيع الانتقال عنه، فيقع في المحظور، كما أن منع تناول ذلك أحيانا يفضي إلى التنطع المنهي عنه، ويَرِد عليه صريح قوله تعالى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ) الأعراف: 26، كما أن الأخذ بالتشديد في العبادة يفضي إلى الملل القاطع لأصلها، وملازمة الاقتصار على الفرائض مثلا، وترك التنفل يفضي إلى إيثار البطالة وعدم النشاط إلى العبادة، وخير الأمور الوسط " انتهى. والخلاصة: أن الذين أذهبوا طيباتهم في حياتهم الدنيا طائفتان: الأولى: الكفار والمشركون. والثانية: العصاة الذين وقعوا في المعاصي مما له نظير في الجنة، ولم يُطهَّروا من آثارها بحدٍّ، أو توبة، أو مغفرة من الله تعالى. ولا يدخل في هؤلاء من تنعَّم بالمباحات والطيبات وأدى شكرها، لكن لا ينبغي أن يعود الإنسان نفسه الترف والتنعم، لما يخشى عليه من الوقوع في الشبهة أو الحرام، أو الانشغال بها عما هو أولى، وتبرم نفسه إذا فقدها. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96983 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 170 شرح قوله تعالى (الخبيثات للخبيثين) والتوفيق بينها وبين حال امرأتي نوح ولوط [السُّؤَالُ] ـ[ما تفسير الآية التالية: (الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات) سورة النور، وكيف نوفق بين الآية وبين ما نسمعه من أنه قد تكون الزوجة صالحة والزوج فاسقاً كأن لا يصلي أو يشرب الخمر؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: قال الله تعالى: (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّأُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) النور/26. وقد اختلف المفسرون في معناها على أقوال متقاربة، لا يناقض بعضها بعضا. فمن معاني " الخبيث " و " الطيب " في الآية: 1. الخبث والطيب في الأقوال. فيكون معنى الآية: الكلمات الخبيثات من القول للخبيثين من الرجال، وكذا الخبيثون من الناس للخبيثات من القول، وكذا الكلمات الطيبات من القول للطيبين من الناس، والطيبون من الناس للطيبات من القول. وهذا قول عبد الله بن عباس، ومجاهد بن جبر، وسعيد بن جبير، والشعبي، والحسن البصري، وحبيب بن أبي ثابت، والضحاك، واختاره ابن جرير الطبري. قال النحاس في كتابه " معاني القرآن ": وهذا من أحسن ما قيل في هذه الآية. ودل على صحة هذا القول: قوله تعالى (أولئك مبرءون مما يقولون) أي: عائشة وصفوان مبرَّآن مما يقول الخبيثون والخبيثات. قال الطبري – رحمه الله -: وأولى هذه الأقوال في تأويل الآية: قول من قال: عنى بالخبيثات: الخبيثات من القول، وذلك قبيحه وسيئه، للخبيثين من الرجال والنساء، والخبيثون من الناس للخبيثات من القول، هم بها أولى؛ لأنهم أهلها، والطيبات من القول، وذلك حسنه وجميله، للطيبين من الناس، والطيبون من الناس للطيبات من القول ; لأنهم أهلها وأحقّ بها. وإنما قلنا هذا القول أولى بتأويل الآية: لأن الآيات قبل ذلك إنما جاءت بتوبيخ الله للقائلين في عائشة الإفك، والرامين المحصنات الغافلات المؤمنات، وإخبارهم ما خصهم به على إفكهم، فكان ختم الخبر عن أولى الفريقين بالإفك من الرامي والمرمي به: أشبه من الخبر عن غيرهم. وقوله: (أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ) يقول: الطيبون من الناس مبرّءون من خبيثات القول، إن قالوها فإن الله يصفح لهم عنها، ويغفرها لهم، وإن قيلت فيهم ضرّت قائلها ولم تضرّهم، كما لو قال الطيبَ من القول الخبيثُ من الناس لم ينفعه الله به؛ لأن الله لا يتقبله.. " " ولو قيلت له لضرّته؛ لأنه يلحقه عارها في الدنيا، وذلها في الآخرة ". " تفسير الطبري " (19 / 144، 145) . 2. الخبيث والطيب من الأفعال: ويكون معنى الآية: الأفعال الخبيثات للخبيثين من الرجال، وكذا الخبيثون من الناس للخبيثات من الأفعال، وكذا الأفعال الطيبات للطيبين من الناس، والطيبون من الناس للطيبات من الأفعال. وهو قول حبيب بن أبي ثابت، وعطاء بن أبي رباح، وقتادة، وروي عن هؤلاء الأئمة أنهم أضافوا الأقوال إلى الأفعال في معنى الآية؛ فجمعوا بين القولين السابقين. قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: قال جمهور السلف: الكلمات الخبيثة للخبيثين، ومن كلام بعضهم: الأقوال والأفعال الخبيثة للخبيثين. وقد قال تعالى (ضرب الله مثلاً كلمة طيبة) ، (ومثل كلمة خبيثة) ، وقال الله: (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) ، والأقوال والأفعال صفات القائل الفاعل، فإذا كانت النفس متصفة بالسوء والخبث: لم يكن محلها ينفعه إلا ما يناسبها. " مجموع الفتاوى " (14 / 343) . 3. الخبث والطيب من الأشخاص في النكاح: ويكون معنى الآية: الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال، وكذا الخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء، والطيبات من النساء للطيبين من الرجال، والطيبون من الرجال للطيبات من النساء. وهو قول عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم طيِّباً، وكان أولى بأن يكون له الطيبة، وكانت عائشة الطيبة , وكانت أولى بأن يكون لها الطيب. قال القرطبي – رحمه الله -: وقيل: إن هذه الآية مبنية على قوله: (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة) النور/3، الآية، فالخبيثات: الزواني، والطيبات: العفائف، وكذا الطيبون، والطيبات. واختار هذا القول النحاس أيضاً، وهو معنى قول ابن زيد. " تفسير القرطبي " (12 / 211) . ثانياً: لا إشكال في الآية، على القول الأول أو الثاني، ولا تعارض بينها وبين ما ذكر السائل، ويراه الناس، من أن الزوجة ربما كانت صالحة والزوج فاسقا، أو العكس. وإنما الإشكال – عند بعض الناس – في القول الثالث في مسألتين: 1. ما يرونه من عموم تزوج طيب بفاسقة، وتزوج فاسق بطيبة. 2. ما ورد بخصوص زوجتي نوح ولوط عليهما السلام ووصف الله لهما بالخيانة، وما ورد في تزوج امرأة فرعون المؤمنة بفرعون الطاغية. فيقال هنا: إن معنى الآية ـ على تقدير أن يكون المراد بالخبث والطيب: خبث الأزواج وطبهم ـ: أنه لا يليق بالطيب أن يتزوج إلا طيبة مثله، ولا يليق بالخبيثة إلا خبيث مثلها، ومن رضي بالخبيثة مع علمه بحالها: فهو خبيث مثلها، ومن رضيت بخبيث مع علمها بحاله: فهي خبيثة مثله. قال ابن كثير – رحمه الله -: وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال، والخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء، والطيبات من النساء للطيبين من الرجال، والطيبون من الرجال للطيبات من النساء. وهذا - أيضاً - يرجع إلى ما قاله أولئك باللازم، أي: ما كان الله ليجعل عائشة زوجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهي طيبة؛ لأنه أطيب من كل طيب من البشر، ولو كانت خبيثة لما صلحت له، لا شرعاً ولا قَدَراً؛ ولهذا قال: (أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ) أي: هم بُعَداء عما يقوله أهل الإفك والعدوان. (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) أي: بسبب ما قيل فيهم من الكذب. (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) أي: عند الله في جنات النعيم. وفيه وعد بأن تكون زوجة النبيّ صلى الله عليه وسلم في الجنة. " تفسير ابن كثير " (6 / 35) . وفي الآية بيان براءة عائشة رضي الله عنها، حيث زكاها الله تعالى بوصفها بالطيبة لأنها كانت تحت الطيب، وهو النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن الله تعالى ليختارها زوجة لنبيه صلى الله عليه وسلم لو كانت خبيثة! ومن هنا كان الطاعن في عرض عائشة طاعناً في النبي صلى الله عليه، ومستحقّاً للحكم بالردة والقتل. قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: قال أبو السائب القاضي: كنتُ يوماً بحضرة الحسن بن زيد الداعي بطرستان، وكان يلبس الصوف، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويوجِّه في كل سنَة بعشرين ألف دينار إلى مدينة السلام يفرِّق على سائر ولد الصحابة، وكان بحضرته رجلٌ فذكَر عائشة بذكرٍ قبيحٍ من الفاحشة، فقال: يا غلام اضرب عنقه، فقال له العلويون: هذا رجل من شيعتنا، فقال: معاذ الله، هذا رجل طعن على النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّأُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) (النور:26) فإن كانت عائشة خبيثة فالنبي صلى الله عليه وسلم خبيث، فهو كافر، فاضربوا عنقه، فضربوا عنقه، وأنا حاضر، رواه اللالكائي " الصارم المسلول " (1 / 568) . والأثر في " شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة " للالكائي (1958) . فلله دره من حاكم، ونسأل الله تعالى أن يجزيه خير الجزاء، وأن يكرم نزله بما ذبَّ عن عرض نبينا صلى الله عليه وسلم. وأما ما كان من زوجتي لوط ونوح عليهما السلام، حيث وصفهما الله تعالى بالخيانة في قوله (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ) التحريم/10، فالخيانة هنا هي خيانة في الإيمان. قال ابن كثير – رحمه الله -: (فَخَانَتَاهُمَا) أي: في الإيمان، لم يوافقاهما على الإيمان، ولا صدَّقاهما في الرسالة، فلم يُجْدِ ذلك كلَّه شيئاً، ولا دفع عنهما محذوراً؛ ولهذا قال: (فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا) أي: لكفرهما. (وَقِيلَ) أي: للمرأتين: (ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ) . وليس المراد (فَخَانَتَاهُمَا) في فاحشة، بل في الدين، فإنَّ نساء الأنبياء معصوماتٌ عن الوقوع في الفاحشة؛ لحرمة الأنبياء، كما قدمنا في " سورة النور ". قال سفيان الثوري عن موسى بن أبي عائشة عن سليمان بن قتة: سمعت ابن عباس يقول في هذه الآية (فَخَانَتَاهُمَا) قال: ما زنتا، أما امرأة نوح: فكانت تخبر أنه مجنون، وأما خيانة امرأة لوط: فكانت تدل قومها على أضيافه. وقال العَوفي عن ابن عباس قال: كانت خيانتهما أنهما كانتا على عَورتيهما، فكانت امرأة نُوح تَطَلع على سر نُوح، فإذا آمن مع نوح أحد أخبرت الجبابرة من قوم نوح به، وأما امرأة لوط فكانت إذا أضاف لوط أحداً أخبرت به أهل المدينة ممن يعمل السوء. وهكذا قال عكرمة، وسعيد بن جبير، والضحاك، وغيرهم. وقال الضحاك عن ابن عباس: ما بغت امرأة نبي قط، إنما كانت خيانتهما في الدين. " تفسير ابن كثير " (8 / 171) . وهذه فتوى جامعة من علماء اللجنة الدائمة لكل ما سبق من المسائل نرجو أن تكون نافعة للسائل والقارئ، وفيها الجواب على القسم الثاني من الإشكال الثاني، وهو بخصوص تزوج امرأة فرعون المؤمنة من فرعون الطاغية. سئل علماء اللجنة الدائمة: حدثت مناظرة بيني وبين شخص مسيحي، وقد فاجأني بقوله لي: هناك آية في القرآن تتضمن قول الله سبحانه وتعالى: (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ) إلخ الآية، والآية الأخرى تتضمن قوله تعالى (رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ) ، (يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ) ، وهناك آية أخرى وهي قوله تعالى (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ. وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ) إلخ الآية، وأن هناك على حد زعمه تناقضاً، فكيف يقول الله سبحانه وتعالى (وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ) إلخ الآية، بينما زوجات أنبياء الله نوح ولوط خبيثات، وفرعون كما جاء فيه في القرآن وزوجته طيبة، وحيث ليس لدي جواب مقنع آمل التكرم بإفتائي عن ذلك، جزاكم الله خيراً. فأجابوا: أولاً: قال الله تعالى: (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) هذه الآية ذُكرت بعد الآيات التي نزلت في قصة الإفك تأكيداً لبراءة عائشة رضي الله عنها مما رماها به عبد الله بن أبيّ بن سلول رأس المنافقين، زوراً وبهتاناً، وبياناً لنزاهتها، وعفتها في نفسها، ومن جهة صلتها برسول الله صلى الله عليه وسلم، وللآية معنيان: الأول: أن الكلمات الخبيثات والأعمال السيئات أولى بها الناس الخبيثون، والناس الخبثاء أولى وأحق بالكلمات الخبيثات والأعمال الفاحشة، والكلمات الطيبات والأعمال الطاهرة أولى وأحق بها الناس الطيبون ذوو النفوس الأبية والأخلاق الكريمة السامية، والطيبون أولى بالكلمات والأعمال الصالحات. والمعنى الثاني: أن النساء الخبيثات للرجال الخبيثين، والرجال الخبيثون أولى بالنساء الخبيثات، والنساء الطيبات الطاهرات العفيفات أولى بالرجال الطاهرين الأعفاء، والرجال الطيبون الأعفاء أولى بالنساء الطاهرات العفيفات، والآية على كلا المعنيين دالة على المقصود منها، وهو نزاهة عائشة رضي الله عنها عمَّا رماها به عبد الله بن أبيّ بن سلول من الفاحشة ومن تبعه ممن انخدع ببهتانه واغتر بزخرف قوله. ثانياً: قال الله تعالى (وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ. قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) ، ومعنى الآيتين: أن الله تعالى أخبر عن رسوله نوح عليه السلام أنه سأله تعالى أن ينجز له وعده إياه بنجاة ولده من الغرق والهلاك بناء على فهمه من ذلك من قوله تعالى له (احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ) فقال: (فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) ، وقد وعدتني بنجاة أهلي، ووعدك الحق الذي لا يخلف وأنت (أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ) ، (قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) أي: الذين وعدتك بإنجائهم؛ لأني إنما وعدتك بإنجاء مَن آمن مِن أهلك، بدليل الاستثناء في قوله تعالى (إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) ؛ ولذلك عاتبه الله تعالى على تلك المساءلة وذلك الفهم بقوله: (يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) ، وبيَّن ذلك بقوله (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ) ؛ لكفره بأبيه نوح عليه السلام؛ ومخالفته إياه، فليس من أهله ديناً، وإن كان ابناً له من النسب، قال ابن عباس وغير واحد من السلف رضي الله عنهم: " ما زنت امرأة نبي قط " وهذا هو الحق، فإن الله سبحانه أغْيَر مِن أن يمكِّن امرأة نبي من الفاحشة؛ ولذلك غضب سبحانه على الذين رموا عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم بالفاحشة، وأنكر عليهم ذلك وبرَّأها مما قالوا فيها، وأنزل في ذلك قرآناً يُتلى إلى يوم القيامة. ثالثاً: قال الله تعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا) الآيتين من سورة التحريم. بعد أن عاتب الله تعالى أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخاصة عائشة وحفصة رضي الله عنهن جميعاً على ما بدَر منهن مما لا يليق بحسن معاشرة النبي صلى الله عليه وسلم حتى حلف أن يعتزلهن شهراً، وأنكر تعالى عليهن بعض ما وقع منهن من أخطاء في حقه عليه الصلاة والسلام، وأنذرهن بالطلاق وأن يبدله أزواجاً خيراً منهن: ختم سورة التحريم بمثلَين: مثل ضربه للذين كفروا بامرأتين كافرتين امرأة نوح وامرأة لوط، ومثل ضربه للذين آمنوا بامرأتين صالحتين بآسية امرأة فرعون، ومريم بنت عمران؛ إيذاناً بأن الله حكم عدل لا محاباة عنده، بل كل نفس عنده بما كسبت رهينة، وحث العباد على التقوى، وأن يخشوا يوماً يرجعون فيه إلى الله، يوماً لا يجزي فيه والد عن ولده، ولا مولود هو جاز عن والده شيئاً، يوم يفرُّ المرء من أخيه، وأمه وأبيه، وصاحبته وبنيه، لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه، يوم لا تزر فيه وازرة وزر أخرى، وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى، يوم لا تنفع فيه الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولاً، فبيَّن سبحانه أن امرأة نوح وامرأة لوط كانتا كافرتين، وكانتا تحت رسوليْن كريميْن من رسل الله، وكانت امرأة نوح تخونه بدلالة الكفار على مَن آمن بزوجها، وكانت امرأة لوط تدل الكفار على ضيوفه، إيذاء وخينة لهما، وصدّاً للنَّاس عن اتباعهما، فلم ينفعهما صلاح زوجيهما نوح ولوط، ولم يدفعا عنهما من بأس الله شيئاً، وقيل لهاتين المرأتين: ادخلا النار مع الداخلين، جزاءً وفاقاً بكفرهما وخيانتهما؛ بدلالة امرأة نوح على من آمن به، ودلالة امرأة لوط على ضيوفه، لا بالزنى، فإن الله سبحانه لا يرضى لنبي من أنبيائه زوجة زانية، قال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى (فَخَانَتَاهُمَا) قال: " ما زنتا "، وقال: " ما بغت امرأة نبي قط إنما كانت خيانتهما في الدين "، وهكذا قال عكرمة وسعيد بن جبير والضحاك وغيرهم. وبيَّن الله سبحانه بالمثل الذي ضربه للذين آمنوا بآسية زوجة فرعون، وكان أعتى الجبابرة في زمانه، أن مخالطة المؤمنين للكافرين لا تضرهم، إذا دعت الضرورة إلى ذلك، ما داموا معتصمين بحبل الله تعالى متمسكين بدينه، كما لم ينفع صلاحُ الرسولين: نوح ولوط زوجتيهما الكافرتين، قال الله تعالى: (لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً) ، ولذلك لم يضر زوجة فرعون كفرُ زوجها وجبروته، فإن الله حكم عدل لا يؤاخذ أحداً بذنب غيره بل حماها وأحاطها بعنايته وحسن رعايته، واستجاب دعاءها وبنى لها بيتاً في الجنة، ونجَّاها من فرعون وكيده، وسائر القوم الظالمين مما تقدم في تفسير الآيات من أن ابن نوح ليس ابن زنى، وأن عائشة رضي الله عنها برَّأها الله في القرآن مما رماها به رأس النفاق، ومن انخدع بقوله من المؤمنين والمؤمنات، وأن كلا من امرأة نوح وامرأة لوط لم تزن وإنما كانتا كافرتين، ودلت كل منهما الكفار على ما يسوؤهما ويصد الناس عن اتباعهما، وأن زواج المؤمن بالكافرة كان مباحاً في الشرائع السابقة، وكذا زواج الكافر بالمؤمنة، وأن الله حمى امرأة فرعون من كيده وحفظ عليها دينها ونجاها من الظالمين: يتبين أن الآيات المذكورة متوافقة، لا متناقضة، وأن بعضها يؤيِّد بعضاً. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان " فتاوى اللجنة الدائمة " (3 / 270 – 276) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 95733 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 171 ما هو اللوح المحفوظ وما معناه [السُّؤَالُ] ـ[نرجو شرحاً مفصلاً مصحوباً بتفسير العلماء العظام مثل ابن كثير أو الطبري أو غيرهما لقول الله عز وجل: (في لوح محفوظ) سورة البروج آية 22. جزاكم الله خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] 1. قال ابن منظور: اللوح: كل صفيحة عريضة من صفائح الخشب. وقال الأزهري: اللوح صفيحة من صفائح الخشب والكتف إذا كتب عليها سميت لوحا. واللوح الذي يكتب فيه. واللوح: اللوح المحفوظ، وفي التنزيل {في لوحٍ محفوظٍ} يعني: مستودعٌ مشيئات الله تعالى. وكل عظم عريض: لوح. والجمع منها: ألواح. وألاويح: جمع الجمع. " لسان العرب " (2 / 584) . 2. قال ابن كثير رحمه الله: في لوح محفوظ أي: هو في الملإ الأعلى محفوظ من الزيادة والنقص والتحريف والتبديل. " تفسير ابن كثير " (4 / 497، 498) . 3. وقال ابن القيم رحمه الله: وقوله {محفوظ} : أكثر القراء على الجر صفة للوح، وفيه إشارة إلى أن الشياطين لا يمكنهم التنزّل به لأن محله محفوظ أن يصلوا إليه، وهو في نفسه محفوظ أن يقْدِر الشيطان على الزيادة فيه والنقصان. فوصفه سبحانه بأنه محفوظ في قوله {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} ، ووصف محله بالحفظ في هذه السورة. فالله سبحانه حفظ محله، وحفظه من الزيادة والنقصان والتبديل، وحفظ معانيه من التحريف كما حفظ ألفاظه من التبديل، وأقام له مَن يحفظ حروفه مِن الزيادة والنقصان، ومعانيه مِن التحريف والتغيير. " التبيان في أقسام القرآن " (ص 62) . 4. أما ما جاء في بعض كتب التفسير، أن اللوح المحفوظ في جبهة " إسرافيل "، أو أنه مخلوق من زبرجدة خضراء، وغير ذلك فهو مما لم يثبت، وهو من الغيب الذي لا يقبل إلا ممن أوحي إليه منه بشيء. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 7002 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 172 العروة الوثقى [السُّؤَالُ] ـ[ما هي العروة الوثقى؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله العروة الوثقى جاء ذكرها في القرآن الكريم في موضعين اثنين: في سورة البقرة، الآية (256) في قوله تعالى: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) . وفي سورة لقمان، الآية (22) في قوله تعالى: (وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) كما جاء في السنة النبوية ذكر العروة الوثقى في حديث أخرجه البخاري (3813) ومسلم (2484) عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ قال: (كُنْتُ بِالْمَدِينَةِ فِي نَاسٍ فِيهِمْ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ رَجُلٌ فِي وَجْهِهِ أَثَرٌ مِنْ خُشُوعٍ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ يَتَجَوَّزُ فِيهِمَا ثُمَّ خَرَجَ، فَاتَّبَعْتُهُ فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ وَدَخَلْتُ، فَتَحَدَّثْنَا، فَلَمَّا اسْتَأْنَسَ قُلْتُ لَهُ: إِنَّكَ لَمَّا دَخَلْتَ قَبْلُ قَالَ رَجُلٌ كَذَا وَكَذَا. قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! مَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ مَا لَا يَعْلَمُ، وَسَأُحَدِّثُكَ لِمَ ذَاكَ، رَأَيْتُ رُؤْيَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَصَصْتُهَا عَلَيْهِ، رَأَيْتُنِي فِي رَوْضَةٍ - ذَكَرَ سَعَتَهَا وَعُشْبَهَا وَخُضْرَتَهَا - وَوَسْطَ الرَّوْضَةِ عَمُودٌ مِنْ حَدِيدٍ أَسْفَلُهُ فِي الْأَرْضِ وَأَعْلَاهُ فِي السَّمَاءِ، فِي أَعْلَاهُ عُرْوَةٌ، فَقِيلَ لِي: ارْقَهْ. فَقُلْتُ لَهُ: لَا أَسْتَطِيعُ. فَجَاءَنِي مِنْصَفٌ - قَالَ ابْنُ عَوْنٍ وَالْمِنْصَفُ الْخَادِمُ - فَقَالَ بِثِيَابِي مِنْ خَلْفِي، وَصَفَ أَنَّهُ رَفَعَهُ مِنْ خَلْفِهِ بِيَدِهِ، فَرَقِيتُ حَتَّى كُنْتُ فِي أَعْلَى الْعَمُودِ، فَأَخَذْتُ بِالْعُرْوَةِ، فَقِيلَ لِيَ: اسْتَمْسِكْ. فَلَقَدْ اسْتَيْقَظْتُ وَإِنَّهَا لَفِي يَدِي. فَقَصَصْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: تِلْكَ الرَّوْضَةُ الْإِسْلَامُ، وَذَلِكَ الْعَمُودُ عَمُودُ الْإِسْلَامِ، وَتِلْكَ الْعُرْوَةُ عُرْوَةُ الْوُثْقَى، وَأَنْتَ عَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى تَمُوتَ. قَالَ: وَالرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ) . وقد بين السلف الصالح معنى العروة الوثقى بعبارات منوعة كلها تدل على مقصود واحد: فقال ابن عباس وسعيد بن جبير والضحاك: يعني لا إله إلا الله. وقال أنس بن مالك: القرآن. وقال مجاهد: الإيمان. وقال السدي: هو الإسلام. وعن سالم بن أبي الجعد: هو الحب في الله والبغض في الله. وانظر هذه الأقوال في "تفسير ابن أبي حاتم" (2/496) قال ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (1/684) : " وكل هذه الأقوال صحيحة ولا تنافي بينها " انتهى. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "فتاوى نور على الدرب" (الصلاة/1218) : ما هي العروة الوثقى؟ فأجاب: " العروة الوثقى هي الإسلام، وسميت عروة وثقى أنها توصل إلى الجنة " انتهى. فأنت ترى – أخي السائل – أن المعنى الذي فسر به العلماء العروة الوثقى هو ما يوصل المتمسك به إلى الجنة، وذلك يشمل الإسلام والإيمان والقرآن وكلمة التوحيد، وكل واحد عبر بأحد هذه المعاني المتقاربة في مؤداها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93454 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 173 ليس في شريعتنا جواز إتيان الدبر [السُّؤَالُ] ـ[أرجو مساعدتي في معرفة الصواب، في البخاري الحديث رقم (4170) و (4171) إن الإتيان في الدبر حلال، وموقعكم يقول إنه حرام، فما هو الصواب؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد للَّه أولاً: الأحاديث الصحيحة التي جاءت في تحريم إتيان الزوجة في الدبر كثيرة، فمن ذلك: 1- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم) رواه أبو داود (3904) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. 2- وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى رَجُلٍ أَتَى امْرَأَةً فِي الدُّبُرِ) رواه الترمذي (1165) وصححه ابن دقيق العيد في "الإلمام" (2/660) ، والألباني في صحيح الترمذي. 3- وعَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ - لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ) رواه ابن ماجه (1924) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه. والأحاديث في ذلك كثيرة، حتى قال الطحاوي رحمه الله في "شرح معاني الآثار" (3/43) : "جاءت الآثار متواترة بذلك " انتهى. ولذلك كانت كلمة العلماء على الأخذ بهذه الأحاديث. قال الماوردي رحمه الله تعالى في "الحاوي" (9/319) : " لأنه إجماع الصحابة: روي ذلك عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وابن مسعود وأبي الدرداء " انتهى. وجاء في "المغني" (7/32) : " ولا يحل وطء الزوجة في الدبر في قول أكثر أهل العلم: منهم علي وعبد الله وأبو الدرداء وابن عباس وعبد الله بن عمرو وأبو هريرة، وبه قال سعيد بن المسيب وأبو بكر بن عبد الرحمن ومجاهد وعكرمة والشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر " وقد سبق في موقعنا بيان ذلك بشيء من التفصيل، فانظر إجابات الأسئلة: (1103) ، (52803) . ثانياً: يتوهم بعض الناس جواز إتيان المرأة في دبرها، ويفهمون من قول الله تعالى: (نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) البقرة/223، أن الله سبحانه أباح في هذه الآية كل شيء، حتى الوطء في الدبر، وقد يتأكد هذا الوهم عندهم إذا قرؤوا الحديث الذي يرويه البخاري في صحيحه – ولعله الحديث الذي قصده السائل - والذي فيه: عن جابر رضي الله عنه قال: كَانَتِ اليَهُودُ تَقُولُ: إِذَا جَامَعَهَا مِن وَرَائِهَا جَاءَ الوَلَدُ أَحْوَل فنزلت (نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) . وهذا فهم خاطئ للآية، فإن قوله تعالى: (فأتوا حرثكم أنى شئتم) يعني إباحة أحوال وأوضاع الجماع المختلفة، إذا كانت في موضع الحرث: وهو الفرج، وليس الدبر، فيجوز أن يأتي الرجل زوجته من الخلف أو الأمام أو على جنب إذا كان ذلك في موضع الحرث، وليس الدبر. ودليل ذلك أن رواية مسلم برقم (1435) لحديث جابر السابق في سبب نزول الآية فيها: (إِنْ شَاءَ مُجَبِّيَةً، وَإِنْ شَاءَ غَيْرَ مُجَبِّيَةٍ، غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي صِمَامٍ وَاحِدٍ) . (مُجَبِّيَةً) : أي: منكبة على وجهها، كهيئة السجود. (في صمام واحد) : هو القبل. وفي رواية أبي داود للحديث نفسه برقم (2163) : عن محمد بن المنكدر قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ: إِنَّ الْيَهُودَ يَقُولُونَ إِذَا جَامَعَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ فِي فَرْجِهَا مِنْ وَرَائِهَا كَانَ وَلَدُهُ أَحْوَلَ،فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) . وفي سنن الترمذي (2980) وحسنه عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: جَاءَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَلَكْتُ. قَالَ: وَمَا أَهْلَكَكَ؟! قَالَ: حَوَّلْتُ رَحْلِي اللَّيْلَةَ. قَالَ: فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا، قَالَ: فَأُنْزِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) أَقْبِلْ وَأَدْبِرْ، وَاتَّقِ الدُّبُرَ وَالْحَيْضَةَ. حسنه الألباني في صحيح الترمذي. فهذه الأحاديث والروايات توضح المقصود من الآية، فلا يجوز لمسلم أن يتجاوز ذلك إلى فهمه الذي لا يدل عليه الأثر ولا اللغة. قال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" (4/261) : " وقد دلت الآية على تحريم الوطء في دبرها من وجهين: أحدهما أنه أباح إتيانها في الحرث، وهو موضع الولد، لا في الحُش الذي هو موضع الأذى، وموضع الحرث هو المراد من قوله: (من حيث أمركم الله) الوجه الثاني: أنه قال: (أنى شئتم) أي: من أين شئتم: من أمام أو من خلف. ال ابن عباس: (فأتوا حرثكم) يعني: الفرج " انتهى بتصرف. ثالثاً: ولعل السائل يعني أيضا ما رواه البخاري عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) قال: يأتيها في. . . قال ابن حجر في "فتح الباري" (8/189) : " هكذا وقع في جميع النسخ، لم يذكر ما بعد الظرف وهو المجرور " انتهى. ثم ذكر ما جاء من بعض الروايات خارج صحيح البخاري أن ابن عمر قال: يأتيها في دبرها. وقد أجاب عن ذلك أهل العلم بجوابين: الأول: أنه حصل خطأ من بعض الرواة عن ابن عمر، وأنهم فهموا منه جواز إتيان الدبر، وهو إنما كان يحكي جواز إتيان المرأة في قبلها من خلفها، بدليل ما جاء من طرق صحيحة عنه أنه كان يرى حرمة إتيان الزوجة في دبرها، فقد روى النسائي في "السنن الكبرى" (5/315) بسند صحيح أن ابن عمر سئل عنه فقال: أو يفعل ذلك مسلم؟! قال ابن القيم رحمه الله في "تهذيب السنن" (6/142) : " فقد صح عن ابن عمر أنه فسر الآية بالإتيان في الفرج من ناحية الدبر،وهو الذي رواه عنه نافع، وأخطأ من أخطأ على نافع فتوهم أن الدبر محل للوطء لا طريق إلى وطء الفرج، فوقع الاشتباه في كون الدبر طريقا إلى موضع الوطء أو هو مأتى، واشتبه على من اشتبه عليه معنى (من) بمعنى (في) فوقع الوهم " انتهى. الجواب الثاني: أنه اجتهاد من ابن عمر رضي الله عنهما في فهم الآية، وقد دلت السنة، وأقوال سائر الصحابة، أنه اجتهاد مجانب للصواب، وقد روى أبو داود برقم (2164) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ ابْنَ عُمَرَ - وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ - أَوْهَمَ، إِنَّمَا كَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ الْأَنْصَارِ - وَهُمْ أَهْلُ وَثَنٍ - مَعَ هَذَا الْحَيِّ مِنْ يَهُودَ - وَهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ -، وَكَانُوا يَرَوْنَ لَهُمْ فَضْلًا عَلَيْهِمْ فِي الْعِلْمِ، فَكَانُوا يَقْتَدُونَ بِكَثِيرٍ مِنْ فِعْلِهِمْ، وَكَانَ مِنْ أَمْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَأْتُوا النِّسَاءَ إِلَّا عَلَى حَرْفٍ، وَذَلِكَ أَسْتَرُ مَا تَكُونُ الْمَرْأَةُ، فَكَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ الْأَنْصَارِ قَدْ أَخَذُوا بِذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ، وَكَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ قُرَيْشٍ يَشْرَحُونَ النِّسَاءَ شَرْحًا مُنْكَرًا، وَيَتَلَذَّذُونَ مِنْهُنَّ مُقْبِلَاتٍ وَمُدْبِرَاتٍ وَمُسْتَلْقِيَاتٍ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَةَ تَزَوَّجَ رَجُلٌ مِنْهُمْ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ،فَذَهَبَ يَصْنَعُ بِهَا ذَلِكَ فَأَنْكَرَتْهُ عَلَيْهِ، وَقَالَتْ: إِنَّمَا كُنَّا نُؤْتَى عَلَى حَرْفٍ، فَاصْنَعْ ذَلِكَ وَإِلَّا فَاجْتَنِبْنِي. حَتَّى شَرِيَ أَمْرُهُمَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) أَيْ: مُقْبِلَاتٍ وَمُدْبِرَاتٍ وَمُسْتَلْقِيَاتٍ، يَعْنِي بِذَلِكَ مَوْضِعَ الْوَلَدِ. وهذا قد يؤيد أن ابن عمر كان يقول بجواز الإتيان في الدبر، فلعله رجع إلى الصواب، بعد أن بَيَّن له ابن عباس أو غيره سبب نزول الآية ومعناها الصحيح، ولذلك ثبت عنه – كما تقدم – أنه كان يقول بتحريمه، ويقول: أو يفعل ذلك مسلم!! والحاصل أن شريعتنا جاءت بتحريم هذا الفعل، وليس فيها شيء يدل على جوازه، ومن ظن في شيء من الكتاب أو السنة ما يدل عليه فقد أخطأ وأوهم. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 91968 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 174 معنى حرف الجر (مِن) في قوله تعالى: (رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي) [السُّؤَالُ] ـ[هل دعاء نبي الله إبراهيم عليه السلام (رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي) يصلح لأن يقال كما هو؟ لورود كلمة " ومن ذريتي " وليست: رب اجعلني مقيم الصلاة وذريتي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لِلَّه أولا: سياق الآيات في هذا المقطع من سورة إبراهيم عليه السلام، يصور فيه مشهد إبراهيم الخليل عليه السلام الضارع الخاشع الذاكر الشاكر، وهو يدعو ربه الكريم، ويتذلل بين يديه سبحانه، ليرد الجاحدين إلى الاعتراف، ويرد الكافرين إلى الشكر، ويرد الغافلين إلى الذكر، ويرد الشاردين من أبنائه إلى سيرة أبيهم لعلهم يقتدون بها ويهتدون. يقول سبحانه وتعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ * رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللهِ مِن شَيْءٍ فَي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء * الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء * رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء * رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ) إبراهيم/35-41 وقد كان إبراهيم عليه السلام رحيما شفيقا بأمته وذريته، فلم يكن يفوت فرصة إلا ويسأل الله سبحانه الخير لهم. ويبقى السؤال عن سبب مجيء حرف الجر (مِن) في قوله: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي) ، ولم يقل (وذريتي) . اختلف في ذلك المفسرون إلى قولين: القول الأول: وهو قول جماهير المفسرين ممن تكلم في هذه المسألة، أن (مِن) هنا للتبعيض، قالوا وهو تأدب من إبراهيم الخليل عليه السلام في دعائه الله سبحانه وتعالى، حيث كان يعلم أن حكمة الله اقتضت وجود المؤمن والكافر، والظالم والمحسن، فكان دعاؤه مراعيا لما يعلمه من حكمة الله وسنته في خلقه، كما قال سبحانه: (وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ) الصافات/113 يقول الزمخشري في "الكشاف" (1/634) : " (ومن ذريتي) وبعض ذريتي، عطفا على المنصوب في (اجعلني) ، وإنما بعَّضَ لأنه عَلِمَ بإعلام اللَّهِ أنه يكون في ذريته كفار، وذلك قوله: (لا ينال عهدي الظالمين) " انتهى. وانظر: "تفسير البيضاوي" (3/202) ، "تفسير أبي السعود" (5/54) ، "الجلالين" (335) ، "روح المعاني" (13/243) وفي القرآن الكريم مواقف عديدة من دعاء إبراهيم عليه السلام وتخصيصه ذريته بشيء من الدعاء، وفي كل منها يأتي حرف الجر (مِن) فانظر قوله سبحانه في سورة البقرة: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) البقرة/124 وكذلك قوله سبحانه وتعالى: (رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) البقرة/128 القول الثاني: عدم التسليم بكونها للتبعيض، فقد كان الأنبياء يدعون لأقوامهم بصيغة التعميم وهم يعلمون سنة الله في خلقه حين كتب في الناس المؤمن والكافر وكتب من المؤمنين أيضا من يعذب بسبب ذنوبه في النار ثم يخرج منها، ولم يكن ذلك اعتداء في الدعاء. فهذا نوح عليه السلام يقول: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَاراً) نوح/28 وإبراهيم عليه السلام أيضا يقول: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ) (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ) وكان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يدعو ويقول: (الّّلهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي) رواه مسلم (202) قالوا والأنبياء يسألون الله أكمل ما يحبون لأنفسهم وذرياتهم وأقوامهم، وإبراهيم عليه السلام يطمع أن تكون ذريته كلها مُوَحِّدَةً، تعبد الله وتجتنب الأصنام، وإن كان الشرك لا بد وأن يكون على الأرض، ففي غير ذريته. يقول العلامة الطاهر ابن عاشور في تفسيره المتميز "التحرير والتنوير" (7/445) : " و (مِن) ابتدائية، وليست للتبعيض؛ لأن إبراهيم عليه السلام لا يسأل الله إلا أكمل ما يحبه لنفسه ولذريته. ويجوز أن تكون (مِن) للتبعيض، بناء على أن الله أعلمه بأن يكون من ذريته فريق يقيمون الصلاة وفريق لا يقيمونها، أي: لا يؤمنون. وهذا وجه ضعيف؛ لأنه يقتضي أن يكون الدعاء تحصيلا لحاصل، وهو بعيد، وكيف وقد قال (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ) ولم يقل: ومن بني " انتهى. أو يقال إنها لبيان الجنس، فإن تقدير الآية: (واجعل من ذريتي مقيمي الصلاة) ، والمعنى: واجعل جنس ذريتي مقيمي الصلاة، كقوله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) الفتح/29. انظر "مغني اللبيب" (420-421) وهذا الوجه أقرب. يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "تفسير البقرة 2" (33) في قوله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) البقرة/124: قوله تعالى: (وَمِن ذُرِّيَّتِي) أي واجعل من ذريتي إماماً؛ وهنا (مِن) يحتمل أنها لبيان الجنس؛ وبناءً على ذلك تصلح (ذريتي) لجميع الذرية؛ يعني: واجعل ذريتي كلهم أئمة؛ ويحتمل أنها للتبعيض " انتهى. ثانيا: إذا فهم ما سبق تبين أنه لا بأس للمسلم أن يدعو بالصيغة نفسها التي جاءت في القرآن الكريم، فقد تبين أنها ليست للتبعيض، وأن الدعاء بها ينال جميع الذرية. يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "لقاء الباب المفتوح" (30/14) : " الدعاء بقوله: (رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي) من دعاء إبراهيم عليه الصلاة والسلام لا بأس به " انتهى بتصرف. ثالثا: تنبيه على بدعة منتشرة تتعلق بقراءة هذه الآية بعد إقامة الصلاة. جاء في أسئلة اللقاء الشهري (23/10) مع الشيخ ابن عثيمين رحمه الله السؤال التالي: " بعض الإخوة من المصلين يقول بعد انتهاء المؤذن من الإقامة إما: (أقامها الله وأدامها ما دامت السماوات والأرض) وإما أن يقرأ قول الله تعالى عن إبراهيم: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ) فما رأي فضيلتكم في هذا الدعاء في هذا المقام خاصة، أقصد قراءة الآية، هل ينكر على الإنسان مع أنه يدعو بها، وهل ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم دعاء بعد الإقامة، أرجو التوضيح أثابكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: " الإقامة ليس بعدها دعاء، وإنما يشرع الإمام بالصلاة بعد انتهاء الإقامة وبعد أن يسوي الصفوف بنفسه أو بنائبه؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يمكن أن يكبر للصلاة حتى تستوي الصفوف، حتى إنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يجوب الصف من أوله إلى آخره يمسح بالمناكب والصدور، يقول: استووا، ولما كثر الناس في زمن عمر وعثمان، صار الخليفة يوكل رجالاً يجوبون الصفوف يتفقدونها بعد الإقامة، فإذا جاءوا وقالوا: إن الصفوف على ما ينبغي كبروا للصلاة، وليس بعد الإقامة دعاء. وأما قوله: أقامها الله وأدامها مادامت السماوات والأرض. فإن قوله: (ما دامت السماوات والأرض) لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام، وأما قول: (أقامها الله وأدامها) فهذه تقال عند قول: (قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة) لأن فيها حديثاً ضعيفاً، وهذا الحديث الضعيف لا يعمل به عند جماعة من العلماء، ولهذا فلا يقال: أقامها الله وأدامها لا بعد قوله: قد قامت الصلاة، ولا بعد انتهائه من الإقامة. وأما الدعوة بدعوة إبراهيم: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) فهذه أيضاً لا أصل لها إطلاقاً، ولم يرد الدعاء بها عن السلف، فتركها أولى وأحسن " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 90023 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 175 كيف شرح الله صدر رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم [السُّؤَالُ] ـ[كيف شرح الله تعالى صدر رسوله صلى الله عليه وسلم عندما قال: (ألم نشرح لك صدرك) ؟ ..... وهل صحيح ما قيل: إنه كان على يد سيدنا جبريل عليه السلام مرتين في عمره؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد للَّه لقد أنعم الله سبحانه وتعالى على أنبيائه ورسله بنعم عظيمة جليلة، أولاها فضلا، وأوفاها مِنَّةً، وأعلاها قدرا نعمةُ النبوة، حيث اصطفاهم لقربه، واجتباهم لرحمته. يقول الله تعالى: (وَلَكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ) آل عمران/179 ويقول سبحانه: (وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) الأنعام/87 وقد خص الله سبحانه وتعالى نبيه وخليله محمدا صلى الله عليه وسلم بمزيد فضل، وحباه بعظيم قدر، حتى قال سبحانه وتعالى: (وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً) النساء/113 ومن هذا الفضل أنه سبحانه شرح صدر الرسول الكريم محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وامتن عليه بهذه النعمة العظيمة في سورة من القرآن الكريم تتلى إلى يوم القيامة، تسمى سورة "الشرح". يقول سبحانه وتعالى: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) الشرح/1 وشَرْحُ صدر النبي صلى الله عليه وسلم يتضمن معاني كثيرة عظيمة: 1- شرح الله صدره للإسلام دينا وشريعة، وهذا أعظم ما يمكن أن ينشرح له الصدر، وهو تفسير ابن عباس، علقه البخاري في صحيحه (كتاب التفسير / باب سورة الشرح، ص 982) 2- وشرح الله صدر نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بأن ملأه حكمة وعلما وإيمانا، كما فسره الحسن البصري، ويذكر العلماء في تفسير ذلك حادثة شق صدره صلى الله عليه وسلم، والتي تكررت مرتين في حياته صلى الله عليه وسلم: الأولى: كانت وهو صغير في بني سعد. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَأَخَذَهُ فَصَرَعَهُ، فَشَقَّ عَنْ قَلْبِهِ، فَاسْتَخْرَجَ الْقَلْبَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً، فَقَالَ: هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ. ثُمَّ غَسَلَهُ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ لَأَمَهُ، ثُمَّ أَعَادَهُ فِي مَكَانِهِ، وَجَاءَ الْغِلْمَانُ يَسْعَوْنَ إِلَى أُمِّهِ يَعْنِي ظِئْرَهُ فَقَالُوا إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ فَاسْتَقْبَلُوهُ وَهُوَ مُنْتَقِعُ اللَّوْنِ قَالَ أَنَسٌ وَقَدْ كُنْتُ أَرْئِي أَثَرَ ذَلِكَ الْمِخْيَطِ فِي صَدْرِهِ) رواه مسلم (162) الثانية: كانت ليلة الإسراء. كَانَ أَبُو ذَرٍّ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (فُرِجَ سَقْفُ بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّةَ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَرَجَ صَدْرِي ثُمَّ غَسَلَهُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا فَأَفْرَغَهَا فِي صَدْرِي ثُمَّ أَطْبَقَهُ) رواه البخاري (349) ومسلم (163) يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى "فتح الباري" (7/204) : " وقد استنكر بعضهم وقوع شق الصدر ليلة الإسراء، وقال إنما كان ذلك وهو صغير في بني سعد، ولا إنكار في ذلك، فقد تواردت الروايات به ... وجميع ما ورد من شق الصدر واستخراج القلب وغير ذلك من الأمور الخارقة للعادة مما يجب التسليم له دون التعرض لصرفه عن حقيقته، لصلاحية القدرة، فلا يستحيل شيء من ذلك، قال القرطبي في "المفهم": لا يلتفت لإنكار الشق ليلة الإسراء؛ لأن رواته ثقات مشاهير " انتهى. وقد جاءت حادثة شق الصدر أيضا في بعض الروايات في أوقات أخرى، في عمر العشر سنوات، وعند البعثة، لكنها روايات ضعيفة. انظر "السيرة النبوية الصحيحة" (1/103) يقول ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (4/677) : " يقول تعالى: (ألم نشرح لك صدرك) يعني: أما شرحنا لك صدرك، أي: نورناه وجعلناه فسيحا رحيبا واسعا، كقوله: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام) وقيل: المراد بقوله: (ألم نشرح لك صدرك) شرح صدره ليلة الإسراء، ولكن لا منافاة، فإنه من جملة شرح صدره الذي فعل بصدره ليلة الإسراء وما نشأ عنه من الشرح المعنوي أيضا فالله أعلم " انتهى. 3- وجاء في "روح المعاني" (30/166) : " وقيل: المعنى: ألم نزل همك وغمك بإطلاعك على حقائق الأمور وحقارة الدنيا، فهان عليك احتمال المكاره في الدعاء إلى الله تعالى. ونقل عن الجمهور أن المعنى: ألم نفسحه بالحكمة ونوسعه بتيسيرنا لك تلقي ما يوحى إليك بعد ما كان يشق عليك " انتهى. 4- وقال ابن عاشور في "التحرير والتنوير" (1/4850) : " وشرح صدره كناية عن الإنعام عليه بكل ما تطمح إليه نفسه الزكية من الكمالات، وإعلامه برضى الله عنه، وبشارته بما سيحصل للدين الذي جاء به من النصر " انتهى. وانظر "سبل الهدى والرشاد" (2/59) . 5- ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "تفسير سورة الشرح" (ص/1) : " وهذا الشرح شرح معنوي ليس شرحاً حسيًّا، وشرح الصدر أن يكون متسعاً لحكم الله عز وجل بنوعيه، حكم الله الشرعي وهو الدين، وحكم الله القدري وهو المصائب التي تحدث على الإنسان " انتهى باختصار. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 89869 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 176 توضيح قوله تعالى (إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان) [السُّؤَالُ] ـ[ورد في قصة سليمان وملكة سبأ في سورة النمل الآية التالية: (قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) أنا أفهم أن المعنى: أنها ظلمت نفسها بالكفر، وأنها أسلمت بعد أن تبين لها الحق، ولكن لفظ الآية، وعدم وجود علامة وقف بعد كلمة (نفسي) ، توحي بعكس هذا المعنى، وهو أنها ظلمت نفسها بالإسلام - ومعاذ الله -، فهل من توضيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يقول تعالى في سورة النمل: (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ، فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا، قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ، قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) . النمل/44 يحكي سبحانه وتعالى في هذه الآية المفاجأة الكبيرة التي كان أعدها سليمان عليه السلام لملكة سبأ، وكانت قصرا من البلور، أقيمت أرضيته فوق الماء، فوقفت الملكة مدهوشة أمام هذه العجائب التي يعجز عن مثلها البشر، فرجعت إلى الله، وناجته معترفة بظلمها لنفسها فيما سلف من عبادة غيره، معلنة إسلامها مع سليمان لله رب العالمين. هذا هو فهم سياق القصة، وهو أيضا ما تقتضيه قواعد اللغة العربية. فإن قولها (ظَلَمْتُ نَفْسِي) جملة فعلية في محل رفع خبر (إِنِّي) ثم جاء حرف العطف (الواو) ليعطف جملة على جملة، فقالت (وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ) انظر "إعراب القرآن وبيانه" محيي الدين درويش (7/216) ، "الجدول في إعراب القرآن" لمحمود صافي (9/415) والتقدير: وإني أسلمت مع سليمان لله رب العالمين. وهذا هو التقدير الصحيح؛ لأن النحاة يقولون: إن حرف العطف إنما جيء به لاختصار التكرار في الجملة. يقول ابن عقيل في "شرح ألفية ابن مالك" (2/208) : " العطف على نية تكرار العامل " انتهى. فبدل أن تقول: جاء زيد وجاء عمرو، تختصر فتقول: جاء زيد وعمرو. وكذلك الحال في عطف الجمل التي لها محل من الإعراب: فبدل أن تقول: إن الله يعلم ما أنتم عليه، وإن الله سيحاسبكم عليه. تختصر فتقول: إن الله يعلم ما أنتم عليه وسيحاسبكم عليه. فالواجب فهم الآية الكريمة على هذه القاعدة، فيكون تقدير الآية: (إني ظلمت نفسي، وإني أسلمت مع سليمان لله رب العالمين) ولا يلزم لغة - إذا كان العطف بين الجمل - أن تشترك في المعنى، بل قد يكون المعنى متضادا. يقول الأستاذ عباس حسن في "النحو الوافي" (3/557) : " والعطف بالواو إذا كان المعطوف غير مفرد، قد يفيد مطلق التشريك، نحو: نبت الورد ونبت القصب، أو لا يفيد، نحو: حضرت الطيارة ولم تحضر السيارة " انتهى. فحين يعطف الله تعالى قول ملكة سبأ (وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ) لا يجوز أن تفهم على أنها توضيح للمعطوف عليه أو بيان له، من حيث أصل اللغة، فكيف حين يكون بين المعنيين تضاد ظاهر. والسياق يبين أن الملكة اعترفت بظلمها نفسها حين كانت تعبد الشمس من دون الله، فتابت من ذلك الشرك، وأسلمت وجهها، ووحدت عبادتها لله رب العالمين. وبهذا يكون المعنى سليما، وينتفي التوهم الذي يظنه السائل في الآية. قد يكون لإشكال السائل وجه – من حيث قواعد النحو - إذا كان سياق الكلام: (إني ظلمت نفسي: أسلمت مع سليمان) بحذف حرف العطف، على أن الجملة الثانية بدل من الجملة الأولى، كقوله تعالى: (وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً: يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً) الفرقان/68-69 فإن مضاعفة العذاب هي بيان وتوضيح للإثم الذي يلقاه مرتكب الكبائر. كما قد يكون لهذا الإشكال وجه – من حيث قواعد اللغة – لو كان حرف العطف هو الفاء، فكان الكلام: إني ظلمت نفسي فأسلمت مع سليمان. فإن الفاء تفيد – كثيرا – مع الترتيب (التسبب) ، أي الدلالة على السببية في عطف الجمل، نحو: رمى الصياد الطائر فقتله. انظر "النحو الوافي" (3/574) أَمَا وقد جاء السياق القرآني على الوجه البَيِّنِ الجَلِيِّ: (قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) فليس لإشكال السائل أي محل من الفهم الصحيح للسياق، وقواعد النحو العربي. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82613 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 177 معنى قول الله (فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره) [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى كلمة (يأتي) في الآية: (فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره) ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الله تعالى: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) البقرة/109. بين الله تعالى في هذه الآية الكريمة أن كثيرا من أهل الكتاب يودون الكفر والردة لأهل الإسلام، كراهية وبغضا وحسدا، مع أنهم يعلمون الحق ويوقنون به، ومع ذلك فقد أمر الله تعالى المؤمنين بالعفو والصفح عنهم، وذلك لحكم كثيرة منها: الرغبة في هدايتهم وإيضاح الحق لهم، ومنها انشغال المسلمين بالحرب مع كفار قريش، فاقتضت الحكمة أن يقتصروا على مواجهة عدو واحد. وبين الله تعالى أن هذا العفو والصفح ممتد إلى غاية وأمد، وهي أن يأتي أمر من الله للمسلمين يبيح لهم القتال. فيأتي هنا بمعنى: يجيء ويصدر وينزل، أي ينزل عليهم أمر الله تعالى. وقد جاء الأمر من الله تعالى بعد ذلك بقتالهم، كما قال ابن عباس وقتادة والربيع وغيرهم. قال الطبري رحمه الله في تفسيره: (1/534) : " (فاعفوا) فتجاوزوا عما كان منهم من إساءة وخطأ في رأي أشاروا به عليكم في دينكم، إرادة صدكم عنه، ومحاولة ارتدادكم بعد إيمانكم، وعما سلف منهم من قولهم لنبيكم صلى الله عليه وسلم: اسمع غير مسمع وراعنا لَيَّاً بألسنتهم وطعنا في الدين، واصفحوا عما كان منهم من جهل في ذلك حتى يأتي الله بأمره، فيحدث لكم من أمره فيكم ما يشاء، ويقضي فيهم ما يريد. فقضى فيهم تعالى ذكره، وأتى بأمره، فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين به: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) التوبة/29. ثم روى عن الربيع في قوله: (فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره) ، قال: اعفوا عن أهل الكتاب حتى يحدث الله أمرًا. فأحدث الله بعد فقال: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر إلى وهم صاغرون) " انتهى. وقال ابن الجوزي رحمه الله في "زاد المسير" (1/132) : " قوله تعالى: (حتى يأتي الله بأمره) قال ابن عباس: فجاء الله بأمره في النضير بالجلاء والنفي، وفي قريظة بالقتل والسبي " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82281 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 178 الفرق بين قوله تعالى: (من إملاق) وقوله: (خشية إملاق) [السُّؤَالُ] ـ[ما الفرق بين الآيتين: (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) الأنعام/151، (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً) الإسراء/31؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الإملاق هو الفقر، وقد كان من عادة أهل الجاهلية أنهم يئدون بناتهم إما لوجود الفقر، أو خشية وقوعه في المستقبل، فنهاهم الله تعالى عن الأمرين، فالآية الأولى (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ) الأنعام /151، واردة على السبب الأول، أي: لا تقتلوا أولادكم لفقركم الحاصل فإن الله متكفل برزقكم ورزقهم، والآية الثانية: (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ) الإسراء/31، واردة على السبب الثاني، أي: لا تقتلوا أولادكم خشية أن تفتقروا أو يفتقروا بعدكم، فإن الله يرزقهم ويرزقكم. قال ابن كثير رحمه الله: " وقوله تعالى: (من إملاق) قال ابن عباس: هو الفقر، أي: لا تقتلوهم من فقركم الحاصل. وقال في سورة الإسراء: (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق) أي: لا تقتلوهم خوفاً من الفقر في الأجل (يعني في المستقبل) ، ولهذا قال هناك: (نحن نرزقهم وإياكم) فبدأ برزقهم للاهتمام بهم، أي لا تخافوا من فقركم بسبب رزقهم فهو على الله، وأما في هذه الآية فلما كان الفقر حاصلاً قال: (نحن نرزقكم وإياهم) لأنه الأهم ههنا، والله أعلم " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 81149 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 179 تفسير قوله تعالى (فَاْليَوْمَ نُنَجِّيْكَ بِبَدَنِكَ) [السُّؤَالُ] ـ[ما المقصود بقوله تعالى: (فَاْليَوْمَ نُنَجِّيْكَ بِبَدَنِكَ) الآية 92 من سورة يونس؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه الآية من سورة يونس جاءت في معرض الحديث عن موقف من مواقف الطاغية فرعون تجاه نبي الله موسى عليه السلام ومن آمن معه من بني إسرائيل، وذلك حين سار موسى عليه السلام بالمؤمنين في هجرتهم إلى الأرض المباركة، فلحقه فرعون وجنوده ليردوهم ويفتنوهم، وفي طريق الهجرة الطويل اعترضهم البحر جميعا، فأكرم الله نبيه موسى ومن معه من المؤمنين بأن جعل البحر لهم يابسا يمشون فوقه، فعبروه أمام أعين أعدائهم، وهم ينظرون!! فما كان من عدو الله فرعون إلا أن استخفه الطغيان، وأهوى به الطيش والحمق، فركب البحر خلف موسى ومن معه، ليكون هلاكه ومن معه بالغرق في نفس البحر الذي جاوزه موسى ومن معه من المؤمنين!! فلما أحاط الموت بالطاغية من كل مكان، وتقاذفته لجج البحر وأمواجه، وأيقن أن الغرق مصيره لا محالة، قال: (قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) ، وهيهات هيهات، قد فات وقت التوبة، ومضى زمان الإنابة والإيمان حين حل الموت، وذهب عن الخبيث كل قوة وحيلة!! ولا شك أن موت هذا الطاغية المسرف في الطغيان في مثل هذا الموقف العظيم من أعظم الآيات التي تبين عاقبة العناد والظلم والاستكبار، لذلك أراد الله سبحانه وتعالى أن يثبت هذه الآية ويؤكدَها، ويرفعَ عنها أي شك أو لبس أو إشاعات، فقضى أن تظهر جثة فرعون هامدة باردة على الشاطئ، يراها قومه ومن كان يعبده، فيكون ذلك أبلغ في إقامة العظة والعبرة عليهم. قال الله تعالى: (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً، وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ) يقول ابن كثير رحمه الله: (قال ابن عباس وغيره من السلف: إن بعض بني إسرائيل شكوا في موت فرعون، فأمر الله تعالى البحر أن يلقيه بجسده سويا بلا روح، وعليه درعه المعروفة، على نجوة من الأرض، وهو المكان المرتفع، ليتحققوا موته وهلاكه، ولهذا قال تعالى: (فاليوم ننجيك) أي: نرفعك على مكان بارز من الأرض، (ببدنك) قال مجاهد: بجسدك، وقال الحسن: بجسم لا روح فيه، وقال عبد الله بن شداد: سويا صحيحا: أي لم يتمزق، ليتحققوه ويعرفوه، وقال أبو صخر: بدرعك. وكل هذه الأقوال لا منافاة بينها كما تقدم والله أعلم. وقوله: " لتكون لمن خلفك آية " أي: لتكون لبني إسرائيل دليلا على موتك وهلاكك، وأن الله هو القادر الذي ناصيةُ كلِّ دابةٍ بيده، وأنه لا يقوم لغضبه شيء) تفسير ابن كثير (2/565) . بتصرف. وكذلك كان، فقد رأى بنو إسرائيل فرعون ميتا رأي العين، فكان آية لمن رآه حينها، وكان آية لكل من سمع بقصة هلاكه ممن بعدهم!! وليس في الآية ما يدل على أن بدنه سيبقى محفوظا إلى يوم القيامة، كما يتوهم بعض الناس، فإن ذلك من تحميل القرآن ما لا يحتمل، إذ لو كان المقصود بقاء جسد فرعون آية لجميع الناس بعده، يرونه ميتا ويعاينون جثته، لبقيت جثته معروفة ظاهرة لكل " من خلفه "، ممن سمع بقصته، حتى تتم العبرة، وتظهر الآية، ويصدق الوعد؛ فأين ذهبت قصته عن الناس، حتى عفا أثرها، وزال ذكرها قرونا متطاولة، قبل أن يدعي أهل الآثار أنهم اكتشفوا جثة فرعون الذي مات غرقا؟!! يقول الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: (ومعنى قوله تعالى: (لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً) أي: لتكون لبني إسرائيل دليلاً على موتك وهلاكك، وأن الله هو القادر الذي ناصيةُ كل دابَّة بيده، لا يقدر أحد على التخلُّص من عقوبته، ولو كان ذا سُلطة ومكانة بين الناس. ولا يلزم من هذا أن تبقى جثَّةُ فرعون إلى هذا الزَّمان، كما يظنُّهُ الجُهَّالُ؛ لأن الغرض من إظهار بدنه من البحر معرفةُ هلاكه وتحقُّقُ ذلك لمن شكَّ فيه من بني إسرائيل، وهذا الغرض قد انتهى، وجسم فرعون كغيره من الأجسام، يأتي عليه الفناء، ولا يبقى منه إلا ما يبقى من غيره، وهو عَجْب الذَّنَبِ، الذي منه يُرَكَّبُ خلقُ الإنسان يوم القيامة؛ كما في الحديث؛ فليس لجسم فرعون ميزةٌ على غيره من الأجسام. والله أعلم) "المنتقى من فتاوى الفوزان" (1/سؤال رقم 132) . ولكن يقال هنا: إن حصل وظهرت جثة فرعون من جديد، وثبت بكلام أهل الخبرة بالتاريخ والآثار أنها الجثة التي ذكر الله في كتابه، فإنما يكون ذلك إشارة إلى صدق ما أخبر به القرآن من نجاة بدن فرعون. يقول العلامة الطاهر ابن عاشور رحمه الله: (ومن دقائق القرآن قوله تعالى: " فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً "، وهي عبارة لم يأت مثلها فيما كتب من أخبار فرعون؛ وإنها لمن الإعجاز العلمي في القرآن، إذ كانت الآية منطبقةً على الواقع التاريخي) التحرير والتنوير (1/2065) . والخلاصة: أن بدن فرعون نَجَا يومها من الضياع أو التحلل، ولا يعني ذلك لزوم بقائه محفوظا إلى يوم القيامة، فمن ثبت عنده من أهل العلم بالآثار والتاريخ أن بدن فرعون ما زال محفوظا اليوم، وهو الذي يُعرَض في بعض المتاحف، فلا يجوز أن يَدَّعِيَ أن هذا الحفظ إنما هو معجزة من الله للناس جميعا، وإنما هو فقط تصديقٌ تاريخي جاء موافَقَةً لما في القرآن الكريم، وذلك هو الإعجاز. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 72516 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 180 هذه الآية لا تمنع من عملية تقويم الأسنان [السُّؤَالُ] ـ[قال تعالى: (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) ومع ذلك نجد في زمننا هذا من يقومون بمراجعة طبيب الأسنان لعمل ما يسمى بالتقويم فما حكم ذلك؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المراد من قوله تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) التين/4: " أنه تعالى خلق الإنسان في أحسن صورةٍ وشكلٍ، منتصبَ القامة، سويَّ الأعضاء، حسَنَها" كما قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (4/680) . وقال القرطبي رحمه الله: " في أحسن تقويم: وهو اعتداله واستواء شبابه، كذا قال عامة المفسرين. وهو أحسن ما يكون؛ لأنه خلق كل شيء مُنكبّاً على وجهه، وخلقه هو مستوياً، وله لسان، ويد وأصابع يقبض بها. وقال أبو بكر بن طاهر: مزيّناً بالعقل، مؤديا للأمر، مهديا بالتمييز، مديد القامة، يتناول مأكوله بيده " انتهى من تفسير القرطبي (20/105) . وهذا لا يمنع الإنسان من أن يعالج أسنانه، أو يقوِّم ما اعوج منها، كما لا يمنعه من معالجة سائر أمراضه، والمهم ألا يفعل لذلك لمجرد الزينة والتجمل؛ إذ الضابط العام في عمليات التجميل، أن ما كان منها لإزالة تشويه أو عيب فلا حرج فيه، وما كان لمجرد الجمال والزينة، فهو ممنوع. ينظر "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله" ج 17 سؤال رقم 4 وقد سئل رحمه الله: ما حكم عمليات تقويم الأسنان؟ فأجاب بقوله: " تقويم الأسنان على نوعين: النوع الأول: أن يكون المقصود به زيادة التجمل فهذا حرام ولا يحل، وقد لعن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المتفلجات للحسن المغيرات لخلق الله هذا مع أن المرأة مطلوب منها أن تتجمل وهي من يُنشَّأ في الحلية، والرجل من باب أولى أن ينهى عن ذلك. النوع الثاني: إذا كان تقويمها لعيب فلا بأس بذلك فيها، فإن بعض الناس قد يبرز شيء من أسنانه إما الثنايا أو غيرها تبرز بروزا مشينا بحيث يستقبحه من يراه ففي هذا الحال لا بأس من أن يعدلها الإنسان؛ لأن هذا إزالة عيب وليس زيادة تجميل، ويدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أمر الرجل الذي قطع أنفه أن يتخذ أنفا من ورق أي فضة ثم أنتن فأمره أن يتخذ أنفا من ذهب) لأن في هذا إزالة عيب، وليس المقصود زيادة تجمل " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله" ج 17 سؤال رقم 6 وانظر جواب السؤال رقم (21255) . والحاصل أن الآية الكريمة لا تدل على المنع من معالجة الأسنان وتقويمها لإزالة التشوه، أو العيب الحادث بها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69812 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 181 كلمة حول الإعجاز العددي في القرآن واستعمال التقويم الشمسي [السُّؤَالُ] ـ[قرأت مؤخرا عن بعض " معجزات " القرآن الكريم، التي شملت العديد من الأشياء مثل المراحل الثلاثة للجنين، ومدارات الكواكب،.. الخ، إلا أن إحداها تحدثت عن أن كلمة " يوم " وردت في القرآن 365 مرة، وأن كلمة " قمر " تكررت 12 مرة، وقد نسيت عدد المرات التي تكرر ذكر كلمة " أيام " في القرآن، وقد قام أحد الأصدقاء بطباعة التقويم الإسلامي (الهجري) لكنه لم يكن يتكون من 365 يوماً، فما معنى ذلك حول التقويم الإسلامي؟ أيعني ذلك أنه غير دقيق؟ أم أن الله علم أن أغلب العالم سيستخدمون التقويم الميلادي وأنه إشارة إلى صحة هذا التقويم الأخير؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: شُغف كثير من الناس بأنواع من الإعجازات في القرآن الكريم، ومن هذه الأنواع " الإعجاز العددي " فنشروا في الصحف والمجلات وشبكات الإنترنت قوائم بألفاظ تكررت مرات تتناسب مع لفظها، أو تساوى عددها مع ما يضادها، كما زعموا في تكرار لفظة " يوم " (365) مرة، ولفظ " شهر " (12) مرة، وهكذا فعلوا في ألفاظ أخرى نحو " الملائكة والشياطين " و " الدنيا والآخرة " إلخ. وقد ظنَّ كثيرٌ من الناس صحة هذه التكرارات وظنوا أن هذا من إعجاز القرآن، ولم يفرقوا بين " اللطيفة " و " الإعجاز "، فتأليف كتابٍ يحتوي على عدد معيَّن من ألفاظٍ معيَّنة أمرٌ يستطيعه كل أحدٍ، فأين الإعجاز في هذا؟ والإعجاز الذي في كتاب الله تعالى ليس هو مثل هذه اللطائف، بل هو أمر أعمق وأجل من هذا بكثير، وهو الذي أعجز فصحاء العرب وبلغاءهم أن يأتوا بمثل القرآن أو بعشر سورٍ مثله أو بسورة واحدة، وليس مثل هذه اللطائف التي يمكن لأي كاتب أن يفعلها – بل وأكثر منها – في كتاب يؤلفه، فلينتبه لهذا. وليُعلم أنه قد جرَّ هذا الفعل بعض أولئك إلى ما هو أكثر من مجرد الإحصائيات، فراح بعضهم يحدد بتلك الأرقام " زوال دولة إسرائيل " وتعدى آخر إلى " تحديد يوم القيامة "، ومن آخر ما افتروه على كتاب الله تعالى ما نشروه من أن القرآن فيه إشارة إلى " تفجيرات أبراج نيويورك "! من خلال رقم آية التوبة وسورتها وجزئها، وكل ذلك من العبث في كتاب الله تعالى، والذي كان سببه الجهل بحقيقة إعجاز كتاب الله تعالى. ثانياً: بالتدقيق في إحصائيات أولئك الذين نشروا تلك الأرقام وُجد أنهم لم يصيبوا في عدِّهم لبعض الألفاظ، ووجدت الانتقائية من بعضهم في عدِّ الكلمة بالطريقة التي يهواها، وكل هذا من أجل أن يصلوا إلى أمرٍ أرادوه وظنوه في كتاب الله تعالى. قال الشيخ الدكتور خالد السبت: قدَّم الدكتور " أشرف عبد الرزاق قطنة " دراسة نقدية على الإعجاز العددي في القرآن الكريم، وأخرجه في كتاب بعنوان: " رسم المصحف والإعجاز العددي، دراسة نقدية في كتب الإعجاز العددي في القرآن الكريم " وخلص في خاتمة الكتاب الذي استعرض فيه ثلاثة كتب هي (1) كتاب " إعجاز الرقم 19 " لمؤلفه باسم جرار، (2) كتاب " الإعجاز العددي في القرآن " لعبد الرزاق نوفل، (3) كتاب " المعجزة " لمؤلفه عدنان الرفاعي، وخلص المؤلف إلى نتيجة عبَّر عنها بقوله: " وصلت بنتيجة دراستي إلى أن فكرة الإعجاز العددي " كما عرضتها هذه الكتب " غير صحيحة على الإطلاق، وأن هذه الكتب تقوم باعتماد شروط توجيهية حيناً وانتقائية حيناً آخر، من أجل إثبات صحة وجهة نظر بشكل يسوق القارئ إلى النتائج المحددة سلفاً، وقد أدت هذه الشروط التوجيهية أحياناً إلى الخروج على ما هو ثابت بإجماع الأمة، كمخالفة الرسم العثماني للمصاحف، وهذا ما لا يجوز أبداً، وإلى اعتماد رسم بعض الكلمات كما وردت في أحد المصاحف دون الأخذ بعين الاعتبار رسمها في المصاحف الأخرى، وأدت كذلك إلى مخالفة مبادئ اللغة العربية من حيث تحديد مرادفات الكلمات وأضدادها. (ص 197) دمشق، منار للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1420هـ / 1999. وقد ذكر الدكتور فهد الرومي أمثله على اختيار الدكتور عبد الرزاق نوفل الانتقائي للكلمات حتى يستقيم له التوازن العددي، ومن ذلك قوله: إن لفظ اليوم ورد في القرآن (365) مرة بعدد أيام السنة، وقد جمع لإثبات هذا لفظي " اليوم "، " يوماً " وترك " يومكم " و " يومهم " و " يومئذ "؛ لأنه لو فعل لاختلف الحساب عليه! وكذلك الحال في لفظ " الاستعاذة " من الشيطان ذكر أنه تكرر (11) مرة، يدخلون في الإحصاء كلمتي " أعوذ " و " فاستعذ " دون " عذت " و " يعوذون " و " أعيذها " و " معاذ الله ". انظر: " اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر " (2 / 699، 700) بيروت، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية 1414هـ. وبهذا الكلام العلمي المتين يتبيَّن الجواب عن كلمة " يوم " وعددها في القرآن الكريم، والذي جاء في السؤال. ثالثاً: وأما الحساب الذي يذكره الله تعالى في كتابه الكريم فهو الحساب الدقيق الذي لا يختلف على مدى السنوات، وهو الحساب القمري. وفي قوله تعالى: (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا) الكهف/25 ذكر بعض العلماء أن عدد (300) هو للحساب الشمسي، وأن عدد (309) هو للحساب القمري! وقد ردَّ على هذا القول الشيخ محمد بن صالح العثيمين، وبيَّن في ردِّه أن الحساب عند الله تعالى هو الحساب القمري لا الشمسي. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: " (وَازْدَادُوا تِسْعاً) ازدادوا على الثلاث مائة تسع سنين، فكان مكثُهم ثلاث مائة وتسع سنين، قد يقول قائل: " لماذا لم يقل مائة وتسع سنين؟ " فالجواب: هذا بمعنى هذا، لكن القرآن العظيم أبلغ كتاب، فمن أجل تناسب رؤوس الآيات قال: (ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً) ، وليس كما قال بعضهم بأن السنين الثلاثمائة بالشمسية، وازدادوا تسعاً بالقمرية؛ فإنه لا يمكن أن نشهد على الله بأنه أراد هذا، مَن الذي يشهد على الله أنه أراد هذا المعنى؟ حتى لو وافق أن ثلاث مائة سنين شمسية هي ثلاث مائة وتسع سنين بالقمرية فلا يمكن أن نشهد على الله بهذا؛ لأن الحساب عند الله تعالى واحد. وما هي العلامات التي يكون بها الحساب عند الله؟ الجواب: هي الأهلَّة، ولهذا نقول: إن القول بأن " ثلاث مائة سنين " شمسية، (وازدادوا تسعاً) قمرية قول ضعيف. أولاً: لأنه لا يمكن أن نشهد على الله أنه أراد هذا. ثانياً: أن عدة الشهور والسنوات عند الله بالأهلة، قال تعالى: (هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب) يونس/5، وقال تعالى: (يسئلونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج) البقرة/189 " انتهى. " تفسير سورة الكهف ". والحساب بالقمر والأهلة هو المعروف عند الأنبياء وأقوامهم، ولم يُعرف الحساب بالشمس إلا عند جهلة أتباع الديانات، وللأسف وافقهم كثير من المسلمين اليوم. قال الدكتور خالد السبت – في معرض رده على من استدل بآية (لا يزال بنيانهم..) في سورة التوبة على تفجيرات أمريكا -: " الخامس: أن مبنى هذه الارتباطات على الحساب الشمسي، وهو حساب متوارث عن أُمم وثنية، ولم يكن معتبراً لدى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وإنما الحساب المعتبر في الشرع هو الحساب بالقمر والأهلة، وهو الأدق والأضبط، ومما يدل على أن المعروف في شرائع الأنبياء هو الحساب بالقمر والأهلة حديث واثلة بن الأسقع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أُنْزِلَتْ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَام فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَتْ التَّوْرَاةُ لِسِتٍّ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ، وَالْإِنْجِيلُ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَ الْفُرْقَانُ لِأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ) أخرجه أحمد (4 / 107) ، والبيهقي في " السنن " (9 / 188) ، وسنده حسن، وذكره الألباني في " الصحيحة " (1575) . وهذا لا يعرف إلا إذا كان الحساب بالقمر والأهلة، ويدل عليه أيضا الحديث المخرج في الصحيحين عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى ... الحديث , أخرجه البخاري (2004) ومسلم (1130) ، وقد صرَّح الحافظ رحمه الله أنهم كانوا لا يعتبرون الحساب بالشمس - انظر: " الفتح " (4 / 291) ، وانظر (7 / 323) -. وقال ابن القيم رحمه الله - تعليقا على قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ) يونس/5، وقوله تعالى: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ. وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) يس/38، 39: " ولذلك كان الحساب القمري أشهر وأعرف عند الأمم وأبعد من الغلط، وأصح للضبط من الحساب الشمسي، ويشترك فيه الناس دون الحساب، ولهذا قال تعالى: (وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ) يونس/5 ولم يقل ذلك في الشمس، ولهذا كانت أشهر الحج والصوم والأعياد ومواسم الإسلام إنما هي على حساب القمر وسيره حكمة من الله ورحمة وحفظا لدينه لاشتراك الناس في هذا الحساب، وتعذر الغلط والخطأ فيه، فلا يدخل في الدين من الاختلاف والتخليط ما دخل في دين أهل الكتاب " انتهى من "مفتاح دار السعادة " ص 538، 539. وربما يُفهم من العبارة الأخيرة لابن القيم رحمه الله أن أهل الكتاب كانوا يعتمدون الحساب بالشمس، وهذا قد صرح الحافظ ابن حجر رحمه الله بردِّه بعد أن نسبه لابن القيم - انظر: " الفتح " (7 / 323) –. والواقع أنه لم يكن معتبراً في شرعهم وإنما وقع لهم بعد ذلك لدى جهلتهم " انتهى. وفي فوائد قوله تعالى: (يسئلونك عن الأهلة ... ) قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ومنها: أن ميقات الأمم كلها الميقات الذي وضعه الله لهم - وهو الأهلة - فهو الميقات العالمي؛ لقوله تعالى: (مواقيت للناس) ؛ وأما ما حدث أخيراً من التوقيت بالأشهر الإفرنجية: فلا أصل له من محسوس، ولا معقول، ولا مشروع؛ ولهذا تجد بعض الشهور ثمانية وعشرين يوماً، وبعضها ثلاثين يوماً، وبعضها واحداً وثلاثين يوماً، من غير أن يكون سبب معلوم أوجب هذا الفرق؛ ثم إنه ليس لهذه الأشهر علامة حسيَّة يرجع الناس إليها في تحديد أوقاتهم، بخلاف الأشهر الهلاليَّة فإن لها علامة حسيَّة يعرفها كل أحدٍ " انتهى. " تفسير البقرة " (2 / 371) . وقال القرطبي رحمه الله تعليقاً على قوله تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ) التوبة/36: " هذه الآية تدل على أن الواجب تعليق الأحكام في العبادات وغيرها إنما يكون بالشهور والسنين التي تعرفها العرب دون الشهور التي تعتبرها العجم والروم والقبط وإن لم تزد على اثني عشر شهراً؛ لأنها مختلفة الأعداد، منها ما يزيد على ثلاثين، ومنها ما ينقص، وشهور العرب لا تزيد على ثلاثين وإن كان منها ما ينقص، والذي ينقص ليس يتعين له شهر وإنما تفاوتها في النقصان والتمام على حسب اختلاف سير القمر في البروج " انتهى. " تفسير القرطبي " (8 / 133) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69741 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 182 هل تدخل النساء في قوله تعالى (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم) ؟ [السُّؤَالُ] ـ[قال تعالى: (ولا تؤتوا السفهاء أمولكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا) النساء/5. وحسب تفسير ابن كثير فإن " السفهاء " في هذه الآية يقصد بها النساء والأطفال، وأشعر أن الآية تقول إنه يجب على الأزواج ألا يعطوا المال لزوجاتهم لينفقن أو ألا يعطوا دخلهم لزوجاتهم لينفقن منها لأنهن سفيهات وغير حكيمات، فهل هذا الفهم صحيح أم أني أخرجت المعنى عن السياق؟ أرجو أن توضح معنى الآية حيث إني مشغولة بذلك كثيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذكر بعض المفسرين في الآية أن " السفهاء" هم النساء، وهذا القول غير صحيح، بل المراد بـ "السفيه" كل من لا يحسن التصرف في المال، ذكراً كان أم أنثى، فيشمل: المجنون، والصبي الصغير، الرجل البالغ - وكذلك المرأة - الذي لا يحسن التصرف في المال، بل يضيعه وينفقه على ما لا ينفعه. وقد رد بعض المفسرين القول بأن المراد بذلك النساء، واستبعدوه لغة وشرعاً. أما لغة فقالوا: إنه لا يقال في النساء " سفهاء " بل " سفائه "، و " سفيهات ". وأما شرعاً فلتواتر النصوص القرآنية والنبوية المبينة لتملك النساء للمال ولتعاملهن بيعاً وشراءً وإجارة، ولا يزال الأزواج يعطون نساءهم نفقة البيت للقيام على شئونه، ولما منع أبو سفيان النفقة عن زوجته واشتكت للنبي صلى الله عليه وسلم قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) رواه البخاري (2097) ومسلم (1714) . قال القرطبي: واختلف العلماء في هؤلاء " السفهاء " من هم فعن سعيد بن جبير قال: هم اليتامى لا تؤتوهم أموالكم، قال النحاس: وهذا من أحسن ما قيل في الآية، وروى إسماعيل بن أبي خالد عن أبي مالك قال: هم الأولاد الصغار لا تعطوهم أموالكم فيفسدوها وتبقوا بلا شيء، وروى سفيان عن حميد الأعرج عن مجاهد قال: هم النساء، قال النحاس وغيره: وهذا القول لا يصح، إنما تقول العرب في النساء " سفائه " أو " سفيهات ". . . وقال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: السفهاء هنا كل من يستحق الحجر. "تفسير القرطبي" (5/28) . وذكر ابن جرير الطبري رحمه الله أقوال المفسرين في الآية – ومنها القول بأن المراد بذلك النساء – ثم قال: " والصواب من القول في تأويل ذلك عندنا أن الله جل ثناؤه عم بقوله: (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم) فلم يخصص سفيها دون سفيه، فغير جائز لأحد أن يؤتي سفيها ماله صبيا صغيرا كان أو رجلا كبيرا، ذكرا كان أو أنثى، والسفيه الذي لا يجوز لوليه أن يؤتيه ماله، هو المستحق الحجر بتضييعه ماله وفساده وإفساده وسوء تدبيره ذلك. . . وأما قول من قال: عنى بالسفهاء النساء خاصة، فإنه جعل اللغة على غير وجهها " انتهى. "تفسير الطبري" (3/249) . وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: " السفهاء، جمع " سفيه " وهو: من لا يحسن التصرف في المال، إما لعدم عقله، كالمجنون والمعتوه، ونحوهما، وإما لعدم رشده، كالصغير وغير الرشيد، فنهى الله الأولياء أن يُؤتوا هؤلاء أموالهم خشية إفسادها وإتلافها؛ لأن الله جعل الأموال قياماً لعباده في مصالح دينهم ودنياهم، وهؤلاء لا يُحسنون القيام عليها وحفظها " انتهى. "تفسير السعدي" (ص130، 131) . فتبين بذلك أنه لا حرج على الرجل أن يعطي المال لزوجته لتنفق منه على البيت، إذا كانت عاقلة رشيدة بحيث تحسن التصرف في المال. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69135 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 183 عنده إشكال في تفسير هذه الآية [السُّؤَالُ] ـ[أود معرفة تفسير قول الله تعالى: (إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) آل عمران /45؛ وهل معنى قوله تعالى: (بِكَلِمَةٍ مِنْهُ) : بروح منه، كما يدعي النصارى؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اعلم أيها الأخ الكريم، وفقنا الله وإياك لما يحبه ويرضاه، أن الفرق بين ما أنزل الله في كتابه من الهدى ودين الحق، وبين ما يقوله النصارى في نبي الله عيسى عليه السلام، هو الفرق بين الإيمان والكفر، بين التوحيد والشرك، بين الهدى والضلال، هو الفرق بين الظلمات والنور، نسأل الله أن ينور لنا قلوبنا بتوحيده والإيمان به. ثم اعلم أخانا أن الواجب على من أشكل معنى شيء من المتشابه في كتاب الله تعالى أن يفهمه في ضوء الآيات المحكمات، التي هي معظم هذا الكتاب المبين، وأكثر نصوصه، وهي الأصل الذي يرجع إليه في فهمه واستنباط أحكامه وعبره، لا أن يعارض آية بأخرى، ولا أن يضرب بعض الوحي ببعض، أو يتبع المتشابه الذي يشكل فهمه عليه أو على غيره من الناس، ويترك الواضح المبين، فتلك هي طريقة أهل البدع والضلال، عافانا الله وإياكم، قال الله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) آل عمران/7. وليست الآية التي ذكرتها مما يدل على قول النصارى في شيء، بل الآية في سياقها ترد على النصارى، وتبين ضلالهم وكفرهم برب العالمين. قال الله تعالى: (ذَلِكَ مِنْ أنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ * إِذْ قَالَتْ الْمَلائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ * وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنْ الصَّالِحِينَ * قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ * وَرَسُولا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ * وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنْ التَّوْرَاةِ وَلأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ) آل عمران/44-51 قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ففي هذا الكلام وجوه تبين أنه مخلوق وليس كما يقوله النصارى: منها: أنه بين مراده، وأنه مخلوق حيث قال: (كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون) ، كما قال في الآية الأخرى: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) آل عمران/59. وقال تعالى في سورة مريم: (ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ * مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) مريم /35 وقال: (اسمه المسيح عيسى بن مريم) أخبر أنه ابن مريم، وأخبر أنه وجيه في الدنيا والآخرة ومن المقربين؛ وهذه كلها صفة مخلوق. وقالت مريم: (أنى يكون لي ولد) فبين أن المسيح، الذي هو الكلمة، هو ولد مريم، لا ولد الله سبحانه وتعالى. وقال تعالى في سورة النساء: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا * لَنْ يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا) النساء/171-173، فقد نهى النصارى عن الغلو في دينهم، وأن يقولوا على الله غير الحق، وبين أن المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأمرهم أن يؤمنوا بالله ورسله، فبين أنه رسوله، ونهاهم أن يقولوا ثلاثة، وقال (انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد) ؛ وهذا تكذيب لقولهم في المسيح: إنه إله حق، من إله حق، من جوهر أبيه. ثم قال: (سبحانه أن يكون له ولد) فنزه نفسه وعظمها أن يكون له ولد كما تقوله النصارى. ثم قال: (له ما في السموات وما في الأرض) فأخبر أن ذلك ملك له، ليس فيه شيء من ذاته. ثم قال: (لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا الله ولا الملائكة المقربون) أي: لن يستنكفوا أن يكونوا عبيدا لله تبارك وتعالى. فمع ذلك البيان الواضح الجلي، هل يظن ظان أن مراده بقوله: (وكلمته) أنه إله خالق، أو نحو ذلك من أقوالهم الكفرية. وإنما خُصَّ عيسى عليه السلام باسم الكلمة؛ لأنه لم يخلق على الوجه المعتاد الذي خلق عليه غيره، بل خرج عن العادة، فخلق بأمر الله التكويني له: (كن) ، وهذا هو الكلمة المذكورة، ولم يخلق من لقاح الذكر للأنثى، كما هي سنة الله المعروفة في خلق البشر. وكون عيسى عليه السلام كلمة من الله، وروحا منه، كما تدل عليه نصوص الوحي المبين، لا يوجب أن يكون جزءا من الله تعالى، قد خرج منه، وانفصل عن ذاته، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا، بل المراد بذلك أنه من عنده سبحانه وتعالى، كما قال تعالى (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) الجاثية/13 وقوله تعالى (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ) النحل/53، وقوله تعالى: (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) النساء/79، وقال تعالى في شأن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ * رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفاً مُطَهَّرَةً) البينة/1-2 فهذه الأشياء كلها من الله، وهي مخلوقة. وقوله عن المسيح وروح منه خص المسيح بذلك لأنه نفخ في أمه من الروح؛ فحبلت به من ذلك النفخ، وذلك غير روحه التي يشاركه فيها سائر البشر، فامتاز بأنها حبلت به من نفخ الروح فلهذا سمي روحا منه. [انظر: دقائق التفسير: 1/324 وما بعدها] . ثم إن ما في هذه الآيات من التصريح بأن الله تعالى خلقه، وكذلك يخلق سبحانه ما يشاء، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وإخباره عليه السلام بأن ما جاء به من الآيات والمعجزات إنما هو من عند الله وبإذنه، آية لهم على وحدانيته سبحانه وتعالى، ثم ختم الآيات بالتصريح بالمقصود منها، وهو أمرهم بعبادة الله رب عيسى، ورب من أرسل إليهم عيسى عليه السلام كذلك واضح الدلالة على بطلان ما يدعيه النصارى في عيسى عليه السلام وأمه، وتصريح برد كفرهم وضلالهم. وكما ذكرت هذه الآية أن عيسى كلمة من الله تعالى، وفيها ما يدل على المراد، قد ورد ذلك في سنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ وذلك ما رواه البخاري (3435) ومسلم (28) من حديث عُبَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ شَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ، وَرُوحٌ مِنْهُ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنْ الْعَمَلِ) وفي لفظ مسلم: (وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَابْنُ أَمَتِهِ) قَالَ الْقُرْطُبِيّ رحمه الله: مَقْصُود هَذَا الْحَدِيث التَّنْبِيه عَلَى مَا وَقَعَ لِلنَّصَارَى مِنْ الضَّلال فِي عِيسَى وَأُمّه. وَقَالَ غَيْره: فِي ذِكْر عِيسَى تَعْرِيض بِالنَّصَارَى وَإِيذَان بِأَنَّ إِيمَانهمْ مَعَ قَوْلهمْ بِالتَّثْلِيثِ شِرْك مَحْض , وَكَذَا قَوْله: " عَبْده " وَفِي ذِكْر " رَسُوله " تَعْرِيض بِالْيَهُودِ فِي إِنْكَارهمْ رِسَالَته وَقَذْفه بِمَا هُوَ مُنَزَّه عَنْهُ وَكَذَا أُمّه. وَفِي قَوْله: " وَابْن أَمَته " تَشْرِيف لَهُ. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 10683 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 184 معنى اللمم [السُّؤَالُ] ـ[قال الله تعالى: (والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم) ما معنى اللمم في هذه الآية الكريمة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه الآية الكريمة في سورة النجم، وهي تذكر صفات المحسنين الذين هم أهل الجنة، قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى * الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ) النجم/31، 32. وقد اختلف المفسرون والأئمة في معنى اللمم على أقوال، منها: 1- روي عن جماعة من السلف: أنه الإلمام بالذنب مرة، ثم لا يعود إليه، وإن كان كبيراً، قال البغوي: هذا قول أبي هريرة، ومجاهد، والحسن، ورواية عن ابن عباس. 2- وقال سعيد بن المسيب: هو ما ألم بالقلب. أي ما خطر عليه. 3- وقال الحسين بن الفضل: "اللمم": النظر من غير تعمد، فهو مغفور، فإن أعاد اللمم: فليس بلمم، وهو ذنب. 4- وذهبت طائفة إلى أن "اللمم": ما فعلوه في الجاهلية قبل إسلامهم، فالله لا يؤاخذهم به، وذلك أن المشركين قالوا للمسلمين: أنتم بالأمس كنتم تعملون معنا، فأنزل الله هذه الآية، وهذا قول زيد بن ثابت، وزيد بن أسلم. 5- وذهب جمهور العلماء إلى أن "اللمم" هو صغائر الذنوب. روى البخاري (6243) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمْ أَرَ شَيْئًا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِمَّا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنْ الزِّنَا، أَدْرَكَ ذَلِكَ لا مَحَالَةَ، فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ) . قَالَ الرَّاغِب: اللَّمَم مُقَارَفَة الْمَعْصِيَة، وَيُعَبَّر بِهِ عَنْ الصَّغِيرَة. وقَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْمُرَاد بِاللَّمَمِ مَا ذَكَرَهُ اللَّه فِي قَوْله تَعَالَى: (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ) وَهُوَ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ. وَقَالَ فِي الآيَة الأُخْرَى: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) فَيُؤْخَذ مِنْ الآيَتَيْنِ أَنَّ اللَّمَم مِنْ الصَّغَائِر وَأَنَّهُ يُكَفَّر بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِر اهـ. وذكر النووي رحمه الله كلام الخطابي ثم قال: " هَذَا هُوَ الصَّحِيح فِي تَفْسِير اللَّمَم , وَقِيلَ: أَنْ يُلِمّ بِالشَّيْءِ وَلا يَفْعَلهُ , وَقِيلَ: الْمَيْل إِلَى الذَّنْب. وَلا يُصِرّ عَلَيْهِ , وَقِيلَ غَيْر ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ بِظَاهِرٍ. وَأَصْل اللَّمَم وَالإِلْمَام الْمَيْل إِلَى الشَّيْء وَطَلَبَهُ مِنْ غَيْر مُدَاوَمَة. وَاَللَّه أَعْلَم " اهـ. قال الحافظ: وَمُحَصَّل كَلَام اِبْن عَبَّاس تَخْصِيصه بِبَعْضِهَا (يعني: تخصيص اللمم ببعض الذنوب الصغار) , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون أَرَادَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَة اللَّمَم أَوْ فِي حُكْم اللَّمَم اهـ. وروى الترمذي (3284) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ) . قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنْ تَغْفِرْ اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمَّا وَأَيُّ عَبْدٍ لَكَ لا أَلَمَّا) . صححه الألباني في صحيح الترمذي. قال في تحفة الأحوذي: اخْتَلَفَت أَقْوَالُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي تَفْسِيرِ اللَّمَمِ، فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ صَغَائِرُ الذُّنُوبِ. . وَهو الظَّاهِرُ الرَّاجِحُ اهـ. وقال القرطبي رحمه الله: "إلا اللمم" وهي الصغائر التي لا يسلم من الوقوع فيها إلا من عصمه الله وحفظه اهـ. وقال ابن جرير: " وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال "إلا" بمعنى الاستثناء المنقطع، ووجه معنى الكلام (الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم) بما دون كبائر الإثم، ودون الفواحش الموجبة للحدود في الدنيا، والعذاب في الآخرة، فإن ذلك معفو لهم عنه، وذلك عندي نظير قوله جل ثناؤه: (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما) النساء/31. فوعد جل ثناؤه باجتناب الكبائر، العفو عما دونها من السيئات، وهو اللمم الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لعينان تزنيان، واليدان تزنيان، والرجلان تزنيان، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه) وذلك أنه لا حد فيما دون ولوج الفرج في الفرج، وذلك هو العفو من الله في الدنيا عن عقوبة العبد عليه، والله جل ثناؤه أكرم من أن يعود فيما قد عفا عنه " اهـ وقد ورد في السنة الصحيحة إطلاق اللمم على من يعمل الذنوب المرة ونحوها، ولم يداوم على ذلك. وهو موافق لمعنى اللمم في اللغة. ففي حديث الإفك: قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنْ كُنْت أَلْمَمْت بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّه) رواه البخاري (2661) ومسلم (2770) . قال النووي: مَعْنَاهُ: إِنْ كُنْت فَعَلْت ذَنْبًا وَلَيْسَ ذَلِكَ لَك بِعَادَةٍ , وَهَذَا أَصْل اللَّمَم اهـ. وقد جمع السعدي رحمه الله في تفسيره بين المعنيين، فقال (ص 976) : " (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ) أي: يفعلون ما أمرهم الله به من الواجبات التي يكون تركها من كبائر الذنوب، ويتركون المحرمات الكبار من الزنا وشرب الخمر وأكل الربا والقتل ونحو ذلك من الذنوب العظيمة (إِلا اللَّمَمَ) وهو الذنوب الصغار التي لا يصر صاحبها عليها، أو التي يُلِم العبد بها المرة بعد المرة على وجه الندرة والقلة، فهذه ليس مجرد الإقدام عليها مخرجاً للعبد من أن يكون من المحسنين، فإن هذه مع الإتيان بالواجبات وترك المحرمات تدخل تحت مغفرة الله التي وسعت كل شيء، ولهذا قال: (إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ) فلولا مغفرته لهلكت البلاد والعباد، ولولا عفوه وحلمه لسقطت السماء على الأرض، ولما ترك على ظهرها من دابة، ولهذا قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ) " اهـ. وليس معنى الآية الإذن لهم في ارتكاب (اللمم) وهي الصغائر، بل المعنى: أنهم يجتنبون الكبائر، ثم ما وقع منهم من الصغائر - على سبيل الزلة والخطأ - فإنه يقع مغفوراً لهم باجتنابهم الكبائر. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 22422 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 185 المقصود بالجنة والناس في سورة الناس [السُّؤَالُ] ـ[ما المقصود بالجِنّة والنَّاس في سورة الناس، هل هم شياطين الإنس والجن أم ماذا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: قال الله تعالى: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاس *ِ مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاس * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاس *ِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاس) . سورة الناس في هذه الآيات الكريمة أمر بالاستعاذة من الوسواس الخناس، الذي يوسوس في صدور الناس. وفيها بيان حال هذا الوسواس، وأنه قد يكون من الجن، وقد يكون من الإنس. قال الحسن: هما شيطانان، أما شيطان الجن فيوسوس في صدور الناس، وأما شيطان الإنس فيأتي علانية. وقال قتادة: إن من الجن شياطين، وإن من الإنس شياطين، فتعوذ بالله من شياطين الإنس والجن. هذا هو الصحيح في معنى هذه الآية الكريمة. قال ابن القيم رحمه الله: " فالصواب في معنى الآية أن قوله: (مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) بيان للذي يوسوس، وأنهم نوعان: إنس وجن، فالجني يوسوس في صدور الإنس، والإنسي أيضا يوسوس في صدور الإنس. . . . ونظير اشتراكهما في هذه الوسوسة: اشتراكهما في الوحي الشيطاني، قال الله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً) الأنعام/112. فالشيطان يوحي إلى الإنسي باطله، ويوحيه الإنسي إلى إنسي مثله، فشياطين الإنس والجن يشتركان في الوحي الشيطاني، ويشتركان في الوسوسة. . . . وتدل الآية على الاستعاذة من شر نوعي الشياطين: شياطين الإنس وشياطين الجن " انتهى باختصار. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "تفسير جزء عم": " وقوله: (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاس) أي: أن الوساوس تكون من الجن، وتكون من بني آدم. أما وسوسة الجن؛ فظاهر؛ لأنه يجري من ابن آدم مجرى الدم. وأما وسوسة بني آدم؛ فما أكثرَ الذين يأتون إلى الإنسان يوحون إليه بالشر، ويزينونه في قلبه حتى يأخذ هذا الكلام بلُبِّه وينصرف إليه " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 59931 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 186 حديث توسل آدم بالنبي وتفسير: (وابتغوا إليه الوسيلة) [السُّؤَالُ] ـ[أرجو تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة) المائدة/35، وذلك ردّاً على الصوفية في التوسل، حيث إن بعضهم فسرها بجواز التوسل بالأنبياء والأولياء، أما بالنسبة لحديث آدم لما اقترف الخطيئة فيقولون: إن البيهقي صحح الحديث، وإن الذهبي أثنى على هذا الكتاب.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: حديث اقتراف آدم للخطيئة وتوسله بالنبي صلى الله عليه وسلم حديث موضوع مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آدم عليه السلام. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (34715) ونقلنا عن أهل العلم تبيينهم لكذبه، ومن هؤلاء العلماء الإمام الذهبي رحمه الله. والبيهقي رحمه الله لم يرو الحديث في سننه، بل رواه في "دلائل النبوة" (5/489) وضعَّفه، فقد قال بعد سياقه للحديث: " تفرد به عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وهو ضعيف ". ومما يرجح نكارة المتن وبطلانه: أن الدعاء الذي قبِل الله به توبة آدم هو ما قاله الله في سورة الأعراف: (قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) الأعراف/23، فهذا هو الدعاء الذي دعا به آدم وحواء، وفيه دعاء الله تعالى وحده، والتوسل بأسمائه وصفاته، والتوسل بذكر حالهم، وهي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه ثم قالها فتاب الله تعالى عليه، كما قال تعالى: (فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) البقرة/37. ثانياً: أما تفسير لفظ " الوسيلة " في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) المائدة/35: فهي الطريق الموصلة إلى الله تعالى، ولا طريق موصلة إليه عز وجل إلا الطريق التي يحبها الله ويرضى عنها، وتكون بطاعته وترك معصيته. قال ابن كثير رحمه الله: " يقول تعال آمراً عباده المؤمنين بتقواه، وهي إذا قرنت بطاعته كان المراد بها الانكفاف من المحارم وترك المنهيات، وقد قال بعدها: (وابتغوا إليه الوسيلة) قال سفيان الثوري عن طلحة عن عطاء عن ابن عباس: أي: القربة، وكذا قال مجاهد وأبو وائل والحسن وقتادة وعبد الله بن كثير والسدي وابن زيد وغير واحد، وقال قتادة: أي: تقربوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه، وقرأ ابن زيد: (أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة) ، وهذا الذي قاله هؤلاء الأئمة لا خلاف بين المفسرين فيه. والوسائل والوسيلة: هي التي يتوصل بها إلى تحصيل المقصود " انتهى. "تفسير ابن كثير" (2/53، 54) . وقال الشنقيطي رحمه الله: " اعلم أن جمهور العلماء على أن المراد بالوسيلة هنا هو القربة إلى الله تعالى بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه على وفق ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم بإخلاص في ذلك لله تعالى؛ لأن هذا وحده هو الطريق الموصلة إلى رضى الله تعالى، ونيل ما عنده من خير الدنيا والآخرة. وأصل الوسيلة: الطريق التي تقرب إلى الشيء، وتوصل إليه وهي العمل الصالح بإجماع العلماء؛ لأنه لا وسيلة إلى الله تعالى إلا باتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فالآيات المبينة للمراد من الوسيلة كثيرة جدّاً كقوله تعالى: (وَمَآءَاتَـ?كُمُ ?لرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَـ?كُمْ عَنْهُ فَ?نتَهُواْ) ، وكقوله: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ?للَّهَ فَ?تَّبِعُونِى) ، وقوله: (قُلْ أَطِيعُواْ ?للَّهَ وَأَطِيعُواْ ?لرَّسُولَ) ، إلى غير ذلك من الآيات. وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن المراد بالوسيلة الحاجة. . . وعلى هذا القول الذي روي عن ابن عباس فالمعنى: (وَ?بْتَغُواْ إِلَيهِ ?لْوَسِيلَةَ) : واطلبوا حاجتكم من الله؛ لأنه وحده هو الذي يقدر على إعطائها، ومما يبين معنى هذا الوجه قوله تعالى: (إِنَّ ?لَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ?للَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَ?بْتَغُواْ عِندَ ?للَّهِ ?لرِّزْقَ وَ?عْبُدُوهُ) ، وقوله: (وَ?سْأَلُواْ ?للَّهَ مِن فَضْلِهِ) ، وفي الحديث: (إذا سألتَ فاسأل الله) . ثم قال الشنقيطي رحمه الله: التحقيق في معنى الوسيلة هو ما ذهب إليه عامة العلماء من أنها التقرب إلى الله تعالى بالإخلاص له في العبادة، على وفق ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وتفسير ابن عباس داخل في هذا؛ لأن دعاء الله والابتهال إليه في طلب الحوائج من أعظم أنواع عبادته التي هي الوسيلة إلى نيل رضاه ورحمته. وبهذا التحقيق تعلم أن ما يزعمه كثير من ملاحدة أتباع الجهَّال المدعين للتصوُّف من أن المراد بالوسيلة في الآية الشيخ الذي يكون له واسطة بينه وبين ربه: أنه تخبط في الجهل والعمى وضلال مبين، وتلاعب بكتاب الله تعالى، واتخاذ الوسائط من دون الله من أصول كفر الكفار، كما صرح به تعالى في قوله عنهم: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ?للَّهِ زُلْفَى?) وقوله: (وَيَقُولُونَ هَـ?ؤُلا?ءِ شُفَعَـ?ؤُنَا عِندَ ?للَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ ?للَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِى ?لسَّمَوَتِ وَلاَ في ?لأرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى? عَمَّا يُشْرِكُونَ) ، فيجب على كل مكلف أن يعلم أن الطريق الموصلة إلى رِضى الله وجنته ورحمته هي اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن حاد عن ذلك فقد ضل سواء السبيل، (لَّيْسَ بِأَمَـ?نِيِّكُمْ وَلا? أَمَانِىِّ أَهْلِ ?لْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُو?ءًا يُجْزَ بِهِ) . وهذا الذي فسرنا به الوسيلة هنا هو معناها أيضاً في قوله تعالى: (أُولَـ?ئِكَ ?لَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى? رَبِّهِمُ ?لْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ) ، وليس المراد بالوسيلة أيضاً المنزلة التي في الجنة التي أمرنا صلى الله عليه وسلم أن نسأل له الله أن يعطيه إياها، نرجو الله أن يعطيه إياها؛ لأنها لا تنبغي إلا لعبد، وهو يرجو أن يكون هو " انتهى باختصار. "أضواء البيان" (2/86– 88) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 60041 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 187 يسأل عن الصابئة: من هم؟ وما حقيقة مذهبهم؟ [السُّؤَالُ] ـ[ورد ذكر الصابئة في عدة آيات من القرآن، فمن هم؟ وما الدين الذي يدينون به؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذكرت هذه الطائفة من الناس في ثلاثة مواضع من القرآن؛ فأولها في قول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) البقرة/62، والثاني في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) الحج/17، والثالث قول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) المائدة/69. والصابئة جمع صابئ، اسم فاعل من صَبَأ يصبَأ، إذا خرج من دين إلى آخر. قال الطبري: (والصابئون، جمع صابئ، وهو المستحدث سوى دينه دينا، كالمرتد من أهل الإسلام عن دينه، وكل خارج من دين كان عليه إلى آخر غيره، تسميه العرب: صابئا ... يقال صبأت النجوم: إذا طلعت..) انظر تفسير الطبري 2/145، لسان العرب صبأ وأما مذهبهم، فقال ابن القيم، رحمه الله: (وقد اختلف الناس فيهم اختلافا كثيرا، وأشكل أمرهم على الأئمة لعدم الإحاطة بمذهبهم ودينهم؛ فقال الشافعي رحمه الله تعالى: هم صنف من النصارى، وقال في موضع: ينظر في أمرهم؛ فإن كانوا يوافقون النصارى في أصل الدين، ولكنهم يخالفونهم في الفروع، فتؤخذ منهم الجزية، وإن كانوا يخالفونهم في أصل الدين لم يقروا على دينهم ببذل الجزية .... وأما أقوال السلف فيهم فذكر سفيان عن ليث عن مجاهد قال: هم قوم بين اليهود والمجوس ليس لهم دين، وفي تفسير شيبان عن قتادة قال: الصابئة قوم يعبدون الملائكة ... ) قال ابن القيم: (قلت: الصابئة أمة كبيرة، فيهم السعيد والشقي، وهي إحدى الأمم المنقسمة إلى مؤمن وكافر، فإن الأمم قبل مبعث النبي، صلى الله عليه وسلم، نوعان: نوع كفار أشقياء كلهم، ليس فيهم سعيد، كعبدة الأوثان والمجوس، ونوع منقسمون إلى سعيد وشقي، وهم اليهود والنصارى والصابئة، وقد ذكر الله سبحانه النوعين في كتابه، فقال: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُون) البقرة/62، وكذلك قال في المائدة، وقال في سورة الحج (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) فلم يقل هاهنا: من آمن منهم بالله واليوم الآخر، لأنه ذكر معهم المجوس والذين أشركوا؛ فذكر ست أمم، منهم اثنتان شقيتان، وأربع منهم منقسمة إلى شقي وسعيد، وحيث وعد أهل الإيمان والعمل الصالح منهم بالأجر ذكرهم أربع أمم ليس إلا، ففي آية الفصل بين الأمم أدخل معهم الأمتين، وفي آية الوعد بالجزاء لم يدخلها معهم، فعلم أن الصابئين فيهم المؤمن والكافر، والشقي والسعيد. وهذه أمة قديمة قبل اليهود والنصارى، وهم أنواع: صابئة حنفاء، وصابئة مشركون. وكانت حران دار مملكة هؤلاء قبل المسيح، ولهم كتب وتآليف وعلوم، وكان في بغداد منهم طائفة كبيرة، منهم إبراهيم بن هلال الصابئ صاحب الرسائل، وكان على دينهم ويصوم رمضان مع المسلمين، وأكثرهم فلاسفة ولهم مقالات مشهورة ذكرها أصحاب المقالات. وجملة أمرهم أنهم لا يكذبون الأنبياء ولا يوجبون اتباعهم، وعندهم أن من اتبعهم [يعني اتبع الأنبياء] فهو سعيد ناج وأن من أدرك بعقله ما دعوا إليه، فوافقهم فيه وعمل بوصاياهم، فهو سعيد، وإن لم يتقيد بهم، فعندهم دعوة الأنبياء حق، ولا تتعين طريقا للنجاة، وهم يقرون أن للعالم صانعا مدبرا حكيما منزها عن مماثلة المصنوعات، ولكن كثيرا منهم، أو أكثرهم، قالوا: نحن عاجزون عن الوصول إلى جلاله بدون الوسائط؛ والواجب التقرب إليه بتوسط الروحانيين المقدسين المطهرين عن المواد الجسمانية، المبرئين عن القوى الجسدية، المنزهين عن الحركات المكانية والتغييرات الزمانية، بل قد جبلوا على الطهارة، وفطروا على التقديس. ثم ذكر أنهم يعبدون هذه الوسائط ويتقربون إليها، ويقولون: (هم آلهتنا وشفعاؤنا عند رب الأرباب، وإله الآلهة) ثم قال، رحمه الله: (فهذا بعض ما نقله أرباب المقالات عن دين الصابئة وهو بحسب ما وصل إليهم، وإلا فهذه الأمة فيهم المؤمن بالله وأسمائه وصفاته وملائكته ورسله واليوم الآخر وفيهم الكافر، وفيهم الآخذ من دي الرسل بما وافق عقولهم واستحسنوه، فدانوا به ورضوه لأنفسهم. وعقد أمرهم أنهم يأخذون بمحاسن ما عند أهل الشرائع بزعمهم، ولا يوالون أهل ملة ويعادون أخرى، ولا يتعصبون لملة على ملة. والملل عندهم نواميس لمصالح العالم، فلا معنى لمحاربة بعضها بعضا بل يؤخذ بمحاسنها وما تكمل به النفوس، وتتهذب به الأخلاق، ولذلك سموا صابئين كأنهم، صبؤوا عن التعبد بكل ملة من الملل، والانتساب إليها، ولهذا قال غير واحد من السلف: ليسوا يهودا ولا نصارى ولا مجوسا. وهم نوعان صابئة حنفاء وصابئة مشركون؛ فالحنفاء هم الناجون منهم وبينهم مناظرات ورد من بعضهم على بعض، وهم قوم إبراهيم كما أن اليهود قوم موسى،والحنفاء منهم أتباعه) أحكام أهل الذمة 1/92-98 وما ذكره من انقسام الصابئة إلى موحدين ومشركين قرره شيخ الإسلام أيضا في غير موضع. انظر الرد على المنطقيين [287-290،454-458] ، منهاج السنة، تعليق المحقق [1/5] . وانظر أيضا بحث الشيخ ابن عاشور للمسألة عند تفسيره لآية البقرة. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49048 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 188 تفسير قوله تعالى: (إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ) [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء) ؟ وعلى من تعود الخشية؟ ونحن جميعاً نعلم أن الله لا يخشى أحدا، وإنما يخشاه العباد؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الله تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) فاطر/28. فالفاعل هنا: (العلماءُ) فهم أهل الخشية والخوف من الله. واسم الجلالة (الله) : مفعول مقدم. وفائدة تقديم المفعول هنا: حصر الفاعلية، أي أن الله تعالى لا يخشاه إلا العلماءُ، ولو قُدم الفاعل لاختلف المعنى ولصار: لا يخشى العلماءُ إلا اللهَ، وهذا غير صحيح فقد وُجد من العلماء من يخشون غير الله. ولهذا قال شيخ الإسلام عن الآية: " وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ خَشِيَ اللَّهَ فَهُوَ عَالِمٌ. وَهُوَ حَقٌّ، وَلا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ عَالِمٍ يَخْشَاهُ " انتهى من "مجموع الفتاوى" (7/539) . وانظر: "تفسير البيضاوي" (4/418) ، و "فتح القدير" (4/494) . وأفادت الآية الكريمة أن العلماء هم أهل الخشية، وأن من لم يخف من ربه فليس بعالم. قال ابن كثير رحمه الله: " إنما يخشاه حق خشيته العلماء العارفون به، لأنه كلما كانت المعرفة للعظيم القدير أتم والعلم به أكمل، كانت الخشية له أعظم وأكثر. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء) قال: الذين يعلمون أن الله على كل شيء قدير ... وقال سعيد بن جبير: الخشية هي التي تحول بينك وبين معصية الله عز وجل. وقال الحسن البصري: العالم من خشي الرحمن بالغيب، ورغب فيما رغب الله فيه، وزهد فيما سخط الله فيه، ثم تلا الحسن: (إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور) . وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: ليس العلم عن كثرة الحديث، ولكن العلم عن كثرة الخشية. . . وقال سفيان الثوري عن أبي حيان التيمي عن رجل قال: كان يقال العلماء ثلاثة: عالم بالله عالم بأمر الله، وعالم بالله ليس بعالم بأمر الله، وعالم بأمر الله ليس بعالم بالله. فالعالم بالله وبأمر الله: الذي يخشى الله تعالى ويعلم الحدود والفرائض، والعالم بالله ليس بعالم بأمر الله: الذي يخشى الله ولا يعلم الحدود ولا الفرائض. والعالم بأمر الله ليس العالم بالله: الذي يعلم الحدود والفرائض ولا يخشى الله عز وجل " انتهى من تفسير ابن كثير (4/729) باختصار. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (17/21) : " قوله تعالى: (إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لا يَخْشَاهُ إلا عَالِمٌ ; فَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّ كُلَّ مَنْ خَشِيَ اللَّهَ فَهُوَ عَالِمٌ كَمَا قَالَ فِي الآيَةِ الأُخْرَى: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) الزمر/9 " انتهى. وقال السعدي رحمه الله: " فكل مَنْ كان بالله أعلم، كان أكثر له خشية، وأوجبت له خشية الله الانكفاف عن المعاصي، والاستعداد للقاء مَنْ يخشاه، وهذا دليل على فضل العلم، فإنه داعٍ إلى خشية الله، وأهل خشيته هم أهل كرامته، كما قال تعالى: (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) البينة/8 " انتهى. والحاصل: أن الفاعل في الآية هم العلماء. ومعنى الآية: أن الله تعالى لا يخشاه أحدٌ إلا العلماءُ، وهم الذين يعرفون قدرته وسلطانه. وليس معنى الآية أن الله تعالى هو الذي يخشى العلماء، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. نسأل الله تعالى أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 52817 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 189 معنى الخيط الأبيض والخيط الأسود المذكورين في آية الصيام [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى قول الله تعالى: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) البقرة/187. ومعنى ذلك أن الله تعالى أباح للصائم الأكل والشرب ليلاً حتى يتبين له (أي يتيقن) طلوع الفجر. والمراد من الخيط الأبيض النهار، والخيط الأسود الليل. قال الحافظ: وَمَعْنَى الآيَةِ حَتَّى يَظْهَرَ بَيَاضُ النَّهَارِ مِنْ سَوَادِ اللَّيْلِ , وَهَذَا الْبَيَانُ يَحْصُلُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ. وَقَوْلُهُ: (مِنْ الْفَجْرِ) بَيَانٌ لِلْخَيْطِ الأَبْيَضِ , وَاكْتَفَى بِهِ عَنْ بَيَانِ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ لأَنَّ بَيَانَ أَحَدِهِمَا بَيَانٌ لِلآخَرِ اهـ. وقد فهم بعض الصحابة رضي الله عنهم الآية على خلاف معناها، ففهموا أن المراد منها الخيط الحقيقي، فكان أحدهم يجعل تحت وسادته أو يربط في رجله خيطين أحدهما أبيض والآخر أسود ويظل يأكل حتى يتبين له أحدهما من الآخر، وسبب هذا الخطأ في فهم معنى الآية أن الله تعالى أنزل الآية أولاً بدون قوله:) مِنَ الْفَجْرِ) ، ففهمها بعض الصحابة على المعنى المتبادر إلى الذهن من كلمة "الخيط" ثم أنزل الله تعالى بعد مدة (قال بعض العلماء إنها سنة) أنزل قوله: (مِنَ الْفَجْرِ) فعلموا أن المراد بالخيط الأبيض ضوء الفجر (النهار) وبالخيط الأسود الليل. روى البخاري (1917) ومسلم (1091) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: أُنْزِلَتْ (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ) وَلَمْ يَنْزِلْ (مِنْ الْفَجْرِ) فَكَانَ رِجَالٌ إِذَا أَرَادُوا الصَّوْمَ رَبَطَ أَحَدُهُمْ فِي رِجْلِهِ الْخَيْطَ الأَبْيَضَ وَالْخَيْطَ الأَسْوَدَ، وَلَمْ يَزَلْ يَأْكُلُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ رُؤْيَتُهُمَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدُ: (مِنْ الْفَجْرِ) فَعَلِمُوا أَنَّهُ إِنَّمَا يَعْنِي اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ. فهؤلاء الصحابة حَمَلُوا الْخَيْطَ عَلَى ظَاهِرِهِ , فَلَمَّا نَزَلَ (مِنْ الْفَجْرِ) عَلِمُوا الْمُرَادَ. وقد فهم عدي بن حاتم رضي الله عنه الآية كما فهمها هؤلاء حتى صحح له النبي صلى الله عليه وسلم هذا الفهم وبين له المعنى المراد من الآية. روى البخاري (1916) عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ عَمَدْتُ إِلَى عِقَالٍ أَسْوَدَ وَإِلَى عِقَالٍ أَبْيَضَ فَجَعَلْتُهُمَا تَحْتَ وِسَادَتِي فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ فِي اللَّيْلِ فَلا يَسْتَبِينُ لِي فَغَدَوْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ إِنَّمَا ذَلِكَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ. وفي رواية للبخاري (4510) : (إِنَّكَ لَعَرِيضُ) . وفي رواية أخرى له أيضاً (4509) : (إِنَّ وِسَادَكَ إِذًا لَعَرِيضٌ أَنْ كَانَ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ وَالأَسْوَدُ تَحْتَ وِسَادَتِكَ) . وفي أخرى (4510) : (إِنَّكَ لَعَرِيضُ الْقَفَا) . وقصة عدي رضي الله عنه وقعت بعد نزول قوله تعالى: (مِنَ الْفَجْرِ) أي بعد حديث سهل السابق. وقد اعتذر بعض العلماء عن خطأ عدي في هذا الفهم مع نزول قوله تعالى (مِنَ الْفَجْرِ) بأن عديا لم يبلغه حديث سهل، أو لم يكن من لغة قومه استعمال الخيط الأبيض والخيط الأسود للدلالة على الليل والنهار. ولذلك ترجم ابن حبان لحديث عدي بقوله: "ذِكْرُ الْبَيَانِ بِأَنَّ الْعَرَبَ تَتَفَاوَتُ لُغَاتُهَا" وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ عَدِيًّا لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ فِي لُغَتِهِ أَنَّ سَوَادَ اللَّيْلِ وَبَيَاضَ النَّهَارِ يُعَبَّرُ عَنْهُمَا بِالْخَيْطِ الأَسْوَدِ وَالْخَيْطِ الأَبْيَضِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: حَدِيث عَدِيٍّ مُتَأَخِّرٌ عَنْ حَدِيثِ سَهْلٍ , فَكَأَنَّ عَدِيًّا لَمْ يَبْلُغْهُ مَا جَرَى فِي حَدِيثِ سَهْلٍ، وَإِنَّمَا سَمِعَ الآيَةَ مُجَرَّدَةً فَفَهِمَهَا عَلَى مَا وَقَعَ لَهُ اهـ. وقال الحافظ: وَأَمَّا عَدِيٌّ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي لُغَةِ قَوْمِهِ اِسْتِعَارَةُ الْخَيْطِ لِلصُّبْحِ , أَوْ نَسِيَ قَوْلَهُ: (مِنْ الْفَجْرِ) حَتَّى ذَكَّرَهُ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اهـ. وقَالَ النَّوَوِيُّ تَبَعًا للقاضي عِيَاضٍ: وَإِنَّمَا حَمَلَ الْخَيْطَ الأَبْيَضَ وَالأَسْوَدَ عَلَى ظَاهِرِهِمَا بَعْضُ مَنْ لا فِقْهَ عِنْدَهُ مِنْ الأَعْرَابِ كَالرِّجَالِ الَّذِينَ حُكِيَ عَنْهُمْ سَهْلٌ وَبَعْضُ مَنْ لَمْ يَكُنْ فِي لُغَتِهِ اِسْتِعْمَالُ الْخَيْطِ فِي الصُّبْحِ كَعَدِيٍّ اهـ. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّكَ لَعَرِيضُ الْقَفَا) فقد زعم بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد بذلك أنه فِيهِ غَبَاوَةٌ وَغَفْلَةٌ. وادعى هؤلاء أن عُرْضَ الْقَفَا مِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الغباوة, وَأَنْشَدَوا فِي ذَلِكَ شِعْرًا. وَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ كَثِيرٌ من العلماء مِنْهُمْ الْقُرْطُبِيُّ والقاضي عياض والنووي. قال القرطبي: "حَمَلَهُ بَعْضُ النَّاسِ عَلَى الذَّمِّ لَهُ عَلَى ذَلِكَ الْفَهْمِ وَكَأَنَّهُمْ فَهِمُوا أَنَّهُ نَسَبَهُ إِلَى الْجَهْلِ وَالْجَفَاءِ وَعَدَمِ الْفِقْهِ , وَلَيْسَ الْأَمْرُ عَلَى مَا قَالُوهُ. . وَإِنَّمَا عَنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ وِسَادَك إِنْ كَانَ يُغَطِّي الْخَيْطَيْنِ اللَّذَيْنِ أَرَادَ اللَّهُ فَهُوَ إِذًا عَرِيضٌ وَاسِعٌ , وَلِهَذَا قَالَ فِي أَثَرِ ذَلِكَ: إِنَّمَا ذَلِكَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ , فَكَأَنَّهُ قَالَ: فَكَيْفَ يَدْخُلَانِ تَحْتَ وِسَادَتِك؟ وَقَوْلُهُ " إِنَّك لَعَرِيضُ الْقَفَا " أَيْ إِنَّ الْوِسَادَ الَّذِي يُغَطِّي اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَرْقُدُ عَلَيْهِ إِلا قَفًا عَرِيضٌ لِلْمُنَاسَبَةِ اهـ باختصار. وقَالَ الْقَاضِي: مَعْنَاهُ إِنْ جَعَلْت تَحْت وِسَادك الْخَيْطَيْنِ الَّذِينَ أَرَادَهُمَا اللَّه تَعَالَى وَهُمَا اللَّيْل وَالنَّهَار فَوِسَادُك يَعْلُوهُمَا وَيُغَطِّيهِمَا , وَحِينَئِذٍ يَكُون عَرِيضًا , وَهُوَ مَعْنَى الرِّوَايَة الأُخْرَى فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ (إِنَّك لَعَرِيض الْقَفَا) وَهُوَ مَعْنَى الرِّوَايَة الأُخْرَى: (إِنَّك لَضَخْمٌ) اهـ. انظر: فتح الباري شرح حديث رقم (1917) ، (1916) .، شرح مسلم للنووي حديث رقم (1090) ، (1091) . ومن الأحكام المستنبطة من الآية الكريمة أن من شك في طلوع الفجر فله أن بأكل ويشرب حتى يتيقن طلوعه لأن الله تعالى قال: (حَتَّى يَتَبَيَّنَ) . رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَحَلَّ اللَّهُ لَك الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ مَا شَكَكْت. قال الحافظ: إِسْنَاده صَحِيحٍ. وَرَوَى اِبْنُ أَبِي شَيْبَةَ عن أَبِي الضُّحَى قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ اِبْنَ عَبَّاسٍ عَنْ السُّحُورِ , فَقَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ: كُلْ مَا شَكَكْت حَتَّى لا تَشُكَّ. قَالَ اِبْنُ الْمُنْذِرِ: وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ صَارَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ. قال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع (6/247) . "من أتى مفطرا، وهو شاك في طلوع الفجر فصومه صحيح، لأن الله سبحانه وتعالى قال: (فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) البقرة/187. وضد التبين الشك والظن، فما دمنا لم يتبين لنا فلنا أن نأكل ونشرب، وهذه المسألة لها خمسة أقسام: 1- أن يتيقن أن الفجر لم يطلع، مثل: أن يكون طلوع الفجر في الساعة الخامسة، ويكون أكله وشربه في الساعة الرابعة والنصف فصومه صحيح. 2- أن يتيقن أن الفجر طلع، كأن يأكل الساعة الخامسة والنصف فهذا صومه فاسد. 3- أن يأكل وهو شاك هل طلع الفجر أو لا، ويغلب على ظنه أنه لم يطلع؟ فصومه صحيح. 4- أن يأكل ويشرب، ويغلب على ظنه أن الفجر طالع فصومه صحيح. 5- أن يأكل ويشرب مع التردد الذي ليس فيه رجحان فصومه صحيح" اهـ. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50120 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 190 يسأل عن إعراب كلمة (الصابئون) وكيف نردّ على من يقول إنها خطأ نحوي في القرآن [السُّؤَالُ] ـ[أريد إعراب كلمة "الصابئون" في سورة المائدة، ولماذا جاءت بالواو، مع أنها في آية أخرى جاءت بالياء، وتشابه الكلام في الآيتين كبير. وقد كان ذلك سببا في خلاف كبير بيني وبين شخص نصراني يقول: إن القرآن فيه أخطاء نحوية، فقلت له: سأترك الإسلام إن كان هناك خطأ نحوي واحد في القرآن. وقولي هذا عن قوه إيمان، وعن ثقة بأن القرآن، كلام الله سبحانه وتعالى، منزه عن قول المفترين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله وردت كلمة " الصابئين " بياء النصب في سورتي البقرة والحج؛ في قول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) البقرة/62، وقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) الحج/17 ووردت نفس الكلمة بواو الرفع في سورة المائدة؛ في قول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) المائدة/69 أما الآيتان الأوليان فلا إشكال في إعرابهما؛ لأن الكلمة فيهما وقعت معطوفة بالواو على كلمة محلها النصب، وهي " الذين "؛ اسم إن، فنصبت، وعلامة نصبها الياء، لأنها جمع مذكر سالم. وإنما محل الإشكال هو الآية الثالثة، آية سورة المائدة؛ فقد وقعت في نفس موقعها في الآيتين الأوليين، ومع ذلك جاءت مرفوعة. وقد ذكر النحاة والمفسرون في توضيح ذلك الإشكال عدة وجوه، وذكروا نظائرها المعروفة في لغة العرب، ونكتفي هنا بثلاثة منها، هي من أشهر ما قيل في ذلك: الأول: أن الآية فيها تقديم وتأخير، وعلى ذلك يكون سياق المعنى: إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى، من آمن بالله ... فلا خوف عليهم، ولاهم يحزنون، والصابئون كذلك، فتعرب مبتدأً مرفوعا،وعلامة رفعه الواو، لأنه جمع مذكر سالم. ونظير ذلك من لغة العرب قول الشاعر: فمن يك أمسى بالمدينة رحله فإني وَقَيَّار ٌبها لغريب وموطن الشاهد قوله "قيار"، وهو اسم لفرسه، أو جمله؛ فقد جاءت هذه الكلمة مرفوعة على أنها مبتدأ، ولم تجئ منصوبة على أنها معطوفة على اسم إن المنصوب وهو ياء المتكلم في قوله (فإني) الثاني: أن " الصابئون " مبتدأ، والنصارى معطوف عليه، وجملة من آمن بالله ... خبر "الصابئون"، وأما خبر "إن" فهو محذوف دل عليه خبر المبتدأ "الصابئون"، ونظير ذلك من لغة العرب قول الشاعر: نحن بما عندنا، وأنت بما عندك راضٍ، والأمر مختلف والشاهد فيه أن المبتدأ "نحن" لم يذكر خبره، اكتفاء بخبر المعطوف "أنت"؛ فخبره "راض" يدل على خبر المبتدأ الأول، وتقدير الكلام: نحن بما عندنا راضون، وأنت بما عندك راض. الثالث: أن " الصابئون " معطوف على محل اسم " إن "؛ فالحروف الناسخة، إن وأخواتها، تدخل على الجملة الاسمية المكونة من مبتدأ وخبر، واسم إن محله الأصلي، قبل دخول إن عليه الرفع لأنه مبتدأ، ومن هنا رفعت "الصابئون" باعتبار أنها معطوفة على محل اسم إن. [انظر: أوضح المسالك، لابن هشام، مع شرح محيي الدين، 1/352-366 , تفسير الشوكاني والألوسي، عند هذه الآية] . وما ذكرته، من قوة يقينك , وثقتك بكلام الله سبحانه، هو الواجب على كل مسلم، قال الله تعالى: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) النساء/82 قال الشيخ ابن عاشور، رحمه الله في تفسيره: (وبعد فمما يجب أن يوقَن به أن هذا اللفظ كذلك نزل، وكذلك نطق به النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك تلقاه المسلمون منه وقرؤوه، وكتب في المصاحف، وهم عرب خُلَّص، فكان لنا أصلا نتعرف منه أسلوبا من أساليب استعمال العرب في العطف، وإن كان استعمالا غير شائع، لكنه من الفصاحة والإيجاز بمكان ... ) اهـ وتلمس ابن عاشور الفائدة البلاغية من الإتيان بلفظ " الصابئون " موفوعاً، فقال ما معناه: إن الرفع في هذا السياق غريب، فيستوقف القارئ عنده: لماذا رفع هذا الاسم بالذات، مع أن المألوف في مثل هذا أن ينصب؟ فيقال: إن هذه الغرابة في رفع الصابئون تناسب غرابة دخول الصابئين في الوعد بالمغفرة، لأنهم يعبدون الكواكب، فهم أبعد عن الهدى من اليهود والنصارى، حتى إنهم يكادون ييأسون من الوعد بالمغفرة والنجاة فنبه بذلك على أن عفو الله عظيم. يشمل كل من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً وإن كان من الصابئين. [انظر تفسير آية المائدة من تفسير ابن عاشور] ولمعرفة من هم الصابئة؟ انظر الإجابة على السؤال رقم (49048) لكن يبقى لنا عِبَرٌ لا ينبغي تفويتها في هذا السياق: أولا: ينبغي علينا الاهتمام بالعلم الشرعي؛ فلا يكفي فقط أن يعتصم الإنسان بما عنده من يقين سابق، وإن كان ذلك أعظم ملجأ ومعاذ، بل إذا ضم إلى ذلك العلم الشرعي كان، إن شاء الله، في مأمن من أن تهز إيمانه هذه الشبهات وأمثالها، مما يثيره أعداء دينه. ثانيا: ينبهنا مثل هذا الموقف إلى قدر من التفريط في واجب من أعظم واجباتنا نحو كتاب الله تعالى، ألا وهو واجب التدبر والمدارسة، وليس مجرد التلاوة، قال تعالى: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ) ص/29، قال الشيخ ابن سعدي، رحمه الله: " أي هذه الحكمة من إنزاله، ليتدبر الناس آياته، فيستخرجوا علمها، ويتأملوا أسرارها وحكمها، فإنه بالتدبر فيه والتأمل لمعانيه، وإعادة الفكر فيها مرة بعد مرة، تدرك بركته وخيره، وهذا يدل على الحث على تدبر القرآن، وأنه من أفضل الأعمال، وأن القراءة المشتملة على التدبر أفضل من سرعة التلاوة التي لا يحصل بها هذا المقصود "؛ والدليل من هذا الموقف على ما ذكر هو أننا لو كنا نقوم بهذا الواجب حينا بعد حين لأوشكت مثل هذه الآيات أن تستوقفنا، لنسأل عنها، أو نبحثها، قبل أن نواجه بالإشكال من أعدائنا. ثالثا: إذا قمنا بالواجبين السابقين كنا مؤهلين لأخذ زمام المبادرة، لندعو نحن غيرنا، ونخبرهم بالحق الذي عندنا، ونكشف لهم، بالتي هي أحسن، الباطل الذي عندهم، بدلا من أن نقف موقف الدفاع، شأن الضعفة والمنهزمين. والله الموفق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49860 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 191 هل اختلف التفسير الحديث عن التفسير القديم للقرآن [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك فروق في تفسير القرآن وما يتعلق بذلك في عهد الأمويين والآن؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن كان المراد بالسؤال تفسير القرآن في عهد الأمويين في عصر السلف الصالح من التابعين وتابعيهم وأصاغر الصحابة، فالتدوين في ذلك العصر قليل بالنسبة لما جاء بعده من العصور، ويقتصر فيه غالباً على الرواية: ويُعرف بالتفسير الأثري، ثم توسع العلماء في تفسير القرآن الكريم وسلكوا عدة اتجاهات منها المحمود المقبول ومنها المردود، ثم في العصر الأخير زاد التوسع والتوغل في الرأي والاستنباط، وأُقحم في التفسير ما ليس منه من نظريات ومتغيرات حتى قيل في بعض التفاسير إن فيها كلّ شيءٍ غير التفسير، يمثِّل ذلك في تفاسير العصور الوسطى: تفسير الرازي، وفي العصر الحديث تفسير الجواهر. [الْمَصْدَرُ] كتبه: الشيخ عبد الكريم الخضير الحديث: 8399 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 192 ما معنى يخادعون الله في آية سورة البقرة [السُّؤَالُ] ـ[ما هو تفسير الآية التي في بداية سورة البقرة والتي فيها "يخادعون الله والذين آمنوا"؟ كيف يمكن لشخص أن يحاول مخادعة الله، المجيد، العلي؟ وأيضا، هل عندكم من نصيحة تقدمونها لأمريكي يرغب في تعلم الإسلام في بلدان ما وراء البحار؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: (يخادعون الله والذين آمنوا) ، أي: بإظهارهم ما أظهروه من الإيمان مع إسرارهم الكفر، ويعتقدون بجهلهم أنهم يخدعون الله بذلك، وأن ذلك نافعهم عنده، وأنه يروج عليه كما يروج على بعض المؤمنين، كما قال تعالى: (يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون) ، ولهذا قابلهم على اعتقادهم ذلك بقوله: (وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون) أي: وما يُغرّون بصنيعهم هذا ولا يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون بذلك من أنفسهم، كما قال تعالى: (إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم) ، ومن القرّاء من قرأ: (وما يخدعون إلا أنفسهم) ، وكلا القراءتين ترجع إلى معنى واحد. وننصح الأمريكي الذي يرغب في تعلم الإسلام أن يكون منصفا متجردا من الأهواء، وأن يحذر من تشويه أعداء الإسلام للإسلام، وأن يحرص على تعلّم الإسلام من منابعه الصافية، فلا يأخذه عن الفرق التي تشين الإسلام ببدعها ومحدثاتها، كالقاديانية، والشيعة، والصوفية وغيرهم، فهؤلاء شوّهوا دعوة الإسلام ببدعهم فلا يُنظر لأفعالهم وأقوالهم على أنها الإسلام، ونسأل الله له الهداية. [الْمَصْدَرُ] الشيخ سعد الحميد. الحديث: 12191 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 193 من هو روح القدس [السُّؤَالُ] ـ[ورد في سورة البقرة آية 87 النص التالي: (ولقد آتينا عيسى بن مريم البينات وأيدناه بروح القدس) ، ما هو الروح القدس؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله روح القدس هو جبريل عليه السلام، قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى: (وأيدناه بروح القُدس) هو جبريل على الأصح، ويدل لذلك قوله تعالى: (نزل به الروح الأمين) الشعراء/193 وقوله (فأرسلنا إليها روحنا) مريم/17 أخرج ابن أبي حاتم عن أحمد بن سنان .... حدثنا أبو الزعراء قال: قال عبد الله: روح القدس جبريل، ثم قال: وروي عن محمد بن كعب القرظي وقتادة وعطية العوفي والسدي والربيع بن أنس نحو ذلك. ويؤيد هذا القول ما تقدم وما رواه الشيخان بسنديهما عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع حسان بن ثابت الأنصاري يستشهد أبا هريرة: أنشدك الله هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يا حسَّان أجب عن رسول الله، اللهم أيِّده بروح القدس " قال أبو هريرة: نعم. التفسير المسبور للدكتور حكمت بشير 1/192- 193 قال شيخ الإسلام ابن تيمية: قال جماهير العلماء إنه جبريل عليه السلام فإن الله سماه الروح الأمين وسماه روح القدس وسماه جبريل. دقائق التفسير ج: 1 ص: 310 وعقد فصلاً في ذلك فقال: فصل في معنى روح القدس قال تعالى: (يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس) ... فإن الله أيد المسيح عليه السلام بروح القدس كما ذكر ذلك في هذه الآية وقال تعالى في البقرة: (وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس) وقال تعالى: (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى بن مريم البينات وأيدناه بروح القدس) وهذا ليس مختصا بالمسيح بل قد أيَّد غيره بذلك وقد ذكروا هم أنه قال لداود روحك القدس لا تنزع مني، وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت: " اللهم أيده بروح القدس وفي لفظ روح القدس معك ما دمت تنافح عن نبيه " وكلا اللفظين في الصحيح وعند النصارى أن الحواريين حلت فيهم روح القدس وكذلك عندهم روح القدس حدث في جميع الأنبياء وقد قال تعالى سورة النحل: (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) وقد قال تعالى في موضع آخر: (نزل به الروح الأمين على قلبك) وقال: (قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله) فقد تبين أن روح القدس هنا جبريل. .. قال: ولم يقل أحد أن المراد بذلك حياة الله ولا اللفظ يدل على ذلك ولا استعمل فيه. دقائق التفسير ج: 2 ص: 92 [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 14403 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 194 حكم تفسير القرآن الكريم بالنظريات الحديثة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز تفسير القرآن الكريم بالنظريات العلمية الحديثة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ السؤال السابق فأجاب بقوله: تفسير القرآن بالنظريات العلمية له خطورته , وذلك إننا إذا فسرنا القرآن بتك النظريات ثم جاءت نظريات أخرى بخلافها فمقتضى ذلك أن القرآن صار غير صحيح في نظر أعداء الإسلام؛ أما في نظر المسلمين فإنهم يقولون إن الخطأ من تصور هذا الذي فسر القرآن بذلك، لكن أعداء الإسلام يتربصون به الدوائر، ولهذا احذر غاية التحذير من التسرع في تفسير القرآن بهذه الأمور العلمية ولندع هذا الأمر للواقع , إذا ثبت في الواقع فلا حاجة إلى أن نقول القرآن قد أثبته , فالقرآن نزل للعبادة والأخلاق والتدبر , يقول الله - عز وجل -: (كتاب أنزلناه إليك مباركٌ ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب) سورة ص آية 29 , وليس لمثل هذه الأمور التي تدرك بالتجارب ويدركها الناس بعلومهم , ثم إنه قد يكون خطراً عظيماً فادحاً في تنزيل القرآن عليها , أضرب لهذا مثلاً قوله تعالى: (يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان) الرحمن/33, لما حصل صعود الناس إلى القمر ذهب بعض الناس ليفسر هذه الآية ونزلها على ما حدث وقال: إن المراد بالسلطان العلم , وأنهم بعلمهم , نفذوا من أقطار الأرض وتعدوا الجاذبية وهذا خطأ ولا يجوز أن يفسر القرآن بمعنى ذلك فمقتضى ذلك أنك شهدت بأن الله أراده وهذه شهادة عظيمة ستُسأل عنها. ومن تدبر الآية وجد أن هذا التفسير باطل لأن الآية ذُكرت بعد قوله تعالى: (كل من عليها فان - ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام - فبأي آلاء ربكما تكذبان) الرحمن/26, 28 , فلنسأل هل هؤلاء القوم نفذوا من أقطار السماوات؟ الجواب: لا , والله يقول: (إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض) . ثانياً: هل أرسل عليهم شواظ من نار ونحاس؟ والجواب: لا. إذن فالآية لا يصح أن تفسر بما فسر به هؤلاء , ونقول: إن وصول إليه هو من المعلوم التجريبية التي أدركوها بتجاربهم , أما أن نُحرَّف القرآن لنخضعه للدلالة على هذا فهذا ليس بصحيح ولا يجوز. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين , كتاب العلم , الصفحة (150. 152) . الحديث: 22351 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 195 ما هي معاني كلمة " محصنات " في القرآن؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما هي معاني كلمة " محصنات " في القرآن؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشنقيطي: لفظ " المحصنات " أُطلق في القرآن ثلاثة إطلاقات: الأول: المحصنات: العفائف، ومنه قوله تعالى {محصنات غير مسافحات} ، أي: عفائف غير زانيات. الثاني: المحصنات: الحرائر، ومنه قوله تعالى {فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب} ، أي: على الإماء نصف ما على المحصنات من الجلد. الثالث: أن يراد بالإحصان: التزوج، ومنه - على التحقيق - قوله تعالى {فإذا أحصنَّ فإن أتين بفاحشة} الآية، أي: فإذا تزوجن، وقول من قال من العلماء إن المراد بالإحصان في قوله {فإذا أحصنَّ} الإسلام: خلاف الظاهر من سياق الآية؛ لأن سياق الآية في الفتيات المؤمنات حيث قال: {ومن لم يستطع منكم طولاً} الآية. قال ابن كثير في تفسير الآية ما نصه: والأظهر والله أعلم أن المراد بالإحصان ههنا: التزويج؛ لأن سياق الآية يدل عليه حيث يقول سبحانه وتعالى {ومن لن يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات} والله أعلم. والآية الكريمة سياقها في الفتيات المؤمنات فتعين أن المراد بقوله {فإذا أحصنَّ} أي تزوجن كما فسره ابن عباس وغيره. [الْمَصْدَرُ] " أضواء البيان " (1 / 279، 280) . الحديث: 13563 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 196 مشاركة الشيطان للإنسان في أولاده [السُّؤَالُ] ـ[هل صحيح أنه إذا لم تقل بسم الله قبل الجماع فإن الشيطان يشارك فيه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أما مشاركة الشيطان عند عدم التسمية فقد قال تعالى: {وشاركهم في الأموال والأولاد} قال القرطبي: أي اجعل لنفسك شركة في ذلك ... {والأولاد} قيل: هم أولاد الزنى قاله مجاهد والضحاك وعبد الله بن عباس، وعنه أيضاً: هو ما قتلوا من أولادهم وأتوا فيهم من الجرائم، وعنه أيضاً: هو تسميتهم عبد الحارث وعبد العزَّى وعبد اللاَّت وعبد الشمس ونحوه، وقيل: هو صبغة أولادهم في الكفر حتى هوَّدوهم ونصَّروهم كصنع النصارى بأولادهم بالغمس في الماء الذي لهم، قاله قتادة. وقول خامس روي عن مجاهد قال: إذا جامع الرجل ولم يسمِّ انطوى الجان على إحليله فجامع معه فذلك قوله تعالى: {لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان} ... " تفسير القرطبي " (10 / 289) . قال ابن كثير: وقوله تعالى {وشاركهم في الأموال والأولاد} وقوله {والأولاد} قال العوفي عن ابن عباس ومجاهد والضحاك: يعني أولاد الزنا، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: هو ما كانوا قتلوه من أولادهم سفهاً بغير علمٍ، وقال قتادة عن الحسن البصري: قد والله شاركهم في الأموال والأولاد مجَّسوا وهوَّدوا ونصَّروا وصبغوا غير صبغة الإسلام وجزءوا من أموالهم جزءاً للشيطان، وكذا قال قتادة سواء، وقال أبو صالح عن ابن عباس: هو تسميتهم أولادهم عبد الحارث وعبد شمس وعبد فلان. قال ابن جرير: وأولى الأقوال بالصواب أن يقال: كل مولود ولدته أنثى عصى الله فيه بتسميته بما يكرهه الله أو بإدخاله في غير الدين الذي ارتضاه الله أو بالزنا بأمه أو بقتله أو وأده أو غير ذلك من الأمور التي يُعصي الله بفعله أو فيه: فقد دخل في مشاركة إبليس فيه من ولد ذلك الولد له أو منه؛ لأن الله لم يخصص بقوله {وشاركهم في الأموال والأولاد} معنى الشركة فيه بمعنى دون معنى، فكل ما عصى الله فيه أو به أو أطيع الشيطان فيه أو به فهو مشاركة. وهذا الذي قاله متجه، وكلٌّ من السلف رحمهم الله فسَّر بعض المشاركة، فقد ثبت في صحيح مسلم - (2865) - عن عياض بن حمار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله عز وجل " إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم "، وفي الصحيحين - البخاري (3271) ومسلم (1434) - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لو أن أحدهم إذا أراد أن يأتي أهله قال بسم الله جنِّبنا الشيطان وجنِّب الشيطان ما رزقتنا؛ فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضرَّه الشيطان أبداً ". " تفسير ابن كثير " (3 / 50، 51) . قال الطبري: ... وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: كلُّ ولدٍ ولدته أنثى عصى الله بتسميته ما يكرهه الله أو بإدخاله في غير الدين الذي ارتضاه الله أو بالزنا بأمه أو قتله ووأده أو غير ذلك من الأمور التي يعصى الله بها بفعله به أو فيه فقد دخل في مشاركة إبليس فيه من ولد ذلك المولود له أو منه؛ لأن الله لم يخصص بقوله {وشاركهم في الأموال والأولاد} معنى الشركة فيه بمعنى دون معنى، فكلُّ ما عصى الله فيه أو به وأطيع به الشيطان أو فيه فهو مشاركة من عصى الله فيه أو به إبليس فيه. " تفسير الطبري " (15 / 120، 121) . قال الشيخ عبد الرحمن السعدي: {وشاركهم في الأموال والأولاد} وذلك شامل لكل معصية تعلَّقت بأموالهم وأولادهم، من منع الزكاة والكفارات والحقوق الواجبة، وعدم تأديب الأولاد وتربيتهم على الخير وترك الشر، وأخذ الأموال بغير حقِّها، أو وضعها بغير حقِّها، أو استعمال المكاسب الرديَّة. بل ذكر كثير من المفسرين أنه يدخل في مشاركة الشيطان في الأموال والأولاد: ترك التسمية عند الطعام والشراب والجماع، وأنه إذا لم يسمِّ الله في ذلك شارك فيه الشيطان كما ورد في الحديث. " تيسير الكريم الرحمن " (ص 414) . قلت: أما مشاركة الشيطان في الجماع لمن ترك التسمية فقد سبق ذكر الحديث عند ابن كثير رحمه الله، وسبق كلام مجاهد رحمه الله. والخلاصة: أن القول الصحيح في معنى الآية أن تحمل على الوجوه السابقة في تفسيرها، إذ لا منافاة بين معانيها، وقد ذكر كل واحد من السلف فرداً من أفراد معانيها، ولا مضادة بينها، والقاعدة في مثل هذه الحال: حمل الآية على معانيها جميعها. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الخلاف بين السلف في التفسير قليل، وخلافهم في الأحكام أكثر من خلافهم في التفسير، وغالب ما يصح عنهم من الخلاف يرجع إلى اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد، وذلك صنفان: أحدهما: أن يعبر كلُّ واحد منهم عن المراد بعبارة غير عبارة صاحبه تدل على معنى في المسمى غير المعنى الآخر مع اتحاد المسمى، بمنزلة الأسماء المتكافئة التي بين المترادفة والمتباينة كما قيل في اسم السيف: الصارم، والمهند، وذلك مثل أسماء الله الحسنى، وأسماء رسوله، وأسماء القرآن؛ فإن أسماء الله كلها تدل على مسمى واحد، فليس دعاؤه باسم من أسمائه الحسنى مضادّاً لدعائه باسم آخر، بل الأمر كما قال تعالى {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيّاً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى} ، وكل اسمٍ من أسمائه يدل على الذات المسماة وعلى الصفة التي تضمنها الاسم، كالعليم يدل على الذات والعلم، والقدير يدل على الذات والقدرة، والرحيم يدل على الذات والرحمة ... الصنف الثاني: أن يذكر كلٌّ منهم من الاسم العام بعض أنواعه على سبيل التمثيل وتنبيه المستمع على النوع لا على سبيل الحد المطابق للمحدود في عمومه وخصوصه، مثل سائل أعجمي سأل عن مسمَّى لفظ الخبز فأُرِي رغيفاً وقيل له: هذا، فالإشارة إلى نوع هذا لا إلى هذا الرغيف وحده. " مجموع الفتاوى " (13 / 333 - 337) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 21946 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 197 مشاركة الشيطان للناس في أموالهم [السُّؤَالُ] ـ[ما هي مشاركة الشيطان للناس في أموالهم المذكورة في قوله تعالى: (وشاركهم في الأموال والأولاد) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله شِركته في الأموال: إنفاقها في معصية الله، قاله الحسن، وقيل: هي التي أصابوها من غير حلها، قاله مجاهد. قال ابن عباس: ما كانوا يحرِّمونه من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام، وقاله قتادة. وقال الضحاك: ما كانوا يذبحونه لآلهتهم. وعن ابن عباس ومجاهد: هو ما أمرهم به من إنفاق الأموال في معاصي الله تعالى، وقال عطاء: هو الربا، وقال الحسن: هو جمعها من خبيث وإنفاقها في حرام، وكذا قال قتادة، وقال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أما مشاركته إياهم في أموالهم: فهو ما حرَّموه من أنعامهم، يعني: من البحائر والسوائب ونحوها، وكذا قال الضحاك وقتادة. قال الطبري: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب: قول من قال: عنى بذلك كلَّ مالٍ عصى الله فيه بإنفاقٍ في حرام أو اكتسابٍ من حرام أو ذبحٍ للآلهة أو تسييبٍ أو بحرٍ للشيطان وغير ذلك مما كان معصيا به أو فيه، وذلك أن الله قال {وشاركهم في الأموال} فكلُّ ما أطيع الشيطان فيه من مالٍ وعصى الله فيه فقد شارك فاعل ذلك فيه إبليس فلا وجه لخصوص بعض ذلك دون بعض.انتهى أما مشاركة الشيطان في الطعام والشراب - ويضاف إليه المشاركة في المبيت في البيوت وهي من الأموال - لمن ترك التسمية فقد جاء ذلك في حديث جابر بن عبد الله أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء، وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله قال الشيطان: أدركتم المبيت، وإذا لم يذكر الله عند طعامه قال: أدركتم المبيت والعشاء ". رواه مسلم (2018) . وعن حذيفة قال: كنَّا إذا حضرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم طعاماً لم نضع أيديَنا حتى يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيضع يده، وإنَّا حضرنا معه مرة طعاماً فجاءت جارية كأنها تدفع فذهبت لتضع يدها في الطعام، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدها، ثم جاء أعرابي كأنما يدفع، فأخذ بيده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الشيطان يستحل الطعام أن لا يذكر اسم الله عليه، وإنه جاء بهذه الجارية ليستحل بها فأخذتُ بيدها، فجاء بهذا الأعرابي ليستحل به فأخذتُ بيده، والذي نفسي بيده إن يده في يدي مع يدها. رواه مسلم (2017) . قال النووي: ثم الصواب الذي عليه جماهير العلماء من السلف والخلف من المحدثين والفقهاء والمتكلمين أن هذا الحديث وشبهه من الأحاديث الواردة في أكل الشيطان محمولة على ظواهرها، وأن الشيطان يأكل حقيقة؛ إذ العقل لا يحيله والشرع لم ينكره بل أثبته، فوجب قبوله واعتقاده، والله أعلم. " شرح مسلم " (13 / 190) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 21904 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 198 أقسام الناس يوم القيامة [السُّؤَالُ] ـ[من فضلك اشرح الآيات التالية: قال تعالى: (وكنتم أزواجاً ثلاثة، فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة) الواقعة/7-9.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال ابن كثير: أي ينقسم الناس يوم القيامة إلى ثلاثة أصناف. قال الطبري: " وهكذا قسمهم إلى هذه الأنواع الثلاثة في آخر السورة وقت احتضارهم. ثم فصل الله عز وجل أحوال الأزواج، فقال: وأصحاب الميمنة تعظيم لشأنهم وتفخيم لأحوالهم. وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة: أي الشمال، وذلك تهويل لحالهم. السابقون السابقون: أي السابقون في الدنيا إلى الخيرات هم السابقون في الآخرة لدخول الجنات أولئك الذين هذا وصفهم، المقرّبون عند الله في جنات النعيم، في أعلى علّيين في المنازل العاليات التي لا منزلة فوقها. نسأل الله أن يجعلنا من السابقين. والله أعلم انظر تفسير ابن سعدي ص/832. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 20940 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 199 ما هي " اللمم "؟ وما حكم تكرر وقوعها من المسلم العاصي؟ [السُّؤَالُ] ـ[قال الله تعالى: (الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم) . عرفت أن اللمم هو صغائر الذنوب، مثل النظرة والقبلة واللمسة، وهذه الذنوب يغفرها الله ما اجتنبت الكبائر. وسؤالي هو: هل معنى ذلك أنه لا يعاقَب العبد على فعل هذه الذنوب حتى في الدنيا إذا تاب منها ثم رجع لها مرة أخرى وهكذا يتوب ويرجع لا يجد العبد أي عقاب من الله على فعل هذه الذنوب؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سبق في جواب السؤال (22422) بيان اختلاف العلماء في معنى اللمم في قوله تعالى: (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ) النجم/32، وأن جمهور العلماء على أن (اللمم) هو صغائر الذنوب. وليس معنى ذلك أن يتساهل الإنسان في ارتكاب الصغائر، بل الإصرار على الصغيرة يجعلها كبيرة، فتخرج بذلك عن كونها من اللمم. قال النووي رحمه لله "في شرح مسلم": قَالَ الْعُلَمَاء رَحِمَهُمْ اللَّه: وَالإِصْرَار عَلَى الصَّغِيرَة يَجْعَلهَا كَبِيرَة. وَرُوِيَ عَنْ عُمَر وَابْن عَبَّاس وَغَيْرهمَا رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ: لا كَبِيرَة مَعَ اِسْتِغْفَارٍ، وَلا صَغِيرَة مَعَ إِصْرَار. مَعْنَاهُ: أَنَّ الْكَبِيرَة تُمْحَى بِالاسْتِغْفَارِ , وَالصَّغِيرَة تَصِير كَبِيرَة بِالإِصْرَارِ اهـ. وقال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (15/293) : " فَإِنَّ الزِّنَا مِنْ الْكَبَائِرِ، وَأَمَّا النَّظَرُ وَالْمُبَاشَرَةُ فَاللَّمَمُ مِنْهَا مَغْفُورٌ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ، فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى النَّظَرِ أَوْ عَلَى الْمُبَاشَرَةِ صَارَ كَبِيرَةً، وَقَدْ يَكُونُ الإِصْرَارُ عَلَى ذَلِكَ أَعْظَمَ مِنْ قَلِيلِ الْفَوَاحِشِ، فَإِنَّ دَوَامَ النَّظَرِ بِالشَّهْوَةِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ مِنْ الْعِشْقِ وَالْمُعَاشَرَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ قَدْ يَكُونُ أَعْظَمَ بِكَثِيرِ مِنْ فَسَادِ زِنَا لا إصْرَارَ عَلَيْهِ ; وَلِهَذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ فِي الشَّاهِدِ الْعَدْلِ: أَنْ لا يَأْتِيَ كَبِيرَةً وَلا يُصِرَّ عَلَى صَغِيرَةٍ. . . بَلْ قَدْ يَنْتَهِي النَّظَرُ وَالْمُبَاشَرَةُ بِالرَّجُلِ إلَى الشِّرْكِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّه ِ) البقرة/165. . . وَالْعَاشِقُ الْمُتَيَّمُ يَصِيرُ عَبْدًا لِمَعْشُوقِهِ مُنْقَادًا لَهُ أَسِيرَ الْقَلْبِ لَهُ اهـ باختصار. وقد حذرنا الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من التهاون في صغائر الذنوب، فقال: (إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، كَقَوْمٍ نَزَلُوا فِي بَطْنِ وَادٍ، فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ، وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ، حَتَّى أَنْضَجُوا خُبْزَتَهُمْ، وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يُؤْخَذْ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكْه) . رواه أحمد (22302) من حديث سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وقال الحافظ: إسناده حسن اهـ. (وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ) هي الصغائر. وروى أحمد (3803) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ لَهُنَّ مَثَلا: كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا أَرْضَ فَلاةٍ، فَحَضَرَ صَنِيعُ الْقَوْمِ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْطَلِقُ فَيَجِيءُ بِالْعُودِ، وَالرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْعُودِ، حَتَّى جَمَعُوا سَوَادًا، فَأَجَّجُوا نَارًا، وَأَنْضَجُوا مَا قَذَفُوا فِيهَا) . حسنه الألباني في صحيح الجامع (2687) . وروى ابن ماجه (4243) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا عَائِشَةُ، إِيَّاكِ وَمُحَقَّرَاتِ الأَعْمَالِ، فَإِنَّ لَهَا مِنْ اللَّهِ طَالِبًا) . صححه الألباني في صحيح ابن ماجه. قال الغزالي: تواتر الصغائر عظيم التأثير في سواد القلب، وهو كتواتر قطرات الماء على الحجر، فإنه يحدث فيه حفرة لا محالة، مع لين الماء وصلابة الحجر اهـ. ولقد أحسن من قال: لا تحقرنَّ صغيرةً إنَّ الجبالَ من الحصى. ثانياً: إذا تاب العبد من ذنوبه، فإنها تغفر له، ولا يعاقب عليها، لا في الدنيا ولا في الآخرة. ولهذا قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لا ذَنْبَ لَهُ) رواه ابن ماجه (4250) . قال الحافظ: سنده حسن. وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه. قال النووي: أَجْمَع الْعُلَمَاء رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ عَلَى قَبُول التَّوْبَة مَا لَمْ يُغَرْغِر , كَمَا جَاَ فِي الْحَدِيث. وَلِلتَّوْبَةِ ثَلاثَة أَرْكَان: أَنْ يُقْلِع عَنْ الْمَعْصِيَة، وَيَنْدَم عَلَى فِعْلهَا، وَيَعْزِم أَنْ لا يَعُود إِلَيْهَا. فَإِنْ تَابَ مِنْ ذَنْب ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِ لَمْ تَبْطُل تَوْبَته، وَإِنْ تَابَ مِنْ ذَنْب وَهُوَ مُتَلَبِّسٌ بِآخَر صَحَّتْ تَوْبَته. هَذَا مَذْهَب أَهْل الْحَقّ اهـ. وقال أيضاً: لَوْ تَكَرَّرَ الذَّنْب مِائَة مَرَّة أَوْ أَلْف مَرَّة أَوْ أَكْثَر , وَتَابَ فِي كُلّ مَرَّة , قُبِلَتْ تَوْبَته , وَسَقَطَتْ ذُنُوبه , وَلَوْ تَابَ عَنْ الْجَمِيع تَوْبَة وَاحِدَة بَعْد جَمِيعهَا صَحَّتْ تَوْبَته اهـ. وفي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ. ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ، اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ، اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ. وفي رواية: (قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ) . قال النووي رحمه الله: قَوْله عَزَّ وَجَلَّ لِلَّذِي تَكَرَّرَ ذَنْبه: (اِعْمَلْ مَا شِئْت فَقَدْ غَفَرْت لَك) مَعْنَاهُ: مَا دُمْت تُذْنِب ثُمَّ تَتُوب غَفَرْت لَك اهـ. وعلى كل حال: فرحمة الله واسعة وفضله عظيم، ومن تاب: تاب الله عليه، ولا ينبغي للمسلم أن يتجرأ على المعصية فقد لا يوفق للتوبة، وما ذُكر في الحديث فهو لبيان سعة رحمة الله تعالى وعظيم فضله على عباده لا ليتجرأ الناس على ارتكاب المعاصي. وانظر – للفائدة – جواب السؤال رقم: (9231) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 47748 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 200 ما معنى قوله تعالى: كتب عليكم إذا حضر أحدَكم الموتُ [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى قوله تعالى: (كُتب عليكم إذا حضر أحدَكم الموتُ) ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال أبو بكر بن العربي: قوله تعالى: {إذا حضر أحدكم الموت} : قال علماؤنا: ليس يريد حضور الموت حقيقة؛ لأن ذلك الوقت لا تُقبل له توبة، ولا له في الدنيا حصة، ولا يمكن أن ننظم من كلامها لفظة، ولو كان الأمر محمولاً عليه لكان تكليف محال لا يتصور؛ ولكن يرجع ذلك إلى معنيين: أحدهما: إذا قرب حضور الموت، وأمارة ذلك: كبره في السن؛ أو سفر؛ فإنه غرر، أو توقع أمر طارئ غير ذلك؛ أو تحقق النفس له بأنها سبيل هو آتيها لا محالة [إذ الموت ربما طرأ عليه اتفاقاً] . الثاني: أن معناه إذا مرض؛ فإن المرض سبب الموت، ومتى حضر السبب كنَّت به العرب عن المسبب قال شاعرهم: وقل لهم بادروا بالعذر والتمسوا قولا يبرئكم إني أنا الموت [الْمَصْدَرُ] " أحكام القرآن " (1 / 102) . الحديث: 21660 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 201 ما هو العهد في قوله تعالى: الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه [السُّؤَالُ] ـ[ما هو العهد في قوله تعالى: {الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه} ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال أبو بكر بن العربي: العهد على قسمين: أحدهما: فيه الكفارة، والآخر لا كفارة فيه، فأما الذي فيه الكفارة فهو الذي يقصد به اليمين على الامتناع عن الشيء أو الإقدام عليه. وأما العهد الثاني: فهو العقد الذي يرتبط به المتعاقدان على وجه يجوز في الشريعة، ويلزم في الحكم، إما على الخصوص بينهما، وإما على العموم على الخلق، فهذا لا يجوز حله، ولا يحل نقضه، ولا تدخله كفارة، وهو الذي يحشر ناكثه غادرا، ينصب له لواء بقدر غدرته، يقال: هذه غدرة فلان. وأما مالك فيقول: العهد باليمين، لم يجز حله؛لأجل العقد، وهو المراد بقوله تعالى: {ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا} وهذا ما لا اختلاف فيه. [الْمَصْدَرُ] " أحكام القرآن " (1 / 27، 28) . الحديث: 21654 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 202 المراد بالحروف المقطعة في القرآن الكريم [السُّؤَالُ] ـ[ما المراد بالآية: (ألم) ، وما شابهها من الآيات الأخرى الواردة في القرآن؟ وماذا قال العلماء عن تلك الآيات؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " قد توقف في تفسير هذه الآية وغيرها من الحروف المقطعة جمع من العلماء كالخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم وغيرهم من الصحابة والتابعين وأتباعهم، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فسرها فيستحسن أن نقول: الله أعلم بالمراد منها. ولكن ثبت عن بعض المفسرين من الصحابة والتابعين وأتباعهم أنهم بينوا تفسيرها واختلفوا فيه ... أهـ الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور للدكتور/ حكمت بشير، ج/1 ص/94 والتمس بعض العلماء الحكمة من هذه الحروف فقالوا: " أنها ذكرت هذه الحروف والله أعلم في أول السور التي ذكرت فيها بياناً لإعجاز القرآن، وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله، هذا مع أنه مركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها، وهذا هو الذي نصره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وارتضاه أبو الحجاج المزّي رحمه الله. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم." فتاوى اللجنة الدائمة ج/ 4 ص/144. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 21811 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 203 معاني كلمة " أمَّة " في القرآن [السُّؤَالُ] ـ[مرَّ علي في قراءتي للقرآن كلمة " أمة " عدة مرات وأحسست أن لها معاني متعددة، وليس معنى واحداً، فهل هذا صحيح؟ وكيف نفهم هذه الكلمة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: استعمل لفظ " الأمَّة " في القرآن أربعة استعمالات: الأول: استعمال " الأمَّة " في: البرهة من الزمن - كما: في قوله تعالى {ولئن أخَّرنا عنهم العذابَ إلى أمَّةٍ معدودةٍ} الآية، ونظيره قوله تعالى {وقال الذي نجا منهما وادَّكر بعد أمَّة} -. الثاني: استعمالها في: الجماعة من النَّاس، وهو الاستعمال الغالب، كقوله {ووجد عليه أمَّة من الناس يسقون} الآية، وقوله {ولكلِّ أمَّة رسول} الآية، وقوله {كان النَّاس أمَّةً واحدةً} الآية، إلى غير ذلك من الآيات. الثالث: استعمال " الأمَّة " في: الرجل المُقْتدى به، كقوله {إن إبراهيم كان أمَّة} الآية. الرابع: استعمال " الأمَّة " في: الشريعة والطريقة، كقوله {إنا وجدنا آباءنا على أمَّة} الآية، وقوله {إن هذه أمَّتكم أمَّة واحدة} الآية، إلى غير ذلك من الآيات. [الْمَصْدَرُ] " أضواء البيان " (3 / 13) . الحديث: 10251 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 204 ما الفائدة من ذكر الكلب في قصة أهل الكهف؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما الفائدة من ذكر الكلب في قصة أهل الكهف؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ الشنقيطي - رحمة الله تعالى عليه -: واعلم أن ذكره جل وعلا في كتابه هذا الكلب، وكونه باسطا ذراعيه بوصيد كهفهم في معرض التنويه بشأنهم، يدل على أن صحبة الأخيار عظيمة الفائدة، قال ابن كثير - رحمه الله - في تفسير هذه الآية الكريمة: " وشملت كلبهم بركتهم فأصابه ما أصابهم من النوم على تلك الحال، وهذا فائدة صحبة الأخيار فإنه صار لهذا الكلب ذكر وخبر وشأن. ا. هـ. ويدل على هذا المعنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم لمن قال إني أحب الله ورسوله: " أنت مع من أحببت " متفق عليه من حديث أنس. ويفهم من ذلك أن صحبة الأشرار فيها ضرر عظيم، كما بيَّنه الله تعالى في سورة الصافات في قوله: (قال قائل منهم إني كان لي قرين) الصافات/51 - إلى قوله -: (تالله إن كدت لتردين. ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين) الصافات/56- 57. [الْمَصْدَرُ] " أضواء البيان " (4 / 47، 48) . الحديث: 13686 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 205 فائدة الأمثال في القرآن [السُّؤَالُ] ـ[نرى أن القرآن الكريم كثيرا ما يضرب الأمثال، فما هي فائدة الأمثال؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ الشنقيطي - رحمة الله تعالى عليه - في تفسير قوله تعالى: (ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شئ جدلا) الكهف/54: … وفي هذه الأمثال وأشابهها في القرآن عبر ومواعظ وزواجر عظيمةٌ جدّاً، لا لبس في الحق معها، إلا أنها لا يَعقل معانيها إلا أهلُ العلم كما قال تعالى: (وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون) العنكبوت/43، ومِن حِكَم ضرب المثل: أن يتذكر الناس، كما قال تعالى: (وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتذكرون) الحشر/21. وقد بين في مواضع أخر أن الأمثال مع إيضاحها للحق يهدي بها الله قوماً، ويضل بها قوماً آخرين، كما في قوله تعالى: (إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين) البقرة/26، … ولا شك أن الذين استجابوا لربهم هم العقلاء الذين عقلوا معنى الأمثال، وانتفعوا بما تضمنت من بيان الحق، وأن الذين لم يستجيبوا له هم الذين لم يعقلوها، ولم يعرفوا ما أوضحه من الحقائق. فالفريق الأول: هم الذين قال الله فيهم: (ويهدي به كثيراً) البقرة/26. والفريق الثاني: هم الذين قال فيهم: {يضل به كثيراً} ، وقال فيهم: (وما يضل به إلا الفاسقين) . [الْمَصْدَرُ] " أضواء البيان " (4 / 143، 144) . الحديث: 22298 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 206 ما هي الباقيات الصالحات [السُّؤَالُ] ـ[ما هي الباقيات الصالحات المقصودة في قوله تعالى {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً} الكهف/46؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشنقيطي – رحمة الله تعالى عليه -: وأقوال العلماء في الباقيات الصالحات كلها راجعة إلى شيءٍ واحدٍ وهو الأعمال التي ترضي الله سواء قلنا إنها " الصلوات الخمس " كما هو مروي عن جماعة من السلف منهم: ابن عباس وسعيد بن جبير وأبو ميسرة وعمر بن شرحبيل، أو أنها: " سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم "، وعلى هذا القول جمهور العلماء، وجاءت دالة عليه أحاديث مرفوعة عن أبي سعيد الخدري وأبي الدرداء وأبي هريرة والنعمان بن بشير وعائشة – رضي الله عنهم -. قال مقيده – عفا الله عنه – والتحقيق: أن الباقيات الصالحات: لفظ عام يشمل الصلوات الخمس والكلمات الخمس المذكورة وغير ذلك من الأعمال التي ترضي الله تعالى؛ لأنها باقية لصاحبها غير زائلة ولا فانية كزينة الحياة الدنيا؛ ولأنها – أيضاً – صالحة لوقوعها على الوجه الذي يرضي الله تعالى … . . [الْمَصْدَرُ] " أضواء البيان " (4 / 119، 120) . الحديث: 22241 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 207 تفسير قول الله عز وجل: (وترى الشمس إذا طلعت تزاور .... الآية) [السُّؤَالُ] ـ[من فضلك فسر الآية التالية: (وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه ذلك من آيات الله من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً) الكهف/17.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله: حفظهم الله من الشمس فيسّر لهم غاراً إذا طلعت الشمس تميل عنه يميناً وعند غروبها تميل عنه شمالاً فلا ينالهم حرّها فتفسد أبدانهم بها. (وهم في فجوة منه) أي من الكهف أي مكان متسع، وذلك ليطرقهم الهواء والنسيم، ويزول عنهم الوخم والتأذي بالمكان الضيّق، خصوصاً مع طول المكث، وذلك من آيات الله الدالة على قدرته ورحمته بهم، وإجابة دعائهم وهدايتهم حتى في هذه الأمور، ولهذا قال: (من يهد الله فهو المهتد) أي لا سبيل إلى نيل الهداية إلا من الله فهو الهادي المرشد لمصالح الدارين. (ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً) أي لا تجد من يتولاه ويدبّره على ما فيه صلاحه ولا يرشده إلى الخير ولفلاح لأن الله قد حكم عليه الضلال ولا راد لحكمه انظر تفسير الكريم الرحمن ص/472. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 20941 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 208 تفسير (فأينما تولوا فثم وجه الله) [السُّؤَالُ] ـ[أرجو أن تشرح لي معنى الآية الواردة أدناه. إذا كان الله فوق الجنة , فكيف يكون وجه الله أينما تولي وجهك؟ أطرح هذا السؤال لأني كنت أشرح لأحد الأشخاص أن الله فوق الجنة , لكنه استشهد بالآية أدناه؛ ولم أتمكن من الرد عليه. قال تعالى: (ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم) البقرة / 115.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يجب علينا الإيمان بأن الله تعالى فوق العرش مستوٍ على عرشه استواءً يليق بجلاله لا كاستواء البشر. وأن نؤمن بأن لله وجها لا كوجه المخلوق. وبهذا يجب ألا نضل عند تفسير الآيات وتأويلها وأن نتَّبع بذلك قول السلف الصالح. أما تفسير الآية، فقد قال الشيخ ابن عثيمين: فإن قلت: هل كل ما جاء من كلمة الوجه مضافاً إلى الله يراد به وجه الله الذي هو صفته. الجواب: هذا هو الأصل كما في قوله تعالى: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه} الأنعام / 52، {وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى} الليل / 19 – 21، وما أشبهها من الآيات. فالأصل: أن المراد بالوجه وجه الله عز وجل الذي هو صفة من صفاته، لكن هناك آية اختلف المفسرون فيها وهي قوله تعالى: {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله} البقرة / 115 ..... فمنهم من قال: إن الوجه بمعنى الجهة لقوله تعالى: {ولكل وجهة هو موليها} البقرة / 148. فالمراد بالوجه: الجهة، أي: فثمَّ جهة الله أي فثم الجهة التي يقبل الله صلاتكم إليها. قالوا: لأنها في حال السفر إذا صلى الإنسان النافلة فإنه يصلي حيث كان وجهه. ولكن الصحيح أن المراد بالوجه هنا: وجه الله الحقيقي، إلى أي جهة تتجهون فثم وجه الله سبحانه وتعالى؛ لأن الله محيط بكل شيء، ولأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن المصلي إذا قام يصلي فإن الله قبل وجهه، ولهذا نهى أن يبصق أمام وجهه؛ لأن الله قِبَل وجهه فإذا صليت في مكان لا تدري أين القبلة واجتهدت وتحريت وصليت وصارت القبلة في الواقع خلفك فالله يكون قبل وجهه حتى في هذه الحالة. وهذا معنى صحيح موافق لظاهر الآية والمعنى الأول لا يخالفه في الواقع. وحينئذ يكون المعنيان لا يتنافيان. واعلم أن هذا الوجه العظيم الموصوف بالجلال والإكرام وجه لا يمكن الإحاطة به وصفاً، ولا يمكن الإحاطة به تصوراً، بل كل شيء تُقَدره فإن الله تعالى فوق ذلك وأعظم. {ولا يحيطون به علماً} طه /110. وأما قوله تعالى: {كل شيءٍ هالكٌ إلا وجهه} القصص / 88، فالمعنى: " كل شيء هالك إلا ذاته المتصفة بالوجه " شرح العقيدة الواسطية لابن عثيمين (1 / 243 – 245) ونحن يجب علينا ألا نقيس الخالق بالمخلوق فنصفه بصفة المخلوق، فإن الله تعالى كما قال عن نفسه: (ليس كمثله شيء) الشورى / 11. فالله تعالى مستوٍ على عرشه، وهو قِبل وجه المصلي ولا منافاة بينهما في حق الله تعالى. وقد أشكل مثل هذا على بعض الناس في مسألة نزول الله تعالى في النصف الآخر من الليل إلى السماء الدنيا، فقالوا: إن الليل غير متحد على الأرض فكيف ينزل الله في ليل ونهار معا. قال الشيخ ابن عثيمين: جاء المتأخرون الذين عرفوا أن الأرض كروية وأن الشمس تدور على الأرض. قالوا: كيف ينزل في ثلث الليل، وثلث الليل إذا انتقل عن المملكة العربية السعودية ذهب إلى أوروبا وما قاربها؟ فنقول: أنتم الآن قستم صفات الله بصفات المخلوقين، أنت أو من أول بأن الله ينزل في وقت معين وإذا آمنت ليس عليك شيء وراء ذلك، لا تقل كيف وكيف؟ . فقل: إذا كان ثلث الليل في السعودية فإن الله نازل وإذا كان في أمريكا ثلث الليل يكون نزول الله أيضاً. إذاً موقفنا أن نقول أنا نؤمن بما وصل إلينا عن طريق محمد صلى الله عليه وسلم. بأن الله ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى الثلث الآخر من الليل ويقول من يدعوني، فأستجيب له ومن يسألني؟ فأعطيه من يستغفرني فأغفر له. " شرح الواسطية " (2 / 437) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 10243 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 209 معنى استخدام الضمير "نحن" في القرآن [السُّؤَالُ] ـ[لماذا يستخدم القرآن لفظ نحن في الآيات؟ كثير من غير المؤمنين يقولون إن هذا إشارة إلى عيسى.]ـ [الْجَوَابُ] من أساليب اللغة العربية أن الشخص يعبر عن نفسه بضمير " نحن " للتعظيم ويذكر نفسه بضمير المتكلم الدال على المفرد كقوله " أنا " وبضمير الغيبة نحو " هو " وهذه الأساليب الثلاثة جاءت في القرآن والله يخاطب العرب بلسانهم. فتاوى اللجنة الدائمة م4/143. " فالله سبحانه وتعالى يذكر نفسه تارة بصيغة المفرد مظهراً أو مضمراً، وتارة بصيغة الجمع كقوله: " إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً " وأمثال ذلك. ولا يذكر نفسه بصيغة التثنية قط، لأن صيغة الجمع تقتضي التعظيم الذي يستحقه، وربما تدل على معاني أسمائه، وأما صيغة التثنية فتدل على العدد المحصور، وهو مقدس عن ذلك " أ. هـ العقيدة التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية ص 75. ولفظ (إنا) و (نحن) وغيرهما من صيغ الجمع قد يتكلم بها الشخص عن جماعته وقد يتكلّم بها الواحد العظيم، كما يفعل بعض الملوك إذا أصدر مرسوما أو قرارا يقول نحن وقررنا ونحو ذلك وليس هو إلا شخص واحد وإنّما عبّر بها للتعظيم، والأحقّ بالتعظيم من كلّ أحد هو الله عزّ وجلّ فإذا قال الله في كتابه إنا ونحن فإنّها للتعظيم وليست للتعدّد، ولو أنّ آية من هذا القبيل أشكلت على شخص واشتبهت عليه فيجب أن يردّ تفسيرها إلى الآيات المحكمة، فإذا تمسك النصراني مثلا بقوله: (إنا نحن نزلنا الذكر) ونحوه على تعدد الآلهة، رددنا عليه بالمحكم كقوله تعالى: (وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم) ، وقوله: (قل هو الله أحد) ، ونحو ذلك مما لا يحتمل إلا معنى واحداً، وعند ذلك يزول اللبس عمن أراد الحقّ، وكلّ صيغ الجمع التي ذكر الله بها نفسه مبنية على ما يستحقه من العظمة ولكثرة أسمائه وصفاته وكثرة جنوده وملائكته. يُراجع كتاب العقيدة التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية ص 109. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 606 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 210 تأخير قول إن شاء الله [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للرجل إذا نسي أن يقول: " إن شاء الله " أن يقولها بعد وقت طويل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشنقيطي – رحمة الله تعالى عليه -: قوله تعالى: (واذكر ربك إذا نسيت) الكهف/24 في هذه الآية الكريمة قولان معروفان لعلماء التفسير: الأول: أن هذه الآية الكريمة متعلقة بما قبلها والمعنى أنك إن قلت: سأفعل غداً كذا ونسيت أن تقول إن شاء الله ثم تذكرت بعد ذلك فقل: إن شاء الله، أي: اذكر ربَّك معلقاً على مشيئته ما تقول إنك ستفعله غداً إذا تذكرت بعد النسيان، وهذا القول هو الظاهر؛ لأنه يدل على قول الله تعالى قبله: (ولا تقولن لشيءٍ إني فاعلٌ ذلك غداً إلا أن يشاء الله) ، وهو قول الجمهور، وممن قال به ابن عباس والحسن البصري وأبو العالية وغيرهم … [الْمَصْدَرُ] " أضواء البيان " (4 / 85) . الحديث: 22243 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 211 تفسير قول الله تعالى (وما كان الله ليضل قوماً) [السُّؤَالُ] ـ[أرجو أن تبين لنا معنى قول الله تعالى: (وما كان الله ليضل قوماَ بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون إن الله بكل شيء عليم) سورة التوبة / 115؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يقول الله تعالى عن نفسه الكريمة وحكمه العادل: إنه لا يضل قوماً إلا بعد إبلاغ الرسالة إليهم حتى يكونوا قد قامت عليهم الحجة كما قال تعالى: (فأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى) . وفي قول آخر في تفسير الآية: قال مجاهد في قوله تعالى: (وما كان الله ليضل قوماً بعد إذا هداهم) بيان الله عز وجل للمؤمنين في الاستغفار للمشركين خاصة، وفي بيانه لهم معصيته وطاعته عامة، فافعلوا أو ذروا. وقال ابن جرير: يقول الله تعالى: وما كان الله ليقضي عليكم في استغفاركم لموتاكم المشركين بالضلال، بعد إذ رزقكم الهداية ووفقكم للإيمان به وبرسوله، حتى يتقدم إليكم بالنهي عنه فتتركوا، فأمّا قبل أن يبين لكم كراهة ذلك بالنهي عنه، ثم تتعدوا نهيه إلى ما نهاكم عنه، فإنه لا يحل عليكم بالضلال، لأن الطاعة والمعصية إنما يكونان من المأمور والمنهي، وأما من لم يؤمر ولم ينه، فغير كائن مطيعاً أو عاصياً فيما لم يؤمر به ولم ينه عنه. [الْمَصْدَرُ] تفسير ابن كثير. الحديث: 11342 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 212 ما هي الأشياء التي علمها الله لآدم [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكن أن توضح الآية التالية " وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة" (البقرة 31) ما هو المقصود بكلها وماذا كان الله يقصد بالضمير؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره (1/256 ت. أبو إسحاق الحويني) عند قوله تعالى: (وعلم آدم الأسماء كلها) : والصحيح أنه علمه أسماء الأشياء كلها وذواتها وصفاتها وأفعالها حتى الفسوة والفُسية يعني أسماء الذوات والأفعال المكبر والمصغر ولهذا قال البخاري في تفسير هذه الآية في كتاب التفسير من صحيحه فذكر ابن كثير إسناد البخاري عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون: لو استشفعنا إلى ربنا فيأتون آدم فيقولون: أنت أبو الناس خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء ... الحديث " ... فدل هذا على أنه علمه أسماء جميع المخلوقات ولهذا قال: " ثم عرضهم على الملائكة " يعني المسميات.ا. هـ. وقد سرد الأقوال في هذه المسألة الحافظ ابن حجر في الفتح (8/10) فقال: واختلف في المراد بالأسماء: فقيل أسماء ذريته وقيل أسماء الملائكة وقيل أسماء الأجناس دون أنواعها وقيل أسماء كل ما في الأرض وقيل أسماء كل شيء حتى القصعة. وقال الإمام الشوكاني في فتح القدير (1/64) : والأسماء هي العبارات والمراد أسماء المسميات قال بذلك أكثر العلماء وهو المعنى الحقيقي للاسم والتأكيد بقوله كلها يفيد أنه علمه جميع الأسماء ولم يخرج عن هذا شيء منها كائنا ما كان. أهـ، والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 4622 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 213 معنى كلمة الفتنة في القرآن الكريم [السُّؤَالُ] ـ[رأيت كلمة الفتنة تتكرر في القرآن الكريم في عدد من السور والآيات، فهل هناك اختلاف في تفسير هذه الكلمة، وما هي معانيها المحتملة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تعريف الفتنة: أولاً: الفتنة في اللغة:- قال الأزهري: جماع معنى الفتنة في كلام العرب: الابتلاء، والامتحان وأصلها مأخوذ من قولك: فتنتُ الفضة والذهب، أذبتهما بالنار ليتميز الردي من الجيد، ومن هذا قول الله عز وجل: " يومهم على النار يفتنون " أي يحرقون بالنار. (تهذيب اللغة 14 / 296) . قال ابن فارس:" الفاء والتاء والنون أصل صحيح يدل على الابتلاء والاختبار " (مقاييس اللغة 4 / 472) . فهذا هو الأصل في معنى الفتنة في اللغة. قال ابن الأثير: الفتنة: الامتحان والاختبار ... وقد كثر استعمالها فيما أخرجه الاختبار من المكروه، ثم كثر حتى استعمل بمعنى الإثم والكفر والقتال والإحراق والإزالة والصرف عن الشيء. (النهاية 3 / 410) .وبنحو من هذا قال ابن حجر في الفتح (13 /3) . وقد لخص ابن الأعرابي معاني الفتنة بقوله: " الفتنة الاختبار، والفتنة: المحنة، والفتنة: المال، والفتنة: الأولاد، والفتنة الكفر، والفتنة اختلاف الناس بالآراء والفتنة الإحراق بالنار". (لسان العرب لابن منظور) . ثانيا: معاني الفتنة في الكتاب والسنة: 1- الابتلاء والاختبار: كما في قوله تعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) العنكبوت/2 أي وهم لا يبتلون كما في ابن جرير 2- الصد عن السبيل والرد: كما في قوله تعالى (وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْك) المائدة/ من الآية49 قال القرطبي: معناه: يصدوك ويردوك. 3- العذاب: كما في قوله تعالى: (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (النحل:110) فتنوا: أي عذبوا. 4- الشرك،والكفر: كما في قوله تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) البقرة/193 قال ابن كثير: أي شرك. 5- الوقوع في المعاصي والنفاق: كما في قوله تعالى في حق المنافقين (وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِي) الحديد/ من الآية14 قال البغوي:أي أوقعتموها في النفاق وأهلكتموها باستعمال المعاصي والشهوات. 6- اشتباه الحق بالباطل: كما في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ) لأنفال/73 فالمعنى: " إلا يوالى المؤمن من دون الكافر، وإن كان ذا رحم به (تكن فتنة في الأرض) أي شبهة في الحق والباطل." كذا في جامع البيان لابن جرير. 7- الإضلال: كما في قوله تعالى: (ومن يرد الله فتنته) المائدة / 41، فإن معنى الفتنة هنا الإضلال.البحر المحيط لأبي حيان (4 / 262) 8- القتل والأسر: ومنه قوله تعالى: (وإن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) النساء / 101. والمراد: حمل الكفار على المؤمنين وهم في صلاتهم ساجدون حتى يقتلوهم أو يأسروهم. كما عند ابن جرير. 9- اختلاف الناس وعدم اجتماع قلوبهم: كما في قوله تعالى: (ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة) أي يوقعوا الخلاف بينكم كما في الكشاف (2 / 277) . 10 - الجنون: كما في قوله تعالى (بأيِّكم المفتون) .فالمفتون بمعنى المجنون. 11- الإحراق بالنار: لقوله تعالى: (إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات) . (البروج:10) قال ابن حجر: ويعرف المراد حيثما ورد بالسياق والقرائن. الفتح (11 / 176) تنبيه: قال ابن القيم رحمه الله: " وأما الفتنة التي يضيفها الله سبحانه إلى نفسه أو يضيفها رسوله إليه كقوله: (وكذلك فتنا بعضهم ببعض) وقول موسى: (إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء) فتلك بمعنى آخر وهي بمعنى الامتحان والاختبار والابتلاء من الله لعباده بالخير والشر بالنعم والمصائب فهذه لون وفتنة المشركين لون، وفتنة المؤمن في ماله وولده وجاره لون آخر، والفتنة التي يوقعها بين أهل الإسلام كالفتنة التي أوقعها بين أصحاب علي ومعاوية وبين أهل الجمل، وبين المسلمين حتى يتقاتلوا ويتهاجروا لون آخر. زاد المعاد ج: 3 ص: 170. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 22899 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 214 تفسير الآية 33 من سورة الرحمن [السُّؤَالُ] ـ[أرجو أن تساعدني في تفسير آية رقم 33 من سورة الرحمن لأني لا أتكلم العربية. وجزاك الله خيرا]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال تعالى: يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لا تَنفُذُونَ إِلاّ بِسُلْطَانٍ (33) سورة الرحمن وهذا التحدّي من الله للعباد يكون في أرض المحشر حينما يجمع الخلائق كلهم جنّهم وإنسهم وتنشق السماوات وتهبط الملائكة من كلّ سماء فتحيط بأهل المحشر فيتحدّاهم الله بالهروب فلا يستطيعون، وكيف سيستطيعون وهم لا حول لهم ولا قوّة والملائكة تحاصرهم وتحيط بهم من كلّ جانب. قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: أي لا تستطيعون هربا من أمر الله وقدره بل هو محيط بكم لا تقدرون على التخلص من حكمه ولا النفوذ عن حكمه فيكم أينما ذهبتم أحيط بكم وهذا في مقام الحشر الملائكة محدقة بالخلائق سبع صفوف من كل جانب فلا يقدر أحد على الذهاب "إلا بسلطان" أي إلا بأمر الله "يقول الإنسان يومئذ أين المفر. كلا لا وزر. إلى ربك يومئذ المستقر" [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 1028 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 215 تفسير البسملة، وحكم افتتاح القراءة بها [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى البسملة؟ وهل تقرأ البسملة من منتصف السورة؟ ولماذا؟ وما معنى اقرأ بسم ربك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قول القائل: " بسم الله " قبل الشروع في العمل معناه: أَبتدأُ هذا الفعل مصاحبا أو مستعينا بـ (اسم الله) ملتمسا البركة منه، والله هو المألوه المحبوب المعبود الذي تتوجه إليه القلوب بالمحبة والتعظيم والطاعة (العبادة) وهو (الرحمن) المتصف بالرحمة الواسعة، (الرحيم) الذي يوصل رحمته إلى خلقه. وقيل المعنى: أبدأ هذا الفعل بتسمية الله وذكره. قال الإمام ابن جرير رحمه الله: " إن الله تعالى ذكره وتقدست أسماؤه, أدب نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بتعليمه تقديم ذكر أسمائه الحسنى أمام جميع أفعاله, وأمره أن يصفه بها قبل جميع مهماته, وجعل ما أدبه به من ذلك وعلمه إياه منه لجميع خلقه سنة يستنون بها, وسبيلا يتبعونه عليها, في افتتاح أوائل منطقهم وصدور رسائلهم وكتبهم وحاجاتهم; حتى أغنت دلالة ما ظهر من قول القائل {بسم الله} على ما بطن من مراده الذي هو محذوف.إ.هـ بتصرف يسير. ويوجد محذوف في عبارة باسم الله قبل البدء بالعمل، وهذا المحذوف تقديره: أبتدئ عملي باسم الله، مثل باسم الله أقرأ، باسم الله أكتب، باسم الله أركب، ونحو ذلك. أو ابتدائي باسم الله، ركوبي باسم الله، قراءتي باسم الله وهكذا، ويمكن أن يكون التقدير أيضا: باسم الله أكتب، باسم الله أقرأ , فيقدر الفعل مؤخرا، وهذا حسن ليحصل التبرك بتقديم اسم الله، وليفيد الحصر أي أبدأ باسم الله لا باسم غيره. ولفظ الجلالة (الله) : هو الاسم الأعظم وهو أعرف المعارف الغني عن التعريف، وهو علم على الباري جل جلاله مختص به دون سواه والصحيح أنه مشتق من أله يأله، ألوهة وإلهة فهو إله بمعنى مألوه أي معبود فهو: ذو الألوهية. و (الرحمن) : اسم من أسماء الله الخاصة به، ومعناه ذو الرحمة الواسعة لأن وزن فعلان: يدل على الامتلاء والكثرة وهو أخص أسماء الله بعد لفظ الجلالة، كما أن صفة الرحمة هي أخص صفاته ولذا غالبا يأتي ترتيبها بعد لفظ الجلالة كما في قوله تعالى (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن.. الآية) و (الرحيم) : اسم من أسماء الله: معناه الموصل رحمته إلى من يشاء من عباده. قال ابن القيم رحمه الله: "الرحمن دال على الصفة القائمة به سبحانه، والرحيم دال على تعلقها بالمرحوم، فكان الأول للوصف والثاني للفعل فالأول دال على أن الرحمة صفته، والثاني دال على أنه يرحم خلقه برحمته، وإذ اأردت فهم هذا فتأمل قوله "وكان بالمؤمنين رحيما " وقوله " إنه بهم رءوف رحيم "ولم يجئ قط (رحمن بهم) فعلم أن رحمن هو الموصوف بالرحمة، ورحيم هو الراحم برحمته "إ. هـ بدائع الفوائد (1/ 24) . ثانياً: وأما عن حكم قراءة البسملة قبل قراءة القرآن فلها أربعة أحوال: الحالة الأولى: أن تكون في أول السورة ـ غير سورة براءة ـ فقد نص أكثر الأئمة على أنه: " َتُسْتَحَبُّ قِرَاءَةُ الْبَسْمَلَةِ فِي أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا وينبغي أن يحافظ عليها حتى أن بعض العلماء اعتبر ختمة القرآن ناقصة إذا لم يأت بالبسملة في أول كل سورة غير براءة "ِ ولما سئل الإمام أحمد رحمه اللهَ عن قراءتها في أول كل سورة قال: " لا يَدَعَهَا ". الحالة الثانية: أن تكون في أثناء السورة ـ وهو محل السؤال ـ فالجمهور من العلماء والقراء على أنه لا مانع من الابتداء بها، قِيلَ للإمام أحمد في البسملة ـ بعد قوله: لا يدعها في أول السورة ـ: فَإِنْ قَرَأَ مِنْ بَعْضِ سُورَةٍ يَقْرَؤُهَا؟ قَالَ: " لَا بَأْسَ."، ونقل العبادي عن الشافعي رحمه الله استحبابها في أثناء السورة. قَالَ الْقُرَّاءُ: وَيَتَأَكَّدُ الابتداء بالبسملة إذا كان في الآية التي سيقرأها بعد البسملة ضميرٌ يعود على الله سبحانه نَحْوِ قوله: {إلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ} , وقوله: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ} لمَا فِي ذِكْرِ هذه الآيات بعد الاستعاذة ِنْ الْبَشَاعَةِ وَإِيهَامِ رُجُوعِ الضَّمِيرِ إلَى الشَّيْطَانِ. الحال الثالثة: قراءتها في ابتداء سورة براءة، فلا يكاد يختلف العلماء والقراء في كراهة ذلك. َقَالَ صَالِحُ فِي مَسَائِلِهِ عَنْ أَبِيهِ أحمد رحمه الله: وَسَأَلْتُهُ عَنْ سُورَةِ الْأَنْفَالِ وَسُورَةِ التَّوْبَةِ هَلْ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَهُمَا بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ أَبِي: يَنْتَهِي فِي الْقُرْآنِ إلَى مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لا يُزَادُ فِيهِ وَلا يَنْقُصُ. الحال الرابعة: قراءتها في أثناء سورة براءة: فقد اختلف القراء في ذلك كما نقل ذلك ابن حجر الهيثمي في الفتاوى الفقهية (1 / 52) فَقَال: " قال السَّخَاوِيُّ مِنْ أَئِمَّةِ الْقِرَاءَةِ: لا خِلَافَ فِي أَنَّهُ يُسَنُّ الْبُدَاءَةَ أَثْنَاءَهَا بِالتَّسْمِيَةِ وَفَرَّقَ بَيْنَ أَثْنَائِهَا وَأَوَّلِهَا لَكِنْ بِمَا لا يُجْدِي وَرَدَّ عَلَيْهِ الْجَعْبَرِيُّ مِنْهُمْ (أي من القراء) وَهُوَ الْأَوْجَهُ (أي أن القول بالكراهة هو الأقرب للصواب) إذْ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِتَرْكِ الْبَسْمَلَةِ أَوَّلَهَا , مِنْ كَوْنِهَا نَزَلَتْ بِالسَّيْفِ , وَفِيهَا مِنْ التَّسْجِيلِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ بِفَضَائِحِهِمْ الْقَبِيحَةِ مَا لَيْسَ فِي غَيْرِهَا مَوْجُودٌ فِي أَثْنَائِهَا , فَمِنْ ثَمَّ لَمْ تُشْرَعْ التَّسْمِيَةُ فِي أَثْنَائِهَا كَمَا فِي أَوَّلِهَا لِمَا تَقَرَّرَ. " انظر (الآداب الشرعية لابن مفلح 2 /325) و (الموسوعة الفقهية 13 / 253) و (الفتاوى الفقهية الكبرى 1 /52) . ثالثاً: وأما معنى قوله تعالى: (اقرأ باسم ربك) فقد قال الإمام ابن جرير رحمه الله: " القول في تأويل قوله تعالى: (اقرأ باسم ربك الذي خلق) يعني جل ثناؤه بقوله: {اقرأ باسم ربك} محمدا صلى الله عليه وسلم يقول: اقرأ يا محمد بذكر ربك {الذي خلق} ". والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 21722 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 216 كيف همّ يوسف بامرأة العزيز مع أنه عفيف [السُّؤَالُ] ـ[ما تفسير الآية: (ولقد همّت به وهمّ بها) في سورة يوسف، مع أن يوسف عليه السلام " عفيف " وقد رفض الانصياع لنزوة امرأة العزيز، فكيف يهمّ بها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال تعالى: (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ) يوسف/24 كان همها للمعصية، أما يوسف عليه السلام فإنه لو لم ير برهان ربه لَهَمَّ بها - لطبع البشر - ولكنه لم يهم؛ لوجود البرهان. إذًا في الكلام تقديم وتأخير، أي: لولا أن رأى برهان ربه لَهَمَّ بها. قال أبو حاتم: كنت أقرأ غريب القرآن على أبي عبيدة، فلما أتيت على قوله: (ولقد همت به وهم بها) قال أبو عبيد: هذا على التقديم والتأخير؛ كأنه أراد: ولقد همت به، ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها. القرطبي، الجامع لأحكام القرآن 9/165. وقال الشنقيطي في أضواء البيان [3/58] . " الجواب عنه من وجهين: الأول: أن المراد بِهَمِّ يوسف خاطر قلبي صرفه عنه وازع التقوى، وقال بعضهم: هو الميل الطبيعي والشهوة الغريزية المزمومة بالتقوى، وهذا لا معصية فيه؛ لأنه أمر جبلي لا يتعلق به التكليف، كما في الحديث: أنه صلى الله عليه وسلم كان يقسم بين نسائه فيعدل، ثم يقول: (اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما لا أملك) يعني ميل القلب. أبو داود، السنن، رقم الحديث 2134. ومثل هذا ميل الصائم إلى الماء البارد والطعام مع أن تقواه تمنعه من الشرب والأكل وهو صائم. وقال صلى الله عليه وسلم: (من هم بسيئة فلم يفعلها كتبت له حسنة كاملة) أخرجه البخاري في صحيحه برقم 6491، ومسلم برقم 207. الجواب الثاني: أن يوسف عليه السلام لم يقع منه الهم أصلاً، بل هو منفي عنه لوجود البرهان. إلى أن قال: هذا الوجه الذي اختاره أبو حسان وغيره هو أجرى على قواعد اللغة العربية " اهـ. ثم بدأ يستطرد الأدلة على ما رجحه، وبناء على ما تقدم فإن معنى الآية والله أعلم أن يوسف عليه السلام لولا أن رأى برهان ربه لهم بها، ولكنه لما رأى برهان ربه لم يهم بها، ولم يحصل منه أصلاً. وكذلك فإن مجرد الهم بالشيء دون فعله لا يعد خطيئة. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبيه الكريم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45365 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 217 معنى قوله تعالى: (وما أُهلّ به لغير الله) [السُّؤَالُ] ـ[بالرجوع للآية 173 من سورة البقرة ما هو معنى قوله تعالى {وما أهل به لغير الله} في هذه المسألة؟ هل هذه الآية تمنعني من قبول أو أكل أي طعام (ليس من الضروري الطعام المذبوح على غير اسم الله) من الطعام الذي يقدم هنا في الهند بعد قراءة الفاتحة باسم بعض الصالحين مثل عبد القادر الجيلاني؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال ابن كثير رحمه الله تعالى في الآية المذكورة في السؤال من سورة البقرة: ما أهل به لغير الله وهو ما ذبح على غير اسمه تعالى من الأنصاب والأنداد والأزلام ونحو ذلك مما كانت الجاهلية ينحرون له. وفي تفسير الآية 3 من سورة المائدة قال رحمه الله تعالى: وقوله " وما أهل به لغير الله " أي ما ذبح فذكر عليه اسم غير الله فهو حرام لأن الله تعالى أوجب أن تذبح مخلوقاته على اسمه العظيم فمتى عدل بها عن ذلك وذكر عليها اسم غيره من صنم أو طاغوت أو وثن أو غير ذلك من سائر المخلوقات فإنها حرام بالإجماع.. وقوله " وما ذبح على النصب " قال مجاهد وابن جريج: كانت النصب حجارة حول الكعبة قال ابن جريج: وهي ثلثمائة وستون نصبا كانت العرب في جاهليتها يذبحون عندها.. ويشرّحون اللحم ويضعونه على النُّصُب.. فنهى الله المؤمنين عن هذا الصنيع وحرم عليهم أكل هذه الذبائح التي فعلت عند النصب حتى ولو كان يذكر عليها اسم الله في الذبح عند النصب من الشرك الذي حرمه الله ورسوله وينبغي أن يحمل هذا على هذا لأنه قد تقدم تحريم ما أهل به لغير الله. انتهى فأيّ ذبيحة ذُكر عليها اسم غير الله من نبي أو وليّ أو صنم أو شيطان أو أيّ معبود كالصّليب وغيره فلا يجوز أكلها، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 1024 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 218 معنى قوله تعالى (وله المثل الأعلى) [السُّؤَالُ] ـ[قوله سبحانه: (وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض ِ) هل المثل يعني الشبيه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فمعنى (المثل الأعلى) : أي الوصف الأعلى من كل الوجوه، فهو سبحانه الموصوف بالكمال المطلق من كل الوجوه، كما قال سبحانه: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى: 11) وقال سبحانه: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّه الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4) (الإخلاص) والله ولي التوفيق. [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى ومقالات سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله (6 / 221) . الحديث: 22871 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 219 التكرار، والتقديم والتأخير في القرآن وتفسير قوله تعالى: (واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا.. الآية) [السُّؤَالُ] ـ[وردت في سورة البقرة الآيات 47-48 ثم وردت مره أخرى في الآيات 122-123 ونجد الاختلاف في كلمتي الشفاعة والعدل رغم أن الآيتين تتحدثان عن بني إسرائيل.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الجواب على هذا السؤال يتضمن عدة أمور: الأول: تفسير قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ} البقرة / 48، والآية الأخرى الشبيهة بها هي قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ} البقرة / 123. قال ابن كثير رحمه الله (1 / 256) : ? لما ذكَّرهم تعالى بنعمه أولاً - يعني: قوله تعالى: {يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} البقرة / 40 - عطَف على ذلك التحذير من حلول نقمه يوم القيامة فقال: {واتقوا يوماً} " يعني: واحذروا يوم القيامة، {لا تجزي نفسٌ عن نفسٍ شيئاً} أي: لا يغني أحد عن أحد كما قال {ولا تزر وازرة وزر أخرى} وقال: {لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه} وقال: {يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوماً لا يجزي والدٌ عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا} فهذا أبلغ المقامات أن كلاًّ من الوالد وولده لا يغني أحدهما عن الآخر شيئاً. وقوله تعالى: {ولا يقبل منها شفاعة} يعني: من الكافرين كما قال {فما تنفعهم شفاعة الشافعين} . وقوله تعالى: {ولا يؤخذ منها عدل} أي: لا يقبل منها فداء كما قال تعالى: {إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً ولو افتدى به} ، وقال: {إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعاً ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تُقبل منهم ولهم عذاب أليم} ، وقال: {فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم} الآية، فأخبر تعالى أنهم إن لم يؤمنوا برسوله ويتابعوه على ما بعثه به ووافوا الله يوم القيامة على ما هم عليه فإنه لا ينفعهم قرابة قريب ولا شفاعة ذي جاه ولا يقبل منهم فداء ولو بملء الأرض ذهباً. وقوله تعالى {ولا هم ينصرون} أي: ولا أحد يغضب لهم فينصرهم وينقذهم من عذاب الله كما تقدم أنه تعالى لا يقبل فيمن كفر به فدية ولا شفاعة ولا ينقذ أحدا من عذابه منقذ ولا يخلص منه أحد ولا يجير منه أحد كما قال تعالى {وهو يجير ولا يجار عليه} وقال {فيومئذٍ لا يُعذِّب عذابه أحدٌ ولا يوثِق وثاقه أحد} . قال ابن جرير الطبري: وتأويل قوله {ولا هم ينصرون} يعني: أنهم يومئذٍ لا ينصرهم ناصرٌ كما لا يشفع لهم شافعٌ ولا يقبل منهم عدل ولا فدية، بطلت هنالك المحاباة واضمحلت الرشى والشفاعات وارتفع من القوم التناصر والتعاون وصار الحكم إلى الجبار العدل الذي لا ينفع لديه الشفعاء والنصراء فيجزي بالسيئة مثلها وبالحسنة أضعافها وذلك نظير قوله تعالى {وقفوهم إنهم مسئولون. ما لكم لا تناصرون. بل هم اليوم مستسلمون} أ. هـ. وبهذا يعلم أن الشفاعة المنفية هنا هي شفاعة الكافرين أو الشفاعة في الكافرين. الثاني: أن التكرار في القرآن الكريم يحصل كثيراً وذلك لحكمٍ كثيرةٍ عظيمةٍ قد نعرف بعضها، ويخفى علينا كثيرٌ منها: - 1- أن كل جملةٍ مكررةٍ يختلف مدلولها ومعناها عن الجملة الأخرى لأنها تتعلق بما ذكر قبلها من كلام الله تعالى، وبهذا لا يعد ذلك من التكرار في شيءٍ. فمثلا: قوله تعالى في سورة المرسلات: {ويل يومئذ للمكذبين} تكررت عشر مرات، وذلك أن الله تعالى أورد قصصاً مختلفة، وأتبع كل قصة بهذا القول فكأنه عقب على كل قصة: " ويل يومئذ للمكذب بهذه القصة "، وكل قصة مغايرة للقصة الأخرى فأثبت الوعيد لمن كذب بها. 2- كما أن الله تعالى لا يخالف بين الألفاظ إلا لاختلاف المعاني، وأن هذا لا يكون إلا لحكمة يعلمها سبحانه، وقد يطلع عليها بعض خلقه بما يفتح عليهم من الفهم في كتابه، وقد يحجبها عنهم، وهو الحكيم العليم. 3- أن تكرار الكلام يضفي على المعنى الذي تضمنه أهمية ومكانة توجب له عناية خاصة، ومنها تأكيد المعنى وبقدر ما يحصل التأكيد بقدر ما يدل على الاهتمام بالأمر والعناية به. (للاستزادة يراجع قواعد التفسير 2 / 702) . الثالث: هل تقديم شيء وتأخيره في القرآن له حِكَم معروفة أو قاعدة مطردة؟ فيقال ـ والعلم عند الله تعالى ـ: إن التقديم والتأخير في القرآن، بل وفي لغة العرب لا يجري على قاعدة مطردة، فتارة يكون المقدم هو المتقدم في الوقوع، وتارة يكون المقدم هو الأشرف، وتارة يصعب التعليل، وعليه: فينبغي الحذر عند الكلام في هذا الباب، فيبين ما ظهر له وجه تعليله من غير تكلف، وما لم يظهر وجهه يوكل علمه إلى عالمه، والتقول على الله بلا علم من أعظم المحرمات كما لا يخفى، فلا يجوز أن يُحَمّل كلام الله ما لا يحتمل. على أنه يقال: إن العرب إذا ذكرت أشياء مشتركة في الحكم وعطفت بعضها على بعض بالواو المقتضية عدم الترتيب فإنهم لا يقدمون في الغالب إلا ما يعتنون به سواء كان بسب التشريف أو التعظيم، أو لأهميته أو قصد الحث عليه، أو نحو ذلك. " قواعد التفسير " د. خالد السبت (1 / 380) . الرابع: في الحكمة من تكرار هذه الآية، والحكمة من التقديم والتأخير فيها على وجه الخصوص: إن التكرار هنا لتذكير بني إسرائيل، وإعادةً لتحذيرهم للمبالغة في النصح. وأيضاً: في الموضع الأول ذكَّرهم بالقيام بحقوق نعمه السابقة عليهم وهي التي ذكره قبل الآيات وبعدها، وفي الموضع الثاني ذكَّرهم بنعمة تفضيلهم على العالَمين لإيمانهم بنبي زمانهم، ليحصلوا هذه الفضيلة بإيمانهم بنبي الإسلام الخاتم محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلم فيكونوا من الفاضلين، ويتقوا بإيمانهم به من أهوال القيامة وخوفها؛ كما اتقى من تابع موسى عليه السلام وآمن به من تلك الأهوال ". " روح المعاني " للآلوسي (1 / 373) . وأما سبب تقديم العدل على الشفاعة في الموضع الثاني وتأخيره عنها في الموضع الأول: فقد التمس بعض العلماء الحكمة فذكروا حكمتين: 1- أنه من باب التفنن في الكلام لتنتفي به سآمة الإعادة مع حصول المقصود من التكرير. 2- ومع هذا التفنن فهناك فائدة لطيفة وهي: " أنه في الآية الأولى نفى قبول الشفاعة، وفي الآية الثانية نفى قبول الفداء حتى يتم نفي القبول في كل منهما، ثم لما كان نفي قبول الشفعة لا يقتضي نفي أخذ الفداء ذكره في الآية الأولى بعد الشفاعة حتى لا يتوهم متوهم أنه إذا لم تقبل الشفاعة فقد يؤخذ الفداء، ولما نفى في الآية الثانية قبول الفداء، وكان هذا النفي لا يتضمن نفي انتفاع الكافرين بالشفاعة أعقبه بنفي نفع الشفاعة حتى لا يتوهم متوهم أنه إذا لم يقبل الفداء قد تنفع الشفاعة، فتحصَّل من الآيتين نفي القبول عن الشفاعة وعن الفداء لأن أحوال الناس في طلب الفكاك والنجاة مما يخافونه تختلف، فمرة يقدمون الفداء فإذا لم يقبل قدموا الشفاعة، ومرة يبدؤون بالشفاعة فإذا لم تقبل عرضوا الفداء." أ. هـ. بتصرف يسير من " التحرير والتنوير " لابن عاشور (1 / 698) . وبعد: فهذه اللطائف التي ذكرت هي مجرد استنتاج واستنباط ناتج عن اجتهاد بعض العلماء في هذه الآيات فقد يكون ما ذكروه من الحِكم، وقد لا يكون، وما جاء في السياق القرآني فهو الأفصح والأليق، سواءً صحَّ هذا الاستنباط أو لم يصح، والمقصود الأعظم هو أخذ العبرة والعظة من هذه الآية: وهي أن الإنسان في يوم القيامة لن ينفعه أحدٌ قريباً كان أو بعيداً، وسينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قّدَّم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قّدَّم، وينظر تلقاء وجهه فلا يرى إلا النار، فعليه أن يتقي النار بالعمل الصالح ولو كان ذلك العمل صدقة بشقِّ تمرة؛ كما ورد معنى هذا في الصحيحين من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه كما رواه البخاري برقم (6058) ومسلم (1688) . وأن الشفاعة لا تنفع أحداً من الخلق إلا بإذن الله، ولن يأذن الله لأحد من الكافرين أن يَشفع أو يُشفع له في الخروج من النار. فليتعلق العبد بربه دون سواه وليطلب منه أن يرزقه شفاعة نبيه صلى الله عليه وسلم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 22471 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 220 لا تعارض بين الآيتين [السُّؤَالُ] ـ[كيف نجمع بين هاتين الآيتين: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) وقوله تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) وهل بينهما تعارض؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس بينهما تعارض، فالآية الأولى في حق من مات على الشرك ولم يتب منه فإنه لا يغفر له ومأواه النار كما قال الله سبحانه: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) (المائدة:72) وقال عز وجل: (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأنعام: 88) والآيات في هذا المعنى كثيرة. أما الآية الثانية وهي قوله سبحانه: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) (طه:82) فهي في حق التائبين، وهكذا قوله سبحانه: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر:53) أجمع العلماء على أن هذه الآية في التائبين. والله ولي التوفيق. [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ ابن باز رحمه الله (4/ 419) الحديث: 26288 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 221 معنى قوله تعالى " أثرن به نقعاً " [السُّؤَالُ] ـ[ما هو معنى الآية " فأثرن به نقعاً "؟ وهل الكلمات (ارتفع، غبار، في، سُحُب) موجودة في هذه الآية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله 1. الكلمات " ارتفع " و " غبار " موجودتان بالمعنى في الآية، و " في " غير موجودة إلا أن المعنى دلَّ عليها لأنه الغبار لا يرتفع إلا " في " الهواء، و " سحب " غير موجودة لا لفظاً ولا معنى. 2. " ارتفع " جاء لها مرادفات كثيرة في القرآن، ومنها: أ. النشء، ومنه قوله تعالى {وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ} الرعد/12، وقوله {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً} المزمل/6. أ.الحدب، ومنه قوله تعالى {مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُون} الأنبياء/96، قال الفرَّاء: من كل أكَمة، ومن كل موضعٍ مرتفعٍ. ب. العروج، ومنه قوله تعالى {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} المعارج/4، ومعناه: الصعود والارتفاع. ت. الموج، ومنه {وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ} هود/42، والموج: هو ارتفاع الماء فوق الماء. ث. الربوة، ومنه قوله تعالى {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} المؤمنون/50، والربوة: المكان المرتفع. ج. النشز، ومنه قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا} المجادلة/11، النشوز: الارتفاع. ح. وأما لفظ " غبار ": فقد جاء لفظ آخر هو في القرآن بمعناه وهو " هباء "، ومنه قوله تعالى {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} الفرقان/23. وأما لفظ " سحاب " فجاءت له ألفاظ مرادفة في القرآن ومنها: أ. المعصرات، ومنه قوله تعالى {وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً} النبأ/14. ب. المزن، ومنه قوله تعالى {أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ} الواقعة/69. 3. إن من أفضل التفاسير بشكل عام من ناحية الشمولية في أنواع التفسير من ناحية وسلامة المعتقد من ناحية أخرى هما: تفسير الطبري من المتقدمين وتفسير ابن كثير من المتأخرين. وقال الطبري في تفسير آية {فأثرن به نقعاً} : وَقَوْله {فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا} يَقُول تَعَالَى ذِكْره: فَرَفَعْنَ بِالْوَادِي غُبَارًا؛ وَالنَّقْع: الْغُبَار، وَيُقَال: إِنَّهُ التُّرَاب. وَالْهَاء فِي قَوْله {بِهِ} كِنَايَة اِسْم الْمَوْضِع، وَكَنَّى عَنْهُ، وَلَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْر، لِأَنَّهُ مَعْلُوم أَنَّ الْغُبَار لا يُثَار إِلا مِنْ مَوْضِع، فَاسْتَغْنَى بِفَهْمِ السَّامِعِينَ بِمَعْنَاهُ مِنْ ذِكْره. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. " تفسير الطبري " (30 / 275، 276) . وأما ابن كثير فقال في تفسير آية {فأثرن به نقعاً} : يَعْنِي غُبَارًا فِي مَكَان مُعْتَرَك الْخُيُول. " تفسير ابن كثير " (4 / 542) . [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 23397 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 222 آخر سورة نزلت في القرآن [السُّؤَالُ] ـ[كل مسلم رضي بالله ربا وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً يعلم أن أول سورة نزلت على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم سورة: (اقرأ .... ) فما آخر سورة نزلت على رسولنا الأمين؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله آخر سورة نزلت من القرآن هي سورة النصر (إذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) ، وهذا قول ابن عباس رضي الله عنه. روى مسلم (3024) عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ تَعْلَمُ آخِرَ سُورَةٍ نَزَلَتْ مِنْ الْقُرْآنِ نَزَلَتْ جَمِيعًا قُلْتُ نَعَمْ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ قَالَ صَدَقْتَ ". ويؤيد هذا ما صح عن عمر وابن عباس رضي الله عنهما أن هذه السورة أشارت إلى أجل النبي صلى الله عليه وسلم ونعت إليه نفسه. فقد روى البخاري (4970) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِي مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ فَكَأَنَّ بَعْضَهُمْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ فَقَالَ لِمَ تُدْخِلُ هَذَا مَعَنَا وَلَنَا أَبْنَاءٌ مِثْلُهُ فَقَالَ عُمَرُ إِنَّهُ مَنْ قَدْ عَلِمْتُمْ فَدَعَاهُ ذَاتَ يَوْمٍ فَأَدْخَلَهُ مَعَهُمْ فَمَا رُئِيتُ أَنَّهُ دَعَانِي يَوْمَئِذٍ إِلا لِيُرِيَهُمْ قَالَ مَا تَقُولُونَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ أُمِرْنَا أَنْ نَحْمَدَ اللَّهَ وَنَسْتَغْفِرَهُ إِذَا نُصِرْنَا وَفُتِحَ عَلَيْنَا وَسَكَتَ بَعْضُهُمْ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا فَقَالَ لِي أَكَذَاكَ تَقُولُ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ فَقُلْتُ لا قَالَ فَمَا تَقُولُ قُلْتُ هُوَ أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَهُ لَهُ قَالَ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَذَلِكَ عَلامَةُ أَجَلِكَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا فَقَالَ عُمَرُ مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلا مَا تَقُولُ". وقال البراء بن عازب رضي الله عنه: آخر سورة نزلت هي براءة (التوبة) . روى البخاري (4329) ومسلم (1618) عن البراء بن عازب قال: آخر سورة نزلت براءة، وآخر آية نزلت (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة) . وقالت عائشة رضي الله عنها: آخر سورة أنزلت هي المائدة. روى أحمد (25588) عن جبير بن نفير قال: دخلت على عائشة فقالت: هل تقرأ سورة المائدة؟ قال: قلت: نعم، قالت: فإنها آخر سورة نزلت فما وجدتم فيها من حلال فاستحلوه وما وجدتم فيها من حرام فحرموه وسألتها عن خُلُقِ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت القرآن". والحديث صححه شعيب الأرناؤوط في تحقيق المسند. ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث في بيان آخر سورة نزلت من القرآن، ولهذا اختلف الصحابة، فقال كل بما أداه إليه اجتهاده. قال البيهقي رحمه الله: يجمع بين هذه الاختلافات بأن كل واحد أجاب بما عنده. نقله عنه المباركفوري في تحفة الأحوذي. والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 21916 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 223 أيهما أصح " تفسير ابن كثير " أو " تفسير الطبري "؟ [السُّؤَالُ] ـ[ أيهما أصح " تفسير ابن كثير " أو " تفسير الطبري "؟. ]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله كل واحد من هذين التفسيرين لعالم جليل من علماء أهل السنة، ولا يزال العلماء ينصحون باقتنائهما، ولكل واحدٍ منهما ميزات تجعل طالب العلم لا يستطيع تفضيل واحدٍ منهما على الآخر، وهذه بعض اللمحات عن التفسيرين: 1. " تفسير الطبري " - ولد الإمام محمد بن جرير الطبري عام 224 هـ وتوفي عام 310 هـ عن ستة وثمانين عاماً في إقليم طبرستان. - سمى تفسيره " جامع البيان في تأويل آي القرآن ". - قال أبو حامد الإسفرايني: لو سافر مسافر إلى الصين من أجل تحصيله ما كان ذلك كثيراً في حقه. " طبقات المفسرين " للداودي (2 / 106) . وقال ابن خزيمة: نظرت فيه من أوله إلى آخره، وما أعلم على أديم الأرض أعلم من ابن جرير. " سير أعلام النبلاء " (14 / 273) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: وأما التفاسير التي في أيدي الناس: فأصحها تفسير محمد بن جرير الطبري؛ فإنه يذكر مقالات السلف بالأسانيد الثابتة، وليس فيه بدعة، ولا ينقل عن المتهمين، كمقاتل بن بكير والكلبي. " مجموع الفتاوى " (13 / 358) . وقال أيضاً في "مقدمة في أصول التفسير" (ص 39) عن تفسير ابن جرير: من أجل التفاسير وأعظمها قدراً. انتهى. - اعتمدَ أقوال ثلاث طبقات من طبقات مفسري السلف، وهم الصحابة، والتابعون، وأتباع التابعين، ويذكر أقوالهم بأسانيده إليهم، وهذه ميزة عظيمة في كتابه، لا توجد في كثير من كتب التفسير الموجودة بين أيدينا، غير أن هذه الميزة لا تتناسب مع عامة المسلمين الذين ليس لديهم القدرة على البحث في الأسانيد ومعرفة الصحيح من الضعيف، وإنما يريدون الوقوف على صحة السند أو ضعفه بكلام واضح بَيِّن مختصر. - فإذا انتهى من عرضِ أقوالِهم: رجَّحَ ما يراه صوابًا، ثمَّ يذكر مستندَه في الترجيحِ. 2. " تفسير ابن كثير " - هو أبو الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي، توفي في عام 774 هـ. - سمى تفسيره " تفسير القرآن العظيم ". - قال السيوطي رحمه الله في حق هذا التفسير: لم يؤلَّف على نمطه مثله. " تذكرة الحفاظ " (ص 534) . - وتفسيره من التفسير بالمأثور – الآية والحديث -، وشهرته تعقب شهرة الطبري عند المتأخرين. - سهل العبارة، جيد الصياغة، ليس بالطويل الممل، ولا بالقصير المخل. - يفسِّر الآية بالآية، ويسوق الآيات المتناسبة مع ما يفسره من الآيات، ثم يسرد الأحاديث الواردة في موضوع الآية، ويسوق بعض أسانيدها وبخاصة ما يرويه الإمام أحمد في مسنده، وهو من حفظة المسند، ويتكلم على الأحاديث تصحيحاً وتضعيفاً– غالباً – وهي ميزة عظيمة في تفسيره، ثم يذكر أقوال السلف من الصحابة والتابعين، ويوفق بين الأقوال، ويستبعد الخلاف الشاذ. قال عنه محمد بن جعفر الكتاني: إنه مشحون بالأحاديث والآثار بأسانيد مخرجيها مع الكلام عليها صحةً وضعفاً. " الرسالة المستطرفة " (ص 195) . - نبَّه على الموقف الشرعي من الروايات الإسرائيلية، ونبَّه على بعضها خلال تفسيره لبعض الآيات. والخلاصة: أنه لا غنى لطالب العلم عن الكتابين، وأنه عند المفاضلة بينهما: فإن تفسير ابن جرير لم يؤلَّف بعده مثله، وهو زاد للعلماء وطلبة العلم، لكنه لا يصلح لعامة الناس لعدم صلاحيتهم هم له، وتفسير ابن كثير أقرب لأن يوصى به عوام الناس، وفيه من الفوائد للعلماء وطلبة العلم الشيء الكثير. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 43778 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 224 من هم الولدان المخلدون؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل الولدان المخلدون هم أطفال المسلمين الذين ماتوا صغارا؟؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الله تعالى في شأن أهل الجنة: (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ) الواقعة /17 وقال تعالى: (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً) الإنسان/19 قال ابن كثير رحمه الله: أي: يطوف على أهل الجنة للخدمة ولدان من ولدان الجنة، مخلدون: أي: على حالة واحدة، مخلدون عليها لا يتغيرون عنها؛ لا تزيد أعمارهم عن تلك السن. قال ابن عباس رضي الله عنهما: غلمان لا يموتون. قال ابن القيم رحمه الله: قال أبو عبيدة والفراء: مخلدون: لا يهرمون ولا يتغيرون؛ قال: والعرب تقول للرجل إذا كبر ولم يشمط: إنه لمخلد، وإذا لم تذهب أسنانه من الكبر قيل: هو مخلد. وقوله تعالى في وصفهم، في سورة الإنسان: (إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا) أي: إذا رأيتهم في انتشارهم في قضاء حوائج السادة، وكثرتهم وصباحة وجوههم وحسن ألوانهم وثيابهم وحليهم، حسبتهم لؤلؤا منثورا، ولا يكون التشبيه أحسن من هذا، ولا في المنظر أحسن من اللؤلؤ المنثور على المكان الحسن. قال ابن القيم رحمه الله: وشبههم سبحانه باللؤلؤ المنثور لما فيه من البياض وحسن الخلقة. وفي كونه منثورا فائدتان: إحداهما: الدلالة على أنهم غير معطلين، بل مبثوثون في خدمتهم وحوائجهم. الثانية: أن اللؤلؤ إذا كان منثورا، ولاسيما على بساط من ذهب أو حرير، كان أحسن لمنظره وأبهى، من كونه مجموعا في مكان واحد. وقد اختلف العلماء فيمن يكون هؤلاء الولدان: فروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والحسن البصري أن المراد بالولدان هنا ولدان المسلمين الذين يموتون صغارا ولا حسنة لهم ولا سيئة. وروي عن سلمان رضي الله عنه أنه قال: أطفال المشركين هم خدم أهل الجنة. قال الحسن: لم يكن لهم حسنات يجزون بها، ولا سيئات يعاقبون عليها، فوضعوا في هذا الموضع. قال شيخ الإسلام رحمه الله: قال شيخ الإسلام رحمه الله: ولا أصل لهذا القول. " مجموع الفتاوى " (4/279) . وقال ابن القيم رحمه الله: وقد روى في ذلك حديث لا يثبت. وقيل: إن هؤلاء الولدان أنشأهم الله لأهل الجنة، يطوفون عليهم كما شاء، من غير ولادة. وهذا القول الأخير هو الذي ارتضاه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى. فقد سئل رحمه الله: عن الولدان: هل هم ولدان أهل الجنة؟ فأجاب: الولدان الذين يطوفون على أهل الجنة خلق من خلق الجنة ; ليسوا بأبناء أهل الدنيا بل أبناء أهل الدنيا إذا دخلوا الجنة يكمل خلقهم كأهل الجنة؛ على صورة آدم أبناء ثلاث وثلاثين سنة، في طول ستين ذراعا. وقد روي أيضا أن العرض سبعة أذرع. انظر: مجموع الفتاوى: 4/312 واستظهر ابن القيم رحمه الله هذا القول أيضا. قال: والأشبه أن هؤلاء الولدان مخلوقون من الجنة، كالحور العين، خدما لهم وغلمانا ... ، وهؤلاء غير أولادهم؛ فإن من تمام كرامة الله تعالى لهم أن يجعل أولادهم مخدومين معهم، ولا يجعلهم غلمانا لهم. راجع أيضا: السؤال رقم [6496] . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 43191 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 225 لماذا خلق الله السموات والأرض في ستة أيام مع قدرته على خلقها في أقل من هذه المدة؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا أراد الله أمراً فإنه يقول له كن فيكون، فلماذا استغرق 6 أيام حتى يخلق السماوات والأرض؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من المقرر عند أهل الإيمان الراسخ والتوحيد الكامل أن المولى جل وعلا قادر على كل شيء، وقدرته سبحانه ليس لها حدود، فله سبحانه مطلق القدرة وكمال الإرادة، ومنتهى الأمر والقضاء، وإذا أراد شيئاً كان كما أراد وفي الوقت الذي يريد، وبالكيفية التي أرادها سبحانه وتعالى. وقد تواترت النصوص القطعية من كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم على تقرير هذا الأمر وبيانه بياناً واضحاً لا لبس فيه ولا غموض، ونكتفي هنا بذكر بعض الآيات الدالة على ذلك، فمن ذلك قوله تعالى: (بديع السموات والأرض وإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون) البقرة / 117. قال الحافظ ابن كثير في تفسير هذه الآية الكريمة (1/175) : (يبين بذلك تعالى كمال قدرته، وعظيم سلطانه، وأنه إذا قدر أمراً وأراد كونه فإنما يقول له كن _ أي: مرة واحدة _ فيكون، أي فيوجد على وفق ما أراد كما قال تعالى: (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) يس / 82) أ. هـ. وقال تعالى: ( ... قال كذلك الله يخلق ما يشاء، إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون) آل عمران / 247. وقال تعالى: (هو الذي يحي ويميت فإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون) غافر / 68. وقال تعالى: (وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر) القمر/50. قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله تعالى - في تفسيره هذه الآية (4/261) : (وهذا إخبار عن نفوذ مشيئته في خلقه، كما أخبر بنفوذ قدره فيهم فقال: (وما أمرنا إلا واحدة) أي إنما نأمر بالشيء مرة واحدة لا نحتاج إلى توكيد بثانية، فيكون ذلك الذي نأمر به حاصلاً موجوداً كلمح البصر، لا يتأخر طرفة عين، وما أحسن ما قال بعض الشعراء: إذا ما أراد الله أمراً فإنما يقول له كن قولة فيكون) أ. هـ. وهناك آيات أخرى تقرر هذا الأمر وتوضحه. فإذا تقرر ذلك فلماذا خلق الله جل جلاله السموات والأرض في ستة أيام؟ . أولاً: قد ورد في أكثر من آية في كتاب ربنا أن الله جل وعلا خلق السموات والأرض في ستة أيام فمن ذلك قوله تعالى: (إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش ... ) الأعراف / 54. ثانياً: ما من أمر يفعله الله إلا وله فيه حكمة بالغة وهذا من معاني اسم الله تعالى " الحكيم "، وهذه الحكمة قد يطلعنا الله تعالى عليها وقد لا يطلعنا، وقد يعلمها ويستنبطها الراسخون في العلم دون غيرهم. غير أن جهلنا بهذه الحكمة لا يحملنا على نفيها أو الاعتراض على أحكام الله ومحاولة التكلف والتساؤل عن هذه الحكمة التي أخفاها الله عنا، قال الله تعالى: (لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون) الأنبياء / 23. وقد حاول بعض العلماء استباط الحكمة من خلق السموات والأرض في ستة أيام: 1- قال الإمام القرطبي - رحمه الله - في تفسيره " الجامع لأحكام القرآن " لآية الأعراف (54) (4/7/140) : ( ... وذكر هذه المدة - أي ستة أيام - ولو أراد خلقها في لحظة لفعل؛ إذ هو القادر على أن يقول لها كوني فتكون، ولكنه أراد: - أن يعلم العباد الرفق والتثبت في الأمور. - ولتظهر قدرته للملائكة شيئاً بعد شيء .... - وحكمة أخرى: خلقها في ستة أيام؛ لأن لكل شيء عنده أجلا، وبيّن بهذا ترك معالجة العصاة بالعقاب؛ لأن لكل شيء عنده أجلاً ... ) ا. هـ. 2- وقال ابن الجوزي في تفسيره المسمى بـ " زاد المسير " (3/162) في تفسير آية الأعراف: ( ... فإن قيل: فهلا خلقها في لحظة، فإنه قادر؟ فعنه خمسة أجوبة: أحدها: أنه أراد أن يوقع في كل يوم أمراً تستعظمه الملائكة ومن يشاهده، ذكره ابن الأنباري. والثاني: أنه التثبت في تمهيد ما خُلق لآدم وذريته قبل وجوده، أبلغ في تعظيمه عند الملائكة. والثالث: أن التعجيل أبلغ في القدرة، والتثبيت أبلغ في الحكمة، فأراد إظهار حكمته في ذلك، كما يظهر قدرته في قوله (كن فيكون) . والرابع: أنه علّم عباده التثبت، فإذا تثبت مَنْ لا يَزِلُّ، كان ذو الزلل أولى بالتثبت. والخامس: أن ذلك الإمهال في خلق شيء بعد شيء، أبعد من أن يظن أن ذلك وقع بالطبع أو بالاتفاق.) ا. هـ. 3- وقال القاضي أبو السعود في تفسيره عند آية الأعراف: (3/232) : ( ... وفي خلق الأشياء مدرجاً مع القدرة على إبداعها دفعة دليل على الاختيار، واعتبار للنظار، وحث على التأني في الأمور) ا. هـ. وقال عن تفسير الآية (59) من سورة الفرقان (6/226) : ( ... فإن من أنشأ هذه الأجرام العظام على هذا النمط الفائق والنسق الرائق بتدبير متين وترتيب رصين، في أوقات معينة، مع كمال قدرته على إبداعها دفعة لحكم جليلة، وغايات جميلة، لا تقف على تفصيلها العقول ... ) أ. هـ. وبناء على ما سبق اتضح أن الله جلت قدرته وعَظُم سلطانه له مطلق القدرة، ومنتهى الإرادة، وكمال التصرف والتدبير، وله في كل خلق من خلقه حِكم بليغة لا يعلمها إلا هو سبحانه، وكذلك اتضح لك بعض الحِكم والأسرار في خلق المولى سبحانه وتعالى السموات والأرض في ستة أيام، مع أنه قادر سبحانه أن يخلقها بكلمة " كن ". وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20613 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 226 تفسير: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) [السُّؤَالُ] ـ[قال الله تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) ما معنى: أمة وسطا؟ وما المقصود بالشهادة على الناس؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) البقرة/143. جاءت الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير هذه الآية تبين أن المراد من قوله تعالى: (أمة وسطاً) أي: عدلاً خياراً. وأن المراد من الشهادة على الناس: الشهادة على الأمم يوم القيامة أن رسلهم قد بلغوهم رسالات الله. ولم تخرج كلمات المفسرين عن ذلك المعنى. روى البخاري (4487) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يُدْعَى نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلام يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ بَلَّغْتَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ؛ فَيُدْعَى قَوْمُهُ فَيُقَالُ لَهُمْ: هَلْ بَلَّغَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: مَا أَتَانَا مِنْ نَذِيرٍ أَوْ مَا أَتَانَا مِنْ أَحَدٍ , قَالَ: فَيُقَالُ لِنُوحٍ: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ , قَالَ: فَذَلِكَ قَوْلُهُ: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) قَالَ: الْوَسَطُ الْعَدْلُ) وزاد أحمد (10891) : (قَالَ: فَيُدْعَوْنَ فَيَشْهَدُونَ لَهُ بِالْبَلاغِ , قَالَ: ثُمَّ أَشْهَدُ عَلَيْكُمْ) . وروى الإمام أحمد (1164) وابن ماجه (4284) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَجِيءُ النَّبِيُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَعَهُ الرَّجُلُ , وَالنَّبِيُّ وَمَعَهُ الرَّجُلانِ وَأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ فَيُدْعَى قَوْمُهُ فَيُقَالُ لَهُمْ: هَلْ بَلَّغَكُمْ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: لا فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ بَلَّغْتَ قَوْمَكَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ , فَيُقَالُ لَهُ: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ؛ فَيُدْعَى مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ؛ فَيُقَالُ لَهُمْ: هَلْ بَلَّغَ هَذَا قَوْمَهُ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ؛ فَيُقَالُ: وَمَا عِلْمُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: جَاءَنَا نَبِيُّنَا فَأَخْبَرَنَا أَنَّ الرُّسُلَ قَدْ بَلَّغُوا , فَذَلِكَ قَوْلُهُ: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) قَالَ: يَقُولُ: عَدْلا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) صححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2448) . قال ابن جرير الطبري في تفسير الآية: " فمعنى ذلك: وكذلك جعلناكم أمة وسطاً عدولاً شهداء لأنبيائي ورسلي على أممها بالبلاغ أنها قد بلغت ما أمرت ببلاغه من رسالاتي إلى أممها , ويكون رسولي محمد صلى الله عليه وسلم شهيداً عليكم بإيمانكم به , وبما جاءكم به من عندي " انتهى. "جامع البيان " (2/8) . وقال ابن كثير في تفسير هذه الآية: " والوسط ههنا الخيار والأجود , كما يقال: قريش أوسط العرب نسباً وداراً أي: خيارها , وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وسطاً في قومه , أي أشرفهم نسباً , ومنه: الصلاة الوسطى التي هي أفضل الصلوات وهي صلاة العصر كما ثبت في الصحاح وغيرها. . . (لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) قال: لتكونوا يوم القيامة شهداء على الأمم، لأن الجميع معترفون لكم بالفضل " انتهى باختصار. "تفسير ابن كثير" (1/181) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ومن فوائد الآية: فضل هذه الأمة على جميع الأمم؛ لقوله تعالى: (وسطاً) . ومنها: عدالة هذه الأمة؛ لقوله تعالى: (لتكونوا شهداء على الناس) ؛ والشهيد قوله مقبول. ومنها: أن هذه الأمة تشهد على الأمم يوم القيامة؛ لقوله تعالى: (لتكونوا شهداء على الناس) ؛ والشهادة تكون في الدنيا، والآخرة؛ فإذا حشر الناس، وسئل الرسل: هل بلغتم؟ فيقولون: نعم؛ ثم تسأل الأمم: هل بُلِّغتم؟ فيقولون: ما جاءنا من بشير ولا نذير؛ ما جاءنا من أحد؛ فيقال للرسول: من يشهد لك؟ فيقول: (محمد وأمته) ؛ يُستشهدون يوم القيامة، ويَشهدون؛ فيكونون شهداء على الناس. فإذا قال قائل: كيف تشهد وهي لم تر؟ نقول: لكنها سمعت عمن خبره أصدق من المعاينة، صلوات الله وسلامه عليه " انتهى. "تفسير سورة البقرة" (2/115، 116) باختصار. ونقل البغوي في تفسيره (1/122) عن الكلبي أنه قال: (وَسَطاً) : " يعني: أهل دين وسط، بين الغلو والتقصير، لأنهما مذمومان في الدين ". وقال الشيخ السعدي في تفسيره (ص 66) : " أي: عدلا خيارا. وما عدا الوسط , فالأطراف داخلة تحت الخطر. فجعل الله هذه الأمة وسطا في كل أمور الدين. وسطا في الأنبياء , بين من غلا فيهم كالنصارى , وبين من جفاهم كاليهود , بأن آمنوا بهم كلهم على الوجه اللائق بذلك. ووسطا في الشريعة , لا تشديدات اليهود وآصارهم , ولا تهاون النصارى. وفي باب الطهارة والمطاعم , لا كاليهود الذين لا تصح لهم صلاة إلا في بِيَعهم وكنائسهم , ولا يطهرهم الماء من النجاسات , وقد حرمت عليهم الطيبات , عقوبة لهم. ولا كالنصارى الذين لا ينجسون شيئا , ولا يحرمون شيئا , بل أباحوا ما دب ودرج. بل طهارتهم أكمل طهارة وأتمها. وأباح الله لهم الطيبات من المطاعم والمشارب والملابس والمناكح , وحرم عليهم الخبائث من ذلك. فلهذه الأمة من الدين: أكمله , ومن الأخلاق: أجلها , ومن الأعمال: أفضلها. ووهبهم الله من العلم والحلم والعدل والإحسان , ما لم يهبه لأمة سواهم. فلذلك كانوا (أُمَّةً وَسَطًا) كاملين معتدلين , ليكونوا (شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) بسبب عدالتهم وحكمهم بالقسط , يحكمون على الناس من سائر أهل الأديان , ولا يحكم عليهم غيرهم. فما شهدت له هذه الأمة بالقبول , فهو مقبول , وما شهدت له بالرد , فهو مردود. فإن قيل: كيف يقبل حكمهم على غيرهم , والحال أن كل مختصمين , غير مقبول قول بعضهم على بعض؟ قيل: إنما لم يقبل قول أحد المتخاصمين , لوجود التهمة. فأما إذا انتفت التهمة , وحصلت العدالة التامة , كما في هذه الأمة , فإنما المقصود الحكم بالعدل والحق. وشرط ذلك: العلم والعدل , وهما موجودان في هذه الأمة , فقبل قولها " انتهى. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39962 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 227 الصابوني وكتابه " صفوة التفاسير " [السُّؤَالُ] ـ[ما رأي فضيلتكم في كتاب " صفوة التفاسير " للشيخ الصابوني , حيث إن بعض الشباب الملتزمين يعيبون علينا قراءة هذا الكتاب , ويقولون بأن عقيدة الشيخ الصابوني معتزلية أو أشعرية، وتفسيره للقرآن كذلك , وحيث إني لا علم لي بهذا الشيخ فصرت أقرأ في هذا الكتاب لبساطتهِ ومنهجه الجذاب، فما رأيكم في هذا الكتاب وفي مؤلفه؟ وما الكتب التي توصون بها التي تهم كل مسلم (غير مختص بالعلوم الشرعية) في عقيدته وحياته من عبادات ومعاملات.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الأستاذ محمد علي الصابوني , من أساتذة كلية الشريعة بمكة المكرمة، كان له نشاط في علوم القرآن والتفسير, ومن ثم قام بتأليف عدة كتب في التفسير وعلوم القرآن , أكثرها مختصرات , كـ " مختصر تفسير ابن كثير " , و " مختصر تفسير الطبري " , و " التبيان في علوم القرآن " , و " روائع البيان في تفسير آيات الأحكام " , و " قبس من نور القرآن " , و " صفوة التفاسير " , وهو الكتاب الذي نحن بصدده. وهو تفسير موجز , قال عنه مؤلفه: إنه شامل، جامع بين المأثور والمعقول , مستمد من أوثق التفاسير المعروفة كالطبري والكشاف! وابن كثير والبحر المحيط! وروح المعاني , في أسلوب ميسر سهل التناول , مع العناية بالوجوه البيانية واللغوية. وقال في المقدمة: وقد أسميت كتابي " صفوة التفاسير " , وذلك لأنه جامع لعيون ما في التفاسير الكبيرة المفصلة , مع الاختصار والترتيب , والوضوح والبيان. طبع الكتاب في ثلاث مجلدات , وكان تاريخ التأليف سنة (1400 هـ) . أما من حيث اعتقاد المؤلِّف فهو أشعري الاعتقاد، وهو ما جعل كتبه واختصاراته عرضة للنقد والرد، بل جعله هذا يبتر بعض نصوص الأحاديث، ويحرف بعض النقول عن العلماء كما سيأتي. قال الشيخ سفر الحوالي: أما الصابوني فلا يؤسفني أن أقول إن ما كتبه عن عقيدة السلف والأشاعرة يفتقر إلى أساسيات بدائية لكل باحث في العقيدة، كما أن أسلوبه بعيد كثيراً عن المنهج العلمي الموثق وعن الأسلوب المتعقل الرصين. " منهج الأشاعرة في العقيدة " (ص 2) . وقد رد عليه كثير من أهل العلم مثل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله والشيخ الألباني رحمه الله والشيخ صالح الفوزان والشيخ بكر أبو زيد والشيخ محمد جميل زينو وغيرهم. وأما كتابه " صفوة التفاسير " فهو من أكثر كتبه التي ردَّ عليها العلماء، وهذه قائمة بأسماء بعض من ردَّ عليه مع ذِكر أسماء كتبهم: 1. " الرد على أخطاء محمد علي الصابوني في كتابه " صفوة التفاسير " و " مختصر تفسير ابن جرير "، للشيخ محمد جميل زينو – مدرس التفسير في دار الحديث في مكة -. 2. " تنبيهات هامة على كتاب " صفوة التفاسير " "، للشيخ محمد جميل زينو. 3. " ملاحظات على كتاب " صفوة التفسير " " للشيخ سعد ظلاَّم – عميد كلية اللغة العربية في مصر -. 4. " ملاحظات على صفوة التفاسير " للشيخ عبد الله بن جبرين. 5. " ملاحظات عامة على كتاب " صفوة التفاسير " " للشيخ صالح الفوزان. 6. " التحذير من مختصرات الصابوني في التفسير " للشيخ بكر أبو زيد، وهو ضمن كتابه الكبير " الردود ". وهذه الردود والتعقبات دفعت وزارة الأوقاف في المملكة العربية السعودية أن تمنع تداول الكتاب وتأمر بمصادرته، وذلك في: " تعميم وزارة الحج والأوقاف برقم 945 / 2 / ص، في 16 / 4 / 1408 هـ من المديرية العامة للأوقاف والمساجد في منطقة الرياض المتضمن مصادرة " صفوة التفاسير " وعدم توزيعه حتى يصلح ما فيه من أخطاء عقدية. قال الشيخ بكر أبو زيد: " صفوة التفاسير " اسم فيه تغرير وتلبيس، فأنَّى له الصفاء وهو مبني على الخلط بين التبر والتبن، إذ مزج بين تفسيري ابن جرير وابن كثير السلفييْن، وتفسير الزمخشري المعتزلي، والرضي الرافضي، والطبرسي الرافضي، والرازي الأشعري، والصاوي الأشعري القبوري المتعصب، وغيرهم، ولا سيما وهذا المزج على يد من لا يعرف الصنعة ولا يتقنها كهذا الذي تسوَّر هذا الصرح بلا سلَّم، وإلا فإن أهل العلم يستفيدون من المفسرين المتميزين بما لا يخرج عن الجادة: مسلك السلف، وضوابط التفسير، وسَنن لسان العرب. " الردود " (ص 311) . وقال: فيفيد وصفه بالجهل أنه: يصحح الضعاف، ويضعِّف الصحاح، ويعزو أحاديث كثيرة إلى الصحيحين، أو السنن الأربعة أو غيرها وليس في الصحيحين – مثلاً – أو ليس في بعضها، ويحتج بالإسرائيليات، ويتناقض في الأحكام. ويفيد وصفه بالإخلال بالأمانة العلمية: بتر النقول، وتقويل العالم ما لم يقله، وتحريف جمع من النصوص والأقوال، وتقريره مذهب الخلَف في كتب السلف. ويفيد خَلْفيته في الاعتقاد: مسخه لعقيدة السلف في مواضع من تفسير ابن جرير، وتفسير ابن كثير، وبأكثر في " صفوة التفاسير "، وما تحريفه لعدد من النصوص إلا ليبرر هذه الغاية. " الردود " (ص 313، 314) . وقد نصحه الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – قائلاً: نوصيك بتقوى لله، والحرص التام على التقيد بمذهب السلف الصالح في جميع مؤلفاتك، ونوصيك أيضاً بالإكثار من تدبر القرآن الكريم، والسنَّة المطهرة، وكلام سلف الأمَّة، والاستفادة مما كتبه الإمام العلاَّمة شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه العلاَّمة ابن القيم، ونوصيك بمطالعة رسالتيْ " التدمرية " و " الحموية " لشيخ الإسلام، و " الصواعق " و " اجتماع الجيوش الإسلاميَّة " لابن القيم، وغيرها من كتب السلف. " الردود " (ص 375) . ثانياً: أما ما أردت بيانه من الكتب التي يحتاجها المسلم في حياته: فيمكنك الاطلاع على السؤال: (14082) ففيه بيان ما أردت وزيادة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39771 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 228 حكم من يلازم الاستغفار لأجل أن يرزق بالولد [السُّؤَالُ] ـ[في سورة نوح ورد فضل الاستغفار، ما هي كيفية الاستغفار الصحيحة - حفظكم الله -؟ وهناك تجربة إن صح التعبير لزميل لي في العمل حيث إنه لم يرزق بالذرية بعد مضي عام ونصف تقريبا، وبعد ذلك داوم على الاستغفار ولازمه في جميع أوقاته وأحواله بعد ترك فضول الكلام وتحري الحلال في جميع حوائجه ولم يكمل الشهر وإذا به - بحمد الله - يبشَّر بأن زوجته أصبحت حبلى، حفظ الله هذا الزميل وحفظ ذريته وأهله. فسبحان الله هل ينطبق هذا المثال على من أراد الأموال والجنات؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا بأس أن يكثر الإنسان من الاستغفار ليرزقه الله تعالى المال والولد. قال الله تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا. يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا. وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) نوح/10 - 12. قال القرطبي: قوله تعالى {فقلت استغفروا ربكم} أي: سلوه المغفرة من ذنوبكم السالفة بإخلاص الإيمان. {إنه كان غفاراً} أي: لم يزل كذلك لمن أناب إليه. وهذا منه ترغيب في التوبة. {يرسل السماء عليكم مدراراً} أي: يرسل ماء السماء، و {مدراراً} ذا غيث كثير. (ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً) قال الشعبي: خرج عمر يستسقي فلم يزد على الاستغفار حتى رجع، فأُمطروا فقالوا: ما رأيناك استسقيت؟ فقال: لقد طلبتُ المطر بمجاديح السماء التي يُستنزل بها المطر؛ ثم قرأ {استغفروا ربكم إنه كان غفاراً. يرسل السماء عليكم مدراراً} . (بمجاديح) جمع مِجْدَح وهو نجم كانت العرب تزعم أنها تمطر به. وأراد عمر رضي الله عنه تكذيب العرب في هذا الزعم الباطل، وبَيَّن أنه استسقى بالسبب الصحيح لنزول المطر وهو الاستغفار وليس النجوم. وشكا رجل إلى الحسن الجدوبة فقال له: استغفر الله، وشكا آخر إليه الفقر فقال له: استغفر الله، وقال له آخر: ادع الله أن يرزقني ولداً؛ فقال له: استغفر الله، وشكا إليه آخر جفاف بستانه فقال له: استغفر الله، فقلنا له في ذلك؟ فقال: ما قلت من عندي شيئاً؛ إن الله تعالى يقول في سورة نوح (استغفروا ربكم إنه كان غفاراً. يرسل السماء عليكم مدراراً. ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً) . " تفسير القرطبي " (18 / 301 – 303) باختصار. ثانياً: أما صيغ الاستغفار: فأفضل ذلك ما ثبت في السنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقوله، أو ما أوصى به الأمة أن تقوله. 1. عن شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " سيد الاستغفار أن تقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. قال: ومن قالها من النهار موقنا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة. رواه البخاري (5947) . 2. عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو بهذا الدعاء " رب اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري كله وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي خطاياي وعمدي وجهلي وهزلي وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير ". رواه البخاري (6035) ومسلم (2719) . 3. عن ابن عمر قال: إنْ كنَّا لنعدُّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس يقول " رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم " مائة مرة. رواه الترمذي (3434) وعنده " التواب الغفور " وأبو داود (1516) وابن ماجه (3814) . 4. عن أبي يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " مَن قال أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحيَّ القيومَ وأتوب إليه غفر له وإن كان فر من الزحف ". رواه الترمذي (3577) وأبو داود (1517) . 5. عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: علِّمني دعاءً أدعو به في صلاتي، قال: قل " اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرةً من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم ". رواه البخاري (799) ومسلم (2705) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39775 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 229 الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وآية (عليكم أنفسكم) [السُّؤَالُ] ـ[كيف نرد بحجة قوية ومقنعة على من احتج بقوله تعالى: (ياأيها الناس عليكم أنفسكم) إذا أُمر بالمعروف أو نُهي عن منكر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه الآية الكريمة من سورة المائدة، مما يخطئ بعض الناس في فهمها، ويتوهمون أنها تدل على عدم وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وربما احتجوا بها على من أمرهم أو نهاهم. قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي في تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) المائدة / 105 قد يتوهم الجاهل من ظاهر هذه الآية الكريمة عدم وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن نفس الآية فيها الإشارة إلى أن ذلك فيما إذا بلغ جهده فلم يقبل منه المأمور، وذلك في قوله (إذا اهتديتم) لأن من ترك الأمر بالمعروف لم يهتد. وممن قال بهذا حذيفة وسعيد بن المسيب كما نقله عنهما الألوسي في تفسيره، وابن جرير، ونقله القرطبي عن سعيد بن المسيب، وأبي عبيد القاسم بن سلام، ونقل نحوه ابن جرير عن جماعة من الصحابة منهم ابن عمر وابن مسعود. فمن العلماء من قال: (إذا اهتديتم) أي أمرتم فلم يسمع منكم، ومنهم من قال: يدخل الأمر بالمعروف في المراد بالاهتداء في الآية، وهو ظاهر جدا ولا ينبغي العدول عنه لمنصف. ومما يدل على أن تارك الأمر بالمعروف غير مهتد أن الله تعالى أقسم أنه في خسر، في قوله تعالى: (وَالْعَصْرِ إِنَّ الأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) فالحق وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبعد أداء الواجب لا يضر الآمر ضلال من ضل. وقد دلت الآيات كقوله تعالى: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) ، والأحاديث على أن الناس إن لم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر، عمهم الله بعذاب من عنده، فمن ذلك ... وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: " يا أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن رأى الناس الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه" رواه أبو داود (4338) والترمذي (2168) والنسائي بأسانيد صحيحة (وصححه الألباني في صحيح الترمذي برقم 2448)) انتهى من أضواء البيان 2/169 وكلامه رحمه الله كاف واف. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38701 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 230 تفسير قوله تعالى: (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى قوله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) البقرة /197؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه الآية الكريمة يذكر الله تعالى فيها بعض الأحكام والآداب المتعلقة بالحج. يقول الله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ) أي: وقت الحج أشهر معلومات وهي شوال وذو القعدة وعشر ذي الحجة. وذهب بعض العلماء إلى أن شهر ذي الحجة كله من أشهر الحج. وقوله تعالى: (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ) أي: أحرم به، لأنه إذا أحرم بالحج وجب عليه إتمامه، لقوله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) البقرة /196. وقوله تعالى: (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) أي: إذا أحرم بالحج وجب عليه تعظيمه فيصونه عن كل ما يفسده أو ينقصه من الرفث والفسوق والجدال. والرفث هو الجماع، ومقدماته القولية والفعلية كالتقبيل والكلام المتعلق بالجماع والشهوة ونحو ذلك. ويطلق الرفث أيضاً على الكلام الفاحش البذيء. والفسوق هو المعاصي كلها كعقوق الوالدين وقطيعة الرحم وأكل الربا وأكل مال اليتيم والغيبة والنميمة.. الخ. ومن الفسوق: محظورات الإحرام. والجدال معناه المخاصمة والمنازعة والمماراة بغير حق، فلا يجوز للمحرم بالحج أو العمرة أن يجادل بغير حق. أما المجادلة بالتي هي أحسن لبيان الحق فهذا مما أمر الله به في قوله: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن) النحل /125. فهذه الأشياء (الفحش في القول والمعاصي والجدال بالباطل) وإن كانت ممنوعة في كل مكان وزمان فإنه يتأكد المنع منها في الحج، لأن المقصود من الحج الذل والانكسار لله والتقرب إليه بما أمكن من الطاعات، والتنزه عن مقارفة السيئات، فإنه بذلك يكون مبروراً، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة. نسأل الله تعالى أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته. والله أعلم. انظر: فتح الباري (3/382) ، تفسير السعدي (ص 125) ، فتاوى ابن باز (17/144) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36808 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 231 الاجتهاد في أكثر من ختمة للقرآن الكريم [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن أبدأ بأكثر من ختمة في وقت واحد دون الانتهاء من الختمة الأولى، يعني أن أبدأ بالثانية والأولى معا، وأختمهما معا؟؟ وجزاكم الله ألف خير.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله القرآن الكريم كلام الله عز وجل، وتلاوته من أفضل العبادات وأحب القربات، وكلما أكثر المسلم من تلاوته وقراءته ناله من الأجر العظيم، والثواب الجزيل. عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ، وَلَامٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ) رواه الترمذي (2910) وقال: حسن صحيح غريب من هذا الوجه، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ". وهذا الأجر يحصل لمن قرأ أي سورة من القرآن، سواء كان ذلك أثناء ختمة مرتبة، أو في صلاته، أو في قراءة عارضة له، لم يراع فيها ختمة معينة. غير أن الأفضل للتالي أن يتابع ختمته من أول القرآن إلى آخره، وبترتيب السور في المصحف، وألا يبدأ في ختمة حتى ينتهي من التي شرع فيها قبل ذلك، وهذا هو هدي السلف في ذلك، وهو الذي جاء فيه التوقيت في ختم القرآن في شهر أو أقل من ذلك. ولا ينبغي له أن يخالف ذلك فيشرع في ختمة أخرى إلا لسبب يدعو إلى ذلك؛ كأن تكون له ختمة في صلاته وختمة أخرى خارج الصلاة، أو تكون له ختمة نظرا من المصحف وأخرى عن ظهر قلب، أو تكون له ختمة حدرا، يراعي فيها الإكثار من التلاوة، وأخرى للتدبر والتفقه لا يبالي أن يكون ما قرأ فيها قليلا أو كثيرا، أو نحو ذلك من الوجوه المعتبرة. ولقد يُخشى على من يشرع في ختمة أخرى، بلا مسوغ مقبول، أن يكون ذلك من استعجاله، وعدم صبره حتى يتم المحصف إلى نهايته، إضافة لما فيه من المخالفة لما هو معروف من هدي السلف في ذلك. ويراجع لمعرفة هدي السلف في ختم القرآن: " التبيان في آداب حملة القرآن"، للإمام النووي رحمه الله (75-82) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 141700 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 232 أيهما أفضل قراءة سورة من القرآن بتدبر وفهم أم قراءة القرآن كله من غير تدبر [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك حديث يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن من يقرأ سورة العصر بانتباه وفهم أفضل ممن يقرأ القرآن كاملا دون فهم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لم يصح في فضائل سورة " العصر " شيء سوى أنها من المفصل. جاء في " موسوعة فضائل سور وآيات القرآن " (القسم الصحيح 2/319) " لم يصح فيها شيء سوى أنها من المفصل " انتهى. وتقول الباحثة آمال سعدي: " لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضل سورة العصر شيء، بل وردت في فضلها روايات ضعيفة وموضوعة، منها: (من قرأ سورة العصر غفر الله له، وكان ممن تواصى بالحق وتواصى بالصبر) " انتهى. " الصحيح والسقيم في فضائل القرآن الكريم " (ص/96) ثانيا: ننقل ههنا كلاما نفيسا للعلامة ابن القيم رحمه الله، يبين فيه أقوال العلماء في المفاضلة بين قراءة القدر اليسير من القرآن بتدبر وفهم، وبين قراءة القدر الكثير من القرآن من غير تدبر ولا تفكر. يقول ابن القيم رحمه الله: " اختلف الناس في الأفضل من الترتيل وقلة القراءة، أو السرعة مع كثرة القراءة: أيهما أفضل؟ على قولين: فذهب ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما وغيرهما إلى أن الترتيل والتدبر مع قلة القراءة أفضل من سرعة القراءة مع كثرتها. واحتج أرباب هذا القول بأن المقصود من القراءة فهمه، وتدبره، والفقه فيه، والعمل به، وتلاوته وحفظه وسيلة إلى معانيه، كما قال بعض السلف: نزل القرآن ليعمل به، فاتخذوا تلاوته عملا، ولهذا كان أهل القرآن هم العالمون به، والعاملون بما فيه، وإن لم يحفظوه عن ظهر قلب، وأما من حفظه ولم يفهمه ولم يعمل بما فيه فليس من أهله، وإن أقام حروفه إقامة السهم. قالوا: ولأن الإيمان أفضل الأعمال، وفهم القرآن وتدبره هو الذي يثمر الإيمان، وأما مجرد التلاوة من غير فهم ولا تدبر فيفعلها البر والفاجر والمؤمن والمنافق، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ومثل المنافق الذي يقرأ القران كمثل الريحانة: ريحها طيب، وطعمها مر) . والناس في هذا أربع طبقات: أهل القرآن والإيمان، وهم أفضل الناس. والثانية: من عدم القرآن والإيمان. الثالثة: من أوتي قرآنا ولم يؤت إيمانا. الرابعة: من أوتي إيمانا ولم يؤت قرآنا. قالوا: فكما أن من أوتي إيمانا بلا قرآن أفضل ممن أوتي قرآنا بلا إيمان، فكذلك من أوتي تدبرا وفهما في التلاوة أفضل ممن أوتي كثرة قراءة وسرعتها بلا تدبر. قالوا: وهذا هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه كان يرتل السورة حتى تكون أطول من أطول منها، وقام بآية حتى الصباح. وقال أصحاب الشافعي رحمه الله: كثرة القراءة أفضل، واحتجوا بحديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف) رواه الترمذي وصححه. قالوا: ولأن عثمان بن عفان قرأ القرآن في ركعة، وذكروا آثارا عن كثير من السلف في كثرة القراءة. والصواب في المسألة أن يقال: إن ثواب قراءة الترتيل والتدبر أجل وأرفع قدرا، وثواب كثرة القراءة أكثر عددا: فالأول: كمن تصدق بجوهرة عظيمة، أو أعتق عبدا قيمته نفيسة جدا. والثاني: كمن تصدق بعدد كثير من الدراهم، أو أعتق عددا من العبيد قيمتهم رخيصة. وفي " صيح البخاري " عن قتادة قال: سألت أنسا عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (كان يمد مدا) . وقال شعبة: حدثنا أبو جمرة، قال: قلت لابن عباس: إني رجل سريع القراءة، وربما قرأت القرآن في ليلة مرة أو مرتين، فقال ابن عباس: لأن أقرأ سورة واحدة أعجب إلي من أن أفعل ذلك الذي تفعل، فإن كنت فاعلا ولا بد فاقرأ قراءة تسمع أذنيك، ويعيها قلبك. وقال إبراهيم: قرأ علقمة على ابن مسعود - وكان حسن الصوت – فقال: رتل فداك أبي وأمي، فإنه زين القرآن. وقال ابن مسعود: لا تهذُّوا القرآن هذَّ الشعر، ولا تنثروه نثر الدقل، وقفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة. - والهذّ: سرعة القراءة، والدَّقَل: رديء التمر -. وقال عبد الله أيضا: إذا سمعت الله يقول: (يأيها الذين آمنوا) فأصغ لها سمعك، فإنه خير تؤمر به، أو شر تصرف عنه. " انتهى. " زاد المعاد " (1/337-340) وانظر جواب السؤال رقم: (4040) ، (131788) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 137288 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 233 ما هي السور التي يستحب قراءتها في أوقات مخصوصة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك سور من القرآن الكريم تقرأ في أيام معينة، أو أوقات معينة، مثل سورة الكهف. مع تأكيد ذلك. مع جزيل الشكر والتقدير.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأحاديث الواردة في فضل قراءة سور مخصوصة في أيام مخصوصة كثيرة، غير أنها لا يصح منها شيء سوى ما ثبت في فضل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة وليلتها، كما سبق بيان ذلك في جواب رقم: (10700) . وأما قراءة بعض السور في أذكار الصباح والمساء فقد ورد ذلك في أكثر من سورة من سور القرآن الكريم، كقراءة سورة الملك كل ليلة، وقراءة آية الكرسي والمعوذتين وسورتي الإسراء والزمر وغيرها قبل النوم، وفي موقعنا أجوبة تبين ذلك بالأدلة الصحيحة في الأجوبة ذوات الأرقام الآتية: (26240) ، (72591) ، (6092) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 135745 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 234 قراءة سورة يس في الصباح والمساء؟ [السُّؤَالُ] ـ[أود أن أسأل عن صحة حديث: (من قرأ " يس " إذا أصبح لم يزل في فرح حتى يمسي، ومن قرأها إذا أمسى لم يزل في فرح حتى يصبح) انتهى. وعن ما ورد عن مداومة الرسول صلى الله عليه وسلم على قراءتها فجراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الأثر المذكور في السؤال روي من قول التابعي الجليل يحيى بن أبي كثير رحمه الله أنه قال: (من قرأ " يس " إذا أصبح لم يزل في فرح حتى يمسي، ومن قرأها إذا أمسى لم يزل في فرح حتى يصبح. قال: وأنبأنا مَن جرَّبَ ذلك) رواه ابن الضريس في " فضائل القرآن " (رقم/218، ص/101) قال: أخبرنا عباس بن الوليد، ثنا عامر بن يساف، عن يحيى بن أبي كثير قال ... فذكره. ثم قال في (حديث رقم/220) : أخبرنا علي بن الحسن، ثنا عامر بن يساف، عن يحيى بن أبي كثير قال: من قرأ ... مثل حديث عباس. فمدار هذا الأثر على عامر بن يساف، وقد اختلف فيه أهل الجرح والتعديل، قال ابن عدي: منكر الحديث عن الثقات، ومع ضعفه يكتب حديثه. وقال أبو داود: ليس به بأس، رجل صالح. وقال العجلي: يكتب حديثه وفيه ضعف. وذكره بن حبان في الثقات. انظر " لسان الميزان " (3/224) ، وقال أبو حاتم: هو صالح. " الجرح والتعديل " (6/329) وجاء في "تعجيل المنفعة " (1/207) : واختلف فيه قول يحيى بن معين، فقال ابن البرقي عنه: ثقة. وقال عباس الدوري عنه: ليس بشيء. وانظر: " تهذيب التهذيب " (5/66) ورواية الدوري عن ابن معين أرجح من رواية ابن البرقي. فتحصل من كلام الأئمة أن تفرد عامر بن يساف غير مقبول لوجود المناكير في حديثه. ولذلك قال الذهبي: له مناكير. وقال الحافظ في " تقريب التهذيب ": لين الحديث. وبهذا يتبين ضعف روايته لهذا الأثر عن يحيى بن أبي كثير. على أنَّه، لو قدر صحته، فليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، بل ولا كلام أحد من أصحابه، وإنما هو من كلام يحيى، وهو من صغار التابعين، توفي سنة (132هـ) . قال الشيخ محمد عمرو عبد اللطيف رحمه الله: " العمدة في دين الله عز وجل: صحة النقل، وثبوت العرش، وهذا أثر منكر لا يصح " انتهى. " أحاديث ومرويات في الميزان " (ص/75) طبعة ملتقى أهل الحديث. كما لم نقف على حديث يدل على مداومة النبي صلى الله عليه وسلم على قراءة سورة " يس " فجراً، وقد سبق في موقعنا بيان أن جميع الأحاديث المروية في فضل هذه السورة ضعيفة، يمكن مراجعة ذلك في جواب السؤال رقم: (75894) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 135081 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 235 أهمية سورة الفاتحة، وذكر بعض فضائلها [السُّؤَالُ] ـ[ما أهمية سورة الفاتحة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لسورة الفاتحة أهمية عظيمة، وفضائلها كثيرة، فمن ذلك: - أنها ركن من أركان الصلاة، لا تصح الصلاة إلا بها؛ فروى البخاري (756) ومسلم (394) عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ) . قال النووي: "فِيهِ وُجُوب قِرَاءَة الْفَاتِحَة وَأَنَّهَا مُتَعَيِّنَة لَا يُجْزِي غَيْرهَا إِلَّا لِعَاجِزٍ عَنْهَا , وَهَذَا مَذْهَب مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَجُمْهُور الْعُلَمَاء مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدهمْ" انتهى. - أنها أفضل سورة في القرآن؛ فروى الترمذي (2875) وصححه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: أَتُحِبُّ أَنْ أُعَلِّمَكَ سُورَةً لَمْ يَنْزِلْ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الزَّبُورِ وَلَا فِي الْفُرْقَانِ مِثْلُهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَيْفَ تَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: فَقَرَأَ أُمَّ الْقُرْآنِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أُنْزِلَتْ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الزَّبُورِ وَلَا فِي الْفُرْقَانِ مِثْلُهَا) صححه الألباني في صحيح الترمذي. - أنها السبع المثاني التي قال الله فيها: (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنْ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) الحجر/87، وروى البخاري (4474) عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى رضي الله عنه أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ قَالَ له: (لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ السُّوَرِ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ) ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ قُلْتُ لَهُ: أَلَمْ تَقُلْ لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ؟ قَالَ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي، وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ) . قال الحافظ: " اخْتُلِفَ فِي تَسْمِيَتهَا " مَثَانِي " فَقِيلَ لِأَنَّهَا تُثَنَّى كُلّ رَكْعَة أَيْ تُعَاد , وَقِيلَ لِأَنَّهَا يُثْنَى بِهَا عَلَى اللَّه تَعَالَى , وَقِيلَ لِأَنَّهَا اُسْتُثْنِيَتْ لِهَذِهِ الْأُمَّة لَمْ تَنْزِل عَلَى مَنْ قَبْلهَا , " انتهى. - أنها جمعت بين التوسل إلى الله تعالى بالحمد والثناء على الله تعالى وتمجيده، والتوسل إليه بعبوديته وتوحيده، ثم جاء سؤال أهم المطالب وأنجح الرغائب وهو الهداية بعد الوسيلتين، فالداعي به حقيق بالإجابة. انظر: "مدارج السالكين" (1/24) . - أنها ـ مع قصرها ـ تشتمل على أنواع التوحيد الثلاثة، توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات. انظر: "مدارج السالكين" (1/24-27) . - أنها تشتمل على شفاء القلوب وشفاء الأبدان. قال ابن القيم رحمه الله: "فأما اشتمالها على شفاء القلوب: فإنها اشتملت عليه أتم اشتمال، فإن مدار اعتلال القلوب وأسقامها على أصلين: فساد العلم، وفساد القصد، ويترتب عليهما داءان قاتلان وهما الضلال والغضب، فالضلال نتيجة فساد العلم، والغضب نتيجة فساد القصد، وهذان المرضان هما ملاك أمراض القلوب جميعها، فهداية الصراط المستقيم تتضمن الشفاء من مرض الضلال، ولذلك كان سؤال هذه الهداية أفرض دعاء على كل عبد وأوجبه عليه كل يوم وليلة في كل صلاة، لشدة ضرورته وفاقته إلى الهداية المطلوبة، ولا يقوم غير هذا السؤال مقامه. والتحقيق بـ (إياك نعبد وإياك نستعين) علماً ومعرفة وعملاً وحالاً يتضمن الشفاء من مرض فساد القلب والقصد. وأما تضمنها لشفاء الأبدان فنذكر منه ما جاءت به السنة، وما شهدت به قواعد الطب ودلت عليه التجربة. فأما ما دلت عليه السنة: ففي الصحيح من حديث أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مروا بحي من العرب ... " فذكر حديث الرقية بالفاتحة " ثم قال: "فقد تضمن هذا الحديث حصول شفاء هذا اللديغ بقراءة الفاتحة عليه فأغنته عن الدواء وربما بلغت من شفائه ما لم يبلغه الدواء. هذا مع كون المحل غير قابل، إما لكون هؤلاء الحي غير مسلمين، أو أهل بخل ولؤم، فكيف إذا كان المحل قابلاً؟ انتهى. "مدارج السالكين" (1/52-55) . ثم قال: "كان يعرض لي آلام مزعجة بحيث تكاد تقطع الحركة مني، وذلك في أثناء الطواف وغيره فأبادر إلى قراءة الفاتحة وأمسح بها على محل الألم فكأنه حصاة تسقط، جربت ذلك مراراً عديدة، وكنت آخذ قدحاً من ماء زمزم فأقرأ عليه الفاتحة مراراً فأشربه فأجد به من النفع والقوة ما لم أعهد مثله في الدواء" انتهى. "مدارج السالكين" (1/ 58) . - أنها تشتمل على الرد على جميع المبطلين من أهل الملل والنحل، والرد على أهل البدع والضلال من هذه الأمة. وهذا يعلم بطريقين: مجمل ومفصل: وبيان ذلك: أن الصراط المستقيم متضمن معرفة الحق وإيثاره وتقديمه على غيره ومحبته والانقياد له والدعوة إليه وجهاد أعدائه بحسب الإمكان. والحق هو ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وما جاء به علماً وعملاً في باب صفات الرب سبحانه وأسمائه وتوحيده وأمره ونهيه ووعده ووعيده، وفي حقائق الإيمان التي هي منازل السائرين إلى الله تعالى، وكل ذلك مسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم دون آراء الرجال وأوضاعهم وأفكارهم واصطلاحاتهم. "مدارج السالكين" (1/58) . - أن سورة الفاتحة قد تضمنت جميع معاني الكتب المنزلة. "مدارج السالكين" (1/74) . - أنها متضمنة لأنفع الدعاء. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "تأملت أنفع الدعاء، فإذا هو سؤال العون على مرضاته، ثم رأيته في الفاتحة في: (إياك نعبد وإياك نستعين) " انتهى. "مدارج السالكين" (1/78) . وبالجملة: فسورة الفاتحة مفتاح كل خير وسعادة في الدارين. قال ابن القيم رحمه الله: " فاتحة الكتاب وأم القرآن والسبع المثاني والشفاء التام والدواء النافع والرقية التامة ومفتاح الغنى والفلاح وحافظة القوة ودافعة الهم والغم والخوف والحزن لمن عرف مقدارها وأعطاها حقها وأحسن تنزيلها على دائه وعرف وجه الاستشفاء والتداوي بها والسر الذي لأجله كانت كذلك. ولما وقع بعض الصحابة على ذلك رقى بها اللديغ فبرأ لوقته، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (وما أدراك أنها رقية) . ومن ساعده التوفيق وأُعِين بنور البصيرة حتى وقف على أسرار هذه السورة وما اشتملت عليه من التوحيد، ومعرفة الذات والأسماء والصفات والأفعال، وإثبات الشرع والقدر والمعاد، وتجريد توحيد الربوبية والإلهية، وكمال التوكل والتفويض إلى من له الأمر كله وله الحمد كله وبيده الخير كله وإليه يرجع الأمر كله، والافتقار إليه في طلب الهداية التي هي أصل سعادة الدارين، وعلم ارتباط معانيها بجلب مصالحهما ودفع مفاسدهما، وأن العاقبة المطلقة التامة والنعمة الكاملة منوطة بها موقوفة على التحقق بها؛ أغنته عن كثير من الأدوية والرقى، واستفتح بها من الخير أبوابه، ودفع بها من الشر أسبابه " انتهى. "زاد المعاد" (4/318) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 132386 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 236 الاجتماع على قراءة يس عدة مرات ثم الدعاء [السُّؤَالُ] ـ[يوجد بعض الأشخاص يجتمعون ويقرءون سورة يس، ثم يتقدم أحدهم ويدعو، والباقي يرفعون أيديهم ويؤمنون على دعائه، وتكون القراءة بعدد معين مرة أو أكثر. فهل جاء في القرآن أو السُنة ما يؤيد هذا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتمع بأصحابه ويقرأ القرآن في مجالسه عليه الصلاة والسلام، ويذكر أصحابه ويعلمهم ويوجههم إلى الخير، عليه الصلاة والسلام، وربما مر بالسجدة في القرآن فيسجد ويسجدون معه، وربما أمر بعض أصحابه أن يقرأ وهو يستمع، كما ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ذات يوم: (يا عبد الله اقرأ علي القرآن) ، فقال: يا رسول الله، كيف أقرأ عليك وعليك أًُنزل؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (إني أحب أن أسمعه من غيري) عليه الصلاة والسلام، قال: عبد الله، فقرأت عليه سورة النساء حتى بلغت قوله تعالى: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا) النساء/41، قال: (حسبك) قال عبد الله: فنظرت إليه فإذا عيناه تذرفان. عليه الصلاة والسلام، يعني: يبكي لما تذكر هذا الموقف العظيم يوم القيامة، عليه الصلاة والسلام. فإذا اجتمع الإخوان في مجلس، أو في أي مكان، وقرؤوا ما تيسر من القرآن وتدبروا وتعقلوا وتذكروا فهذا خير عظيم، وفيه فضل كبير، ويستحب لمن يسمع القرآن أن ينصت، حتى يستفيد ويتدبر، وإذا دعوا بعد القراءة بما شاءوا من الدعاء فلا حرج في ذلك. لكن كونهم يعتادون تكرار يس أو غيرها عدداً معيناً فهذا ما لا نعلم له أصلاً، ولكن يقرءون ما تيسر من يس أو من البقرة أو من غير ذلك، أو يتدارسون من أول القرآن إلى آخره، وهذا يقرأ ثم يقرأ الآخر وهكذا، أو يقرأ هذا ثم يعيد القراءة هذا، حتى يستفيدوا جميعاً ويتدبروا. أما تخصيص عدد معين من السور فهذا ما لا أعلم له أصلاً، وكذلك رفع الأيدي لا أعلم أنه وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في اجتماعاته مع الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، فالأولى أن يكون الدعاء بما تيسر من غير رفع أيد، ومن غير دعاء جماعي، بل كل يدعو لنفسه بينه وبين نفسه، هذا هو الذي نعلمه من السُنة، ولكن ينبغي على كل جالس التدبر والتعقل، وأن تكون القراءة مقصودة ليس لمجرد القراءة فقط. ولكن يعتني المؤمن بما يقرأ وبما يسمع ويتدبر؛ لقوله عز وجل: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) ص/29، فالمقصود من القراءة: التدبر والتعقل والعمل والفائدة، نسأل الله التوفيق والهداية" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله. "فتاوى نور على الدرب" ­لابن باز (1/66، 67) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 132095 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 237 فضل سورة " الجمعة " [السُّؤَالُ] ـ[هل لسورة الجمعة أهمية خاصة؟ وهل يستحب قراءتها يوم الجمعة كسورة الكهف؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لم يصح في فضائل سورة الجمعة شيء مخصوص، إنما ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بها في صلاة الجمعة في الركعة الأولى، فعن ابن عباس رضي الله عنهما (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ سُورَةَ الْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِينَ) رواه مسلم (879) . جاء في كتاب " الصحيح والسقيم من فضائل القرآن الكريم " لآمال سعدي (ص/81) : " لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضل سورة الجمعة شيء، وقد وردت في فضلها روايات ضعيفة وموضوعة، منها: (من قرأ سورة الجمعة أعطي من الأجر حسنات بعدد من أتى الجمعة ومن لم يأتها من أمصار المسلمين) – رواه الثعلبي في "الكشف والبيان" (9/305) من طريق أبي عصمة نوح بن أبي مريم الكذاب الوضاع المشهور، ولذلك قال المناوي في "الفتح السماوي": موضوع - " انتهى. ولكن سورة الجمعة من سور " المفصل " التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه فضل بها على سائر الكتب والأنبياء، فعنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (فُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ) رواه أحمد (4/107) ، صححه الألباني في "بداية السول" (ص/59) ، وقال محققو المسند بإشراف الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121646 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 238 متى وقت قراءة سورة الكهف يوم الجمعة [السُّؤَالُ] ـ[وفقا للسنة , ما هو الوقت الصحيح لقراءة سورة الكهف يوم الجمعة؟ هل نقرأها من بعد الفجر إلى ما قبل صلاة الجمعة , أم في أي وقت من ذلك اليوم؟ وأيضا , هل قراءة سورة آل عمران يوم الجمعة من السنة؟ وإذا كان الجواب بنعم , فمتى نقرأها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ورد في فضل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة أو ليلتها أحاديث صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم منها: أ. عن أبي سعيد الخدري قال: " من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أضاء له من النور فيما بينه وبين البيت العتيق ". رواه الدارمي (3407) . والحديث: صححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " (6471) . ب. " من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين ". رواه الحاكم (2 / 399) والبيهقي (3 / 249) . والحديث: قال ابن حجر في " تخريج الأذكار ": حديث حسن، وقال: وهو أقوى ما ورد في قراءة سورة الكهف. انظر: " فيض القدير " (6 / 198) . وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " (6470) . ج. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة سطع له نور من تحت قدمه إلى عنان السماء يضيء له يوم القيامة، وغفر له ما بين الجمعتين ". قال المنذري: رواه أبو بكر بن مردويه في تفسيره بإسناد لا بأس به. " الترغيب والترهيب " (1 / 298) . وتقرأ السورة في ليلة الجمعة أو في يومها، وتبدأ ليلة الجمعة من غروب شمس يوم الخميس، وينتهي يوم الجمعة بغروب الشمس، وعليه: فيكون وقت قراءتها من غروب شمس يوم الخميس إلى غروب شمس يوم الجمعة. قال المناوي: قال الحافظ ابن حجر في " أماليه ": كذا وقع في روايات " يوم الجمعة " وفي روايات " ليلة الجمعة "، ويجمع بأن المراد اليوم بليلته والليلة بيومها. " فيض القدير " (6 / 199) . وقال المناوي أيضاً: فيندب قراءتها يوم الجمعة وكذا ليلتها كما نص عليه الشافعي رضي الله عنه. " فيض القدير " (6 / 198) . ولم ترد أحاديث صحيحة في قراءة سورة " آل عمران " يوم الجمعة، وكل ما ورد في ذلك، فهو ضعيف جدّاً أو موضوع. عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ السورة التي يذكر فيها آل عمران يوم الجمعة صلى الله عليه وملائكته حتى تحجب الشمس ". رواه الطبراني في " المعجم الأوسط " (6 / 191) ، و" الكبير " (11 / 48) . والحديث: ضعيف جدّاً أو موضوع. قال الهيثمي: رواه الطبراني في " الأوسط " و " الكبير "، وفيه طلحة بن زيد الرقي وهو ضعيف [جدّاً] . " مجمع الزوائد " (2 / 168) . وقال ابن حجر: طلحة ضعيف جداً ونسبه أحمد وأبو داود إلى الوضع. انظر: " فيض القدير " (6 / 199) . وقال الشيخ الألباني: موضوع، انظر حديث رقم: (5759) في " ضعيف الجامع ". ومنها ما رواه التيمي في " الترغيب: " من قرأ سورة البقرة وآل عمران في ليلة الجمعة كان له من الأجر كما بين البيداء أي الأرض السابعة وعروباً أي السماء السابعة ". قال المناوي: وهو غريب ضعيف جداً. " فيض القدير " (6 / 199) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 10700 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 239 إنهن من العتاق الأول، وهن من تلادي [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم في سور الإسراء والكهف ومريم: (إنهن من العتاق الأول، وهن من تلادي) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من كلام الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فقد روى البخاري في صحيحه (4994) بسنده عن عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ قال: سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ فِي " بَنِى إِسْرَائِيلَ " و " الْكَهْفِ " وَ " مَرْيَمَ " وَ " طَهَ " وَ " الأَنْبِيَاءِ ": (إِنَّهُنَّ مِنَ الْعِتَاقِ الأُوَلِ، وَهُنَّ مِنْ تِلاَدِي) . ولعل أقدم ما وردنا من تفسيره ما قاله الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام في كتابه " فضائل القرآن " (حديث رقم/385) ، حيث قال بعد روايته له: " قوله: " من تلادي ": يعني: من قديم ما أخذت من القرآن، وذلك أن هذه السور نزلت بمكة " انتهى. ويستدل العلماء بهذا الأثر عن ابن مسعود على أن ترتيب السور في مصحف عثمان رضي الله عنه ترتيب توقيفي كان على زمن النبي صلى الله عليه وسلم. يقول الحافظ ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (1/49) : " انفرد البخاري بإخراجه، والمراد منه ذكر ترتيب هذه السور في مصحف ابن مسعود كالمصاحف العثمانية. وقوله: (من العتاق الأول) أي: من قديم ما نزل. وقوله: (وهن من تلادى) أي: من قديم ما قنيت وحفظت. والتالد في لغتهم: قديم المال والمتاع، والطارف: حديثه وجديده " انتهى. وانظر "البرهان في علوم القرآن" (1/257) . وسئلت "اللجنة الدائمة " (المجموعة الثانية 3/128) السؤال الآتي: " ما صحة هذا الحديث، قال صلى الله عليه وسلم في بني إسرائيل، والكهف، وطه، ومريم، والأنبياء: (هن من العتاق الأول، وهن من تلادي) . فأجابت: " الحديث المذكور رواه الإمام البخاري موقوفا على ابن مسعود رضي الله عنه، يعني: أنهن من السور المتقدمات في النزول. وقوله: (من تلادي) أي: أنهن مما أحفظه من قديم " انتهى باختصار. وانظر جواب السؤال رقم: (90186) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 113070 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 240 أجر قراءة ترجمة القرآن الكريم [السُّؤَالُ] ـ[بالإشارة إلى السؤال رقم 2237 "قراءة سورة يس جماعياً ليلة الجمعة". وأشير إلى الحديث الذي ذكرته أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا لا أَقُولُ ألم حَرْفٌ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ. " واستفسر عما إذا كان هذا الحديث يصدق على من يقرأ القرآن بلغة أخرى (أي ترجمة إنكليزية) لكي يفهم ما يقرأ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نسأل الله أن يثيبك أيها السائل على حرصك، وبالنسبة لما سألت عنه فإن الأجر المذكور في هذا الحديث إنما يحصل لمن قرأ القرآن كما هو بحروفه العربية، ولا يحصل لمن قرأ ترجمة معانيه بأي لغة من اللغات، ولكن إذا قرأ ترجمة معاني القرآن من باب تدبر معانيه والانتفاع بما تضمنته الآيات فإنه يؤجر ويثاب على ذلك، وأجره على الله، لأنّ المسلم يُؤجر على قراءة التّفسير، والترجمة تفسير، وليس هناك ما يدل على أنه يحصل له الأجر المذكور في الحديث، وفضل الله واسع، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2589 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 241 القرآن الكريم [السُّؤَالُ] ـ[ما هو القرآن؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله القرآن الكريم هو كلام رب العالمين أنزله الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ليخرج الناس من الظلمات إلى النور: (هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور) الحديد/9. وقد بين الله في القرآن الكريم أخبار الأولين والآخرين وخلق السماوات والأرضين وفصل فيه الحلال والحرام وأصول الآداب والأخلاق وأحكام العبادات والمعاملات وسيرة الأنبياء والصالحين وجزاء المؤمنين والكافرين ووصف الجنة دار المؤمنين ووصف النار دار الكافرين وجعله تبياناً لكل شيء: (ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين) النحل/89. وفي القرآن الكريم بيان لأسماء الله وصفاته ومخلوقاته والدعوة إلى الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر: (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير) البقرة/285. وفي القرآن الكريم بيان لأحوال يوم الدين وما بعد الموت من البعث والحشر والعرض والحساب ووصف الحوض والصراط والميزان والنعيم والعذاب وجمع الناس لذلك اليوم العظيم: (الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثاً) النساء/87. وفي القرآن الكريم دعوة إلى النظر والتفكر في الآيات الكونية والآيات القرآنية: (قل انظروا ماذا في السماوات والأرض) يونس/101. وقال سبحانه: (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) محمد/24. والقرآن الكريم كتاب الله إلى الناس كافة: (إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس بالحق فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنت عليهم بوكيل) الزمر/41. والقرآن الكريم مصدق لما بين يديه من الكتب كالتوراة والإنجيل ومهيمن عليها كما قال سبحانه وتعالى: (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه) المائدة/48. وبعد نزول القرآن أصبح هو كتاب البشرية إلى أن تقوم الساعة فمن لم يؤمن به فهو كافر يعاقب بالعذاب يوم القيامة كما قال سبحانه: (والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون) الأنعام/49. ولعظمة القرآن وما فيه من الآيات والمعجزات والأمثال والعبر إلى جانب الفصاحة وروعة البيان قال الله عنه: (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون) الحشر/21. وقد تحدى الله الإنس والجن على أن يأتوا بمثله أو بسورة من مثله أو آية من مثله فلم يستطيعوا ولن يستطيعوا كما قال سبحانه: (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً) الإسراء/88. ولما كان القرآن الكريم أعظم الكتب السماوية، وأتمها وأكملها وآخرها، أمر الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بإبلاغه للناس كافة بقوله: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) المائدة/67. ولأهمية هذا الكتاب وحاجة الأمة إليه فقد أكرمنا الله به فأنزله علينا وتكفل بحفظه لنا فقال: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) الحجر/9. [الْمَصْدَرُ] من كتاب أصول الدين الإسلامي للشيخ محمد بن إبراهيم التويجري. الحديث: 10197 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 242 ثواب حفظ القرآن [السُّؤَالُ] ـ[ما هو ثوابي عند حفظ القرآن؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن من حفظ القرآن وعمل بما فيه، أثابه الله على ذلك ثوابا عظيما، وأكرمه إكراما بالغا، حتى إنه ليرتقي في درجات الجنة على قدر ما يقرأ ويرتل من كتاب الله. فقد روى الترمذي (2914) وأبو داود (1464) عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرأ بها " والحديث صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (5/281) برقم 2240، وقال بعده: (واعلم أن المراد بقوله: " صاحب القرآن " حافظه عن ظهر قلب على حد قوله صلى الله عليه وسلم: يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله. . أي أحفظهم، فالتفاضل في درجات الجنة إنما هو على حسب الحفظ في الدنيا، وليس على حسب قراءته يومئذ واستكثاره منها كما توهم بعضهم، ففيه فضيلة ظاهرة لحافظ القرآن، لكن بشرط أن يكون حفظه لوجه الله تبارك وتعالى، وليس للدنيا والدرهم والدينار، وإلا فقد قال صلى الله عليه وسلم: أكثر منافقي أمتي قراؤها) انتهى. وجاء في فضل حافظ القرآن: ما رواه البخاري (4937) عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام البررة ومثل الذي يقرأ وهو يتعاهده وهو عليه شديد فله أجران ". وحافظ القرآن يسهل عليه أن يقوم الليل به، فيشفع فيه القرآن يوم القيامة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم " الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام أي رب إني منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه يقول القرآن رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفعان " رواه أحمد والطبراني والحاكم، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم: 3882 والله أعلم. ينبه هنا على حديث ضعيف ورد في فضل حفظ القرآن وهو: (لحامل القرآن إذا عمل به فأحل حلاله وحرم حرامه يشفع في عشرة من أهل بيته يوم القيامة كلهم قد وجبت له النار) رواه البيهقي في الشعب عن جابر، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20803 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 243 هل ورد في فضل سورة "طه" حديث صحيح؟ [السُّؤَالُ] ـ[أود الاستفسار عن فضل قراءة سورة طه، وأيضا عن فضل قراءتها كل ليلة ثلاث مرات متواصلة لفترة معينة؟ ولكم جزيل الشكر.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لِلَّه أولا: صح في فضائل سورة (طه) الأحاديث الآتية: 1- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قال في بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالْكَهْفُ وَمَرْيَمُ وَطه وَالْأَنْبِيَاءُ: (هُنَّ مِنْ الْعِتَاقِ الْأُوَلِ، وَهُنَّ مِنْ تِلَادِي) رواه البخاري (4994) قال البيهقي في "شعب الإيمان" (2/476) : " (العِتاق) : جمع عتيق، والعرب تجعل كل شيء بلغ الغاية في الجودة عتيقا، يريد تفضيل هذه السور لما تضمنت من ذكر القصص وأخبار الأنبياء عليهم الصلاة السلام وأخبار الأمم، و (التِّلاد) : ما كان قديما من المال، يريد أنها من أوائل السور المنزلة في أول الإسلام لأنها مكية، وأنها من أول ما قرأه وحفظه من القرآن " انتهى. ويقول الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (8/388) : " (مِنَ العِتَاقِ) جمع عتيق وهو القديم، أو هو كل ما بلغ الغاية في الجودة، وبالثاني جزم جماعة في هذا الحديث، وقوله (هُنَّ مِن تِلَادِي) أي: مما حفظ قديما، والتلاد قديم الملك، وهو بخلاف الطارف، ومراد ابن مسعود أنهن من أول ما تعلم من القرآن، وأن لهن فضلا لما فيهن من القصص وأخبار الأنبياء والأمم " انتهى. 2- عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اسْمُ اللَّهِ الأَعظَمُ فِي سُوَرٍ مِنَ القُرآنِ ثَلَاثٍ: فِي " البَقَرَةِ " وَ " آلِ عِمرَانَ " وَ " طَهَ ") رواه ابن ماجه (3856) والحاكم (1/686) وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (746) وقال رحمه الله: " قول القاسم بن عبد الرحمن (الراوي عن أبي أمامة) أن الاسم الأعظم في آية (وعنت الوجوه للحي القيوم) من سورة (طه) لم أجد في المرفوع ما يؤيده، فالأقرب عندي أنه في قوله في أول السورة (إني أنا الله لا إله إلا أنا..) فإنه الموافق لبعض الأحاديث الصحيحة، فانظر "الفتح" (11/225) ، و "صحيح أبي داود" (1341) " انتهى. ثانيا: جاء في فضائل سورة طه أحاديث ضعيفة واهية، أذكرها هنا للتنبيه عليها، ولتحذير الناس منها: 1- عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تبارك وتعالى قرأ " طه " و " يس " قبل أن يخلق السماوات والأرض بألف عام، فلما سمعت الملائكة القرآن قالت: طوبى لأمة ينزل هذا عليها، وطوبى لأجواف تحمل هذا، وطوبى لألسنة تتكلم بهذا) رواه الدارمي (2/547) وقال المحقق: إسناده ضعيف جدا، عمر بن حفص بن ذكوان قال أحمد: تركنا حديثه وحرقناه. وفي "المعجم الأوسط" (5/133) ، وقال ابن حبان في "المجروحين" (1/208) : هذا متن موضوع. وكذا قال ابن الجوزي في "الموضوعات" (1/110) ، وقال ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (5/271) : فيه نكارة. وقال الألباني في "السلسلة الضعيفة" (1248) : منكر. وانظر "الكامل" (1/216) ، و "لسان الميزان" (1/114) 2- عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اعملوا بالقرآن، أحِلُّوا حلاله، وحرموا حرامه، واقتدوا به، ولا تكفروا بشيء منه، وما تشابه عليكم منه فردوه إلى الله وإلى أولي الأمر من بعدي كَيْمَا يخبروكم، وآمنوا بالتوراة والإنجيل والزبور وما أوتي النبيون من ربهم، ولْيَسَعكم القرآن وما فيه من البيان؛ فإنه شافع مشفع وماحل مصدق، ألا ولكل آية نور يوم القيامة، وإني أعطيت سورة البقرة من الذكر الأول، وأعطيت " طه " و " طواسين " و " الحواميم " من ألواح موسى، وأعطيت فاتحة الكتاب من تحت العرش) رواه الحاكم في "المستدرك" (1/757) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. والطبراني في "المعجم الكبير" (20/225) وضعفه الألباني في "السلسلة الضعيفة" (2826) وابن حبان في "المجروحين" (2/65) 3- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه: (يا رب " طه " و " يس " ويا رب القرآن العظيم) قال ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (5/173-174) : " لا خلاف بين أهل العلم بالحديث أن هذا الحديث كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى. 4- (من قرأ " طه " أعطي يوم القيامة ثواب المهاجرين والأنصار) ذكره الزمخشري والبيضاوي في فضائل سورة طه، وهو من الأحاديث الموضوعة. انظر "الكشف الإلهي" للطرابلسي (1/178) وأما ما سألت عنه من فضل قراءتها كل ليلة ثلاث مرات فلم أجده في كتب السنة، بل لم أجده حتى في كتب الموضوعات، ولم يثبت في ذلك شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، فينبغي التنبه والحذر، والحرص على العمل بالصحيح من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ونبذ الضعيف والموضوع. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 90186 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 244 عزمت على حفظ القرآن وقيل لها تعلمي التجويد أولا [السُّؤَالُ] ـ[قررت أن أحفظ القرآن الكريم، إن شاء الله، وبالفعل، حفظت جزءا ونصف جزء، لكن قال لي زوجي: إنه يجب علي أن أحفظ أحكام التجويد، ثم أحفظ القرآن؛ فهل من الخطأ أن أحفظ القرآن ـ أولا ـ ثم أتعلم أحكام التجويد؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله حفظ القرآن الكريم نعمة من أَجَلِّ النعم، لأنها حفظ لكلام الله تعالى الذي أنزله هدى للناس وشفاء لما في الصدور، وقرارك هذا قرار موفق، نسأل الله أن يعينك على تحقيق ما أردت من الخير. وتعلم أحكام التجويد أمر مهم، يترتب عليه تصحيح النطق بالحروف، وتزيين الأداء، وتحسين القراءة، والسلامة من اللحن، لكن لا نرى أن تتوقفي عن الحفظ، بل اجمعي بين الأمرين، واهتمي بقراءة ما تريدين حفظه أولا قراءة صحيحة، والأفضل أن تكون بالتلقي عن إحدى المجوّدات للقرآن، فإن لم يتيسر فبالاستعانة بالأشرطة المسجلة، وبرامج تحفيظ القرآن وتعليمه على الكمبيوتر، وفيها تعليم للتجويد أيضا، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوجه أصحابه رضي الله عنهم إلى تعلم التجويد قبل القراءة والحفظ، لكن وجههم إلى أخذ القرآن عن المتقنين كأبي بن كعب رضي الله عنه وابن مسعود رضي الله عنه وغيرهما، وهذا جمع بين القراءة والحفظ وتعلم التجويد. ولم تزل عادة الناس في الحفظ هكذا، يبدأون بحفظ القرآن أولا، مع الاهتمام بالنطق الصحيح لحروفه، ومعرفة تشكيله الصحيح، ثم بعد إتمام حفظه، أو قطع شوط طيب فيه، تكون العناية بما عدا ذلك من أحكام التجويد، ودقائق ذلك. والله أعلم. وراجعي في فضل حفظ القرآن وشرف الحافظ، الأسئلة: (14035) ، (20803) ، (11561) ، وفيما يتعلق بالتجويد: (67586) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 84312 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 245 حديث لا أصل له يُروَى في فضائل بعض سور القرآن [السُّؤَالُ] ـ[ما مدى صحة هذا الحديث؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (عشرة تمنع عشرة) : سورة الفاتحة تمنع غضب الله. سورة يس تمنع عطش يوم القيامة. سورة الواقعة تمنع الفقر. سورة الدخان تمنع أهوال يوم القيامة. سورة الملك تمنع عذاب القبر. سورة الكوثر تمنع الخصومة. سورة الكافرون تمنع الكفر عند الموت. سورة الإخلاص تمنع النفاق. سورة الفلق تمنع الحسد. سورة الناس تمنع الوسواس) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: باب فضائل القرآن الكريم من أكثر الأبواب التي وضع فيها الوضاعون أحاديثهم، ونسبوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان كثير منهم يحتسب ذلك عند الله، ويظن – لفرط جهله – أنه إنما يرغب الناس بكتاب الله تعالى، وهو في الحقيقة يرتكس في وعيد النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: (مَن كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَليَتَبَوَّأ مَقعَدَهُ مِنَ النَّارِ) رواه البخاري (1291) ومسلم (933) . ومن أمثلة ذلك: ما رواه الحاكم في "المدخل" (54) بسنده إلى أبي عمار المروزي أنه قيل لأبي عصمة نوح بن أبي مريم: من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس في فضائل القرآن سورة سورة، وليس عند أصحاب عكرمة هذا؟ فقال: إني رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن، واشتغلوا بفقه أبي حنيفة، ومغازي ابن إسحاق، فوضعت هذا الحديث حِسبة. (يعني أنه يبتغي بها الثواب عند الله) . وقد اتفق العلماء على حرمة رواية الحديث الموضوع ونسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم. قال صلى الله عليه وسلم: (مَن حَدَّثَ عَنِّي حَدِيثًا يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ، فَهُوَ أَحَدُ الكَاذِبَِيْن) رواه مسلم في مقدمة صحيحه. قال النووي رحمه الله "شرح مسلم" (1/71) : " يحرم رواية الحديث الموضوع على من عرف كونه موضوعا، أو غلب على ظنه وضعه، فمن روى حديثا علم أو ظن وضعه، ولم يبين حال روايته وضعه، فهو داخل في هذا الوعيد، مندرج في جملة الكاذبين على رسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى. ثانياً: أما الحديث المذكور في السؤال، فلم نجده في شيء من الكتب، لا الصحيحة ولا الموضوعة، بعد البحث الشديد عنه، فيبدو أنه لا أصل له البتة، وذلك مما يعجب له المسلم، أن وضع الحديث لا زال مستمرا إلى أيامنا هذه، وأن الأحاديث الموضوعة في تكاثر مستمر، والله المستعان. وبعض السور المذكورة في هذا الحديث لم يصح شيء من فضائلها، وهي: سورة يس والدخان والواقعة والكوثر. انظر: "تدريب الراوي" (2/372) ، وكتاب "الصحيح والسقيم في فضائل القرآن الكريم" وراجع جواب السؤال رقم (6460) . أما الفاتحة: فقد جاء في فضائلها أحاديث كثيرة، ليس في شيء منها أنها تمنع غضب الله. وأما سورة الملك: فقد جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ سُورَةً مِنَ القُرآنِ، ثَلَاثُونَ آيَةً، شَفَعَت لِصَاحِبِهَا حَتَّى غُفِرَ لَهُ (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ المُلكُ) رواه الترمذي (2891) وقال: حديث حسن، وصححه ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (22/277) ، وابن الملقن في "البدر المنير" (3/561) ، وقال ابن حجر "التلخيص الحبير" (1/382) : أعله البخاري وله شاهد بإسناد صحيح، وصححه الألباني في صحيح أبي داود. وانظر جواب السؤال رقم (26240) . وأما سورة الكافرون: فالذي صح في فضلها، ما جاء عن نوفل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عنها: (إِنَّهَا بَرَاءَةٌ مِنَ الشِّركِ) رواه أبو داود (5055) وصححه ابن حجر في "تغليق التعليق" (4/408) والألباني في صحيح أبي داود. وسورة الإخلاص أيضا لم يأت في فضلها أنها تمنع النفاق. والمعوذتان تمنعان من الشيطان والعين والحسد وسائر الشرور، فقد جاء عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تَعَوَّذ بِهِمَا، فَمَا تَعَوَّذَ مُتَعَوِّذٌ بِمِثلِهِمَا) رواه أبو داود (1463) وصححه الألباني في صحيح أبي دواد. الخلاصة: أن هذا الحديث مكذوب لا أصل له. وقد حكم عليه الشيخ ابن عثيمين بالكذب في المجموعة الرابعة من خطب الجمعة، في خطبة مسجلة بعنوان (مسؤوليات الإمام والمأموم في الصلاة، بعض المكذوبات عن الله تعالى ورسوله) ، وهي مطبوعة في موقعه رحمه الله. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82800 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 246 يكافئ صديقه ويشجعه على حفظ القرآن [السُّؤَالُ] ـ[لدي صديق أكافئه لتشجيعه على حفظ القرآن سؤالي هو: هل لي ثواب في ذلك؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله حفظ القرآن قربة من أعظم القربات، لما فيها من قراءة كلام الله، وترديده، والانشغال به، ومعلوم أن قراءة حرف من كتاب الله بعشر حسنات، كما روى الترمذي (2910) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لا أَقُولُ الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ، وَلامٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ) . وصححه الألباني في صحيح الترمذي. وروى مسلم (804) عن أَبي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (اقْرَءُوا الْقُرْآنَ، فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لأَصْحَابِهِ اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا، اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ) قَالَ مُعَاوِيَةُ بَلَغَنِي أَنَّ الْبَطَلَةَ السَّحَرَةُ. وروى الترمذي (2914) وأبو داود (1464) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَأُ بِهَا) صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (5/281) برقم 2240، وقال بعده: " واعلم أن المراد بقوله: (صاحب القرآن) حافظه عن ظهر قلب، على حد قوله صلى الله عليه وسلم: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) . أي: أحفظهم، فالتفاضل في درجات الجنة إنما هو على حسب الحفظ في الدنيا، وليس على حسب قراءته يومئذ واستكثاره منها كما توهم بعضهم، ففيه فضيلة ظاهرة لحافظ القرآن، لكن بشرط أن يكون حفظه لوجه الله تبارك وتعالى، وليس للدنيا والدرهم والدينار، وإلا فقد قال صلى الله عليه وسلم: (أكثر منافقي أمتي قراؤها) " انتهى. ثانيا: من أعان على حفظ القرآن، وشجع عليه بالمكافأة وغيرها، فهو على خير عظيم، ويرجى له ثواب مثل ثواب الحافظ والقارئ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا) رواه مسلم (2674) وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ) رواه مسلم (1893) . وعند الترمذي (2670) : (إِنَّ الدَّالَّ عَلَى الْخَيْرِ كَفَاعِلِهِ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. فنسأل الله تعالى أن يثيبك ويوفقك، ويوفقك صاحبك إلى حفظ كتابه الكريم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82219 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 247 فضل سورة (يس) [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك أحاديث صحيحة في فضل قراءة سورة (يس) ؟ البعض يقول: إنها لِمَا قُرِأت له؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: سورة (يس) من سور القرآن المكية العظيمة، عدد آياتها ثلاث وثمانون آية، فواصلها القصيرة لها وقع قوي في النفوس المؤمنة، موضوعاتها الرئيسية هي موضوعات السور المكية، تحدثت عن توحيد الألوهية والربوبية وعاقبة المكذبين بهما، والقضية التي يشتد عليها التركيز في السورة هي قضية البعث والنشور. ثانياً: قد وردت عدة أحاديث في فضائل هذه السورة، أكثرها مكذوبة موضوعة، وبعضها ضعيف ضعفا يسيرا، ولم نقف على حديث صحيح مخصوص في فضل سورة (يس) . فمما ورد من فضائلها ويضعفه أهل العلم بالحديث – وإنما نسوقه هنا للتنبيه عليه -: (إن لكل شيء قلبا، وقلب القرآن (يس) ، من قرأها فكأنما قرأ القرآن عشر مرات) (من قرأ سورة (يس) في ليلة أصبح مغفورا له) (من داوم على قراءتها كل ليلة ثم مات مات شهيدا) (من دخل المقابر فقرأ سورة (يس) ، خفف عنهم يومئذ، وكان له بعدد من فيها حسنات) انظر "الموضوعات" لابن الجوزي (2/313) ، "الفوائد المجموعة" للشوكاني (942،979) ، وانظر للأهمية رسالة: " حديث قلب القرآن يس في الميزان، وجملة مما روي في فضائلها " لفضيلة الشيخ محمد عمرو عبد اللطيف، حفظه الله. ويراجع في موقعنا سؤال رقم (654) (6460) ثالثا: ومما يرويه الناس حديث (يس لما قرئت له) ، ويعنون به أن قراءة سورة (يس) يحصل معها قضاء الحوائج وتسهيل الأمور التي ينويها القارئ بقراءته. والواجب التنبيه على بطلان نسبة هذا الكلام إلى السنة النبوية، أو إلى أهل العلم من الصحابة والتابعين والأئمة، فلم يأت عن أحد منهم مثل هذا التقرير، بل ينبهون على بطلان ذلك. يقول السخاوي رحمه الله عن هذا الحديث: " لا أصل له بهذا اللفظ " انتهى. "المقاصد الحسنة" (741) ، وقال القاضي زكريا في حاشية البيضاوي: موضوع. كما في "كشف الخفاء" (2/2215) ومثله في كتاب "الشذرة في الأحاديث المشتهرة" لابن طولون الصالحي (2/1158) وفي "الأسرار المرفوعة" للقاري (619) وغيرها. وانظر رسالة الشيخ محمد عمرو المشار إليها: " حديث قلب القرآن يس.. " ص 80 هـ 1. ولا يجوز لأحد أن ينسب هذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أن يتحدث به في مجالس الناس، ومن يزعم أن التجربة تدل على صحة هذا الحديث، يقال له: والتجربة وقعت من كثير ممن قرأ (يس) لقضاء حاجته فلم يقضها الله له، فلماذا نأخذ بتجربتك ولا نأخذ بتجربة غيرك!؟ وما ينقله الإمام ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (3/742) عن بعض أهل العلم: " أنَّ مِن خصائص هذه السورة أنها لا تُقرَأ عند أمر عسير إلا يسره الله تعالى " انتهى. فهو اجتهاد منهم ليس عليه دليل من الكتاب أو السنة أو أقوال الصحابة والتابعين، ومثل هذا الاجتهاد لا يجوز نسبته إلى الله تعالى ورسوله، إنما ينسب مثل هذا إلى قائله؛ بحيث يكون صوابه له وخطؤه عليه، ولا يجوز أن ينسب إلى كتاب الله تعالى أو سنة رسوله ما نتيقن أنه منه. قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} على أننا ننبه هنا إلى أن كثيرا ممن تقضى له الحاجات عند دعائه، أو قراءته لمثل ذلك، إنما تقضى له لأجل ما قام بقلبه من الاضطرار والفقر إلى ربه، وصدق اللجوء إليه، لا لأجل ما قرأه من دعاء، أو دعا عنده من قبر أو نحو ذلك. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ثم سبب قضاء حاجة بعض هؤلاء الداعين الأدعية المحرمة أن الرجل منهم قد يكون مضطرا اضطرارا لو دعا الله بها مشرك عند وثن لاستجيب له، لصدق توجهه إلى الله، وإن كان تحري الدعاء عند الوثن شركا، ولو استجيب له على يد المتوسل به، صاحب القبر أو غيره لاستغاثته، فإنه يعاقب على ذلك ويهوي في النار، إذا لم يعف الله عنه ... " ثم يقول: " ومن هنا يغلط كثير من الناس؛ فإنهم يبلغهم أن بعض الأعيان من الصالحين عبدوا عبادة أو دعوا دعاء، ووجدوا أثر تلك العبادة وذلك الدعاء، فيجعلون ذلك دليلا على استحسان تلك العبادة والدعاء، ويجعلون ذلك العمل سُنّة، كأنه قد فعله نبي؛ وهذا غلط لما ذكرناه، خصوصا إذا كان ذلك العمل إنما كان أثره بصدق قام بقلب فاعله حين الفعل، ثم تفعله الأتباع صورة لا صدقا، فيُضَرون به؛ لأنه ليس العمل مشروعا فيكونَ لهم ثواب المتبعين، ولا قام بهم صدق ذلك الفاعل، الذي لعله بصدق الطلب وصحة القصد يكفر عن الفاعل ". انتهى من اقتضاء الصراط المستقيم (2/698، 700) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 75894 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 248 فضل قراءة بعض آيات القرآن الكريم قُبَيل النوم [السُّؤَالُ] ـ[سمعت حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم " فيما معناه ": (أن من قرأ عشر آيات من القرآن في ليلة قبل أن ينام لم يكتب من الغافلين) هل هذا الحديث صحيح؟ وإن كان صحيحا، فهل يصح أن أقرأ آية الكرسي وسورة الإخلاص والمعوذتين حفظاً، وبهذا أكون قد قرأت وَرْدِي، وقرأت أكثر من عشر آيات؟ أم إنه يجب أن تكون العشر آيات تلاوة من المصحف؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: نص الحديث الذي يقصده السائل الكريم هو: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن قَرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ فِي لَيلَةٍ لَم يُكتَبْ مِنَ الغَافِلِينَ) رواه الحاكم في المستدرك (1/742) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (2/81) . وقد جاء أيضا من قول جماعة من الصحابة رضي الله عنهم: فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: من قرأ في ليلة بعشر آيات لم يكتب من الغافلين. وورد نحوه أيضا عن تميم الداري رضي الله عنه. رواهما الدارمي في مسنده (2/554-555) . ثانيا: هل المقصود بالحديث أن يقرأ هذه الآيات في صلاته بالليل، أو تحصل هذه الفضيلة بمجرد قراءة هذه الآيات في الليل، سواء كانت في الصلاة أو في غير الصلاة؟ فيه احتمال؛ ويؤيد الأول رواية أبي داود (1398) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ قَامَ بِعَشْرِ آيَاتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنْ الْغَافِلِينَ، وَمَنْ قَامَ بِمِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِنْ الْقَانِتِينَ، وَمَنْ قَامَ بِأَلْفِ آيَةٍ كُتِبَ مِنْ الْمُقَنْطِرِينَ) صححه الألباني في صحيح أبي داود (1264) . قال في عون المعبود: " والمراد هنا في قيام الليل ". ولذلك روى ابن حبان الحديث السابق في أبواب قيام الليل من صحيحه (4/120) وترجم عليه: (ذكر نفي الغفلة عمن قام الليل بعشر آيات ... ) . ويشهد له أيضا حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ: (من صلى في ليلة بمائة آية لم يكتب من الغافلين، ومن صلى في ليلة بمائتي آية فإنه يكتب من القانتين المخلصين) رواه الحاكم (1/452) ، وصححه على شرط مسلم. لكن مال الألباني إلى ضعفه، كما في الصحيحة (2/243) ، وضعيف الترغيب (1/190) . وفي رواية ابن خزيمة (2/180) : (من حافظ على هؤلاء الصلوات المكتوبات لم يكتب من الغافلين، ومن قرأ في ليلة مائة آية لم يكتب من الغافلين أو لم يكتب من القانتين..) قال الألباني في الصحيحة (643) : إسناده صحيح على شرط الشيخين. فاقتران القراءة بذكر الصلاة المكتوبة مما يشعر بأن المراد بها القراءة في الصلاة، يعني: صلاة الليل. ولأجل ذلك روى ابن خزيمة حديث أبي هريرة في باب: (باب ذكر فضيلة قراءة مائة آية في صلاة الليل إذ قارئ مائة آية في ليلة لا يكتب من الغافلين) ، ورواه أيضا محمد بن نصر المروزي في كتابه قيام الليل (164ـ مختصره) في سياق الأبواب المتعلقة بالقراءة في صلاة الليل. ويحتمل أن تحصل هذه الفضيلة لمن قرأ هذا القدر من الآيات في الليل مطلقا، سواء كان في الصلاة أو خارج الصلاة، قبل نومه، أو بعد استيقاظه، إذا استيقظ من الليل. وبهذا الإطلاق أخذ كثير من أهل العلم في تخريج الحديث في مصنفاتهم؛ فقد بوب عليه الدارمي رحمه الله (2/554) بقوله: (باب فضل من قرأ عشر آيات) وبوب الحاكم في المستدرك (1/738) بقوله: (أخبار في فضائل القرآن جملة) كما بوب عليه المنذري في الترغيب والترهيب (2/76) بقوله: (الترغيب في قراءة القرآن في الصلاة وغيرها، وفضل تعلمه وتعليمه) وذكره مرة أخرى تحت باب (2/116) : (الترغيب في أذكار تقال بالليل والنهار غير مختصة بالصباح والمساء) ويقول النووي رحمه الله في كتاب "الأذكار" (1/255) : " اعلم أن قراءة القرآن آكد الأذكار، فينبغي المداومة عليها، فلا يُخلي عنها يوماً وليلة، ويحصل له أصلُ القراءة بقراءة الآيات القليلة.. (ثم ذكر أحاديث منها حديث أبي هريرة السابق) " انتهى. فيرجى لمن قرأ عشر آيات في ليلته ألا يكتب من الغافلين، سواء قرأ ذلك في صلاته بالليل، أو خارج الصلاة، وفضل الله عز وجل واسع. وفي صحيح مسلم (789) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (.. وَإِذَا قَامَ صَاحِبُ الْقُرْآنِ فَقَرَأَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ذَكَرَهُ، وَإِذَا لَمْ يَقُمْ بِهِ نَسِيَهُ) . فظاهر الحديث أن المراد بالقيام هنا أعم من مجرد القيام به في الصلاة. قال المناوي رحمه الله: " أي تعهد تلاوته ليلاً ونهاراً فلم يغفل عنه ... وفيه ندب إدامة تلاوة القرآن ... بأن لم يخص بوقت أو محل ". انتهى مختصرا. ثالثا: قد جاء في السنة الندب إلى قراءة بعض الآيات إذا أوى المسلم إلى فراشه. ومن خصوص السور والآيات التي جاء الندب إلى قراءتها ما يلي: 1- آية الكرسي. جاء في صحيح البخاري معلقا (2311) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (وكَّلني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آتٍ فجعل يحثو من الطعام. . وذكر الحديث وقال في آخره: (إذا أويتَ إلى فراشِكَ فاقرأ آيةَ الكرسي، فإنه لن يزالَ معكَ من الله تعالى حافظ، ولا يقربَك شيطانٌ حتى تُصْبِحَ. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: " صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ، ذَاكَ شَيطانٌ) 2- آخر آيتين من سورة البقرة. عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَن قَرَأَ بِالآيَتَينِ مِن آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ فِي لَيلَةٍ كَفَتَاهُ) رواه البخاري (5009) ومسلم (2714) قال ابن القيم في "الوابل الصيب" (132) : كفتاه من شر ما يؤذيه. عن عليّ رضي الله عنه قال: (ما كنتُ أرى أحداً يعقل ينام قبل أن يقرأ الآيات الثلاث الأواخر من سورة البقرة) عزاه النووي في الأذكار (220) لرواية أبي بكر بن أبي داود ثم قال: صحيح على شرط البخاري ومسلم. 4،3- سورتي الإسراء والزمر وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لا يَنَامُ حَتَّى يَقرَأَ بَنِي إِسرَائِيلَ وَالزُّمَر) رواه الترمذي (3402) وقال: حديث حسن. وحسّنه الحافظ ابن حجر في "نتائج الأفكار" (3/65) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. 5- سورة الكافرون: عن نوفل الأشجعي رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اقْرأ: قُلْ يا أيُّها الكافِرُونَ ثُمَّ نَمْ على خاتِمَتِها فإنَّها بَرَاءَةٌ مِنَ الشِّرْكِ " رواه أبو داود (5055) والترمذي (3400) وحسنه ابن حجر في "نتائج الأفكار" (3/61) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. 8،7،6- الإخلاص والمعوذتين: عن عائشة رضي الله عنها: (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيلَةٍ جَمَعَ كَفَّيهِ ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا فَقَرَأَ فِيهِمَا (قُل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) و (قُل أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ) و (قُل أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) ، ثُمَّ يَمسَحُ بِهِمَا مَا استَطَاعَ مِن جَسَدِهِ، يَبدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأسِهِ وَوَجهِهِ وَمَا أَقبَلَ مِن جَسَدِهِ، يَفعَلُُ ذَلكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ) رواه البخاري (5017) وعن إبراهيم النخعي قال: (كانوا يستحبّون أن يقرؤوا هؤلاء السور في كلّ ليلة ثلاثَ مرات: (قل هو الله أحد) والمعوّذتين) قال النووي في الأذكار (221) : إسناده صحيح على شرط مسلم. رابعا: يقول النووي رحمه الله في "الأذكار" (221) : " الأولى أن يأتيَ الإِنسانُ بجميع المذكور في هذا الباب، فإن لم يتمكن اقتصرَ على ما يقدرُ عليه من أهمّه " انتهى. ولا يشترط أن تكون القراءة من المصحف، فيكفي أن يقرأ المسلم ما تيسر له مما سبق من حفظه، والله سبحانه وتعالى يكتب له ما وعده به. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 72591 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 249 ما هي السورة التي تعدل نصف القرآن؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما هي السورة التي تعدل نصف القران؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله جاء في فضل بعض سور القرآن الكريم أحاديث كثيرة، منها الصحيح، وكثير منها ضعيف أو منكر، ومن ذلك ما جاء في فضل سورة الزلزلة أنها تعدل نصف القرآن، فقد ورد ذلك في أحاديث منكرة، وهي: الأول: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذَا زُلْزِلَت تَعدِلُ نِصفَ القُرْآَنِ) رواه الترمذي (2894) والحاكم (1/754) وفي سنده يمان بن المغيرة العنزي، قال فيه البخاري وأبو حاتم: منكر الحديث، وقال ابن حبان: منكر الحديث جدا، يروي المناكير التي لا أصول لها فاستحق الترك. انظر "تهذيب التهذيب (4/452) " وقد تفرد يمان بهذا الحديث، دون جميع أصحاب عطاء، ومثله لا يحتمل منه التفرد، بل تفرده منكر، والله أعلم. وكلمة جماهير أهل العلم على تضعيف الحديث بسبب يمان بن المغيرة، خلافا لمن صححه من أهل العلم. فقد ضعفه الترمذي حيث قال بعد أن أخرجه: غريب لا نعرفه إلا من حديث يمان بن المغيرة، وضعفه ابن عبد البر في "التمهيد") بقوله: هو من أحاديث الشيوخ وليس من أحاديث الأئمة، وضعفه ابن حجر في فتح الباري (8/687) ، والذهبي في تلخيص المستدرك، والمناوي في "فيض القدير" (1/367) ، والشوكاني في الفتح الرباني (12/5930) ، وقال الألباني في "السلسلة الضعيفة" (1342) : منكر. الثاني: عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَن قَرَأَ إِذَا زُلزِلَتْ عُدِلَت لَهُ بِنِصفِ القُرْآنِ) رواه الترمذي (2893) وفي سنده الحسن بن سالم العجلي، قال المزي: هو شيخ مجهول له حديث واحد، وقال العقيلي: مجهول في النقل، وقال ابن حبان: يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات. انظر "تهذيب التهذيب" (1/396) وقد اتفقت كلمة أهل العلم على تضعيف هذا الحديث أيضا، فقد ضعفه الترمذي بقوله بعد إخراجه: غريب، والعقيلي بقوله: "غير محفوظ" كما في "تهذيب التهذيب" (1/396) ، وابن حبان في "المجروحين" (1/279) ، والبيهقي في "شعب الإيمان" (2/497) ، وقال الذهبي في "ميزان الاعتدال" (1/523) : منكر، وكذا قال الألباني في "الضعيفة" (1342) الثالث: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قَرَأَ إِذَا زُلزِلَتْ فِي لَيلَةٍ كَانَت لَهُ بِعَدل ِنِصفِ القُرْآنِ) رواه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (691) ويقول الشيخ الألباني رحمه الله "السلسلة الضعيفة" (1342) :: " أخرجه أبو أمية الطرسوسي في مسند أبي هريرة (2/195) ، وإسناده ضعيف جدا، فيه عيسى بن ميمون المدني، ضعفه الجماعة، وقال أبو حاتم وغيره: متروك الحديث " انتهى. وقال ابن حجر في نتائج الأفكار (3/268) : " في إسناده راو شديد الضعف " انتهى. فيتبين بما سبق أنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء في كون سورة الزلزلة تعدل نصف القرآن، ولكن يبدو أن بعض الأئمة من السلف كان يأخذ بهذه الأحاديث، ويذهب في اجتهاده إلى أن ما في سورة الزلزلة من المعاني العظيمة تعدل نصف المقاصد التي جاء القرآن الكريم لتحقيقها. جاء في "مصنف عبد الرزاق" (3/372) : عن معمر قال: (سمعت رجلا يحدث أن إذا زلزلت تعدل شطر القرآن) وعن جعفر عن هشام بن مسلم قال: سمعت بكر بن عبد الله المزني يقول: (إذا زلزلت الأرض نصف القرآن) . وروى أبو عبيد عن الحسن البصري مرسلا: (إذا زلزلت تعدل نصف القرآن، والعاديات تعدل نصف القرآن) انظر "الإتقان" للسيوطي (2/413) وجاء عن عاصم بن أبي النجود الإمام المقرئ قوله: (كان يقال: من قرأ إذا زلزلت فكأنما قرأ نصف القرآن) قال ابن حجر في "نتائج الأفكار" (3/270) : رجاله ثقات. يقول المناوي في "فيض القدير" (1/367) : " لأن المقصود الأعظم بالذات من القرآن بيان المبدأ والمعاد، و" إذا زلزلت " مقصورة على ذكر المعاد، مستقلة ببيان أحواله، فعادلت نصفه، ذكره القاضي " انتهى. فهو اجتهاد لبعض السلف، لا يجوز أن ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يعني أبدا أنها تعدل نصف القرآن في الأجر والمثوبة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 71359 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 250 هل صح قراءة سورتي السجدة والملك بين المغرب والعشاء وفضل أيات من سورة الأنعام؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل ورد شيء بخصوص قراءة سورة السجدة والملك بين المغرب والعشاء؟ وكذلك قراءة ثلاث آيات من سورة الأنعام بعد صلاة الفجر مباشرة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: قَبْلَ الإِجَابَةِ عَلَى هذا السُّؤَالِ لاَ بُدَّ مِن تَقرِيْرِ مَسْأَلَةٍ مُهِمَّةٍ تَتَعَلَّقُ بِفَضَائِلِ السُّوَرِ. لَقَدْ وُضِعَتْ فِي فَضَائِلِ السُّوَرِ أَحَادِيْثُ مَكْذُوْبَةٌ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِن أَشْهَرِ مَنْ عُرِفَ بِذَلِكَ: 1- نُوْحُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ الجَامِعُ، وَالَّذِي قِيْلَ فِيْهِ: " جَمَعَ كُلَّ شَيْء إِلاَّ الصِّدْق "، فَقَدْ أَبَاحَ – بِزَعمِهِ – الكَذِبَ فِي الحَدِيْثِ لِمَصْلَحَةِ الدِّيْنِ، فاختلق أحاديث من عنده ونسبها إلى الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في فضائل سور القرآن الكريم سورةً سورةً. قَالَ أَبُو عَمَّارٍ الحُسَيْنُ بنُ حُرَيْثٍ المَرْوَزِيُّ: قِيْل لأَبِي عِصْمَةَ –وهو نوح بن أبي مريم -: " مِنْ أَيْنَ لَكَ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي فَضَائِلِ القُرْآنِ سُوْرَةً سُوْرَةً، وَلَيْسَ عِنْدَ أَصْحَابِ عِكْرِمَةَ هَذَا؟ "، فَقَالَ: " إِنِّي رَأَيْتُ النَّاسَ قَدْ أَعْرَضُوا عَنِ القُرْآنِ، وَاشْتَغَلُوا بفقهِ أَبِي حَنِيْفَةَ وَمَغَازِي مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، فَوَضَعْتُ هَذَا الحَدِيْثَ حِسْبَةً " (أي: ابتغاء الأجر) أَخْرَجَهُ الحَاكِمُ فِي " المَدْخَلِ " (ص 54) وَابْنُ الجَوْزِيِّ فِي " المَوْضُوْعَاتِ " (16) ، وَإِسْنَادُهُ صَحِيْحٌ. 2- وَآخَرُ اسْمُهُ مَيْسَرَةُ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ الفَارِسِيُّ، قَالَ عَنْهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي " الْمَجْرُوحِينَ " (2/345 رقم 1038) : " وَهُو صَاحِبُ حَدِيْثِ فَضَائِلِ القُرْآنِ الطَّوِيْلِ " مَنْ قَرَأَ كَذَا فَلَهُ كَذَا ". وَجَاءَ فِي " لِسَانِ المِيْزَانِ " (7/198) لِلْحَافِظِ ابْنِ حَجرٍ: " وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي " الضُّعَفَاءِ " عَن ابْنِ مَهْدِيٍّ قَالَ: قُلْتُ لِمَيْسَرَةَ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ: " مِنْ أَيْنَ جِئْتَ بِهَذِهِ الأَحَادِيْثِ: " مَنْ قَرَأَ كَذَا فَلَهُ كَذَا "؟ قَالَ: " وَضَعْتُهَا أُرَغِّبُ النَّاسَ َفِيْهَا ". فهذه أمثلة لمن يجترئ ويكذب في الحديث على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمصلحة يراها، خدعه بها إبليس. وقد نَبَّه العُلَمَاءُ عِلى عَدَمِ ثُبُوتِ الأَحَادِيْثِ التي فيها سرد فَضَائِلِ جميع سور القُرْآنِ الكريم، سورةً سورةً، وَمِمَّنْ نَبَّه عِلَى ذَلِك المَوْصِلِيُّ فِي " المُغنِي عَنِ الحِفْظِ وَالكِتَابِ " (1/121) فَقَالَ: " قَدْ وَرَدَ: " مَنْ قَرَأَ كَذَا فَلَهُ أُجْرُ كَذَا ... مِنْ أَوَّلِ القُرْآنِ إِلَى آخِرِهِ؛ قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: " أَظُنُّ الزّنَادقَةَ وَضَعَتْهَا ". قَالَ المُصَنِّفُ – أَي: المَوْصِلِيُّ -: " فَلم يَصِح فِي هَذَا شَيْءٌ ... ". وَنَبَّه عِلَى ذَلِك أَيْضاً ابْنُ القيِّمِ فِي " المَنَارِ المُنِيفِ " (ص 113 – 144) ، وَالشَّيْخُ بَكْرٌ أَبُو زَيْد فِي " التَّحدِيْث بِمَا قِيْلَ: " لا يَصِحُّ فِيْهِ حَدِيْثٌ " (ص 122 – 123) وَأَضَافَ: " تَنْبِيْهٌ: فَضَائِلُ القُرْآنِ الكَرِيْمِ، وَفَضَائِلُ بَعْضِ السُّوَرِ وَالآيَاتِ مَعْلُوْمَةٌ بِنُصُوْصٍ صَحِيْحَةٍ مَرْفُوْعَةٍ إِلَى َالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمُرَادُ ابْنِ المُبَارَكِ وَمَنْ بَعْدَهُ هُو تِلكُم الأَحَادِيْثُ الطِّوَالُ الَّتِي تَنْتَظِمُ سُّوَرَ القُرْآنِ سُوْرَةً سُوْرَةً؛ كَالحَدِيْثِ المَنْسُوْبِ إِلَى أُبيِّ بنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَنَشْرُهُ بَعْضُ المفسِّرِيْنَ؛ مِثْلُ: الثَّعْلَبِيِّ، وَالوَاحِدِيِّ، وَالزَّمَخشرِيِّ فِي تفَاسيرِهِم، فَهَذِهِ مَوْضُوْعَةٌ، وَهِي المُرَادَةُ فِي كَلاَم ابْنِ المُبَارَكِ وَغَيْرِهِ، وَاللهُ أَعْلَمُ ".ا. هـ. ثانياً: وَأَمَّا الأَحَادِيْثُ الَّتِي سَأَلْتَ عَنْهَا فَالجَوَابُ: تَخْرِيْجُ الحَدِيْثِ الأَوَّلِ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ قَرَأَ: " تبَاركَ الَّذِي بِيَدِهِ المُلْكُ " وَ " ألم. تنَزِيْل " السَّجْدَة، بَيْنَ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ الآخِرَةِ فَكَأَنَّمَا قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ ". ذَكَرَهُ السُّيوطِيُّ فِي " الدُّرِّ المنثَوْرِ " (6/535) عِنْدَ بدَايَةِ سُوْرَةِ السَّجْدَة، وَقَالَ: " وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْه عَنْ ابنِ عُمَرَ ... فَذَكَرَهُ ". وَنَقَلَهُ الأَلُوسِي فِي " رَوِ المَعَانِي " (21/116) عَنْ السُّيوطِيِّ ثُمّ قَالَ: " وَرَوَى نَحْوَهُ هُو – أَي: السُّيوطِيّ - وَالوَاحِدِيُّ مِنْ حَدِيْثِ أُبيِّ بنِ كَعْبٍ، والثعلبي مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَتَعَقَب ذَلِك وَلِيُّ الدِّيْنِ قَائِلاً: " لَم أَقِف عَلَيْهِ، وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ كُلِّهَا مَوْضُوْعَةٌ ".اهـ بتصرف يسير. وَالحَدِيْثُ وَرَدَ بعدَّةِ أَلْفَاظٍ مِنْهَا المُطلَقُ مِنْ غَيْرِ تَحدِيْدٍ لِوقْتِ القِرَاءةِ، وَمِنْهَا المُقَيَّدُ بِوقْتٍ كَما فِي رِوَايَةِ ابنِ عُمَرَ، وَوَرَدَ أَيْضاً مَرْفُوْعاً وَمَوْقُوْفاً، ذَكَرَهَا الغَافِقِيُّ فِي " لََمَحَاتِ الأنْوَارِ " (1127، 1129، 1140، 1141، 1142، 1143، 1144، 1146) ، إِلاَّ رِوَايَة ابنِ عُمَرَ. تَخْرِيْجُ الحَدِيْثِ الثَّانِي: وَرَدَ مِنْ طَرِيْقَيْنِ: 1- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا مَرْفُوْعاً قَالَ: " مَنْ قَرَأَ إِذَا صَلَّى الغَدَاةَ ثَلاَثَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُوْرَةِ الأَنْعَامِ إِلَى " وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ " [الأَنْعَامُ: 3] ، نَزَلَ إِلَيْهِ أَرْبَعُوْنَ أَلْفَ مَلَك يُكْتَبُ لَه مِثلَ أَعْمَالِهِم، وَبُعِثَ إِلَيْهِ مَلَكٌ مِنْ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ وَمَعَهُ مِرْزَبَةٌ مِنْ حَدِيْدٍ، فَإِن أَوْحَى الشَّيْطَانُ فِي قَلْبِهِ شَيْئاً مِنَ الشَّرِّ ضَرَبَهُ حَتَّى يَكُوْنَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ سَبْعُوْنَ حِجَاباً، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ قَالَ اللهُ: " أَنَا رَبُّكَ وَأَنْتَ عَبْدِي، وَامْشِ فِي ظِلِّي، وَاشْرَبْ مِنْ الكَوْثَرِ، وَاغْتَسِلْ مِنْ السَّلْسَبِيلِ، وَادْخُلِ الجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلاَ عَذَابٍ ". ذَكَرَهُ السُّيوطِيُّ فِي " الدُّرِّ المنثَوْرِ " (3/245 – 246) وَقَالَ: " وَأَخْرَجَ السِّلَفِيُّ بِسَنَدٍ وَاهٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوْعاً "، وَذَكَرَهُ الغَافِقِيُّ فِي " لََمَحَاتِ الأنْوَارِ " (941) . 2- عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ صَلَّى الفَجْرَ فِي جَمَاعِةٍ، وَقَعَدَ فِي مُصَلاَّهُ، وَقَرَأَ ثَلاَثَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُوْرَةِ الأَنْعَامِ، وَكَّلَ اللهُ بِهِ سَبْعِيْنَ مَلَكاً يُسَبِّحُونَ اللَّه وَيَسْتَغْفِرُوْنَ لَهُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ ". ذَكَرَهُ السُّيوطِيُّ فِي " الدُّرِّ المنثَوْرِ " (3/246) وَعَزَاهُ لِلدَّيْلَمِيِّ، وَالغَافِقِيُّ فِي " لََمَحَاتِ الأنْوَارِ " (935) بِلَفْظٍ مُقَارِبٍ لِحَدِيْثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ الأَلُوسِي فِي " رَوحِ المَعَانِي " (7/76) بَعْدَ ذِكْرِهِ جُمْلَةً مِنْ الأَحَادِيْث وَالآثَارِ عِنْدَ سُوْرَةِ الأَنْعَامِ وَمِنْهَا حَدِيْثُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُوْدٍ: " إِلَى غَيْرِ ذَلِك مِنَ الأَخْبَارِ، وَغَالِب ما فِي هَذَا المَطْلَبِ ضَعِيْفٌ وَبَعْضَهَا مَوْضُوْعٌ، كَما لاَ يَخْفَى ".ا. هـ. وَسُوْرَةُ الأَنْعَامِ لم يَثْبُت شَيْءٌ من الأحاديث فِي فَضْلِهَا. فأما سورتا السجدة وتبارك فلم يثبت شيء في قراءتهما بين المغرب والعشاء، ولكن ثبت في فضل سورة السجدة قراءتها في صلاة الفجر يوم الجمعة. روى البخاري (891) ومسلم (880) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْجُمُعَةِ فِي صَلاةِ الْفَجْرِ (الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةَ) وَ (هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنْ الدَّهْرِ) . وورد في فضل سورة تبارك قراءتها قبل النوم أو عموماً، فقد روى الترمذي (2891) وأبو داود (1400) وابن ماجه (3786) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ ثَلاثُونَ آيَةً شَفَعَتْ لِرَجُلٍ حَتَّى غُفِرَ لَهُ وَهِيَ سُورَةُ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ) . قَالَ الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وقال ابن حجر في التلخيص (1/234) : "أعله البخاري في التاريخ الكبير بأن عباس الجشمي (وهو الراوي عن أبي هريرة) لا يعرف سماعه من أبي هريرة اهـ. وحسنه الألباني في مواضع، وصححه في مواضع. انظر: "صحيح سنن ابن ماجه"، "صحيح سنن أبي داود". وقبله قال المنذري: رواه أبو داود والترمذي وحسنه واللفظ له، والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال: صحيح الإسناد. وروى الترمذي (2892) عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لا يَنَامُ حَتَّى يَقْرَأَ الم تَنْزِيلُ وَتَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ. صححه الألباني في صحيح الترمذي. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 47618 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 251 حديث ضعيف في سورة يس [السُّؤَالُ] ـ[ما هي السورة التي تُعتبر قلب القرآن؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ورد حديث في أنّ سورة (يس) قلب القرآن ولكنّه حديث ضعيف (راجع سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني حديث رقم 169) ولا شكّ أنّ سورة يس سورة عظيمة جدا وفيها قصص مؤثّرة وعبر بالغة ولكن لم يثبت وصفها بقلب القرآن. وكونك تسأل أيها الغلام وأنت الآن في سنّ الثالثة عشرة أمرٌ تستحقّ عليه الثناء والتشجيع وفقّك الله وسدّد خطاك. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 654 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 252 حديث موضوع في فضل سورة المزمل [السُّؤَالُ] ـ[عرفت مؤخراً أن النبي صلى الله عليه وسلم حثَّنا على قراءة سورة الملك لتحمينا من عذاب القبر. وقرأت كذلك أن قراءة سورة المزمل تسبب الغنى، فهل هناك دليل من السنة على هذا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ما قرأتيه عن فضل قراءة سورة المزمل فغير صحيح، بل هو حديث موضوع لا يجوز العمل والاحتجاج به. وأصله ما رُوِيَ عن زِرِّ بن حبيش عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرض عليّ القرآن في السنة التي مات فيها مرتين، وقال: إن جبريل عليه السلام أمرني أن أقرأ عليك القرآن. وهو يقرئك السلام. فقال أُبيّ: فقلت لمَّا قرأ علي رسول الله صلى الله عليه وسلم: كما كانت لي خاصة، فخصّني بثواب القرآن مما علمك الله وأطلعك عليه؟ قال: نعم يا أبيّ، أيما مسلم قرأ فاتحة الكتاب أُعطي من الأجر كأنما قرأ ثلثي القرآن. وأعطي من الأجر كأنما تصدق على كل مؤمن ومؤمنة.. إلى أن قال: ومن قرأ سورة المزمل رُفع عنه العسر في الدنيا والآخرة ... " قال ابن الجوزي رحمه الله: وذكر في كل سورةٍ ثواب تاليها إلى آخر القرآن ... وهذا حديث في فضائل السور مصنوع بلا شك. الموضوعات (1/391) وقال الشوكاني رحمه الله: رواه العقيلي عن أبي بن كعب مرفوعاً، قال ابن المبارك: أظن الزنادقة وضعته. ولهذا الحديث طرق كلها باطلة موضوعة ... ولا خلاف بين الحفاظ أن حديث أبيّ بن كعب هذا موضوع. وقد اغتر به جماعة من المفسرين فذكروه في تفاسيرهم كالثعلبي والواحدي والزمخشري. ولا جرم فليسوا من أهل هذا الشأن " الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة ص264. وهذا الحديث بطوله ذكره ابن عدي في الكامل (7/2588) ، والسيوطي في اللآلي المصنوعة (1/227) والذهبي في ترتيب الموضوعات (60) وغيرهم. تنبيه: ولقد وضعت أحاديث كثيرة في فضائل سور القرآن وقصد واضعها ترغيب الناس في قراءة القرآن والعكوف عليه، وزعموا أنهم بذلك محسنون. لكنهم أخطأؤوا فيما قصدوا إذ إنّ ذلك داخل ولا شك تحت الوعيد في قوله صلى الله عليه وسلم: (وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ) رواه البخاري (10) ومسلم (4) ، ولا فرق بين الكذب عليه والكذب له. ولقد تتبع مؤمل بن إسماعيل (ت:206) هذا الحديث حتى وصل إلى من اعترف بوضعه. قال مؤمل: حدثني شيخ بهذا الحديث، فقلت له: من حدثك بهذا؟ قال: رجل بالمدائن، وهو حيٌّ، فسرت إليه، فقلت: من حدثك بهذا؟ قال: حدثني شيخ بواسط، فسرت إليه. فقلت: من حدثك بهذا؟ قال: شيخ بالبصرة، فسرت إليه فقلت: من حدثك بهذا؟ فقال: شيخ بعبادان. فسرت إليه فأخذ بيدي فأدخلني بيتاً فإذا فيه قوم المتصوفة ومعهم شيخ فقال: هذا الشيخ الذي حدثني، فقلت: يا شيخ من حدثك بهذا: فقال: لم يحدثني أحد، ولكنا رأينا الناس قد رغبوا عن القرآن فوضعنا لهم هذا الحديث، ليصرفوا قلوبهم إلى القرآن. ومن ذلك حديث عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما في فضائل القرآن سورة سورة فقد سئل عنه واضعه وهو: نوح بن أبي مريم، فقال: " رأيت الناس أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي محمد بن إسحاق، فوضعت هذه الأحاديث حسبة " انظر الموضوعات لابن الجوزي (1/394) ، شرح مقدمة ابن الصلاح للعراقي (111) وأما سورة الملك فقد سبق الكلام عن فضلها في السؤال رقم (26240) فليُراجع.. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 46531 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 253 فضل آية الكرسي [السُّؤَالُ] ـ[ما هي أهمية آية الكرسي؟ هل هناك أي دليل على عظمة هذه الآية؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسير آية الكرسي من سورة البقرة: هذه آية الكرسي ولها شأن عظيم قد صح الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنها أفضل آية في كتاب الله.. عن أُبي هو ابن كعب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأله أي آية في كتاب الله أعظم قال: الله ورسوله أعلم فرددها مرارا ثم قال: آية الكرسي قال" ليهنك العلم أبا المنذر والذي نفسي بيده إن لها لسانا وشفتين تقدس الملك عند ساق العرش" وقد رواه مسلم.. وليس عنده زيادة والذي نفسي بيده إلخ. " وعن عبد الله بن أبي بن كعب أن أباه أخبره أنه كان له جرن فيه تمر قال: فكان أبي يتعاهده فوجده ينقص قال فحرسه ذات ليلة فإذا هو بدابة شبيه الغلام المحتلم قال: فسلمت عليه فرد السلام قال: فقلت ما أنت؟ جني أم إنسي؟ قال: جني. قال: قلت له ناولني يدك قال فناولني يده فإذا يد كلب وشعر كلب فقلت هكذا خلق الجن؟ قال لقد علمت الجن ما فيهم أشد مني. قلت فما حملك على ما صنعت؟ قال بلغني أنك رجل تحب الصدقة فأحببنا أن نصيب من طعامك قال: فقال له أبي فما الذي يجيرنا منكم؟ قال: هذه الآية آية الكرسي ثم غدا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره فقال النبي صدق الخبيث.. وروى الإمام أحمد حدثنا محمد بن جعفر حدثنا عثمان بن عتاب قال: سمعت أبا السليل قال: كان رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يحدث الناس حتى يكثروا عليه فيصعد على سطح بيت فيحدث الناس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي آية في القرآن أعظم فقال رجل "الله لا إله إلا هو الحي القيوم" قال فوضع يده بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي أو قال فوضع يده بين ثديي فوجدت بردها بين كتفي وقال ليهنك العلم يا أبا المنذر ".. وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في المسجد فجلست فقال يا أبا ذر هل صليت؟ قلت لا قال قم فصل قال فقمت فصليت ثم جلست فقال يا أبا ذر تعوذ بالله من شر شياطين الإنس والجن قال: قلت يا رسول الله أوَ للإنس شياطين؟ قال نعم قال: قلت يا رسول الله الصلاة قال خير موضوع من شاء أقل ومن شاء أكثر قال: قلت يا رسول الله فالصوم؟ قال فرض مجزئ وعند الله مزيد قلت يا رسول الله فالصدقة؟ قال أضعاف مضاعفة قلت يا رسول الله فأيها أفضل؟ قال جهد من مقل أو سر إلى فقير قلت يا رسول الله أي الأنبياء كان أول؟ قال آدم قلت يا رسول الله ونبي كان؟ قال نعم نبي مكلم قلت يا رسول الله كم المرسلون قال ثلاثمائة وبضعة عشر جما غفيرا وقال مرة وخمسة عشر قلت يا رسول الله أي ما أنزل عليك أعظم؟ قال آية الكرسي "الله لا إله إلا هو الحي القيوم" ورواه النسائي " وقد ذكر البخاري.. عن أبي هريرة.. قال: وكلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحفظ زكاة رمضان فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام فأخذته وقلت: لأرفعنك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: دعني فإني محتاج وعلي عيال ولي حاجة شديدة قال فخليت عنه فأصبحت فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة؟ قال: قلت يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا فرحمته وخليت سبيله قال أما إنه قد كذبك وسيعود فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه سيعود فرصدته فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دعني فإني محتاج وعلي عيال لا أعود فرحمته وخليت سبيله فأصبحت فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة قلت يا رسول الله شكا حاجة وعيالا فرحمته فخليت سبيله قال أما إنه قد كذبك وسيعود فرصدته الثالثة فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت لأرفعنك إلى رسول الله بها وهذا آخر ثلاث مرات أنك تزعم أنك لا تعود ثم تعود فقال: دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها قلت وما هي؟ قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي "الله لا إله إلا هو الحي القيوم" حتى تختم الآية فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح فخليت سبيله فأصبحت فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما فعل أسيرك البارحة؟ قلت يا رسول الله زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله قال: ما هي؟ قال: قال لي إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية "الله لا إله إلا هو الحي القيوم" وقال لي لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح وكانوا أحرص شيء على الخير فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - أما إنه صدقك وهو كذوب تعلم من تخاطب من ثلات ليال يا أبا هريرة قلت لا قال: ذاك شيطان. وفي رواية: كنت آخذا إلا لأهل بيت من الجن فقراء فخلى عنه ثم عاد الثانية ثم عاد الثالثة فقلت أليس قد عاهدتني ألا تعود؟ لا أدعك اليوم حتى أذهب بك إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: لا تفعل فإنك إن تدعني علمتك كلمات إذا أنت قلتها لم يقربك أحد من الجن صغير ولا كبير ذكر ولا أنثى قال له لتفعلن؟ قال نعم قال: ما هن؟ قال: "الله لا إله إلا هو الحي القيوم" قرأ آية الكرس حتى ختمها فتركه فذهب فلم يعد فذكر ذلك أبو هريرة للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أما علمت أن ذلك كذلك وقد رواه النسائي عن أحمد بن محمد بن عبيد الله عن شعيب بن حرب عن إسماعيل بن مسلم عن أبي المتوكل عن أبي هريرة به وقد تقدم لأبي بن كعب كائنة مثل هذه أيضا فهذه ثلات وقائع. وقال أبو عبيد في كتاب الغريب: حدثنا أبو معاوية عن أبي عاصم القفي عن الشعبي عن عبد الله بن مسعود قال: خرج رجل من الإنس فلقيه رجل من الجن فقال: هل لك أن تصارعني؟ فإن صرعتني علمتك آية إذا قرأتها حين تدخل بيتك لم يدخل شيطان فصارعه فصرعه فقال: إني أراك ضئيلا شخيتا كأن ذراعيك ذراعا كلب أفهكذا أنتم أيها الجن كلكم أم أنت من بينهم؟ فقال إني بينهم لضليع فعاودني فصارعه فصرعه الإنسي فقال: تقرأ آية الكرسي فإنه لا يقرأها أحد إذا دخل بيته إلا خرج الشيطان وله خيخ كخيخ الحمار فقيل لابن مسعود: أهو عمر؟ فقال: من عسى أن يكون إلا عمر قال أبو عبيد: الضئيل النحيف الجسيم والخيخ بالخاء المعجمة ويقال بالحاء المهملة الضراط. وعن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: سورة البقرة فيها آية سيدة آي القرآن لا تقرأ في بيت فيه شيطان إلا خرج منه: آية الكرسي وكذا رواه من طريق آخر عن زائدة عن حكيم بن جبير ثم قال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه كذا قال وقد رواه الترمذي من حديث زائدة ولفظه لكل شيء سنام وسنام القرآن سورة البقرة وفيها آية هي سيدة أي القرآن: آية الكرسي ثم قال: غريب لا نعرفه إلا من حديث حكيم بن جبير وقد تكلم فيه شعبة وضعفه "قلت" وكذا ضعفه أحمد ويحيى بن معين وغير واحد من الأئمة وتركه ابن مهدي وكذبه السعدي. وعن ابن عمر عن عمر بن الخطاب أنه خرج ذات يوم إلى الناس وهم سماطات فقال: أيكم يخبرني بأعظم آية في القرآن فقال ابن مسعود على الخبير سقطت سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: أعظم آية في القرآن "الله لا إله إلا هو الحي القيوم". وفي اشتمالها على اسم الله الأعظم قال الإمام أحمد: عن أسماء بنت يزيد بن السكن قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في هاتين الآيتين "الله لا إله إلا هو الحي القيوم" و "الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم" إن فيهما اسم الله الأعظم وكذا رواه أبو داود عن مسدد والترمذي عن علي بن خشرم وابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة ثلاثتهم عن عيسى بن يونس عن عبيد الله بن أبي زياد به وقال الترمذي: حسن صحيح. وعن أبي أمامة يرفعه قال: اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب في ثلاث: سورة البقرة وآل عمران وطه وقال هشام وهو ابن عمار خطيب دمشق: أما البقرة "الله لا إله إلا هو الحي القيوم" وفي آل عمران "الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم" وفي طه "وعنت الوجوه للحي القيوم". وعن أبي أمامة في فضل قراءتها بعد الصلاة المكتوبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرأ دبر كل صلاة مكتوبة آية الكرسي لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت. وهكذا رواه النسائي في اليوم والليلة عن الحسن بن بشر به وأخرجه ابن حبان في صحيحه من حديث محمد بن حمير وهو الحمصي من رجال البخاري أيضا فهو إسناد على شرط البخاري. والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 6092 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 254 من فضائل سورة الإخلاص [السُّؤَالُ] ـ[إنني اتبع تعاليم الإسلام من فترة وما زلت في طور التعلم فأعطاني صديق لي كتاب عن الأدعية وفي هذا الكتاب يحيلك الكاتب بعض الآيات في بعض السور التي لا أعرفها وهي بالحروف اللاتينية للكلمات العربية: 1- سورة الحمد 2- سورة إنا فتحنا 3- دلائل الخيرات 4- الله الصمد (هل هذا اسم من الأسماء الحسنى الذي ينبغي ترديده 500 مرة أم هذا اسم الدعاء فقط) 5- سورة عم يتساءلون 6- الآية الكريمة "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين" 100 مرة أرجو أن تعطينا نصها بالإنجليزية وفي أي سورة هي. أرجو الرد بالإنجليزية فالمصحف الذي معي بالإنجليزية ومقسم 114 سورة وليس 30؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أمّا السور التي سألت عنها فإنّ أسماءها المشهورة وأرقامها كما يلي: 1- سورة الحمد هي سورة الفاتحة ورقمها: 1 2- سورة إنا فتحنا هي سورة الفتح ورقمها: 48 4- الله الصمد هي في سورة الإخلاص ورقمها: 112 5- عم يتساءلون هي سورة النبأ ورقمها 78 6- آية " لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين " هي في سورة الأنبياء ورقمها 21 ورقم الآية 87 ثمّ أنبهك على ما يلي: أولا: كتاب دلائل الخيرات فيه أحاديث ضعيفة وموضوعة وأمور منافية للحقّ فلا يجوز الاعتماد عليه. ثانيا: ترجمة القرآن الكريم بالإنجليزية أو غيرها ليست قرآنا ولا لها حكم القرآن وإنّما هي بمثابة التفسير، وأمّا القرآن فهو كلام الله المنزّل باللسان العربي المبين. ثالثا: الأحد والصمد اسمان عظيمان من أسماء الله الحسنى. رابعا: تعيين العدد 500 في قراءة سورة قل هو الله أحد، والعدد 100 في قراءة آية: " لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ". أمر لم يرد به دليل صحيح من الكتاب الكريم ولا من سنّة النبي صلى الله عليه وسلم فلا يجوز الالتزام بهذه الأعداد، ولكن اعمل بما ورد في السنة الصحيحة بشأن تلك السورة وهذه الآية ومما ورد في فضل سورة الإخلاص ما يلي: عَنْ قَتَادَةَ بْنُ النُّعْمَانِ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلا قَامَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ مِنْ السَّحَرِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ لا يَزِيدُ عَلَيْهَا فَلَمَّا أَصْبَحْنَا أَتَى الرَّجُلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ وَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ ". رواه البخاري 4627 وفي رواية لأحمد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَجُلا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي جَارًا يَقُومُ اللَّيْلَ لا يَقْرَأُ إِلا قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ كَأَنَّهُ يُقَلِّلُهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ ". المسند 10965 وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَصْحَابِهِ: " أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ فِي لَيْلَةٍ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَقَالُوا أَيُّنَا يُطِيقُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الصَّمَدُ ثُلُثُ الْقُرْآنِ. " رواه البخاري 4628 وعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا فَقَرَأَ فِيهِمَا قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ رواه البخاري 4630 وعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ رَجُلا عَلَى سَرِيَّةٍ وَكَانَ يَقْرَأُ لأَصْحَابِهِ فِي صَلاتِهِمْ فَيَخْتِمُ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ سَلُوهُ لأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ فَسَأَلُوهُ فَقَالَ لأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ رواه البخاري 6827 وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوتِرُ بِسَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى وَقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فَإِذَا فَرَغَ قَالَ سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ ثَلاثًا وَيَُدُّ فِي الثَّالِثَةِ رواه النسائي 1721 وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ لَقِيتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. فَقَالَ لِي يَا عُقْبَةُ بْنَ عَامِرٍ أَلا أُعَلِّمُكَ سُوَرًا مَا أُنْزِلَتْ فِي التَّوْرَاةِ وَلا فِي الزَّبُورِ ولا فِي الإِنْجِيلِ وَلا فِي الْفُرْقَانِ مِثْلُهُنَّ لا يَأْتِيَنَّ عَلَيْكَ لَيْلَةٌ إِلا قَرَأْتَهُنَّ فِيهَا قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ قَالَ عُقْبَةُ فَمَا أَتَتْ عَلَيَّ لَيْلَةٌ إِلا قَرَأْتُهُنَّ فِيهَا وَحُقَّ لِي أَنْ لا أَدَعَهُنَّ وَقَدْ أَمَرَنِي بِهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. مسند أحمد 16810 وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ رَجُلا يَقْرَأُ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فَقَالَ وَجَبَتْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا وَجَبَتْ قَالَ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ رواه الإمام أحمد 7669 وقال صلى الله عليه وسلم: " من قرأ {قل هو الله أحد} عشر مرات بنى الله له بيتا في الجنة. " صحيح الجامع الصغير 6472. فاقرأها ما شئت من المرات دون تقييد بعدد معيّن أو وقت معيّن أو كيفية معيّنة لم ترد في الشّرع، وأما آية سورة الأنبياء وهي قوله تعالى: {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظّالمين} فمما ورد في فضلها ما يلي: عَنْ سَعْدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنْ الظَّالِمِينَ فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ. " رواه الترمذي 3427 وصححه في صحيح الجامع 3383 وقال صلى الله عليه وسلم: " ألا أخبركم بشيء إذا نزل برجل منكم كرب أو بلاء من أمر الدنيا دعا به ففرّج عنه دعاء ذي النون: {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} . رواه الحاكم وهو في صحيح الجامع 2605 نسأل الله أن يوفقنا وإياك وسائر إخواننا المسلمين إلى العلم النافع والعمل الصالح وصلى الله على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2241 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 255 الزهراوان [السُّؤَالُ] ـ[ما هما السورتان اللتان تلقبان بـ (الزهراوين) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله السورتان هما البقرة وآل عمران، فقد ثبت في الحديث الذي رواه الإمام مسلم رحمه الله عن أبي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لأَصْحَابِهِ اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ) (صلاة المسافرين / 1337) قال النووي في شرحه لصحيح مسلم: قَالُوا: سُمِّيَتَا الزَّهْرَاوَيْنِ لِنُورِهِمَا وَهِدَايَتهمَا وَعَظِيم أَجْرهمَا. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 14100 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 256 قراءة الإخلاص 1000 مرة على مريض [السُّؤَالُ] ـ[تريد الأسرة أن تقوم بختم (فيجتمعون ويكررون قراءة سورة الإخلاص في هدوء آملين أن يقرأوها 10000 مرة، والنية وراء ذلك أن يُشفى المريض.) هل هذا جائز، أم أنه يجب عليهم دعاء الله سبحانه وتعالى فقط وطلب العون منه بشكل فردي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فلاشك أن القرآن فيه شفاء للناس، وورد في بعض الآيات والسور بعينها أن فيها شفاء، وحفظ للإنسان، ودفع للمكروه بإذنه تعالى كالفاتحة والمعوذات وآية الكرسي، والإخلاص. فمن قرأ شيئا من الآيات أو السور، وكررها ثلاثاً أو سبعاً أو بحسب ما تدعوا إليه الحاجة دون المواظبة على التقيد بعدد معين لم يرد في الشرع فلا مانع من ذلك على أن يعتقد أن الشفاء بيد الله الذي جعل في القرآن شفاء للناس. وإذا أضيف لذلك الرقية بالأدعية النبوية الواردة عنه عليه الصلاة والسلام في الرقية، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: " اذهب الباس رب الناس اشف وأنت الشافي لا شفاء إلا شفاءك شفاء لا يغادر سقماً " أخرجه البخاري (5243) ومسلم (4061) ومثل ما أوصى به ذلك الصحابي الجليل لما اشتكي إليه من وجع كان به فقال له: " ضع يدك على الذي تألم من جسدك وقل باسم الله ثلاثاً وقل سبع مرات أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر " وغير ذلك مم صح عنه عليه الصلاة والسلام فيكون حسناً جداً. وإذا اجتمع التوكل على الله مع استحضار معاني الآيات والأدعية التي تقرأ، وصلاح كل من الراقي والمرقي نفع ذلك بإذن الله نفعاً عظيماً وبناء على ما تقدم فإن الاجتماع على الصفة المذكورة في السؤال وقراءة قل هو الله أحد بهذا العدد المعين (100000 مرة) هو عمل غير مشروع فعليكم الاكتفاء بما ثبت في السنة. ونسأل الله أن يعجل بشفاء مريضكم، وأن يلبسه لبوس العافية..آمين. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 22366 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 257 قراءة سورة الملك تمنع عذاب القبر [السُّؤَالُ] ـ[قراءة سورة الملك تحمي المسلم من عذاب القبر، ولكن كم مرة يجب أن يقرأها؟ مرة في اليوم أو أكثر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن سورة من القرآن ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له وهي سورة تبارك الذي بيده الملك ". رواه الترمذي (2891) وأبو داود (1400) وابن ماجه (3786) . قال الترمذي: هذا حديث حسن، وصححه شيخ الإسلام ابن تيمية في " مجموع الفتاوى " (22 / 277) ، والشيخ الألباني في " صحيح ابن ماجه " (3053) . والمقصود بهذا: أن يقرأها الإنسان كل ليلة، وأن يعمل بما فيها من أحكام، ويؤمن بما فيها من أخبار. عن عبد الله بن مسعود قال: من قرأ تبارك الذي بيده الملك كل ليلة منعه الله بها من عذاب القبر، وكنا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نسميها المانعة، وإنها في كتاب الله سورة من قرأ بها في كل ليلة فقد أكثر وأطاب. رواه النسائي (6 / 179) وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 1475. وقال علماء اللجنة الدائمة: وعلى هذا يُرجى لمن آمن بهذه السورة وحافظ على قراءتها، ابتغاء وجه الله، معتبراً بما فيها من العبر والمواعظ، عاملاً بما فيها من أحكام أن تشفع له. " فتاوى اللجنة الدائمة " (4 / 334، 335) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 26240 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 258 حفظ القرآن وفضائل بعض السور [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكن أن تذكر ثواب قراءة كل من السور التالية مع ذكر الدليل من السنة عليه: سورة النبأ وسورة الواقعة وسورة يس وسورة الملك، أنا في أواسط الثلاثينات من العمر وأحاول أن أحفظ من القرآن قدر الاستطاعة، أي السور يجب أن أبدأ بها؟ هل يجوز أن أقرأ الجزء الذي حفظته في صلاة النافلة؟ ماذا أفعل إذا أخطأت أو نسيت بينما أنا أقرأ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: أما فضل سورة النبأ وثواب قراءتها فلا نعلم هنالك خصوصية لهذه السورة إلا ما هو معروف عن سائر القرآن وليس لها فضل خاص دون غيرها إلا ما علمناه أن من قرأ من القرآن حرفاً فله عشر حسنات عن عبد الله بن مسعود قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف ". رواه الترمذي (2910) وصححه الألباني في صحيح الترمذي (2327) . ولكن ورد أنها من السور المنذرات الشديدات على رسول الله صلى الله عليه وسلم. عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت ". رواه الترمذي (3297) . والحديث: صححه الشيخ الألباني " الصحيحة " (955) . - وأما فضل سورة الواقعة فقد ورد في فضلها حديث لا يصح. عن شجاع عن أبي فاطمة: " أن عثمان بن عفان رضي الله عنه عاد ابن مسعود في مرضه فقال ما تشتكي قال ذنوبي قال فما تشتهي قال رحمة ربي قال ألا ندعوا لك الطبيب قال الطبيب أمرضني قال ألا آمر لك بعطائك قال منعتنيه قبل اليوم فلا حاجة لي فيه قال فدعه لأهلك وعيالك قال إني قد علمتهم شيئا إذا قالوه لم يفتقروا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من قرأ " الواقعة " كل ليلة لم يفتقر ". رواه البيهقي في " شعب الإيمان " (2 / 491) . والحديث: ضعَّفه الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة (289) . ـ وأما فضل سورة (يس) فقد ورد في فضلها أحاديث لا تصح. عن أنس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن لكل شيء قلبا وقلب القرآن يس ومن قرأ يس كتب الله له بقراءتها قراءة القرآن عشر مرات ". رواه الترمذي (2887) وقال لا يصح من قبل إسناده وإسناده ضعيف. وقال الألباني في " الضعيفة " (169) : موضوع. ومثله الحديث الذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله تبارك وتعالى قرأ طه ويس قبل أن يخلق السموات والأرض بألف عام فلما سمعت الملائكة القرآن قالت طوبى لأمة ينزل هذا عليها وطوبى لأجواف تحمل هذا وطوبى لألسنة تتكلم بهذا ". رواه الدارمي (3280) . قال الألباني في الضعيفة (1248) : مُنْكر وكذلك الحديث الذي عن معقل بن يسار قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " اقرءوا يس على موتاكم ". رواه أبو داود (3121) وابن ماجه (1448) . قال الشيخ الألباني: وأما قراءة سورة " يس " عنده ـ يعني الميت ـ وتوجيهه نحو القبلة فلم يصح فيه حديث. " أحكام الجنائز " (ص 11) . وكذلك حديث أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من دخل المقابر فقرأ سورة (يس) خفف عنهم يومئذ وكان له بعدد من فيها حسنات ". قال الشيخ الألباني في " الضعيفة " (1246) : موضوع أخرجه الثعلبي في تفسيره (3 /161 /2) . ـ أما سورة الملك فقد ورد في فضلها أحاديث صحيحة. عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن سورة من القرآن ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له وهي سورة تبارك الذي بيده الملك ". رواه الترمذي (2891) وأحمد (7634) وأبو داود (1400) وابن ماجه (3786) . والحديث: حسَّنه الترمذي والألباني في " صحيح الترمذي " (3 / 6) . وجاء في فضلها أيضاً: عن جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا ينام حتى يقرأ " الم تنزيل " و" تبارك الذي بيده الملك ". رواه الترمذي (2892) وأحمد (14249) . والحديث: قال الألباني في " صحيح الترمذي " (3 / 6) : صحيح. ثانياً: ليست هناك طريقة محددة لحفظ القرآن الكريم فالناس متفاوتون بالمقدرة على الحفظ فلكل طريقة تناسبه ووقت يناسبه. فبعض الناس يحب القراءة والحفظ بعد صلاة الفجر وبعضهم يحبها بعد المغرب، فانظر في شأنك واسلك أحسن السبل في ذلك. وبعض الناس تسهل عليه السور المكية القصيرة وبعضهم تسهل عليه السور المدنية الطويلة، فابدأ بالذي يسهل عليك. ويمكنك البداية بالسور المسموعة كثيراً واليسيرة الحفظ كسورة " الكهف " و " مريم " والأجزاء الأخيرة، فإن هذا يعطيك دافعاً قوياً لتكملة الحفظ إذا وجدت نفسك قد حفظتَ أجزاءً كثيرةً. ومن أهم السبل في تثبيت ما قد حفظت وعدم نسيانه التكرار والإعادة الدائمة في كل وقت وعلى كل حال، حتى إن بعض الناس الذين يحاولون حفظ القرآن ليقرأونه في السكك والطرقات وعند ركوب الحافلة وعند دخول الدكاكين والأسواق وعلى كل حال وفي كل وقت من ليل أو نهار. وإن العمل بما تعلم من آيات الله تعالى هو أهدى السبل للمحافظة على القرءان في الصدر. عن أبي عبد الرحمن قال: حدثنا من كان يقرئنا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: " أنهم كانوا يقترئون من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر آيات فلا يأخذون في العشر الأخرى حتى يعلموا ما في هذه من العلم والعمل قالوا فعلمنا العلم والعمل ".أحمد (22384) ومما هو معلوم ومجرب عند الناس أن أفضل السبل للمحافظة على القرآن هي المراجعة في الصلوات كالسنن الرواتب وغيرها - أو الفروض للإمام - لاسيما قيام الليل؛ لذلك فلا بأس بقراءة الجزء الذي تحفظه في صلاة النافلة. ـ ولكن إن نسيت شيئاً من القرءان حال الصلاة فحاول التذكر حتى إذا أعياك ذلك فلا بأس أن تتجاوز الذي لم تستذكره إلى الذي يليه مما تذكر فإذا قضيت صلاتك رجعت إلى المصحف واستذكرت الذي نسيته من هناك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 6460 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 259 حكم التجمع للدعاء وقراءة القرآن [السُّؤَالُ] ـ[في المصلى الخاص بجامعتنا قام خلاف بشأن الاجتماع للجلوس والدعاء، حيث يتم توزع أجزاء القرآن على الأشخاص الحاضرين ويقرأ كل منهم جزء في نفس الوقت حتى تتم قراءة المصحف كاملاً ثم يقومون بالدعاء لغرض معين كالنجاح في الامتحانات مثلاً. هل طريقة هذا الدعاء واردة في الشريعة؟ أرجو أن يكون جوابك مدعماً بالقرآن والسنة وإجماع السلف.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا السؤال يشتمل على مسألتين: الأولى: حكم الاجتماع لتلاوة القرآن , بأن يأخذ كل من الحاضرين جزءا من القرآن في نفس الوقت حتى يتم كل واحد الجزء الذي معه. فالجواب عن هذا ما جاء في فتوى للجنة الدائمة (2/480) , ونصه: (أولا: الاجتماع لتلاوة القرآن ودراسته بأن يقرأ أحدهم ويستمع الباقون ويتدارسوا ما قرؤوه ويتفهموا معانيه مشروع وقربة يحبها الله , ويجزي عليها الجزاء الجزيل، فقد روى مسلم في صحيحه وأبو داود، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده) . والدعاء بعد ختم القرآن مشروع أيضاً إلا أنه لا يداوم عليه ولا يلتزم فيه صيغة معينة كأنه سنة متبعة، لأن ذلك لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما فعله بعض الصحابة رضي الله عنهم. وكذا دعوة من حضر القراءة إلى طعام لا بأس بها ما دامت لا تتخذ عادة بعد القراءة. ثانياً: توزيع أجزاء من القرآن على من حضروا الاجتماع ليقرأ كل منهم لنفسه حزباً من القرآن لا يعتبر ذلك ختماً للقرآن من كل واحد منهم بالضرورة. وقصدهم القراءة للتبرك فقط فيه قصور فإن القراءة يقصد بها القربة وتحفظ القرآن وتدبره وفهم أحكامه والاعتبار به ونيل الأجر والثواب وتدريب اللسان على تلاوته .... إلى غير ذلك من الفوائد، وبالله التوفيق) ا. هـ الثانية: اعتقاد أن هذا الفعل (الاجتماع على تلاوة القرآن حسب الطريقة المذكورة) له أثر في إجابة الدعاء , وهذا لا يعلم عليه دليل , فهو غير مشروع , ولإجابة الدعاء أسباب كثيرة معلومة , كما أن لمنع الإجابة موانع معروفة , فالواجب على الداعي أن يأتي بأسباب الإجابة ويجتنب موانعها , ويحسن الظن بربه , والله عند ظن عبده به. انظر السؤال 5113. (تنبيه) الدليل إنما يطلب ممن أثبت أمرا من الأمور الشرعية , وإلا فالأصل في العبادات المنع حتى يثبت دليل المشروعية , كما قرر ذلك أهل العلم , وعليه فالدليل على عدم مشروعية ذلك الاعتقاد هو عدم الدليل الدال على جوازه. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 22722 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 260 حكم رمي القرص والشريط المسجل عليه قرآن أو محاضرة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن أرمي قرص ممغنط وشرائط كاسيت تحتوي على محاضرات في الإسلام أو تسجيلات للقرآن؟ وكيف أتصرف فيها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأقراص الممغنطة وشرائط الكاسيت التي وضع عليها القرآن كتابة أو تسجيلا، لا تأخذ حكم المصحف، فيجوز لمسها من غير طهارة، ويجوز دخول الخلاء بها، وإذا تلفت فلا حرج في التخلص منها برميها ونحوه ولا يعدّ ذلك امتهانا للقرآن أو للمواد الدينية المسجلة عليها. وينظر جواب السؤال رقم (22000) ورقم (106961) ورقم (42061) . وإذا كانت هذه الأقراص أو الأشرطة مما يمكن الاستفادة منها، فالأولى أن تُعطى لمن يستفيد منها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136662 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 261 حكم قراءة القرآن للجالس والمتكئ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز قراءة القرآن وأنا جالس على مقعد؟ والذكر أيضا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تجوز قراءة القرآن وذكر الله تعالى جالساً على مقعد أو متكئاً أو مضطجعاً أو مستلقياً على قفاه ... ونحو ذلك من الهيئات. ويدل على جوازه ما روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم: (يَتَّكِئُ فِي حَجْرِي وَأَنَا حَائِضٌ ثُمَّ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ) رواه البخاري (297) ، ومسلم (301) قال ابن رجب في "فتح الباري" (1/406) : "وفي الحديث: دلالة على جواز قراءة القرآن متكئاً، ومضطجعاً، وعلى جنبه، ويدخل ذَلِكَ في قول الله عز وجل: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ) آل عمران/191" انتهى. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136521 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 262 أخذ المصحف باليد اليسرى [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أخذ المصحف وحمله باليد اليسرى؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " لا أعلم في هذا شيئاً، وإن كان أخذه باليمين أفضل، فاليمين أفضل بكل حال، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجعل اليمين لطهارته وترجله، وللأخذ والعطاء، والمصافحة ونحو ذلك، واليسرى لما سوى ذلك، فإذا دعت الحاجة إلى أن يأخذ المصحف باليسار لأن اليمين تعبت أو ما أشبه ذلك فلا حرج إن شاء الله؛ لأنهما ـ أي: اليدان ـ تتعاونان، وليس المقصود بأخذ المصحف بها إهانة ولا تساهلاً، وإنما تعاون من هذه لهذه، وهما يتعاونان في ذلك، فإن جعله في اليسرى وقرأ أو في اليمنى وقرأ، فكله لا بأس به إن شاء الله، لكن كونه باليمنى أولى وأفضل لما تقدم من تفضيل اليمنى في الأخذ والعطاء والأكل ونحو ذلك " انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (1/333) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128905 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 263 يعمل معه كفار في طباعة المصحف [السُّؤَالُ] ـ[يعمل في طباعة المصحف بعض الكفرة، ويقومون بإمساك المصحف، فما الحكم في ذلك مع توفر وجود غيرهم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " إذا استطعت أن تمنعهم فامنعهم، إذا كان لك سلطان امنعهم، ولا يمسك المصحف إلا مسلم، أما إذا ما كان لك سلطان فلا تمنعهم ولا يضرك، والإثم على الدولة التي مكنتهم منه " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (24/339) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128819 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 264 الأفضل وضع المصحف على شيء مرتفع أثناء سجود التلاوة [السُّؤَالُ] ـ[إذا كنت أقرأ القرآن ووصلت إلى آية فيها سجدة فهل يجوز لي أن أضع المصحف شرفه الله على الأرض حتى أفرغ من سجدة التلاوة أم لابد من وضعه على شيء مرتفع؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا حرج في وضعه على الأرض إذا كانت طاهرة وقت سجود التلاوة، وإذا تيسر مكان مرتفع شرع وضعه فيه، أو تسليمه إلى أخيك الذي بجوارك إن وُجد حتى تفرغ من السجود؛ لأن ذلك من تعظيمه والعناية به، ولئلا يظن بعض الناس أنك أردت إهانته أو قلة المبالاة به. وبالله التوفيق" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (24/349) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128346 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 265 حكم إعادة تصنيع أوراق المصاحف التالفة للاستفادة منها في شيء آخر [السُّؤَالُ] ـ[توجد مشاريع لإعادة تصنيع الورق، وبعضها يصرف ريعه في مشاريع خيرية، ومنها ما هو تجاري..السؤال: ما حكم إعادة تصنيع أوراق المصاحف التالفة للاستفادة منها في شيء آخر؟ أم يجب إتلافه بالطرق التقليدية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: لا يجوز إعادة تصنيع أوراق المصحف التالفة واستعمالها في شيء آخر غير القرآن؛ لأن هذا يعد نوعاً من الامتهان لها، والذي ينبغي هو حرق هذه الأوراق أو تدفن في مكان طاهر صيانة لها، حتى لا توطأ بالأقدام أو تلقى على الأرض. وقد روى البخاري (4988) عن أَنَس بْن مَالِكٍ رضي الله عنه (أن عثمان بن عفان رضي الله عنه لما أمر بنسخ المصاحف َأَرْسَلَ إِلَى كُلِّ أُفُقٍ بِمُصْحَفٍ مِمَّا نَسَخُوا، وَأَمَرَ بِمَا سِوَاهُ مِنْ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ صَحِيفَةٍ أَوْ مُصْحَفٍ أَنْ يُحْرَقَ) . قَالَ اِبْن بَطَّال: " فِي هَذَا الْحَدِيث جَوَاز تَحْرِيق الْكُتُب الَّتِي فِيهَا اِسْم اللَّه بِالنَّارِ، وَأَنَّ ذَلِكَ إِكْرَام لَهَا، وَصَوْن عَنْ وَطْئِهَا بِالْأَقْدَامِ. وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْد الرَّزَّاق مِنْ طَرِيق طَاوُسٍ أَنَّهُ كَانَ يُحَرِّق الرَّسَائِل الَّتِي فِيهَا الْبَسْمَلَة إِذَا اِجْتَمَعَتْ، وَكَذَا فَعَلَ عُرْوَة " انتهى من "فتح الباري". وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة " للإفتاء (3/40) : " ما اندرس من أوراق المصحف الشريف فإنه يحرق أو يدفن في مكان طاهر صيانةً له من الامتهان " انتهى. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء عن إعادة تصنيع الأوراق التالفة من المصاحف وكتب السنة. هل يجوز للمسلمين أن يضعوها في الماكينة بالمصنع مع كمال الاحترام والماكينة تغير هيئتها بالأدوية وتصير مثل القطن وبعده تصنع منها أوراقا جديدة؟ فأجابوا: " أولا: يجب صيانة الأوراق المكتوب بها القرآن العظيم؛ لأنه كلام رب العالمين، فيحرم امتهانها أو تعريضها للإهانة. ثانيا: لا يجوز تمكين غير المسلمين من مس الكتاب الكريم - القرآن -. ثالثا: يجوز للمسلمين إزالة رسم القرآن من الأوراق والمصاحف المتمزقة، إما بالإحراق، أو دفنها في أرض طاهرة؛ احتراما للقرآن، وصونا له عن الأذى والإهانة. وسبق أن عرض موضوع استعمال الأوراق التي فيها شيء من القرآن على مجلس هيئة كبار العلماء في دورته السادسة والعشرين، وصدر منه قرار بالإجماع يمنع ما ذكره السائل، وهذا نص ما قال مجيبا لمعالي وزير الحج والأوقاف في المملكة العربية السعودية: 1- ما عملتم به بشأن الأوراق التجريبية من طحنها ثم حرقها ثم دفنها في مكان طاهر - عمل جيد، وموافق لما ذكره أهل العلم؛ اقتداء بالخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه. 2- يرى المجلس عدم الموافقة على طلب مصنع الغدير؛ لما يترتب على ذلك من الإهانة والابتذال؛ لما في الأوراق من كلام الله عز وجل " انتهى. "فتاوى اللجنة" (4/53 - 55) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126206 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 266 حكم وضع القرآن الكريم داخل الهاتف النقال أو حمله في الجيب [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم اقتناء القران الكريم داخل الهاتف النقّال؟ وما حكم وضع المصحف داخل الجيب الأمامي أو الخلفي للبنطال أو اللباس ككل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز وضع القرآن الكريم داخل الهاتف النقال، وينبغي أن يكون بالرسم العثماني، إلا إن تعذر ذلك فيجوز بغيره. وينظر: سؤال رقم (98922) ورقم (106961) . ولا حرج في حمل المصحف ووضعه داخل الجيب في البنطال أو غيره من اللباس بشرط المحافظة عليه من التمزق أو الامتهان. جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (4/60) : " أحدنا يحمل المصحف في جيبه وربما دخل به الخلاء، فما حكم ذلك أفيدونا؟ الجواب: حمل المصحف بالجيب جائز، ولا يجوز أن يدخل الشخص الحمام ومعه مصحف، بل يجعل المصحف في مكان لائق به؛ تعظيما لكتاب الله واحتراما له، لكن إذا اضطر إلى الدخول به خوفا من أن يسرق إذا تركه خارجا جاز له الدخول به للضرورة " انتهى. وأما إن كان حمل المصحف في الجيب الخلفي للبنطال، يترتب عليه الجلوس على المصحف إذا أراد صاحبه أن يجلس: فلا يجوز ـ حينئذ ـ وضعفه في الجيب الخلفي، وأقل أحوال ذلك الكراهة؛ بل صرح غير واحد من أهل العلم بتحريم ما هو أيسر من ذلك: أن يجعل المصحف تحت رأسه، كالوسادة له. قال النووي رحمه الله: " أجمع المسلمون على وجوب صيانة المصحف، واحترامه. قال أصحابنا وغيرهم: ... ويحرم توسده؛ بل توسد آحاد كتب العلم حرام ". اهـ التبيان في آداب حملة القرآن (128) ، وانظر أيضا: البرهان في علوم القرآن، للزركشي (1/478) . وقال ابن مفلح رحمه الله: " وَيُكْرَهُ تَوَسُّدُ الْمُصْحَفِ، ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَقَالَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ كَرِهَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَنْ يَضَعَ الْمُصْحَفَ تَحْتَ رَأْسِهِ فَيَنَامُ عَلَيْهِ قَالَ الْقَاضِي: إنَّمَا كَرِهَ ذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ ابْتِذَالًا لَهُ وَنُقْصَانًا مِنْ حُرْمَتِهِ، فَإِنَّهُ يَفْعَلُ بِهِ كَمَا يَفْعَلُ بِالْمَتَاعِ. وَاخْتَارَ ابْنُ حَمْدَانَ التَّحْرِيمَ وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ بَعْدَهُ، وَكَذَا سَائِرُ كُتُبِ الْعِلْمِ إنْ كَانَ فِيهَا قُرْآنٌ وَإِلَّا كُرِهَ فَقَطْ ... وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ فِي كِتَابِهِ "مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ": إَنَّهُ يَحْرُمُ الِاتِّكَاءُ عَلَى الْمُصْحَفِ، وَعَلَى كُتُبِ الْحَدِيثِ وَمَافِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ اتِّفَاقًا ". اهـ. الآداب الشرعية (2/393) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125930 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 267 حكم مس الكافر لترجمة القرآن [السُّؤَالُ] ـ[يوجد لدي ترجمة لمعاني القرآن الكريم باللغة الإنجليزية، فهل يجوز أن يمسها الكافر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا حرج أن يمس الكافر ترجمة معاني القرآن الكريم باللغة الإنجليزية أو غيرها من اللغات؛ لأن الترجمة تفسير لمعاني القرآن، فإذا مسها الكافر أو من ليس على طهارة فلا حرج في ذلك؛ لأن الترجمة ليس لها حكم القرآن، وإنما لها حكم التفسير، وكتب التفسير لا حرج أن يمسها الكافر، ومن ليس على طهارة، وهكذا كتب الحديث والفقه واللغة العربية، والله ولي التوفيق" انتهى. فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله. "مجلة البحوث الإسلامية" عدد 45 ص115. وللفائدة ينظر جواب السؤال رقم (100228) ، ورقم (1690) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 119323 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 268 " مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف " هل هو ثقة لننشر مطبوعاته؟ [السُّؤَالُ] ـ[لديَّ وقت فراغ، وأريد - إن شاء الله - أن أستغله في عمل صالح، ابتغاء وجه الله عز وجل، وتوصلت - بفضل الله - إلى هذه الفكرة، وأريد معرفة رأي الدين فيها. نشر ترجمة القرآن الكريم بعدة لغات في المنتديات العالمية، والعربية، وأريد – أيضاً - إنشاء - بعون الله عز وجل - العديد من المدونات الخاصة بهذا الأمر، والمشكلة هي كالآتي: كما تعلم بارك الله فيك هناك العديد من مصادر التراجم للقرآن الكريم، ولهذا أريد التأكد من صحة اختياري فيما يخص مصدر التراجم، والذي هو " مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة " وهو على هذا الرابط: http://www.qurancomplex.org/، وهل بإمكاني نشر التراجم بلغات لا أعرف عنها شيئاً؟ وإن كان هناك خطأ في الترجمة: فمن يتحمل المسؤولية أمام رب العالمين يوم القيامة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نشكر لك أخي الفاضل حبك للخير، ونشر كتاب الله تعالى في الأرض، وحرصك على دعوة الناس، ونسأل الله تعالى أن يجزيك خير الجزاء، وأن يوفق مسعاك لما يحب ويرضى. ونحب أولاً أن ننبهك إلى أن قولك " رأي الدين ": خطأ، والصواب أن تقول " ما تقولون " أو " ما حكم الشرع " فيما فيه نص. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: لا ينبغي أن يقال " ما حكم الإسلام في كذا "، أو " ما رأي الإسلام في كذا " فإنه قد يخطئ فلا يكون ما قاله حكم الإسلام، لكن لو كان الحكم نصّاً صريحاً، فلا بأس أن يقال: ما حكم الإسلام في أكل الميتة؟ فنقول: حكم الإسلام في أكل الميتة أنها حرام. " المناهي اللفظية " (49) . ثانياً: لتعلم أخي الفاضل أنه يستحيل ترجمة ألفاظ القرآن الكريم؛ لأن القرآن نزل بلغة العرب، ولا يطلق عليه إن تُرجم " كتاب الله "، بل هو كتاب من قام بترجمته، وليس ثمة لغة في العالم تضاهي دقة اللغة العربية، لذا فمن المستحيل أن يترجم كتاب الله إلى لغة أخرى تؤدي المقصود تماماً، وتطابق اللفظ القرآني. نعم، يمكن ترجمة معاني القرآن بلغات أخرى، لكن يشترط أن يقوم بهذه الترجمة حاذق باللغتين – العربية واللغة المراد الترجمة إليها – حتى يفهم مراد الله تعالى، فيؤدي المعنى باللغة الأخرى على وجهها الصحيح، وإذا فعلت هذا، وساهمت في نشر هذه التراجم: فإنك تقوم بعمل جليل، نرجو الله تعالى أن يثيبك عليه أجزل الثواب، ولا يهم كونك تعرف هذه اللغة الأجنبية، بل يكفي ثقتك بعمل المترجم، أو المؤسسة القائمة عليها. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة: ترجمة القرآن، أو بعض آياته، إلى لغة أجنبية، أو عجمية بقصد نشر الدعوة الحقَّة الإسلامية في بلاد غير المسلمين، هل في هذا العمل ما يخالف الشرع والدين؟ . فأجابوا: " ترجمة القرآن، أو بعض آياته، والتعبير عن جميع المعاني المقصود إليها من ذلك: غير ممكن، وترجمته، أو بعضه ترجمة حرفية: غير جائزة؛ لما فيها من إحالة المعاني، وتحريفها، أما ترجمة الإنسان ما فهمه من معنى آية، أو أكثر، وتعبيره عما فهمه من أحكامه، وآدابه، بلغة إنجليزية، أو فرنسية، أو فارسية – مثلاً - لينشر ما فهمه من القرآن ويدعو الناس إليه: فهو جائز، كما يفسر الإنسان ما فهمه من القرآن، أو آيات منه باللغة العربية، وذلك بشرط أن يكون أهلا لتفسير القرآن، وعنده قدرة على التعبير عما فهمه من الأحكام، والآداب بدقة، فمَن لم تكن لديه وسائل تعينه على فهم القرآن، أو لم يكن لديه اقتدار على التعبير عنه بلغة عربية، أو غير عربية، تعبيراً دقيقاً: فلا يجوز له التعرض لذلك؛ خشية أن يحرِّف كتاب الله عن مواضعه، فينعكس عليه قصده، ويصير قصده المعروف منكراً، وإرادته الإحسان: إساءة. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى. الشيخ عبد الرزاق عفيفي , الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن منيع. " فتاوى اللجنة الدائمة " (4/162،163) . وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: ما حكم ترجمة القرآن، وتفسيره، تفسيراً حرفيّاً لغير العربية؟ فأجاب: " أسألك: هل يمكن أن يترجم القرآن ترجمةً حرفية؟ لا يمكن أبداً، فالمسألة مفروضة فرضاً لا واقعاً؛ لأن اللغات غير العربية تختلف عن العربية، وليست كالعربية في الترتيب، ولا في الأسلوب، لهذا لا يمكن أن يُترجم ترجمة حرفية، أما ترجمة القرآن ترجمة معنوية، بمعنى أن يأخذ الإنسان آية، ويترجم معناها: فهذا لا بأس به، بل قد يكون واجباً لمن احتيج إلى تفهيمه بذلك " انتهى "لقاءات الباب المفتوح" (50 / السؤال رقم 12) . وللفائدة ينظر جواب السؤال: (1690) ، (98553) . ثالثاً: بخصوص " مجمع الملك فهد لطباعة المصحف ": فإننا نعلمك أنه مصدر ثقة لدى العلماء والباحثين من أهل السنَّة، وأنه يقوم على إدارة شئون طباعة المصحف، ومراجعته، وتراجمه، وتفسيره: مشايخ فضلاء، وأئمة أعلام، فإن تيسر لك شيء من إصدارات ذلك المجمع: فلا تتردد في نشرها، وتوزيعها في أرجاء الأرض. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة: هل يجوز إعطاء الكافر الذي يرغب بالإسلام، ولم يسلم بعدُ، نسخة من ترجمة معاني القرآن الكريم، ومعها القرآن الكريم كاملاً، كطباعة ترجمات القرآن الكريم الصادرة من " مجمع الملك فهد لطباعة المصحف "؟ . فأجابوا: " لا مانع من إعطاء الكافر الذي يُرجى إسلامه كتب التفسير، وترجمة معاني القرآن، بلغته التي يفهمها، ولو كان القرآن مميزاً عن التفسير، والترجمة؛ لأن الحكم في مثل هذا للتفسير والترجمة. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد. " فتاوى اللجنة الدائمة " المجموعة الثانية (3 / 45) . وجاء في قرارات وتوصيات " مجمع الفقه الإسلامي " التابع لـ " منظمة المؤتمر الإسلامي ": قرار رقم: 116 (10 / 12) بشأن موضوع ترجمة القرآن الكريم: ما نصه: " إن " مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي " المنبثق عن " منظمة المؤتمر الإسلامي " في دورته الثانية عشرة بالرياض في المملكة العربية السعودية، من 25 جمادى الآخرة 1421 هـ إلى غرة رجب 1421 هـ (23 - 28 سبتمبر 2000 م) . بعد اطلاعه على ورقة العمل المتضمنة " ترجمة معاني القرآن الكريم " المحالة من الأمانة العامة لمؤتمر وزراء الأوقاف والشؤون الإسلامية، والمعدة من قبل " مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف " حول المعايير، والشروط الخاصة، والإجراءات لترجمة معاني القرآن الكريم. وبعد دراسة مستفيضة، واستماعه إلى المناقشات التي دارت حول الموضوع، بمشاركة أعضاء " المجمع "، وخبرائه، وعدد من الفقهاء: قرر ما يلي: إقرار جميع بنود ورقة العمل المقدمة بشأن ترجمة معاني القرآن الكريم. ويوصي: - بإنشاء هيئة تعنى بتفسير القرآن الكريم وعلومه، ترتبط بـ " مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف ". والله سبحانه وتعالى أعلم " انتهى. فأنت ترى ثقة العلماء والمشايخ من العالَم أجمع بهذا المجمع، وليس عليك سوى المسارعة بالخير، عسى الله أن يوفقك له، ويتقبله منك. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118455 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 269 النسخ القديمة من المصاحف [السُّؤَالُ] ـ[كم الجهود التي يبذلها المسلم للحفاظ على النسخ القديمة للقرآن؟ إن هذا يتطلب بالتأكيد موارد وخبرة في كيفية الحفظ. هناك الكثير من النسخ القديمة للقرآن في مكتبات كثيرة، وفي البيوت، لكنها أصبحت مغبرَّة، وفي حالة سيئة. كيف ينبغي التصرف في هذا الوضع، حيث الرغبة كبيرة للحفاظ على المصحف؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله احترام المصاحف والعناية بها من تعظيم شعائر الله، وتقدير كلام الله تعالى الذي أنزله هداية للعالمين واجب على جميع المسلمين، ينبغي بذل كل الجهود الممكنة في سبيله. وتقدير حجم هذه الجهود يتفاوت بحسب الحاجة إلى حفظ المصاحف القديمة، فقد تكون نسخ المصاحف قليلة، والناس بحاجة إلى جميع ما بين أيديهم، كما قد تكون هذه النسخ القديمة ما تزال متماسكة صالحة للقراءة والنظر، أو قد يكون من الممكن إرسالها إلى بعض بلاد المسلمين الفقيرة التي ما يزال أهلها ينسخون المصاحف بأيديهم لشدة فقرهم، ونحو ذلك من الأمور التي تقتضي الاستمرار في حفظ النسخ القديمة والعناية بها إلى أقصى درجة. فإن لم تقم هذه الحاجات لحفظ النسخ القديمة، فلا بأس من الشروع في إفنائها بالطريقة المكرمة التي تحقق المقصود، وقد ذكر العلماء طرقا ثلاثة لذلك: الطريقة الأولى: الحرق: يعني حرق النسخ القديمة من المصاحف برفق وعناية في مكان طاهر آمن، مع التأكد من اختفاء كلماته بالحرق وتغير أوراقه. وقد استأنس العلماء لهذا بما فعله عثمان رضي الله عنه في المصاحف المخالفة لما أجمع عليه الصحابة، فقد روى البخاري رحمه الله (حديث رقم/4987) عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن عثمان بن عفان رضي الله عنه: (أَمَرَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، فَنَسَخُوهَا فِى الْمَصَاحِفِ، وَقَالَ عُثْمَانُ لِلرَّهْطِ الْقُرَشِيِّينَ الثَّلاَثَةِ: إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَيءٍ مِنَ الْقُرْآنِ فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ، فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ، فَفَعَلُوا، حَتَّى إِذَا نَسَخُوا الصُّحُفَ فِي الْمَصَاحِفِ رَدَّ عُثْمَانُ الصُّحُفَ إِلَى حَفْصَةَ، وَأَرْسَلَ إِلَى كُلِّ أُفُقٍ بِمُصْحَفٍ مِمَّا نَسَخُوا، وَأَمَرَ بِمَا سِوَاهُ مِنَ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ صَحِيفَةٍ أَوْ مُصْحَفٍ أَنْ يُحْرَقَ) قال ابن بطال رحمه الله: " في هذا الحديث جواز تحريق الكتب التي فيها اسم الله بالنار، وأن ذلك إكرام لها، وصَوْن عن وطئها بالأقدام، وقد أخرج عبد الرزاق من طريق طاووس أنه كان يحرق الرسائل التي فيها البسملة إذا اجتمعت، وكذا فعل عروة، وكرهه إبراهيم " انتهى. "فتح الباري" (9/20) ويقول الخطيب الشربيني الشافعي رحمه الله: " ويُكره إحراقُ خشبٍ نُقِشَ بالقرآن، إلا إن قصد به صيانة القرآن فلا يكره، كما يؤخذ من كلام ابن عبد السلام، وعليه يُحمَل تحريق عثمان رضي الله عنه المصاحف " انتهى."مغني المحتاج" (1/152) الطريقة الثانية: الدفن: فيختار لها مكانًا طاهرا آمنا من العبث، ويحفر لها حفرة عميقة يغلب على الظن غياب النسخ المدفونة فيها آمادا طويلة. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وأما المصحف العتيق، والذي تخرق وصار بحيث لا ينتفع به بالقراءة فيه، فإنه يدفن في مكان يصان فيه، كما أن كرامة بدن المؤمن دفنه في موضع يصان فيه " انتهى. "مجموع الفتاوى" (12/599) ويقول البهوتي رحمه الله: " (ولو بلي المصحف أو اندرس دفن، نصا) ذكر أحمد أن أبا الجوزاء بلي له مصحف فحفر له في مسجده فدفنه. وفي البخاري أن الصحابة حرّقته ـ بالحاء المهملة ـ لما جمعوه، وقال ابن الجوزي: ذلك لتعظيمه وصيانته. وذكر القاضي أن أبا بكر بن أبي داود روى بإسناده عن طلحة بن مصرف قال: دفن عثمان المصاحف بين القبر والمنبر، وبإسناده عن طاوس أنه لم يكن يرى بأسا أن تحرق الكتب، وقال: إن الماء والنار خلق من خلق الله " انتهى. "كشاف القناع" (1/137) وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (4/140) : " إذا بليت أوراق المصحف وتمزقت من كثرة القراءة فيها مثلا، أو أصبحت غير صالحة للانتفاع بها، أو عثر فيها على أغلاط مِن إهمال مَن كتبها أو طبعها، ولم يمكن إصلاحها، جاز دفنها بلا تحريق، وجاز تحريقها ثم دفنها بمكان بعيد عن القاذورات ومواطئ الأقدام، صيانة لها من الامتهان، وحفظا للقرآن من أن يحصل فيه لبس أو تحريف أو اختلاف بانتشار المصاحف التي طرأت عليها أغلاط في كتابتها أو طباعتها " انتهى. الطريقة الثالثة: التمزيق والتخريق: ولعل هذه الطريقة هي أسهل الطرق اليوم، فقد وجدت بعض الآلات التي تدخل إليها الأوراق فتفرمها فرما دقيقا بحيث لا تعود كلمات القرآن ولا حتى أحرفه مقروءة، وهي طاهرة ومأمونة ولا تكلف كثيرا من الجهود كما هو الحال في الحرق أو الدفن. يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " لا أحد من المسلمين يشك أن القرآن الكريم يجب على المسلم احتامه وتعظيمه ومنع تعرضه للإهانة، وهذه الأوراق الممزقة – من المصحف - والتي لا يمكن أن ينتفع بها بقراءة، له فيها طريقتان: الطريقة الأولى: أن يدفنها في مكان نظيف طاهر لا يتعرض للإهانة في المستقبل حسب ظن الفاعل. الطريقة الثانية: أن يحرقها، وإحراقها جائز لا بأس به، فإن الصحابة رضي الله عنهم لما وحدوا المصاحف على حرف قريش في عهد عثمان رضي الله عنه أحرقوا ما سوى هذا الموحد، وهذا دليل على جواز إحراق المصحف الذي لا يمكن الانتفاع به. ولكني أرى أنه إذا أحرقها فليدقَّها حتى تتفتت وتكون رماداً، ذلك لأن المحروق من المطبوع تبقى فيه الحروف ظاهرة بعد إحراقه، ولا تزول إلا بدقِّه حتى يكون كالرماد. أما إذا مزقت فتبقى هذه طريقة ثالثة، لكنها صعبة؛ لأن التمزيق لابد أن يأتي على جميع الكلمات والحروف، وهذه صعبة إلا أن توجد آلة تمزق تمزيقاً دقيقاً جداً بحيث لا تبقى صورة الحرف، فتكون هذه طريقة ثالثة، وهي جائزة " انتهى. "فتاوى نور على الدرب" (شريط/25، وجه ب) وانظر: "الموسوعة الفقهية" (2/123) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114932 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 270 هل نقرأ من مصحف أصابته نجاسة ثم طُهِّر؟ [السُّؤَالُ] ـ[ابنتي عمرها 10 سنوات كانت في طريقها إلى منزل مدرس القرآن وتحمل معها المصحف، لحقها كلب فخافت وأسرعت ثم سقطت ووقع المصحف في المجاري وأصابه البلل من تلك المياه، أخذ المعلم المصحف وأزال ما به من قذارة وأعطاها المصحف لتقرأ به. ما حكم هذا؟ مع العلم بأن طفلتي لازالت تقرأ من هذا المصحف.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا أزيل ما على المصحف من أذى وقذر، ولم يعد له رائحة كريهة: فإنه لا حرج من القراءة فيه والحفظ منه. وإن كان فيه رائحة أو لا تزال عليه بعض آثار الأذى والقذر ولم يمكن تطهيره فلا حرج من من تحريقه والإتيان بغيره، تعظيماً لكتاب الله أن يبقى عليه نجاسة أو تظهر منه رائحة كريهة. وجزاكم الله خيراً على تعظيمكم لكتاب ربكم وسؤالكم مثل هذا السؤال الذي يدل – إن شاء الله – على خير ودين، ونسأل الله أن ييسر لابنتكم حفظ القرآن والعمل به. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 6490 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 271 تقسيم المصحف إلى أجزاء وأحزاب [السُّؤَالُ] ـ[على أي أساس تم تقسيم المصحف لأجزاء وأحزاب؟ ولماذا يكون ربع الحزب صغيرا، وآخر كبيرا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: تقسيم المصاحف إلى أجزاء وأحزاب وأرباع تقسيم اصطلاحي اجتهادي، ولذلك يختلف الناس في تقسيماتهم، كل بحسب ما يناسبه ويختاره، وبحسب ما يراه الأنفع والأقرب، إلا أن التحزيب المشهور عن الصحابة رضوان الله عليهم هو ما يرويه أوس بن حذيفة قال: (سَأَلْتُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ يُحَزِّبُونَ الْقُرْآنَ؟ قَالُوا: ثَلَاثٌ، وَخَمْسٌ، وَسَبْعٌ، وَتِسْعٌ، وَإِحْدَى عَشْرَةَ، وَثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَحِزْبُ الْمُفَصَّلِ وَحْدَهُ) رواه أبو داود (1393) . والمعنى: ثلاث سور: وهي بعد الفاتحة: البقرة، وآل عمران، والنساء. ثم خمس سور، وهي: المائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال، والتوبة. ثم سبع سور، وهي: يونس، وهود، ويوسف، والرعد، وإبراهيم، والحجر، والنحل. ثم تسع سور، وهي: سورة الإسراء، والكهف، ومريم، وطه، والأنبياء، والحج، والمؤمنون، والنور، والفرقان. ثم إحدى عشرة سورة، وهي: الشعراء، والنمل، والقصص، والعنكبوت، والروم، ولقمان، والسجدة، والأحزاب، وسبأ، وفاطر، ويس. ثم ثلاث عشرة سورة، وهي: الصافات، وص، والزمر، وحَواميِم السَّبع، ومحمد، والفتح، والحجرات. ثم الباقي، وهو: من سورة ق إلى الناس. قال الزرقاني في "مناهل العرفان في علوم القرآن" (1/283) ، تحت عنوان " تجزئة القرآن ": " كانت المصاحف العثمانية مجردة من التجزئة التي نذكرها، كما كانت مجردة من النقط والشكل. ولما امتد الزمان بالناس جعلوا يتفننون في المصاحف وتجزئتها عدة تجزئات مختلفة الاعتبارات: فمنهم من قسَّم القرآن ثلاثين قسما، وأطلقوا على كل قسم منها اسم الجزء، بحيث لا يخطر بالبال عند الإطلاق غيره، حتى إذا قال قائل: قرأت جزءا من القرآن، تبادر إلى الذهن أنه قرأ جزءا من الثلاثين جزءا التي قسموا المصحف إليها. ومن الناس من قسموا الجزء إلى حزبين، ومن قسموا الحزب إلى أربعة أجزاء، سموا كل واحد منها ربعا. ومن الناس من وضعوا كلمة " خمس " عند نهاية كل خمس آيات من السورة، وكلمة " عشر " عند نهاية كل عشر آيات منها، فإذا انقضت خمس أخرى بعد العشر أعادوا كلمة خمس، فإذا صارت هذه الخمس عشرا أعادوا كلمة عشر، وهكذا دواليك إلى آخر السورة. وبعضهم يكتب في موضع الأخماس رأس الخاء بدلا من كلمة خمس، ويكتب في موضع الأعشار رأس العين بدلا من كلمة عشر. وبعض الناس يرمز إلى رؤوس الآي برقم عددها من السورة، أو من غير رقم. وبعضهم يكتب فواتح للسور كعنوان ينوه فيه باسم السورة وما فيها من الآيات المكية والمدنية، إلى غير ذلك. وللعلماء في ذلك كلام طويل بين الجواز بكراهة، والجواز بلا كراهة، ولكن الخطب سهل على كل حال ما دام الغرض هو التيسير والتسهيل، وما دام الأمر بعيدا عن اللبس والتزيد والدخيل، وعلى الله قصد السبيل " انتهى. ثانيا: أما التحزيب الموجود اليوم في المصاحف فليس هناك جزم بأول من وضعه واختاره، ولكن الذي ينقله بعض أهل العلم أن واضعه هو الحجاج بن يوسف الثقفي المتوفى سنة (110هـ) ، وأن مناط التقسيم فيه كان على عدد الحروف. قال شيخ الإسلام ابن تيمية – كما في "مجموع الفتاوى" (13/409) -: " قد علم أن أول ما جُزِّئَ القرآن بالحروف تجزئةَ ثمانية وعشرين، وثلاثين، وستين، هذه التي تكون رؤوس الأجزاء والأحزاب في أثناء السورة، وأثناء القصة ونحو ذلك، كان في زمن الحجاج وما بعده، وروي أن الحجاج أمر بذلك، ومن العراق فشا ذلك، ولم يكن أهل المدينة يعرفون ذلك. وإذا كانت التجزئة بالحروف محدثة من عهد الحجاج بالعراق، فمعلوم أن الصحابة قبل ذلك على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعده كان لهم تحزيب آخر؛ فإنهم كانوا يقدرون تارة بالآيات فيقولون: خمسون آية، ستون آية، وتارة بالسور، لكن تسبيعه بالآيات (يعني تقسيم القرآن إلى سبعة أقسام بالآيات) لم يروه أحد، ولا ذكره أحد، فتعين التحزيب بالسور " انتهى. وقال ابن تيمية رحمه الله أيضاً - كما في "مجموع الفتاوى" (13/410-416) : " وهذا الذي كان عليه الصحابة هو الأحسن؛ لوجوه: أحدها: أن هذه التحزيبات المحدثة تتضمن دائمًا الوقوف على بعض الكلام المتصل بما بعده، حتى يتضمن الوقف على المعطوف دون المعطوف عليه، فيحصل القارئ في اليوم الثاني مبتدئًا بمعطوف، كقوله تعالى: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) النساء/24، وقوله: (وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ) الأحزاب/31، وأمثال ذلك. الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت عادته الغالبة وعادة أصحابه أن يقرأ في الصلاة بسورة كـ " ق " ونحوها، وأما القراءة بأواخر السور وأوساطها، فلم يكن غالبًا عليهم؛ ولهذا يتورع في كراهة ذلك، وفيه النزاع المشهور في مذهب أحمد وغيره، ومن أعدل الأقوال قول م قال: يكره اعتياد ذلك دون فعله أحيانًا؛ لئلا يخرج عما مضت به السنة، وعادة السلف من الصحابة والتابعين. وإذا كان كذلك فمعلوم أن هذا التحزيب والتجزئة فيه مخالفة السنة أعظم مما في قراءة آخر السورة ووسطها في الصلاة. وبكل حال فلا ريب أن التجزئة والتحزيب الموافق لما كان هو الغالب على تلاوتهم أحسن. والمقصود أن التحزيب بالسورة التامة أولى من التحزيب بالتجزئة. الثالث: أن التجزئة المحدثة لا سبيل فيها إلى التسوية بين حروف الأجزاء؛ وذلك لأن الحروف في النطق تخالف الحروف في الخط في الزيادة والنقصان، يزيد كل منهما على الآخر من وجه دون وجه، وتختلف الحروف من وجه. وإذا كان تحزيبه بالحروف إنما هو تقريب لا تحديد، كان ذلك من جنس تجزئته بالسور هو أيضًا تقريب؛ فإن بعض الأسباع قد يكون أكثر من بعض في الحروف، وفي ذلك من المصلحة العظيمة بقراءة الكلام المتصل بعضه ببعض، والافتتاح بما فتح الله به السورة، والاختتام بما ختم به، وتكميل المقصود من كل سورة ما ليس في ذلك التحزيب " انتهى باختصار. وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل يجوز تحزيب القرآن - يعني عند تلاوته -؛ لما في ذلك من تغيير لأقواله تعالى، ومنه الزيادة والنقصان، وهذا ما شهدناه في بعض مناطق المغرب العربي، هل يجوز ذلك؟ فأجابوا: "لا نعلم شيئا يدل على التحزيب المثبت على هوامش المصاحف التي بيد الناس اليوم، والوارد عن الصحابة رضي الله عنهم في ذلك ما رواه أوس بن حذيفة قال: (سألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف يحزبون القرآن؟ فقالوا: ثلاث، وخمس، وسبع، وتسع، وإحدى عشرة، وثلات عشرة، وحزب المفصل وحده) " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (4/30) . والحاصل أن تحزيب المصاحف المثبت اليوم يعتمد عدد الأحرف، وهو خلاف التحزيب الأفضل الذي سلكه الصحابة رضوان الله عليهم تبعا للسور، والأمر في هذا سهل. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109885 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 272 قراءة القرآن من الجوال هل يشترط لها الطهارة؟ [السُّؤَالُ] ـ[يوجد في بعض الجوالات برامج للقرآن تستطيع أن تتصفح منها القرآن في أي وقت على شاشة الجوال، فهل يلزم قبل القراءة من الجوال الطهارة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه الجوالات التي وضع فيها القرآن كتابة أو تسجيلا، لا تأخذ حكم المصحف، فيجوز لمسها من غير طهارة، ويجوز دخول الخلاء بها، وذلك لأن كتابة القرآن في الجوال ليس ككتابته في المصاحف، فهي ذبذبات تعرض ثم تزول وليست حروفا ثابتة، والجوال مشتمل على القرآن وغيره. وقد سئل الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك: ما حكم قراءة القرآن من جهاز الجوال بدون طهارة؟ فأجاب حفظه الله: " الجواب: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد. فمعلوم أن تلاوة القرآن عن ظهر قلب لا تشترط لها الطهارة من الحدث الأصغر، بل من الأكبر، ولكن الطهارة لقراءة القرآن ولو عن ظهر قلب أفضل، لأنه كلام الله ومن كمال تعظيمه ألا يقرأ إلا على طهارة. وأما قراءته من المصحف فتشترط الطهارة للمس المصحف مطلقاً، لما جاء في الحديث المشهور: (لا يمس القرآن إلا طاهر) ولما جاء من الآثار عن الصحابة والتابعين، وإلى هذا ذهب جمهور أهل العلم، وهو أنه يحرم على المحدث مس المصحف، سواء كان للتلاوة أو غيرها، وعلى هذا يظهر أن الجوال ونحوه من الأجهزة التي يسجل فيها القرآن ليس لها حكم المصحف،لأن حروف القرآن وجودها في هذه الأجهزة تختلف عن وجودها في المصحف، فلا توجد بصفتها المقروءة، بل توجد على صفة ذبذبات تتكون منها الحروف بصورتها عند طلبها، فتظهر الشاشة وتزول بالانتقال إلى غيرها، وعليه فيجوز مس الجوال أو الشريط الذي سجل فيه القرآن، وتجوز القراءة منه، ولو من غير طهارة والله أعلم " انتهى نقلا عن موقع: "نور الإسلام". وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: أنا حريص على قراءة القرآن وعادة أكون في المسجد مبكرا ومعي جوال من الجوالات الحديثة التي فيها برنامج كامل للقرآن الكريم -القرآن كاملا- بعض المرات: لا أكون على طهارة فأقرأ ما يتيسر وأقرأ بعض الأجزاء، هل تجب الطهارة عند القراءة من الجوالات؟ فأجاب: "هذا من الترف الذي ظهر على الناس، المصاحف والحمد لله متوفرة في المساجد وبطباعة فاخرة، فلا حاجة للقراءة من الجوال، ولكن إذا حصل هذا فلا نرى أنه يأخذ حكم المصحف. المصحف لا يمسه إلا طاهر، كما في الحديث: (لا يمس القرآن إلا طاهر) وأما الجوال فلا يسمى مصحفا " انتهى. وقراءة القرآن من الجوال فيها تيسير للحائض، ومن يتعذر عليه حمل المصحف معه، أو كان في موضع يشق عليه فيه الوضوء، لعدم اشتراط الطهارة لمسه كما سبق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106961 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 273 حول النسخ في القرآن، وترتيب سوره وآياته. [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك آيات نسخت، أي: مسحت من القرآن، ووضع محلها آية أخرى؟ وهل هناك كتاب يتكلم عن الآيات والسور، يعني: إذا الآيات كانت رتَّبها الصحابة أو الرسول أو الله، واسم السور، وهكذا؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: النسخ في اللغة: الرفع والإزالة، وفي الاصطلاح: رفع حكم دليل شرعي، أو لفظه، بدليل من الكتاب أو السنة. والنسخ ثابت في الكتاب والسنَّة وفي إجماع أهل السنَّة، وفيه حِكَم عظيمة، وغالباً ما يكون الناسخ تخفيفاً على المسلمين، أو تكثيراً للأجور. قال الله تعالى: (مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) البقرة / 106 - 107. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -: النسخ: هو النقل، فحقيقة النسخ: نقل المكلفين من حكم مشروع، إلى حكم آخر، أو إلى إسقاطه، وكان اليهود ينكرون النسخ، ويزعمون أنه لا يجوز، وهو مذكور عندهم في التوراة، فإنكارهم له كفر، وهوى محض. فأخبر الله تعالى عن حكمته في النسخ، وأنه ما ينسخ من آية (أَوْ نُنْسِهَا) أي: نُنسها العباد، فنزيلها من قلوبهم: (نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا) وأنفع لكم، (أَوْ مِثْلِهَا) . فدل على أن النسخ لا يكون لأقل مصلحة لكم من الأول؛ لأن فضله تعالى يزداد، خصوصاً على هذه الأمة، التي سهل عليها دينها غاية التسهيل. وأخبر أن من قدح في النسخ: فقد قدح في ملكه، وقدرته، فقال: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ) . فإذا كان مالكاً لكم، متصرفاً فيكم، تصرف المالك البر الرحيم في أقداره وأوامره ونواهيه: فكما أنه لا حجر عليه في تقدير ما يقدره على عباده من أنواع التقادير: كذلك لا يعترض عليه فيما يشرعه لعباده من الأحكام، فالعبد مدبَّر، مسخَّر تحت أوامر ربه الدينية والقدرية، فما له والاعتراض؟ . وهو أيضاً ولي عباده، ونصيرهم، فيتولاهم في تحصيل منافعهم، وينصرهم في دفع مضارهم، فمن ولايته لهم: أن يشرع لهم من الأحكام ما تقتضيه حكمته، ورحمته بهم. ومَن تأمل ما وقع في القرآن والسنَّة من النسخ: عرف بذلك حكمة الله، ورحمته عباده، وإيصالهم إلى مصالحهم، من حيث لا يشعرون بلطفه. " تفسير السعدي " (ص 61) . ثانياً: بمعرفة أنواع النسخ يتبين للأخ السائل جواب سؤاله وزيادة، والنسخ أنواع، وهي: 1. نسخ التلاوة والحكم، كنسخ العشر الرضعات التي كانت تحرم الرضيع على المرضعة، فنسخ لفظها، وحكمها. 2. نسخ التلاوة دون الحكم، كنسخ آية الخمس رضعات التي تحرِّم الرضيع على المرضع، وكآية رجم الزاني والزانية. 3. ونسخ الحكم دون التلاوة، كنسخ آية (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) ، وكنسخ تحريم الفرار من الزحف إذا كان العدو عشرة أضعاف المسلمين فما دون، فنسخ ضعف عدد المسلمين. قال ابن عطية – رحمه الله -: والنسخ التام: أن تنسخ التلاوة والحكم، وذلك كثير، وقد تنسخ التلاوة دون الحكم، وقد ينسخ الحكم دون التلاوة، والتلاوة والحكم حكمان، فجائز نسخ أحدهما دون الآخر. " المحرر الوجيز " (1/131) . وقال الشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني – رحمه الله -: النسخ الواقع في القرآن يتنوع إلى أنوع ثلاثة نسخ التلاوة والحكم معاً، ونسخ الحكم دون التلاوة، ونسخ التلاوة دون الحكم. 1. نسخ الحكم والتلاوة جميعاً، فقد أجمع عليه القائلون بالنسخ من المسلمين، ويدل على وقوعه سمعاً: ما ورد عن عائشة رضي الله عنها أنها قال: " كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرِّمن، ثم نسخن بخمس معلومات، وتوفي رسول الله وهنَّ فيما يقرأ من القرآن " وهو حديث صحيح [رواه مسلم (1452) ] ، وإذا كان موقوفاً على عائشة رضي الله عنها: فإن له حكم المرفوع؛ لأن مثله لا يقال بالرأي، بل لا بد فيه من توقيف، وأنت خبير بأن جملة " عشر رضعات معلومات يحرِّمن " ليس لها وجود في المصحف حتى تتلى، وليس العمل بما تفيده من الحكم باقياً، وإذن يثبت وقوع نسخ التلاوة والحكم جميعاً، وإذا ثبت وقوعه ثبت جوازه؛ لأن الوقوع أول دليل على الجواز، وبطل مذهب المانعين لجوازه شرعاً، كأبي مسلم [الأصفهاني، أصولي معتزلي] وأضرابه. 2. نسخ الحكم دون التلاوة، فيدل على وقوعه آيات كثيرة: منها: أن آية تقديم الصدقة أمام مناجاة الرسول وهي قوله تعالى (يأيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة) منسوخة بقوله سبحانه (ءأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وءاتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله) على معنى أن حكم الآية الأولى منسوخ بحكم الآية الثانية، مع أن تلاوة كلتيهما باقية. ومنها: أن قول سبحانه (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) منسوخ بقوله سبحانه (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) على معنى أن حكم تلك منسوخ بحكم هذه، مع بقاء التلاوة في كلتيهما كما ترى. 3. نسخ التلاوة دون الحكم، فيدل على وقوعه ما صحت روايته عن عمر بن الخطاب، وأبي بن كعب أنهما قالا: (كان فيما أنزل من القرآن " الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموها ألبتة ") ، وأنت تعلم أن هذه الآية لم يعد لها وجود بين دفتي المصحف، ولا على ألسنة القراء، مع أن حكمها باقٍ على إحكامه لم ينسخ. ويدل على وقوعه أيضاً: ما صح عن أبي بن كعب أنه قال: " كانت " سورة الأحزاب " توازي " سورة البقرة "، أو أكثر " [رواه أبو داود الطيالسي في مسنده (رقم 540) ، وعبد الرزاق في " المصنف " (رقم 5990) ، والنسائي في " السنن الكبرى " (رقم 7150) ، وإسناده صحيح] ، مع أن هذا القدر الكبير الذي نسخت تلاوته لا يخلو في الغالب من أحكام اعتقادية لا تقبل النسخ. ويدل على وقوعه أيضاً: الآية الناسخة في الرضاع، وقد سبق ذكرها في النوع الأول. ويدل على وقوعه أيضاً: ما صح عن أبي موسى الأشعري أنهم كانوا يقرؤون سورة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في طول " سورة براءة "، وأنها نسيت إلا آية منها، وهي: " لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب" [رواه أحمد (19280) ، وإسناده صحيح، وصححه محققو المسند] " مناهل العرفان " (2 / 154، 155) . ثالثاً: أما بخصوص ترتيب الآيات: فالإجماع قائم على أنه ترتيبها في السورة الواحدة توقيفي، ولا دخل لاجتهاد الصحابة فيه. وأما ترتيب السور: فقد وقع خلاف بين العلماء فيه، والجمهور على أنه كان باجتهاد الصحابة رضي الله عنهم، مع التسليم بوجود ترتيب لبعض تلك السور على عهد النبي صلى الله عليه وسلم. وانظر في بيان المسألتين: جواب السؤال رقم: (3214) . وأما تسمية السور: فبعضها قد سمَّاه النبي صلى الله عليه وسلم، وبعضها كان باجتهاد الصحابة رضي الله عنهم. سئل علماء اللجنة الدائمة: مَن هو الذي سمَّى سور القرآن الكريم، هل هو الرسول صلى الله عليه وسلم أم ماذا؟ . فأجابوا: لا نعلم نصّاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على تسمية السور جميعها، ولكن ورد في بعض الأحاديث الصحيحة تسمية بعضها من النبي صلى الله عليه وسلم، كالبقرة، وآل عمران، أما بقية السور: فالأظهر أن تسميتها وقعت من الصحابة رضي الله عنهم. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. " فتاوى اللجنة الدائمة " (4 / 16) . وكل ما سبق من مسائل تجده في الكتب التي عنيت بعلوم القرآن، كالإتقان للسيوطي، والبرهان للزركشي، ومناهل العرفان للزرقاني. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105746 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 274 حكم دخول الخلاء وفي محفظته آيات من القرآن [السُّؤَالُ] ـ[حكم دخول الخلاء وفي محفظته آيات من القرآن هل يجوز حمل آيات قرآنية في محفظة النقود في الجيب والدخول إلى الحمام بها في بعض الأحيان؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يحرم دخول الخلاء بالمصحف أو جزء منه، إلا لحاجة، كأن يخاف ضياعه إذا تركه في الخارج. قال في "كشاف القناع" (1/60) : " ويحرم دخول الخلاء بمصحف إلا لحاجة. قال في الإنصاف: لا شك في تحريمه قطعا , ولا يتوقف في هذا عاقل. قلت: وبعض المصحف كالمصحف " انتهى. وينظر جواب السؤال رقم (42061) . وحمل آيات من القرآن، إن كان المقصود به حمل أجزاء أو سور مطبوعة من القرآن، يحملها ليتمكن من قراءتها أو حفظها، فلا بأس، لكن لا ينتزعها من المصحف انتزاعا، لما فيه من عدم الاحترام للقرآن. وإن كان حمل الآيات لأجل التبرك أو دفع العين ونحوه، فهذا محل خلاف بين أهل العلم، والأرجح منعه، وينظر جواب السؤال رقم (10543) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103101 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 275 كتابة الأسماء على المصاحف جائزة [السُّؤَالُ] ـ[كثير ما يكتب بعض تواريخ المناسبات مع كلمات إهداء في المصحف هل مسموح بهذا العمل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز إذا أراد أن يهدي هذا المصحف يمكن أن يكتب هذه هدية لفلان بمناسبة كذا وكذا، لا مانع إن شاء الله أو يهدي إليه كتاباً ويذكر ذلك سواء نسخاً باليد أو بالمطبعة فلا بأس. [الْمَصْدَرُ] فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين مجلة الدعوة العدد/1795 ص/45. الحديث: 13483 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 276 حكم إعطاء الكافر المصحف وبهامشه الترجمة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز إعطاء الكفار ترجمة للقرآن تحتوي على النص باللغة العربية من اجل الدعوة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين: ما حكم إعطاء الكافر ترجمة للقرآن تحتوي على النص باللغة العربية والترجمة والتفسير بنفس الحجم؟ فأجاب حفظه الله: المعروف - سلمك الله - عند العلماء أنه لا يجوز أن يسلّط الكافر على القرآن، ولكن يدعو الكافر - إذا كان صادقاً يريد أن يعرف عن القرآن - يدعوه إلى المكتبة سواء كانت مكتبة بيته أو مكتبة عامة ويريه القرآن بين يديه. انتهى، وإذا وجدت ترجمة لمعاني القرآن الكريم دون وجود النصّ العربي فلا حرج في إعطائها للكافر، والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن صالح العثيمين الحديث: 3996 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 277 أخذ الإنجيل من الكافر ليقبل بأخذ القرأن [السُّؤَالُ] ـ[رجل مسلم يقول أعطيت ترجمة معاني القرآن لرجل كافر فقال لي لا آخذه حتى تأخذ مني نسخة من الإنجيل بالعربية ولا أقرأه حتى تقرأه فهل يفعل أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله: لا يفعل؛ لأن الإنجيل قد يؤثر على المسلم وهذا لن يؤثر على هذا الخبيث، بدليل أنه مصمم على أن المسلم يأخذ الإنجيل، فلا يوافق إن اهتدى فلنفسه وإن ضل فعليها. سؤال: هل يوافق في الظاهر ولا يقرؤه في الباطن. جواب: لا يوافق ولا شيء لأن ذلك سوف يفتخر. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن صالح العثيمين الحديث: 8885 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 278 إهداء الكفار ترجمة معاني القرآن [السُّؤَالُ] ـ[أحاول أن أقنع بعض النصارى و"أصحاب الفكر الحر" بالدخول إلى الإسلام. ويظهر عليهم الاهتمام بمعرفة ما يحويه القرآن. لقد قاموا بقراءة الإنجيل وهم يؤمنون بأنه مقدس , لكن فيه أمور تتعارض. وقلت لهم, في المقابل , أن القرآن يخلو من أي تعارض , ليس كما في الإنجيل المُحرَّف , وأنه (القرآن) يحوي كل المعلومات التي يجب أن يعرفوها والتي تخص هذا العالم (الحياة الدنيا) واليوم الآخر. لكنهم لم يصلوا بعد إلى مرحلة القبول بذلك. وكوسيلة لإثبات ما ذكرت , كنت سأشتري لكل واحد منهم نسخة من ترجمة معاني القرآن لمحمد أسعد. وقد وعدوني بقراءته , وأنهم سيخبرونني فيما بعد برأيهم. فهل تظن أن هذه فكرة جيدة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا تُعْتَبَرُ تَرْجَمَةُ مَعَانِي القُرْآَنِ قُرْآناً، ولا تُنَزَّلُ مَنْزِلَتُه مِنْ جَمِيع النَّواحي، بل هو مثل تفسير القرآن باللغة العربية، في تَقْرِيب المعاني، والمساعدة على الاعتبار، وعلى هذا يجوز مَسُّ الكُفَّار تَرْجَمَةَ معاني القرآن بغير اللغة العربية ويجوز مَسُّهُمْ تفسيره باللغة العربية. فتاوى اللجنة الدائمة 4/133 وعلى هذا فيجوز إهْدَاؤُهُم هذه الترجمة، وفقنا الله وإياك للدعوة إلى سبيله بالحسنى. وصلى الله على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 10694 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 279 هل يجوز كتابة آيات القرآن بحروف مقطعة؟ وهل الرسم العثماني ملزم؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل تعتبر كتابة الآيات بهذه الطريقة تحريفا للقرآن " إن اللـ هـ لا يغيّر ما بقومٍ حتى يغيّروا ما بـ أنفسهـ م " فقد شاعت هذه الطريقة في المنتديات الحديثة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله كتابة الآيات القرآنية على وفق القواعد الإملائية الحديثة، وعلى غير الرسم العثماني له وجهان: الأول: أن يكون ذلك بكتابة القرآن كله في مصحف. والثاني: أن تكتب بعض الآيات في الكتب، والمنتديات، والمقالات. وإذا أمكن التساهل في الأمر الثاني، وسمحنا بكتابة الآية والآيتين في كتب العلم، حسب قواعد الإملاء الحديثة، فإن الأمر الأول وهو كتابة المصحف كله لا يسمح بها، ولا يُتهاون فيها، وذلك لقطع الطريق على العابثين الذين يمكن أن يجمعوا القرآن على هيئات مختلفة من الكتابة – غير الرسم العثماني – فيطول الزمان على الناس فيرون خلافاً بين نسخ المصاحف في العالم. ومن هنا جاء قرار المجمع الفقهي في مكة المكرمة مؤيداً لما وصل إليه قرار كبار العلماء في المملكة العربية السعودية من منع كتابة المصاحف بغير الرسم العثماني. ونص قرار المجمع الفقهي: " .... فإن " مجلس المجمع الفقهي الإسلامي " قد أطلع على خطاب الشيخ هاشم وهبة عبد العال من جدة الذي ذكر فيه موضوع " تغيير رسم المصحف العثماني إلى الرسم الإملائي "، وبعد مناقشة هذه الموضوع من قبل المجلس، واستعراض قرار " هيئة كبار العلماء " بالرياض رقم (71) ، وتاريخ 21 / 10 / 1399هـ، الصادر في هذا الشأن، وما جاء فيه من ذكر الأسباب المقتضية بقاء كتابة المصحف بالرسم العثماني وهي: 1. ثبت أن كتابة المصحف بالرسم العثماني كانت في عهد عثمان رضي الله عنه، وأنه أمر كتبة المصحف أن يكتبوه على رسم معين، ووافقه الصحابة، وتابعهم التابعون، ومن بعدهم إلى عصرنا هذا، وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي) ، فالمحافظة على كتابة المصحف بهذا الرسم: هو المتعين؛ اقتداء بعثمان، وعلي، وسائر الصحابة، وعملاً بإجماعهم. 2. أن العدول عن الرسم العثماني إلى الرسم الإملائي الموجود حاليّاً بقصد تسهيل القراءة: يفضي إلى تغيير آخر إذا تغير الاصطلاح في الكتابة؛ لأن الرسم الإملائي نوع من الاصطلاح، قابل للتغير باصطلاح آخر، وقد يؤدي ذلك إلى تحريف القرآن، بتبديل بعض الحروف، أو زيادتها، أو نقصها، فيقع الاختلاف بين المصاحف على مر السنين، ويجد أعداء الإسلام مجالاً للطعن في القرآن الكريم، وقد جاء الإسلام بسد ذرائع الشر ومنع أسباب الفتن. 3. ما يخشى من أنه إذا لم يلتزم الرسم العثماني في كتابة القرآن أن يصير كتاب الله ألعوبة بأيدي الناس، كلما عنت لإنسان فكرة في كتابته اقترح تطبيقها، فيقترح بعضهم كتابته باللاتينية، أو غيرها، وفي هذا ما فيه من الخطر، ودرء المفاسد أولى من جلب المصالح وبعد اطلاع " مجلس المجمع الفقهي الإسلامي " على ذلك كله قرر بالإجماع تأييد ما جاء في قرار " مجلس هيئة كبار العلماء " في المملكة العربية السعودية من عدم جواز تغيير رسم المصحف العثماني، ووجوب بقاء رسم المصحف العثماني على ما هو عليه، ليكون حجة خالدة على عدم تسرب أي تغيير، أو تحريف في النص القرآني، واتباعاً لما كان عليه الصحابة وأئمة السلف رضوان الله عليهم أجمعين. أما الحاجة إلى تعليم القرآن وتسهيل قراءته على الناشئة التي اعتادت الرسم الإملائي الدارج: فإنها تتحقق عن طريق تلقين المعلمين، إذ لا يستغني تعليم القرآن في جميع الأحوال عن معلم، فهو يتولى تعليم الناشئين قراءة الكلمات التي يختلف رسمها في قواعد الإملاء الدارجة، ولا سيما إذا لوحظ أن تلك الكلمات عددها قليل، وتكرار ورودها في القرآن كثير ككلمة (الصلوة) و (السموات) ، ونحوهما، فمتى تعلَّم الناشئ الكلمة بالرسم العثماني: سهل عليه قراءتها كلما تكررت في المصحف، كما يجري مثل ذلك تماماً في رسم كلمة (هذا) و (ذلك) في قواعد الإملاء الدارجة أيضاً. رئيس مجلس المجمع الفقهي: الشيخ عبد العزيز بن باز. نائب الرئيس: د. عبد الله عمر نصيف. " فتاوى إسلامية " (4 / 34، 35) . وعليه نقول: لا وجه لإجازة كتابة الآيات بالطريقة الواردة في السؤال لسببين: الأول: أنه لا يوجد قول بإباحة كتابة القرآن بأي كيفية، والوارد في كلام أهل العلم: الرسم العثماني، والرسم الإملائي، وليست هذه الطريقة من أي منهما. والثاني: أن في هذه الطريقة مشابهة لكتابات السحرة، حيث يكتبون الآيات بتقطيع حروفها، وتبديل أماكنها. لذا فلا نرى جواز كتابة الآيات القرآنية بطريقة تقطيع الحروف، ونرى الاكتفاء بالرسم العثماني لكتابة مصحف كامل، أو على الطريقة الحديثة بحسب قواعد الإملاء إذا أردت كتابة آيات في كتاب أو مقال. وإن كان الأفضل – في هذه الحال أيضاً – أن تنسخ من المصحف برسمه العثماني. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97741 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 280 مس الكافر للمصحف وعمله في طباعته أو تجليده [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمشرك أو الكافر من أهل الكتاب أو غيره أن يمس أي ورقة كتب عليها قرآن كريم أو يطلع عليها، وزيادة بالإيضاح نحن لدينا مطبعه ونطبع فيها المصحف الشريف، ولقد أصاب الآلة التي تطبع أوراق المصحف عطل فني لم نتمكن من إصلاحه، وتم استدعاء مهندس من الشركة المصنعة للآلة لإصلاح الخلل، وعندما تم الإصلاح من قبله، وأراد هذا المهندس من أهل الكتاب التأكد من المشكلة في الطبعة، أراد أن يلمس الورق المطبوع فيها آيات من المصحف الشريف، فتم منعه من ذلك، وسحبت الأوراق من تحت يده، واختلف الرأي: هناك فريق يقول لا يوجد حرج بأن يفحص ما تم طباعته للتأكد من أن المشكلة الموجودة في الآلة قد حلت، وفريق أخر يقول حرام أن يمس القرآن لأنه نجس، مستنداً بقوله تعالى (لا يمسه إلا المطهرون) تم بعد ذلك تغير العمل من طباعة المصحف إلى عمل آخر لكتاب لا يوجد فيه قرآن ليتم الفحص من قبل هذا المهندس.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذهب جمهور الفقهاء إلى منع الكافر من مس المصحف، وتحريم تمكينه منه، لأنه إذا منِع المسلم غير المتوضئ من مس المصحف فالكافر من باب أولى، ولما يخشى من امتهانه المصحف، ولهذا نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن السفر بالقرآن إلى أرض العدو، كما روى البخاري (2990) ومسلم (1869) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ. زاد مسلم: (مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ) . قال النووي رحمه الله في "المجموع" (2/85) : " قال أصحابنا: لا يمنع الكافر سماع القرآن، ويمنع مس المصحف. وهل يجوز تعليمه القرآن؟ ينظر إن لم يرج إسلامه لم يجز , وإن رجي جاز في أصح الوجهين " انتهى. وقال الرملي رحمه الله: " ويمنع الكافر من وضع يده على المصحف لتجليده كما قاله ابن عبد السلام وإن رجي إسلامه , بخلاف تمكينه من القراءة لما في تمكينه من الاستيلاء عليه من الإهانة " انتهى من "نهاية المحتاج" (3/389) . وقال الباجي في "المنتقى" (3/165) : " ولو أن أحدا من الكفار رغب أن يرسل إليه بمصحف يتدبره لم يرسل إليه به؛ لأنه نجس جنب ولا يجوز له مس المصحف، ولا يجوز لأحد أن يسلمه، إليه ذكره ابن الماجشون " انتهى. وجاء في "الموسوعة الفقهية": " مس الكافر المصحف وعمله في نسخ المصاحف وتصنيعها: يمنع الكافر من مسّ المصحف , كما يمنع منه المسلم الجنب , بل الكافر أولى بالمنع , ويمنع منه مطلقاً , أي سواء اغتسل أو لم يغتسل , وفي الفتاوى الهنديّة: أنّ أبا حنيفة قال: إن اغتسل جاز أن يمسّه , وحكي في البحر عن أبي حنيفة وأبى يوسف المنع مطلقاً. ويمنع الكافر من العمل في تصنيع المصاحف , ومن ذلك ما قال القليوبي: يمنع الكافر من تجليد المصحف وتذهيبه , لكن قال البهوتيّ: يجوز أن ينسخ الكافر المصاحف دون مسٍّ أو حملٍ " انتهى (مصحف، فقرة 30) . وفيها أيضا: " ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وأبو يوسف من الحنفيّة إلى أنّه لا يجوز للكافر مس المصحف لأنّ في ذلك إهانةً للمصحف. وقال محمّد بن الحسن: لا بأس أن يمسّ الكافر المصحف إذا اغتسل , لأنّ المانع هو الحدث وقد زال بالغسل , وإنّما بقي نجاسة اعتقاده وذلك في قلبه لا في يده " انتهى (كفر، فقرة 16) . وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: ما حكم مس النصراني للمصحف، وكذلك مسه لترجمة معاني القرآن الكريم؟ فأجاب: " هذا فيه نزاع بين أهل العلم، والمعروف عند أهل العلم منع النصراني واليهودي وسائر الكفرة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو، قال: لئلا تناله أيديهم، فدل ذلك على أنهم لا يمكنون منه وإنما يمكنون من السماع، قال تعالى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ) الآية، يعني: يتلى عليهم حتى يسمعوه، ولكن لا يدفع إليهم القرآن. وذهب بعض أهل العلم إلى جواز ذلك إذا رجي إسلام الكافر واحتجوا على هذا بأنه صلى الله عليه وسلم كتب إلى هرقل عظيم الروم قوله جل وعلا: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ) الآية، قالوا: هذه الآية العظيمة آية من كتاب الله وقد كتبها إلى هرقل. والصواب أنه ليس بحجة، وإنما يدل على جواز الكتابة للآية والآيتين من كتاب الله. أما تسليم المصحف فليس بثابت عنه صلى الله عليه وسلم. أما بالنسبة لكتاب ترجمة معاني القرآن فلا حرج في أن يمسه الكافر؛ لأن المترجَم معناه أنه كتاب تفسير وليس بقرآن، أي أن الترجمة تفسير لمعاني القرآن، فإذا مسه الكافر أو من ليس على طهارة فلا حرج؛ لأنه ليس له حكم القرآن، وحكم القرآن يختص بما إذا كان مكتوبا بالعربية وحدها وليس فيه تفسير، أما إذا كان معه الترجمة فحكمه حكم التفسير، والتفسير يجوز أن يحمله المحدث والمسلم والكافر؛ لأنه ليس كتاب القرآن ولكنه يعتبر من كتب التفسير " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (24/340) . على أننا ننبه هنا إلى أن امتهان الكافر للمصحف - في مثل هذه الصورة المسئول عنها – غير ظاهر، بل يبعد هنا جداً. وإنما الامتهان الحقيقي – فيما يظهر لنا هنا – هو أن نقوم بطباعة صفحة من المصحف لا لشيء إلا لتجربة الآلة، وإذا كان أهل العلم قد اختلفوا في حكم الأوراق البالية من المصحف: هل تُحرق أو تُغسل، أو تمزق ومن منع من شيء من ذلك رأى أنه " خلاف الاحترام " انظر: "البرهان في علوم القرآن للزركشي" (1/477) فكيف نعتمد طبع أوراق لمجرد التجربة، ثم نتخلص منها بعد ذلك؟! وبناء على ذلك، فإذا أمكن فحص آلة الطباعة وتجربتها على غير المصحف، كما فعلتم، فهو الواجب ولا يجوز طباعة ورقة من المصحف لذلك الغرض، ما دام يمكن أن يتم بغير المصحف، وإذا فحص الكافر آلة الطباعة، وجربها من غير مس الأوراق المطبوعة، فلا حرج أيضاً. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96646 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 281 ما حكم وضع القرآن على السجادة؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم وضع القرآن على السجادة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا خلاف بين العلماء في وجوب احترام القرآن وصيانته. قال النووي - رحمه الله -: أجمع العلماء على وجوب صيانة المصحف واحترامه. " المجموع " (2 / 85) . ولا ينبغي للمسلم أن يقع في المبالغة في هذا الاحترام حتى يصل به الأمر إلى الغلو، فقد بالغ أقوام في هذا الباب وسلكوا طرقاً هي غاية في التكلف، كما روي عن بعضهم أنه قال: " ما دخلتُ بيتا منذ ثلاثين سنة وفيه مصحف إلا وأنا على وضوء "! وكان بعضهم إذا كان في بيت فيه المصحف لم ينم تلك الليلة، مخافة أن يخرج منه ريح في بيت فيه مصحف! وفي هذه الأفعال مخالفة واضحة لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، وقد كانوا يقيمون في غرف صغيرة ضيقة، ولم يكن يمنعهم هذا من النوم في بيوتهم، وجماع أهلهم، وبقائهم من غير وضوء لفترة، مع وجود صحفٍ من المصحف في بيوتهم، وعندما جُمع القرآن كان في بيوت كثيرين منهم. ولم يكن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا مساجد الصحابة فيها رفوف توضع عليها أوراق المصاحف، وأوراق العلم، لذا فإن العبرة بالفعل هل يعدُّ امتهاناً أم لا، ووضعه على أرضٍ طاهرة لمن احتاج لذلك – كمن يريد سجود التلاوة – لا حرج فيها إن شاء الله. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: ومن النصيحة لكتاب الله عز وجل: أن لا تضعه في موضع يمتهن فيه، ويكون وضعه فيه امتهاناً له، كمحل القاذورات، وما أشبه ذلك، ولهذا يجب الحذر مما يصنعه بعض الصبيان إذا انتهوا من الدروس في مدارسهم، ألقوا مقرراتهم والتي من بينها الأجزاء من المصحف في الطرقات أو في الزبالة أو ما أشبه ذلك، والعياذ بالله. وأما وضع المصحف على الأرض الطاهرة الطيبة: فإن هذا لا بأس به، ولا حرج فيه؛ لأن هذا ليس فيه امتهان للقرآن، ولا إهانة له، وهو يقع كثيراً من الناس إذا كان يصلي ويقرأ من المصحف وأراد السجود يضعه بين يديه: فهذا لا يعدُّ امتهانا، ولا إهانة للمصحف، فلا بأس به. " شرح رياض الصالحين " (1 / 423) دار ابن الهيثم، شرح حديث رقم (181) . وسئل الشيخ عبد الله بن جبرين – حفظه الله -: ما حكم وضع المصحف على الأرض الطاهرة أو السجادة؟ . فأجاب: الأوْلى أن يوضع على مكان مرتفع حتى يتحقق رفعه حسّاً ومعنى، قال الله تعالى: (مرفوعة مطهرة) فإذا احتجتَ إلى وضعه: فضعْه على مكان مرتفع ولو قليلاً، فإذا لم يتيسر: جاز وضعه على الأرض على فراشٍ طاهرٍ، ونحوه، وينزَّه المصحف بأن يوضع على مكان منخفض أو على مكان متنجس أو على التراب؛ لما فيه من الاحتقار له، وإذا احتيج إلى وضعه على فراش طاهر: فلا بأس بذلك، مع الحرص على رفعه حسّاً ومعنى. " فتاوى إسلامية " (4 / 15) . وعليه: فإذا كانت السجادة طاهرة، وبعيدة عن أن يُعبث بالمصحف من الأطفال وغيرهم: فلا حرج في وضع المصحف عليه، ووضعه في مكان مرتفعٍ أولى. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 95753 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 282 قراءة القرآن في الحمام [السُّؤَالُ] ـ[هل تجوز تلاوة القرآن في الحمام؟ (دون أخذ المصحف للداخل) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن القرآن العظيم، أفضل كتاب على الإطلاق عرفته البشرية، إذ هو كلام رب العالمين، نزل به الروح الأمين، على قلب الرسول الكريم، ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، ويهديهم إلى صراط العزيز الحميد، فهو الكتاب الخالد والمعجزة الدائمة المستمرة والمتجددة على مر الأزمنة والعصور، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. ولهذا الكتاب الكريم آداب كثيرة ينبغي أن تراعى عند تلاوته ومن بين هذه الآداب نظافة المكان، ولقد ذكر الإمام النووي رحمه الله في كتابه القيم " التبيان " جملة الآداب التي تنبغي للمسلم أن يراعها عند قراءته كتاب الله العزيز، وذكر مسألة قراءة القرآن في الحمام والحش [الحمام هو مكان الاستحمام , والحش هو مكان قضاء الحاجة] , ونقل أقوال أهل العلم فيها؛ قال رحمه الله: (ويستحب أن تكون القراءة في مكان نظيف مختار. ولهذا استحب جماعة من العلماء القراءة في المسجد لكونه جامعا للنظافة , وشرف البقعة ... وأما القراءة في الحمام فقد اختلف السلف في كراهيتها , فقال أصحابنا _ أي الشافعية _: لا يكره , ونقله أبو بكر بن المنذر في "الإشراف" عن إبراهيم النخعي ومالك , وهو قول عطاء. وذهب إلى كراهته جماعات منهم علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – رواه عنه ابن أبي داود. وحكى ابن المنذر عن جماعة من التابعين منهم أبو وائل شقيق بن سلمة والشعبي والحسن البصري ومكحول وقبيصة بن ذؤيب , وعن أبي حنيفة رضي الله عنهم أجمعين , قال الشعبي: تكره القراءة في ثلاثة مواضع: في الحمامات والحشوش وبيوت الرحى وهي تدور. وعن أبي ميسرة قال: لا يُذكر الله إلا في مكان طيب) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجوز ذكر الله تعالى في الحمام؟. فأجاب: لا ينبغي للإنسان أن يذكر ربه عز وجل في داخل الحمام، لأن المكان غير لائق لذلك، وإن ذكره بقلبه فلا حرج عليه، بدون أن يتلفظ بلسانه، وإلا فالأولى أن لا ينطق به بلسانه في هذا الموضع وينتظر أن يخرج منه. أما إذا كان مكان الوضوء خارج محل قضاء الحاجة فلا حرج أن يذكر الله فيه. مجموع فتاوى ابن عثيمين 11/109. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20620 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 283 معاق يسأل عن وضع سلك مكان كعب المصحف [السُّؤَالُ] ـ[شخص معاق ويصعب عليه تقليب صفحات المصحف وإمساكها عن الرجوع، هل يجوز أن يضع فيه سلك مكان كعبه؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يظهر أي حرج في وضعه سلكاً مكان كعب المصحف ليسهل عليه تقليب أوراق المصحف ويمنعها من الرجوع، وتعظيم كتاب الله تعالى واجب في أوراقه وجلده، لكن دون مبالغة أو غلو، فقد قال بعض العلماء باستحباب القيام للقرآن تعظيماً له، وهذا من المبالغة المخالفة للشرع، وأعظم تعظيم لكتاب الله تعالى: قراءته، والعمل به. وقد أفتى بعض التابعين بجواز مس القرآن بِعِلاقة، وذلك لمن كان محدثا حدثاً أصغر أو أكبر، وهذا أولى بالجواز لو كان ممنوعاً منه. قال البخاري – رحمه الله -: بَاب قِرَاءَةِ الرَّجُلِ فِي حَجْرِ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ وَكَانَ أَبُو وَائِلٍ يُرْسِلُ خَادِمَهُ وَهِيَ حَائِضٌ إِلَى أَبِي رَزِينٍ فَتَأْتِيهِ بِالْمُصْحَفِ فَتُمْسِكُهُ بِعِلَاقَتِهِ. " صحيح البخاري " (1 / 114) . قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -: قوله: (وكان أبو وائل) هو التابعي المشهور صاحب ابن مسعود , وأثره هذا وصله ابن أبي شيبة عنه بإسناد صحيح. قوله: (بعلاقته) بكسر العين , أي: الخيط الذي يربط به كيسه , وذلك مصير منهما إلى جواز حمل الحائض المصحف لكن من غير مسه. " فتح الباري " (1 / 402) . وقال ابن المنذر – رحمه الله -: قال الحكم وحماد في الرجل يمسّ المصحف وليس بطاهر، قالا: إذا كان في عِلاقة: فلا بأس. " الأوسط " (2 / 101) . وهذا التجويز من هؤلاء الأئمة – ووافقهم عليه الحنفية والحنابلة – بسبب أنهم يرون أن الماسَّ للمصحف بعِلاقته لا يعدُّ ماسّاً لذات المصحف، وهم يمنعون من مسه لغير الطاهر. وأفتى بعض العلماء بجواز تقليب أوراق المصحف بعُودٍ ونحوه، وذلك لمن أراد أن يقرأ القرآن وهو محدث، حتى لا يمسه بيده، وهو قول الجمهور خلافاً للمالكية. ففي " الموسوعة الفقهية " (38 / 7) : ولو قلّب غير المتطهّر أوراق المصحف بعُودٍ في يده: جاز عند كلٍّ من الحنفيّة والحنابلة , ولم يجز عند المالكيّة على الرّاجح , وعند الشّافعيّة صحّح النّووي جواز ذلك؛ لأنّه ليس بمسّ ولا حملٍ , قال: وبه قطع العراقيون من أصحاب الشّافعيّ. انتهى وهذا الأخ المعاق فعله أولى بالجواز لو قيل بالمنع أصلاً، والصحيح أنه لا يمنع؛ لقيام العذر به، وهو الإعاقة التي تمنعه من التحكم بتقليب أوراق المصحف، وعدم رجوعها، وعدم مخالفة فعله للتعظيم المشروع لكتاب الله تعالى، بل إن حرصه على تلاوة كتاب الله تعالى وتعلمه، بحسب الطاقة، هو من تعظيم كتاب الله تعالى وإكرامه. ونسأل الله تعالى أن يمنَّ عليه بالشفاء العاجل، وأن يرفع درجته، وأن ييسر له حفظ القرآن والعمل به. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 84165 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 284 هل في القرآن ألفاظ غير عربية؟ [السُّؤَالُ] ـ[يقول تعالى عن القرآن إنه " بلسان عربي مبين " والكلمات: (عليون، سجين، مرقوم، أرائك، تسنيم) مأخوذة من العبرية كما في " الإتقان " للسيوطي (1 / 141 و 171) وهنالك العديد من ألفاظ الفارسية!! فكيف نفهم أنه بلسان عربي مبين وبه العديد من الألفاظ الأعجمية؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أجمع العلماء على أنه ليس في القرآن " كلام مركب من ألفاظ أعجمية " يعطي معنى من هذا التركيب. وأجمعوا على أن في القرآن " أسماء أعلام أعجمية " مثل: نوح، ولوط، وإسرائيل، وجبريل. قال القرطبي - رحمه الله - في " مقدمة تفسيره ": لا خلاف بين الأئمة أنه ليس في القرآن كلام مركب على أساليب غير العرب، وأن في القرآن أسماء أعلاماً لمن لسانه غير لسان العرب كإسرائيل وجبريل وعمران ونوح ولوط. " تفسير القرطبي " (1 / 68) . واختلفوا: هل فيه " ألفاظ أعجمية مفردة "؟ . فذهب الجمهور إلى عدم وجود ألفاظ أعجمية في القرآن، وذهب آخرون إلى وجودها، وتوسط طرف ثالث فتأول وجودها على أنها مشتركة بين العرب وغيرهم، وعلى أن العرب استعملوها وعرَّبوها فصارت تنسب إليهم، لا باعتبار أصلها، بل باعتبار استعمالها وتعريبها. وممن نصر القول الأول، وهو عدم وجود ألفاظ أعجمية في القرآن: الإمامان الجليلان: الشافعي والطبري، ووافقهما: أبو عبيدة، وابن فارس، وأكثر أهل اللغة، وهو الذي نصره وأيده: بدر الدين الزركشي في كتابه " البرهان في علوم القرآن ". ومن أدلتهم: 1. قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ. نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ. عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ. بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء / 192 – 195] . 2. وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً} [الرعد / 37] . 3. وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً} [الشورى / 7] . 4. وقال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الزخرف / 3] . 5. وقال تعالى: {قُرْآَنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الزمر / 28] . قال الإمام الشافعي – بعد أن ساق الآيات السابقة -: " فأقام حجته بأن كتابه عربي في كل آية ذكرناها، ثم أكد ذلك بأن نفى عنه جل ثناؤه كل لسان غير لسان العرب في آيتين من كتابه، فقال تبارك وتعالى: {ولقد نعلم انهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه اعجمي وهذا لسان عربي مبين} [النحل / 103] ، وقال: {ولو جعلناه أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته ءاعجمي وعربي} [فصلت / 44] . " الرسالة " (ص 46، 47) . وذهب الإمام المفسر ابن عطية إلى القول الثاني: أن في القرآن بعض ألفاظ أعجمية، ووافقه بعض الفقهاء، وهو الذي نصره وأيده: جلال الدين السيوطي في كتابه " الإتقان في علوم القرآن ". ومن أدلتهم: ما وجد من ألفاظ أعجمية كإستبرق، وسندس، وقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم بُعث للناس كافة، فلا يمتنع وجود أكثر من لغة في القرآن، بل هو أبلغ في الإعجاز. وردَّ الشافعي – وغيره – على هذا بالقول أن بعض الألفاظ قد تكون عند العرب، ويخفى هذا على المفسر، فيظنها أعجمية، وهذا لأن اللغة العربية أوسع اللغات لساناً وألفاظاً، وقال – رحمه الله - عبارته المشهورة " ولا نعلمه يحيط بجميع علمه إنسان غير نبي ". وردوا – كذلك – بأنه لا يمتنع أن تكون هذه الألفاظ مشتركة بين العرب وغيرهم، وهو أمر غير منكر قديما وحديثاً. قال الطبري: " ولم نستنكر أن يكون من الكلام ما يتفق فيه ألفاظ جميع أجناس الأمم المختلفة الألسن بمعنى واحد، فكيف بجنسين منها، كما قد وجدنا اتفاق كثير منهم فيما قد علمناه من الألسن المختلفة، وذلك كالدرهم والدينار والدواة والقلم والقرطاس ". انتهى والمذهب الثالث هو لبعض الباحثين، وهو يجمع بين القولين، فهو يقول: إن وجود بعض الألفاظ الأعجمية لا يُخرجه عن كونه عربيّاً؛ لأنها قليلة، والعبرة للأكثر، كما أن من يعرف كتابة اسمه فقط لا يُخرجه عن كونه أمِّيّاً، وأن هذه الألفاظ هي أعجمية في الأصل، عربية بالاستعمال والتعريب. وبعد هذا العرض للأقوال يتبين أنه لا مجال للطعن في كتاب الله تعالى بمثل هذه الشبهة، وأنه لو كانت مجالاً للطعن في القرآن لما تركها أسلاف هؤلاء من مشركي مكة ومن بعدهم، وهم أهل لغة، ولم يتركوا مجالاً لأحدٍ للطعن في النبي صلى الله عليه وسلم وكتاب ربه إلا قالوه، وهو أنهم وجدوا هذه الشبهة قائمة لقالوها. وللتوسع: ينظر " تفسير القرطبي " (1 / 68، 69) ، وكتاب " الإتقان " للسيوطي " و " البرهان " للزركشي ". والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 70504 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 285 اضطرت للمس المصحف وهي حائض [السُّؤَالُ] ـ[لقد مسست المصحف وقرأت منه وأنا حائض على امرأة فيها مس قد ثارت ولم يستطيع أحد أن يقرأ عليها لتهدئتها فلم يكن بينهم من يجود ويرتل غيري فاضطررت للقراءة ... فما الحكم في تصرفي هذا.. هل علي إثم؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز لغير المتوضئ (الحائض وغيرها) أن يمس المصحف في قول جمهور العلماء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إِلا طَاهِرٌ) رواه مالك في الموطأ (468) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (122) . وللحائض أن تقرأ القرآن من غير مس للمصحف على القول الراجح، كما لو قرأت من حفظها، أو أمسكت المصحف بحائل، ولها أن تقرأ من المصحف المشتمل على تفسير، كما هو مبين في جواب السؤال (2564) ، (60213) . فكان عليك أن تتجنبي مس المصحف مباشرة، وأن تمسكيه بشيء منفصل عنه كخرقة طاهرة أو تلبسي قفازا، أو تقلبي أوراق المصحف بعود أو قلم ونحو ذلك. أما وقد حصل المحظور، فما عليك إلا أن تستغفري الله تعالى، وتتوبي إليه، ونسأل الله أن يتجاوز عنك، كما نسأله أن يتقبل منك ويثيبك على مساعدتك لأختك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 70403 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 286 حمل المصحف عند دخوله الحمام [السُّؤَالُ] ـ[دائما أحمل معي قرآن بغض النظر أين أكون ذاهبا لأنني أحب أن أقرأ دائما، أضعه في حقيبة كتبي، ماذا أفعل إذا كنت خارج المنزل وأردت الذهاب للحمام؟ لا أستطيع أن أتركه خارجاً فربما يأخذه أحد ما، فأضعه في حقيبة الكتب وآخذها معي للحمام فهل هذا جائز؟ في أمريكا دورات المياه فيها مساحات كبيرة، ومكان مخصص لقضاء الحاجة. أين يمكن أن أضع حقيبتي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا تمكنت من إبقائه خارجا فهذا جيد، وإذا خشيت عليه من السرقة أو الضياع فلا بأس من أن تدخله معك الحمام وهو في الحقيبة، وإذا جعلت الحقيبة بعيدة عن المرحاض فهذا هو الأكمل والأحسن. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 6223 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 287 حكم الاتجار بالمصاحف [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الاتجار بالمصاحف؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الاتجار في المصاحف جائز لما فيه من التعاون على الخير، وتيسير الطريق للحصول على المصاحف، وحفظ القرآن أو قراءته نظراً، والبلاغ وإقامة الحجة. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى اللجنة الدائمة ج13/47. الحديث: 6783 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 288 حكم تقبيل المصحف [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم تقبيل المصحف بعد سقوطه من مكان مرتفع؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا نعلم دليلاً على مشروعية تقبيله، ولكن لو قبله الإنسان فلا بأس لأنه يروى عن عكرمة بن أبي جهل الصحابي الجليل رضي الله تعالى عنه أنه كان يقبل المصحف ويقول: هذا كلام ربي، وبكل حال التقبيل لا حرج فيه ولكن ليس بمشروع وليس هناك دليل على شرعيته، ولكن لو قبله الإنسان تعظيماً واحتراماً عند سقوطه من يده أو من مكان مرتفع فلا حرج في ذلك ولا بأس إن شاء الله. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/9 ص/289. الحديث: 9320 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 289 الكافر ومس القرآن [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لغير المسلم أن يقرأ القرآن بدون أن يطهر نفسه تماما (قبل أن يمس الكتاب) ، كما يفعل المسلم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله القرآن الكريم لا يمسّه إلا المطهرون، وقد قال تعالى: (إنما المشركون نجس) فعلى هذا لا يُمكّن الكافر من مس القرآن سواء كان نصرانيا أو يهوديا أو بوذيا أو هندوسيا أو غير ذلك، لكن يجوز أن يسمع القرآن من الإذاعة أو من الأشرطة، كما يجوز له أن يقرأ في ترجمة معاني القرآن الموجودة بعدة لغات. [الْمَصْدَرُ] الشيخ ابن جبرين. الحديث: 12225 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 290 لا حرج على من سقط منها المصحف دون قصد [السُّؤَالُ] ـ[أنا في الثامنة عشرة من عمري الآن. وعندما كنت في العاشرة، حدث أن كنت أقرأ القرآن, ثم نهضت لأصلي، فذهبت مسرعة ووضعت المصحف على صندوق داخل خزانة صغيرة ذات رفوف. وبعد أن انتهيت من صلاتي، وجدت أن القرآن سقط على الأرض, ويا للحسرة. فسألت الله أن يغفر لي, وأنا لا أزال أسأله المغفرة عقب كل صلاة. ومع ذلك, فأنا لا أزال غير مرتاحة وأريد أن أتوب من ذلك للأبد. فكيف أفعل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يشك مسلم في وجوب احترام كتاب الله تعالى، وقد اتفق العلماء على كفر من تعمد إهانته. وفي الوقت نفسه رفع الله تعالى الإثم عن الجاهل والناسي والمخطئ. قال الله تعالى - على لسان المؤمنين -: (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) البقرة /286، وفي رواية عند مسلم من حديث أبي هريرة (125) قال الله تعالى: " نعم "، وفي أخرى من حديث ابن عباس (126) : قال الله تعالى: " قد فعلت ". ومن لا إرادة له في الشيء كالمُكره والنائم: فإنه لا يأثم بقول أو بفعل مخالف للشرع. وأنتِ لم تصنعي شيئاً مخالفاً للشرع، وسقوط المصحف لا إرادة لكِ فيه، ولم يكن منكِ تقصير في حفظه. والشرع كما طلب منا التوبة من الذنب والرجوع عن الخطأ، فإنه في الوقت نفسه يحذر من الوسوسة واليأس من عفو ورحمة الله. ونسأل الله أن يوفقكِ لما يحب ويرضى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 10686 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 291 الدخول بالجوالات التي فيها القرآن إلى الخلاء [السُّؤَالُ] ـ[انتشر في الآونة الأخيرة أجهزة الإلكترونية والجوال يمكن تخزين القران الكريم عليهم (بالصوت) فما حكم إدخال هذه الأجهزة في أماكن الخلاء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يحرم إدخال هذه الجوالات إلى الخلاء لأنها ليس لها حكم المصحف، ولو بعد تسجيل القرآن داخلها، لأنه صوت داخلي مخفيٌّ وليس بكتابة ظاهرة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 21792 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 292 حكم ترجمة القرآن إلى غير اللغة العربية ومس الكافر له [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكن أن يترجم القرآن إلى اللغة الفرنسية مثلاً ويقرؤه الكفار، والله تعالى يقول: (إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون) ومكتوب على عنوان هذا الكتاب: (ولله ما في السماوات وما في الأرض وكان الله بكل شيء محيطاً ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يمكن ترجمة القرآن ترجمة تماثله في دقة تعبيره وعلو أسلوبه وجمال سبكه وإحكام نظمه وتقوم مقامه في إعجازه وتحقيق جميع مقاصده من إفادة الأحكام والآداب والإبانة عن العبر والمعاني الأصلية والثانوية ونحو ذلك مما هو من خواص مزاياه المستمدة من كمال بلاغته وفصاحته ومن حاول ذلك فمثله كمثل من يحاول أن يصعد إلى السماء بلا أجهزة ولا سلم أو يحاول أن يطير في الجو بلا أجنحة ولا آلات. ويمكن أن يعبر العالم عما فهمه من معاني القرآن حسب وسعه وطاقته بلغة أخرى ليبين لأهلها ما ما أدركه فكره من هداية القرآن وما استنبطه من أحكامه أو وقف عليه من عبره ومواعظه لكن لا يعتبر شرحه لتلك غير اللغة العربية قرآناً ولا ينزل منزلته من جميع النواحي، بل هو نظير تفسير القرآن باللغة العربية في تقريب المعاني والمساعدة على الاعتبار واستنباط الأحكام، ولا يسمى ذلك التفسير قرآناً، وعلى هذا يجوز للجنب والكفار مس ترجمة معاني القرآن بغير اللغة العربية، كما يجوز مسهم تفسيره باللغة العربية. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة. الحديث: 1690 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 293 إعادة تصنيع الأوراق التي تحوي ذكر الله [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن نضع الأوراق التي تحوي اسم الله ليعاد تصنيعها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا بأس بإعادة تصنيع هذه الأوراق دون تعريضها للامتهان قبل إزالة الكتابة عنها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 4258 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 294 تقبيل المصحف والأصابع والتمايل في القراءة [السُّؤَالُ] ـ[سؤالي يتعلق بالبدعة، حيث رأيت في المسجد الذي أتردد عليه بعض الأخوة يقومون بأفعال أظنها بدعة ولكني أحتاج إلى تأكيد ذلك من المصادر. وأود أن أحاول تصحيح هذه الأفعال، بالحكمة إن شاء الله، إذا لم تكن صحيحة. 1. النفخ على الأصابع ومسح العينين بالإبهام بعد الدعاء. 2. ختم الدعاء دائماً بالفاتحة. 3. تقبيل القرآن عند تناوله وقبل وضعه. 4. التمايل أثناء الجلوس في الصلاة أو قراءة القرآن.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا بدّ في العبادات أن تكون قائمة على الدليل من القرآن والسنّة الصحيحة ومن قواعد هذه الشّريعة أن الله لا يُعبد إلا بما شرع ولا يُعبد بالبدع وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو ردّ " أي عمله حابط مردود عليه لا يقبله الله، وختْم الدعاء بالفاتحة لا دليل عليه من الكتاب والسنّة وكذلك النفخ في الأصابع ومسح العينين بها بعد الدعاء، وقد ذكر الشقيري رحمه الله من البدع تقبيل أظافر الإبهامين ومسح العينين بها بعد الدعاء عقب الصلاة، وكذلك جمع رؤوس أصابع اليدين وجعلها على العينين بعد الصّلاة مع ما يقرؤونه بدعة سمجة: السنن والمبتدعات (ص:71) ، وعن مسألة تقبيل المصحف أجابت اللجنة الدائمة للإفتاء عن سؤال وُجّه إليها حول الموضوع بالفتوى التالية: لا نعلم لتقبيل الرجل القرآن أصلا. وفي جواب آخر: لا نعلم دليلا على مشروعية تقبيل القرآن الكريم وهو أنزل لتلاوته وتدبره وتعظيمه والعمل به. فتاوى اللجنة الدائمة (رقم4172) . وجاء في الآداب الشرعية (2/273 ط. الرسالة) لابن مفلح ما نصه: وعنه (أي جاء عن الإمام أحمد) التوقف فيه (أي في تقبيل المصحف) وفي جَعْلِه على عينيه. قال القاضي في الجامع الكبير: إنما توقف عن ذلك وإن كان فيه رفعة وإكرام لأن ما طريقه القُرَب إذا لم يكن للقياس فيه مدخل لا يُستحب فعله وإن كان فيه تعظيم إلا بتوقيف ألا ترى أن عمر لما رأى الحجر قال: لا تضر ولا تنفع ولولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبَّلك ما قبَّلتُك.ا. هـ. رواه البخاري (1597) ومسلم (1270) . أما التمايل والاهتزاز عند القراءة والصلاة فإنّه من فعل اليهود وهو هيئة من هيئاتهم في عبادتهم فلا ينبغي لمسلم أن يتعمّد فعله. (انظر بدع القراء: بكر أبو زيد ص:57) . ومن الحكمة في الدّعوة والإنكار التي أشرت إليها مشكورا في سؤالك أن تطالبهم بالدّليل على ما يفعلونه من العبادات وهيئاتها لأنّه لا تجوز عبادة إلا بدليل كما تقدّم، والدّليل على الفاعل لا على المُنْكِر وفقنا الله وإياك لكل خير وصلى الله على نبينا محمد [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2260 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 295 هل تغير لفظ الحديث أو الرواية عند النقل؟ [السُّؤَالُ] ـ[عندما نقل البخاري الأحاديث بسند صحيح كان هناك احتمال بأن الأحاديث تغيرت ألفاظها عند النقل من راو إلى آخر. أرجو منكم أن توضحوا كيف تعرفون أن رواية الأحاديث لم تتغير، وأن البخاري جمعها بعد 180هـ سنة تقريبا من وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: في التمهيد للجواب عن هذا السؤال لا بد من التذكير بأن الله سبحانه وتعالى قد تكفل بحفظ القرآن الكريم من التبديل والتغيير، ومقتضى ذلك أيضا أن يحفظ الحق سبحانه وتعالى مجمل السنة - التي هي شارحة للقرآن ومبينة لمعناه - من التبديل والتغيير العام. قال الله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) الحجر/9. قال الإمام ابن حزم رحمه الله: " فمضمون عند كل من يؤمن بالله واليوم الآخر أن ما تكفل الله عز وجل بحفظه: فهو غير ضائع أبدا، لا يشك في ذلك مسلم، وكلام النبي صلى الله عليه وسلم كله وحي، بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) النجم/3، 4. والوحي ذكر بإجماع الأمة كلها، والذكر محفوظ بالنص؛ فكلامه عليه السلام محفوظ بحفظ الله عز وجل ضرورة، منقول كله إلينا لا بد من ذلك ". انتهى. "الإحكام في أصول الأحكام" (2/201) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ولكن هذه الأمة حفظ الله لها ما أنزله، كما قال تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) فما في تفسير القرآن، أو نقل الحديث، أو تفسيره، مِن غلط: فإن الله يقيم له من الأمة مَن يبينه ويذكر الدليل على غلط الغالط وكذب الكاذب، فإن هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة، ولا يزال فيها طائفة ظاهرة على الحق حتى تقوم الساعة، إذ كانوا آخر الأمم، فلا نبي بعد نبيهم، ولا كتاب بعد كتابهم " انتهى. " الجواب الصحيح " (3/38-39) وقال أيضا رحمه الله: " فما بعث الله به رسوله من الكتاب والحكمة محفوظ " انتهى. " مجموع الفتاوى " (27/169) ، ونحوه في " جامع المسائل " (4/162) وقال الشيخ المعلمي رحمه الله: " (الذِّكْر) يتناول السنة بمعناه إن لم يتناولها بلفظه، بل يتناول العربية وكل ما يتوقف عليه معرفة الحق، فإن المقصود من حفظ القرآن أن تبقى الحجة قائمة، والهداية دائمة إلى يوم القيامة؛ لأن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم خاتم الأنبياء، وشريعته خاتمة الشرائع، والله عز وجل إنما خلق الخلق لعبادته، فلا يقطع عنهم طريق معرفتها، وانقطاع ذلك في هذه الحياة الدنيا وانقطاع لعلة بقائهم فيها " انتهى. " التنكيل " (1/234) وقد علق الملا علي القاري في " شرح نخبة الفكر " (ص/446) لما قيل لابن المبارك: هذه الأحاديث الموضوعة! قال: يعيش لها الجهابذة - أي نقاد الحديث وحذاقهم -، قال الله تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) انتهى. وكأنه أراد أنه من جملة حفظ لفظ الذكر حفظُ معناه، ومن جملة معانيه: الأحاديث النبوية الدالة على توضيح مبانيه، كما قال تعالى: (لتبين للناس ما نزل إليهم) ففي الحقيقة تكفّل الله تعالى بحفظ الكتاب والسنة " انتهى. ثانيا: نحن لا ننفي أن ثمة من روايات الحديث ما روي بالمعنى، وما تصرف فيه بعض الرواة، ولكننا نقطع بأن هذا التغيير إنما كان بقدر يسير لا يغير المعنى، بل يحافظ على المضمون، ولا يؤثر على حجية السنة الصحيحة واعتقاد نسبة مضمونها للنبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لأوجه كثيرة جدا، تحتاج إلى دراسة مستقلة مفصلة في بيانها والاستدلال عليها ونقل تقريرات العلماء لها، ولكننا نجمل بعضها في الأسباب الآتية: 1- العصمة التي تكفل بها رب العزة، أن يحفظ هذا الدين العظيم القائم على الكتاب والسنة الصحيحة، وقد سبق بيان ذلك. 2- تفاني الصحابة رضوان الله عليهم في حفظ العلم والدين، والتلقي عن النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه، وتبليغ كلامه للناس، وقد بدا هذا التفاني في مظاهر كثيرة، وصور جليلة عظيمة، كان منها أن بعض الصحابة رحل مسيرة شهر لسماع حديث واحد. 3- تفاني التابعين ومن بعدهم في حفظ الحديث وروايته وكتابته والرحلة في طلبه، وهذا أيضا بحر لا ساحل له، فكم أفنيت فيه من أعمار، وأنفقت فيه من أموال، وسطرت فيه من كتب، وما مئات الكتب المعروفة اليوم باسم كتب الرجال والتراجم إلا نقطة يسيرة في ذلك البحر الواسع، ولا شك أن هذا التفاني سياج يحمي السنة من التحريف والتبديل والضياع. 4- كتابة السنة النبوية بدأت منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم تكن بدايتها على يد البخاري رحمه الله، بل كان دور البخاري الجمع والانتقاء والترتيب فقط، والدليل على ذلك حديثان صحيحان: عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: (كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيدُ حِفْظَهُ، فَنَهَتْنِي قُرَيْشٌ، وَقَالُوا: أَتَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ تَسْمَعُهُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَرٌ يَتَكَلَّمُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا، فَأَمْسَكْتُ عَنْ الْكِتَابِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَوْمَأَ بِأُصْبُعِهِ إِلَى فِيهِ فَقَالَ: اكْتُبْ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ إِلَّا حَقٌّ) رواه أبو داود (3646) ، كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتابة الحديث لرجل أُمَّيٍّ من أهل اليمن يُدعى " أبو شاه "، حيث جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ يُقَالُ لَهُ أَبُو شَاهٍ فَقَالَ: اكْتُبْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اكْتُبُوا لِأَبِي شَاهٍ) رواه البخاري (6880) ومسلم (1355) . وقد جاء بالأسانيد الصحيحة تسمية العشرات من الصحابة رضوان الله عليهم ممن كَتَب أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، حتى اشتهرت بعض الصحف التي تحوي عشرات الأحاديث شهرةً واسعةً: كصحيفة أبي بكر في فرائض الصدقة، وصحيفة علي بن أبي طالب، والصحيفة الصادقة لعبد الله بن عمرو، وصحيفة جابر بن عبد الله، والصحيفة الصحيحة التي يرويها همام عن أبي هريرة من حديثه، وأكثر هذه الصحف الحديثية مروية في صحيح البخاري، يسوقها رحمه الله بسنده إليها، والرواة من التابعين والأئمة من بعدهم إنما كانوا ينقلون من كتبهم وصحفهم، ولم يكونوا يكتفون بالحفظ من غير تدوين، حتى إن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، وهو جبل الحفظ والإتقان، كان لا يروي حديثا إلا من كتابه، وكان عبد الرزاق الصنعاني يقول لتلميذه يحيى بن معين: اكتب عني حديثا واحدا بلا كتاب، فقال: لا، ولا حرفا. ومن توسع في الاطلاع على كتب الرجال تبين له أن عمل الإمام البخاري رحمه الله إنما هو عمل الناقل الناقد، وليس عمل المدون لما هو محفوظ في الصدور فقط، وهذه مسألة خطيرة مهمة، غفل - أو تغافل - عنها كثير من الناس، فمن أراد الاطلاع على جميع ما ورد فيها فليرجع إلى ثلاثة كتب مهمة هي: " تقييد العلم " للخطيب البغدادي، " جامع بيان العلم وفضله " لابن عبد البر، " دراسات في الحديث النبوي " لمحمد مصطفى الأعظمي. قال الدكتور حاكم المطيري حفظه الله: " وقد ذَكَرت كثيرٌ من المصادر التاريخية أسماء كتب كثيرة في الحديث النبوي، وذكرت أسماء مؤلفيها، وهم من علماء القرن الأول الهجري، وكانت هذه الكتب متداولة بين علماء القرنين الثاني والثالث الهجريين " انتهى. نقلا من كتابه الرائع " تاريخ تدوين السنة النبوية وشبهات المستشرقين " (ص/113) ، وهو من أعظم الكتب التي تشرح حقيقة وجود مؤلفات في الحديث النبوي منذ القرن الأول، وترد على شبهات المستشرقين في دعواهم تحريف السنة النبوية. 5- الرواية بالمعنى - وإن كانت واقعة في حديث النبي صلى الله عليه وسلم - إلا أن المحدثين اشترطوا لقبولها أن يكون الراوي عالما باللسان العربي، عالما بما يحيل المعاني ويُغَيِّرُها، ولم يكونوا يقبلون من كل راو روايته بالمعنى، فضلا عن أن كثيرا من الرواة والأئمة لم يكونوا يستحلون الرواية بالمعنى، بل يأخذون أنفسهم بالأشد، وهو أداء اللفظ كما هو، منهم عمر بن الخطاب، وابنه عبد الله، ونافع مولى ابن عمر، والقاسم بن محمد، ومحمد بن سيرين، ورجاء بن حيوة، وأبي معمر الأزدي، وعبد الله بن طاوس، ومالك بن أنس، وعبد الرحمن بن مهدي، وغيرهم. 6- ثم إن تعدد طرق الحديث الواحد من أهم ما يساعد على تدقيق أقرب الألفاظ إلى اللفظ النبوي الصحيح، فقد يسر الله عز وجل للسنة النبوية تعدد الأسانيد والطرق التي تؤدي الحديث الواحد، وهذه ثروة يمكن الاستفادة منها في الدراسة والمقارنة ك نصل إلى أقرب الألفاظ الصحيحة. 7- كما أن علم " نقد الحديث " المسمى بعلم " العلل " من أهم العلوم الإنسانية التي أبدع فيها النقاد والمحدثون لتمييز الصواب من الخطأ في الروايات، وقد سطر فيه العلماء آلاف الصفحات، ملؤوها بالحكم على الروايات ودراستها وتمييز الصحيح من الضعيف منها، وهذا أيضا من أهم عوامل حفظ السنة النبوية من التغيير والتبديل. 8- ومما يخفى على كثير من الناس في هذا الشأن أن تعدد روايات الحديث الواحد في كثير من الأحيان لا يكون بسبب الرواة، بل يكون بسبب تنوع ألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم بين الحين والآخر، فقد كان كثيرا ما يحدث بالحديث في أكثر من مجلس، فيروي كل صحابي ما سمعه في ذلك المجلس، كما قد يكون السبب هو تكرر الحادثة في أكثر من مناسبة، فيروي كل صحابي إحدى تلك المناسبات، وللاطلاع على أمثلة ذلك يمكن مراجعة رسالة صغيرة بعنوان: " أسباب تعدد الروايات في الحديث النبوي الشريف " للدكتور شرف القضاة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 140359 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1 تفسير قول الله تعالى: (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) . [السُّؤَالُ] ـ[قال تعالى: "وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ" (الزمر: 55) أريد منكم أن تقوموا بتفسير هذه الآية تفسيرا موثقا، وما هو معني "أحسن ما أنزل" في الآية؟ وهل تكون السنة مساوية للقرآن الكريم بأي حال من الأحوال؟]ـ [الْجَوَابُ] قال الإمام الشافعي رحمه الله: " فذكر الله الكتاب وهو القرآن، وذكر الحكمة؛ فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة سنة رسول الله. وهذا يشبه ما قال والله أعلم؛ لأن القرآن ذُكر، وأتبعته الحكمة، وذكر الله مَنَّه على خلقه بتعليمهم الكتاب والحكمة؛ فلم يجز الله ـ والله اعلم ـ أن يقال: الحكمة ـ ها هنا ـ إلا سنة رسول الله؛ وذلك أنها مقرونة مع كتاب الله، وأن الله افترض طاعة رسوله، وحتم على الناس اتباع أمره، فلا يجوز أن يقال لقول: فرض؛ إلا لكتاب الله، ثم سنة رسوله؛ لما وصفنا من أن الله جعل الإيمان برسوله مقرونا بالإيمان به ". انتهى. "الرسالة" (78) . وروى أبو داود (4604) عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود". وروى أبو داود (4605) والترمذي (2663) وابن ماجة (13) عن أَبِي رَافِعٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَأْتِيهِ الْأَمْرُ مِنْ أَمْرِي مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ فَيَقُولُ: لَا نَدْرِي، مَا وَجَدْنَا فِي كِتَابِ اللَّهِ اتَّبَعْنَاهُ، وإلا فَلاَ) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" وغيره. وروى الترمذي (2664) وابن ماجة (12) عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ الْكِنْدِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يُوشِكُ الرَّجُلُ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يُحَدَّثُ بِحَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِي فَيَقُولُ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَلَالٍ اسْتَحْلَلْنَاهُ وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ. أَلَّا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ) . صححه الألباني في "صحيح ابن ماجة". وعن إسماعيل بن عبيد الله قال: " ينبغي لنا أن نحفظ ما جاءنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن الله يقول: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) فهو عندنا بمنزلة القرآن ". "السنة" لمحمد بن نصر المروزي (ص 88) وعن حسان بن عطية قال: " كان جبريل ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعلمه السنة كما يعلمه القرآن ". "الزهد" لابن المبارك (ص 23) وقال ابن القيم رحمه الله: " قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا) فأمر تعالى بطاعته وطاعة رسوله، وأعاد الفعل إعلاما بأن طاعة الرسول تجب استقلالا من غير عرض ما أمر به على الكتاب، بل إذا أمر وجبت طاعته مطلقا سواء كان ما أمر به في الكتاب أو لم يكن فيه، فإنه أوتي الكتاب ومثله معه، ولم يأمر بطاعة أولي الأمر استقلالا بل حذف الفعل وجعل طاعتهم في ضمن طاعة الرسول؛ إيذانا بأنهم إنما يطاعون تبعا لطاعة الرسول، فمن أمر منهم بطاعة الرسول وجبت طاعته، ومن أمر بخلاف ما جاء به الرسول فلا سمع له ولا طاعة " انتهى. "إعلام الموقعين" (1 / 48) وقال أيضا: " أنزل الله سبحانه وتعالى على رسوله وحيين وأوجب على عباده الإيمان بهما والعمل بما فيهما، وهما الكتاب والحكمة، وقال تعالى: (وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة) وقال تعالى: (هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلهم الكتاب والحكمة) وقال تعالى: (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة) . والكتاب هو القرآن، والحكمة هي السنة باتفاق السلف. وما أخبر به الرسول عن الله فهو في وجوب تصديقه والإيمان به كما أخبر به الرب تعالى على لسان رسوله، هذا أصل متفق عليه بين أهل الإسلام، لا ينكره إلا من ليس منهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إني أوتيت الكتاب ومثله معه) " انتهى. "الروح" (ص 75) . فتبين بذلك أن السنة هي وحي من عند الله، وأنها لازمة الطاعة والاتباع على كل من آمن بنبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن كان هذا مراد السائل، فقد تبين كلام أهل العلم فيه، وإلا فبينهما من الفروق الأخرى أشياء كثيرة: فالقرآن هو كتاب الله تعالى، الذي أنزله على رسوله وحيا باللفظ والمعنى، وهو معجِز ومتعبَّد بتلاوته، ولا تجوز روايته بالمعنى، ولا يجوز مسه للمحدث حتى يتطهر. بخلاف السنة فإن لفظها من عند الرسول، وهو غير معجِز، وتجوز روايتها بالمعنى لمن لا يُخِلُّ به، ولا يَحْرُم مَسُّها على المُحدِث. والقرآن يتعبد بتلاوته في الصلوات بخلاف السنة، فإنه لا يجوز أن يقرأ بها في الصلوات. ومن كذب بحرف واحد من كتاب الله كفر، وليس كذلك الحال في السنة. وهناك فروق أخرى، يمكن مراجعتها في بابه من كتب علوم القرآن والسنة، وكتب أصول الفقه. والله أعلم. الجواب: الحمد لله أولا: يقول الله عز وجل في كتابه الكريم: (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ) الزمر/55 قال ابن جرير الطبري رحمه الله: " يقول تعالى ذكره: واتبعوا أيها الناس ما أمركم به ربكم في تنزيله، واجتنبوا ما نهاكم فيه عنه، وذلك هو أحسن ما أنزل إلينا من ربنا. فإن قال قائل: ومن القرآن شيء هو أحسن من شيء؟ قيل له: القرآن كله حسن، وليس معنى ذلك ما توهمت، وإنما معناه: واتبعوا مما أنزل إليكم ربكم من الأمر والنهي والخبر، والمثل، والقصص، والجدل، والوعد والوعيد؛ أحسنه أن تأتمروا لأمره، وتنتهوا عما نهى عنه؛ لأن النهي مما أنزل في الكتاب، فلو عملوا بما نهوا عنه كانوا عاملين بأقبحه، فذلك وجهه " انتهى. "تفسير الطبري" (21/ 312) وقال البغوي رحمه الله: " (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) يعني: القرآن، والقرآن كله حسن، ومعنى الآية ما قاله الحسن: التزموا طاعته واجتنبوا معصيته، فإن القرآن ذكر القبيح لتجتنبه، وذكر الأدون لئلا ترغب فيه، وذكر الأحسن لتؤثره. قال السدي: " الأحسن " ما أمر الله به في الكتاب " انتهى. "تفسير البغوي" (7/ 128) وقال السعدي رحمه الله: (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) مما أمركم من الأعمال الباطنة، كمحبة الله، وخشيته، وخوفه، ورجائه، والنصح لعباده، ومحبة الخير لهم، وترك ما يضاد ذلك. ومن الأعمال الظاهرة، كالصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والصدقة، وأنواع الإحسان، ونحو ذلك، مما أمر الله به، وهو أحسن ما أنزل إلينا من ربنا، فالمتبع لأوامر ربه في هذه الأمور ونحوها هو المنيب المسلم " انتهى. "تفسير السعدي" (ص 727-728) . فالحاصل من ذلك: أن اتباع أحسن ما أنزل الله: هو الائتمار بأمره، والانتهاء بنهيه. قال الإمام الآجري رحمه الله: " فكل كلام ربنا حسن لمن تلاه ولمن استمع إليه، وإنما هذا - والله أعلم - صفة قوم إذا سمعوا القرآن تتبعوا من القرآن أحسن ما يتقربون به إلى الله تعالى، مما دلهم عليه مولاهم الكريم، يطلبون بذلك رضاه، ويرجون رحمته ". "أخلاق حملة القرآن" (8) . ثانيا: لا يتم هذا الاتباع المأمور به إلا باتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن ذلك مما أُنزِل إلينا من ربنا، كما قال تعالى: (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ) آل عمران/32 وقال تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) آل عمران/132 وقال تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) الأنفال/1 وقال سبحانه: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) النساء/65. فالسنة مبينة لمراد الله في كتابه، قال تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) النحل / 44. ثالثا: السنة وحي منزل من عند الله. قال الله تعالى: (وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا) النساء/113، وقال تعالى لأمهات المؤمنين: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا) الأحزاب/34. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 137235 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 2 ما رأيكم بكتاب " الاستعداد ليوم المعاد " المنسوب للحافظ ابن حجر العسقلاني؟ [السُّؤَالُ] ـ[لدي كتاب بعنوان: " الاستعداد ليوم الجزاء " للشيخ ابن حجر العسقلاني، يحتوي على أحاديث وآثار، والمشكلة أن هذه الأحاديث والآثار غير مبين إن كانت صحيحة أم لا، فهل لديكم معرفة بهذا الكتاب، وكيف يتم التعامل معه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله بعد البحث والتفتيش في أسماء مصنفات الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله، لم نقف على كتاب له بهذا الاسم، وقد بلغت كتب الحافظ نحوا من (273) كتابا، جمع أسماءها وتكلم عليها الحافظ السخاوي في " الجواهر والدرر " (ص/660-695) ، ولم يذكر منها هذا الكتاب. وقد حَذَّر بعض الباحثين المعاصرين مما في هذا الكتاب، وبَيَّنوا كذب نسبته إلى الحافظ ابن حجر العسقلاني. قال الشيخ مشهور حسن سلمان: "الاستعداد ليوم المعاد: كتاب طبع منسوبا كذبا وزورا للحافظ ابن حجر العسقلاني، وقد مر بي بيان هذا قديما في مجلة "الجامعة السلفية"، ومع مرور الزمن تأكد لي ذلك بأدلة وشواهد، أقواها وأغلاها ما نقله الحافظ ابن حجر نفسه في ترجمة إبراهيم بن محمد بن المؤيد بن حمويه الجويني، صدر الدين، أبو المجامع ابن سعد الدين الشافعي الصوفي (ت 722هـ) ، عن الإمام الذهبي قوله: "كان حاطب ليل، جمع أحاديث ثنائيات وثلاثيات ورباعيات من الأباطيل المكذوبة". قلت (أي الشيخ مشهور) : وهذا وصف لكتاب الاستعداد، وقد أنكر الدكتور شاكر محمود عبد المنعم نسبة هذا الكتاب لابن حجر لثلاثة أسباب، هي: الأول: أنه يخالف أسلوب ابن حجر في ذكر الأحاديث، ومنهجه في تبيان أسانيدها ونقدها ومتونها والاختلاف فيها. الثاني: لم يذكره مصدرٌ معاصرٌ لابن حجر ولا تلامذته. الثالث: لا يوجد اسم المؤلف على المخطوط في غالب النسخ التي اطلع عليها. وقد نبه على بطلان نسبة هذا الكتاب لابن حجر الأخ جاسم الدوسري حفظه الله، فقال: ومما يحسن التنبيه عليه أن الكتاب المتداول بين الناس بعنوان " الاستعداد ليوم الميعاد " المنسوب تأليفه إلى الحافظ باطل النسبة إليه بلا شك، ومن قرأه ورأى ما فيه من الأحاديث المكذوبة الموضوعة علم يقينا أن الحافظ منه بريء. وقد كتب الشيخ عبد الرحمن الفاخوري حفظه الله مقالا نشره في مجلة " الجامعة السلفية " بالهند (حج 10/ عدد 3، ربيع الأول، سنة 1398هـ) بعنوان: " أما لهذه الأيدي من يقطعها " بَيَّن فيه بيانا شافيا بطلان نسبة هذا الكتاب إلى الحافظ، فراجعه إن شئت الاستزادة ". وقد رأيت بعد كتابة هذه الأسطر أن هذا الكتاب قد طبع طبعة جديدة عن دار التربية بالعراق بتحقيق عادل أبو المعاطي، دون تاريخ، في (142) صفحة من القطع الكبير. وأثبت على غلافه أنه لابن حجر العسقلاني!! إلا أنه قد شكك في ذلك في تقديمه له (ص/9-11) ، فذكر أنه قد واجهته في تحقيق الكتاب صعوبتان: الأولى: نسبة الكتاب إلى العسقلاني. الثانية: تخريج أحاديث الكتاب. والذي يهمنا من كلامه ما قاله في الصعوبة الأولى، فأفاد ما يلي: أولا: أن كتب التراجم التي ترجمت للعسقلاني وذكرت مصنفاته لم تذكر من بينها هذا الكتاب على الإطلاق، فلم يذكره السخاوي تلميذ العسقلاني في " الضوء اللامع "، وكذلك الشوكاني في " البدر الطالع " وإسماعيل باشا البغدادي في " هدية العارفين "، والزركلي في " الأعلام ". ثانيا: رغم ذلك فإن هذا الكتاب طبع عدة مرات منسوبا إلى العسقلاني، وهذه طبعاته: الأولى: تحت عنوان " منبهات " لابن حجر العسقلاني، عام (1312هـ) بالهند، أي من حوالي (95) عاما، ومعها ترجمتها بالفارسية في (96) صفحة. الثانية: تحت عنوان " منبهات " لابن حجر العسقلاني، عام (1315هـ) باستنبول، أي من والي (92) عاما. الثالثة: تحت عنوان: " منبهات على الاستعداد ليوم المعاد " عام (1904م) مكتبة الشركة، قزان، أي من حوالي (82) عاما. ولكن على الصفحة الأولى توجد عبارة: " وهو على ما قيل للشيخ شهاب الدين أحمد بن علي العسقلاني المتوفى سنة (852هـ) ، وقيل لغيره، وهو الأظهر ". والعبارة الأخيرة توحي بالشك في نسبة الكتاب للعسقلاني، ويؤيد هذا ما قاله حاجي خليفة في " كشف الظنون "، حيث نسب الكتاب " المنبهات على الاستعداد ليوم المعاد للنصح والوداد " لزين القضاة أحمد بن محمد الحجي، ثم قال: " جمع فيه أحاديث ونصائح من الواحد إلى العشرة، مثنى، وثلاث، ورباع، أوله: الحمد لله رب العالمين ... إلخ، قال: هذه منبهات على الاستعداد ليوم المعاد " اهـ. ثالثا: وتوجد لهذا الكتاب خمس نسخ مخطوطة في دار الكتب المصرية منسوبة للعلامة الشيخ أحمد بن محمد بن علي الحجري، وأرقامها (21م، 36م، 213 مجاميع، 360 مجاميع، 8م مجاميع) ولكن لم يتيسر لي الاطلاع عليها، وكذلك هناك مخطوطة ضمن مخطوطات المدرسة الحسنية بالموصل، تحت رقم (27824) منسوبة لزين القضاة أحمد بن محمد. رابعا: لقد حاولت الوصول إلى ترجمة أحمد بن محمد الحجري أو الحجي كما ذكر حاجي خليفة من كتابي " الأعلام "، و " معجم المؤلفين"، ولكن كليهما لم يذكره على الإطلاق، وزاد الأمر صعوبة أن حاجي خليفة لم يذكر له تاريخ وفاة، وإلا لرجعنا للكتب التي تترجم بتاريخ الوفاة، وكذلك لم يذكره صاحب كتاب " هدية العارفين ". ولذلك رأيت – وقد أكون مخطئا – أن أنسب الكتاب إلى العسقلاني كالنسخ المطبوعة التي أشرنا إليها، وأرجو أن يوفقني الله في طبعة قادمة لتلافي هذه النقطة انتهى. قلت (أي: الشيخ مشهور) : ولا شك في خطأ نسبة هذا الكتاب لابن حجر، والأمر – إن شاء الله تعالى – ما ذكرنا آنفا عن ابن حجر نفسه، من أن مؤلفه إبراهيم بن محمد والله أعلم" انتهى. " كتب حذر منها العلماء " (2/326-330) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136932 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 3 حديث: (يا عباد الله أغيثوني) لا يصح [السُّؤَالُ] ـ[ما صحة الحديث: (يا عباد الله أغيثوني) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: هذا الحديث رواه الطبراني في المعجم الكبير (17 /117) من طريق عبد الرحمن بن شريك قال: حدثني أبي، عن عبد الله بن عيسى، عن زيد بن علي، عن عتبة بن غزوان، عن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذَا أَضَلَّ أَحَدُكُمْ شَيْئًا، أَوْ أَرَادَ أَحَدُكُمْ عَوْنًا، وَهُوَ بِأَرْضٍ لَيْسَ بِهَا أَنِيسٌ، فَلْيَقُلْ: يَا عِبَادَ اللَّهِ أَغِيثُونِي، يَا عِبَادَ اللَّهِ أَغِيثُونِي، فَإِنَّ لِلَّهِ عِبَادًا لا نَرَاهُمْ) . وهذا الحديث فيه ثلاث علل توجب ضعفه، وهي: الأول: عبد الرحمن بن شريك بن عبد الله النخعي الكوفي. قال أبو حاتم: " واهي الحديث ". انتهى من " الجرح والتعديل" (5 /244) . وذكره ابن حبان في " الثقات " (8 /375) ، وقال: " ربما أخطأ ". وقال الحافظ في " التقريب" صـ 342: " صدوق يخطيء ". وينظر: "تهذيب التهذيب" (6/176) . الثاني: شريك بن عبد الله النخعي. وقد تكلم العلماء في حفظه وضبطه، وقال فيه الحافظ: " صدوق يخطيء كثيراً، تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة ". انتهى من " تقريب التهذيب " صـ 266. الثالث: أن زيد بن علي بن الحسين لم يدرك عتبة بن غزوان، ولم يسمع منه، فبين وفاة عتبة وولادة زيد نحو من ستين سنة. ينظر: تهذيب التهذيب (2/249) ، (4/64) . ولذلك قال الهيثمي عن الحديث: " رواه الطبراني ورجاله وُثِّقوا على ضعف في بعضهم، إلا أن زيد بن علي لم يدرك عتبة ". انتهى من " مجمع الزوائد " (10/93) . وللحديث شاهدٌ من حديث ابن مسعود مرفوعاً بلفظ: (إذا انْفَلَتَتْ دَابَّةُ أَحَدِكُمْ بِأَرْضِ فَلاةٍ، فَلْيُنَادِ: يَا عِبَادَ اللَّهِ، احْبِسُوا عَلَيَّ، يَا عِبَادَ اللَّهِ احْبِسُوا عَلَيَّ، فَإِنَّ لِلَّهِ فِي الأَرْضِ حَاضِرًا سَيَحْبِسُهُ عَلَيْكُمْ) . رواه الطبراني في المعجم الكبير (10/217) ، وأبو يعلى في " مسنده " (9/177) ، وهو ضعيف أيضاً، قد ضعفه الهيثمي في " مجمع الزوائد" (10/132) ، والحافظ ابن حجر في "شرح الأذكار" (5/150) ، والحافظ السخاوي في "الابتهاج بأذكار المسافر والحاج" ص 39. وقد فَصَّل الكلام عليه الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" وقال رحمه الله: "ومع أن هذا الحديث ضعيف ... فليس فيه دليل على جواز الاستغاثة بالموتى من الأولياء والصالحين؛ لأنهما صريحان بأن المقصود بـ " عباد الله " فيهما خلقٌ من غير البشر. بدليل قوله في الحديث الأول: (فإن لله في الأرض حاضراً سيحبسه عليهم) ، وقوله في هذا الحديث: (فإن لله عبادا لا نراهم) . وهذا الوصف إنما ينطبق على الملائكة أو الجن؛ لأنهم الذين لا نراهم عادة ... فلا يجوز أن يُلحَق بهم المسلمون من الجن أو الإنس ممن يسمونهم برجال الغيب من الأولياء والصالحين، سواء كانوا أحياء أو أمواتا، فإن الاستغاثة بهم وطلب العون منهم شرك بيِّن؛ لأنهم لا يسمعون الدعاء، ولو سمعوا لما استطاعوا الاستجابة وتحقيق الرغبة. وهذا صريح في آيات كثيرة، منها قوله تبارك وتعالى: (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ، وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ، وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ، وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) ". انتهى من "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة" (656) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 132642 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 4 هل يؤخذ بأحاديث الآحاد في العقيدة؟ [السُّؤَالُ] ـ[سمعت من يقول: إن أحاديث الآحاد لا تثبت بها العقيدة، لأنها تفيد الظن، ولا تفيد اليقين. فما هو جوابكم على هذا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "جوابنا على من يرى أن أحاديث الآحاد لا تثبت بها العقيدة لأنها تفيد الظن والظن لا تبنى عليه العقيدة. أن نقول: هذا رأي غير صواب؛ لأنه مبني على غير صواب، وذلك من عدة وجوه: 1- القول بِأَن حديث الآحاد لا يفيد إلا الظن ليس على إطلاقه، بل في أخبار الآحاد ما يفيد اليقين إذا دلت القرائن على صِدْقه، كما إذا تلقته الأمة بالقبول، مثل حديث عمر بين الخطاب رضي الله عنه: (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ) فإنه خبر آحاد، ومع ذلك فإننا نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله، وهذا ما حققه شيخ الإسلام ابن تيمية والحافظ ابن حجر وغيرهما. 2- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرسل الآحاد بأصول العقيدة ـ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ـ وإرساله حُجَّة مُلْزِمة، كما بعث مُعَاذاً إلى اليمن، واعتبر بَعْثَه حُجَّةً مُلْزِمَةً لأهل اليمن بقبوله. 3- إذا قلنا بأن العقيدة لا تثبت بأخبار الآحاد، أمكن أن يُقال: والأحكام العملية لا تثبت بأخبار الآحاد، لأن الأحكام العملية يصحبها عقيدة أن الله تعالى أمر بهذا أو نهى عن هذا، وإذا قُبل هذا القول تعطَل كثير من أحكام الشريعة، وإذا رُدّ هذا القول فليردّ القول بأن العقيدة لا تثبت بخبر الآحاد إذ لا فرق كما بيّنا. والحاصل: أن خبر الآحاد إذا دلت القرائن على صِدْقه أفاد العلمَ، وثبت به الأحكام العَملية والعِلمية، ولا دليل على التفريق بينهما، ومَنْ نَسَبَ إلى أحدٍ من الأئمِة التفريقَ بينهما فعليه إثباتُ ذلك بالسند الصحيح عنه. ثم بيان دليله المستَند إليه. 4- أن الله تعالى أمر بالرجوع إلى قول أهل العلم لمن كان جاهلاً فيما هو من أعظم مسائل العقيدة وهي الرسالة: فقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ) النحل/43، 44. وهذا يشمل سؤال الواحد والمتعدّد" انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله "فتاوى العقيدة" (صـ 18) . [الْمَصْدَرُ] فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله "فتاوى العقيدة" (صـ 18) . الحديث: 130918 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 5 دفاعاً عن أبي هريرة رضي الله عنه [السُّؤَالُ] ـ[أسأل عن الصحابي أبي هريرة , وحسب ما أفهمه , فقد روى عددا كبيرا من الأحاديث التي جمعت الآن في صحيحي البخاري ومسلم , وغيرهما. وفي عدد من الأحاديث المنقولة , قيل إن أبا هريرة وُبخ من قبل عائشة وعمر رضي الله عنهما لنقله معلومات لم يفهمها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. مثال ذلك , في الحديث المشهور أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بأن ثلاثة يقطعون القبلة: الكلاب والحمر والنساء. ومن الواضح أن عائشة رضي الله عنها صححت له بعد فترة، وقالت بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قال: (إننا لسنا مثل اليهود الذين يقولون بأن ثلاثة أشياء تقطع القبلة: الكلاب والحمير والنساء) . كما أني قرأت أن أبا هريرة عاش في آخر حياته حياة رفاهية في قصر مع حاكم مشهور, ولم يكن حاله كحال العديد من الصحابة الجليلين الذين عاشوا حياة بساطة وماتوا وهم فقراء. إن المواضيع التي قرأتها في هذا الشأن أشكلت علي كثيرا. أهو ثقة في نقل الأحاديث؟ وهل عاش حياة لم يكن لغيره أن يعيش فيها, وبعيدة عن إمكانية الفساد؟ إذا كان عمر وعائشة رضي الله عنهما لا يكنان له احتراما, فلماذا وضعت كل هذه الأحاديث التي رواها في كتب الحديث الصحيحة؟ أنا أعلم أن الأئمة الذين جمعوا الأحاديث وضعوا معايير صارمة جدا. فكيف تمكنت رواياته من المرور عبر تلك المعايير؟ أرجو أن تساعدني.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يظهر أنك قرأت في كتب الملاحدة، أو قرأت في كتب المغرضين الحاقدين على الصحابة رضي الله عنهم. لا شك أن أبا هريرة رضي الله عنه صحابي جليل، صحِب النبي عليه الصلاة والسلام أكثر من أربع سنوات ولازمه ملازمة كاملة، يلازمه على ملء بطنه فيحضر وهم غائبون، ويحفظ إذا نسوا، ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم وفعل ما يساعده على حفظ الأحاديث، فلأجل ذلك حفظ أحاديث لم يحفظها غيره من الصحابة، وكان يقول: إنكم تقولون أكثر علينا أبو هريرة، والله الموعد، إن إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق في الأسواق، وإن إخواننا من الأنصار ليشغلهم العمل في أموالهم، وكنت امرؤ مسكينا ألزم رسول الله عليه الصلاة والسلام على ملء بطني أحفظ إذا نسوا، وأحضر إذا غابوا، ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم مرة: إن من بسط ثوبه حتى أفرغ من مقالتي وضمه إليه كان ذلك سببا في بقاء حفظه. يقول أبو هريرة: فعلت ذلك فلم أنْسَ شيئا بعد ذلك. كان رضي الله عنه يبيت أول الليل يدرس الأحاديث ويتذكرها ويكررها حتى لا ينساها، وحتى يحفظ منها ما قد يخاف أن ينساه، فلذلك حفظ الحديث الكثير الذي ما حفظه غيره. أما حديث قطع الصلاة فلم ينفرد به بل رواه أيضا عمر رضي الله عنه وابنه عبد الله رضي الله عنه، إلا أن عائشة رضي الله عنها أنكرته ولم تنكر على أبي هريرة فقط، بل أنكرت على عمر وابنه عبد الله لأنهم رووا الحديث، ولم تستدل إلا بأنها كانت على السرير أمام الرسول عليه الصلاة والسلام وهو يصلي في البيت وهو مظلم، وقال العلماء بأن هذا لا يعتبر مرورا، وأن القطع إنما يكون مرورا، فإذا كانت على السرير وكان البيت مظلما لم يُسَمَّ هذا مرورا، وانسلالها من السرير لا يسمى أيضا مرورا. ثم قد يقال أيضا: إن القطع في هذا الحديث ليس إبطالا للصلاة بالكلية بل ينقصها، وأنه لا يلزم إعادة ما تقدم منها، وسبب ذلك: أن القلب ينشغل بمرور ما سبق في الحديث، وهذا الانشغال يفوّت على القلب شيئا من الإقبال على الصلاة فلذلك ينقص الأجر وهذا معنى القطع. ولم يُنقل عن عمر رضي الله عنه أنه أنكر على أبي هريرة هذا الحديث بل وافقه على روايته، وكذلك ابنه عبد الله .... ثم إن أبا هريرة ما عاش عيشة المترفين، بل كان متقشفا حتى مات، وقد أمّره معاوية على المدينة في عهده وقيل في عهد علي رضي الله عنه كان أميرا على المدينة فكان متواضعا، فيذهب إلى البرية ليحتطب حتى يسترزق منها، وكان إذا وصل إلى المدينة قال للناس: (أخروا عن الأمير) أي أفسحوا له الطريق تواضعا منه. ولقد دأب كثير من الرافضة وغيرهم في التشكيك في أبي هريرة فجمعوا بعض الأحاديث التي رواها والتي تخالف عقولهم ومألوفاتهم، وزعموا أنها من كذب أبي هريرة كحديث: (إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه) ، ولكن هذا الحديث رواه أيضا أبو سعيد وصححه كثير من العلماء. فننصحك بقراءة الكتب التي تذبّ عن أبي هريرة رضي الله عنه ككتاب (السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي) ، وكتاب (الأنوار الكاشفة) وغيرها من الكتب حتى تجد الجواب والصواب في أن أبا هريرة من حفاظ الصحابة. وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم (126377) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله الحديث: 129606 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 6 اختلاف ألفاظ أحاديث الأربعين النووية عن المصادر الأصلية [السُّؤَالُ] ـ[لماذا تختلف ألفاظ بعض الأحاديث في " الأربعين نووية " عن ألفاظ الكتب الأصلية؟ كلما أردت أن أقارن ألفاظ الأحاديث في الأربعين نووية بالكتب الأصلية فإني أجد هناك اختلافا في بعض الأحاديث، فمثلا حديث: (إنما الأعمال بالنيات) لم أجده في الكتب الأصلية البخاري ومسلم بنفس لفظ الأربعين النووية، وأيها أفضل إذا لم يكن هناك أي خلل، أن أحفظ الحديث من الأصل أو من الأربعين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نصيحتنا تختلف بحسب حال الأخ السائل: فإن كنت من طلبة العلم الشرعي، الحريصين على التحصيل العلمي المتكامل، والبناء العلمي المتدرج، فننصحك حينئذ بالعناية بكتب السنة الأصول، والتدرج في قراءتها واستحضار ما فيها، وأفضل طريقة لذلك البدء بحفظ الأحاديث المتفق عليها من كتاب " الجمع بين الصحيحين " للشيخ يحيى اليحيى، أو من كتاب " اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان "، فإن لم تتمكن من حفظها فأكثر من قراءتها والرجوع إليها حتى تستوعب ما فيها. ثم تنتقل بعدها إلى زيادات البخاري، ثم زيادات مسلم، ثم زيادات أصحاب السنن، وهكذا، ولعل هذه أفضل الطرق التي ينصح بها أهل العلم لحفظ السنن واستقراء الأحاديث. أما إن لم تكن من طلبة العلم الشرعي، ورغبت في تحصيل ثقافة حديثية جيدة، فلا مانع من حفظ " الأربعين النووية " من جمع الإمام النووي رحمه الله، ولا يضرك اختلاف بعض الألفاظ لأسباب عدة: 1- أنه اختلاف قليل في بعض الروايات، فقد تثبتنا من كثير من الألفاظ الواردة في الأربعين النووية فوجدناها صحيحة موافقة لما في الكتب الأصول. 2- وأحيانا يكون سبب هذا الخلاف هو اختلاف نسخ وروايات الكتب الأصول نفسها، فتجد في بعض نسخ البخاري لفظ (إنما الأعمال بالنية) ، وفي نسخ أخرى في الرواية نفسها: (بالنيات) ، وهكذا في صحيح مسلم أيضا، فلعل الإمام النووي رحمه الله نقل عن إحدى النسخ والروايات التي لم نقف عليها. 3- وما ثبت خطؤه فهو نادر معدود على الأصابع، ولعله بسبب الأخطاء المطبعية التي يمكن تداركها بالحرص على طبعة جيدة. ثم ننصحك بقراءة كتاب " رياض الصالحين " للإمام النووي أيضا، وقراءة كتاب " بلوغ المرام من أحاديث الأحكام " للحافظ ابن حجر رحمه الله. والمهم في ذلك كله هو الإكثار من القراءة مع الاطلاع على بعض شروح هذه الأحاديث. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128305 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 7 حديث: (ركعتان بسواك خير من سبعين ركعة بدون سواك) [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى حديث: (ركعتان بسواك خير من سبعين ركعة بدون سواك) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "السواك سنة، وطاعة عند الصلاة أو عند الوضوء؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب) أخرجه النسائي بإسناد صحيح عن عائشة رضي الله عنها؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) متفق على صحته، وفي لفظ: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء) أخرجه الإمام النسائي بإسناد صحيح. أما حديث: (صلاة بسواك خير من سبعين صلاة بلا سواك) فهو حديث ضعيف، ليس بصحيح, وفي الأحاديث الصحيحة ما يغني عنه، والحمد لله" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (26/288) . وقال عنه البيهقي في "السنن الكبرى" (1/38) : "ضعيف، وإسناده غير قوي، وروي مرفوعاً ومرسلاً" انتهى. وقال ابن القيم في "المنار المنيف" (ص 17) : "إسناده غير قوي". انتهى. وضعفه النووي في "الخلاصة" (1/88) ، والألباني في "ضعيف الجامع" (3519) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128161 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 8 ما صحة حديث: (التمس لأخيك سبعين عذرا) ؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما صحة هذا الحديث: (التمس لأخيك سبعين عذرا) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا أعلم له أصلا، والمشروع للمؤمن أن يحترم أخاه إذا اعتذر إليه، ويقبل عذره إذا أمكن ذلك، ويحسن به الظن حيث أمكن ذلك، حرصاً على سلامة القلوب من البغضاء، ورغبةً في جمع الكلمة، والتعاون على الخير، وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: (لا تظن بكلمة صدرت من أخيك شرا وأنت تجد لها في الخير محملا) " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (26/365) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128159 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 9 شرح حديث: (بيت ليس فيه تمر جياع أهله) [السُّؤَالُ] ـ[ما صحة هذا الحديث: (بيت ليس فيه تمر جياع أهله) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الحديث صحيح، أخرجه مسلم في صحيحه، وهو محمول عند أهل العلم على مَنْ كان مِنْ طعامه التمر، كأهل المدينة في وقته صلى الله عليه وسلم وأشباههم ممن يقتاتون التمر، والله ولي التوفيق" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (25/280) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126956 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 10 لم يصح حديث أن الرجل يتعلق بالرجل يوم القيامة فيقول: كنت تراني على المنكر ولا تنهاني [السُّؤَالُ] ـ[سمعت درسا على قناة فضائية إسلامية سرد فيه الشيخ حديثا لم أتذكره، فيما معناه أنه يوم القيامة يأتي كافر يشكو عبدا كنا نظنه مؤمنا وملتزما كان يمر علينا، ولكن لم يدعنا إلى الإسلام، ولم يعظنا، فيلحق الله تبارك وتعالى هذا العبد المؤمن بهؤلاء الكفار في النار، نعوذ بالله منها. فهل صح حديث عن الرسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا المعنى؟ أرجو أن تدلوني عليه بأسانيده وشروحه]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله من الواجبات المحتمات على الأمة الإسلامية، وقد جاءت الآيات والأحاديث الكثيرة لتدل على هذا المعنى، وتقرر هذا الحكم الشرعي، سبق ذكر أطراف منها في أجوبة عديدة في موقعنا، في جواب السؤال رقم: (11403) ، (38701) ، (96662) ورغم كثرة الآيات والأحاديث الواردة في فضيلة هذه الشعيرة العظيمة " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " إلا أننا لم نجد فيها ما يصح بخصوص تعلق الناس يوم القيامة بمن ترك الدعوة والنصيحة، ومطالبتهم بأخذ حقهم منه يوم القيامة عقوبة على تقصيره في ذلك، وكل ما وقفنا عليه بهذا الخصوص هو ما ذكره الحافظ أبو السعادات ابن الأثير (606هـ) في كتابه " جامع الأصول من أحاديث الرسول " ولم يعزه لأحد، وذكره المنذري (643هـ) في كتابه " الترغيب والترهيب " (3/164) (حديث رقم/3506) وعزاه لرزين فقال: " وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كنا نسمع أن الرجل يتعلق بالرجل يوم القيامة وهو لا يعرفه، فيقول له: ما لك إلي، وما بيني وبينك معرفة؟! فيقول: كنت تراني على الخطإ وعلى المنكر ولا تنهاني) ذكره " رزين " ولم أره " انتهى نقل المنذري. ورزين هذا قال الذهبي في ترجمته: " رزين بن معاوية بن عمار، الإمام المحدث الشهير، أبو الحسن العبدري الأندلسي السرقسطي، صاحب كتاب: " تجريد الصحاح "، جاور بمكة دهرا، حدث عنه: قاضي الحرم أبو المظفر محمد بن علي الطبري، والزاهد أحمد بن محمد بن قدامة والد الشيخ أبي عمر، والحافظ أبو موسى المديني، والحافظ ابن عساكر وقال: كان إمام المالكيين بالحرم. توفي بمكة في المحرم سنة خمس وثلاثين وخمس مئة وقد شاخ " انتهى. " سير أعلام النبلاء " (20/204-205) وقد بين العلماء أن كتاب رزين المسمى " تجريد الصحاح " مليء بالأحاديث التي لا يعرف مصدرها، ولم يوقف على أصلها، ولا يُدرَى من أين جاء بها. قال ابن الصلاح في معرض تقرير بدعية صلاة الرغائب: " ولا تستفاد له صحة – يعني لحديث صلاة الرغائب - مِن ذكر رزين بن معاوية إياه في كتابه في " تجريد الصحاح "، ولا من ذكر صاحب " الإحياء " – يعني الغزالي - له فيه واعتماده عليه، لكثرة ما فيهما من الحديث الضعيف، وإيراد رزين له في مثل كتابه من العجب " انتهى. نقلا عن " الباعث على إنكار البدع والحوادث " لأبي شامة المقدسي (ص/45) وقال الذهبي رحمه الله: " أدخل كتابه زيادات واهية لو تنزه عنها لأجاد " انتهى. " سير أعلام النبلاء " (20/205) وقال أيضا رحمه الله: " وله في الكتاب زيادات واهية " انتهى. " تاريخ الإسلام " (36/376) ويقول ابن تمية رحمه الله: " ورزين قد ذكر في كتابه أشياء ليست في الصحاح " انتهى. " منهاج السنة النبوية " (7/157) . ويقول الشوكاني رحمه الله: " أدخل في كتابه الذي جمع فيه دواوين الإسلام بلايا وموضوعات لا تعرف، ولا يُدرَى من أين جاء بها " انتهى. " الفوائد المجموعة " (ص/49) وقال العلامة المعلمي في تعليقه عليه: " زاد أحاديث ليست فيها – يعني في الصحيحين والموطأ وسنن الترمذي والنسائي وأبي داود - ولا في واحد منها، فإذا كان الواقع هكذا، ومع ذلك لم ينبه في خطبة كتابه أو خاتمته على هذه الزيادات فقد أساء، ومع ذلك فالخطب سهل، فإن أحاديث غير الصحيحين من تلك الكتب ليست كلها صحاحا، فصنيع رزين - وإن أوهم في تلك الزيادات أنها في بعض تلك الكتب - فلم يوهم أنه صحيح ولا حسن. وأحسب أن تلك الأحاديث التي زادها كانت وقعت له بأسانيده، فإنها أحاديث معروفة في الجملة، ومنها حديث صلاة الرغائب ولم يكن رزين من أهل النقد فلم يعرف حال الحديث " انتهى. وقال اللكنوي رحمه الله: " قال الشيخ الدهلوي في رسالته: وقد ذكر صاحب جامع الأصول في كتابه حديثا من كتاب رزين، مع أن موضوع ذلك الكتاب جمع أحاديث الكتب الستة المسماة بالصحاح الست، وإذا لم يجد في هذه الكتب حديثا في ذلك أورده من كتاب آخر استيفاء وتكميلا " انتهى. " الأسرار المرفوعة " (ص/74) وقال الشيخ الألباني رحمه الله: " فاعلم أن كتاب رزين هذا جمع فيه بين الأصول الستة: " الصحيحين " و" موطأ مالك " و"سنن أبي داود "، والنسائي، والترمذي، على نمط كتاب ابن الأثير المسمى " جامع الأصول من أحاديث الرسول "، إلا أن في كتاب " التجريد " أحاديث كثيرة لا أصل لها في شيء من هذه الأصول، كما يعلم مما ينقله العلماء عنه مثل المنذري في " الترغيب والترهيب " " انتهى. " السلسلة الضعيفة " (رقم/207) فالحاصل أن هذا الحديث لا يعرف له أصل. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125950 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 11 حديث مبادرة الملائكة لكتابة الذكر عند الاعتدال من الركوع حديث صحيح [السُّؤَالُ] ـ[انتشر في المنتديات حديث للرسول صلى الله عليه وسلم، أنه صلى الله عليه وسلم سمع عند اعتداله من الركوع رجلا يقول: ربنا ولك الحمد والشكر حمداً كثيرا طيباً مباركاً فيه ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد. فقال صلى الله عليه وسلم: رأيت ثلاثين ملكا يجرون كل واحد منهم يريد كتابتها له قبل الآخر. هل هذا الحديث صحيح عن الرسول عليه الصلاة والسلام؟ جزاكم الله عنا خير الجزاء.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضيلة هذا الذكر بعد الاعتدال من الركوع حديث عظيم، وهو ما جاء عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِىِّ قَالَ: (كُنَّا يَوْمًا نُصَلِّي وَرَاءَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. قَالَ رَجُلٌ وَرَاءَهُ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ. فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: مَنِ الْمُتَكَلِّمُ؟ قَالَ: أَنَا. قَالَ: رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلاَثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا، أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلُُ) رواه البخاري (799) . قال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله: " قوله: (أول) روي على وجهين: بضم اللام وفتحها. فالضم على أنه صفة لأي. و (البِضع) : ما بين الثلاث إلى التسع، في الأشهر، وقال أبو عبيدة: ما بين الثلاث إلى الخمس. وقيل غير ذلك ... وقد دل الحديث على فضل هذا الذكر في الصلاة، وأن المأموم يشرع له الزيادة على التحميد بالثناء على الله عز وجل، كما هو قول الشافعي وأحمد - في رواية -. وأن مثل هذا الذكر حسنٌ في الاعتدال من الركوع في الصلوات المفروضات؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم إنما كانوا يصلون وراء النبي صلى الله عليه وسلم الصلوات المفروضة غالباً، وإنما كانوا يصلون وراءه التطوع قليلا. وفيه - أيضاً -: دليل على أن جهر المأموم أحيانا وراء الإمام بشيء من الذكر غير مكروه، كما أن جهر الإمام أحياناً ببعض القراءة في صلاة النهار غير مكروه " انتهى. " فتح الباري " لابن رجب (5/80-81) وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " قوله: (مباركا فيه) زاد رفاعة بن يحيى: (مباركا عليه كما يحب ربنا ويرضى) ، فأما قوله: (مباركا عليه) فيحتمل أن يكون تأكيدا، وهو الظاهر، وقيل الأول بمعنى الزيادة والثاني بمعنى البقاء ... وأما قوله: (كما يحب ربنا ويرضى) ففيه من حسن التفويض إلى الله تعالى ما هو الغاية في القصد. والظاهر أن هؤلاء الملائكة غير الحفظة، ويؤيده ما في الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعا: (إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر) الحديث. واستدل به على أن بعض الطاعات قد يكتبها غير الحفظة، والحكمة في سؤاله صلى الله عليه وسلم له عمن قال، أن يتعلم السامعون كلامه فيقولوا مثله. " انتهى. " فتح الباري " (2/286-287)) ثانيا: أما لفظ (ربنا لك الحمد والشكر) فلم يثبت في أي من روايات الحديث السابقة، وإن كانت زيادتها من غير اعتيادها مع عدم نسبتها للشرع جائزة، ولكن الأولى الاقتصار على الوارد. سئل الشيخ ابن باز رحمه الله السؤال الآتي: " رجل عندما يرفع من الركوع يقول: ربنا ولك الحمد والشكر، وهل كلمة الشكر صحيحة؟ فأجاب: لم تَرِد، لكن لا يضر قولها: الحمد والشكر لله وحده سبحانه وتعالى، ولكن هو من باب عطف المعنى، وإن الحمد معناه الشكر والثناء، فالأفضل أن يقول ربنا ولك الحمد، ويكفي ولا يزيد والشكر، ويقول: ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، ملء السماوات والأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، وإن زاد الشكر لا يضره، ويعلم أنه غير مشروع " انتهى. " مجموع فتاوى ابن باز " (29/286) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125885 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 12 هل ثبت شيء في " الملائكة الكروبيون "؟ [السُّؤَالُ] ـ[من هم الملائكة الكروبيون؟ حيث إن الشيخ الألباني رحمه الله أنكر هذا الاسم في فتاوى " جدة " الشريط رقم 17 (01:03:42) ]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الإيمان بالملائكة من أركان ديننا الحنيف، قال تعالى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) البقرة/ 285، وقد ذكرنا كثيراً من المسائل المتعلقة بالملائكة، من حيث خلقهم، وصفاتهم، ووظائفهم، وذلك في جوابي السؤالين: (14610) و (843) . ثانياً: ما يُطلق عليه " الملائكة الكَروبيُّون " ليس له أصل في الأحاديث النبوية الصحيحة ـ فيما نعلم ـ، وغاية ما جاء ذِكرهم فيه: أحاديث ضعيفة جدّاً، وموضوعة، وآثار عن السلف، وطائفة من المفسرين، وقد ذكر بعض العلماء أن الكروبيين هم: من يكونون حول عرش الرحمن، أو هم حملة العرش أنفسهم. وقال آخرون: هم سادة الملائكة وعظماؤهم. وقال فريق ثالث: هم ملائكة العذاب. ومثل هذا الأمر هو من الغيب الذي لا يجوز إثباته إلا بوحي من الله، ولم يثبت في ذلك شيء. أ. ما ورد فيهم من أحاديث غير صحيحة: 1. عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لله ملائكة وهم الكروبيون من شحمة أذن أحدهم إلى ترقوته مسيرة خمسمائة عام للطائر السريع في انحطاط) . والحديث حكم عليه الشيخ الألباني بأنه ضعيف جدّاً، وقال: رواه ابن عساكر (12 / 231 / 2) عن محمد بن أبي السري: أخبرنا عمرو بن أبي سلمة عن صدقة بن عبد الله القرشي عن موسى بن عقبة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله مرفوعا وقال: " روى إبراهيم بن طهمان عن موسى بن عقبة شيئا من هذا ". قلت: وهذا سند واهٍ جدّاً، وله علتان: الأولى: محمد بن أبي السري، وهو متهم. والأخرى: صدقة هذا وهو الدمشقي السمين وهو ضعيف، ووقع في السند " القرشي، ولم ترد هذه النسبة في ترجمته من " التهذيب "، فلعله تحرف على الناسخ نسبته " الدمشقي " بالقرشي، والله أعلم. وقد خالفه إبراهيم بن طهمان عن موسى بن عقبة به بلفظ: (أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله تعالى من حملة العرش، ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة سنة) . وهو بهذا اللفظ صحيح كما قد بينته في " الأحاديث الصحيحة " رقم (151) . " سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة " (2 / 323، حديث 923) . 2. وذكر ابن الجوزي في " بستان الواعظين ورياض السامعين " (ص 20) حديثاً طويلاً، وفيه موت الملائكة، ومنه: (وتموت ملائكة السبع سموات، والحجب، والسرادقات، والصادقون، والمسبحون، وحملة العرش، والكرسي، وأهل سرادقات المجد، والكروبيون، ويبقى جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وملك الموت عليه السلام ... .) انتهى. والحديث ليس له إسناد، والكتاب مظنة الضعيف، والموضوع. ب. ما جاء ذِكرهم فيه من كلام السلف ومن بعدهم: 1. قال الخطابي - رحمه الله -: الملائكة الكَرُوبيّون، وهم: المُقَرّبون، وقال بعضهم: إنما سُمُّوا: " كَرُوبيين " لأنهم يُدْخِلون الكَرْب على الكفار، وليس هذا بشيء. " غريب الحديث " (1 / 440) . 2. وقال ابن الأثير - رحمه الله -: في حديث أبي العالية: (الكروبيون سادة الملائكة) هم المقربون، ويقال لكل حيوانٍ وَثِيْقِ المفاصل: إنه لمُكْرَب الخَلْق، إذا كان شديد القُوَى. والأول أشبه. " النهاية في غريب الحديث والأثر " (4 / 161) . والخلاصة: لم يصح شيء من الأحاديث المرفوعة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يسمى " الملائكة الكروبيون "، والواجب الوقوف في مسائل الغيب عند إثبات الوحي لها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121038 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 13 حديث: (من قرأ سورة الإخلاص عشر مرات بنى الله له بيتا في الجنة) [السُّؤَالُ] ـ[هل هذا الحديث صحيح؟ من قرأ سورة الإخلاص "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ" عشر مرات بنى الله له بيتا في الجنة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "هذا الحديث رواه الإمام أحمد (3/437) وهذا سنده: حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا حسن حدثنا ابن لهيعة قال، وحدثنا يحيى بن غيلان، حدثنا رشدين، حدثنا زبان بن فائد الحبراني عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه معاذ بن أنس الجهني صاحب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قرأ سورة الإخلاص "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ" حتى يختمها عشر مرات بنى الله له قصرا في الجنة. فقال عمر بن الخطاب: إذاً أستكثر يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله أكثر وأطيب) . وهذا الإسناد ضعيف لضعف ابن لهيعة ورشدين بن سعد وزبان بن فائد. وقال في مجمع الزوائد (7/145) : "وفي إسناده رشدين بن سعد وزبان كلاهما ضعيف وفيهما توثيق لين" انتهى. قلت: والحديث مداره على زبان بن فائد , وقد سبق أنه ضعيف كما في التقريب، وقال الحافظ في "تهذيب التهذيب" في ترجمة زبان المذكور: قال أحمد: أحاديثه مناكير، وقال ابن معين: شيخ ضعيف, وقال ابن حبان: منكر الحديث جدا, يتفرد عن سهل بن معاذ بنسخة، كأنها موضوعة، وقال أبو حاتم: شيخ صالح، وقال الساجي: عنده مناكير. انتهى ملخصا. وبذلك يعلم أن هذا الحديث ضعيف جدا لتضعيف الأئمة المذكورين لزبان، وينبغي أن يعلم أن هذه السورة عظيمة وفضلها كبير, وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنها تعدل ثلث القرآن) وصح في فضلها أحاديث كثيرة. "مجموع فتاوى ابن باز" (26/281) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118152 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 14 حديث: (أنا أفصح من نطق بالضاد) [السُّؤَالُ] ـ[هل هذا الحديث صحيح: (أنا أفصح من نطق بالضاد) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "حديث: (أنا أفصح من نطق بالضاد، بيد أني من قريش) قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره لآخر سورة الفاتحة: لا أصل له. وقال العجلوني في "كشف الخفاء" (1/200) ما نصه: قال في اللآلئ: معناه صحيح، ولكن لا أصل له، كما قال ابن كثير وغيره من الحفاظ، وأورده أصحاب الغريب.. ولا يعرف له إسناد" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (26/380) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118148 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 15 قول عمر رضي الله عنه: (الدعاء موقوف بين السماء والأرض حتى تصلي على نبيك) [السُّؤَالُ] ـ[هل هذا الأثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (الدعاء موقوف بين السماء والأرض حتى تصلي على نبيك محمد صلى الله عليه وسلم) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الأثر رواه الترمذي (486) موقوفاً على عمر رضي الله عنه، وفي إسناده: أبو قرة الأسدي وهو مجهول. وقد ضعفه الألباني رحمه الله في "إرواء الغليل" (432) . وضعفه المباركفوري في "تحفة الأحوذي" فقال: "الحديث ضعيف لجهالة أبي قرة الأسدي" انتهى. وسئل عنه الشيخ ابن باز رحمه الله فقال: "في سنده أبو قرة الأسدي، وهو من رجال البادية مجهول، كما في التقريب، وهو الراوي له عن سعيد بن المسيب عن عمر رضي الله عنه..؛ وبذلك يعتبر هذا الأثر ضعيفا من أجل جهالة أبي قرة.. والله أعلم " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (26/289) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118126 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 16 التوفيق بين أمر المسيء صلاته بالإعادة وعدم أمر معاوية بن الحكم بها [السُّؤَالُ] ـ[كيف أجمع بين حديث معاوية عندما شمت العاطس ولم يأمره النبي بالإعادة ومعاوية لا يعلم أنها مبطلة للصلاة، وعدم أمر النبي بالإعادة دليل على صحة صلاة معاوية، وبين حديث أن النبي أمر المسيء صلاته بالإعادة وهذا يدل على بطلان صلاته ولو كان جاهلا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله حديث معاوية بن الحكم هو ما رواه مسلم (537) عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ قَالَ: بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَا ثُكْلَ أُمِّيَاهْ: مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ! فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَاللَّهِ مَا كَهَرَنِي، وَلَا ضَرَبَنِي، وَلَا شَتَمَنِي، قَالَ: (إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ) . وأما حديث المسيء صلاته فهو ما رواه البخاري (757) ومسلم (397) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَدَّ، وَقَالَ: (ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ، فَرَجَعَ يُصَلِّي كَمَا صَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ، ثَلَاثًا، فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ، فَعَلِّمْنِي، فَقَالَ: إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا) . وقد دل الحديثان على عذر الجاهل، أما حديث معاوية فلأنه لم يؤمر بالإعادة، وأما حديث المسيء صلاته فلأنه لم يؤمر بإعادة ما صلى من قبل، بل أمر بإعادة صلاة الوقت فقط. قال النووي رحمه الله في شرح حديث معاوية: " وَأَمَّا كَلَام الْجَاهِل إِذَا كَانَ قَرِيب عَهْد بِالْإِسْلَامِ فَهُوَ كَكَلَامِ النَّاسِي , فَلَا تَبْطُل الصَّلَاة بِقَلِيلِهِ لِحَدِيثِ مُعَاوِيَة بْن الْحَكَم هَذَا , الَّذِي نَحْنُ فِيهِ ; لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرهُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاة , لَكِنْ عَلَّمَهُ تَحْرِيم الْكَلَام فِيمَا يُسْتَقْبَل " انتهى. أما أمر المسيء صلاته بالإعادة، وعدم أمر معاوية بذلك، فسبب ذلك: هو التفريق بين فعل المحظور، وترك المأمور، فترك المأمور لا يسقط مع الجهل أو النسيان متى أمكن تداركه، بخلاف فعل المحظور. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الكلام على محظورات الإحرام: " والصحيح أن جميعها تسقط، وأن المعذور بجهل أو نسيان أو إكراه لا يترتب على فعله شيء إطلاقاً، لا في الجماع، ولا في الصيد، ولا في التقليم، ولا في لبس المخيط، ولا في أي شيء، وذكرنا فيما سبق الدليل من القرآن، والسنة، والنظر. وهكذا في جميع المحظورات في العبادات، لا يترتب عليها الحكم، إذا كانت مع الجهل أو النسيان، أو الإكراه؛ لعموم النصوص، ولأن الجزاء، أو الفدية، أو الكفارة إنما شرعت لفداء النفس من المخالفة أو للتكفير عن الذنب، والجاهل أو الناسي أو المكره لم يتعمد المخالفة، ولهذا لو كان ذاكراً أو عالماً أو مختاراً لم يفعل. فالشرب في رمضان نسياناً ليس فيه قضاء، والدليل حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (من نسي وهو صائم فأكل، أو شرب، فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) ، فمن لم يتعمد المخالفة، فليس عاصياً، ولا فدية عليه. وكذلك عدي بن حاتم رضي الله عنه: (لما أراد الصيام جعل عقالين أبيض وأسود؛ لقوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) البقرة/187، وكانوا يأخذون الأحكام من القرآن مباشرة، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: (إن وسادك لعريض، أن كان الخيط الأبيض والأسود تحت وسادك) ، فلم يأمره بالإعادة للجهل بالحكم. وكذلك أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: (أخبرت أنهم أفطروا في يوم غيم على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلم يأمرهم بلقضاء) ، لجهلهم بالحال. وكذلك في الصلاة، والدليل أن معاوية بن الحكم رضي الله عنه دخل مع النبي صلّى الله عليه وسلّم في الصلاة فعطس رجل، فقال: الحمد لله، قال: يرحمك الله، وهو يصلي، فرماه الناس بأبصارهم، أي ـ نظروا إليه منكرين ـ فقال: واثكل أمياه ـ رضي الله عنه ـ، فزاد الكلام كلاماً آخر، فجعلوا يضربون على أفخاذهم يسكتونه فسكت، فلما سلم دعاه الرسول صلّى الله عليه وسلّم، قال معاوية: بأبي هو وأمي، ما رأيت معلماً أحسن تعليماً منه، قال صلّى الله عليه وسلّم: (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير، وقراءة القرآن) ، ولم يأمره بالإعادة؛ لأنه جاهل. والنصوص الدالة على هذا الأصل، أعني عدم المؤاخذة مع النسيان والجهل والإكراه كثيرة، وهذا من مقتضى قوله تعالى: (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) الأنعام/ 54، وقوله في الحديث القدسي: (سبقت رحمتي غضبي) . وأما ترك الواجبات فلا يسقط بالنسيان والجهل والإكراه متى أمكن تداركه؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) فلم تسقط عنه بالنسيان، ولأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يسقط الصلاة الحاضرة بالجهل كما في حديث المسيء في صلاته، أمره بالإعادة مع أنه جاهل، لأنه ترك مأموراً، والمأمورات أمور إيجابية لا بد أن تكون، والمنهيات أمور عدمية لا بد أن لا تكون. ثم إن المأمورات يمكن تداركها بفعلها، لكن المنهيات مضت، لكن إذا كان في أثناء المنهي فيجب التدارك بقطعه، فإن قال قائل: إن قوله تعالى: (رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا) عام في ترك المأمور وفعل المحظور، فالجواب أن الأمر كذلك، فتارك المأمور جاهلاً أو ناسياً غير مؤاخذ بالترك، لكن عدم فعله إياه يقتضي إلزامه به متى زال العذر إبراءً لذمته " انتهى من "الشرح الممتع" (7/200) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 117779 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 17 هل هناك حديث في لعن الزوجة إذا طلبت الطلاق من زوجها؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما مدى صحة الحديث أن الزوجة التي تطلب الطلاق من زوجها ملعونة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق إلا عند وجود ما يدعو إلى ذلك، كسوء العشرة من الزوج؛ لما روى أبو داود (2226) والترمذي (1187) وابن ماجه (2055) عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّة) صححه الألباني في صحيح أبي داود. وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه مرفوعا: (إن المختلعات هن المنافقات) رواه الطبراني في الكبير (17/339) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (1934) . وأما لعن من تفعل ذلك، فلم نقف على حديث بهذا اللفظ. ويجوز للمرأة أن تطلب الطلاق أو الخلع إن وجد ما يدعو لذلك؛ لما روى البخاري (4867) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلا دِينٍ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً) . وقولها: " ولكني أكره الكفر في الإسلام " أي أكره أن أعمل الأعمال التي تنافي حكم الإسلام من بغض الزوج وعصيانه وعدم القيام بحقوقه.. ونحو ذلك. ينظر: "فتح الباري" (9/400) . وقال الشيخ ابن جبرين حفظه الله في بيان ما يسوّغ طلب الخلع: " إذا كرهت المرأة أخلاق زوجها كاتصافه بالشدة والحدة وسرعة التأثر وكثرة الغضب والانتقاد لأدنى فعل والعتاب على أدنى نقص فلها الخلع. ثانياً: إذا كرهت خِلقته كعيب أو دمامة أو نقص في حواسه فلها الخلع. ثالثاً: إذا كان ناقص الدين بترك الصلاة أو التهاون بالجماعة أو الفطر في رمضان بدون عذر أو حضور المحرمات كالزنا والسكر والسماع للأغاني والملاهي ونحوها فلها طلب الخلع. رابعاً: إذا منعها حقها من النفقة أو الكسوة أو الحاجات الضرورية وهو قادر على ذلك فلها طلب الخلع. خامساً: إذا لم يعطها حقها من المعاشرة المعتادة بما يعفها لعُنّة (عيب يمنع القدرة على الوطء) فيه، أو زهد فيها، أو صدود إلى غيرها، أو لم يعدل في المبيت فلها طلب الخلع، والله أعلم " انتهى، وينظر جواب السؤال رقم (1859) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 117185 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 18 حكم من يرد الحديث الصحيح [السُّؤَالُ] ـ[هل يكفر من يرد الحديث الصحيح؟ أحد الإخوة يرد بعض الأحاديث الصحيحة الواردة في الصحيح: البخاري ومسلم وغيرها ... بحجة أنها تعارض القرآن، فما حکم من يرد الحديث الصحيح، هل يکفر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: السنة النبوية هي المصدر الثاني للتشريع، فقد كان الوحي ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن، ومصداق ذلك قول الله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) النجم/3-4. وقد أوجب الله تعالى على المؤمنين التسليم التام لكلام النبي صلى الله عليه وسلم وحديثه وحكمه، حتى لقد أقسم بنفسه سبحانه أن من سمع كلام النبي صلى الله عليه وسلم ثم رده ولم يقبل به: أنه ليس من الإيمان في شيء، فقال عز وجل: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) النساء/65. ولذلك وقع الاتفاق بين أهل العلم على أنَّ مَن أنكر حجية السنة بشكل عام، أو كذَّبَ حديث النبي صلى الله عليه وسلم - وهو يعلم أنه من كلامه صلى الله عليه وسلم – فهو كافر، لم يحقق أدنى درجات الإسلام والاستسلام لله ورسوله. قال الإمام إسحاق بن راهويه رحمه الله: " من بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرٌ يُقرُّ بصحته ثم رده بغير تقية فهو كافر" انتهى. وقال السيوطي رحمه الله: " اعلموا رحمكم الله أنَّ مَن أنكر كون حديث النبي صلى الله عليه وسلم - قولا كان أو فعلا بشرطه المعروف في الأصول - حجة كفر، وخرج عن دائرة الإسلام، وحشر مع اليهود والنصارى أو من شاء من فرق الكفرة " انتهى. "مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة" (ص/14) وقال العلامة ابن الوزير رحمه الله: " التكذيب لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع العلم أنه حديثه كفر صريح " انتهى. "العواصم والقواصم" (2/274) جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة": " الذي ينكر العمل بالسنة يكون كافرا؛ لأنه مكذب لله ولرسوله ولإجماع المسلمين " انتهى. "المجموعة الثانية" (3/194) وانظر جواب السؤال رقم: (604) ، (13206) ، (77243) ثانيا: أما مَن رَدَّ الحديث ولم يقبله، مُنكِرًا أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا ليس كالقسم الأول، ونحن ندرك أن أكثر أصحاب التيار " التنويري " الجديد، هم الذين تصدوا للحكم على السنة النبوية من خلال آرائهم وتوجهاتهم، وهؤلاء ـ في واقع الأمر ـ لم يأتوا بجديد، وإنما هم امتداد لأهل البدع من قبلهم، الذين حكى أهل العمل شبهاتهم، وتولوا الردع عليها. ولهؤلاء، وأمثالهم نقول: المنهجية العلمية تقتضي النظر في أمور مهمة قبل رد الحديث وإنكار أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الشروط هي: الشرط الأول: المناقضة التامة بين ما ورد في الحديث وما ورد في القرآن الكريم من نص واضح الدلالة غير منسوخ، ونحن نؤكد هنا على قيد " المناقضة التامة "، وليس مجرد تعارض ظاهري يبدو في ذهن الناظر العجل، ولعل أولئك الذين يخوضون في إنكار الأحاديث يوافقوننا على هذا التقييد؛ لأن غالب التعارض الظاهري الذي يعرض في أذهان كثير من الناس لا حقيقة له، وإنما هو ظنٌّ قائمٌ في ذهن المعترض، يمكن بالتأمل وتلمس أوجه اللغة والمعاني الجواب عليه، وبيان موافقته لأصول الشريعة ومقاصدها، ومن تأمل كتاب العلامة ابن قتيبة الدينوري، المسمى " مختلف الحديث "، عرف قدر المجازفة التي جازفها كثيرون في إنكارهم الأحاديث بدعوى عدم موافقتها للقرآن، أو عدم تصديق العقل بما فيها، ثم إذا ذكر ابن قتيبة تفسير العلماء الصحيح لهذه الأحاديث تبين أن لها أوجها صحيحة موافقة للشريعة، وأن توهم المعارضة للقرآن إنما هو ظنون فاسدة. إننا نسأل هؤلاء وأمثالهم ممن يتجرأ على رد السنة، والطعن في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، من غير منهجية علمية، أو أصول نقدية مقبولة، ومن غير أن يحكموا أصول العلم الذي يتحدثون فيه: هل ترون أن مِن الممكن أن يناقض الحديثُ القرآن الكريم مناقضة تامة بحيث يجزم الناقد بأن هذا الحديث ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ونرى مع ذلك جميع علماء الإسلام، من لدن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، متوافقين على قبول هذا الحديث وشرحه وتفسيره والاستدلال به والعمل بما جاء فيه؟! ألا يقضي العقل السليم – الذي يزعمون التحاكم إليه – باحترام اتفاق أهل التخصص على أمر هو في صلب تخصصهم؟! هل يجرؤ أحد على تخطئة علماء الفيزياء أو الكيمياء أو الرياضيات أو علوم التربية أو الاقتصاد مثلا إذا اتفقوا وتواردوا على أمر معين، خاصة إذا لم يكن المعترض عليهم من أهل العلم بذلك التخصص، وإنما غاية أمره أن يكون قد قرأ بعض المقالات حوله، أو شيئا من كتب: تبسيط العلوم، أو: العلم لكل الناس؟! الشرط الثان: وجود حلقة من حلقات الضعف الإسنادي، التي تتحمل الخطأ الوارد في المتن: ونظن – كذلك – أن هذا الشرط منهجي قويم، لا ينبغي أن يخالف فيه من يفهم شيئا في أصول النقد العلمي، وذلك أن إنكار المتن أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، يعني وجود حلقة ضعيفة في السند هي التي أوهمتنا أن هذا الحديث من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ـ فعليا ـ ليس كذلك. يقول الإمام الشافعي رحمه الله، وهو من هو في منازل العلم والإيمان، وهو أول من صنف في علم أصول الفقه: " الحديث إذا رواه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذلك ثبوته " "اختلاف الحديث ـ ضمن الأم ـ (10/107) ". ويقول: " لا يُستدل على أكثر صدق الحديث وكذبه، إلا بصدق المُخْبِر، إلا في الخاص القليل من الحديث ". "الرسالة": فقرة (1099) . ويقول أيضا: " المسلمون العدولُ: عدولٌ أصحاء الأمر فى أنفسهم ... ، وقولُهم عن خبر أنفسهم، وتسميتُهم: على الصحة والسلامة، حتى نستدل من فعلهم بما يخالف ذلك، فنحترسَ منهم في الموضع الذي خالف فعلُهم فيه ما يجب عليهم ". "الرسالة": فـ (1029-1030) ، وانظر: الأم (8/518-519) . وبعد أن يحكي الإمام الشافعي رحمه الله بعض الأصول العلمية في هذا الباب، وهو أمر تعرض له كثيرا في كتبه المختلفة، يذكر لنا أن ما قرره، مما نلقلنا بعضه هنا، ليس اجتهادا فرديا، أو مذهبا شخصيا له، وإنما هي أصول أجمع عليها أهل العلم من قبله. يقول: " فحكيت عامة معاني ما كتبت في صدر كتابي هذا، لعدد من المتقدمين في العلم بالكتاب والسنة، واختلاف الناس، والقياس، والمعقول، فما خالف منهم واحدٌ واحدا، وقالوا: هذا مذهبُ أهل العلم من أصحاب رسول الله، والتابعين، وتابعي التابعين، ومذهبُنا؛ فمن فارق هذا المذهب: كان عندنا مفارقَ سبيلِ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأهلِ العلم بعدَهم إلى اليوم، وكان من أهل الجهالة، وقالوا معا: لا نرى إلا إجماع أهل العلم في البلدان على تجهيل من خالف هذا السبيل، وجاوزوا، أو أكثرهم، فيمن يخالف هذا السبيل، إلى ما لا أبالي أن لا أحكيه "!! " اختلاف الحديث" ـ الأم ـ (10/21) ، وانظر نحوا من ذلك في: الرسالة: فـ (1236-1249) . إن أول ما يجب على من رد حديثا مسندا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أن يبحث ويفسر من هو الراوي الذي أخطأ في نقله هذا الحديث، فإذا لم يجد المُنكِرُ سببا إسناديا مقبولا لإنكاره الحديث فذلك علامة على خطأ منهجيٍّ، وهو علامة أيضا على ضرورة مراجعة فهم الحديث والقرآن والمقاصد الشرعية. فكيف إذا كان الحديث واردا بأصح الأسانيد على وجه الأرض، بل كيف لو كان الحديث قد ورد بطرق كثيرة جدا – كما هو حال أكثر الأحاديث التي يردها " التنويريون " -، وعن جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم؟! الشرط الثالث: نسبة الأمر كله إلى الاجتهاد المحتمل، ونبذ أساليب الجزم والحسم واتهام المخالف والطعن في عقول المسلمين، وهذا فيما إذا كان هناك وجه لهذا الاحتمال، وكان من يتكلم في هذا مؤهلا ـ بأدوات البحث اللازمة ـ لإدراك ذلك والبحث فيه. فقد يبدو لأحد العلماء ضعف حديث معين لعلة معينة، ولكنه لا يستعمل لغة الاتهام لكل من قبل الحديث. فمن خالف هذه الشروط الثلاثة، وأصر على إنكار الحديث وتكذيبه، فهذا على خطر عظيم، إذ لا يجوز للمسلم أن يتأول متهجما من غير شروط ولا ضوابط، وإلا أثم ووقع في الحرج. يقول الإمام أحمد رحمه الله: " من رد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو على شفا هلكة " انتهى. ويقول الحسن بن علي البربهاري: " وإذا سمعت الرجل يطعن على الأثر، أو يرد الآثار، أو يريد غير الآثار: فاتّهمه على الإسلام، ولا تشك أنه صاحب هوى مبتدع. وإذا سمعت الرجل تأتيه بالأثر فلا يريده ويريد القرآن، فلا تشك أنه رجل قد احتوى على الزندقة، فقمْ من عنده وودّعه " انتهى. "شرح السنة" (113-119) باختصار. ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " إن ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه، فإنه يجب الإيمان به، سواء عرفنا معناه أو لم نعرف؛ لأنه الصادق المصدوق. فما جاء في الكتاب والسنة وجب على كل مؤمن الإيمان به، وإن لم يفهم معناه " انتهى. "مجموع الفتاوى" (3/41) وانظر جواب السؤال رقم: (245) ، (9067) ، (20153) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 115125 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 19 حديث ضعيف في فضل الدعاء بـ يا أرحم الراحمين [السُّؤَالُ] ـ[أرغب في معرفة صحة الحديث التالي: روى الحاكم عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن لله ملكا موكلا بمن يقول: يا أرحم الراحمين. فمن قالها ثلاثا قال الملك: إن أرحم الراحمين قد أقبل عليك فسل) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث أخرجه الحاكم في "المستدرك" (1/728) قال: حدثنا أبو بكر بن عبد الله العماني، ثنا مسعود بن زكريا التستري، ثنا كامل بن طلحة، ثنا فضال بن جبير، عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لله ملكا موكلا بمَن يقول: يا أرحم الراحمين. فمن قالها ثلاثا قال الملك: إن أرحم الراحمين قد أقبل عليك فاسأل) . قال الشيخ الألباني رحمه الله: " ضعيف. قال الذهبي: " فضال: ليس بشيء. قال ابن عدي في "الكامل" (1/325) : " ولفضال بن جبير عن أبي أمامة قدر عشرة أحاديث كلها غير محفوظة " .... ثم روى الحاكم من طريق الفضل بن عيسى، عن عمه، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: مر رسول الله صلي الله عليه وسلم برجل وهو يقول: يا أرحم الراحمين! فقال له رسول الله صلي الله عليه وسلم: " سل؛ فقد نظر الله إليك ". وقال الحاكم: " الفضل بن عيسى هو الرقاشي، وأخشى أن يكون عم يزيد بن أبان، إلا أني قد وجدت له شاهداً من حديث أبي أمامة " انتهى. ثم ساق حديث الترجمة. قلت – (الألباني) -: ويزيد بن أبان - وهو الرقاشي – متروك. والفضل بن عيسى ضعفوه كما في "المغني"، وقال فيه الحافظ: " منكر الحديث " انتهى. "السلسلة الضعيفة" (3200) . فالحديث ضعيف لا يصح، غير أن سؤال الله سبحانه بوصف الرحمة مشروع؛ لأنها من أخص صفاته سبحانه وتعالى، قال الله تعالى: (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى) الإسراء/110. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111814 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 20 معنى نقص العقل والدين عند النساء [السُّؤَالُ] ـ[دائماً نسمع الحديث الشريف (النساء ناقصات عقل ودين) ويأتي به بعض الرجال للإساءة للمرأة. نرجو توضيح معنى الحديث؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ، قُلْنَ: وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ؟ قُلْنَ: بَلَى، قَالَ فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا، أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ؟ قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا) بَيَّن صلى الله عليه وسلم أن نقصان عقلها من جهة ضعف حفظها، وأن شهادتها تُجْبَر بشهادة امرأة أخرى، وذلك لضبط الشهادة، بسبب أنها قد تنسى، فتزيد في الشهادة أو تنقصها، كما قال سبحانه: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى) البقرة/282. وأما نقصان دينها فلأنها في حالة الحيض والنفاس تدع الصلاة، تدع الصوم، ولا تقضي الصلاة، فهذا من نقصان الدين، ولكن هذا النقص ليست مؤاخذة عليه، وإنما هو نقص حاصل بشرع الله عز وجل، هو الذي شرعه عز وجل رفقاً بها، وتيسيراً عليها؛ لأنها إذا صامت مع وجود الحيض والنفاس يضرها ذلك، فمن رحمة الله شرع لها ترك الصيام وقت الحيض والنفاس، والقضاء بعد ذلك. وأما الصلاة فإنها حال الحيض قد وجد منها ما يمنع الطهارة، فمن رحمة الله جل وعلا أن شرع لها ترك الصلاة، وهكذا في النفاس، ثم شرع لها أنها لا تقضي، لأن في القضاء مشقة كبيرة، لأن الصلاة تتكرر في اليوم خمس مرات، والحيض قد تكثر أيامه، فتبلغ سبعة أيام أو ثمانية أيام أو أكثر، والنفاس قد يبلغ أربعين يوماً، فكان من رحمة الله لها وإحسانه إليها أن أسقط عنها الصلاة أداء وقضاء، ولا يلزم من هذا أن يكون نقص عقلها في كل شيء، ونقص دينها في كل شيء، وإنما بَيَّن الرسولُ صلى الله عليه وسلم أن نقص عقلها من جهة ما قد يحصل من عدم الضبط للشهادة، ونقص دينها من جهة ما يحصل لها من ترك الصلاة والصوم في حال الحيض والنفاس، ولا يلزم من هذا أن تكون أيضاً دون الرجل في كل شيء، وأن الرجل أفضل منها في كل شيء. نعم، جنس الرجال أفضل من جنس النساء في الجملة، لأسباب كثيرة، كما قال الله سبحانه وتعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) النساء/34، لكن قد تفوقه في بعض الأحيان في أشياء كثيرة، فكم لله من امرأة فوق كثير من الرجال في عقلها ودينها وضبطها، وإنما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن جنس النساء دون جنس الرجال في العقل وفي الدين من هاتين الحيثيتين اللتين بينهما النبي صلى الله عليه وسلم. وقد تكثر منها الأعمال الصالحات فتربو على كثير من الرجال في عملها الصالح، وفي تقواها لله عز وجل، وفي منزلتها في الآخرة، وقد تكون لها عناية في بعض الأمور فتضبط ضبطاً كثيراً أكثر من ضبط بعض الرجال في كثير من المسائل التي تعنى بها، وتجتهد في حفظها وضبطها فتكون مرجعاً في التاريخ الإسلامي وفي أمور كثيرة، وهذا واضح لمن تأمل أحوال النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وبعد ذلك. وبهذا يعلم أن هذا النقص لا يمنع من الاعتماد عليها في الرواية، وهكذا في الشهادة إذا انجبرت بامرأة أخرى، ولا يمنع أيضاً تقواها لله، وكونها من خيرة عباد الله، ومن خيرة إماء الله إذا استقامت في دينها، وإن سقط عنها الصوم في الحيض والنفاس أداء لا قضاء، وإن سقطت عنها الصلاة أداء وقضاء، فإن هذا لا يلزم منه نقصها في كل شيء من جهة تقواها لله، ومن جهة قيامها بأمره، ومن جهة ضبطها لما تعتني به من الأمور، فهو نقص خاص في العقل والدين، كما بَيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم، فلا ينبغي للمؤمن أن يرميها بالنقص في كل شيء، وضعف الدين في كل شيء، وإنما ضعف خاص بدينها، وضعف في عقلها فيما يتعلق بضبط الشهادة ونحو ذلك، فينبغي إنصافها، وحمل كلام النبي صلى الله عليه وسلم، على خير المحامل وأحسنها. والله تعالى أعلم" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله. مجلة البحوث الإسلامية (29/100- 102) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111867 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 21 منزلة الفقيه أعلى من منزلة راوي الحديث وفي كل خير [السُّؤَالُ] ـ[هل منزلة الفقيه أعلى من منزلة راوي الحديث؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الفقيه هو المجتهد الذي يستنبط الأحكام الشرعية، ويوضح مقررات الشريعة، ويشرح للناس أحكام دينهم، فدائرة حديثه مقاصد الدين، ومحكمات القرآن المبين، وتحقيق الفهم الصحيح لما يريده الله سبحانه وتعالى من العباد. وهذا عمل لا يقوم به إلا أفراد الناس والقلائل منهم، لما يقتضيه من اطلاع واسع على النصوص، وممارسة طويلة لكلام أهل العلم، وذكاء في دراسة الواقع وتنزيل الأحكام الشرعية عليه. أما راوي الحديث: فهو ناقل لما سمع من السنة النبوية، يؤدي ما تحمله بكل صدق وأمانة، ويعتني بتبليغ الحديث كما بلغ إليه بأي طريقة كانت، ولا يتكلف عناء شرح الحديث أو استنباط الأحكام الشرعية منه، ومعرفة الناسخ والمنسوخ والعام والخاص والمطلق والمقيد، وإنما يقتصر دوره على الأداء والرواية. وهذا عمل يتطلب الدقة والعناية النقلية، ولا يقتضي نظرا فقهيا ولا عناية أصولية. وقد وصف الإمام الأعمش رحمه الله عملَ كلٍّ مِن الفقيه وراوي الحديث بوصف دقيق فقال: " يا معشر الفقهاء أنتم الأطباء ونحن الصيادلة " انتهى. "نصيحة أهل الحديث للخطيب البغدادي" (1/45) . ولا يخفى أن عمل كُلٍّ من الطبيب والصيدلي عمل متكامل، لا يستغني أحدهما عن الآخر، فكان لكل منهما من الفضل والتأثير القدر البالغ من الأهمية، وبذلك جاءت الشريعة أيضا تقر لكل من الفقيه والراوي بالفضل والأجر عند الله تعالى، مع مزيد فضل للفقيه (الطبيب) الذي يعتني بالفهم والاستنباط. وقد استنبط بعض أهل العلم هذا التقرير من قوله صلى الله عليه وسلم: (نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ) رواه أبو داود (3660) قال الرامهرمزي (ت 360هـ) رحمه الله: " ففرَّق النبي صلى الله عليه وسلم بين ناقل السنة وواعيها، ودل على فضل الواعي بقوله: (فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه غير فقيه) وبوجوب الفضل لأحدهما يثبت الفضل للآخر، مثال ذلك أن تمثل بين مالك بن أنس وعبيد الله العمري، وبين الشافعي وعبد الرحمن بن مهدي، وبين أبي ثور وابن أبي شيبة، فإن الحق يقودك إلى أن تقضي لكل واحد منهم بالفضل، وهذا طريق الإنصاف لمن سلكه، وعلم الحق لمن أمه ولم يتعده " انتهى. "المحدث الفاصل" (1/169-170) . وأما من جمع بين الحسنيين، فوعى مقالة النبي صلى الله عليه وسلم، وحفظ ما جاء به من العلم، وتفقه في معانيه، فانتفع به في نفسه، ونفع به الناس، فهؤلاء خير أصناف الناس قاطبة. عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ مَثَلَ مَا بَعَثَنِيَ اللَّهُ بِهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَصَابَ أَرْضًا، فَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ طَيِّبَةٌ قَبِلَتْ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتْ الْكَلَأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ، وَكَانَ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتْ الْمَاءَ فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ فَشَرِبُوا مِنْهَا وَسَقَوْا وَرَعَوْا، وَأَصَابَ طَائِفَةً مِنْهَا أُخْرَى إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ، لَا تُمْسِكُ مَاءً، وَلَا تُنْبِتُ كَلَأً. فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللَّهِ وَنَفَعَهُ بِمَا بَعَثَنِيَ اللَّهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ) رواه البخاري (79) ، ومسلم (2282) . الغيث: المطر. الأجادب: الأرض التي لا تنبت كلأ. القيعان: جمع القاع وهو الأرض التي لا نبات فيها. يقول الإمام النووي رحمه الله: " أما معاني الحديث ومقصوده فهو تمثيل الهدى الذي جاء به صلى الله عليه وسلم بالغيث، ومعناه أن الأرض ثلاثة أنواع، وكذلك الناس: فالنوع الأول من الأرض ينتفع بالمطر، فيحيى بعد أن كان ميتا، وينبت الكلأ فتنتفع بها الناس والدواب والزرع وغيرها، وكذا النوع الأول من الناس يبلغه الهدى والعلم فيحفظه فيحيا قلبه ويعمل به ويعلمه غيره فينتفع وينفع. والنوع الثاني من الأرض ما لا تقبل الانتفاع في نفسها، لكن فيها فائدة، وهي إمساك الماء لغيرها، فينتفع بها الناس والدواب، وكذا النوع الثاني من الناس، لهم قلوب حافظة لكن ليست لهم أفهام ثاقبة، ولا رسوخ لهم في العقل يستنبطون به المعاني والأحكام، وليس عندهم اجتهاد في الطاعة والعمل به، فهم يحفظونه حتى يأتي طالب محتاج متعطش لما عندهم من العلم أهل للنفع والانتفاع فيأخذه منهم فينتفع به، فهؤلاء نفعوا بما بلغهم. والنوع الثالث من الأرض السباخ التي لا تنبت، ونحوها، فهي لا تنتفع بالماء، ولا تمسكه لينتفع بها غيرها، وكذا النوع الثالث من الناس، ليست لهم قلوب حافظة، ولا أفهام واعية، فإذا سمعوا العلم لا ينتفعون به ولا يحفظونه لنفع غيرهم " انتهى. "شرح مسلم" (15/47-48) . وقال ابن القيم رحمه الله: " شبه صلى الله عليه وسلم العلم والهدى الذي جاء به بالغيث، لما يحصل بكل واحد منهما من الحياة والنافع والأغذية والأدوية وسائر مصالح العباد، فإنها بالعلم والمطر. وشبه القلوب بالأراضي التي وقع عليها المطر، لأنها المحل الذي يمسك الماء، فينبت سائر أنواع النبات النافع، كما أن القلوب تعي العلم فيثمر فيها ويزكو وتظهر بركته وثمرته. ثم قسم الناس إلى ثلاثة أقسام، بحسب قبولهم واستعدادهم لحفظه وفهم معانيه واستنباط أحكامه واستخراج حكمه وفوائده: أحدها: أهل الحفظ والفهم الذين حفظوه وعقلوه وفهموا معانيه، واستنبطوا وجوه الأحكام والحكم والفوائد منه؛ فهؤلاء بمنزلة الأرض التي قبلت الماء، وهذا بمنزلة الحفظ، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وهذا هو الفهم فيه والمعرفة والاستنباط ... فهذا مثل الحفاظ الفقهاء، أهل الرواية والدراية. القسم الثاني: أهل الحفظ الذين رُزِقوا حفظه ونقله وضبطه، ولم يرزقوا تفقها في معانيه ولا استنباطا ولا استخراجا لوجوه الحكم والفوائد منه، فهم بمنزلة من يقرأ القرآن ويحفظه، ويراعي حروفه وإعرابه، ولم يرزق فيه فهما خاصا عن الله، كما قال على بن أبي طالب رضي الله عنه: (إلا فهما يؤتيه الله عبدا في كتابه) . والناس متفاوتون في الفهم عن الله ورسوله أعظم تفاوت، فرب شخص يفهم من النص حكما أو حكمين، ويفهم منه الآخر مائة أو مائتين، فهؤلاء بمنزلة الأرض التي أمسكت الماء للناس فانتفعوا به، هذا يشرب منه وهذا يسقى وهذا يزرع. فهؤلاء القسمان هم السعداء، والأولون أرفع درجة وأعلى قدرا، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم. القسم الثالث: الذين لا نصيب لهم منه، لا حفظا ولا فهما، ولا رواية ولا دراية؛ بل هم بمنزلة الأرض التي هي قيعان، لا تنبت ولا تمسك الماء. وهؤلاء هم الأشقياء، والقسمان الأولان اشتركا في العلم والتعليم، كل بحسب ما قبله ووصل إليه، فهذا يعلم ألفاظ القرآن ويحفظها، وهذا يعلم معانيه وأحكامه وعلومه، والقسم الثالث لا علم ولا تعليم، فهم الذين لم يرفعوا بهدى الله رأسا ولم يقبلوه، وهؤلاء شر من الأنعام، وهم وقود النار. فقد اشتمل هذا الحديث الشريف العظيم على التنبيه على شرف العلم والتعليم وعظم موقعه، وشقاء من ليس من أهله، وذكر أقسام بني آدم بالنسبة فيه إلى شقيهم وسعيدهم، وتقسم سعيدهم إلى سابق مقرب وصاحب يمين مقتصد. وفيه دلالة على أن حاجة العباد إلى العلم كحاجتهم إلى المطر، بل أعظم، وأنهم إذا فقدوا العلم فهم بمنزلة الأرض التي فقدت الغيث. قال الإمام أحمد: الناس محتاجون إلى العلم أكثر من حاجتهم إلى الطعام والشراب لأن الطعام والشراب يحتاج إليه في اليوم مرة أو مرتين، والعلم يحتاج إليه بعدد الأنفاس " انتهى. "مفتاح دار السعادة" (1/65-66) . فيا أيها الأخ الكريم، أين أنت من ذلك كله، ومن أي أنواع الأرض ـ يا ترى ـ طينتك، أمن التي انتفعت في نفسها، ونفعت الناس، فحفظت وتفقهت، وعملت وعلّمت؟ أمن التي حفظت لغيرها حتى انتفع، والدال على الخير كفاعله؟ إننا نعيذك بالله، ونكرمك عن أن تكون طينتك من الأرض السباخ، فلا أمسكت ولا أنبتت، ولا حفظت ولا تفقهت، ثم هي تقيم نفسها مقام الحكم بين الفريقين!! انظر في همتك ـ يا عبد الله ـ ووطنها على معالي الأمور، واطلب لها الحفظ والفقه، فإن عجزت عن بعض ذلك، فليس أقل من أن تكون دالا على الخير، حافظا لما أمرت به. قد رشَّحوك لأمرٍ إنْ فطِنتَ لهُ فاربأْ بنفسكَ أن ترعى مع الهَمَلِ والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الحديث: 111963 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 22 جواب مجمل عن بعض المستهزئين بأحاديث البخاري [السُّؤَالُ] ـ[أعيش في إحدى الدول الغربية، حيث يوجد مجموعات من المسلمين لا بأس بها من مختلف التيارات والأجناس والألوان , ولكن بشكل عام يوجد جهل بالإسلام وأحكامه من مختلف الجوانب , وقد لفت انتباهي بعض الإخوة هنا - هدانا الله وإياهم - ممن يشككون في الأحاديث النبوية، وخاصةً التي وردت في صحيح البخاري، وفيها: (يَكْشِفُ رَبُّنَا عَنْ سَاقِهِ فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ فَيَبْقَى كُلُّ مَنْ كَانَ يَسْجُدُ فِي الدُّنْيَا رِيَاءً وَسُمْعَةً فَيَذْهَبُ لِيَسْجُدَ فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا) ، وأحاديث تجلي الله لعباده يوم القيامة، ورؤيتهم له، وحديث ما جاء في النجوى: (.. يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ فَيَقُولُ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا فَيَقُولُ نَعَمْ أَيْ رَبِّ حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ قَالَ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) ، وحديث نكاح المتعة، وحديث المرأة التي عرضت نفسها على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! أرجو منكم التكرم بإرسال الرد المناسب حتى يتسنى لنا الرد على هؤلاء الجهلة ممن يشككون، وربما يضلون البعض من المسلمين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس بعد الكفر ذنب، والذي يبلغ به تفكيره أن يجعل مثل هذه الأحاديث الشريفة الصحيحة مثارا للتشكيك والاستهزاء فقد أضحك الناس على عقله، والملحد يستهزئ بكل شيء، بالله ورسوله وملائكته وكتبه واليوم الآخر، فليس من الصواب مناقشته في تفاصيل العقيدة، وهو لم يؤمن بعد بأصولها الكبيرة. ولو رحنا نتتبع كل من يسخر من الآيات أو الأحاديث لضاق بنا وبكم العمر الطويل، ولما انتهينا من أصوات الحاقدين الناعقين بكل سوء وجهالة. أما أولئك المنتسبون إلى الإسلام، الذين يتنكرون لتراث الأمة وتاريخها وثقافتها وقيمها، ويتسترون وراء ألقاب " العقلانية "، و " التنويرية " فوالله لا نراهم إلا منادين على أنفسهم بالجهل والعمى، ومسلمين عقولَهم التي يتفاخرون بها لبعض المستشرقين الحاقدين، فيكررون على ألسنتهم كل سوء وبذاءة فاهت بها ألسنتهم، وهم واقعون تحت تخدير وهم "العقلانية"، حتى أصبح كل جاهل يريد أن يروج لبضاعته ينتسب إلى هذا الاسم، وهو أبعد ما يكون عن العقل الصحيح. وحاصل ما جاء في هذا السؤال من طعون تجتمع في مسائل ثلاثة: الأولى: الطعن في الأحاديث الكثيرة التي جاءت بذكر تفاصيل ما يحصل للناس في المحشر، وعند الصراط، وفي عرصات – أي: ساحات - يوم القيامة. ونحن نشير إلى الجواب المجمل أيضا عنها بالنقاط الآتية: 1- هذه الأحاديث كلها تتحدث عن عالم غيبي، لا ندرك كنهه ولا حقيقته إلا رموزا يسيرة بينتها لنا الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة الصحيحة، ومن استهزأ بها فلم يبعد أن يستهزئ أيضا بما جاء في القرآن الكريم من ذكر تفاصيل يوم القيامة، كيف تُطوى السماوات، وتسير الجبال سيرا، وتكون كالعهن المنفوش، وبما جاء في القرآن الكريم من ذكر مجيئ الرب تعالى للحساب والفصل بين الناس، وسؤاله لهم عن كل صغير وكبير، إلى غير ذلك الكثير الكثير مما لو استهزأ بشيء منه لظهر كفره للقاصي والداني، وبان إلحاده، ولكان لنا وله شأن آخر في المناظرة والمناقشة. أما أن يعمد إلى أحاديث صحيحة، رواها العشرات من الثقات والحفاظ، وتناقلها العلماء والأئمة بالإقرار، ثم يستهزئ بما جاء فيها، بدعوى أنه اكتشف بعقله الفذ!! نقدا لم يكتشفه أحد قبله، فهذا تدليس على الناس وأعظم تدليس، وإلا فليخبرنا عن الرب سبحانه وتعالى، كيف هو على كل شيء قدير، وبكل شيء عليم، وكيف هو الأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء، فإن أجاب بالتسليم لعجز العقل القاصر عن الخوض في الغيبيات، قلنا له: وليسلم عقلك القاصر عن التفاصيل التي جاءت في السنة النبوية الصحيحة عن أحوال الآخرة، وإلا كنت متناقضا. 2- ثم ما هو الشيء الذي يحيله العقل وتذكره هذه الأحاديث، فما الذي يمنع من رؤية المؤمنين لله سبحانه وتعالى، وما الذي يحيل أن يكشف لهم عن شيء من صفاته التي تليق بجلاله، كما أنه سبحانه بذاته وجلاله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. وأين مثار السخرية في مرور الناس بالصراط، وتجاوزهم على قدر أعمالهم، أو في خروج العصاة من النار بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، فليخبرنا من يدعي أن ذلك كله مستحيل ما وجه استحالة ذلك في منطق العقل السليم، وليبين لنا ذلك بحجته الباهرة!! وليس بالكلام البذيء ولا بالاستهزاء بعقول القراء الكرام. الشبهة الثانية: الاستهزاء بأحاديث جواز نكاح المتعة في بداية الإسلام. ونحن نحب أن نبين لهذا المستهزئ الجاهل أن نكاح المتعة في بداية الإسلام كان نكاحا قائما على شروط وأركان، ولم يكن عبثا ولا فسادا مستترا، فقد كان بموافقة الولي، وحضور الشهود، والإعلان، ووجود المهر، والرضا من كلا الطرفين، وتبنى عليه أحكام الزواج الحقيقي جميعها: من نسب، وميراث، ومحرمية، وطلاق، وعدة، ونحوها، تماما كأي نكاح شرعي يتم اليوم في عرف الناس وشرعهم. يقول الإمام القرطبي رحمه الله: " من قال: المتعة أن يقول لها: أتزوجك يوماً - أو ما شابه ذلك - على أنه لا عدة عليك، ولا ميراث بيننا، ولا طلاق، ولا شاهد يشهد على ذلك؟! هذا هو الزنا بعينه، ولم يُبَح قط في الإسلام " انتهى. "الجامع لأحكام القرآن" (5/87) غير أن الفارق الوحيد بينهما هو التأقيت والتحديد الزمني، ليكون كل من الزوجين بعد هذه المدة بالخيار، إن أحبا أن ينفصلا أو يستمر زواجهما إلى ما شاء الله، وقد كان لجوازه في بداية الإسلام ظرف خاص، تعددت الروايات في شرحه وبيانه، وأقوى ما جاء فيه ما قاله الحافظ ابن حجر رحمه الله: " فهذه أخبار يقوي بعضها ببعض، وحاصلها أن المتعة إنما رخص فيها بسبب العزبة في حال السفر " انتهى. "فتح الباري" (9/172) وعلى كل حال فقد نسخ هذا النوع من النكاح، ومنعته الشريعة بعد تجاوز الظرف الخاص الذي جاز فيه، وصحت الكثير من الأحاديث في تحريمه، واتفق على المنع منه الأئمة الأربعة والعلماء جميعهم. بل في نفس الحديث الذي ذكره المعتر ض، نص الإمام البخاري في روايته (5119) على نسخ هذا النكاح: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَا: كُنَّا فِي جَيْشٍ فَأَتَانَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُمْ أَنْ تَسْتَمْتِعُوا فَاسْتَمْتِعُوا) ... قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ [هو الإمام البخاري] : وَبَيَّنَهُ عَلِيٌّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ. وانظر: فتح الباري، للحافظ ابن حجر، رحمه الله. 3- حديث المرأة التي عرضت نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوجها. ونحن نتساءل عن الضير في ذلك، هل من العيب أو الخزي أو من مثارات السخرية أن تسأل إحدى النساء الصالحات المؤمنات العفيفات النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن يتزوجها، فتنال مرتبةً عظيمةً في الدين في صحبة سيد المرسلين، وتكون مع خير الخلق زوجةً في الدنيا والآخرة، هل تُلام المرأة إن أبدت رغبتها في الزواج الشرعي من خير الخلق وسيد الأولين والآخرين، أليس من حقها أن تبحث عما يسعد حالها ويرفع شأنها في الدنيا والآخرة، أين هو المحرم أو الممنوع الذي وقعت فيه تلك المرأة الصالحة، أم هو الطعن والاستهزاء لأجل التشويش والفتنة. أما إيماننا بما في صحيحي البخاري ومسلم فليس من قبيل التقليد الأعمى، أو التسليم الاعتباطي، بل هو إيمان مبني على دراسات استقرائية محكمة لجميع رواة وأسانيد ومتون هذين الصحيحين، استغرقت آلاف الصفحات ومئات السنين وعشرات العلماء، منها القديم والمعاصر، كلها تثبت - بما لا يدع مجالا للشك – صحة الإجماع الواقع تلقي الكتابين بالقبول، وترجيحهما على ما سواهما، ومن أوائل هذه الدراسات مقدمة ابن حجر لكتابه فتح الباري، المسماة " هدي الساري "، فقد تكلم فيها بتطويل عن الأسس والأركان التي قام عليها صحيح البخاري، والتي اقتضت التسليم له بالصحة والثبوت. هذا جواب مجمل مختصر، وأما الجواب المطول المفصل فيقتضي أن نعرف هوية المسيء بهذه الكلمات، كي يكون جوابنا مناسبا لحاله واعتقاده، وإن كنا لا ننصح إخواننا المسلمين بالاشتغال بالرد على هؤلاء المتنطعين من المتكلمين، حفظا لأوقاتهم وأعمارهم، ولكن إذا اقتضى الأمر ضرورة المناقشة والمجادلة، فبالدليل والبرهان، وليس بالتهويش والتهويل. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109845 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 23 سائل يعلق على جواب سابق في الصوم، وحديث ابن عباس في رؤية الهلال بشاهد واحد [السُّؤَالُ] ـ[في جوابكم على السؤال رقم (26824) ذكرتم جواز الأخذ برأي الثقة في رؤية الهلال، ولكن هذا يتعارض مع الحديث الذي جاء فيه بدوي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وأخبره برؤية الهلال، عندها سأله الرسول هل تؤمن بأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؟ فلمَّا أجاب بالإيجاب، سأله هل تشهد أنك رأيت الهلال؟ فمن هذا الحديث الدليل على جواز قبول رؤية الهلال من أي مسلم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحديث الذي أشار إليه السائل هو: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ إِنِّي رَأَيْتُ الْهِلاَلَ - قَالَ الْحَسَنُ فِي حَدِيثِهِ: يَعْنِى: رَمَضَانَ - فَقَالَ: (أَتَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ؟) ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: (أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ؟) ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: (يَا بِلاَلُ أَذِّنْ فِي النَّاسِ فَلْيَصُومُوا غَداً) . رواه الترمذي (691) وأبو داود (2340) والنسائي (2112) وابن ماجه (1652) . والحديث: ضعيف، لا يصح، وقد ضعفه النسائي والألباني وغيرهما. وإذا كان الحديث ضعيفاً، فلا تعارض بينه وبين ما ذكرناه أنه لا بدَّ أن يكون الرائي للهلال عدلاً. وعلى فرض صحة الحديث: فإن معناه يحمل على وجوه، منها: 1. أن الأمر في قبول شهادة الرائي للهلال، وكونه ثقة، عدلاً: يرجع للقاضي، وأنه إن استقر في نفسه بسبب خبرته بالناس أن هذا الرائي موثوق بشهادته: فإن له قبول تلك الشهادة منه، وإن لم يكن يعرفه أحد ليزكيه ويوثقه. قال الشيخ الألباني رحمه الله: إذاً: أمر بلالاً بأن يؤذن، أي: يعلن في الناس أن يصوموا غداً، فقنع الرسول عليه السلام من هذا الرجل الذي لا يعرفه بأن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، بمعنى: أنه عرف أنه مسلم، لكنه ما جرَّبه، ولا عرف ذكاءه، وفطنته، وكياسته، كما كان الأمر بالنسبة للحديث الأول الذي فيه أن الشاهد كان عبد الله بن عمر بن الخطاب، ومع ذلك قبِل شهادته، فهذا فيه تيسير واسع، ومعنى هذا أن القاضي يقنع بظاهر الشاهد دون أن يأتي بمزكين يعرِّفونه كما جرى على ذلك عرف القضاة قديماً، يكتفي منه بأن يعرف إسلامه، هذا أعرابي ما يعرفه سابقاً عليه الصلاة والسلام، فاكتفى أن يشهد أمامه بالشهادتين، فهو مسلم، له ما لنا، وعليه ما علينا، وبناءً على شهادته وإسلامه قال: يا بلال، أذن في الناس أن يصوموا غداً. " التعليق على كتاب بلوغ المرام " دروس صوتية، الحديث رقم 5، كتاب الصيام. 2. أن يكون هذا الحديث دليلاً على أن الأصل في المسلم العدالة، حتى يتبين خلاف ذلك. قال الصنعاني رحمه الله في فوائد حديث ابن عباس: فيه دلالة على أن الأصل في المسلمين العدالة، إذ لم يطلب صلى الله عليه وسلم من الأعرابي إلا الشهادة. " سبل السلام الصنعاني " (2 / 153) . 3. أن يكون هذا الحكم خاصّاً بالصحابة، وهو كذلك؛ لأنهم جميعاً عدول، ومما لا شك فيه أن ذاك الأعرابي قد انتظم في عقد الصحابة رضي الله عنهم، وهو بذلك صار من العدول، والذين لا يُحتاج النظر في عدالتهم. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: والصحابة كلهم ثقات ذوو عدل، تقبل رواية الواحد منهم، وإن كان مجهولاً، ولذلك قالوا: جهالة الصحابي لا تضر. والدليل على ما وصفناه من حال الصحابة: أن الله أثنى عليهم ورسوله، في عدة نصوص، وأن النبي صلّى الله عليه وسلّم يقبل قول الواحد منهم إذا علم إسلامه، ولا يسأل عن حاله، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء أعرابي إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: إني رأيت الهلال: يعني رمضان ... . انتهى " مصطلح الحديث " من موقعه رحمه الله. وهناك أمر يقوِّي ما سبق، وهو كون تلك الشهادة في زمن الوحي، ولا يمكن أن يُقرَّ ذلك الأعرابي على شهادة باطلة تتعلق بطاعة المسلمين وعبادتهم. وبما أن الحديث ضعيف: فقد أغنانا الله تعالى عن تأويله، والحمد لله رب العالمين. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 107482 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 24 حديث في فضل البسملة وأنها تنجي من الزبانية التسعة عشر [السُّؤَالُ] ـ[ما صحة حديث: (من أراد أن ينجيه الله تعالى من الزبانية التسعة عشر، فليقرأ "بسم الله الرحمن الرحيم" فإنّها تسعة عشر حرفاً، ليجعل الله كل حرف منها جُنّة من واحد منهم) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الأثر ذكره القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (1/92) وابن كثير في "تفسيره" (1/18) عن وكيع عن الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود رضي الله عنه من قوله، وليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا سند صحيح من وكيع إلى ابن مسعود. والأعمش وإن كان مدلساً إلا أنه يقبل منه ما رواه عمَّن لازمهم وأكثر عنهم كإبراهيم النخعي وأبي وائل. قال الذهبي في ترجمة الأعمش من "ميزان الاعتدال" (2/224) : "وهو يدلس، وربما دلس عن ضعيف ولا يدري به، فمتى قال: "حدثنا" فلا كلام، ومتى قال: "عن" تطرَّق إليه احتمال التدليس إلا في شيوخ أكثر عنهم كإبراهيم وأبي وائل (وقع في المطبوع: "ابن أبي وائل" وهو خطأ فكلمة "ابن" مقحمة) وأبي صالح السمان، فإن روايته عن هذا الصنف محمولة على الاتصال" انتهى. ولكن يبقى النظر في حال من دون وكيع من رجال السنة فإن القرطبي وابن كثير لم يذكرا تمام سنده، ولعله لأجل هذا حذفه العلامة أحمد شاكر في مختصره لتفسير ابن كثير المسمى: "عمدة التفسير" وقد نصَّ في مقدمته (1/11) على أنه حذف كل حديث ضعيف أو معلول. ولكن عزاه السيوطي في "الدر المنثور" (1/26) إلى وكيع، والإمام وكيع بن الجراح له تفسير مشهور. انظر: "المجمع المؤسس" للحافظ ابن حجر (ص113) . فإن ثبت ذلك فالسند صحيح، ويصح به الأثر عن ابن مسعود رضي الله عنه من قوله. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 107048 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 25 حديث سلمان في فضائل شهر رمضان ضعيف [السُّؤَالُ] ـ[بعض خطباء المساجد بهذه المنطقة ألقى خطبة من ضمنها حديث سلمان الذي ذكر فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبهم في آخر يوم من شعبان.. إلخ. وقد اعترض عليه بعض الإخوان علناً أمام الجمهور بقوله: بأن حديث سلمان من الموضوعات، وكذلك قوله: من أشبع صائماً سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ بعدها حتى يدخل الجنة، وقوله: ومن خفف عن مملوكه غفر الله له وأعتقه من النار. وقال: إن هذه الكلمات كذب على الرسول، ومن كذب على الرسول فليتبوأ مقعده من النار.. إلخ. فهل هذا الحديث صحيح أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "حديث سلمان رواه ابن خزيمة في صحيحه فقال: باب في فضائل شهر رمضان إن صح الخبر، ثم قال: حدثنا على بن حجر السعدي حدثنا يوسف بن زياد حدثنا همام بن يحيى عن علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب عن سلمان قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان فقال: (أيها الناس، قد أظلكم شهر عظيم، شهر مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعاً، من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة، وشهر يزداد فيه رزق المؤمن، من فطر فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه، وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجره شيء. قالوا: ليس كلنا نجد ما يفطر الصائم، فقال: يعطي الله هذا الثواب من فطر صائماً على تمرة أو شربة ماء أو مذقة لبن، وهو شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، من خفف عن مملوكه غفر الله له، وأعتقه من النار، فاستكثروا فيه من أربع خصال: خصلتين ترضون بهما ربكم، وخصلتين لا غنى بكم عنهما: فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم: فشهادة أن لا إله إلا الله، وتستغفرونه، وأما اللتان لا غنى بكم عنهما: فتسألون الله الجنة، وتعوذون به من النار، ومن أشبع فيه صائماً سقاه الله من حوضي شربةً لا يظمأ حتى يدخل الجنة) وفي سنده على بن زيد بن جدعان وهو ضعيف لسوء حفظه، وفي سنده أيضاً يوسف بن زياد البصري وهو منكر الحديث، وفيه أيضاً همام بن يحيى بن دينار العودي قال فيه ابن حجر في التقريب: ثقة ربما وهم. وعلى هذا؛ فالحديث بهذا السند ليس بمكذوب، لكنه ضعيف، ومع ذلك ففضائل رمضان كثيرة ثابتة في الأحاديث الصحيحة. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (10/84- 86) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106480 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 26 حديث (نوم الصائم عبادة) ضعيف [السُّؤَالُ] ـ[سمعت أحد الخطباء يقول حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم: (نوم الصائم عبادة) . فهل هذا الحديث صحيح؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث غير صحيح، لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم. رواه البيهقي في "شعب الإيمان" (3/1437) عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نوم الصائم عبادة، وصمته تسبيح، ودعاؤه مستجاب، وعمله مضاعف) . وضَعَّف إسناده البيهقي، فقال: معروف بن حسان (أحد رجال الإسناد) : ضعيف، وسليمان بن عمرو النخعي أضعف منه. وقال العراقي في "تخريج إحياء علوم الدين" (1/310) : سليمان النخعي أحد الكذابين. وضعفه المناوي في "فيض القدير" (9293) ، وذكره الألباني في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (4696) وقال: ضعيف. والواجب على المسلمين عموماً - ويتأكد ذلك على الخطباء والوعاظ - أن يتثبتوا قبل نسبة الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز أن ينسب إليه ما لم يقل، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ، مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ) رواه البخاري (1391) ورواه مسلم في مقدمة صحيحه (4) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106528 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 27 رواية الحديث بالمعنى [السُّؤَالُ] ـ[أحيانا أنصح الآخرين عندما أراهم على خطأ وأبين لهم الأدلة من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم الصحيحة، ولكن أحيانا أنسى الأحاديث وأذكرها بصيغة مقاربة للصيغة الأصلية أو ذكر جزء من الحديث أو ذكر معناه دون التعرض للمعنى الأصلي، فهل هذا جائز أو يدخل في باب الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأنا أحيانا أتراجع عن النصح خوفا من الوقوع في الخطأ، وأن أضل نفسي وغيري والعياذ بالله من الضلال، وبماذا تنصحوني في مثل هذه الحالة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: قيام الإنسان بالدعوة إلى الله هذا من أجل الأعمال وأسماها عنده سبحانه وتعالى، كيف لا، وهي وظيفة من اصطفاهم الله من خلقه من الأنبياء والرسل، ومن ورث منهجهم من العلماء والدعاة، قال تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) يوسف /108. وقد امتدح الله سبحانه من سلك تلك الطريق بقوله تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) فصلت /33. لكن يشترط فيمن تصدَّر لدعوة الناس إلى شيء من أمر الدين أن يكون على بصيرة فيما يدعو إليه، ولا يشترط أن يكون عالما بالدين كله؛ لما روى البخاري (3461) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً) . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري": " وقال في الحديث: (ولو آية) ، أي: واحدة، ليسارع كل سامع إلى تبليغ ما وقع له من الآي، ولو قَلَّ، ليتصل بذلك نقل جميع ما جاء به صلى الله عليه وسلم" انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " إذا كان الإنسان على بصيرة فيما يدعو إليه فلا فرق بين أن يكون عالماً كبيراً يشار إليه، أو طالب علم مُجِدٍّ في طلبه، أو عامياً لكنه علم المسألة علماً يقيناً.. فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (بلغوا عني ولو آية) ولا يشترط في الداعية أن يبلغ مبلغاً كبيراً في العلم، لكنه يشترط أن يكون عالماً بما يدعو إليه، أما أن يقوم عن جهل ويدعو بناء على عاطفة عنده فإن هذا لا يجوز " انتهى. "فتاوى علماء البلد الحرام" ص 329. ثانياً: يجوز للإنسان أن يروى الحديث بمعناه عند جمهور أهل العلم، لمن كان عارفاً باللغة، ويأمن من اللحن وتغيير المعنى الذي به يتغير الحكم، وأن لا يكون ذلك التغيير في الألفاظ المتعبد بها كالأذكار والأدعية المأثورة. قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: " رواية الحديث بالمعنى، معناه: نقله بلفظ غير لفظ المروي عنه. وهو يجوز بشروط ثلاثة: 1 - أن تكون مِنْ عارفٍ بمعناه: من حيث اللغة، ومن حيث مراد المروي عنه. 2 - أن تدعو الضرورة إليها، بأن يكون الراوي ناسياً للفظ الحديث حافظاً لمعناه، فإن كان ذاكراً للفظه لم يجز تغييره، إلا أن تدعو الحاجة إلى إفهام المخاطب بلغته. 3 - أن لا يكون اللفظ متعبداً به: كألفاظ الأذكار ونحوها " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين". فعلى هذا؛ لا بأس أن تروي الحديث بالمعنى إذا لم تكن حافظاً لفظه، شريطة أن لا يكون في كلامك تغيير للمعنى المقصود من الحديث. وأخيراً، نشكر لك اهتمامك بنصح إخوانك المسلمين، ونبشرك إذا أخلصت النية لله تعالى بالثواب الجزيل. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106137 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 28 أهمية التحري في نقل ورواية الأحاديث [السُّؤَالُ] ـ[ذكرت لأحد الأصدقاء حديثا للرسول صلى الله عليه وسلم وعندما تركته اكتشفت أني ذكرته بصيغة خاطئة كأن أقول مثلا: (من قال لأخيه: يا كافر فقد كفر) وكان ذلك بغير قصد مني، فهل علي إثم في ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الناقل لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم ينبغي أن يتحرى الدقة، فينقل اللفظ كما هو، أو ينقل المعنى نقلا صحيحا، حتى لا ينسب للرسول صلى الله عليه وسلم ما لم يقله. وقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم من يبلغ حديثه كما هو، فقال: (نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا شَيْئًا فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَ، فَرُبَّ مُبَلِّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ) رواه الترمذي (2657) وأبو داود (3660) وابن ماجه (230) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. قال ابن كثير رحمه الله في رواية الحديث بالمعنى: " وأما روايته الحديث بالمعنى: فإن كان الراوي غير عالم ولا عارف بما يحيل المعنى: فلا خلاف أنه لا تجوز له روايته الحديث بهذه الصفة. وأما إذا كان عالماً بذلك، بصيراً بالألفاظ ومدلولاتها، وبالمترادف من الألفاظ ونحو ذلك: فقد جوز ذلك جمهور الناس سلفاً وخلفاً، وعليه العمل، كما هو المشاهد في الأحاديث الصحاح وغيرها، فإن الواقعة تكون واحدة، وتجيء بألفاظ متعددة، من وجوه مختلفة متباينة. ولما كان هذا قد يوقع في تغيير بعض الأحاديث، منع من الرواية بالمعنى طائفة آخرون من المحدثين والفقهاء الأصوليين، وشددوا في ذلك آكد التشديد. وكان ينبغي أن يكون هذا هو الواقع، ولكن لم يتفق ذلك. والله أعلم. وقد كان ابن مسعود وأبو الدرداء وأنس رضي الله عنهم يقولون - إذا رووا الحديث -: " أو نحو هذا "، أو " شبهه "، " أو قريباً منه "" انتهى من "الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث". ثانيا: قد أخطأت فيما نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه لم يقل: (من قال لأخيه: يا كافر فقد كفر) وإنما بين صلى الله عليه وسلم أن من قال لأخيه يا كافر: إما أن يكون محقا فلا يلحقه شيء، وإما أن لا يكون أخوه كذلك فيرجع الكفر عليه. روى البخاري (6104) ومسلم (60) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَيُّمَا رَجُلٍ قَالَ لِأَخِيهِ: يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا) . وعند أبي داود (4687) (أَيُّمَا رَجُلٍ مُسْلِمٍ أَكْفَرَ رَجُلًا مُسْلِمًا، فَإِنْ كَانَ كَافِرًا، وَإِلَّا كَانَ هُوَ الْكَافِرُ) . وروى البخاري (6045) ومسلم (61) عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لَا يَرْمِي رَجُلٌ رَجُلًا بِالْفُسُوقِ وَلَا يَرْمِيهِ بِالْكُفْرِ إِلَّا ارْتَدَّتْ عَلَيْهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ كَذَلِكَ) . فينبغي أن تتحرى الدقة فيما تنسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ونرجو أن يعفو الله عنك في خطئك الذي لم تتعمده. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105958 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 29 هل لبس خاتم الحديد حرام على الرجال؟ [السُّؤَالُ] ـ[سمعت أن لبس خاتم الحديد حرام للرجال، فنرجو توضيح الموضوع مع ذكر الأدلة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنهما: أن رجلاً جاء النبي صلى الله عليه وسلم وعليه خاتم من ذهب، فقال: (مالي أجد منك ريح الأصنام؟) فطرحه، ثم جاء وعليه خاتم من حديد، فقال: (ما لي أرى عليك حلية أهل النار؟) فطرحه، فقال: يا رسول الله من أي شيء أتخذه؟ قال: (اتخذه من ورق ولا تتمه مثقالاً) أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي قال الترمذي: هذا حديث غريب، وعن إياس بن الحارث بن المعقيب عن جده قال: كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من حديد ملوي عليه فضة، قال فربما كان في يدي، قال، وكان المعيقيب على خاتم النبي صلى الله عليه وسلم، خرجه أبو داود والنسائي. وفي الصحيحين عن سهل بن سعد الأنصاري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للذي خطب المرأة التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم: (التمس ولو خاتماً من حديد) وهذا يدل على جواز لبس الخاتم من الحديد، كما يدل عليه حديث معيقيب، أما حديث بريدة المذكور آنفاً ففي سنده ضعف، وبذلك يتضح أن الراجح عدم كراهة لبس الخاتم من الحديد، ولكن لبس الخاتم من الفضة أفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان خاتمه من فضة كما ثبت في الصحيحين. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (24/64) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105400 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 30 حديث: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب) [السُّؤَالُ] ـ[هل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب) ناسخ أم منسوخ؟ حيث أشكل عليّ فهم هذا الحديث؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث رواه البخاري (3168) ومسلم (1637) وليس منسوخاً، بل هو من الأحاديث المحكمة التي يجب العمل بها. وقد جاءت عدة أحاديث، تدل على المعنى نفسه: 1- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: (لأخرجنَّ اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلماً) أخرجه مسلم (1767) . 2- عن أبي عبيدة بن الجرَّاح رضي الله عنه قال: آخرُ ما تكلَّم به النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (أخرجوا يهودَ أهل الحجاز، وأهل نجران من جزيرة العرب، واعلموا أن شرار الناس الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) رواه أحمد (3/221) وصححه ابن عبد البر في "التمهيد" (1/169) ، ومحققو المسند، والألباني في "السلسلة الصحيحة" (1132) . والمراد بجزيرة العرب في هذه الأحاديث: الجزيرة العربية كلها، التي يحيط بها البحر الأحمر والخليج العربي والمحيط الهندي، وتنتهي شمالا إلى أطراف الشام والعراق. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " يجب أن يعلم أنه لا يجوز استقدام الكفرة إلى هذه الجزيرة، لا من النصارى، ولا من غير النصارى، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بإخراج الكفرة من هذه الجزيرة، وأوصى عند موته صلى الله عليه وسلم بإخراجهم من هذه الجزيرة، وهي المملكة العربية السعودية واليمن ودول الخليج، كل هذه الدول داخلة في الجزيرة العربية، فالواجب ألا يقر فيها الكفرة من اليهود، والنصارى، والبوذيين، والشيوعيين، والوثنيين، وجميع من يحكم الإسلام بأنه كافر لا يجوز بقاؤه ولا إقراره في هذه الجزيرة ولا استقدامه إليها إلا عند الضرورة القصوى التي يراها ولي الأمر، كالضرورة لأمر عارض ثم يرجع إلى بلده ممن تدعو الضرورة إلى مجيئه أو الحاجة الشديدة إلى هذه المملكة وشبهها كاليمن ودول الخليج. أما استقدامهم ليقيموا بها فلا يجوز بل يجب أن يكتفى بالمسلمين في كل مكان، وأن تكون المادة التي تصرف لهؤلاء الكفار تصرف للمسلمين، وأن ينتقي من المسلمين من يعرف بالاستقامة والقوة على القيام بالأعمال حسب الطاقة والإمكان، وأن يختار أيضا من المسلمين من هم أبعد عن البدع والمعاصي الظاهرة، وأن لا يستخدم إلا من هو طيب ينفع البلاد ولا يضرها، هذا هو الواجب، لكن من ابتلي باستقدام أحد من هؤلاء الكفرة كالنصارى وغيرهم فإن عليه أن يبادر بالتخلص منهم وردهم إلى بلادهم بأسرع وقت" انتهى. "فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز" (6/454) . وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله أيضاً: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يجتمع في جزيرة العرب دينان) لكننا نجد في معظم بلدان الجزيرة العربية وجودا كثيفا للعمالة غير الإسلامية وصل بها الأمر إلى حد بناء دور عبادة لها سواء النصارى أم الهندوس أم السِّيخ. ما الموقف الواجب على حكومات هذه البلدان اتخاذه حيال هذه الظاهرة المؤلمة ذات الخطر الداهم؟ فأجاب: " لقد صح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا يجتمع في الجزيرة دينان) وصح عنه أيضا أنه أمر بإخراج اليهود والنصارى من الجزيرة، وأمر أن لا يبقى فيها إلا مسلم، وأوصى عند موته صلى الله عليه وسلم بإخراج المشركين من الجزيرة، فهذا أمر ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس فيه شك. والواجب على الحكام أن ينفذوا هذه الوصية، كما نفذها خليفة المسلمين عمر رضي الله عنه بإخراج اليهود من خيبر وإجلائهم، فعلى الحكام في السعودية وفي الخليج وفي جميع أجزاء الجزيرة، عليهم جميعا أن يجتهدوا كثيرا في إخراج النصارى والبوذيين والوثنيين والهندوس وغيرهم من الكفرة، وألا يستقدموا إلا المسلمين. هذا هو الواجب، وهو مبين بيانا جليا في قواعد الشرع الحنيف. فالمقصود والواجب إخراج الكفار من الجزيرة، وأن لا يستعمل فيها إلا المسلمون من بلاد الله، ثم إن عليهم أيضا أن يختاروا من المسلمين، فالمسلمون فيهم من هو مسلم بالادعاء لا بالحقيقة، وعنده من الشر ما عنده، فيجب على من يحتاج إلى مسلمين ليستأجرهم أن يسأل أهل المعرفة حتى لا يستقدم إلا المسلمين الطيبين المعروفين بالمحافظة على الصلاة والاستقامة. أما الكفار فلا يستخدمهم أبدا إلا عند الضرورة الشرعية، أي: التي يقدرها ولاة الأمر، وفق شرع الإسلام وحده. ولا يجوز أن يبنى في الجزيرة معابد للكفرة لا النصارى ولا غيرهم، وما بني فيها يجب أن يهدم مع القدرة. وعلى ولي الأمر أن يهدمها ويزيلها ولا يبقي في الجزيرة مبادئ أو معاقل للشرك ولا كنائس ولا معابد، بل يجب أن تزال من الجزيرة، حتى لا يبقى فيها إلا المساجد والمسلمون" انتهى. "فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز" (3/282) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن حكم استقدام غير المسلمين إلى الجزيرة العربية؟ فأجاب: "استقدام غير المسلمين إلى الجزيرة العربية أخشى أن يكون من المشاقة لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، حيث صح عنه كما في صحيح البخاري أنه قال في مرض موته: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب) وفي صحيح مسلم أنه قال: (لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلماً) . لكن استقدامهم للحاجة إليهم بحيث لا نجد مسلماً يقوم بتلك الحاجة جائز بشرط أن لا يمنحوا إقامة مطلقة. وحيث قلنا: جائز، فإنه إن ترتب على استقدامهم مفاسد دينية في العقيدة أو الأخلاق صار حراماً، لأن الجائز إذا ترتب عليه مفسدة صار محرماً تحريم الوسائل كما هو معلوم. ومن المفاسد المترتبة على ذلك: ما يخشى من محبتهم، والرضا بما هم عليه من الكفر، وذهاب الغيرة الدينية بمخالطتهم. وفي المسلمين ـ ولله الحمد ـ خير وكفاية، نسأل الله الهداية والتوفيق" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (3/41) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 104806 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 31 (الدين المعاملة) ليس بحديث [السُّؤَالُ] ـ[ما صحة هذا الحديث: (الدين المعاملة) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الكلام ليس حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أصل له في كتب السنة. وقد ذكره الشيخ الألباني رحمه الله في مقدمة المجلد الخامس من "سلسة الأحاديث الضعيفة" ص 11، وقال عنه: "لا أصل لذلك، ولا في الأحاديث الموضوعة! " انتهى. وسئل عنه الشيخ ابن باز رحمه الله، فقال: "هذا ليس بحديث، إنما هو من كلام الناس" انتهى. http://www.islamway.com/?iw_s=Fatawa&iw;_a=view&fatwa;_id=1140 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103437 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 32 التفسير العلمي لتحنيك المولود بالتمر [السُّؤَالُ] ـ[أردت فقط معرفة هل من أسباب علمية وراء تحنيك المولود بالتمر أو بشيء حلو عقب الولادة؟ وإذا لم تكن هناك فوائد علمية وراء ذلك فهل توجد أي فوائد أخرى لذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: تحنيك الطفل بالتمر بعد ولادته سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ففي صحيح البخاري (3619) عن أسماء رضي الله عنها (أنها ولدت عبد الله بن الزبير فأتت به النبي صلى الله عليه وسلم فوضعته في حجره فحنكه بتمرة، ثم دعا له وبرَّك عليه) . وروى البخاري أيضا (5045) عن أبي موسى رضي الله عنه قال: (ولد لي غلام فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فسماه إبراهيم فحنكه بتمرة ودعا له بالبركة) . والشريعة جاءت بأحكام تنطوي على مصالح العباد في دنياهم وأخراهم، لأنها الشريعة المنزلة من خالق هذا الإنسان، العالم بما يصلحه ويفسده. والحكمة من وراء التشريع قد تظهر وقد لا تظهر، وقد يظهر بعضها دون بعض، والمؤمن مأمور بالتسليم والإذعان لأحكام الله، عَلِمَ الحكمة أم لم يعلمها، لأن ذلك مقتضى إيمانه. وأما الحكمة من التحنيك بالتمر، فقد كان العلماء قديما يرون أن هذه السنة فعلها النبي صلى الله عليه وسلم ليكون أول شيء يدخل جوف الطفل شيء حلو، ولذا استحبوا أن يحنك بحلو إن لم يوجد التمر، قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (9 /588) : "والتحنيك مضغ الشيء ووضعه في فم الصبي ودلك حنكه به، يصنع ذلك بالصبي ليتمرن على الأكل، ويقوى عليه، وينبغي عند التحنيك أن يفتح فاه حتى ينزل جوفه، وأولاه التمر، فإن لم يتيسر تمر فرطب، وإلا فشيء حلو، وعسل النحل أولي من غيره " انتهى. ثم بمجيء العلم الحديث باكتشافاته تبين شيء جديد من الإعجاز العلمي الذي تحمله هذه السنة النبوية، إذ تبين أن الطفل يحتاج إلى سكر الجلوكوز، وقد يتعرض بسبب نقصه لآفات كبيرة، وأن التمر خير مصدر لهذا. ونحن نسوق لك هنا مختصرا مما قاله المختصون من الأطباء، فقد كتب الدكتور محمد علي البار مقالا في مجلة الإعجاز العلمي العدد الرابع عن التفسير العلمي لتحنيك الطفل، ومما جاء فيه: " إن مستوى السكر " الجلوكوز" في الدم بالنسبة للمولودين حديثاً يكون منخفضاً، وكلما كان وزن المولود أقل، كان مستوى السكر منخفضاً. وبالتالي فإن المواليد الخداج [وزنهم أقل من 2.5كجم] يكون منخفضاً جداً بحيث يكون في كثير من الأحيان أقل من 20 ملليجرام لكل 100 ملليلتر من الدم. وأما المواليد أكثر من 2.5 كجم فإن مستوى السكر لديهم يكون عادة فوق 30 ملليجرام. ويعتبر هذا المستوى (20 أو 30 ملليجرام) هبوطاً شديداً في مستوى سكر الدم، ويؤدي ذلك إلى الأعراض الآتية: 1- أن يرفض المولود الرضاعة. 2- ارتخاء العضلات. 3- توقف متكرر في عملية التنفس وحصول ازرقاق الجسم. 4- اختلاجات ونوبات من التشنج. وقد يؤدي ذلك إلى مضاعفات خطيرة مزمنة، وهي: 1- تأخر في النمو. 2- تخلف عقلي. 3- الشلل الدماغي. 4- إصابة السمع أو البصر أو كليهما. 5- نوبات صرع متكررة (تشنجات) . وإذا لم يتم علاج هذه الحالة في حينها قد تنتهي بالوفاة، رغم أن علاجها سهل ميسور وهو إعطاء السكر الجلوكوز مذاباً في الماء إما بالفم أو بواسطة الوريد" انتهى. ثم قال في مناقشة تحنيك النبي صلى الله عليه وسلم الطفل بالتمر: "إن قيام الرسول صلى الله عليه وسلم بتحنيك الأطفال المواليد بالتمر بعد أن يأخذ التمرة في فيه ثم يحنكه بما ذاب من هذه التمرة بريقه الشريف فيه حكمة بالغة. فالتمر يحتوي على السكر " الجلوكوز " بكميات وافرة، وخاصة بعد إذابته بالريق الذي يحتوي على أنزيمات خاصة تحول السكر الثنائي " السكروز " إلى سكر أحادي، كما أن الريق ييسر إذابة هذه السكريات، وبالتالي يمكن للطفل المولود أن يستفيد منها. وبما أن معظم أو كل المواليد يحتاجون للسكر الجلوكوز بعد ولادتهم مباشرة، فإن إعطاء المولود التمر المذاب يقي الطفل بإذن الله من مضاعفات نقص السكر الخطيرة التي ألمحنا إليها. إن استحباب تحنيك المولود بالتمر هو علاج وقائي ذو أهمية بالغة وهو إعجاز طبي لم تكن البشرية تعرفه وتعرف مخاطر نقص السكر " الجلوكوز " في دم المولود. وإن المولود، وخاصة إذا كان خداجاً، يحتاج دون ريب بعد ولادته مباشرة إلى أن يعطى محلولاً سكرياً. وقد دأبت مستشفيات الولادة والأطفال على إعطاء المولودين محلول الجلوكوز ليرضعه المولود بعد ولادته مباشرة، ثم بعد ذلك تبدأ أمه بإرضاعه. إن هذه الأحاديث الشريفة الواردة في تحنيك المولود تفتح آفاقاً مهمة جداً في وقاية الأطفال، وخاصة الخداج " المبتسرين " من أمراض خطيرة جداً بسبب إصابتهم بنقص مستوى سكر الجلوكوز في دمائهم. وإن إعطاء المولود مادة سكرية مهضومة جاهزة هو الحل السليم والأمثل في مثل هذه الحالات. كما أنها توضح إعجازاً طبياً لم يكن معروفاً في زمنه صلى الله عليه وسلم ولا في الأزمنة التي تلته حتى اتضحت الحكمة من ذلك الإجراء في القرن العشرين" انتهى ما أردنا نقله من كلام الدكتور البار، وفيه إن شاء الله ما يكفي لبيان الإعجاز العمي الذي تضمنته هذه السنة النبوية العظيمة. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 102906 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 33 هل يوجد فضل لمن كان أول أولاده بنتا؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يوجد فضل لمن كان أول أولاده بنتا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأولاد هبة من الله تعالى، وسائر أرزاق العباد ومقاديرهم بيده سبحانه، وإليه سبحانه يرجع الأمر كله: يعطي ويمنع، يخفض ويرفع، لا راد لفضله، ولا معقب لحكمه سبحانه: (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) (الشورى49-50) قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله: هذه الآية فيها الإخبار عن سعة ملكه تعالى، ونفوذ تصرفه في الملك: في الخلق لما يشاء، والتدبير لجميع الأمور، حتى إن تدبيره تعالى، من عمومه، أنه يتناول المخلوقة عن الأسباب التي يباشرها العباد، فإن النكاح من الأسباب لولادة الأولاد، فالله تعالى هو الذي يعطيهم من الأولاد ما يشاء؛ فمن الخلق من يهب له إناثا، ومنهم من يهب له ذكورا، ومنهم من يزوجه، أي: يجمع له ذكورا وإناثا، ومنهم من يجعله عقيما لا يولد له. {إِنَّهُ عَلِيمٌ} بكل شيء {قَدِيرٌ} على كل شيء، فيتصرف بعلمه وإتقانه الأشياء، وبقدرته في مخلوقاته " انتهى. وقد جاء في فضل البنات والقيام عليهن وتربيتهن أحاديث صحيحة، منها قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ وَضَمَّ أَصَابِعَهُ) رواه مسلم (2631) . وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ أَوْ ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ أَوْ ابْنَتَانِ أَوْ أُخْتَانِ فَأَحْسَنَ صُحْبَتَهُنَّ وَاتَّقَى اللَّهَ فِيهِنَّ فَلَهُ الْجَنَّةُ) رواه الترمذي (1916) وأبو داود (5147) وابن ماجه (3669) وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب. وأما فضل مجيء البنت أولا، فقد جاء فيه حديث ضعيف، بل موضوع عند بعض أهل العلم قال الحافظ السخاوي رحمه الله في "المقاصد الحسنة" (1/677) : " حديث (من يمن المرأة تبكيرها بالأنثى) : الديلمي عن واثلة بن الأسقع مرفوعا بلفظ: (من بركة تبكيرها بالأنثى ألم تسمع قوله تعالى: (يهب لمن يشاء إناثا) فبدأ بالإناث) ، ورواه أيضا عن عائشة مرفوعا بلفظ: (من بركة المرأة على زوجها تيسير مهرها وأن تبكر بالإناث) وهما ضعيفان " انتهى. وقال السيوطي في فتاويه: لا يصح. انظر: "كشف الخفاء" (2/287) . وقال الألباني في "السلسلة الضعيفة والموضوعة" (9/ 142) : " (من يمن المرأة أن يكون بكرها جارية) : موضوع، أخرجه ابن عدي في "الكامل" (6/ 302) من طريق شيخه محمد بن محمد بن الأشعث: حدثني موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمد: حدثني أبي، عن أبيه، عن جده جعفر، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي مرفوعاً. قلت: موضوع، المتهم به هذا الشيخ؛ فقد ساق له ابن عدي نحو خمسة وعشرين حديثاً من أصل قرابة ألف حديث بهذا الإسناد العلوي، وقال: "وعامتها من المناكير، وكان متهماً". وقال الدارقطني: "آية من آيات الله! وضع ذاك الكتاب. يعني العلويات". وقد مضى له حديث آخر موضوع في المجلد الرابع رقم (1932) . وقال الذهبي في "الميزان": "وساق له ابن عدي جملة موضوعات" " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 100402 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 34 كتب يستفاد منها في تخريج الأحاديث النبوية [السُّؤَالُ] ـ[ما هي الكتب التي تنصحون بها لتخريج الأحاديث الشريفة؟ وما هو البرنامج (برنامج حاسب آلي) الذي تنصحون به لتخريج الأحاديث الشريفة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الكتب التي يستعان بها لتخريج الأحاديث النبوية كثيرة، منها ما هو مرتب على الأبواب، ومنها ما هو مرتب على الأطراف، ومنها المرتب على أسماء الرواة. ومن هذه الكتب: صحيح الجامع الصغير، وضعيف الجامع الصغير، كلاهما للشيخ الألباني رحمه الله، وهما مرتبان على أطراف الأحاديث، على ترتيب حروف المعجم. ومنها: إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، للألباني أيضا، وهو مرتب على أبواب الفقه. ومنها: التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، للحافظ ابن حجر العسقلاني، ونصب الراية في تخريج أحاديث الهداية لحافظ الزيلعي، وكلاهما مرتب على أبواب الفقه. ومنها: تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف، للحافظ المزي، وهو مرتب على أسماء الرواة، على ترتيب حروف المعجم، وإذا أورد الحديث ذكر من خرجه من الأئمة، فيضع أمام الحديث مثلا: (خ م ت) أي رواه البخاري ومسلم والترمذي. ثانيا: وأما برامج الحاسب، فكثيرة، وأنفعها: برنامج الحديث الشريف، لشركة (حرف) وبرنامج الموسوعة الذهبية للتراث، وبرنامج الموسوعة الشاملة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 99735 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 35 هل هناك أجر في قراءة الأحاديث النبوية؟ [السُّؤَالُ] ـ[وردت الأدلة على الأجر في قراءة القرآن الكريم، فهل هناك أجر في قراءة الأحاديث؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم قراءة العلم كلها فيها أجر، تعلم العلم، وطلب العلم من طريق القرآن، ومن طريق السنة فيه أجر عظيم، فالعلم يؤخذ من الكتاب، ويؤخذ من السنة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (خيركم من تعلم العلم وعلمه) رواه البخاري (5027) ، وجاء في قراءة القرآن أحاديث كثيرة، منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (اقرءوا القرآن فإنه يأتي شفيعا لأصحابه يوم القيامة) رواه مسلم (804) وقال عليه الصلاة والسلام: (أيحب أحدكم أن يذهب إلى بطحان- وادي في المدينة- فيأتي بناقتين عظيمتين في غير إثم ولا قطيعة رحم؟ فقالوا: كلنا يحب ذلك يا رسول الله. فقال: لأن يذهب أحدكم إلى المسجد فيتعلم آيتين من كتاب الله خير له من ناقتين عظيمتين، وثلاث خير من ثلاث، وأربع خير من أربع، ومن أعدادهن من الإبل) رواه مسلم (803) ، أو كما قال عليه الصلاة والسلام، فهذا يدل على فضل تعلم القرآن، وقراءة القرآن. وفي حديث ابن مسعود: (من قرأ حرفا من القرآن فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها) رواه الترمذي (2910) هكذا السنة إذا تعلمها المؤمن، فقراءة الأحاديث ودرسها يكون له أجر عظيم. لأن هذا من تعلم العلم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة) رواه الترمذي (2646) ، وهذا يدل على أن دراسة العلم، وحفظ الأحاديث، والمذاكرة فيها من أسباب دخول الجنة والنجاة من النار، وهكذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين) متفق عليه، والتفقه في الدين يكون من طريق الكتاب، ويكون من طريق السنة، والتفقه في السنة من الدلائل على أن الله أراد بالعبد خيرا كما أن التفقه في القرآن دليل على ذلك، والأدلة في هذا كثيرة والحمد لله. "انتهى" فتاوى نور على الدرب للشيخ عبد العزيز بن باز (1/11) [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 99515 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 36 هل يحاسب الإنسان عما يدور في نفسه من الخير والشر [السُّؤَالُ] ـ[أحيانا يبتلى الإنسان بالتفكير في معصية من المعاصي، ومثل ذلك أمور وسوسه الشيطان والنفس بالسوء، فهل يجازى المرء على ما يدور في نفسه، ويكتب عليه، سواء كان خيرا أم شرا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله روى البخاري في صحيحه (6491) ومسلم (131) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً) . وروى البخاري (5269) ومسلم (127) ـ أيضا ـ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ) . قال ابن رجب رحمه الله: " فتضمنت هذه النصوص أربعة أنواع: كتابة الحسنات، والسيئات، والهم بالحسنة والسيئة، فهذه أربعة أنواع.. "، ثم قال: " النوع الثالث: الهمُّ بالحسنات، فتكتب حسنة كاملة، وإنْ لم يعملها، كما في حديث ابن عباس وغيره، ... وفي حديث خُرَيْمِ بْنِ فَاتِكٍ: ".. وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا فَعَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ قَدْ أَشْعَرَهَا قَلْبَهُ وَحَرَصَ عَلَيْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً.. " [رواه أحمد 18556، قال الأرناؤوط: إسناده حسن، وذكره الألباني في الصحيحة] ، وهذا يدلُّ على أنَّ المرادَ بالهمِّ هنا: هو العزمُ المصمّم الذي يُوجَدُ معه الحرصُ على العمل، لا مجرَّدُ الخَطْرَةِ التي تخطر، ثم تنفسِخُ من غير عزمٍ ولا تصميم. قال أبو الدرداء: من أتى فراشه، وهو ينوي أن يُصلِّي مِن اللَّيل، فغلبته عيناه حتّى يصبحَ، كتب له ما نوى ... وروي عن سعيد بن المسيب، قال: من همَّ بصلاةٍ، أو صيام، أو حجٍّ، أو عمرة، أو غزو، فحِيلَ بينه وبينَ ذلك، بلَّغه الله تعالى ما نوى. وقال أبو عِمران الجونيُّ: يُنادى المَلَكُ: اكتب لفلان كذا وكذا، فيقولُ: يا ربِّ، إنَّه لم يعملْهُ، فيقول: إنَّه نواه. وقال زيدُ بن أسلم: كان رجلٌ يطوفُ على العلماء، يقول: من يدلُّني على عملٍ لا أزال منه لله عاملاً، فإنِّي لا أُحبُّ أنْ تأتيَ عليَّ ساعةٌ مِنَ الليلِ والنَّهارِ إلاَّ وأنا عاملٌ لله تعالى، فقيل له: قد وجدت حاجتَكَ، فاعمل الخيرَ ما استطعتَ، فإذا فترْتَ، أو تركته فهمَّ بعمله، فإنَّ الهامَّ بعمل الخير كفاعله. ومتى اقترن بالنيَّة قولٌ أو سعيٌ، تأكَّدَ الجزاءُ، والتحقَ صاحبُه بالعامل، كما روى أبو كبشة عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: (إنَّما الدُّنيا لأربعةِ نفرٍ: عبدٍ رَزَقَهُ الله مالاً وعلماً، فهو يتَّقي فيه ربَّه، ويَصِلُ به رَحِمَه، ويعلمُ لله فيه حقاً، فهذا بأفضل المنازل، وعبدٍ رزقه الله علماً، ولم يرزقه مالاً، فهو صادِقُ النِّيَّة، يقول: لو أنَّ لي مالاً، لعمِلْتُ بعملِ فلانٍ، فهو بنيتِه، فأجرُهُما سواءٌ، وعبدٍ رزقه الله مالاً، ولم يرزُقه علماً يَخبِطُ في ماله بغير علمٍ، لا يتَّقي فيه ربّه، ولا يَصِلُ فيه رحِمهُ، ولا يعلمُ لله فيه حقاً، فهذا بأخبثِ المنازل، وعبدٍ لم يرزقه الله مالاً ولا علماً، فهو يقول: لو أنَّ لي مالاً، لعَمِلتُ فيه بعمل فلانٍ فهو بنيته فوِزْرُهما سواءٌ) خرَّجه الإمام أحمد والترمذى وهذا لفظُهُ، وابن ماجه [صححه الألباني لغيره] . وقد حمل قوله: " فهما في الأجر سواءٌ " على استوائهما في أصلِ أجرِ العمل، دون مضاعفته، فالمضاعفةُ يختصُّ بها من عَمِلَ العمل دونَ من نواه فلم يعمله، فإنَّهما لو استويا مِنْ كلِّ وجه، لكُتِبَ لمن همَّ بحسنةٍ ولم يعملها عشرُ حسناتٍ، وهو خلافُ النُّصوصِ كلِّها، ويدلُّ على ذلك قوله تعالى: {فَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً دَرَجَاتٍ مِنْهُ} ، قال ابن عباس وغيره: القاعدون المفضَّلُ عليهم المجاهدون درجة همُ القاعدون من أهلِ الأعذار، والقاعدون المفضَّل عليهم المجاهدون درجاتٍ هم القاعدون من غير أهل الأعذار ". ثم قال رحمه الله: " النوع الرابع: الهمُّ بالسَّيِّئات من غير عملٍ لها، ففي حديث ابن عباس: أنَّها تُكتب حسنةً كاملةً، وكذلك في حديث أبي هريرة وأنس وغيرهما أنَّها تُكتَبُ حسنةً، وفي حديث أبي هريرة قال: (إنَّما تركها مِن جرَّاي) [مسلم 129] ، يعني: من أجلي. وهذا يدلُّ على أنَّ المرادَ مَنْ قَدَرَ على ما همَّ به مِنَ المعصية، فتركه لله تعالى، وهذا لا رَيبَ في أنَّه يُكتَبُ له بذلك حسنة؛ لأنَّ تركه للمعصية بهذا المقصد عملٌ صالحٌ. فأمَّا إن همَّ بمعصية، ثم ترك عملها خوفاً من المخلوقين، أو مراءاةً لهم، فقد قيل: إنَّه يُعاقَبُ على تركها بهذه النيَّة؛ لأنَّ تقديم خوفِ المخلوقين على خوف الله محرَّم. وكذلك قصدُ الرِّياءِ للمخلوقين محرَّم، فإذا اقترنَ به تركُ المعصية لأجله، عُوقِبَ على هذا الترك ... قال الفضيلُ بن عياض: كانوا يقولون: تركُ العمل للناس رياءٌ، والعمل لهم شرك. وأمَّا إنْ سعى في حُصولها بما أمكنه، ثم حالَ بينه وبينها القدرُ، فقد ذكر جماعةٌ أنَّه يُعاقَب عليها حينئذٍ لحديث: (ما لم تكلَّمْ به أو تعمل) ، ومن سعى في حُصول المعصية جَهدَه، ثمَّ عجز عنها، فقد عَمِل بها، وكذلك قولُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتِلُ والمقتولُ في النَّار) ، قالوا: يا رسول الله، هذا القاتلُ، فما بالُ المقتول؟! قال: (إنَّه كان حريصاً على قتل صاحبه) [رواه البخاري 31 ومسلم 2888] . وقوله: (ما لم تكلَّم به، أو تعمل) يدلُّ على أنَّ الهامَّ بالمعصية إذا تكلَّم بما همَّ به بلسانه إنَّه يُعاقَبُ على الهمِّ حينئذٍ؛ لأنَّه قد عَمِلَ بجوارحِه معصيةً، وهو التَّكلُّمُ باللِّسان، ويدلُّ على ذلك حديث [أبي كبشة السابق] الذي قال: (لو أنَّ لي مالاً، لعملتُ فيه ما عَمِلَ فلان) يعني: الذي يعصي الله في ماله، قال: (فهما في الوزر سواءٌ) . " ثم قال رحمه الله: " وأمّا إن انفسخت نِيَّتُه، وفترَت عزيمتُه من غيرِ سببٍ منه، فهل يُعاقبُ على ما همَّ به مِنَ المعصية، أم لا؟ هذا على قسمين: أحدهما: أن يكون الهمُّ بالمعصية خاطراً خطرَ، ولم يُساكِنهُ صاحبه، ولم يعقِدْ قلبَه عليه، بل كرهه، ونَفَر منه، فهذا معفوٌّ عنه، وهو كالوَساوس الرَّديئَةِ التي سُئِلَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عنها، فقال: (ذاك صريحُ الإيمان) [رواه مسلم 132] ... ولمَّا نزل قولُه تعالى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} ، شقَّ ذلك على المسلمين، وظنُّوا دُخولَ هذه الخواطر فيه، فنَزلت الآية التي بعدها، وفيها قوله: {رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [رواه مسلم 126] ، فبيَّنت أنَّ ما لا طاقةَ لهم به، فهو غيرُ مؤاخذٍ به، ولا مكلّف به..، وبيَّنت أنّ المرادَ بالآية الأُولى العزائم المصمَّم عليها ... القسم الثاني: العزائم المصممة التي تقع في النفوس، وتدوم، ويساكنُها صاحبُها، فهذا أيضاً نوعان: أحدهما: ما كان عملاً مستقلاً بنفسه من أعمالِ القلوب، كالشَّكِّ في الوحدانية، أو النبوَّة، أو البعث، أو غير ذلك مِنَ الكفر والنفاق، أو اعتقاد تكذيب ذلك، فهذا كلّه يُعاقَبُ عليه العبدُ، ويصيرُ بذلك كافراً ومنافقاً ... ويلحق بهذا القسم سائرُ المعاصي المتعلِّقة بالقلوب، كمحبة ما يُبغضهُ الله، وبغضِ ما يحبُّه الله، والكبرِ، والعُجبِ ... والنوع الثاني: ما لم يكن مِنْ أعمال القلوب، بل كان من أعمالِ الجوارحِ، كالزِّنى، والسَّرقة، وشُرب الخمرِ، والقتلِ، والقذفِ، ونحو ذلك، إذا أصرَّ العبدُ على إرادة ذلك، والعزم عليه، ولم يَظهرْ له أثرٌ في الخارج أصلاً. فهذا في المؤاخذة به قولان مشهوران للعلماء: أحدهما: يؤاخذ به، " قال ابنُ المبارك: سألتُ سفيان الثوريَّ: أيؤاخذُ العبدُ بالهمَّةِ؟ فقال: إذا كانت عزماً أُوخِذَ ". ورجَّح هذا القولَ كثيرٌ من الفُقهاء والمحدِّثين والمتكلِّمين من أصحابنا وغيرهم، واستدلوا له بنحو قوله - عز وجل -: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} ، وقوله: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} ، وبنحو قول النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: (الإثمُ ما حاكَ في صدركَ، وكرهتَ أنْ يطَّلع عليه النَّاسُ) [رواه مسلم 2553] ، وحملوا قوله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله تجاوزَ لأُمَّتي عمَّا حدَّثت به أنفُسَها، ما لم تكلَّم به أو تعمل) على الخَطَراتِ، وقالوا: ما ساكنه العبدُ، وعقد قلبه عليه، فهو مِنْ كسبه وعملِه، فلا يكونُ معفوّاً عنه ... والقول الثاني: لا يُؤاخَذُ بمجرَّد النية مطلقاً، ونُسِبَ ذلك إلى نصِّ الشافعيِّ، وهو قولُ ابن حامدٍ من أصحابنا عملاً بالعمومات. وروى العَوْفيُّ عن ابنِ عباس ما يدلُّ على مثل هذا القول ... " انتهى، من جامع العلوم والحكم: شرح الحديث السابع والثلاثين (2/343-353) باختصار، وتصرف يسير. والخلاصة: أن من هم بالحسنة والخير، وعقد قلبه وعزمه على ذلك، كتب له ما نواه، ولو لم يعمله، وإن كان أجر العامل أفضل منه وأعلى. ومن هم بسيئة، ثم تركها لله، كتبت له حسنة كاملة. ومن هم بسيئة، وتركها لأجل الناس، أو سعى إليها، لكن حال القدر بينه وبينها، كتبت عليه سيئة. ومن هم بها، ثم انفسخ عزمه، بعد ما نواها، فإن كانت مجرد خاطر بقلبه، لم يؤاخذ به، وإن كانت عملا من أعمال القلوب، التي لا مدخل للجوارح بها، فإنه يؤاخذ بها، وإن كانت من أعمال الجوارح، فأصر عليها، وصمم نيته على مواقعتها، فأثر أهل العلم على أنه مؤاخذ بها. قال النووي رحمه الله ـ بعد ما نقل القول بالمؤاخذه عن الباقلاني ـ: " قال القاضي عياض رحمه الله عامة السلف وأهل العلم من الفقهاء والمحدثين على ما ذهب إليه القاضي أبو بكر، للأحاديث الدالة على المؤاخذة بأعمال القلوب. لكنهم قالوا: إن هذا العزم يكتب سيئة، وليست السيئة التي هم بها لكونه لم يعملها وقطعه عنها قاطع غير خوف الله تعالى والإنابة، لكن نفس الإصرار والعزم معصية، فتكتب معصية؛ فإذا عملها كتبت معصية ثانية فان تركها خشية لله تعالى كتبت حسنة، كما في الحديث إنما تركها من جراي فصار تركه لها لخوف الله تعالى ومجاهدته نفسه الأمارة بالسوء في ذلك وعصيانه هواه حسنة، فأما الهم الذي لا يكتب فهي الخواطر التي لا توطن النفس عليها ولا يصحبها عقد ولا نية وعزم) انتهى. شرح مسلم (2/151) . واختار ابن رجب رحمه الله أن المعصية " إنَّما تكتَبُ بمثلِها من غير مضاعفةٍ، فتكونُ العقوبةُ على المعصيةِ، ولا ينضمُّ إليها الهمُّ بها، إذ لو ضُمَّ إلى المعصية الهمُّ بها، لعُوقبَ على عمل المعصية عقوبتين، ولا يقال: فهذا يلزم مثلُه في عمل الحسنة، فإنه إذا عملها بعد الهمِّ بها، أُثيب على الحسنة دُونَ الهمِّ بها، لأنَّا نقول: هذا ممنوع، فإنَّ من عَمِلَ حسنة، كُتِبَت له عشرَ أمثالِها، فيجوزُ أن يكونَ بعضُ هذه الأمثال جزاءً للهمِّ بالحسنة، والله أعلم ". انتهى والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 99324 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 37 هل يمكن الوثوق بجميع الأحاديث؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكن الوثوق بجميع الأحاديث؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأحاديث المنسوبة إلى النبي عليه الصلاة والسلام منها ما هو صحيح لا شك في نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها ما هو ضعيف في نسبته شك. والصحيح والضعيف كلاهما لا يخفى على أهل العلم وقد صنفت الكتب الصحيحة المشتملة على الأحاديث الصحيحة كصحيح البخاري وصحيح مسلم، ومنها ما يضمّ الصحيح وغيره كبقية كتب الحديث. وللعلماء جهود مباركة في تمييز الصحيح من غيره بحيث لا يخفى الأمر على صغار المتعلمين فضلا عن المتخصصين بالسنة. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد الكريم الخضير. الحديث: 11443 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 38 الحديث الشريف [السُّؤَالُ] ـ[لماذا يعتبر كلام النبي صلى الله عليه وسلم حجة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحديث هو ما أثر عن الرسول صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة. والحديث أما أن يكون مؤكداً لما في القرآن كالأمر بالصلاة والزكاة ونحوهما أو يكون مفصلاً لما أجمل في القرآن كعدد ركعات الصلوات , وأنصبة الزكاة وصفة الحج ونحو ذلك أو يكون مبيناً لحكم سكت عنه القرآن كتحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في الزواج. وقد أنزل الله القرآن على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وأمره ببيانه للناس بقوله: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون) النحل/44. وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم وحي من ربه قال تعالى: (ما ضل صاحبكم وما غوى، وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى) النجم/2-4. وقد بعث الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم ليدعو الناس إلى عبادة الله وحده والكفر بما سواه مبشراً بالجنة ومنذراً بالنار: (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً) الإسراء/105. والرسول صلى الله عليه وسلم حريص على هذه الأمة ما علم من خير إلا دل الأمة عليه وما علم من شر إلا وحذرها منه: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) التوبة/128. وكان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعث الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم رحمة إلى الناس كافة: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) الأنبياء/107. ولما كان الرسول صلى الله عليه وسلم مبلغاً عن ربه الوحي الذي أنزل عليه فقد وجبت طاعته , بل صارت طاعته طاعة لله: (من يطع الرسول فقد أطاع الله) النساء/80. وطاعة الله ورسوله هي سبيل النجاة وطريق الفوز والسعادة في الدنيا والآخرة: (ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً) الأحزاب/71. ومن هنا وجبت طاعة الله ورسوله على جميع الناس لأن فيها فلاحهم ونجاتهم: (وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون) آل عمران/132. ومن عصى الله ورسوله فإنما يضر نفسه ولا يضر الله شيئاً: (ومن يعص الله ورسوله ويتعدّ حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين) النساء/14. وإذا حكم الله ورسوله في أمر فليس لأحد أن يختار أو يعترض بل تجب الطاعة والإيمان بالحق: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً) الأحزاب/36. ولا يتم إيمان العبد إلا بمحبة الله ورسوله والمحبة تستلزم الطاعة ومن أراد أن يحبه الله ويغفر له ذنوبه فليتبع الرسول صلى الله عليه وسلم: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم , والله غفور رحيم) آل عمران/31. محبة الرسول صلى الله عليه وسلم ليست كلمات تردد بل هي عقيدة وسلوك تعني طاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر واجتناب ما نهى عنه وزجر أن لا يعبد الله إلا بما شرع. ولما أكمل الله هذا الدين وبلغ الرسول رسالة ربه قبضه الله إلى جواره وترك الرسول صلى الله عليه وسلم الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً) المائدة/3. وقد حفظ الصحابة رضي الله عنهم بفضل الله أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ثم جاء من بعدهم السلف الصالح فدونوها في كتب عرفت بالصحاح والسنن والمسانيد ومن أصحها صحيح البخاري وصحيح مسلم والسنن الأربع ومسند الأمام أحمد وموطأ مالك وغيرها. وقد أكمل الله هذا الدين وما علم الرسول صلى الله عليه وسلم من خير إلا دل الأمة عليه وما علم من شر إلا حذرها منه فمن أحدث في دين الله شيئاً من البدع , والخرافات كسؤال الموتى , والطواف على قبورهم ودعاء الجن والأولياء وغير ذلك مما لم يشرعه الله ورسوله فذلك كله مردود غير مقبول كما قال عليه الصلاة والسلام: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) رواه مسلم/1718. [الْمَصْدَرُ] من كتاب أصول الدين الإسلامي للشيخ محمد بن إبراهيم التويجري. الحديث: 13206 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 39 حديث موضوع لم نجد له أصلاً [السُّؤَالُ] ـ[سمعت من أحد الشيوخ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالساً بين صحابته وإذا برجل يمر من أمامهم وبيده كيس قمح، فلما رآه صلى الله عليه وسلم ابتسم، وبعد ساعة عاد الرجل، فلهج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتسبيح، فسأله الصحابة عن حال الرجل، فقال عليه الصلاة والسلام: هذا الرجل كان ذاهباً إلى حقله ليبذر القمح لينتظر أشهراً حتى يخرج، ثم ينتظر مدة حتى يصبح قمحاً ثم يحصده، وسبب ابتسامتي هو أنه لم يبق له في الدنيا سوى سبعة أيام، فمرَّ في طريقه على أخته أم أيتام فوجدهم بأسوأ حال فأعطاهم كيس القمح الذي يملك، وقال في نفسه: أنا يرزقني الله، فزاد الله عمره سبعين عاماً. سؤالي: إخواني الأعزاء هل هذه القصة صحيحة؟ وإن كانت صحيحة أين أجد مراجعها؟ آمل مساعدتي ولكم الأجر والثواب.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه القصة لا أصل لها، ولم نجدها بعد طول بحث. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96478 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 40 معنى قولنا عن حديث رواه الشيخان [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى قولنا رواه شيخان؟ ومن هما؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المراد بالشيخين: الإمام البخاري، والإمام مسلم رحمهما الله. والبخاري: هو محمد بن إسماعيل البخاري، المتوفى سنة 256 هـ، له كتاب: صحيح البخاري، جمع فيه جملة من الأحاديث الصحيحة عن نبينا صلى الله عليه وسلم. ومسلم: هو مسلم بن الحجاج النيسابوري، المتوفى سنة 261 هـ، وهو مؤلف صحيح مسلم. وهذان الكتابان: صحيح البخاري وصحيح مسلم، هما أصح الكتب التي روت الأحاديث عن نبينا صلى الله عليه وسلم. فإذا قيل عن حديث ما: رواه الشيخان، فالمقصود رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما، وكذلك لو قيل: " متفق عليه " أي اتفق على روايته البخاري ومسلم. قال النووي رحمه الله في مقدمة شرح مسلم (1/14) : " اتفق العلماء رحمهم الله على أن أصح الكتب بعد القرآن العزيز الصحيحان البخاري ومسلم، وتلقتهما الأمة بالقبول، وكتاب البخاري أصحهما وأكثرهما فوائد " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 95884 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 41 هل حديث من سعادة ابن آدم رضاه بما قضى الله صحيح [السُّؤَالُ] ـ[ما هي درجة حديث " مِن سعادة ابن آدم رضاه بما قضى الله له ومن شقاوة ابن آدم تركه استخارة الله ومن شقاوة ابن آدم سخطه بما قضى الله له "؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحديث: رواه الترمذي (2151) . وقد صححه الحاكم (1 / 699) ووافقه الذهبي، وحسَّنه الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (11 / 184) . [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 22087 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 42 ما صحة حديث " من تهاون في الصلاة عاقبه الله بخمس عشرة عقوبة "؟ [السُّؤَالُ] ـ[عن صحة الحديث التالي قبل أن أوزعه على الأصدقاء: منكر أو تارك الصلاة يعاقبه الله خمس عشرة عقوبة 6 أثناء حياته و3 حين الموت و3 في القبر و3 يوم القيامة: العقوبات في الدنيا: 1- يمحق الله البركة في عمره 2- لا يستجيب الله لدعائه 3- تذهب من وجهه علامات الصلاح 4- تمقته جميع المخلوقات على الأرض 5- لا يثيبه الله على عمله الصالح 6- لن يشمله الله في دعاء المؤمنين العقوبات أثناء الموت: 1- يموت ذليلاً 2- يموت جوعاناً 3- يموت عطشاناً ولو شرب جميع ماء البحر العقوبات في القبر: 1- يضيق الله قبره حتى تختلف أضلاعه 2- يوقد الله عليه ناراً ذات جمر 3- يرسل الله إليه ثعباناً يقال له الشجاع الأقرع يضربه من الفجر للظهر لتركه صلاة الفجر ومن الظهر للعصر لتركه صلاة الظهر وهكذا ... وفي كل ضربة يدخله في عمق الأرض 70 ذراعاً. العقوبات يوم القيامة: 1- يرسل الله إليه من يسحبه على وجهه 2- ينظر الله إليه نظرة غضب يسقط معها لحم وجهه 3- يحاسبه الله بصرامة ويقذف به في النار.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: حديث " من تهاون في الصلاة عاقبه الله بخمسة عشر عقوبة: ستة منها في الدنيا، وثلاثة عند الموت، وثلاثة في القبر، وثلاثة عند خروجه من القبر ... ": حديث موضوع مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال عنه سماحة الشيخ ابن باز - رحمه الله - في مجلة " البحوث الإسلامية " (22 / 329) : أما الحديث الذي نسبه صاحب النشرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في عقوبة تارك الصلاة وأنه يعاقب بخمس عشرة عقوبة الخ: فإنه من الأحاديث الباطلة المكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم كما بين ذلك الحفاظ من العلماء رحمهم الله كالحافظ الذهبي في " لسان الميزان " والحافظ ابن حجر وغيرهما. وكذلك أصدرت " اللجنة الدائمة " فتوى برقم 8689 ببطلان هذا الحديث كما في " فتاوى اللجنة " (4 / 468) ومما ورد في الفتوى مما يحسن ذكره قول اللجنة: ( ... وإن فيما جاء عن الله وعن رسوله في شأن الصلاة وعقوبة تاركها ما يكفي ويشفي، قال تعالى: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً) النساء / 103، وقال تعالى عن أهل النار: (ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ... ) المدثر 42 – 43، فذكر من صفاتهم ترك الصلاة ... ، وقال صلى الله عليه وسلم: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) رواه الترمذي (2621) والنسائي (431) ، وابن ماجه (1079) وصححه الألباني في صحيح الترمذي (2113) ، والآيات والأحاديث من ترك الصلاة أن النبي صلى الله عليه وسلم سماه كفراً. راجع سؤال (2182) وقال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -: هذا الحديث موضوع مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل لأحد نشره إلا مقروناً ببيان أنه موضوع حتى يكون الناس على بصيرة منه. " فتاوى الشيخ الصادرة من مركز الدعوة بعنيزة " (1 / 6) . نسأل الله تعالى أن يثيبك على حرصك على دعوة إخوانك ونصحهم إلا أنه ينبغي أن يتقرر عند كل راغب في بذل الخير للناس وترهيبهم من الشر أن ذلك لابد أن يكون بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وأن في الصحيح غنية وكفاية عن الضعيف. سألين الله أن يكلل مسعاك بالنجاح وأن يهدي من تدعوهم إلى سلوك طريق الاستقامة وجميع المسلمين. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20897 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 43 قصة إسلام سلمان الفارسي رضي الله عنه [السُّؤَالُ] ـ[ما صحة الحديث عندما اعتنق نصراني الإسلام، فحكى للرسول صلى الله عليه وسلم عن قصة إسلامه، فأخبره أنه التقى عدة رهبان، كل واحد منهم يوصيه بالذهاب للآخر، فكان آخرهم رجل صالح يخرج مرة في العام، يشفي الناس، فلما أدركه نصحه بالذهاب لمكة، وأعطاه أوصاف الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: إن صدقت القول فهو المسيح عيسى؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحديث الذي يعنيه السائل هو حديث طويل في قصة إسلام الصحابي الجليل سلمان الفارسي رضي الله عنه، فقد كان على الديانة المجوسية ثم انتقل إلى النصرانية ثم انتقل إلى الإسلام، وذلك بعد أن التقى عدة رهبان من رهبان النصارى، وكان آخرهم رجل صالح عنده علم عن نبي آخر الزمان، فنصح الراهب سلمان أن يذهب إلى بلاد العرب التي سيخرج فيها ووصفها له، فكانت هي مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن ليس في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن هذا الراهب إنه المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، بل عيسى عليه السلام في السماء، رفعه الله إليه إلى أجل مسمى، حتى ينزله الله تعالى فيقيم به الدين في آخر الزمان. وقصة إسلام سلمان قصة عظيمة، فيها العبرة والعظة والفائدة، وأترك السائل الكريم ليقرأ الحديث بكماله، ويستفيد مما فيه: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ حَدِيثَهُ مِنْ فِيهِ قَالَ (كُنْتُ رَجُلا فَارِسِيًّا مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ، مِنْ أَهْلِ قَرْيَةٍ مِنْهَا يُقَالُ لَهَا جَيٌّ، وَكَانَ أَبِي دِهْقَانَ قَرْيَتِهِ (أي رئيسها) ، وَكُنْتُ أَحَبَّ خَلْقِ اللَّهِ إِلَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حُبُّهُ إِيَّايَ حَتَّى حَبَسَنِي فِي بَيْتِهِ، أَيْ مُلازِمَ النَّارِ، كَمَا تُحْبَسُ الْجَارِيَةُ، وَأَجْهَدْتُ فِي الْمَجُوسِيَّةِ حَتَّى كُنْتُ قَطَنَ النَّارِ (أي خادمها) الَّذِي يُوقِدُهَا لا يَتْرُكُهَا تَخْبُو سَاعَةً، قَالَ وَكَانَتْ لأَبِي ضَيْعَةٌ (أي بستان) عَظِيمَةٌ، قَالَ فَشُغِلَ فِي بُنْيَانٍ لَهُ يَوْمًا فَقَالَ لِي: يَا بُنَيَّ، إِنِّي قَدْ شُغِلْتُ فِي بُنْيَانٍ هَذَا الْيَوْمَ عَنْ ضَيْعَتِي فَاذْهَبْ فَاطَّلِعْهَا، وَأَمَرَنِي فِيهَا بِبَعْضِ مَا يُرِيدُ، فَخَرَجْتُ أُرِيدُ ضَيْعَتَهُ، فَمَرَرْتُ بِكَنِيسَةٍ مِنْ كَنَائِسِ النَّصَارَى، فَسَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ فِيهَا وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَكُنْتُ لا أَدْرِي مَا أَمْرُ النَّاسِ لِحَبْسِ أَبِي إِيَّايَ فِي بَيْتِهِ، فَلَمَّا مَرَرْتُ بِهِمْ وَسَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ دَخَلْتُ عَلَيْهِمْ أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُونَ، قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ أَعْجَبَنِي صَلَاتُهُمْ وَرَغِبْتُ فِي أَمْرِهِمْ، وَقُلْتُ هَذَا وَاللَّهِ خَيْرٌ مِنْ الدِّينِ الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ، فَوَاللَّهِ مَا تَرَكْتُهُمْ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ، وَتَرَكْتُ ضَيْعَةَ أَبِي وَلَمْ آتِهَا، فَقُلْتُ لَهُمْ: أَيْنَ أَصْلُ هَذَا الدِّينِ؟ قَالُوا: بِالشَّامِ. قَالَ ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى أَبِي وَقَدْ بَعَثَ فِي طَلَبِي وَشَغَلْتُهُ عَنْ عَمَلِهِ كُلِّهِ، قَالَ فَلَمَّا جِئْتُهُ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ! أَيْنَ كُنْتَ؟ أَلَمْ أَكُنْ عَهِدْتُ إِلَيْكَ مَا عَهِدْتُ؟ قَالَ قُلْتُ: يَا أَبَتِ! مَرَرْتُ بِنَاسٍ يُصَلُّونَ فِي كَنِيسَةٍ لَهُمْ، فَأَعْجَبَنِي مَا رَأَيْتُ مِنْ دِينِهِمْ، فَوَاللَّهِ مَازِلْتُ عِنْدَهُمْ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْس، قَالَ: أَيْ بُنَيَّ! لَيْسَ فِي ذَلِكَ الدِّينِ خَيْرٌ، دِينُكَ وَدِينُ آبَائِكَ خَيْرٌ مِنْهُ، قَالَ قُلْتُ: كَلا وَاللَّهِ إِنَّهُ خَيْرٌ مِنْ دِينِنَا. قَالَ: فَخَافَنِي، فَجَعَلَ فِي رِجْلَيَّ قَيْدًا، ثُمَّ حَبَسَنِي فِي بَيْتِهِ، قَالَ وَبَعثَتُ إِلَى النَّصَارَى فَقُلْتُ لَهُمْ: إِذَا قَدِمَ عَلَيْكُمْ رَكْبٌ مِنْ الشَّامِ تُجَّارٌ مِنْ النَّصَارَى فَأَخْبِرُونِي بِهِمْ. قَالَ: فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ رَكْبٌ مِنْ الشَّامِ تُجَّارٌ مِنْ النَّصَارَى، قَالَ فَأَخْبَرُونِي بِهِمْ، قَالَ فَقُلْتُ لَهُمْ: إِذَا قَضَوْا حَوَائِجَهُمْ وَأَرَادُوا الرَّجْعَةَ إِلَى بِلادِهِمْ فَآذِنُونِي بِهِمْ، قَالَ فَلَمَّا أَرَادُوا الرَّجْعَةَ إِلَى بِلَادِهِمْ أَخْبَرُونِي بِهِمْ، فَأَلْقَيْتُ الْحَدِيدَ مِنْ رِجْلَيَّ ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُمْ حَتَّى قَدِمْتُ الشَّامَ، فَلَمَّا قَدِمْتُهَا قُلْتُ: مَنْ أَفْضَلُ أَهْلِ هَذَا الدِّينِ؟ قَالُوا: الأَسْقُفُّ فِي الْكَنِيسَةِ. قَالَ فَجِئْتُهُ فَقُلْتُ: إِنِّي قَدْ رَغِبْتُ فِي هَذَا الدِّينِ، وَأَحْبَبْتُ أَنْ أَكُونَ مَعَكَ أَخْدُمُكَ فِي كَنِيسَتِكَ وَأَتَعَلَّمُ مِنْكَ وَأُصَلِّي مَعَكَ، قَالَ: فَادْخُلْ. فَدَخَلْتُ مَعَهُ، قَالَ فَكَانَ رَجُلَ سَوْءٍ، يَأْمُرُهُمْ بِالصَّدَقَةِ وَيُرَغِّبُهُمْ فِيهَا فَإِذَا جَمَعُوا إِلَيْهِ مِنْهَا أَشْيَاءَ اكْتَنَزَهُ لِنَفْسِهِ وَلَمْ يُعْطِهِ الْمَسَاكِينَ، حَتَّى جَمَعَ سَبْعَ قِلالٍ مِنْ ذَهَبٍ وَوَرِقٍ، قَالَ وَأَبْغَضْتُهُ بُغْضًا شَدِيدًا لِمَا رَأَيْتُهُ يَصْنَعُ، ثُمَّ مَاتَ فَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ النَّصَارَى لِيَدْفِنُوهُ، فَقُلْتُ لَهُمْ: إِنَّ هَذَا كَانَ رَجُلَ سَوْءٍ، يَأْمُرُكُمْ بِالصَّدَقَةِ وَيُرَغِّبُكُمْ فِيهَا فَإِذَا جِئْتُمُوهُ بِهَا اكْتَنَزَهَا لِنَفْسِهِ وَلَمْ يُعْطِ الْمَسَاكِينَ مِنْهَا شَيْئًا. قَالُوا: وَمَا عِلْمُكَ بِذَلِكَ؟ قَالَ قُلْتُ: أَنَا أَدُلُّكُمْ عَلَى كَنْزِهِ. قَالُوا: فَدُلَّنَا عَلَيْهِ. قَالَ فَأَرَيْتُهُمْ مَوْضِعَهُ، قَالَ فَاسْتَخْرَجُوا مِنْهُ سَبْعَ قِلَالٍ مَمْلُوءَةٍ ذَهَبًا وَوَرِقًا، قَالَ فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا: وَاللَّهِ لا نَدْفِنُهُ أَبَدًا. فَصَلَبُوهُ ثُمَّ رَجَمُوهُ بِالْحِجَارَةِ، ثُمَّ جَاءُوا بِرَجُلٍ آخَرَ فَجَعَلُوهُ بِمَكَانِهِ، قَالَ يَقُولُ سَلْمَانُ: فَمَا رَأَيْتُ رَجُلا لا يُصَلِّي الْخَمْسَ أَرَى أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ أَزْهَدُ فِي الدُّنْيَا وَلا أَرْغَبُ فِي الآخِرَةِ وَلا أَدْأَبُ لَيْلا وَنَهَارًا مِنْهُ. قَالَ فَأَحْبَبْتُهُ حُبًّا لَمْ أُحِبَّهُ مَنْ قَبْلَهُ، وَأَقَمْتُ مَعَهُ زَمَانًا، ثُمَّ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ فَقُلْتُ لَهُ: يَا فُلَانُ! إِنِّي كُنْتُ مَعَكَ، وَأَحْبَبْتُكَ حُبًّا لَمْ أُحِبَّهُ مَنْ قَبْلَكَ، وَقَدْ حَضَرَكَ مَا تَرَى مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي؟ وَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ! وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا الْيَوْمَ عَلَى مَا كُنْتُ عَلَيْهِ، لَقَدْ هَلَكَ النَّاسُ وَبَدَّلُوا وَتَرَكُوا أَكْثَرَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ إِلا رَجُلا بِالْمَوْصِلِ وَهُوَ فُلانٌ، فَهُوَ عَلَى مَا كُنْتُ عَلَيْهِ، فَالْحَقْ بِهِ.قَالَ فَلَمَّا مَاتَ وَغَيَّبَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ الْمَوْصِلِ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا فُلانُ! إِنَّ فُلانًا أَوْصَانِي عِنْدَ مَوْتِهِ أَنْ أَلْحَقَ بِكَ، وَأَخْبَرَنِي أَنَّكَ عَلَى أَمْرِهِ. قَالَ فَقَالَ لِي: أَقِمْ عِنْدِي. فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ، فَوَجَدْتُهُ خَيْرَ رَجُلٍ عَلَى أَمْرِ صَاحِبِهِ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ مَاتَ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قُلْتُ لَهُ: يَا فُلانُ! إِنَّ فُلانًا أَوْصَى بِي إِلَيْكَ وَأَمَرَنِي بِاللُّحُوقِ بِكَ، وَقَدْ حَضَرَكَ مِنْ اللَّهِ مَا تَرَى، فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي؟ وَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ! وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ رَجُلًا عَلَى مِثْلِ مَا كُنَّا عَلَيْهِ إِلا بِنِصِِّيبِينَ، وَهُوَ فُلَانٌ، فَالْحَقْ بِهِ. وَقَالَ فَلَمَّا مَاتَ وَغَيَّبَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ نِصِِّيبِينَ، فَجِئْتُهُ، فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِي وَمَا أَمَرَنِي بِهِ صَاحِبِي، قَالَ: فَأَقِمْ عِنْدِي. فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ، فَوَجَدْتُهُ عَلَى أَمْرِ صَاحِبَيْهِ، فَأَقَمْتُ مَعَ خَيْرِ رَجُلٍ، فَوَاللَّهِ مَا لَبِثَ أَنْ نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ، فَلَمَّا حَضَرَ قُلْتُ لَهُ: يَا فُلَانُ! إِنَّ فُلانًا كَانَ أَوْصَى بِي إِلَى فُلانٍ، ثُمَّ أَوْصَى بِي فُلَانٌ إِلَيْكَ، فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي وَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ! وَاللَّهِ مَا نَعْلَمُ أَحَدًا بَقِيَ عَلَى أَمْرِنَا آمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَهُ إِلا رَجُلا بِعَمُّورِيَّةَ، فَإِنَّهُ بِمِثْلِ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَحْبَبْتَ فَأْتِهِ قَالَ فَإِنَّهُ عَلَى أَمْرِنَا، قَالَ فَلَمَّا مَاتَ وَغَيَّبَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ عَمُّورِيَّةَ وَأَخْبَرْتُهُ خَبَرِي، فَقَالَ: أَقِمْ عِنْدِي. فَأَقَمْتُ مَعَ رَجُلٍ عَلَى هَدْيِ أَصْحَابِهِ وَأَمْرِهِمْ، قَالَ وَاكْتَسَبْتُ حَتَّى كَانَ لِي بَقَرَاتٌ وَغُنَيْمَةٌ، قَالَ ثُمَّ نَزَلَ بِهِ أَمْرُ اللَّهِ فَلَمَّا حَضَرَ قُلْتُ لَهُ: يَا فُلانُ! إِنِّي كُنْتُ مَعَ فُلانٍ، فَأَوْصَى بِي فُلانٌ إِلَى فُلانٍ، وَأَوْصَى بِي فُلانٌ إِلَى فُلانٍ، ثُمَّ أَوْصَى بِي فُلَانٌ إِلَيْكَ، فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي وَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ! وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُهُ أَصْبَحَ عَلَى مَا كُنَّا عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ آمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَهُ، وَلَكِنَّهُ قَدْ أَظَلَّكَ زَمَانُ نَبِيٍّ، هُوَ مَبْعُوثٌ بِدِينِ إِبْرَاهِيمَ، يَخْرُجُ بِأَرْضِ الْعَرَبِ مُهَاجِرًا إِلَى أَرْضٍ بَيْنَ حَرَّتَيْنِ (الحرة: الأرض ذات الحجارة السود) ، بَيْنَهُمَا نَخْلٌ، بِهِ عَلامَاتٌ لا تَخْفَى: يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ وَلا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، فَإِنْ استَطَعْتَ أَنْ تَلْحَقَ بِتِلْكَ الْبِلادِ فَافْعَلْ. قَالَ ثُمَّ مَاتَ وَغَيَّبَ، فَمَكَثْتُ بِعَمُّورِيَّةَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَمْكُثَ، ثُمَّ مَرَّ بِي نَفَرٌ مِنْ كَلْبٍ تُجَّارًا، فَقُلْتُ لَهُمْ: تَحْمِلُونِي إِلَى أَرْضِ الْعَرَبِ وَأُعْطِيكُمْ بَقَرَاتِي هَذِهِ وَغُنَيْمَتِي هَذِهِ؟ قَالُوا: نَعَمْ. فَأَعْطَيْتُهُمُوهَا وَحَمَلُونِي، حَتَّى إِذَا قَدِمُوا بِي وَادِي الْقُرَى ظَلَمُونِي فَبَاعُونِي مِنْ رَجُلٍ مِنْ يَهُودَ عَبْدًا، فَكُنْتُ عِنْدَهُ، وَرَأَيْتُ النَّخْلَ، وَرَجَوْتُ أَنْ تَكُونَ الْبَلَدَ الَّذِي وَصَفَ لِي صَاحِبِي، وَلَمْ يَحِقْ لِي فِي نَفْسِي، فَبَيْنَمَا أَنَا عِنْدَهُ قَدِمَ عَلَيْهِ ابْنُ عَمٍّ لَهُ مِنْ الْمَدِينَةِ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، فَابْتَاعَنِي مِنْهُ، فَاحْتَمَلَنِي إِلَى الْمَدِينَةِ، فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلا أَنْ رَأَيْتُهَا فَعَرَفْتُهَا بِصِفَةِ صَاحِبِي، فَأَقَمْتُ بِهَا، وَبَعَثَ اللَّهُ رَسُولَهُ فَأَقَامَ بِمَكَّةَ مَا أَقَامَ، لا أَسْمَعُ لَهُ بِذِكْرٍ مَعَ مَا أَنَا فِيهِ مِنْ شُغْلِ الرِّقِّ، ثُمَّ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَوَاللَّهِ إِنِّي لَفِي رَأْسِ عَذْقٍ لِسَيِّدِي أَعْمَلُ فِيهِ بَعْضَ الْعَمَلِ وَسَيِّدِي جَالِسٌ إِذْ أَقْبَلَ ابْنُ عَمٍّ لَهُ حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِ، فَقَالَ فُلانُ: قَاتَلَ اللَّهُ بَنِي قَيْلَةَ، وَاللَّهِ إِنَّهُمْ الآنَ لَمُجْتَمِعُونَ بِقُبَاءَ عَلَى رَجُلٍ قَدِمَ عَلَيْهِمْ مِنْ مَكَّةَ الْيَوْمَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ نَبِيٌّ، قَالَ فَلَمَّا سَمِعْتُهَا أَخَذَتْنِي الْعُرَوَاءُ (برد الحمى) حَتَّى ظَنَنْتُ سَأَسْقُطُ عَلَى سَيِّدِي، قَالَ: وَنَزَلْتُ عَنْ النَّخْلَةِ فَجَعَلْتُ أَقُولُ لابْنِ عَمِّهِ ذَلِكَ: مَاذَا تَقُولُ مَاذَا تَقُولُ؟ قَالَ فَغَضِبَ سَيِّدِي فَلَكَمَنِي لَكْمَةً شَدِيدَةً ثُمَّ قَالَ: مَا لَكَ وَلِهَذَا؟! أَقْبِلْ عَلَى عَمَلِكَ. قَالَ قُلْتُ: لا شَيْءَ، إِنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَسْتَثْبِتَ عَمَّا قَالَ. وَقَدْ كَانَ عِنْدِي شَيْءٌ قَدْ جَمَعْتُهُ، فَلَمَّا أَمْسَيْتُ أَخَذْتُهُ ثُمَّ ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِقُبَاءَ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّكَ رَجُلٌ صَالِحٌ وَمَعَكَ أَصْحَابٌ لَكَ غُرَبَاءُ ذَوُو حَاجَةٍ، وَهَذَا شَيْءٌ كَانَ عِنْدِي لِلصَّدَقَةِ، فَرَأَيْتُكُمْ أَحَقَّ بِهِ مِنْ غَيْرِكُمْ، قَالَ فَقَرَّبْتُهُ إِلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم لِأَصْحَابِهِ: كُلُوا. وَأَمْسَكَ يَدَهُ فَلَمْ يَأْكُلْ، قَالَ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي هَذِهِ وَاحِدَةٌ، ثُمَّ انْصَرَفْتُ عَنْهُ فَجَمَعْتُ شَيْئًا، وَتَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ، ثُمَّ جِئْتُ بِهِ، فَقُلْتُ إِنِّي رَأَيْتُكَ لا تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ وَهَذِهِ هَدِيَّةٌ أَكْرَمْتُكَ بِهَا، قَالَ فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهَا، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَأَكَلُوا مَعَهُ، قَالَ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي هَاتَانِ اثْنَتَانِ، ثُمَّ جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِبَقِيعِ الْغَرْقَدِ، قَالَ: وَقَدْ تَبِعَ جَنَازَةً مِنْ أَصْحَابِهِ عَلَيْهِ شَمْلَتَانِ لَهُ، وَهُوَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ اسْتَدَرْتُ أَنْظُرُ إِلَى ظَهْرِهِ هَلْ أَرَى الْخَاتَمَ الَّذِي وَصَفَ لِي صَاحِبِي، فَلَمَّا رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَدَرْتُهُ عَرَفَ أَنِّي أَسْتَثْبِتُ فِي شَيْءٍ وُصِفَ لِي، قَالَ فَأَلْقَى رِدَاءَهُ عَنْ ظَهْرِهِ، فَنَظَرْتُ إِلَى الْخَاتَمِ فَعَرَفْتُهُ فَانْكَبَبْتُ عَلَيْهِ أُقَبِّلُهُ وَأَبْكِي، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: تَحَوَّلْ. فَتَحَوَّلْتُ فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ حَدِيثِي كَمَا حَدَّثْتُكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ فَأَعْجَبَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَسْمَعَ ذَلِكَ أَصْحَابُهُ، ثُمَّ شَغَلَ سَلْمَانَ الرِّقُّ حَتَّى فَاتَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَدْرٌ وَأُحُدٌ، قَالَ ثُمَّ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كَاتِبْ يَا سَلْمَانُ. فَكَاتَبْتُ صَاحِبِي عَلَى ثَلاثِ مِائَةِ نَخْلَةٍ أُحْيِيهَا لَهُ بِالْفَقِيرِ (حفرة الفسيلة التي تغرس فيها) وَبِأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لأَصْحَابِهِ: أَعِينُوا أَخَاكُمْ. فَأَعَانُونِي بِالنَّخْلِ، الرَّجُلُ بِثَلاثِينَ وَدِيَّةً (أي صغار النخل) ، وَالرَّجُلُ بِعِشْرِينَ، وَالرَّجُلُ بِخَمْسَ عَشْرَةَ، وَالرَّجُلُ بِعَشْرٍ، يَعْنِي الرَّجُلُ بِقَدْرِ مَا عِنْدَهُ، حَتَّى اجْتَمَعَتْ لِي ثَلاثُ مِائَةِ وَدِيَّةٍ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اذْهَبْ يَا سَلْمَانُ فَفَقِّرْ لَهَا (أي احفر لها موضع غرسها) ، فَإِذَا فَرَغْتَ فَأْتِنِي أَكُونُ أَنَا أَضَعُهَا بِيَدَيَّ، فَفَقَّرْتُ لَهَا وَأَعَانَنِي أَصْحَابِي حَتَّى إِذَا فَرَغْتُ مِنْهَا جِئْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعِي إِلَيْهَا: فَجَعَلْنَا نُقَرِّبُ لَهُ الْوَدِيَّ، وَيَضَعُهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ، فَوَالَّذِي نَفْسُ سَلْمَانَ بِيَدِهِ مَا مَاتَتْ مِنْهَا وَدِيَّةٌ وَاحِدَةٌ، فَأَدَّيْتُ النَّخْلَ وَبَقِيَ عَلَيَّ الْمَالُ، فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِ بَيْضَةِ الدَّجَاجَةِ مِنْ ذَهَبٍ، مِنْ بَعْضِ الْمَغَازِي، فَقَالَ: مَا فَعَلَ الْفَارِسِيُّ الْمُكَاتَبُ؟ قَالَ فَدُعِيتُ لَهُ فَقَالَ: خُذْ هَذِهِ فَأَدِّ بِهَا مَا عَلَيْكَ يَا سَلْمَانُ. فَقُلْتُ: وَأَيْنَ تَقَعُ هَذِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِمَّا عَلَيَّ. قَالَ: خُذْهَا فَإِنَّ اللَّهَ سَيُؤَدِّي بِهَا عَنْكَ. قَالَ فَأَخَذْتُهَا فَوَزَنْتُ لَهُمْ مِنْهَا، وَالَّذِي نَفْسُ سَلْمَانَ بِيَدِهِ أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً، فَأَوْفَيْتُهُمْ حَقَّهُمْ، وَعُتِقْتُ، فَشَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْخَنْدَقَ، ثُمَّ لَمْ يَفُتْنِي مَعَهُ مَشْهَدٌ) رواه أحمد في المسند (5/441) وقال المحققون: إسناده حسن. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 88651 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 44 السنة النبوية الصحيحة وحي من الله [السُّؤَالُ] ـ[أولا: أعتذر عن إثارة مثل هذا السؤال، ولكي لا أترك مجالا للشك في نيتي، أقول: إنني أشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله، وإنني راض تمام الرضى بالله عز وجل ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا. أسأل عن السنة، لأنه توجد روايات كثيرة لحديث واحد، فمثلا نجد في صحيح البخاري حديثا ما بأسلوب مخالف لما هو عليه في صحيح مسلم، فلماذا لا تكون السنة مثل القرآن العظيم؟ ما الفرق بين السنة المطهرة والقرآن العظيم؟ هل السنة النبوية الشريفة هي من الوحي الذي يتنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم، أم هي من أقواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم؟ هل هي من خصائص النبوة أم ماذا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا بد أن يستقر في عقل وقلب كل مسلم أن السنة - وهي ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير - هي أحد قسمي الوحي الإلهي الذي أُنزِل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقسم الآخر من الوحي هو القرآن الكريم. قال تعالى (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِن هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىْ) النجم/3-4 وعن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ القُرآنَ وَمِثلَهُ مَعَهُ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبعَان عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: عَلَيكُم بِهَذَا القُرآنِ، فَمَا وَجَدتُم فِيهِ مِن حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدتُم فِيهِ مِن حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ، أَلَا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ) رواه الترمذي (2664) وقال: حسن غريب من هذا الوجه، وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2870) وهذا ما فهمه السلف الصالح رضوان الله عليهم من ديننا الحنيف: يقول حسان بن عطية "الكفاية" للخطيب (12) : " كان جبريل ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن " انتهى. رواه الدامي في سننه (588) والخطيب في الكفاية (12) ، وعزاه الحافظ في الفتح (13/291) إلى البيهقي، قال: " بسند صحيح ". وأهمية السنة في كونها مبيِّنةً لكتاب الله وشارحةً له أوَّلًا، ثم من كونها تزيد على ما في كتاب الله بعض الأحكام. يقول الله تعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) النحل/44 يقول ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" (2/190) : " البيان منه صلى الله عليه وسلم على ضربين: الأول: بيان المجمل في الكتاب العزيز، كالصلوات الخمس في مواقيتها وسجودها وركوعها وسائر الأحكام. الثاني: زيادة حكم على حكم الكتاب، كتحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها " انتهى. ثانيا: لما كانت السنة القسمَ الثانيَ من أقسام الوحي، كان لا بد من حفظ الله تعالى لها، ليحفظَ بها الدين من التحريف أو النقص أو الضياع. يقول ابن حزم رحمه الله "الإحكام" (1/95) : " قال تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) الحجر/9 وقال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاء إِذَا مَا يُنذَرُونَ) الأنبياء/45 فأخبر تعالى أن كلام نبيه صلى الله عليه وسلم كله وحي، والوحي بلا خلاف ذِكْرٌ، والذكر محفوظ بنصِّ القرآن، فصح بذلك أن كلامه صلى الله عليه وسلم كله محفوظ بحفظ الله عز وجل، مضمون لنا أنه لا يضيع منه شيء، إذ ما حَفِظَ الله تعالى فهو باليقين لا سبيل إلى أن يضيع منه شيء، فهو منقول إلينا كله، فلله الحجة علينا أبدا " انتهى. ثالثا: وإذا ثبت أن السنة من الوحي الإلهي، لا بد من التنبه إلى أن الفرق بينها وبين القرآن يكمن في أمر واحد فقط، وهو أن القرآن كلام الله تعالى، نزل بلفظه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أما السنة فقد لا تكون من كلامه تعالى، بل من وحيه فقط، ثم لا يلزم أن تأتي بلفظها، بل بالمعنى والمضمون. ومِن فَهْمِ هذا الفرق، يظهر أن العبرة في نقل السنة هو المعنى والمضمون، وليس ذات الألفاظ التي نطق بها النبي صلى الله عليه وسلم، والشريعة الإسلامية إنما حُفظت بحفظ الله تعالى للقرآن الكريم كاملا، وبحفظه سبحانه للسنة النبوية في مُجمَلِها، ومعناها، وما بيَّنَتهُ من كتاب الله، وليس في ألفاظها وحروفها. ومع ذلك فإن علماء هذه الأمة على مدى القرون السالفة، قد قاموا بحفظ الشريعة والسنة، ونقلوا لنا ألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم كما قالها، وميزوا ما فيها من الصواب والخطأ، والحق والباطل. وما يراه السائل الكريم من تعدد الروايات للحديث الواحد لا يعني أبدا التقصير في حفظ السنة ونقلها، وإنما اختلفت الروايات لأسباب عديدة، إذا تبينت ظهر الجواب واضحا، فيقال: رابعا: أسباب تعدد الروايات: 1- تعدد الحادثة: يقول ابن حزم رحمه الله في "الإحكام" (1/134) : " وليس اختلاف الروايات عيبا في الحديث إذا كان المعنى واحدا، لأن النبي صلى اله عليه وسلم صحَّ عنه أنه إذا كان يُحَدِّث بحديثٍ كَرَّرَه ثلاث مرات، فينقل كل إنسان بحسب ما سمع، فليس هذا الاختلاف في الروايات مما يوهن الحديث إذا كان المعنى واحدا " انتهى. 2- الرواية بالمعنى: وهو أكثر ما يسبب تعدد الروايات للحديث الواحد، فإن المهم في نقل الحديث أداء مضمونه ومحتواه، أما ألفاظه فليست تعبديةً كالقرآن. مثاله: حديث (إنما الأعمال بالنيات) : فقد روي بلفظ (العمل بالنية) ولفظ (إنما الأعمال بالنية) وآخر (الأعمال بالنية) ، وهذا التعدد سببه الرواية بالمعنى، فإن مخرج الحديث واحد، وهو يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة عن عمر رضي الله عنه، والملاحظ أن المعنى الذي يفهم من هذه الجمل واحد، فأي ضرر في تعدد الروايات حينئذ؟! ولكي يطمئن العلماء أكثر إلى أن الراوي نقل المعنى الصحيح للحديث، كانوا لا يقبلون الرواية بالمعنى إلا من عالم باللغة العربية، ثم يقارنون رواية الراوي برواية غيره من الثقات، فيتبين لهم الخطأ في النقل إن وقع، والأمثلة على ذلك كثيرة، ليس هذا محلها. 3- اختصار الراوي للحديث: أي أن يكون الراوي حافظا للحديث كله، ولكن يكتفي بذكر جزء منه في حال، ويذكره كاملا في حال أخرى. مثاله: روايات حديث أبي هريرة في قصة نسيان النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين من صلاة الظهر، فكلها جاءت عن أبي هريرة، وهي قصة واحدة، وذلك يدل على أن اختلاف الروايات سببه اختصار بعض الرواة. انظر صحيح البخاري (714) (715) (1229) 4- الخطأ: فقد يقع من أحد الرواة الخطأ، فيروي الحديث على غير وجهه الذي يرويه الآخرون، ويمكن معرفة الخطأ بمقارنة الروايات بعضها ببعض، وهو ما قام به أهل العلم في كتب السنة والتخريج. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "الجواب الصحيح" (3/39) : " ولكن هذه الأمة حفظ الله تعالى لها ما أنزله، قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) الحجر/9، فما في تفسير القرآن أو نقل الحديث أو تفسيره من غلط، فإن الله يقيم له من الأمة من يبيِّنُه، ويذكر الدليل على غلط الغالط وكذب الكاذب، فإن هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة، ولا يزال فيها طائفة ظاهرة على الحق حتى تقوم الساعة، إذ كانوا آخر الأمم، فلا نبي بعد نبيهم، ولا كتاب بعد كتابهم، وكانت الأمم قبلهم إذا بدَّلوا وغيَّروا بعث الله نبيا يبين لهم ويأمرهم وينهاهم، ولم يكن بعد محمد صلى الله عليه وسلم نبي، وقد ضمن الله أن يحفظ ما أنزله من الذكر " انتهى. والسنة، على الوجه الذي ذكرناه أولا، من كونها وحيا من عند الله تعالى: يبين للناس ما نُزِّل إليهم في كتاب الله تعالى، ويعلمهم من الأحكام ما يحتاجونه في دينهم، ولو يأت تفصيله، أو أصله في كتاب الله تعالى، نقول: السنة على هذا الوجه هي من خصائص النبوة؛ فهذه الوظيفة هي من أجل وظائف النبوة، وما زال الناس يرون السنة على هذا الوجه، بما تحمله الكتب، أو الروايات الشفهية من اختلاف في بعض الألفاظ، أو تعدد لسياقات الحديث، ولم يكن في ذلك ما يدعو للتشكك في منزلتها، أو القلق من حفظها، أو التردد والخلاف في حجيتها وحاجة الناس إليها، على كثرة ما اختلف الناس وتنازعوا في المسائل العلمية والعملية. يقول العلامة الشيخ عبد الغني عبد الخالق ـ رحمه الله ـ: " لا نجد في كتب الغزالي والآمدي والبزدوي، وجميع من اتبع طرقهم في التأليف من الأصوليين، تصريحا ولا تلويحا بأن في هذه المسألة خلافا، وهم الذين استقصوا كتب السابقين ومذاهبهم، وتتبعوا الاختلافات، حتى الشاذة منها، واعتنوا بالرد عليها أشد الاعتناء" ثم نقل عن صاحب المُسَلَّم، وشارحه: " أن حجية الكتاب والسنة والإجماع والقياس: من علم الكلام، لكن تعرض الأصولي لحجية الإجماع والقياس، لأنهما كثر التشغيب فيهما من الحمقى، من الخوارج والروافض (خذلهم الله تعالى) ، وأما حجية الكتاب والسنة: فمتفق عليها عند الأمة، ممن يدعي التدين كافة، فلا حاجة إلى الذكر " انتهى. انظر: حجية السنة (248-249) . وانظر: إجابة السؤال (93111) [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 77243 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 45 حديث: " خير الأسماء ما عبّد وحمّد" لا يصح [السُّؤَالُ] ـ[ما صحة حديث "خير الأسماء ما حمّد وعبّد"؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث لا يصح، ولا أصل له. قال في "كشف الخفاء" (1/468) : " خير الأسماء ما حُمّد وعُبّد: قال النجم: لا يُعرف. . وروي بلفظ: (أحب الأسماء إلى الله ما عبد وحمد) قال السيوطي: لم أقف عليه " انتهى بتصرف. وقال في "المقاصد الحسنة" (ص 87) : " وأما ما يذكر على الألسنة من: (خير الأسماء ما حمد وما عبد) فما علمته) انتهى. وقال الألباني رحمه الله: " (أحب الأسماء إلى الله ما عبد وحمد) : لا أصل له كما صرح به السيوطي وغيره " انتهى من "السلسلة الضعيفة" (1/595) رقم (411) . وقد صح في فضل التعبيد لله، والتسمي بعبد الله وعبد الرحمن: ما روى مسلم (2132) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ أَحَبَّ أَسْمَائِكُمْ إِلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 72249 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 46 هل صيام رمضان لا يرفع إلا بزكاة الفطر؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل صحيح أن صيام رمضان معلق بين السماء والأرض، ولا يرفع إلا بزكاة الفطر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ورد في ذلك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكن ضعيف. عزاه السيوطي في "الجامع الصغير" لابن شاهين في "ترغيبه" والضياء عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (شهر رمضان معلق بين السماء والأرض ولا يرفع إلى الله إلا بزكاة الفطر) . وضعفه السيوطي، وبين المناوي في "فيض القدير" سبب ضعفه فقال: "أورده ابن الجوزي في "الواهيات" وقال: لا يصح، فيه محمد بن عبيد البصري مجهول ". وضعفه الألباني في: سلسلة الأحاديث الضعيفة" (43) وقال: " ثم إن الحديث لو صح لكان ظاهر الدلالة على أن قبول صوم رمضان متوقف على إخراج صدقة الفطر، فمن لم يخرجها لم يقبل صومه، ولا أعلم أحدا من أهل العلم يقول به .... والحديث ليس بصحيح " انتهى باختصار. وإذا لم يصح الحديث، فلا يستطيع أحد القول بأن صوم رمضان لا يقبل إلا بزكاة الفطر، لأن هذا لا يمكن معرفته إلا من النبي صلى الله عليه وسلم. وقد ثبت في سنن أبي داود (1609) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: (فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ) وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود. فهذا الحديث يبين الحكمة من زكاة الفطر، وأنها تجبر النقص الحاصل في الصيام، ولم يذكر أن الصيام لا يقبل إلا بزكاة الفطر. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 70489 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 47 حديث: (أسروا الخطبة وأَعْلِنُوا النِّكَاحَ) [السُّؤَالُ] ـ[ما مدى صحة الحديث: (أسروا الخطبة وأَعْلِنُوا النِّكَاحَ) ؟ أنا أقصد الخطبة فقط ليس العقد. هل يفضل عدم إقامة حفل للخطوبة؟ أنا أعلم أن إعلان العقد أو النكاح واجب ولكن ماذا عن الخطبة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث رواه الديلمي في مسند الفردوس بلفظ: (أظهروا النكاح وأخفوا الخِطبة) وهو حديث ضعيف، ضعفه الألباني رحمه الله في السلسلة الضعيفة (2494) ، وفي ضعيف الجامع الصغير (922) . لكن الجملة الأولى منه صحت بلفظ: (أعلنوا) . فقد روى أحمد عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أعلنوا النكاح) والحديث حسنه الألباني في إرواء الغليل (1993) . وإعلان النكاح بمعنى الإشهاد عليه واجب عند جمهور العلماء، بل هو شرط من شروط صحة النكاح، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) رواه البيهقي من حديث عمران وعائشة، وصححه الألباني في صحيح الجامع (7557) . وقد استحب بعض العلماء إخفاء الخِطبة خوفاً من الحسدة الذين يسعون للإفساد بينه وبين أهل المخطوبة. كما في "حاشية العدوي على شرح مختصر خليل" (3/167) . ويشهد لهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان، فإن كل ذي نعمةٍ محسود) رواه الطبراني وصححه الألباني في صحيح الجامع (943) . وهذا ليس خاصاًّ بالخطبة، بل ينبغي للإنسان أن لا يظهر نعمة الله عليه أمام من يحسده عليها. وأما إقامة حفل للخطوبة فهو من الأمور التي اعتادها كثير من الناس، ولا حرج في ذلك إن شاء الله تعالى. مع مراعاة أنه يجب التقيد بالأحكام الشرعية في هذا الحفل، فلا يحصل فيه اختلاط بين الرجال والنساء، أو استعمال الآلات الموسيقية عدا الدف، فإن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في استعماله في الأعراس. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 67884 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 48 صحة حديث (أوقد على النار ألف سنة حتى احمرت ... ) [السُّؤَالُ] ـ[ما صحة حديث (أوقد على النار ألف سنة حتى احمرت ... ) ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث رواه الترمذي: حدثنَا عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ الْبَغْدَادِيُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ عَاصِمٍ هُوَ ابْنُ بَهْدَلَةَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أُوقِدَ عَلَى النَّارِ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى احْمَرَّتْ ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى ابْيَضَّتْ ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى اسْوَدَّتْ فَهِيَ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ) وقال: حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ أَوْ رَجُلٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَهُ وَلَمْ يَرْفَعْهُ قَالَ أَبُو عِيسَى الترمذي حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي هَذَا مَوْقُوفٌ أَصَحُّ وَلا أَعْلَمُ أَحَدًا رَفَعَهُ غَيْرَ يَحْيَى بْنِ أَبِي بُكَيْرٍ عَنْ شَرِيكٍ قال الألباني: يحيى هذا ثقة محتج به في الصحيحين، فلا مجال للغمز منه، ولاسيما وفوقه شريك وهو ابن عبد الله النخعي القاضي، وهو سيء الحفظ، فهو علة الحديث، ويؤكد ذلك اضطرابه فيه فتارة يرفعه وأخرى يوقفه، وتارة يجزم في إسناده فيقول: عن أبي صالح، وتارة يشك فيه فيقول: عن أبي صالح أو عن رجل آخر، وذلك من علامات قلة ضبطه وسوء حفظه فلا جرم ضعفه أهل العلم والمعرفة بالرجال، فالحديث ضعيف مرفوعاً وموقوفاً. انظر السلسلة الضعيفة (3/470) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 22381 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 49 حديث: (حسبي من سؤالي علمه بحالي) [السُّؤَالُ] ـ[هل هذا الحديث صحيح: (حسبي من سؤالي علمه بحالي) ؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الكلام يروى عن إبراهيم عليه السلام لمَّا رمي به قومه بالمنجنيق إلى النار استقبله جبريل فقال: يا إبراهيم ألك حاجة؟ فقال: أما إليك فلا، قال جبريل: فسل ربك. فقال إبراهيم: حسبي من سؤالي علمه بحالي. وقد ذكره البغوي في تفسير سورة الأنبياء مشيراً إلى ضعفه (5/327) . وقال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (1/183) : وَمَا يُرْوَى أَنَّ الْخَلِيلَ لَمَّا أُلْقِيَ فِي الْمَنْجَنِيقِ قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: سَلْ قَالَ " حَسْبِي مِنْ سُؤَالِي عِلْمُهُ بِحَالِي " لَيْسَ لَهُ إسْنَادٌ مَعْرُوفٌ وَهُوَ بَاطِلٌ بَلْ الَّذِي ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: " حَسْبِي اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ". . . وَأَمَّا سُؤَالُ الْخَلِيلِ لِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهَذَا مَذْكُورٌ فِي الْقُرْآنِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ فَكَيْفَ يَقُولُ حَسْبِي مِنْ سُؤَالِي عِلْمُهُ بِحَالِي؟! . وقال أيضاً (8/538) : وَأَمَّا قَوْلُهُ: حَسْبِي مِنْ سُؤَالِي عِلْمُهُ بِحَالِي فَكَلامٌ بَاطِلٌ خِلافَ مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ عَنْ إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ وَغَيْرِهِ مِنْ الأَنْبِيَاءِ مِنْ دُعَائِهِمْ لِلَّهِ وَمَسْأَلَتِهِمْ إيَّاهُ وَهُوَ خِلافُ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ مِنْ سُؤَالِهِمْ لَهُ صَلاحَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ كَقَوْلِهِمْ: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) البقرة/201. وَدُعَاءُ اللَّهِ وَسُؤَالُهُ وَالتَّوَكُّلُ عَلَيْهِ عِبَادَةٌ لِلَّهِ مَشْرُوعَةٌ. . . اهـ. وذكره الألباني في السلسلة الضعيفة (21) وقال: هو من الإسرائيليات ولا أصل له في المرفوع. اهـ. وقد أخذ هذا المعنى بعض الصوفية فقال: "سؤالك منه اتهام له". قال الألباني رحمه الله: "وهذه ضلالة كبرى! فهل كان الأنبياء صلوات الله عليهم متهمين لربهم حين سألوه مختلف الأسئلة؟ فهذا إبراهيم عليه الصلاة والسلام يقول: (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ * رَبَّنَا. . .) إبراهيم /37-38. إلى آخر الآيات، وكلها أدعية وأدعية الأنبياء في الكتاب والسنة لا تكاد تحصى، والقائل المشار إليه قد غفل عن كون الدعاء الذي هو تضرع والتجاء إلى الله تعالى عبادة عظيمة بغض النظر عن ماهية الحاجة المسؤولة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الدعاء هو العبادة) ثم تلا قوله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) غافر/60. وذلك لأن الدعاء يظهر عبودية العبد لربه وحاجته إليه ومسكنته بين يديه، من رغب عن دعائه، فكأنه رغب عن عبادته سبحانه وتعالى، فلا جرم جاءت الأحاديث متضافرة في الأمر به والحض عليه حتى قال صلى الله عليه وسلم: " من لا يدع الله يغضب عليه " أخرجه الحاكم (1/491) وصححه ووافقه الذهبي وهو حديث حسن، وقال صلى الله عليه وسلم " سلوا الله كل شيء حتى الشسع، فإن الله عز وجل إن لم ييسره لم يتيسر " أخرجه ابن السني (رقم 349) بسند حسن، وله شاهد من حديث أنس عن الترمذي (4/292) وغيره. وبالجملة، فهذا الكلام المعزو لإبراهيم عليه السلام لا يصدر من مسلم يعرف منزلة الدعاء في الإسلام فكيف يقوله من سمانا المسلمين؟! " اهـ سلسة الأحاديث الضعيفة (1/29) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 22498 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 50 صحة حديث: (إن الله يحب الملحين في الدعاء) [السُّؤَالُ] ـ[هل هذا الحديث صحيح: (إن الله يحب الملحين في الدعاء) ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هناك أحاديث تُرَوَّج بين الناس، وتشتهر على الألسنة، وقد يحرص بعض الناس على نشرها جهلاً منهم بعدم صحة نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والواجب على المسلم أن يتحرى ولا ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما يعلم أنه ثابت عنه. وهذا الحديث: (إن الله يحب الملحين في الدعاء) لا يصح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقد رواه الطبراني في الدعاء (2/795) والعقيلي في الضعفاء الكبير (4/452) وابن عدي في الكامل (7/2621) . قال الحافظ ابن حجر في "التلخيص ": " تفرد به يوسف بن السفر عن الأوزاعي وهو متروك". وقال الألباني في الإرواء: (3/143) " موضوع". وحكم عليه في السلسلة الضعيفة (2/96-637) بأنه باطل. هذا من جهة ثبوت هذا اللفظ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وأما من جهة المعنى: فإن المقصود من الإلحاح في الدعاء تكراره، وقد ثبت ذلك من فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، روى مسلم (1794) عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَعَا دَعَا ثَلاثًا، وَإِذَا سَأَلَ سَأَلَ ثَلاثًا. قال النووي رحمه الله: فِيهِ: اِسْتِحْبَاب تَكْرِير الدُّعَاء ثَلاثًا. وَقَوْله: (وَإِذَا سَأَلَ) هُوَ الدُّعَاء , لَكِنْ عَطَفَهُ لاخْتِلافِ اللَّفْظ تَوْكِيدًا اهـ. وقال البخاري رحمه الله: بَاب تَكْرِير الدُّعَاء، ثم ذَكَرَ فِيهِ حَدِيث عَائِشَة رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا الله تعالى، وكَرَّرَ الدعاء لما سحره لبيد بن الأعصم اليهودي، قالت عائشة: حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَوْ ذَاتَ لَيْلَةٍ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ دَعَا ثُمَّ دَعَا. . . الحديث. رواه البخاري (6391) ومسلم (2189) واللفظ له. وقال ابن القيم رحمه الله في "الداء والدواء" ص 25: ومن أنفع الأدوية: الإلحاح في الدعاء اهـ. وفي كتاب الزهد للإمام أحمد (305) عن قتادة: قال مورق: ما وجدت للمؤمن مثلاً إلا رجلاً في البحر على خشبة فهو يدعو: يارب ... يارب.. لعل الله أن ينجيه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 22490 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 51 حديث: (المؤمن بين خمس شدائد ... ) [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أسأل إذا كان هذا حديثاً صحيحاً أم لا؟ (المؤمن بين خمس شدائد: مؤمن يغبطه , ومنافق يحسده , وكافر يقاتله , ونفس تنازعه , وشيطان يضله) وإذا كان حديثاً فمن خرّجه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ورد هذا الحديث من طريقين: الطريق الأولى: أخرجها الديلمي في " الفردوس " كما أشار المناوي في " فيض القدير " (5/292 رقم 7352) من حديث أبي هريرة بلفظ: (للمؤمن أربعة أعداء: مؤمن يحسده، ومنافق يبغضه , وشيطان يضله , وكافر يقاتله) . قال المناوي عقب الحديث: " وفيه صخر الحاجبي قال الذهبي في الضعفاء: " متهم بالوضع "، وخالد الواسطي مجهول، وحصين بن عبد الرحمن قال الذهبي: " نسي وشاخ "، وقال النسائي: " تغير " اهـ. وقال العلامة الألباني في " ضعيف الجامع " (4749) : " ضعيف جداً ". الطريق الثانية: أخرجها أبو بكر بن لآل في " مكارم الأخلاق " كما أشار العراقي في " المغني عن حمل الأسفار " (3/63) من حديث أنس، بلفظ: (المؤمن بين خمسة شدائد: مؤمن يحسده , ومنافق يبغضه , وكافر يقاتله , وشيطان يضله , ونفس تنازعه) . قال العراقي: " أخرجه أبو بكر بن لآل في " مكارم الأخلاق " من حديث أنس بسندٍ ضعيفٍ " اهـ. فالحديث لا يثبت، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 60299 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 52 ما صحة حديث الحمد لله الذي أطعمني ورزقني [السُّؤَالُ] ـ[الدعاء الذي نقوله بعد الأكل " الحمد لله الذي أطعمني ورزقني وجعلني من المسلمين " هو حديث ضعيف ولكن ليس لدي الدليل وسألني أحدهم عن الدليل، أرجو الشرح.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لفظ الحديث: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَجَعَلَنَا مُسْلِمِينَ. رواه أبو داود (3850) ، والترمذي (3457) . قال العلامة الألباني في تخريجه لـ " الكلم الطيب " (189) لشيخ الإسلام ابن تيمية: ضعيف الإسناد، لأنه اضطرب فيه الرواة كما بينه الحافظ في " التهذيب "، ومن قبله الحافظ المزي في " تحفة الأشراف " (3/353-354) ، ومن قبلهما الإمام البخاري في " التاريخ الكبير " (1/1/353-354) ، والنسائي في " اليوم والليلة " (288-290) ، والترمذي مع تساهله المعروف لم يحسنه.ا. هـ. والذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث مشابهة في هذا الباب ومنها: - عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا فَرَغَ مِنْ طَعَامِهِ وَقَالَ مَرَّةً إِذَا رَفَعَ مَائِدَتَهُ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَفَانَا، وَأَرْوَانَا غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلا مَكْفُورٍ، وَقَالَ مَرَّةً: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّنَا غَيْرَ مَكْفِيٍّ، وَلا مُوَدَّعٍ، وَلا مُسْتَغْنًى رَبَّنَا. رواه البخاري (5459) . - عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَ وَسَقَى، وَسَوَّغَهُ، وَجَعَلَ لَهُ مَخْرَجًا. رواه أبو داود (3851) ، وصححه الألباني في الصحيحة (2061) . والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 25824 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 53 بطلان حديث (لولاك ما خلقت الأفلاك) [السُّؤَالُ] ـ[ما رأيك بهذا الحديث: " إذا لم يكن يوجد محمد صلى الله عليه وسلم فإن الله سبحانه وتعالى لم يكن ليخلق الكون". بصراحة فأنا أشتبه بصحة هذا الحديث فهل يمكن أن تلقي بعض الضوء.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قد رويت أحاديث باطلة وموضوعة بهذا المعنى، فمن ذلك: (لو لاك ما خلقت الأفلاك) ذكره الشوكاني في "الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة" (ص 326) وقال: قال الصغاني: موضوع اهـ قال الألباني في "السلسلة الضعيفة" (282) : موضوع اهـ ومنها: ما رواه الحاكم عن ابن عباس قال: أوحى الله إلى عيسى عليه السلام: يا عيسى آمن بمحمد، وأمر من أدركه من أمتك أن يؤمنوا به، فلولا محمد ما خلقت آدم، ولولا محمد ما خلقت الجنة والنار، ولقد خلقت العرش على الماء فاضطرب فكتبت عليه: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فسكن. قال الحاكم: صحيح الإسناد!! وتعقبه الذهبي بقوله: أظنه موضوعاً على سعيد اهـ. يعني: سعيد بن أبي عروبة (أحد رواة هذا الحديث) ، وقد روى هذا الحديث عنه عمرو بن أوس الأنصاري وهو المتهم بوضع هذا الحديث، وقد ذكره الذهبي في "الميزان" وقال: أتى بخبر منكر، ثم ساق هذا الحديث، وقال: وأظنه موضوعاً. ووافقه الحافظ ابن حجر كما في "اللسان". وقال الألباني في "السلسلة الضعيفة" (280) : لا أصل له اهـ. وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: هل الحديث الذى يذكره بعض الناس: لولاك ما خلق الله عرشاً ولا كرسياً ولا أرضاً ولا سماء ولا شمسا ولا قمرا ولا غير ذلك صحيح هو أم لا؟ فأجاب: محمد صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم، وأفضل الخلق وأكرمهم عليه، ومن هنا قال من قال: إن الله خلق من أجله العالم. أو أنه لولا هو لما خلق عرشا ولا كرسيا ولا سماء ولا أرضا ولا شمسا ولا قمرا. لكن ليس هذا حديثا عن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم لا صحيحا ولا ضعيفا، ولم ينقله احد من أهل العلم بالحديث عن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، بل ولا يعرف عن الصحابة بل هو كلام لا يُدْرَى قائله اهـ. مجموع الفتاوى (11/86-96) . وسئلت اللجنة الدائمة: هل يقال: إن الله خلق السماوات والأرض لأجل خلق النبي صلى الله عليه وسلم وما معنى لولاك لما خلق الأفلاك هل هذا حديث أصلا؟ فأجابت: لم تخلق السماوات والأرض من أجله صلى الله عليه وسلم بل خُلقت لما ذكره الله سبحانه في قوله عز وجل: "الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شئ قدير وأن الله قد أحاط بكل شئ علما" , أما الحديث المذكور فهو مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم لا أساس له من الصحة اهـ. فتاوى اللجنة الدائمة (1/312) . وسئل الشيخ ابن باز عن هذا الحديث فقال: الجواب: هذا ينقل من كلام بعض العامة وهم لا يفهمون، يقول بعض الناس إن الدنيا خلقت من أجل محمد ولولا محمد ما خلقت الدنيا ولا خلق الناس وهذا باطل لا أصل له، وهذا كلام فاسد، فالله خلق الدنيا ليعرف ويُعلم سبحانه وتعالى وليُعبد جل وعلا، خلق الدنيا وخلق الخلق ليُعرف بأسمائه وصفاته، وبقدرته وعلمه، وليعبد وحده لا شريك له ويطاع سبحانه وتعالى، لا من أجل محمد، ولا من أجل نوح، ولا موسى، ولا عيسى، ولا غيرهم من الأنبياء، بل خلق الله الخلق ليعبد وحده لا شريك له اهـ فتاوى نور على الدرب (46) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 23290 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 54 ما هي درجة حديث حبب إلي من دنياكم النساء والطيب [السُّؤَالُ] ـ[ما هي درجة حديث " حبِّب إليَّ من دنياكم النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة "؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحديث صحيح. وقد رواه النسائي (3939) من حديث أنس بن مالك – رضي الله عنه -. وصححه الحاكم (2 / 174) ووافقه الذهبي، وصححه الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (3 /15) و (11 / 345) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 21883 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 55 حديث ضعيف في تحريم الإعانة على قتل مسلم [السُّؤَالُ] ـ[يوجد حديث صحيح. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمه جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله) يعنى: لا تنزل رحمة الله على من ساعد الكافر فى قتل المسلم. هذا ما فهمته من الحديث. والرجاء التوضيح.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: هذا الحديث رواه ابن ماجه (2620) والعقيلي في الضعفاء (457) والبيهقي في السنن (8/22) وهو حديث ضعيف لا يصح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال الإمام أحمد: ليس هذا الحديث بصحيح. بل حكم عليه أبو حاتم بأنه موضوع، وأقرّه الذهبي، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات (2/104) ، وقال ابن حبان: هذا حديث موضوع لا أصل له من حديث الثقات. وقال ابن حجر والمنذري: حديث ضعيف جداً. وقال الزيلعي: وهو حديث ضعيف. وقد ذكره الألباني في "ضعيف سنن ابن ماجه" وقال: ضعيف جداًّ. ثانيا: مع ضعف هذا الحديث فلا شك أن الإعانة على قتل المسلم بغير حق من الكبائر. قَالَ العز بْن عَبْد السَّلَام رَحِمَهُ اللَّه فِي كِتَابه (الْقَوَاعِد) : "إِذَا أَرَدْت مَعْرِفَة الْفَرْق بَيْن الصَّغِيرَة وَالْكَبِيرَة فَاعْرِضْ مَفْسَدَة الذَّنْب عَلَى مَفَاسِد الْكَبَائِر الْمَنْصُوص عَلَيْهَا ; فَإِنْ نَقَصَتْ عَنْ أَقَلّ مَفَاسِد الْكَبَائِر فَهِيَ مِنْ الصَّغَائِر , وَإِنْ سَاوَتْ أَدْنَى مَفَاسِد الْكَبَائِر أَوْ رَبَتْ عَلَيْهِ فَهِيَ مِنْ الْكَبَائِر فَمَنْ شَتَمَ الرَّبّ سُبْحَانه وَتَعَالَى , أَوْ رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَوْ اِسْتَهَانَ بِالرُّسُلِ , أَوْ كَذَّبَ وَاحِدًا مِنْهُمْ , أَوْ ضَمَّخَ الْكَعْبَة بِالْعَذِرَةِ , أَوْ أَلْقَى الْمُصْحَف فِي الْقَاذُورَات فَهِيَ مِنْ أَكْبَر الْكَبَائِر. وَلَمْ يُصَرِّح الشَّرْع بِأَنَّهُ كَبِيرَة. وَكَذَلِكَ لَوْ أَمْسَكَ اِمْرَأَة مُحْصَنَة لِمَنْ يَزْنِي بِهَا , أَوْ أَمْسَكَ مُسْلِمًا لِمَنْ يَقْتُلهُ , فَلَا شَكّ أَنَّ مَفْسَدَة ذَلِكَ أَعْظَم عَنْ مَفْسَدَة أَكْل مَال الْيَتِيم , مَعَ كَوْنه مِنْ الْكَبَائِر. وَكَذَلِكَ لَوْ دَلَّ الْكُفَّار عَلَى عَوْرَات الْمُسْلِمِينَ مَعَ عِلْمه أَنَّهُمْ يَسْتَأْصِلُونَ بِدَلَالَتِهِ , وَيَسْبُونَ حَرَمَهُمْ وَأَطْفَالهمْ , وَيَغْنَمُونَ أَمْوَالهمْ , فَإِنَّ نِسْبَتَهُ إِلَى هَذِهِ الْمَفَاسِد أَعْظَم مِنْ تَوَلِّيهِ يَوْم الزَّحْف بِغَيْرِ عُذْر مَعَ كَوْنه مِنْ الْكَبَائِر. وَكَذَلِكَ لَوْ كَذَبَ عَلَى إِنْسَان كَذِبًا يَعْلَم أَنَّهُ يُقْتَل بِسَبَبِهِ ; أَمَّا إِذَا كَذَبَ عَلَيْهِ كَذِبًا يُؤْخَذ مِنْهُ بِسَبَبِهِ تَمْرَة فَلَيْسَ كَذِبُهُ مِنْ الْكَبَائِر" اهـ. وقد تصل إعانة الكافر على قتل المسلم في بعض الأحوال إلى الكفر. فقد ذكر أهل العلم أن من نواقض الإسلام: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين. راجع السؤال رقم (33691) . ثالثاً: لا يجوز لأحد أن يتساهل في نسبة الأحاديث إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ، مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ) . رواه البخاري (1291) ومسلم (4) . وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ) رواه مسلم في مقدمة صحيحه. قال النووي: "ضَبَطْنَاهُ: يُرَى بِضَمِّ الْيَاءِ وَالْكَاذِبِينَ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَفَتْحِ النُّونِ عَلَى الْجَمْع وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور فِي اللَّفْظَتَيْنِ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: الرِّوَايَة فِيهِ عِنْدنَا الْكَاذِبِينَ عَلَى الْجَمْع , وَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ الأَصْبَهَانِيّ فِي كِتَابِهِ الْمُسْتَخْرَجِ عَلَى صَحِيحِ مُسْلِمٍ حَدِيثُ سَمُرَةَ الْكَاذِبَيْنِ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِ النُّونِ عَلَى التَّثْنِيَة. . . وَذَكَرَ بَعْض الأَئِمَّة جَوَاز فَتْح الْيَاء فِي يُرَى وَهُوَ ظَاهِرٌ حَسَنٌ , فَأَمَّا مَنْ ضَمَّ الْيَاء فَمَعْنَاهُ يُظَنُّ , وَأَمَّا مَنْ فَتَحَهَا فَظَاهِرٌ وَمَعْنَاهُ وَهُوَ يَعْلَمُ , وَيَجُوز أَنْ يَكُون بِمَعْنَى يَظُنُّ أَيْضًا. فَقَدْ حُكِيَ رَأَى بِمَعْنَى ظَنَّ. وَقُيِّدَ بِذَلِكَ لأَنَّهُ ; لا يَأْثَم إِلا بِرِوَايَتِهِ مَا يَعْلَمهُ أَوْ يَظُنّهُ كَذِبًا , أَمَّا مَا لَا يَعْلَمهُ وَلَا يَظُنّهُ فَلَا إِثْم عَلَيْهِ فِي رِوَايَته وَإِنْ ظَنَّهُ غَيْرُهُ كَذِبًا , أَوْ عَلِمَهُ , وَأَمَّا فِقْهُ الْحَدِيثِ فَظَاهِرٌ فَفِيهِ تَغْلِيظُ الْكَذِبِ وَالتَّعَرُّض لَهُ وَأَنَّ مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ كَذِبُ مَا يَرْوِيهِ فَرَوَاهُ كَانَ كَاذِبًا , وَكَيْف لا يَكُون كَاذِبًا وَهُوَ مُخْبِرٌ بَِا لَمْ يَكُنْ" اهـ. وإذا لم يكن عند الشخص القدرة العلمية التي يستطيع أن يعرف بها صحة الحديث أو ضعفه فالواجب عليه أن يسأل أهل العلم المختصين بهذا الشأن والرجوع إلى أقوال الأئمة والحفاظ المدونة في الكتب، عملاً بقوله تعالى: (فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) النحل/43. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 48963 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 56 حديث من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تُسد فاقته [السُّؤَالُ] ـ[ما هي درجة حديث " من أصابتْه فاقة فأنزلها بالناس لم تُسدَّ فاقته، ومن أنزلها بالله فيوشك الله له برزق عاجلٍ أو آجل ".]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحديث: رواه الترمذي (2326) وأبو داود (1645) . وقد صححه الترمذي والحاكم (1 / 566) ووافقه الذهبي. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 21276 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 57 حديث " استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان " [السُّؤَالُ] ـ[أرجو أن تخبرني بصحة هذه الرواية: "استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود ". هل هذا حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وأين أجده إذا كان صحيحاً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث رواه الطبراني في معاجمه الثلاثة، والبيهقي في شعب الإيمان، وأبو نعيم في الحلية، وابن عدي في الكامل، والعقيلي في الضعفاء، ولفظه: " استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود ". وهو مروي من حديث معاذ بن جبل، وعلي بن أبي طالب وابن عباس وأبي هريرة وأبي بردة. والحديث قال عنه ابن أبي حاتم: منكر، وحكم ابن الجوزي بوضعه. وضعفه العراقي، والسيوطي في الجامع الصغير، والعجلوني في كشف الخفاء. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/195) : (عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود" رواه الطبراني في الثلاثة، وفيه سعيد بن سلام العطار قال العجلي: لا بأس به، وكذبه أحمد وغيره، وبقية رجاله ثقات إلا أن خالد بن معدان لم يسمع من معاذ ". [علل ابن أبي حاتم 2/255، فيض القدير للمناوي 1/630، كشف الخفاء للعجلوني 1/135] . والحديث صححه الألباني في السلسلة الصحيحة 3/436 (حديث رقم 1453) وفي صحيح الجامع برقم943. وقد أورد ما ذكره العلماء من علل هذا الحديث، ولكنه صححه من رواية سهل بن عبد الرحمن الجرجاني عن محمد بن مطرف عن محمد بن المنكدر عن عروة بن الزبير عن أبي هريرة مرفوعا. وقال: فالحديث بهذا الإسناد جيد عندي. [السلسلة الصحيحة 3/439] . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20801 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 58 صحة حديث تعلموا السحر [السُّؤَالُ] ـ[ما صحة حديث سمعته عن النبي صلى الله عليه وسلم: (تعلموا السحر ولا تعملوا به) ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث باطل لا أصل له، ولا يجوز تعلم السحر ولا العمل به وذلك منكر بل كفر وضلال، وقد بين الله إنكاره للسحر في كتابه الكريم في قوله تعالى: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) البقرة / 102، 103. فأوضح سبحانه في هذه الآيات أن السحر كفر وأنه من تعليم الشياطين، وقد ذمهم الله على ذلك وهم أعداؤنا، ثم بين أن تعليم السحر كفر، وأنه يضر ولا ينفع، فالواجب الحذر منه. لأن تعلم السحر كله كفر، ولهذا أخبر عن الملكين أنهما لا يعلمان الناس حتى يقولا للمتعلم إنما نحن فتنة فلا تكفر، ثم قال: (وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ) فعلم أنه كفر وضلال وأن السحرة لا يضرون أحدا إلا بإذن الله، والمراد بذلك إذنه سبحانه الكوني القدري لا الشرعي الديني؛ لأنه سبحانه لم يشرعه ولم يأذن فيه شرعا بل حرمه ونهى عنه، وبين أنه كفر ومن تعليم الشياطين كما أوضح سبحانه أن من اشتراه أي اعتاده وتعلمه ليس له في الآخرة من خلاق؛ أي من حظ ولا نصيب، وهذا وعيد عظيم، ثم قال سبحانه: (وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) والمعنى باعوا أنفسهم للشيطان بهذا السحر، ثم قال سبحانه: (وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) فدل ذلك على أن تعلم السحر والعمل به ضد الإيمان والتقوى ومناف لهما، ولا حول ولا قوة إلا بالله. [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز 6/371 الحديث: 14011 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 59 هذا الحديث مكذوب عليه صلى الله عليه وسلم [السُّؤَالُ] ـ[ذات يوم في مسجدنا خطب علينا أحد مدعي العلم بعد أن صلى بنا صلاة الظهر، حدثنا فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما توفيت زوجته خديجة ذبح عليها ناقة وأقام عليها العزاء لمدة ثلاثة أيام وقال: إن ذلك جاء في حديث قتادة. ثم ساق حديثا آخر رفض أن يبين راويه فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا شجرة وعلي ساقها وفاطمة فروعها والحسن والحسين ثمارها. ثم أورد حديثا ثالثا قال فيه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صادفه يوما بأحد جبال مكة رجل يهودي، فقال لها: ألم تؤمن بي؟ قال اليهودي: لا أو من بك، فقال له: ادع تلك الشجرة، فقال لها: إن محمدا يدعوك فجاءت إليه تضلله بأغصانها وتجر جذورها، فقال لها: من أنا قالت: إنك محمد رسول الله، فنطق اليهودي بالشهادتين بعد ذلك ثم صعدت الشجرة إلى السموات وطافت حول العرش والكرسي واللوح والقلم، وطلبت من الله الإذن لها بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: أيها اليهودي: قبل كفي وقدمي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ساق قصة أخرى فقال: إن عثمان بن عفان رضي الله عنه وجد رجلا يطوف بالكعبة فقال له إنك زان، فقال له: كيف عرفت ذلك؟ قال: عرفته في عينيك، فقال الرجل: أنا لم أزن ولكني نظرت إلى يهودية، فقال الرجل لعثمان رضي الله عنه: وهل عرفت ذلك بالوحي؟ قال لا، ولكنها فراسة المؤمن، ولما طولب بالأدلة كاد أنصاره أن يفتكوا بنا نرجو معرفة رأي الشرع في ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه الأخبار التي ذكرها هذا الواعظ كلها باطلة ومكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصل لها، فلم يفعل عزاء عند موت خديجة رضي الله عنها ولم يذبح ناقة ولم يدع الناس إلى عزاء، كما يفعل بعض الناس اليوم. وكان عليه الصلاة والسلام يدعو لخديجة رضي الله عنها كثيرا، وفي بعض الأحيان يذبح الشاة ويوزعها على خليلاتها وصديقاتها من باب الهدية والإحسان، ويدعو لها ويحسن إليها بالدعاء. وهكذا ما قاله عن الشجرة كل هذا باطل ولا أصل له، وكذلك ما قال عن اليهودي، كل هذا كذب من كذب المفترين المجرمين. وكذلك ما روي عن عثمان رضي الله عنه مع الرجل، وقتادة ليس بصحابي بل هو تابعي. فالمقصود أن هذه الأخبار الأربعة كلها باطلة ولا صحة لها، لكن صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث أخرى أنه دعا بعض الشجر فانقاد له وذلك من علامات النبوة، والقصة ثابتة في صحيح مسلم وذلك أنه في بعض أسفاره أراد أن يقضي حاجته فدعا شجرتين فالتأمتا وجلس بينهما حتى قضى حاجته، ثم رجعت كل شجرة إلى مقرها، وذلك من آيات الله سبحانه ومن دلائل قدرته العظيمة وأنه يقول للشيء كن فيكون، وذلك أيضا من دلائل صدق رسول الله وأنه رسول الله حقا وهذا غير الخبر الذي ذكره هذا المفتري. فينبغي التحذير من هؤلاء الكذابين، وينبغي للواعظ أن يتقي الله سبحانه إذا وعظ الناس، وأن يذكرهم بما ينفعهم في دينهم ودنياهم من الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة النبوية وفيها الكفاية والشفاء، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من حدث عني بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين) رواه مسلم في صحيحه، وقال عليه الصلاة والسلام: (من قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار) متفق على صحته. والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى ومقالات للشيخ ابن باز 6 / 357 الحديث: 13921 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 60 ما هي درجة حديث لا تُرضين أحداً بسخط الله [السُّؤَالُ] ـ[ما هي درجة حديث " لا تُرضينَّ أحداً بسخط الله، ولا تحمدنَّ أحداً على فضل الله، ولا تذمنَّ أحداً على ما لم يؤتك الله؛ فإن رزق الله لا يسوقه إليك حرصُ حريصٍ، ولا يردُّه عنك كراهية كاره، وإن الله تعالى بقسطه وعدله جعل الروح والفرح في الرضا واليقين، وجعل الهمَّ والحزن في السخط ".]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحديث: رواه الطبراني في " الكبير " (10 / 215) . قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، وفيه خالد بن يزيد العمري، واتُّهم بالوضع. " مجمع الزوائد " (4 / 71) . ورواه – من طريق أخرى – أبو نعيم في " الحلية " (5 / 106) والبيهقي في " شعب الإيمان " (1 / 221) . وفيه: عطية العوفي وهو ضعيف، ومحمد بن مروان السدي وهو متروك الحديث. قال يحيى بن معين: ليس بثقة، وقال مرة: ليس بشيءٍ، وقال إبراهيم: كذاب، وقال السعدي: ذاهب، وقال النسائي وأبو حاتم الرازي والأزدي: متروك الحديث، وقال البخاري: لا يكتب حديثه، وقال – مرة -: سكتوا عنه، وقال ابن حبان: لا يحل كتب حديثه إلا اعتباراً ولا الاحتجاج به بحال. انظر: " ميزان الاعتدال " (6 / 328) و" الضعفاء والمتروكين " (3 / 98) . ورواه هناد السري في " الزهد " (1 / 304) والبيهقي في " شعب الإيمان " (1 / 221) موقوفاً على عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه -. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 13816 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 61 صحة حديث الإخلاص سر من سري [السُّؤَالُ] ـ[ما هي درجة الحديث القدسي " الإخلاص سرٌّ من سرِّي، استودعته قلب من أحببته من عبادي "؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحديث ضعيف جدّاً أو موضوع. وقد رواه القزويني في " مسلسلاته " – كما قال العراقي في " تخريج إحياء علوم الدين " (4 / 365) – من حديث حذيفة – رضي الله عنه -، وفيه: أحمد بن عطاء الهجيمي وعبد الواحد بن زيد وكلاهما متروك. ورواه الديلمي في " مسند الفردوس " (3 / 187) عن علي وابن عباس. وقال الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (4 / 109) : حديث واهٍ جدّاً. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 13246 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 62 بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى هذا الحديث (بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ) ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث رواه مسلم (145) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (بَدَأَ الإِسْلامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ) . قال السندي في حاشية ابن ماجه: (غَرِيبًا) أَيْ لِقِلَّةِ أَهْله وَأَصْل الْغَرِيب الْبَعِيد مِنْ الْوَطَن (وَسَيَعُودُ غَرِيبًا) بِقِلَّةِ مَنْ يَقُوم بِهِ وَيُعِين عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ أَهْله كَثِيرًا (فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ) الْقَائِمِينَ بِأَمْرِهِ، و"طُوبَى" تُفَسَّر بِالْجَنَّةِ وَبِشَجَرَةٍ عَظِيمَة فِيهَا. وَفِيهِ تَنْبِيه عَلَى أَنَّ نُصْرَة الإِسْلام وَالْقِيَام بِأَمْرِهِ يَصِير مُحْتَاجًا إِلَى التَّغَرُّب عَنْ الأَوْطَان وَالصَّبْر عَلَى مَشَاقّ الْغُرْبَة كَمَا كَانَ فِي أَوَّل الأَمْر اهـ. ونقل النووي في شرح صحيح مسلم عن القاضي عياض أنه قال في معنى الحديث: "أَنَّ الإِسْلام بَدَأَ فِي آحَاد مِنْ النَّاس وَقِلَّة، ثُمَّ اِنْتَشَرَ وَظَهَرَ، ثُمَّ سَيَلْحَقُهُ النَّقْص وَالإِخْلال، حَتَّى لا يَبْقَى إِلا فِي آحَاد وَقِلَّة أَيْضًا كَمَا بَدَأَ " اهـ. وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (2/170) : "معنى الحديث أن الإسلام بدأ غريباً حينما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إليه الناس إليه فلم يستجب له إلا الواحد بعد الواحد، فكان حينذاك غريباً بغربة أهله، لقلتهم وضعفهم مع كثرة خصومهم وقوتهم وطغيانهم وتسلطهم على المسلمين، حتى هاجر من هاجر إلى الحبشة فراراً بدينه من الفتن وبنفسه من الأذى والاضطهاد والظلم والاستبداد، وحتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر الله تعالى إلى المدينة بعد ما ناله من شدة الأذى ما ناله رجاء أن يهيئ الله له من يؤازره في دعوته، ويقوم معه بنصر الإسلام وقد حقق الله رجاءه فأعز جنده ونصر عبده وقامت دولة الإسلام وانتشر بحول الله في أرجاء الأرض وجعل سبحانه كلمة الكفر هي السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين، واستمر الأمر على ذلك زمناً طويلاً، ثم بدأ التفرق والوهن ودب بين المسلمين الضعف والفشل شيئاً فشيئاً حتى عاد الإسلام غريباً كما بدأ، لكن ليس ذلك لقلتهم فإنهم يومئذ كثير، وإنما ذلك لعدم تمسكهم بدينهم واعتصامهم بكتاب ربهم وتنكبهم هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من شاء الله فشغلهم بأنفسهم وبالإقبال على الدنيا فتنافسوا فيها كما تنافس من كان قبلهم وتناحروا فيما بينهم على إمارتها وتراثها، فوجد أعداء الإسلام المداخل عليهم وتمكنوا من ديارهم ورقابهم فاستعمروها وأذلوا أهلها وساموهم سوء العذاب، هذه هي غربة الإسلام التي عاد إليها كما بدأ بها. وقد رأى جماعة – منهم الشيخ محمد رشيد رضا – أن في الحديث بشارة بنصرة الإسلام بعد غربته الثانية آخذين ذلك من التشبيه في قوله صلى الله عليه وسلم "وسيعود غريباً كما بدأ " فكما كان بعد الغربة الأولى عز للمسلمين وانتشار للإسلام فكذا سيكون له بعد الغربة الثانية نصر وانتشار. وهذا الرأي أظهر، ويؤيده ما ثبت في أحاديث المهدي ونزول عيسى عليه السلام آخر الزمان من انتشار الإسلام وعزة المسلمين وقوتهم ودحض الكفر والكفرة. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45855 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 63 هل يهجر أهله الذين ينكرون السنة [السُّؤَالُ] ـ[إذا كانت الأسرة تقول للإنسان أن يتبع القرآن فقط ولا يتبع الحديث هل يلقي عليهم السلام ويهنئهم بالعيد ليقلل الفتنة ولا يضايقهم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يجب على كل مسلم أن يؤمن بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم كلها - إن صحت عنه - وألا يرد شيئاً منها؛ لأن أحاديثه وسنته صلى الله عليه وسلم وحي من الله، والذي يرد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد رد الوحي من الله. قال تعالى: {والنجم إذا هوى. ما ضل صاحبكم وما غوى. وما ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحي يوحى. علمه شديد القوى. ذو مرة فاستوى} النجم / 1 - 6. وقد أوجب الله تعالى على الناس طاعة نبيه صلى الله عليه وسلم وأمر بذلك في آيات كثيرة من القرآن نذكر منها: قال الله تعالى: {قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين} آل عمران / 32. وقال: {من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا} النساء / 80. وقال: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا} النساء / 59. وقال: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون} النور / 56. وغير ذلك من الآيات الكثيرة. ومنكر السنة كافر مرتد. قال السيوطي رحمه الله في رسالته "مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة": اعلموا رحمكم الله أن من أنكر أن كون حديث النبي صلى الله عليه وسلم قولاً كان أو فعلاً بشرطه المعروف في الأصول حجة كفر وخرج عن دائرة الإسلام، وحشر مع اليهود والنصارى أو مع من شاء الله من فرق الكفرة اهـ وهؤلاء الذين يريدون الإكتفاء بالقرآن يسمون القرآنيين، ومذهبهم هذا قديم حذر الرسول صلى الله عليه وسلم منه في أكثر من حديث كما سيأتي ضمن كلام شيخ الإسلام. ومن أوضح الأدلة على بطلان هذا المذهب أن القائلين به لا يعلمون به!!! إذ كيف يصلي هؤلاء؟ وكم صلاة يصلون في اليوم والليلة؟ وما هي الأحوال التي تجب فيها الزكاة؟ وما هو نصابها؟ وما القدر الواجب إخراجها منها؟ وكيف يحجون ويعتمرون؟ وكم مرة يطوفون بالكعبة؟ وكم مرة يسعون بين الصفا والمروة؟ ... وأحكام أخرى كثيرة لم يرد تفصيلها في القرآن، وإنما ذكرها القرآن مجملة، وبينها الرسول صلى الله عليه وسلم بسنته. فهل يترك هؤلاء العمل بهذه الأحكام بحجة أنها لم ترد في القرآن؟ إن كان جوابهم نعم فقد حكموا على أنفسهم بالكفر لإنكارهم ما هو معلوم من الدين بالضرورة وأجمع المسلمون عليه إجماعاً قطعياً. وإن كان جوابهم أنهم لا يتركون العمل بهذه الأحكام فقد حكموا ببطلان مذهبهم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية - بعد ذكره للآيات التي تحث على اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم -، قال: فهذه النصوص توجب اتباع الرسول وإن لم نجد ما قاله منصوصا بعينه في الكتاب، كما أن تلك الآيات توجب اتباع الكتاب وإن لم نجد ما في الكتاب منصوصاً بعينه في حديث الرسول غير الكتاب. فعلينا أن نتبع الكتاب وعلينا أن نتبع الرسول، واتباع أحدهما هو اتباع الآخر؛ فإن الرسول بلَّغ الكتاب، والكتاب أمر بطاعة الرسول، ولا يختلف الكتاب والرسول ألبتة كما لا يخالف الكتاب بعضه بعضاً قال تعالى: {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً} ، والأحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في وجوب اتباع الكتاب، وفى وجوب اتباع سنته كقوله: " لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أَمرت به أو نَهيت عنه، فيقول: بيننا وبينكم هذا القرآن، فما وجدنا فيه من حلال حلّلناه، وما وجدنا فيه من حرام حرَّمناه، ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا وإنه مثل القرآن أو أعظم "، هذا الحديث في السنن والمسانيد مأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم من عدة جهات من حديث أبي ثعلبة وأبى رافع وأبي هريرة وغيرهم. وفى صحيح مسلم عنه من حديث جابر أنه قال في خطبة الوداع: " وقد تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعده كتاب الله تعالى " (وللحاكم: " كتاب الله وسنتي " صححه الألباني في صحيح الجامع 2937) ، وفى الصحيح عن عبد الله بن أبي أوفى أنه قيل له: هل أوصى رسول الله؟ قال: لا. قيل: فكيف كُتب على الناس الوصية؟ قال: أوصى بكتاب الله ". رواه مسلم (1634) وسنة رسول الله تفسر القرآن كما فسرت أعداد الصلوات وقدر القراءة فيها والجهر والمخافتة وكما فسرت فرائض الزكاة ونصبها وكما فسرت المناسك وقدر الطواف بالبيت والسعي ورمي الجمار ونحو ذلك. وهذه السنة إذا ثبتت فإن المسلمين كلهم متفقون على وجوب اتباعها وقد يكون من سنته ما يظن أنه مخالف لظاهر القرآن وزيادة عليه كالسنة المفسرة لنصاب السرقة والموجبة لرجم الزاني المحصن فهذه السنة أيضا مما يجب اتباعه عند الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر طائف المسلمين. " مجموع الفتاوى " (19 / 84 – 86) بتصرف يسير فيما بين القوسين. فالذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم حق كما أن القرآن حق. ثانياً: وأنت – يا أخي – ينبغي عليك ألا تهجر أهلك، وعليك أن تعاملهم بالحسنى، وأن تجتهد معهم بالدعوة إلى اتباع السنة والرضى بها. قال تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين} النحل /125. وقال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ {14} وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} لقمان / 14 - 15. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 9067 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 64 حديث إذا رأيت الفقر مقبلاً فقل مرحباً بشعار الصالحين [السُّؤَالُ] ـ[ما هي درجة حديث " أوحى الله إلى بعض أنبيائه: إذا رأيتَ الفقر مقبِلاً فقل: مرحباً بشعار الصالحين، وإذا رأيتَ الغنى مقبِلاً فقل: ذنبٌ عجِّلت عقوبته "؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحديث: رواه الديلمي في مسند الفردوس – كما قال الحافظ العراقي - من رواية مكحول عن أبي الدرداء، وهو حديث ضعيف، فلم يسمع مكحول من أبي الدرداء. انظر " تخريج إحياء علوم الدين " (4 / 191) . ورواه أبو نعيم في " الحلية " (6 / 5) من رواية مجاهد عن كعب الأحبار. ورواه في (6 / 37) من رواية قتادة عن كعب الأحبار. وفي الطريقين: إسحاق بن بشر الكاهلي، وهو متروك، وقال أبو زرعة: كان يكذب، وقال الدارقطني كذاب متروك، وقال الأزدي: متروك الحديث ساقط يُرمى بالكذب، وقال ابن حبان: كان يضع الحديث على الثقات، لا يحل كتب حديثه إلا على جهة التعجب. انظر: " الجرح والتعديل " (2 / 214) ، و " الضعفاء والمتروكين " لابن الجوزي (1 / 100) . وهو من القصاص التالفين، قال الذهبي في ترجمته: الشيخ، العالم، القصَّاص، الضعيف، التالف، أبو حذيفة إسحاق بن بشر بن محمد بن عبد الله بن سالم الهاشمي مولاهم البخاري مصنف كتاب " المبتدأ "، وهو كتاب مشهور في مجلدتين، ينقل منه ابن جرير فمن دونه، حدَّث فيه ببلايا وموضوعات. " سير أعلام النبلاء " (9 / 477، 478) . [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 12107 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 65 حديث من حفظ أربعين حديثاً ضعيف [السُّؤَالُ] ـ[هل حديث " أن من حفظ 40 حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم فسيضمن دخول الجنة أو يُبعث مع العلماء " صحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله 1. هذا الحديث ضعيف، وهو على كثرة طرقه لا تصلح لأن تقوِّي بعضها بعضاً، وله روايات كثيرة وبألفاظ مختلفة، ومنها ".. بعثه الله يوم القيامة في زمرة الفقهاء والعلماء "، وفي رواية " بعثه الله عالماً فقيهاً "، وفي رواية " وكنت له يوم القيامة شافعاً وشهيداً "، وغيرها. أ. قال الحافظ ابن حجر: [رواه] الحسن بن سفيان في " مسنده " وفي " أربعينه " من حديث ابن عباس، وروي من رواية ثلاثة عشر من الصحابة، أخرجها ابن الجوزي في " العلل المتناهية " وبيَّن ضعفها كلَّها وأفرد ابن المنذر الكلام عليه في جزء مفرد، وقد لخَّصت القول فيه في " المجلس السادس عشر " من الإملاء، ثم جمعتُ طرقه في جزء ليس فيها طريق تسلم من علة قادحة. " التلخيص الحبير " (3 / 93، 94) . ب. وقال ابن الملقِّن: حديث " من حفظ على أمتي أربعين حديثاً كُتب فقيهاً ": يُروى من نحو عشرين طريقاً وكلها ضعيفة، قال الدارقطني: كل طرقه ضعاف لا يثبت منها شيء، وقال البيهقي: أسانيده ضعيفة. " خلاصة البدر المنير " (2 / 145) . وقال البيهقي: هذا متن مشهور فيما بين الناس وليس له إسناد صحيح. " شعب الإيمان " (2 / 270) . وقال النووي: واتفق الحفاظ على أنه حديث ضعيف وإن كثرت طرقه. " مقدمة الأربعين النووية ". 2. ومما ينبغي أن يقال هنا أنه قد جاء في السنة ما يبيِّن فضل من سمع حديث النبي صلى الله عليه وسلم وبلَّغه، ولو كان حديثاً واحداً. عن زيد بن ثابت قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " نضَّر الله امرأ سمع منا حديثاً فحفظه حتى يبلغه غيره فرُبَّ حامل فقهٍ إلى مَن هو أفقه منه، ورب حامل فقهٍ ليس بفقيهٍ ". رواه الترمذي (2656) وحسَّنه، وأبو داود (3660) ، وابن ماجه (230) . قال المباركفوري: والمعنى: خصه الله بالبهجة والسرور لما رزق بعلمه ومعرفته من القدر والمنزلة بين الناس في الدنيا ونعمه في الاخرة حتى يرى عليه رونق الرخاء والنعمة ثم قيل إنه إخبار يعني جعله ذا نضرة وقيل دعاء له بالنضرة وهي البهجة والبهاء في الوجه من أثر النعمة. " تحفة الأحوذي " (7 / 347، 348) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 6899 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 66 حديث: " اللهم أجرني من النار " سبع مرات [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك حديث صحيح أننا يجب أن نقول "اللهم أجرني من النار" سبع مرات بعد الفجر وبعد العشاء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحديث رواه الإمام أحمد في المسند (17362) وأبو داود (5079) ، ولفظه: عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " إذا صليتَ الصبح فقل قبل أن تكلم أحداً من الناس " اللهم أجرني من النار سبع مرات " فإنك إن متَّ مِن يومك ذلك كتب الله لك جواراً مِن النار، وإذا صليت المغرب فقل قبل أن تكلم أحداً من الناس اللهم لإنس أسألك الجنة، اللهم أجرني من النار" سبع مرات فإنك إن متَّ مِن ليلتك كتب الله عز وجل لك جواراً مِن النَّار". والحديث فيه أمران: 1. ليس فيه أنه يقال بعد العشاء كما جاء في السؤال. 2. الحديث غير صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، انظر " السلسلة الضعيفة " للشيخ الألباني رحمه الله (1624) . وعلى هذا فلا يجب ولا يستحب أن يقول هذا الدعاء بعد صلاة الفجر وصلاة المغرب. 3. وقد ورد عن أنس رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من سأل الله الجنة ثلاث مرات قالت الجنة اللهم أدخله الجنة، ومن استجار من النار ثلاث مرات قالت النار اللهم أجره من النار". رواه الترمذي (2572) وابن ماجه (4340) ، وهو حديث صحيح، صححه الشيخ الألباني رحمه الله في " صحيح الجامع " (6275) . لكنه غير مقيد بشيء من الصلوات ولا بوقت من الأوقات. فيستحب للمؤمن أن يكثر من سؤال الله الجنة، والاستجارة من النار، من غير أن يقيد ذلك بشيء من لا صلوات، ولا بوقت من الأوقات. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 6544 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 67 حديث ضعيف في فضل قراءة آخر سورة الحشر [السُّؤَالُ] ـ[أريد التأكد من صحة هذه الحديث: عن معقل بن يسار رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قال حين يصبح ثلاث مرات أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم وقرأ ثلاث آيات من آخر سورة الحشر وكل الله به سبعين ألف ملك يصلون عليه حتى يمسي وان مات في ذلك اليوم مات شهيدا , ومن قالها حين يمسي كان له بتلك المنزلة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث رواه الترمذي في كتاب فضائل القرآن، باب فيمن قرأ حرفا من القرآن ماله من الأجر رقم (2922) . والإمام أحمد في مسنده رقم (19795) وفي سنده خالد بن طهمان قال عنه ابن حجر: صدوق رمي بالتشيع ثم اختلط. تقريب التهذيب (1644) وضعفه الألباني رحمه الله، انظر ضعيف أبو داود (2922) وهناك الكثير من أذكار الصباح والمساء الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم انظر بعضها في سؤال رقم (12173) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 41031 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 68 معنى أن الإيمان يأرز للمدينة [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث يقول فيه الرسول - عليه الصلاة والسلام -: (إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها) . و (يأرز) بكسر الراء ويجوز فيها الفتح والضم , ومعنى (يأرز) يرجع ويثبت في المدينة كما أن الحية إذا خرجت من جحرها رجعت إليه , وهذا إشارة من النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن هذا الدين سوف يرجع إلى المدينة بعد أن تفسد البلدان الأخرى كما أن الحية تخرج وتنتشر في الأرض ثم بعد ذلك ترجع إلى جحرها. وفيه أيضاً إشارة إلى أن الإسلام كما انطلق من المدينة فإنه يرجع إليها أيضا ً, فإن الإسلام بقوته وسلطته لم ينتشر إلا من المدينة وإن كان أصله نابعاً في مكة , ومكة هي المهبط الأول للوحي لكن لم يكن للمسلمين دولة وسلطان وجهاد إلا بعد هاجروا إلى المدينة , فلهذا كان الإسلام بسلطته ونفوذه وقوته منتشراً من المدينة وسيرجع إليها في آخر الزمان. وقال بعض أهل العلم: إن هذا إشارة إلى أمر سبق , وأن المعنى أن الناس يفدون إلى المدينة ويرجعون إليها ليتلقوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم الشريعة والتعاليم الإسلامية. ولكن المعنى الأول هو ظاهر الحديث وهو الأصح. [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ج/1 ص 55. الحديث: 10329 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 69 حديث موضوع في فضل قيام الليل ليلة السبت [السُّؤَالُ] ـ[هناك حديث يقول: (من صلى ليلة السبت أربع ركعات يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة، وقل هو الله أحد خمس وعشرين مرة، حرم الله جسده عن النار) . هل هذا الحديث صحيح أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث موضوع، ذكره الشوكاني رحمه الله في "الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة" (ص 44) باللفظ المذكور في السؤال، وقال: رواه الجوزقاني عن أنس مرفوعاً، وهو موضوع، ورجال إسناده بين مجهول ومتروك اهـ. وصلاة الليل مستحبة في جميع الأيام، ولا يقف الترغيب فيها على هذا الحديث الموضوع. قال الله تعالى: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (16) فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) السجدة / 16-17. وقال تعالى: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) سورة الذاريات / 15-18. روى الترمذي (3549) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ دَأَبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ وَهُوَ قُرْبَةٌ إِلَى رَبِّكُمْ وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ وَمَنْهَاةٌ لِلإِثْمِ) . حسنه الألباني في إرواء الغليل (452) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 40296 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 70 حديث (لا مهدي إلا عيسى) لا يصح [السُّؤَالُ] ـ[هل حديث: (لا مهدي إلا عيسى) صحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث رواه ابن ماجه في سننه (4039) . وتكاد تتفق كلمة المحدثين على تضعيف هذا الحديث. فقد ضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ وشيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة (8/256) وابن القيم في المنار المنيف (ص 148) . وقال الذهبي في "ميزان الاعتدال" (3/535) : هو خبر منكر اهـ. وقال القاري في "مرقاة المفاتيح" (10/183) : ضعيف باتفاق المحدثين اهـ. وذكره الشوكاني في "الفوائد المجموعة" (127) وقال: قال الصغاني: موضوع اهـ. وقال الألباني في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (77) : منكر اهـ. وإن صح هذا الحديث –وهو لا يصح- فمعناه لا مهدي كامل أو معصوم إلا عيسى ابن مريم. ذكره القرطبي وابن القيم وابن كثير. فلا ينافي ذلك خروج المهدي في آخر الزمان، والذي سيجتمع بعيسى ابن مريم عليه السلام، ويصلي عيسى خلفه مأموماً. وقد سبق في إجابة السؤال رقم (1252) الأدلة من السنة على خروج المهدي في آخر الزمان بالصفات التي ذكرها الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلا تعارض هذه الأحاديث الصحيحة بمثل هذا الحديث الضعيف. انظر: الأحاديث الضعيفة (1/89) للألباني، و"الموسوعة في أحاديث المهدي الضعيفة والموضوعة" للبستوي (ص 94-104) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 34890 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 71 كيف يعرف الأحاديث المكذوبة [السُّؤَالُ] ـ[كيف نعرف إذا كان الحديث موضوع أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يمكن معرفة الحديث إن كان موضوعاً أولاً بالنظر في سنده أو متنه، فإن كان في سنده أحد الكذابين: فهو حديث موضوع، وأما بالنسبة للمتن فيمكن ذلك – أيضاً – ولكن يحتاج أكثره لأن يكون عند الناظر خبرة ومعرفة بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الصحيح. قال الإمام ابن القيم – رحمه الله -: وسئلتُ هل يمكن معرفة الحديث الموضوع بضابطٍ من غير أن ينظر في سنده؟ . فهذا سؤال عظيمُ القدر، وإنما يَعلم ذلك مَن تضلَّع في معرفة السنن الصحيحة، واختلطت بلحمه ودمه، وصار له فيها ملَكة، وصار له اختصاصٌ شديدٌ بمعرفة السنن والآثار ومعرفة سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهديه فيما يَأمر به ويَنهى عنه، ويُخبر عنه ويدعو إليه، ويحبه ويكرهه، ويشرعه للأمة، بحيث كأنه مخالط للرسول صلى الله عليه وسلم كواحدٍ من أصحابه، فمِثل هذا يَعرف من أحوال الرسول صلى الله عليه وسلم وهديه وكلامه، وما يجوز أن يُخبر به وما لا يجوز: ما لا يعرفه غيره، وهذا شأن كلِّ متبعٍ مع متبوعه؛ فإن للأخص به الحريص على تتبع أقواله وأفعاله من العلم بها والتمييز بين ما يصح أن يُنسب إليه وما لا يصح: ما ليس لمن لا يكون كذلك، وهذا شأن المقلدين مع أئمِّتهم يعرفون أقوالَهم ونصوصهم ومذاهبهم، والله أعلم. " المنار المنيف " (ص 43، 44) . وما كتبه الإمام ابن القيم – رحمه الله – بعد ذلك الكلام إلى آخر الكتاب: هو أمثلة متعددة لأحاديث موضوعة في أبواب متفرقة، مع فوائد متنوعة، فليُنظَر فإنه نفيس. ولينظر جواب السؤال رقم (6981) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 34578 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 72 ما صحة حديث من داوم على أربعين تكبيرة إحرام من صلاة الفجر [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك حديث فيمن داوم على أربعين تكبيرة إحرام من صلاة الفجر بريء من الكفر والنفاق على أن هناك حديث يبين ذلك لمن حافظ على تكبيرة الإحرام أربعين يوما.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله جاء في شعب الإيمان للبيهقي من حديث أنس بن مالك مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: (من صلى الغداة والعشاء الآخرة في جماعة لا تفوته ركعة كتب له براءتان براءة من النار وبراءة من النفاق) شعب الإيمان 3/62 قال في العلل المتناهية:" هذا حديث لا يصح ولا يعلم رواه غير بكر بن أحمد عن يعقوب بن تحية وكلاهما مجهول الحال " 1/432 لكن جاء في سنن الترمذي بلفظ: (من صلى لله أربعين يوما في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتبت له براءتان براءة من النار وبراءة من النفاق) الترمذي برقم 241 وضعفه الترمذي، وحسنه الألباني وهذا الحديث ضعفه أيضا جماعة من العلماء المتقدمين وأعلوه بالإرسال، وحسنه بعض المتأخرين. انظر تلخيص الحبير 2/27 وليس في الحديث الاقتصار على ذكر صلاة الفجر بل الأجر في الحديث مرتب على المحافظة على تكبيرة الإحرام في كل الصلوات الخمس. ولاشك أن الحرص على إدراك تكبيرة الإحرام كل هذه المدة دليل على قوة في دين الشخص. وما دام الحديث محتمل الصحة فيرجى لمن حرص على فعل ما فيه أن يكتب له هذا الفضل العظيم، وأقل ما يحصِّله الإنسان من هذا الحرص تربية نفسه على المحافظة على هذه الشعيرة العظيمة. نسأل الله أن يكتب لنا ولكم البراءة من النفاق والنار إنه سميع مجيب. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 34605 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 73 حديث أسألك بمعاقد العز من عرشك [السُّؤَالُ] ـ[قرأت حديثاً عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اثنتا عشرة ركعة تصليهن من ليل أو نهار وتتشهد بين كل ركعتين فإذا تشهدت في آخر صلاتك فأثن على الله عز وجل وصل على النبي صلى الله عليه وسلم ثم اسجد واقرأ وأنت ساجد فاتحة الكتاب سبع مرات، وقل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير (عشر مرات) ثم قل اللهم إني أسألك بمعاقد العز من عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك واسمك الأعظم وجدك الأعلى وكلماتك التامة، ثم سل حاجتك، ثم ارفع رأسك ثم سلم يمينا، وشمالا. ولا تعلموها السفهاء فإنهم يدعون بها فيستجابون» . فهل هذا الحديث صحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحديث المذكور أخرجه الحاكم وأورده الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب وقال: تفرد به عامر بن خداش النيسابوري، قال: وقال شيخنا الحافظ أبو الحسن كان صاحب مناكير، وقد تفرد به عن عمر بن هارون البلخي، وهو متروك متهم، أثنى عليه ابن مهدي وحده. وبهذا تعرف أن الحديث ضعيف من جهة الإسناد. هذا وقد دلت الأحاديث الصحيحة على النهي عن قراءة القرآن في السجود؛ فيكون الحديث ضعيفاً أيضاً من جهة المتن، فلا يجوز العمل به لعدم صحته ومخالفته للأحاديث الصحيحة. وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 6/439 الحديث: 34692 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 74 بطلان حديث توسل آدم بمحمد عليهما الصلاة والسلام [السُّؤَالُ] ـ[قرأت هذا الحديث وأريد أن أعرف هل هو صحيح أو غير صحيح؟ (لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي. فقال الله: يا آدم، وكيف عرفت محمداً ولم أخلقه؟ قال: يا رب، لأنك لما خلقتني بيدك، ونفخت في من روحك، رفعت رأسي، فرأيت على قوائم العرش مكتوبا: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك. فقال الله: صدقت يا آدم، إنه لأحب الخلق إلي، ادعني بحقه، فقد غفرت لك، ولولا محمد ما خلقتك) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث موضوع، رواه الحاكم من طريق عبد الله بن مسلم الفهري، حدثنا إسماعيل بن مسلمة، أنبأ عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جده، عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما اقترف آدم الخطيئة. . . ثم ذكر الحديث باللفظ الذي ذكره السائل. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد اهـ. هكذا قال الحاكم! وقد تعقبه جمع من العلماء، وأنكروا عليه تصحيحه لهذا الحديث، وحكموا على هذا الحديث بأنه باطل موضوع، وبينوا أن الحاكم نفسه قد تناقض في هذا الحديث. وهذه بعض أقوالهم في ذلك: قال الذهبي متعقبا على كلام الحاكم السابق: بل موضوع، وعبد الرحمن واهٍ، وعبد الله بن مسلم الفهري لا أدري من هو اهـ. وقال الذهبي أيضاً في "ميزان الاعتدال": خبر باطل اهـ. وأقره الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان". وقال البيهقي: تفرد به عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، من هذا الوجه، وهو ضعيف اهـ. وأقره ابن كثير في البداية والنهاية (2/323) . وقال الألباني في السلسلة الضعيفة (25) : موضوع اهـ. والحاكم نفسه –عفا الله عنه- قد اتهم عبد الرحمن بن زيد بوضع الحديث، فكيف يكون حديثه صحيحاً؟! قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "القاعدة الجليلة في التوسل والوسيلة" (ص 69) : ورواية الحاكم لهذا الحديث مما أنكر عليه، فإنه نفسه قد قال في كتاب "المدخل إلى معرفة الصحيح من السقيم": عبد الرحمن بن زيد بن أسلم روى عن أبيه أحاديث موضوعة لا يخفى على من تأملها من أهل الصنعة أن الحمل فيها عليه، قلت: وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف باتفاقهم يغلط كثيراً اهـ. انظر سلسلة الأحاديث الضعيفة للألباني (1/38-47) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 34715 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 75 حديث ضعيف في فضل الصلاة في المسجد النبوي أربعين يوماً [السُّؤَالُ] ـ[سمعت أن من صلى في المسجد النبوي أربعين صلاة تكتب له براءة من النفاق. فهل هذا الحديث صحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث رواه أحمد (12173) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (مَنْ صَلَّى فِي مَسْجِدِي أَرْبَعِينَ صَلاةً لا يَفُوتُهُ صَلاةٌ كُتِبَتْ لَهُ بَرَاءَةٌ مِنْ النَّارِ، وَنَجَاةٌ مِنْ الْعَذَابِ، وَبَرِئَ مِنْ النِّفَاقِ) . وهو حديث ضعيف. ذكره الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (364) وقال: ضعيف اهـ. وذكره في "ضعيف الترغيب" (755) وقال: منكر اهـ. وذكر الألباني في كتابه "حجة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" (ص185) أن من بدع زيارة المدينة النبوية "التزام زوار المدينة الإقامة فيها أسبوعا حتى يتمكنوا من الصلاة في المسجد النبوي أربعين صلاة، لتكتب لهم براءة من النفاق وبراءة من النار" اهـ. وقال الشيخ ابن باز: أما ما شاع بين الناس من أن الزائر يقيم ثمانية أيام حتى يصلي أربعين صلاة فهذا وإن كان قد روي في بعض الأحاديث: (أن من صلى فيه أربعين صلاة كتب الله له براءة من النار، وبراءة من النفاق) إلا أنه حديث ضعيف عند أهل التحقيق لا تقوم به الحجة ولا يعتمد عليه. والزيارة ليس لها حد محدود، وإذا زارها ساعة أو ساعتين، أو يوماً أو يومين، أو أكثر من ذلك فلا بأس اهـ باختصار. فتاوى ابن باز (17/406) . ويغني عن هذا الحديث الضعيف حديثٌ حسن رواه الترمذي (241) في فضل المحافظة على تكبيرة الإحرام مع الجماعة عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَلَّى لِلَّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي جَمَاعَةٍ يُدْرِكُ التَّكْبِيرَةَ الأُولَى كُتِبَتْ لَهُ بَرَاءَتَانِ بَرَاءَةٌ مِنْ النَّارِ وَبَرَاءَةٌ مِنْ النِّفَاقِ " حسنه الألباني في صحيح الترمذي (200) . والفضل المترتب على هذا الحديث عام في كل مسجد جماعة، في أي بلد، وليس خاصاً بالمسجد الحرام أو المسجد النبوي. وبناءً عليه فمن حافظ على صلاة أربعين يوماً يدرك فيها تكبيرة الإحرام مع الجماعة كتبت له براءتان براءة من النار وبراءة من النفاق، سواء كان مسجد المدينة أو مكة أو غيرهما من المساجد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 34752 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 76 حديث (عمران بيت المقدس خراب يثرب) [السُّؤَالُ] ـ[أرجو منكم التفضل بشرح هذا الحديث بالتفصيل: روى أحمد وأبو داود عن معاذ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " عمران بيت المقدس خراب يثرب، وخراب يثرب خروج الملحمة، وخروج الملحمة فتح القسطنطينية، وفتح القسطنطينية خروج الدجال ".]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحديث رواه ابن أبي شيبة (7 / 491) وأحمد (5 / 245) وأبو داود (4294) وعلي بن الجعد في مسنده (ص 489) . كلهم: من طريق عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن جبير بن نفير عن مالك بن يخامر عن معاذ بن جبل. ورواه أبو عمرو الداني في " السنن الواردة في الفتن " (4 / 930) من طريق ابن ثوبان عن أبيه أنه سمع مكحولا يقول: حدثني مالك بن يخامر عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفيه: عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، وهو ضعيف، وقد عدَّ الذهبي هذا الحديث من منكراته، كما في " ميزان الاعتدال " (4 / 265) . واختلف عنه فيه أيضاً. قال الدارقطني – وسئل عن الحديث -: يرويه ابن ثوبان، واختلف عنه: فرواه أبو حيوة شريح بن يزيد عن ابن ثوبان عن أبيه عن مكحول قال حدثني مالك بن يخامر عن معاذ، وخالفه علي بن الجعد فرواه عن ابن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن جبير بن نفير عن مالك بن يخامر عن معاذ، زاد في الإسناد جبيراً، والله أعلم. " علل الدارقطني " (6 / 53) . والحديث ضعفه الشيخ شعيب الأرناؤط في تحقيقه لمسند أحمد (36 / 352) . وقد حسنه الشيخُ الألباني رحمه الله في صحيح سنن أبي داود. وعلى فرض صحته فإن معناه: أن كُلّ وَاحِد مِنْ هَذِهِ الْأُمُور أَمَارَة لِوُقُوعِ مَا بَعْده، وَإِنْ وَقَعَ هُنَاكَ فترة زمنية بينهما. (عُمْرَان بَيْت الْمَقْدِس) أَيْ: عِمَارَته بِكَثْرَةِ الرِّجَال وَالْعَقَار وَالْمَال. (خَرَاب يَثْرِب) : أَيْ: سَبَب خَرَاب الْمَدِينَة. وَقَالَ الْقَارِي: أَيْ وَقْت خَرَاب الْمَدِينَة. ويحتمل أن يكون المراد بعمارة بيت المقدس نزول الخلافة فيه في آخر الزمان. ويدل عليه ما رواه أبو داود (2535) عن عبد الله بن حَوَالة الأزدي، قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لنغنم على أقدامنا فرجعنا، فلم نغنم شيئا، وعرف الجهد في وجوهنا، فقام فينا فقال: (اللهم لا تكلهم إليّ فأضعف عنهم، ولا تكلهم إلى أنفسهم فيعجزوا عنها، ولا تكلهم إلى الناس فيستأثروا عليهم) ثم وضع يده على رأسي أو قال: على هامتي، ثم قال: (يا ابن حوالة، إذا رأيت الخلافة قد نزلت أرض المقدسة فقد دنت الزلازل والبلابل [البلابل: الهموم والأحزان] والأمور العظام، والساعة يومئذ أقرب من الناس من يدي هذه من رأسك) . وصححه الألباني في صحيح أبي داود. فظاهره أن نزول الخلافة في الأرض المقدسة سيكون قريبا جداً من الساعة، فقد يكون هذا هو المراد بعمارتها. والله أعلم. (وَخَرَاب يَثْرِب خُرُوج الْمَلْحَمَة) : أَيْ ظُهُور الْحَرْب الْعَظِيمة، وتكون بَيْن أَهْل الشَّام وَالرُّوم. (وَخُرُوجُ الْمَلْحَمَةِ فَتْحُ قُسْطَنْطِينِيَّةَ) يعني: فإذا خرجت الملحمة فبعدها فتح القسطنطينية. (وَفَتْحُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ خُرُوجُ الدَّجَّالِ) يعني إذا فتحت القسطنطينية خرج الدجال. وفي الحديث إشكال؛ وهو كون خراب المدينة قبل الدجال، مع ما ورد من أن الدجال يمنع من دخول المدينة، فإنها ترجف بأهلها ثلاث رجفات فيخرج إليه كل منافق ومنافقة. وقد أجاب ابن كثير عن هذا الإشكال فقال في "النهاية" (1/94) : "وليس المراد أن المدينة تخرب بالكلية قبل خروج الدجال، وإنما ذلك آخر الزمان، بل تكون عمارة بيت المقدس سببا في خراب المدينة النبوية، فإنه قد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن الدجال لا يقدر على دخولها، يُمنع من ذلك بما على أبوابها من الملائكة القائمين بأيدهم السيوف المصلتة" انتهى. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 32684 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 77 حديث موضوع عن الوصية لعلي [السُّؤَالُ] ـ[وصلني عبر البريد حديث إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وقد رأيته في أكثر من منتدى. ومن يكتبه يقول أوصلني عبر البريد. وهذا نص الحديث: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا علي لا تنم حتى تأتي بخمسة أشياء هي: قراءة القرآن الكريم كله، التصدق بأربعة ألاف درهم، حفظ مكانك في الجنة، إرضاء الخصوم. فقال علي: وكيف يارسول الله – صلى الله عليه وسلم -؟ قال رسول الله صلى الله علية وسلم: أما تعلم يا علي أنك: إذا قرأت (قل هو الله أحد) ثلاث مرات كأنك قرأت القرآن كله؟ وإذا قرأت (سورة الفاتحة) أربع مرات كأنك تصدقت بأربعة الأف درهم؟ وإذا قلت " لا إله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو على كل شيء قدير " عشر مرات فقد حفظت مكانك في الجنة؟ وإذا قلت " أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه " عشر مرات فقد أرضيت الخصوم؟ ثم يختمونه بقولهم: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فهل هذا الحديث صحيح.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث باطل موضوع. قال علماء اللجنة الدائمة عن هذا الحديث: هذا الحديث لا أصل له، بل هو من الموضوعات، من كذب بعض الشيعة كما نبَّه على ذلك أئمَّة الحديث. " فتاوى اللجنة الدائمة " (4 / 462، 463) . وقد سئل عنه الشيخ بن محمد بن صالح العثيمين فقال - رحمه الله -: هذا الحديث الذي ذكره أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى علي بن أبي طالب رضي الله عنه بهذه الوصايا: كذب موضوع على النبي صلى الله عليه وسلم، لا يصح أن يُنسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن " مَن حدَّث عن النبي صلى الله عليه وسلم بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين "، و " مَن كذب على النبي صلى الله عليه وسلم متعمِّداً فليتبوأ مقعده من النار "؛ إلا إذا ذكره ليبيِّن أنه موضوع ويحذر الناس منه، فهذا مأجور عليه، والمهم أن هذا الحديث كذب على النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى علي ابن أبي طالب. " فتاوى إسلامية " (4 / 111) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 30765 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 78 حديث من رضي من الله بالقليل من الرزق.. [السُّؤَالُ] ـ[ما هي درجة حديث " مَن رضي من الله بالقليل من الرزق: رضي الله منه بالقليل من العمل "؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحديث: رواه البيهقي في " شعب الإيمان " (7 / 204) . وفيه: إسحاق بن محمد الفروي، وقد ضعفه النسائي وأبو داود والدارقطني. انظر: " ميزان الاعتدال " (1 / 351) ، و " تهذيب التهذيب " (1 / 217) . وقد ضعفه الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (4 / 334) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 12935 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 79 هل العمل بالأحاديث الضعيفة يعتبر شركاً؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل اتباع الأحاديث الضعيفة يعد من الشرك؟ إذا كان الجواب بنعم، فإن عندي سؤالاً عن الأحاديث الصحيحة. لكن قبل أن أطرح سؤالي، فأنا أريد أن أعرض الآية التالية تدعيما لسؤالي: قال تعالى: (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) الآية 82 من سورة النساء، وهذا يذهب ليثبت أن أي كتاب مكتوب، أو مقدم من عند غير الله سبحانه وتعالى سيكون فيه تعارض. وإذا كان هذا هو الحال، فكيف يمكننا أن نطلق على الأحاديث أنها صحيحة؟ إن لم تكن كذلك، فإننا نقع في الشرك بفعلنا ذلك. أرجو أن توضح لي الأمر الذي حيرني.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يقال إن العمل بالأحاديث الضعيفة يعتبر شركا، وذلك لأن الأحاديث رويت بالأسانيد فبحث العلماء في تلك الأسانيد فكثير منها يوجد في إسناده رجل يوصف بأنه ضعيف الحفظ، لكن لا يلزم أن يكون الحديث مكذوبا، لأننا لا نتهم ذلك العالم بأنه كذب، ولكن قد يكون أخطأ في وصل الحديث أو رفعه كما يقع من كثير من المحدثين الذين وصفوا بأنهم ضِعاف في الحديث، فيجوز العمل بالأحاديث الضعيفة بثلاثة شروط: 1- أن لا يكون الضعف شديدا يقرب من أن يكون مكذوبا. 2- أن يكون الحديث داخلاً في قاعدة عامة كفضائل الأعمال. 3- أن لا يعتقد عند العمل به ثبوته حتى لا يقول عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ما لم يفعل. أما الاختلاف الذي يوجد بين الأحاديث فقد يكون من خطأ أحد الرواة، أو يكون ذلك لأن بعض الحديث ينسخ بعضه بعضا كما في كتاب الله، أما أن يكون في الأحاديث الصحيحة الثابتة اختلاف فهذا غير صحيح ولا يكون، لأن كل ما جاء عن الله تعالى أو عن رسوله عليه الصلاة والسلام سالم من الإختلاف، لقوله تعالى: (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) . فليس في كتاب الله آيات متضادات، ولا في أحاديث النبي الثابتة شيء من الاختلاف. وأما إذا كان المخالف حديثا ضعيفا فهذا لا يضر، لأننا نقول إنه خطأ من بعض الرواة، وقد أجاز بعض العلماء العمل بالأحاديث الضعيفة كفضائل الأعمال أي أنها دالة على الفضائل، لا أنها دالة على الأحكام، ولذلك يقول الإمام أحمد رحمه الله: إذا روينا في الحلال والحرام تشددنا، وإذا روينا في الفضائل تساهلنا. لأن الفضائل لا يترتب عليها حكم إنما هي كفضائل الصيام، والجهاد، والصلاة وكذلك غيرها. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] سماحة الشيخ ابن جبرين رحمه الله الحديث: 142939 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 80 شرح حديث ثلاث من كن فيه آواه الله في كنفه [السُّؤَالُ] ـ[نود شرحا لحديث: (ثلاث من كن فيه آواه الله في كنفه، ونشر عليه رحمته، وأدخله جنته: من إذا أُعطي شكر، وإذا قدر غفر، وإذا غضب فتر) بالتحديد ما معنى: (إذا أُعطي شكر، وإذا قدر غفر، وإذا غضب فتر) ؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: هذا الحديث لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، يُروَى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة مَن كُنَّ فيه آواه الله في كنفه، وستر عليه برحمته، وأدخله في محبته. قيل: ما هن يا رسول الله؟ قال: من إذا أُعطِيَ شَكَر، وإذا قَدِرَ غفر، وإذا غضب فتر) وله عن ابن عباس طريقان، كلاهما ضعيف جدا: الطريق الأول: رواه الخطيب البغدادي في " المتفق والمفترق " (رقم/1070) ، والحاكم في " المستدرك " (1/214) ، وعنه البيهقي في " شعب الإيمان " (6/249) ، من طريق عمر بن راشد مولى عبد الرحمن بن أبان بن عثمان التيمي، ثنا محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب القرشي، عن هشام بن عروة، عن محمد بن علي، عن ابن عباس به. وعمر بن راشد هذا متهم بالكذب، ترجم له الذهبي في " ميزان الاعتدال " (4/303) فقال: " عمر بن راشد المدني الجاري – كان ينزل الجار -، أبو حفص، عن ابن عجلان، ومالك، ويزيد بن عبد الملك النوفلي. قال أبو حاتم: وجدت حديثه كذبا وزورا. وقال العقيلي: منكر الحديث. وتكلم فيه ابن عدي. روى عنه مطرف بن عبد الله، وأبو مصعب المديني، ويعقوب الفسوي. قال ابن عدي: كل أحاديثه مما لا يتابعه عليها الثقات. وقال الدارقطني: كان ضعيفا، لم يكن مرضيا، وكان يتهم بوضع الحديث على الثقات. وقال أبو حاتم: العجب من يعقوب بن سفيان كيف روى عنه لأني في ذلك الوقت وأنا شاب علمت أن تلك الأحاديث موضوعة، فلم تطب نفسي أن أسمعها، فكيف تخفى على يعقوب ذلك. قلت ـ القائل هو الحافظ الذهبي ـ: هذا يدل على عظم قدر يعقوب عند أبي حاتم. وقال أبو داود: ضعيف. وقال الحاكم وأبو نعيم: يروي عن مالك أحاديث موضوعة. وقال الخطيب: كان ضعيفا، روى المناكير عن الثقات " انتهى ولذلك ضعف هذا الحديث ابن حبان في " المجروحين " (2/93) وقال: " فيما يشبه هذا من الأخبار التي ينكرها من لم يجهل صناعة الحديث، إذ الخبر لا أصل له " انتهى. وضعفه البيهقي – بعد روايته له – بقوله: " عمر بن راشد: مولى مروان بن أبان بن عثمان، وهو شيخ مجهول من أهل مصر يروي ما لا يتابع عليه " انتهى. فلا يقبل كلام الحاكم عقب روايته الحديث: " هذا حديث صحيح الإسناد، فإن عمر بن راشد شيخ من أهل الحجاز، من ناحية المدينة، قد روى عنه أكابر المحدثين " انتهى. ولذلك تعقبه الذهبي في " التلخيص " بقوله: " بل واه " انتهى. وقد رواه البيهقي في " شعب الإيمان " (6/249) بسند آخر فيه عمر بن راشد أيضا، ولكن جعله من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقد تعقبه البيهقي نفسه بقوله: " وهذا إسناد ضعيف " انتهى. الطريق الثاني: رواه مطرف بن عبد الله أبو مصعب المديني، عن ابن أبي ذئب. كما عند ابن عدي في " الكامل " (6/378) ، ومن طريقه البيهقي في " شعب الإيمان " (6/249) . وفيه أحمد بن داود بن أبي صالح قال فيه ابن حبان: " يضع الحديث " انتهى. " المجروحين " (1/146) ، وانظر: " ميزان الاعتدال " (1/96) ولذلك حكم على الحديث بالوضع الشيخ الألباني رحمه الله في " السلسلة الضعيفة " (رقم/587) ثانيا: فضيلة الشكر عند النعمة، والعفو عند المقدرة، وتمالك النفس عند الغضب أبواب ثابتة في الكتاب والسنة الصحيحة بما يغني عن الأحاديث المكذوبة والموضوعة: يقول الله تعالى: (نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ) القمر/35. ويقول سبحانه: (وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) الشورى/37. ويقول عز وجل: (وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) التغابن/14. والنصوص الثابتة في هذا الباب كثيرة، تراجع في مظانها، مثل رياض الصالحين وغيره من كتب الترغيب والرقاق. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 142501 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 81 حديث مكذوب في التحذير من إغضاب الزوج لزوجته [السُّؤَالُ] ـ[هل الحديث التالي ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم: (فوالله لو أغضب زوجٌ زوجتَه وقفَّى عنها راحلا، تاركا إياها حزينة، فإن الله يكتب له في كل خطوة لعنة، ويبعد عنه رزقه، ويقلل من عافيته، ويكتب له من كل دمعة من عينيها ألف جمرة في كل ليلة، نصفها في الدنيا، والنصف الآخر في الآخرة) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس هذا بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من الأكاذيب التي لا أصل لها، والتي ينقلها بعض أهل البدع وبعض عوام الناس الذين لا يعون مدى خطورة الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وواضح جداً ما في هذا الكلام من المبالغة الشديدة في ترتيب عقوبة معينة على فعل لا يستحق كل ذلك. ومن أراد أن يأمر الرجل بالإحسان إلى امرأته، وينهاه عن ظلمها فعنده من الأحاديث الصحيحة ما يغني عن هذا الكذب. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا) رواه البخاري (3331) ومسلم (1468) . وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي) رواه الترمذي (3895) وقال: حسن غريب صحيح، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1174) . وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ: الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ) رواه أحمد (2/439) وحسنه النووي في "رياض الصالحين" (146) ومحققو مسند أحمد، والشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1015) . ومعنى الحديث: اللهم اشهد أني أضيق على الناس وأشدد عليهم في تضييع حق اليتيم والمرأة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 141781 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 82 يسأل عن أحاديث ضعيفة وموضوعة في الترهيب من الظلم [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أعرف هل هذه الأحاديث صحيحة؛ لأن معي موضوعا عن الظلم، وأريد أن أكتب هذه الأحاديث. وجزاكم الله خيرا. 1- عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أوحى الله تعالى إليّ: يا أخا المرسلين! يا أخا المنذرين! أنذر قومك فلا يدخلوا بيتا من بيوتي ولأحد من عبادي عند أحد منهم مظلمة , فإني ألعنه ما دام قائما يصلي بين يدي حتى يرد تلك الظلامة إلى أهلها، فأكون سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويكون من أوليائي وأصفيائي، ويكون جاري مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين في الجنة) 2- عن على رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إياك ودعوة المظلوم فإنما يسأل الله تعالى حقه) 3- وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من عبد ظُلم فشخص ببصره إلى السماء إلا قال الله عز وجل: لبيك عبدي حقا، لأنصرنك ولو بعد حين) 4- روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يقول الله تعالى: اشتد غضبي على من ظلم من لا يجد له ناصرا غيري) ]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ننقل هنا أحكام العلماء على هذه الأحاديث باختصار، وحاصل ذلك كله أن الأحاديث الواردة في السؤال جميعها مردودة غير مقبولة، منها الضعيف، ومنها الموضوع والذي لا أصل له. ومن أراد الوقوف على الأحاديث الصحيحة في هذا الموضوع، فعليه بكتاب: 1- " رياض الصالحين " للإمام النووي: " باب تحريم الظلم والأمر برد المظالم ". 2- وكتاب: " الترغيب والترهيب " للإمام المنذري بتحقيق الشيخ الألباني (3/127) : " باب الترهيب من الظلم ودعاء المظلوم وخذله والترغيب في نصرته ". الحديث الأول: عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أوحى الله تعالى إليّ: يا أخا المرسلين! يا أخا المنذرين ... ) قال الشيخ الألباني رحمه الله: " ضعيف، أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (6/116) : حدثنا سليمان بن أحمد: ثنا أبو الزنباع روح بن الفرج: ثنا إسحاق بن إبراهيم بن رزيق: ثنا أبو اليمان: ثنا الأوزاعي: حدثني عبدة: حدثني زر بن حبيش قال: سمعت حذيفة يقول: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... فذكره. وقال: " غريب من حديث الأوزاعي عن عبدة، ورواه علي بن معبد عن إسحاق بن أبي يحيى العكي عن الأوزاعي ... به ". قلت – أي الشيخ الألباني -: وهذا إسناد ضعيف، رجاله كلهم ثقات مترجمون في " التهذيب "، إلا شيخ أبي نعيم سليمان بن أحمد وهو الحافظ الطبراني صاحب " المعاجم الثلاثة "، وهو أشهر من أن يذكر، وإلا إسحاق بن إبراهيم بن زريق. فإني جهدت في أن أجد له ترجمة فلم أوفق. ثم بدا لي شيء وهو أن جده: (زريق) ... محرف من (زبريق) ، وأنه إسحاق بن إبراهيم بن العلاء المصري، فإنه يعرف بـ: (ابن زبريق) ، وهو من هذه الطبقة، وقد مضى له حديث برقم (758) من رواية الطبراني بواسطة آخر له عنه: ثنا عمرو بن الحارث ... فإذا كان هو هذا، فهو ضعيف جداً - كما بينت هناك -، وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق يهم كثيراً، وأطلق محمد بن عوف أنه يكذب "، ولعله قد خفي حاله على الحافظ ابن رجب الحنبلي، فقال في " جامع العلوم والحكم " (ص 261) - بعد أن عزاه للطبراني -: " وهذا إسناد جيد، وهو غريب جداً ". ولم أجد من عزاه للطبراني، ولا هو في شيء من " معجمه الثلاثة "، فلعله في بعض كتبه الأخرى مثل " مسند الشاميين " فليراجع، فإن يدي لا تطوله الآن، وليس هو في المجلدين المطبوعين بتحقيق أخينا عبد المجيد السلفي فرج الله عنه كربه. وأما إسحاق بن أبي يحيى العكي: فلم أعرفه " انتهى. " السلسلة الضعيفة " (حديث رقم/6308) . وقد خرج الشيخ طارق عوض الله هذا الحديث، وجزم أنه: ابن زبريق، قال: " وابن زبريق هذا ليس بشيء، لا تقوم بحديثه الحجة ". ثم ذكر أن صواب الاسم الأخير: إسحاق بن أبي يحي الكعبي. قال: " والكعبي هذا هالك، كما في الميزان واللسان " انتهى. انظر: جامع العلوم والحكم، لابن رجب، تحقيق الشيخ طارق عوض الله (2/360، هـ1) . الحديث الثاني: عن على رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إياك ودعوة المظلوم فإنما يسأل الله تعالى حقه) رواه الخطيب في "تاريخ بغداد" (9/301-302) والبيهقي في " شعب الإيمان " (9/533) ، من طريق صالح بن حسان، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إياك ودعوة المظلوم، فإنما يسأل الله حقه، وإن الله لا يمنع ذا حق حقه) وهذا إسناد ضعيف جدا بسبب صالح بن حسان، فهو متروك متفق على نكارة حديثه وشدة ضعفه. انظر: " تهذيب التهذيب " (4/385) . والحديث ضعفه الشيخ الألباني رحمه الله في "السلسلة الضعيفة"، رقم (1697) . الحديث الثالث: (ما من عبد ظُلم فشخص ببصره إلى السماء ... ) لم نجده في كتب السنة والآثار، وإنما تنقله بعض كتب الأدب، أحيانا مرفوعا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وأحيانا من كلام بعض التابعين، ككتاب " نهاية الأرب " للنويري (6/37) ، وكتاب: " المستطرف " (1/233) ، فلا يجوز التحديث به، كما تحرم نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، حتى يوقف له على إسناد ثابت إليه. الحديث الرابع: (يقول الله تعالى: اشتد غضبي على مَن ظَلَمَ مَن لا يجد له ناصرا غيري) قال الشيخ الألباني رحمه الله: " (يقول الله عز وجل: اشتد غضب الله على من ظلم من لا يجد ناصرا غيري) ضعيف جدا: أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1/111/2228) ، و " الصغير " (رقم 718 – الروض النضير) ، ومن طريقه الديلمي (1/1/115 - 116) عن مسعر بن الحجاج النهدي: حدثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي مرفوعا به. وقال الطبراني: " لم يروه عن أبي إسحاق إلا شريك، تفرد به مسعر بن الحجاج " قلت – أي الشيخ الألباني رحمه الله -: وهذا إسناد ضعيف جدا مسلسل بالعلل: الأولى: الحارث - وهو الأعور - متهم بالكذب. الثانية: أبو إسحاق - وهو السبيعي - كان اختلط. الثالثة: شريك - وهو ابن عبد الله القاضي - ضعيف الحفظ. الرابعة: مسعر بن الحجاج النهدي كذا في المصادر المذكورة، ولم أجد له ترجمة. وفي " الميزان " و " اللسان ": "مسعر بن يحيى النهدي، لا أعرفه، وأتى بخبر منكر "، ثم ساق له حديثا آخر من روايته عن شريك عن أبي إسحاق عن أبيه عن ابن عباس، والظاهر أنه هو هذا. والله أعلم " انتهى. " السلسلة الضعيفة " (رقم/2392) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 140177 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 83 هل تصح هذه الأحاديث التي تدل على جواز استعمال المسبحة؟ [السُّؤَالُ] ـ[في أحد المنتديات وضعت إحداهن موضوعا عن البدع، ولكن كان فيه أحاديث ضعيفة وصحيحة الإسناد، وهي عن المسبحة، وكانت كالآتي: لم يثبت عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه استخدمها، ولم يستخدم الحجر، ولم يستخدم النّوى كما يُدّعى في الحديث الضّعيف أنّه أقرّ جويرية على ذلك، هذا غير صحيح، لم يقرّها على استخدام النّوى. التسبيح بالمسبحة جائز، وما ورد فيها من أحاديث العدّ بالنوى والحصى كاف في الدلالة على أصل مشروعيتها، لصلاحية تلك الأحاديث من حيث الصنعة الحديثية للاستدلال، منها حديث سعد بن أبي وقاص أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة وبين يديها نوى أو حصى تسبح به، فقال: أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا وأفضل، فقال: سبحان الله عدد ما خلق في السماء ... ، والحديث صححه ابن حبان والحاكم في المستدرك ووافقه الذهبي، وخرجه أبو داود رقم 1500، والترمذي حديث رقم 3568، وقال: حديث حسن. السؤال هنا: كيف نفهم التناقض هنا؟ وهل الحديث حسن أم ضعيف؟ وكيف يكون حديث حسن ويقابله حديث ضعيف؟ وجزاكم الله خير.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأحاديث الوارد فيها إقرار النبي صلى الله عليه وسلم بعض أمهات المؤمنين على عد التسبيح على النوى حديثان: الحديث الأول: عن أم المؤمنين صفية رضي الله عنها قالت: (دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ يَدَيَّ أَرْبَعَةُ آلَافِ نَوَاةٍ أُسَبِّحُ بِهَا، فَقَالَ: لَقَدْ سَبَّحْتِ بِهَذِهِ، أَلَا أُعَلِّمُكِ بِأَكْثَرَ مِمَّا سَبَّحْتِ بِهِ، فَقُلْتُ: بَلَى عَلِّمْنِي. فَقَالَ: قُولِي: سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ خَلْقِهِ) رواه الترمذي (3554) بسند ضعيف، فيه: هاشم بن سعيد الكوفي، قال عنه ابن معين: ليس بشيء. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث. "تهذيب التهذيب" (11/17) . ولذلك قال الترمذي بعد روايته له: "هذا حديث غريب، لا نعرفه من حديث صفية إلا من هذا الوجه من حديث هاشم بن سعيد الكوفي، وليس إسناده بمعروف" انتهى. وقد ضعفه الألباني في ضعيف الترمذي وقال عنه: منكر. ورواه الطبراني في "الدعاء" (ص/494) وفي سنده: يزيد بن متعب مولى صفية. قال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله: "يزيد لم يوجد له ترجمة" انتهى. "السبحة" (ص/18) . ومع ذلك فقد صحح هذا الحديث علي القاري في "مرقاة المصابيح" فقال: "وهذا أصل صحيح لتجويز السبحة، بتقريره صلى الله عليه وسلم فإنه في معناها، إذ لا فرق بين المنظومة والمنثورة فيما يعد به، ولا يعتد بقول من عدها بدعة" انتهى. نقله عنه في "تحفة الأحوذي". وقد حسنه الحافظ ابن حجر أيضاً، وذكر طريقاً أخرى عند الطبراني في "الدعاء"، والظاهر من صنيعه أنه حسنه بمجموع طرقه. نقله عنه ابن علان في "الفتوحات الربانية على الأذكار النووية" (1/245) . الحديث الثاني: عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: (أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى امْرَأَةٍ وَبَيْنَ يَدَيْهَا نَوًى - أَوْ قَالَ حَصًى - تُسَبِّحُ بِهِ، فَقَالَ: أَلَا أُخْبِرُكِ بِمَا هُوَ أَيْسَرُ عَلَيْكِ مِنْ هَذَا أَوْ أَفْضَلُ؟ سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ فِي السَّمَاءِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ فِي الْأَرْضِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا بَيْنَ ذَلِكَ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا هُوَ خَالِقٌ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ مِثْلَ ذَلِكَ) . قوله: (دَخَلَ عَلَى امْرَأَةٍ وَبَيْنَ يَدَيْهَا نَوًى) لم يبين في شيء من طرق الحديث من هي؟ فيحتمل أنها صفية رضي الله عنها كما في الحديث الأول، ويحتمل أنها جويرية رضي الله عنها، وحديثها في صحيح مسلم، ولكن ليس فيه ذكر للنوى أو الحصى. انظر: "الفتوحات الربانية" (1/244) . وهذا الحديث رواه الترمذي (3568) وأبو داود (1500) من طريق سعيد بن أبي هلال، عن خزيمة، عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص، عن أبيها. وروي أيضا بإسقاط خزيمة. قال الشيخ الألباني رحمه الله: " خزيمة هذا مجهول، قال الذهبي نفسه في " الميزان ": خزيمة، لا يعرف، تفرد عنه سعيد بن أبي هلال، وكذا قال الحافظ في " التقريب ": إنه لا يعرف، وسعيد بن أبي هلال مع ثقته حكى الساجي عن أحمد أنه اختلط، وكذلك وصفه بالاختلاط يحيى كما في " الفصل " لابن حزم (2 / 95) ، ولعله مما يؤيد ذلك روايته لهذا الحديث، فإن بعض الرواة الثقات عنه لم يذكروا في إسناده خزيمة فصار الإسناد منقطعا، ولذلك لم يذكر الحافظ المزي عائشة بنت سعد في شيوخ ابن أبي هلال، فلا يخلو هذا الإسناد من علة الجهالة أو الانقطاع، فأنَّى للحديث الصحة أو الحسن؟! " انتهى. "السلسلة الضعيفة" (83) . ومع هذا، فقد صححه الحافظ ابن حجر، فقال: "حديث صحيح، ورجاله رجال الصحيح، إلا خزيمة فلا يعرف نسبه ولا حاله، ولا روى عنه إلا سعيد بن أبي هلال، وذكره ابن حبان في الثقات كعادته فيمن لم يجرح ولم يأت بمنكر، وصححه الحاكم" انتهى. "الفتوحات الربانية" (1/244) . وقال عنه المنذري في "الترغيب والترهيب" (2/360) : "إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما" انتهى. وقد ضعف هذين الحديثين الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله، فقال: "وحديثا صفية وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما، في ثبوت كل منهما نظر" انتهى. "السبحة تاريخها وحكمها" ص 16. ثانيا: قد يختلف العلماء في حكم حديث معين، هل هو صحيح أم حسن أم ضعيف؟ كما قد يختلفون في فهم الحديث والاستنباط منه، فتتنوع المذاهب الفقهية بحسب تنوع الاجتهادات. قال المعلمي رحمه الله: "يختلفون في صحة بعض الأحاديث، وذلك قليل بالنسبة إلى ما اتفقوا عليه" انتهى. "الأنوار الكاشفة" (ص/52) . وعلى المسلم في هذه الحالة ـ إن كان أهلاً للبحث والتحقيق ـ أن يفعل ذلك، حتى يصل إلى الحكم على الحديث بنفسه. فإن كان لا يستطيع ذلك، فإنه يسأل من يثق بعلمه ودينه عن حكم الحديث، ثم يفعل ما يفتيه به. وإذا ظهر أن المسألة من المسائل الاجتهادية، فإنه لا ينبغي أن يكون ذلك سبباً للاضطراب أو التنازع، فإن الله تعالى قضى أن يخلق الناس متفاوتين في العلوم والأفهام، وما دام الاختلاف لا يتعلق بثوابت الدين ومحكماته فالأمر يسير إن شاء الله تعالى. ولمعرفة موقف المسلم من اختلاف العلماء في تصحيح بعض الأحاديث أو تضعيفها. راجع جواب السؤال رقم (70455) . ثالثا: أما حكم استعمال السبحة؛ فقد سبق بيان اختلاف العلماء في حكمها في جواب السؤال رقم (3009) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 140127 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 84 يسأل عن مدى صحة هذه الأدعية عن النبي صلى الله عليه وسلم [السُّؤَالُ] ـ[هل صحت هذه الأدعية عن النبي صلى الله عليه وسلم، وما مناسبتها؟ • اللهم أرني الحق حقاً وأرزقني إتباعه وارني الباطل باطلاً وارزقني اجتنابه. • اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ولا يؤمنون بوعدك وخالف بين كلمتهم وألق في قلوبهم الرعب وألق عليهم رجزك وعذابك إله الحق. • اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم. اللهم أذل الشرك والمشركين. • اللهم إنه لا يهزم جندك ولا يغلب جمعك. • اللَّهُمَّ أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء. • اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد ونرجوا رحمتك ونخاف عذابك إن عذابك الجد لمن عاديت ملحق.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: 1- دعاء: " اللهم أرني الحق حقاً وارزقني إتباعه، وأرني الباطل باطلاً وارزقني اجتنابه " فليس بحديث، وإنما هو دعاء مأثور عن بعض من تقدم من السلف، كما قال ابن شاهين رحمه الله: " ومن أدعية من تقدم: اللهم أرنا الحق حقا وألهمنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا، وألهمنا اجتنابه " انتهى. " شرح مذاهب أهل السنة"، لابن شاهين رحمه الله (ص 40) ، وينظر: "تفسير ابن كثير" (1/ 571) . قال الحافظ العراقي رحمه الله: " حديث: كان يقول (اللهم أرني الحق حقا فأتبعه وأرني المنكر منكرا وارزقني اجتنابه، وأعذني من أن يشتبه علي فأتبع هواي بغير هدى منك، واجعل هواي تبعا لطاعتك ... ) لم أقف لأوله على أصل " انتهى. "تخريج أحاديث الإحياء" (5/ 391) . 2- دعاء: " اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ولا يؤمنون بوعدك وخالف بين كلمتهم وألق في قلوبهم الرعب وألق عليهم رجزك وعذابك إله الحق ". دعاء صحيح مأثور، وقد دعا به النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد. فروى أحمد (15066) والبخاري في "الأدب المفرد" (699) والحاكم (1868) ، (4308) والطبراني في "الكبير" (4549) والبزار في "مسنده" (3724) عن رِفَاعَةَ الزُّرَقِيِّ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَانْكَفَأَ الْمُشْرِكُونَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اسْتَوُوا حَتَّى أُثْنِيَ عَلَى رَبِّي) فَصَارُوا خَلْفَهُ صُفُوفًا فَقَالَ: (اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ، اللَّهُمَّ لَا قَابِضَ لِمَا بَسَطْتَ وَلَا بَاسِطَ لِمَا قَبَضْتَ، وَلَا هَادِيَ لِمَا أَضْلَلْتَ وَلَا مُضِلَّ لِمَنْ هَدَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَلَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُقَرِّبَ لِمَا بَاعَدْتَ وَلَا مُبَاعِدَ لِمَا قَرَّبْتَ، اللَّهُمَّ ابْسُطْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَفَضْلِكَ وَرِزْقِكَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ الَّذِي لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ يَوْمَ الْعَيْلَةِ وَالْأَمْنَ يَوْمَ الْخَوْفِ، اللَّهُمَّ إِنِّي عَائِذٌ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا أَعْطَيْتَنَا وَشَرِّ مَا مَنَعْتَ، اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ وَاجْعَلْنَا مِنْ الرَّاشِدِينَ، اللَّهُمَّ تَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ وَأَحْيِنَا مُسْلِمِينَ وَأَلْحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ غَيْرَ خَزَايَا وَلَا مَفْتُونِينَ، اللَّهُمَّ قَاتِلْ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ، وَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ، اللَّهُمَّ قَاتِلْ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَهَ الْحَقِّ) . قال الحاكم: " هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه "، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في "صحيح الأدب المفرد" (541) . وقد ثبت الدعاء بذلك عن عمر رضي الله عنه، ودعا الناس به في زمانه، في قنوت الوتر في رمضان: وفيه الجمل المذكورة في آخر السؤال: (اللهم إياك نعبد..) : ... فكان الناس يقومون أوله، وكانوا يلعنون الكفرة في النصف: " اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ولا يؤمنون بوعدك، وخالف بين كلمتهم وألق في قلوبهم الرعب وألق عليهم رجزك وعذابك إله الحق ". ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو للمسلمين بما استطاع من خير ثم يستغفر للمؤمنين. قال: وكان يقول إذا فرغ من لعنة الكفرة وصلاته على النبي واستغفاره للمؤمنين والمؤمنات ومسألته: " اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد، ونرجو رحمتك ربنا ونخاف عذابك الجد، إن عذابك لمن عاديت ملحق " ثم يكبر ويهوى ساجدا ". رواه بن خزيمة في "صحيحه" (1100) ، وقال الألباني في تعليقه على ابن خزيمة: " إسناده صحيح ". وقد ورد آخر هذا الدعاء مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لكن بإسناد ضعيف. روي بإسناد ضعيف، رواه البيهقي في "السنن الكبرى" (3267 عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِى عِمْرَانَ قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو عَلَى مُضَرَ إِذْ جَاءَهُ جِبْرِيلُ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ أَنِ اسْكُتْ، فَسَكَتَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْكَ سَبَّابًا وَلاَ لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بَعَثَكَ رَحْمَةً، وَلَمْ يَبْعَثْكَ عَذَابًا لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَىْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ، ثُمَّ عَلَّمَهُ هَذَا الْقُنُوتَ: (اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ، وَنُؤْمِنُ بِكَ، وَنَخْضَعُ لَكَ، وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَكْفُرُكَ، اللَّهُمَّ إِيَّاكَ نَعْبُدُ، وَلَكَ نُصَلِّى وَنَسْجُدُ، وَإِلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ، نَرْجُو رَحْمَتَكَ وَنَخَافُ عَذَابَكَ الْجَدَّ، إِنَّ عَذَابَكَ بِالْكَافِرِينَ مُلْحَقٌ) . قال البيهقي عقبه: " هَذَا مُرْسَلٌ ". ولكن تقدم أنه صحيح عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه. قال البيهقي عقب الرواية السابقة: " وَقَدْ رُوِىَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَحِيحًا مَوْصُولاً " ثم ساقه بسنده عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ: أَنَّ عُمَرَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ فَقَالَ: " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا، وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِهِمْ، وَانْصُرْهُمْ عَلَى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِمْ، اللَّهُمَّ الْعَنْ كَفَرَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ، وَيُكُذِّبُونَ رُسُلَكَ، وَيُقَاتِلُونَ أَوْلِيَاءَكَ اللَّهُمَّ خَالِفْ بَيْنَ كَلِمَتِهِمَ، وَزَلْزِلْ أَقْدَامَهُمْ، وَأَنْزِلْ بِهِمْ بَأْسَكَ الَّذِى لاَ تَرُدُّهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ وَنُثْنِى عَلَيْكَ وَلاَ نَكْفُرُكَ، وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَفْجُرُكَ. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اللَّهُمَّ، إِيَّاكَ نَعْبُدُ، وَلَكَ نُصَلِّى وَنَسْجُدُ، وَلَكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ، نَخْشَى عَذَابَكَ الْجَدَّ، وَنَرْجُو رَحْمَتَكَ، إِنَّ عَذَابَكَ بِالْكَافِرِينَ مُلْحَقٌ ". وينظر: تهذيب الآثار، للطبري، رقم (2653) . وصححه الألباني في "الإرواء" (2/164-165) . 3- دعاء: " اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم "، دعاء صحيح مأثور، وقد دعا به النبي صلى الله عليه وسلم عند لقاء العدو. روى البخاري (2966) ومسلم (1742) عن عبد اللَّهِ بْن أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتِي لَقِيَ فِيهَا انْتَظَرَ حَتَّى مَالَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ قَامَ فِي النَّاسِ خَطِيبًا قَالَ: (أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ) . ثُمَّ قَالَ: (اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ وَمُجْرِيَ السَّحَابِ وَهَازِمَ الْأَحْزَابِ اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ) . 4- أما دعاء: " اللهم أذل الشرك والمشركين "، فلا نعلم له أصلا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من أصحابه، ولا عن أحد من أصحابه، أو السلف الصالحين، وإنما اعتاد الدعاء به بعض الإمام في القنوت، أو غيره من الأدعية، وهو ـ من حيث المعنى ـ: صحيح، لا حرج على من عا به. 5- دعاء " اللهم إنه لا يهزم جندك ولا يغلب جمعك "، فقد روي بنحوه من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم. روى أبو داود (5052) والطبراني في "المعجم الصغير" (998) والبيهقي في "الدعوات" (336) عَنْ عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ مَضْجَعِهِ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ وَكَلِمَاتِكَ التَّامَّةِ مِنْ شَرِّ مَا أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، اللَّهُمَّ أَنْتَ تَكْشِفُ الْمَغْرَمَ وَالْمَأْثَمَ، اللَّهُمَّ لَا يُهْزَمُ جُنْدُكَ وَلَا يُخْلَفُ وَعْدُكَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ، سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ) . والحديث وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود"، غير أن الدعاء من حيث المعنى صحيح، وقد قال الله تعالى: (وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) الصافات / 173. 6- دعاء: " اللَّهُمَّ أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء ": هذا الدعاء صحيح ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم. روى مسلم (2713) عَنْ سُهَيْلٍ بن أبي صالح قَالَ: كَانَ أَبُو صَالِحٍ يَأْمُرُنَا إِذَا أَرَادَ أَحَدُنَا أَنْ يَنَامَ أَنْ يَضْطَجِعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ يَقُولُ: (اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ وَرَبَّ الْأَرْضِ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ وَأَغْنِنَا مِنْ الْفَقْرِ) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 140138 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 85 ضوابط لتمييز الحديث الصحيح من الضعيف [السُّؤَالُ] ـ[ما هي ضوابط الحكم على الحديث بالصحة أو الضعف؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحكم على الحديث بالصحة أو بالضعف يأتي بعد دراسة شاقة تمر في مرحلتين إجماليتين: المرحلة الأولى: البحث عن مواضع ورود الحديث في كتب السنة المسندة جميعها قدر الإمكان، وجمع الأسانيد التي ورد بها، وتمييز أماكن التقاء هذه الطرق وأماكن افتراقها، ثم تحديد السند الذي دار عليه الحديث وتمييزه للانتقال إلى المرحلة الثانية من الدراسة. المرحلة الثانية: دراسة إسناد الحديث، أو أسانيده المتنوعة، دراسة مفصلة لجميع الجوانب التي تؤثر في الحكم على الحديث، وذلك من خلال: 1- البحث في درجة عدالة الرواة ومدى تدينهم وصدقهم. 2- البحث في درجة حفظ رواة الإسناد ومدى ضبطهم لأحاديثهم. 3- البحث في اتصال الإسناد: بمعنى أن كل راو فيه أخذ عن شيخه الذي حدثه، وأنه ليس ثمة انقطاع أو تدليس أو إرسال. 4- البحث في توافق إسناد الحديث ومتنه مع الأحاديث الأخرى، والسلامة من المعارضة أو المناقضة، وهذا مهم جدا أيضا. 5- التأكد من خلو الحديث من العلل الخفية التي لا يميزها إلا العلماء الأفذاذ. فإذا تمت دراسة الحديث عبر هاتين المرحلتين أمكن الحكم عليه بالصحة أو بالضعف، وهذا – كما ترى – عمل شاق مضن، يتطلب الكثير من الوقت والجهد والخبرة التامة بعلوم الحديث ومناهج المحدثين، ولا يمكن شرح تفاصيله في جواب مختصر ينشر عبر الموقع، بل هو علم كامل يدرسه الطلبة في الكليات والجامعات ويتخصصون فيه. وقد سبق في الموقع الكثير من الأجوبة التي تشرح شروط الحكم بالتصحيح أو بالتضعيف، وهي: (6981) ، (70455) ، (79163) ، (122507) ، (128854) ولكننا هنا نذكر بعض الضوابط التي تساعد المسلم – الذي لم يتخصص في دراسة علوم الشريعة – في الاطلاع على حكم الحديث وتمييز كونه صحيحا أو ضعيفا: 1- إذا كان الحديث من رواية الإمام البخاري في صحيحه بإسناده فهو حديث صحيح. 2- إذا كان الحديث من رواية الإمام مسلم في صحيحه فهو حديث صحيح. 3- إذا كان الحديث من رواية الإمام مالك في الموطأ بإسناده المتصل فهو حديث صحيح. 4- إذا حكم الإمام أحمد، أو أبو حاتم، أو أبو زرعة، أو البخاري، أو مسلم، أو أبو داود، أو الدارقطني على حديث ما بالصحة أو بالضعف، ولم يخالفه أمثاله من الأئمة، فهو كما قالوا. 5- إذا بحثت عن الحديث في كتب أهل العلم، أو في موقع " الدرر السنية "، وكان بحثك دقيقا، ووجدت أحكام العلماء متفقة على تصحيح الحديث، أو على تضعيفه: فهو كما قالوا، إذ لا تجتمع أمة محمد صلى الله عليه وسلم على ضلالة. 6- إذا وجدت متن الحديث يتكلم عن واحد من الأمور التي نص العلماء على أنه لم يصح فيها حديث: ففي ذلك دلالة على ضعف الحديث وعدم صحته. ويمكن معرفة الأبواب التي لم يصح فيها حديث من كتب عدة، منها: " المنار المنيف " لابن قيم الجوزية، و " التحديث بما قيل لا يصح فيه حديث " للشيخ بكر أبو زيد. 7- كل حديث تنفرد بإخراجه الكتب التالية، ولا يرويها أصحاب السنن والمسانيد المشهورة فهو حديث ضعيف، وهذه الكتب هي: الضعفاء الكبير للعقيلي، الكامل في الضعفاء لابن عدي، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي، تاريخ دمشق لابن عساكر، نوادر الأصول للحكيم الترمذي، مسند الفردوس للديلمي. ويمكنك معرفة هل انفرد بإخراج الحديث واحد من هؤلاء عن طريق كتاب " الجامع الكبير " للسيوطي رحمه الله. بل إن كثيرا من الأحاديث التي ينفرد بها ابن ماجه عن باقي أصحاب الكتب الستة، أو ينفرد بها الطبراني أو أبو نعيم أو ابن حبان أو الحاكم أو الدارقطني أو البيهقي ونحوهم هي أحاديث ضعيفة، وإن كان فيها الكثير أيضا من الأحاديث الصحيحة التي انفردوا بإخراجها. هذه بعض الضوابط العامة، والتي يمكن أن يستعان بها في تمييز الحديث الصحيح من الضعيف، ولا يفوتنا التنبيه إلى وجود بعض الاستثناءات من هذه الضوابط، ولكنها لا تؤثر في مجموعها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 140158 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 86 لماذا لم نذكر تصحيح الشيخ الألباني لحديث فضل النصف من شعبان؟ [السُّؤَالُ] ـ[عندما أجبتم عن السؤال حول صحة حديث أبي موسى: (إن الله تعالى ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن) : فأجبتم – بارك الله فيكم - ولكن لم تذكروا أن هذا الحديث قد صححه الشيخ الألباني - كما قرأت في بعض المواقع -، وأنا عندي ثقة كبرى بكم أكثر من كل المواقع؛ لنهجكم، وأمانتكم العلمية. فسؤالي: هل - فعلاً - صحَّح الشيخ الألباني هذا الحديث؟ لأنكم تذكرون في فتواكم رأي الشيخ الألباني رحمه الله، فلماذا لم تذكروه هنا؟ هل لم يذكره هو أصلاً؟ وما هو موجود في تلك المواقع غير صحيح، أم ماذا؟ علماً أن التصحيح - كما قرأته - موجود في " صحيح الجامع "، حديث رقم (1819) . وجزاكم الله خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نشكر لك ثقتك بموقعنا، ونسأل الله أن نكون عند حسن ظنك بنا، كما نسأله تعالى أن ينفع بهذا الموقع، وأن يجزي جميع القائمين عليه خيراً. ولا يخفى على أحد أننا غالبا ما نعتمد تصحيح الشيخ الألباني وتضعيفه؛ ولكن يحصل أحياناً أننا نبحث في الحديث فنجد حكماً لعالِمٍ آخر غير الشيخ الألباني رحمه الله، فربما ترجح لدينا ذلك في حديث معين، وربما كانت هناك أصول بحثية ترجح عدم متابعة الشيخ رحمه الله، في حديث ما؛ فربما رأينا شهرة حكم الشيخ الألباني على الحديث، وقلة المخالفين له، فذكرنا حكمه، وعلَّقنا عليه، وربما رأينا كثرة المخالفين لحكم الشيخ الألباني، فلم نهتم بذِكر حُكم الشيخ، والتعليق عليه؛ مكتفين بما ننقله من المخالفة لطائفة العلماء. وهذا الثاني هو الذي حصل معنا في عدم ذِكرنا لحكم الشيخ الألباني رحمه الله على الحديث، وقد نقلنا قول ابن رجب الحنبلي رحمه الله في تضعيف الأكثر من العلماء لأحاديث فضل النصف من شعبان. مع التنبيه هنا على فائدة مهمة، وهي أن الشيخ الألباني رحمه الله يرى تضعيف إسناد حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه! وهو موافق لما ذكرناه من كون إسناده ضعيفاً، لكننا لم ننقله عنه لأنه – رحمه الله – يرى تصحيح الحديث بمجموع طرقه. قال – رحمه الله -: وأما حديث أبي موسى: فيرويه ابن لهيعة أيضاً عن الزبير بن سليم عن الضحاك بن عبد الرحمن عن أبيه قال: سمعت أبا موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم (نحوه) . أخرجه ابن ماجه (1390) وابن أبي عاصم اللالكائي. قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ من أجل ابن لهيعة، وعبد الرحمن، وهو ابن عرزب، والد الضحاك: مجهول، وأسقطه ابن ماجه في رواية له عن ابن لهيعة. " السلسلة الصحيحة " (3 / 218) . وقد ذكر الشيخ رحمه الله طرق الحديث وشواهده في كتابه " السلسلة الصحيحة " (1144) وخلص إلى القول بصحة متن حديث أبي موسى رضي الله عنه. ولكننا لم يترجح لدينا ما ذكره الشيخ رحمه الله، ولم نرَ تلك الطرق تصلح لتقوية بعضها بعضاً، وقد أحلنا في آخر إجابتنا على رسالة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في " حكم الاحتفال بليلة النصف من شعبان "، وفيها قوله: والذي أجمع عليه جمهور العلماء: أن الاحتفال بها بدعة، وأن الأحاديث الواردة في فضلها كلها ضعيفة، وبعضها موضوع، وممَّن نبَّه على ذلك: الحافظ ابن رجب في كتابه " لطائف المعارف ". انتهى وهذا هو الذي ترجح لدينا، ومسألة تصحيح حديث، أو تضعيفه، في مثل ذلك هي من موارد الاجتهاد، التي يعمل فيها العالم بما ترجح لديه، ويتابع فيها طالب العلم ما ترجح لديه من أقوال أهل العلم، وليست من موارد الإنكار على المخالف. ولينظر جواب السؤال رقم: (113687) ففيه فوائد مهمة حول الشيخ الألباني. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 140084 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 87 قصة علقمة مع أمه التي غضبت عليه قصة موضوعة [السُّؤَالُ] ـ[هناك حديث عن رجل صالح يسمى علقمة والذي كان على فراش الموت ولم ينطق الكلمة، ثم أرسل النبي لأمه التي قالت إنها كانت غاضبة منه؛ لأنه كان يفضل زوجته عليها، ثم جمع النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك الحطب وأخبر أمه بأنه سوف يحرق ابنها أمام عينها، فقالت: يا رسول الله! إنه ابني، ولا يطيق قلبي رؤيتك تحرقه أمامي! فقال النبي: يا أم علقمة: عقاب الله أشد وأبقى، فإذا أردت أن يسامحه الله فسامحيه، والذي نفسي بيده لا تنفعه صلاته وصيامه وزكاته ما دمت غاضبة عليه، فسامحت المرأة ابنها، وبعد بعض الوقت مات بعض أن نطق الشهادتين. ويقول الحديث إن النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك نادي في المهاجرين والأنصار وقال: (إذا قدم أحدكم زوجته على أمه لعنه الله والملائكة والناس أجمعين، فل يقبل الله صدقته أو صالح عمله إلا أن يتوب لله تعالى، وأن يطلب عفو أمه ورضاها، وإن الله يظل غاضبا لغضبها) وقد قيل إن الحديث في " مسند أحمد " ولكنني لا أستطيع أن أجده. فإن كان صحيحا فأرجوا أن تحددوا لي مكانه.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه الحكاية كان الإمام أحمد رحمه الله قد أثبتها في مسنده في بداية جمعه لأحاديث الكتاب، وقد كان الجمع الأول يشتمل على كثير من الأحاديث الضعيفة والمتروكة، ثم بدأ الإمام رحمه الله بتنقية كتابه من هذه الأحاديث، فحذف هذه القصة فيما حذفه. جاء في " مسند الإمام أحمد " (32/155) من طبعة مؤسسة الرسالة ما يلي: " قال أبو عبد الرحمن: وكان في كتاب أبي: حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا فائد بن عبد الرحمن قال: سمعت عبد الله بن أبي أوفى يقول: (جاء رجل إلى النبي صلي الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إن هاهنا غلاماً قد احتضر؛ يقال له: قل لا إله إلا الله، فلا يستطيع أن يقولها. قال: أليس قد كان يقولها في حياته؟ قال: بلى، قال: فما منعه منها عند موته؟ فذكر الحديث بطوله) لم يحدث أبي بهذين الحديثين - حديثين من طريق فائد عن ابن أبي أوفى - ضرب عليهما من كتابه؛ لأنه لم يرض حديث فائد بن عبد الرحمن، وكان عنده متروك الحديث " انتهى النقل من " المسند " وأما بقية الحديث، كما جاءت في المصادر الأخرى التي ذكرته، فهي كالتالي: قال: (فنهض رسول الله صلي الله عليه وسلم ونهضنا معه حتى أتى الغلام فقال: يا غلام! قل لا إله إلا الله. قال: لا أستطيع أن أقولها، قال: ولم؟ قال: لعقوق والدتي، قال: أحية هي؟ قال: نعم، قال: أرسلوا إليها، فأرسلوا إليها؛ فجاءت، فقال لها صلي الله عليه وسلم: ابنك هو؟ قالت: نعم. قال: أرأيت لو أن ناراً أججت؛ فقيل لك: إن لم تشفعي له قذفناه في هذه النار. قالت: إذن كنت أشفع له، قال: فأشهدي الله، وأشهدينا معك بأنك قد رضيت. قالت: قد رضيت عن ابني، قال: يا غلام! قل لا إله إلا الله. فقال: لا إله إلا الله. فقال صلي الله عليه وسلم: الحمد لله الذي أنقذه من النار) أخرجه العقيلي في " الضعفاء الكبير " (3/461) ، ومن طريقه ابن الجوزي في " الموضوعات " (3/87) ، وعزاه غير واحد للطبراني، ورواه الخرائطي في " مساوئ الأخلاق " (رقم/251) ، والبيهقي في " شعب الإيمان " (6/197) وفي " دلائل النبوة " (6/205) ، والقزويني في " التدوين في تاريخ قزوين " (2/369) جميعهم من طريق فائد بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن أبي أوفى. وهذا إسناد ضعيف جدا بسبب فائد بن عبد الرحمن، قال فيه الإمام أحمد: متروك الحديث. وقال ابن معين: ليس بشيء. وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبى يقول: فائد ذاهب الحديث، لا يكتب حديثه، وأحاديثه عن ابن أبى أوفى بواطيل لا تكاد ترى لها أصلا، كأنه لا يشبه حديث ابن أبى أوفى، ولو أن رجلا حلف أن عامة حديثه كذب لم يحنث. وقال البخاري: منكر الحديث. انظر: " تهذيب التهذيب " (8/256) وقال ابن حبان: " كان ممن يروى المناكير عن المشاهير، ويأتي عن ابن أبي أوفى بالمعضلات، لا يجوز الاحتجاج به " انتهى. " المجروحين " (2/203) وقال أبو عبد الله الحاكم رحمه الله: " يروي عن ابن أبي أوفى أحاديث موضوعة " انتهى. " المدخل إلى الصحيح " (155) وذكر ابن الجوزي هذه القصة في " الموضوعات " (3/87) وقال: " هذا حديث لا يصح " انتهى. كما ذكرها في " الموضوعات كل من: " ابن عراق (2/296) ، والشوكاني (231) ، والألباني (رقم/3183) ، والشيخ سليمان العلوان في رسالته " الإعلام بوجوب التثبت في رواية الحديث " (ص/16-17) وانظر: " قصص لا تثبت " للشيخ مشهور حسن سلمان (3/19-39، القصة الحادية والعشرون) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 139974 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 88 هل يحرم سماع الغناء في الجنة مَن سمعه في الدنيا؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل من يسمع الأغاني في الدنيا لا يسمعها في الجنة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: ورد في السنة بعض ما يدل على أن من أنواع النعيم الذي يلقاه أهل الجنة الاستماع إلى أصوات جميلة تستفرغ لذاتهم، حتى عقد ابن القيم رحمه الله في كتابه " حادي الأرواح " في الباب السابع والخمسين فصلا كاملا في " ذكر سماع الجنة وغناء الحور العين وما فيه من الطرب واللذة " (ص/358-365) جمع فيه كل ما ورد في هذا الباب من صحيح وضعيف. ولعل من أصح ما ورد في ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ أَزْوَاجَ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَيُغَنِّينَ أَزْوَاجَهُنَّ بِأَحْسَنِ أَصْوَاتٍ سَمِعَهَا أَحَدٌ قَطُّ، إِنَّ مِمَّا يُغَنِّينَ: نَحْنُ الْخَيِّرَاتُ الْحِسَانُ أَزْوَاجُ قَوْمٍ كِرَامٍ) رواه الطبراني في " المعجم الأوسط " (5/149) ، وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " (3/269) ثانيا: من المعلوم أيضا أن استماع المعازف في الدنيا من المحرمات التي ثبت تحريمها في الكتاب والسنة الصحيحة، وقرر ذلك فقهاء المذاهب الأربعة، فمن تهاون في الوقوع في هذه المعصية استحق الإثم والعذاب على ارتكابه لذلك، كما هو الحال في سائر ما حرم الله على عباده في الدنيا. ولم يرد دليل على أن من سمع المعازف في الدنيا حُرم من سماع الغناء والأصوات الجميلة في الجنة حين يدخلها، وإن كان بعض أهل العلم يذكر أن من عقوبة من تنعم بشيء على وجه محرم في الدنيا، أن يحرم من التنعم به في الجنة، أو ينقص حظه منه فيها، كما أن من لبس الذهب أو الحرير من الرجال في الدنيا، يحرم منه في الجنة. قال ابن القيم رحمه الله: " إذا كان – الله عز وجل - قد عاقب لابس الحرير في الدنيا بحرمانه لبسه يوم القيامة، وشارب الخمر في الدنيا بحرمانه إياها يوم القيامة، فكذلك مَن تمتع بالصور المحرمة في الدنيا، بل كل ما ناله العبد في الدنيا، فإن توسع في حلاله، ضيق من حظه يوم القيامة بقدر ما توسع فيه، وإن ناله من حرامٍ فاته نظيرُه يوم القيامة " انتهى. " روضة المحبين " (ص/362) . لكن الجزم بذلك، أو القول بأن هذا الحرمان على وجه التأبيد: مما يحتاج إلى دليل بخصوصه، فالله أعلم بحقيقة الحال. ثالثا: أما ما ورد من أحاديث يدل ظاهرها على أن من سمع الغناء في الدنيا لم يسمعه في الآخرة فهي أحاديث ضعيفة جدا، من أشهرها حديث: (من لها بالغناء، لم يؤذن له أن يسمع صوت الروحانيين يوم القيامة. قيل: وما الروحانيون؟ قال: قراء أهل الجنة) قال الشيخ الألباني رحمه الله: " موضوع، أخرجه الواحدي في تفسيره "الوسيط" (3/441 - 442 – طبع دار الكتب العلمية) من طريق حماد بن عمرو عن أبي موسى - من ولد أبي هريرة - عن أبيه عن جده مرفوعاً. قلت – أي الشيخ الألباني رحمه الله -: وهذا موضوع، آفته (حماد بن عمرو) - وهو: النصيبي -، قال الذهبي في "المغني": روى عن الثقات موضوعات، قاله النقاش، وقال النسائي: متروك. وهو معدود فيمن يضع الحديث، كما قال ابن عدي وغيره - كما يأتي في الحديث الذي بعده – " انتهى. " السلسلة الضعيفة " (رقم/6516) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 139871 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 89 هذا الذكر يفضل ذكر الليل مع النهار [السُّؤَالُ] ـ[عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: رآني النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنا أحرك شفتي فقال لي: (بأي شيء تحرك شفيتك يا أبا أمامة؟) فقلت: أذكر الله يا رسول الله. فقال: (ألا أخبرك بأفضل أو أكثر من ذكرك الليل مع النهار، والنهار مع الليل؟ أن تقول: سبحان الله عدد ما خلق، سبحان الله ملء ما خلق، سبحان الله عدد ما في الأرض والسماء، سبحان الله ملء ما في السماء والأرض، سبحان الله ملء ما خلق، سبحان الله عدد ما أحصى كتابه، وسبحان الله ملء كل شيء، وتقول: الحمد الله، مثل ذلك) هل هذا الحديث صحيح أم مكذوب؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: ورد هذا الحديث من طرق عدة عن الصحابي الجليل أبي أمامة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به وهو يحرك شفتيه، فقال: ماذا تقول يا أبا أمامة؟ قال: أذكر ربي. قال: ألا أخبرك ... ، فذكر الحديث. قال الشيخ الألباني رحمه الله: " هذا الحديث من رواية أبي أمامة الباهلي: صدي بن عجلان مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وله عنه طرق ... ". ثم ذكر الشيخ طرقه، وقال عن رواية الحاكم لبعض طرقه: " وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا ". ينظر: " السلسلة الصحيحة " (رقم/2578) ، ونص على تصحيح الحديث ـ أيضا ـ في "صحيح الترغيب والترهيب" رقم (1575) . وقد حسن الحديث الحافظ ابن حجر في " نتائج الأفكار " (1/84) ، وقال الهيثمي في المجمع (10/110) : "رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح"، وصححه محققو مسند أحمد في طبعة مؤسسة الرسالة (36/459-460) وتوسعوا في تخريجه. ثانيا: أما ما يستفاد من الحديث، فأهمه فضيلة هذا الذكر الخاص، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن مَن أتى به نال الأجر العظيم الذي يفضل أكثر الأذكار. ولذلك بوب الحافظ ابن خزيمة رحمه الله في صحيحه عندما أخرج الحديث (1/370) بقوله: " باب فضل التحميد والتسبيح والتكبير بوصف العدد الكثير من خلق الله أو غير خلقه " انتهى. قال ابن القيم رحمه الله: " تفضيل سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته: على مجرد الذكر بسبحان الله أضعافا مضاعفة، فإن ما يقوم بقلب الذاكر حين يقول: (سبحان الله وبحمده عدد خلقه) من معرفته وتنزيهه وتعظيمه، من هذا القدر المذكور من العدد، أعظم مما يقوم بقلب القائل سبحان الله فقط. وهذا يسمى الذكر المضاعف، وهو أعظم ثناءً من الذكر المفرد، فلهذا كان أفضل منه. وهذا إنما يظهر في معرفة هذا الذكر وفهمه: فإن قول المسبح سبحان الله وبحمده عدد خلقه يتضمن إنشاء وإخبارا عما يستحقه الرب من التسبيح عدد كل مخلوق كان أو هو كائن إلى ما لا نهاية له، فتضمن الإخبار عن تنزيهه الرب وتعظيمه والثناء عليه هذا العدد العظيم الذي لا يبلغه العادون ولا يحصيه المحصون، وتضمن إنشاء العبد لتسبيح هذا شأنه، لا أن ما أتى به العبد من التسبيح هذا قدره وعدده، بل أخبر أن ما يستحقه الرب سبحانه وتعالى من التسبيح هو تسبيح يبلغ هذا العدد الذي لو كان في العدد ما يزيد لذكره، فإن تجدد المخلوقات لا ينتهي عددا ولا يحصيه الحاصر ... والمقصود أن في هذا التسبيح من صفات الكمال ونعوت الجلال ما يوجب أن يكون أفضل من غيره، وأنه لو وزن غيره به لوزنه وزاد عليه، وهذا بعض ما في هذه الكلمات من المعرفة بالله والثناء عليه بالتنزيه والتعظيم، مع اقترانه بالحمد المتضمن لثلاثة أصول: أحدها: إثبات صفات الكمال له سبحانه والثناء عليه. الثاني: محبته والرضا به. الثالث: فإذا انضاف هذا الحمد إلى التسبيح والتنزيه على أكمل الوجوه، وأعظمها قدرا، وأكثرها عددا، وأجزلها وَصفا، واستحضر العبد ذلك عند التسبيح، وقام بقلبه معناه، كان له من المزية والفضل ما ليس لغيره، وبالله التوفيق " انتهى باختصار. " المنار المنيف " (34-38) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 139841 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 90 حديث منكر في استحباب صلاة خاصة لحفظ القرآن الكريم [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك صلاة تدعى صلاة الحفظ، بحيث يكون في ختامها دعاء خاص، يقال: علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا رضي الله عنه وأرضاه عندما شكى له نسيانه القرآن؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحديث الوارد في صلاة ركعتين لأجل حفظ القرآن الكريم ورد عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، فيقول: (بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ جَاءَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي تَفَلَّتَ هَذَا الْقُرْآنُ مِنْ صَدْرِي، فَمَا أَجِدُنِي أَقْدِرُ عَلَيْهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَبَا الْحَسَنِ! أَفَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِنَّ، وَيَنْفَعُ بِهِنَّ مَنْ عَلَّمْتَهُ، وَيُثَبِّتُ مَا تَعَلَّمْتَ فِي صَدْرِكَ؟ قَالَ: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَعَلِّمْنِي. قَالَ: إِذَا كَانَ لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَقُومَ فِي ثُلُثِ اللَّيْلِ الْآخِرِ فَإِنَّهَا سَاعَةٌ مَشْهُودَةٌ وَالدُّعَاءُ فِيهَا مُسْتَجَابٌ، وَقَدْ قَالَ أَخِي يَعْقُوبُ لِبَنِيهِ (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي) يَقُولُ حَتَّى تَأْتِيَ لَيْلَةُ الْجُمْعَةِ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقُمْ فِي وَسَطِهَا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقُمْ فِي أَوَّلِهَا، فَصَلِّ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، تَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةِ يس، وَفِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَحم الدُّخَانِ، وَفِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَالم تَنْزِيلُ السَّجْدَةِ، وَفِي الرَّكْعَةِ الرَّابِعَةِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَتَبَارَكَ الْمُفَصَّلِ، فَإِذَا فَرَغْتَ مِنْ التَّشَهُّدِ فَاحْمَدْ اللَّهَ، وَأَحْسِنْ الثَّنَاءَ عَلَى اللَّهِ، وَصَلِّ عَلَيَّ وَأَحْسِنْ وَعَلَى سَائِرِ النَّبِيِّينَ، وَاسْتَغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلِإِخْوَانِكَ الَّذِينَ سَبَقُوكَ بِالْإِيمَانِ، ثُمَّ قُلْ فِي آخِرِ ذَلِكَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي بِتَرْكِ الْمَعَاصِي أَبَدًا مَا أَبْقَيْتَنِي، وَارْحَمْنِي أَنْ أَتَكَلَّفَ مَا لَا يَعْنِينِي، وَارْزُقْنِي حُسْنَ النَّظَرِ فِيمَا يُرْضِيكَ عَنِّي. اللَّهُمَّ بَدِيعَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ وَالْعِزَّةِ الَّتِي لَا تُرَامُ: أَسْأَلُكَ يَا أَللَّهُ يَا رَحْمَنُ بِجَلَالِكَ وَنُورِ وَجْهِكَ أَنْ تُلْزِمَ قَلْبِي حِفْظَ كِتَابِكَ كَمَا عَلَّمْتَنِي، وَارْزُقْنِي أَنْ أَتْلُوَهُ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي يُرْضِيكَ عَنِّيَ. اللَّهُمَّ بَدِيعَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ وَالْعِزَّةِ الَّتِي لَا تُرَامُ: أَسْأَلُكَ يَا أَللَّهُ يَا رَحْمَنُ بِجَلَالِكَ وَنُورِ وَجْهِكَ أَنْ تُنَوِّرَ بِكِتَابِكَ بَصَرِي، وَأَنْ تُطْلِقَ بِهِ لِسَانِي، وَأَنْ تُفَرِّجَ بِهِ عَنْ قَلْبِي، وَأَنْ تَشْرَحَ بِهِ صَدْرِي، وَأَنْ تَغْسِلَ بِهِ بَدَنِي، فَإِنَّهُ لَا يُعِينُنِي عَلَى الْحَقِّ غَيْرُكَ، وَلَا يُؤْتِيهِ إِلَّا أَنْتَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. يَا أَبَا الْحَسَنِ! تَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثَ جُمَعٍ، أَوْ خَمْسًا، أَوْ سَبْعًا، تُجَبْ بِإِذْنِ اللَّهِ، وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ مَا أَخْطَأَ مُؤْمِنًا قَطُّ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ: فَوَاللَّهِ مَا لَبِثَ عَلِيٌّ إِلَّا خَمْسًا أَوْ سَبْعًا حَتَّى جَاءَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي كُنْتُ فِيمَا خَلَا لَا آخُذُ إِلَّا أَرْبَعَ آيَاتٍ أَوْ نَحْوَهُنَّ، وَإِذَا قَرَأْتُهُنَّ عَلَى نَفْسِي تَفَلَّتْنَ، وَأَنَا أَتَعَلَّمُ الْيَوْمَ أَرْبَعِينَ آيَةً أَوْ نَحْوَهَا، وَإِذَا قَرَأْتُهَا عَلَى نَفْسِي فَكَأَنَّمَا كِتَابُ اللَّهِ بَيْنَ عَيْنَيَّ، وَلَقَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ الْحَدِيثَ فَإِذَا رَدَّدْتُهُ تَفَلَّت، وَأَنَا الْيَوْمَ أَسْمَعُ الْأَحَادِيثَ فَإِذَا تَحَدَّثْتُ بِهَا لَمْ أَخْرِمْ مِنْهَا حَرْفًا. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ: مُؤْمِنٌ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ يَا أَبَا الْحَسَنِ) . روى هذا الحديث عطاء وعكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقد جاء عن عكرمة من طريقين: الطريق الأولى: الوليد بن مسلم، قال: حدثنا ابن جريج، عن عطاء بن أبي رباح، وعكرمة مولى ابن عباس، عن ابن عباس به. رواه الترمذي (حديث رقم/3570) ، والدارقطني – كما أسنده إليه ابن الجوزي في " الموضوعات " (2/138) ولم نقف عليه في كتبه المطبوعة -، والحاكم في " المستدرك " (1/461) ، والبيهقي في " الأسماء والصفات " (2/108) ، والخطيب البغدادي في " الجامع لأخلاق الراوي " (2/259) ، وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (51/251) وغيرهم، إلا أن في طريق الدارقطني: عن عطاء عن ابن عباس، ولم يقل: عطاء وعكرمة. وقد ضعف بعض العلماء هذا الإسناد بسبب تهمة تدليس الوليد بن مسلم تدليس تسوية، ومثله يشترط تصريحه بالسماع من إلى آخر الإسناد، وليس عن شيخه فقط، وهذا ما لم يتحقق في هذا السند. قال ابن الجوزي رحمه الله: " أما الوليد فقال علماء النقل: كان يروى عن الأوزاعي أحاديث، هي عند الأوزاعي عن شيوخ ضعفاء، عن شيوخ قد أدركهم الأوزاعي، مثل نافع والزهري، فيسقط أسماء الضعفاء، ويجعلها عن الأوزاعي عنهم " انتهى. " الموضوعات " (2/140) . وقال الحافظ الذهبي رحمه الله: " أنكر ما له – يعني الوليد بن مسلم - حديث رواه ... - فذكر الحديث السابق. ثم قال -: هذا عندي موضوع والسلام، ولعل الآفة دخلت على سليمان ابن بنت شرحبيل فيه، فإنه منكر الحديث وإن كان حافظا، فلو كان قال فيه: عن ابن جريج لراج، ولكن صرح بالتحديث، فقويت الريبة " انتهى. " سير أعلام النبلاء " (9/217-218) وقال أيضا رحمه الله: " وهو مع نظافة سنده حديث منكر جدا، في نفسي منه شيء، فالله أعلم، فلعل سليمان شُبِّه له، وأدخل عليه، كما قال فيه أبو حاتم: لو أن رجلا وضع له حديثا لم يفهم " انتهى. " ميزان الاعتدال " (2/213) وقال أيضا رحمه الله: " هذا حديث منكر شاذ، أخاف لا يكون موضوعا، وقد حيرني والله جودة سنده " انتهى. " تلخيص المستدرك " (1/316) ، هكذا في المطبوع: " لا يكون "، ولعل الصواب: " أن يكون ". وقال السخاوي رحمه الله: " ليست له علة إلا أنه عن ابن جريج عن عطاء بالعنعنة " انتهى. " القول البديع " (345) وقال الشيخ الألباني رحمه الله: " منكر ... الوليد بن مسلم يدلس تدليس التسوية، فهو علة الحديث، وإن خفيت على كثير " انتهى باختصار. " السلسلة الضعيفة " (رقم/3374) . الطريق الثانية: الحسين بن إسحاق التسترى، حدثنا هشام بن عمار، حدثنا محمد بن إبراهيم القرشي، حدثنا أبو صالح، عن عكرمة، عن ابن عباس. رواه الطبراني – كما أسنده إليه ابن الجوزي في " الموضوعات " (2/138) ولم أقف عليه في كتبه المطبوعة -. قال ابن الجوزي رحمه الله: " هذا حديث لا يصح، ومحمد بن إبراهيم مجروح، وأبو صالح لا نعلمه إلا إسحاق بن نجيح وهو متروك " انتهى. " الموضوعات " (2/138) وقال الذهبي رحمه الله: " هذا الحديث يرويه هشام بن عمار، عن محمد بن إبراهيم القرشي، عن أبي صالح، عن عكرمة، عن ابن عباس، ومحمد هذا ليس بثقة، وشيخه لا يدرى من هو " انتهى. " سير أعلام النبلاء " (9/217-218) . وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " أخرجه العقيلي في ترجمة محمد بن إبراهيم القرشي، من طريق هشام بن عمار، عنه، عن أبي صالح، عن عكرمة، عن ابن عباس ... فذكر الحديث بطوله، ثم قال: ورواه سليمان بن عبد الرحمن، عن الوليد، عن ابن جريج، عن عطاء وعكرمة، عن ابن عباس. قال ـ أي: العقيلي ـ: وكلاهما ليس له أصل. قلت ـ أي الحافظ ابن حجر ـ: فلعل الوليد أخذه عن هذا القرشي، فدلسه عن ابن جريج؛ فإسقاطه ـ كذا ـ هذا القرشي، وسواه لابن جريج، عن عكرمة. والعلم عند الله تعالى ". "النكت الظراف على تحفة الأشراف" (5/91) . على أنه في الأسانيد إلى الوليد بن مسلم ـ أيضا ـ بعض المتكلم فيهم، من أمثال سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي، انظر: " تهذيب التهذيب " (4/181) . قال العلامة عبد الرحمن بن يحي المعلمي رحمه الله: " وأحسب بلية هذا الخبر من ذاك.. " انتهى. ينظر تمام كلامه في تعليقه الفوائد المجموعة للشوكاني (43) . وفيها أيضا: محمد بن الحسن بن محمد النقاش شيخ الدارقطني متهم بالكذب، انظر: " ميزان الاعتدال " (3/520) . وأما ما جاء في سنن الترمذي قوله: " هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الوليد بن مسلم " انتهى. فقد علق عليه الشيخ الألباني رحمه الله بقوله: " كذا وقع في طبعة بولاق والدعاس: "حسن ... "، وقد نقل الحافظ ابن عساكر عبارة الترمذي المذكورة دون لفظة: " حسن "، وكذلك الحافظ الضياء، وهو الأقرب إلى الصواب واللائق بهذا الإسناد " انتهى. " السلسلة الضعيفة " (رقم/3374) . وما نقله الشيخ الألباني رحمه الله عن الحافظ ابن عساكر، هو الذي نقله ـ أيضا ـ الحافظ المزي رحمه الله، فقال ـ بعد عزوه للترمذي ـ: " وقال: غريب، لا نعرفه إلا من حديث الوليد " انتهى. " تحفة الأشراف " (5/91) . وأما عن تصحيح الحاكم للحديث، وهو من المعروفين بالتساهل الشديد في التصحيح والتحسين. قال الشوكاني رحمه الله: " ولم تركن النفس إلى مثل هذا من الحاكم، فالحديث يقصر عن الحسن فضلا عن الصحة، وفي ألفاظه نكارة، وأنا في نفسي من تحسين هذا الحديث فضلا عن تصحيحه، فإنه منكر غير مطابق للكلام النبوي، والتعليم المصطفوي، وقد أصاب ابن الجوزي بذكره في الموضوعات، ولهذا ذكرته أنا في كتابي الذي سميته " الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة" " انتهى. " تحفة الذاكرين " (ص/207) وقال الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله: " ظاهره أنه حسن، وما علمت عالما صححه من العلماء الأولين إلا الترمذي والحاكم، وهما متساهلان، وقد قال أئمة النقد إنه منكر " انتهى. " أحاديث معلة " (ص/198) . وقد تبين أن في ثبوت تصحيح الترمذي نظرا، والذي نقله عن غير واحد أنه استغربه. فالحاصل أنه حديث منكر لا يصح، ولا يجوز العمل به لشدة ضعفه ونكارته، وقد اتفق العلماء على عدم جواز العمل بالحديث الضعيف شديد الضعف، بل نص شيخ الإسلام ابن تيمية على أن العلماء الذين أجازوا العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال لم يقصدوا جواز العمل بها إذا جاءت بتخصيص صلاة معينة بكيفية وطريقة معينة، وإنما قصدوا جواز احتساب الأجر الوارد فيها على أعمال هي أصلا مشروعة في الدين. وقد سبق بيان ذلك في الجواب رقم: (131106) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 139768 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 91 مدى صحة قصة النبي داوود مع المرأة [السُّؤَالُ] ـ[هل هذه القصة حقيقية؟ أرجو الإفادة: قصة وعبرة: روي أن امرأة دخلت على داود عليه السلام فقالت: يا نبي الله! ربك ظالم أم عادل؟ فقال داود: ويحك يا امرأة هو العدل الذي لا يجور. فقال لها: ما قصتك؟ قالت: أنا أرملة، عندي ثلاثة بنات أقوم عليهن من غزل يدي، فلما كان أمس شددت غزلي بخرقة حمراء، وأردت أن أذهب إلى السوق لأبيعه وأطعم أطفالي، فإذا بطائر انقض علي وأخذ الخرقة والغزل وذهب، وبقيت حزينة لا أملك شيئا أطعم به أطفالي. فبينما كانت المرأة مع داود عليه السلام في الكلام إذا بالباب يطرق على داود، فأذن بالدخول، وفوجئ حينها بعشرة من التجار، كل واحد بيده (100) دينار , قالوا: يا نبي الله أعطها لمستحقها. فقال داود عليه السلام: ما كان سبب حملكم هذا المال؟ قالوا: يا نبي الله! كنا في مركب، فهاجت علينا الريح، وأشرفنا على الغرق، فإذا بطائر يلقي علينا خرقة حمراء وفيها غزل، فسددنا به عيب المركب، فهانت علينا الريح، وانسد العيب، ونذرنا إلى الله أن يتصدق كل واحد منا ب (100) دينار، وهذا المال بين يديك فتصدق به على من أردت. فالتفت داوود عليه السلام إلى المرأة وقال لها: ربي يجزيك في البر والبحر وتجعلينه ظالما؟! .. وأعطاها المال، وقال: أنفقيه على أطفالك.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لم نجد أثرا لهذه الحكاية في كتب العلماء، ولم نقف لها على سند، فلا نعلم حقيقة أمرها ولا مصدرها. ويبعد تصديق مضمون هذه القصة، فإننا نستبعد أن ينتظر مَن على المركب أن يلقي إليهم طائر قماشا وغزلا يسدون به الخرق، فعيب المركب لا يسده الغزل، ولو كان كذلك لخلعوا بعض ثيابهم وأنقذوا أنفسهم من الغرق بها، ولم ينتظروا ذلك الطائر، وذلك القماش. وهي حكاية على كل حال، تروى من غير تصديق ولا تكذيب، فالغالب أنها من الإسرائيليات التي جاز لنا حكايتها مع عدم الجزم بوقوعها. وإذا كان من يحكي هذه القصة، يريد أن يقول للناس: إن الله تعالى يُقدّر الخير للمؤمن من حيث لا يحتسب، ومن حيث يظن العبد أن هذا شر له، فهذا المعنى صحيح، وله شواهد من الكتاب والسنة، قال الله تعالى: (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) البقرة/216. وقال تعالى: (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) النساء/19. وقَالَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) رواه مسلم (2999) . فعلى المؤمن أن يرضى بقضاء الله وقدره، ويؤمن أن الله تعالى لن يقدر له إلا الخير. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 139190 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 92 ولاية علي بن أبي طالب رضي الله عنه [السُّؤَالُ] ـ[هل الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه هو ولي الله، كما ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أن عليا: (وليكم من بعدي) ، أو (أنا مِن عَلِي، وعَلِيٌّ مني) ، هل هذه الأشياء صحيحة؟ وهل علي وفاطمة والحسين والحسن هم بمنزلة الأنبياء (لا الرسل) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: علي بن أبي طالب رضي الله عنه - في عقيدة أهل السنة والجماعة – من أولياء الله المكرمين، ومن الأئمة المهديين، هو رابع الخلفاء الراشدين، ورابع العشرة المبشرين بالجنة الذين هم أفضل الصحابة رضوان الله عليهم، فضائله ومناقبه زادت على العد والحصر، حتى صنف فيها بعض علمائنا مصنفات خاصة، كالإمام أحمد بن حنبل في: " مناقب علي بن أبي طالب "، والإمام النسائي في كتابه: " خصائص علي ". ثانيا: ومن هذه الفضائل: قوله صلى الله عليه وسلم: (أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ) رواه البخاري (رقم/2699) . يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله: " أي: في النسب، والصهر، والمسابقة، والمحبة، وغير ذلك من المزايا " انتهى. " فتح الباري " (7/507) ومن هذه الفضائل أيضا: ما يرويه عمران بن حصين رضي الله عنه فيقول: (بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَيْشًا، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَمَضَى فِي السَّرِيَّةِ، فَأَصَابَ جَارِيَةً، فَأَنْكَرُوا عَلَيْهِ، وَتَعَاقَدَ أَرْبَعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: إِذَا لَقِينَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرْنَاهُ بِمَا صَنَعَ عَلِيٌّ. وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ إِذَا رَجَعُوا مِنْ السَّفَرِ بَدَءُوا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ ثُمَّ انْصَرَفُوا إِلَى رِحَالِهِمْ، فَلَمَّا قَدِمَتْ السَّرِيَّةُ سَلَّمُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ أَحَدُ الْأَرْبَعَةِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَلَمْ تَرَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ صَنَعَ كَذَا وَكَذَا؟! فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ الثَّانِي فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ قَامَ الثَّالِثُ فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ قَامَ الرَّابِعُ فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالُوا. فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْغَضَبُ يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ: مَا تُرِيدُونَ مِنْ عَلِيٍّ، مَا تُرِيدُونَ مِنْ عَلِيٍّ، مَا تُرِيدُونَ مِنْ عَلِيٍّ، إِنَّ عَلِيًّا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، وَهُوَ وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي) . رواه أحمد (33/154) طبعة مؤسسة الرسالة، والترمذي (رقم/3712) وآخرون كثيرون، كلهم من طريق: جعفر بن سليمان، قال حدثني يزيد الرشك، عن مطرق بن عبد الله، عن عمران بن حصين به. قال الذهبي رحمه الله: " هو من أفراد جعفر " انتهى. " سير أعلام النبلاء " (8/199) . وقد اختلف علماؤنا في حكم هذا الحديث على قولين: القول الأول: الحكم بقبول الحديث: قال الترمذي: " هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث جعفر بن سليمان " انتهى. وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم " انتهى. وسكت عنه الذهبي. " المستدرك " (3/119) وصححه ابن حبان بإخراجه في " صحيحه " (15/374) وقال ابن عدي رحمه الله: " أدخله أبو عبد الرحمن النسائي في صحاحه، ولم يدخله البخاري " انتهى. " الكامل " (2/146) وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " إسناد قوي " انتهى. " الإصابة " (4/569) وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (رقم/2223) . وحجتهم في تصحيح الحديث: توثيق كثير من أهل العلم لجعفر بن سليمان الضبعي، ووقوفهم على شاهدين آخرين للحديث، وهما عن ابن عباس في " مسند أحمد " (1/330) ، وفي " مسند الطيالسي " (4/470) طبعة هجر بعناية الشيخ عبد المحسن التركي، وفي سنده أبو بلج مختلف فيه. والشاهد الثاني من حديث بريدة بن الحصيب في " مسند أحمد " (38/118) وفي سنده أجلح بن عبد الله الكندي وهو شيعي ضعيف، ورواه غير واحد عن بريدة وليس فيه هذا اللفظ، ومنها في صحيح البخاري برقم: (4350) . القول الثاني: الحكم بتضعيف الحديث: يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث " انتهى. " منهاج السنة النبوية " (7/385) وضعفه محققو مسند أحمد طبعة مؤسسة الرسالة. وسبب تضعيفهم له هو جعفر بن سليمان الضبعي الذي تفرد به، فقد كان يحيى بن سعيد القطان يستضعفه، وكان عبد الرحمن بن مهدي: لا ينبسط لحديثه. وقال فيه البخاري رحمه الله: يخالف في بعض حديثه. وقال علي بن المديني: أكثر عن ثابت، وبقية أحاديثه مناكير. وقال ابن سعد: كان ثقة وبه ضعف. ينظر ذلك في " تهذيب التهذيب " (2/97) ولما أجمع المحدثون أيضا على أنه كان شيعيا جلدا، يشتم معاوية، حينئذ اختار جمع من أهل العلم تضعيف حديثه الذي يتفرد به، فمثله لا يقبل تفرده، خاصة وأن ما يرويه ههنا مما ينصر بدعته، وهذا ما نميل إليه في مثل أحاديث الفضائل التي معنا. ثالثا: على فرض تصحيح الحديث وقبوله، فليس فيه من قريب ولا من بعيد دلالة على ما يريده الشيعة من إثبات الخلافة لعلي رضي الله عنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك من أوجه عدة: 1- أن كلمة (ولي) لها معان كثيرة في اللغة العربية، فبأي دليل يخص الشيعة معناها ههنا بالخلافة، يقول الفيروزأبادي رحمه الله: " الوَلْيُ: أي: القُرْبُ، والدُّنُوُّ، والمَطَرُ بعدَ المَطَرِ. والوَلِيُّ: الاسمُ منه، والمُحِبُّ، والصَّدِيقُ، والنَّصيرُ. ووَلِيَ الشيءَ وعليه وِلايَةً وَوَلايَةً أَو هي المَصْدَرُ وبالكسر: الخُطَّةُ والأمارَةُ والسُّلطانُ. والوَلاءُ: المِلْكُ. والمَوْلَى: المالِكُ، والعَبْدُ، والمُعْتِقُ، والمُعْتَقُ، والصاحِبُ، والقريبُ كابنِ العَمِّ ونحوِه، والجارُ، والحَليفُ، والابنُ، والعَمُّ، والنَّزيلُ، والشَّريكُ، وابنُ الأُخْتِ، والوَلِيُّ، والرَّبُّ، والناصِرُ، والمُنْعِمُ، والمُنْعَمُ عليه، والمُحِبُّ، والتابِعُ، والصِهْرُ " انتهى. " القاموس المحيط " (ص/1732) 2- لو كان المقصود بها الإمارة والخلافة فكيف يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ولي كل مؤمن بعدي) ، وعلي رضي الله عنه إنما كان خليفة على من عاش في زمانه، ولم يكن أميرا على كل مؤمن إلى يوم القيامة. 3- جاء في بعض روايات الحديث لفظ: (ولي كل مؤمن في الدنيا والآخرة) " مسند أحمد " (5/179) : وهذا اللفظ ينفي أن معنى (ولي) ههنا هي الإمارة، إذ كيف يكون أميرا على المؤمنين في الآخرة؟! 4- لم نسمع من علي رضي الله عنه ولا من أحد من أنصاره، بل ولا من أحد من الصحابة الكرام الاحتجاج بهذا الحديث في إثبات الخلافة لعلي رضي الله عنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. والمعنى الصحيح لهذه الجملة هو ولاء المحبة والنصرة والتأييد، فحُبُّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه واجب على كل مؤمن، ونصرته وتأييده على الحق كذلك. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " قوله: (هو ولي كل مؤمن بعدي) كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هو في حياته وبعد مماته ولي كل مؤمن، وكل مؤمن وليه في المحيا والممات، فالولاية التي هي ضد العداوة لا تختص بزمان، وأما الولاية التي هي الإمارة فيقال فيها: (والي كل مؤمن بعدي) كما يقال في صلاة الجنازة: إذا اجتمع الولي والوالي قدم الوالي في قول الأكثر، وقيل يقدم الولي. فقول القائل: (علي ولي كل مؤمن بعدي) كلام يمتنع نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه إن أراد الموالاة لم يحتج أن يقول بعدي، وإن أراد الإمارة كان ينبغي أن يقول وال على كل مؤمن " انتهى. " منهاج السنة " (7/278) وانظر جواب السؤال رقم: (26794) ويقول أيضا رحمه الله: " وليس في الكلام ما يدل دلالة بينة على أن المراد به الخلافة، وذلك أن المولى كالولي، والله تعالى قال: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا) ، وقال: (وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير) فبين أن الرسول ولي المؤمنين، وأنهم مواليه أيضا، كما بين أن الله ولي المؤمنين، وأنهم أولياؤهم، وأن المؤمنين بعضهم أولياء بعض، فالموالاة ضد المعاداة، وهي تثبت من الطرفين، وإن كان أحد المتواليين أعظم قدرا، وولايته إحسان وتفضل، وولاية الآخر طاعة وعبادة، كما أن الله يحب المؤمنين، والمؤمنون يحبونه، فإن الموالاة ضد المعاداة والمحاربة والمخادعة، والكفار لا يحبون الله ورسوله، ويحادون الله ورسوله ويعادونه، وقد قال تعالى: (لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء) وهو يجازيهم على ذلك كما قال تعالى: (فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله) وهو ولي المؤمنين، وهو مولاهم، يخرجهم من الظلمات إلى النور، وإذا كان كذلك فمعنى كون الله ولي المؤمنين ومولاهم، وكون الرسول وليهم ومولاهم، وكون علي مولاهم هي الموالاة التي هي ضد المعاداة. والمؤمنون يتولون الله ورسوله الموالاة المضادة للمعاداة، وهذا حكم ثابت لكل مؤمن، فعلي رضي الله عنه من المؤمنين الذين يتولون المؤمنين ويتولونه. وفي هذا الحديث إثبات إيمان علي في الباطن، والشهادة له بأنه يستحق الموالاة باطنا وظاهرا، وذلك يرد ما يقوله فيه أعداؤه من الخوارج والنواصب، لكن ليس فيه أنه ليس للمؤمنين مولى غيره، فكيف ورسول الله صلى الله عليه وسلم له موالي، وهم صالحو المؤمنين، فعلي أيضا له موالى بطريق الأولى والأحرى، وهم المؤمنون الذين يتولونه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أسلم وغفارا ومزينة وجهينة وقريشا والأنصار ليس لهم مولى دون الله ورسوله) وجعلهم موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جعل صالح المؤمنين مواليه، والله ورسوله مولاهم. وفي الجملة: فرق بين الولي والمولى ونحو ذلك، وبين الوالي، فباب الولاية التي هي ضد العداوة شيء، وباب الولاية التي هي الإمارة شيء، والحديث إنما هو في الأولى دون الثانية، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: (من كنت واليه فعلي واليه) وإنما اللفظ: (من كنت مولاه فعلي مولاه) وهذا مما يدل على أنه لم يرد الخلافة، فإن كونه ولي كل مؤمن وصف ثابت له في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لم يتأخر حكمه إلى الموت، وأما الخلافة فلا يصير خليفة إلا بعد الموت، فعلم أن هذا ليس هذا. وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم، في حياته وبعد مماته إلى يوم القيامة، وإذا استخلف أحدا على بعض الأمور في حياته، أو قدر أنه استخلف أحدا على بعض الأمور في حياته، أو قدر أنه استخلف أحدا بعد موته وصار له خليفة بنص أو إجماع، فهو أولى بتلك الخلافة وبكل المؤمنين من أنفسهم، فلا يكون قط غيره أولى بكل مؤمن من نفسه لا سيما في حياته، وأما كون علي وغيره مولى كل مؤمن فهو وصف ثابت لعلي في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد مماته، وبعد ممات علي، فعلي اليوم مولى كل مؤمن، وليس اليوم متوليا على الناس، وكذلك سائر المؤمنين بعضهم أولياء بعض أحياء وأمواتا " انتهى. " منهاج السنة النبوية " (7/322-325) ، مختصرا. رابعا: أما دعوى أن علي بن أبي طالب وفاطمة، والحسن، والحسين رضي الله عنهم جميعا هم في مرتبة الأنبياء: فهذه دعوى كاذبة باطلة، بل هي كفر هادم لعقيدة المسلم، لمخالفتها لإجماع أهل العلم على أن مرتبة جميع الأنبياء لا يبلغها أحد من غير الأنبياء؛ قال الله تعالى: (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) الحج/75. فالرسل والأنبياء هم المصطفون من خلق الله، ومن ادعى خلاف ذلك فإنه مطالب بالدليل، ولن يستطيع أحد أن يثبت أن عليا وفاطمة والحسن والحسين في مرتبة الأنبياء إلا بالكذب والتحريف واختلاق الأحاديث والأخبار. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " من غلا في الأولياء، أو من يسميهم أولياء الله، أو يسميهم أهل الله، أو يسميهم الحكماء أو الفلاسفة أو غير ذلك من الأسماء التي يقرنها بأسماء الأنبياء، وجعلهم مثل الأنبياء، أو أفضل من الأنبياء، فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل " انتهى. " الصفدية " (1/262) ويقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: " من اعتقد في غير الأنبياء كونه أفضل منهم، أومساوياً لهم فقد كفر، وقد نقل على ذلك الإجماع غير واحد من العلماء، فأي خير في قوم اعتقادهم يوجب كفرهم " انتهى. " رسالة في الرد على الرافضة " (ص/29) ، وانظر: " الفصل في الملل والأهواء النحل " (4/21) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 139054 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 93 هل ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم حرق اللبان في زمن الطاعون؟ [السُّؤَالُ] ـ[وصلني إيميل أرجو الإفادة بصحته جزاكم الله خير في زمن انتشار أنفلونزا الخنازير وغيرها بإذن الله أخي المسلم أختي المسلمة يجب حرق (اللبان العربي) في المنازل يوميا لأنه يعقم الهواء فقد فعل الرسول (صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم) في زمن الطاعون فحمى الله المدينة المنورة من الطاعون لا تدع الرسالة تقف عندك انشرها وبإذن الله تؤجر وبرسالتك هذه قد تحمي المئات من المسلمين من هذا المرض الخطير]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: ما جاء في الرسالة التي وصلتك من وجوب حرق اللبان في المنازل يوميا، وأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك بالمدينة، هو كذب وإفك لا أساس له من الصحة، فإن الطاعون لم يقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما وقع في زمن عمر رضي الله عنه بالشام، وحين وقع لم يقل أحد من الصحابة: احرقوا اللبان، ونحو ذلك من السخف والباطل، وإنما رووا فيه الحديث المشهور: (إِذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونِ بِأَرْضٍ فَلَا تَدْخُلُوهَا، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا مِنْهَا) رواه البخاري (5728) ومسلم (2218) . والطاعون لا يكون في المدينة، كما روى البخاري (7133) ومسلم (1379) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَلَى أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ مَلَائِكَةٌ لَا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلَا الدَّجَّالُ) . فبان بهذا أن ما ذكر كذب محض. ثانيا: ورد في تبخير البيت باللبان حديث لا يصح، ولفظه: (بخروا بيوتكم باللبان والشيح) . عزاه في كنز العمال (10/ 52) إلى البيهقي في الشعب، عن عبد الله بن جعفر معضلا، وقال ابن القيم في "زاد المعاد" (4/ 387) : إنه لا يصح. ثالثا: سبق التحذير من نشر الرسائل التي لا يعلم الإنسان صحتها اغترارا بقولهم: انشر تؤجر، بل قد يأثم ويؤز؛ إذا كان ينشر باطلا وكذبا كهذا الذي وردك. وينظر جواب السؤال رقم (113730) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 138521 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 94 كيف ينتسب الأشراف إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن له ولد ذكر؟ [السُّؤَالُ] ـ[لقد سمعت أن الأسياد من نسل النبي محمد صلى الله عليه وسلم، من فضلك: اشرح لي كيف أن النبي محمدا صلى الله عليه وسلم لم يكن له ولد، وأنا أعرف أن النسب يكون من الابن وليس من البنت؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: أحفاد الرسول صلى الله عليه وسلم وذريته الموجودون الآن كلهم من نسل ابنته فاطمة رضي الله عنها، ولكون الرسول صلى الله عليه وسلم سيد البشر وأشرفهم والنسبة إليه شرف بلا شك، صارت ذريته ينتسبون إليه، ولا ينسبون إلى آبائهم، وقد ذكر العلماء أن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم. واستدلوا على ذلك بعدة أدلة، منها: قوله صلى الله عليه وسلم: (فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي) رواه البخاري (3714) ومسلم (2449) . قال الشريف السمهودي: "معلوم أن أولادها بضعة منها، فيكونون بواسطتها بضعة منه صلى الله عليه وسلم، وهذا غاية الشرف لأولادها" انتهى. نقله الألوسي في "روح المعاني" (26/165) . ومنها: قول النبي صلى الله عليه وسلم عن الحسن بن علي رضي الله عنهما: (إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِين) رواه البخاري (2704) . فسمَّاه "ابنه" وهو ابن بنته فاطمة رضي الله عنهما. قال ابن القيم رحمه الله: "المسلمون مجمعون على دخول أولاد فاطمة رضي الله عنها في ذرية النبي صلى الله عليه وسلم المطلوب لهم من الله الصلاة؛ لأن أحدا من بناته لم يعقب غيرها، فمن انتسب إليه صلى الله عليه وسلم من أولاد ابنته فإنما هو من جهة فاطمة رضي الله عنها خاصة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحسن ابن ابنته: (إن ابني هذا سيد) فسماه ابنه، ولما أنزل الله سبحانه آية المباهلة: (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) آل عمران/61، دعا النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة وحسنا وحسينا وخرج للمباهلة .... إلى أن قال: وأما دخول أولاد فاطمة رضي الله عنها في ذرية النبي صلى الله عليه وسلم فلشرف هذا الأصل العظيم والوالد الكريم، الذي لا يدانيه أحد من العالمين، سرى ونفذ إلى أولاد البنات لقوته وجلالته وعظيم قدره، ونحن نرى من لا نسبة له إلى هذا الجناب العظيم من العظماء والملوك وغيرهم تسري حرمة إيلادهم وأبوتهم إلى أولاد بناتهم، فتلحظهم العيون بلحظ أبنائهم، ويكادون يضربون عن ذكر آبائهم صفحا، فما الظن بهذا الإيلاد العظيم قدره، الجليل خطره؟ " انتهى باختصار. " جلاء الأفهام " (ص/299-301) . وجاء في "مغني المحتاج" (3/63) : "فَائِدَةٌ: مِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَوْلَادَ بَنَاتِهِ يُنْسَبُونَ إلَيْهِ، وَهُمْ الْأَشْرَافُ الْمَوْجُودُونَ، وَمِنْهُمْ الْهَاشِمِيُّونَ" انتهى. وجاء في "الموسوعة الفقهية" (2/640) : "ممّا اختصّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم دون النّاس جميعاً أنّ أولاد بناته ينتسبون إليه في الكفاءة وغيرها، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إنّ ابني هذا سيّد) " انتهى. وقال الحافظ ابن حجر الهيتمي الفقيه الشافعي: "ثم معنى الانتساب إليه الذي هو من خصوصياته صلى الله عليه وسلم: أنه يطلق عليه أنه أب لهم، وأنهم بنوه، حتى يعتبر ذلك في الكفاءة، فلا يكافىء شريفة هاشمية غير شريف. [وهذا عند من اعتبر الفاءة في النسب في النكاح، فلا تتزوج شريفة بغير شريف إلا برضاها ورضا جميع أوليائها. [وقد سبق الكلام على الكفاءة في النسب في جواب السؤال رقم (65510) وبيَّنَّا أن الصحيح من أقوال العلماء أنها غير معتبرة] . ثم قال ابن حجر: وقولهم: "إن بني هاشم والمطلب أكفاء" محله فيما عدا هذه الصورة. وحتى يدخلوا في الوقف على أولاده والوصية لهم، [وهذه مسألة افتراضية، لو أوقف الرسول صلى الله عليه وسلم مالاً أو أوصى به وقال: هذا لأولادي، دخل في أولاده صلى الله عليه وسلم أولاد فاطمة وأولاد الحسن والحسين رضي الله عنهم، وهذا من فوائد أنهم ينسبون إليه] . وأما أولاد بنات غيره فلا تجري فيهم مع جدهم لأمهم هذه الأحكام. نعم، يستوي الجد للأب والأم في الانتساب إليهما من حيث تطلق الذرية والنسل والعقب عليهم. ومن فوائد ذلك أيضاً: أنه يجوز أن يقال للحسنين: أبناء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أب لهما اتفاقا، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحسن: (إن ابني هذا سيد) " انتهى باختصار. "الصواعق المرسلة" (4/462) لابن حجر الهيتمي. وقد استدل السيوطي رحمه الله على ذلك بأحاديث أخرى في كتابه "الخصائص الكبرى" (2/381) ، غير أنها ضعيفة، كما بَيَّن ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله في "التلخيص" (3/142) ، والألباني في "السلسلة الضعيفة" (801، 4104، 4324) . ثانياً: هذا الحكم، وهو أن أحفاد النبي صلى الله عليه وسلم ينسبون إليه، إنما هو لأولاد بناته، ثم أولاد الحسن والحسين، أما أولاد بنات بناته فإنهم لا ينسبون إليه صلى الله عليه وسلم، وإنما ينسبون إلى آبائهم. قال السيوطي رحمه الله: "هل يشاركون – يعني أولاد زينب بنت فاطمة - أولاد الحسن والحسين في أنهم ينسبون إلى النبي صلى الله عليه وسلّم؟ والجواب: لا. وإن كانوا جميعاً يدخلون في "ذرية النبي صلى الله عليه وسلم" وفي "أولاده". وقد فَرَّق الفقهاء بين مَن يُسَمَّى ولداً للرجل، وبين مَن ينسب إليه: ولهذا قالوا: لو قال: وقفت على أولادي: دخل ولد البنت. ولو قال: وقفت على مَن يُنسب إلي مِن أولادي: لم يدخل ولد البنت. وقد ذكر الفقهاء من خصائصه صلى الله عليه وسلّم: أنه ينسب إليه أولاد بناته، ولم يذكروا مثل ذلك في أولاد بنات بناته، فالخصوصية للطبقة العليا فقط، فأولاد فاطمة الأربعة ينسبون إليه، وأولاد الحسن والحسين ينسبون إليهما فينسبون إليه، وأولاد زينب وأم كلثوم [بنات فاطمة] ينسبون إلى أبيهم عمر وعبد الله، لا إلى الأم، ولا إلى أبيها صلى الله عليه وسلّم؛ لأنهم أولاد بنت بنته، لا أولاد بنته، فجرى الأمر فيهم على قاعدة الشرع في أن الولد يتبع أباه في النسب لا أمه، وإنما خرج أولاد فاطمة وحدها للخصوصية التي ورد الحديث بها، وهو مقصور على ذرية الحسن، والحسين .... ولهذا جرى السلف والخلف على أن ابن الشريفة لا يكون شريفاً، ولو كانت الخصوصية عامة في أولاد بناته وإن سفلن لكان ابن كل شريفة شريفاً تحرم عليه الصدقة وإن لم يكن أبوه كذلك كما هو معلوم. ولهذا حكم صلى الله عليه وسلّم بذلك لفاطمة دون غيرها من بناته، لأن أختها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلّم لم تعقب ذكراً حتى يكون كالحسن والحسين في ذلك، وإنما أعقبت بنتاً، وهي أمامة بنت أبي العاصي بن الربيع، فلم يحكم لها صلى الله عليه وسلّم بهذا الحكم مع وجودها في زمنه، فدل على أن أولادها لا ينسبون إليها لأنها بنت بنته، وأما هي فكانت تنسب إليه بناء على أن أولاد بناته ينسبون إليه، ولو كان لزينب ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلّم ولدٌ ذكر لكان حكمه حكم الحسن والحسين في أن ولده ينسبون إليه صلى الله عليه وسلّم. هذا تحرير القول في هذه المسألة" انتهى باختصار. "الحاوي" (2/31) . ومثل ذلك قاله الحافظ ابن حجر الهيتمي الفقيه الشافعي في "الفتاوى الحديثة" (ص 67) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 138509 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 95 أيهما أفضل قراءة سورة من القرآن بتدبر وفهم أم قراءة القرآن كله من غير تدبر [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك حديث يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن من يقرأ سورة العصر بانتباه وفهم أفضل ممن يقرأ القرآن كاملا دون فهم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لم يصح في فضائل سورة " العصر " شيء سوى أنها من المفصل. جاء في " موسوعة فضائل سور وآيات القرآن " (القسم الصحيح 2/319) " لم يصح فيها شيء سوى أنها من المفصل " انتهى. وتقول الباحثة آمال سعدي: " لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضل سورة العصر شيء، بل وردت في فضلها روايات ضعيفة وموضوعة، منها: (من قرأ سورة العصر غفر الله له، وكان ممن تواصى بالحق وتواصى بالصبر) " انتهى. " الصحيح والسقيم في فضائل القرآن الكريم " (ص/96) ثانيا: ننقل ههنا كلاما نفيسا للعلامة ابن القيم رحمه الله، يبين فيه أقوال العلماء في المفاضلة بين قراءة القدر اليسير من القرآن بتدبر وفهم، وبين قراءة القدر الكثير من القرآن من غير تدبر ولا تفكر. يقول ابن القيم رحمه الله: " اختلف الناس في الأفضل من الترتيل وقلة القراءة، أو السرعة مع كثرة القراءة: أيهما أفضل؟ على قولين: فذهب ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما وغيرهما إلى أن الترتيل والتدبر مع قلة القراءة أفضل من سرعة القراءة مع كثرتها. واحتج أرباب هذا القول بأن المقصود من القراءة فهمه، وتدبره، والفقه فيه، والعمل به، وتلاوته وحفظه وسيلة إلى معانيه، كما قال بعض السلف: نزل القرآن ليعمل به، فاتخذوا تلاوته عملا، ولهذا كان أهل القرآن هم العالمون به، والعاملون بما فيه، وإن لم يحفظوه عن ظهر قلب، وأما من حفظه ولم يفهمه ولم يعمل بما فيه فليس من أهله، وإن أقام حروفه إقامة السهم. قالوا: ولأن الإيمان أفضل الأعمال، وفهم القرآن وتدبره هو الذي يثمر الإيمان، وأما مجرد التلاوة من غير فهم ولا تدبر فيفعلها البر والفاجر والمؤمن والمنافق، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ومثل المنافق الذي يقرأ القران كمثل الريحانة: ريحها طيب، وطعمها مر) . والناس في هذا أربع طبقات: أهل القرآن والإيمان، وهم أفضل الناس. والثانية: من عدم القرآن والإيمان. الثالثة: من أوتي قرآنا ولم يؤت إيمانا. الرابعة: من أوتي إيمانا ولم يؤت قرآنا. قالوا: فكما أن من أوتي إيمانا بلا قرآن أفضل ممن أوتي قرآنا بلا إيمان، فكذلك من أوتي تدبرا وفهما في التلاوة أفضل ممن أوتي كثرة قراءة وسرعتها بلا تدبر. قالوا: وهذا هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه كان يرتل السورة حتى تكون أطول من أطول منها، وقام بآية حتى الصباح. وقال أصحاب الشافعي رحمه الله: كثرة القراءة أفضل، واحتجوا بحديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف) رواه الترمذي وصححه. قالوا: ولأن عثمان بن عفان قرأ القرآن في ركعة، وذكروا آثارا عن كثير من السلف في كثرة القراءة. والصواب في المسألة أن يقال: إن ثواب قراءة الترتيل والتدبر أجل وأرفع قدرا، وثواب كثرة القراءة أكثر عددا: فالأول: كمن تصدق بجوهرة عظيمة، أو أعتق عبدا قيمته نفيسة جدا. والثاني: كمن تصدق بعدد كثير من الدراهم، أو أعتق عددا من العبيد قيمتهم رخيصة. وفي " صيح البخاري " عن قتادة قال: سألت أنسا عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (كان يمد مدا) . وقال شعبة: حدثنا أبو جمرة، قال: قلت لابن عباس: إني رجل سريع القراءة، وربما قرأت القرآن في ليلة مرة أو مرتين، فقال ابن عباس: لأن أقرأ سورة واحدة أعجب إلي من أن أفعل ذلك الذي تفعل، فإن كنت فاعلا ولا بد فاقرأ قراءة تسمع أذنيك، ويعيها قلبك. وقال إبراهيم: قرأ علقمة على ابن مسعود - وكان حسن الصوت – فقال: رتل فداك أبي وأمي، فإنه زين القرآن. وقال ابن مسعود: لا تهذُّوا القرآن هذَّ الشعر، ولا تنثروه نثر الدقل، وقفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة. - والهذّ: سرعة القراءة، والدَّقَل: رديء التمر -. وقال عبد الله أيضا: إذا سمعت الله يقول: (يأيها الذين آمنوا) فأصغ لها سمعك، فإنه خير تؤمر به، أو شر تصرف عنه. " انتهى. " زاد المعاد " (1/337-340) وانظر جواب السؤال رقم: (4040) ، (131788) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 137288 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 96 حديث: (استفت قلبك ولو أفتاك الناس) [السُّؤَالُ] ـ[ما صحة هذا الحديث الذي يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (استفت قلبك ولو أفتاك الناس) (كتاب الترغيب والترهيب الجزء الثاني، ص 557) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: هذا الحديث رواه الإمام أحمد (17545) عن وابصة بن معبد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (جِئْتَ تَسْأَلُنِي عَنْ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ فَقَالَ نَعَمْ فَجَمَعَ أَنَامِلَهُ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهِنَّ فِي صَدْرِي وَيَقُولُ يَا وَابِصَةُ اسْتَفْتِ قَلْبَكَ وَاسْتَفْتِ نَفْسَكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ) . وهو من أحاديث الأربعين النووية، وقد حسنه النووي والمنذري والشوكاني، وحسنه الألباني لغيره في "صحيح الترغيب" (1734) . وقد جاءت أحاديث أخرى تدل على ما دل عليه حديث وابصة، فعن النواس بن سمعان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ) رواه مسلم (2553) . وعن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْبِرُّ مَا سَكَنَتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ، وَالْإِثْمُ مَا لَمْ تَسْكُنْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَلَمْ يَطْمَئِنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ، وَإِنْ أَفْتَاكَ الْمُفْتُونَ) رواه أحمد (29/278-279) طبعة مؤسسة الرسالة، وصححه المحققون بإشراف الشيخ شعيب الأرنؤوط. وقال المنذري: "إسناده جيد" انتهى. "الترغيب والترهيب" (3/23) ، وكذلك قال الحافظ ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" (1/251) ، والشيخ الألباني في "صحيح الترغيب" (2/151) . ثانياً: يخطئ كثير من الناس في فهم هذا الحديث، حيث يجعلونه مطية لهم في الحكم بالتحليل أو التحريم على وفق ما تمليه عليهم أهواؤهم ورغباتهم، فيرتكبون ما يرتكبون من المحرمات ويقولون: (استفت قلبك) !! مع أن الحديث لا يمكن أن يراد به ذلك، وإنما المراد من الحديث أن المؤمن صاحب القلب السليم قد يستفتي أحداً في شيء فيفتيه بأنه حلال، ولكن يقع في نفس المؤمن حرج من فعله، فهنا عليه أن يتركه عملاً بما دله عليه قلبه. قال ابن القيم رحمه الله: "لا يجوز العمل بمجرد فتوى المفتي إذا لم تطمئن نفسه، وحاك في صدره من قبوله، وتردد فيها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (استفت نفسك وإن أفتاك الناس وأفتوك) . فيجب عليه أن يستفتي نفسه أولا، ولا تخلصه فتوى المفتي من الله إذا كان يعلم أن الأمر في الباطن بخلاف ما أفتاه، كما لا ينفعه قضاء القاضي له بذلك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من نار) . والمفتي والقاضي في هذا سواء، ولا يظن المستفتي أن مجرد فتوى الفقيه تبيح له ما سأل عنه إذا كان يعلم أن الأمر بخلافه في الباطن، سواء تردد أو حاك في صدره، لعلمه بالحال في الباطن، أو لشكه فيه، أو لجهله به، أو لعلمه جهل المفتي، أو محاباته في فتواه، أو عدم تقيده بالكتاب والسنة، أو لأنه معروف بالفتوى بالحيل والرخص المخالفة للسنة، وغير ذلك من الأسباب المانعة من الثقة بفتواه، وسكون النفس إليها" انتهى. "إعلام الموقعين" (4/254) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "أي: حتى وإن أفتاك مفتٍ بأن هذا جائز، ولكن نفسك لم تطمئن ولم تنشرح إليه فدعه، فإن هذا من الخير والبر، إلا إذا علمت في نفسك مرضا من الوسواس والشك والتردد فلا تلتفت لهذا، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما يخاطب الناس أو يتكلم على الوجه الذي ليس في قلب صاحبه مرض" انتهى. "شرح رياض الصالحين" (2/284) . فالذي يستفتي قلبه ويعمل بما أفتاه به هو صاحب القلب السليم، لا القلب المريض، فإن صاحب القلب المريض لو استفتى قلبه عن الموبقات والكبائر لأفتاه أنها حلال لا شبهة فيها! وفي هذا قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: " (الإثم ما حاك في نفسك) أي: تردد وصرت منه في قلق (وكرهت أن يطلع عليه الناس) لأنه محل ذم وعيب، فتجدك متردداً فيه وتكره أن يطلع عليك الناس. وهذه الجملة إنما هي لمن كان قلبه صافياً سليماً، فهذا هو الذي يحوك في نفسه ما كان إثماً، ويكره أن يطلع عليه الناس. أما المُتَمَرِّدون الخارجون عن طاعة الله الذين قست قلوبهم فهؤلاء لا يبالون، بل ربما يتبجحون بفعل المنكر والإثم، فالكلام هنا ليس عاماً لكل أحد، بل هو خاص لمن كان قلبه سليماً طاهراً نقياً، فإنه إذا هَمَّ بإثم وإن لم يعلم أنه إثم من قبل الشرع تجده متردداً يكره أن يطلع الناس عليه، فهذا علامة على الإثم في قلب المؤمن" انتهى. "شرح الأربعين النووية" (صـ 294، 295) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 137267 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 97 ما صحة حديث (إن الله يبغض الحبر السمين) ؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل هذا الحديث صحيح (إن الله يبغض الحبر السمين) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: بعد البحث عن هذا الحديث تبين لنا أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلا تصح نسبته إليه، ولم يثبت عمن يُروَى عنهم أيضا من الصحابة رضوان الله عليهم. وقد روي هذا الحديث عن الصحابي أبي أمامة رضي الله عنه. عزاه إليه أبو الليث السمرقندي في " بستان العارفين " – كما قال السخاوي في " المقاصد الحسنة (207) -، ولكن لم نقف على أصل هذه الرواية، والسمرقندي تروج عليه الأحاديث الموضوعة كما قال الذهبي في " سير أعلام النبلاء " (16/323) ، فلا تقبل منه نسبة هذا الحديث إلى أبي أمامة رضي الله عنه، ولذلك تعقبه السخاوي بقوله: " ولكن ما علمته في المرفوع " انتهى. وقد روي بسند ضعيف عن سعيد بن جبير عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً. فعن سعيد بن جبير قال: (جاء رجل من اليهود يقال له مالك بن الصيف، فخاصم النبي صلى الله عليه وسلم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى، هل تجد في التوراة أن الله يبغض الحبر السمين؟ قال: وكان حبرا سمينا، فغضب وقال: ما أنزل الله على بشر من شيء. فقال له أصحابه الذين معه: ويحك ولا على موسى؟ قال: ما أنزل الله على بشر من شيء، فأنزل الله عز وجل: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ) الأنعام/91. رواه ابن أبي حاتم في "التفسير" (4/1342) ، وابن جرير الطبري في "جامع البيان" (11/521) كلاهما من طريق يعقوب القمي، عن جعفر بن أبي المغيرة القمي، عن سعيد بن جبير به. وهذا إسناد ضعيف بسبب يعقوب بن عبد الله القمي، قال فيه الدارقطني: ليس بالقوي. انظر: "ميزان الاعتدال" (4/452) ، وقال ابن مندة في جعفر بن أبي المغيرة: ليس هو بالقوى في سعيد بن جبير. انظر: "ميزان الاعتدال" (1/417) . ثانياً: روي هذا القول عن عمر بن الخطاب وابن مسعود رضي الله عنهما ولا يصح عنهما. أما قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقد رواه ابن أبي الدنيا في "الجوع" (81) ، وفي "إصلاح المال" (333) قال: حدثنا خالد بن مرداس، قال: حدثنا المعلى الجعفي، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: قال عمر. وهذا إسناد ضعيف جدا، فيه المعلى بن هلال بن سويد الحضرمي، ويقال الجعفي، أبو عبد الله الطحان الكوفي العابد: كذاب وضاع باتفاق النقاد. انظر: "ميزان الاعتدال" (4/152) . وأما قول ابن مسعود رضي الله عنه، فقد عزاه إليه الغزالي في "إحياء علوم الدين" (3/81) ، ولم نقف عليه بعد البحث، وكتب الغزالي مليئة بما لا أصل له. فالحاصل: أنه لم يصح هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه الكرام. والثابت في شريعتنا ذم السمن لمن تكلفه بالإسراف في الملذات من الطعام والشراب والاشتغال به عن العمل النافع الصالح الذي يستغرق على المسلم عمره ووقته. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ الْعَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ. وَقَالَ اقْرَءُوا: (فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا) رواه البخاري (4729) ومسلم (2785) . قال النووي رحمه الله: "فيه ذم السِّمَن" انتهى. "شرح مسلم" (17/129) . وقال القرطبي رحمه الله: "في هذا الحديث من الفقه: ذم السِّمَن لمن تكلفه، لما في ذلك من تكلف المطاعم والاشتغال بها عن المكارم، بل يدل على تحريم الأكل الزائد على قدر الكفاية المبتغى به الترفه والسمن. ومن حديث عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خيركم قرني ثم الذين يلونهم - قال عمران فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة - ثم إن من بعدكم قوما يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن) وهذا ذم، وسبب ذلك: أن السمن المكتسب إنما هو من كثرة الأكل والشره، والدعة والراحة والأمن والاسترسال مع النفس على شهواتها، فهو عبد نفسه، لا عبد ربه، ومن كان هذا حاله وقع لا محالة في الحرام، وكل لحم تولد عن سحت فالنار أولى به، وقد ذم الله تعالى الكفار بكثرة الأكل فقال: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ) محمد/12، فإذا كان المؤمن يتشبه بهم، ويتنعم بتنعمهم في كل أحواله وأزمانه، فأين حقيقة الإيمان، والقيام بوظائف الإسلام؟! ومن كثر أكله وشربه كثر نهمه وحرصه، وزاد بالليل كسله ونومه، فكان نهاره هائما، وليله نائما " انتهى باختصار. "الجامع لأحكام القرآن" (11/67) . وقد روى أبو نعيم رحمه الله في "حلية الأولياء" (9/146) بسنده إلى الإمام الشافعي رحمه الله أنه قال: (ما أفلح سمين قط إلا أن يكون محمد بن الحسن. قيل له: ولم؟ قال: لأن العاقل لا يخلو من إحدى خلتين: إما أن يغتم لآخرته ومعاده، أو لدنياه ومعاشه، والشحم مع الغم لا ينعقد، فإذا خلا من المعنيين صار في حد البهائم، فيعقد الشحم) . والمقصود من ذلك كله ذم السِّمَن الناتج عن الإسراف والفراغ والاستغراق في ملذات الدنيا عن العمل للآخرة، أما من أصابه السمن لعلة أو لطبيعة جسمه عن غير إسراف ولا إفراط فهذا لا عتب عليه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 137177 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 98 حديث (لا تمارضوا فتمرضوا) [السُّؤَالُ] ـ[ما صحة الحديث: (لا تمارضوا فتمرضوا، ولا تحفروا قبوركم فتموتوا) ؟ وما حكم من يتمارض ليأخذ ما ليس حقه في عمله كموظف حكومة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن أبي حاتم رحمه الله: "سألت أبي عن حديث رواه عاصم بن إبراهيم الداري، عن محمد بن سليمان الصنعاني، عن منذر بن النعمان الأفطس، عن وهب بن منبه، عن عبد الله بن عباس، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تمارضوا فتمرضوا، ولا تحفروا قبوركم فتموتوا) . قال أبي: هذا حديث منكر " انتهى. "العلل" (2/321) . وقال السخاوي رحمه الله: "أسنده الديلمي من جهة أبي حاتم الرازي: حدثنا عاصم بن إبراهيم، عن المنذر بن النعمان، عن وهب بن قيس به مرفوعا. وعلى كل حال فلا يصح، وإن وقع لبعض أصحابنا، وأما الزيادة التي على ألسنة كثير من العامة فيه، وهي: (فتموتوا فتدخلوا النار) فلا أصل لها أصلا" انتهى. "المقاصد الحسنة" (716) . وقال الشيخ الألباني رحمه الله: "منكر ... وعلته محمد بن سليمان هذا قال الذهبي في "الميزان": مجهول، والحديث الذي رواه منكر، يعني هذا" انتهى. "السلسلة الضعيفة" (259) ، وانظر "الفوائد المجموعة" للشوكاني (262) ، "الأسرار المرفوعة" لعلي القاري (590) . والتمارض: يعني التظاهر بالمرض مع أن الحقيقة السلامة منه، وهو من الكذب على الناس، ومن النفاق العملي الظاهر، ولا يجوز للمسلم أن يتظاهر بأمر مخالف للحقيقة. وتشتد الحرمة إذا تظاهر بهذا المرض للوصول إلى مراده بالكذب والحيلة والتزوير، كحال أولئك العمال والموظفين الذين يتمارضون ليحصلوا على ما لا يستحقون من الأجازات أو التعويضات أو غيره، وكلها يأكلها أصحابها سحتا نسأل الله السلامة والعافية. وقد سبق في موقعنا التحذير من هذا العمل في جواب السؤال رقم: (99359) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 137158 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 99 حديث: (لا تكونوا إمعة) لا يصح سندا، ومعناه صحيح [السُّؤَالُ] ـ[ما مدى صحّة حديث سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حين قال: (لا يكون المؤمن إمّعة، ذا أساء النّاس أساء معهم، وإذا أحسنوا أحسن معهم) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث روي من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً، تَقُولُونَ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا، وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ، إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَا تَظْلِمُوا) رواه الترمذي (2007) بإسناد ضعيف. وقد ضعفه الشيخ الألباني رحمه الله في "ضعيف الترمذي" غير أنه صححه من قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. ولا شك أن المعنى الذي تضمنه الحديث صحيح، فالذي ينبغي للمؤمن أن يحسن اعتقاداته وأقواله وأعماله، سواء أحسن الناس أم أساؤوا. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "الواجب على المسلم أن يعتز بدينه ويفتخر به، وأن يقتصر على ما حده الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم في هذا الدين القيم الذي ارتضاه الله تعالى لعباده، فلا يزيد فيه ولا ينقص منه، والذي ينبغي للمسلم أيضا ألا يكون إمَّعَةً يتبع كلَّ ناعق، بل ينبغي أن يُكَوِّن شخصيته بمقتضى شريعة الله تعالى حتى يكون متبوعا لا تابعا، وحتى يكون أسوة لا متأسيا، لأن شريعة الله - والحمد لله - كاملة من جميع الوجوه كما قال الله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً) المائدة/3" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (2/301) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 137155 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 100 هل يصح حديث (لن يغلب عسر يسرين) ؟ [السُّؤَالُ] ـ[في قوله تعالى: (إن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا) قال الرسول صلى الله عليه وسلم - بما معناه-: (اصبروا فلا يهزم عسر يسرين) ، هل هذا الحديث صحيح؟ وإن كان، فما هو نص الحديث الصحيح؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: ورد هذا الحديث من طريقين عن النبي صلى الله عليه وسلم، ـ فيما نعلم ـ وكلاهما ضعيف. الأول: من مراسيل الحسن البصري، ومراسيله ـ كما هو معلوم ـ ضعيفة، بل من أضعف المراسيل. قال الشيخ الألباني رحمه الله: "ضعيف: أخرجه الحاكم (2/ 528) عن إسحاق بن إبراهيم الصنعاني: أنبأ عبد الرزاق: أنبأ معمر، عن أيوب، عن الحسن: في قول الله عز وجل: (إن مع العسر يسراً) قال: خرج النبي صلي الله عليه وسلم يوماً مسروراً فرحاً، وهو يضحك وهو يقول: (لن يغلب عسر يسرين) وقال هو والذهبي: مرسل. فعلة الحديث الإرسال. كذلك أخرجه ابن جرير في "التفسير" (30/ 151) من مرسل الحسن وقتادة، ولا يقوي أحدهما الآخر؛ لاحتمال أن يكونا تلقياه من شيخ واحد، واحتمال أن يكون تابعياً مثلهما، واحتمال أن يكون ضعيفاً أو مجهولاً، وهو السبب في عدم الاحتجاج بالحديث المرسل وجعلهم إياه من أقسام الحديث الضعيف، كما هو مقرر في علم المصطلح " انتهى باختصار. "السلسلة الضعيفة" (4342) . الثاني: من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. رواه ابن مردويه – كما عزاه إليه الزيلعي في " تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في تفسير الكشاف " (4/236) – قال: " فيه مرفوع آخر رواه ابن مردويه في تفسيره فقال: حدثنا أحمد بن محمد بن السري، ثنا المنذر بن محمد بن المنذر، ثني أبي، ثنا يحيى بن محمد بن هانئ، عن محمد بن إسحاق، ثني الحسن بن عطية العوفي، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله قال: (لما نزلت: (فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابشروا لن يغلب عسر يسرين) " انتهى. وهذا إسناد ضعيف بسبب الحسن بن عطية العوفي، فقد اتفق أهل العلم على تضعيفه. انظر: "تهذيب التهذيب" (2/294) ، ولذلك ضعف الحافظ ابن حجر حديث جابر هذا في "فتح الباري" (8/712) . ثانيا: ثبت هذا من كلام بعض الصحابة رضوان الله عليهم، أصحها ما رواه الحاكم في "المستدرك" (2/329) بسند صحيح، قال فيه الحاكم: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي في "التلخيص"، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (أنه بلغه أن أبا عبيدة حصر بالشام، وقد تألب عليه القوم، فكتب إليه عمر: سلام عليك، أما بعد: فإنه ما ينزل بعبد مؤمن من منزلة شدة إلا يجعل الله له بعدها فرجا، ولن يغلب عسر يسرين، و (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون) قال: فكتب إليه أبو عبيدة: سلام عليك. وأما بعد: فإن الله يقول في كتابه: (اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد) إلى آخرها. قال: فخرج عمر بكتابه فقعد على المنبر فقرأ على أهل المدينة ثم قال: يا أهل المدينة! إنما يعرض بكم أبو عبيدة أن ارغبوا في الجهاد) . وقال ابن القيم رحمه الله: " قوله تعالى: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) فالعسر - وإن تكرر مرتين - فتكرر بلفظ المعرفة، فهو واحد، واليسر تكرر بلفظ النكرة، فهو يسران، فالعسر محفوف بيسرين، يسر قبله، ويسر بعده، فلن يغلب عسر يسرين " انتهى. " بدائع الفوائد " (2/155) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " قال تعالى: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً. إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) قال ابن عباس عند هذه الآية: (لن يغلب عسر يسرين) قال أهل البلاغة: توجيه كلامه: أن العسر لم يذكر إلا مرة واحدة، (فإن مع العسر يسراً) ، (إن مع العسر يسرا) العسر الأول أعيد في الثانية بأل، فأل هنا للعهد الذكري، وأما اليسر فإنه لم يأت معرفاً بل جاء منكراً، والقاعدة: أنه إذا كرر الاسم مرتين بصيغة التنكير أن الثانية غير الأول إلا ما ندر، والعكس إذا كرر الاسم مرتين وهو معرف فالثاني هو الأول إلا ما ندر، إذاً: في الآيتين الكريمتين يسران، وفيهما عسر واحد؛ لأن العسر كرر مرتين بصيغة التعريف. (فإن مع العسر يسرا) هذا الكلام خبر من الله عز وجل، وخبره أكمل الأخبار صدقاً، ووعده لا يخلف، فكلما تعسر عليك الأمر فنتظر التيسير " انتهى باختصار. " لقاءات الباب المفتوح " (لقاء رقم/80) وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا، وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) رواه أحمد (5/19) طبعة مؤسسة الرسالة وصححه المحققون، وقال ابن رجب: حسن جيد. " جامع العلوم والحكم " (1/459) . فينبغي للعبد أن يحسن ظنه بالله، وأن يقوى يقينه بفرج من عنده سبحانه، فهو عز وجل عند حسن ظن عبده به، وأن يبذل أسباب الفرج من الصبر والتقوى وحمد الله على كل حال، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا. ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا) الطلاق/4- 5. قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: " ومن لطائف أسرار اقتران الفرج بالكرب، واليسر بالعسر: أن الكرب إذا اشتد وعظم وتناهى وحصل للعبد اليأس من كشفه من جهة المخلوقين، وتعلق قلبه بالله وحده، وهذا هو حقيقة التوكل على الله، وهو من أعظم الأسباب التي تطلب بها الحوائج - فإن الله يكفي مَن توكل عليه، كما قال تعالى: (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) " انتهى. " جامع العلوم والحكم " (ص/197) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 137151 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 101 هل يجلب الزواجُ الغنى؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل صح أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو من الفقر، فقال له: تزوج؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: جاءت النصوص الشرعية وأقوال الصحابة تؤكد أن النكاح من أسباب حصول الرزق والغنى. 1- قال الله تعالى: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) النور/32. وقال السعدي رحمه الله: "قوله تعالى: (إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ) أي: الأزواج والمتزوجين. (يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) فلا يمنعكم ما تتوهمون من أنه إذا تزوج افتقر بسبب كثرة العائلة ونحوه. وفيه حث على التزوج، ووعد للمتزوج بالغنى بعد الفقر. (وَاللَّهُ وَاسِعٌ) كثير الخير، عظيم الفضل. (عَلِيمٌ) بمن يستحق فضله الديني والدنيوي أو أحدهما ممن لا يستحق، فيعطي كلا ما علمه واقتضاه حكمه " انتهى. "تيسير الكريم الرحمن" (ص/567) . 2- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمْ: الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الْأَدَاءَ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ) رواه الترمذي (1655) وصححه ابن العربي في "عارضة الأحوذي" (5/3) ، وحسنه الألباني في "صحيح الترمذي". وقال ابن عباس رضي الله عنهما: (رغبهم الله في التزويج، وأمر به الأحرار والعبيد، ووعدهم عليه الغنى) . رواه ابن جرير الطبري (17/275) من طريق علي بن أبي طلحة، وهي طريق صحيحة معتمدة عن ابن عباس. وقال ابن مسعود رضي الله عنه: (التمسوا الغنى في النكاح) . رواه ابن جرير الطبري في "جامع التأويل" (17/275) ، وفي سنده انقطاع بين القاسم بن الوليد وعبد الله بن مسعود رضي الله عنه. وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: (أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح، ينجز لكم ما وعدكم من الغنى) رواه ابن أبي حاتم في "التفسير" (8/2582) بسند مرسل. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (التمسوا الغنى في الباه) رواه ابن أبي حاتم في "التفسير" (3/868) ، وفي سنده انقطاع بين إبراهيم بن محمد بن المنتشر، وهو من صغار التابعين، وبين عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (عجبت لرجل لا يطلب الغنى بالباءة، والله تعالى يقول في كتابه: (إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) النور/32. عزاه السخاوي في "المقاصد الحسنة" (ص/149) لعبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، أن عمر قال: وذكره. وقتادة عن عمر: منقطع. ثانياً: أما ما ورد في السؤال من قصة ذاك الرجل الذي جاء يشكو الفقر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأرشده صلى الله عليه وسلم إلى العلاج، وقال له: تزوج. فهذا الحديث يُروَى عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو إليه الفاقة، فأمره أن يتزوج) . رواه الخطيب البغدادي في " تاريخ بغداد " (1/365) قال: أخبرنا محمد بن الحسين القطان، قال نبأنا عبد الباقي بن قانع، قال نبأنا محمد بن أحمد بن نصر الترمذي، قال نبأنا إبراهيم بن المنذر، قال نبأنا سعيد بن محمد مولى بني هاشم، قال نبأنا محمد بن المنكدر، عن جابر به. وهذا إسناد ضعيف جدا، بسبب سعيد بن محمد مولى بني هاشم، قال أبو حاتم: ليس حديثه بشيء. وقال ابن حبان: لا يجوز أن يحتج به. ثم أورد الذهبي هذا الحديث في مناكيره، انظر: "ميزان الاعتدال" (2/156) . وقد عزاه السخاوي في "المقاصد الحسنة" (149) ، والمناوي في "فيض القدير" (3/241) لرواية الثعلبي من طري الدراوردي، عن ابن عجلان: أن رجلاً شكا إلى النبي صلي الله عليه وسلم الفقر، فقال: عليك بالباءة. قال الشيخ الألباني رحمه الله: "هذا مع أنه معضل، فلا ندري ما حال الإسناد إلى ابن عجلان" انتهى. "السلسلة الضعيفة" (تحت حديث رقم/3400) . فالحاصل: أن هذا الحديث لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأما القصة التي يتناقلها الناس، أن الرجل الذي اشتكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم الفقر تزوج أربع زوجات حتى فتح الله عليه باب الرزق بسبب زواج الرابعة: فهذه قصة مكذوبة لا أصل لها. وقد جاءت أحاديث أخرى تبين أن النكاح من أسباب الغنى، ولكنها ضعيفة لا تصح. منها: ما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (التمسوا الرزق بالنكاح) . قال الشيخ الألباني رحمه الله: "ضعيف: رواه الواحدي في "الوسيط" (3/116/2) ، والديلمي (1/1/42) عن مسلم بن خالد، عن سعيد بن أبي صالح، عن ابن عباس مرفوعا. وقال الحافظ في "مختصر الديلمي": "مسلم فيه لبس، وشيخه" كذا الأصل، بيض لشيخه، ولم أعرفه، وأما مسلم بن خالد، فهو المعروف بالزنجي قال في "التقريب": "صدوق كثير الأوهام" " انتهى من "السلسلة الضعيفة" (رقم/2487) . ومنها: ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تزوجوا النساء؛ فإنهن يأتينكم بالمال) . ضعفه الشيخ الألباني رحمه الله في "السلسلة الضعيفة" (3400) وأجاب على من صححه. ومنها: ما روي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (تزوجوا فقراء يغنكم الله) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "لا أعرفه" انتهى. "أحاديث القصاص" (ص/89) . وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله: " لا أصل له، ولم أره بإسناد قوي ولا ضعيف إلى الآن، وفي القرآن غنية عنه " انتهى. "تفسير القرآن العظيم" (6/52) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136885 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 102 ما صحة حديث السفياني؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما هي صحة رواية هذا الحديث التالي: روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يخرج رجل يقال له السفياني في عمق دمشق، وعامة من يتبعه من كلب، فيقتل حتى يبقر بطون النساء ويقتل الصبيان، فتجمع لهم قيس فيقتلها حتى لا يمنع ذنب تلعة، ويخرج رجل من أهل بيتي في الحرة فيبلغ السفياني فيبعث إليه جنداً من جنده فيهزمهم، فيسير إليه السفياني بمن معه، حتى إذا صار ببيداء من الأرض خسف بهم، فلا ينجو منهم إلا المخبر عنهم) المستدرك.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث (حديث السفياني) من الأحاديث التي تناقلها الناس في السنوات الأخيرة، وحاول بعض الناس تفسيره بما يوافق ما يمر به المسلمون من أزمات وحروب، إلا أنه حديث ضعيف لا يصح. قال عنه الشيخ الألباني رحمه الله: " منكر: أخرجه الحاكم في "المستدرك" (4/520) من طريق محمد بن إسماعيل بن أبي سمينة: ثنا الوليد بن مسلم: ثنا الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً. وقال: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي. قلت – أي الشيخ الألباني -: وفيه نظر من ناحيتين: الأولى: أن ابن أبي سمينة لم يخرج له مسلم. والأخرى: عنعنة الوليد بن مسلم، فإنه كان يدلس تدليس التسوية، وهو أن يسقط شيخ شيخه، أي: شيخ الأوزاعي، فقد جاء في ترجمته: عن الهيثم بن خارجة قال: قلت للوليد بن مسلم: قد أفسدت حديث الأوزاعي! قال: وكيف؟ قلت: تروي عنه عن نافع، وعنه عن الزهري، وعنه عن يحيى - يعني: ابن كثير - وغيرك يدخل بين الأوزاعي ونافع: عبدَ الله بن عامر الأسلمي، وبينه وبين الزهري: قرة، فما يحملك على هذا؟ فقال: أُنبِّلُ الأوزاعي أن يروي عن مثل هؤلاء! قلت: فإذا روى الأوزاعي عن هؤلاء المناكير – وهم ضعفاء - فأسقطتهم أنت، وصيرتها من رواية الأوزاعي عن الأثبات، ضعف الأوزاعي! فلم يلتفت إلي قولي! ذكره العلائي في "المراسيل" (ص 118) ، والحافظ في "التهذيب" ومن قبله الذهبي في "السير" (9/215) ، ومن قبله المزي في " تهذيبه" (31/97) ، ومن قبلهم ابن عساكر في "التاريخ" (17/906) . وذكروا نحوه عن الإمام الدارقطني. وإذا عرفت هذا، وأن الوليد كان يدلس تدليس التسوية أيضاً، فمن الغريب أن لا يفصح الذهبي في كتبه عن ذلك! ومنها: " السير "، فقال فيه: ثقة حافظ، لكنه رديء الحفظ، فإذا قال: حدثنا، فهو حجة ". ومثله قوله في " الكاشف ": " ... وكان مدلساً، فيتقى من حديثه ما قال فيه: (عن) ". ولعله يعني ذلك في كل سلسلة إسناده، أعني: كما عنعن هنا بين الأوزاعي وشيخه يحيى، وبين هذا و (أبي سلمة) ، ويحتج به، إذا صرح بالتحديث مكان العنعنة. هذا التأويل محتمل يساعد عليه ما تقدم، لكني رأيته قد أفصح بخلافه، فقال في "المغني": " فإذا قال: حدثنا الأوزاعي، فهو حجة "! وهذا تقصير منه بلا شك، فالصواب وصفه بالنوعين من (تدليس السماع) ، وهو ما صرح به الحافظ في "التقريب" و " مقدمة الفتح"، فقال فيه (450) : " عابوا عليه كثرة التدليس، والتسوية ... وقد احتجوا به في حديثه عن الأوزاعي، و..و..". لكن في هذا الإطلاق المتعلق باحتجاج الشيخين به نظر، فقد قال الذهبي عقب رواية الهيثم المتقدمة وغيرها: قلت: البخاري ومسلم قد احتجا به، ولكنهما ينتقيان حديثه، ويتجنبان ما ينكر له ". قلت: ولعل حديثنا هذا من قبيل ما تجنباه لنكارته، ولما فيه من العنعنة، ولذلك فقد وهم الذهبي - فضلاً عن الحاكم - في تصحيحه على شرطهما، لما علمت من ترجمة ابن أبي سمينة، ولأنه ليس فيه تحديث الأوزاعي فمن فوقه. يضاف إلى ذلك: يحيى بن أبي كثير مدلس أيضاً عن شيوخه، معروف بذلك، كما في "مراسيل العلائي" وغيره. والخسف المذكور في آخر الحديث قد صح من حديث حفصة رضي الله عنها أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ليؤمَّنَّ هذا البيت جيش يغزونه، حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض، يخسف بأوسطهم، وينادي أولُهم آخرهم، ثم يخسف بهم، فلا يبقى إلا الشريد الذي يخبر عنهم) رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في "الصحيحة" (1924 و 2432) " انتهى. " السلسلة الضعيفة " (6520) . وقد ضعف هذا الحديث - بل وجميع أحاديث السفياني كذلك - الدكتور الطريفي حفظه الله، في ملتقى أهل الحديث: http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?s=&threadid;=2560&perpage;=15&pagenumber;=2 وكذلك الدكتور حاتم العوني حفظه الله: http://www.islamtoday.net/fatawa/quesshow-60-10580.htm وقال الشيخ حمود التويجري رحمه الله: " لم يجئ في خروجه – يعني السفياني - حديث صحيح يعتمد عليه " انتهى. " إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة " (1/63) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " حديث السفياني أخرجه الحاكم في مستدركه، وقال: حديث صحيح الإسناد، ولكن الحاكم - رحمه الله - معروف بالتساهل بالتصحيح " انتهى. " مجموع فتاوى ابن عثيمين " (2/62) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136772 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 103 ما هو الحديث القدسي، وكيف كان يتلقاه النبي صلى الله عليه وسلم؟ [السُّؤَالُ] ـ[كيف كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتلقي الحديث القدسي؛ عن طريق جبريل أو عن أي طريق؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحديث القدسي وحي من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى. وقد اختلف الناس في الحديث القدسي: هل لفظه ومعناه من الله تعالى، أم إن معناه من الله ولفظه من رسوله صلى الله عليه وسلم: فاختار بعضهم أن الحديث القدسي، لفظه ومعناه، موحى من الله تعالى. قال الزرقاني رحمه الله: " الحديث القدسي الذي قاله الرسول حاكيا عن الله تعالى: فهو كلام الله تعالى أيضا، غير أنه ليست فيه خصائص القرآن التي امتاز بها عن كل ما سواه. ولله تعالى حكمة في أن يجعل من كلامه المنزل معجزا وغير معجز، لمثل ما سبق في حكمة التقسيم الآنف من إقامة حجة للرسول ولدين الحق بكلام الله المعجز، ومن التخفيف على الأمة بغير المعجز؛ لأنه تصح روايته بالمعنى وقراءة الجنب وحمله له ومسه إياه إلى غير ذلك. وصفوة القول في هذا المقام: أن القرآن أوحيت ألفاظه من الله اتفاقا، وأن الحديث القدسي أوحيت ألفاظه من الله على المشهور، والحديث النبوي أوحيت معانيه ـ في غير ما اجتهد فيه الرسول ـ والألفاظ من الرسول. بيد أن القرآن له خصائصه: من الإعجاز، والتعبد به، ووجوب المحافظة على أدائه، بلفظه ونحو ذلك، وليس للحديث القدسي والنبوي شيء من هذه الخصائص. والحكمة في هذا التفريق أن الإعجاز منوط بألفاظ القرآن، فلو أبيح أداؤه بالمعنى لذهب إعجازه وكان مظنة للتغيير والتبديل واختلاف الناس في أصل التشريع والتنزيل. أما الحديث القدسي والحديث النبوي فليست ألفاظهما مناط إعجاز , ولهذا أباح الله روايتهما بالمعنى، ولم يمنحهما تلك الخصائص والقداسة الممتازة التي منحها القرآن الكريم , تخفيفا على الأمة , ورعاية لمصالح الخلق في الحالين من منح ومنع , إن الله بالناس لرءوف رحيم " انتهى. "مناهل العرفان" (1/37-38) . واختار بعض أهل العلم القول الثاني، وذهب إلى أن الحديث القدسي موحى من الله تعالى بمعناه، دون لفظه: قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: وقد اختلفَ العلماءُ رحمهم الله في لَفْظِ الحديثِ القُدْسيِّ: هل هو مِن كلامِ الله تعالى أو أنّ الله تعالى أَوْحَى إلى رسولِه صلى الله عليه وسلم مَعْنَاه؛ واللفظُ لَفْظُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؟ على قولينِ: القول الأول: إنّ الحديثَ القُدْسيَّ مِن عند الله لَفْظُهُ ومعناهُ، لأنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أضافهُ إلى الله تعالى، ومِن المعلومِ أنّ الأصلَ في القولِ المضافِ أنْ يكونَ بِلَفْظِ قائِله لا ناقلِه، لا سيَّمَا أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أقوى الناسِ أمانةً وأوثقهم روايةً. القول الثاني: إنّ الحديث َ القُدْسِيَّ معناه مِن عند الله، ولفظهُ لفْظُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الراجح. ثم لو قيلَ: إنّ الأَوْلَى تركُ الخوضِ في هذا، خوفًا مِن أنْ يكونَ مِن التنَطُّعِ الهالكِ فاعلُهُ، والاقتصارُ على القول: بأنّ الحديثَ القُدْسِيَّ ما رواه النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن رَبِّهِ وكفى، لكانَ كافيًا، ولعلّه أَسْلَمُ والله أعلمُ " انتهى مختصرا. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (9/59-62) . ومع أن الخلاف في المسألة سائغ ومشهور بين أهل العلم، فالقول الأول، وهو أن الحديث القدسي موحى بلفظه ومعناه، أظهر وأولى. قال الشيخ عبد العزيز الراجحي حفظه الله " الحديث القدسي كلام الله لفظاً ومعنًى، ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه، أنه قال: قال الله تعالى قال في حديث أبي ذر: " قال الله تعالى: إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً، فلا تظَّالموا " رواه مسلم. وهو كلام الله لفظاً ومعنًى، لكن يختلف عن القرآن: القرآن كلام الله لفظاً ومعنًى، والأحاديث القدسية كلام الله لفظه ومعناه. لكن له أحكام خاصة تختلف عن أحكام القرآن: القرآن لا يمسه إلا متوضئ والأحاديث القدسية يمسها غير المتوضئ، القرآن يُتَعَبَّدُ بتلاوته والحديث القدسي لا يُتَعَبَد بتلاوته، فله أحكام تختلف ... ولو كانت الأحاديث القدسية معناها من الله ولفظها من الرسول لما صار هناك فرق بين الأحاديث القدسية وغيرها، ولما أضاف النبي صلى الله عليه وسلم هذا إلى ربه، قال: قال الله، عن ربه أنه قال، فنسبه إلى الله، أضافه إلى الله، قال: " قال الله: إني حرمت الظلم على نفسي " انتهى. http://www.islamway.com/?iw_s=Fatawa&iw;_a=view&fatwa;_id=14910 - وأيا ما كان الراجح من القولين، فالقولين يتفقان على أن الحديث القدسي وحي من الله تعالى، ولذلك ينسب إليه، فيقال: قال الله تعالى، أو قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن رب العزة ... وإذا كان وحيا من الله تعالى، فإن الوحي به يكون بنفس طرق الوحي الذي ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم. قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) الشورى/51. قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: " هذه مقامات الوحي بالنسبة إلى جناب الله عز وجل، وهو أنه تعالى تارة يقذف في روع النبي صلى الله عليه وسلم شيئا لا يتمارى فيه أنه من الله عز وجل، كما جاء في صحيح ابن حبان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن رُوح القُدُس نفث في رُوعي: أن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب". وقوله: {أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} : كما كلم موسى عليه السلام، فإنه سأل الرؤية بعد التكليم، فحجب عنها. وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجابر بن عبد الله: "ما كلم الله أحدا إلا من وراء حجاب، وإنه كلم أباك كفاحا " الحديث، وكان أبوه قد قتل يوم أحد، ولكن هذا في عالم البرزخ، والآية إنما هي في الدار الدنيا. وقوله: {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} كما ينزل جبريل عليه السلام، وغيره من الملائكة، على الأنبياء عليهم السلام " انتهى. "تفسير ابن كثير" (7/217) . وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله عند شرحه لحديث: (إن الله قد كتب الحسنات والسيئات) : " قَوْله: (فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ) : هَذَا مِنْ الْأَحَادِيث الْإِلَهِيَّةِ , ثُمَّ هُوَ مُحْتَمِلٌ أَنْ يَكُونَ مِمَّا تَلَقَّاهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَبِّهِ بِلَا وَاسِطَةٍ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون مِمَّا تَلَقَّاهُ بِوَاسِطَةِ الْمَلَك وَهُوَ الرَّاجِحُ " انتهى. "فتح الباري" (11/323) . ومن طرق تبليغ الرسالة إلى الرسل الكرام، وإنزال الوحي عليهم: الرؤيا المنامية، وهي داخلة في الوحي المذكور في قوله تعالى: (إلا وحيا) . قالت أم المؤمنين عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: (كَانَ أَوَّلَ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فِي النَّوْمِ فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ) . رواه البخاري (4954) ومسلم (160) . والله تعالى أعلم. وللاستزادة: يراجع السؤال رقم: (121290) [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136658 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 104 تفسير حديث يقتتل عند كنزكم هذا ثلاثة كلهم ابن خليفة [السُّؤَالُ] ـ[ما هو فهمكم وتفسيركم للحديث التالي حول المهدي، والوارد في موقع الدرر السنية - الموسوعة الحديثية: (يقتتل عند كنزكم هذا ثلاثة، كلهم ابن خليفة، ثم لا يصل إلى واحد منهم، ثم تقبل الرايات السود من قبل المشرق، فيقتلونكم قتلا لم يقتله قوم - ثم ذكر شيئا - فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبوا على الثلج، فإنه خليفة الله المهدي) الراوي: ثوبان مولى رسول الله المحدث: البزار - المصدر: البحر الزخار - الصفحة أو الرقم: 10/100. خلاصة الدرجة: إسناده صحيح. أرجو توضيح: ما هو الكنز؟ من هم الثلاثة؟ من هو الخليفة؟ هل زمن حدوث ذلك قريب أم بعيد؟ من هم أصحاب الرايات السود؟ هل هم مجوس الفرس في إيران؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الإيمان بخروج المهديّ من عقيدة أهل السنّة والجماعة، وقد تواترت الأحاديث تواترا معنويّاً بذلك؛ ولذلك أورد العلامة الكتاني رحمه في ضمن ما جمعه من الأحاديث المتواترة، ونقل الحكم بتواتره عن غير واحد من أهل العلم، كأبي الحسين الآبري، صاحب كتاب مناقب الشافعي، والحافظ السخاوي، وغيرهما. ينظر: "نظم المتناثر من الحديث المتواتر" (236-240) . وفي فتاوى اللجنة الدائمة (3 / 141) : (الأحاديث التي دلّت على خروج المهدي كثيرة، وردت من طرق متعدّدة، ورواها عدد من أئمّة الحديث، وذكر جماعة من أهل العلم أنّها متواترة معنويًّا منهم: أبو الحسين الآبريّ من علماء المائة الرّابعة، والعلامة السّفارينيّ في كتابه [لوامع الأنوار البهية] ، والعلامة الشّوكانيّ في رسالة سمّاها [التوضيح في تواتر أحاديث المهديّ والدّجّال والمسيح] ) . وليس المقصود من هذا المهديّ ما يزعمه الرافضة: أنّه موجود الآن، وينتظرون خروجه من سرداب سامراء؛ إذ ذاك نوع من الهذيان، وهوس شديد من الشّيطان؛ حيث لا دليل عليه من كتاب ولا سنّة ولا معقول صحيح. ثانيا: جاء هذا الحديث من رواية الصحابي الجليل ثوبان رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يَقْتَتِلُ عِنْدَ كَنْزِكُمْ ثَلَاثَةٌ، كُلُّهُمْ ابْنُ خَلِيفَةٍ، ثُمَّ لَا يَصِيرُ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ، ثُمَّ تَطْلُعُ الرَّايَاتُ السُّودُ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ فَيَقْتُلُونَكُمْ قَتْلًا لَمْ يُقْتَلْهُ قَوْمٌ - ثُمَّ ذَكَرَ شَيْئًا لَا أَحْفَظُهُ - فَقَالَ: فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَبَايِعُوهُ وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الثَّلْجِ، فَإِنَّهُ خَلِيفَةُ اللَّهِ الْمَهْدِيُّ) رواه ابن ماجه في " السنن " (رقم/4084) ، والبزار في " المسند " (2/120) ، والروياني (رقم/619) ، والحاكم في " المستدرك " (4/510) ، ومن طريقه البيهقي في " دلائل النبوة " (6/515) رووه من طريق سفيان الثوري، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان به مرفوعا. ورواه الحاكم والبيهقي أيضا – بعد الرواية السابقة - من طريق عبد الوهاب بن عطاء، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان، به موقوفا من كلام ثوبان. وقد اختلف أهل العلم في الحكم على هذا الحديث، على قولين: القول الأول: تصحيح الحديث. قال البزار رحمه الله: " وهذا الحديث قد روى نحو كلامه من غير هذا الوجه بهذا اللفظ، وهذا اللفظ لا نعلمه إلا في هذا الحديث، وإن كان قد روي أكثر معنى هذا الحديث، فإنا اخترنا هذا الحديث لصحته، وجلالة ثوبان، وإسناده إسناد صحيح " انتهى. وقال الحاكم رحمه الله: " هذا حديث صحيح على شرط الشيخين " انتهى. ولم يتعقبه الذهبي في تلخيصه. وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله: " وهذا إسناد قوي صحيح " انتهى. " النهاية في الفتن والملاحم " (ص/17) ، وقد اختلف حكم ابن كثير على الحديث، فرجح في " البداية والنهاية " وقفه كما سيأتي. وصححه القرطبي في " التذكرة " (ص/1201) ، والبوصيري في " مصباح الزجاجة " (3/263) ، وصححه الشيخ حمود التويجري رحمه الله في كتابه " إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة " (2/187) القول الثاني: تضعيف الحديث. قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: " حدثني أبي قال: قيل لابن علية في هذا الحديث؟ فقال: كان خالد يرويه فلم يُلتَفَت إليه، ضعَّفَ ابنُ علية أمره، يعني: حديث خالد، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرايات " انتهى. " العلل " (2/325) وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله: " رواه بعضهم عن ثوبان فوقفه، وهو أشبه، والله أعلم. " انتهى. " البداية والنهاية " (10/55) وقال الذهبي رحمه الله: " أحمد في مسنده، حدثنا وكيع، عن شريك، عن علي بن زيد، عن أبي قلابة، عن ثوبان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم السود قد أقبلت من خراسان فأتوها ولو حبوا على الثلج، فإن فيها خليفة المهدي) قلت – أي: الذهبي -: أراه منكرا، وقد رواه الثوري، وعبد العزيز بن المختار، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، فقال: عن أسماء، عن ثوبان " انتهى. " ميزان الاعتدال " (3/128) . كما أعله الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله في " تفسير المنار " (9/419-421) . وقال الشيخ الألباني رحمه الله: " منكر ... وقد ذهل من صححه عن علته، وهي عنعنة أبي قلابة، فإنه من المدلسين كما تقدم نقْلُه عن الذهبي وغيره، ولعله لذلك ضعف الحديث ابنُ علية من طريق خالد، كما حكاه عنه أحمد في " العلل " (1 / 356) وأقره، لكن الحديث صحيح المعنى، دون قوله: فإن فيها خليفة الله المهدي " انتهى باختصار. " السلسلة الضعيفة " (رقم/85) ثالثا: وقع الخلاف أيضا في تفسير المراد بالكنز في هذا الحديث، فمِن قائل إنه كنز الكعبة، ومِن قائل إنه الكنز الذي يحسر نهر الفرات عنه كما أخبرت عنه الأحاديث الصحيحة. قال الشيخ حمود التويجري رحمه الله: " قال ابن كثير في " النهاية ": " والظاهر أن المراد بالكنز المذكور في هذا السياق كنز الكعبة " قلت – أي الشيخ التويجري -: وفي هذا نظر؛ لما تقدم في باب النهي عن تهييج الترك والحبشة عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اتركوا الحبشة ما تركوكم؛ فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبشة) رواه أبو داود، والحاكم، وقال: " صحيح الإسناد "، ووافقه الذهبي في " تلخيصه. وقد رواه الإمام أحمد من حديث أبي أمامة بن سهل بن حنيف. وإسناده جيد. والأقرب في الكنز المذكور في حديث ثوبان رضي الله عنه: أنه الكنز الذي يحسر عنه الفرات، وقد يكون غيره. والله أعلم " انتهى. " إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة " (2/187) . وهذا القول الثاني في تفسير الكنز، قد ذكره الحافظ ابن حجر رحمه الله احتمالا، فقال: " فهذا إن كان المراد بالكنز فيه الكنز الذي في حديث الباب ـ يعني الحديث الذي ذكر انحسار الفرات عن جبل من ذهب ـ، دل على أنه إنما يقع عند ظهور المهدي، وذلك قبل نزول عيسى وقبل خروج النار جزما ". فتح الباري (13/81) . رابعا: لم نقف على من نصّ على المقصود من الثلاثة والخليفة في الحديث كما أنه لم يرد في شيء من الأحاديث الصحيحة النص على زمان خروج المهدي. لكنّ النّصوص تدلّ على عودة الخلافة الإسلاميّة قبل قيام الساعة، كقوله – صلّى الله عليه وسلّم -: " يَا ابْنَ حَوَالَةَ إِذَا رَأَيْتَ الْخِلَافَةَ قَدْ نَزَلَتْ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ، فَقَدْ دَنَتْ الزَّلَازِلُ وَالْبَلَايَا وَالْأُمُورُ الْعِظَامُ، وَالسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ إِلَى النَّاسِ مِنْ يَدَيَّ هَذِهِ مِنْ رَأْسِكَ ". أخرجه أبو داود من حديث عبد الله بن حوالة الأزديّ - رضي الله عنه - برقم (2535) ، وأحمد في المسند (5/288) ، والحاكم في المستدرك (4/471) ، وصحّحه، ووافقه الذّهبيّ، وصحّحه الألبانيّ في صحيح سنن أبي داود برقم (2535 ( ولعلّه أن يكون أحد هؤلاء الخلفاء الذين يظهرون في وقتهم المهديّ. ينظر: المهديّ وفقه أشراط السّاعة للدكتور محمّد إسماعيل المقدّم (ص728) وما بعدها. وينظر أيضا: فتاوى اللجنة الدائمة (3/140) في الفتوى رقم (1615) . وجواب السؤال رقم (3259 (. خامسا: أصحاب الرايات السود ليسوا هم مجوس الفرس في إيران، بل الذي يدل عليه ظاهر الحديث أنهم أناس من أهل المشرق ينصرون المهديّ، ويقيمون سلطانه، ويشدّون أركانه، وتكون راياتهم سوداء. وهذا كله إذا قدر أن الحديث في ذكرهم ثابت محفوظ. قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: " وهذه الرايات السود ليست هي التي أقبل بها أبو مسلم الخراساني فاستلب بها دولة بني أمية في سنة اثنتين وثلاثين ومائة، بل رايات سود أخر تأتي بصحبة المهدي، وهو محمد بن عبد الله العلوي الفاطمي الحسني رضي الله عنه، يصلحه الله في ليلة؛ أي: يتوب عليه ويوفقه ويفهمه ويرشده، بعد أن لم يكن كذلك، ويؤيده بناس من أهل المشرق ينصرونه ويقيمون سلطانه ويشدون أركانه، وتكون راياتهم سوداء أيضاً ". انتهى. النّهاية في الفتن والملاحم (1/49) ، وكتاب الفتن للمروزيّ (1/310) ، إتحاف الجماعة، للشيخ حمود التويجري (1/286) وما بعدها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136537 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 105 حديث بروا نساءكم لا أصل له [السُّؤَالُ] ـ[ما هو صحة حديث: (بروا نساءكم، فإن بني إسرائيل لم يبروا نساءهم فزنت نساؤهم) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس لهذا الحديث أصل في كتب السنة ـ فيما نعلم ـ، كما لم نقف على حديث قريب من معناه، فلا تجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويجب الحذر من ذكره في المنتديات والمواقع، والواجب علينا تطهير المواقع من مثل هذه الأحاديث المكذوبة. ويغني عنه الأحاديث الصحيحة الكثيرة التي جاءت بالأمر بالإحسان إلى النساء والزوجات ومعاشرتهن بالمعروف، منها: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا) رواه البخاري (3331) ومسلم (1468) . وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي) رواه الترمذي (3895) وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1174) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136197 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 106 حديث مكذوب في فضل سجدة الشكر [السُّؤَالُ] ـ[فضل سجدة الشكر: (إن العبد إذا صلى ثم سجد سجدة الشكر فتح الرب تعالى الحجاب بين العبد وبين الملائكة، فيقول: يا ملائكتي! انظروا إلى عبدي، أدى فريضتي، وأتم عهدي ثم سجد لي شكرا على ما أنعمت به عليه، يا ملائكتي ماذا له؟ فتقول الملائكة: يا ربنا رحمتك. ثم يقول الرب تعالى: ثم ماذا له؟ فتقول الملائكة: يا ربنا جنتك. فيقول الرب تعالى: ثم ماذا؟ فتقول الملائكة: يا ربنا كفاه ما همه. فيقول الله سبحانه وتعالى: ثم ماذا؟ فلا يبقى شيء من الخير إلا قالته الملائكة. فيقول الله تعالى: يا ملائكتي ثم ماذا؟ فتقول الملائكة: يا ربنا لا علم لنا. فيقول الله تعالى: لأشكرنه كما شكرني، وأقبل إليه بفضلي وأريه رحمتي) . أفتوني بارك الله فيكم: ما صحته؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سجود الشكر مستحب، وهو سجدة واحدة يسجدها المسلم عند حدوث نعمة أو اندفاع نقمة، واستحبابها ثبت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وفعل أصحابه الكرام رضي الله عنهم. فعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَنَّهُ كَانَ إِذَا جَاءَهُ أَمْرُ سُرُورٍ أَوْ بُشِّرَ بِهِ خَرَّ سَاجِدًا شَاكِرًا لِلَّهِ) رواه أبو داود (2774) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ". وقد سجد كعب بن مالك رضي الله عنه حين جاءه خبر توبة الله عليه. رواه البخاري (4418) ومسلم (2769) . وسجد أبو بكر رضي الله عنه شكرا حين جاءه خبر قتل مسيلمة الكذاب. وسجد علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين رأى ذا الثدية بين قتلى الخوارج. انظر: "مصنف ابن أبي شيبة" (2/366-368) . وأما الحديث الوارد في السؤال فلم يروه أحد من علماء الحديث الثقات، ولم يذكره أحد في كتب السنة والآثار، وإنما تذكره بعض كتب الشيعة المليئة بالأحاديث المكذوبة، ككتاب " من لا يحضره الفقيه " (1/333، حديث رقم/979، باب سجدة الشكر والقول فيها، وكتاب " تهذيب الأحكام " للطوسي (2/110) ، وإنما يسندانه إلى جعفر الصادق، وليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، كما أن في إسناده محمد بن أبي عمير، جاء في ترجمته في " لسان الميزان " (5/221) " محمد بن أبي عمير، عن أبيه: حدَّث عنه ابن جريج: مجهول. انتهى. وفي إسناده أيضا كل من حريز بن أبي حريز، ومرازم بن حكيم، ولم يذكر أحد من أهل العلم فيهما توثيقاً، وانظر ترجمتهما في "لسان الميزان" (2/181، 186) . فالحاصل: أنه لا تجوز نسبة هذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويجب الحذر من نشره بين الناس. وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم: (5110) ، (21888) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 135901 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 107 من الأحاديث الصحيحة الواردة في ذم الأسواق [السُّؤَالُ] ـ[أرجو إرسال الحديث الخاص بالسوق، وهل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالابتعاد عن الأسواق؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأحاديث والآثار الصحيحة الواردة في ذم الأسواق ثابتة في كتب السنة الصحيحة، ومن ذلك: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا، وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا) رواه مسلم (671) ، وتروى في مناسبة هذا الحديث قصة طويلة، لكنها موضوعة لا تصح، انظر "السلسلة الضعيفة" (6500) . قال النووي رحمه الله: "لأنها محل الغش، والخداع، والربا، والأيمان الكاذبة، وإخلاف الوعد، والإعراض عن ذكر الله، وغير ذلك مما في معناه، والمساجد محل نزول الرحمة، والأسواق ضدها" انتهى باختصار. "شرح مسلم" (5/171) . وقال سلمان الفارسي رضي الله عنه: (لَا تَكُونَنَّ إِنْ اسْتَطَعْتَ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ السُّوقَ، وَلَا آخِرَ مَنْ يَخْرُجُ مِنْهَا، فَإِنَّهَا مَعْرَكَةُ الشَّيْطَانِ، وَبِهَا يَنْصِبُ رَايَتَهُ) رواه مسلم (2451) . وقال ميثمٌ - رجلٌ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم -: (بَلَغَنِي أَنَّ المَلَكَ يَغْدُو بِرَايَتِهِ مَعَ أَوَّلِ مَنْ يَغْدُو إِلى المَسْجِدِ، فَلاَ يَزَالُ بِهَا مَعَهُ حَتَّى يَرْجِعَ، فَيَدْخُلَ بِهَا مَنْزِلَهُ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَيَغْدُو بِرَايَتِهِ مَعَ أَوَّلِ مَنْ يَغْدُو إِلى السُّوقِ) رواه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (5/183) وقال ابن حجر: "موقوف صحيح السند" انتهى. "الإصابة" (3/496) ، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب". قال ابن بطال رحمه الله: "هذا إنما خرج على الأغلب؛ لأن المساجد يذكر فيه اسم الله تعالى، والأسواق قد غلب عليها اللغط واللهو والاشتغال بجمع المال، والكَلَب على الدنيا من الوجه المباح وغيره، وأما إذا ذُكر الله في السوق فهو من أفضل الأعمال" انتهى. "شرح صحيح البخاري" (6/249) . وقال القرطبي رحمه الله: "في هذه الأحاديث ما يدل على كراهة دخول الأسواق، لا سيما في هذه الأزمان التي يخالط فيها الرجال النسوان، وهكذا قال علماؤنا، لما كثر الباطل في الأسواق وظهرت فيها المناكر: كره دخولها لأرباب الفضل والمقتدى بهم في الدين، تنزيها لهم عن البقاع التي يعصى الله فيها، فحق على من ابتلاه الله بالسوق أن يخطر بباله أنه قد دخل محل الشيطان ومحل جنوده، وأنه إن أقام هناك هلك، ومن كانت هذه حاله اقتصر منه على قدر ضرورته، وتحرز من سوء عاقبته وبليته" انتهى. "الجامع لأحكام القرآن" (13/16) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 135771 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 108 أحاديث مكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم [السُّؤَالُ] ـ[هل ما يلي صحيح؟ قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) 1. أربع تمرض البدن "كثرة الكلام وكثرة النوم وكثرة الطعام وكثرة الاجتماع بالناس" 2. أربع تفني الجسد "الهم والحزن والجوع والسهر" 3. أربع تشحب الوجه وتزيل البشر منه "الكذب والأذى والفتوى دون علم وكثرة الغلط" 4. أربع تزيد نضرة الوجه وسعادته "المروءة والوفاء والكرم والتقوى. 5. أربع تمنع الرزق "نوم الصبح وقلة الصبح والكسل والخيانة. 6. أربع تزيد الرزق "قيام الليل وكثرة الاستغفار بالأسحار وتعاهد الصدقة والذكر أول النهار وآخره.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الواجب على كل مسلم أن يتحرى فيما يقوله أو يكتبه، قبل أن ينسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، حتى لا يقع في الكذب عليه، ونسبة ما لم يقله إليه؛ وليس كل كلام صواب وحق، أو معنى جميل، ولفظ رائق: يجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بمجرد ذلك. فعَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انه قال: (مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ) رواه مسلم في مقدمة الصحيح (1/7) . وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (َمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ) متفق عليه. قال النووي رحمه الله: " يَحْرُم رِوَايَة الْحَدِيث الْمَوْضُوع عَلَى مَنْ عَرَفَ كَوْنَهُ مَوْضُوعًا أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ وَضْعُهُ فَمَنْ رَوَى حَدِيثًا عَلِمَ أَوْ ظَنَّ وَضْعَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ حَالَ رِوَايَتِهِ وَضْعَهُ فَهُوَ دَاخِل فِي هَذَا الْوَعِيد , مُنْدَرِج فِي جُمْلَة الْكَاذِبِينَ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَيَدُلّ عَلَيْهِ أَيْضًا الْحَدِيث السَّابِق " مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ " انتهى. ثانياً: هذا الكلام المذكور في السؤال، سواء أكان حديثا واحدا أو عدة أحاديث، لم نجد له ـ بعد البحث ـ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصلا، لا بإسناد، ولا بغير إسناد، ولا ذكره، فيما نعلم، أحد ممن تكلم في الأخلاق والرقائق. وجملة: "أربع تمنع الرزق: نوم الصبح": وردت من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الصُّبْحَة تمنع بعض الرزق) . أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (9/251) ، وهو حديث ضعيف جداً. انظر: "السلسلة الضعيفة"، للشيخ لألباني، رحمه الله (3019) . وورد بلفظ: (لا تناموا عن طلب أرزاقكم فيما بين صلاة الفجر إلى طلوع الشمس) . وهو ضعيف جدا أيضا، انظر: "الضعيفة" (6991) وجملة "أربع تزيد الرزق" وذكر منها تعاهد الصدقة: روى نحوا منها الديلمي في "مسند الفردوس" (1/47) بلفظ: (استعينوا على الرزق بالصدقة) ، وهو حديث ضعيف. راجع: "ضعيف الجامع" (818) ، للشيخ الألباني. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 135763 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 109 هل صح حديث: (لقد جئتكم بالذبح) ، وما توجيه معناه؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكن من فضلك أن تعلق لي على هذا الحديث وعلى إسناده؟ هل قال الرسول صلى الله عليه وسلم لقريش إنه جاءهم ليذبحهم؟ وكيف لنا أن نفهم هذا الحديث؟ وما هو معنى الحديث؟ أرجو منكم أن تشرحوا لأنني أجد الحديث محيراً جداً بالنسبة إلي. ونص الحديث يقول: (لقد جئتكم بالذبح) وقد ترجم الحديث من قبل الشيخ: عبد السلام الشامي: قال يعقوب، حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، قال: وحدثني يحيى بن عروة بن الزبير، عن أبيه عروة، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قلت له: ما أكثر ما رأيت قريشاً أصابت من رسول الله فيما كانت تظهر من عداوته؟ قال حضرتهم وقد اجتمع أشرافهم يوما في الحجر، فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من هذا الرجل قط، سفَّه أحلامنا، وشتم آباءنا، وعاب ديننا، وفرق جماعتنا، وسب آلهتنا، لقد صرنا منه على أمر عظيم، أو كما قالوا. قال: فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل يمشي حتى استلم الركن، ثم مر بهم طائفاً بالبيت، فلما أن مر بهم غمزوه ببعض ما يقول، قال: فعرفت ذلك في وجهه، ثم مضى، فلما مر بهم الثانية غمزوه بمثلها، فعرفت ذلك في وجهه، ثم مضى، ثم مر بهم الثالثة، فغمزوه بمثلها، فقال: تسمعون يا معشر قريش، أما والذي نفس محمد بيده لقد جئتكم بالذبح؛ فأخذت القوم كلمته حتى ما فيهم رجل إلا كأن على رأسه طائر واقع، حتى إن أشدهم فيه وطأة قبل ذلك ليرفؤه بأحسن ما يجد من القول؛ حتى إنه ليقول: انصرف يا أبا القاسم، فوالله ما كنت جهولاً. فانصرف صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كان الغد اجتمعوا في الحجر وأنا معهم، فقال بعضهم لبعض: ذكرتم ما بلغ منكم، وما بلغكم عنه، حتى إذا بادأكم بما تكرهون تركتموه، فبينما هم في ذلك إذ طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوثبوا إليه وثبة رجل واحد فأحاطوا به يقولون له: أنت الذي تقول كذا وكذا - لِما كان يبلغهم عنه من عيب آلهتهم ودينهم – قال: فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم أنا الذي أقول ذلك. قال: فلقد رأيت رجلاً منهم أخذ بمجمع ردائه. قال: وقام أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه دونه يقول - وهو يبكي -: أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله. ثم انصرفوا عنه، فإن ذلك لأشد ما رأيت قريشاً بلغت منه قط. رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث رواه أحمد في " المسند " (11/609) طبعة مؤسسة الرسالة من رواية الصحابي عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، وحسنه المحققون، والشيخ أحمد شاكر في تحقيق المسند أيضا، وحسنه الهيثمي في " مجمع الزوائد " (6/19) ، وكذا الشيخ الألباني في " صحيح الموارد " (1403) . وجاء في رواية الإمام البخاري (3678) لأصل القصة أن عروة بن الزبير رحمه الله قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو عَنْ أَشَدِّ مَا صَنَعَ الْمُشْرِكُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: رَأَيْتُ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي فَوَضَعَ رِدَاءَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ بِهِ خَنْقًا شَدِيدًا. فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَفَعَهُ عَنْهُ فَقَالَ: (أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ) . وروي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لهم: (أما والله لا تنتهوا حتى يحل بكم عقابه عاجلاً. – وبعد ذلك قال لأصحابه صلى الله عليه وسلم -: أبشروا فإن الله عز وجل مظهر دينه، ومتم كلمته، وناصر نبيه، إن هؤلاء الذين ترون ممن يذبح الله بأيديكم عاجلاً) . عزاه الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (7/168) للزبير بن بكار، والدارقطني في " الأفراد " وأشار إلى ضعف هذه الرواية. وانظر "فتح الباري" (7/166-170) للوقوف على روايات الحديث. وهذا اللفظ: (جئتكم بالذبح) له معنى صحيح بلا شك، ولا ينبغي أن يثير الحيرة في نفس السائل ولا في نفس أي عاقل، فالمقصود بالذبح هم أشخاص معينون محدودون، وهم أولئك الذين يصرون على الكفر بالله، وعلى حرب الإسلام وأهله، واضطهاد المستضعفين، والتسلط على النساء والشيوخ من المؤمنين، لفتنتهم عن دينهم، وفرض مبادئهم وأفكارهم بالدم والتعذيب والتنكيل، هؤلاء هم الذين قتلوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شر تقتيل، طعنوا سمية زوجة ياسر في عفتها، وقتلوا ياسر في شيخوخته، وعذبوا بلالاً بالرمضاء، وهموا بقتل خير الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يتركوا أسلوباً من أساليب التعذيب والظلم إلا مارسوه على هذه الفئة المؤمنة، حتى اضطروهم إلى الهجرة إلى الحبشة، مكفكفين جراحهم، ومتحملين آلامهم، لعلهم يجدون لدى ملك الحبشة طعم الراحة والأمان. هذا بعض ما فعلته هذه الفئة من مجرمي كفار قريش مع المؤمنين، أما عن تطاولهم على رب العباد فذلك شأن آخر، حكاه الله عنهم في عشرات الآيات في القرآن الكريم. ألا يستحق هؤلاء – بعدئذ - القتل دفعا لشرهم، وتخليصا للعباد من آذاهم. أليس من الحكمة والعقل مجابهتهم – في بعض الأحيان – بالقوة والتهديد والوعيد، وذلك حين يطفح الكيل من مكرهم وظلمهم؟ لماذا يحتار العاقل في قبول تهديد النبي صلى الله عليه وسلم لهم بالعقوبة العاجلة من الله عز وجل، وهم أجدر بها، وأحق بها من قوم عاد وثمود وسائر الأنبياء الذين عرفنا عدوانهم على الأنبياء والمؤمنين في القرآن الكريم؟! ألهذا الحد ينسى العاقل ما فعله هؤلاء المجرمون بالمؤمنين المستعضفين، وينسى أيام العذاب والهوان التي ذاقوها مما يتقطع له قلب كل إنسان وهو يقرأ صفحاتها، ثم يتعاطف مع الجلادين – وهم صناديد كفار قريش – لأن النبي صلى الله عليه وسلم هددهم بالقتل والذبح مرة من المرات. أهكذا تقاس الأمور في موازين العقول؟! وإذا لبَّس الحاقدون على الناس، فاجتزؤوا هذه الكلمة من سياقها، وأرادوا أن يظهروا النبي صلى الله عليه وسلم سفاكاً للدماء، محباً للموت والقتل، فلا يجوز أن ينطلي ذلك على العقلاء من المسلمين ومن غير المسلمين، بل الواجب التعامل مع هذه الحادثة، وكذلك كل حادثة بمقياسين مهمين رئيسيين: 1- السياق الذي جاءت به، ونوع المخاطبين بها، والحادثة التي تفسرها وتبين المقصود منها. 2- النظر في جميع النصوص المتعلقة بالموضوع، والتي من خلالها يمكن الوصول إلى فهم نظرة الإسلام إلى المسألة، وليس من خلال نص واحد فقط. ومن لم يفعل ذلك ضلَّ وتاه، وباع عقله وفكره لكل ناعق بشبهة، ولكل من يحسن الوسوسة بالشر والفساد. ونقول أيضاً: كيف تُصَدَّقُ دعوى مَن يدَّعي أن الإسلام جاء بقتل من لم يتبعه مطلقاً، وقد علم الناس جميعاً علم اليقين أن النبي صلى الله عليه وسلم عفا عن أهل مكة بعد أذاهم الشديد له فجاءه ملك الجبال ليطبق عليهم الأخشبين (جبلان بمكة) ، فقال صلى الله عليه وسلم: (أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا) رواه البخاري (3231) ومسلم (1795) ، وعفا أيضاً صلى الله عليه وسلم عن كفار قريش الذين ظلموا المؤمنين وأكلوا أموالهم بعد فتح مكة، بل وأكرم بعض كبرائهم رجاء حسن إسلامهم، وذلك حين قال – يوم فتح مكة -: (مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ) رواه مسلم (331) ؟! كيف تُصدَّق هذه الدعوى وقد شرع الله تعالى لنا قبول الجزية من أهل الأديان الأخرى، والموافقة على بقائهم في حماية دولة الإسلام وكفالتها؟! كيف تُصدَّق هذه الدعوى وقد علمنا يقيناً كيف قبل النبي صلى الله عليه وسلم الصلح مع يهود المدينة، وتعايش معهم رجاء أن يحفظوا العهد ولا يخونوا، ولم يقاتل أحداً منهم حتى كانوا هم البادئين بالغدر والخيانة؟!! ألم يقل رب العزة شارحاً مقاصد البعثة والرسالة في كلمة واحدة عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) الأنبياء/107.؟!! بل قال عز وجل أيضاً: (فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) الأنعام/147. قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: "يقول تعالى: فإن كذّبك - يا محمد - مخالفوك من المشركين واليهود ومن شابههم، فقل: (رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ) ، وهذا ترغيب لهم في ابتغاء رحمة الله الواسعة واتباع رسوله، (وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) ترهيب لهم من مخالفتهم الرسول خاتم النبيين " انتهى. " تفسير القرآن العظيم " (3/357) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ! قَالَ: (إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً) رواه مسلم (2599) . نرجو أن يكون في هذه الكلمات ذكرى نافعة يزيل الله بها عن الأخ السائل حيرته في معنى هذا الحديث. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 135590 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 110 ليس هذا بحديث: الدنيا سوق ربح فيه قوم وخسر آخرون [السُّؤَالُ] ـ[انتشرت في بعض الرسائل البريدية نصائح عن استغلال الدنيا بالطاعات ويذكر فيها: (الدنيا سوق ربح فيها قوم، وخسر آخرون) ما صحة هذا الحديث؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس هذا بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ـ فيما نعلم ـ، وإنما هو حكمة من الحكم المأثورة، يَقصِد بها الواعظ تذكيرَ الناس بحقيقة الدنيا، وأنها مزرعة للآخرة، فالسعيدُ من يفهم حقيقتها ويجتهد فيها بما يكون به رابحاً لا خاسراً. روى ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (55/149) بسنده إلى سفيان بن عيينة رحمه الله قال: " دخل محمد بن كعب القرظي على عمر بن عبد العزيز يوم ولي، فقال: يا أمير المؤمنين! إنما الدنيا سوق من الأسواق، فمنها خرج الناس بما ربحوا منها لآخرتهم، وخرجوا منها بما يضرهم، فكم من قوم غرَّهم مثل الذي أصبحنا فيه حتى أتاهم الموت فاستوعبهم، وخرجوا من الدنيا مرملين [المُرْمِل هو من نفد زاده] ، لم يأخذوا من أمر الدنيا والآخرة، فاقتَسَم مالَهم من لم يحمدهم، وصاروا إلى من لم يعذرهم، فانظر الذي تحب أن يكون معك إذا قدمت فابتغ به البدل حيث يجوز البدل، ولا تذهبن إلى سلعة قد بارت على غيرك ترجو جوازها عنك. يا أمير المؤمنين! افتح الأبواب، وسهل الحُجَّاب، وانصر المظلوم " انتهى. وقال الشيخ عطية سالم رحمه الله: " وكنت قد سمعت من الشيخ – يعني محمد الأمين الشنقيطي - رحمة الله تعالى علينا وعليه يقول: إن العمر وزمن الحياة حجة على الإنسان، كالرسالة والنذارة سواء، وذكر قوله تعالى: (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ النَّذِيرُ) ، فجعل في الآية التعمير، وهو إشغال العمر موجباً للتذكر والتأمل، ومهلة للعمل، كما تخبر إنساناً بأمر ثم تمهله إلى أن يفعل ما أمر به، فهو أمكن في الحجة عليه. فكان القسم في العصر على الربح والخسران – يعني في سورة العصر (والعصر إن الإنسان لفي خسر) - أنسبَ ما يكون بينهما، إذ جعلت حياة الإنسان كسوق قائمة، والسلعة فيه العمل، والعامل هو الإنسان، كما قال تعالى: (هلْ أَدُلُّكمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) . وفي الحديث الصحيح عند مسلم: (سبحان الله تملأ الميزان - وفيه -: كل الناس يغدو، فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها) ، فإن كان يشغل عمره في الخير فقد ربح وأعتق نفسه، وإلاَّ فقد خسر وأهلكها. ويشير لذلك أيضاً قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الّجَنَّةَ) . فصح أن الدنيا سوق، والسلعة فيها عمل الإنسان، والمعاملة فيه مع الله تعالى " انتهى. " أضواء البيان " (8/445-446) . وما تجده في بعض مواقع الفرق المبتدعة من نقل هذا الكلام بعنوان: قال عليه السلام: (الدنيا سوق ربح فيه قوم، وخسر آخرون) فهم لا يقصدون بذلك النبي عليه الصلاة والسلام، وإنما يريدون بعض أئمة آل البيت، وهم يسوقونه كعادتهم من غير إسناد ولا توثيق، والواجب الحذر من كل ما ينقلونه، فمادة علومهم ومواقعهم هي الكذب والافتراء. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 135534 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 111 هل ثمة دعاء خاص يحفظ من موت الفجأة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يوجد دعاء يحفظك من موت الفجأة ? وما هو؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: موت الفجأة من أقدار الله التي يقضي بها في عباده، بأن يصيب الموتُ العبدَ مفاجأة من غير إمهال ولا إخطار، وإنما هجوما تنسل به الروح من غير معاناة سكرات الموت ومقدماته. وهو صورة من صور الموت التي وجدت قديما، وزاد انتشارها حديثا بسبب حوادث السير المعروفة اليوم، والعدوان على الشعوب والأفراد بآلات القتل الحديثة الفاتكة. وقد جاء في بعض الآثار والأحاديث أن انتشار موت الفجأة من علامات الساعة، حسَّن هذه الآثار الحافظ السخاوي في " المقاصد الحسنة " (ص/506) وقال: له طرق يقوي بعضها بعضا، والألباني في " السلسلة الصحيحة " (5/370) ، ويمكن الاطلاع عليها في كتاب: "إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة " (2/236) للشيخ حمود التويجري. ثانيا: ثم إن موت الفجأة يحتمل أن يكون خيرا، ويحتمل أن يكون شرا، وذلك بحسب اختلاف حال المتوفى، وما له عند الله عز وجل: 1- فإذا كان المتوفَّى من أهل الصلاح والخير، وله عند الله من الحسنات والأعمال الصالحة ما يُرجَى أن تكون نورا بين يديه يوم القيامة: فجميع صور الموت بالنسبة له من الخير، سواء موت الفجأة، أو بعد معاناة سكرات الموت: موت الفجأة رحمة وتخفيف وعفو من رب العباد، فلا يجد من ألم الموت وشدة سكراته ومعاناة مرضه شيئا يذكر، وإن وقع له ذلك ولم يكن موته فجأة كان تكفيرا لسيئاته، ورفعة لدرجاته عند الله، وذلك تصديق لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أمر المؤمن كله له خير، وأن موت المؤمن راحة له من نصب الدنيا وعذابها، إلى نعيم الآخرة. 2- أما إذا كان المتوفَّى من المقصرين أو الفسقة الظلمة أو الكفرة: فموت الفجأة بالنسبة له نقمة وغضب، إذ عوجل بالموت قبل التوبة، ولم يمهل كي يستدرك ما مضى من تفريطه وتقصيره، فأُخِذَ أخذةَ انتقام وغضب كما وصف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (مَوْتُ الْفَجْأَةِ أَخْذَةُ أَسَفٍ) رواه أبو داود (رقم/3110) . ولما كان الجزم بصلاح النفس أو تقصيرها من الأمور العسرة، وتتفاوت فيها القلوب، وتتنازعها أسباب الورع والخوف أو الثبات واليقين، وجدنا في الآثار عن السلف بعض الاختلاف في نظرتهم لموت الفجأة، فمَن غَلَّبَ جانب الخوف من الله، وظنَّ في نفسه التقصير: كان يستعيذ من موت الفجأة، ويرجو أن يكفر الله خطاياه بمعالجة سكرات الموت، ومَن غَلَّب جانب الرجاء، وسعة رحمة الله: رأى في موت الفجأة فرجا ورحمة وعفوا من الله عز وجل. فإذا قرأنا عن السلف كلاما عن موت الفجأة ظاهره التعارض، فهو في الحقيقة والباطن ليس اختلاف تعارض، وإنما اختلاف تنوع. عن عبد الله بن مسعود وعائشة رضي الله عنهما قالا: " أسف على الفاجر وراحة للمؤمن: يعني الفجأة " انتهى. " مصنف ابن أبي شيبة " (3/370) ، " السنن الكبرى " للبيهقي (3/379) . وعن تميم بن سلمة، قال: مات منا رجل بغتة، فقال رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أخذة غضب , فذكرته لإبراهيم - وقل ما كنا نذكر لإبراهيم حديثا إلا وجدنا عنده فيه - فقال: كانوا يكرهون أخذة كأخذة الأسف. " مصنف ابن أبي شيبة " (3/370) ثالثا: أما الأحاديث المرفوعة فلم يصح منها شيء سوى الحديث المذكور سابقا: (موت الفجأة أخذة أسف) ، مع أن بعض أهل العلم تكلم فيه، وأشار الحافظ ابن حجر رحمه الله إلى أنه روي مرفوعا وموقوفا، وذكر أنه الإمام البخاري رحمه الله أشار بترجمته إلى أنه في إسناده مقالا. ينظر: فتح الباري، للحافظ ابن حجر (3/254) . أما غيره من الأحاديث المتعلقة بموت الفجأة مدحا أو ذما، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ منها: فلم يصح منه شيء. ولذلك قال الفيروزأبادي رحمه الله: " ما ثبت فيه شيء " انتهى. " سفر السعادة " (ص/353) رابعاً: لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم دعاء خاص يحفظ من موت الفجأة، وما ينتشر في المنتديات عن ذلك الدعاء الذي يكتب لمن قاله أجر (360) حجة، ويحفظ من موت الفجأة وغير ذلك، إنما هو كذب موضوع لا أصل له في كتب السنة، وقد سبق أن بينا ذلك في جواب السؤال رقم: (126635) ، (127615) . والأولى أن يدعو الإنسان بما كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو به: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ) رواه مسلم (2739) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 135314 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 112 قراءة سورة يس في الصباح والمساء؟ [السُّؤَالُ] ـ[أود أن أسأل عن صحة حديث: (من قرأ " يس " إذا أصبح لم يزل في فرح حتى يمسي، ومن قرأها إذا أمسى لم يزل في فرح حتى يصبح) انتهى. وعن ما ورد عن مداومة الرسول صلى الله عليه وسلم على قراءتها فجراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الأثر المذكور في السؤال روي من قول التابعي الجليل يحيى بن أبي كثير رحمه الله أنه قال: (من قرأ " يس " إذا أصبح لم يزل في فرح حتى يمسي، ومن قرأها إذا أمسى لم يزل في فرح حتى يصبح. قال: وأنبأنا مَن جرَّبَ ذلك) رواه ابن الضريس في " فضائل القرآن " (رقم/218، ص/101) قال: أخبرنا عباس بن الوليد، ثنا عامر بن يساف، عن يحيى بن أبي كثير قال ... فذكره. ثم قال في (حديث رقم/220) : أخبرنا علي بن الحسن، ثنا عامر بن يساف، عن يحيى بن أبي كثير قال: من قرأ ... مثل حديث عباس. فمدار هذا الأثر على عامر بن يساف، وقد اختلف فيه أهل الجرح والتعديل، قال ابن عدي: منكر الحديث عن الثقات، ومع ضعفه يكتب حديثه. وقال أبو داود: ليس به بأس، رجل صالح. وقال العجلي: يكتب حديثه وفيه ضعف. وذكره بن حبان في الثقات. انظر " لسان الميزان " (3/224) ، وقال أبو حاتم: هو صالح. " الجرح والتعديل " (6/329) وجاء في "تعجيل المنفعة " (1/207) : واختلف فيه قول يحيى بن معين، فقال ابن البرقي عنه: ثقة. وقال عباس الدوري عنه: ليس بشيء. وانظر: " تهذيب التهذيب " (5/66) ورواية الدوري عن ابن معين أرجح من رواية ابن البرقي. فتحصل من كلام الأئمة أن تفرد عامر بن يساف غير مقبول لوجود المناكير في حديثه. ولذلك قال الذهبي: له مناكير. وقال الحافظ في " تقريب التهذيب ": لين الحديث. وبهذا يتبين ضعف روايته لهذا الأثر عن يحيى بن أبي كثير. على أنَّه، لو قدر صحته، فليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، بل ولا كلام أحد من أصحابه، وإنما هو من كلام يحيى، وهو من صغار التابعين، توفي سنة (132هـ) . قال الشيخ محمد عمرو عبد اللطيف رحمه الله: " العمدة في دين الله عز وجل: صحة النقل، وثبوت العرش، وهذا أثر منكر لا يصح " انتهى. " أحاديث ومرويات في الميزان " (ص/75) طبعة ملتقى أهل الحديث. كما لم نقف على حديث يدل على مداومة النبي صلى الله عليه وسلم على قراءة سورة " يس " فجراً، وقد سبق في موقعنا بيان أن جميع الأحاديث المروية في فضل هذه السورة ضعيفة، يمكن مراجعة ذلك في جواب السؤال رقم: (75894) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 135081 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 113 هل جاء في قول لا إله إلا الله عدد الحركات والسكون فضل خاص؟ [السُّؤَالُ] ـ[كثيرا ما رأيتها في المنتديات والإيميل تأتيني: قال رجل من السلف: لا إله إلا الله عدد ما كان , وعدد ما يكون , وعدد الحركات والسكون، وبعد مرور سنة كاملة قالها مرة أخرى، فقالت الملائكة: إننا لم ننتهِ من كتابة حسنات السنة الماضية.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يصح نسبة الأجر والفضل إلى هذا الدعاء، أو غيره من الأدعية والأذكار والعبادات، بغير دليل صحيح من الكتاب والسنة. والأثر المذكور في السؤال لم يرد في كتب أهل العلم، ولا رواه المحدثون في كتبهم المسندة، فلا يجوز نشره بين الناس ولا التحديث به إلا على وجه التحذير منه، والواجب على المسلمين الحذر من نشر الكذب على الدين، ومن تساهل في ذلك أصابه نصيب من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على من كذب عليه متعمداً. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله السؤال الآتي: ما صحة دعاء امرأة تقول: لا إله إلا الله عدد ما كان وما يكون، وعدد حركاته، وعدد خلقه من خلق آدم حتى يبعثون. فقال: أشبه ما يكون هذا الدعاء بالتنطع، ولو قالت: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، أو لا إله إلا الله عدد خلقه، لكفاها عن ذلك كله، وكان من ذكر النبي عليه الصلاة والسلام: (سبحان الله وبحمده عدد خلقه، سبحان الله وبحمده رضا نفسه، سبحان الله وبحمده زنة عرشه، سبحان الله وبحمده مداد كلماته) هذا من أجمع ما يكون من التسبيح، وأما هذه الأشياء التي يأتي بها بعض الناس يعجبه السجع الذي فيها والمعنى المبتكر! فإن العدول عنها إلى ما جاءت به السنة هو الخير " انتهى. " لقاءات الباب المفتوح " (لقاء رقم/63، سؤال رقم/14) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 135060 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 114 الكلام على حديث: (لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة) [السُّؤَالُ] ـ[ما صحة حديث: (ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) ، وهل هو انتقاص لقدرات المرأة القيادية في الإسلام؟ وهل كان هدهد سليمان يعيب على أهل سبأ أن امرأة كانت تملكهم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث من الأحاديث التي تلقتها الأمة بالقبول، ولم يتردد أحد من المحدثين والفقهاء والعلماء والشرَاح في قبول هذا الحديث، فلا يترك إجماع المسلمين عليه بكلام بعض المعاصرين: عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: (لَقَدْ نَفَعَنِي اللَّهُ بِكَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّامَ الْجَمَلِ بَعْدَ مَا كِدْتُ أَنْ أَلْحَقَ بِأَصْحَابِ الْجَمَلِ فَأُقَاتِلَ مَعَهُمْ. قَالَ: لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى قَالَ: لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً) رواه البخاري (4425) ، ورواه النسائي في " السنن " (8/227) وبوب عليه النسائي بقوله: "النهي عن استعمال النساء في الحكم " انتهى. وليس في هذا الحديث انتقاص لقدرات المرأة القيادية في الإسلام، ولكنه توجيه لقدراتها التوجيه الصحيح المناسب، حفاظاً عليها من الهدر والضياع في أمر لا يلائم طبيعة المرأة النفسية والبدنية والشخصية، ولا يتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية الأخرى، التي حفظت المرأة من الفساد والإفساد. وقد سئلت اللجنة الدائمة السؤال الآتي: هل يجوز لجماعة من المسلمات اللائي هن أكثر ثقافة من الرجال، أن يصبحن قادة للرجال؟ بالإضافة إلى عدم قيام المرأة بإمامة الناس في الصلاة، ما هي الموانع الأخرى من تولي المرأة للمناصب أو الزعامة، ولماذا؟ فأجابت: دلت السنة ومقاصد الشريعة والإجماع والواقع على أن المرأة لا تتولى منصب الإمارة ولا منصب القضاء؛ لعموم حديث أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه أن فارساً ولّوا أمرهم امرأة قال: (لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة) فإن كلا من كلمة (قوم) وكلمة (امرأة) نكرة وقعت في سياق النفي فَتَعُم، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما هو معروف في الأصول. وذلك أن الشأن في النساء نقص عقولهن، وضعف فكرهن، وقوة عاطفتهن، فتطغى على تفكيرهن؛ ولأن الشأن في الإمارة أن يتفقد متوليها أحوال الرعية، ويتولى شؤونها العامة اللازمة لإصلاحها، فيضطر إلى الأسفار في الولايات، والاختلاط بأفراد الأمة وجماعاتها، وإلى قيادة الجيش أحياناً في الجهاد، وإلى مواجهة الأعداء في إبرام عقود ومعاهدات، وإلى عقد بيعات مع أفراد الأمة وجماعاتها رجالاً ونساءً، في السلم والحرب، ونحو ذلك مما لا يتناسب مع أحوال المرأة، وما يتعلق بها من أحكام شرعت لحماية عرضها، والحفاظ عليها من التبذل الممقوت. ويشهد لذلك أيضا إجماع الأمة في عصر الخلفاء الراشدين وأئمة القرون الثلاثة المشهود لها بالخير إجماعاً عملياً على عدم إسناد الإمارة والقضاء إلى امرأة، وقد كان منهن المثقفات في علوم الدين اللائي يرجع إليهن في علوم القرآن والحديث والأحكام، بل لم تتطلع النساء في تلك القرون إلى تولي الإمارة وما يتصل بها من المناصب والزعامات العامة ". انتهى. " فتاوى اللجنة الدائمة " (17/13-17) الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ: عبد الرزاق عفيفي. الشيخ عبد الله بن غديان. وقد سبق الكلام في هذا الموضوع مفصلاً أيضاً، في موقعنا، في جواب السؤال رقم: (20677) ، (71338) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 135052 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 115 هل يسقط وجود جائع واحد في المسلمين حق الملكية الفردية؟ [السُّؤَالُ] ـ[ (أيما أهل عرصة - منطقة أو حي سكن - أصبح فيهم امرؤ جائعاً، فقد برئت منهم ذمة الله ورسوله) ثم هذا الحديث الخطير في مدلوله: (إذا بات المؤمن جائعاً فلا مال لأحد) ويعلق الدكتور علي البارودي على هذا الحديث في كتابه " دروس في الاشتراكية العربية " بقوله: " إنه ما دام في المجتمع جائع واحد أو عارٍ واحد فإن حق الملكية لأي فرد من أفراد هذا المجتمع لا يمكن أن يكون شرعياً، ولا يجب احترامه، ولا تجوز حمايته، ومعنى ذلك أن هذا الجائع يسقط شرعية حقوق الملكية إلى أن يشبع ". وقد حدث في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن أصاب بعض المسلمين عطش شديد، فمروا على بئر، ولكن أصحابه رفضوا أن يشربوا منه، فلما وفدوا على عمر بالأمر فقال: هلا وضعتم فيهم السلاح. ومشهور بيننا قول الصحابي أبو ذر الغفاري: عجبت لمسلم لا يجد قوت يومه ولا يخرج على الناس شاهرا سيفه!]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله حق الملكية الفردية من أركان قواعد الاقتصاد الإسلامي، امتاز به عن النظام الاشتراكي الذي خالف الفطرة والعقل والشرع حين ألغى هذا الحق، وامتاز به أيضاً عن النظام الرأسمالي حين أطلق العنان للحرية الفردية حتى أصبحت غولاً يأكل الأخضر واليابس. وقد حاول بعض الناس في القديم والحديث التنظير للاشتراكية من خلال نصوص الشريعة، والتأصيل لمبادئها من خلال بعض الأحاديث والآثار التي أساؤوا فهمها. والعلة التي أصابت هذا المنهج في التفكير فلبَّست عليه فهمَ حقيقة النظام الاقتصادي الإسلامي: هي إخراج النصوص عن سياقها وإطارها المقيد، ونقلها إلى الإطار العام والتقعيد المطلق المناقض لقواعد الاقتصاد الإسلامي. فمثلاً: الحديث الوارد في السؤال، وهو حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أَيُّمَا أَهْلُ عَرْصَةٍ أَصْبَحَ فِيهِمْ امْرُؤٌ جَائِعٌ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ تَعَالَى) رواه أحمد في " المسند " (8/482) . أولاً: هذا الحديث ضعيف، فقد قال أبو حاتم في " العلل " (2/238) : منكر. وكذا قال الشيخ الألباني في " ضعيف الترغيب " (1/275) ، وقال محققو المسند بإشراف الشيخ شعيب الأرنؤوط: " إسناده ضعيف لجهالة أبي بشر " انتهى. وينظر: المسند (8/486) – ط الرسالة ـ. ثانياً: غاية ما في الحديث الحث على إطعام الجائع والإحسان إلى الفقير، وليس فيه من قريب ولا من بعيد إلغاء حق الملكية الفردية إلغاء تاماً، كما هي النظرة الاشتراكية، وكما فهم بعض الناس خطأ وأشكل عليهم الأمر. ومثله الآثار التي ذُكرت في السؤال، يرويها الحنفية، ومنهم أبو يوسف القاضي في كتاب "الآثار" (رقم/899) عن أبي حنيفة النعمان رحمه الله، عن الهيثم: أن قوماً مروا بماء، فسألوا أهلها: أين البئر؟ فأبوا أن يدلوهم، وأبوا أن يعطوهم الدلو. فقالوا: ويحكم، إن أعناقنا وأعناق ركابنا قد كادت تقطع عطشاً، فأبوا أن يعطوهم أو يدلوهم، فذكروا ذلك لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: ألا وضعتم فيهم السلاح. فهي – رغم أنها مرسلة منقطعة – إنما جاءت تبين حكما مخصوصاً في حالة مقيدة، فيما إذا اضطر المسلم، فلم يجد طعاماً ولا شراباً وأشرف على الهلاك، فله حينئذ – وحينئذ فقط – أن يأكل من أموال المسلمين القادرين ولو بغير رضاهم، ولو اضطره الأمر إلى مقاتلتهم على سد ضرورته بالسلاح، أما أن يُستدل بهذا الأثر على إلغاء حق الملكية مطلقاً فهذا أيضاً فهم خاطئ للنصوص. وأما حديث: (إذا بات المؤمن جائعاً فلا مال لأحد) فليس هو بحديث أصلاً، ولا وجود له في كتب السنة والآثار. ونحن نعلم أن بعض الناس يورد الكلام الوارد في السؤال على محمل حسن، وليس دعوة منه إلى الاشتراكية الكاملة. جاء في " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " رحمه الله (7/394) : " إنكار النظام الاشتراكي في العراق: برقية: فخامة رئيس الجمهورية أخذ الله بيده إلى الحق: إن الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة تستنكر ما أصدرته الحكومة العراقية من القرارات الاشتراكية , وتضم صوتها إلى صوت علماء العراق وغيرهم من العلماء في إنكار النظام الاشتراكي , وتؤكد بأنه نظام كفري يصادم نظام الإسلام ويناقضه , وتنصح حكومة العراق بالرجوع إلى نظام الإسلام وتطبيقه في البلاد , لكونه أعدل نظام وأصلح تشريع عرفته البشرية , وهو كفيل بتحقيق العدالة الاجتماعية السليمة، وحل للمشاكل الاقتصادية وغيرها , وإيصال حق الفقير إليه على خير وجه إذا أخلص المسلمون في تطبيقه. والإسلام يحرم على المسلم دم أخيه وماله وعرضه، ويعطيه حرية التصرف الكامل في ماله في ظل الحكم الشرعي , وتصرح تعاليمه بأن ما يزعمه بعض الناس من أن النظام الاشتراكي مستمد من روح الإسلام زعم باطل، لا يستند لأي أساس من الصحة " انتهى. ومن أراد المزيد فليرجع إلى كتاب " حكم الإسلام في الاشتراكية " للشيخ عبد العزيز البدري رحمه الله. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 134948 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 116 حديث: (مصر كنانة الله في أرضه) لا أصل له [السُّؤَالُ] ـ[ما مدى صحة حديث: (مصر كنانة الله في أرضه) ، وما معناه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث لا أصل له، ولم يرو في كتب السنة، وقد نص العلماء على ذلك: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " هذا مأثور لكن ما أعرف إسناده " انتهى. " أحاديث القصاص " (ص/87) يقول بدر الدين الزركشي رحمه الله: " لم أجده " انتهى. " التذكرة " (ص/191) وقال السخاوي رحمه الله: " لم أره بهذا اللفظ في مصر " انتهى. " المقاصد الحسنة " (ص/609) وقال السيوطي رحمه الله: " لا أصل له " انتهى. " الدرر المنتثرة " (ص/17) وقال الشيخ مرعي الكرمي رحمه الله: " لا أصل له " انتهى. " الفوائد الموضوعة " (ص/107) وقال الشيخ الألباني رحمه الله: " لا أصل له " انتهى. " السلسلة الضعيفة " (رقم/888) والكنانة هي الجعبة الصغيرة من الجلد لحفظ النبل والسهام، فكأن هذا الأثر يشبه مصر بكنانة السهام التي يصيب الله تعالى بها الطغاة والظالمين والمتجبرين، فيرميهم بأهلها الذين هم جند الله، ولذلك جاء في بعض الكتب تكملة الأثر السابق بقولهم: ما طلبها عدو إلا أهلكه الله. وقد ورد نحو هذا الأثر في بلاد الشام أيضاً: يقول الملا علي قاري رحمه الله: " وقد ورد لفظ الكنانة في الشام، أخرجه ابن عساكر عن عون بن عبد الله بن عتبة قال: قرأت فيما أنزل الله على بعض الأنبياء أن الله يقول: الشام كنانتي، فإذا غضبت على قوم رميتهم منها بسهم. موضوع مبناه، وإن كان صحيحاً عندنا معناه " انتهى. " الأسرار المرفوعة " (ص/319) ونحن نرجو أن تكون مصر والشام وسائر بلاد المسلمين منطلقاً لجند الله لتحرير أراضي المسلمين المحتلة، وإرجاع العزة المسلوبة لهذه الأمة. هذا وقد صح في فضائل مصر حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ أَرْضًا يُذْكَرُ فِيهَا الْقِيرَاطُ، فَاسْتَوْصُوا بِأَهْلِهَا خَيْرًا، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا، فَإِذَا رَأَيْتُمْ رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ فِي مَوْضِعِ لَبِنَةٍ فَاخْرُجْ مِنْهَا) قَالَ: فَمَرَّ بِرَبِيعَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنَيْ شُرَحْبِيلَ ابْنِ حَسَنَةَ يَتَنَازَعَانِ فِي مَوْضِعِ لَبِنَةٍ َخَرَجَ مِنْهَا. رواه مسلم (رقم/2543) قال النووي رحمه الله: " قال العلماء: القيراط جزء من أجزاء الدينار والدرهم وغيرهما، وكان أهل مصر يكثرون من استعماله والتكلم به. وأما الذمة: فهي الحرمة والحق، وهي هنا بمعنى الذمام. وأما الرحم: فلكون هاجر أم إسماعيل منهم. وأما الصهر: فلكون مارية أم إبراهيم منهم " انتهى. " شرح مسلم " (16/97) وقال المناوي رحمه الله: " أي: اطلبوا الوصية من أنفسكم بإتيان أهلها خيراً، أو معناه: اقبلوا وصيتي فيهم، يقال أوصيته فاستوصى أي قبل الوصية، يعني: إذا استوليتم عليهم، وتمكنتم منهم، فأحسنوا إليهم، وقابلوهم بالعفو عما تنكرون، ولا يحملنكم سوء أفعالهم وقبح أقوالهم على الإساءة إليهم، فالخطاب للولاة من الأمراء والقضاة. ثم علَّلَه بقوله: (فإن لهم ذمة) ذماماً وحرمة وأماناً من جهة إبراهيم بن المصطفى صلى الله عليه وسلم، فإن أمه مارية منهم. (ورحماً) بفتح فكسر: قرابة، لأن هاجر أم إسماعيل منهم " انتهى. " فيض القدير " (1/523-524) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 134937 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 117 هل صح عن النبي صلى الله عليه وسلم وصف لحوم البقر أنها داء؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما صحة هذا الحديث: (لحوم البقر داء، وسمنها ولبنها دواء) ]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لحم البقر من اللحوم الحلال، امتن الله على عباده بها في سورة الأنعام، فقال عز وجل: (وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ) الأنعام/144، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نِسَائِهِ بِالْبَقَرِ. رواه البخاري (294) ومسلم (1211) ، وهي من الأنعام والبُدن التي أجمع العلماء على حلها وطيب لحمها، وقد قال الله عز وجل فيها: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) الحج/36. ثانيا: أما الحديث المقصود في السؤال، فهو حديث منكر لا يصح، ولا تجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد جاء من روايات عدة كلها منكرة: أولا: عن مليكة بنت عمرو الجعفية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألبانها شفاء – يعني البقر -، وسمنها دواء، ولحمها داء) رواه علي بن الجعد في " مسنده " (ص/393) ، وأبو داود في " المراسيل " (ص/316) ، والطبراني في " المعجم الكبير " (25/42) ، ومن طريقه أبو نعيم في " معجم الصحابة " (رقم/7850) ، ورواه البيهقي في " السنن الكبرى " (9/345) وفي " شعب الإيمان " (5/103) جميعهم من طريق زهير بن معاوية أبي خيثمة، عن امرأته وذكر أنها صدوقة، وأنها سمعت مليكة بنت عمرو، وذكرت الحديث. هذا لفظ علي بن الجعد، وهو أعلى مَن أسند الحديث، وأما غيره فقالوا: عن امرأة من أهله – يعني زهير بن معاوية -. وهذا إسناد ضعيف، ومليكة بنت عمرو الزيدية السعدية مختلف في صحبتها، ورواية أبي داود لحديثها في كتابه " المراسيل " دليل على أنه لا يرى صحبتها، وإن كان جزم بصحبتها آخرون، ولكن التحقيق يقتضي أنه لا سبيل إلى الجزم بذلك، ولذلك قال الحافظ ابن حجر في " تقريب التهذيب " (753) : يقال لها صحبة، ويقال: تابعية. ولم يجزم فيها بشيء، فيبقى في الأمر احتمال قائم، ومع الاحتمال يسقط الاستدلال. وانظر ترجمتها في " الإصابة " (8/122) لذلك ضعف هذا السند السخاوي في " الأجوبة المرضية " (1/21) ، والمناوي في "فيض القدير" (2/196) ، والعجلوني في " كشف الخفاء " (2/182) . ثانيا: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عليكم بألبان البقر وسمنانها، وإياكم ولحومها، فإن ألبانها وسمنانها دواء وشفاء، ولحومها داء) رواه الحاكم في " المستدرك " (4/448) ، وعزاه السيوطي (5557) أيضا لابن السني وأبي نعيم كلاهما في " الطب ". قال الحاكم: حدثني أبو بكر بن محمد بن أحمد بن بالويه، ثنا معاذ بن المثنى العنبري، ثنا سيف بن مسكين، ثنا عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي، عن الحسن بن سعد، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه: عن النبي صلى الله عليه وسلم. قلنا: وهذا إسناد ضعيف جدا، فيه عدة علل: 1- سيف بن مسكين: قال ابن حبان رحمه الله: " يأتي بالمقلوبات والأشياء الموضوعات، لا يحل الاحتجاج به لمخالفته الأثبات في الروايات على قلتها " انتهى. " المجروحين " (1/347) 2- الاختلاف في سماع عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه. انظر " تهذيب التهذيب " (6/216) 3- اختلاط عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن مسعود المسعودي. انظر " تهذيب التهذيب " (6/211) ولذلك كله حكم العلماء بتساهل الحاكم حين قال في الحديث: " هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه " انتهى. والصواب مع تعقب الذهبي له بقوله: " سيف: وهَّاه ابن حبان " انتهى. وقال الزركشي: " هو منقطع، وفي صحته نظر، فإن في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى عن نسائه بالبقر، وهو لا يتقرب بالداء " انتهى. " التذكرة في الأحاديث المشتهرة " (ص/148) وقال السخاوي: " ضعيف منقطع " انتهى. " الأجوبة المرضية " (1/23) وقال الحافظ ابن حجر: " روي بأسانيد ضعيفة " انتهى. " أسئلة وأجوبة " (ص/61) . ثالثا: روى ابن عدي في " الكامل " (7/298) وغيره الحديث من مسند ابن عباس رضي الله عنهما، وفي سنده محمد بن زياد الطحان متهم بالكذب، فلا يستشهد به. رابعا: روى ابن السني، وأبو نعيم، الحديثَ عن صهيب الرومي رضي الله عنه، عزاه السيوطي إليهما. وقال ابن القيم رحمه الله: " روى محمد بن جرير الطبرى بإسناده، من حديث صُهيب يرفعُه: (عليكم بألبان البقَرِ، فإنها شفاءٌ، وسَمْنُها دَواءٌ، ولُحومُها داء) ، رواه عن أحمد بن الحسن الترمذى، حدَّثنا محمد ابن موسى النسائى، حدَّثنا دَفَّاع ابن دَغْفَلٍ السَّدوسى، عن عبد الحميد بن صَيفى بن صُهيب، عن أبيه، عن جده، ولا يثبت ما في هذا الإسناد " انتهى. " زاد المعاد " (4/324-325) قال العلامة الشيخ سليمان العلوان حفظه الله: " هذا الخبر جاء بأسانيد منكرة عند الطبراني في المعجم الكبير، والحاكم في المستدرك. ورواه أبو داود في المراسيل من طريق زهير بن معاوية حدثتني امرأة من أهلي عن مليكة بنت عمرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذا مرسل ضعيف. ولم يثبت في النهي عن لحم البقر شيء ... فالذي يجب القطع به أن هذا الأثر باطل، وليس لتصحيحه وجه معتبر، وقد أجاد ابن الجوزي في قوله: فكل حديث رأيته يخالف المعقول أو يناقض الأصول فاعلم أنه موضوع فلا تتكلف اعتباره " انتهى. وعلى كل حال: فجميع العلماء متفقون على حل أكل لحوم البقر، ولكن بعض أهل العلم يحذرون من المبالغة في أكله، خاصة إذا لم ينضج على النار إلى حد الاستواء الكافي، وهذا هو أيضا تفسير الداء الناجم عنه، عند من حسّن الحديث السابق من العلماء. قال ابن القيم رحمه الله: " لحم البقر عسير الانهضام، بطيء الانحدار، ويورث إدمانه الأمراض السوداوية، ولحم العجل ولا سيما السمين من أعدل الأغذية، وأطيبها، وألذها، وأحمدها، وإذا انهضم غذى غذاءً قوياً " انتهى. " زاد المعاد " (4/374) . وقال الشيخ الألباني رحمه الله، وهو ممن يحسن الحديث: " كل لحم البقر، وفيه العافية، لأن آل النبي وأهله أكلوا لحم البقر، وضحى الرسول صلى الله عليه وسلم عن أهله في حجة الوداع بالبقر، لكن أنصحك بأن لا تكثر منه؛ لأن هذا الإكثار هو مراد الحديث " انتهى. " سلسلة الهدى والنور " (رقم/236 (7:20-8) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 134801 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 118 هل ورد أن الله أمر بإدخال رجل النار فقال: ما كان هذا ظني بك يارب؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل ورد حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل يأمر الملائكة بإدخال رجل النار، فيقول هذا الرجل: (ما كان هذا ظني بك يا رب) فيأمر الله بأن يدخلوه الجنة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لعل الحديث المشار إليه هو ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن عبدا في جهنم ينادي ألف سنة: يا حنان! يا منان! فيقول الله تبارك وتعالى: يا جبريل اذهب فأتني بعبدي هذا، فيذهب فيجد أهل النار منكبين على وجوههم يبكون، فيرجع إلى ربه فيخبره فيقول: اذهب فأتني بعبدي. فيقول: هو في موضع كذا وكذا، فيذهب فيجيء به، فيوقف بين يدي الله تعالى، فيقول: عبدي كيف وجدت مكانك، وكيف وجدت مقيلك؟ فيقول: يا رب شر مقيل وشر مكان. فيقول: ردوا عبدي. فيقول: يا رب! ما كنت أرجو إذ أخرجتني منها أن تعيدني إليها. فيقول: دعوا عبدي) رواه أحمد في " المسند " (21/99) طبعة مؤسسة الرسالة، وابن أبي حاتم في " التفسير " (9/2935) ، وابن خزيمة في " التوحيد " (2/749-750) ، وابن أبي الدنيا في " حسن الظن بالله " (110) ، والبيهقي في في " شعب الإيمان " (1/500) وغيرهم: من طرق عن سلام بن مسكين، عن أبي ظلال، عن أنس بن مالك رضي الله عنه به مرفوعا. قلنا: وهذا إسناد ضعيف جدا بسبب أبي ظلال، واسمه هلال بن أبي هلال عامة المحدثين على ضعفه ونكارة حديثه. قال ابن الجوزي رحمه الله: " هذا حديث ليس بصحيح " انتهى. " الموضوعات " (3/267) وقال الألباني رحمه الله: " ضعيف جدا " انتهى. " السلسلة الضعيفة " (1249) وقد روي هذا المعنى أيضا عن بلال بن سعد، من قوله: (يأمر الله تعالى بإخراج رجلين من النار، قال: فيخرجان بسلاسلهما وأغلالهما، فيوقفان بين يديه، فيقول: كيف وجدتما مقيلكما ومصيركما؟ فيقولان: شر مقيل، وأسوأ مصير. فيقول بما قدمت أيديكما وما أنا بظلام للعبيد. فيأمر بهما إلى النار، فأما أحدهما فيمضي بسلاسله وأغلاله حتى يقتحمها، وأما الآخر فيمضي وهو يتلفت، فيأمر بردهما، فيقول للذي غدا بسلاسله وأغلاله حتى اقتحمها: ما حملك على ما فعلت وقد اختبرتها؟ فيقول: يا رب قد ذقت من وبال معصيتك ما لم أكن أتعرض لسخطك ثانيا. ويقول: للذي مضى وهو يتلفت ما حملك على ما صنعت؟ قال: لم يكن هذا ظني بك يا رب. قال: فما كان ظنك؟ قال: كان ظني حيث أخرجتني منها أنك لا تعيدني إليها. قال: إني عند ظنك بي، وأمر بصرفهما إلى الجنة) رواه أبو نعيم في " حلية الأولياء " (5/226) قال: حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا الوليد بن أبان، ثنا أبو سعيد الدشتكي، ثنا سليمان بن منصور بن عمار – هكذا في المطبوع ولعل الصواب سليم بن منصور -، ثنا أبي، ثنا الهقل بن زياد، عن الأوزاعي، عن بلال بن سعد به. وهذا إسناد ضعيف أيضا، بسبب منصور بن عمار، جاء في ترجمته في " ميزان الاعتدال " (4/187) " قال أبو حاتم: ليس بالقوي. وقال ابن عدي: حديثه منكر. وقال الدارقطني: يروي عن ضعفاء أحاديث لا يتابع عليها " انتهى. إضافة إلى أن بلال بن سعد من الطبقة الوسطى من التابعين، كان قاصا مكثرا من القصص، وهو وإن حكم العلماء بتوثيقه، لكنه لم يسند كلامه هذا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلا تقبل منه حكايته هذه لعدم ثبوتها. وقد روي نحو ذلك المعنى، مختصرا عن الحسن البصري، رحمه الله. ينظر: "القول المسدد"، للحافظ ابن حجر (35) . والخلاصة: أنه لا يثبت شيء في هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم. وينظر، في حسن الظن بالله عز وجل، جواب السؤال رقم: (125618) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 134792 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 119 هل هذه الأحاديث صحيحة؟ [السُّؤَالُ] ـ[تأتيني رسائل على الإيميل تتضمن أحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا أعلم صحة هذه الأحاديث، مما يؤدي إلى خوفي من إرسالها ونشرها , خوفا من أن تكون هذه الأحاديث ضعيفة وموضوعة , لخطورة نقل هذه الأحاديث , لما فيها من الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم. وأرجو من فضيلتكم تخريج هذه الأحاديث وبيان سبب العلة إن كانت ضعيفة لنساهم في نشر السنة النبوية الصحيحة. والأحاديث هي: 1- (من صلى علي ألف صلاة لم يمت حتى يبشر بالجنة) 2- (من صلى علي في اليوم مائة مرة قضى الله له مائة حاجة، سبعين منها في الآخرة وثلاثين منها في الدنيا) 3- (من صلى عليَّ حين يصبح عشرا، وحين يمسي عشرا، أدركته شفاعتي يوم القيامة) 4- (من صلى عليَّ واحدة صلى الله بها عشر صلوات، وحط عنه عشر خطيئات، ورفع له عشر درجات) 5- (ما من أحد يسلم عليَّ إلا رد الله عليَّ روحي حتى أسلم عليه) 6- (إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة) 7- (يأتي زمان على أمتي يحبون خمسا وينسون خمسا , يحبون الدنيا وينسون الآخرة , يحبون المال ينسون الحساب , يحبون المخلوق وينسون الخالق , يحبون القصور وينسون القبور , يحبون المعصية وينسون التوبة , فإن كان الأمر كذلك ابتلاهم الله بالغلاء والوباء وموت الفجاءة وجور الحاكم) 8- (من يزني يزنا بأهله) 9- (لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها) 10- (من قال لا إله إلا الله الجليل الجبار، لا إله إلا الله الواحد القهار، لا إله إلا الله الكريم الستار، لا إله إلا الله الكبير المتعال، ولا إله إلا الله وحده لا شريك له إلها واحدا، ربا وشاهدا، أحد صمد، ونحن له مسلمون، ولا إله إلا الله لا شريك له، إلها واحدا، ربا شاهدا، أحد صمد، ونحن له عابدون، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلها واحدا، وربا شاهدا، ونحن له صابرون، ولا إله إلا الله محمد رسول الله، اللهم إليك فوضت أمري، وعليك توكلت يا أرحم الراحمين) من قرأ الدعاء في أي وقت فكأنه حج (360) حجة، وختم (360) ختمة، وأعتق (360) عبدا، وتصدق بـ (360) دينارا، وفرج عن (360) مغموما، وبمجرد أن قاله الرسول صلى الله عليه وسلم نزل جبريل عليه السلام وقال: يا رسول الله! أي عبد من عبيد الله سبحانه وتعالى، أو أي أحد من أمتك يا محمد، ولو مرة واحدة في العمر، بحرمتي وجلالي ضمنت له سبعة أشياء: رفعت عنه الفقر , أمنته من سؤال منكر ونكير , أمررته على الصراط , حفظته من موت الفجاءة , حرمت عليه دخول النار , حفظته من ضغطة القبر , حفظته من غضب السلطان الجائر والظالم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يمكن الجواب عن درجة صحة هذه الأحاديث بالأحكام الآتية: الحديث الأول: (من صلى عليَّ ألفَ صلاة لم يمت حتى يبشر بالجنة) هذا الحديث رواه أبو الشيخ الأصبهاني – كما عزاه إليه السخاوي في " القول البديع " (95) ، وحكم عليه بالنكارة، ونقل الحكم بنكارته أيضا عن الحافظ ابن حجر -. وقد خرج الشيخ الألباني رحمه الله حديثا قريبا من لفظه: (من صلى علي في يوم (الجمعة) ألف مرة؛ لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة) ، حيث جاء في كلامه رحمه الله: " ضعيف جداً: رواه ابن سمعون في " الأمالي " (172/ 1) عن محمد بن عبد العزيز الدينوري: أخبرنا قرة بن حبيب القشيري: أخبرنا الحكم بن عطية عن ثابت عن أنس بن مالك مرفوعاً. ومن هذا الوجه: أخرجه ابن شاهين في "الترغيب والترهيب" (ق 261/ 2) ؛ وإليه عزاه المنذري (2/ 281) مشيراً إلى تضعيفه. قلت – أي الشيخ الألباني -: وعلته: الحكم بن عطية؛ فإنه ضعيف؛ كما في "التقريب". والدينوري شر منه؛ قال الذهبي: ليس بثقة؛ أتى ببلايا. لكن رواه الأصبهاني في " ترغيبه " (ص 234 - مصورة الجامعة الإسلامية) من طريق محمد بن عبد الله بن محمد بن سنان القزاز البصري: أخبرنا قرة بن حبيب به. ومحمد بن عبد الله بن محمد؛ لم أعرفه، ولعل الأصل: " ... عن محمد بن سنان"؛ فإن محمد بن سنان القزاز البصري معروف، وهو ضعيف. والله أعلم. وقال السخاوي في "القول البديع" (ص 95) : " رواه ابن شاهين في " ترغيبه " وغيره، وابن بشكوال من طريقه، وابن سمعون في "أماليه"؛ وهو عند الديلمي من طريق أبي الشيخ الحافظ، وأخرجه الضياء في " المختارة " وقال: لا أعرفه من حديث الحكم بن عطية، قال الدارقطني: حدث عن ثابت أحاديث لا يتابع عليها. وقال أحمد: لا بأ به؛ إلا أن أبا داود الطيالسي روى عنه أحاديث منكرة. قال: وروي عن يحيى بن معين أنه قال: هو ثقة. قلت – أي السخاوي -: وقد رواه غير الحكم، وأخرجه أبو الشيخ من طريق حاتم ابن ميمون عن ثابت؛ ولفظه: (لم يمت حتى يُبَشَّرَ بالجنة) . وبالجملة فهو حديث منكر كما قاله شيخنا - يعني الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله -. وقال في مكان آخر – يعني السخاوي - (145) : أخرجه ابن شاهين بسند ضعيف " انتهى النقل عن الشيخ الألباني رحمه الله باختصار من " السلسلة الضعيفة " (رقم/5110) وينظر: تحقيق " جلاء الأفهام " لابن القيم (ص/61،64) ، طبعة مجمع الفقه الإسلامي – جدة،" مجموع فتاوى ابن باز " (26/343) ، "اللقاء الشهري" (لقاء رقم/27، سؤال رقم/6) . الحديث الثاني: (من صلى علي في اليوم مائة مرة قضى الله له مائة حاجة، سبعين منها في الآخرة وثلاثين منها في الدنيا) هذا الحديث مروي عن اثنين من الصحابة رضوان الله عليهم: 1- عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أقربكم مني يوم القيامة في كل موطن أكثركم عليَّ صلاة في الدنيا، من صلى عليَّ في يوم الجمعة وليلة الجمعة مائة مرة قضى الله له مائة حاجة، سبعين من حوائج الآخرة، وثلاثين من حوائج الدنيا، ثم يوكل الله بذلك ملكا يدخله في قبري كما يدخل عليكم الهدايا، يخبرني من صلى علي باسمه ونسبه إلى عشيرته، فأثبته عندي في صحيفة بيضاء) رواه ابن منده في " الفوائد " (ص/82) ، والبيهقي في " شعب الإيمان " (3/111) ، و"حياة الأنبياء" (29) ، ومن طريق البيقهي: ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (54/301) ، وعزاه السيوطي في " الحاوي " (2/140) للأصبهاني في " الترغيب ". رووه من طريق حكامة بنت عثمان بن دينار، عن أبيها عثمان بن دينار، عن أخيه مالك بن دينار، عن أنس بن مالك رضي الله عنه به. مع التنبيه إلى أن سند البيهقي في "الشعب" سقط منه كل من عثمان بن دينار وأخوه مالك بن دينار، وهما مثبتان في "حياة الأنبياء" له، وعند ابن عساكر عن البيهقي، فالصواب إثباتهما. جاء في " لسان الميزان " (4/140) : " عثمان بن دينار، أخو مالك بن دينار البصري، والد حكامة: لا شيء، والخبر كذب بين" انتهى، وذكره ابن حبان في الثقات قال: يروي عن أخيه، وعنه بنته حكامة، وهي لا شيء. قلت – أي الحافظ ابن حجر -: ولفظ العقيلي، روت عنه ابنته أحاديث بواطيل ليس لها أصل " انتهى. 2- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى عليَّ مائة صلاة حين يصلي الصبح قبل أن يتكلم قضى الله له مائة حاجة، عجل له منها ثلاثين حاجة، وأخر له سبعين، وفي المغرب مثل ذلك) قال السخاوي رحمه الله: " أخرجه أحمد بن موسى الحافظ بسند ضعيف " انتهى. " القول البديع " (ص/169) وعزاه السيوطي في " جمع الجوامع " إلى ابن النجار محمد بن محمود بن حسن بن هبة الله (643هـ) صاحب تاريخ بغداد، كما عزاه في " داعي الفلاح " (رقم/92) للمستغفري، ولم نقف على سنده عندهما، وإنما وقفنا على سند الحافظ أحمد بن موسى، فقد نقله ابن القيم رحمه الله في " جلاء الأفهام " (ص/507) حيث قال: قال أحمد بن موسى الحافظ، حدثنا عبد الرحيم بن محمد بن مسلم، قال ثنا عبد الله بن أحمد بن محمد بن أسيد، حدثنا إسماعيل بن يزيد، حدثنا إبراهيم بن الأشعث الخراساني، حدثنا عبد الله بن سنان بن عقبة بن أبي عائشة المدني، عن أبي سهل بن مالك، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما به. وهذا سند ضعيف، فيه إبراهيم بن الأشعث: منكر الحديث. " لسان الميزان " (1/! 32) وله طريق أخرى عن جابر: قال ابن القيم رحمه الله: " قال ابن مندة الحافظ: حدثنا عبد الصمد العاصمي، أخبرنا إبراهيم بن أحمد المستملي، حدثنا محمد بن درستويه، حدثنا سهل بن متويه، حدثنا محمد بن عبيد، حدثن عباس بن بكار، حدثنا أبو بكر الهذلي، حدثنا محمد بن المنكدر، عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن صلَّى علَيَّ في كل يوم مائة مرة قضى الله له مائة حاجة: سبعين منها لآخرته، وثلاثين منها لدنياه) قال الحافظ أبو موسى المديني هذا حديث حسن " انتهى. " جلاء الأفهام " (ص/509) والصواب أن هذا إسناد منكر، بسبب أبي بكر الهذلي البصري: قال النسائي: متروك الحديث. وقال علي بن المديني: ضعيف ليس بشيء. واتفقت كلمة أهل العلم على تضعيفه. انظر " تهذيب التهذيب " (12/46) والخلاصة أن الحديث منكر لا يثبت من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، لا من حديث أنس ولا من حديث جابر. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " وأما حديث: (من صلى علي في يوم مائة مرة قضى الله له مائة حاجة؛ سبعون منها لآخرته وثلاثون منها لدنياه) فلا نعلم له أصلا، بل هو من كذب الكذابين " انتهى. " مجموع فتاوى ابن باز " (8/314) . الحديث الثالث: (من صلى عليَّ حين يصبح عشرا، وحين يمسي عشرا، أدركته شفاعتي يوم القيامة) . هذا الحديث مروي عن الصحابي الجليل أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى عليَّ حين يصبح عشرًا، وحين يمسي عشرًا، أدركته شفاعتي يوم القيامة) رواه الطبراني – كما عزاه إليه العلماء الذين نقلوا هذا الحديث، ولكنا لم نقف عليه في المطبوع من كتب الطبراني – ورواه ابن أبي عاصم في " الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم " (ص/48، رقم61) . والحديث عزاه الهيثمي في "مجمع الزوائد" ـ (10/163) ـ إلى الطبراني، قال: " رواه الطبراني بإسنادين، وإسناد أحدهما جيد، ورجاله وثقوا". وقد نقل الحافظ ابن القيم رحمه الله في كتابه " جلاء الأفهام " (ص/63) إسناد الطبراني لهذا الحديث أنه قال: حدثنا محمد بن علي بن حبيب الطرائفي الرقي، حدثنا محمد بن علي بن ميمون، حدثنا سليمان بن عبد الله الرقي، حدثنا بقية بن الوليد، عن إبراهيم بن محمد بن زياد قال: سمعت خالد بن معدان، يحدث عن أبي الدرداء به. وفي هذا الإسناد علل عدة، منها: 1- خالد بن معدان لم يسمع من أبي الدرداء. انظر: " جامع التحصيل " (ص/171) 2- إبراهيم بن محمد بن زياد الألهاني: ترجمته في " التاريخ الكبير " للبخاري (1/323) ، " الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم (2/127) ، ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا. 3- بقية بن الوليد مدلس ولم يصرح بالسماع. 4- سليمان بن عبد الله الرقي: قال فيه ابن معين: ليس بشيء. " لسان الميزان " (3/96) ولذلك ضعفه الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (1/441) ، والسخاوي في " القول البديع " (179) ، والألباني في " السلسلة الضعيفة " (رقم/5788) ، والشيخ مقبل الوادعي في " الشفاعة " (ص/270) وقد جاءت في فضائل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث صحيحة كثيرة تغني عن مثل هذا الحديث الضعيف، كما أن شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم تنال بالعديد من الأعمال الصالحة المعينة في السنة الصحيحة. عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ: حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه البخاري (614) وانظر جواب السؤال رقم: (130213) . الحديث الرابع: (من صلى عليَّ واحدة صلى الله بها عشر صلوات، وحط عنه عشر خطيئات، ورفع له عشر درجات) عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ، وَحُطَّتْ عَنْهُ عَشْرُ خَطِيئَاتٍ، وَرُفِعَتْ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ) رواه النسائي (1297) وصححه الألباني في " صحيح النسائي ". الحديث الخامس: (ما من أحد يسلم عليَّ إلا رد الله عليَّ روحي حتى أسلم عليه) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إِلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ) رواه أحمد (16/477) ط الرسالة، وأبو داود (2041) وصححه النووي في " الأذكار " (154) ، وابن تيمية في " اقتضاء الصراط المستقيم " (2/173) وغيرهم. الحديث السادس: (إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلَاةً) . رواه الترمذي (484) وقال: هذا حديث حسن غريب. وصححه ابن حبان كما نقل عنه الحافظ ابن حجر في " بلوغ المرام " (455) ، وحسنه الحافظ ابن حجر في " نتائج الأفكار " (3/295) ، وحسنه الشيخ الألباني لغيره في " صحيح الترغيب " (1668) . الحديث السابع: (يأتي زمان على أمتي يحبون خمسا وينسون خمسا , يحبون الدنيا وينسون الآخرة , يحبون المال ينسون الحساب , يحبون المخلوق وينسون الخالق , يحبون القصور وينسون القبور , يحبون المعصية وينسون التوبة , فإن كان الأمر كذلك ابتلاهم الله بالغلاء والوباء وموت الفجاءة وجور الحاكم) لم نقف عليه في كتب السنة، والظاهر أنه لا أصل له، وكذا جاء الحكم عليه في موقع " الدرر السنية " على الرابط الآتي: http://www.dorar.net/enc/hadith_spread/%D9%8A%D8%AD%D8%A8%D9%88%D9%86+%D8%AE%D9%85%D8%B3%D8%A7/+p الحديث الثامن: (مَن يَزْنِ يُزْنَ بأهله) ليس هذا بكلام النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما كلام منتشر على ألسنة الناس، ومضمونه غير صحيح باللازم، فأهل الزاني قد يكونون من أهل الخير والصلاح، فكيف يؤاخذهم الله بجريرة غيرهم، وهو سبحانه عز وجل يقول: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) الأنعام/164، وقد يقبل مثل هذا الكلام في حالة أن يكون الزاني وأهله من أهل الشر والفسق والفساد، فيعاقب الله الزاني بزوجته العاصية، فيصيبه في عرضه كما أصاب الناس في أعراضهم، وكما تدين تدان، وقد خبر الناس هذا الأمر في أحوال الزناة كثيرا، حتى يروى عن الإمام الشافعي رحمه الله أنه قال: عفّوا تعِفُّ نِسَاؤُكُمْ فِي المَحْرَمِ ** وتجنبوا مالا يليقُ بمسلمِ إنَّ الزنا دينٌ فإن أقرضتهُ ** كَانَ الزِّنَا مِنْ أهلِ بَيْتِك فَاعْلَمِ وانظر جواب السؤال رقم: (22769) ، (81528) ، (136197) . وقد أورد ابن الجوزي في كتاب " الموضوعات " (3/106) حديثا قريبا من هذا المعنى، جاء فيه: (ما زنى عبد قط فأدمن على الزنا إلا ابتلي في أهل بيته) ... ثم قال ابن الجوزي رحمه الله: " ليس في هذه الأحاديث شيء يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى. وقال الشيخ الألباني رحمه الله في تخريج حديث: (ما زنى عبد قط فأدمن على الزنا إلا ابتلي في أهل بيته) : " موضوع. رواه ابن عدي (15 / 2) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 278) عن إسحاق بن نجيح عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس مرفوعا. وقال ابن عدي: " وإسحاق بن نجيح بيِّنُ الأمر في الضعفاء، وهو ممن يضع الحديث ". وأورده السيوطي في " ذيل الأحاديث الموضوعة " (ص 149 رقم 728) وقال: " إنه من أباطيل إسحاق بن نجيح ". ومما يؤيد بطلان هذا الحديث أنه يؤكد وقوع الزنى في أهل الزاني، وهذا باطل يتنافى مع الأصل المقرر في القرآن: (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) نعم إن كان الرجل يجهر بالزنا ويفعله في بيته فربما سرى ذلك إلى أهله والعياذ بالله تعالى، ولكن ليس ذلك بحتم كما أفاده هذا الحديث، فهو باطل " انتهى. " السلسلة الضعيفة " (رقم/723) وقال أيضا رحمه الله في تخريج حديث: (من زنى زني به، ولو بحيطان داره) : " موضوع. رواه ابن النجار بسنده عن القاسم بن إبراهيم الملطي: أنبأنا المبارك بن عبد الله المختط: حدثنا مالك عن الزهري عن أنس مرفوعا. قال ابن النجار: " فيه من لا يوثق به ". قلت – أي الشيخ الألباني رحمه الله -: وهو القاسم الملطي كذاب. كذا في " ذيل الأحاديث الموضوعة " للسيوطي (ص 134) و " تنزيه الشريعة " لابن عراق (1/316) . قلت – أي الشيخ الألباني رحمه الله -: ومع ذلك فقد أورده السيوطي في " الجامع الصغير " من رواية ابن النجار هذا!! وخفي أمره على المناوي فلم يتعقبه بشيء " انتهى. " السلسلة الضعيفة " (رقم/724) . الحديث التاسع: (لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها) هذا الحديث رواه جماعة من أصحاب السنن عن جماعة من الصحابة، منهم أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا) رواه الترمذي (1159) وقال: وَفِي الْبَاب عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَسُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ وَعَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى وَطَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَأَنَسٍ وَابْنِ عُمَرَ قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وقال الهيثمي رحمه الله: " إسناده حسن " انتهى. " مجمع الزوائد " (9/10) ، وصححه الألباني في " إرواء الغليل " (7/54) . الحديث العاشر: (من قال لا إله إلا الله الجليل الجبار، لا إله إلا الله الواحد القهار، لا إله إلا الله الكريم الستار، لا إله إلا الله الكبير المتعال، ولا إله إلا الله وحده لا شريك له إلها واحدا، ربا وشاهدا، أحد صمد، ونحن له مسلمون، ولا إله إلا الله لا شريك له، إلها واحدا، ربا شاهدا، أحد صمد، ونحن له عابدون، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلها واحدا، وربا شاهدا، ونحن له صابرون، ولا إله إلا الله محمد رسول الله، اللهم إليك فوضت أمري، وعليك توكلت يا أرحم الراحمين) من قرأ الدعاء في أي وقت فكأنه حج (360) حجة، وختم (360) ختمة، وأعتق (360) عبدا، وتصدق بـ (360) دينارا، وفرج عن (360) مغموما، وبمجرد أن قاله الرسول صلى الله عليه وسلم نزل جبريل عليه السلام وقال: يا رسول الله! أي عبد من عبيد الله سبحانه وتعالى، أو أي أحد من أمتك يا محمد، ولو مرة واحدة في العمر، بحرمتي وجلالي ضمنت له سبعة أشياء: رفعت عنه الفقر , أمنته من سؤال منكر ونكير , أمررته على الصراط , حفظته من موت الفجاءة , حرمت عليه دخول النار , حفظته من ضغطة القبر , حفظته من غضب السلطان الجائر والظالم) هذا الحديث كذب موضوع، سبق في موقعنا بيان حكمه والنقل عن اللجنة الدائمة تكذيبه، وذلك في جواب السؤال رقم: (126635) ، (127615) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 134465 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 120 حديث: (إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جندا كثيفا) حديث ضعيف لا يصح [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن خير أجناد الأرض جند مصر) أليس أصل اليهود الذين آمنوا مع رسول الله موسى صلى الله عليه وسلم من مصر، أليس جند مصر هم من اكتفوا بتحرير سيناء عام 1973، ولم يحاربوا من أجل القدس. وشكرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحديث المقصود في السؤال جزء من خطبة طويلة لعمرو بن العاص رضي الله عنهما، خطبها في أهل مصر، فكان مما قال لهم: حدثني عمر أمير المؤمنين أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جندا كثيفا، فذلك الجند خير أجناد الأرض. فقال له أبو بكر: ولم ذلك يا رسول الله؟ قال: لأنهم في رباط إلى يوم القيامة) أخرج هذه الخطبة ابن عبد الحكم (ت257هـ) في " فتوح مصر " (ص/189) ، والدارقطني في " المؤتلف والمختلف " (2/1003) ، ومن طريقه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (46/162) ، وأخرجها ابن زولاق الحسن بن إبراهيم الليثي (ت 387هـ) في " فضائل مصر " (ص/83) ، وعزاه المقريزي في " إمتاع الأسماع " (14/185) لابن يونس. جميعهم من طريق ابن لهيعة، عن الأسود بن مالك الحميري، عن بحير بن ذاخر المعافري، عن عمرو بن العاص رضي الله عنه. وهذا إسناد ضعيف، فيه علل ثلاثة: عبد الله بن لهيعة: قال الذهبي رحمه الله في " الكاشف " (ص/590) : " العمل على تضعيف حديثه " انتهى. الأسود بن مالك: لم أقف له على ترجمة. بحير بن ذاخر المعافري: ترجم له البخاري في " التاريخ الكبير " (2/138) ، وابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (2/411) ، والذهبي في " تاريخ الإسلام " (7/326) ولم يذكر فيه أحد جرحا ولا تعديلا، وإنما ذكره ابن حبان في " الثقات " (4/81) . وبهذا يتبين أن الحديث ضعيف جدا، فلا يستشكل المعنى بعد ضعف السند. وعلى كل حال: فأجناد المسلمين فيهم الخير الكثير، وكل من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو سبيل الله، وفي وصاية رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز إطلاق الأحكام العامة على أجناد بلاد معينة بغير دليل صحيح، وخسارة بعض المعارك ليس دليلا على فساد جميع الجند، كما أن النصر في المعركة ليس دليلا على صلاح جميع الجند. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 134287 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 121 حديث: (أجر المعلم كأجر الصائم القائم) لا يصح [السُّؤَالُ] ـ[ما صحة الحديث التالي ومن رواه: (أَجْرُ الْمُعَلِّمِ كَأَجْرِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لم نجد – بعد البحث والتفتيش – هذا الحديث مسندا في كتب أهل العلم عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما لم نقف عليه في آثار الصحابة والتابعين، أو في كلام العلماء المتبوعين. وغاية ما هنالك أن الإمام الماوردي ذكره في كتاب "أدب الدنيا والدين" (ص/99) في معرض حديثه عن آداب المعلمين، فقال: "ومن آدابهم: أن يقصدوا وجه الله بتعليم من علَّموا، ويطلبوا ثوابه بإرشاد من أرشدوا، مِن غير أن يعتاضوا عليه عوضا، ولا يلتمسوا عليه رزقا. قال الله تعالى: (وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا) قال أبو العالية: لا تأخذوا عليه أجرا، وهو مكتوب عندهم في الكتاب الأول: يا ابن آدم! علِّم مجانا كما عُلِّمْتَ مجانا. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أجر المعلم كأجر الصائم القائم) ، وحَسْبُ مَن هذا أجره أن يلتمس عليه أجرا " انتهى. وفي إيراده للحديث بصيغة المبني للمجهول " روي " إشعار بعدم ثبوته. هذا؛ وقد وضع الكذابون في أبواب " فضائل المعلم " أحاديث كثيرة، عقد لها الحافظ ابن الجوزي بابا في كتابه "الموضوعات". وفي الأحاديث الصحيحة في فضل من عَلَّم الناسَ الخير ما يغني عن هذه الأحاديث الضعيفة والموضوعة. ومن أعظم ما جاء في فضائل المعلم: قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت، ليصلون على معلم الناس الخير) رواه الترمذي (3685) وصححه الألباني في "صحيح الترمذي". والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 134055 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 122 حديث (زيارة إبليس للرسول صلى الله عليه وسلم) لا أصل له [السُّؤَالُ] ـ[ما صحة حديث معاذ الذي يذكر قصة زيارة إبليس اللعين للرسول صلى الله عليه وسلم؟ هذا بعض نصه: يا أهل المنزل.. أتأذنون لي بالدخول ولكم إليّ حاجة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أتعلمون من المنادي؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هذا إبليس اللعين لَعَنَه الله تعالى. فقال عمر بن الخطاب: أتأذن لي يا رسول الله أن أقتله؟ .... وجزاكم الله عنا وعن المسلمين لما تقدمون لهم خير الجزاء!]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لم نجد هذا الحديث في شيء من كتب السنة والآثار التي بين أيدينا، ولا ندري عن مصدره ولا مرجعه، ويبدو أنه من المكذوبات الموضوعات التي لا أصل لها. وقد سئل عنه علماء الجنة الدائمة للإفتاء فقالوا: إنه لا أصل له. ففي "فتاوى اللجنة الدائمة" (المجموعة الثانية 3/252) : أسأل عن الحديث الذي أورده مؤلف الكتاب المسمى " من رياض التوحيد "، الذي نصه: عن ابن العباس رضي الله عنهما قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت رجل من الأنصار في جماعة، فنادى مناد يا أهل المنزل أتأذنون لي بالدخول ولكم إلي حاجة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتعلمون من المنادي؟) فقالوا: الله ورسوله أعلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هذا إبليس لعنه الله تعالى) فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أتأذن لي بقتله يا رسول الله. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (مهلا يا عمر، أما علمت أنه من المنظرين إلى يوم معلوم، ولكن افتحوا له الباب، فإنه مأمور فافهموا عنه واسمعوا فإذا هو شيخ أعور. .) إلخ. فأجابوا: "الحديث المذكور لا أصل له فيما نعلم، والمصدر المنقول منه غير معروف، فالواجب تركه وعدم نشره بين الناس" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز ... الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ بكر أبو زيد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 133957 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 123 حديث العمل عبادة لا أصل له [السُّؤَالُ] ـ[سمعت حديثا عن الرسول صلى الله عليه وسلم نصه: (إن العمل كالعبادة) ، وبحثت في كل الكتب الصحيحة ولم أجد هذا الحديث.. ساعدوني في معرفة إن كان حديثا صحيحا أو ضعيفا، ولكم الأجر إن شاء الله.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله حديث: (العمل عبادة) أو (العمل كالعبادة) لا أصل له في كتب الحديث والآثار، ولم نقف عليه فيما بين يدينا من كتب السنة، فلا تجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بل الواجب تحذير الناس من ذلك، وتنبيههم إلى وجوب التحري عند نشر أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم. قال الشيخ أبو إسحاق الحويني حفظه الله: "هذا الحديث لا أصل له، ولعل مستند هذا القول هو ما يتداوله العوام من أن رجلاً كان يتعبد في المسجد ليل نهار وله أخ ينفق عليه، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: من ينفق عليك؟ قال: أخي. قال: أخوك أعبد منك. وهذا باطل لا أصل له في شيء من كتب السنة المعتبرة" انتهى باختصار. (نقلا عن موقعه) . والعمل المباح كالتجارة والصناعة.. ونحوها يكون عبادة إذا نوى الإنسان به نية حسنة، ككف نفسه عن سؤال الناس والحاجة إليهم، أو النفقة على أهله، والتصدق على المحتاجين، وصلة الرحم، ونفع المسلمين بهذا العمل.. ونحو ذلك من النيات الصالحة التي يثاب عليها. ولكن.. بشرط: أن لا يشغله هذا العمل عما أوجبه الله عليه، كالصلاة والزكاة والصيام، قال الله تعالى: (رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) النور/37. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "وأما العمل فإنه لا يصح أن نقول إن العمل عبادة إلا العمل الذي هو تعبد لله، فهذا لا شك فيه، لكن العمل من أجل الدنيا: هذا ليس بعبادة إلا أن يؤدي إلى أمرٍ مطلوبٍ شرعاً، مثل أن يعمل لكف نفسه وعائلته عن سؤال الناس، والاستغناء بما أغناه الله عز وجل، ولهذا جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام: (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله -قال الراوي- أحسبه قال كالصائم لا يفطر وكالقائم لا يفتر) والعمل للدنيا على حسب نية العامل، فإن أراد به خيراً كان خيرا، وإذا أراد به سوى ذلك كان على ما أراد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئٍ ما نوى) " انتهى. "فتاوى نور على الدرب" (فتاوى النكاح/ التعدد والقسم بين الزوجات) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 133910 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 124 ما مدى صحة حديث تشبيه جمال يوسف بجمال علي بن أبي طالب رضي الله عنه؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما مدى صحة حديث تشبيه جمال يوسف بجمال علي بن أبي طالب رضي الله عنه؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من أراد أن ينظر إلى يوسف في جماله فلينظر إلى وجه علي بن أبي طالب عليه السلام) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لم يصح في ذلك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل لم نقف على شيء مسند في هذا الباب، وغاية ما هنالك حديث يذكره بعض من كتب في السيرة، وملأ كتابه بالموضوعات والمكذوبات. وقد ذكر ابن الجوزي رحمه الله هذا الحديث في كتابه "الموضوعات"، فقال: "وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أراد أن ينظر إلى إبراهيم في حلمه، وإلى نوح في حكمه، وإلى يوسف في جماله، فلينظر إلى على بن أبى طالب) أخرجه " الملَّاء " في سيرته" انتهى. "الموضوعات " (1/17) وعزاه إلى " الملَّاء " أيضا المحب الطبري في " الرياض النضرة "، وفي " ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى " (ص/94) . والملَّاء هذا هو عمر بن محمد الأربلي الموصلي، أبو حفص، المتوفى سنة (579هـ) ، جاء في ترجمته في " الأعلام " (5/60) . "كان صالحا زاهدا عالما، له أخبار مع الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي، أمر الملك العادل نوابه في الموصل أن لا يبرموا فيها أمرا حتى يعلموا به الملاء، وهو الذي أشار على العادل بعمارة الجامع الكبير في الموصل، وتولى الإنفاق عليه، فتم في ثلاث سنوات (سنة 568 هـ) وبلغت نفقاته 60 ألف دينار، وقيل أكثر، وهو المعروف اليوم بالجامع النوري، وحمل الملاء دفاتر حسابه إلى العادل، وهو جالس على دجلة، فلم ينظر فيها، وقال له: نحن عملنا هذا لله، دع الحساب إلى يوم الحساب! وألقى الدفاتر في دجلة. قال سبط ابن الجوزي: وإنما سمي " الملَّاء " لأنه كان يملأ تنانير الآجر، ويأخذ الأجرة فيتقوت بها، ولا يملك من الدنيا شيئا. وصنف كتاب " وسيلة المتعبدين في سيرة سيد المرسلين – مخطوط " بضعة أجزاء منه، في معهد المخطوطات " انتهى. فيتبين بهذا أن الحديث يحكيه " الملاء " في سيرته حكاية من غير إسناد، وهذا غير كافٍ في إثبات الحديث، خاصة وأن كتابه في السيرة النبوية مليء بما لم يثبت وما لا يعرف له إسناد، فلا يجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومن فعل ذلك تعرض لوعيد النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: (من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) متفق عليه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 132324 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 125 حكم زيادة (في الجنة) في الدعاء الذي بعد الأذان [السُّؤَالُ] ـ[ (وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته في الجنة) . ما حكم هذه الزيادة: "في الجنة"؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "زيادة "في الجنة" ما لها أصل وينتهي الدعاء بقول: (وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد) . ومن المناسب هنا أن نذكر أنه يستحب أيضاً عند الشهادتين أن يقول: رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً، فإذا قال المؤذن: "أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله" يقول المستمع مثله، ثم يقول عند ذلك: " رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً" ـ عليه الصلاة والسلام ـ لأنه ورد في الحديث الصحيح عن سعد بن أبي وقاص في صحيح مسلم (أن من قال ذلك غفر له ذنبه) فيستحب أن يقال هذا عند الشهادتين" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (2/694، 695) . [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز فتاوى نور على الدرب الحديث: 132114 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 126 حديث مكذوب عن وصايا النبي صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة رضي الله عنها [السُّؤَالُ] ـ[لقد وصلني عبر بريدي الإلكتروني وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة، أود من فضيلتكم إعلامنا عن مدى صحة هذه الوصايا، وجزاكم المولى عنا ألف خير. من وصايا الرسول عليه الصلاة والسلام لابنته السيدة فاطمة الزهراء: يا فاطمة! ما من امرأة طحنت بيديها إلا كتب الله لها بكل حبة حسنة، ومحا عنها بكل حبة سيئة. يا فاطمة! ما من امرأة عرقت عند خبزها، إلا جعل الله بينها وبين جهنم سبعة خنادق من الرحمة. يا فاطمة! ما من امرأة غسلت قدرها إلا وغسلها الله من الذنوب والخطايا. يا فاطمة! ما من امرأة نسجت ثوباً إلا كتب الله لها بكل خيط واحد مائة حسنة، ومحا عنها مائة سيئة. يا فاطمة! ما من امرأة غزلت لتشتري لأولادها أو عيالها إلا كتب الله لها ثواب من أطعم ألف جائع وأكسى ألف عريان. يا فاطمة! ما من امرأة دهنت رؤوس أولادها، وسرحت شعورهم، وغسلت ثيابهم وقتلت قملهم إلا كتب الله لها بكل شعرة حسنة، ومحا عنها بكل شعرة سيئة، وزينها في أعين الناس أجمعين. يا فاطمة! ما من امرأة منعت حاجة جارتها إلا منعها الله الشرب من حوضي يوم القيامة. يا فاطمة! خمسة من الماعون لا يحل منعهن: الماء، والنار، والخمير، والإبرة، ولكل واحد منهن آفة، فمن منع الماء بلي بعلة الاستسقاء، ومن منع الخمير بلي بالغاشية، ومن منع الرحى بلي بصدع الرأس، ومن منع الإبرة بلي بالمغص. يا فاطمة! أفضل من ذلك كله رضا الله ورضا الزوج زوجته. يا فاطمة! والذي بعثني بالحق بشيراً ونذيراً لو متِّ وزوجك غير راضٍ عنكِ ما صليت عليكِ. يا فاطمة! أما علمت أن رضا الزوج من رضا الله، وسخط الزوج من سخط الله؟ يا فاطمة! طوبى لامرأة رضي عنها زوجها، ولو ساعة من النهار. يا فاطمة! ما من امرأة رضي عنها زوجها يوماً وليلة، إلا كان لها عند الله أفضل من عبادة سنة واحدة صيامها وقيامها. يا فاطمة! ما من امرأة رضي عنها زوجها ساعة من النهار، إلا كتب الله لها بكل شعرة في جسمها حسنة، ومحا عنها بكل شعرة سيئة. يا فاطمة! إن أفضل عبادة المرأة في شدة الظلمة أن تلتزم بيتها. يا فاطمة! امرأة بلا زوج كدار بلا باب، امرأة بلا زوج كشجرة بلا ثمرة. يا فاطمة! جلسة بين يدي الزوج أفضل من عبادة سنة، وأفضل من طواف، إذا حملت المرأة تستغفر لها الملائكة في السماء والحيتان في البحر، وكتب الله لها في كل يوم ألف حسنة، ومحا عنه ألف سيئة. فإذا أخذها الطلق كتب الله لها ثواب المجاهدين، وثواب الشهداء والصالحين، وغسلت من ذنوبها كيوم ولدتها أمها، وكتب الله لها ثواب سبعين حجة، فإن أرضعت ولدها كتب لها بكل قطرة من لبنها حسنة، وكفر عنها سيئة، واستغفرت لها الحور العين في جنات النعيم. يا فاطمة! ما من امرأة عبست في وجه زوجها إلا غضب الله عليها وزبانية العذاب. يا فاطمة! ما من امرأة قالت لزوجها أُفٍّ لك، إلا لعنها الله من فوق العرش والملائكة والناس أجمعين. يا فاطمة! ما من امرأة خففت عن زوجها من كآبته درهماً واحداً إلا كتب الله لها بكل درهم واحد قصرا في الجنة. يا فاطمة! ما من امرأة صلت فرضها ودعت لنفسها ولم تدع لزوجها إلا رد الله عليها صلاتها، حتى تدعو لزوجها. يا فاطمة! ما من امرأة غضب عليها زوجها ولم تسترض منه حتى يرضى إلا كانت في سخط الله وغضبه حتى يرضى عنها زوجها. يا فاطمة! ما من امرأة لبست ثيابها وخرجت من بيتها بغير إذن زوجها إلا لعنها كل رطب ويابس حتى ترجع إلى بيتها. يا فاطمة! ما من امرأة نظرت إلى زوجها ولم تضحك له إلا غضب عليها في كل شيء. يا فاطمة! ما من امرأة كشفت وجهها بغير إذن زوجها إلا أكبها الله على وجهها في النار. يا فاطمة! ما من امرأة أدخلت إلى بيتها ما يكره زوجها إلا أدخل الله في قبرها سبعين حية وسبعين عقربة، يلدغونها إلى يوم القيامة. يا فاطمة! ما من امرأة صامت صيام التطوع ولم تستشر زوجها إلا رد الله صيامها. يا فاطمة! ما من امرأة تصدقت من مال زوجها، إلا كتب الله عليها ذنوب سبعين سارقاً. فقالت له فاطمة الزهراء: يا أبتاه متى تدرك النساء فضل المجاهدين في سبيل الله تعالى؟ فقال لها: ألا أدلك على شيء تدركين به المجاهدين، وأنت في بيتك؟ فقالت: نعم يا أبتاه. فقال: تصلين في كل يوم ركعتين تقرئين في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة، وقل هو الله أحد ثلاث مرات، فمن فعل ذلك كتب الله له ولها ثواب المجاهدين في سبيل الله تعالى) ]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا حديث كذب مختلق مصنوع على النبي صلى الله عليه وسلم، لا تحل روايته، ولا يجوز نقله ولا التحديث به إلا على سبيل التحذير منه، وليتق الله كل من يشارك في نشر مثل هذه الأحاديث، فإن خصمهم يوم القيامة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي حذرهم من الكذب عليه، وأخبر أن من كذب عليه فسيتبوأ مقعده من النار. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 132053 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 127 هل صح أن الله عز وجل يستحيي أن يعذب شيبة شابت في الإسلام؟ [السُّؤَالُ] ـ[سمعت أحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله يستحي أن يعذب شيبة في الإسلام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخبر بذلك، وما روي فيه عن الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه فهو ضعيف لا يصح، وهذا بيان ذلك: عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يقول الله تبارك وتعالى: إني لأستحيي من عبدي وأمتي يشيبان في الإسلام فتشيب لحية عبدي ورأس أمتي في الإسلام أعذبهما في النار بعد ذلك) قال الشيخ الألباني رحمه الله: " ضعيف جداً، أخرجه أبو يعلى في (مسنده) (2764) ، وابن حبان في (الضعفاء) (1/168) ، وابن عدي في (الكامل) (1 / 349 - 350) من طريق سويد بن عبد العزيز، عن نوح بن ذكوان، عن أخيه أيوب بن ذكوان، عن الحسن، عن أنس مرفوعاً. وقال ابن حبان: (منكر باطل، لا أصل له) قلت – أي الشيخ الألباني -: وهو مسلسل بثلاثة ضعفاء على نسق واحد، آخرهم أشدهم ضعفاً، وهو سويد. وقال ابن عدي: (وأيوب بن ذكوان عامة ما يرويه لا يتابع عليه) . وقال الهيثمي في (المجمع) (5 / 159) : (رواه أبو يعلى، وفيه نوح بن ذكوان وغيره من الضعفاء) ولم يتفرد به؛ فقد رواه يحيى بن خذام قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن زياد أبو سلمة الأنصاري قال: ثنا مالك بن دينار عن أنس به نحوه. أخرجه ابن حبان أيضاً (2 / 267) ، وأبو نعيم في (الحلية) (2 / 387 - 388) وقال: (لم يروه عن مالك إلا أبو سلمة الأنصاري، تفرد به عنه يحيى بن خذام) . العلة من أبي سلمة، وفي ترجمته ساق الحديث ابن حبان، وقال: (منكر الحديث جدًّا، يروي عن الثقات ما ليس من أحاديثهم) . والحديث؛ أورده ابن الجوزي في (الموضوعات) (1 / 177 - 178) من طريق ابن حبان من الوجهين عن أنس. ونقل كلامه المتقدم وأقره. وأما السيوطي في (اللآلئ) (1 / 133 - 137) فقد ... جمع فيه ما هب ودب من الطرق، حشرها حشراً دون أن يتكلم عليها ببيان حالها! وهي كما قال المعلمي في تعليقه على (الفوائد المجموعة) (ص 480) : (كلها هباء) . ثم بيَّن – أي المعلمي رحمه الله - عللها واحدة بعد أخرى، ثم قال: (ويكفي في هذا الباب قول الله تبارك وتعالى: (والله لا يستحي من الحق) " انتهى باختصار. على أنه قد وردت أحاديث عدة في فضل من شاب في الإسلام، فمن ذلك: ما رواه الترمذي (1635) ، والنسائي (3142) عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ شَابَ شَيْبَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ) . وصححه الألباني. وينظر روايات أخرى حول ذلك في: "صحيح الترغيب والترهيب". والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 132002 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 128 حكم الدعاء بالصيغة التي جاءت في حديث ضعيف [السُّؤَالُ] ـ[إذا ورد دعاء في حديث ضعيف أو موضوع ليس فيه محظور شرعي، فهل يجوز الدعاء به من باب الاستفادة من الصيغة، لا من باب التعبد به؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الدعاء نوعان: النوع الأول: دعاء مقيد بزمان أو مكان أو عبادة أو عدد أو فضيلة: كدعاء استفتاح الصلاة، ودعاء دخول الخلاء، والأدعية التي تقال عند النوم، أو دعاء دخول المسجد ونحو ذلك. فهذا النوع لا يجوز فيه استحداث دعاء آخر غير ما ورد به الشرع، فكما أنه يشترط فيه إخلاصه لله عز وجل ليكون مقبولا، فكذلك يشترط فيه المتابعة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وأما اتخاذ ورد غير شرعي، واستنان ذكر غير شرعي فهذا مما ينهى عنه، ومع هذا ففي الأدعية الشرعية والأذكار الشرعية غاية المطالب الصحيحة، ونهاية المقاصد العلية، ولا يعدل عنها إلى غيرها من الأذكار المحدثة المبتدعة إلا جاهل أو مفرط أو متعد" انتهى. "مجموع الفتاوى" (22/511) . وقال العلامة المعلمي رحمه الله: "وما أخسر صفقة من يَدَعِ الأدعيةَ الثابتة في كتاب الله عز وجل أو في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يكاد يدعو بها، ثم يعمد إلى غيرها فيتحراه ويواظب عليه، أليس هذا من الظلم والعدوان؟! " انتهى. "العبادة" (524) . والذي ينبغي هو التزام ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث الصحيحة من الأدعية التي يدعى بها في الأوقات والأحوال المختلفة. ولهذا اعتنى أهل العلم بجمع الأدعية المأثورة لتكون بين أيدي الناس وفي متناولهم، فيستغنوا بها عن الأدعية المبتدعة التي لم تثبت. قال الإمام الطبراني رحمه الله في مقدمة كتابه "الدعاء" (22) : "هذا كتاب ألفته جامعا لأدعية رسول الله صلى الله عليه وسلم، حداني على ذلك أني رأيت كثيرا من الناس قد تمسكوا بأدعية سجع، وأدعية وضعت على عدد الأيام مما ألفها الوَرَّاقون، لا تروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من أصحابه، ولا عن أحد من التابعين بإحسان، مع ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكراهية للسجع في الدعاء والتعدي فيه، فألفت هذا الكتاب بالأسانيد المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم" انتهى. وانظر جواب السؤال رقم (11017) . أما النوع الثاني: فهو الدعاء المطلق: وهو الذي يدعو به الإنسان في الأحوال أو الأوقات التي لم يرد فيها دعاء معين في الشرع، مثل الدعاء في الثلث الأخير من الليل ونحوه. فهذا ليس فيه دعاء معين مقيد من الشرع، بل هو متروك لنفس كل داع، يسأل الله تعالى حاجته، وفي هذا النوع لا حرج من الاستفادة من أدعية الصالحين، أو صيغ الدعاء الواردة في بعض الأحاديث الضعيفة، إذ قد يكون فيها من جوامع الكلم، وحسن الثناء على الله، وحسن المسألة ما يقربها إلى قلب المسلم، بشرط ألا يكون في هذه الصيغ نكارة، وألا يعتقد لها فضيلة معينة، وألا يلازم الدعاء بها، فلو دعا بها أحيانا فلا حرج في ذلك؛ لأنه بالتزامها يعطيها مرتبة السنة. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131985 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 129 حديث: (إن عمر لحسنة من حسنات أبي بكر) حديث موضوع [السُّؤَالُ] ـ[أرجو بيان درجة الحديث الوارد في " الغرر في فضائل عمر رضي الله عنه " لجلال الدين السيوطي، الحديث الأربعون: عن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا عمار! أتاني جبريل آنفاً فقلت: يا جبريل حدثني بفضائل عمر بن الخطاب في السماء فقال: يا محمد! لو حدثتك بفضائل عمر منذ ما لبث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما ما نفدت فضائل عمر، وإن عمر لحسنة من حسنات أبي بكر) أخرجه أبو يعلى والطبراني في الكبير والأوسط.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث يرويه الطبراني في "المعجم الأوسط" (2/158) ، وأبو يعلى في "المسند" (3/179) ، من طريق: الوليد بن الفضل العنزي قال: نا إسماعيل بن عبيد بن نافع العجلي، عن حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عمار بن ياسر رضي الله عنه به. وقال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن حماد إلا إسماعيل، تفرد به الوليد" انتهى. والوليد بن الفضل العنزي، قال ابن حبان في "المجروحين" (3/82) في ترجمته: "شيخ، يروي عن عبد الله بن إدريس وأهل العراق المناكير التي لا يشك من تبحر في هذه الصناعة أنها موضوعة، لا يجوز الاحتجاج به بحال إذا انفرد" انتهى. وفيه أيضا: إسماعيل بن عبيد العجلي البصري، ضعيف كما في "ميزان الاعتدال" (1/238) . ولذلك حكم الأئمة على هذا الحديث بأنه موضوع مكذوب. قال أبو حاتم: "هذا حديث باطل موضوع، اضرب عليه" انتهى. "العلل" (2/385) . وقال الإمام أحمد: "لا أعرف إسماعيل بن نافع، هذا حديث موضوع" انتهى. "المنتخب من العلل" للخلال (108) . وحكم عليه بالوضع ابن الجوزي في "الموضوعات" (1/321) ، وابن القيم في "المنار المنيف" (ص/115) ، والذهبي في "ميزان الاعتدال" (1/238) . وفضائل أبي بكر وعمر عمر بن الخطاب رضي الله عنهما الصحيحة كثيرة ومشهورة لا تخفى، ولا تحتاج إلى هذا الحديث الموضوع لإثباتها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131542 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 130 حديث: (من صلى علي صلاة صلى الله عليه ألف صلاة) [السُّؤَالُ] ـ[ما صحة هذا الحديث: قال النبي صلى الله عليه وآله: (من صلى عليه صلاةً صلى الله عليه ألف صلاة , ومن صلى عليه عشراً كانت له نوراً يوم القيامة، ومن صلى عليه ألف صلاةً كاملة كانت له شفيعاً يوم القيامة، ومن صلىّ عليه في كل يوم ألف صلاة لم يعذب في قبره ولو كانت ذنوبه كزبد البحر) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لم نجد هذا الحديث في شيء كتب السنة التي بين أيدينا، ولم نقف على نقله عند أحد من أهل العلم، فلا تجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم. والظاهر: أنها مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم، ومما يدل على ذلك: أنه مخالف لما ثبت في الصحيح، فمما ثبت في السنة الصحيحة أن من صلى على النبي صلى الله عليه وسلم صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشر مرات، وليس ألف مرة. فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا) رواه مسلم (384) . والمشروع للمؤمن أن يكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، بقدر استطاعته، لما يترتب على ذلك من عظيم الثواب في الدنيا والآخرة. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: "الإكثار من ذكر الله والاستغفار والصلاة والسلام على رسول الله من أعظم الأسباب في طمأنينة القلوب وراحتها , وفي السكون إلى الله سبحانه وتعالى والأنس به سبحانه , وزوال الوحشة والذبذبة والحيرة , لكن ليس للاستغفار حد محدود , ولا للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم حد محدود , بل المشروع أن تكثر من الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم , ولا يتعين عدد معين , وتستغفر كثيرا مائة أو أكثر أو أقل , أما التحديد بمائة فليس له أصل، ولكنك تكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قائما وقاعدا , في الليل والنهار , وفي الطريق وفي البيت؛ لأن الله جل وعلا قال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا) ، فأكثر من ذلك وأبشر بالخير، وليس هناك حد محدود، تصلي على النبي ما تيسر: عشرا أو أكثر أو أقل، على حسب التيسير، من غير تحديد" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (11/209) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131518 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 131 أحاديث مكذوبة في فضائل المعلم [السُّؤَالُ] ـ[هل هذا الحديث الوارد عن الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وهو: (خير الناس، وخير من يمشي على وجه الأرض، المعلمون لكتاب الله، فإنهم كلما خلق الدين جددوه، أعطوهم ولا تشاحوهم، فإن المعلم إذا قال للصبي قل: " بسم الله الرحمن الرحيم " فقالها كتب الله براءة للصبي، وبراءة للمعلم، وبراءة لأبويه من النار) ومنه: (ثلاثة لا يهولهم الفزع الأكبر، ولا ينالهم الحساب، وهم على كثيب من مسك حتى يفرغ من حساب الخلائق: رجل قرأ القرآن ابتغاء وجه الله وأم به قوما هم به راضون، وداع يدعو إلى الصلاة ابتغاء وجه الله، وعبد أحسن فيما بينه وبين ربه وفيما بينه وبين مواليه) وكذلك عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال في حجة الوداع: (اللهم اغفر للمعلمين، وأطل أعمارهم، وبارك لهم في كسبهم ومعاشهم) وقال: (اللهم اغفر للمعلمين، وأطل أعمارهم، وأظلهم تحت ظلك، فإنهم يعلمون كتابك) ]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لمعلم الخير والقرآن في ديننا مكانة عظيمة، ومنزلة عالية لا تكاد تعدلها منزلة أخرى، إذ التعليم وظيفة الأنبياء وعمل الرسل الكرام، وأي فضيلة أعظم من حمل ميراث الأنبياء وتقسيمه بين الناس. ويكفي لبيان فضله قول النبي صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ) رواه البخاري (5027) . وأما الأحاديث الواردة في السؤال: فهي غير صحيحة، ولم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم. أما الحديث الأول فيروى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المعلمون خير الناس، كلما خلق الذكر جدوده، عظموهم، ولا تستأجروهم فتحرجوهم، فإن المعلم إذا قال للصبي قل: (بسم الله الرحمن الرحيم) ، وقال الصبي: (بسم الله الرحمن الرحيم) كتب الله براءة للصبي، وبراءة لوالديه، وبراءة للمعلم من النار) رواه ابن مردويه – كما عزاه إليه غير واحد -، ومن طريقه ابن الجوزي في " التحقيق في أحاديث الخلاف " (2/219) ثم قال: "هذا الحديث لا يجوز الاحتجاج به لأنه من عمل أحمد بن عبد الله الهروي، وهو الجويباري، وكان كذابا يضع الحديث" انتهى. وكذا حكم عليه بالوضع كل من المزي، وابن عبد الهادي، والذهبي كما في "تنقيح تحقيق التعليق" (3/67) ، والشوكاني في "الفوائد المجموعة" (276) . وأما ح ديث: (ثلاثة لا يهولهم الفزع الأكبر .... إلخ) فقد رواه الطبراني وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (2578) . وظاهرٌ أن الحديث ليس في فضل معلم القرآن. وأما حديث: (اللهم اغفر للمعلمين - ثلاثا -، وأطل أعمارهم، وبارك لهم في كسبهم) فرواه الديلمي في "مسند الفردوس" (1/500) ، ورواه الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" (3/63) ، ومن طريقه ابن الجوزي في "الموضوعات" (1/221) في "باب ثواب المعلمين" عن ابن عباس رضي الله عنهما، من طريق أصرم بن حوشب عن نهشل بن سعيد، وكلاهما كذاب أو متهم بالكذب، انظر "تهذيب التهذيب" (10/479) ، "ميزان الاعتدال" (1/272) . ولذلك تواردت كتب الموضوعات على ذكر هذا الحديث والحكم عليه بالوضع، منهم الخطيب البغدادي، وابن الجوزي، والسيوطي في "اللآلئ المصنوعة" (1/253) ، وابن عراق في "تنزيه الشريعة" (287) ، والشوكاني في "الفوائد المجموعة" (276) ، وملا علي القاري في "الأسرار المرفوعة" (107) ، وغيرهم. وأما حديث: (اللهم اغفر للمعلمين، وأطل أعمارهم، وأظلهم تحت ظلك، فإنهم يعلمون كتابك) . فهذا يرويه الخطيب البغدادي أيضا في "تاريخ بغداد" (12/399) ، ومن طريقه ابن الجوزي في "الموضوعات" (1/221) من طريق محمد بن الفرخان: قال الخطيب البغدادي: غير ثقة. وقال الذهبي رحمه الله: "ومحمد بن الفرخان افتراه، وألصقه بابن عرفة بسند الصحيحين، وزاد فيه: (وأظلهم تحت عرشك) " انتهى. "تلخيص الموضوعات" (ص/57) . وإتماما للفائدة فقد ذكر الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله مجموعة من الأحاديث الموضوعة في فضل المعلم، فقال: "ومنها حديث: (اللهم اغفر للمعلمين لا يذهب القرآن وأعز العلماء لا يذهب الدين) وهو موضوع ومنها حديث: (من علم عبدًا آية من الكتاب فهو له عبد) قال الحافظ ابن تيمية: هو موضوع , وقد رواه الطبراني. ومنها حديث: (الأنبياء قادة , والفقهاء سادة , ومجالستهم زيادة) قال الصغاني: موضوع , ونقول: إنه زاد في مدح الفقهاء على مدح الأنبياء , وظاهره أن الواضع يريد المشتغلين بعلم الأحكام الظاهرة , ولم يكن يسمى هذا فقهًا في العصر الأول كما أنه لم يكن يومئذ في المسلمين صنف يلقبون بالفقهاء. ومنها حديث: (سأل النبي صلى الله عليه وسلم سائل عن علم الباطن: ما هو؟ فقال: سألت جبريل عنه , فقال: يقول الله: هو بيني وبين أحبائي وأوليائي وأصفيائي أودعه في قلوبهم , لا يطلع عليه أحد لا ملك مقرب ولا نبي مرسل) . ذكره في الذيل عن حذيفة مرفوعا. قال الحافظ ابن حجر: هو موضوع. ونقول: إن فيه من الضلالة أن الله يهب لهؤلاء الأولياء المعارف التي لا يهبها للأنبياء والملائكة على الإطلاق , والظاهر أن واضعه من مشايخ الطريق الدجالين. ومنها حديث: (من خرج في طلب العلم؛ حفته الملائكة بأجنحتها، وصلت عليه الطير في السماء والحيتان في البحار , ونزل في السماء منازل سبعين من الشهداء) . قالوا: في إسناده كذاب. ومنها حديث: (من تعلم بابًا من العلم ليعلمه الناس ابتغاء وجه الله؛ أعطاه الله أجر سبعين نبيًّا) . قالوا: في إسناده متروك. ونقول: قاتل الله أمثال هذا الواضع، فإنهم لم يزاحموا إلا الأنبياء عليهم السلام. ومنها حديث: (إن أهل الجنة ليحتاجون إلى العلماء) إلخ ما هو مذكور في الإحياء وغيره , قال الحافظ الذهبي في الميزان: إنه موضوع. ومنها حديث: (طلب العلم ساعة خير من قيام ليلة , وطلب العلم يومًا خير من عبادة ثلاثة أشهر) . في إسناده كذاب , وكأنه أراد أن يعتذر عن عدم عبادته. ومنها حديث: (إذا جلس المتعلم بين يدي المعلم؛ فتح الله عليه سبعين بابًا من الرحمة) إلخ , وهو موضوع. ومنها حديث: (من زار العلماء فقد زارني، ومن صافح العلماء فقد صافحني، ومن جالس العلماء فكأنما جالسني، ومن جالسني في الدنيا أجلس إليّ يوم القيامة) في إسناده كذاب. ومنها حديث: (الشيخ في قومه كالنبي في أمته) . جزم ابن حجر وغيره بأنه موضوع. ومنها الحديث المشهور الذي يعلقه كثير من العلماء فوق رؤوسهم بالخط العريض تنبيهًا للناس على علو مقامهم وهو: (علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل) . قال ابن بحر الزركشي: لا أصل له " انتهى. " مجلة المنار " (3/657) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131304 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 132 ح ديث: (ثلاثة لا يهولهم الفزع الأكبر) [السُّؤَالُ] ـ[هل هذا الحديث الوارد عن الرسول صلى الله عليه وسلم صحيح وهو: (ثلاثة لا يهولهم الفزع الأكبر، ولا ينالهم الحساب، وهم على كثيب من مسك حتى يفرغ من حساب الخلائق: رجل قرأ القرآن ابتغاء وجه الله وأم به قوما هم به راضون، وداع يدعو إلى الصلاة ابتغاء وجه الله، وعبد أحسن فيما بينه وبين ربه وفيما بينه وبين مواليه) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: هذا الحديث يروى عن جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم: الحديث الأول: عن ابن عمر رضي الله عنهما، ولفظه: (ثَلَاثَةٌ عَلَى كُثْبَانِ الْمِسْكِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: عَبْدٌ أَدَّى حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ، وَرَجُلٌ أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ بِهِ رَاضُونَ، وَرَجُلٌ يُنَادِي بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ) . وقد جاء عنه من طريقين: الطريق الأول: رواه الإمام أحمد في "المسند" (2/26) ، والبخاري في "التاريخ الكبير" (6/105) ، والترمذي في "الجامع" (1986) ، والطبراني في "المعجم الأوسط" (10/129) ، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (9/320) ، والبيهقي في "شعب الإيمان" (4/451) جميعهم من طريق: أبي اليقظان، عن زاذان، عن عبد الله بن عمر مرفوعاً. وهذا السند ضعيف، بسبب أبي اليقظان واسمه عثمان بن قيس، قال فيه يحيى بن معين: ليس حديثه بشيء. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث منكر الحديث. وقال الدارقطني: متروك. انظر: "تهذيب التهذيب" (7/146) . الطريق الثاني: رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (12/433) ، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (3/318) وغيره من طريق: الحارث بن مسلم، ثنا بحر بن كثير، عن الحجاج بن فرافصة، عن الأعمش، عن عطاء، عن ابن عمر. وهذا السند ضعيف جدا أيضا بسبب بحر بن كثير السقا، قال فيه الذهبي في "الضعفاء" (1/192) : "كان ممن فحش خطؤه، وكثر وهمه؛ حتى استحق الترك" انتهى. الحديث الثاني: عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما، ولفظ حديثهما: (ثلاثة على كثيب من مسك أسود يوم القيامة، لا يهولهم الفزع، ولا ينالهم الحساب: رجل قرأ القرآن ابتغاء وجه الله وأم به قوما وهم به راضون. ورجل أذن في مسجد دعا إلى الله ابتغاء وجه الله. ورجل ابتلي بالرق في الدنيا فلم يشغله ذلك عن طلب الآخرة) . رواه البيهقي في "شعب الإيمان" (3/382) ، والخطيب في "تاريخ بغداد" (3/355) من طريق: الفضل بن ميمون السلمي، عن منصور بن زاذان، عن زاذان أبي عمر الكندي، قال: سمعت أبا سعيد وأبا هريرة رضي الله عنهما. وهذا السند ضعيف جدا أيضا، فيه الفضل بن ميمون، جاء في ترجمته في "لسان الميزان" (4/451) : "الفضل بن ميمون، أبو سلمة، شيخ لعارم، قال أبو حاتم: منكر الحديث، سمع معاوية بن قرة وجماعة. قال بن المديني: لم يزل عندنا ضعيفا. انتهى، وضعفه الدارقطني في العلل، وأبو نعيم الأصبهاني، وغيرهما" انتهى. فالحاصل: أن هذا الحديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد نص جماعة من الأئمة والعلماء على تضعيفه، كالإمام البخاري رحمه الله في "التاريخ" (6/105) . والدارقطني في "العلل" (13/159) . وابن عساكر في "معجم الشيوخ" (2/147) وابن حجر في "نتائج الأفكار" (1/319) . والشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (6812) ، وضعفه محققو مسند الإمام أحمد في طبعة مؤسسة الرسالة (8/418) . ثانياً: أما مضمون الحديث، فقد جاء بذكر فضائل ثلاثة من الأعمال الجليلة، وهذه الأعمال لا تتوقف فضيلتها على هذا الحديث الضعيف، بل أجرها مستقر بأدلة وشواهد أخرى: 1- أما الإمامة في الصلاة: فيقول الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: " هذه الوظيفة الدينية المهمة التي تولاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه، وتولاها خلفاؤه الراشدون ... ولهذا كان بعض الصحابة رضي الله عنهم يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: اجعلني إمام قومي؛ لما يعلمون في ذلك من الفضيلة والأجر. لكن مع الأسف الشديد؛ نرى في وقتنا هذا كثيرًا من طلبة العلم يرغبون عن الإمامة، ويزهدون فيها، ويتخلون عن القيام بها؛ إيثارًا للكسل وقلة رغبة في الخير، وما هذا إلا تخذيل من الشيطان، فالذي ينبغي لهم القيام بها بجد ونشاط واحتساب للأجر عند الله؛ فإن طلبة العلم أولى بالقيام بها وبغيرها من الأعمال الصالحة " انتهى باختصار. " الملخص الفقهي " (1/215-216) . 2- وأما الأذان، فقد سبق بيان فضائله في جواب السؤال: (70472) . 3- وأما إحسان العبد إلى مولاه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا أَدَّى الْعَبْدُ حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ كَانَ لَهُ أَجْرَانِ) رواه مسلم (1666) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131303 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 133 هل يجوز الذكر بما ورد في أحاديث ضعيفة؟ [السُّؤَالُ] ـ[أرجو إفادتي في حكم قول بعض أذكار الصباح والمساء التي حكم بعض العلماء ومنهم الشيخ الألباني بضعفها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه المسألة مشهورة بين أهل العلم باسم: " حكم العمل بالأحاديث الضعيفة في فضائل الأعمال "، وقد اختلفت فيها أقوال المحدثين والفقهاء قديماً وحديثاً. والذي نراه أقرب للصواب إن شاء الله هو أن الحديث الضعيف لا يعمل به في فضائل الأعمال ولا في غيرها، وقد سبق اختيار هذا القول في جواب السؤال رقم: (44877) ، (49675) ، (98780) ، (85609) . وقد اختار هذا القول جماعة من أهل العلم، منهم الإمام مسلم في مقدمة صحيحه حيث قال: "الأخبار في أمر الدين إنما تأتي بتحليل أو تحريم، أو أمر أو نهي، أو ترغيب أو ترهيب: فإذا كان الراوي لها ليس بمعدن للصدق والأمانة، ثم أقدم على الرواية عنه مَن قد عرفه ولم يبين ما فيه لغيره ممن جهل معرفته؛ كان آثماً بفعله ذلك، غاشاً لعوام المسلمين؛ إذ لا يؤمن على بعض من سمع تلك الأخبار أن يستعملها أو يستعمل بعضها، ولعلها أو أكثرها أكاذيب لا أصل لها" انتهى. قال ابن رجب رحمه الله: "ظاهر ما ذكره مسلم في مقدمة كتابه يقتضي أنه لا تُروى أحاديث الترغيب إلا عمن تروى عنه الأحكام" انتهى. "شرح علل الترمذي" (1/373) . وهذا ظاهر قول ابن حبان رحمه الله في مقدمة كتابه "المجروحين"، واختاره أكثر علمائنا المعاصرين. قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: "الأحاديث الضعيفة لا يُستدل بها، ولا يجوز أن تنسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا على وجه يُبيَّن فيه أنها ضعيفة، ومَن حدَّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث يُرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) ، فلا يجوز العمل بالحديث الضعيف. لكن بعض أهل العلم رخص في ذكر الحديث الضعيف بشروط ثلاثة: الشرط الأول: ألا يكون ضعفه شديداً. والشرط الثاني: أن يكون له أصل. والشرط الثالث: أن لا يعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله. فإن كان الضعف شديداً فإنه لا يجوز ذكر الضعيف أبداً إلا إذا كان الإنسان يريد أن يبين ضعفه، وإذا كان ليس له أصل فإنه لا يجوز ذكره أيضاً. مثال الذي له أصل: أن يأتي حديث في فضل صلاة الجماعة مثلاً وهو ضعيف، فلا حرج من ذكره هنا للترغيب في صلاة الجماعة؛ لأنه يرغب في صلاة الجماعة ولا يضر؛ لأنه إن كان صحيحاً فقد نال الثواب المرتب عليه، وإن لم يكن صحيحاً فقد استعان به على طاعة الله. لكن مع ذلك يأتي الشرط الثالث: أن لا تعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله، ولكن ترجو أن يكون قاله من أجل ما ذكر فيه من الثواب. على أن بعض أهل العلم قال: إن الحديث الضعيف لا يجوز ذكره مطلقاً إلا مقروناً ببيان ضعفه. وهذا القول لا شك أنه أحوط، وأسلم للذمة، ومسألة الترغيب والترهيب يكفي فيها الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم" انتهى. "فتاوى نور على الدرب" (مصطلح الحديث) . وقال الشيخ الألباني رحمه الله: "ومن المؤسف أن نرى كثيراً من العلماء - فضلاً عن العامة - متساهلين بهذه الشروط، فهم يعملون بالحديث دون أن يعرفوا صحته من ضعفه، وإذا عرفوا ضعفه لم يعرفوا مقداره، وهل هو يسير أو شديد يمنع العمل به، ثم هم يشهرون العمل به كما لو كان حديثاً صحيحاً، ولذلك كثرت العبادات التي لا تصح بين المسلمين، وصرفتهم عن العبادات الصحيحة التي وردت بالأسانيد" انتهى. "تمام المنة" (ص/36) . وقد بَيَّن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن الذين أجازوا العمل بالحديث الضعيف من الحفاظ والمحدثين المتقدمين لم يقصدوا إثبات استحباب الإتيان بأذكار معينة بأعداد مخصوصة وأوقات مخصوصة إذا وردت في أحاديث ضعيفة، وإنما أرادوا أنه إذا ورد حديث ضعيف يبين مقدار ثواب ذكر معين مثلاً، وكان قد ورد فضل هذا الذكر نفسه في حديث صحيح، أنه يجوز العمل بهذا الذكر مع احتساب الفضل الوارد في الحديث الضعيف، رجاء تحقيقه وتحصيله، أما أن نقول باستحباب عمل – كصلاة التسابيح مثلاً – بدعوى أنها من فضائل الأعمال، والأحاديث الضعيفة يؤخذ بها في فضائل الأعمال: فهذا لم يقل به المحدثون والحفاظ المتقدمون. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ولم يقل أحد من الأئمة: إنه يجوز أن يجعل الشيء واجباً أو مستحباً بحديث ضعيف، ومن قال هذا فقد خالف الإجماع، وهذا كما أنه لا يجوز أن يحرم شيء إلا بدليل شرعي، ولكن إذا عُلم تحريمه، وروي حديث في وعيد الفاعل له، ولم يعلم أنه كذب؛ جاز أن يرويه، فيجوز أن يروي في الترغيب والترهيب ما لم يعلم أنه كذب، لكن فيما علم أن الله رغب فيه أو رهَّب منه بدليل آخر غير هذا الحديث المجهول حاله " انتهى. "مجموع الفتاوى" (1/250) . ويقول أيضا رحمه الله: "إذا ثبت أن العمل مستحب بدليل شرعي، وروي له فضائل بأسانيد ضعيفة: جاز أن تروى إذا لم يعلم أنها كذب. وذلك أن مقادير الثواب غير معلومة، فإذا روي في مقدار الثواب حديث لا يعرف أنه كذب؛ لم يجز أن يُكذِّب به، وهذا هو الذي كان الإمام أحمد بن حنبل وغيره يرخصون فيه وفي روايات أحاديث الفضائل، وأما أن يثبتوا أن هذا عمل مستحب مشروع بحديث ضعيف، فحاشا لله" انتهى. "مجموع الفتاوى" (10/408) . وقال أيضا: "إذا تضمنت أحاديث الفضائل الضعيفة تقديراً وتحديداً؛ مثل صلاة في وقت معين، بقراءة معينة، أو على صفة معينة؛ لم يجز ذلك – أي العمل بها – لأن استحباب هذا الوصف المعين لم يثبت بدليل شرعي، بخلاف ما لو روي فيه: (مَن دخل السوق فقال: لا إله إلا الله كان له كذا وكذا) فإن ذكر الله في السوق مستحب، لما فيه من ذكر الله بين الغافلين، فأما تقدير الثواب المروي فيه فلا يضر ثبوته ولا عدم ثبوته، وفي مثله جاء الحديث الذي رواه الترمذي: (من بَلَغه عن الله شيء فيه فضل فعمل به رجاء ذلك الفضل أعطاه الله ذلك وإن لم يكن ذلك كذلك) " انتهى. "مجموع الفتاوى" (18/67) . وعلى هذا، فأذكار الصباح والمساء أو غيرها من الأذكار المقيدة بوقت أو سبب لا يعمل بها إذا رويت بأحاديث ضعيفة، وفيما ثبت في الأحاديث الصحيحة كفاية. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131106 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 134 قول الناس: (إن الله يجعل قدرته في أضعف مخلوقاته) إنما هو مثل وليس بحديث [السُّؤَالُ] ـ[ما هي صحة الحديث أو القول الذي يتواتر على ألسنة الناس: (إن الله يجعل قدرته في أضعف مخلوقاته) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا ليس بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو مثل مشهور تتناقله ألسنة الناس، يقصدون منه بيان عظيم قدرة الله تعالى، وأن الله تعالى قد يُري للناس كمال قدرته في مخلوق ضعيف من مخلوقاته، فيجعل هذا المخلوق آية واضحة وعلامة ظاهرة على كمال قدرة الله تعالى. وليس المقصود أن نفس قدرة الله تعالى تكون في هذا المخلوق، فإن هذا لا يمكن، أن يتصف مخلوق بصفات الله تعالى. ومن أمثلة ذلك: المثل الذي ضربه الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم عن الذباب، ليبين سبحانه عجز الآلهة المزعومة، وفقرها أن تنصر نفسها من انتقاص الذباب منها، وهو خلق حقير صغير بالنسبة لمخلوقات الله، ولكن عظيم قدرة الله تبدو في كل شيء. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) الحج/73. قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: "يقول تعالى منبها على حقارة الأصنام وسخافة عقول عابديها: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ) أي: لما يعبده الجاهلون بالله المشركون به، (فَاسْتَمِعُوا لَهُ) أي: أنصتوا وتفهموا، (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ) أي: لو اجتمع جميع ما تعبدون من الأصنام والأنداد على أن يقدروا على خلق ذباب واحد ما قدروا على ذلك. وأخرج صاحبا الصحيح، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله عز وجل: (ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي؟ فليخلقوا ذرة، فليخلقوا شعيرة) ثم قال تعالى أيضا: (وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ) أي: هم عاجزون عن خلق ذباب واحد، بل أبلغ من ذلك عاجزون عن مقاومته والانتصار منه، لو سلبها شيئًا من الذي عليها من الطيب، ثم أرادت أن تستنقذه منه لما قدرت على ذلك. هذا والذباب من أضعف مخلوقات الله وأحقرها، ولهذا قال: (ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) قال ابن عباس: الطالب: الصنم، والمطلوب: الذباب. واختاره ابن جرير، وهو ظاهر السياق. وقال السدي وغيره: الطالب: العابد، والمطلوب: الصنم " انتهى. "تفسير القرآن العظيم" (5/453-454) . وقد أظهر الله بعض آياته العظيمة على يد أضعف خلقه، وذلك حين أهلك أبرهة الحبشي لما أراد هدم الكعبة بجيشه الجرار، ولكن الله سبحانه وتعالى أهلك هذا الجيش بواسطة الطير الأبابيل، تحمل في أرجلها حجارة من سجيل، فكانت آية عظيمة إلى يوم القيامة. وقد قال قتادة في تفسير قوله تعالى: (وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ) محمد/4، قال: "إي والله بجنوده الكثيرة، كلُّ خَلْقِه له جند، ولو سلط أضعف خلقه لكان جندا" انتهى. "جامع البيان" (22/158) . ومنه ما يذكره المفسرون في سبب هلاك نمرود الذي ألقى إبراهيم عليه السلام في النار، فقد ذكروا أن الله تعالى أهلكه وجنده بالبعوض. وقد عقد الحافظ أبو الشيخ الأصبهاني في كتابه "العظمة" (4/1509) بابا قال فيه: "ذكر نمرود، وعظم سلطانه، وعتوه، وتمرده، وتسليط الله تعالى أضعف خلقه عليه، احتقارا له، وتهاونا بشأنه" انتهى. وما الأمراض الخطيرة التي يبتلي الله بها العباد إلا مثالا ظاهرا على قهر الإنسان بخلق ضعيف صغير من خلق الله، وهي الجراثيم، فيقف الإنسان عاجزاً عن مدافعتها أو مقاومتها!! وفي جميع ذلك عظة وعبرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130971 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 135 تعريف الحديث المرسل [السُّؤَالُ] ـ[ما هو الحديث المرسل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يسمى الحديث بـ " الحديث المرسل ": إذا كان الذي يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم تابعيا وليس صحابيا، وتمييز الصحابي من التابعي يمكن من خلال كتب الرجال والتراجم. قال الإمام أبو عبد الله الحاكم رحمه الله: " مشايخ الحديث لم يختلفوا في أن الحديث المرسل هو: الذي يرويه المحدِّثُ بأسانيد متصلة إلى التابعي، فيقول التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى. "معرفة علوم الحديث" (67) . وقال ابن عبد البر رحمه الله: " هذا الاسم أوقعوه بإجماع على حديث التابعي الكبير عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثل أن يقول عبيد الله بن عدي بن الخيار، أو أبو أمامة بن سهل بن حنيف، أو عبد الله بن عامر بن ربيعة، ومن كان مثلهم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكذلك من دون هؤلاء، مثل: سعيد بن المسيب، وسالم بن عبد الله، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، والقاسم بن محمد، ومن كان مثلهم. وكذلك علقمة بن قيس، ومسروق بن الأجدع، والحسن، وابن سيرين، والشعبي، وسعيد بن جبير، ومن كان مثلهم من سائر التابعين الذين صح لهم لقاء جماعة من الصحابة ومجالستهم. فهذا هو المرسل عند أهل العلم. ومثله أيضا مما يجرى مجراه عند بعض أهل العلم مرسل من دون هؤلاء، مثل: حديث ابن شهاب، وقتادة، وأبي حازم، ويحيى بن سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم، يسمونه مرسلا، كمرسل كبار التابعين " انتهى. " التمهيد " (1/19-20) . ومن الضروري التنبيه على أن المحدثين – وخاصة المتقدمين منهم – يطلقون على كل انقطاع في السند إرسالا: يقول الخطيب البغدادي رحمه الله: " المرسل: ما انقطع إسناده، بأن يكون في رواته من لم يسمعه ممن فوقه، إلا أن أكثر ما يوصف بالإرسال من حيث الاستعمال: ما رواه التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى. " الكفاية " (ص/21) [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130686 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 136 حديث قدسي مكذوب يصف حال الجنين في رحم أمه [السُّؤَالُ] ـ[وصلني هذا الحديث على الإيميل، وأريد التأكد من صحته وشكرا: حديث قدسي تقشعر له الأبدان، تتجلى عظمة الخالق.. في الحديث القدسي الشريف قال سبحانه وتعالى: قال سبحانه وتعالى: (يا ابن آدم! جعلتك في بطن أمك، وغشيت وجهك بغشاء لئلا تنفر من الرحم، وجعلت وجهك إلى ظهر أمك لئلا تؤذيك رائحة الطعام، وجعلت لك متكأ عن يمينك، ومتكأ عن شمالك، فأما الذي عن يمينك فالكبد، وأما الذي عن شمالك فالطحال، وعلمتك القيام والقعود في بطن أمك، فهل يقدر على ذلك غيري، فلما أن تمَّت مُدَّتك، وأوحيت إلى الملك بالأرحام أن يخرجك فأخرجك على ريشة من جناحه، لا لك سن تقطع، ولا يد تبطش، ولا قدم تسعى، فأبعث لك عرقين رقيقين في صدر أمك يجريان لبنا خالصا، حارا في الشتاء، وباردا في الصيف، وألقيت محبتك في قلبي أبويك فلا يشبعان حتى تشبع، ولا يرقدان حتى ترقد، فلما قوي ظهرك، واشتد أزرك، بارزتني بالمعاصي في خلواتك، ولم تستح مني، ومع هذا إن دعوتني أجبتك، وإن سألتني أعطيتك، وإن تبت إلي قبلتك) ]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا حديث مكذوب موضوع، لا تجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لم ينقله أهل العلم في كتبهم، ولا عرفوه في علمهم، وإنما جاء بسند ضعيف عن محمد بن كعب القرظي قال: " قرأت في التوراة - أو قال في صحف إبراهيم الخليل - فوجدت فيها: يقول الله: يا ابن آدم! ما أنصفتني، خلقتك ولم تك شيئا، وجعلتك بشرا سويا، خلقتك من سلالة من طين، فجعلتك نطفة في قرار مكين، ثم خلقت النطفة علقة، فخلقت العلقة مضغة، فخلقت المضغة عظاما، فكسوت العظام لحما، ثم أنشأتك خلقا آخر ... ". ثم ذكره، بنحو مما ورد في السؤال. رواه أبو نعيم في " حلية الأولياء " (10/399) بسند فيه راوٍ اسمه: موسى بن عبيدة الربذي، وقد اتفقت كلمة أئمة الحديث على تضعيف هذا الراوي. انظر " تهذيب التهذيب " (10/359) وبهذا يتبين أن هذه التفاصيل الواردة في الأثر غير ثابتة، وكثير منها منكرة غير صحيحة، منها قوله: (وجعلت وجهك إلى ظهر أمك لئلا تؤذيك رائحة الطعام) : ومعلوم أن مكان الجنين مفصول تماما عن مكان الطعام، فلا تصله رائحته أصلا. ومنها قوله: (وجعلت لك متكأ عن يمينك، ومتكأ عن شمالك، فأما الذي عن يمينك فالكبد، وأما الذي عن شمالك فالطحال) وليس الكبد ولا الطحال متكأ للجنين. ومنها قوله: (وأوحيت إلى الملك بالأرحام أن يخرجك فأخرجك على ريشة من جناحه) وخروج الجنين من بطن أمه على ريشة من جناح الملك لم يرد في الأحاديث الصحيحة، والمعلوم المشاهد أنه ينزل من بطن أمه بالولادة. وانظر جواب السؤال رقم: (128797) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130666 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 137 تعريف الحديث الغريب [السُّؤَالُ] ـ[ما هو الحديث الغريب..أفيدونا جزاكم الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحديث الغريب هو الذي وقع فيه وجه من وجوه التفرد. ووجوه التفرد كثيرة، أهمها وجهان: 1- تفرد مطلق: وهو أن ينفرد راو معين – في أي طبقة من طبقات السند – برواية هذا الحديث، ولا يشاركه فيها أحد، فيكون الحديث الغريب حينئذ هو: الحديث الذي لا يُعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بإسناد واحد. مثاله: حديث: (إنما الأعمال بالنيات) هذا الحديث ليس له إلا إسناد واحد مستقيم، يرويه يحيى بن سعيد الأنصاري، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن علقمة بن وقاص الليثي، عن عمر بن الخطاب. 2- تفرد نسبي: هو أن يتفرد أحد الرواة برواية حديث معين عن شيخه، ولا يشاركه في الرواية عن شيخه أحد، رغم أن الحديث مروي من طرق عدة، وأن هذا الشيخ قد تابعه كثيرون، غير أن تلاميذ هذا الشيخ لم يرو أحد منهم الحديث عنه إلا راو واحد. ومن مثاله: ما رواه عيسى بن موسى غُنْجارٌ، عن أبي حمزة السكري، عن الأعمش، عن أبي أيوب السَّختياني، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسموا العنب الكرْم) قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن الأعمش إلا أبو حمزة السكري. فانظر كيف تفرد أبو حمزة السكري برواية هذا الحديث عن الأعمش، فكان تفرده بالنسبة لشيخه الأعمش، وليس تفردا مطلقا، فقد روي الحديث من طرق كثيرة عن جماعة من الصحابة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130524 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 138 حديث لا أصل له في أن الأكل والشرب عورتان [السُّؤَالُ] ـ[" الأكل والشرب عورتان، فاستروهما "، هل هو حديث صحيح؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله بعد البحث عن هذا الحديث في كتب السنة لم نجد له أصلاً، وهذا الحديث لم يذكره حتى العلماء الذين ألفوا في جمع الأحاديث الضعيفة والموضوعة، فلعله من الأحاديث المكذوبة التي وضعت في الأزمنة المتأخرة. والمعنى الذي تضمنه الحديث لا أصل له في السنة النبوية، فليس الأكل والشرب من العورات التي يلزم سترها. وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأكل مع أصحابه، فكيف يكون الأكل والشرب عورة؟! والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130522 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 139 حديث في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم [السُّؤَالُ] ـ[ما صحة هذا الحديث؟ قال النبي صلى الله عليه وآله: (إنّ الله أعطى ملكاً من الملائكة أسماع الخلق، فهو قائم على قبري إلى يوم القيامة، لا يصلّي عليَّ أحد صلاة إلاّ سمّاه باسمه واسم أبيه، وقال: يا محمّد صلّى عليك فلان بن فلان، وقد ضمن لي ربّي تبارك وتعالى أن أردّ عليه بكلّ صلاة عشراً) ]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: هذا الحديث مروي عن عمار بن ياسر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله وكل بقبري ملَكا أعطاه أسماع الخلائق، فلا يصلي عليَّ أحد إلى يوم القيامة إلا أبلغني باسمه واسم أبيه: هذا فلان ابن فلان قد صلى عليك) . رواه البخاري في "التاريخ الكبير" (6/416) ، والبزار في "المسند" (2/266) ، والحارث بن أبي أسامة في "المسند" – كما في "بغية الباحث" (2/962) –، وعزاه غير واحد للطبراني في "المعجم الكبير"، ورواه العقيلي في "الضعفاء الكبير" (3/248) جميعهم من طرق عن نعيم بن ضمضم العامري، عن عمران بن حميري الجعفري، عن عمار بن ياسر رضي الله عنه به مرفوعا. زاد ابن النجار: (وقد ضمن لي ربي تبارك وتعالى أن أرد عليه بكل صلاة عشرا) . قال البزار: هذا الحديث لا نعلمه يُروَى عن عمار إلا بهذا الإسناد. وهذا الحديث ضعيف جدا بسبب نعيم بن ضمضم، وابن الحميري. قال ابن عبد الهادي رحمه الله: "هذا حديث ليس بثابت، وعمران بن حميري: مجهول، وقد ذكر البخاري أنه لا يتابع على حديثه. هذا، ونعيم بن ضمضم - ويقال ابن جهضم -: لم يشتهر من حاله ما يوجب قبول خبره" انتهى. "الصارم المنكي" (1/205) . وقال الهيثمي رحمه الله: "فيه ابن الحميرى، واسمه عمران، قال البخاري: لا يتابع على حديثه. وقال صاحب الميزان: لا يعرف. ونعيم بن ضمضم ضعَّفه بعضهم. وبقية رجاله رجال الصحيح" انتهى. "مجمع الزوائد" (10/162) . وضعفه السخاوي في "القول البديع" (ص/165) ، وكذلك السيوطي في "اللآلئ المصنوعة" (1/362) . وقد صحت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يبلغه سلام من يسلم عليه من أمته، وأنه يرد ذلك. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَا مِن أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إِلا رَدَّ اللهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيهِ السَّلَامَ) رواه أبو داود (2041) ، صححه النووي في "الأذكار" (ص/154) ، وابن حجر في "فتح الباري" (6/563) ، والشيخ الألباني في "صحيح أبي داود". وعن أبي بكر الصديق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أكثروا الصلاة علي، فإن الله وكل بي ملكا عند قبري، فإذا صل علي رجل من أمتي قال لي ذلك الملك: يا محمد إن فلان بن فلان صلى عليك الساعة) وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1530) . رواه الديلمي (1/1/31) . ولكن.. لم نجد شاهدا لقوله: (وقد ضمن لي ربي .... إلخ) . وقد ورد فيمن صلى على النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من هذا، بأن الله تعالى هو الذي يصلي عليه عشراً. فقد روى مسلم (408) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا) صلى الله عليه وسلم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وواب الحديث: 130214 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 140 حديث: (من صلى علي حين يصبح عشرا وحين يمسي عشرا أدركته شفاعتي) [السُّؤَالُ] ـ[ما صحة هذا الحديث: قال النبي صلى الله عليه وآله: (من صلّى عليّ حين يصبح عشراً وحين يمسي عشراً أدركته شفاعتي) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث مروي عن الصحابي الجليل أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى عليَّ حين يصبح عشرًا، وحين يمسي عشرًا، أدركته شفاعتي يوم القيامة) رواه الطبراني – كما عزاه إليه العلماء الذين نقلوا هذا الحديث، ولكنا لم نقف عليه في المطبوع من معجم الطبراني، لأن أحاديث أبي الدرداء، لم تطبع بعد في "المعجم الكبير" للطبراني. وقد نقل الحافظ ابن القيم رحمه الله في كتابه " جلاء الأفهام " (ص/63) إسناد الطبراني لهذا الحديث أنه قال: حدثنا محمد بن علي بن حبيب الطرائفي الرقي، حدثنا محمد بن علي بن ميمون، حدثنا سليمان بن عبد الله الرقي، حدثنا بقية بن الوليد، عن إبراهيم بن محمد بن زياد قال: سمعت خالد بن معدان، يحدث عن أبي الدرداء به. وفي هذا الإسناد عدة علل، منها: 1- خالد بن معدان لم يسمع من أبي الدرداء. انظر: " جامع التحصيل " (ص/171) . 2- إبراهيم بن محمد بن زياد الألهاني: لم ينقل عن أحد فيه توثيق ولا تجريح. ترجمته في "التاريخ الكبير" للبخاري (1/323) ، "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (2/127) . 3- بقية بن الوليد مدلس ولم يصرح بالسماع، غير أن الشيخ الألباني رحمه الله ذكر في "السلسلة الضعيفة" (5788) أنه صرح بالتحديث في رواية أخرى، وأن السند إليه صحيح. وقد ضعف هذا الحديث الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء" (1/441) ، والسخاوي في "القول البديع" (179) ، والشيخ مقبل الوادعي في " الشفاعة " (ص/270) . وكان الشيخ الألباني رحمه الله قد حَسَّن هذا الحديث في "صحيح الجامع" (5357) ثم تراجع وضعفه في "السلسلة الضعيفة" (5788) . وقد جاءت في فضائل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث صحيحة كثيرة تغني عن مثل هذا الحديث الضعيف، كما أن شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم تنال بالعديد من الأعمال الصالحة المعينة في السنة الصحيحة. عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ: حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه البخاري (614) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130213 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 141 حديث: (صلاتكم علي مغفرة لذنوبكم) [السُّؤَالُ] ـ[ما صحة هذا الحديث؟ قال النبي صلى الله عليه وآله: (أكثروا الصّلاة عليّ، فإنّ صلاتكم عليّ مغفرةٌ لذنوبكم) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث لا يصح سنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم، إنما روي عن الحسن بن علي رضي الله عنهما بسند ضعيف جدا، ولفظه: (أكثروا الصلاة علي، فإن صلاتكم علي مغفرة لذنوبكم، واطلبوا لي الدرجة الوسيلة، فإن وسيلتي عند ربي شفاعة لكم) . قال الشيخ الألباني رحمه الله: "ضعيف جدا، رواه ابن عساكر (17/246/1) ، عن ناشب بن عمرو الشيباني: نا مقاتل بن حيان عن أبي صالح عن الحسن بن علي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا، ناشب بن عمرو الشيباني، قال البخاري: منكر الحديث. وقال الدارقطني: ضعيف" انتهى. "السلسلة الضعيفة" (رقم/2252) . وما جاء في هذا الحديث من أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم سبب لمغفرة ذنوبه، قد ثبت في حديث آخر. روى أحمد (20736) والترمذي (2457) - واللفظ له - عن أبي بن كعب رضي الله عنه قَالَ: (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟ فَقَالَ: مَا شِئْتَ. قَالَ: قُلْتُ: الرُّبُعَ؟ قَالَ: مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ. قُلْتُ: النِّصْفَ؟ قَالَ: مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ. قَالَ: قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ. قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا؟ قَالَ: إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ) وحسنه الألباني في "سنن الترمذي". قال ابن القيم رحمه الله في "جلاء الأفهام": "سئل شيخنا أبو العباس عن تفسير هذا الحديث، فقال: كان لأبي بن كعب دعاء يدعو به لنفسه، فسأل النبي هل يجعل له منه ربعه صلاة عليه؟ فقال إن زدت فهو خير لك. فقال له: النصف؟ فقال: إن زدت فهو خير لك ... إلى أن قال: أجعل لك صلاتي كلها؟ أي: أجعل دعائي كله صلاة عليك؟ قال: إذاً تكفى همك ويغفر لك ذنبك. لأن من صلى على النبي صلاة صلى الله عليه بها عشرا، ومن صلى الله عليه كفاه همه، وغفر له ذنبه. هذا معنى كلامه رضي الله عنه" انتهى. وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (منْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ. حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه البخاري (614) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130211 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 142 موقف المسلم من الأحاديث الضعيفة [السُّؤَالُ] ـ[ما واجبنا تجاه مصيبة انتشار الأحاديث الموضوعة؟ ما هو دورنا نحن عامة الناس أمام انتشار الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ونريد منكم كلمة لأولئك الذين ينشرون الأحاديث دون التأكد من صحتها.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المسلم الصادق هو الذي يحرص على نقاء الدين وصفاء الشريعة من كل دخيل وغريب، فقد أكمل الله علينا النعمة، وأتم لنا المنة بهذه الشريعة السمحة، وأخذ الميثاق على أهل العلم أن يبلغوه للناس ولا يكتموه، وذم كثيرا من الذين أوتوا الكتاب من الأمم السابقة حين ابتدعوا في دينهم ما لم يأذن به الله، ونسبوا إلى شرائعهم ما لم ترد به، وفي جميع ذلك دعوة إلى الحرص الشديد على ذب الكذب عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ومحاربة كل من يتطاول عليها بالأحاديث والأحكام المفتراة. ولعل الأهم في هذا الشأن هو اقتراح بعض الخطوات العملية التي تساهم في حصر انتشار الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتضييق دائرته، ومن ذلك: 1- تعريف الناس بخطورة الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه كبيرة من كبائر الذنوب، يستحق فاعلها أن يذوق العذاب الأليم في دركات جهنم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ) رواه البخاري (110) ومسلم (3) . 2- نشر الكتب التي تعتني ببيان الأحاديث الضعيفة والمكذوبة، مثل كتاب " الموضوعات " لابن الجوزي، وكتاب " الموضوعات " للشوكاني، و "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة" للألباني ... وغيرها. 3- العناية بمواقع الإنترنت المتخصصة في هذا الشأن، ومن أهمها موقع "الدرر السنية". 4- بيان عظيم جناية الأحاديث المنكرة والموضوعة على فكر الأمة وثقافتها وتراثها، وكيف كانت سببا في انحراف الكثيرين عن الجادة، كما كانت سببا مباشرا لانتشار الخرافة والشطح والغلو، مع أخذ العظة والعبرة من الأمم التي حرف دينها ومسخت شريعتها بسبب عدم صيانة علمائها لها عن الدخيل والموضوع، ومثال ذلك في الأديان: النصرانية، وفي الفرق: الرافضة. قال الإمام الذهبي رحمه الله: " فبالله عليك إذا كان الإكثار من الحديث في دولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كانوا يُمنَعون منه مع صدقهم وعدالتهم وعدم الأسانيد - بل هو غَضٌّ لم يشب -، فما ظنك بالإكثار من رواية الغرائب والمناكير في زماننا، مع طول الأسانيد وكثرة الوهم والغلط؟! فبالحري أن نزجر القوم عنه، فيا ليتهم يقتصرون على رواية الغريب والضعيف، بل يروون – والله - الموضوعات والأباطيل والمستحيل في الأصول والفروع والملاحم والزهد. نسأل الله العافية. فمن روى ذلك مع علمه ببطلانه وغَرَّ المؤمنين: فهذا ظالمٌ لنفسِهِ، جانٍ على السُّنَنِ والآثار، يُستَتاب من ذلك، فإن أناب وأقْصَر وإلا فهو فاسقٌ، كفى به إثماً أن يحدِّثَ بكلِّ ما سمِع. وإن هو لم يعلم: فليتورّع، وليستعِن بمن يُعينُهُ على تنقية مروياته. نسأل الله العافية. فلقد عَمَّ البلاء، وشمَلت الغفلة، ودخل الدّاخل على المحدّثين الذين يَرْكَنُ إليهِم المسلمون. فلا عتبى على الفقهاء وأهل الكلام " انتهى. " سير أعلام النبلاء " (2/601) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " يوجد الآن أحياناً منشورات تتضمن أحاديث ضعيفة وقصصاً لا أصل لها، ثم تنشر بين العامة، وإني أقول لمن نشرها أو أعان على نشرها إنه آثمٌ بذلك، حيث يُضل عن سبيل الله، يضل عباد الله بهذه الأحاديث المكذوبة الموضوعة، أحياناً يكون الحديث موضوعاً ليس ضعيفاً فقط، ثم تجد بعض الجهال ييدون الخير، فيظنون أن نشر هذا من الأشياء التي تحذر الناس وتخوفهم مما جاء فيه من التحذير أو التخويف، وهو لا يدري أن الأمر خطير، وأن تخويف الناس بما لا أصل له حرام؛ لأنه من الترويع بلا حق، أو يكون فيه الترغيب في شيء وهو لا يصح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بل هو موضوع، هذا أيضاً محرم؛ لأن الناس يعتقدون أن هذا ثابت، فيحتسبونه على الله عز وجل، وهو ليس كذلك، فليحذر هؤلاء الذين ينشرون هذه المنشورات من أن يكونوا ممن افتروا على الله كذباً ليضلوا الناس بغير علم، وليعلموا أن الله لا يهدي القوم الظالمين، وأن هذا ظلمٌ منهم أن ينشروا لعباد الله ما لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم " انتهى. " فتاوى نور على الدرب " (مصطلح الحديث) . وقال الشيخ سليمان العلوان حفظه الله: " إن مما يحزن ويؤسف ما عمَّ وانتشر عند كثير من العلماء وطلبة العلم والخطباء وغيرهم من التساهل في رواية الحديث، وعدم التثبت في صحته، وكثيرا ما نسمع من كثير من الخطباء والوعاظ – فضلا عن غيرهم – من الأحاديث الموضوعة والضعيفة جدا، ومع ذلك يجزمون بنسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقولهم: وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو: لقوله صلى الله عليه وسلم ...... وما أشبه ذلك، وهذه شهادة على الرسول بلا علم، وجزم بلا برهان، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من كذب عليَّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) فعمَّت الأحاديث الموضوعة والضعيفة بين العوام لكثرة سماعهم لها من الخطباء والوعاظ، والله جلّ وعلا أمر بالتثبت في الأخبار الجارية بين الناس؛ فكيف بخبر الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قوله تشريع وفعله تشريع؟! والبعض الآخر يذكر الحديث وينسبه للنبي صلى الله عليه وسلم ولا يعلم مَن خَرَّجه ولا صحته، فإذا أردت أن تستفهم منه أو تسأله: من رواه؟ وما صحته؟ أجابك مبادراً رافعاً رأسه: لا يضر جهالة صحته، هذا من فضائل الأعمال. عجبا! (آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ) يونس/59. ولو فرضنا أنها من فضائل الأعمال؛ فالأحاديث الموضوعة لا يجوز ذكرها إلا مع بيان أنها موضوعة لا تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، فبسبب هذا التساهل توصل أهل البدع إلى بث بدعهم ونشرها بين الناس؛ بحجة أنها أحاديث فضائل لا بأس بالعمل بها، متناسين أنهم بذلك يشرعون للناس بها؛ لأنهم سيعملون بها ويبلغونها غيرهم" انتهى. " الإعلام بوجوب التثبت برواية الحديث " (ص/4) . ولمزيد الفائدة انظر جواب السؤال رقم: (6981) ، (98780) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130210 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 143 حديث: (النظر إلى علي عبادة) حديث كذب [السُّؤَالُ] ـ[ما صحة هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (النظر إلى علي عبادة) رواه الطبراني والحاكم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وطرقه كلها ضعيفة شديدة الضعف، وقد حكم عليه جماعة من العلماء بأنه كذب موضوع، لا سيما وفي الحديث فضيلة لم يعلم في السنة نسبتها لأحد، ولا حتى للنبي صلى الله عليه وسلم! وأيضاً: الحديث يتعلق بفضيلة من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقد كان هذا الموضوع مرتعاً خصباً للكذبة والوضاعين، فوضعوا أحاديث نسبوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم لترويج باطلهم، ونشر مذهبهم، ولكن علماء الحديث وحفاظه كانوا لهم بالمرصاد، وكشفوا كذبهم. وقد ذكر ابن الجوزي رحمه الله هذا الحديث في كتابه "الموضوعات" وقال: "لا يصح من جميع طرقه" انتهى. "الموضوعات" (2/126) . وحكم عليه الإمام الذهبي بالوضع والبطلان في أكثر من موضع في كتبه، منها في "ميزان الاعتدال" (3/236) . وذكره الشوكاني في "الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة" (ص/359) . وقال الشيخ الألباني رحمه الله: " موضوع .... – ثم توسع في تخريج الحديث ثم قال: - وجملة القول أن الحديث - مع هذه الطرق الكثيرة - لم تطمئن النفس لصحته؛ لأن أكثرها من رواية الكذابين والوضاعين، وسائرها من رواية المتروكين والمجهولين الذين لا يبعد أن يكونوا ممن يسرقون الحديث، ويركبون له الأسانيد الصحيحة. ولذلك فما أبعد ابن الجوزي عن الصواب حين حكم عليه بالوضع " انتهى. "السلسلة الضعيفة" (4702) . وأخيرا ... فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه الصحيحة كثيرة، لا ينقصها هذه الفضيلة الضعيفة التي لم يروها أصحاب المشهورة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129945 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 144 حديث مكذوب في الدعاء على من زنى في الغربة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم مَن زنى خارج البلاد التي يقيم فيها؟ وما صحة الحديث الذي يقول: قال صلى الله عليه وسلم: (مَن زنى في غربته لا رجع سالماً ولا غانماً) هل هو صحيح أم موضوع؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس هذا الكلام بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولعله دعاء دعا به بعض الخطباء على من زنى في غربته فظنه الناس حديثاً. هذا وقد ذكر بعض أهل العلم في كتب الموضوعات كلمة قريبة من هذا المعنى، وفيها: (من عصى الله في غربته رده الله خائباً) . قال الشيخ ملا علي القاري رحمه الله: "لا أصل له فيما أعلمه" انتهى. " الأسرار المرفوعة " (ص/354) ، "كشف الخفاء" (ص/189) . والزنا من كبائر الذنوب وأقبحها في أي مكان كان، قال الله تعالى: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا) الإسراء/32. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129870 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 145 لم يثبت استحباب قراءة غير سورة الكهف يوم الجمعة [السُّؤَالُ] ـ[هل هنالك أدلة صحيحة على قراءة سورة الكهف، ويس، والدخان، والرحمن، والواقعة، والملك في يوم الجمعة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأدلة الصحيحة وردت في استحباب قراءة سورة الكهف يوم الجمعة أو ليلتها، وقد سبق تفصيل ذلك في جواب السؤال رقم: (10700) . أما قراءة سور: يس، والدخان، والرحمن، والواقعة، والملك: فلم نجد لها أدلة صحيحة، ولعل مصدرها بعض كتب الأذكار التي اخترعها بعض المؤلفين وقرروها على أتباعهم، فيجب الحذر منها. ومع اشتهار فضل سورة (يس) بين الناس، إلا أننا لم نقف على حديث صحيح في فضلها، وانظر: جواب السؤال رقم: (75894) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129502 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 146 هل تستجاب توبة من ابتلي بالعادة السرية؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل تستجاب توبة من ابتلي بالعادة السرية وقد قرأت في الإنترنت حديثا عن الرسول صلى الله عليه وسلم: (سبع لا ينظر إليهم الخالق يوم القيامة، ولا يزكيهم، ويدخلهم النار: الفاعل، والمفعول به، والناكح بيده، وناكح البهيمة، وناكح المرأة من دبرها، والجامع بين المرأة وابنتها، والزاني بحليلة جاره، والمؤذي جاره حتى يلعنه) ]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نص الحديث المقصود في السؤال كالآتي: (سبعة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولا يجمعهم مع العالمين، يدخلون النار أول الداخلين، إلا أن يتوبوا، إلا أن يتوبوا، إلا أن يتوبوا ممن تاب الله عليه: الناكح يده، والفاعل، والمفعول به، ومدمن الخمر، والضارب أبويه حتى يستغيثا، والمؤذي جيرانه حتى يلعنوه، والناكح حليلة جاره) . وقد روي هذا الحديث عن اثنين من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم: أولا: عن أنس بن مالك رضي الله عنه: رواه أبو علي الحسن بن عرفة في جزء حديثي له (رقم/41) ، ومن طريقه ابن الجوزي في " العلل المتناهية " (2/144) ، والبيهقي في " شعب الإيمان " (7/329) ، والآجري في " ذم اللواط " (رقم/54) قال ابن عرفة: حدثني علي بن ثابت الجزري، عن مسلمة بن جعفر، عن حسان بن حميد، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم به. وهذا إسناد ضعيف جدا. قال الذهبي رحمه الله: " مسلمة بن جعفر، عن حسان بن حميد عن أنس، في سب الناكح يده: يُجهَل هو وشيخه. وقال الأزدي: ضعيف " انتهى. " ميزان الاعتدال " (4/108) وقال الحافظ ابن الجوزي رحمه الله: " قال المؤلف: "هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا حسان يعرف، ولا مسلمة " انتهى. " العلل المتناهية " (2/144) . وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله: " هذا حديث غريب، وإسناده فيه من لا يعرف لجهالته " انتهى. " تفسير القرآن العظيم " (5/463) . وقد نص على تضعيفه أيضا: ابن الملقن في " البدر المنير " (7/662) ، وابن حجر في " التلخيص الحبير " (3/1216) ، والألباني في " إرواء الغليل " (8/58) . ثانيا: عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه: رواه الآجري في " ذم اللواط " (رقم/53) ، وعنه ابن بشران في " الأمالي " (رقم/477) وغيره. قال الشيخ الألباني رحمه الله: " هذا إسناد ضعيف من أجل ابن لهيعة وشيخه الإفريقي، فإنهما ضعيفان من قبل حفظهما، وقد أورد المنذري في " الترغيب " (3 / 195) قطعة من الحديث، وقال: رواه ابن أبي الدنيا والخرائطي وغيرهما، وأشار لضعفه " انتهى. " السلسلة الضعيفة " (رقم/319) والحاصل: أنه لم يثبت حديث خاص في لعن من ابتلي بالعادة السرية، أو بيان جزائه عند الله، وإنما يقرر العلماء حرمة هذه القاذورة من وصف الله عز وجل لكل طريق لتفريغ الشهوة ـ غير الزواج وجماع الأمة ـ: أنه من الاعتداء، وذلك في قوله تعالى: (والَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ. إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ. فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) المؤمنون/5-7. ولا شك أن العادة السرية، ونكاح اليد، مما هو "وراء ذلك "؛ فهو من العدوان. وقد استدل بهذه الآية على تحريم نكاح اليد الإام مالك والإمام الشافعي، رحمهما الله. قال الشنقيطي رحمه الله: " الذي يظهر لي أن استدلال مالك، والشافعي وغيرهما من أهل العلم بهذه الآية الكريمة، على منع جلد عميرة الذي هو الاستمناء باليد استدلال صحيح بكتاب الله، يدل عليه ظاهر القرآن، ولم يرد شيء يعارضه من كتاب ولا سنة " انتهى. " أضواء البيان " (5/317) . وأما باب التوبة فمفتوح حتى تطلع الشمس من مغربها، لا يحول دونه حائل، ولا يمنع منه مانع، والله يقبل التوبة من عباده جميعا، ويغفر الذنوب جميعا، وإذا كان المشرك التائب المعلن إسلامه يغفر الله له ما سلف، فكيف بالمؤمن الذي ضعف أمام الشهوة ثم آب وأناب إلى الله عز وجل. يقول الله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ) الزمر/53-54. على أن الحديث المذكور، على فرض أن يكون صحيحا ـ يشهد لصحة توبة ناكح يده، إذا تاب إلى الله تعالى. وانظر جواب السؤال رقم: (329) في تحريم العادة السرية. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129118 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 147 معنى قول المحدثين: " للحديث شواهد وطرق كثيرة " [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى: للحديث شواهد وطرق كثيرة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: هذا التعبير يستعمله علماء الحديث الشريف، يريدون به بيان أمر مهم في علوم الحديث، وهو وجود المتابعات والشواهد للحديث المعين، إذ من المعلوم أن أصحاب الكتب الستة والمسانيد إنما يوردون الأحاديث مسندة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، يعني أن الإمام البخاري مثلا يروي الحديث عن شيخه الذي أخذ عنه، وذلك الشيخ يروي الحديث عن شيخه..، وهكذا حتى تصل السلسلة إلى الصحابي الذي سمع الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم. مثال ذلك: قال الإمام البخاري رحمه الله في "الجامع الصحيح"، حديث رقم: (552) : حدثنا عبد الله بن يوسف، قال أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الَّذِي تَفُوتُهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ) . وهذا الإسناد – كما ترى – مهم جدا في معرفة ثبوت الحديث من عدمه، فالعلماء يبحثون في سيرة رجال الإسناد، ودرجة ضبطهم وحفظهم للحديث، فإذا وجدوا أنهم من الثقات الحفاظ حكموا على الحديث بالصحة والقبول. ثم إذا وجدوا أن هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قد رواه إمام آخر عن الصحابي نفسه، ولكن بإسناد آخر، قالوا: هذا الإسناد متابع للإسناد الأول، أو قالوا: إن للحديث طرقاً عدة. وهذا الحديث الذي مثلنا به، رواه الإمام مسلم رحمه الله من حديث ابن عمر (626) ، ولكن بإسناد مختلف عن إسناد الإمام البخاري، فقال رحمه الله: حدثني هارون بن سعيد الأيلي، قال حدثنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله عن أبيه – يعني ابن عمر –: إلى آخر الحديث. فإسناد الحديث عند الإمام مسلم يسميه العلماء طريقا آخر، وذلك لأن الصحابي واحد في الحديثين، وهو ابن عمر رضي الله عنهما، وإنما رواه عنه تلميذ آخر من تلاميذه. أما إذا روى واحد من الأئمة هذا الحديث عن صحابي آخر غير ابن عمر، فهذا يسميه المحدثون بـ " الشاهد "، فيقولون: للحديث شواهد أخرى. وفي المثال السابق نجد أن الإمام النسائي روى الحديث في "السنن" (478) عن الصحابي الجليل نوفل بن معاوية رضي الله عنه. فقال: أخبرنا سويد بن نصر، قال أنبأنا عبد الله بن المبارك، عن حيوة بن شريح، قال أنبأنا جعفر بن ربيعة، أن عراك بن مالك حدثه، أن نوفل بن معاوية حدثه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله) . فحديث نوفل بن معاوية هذا يسمى " شاهدا " لحديث ابن عمر السابق، والعكس أيضا، حديث ابن عمر يسمى " شاهدا " لحديث نوفل بن معاوية، رضي الله عن الجميع. وبهذا نفهم معنى قول العلماء: " للحديث شواهد وطرق كثيرة ". فالشاهد: أن يروي الحديث عن صحابي آخر. والطريق: أن يروي عن الصحابي نفسه ولكن بسند مختلف عن السند الأول. ثانياً: يبقى السؤال: ماذا نستفيد من هذه الطرق والشواهد للأحاديث؟ فالجواب: يستفاد منها فوائد كثيرة، منها: 1- معرفة الأخطاء التي قد تقع من بعض الرواة، وقد قال علي بن المديني رحمه الله: "الباب إذا لم تُجمَع طُرُقُه لم يَتَبَيَّن خطؤه" انتهى. رواه الخطيب البغدادي في "الجامع" (2/212) . 2- زيادة الاطمئنان إلى صحة الحديث وثبوته، فالقلب يطمئن إلى صحة الخبر الذي جاء من طريقين أكثر من اطمئنانه للخبر الوارد من طريق واحد. 3- قد يأتي الحديث بسند ضعيف، ولكن تتعدد طرقه وشواهده، فيرتقي بهذا إلى درجة القبول، ويكون حديثاً مقبولاً، وهذا ما يسميه العلماء: تقوية الأحاديث بالشواهد والمتابعات، وهو باب عظيم من أبواب علوم الحديث له شروطه وضوابطه الدقيقة التي يجب الالتزام بها. قال السخاوي رحمه الله: "قال النووي رحمه الله في بعض الأحاديث: وهذه وإن كانت أسانيد مفرداتها ضعيفة فمجموعها يقوي بعضها بعضاً، ويصير الحديث حسناً، ويحتج به، وسبقه البيهقي في تقوية الحديث بكثرة الطرق الضعيفة، وظاهر كلام أبي الحسن بن القطان يرشد إليه، فإنه قال: هذا القسم لا يحتج به كله، بأن يعمل به في فضائل الأعمال ويتوقف عن العمل به في الأحكام، إلا إذا كثرت طرقه، أو عضده اتصال عمل، أو موافقة شاهد صحيح، أو ظاهر القرآن، واستحسنه شيخنا - يعني ابن حجر - وأشار إلى أنَّ مذهب ابن دقيق العيد التوقف" انتهى. "فتح المغيث" (1/69) . نرجو أن نكون قد وفقنا لبيان ما سأل عنه السائل بعبارة واضحة سهلة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128854 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 148 حديث بعنوان "دروس في الحب" ليس في شيء من كتب السنة المعتمدة [السُّؤَالُ] ـ[أريد التأكد من صحة هذا الحديث بعنوان " دروس في الحب ": (جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه رضي الله عنهم، وسألهم مبتدأً بأبي بكر ماذا تحب من الدنيا؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه: أحب من الدنيا ثلاثا: الجلوس بين يديك، والنظر إليك، وإنفاق مالي عليك. وأنت يا عمر؟ قال: أحب ثلاثا: أمر بالمعروف ولو كان سرا، ونهي عن المنكر ولو كان جهرا، وقول الحق ولو كان مرا. وأنت يا عثمان؟ قال أحب ثلاثا: إطعام الطعام، وإفشاء السلام، والصلاة بالليل والناس نيام. وأنت يا علي؟ قال: أحب ثلاثا: إكرام الضيف، والصوم بالصيف، وضرب العدو بالسيف. ثم سأل أبا ذر الغفاري: وأنت يا أبا ذر ماذا تحب في الدنيا؟ قال أبو ذر: أحب من الدنيا ثلاثا: الجوع، والمرض، والموت. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ولِمَ؟ فقال أبو ذر: أحب الجوع ليرق قلبي، وأحب المرض ليخف ذنبي، وأحب الموت لألقى ربي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حبب إلي من دنياكم ثلاث: الطيب، والنساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة. وحينئذ تنزل جبريل عليه السلام وأقرأهم السلام وقال: وأنا أحب من دنياكم ثلاثا: تبليغ الرسالة، وأداء الأمانة، وحب المساكين. ثم صعد إلى السماء وتنزل مرة أخرى وقال: الله عز وجل يقرؤكم السلام ويقول: إنه يحب من دنياكم ثلاثا: لسانا ذاكرا، وقلبا خاشعا، وجسدا على البلاء صابراً) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث غير موجود في كتب السنة والآثار، ولم نعثر له على أصل عند المحدثين، وقد وجدنا الشيخ إسماعيل العجلوني ذكره في كتاب " كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الحديث على ألسنة الناس " (ص/340) ، وعزاه إلى كتاب "المواهب"، وغالب الظن أنه كتاب " المواهب اللدنية في المنح المحمدية " للقسطلاني، وهو كتاب تكثر فيه الأحاديث الموضوعة والتي لا أصل لها، ثم نقل عنه قوله: "وقال الطبري: خرجه الجندي، والعهدة عليه. انتهى" ثم قال العجلوني رحمه الله: "ونقل الشبراملسي في "حاشيته على المواهب" عن " الذريعة " لابن العماد أنه قال فيها: وعن الشيخ أبي محمد النيسابوري أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه ... إلى آخر الحديث" انتهى. ثم عزاه لكتاب " المجالس " للخفاجي. وهذه الكتب كلها كما ترى ليست من أصول السنة ولا من الكتب التي هي دواوين الإسلام. وخروج الحديث عن كتب السنة المشهورة المعتمدة مما يستدل به على ضعفه، إذ لو كان صحيحاً لما أعرض عنه هؤلاء الأئمة مع حاجة الناس إليه. وقد ذكر كثير من علماء الحديث: أن من الطرق التي يعرف بها عدم صحة الحديث: كونه روي في بعض الكتب التي ليست من دواوين الإسلام المشهورة. قال ابن الجوزي في "الموضوعات" (1/99) : "فمتى رأيت الحديث خارجاً عن دواوين الإسلام كالموطأ، ومسند أحمد، والصحيحين، وسنن أبي داود ونحوها فانظر فيه: فإن كان له نظير من الصحاح والحسان قرب أمره، وإن ارتبت فيه ورأيته يباين الأصول فتأمل رجال إسناده.. الخ" انتهى. وقال الزيلعي: "يكفينا في تضعيف أحاديث الجهر بالبسملة إعراض أصحاب الجوامع الصحيحة، والسنن المعروفة، والمسانيد المشهورة المعتمد عليها في حجج العلم ومسائل الدين عنه" انتهى. "نصب الراية" (1/479) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية عن حديث استشفاع آدم بمحمد عليهما الصلاة والسلام: "هذا الحديث لم ينقله أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم لا بإسناد حسن ولا صحيح، بل ولا ضعيف يستأنس به ويعتضد به ... ويكفيك أن هذا الحديث ليس في شيء من دواوين الحديث التي يعتمد عليها، لا في الصحاح كالبخاري ومسلم وصحيح ابن خزيمة وأبي حاتم بن حبان وابن منده والحاكم، ولا في المستخرجة على الصحيح لأبي عوانة وأبي نعيم ومستخرج البرقاني والإسماعيلي، ولا في السنن كسنن أبي داود والنسائي وابن ماجه، ولا في الجوامع كجامع الترمذي وغيره، ولا في المسانيد كمسند أحمد ونحوه، ولا في المصنفات كموطأ مالك ومصنف عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة ووكيع ومسلمة، ولا في كتب التفسير المروية بالأسانيد التي يميز فيها بين المقبول والمردود كتفسير عبد الرزاق وعبد بن حميد وأحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم وعبد الرحمن بن إبراهيم دحيم وابن أبي شيبة وبقي بن مخلد ونحوهم، وتفسير ابن أبي حاتم وابن داود ومحمد بن جرير وأبي بكر بن المنذر وابن مردويه" انتهى. "الرد على البكري" (1/57) . وقال أيضاً: "والحديث المذكور: (إذا اقتتل خليفتان فأحدهما ملعون) كذب مفترى، لم يروه أحد من أهل العلم بالحديث، ولا هو في شيء من دواوين الإسلام المعتمدة" انتهى. "الفتاوى الكبرى" (3/446) . وقال أيضا: "ولكن بعض الناس ظن أن توسل الصحابة به صلى الله عليه وسلم كان بمعنى أنهم يقسمون به، ويسألون به. وليس في الأحاديث المرفوعة في ذلك حديث في شيء من دواوين المسلمين التي يعتمد عليها في الأحاديث، لا في الصحيحين، ولا كتب السنن، ولا المسانيد المعتمدة كمسند الإمام أحمد وغيره، وإنما يوجد في الكتب التي عرف أن فيها كثيرا من الأحاديث الموضوعة المكذوبة التي يختلقها الكذابون" انتهى. "مجموع الفتاوى" (1/248) . وقال ابن الصلاح رحمه الله تعالى: "إذا وجدنا فيما يروى من أجزاء الحديث وغيرها حديثا صحيح الإسناد، ولم نجده في أحد الصحيحين، ولا منصوصا على صحته في شيء من مصنفات أئمة الحديث المعتمدة المشهورة، فإنا لا نتجاسر على جزم الحكم بصحته" انتهى. "المقدمة" (صـ 16) . وقال ابن جماعة: "مع غلبة الظن أنه لو صح لما أهمله أئمة الأعصار المتقدمة" انتهى من "تدريب الرواي" (1/143) . فتبين بذلك: أن العلماء يستدلون بخروج الحديث عن دواوين الإسلام المشهورة يستدلون بذلك على ضعفه. ومما يدل على عدم صحة هذا الحديث: ما نسب فيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (حبب إلي من دنياكم ثلاث: الطيب، والنساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة) ، فإن الصلاة ليست من أمور الدنيا. قال ابن القيم رحمه الله: "ومن رواه: (حبب إليَّ من دنياكم ثلاث) فقد وهم، ولم يقل صلى الله عليه وسلم: (ثلاث) ، والصلاة ليست من أمور الدنيا التي تُضاف إليها" انتهى. " زاد المعاد " (1/151) . وقال ابن حجر الهيتمي رحمه الله: "وأما زيادة: (ثلاث) فهي في "الإحياء" في موضعين، وفي "الكشاف" في آل عمران: قال الزين العراقي، وابن حجر، والزركشي، وغيرهم: ولم تقع في شيء من طرقه، بل هي مفسدة للمعنى، فإن الصلاة ليست من الدنيا" انتهى. "الفتاوى الحديثية" (ص/277) ، وانظر: "الإحياء" (3/219) ، "السلسلة الضعيفة" (6940) . والواجب على المسلم أن يتثبت فيما يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم من كبائر الذنوب التي يستحق صاحبها عذاب النار، نسأل الله السلامة والعافية. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128799 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 149 حديث قدسي مكذوب فيه تفصيل ما حول الجنين في رحم أمه [السُّؤَالُ] ـ[جاء لي حديث عن طريق الإيميل، وأريد التأكد منه هل هو صحيح أم لا، ويقول الحديث: قال سبحانه وتعالى: (يا ابن آدم! جعلتك في بطن أمك، وغشيت وجهك بغشاء لئلا تنفر من الرحم، وجعلت وجهك إلى ظهر أمك لئلا تؤذيك رائحة الطعام، وجعلت لك متكأ عن يمينك، ومتكأ عن شمالك، فأما الذي عن يمينك فالكبد، وأما الذي عن شمالك فالطحال، وعلمتك القيام والقعود في بطن أمك، فهل يقدر على ذلك غيري، فلما أن تمَّت مُدَّتك، وأوحيت إلى الملك بالأرحام أن يخرجك فأخرجك على ريشة من جناحه، لا لك سن تقطع، ولا يد تبطش، ولا قدم تسعى، فأبعث لك عرقين رقيقين في صدر أمك يجريان لبنا خالصا، حارا في الشتاء، وباردا في الصيف، وألقيت محبتك في قلبي أبويك فلا يشبعان حتى تشبع، ولا يرقدان حتى ترقد، فلما قوي ظهرك، واشتد أزرك، بارزتني بالمعاصي في خلواتك، ولم تستح مني، ومع هذا إن دعوتني أجبتك، وإن سألتني أعطيتك، وإن تبت إلي قبلتك) أرجو الإفادة بصحة هذا الحديث.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الكلام المذكور هو مما اشتهر بين الناس مما لا أصل له عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما نعلم. وقد وجدنا نصا قريبا منه منقولا عن التوراة، وليس عن الكتاب والسنة رواه أبو نعيم في " حلية الأولياء " (10/399) بسنده عن محمد بن كعب القرظي قال: " قرأت في التوراة - أو قال في صحف إبراهيم الخليل - فوجدت فيها: يقول الله: يا ابن آدم! ما أنصفتني، خلقتك ولم تك شيئا، وجعلتك بشرا سويا، خلقتك من سلالة من طين، فجعلتك نطفة في قرار مكين، ثم خلقت النطفة علقة، فخلقت العلقة مضغة، فخلقت المضغة عظاما، فكسوت العظام لحما، ثم أنشأتك خلقا آخر .... " فذكره مطولاً، بنحو ما ورد في السؤال، وفيه زيادات بعض الجمل عليه. والواجب على كل مسلم أن يتثبت فيما ينسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لئلا يقع في الكذب عليه. ثم إن بدا له أن ينقل كلاماً عن معيّن فلينسبه إلى قائله. وإذا قدر أن الكلام مقبول ومعناه صحيح، فهذا لا يجيز نسبته لله سبحانه وتعالى ولا لنبيه صلى الله عليه وسلم، بدون برهان، وعلم صحيح. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128797 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 150 هل يهتز عرش الرحمن لشيء من المعاصي والذنوب؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل ورد في السنة أن جريمة الزنا يهتز لها عرش الرحمن؟ وهل جريمة الزنا وحدها هي التي يهتز لها عرش الرحمن، أم جريمتا القتل واللواط أيضا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لم نجد في الكتاب والسنة ما يدل على أن عرش الرحمن يهتز لارتكاب شيء من المعاصي والذنوب، والزنا واللواط من فواحش الذنوب وكبائرها، ولكن لم يرد اهتزاز العرش بخصوص وقوعها، ولا يجوز دعوى ذلك إلا بدليل شرعي صحيح وصريح. يقول الإمام الذهبي رحمه الله: " والعرش خلق لله مسخر، إذا شاء أن يهتز اهتز بمشيئة الله " انتهى. " سير أعلام النبلاء " (1/297) وانظر جواب السؤال رقم: (43498) على أننا نبه السائل إلى أنه قد ورد في شأن هذه الفواحش ما هو أشد، وأفزع لسامعها، من اهتزاز العرش. فقد روى البخاري (4634) ومسلم (2760) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَا أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنْ اللَّهِ وَلِذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنْ اللَّهِ وَلِذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ) وفي الحديث الأخر الذي رواه البخاري (5221) ومسلم (901) من حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ مَا أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنْ اللَّهِ أَنْ يَرَى عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ تَزْنِي يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " والغيرة فيها من البغض والغضب ما يدفع به الإنسان ما غار منه ... فالله سبحانه يبغض ذلك، وهو سبحانه يبغض كل م نهى الله عنه، كما أنه يحب كل ما أمر به؛ بل الغيرة مستلزمه لقوة البغض؛ إذ كل من يغار يبغض ما غار منه، وليس كل من يبغض شيئا يغار منه؛ فالغيرة أحض وأقوى " انتهى. قاعدة في المحبة (200- 201) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128724 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 151 العلاقة بين آية (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ) وتنامي نفوذ الشيعة الآن [السُّؤَالُ] ـ[أتعتقد أن هذا الحديث له علاقة بما نمر به هذه الأيام من تنامي نفوذ الشيعة؟ وإذا كان الجواب بلا: فما تفسير هذا الحديث: عن أبي هريرة قال: لمَّا نزلت (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) كان سلمان إلى جنب رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم , فقالوا: يا رسول الله من هؤلاء القوم الذين إن تولينا استُبدلوا بنا؟ , قال: فضرب النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم على منكب سلمان , فقال: (مِن هذا وَقَومِه , والذي نفسي بيده لَوْ أنَّ الدّينَ تَعَلَّقَ بالثُّرَيَّا لَنالَتْهُ رِجالٌ من أهْل فارِس) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: هذا الحديث رواه الترمذي (3261) ، وفي إسناده مقال، وقد ضعفه كثير من أهل العلم، قال الترمذي بعد روايته له: غريب في إسناده مقال. وقال البغوي في "شرح السنة" (7/261) : غريب. وقال ابن العربي في "عارضة الأحوذي" (6/330) : روي من طرق كثيرة لم تبلغ مرتبة الصحة. وقال الشوكاني في "فتح القدير" (5/61) : في إسناده مسلم بن خالد الزنجي، فيه مقال معروف. ورأى بعض العلماء أن تعدد طرق الحديث يقوي بعضها يعضاً، كالألباني رحمه الله، ولهذا صححه في صحيح الترمذي. والقطعة الأخيرة من الحديث رواها البخاري (4615) ومسلم (2546) ولفظها: (لَوْ كَانَ الدِّينُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَذَهَبَ بِهِ رَجُلٌ مِنْ فَارِسَ - أَوْ قَالَ مِنْ أَبْنَاءِ فَارِسَ - حَتَّى يَتَنَاوَلَهُ) . وأما اللفظ الآخر وهو: (لَوْ كَانَ الْعِلْمُ بِالثُّرَيَّا لَتَنَاوَلَهُ أُنَاسٌ مِنْ أَبْنَاءِ فَارِسَ) : فقد رواه أحمد في "مسنده" (13/331) وضعفه محققوه، وضعفه الألباني في "السلسلة الضعيفة" (2054) ، وفيها قوله: "وجملة القول: أن الحديث ضعيف بهذا اللفظ: "العلم"، وإنما الصحيح فيه: "الإيمان"، و "الدين". انتهى. ثانياً: هذا الحديث لا يدل على أن أهل فارس أفضل من الصحابة رضي الله عنهم، وذلك للوجوه التالية: الحديث في ذاته ضعيف عند كثير من أهل العلم، كما سبق. على فرض صحة الحديث، فالآية المذكورة فيه وهي قوله تعالى: (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) المراد منها التخويف فقط، وإلا فلا يوجد من هو أفضل من الصحابة رضي الله عنهم، ولا مثلهم. قال القرطبي رحمه الله: "قوله تعالى: (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ) هو إخبار عن القدرة، وتخويف لهم، لا أن في الوجود من هو خير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم" انتهى. " تفسير القرطبي " (18 / 194) . ج. لم يتفق العلماء والمفسرون على تفسير الآية بهذا الحديث، وأن القوم الذين سيأتون هم من فارس. قال الماوردي رحمه الله: " (يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ) فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: أنهم أهل اليمن، وهم الأنصار، قاله شريح بن عبيد. الثاني: أنهم الفرس – وذكر حديث أبي هريرة -. الثالث: أنهم مَن شاء مِن سائر الناس، قاله مجاهد" انتهى. " النكت والعيون " (5 / 307، 308) . 3. وعلى فرض أن الآية في الردة، وأن المقصود بهم العرب، وأن القوم الذين سيحلون مكانهم هم " الفرس ": فإنها تحوي علماً غيبيّاً فيها بشارة للمسلمين من أهل الفرس أنه لا يحدث فيهم ردة عن الدِّين، وفيه إشارة لاحتمال وقوعها من غيرهم، وهو ما حصل بالفعل. قال الطاهر بن عاشور رحمه الله: "وأقول: هو يدل على أن " فارس " إذا آمنوا: لا يرتدون، وهو من دلائل نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن العرب ارتد منهم بعض القبائل بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وارتدّ البربر بعد فتح بلادهم وإيمانهم ثنتي عشرة مرة، فيما حكاه الشيخ أبو محمد بن أبي زيد، ولم يرتد أهل فارس بعد إيمانهم" انتهى. " التحرير والتنوير " (26 / 139) . وعلى هذا؛ فلا تعلق للآية ولا الحديث بانتشار الرافضة في الأرض؛ لأن الكلام عن الفرس المسلمين، والرافضة الفرس ليسوا منهم. فإما أن يقال: لم يحصل تولي عموماً لا عن الطاعة، ولا عن النفقة، فلم يحصل استبدال، أو يقال: حصل التولي من بعض العرب فجاء الله تعالى بالبديل من مسلمي الفرس، فخدموا دين الله تعالى، وساهموا في نشره، وبذلوا أنفسهم وأموالهم في ذلك. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "قال القرطبي: وقع ما قاله صلى الله عليه وسلم عِياناً، فإنه وُجد منهم – أي: من الفرس - من اشتُهر ذِكرُه من حفَّاظ الآثار، والعناية بها، ما لم يشاركهم فيه كثيرٌ من أحدٍ غيرهم" انتهى. " فتح الباري " (8 / 643) . ولمعرفة بعض عقائد الشيعة الروافض التي خالفوا بها المسلمين انظر جواب السؤال رقم (45563) و (118101) و (60046) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128718 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 152 ما صحة حديث: (لولا محمد ما خلقتك) ؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما رأيكم في هذا الحديث: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب أسألك بحق محمد إلا غفرت لي، فقال الله: يا آدم كيف عرفت محمدا ولم أخلقه بعد؟ فقال: يا رب لأنك لما خلقتني بيدك ونفخت في روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا ـ لا إله إلا الله، محمد رسول الله ـ فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك، فقال الله: صدقت يا آدم إنه لأحب الخلق إلي، وإذ قد سألتني بحقه فقد غفرت لك، ولولا محمد ما خلقتك) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " هذا الحديث موضوع، كما أوضح ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ لأن الله سبحانه إنما خلق الجن والإنس ليُعبد وحده لا شريك له، ومن جملة الإنس: آدم عليه الصلاة والسلام، والله ولي التوفيق" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (26/327) . وقال عنه البيهقي في "دلائل النبوة" (5/489) : "تفرد به عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وهو ضعيف" انتهى. وقال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية في "التوسل" (ص166) : "روي مرفوعا وموقوفا على عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وفيه: عبد الرحمن بن أسلم، ضعيف باتفاقهم، ويغلط كثيرا" انتهى. وحكم عليه الألباني رحمه الله بأنه موضوع، في "السلسلة الضعيفة" (25) . وانظر جواب السؤال رقم (23290) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128173 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 153 أحاديث توقيت الحجامة لم يصح منها شيء [السُّؤَالُ] ـ[هل الحجامة في أيام السبت أو الجمعة مكروهة إذا صادفت 19 أو 17 أو 21؟ كما ورد حديث: (لا تحتجموا يوم الأربعاء، ولا الجمعة، ولا السبت، ولا الأحد) ، وهذا أصبح مهما بين مسلمي بريطانيا. أرجو التوضيح: هل هذه أحاديث ضعيفة أم صحيحة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: ورد في توقيت الحجامة أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، من قوله ومن فعله، وهي تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: أحاديث تنص على أيام الحجامة المفضلة، وأنها أيام السابع عشر – خاصة إذا صادف يوم ثلاثاء -، والتاسع عشر، والحادي والعشرين من الشهر القمري، وأيام الاثنين والخميس من أيام الأسبوع. القسم الثاني: أحاديث تنهى عن الحجامة في أيام معينة من أيام الأسبوع: وهي أيام السبت، والأحد، والثلاثاء – وقد ورد أيضا الحث على الحجامة يوم الثلاثاء -، والأربعاء، والجمعة. وقد أكثر الأئمة على ضعف أحاديث هذين القسمين كلها، وأنه لم يصح منها شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه بعض النصوص عنهم: 1- سئل الإمام مالك عن الحجامة يوم السبت ويوم الأربعاء فقال: " لا بأس بذلك، وليس يوم إلا وقد احتجمتُ فيه، ولا أكره شيئا من هذا " انتهى باختصار. " المنتقى شرح الموطأ " (7/225) نقله عن " العتبية ". وجاء في " الفواكه الدواني " (2/338) من كتب المالكية: " تجوز في كل أيام السنة حتى السبت والأربعاء , بل كان مالك يتعمد الحجامة فيها , ولا يكره شيئا من الأدوية في هذين اليومين , وما ورد من الأحاديث في التحذير من الحجامة فيهما فلم يصح عند مالك رضي الله عنه " انتهى. 2- يقول عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله: " ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها شيء – يعني في توقيتها - إلا أنه أمر بها " انتهى. نقله ابن الجوزي في "الموضوعات" (3/215) 3- نقل الخلال عن الإمام أحمد أن الحديث لم يثبت. نقله ابن حجر في "فتح الباري" (10/149) . 4- يقول البرذعي: " شهدت أبا زرعة لا يُثبِتُ في كراهة الحجامة في يوم بعينه، ولا في استحبابه في يوم بعينه حديثا " انتهى. "سؤالات البرذعي" (2/757) 5- وقال الحافظ ابن حجر - في شرح قول الإمام البخاري: " باب في أي ساعة يحتجم، واحتجم أبو موسى ليلا " -: " وورد في الأوقات اللائقة بالحجامة أحاديث ليس فيها شيء على شرطه، فكأنه أشار إلى أنها تصنع عند الاحتياج، ولا تتقيد بوقت دون وقت، لأنه ذكر الاحتجام ليلا " انتهى. "فتح الباري" (10/149) 6- وقال العقيلي رحمه الله: " وليس في هذا الباب - في اختيار يوم للحجامة - شيء يثبت " انتهى. "الضعفاء الكبير" (1/150) 7- وقد عقد ابن الجوزي رحمه الله في كتابه "الموضوعات" (3/211-215) أبوابا كاملة جمع فيها هذه الأحاديث الواردة، ويعقبها بقوله: " هذه الأحاديث ليس فيها شيء صحيح " انتهى. 8- ويقول الإمام النووي رحمه الله: " والحاصل أنه لم يثبت شيء في النهي عن الحجامة في يوم معين" انتهى. " المجموع " (9/69) وإن كان النووي يحسن حديث توقيت الحجامة في أيام السابع عشر والتاسع عشر والحادي والعشرين. 9- قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " هذه الأحاديث لم يصح منها شيء " انتهى. "فتح الباري" (10/149) ثانيا: استحب كثير من أهل العلم عمل الحجامة في أيام السابع عشر، والتاسع عشر، والحادي والعشرين من الشهر القمري، اعتمادا على عدة حجج: 1- ورود ذلك بأسانيد صحيحة عن الصحابة رضوان الله عليهم: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يحتجمون لوتر من الشهر) رواه الطبري في "تهذيب الآثار" (رقم/2856) قال: حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا هشام، عن قتادة، عن أنس به. وهذا إسناد صحيح. قال أبو زرعة: أجود شيء فيه حديث أنس: (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتجمون لسبع عشرة، ولتسع عشرة، وإحدى وعشرين) "سؤالات البرذعي" (2/757) وروى الطبري أيضا بعد الأثر السابقة عن رفيع أبو العالية، قال: (كانوا يستحبون الحجامة لوتر من الشهر) وعن ابن عون، قال: (كان يوصي بعض أصحابه أن يحتجم لسبع عشرة وتسع عشرة) قال أحمد: قال سليم: وأخبرنا هشام، عن محمد أنه زاد فيه: وإحدى وعشرين. ولعل اعتياد الصحابة لذلك كان عن توقيف من النبي صلى الله عليه وسلم، مما يشعر بأن لهذه الأحاديث المرفوعة أصلا؛ بل قد ذهب بعض أهل العلم إلى تقوية بعض الأحاديث المرفوعة في ذلك،، كالإمام الترمذي حين أخرج حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتجم في الأخدعين والكاهل، وكان يحتجم لسبع عشرة، وتسع عشرة، وإحدى وعشرين) رقم (2051) ، قال: حديث حسن. وكذلك فعل بعض المتأخرين كالسيوطي في "الحاوي للفتاوي" (1/279-280) ، وابن حجر الهيتمي في فتاواه (4/351) ، والشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (رقم/622، 1847) . وإن كان ما قدمناه من نصوص الأئمة على تضيعف المرفوع أقوى وأظهر. 2- تأييد ذلك من جهة الطب: يقول العلامة ابن القيم رحمه الله – بعد أن أورد أحاديث الحجامة في السابع عشر والتاسع عشر والحادي والعشرين -: " وهذه الأحاديث موافقة لما أجمع عليه الأطباء: أن الحجامة في النصف الثاني وما يليه من الربع الثالث من أرباعه أنفع من أوله وآخره. وإذا استعملت عند الحاجة إليها نفعت أي وقت كان من أول الشهر وآخره. قال الخلال أخبرني عصمة بن عصام قال حدثنا حنبل قال كان أبو عبد الله أحمد بن حنبل يحتجم أي وقت هاج به الدم وأي ساعة كانت " انتهى. "زاد المعاد" (4/54) أما بالنسبة لاختيار أيام الأسبوع للحجامة فلم يثبت شيء من ذلك من جهة الطب، فيما نعلم، وإن كان ورد عن بعض الصحابة ذلك، وثبت عن الإمام أحمد أنه كان يتوقى الحجامة يومي السبت والأربعاء، نقل ذلك ابن القيم في " زاد المعاد " (4/54) عن الخلال. قال ابن مفلح، رحمه الله: " تكره الحجامة في يوم السبت ويوم الأربعاء نص عليهما في رواية أبي طالب وجماعة وزاد أحمد رواية محمد بن الحسن بن حسان ويقولون يوم الجمعة وهذا الذي قطع به في المستوعب وغيره. وقال المروذي: كان أبو عبد الله يحتجم يوم الأحد ويوم الثلاثاء. قال القاضي: فقد بين اختيار يوم الأحد , والثلاثاء وكره يوم السبت , والأربعاء وتوقف في الجمعة. انتهى كلامه , والقاعدة أنه إذا توقف في شيء خرج فيه وجهان. وعن الزهري مرسلا (من احتج يوم السبت , أو يوم الأربعاء فأصابه وضح فلا يلومن إلا نفسه.) ذكره أحمد واحتج به، قال أبو داود وقد أسند ولا يصح. وذكر البيهقي أنه وصله غير واحد وضعف ذلك , والمحفوظ منقطع انتهى كلامه. ورواه أبو بكر بن أبي شيبة بإسناده عن مكحول مرسلا. , والوضح: البرص. وحكي لأحمد أن رجلا احتجم يوم الأربعاء واستخف بالحديث وقال ما هذا الحديث؟ فأصابه وضح , فقال أحمد: "لا ينبغي لأحد أن يستخف بالحديث " رواه الخلال. وعن ابن عمر مرفوعا (أن في الجمعة ساعة لا يحتجم فيها محتجم إلا عرض له داء لا يشفى منه) رواه البيهقي بإسناد حسن وفيه عطاف بن خالد وفيه ضعف ". انتهى. الآداب الشرعية، لابن مفلح (3/333) . وكذلك ورد عن ابن معين وعلي بن المديني نحو من ذلك. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128170 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 154 شرح حديث يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال فيغفرها الله لهم ويضعها على اليهود والنصارى [السُّؤَالُ] ـ[قمت بإهداء بضعة كتب إسلامية باللغة الفرنسية لشخص غير مسلم , من بين تلك الكتب كتاب 110 أحاديث قدسية، نشر دار السلام , قال لي ذلك الشخص إنه مقتنع أن القرآن لا يمكن أن يكون إلا كلام الله , ولكن أبدى تحفظه، ولم يفهم حديثا قدسيا في ذلك الكتاب، والذي هو: عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تحشر هذه الأمة على ثلاثة أصنافٍ، صنف يدخلون الجنة بغير حسابٍ، وصنف يحاسبون حساباً يسيراً ثم يدخلون الجنة، وصنف يجيئون على ظهورهم أمثال الجبال الراسيات ذنوباً، فيسأل الله عنهم وهو أعلم بهم، فيقول: ما هؤلاء؟ فيقولون: هؤلاء عبيد من عبادك، فيقول: حطوها عنهم واجعلوها على اليهود والنصارى، وأدخلوهم برحمتي الجنة) قال لي: لماذا على اليهود والنصارى؟ قلت له: اليهود والنصارى الذين خالفوا شرع الله، وأضلوا الناس، وقاتلوا الأنبياء، وليس الذين اتبعوا شرع الله، واتبعوا الأنبياء! قال: لا لم يذكر هذا في الحديث، ولكن جاء كلمة (اليهود والنصارى) . قلت له: هناك شرح لكل حديث سأخبرك عنه لاحقاً لأسأل بعض أهل الحديث , وللأسف أن بعض الكتب المترجمة لا تشرح لغير المسلم وتوضح له. أريد شرحا مفصلا، أفيدوني بارك الله بكم (أن لا تزر وازرة وزر أخرى) ]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الحديث المذكور أخرجه الطبرانى كما فى مجمع الزوائد (10/343) ، قال الهيثمى: فيه عثمان بن مطر وهو مجمع على ضعفه. والحاكم (1/126، رقم 193) وقال: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، وسكت عنه الذهبي. وأصل الحديث رواه الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ دَفَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى كُلِّ مُسْلِمٍ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا فَيَقُولُ هَذَا فِكَاكُكَ مِنْ النَّارِ) وكان سعيد بن أبي بردة قد حدَّث بهذا الحديث أمام عمر بن عبد العزيز، فاستحلفه عمر بن عبد العزيز بالله الذي لا إله إلا هو ثلاث مرات أن أباه حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: فحلف له. وفي لفظ: (لَا يَمُوتُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ إِلَّا أَدْخَلَ اللَّهُ مَكَانَهُ النَّارَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا) وكلها في صحيح الإمام مسلم رحمه الله من طريق أبي بردة عن أبيه حديث رقم: (2767) وقد أخذ هذا الحديث عن أبي بردة أكثر من ثمانية من الرواة، كما في " مسند أحمد " (4/391) ، ومسند عبد بن حميد (537،540) ، وسنن ابن ماجه (4291) ، وغيرها، اختلفت ألفاظ بعضهم عن بعض، إلا أنها متفقة في المعنى كلها، تتحدث عن فداء المسلم من النار بواحد من اليهود والنصارى. غير أن واحدا من هذه الألفاظ فيه اختلاف عن الباقي، وهو ما يرويه غيلان بن جرير، عن أبي بردة، عن أبيه، بلفظ: (يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَاسٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِذُنُوبٍ أَمْثَالِ الْجِبَالِ، فَيَغْفِرُهَا اللَّهُ لَهُمْ، وَيَضَعُهَا عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى) ثانيا: ولما كان ظاهر هذا الحديث مخالفا لقول الله تعالى: (وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) الأنعام/164، كان للعلماء مسلكان في التعامل مع هذا الحديث: المسلك الأول: عدم قبوله وتضعيفه لسببين: 1- اختلاف الرواة عن أبي بردة في إسناد الحديث. فمرة يقول بعضهم: عن أبي بردة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأخرى يقول آخر: عن أبي بردة، عن عبد الله بن يزيد. ويقول آخر: عن أبي بردة، عن رجل من أصحاب، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وجاء مرة عن أبي بردة، عن رجل من الأنصار، عن أبيه. ومرة عن أبي بردة، عن رجل من الأنصار، عن بعض أهله. كل هذه الأوجه نجدها في " التاريخ الكبير " للإمام البخاري رحمه الله (1/39) ثم قال الإمام البخاري رحمه الله: " والخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم في الشفاعة، وأن قوما يُعَذَّبُون ثم يخرجون أكثر وأبين وأشهر ... - ثم قال -: ألفاظهم مختلفة الا أن المعنى قريب " انتهى. " التاريخ الكبير " (1/39) وقال الإمام البيهقي رحمه الله: " وقد علل البخاري حديث أبي بردة باختلاف الرواة عليه في إسناده، ثم قال: الحديث في الشفاعة أصح " انتهى. " البعث والنشور " (حديث رقم/ 86) 2- بسبب شك الراوي فيه، فقد جاءت في رواية الإمام مسلم الأخيرة قول أحد رواة الحديث: (ويضعها على اليهود والنصارى فيما أحسب أنا) قال أبو روح حرمي بن عمارة أحد رواة الحديث: لا أدري ممن الشك. قال البيهقي رحمه الله: " اللفظ الذي تفرد بها شداد أبو طلحة بروايته في هذا الحديث. وهو قوله: (ويضعها على اليهود النصارى) مع شك الراوي فيه: لا أراه محفوظا. والكافر لا يعاقب بذنب غيره. قال الله عز وجل: (لا تزر وازرة وزر أخرى) وإنما لفظ الحديث على ما رواه سعيد بن أبي بردة، وغيره، عن أبي بردة " انتهى. " البعث والنشور " (حديث رقم/86) وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " وفي حديث الباب وما بعده – وهي أحاديث تحت باب القصاص يوم القيامة - دلالة على ضعف الحديث الذي أخرجه مسلم من رواية غيلان بن جرير ... - وذكر الحديث ونقل عن البيهقي تضعيفه - " انتهى باختصار. " فتح الباري " (11/398) وقال الشيخ الألباني رحمه الله: " رواه الجماعة عن أبي بردة دون تلك الزيادة – يعني لفظ (ويضعها على اليهود والنصارى) ، فهي عندي شاذة، بل منكرة، لوجوه: أولا: أن الراوي شك فيها، وهو عندي شداد أبو طلحة الراسبي، أو الراوي عنه حرمي بن عمارة، ولكن هذا قد قال - وهو أبو روح -: (لا أدري ممن الشك) ، فتعين أنه الراسبي، لأنه متكلم فيه من قبل حفظه وإن كان ثقة في ذات نفسه، ولذلك أورده الذهبي في " الضعفاء " وقال: قال ابن عدي: لم أر له حديثا منكرا. وقال العقيلي: له أحاديث لا يتابع عليها. وقال الحافظ في " التقريب ": صدوق يخطئ. وليس له في مسلم إلا هذا الحديث. قال الحافظ في " التهذيب ": " لكنه في الشواهد ". ثانيا: ولما كان قد تفرد بهذه الزيادة التي ليس لها شاهد في الطرق السابقة، وكان فيه ما ذكرنا من الضعف في الحفظ، فالقواعد الحديثية تعطينا أنها زيادة منكرة، كما لا يخفى على المهرة. ثالثا: أن هذه الزيادة مخالفة للقرآن القائل في غير ما آية: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) " انتهى باختصار. " السلسلة الضعيفة " (حديث رقم/1316، ورقم/5399) . المسلك الثاني: توجيه معنى الحديث بما يتوافق مع ظاهر القرآن الكريم: قال الإمام البيهقي رحمه الله: " ووجه هذا عندي - والله أعلم - أن الله تعالى قد أعد للمؤمن مقعدا في الجنة ومقعدا في النار كما روي في حديث أنس بن مالك، كذلك الكافر كما روي في حديث أبي هريرة، فالمؤمن يدخل الجنة بعدما يرى مقعده من النار ليزداد شكرا، والكافر يدخل النار بعد ما يرى مقعده من الجنة لتكون عليه حسرة، فكأن الكافر يورث على المؤمن مقعده من الجنة، والمؤمن يورث على الكافر مقعده من النار، فيصير في التقدير كأنه فدى المؤمن بالكافر " انتهى. " البعث والنشور " (حديث رقم/85) وذكر رحمه الله احتمالا آخر في شرح الحديث الذي بعده فقال: " ويحتمل أن يكون حديث الفداء في قوم قد صارت ذنوبهم مكفرة في حياتهم، وحديث الشفاعة في قوم لم تعد ذنوبهم مكفرة في حياتهم، ويحتمل أن يكون هذا القول لهم في حديث الفداء بعد الشفاعة، فلا يكون بينهما اختلاف، والله أعلم " انتهى. وقال الإمام النووي رحمه الله: " معنى هذا الحديث ما جاء في حديث أبى هريرة: (لكل أحد منزل في الجنة ومنزل في النار) فالمؤمن إذا دخل الجنة خلفه الكافر في النار لاستحقاقه ذلك بكفره. ومعنى: (فكاكك من النار) أنك كنت معرَّضا لدخول النار، وهذا فكاكك؛ لأن الله تعالى قدر لها عددا يملؤها، فإذا دخلها الكفار بكفرهم وذنوبهم صاروا في معنى الفكاك للمسلمين. وأما رواية: (يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب) : فمعناه أن الله تعالى يغفر تلك الذنوب للمسلمين ويسقطها عنهم، ويضع على اليهود والنصارى مثلها بكفرهم وذنوبهم فيدخلهم النار بأعمالهم، لا بذنوب المسلمين، ولا بد من هذا التأويل، لقوله تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) ، وقوله: (ويضعها) مَجاز، والمراد يضع عليهم مثلها بذنوبهم كما ذكرناه، لكن لما أسقط سبحانه وتعالى عن المسلمين سيئاتهم، وأبقى على الكفار سيئاتهم، صاروا في معنى من حمل إثم الفريقين لكونهم حملوا الإثم الباقي وهو إثمهم، ويحتمل أن يكون المراد آثاما كان للكفار سبب فيها، بأن سنُّوها، فتسقط عن المسلمين بعفو الله تعالى، ويوضع على الكفار مثلها لكونهم سنوها، ومن سن سنة سيئة كان عليه مثل وزر كل من يعمل بها " انتهى. " شرح مسلم " (17/85) وقال رحمه الله: " معنى (فكاكك) : أنك كنت معرضا لدخول النار، هذا فكاكك؛ لأن الله تعالى قدر للنار عددا يملؤها، فإذا دخلها الكفار بذنوبهم وكفرهم صاروا في معنى الفكاك للمسلمين، والله أعلم " انتهى. " رياض الصالحين " (ص/534) . وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى: (أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) : " قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سِنَان، حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما منكم من أحد إلا وله منزلان: منزل في الجنة، ومنزل في النار، فإن مات فدخل النار وَرثَ أهل الجنة منزله، فذلك قوله: (أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ)) - رواه ابن ماجه في السنن برقم (4341) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في " فتح الباري " (11/451) : إسناده صحيح. وقال البوصيري في " الزوائد " (3/327) : " هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين "، وصححه السيوطي في " البدور السافرة " (ص/456) - وقال ابن جُرَيْج، عن لَيْث، عن مجاهد: (أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ) قال: ما من عبد إلا وله منزلان: منزل في الجنة، ومنزل في النار، فأما المؤمن فيُبنَى بيته الذي في الجنة، ويُهدّم بيته الذي في النار، وأما الكافر فيُهْدَم بيته الذي في الجنة، ويُبنى بيته الذي في النار. وروي عن سعيد بن جُبَيْر نحو ذلك. فالمؤمنون يرثون منازل الكفار؛ لأنهم خلقوا لعبادة الله تعالى، فلما قام هؤلاء المؤمنون بما وجب عليهم من العبادة، وترَكَ أولئك ما أمرُوا به مما خُلقوا له - أحرزَ هؤلاء نصيب أولئك لو كانوا أطاعوا ربهم عز وجل، بل أبلغ من هذا أيضًا، وهو ما ثبت في صحيح مسلم، عن أبي بُردَةَ، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم ... - ثم ذكر الأحاديث السابقة " انتهى باختصار. " تفسير القرآن العظيم " (5/465) وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " وقال غيره – يعني غير البيهقي - يحتمل أن يكون الفداء مجازا عما يدل عليه حديث أبي هريرة بلفظ: (لا يدخل الجنة أحد إلا أري مقعده من النار لو أساء ليزداد شكرا..) الحديث، وفيه في مقابله: (ليكون عليه حسرة) فيكون المراد بالفداء إنزال المؤمن في مقعد الكافر من الجنة الذي كان أعد له، وإنزال الكافر في مقعد المؤمن الذي كان أعد له، وقد يلاحظ في ذلك قوله تعالى: (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا) ، وبذلك أجاب النووي تبعا لغيره. وأما رواية غيلان بن جرير فأولها النووي أيضا تبعا لغيره: بأن الله يغفر تلك الذنوب للمسلمين، فإذا سقطت عنهم وضعت على اليهود والنصارى مثلها بكفرهم، فيعاقبون بذنوبهم لا بذنوب المسلمين، ويكون قوله: (ويضعها) أي: يضع مثلها؛ لأنه لما أسقط عن المسلمين سيئاتهم وأبقى على الكفار سيئاتهم صاروا في معنى من حمل إثم الفريقين لكونهم انفردوا بحمل الإثم الباقي وهو إثمهم. ويحتمل أن يكون المراد آثاما كانت الكفار سببا فيها بأن سنوها، فلما غفرت سيئات المؤمنين بقيت سيئات الذي سن تلك السنة السيئة باقية، لكون الكافر لا يغفر له، فيكون الوضع كناية عن إبقاء الذنب الذي لحق الكافر بما سنه من عمله السيئ، ووضعه عن المؤمن الذي فعله بما من الله به عليه من العفو والشفاعة، سواء كان ذلك قبل دخول النار أو بعد دخولها والخروج منها بالشفاعة. وهذا الثاني أقوى. والله أعلم " انتهى. " فتح الباري " (11/398) وجاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (3/468) : " أما قوله صلى الله عليه وسلم: (فيغفرها للمسلمين ويضعها على اليهود والنصارى) ، فهذا الحديث قد شك راويه فيه، ولا يحتج به مع الشك، ولكونه يخالف ظاهر القرآن الكريم، لكن إن صح عنه صلى الله عليه وسلم فهو لا يقول إلا الحق، ويجب حمله على ما يوافق الأدلة الأخرى، وذلك بحمله على اليهود والنصارى الذين كانوا سببا في وقوع المسلمين في الذنوب التي غفرت لهم، لقوله سبحانه: (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) ، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (من دعا إلى ضلالة كان عليه مثل إثم من عمل بها من بعده لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا) ولما جاء في معناه من الأحاديث " انتهى. وانظر جواب السؤال رقم: (9488) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128128 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 155 ما حكم حديث المرأة التي سجرت التنور ودعت الله فامتلأت الجفنة طعاما [السُّؤَالُ] ـ[ما صحة هذا الحديث: (دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى أَهْلِهِ، فَلَمَّا رَأَى مَا بِهِمْ مِنْ الْحَاجَةِ خَرَجَ إِلَى الْبَرِيَّةِ، فَلَمَّا رَأَتْ امْرَأَتُهُ قَامَتْ إِلَى الرَّحَى فَوَضَعَتْهَا، وَإِلَى التَّنُّورِ فَسَجَرَتْهُ، ثُمَّ قَالَتْ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا. فَنَظَرَتْ فَإِذَا الْجَفْنَةُ قَدْ امْتَلَأَتْ. قَالَ: وَذَهَبَتْ إِلَى التَّنُّورِ فَوَجَدَتْهُ مُمْتَلِئًا. قَالَ: فَرَجَعَ الزَّوْجُ قَالَ: أَصَبْتُمْ بَعْدِي شَيْئًا؟ قَالَتْ امْرَأَتُهُ: نَعَمْ مِنْ رَبِّنَا. قَامَ إِلَى الرَّحَى. فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَمَا إِنَّهُ لَوْ لَمْ يَرْفَعْهَا لَمْ تَزَلْ تَدُورُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. شَهِدْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَأَنْ يَأْتِيَ أَحَدُكُمْ صيرًا ثُمَّ يَحْمِلَهُ يَبِيعَهُ فَيَسْتَعِفَّ مِنْهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلًا يَسْأَلُهُ) وهل يجوز التحديث به؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: هذا الحديث رواه الإمام أحمد في " المسند " (16/385) واللفظ له، وإبراهيم الحربي في " إكرام الضيف " (46) ، والبزار - كما في " كشف الأستار " - (3687) ، والطبراني في " المعجم الأوسط " (5/370) ، والبيهقي في " دلائل النبوة " (6/105) ، وفي " شعب الإيمان " (2/481) (1339) جميعهم من طريق أبي بكر بن عياش، عن هشام بن حسَّان، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه به. قال البزار: لا نعلم رواه عن هشام إلا أبو بكر بن عياش. وقال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن محمد بن سيرين إلا هشام بن حسان، ولا عن هشام بن حسان إلا أبو بكر بن عياش، تفرد به أحمد بن يونس. قال الشيخ الألباني رحمه الله: " وهو ثقة – يعني أحمد بن يونس - من رجال الشيخين، وكذلك من فوقه، سوى أبي بكر بن عياش، فمن رجال البخاري، وفيه كلام يسير لا يسقط حديثه عن مرتبة الحسن، ولا سيما وله طريق أخرى " انتهى باختصار. " السلسلة الصحيحة " (2937) . وصححه الهيثمي في " مجمع الزوائد " (10/259) ، والشيخ مقبل الوادعي في " صحيح دلائل النبوة " (335) . وفي الحديث دليل على ما يؤمن به أهل السنة والجماعة من وقوع الكرامات للأولياء والصالحين، وعلى استجابة الله عز وجل دعاء عباده المؤمنين من حيث لا يحتسبون. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128056 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 156 حديث مكذوب في محاولة جبريل عليه السلام أن يقيس عرض الجنة [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن توجهوني هل هذا حديث أم أثر، لكي أعرف كيف أرد على كاتبي هذا الحديث أو المعتقدين به: عن جبرئيل عليه السلام عندما طلب الإذن من الله بأن يقوم بقياس عرض الجنة، فأعطاه الله الإذن بذلك، فانطلق بالطيران في الجنة، فطار مدة 300 ألف عام ثم توقف وطلب من الله أن يمده بالعون ليطير 300 ألف عام أخرى، فأمدَّه الله سبحانه وتعالى، فانطلق جبريل، ولما قطع 300 ألف عام توقف، وطلب من الله أن يمده ب 300 ألف عام أخرى، وهكذا حتى قطع جبريل 900 ألف عام يطير في الجنة، ثم توقف فرأى قصرا في الجنة قد أطلت منه إحدى الحوريات، فقالت له يا جبرئيل ماذا تفعل؟ قال أريد أن أقيس عرض الجنة، قالت: يا جبرئيل لا تتعب نفسك، أنت الآن منذ انطلاقتك الأولى تطير في حدود مملكتي، قال: ومن أنت؟ قالت: أنا زوجة لأحد المؤمنين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس هذا النقل الوارد في السؤال بحديث ولا بأثر، ولم يذكره أحد من أهل العلم من المُحدِّثين ولا المفسرين ولا المؤرخين، فيما نعلم؛ وإنما تتناقله بعض كتب الرافضة ومواقعهم، وهي مليئة بالكذب والأساطير والخرافات، فيبدو أن هذه القصة واحدة من افتراءاتهم على الدين. والمسلم يستغني في وصف الجنة بما ورد في الكتاب والسنة الصحيحة، فقد وصف الله عز وجل عرض الجنة في القرآن الكريم فقال: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) آل عمران/133. وقال عز وجل: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) الحديد/21. يقول الإمام البغوي رحمه الله: " (عَرْضُهَا السَّمَاوَات وَالأرْضُ) أي: عرضها كعرض السموات والأرض، كما قال في سورة الحديد: (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) أي: سَعَتُها، وإنما ذكر العرض على المبالغة؛ لأن طول كل شيء في الأغلب أكثر من عرضه، يقول: هذه صفة عَرْضِها فكيف طُولها! قال الزهري: إنما وصف عرضها، فأما طولُها فلا يعلمه إلا الله، وهذا على التمثيل، لا أنها كالسموات والأرض لا غير، معناه: كعرض السموات السبع والأرضين السبع عند ظنكم، كقوله تعالى: (خالدين فيها ما دامت السمواتُ والأرضُ) سورة هود/107، يعني: عند ظنكم، وإلا فهما زائلتان، وروي عن طارق بن شهاب أن ناسًا من اليهود سألوا عمر بن الخطاب وعنده أصحابه رضي الله عنهم وقالوا: أرأيتم قوله: (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَات وَالأرْضُ) فأين النار؟ فقال عمر: أرأيتم إذا جاء الليل أين يكون النهار، وإذا جاء النهار أين يكون الليل؟ فقالوا: إنه لمثلها في التوراة. ومعناه أنه حيث يشاء الله " انتهى. معالم التنزيل " (2/104) وإذا كان قد ورد في وصف شجرة من أشجار الجنة أنه (يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِى ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لاَ يَقْطَعُهَا) رواه البخاري (3251) ومسلم (2826) ، فكيف هو شأن الجنة نفسها إذن؟! وإذا كان ورد أيضا أن أدنى أهل الجنة منزلة له (مِثْلُ الدُّنْيَا وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهَا) رواه البخاري (6571) ومسلم (186) ، وهو فرد واحد، فكيف تكون سعة الجنة لجميع أهلها ومن فيها إذن؟! هذا يدلك على أن الجنة من أعظم مخلوقات الله عز وجل. فالحاصل أن هذا الخبر الوارد في السؤال غير صحيح، بل مكذوب مصنوع، تتناقله بعض المنتديات التي تكثر فيها الخرافات، فلا بد من الحذر منها. وقد اتفق علماء المسلمين على حرمة الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحرمة رواية الأحاديث المكذوبة ولو كان معناها مقبولا، فالكذب نفسه كبيرة من كبائر الذنوب، فإذا كان كذبا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو أعظم إثما عند الله. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127816 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 157 حديث مكذوب فيه: (بحرمتي وجلالي ضمنت له سبعة أشياء) [السُّؤَالُ] ـ[دعاء لمرة واحدة بالعمر: روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مضمون الحديث أنه قال: من قرأ الدعاء في أي وقت فكأنه حج 360 حجة، وختم 360 ختمة، وأعتق 360 عبدا، وتصدق ب 360 دينارا، وفرج عن 360 مغموما، وبمجرد أن قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحديث نزل جبرائيل عليه السلام وقال: يا رسول الله! أي عبد من عبيد الله سبحانه وتعالى، أو أي أحد من أمتك يا محمد قرأ الدعاء ولو مرة واحدة في العمر بحرمتي وجلالي ضمنت له سبعة أشياء: رفعت عنه الفقر. أمنته من سؤال منكر ونكير. أمررته على الصراط. حفظته من موت الفجأة. حرمت عليه دخول النار. حفظته من ضغطة القبر. حفظته من غضب السلطان الجائر والظالم. الدعاء: لا إله إلا الله الجليل الجبار، لا إله إلا الله الواحد القهار, لا إله إلا الله الكريم الستار، لا إله إلا الله الكبير المتعال , لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلها واحدا، ربا وشاهدا، أحدا وصمدا، ونحن له مسلمون , لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلها واحدا، ربا وشاهدا، أحدا وصمدا، ونحن له عابدون، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلها واحدا، ربا وشاهدا، أحدا وصمدا، ونحن له قانتون , لا إله إلا وحده لا شريك له، إلها واحدا، ربا وشاهدا، أحدا وصمدا، ونحن له صابرون , لا إله إلا الله محمد رسول الله , اللهم إليك فوضت أمري، وعليك توكلت، يا أرحم الراحمين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الفضل المنسوب لهذا الدعاء فضل مكذوب، لم يرد في كتب السنة والآثار، ولا عن الصحابة ولا التابعين، وتظهر عليه علامات الكذب، لما فيه من المبالغة والمجازفة في ترتيب الأجر على العمل، وقد حكم العلماء المعاصرون عليه بالرد والكذب. جاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (24/281-283) ما يلي: " الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد: فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة المفتي العام من المستفتي/ بواسطة معالي د. محمد بن سعد الشويعر، والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم (3598) ، وتاريخ 9 \ 7 \ 1420 هـ، وقد ذكر معاليه أن أحد المواطنين جاءه بنشرة يقول إنه وجدها بالمسجد الذي يصلي فيه، ويطلب إفتاءه نحوها، وقد جاء في هذه النشرة ما نصه:.. ". [وذكروا الحديث بنحو مما ورد في السؤال] . وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت: بأن هذا الدعاء المنسوب للنبي صلى الله عليه وسلم دعاء باطل، لا أصل له من كتاب الله أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والحديث المروي في فضله حديث باطل مكذوب، ولم نجد من أئمة الحديث مَن خَرَّجه بهذا اللفظ، ودلائل الوضع عليه ظاهرة؛ لأمور، منها: 1 - مخالفة هذا الدعاء ومناقضته لصحيح المعقول وصريح المنقول من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وذلك لترتيب هذه الأعداد العظيمة من الثواب المذكور لمن قرأ هذا الدعاء. 2 - اشتماله على لفظ (علي ولي الله) ، ولا شك أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه من أولياء الله إن شاء الله، ولكن تخصيصه بذلك دون غيره فيه نفثة رافضية. 3 - أنه يلزم من العمل بهذا الدعاء أن قارئه يدخل الجنة وإن عمل الكبائر أو أتى بما يناقض الإيمان، وهذا باطل ومردود عقلا وشرعا. وعلى ذلك فإن الواجب على كل مسلم أن لا يهتم بهذه النشرة، وأن يقوم بإتلافها، وأن يحذر الناس من الاغترار بها وأمثالها، وعليه أن يتثبت في أمور دينه فيسأل أهل الذكر عما أشكل عليه حتى يعبد الله على نور وبصيرة، ولا يكون ضحية للدجالين وضعاف النفوس الذين يريدون صرف المسلمين عما يهمهم في أمور دينهم ودنياهم، ويجعلهم يتعلقون بأوهام وبدع لا صحة لها. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم " انتهى. وقد سبق الجواب عن هذا الذكر في جواب رقم: (126635) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127615 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 158 ما ورد في تخيير الرسل والأنبياء قبل الموت [السُّؤَالُ] ـ[بالنسبة لمسألة تخيير الرسل والأنبياء قبل الموت (أي هل يموتون الآن أم بعد مدة) كما حصل معه عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم، كيف نقول بالنسبة لمن قتل منهم أي الأنبياء والرسل، هل خُيروا أم لم يُخيروا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن كل نبي يخير عند موته بين الدنيا والآخرة، جاء ذلك في روايات عدة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ صَحِيحٌ يَقُولُ: إِنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ قَطُّ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، ثُمَّ يُحَيَّا أَوْ يُخَيَّرَ. فَلَمَّا اشْتَكَى وَحَضَرَهُ الْقَبْضُ وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذِ عَائِشَةَ غُشِي عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَفَاقَ شَخَصَ بَصَرُهُ نَحْوَ سَقْفِ الْبَيْتِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى. فَقُلْتُ: إِذًا لاَ يُجَاوِرُنَا. فَعَرَفْتُ أَنَّهُ حَدِيثُهُ الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُنَا وَهْوَ صَحِيحٌ) رواه البخاري (4437) ومسلم (2444) وعنها رضى الله عنها قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (مَا مِنْ نَبيٍّ يَمْرَضُ إِلاَّ خُيِّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. وَكَانَ فِي شَكْوَاهُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ أَخَذَتْهُ بُحَّةٌ شَدِيدَةٌ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: (مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ) فَعَلِمْتُ أَنَّهُ خُيِّرَ) رواه البخاري (4586) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " قوله: (كنت أسمع أنه لا يموت نبي حتى يُخَيَّر) ولم تصرح عائشة بذكر من سمعت ذلك منه في هذه الرواية، وصرحت بذلك في الرواية التي تليها من طريق الزهري عن عروة عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صحيح يقول: (إنه لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة ثم يحيى أو يخير) وهو شك من الراوي، هل قال يُحَيَّى، أو يُخَيَّر. وعند أحمد من طريق المطلب بن عبد الله عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (ما من نبي يقبض إلا يرى الثواب ثم يخير) ولأحمد أيضا من حديث أبي مويهبة قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني أوتيت مفاتيح خزائن الأرض والخلد ثم الجنة، فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة فاخترت لقاء ربي والجنة) وعند عبد الرزاق من مرسل طاوس رفعه: (خيرت بين أن أبقى حتى أرى ما يفتح على أمتي وبين التعجيل فاخترت التعجيل) " انتهى من " فتح الباري " (8/137) وقال أيضا: " هذه الحالة من خصائص الأنبياء أنه لا يقبض نبي حتى يخير بين البقاء في الدنيا وبين الموت " انتهى من " فتح الباري " (10/131) ومن ذلك قصة استئذان ملك الموت على نبي الله موسى عليه السلام فلطمه موسى ففقأ عينه وهي مروية في الصحيحين أيضا. يقول الدكتور عمر الأشقر حفظه الله: " مما تفرد به الأنبياء أنّهم يخيَّرون بين الدنيا والآخرة " انتهى من " الرسل والرسالات " (ص/63) ثانيا: لما كان تخيير الرسل والأنبياء قبل الموت من عالم الغيب الذي لم نطلع عليه إلا بواسطة الوحي الصحيح، لم يجز لنا أن نتكلم في تفاصيله بغير علم ولا هدى، بل يجب الوقوف عند حدود النصوص الواردة في هذا الموضوع، وهي نصوص عامة لم تستثن أحدا من الأنبياء، بل جاءت بصيغة تؤكد العموم، ففي الرواية الأولى بلفظ: (لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ قَطُّ) ، وفي الرواية الثانية بلفظ: (مَا مِنْ نَبيٍّ يَمْرَضُ) ، فيظهر أنها تعم كل نبي، سواء مات ميتة طبيعية على فراشه، أو قتل شهيدا باعتداء المعتدين. هذا ما يمكننا قوله، ولا نستطيع تجاوز ذلك. ثالثا: لا يفوتنا التنبيه هنا على كثرة الكذب في هذا الموضوع، فقد رويت أحاديث كثيرة ضعيفة تذكر قصة استئذان ملك الموت على النبي صلى الله عليه وسلم ليقبض روحه، وما دار من حوار طويل بينهما، سبق التنبيه عليه في جواب السؤال رقم: (71400) يقول الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله: " وأما الجواب عن - استئذان ملك الموت على النبي صلى الله عليه وسلم - فهو أنّ الحديث في ذلك لا يَصِحُّ، ولا عبرة بسكوت بعض أهل السِّيَرِ عليه , ولا بذكره في بعض الخُطَب التي قَلَّمَا تحرى أصحابها الصحاح من السنن والآثار , بل أولع أكثرهم بالواهيات والموضوعات " انتهى من " مجلة المنار " (11/352) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127370 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 159 حديث مكذوب بعنوان ليته كان جديدا..ليته كان بعيدا ... ليته كان كاملا [السُّؤَالُ] ـ[كان أحد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم على فراش الموت، فنطق بثلاث كلمات: ليته كان جديدا، ويذهب في غفوة، ويفيق وهو يقول: ليته كان بعيدا، ويذهب في غفوة ويفيق وهو يقول: ليته كان كاملا. وبعدها فاضت روحه. ذهب الصحابة رضوان الله عليهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسألوه عن هذه الكلمات، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذا الرجل في يوم من الأيام كان يمشي، وكان معه ثوب قديم، فوجد مسكينا يشتكي من شدة البرد فأعطاه الثوب، فلما حضرته الوفاة، ورأى قصرا من قصور الجنة، فقالت له ملائكة الموت: هذا قصرك. فقال: لأي عمل عملته؟؟ فقالوا له: لأنك تصدّقت ذات ليلة على مسكين بثوب. فقال الرجل: إنه كان باليا فما بالنا لو كان جديدا، ليته كان جديدا. وكان في يوم ذاهبا للمسجد، فرأى مُقعدا يريد أن يذهب للمسجد، فحمله إلى المسجد، فلما حضرته الوفاة، ورأى قصرا من قصور الجنة، قالت له ملائكة الموت: هذا قصرك. فقال: لأي عمل عملته؟؟ فقالوا له: لأنك حملت مُقعدا ليصلي في المسجد. فقال الرجل: إن المسجد كان قريبا، فما بالنا لو كان بعيدا، ليته كان بعيدا. وفي يوم من الأيام كان يمشي، وكان معه بعض رغيف، فوجد مسكينا جائعا فأعطاه جزءا منه، فلما حضرته الوفاة ورأى قصرا من قصور الجنة، فقالت له ملائكة الموت: هذا قصرك، فقال لأي عمل عملته؟؟ فقالوا له: لأنك تصدّقت ببعض رغيف لمسكين. فقال الرجل: إنه كان بعض رغيف، فما بالنا لو كان كاملا، ليته كان كاملا ً. أريد أن أعرف هل هذا حديث، وهل هو صحيح؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس هذا الكلام الوارد في السؤال من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، ولا من كلام أحد الصحابة أو التابعين، بل لم نجده – حسب ما وصل إليه بحثنا - في شيء من كتب العلماء، قديمها وحديثها، صحيحها وضعيفها، فالغالب أنه كذبة من الكذبات التي يتداولها الناس، وربما ابتكرها بعض المتأخرين، ونسبها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وما أكثرها هذه الأيام والله المستعان، فقد تجرأ أقوام على هذه الكبيرة العظيمة، جريمة وضع الأحاديث على النبي صلى الله عليه وسلم. فالواجب على كل مسلم الحذر من هذه الموضوعات، والعمل على تحذير الناس منها، وعدم المساعدة في نشرها، بل المساعدة في محوها من المجالس والمنتديات، واستبدالها بالأحاديث الكثيرة الصحيحة الواردة في الحث على الصدقة والإحسان للفقراء والمساكين. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ) . رواه مسلم في مقدمة صحيحه (5) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127252 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 160 كيف يخرج البخاري في صحيحه عن رواة ضعفاء؟ [السُّؤَالُ] ـ[وجدت شبهة تحتاج لرد متخصص، وهي: البخاري ضعف أحد الرواة، وهو حمران بن أبان، ثم أخرج له روايات فى صحيح البخاري.. فكيف يضعف راو ثم يخرج له؟؟ كيف تكون هذه الأحاديث صحيحة وفيها راو ضعفه البخاري نفسه؟؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: هذه المسألة من دقيق مسائل علوم الحديث، يخطئ في فهمها كثير من الناس، ويتورطون بما ينصبه لهم أعداء الإسلام من شبه، في حين أن جوابها سهل ميسور لا يختلف فيه أهل العلم المتخصصون. وخلاصة هذه المسألة أنه ليس من منهج الإمام البخاري في صحيحه ألا يخرج عن رواة متكلم فيهم أو موصوفين بالضعف، ولكن من منهجه ألا يخرج إلا الصحيح من حديثهم، وفرق بين الأمرين: فالراوي الضعيف أو المتكلم فيه لا يلزم أن ترد جميع مروياته – ما دام غير متهم بالكذب -، إذ قد يكون مضعفا في حال دون حال، أو في شيخ دون شيخ، أو في بلد دون بلد، أو في حديث معين دون أحاديث أخر، ونحو ذلك من أنواع التضعيف، فلا يجوز أن نرد جميع مروياته حينئذ، بل نقبل حديثه الذي تبين لنا أنه ضبطه وحفظه وأداه كما حفظه، ونرد حديثه الذي تبين لنا أنه أخطأ فيه، ونتوقف فيما لم يتبين لنا شأنه، وهكذا هو حكم التعامل مع جميع مرويات الرواة الضعفاء، وليس كما يظن غير المتخصصين أن الراوي الضعيف ترد جميع مروياته. هذا هو منهج الأئمة السابقين، ومنهج الإمامين البخاري ومسلم صاحبي الصحيحين، ويسمى منهج " الانتقاء من أحاديث الضعفاء "، يعني تصحيح أحاديث بعض الرواة المتكلم فيهم بالضعف إذا تبين أنهم قد حفظوا هذا الحديث بخصوصه، تماما كما أننا قد نرد حديث الراوي الثقة إذا تبين أنه لم يحفظ هذا الحديث المعين، أو خالف فيه من هو أوثق منه وأحفظ. والبحث في المتابعات والشواهد ومن وافق هذا الراوي المتكلم فيه من الرواة الثقات مِن أنفع وسائل التثبت من حفظ الراوي المتكلم فيه لتصحيح حديثه أو تضعيفه. وخلاصة الكلام أن إخراج البخاري عن بعض الرواة الضعفاء أو المتكلم فيهم لا يخلو من الأحوال الآتية: 1- إما أن الصواب في هذا الراوي هو التوثيق، وأن تضعيف مَن ضعَّفه مردود عليه مثل: عكرمة مولى ابن عباس. 2- أو أن الراوي مُضعَّف في الأحاديث التي يتفرد بها فقط، أما ما وافق فيه الرواة الآخرين فيقبل حديثه، فيخرج البخاري له ما وافق فيه الثقات، لا ما تفرد به، مثل: أفلح بن حميد الأنصاري، ومحمد بن عبد الرحمن الطفاوي، وفضيل بن سليمان النميري. 3- أو أن الراوي مُضعَّفٌ إذا روى عن شيخ معين، أما إذا روى عن غيره فيقبل العلماء حديثه، فتجد البخاري يجتنب روايته عن الشيخ المضعف فيه، مثل: معمر بن راشد عن ثابت البناني. 4- أو أن الراوي مُضعَّف بالاختلاط والتغير، فيروي له البخاري عمَّن أخذ عنه قبل اختلاطه وتغيره، مثل: حصين بن عبد الرحمن السلمي. 5- أو أن الراوي ضعيف، لكن البخاري لم يَسُق له حديثا من الأحاديث الأصول، وإنما أورده في إسناد يريد به متابعة إسناد آخر أو الاستشهاد له به، أو في حديث معلق. وننقل هنا من كلام العلماء ما يدل على التقرير السابق: يقول الحافظ ابن الصلاح رحمه الله – ضمن كلامه عن سبب وجود رواة ضعفاء في صحيح مسلم، ومثله يقاس الكلام على البخاري -: " عاب عائبون مسلما بروايته في صحيحه عن جماعة من الضعفاء أو المتوسطين الواقعين في الطبقة الثانية، الذين ليسوا من شرط الصحيح أيضا. والجواب أن ذلك لأحد أسباب لا معاب عليه معها: أحدها: أن يكون ذلك فيمن هو ضعيف عند غيره ثقة عنده. الثاني: أن يكون ذلك واقعا في الشواهد والمتابعات لا في الأصول، وذلك بأن يذكر الحديث أولا بإسناد نظيف رجاله ثقات ويجعله أصلا، ثم يتبع ذلك بإسناد آخر أو أسانيد فيها بعض الضعفاء على وجه التأكيد بالمتابعة أو لزيادة فيه. الثالث: أن يكون ضعف الضعيف الذي احتج به طرأ بعد أخذه عنه باختلاط حدث عليه غير قادح فيما رواه من قبل في زمان سداده واستقامته " انتهى باختصار. " صيانة صحيح مسلم " (ص/96-98) ويقول الحافظ الحازمي (ت 524هـ) – وقد قسم الرواة إلى خمس طبقات وجعل الطبقة الأولى مقصد البخاري، ويخرج أحياناً من أعيان الطبقة الثانية -: " فإن قيل: إذا كان الأمر على ما مهدت، وأن الشيخين لم يودعا كتابيهما إلا ما صح، فما بالهما خرجا حديث جماعة تكلم فيهم، نحو فليح بن سليمان، وعبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، وإسماعيل بن أبي أويس عند البخاري، ومحمد بن إسحاق وذويه عند مسلم. قلت: أما إيداع البخاري ومسلم " كتابيهما " حديث نفر نسبوا إلى نوع من الضعف فظاهر، غير أنه لم يبلغ ضعفهم حداً يُرَدُّ به حديثهم " انتهى. " شروط الأئمة الخمسة " (ص69 – 70) ويقول الحافظ الذهبي رحمه الله: " فما في الكتابين – يعني صحيحي البخاري ومسلم – بحمد الله رجل احتج به البخاري أو مسلم في الأصول ورواياته ضعيفة، بل حسنة أو صحيحة ... ومن خرج له البخاري أو مسلم في الشواهد والمتابعات ففيهم مَن في حفظه شيء، وفي توثيقه تردد " انتهى باختصار. " الموقظة " (ص/79-81) . وقال الإمام ابن القيم – وهو يرد على من عاب على مسلم إخراج أحاديث الضعفاء سيئي الحفظ كمطر الوراق وغيره، ومثله يقاس الكلام على البخاري -: " ولا عيب على مسلم في إخراج حديثه؛ لأنه ينتقي من أحاديث هذا الضرب ما يعلم أنه حفظه، كما يطرح من أحاديث الثقة ما يعلم أنه غلط فيه، فغلط في هذا المقام من استدرك عليه إخراج جميع أحاديث الثقة، ومن ضعف جميع أحاديث سيئي الحفظ " انتهى. " زاد المعاد " (1/364) ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله: " وأما الغلط فتارة يكثر في الراوي وتارة يقل، فحيث يوصف بكونه كثير الغلط، ينظر فيما أخرج له، إن وجد مروياً عنده أو عند غيره من رواية غير هذا الموصوف بالغلط، علم أن المعتمد أصل الحديث لا خصوص هذه الطريق، وإن لم يوجد إلا من طريقه فهذا قادح يوجب التوقف فيما هذا سبيله، وليس في الصحيح – بحمد الله – من ذلك شيء، وحيث يوصف بقلة الغلط، كما يقال: سيء الحفظ، أو له أوهام، أو له مناكير، وغير ذلك من العبارات، فالحكم فيه كالحكم في الذي قبله، إلا أن الرواية عن هؤلاء في المتابعات أكثر منها عند المصنف من الرواية عن أولئك " انتهى. " هدي الساري " (ص/381) ولهذا يرى الحافظ ابن حجر أن يكون تعريف الحديث الصحيح على هذا النحو: " هو الحديث الذي يتصل إسناده بنقل العدل التام الضبط، أو القاصر عنه إذا اعتضد، عن مثله، إلى منتهاه، ولا يكون شاذاً ولا معللاً. وإنما قلت ذلك لأنني اعتبرت كثيراً من أحاديث الصحيحين فوجدتها لا يتم عليها الحكم بالصحة إلا بذلك – يعني بتعدد الطرق – " انتهى. " النكت على ابن الصلاح " (1/86) ويقول العلامة المعلمي رحمه الله: " إن الشيخين يخرجان لمن فيهم كلام في مواضع معروفة: أحدهما: أن يؤدي اجتهادهما إلى أن ذلك الكلام لا يضره في روايته البتة، كما أخرج البخاري لعكرمة. الثاني: أن يؤدي اجتهادهما إلى أن ذلك الكلام إنما يقتضي أنه لا يصلح للاحتجاج به وحده، ويريان أنه يصلح لأن يحتج به مقروناً، أو حيث تابعه غيره، ونحو ذلك. ثالثها: أن يريا أن الضعف الذي في الرجل خاص بروايته عن فلان من شيوخه، أو برواية فلان عنه، أو بما سمع منه من غير كتابه، أو بما سمع منه بعد اختلاطه، أو بما جاء عنه عنعنه وهو مدلس، ولم يأت عنه من وجه آخر ما يدفع ريبة التدليس. فيخرجان للرجل حيث يصلح، ولا يخرجان له حيث لا يصلح " انتهى. " التنكيل " (ص/692) ولذلك كله ينبه العلماء إلى عدم صحة الاستدلال على ثقة الراوي بإخراج البخاري له، وإنما ينبغي النظر في كيفية إخراج البخاري له، فإن أخرج له حديثا في الأصول صحيحا لذاته فهذا الذي في أعلى درجات التوثيق، أما من أخرج له في المتابعات أو صحيحا لغيره فهذا يشمله اسم الصدق العام، ولكن قد لا يكون في أعلى درجات التوثيق. يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله: " تخريج صاحب الصحيح لأي راو كان مقتض لعدالته عنده، وصحة ضبطه، وعدم غفلته، ولا سيما ما انضاف إلى ذلك من إطباق جمهور الأئمة على تسمية الكتابين بالصحيحين، وهذا معنى لم يحصل لغير من خرج عنه في الصحيح، فهو بمثابة إطباق الجمهور على تعديل من ذكر فيهما، هذا إذا خرج له في الأصول، فأما إن خرج له في المتابعات والشواهد والتعاليق فهذا يتفاوت درجات من أخرج له منهم في الضبط وغيره، مع حصول اسم الصدق لهم " انتهى. " هدي الساري " (ص/381) وهذا القيد الأخير مهم جدا في كلام الحافظ ابن حجر، يبين أن قوله في بداية الفقرة أن تخريج صاحب الصحيح لأي راو مقتض لعدالته عنده وصحة ضبطه مقيد بمن أخرج لهم في الأصول، يعني الأحاديث التي يصححها بنفسها ولم يوردها كمتابعة أو شاهد أو لغرض حديثي آخر، وهذا لا يميزه إلا أهل العلم المختصون بالحديث. وللتوسع في هذا الموضوع يمكن الرجوع إلى فصل بعنوان: " موقف البخاري من الرواة الضعفاء "، من كتاب " منهج الإمام البخاري في تصحيح الأحاديث وتعليلها " لأبي بكر كافي (ص/135-159) . ثانيا: وعلى هذا فمن الخطأ الظاهر عند علماء الحديث الاعتراض بوجود بعض الرواة المتكلم فيهم في صحيح البخاري، فهذا أمر لا يخفى على المحدِّثين، ولا يخفى على الإمام البخاري نفسه، فالبخاري ينتقي من حديث المتكلم فيهم ما يجزم أنه صحيح مقبول، سواء كان هذا الراوي مضعفا مِن قِبَل البخاري نفسه، أو مِن قِبَل غيره مِن المحدثين. فكل راو يُنقَل عن البخاري تضعيفه، لا بد في دراسته من التثبت من عدة أمور: 1- التأكد من تضعيف البخاري له حقا، ولتحقيق ذلك يجب التنبه إلى أن ذكر البخاري المجرد للراوي في كتابه " الضعفاء " لا يلزم منه أنه يميل إلى تضعيفه تضعيفا مطلقا، فقد يكون يرى ضعفه في بعض الأحاديث دون أخرى، أو في بعض الشيوخ دون آخرين، أو في حال دون حال، وهكذا، وهذه مسألة دقيقة أيضا تحتاج شرحا وبسطا ولكن ليس هذا محله، مع العلم أن للبخاري كتابين في الضعفاء، وهما " الضعفاء الكبير " وهذا الكتاب ما زال مخطوطا، وكتاب " الضعفاء الصغير " وهذا هو المطبوع اليوم. 2- النظر في كيفية إخراج البخاري عنه في صحيحه تبعا للأمور التي سبق ذكرها في الجواب أعلاه، هل أخرج له في الأصول، وما هي الأحاديث التي أخرجها، هل لها شواهد ومتابعات، وإن كان الراوي مختلطا ينظر كيف أخرج البخاري عنه، قبل الاختلاط أم بعده، إلى غير ذلك من التفاصيل التي يتقنها أهل الحديث. ثالثا: ومن ذلك ما ورد في السؤال من الكلام حول الراوي حمران بن أبان، وهو مولى عثمان بن عفان، قال ابن عبد البر رحمه الله: أهل السير والعلم بالخبر قالوا: وكان حمران أحد العلماء الجلة، أهل الوداعة والرأي والشرف بولائه ونسبه " انتهى. " التمهيد " (22/211) ، وعامة أهل العلم على توثيقه، مع كونه قليل الحديث، ولم ينقل تضعيفه إلا عن ابن سعد في " الطبقات الكبرى " (5/283) حيث قال: " كان كثير الحديث، ولم أرهم يحتجون بحديثه " انتهى. وهذا جرح مبهم يقابل التعديل، والعلماء يقدمون التعديل والتوثيق على الجرح المبهم، ولذلك يقول الذهبي رحمه الله: " حجة، قال ابن سعد: لم أرهم يحتجون به. قال الحاكم: تكلم فيه بما لا يؤثر فيه. قلت: هو ثبت " انتهى. " الرواة الثقات المتكلم فيهم بما لا يوجب ردهم " (ص/9) . وأما تضعيف البخاري له فلم نقف عليه إلا في نقل الإمام الذهبي أيضا حيث قال: " أورده البخاري في الضعفاء، لكنَّ ما قال ما بليته قط " انتهى. " ميزان الاعتدال " (1/604) وهذا كما ترى غير كاف لتضعيفه أيضا، إذ لم نقف على نص كلام البخاري نفسه في الضعفاء، ويبدو أنه في " الضعفاء الكبير " الذي لم يطبع بعد، ويبدو أنه البخاري أورده إيرادا مجردا من غير حكم عليه بالضعف، وهو ما يدل عليه قول الذهبي: (ما قال ما بليته) ، يعني: أن البخاري لم يذكر سبب ضعفه. وقد ترجم البخاري رحمه الله نفسه لحمران بن أبان في " التاريخ الكبير " (3/80) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وعلى كل حال، فما أخرج البخاري في صحيحه لحمران هما حديثان اثنان فقط: الحديث الأول قال فيه: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأُوَيْسِىُّ قَالَ حَدَّثَنِى إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَزِيدَ أَخْبَرَهُ أَنَّ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ دَعَا بِإِنَاءٍ، فَأَفْرَغَ عَلَى كَفَّيْهِ ثَلاَثَ مِرَارٍ فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِى الإِنَاءِ فَمَضْمَضَ، وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا، وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثَلاَثَ مِرَارٍ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلاَثَ مِرَارٍ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِى هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، لاَ يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) رواه البخاري تحت الأرقام التالية: (159، 164، 1934) وهذا الحديث من رواية حمران عن سيده عثمان بن عفان، وهي من أوثق الروايات وأصحها، فقد كان حمران ملازما لعثمان، يخدمه ويصحبه، بل كان حاجبا له، وكاتبا بين يديه، حتى كتب لعثمان وصية له بالخلافة لعبد الرحمن بن عوف حين مرض مرة، وقال قتادة: إن حمران بن أبان كان يصلى مع عثمان بن عفان فإذا أخطأ فتح عليه. وكان قرابة عثمان يجلون حمران كثيرا، ويقدرونه لأجل صحبته له، تجد كل ذلك في " تهذيب التهذيب " (3/25) فمن هذا حاله ألا يقبل حديث يحدث به عن مولاه عثمان، ليس فيه ما يستنكر، بل جاءت له شواهد لا تعد كثرة في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم وفي فضل الوضوء؟! فعلى فرض أن الإمام البخاري يضعف حمران على وجه العموم، فذلك لا يلزم منه أن يرد جميع أحاديثه، بل سبق وأن بينا أنه قد يخرج حديثه الذي يطمئن إلى صحته لقرائن وأدلة أخرى. الحديث الثاني قال فيه: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ قَالَ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِى التَّيَّاحِ قَالَ سَمِعْتُ حُمْرَانَ بْنَ أَبَانَ يُحَدِّثُ عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: (إِنَّكُمْ لَتُصَلُّونَ صَلاَةً، لَقَدْ صَحِبْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَا رَأَيْنَاهُ يُصَلِّيهَا، وَلَقَدْ نَهَى عَنْهُمَا، يَعْنِى الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ) رواه البخاري (رقم/587) وهذه الرواية كما ترى من رواية حمران عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه في موضوع ساق له البخاري مجموعة من الأحاديث عن ابن عمر وأبي سعيد الخدري وأبي هريرة في باب " لا يتحرى الصلاة قبل غروب الشمس "، وهذه المسألة وردت فيها الكثير من الأحاديث الصحيحة التي تنهى عن الصلاة بعد العصر، فليس في رواية حمران شيء مستنكر ولا مستغرب، حتى يرد حديثه هنا، فتأمل كيف انتقى البخاري من حديثه ما هو صحيح مقبول. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127183 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 161 يستحب تخير الزوج الصالح حسن الصورة [السُّؤَالُ] ـ[قرأت حديثًا وأريد أن أعرف صحته، وما الأحكام المنوطة به، وما معنى سيء المنظر. ذكر القرطبي فيما معنى الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أولياء الأمور أن لا يزوجوا بناتهم لمن كان قبيح المنظر أو دميم الخلقة. كما ذكر أيضاً أن امرأة ثابت بن قيس ذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم ما تجده من قبح زوجها وأنها لا تطيق أن ترى وجهه، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم أتردين عليه مهره؟ فقالت: وأكثر لو أراد، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: خذ ما أعطيتها وخل سبيلها، فطلقها. أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الذي وقفنا عليه من الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في اعتبار الجمال في الخاطب المتقدم للفتاة، حديثان اثنان: الحديث الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تُنكَحُ المرأةُ لأربَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظفَر بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَت يَدَاكَ) رواه البخاري (4802) ومسلم (1466) والعلماء يقولون إن خطاب النبي صلى الله عليه وسلم للرجال هو خطاب للنساء أيضا، وقد سبق في موقعنا في جواب الرقم: (125907) ، بيان استحباب هذه الصفات في الرجال والنساء. الحديث الثاني: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: (أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتُبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلاَ دِينٍ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الإِسْلاَمِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ. قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اقْبَلِ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً) رواه البخاري (رقم/5273) وفي رواية أنها قالت: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي لاَ أَعْتُبُ عَلَى ثَابِتٍ فِي دِينٍ وَلاَ خُلُقٍ، وَلَكِنِّي لاَ أُطِيقُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ. قَالَتْ نَعَمْ) رواه البخاري (رقم/5275) وقد ذكر الحافظ ابن حجر في شرح هذا الحديث أن من أسباب طلب امرأة ثابت بن قيس الطلاق منه هو أنه دميم الخلقة. يراجع في ذلك " فتح الباري " (9/400) وهذان الحديثان ليسا صريحين في حث الأولياء على مراعاة جمال صورة من يخطب بناتهم. ولكن روي ذلك صريحا عن بعض الصحابة والتابعين: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لا تكرهوا فتياتكم على الرجل القبيح، فإنهن يُحبِبْنَ ما تحبون) رواه سعيد بن منصور في سننه (رقم/781) ، وابن أبي شيبة في " المصنف " (4/94) ، وابن شبة في " تاريخ المدينة " (2/338) ، وابن أبي الدنيا في " العيال " (ص/272) ، من طرق عن هشام بن عروة عن أبيه عن عمر بن الخطاب. وروي أنه رضي الله عنه أُتِيَ بامرأة شابة زوجوها شيخاً كبيراً فقتلته، فقال: (يا أيها الناس! اتقوا الله ولينكح الرجل لمته من النساء، ولتنكح المرأة لمتها من الرجال، - يعني: شبهها -) رواه سعيد بن منصور في سننه (1/210) وروى ابن أبي الدنيا أيضا في " العيال " (ص/275) بسنده عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: أبو بِكرٍ دعاها إلى رجل فهويت غيره؟ قال: يلحق بهواها. يقول الغزالي رحمه الله: " يجب على الولي أيضا أن يراعي خصال الزوج، ولينظر لكريمته، فلا يزوجها ممن ساء خَلقُهُ أو خُلُقه، أو ضعف دينه، أو قصر عن القيام بحقها، أو كان لا يكافئها في نسبها. قال صلى الله عليه وسلم: (النكاح رق فلينظر أحدكم أين يضع كريمته) - قال البيهقي في " السنن الكبرى " (7/83) : روي مرفوعا والموقوف أصح -. والاحتياط في حقها أهم؛ لأنها رقيقة بالنكاح، لا مخلص لها، والزوج قادر على الطلاق بكل حال، ومهما زوج ابنته ظالما أو فاسقا أو مبتدعا أو شارب خمر فقد جنى على دينه، وتعرَّض لسخط الله لما قطع من حق الرحم وسوء الاختيار. وقال رجل للحسن: قد خطب ابنتي جماعة فمن أزوجها؟ قال: ممن يتقي الله، فإن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها " انتهى. " إحياء علوم الدين " (2/41) وانظر جواب السؤال رقم: (5202) ، (6942) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127173 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 162 حديث مكذوب في فضل المرأة التي تموت ولا زوج لها [السُّؤَالُ] ـ[جاءني هذا الحديث على البريد الإلكتروني، وأرجو بيان صحته، وكذلك - جزاكم الله خيرا - كيف يتأكد المسلم من الأحاديث التي تصل إليه، مع كثرة الأحاديث التي ترد إلينا عبر الشبكة العنكبوتية، وها هو الحديث: (بينما رجل من أهل الجنة يتنعم فيما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر؛ وإذا ببرق يضيء في الجنة، وهو من حورية من حوريات الجنة، يتنعم معها. قال فيرفع رأسه، فإذا بحورية أجمل من التي بين يديه، وإذا بها تقول: يا ولي الله أما لنا فيك جولة؟..أما لنا فيك نصيب؟ ... يقول: بالله من أنت؟! ... قالت: أنا ممن قال الله فيهن: (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون) .. وكل ما في الجنة مذلل لأهلها، فيطير بسريره إليها، فيأتيها فإذا بنورها سبعين ألف ضعف نور الحورية التي كانت بين يديه هناك، فيعجب، ويقول: لم؟! ... قالت: لأني صليت وصمت وعبدت الله، أنا من نساء أهل الدنيا، لم أتزوج بالدنيا، فأنا أعرض نفسي عليك، قال: وهل أنت لي؟! قالت: نعم جزاء من الله لك، وجزاء من الله لي، فيعتنقا أربعين عام لا تمله ولا يملها ........ تقف بين يديه وفي رجليها خلخال من ياقوت، إذا مشت سمع من خلخالها صفير صوت كل طير في الجنة ... ]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: هذا الحديث لم نره في كتب السنة، ولم نقف له على سند ولا أثر، والغالب أنه حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد وضع الكذابون كثيرا من الأحاديث في وصف الجنان ووصف الحور العين. أما ذكر ابن الجوزي له في كتابه " بستان الواعظين ورياض السامعين " (ص/124-125) فلم يكن على سبيل رواية الحديث، وإنما على سبيل التخييل للقارئ كي يتصور شيئا مما أعد الله لأهل الجنان، وهذا كثير في كتب ابن الجوزي، وإلا فهو يعلم رحمه الله أنه لا تصح نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك لم ينسبه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما أنشأه من كلامه رحمه الله. هذا ولم نقف على حديث صحيح في فضل المرأة التي تموت ولا زوج لها، إلا ما جاء في الكتاب والسنة في فضيلة الصبر وعظيم أجر الصابرين، والمرأة التي لا تتزوج وتحافظ على عفتها وطاعتها لربها هي من الصابرين المحتسبين إن شاء الله تعالى، والله تعالى يوفي الصابرين أجرهم بغير حساب. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: المرأة إذا توفيت وهي لم تتزوج ماذا يكون مصيرها: هل تتزوج من الرجال الذين لم يتزوجوا في الجنة؟ فأجاب: "إذا كانت في الجنة - بارك الله فيك - ففي الجنة ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين , أنت إذا أوصلتها إلى الجنة فستلقى كل خير , إما أن تتزوج من أهل الدنيا , والجنة سيبقى فيها فضل عمن دخلها من أهل الدنيا , فينشئ الله لها أقواماً يدخلهم الجنة , فقد تتزوج من هؤلاء الأقوام , فطمئنها وقل: إن شاء الله تعالى إذا دخلتِ الجنة فستجدين ما يسرك من كل ناحية، ودليل ذلك: (وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ) فصلت/31، أي: ما تطلبون" انتهى. "لقاءات الباب المفتوح" (لقاء رقم/18/سؤال رقم/23) . ثانياً: بخصوص رغبتك في معرفة صحة الأحاديث التي تصل إليك، فمن أفضل المواقع التي تنفعك في هذا موقع "الدرر السنية" على الرابط التالي: http://www.dorar.net/enc/hadith 2- كما يمكنك الاستعانة بموقع " ملتقى أهل الحديث " على الرابط التالي: http://www.ahlalhdeeth.com/vb/index.php ? فهذا الموقع مليء بمناقشات طلبة العلم المعاصرين حول كثير من الأحاديث، وخاصة الأحاديث المكذوبة والموضوعة التي لا تجد لها ذكرا في كتب المتقدمين. وحتى تكمل الاستفادة من هذين الموقعين ينبغي قراءة كتاب مختصر في علم "مصطلح الحديث" حتى يتمكن المسلم من فهم كلام العلماء في الحكم على الحديث، لأن لهم مصطلحات خاة لابد من معرفتها. ومن أوضح الكتب في هذا كتاب "مصطلح الحديث" للطحان. وأخصر منه كتاب "مصطلح الحديث" للشيخ ابن عثيمين. والله أعلم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127042 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 163 شرح مراتب الحديث [السُّؤَالُ] ـ[أود أن أفهم مراتب الحديث، مثلا: ما معنى حديث حسن غريب؟ وما هي الأحاديث التي يجوز الاستدلال بها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: نحمد الله أن وفقك إلى السؤال عن ذلك، ومحاولة تمييز مصطلحات المحدثين ومعرفة مقاصدهم في كلامهم، فهذا علم شريف عظيم، أفنى العلماء أعمارهم في تحقيقه وشرحه وتوضيح مسائله، ومع ذلك فيمكن لكل مسلم حريص أن يتحصل على ثقافة كافية في هذا العلم، ليفهم ما يقرؤه أحيانا في الصفحات والمواقع الإسلامية، وليتمكن من البناء على قواعد المعلومات التي عنده بعد ذلك. ولذلك فالنصيحة لك أختنا الكريمة بقراءة شرح ميسر في علم " مصطلح الحديث "، وستجدين فيه كل ما يهمك من علوم الحديث واصطلاحات المحدثين، ومما ننصحك بالاطلاع عليه شرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله على كتاب " المنظومة البيقونية "، يمكنك متابعته على الرابط التالي: http://www.islamway.com/?iw_s=Scholar&iw;_a=series&series;_id=1367 ثانيا: أما عن مراتب الحديث فللعلماء تقسيمات كثيرة لأنواع الأحاديث، كل تقسيم نظروا فيه لزاوية معينة: فلما نظروا إلى من ينسب إليه الحديث، قسموه إلى الأقسام الآتية: 1- المرفوع: إذا كان الحديث من كلام النبي صلى الله عليه وسلم. 2- الموقوف: إذا كان الحديث من كلام الصحابي رضي الله عنهم أجمعين. 3- المقطوع: إذا كان الحديث من كلام التابعي. وقد سبق شرح هذا التقسيم في جواب رقم: (121290) ولما نظروا إلى طرق الحديث وأسانيده، وهي سلاسل الرجال الذين نقلوا الحديث عن قائله، قسموه إلى الأقسام الآتية: 1- متواتر: إذا جاء الحديث من طرق وروايات كثيرة جدا. 2- آحاد (أو غريب) : إذا جاء الحديث من طريق ورواية واحدة فقط، ويسمونه أيضا بالغريب المطلق أو الفرد المطلق، أما إذا روى الحديث تابعي واحد عن صحابي، ثم رواه عن هذا التابعي راويان اثنان فأكثر، فهذه تسمى غرابة نسبية، أي أنه غريب وآحاد بالنسبة لرواية ذلك التابعي عن الصحابي. ولما نظر المحدثون إلى حكم الحديث، وهل يُقبَل أو يُرد - ولعل هذا هو محل السؤال تحديدا - قسموه إلى الأقسام الآتية: 1- المقبول: إذا انطبقت عليه شروط القبول، وكان صالحا لأن يُحْتج به، ويُعمل بمضمونه. 2- المردود: إذا لم تنطبق عليه شروط القبول. ثم قسموا المقبول إلى عدة أقسام: 1- الصحيح: إذا انطبقت عليه أعلى شروط القبول. ويمكن مراجعتها في جواب رقم: (79163) 2- الحسن: إذا انطبقت عليه أدنى شروط القبول. وفي أحيان كثيرة يستعمل المحدثون ألقابا أخرى مرادفة للألقاب السابقة، فمثلا يطلقون على الحديث الحسن أحيانا قولهم: جيد، كما يطلقون على الحديث الصحيح قولهم: على شرط الشيخين، ونحو ذلك من الكلمات المترادفة، وإن كانت هناك فروق دقيقة أحيانا بين هذه الاصطلاحات، لكن مرادنا في جوابنا هذا هو تقريب وتسهيل فهم هذه المراتب على وجه العموم. ثم قسم المحدثون الحديث المردود إلى عدة أقسام: 1- الضعيف: وهو ما أخل بشرط من شروط القبول. 2- الموضوع: إذا كان في إسناده كذاب أو متهم بالكذب. وفي أحيان كثيرة أيضا يستعملون مصطلحات مرادفة أيضا، فيطلقون على حديث ضعيف إنه حديث باطل، لا سيما إذا اشتد ضعفه، أو يقولون إسناده تالف، أو يسمون الحديث الموضوع بالمكذوب، ونحو ذلك، وانظري للفائدة سؤال رقم: (6981) ثالثا: ما سبق هو الغالب في استعمال علماء الحديث وفي كلامهم وكتبهم، ثم وجدنا أن بعض العلماء يستعملون مصطلحات أكثر دقة، فيضيفون بعض القيود للتدقيق أكثر في وصف الحديث، ومن ذلك قول الإمام الترمذي رحمه الله: " حديث حسن غريب ": فقوله رحمه الله: " حديث حسن " فيه إعلام بأن الحديث تضمن أدنى شروط القبول، فكان في مرتبة الحسن من حيث القبول والرد. وأما قوله رحمه الله: " غريب "، فهو وصف للحديث بأنه حديث آحاد. وإن كان ذلك لا ينفي أن يكون له طريق أخرى، فيكون مراده وصف هذه الطريق بالغرابة، وهو ما يعرف بالغرابة النسبية، لا أنه غريب مطلق، ليس له إلا هذه الطريق. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " الترمذي إذا قال: حسن غريب: قد يعني به أنه غريب من ذلك الطريق، ولكن المتن له شواهد صار بها من جملة الحسن " انتهى. " مجموع الفتاوى " (18/24) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126978 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 164 هل صح حديث في هجر الشخص المؤذي مائة مرة؟ [السُّؤَالُ] ـ[منذ عام سألت إحدى صديقاتي سؤالاً، ما كان يتوجب علي أن أسألها؛ لأنه على ما يبدو أنه جرحها، ومنذ ذلك الحين هجرتني ولم تعد تكلمني، وعندما هدأت الأمور بعض الشيء سألتها عن سبب هجرانها لي، فقالت: إن هناك حديثًا من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم فيما معناه أن الشخص إذا جرح مشاعرك فاهجره مائة مرة. فهل هذا صحيح، وهل هناك حديث يتعلق بمثل هذا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لم نقف على حديث يتضمن هذا المعنى، ولا نرى ذلك صحيحا ولا مقبولا، فقد صحت الأحاديث الكثيرة في التحذير من هجر المسلم لأخيه المسلم، كما جاءت الآيات والأحاديث الكثيرة في الحث على العفو عن الزلات، وتجاوز العثرات، ومسامحة الإخوان والأصدقاء عند صدور أي خطأ منهم، فكيف يصح حديث بالحث على هجر المسلم من غير سبب شرعي صحيح. قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: " لا يحل لامرئ مسلم سمع من أخيه كلمة، أن يظن بها سوءا، وهو يجد لها في شيء من الخير مصدرا ". التمهيد، لابن عبد البر (18/20) . وقال الأحنف بن قيس: حق الصديق أن تحتمل منه ثلاثا: ظلم الغضب، وظلم الدالة، (يعني: الدلال) وظلم الهفوة. وقال آخر: ما شتمت أحدا قط؛ لأنه إن شتمني كريم: فأنا أحق مَن غَفَرَها له، أو لئيم: فلا أجعل عرضي له غرضا. ثم تمثل وقال: وأَغفِرُ عوراءَ الكريم ادِّخَاره ... وأُعرِضُ عن شتم اللئيم تكرما وقد قيل: خذ من خليلك ما صفا ... ودع الذي فيه الكدر فالعمر أقصر مِنْ مُعا ... تَبةِ الخليلِ على الغِيَر ينظر: " إحياء علوم الدين " (2/183-186) . واعلمي ـ أيتها السائلة الكريمة ـ أن من أعظم مقاصد الشيطان الخبيث، وأشد حيله: أن يوقع البغضاء والعداوة بين المسلمين. عَنْ جَابِر بن عبد الله رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ؛ وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ) . ولهذا حرم الله تعالى كل ما من شأنه أن يوقع العداوة والبغضاء بين المسلمين. قال الله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) المائدة /91. ويمكن الاطلاع على الأحاديث الواردة في ذم التهاجر في كتاب الإمام المنذري، واسمه: " الترغيب والترهيب " (3/304) ، فقد عقد فيه بابا بعنوان: " الترهيب من التهاجر والتشاحن والتدابر "، جمع فيه أكثر ما ورد في السنة في هذا الموضوع. وانظري في موقعنا أجوبة الأسئلة ذوات الأرقام التالية: (26333) ، (98636) ، (21878) ، (65500) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126918 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 165 الأحاديث الواردة في فضل طول العمر في الإسلام [السُّؤَالُ] ـ[ما رأيكم في هذه الأحاديث؟ 17555- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه - رفع الحديث – قال: (المولود حتى يبلغ الحنث ما عمل من حسنة كتبت لوالده - أو لوالديه -، وما عمل من سيئة لم تكتب عليه ولا على والديه، فإذا بلغ الحنث جرى عليه القلم، أمر الملكان اللذان معه أن يحفظا وأن يشددا، فإذا بلغ أربعين سنة في الإسلام أمَّنه الله من البلايا الثلاثة: الجنون والجذام والبرص، فإذا بلغ الخمسين خفف الله حسابه، فإذا بلغ الستين رزقه الله الإنابة بما يحب، فإذا بلغ السبعين أحبه أهل السماء، فإذا بلغ الثمانين كتب الله حسناته وتجاوز عن سيئاته، فإذا بلغ التسعين غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وشفَّعه في أهل بيته، وكان أسير الله في أرضه، فإذا بلغ أرذل العمر لكيلا يعلم بعد علم شيئاً كتب الله له مثل ما كان يعمل في صحته من الخير، فإذا عمل سيئة لم تكتب عليه) 17556- وفي رواية: عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من مسلم يعمر في الإسلام. فذكر نحوه وقال: فإذا بلغ السبعين سنة في الإسلام أحبه الله وأحبه أهل السماء) 17557- وفي رواية: (إذا بلغ سبعين سنة في الإسلام أحبه أهل السماء وأهل الأرض) 17558- وفي رواية: (فإذا بلغ الستين رزقه الله الإنابة إلى الله بما يحب الله، فإذا بلغ السبعين غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وكان أسير الله في أرضه، وشفع في أهل بيته) رواها كلها أبو يعلى بأسانيد. 17559- ورواه أحمد موقوفاً باختصار وقال فيه: (فإذا بلغ الستين رزقه الله عز وجل إنابة يحبه عليها) 17560- وروى بعده بسنده إلى عبد الله بن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال مثله. من "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد " المجلد العاشر.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحديث الوارد بهذا المعنى جاء عن سبعة من الصحابة رضوان الله عليهم، وهم: أنس بن مالك، وعثمان بن عفان، وأبو هريرة، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وشداد بن أوس، وعبد الله بن أبي بكر الصديق، وأشهر هذه الأحاديث حديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقد جاء من طرق كثيرة، روى بعضها الحافظ أبو يعلى في " المسند " (6/351) . وبعد الاطلاع على كلام أهل العلم على هذه الأحاديث، تبين أنها كلها ضعيفة ضعفا لا ينجبر ولا يتقوى بتعدد الطرق والأسانيد، وأنها مثال على الأحاديث التي تكثر طرقها ولكن لا تزيدها إلا ضعفا بسبب وجود المجاهيل والمناكير في أسانيدها. قال الإمام البيهقي رحمه الله: "روي هذا من أوجه أخر عن أنس رضي الله عنه، وروي عن عثمان وكل ذلك ضعيف" انتهى. "الزهد" (646) . وقال ابن الجوزي رحمه الله: " هذا الحديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى. " الموضوعات " (1/180) . وقال الحافظ العراقي رحمه الله: " موضوع قطعا " انتهى. " القول المسدد " للحافظ ابن حجر (9) . وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله: " هذا حديث غريب جدا، وفيه نكارة شديدة " انتهى. " تفسير القرآن العظيم " (5/397) . وضَعَّف الحديثَ محققو مسند الإمام أحمد من جميع طرقه (21/12) طبعة مؤسسة الرسالة. وكذا ضعفه العلامة المعلمي اليماني في تعليقه على " الفوائد المجموعة " (ص/482) وقال: " واعلم أن هذا الخبر يتضمن معذرة وفضيلة للمسنين وإن كانوا مفرطين أو مسرفين على أنفسهم، فمن ثَمَّ أولع به الناس، يحتاج إليه الرجل ليعذر عن نفسه، أو عمن يتقرب إليه، فإما أن يقويه، وإما أن يركب له إسناداً جديداً، أو يلقنه من يقبل التلقين، أو يدخله على غير ضابط من الصادقين، أو يدلسه عن الكذابين، أو على الأقل يرويه عنهم، ساكتا عن بيان حاله " انتهى. وقال الشيخ الألباني رحمه الله: " وجدت نفسي لا تطمئن لتصحيح هذا الحديث وَإِنْ كان معناه يوافق هوى النفس؛ فقد بلغت الخامسة والسبعين! أضف إلى ذلك أنه لا يلتقي مع قوله صلى الله عليه وسلم: (أعذر الله إلى امرئ أُخِّرَ أجله حتى بلغ ستين سنة) رواه البخاري وغيره. وهو مخرج مع بعض شواهده في " الصحيحة " برقم (1089) . قال الحافظ في " الفتح " (10 / 240) : " الإعذار: إزالة العذر. والمعنى: أنه لم يبق له اعتذار، كأن يقول: لو مد لي في الأجل لفعلت ما أمرت به. .... وإذا لم يكن له عذر في ترك الطاعة مع تمكنه منها بالعمر الذي حصل له؛ فلا ينبغي له حينئذ إلا الاستغفار والطاعة، والإقبال على الآخرة بالكلية " انتهى. " السلسلة الضعيفة " (5983-5984) . على أن الحديث ـ إن صح ـ فله معنى صحيح، وهو أن يُحمل الحديث على أهل الاستقامة، فهؤلاء يكرمهم الله تعالى بما جاء في هذا الحديث، أما الفسقة الفجرة فلا يستحقون مثل هذا الإكرام. قال الحافظ بن حجر: "على أن للحديث عندي مخرجا لا يرد عليه شيء من هذا على تقدير الصحة وذلك أنه وإن كان لفظه عاما فهو مخصوص ببعض الناس دون بعض، لأن عمومه يتناول الناس كلهم، وهو مخصوص قطعا بالمسلمين، لأن الكفار لا يحميهم الله، ولا يتجاوز عن سيئاتهم، ولا يغفر ذنوبهم، ولا يشفعهم، وإذا تعين أن لفظة العام محمول على أمر خاص فيجوز أن يكون ذلك خاصا أيضا ببعض المسلمين دون بعض، فيخص مثلا بغير الفاسق، ويحمل على أهل الخير والصلاح، فلا مانع لمن كان بهذه الصفة أن يمن الله تعالى عليه بما ذكر في الخبر، ومن ادعى خلاف ذلك فعليه البيان والله المستعان" انتهى. " القول المسدد " (22-24) . فائدة: ذكر ابن الجوزي رحمه الله في كتابه صيد الخاطر" (ص/278) موعظة، لاعتبار الإنسان بما يمر من زمانه، وما يستقبل منه فقال: "العاقل من فهم مقادير الزمان؛ فإنه فيما قبل البلوغ صبي، ليس على عمره عيار .... فإذا بلغ فليعلم أنه زمان المجاهدة للهوى، وتعلم العلم، فإذا رزق الأولاد، فهو زمان الكسب للمعاملة، فإذا بلغ الأربعين، انتهى تمامه، وقضى مناسك الأجل، ولم يبق إلا الانحدار إلى الوطن. كأن الفتى يرقى من العمر سلمًا ... إلى أن يجوز الأربعين وينحطُّ فينبغي له عند تمام الأربعين أن يجعل جل همته التزود للآخرة، ويكون كل تلمحه لما بين يديه، ويأخذ في الاستعداد للرحيل، وإن كان الخطاب بهذا لابن عشرين، إلا أن رجاء التدارك في حق الصغير لا في حق الكبير. فإذا بلغ الستين؛ فقد أعذر الله إليه في الأجل، وجاز من الزمن، فليقبل بكليته على جمع زاده، وتهيئة آلات السفر، وليعتقد أن كل يومٍ يحيا فيه غنيمة، ما هي في الحساب، خصوصًا إذا قوي عليه الضعف وزاد. وكلما علت سنه فينبغي أن يزيد اجتهاده. فإذا دخل في عشر الثمانين ليس إلا الوداع، وما بقي من العمر إلا أسف على تفريط، أو تعبد على ضعف. نسأل الله عز وجل يقظة تامة، تصرف عنا رقاد الغفلات، وعملًا صالحًا نأمن معه من الندم يوم الانتقال. والله الموفق " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126807 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 166 تعريف موجز بفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء [السُّؤَالُ] ـ[وجدت في أحد المنتديات دعاء غريبا يقول ناشره أنه: " من قرأ هذا الدعاء في أي وقت فكأنه حج (360) حجة، وختم (360) ختمة، وأعتق (360) عبدا، وتصدق بـ (360) دينارا، وفرج عن (360) مغموما، ... ."الخ فقمت بالبحث في "google" وتفاجأت فعلا بحجم انتشار هذا الدعاء، ولم أجد إلا مواقع (أو صفحات) قليلة جدا ردت بالفتوى رقم 21084 من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. ولكن المشكلة هي: هل بمجرد كتابة هذه الجملة " اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " أسفل الجواب يعطي مصداقية للفتوى، أم يجب علينا التأكد من المصدر، وأن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء فعلا هي مصدر الفتوى. وما هو السبيل للتأكد من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عبر الإنترنت، وأنها فعلا هي المسؤولة عن إصدار فتوى معينة. وهل هناك موقع رسمي وثقة خاص بفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عبر الإنترنت. وهل يأثم من ينشر الفتوى بدون التأكد من المصدر أو عدم ذكره؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية إحدى اللجان العلمية المعتبرة في العصر الحاضر، تضم نخبة من كبار أهل العلم في هذه البلاد، ولها مصداقية عالية في الأوساط العلمية والإسلامية، ولها جهود كبيرة في بيان الأحكام الشرعية للناس، وإصدار الفتاوى المتعلقة بجميع شؤون الحياة، وقد قام الشيخ أحمد بن عبد الرزاق الدويش بجمع الفتاوى الصادرة عن اللجنة فخرجت المجموعة الأولى منها في ستة وعشرين (26) مجلدا، وخرجت المجموعة الثانية منها في ستة مجلدات، وهي من أهم المراجع التي يستفيد منها الناس وطلبة العلم اليوم في النظر في المسائل الفقهية المعاصرة. وهذه الفتاوى كاملة متوفرة على شبكة الإنترنت في موقع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء على الرابط الآتي: http://www.alifta.net/Default.aspx كما يتوفر الكتاب مصورا في شبكة الإنترنت تحت الرابط الآتي: http://www.archive.org/details/fldbeefldbee ثانيا: أما الدعاء المقصود في السؤال، فقد صدرت فيه فتوى حقا من اللجنة الدائمة، وهي منشورة في الكتاب الذي يضم مجموع فتاواهم، ونحن ننقل لك ههنا ما يتعلق بهذا الدعاء: جاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (24/281-284) فتوى رقم (21084) ما يلي: " الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد: فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة المفتي العام من المستفتي \ بواسطة معالي د. محمد بن سعد الشويعر، والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم (3598) وتاريخ 9 \ 7 \ 1420 هـ، وقد ذكر معاليه أن أحد المواطنين جاءه بنشرة يقول إنه وجدها بالمسجد الذي يصلي فيه، ويطلب إفتاءه نحوها، وقد جاء في هذه النشرة ما نصه: لا إله إلا الله الجليل الجبار، لا إله إلا اله الواحد القهار، لا إله إلا الله العزيز الغفار، لا إله إلا الله الكريم الستار، لا إله إلا الله الكبير المتعال، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلها واحدا ربا وشاهدا صمدا ونحن له مسلمون، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلها واحدا ربا وشاهدا، ونحن له عابدون، لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلها واحدا ربا وشاهدا ونحن له قانتون، لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلها واحدا ربا وشاهدا ونحن له صابرون، لا إله إلا الله محمد رسول الله، علي ولي الله، اللهم إليك وجهت وجهي، وإليك فوضت أمري، وعليك توكلت يا أرحم الراحمين. روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مضمون الحديث أنه قال: (من قرأ هذا الدعاء في أي وقت فكأنه حج 360 حجة، وختم 360 ختمة، وأعتق 360 عبدا، وتصدق بـ 360 دينارا، وفرج عن 360 مغموما) وبمجرد أن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الحديث نزل الأمين جبرائيل عليه السلام وقال: يا رسول الله: أي عبد من عبيد الله أو أمة من أمتك يا محمد قرأ هذا الدعاء ولو مرة في العمر بحرمتي وجلالي ضمنت له سبعة أشياء: 1 - أرفع عنه الفقر. 2 - أمنه من سؤال منكر ونكير. 3 - أمرره على الصراط. 4 - حفظته من موت الفجأة. 5 - حرمت عليه دخول النار. 6 - حفظته من ضغطة القبر. 7 - حفظته من غضب السلطان الجائر والظالم) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت بأن: هذا الدعاء المنسوب للنبي صلى الله عليه وسلم دعاء باطل، لا أصل له من كتاب الله أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والحديث المروي في فضله حديث باطل مكذوب، ولم نجد من أئمة الحديث من خرجه بهذا اللفظ. ودلائل الوضع عليه ظاهرة لأمور منها: 1 - مخالفة هذا الدعاء ومناقضته لصحيح المعقول وصريح المنقول من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وذلك لترتيب هذه الأعداد العظيمة من الثواب المذكور لمن قرأ هذا الدعاء. 2 - اشتماله على لفظ (علي ولي الله) ولا شك أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه من أولياء الله إن شاء الله، ولكن تخصيصه بذلك دون غيره فيه نفثة رافضية. 3 - أنه يلزم من العمل بهذا الدعاء أن قارئه يدخل الجنة وإن عمل الكبائر أو أتى بما يناقض الإيمان، وهذا باطل ومردود عقلا وشرعا. وعلى ذلك فإن الواجب على كل مسلم أن لا يهتم بهذه النشرة، وأن يقوم بإتلافها، وأن يحذر الناس من الاغترار بها وأمثالها، وعليه أن يتثبت في أمور دينه فيسأل أهل الذكر عما أشكل عليه حتى يعبد الله على نور وبصيرة، ولا يكون ضحية للدجالين وضعاف النفوس الذين يريدون صرف المسلمين عما يهمهم في أمور دينهم ودنياهم، ويجعلهم يتعلقون بأوهام وبدع لا صحة لها. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عضو ... عضو ... عضو ... الرئيس بكر أبو زيد ... صالح الفوزان ... عبد الله بن غديان ... عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ " انتهى. ولا بد من التنبيه هنا على وجوب التأكد من نسبة الفتاوى لأصحابها، قبل نشرها والإعلان عنها، بل هذا واجب في كل ما ينسبه الإنسان إلى غيره. قال الله تعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) الإسراء/36، ولو استجاب الناس لهذا الأمر الإلهي كفاهم كثيرا من الشقاق والنزاع الذي لا يأتي إلا بالشر. ويحصل لك الثقة بأن هذه الفتوى صدرت من اللجنة الدائمة، إما بقراءتها في كتابهم، إن كان متيسرا لديك، أو كانت لديك مصورته، أو بقراءة ذلك في الموقع الرسمي للرئاسة العامة للإفتاء، والذي ذكرنا رابطه فيما مضى، أو بأن ينقل ذلك عنهم أحد الثقات من أهل العلم، أو المواقع الموثوق فيها. وتجد في موقعنا هذا مئات من الأجوبة المنقولة عن اللجنة الدائمة، مع ذكر الجزء والصفحة الذي وردت فيه الفتوى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126635 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 167 من أذكار الصباح والمساء ما يحفظ من الضر [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم أن يدعو الشخص بدعاء بالنيابة عن أبويه وإخوانه، فقد ورد حديث فيه: أن مَن قاله في الصباح لم يمسسه ضر حتى يمسي، ومن قاله في المساء لم يمسسه ضر حتى يصبح: (بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم) . حيث أنه ورد في بعض الكتب أن أبا الدرداء كان يقول هذا الذكر، فحدث أن نشبت حريق في الحي الذي يعيش فيه أبو الدرداء، فاحترقت البيوت من حوله، ولم يحترق من بيته شيء. فهل ورد حديث صحيح في هذا؟ وهل يصح أن يقول هذا الدعاء بالنيابة عن أفراد عائلته؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: أما الدعاء الوارد في السؤال فهو ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكر ذلك بعض أهل العلم. فعن أبان بن عثمان عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُصْبِحَ، وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُصْبِحُ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُمْسِيَ) وقَالَ: فَأَصَابَ أَبَانَ بْنَ عُثْمَانَ الْفَالِجُ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ الَّذِي سَمِعَ مِنْهُ الْحَدِيثَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: مَا لَكَ تَنْظُرُ إِلَيَّ؟! فَوَاللَّهِ مَا كَذَبْتُ عَلَى عُثْمَانَ وَلَا كَذَبَ عُثْمَانُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنَّ الْيَوْمَ الَّذِي أَصَابَنِي فِيهِ مَا أَصَابَنِي غَضِبْتُ فَنَسِيتُ أَنْ أَقُولَهَا. رواه أبو داود (5088) ، ورواه الترمذي في سننه (رقم/3388) بلفظ: (مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ فِي صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ) وقال الترمذي: حسن صحيح غريب. وصححه ابن القيم في " زاد المعاد " (2/338) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ". يقول الدكتور عبد الرزاق البدر: " هذا من الأذكار العظيمة التي ينبغي أن يُحافظ عليها المسلمُ كلَّ صباح ومساء، ليكون بذلك محفوظاً بإذن الله تعالى من أن يصيبه فجأةُ بلاءٍ أو ضرُّ مصيبة أو نحو ذلك. قال القرطبي رحمه الله عن هذا الحديث: " هذا خبَرٌ صحيحٌ، وقولٌ صادق علمناه دليلَه دليلاً وتجربة، فإنِّي منذ سمعته عملت به فلم يضرَّني شيءٌ إلى أن تركته، فلدغتني عقربٌ بالمدينة ليلاً، فتفكرتُ فإذا أنا قد نسيت أن أتعوذ بتلك الكلمات " - انظر " الفتوحات الربانية " لابن علان (3/100) - والسُّنَّة في هذا الذِّكر أن يُقال ثلاثَ مرَّات كلَّ صباح ومساء، كما أرشدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إلى ذلك. وقوله: (الَّذِي لاَ يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ) أي: مَن تعوَّذ باسم الله فإنَّه لا تَضرُّه مُصيبةٌ من جهة الأرض ولا من جهة السماء. وقوله: (وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ) أي: السَّميع لأقوال العباد، والعليمُ بأفعالِهم الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السَّماء. وثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا لَقِيتُ مِنْ عَقْرَبٍ لَدَغَتْنِي البَارِحَةَ، قَالَ: أَمَا لَوْ قُلْتَ حِينَ أَمْسَيْتَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ تَضُرَّكَ) رواه مسلم (2709) وفي رواية للترمذي: (مَنْ قَالَ حِينَ يُمْسِي ثَلاَثَ مَرَّاتٍ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّهُ حُمَةٌ تِلْكَ اللَّيْلَةِ) رقم (3604) والحُمَةُ: لدغةُ كلِّ ذي سمٍّ كالعقرب ونحوها. وقد أورد الترمذي عقب الحديث عن سُهيل بن أبي صالح - أحد رواته - أنَّه قال: (كان أهلُنا تعلَّموها، فكانوا يقولونَها كلَّ ليلةٍ، فلُدغَت جارِيَةٌ منهم، فلَم تَجِدْ لَها وجَعاً) . فالحديث فيه دلالةٌ على فضلِ هذا الدعاء، وأنَّ مَن قاله حين يُمسي يكون مَحفوظاً بإذن الله مِن أن يَضرَّه لَدْغُ حيَّةٍ أو عقرَبٍ أو نحوِ ذلك " انتهى باختصار النقل عن الدكتور. " فقه الأدعية والأذكار " (3/12-14) ومن الأذكار التي تقي من السوء وتدفع الضرر بإذن الله ما رواه عبد الله بن خبيب رضي الله عنه قال: (خَرَجْنَا فِي لَيْلَةِ مَطَرٍ وَظُلْمَةٍ شَدِيدَةٍ نَطْلُبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصَلِّيَ لَنَا، فَأَدْرَكْنَاهُ فَقَالَ: أَصَلَّيْتُمْ؟ فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا. فَقَالَ: قُلْ. فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا. ثُمَّ قَالَ: قُلْ. فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا. ثُمَّ قَالَ: قُلْ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا أَقُولُ؟ قَالَ: قُلْ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِي وَحِينَ تُصْبِحُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) رواه أبو داود (5082) والترمذي (3575) وقال: حسن صحيح غريب. وقال النووي في "الأذكار" (ص/107) : إسناده صحيح. فالحاصل أن الأدعية والأذكار السابقة تحفظ المسلم من الضر والأذى بجميع أنواعه بإذن الله تعالى، ولكن ليس على وجه اللزوم، فمن أصابه من البلاء مع محافظته على هذه الأذكار فذلك بقدر الله تعالى، وله سبحانه الحكمة البالغة في أمره وقَدَرِه. قال الله تعالى: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ) الرعد/11. روى عكرمة عن ابن عباس، قال: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} : ملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه، فإذا جاء قدر الله خَلَّوا عنه. وقال مجاهد: ما من عبد إلا له مَلَك موكل، يحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس والهوام، فما منها شيء يأتيه يريده إلا قال الملك: وراءك؛ إلا شيء يأذن الله فيه فيصيبه. "تفسير ابن كثير" (4/438) . ثانيا: أما الدعاء به نيابة عن أهل البيت فغير مجزئ عنهم، ولا يكفيهم، إذ لم يرد ما يدل على صحة النيابة في الأذكار عن الأحياء، فينبغي أن يحرص كل مسلم على ما ينفعه، وألا يكون حاله حال الغافلين عن ذكر الله عز وجل. يقول الله تعالى: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ. إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ) الأعراف/205-206. ثالثا: أما قصة احتراق البيوت حول بيت أبي الدرداء وسلامة بيته رضي الله عنه فلم ترد في هذا الذكر الوارد في السؤال: (بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم) ، وإنما وردت في سياق دعاء آخر: عن طلق بن حبيب، قال: جاء رجل إلى أبي الدرداء رضي الله عنه، فقال: يا أبا الدرداء! قد احترق بيتك. قال: ما احترق، الله عز وجل لم يكن ليفعل ذلك؛ لكلمات سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، من قالهن أول نهاره لم تصبه مصيبة حتى يمسي، ومن قالها آخر النهار لم تصبه مصيبة حتى يصبح: (اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، عليك توكلت، وأنت رب العرش العظيم، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، أعلم أن الله على كل شيء قدير، وأن الله قد أحاط بكل شيء علما، اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي، ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، إن ربي على صراط مستقيم) رواه ابن السني في " عمل اليوم والليلة " (رقم/57) والطبراني في " الدعاء " (رقم/343) ، والبيهقي في " دلائل النبوة " (7/121) من طريق الأغلب بن تميم، حدثنا الحجاج بن فرافصة، عن طلق بن حبيب به. قال ابن الجوزي رحمه الله: " هذا حديث لا يثبت، وآفته من الأغلب، قال يحيى بن معين: ليس بشيء. وقال البخاري: منكر الحديث." انتهى. " العلل المتناهية " (2/352) وضعفه الحافظ ابن حجر في " نتائج الأفكار " (2/401) وقال الشيخ الألباني رحمه الله: " وهذا إسناد ضعيف جداً، الأغلب هذا قال البخاري وغيره: " منكر الحديث ". والحجاج بن فُرافصة فيه ضعف " انتهى. " السلسلة الضعيفة " (رقم/6420) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126587 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 168 تقسيم الأحاديث إلى آحاد ومتواتر لا يعني التشكيك في صحتها [السُّؤَالُ] ـ[اعتنقت الإسلام والحمد لله، وبسبب أني أدرس التأريخ والحديث في جامعتي، فأنا مهتمة بعلم الحديث، وحسب علمي أن الأحاديث إما صحيح أو ضعيف، ولكني اكتشفت أن هناك المتواتر والآحاد، وأن الأحاديث المتواترة قليلة جدًّا، قد لا تصل إلى عدد مائة حديث، وأن هذه الأحاديث هي المقطوع بصحتها مائة بالمائة، أما ما سواها فليس هناك نوع مقطوع بصحته مائة بالمائة، بما في ذلك الأحاديث الصحيحة، فهل هذا صحيح أم لا؟ وإذا كان الأمر هكذا فما هي هذه الأحاديث المتواترة، ولماذا لا يُؤكد عليها أكثر من غيرها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: بداية فالشكر لله عز وجل أن أنعم عليك بنعمة الإسلام وهداية الإيمان، وأن ألهمك سبحانه سبيل النجاة في الدنيا والآخرة، فالإسلام دين الأخلاق والقيم، كما هو دين الشريعة العادلة والأحكام التي تُصلِح أحوالَ الناس، وهو الدين الذي أكمل الله به الرسالات السابقة، يمتاز أتباعُه بأنهم يؤمنون بجميع الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم، فهنيئا لك هذا الباب من السعادة في الدنيا والآخرة، واسألي الله دائما الثبات والتوفيق. ثم نرحب بك معنا في موقعنا، وسوف نكون سعداء إذا أرسلت إلينا بما عندك من أسئلة واستفسارات، فنرجو ألا تترددي في الكتابة بما عندك. ثانيا: وفي شأن علم الحديث الشريف، فهو علم غاية في الدقة، غاية في الإحكام، دُوِّنَت فيه آلاف الصفحات، وبُذلت في سبيله الأرواح والأموال والأعمار، حتى استطاع المسلمون الذين أحبوا نبيهم محمدا صلى الله عليه وسلم أن ينقلوا أقواله وأفعاله وصفاته وأحواله لجميع العصور من بعدهم، حتى نقلوا ضحكاته وسكتاته، ونقلوا قيامه وقعوده، ونومه ويقظته، نقلوا تفاصيل كثيرة عن هذا النبي العظيم. ثالثا: أما عن تحديد زمن كتابة الأحاديث النبوية، فهذه مسألة يخطئ فيها كثير من الناس بسبب تحريف بعض المستشرقين للحقائق التاريخية، فقد ثبت بالأدلة القطعية أن كتابة الأحاديث وقعت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي حياته، وأن الذي تأخر هو جمعها كلها في كتاب واحد، وترتيبها على الأبواب، والعناية بتأليفها وتصنيفها، والأدلة على ذلك كثيرة جدا، لا يُنكِرها إلا جاحد معاند يبتغي تشكيك المسلمين بدينهم، أو جاهلٌ لا يعرف أن كتابة السنة وقعت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن تدوينها – بمعنى تأليف الكتب الكبار في جمعها وتصنيفها والعناية بها – هو الذي تأخر بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: (كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيدُ حِفْظَهُ، فَنَهَتْنِي قُرَيْشٌ، وَقَالُوا: أَتَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ تَسْمَعُهُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَرٌ يَتَكَلَّمُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا، فَأَمْسَكْتُ عَنْ الْكِتَابِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَوْمَأَ بِأُصْبُعِهِ إِلَى فِيهِ فَقَالَ: اكْتُبْ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ إِلَّا حَقٌّ) . رواه أبو داود (3646) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. فانظري كيف أن عبد الله بن عمرو بن العاص كان يكتب كل شيء يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، حتى جمع من الأحاديث كتابا كبيرا كان يسمى " الصحيفة الصادقة "، وهي من أشهر الصحف الحديثية المكتوبة في العصر النبوي، فهناك صحف – أي كتب – كثيرة كان الصحابة يكتبون فيها الأحاديث التي يسمعونها من النبي صلى الله عليه وسلم، وكثير منها محفوظ بنصه إلى اليوم، وما تَبَقَّى رواه لنا الأئمة الكبار كالبخاري ومسلم في كتبهم، ومن أراد الاطلاع على جميع ما ورد في ذلك فليرجع إلى ثلاثة دراسات مهمة في هذا الموضوع، وهي: 1- " دراسات في الحديث النبوي ": تأليف الدكتور: محمد مصطفى الأعظمي. 2- " تدوين السنة النبوية " للدكتور محمد مطر الزهراني. 3- " تاريخ تدوين السنة وشبهات المستشرقين " للدكتور حاكم بن عبيسان المطيري. ففي هذه الكتب شرح مفصل وبيان دقيق لهذه المسألة المهمة، وقد ذكرنا لك هنا خلاصة الأفكار التي جاءت في هذه الكتب. رابعا: أما عن فكرة درجة التصديق بما جاء في الأحاديث تبعا لتنوعها بين الآحاد والمتواتر، فنحب أن ننبه هنا إلى أنها مسألة تحكمها الاحتمالات والافتراضات العقلية أكثر من تعلقها بالواقع العملي، وقواعد العلماء في التصحيح والتضعيف؛ وعلم الحديث إنما يقرر القواعد التي نستطيع من خلالها الحكم على الحديث بالقبول أو الرد، والقبول بمعنى التصديق بصدوره عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه من قوله عليه الصلاة والسلام، بغض النظر عن درجة ذلك القبول. ولكي تتضح الصورة، نضرب لك مثالا يوضح لك المسألة إن شاء الله، ويبين لك أن تقسيم العلماء للأحاديث إلى متواتر وآحاد، لا يعني الشك في ثبوت أحاديث الآحاد: إذا جاءت واحدة من زميلاتك الطالبات فأخبرتك أن المعلمة قد حددت موعدا للاختبار في اليوم الفلاني، وأنت لا تشكين في صدق هذه الطالبة، ولا تشكين في حفظها ونباهتها، ألا يكفي ذلك بالنسبة لك لبدء الإعداد لذلك الامتحان والتحضير له، أوليس خبرها كافيا أيضا لتوجيه اللوم لك إن قصرت في التحضير للامتحان، وكل من حولك سواء من أهلك أو زميلاتك أو معلماتك سيتوجهون إليك بأصابع الاتهام بالتقصير إن أنت لم تحصلي على علامة جيدة. هذا هو معنى كون خبر زميلتك هذه مقبول عندك. فما رأيك إذا جاءت صديقة أخرى فأخبرتك الخبر نفسه! لا شك أن ذلك سيؤكد الخبر بالنسبة لك، ولكن تأكيد الخبر لا يعني أن خبر صديقتك الأولى لم يكن كافيا، أو لم يكن مفيدا، بل هو كاف ومفيد، ولكن أخبار الصديقات الأخريات عززه وأكده. فما رأيك إذا رجعت إلى الجامعة فسمعت من معلمتك نفسها عن موعد الاختبار، ألا يبلغ قلبك حينئذ درجة من العلم قد لا يمكن تأكيدها أكثر من ذلك! فهل هذا يعني أن إخبار صديقاتك لك لم يكن كافيا بالنسبة لك، أم أنه كان كافيا ولكن سماعك من معلمتك بلغ بقلبك مرحلة اليقين. هذا هو معنى ما يتكلم به بعض أهل العلم أن حديث الآحاد ليس كالحديث المتواتر، ونحن نقول: نعم، والحديث المتواتر أيضا ليس كالسماع من النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة، ولكن ذلك لا يعني أن حديث الآحاد غير مقبول وغير كاف لإقامة الحجة على العباد، تماما كما أن كل العقلاء يعرفون أن خبر صديقتك الصادقة الحافظة لك أنها سمعت المعلمة تحدد موعد الامتحان كاف في إقامة الحجة عليك، ودفعك للتحضير والدراسة. نرجو أن تكون المسألة أصبحت واضحة بهذا المثال. ثم نزيد فنقول، إن ما أشرت إليه من أحاديث البخاري ومسلم، أو غيرهما، مما تلقاه أهل العلم بالقبول، قد جاء ما يقويها ويؤكدها ويرفعها إلى مرتبة إفادة العلم، ووجوب تصديقها، والعمل بما فيها: 1- فأكثرها جاء من طرق وروايات وأسانيد كثيرة، مما يؤكد مضمون الحديث وصدوره عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أراد التأكد من ذلك فليرجع إلى الكتب الستة ليرى كيف أن الحديث الواحد يرويه جماعة من الصحابة وجماعة من التابعين وهكذا، وإن لم يبلغ حد التواتر. 2- وكثير من أحاديث الآحاد أجمعت عليها الأمة، وتلقاها العلماء بالقبول، من عهد الصحابة إلى يومنا هذا، وعملوا بها جميعا، وهذا أيضا يؤكد ويقوي هذه الأحاديث، مثال ذلك الأحاديث الواردة في الصحيحين: البخاري ومسلم، فما زال العلماء يقبلونها ويعملون بما فيها، ومعلوم أن اتفاق العلماء على مر العصور على قبول حديث معين علامة من علامات تأكيده وقوته. 3- بل وكثير من هذه الأحاديث الصحيحة تشهد لها آيات من القرآن الكريم، وتشهد لها أقوال الصحابة الكرام، بل ويشهد لها الواقع والتاريخ أيضا، فكل هذه مؤكدات رفع مستوى التصديق بخبر الآحاد. وهذه المؤكدات يسميها العلماء " القرائن "، أي المؤكدات التي تثبت الأحاديث وتؤكدها، وقد رجح المحققون من العلماء أن حديث الآحاد إذا اقترنت به بعض هذه المؤكدات فإنه يفيد العلم الذي يفيده الحديث المتواتر. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وأما المتواتر فالصواب الذي عليه الجمهور: أن المتواتر ليس له عدد محصور، بل إذا حصل العلم عن إخبار المُخبِرين كان الخبر متواترا، وكذلك الذي عليه الجمهور أن العلم يختلف باختلاف حال المخبِرين به، فرب عدد قليل أفاد خبرُهم العلم بما يوجب صدقهم، وأضعافهم لا يفيد خبرهم العلم؛ ولهذا كان الصحيح أن خبر الواحد قد يفيد العلم إذا احتفت به قرائن تفيد العلم؛ وعلى هذا فكثير من متون الصحيحين متواتر اللفظ عند أهل العلم بالحديث وإن لم يعرف غيرهم أنه متواتر؛ ولهذا كان أكثر متون الصحيحين مما يعلَمُ علماء الحديث علما قطعيا أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله، تارة لتواتره عندهم، وتارة لتلقي الأمة له بالقبول، وخبر الواحد المتلقَّى بالقبول يوجب العلم عند جمهور العلماء من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، وهو قول أكثر أصحاب الأشعري كالإسفراييني وابن فورك؛ فإنه وإن كان في نفسه لا يفيد إلا الظن؛ لكن لمَّا اقترن به إجماع أهل العلم بالحديث على تلقيه بالتصديق، كان بمنزلة إجماع أهل العلم بالفقه على حكمٍ مستندين في ذلك إلى ظاهر أو قياس أو خبر واحد، فإن ذلك الحكم يصير قطعيا عند الجمهور، وإن كان بدون الإجماع ليس بقطعي؛ لأن الإجماع معصوم، فأهل العلم بالأحكام الشرعية لا يُجمعون على تحليل حرام ولا تحريم حلال، كذلك أهل العلم بالحديث، لا يُجمعون على التصديق بكذب ولا التكذيب بصدق، وتارة يكون علم أحدهم لقرائن تحتف بالأخبار، توجب لهم العلم، ومَن عَلِمَ ما عَلِمُوه حَصَلَ له مِن العلم ما حصل لهم " انتهى. " مجموع الفتاوى " (18/40-41) . وبناء على ما سبق، فإن الذي يحتاجه المسلم، وهو الأمر الذي تفضلتِ ـ أختنا الكريمة ـ بالإشارة إلى أهمية العناية به من المسلمين، ليس هو ما يطلق عليه ـ اصطلاحا ـ: الحديث المتواتر؛ فإن هذا بحث علمي اصطلاحي، وإنما الذي تريدينه، وهو ما ثبت لدى أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله، دائرته أوسع من ذلك بكثير، كما مر معنا من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ويدخل في هذه الدائرة الواسعة، التي يجب على المسلم العناية بها، أحاديث الصحيحين: البخاري ومسلم، فقد تلقى العلماء هذين الكتابين بالقبول، واعتمدوا على أحاديثهما. فإياك أن تظني أن معنى كون الحديث آحادا أنه مشكوك في صحته، وإياك أن تظني أن الأحاديث التي تأكدت صحتها يقينا هي المتواتر فقط. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126571 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 169 هل ورد أنه يدخل مع المرأة النار أربعة أشخاص إذا هي دخلتها؟ [السُّؤَالُ] ـ[سمعت أن المرأة إذا قُدّر لها أن تدخل النار فإنه يدخل معها أربعة أشخاص كذلك، فهل هذا صحيح؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لم نقف على حديث بهذا المعنى، لا صحيحٍ ولا ضعيف، ولن يدخل أحد النار بذنوب غيره، فإنه لن يتحمل أحد ذنوب أحد، قال الله تعالى: (وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْر أُخْرَى) الأنعام/164، وقال عز وجل: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى) فاطر/18. وهذا الأصل قد بينه الله تعالى في كتبه المنزلة على أنبيائه السابقين أيضاً، كما قال تعالى: (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى * أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى * وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) النجم/36- 39. "فكل عامل له عمله الحسن والسيئ، فليس له من عمل غيره وسعيهم شيء، ولا يتحمل أحد عن أحد ذنباً". "تفسير السعدي". وخطب الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وكان من خطبته: (أَلَا لَا يَجْنِي جَانٍ إِلَّا عَلَى نَفْسِهِ، أَلَا لَا يَجْنِي جَانٍ عَلَى وَلَدِهِ، وَلَا مَوْلُودٌ عَلَى وَالِدِهِ) رواه الترمذي (2159) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. فلا يؤخذ أحد بجريرة أحد، لا في الدنيا ولا في الآخرة، وليس في السنة حديث يدل على أن أناسا يدخلون النار بسبب أوزار غيرهم، وإنما يدخلونها بوزر أنفسهم. وانظر جواب السؤال رقم: (98675) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126390 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 170 كيف روى أبو هريرة رضي الله عنه كل هذه الأحاديث ومدة صحبته ثلاث سنوات فقط؟ [السُّؤَالُ] ـ[إحدى الأخوات المسلمات سألتني سؤالاً فلم أستطع أن أجيبها، قالت: طالما أن أبا هريرة رضي الله عنه أسلم وصحب النبي صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاث سنوات فقط، فكيف روى جميع هذه الأحاديث؟ أرجو التفصيل، وتدعيم الإجابة بالأدلة، حتى أتمكن من الشرح لها وتفهيمها.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ليس هذا محل إشكال على الإطلاق، وإذا قمنا بعملية حسابية سريعة يتبين لنا أن هذا الإشكال لا حقيقة له. وبيان ذلك: أن ثلاث سنوات من صحبة أبي هريرة رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم تعني أكثر من (1050) يوماً. وقد كان أبو هريرة رضي الله عنه ملازماً للنبي صلى الله عليه وسلم ملازمة تامة، يصاحبه أينما حل وارتحل، ويقضي معه معظم يومه، كما أخبر هو عن نفسه رضي الله عنه، وأقر له الصحابة بذلك، فكم حديثاً نتوقع أن يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم؟ لا نريد أن نبالغ في العدد المفترض كي يتقبل القارئ الحجة، بل نفترض عدداً يقبله كل منصف يريد معرفة الحق لاتباعه، ولتكن خمسة أحاديث في اليوم فقط، ونعني بالأحاديث هنا خمسة مواقف، فالحديث قد يكون قولياً، وقد يكون فعلياً، وقد يكون إقرارا من النبي صلى الله عليه وسلم لفعل أو قول فعل أمامه أو بلغه، وقد يكون الحديث وصفا للنبي صلى الله عليه وسلم. فلو نقل أبو هريرة رضي الله عنه لنا فعلاً فعله النبي صلى الله عليه وسلم أو حدثاً معيناً - ولو كيفية الخروج للصلاة - فهذا يعد حديثا في عرف المحدثين. فلو فرضنا أن أبا هريرة رضي الله عنه سيسمع عند كل صلاة من الصلوات الخمس كلمة من النبي صلى الله عليه وسلم، أو يشاهد موقفاً معيناً، فستكون حصيلة العلم الذي يجمعه أبو هريرة رضي الله عنه في اليوم الواحد خمسة أحاديث فقط. ولا نظن أن أحداً يزعم أن هذا عدد كبير لحال أي صديق مع صديقه، فكيف بحال أبي هريرة رضي الله عنه المتفرغ للعلم، وهو يصاحب أعظم الرسل، وسيد البشر، محمداً صلى الله عليه وسلم؟ وعليه؛ ففي آخر صحبة أبي هريرة رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم ستكون حصيلة الأحاديث أكثر من خمسة آلاف حديث. وهكذا هي فعلا الأحاديث التي تروى عن أبي هريرة في كتب السنة، نحو (5374) بحسب عددها في " مسند بقي بن مخلد " أضخم موسوعة حديثية مؤلفة، نقلاً عن الدكتور أكرم العمري في كتابه " بقي بن مخلد ومقدمة مسنده " (ص/19) . فأين هي المبالغة المنسوبة لأبي هريرة رضي الله عنه في روايته للأحاديث؟ نظن أن أي منصف يتأمل عدد مرويات أبي هريرة رضي الله عنه مع مدة صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم يستنتج أنه لا صحة لهذه الزوبعة التي يثيرها البعض على مرويات أبي هريرة رضي الله عنه. فكيف إذا علم القارئ الكريم أن الخمسة آلاف حديث المروية لأبي هريرة رضي الله عنه في كتب السنة تشمل الصحيح والضعيف والموضوع؟ يعني أن بعض هذه الأحاديث التي تُنسب لأبي هريرة رضي الله عنه لم تصح عنه من الأصل. وكيف لو علم القارئ الكريم أيضاً أن الخمسة آلاف حديثاً المروية لأبي هريرة رضي الله عنه في كتب السنة تشمل المكرر الذي جاء بمتن ونص واحد ولكن تعددت أسانيده وطرقه؟ فبعض الأحاديث تروى من عشرة طرق ونصها واحد، فهذه يعدها العلماء عشرة أحاديث وليست حديثا واحداً. وكيف لو علم القارئ الكريم أيضاً: أن الخمسة آلاف حديثاً المروية لأبي هريرة رضي الله عنه في كتب السنة لم يأخذها كلها من النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة، بل أخذ كثيراً منها عن إخوانه السابقين في صحبة النبي صلى الله عليه وسلم؟ ثم كيف لو علم القارئ الكريم أيضاً أن أبا هريرة رضي الله عنه صحب النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من أربع سنوات، وليس ثلاثة فقط. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في مدة صحبة أبي هريرة رضي الله عنه: " قدم في خيبر سنة سبع، وكانت خيبر في صفر، ومات النبي صلى الله عليه وسلم في ربيع الأول سنة إحدى عشرة، فتكون المدة أربع سنين وزيادة، وبذلك جزم حميد بن عبد الرحمن الحميري" انتهى. " فتح الباري " (6/608) . وأما إخبار أبي هريرة رضي الله عنه عن نفسه أنه صحب النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين، كما وقع في "صحيح البخاري" (حديث رقم/3591) أنه قال: (صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلاَثَ سِنِينَ، لَمْ أَكُنْ فِى سِنِىَّ أَحْرَصَ عَلَى أَنْ أَعِىَ الْحَدِيثَ مِنِّى فِيهِنَّ) . فهذا محمول على تقديره رضي الله عنه للمدة التي لازم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ملازمة شديدة، واستثنى الأيام التي ابتعد فيها حين ذهب إلى البحرين، أو في بداية إسلامه، أو في أيام الغزوات، حيث قد لا يتيسر له ملازمة النبي صلى الله عليه وسلم في يومه وليلته. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " فكأن أبا هريرة اعتبر المدة التي لازم فيها النبي صلى الله عليه وسلم الملازمة الشديدة، وذلك بعد قدومهم من خيبر، أو لم يعتبر الأوقات التي وقع فيها سفر النبي صلى الله عليه وسلم من غزوه وحجه وعُمَرِه؛ لأن ملازمته له فيها لم تكن كملازمته له في المدينة، أو المدة المذكورة بقيد الصفة التي ذكرها من الحرص، وما عداها لم يكن وقع له فيها الحرص المذكور، أو وقع له لكن كان حرصه فيها أقوى، والله أعلم " انتهى. " فتح الباري " (6/608) . فإذا تبين أن صحبة أبي هريرة للنبي صلى الله عليه وسلم أكثر من أربع سنين، وأسقطنا من عدد الأحاديث المروية عن أبي هريرة الأحاديث المكررة والضعيفة، فأي محل يبقى لدعوى مبالغة أبي هريرة رضي الله عنه في الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ ثانياً: ثم ننقل هنا بعض ما كتبه علماؤنا رحمهم الله في توضيح أسباب كثرة روايات أبي هريرة رضي الله عنه في كتب السنة عن غيره من الصحابة رض الله عنهم. قال العلامة محمد رشيد رضا رحمه الله: "لكثرة حديث أبي هريرة رضي الله عنه أسباب، استخرجناها من عدة روايات: أحدها: أنه قصد حفظ أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم، وضبط أحواله؛ لأجل أن يستفيد منها، ويفيد الناس، ولأجل هذا كان يلازمه ويسأله، وكان أكثر الصحابة لا يجترئون على سؤاله إلا عند الضرورة، وقد ثبت أنهم كانوا يُسَرُّون إذا جاء بعض الأعراب من البدو وأسلموا؛ لأنهم كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم. ومن الدلائل على هذا السبب ما رواه عنه البخاري قال: قلت: يا رسول الله! من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: (لقد ظننت أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أولى منك لما رأيت من حرصك على الحديث) . وما رواه أحمد عن أُبيّ بن كعب: أن أبا هريرة كان جريئًا على أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء لا يسأله عنها غيره. ثانيها: أنه كان يلازم النبي صلى الله عليه وسلم، ويتبعه حتى في زيارته لنسائه وأصحابه ليستفيد منه، ولو في أثناء الطريق، فكانت السنين القليلة من صحبته له كالسنين الكثيرة من صحبة كثير من الصحابة الذين لم يكونوا يَرَوْنه صلى الله عليه وسلم إلا في وقت الصلاة، أو الاجتماع لمصلحة يدعوهم إليها، أو حاجة يفزعون إليه فيها، وقد صرح بذلك لمروان. وأخرج البغويّ بسند جيد - كما قال الحافظ ابن حجر - عن ابن عمر أنه قال لأبي هريرة: أنت كنت أَلَزَمَنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلمَنا بحديثه. وفي " الإصابة " عنه أنه قال: أبو هريرة خير مني وأعلم بما يحدث. وعن طلحة بن عُبيد الله: لا أشك أن أبا هريرة سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم نسمع. ثالثها: أنه كان جيد الحفظ قوي الذاكرة، وهذه مزية امتاز بها أفراد من الناس كانوا كثيرين في زمن البداوة، وما يقرب منه؛ إذ كانوا يعتمدون على حفظهم، ومما نقله التاريخ لنا عن اليونان أن كثيرين منهم كرهوا بدعة الكتابة عندما ابتدءوا يأخذونها، وقالوا: إن الإنسان يتكل على ما كتب فيضعف حفظه، وإننا نفاخر بحفاظ أمتنا جميع الأمم، وتاريخهم ثابت محفوظ، قال الإمام الشافعيّ: أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره، وقال البخاري مثل ذلك، إلا أنه قال: عصره. بدل دهره. وأعظم من ذلك ما رواه الترمذي عن عمر رضي الله عنه أنه قال لأبي هريرة: أنت كنت ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأحفظنا لحديثه. رابعها: بشارة النبي صلى الله عليه وسلم له بعدم النسيان، كما ثبت في حديث بسط الرداء المتقدم – وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي هريرة: (ابْسُطْ رِدَاءَكَ. فَبَسَطْهُ. فَغَرَفَ بِيَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: ضُمّهُ. قال أبو هريرة: فَضَمَمْتُهُ فَمَا نَسِيتُ شَيْئًا بَعْدَهُ) رواه البخاري (119) - وهو مروي من طرق متعددة في الصحاح والسنن. خامسها: دعاؤه له بذلك كما ثبت في حديث زيد بن ثابت عالم الصحابة الكبير رضي الله عنه عند النسائي، وهو: (أن رجلاً جاء إلى زيد بن ثابت فسأله، فقال له زيد: عليك بأبي هريرة، فإني بينما أنا وأبو هريرة وفلان في المسجد، ندعو الله ونذكره، إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس إلينا فقال: عودوا للذي كنتم فيه. قال زيد فدعوت أنا وصاحبي، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤمّن على دعائنا، ودعا أبو هريرة فقال: إني أسألك مثل ما سأل صاحباي، وأسألك علمًا لا يُنسى , فقال: سبقكم بها الغلام الدوسي) – قال الحافظ ابن حجر في " الإصابة " (4/208) : إسناده جيد -. سادسها: أنه تصدى للتحديث عن قصد؛ لأنه كان يحفظ الحديث لأجل أن ينشره، وأكثر الصحابة كانوا ينشرون الحديث عند الحاجة إلى ذكره في حكم أو فتوى أو استدلال، والمتصدي للشيء يكون أشد تذكرًا له، ويذكره بمناسبة وبغير مناسبة؛ لأنه يقصد التعليم لذاته، وهذا السبب لازم للسبب الأول من أسباب كثرة حديثه. سابعها: أنه كان يحدث بما سمعه وبما رواه عن غيره من الصحابة كما تقدم، فقد ثبت عنه أنه كان يتحرى رواية الحديث عن قدماء الصحابة، فروى عن أبي بكر وعمر، والفضل بن العباس وأُبيّ بن كعب، وأسامة بن زيد وعائشة، وأبي بصرة الغفاري، أي: أنه صرح بالرواية عن هؤلاء، ومن المقطوع به أن بعض أحاديثه التي لم يصرح فيها باسم صحابي كانت مراسيل؛ لأنها في وقائع كانت قبل إسلامه، ومراسيل الصحابة حجة عند الجمهور. فمن تدبر هذه الأسباب لم يستغرب كثرة رواية أبي هريرة، ولم ير استنكار أفراد من أهل عصره لها موجبًا للارتياب في عدالته وصدقه؛ إذ علم أن سبب ذلك الاستنكار عدم الوقوف على هذه الأسباب. على أن جميع ما أخرجه البخاري في صحيحه له (446) حديثًا، بعضها من سماعه، وبعضها من روايته عن بعض الصحابة، وهي لو جمعت لأمكن قراءتها في مجلس واحد؛ لأن أكثر الأحاديث النبوية جمل مختصرة. فهل يستكثر عاقل هذا المقدار على مثل أبي هريرة أو من هو دونه حفظًا، وحرصًا على تحمل الرواية وأدائها؟! " انتهى باختصار. "مجلة المنار" (19/25) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126377 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 171 موقفنا ممن يضعف أحاديث في صحيح البخاري ومسلم [السُّؤَالُ] ـ[ما موقفنا ممن يضعف أحاديث في صحيح مسلم أو صحيح البخاري؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "هذا شذوذ عن العلماء لا يعول عليه إلا في أشياء يسيرة عند مسلم رحمه الله نبه عليها الدارقطني وغيره، والذي عليه أهل العلم هو تلقي أحاديث الصحيحين بالقبول والاحتجاج بها كما صرح بذلك الحافظ ابن حجر والحافظ ابن الصلاح وغيرهما، وإذا كان في بعض الرجال المخرج لهم في الصحيحين ضعف فإن صاحبي الصحيح قد انتقيا من أحاديثهم ما لا بأس به، مثل: إسماعيل بن أبي أويس، ومثل عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وجماعات فيهم ضعف لكن صاحبي الصحيح انتقيا من أحاديثهم ما لا علة فيه؛ لأن الرجل قد يكون عنده أحاديث كثيرة فيكون غلط في بعضها، أو رواها بعد الاختلاط إن كان ممن اختلط، فتنبه صاحبا الصحيحين لذلك فلم يرويا عنه إلا ما صح عندهما سلامته. والخلاصة: أن ما رواه الشيخان قد تلقته الأمة بالقبول، فلا يسمع كلام أحد في الطعن عليهما رحمة الله عليهما، سوى ما أوضحه أهل العلم كما تقدم. ومما أخذ على مسلم رحمه الله رواية حديث أبي هريرة: (أن الله خلق التربة يوم السبت. . . إلخ الحديث) . والصواب: أن بعض رواته وهم برفعه للنبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من رواية أبي هريرة رضي الله عنه عن كعب الأحبار؛ لأن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة كلها قد دلت على أن الله سبحانه قد خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام، أولها يوم الأحد، وآخرها يوم الجمعة؛ وبذلك علم أهل العلم غلط من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم (أن الله خلق التربة يوم السبت) ، وغلط كعب الأحبار ومن قال بقوله في ذلك، وإنما ذلك من الإسرائيليات الباطلة، والله ولي التوفيق" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (25/69) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126211 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 172 حديث: (أجرؤكم على الفتوى أجرؤكم على النار) [السُّؤَالُ] ـ[ما صحة حديث: (أجرؤكم على الفتوى أجرؤكم على النار) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث جاء بسند واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم، رواه الإمام الدارمي رحمه الله في سننه (1/69) فقال: أخبرنا إبراهيم بن موسى، حدثنا أبي، حدثنا ابن المبارك، عن سعيد بن أبى أيوب، عن عبيد الله بن أبى جعفر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار) . وهذا الإسناد إلى عبيد الله بن أبي جعفر صحيح، غير أن عبيد الله بن أبي جعفر المتوفي سنة 136 من أتباع التابعين، ولا تعرف له رواية عن الصحابة رضي الله عنهم. فحديثه هذا يسمى "معضل" وهو من أقسام الحديث الضعيف، لعدم اتصال سنده. قال الخطيب البغدادي رحمه الله: " أما ما رواه تابع التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم فيسمونه: المعضل، وهو أخفض مرتبة من المرسل " انتهى. " الكفاية " (ص/29) . وقد ضعفه كل من الحافظ ابن رجب في " شرح حديث ما ذئبان جائعان "، والعجلوني في "كشف الخفاء"، وضعفه الشيخ الألباني في " السلسلة الضعيفة " (1814) . والحديث وإن كان ضعيفاً غير أن معناه صحيح، فمن أقدم على الفتوى من غير تثبت ولا بحث في الأدلة فقد تسبب في إدخال نفسه النار. وانظر: "فيض القدير" (1/205، 206) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126014 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 173 الحديث القدسي إني والإنس والجن في نبأ عظيم لا يصح [السُّؤَالُ] ـ[ما هو تخريج الحديث القدسي التالي، فهو متداول بكثرة في المنتديات، وأرغب في معرفة الزيادات الضعيفة أو الموضوعة في الحديث، وجزاكم الله خيرا. يقول الله تعالى في الحديث القدسي: (إني والإنس والجن في نبأ عظيم، أخلق ويُعبد غيري، أرزق ويُشكر سواي) (خيري إلى العباد نازل، وشرّهم إليّ صاعد، أتودد إليهم بالنعم وأنا الغني عنهم! ويتبغّضون إليّ بالمعاصي وهم أفقر ما يكونون إليّ) (أهل ذكري أهل مجالستي، من أراد أن يُجالسني فليذكرني. أهل طاعتي أهل محبتي. أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي، إن تابوا إليّ فأنا حبيبهم، وإن أبَوا فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأطهّرهم من المعايب، من أتاني منهم تائباً تلقّيته من بعيد، ومن أعرض عني ناديته من قريب، أقول له: أين تذهب؟ ألك رب سواي!) (الحسنة عندي بعشرة أمثالها وأزيد، والسيئة عندي بمثلها وأعفو، وعزتي وجلالي لو استغفروني منها لغفرتها لهم) ]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الجزء الأول من هذا الحديث وهو قوله: (إني والإنس والجن في نبأ عظيم، أخلق ويُعبد غيري، أرزق ويُشكر سواي) من الأحاديث القدسية الضعيفة المشهورة، والأحاديث القدسية من أكثر الأبواب التي دخل فيها الضعيف والمكذوب. أخرجه الطبراني في " مسند الشاميين " (2/93) ، ومن طريقه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (17/77) وعبد الغني المقدسي في " التوحيد " (108) -، وأخرجه الحاكم في " تاريخ نيسابور " – كما عزاه إليه في " الدر المنثور " (7/625) - وأخرجه أيضاً البيهقي في " شعب الإيمان " (4/134) ، والديلمي في " الفردوس " (3/166) كلهم من طريق بقية بن الوليد، عن صفوان بن عمرو، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، وشريح بن عبيد الحضرميان، عن أبي الدرداء رضي الله عنه. يقول الشيخ الألباني رحمه الله: " ضعيف .... منقطع، فإن عبد الرحمن بن جبير، وشريح بن عبيد لم يدركا أبا الدرداء، فعلة الحديث الانقطاع " انتهى. " السلسلة الضعيفة " (رقم/2371) ، وضعفه السيوطي في " الجامع الصغير "، والمناوي في شرحه " فيض القدير " (4/469) . ومع ذلك فمعنى الحديث صحيح مقبول، وليس فيه ما ينكر، إلا أنه لا تجوز نسبته للنبي صلى الله عليه وسلم. يقول الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: " معناه صحيح، أن الله يخلق ويعبد سواه، الله خلق المشركين وعبدوا سواه، والله يرزق ويشكر سواه، هذا واقع " انتهى. نقلا من موقعه على هذا الرابط: http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/FatwaaTree/tabid/84/Default.aspx?View=Page&NodeID;=19878&PageID;=9839 ثانيا: أما الجزء الثاني وهو قوله: (خيري إلى العباد نازل، وشرّهم إليّ صاعد، أتودد إليهم بالنعم وأنا الغني عنهم! ويتبغّضون إليّ بالمعاصي وهم أفقر ما يكونون إليّ) فهو حديث موضوع مكذوب وإن كان معناه مقبول أيضا: جاء في " السلسلة الضعيفة " (حديث رقم/3287) للشيخ الألباني رحمه الله: " (يقول الله تعالى: يا ابن آدم! ما تنصفني، أتحبب إليك بالنعم، وتتمَقَّتُ إليَّ بالمعاصي، خيري إليك منزل، وشرك إليَّ صاعد، ولا يزال ملك كريم يأتيني عند كل يوم وليلة بعمل قبيح! يا ابن آدم! لو سمعت وصفك من غيرك وأنت لا تعلم من الموصوف؛ لسارعت إلى مقته) موضوع. أخرجه الرافعي في "تاريخ قزوين" (3/ 4) ، والديلمي (4/ 257-زهر الفردوس) من طريق داود بن سليمان الغازي: حدثني علي بن موسى الرضا.. (قلت: فساق إسناده عن آبائه عن علي رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: ... فذكره. قلت – أي الشيخ الألباني -: وهذا موضوع؛ آفته الغازي هذا، وهو شيخ كذاب كما تقدم مراراً. لكن تابعه أحمد بن علي بن مهدي الرقي: حدثنا أبي: حدثنا علي بن موسى الرضا به. أخرجه الديلمي، وكذا نظيف المصري في "الفوائد" (ق106/ 2) ، ومن طريقه أبو نصر الغازي في "جزء من الأمالي" (ق78/ 1) وزاد: (تفعل الكبائر أو ترتكب الكبائر ثم تتوب إلي فأقبلك إذا خلصت نيتك، وأصفح عما مضى من ذنوبك، وأدخلك جنتي وأجعلك في جواري، سوءة (!) لإقامتك على قبيح فعالك) لكن الرقي هذا وأبوه لم أعرفهما، ولعل أحدهما سرقه من الغازي؛ فإن لوائح الوضع والصنع على الحديث ظاهرة " انتهى كلام الشيخ الألباني رحمه الله. والحديث أخرجه أيضا ابن عساكر في " معجم الشيوخ " (رقم/1270) من الطريق الأولى الموضوعة، ويروى في كتب أخرى من نقل وهب بن منبه عن الكتب السابقة، وهو بذلك أشبه. ثالثا: أما الجزء الثالث من الحديث المذكور، وهو قوله: (أهل ذكري أهل مجالستي، من أراد أن يُجالسني فليذكرني. أهل طاعتي أهل محبتي. أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي، إن تابوا إليّ فأنا حبيبهم، وإن أبَوا فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأطهّرهم من المعايب، من أتاني منهم تائباً تلقّيته من بعيد، ومن أعرض عني ناديته من قريب، أقول له: أين تذهب؟ ألك رب سواي!) فلم نجده مسندا ولا مأثورا في كتب أهل العلم، وأقدم من رأيناه ذكره هو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " مجموع الفتاوى " (14/319) حيث قال: " وقد جاء فى بعض الأحاديث: (يقول الله تعالى: أهل ذكري أهل مجالستي، وأهل شكري أهل زيادتي، وأهل طاعتي أهل كرامتي، وأهل معصيتي لا أؤيسهم من رحمتي، إن تابوا فأنا حبيبهم، أي محبهم، فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأكفر عنهم المعائب) وذكر تكملته ابن القيم رحمه الله في " مدارج السالكين " (1/194) من غير عزو لكتاب. رابعا: أما الجزء الأخير من الحديث، وهو قوله: (الحسنة عندي بعشرة أمثالها وأزيد، والسيئة عندي بمثلها وأعفو، وعزتي وجلالي لو استغفروني منها لغفرتها لهم) فقد صح نحوه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَأَزِيدُ، وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَجَزَاؤُهُ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا أَوْ أَغْفِرُ) رواه مسلم (2687) . وبالجملة، فالحديث ـ بهذا السياق ـ ليس له أصل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان بعض جمله قد روي مفرقا، كما ذكرنا في الجواب. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125697 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 174 كيف التوفيق بين قوله تعالى ما كان محمد أبا أحد من رجالكم وحديث إن ابني هذا سيد [السُّؤَالُ] ـ[يقول الله تعالى: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) وعند البخاري وغيره يقول صلى الله عليه وسلم في حق الإمام الحسن رضي الله عنه: (ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين) سؤالي رعاك الله: هل يصح أن نقول إن الإمام الحسن أو الحسين أبناء النبي صلى الله عليه وسلم لما سبق من قوله صلى الله عليه وسلم؟ أم إنهم يدخلون في عموم قوله تعالى: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم. . الآية) فيما يخص النهي عن التبني بشكل عام، ويدخل فيه تبني رجل أحدا ليس من صلبه مباشرة، وإن كان من سلالته وإن نزلت؟ وهل منزلة البنوة التي أثبتها صلى الله عليه وسلم في الحديث المذكور آنفاً حقيقية أم مجازية؟ وفقكم الله، وفتح عليكم من واسع فضله وعلمه.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس بين الآية والحديث تعارض والحمد لله، وإنما يقوم التعارض في ذهن بعض السامعين بسبب عدم تمكنهم من تصور مقصود السياق تصوراً تاما. فالآية الكريمة إنما تتحدث عن شأن زواج النبي صلى الله عليه وسلم من زينب بعد أن طلقها زيد بن حارثة الذي كان قد تبناه النبي صلى الله عليه وسلم قبل تحريم التبني، فأنزل الله تعالى هذه الآيات الكريمات ليزيل ما قد يقع في قلوب بعض الناس من إنكار زواج النبي صلى الله عليه وسلم من زوجة ابنه بالتبني سابقا، فذكر عز وجل أن التبني باطل، وأنه لا تنبني عليه أحكام أبوة النسب الحقيقي، فقال عز وجل: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37) مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا (38) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (39) مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) الأحزاب/37-39. ومعلوم أنه ولد للنبي صلى الله عليه وسلم أربعة من الأولاد الذكور، وولد له حفيدان اثنان من ابنته فاطمة رضي الله عنهما، وليس هؤلاء الأولاد محل إشكال ولم يدخلوا في النفي أصلا، لأسباب عدة: 1- أن سياق الآيات لا يقصدهم أصلا، بل يقصد نفي وجود أبوة نسب بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أحد من المسلمين كي لا تنكر قلوبهم زواجه من زينب رضي الله عنها، ولذلك جاءت الآية بلفظ الخطاب فقال: (من رجالكم) ، فلا يدخل فيه أصلا أبناء النبي صلى الله عليه وسلم. 2- أن أبناءه الذكور صلى الله عليه وسلم ماتوا جميعا قبل بلوغ الحلم، وهذا من حكمة الله عز وجل، لما في ذلك من تقرير ختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم، ونفي توهم كون النبوة تنتقل بالوراثة بين الأب وأبنائه، وأما الحسن والحسين فهما وإن كانا من أحفاده صلى الله عليه وسلم لكنهما لا ينتسبان إليه من جهة الأبوة، بل ينتسبان إلى أبيهما علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولذلك كان بقاؤهما أحياء بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم من حكمة الله عز وجل أيضا، فلم يدَّعِ أحد لهما النبوة بعد جدهما من أمهما النبي صلى الله عليه وسلم، فلا تعارض مع نفي أبوة النبي صلى الله عليه وسلم لأحد من رجال المسلمين. 3- ثم إن الآية نفت أبوة النبي صلى الله عليه وسلم الحقيقية لأحد من المسلمين، وليس الأبوة المجازية، وأبوة الرجل لأحفاده من جهة ابنته أبوة مجازية، بل أبوة النبي صلى الله عليه وسلم لسائر المسلمين أبوة مجازية، وفي تفسير بعض الصحابة لقول الله تعالى: (وأزواجه أمهاتهم) قال: وهو أب لهم. وننقل هنا كلام أهل العلم في هذه الآية، وفي بعضه جواب عن التعارض الذي عرض للسائل الكريم: قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: " وقوله: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ) نهى تعالى أن يقال بعد هذا: " زيد بن محمد " أي: لم يكن أباه وإن كان قد تبناه، فإنه صلوات الله عليه وسلامه لم يعش له ولد ذكر حتى بلغ الحلم؛ فإنه ولد له القاسم، والطيب، والطاهر، من خديجة، فماتوا صغارا، وولد له إبراهيم من مارية القبطية، فمات أيضا رضيعا، وكان له من خديجة أربع بنات: زينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة، رضي الله عنهم أجمعين، فمات في حياته ثلاث، وتأخرت فاطمة حتى أصيبت به، صلوات الله وسلامه عليه، ثم ماتت بعده لستة أشهر " انتهى. " تفسير القرآن العظيم " (6/428) ونحوه في " معالم التنزيل " للبغوي (6/358) ، و" اللباب " لابن عادل (15/557) . وقال بهاء الدين ابن قدامة (682هـ) رحمه الله: " وقول النبي صلى الله عليه وسلم للحسن: (إن ابني هذا سيد) – رواه البخاري (2704) - مجاز بالاتفاق، بدليل قول الله تعالى: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله) " انتهى. " الشرح الكبير " (6/224) ويقول ابن حجر الهيتمي رحمه الله: " فقوله تعالى: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم) إنما سيق لانقطاع حكم التبني، لا لمنع هذا الإطلاق المراد به أنه أبو المؤمنين في الاحترام والإكرام " انتهى. " الصواعق المحرقة " (2/462) وجاء في " الدرر السنية " (13/368) : " وسئل أيضا الشيخ عبد الله بن الشيخ عن قوله تعالى: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ) سورة الأحزاب آية/40 هل هذه الآية قطعت كون رسول الله صلى الله عليه وسلم والدا للحسن والحسين، مع ما ورد من الأحاديث الدالة على تسميتهما ابنين له؟ فأجاب: سبب نزول الآية يزيل هذا الإشكال ; وذلك أنه ذكر المفسرون: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوج زينب قال الناس: تزوج امرأة ابنه، وأنزل الله هذه الآية – يعني: زيد بن حارثة – يعني: لم يكن أبا لرجل منكم على الحقيقة، حتى يثبت بينه وبينه ما يثبت بين الأب وولده من حرمة الصهر والنكاح. فإن قيل: قد كان له أبناء: القاسم، والطيب، والطاهر، وإبراهيم، وقال للحسن: (إن ابني هذا سيد) ؟ فالجواب: أنهم قد خرجوا من حكم النفي بقوله: (من رجالكم) ، وهؤلاء لم يبلغوا مبلغ الرجال. وأجاب بعضهم: بأنه ليس المقصود أنه لم يكن له ولد فيحتاج إلى الاحتجاج في أمر بنيه بأنهم كانوا ماتوا، ولا في أمر الحسن والحسين بأنهما كانا طفلين، وإضافة (رجالكم) إلى المخاطبين يخرج من كان من بنيه، لأنهم رجاله لا رجال المخاطبين " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125443 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 175 لم يثبت استحباب قراءة هذه السور في أذكار الصباح والمساء [السُّؤَالُ] ـ[هل هنالك أدلة صحيحة على قراءة سورة الإخلاص عشر مرات مع أذكار الصباح. وأواخر سورة الحشر، وسورة الصافات عند كل ليلة. وبداية سورة البقرة، والآيتان بعد آية الكرسي والنصر والكافرون مع أذكار النوم. أرجو منكم الرد في أسرع وقت، لأني أفعل كل هذه الأشياء، وأخاف أن تكون بدعة. وجزاكم الله كل خير.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لم يرد في السنة الصحيحة استحباب قراءة هذه الآيات والسور في أذكار الصباح والمساء على هذا النحو، وإنما الذي صح قراءة الآيات والسور الآتية: آية الكرسي، وأواخر سورة البقرة، وسورة الإسراء، والزمر، والسجدة، وتبارك، والكافرون، والإخلاص، والمعوذتان. وقد سبق سرد الأدلة الصحيحة في جواب السؤال رقم: (72591) ومن الأدلة الصحيحة أيضا: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا ينام حتى يقرأ: " الم تنزيل " – أي السجدة - و " تبارك الذي بيده الملك ". رواه الترمذي (2892) وقال حسن غريب. وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (رقم/585) وانظر جواب السؤال رقم: (26240) وعن عبد الله بن خبيب رضي الله عنه قال: (خرَجْنَا فِي لَيْلَةِ مَطَرٍ وَظُلْمَةٍ شَدِيدَةٍ نَطْلُبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصَلِّيَ لَنَا، فَأَدْرَكْنَاهُ، فَقَالَ: أَصَلَّيْتُمْ؟ فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا. فَقَالَ: قُلْ. فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا. ثُمَّ قَالَ: قُلْ. فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا. ثُمَّ قَالَ: قُلْ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا أَقُولُ؟ قَالَ: قُلْ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) ، وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِي وَحِينَ تُصْبِحُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) رواه أبو داود (5082) والترمذي (3575) وقال: حسن صحيح. وصححه النووي في " الأذكار " (107) ، وحسنه الألباني في " صحيح أبي داود ". وقد ورد في سورة الإخلاص بعد الفجر موقوفات ضعيفة، منها ما يرويه ابن أبي شيبة في " المصنف " (6/102) بسند فيه رجل مجهول، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: (من قرأ بعد الفجر (قل هو الله أحد) عشر مرات لم يلحق به ذلك اليوم ذنب وإن جهدته الشياطين) وأما أواخر سورة الحشر فالحديث فيها ضعيف أيضا لا يثبت: عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ -: أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَقَرَأَ ثَلَاثَ آيَاتٍ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْحَشْرِ، وَكَّلَ اللَّهُ بِهِ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنْ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مَاتَ شَهِيدًا، وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُمْسِي كَانَ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ) رواه الترمذي (2922) وقال: حديث غريب. قال النووي: " إسناده فيه ضعف " انتهى. " الأذكار " (ص/114) ، وقال الذهبي في " ميزان الاعتدال " (1/632) : غريب جدا. وقال الشيخ الألباني في " إرواء الغليل " (2/58) : " علته خالد بن طهمان. قال ابن معين: ضعيف خلط قبل موته بعشر سنين " انتهى. فالحاصل أننا ننصحك بالالتزام بما ورد في السنة النبوية، ففيه الغنية والكفاية عن زيادة ما عداه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125029 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 176 هل صح أن الحجب تنكشف بين الله وبين العباد وقت الإفطار من الصوم؟ [السُّؤَالُ] ـ[ورد في الحديث عن فضل الصيام: " أن موسى عليه الصلاة والسلام قال: يا رب! لقد شرفتني بالتكلم معك بلا ترجمان , فهل أعطيت هذا الشرف لغيري؟ فيقول الله سبحانه وتعالى: يا موسى! سوف أرسل أمة من الأمم - والتي هي أمة محمد صلى الله عليه وسلم - وهم ذو شفاه وألسن جافة , وأجسام نحيلة هزيلة، وسوف يدعونني فيكونوا أقرب إلي منك. يا موسى! بينما أنت تتكلم معي، هناك 70000 حجاب بيني وبينك , لكن عند وقت الإفطار سوف لن يكون هناك أي حجاب بيني وبين أمة محمد صلى الله عليه وسلم " سؤالي هو: هل هذا الحديث صحيح؟ لأنه قد انتشر على النت.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس هذا الحديث من السنة النبوية، وليس هو مما يعرفه الحفاظ والمحدثون في كتبهم ومسانيدهم، ولا تتناقله إلا بعض الكتب التي ملأها أصحابها بالموضوعات والمكذوبات والقصص والخرافات، ككتاب " نزهة المجالس ومنتخب النفائس " للمؤرخ الأديب عبد الرحمن بن عبد السلام الصفوري، المتوفى سنة (894هـ) ، ص/182-183 باب فضل رمضان والترغيب في العمل الصالح فيه "، وكذلك في تفسير " روح البيان " (8/112) لإسماعيل حقي الحنفي الخلوتي المتوفى سنة (1127هـ) ، فقد ذكرا نحو هذا الحديث الذي يقصده السائل، حيث جاء فيه: (قال موسى عليه السلام: يا رب! أكرمتني بالتكليم، فهل أعطيت أحداً مثل ذلك؟ فأوحى الله تعالى: يا موسى! إن لي عباداً أخرجهم في آخر الزمان وأكرمهم بشهر رمضان فأكون أقرب لأحدهم منك؛ لأنك كلمتني وبيني وبينك سبعون ألف حجاب، فإذا صامت أمة محمد صلى الله عليه وسلم حتى ابيضت شفاههم، واصفرت ألوانهم، أرفع الحجب بيني وبينهم وقت إفطارهم. يا موسى! طوبى لمن عطش كبده، وأجاع بطنه في رمضان) ثم إن في متن هذا الحديث ما يدل على نكارته، وذلك في قوله في الحديث (فأكون أقرب لأحدهم منك – يعني موسى عليه السلام) ، والمعلوم في عقائد المسلمين أن الرسل والأنبياء أفضل من جميع البشر سواهم، فكيف وموسى عليه السلام من أولي العزم من الرسل، فكيف يتقرب الله إلى عباده أكثر من نبيه موسى عليه السلام، وقد قال في حقه جل وعلا: (وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا) مريم/52، قال ابن عباس رضي الله عنهما: " أُدنيَ حتى سمع صريف القلم " – يعني بكتابة التوراة -. انظر: " تفسير القرآن العظيم " للحافظ ابن كثير (5/237) . والخلاصة: أن هذا الحديث المذكور ليس في شيء من الكتب المعتمدة، ولا يجوز نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا اعتقاد ما فيه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال جواب الحديث: 124410 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 177 هل كل أحاديث صحيح البخاري صحيحة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل كل أحاديث صحيح البخاري صحيحة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صحيح الإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري هو أصح كتاب مأثور بعد كتاب الله تعالى، وما زال العلماء والمحدثون والحفاظ يشهدون له بالجلالة والمرتبة العالية في التوثيق والإتقان، حتى نقل الحافظ أبو عمرو بن الصلاح في " صيانة صحيح مسلم " (ص/86) بسنده إلى إمام الحرمين الجويني أنه قال: " لو حلف إنسان بطلاق امرأته أن ما في كتابي البخاري ومسلم مما حكما بصحته من قول النبي صلى الله عليه وسلم لما ألزمته الطلاق، ولا حنثته، لإجماع علماء المسلمين على صحتهما " انتهى. وليس ذلك بمستبعد والبخاري هو الإمام الحافظ الكبير الذي شهد له جميع المحدثين بالحفظ والإتقان، وقد كان يستخير الله تعالى ويصلي ركعتين في كل حديث يثبته في كتابه حتى أتمه على هذا الوجه. ونحن وإن كنا نعلم أنه قد وجهت بعض الانتقادات اليسيرة لأحاديث معدودة مثبتة في صحيح البخاري، إلا أننا نؤكد أنه لا حرج في إطلاق الصحة على جميع أحاديث الكتاب، وذلك لما يلي: 1- أكثر العلماء والمحدثين يرون الصواب مع الإمام البخاري فيما انتقد عليه، ومعلوم أنه ليس من المنهج السليم التسليم بالانتقاد لمجرد وجوده، بل الأمر يرجع إلى الحجة والبرهان، وقد فصل الحافظ ابن حجر رحمه الله في كتابه العظيم " فتح الباري "، وخاصة في مقدمته المسماة " هدي الساري " الجواب عن هذه الانتقادات اليسيرة، وأوضح وجه الصواب فيها. 2- مجموع أحاديث صحيح البخاري بالمكرر – بترقيم الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي رحمه الله – بلغ (7563) حديثا، فإذا عرفنا أن الانتقادات الموجهة لا تتجاوز بضع عشرات، وأن أكثر هذه الانتقادات إنما هي موجهة لأمور تتعلق بالأسانيد ورسومها، أو لأمور تتعلق ببلوغ درجة أصح الصحيح، أو تتعلق بكلمة أو كلمتين من الحديث، وأما الانتقادات المتعلقة بأمور تؤثر في صحة المتن فهي نادرة نحو الحديث والحديثين والثلاثة - إذا عرفنا ذلك كله أدركنا أن إطلاق الصحة على جميع ما في البخاري من متون مسندة في صلب الكتاب إطلاق صحيح لا يجوز إنكاره. يقول الإمام النووي رحمه الله: " أجمعت الأمة على صحة هذين الكتابين ووجوب العمل بأحاديثهما " انتهى. "تهذيب الأسماء واللغات" (1/73) ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " ليس تحت أديم السماء كتاب أصح من البخاري ومسلم بعد القرآن " انتهى. "مجموع الفتاوى" (18/74) ويقول الحافظ ابن حجر في الجواب على وجود انتقادات لصحيح البخاري: " والجواب عنه على سبيل الإجمال أن نقول: لا ريب في تقديم البخاري ثم مسلم على أهل عصرهما ومن بعده من أئمة هذا الفن في معرفة الصحيح والمعلل، فإنهم لا يختلفون في أن علي بن المديني كان أعلم أقرانه بعلل الحديث وعنه أخذ البخاري ذلك، حتى كان يقول: ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند علي بن المديني. ومع ذلك فكان علي بن المديني إذا بلغه ذلك عن البخاري يقول: دعوا قوله فإنه ما رأى مثل نفسه. وكان محمد بن يحيى الذهلي أعلم أهل عصره بعلل حديث الزهري وقد استفاد منه ذلك الشيخان جميعا، وروى الفربري عن البخاري قال: ما أدخلت في الصحيح حديثا إلا بعد أن استخرت الله تعالى وتيقنت صحته. وقال مكي بن عبد الله سمعت مسلم بن الحجاج يقول: عرضت كتابي هذا على أبي زرعة الرازي فكل ما أشار أن له علة تركته. فإذا عرف وتقرر أنهما لا يخرجان من الحديث إلا ما لا علة له، أو له علة إلا أنها غير مؤثرة عندهما، فبتقدير توجيه كلام من انتقد عليهما يكون قوله معارضا لتصحيحهما، ولا ريب في تقديمهما في ذلك على غيرهما، فيندفع الاعتراض من حيث الجملة. وأما من حيث التفصيل فالأحاديث التي انتقدت عليهما تنقسم أقساما: القسم الأول منها: ما تختلف الرواة فيه بالزيادة والنقص من رجال الإسناد، فإن أخرج صاحب الصحيح الطريق المزيدة، وعلله الناقد بالطريق الناقصة، فهو تعليل مردود ... وإن أخرج صاحب الصحيح الطريق الناقصة وعلله الناقد بالطريق المزيدة تضمن اعتراضه دعوى انقطاع فيما صححه المصنف ... فمحصل الجواب عن صاحب الصحيح أنه إنما أخرج مثل ذلك في باب ماله متابع وعاضد، أو ما حفته قرينة في الجملة تقويه، ويكون التصحيح وقع من حيث المجموع. القسم الثاني منها: ما تختلف الرواة فيه بتغيير رجال بعض الإسناد ... فالتعليل بجميع ذلك من أجل مجرد الاختلاف غير قادح، إذ لا يلزم من مجرد الاختلاف اضطراب يوجب الضعف فينبغي الإعراض أيضا عما هذا سبيله. القسم الثالث منها: ما تفرد بعض الرواة بزيادة فيه دون من هو أكثر عددا أو أضبط ممن لم يذكرها: فهذا لا يؤثر التعليل به إلا إن كانت الزيادة منافية بحيث يتعذر الجمع، أما إن كانت الزيادة لا منافاة فيها بحيث تكون كالحديث المستقل فلا، اللهم إلا إن وضح بالدلائل القوية أن تلك الزيادة مدرجة في المتن من كلام بعض رواته، فما كان من هذا القسم فهو مؤثر كما في الحديث الرابع والثلاثين. القسم الرابع منها: ما تفرد به بعض الرواة ممن ضعف من الرواة، وليس في هذا الصحيح من هذا القبيل غير حديثين، وتبين أن كلا منهما قد توبع. القسم الخامس منها: ما حكم فيه بالوهم على بعض رجاله، فمنه ما يؤثر ذلك الوهم قدحا، ومنه ما لا يؤثر. القسم السادس منها: ما اختلف فيه بتغيير بعض ألفاظ المتن، فهذا أكثره لا يترتب عليه قدح لإمكان الجمع في المختلف من ذلك، أو الترجيح، على أن الدارقطني وغيره من أئمة النقد لم يتعرضوا لاستيفاء ذلك من الكتابين كما تعرضوا لذلك في الإسناد، فما لم يتعرضوا له من ذلك: حديث جابر في قصة الجمل، وحديثه في وفاء دين أبيه، وحديث رافع بن خديج في المخابرة، وحديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين، وحديث سهل بن سعد في قصة الواهبة نفسها، وحديث أنس في افتتاح القراءة بالحمد لله رب العالمين، وحديث ابن عباس في قصة السائلة عن نذر أمها وأختها، وغير ذلك. فهذه جملة أقسام ما انتقده الأئمة على الصحيح، وقد حررتها، وحققتها، وقسمتها، وفصلناها، لا يظهر منها ما يؤثر في أصل موضوع الكتاب بحمد الله إلا النادر " انتهى. " هدي الساري " (345-346) وانظر جواب السؤال رقم: (20153) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 122705 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 178 الفرق بين قولهم حديث صحيح، وقولهم إسناده صحيح. [السُّؤَالُ] ـ[ما الفرق بين الحديث الصحيح، والحديث الذي إسناده صحيح؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: يقرر المحدثون أن الحديث الصحيح الذي يغلب على الظن ثبوت نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم هو الحديث الذي اجتمعت فيه الشروط الخمسة الآتية: 1- أن يكون كل راوٍ من رواته عدلا. 2- أن يكون كل راوٍ من رواته ضابطا (تمام الضبط أو قاصرا عنه) 3- اتصال السند من أوله إلى منتهاه. 4- سلامة الحديث من الشذوذ في سنده ومتنه. 5- سلامة الحديث من العلة في سنده ومتنه. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم: (79163) ثانيا: ولما كان الشرطان الرابع والخامس من أدق الشروط وأصعبها على الناقد، لأن تحقيقها يحتاج إلى بحث شديد، وتدقيق، وجمع لطرق الحديث ورواياته، كما يحتاج إلى خبرة واسعة في علوم الحديث وتخصص في النقد – لذلك احتاط كثير من المحدثين المتأخرين في أحكامهم، فاكتفوا بدراسة ظاهر الإسناد للتحقق من توافر الشروط الثلاثة الأولى، فإذا قامت هذه الشروط بإسناد معين قالوا: إسناد صحيح. ليشعروا القارئ أنهم ضمنوا له الشروط الثلاثة الأولى لصحة الحديث دون الشرطين الرابع والخامس، كي يكون القارئ على بصيرة بما يريده هذا المحدث. يقول الحافظ ابن الصلاح رحمه الله: " قولهم: (هذا حديث صحيح الإسناد أو حسن الإسناد) دون قولهم: (هذا حديث صحيح أو حديث حسن) لأنه قد يقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولا يصح لكونه شاذا أو معللا " انتهى. " مقدمة في علوم الحديث " (ص/23) ويقول ابن كثير: " الحكم بالصحة أو الحسن على الإسناد لا يلزم منه الحكم بذلك على المتن، إذ قد يكون شاذاً أو معللاً " انتهى. " اختصار علوم الحديث " (ص/43) ويقول العراقي في ألفيته: " والحكم للإسناد بالصحة أو ... بالحسن دون الحكم للمتن رأوا " انتهى. " التبصرة والتذكرة " (1/107) ثالثا: ومع ذلك فقد يستثنى من هذه التفرقة ما إذا عرف الإمام بأنه لا يفرق في اصطلاحه بين هذين الاستعمالين " إسناد صحيح " و " حديث صحيح "، فقد يطلق الإمام – وخاصة إذا كان من المتقدمين – قوله " إسناد صحيح " ويريد به تصحيح الحديث نفسه، والحكم بانطباق الشروط الخمسة جميعها. يقول الحافظ ابن الصلاح رحمه الله: " غير أن المصنف المعتمد منهم إذا اقتصر على قوله: إنه صحيح الإسناد، ولم يذكر له علة، ولم يقدح فيه، فالظاهر منه الحكم له بأنه صحيح في نفسه؛ لأن عدم العلة والقادح هو الأصل والظاهر. والله أعلم " انتهى. " مقدمة في علوم الحديث " (ص/23) ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله: " والذي يظهر لي أن الصواب التفرقة بين مَن يُفَرِّقُ - في وَصفِهِ الحديث بالصحة - بين التقييد والإطلاق، وبين مَن لا يُفَرِّق. فمن عُرف مِن حاله بالاستقراء التفرقة يحكم له بمقتضى ذلك، ويُحمل إطلاقه على الإسناد والمتن معا، وتقييده على الإسناد فقط. ومَن عُرف مِن حاله أنه لا يصف الحديث دائما وغالبا إلا بالتقييد، فيحتمل أن يقال في حقه ما قال المصنف آخرا " انتهى. [وهو يشير إلى قول ابن الصلاح الذي نقلناه قبله مباشرة] . " النكت على ابن الصلاح " (1/474) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 122507 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 179 حديث ارحموا موتاكم بالصدقة [السُّؤَالُ] ـ[جاء في حاشية الستين: ذكر في نزهة المجالس عن كتاب " المختار ومطالع الأنوار " عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (لا يأتي على الميت أشد من الليلة الأولى، فارحموا موتاكم بالصدقة، فمن لم يجد فليصل ركعتين، يقرأ في كل ركعة منهما فاتحة الكتاب، وآية الكرسي، وألهاكم، وقل هو الله أحد إحدى عشرة مرة، ويقول اللهم ابعث ثوابها إلى قبره فلان ابن فلانة، فيبعث الله من ساعته إلى قبره ألف ملك، من كل ملك نور وهدية، يؤنسونه في قبره إلى أن ينفخ في الصور، ويعطي الله المصلى بعدد ما طلعت عليه الشمس حسنات ويرفع الله له أربعين ألف درجة ألف حجة وعمرة ويبنى له ألف مدينة في الجنة ويعطى ثواب ألف شهيد ويكسى ألف حلة ..... ) السؤال هل هذا الكلام صحيح , أرجو مساعدتنا بالإجابة لتصحيح أدياننا في البلاد غير الإسلامية.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد حذر من الكذب عليه، وتوعد عليه أشد الوعيد، كما في الحديث الذي رواه البخاري (1209) ومسلم (5) عَنْ الْمُغِيرَةِ بن شعبة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ؛ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ) . والأحاديث في هذا كثيرة معلومة. وانظر جواب السؤال رقم 34725 وقد ذكر أهل العلم بعض علامات، يمكن للمشتغل بسنة النبي صلى الله عليه، الذي طالت ممارسته لأحاديثه، ومعرفته بما يخرج من مشكاته، أن يتعرف بها النص المروي، هل هو مما يشبه كلام النبي صلى الله عليه وسلم، أو لا؛ وذكروا بعضا من العلامات التي تشيع في أحاديث الكذابين والوضاعين. فمن ذلك قول ابن القيم رحمه الله في هذه العلامات: " فمنها: اشتماله على أمثال هذه المجازفات، التي لا يقول مثلها رسول الله صلى الله، وهي كثيرة جدا " انتهى. المنار المنيف (50) . وهذا إذا كان للحديث المذكور إسناد مروي يمكن النظر فيه، والحكم عليه بما يقتضيه حاله، وفق قواعد علم الحديث؛ فكيف إذا كان مجرد حكاية مذكورة في كتاب، لا يعرف صاحبه بعلم السنة، أو التحقيق فيها. وقد سئلت اللجنة الدائمة الحديث المذكور في السؤال، فأجابت: " لا شك أن الحديث المذكور في السؤال من الأحاديث الموضوعة المكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن الصدقة والصلاة بالكيفية المذكورة في هذا الحديث الموضوع لا أصل لهما، ولا يشرع للمسلم أن يصلي عن أحد لا في أول ليلة يدفن فيها الميت ولا في غيرها، أما الصدقة فمشروعة عن الميت المسلم متى شاء أقاربه أو غيرهم الصدقة عنه؛ لما ثبت من الحديث الصحيح، أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أمي افتلتت نفسها ولم توص، وأظنها لو تكلمت تصدقت، أفلها أجر إن تصدقت عنها؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «نعم» ) . ولم يخص ليلة الدفن ولا غيرها، وقد أجمع العلماء من أهل السنة والجماعة على أن الميت المسلم ينتفع بالصدقة عنه والدعاء له، أما المؤلف لكتاب (المختار ومطالع الأنوار) فلا نعرفه، ولم نقف على كتابه المذكور، ولكن ما نقلتم عنه يدل على أنه ليس من أهل العلم المعتبرين، فنسأل الله لنا ولك ولجميع المسلمين المزيد من العلم النافع والعمل الصالح ". فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: المجلد التاسع ـ الفتوى رقم (2090) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 122204 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 180 فضل سورة " الجمعة " [السُّؤَالُ] ـ[هل لسورة الجمعة أهمية خاصة؟ وهل يستحب قراءتها يوم الجمعة كسورة الكهف؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لم يصح في فضائل سورة الجمعة شيء مخصوص، إنما ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بها في صلاة الجمعة في الركعة الأولى، فعن ابن عباس رضي الله عنهما (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ سُورَةَ الْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِينَ) رواه مسلم (879) . جاء في كتاب " الصحيح والسقيم من فضائل القرآن الكريم " لآمال سعدي (ص/81) : " لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضل سورة الجمعة شيء، وقد وردت في فضلها روايات ضعيفة وموضوعة، منها: (من قرأ سورة الجمعة أعطي من الأجر حسنات بعدد من أتى الجمعة ومن لم يأتها من أمصار المسلمين) – رواه الثعلبي في "الكشف والبيان" (9/305) من طريق أبي عصمة نوح بن أبي مريم الكذاب الوضاع المشهور، ولذلك قال المناوي في "الفتح السماوي": موضوع - " انتهى. ولكن سورة الجمعة من سور " المفصل " التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه فضل بها على سائر الكتب والأنبياء، فعنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (فُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ) رواه أحمد (4/107) ، صححه الألباني في "بداية السول" (ص/59) ، وقال محققو المسند بإشراف الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121646 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 181 حديث موضوع في فضل الحمل والولادة والرضاعة [السُّؤَالُ] ـ[أسأل عن ما صحة حديث قرأته مؤخراً ولم أسمع بها من قبل ومما جاء فيه: (.. أفما ترضى إحداكن أنها إذا كانت حاملا من زوجها وهو عنها راض أن لها مثل أجر الصائم القائم في سبيل الله، فإذا أصابها الطلق لم يعلم أهل السماء وأهل الأرض ما أخفي لها من قرة أعين، فإذا وضعت لم يخرج منها جرعة من لبنها، ولم يمص مصة، إلا كان لها بكل جرعة وبكل مصة حسنة، فإن أسهرها ليلة كان لها مثل أجر سبعين رقبة تعتقهن في سبيل الله. ..) وهل يمكن إحالتي على مرجع أو كتاب يتحدث عن فضل طاعة المرأة لزوجها شريطة أن يكون ما فيه صحيحاً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث يرويه أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن سلامة - حاضنة إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم - قالت: يا رسول الله! تبشر الرجال بكل خير ولا تبشر النساء. قال: أصحابك دسسنك لهذا؟ قالت: أجل، هن أمرنني. قال: أفما ترضى إحداكن أنها إذا كانت حاملا من زوجها وهو عنها راض أن لها مثل أجر الصائم القائم في سبيل الله، فإذا أصابها الطلق لم يعلم أهل السماء وأهل الأرض ما أخفي لها من قرة أعين، فإذا وضعت لم يخرج منها جرعة من لبنها، ولم يمص مصة، إلا كان لها بكل جرعة وبكل مصة حسنة، فإن أسهرها ليلة كان لها مثل أجر سبعين رقبة تعتقهن في سبيل الله. سلامة! تدري لمن أعني بهذا؟ للمتعففات الصالحات المطيعات لأزواجهن، اللواتي لا يكفرن العشير) رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (7/20) ، وأبو نعيم في "معجم الصحابة" (رقم/7049) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (43/347) ، وابن الجوزي في "الموضوعات" (2/274) وغيرهم: من طريق هشام بن عمار، حدثني أبي عمار بن نصير، عن عمرو بن سعيد الخولاني، عن أنس بن مالك به. ثم قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن النبي إلا بهذا الإسناد تفرد به هشام بن عمار. اهـ. وهذا حديث موضوع مكذوب، حكم عليه ابن حبان في " المجروحين " (2/34) بالوضع، وكذا ابن الجوزي في "الموضوعات" (باب ثواب المرأة إذا حملت ووضعت) (2/273) يقول الشيخ الألباني رحمه الله: " حديث موضوع، لوائح الوضع عليه ظاهرة، آفته الخولاني هذا. قال الذهبي: " حدث بموضوعات ". ثم ساق له هذا الحديث. وأورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (2/274) من رواية الطبراني في " الأوسط "، وقال: " قال ابن حبان، عمرو بن سعيد الذي يروي هذا الحديث الموضوع عن أنس ; لا يحل ذكره إلا على جهة الاعتبار للخواص ". وأقره السيوطي في " اللآلىء " (2/175) . ومن طريق الخولاني هذا رواه ابن منده في " المعرفة " (2/329/2) ، وكذا الحسن بن سفيان في " مسنده " كما في " الفيض " " انتهى. "السلسلة الضعيفة" (رقم/2055) ومن أراد النظر في الأحاديث النبوية المتعلقة بموضوع فضل طاعة المرأة لزوجها وقيامها على شؤونه، فليرجع إلى كتاب الإمام المنذري، واسمه " الترغيب والترهيب "، فقد عقد في الجزء الثالث (ص/31) فصلا بعنوان: " ترغيب الزوج في الوفاء بحق زوجته، وحسن عشرتها، والمرأة بحق زوجها، وطاعته، وترهيبها من إسقاطه ومخالفته " جمع في هذا الفصل جميع الأحاديث المتعلقة بهذا الموضوع، وهي في غالبها صحيحة، ولكن في بعضها ضعف، فمن أراد الاقتصار على قراءة ما يصححه أهل العلم من ذلك فليرجع إلى كتاب " صحيح الترغيب والترهيب " للشيخ الألباني (2/193) وليقرأ الفصل السابق نفسه وقد حذف منه الأحاديث الضعيفة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121557 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 182 أقسام الحديث من حيث قائله [السُّؤَالُ] ـ[السلام عليكم عندي استفسار عن بعض المصطلحات أتمنى أن توضحوها لي: في بعض المحاضرات الصوتية أسمع مثلاً: حديث مرفوع - مقطوع؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لعلماء الحديث تقسيمات عدة للأحاديث، متنوعة بتنوع اعتبارات التقسيم، وإحدى تلك الاعتبارات تقسيم الحديث من حيث قائله، فيقولون: يقسم الحديث من حيث قائلُه أو مَن أُسنِدَ إليه إلى أربعة أقسام: الأول: الحديث القدسي: هو ما نُقِلَ إلينا عن النبي صلي الله عليه وسلم مع إسناده إياه إلى ربه عز وجل، يقول فيه الراوي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل، ونحو ذلك. الثاني: الحديث المرفوع: هو ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول، أو فعل، أو تقرير، أو صفة. الثالث: الحديث الموقوف: هو ما أضيف إلى الصحابي من قول، أو فعل، أو تقرير، أو صفة: يعني هو القول أو الفعل الذي يصدر عن الصحابي وليس عن النبي صلى الله عليه وسلم. مثاله قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (أحبب حبيبك هونا ما، عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما، عسى أن يكون حبيبك يوما ما) رواه البخاري في "الأدب المفرد" (447) . قال الخطيب البغدادي: " الموقوف: ما أسنده الراوي إلى الصحابي ولم يتجاوزه " انتهى. وزاد الحاكم شرط الاتصال وعدم الانقطاع، فقال رحمه الله: " أن يروى الحديث إلى الصحابي، من غير إرسال ولا إعضال، فإذا بلغ الصحابي قال: إنه كان يقول كذا وكذا، وكان يفعل كذا وكذا، وكان يأمر كذا وكذا " انتهى. قد يستعمل مصطلح " الوقف " فيما جاء عن غير الصحابة، لكن مقيداً، فيقال مثلا: " هذا حديث وقفه فلان على الزهري، أو على عطاء، ونحو ذلك، وكل منهما من التابعين أو أتباعهم. الرابع: الحديث المقطوع: وهو ما أضيف إلى التابعي من قول، أو فعل، أو تقرير، أو صفة. ويسمى: (الأثر) كذلك. مثاله: قول مسروق بن الأجدع: (كفى بالمرء علماً أن يخشى الله، وكفى بالمرء جهلاً أن يعجب بعلمه) . قال ابن الصلاح رحمه الله: " وجدت التعبير بالمقطوع عن المنقطع غير الموصول في كلام (الإمام الشافعي) و (أبي القاسم الطبراني) وغيرهما " انتهى. "مقدمة ابن الصلاح في علوم الحديث" (ص/28) . ومن الكتب التي تكثر فيها الآثار الموقوفة والمقطوعة: كتاب " المصنف " لابن أبي شيبة، وكتاب " المصنف " لعبد الرزاق الصنعاني، وكتاب " جامع البيان في تأويل آي القرآن " للإمام الطبري، وكتب ابن المنذر، وغيرها كثير. وللتوسع في تقسيم الأحاديث على اختلاف الاعتبارات يمكن مراجعة: "نخبة الفكر" للحافظ ابن حجر (ص/21) ، وانظر فوائد أخرى في: "فتح المغيث" للسخاوي (1/108-112) ، " تحرير علوم الحديث " للدكتور عبد الله الجديع (1/25 فما بعدها) ، " تيسير مصطلح الحديث " للدكتور محمود الطحان (ص/67) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121290 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 183 حديث: (إذا رأيتم الرجل يتعاهد المسجد فاشهدوا له بالإيمان) لا يصح [السُّؤَالُ] ـ[ما صحة هذا الحديث: (من رأيتموه يرتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَتَعَاهَدُ الْمَسْجِدَ فَاشْهَدُوا لَهُ بِالإِيمَانِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ) الآيَةَ) رواه الترمذي (2617) ، وأحمد في مسنده (27325) ، وغيرهما، جميعهم من طريق دراج أبي السمح، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد به. وهذا إسناد ضعيف، علَّتُه: دراج بن سمعان أبو السمح القرشي: قال الدارقطني: ضعيف. وخص الإمام أحمد وأبو داود تضعيفه في الأحاديث التي يرويها عن أبي الهيثم، كما في هذا الحديث. انظر "تهذيب التهذيب" (3/209) . ولذلك قال الترمذي عقب روايته الحديث: غريب حسن، وقال في الموضع الثاني: حسن غريب. وقال العلامة علاء الدين مغلطاي: " هذا حديث ضعيف الإسناد " انتهى. "شرح سنن ابن ماجه" (1/1345) . ولما صحح الحاكم الحديث في "المستدرك" تعقبه الذهبي بقوله: " دراج كثير المناكير " انتهى. قال الشيخ الألباني رحمه الله: " ليس بصحيح ولا حسن الإسناد؛ لأنه من طريق دراج أبي السمح عن أي الهيثم عن أبي سعيد، ودراج هذا قال الحافظ في " التقريب ": " صدوق في حديثه عن أبي الهيثم ضعف " ولذلك تعقب الذهبيُّ الحاكمَ بقوله: " قلت: درَّاج كثير المناكير " " انتهى. "تمام المنة" (ص/291) . وجاء تضعيفه أيضا في فتوى للجنة الدائمة (4/444) ، وضعفه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "شرح رياض الصالحين"، وسبق نشر ذلك في موقعنا في جواب السؤال رقم: (34593) ، وقد أشار الحافظ ابن رجب إلى أن متن الحديث فيه ما ينكر أيضا، لأنه لا يشهد لأحد بالإيمان، وإنما يشهد بالإسلام، لأن الإسلام وصف الظاهر، وأما الإيمان فهو وصف الباطن. كما في حديث سعد بن أبي وقاص رضى الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْطَى رَهْطًا وَسَعْدٌ جَالِسٌ، فَتَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً هُوَ أَعْجَبُهُمْ إِلَيَّ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا لَكَ عَنْ فُلاَنٍ، فَوَاللَّهِ إِنِّي لأَرَاهُ مُؤْمِنًا. فَقَالَ: أَوْ مُسْلِمًا فَسَكَتُّ قَلِيلاً، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ مِنْهُ، فَعُدْتُ لِمَقَالَتِي، فَقُلْتُ: مَا لَكَ عَنْ فُلاَنٍ، فَوَاللَّهِ إِنِّي لأَرَاهُ مُؤْمِنًا. فَقَالَ: أَوْ مُسْلِمًا. ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ مِنْهُ، فَعُدْتُ لِمَقَالَتِي، وَعَادَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ: يَا سَعْدُ! ، إِنِّي لأُعْطِي الرَّجُلَ وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ خَشْيَةَ أَنْ يَكُبَّهُ اللَّهُ فِي النَّارِ) رواه البخاري (27) ومسلم (150) . يقول الحافظ ابن رجب رحمه الله: " والظاهر - والله أعلم - أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر سعدا عن الشهادة بالإيمان؛ لأن الإيمان باطن في القلب، لا اطلاع للعبد عليه، فالشهادة به شهادة على ظن، فلا ينبغي الجزم بذلك، كما قال: " إن كنت مادحا لا محالة فقل: أحسب فلانا كذا، ولا أزكي على الله أحدا ". وأمره أن يشهد بالإسلام لأنه أمر مطلع عليه، كما في " المسند " عن أنس مرفوعا: " الإسلام علانية، والإيمان في القلب ". – قال الشيخ الألباني: منكر. "السلسلة الضعيفة" (6906) - ولهذا كره أكثر السلف أن يطلق الإنسان على نفسه أنه مؤمن، وقالوا: هو صفة مدح، وتزكية للنفس بما غاب من أعمالها، وإنما يشهد لنفسه بالإسلام لظهوره. فأما حديث: (إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان) : فقد خرجه أحمد، والترمذي، وابن ماجه، من حديث دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد مرفوعا. وقال أحمد: هو حديث منكر، ودراج له مناكير " انتهى. "فتح الباري" (1/122) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120910 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 184 هل هناك أحاديث نبوية تخبر عن هدم المسجد الأقصى؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك أحاديث نبوية عن هدم المسجد الأقصى من قبل اليهود؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لم نقف في السنة النبوية على خبر يشير إلى تعرض المسجد الأقصى للهدم في آخر الزمان، مع أن الأحاديث الواردة في أبواب الفتن، والملاحم، وأشراط الساعة، وحوادث آخر الزمان كثيرة، ولكن ليس في أي منها إشارة إلى ذلك. والواجب على المسلمين حماية المسجد الأقصى من اعتداء اليهود الغاصبين، الذين أفسدوا في الأرض وأكثروا فيها الفساد، ونال اعتداؤهم الإنسان والحيوان والشجر والحجر. نسأل الله تعالى أن يرد المسجد الأقصى المبارك إلى حوزة المسلمين. وقد أشار بعض الناس إلى أن حديث مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: (عُمْرَانُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ خَرَابُ يَثْرِبَ وَخَرَابُ يَثْرِبَ خُرُوجُ الْمَلْحَمَةِ وَخُرُوجُ الْمَلْحَمَةِ فَتْحُ قُسْطَنْطِينِيَّةَ وَفَتْحُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ خُرُوجُ الدَّجَّالِ ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى فَخِذِ الَّذِي حَدَّثَهُ أَوْ مَنْكِبِهِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ هَذَا لَحَقٌّ كَمَا أَنَّكَ هَاهُنَا أَوْ كَمَا أَنَّكَ قَاعِدٌ يَعْنِي مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ) رواه أبو داود (4294) . أشاروا إلى أن في هذا الحديث تعلقا بموضوع هدم المسجد الأقصى. ولكن الصواب أنه ليس فيه إشارة لذلك من قريب أو من بعيد، وذلك أن: 1- الحديث مختلَف في صحته أصلا، ضعفه بعض أهل العلم بسبب عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، وهو ضعيف، وقد عدَّ الذهبي هذا الحديث من منكراته، كما في " ميزان الاعتدال " (4 / 265) ، وضعفه محققو مسند أحمد (36/352) ، وحسنه الحافظ ابن كثير والشيخ الألباني. 2- أن المقصود من قوله صلى الله عليه وسلم: (عمران بيت المقدس) المدينة التي تسمى اليوم " القدس "، وليس المقصود خصوص المسجد الأقصى، بدليل أنه قابل هذه المدينة " بيت المقدس " بالمدينة المنورة " يثرب "، وهذا لا يلزم منه بالضرورة الحديث عن المسجد الأقصى بالخصوص. 3- كما يمكن فهم الحديث على وجهين: أن بيت المقدس تخرب ثم تعمر، ويمكن فهمه على أن عمران بيت المقدس المقصود به كمال العمارة، وإلا فإن بيت المقدس لا تخرب. جاء في كتاب "عون المعبود شرح سنن أبي داود" (11/270) : " قال الأردبيلي في " الأزهار ": قال بعض الشارحين: المراد بـ " عمران بيت المقدس ": عمرانه بعد خرابه، فإنه يخرب في آخر الزمان، ثم يعمره الكفار. والأصح: أن المراد بالعمران الكمال في العمارة، أي عمران بيت المقدس كاملا، مجاوزا عن الحد وقت خراب يثرب، فإن بيت المقدس لا يخرب. قال القاري - نقلا عن الأشرف -: لما كان بيت المقدس باستيلاء الكفار عليه، وكثرة عمارتهم، فيه أمارة مستعقبة بخراب يثرب، وهو أمارة مستعقبة بخروج الملحمة، وهو أمارة مستعقبة بفتح قسطنطينية، وهو أمارة مستعقبة بخروج الدجال جعل النبي صلى الله عليه وسلم كل واحد عين ما بعده وعبر به عنه " انتهى. ولا ينبغي أن يفهم من كلامنا هذا أن المسجد الأقصى يستحيل هدمه أو استيلاء اليهود عليه، فإن هذا لم يرد في النصوص أيضاً، وقد استولى النصارى عليه زمناً طويلاً ثم استنقذه المسلمون من أيديهم. قال الدكتور عبد العزيز مصطفى كامل حفظه الله: " ليس بين أيدينا نص معصوم يدل على أن هدم المسجد الأقصى ممتنع قدرا، وليس شرطا أن ترد أحاديث الفتن بكل ما يقع، فكثير من الحوادث الجسام وقعت دون أن تذكر آية أو ترد في حديث، وبعضها أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن حفظ ذلك من حفظه ونسيه من نسيه. إن الكعبة نفسها قد هدمت من قبل – في زمن الحجاج – دون أن يكون لذلك ذكر في محكم آية أو نص حديث، والحجر الأسود قد نزع من الكعبة – في زمن القرامطة – ونقل إلى البحرين ليظل هناك سنين عددا قبل أن يعاد، ولم تأت الإشارة إلى ذلك في كتاب ولا سنة، إذن فليس لأحد أن يحتج بعدم الورود على عدم الوقوع، لأن الأمر قد يسطر في القدر، ولا يذكر في الكتب. والذي يحكم الأمور عند ذلك هو قانون الأسباب والمسببات الذي يجري به قدر الله بما يشاء وقوعه. وعلى حسب مجريات الأمور المشاهدة، فإنها شاهدة بدأب اليهود والنصارى وأخذهم بكل الأسباب المادية، في الوقت الذي يريد المسلمون فيه أن يعطلوا قانون الأسباب، وفي ظل ذلك لا نظن أن سنن الله تعالى ستحابي أحدا، فماذا يفعل المسلمون في العالم كله وهم يبلغون عدديا مليارا وربع المليار؟ ماذا فعلوا عبر ما يزيد على ثلاثين عاما لكي يستنقذوا مقدساتهم من عصابة الملايين الأربعة التي زرعت بينهم ثم فرضت وجودها عليهم؟ إن قدر الأسباب لن يحابينا ونحن نجافيه، إلا إن أراد الله أمرا، فقدر بسببه شأنا إلهيا محضا ينقذ المسجد ويعطل أسباب الكيد ضده، كما رد الله كيد أصحاب الفيل لهدم الكعبة قبل الإسلام ... ولكن المشكلة أن هذا أيضا أمر لم يأت به خبر معصوم فيتكئ عليه المتكئون. ماذا لو هدم الأقصى؟ أتصور أن فئاما من الناس سيفتنون لو وقع الحدث، وسيقولون، كيف هذا والمسجد الأقصى قد نزل بشأنه القرآن، وتواترت بفضله الأحاديث، كيف يهدم، وكيف يتحول إلى معبد يهودي؟ وينبغي أن يقال لهؤلاء: إن المسجد الأقصى قد مرت عليه السنون في مرحلة من التاريخ وصلبان النصارى مرفوعة فوق مآذنه، أيام كان الاحتلال الصليبي، وقد كان مسجدا إذ ذاك ولم تنتف عنه صفته الشرعية، ولا خصوصياته المسجدية، والذي أصابه لم يتعد التلوث بأوضار التثليث، ثم عاد لأهل التوحيد عزيزا مطهرا، لما عادوا إلى نصرة التوحيد. فلا بد أن يعلم أن أرض المسجد مقدسة، ولها أحكامها الشرعية من حيث مضاعفة أجور الصلوات فيها، واستحباب شد الرحال إليها، سواء أكان البناء موجودا أو غير موجود، فالساحة نفسها سميت مسجدا وقت تنزل القرآن بآيات الإسراء، ولم يكن ثمة مسجد مقام. إن المكان أخذ حكم المسجد قبل أن يبنى مسجدا في الإسلام، وصلى فيه إمام الأنبياء صلى الله عليه وسلم بأولي العزم من الأنبياء في أرض فضاء ... فحقائق التاريخ وقصص الأنبياء تدل على أن المسجد الأقصى لم يبن مرة أخرى بعد هدمه الثاني بعيد زمان عيسى عليه السلام حتى جاء محمد عليه الصلاة والسلام ولما تم الفتح، جاء أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ومعه كعب الأحبار رضي الله عنهما ليدله على موضع مصلى داود عليه السلام، ثم بنى هناك مسجدا متواضعا من خشب، فلما جاء عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك أعاد بناءه على الهيئة التي هو عليها الآن، وقد حافظ المسلمون على مر العصور على هذه الأمانة، حتى جاء عصر تضييع الأمانة الذي نعيشه، فوقع المسجد في الأسر، وها هو يتهدد بالهدم. وهنا أمر تنبغي الإشارة إليه، وهو ما ورد في الحديث الصحيح بشأن منع الدجال من دخول مساجد أربعة، منها المسجد الأقصى، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: (وعلامته: يمكث في الأرض أربعين صباحا، يبلغ سلطانه كل منهل، لا يأتي أربعة مساجد: الكعبة، ومسجد الرسول، والمسجد الأقصى، والطور " – رواه أحمد في "المسند" (5/364) وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (13/112) -. وهذا يحتمل أن يظل المسجد كما هو، بحفظ الله وحده، أو أنه سيعاد كما كان – إذا أصابه مكروه – لا قدر الله – أو أن المراد بالمسجد أرض المسجد كما في آية الإسراء " انتهى. "حمى سنة 2000م" (ص/64-67) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120890 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 185 حديث (أبغض الحلال إلى الله الطلاق) [السُّؤَالُ] ـ[ما هو مصدر (أبغض الحلال عند الله الطلاق) حديث أم ماذا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث مداره على الراوي الثقة: " معرف بن واصل "، عن الإمام الثقة " محارب بن دثار "، المتوفى سنة (116هـ) ، وهو من طبقة التابعين، ولكن جاء عن " معرف " على وجهين: الأول: مسندا متصلا عن معرف بن واصل، عن محارب، عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم. رواه محمد بن خالد الوهبي عن معرف، هكذا، مسندا، كما عند أبي داود (2178) ، ومن طريقه البيهقي في " السنن الكبرى" (7/322) ، وابن عدي في "الكامل" (6/2453) . الثاني: مرسلاً عن معرف بن واصل، عن محارب بن دثار، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بدون ذكر ابن عمر. رواه هكذا أحمد بن يونس، ويحيى بن بكير، ووكيع بن الجراح. كما عند أبي داود في "السنن" (2177) ، والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/322) ، وابن أبي شيبة في "المصنف" (5/253) ، وذكره السخاوي في "المقاصد الحسنة" (11) ، والدارقطني في "العلل" (13/225) . ولمَّا رأى المحدِّثون أنَّ مَن رواه مرسلا أوثق وأكثر ممَّن رواه مسندا متصلا رجحوا الإرسال، والمرسل من أقسام الحديث الضعيف، ونصوا على أن من رواه متصلا عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أخطأ ووهم. قال ابن أبي حاتم: " قال أبي: إنما هو محارب، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا " انتهى. "العلل" (1/431) وقال الدارقطني رحمه الله: " والمرسل أشبه " انتهى. "العلل" (13/225) . وقال البيهقي رحمه الله: " هو مرسل، وفي رواية ابن أبي شيبة عن عبد الله بن عمر موصولا، ولا أراه حفظه " انتهى. "السنن الكبرى" (7/322) وقال ابن عبد الهادي رحمه الله عن الإرسال: " وهو أشبه " انتهى. "المحرر في الحديث" (1/567) . ورجح السخاوي في "المقاصد الحسنة" (ص/11) الإرسال، وقال: " وصنيع أبي داود مشعر به فإنه قدم الرواية المرسلة " انتهى. وقال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في "عمدة التفسير" (1/583) : "في صحته نظر كثير" انتهى. وقال الألباني في "إرواء الغليل" (2040) : "وجملة القول: أن الحديث رواه عن معرف بن واصل أربعة من الثقات، وهم: محمد بن خالد الواهبي، وأحمد بن يونس، ووكيع بن الجراح، ويحيى ابن بكير. وقد اختلفوا عليه، فالأول منهم رواه عنه عن محارب بن دثار عن ابن عمر مرفوعاً وقال الآخرون: عنه عن محارب مرسلاً. ولا يشك عالم بالحديث أن رواية هؤلاء أرجح، لأنهم أكثر عدداً، وأتقن حفظاً، فإنهم جميعاً ممن احتج به الشيخان في "صحيحيهما"، فلا جرم أن رجح الإرسال ابن أبي حاتم عن أبيه، وكذلك رجحه الدارقطني في "العلل" والبيهقي كما قال الحافظ في "التلخيص" (3/205) وقال الخطابي وتبعه المنذري في "مختصر السنن" (3/92) : "والمشهور فيه المرسل" انتهى. وللحديث شاهد عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، رواه الدارقطني في "السنن" (4/ 35) ، وابن عدي في "الكامل" (2/ 694) بلفظ: (ما أحل الله شيئا أبغض إليه من الطلاق) ، وله ألفاظ أخرى، ولكن إسناده ضعيف جدا لا يصلح للاستشهاد به. غير أن الحديث مع ترجيح عدم ثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن معناه صحيح. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أبغض الحلال إلى الله الطلاق) وهذا الحديث ليس بصحيح، لكنَّ معناه صحيح، أن الله تعالى يكره الطلاق، ولكنه لم يحرمه على عباده للتوسعة لهم، فإذا كان هناك سبب شرعي أو عادي للطلاق صار ذلك جائزاً، وعلى حسب ما يؤدي إليه إبقاء المرأة، إن كان إبقاء المرأة يؤدي إلى محظور شرعي لا يتمكن رفعه إلا بطلاقها فإنه يطلقها، كما لو كانت المرأة ناقصة الدين، أو ناقصة العفة، وعجز عن إصلاحها، فهنا نقول: الأفضل أن تطلق، أما بدون سبب شرعي، أو سبب عادي، فإن الأفضل ألا يطلق، بل إن الطلاق حينئذٍ مكروه " انتهى. "لقاءات الباب المفتوح" (لقاء رقم 55، سؤال رقم 3) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120761 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 186 هل في البخاري ومسلم أحاديث من رواية الرافضة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك حديث في البخاري أو مسلم رواه شخص رافضي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن كان المقصود بالرافضي من يكفر الشيخين أبا بكر وعمر رضي الله عنهما ويتبرأ منهما، ويعتقد عقائد الكفر الموجودة في كثير من كتب الرافضة الاثني عشرية، فمثل هذا لا تقبل روايته ولا يعتد بها وليس له في الصحيحين رواية قطعاً. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " التشيع في عرف المتقدمين هو اعتقاد تفضيل علي على عثمان، وأن عليا كان مصيبا في حروبه، وأن مخالفه مخطئ، مع تقديم الشيخين وتفضيلهما، وربما اعتقد بعضهم أن عليا أفضل الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا كان معتقد ذلك ورعا دينا صادقا مجتهدا فلا ترد روايته بهذا، لا سيما إن كان غير داعية. وأما التشيع في عرف المتأخرين فهو الرفض المحض، فلا تقبل رواية الرافضي الغالي ولا كرامة " انتهى. "تهذيب التهذيب" (1/81) . وقال الإمام الذهبي رحمه الله: " البدعة على ضربين: فبدعة صغرى: كغلو التشيع، أو كالتشيع بلا غلو ولا تحرف، فهذا كثير في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق، فلو رد حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية، وهذه مفسدة بينة. ثم بدعة كبرى، كالرفض الكامل والغلو فيه، والحط على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، والدعاء إلى ذلك، فهذا النوع لا يحتج بهم ولا كرامة. وأيضا فما أستحضر الآن في هذا الضرب رجلا صادقا ولا مأمونا، بل الكذب شعارهم، والتقية والنفاق دثارهم، فكيف يقبل نقل من هذا حاله! حاشا وكلا. فالشيعي الغالي في زمان السلف وعرفهم هو مَن تَكَلَّم في عثمان والزبير وطلحة ومعاوية وطائفة ممن حارب عليا رضى الله عنه، وتعرض لسبهم. والغالي في زماننا وعرفنا هو الذي يكفر هؤلاء السادة، ويتبرأ من الشيخين أيضا، فهذا ضال معثَّر " انتهى. "ميزان الاعتدال" (1/5-6) . أما إذا كان المقصود الرواة الشيعة الذين قدموا علي بن أبي طالب على عثمان، أو على الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهم أجمعين، من غير سب لهما، ولا تبرؤ منهما، ومن غير اعتقاد عقائد الكفر التي تنص عليها كثير من كتب الشيعة الاثني عشرية، فمثل هؤلاء لهم أحاديث في الصحيحين وفي غيرهما، يقَبلُ المحدِّثُون حديثَهم إذا عُرفوا بالصدق والحفظ والأمانة، وقد جمع الحافظ ابن حجر في " هدي الساري " أسماء جميع من وُسِموا بالتشيع من رواة البخاري، كما كتب جماعة من المعاصرين عن منهج صاحبي الصحيحين في التعامل مع الرواة الشيعة، ومن تلك المراجع: 1- " منهج الإمام البخاري في الرواية عن المبتدعة من خلال الجامع الصحيح: الشيعة أنموذجا " كريمة سوداني، مكتبة الرشد، الرياض. 2- " منهج الإمامين البخاري ومسلم في الرواية عن رجال الشيعة في صحيحيهما " محمد خليفة الشرع، جامعة آل البيت، 2000م. 3- " دراسات في منهج النقد عن المحدثين " محمد العمري، دار النفائس، عمان، 2000م، فيه مبحث عن: البخاري والرواية عن أهل الابتداع، ص105 – 109. 4- " منهج النقد عند المحدثين " أكرم العمري، ص39. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120667 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 187 التعليق على دعاء " الجوشن الكبير " عند الرافضة [السُّؤَالُ] ـ[قرأت دعاء " الجوشن الكبير "، وبصراحة: أريد أن أتأكد هل هو من أدعية الرافضة؟ وما صحة الحديث الذي ورد في مقدمة الدعاء؟ وهل يجوز الدعاء به؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، هذا الدعاء وارد في كتب الرافضة المبنية على الجهل، والكذب، والخرافة، وهو وارد عندهم في كتبهم بسند مختلق مكذوب - عَنِ السّجاد عن أبيه عَنْ جدّه عن النبيّ صلّى الله علَيهِ – ويزعمون أنه " قد هبط به جبريل على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وهُو في بعْضِ غزواته وَعَلَيْهِ جَوشن – أي: درع - ثقيل، فقال: يا محمّد، ربّك يقرئك السّلام ويقوُل لكَ: اخلع هذا الجوشَنْ، واقرأ هذا الدّعاء؛ فهو أمان لكَ، ولأمّتك ". وزعموا: أنه " مَنْ كتبه على كفنه: استحى الله أن يُعذّبه بالنّار، ومَنْ دعا به بنيّة خالِصة في أوّل شهر رَمضان: رزقه الله تعالى ليلة القدر، وَخلق له سَبعين ألف ملك يسبّحون الله، وَيُقدّسونه، وَجَعَلَ ثوابهم له، وَمَن دعا به في شهر رمضان ثلاث مرّات: حرّم الله تعالى جَسده على النّار، وأوجب له الجَنّة، ووكّل الله تعالى به مَلَكين يحفظانه مِن المعاصي، وَكانَ في أمان الله طول حَياته ". وزعموا في آخر المطاف: " أنه قال الحُسين عليه السلام: أوصاني أبي عليّ بن أبي طالب عليه السلام بحفظ هذا الدّعاء، وتعظيمه، وأن أكتبه على كفنه، وأن أعلّمه أهلي، وأحثّهم عليه، وهُو ألف اسْم، وفيه الاسم الأعظم ". ونص أول الدعاء: " اَللهُمَّ اِنّي اَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ يا اَللهُ يا رَحْمنُ يا رَحيمُ يا كَريمُ يا مُقيمُ يا عَظيمُ يا قَديمُ يا عَليمُ يا حَليمُ يا حَكيمُ سُبْحانَكَ يا لا اِلهَ إلاّ اَنْتَ الْغَوْثَ الْغَوْثَ خَلِّصْنا مِنَ النّارِ يا رَبِّ. يا سَيِّدَ السّاداتِ يا مُجيبَ الدَّعَواتِ يا رافِعَ الدَّرَجاتِ يا وَلِيَّ الْحَسَناتِ يا غافِرَ الْخَطيئاتِ يا مُعْطِيَ الْمَسْأَلاتِ يا قابِلَ التَّوْباتِ يا سامِعَ الاَْصْواتِ يا عالِمَ الْخَفِيّاتِ يا دافِعَ الْبَلِيّاتِ ". ونص آخره: " يا حَليماً لا يَعْجَلُ يا جَواداً لا يَبْخَلُ يا صادِقاً لا يُخْلِفُ يا وَهّاباً لا يَمَلُّ يا قاهِراً لا يُغْلَبُ يا عَظيماً لا يُوصَفُ يا عَدْلاً لا يَحيفُ يا غَنِيّاً لا يَفْتَقِرُ يا كَبيراً لا يَصْغُرُ يا حافِظاً لا يَغْفُلُ سُبْحانَكَ يا لا اِلهَ إلاّ اَنْتَ الْغَوْثَ الْغَوْثَ خَلِّصْنا مِنَ النّارِ يا رَبِّ ". ولا يشك كل من شمَّ رائحة علم الحديث أن هذا الدعاء مختلق مكذوب على نبينا صلى الله عليه وسلم، وأن ما فيه من فضائل فإنما هي من وضع الكذَّابين، وليس هذا بغريب على الرافضة، فهم أجهل الطوائف المنتسبة للإسلام وأكذبها. قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: فإنَّك لا تجد في طوائف أهل القبلة أعظم جهلا من الرافضة، ولا أكثر حرصاً على الدنيا، وقد تدبرتهم، فوجدتهم لا يضيفون إلى الصحابة عيباً إلا وهم أعظم الناس اتصافا به، والصحابة أبعد الناس عنه، فهم أكذب الناس بلا ريب، كمسيلمة الكذاب إذ قال " أنا نبي صادق، ومحمد كذاب "! ، ولهذا يصفون أنفسهم بالإيمان، ويصفون الصحابة بالنفاق، وهم أعظم الطوائف نفاقاً، والصحابة أعظم الخلق إيماناً. " منهاج السنة النبوية " (2 / 87) . وهذا الدعاء المكذوب فهو أبعد ما يكون نسبةً لهذا الدين العظيم، وفيما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم وسنه من الأدعية والأذكار من الغنى والكفاية ما عجز المرء عن القيام به كله، والوفاء بحقه. ثم إن فيها من جوامع الكلم، والنور، والبهاء، والبلاغة، ما يُعرف أنه من دين الإسلام، فهي بعيدة عن الطول، والسجع المتكلف، والفضائل المبالغ بها، يعرف ذلك كل من وقف عليها، وتأمل معانيها. عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَحِبُّ الْجَوَامِعَ مِنَ الدُّعَاءِ، وَيَدَعُ مَا سِوَى ذَلِكَ. رواه أبو داود (1482) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ". قال بدر الدين العيني – رحمه الله -: قوله: " يستحب الجوامع من الدعاء " أي: التي تجمعُ الأغراض الصالحة، والمقاصد الصحيحة، أو تجمعُ الثناء على الله تعالى، وآداب المسألة. قوله: " ويدع ما سوى ذلك " أراد به: الأدعية المطولة، والتي لا تجمعُ الأغراض الصحيحة. " شرح سنن أبي داود " للعيني (5 / 397، 398) . وفي " عون المعبود " (4 / 249) : أي: الجامعة لخير الدنيا والآخرة، وهي ما كان لفظه قليلاً، ومعناه كثيراً، كما في قوله تعالى (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) ، ومثل الدعاء بالعافية في الدنيا والآخرة. انتهى والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120050 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 188 حديث (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا) حديثُ ضعيف الإسناد صحيح المعنى [السُّؤَالُ] ـ[ (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب) ]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: روي هذا الحديث عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) رواه أبو داود (1518) وابن ماجه (3819) ، وأحمد في "المسند" (1/248) ، والطبراني في "المعجم الأوسط" (6/240) ، والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/351) ، وغيرهم. جميعهم من طريق الحكم بن مصعب، ثنا محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، أنه حدثه عن ابن عباس به. وهذا السند ضعيف بسبب الحكم بن مصعب، لم يوثقه أحد، إنما قال فيه أبو حاتم: هو شيخ للوليد بن مسلم، لا أعلم روى عنه أحد غيره، وحكم عليه كل من الذهبي وابن حجر بالجهالة، بل ذكره ابن حبان في "الثقات" (6/187) ، وقال: يخطئ، وذكره في "المجروحين" (1/249) ، وقال: ينفرد بالأشياء التي لا ينكر نفي صحتها من عني بهذا الشأن، لا يحل الاحتجاج به، ولا الرواية عنه إلا على سبيل الاعتبار. لذلك ضعفه البغوي في "شرح السنة" (3/100) ، والذهبي في "المهذب" (3/1278) وفي تعقبه على الحاكم في المستدرك، والألباني في "السلسلة الضعيفة" (رقم/705) . ثانيا: ورغم ضعف الحديث، فإن معناه مقبول له ما يشهد له من الأدلة الصحيحة، فقد قال الله تعالى في فضل الاستغفار: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا. يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا. وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) نوح/10-12. ويقول سبحانه وتعالى: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِير) هود/3. ولذلك ذكر العلامة ابن القيم في كتابه "الوابل الصيب" في الفصل الثامن عشر: الاستغفار، ضمن الأذكار الجالبة للرزق، الدافعة للضيق والأذى. وهو على كل حال من تقوى الله عز وجل، التي هي سبب كل خير يصيب المتقين. يقول الله سبحانه: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) الطلاق/2-3 قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " الحديث المذكور رواه أبو داود وابن ماجه، وهذا ضعيف؛ لأن في إسناده الحكم بن مصعب وهو مجهول. ولكن الأدلة الكثيرة من الآيات والأحاديث تدل على فضل الاستغفار والترغيب فيه، مثل قول الله سبحانه: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) الآية من سورة هود، وقوله سبحانه في آخر المزمل: (وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) والله ولي التوفيق " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (26/90) . وقال أيضا رحمه الله: " على كل حال فالحديث المذكور يصلح ذكره في الترغيب والترهيب؛ لكثرة شواهده الدالة على فضل الاستغفار، ولأن أكثر أئمة الحديث قد سهلوا في رواية الضعيف في باب الترغيب والترهيب، لكن يُروى بصيغة التمريض كـ " يُروى "، و " يُذكر "، ونحوهما، لا بصيغة الجزم، قال الحافظ العراقي في ألفيته، رحمه الله: وإن ترد نقلا لواه أو لما ... يشك فيه لا بإسنادهما فأت بتمريض كيروى واجزم ... بنقل ما صح كقال فاعلم وسهلوا في غير موضوع رووا ... من غير تبيين لضعف ورأوا بيانه في الحكم والعقائد ... عن ابن مهدي وغير واحد " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (26/259) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " هذا الحديث ضعيف، ولكن معناه صحيح؛ لأن الله تعالى قال: (وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) ، وقال تعالى عن هود: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ) ، ولا شك أن الاستغفار سبب لمحو الذنوب، وإذا محيت الذنوب تخلفت آثارها المرتبة عليها، وحينئذٍ يحصل للإنسان الرزق والفرج من كل كرب، ومن كل هم، فالحديث ضعيف السند، لكنه صحيح المعنى " انتهى. "فتاوى نور على الدرب" (شروح الحديث والحكم عليها) (شريط 238، وجه أ) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 119743 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 189 حديث (إذا قرعت الكؤوس حرم ما فيها) لا أصل له [السُّؤَالُ] ـ[ما صحة: (إذا قرعت الكؤوس حرم ما فيها) فهل هذا حديث أم لا؟ ، وإذا كان حديثاً فهل هو صحيح؟ وما حكم قرع الكؤوس ببعضها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: أما ما يروى من حديث فيه النهي عن قرع الكؤوس، فمما لا أصل له في السنة النبوية، بل لم يرد له ذكر في كتب الموضوعات حتى، فيبدو أنه متأخر الوضع والانتشار بين الناس. وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن حديث: (ما تقارع كأسان إلا حرم ما فيهما) فأجاب: " ليس له أصل " انتهى. وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: هل هذا القول حديث: (إذا قرع الكأس بالكأس حرم ما فيه) ، وما درجة صحته إن كان حديثا؟ فأجاب بقوله: " لا يصح، لا يصح " انتهى. http://alfawzan.ws/AlFawzan/FatwaaTree/tabid/84/Default.aspx?View=Page&NodeID;=19879&PageID;=9582 ثانيا: أما حكم قرع الكؤوس عند الشرب فهو المنع والتحريم؛ لما فيه من تشبه ظاهر بعادات شراب الخمور الذين يتخذون بعض المظاهر عادات لهم في وقوعهم في المعصية. يقول الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله: " لو اجتمع جماعة، وزينوا مجلسا، وأحضروا آلات الشرب وأقداحه، وصبوا فيها السكنجبين، ونصبوا ساقيا يدور عليهم ويسقيهم، فيأخذون من الساقي ويشربون، ويحيى بعضهم بعضا بكلماتهم المعتادة بينهم، حَرُمَ ذلك عليهم وإن كان المشروب مباحا في نفسه؛ لأن في هذا تشبها بأهل الفساد " انتهى. "إحياء علوم الدين" (2/272) . السكنجبين: شراب مركب من حامض وحلو، كذا في "المعجم الوسيط" (1/440) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 119530 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 190 هل في البخاري ومسلم أحاديث ضعيفة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل كل أحاديث صحيح البخاري ومسلم صحيحة؟ سمعت بأن هناك أحاديث ضعيفة فيهما، ما هي بعض الأمثلة؟ أرجو من فضيلتك أن توضح لي هذه المشكلة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فقد اتفق أهل العلم على أن الصحيحين أصح كتابين بعد كتاب الله تعالى، ولهما من المنزلة الرفيعة، والمكانة العالية، في قلوب المسلمين، خاصهم وعامهم، عالمهم وجاهلهم، ما هو معلوم. كما اتفق جمهورهم على أن صحيح البخاري أصح من صحيح مسلم، من حيث الصناعة الحديثية. قال أبو عمرو بن الصلاح: " وكتاباهما أصح الكتب بعد كتاب الله العزيز " "مقدمة ابن الصلاح" (ص10) قال النووي: " باتفاق العلماء " "النكت على مقدمة ابن الصلاح" (ص163) وقال الحافظ في "مقدمة الفتح" (ص8) : " اقتضى كلام ابن الصلاح أن العلماء متفقون على القول بأفضلية البخاري في الصحة على كتاب مسلم، إلا ما حكاه عن أبي على النيسابوري: ما تحت أديم السماء كتاب أصح من كتاب مسلم. وعن بعض شيوخ المغاربة: أن كتاب مسلم أفضل من كتاب البخاري، من غير تعرض للصحة " انتهى بتصرف يسير. وعلى ذلك، فلا بد أن تبقى هذه المنزلة لهما من الإجلال والإعظام والتقدير كما هي في قلوب الناس، ولا يجوز بحال السعي وراء التشكيك، أو إثارة الشبه بأحاديثهما. فإن هذه المراجع الأساسية ذات الثوابت، والتي عليها اعتماد أهل العلم في معرفة الأحكام الشرعية، لا يجوز الطعن فيها، ولا المساس بها، بما يخدش مصداقيتها في قلوب الناس، عالمهم وجاهلهم. وإنما يتكلم عن هذه المسائل كبار أهل الاختصاص من المحدثين والحفاظ، وليس لغيرهم الخوض فيها بما يزعزع الثوابت، ويشكك في الأصول، ويثير الفتن. هذا من ناحية العموم والإجمال. أما من ناحية التحرير والتفصيل: فما اتفق عليه الشيخان لا سبيل إلى القول بضعف شيء منه، لاتفاق الأمة على تلقي ما اتفقا عليه بالقبول. قال شيخ الإسلام: " لا يتفقان على حديث إلا ويكون صحيحا لا ريب فيه، قد اتفق أهل العلم على صحته " انتهى. "مجموع الفتاوى" (18/20) وما عدا ذلك، فقد تكلم على بعض منه بعض الحفاظ، وغالب ما في البخاري منه سالم من التضعيف عند التحقيق. وما عدا ما تُكُلم فيه، فقد وقع اتفاق الأمة على صحته. قال أبو عمرو بن الصلاح: " ما انفرد به البخاري أو مسلم مندرج في قبيل ما يقطع بصحته، لتلقي الأمة كل واحد من كتابيهما بالقبول، على الوجه الذي فصلناه من حالهما فيما سبق، سوى أحرف يسيرة تكلم عليها بعض أهل النقد من الحفاظ كالدارقطني وغيره، وهي معروفة عند أهل هذا الشأن " انتهى. "مقدمة ابن الصلاح" (ص10) . ففي صحيح مسلم خاصة، جملة من الأحاديث، تكلم عليها بعض العلماء، بالتضعيف والإعلال، منهم أبو الحسن الدارقطني، وأبو علي النيسابوري، وأبو الفضل بن عمار، وأبو علي الغساني، وأبو الحسين العطار، وأبو مسعود الدشقي وأبو عبد الله الذهبي. وفي صحيح البخاري بعض ذلك، إلا أنه قليل جدا، وقد يسلم هذا القليل أيضا. انظر: "كتاب الإلزامات والتتبع" لأبي الحسن الدارقطني، "ميزان الاعتدال" (4/39-40) ، "مقدمة الفتح" (344) ، "شرح مسلم للنووي" (1/27) ، "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (1/142) (2/471-475) (5/218) . قال ابن الصلاح في مقدمة شرح مسلم له: " ما أخذ عليهما - يعني على البخاري ومسلم - وقدح فيه معتمد من الحفاظ فهو مستثنى مما ذكرناه لعدم الإجماع على تلقيه بالقبول " انتهى. قال الحافظ: " وهو احتراز حسن. واختلف كلام الشيخ محي الدين في هذه المواضع؛ فقال في مقدمة شرح مسلم ما نصه: " قد استدرك جماعة على البخاري ومسلم أحاديث أخلا فيها بشرطهما ونزلت عن درجة ما التزماه، وقد ألف الدارقطني في ذلك، ولأبي مسعود الدمشقي أيضا عليهما استدراك، ولأبي علي الغساني في جزء العلل من التقييد استدراك عليهما. وقد أجيب عن ذلك أو أكثره " وقال في مقدمة شرح البخاري: " قد استدرك الدارقطني على البخاري ومسلم أحاديث فطعن في بعضها، وذلك الطعن مبني على قواعد لبعض المحدثين ضعيفة جدا مخالفة لما عليه الجمهور من أهل الفقه والأصول وغيرهم فلا تغتر بذلك ". قال الحافظ: " وسيظهر من سياقها والبحث فيها على التفصيل أنها ليست كلها كذلك، وقوله في شرح مسلم: " وقد أجيب عن ذلك أو أكثره " هو الصواب " انتهى. "مقدمة الفتح" (ص344) . وقال شيخ الإسلام: " ومما قد يسمى صحيحا: ما يصححه بعض علماء الحديث وآخرون يخالفونهم في تصحيحه فيقولون: هو ضعيف ليس بصحيح، مثل ألفاظ رواها مسلم في صحيحه، ونازعه في صحتها غيره من أهل العلم، إما مثله أو دونه أو فوقه، فهذا لا يجزم بصدقه إلا بدليل، مثل ما روى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الكسوف ثلاث ركوعات وأربع ركوعات. انفرد بذلك عن البخاري، فإن هذا ضعفه حذاق أهل العلم وقالوا إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل الكسوف إلا مرة واحدة يوم مات ابنه إبراهيم. ومثله حديث مسلم: (إن الله خلق التربة يوم السبت، وخلق الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم يوم الجمعة) فإن هذا طعن فيه من هو أعلم من مسلم، مثل: يحيى بن معين ومثل البخاري وغيرهما. وذكر البخاري أن هذا من كلام كعب الأحبار. وطائفة اعتبرت صحته مثل أبى بكر ابن الأنبارى، وأبى الفرج ابن الجوزى وغيرهما. والبيهقى وغيره وافقوا الذين ضعفوه. وفى البخاري نفسه ثلاثة أحاديث نازعه بعض الناس في صحتها. والبخاري أحذق وأخبر بالفن من مسلم، ثم ينفرد مسلم فيه بألفاظ يعرض عنها البخاري، ويقول بعض أهل الحديث إنها ضعيفة. ثم قد يكون الصواب مع من ضعفها، كمثل صلاة الكسوف بثلاث ركوعات وأربع، وقد يكون الصواب مع مسلم، وهذا أكثر ". انتهى مختصرا. مجموع الفتاوى (18/17-20) وقال أيضا: " جمهور ما أنكر على البخاري مما صححه يكون قوله فيه راجحا على قول من نازعه، بخلاف مسلم بن الحجاج، فإنه نوزع في عدة أحاديث مما خرجها، وكان الصواب فيها مع من نازعه " انتهى. "مجموع الفتاوى" (1/256) وانظر: "التاريخ الكبير" (1/413) ، "شرح مسلم للنووي" (16/63) ، "جلاء الأفهام" (248) ، "إرواء الغليل" (3/127) ، "الضعيفة" (2/427) . وقال د. الشريف حاتم بن عارف العوني، عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى: " نص العلماء على أن أحاديث الصحيحين كلها مقبولة، إلا أحاديث يسيرة انتقدها بعض النقاد الكبار، الذين بلغوا رتبة الاجتهاد المطلق في علم الحديث، وأن ما سوى تلك الأحاديث اليسيرة، فهي متلقاة بالقبول عند الأمة جميعها. وبناء على ذلك: فإن الحديث الذي يضعفه الشيخ الألباني في صحيح البخاري له حالتان: الأولى: أن يكون ذلك الحديث الذي ضعفه الألباني قد سبقه إلى تضعيفه إمام مجتهد متقدم، فهذا قد يكون حكم الشيخ الألباني فيه صواباً، وقد يكون خطأ، وأن الصواب مع البخاري. الثانية: أن يكون الحديث الذي ضعفه الألباني لم يسبق إلى تضعيفه، فهذا ما لا يقبل من الشيخ رحمه الله؛ لأنه عارض اتفاق الأمة على قبول ذلك الحديث. والله أعلم " انتهى بتصرف يسير. والذي نريد التأكيد عليه حقيقة هو الانكفاف عن أمثال هذه المسائل، التي لا يحسن الخوض فيها إلا أكابر علماء الحديث، ولا بد أن يكون الأصل هو ما عليه عمل الناس قديما وحديثا، من تلقي أحاديث الصحيحين بالقبول، وعدم المنازعة في شيء منها، إلا شيئا انتقده الأكابر، ونص غير واحد منهم عليه، وهذا شيء نادر الحصول، ولا يحسن تتبعه والسؤال عنه، إنما يعرفه الباحث المتخصص، إذا صادفه أثناء بحثه. وللصحيحين هيبة في قلوب كبار الحفاظ تمنع مما قد تتوجه الصناعة الحديثية إلى إعلال شيء منهما أو تضعيفه. وانظر: "فتح الباري" (11/341) "جامع العلوم والحكم" (358) "السلسلة الصحيحة" (2/384) وعلى ذلك: فليس من الحكمة إيراد بعض تلك الأحاديث التي تُكُلم فيها مما في الصحيحين، مراعاة للأصل المتقدم ذكره. والله تعالى أعلم. راجع السؤال رقم: (20153) [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 119516 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 191 قول الإمام "إن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج" [السُّؤَالُ] ـ[كثيراً ما نسمع من أئمة المساجد عند تسوية الصفوف قول: (إن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج) ، هل هو حديث أو قول؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " لا شك أن الصف الأعوج صف ناقص، وأن المصلين يأثمون إذا لم يسووا الصف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم توعد مَن لم يسوِّ الصف، فقال: (عباد الله، لتسوُّن صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم) ، وأما الحديث الذي ذكرت: (إن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج) ، فهذا ليس بصحيح " انتهى. الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. "لقاءات الباب المفتوح" (1/21) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118870 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 192 حديث أعطوا السائل ولو جاء على فرس [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أعرف صحة حديث ورد بمعنى: (أعطوا السائل، ولو جاءكم على فرس) ]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث روي بأسانيد عدة، وأحسن هذه الأسانيد: 1- مرسل زيد بن أسلم: فقد روى الإمام مالك في الموطأ (5/1450) عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أَعْطُوا السَّائِلَ وَإِنْ جَاءَ عَلَى فَرَسٍ) . قال ابن عبد البر رحمه الله: " لا أعلم في إرسال هذا الحديث خلافا بين رواة مالك وليس في هذا اللفظ مسند يحتج به فيما علمت " انتهى. "التمهيد" (5/294) . 2- حديث الحسين بن علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (للسائل حق وإن جاء على فرس) أخرجه أبو داود (1665) ، وأحمد (1/201) ، وغيرهم من طريق مصعب بن محمد بن شرحبيل، قال حدثني يعلى بن أبي يحيى، عن فاطمة بنت حسين، عن حسين بن علي به. قال الشيخ الألباني رحمه الله: " وهذا إسناد ضعيف، ومن جوده فقد أخطأ؛ فإن يعلى بن أبي يحي مجهول، كما قال أبو حاتم وتبعه الحافظ، ومصعب بن محمد: وثقه ابن معين، وقال أبو حاتم: يُكتب حديثه ولا يُحتج به. قلت [القائل: الشيخ الألباني] : وقد اختُلف عليه في إسناده " وفصل الشيخ رحمه الله وجوه الاختلاف فيه، ثم قال في آخره، بعد تقرير ضعفه: " وأما قول الحافظ العراقي: (بسند جيد) : فغير جيد؛ لما فيه من الجهالة والاضطراب، كما سبق بيانه " انتهى. السلسلة الضعيفة (3/558-562) ، رقم (1378) . وانظر: أيضا: التعليق على مسند الإمام أحمد، ط الرسالة (3/254-255) . والحديث قال عنه ابن المديني أيضا: لا أصل له، كما في كشف الخفا (1/144) . وقال عنه الإمام أحمد ـ أيضا ـ: لا أصل له، كما ذكره ابن الصلاح في مقدمته (155) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118337 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 193 هل يبحث في عدالة الصحابة عند دراسة الأسانيد؟ [السُّؤَالُ] ـ[سؤال: في علم الحديث النبوي الشريف، هل ينظر إلى عدالة الرواة دون الصحابي الذي روى الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، أم يبحث أيضا في عدالة الصحابي، وتطبق عليه الشروط التي وضعها علماء الحديث للتأكد من الحديث النبوي الشريف.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا أردت البحث في عدالة الصحابة رضوان الله عليهم – بمعنى توفر الدين والتقوى المانع من الكذب في الحديث - فما عليك إلا أن تفتح كتاب الله تعالى، وتقرأ فيه العشرات من الآيات التي جاءت في تزكيتهم والثناء عليهم. يقول سبحانه وتعالى: (فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الأعراف/157 (لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) التوبة/88-89 (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) التوبة/100 (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) الفتح/29 (لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ. وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الحشر/8-9 (لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً) النساء/95 (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) الفتح/18 وكذلك فإن كتب السنة مليئة بالأحاديث التي جاءت في فضائل أعيانهم تارة، وفضائل مجموعهم تارة أخرى، وأسانيدها من أصح الأسانيد على وجه الأرض، ولا يخلو كتاب من كتب الجوامع والسنن والمسانيد والمعاجم منها، وقد جمع بعض أهل العلم ما روي في فضائلهم مجلدات كثيرة، يمكن الرجوع إليها، فإن المقام لا يتسع هنا لذكرها. إذن فعدالة الصحابة الرواة عن النبي صلى الله عليه وسلم مسجلة من السماء، في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا كانت عدالة الراوي تقبل بتزكية واحد من أهل الجرح والتعديل المعتدلين، فمن باب أولى أن تقبل تزكية القرآن والسنة القطعية. على أنا لو سلكنا في تقرير عدالة عامة الصحابة الرواة عن النبي صلى الله عليه وسلم مسلك النظر في صفاتهم وأحوالهم، لوجدنا فيهم ما يستوجب الحكم بالعدالة والديانة، بغض النظر عن الآيات التي جاءت في تزكيتهم، فالقرآن الكريم إنما هو كاشف عن عدالتهم وثقتهم، وليس منشئا لها، والعدالة تقوم في النفس أولا، ثم تظهر في شهادة المزكين. يقول الخطيب البغدادي: " على أنّه لو لم يَرد من الله عز وجل ورسوله فيهم شيء مما ذكرناه، لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد والنصرة وبذل المهج والأموال وقتل الآباء والأولاد والمناصحة في الدين وقوة الإيمان واليقين القطع على عدالتهم، والاعتقاد لنزاهتهم، وأنهم أفضل من جميع المعدَّلين والمزكين الذين يجيؤون من بعدهم أبد الآبدين، هذا مذهب كافة العلماء، ومن يعتد بقوله من الفقهاء " انتهى. "الكفاية" (ص/49) ثايا: إذا ثبت ما سبق تبين أن البحث في عدالة كل صحابي عند دراسة إسناد أي رواية إنما هو ضرب من العبث الذي لا طائل تحته، فقد كفانا القرآن الكريم هذه المؤونة، كما كفانا العلماء هذا العمل، وأثبتوا بالدراسات الاستقرائية التامة عدالة جميع من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه، وخاصة المكثرين منهم. ونحن ننقل هنا مجموعة من نصوص أهل العلم، من المحدثين والحفاظ والفقهاء في هذا الشأن: يقول الحافظ ابن عبد البر رحمه الله: " لا فرق بين أن يسمي التابعُ الصاحبَ الذي حدثه أو لا يسميه في وجوب العمل بحديثه؛ لأن الصحابة كلهم عدول مرضيون ثقات أثبات، وهذا أمر مجتمع عليه عند أهل العلم بالحديث " انتهى. "التمهيد" (22/47) وقال الخطيب البغدادي رحمه الله: " (باب ما جاء في تعديل الله ورسوله للصحابة، وأنه لا يحتاج إلى سؤال عنهم، وإنما يجب فيمن دونهم) كل حديث اتصل إسناده بين مَن رواه وبين النبي صلى الله عليه وسلم: لم يلزم العمل به إلا بعد ثبوت عدالة رجاله، ويجب النظر في أحوالهم، سوى الصحابي الذي رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم واختياره لهم في نص القرآن " انتهى. "الكفاية" (ص/46) ويقول الإمام القرطبي رحمه الله: " الصحابة كلهم عدول، أولياء الله تعالى وأصفياؤه، وخيرته من خلقه بعد أنبيائه ورسله. هذا مذهب أهل السنة، والذي عليه الجماعة من أئمة هذه الأمة. وقد ذهبت شرذمة لا مبالاة بهم إلى أن حال الصحابة كحال غيرهم، فيلزم البحث عن عدالتهم. ومنهم من فرق بين حالهم في بداءة الأمر فقال: إنهم كانوا على العدالة إذ ذاك، ثم تغيرت بهم الأحوال فظهرت فيهم الحروب وسفك الدماء، فلا بد من البحث. وهذا مردود " انتهى. "الجامع لأحكام القرآن" (16/299) ويقول الحافظ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله: " للصحابة بأسرهم خصيصة، وهي أنه لا يسأل عن عدالة أحد منهم، بل ذلك أمر مفروغ منه لكونهم على الإطلاق مُعَدَّلين بنصوص الكتاب والسنة وإجماع من يعتد به في الإجماع من الأمة، قال الله تبارك وتعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس) الآية. قيل: اتفق المفسرون على أنه وارد في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس) . وهذا خطاب مع الموجودين حينئذ. وقال سبحانه وتعالى: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار) الآية، وفي نصوص السنة الشاهدة بذلك كثرة منها: حديث أبي سعيد المتفق على صحته: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه) ثم إن الأمة مجمعة على تعديل جميع الصحابة. ومن لابس الفتن منهم: فكذلك، بإجماع العلماء الذين يعتد بهم في الإجماع، إحسانا للظن بهم، ونظرا إلى ما تمهد لهم من المآثر، وكأن الله سبحانه وتعالى أتاح الإجماع على ذلك لكونهم نقلة الشريعة. والله أعلم " انتهى. "مقدمة ابن الصلاح" (ص/171) ويقول الإمام النووي رحمه الله: " اتفق أهل الحق ومن يعتد به في الإجماع على قبول شهاداتهم، ورواياتهم، وكمال عدالتهم رضي الله عنهم أجمعين " انتهى. "شرح مسلم" (15/149) وروى الخطيب البغدادي بسنده إلى أبي بكر الأثرم قال: قلت لأبي عبد الله يعني أحمد بن حنبل: إذا قال رجل من التابعين: حدثني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فالحديث صحيح؟ قال: نعم. وروى أيضا رحمه الله بسنده إلى الحسين بن إدريس قال: وسألته ـ يعني محمد بن عبد الله بن عمار ـ: إذا كان الحديث عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أيكون ذلك حجة؟ قال: نعم، وإن لم يسمه؛ فإن جميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم حجة " انتهى. "الكفاية" (ص/415) وانظر جواب السؤال رقم: (83121) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118176 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 194 حديث: (يا علي، لا تنم حتى تأتي بخمسة أشياء ... ) [السُّؤَالُ] ـ[قرأت هذا الحديث وأريد أن أعرف، هل هو صحيح أم لا؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا علي لا تنم إلا أن تأتي بخمسة أشياء وهي قراءة القرآن كله، والتصدق بأربعة آلاف درهم، وزيارة الكعبة، وحفظ مكانك في الجنة، وإرضاء الخصوم، قال علي: وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما تعلم أنك: إذا قرأت سورة الإخلاص (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) ثلاث مرات فقد قرأت القرآن كله، وإذا قرأت الفاتحة أربع مرات فقد تصدقت بأربعة آلاف درهم، وإذا قلت: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، عشر مرات، فقد زرت الكعبة، وإذا قلت: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم عشر مرات، فقد حفظت مكانك في الجنة، وإذا قلت: أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه عشر مرات، فقد أرضيت الخصوم) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "هذا الحديث لم يرد في كتاب من كتب الحديث المعتمدة، بل هو من الأحاديث الموضوعة المكذوبة على الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد نص أهل العلم رحمهم الله تعالى على أن الوصايا المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه أوصى بها عليا، وكل ما صدر بياء النداء من الرسول لعلي كلها موضوعة، ما عدا قوله عليه الصلاة والسلام: (يا علي، أنت مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لا نبي بعدي) ، وممن نص على ذلك الشيخ ملا علي القاري في كتاب: "الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة" المعروف بـ "الموضوعات الكبرى"، والشيخ إسماعيل العجلوني في كتابه: "كشف الخفاء ومزيل الإلباس". ولذلك فإني أحذر إخواني المسلمين من الاغترار بهذا الحديث وأمثاله من الأخبار الموضوعة أو العمل على طبعها أو نشرها بين المسلمين، لما في ذلك من تضليل العامة، والتلبيس عليهم، والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي وعد المتعمد له بالوعيد العظيم، كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (إن كذبا علي ليس ككذب على غيري، من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) وقال: (من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين) . وفي الأخبار الصحيحة عن الرسول صلى الله عليه وسلم المدونة في كتب الحديث المعتمدة من الصحاح والسنن والمسانيد غنية لمن وفقه الله إلى الخير عن اللجوء إلى أخبار الكذابين والوضاعين، أسأل الله أن يرزق الجميع العلم النافع، والعمل الصالح، ويجنب الجميع طرق الضلال والانحراف، إنه سميع قريب" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (26/328-330) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118143 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 195 قصة التشهد في الصلاة هل يصح أن أصلها كان في المعراج؟ [السُّؤَالُ] ـ[يتناقل كثيراً في المنتديات موضوع عن قصة التشهد، ويدعو كاتب المقال فيه إلى الخشوع في الصلاة وإلى التفكر في أصل قصة التشهد، وقد جاء في هذا المقال:..حوار التشهّد يبدأ المشهد بسيدنا رسول الله وهو يمشي في معيّة سيدنا جبريل في طريقهما لسدرة المنتهى في رحلة المعراج، وفي مكان ما يقف سيدنا جبريل عليه السلام فيقول له سيدنا محمد: أهنا يترك الخليل خليله؟ قال سيدنا جبريل: لكل منا مقام معلوم يا رسول الله، إذا أنت تقدّمت اخترقت، وإذا أنا تقدّمت احترقت، وصار سيدنا جبريل كالحلس البالي من خشية الله، فتقدم سيدنا محمد إلى سدرة المنتهى واقترب منها، ثم قال سيدنا رسول الله: التحيات لله والصلوات الطيبات، رد عليه رب العزة: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، قال سيدنا رسول الله: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فقال سيدنا جبريل - وقيل: الملائكة المقربون -: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمَّداً رسول الله. هل نستشعر عند قراءة التشهد هذا الحوار الراقي؟ هل نستشعر أن سيدنا رسول الله تذكرنا هناك عند سدرة المنتهى، .... ولكنه بحنانه تذكرنا هناك؟ ... كم نحبك يا رسول الله، كم نتمنى أن نراك في المنام، ولو معاتباً، المهم أن نكحل أعيننا بطلعتك، صلى الله عليك يا حبيبي يا رسول الله. هل بعد هذا ستقرأ التشهد كما كنت تقرؤه سابقاً؟ هل بعد ذلك ستصلي على سيدنا رسول الله في الصلاة الإبراهيمية بنفس الفتور؟ هل ستكثر بعد هذا من الصلاة على حبيبك سيدنا محمد؟ بالتأكيد ستثاب إذا أرسلتها، ولن تأثم إذا تركتها، إذاً هل تريد الثواب؟ . اللهم ارحم قارئ وناشر هذه الرسالة، واجعله من عتقائك..".]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما جاء في السؤال من وجود قصة لأصل التشهد حصلت في معراج نبينا صلى الله عليه وسلم: لا أصل له في الشرع. سئل علماء اللجنة الدائمة: هل التشهد الذي نقرؤه في الصلاة هو الذي قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد عند سدرة المنتهى في المعراج؟ . فأجابوا: " عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد كفِّي بين كفيه، كما يعلمني السورة من القرآن: (التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله) رواه الجماعة، وفي لفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قعد أحدكم في الصلاة فليقل التحيات لله ... ) ، وذكره، وفيه عند قوله: (وعلى عباد الله الصالحين) : (فإنكم إذا فعلتم ذلك فقد سلمتم على كل عبد لله صالح في السماء والأرض) ، وفي آخره: (ثم يتخير من المسألة ما شاء) متفق عليه. ولأحمد من حديث أبي عبيدة عن أبيه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: علَّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد وأمره أن يعلمه الناس (التحيات لله) ، وذكره. قال الترمذي: حديث ابن مسعود أصح حديث في التشهد، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين، وقال أبو بكر البزار: هو أصح حديث في التشهد، قال: وقد روي من نيف وعشرين طريقاً، وممن جزم بذلك: البغوي في " شرح السنة " انتهى. وبهذا تعلم أن هذه الصفة هي أصح ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما كونه صلى الله عليه وسلم أتى بالتشهد وهو ساجد عند " سدرة المنتهى " ليلة المعراج: فلا نعلم له وللسجود في ذلك المكان ليلة المعراج أصلاً " انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. " فتاوى اللجنة الدائمة " (7 / 6، 7) . وانظر جواب السؤال رقم: (113952) . وبذلك يتبين أنه لا يشرع نشر مثل هذه الرسائل التي لم يثبت مضمونها، أو احتوت على بدعة من بدع الاعتقاد أو العمل، بل لا ينبغي للمرء أن يقدم على نشر شيء إلا بعد تأكده من ثبوته وصحته. عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ) رواه مسلم (5) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 117604 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 196 حديث تبغض العرب فتبغضني [السُّؤَالُ] ـ[ما درجة صحة هذا الحديث: عن سلمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا سلمان لا تبغضني فتفارق دينك. قلت: يا رسول الله وكيف أبغضك وبك هداني الله؟ قال: تبغض العرب فتبغضني) ]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: نص هذا الحديث كما يلي: عَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا سَلْمَانُ! لاَ تَبْغَضْنِي فَتُفَارِقَ دِينَكَ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! كَيْفَ أَبْغَضُكَ وَبِكَ هَدَانَا اللَّهُ؟ قَالَ: تَبْغَضُ العَرَبَ فَتَبْغَضُنِي) . هذا الحديث رواه الترمذي (رقم/3927) ، والبزار في "مسنده" (2513) والطبراني في "المعجم الكبير" (6/238) ، والحاكم في "المستدرك" (4/86) وغيرهم من طريق أبو بدر شجاع بن الوليد، عن قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، عن سلمان. وهذا إسناد ضعيف، فيه علتان: 1- قابوس بن أبي ظبيان: قال ابن معين: ضعيف الحديث. وقال أبو حاتم: لا يحتج به. وضعفه الدارقطني وغيره. انظر "تهذيب التهذيب" (8/306) 2- الانقطاع بين أبي ظبيان – وهو حصين بن جندب – وبين سلمان الفارسي رضي الله عنه. قال الترمذي بعد روايته الحديث: " وسمعت محمد بن إسماعيل [يعني: البخاري] يقول: أبو ظبيان لم يدرك سلمان، مات سلمان قبل علي " انتهى. وقال ابن أبي حاتم في "المراسيل" (50) : لا أظن حصين بن جندب سمع من سلمان. وانظر: "تهذيب التهذيب" (2/380) . والحديث أخرجه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (7/270) من طريق خالد بن عبد الرحمن، عن مسعر، عن أبي هاشم الرماني، عن زاذان، عن سلمان. وهذه متابعة ضعيفة جدا بسبب خالد بن عبد الرحمن بن خالد بن سلمة المخزومي المكي: وهو ذاهب الحديث، ورماه عمرو بن علي الفلاس بالوضع. ولذلك قال الحافظ المنذري في "أجوبة على أسئلة في الجرح والتعديل" (ص/84) : " حديث منكر " انتهى. وقال الشيخ الألباني رحمه الله: " ضعيف الإسناد " انتهى. "السلسلة الضعيفة" (رقم/2029) ثانيا: ضعف هذا الحديث لا يعني عدم ثبوت أي فضل لجنس العرب، فقد وردت أحاديث كثيرة في هذا الباب، القليل منها صحيح، والكثير منها ضعيف أو موضوع. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وفي المسألة آثار غير ما ذكرته، في بعضها نظر، وبعضها موضوع " انتهى. "اقتضاء الصراط المستقيم" (ص/159) ويقول أيضا رحمه الله معلقا على هذا الحديث: " فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم بغض العرب سببا لفراق الدين، وجعل بغضهم مقتضيا لبغضه. وقد سبق في موقعنا الحديث عن موضوع تفضيل جنس العرب، وبيان ما هو الفهم الصحيح لهذه المسألة، وذلك في جواب السؤال رقم: (115934) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 117609 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 197 حديث امش ميلا عد مريضا [السُّؤَالُ] ـ[ما صحة الحديث: (امش ميلا عد مريضا، امش ميلين أصلح بين اثنين، امش ثلاثة أميال زر أخا في الله) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث جاء من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ولكن بإسناد ضعيف، وجاء من كلام بعض التابعين بأسانيد صحيحة. أما عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد روي عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (امش ميلا عد مريضا، امش ميلين أصلح بين اثنين، امش ثلاثة زر أخا في الله) رواه ابن عدي في "الكامل في الضعفاء" (5/179) قال: حدثنا محمد بن بشر القزاز، قال حدثنا هشام بن عمار، قال ثنا عمرو بن واقد، عن علي بن يزيد الألهاني، عن القاسم عن أبي أمامة به. وهذا إسناد ضعيف جدا، بسبب عمرو بن واقد: قال فيه البخاري: منكر الحديث. وقال ابن حبان: استحق الترك. وقال النسائي والدارقطني: متروك. انظر "تهذيب التهذيب" (8/116) . وكذلك علي بن يزيد الألهاني اتفق أهل العلم على ضعفه. انظر "تهذيب التهذيب" (7/397) . والحديث: ضعفه الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة (2936) . أما ما صحَّ عن التابعين، فقد ورد عن ثلاثة منهم: 1- عن مكحول رحمه الله قال: (امش ميلا عُد مريضا، امش ميلين أصلح بين اثنين، امش ثلاثة زر في الله) رواه ابن وهب في "الجامع" (رقم/174) قال: وأخبرني مسلمة بن علي، عن زيد بن واقد، وهشام بن الغازي، عن مكحول. وهذا إسناد ضعيف جدا بسبب مسلمة بن علي: متروك. انظر "تهذيب التهذيب" (10/147) ، وانظر "السلسلة الضعيفة" (رقم/2936) . ورواه ابن أبي الدنيا في "الإخوان" (ص/152) قال: حدثنا عمار بن نصر المروزي حدثنا شعيب أبو حرب عن أبي عتبة العنسي عن يحيى عن مكحول. وهذا إسناد حسن إن كان شعيب هو ابن حرب، وإلا فلم أقف على ترجمة شعيب أبي حرب. والله أعلم. 2- عن عطاء الخراساني رحمه الله. رواه ابن وهب في "الجامع" (رقم/174) قال: أخبرني يونس بن يزيد عن عطاء الخراساني. وهذا إسناد صحيح. 3- وجاء أيضا من كلام حسان بن عطية رحمه الله. رواه هناد بن السري في "الزهد" (1/227) قال: حدثنا عيسى بن يونس، عن الأوزاعي، عن حسان بن عطية قال: فذكره. وهذا إسناد صحيح. يقول المناوي رحمه الله: " (امش ميلا) هو ثلاثة فراسخ، (عُد) ندبا (مريضا) مسلما. (امش) ندبا (ميلين أصلح بين اثنين) إنسانين أو فئتين، أي: حافظ على ذلك وإن كان عليك فيه مشقة، كأن تمشي إلى محل بعيد. (امش) ندبا (ثلاثة أميال زر أخا في الله تعالى) وإن لم يكن أخاك من النسب. ومقصوده أن الثالث أفضل وآكد وأهم من الثاني، والثاني من الأوّل " انتهى. "التيسير شرح الجامع الصغير" (1/484) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 116389 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 198 حديث من كان في قلبه مودة لأخيه [السُّؤَالُ] ـ[ما صحة الحديث: (من كان في قلبه مودة لأخيه ثم لم يُطلعه عليها فقد خانه) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث رواه ابن أبي الدنيا في "الإخوان" (ص/124) ، ومن طريقه ابن قدامة في "المتحابين في الله" (ص/66، رقم/78) عن زياد بن أيوب، حدثنا عبد الحميد بن عبد الرحمن، حدثنا أبو كعب الشامي، عن مكحول قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان في قلبه مودة لأخيه لم يُطلعه عليها فقد خانه) . يقول الشيخ الألباني رحمه الله: " هذا إسناد ضعيف لإرساله. وأبو كعب الشامي لم أعرفه. وعبد الحميد بن عبد الرحمن: هو الحماني؛ وفيه ضعف " انتهى. "السلسلة الضعيفة" (رقم/4639) . ويغني عن هذا الحديث الضعيف، قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (إِذَا أَحَبَّ الرَّجُلُ أَخَاهُ فَلْيُخْبِرْهُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ) رواه أبو داود (رقم/5124) وصححه ابن دقيق العيد في "الاقتراح" (ص/128) ، والشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (417) . ويغني عنه أيضا ما جاء عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه: (أَنَّ رَجُلًا كَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي لَأُحِبُّ هَذَا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَعْلَمْتَهُ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: أَعْلِمْهُ. قَالَ: فَلَحِقَهُ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّكَ فِي اللَّهِ. فَقَالَ: أَحَبَّكَ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي لَهُ) رواه أبو داود (رقم/5125) ، وصححه النووي في "رياض الصالحين" (183) ، والألباني في "صحيح أبي داود". قَالَ الْخَطَّابِيُّ رحمه الله: مَعْنَاهُ الْحَثّ عَلَى التَّوَدُّد وَالتَّأَلُّف، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا أَخْبَرَهُ أَنَّهُ يُحِبّهُ اِسْتَمَالَ بِذَلِكَ قَلْبه وَاجْتَلَبَ بِهِ وُدّه، وَفِيهِ أَنَّهُ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ مُحِبّ لَهُ وَوَادّ لَهُ قَبِلَ نَصِيحَته وَلَمْ يَرُدّ عَلَيْهِ قَوْله فِي عَيْب إِنْ أَخْبَرَهُ بِهِ عَنْ نَفْسه، أَوْ سَقْطَة إِنْ كَانَتْ مِنْهُ، وَإِذَا لَمْ يَعْلَم ذَلِكَ مِنْهُ لَمْ يُؤْمَن أَنْ يَسُوء ظَنّه فِيهِ فَلَا يَقْبَل مِنْهُ قَوْله، وَيُحْمَل ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى الْعَدَاوَة وَالشَّنَآن " اِنْتَهَى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 116391 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 199 أحاديث الوعيد على من لم يقبل اعتذار أخيه المسلم [السُّؤَالُ] ـ[ما صحة حديث: (من اعتذر إليه أخوه المسلم فلم يقبل عذره، فعليه مثل صاحب مكس) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: ورد في عظم إثم من يرد اعتذار أخيه المسلم خمسة أحاديث، ولكنها كلها ضعيفة لا تصح: الحديث الأول: عَنْ جُودَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ اعْتَذَرَ إِلَى أَخِيهِ بِمَعْذِرَةٍ، فَلَمْ يَقْبَلْهَا كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ خَطِيئَةِ صَاحِبِ مَكْسٍ) . رواه أبو داود في "المراسيل" (رقم/521) ، وابن ماجه في "السنن" (رقم/3718) ، وابن حبان في "روضة العقلاء" (ص/182) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (2/275) ، والبيهقي في "شعب الإيمان" (6/321) ، وغيرهم. رووه جميعا من طريق وكيع، حدثنا سفيان، عن ابن جريج، عن ابن ميناء – وهو العباس بن عبد الرحمن بن ميناء - عن جودان به. يقول الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (رقم/1907) : " العباس بن عبد الرحمن بن مينا ليس بالمشهور، ولم يوثقه غير ابن حبان، ولذلك قال الحافظ في "التقريب": " مقبول ". وجودان: لم تثبت له صحبة، وقال أبو حاتم: " جودان مجهول، وليست له صحبة ". وفي "التقريب": " مختلف في صحبته، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين " انتهى. الحديث الثاني: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما بنحو الحديث السابق. من طريق أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه، وقد ورد عن أبي الزبير من طريقين اثنين: 1- من طريق الليث حدثني إبراهيم بن أعين، عن أبي عمرو العبدي، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (8/283) والبيهقي في "شعب الإيمان" (6/321) ، وقال الطبراني: " لم يرو هذا الحديث عن أبي الزبير إلا أبو عمرو العبدي، ولا عن أبي عمرو إلا إبراهيم بن أعين، تفرد به الليث " انتهى. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (8/155) : " فيه إبراهيم بن أعين وهو ضعيف " انتهى. وضعفه العراقي رحمه الله في "تخريج أحاديث الإحياء" (2/138) . 2- من طريق الحسن بن عمارة عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه. رواه الحارث في المسند – كما في "بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث" (1/269) – قال: حدثنا حفص بن حمزة، ثنا سيف بن محمد الثوري، عن الحسن بن عمارة. ورواه ابن حبان في "الثقات" (8/388) ثنا أبو بدر، ثنا عمي الوليد بن عبد الملك بن عبيد الله بن مسرح، ثنا أبي عن الحسن بن عمارة عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه. وهذا إسناد ضعيف جدا بسبب الحسن بن عمارة، فقد اتفق العلماء على تركه وضعفه. انظر: "تهذيب التهذيب" (2/307) . الحديث الثالث: عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عفوا تعف نساؤكم، وبروا آباءكم يبركم أبناؤكم، ومن اعتذر إلى أخيه المسلم من شيء بلغه عنه فلم يقبل عذره لم يَرِدْ عَلَيَّ الحوض) . رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (6/241) وقال: " لم يرو هذا الحديث عن عامر بن عبد الله بن الزبير إلا عبد الملك بن يحيى بن الزبير، تفرد به خالد بن يزيد العمري " انتهى. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (8/81) : " فيه خالد بن زيد العمري وهو كذاب " انتهى. الحديث الرابع: حديث أنس بن مالك بنحو حديث عائشة السابق. أخرجه ابن عساكر في سباعياته -كما قال السيوطي في اللآلئ المصنوعة (2/190) - من طريق أبي هدبة الفارسي، عن أنس بن مالك. وأبو هدبة الفارسي هو إبراهيم بن هدبة: وهو كذاب، قال ابن حبان في المجروحين (1/114) : " إبراهيم بن هدبة، أبو هدبة، شيخ يروي عن أنس بن مالك: دجال من الدجاجلة، وكان رقاصا بالبصرة، يُدعَى إلى الأعراس فيرقص فيها، فلما كبر جعل يروي عن أنس ويضع عليه " انتهى. وقال الشيخ الألباني في "ضعيف الترغيب" (2/119) : " موضوع " انتهى. وكذا في "السلسلة الضعيفة" (رقم/2043) . الحديث الخامس: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (عفوا عن نساء الناس تعف نساؤكم، وبروا آباءكم تبركم أبناؤكم، ومن أتاه أخوه متنصلا فليقبل ذلك منه، محقا كان أو مبطلا، فإن لم يفعل لم يَرِدْ عليَّ الحوض) . رواه الحاكم في "المستدرك" (4/154) وقال: " هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه "، وتعقبه الذهبي بقوله: " بل سويد ضعيف " انتهى. وقال المنذري في "الترغيب والترهيب" (3/218) : " سويد عن قتادة، هو ابن عبد العزيز: واهٍ " انتهى. وقال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (رقم/2043) : " ضعيف الإسناد " انتهى. والحاصل: أن جميع الروايات الواردة في هذا الباب ضعيفة لا تصح. ثانيا: إن ضعف الأحاديث الواردة في الوعيد على من لم يقبل عذر أخيه، لا يعني أن ذلك غير مطلوب، بل قبول معذرة المعتذر من مكارم الأخلاق، وأسباب المحبة والمودة. قال ابن حبان رحمه الله في " روضة العقلاء ونزهة الفضلاء" (1/183) : " فالواجب على العاقل إذا اعتذر إليه أخوه لجرم مضى، ولتقصير سبق، أن يقبل عذره ويجعله كمن لم يذنب؛ لأن من تنصل إليه فلم يقبل أخاف أن لا يرد الحوض على المصطفى صلى الله عليه وسلم. ومن فرط منه تقصير في سبب من الأسباب يجب عليه الاعتذار في تقصيره إلى أخيه. ولقد أنشدني محمد بن عبد الله بن زنجي البغدادي ... إذا اعتذر الصديق إليك يوما ... من التقصير عذر أخ مقر فصنه عن جفائك واعف عنه ... فإن الصفح شيمة كل حر " انتهى. وقال الإمام الغزالي رحمه الله: " أما زلته في حقه – يعني زلة الأخ في حق أخيه - بما يوجب إيحاشه: فلا خلاف في أن الأَوْلى العفو والاحتمال، بل كل ما يحتمل تنزيله على وجه حسن، ويتصور تمهيد عذر فيه، قريب أو بعيد، فهو واجب بحق الإخوة " انتهى. "إحياء علوم الدين" (2/185-186) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 116388 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 200 أحاديث المفاضلة بين العلماء والشهداء [السُّؤَالُ] ـ[ما صحة هذا الحديث: (مداد حبر العالم أقدس من دم الشهيد) ؟]ـ [الْجَوَابُ] أولا: الأحاديث الواردة في تفضيل العلماء على الشهداء، أو تفضيل مداد العالم على دم الشهيد جاءت عن جماعة من الصحابة، ولكن بأسانيد واهية وبطرق شديدة الضعف أو موضوعة: نذكرها هنا باختصار: 1- عن أبي الدرداء رضي الله عنه: يرويه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (1/150) ، وفي إسناده إسماعيل بن أبي زياد، قال عنه ابن حبان: دجال. ولذلك ضعفه العراقي في "تخريج الإحياء" (ص/5) 2- عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: يرويه أبو نعيم في "أخبار أصبهان" (1718) ، والديلمي في "مسند الفردوس"، وفي إسناده إسماعيل بن أبي زياد السابق أيضا. ورواه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (1/81) من طريق أخرى وقال: " وهذا لا يصح، قال أحمد بن حنبل: محمد بن يزيد الواسطي لا يروي عن عبد الرحمن بن زياد شيئا، وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات " انتهى. 3- عن ابن عمر رضي الله عنهما: يرويه الديلمي في "مسند الفردوس"، وفي إسناده إسحاق بن القاسم وأبوه: لا يعرفان. ويرويه الخطيب في "تاريخ بغداد" (2/193) ، ومن طريقه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (1/80) وقال: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الخطيب: رجاله كلهم ثقات غير محمد بن الحسن، ونراه مما صنعت يداه " انتهى. 4- عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما: يرويه السهمي في "تاريخ جرجان" (ص/91، 222) ، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" (1/81) ، وقال: " هذا لا يصح: أما هارون بن عنترة فقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به، يروي المناكير التي يسبق إلى القلب أنه المتعمد لها. ويعقوب القُمِّي: ضعيف " انتهى. 5- عن عقبة بن عامر رضي الله عنه: يرويه الرافعي في "تاريخ قزوين" (3/481) ، وفي إسناده عبد الملك بن مسلمة: يروي المناكير، وكذلك فيه عبد الله بن لهيعة. 6- عن عمران بن حصين رضي الله عنه: أخرجه المرهبي في "فضل العلم" – كما نقل ذلك السيوطي في "الدر المنثور" (3/423) –، وهو في "جزء ابن عمشليق" (ص/44) بإسناده. وفيه أحمد بن محمد بن القاسم مؤذن طرسوس لم أقف له على ترجمة. 7- عن أنس بن مالك رضي الله عنه: يرويه ابن النجار عنه كما ذكر ذلك السيوطي، وذكره في "لسان الميزان" (5/225) من طريق: جراب الكذاب. 8- عن ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه في "جزء ابن عمشليق" (ص/45) من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس وهذا إسناد واهٍ بمرة. 9- عن أبي هريرة رضي الله عنه: يرويه السمعاني في "أدب الإملاء والاستملاء" (ص/181) وفي إسناده المظفر بن الحسين شيخ السمعاني لم أقف له على ترجمة. وخلاصة الكلام أن الحديث لا يصح، قال فيه الخطيب البغدادي: موضوع، وقال الإمام الذهبي رحمه الله: "متنه موضوع " انتهى. "ميزان الاعتدال" (3/517) ، وذكره الشوكاني في "الفوائد المجموعة" (ص/17) ، والعامري في "الجد الحثيث في بيان ما ليس بحديث" (ص/203) ، وقال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (حديث رقم/4832) : " وهو الذي يميل إليه القلب " انتهى. يعني أنه موضوع. وكذا قال الشيخ محمد رشيد رضا في "مجلة المنار" (3/698) ثانيا: الذي يظهر أن ما ورد من الفضائل لدم الشهيد، في حد ذاته، لم يرد مثله في مداد العلماء، بل لا نعلم حديثا صحيحا في فضل مداد العلماء في نفسه، فضلا عن تفضيله على دم الشهيد، وأما دم الشهيد فقد ثبت فيه أن يأتي يوم القيامة: اللون لون الدم، والريح ريح المسك، وأن الشهيد يغفر له بأول قطرة منه..، إلى آخر ما ورد في ذلك، لكن هذا شيء، وتفضيل الشهيد نفسه على العالم شيء آخر. قال المناوي رحمه الله: " والإنصاف أن ما ورد للشهيد من الخصائص، وصحَّ فيه من دفع العذاب، وغفران النقائص: لم يرد مثله للعالم لمجرد علمه، ولا يمكن أحدا أن يقطع له به في حكمه، وقد يكون لمن هو أعلى درجة ما هو أفضل من ذلك. وينبغي أن يعتبر حال العالم وثمرة علمه وماذا عليه، وحال الشهيد وثمرة شهادته وما أحدث عليه، فيقع التفضيل بحسب الأعمال والفوائد، فكم من شهيد وعالم هون أهوالا، وفرج شدائد، وعلى هذا فقد يتجه أن الشهيد الواحد أفضل من جماعة من العلماء، والعالم الواحد أفضل من كثير من الشهداء، كل بحسب حاله وما ترتب على علومه وأعماله " انتهى. "فيض القدير" (6/603) وقال ابن القيم رحمه الله: " هذه – تفضيل مداد العلماء على دم الشهداء، وعكسه - المسألة كثر فيها الجدال، واتسع المجال، وأدلى كل منهما بحجته، واستعلى بمرتبته. والذي يفصل النزاع ويعيد المسألة إلى مواقع الإجماع: الكلام في أنواع مراتب الكمال. وذكر الأفضل منهما. والنظر في أي هذين الأمرين أولى به وأقرب إليه؟ فهذه الأصول الثلاثة تبين الصواب، ويقع بها فصل الخطاب. فأما مراتب الكمال فأربع: النبوة، والصديقية، والشهادة، والولاية. وقد ذكرها الله سبحانه في قوله: (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما) فأعلى هذه المراتب النبوة والرسالة، ويليها الصديقية، فالصديقون هم أئمة أتباع الرسل، ودرجتهم أعلى الدرجات بعد النبوة. فإن جرى قلم العالم بالصديقية، وسال مداده بها، كان أفضل من دم الشهيد الذي لم يلحقه في رتبة الصديقية. وإن سال دم الشهيد بالصديقية وقطر عليها كان أفضل من مداد العالم الذي قصر عنها. فأفضلهما صِدِّيقهما. فإن استويا في الصديقية استويا في المرتبة، والله اعلم. والصديقية: هي كمال الإيمان بما جاء به الرسول علما وتصديقا وقياما، فهي راجعة إلى نفس العلم، فكل من كان أعلم بما جاء به الرسول، وأكمل تصديقا له: كان أتم صديقية. فالصديقية شجرة، أصولها العلم، وفروعها التصديق، وثمرتها العمل. فهذه كلمات جامعة في مسألة العالم والشهيد، وأيهما أفضل؟! " انتهى. "مفتاح دار السعادة" باختصار (1/297-299) وهذا التفصيل – في ظننا – أولى وأقرب من الجزم في المفاضلة بين العلم والشهادة كعملين مجردين كما جرى إطلاقه لدى كثير من العلماء. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 11920 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 201 حديث (نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع) لا أصل له [السُّؤَالُ] ـ[هل هدا الحديث صحيح: (نحن قوم لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لم نعثر على هذا الحديث – بعد البحث والتفتيش – في كتب السنة النبوية، ولم يذكره ـ فيما وقفنا عليه ـ سوى برهان الدين الحلبي في "السيرة الحلبية" (3/295) من غير إسناد ولا عزو لكتب الأثر، ولذلك فلا تصح نسبة الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، كما قد يكون في معناه بعض التردد. قال الشيخ الألباني رحمه الله: " هذا القول الذي نسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم لا أصل له " انتهى. "السلسلة الصحيحة" (رقم/3942) وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" المجموعة الثانية (3/224) : " هذا اللفظ المذكور ليس حديثا فيما نعلم " انتهى. على أن الأدب الذي تضمنه هذا الكلام، مازال أهل العلم، وأهل العقل والحكمة يقولون به: أنه لا ينبغي للإنسان أن يُدخل طعاما على طعام آخر في بطنه، بل ينتظر حتى تطلب نفسه الطعام وتشتهيه، فإذا اشتهته وأعطاها حاجتها منه، فليقتصد في تناوله، ولا يملأ بطنه منه، بحيث يتجاوز حد الاعتدال والتوسط في ذلك. عَنْ مِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ؛ بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ؛ فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ) رواه أحمد (16735) والترمذي (2380) ، وقال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وصححه الألباني. قال صاحب " الفواكه الداواني" (2/317) : (ومن آداب الأكل) المقارنة له (أن تجعل بطنك) ثلاثة أقسام (ثلثا للطعام وثلثا للشراب وثلثا للنفس) لاعتدال الجسد وخفته ; لأنه يترتب على الشبع ثقل البدن وهو يورث الكسل عن العبادة , ولأنه إذا أكثر من الأكل لما بقي للنفس موضع إلا على وجه يضر به , ولما ورد: {المعدة بيت الداء , والحمية رأس الدواء , وأصل كل داء البردة. والحمية خلو البطن من الطعام , والبردة إدخال الطعام على الطعام , ولفظ المعدة} إلخ من كلام بعض الحكماء أدخله بعض الوضاع في المسند المرفوع ترويجا له ... ومن كلامهم أيضا ما قاله مالك: ومن طب الأطباء أن ترفع يدك من الطعام وأنت تشتهيه ... وقال سحنون: كل شيء يعمل على الشبع إلا ابن آدم إذا شبع رقد.. " وقال السفاريني في غذاء الألباب (2/110) : " ينبغي للآكل أن يجعل ثلثا للطعام وثلثا للشراب وثلثا للهواء..، امتثالا لما قال الرسول الشفيق الناصح لجميع الخلق المرشد للمنافع الدينية والدنيوية , والمنقذ من الهلاك , والمفاسد صلى الله عليه وسلم فهو الحكيم الناصح , والعليم الذي أتى بالعلم النافع , والحق الواضح. ولهذا قال الحافظ ابن رجب عن هذا الحديث: إنه أصل عظيم جامع لأصول الطب كلها. وقد روي أن ابن ماسويه الطبيب لما قرأ هذا الحديث في كتاب أبي خيثمة قال: لو استعمل الناس هذه الكلمات يعني من قوله صلى الله عليه وسلم {: حسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه} إلى آخره لسلموا من الأمراض , والأسقام ولتعطلت المارستانات ودكاكين الصيادلة. قال الحافظ ابن رجب: وإنما قال هذا ; لأن أصل كل داء التخم قال بعضهم: أصل كل داء البَرْدَة وروي مرفوعا ولا يصح رفعه. , وقال القرطبي في شرح الأسماء: لو سمع بقراط بهذه القسمة لعجب من هذه الحكمة. وفي الإحياء ذكر هذا الحديث يعني تقسيم البطن أثلاثا لبعض الفلاسفة فقال: ما سمعت كلاما في قلة الأكل أحكم من هذا , ولا شك أن أثر الحكمة فيه واضح , وإنما خص الثلاثة بالذكر ; لأنها أسباب حياة الحيوان ولأنه لا يدخل البطن سواها.. وقال (الحارث بن كلدة) طبيب العرب: " الحمية رأس الدواء , والبطنة رأس الداء) ورفعه بعضهم ولا يصح أيضا قاله الحافظ , وقال الحارث أيضا: الذي قتل البرية , وأهلك السباع في البرية , إدخال الطعام على الطعام , قبل الانهضام " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 115864 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 202 لم يثبت أن المسيح سيدفن في آخر الزمان في الحجرة النبوية [السُّؤَالُ] ـ[يروى أن هناك مساحة فارغة بجانب قبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم، لكي يستخدمها نبي الله عيسى صلى الله عليه وسلم بعد موته، فهل هذا صحيح؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لم يَرِد في السنة النبوية ما يدلُّ على مكان دفن المسيح عيسى عليه السلام في آخر الزمان، وأما الحديث الذي يُروى في ذلك فضعيف جدا لا يثبت، وهذا بيانه: عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ينزل عيسى ابن مريم إلى الأرض، فيتزوج، ويولد له، ويمكث خمسا وأربعين سنة، ثم يموت فيدفن معي في قبري، فأقوم أنا وعيسى ابن مريم من قبر واحد بين أبي بكر وعمر) . رواه ابن أبي الدنيا – كما عزاه إليه الذهبي في "ميزان الاعتدال" (2/562) - وابن الجوزي في "العلل المتناهية" (2/915) وفي "المنتظم" (1/126) ، وفي "الوفا" (2/714) أيضا: من طريق عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي. قال ابن الجوزي: " هذا حديث لا يصح، والإفريقي ضعيف بمرة " انتهى. وأورده الذهبي في "ميزان الاعتدال" في سياق المناكير التي رواها هذا الراوي، وقال: " فهذه مناكير غير محتملة " انتهى. وقال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" برقم (6562) : " منكر " انتهى. ووردت بعض الآثار في هذا الشأن عن علماء الصحابة ممن قرؤوا التوراة وعرفوا ما فيها: 1- قال عبد الله بن سلام رضي الله عنه: (مكتوب في التوراة صفة محمد، وصفة عيسى بن مريم، يدفن معه) رواه البخاري في "التاريخ الكبير" (6/229) ، والترمذي في "السنن" (رقم/3617) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (القطعة المفقودة ص/111) ، والآجري في كتاب "الشريعة" (3/1324) بألفاظ متقاربة، ولكني اخترت اللفظ الذي عند الترمذي لتصريحه بنقل الكلام عن التوراة. كلهم رووه من طريق عثمان بن الضحاك عن محمد بن يوسف بن عبد الله بن سلام عن أبيه عن جده. وهذا إسناد ضعيف، فيه عثمان بن الضحاك: قال أبو داود: ضعيف. انظر "تهذيب التهذيب" (7/124) . وفيه: محمد بن يوسف لم يوثقه أحد، وإنما ذكره ابن حبان في "الثقات" انظر ترجمته في "تهذيب التهذيب" (9/534) لذلك قال البخاري رحمه الله بعد إخراجه الحديث في التاريخ الكبير في ترجمته: " هذا لا يصح عندي، ولا يتابع عليه " انتهى. وقال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" برقم (6962) : " موقوف ضعيف " انتهى. 2- عن سعيد بن المسيب قال: (إن قبور الثلاثة في صُفَّة بيت عائشة، وهناك موضع قبر يدفن فيه عيسى عليه السلام) . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " من وجه ضعيف " انتهى. "فتح الباري" (7/66) . كما ذكر ذلك بعض العلماء والمؤرخين: قال الإمام القرطبي رحمه الله: " ثم يقبض الله روح عيسى عليه السلام ويذوق الموت، ويدفن إلى جانب النبي صلى الله عليه وسلم في الحجرة ... ، وقد قيل إنه يدفن بالأرض المقدسة مدفن الأنبياء " انتهى. "التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة" (ص/1301) وذكر نحوه ابن عساكر وغيره. والذي يتحصل مما سبق أنه لم يثبت في حوادث آخر الزمان دفن عيسى عليه السلام في الحجرة النبوية، وما ورد في ذلك إنما هي آثار ضعيفة السند، ومأخوذة عن غير الكتاب والسنة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الحديث: 115840 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 203 يريد بيان سبب ضعف الأحاديث التي يحكم عليها بالضعف [السُّؤَالُ] ـ[قمتم فى بعض المواضع بكتابة أن هذه الأحاديث موضوعة أو ضعيفة. فهل بوسعكم - رجاء - تقديم مزيد من التفصيل بشأن سبب كونها موضوعة أو ضعيفة، كأن تقولوا يعيب هذا الراوى أو ذاك كذا وكذا ... وما إلى ذلك. وقد عينتم بعض الأحاديث الصوفية بأنها موضوعة أو ضعيفة، كما قلتم ذلك فى الكثير من المواضع.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نشكر لك حرصك على العلم والمعرفة بأدلتها، وتثبتك في أمر السنة النبوية، ونسأل الله تعالى أن يوفق جميع المسلمين إلى سلوك هذا المنهج في جميع شؤونهم. وبخصوص سؤالك، فنحب أن ننبه أخانا الكريم إلى أننا نحرص على شرح وجه تصحيح الحديث أو تضعيفه إذا كان الحديث مدار المسألة، وينبني عليه الحكم فيها. والحديث الذي نذكر صحته أو ضعفه، دون تفصيل أو بيان سبب لذلك فنحن نحيل في كلامنا على من حكم عليه بذلك من أهل العلم الثقات الذين يؤخذ عنهم ذلك العلم، ويرجع إلى قولهم فيه، ونبين الكتاب الذي ورد فيه، وموضعه منه بالتحديد، وبإمكان القارئ أن يرجع إلى المصدر المنقول عنه، ليتوسع في تفاصيل ذلك، إن كان التفصيل يعنيه. وأحيانا يذكر الحديث عرضا وليس قصدا، فنختصر الحكم عليه في جملة قصيرة تبين حاله، ولا نفصل خشية التطويل أو الإملال، ذلك أن موقعنا يرتاده فئات كثيرة من الناس، والظن أن أغلبهم غير متخصص في فهم مصطلحات علماء الحديث وعباراتهم، ولذلك نحاول دائما التوسط في الشرح والتفصيل، فلا نخلي الجواب من الفائدة، ولا نُطَوِّلُ الشيء الكثير. فنرجو إن كنتم ترغبون التأكد من صحة أحاديث معينة أو من ضعفها، مما يعنيكم شأنه، أن ترسلوا لنا نصوص هذه الأحاديث، كي نتمكن من بحث الجواب المحدد عنها وإرساله لكم. وإن كان قصد السائل الكريم السؤال رقم: (14017) فأغلب الأحاديث المذكورة فيه مما ليس لها أصل ولا سند، وإنما يتناقلها بعض الصوفية وغيرهم في كتبهم وأحاديثهم من غير تثبت، وينسبونها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهي غير موجودة في كتب السنة أصلا، فلا تبقى حاجة إلى شرح سبب الضعف ما دام الحديث لا يروى بالسند أصلا، وهذا كاف في رده وعدم قبوله. وننبه هنا إلى أنه ليس ثمة " أحاديث صوفية " وأحاديث غير صوفية، إلا إن كان المقصود أحاديث كذبتها الصوفية، وهذا ليس غالبا، إذ الغالب – إذا كانت المسألة تتعلق بأمر ابتدعه بعض الصوفية - أنها أحاديث ضعيفة أو مكذوبة استغلها بعض الصوفية واستدلوا بها على بدعتهم، ولكن لا تسمى بالأحاديث الصوفية على جميع الأحوال. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 115769 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 204 حديث من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة [السُّؤَالُ] ـ[هل حديث: (من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ورد هذا الحديث عن ثمانية من الصحابة: أشهرها وأكثرها طرقا حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه. وورد أيضا عن عبد الله بن عمر، وأبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود، وأنس، وعلي بن أبي طالب، رضي الله عنهم جميعا. وورد عن الشعبي مرسلاً. وعامة أهل العلم على تضعيف هذا الحديث من جميع طرقه التي أوردها الحافظ الدارقطني في "السنن" (كتاب الصلاة/باب ذكر قوله صلى الله عليه وسلم من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة واختلاف الروايات) (1/323) ، وضعفها كلها هناك. وكذلك فعل الإمام البيهقي في جزء خاص سماه: "القراءة خلف الإمام"، وفي "السنن الكبرى" (2/159) (كتاب الصلاة/ باب من قال لا يقرأ خلف الإمام على الإطلاق) قال الإمام البخاري رحمه الله: " هذا خبر لم يثبت عند أهل العلم من أهل الحجاز، وأهل العراق، وغيرهم؛ لإرساله وانقطاعه " انتهى. "خير الكلام في القراءة خلف الإمام" (ص/9) مكتبة الإيمان – الطبعة الثانية – 1405هـ. وقال المجد ابن تيمية رحمه الله: " وقد روي مسندا من طرق كلها ضعاف، والصحيح أنه مرسل " انتهى. "منتقى الأخبار" (رقم/700) وقال ابن الجوزي رحمه الله: " لهذا الحديث طرق: عن جابر، وعن علي، وابن عمر، وابن عباس، وعمران بن حصين: ليس فيها ما يثبت " انتهى. "العلل المتناهية" (1/428) وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله: " روي هذا الحديث من طرق، ولا يصح شيء منها عن النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى. "تفسير القرآن العظيم" (1/109) وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " لكنه حديث ضعيف عند الحفاظ، وقد استوعب طرقه وعلله الدارقطني وغيره " انتهى. "فتح الباري" (2/242) وقال أيضا رحمه الله: " حديث: (من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة) مشهورٌ من حديث جابر رضي الله عنه، وله طرق عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، وكلها معلولة " انتهى. "تلخيص الحبير" (1/232) وقال النووي رحمه الله: " ضعيف " انتهى. "الخلاصة" (1/377) وقد نص على ضعفه أيضا كثير من أصحاب الرأي أتباع أبي حنيفة، وإن قالوا بمضمونه بسقوط القراءة عن المأموم مطلقا. جاء في "معرفة السنن والآثار" (رقم/953) للبيهقي قال: " أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت سلمة بن محمد الفقيه، يقول: سألت أبا موسى الرازي الحافظ عن الحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان له إمام، فقراءة الإمام له قراءة) ؟ فقال: لم يصح فيه عندنا عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء، إنما اعتمد مشايخنا فيه الروايات عن علي، وعبد الله بن مسعود، والصحابة. قال أبو عبد الله – هو الحاكم صاحب المستدرك -: أعجبني هذا لمَّا سمعته، فإن أبا موسى أحفظ من رأينا من أصحاب الرأي على أديم الأرض " انتهى. وللتوسع في تخريج الحديث ينظر: "نصب الراية" للزيلعي (2/6) ، "إرواء الغليل" للشيخ الألباني (2/268) وأما حكم قراءة المأموم خلف الإمام، فهي من مسائل الخلاف بين أهل العلم؛ وقد سبق في موقعنا بيان أن الصحيح وجوب قراءة صلاة الفاتحة على الجميع: الإمام والمأموم والمنفرد، وفي جميع الصلوات أيضا: السرية والجهرية. فيرجى مراجعة ذلك في جواب السؤال رقم: (10995) ، (74999) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 115569 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 205 حديث من أصبح منكم آمنا في سربه [السُّؤَالُ] ـ[ما صحة هذا الحديث: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بأسرها) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث يرويه سَلَمَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مِحْصَنٍ الخَطْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ - وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا) رواه البخاري في "الأدب المفرد" (رقم/300) والترمذي في "السنن" (2346) وقال: حسن غريب. وقال الشيخ الألباني رحمه الله بعد تخريجه الحديث عن جماعة من الصحابة: " وبالجملة، فالحديث حسن إن شاء الله بمجموع حديثي الأنصاري وابن عمر. والله أعلم. انتهى. "السلسلة الصحيحة" (رقم/2318) يقول المباركفوري رحمه الله في شرح هذا الحديث: " قوله: (من أصبح منكم) أي: أيها المؤمنون. (آمناً) أي: غير خائف من عدو. (في سِربه) أي: في نفسه، وقيل: السرب: الجماعة، فالمعنى: في أهله وعياله. وقيل بفتح السين أي: في مسلكه وطريقه، وقيل بفتحتين أي: في بيته. كذا ذكره القاري عن بعض الشراح. وقال التوربشتي: (معافى) اسم مفعول من باب المفاعلة، أي: صحيحاً سالماً من العلل والأسقام. (في جسده) أي: بدنه ظاهراً وباطناً. (عنده قوت يومه) أي: كفاية قوته من وجه الحلال. (فكأنما حيزت) : بصيغة المجهول من الحيازة، وهي الجمع والضم. (له) الضمير عائد لـ (من) ، وزاد في " المشكاة ": " بحذافيرها ". قال القاري: أي: بتمامها، والحذافير الجوانب، وقيل الأعالي، واحدها: حذفار أو حذفور. والمعنى: فكأنما أعطي الدنيا بأسرها " انتهى. "تحفة الأحوذي" (7/11) وقال المناوي رحمه الله: " يعني: من جمع الله له بين عافية بدنه، وأمن قلبه حيث توجه، وكفاف عيشه بقوت يومه، وسلامة أهله، فقد جمع الله له جميع النعم التي من ملك الدنيا لم يحصل على غيرها، فينبغي أن لا يستقبل يومه ذلك إلا بشكرها، بأن يصرفها في طاعة المنعم، لا في معصية، ولا يفتر عن ذكره. قال نفطويه: إذا ما كساك الدهرُ ثوبَ مصحَّةٍ * ولم يخل من قوت يُحَلَّى ويَعذُب فلا تغبطنّ المترَفين فإنه * على حسب ما يعطيهم الدهر يسلب " انتهى. "فيض القدير" (6/88) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114984 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 206 يسأل عن حديث يحض على تعلم القراءة [السُّؤَالُ] ـ[ما صحة هذا الحديث: (الذي يقرأ جميل في نظر ربه، فتعلموا القراءة، وإذا تعلمتم فدرسوها) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لعل لفظ الحديث المقصود في السؤال، هو ما رواه عثمان بن عفان رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ) رواه البخاري (5027) والحث على تعلم قراءة القرآن كثير في الكتاب والسنة، وهو أيضا حث على تعلم القراءة، فقد كان القرآن الكريم الكتاب الوحيد الذي يقرؤه المسلمون في صدر الإسلام، فكان تعلم القراءة والكتابة يبدأ من تعلم القرآن الكريم، بل جاء الأمر بتعلم القراءة في أول كلمة من الوحي الذي نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث يقول سبحانه وتعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) العلق/1-5 فانتشر العلم وقل الجهل نتيجة تعلم قراءة القرآن وكتابته وتفهم معانيه. أما إن كان المقصود حديثا آخر فيه أن الله يحب الذين يتعلمون القراءة مطلقا، فلم نقف على لفظه في كتب السنة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114878 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 207 حديث من لم يعرف إمام زمانه يموت موتة الكافر من كذب الشيعة [السُّؤَالُ] ـ[أريد شرحا لهذا الحديث؛ لأن الشيعة دائما يستدلون به: (من لم يعرف إمام زمانه، يموت موتة الكافر) ]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الشيعة من أجهل الناس في المنقولات، وأحمقهم في العقليات، إذا استدلوا فلا يستدلون بدليل صحيح، وإذا تكلموا فلا يتكلمون برأي رجيح. قال الشعبي رحمه الله: " لو كانت الشيعة من الطير لكانت رخَما، ولو كانت من البهائم لكانت حُمُرا " رواه عبد الله بن أحمد في السنة (2/549) . وهذا الحديث الذي يستدلون به مثال على ذلك، فقد امتلأت به كتب الشيعة من المتقدمين والمتأخرين، فأورده الكليني في "الكافي"، وابن بابويه القمي، والطوسي، والبرقي، والنعماني، والحر العاملي، والمجلسي، والبحراني، وغيرهم من الذين سطروا مخازي الشيعة في كتبهم. ومع ذلك فليس لهذا الحديث إسناد يعرف، ولا طريق يعتمد، بل هو – باللفظ المذكور – كذب على النبي صلى الله عليه وسلم. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله – في رده على " الحلي " الرافضي استدلاله بهذا الحديث -:" قوله: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية) يقال له: أولا: من روى هذا الحديث بهذا اللفظ؟ وأين إسناده؟ وكيف يجوز أن يحتج بنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير بيان الطريق الذي به يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله، وهذا لو كان مجهول الحال عند أهل العلم بالحديث، فكيف وهذا الحديث بهذا اللفظ لا يعرف، إنما الحديث المعروف مثل ما روى مسلم في صحيحه عن نافع قال: جاء عبد الله بن عمر إلى عبد الله بن مطيع حين كان من أمر الحرة ما كان زمن يزيد ابن معاوية، فقال: اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة، فقال إني لم آتك لأجلس، أتيتك لأحدثك حديثا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله، سمعته يقول: (من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية) وهذا حدث به عبد الله بن عمر لعبد الله بن مطيع بن الأسود لما خلعوا طاعة أمير وقتهم يزيد، مع أنه كان فيه من الظلم ما كان، ثم إنه اقتتل هو وهم، وفعل بأهل الحرة أمورا منكرة، فعلم أن هذا الحديث دل على ما دل عليه سائر الأحاديث الآتية من أنه لا يخرج على ولاة أمور المسلمين بالسيف، وأن من لم يكن مطيعا لولاة الأمور مات ميتة جاهلية، وهذا ضد قول الرافضة، فإنهم أعظم الناس مخالفة لولاة الأمور، وأبعد الناس عن طاعتهم إلا كرها، ونحن نطالبهم أولا بصحة النقل. ثم بتقدير أن يكون ناقله واحدا، فكيف يجوز أن يثبت أصل الإيمان بخبر مثل هذا الذي لا يعرف له ناقل، وإن عرف له ناقل أمكن خطؤه وكذبه، وهل يثبت أصل الإيمان إلا بطريق علمي. "منهاج السنة النبوية" (1/59) ويقول الشيخ الألباني رحمه الله: " وهذا الحديث رأيته في بعض كتب الشيعة، ثم في بعض كتب القاديانية، يستدلون به على وجوب الإيمان بدجالهم ميرزا غلام أحمد المتنبي، ولو صح هذا الحديث لما كان فيه أدنى إشارة إلى ما زعموا، وغاية ما فيه وجوب اتخاذ المسلمين إماما يبايعونه، وهذا حق كما دل عليه حديث مسلم وغيره. ثم رأيت الحديث في كتاب " الأصول من الكافي " للكليني من علماء الشيعة (1/377) ، رواه عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان، عن الفضيل، عن الحارث بن المغيرة، عن أبي عبد الله مرفوعا، وأبو عبد الله هو الحسين بن علي رضي الله عنهما. لكن الفضيل هذا - وهو الأعور - أورده الطوسي الشيعي في "الفهرست" (ص126) ، ثم أبو جعفر السروي في "معالم العلماء" (ص81) ، ولم يذكرا في ترجمته غير أن له كتابا! وأما محمد بن عبد الجبار فلم يورداه مطلقا، وكذلك ليس له ذكر في شيء من كتبنا. فهذا حال هذا الإسناد الوارد في كتابهم " الكافي " الذي هو أحسن كتبهم كما جاء في المقدمة (ص 33) . ومن أكاذيب الشيعة التي لا يمكن حصرها قول الخميني في "كشف الأسرار" (ص197) : وهناك حديث معروف لدى الشيعة وأهل السنة، منقول عن النبي: ... ثم ذكره دون أن يقرنه بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، وهذه عادته في هذا الكتاب! فقوله: وأهل السنة كذب ظاهر عليهم؛ لأنه غير معروف لديهم كما تقدم، بل هو بظاهره باطل إن لم يفسر بحديث مسلم كما هو محقق في " المنهاج " و " مختصره "، وحينئذ فالحديث حجة عليهم فراجعهما " انتهى. "السلسلة الضعيفة" (رقم/350) وسئلت اللجنة الدائمة السؤال الآتي: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية) أو كما قال. فما المقصود بالحديث في العصر الراهن، وكيف نفهمه ونطبقه؟ فأجابت: الحديث الأول: لا نعلم صحته بهذا اللفظ. وأما الحديث الثاني: فأخرج الإمام مسلم في صحيحه عن نافع رحمه الله قال: لما خلعوا يزيد واجتمعوا على ابن مطيع أتاه ابن عمر رضي الله عنه، فقال عبد الله بن مطيع: اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة، فقال له عبد الله بن عمر: إني لم آتك لأجلس، أتيتك لأحدثك سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة ولا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة الجاهلية) . ومعنى الحديث: أنه لا يجوز الخروج على الحاكم (ولي الأمر) إلا أن يرى منه كفرا بواحا، كما جاء ذلك في الحديث الصحيح، كما أنه يجب على الأمة أن يؤمروا عليهم أميرا يرعى مصالحهم ويحفظ حقوقهم " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (4/419) إذا فالفرق بين أهل السنة والشيعة في هذين الحديثين هو أن الحديث الذي اخترعه الرافضة يوجب على المسلمين الإيمان بالإمامة التي هي في مقام النبوة عندهم، حيث يعتقدون العصمة للأئمة، ويعتقدون ولايتهم عن الله سبحانه وتعالى، ونحو ذلك من العقائد البدعية المضلة. أما أهل السنة فيفهمون من الحديث الصحيح الذي يرويه الإمام مسلم ضرورة طاعة ولاة أمور المسلمين – إذا أقاموا الدين والعدل -، وهو مضمون حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أيضا، حين قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ) رواه البخاري (3606) ومسلم (1847) ، فالمقصود لزوم جماعة المسلمين، وعدم شق عصا الفتنة والفرقة، والسمع للإمام الذي هو الحاكم في غير معصية. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114821 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 208 هل يكثر الموت في شهر شعبان؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل ورد أثر أن شعبان يكثر فيه قبض الأرواح؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الذي جاء في بعض الآثار أن أسماء من كُتب عليهم الموت في العام كله توحى إلى ملك الموت في شهر شعبان، ويخبر بأسمائهم في صحائف من عند الله سبحانه وتعالى، أو أن التقدير السنوي لآجال البشر يكتب في شعبان، فالموت يقدر في هذا الشهر بحسب ما ورد في هذه الآثار. لكنها آثار وأحاديث ضعيفة كلها، فلا ينبغي الاعتماد عليها، ولا التعويل على ما جاء فيها. قال القاضي أبو بكر ابن العربي رحمه الله: "وليس في ليلة النصف من شعبان حديث يُعوَّلُ عليه، لا في فضلها، ولا في نسخ الآجال فيها، فلا تلتفتوا إليها" انتهى. "أحكام القرآن" (4/117) . وقد سبق بيان ذلك، ونقل كلام أهل العلم في هذا الشأن في جواب السؤال رقم: (8907) ، (49675) ، (49678) . وننقل هنا - لمزيد فائدة – بعض ما ذكره السيوطي رحمه الله من الآثار المتعلقة بكتابة الآجال في شعبان، في كتابه "الدر المنثور" (7/401-402) ، ونعقب كل أثر بتعليق يسير. قال رحمه الله: " أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق محمد بن سوقة عن عكرمة: (فيها يفرق كل أمر حكيم) قال: في ليلة النصف من شعبان يبرم أمر السنة، وينسخ الأحياء من الأموات، ويكتب الحاج، فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أحد. وهذا مخالف للصواب الموافق لتفسير جماهير السلف للآية، أن المراد بها ليلة القدر، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (11722) . وأخرج ابن زنجويه والديلمي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان، حتى إن الرجل لينكح ويولد له وقد خرج اسمه في الموتى) . ضعفه الشوكاني في "فتح القدير" (4/801) ، وقال الألباني في "السلسلة الضعيفة" (رقم/6607) : منكر. وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء بن يسار قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر أكثر صياما منه في شعبان، وذلك أنه ينسخ فيه آجال من ينسخ في السنة. وهذا مرسل ضعيف. وأخرج أبو يعلى عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان كله، فسألته؟ قال: (إن الله يكتب فيه كل نفس ميتة تلك السنة، فأحب أن يأتيني أجلي وأنا صائم) . رواه أبو يعلى في "المسند" (8/311) وفي سنده سويد بن سعيد الحدثاني، ومسلم بن خالد الزنجي، وطريف، وكل منهم مضعف في كتب التراجم. وأخرج الدينوري في " المجالسة " عن راشد بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (في ليلة النصف من شعبان يوحي الله إلى ملك الموت بقبض كل نفس يريد قبضها في تلك السنة) . "المجالسة وجواهر العلم" (ص/206) ، وهو مرسل، وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (رقم/4019) . وأخرج ابن جرير والبيهقي في " شعب الإيمان " عن الزهري، عن عثمان بن محمد بن المغيرة بن الأخنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان، حتى إن الرجل ينكح ويولد له وقد خرج اسمه في الموتى) . قال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (رقم/6607) : منكر. وأخرج ابن أبي الدنيا عن عطاء بن يسار قال: إذا كان ليلة النصف من شعبان دفع إلى ملك الموت صحيفة، فيقال: اقبض من في هذه الصحيفة. فإن العبد ليفرش الفراش وينكح الأزواج ويبني البنيان وإن اسمه قد نسخ في الموتى. وهو مجرد قول لعطاء، ولم يَذْكر له إسناداً. وأخرج الخطيب وابن النجار عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان كله حتى يصله برمضان، ولم يكن يصوم شهرا تاما إلا شعبان، فقلت: يا رسول الله! إن شعبان لَمِن أحب الشهور إليك أن تصومه؟ فقال: " نعم يا عائشة! إنه ليس نفس تموت في سنة إلا كتب أجلها في شعبان، فأحب أن يكتب أجلي وأنا في عبادة ربي وعمل صالح) . ولفظ ابن النجار: (يا عائشة! إنه يكتب فيه ملك الموت من يقبض، فأحب أن لا ينسخ اسمي إلا وأنا صائم) . رواه الخطيب في "تاريخ بغداد" (4/436) وفي إسناده أبو بلال الأشعري ضعفه الدارقطني كما في "ميزان الاعتدال" (4/507) ، وفيه أحمد بن محمد بن حميد المخضوب، أبو جعفر المقرئ، قال فيه الدارقطني: ليس بالقوي. فالحديث ضعيف جدا. والحاصل: أنه لم يصح في كثرة الموت في شعبان حديث صحيح. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 113939 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 209 هل ذكرت التحيات في قصة المعراج؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما صحة قصة أن لفظ: (التحيات) كانت عندما عرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء، ووصل سدرة المنتهى، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (التحيات لله والصلوات والطيبات، فقال الله: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، فقالت الملائكة: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) ، فهذه القصة تدرس للأطفال في المدارس لتساعدهم على حفظ التحيات؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يعرف لهذه القصة أصل ولا سند، ولم نقف لها على أثر في كتب السنة الصحيحة، وقصة المعراج ثابتة بتفاصيلها في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما، وليس فيها شيء عن مناسبة ذكر التشهد المعروف في الصلاة، وكذلك لم يرد شيء عن هذه القصة حين عَلَّمَ النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة الكرام هذا التشهد. فقد روى الشيخان: البخاري (6328) ومسلم (402) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: (كُنَّا نَقُولُ فِي الصَّلَاةِ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ: إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ، فَإِذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَقُلْ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ. - فَإِذَا قَالَهَا أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ لِلَّهِ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ - أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ) . وغاية ما وقفنا عليه في هذه القصة: ما تنقله بعض كتب التفسير عند قوله تعالى: (سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) يّس /58، فقالوا: " يشير إلى السلام الذي سلمه الله على حبيبه عليه السلام ليلة المعراج إذ قال له: " السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته "، فقال في قبول السلام: " السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين " انتهى. انظر "روح المعاني" للآلوسي" (3/38) . وما يذكره بعض شراح السنة عند الكلام على حديث التشهد، ذكره بدر الدين العيني في "شرح سنن أبي داود" (4/238) ، ونقله الملا علي القاري في "مرقاة المفاتيح" عن ابن الملك، وكذلك تذكره هذه القصة في بعض كتب الفقه، مثل حاشية "تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق" (1/121) ، وفي بعض كتب الصوفية كالقسطلاني والشعراني. وجميع ذلك ذكر معلق غير مسند، فلا يجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، كما لا يجوز تعليمه الأولاد الصغار، لأنه لا يعرف له أصل صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد اتفق أهل العلم على حرمة رواية الأحاديث الموضوعة إلا على سبيل التكذيب والتحذير. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 113952 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 210 حديث جابر في العبد الذي يدعو الله وهو عليه غضبان ثم يستجيب له [السُّؤَالُ] ـ[أرغب في معرفة صحة الحديث التالي: ورد في " الحلية " عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده، إن العبد ليدعو الله وهو عليه غضبان، فيعرض عنه، ثم يدعوه فيعرض عنه، فيقول سبحانه لملائكته: أبى عبدي أن يدعو غيري، فقد استحييت منه، يدعوني وأعرض عنه، أشهدكم أني قد استجبت له) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث رواه الطبراني في "الدعاء" (1/28) ، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (6/208) ، والديلمي في "مسند الفردوس" (رقم/7088) ، جميعهم من طريق: عبد الأعلى بن حماد النرسي، ثنا أبو عاصم العباداني، عن الفضل بن عيسى الرقاشي، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه ... فذكره. وهذا إسناد ضعيف جدا. فيه الفضل بن عيسى الرقاشي: قال فيه أبو زرعة وأبو حاتم: منكر الحديث. وقال أحمد: ضعيف. وسئل أبو داود عن التحديث عنه فقال: لا، ولا كرامة. انظر: "تهذيب التهذيب" (8/284) . وأبو عاصم العباداني: لين الحديث. ومع ذلك، فالإلحاح في الدعاء من أسباب الإجابة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 113002 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 211 هل ورد حديث صحيح في فضل عنترة بن شداد؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل صح ورود حديث عن فضل عنترة بن شداد، فيه أنه اجتمع فيه صفات الرجل المسلم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يقول الزركلي في ترجمة عنترة: " عنترة بن شداد بن عمرو بن معاوية ابن قراد العبسي: أشهر فرسان العرب في الجاهلية، ومن شعراء الطبقة الأولى. من أهل نجد. أمه حبشية اسمها زبيبة، سرى إليه السواد منها. وكان من أحسن العرب شيمة، ومن أعزهم نفسا، يوصف بالحلم على شدة بطشه، وفي شعره رقة وعذوبة. وكان مغرما بابنة عمه " عبلة "، فقل أن تخلو له قصيدة من ذكرها. اجتمع في شبابه بامرئ القيس الشاعر، وشهد حرب داحس والغبراء، وعاش طويلا، وقتله الأسد الرهيص أو جبار بن عمرو الطائي. ينسب إليه " ديوان شعر - ط " أكثر ما فيه مصنوع. و " قصة عنترة - ط " خيالية يعدها الإفرنج من بدائع آداب العرب، وقد ترجموها إلى الألمانية والفرنسية، ولم يعرف واضعها. وللمستشرق الألماني (توربكي) كتاب عن " عنترة " طبع في هيدلبرج سنة 1868 م، ولمحمد فريد أبي حديد " أبو الفوارس عنتر بن شداد - ط، " ولفؤاد البستاني " عنتر بن شداد - ط " " انتهى. "الأعلام" (5/91) ولم يرد في كتب السنة والآثار – فيما علمنا - أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر عنترة بن شداد العبسي (المتوفى سنة 22 قبل الهجرة) في حديث واحد، ومع ذلك وجدنا بعض الناس ينقلون أن النبي صلى لله عليه وسلم يقول: (لم أسمع وصف عربي أحببتُ أن أقابله أكثر من عنترة) ولكن هذا أيضا لا أصل له، فلا يجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز التحديث به إلا على وجه الرد والتضعيف. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112966 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 212 حديث الأعرابي الذي يقول إن سألني لأسألنه [السُّؤَالُ] ـ[أود أن أستفسر عن حديث الأعرابى للرسول صلى الله عليه وسلم، فى كلامه عن الله عز وجل: (إن سألني لأسألنه: إن سألني عن ذنوبي سألته عن مغفرته) وأظن حضراتكم تعلمون بقية الحديث. هل هذا الحديث صحيح؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث من الأحاديث المكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم المنتشرة بين الناس. وقد سئل عنه الشيخ حاتم الشريف فقال: " إن الحديث المذكور يصلح مثالاً للأحاديث التي تظهر فيها علامات الوضع والكذب، وفيه من ركاكة اللفظ، وضعف التركيب، وسمج الأوصاف، ولا يَشُكُّ من له معرفة بالسنة النبوية وما لها من الجلالة والجزالة أنه لا يمكن أن يكون حديثاً صحيحاً ثابتاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم أجده بهذا اللفظ، وليت أن السائل يخبرنا بالمصدر الذي وجد فيه هذا الحديث ليتسنى لنا تحذير الناس منه. على أن أبا حامد الغزالي على عادته رحمه الله قد أورد حديثاً باطلاً في "إحياء علوم الدين" (4/130) قريباً في مضمونه من الحديث المسؤول عنه، وفيه أن أعرابياً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! من يلي حساب الخلق يوم القيامة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: الله تبارك وتعالى، قال: هو بنفسه؟ قال: نعم، فتبسم الأعرابي، فقال صلى الله عليه وسلم: ممَّ ضحكت يا أعرابي؟ قال: إن الكريم إذا قدر عفا، وإذا حاسب سامح.. إلى آخر الحديث. وقد قال العراقي عن هذا الحديث:" لم أجد له أصلاً " وذكره السبكي ضمن الأحاديث التي لم يجد لها إسناداً (تخريج أحاديث الإحياء: رقم 3466، وطبقات الشافعية الكبرى: 6/364) ، ومع ذلك فالنصوص الدالة على سعة رحمة الله تعالى وعظيم عفوه عز وجل وقبوله لتوبة التائبين واستجابته لاستغفار المستغفرين كثيرة في الكتاب وصحيح السنة. قال تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82 وقال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) الشورى/25 وقال تعالى: (ورحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ) الأعراف/156 وفي الصحيحين البخاري (7554) ومسلم (2751) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله كتب كتاباً قبل أن يخلق الخلق إن رحمتي سبقت غضبي) والله أعلم " انتهى. http://saaid.net/Doat/Zugail/321.htm والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112781 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 213 من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم [السُّؤَالُ] ـ[في معنى الحديث (من لم يهتمَّ بأمر المسلمين فليس منهم) . أريد التأكد من صحة الحديث، وراوي الحديث.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث جاء مرويا عن جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم، ولكن الطرق إليهم كلها منكرة شديدة الضعف، وهذا بيان ذلك: الحديث الأول: عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أصبح والدنيا أكبر همه فليس من الله في شيء، ومن لم يتق الله فليس من الله في شيء، ومن لم يهتم للمسلمين عامة فليس منهم) روي هذ الحديث من عدة طرق عن حذيفة: 1- عن شقيق بن سلمة عن حذيفة به: رواه الحاكم في "المستدرك" (4/352) وابن الجوزي في "الموضوعات" (3/132) من طريق إسحاق بن بشر، ثنا سفيان الثوري، عن الأعمش، عن شقيق به. وهذا إسناد شديد الضعف منكر: بسبب إسحاق بن بشر، جاء في ترجمته في "ميزان الاعتدال" (1/184) : " قال ابن حبان: لا يحل حديثه إلا على جهة التعجب. وقال الدارقطني: كذاب متروك. يروي العظائم عن ابن إسحاق وابن جريج والثوري " انتهى. ولذلك قال الذهبي في "التلخيص": " أحسب الخبر موضوعا " انتهى. وقال ابن الجوزي: " هذا حديث لا يصح، والمتهم به إسحاق " انتهى. وضعفه العراقي في "تخريج الإحياء" (2/180) 2- عن أبي العالية عن حذيفة: أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (7/270) "والصغير" (2/131) ، وعنه أبو نعيم في "أخبار أصبهان" (2/252) : من طريق عبد الله بن أبي جعفر الرازي، عن أبيه، عن الربيع، عن أبي العالية به. وقال الطبراني: لايروى هذا الحديث عن حذيفة إلا بهذا الإسناد، تفرد به عبد الله بن أبي جعفر الرازي. وهذا سند ضعيف منكر: فرواية عبد الله عن أبي جعفر محل طعن ومظنة نكارة، لذلك قال ابن حبان: يعتبر حديثه من غير روايته عن أبيه. فمثله لا يحتمل تفرده بحديث لم يشاركه فيه سوى المتهمين والمجهولين. انظر ترجمة عبد الله بن أبي جعفر في "تهذيب التهذيب" (12/57) وفي (5/177) وله طريق ثالث ذكره السيوطي في "اللآلئ المصنوعة" للسيوطي (2/266) ، وضعف الشيخ الألباني سنده جدا، بسبب من فيها من المتهمين، وبعض المجاهيل. الحديث الثاني: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أصبح وهمه غير الله عز وجل فليس من الله في شيء، ومن لم يهتم للمسلمين فليس منهم) رواه الحاكم في "المستدرك" (4/356) وأبو عبد الله الدقاق في "مجلس إملاء في رؤية الله" (رقم/396) وابن بشران في "الأمالي" (رقم/395) : من طريق: إسحاق بن بشر، حدثنا مقاتل بن سليمان، عن حماد، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن ابن مسعود مرفوعا به. وهذا إسناد منكر أيضا. فقد سبق نقل طعن أهل العلم في إسحاق بن بشر، ولذلك قال الذهبي في " تلخيص المستدرك ": إسحاق ومقاتل ليسا بثقتين ولا صادقين. الحديث الثالث: عن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أصبح وهمه الدنيا فليس من الله في شيء، ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، ومن أعطى الذلة من نفسه طائعا غير مكره فليس منا) أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (1/29) من طريق طريق يزيد بن ربيعة، عن أبي الأشعث الصنعاني، عن أبي عثمان النهدي، عن أبي ذر به. وقال: تفرد به يزيد بن ربيعة. وهذا إسناد منكر أيضا. فيه يزيد بن ربيعة الرحبي: قال فيه البخاري: أحاديثه مناكير. وقال النسائي: متروك. انظر "ميزان الاعتدال" (4/422) ، وبه ضعفه الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/433) ، وضعفه العراقي في "تخريج الإحياء" (2/180) . الحديث الرابع: عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أصبح وهمه غير الله فليس من الله، ومن أصبح لا يهتم للمسلمين فليس منهم) رواه ابن عدي في "الكامل" (7/67) ، والبيهقي في "شعب الإيمان" (7/361) من طريق وهب بن راشد، ثنا فرقد السبخي، عن أنس به. وهذا إسناد منكر. فيه وهب بن راشد: قال فيه الدارقطني: متروك، وقال ابن حبان: لا يحل الاحتجاج به بحال. "ميزان الاعتدال" (4/352) وقال البيهقي: إسناده ضعيف. وفيه أيضا فرقد السبخي ضعيف الحديث، كثير الخطأ. والحاصل أن طرق الحديث جميعها ضعيفة شديدة الضعف، لا تتقوى بتعددها، فلا يجوز نسبة الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ضعف الحديث من جميع طرقه الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (رقم/309-312) ولكن يغني عنه جميع الشواهد من الكتاب والسنة التي تدعو المؤمنين إلى التحابب والتراحم، ومراعاة الأخوة الإيمانية فيما بينهم، ومنها قوله سبحانه وتعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) الحجرات/10، وقوله صلى الله عليه وسلم: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى) رواه البخاري (6011) ومسلم (2586) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112495 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 214 حديث موضوع في الوعيد على من ترك الصلوات الخمس [السُّؤَالُ] ـ[ما صحة نسبة هذا الحديث للرسول صلى الله عليه وسلم: (من ترك صلاة الصبح فليس في وجهه نور، ومن ترك صلاة الظهر فليس في رزقه بركة، ومن ترك صلاة العصر فليس في جسمه قوة، ومن ترك صلاة المغرب فليس في أولاده ثمرة، ومن ترك صلاة العشاء فليس في نومه راحة) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سئلت "اللجنة الدائمة" (المجموعة الثانية 3/259) عن هذا الحديث وأحاديث أخرى، فأجابت عليها بقولها: " هذه الأحاديث لم تُعزَ إلى كتاب من كتب السنة، ولا نعلم لها أصلا بعد البحث عنها، فالواجب منع توزيعها ونشرها " انتهى. كما سئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في برنامج نور على الدرب في تاريخ 20/محرم/1427هـ (الدقيقة 17-19 من الشريط) عن هذا الحديث فقال: " هذا لا أصل له فيما أعلم، وجاء الوعيد فيمن ترك الصلاة من القرآن ومن السنة النبوية الصحيحة، فيُكتَفى بما جاء، من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (بَينَ العَبدِ وَبَينَ الكُفرِ تَركُ الصَّلاةِ) رواه مسلم، وقوله صلى الله عليه وسلم: (العَهدُ الذِي بَينَنَا وَبَينَهُمُ الصَّلاةُ، فَمَن تَرَكَهَا فَقَد كَفَرَ) رواه أهل السنن. والله عز وجل يقول عن المجرمين: (مَا سَلَكَكُمْ فِيْ سَقَرَ، قَالُوْا لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلِّينَ) السبب الأول الذي أوردهم سقر هو أنهم تركوا الصلاة، فترك الصلاة كفر والعياذ بالله، مخرج من الملة، سواء تركها جاحدا لوجوبها أو تركها معترفا بوجوبها، إلا من تركها ناسيا أو نائما.. وأما هذا الذي ذكره السائل فلا أعرف له أصلا، وكذلك ما يوزع من بعض النشرات (مَن ترك الصلاة عوقب بخمس عشرة عقوبة) لا أصل له " انتهى. فعلى هذا لا يجوز نشر هذا الحديث، ولا نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بل الواجب التحذير منه، وبيان أنه لا أصل له في كتب أهل السنة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112176 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 215 هل يعرف الميت من يزوره من الأحياء؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل صحيح أن الميت تكون روحه في قبره يوم الجمعة فيعرف من يأتي إليه زائرا ويستأنس به؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عالم البرزخ من عالم الغيب الذي لا سبيل إلى العلم بتفاصيله إلا من جهة الخبر الصادق: الكتاب والسنة الصحيحة، وقد جاء فيهما كثير من التفاصيل التي تتحدث عن ما يواجهه الإنسان بعد الموت. ومن التفاصيل التي وردت في ذلك: أن الميت يتعرف إلى من يزوره من الأحياء إذا كان يعرفهم في الدنيا، روى ذلك ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي الله صلى الله عليه وسلم: (ما من أحد مر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا، فسلم عليه، إلا عرفه ورد عليه السلام) رواه ابن عبد البر في "الاستذكار" (1/185) قال: أخبرنا أبو عبد الله عبيد بن محمد، قراءة مني عليه سنة تسعين وثلاثمائة في ربيع الأول، قال: أملت علينا فاطمة بنت الريان المستملي، في دارها بمصر في شوال سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة، قالت: حدثنا الربيع بن سليمان المؤذن صاحب الشافعي، قال حدثنا: بشر بن بكير، عن الأوزاعي، عن عطاء، عن عبيد بن عمير، عن ابن عباس به. وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات معروفون، إلا شيخ ابن عبد البر، وفاطمة بنت الريان، لم أقف لهما على ترجمة، غير أن توثيقهما مستفاد من تصحيح ابن عبد البر نفسه لهذا الحديث، إذ لا يمكن أن يصحح حديثا وهو لا يعرف من حدثه بها بالتوثيق، وما زال علماء الحديث يوثقون الرواة إذا رأوا من يصحح الأسانيد التي ورد ذكرهم فيها. كما نقل ابن تيمية عن عبد الله بن المبارك ثبوت هذا الحديث، فقال: " قال ابن المبارك: ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى. "مجموع الفتاوى" (24/331) وكذلك صحح الحديث من المتأخرين: الحافظ عبد الحق الإشبيلي، والقرطبي في "المفهم" (1/500) ، وابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (24/173) ، والعراقي في تخريج "إحياء علوم الدين" (4/491) ، والزبيدي في "شرح الإحياء" (10/365) ، والسيوطي في "الحاوي" (2/302) ، والعظيم أبادي في "عون المعبود" (3/261) ، والشوكاني في "نيل الأوطار" (3/304) وغيرهم. وللحديث شاهدان آخران عن أبي هريرة، وعن عائشة رضي الله عنهما، لكن في أسانيدهما ضعف لا يصلحان معه للاعتبار. انظر "السلسلة الضعيفة" للشيخ الألباني (رقم/4493) ومما يقوي هذا الحديث أيضا الآثار المتكاثرة الواردة عن السلف في هذا الباب، حتى قال ابن القيم رحمه الله: " والسلف مجمعون على هذا، وقد تواترت الآثار عنهم بأن الميت يعرف زيارة الحي له ويستبشر به " انتهى. "الروح" (ص/5) ، ومثله يقول ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (6/325) وقد جمع هذه الآثار الحافظ ابن أبي الدنيا في كتاب "القبور"، تحت باب " معرفة الموتى بزيارة الأحياء "، والقرطبي في "التذكرة"، كما جمعها الحافظ السيوطي في "شرح الصدور في أحوال الموتى وزيارة القبور" وأما العلماء المتأخرون، فأكثرهم على تقرير هذا الوارد في كتب الأثر. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه: " الروح تشرف على القبر، وتعاد إلى اللحد أحيانا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من رجل يمر بقبر الرجل كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام) ، والميت قد يعرف من يزوره، ولهذا كانت السنة أن يقال: (السلام عليكم أهل دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، ويرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين) " انتهى. "مجموع الفتاوى" (24/303-304) أما تخصيص الزيارة التي يتعرف بها الميت إلى الحي في يوم الجمعة فلا يثبت بدليل صحيح. جاء في "حاشية نهاية المحتاج" (3/36) : " قوله: (فيسلم عليه) أي في جميع أيام الأسبوع , ولا يختص ذلك بالأوقات التي اعتيدت الزيارة فيها. وقوله: (إلا عرفه ورد عليه السلام) : فيه إشارة إلى أنه يؤدي إلى المسلم حقه ولو بعد الموت , وأن الله تعالى يعطيه قوة بحيث يعلم المسلم عليه ويرد عليه , ومع ذلك لا ثواب فيه للميت على الرد ; لأن تكليفه انقطع بالموت " انتهى. ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " تخصيص ذلك بيوم الجمعة لا وجه له؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (زوروا القبور فإنها تذكر الموت) ، وثبت عنه أنه زار البقيع ليلا كما في حديث عائشة الطويل المشهور، وعلى هذا فتخصيص معرفته للزائر بيوم الجمعة لا وجه له، كذلك روى أصحاب السنن بسند صححه ابن عبد البر وأقره ابن القيم في كتاب الروح، أنه: (ما من رجل يسلم على مسلم يعرفه في الدنيا إلا رد الله عليه روحه فرد عليه السلام) في أي وقت " انتهى. "لقاء الباب المفتوح" (لقاء رقم/9، سؤال رقم/37) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111939 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 216 أحاديث في اقتران الإجابة بالدعاء [السُّؤَالُ] ـ[أرغب في معرفة صحة هذه الأحاديث: 1- روى الطبراني عن عبد الله بن مسعود مرفوعا: (من أعطي الدعاء أعطي الإجابة، لأن الله تعالى يقول ادعوني استجب لكم) . 2- عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ماكان الله ليفتح لعبد باب الدعاء ويغلق عنه باب الإجابة، الله أكبر من ذلك) . انظر: جامع العلوم والحكم للحافظ ابن رجب معزوا للطبراني، وعزاه الهيثمي في شرح الأربعين للطبراني، وعزاه في كنز العمال للديلمي. وفي الحلية لأبي نعيم عن أنس رضي الله عنه مرفوعا: (ما أذن الله لعبد في الدعاء حتى أذن له بالإجابة) انظر الفتح الكبير. 3- روى الترمذي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا فتح على العبد الدعاء فليدع ربه فإن الله يستجيب له) . 4- روى أبو يعلى بإسناده عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل: (أربع خصال واحدة منهن لي وواحدة لك وواحدة فيما بيني وبينك وواحدة فيما بينك وبين عبادي فأما التي لي لا تشرك بي شيئا وأما التي لك علي فما عملت من خير جزيتك به وأما التي بيني وبينك فمنك الدعاء وعلي الإجابة وأما التي بينك وبين عبادي فارض لهم ماترض لنفسك) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: هذه الأحاديث تتعلق بموضوع واحد، وهو باب اقتران الإجابة بالدعاء، وهي – وإن كانت ضعيفة لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم – إلا أن القرآن الكريم جاء بمقتضى ما فيها، ويشهد لمعانيها، حيث يقول الله عز وجل: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) البقرة/186. غير أن الإجابة التي وعد الله بها يجب أن تسبقها بعض الشروط التي تحقق القبول عند الله عز وجل. قال الطبراني في "المعجم الصغير" (2/198) : " وقد افتتن جماعة ممن لا علم لهم، بأن يقولوا ندعوا ولا يستجاب لنا، وهذا رد على الله عز وجل؛ لأن الله يقول وقوله الحق: (ادعوني استجب لكم) وقال: (إذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان) ، ولهذا معنى لا يعرفه إلا أهل العلم والمعرفة، وقد فسره النبي صلى الله عليه وسلم: روى أبو سعيد الخدري وجماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يدعو الله بدعوة إلا استجاب له، فهو من دعوته على إحدى ثلاث: أما أن يعجل له في الدنيا، وإما أن تدخر في الآخرة، وإما أن يدفع عنه من البلاء مثلها) " انتهى. وقال ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" (1/392) : " لكن الدعاء سبب مقتض للإجابة، مع استكمال شرائطه، وانتفاء موانعه، وقد تتخلف الإجابة لانتفاء بعض شروطه، أو وجود بعض موانعه " انتهى. ثانيا: أما أحكام الأحاديث الواردة في هذا السؤال، فهي على الوجه الآتي: 1- عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أَعطَى أربعًا أُعطِيَ أربعًا، وتفسير ذلك في كتاب الله: من أعطى الذكر ذكره الله؛ لأن الله يقول: (اذكروني أذكركم) . ومن أعطى الدعاء أعطي الإجابة؛ لأن الله يقول: (ادعوني استجب لكم) . ومن أعطى الشكر أعطي الزيادة؛ لأن الله يقول: (لئن شكرتم لأزيدنكم) . ومن أعطى الاستغفار أعطي المغفرة؛ لأن الله يقول: (استغفروا ربكم إنه كان غفارا) . رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (7/117-118) وفي "المعجم الصغير" (2/198) ، ومن طريقه الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" (1/247) ، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" (2/839) ، ورواه البيهقي في "شعب الإيمان" (4/126) ، وابن شاهين في "الترغيب في فضائل الأعمال وثواب ذلك" (رقم/532) ، وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" (1/360) لابن مردويه. وذكره الواقدي في "فتوح الشام" (266) . كلهم مِن طريق: محمد بن إسحاق بن موسى المروزي قال حدثنا محمود بن العباس صاحب بن المبارك قال حدثنا هشيم، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن ابن مسعود رضي الله عنه به. قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن الأعمش إلا هشيم تفرد به محمود بن العباس. ومحمود بن العباس هذا قد اتهمه الذهبي في "ميزان الاعتدال" (4/77) بوضع الحديث، وقال: "له خبر منكر. ثم ذكر هذا الحديث " انتهى. وقال في "تلخيص العلل المتناهية" (ص/307) : باطل. وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/152) : " فيه محمود بن العباس وهو ضعيف "انتهى. وقال ابن الجوزي: " هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، تفرد به محمود بن العباس وهو مجهول " انتهى. فهذا حديث ضعيف جدا، لا يصح بهذا اللفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم. 2- وأما حديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما كان الله ليفتح لعبد باب الدعاء ويغلق عنه باب الإجابة، الله أكرم من ذلك) فقد جاء من طريقين عن أنس رضي الله عنه: الأولى: عن جعفر بن محمد بن بريق قال حدثنا إبراهيم بن مهدي المصيصي قال حدثنا الحسن بن محمد البلخي عن حميد الطويل عن أنس بن مالك رضي الله عنه به. رواه العقيلي في "الضعفاء الكبير" (1/242) ، وقال: لا أصل له. ذكره ابن الجوزي في "الموضوعات" (3/171) وهذا إسناد ضعيف جدا بسبب الحسن بن محمد البلخي، قال فيه العقيلي: منكر الحديث ولا يتابع عليه وليس له أصل. الثانية: عن عبد الرحمن بن خالد بن نجيح قال: حدثنا حبيب قال: حدثنا محمد بن عمران، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن أنس مرفوعاً لكن بلفظ: (ما أذن الله لعبد في الدعاء حتى أذن له بالإجابة) . رواه أبو نعيم في "الحلية" (3/263) وقال: "حديث غريب من حديث ربيعة، تفرد به حبيب كاتب مالك عن محمد عنه" انتهى. وهذا إسناد ضعيف جدا أيضا، بسبب حبيب بن أبي حبيب، فهو متروك، وكذبه بعض أهل العلم، انظر ترجمته في "تهذيب التهذيب" (2/182) ، وعبد الرحمن بن خالد بن نجيح قال فيه الدارقطني: متروك الحديث. انظر "لسان الميزان" (3/413) . ولذلك حكم الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (رقم/4416) على هذا الحديث بقوله: موضوع. 3. وأما حديث ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا فتح على العبد الدعاء فليدع ربه فإن الله يستجيب له) . فلم نجده بهذا اللفظ عن ابن عمر رضي الله عنهما، وقد عزاه السيوطي في الجامع الكبير إلى الترمذي، والظاهر أنه يقصد الحكيم الترمذي صاحب "نوادر الأصول"، وليس الإمام أبا عيسى صاحب السنن، وكتب الحكيم الترمذي تتفرد بالموضوعات والمناكير كثيرا، فلا يعول عليها إن لم تذكر فيها الأسانيد الصحيحة. أما صاحب السنن أبو عيسى الترمذي، فقد روى نحوه عن ابن عمر رضي الله عنهما (3548) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ فُتِحَ لَهُ مِنْكُمْ بَابُ الدُّعَاءِ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ) . وهذا أيضا حديث ضعيف، قال فيه الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ القُرَشِيِّ، وَهُوَ الْمَكِّيُّ الْمُلَيْكِيُّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ فِي الحَدِيثِ قَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ. وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (11/145) : إسناده لين. وضعفه الألباني في "ضعيف الترمذي". 4. وأما حديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل: (أَرْبَعُ خِصَالٍ: وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ لِي، وَوَاحِدَةٌ لَكَ، وَوَاحِدَةٌ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَوَاحِدَةٌ فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ عِبَادِي: فَأَمَّا الَّتِي لِي: فَتَعْبُدُنِي لا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا. وَأَمَّا الَّتِي لَكَ عَلَيَّ: فَمَا عَمِلْتَ مِنْ خَيْرٍ جَزَيْتُكَ بِهِ. وَأَمَّا الَّتِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ: فَمِنْكَ الدُّعَاءُ وَعَلَيَّ الإِجَابَةُ. وَأَمَّا الَّتِي بَيْنَكَ وَبَيْنَ عِبَادِي: فَارْضَ لَهُمْ مَا تَرْضَى لِنَفْسِكَ) رواه أبو يعلى في "المسند" (5/143) ، والبزار في مسنده برقم (19) "كشف الأستار"، وابن شاهين في "الترغيب في فضائل الأعمال" (رقم/151، 533) : كلهم من طريق صالح المري قال: سمعت الحسن، يحدث عن أنس بن مالك به. وصالح المري وهو ابن بشير بن وداع، جاء في "تهذيب التهذيب" (4/383) تضعيف عامة المحدثين له، قال فيه ابن معين: ليس بشيء. وقال ابن المديني: ضعيف ضعيف. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال النسائي: متروك الحديث. قال الهيثمي في "المجمع" (1/51) : " في إسناده صالح المري وهو ضعيف، وتدليس الحسن أيضا، والمحمل هنا على صالح بن بشير المري، فهو ضعيف جدا، وقد تفرد به " انتهى. وقال ابن عدي في "الكامل" (5/96) : منكر. فالحاصل أن هذه الأحاديث المسؤول عنها كله ضعيفة لا تصح، ويغني عن هذه الأحاديث الآيات التي ذكرناها، والتي فيها وعد الله تعالى من دعاه بالإجابة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112167 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 217 حديث: (تصدق علي رضي الله عنه بخاتمه وهو راكع) [السُّؤَالُ] ـ[سمعت أن قوله تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) نزلت في علي بن أبي طالب رضي الله عنه تصدق بخاتمه وهو راكع. فهل هذا الحديث صحيح؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث موضوع، وضعه وروّجه بعض الكذابين، ليثبت به فضيلة لعلي رضي الله عنه. وعلي رضي الله عنه فضائله كثيرة مشهورة لا تحتاج إلى مثل هذا الكذب. وعند التأمل في هذه الحديث فإنه لا يثبت فضيلة لعلي رضي الله عنه. وقد بَيّن ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية فقال: "وقد وضع بعض الكاذبين حديثاً مفترى أن هذه الآية نزلت في علي لما تصدق بخاتمه في الصلاة، وهذا كذب بإجماع أهل العلم بالنقل، وكذبه بَيِّن من وجوه كثيرة: منها: أن قوله: (الذين) صيغة جمع، وعليّ واحد. ومنها: أن (الواو) ليست واو الحال، إذ لو كان كذلك لكان لا يسوغ أن يتولى إلا من أعطى الزكاة في حال الركوع، فلا يتولى سائر الصحابة والقرابة. ومنها: أن المدح إنما يكون بعمل واجب أو مستحب، وإيتاء الزكاة في نفس الصلاة ليس واجباً ولا مستحباً باتفاق علماء الملة، فإن في الصلاة شغلاً. ومنها: أنه لو كان إيتاؤها في الصلاة حسناً لم يكن فرق بين حال الركوع وغير حال الركوع، بل إيتاؤها في القيام والقعود أمكن. ومنها: أن علياً لم يكن عليه زكاة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم. ومنها: أنه لم يكن له أيضاً خاتم، ولا كانوا يلبسون الخواتم، حتى كتب النبي صلى الله عليه وسلم كتاباً إلى كسرى، فقيل له: إنهم لا يقبلون كتاباً إلا مختوماً، فاتخذ خاتماً من وَرِق [فضة] ونقش فيها: محمد رسول الله. ومنها: أن إيتاء غير الخاتم في الزكاة خير من إيتاء الخاتم، فإن أكثر الفقهاء يقولون: لا يجزئ إخراج الخاتم في الزكاة. ومنها: أن هذا الحديث فيه أنه أعطاه السائل، والمدح في الزكاة: أن يخرجها ابتداء، ويخرجها على الفور، لا ينتظر أن يسأله سائل. ومنها: أن الكلام في سياق النهي عن مولاة الكفار والأمر بموالاة المؤمنين، كما يدل عليه سياق الكلام" انتهى. "منهاج السنة النبوية" (2/30-32) . وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن هذا الحديث فقال: "هذا الحديث ليس بصحيح، ذكره الحافظ ابن كثير في التفسير، وحكم عليه بالضعف؛ لضعف رجال أسانيده، وجهالة بعضهم.. وذكر أنه لم يقل أحد من أهل العلم فيما يعلم بفضل الصدقة حال الركوع. أهـ المقصود. وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله منهاج السنة أن الحديث المذكور موضوع. وبهذا يعلم أن قوله تعالى: (وَهُمْ رَاكِعُونَ) معناها: وهم خاضعون، ذليلون لله تعالى؛ لأن الركوع والسجود يمثلان غاية الذل لله والاستكانة، فالمؤمن يتصدق وهو خاضع لله، لا متكبر، ولا مُدْلٍ بعمله، ولا مراءٍ ولا مُسَمِّع.. والله ولي التوفيق" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (26/218) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112081 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 218 ما هي الأحاديث التي تصلح دليلا شرعيا؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما هي الأحاديث التي يتم الأخذ بها والاستدلال بها شرعا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأحاديث التي يجب الأخذ بها والاستدلال بها هي الأحاديث المقبولة: الصحيحة أو الحسنة، أما الأحاديث الضعيفة أو المكذوبة فلا يجوز الاستدلال بها على الحكم الشرعي: قال الإمام الشافعي رحمه الله في "الرسالة" (ص/463) : " ويجب أن يقبل الخبر في الوقت الذي ثبت فيه، وإن لم يمض عمل من الأئمة بمثل الخبر " انتهى. يعني: متى ثبت الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وجب العمل به. وقال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل: " سألت أبي عن الرجل يكون عنده الكتب المصنفة، فيها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين، وليس للرجل بَصَرٌ بالحديث الضعيف المتروك، ولا الإسناد القوي عن الضعيف، فيجوز أن يعمل بما شاء ويتخير منها فيفتي به ويعمل به؟ قال: لا يعمل حتى يسأل ما يؤخذ به منها، فيكون يعمل على أمر صحيح، ويسأل عن ذلك أهل العلم " انتهى. "إعلام الموقعين" (4/179) وقال الإمام مسلم رحمه الله: " اعلم رحمك الله أن صناعة الحديث ومعرفة أسبابه من الصحيح والسقيم إنما هي لأهل الحديث خاصة، لأنهم الحفاظ لروايات الناس العارفين بها دون غيرهم إذ الأصل الذي يعتمدون لأديانهم: السنن والآثار المنقولة من عصر إلى عصر من لدن نبينا صلى الله عليه وسلم إلى عصرنا هذا " انتهى. "التمييز" (ص/218) وقال الإمام السرخسي رحمه الله: " ترك العمل بالحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرام، كما أن العمل بخلافه حرام " انتهى. "أصول السرخسي" (2/7) . وقال النووي رحمه الله: " قال العلماء: الحديث ثلاثة أقسام , صحيح , وحسن , وضعيف. قالوا: وإنما يجوز الاحتجاج من الحديث في الأحكام بالحديث الصحيح أو الحسن، فأما الضعيف فلا يجوز الاحتجاج به في الأحكام والعقائد، وتجوز روايته والعمل به في غير الأحكام، كالقصص , وفضائل الأعمال , والترغيب والترهيب " انتهى. "المجموع" (1/98) . وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله: " فأما الأئمة وفقهاء أهل الحديث فإنهم يتبعون الحديث الصحيح حيث كان " انتهى. "فضل علم السلف" (ص/57) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " لا يجوز أن يعتمد في الشريعة على الأحاديث الضعيفة التي ليست صحيحة ولا حسنة " انتهى. "مجموع الفتاوى" (1/250) . وقال العلامة زكريا الأنصاري رحمه الله: " من أراد الاحتجاج بحديث من السنن أو المسانيد إن كان متأهلا لمعرفة ما يحتج به من غيره فلا يحتج به حتى ينظر في اتصال إسناده وأصول رواته، وإلا فإن وجد أحدا من الأئمة صححه أو حسنه فله تقليده، وإلا فلا يحتج به " انتهى. "فتح الباقي شرح ألفية العراقي" وانظر جواب السؤال رقم (115125) لمعرفة حكم من يرد الحديث الصحيح. و (79163) لمعرفة شروط الحديث الصحيح. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112086 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 219 الأحاديث الواردة في زواج النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة من مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، وكلثوم أخت موسى عليه السلام [السُّؤَالُ] ـ[نسمع في بعض الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم سيتزوج في الحياة الآخرة السيدة مريم أم عيسى عليه السلام، وآسية زوجة فرعون، وكلثوم أخت النبي موسى عليه السلام. ما هو الثابت من هذا في الأحاديث، وما هو غير الثابت؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله جاء في بعض الأحاديث المروية ما يدل على أن النبي محمدا صلى الله عليه وسلم سيتزوج في الجنة كلا من السيدة مريم البتول أم عيسى عليه السلام، وآسية بنت مزاحم زوجة فرعون، وكلثوم أخت موسى عليه السلام. ونحن نورد هنا ما ورد من ذلك، مع مناقشتها من حيث القبول أو الرد: الدليل الأول: ما جاء في تفسير قوله تعالى: (عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا) التحريم/5 فقد روي عن بريدة رضي الله عنه في تفسير هذه الآية قوله: (وعد الله نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية أن يزوجه، فالثيب: آسية امرأة فرعون، وبالأبكار: مريم بنت عمران) رواه الطبراني في "المعجم الكبير" – نقلا عن تفسير ابن كثير (8/166) وإلا فلم أقف عليه في المطبوع بين أيدينا من المعجم الكبير - قال: حدثنا أبو بكر بن صدقة، حدثنا محمد بن محمد بن مرزوق، حدثنا عبد الله بن أمية، حدثنا عبد القدوس، عن صالح بن حَيَّان، عن ابن بُرَيدة، عن أبيه به. وهذا إسناد ضعيف. صالح بن حيان: جاء في ترجمته في "تهذيب التهذيب" (4/386) قول ابن معين فيه: ليس بذاك، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي، شيخ، وقال النسائي: ليس بثقة. وقال ابن حبان: يروى عن الثقات أشياء لا تشبه حديث الأثبات، لا يعجبنى الاحتجاج به إذا انفرد. كما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمارية القبطية سريته ببيت حفصة بنت عمر، فوجدتها معه ... - فذكر حديثا طويلا، جاء في آخره -: فوعده من الثيبات آسية بنت مزاحم امرأة فرعون وأخت نوح، ومن الأبكار مريم بنت عمران، وأخت موسى عليهم السلام) رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (3/13) قال: حدثنا إبراهيم، قال حدثنا هشام بن إبراهيم أبو الوليد المخزومي إمام مسجد صنعاء، قال أخبرنا موسى بن جعفر بن أبي كثير مولى الأنصار، عن عمه، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة به. ثم قال: " لا يروى هذا الحديث عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد، تفرد به هشام بن إبراهيم " انتهى. وهذا إسناد منكر. موسى بن جعفر جاء في ترجمته في "لسان الميزان" (6/113) قول الذهبي: " لا يعرف وخبره ساقط " انتهى. ثم قال الحافظ ابن حجر: " ولفظ العقيلي لما ذكره: مجهول بالنقل، لا يتابع على حديثه، ولا يصح. وأظن أن الذهبي حكم عليه بالبطلان لِما في آخره من الخطأ، وأما قصة مارية فلها طرق كثيرة تشعر بأن لها أصلا " انتهى. وضعفه السيوطي في "الدر المنثور" (8/216) الدليل الثاني: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بموت خديجة فقال: إن الله يقرئها السلام، ويبشرها ببيت في الجنة من قَصَب، بعيد من اللهب، لا نَصَب فيه ولا صَخَب، من لؤلؤة جوفاء، بين بيت مريم بنت عمران، وبيت آسية بنت مزاحم) رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (70/117) قال: أخبرنا أبو المظفر بن القشيري، وأبو القاسم زاهر بن طاهر، قالا أنا محمد بن عبد الرحمن، أنا أبو سعيد محمد بن بشر بن العباس التميمي، أنا أبو الوليد محمد بن إدريس الشامي السرخسي، نا سويد بن سعيد، نا محمد بن صالح بن عمر، عن الضحاك ومجاهد، عن ابن عمر به. وهذا إسناد منكر أيضا، فيه عدة علل: 1- محمد بن صالح بن عمر، قال الذهبي في "ميزان الاعتدال" (3/581) : مجهول. 2- سويد بن سعيد الحدثاني: ترجمته في "تهذيب التهذيب" (4/275) وفيها تضعيف كثير من أهل العلم له، وأنه كان يقبل التلقين. 3- أبو سعيد محمد بن بشر بن العباس (378هـ) : ترجم له الذهبي في "تاريخ الإسلام" (26/633) وقال: شيخ صالح مسند. الدليل الثالث: عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على خديجة وهي في الموت فقال: (يا خديجة! إذا لقيت ضرائرك فأقرئيهن مني السلام. فقالت: يا رسول الله، وهل تزوجت قبلي؟ قال: لا، ولكن الله زوجني مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وكلثم أخت موسى) رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (70/118) قال: أخبرنا أبو غالب محمد بن عمرو بن محمد الشيرازي بأصبهان، أنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الوهاب المقرئ، نا القاضي أبو بكر أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد البردي إملاء، أنا أبو بكر هلال بن محمد بن محمد بالبصرة، نا محمد ابن زكريا الغلابي، نا العباس بن بكار، نا أبو بكر الهذلي، عن عكرمة، عن ابن عباس به. وهذا إسناد منكر أيضا. أبو بكر الهذلي: ترجمته في "تهذيب التهذب" (12/46) وفيها اتفاق المحدثين على تضعيفه جدا، وأنه أخباري متروك الحديث. وقال ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (8/166) : ضعيف أيضا. الدليل الرابع: عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أُعْلِمتُ أن الله زوجني في الجنة مريم بنت عمران، وكلثم أخت موسى، وآسية امرأة فرعون. فقلت: هنيئًا لك يا رسول الله) رواه أبو يعلى – ومن طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (70/118) - والطبراني في "المعجم الكبير" (8/258) ، والعقيلي في "الضعفاء الكبير" (4/459) ، وأبو الشيخ في "طبقات المحدثين بأصبهان" (4/113) وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" (رقم/1460) ، وابن عدي في "الكامل" (7/180) جميعهم من طريق: عبد النور بن عبد الله، حدثنا يونس بن شعيب، عن أبي أمامة به. وهذا إسناد موضوع. عبد النور كذاب، قال العقيلي: " كان غالياً في الرفض، ويضع الحديث خبيثاً " وقال الذهبي: " كذاب " انتهى. ويونس بن شعيب: قال فيه البخاري: "منكر الحديث"، وقال العقيلي: "حديثه غير محفوظ"، وقال ابن حبان في "المجروحين" (3/139) : "لست أعرف له من أبي أمامة سماعا، على مناكير ما يرويه في قلتها، كأنه كان المتعمد لذلك، لا يجوز الاحتجاج به بحال". وانظر "لسان الميزان" (6/332) قال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (7053) : " وهذا إسناد موضوع " انتهى. الدليل الخامس: عن عائشة رضي الله عنها قالت: (دخل علي رسول الله مسرورا، فقال: يا عائشة! إن الله عز وجل زوجني مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم في الجنة. قالت: قلت: بالرفاء والبنين يا رسول الله) رواه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (2/683-684/604-عجالة الراغب المتمني) والديلمي في "مسند الفردوس" (8620) ، قال ابن السني: أخبرنا أحمد بن إبراهيم المديني بعمان، حدثنا أبو سعيد الأشج، ثنا حفص بن غياث، عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن عبد خير، عن مسروق، عن عائشة رضي الله عنها به. قال أبو بكر بن السني: كذا كتبته من كتابه. وهذا إسناد ضعيف؛ فيه تدليس أبي إسحاق السبيعي، وهو من أهل المرتبة الثالثة من المدلسين في تصنيف الحافظ ابن حجر، فلا يقبل حديثه إلا إذا صرح بالتحديث، كما لم نقف على ترجمة لشيخ ابن السني: أحمد بن إبراهيم المديني. الدليل السادس: عن سعد بن جنادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله عز وجل قد زوجني في الجنة مريم بنت عمران، وامرأة فرعون، وأخت موسى) رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (6/52) – ومن طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (70/118) – قال الطبراني: حدثنا عبد الله بن ناجية، ثنا محمد بن سعد العوفي، ثنا أبي، ثنا عمي، ثنا يونس بن نفيع، عن سعد بن جنادة به. وهذا إسناد ضعيف جدا. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (9/218) : " رواه الطبراني، وفيه من لم أعرفهم " انتهى. وقال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (7053) : " فيه من يعرف بالضعف ... محمد بن سعد - هو: ابن محمد بن الحسن بن عطية -: قاضي بغداد، وفيه لين، وأبوه سعد مثل يونس بن نفيع؛ لم أجد لهما ترجمة. وعمه هو: الحسين بن الحسن بن عطية؛ قال الذهبي في " المغني ": " ضعفوه ". انتهى. الدليل السابع: عن ابن أبي رواد، قال: (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على خديجة وهي في مرضها الذي توفيت فيه، فقال لها: بالكره مني ما أرى منك يا خديجة، وقد يجعل الله في الكره خيرا كثيرا، أما علمت أن الله قد زوجني معك في الجنة مريم بنت عمران، وكلثم أخت موسى، وآسية امرأة فرعون؟ قالت: وقد فعل الله بك ذلك يا رسول الله؟ قال: نعم. قالت: بالرفاء والبنين) رواه الطبراني (22/451) ، ومن طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (70/119) وأبو نعيم الأصبهاني في "معجم الصحابة" (رقم/6738) ، ورواه ابن الجوزي في "المنتظم في التاريخ" (1/267/ ترجمة خديجة) من طريق ثنا الزبير بن بكار، حدثني محمد بن حسن، عن يعلى بن المغيرة، عن بن أبي رواد به. وهذا سند منقطع معضل. فإن ابن أبي رواد هو عبد العزيز بن عبد المجيد بن أبي رواد من كبار أتباع التابعين، توفي سنة (159هـ) وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (9/218) : " منقطع الإسناد، وفيه محمد بن الحسن بن زبالة وهو ضعيف " انتهى. والخلاصة أن الأحاديث الواردة في هذا الباب كلها ضعيفة منكرة، لا يصح منها شيء، ولا تجوز نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، كما لا يجوز الخوض بما جاء فيها، فذلك من الغيب الذي لم يطلعنا الله عليه، ويجب أن نكل أمره إلى الله عز وجل. يقول ابن كثير في "البداية والنهاية" (2/75) بعد أن ساق مجموعة من أحاديث الباب: " وكل من هذه الأحاديث في أسانيدها نظر " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111279 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 220 إشكال حول حديث الأعمى الذي قتل أمَتَه التي تسب النبي صلى الله عليه وسلم [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكنك رجاء أن تشرح لي الخلفية والمبرر لما جاء في حديث سنن أبي داود، حيث قُتل العبد الذي أهان الرسول صلى الله عليه وسلم، قتله سيدُه ولم يعاقَب، هل ذلك بسبب أن الدية لا تدفع للأولياء الكفار الذين يؤذون المسلمين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله القصة المقصودة في السؤال يرويها ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فيقول: (أَنَّ أَعْمَى كَانَتْ لَهُ أُمُّ وَلَدٍ تَشْتُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقَعُ فِيهِ، فَيَنْهَاهَا فَلَا تَنْتَهِي، وَيَزْجُرُهَا فَلَا تَنْزَجِرُ. قَالَ: فَلَمَّا كَانَتْ ذَاتَ لَيْلَةٍ جَعَلَتْ تَقَعُ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَشْتُمُهُ، فَأَخَذَ الْمِغْوَلَ فَوَضَعَهُ فِي بَطْنِهَا، وَاتَّكَأَ عَلَيْهَا فَقَتَلَهَا، فَوَقَعَ بَيْنَ رِجْلَيْهَا طِفْلٌ فَلَطَّخَتْ مَا هُنَاكَ بِالدَّمِ. فَلَمَّا أَصْبَحَ ذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَمَعَ النَّاسَ، فَقَالَ: أَنْشُدُ اللَّهَ رَجُلًا فَعَلَ مَا فَعَلَ لِي عَلَيْهِ حَقٌّ إِلَّا قَامَ. فَقَامَ الْأَعْمَى يَتَخَطَّى النَّاسَ وَهُوَ يَتَزَلْزَلُ حَتَّى قَعَدَ بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَنَا صَاحِبُهَا، كَانَتْ تَشْتُمُكَ وَتَقَعُ فِيكَ، فَأَنْهَاهَا فَلَا تَنْتَهِي وَأَزْجُرُهَا فَلَا تَنْزَجِرُ، وَلِي مِنْهَا ابْنَانِ مِثْلُ اللُّؤْلُؤَتَيْنِ، وَكَانَتْ بِي رَفِيقَةً، فَلَمَّا كَانَ الْبَارِحَةَ جَعَلَتْ تَشْتُمُكَ وَتَقَعُ فِيكَ، فَأَخَذْتُ الْمِغْوَلَ فَوَضَعْتُهُ فِي بَطْنِهَا وَاتَّكَأْتُ عَلَيْهَا حَتَّى قَتَلْتُهَا. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا اشْهَدُوا أَنَّ دَمَهَا هَدَرٌ) رواه أبو داود (4361) وغيره، وقد سبق في جواب السؤال رقم: (103739) بيان صحة أصل القصة، وأنها جاءت بألفاظ وأحداث مختلفة، تدل بمجموعها على وقوع الحادثة رغم التردد في بعض الجمل والعبارات. وليس قتل هذه المرأة لأنها ذميّة، بل لأنها سبّت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستحقت القتل لذلك، ولو كانت مسلمة، كفرت بهذا السب، واستحقت القتل أيضاً. قال الصنعاني رحمه الله " دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُقْتَلُ مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُهْدَرُ دَمُهُ، فَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا كَانَ سَبُّهُ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِدَّةً فَيُقْتَلُ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ مِنْ غَيْرِ اسْتِتَابَةٍ " سبل السلام (3/501) وسبق ان نقلنا جواب شيخ الإسلام عن الإشكال الواقع في القصة من قتل الأعمى لهذه المرأة- التي استحقت القتل- من دون إذن الإمام. انظر جواب السؤال رقم (103739) . وفي هذه القصة دليل على العدل الذي كان المسلمون يعاملون به أهل الكتاب، والذي جاءت به الشريعة رحمة للعالمين، فحقوق اليهود المعاهدين مصانة محفوظة، ولا يجوز التعرض لهم بشيء من الأذى والضرر، لذلك لما وجد الناس يهودية مقتولة ضجوا ورفعوا أمرها إلى النبي صلى الله عليه وسلم الذي أعطاهم العهد والأمان ولم يكن يأخذ منهم الجزية، فغضب وناشد المسلمين بالله تعالى أن يظهر من فعل تلك الفعلة، لينظر في عقابه ويقضي في أمره، ولكن لَمَّا عَلِمَ أنها نقضت العهد مرات ومرات بأذاها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ووقوعها فيه، حُرمت جميع حقوقها، واستحقت حد القتل الذي توجبه الشريعة على كل من يسب النبي صلى الله عليه وسلم، سواء كان مسلما أو ذميا أو معاهدا، فإن التعرض لمقام الأنبياء كفر بالله العظيم، ونقض لكل حرمة وحق وعهد، وخيانة عظمى توجب أشد العقوبات. انظر " أحكام أهل الذمة " (3/1398) ، وفي موقعنا جواب السؤال رقم: (22809) هذا هو التوجيه الصحيح، والفهم السليم للقصة، وليس كما ينشره كثير من الحاقدين الطاعنين في حكم الشريعة وشخص النبي صلى الله عليه وسلم، فهو صلى الله عليه وسلم لم يختر قتلها بهذه الطريقة، ولكنها لما استحقت القتل حدا لنقضها العهد ووقوعها في النبي صلى الله عليه وسلم، لم يقتص من قاتلها، فقد كانت تُسمعه من شتم النبي صلى الله عليه وسلم الشيء الكثير، مرات ومرات، حتى كان ينهاها فلا تنتهي ويزجرها فلا تنزجر، إلى أن طفح الكيل به فلم يصبر حتى أسكت صوتها الذي يؤذيه في دينه ونبيه. وأما قتل الذمي بغير حقّ، فهو كبيرة من الكبائر، والوعيد فيه شديد، كما ثبت في صحيح البخاري (3166) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا) ، وترجم عليه الإمام البخاري في صحيحه: باب إثم من قتل معاهداً بغير جرم. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " كَذَا قَيَّدَهُ فِي التَّرْجَمَة، وَلَيْسَ التَّقْيِيد فِي الْخَبَر، لَكِنَّهُ مُسْتَفَاد مِنْ قَوَاعِد الشَّرْع، وَوَقَعَ مَنْصُوصًا فِي رِوَايَة أَبِي مُعَاوِيَة الْآتِي ذِكْرُهَا بِلَفْظِ " بِغَيْرِ حَقّ " وَفِيمَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيث أَبِي بَكْرَة بِلَفْظِ " مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدَة بِغَيْرِ حِلِّهَا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِ الْجَنَّة " اهـ والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111252 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 221 حديث ضعيف فيه دعاءٌ يُقبِلُ بالدنيا على العبد [السُّؤَالُ] ـ[أرغب في معرفة صحة هذا الحديث: عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلا قال: يا رسول الله! إن الدنيا أدبرت عني وتولت. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فأين أنت من صلاة الملائكة، وتسبيح الخلائق، وبه يرزقون؟ قل عند طلوع الفجر: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، أستغفر الله، مائة مرة، تأتيك الدنيا صاغرة) فولى الرجل، فمكث ثم عاد فقال: يا رسول الله! لقد أقبلت علي الدنيا فما أدري أين أضعها.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث ضعيف، لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم. رواه الديلمي في "مسند الفردوس" (3731) ، ونقله الحافظ في "لسان الميزان" وقال: أخرجه الدارقطني في "الرواة عن مالك"، وعزاه السيوطي في "الخصائص الكبرى" (2/262) للخطيب البغدادي في "رواة مالك". وقال الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان" (3/434) في ترجمة عبد الرحمن بن محمد اليحمدي، ويقال التميمي: " شيخ مجهول، روى عنه أحمد بن محمد بن غالب المعروف بغلام خليل وهو تالف، وأخرج الدارقطني في " الرواة عن مالك " عن داود بن حبيب، عن أحمد بن محمد بن غالب، عنه، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رجل: يا رسول الله! وذكر الحديث قال الحافظ ابن حجر: وأخرجه الخطيب من طريق أبي الفتح الأزدي، عن عبد الله بن غالب، عن غلام خليل، عن عبد الرحمن بن محمد التميمي به. وأخرج من طريق أبي حمة محمد بن يوسف، عن يزيد بن أبي حكيم، عن إسحاق بن إبراهيم الطهوي، عن مالك نحوه، وقال: لا يصح عن مالك، ولا أظن إسحاق لقي مالكا. وقد رواه جماعة بأسانيد كلها ضعاف " انتهى باختصار. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أدعية كثيرة فيها سؤال الغنى، والبركة في الرزق، فليدع المسلم بها ويجتنب الأحاديث الضعيفة، منها: 1- عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ مُكَاتَبًا جَاءَهُ فَقَالَ: إِنِّي قَدْ عَجَزْتُ عَنْ كِتَابَتِي فَأَعِنِّي، قَالَ: أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ عَلَّمَنِيهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلِ صِيرٍ دَيْنًا أَدَّاهُ اللَّهُ عَنْكَ؟ قَالَ: قُلْ: (اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ) رواه الترمذي (3563) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي. 2- روى الترمذي (3500) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، سَمِعْتُ دُعَاءَكَ اللَّيْلَةَ، فَكَانَ الَّذِي وَصَلَ إِلَيَّ مِنْهُ أَنَّكَ تَقُولُ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، وَوَسِّعْ لِي فِي دَارِي، وَبَارِكْ لِي فِيمَا رَزَقْتَنِي. قَالَ: فَهَلْ تَرَاهُنَّ تَرَكْنَ شَيْئًا؟) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي 3- وفي دعاء القنوت المشهور: (اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ) رواه الترمذي (646) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. ولتعلم أخي السائل أن الغنى الحقيقي هو غنى النفس، وليس كثرة المال، روى البخاري (6446) ومسلم (1051) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ، وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 110949 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 222 حديث أم سلمة فيمن لم يطف طواف الإفاضة يوم العيد حتى غربت الشمس [السُّؤَالُ] ـ[سمعت أن طواف الإفاضة لا بد أن يكون يوم العيد قبل غروب الشمس، وأن من لم يطف قبل غروب الشمس فإنه يرجع إلى الإحرام مرة أخرى ولا يجوز له لبس المخيط ولا التطيب.. حتى يطوف. فهل هذا صحيح؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قد ورد في ذلك حديث رواه أحمد (25321) وأبو داود (1708) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مساء يوم النحر: (إِنَّ هَذَا يَوْمٌ رُخِّصَ لَكُمْ إِذَا أَنْتُمْ رَمَيْتُمْ الْجَمْرَةَ أَنْ تَحِلُّوا يَعْنِي مِنْ كُلِّ مَا حُرِمْتُمْ مِنْهُ إِلَّا النِّسَاءَ، فَإِذَا أَمْسَيْتُمْ قَبْلَ أَنْ تَطُوفُوا هَذَا الْبَيْتَ صِرْتُمْ حُرُمًا كَهَيْئَتِكُمْ قَبْلَ أَنْ تَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطُوفُوا بِهِ) . إلا أن هذا الحديث ضعفه أكثر العلماء، وحُكي الإجماع على عدم العمل به. وقد سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله عن هذا الحديث، فأجاب: "سؤالكم عن حديث أم سلمة رضي الله عنها أن من لم يطف طواف الإفاضة قبل غروب الشمس من يوم العيد عاد محرماً. أفيدكم بأنه حديث ضعيف لا تقوم به حجة، ولا يثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وذلك من وجوه: الأول: من جهة سنده، فإن مداره عند الإمام أحمد وأبي داود وابن خزيمة على محمد بن إسحاق صاحب السير المعروف، قال: أخبرنا أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة عن أبيه وعن أمه عن أم سلمة رضي الله عنها، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إذا أنتم أمسيتم قبل أن تطوفوا بهذا البيت عدتم حرماً كهيئتكم قبل أن ترموا الجمرة حتى تطوفوا به) . فأما ابن إسحاق ففي مفاريده بعض النكارة، فقد سئل الإمام أحمد عن الحديث ينفرد به ابن إسحاق تقبله؟ قال: لا والله. وقال محمد بن يحيى: حسن الحديث عنده غرائب. وقال الدارقطني: اختلف الأئمة فيه، وليس بحجة، وإنما يعتبر به اهـ "تهذيب" (9/39-46) . ولعل هذا الحديث من مفاريده المنكرة. وأما أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة فقال فيه في "التقريب" (2/448) : مقبول من الثالثة. وقال فيه في "المحلي" (7/142) : ليس معروفاً بنقل الحديث، ولا معروفاً بالحفظ، ولو صح يعني: حديث أم سلمة لقلنا به مسارعين إلى ذلك. وقد أخرج الطحاوي في شرح "معاني الآثار" (2/228) نحو حديث أم سلمة لكنه عن طريق عبد الله بن لهيعة، قال فيه في "التقريب" (1/144) : صدوق من السابعة خلط بعد احتراق كتبه، ورواية ابن المبارك وابن وهب عنه أعدل من غيرهما اهـ قلت: وقد ضعفه بعض الحفاظ مطلقاً، وبعضهم فيما روى عنه غير العبادلة. فإذا كان هذا سند الحديث لم يروه إلا من في روايتهم نظر ومقال، وأعرض عنه الأئمة الكبار من نقلة الحديث وحفاظه من رجال البخاري ومسلم وأمثالهم مع أنه في أمر تعم البلوى به، وتتوافر الدواعي على نقله، كان ذلك دليلاً على أنه لا أصل له. الوجه الثاني: من جهة متنه، فمتنه شاذ، لأن الأحاديث في الصحيحين وغيرهما ظاهرة متضافرة في أن التحلل الأول يحصل قبل الطواف بالبيت، بدون قيد وقوعه قبل الغروب، مثل قول عائشة رضي الله عنها: (كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم لحله قبل أن يطوف بالبيت) ولا يمكن أن تقيد بمثل هذا الحديث الشاذ، ولهذا قال الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (2/229) لما ذكر حديث عائشة رضي الله عنها: "فقد عارض ذلك حديث ابن لهيعة الذي بدأنا بذكره في هذا الباب، فهذه أولى، لأن معها من التواتر وصحة المجيء ما ليس مع غيرها مثله " اهـ. الوجه الثالث: من جهة العمل به، إذ لم يعمل به من الأمة [من] أئمتها وعلمائها إلا نفر قليل من الصحابة. إن صح النقل عنهم. فقد قال الطبري في كتابه "القرى لقاصدي أم القرى" (ص472) حين ذكر الحديث: "وهذا حكم لا أعلم أحداً قال به" اهـ. ونقل النووي في "شرح المهذب" (8/165) عن البيهقي قوله: "لا أعلم أحداً من الفقهاء قال به. قلت (النووي) : فيكون منسوخاً، دل الإجماع على نسخه، فإن الإجماع لا يَنْسخ ولا يُنْسخ، لكن يدل على ناسخ اهـ فوافق البيهقيَّ النوويُّ على نفي العلم بالمخالف، بل جعله إجماعاً دالاً على نسخ الحديث، يعني: لأن الأمة لم تعمل به، لكن في كلام النووي رحمه الله نظر، لأن دعوى النسخ تستلزم ثبوت المنسوخ، والحديث لم يثبت أصلاً حتى يدعى فيه النسخ. هذا وقد نقل بعض الناس عن عروة بن الزبير أحد الفقهاء السبعة أنه قال به ولعله فهم ذلك من قوله فيما نقله عنه الطبري في كتابه "القرى" (ص470) إنه لا يحل الطيب لمن لم يطف بالبيت بعد عرفة وإن قصر. أخرجه سعيد بن منصور. وإنما قلت ذلك لأنه يبعد جداً أن يكون عروة بن الزبير قال بمقتضى حديث أم سلمة ثم يخفى قوله على مثل الطبري والبيهقي. وعلى هذا؛ يكون معنى قول عروة: إنه لا يحل له الطيب حتى يطوف بالبيت، وهذا قول مشهور والنزاع في هذا معروف، والفرق بينه وبين مقتضى حديث أم سلمة بل صريحة أن حديث أم سلمة يدل على أنه يحل قبل الطواف بالبيت لكن إن أخر الطواف عن غروب الشمس يوم العيد عاد محرماً. أما ما نقله الطبري عن عروة فيدل على توقف حل الطيب على الطواف وبين هذا وذاك فرق ظاهر. الوجه الرابع: أن مقتضاه مخالف لمقتضى الأصول الشرعية والقواعد المرعية، فإن مقتضاها أن العامل متى حل من العبادة لم يعد إليها إلا بنية جديدة، وهذا مما يضعف ثبوت الحديث، ولو ثبت لكان القول به واجباً، وكل قاعدة لها مستثنيات" انتهى من فتوى مكتوبة بخط الشيخ رحمه الله بتاريخ 5/12/1415هـ. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109268 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 223 ما هو الشيء الذي في الجنة يوجد في الكعبة؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما هو الشيء الذي في الجنة يوجد في الكعبة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا نعرف شيئاً في الكعبة ورد في السنة النبوية أنه من الجنة إلا شيئين: 1- الحجر الأسود، وقد ورد ذلك من حديث ابْن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (نَزَلَ الحَجَرُ الأَسْوَدُ مِنَ الجَنَّةِ، وَهُوَ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، فَسَوَّدَتْهُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ) رواه الترمذي (877) . قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وصححه ابن خزيمة (4/219) ، والضياء المقدسي في "المختارة" (10/260) ، وحسنه ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام" (5/732) ، والحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (3/540) ، والألباني في "السلسلة الصحيحة" (2618) . وجاء من قول ابن عباس وابن عمرو وغيرهما أيضا، انظر "مصنف ابن أبي شيبة" (4/35) ، ومن قول أنس رضي الله عنه في "مسند أحمد" (3/277) . وانظر جواب السؤال رقم: (1902) ، (21402) ، (45643) . 2- مقام إبراهيم: وقد ورد ذلك في حديث عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ الرُّكْنَ وَالمَقَامَ يَاقُوتَتَانِ مِنْ يَاقُوتِ الجَنَّةِ، طَمَسَ اللَّهُ نُورَهُمَا، وَلَوْ لَمْ يَطْمِسْ نُورَهُمَا لأَضَاءَتَا مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ) . جاء من طريق مسافع بن شيبة الحجبي عن عبد الله بن عمرو بن العاص. وقد رواه عن مسافع جماعة من الرواة على وجهين: أ- موقوفا من كلام عبد الله بن عمرو بن العاص: كذا رواه الزهري وشعبة، كما ذكره أبو حاتم في "العلل" (1/300) دون أن يورد الأسانيد. ب- مرفوعا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم: رواه رجاء أبو يحيى عن مسافع. كما في "مسند أحمد" (2/213) ، وسنن الترمذي (878) ، وصحيح ابن خزيمة (4/219) وصحيح ابن حبان (9/24) ، ومستدرك الحاكم (1/627) . ورجاء هو ابن صبيح الحَرَشي، قال فيه ابن معين: ضعيف، وقال أبو حاتم: ليس بقوي، وقال ابن خزيمة: لست أعرف أبا رجاء هذا بعدالة ولا جرح، ولست أحتج بخبر مثله. وقد وثقه الإمام البخاري وابن حبان، وقد اختار توثيقهما الشيخ أحمد شاكر في تحقيق المسند. انظر: "تهذيب التهذيب" (3/268) . ورواه مرفوعا أيضا: شبيب بن سعيد الحبطي، وأيوب بن سويد، عن يونس بن يزيد، عن الزهري عن مسافع، الأول عند البيهقي في "السنن الكبرى" (5/75) ، والثاني عند ابن خزيمة في "صحيحه" (4/219) ، والحاكم في "المستدرك" (1/626) ومن طريقه البيهقي في "السنن الكبرى" (5/75) ، وهذا السند صحيح، فإن شبيب بن سعيد ثقة، وثقة ابن المديني. انظر ترجمة في: "تاريخ بغداد" (11/329) و "تاريخ الإسلام" (28/381) . وقد صححه النووي في "المجموع" (8/36) وقال: صحيح على شرط مسلم. وابن تيمية في "المناسك من شرح العمدة" (2/434) ،. وقال الألباني في تحقيقه لصحيح ابن خزيمة (2731) : إسناده حسن لغيره، فإن أيوب بن سويد سيء الحفظ، وقد تابعة شبيب بن سعيد الحبطي عند البيهقي، وهو ثقة، عن رواية ابنه أحمد عنه، فإسناده صحيح. انتهى. وقال عنه شعيب الأرنؤوط في تحقيقه لابن حبان (3710) : حديث حسن لغيره، وصححه الألباني أيضاً في صحيح الترمذي (878) . وقد صححه الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تحقيقه المسند (7000) وأطال في تخريجه. وقد اختار محققو مسند الإمام أحمد أن الأصح وقفه على عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وأن إسناد المرفوع ضعيف، وكأن الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في "فتح الباري" (3/540) يميل إلى هذا القول. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 108553 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 224 هل ذكرت أم المؤمنين صفية بنت حيي في قصة الشاة المسمومة التي أهديت إلى النبي صلى لله عليه وسلم في خيبر؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل للسيدة صفية أم المؤمنين دخل من قريب أو بعيد فى سم الشاة التي قدمت إلى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قصة الشاة المسمومة التي أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم في خيبر ثابتة في السيرة الصحيحة، وقد جاءت في سياقات متعددة، أشهرها سياقان اثنان: الأول: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضى الله عنه أَنَّ يَهُودِيَّةً أَتَتِ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ، فَأَكَلَ مِنْهَا، فَجِىءَ بِهَا، فَقِيلَ: أَلاَ نَقْتُلُهَا؟ قَالَ: لاَ. فَمَا زِلْتُ أَعْرِفُهَا فِى لَهَوَاتِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري (2617) ومسلم (2190) كلاهما من طريق خالد بن الحارث، حدثنا شعبة، عن هشام بن زيد، عن أنس به. يقول النووي: (لهوات) : جمع لهاة، هي اللحمة الحمراء المعلقة في أصل الحنك، كأنه بقي للسم علامة وأثر من سواد أو غيره. والثاني: رواه الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه (رقم/3169) : عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ: (لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ أُهْدِيَتْ لِلنَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم شَاةٌ فِيهَا سُمٌّ، فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: اجْمَعُوا إِلَىَّ مَنْ كَانَ هَا هُنَا مِنْ يَهُودَ. فَجُمِعُوا لَهُ: فَقَالَ: إِنِّى سَائِلُكُمْ عَنْ شَىْءٍ فَهَلْ أَنْتُمْ صَادِقِىَّ عَنْهُ. فَقَالُوا: نَعَمْ. قَالَ لَهُمُ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ أَبُوكُمْ؟ قَالُوا: فُلاَنٌ. فَقَالَ: كَذَبْتُمْ، بَلْ أَبُوكُمْ فُلاَنٌ. قَالُوا: صَدَقْتَ. قَالَ: فَهَلْ أَنْتُمْ صَادِقِىَّ عَنْ شَىْءٍ إِنْ سَأَلْتُ عَنْهُ. فَقَالُوا: نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، وَإِنْ كَذَبْنَا عَرَفْتَ كَذِبَنَا كَمَا عَرَفْتَهُ فِى أَبِينَا. فَقَالَ لَهُمْ: مَنْ أَهْلُ النَّارِ. قَالُوا: نَكُونُ فِيهَا يَسِيرًا ثُمَّ تَخْلُفُونَا فِيهَا. فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: اخْسَئُوا فِيهَا، وَاللَّهِ لاَ نَخْلُفُكُمْ فِيهَا أَبَدًا. ثُمَّ قَالَ: هَلْ أَنْتُمْ صَادِقِىَّ عَنْ شَىْءٍ إِنْ سَأَلْتُكُمْ عَنْهُ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ. قَالَ: هَلْ جَعَلْتُمْ فِى هَذِهِ الشَّاةِ سُمًّا. قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: مَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالُوا: أَرَدْنَا إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا نَسْتَرِيحُ، وَإِنْ كُنْتَ نَبِيًّا لَمْ يَضُرَّكَ) وليس في هاتين الروايتين – كما ترى – أي ذكر لأم المؤمنين صفية بنت حيي رضي الله عنها. وإنما ورد ذكرها في سياق آخر يرويه ابن شهاب الزهري فيقول: (لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، وقتل من قتل منهم، أهدت زينب بنت الحارث اليهودية - وهي ابنة أخي مرحب - لصفية شاة مصليَّةً وسمَّتها وأكثرت في الكتف والذراع؛ لأنه بلغها أنه أحب أعضاء الشاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على صفية ومعه بشر بن البراء بن معرور أخو بني سلمة، فقدمت إليهم الشاة المصلية، فتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتف وانتهش منها، وتناول بشر بن البراء عظما فانتهش منه، فلما استرط رسول الله صلى الله عليه وسلم لقمته استرط بشر بن البراء ما في فيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ارفعوا أيديكم، فإن كتف هذه الشاة يخبرني أن قد بُغِيتُ فيها. فقال بشر بن البراء: والذي أكرمك لقد وجدت ذلك في أكلتي التي أكلت، فما منعني أن ألفظها إلا أني أعظمت أن أنغصك طعامك، فلما أسغت ما في فيك، لم أكن أرغب بنفسي عن نفسك، ورجوت أن لا تكون استرطتها وفيها بغي. فلم يقم بشر من مكانه حتى عاد لونه مثل الطيلسان، وماطله وجعه حتى كان لا يتحول إلى ما حول) أخرجه البيهقي في "دلائل النبوة" (4/360) قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرنا أبو جعفر البغدادي، قال: حدثنا أبو علاثة، قال: حدثنا أبي قال: حدثنا ابن لهيعة، قال: حدثنا أبو الأسود، عن عروة بن الزبير. وأخبرنا أبو الحسين بن الفضل، قال: أخبرنا أبو بكر بن عتاب، قال: حدثنا القاسم الجوهري، قال: حدثنا ابن أبي أويس، قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن عمه موسى بن عقبة. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرنا إسماعيل بن محمد بن الفضل بن محمد الشعراني، قال: حدثنا جدي، قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي، قال: حدثنا محمد بن فليح، قال: حدثنا موسى بن عقبة - وهذا الإسناد مرسل، فالزهري من أئمة التابعين، توفي سنة (125هـ) ، ولا يُدرى عمن يروي القصة بهذا السياق، وهو كثير الإرسال، وقد استضعف العلماء مراسيله حتى كان يحيى بن سعيد القطان لا يعدها شيئا. - ثم إن في الطريق إلى الزهري بعض الضعفاء كابن لهيعة، ومحمد بن فليح، واسماعيل بن أبي أويس، وكلهم في تراجمهم من الطعن والتضعيف ما يوجب الشك والتردد. - ومما يدل على عدم الوثوق بالتفاصيل المذكورة هنا أيضا الاختلاف الواقع في مرويات الزهري لهذه القصة، مما يغلب على الظن أن الوهم فيها من شيوخ الزهري الذين أخذها عنهم وطوى ذكرهم، ويمكن مراجعة جميع روايات الزهري في هذا الأمر في كتاب "مرويات الإمام الزهري في المغازي" للدكتور محمد العواجي (2/636-646) وعلى كل حال، فلو ثبت هذا السياق فمعناه أن المرأة اليهودية أهدت الشاة المسمومة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليأكل منها في بيت أم المؤمنين صفية بنت حيي رضي الله عنها، ولو كان لها رضي الله عنها علم بما فعلته تلك المرأة لجاء الوحي بذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما جاءه بخبر السم الموجود في كتف الشاة، ولكنها رضي الله عنها كانت راغبة في الإسلام، مقبلة على الدين الجديد، مستبشرة بزواج النبي صلى الله عليه وسلم منها، وفي سيرتها من كتب التراجم ما يدل على عظيم غبطتها بزواج النبي صلى الله عليه وسلم منها بعد إسلامها مباشرة، يمكن مراجعتها في "الإصابة" لابن حجر (7/739) وتأمل معي، أخي السائل، ذلك المقام العالي، الذي أنزلها فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعلم منه أدب الذبّ عن أهل بيت رسول الله وحريمه، ومن تكون صفيّة الحسيبة النسيبة: عَنْ أَنَسٍ قَالَ: بَلَغَ صَفِيَّةَ أَنَّ حَفْصَةَ قَالَتْ: إِنِّي ابْنَةُ يَهُودِيٍّ، فَبَكَتْ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ تَبْكِي فَقَالَ: مَا شَأْنُكِ؟ فَقَالَتْ: قَالَتْ لِي حَفْصَةُ إِنِّي ابْنَةُ يَهُودِيٍّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّكِ ابْنَةُ نَبِيٍّ وَإِنَّ عَمَّكِ لَنَبِيٌّ وَإِنَّكِ لَتَحْتَ نَبِيٍّ فَفِيمَ تَفْخَرُ عَلَيْكِ فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ يَا حَفْصَةُ) رواه أحمد (11984) والترمذي (3894) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 108435 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 225 حديث (تسبيح التمر في بطن من أكله) لا أصل له [السُّؤَالُ] ـ[ما صحة هذا حديث الذي في معناه: أنه مَن تَصَبَّحَ بسبع تمرات سبَّحْنَ في بطنه طول اليوم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أبواب الأطعمة من أكثر الأبواب التي كُذِبت فيها الأحاديث، واختُلِقت فيها الآثار، فقد عمد الكذابون إلى أشياء من حِكم الطب وتجارب العلاج فصيروها أحاديث مرفوعة، كما استغل بعضهم شهرة بعض الأطعمة ليضع في الترغيب فيها أقوالا سمجة تدل على جهل واضعها، بل هناك مِن الكذابين مِن التجار مَن وضع أحاديث للترويج لبعض الأطعمة التي يبيعها، فنصبوا بذلك أنفسهم خصوما للنبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، ومن كان خصمه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد خاب وخسر وتبوأ مقعده من النار. والتمر واحد من أنواع الطعام التي كثرت فيها الأحاديث المكذوبة، حتى وضع أحدهم حديثا فيه أن التمر يقرب إلى الله ويباعد من النار، وعقد ابن الجوزي في كتابه " الموضوعات " أبوابا كثيرة في هذا الموضوع (3/22-28) ، منها باب خاص في أكل التمر على الريق، فقد اشتهر بين الأطباء قديما أن التمر على الريق يقتل الدود، فنسب بعضهم ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم كذبا وزورا. ولم نقف – بعد البحث الطويل – على حديث مسند مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم يدل على تسبيح التمر في بطن ابن آدم، وإن كان كل شيء يسبح بحمده سبحانه، كما قال عز وجل: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) الإسراء/44 ولكن لم يرد – حسب علمنا - في خصوص فضيلة سبع تمرات على الريق هذا الشيء، ولعل أقرب لفظ لهذا المعنى ما تذكره بعض الكتب هكذا معلقا من غير إسناد أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (عَلَيْكُمْ بِالتَّمْرِ الْبَرْنِيِّ فَكُلُوهُ فَإِنَّهُ يُسَبِّحُ فِي شَجَرِهِ وَيَسْتَغْفِرُ لِآكِلِهِ) ولكن لم نقف على سند لهذا الحديث، فلا تجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والكتب التي تذكره هي من مظان الحديث الضعيف والمكذوب، ككتاب " عرائس المجالس في قصص الأنبياء " لمؤلفه أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابوري الثعلبي أو الثعالبي المتوفى سنة (427هـ) . يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في "منهاج السنة" (7/5) : " أجمع أهل العلم بالحديث أن الثعلبي يروي طائفة من الأحاديث الموضوعات، ولهذا يقولون هو كحاطب ليل، مع أن الثعلبي فيه خير ودين، لكنه لا خبرة له بالصحيح من الأحاديث زيادة، ولا يميز بين السنة والبدعة في كثير من الأقوال " انتهى باختصار. وأما الصحيح في هذا الباب فأشهره حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ تَصَبَّحَ سَبْعَ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً، لَمْ يَضُرُّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ سَمٌّ وَلاَ سِحْرٌ) رواه البخاري (5769) ومسلم (2047) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 107488 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 226 ذكر كلمة التوحيد سبعين ألف مرة [السُّؤَالُ] ـ[هل صحيح أنني إذا قلت " لا إله إلا الله محمد رسول الله " سبعين ألف مرة يغفر لي كل ذنوبي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لم يرد تخصيص الذكر بـ " لا إله إلا الله محمد رسول الله " سبعين ألف مرة في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلا ينبغي اعتقاد نسبته إلى الدين، ولا يجوز تعليمه الناس على أنه من كلام النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، ولم نجده إلا في كلام ابن عربي (ت 638هـ) صاحب كتاب " فصوص الحكم " المليئ بالغلو إلى حد الكفر وهدم الشريعة، فقد قال في " الفتوحات المكية": " والذي أوصيك به أن تحافظ على أن تشتري نفسك من الله بعتق رقبتك من النار، بأن تقول: (لا إله إلا الله) سبعين ألف مرّة، فإن الله يعتق رقبتك بها من النار أو رقبة من تقولها عنه من الناس، ورد في ذلك خبر نبوي " انتهى. وتابع ابن عربي على العمل بهذا جمع من الصوفية، واستأنسوا بالمروي فيه، مع اعتراف بعضهم بضعفه، انظر: حاشية تحفة المحتاج (6/158) ، وبريقة محمودية شرح طريقة محمدية (2/459) . ونحن لا ننكر أن يكون لكلمة التوحيد فضل وأجر عظيم، بل هي سبب نجاة العبد يوم القيامة، وأثقل ما يوضع في الميزان، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ إِلاَّ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ) رواه البخاري (128) ومسلم (32) . وانظر: (14608) . إلا أن الذي ننكره أن يخصص الذكر بالشهادتين بهذا العدد، سبعين ألف مرة، وأن ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم هذا الفضل الخاص. وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية – كما في "مجموع الفتاوى" (24/323) : عمَّن (هلَّلَ سبعين ألف مرة وأهداه للميت يكون براءة للميت من النار) حديث صحيح؟ أم لا؟ وإذا هلل الإنسان وأهداه إلى الميت يصل إليه ثوابه أم لا؟ فأجاب: " إذا هلل الإنسان هكذا: سبعون ألفا، أو أقل، أو أكثر، وأهديت إليه نفعه الله بذلك، وليس هذا حديثا صحيحا ولا ضعيفا " انتهى. ونقل المقري أيضا في "نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب" (2/55) عن الحافظ ابن حجر إنكار كونه حديثا أيضا، ولكني لم أقف عليه في كتبه رحمه الله. وقد سبق في موقعنا بيان ضوابط الذكر المشروع من الذكر المبتدع، يمكن الاستفادة منها في الأرقام الآتية: (22457) ، (47073) . كما يمكن الاستفادة من الجواب رقم: (13693) وفيه ذكر أسباب أخرى لتكفير الذنوب. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 107450 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 227 دعاء (اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله) [السُّؤَالُ] ـ[أردت السؤال عن صحة هذا الدعاء: (اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله، وإن كان في الأرض فأخرجه، وإن كان بعيدا فقربه، وإن كان قريبا فيسره، وإن كان قليلا فكثره، وإن كان كثيرا فبارك لي فيه) ، وإن كان صحيحا فهل يقال في ظرف أو وقت معين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لم يثبت هذا الدعاء في كتب السنة والأثر عن نبي الله صلى الله عليه وسلم، ولم يرد من قول أحد الصحابة أو التابعين، وإنما هو دعاء أعرابية مجهولة سمعها بعض أهل العلم تدعو به في عرفات. فقد روى الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم" بسنده (ص/727) : " عن الأصمعي قال: " سمعت أعرابية بعرفات وهي تقول: اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله، وإن كان في الأرض فأخرجه، وإن كان نائيا فقربه، وإن كان قريباً فيسره " انتهى. وكذا نقله الجاحظ في "البيان والتبيين" (517) ، والزمخشري في "ربيع الأبرار" (178) وغيرهم. والمراد من هذا الدعاء، من حيث الجملة، تحقيق حصول الرزق، وتيسير وصوله، وهو أمر لا حرج فيه، وإن كنا نرى في هذا الدعاء نوعا من التكلف، والتشقيق في المسألة، وهو خلاف أكمل الهدي، هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وأصحابه من بعده، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَحِبُّ الْجَوَامِعَ مِنْ الدُّعَاءِ وَيَدَعُ مَا سِوَى ذَلِكَ) رواه أحمد (27649) وأبو داود (1482) ، وصححه الألباني في صحيح الجامع. والمراد بجوامع الدعاء: " الْجَامِعَة لِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، وَهِيَ مَا كَانَ لَفْظه قَلِيلًا وَمَعْنَاهُ كَثِيرًا، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وَقِنَا عَذَاب النَّار) ، وَمِثْل الدُّعَاء بِالْعَافِيَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة. وَقَالَ عَلِيّ الْقَارِيّ: وَهِيَ الَّتِي تَجْمَعُ الْأَغْرَاض الصَّالِحَة، أَوْ تَجْمَعُ الثَّنَاء عَلَى اللَّه تَعَالَى وَآدَاب الْمَسْأَلَة " انتهى. "عون المعبود شرح سنن أبي داود" (4/249) . وعَنْ ابْنٍ لِسَعْد بن أبي وقاص، أَنَّهُ قَالَ: (سَمِعَنِي أَبِي وَأَنَا أَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَنَعِيمَهَا وَبَهْجَتَهَا وَكَذَا وَكَذَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ النَّارِ وَسَلَاسِلِهَا وَأَغْلَالِهَا وَكَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (سَيَكُونُ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الدُّعَاءِ) ؛ فَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ؛ إِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَ الْجَنَّةَ أُعْطِيتَهَا وَمَا فِيهَا مِنْ الْخَيْرِ، وَإِنْ أُعِذْتَ مِنْ النَّارِ أُعِذْتَ مِنْهَا وَمَا فِيهَا مِنْ الشَّرِّ!!) رواه أحمد (1486) وأبو داود (1480) ، وصححه الألباني. وقد كان من دعائه صلى الله عليه وسلم أن يقول: (اللَّهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ وَأَغْنِنَا مِنْ الْفَقْرِ) رواه مسلم (2713) . وعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ مُكَاتَبًا جَاءَهُ فَقَالَ: إِنِّي قَدْ عَجَزْتُ عَنْ كِتَابَتِي فَأَعِنِّي؟! قَالَ: أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ عَلَّمَنِيهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلِ صِيرٍ دَيْنًا أَدَّاهُ اللَّهُ عَنْكَ؟! ، قَالَ: قُلْ: (اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ) رواه الترمذي (3563) ، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي. وانظر: تصحيح الدعاء، للشيخ بكر أبو زيد، ص (61-63) . فأين هذا كله من تشقيق دعاء الأعرابي هذا؟! . فالذي نختاره لك، ويختاره كل عاقل، دعاء النبي صلى الله عليه وسلم وهديه، فإن عرضت لك حاجة من حوائج الدنيا والآخرة، فادع بما تحب من قضاء حاجتك، وتيسير أمرك، وليس من شرط ذلك أن يكون الدعاء بعينه مأثورا محفوظا، بل إن كان في المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم حاجتك ومسألتك، فبها ونعمت، وهو الأكمل، وإلا فادع بما تحب من خير الدنيا والآخرة. فإن أبيت إلا أن تدعو بهذا الدعاء، فليكن ذلك في المرة بعد المرة، ولا تجعله وردا دائما لك، ولا هديا ملازما، لكن من غير نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وعدم اعتقاد أفضليته، ولا تخصيصه بزمان أو مكان أو عبادة. وقد وقع بعض متأخري فقهاء الشافعية في هذا الخطأ، فذكروا هذا الدعاء فيما يسن في صلاة الضحى، وقالوا: " يسن أن يدعو في صلاة الضحى بهذا الدعاء: اللهم إن الضحى ضحاؤك، والبها بهاؤك، والجمال جمالك، والقوة قوتك، والقدرة قدرتك، والعصمة عصمتك، اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله، وإن ان في الأرض فأخرجه، وإن كان معسرا فيسره، وإن كان حراما فطهره، وإن كان بعيدا فقربه، بحق ضحائك وبهائك وجمالك وقوتك وقدرتك، آتني ما آتيت عبادك الصالحين " انتهى. ذكره الدمياطي البكري في "حاشية إعانة الطالبين" (1/295) ، وحاشية الطبلاوي على "تحفة المحتاج" (2/231) ، وحاشية الجمل (1/485) . فخصصوا هذه الجمل في عبادة معينة من غير دليل من الكتاب والسنة، وزادوا في جمل الدعاء كلمات تضم مخالفات وتجاوزات، كقوله (بحق ضحائك) ، ولا يعلم أن للضحى حق وجاه يسأل الله به. فالحق أن دعوى استحباب هذا الدعاء في صلاة الضحى فتح لباب البدعة والإحداث في الدين، وليس هو من هدي الفقهاء المتقدمين الراسخين، ولا من عمل السلف الصالحين، فينبغي الحذر منه، وبيان كذب نسبته إلى السنة النبوية. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 107302 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 228 حديث مكذوب في فضل سبحان الله والحمد لله [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أعرف مدى صحة الحديث القائل بأنه: إن قال قائل سبحان الله تزرع له نخلة في الجنة، فإن قال الحمد لله تكون أوراقها ملائكة يسألون الله لك المغفرة حتى يوم القيامة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: جاء في الحديث الصحيح في فضل التسبيح أنها كلمةٌ تُغرس بها نخلة في الجنة. فعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ العَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ، غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الجَنَّةِ) رواه الترمذي (3464) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من حديث أبي الزبير عن جابر. وقال المنذري (2/347) : إسناده جيد. وحسنه الحافظ ابن حجر في "نتائج الأفكار" (1/104) ، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (حديث رقم/64) ثانيا: أما الأحاديث الواردة في بيان صورة النخلة التي تغرسها كلمة " سبحان الله "، وتفصيل أوراقها وأغصانها، فلم يصح منها شيء، وقد ورد فيها ثلاثة أحاديث مرفوعة – بحسب ما وقفنا عليه – كلها شديدة الضعف أو مكذوبة، وهذا بيان ذلك: الحديث الأول: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكا إليه فقرا أو دينا في حاجة. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فأين أنت من صلاة الملائكة وتسبيح الخلائق وبها ينزل الله الرزق من السماء؟ قال ابن عمر: فقلت: وما ذاك يا رسول الله؟ قال فاستوى رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدا، وكان متكئا، فقال: يا ابن عمر! تقول من طلوع الفجر إلى صلاة الصبح: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، وأستغفر الله، مائة مرة، تأتيك الدنيا راغمة ذاخرة، ويخلق الله عز وجل من كل كلمة تقولها ملكا يسبح له، لك ثوابه إلى يوم القيامة) جاء هذا الحديث من طرق ثلاثة، كلها كذب موضوعة: 1- من طريق إسحاق بن إبراهيم الطبري، عن عبد الله بن الوليد العدني، عن مالك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر به. رواه ابن حبان في "المجروحين" (1/138) بسنده، ومن طريقه ابن الجوزي في "الموضوعات" (3/164) ، ورواه ابن عدي في "الكامل في الضعفاء" (1/343) ، والديلمي في "مسند الفردوس" (3731) ، ونقله الحافظ في "لسان الميزان" من إخراج الدارقطني له في "الرواة عن مالك"، ولعل الدارقطني يرويه هنا عن ابن حبان، فإنه كذلك في سند ابن الجوزي، وعزاه السيوطي في "الخصائص الكبرى" (2/262) للخطيب البغدادي في "رواة مالك"، وعزاه العراقي في "تخريج إحياء علوم الدين" (1/299) إلى المستغفري في " الدعوات ". قلت: وهذا سند منكر جدا، بسبب إسحاق بن إبراهيم الطبري: قال فيه ابن حبان: " منكر الحديث جدا، يأتي عن الثقات الأشياء الموضوعات، لا يحل كتابة حديثه إلا على جهة التعجب " انتهى. 2- من رواية ابن الجوزي في "الموضوعات" (3/164) عن بعض المجهولين، حيث قال: وقد روي من طريق آخر الله أعلم بها: أنبأنا إسماعيل بن أبي صالح المؤذن، أنبأنا عبد الله بن علي بن إسحاق الفقيه، أنبأنا أبو حسان محمد بن أحمد المزكي، حدثنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن جابر العطار، حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن إبراهيم الهروي، حدثنا أبو رجاء محمد بن أحمد بن حمدويه، حدثنا علي بن الجهم، حدثنا عبد الله بن الوليد، عن مالك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر: " أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إنى أكد في العمل ولا يأتيني إلا الجهد، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: فأين أنت عن تسبيح الملائكة؟ قالوا: وما هو؟ قال: أن تسبح قبل أن تصلي الفجر مائة مرة: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، أتاك الله برزقك وإن كرهت " انتهى. 3- قال السيوطي في "اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة" (1/462) : " وله طريق آخر: قال الحاكم في " تاريخه ": حدثنا محمد بن أحمد النصرأباذي، حدثنا العباس بن حمزة، حدثنا أحمد بن خالد الشيباني، حدثنا عبد الله بن نافع المدني، عن مالك به. فذكره بلفظ الطريق الأول سواء. وأحمد بن خالد: الظاهر أنه الجويباري: أحد الدجالين الكبار. والله أعلم " انتهى. ولذلك اتفق المحدثون على ضعف هذا الحديث. فقال عنه ابن حبان في "المجروحين" (1/138) : لا أصل له بجمله، ولا أشك أنه موضوع على مالك " انتهى. وقال ابن عدي في "الكامل في الضعفاء" (1/343) : " باطل عن مالك " انتهى. وقال ابن الجوزي في "الموضوعات" (3/164) : " هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى. وقال العراقي في "تخريج إحياء علوم الدين للغزالي" (1/299) : " أخرجه المستغفري في " الدعوات " من حديث ابن عمر، وقال: غريب من حديث مالك، ولا أعرف له أصلا في حديث مالك " انتهى. ويقول الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان" (3/434) ، في ترجمة عبد الرحمن بن محمد اليحمدي، ويقال التميمي: " شيخ مجهول، روى عنه أحمد بن محمد بن غالب المعروف بغلام خليل وهو تالف، وأخرج الدارقطني في " الرواة عن مالك " عن داود بن حبيب، عن أحمد بن محمد بن غالب، عنه، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رجل: يا رسول الله! وذكر الحديث. قال الحافظ ابن حجر: وأخرجه الخطيب من طريق أبي الفتح الأزدي، عن عبد الله بن غالب، عن غلام خليل، عن عبد الرحمن بن محمد التميمي به. وأخرج من طريق أبي حمة محمد بن يوسف، عن يزيد بن أبي حكيم، عن إسحاق بن إبراهيم الطبري، عن مالك نحوه، وقال: لا يصح عن مالك، ولا أظن إسحاق لقي مالكا. وقد رواه جماعة بأسانيد كلها ضعاف " انتهى باختصار. وقد سبق الحكم عليه في جواب السؤال رقم (110949) . الحديث الثاني: أورد السيوطي في "الحاوي للفتاوي" (2/40) حديثا بهذا المعنى أيضا: (من قال سبحان الله وبحمده، خلق الله ملكا، له عينان، وجناحان، وشفتان، ولسان، يطير مع الملائكة، ويستغفر لقائلها إلى يوم القيامة) وأروده صاحب السيرة الحلبية (1/246) ، وأيضا في "نزهة الجالس" (ص/287) ولم نقف على إسناد لهذا الحديث. الحديث الثالث: عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قال: سبحان الله وبحمده: غرس الله له ألف ألف نخلة في الجنة، أصلها ذهب، وفروعها در، وطلعها كثدي الأبكار، أحلى من العسل، وألين من الزبد، كلما أخذ منها شيء عاد كما كان) رواه ابن عدي في "الكامل في الضعفاء" (2/150) قال: ثنا حذيفة، ثنا أبو أمية، ثنا جعفر بن جسر بن فرقد القصاب، عن أبيه، عن ثابت، عن أنس به. قلت: وجعفر بن جسر هذا، قال فيه ابن عدي في "الكامل" (2/150) بعد أن ذكر حديثه هذا في مناكيره: " لجعفر بن جسر أحاديث مناكير غير ما ذكرت، ولم أر للمتكلمين في الرجال فيه قولا، ولا أدري كيف غفلوا عنه؛ لأن عامة ما يرويه منكر، وقد ذكرته لما أنكرت من الأسانيد والمتون التي يرويها، ولعل ذاك إنما هو من قبل أبيه، فإن أباه قد تكلم فيه من تقدم ممن يتكلمون في الضعفاء؛ لأني لم أر يروي جعفر عن غير أبيه " انتهى. وقال العقيلي في "الضعفاء الكبير" (1/187) : " حفظه فيه اضطراب شديد، كان يذهب الى القدر، وحدث بمناكير " انتهى. وقال ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (2/833) : " هذا حديث لا يصح " انتهى. وضعفه ابن القيم في "المنار المنيف" (ص/43) ، والحافظ الذهبي في "ميزان الاعتدال" (1/404) وقد جاء من كلام شهر بن حوشب، الراوي المعروف، قوله: (من قال: سبحان الله وبحمده: خلق الله من كلمته تلك ملكا، فيذهب إلى السماء الرابعة فيغتسل في نهر يقال له الحياة، ثم يخرج منها، فينفض جناحه، فيقطر منه مثل قطر السماء، فيخلق الله عز وجل من كل قطرة ملكا يسبحه، ويقدسه، ويثبت ذلك للعبد إلى النفخة الأولى) رواه أبو الشيخ الأصبهاني في "العظمة" (1/492) قال: حدثنا الفضل بن العباس بن مهران، حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير، حدثنا مسلم بن خالد، عن ابن أبي حسين، عن شهر بن حوشب به. والحاصل أنه لم يصح حديث في أنه إذا سبح المسلم ربه، خلق الله تعالى ملكا يستغفر له إلى يوم القيامة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 107258 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 229 أحاديث ضعيفة في عدم قبول عمل المبتدع مطلقا [السُّؤَالُ] ـ[قرأت سؤالا في موقعكم حول شخص يقع في البدع، وذكرتم أنه تجوز الصلاة خلف المبتدع الذي لم تصل بدعته إلى حد الشرك، لكني قابلت الحديث التالي في ابن ماجه والدارمي، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله لصاحب بدعة صوما، ولا صلاة، ولا صدقة، ولا حجا، ولا عمرة، ولا جهادا، ولا صرفا، ولا عدلا، يخرج من الإسلام كما تخرج الشعرة من العجين) فإذا كان هذا الحديث صحيحا فكيف نصلي وراء المبتدع حتى ولو لم يقع في الشرك؟ في الحديث السابق جاءت كلمة: " صاحب بدعة " عامة تشمل كل مبتدع. في المنطقة التي أعيش بها توجد بعض المساجد تقع في البدع، بينما المسجد الذي يسير على السنة بعيد عن بيتي جدًا. فماذا أفعل؟ رجاء بيان الأمر بأدلته من القرآن والسنة. بارك الله فيكم تلقاء هذا العمل العظيم الذي تقومون به.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: سبق تقرير حكم الصلاة خلف المبتدع، في جواب السؤال رقم: (20885) ، (26152) ، فلا داعي لإعادته هنا. ثانيا: أما الحديث الذي جاء في السؤال، وغيره من الأحاديث المرفوعة الواردة في عدم قبول عمل المبتدع، فهي أحاديث ضعيفة أو منكرة لا تصح، وهذا بيان ذلك: الحديث الأول: عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا يَقْبَلُ اللَّهُ لِصَاحِبِ بِدْعَةٍ صَوْمًا، وَلَا صَلَاةً، وَلَا صَدَقَةً، وَلَا حَجًّا، وَلَا عُمْرَةً، وَلَا جِهَادًا، وَلَا صَرْفًا، وَلَا عَدْلًا، يَخْرُجُ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا تَخْرُجُ الشَّعَرَةُ مِنْ الْعَجِينِ) رواه ابن ماجه في "السنن" (رقم/49) قال: حدثنا داود بن سليمان العسكري، حدثنا محمد بن علي أبو هاشم بن أبي خداش الموصلي، حدثنا محمد بن محصن، عن إبراهيم بن أبي عبلة، عن عبد الله بن الديلمي، عن حذيفة به. قال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (رقم/1493) : " موضوع، آفته ابن محصن هذا فإنه كذاب كما قال ابن معين وأبو حاتم، وقال الحافظ في " التقريب ": كذبوه " وتساهل البوصيري فيه فقال في " الزوائد " (1/10) : " هذا إسناد ضعيف، فيه محمد بن محصن، وقد اتفقوا على ضعفه " ووجه التساهل أن الراوي قد يتفق على ضعفه، وليس بكذاب، وحينئذ فذكر الاتفاق دون ذكر السبب لا يكون معبرا عن واقع الراوي. فتأمل " انتهى. الحديث الثاني: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَبَى اللَّهُ أَنْ يَقْبَلَ عَمَلَ صَاحِبِ بِدْعَةٍ حَتَّى يَدَعَ بِدْعَتَهُ) رواه ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (9/439) ، وابن ماجه في السنن (رقم/50) ، وأبو الفضل المقرئ في "أحاديث في ذم الكلام وأهله" (3/111) ، وابن أبي عاصم في "السنة" (رقم/32) ، والخطيب في "تاريخ بغداد" (13/185) ومن طريقه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (1/144) جميعهم من طريق: بشر بن منصور الخياط عن أبي زيد، عن أبي المغيرة، عن عبد الله بن عباس به. قال ابن أبي حاتم –بعد روايته له -: " سئل أبو زرعة عنهما – يعني أبا زيد وأبا المغيرة -: فقال: لا أعرفهما، ولا أعرف بشر بن منصور الذي روى عنه الأشج " انتهى. وقال ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (1/145) : " هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه مجاهيل " انتهى. وقال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (رقم/1492) : " منكر، وهذا إسناد ضعيف، مسلسل بالمجهولين، قال أبو زرعة: " لا أعرف أبا زيد ولا شيخه ولا بشرا " وقال الذهبي في أولهم: " يجهل ". وقال في الآخرين: " لا يدرى من هما " ووافقه البوصيري في " الزوائد " (1/11) " انتهى. ثالثا: ولكن قد يستشكل بعض الناس ما ورد في حديث علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيمن أحدث حدثا في المدينة: (لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا) رواه البخاري (7300) ومسلم (1370) وكذلك ما جاء عن جماعة من التابعين: كالحسن البصري أنه قال: " لا يقبل الله لصاحب بدعة صوما، ولا صلاة، ولا حجة، ولا عمرة، حتى يدعها " انتهى. رواه الآجري في "الشريعة" (64) ، وأبو شامة في "الباعث على إنكار البدع والحوادث" (ص/16) وغيرهما. وجاء نحوه عن الأوزاعي - كما في "البدع والنهي عنها" لابن وضاح (27) -، وعن الفضيل بن عياض أنه قال: " لا يرفع لصاحب بدعة إلى الله عمل " رواه اللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة" (1/139) فقد ذكر الشاطبي احتمالين في تفسير مثل هذه الآثار، فقال في "الاعتصام" (1/108-112) : " إما أن يراد: أنه لا يقبل له بإطلاق، على أي وجه وقع من وفاق سنة أو خلافها. وإما أن يراد: أنه لا يقبل منه ما ابتدع فيه خاصة، دون ما لم يبتدع فيه. فأما الأول: فيمكن على أحد أوجه ثلاثة: الأول: أن يكون على ظاهره من أن كل مبتدع أي بدعة كانت فأعماله لا تقبل معها، داخلتها تلك البدعة أم لا، وهذا شديد جدا على أهل الإحداث في الدين. الثاني: أن تكون بدعته أصلا يتفرع عليه سائر الأعمال: كما إذا ذهب إلى إنكار العمل بخبر الواحد بإطلاق، فإن عامة التكليف مبني عليه. الوجه الثالث: أن صاحب البدعة في بعض الأمور التعبدية أو غيرها قد يجره اعتقاد بدعته الخاصة إلى التأويل الذي يُصَيِّرُ اعتقاده في الشريعة ضعيفا، وذلك يبطل عليه جميع عمله. وأما الثاني: وهو أن يراد بعدم القبول لأعمالهم ما ابتدعوا فيه خاصة، فيظهر أيضا، وعليه يدل حديث: (كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد) " انتهى باختصار. ولكن التحقيق في هذه المسألة ما ذكره الدكتور إبراهيم الرحيلي في كتابه "موقف أهل السنة من أهل الأهواء والبدع" (1/292-293) حيث قال: " ما دلت عليه ظواهر النصوص وكلام السلف من أن صاحب البدعة لا يقبل الله له عملا، يمكن حمله على الأوجه التالية: الوجه الأول: أن الكلام على ظاهره، وأن المراد رد عمل المبتدعِ كلِّه، ما ابتدع فيه وما لم يبتدع فيه، وهذا في حق المبتدع الكافر لا غير. الوجه الثاني: أن المراد رد العمل المبتدَع خاصة، سواء كان ابتداعا محضا، أو كان شرعيا دخل عليه الابتداع فأفسده. الوجه الثالث: إحباط البدع أجر العمل على سبيل الجزاء، حتى كأنه لم يقبل. الوجه الرابع: أن النصوص محمولة على الزجر عن الابتداع والتنفير منه. والحامل لتوجيه النصوص وكلام السلف هنا هو ما يظهر من معارضة ظواهر هذه النصوص لأصول الشريعة الدالة على قبول عمل المسلم إذا توفر فيه شرطا الإخلاص والمتابعة، دون النظر إلى ما عليه صاحب العمل من ابتداع ومعصية في غيره من الأعمال، إذ لا تأثير لها على قبول ذلك العمل " انتهى باختصار. والوجه الثالث المذكور هنا، لا ينبغي حمله إلا على بدعة دل الشرع أنها تحبط عمل صاحبها وليست كل بدعة يصح فيها هذا التوجيه. وقد ذكر أهل العلم شراح الحديث أن المقصود بقوله صلى الله عليه وسلم في شأن المحدث: (لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا) قال القاضي وقيل المعنى لا تقبل فريضته ولا نافلته قبول رضا وإن قبلت قبول جزاء وقيل يكون القبول هنا بمعنى تكفير الذنب بهما "شرح النووي على مسلم" (9/141) والحاصل أنه تجوز الصلاة خلف المبتدع إذا لم تكن بدعته مكفرة كفرا صريحا، وأن الله سبحانه وتعالى يحاسب الناس على قدر أعمالهم، فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 107286 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 230 حديث اتخاذ العهد عند الله [السُّؤَالُ] ـ[ما مدى صحة هذا الحديث قبل أن أنشره؟ قال ابن مسعود رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه: (أيعجز أحدكم أن يتخذ كل صباح ومساء عند الله عهدا؟ قيل: يا رسول الله! وما ذاك؟ قال: يقول عند كل صباح ومساء: " اللهم فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، إني أعهد إليك في هذه الحياة بأني أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، وأن محمداً عبدك ورسولك، فلا تكلني إلى نفسي، فإنك إن تكلني إلى نفسي تباعدني من الخير، وتقربني من الشر، وإني لا أثق إلا برحمتك، فاجعل لي عندك عهدا توفينيه يوم القيامة، إنك لا تخلف الميعاد " فإذا قال ذلك طبع الله عليها طابعاً، ووضعها تحت العرش، فإذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين الذين لهم عند الله عهد؟ فيقوم فيدخل الجنة) ]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الدعاء بما ورد في هذا الحديث لا بأس به ولا حرج، اقتداء بعبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فقد صح عنه أنه كان يدعو به، وكلماته جليلة عظيمة لها شواهد من الكتاب والسنة الصحيحة. غير أن لا يجوز اعتقاد الفضل المذكور في الحديث: أن ملكا يكتبه عنده ويختمه ويحفظه إلى يوم القيامة، لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر هذا الفضل، بل ولا حتى الدعاء، إنما ورد عن ابن مسعود أنه كان يدعو بكلماته، ولم يرد عنه ذكر ذلك الفضل له، فيجب أن يتنبه إلى الفرق بين الأمرين. ثانيا: أما بيان تخريج الحديث ودرجته، فهو كالآتي: هذا الدعاء جاء عن ثلاثة من الصحابة رضي الله عنهم: الأول: عن ابن مسعود رضي الله عنه. أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ قَالَ: اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، إِنِّي أَعْهَدُ إِلَيْكَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا أَنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، فَإِنَّكَ إِنْ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي تُقَرِّبْنِي مِنْ الشَّرِّ وَتُبَاعِدْنِي مِنْ الْخَيْرِ، وَإِنِّي لَا أَثِقُ إِلَّا بِرَحْمَتِكَ، فَاجْعَلْ لِي عِنْدَكَ عَهْدًا تُوَفِّينِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ. إِلَّا قَالَ اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: إِنَّ عَبْدِي قَدْ عَهِدَ إِلَيَّ عَهْدًا فَأَوْفُوهُ إِيَّاهُ. فَيُدْخِلُهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ) قَالَ سُهَيْلٌ فَأَخْبَرْتُ الْقَاسِمَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَوْنًا أَخْبَرَ بِكَذَا وَكَذَا، قَالَ: مَا فِي أَهْلِنَا جَارِيَةٌ إِلَّا وَهِيَ تَقُولُ هَذَا فِي خِدْرِهَا. هذا الحديث جاء من طريق مرفوعة، وأخرى موقوفة، وهي الأصح. أما المرفوعة: فمن طريق حماد بن سلمة عن سهيل بن أبي صالح وعبد الله بن عثمان عن عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن مسعود به. رواه الإمام أحمد في "المسند" (1/412) قال ابن كثير في تفسيره (7/103) : انفرد به الإمام أحمد. قال الهيثمى في "مجمع الزوائد" (10/174) : " رجاله رجال الصحيح، إلا أن عون بن عبد الله لم يسمع من ابن مسعود " انتهى. ولذلك ضعفه أيضا محققو المسند (7/32) ، والشيخ أحمد شاكر في تعليقه على المسند (6/9) . أما الموقوفة: فمن طريق عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي عن عون بن عبد الله عن أبي فاختة عن الأسود بن يزيد عن عبد الله بن مسعود به. أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (6/68) وابن أبي حاتم في "التفسير" – كما عزاه إليه ابن كثير في "التفسير" (5/265) ، والسيوطي في "الدر المنثور" (5/542) – ورواه الطبراني في "المعجم الكبير" (9/186) ، والحاكم في "المستدرك" (2/409) ، وأبو نعيم في "الحلية" (4/271) إلا أن الحاكم لم يذكر في سنده أبا فاختة وهو سعيد بن علاقة والد ثوير بن أبي فاختة – ويبدو أنه سقط من المطبوع. قلت: وهذا سند صحيح، ليس في رجاله مطعن، اللهم إلا في المسعودي، فقد أخذ عليه العلماء أنه اختلط في آخر عمره، ولكن نص ابن معين على أن حديثه عن عون بن عبد الله صحيح قبل الاختلاط. انظر ترجمته في "تهذيب التهذيب" (6/211) وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال الذهبي في تلخيصه: صحيح. وأخرجه محمد بن فضيل الضبي في "الدعاء" (رقم/51) موقوفا أيضا من طريق أخرى: حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق ومالك بن مغول، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن مسعود، قال: كان يقول: فذكره وفيه (فما قالهن عبد قط إلا كتبن في رق، ثم ختمن بخاتم، حتى يوافيها يوم القيامة، أين أصحاب العهود؟) قلت: ورواية القاسم بن عبد الرحمن عن جده عبد الله بن مسعود مرسلة، كما في "تهذيب التهذيب" (8/322) ، و"جامع التحصيل" (ص/252) الثاني: عن زيد بن ثابت رضي الله عنه: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ دُعَاءً وَأَمَرَهُ أَنْ يَتَعَاهَدَ بِهِ أَهْلَهُ كُلَّ يَوْمٍ قَالَ: ُلْ كُلَّ يَوْمٍ حِينَ تُصْبِحُ: (لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، وَمِنْكَ وَبِكَ وَإِلَيْكَ، اللَّهُمَّ مَا قُلْتُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ نَذَرْتُ مِنْ نَذْرٍ أَوْ حَلَفْتُ مِنْ حَلِفٍ فَمَشِيئَتُكَ بَيْنَ يَدَيْهِ، مَا شِئْتَ كَانَ وَمَا لَمْ تَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ وَمَا صَلَّيْتُ مِنْ صَلَاةٍ فَعَلَى مَنْ صَلَّيْتَ، وَمَا لَعَنْتُ مِنْ لَعْنَةٍ فَعَلَى مَنْ لَعَنْتَ، إِنَّكَ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ، أَسْأَلُكَ اللَّهُمَّ الرِّضَا بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَبَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَمَاتِ، وَلَذَّةَ نَظَرٍ إِلَى وَجْهِكَ، وَشَوْقًا إِلَى لِقَائِكَ، مِنْ غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، أَعُوذُ بِكَ اللَّهُمَّ أَنْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ، أَوْ أَعْتَدِيَ أَوْ يُعْتَدَى عَلَيَّ، أَوْ أَكْتَسِبَ خَطِيئَةً مُحْبِطَةً أَوْ ذَنْبًا لَا يُغْفَرُ. اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، فَإِنِّي أَعْهَدُ إِلَيْكَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَأُشْهِدُكَ وَكَفَى بِكَ شَهِيدًا، أَنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، لَكَ الْمُلْكُ وَلَكَ الْحَمْدُ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ وَعْدَكَ حَقٌّ، وَلِقَاءَكَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةَ حَقٌّ، وَالسَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا، وَأَنْتَ تَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ إِنْ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي تَكِلْنِي إِلَى ضَيْعَةٍ وَعَوْرَةٍ وَذَنْبٍ وَخَطِيئَةٍ، وَإِنِّي لَا أَثِقُ إِلَّا بِرَحْمَتِكَ، فَاغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، وَتُبْ عَلَيَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) رواه الإمام أحمد في "المسند" (5/191) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (5/119) ، والبيهقي في "الأسماء والصفات" (1/421) ، وأخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة (رقم/47) بلفظ مختصر. كلهم من طريق أبي بكر ابن أبي مريم، عن ضَمْرَة بْن حَبِيبِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَن زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ به. وأخرجه الحاكم في "المستدرك" (1/697) واللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" (3/489) من الطريق نفسها إلا أنه لم يذكر فيها أبا الدرداء، بل رواه عن زيد بن ثابت مباشرة. قلت: وهذا السند له علتان: الأولى: اتفقت كلمة المحدثين على ضعف أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم، انظر "تهذيب التهذيب" (12/29) . الثانية: الانقطاع بين ضمرة بن حبيب - ترجمته في "تهذيب التهذيب" (4/459) وفيها أنه توفي سنة (130 هـ) - وبين أبي الدرداء توفي سنة (32هـ) ولذلك علق الذهبي على قول الحاكم " هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه " انتهى. قال الذهبي في تعليقه: أبو بكر ضعيف فأين الصحة؟ وأخرج الطبراني في "المعجم الكبير" (5/157) متابعة لأبي بكر ابن أبي مريم، من طريق بكر بن سهل الدمياطي ثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن ضمرة بن حبيب عن زيد بن ثابت ولم يذكر أبا الدرداء. إلا أن بكر بن سهل الدمياطي (287هـ) قال فيه النسائي: ضعيف. كما في "سير أعلام النبلاء" (13/426) ، وضمرة بن حبيب (130هـ) عن زيد بن ثابت (45،48هـ) منقطع أيضا. لذلك ضعفه الألباني في "ضعيف الترغيب" (397) الثالث: عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قال في دبر الصلاة بعد ما يسلم هؤلاء الكلمات، كَتَبَهُ مَلَك في رق، فختم بخاتم، ثم رفعها إلى يوم القيامة، فإذا بعث الله العبد من قبره جاءه الملك ومعه الكتاب ينادي: أين أهل العهود؟ حتى يدفع إليه. والكلمات أن تقول:.. فذكر نحو حديث ابن مسعود) رواه الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول في أحاديث الرسول" (2/272) من المطبوع، وهو بسنده في المخطوط (ورقة/207) - حيث إن المطبوع خال من الأسانيد -: قال الترمذي الحكيم: حدثنا عمر بن أبي عمر، قال ثنا عبد الله بن أبي أمية الفزاري، عن أبي علي الرمَاح، عن عمر بن ميمون، عن مقاتل بن حيان، عن الأسود بن هلال، عن أبي بكر الصديق به. وفي هذا السند عمر بن أبي عمر شيخ الحكيم الترمذي، فقد جاء في "لسان الميزان" (1/31) نقل الحافظ عن الجوزقاني قوله فيه: مجهول، ثم عقب بقول: " عمر معروف، لكنه ضعيف " انتهى. والواقف على حديثه يرى فيه من المناكير ما يجزم بضعفه ووهنه، ولعله ممن يركب الأسانيد أو يسرقها. كما أن عبد الله بن أبي أمية شيخه لم نجد من يوثقه من أهل العلم. فالخلاصة أن هذا الدعاء لا يصح رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأما من أراد أن يدعو بكلماته من غير اعتقاد فضل خاص لها فلا حرج عليه إن شاء الله، لا سيما وقد صح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، الدعاء به. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106427 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 231 سبب وجود الأحاديث الضعيفة في كتب بعض العلماء [السُّؤَالُ] ـ[ما أسباب وجود أحاديث ضعيفة في كتب المتقدمين كابن تيمية وابن القيم وابن رجب رحمهم الله؟ وكيف نتعامل معها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تنقسم الأحاديث الضعيفة – من حيث جزمنا بردها وضعفها - إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: أحاديث يجزم بردها وكذب نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم: وهي نوعان: 1- أحاديث جاءت من طريق الرواة الكذابين والمتهمين، أو شديدي الضعيف سيِّئِي الحفظ، ويظهر في متنها نكارة لا يصدر مثلها عن النبي صلى الله عليه وسلم. 2- أو التي يُجزَم بخطئ راويها حين يخالف من هو أوثق منه أو أكثر عددا، فيرفع الموقوف، أو يسند المرسل، أو يزيد وينقص في المتن أو الإسناد. فهذه الأحاديث لا تكاد تجد منها شيئا في كتب أهل العلم المحققين إلا ما يذكرونه للتنبيه على وهنه ونكارته، أما أن يكون في معرض الاستدلال والاستشهاد: فهذا لا يقع إلا نادرا على سبيل الوهم والخطأ. القسم الثاني: أحاديث ضعيفة بسبب وجود راو ضعيف أو مجهول محتمل الضعف، أو بسبب انقطاع يسير، مع عدم وجود نكارة في المتن مناقضة للثابت من الشريعة. وهذا القسم لا يجزم العلماء برده وتكذيب نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بل يعتبرون احتمال صدوره عنه صلى الله عليه وسلم قائما، إذ قد يحفظ الراوي الضعيف ويصيب، كما قد يكون الراوي الساقط من الإسناد أو الراوي المجهول ثقة، فتجدهم يحكمون بقبول الحديث إذا اجتمعت بعض القرائن التي تقوي هذين الاحتمالين كتعدد الطرق ومجيئه من غير وجه. يقول ابن الصلاح في "المقدمة" (ص/9) : " إذا قالوا في حديث: إنه غير صحيح، فليس ذلك قطعا بأنه كذب في نفس الأمر، إذ قد يكون صدقا في نفس الأمر، وإنما المراد به: أنه لم يصح إسناده على الشرط المذكور " انتهى. ويقول السيوطي في "تدريب الراوي" (1/75-76) : " (وإذا قيل) هذا حديث (غير صحيح) : فمعناه لم يصح إسناده على الشرط المذكور، لا أنه كذب في نفس الأمر، لجواز صدق الكاذب، وإصابة مَن هو كثير الخطأ " انتهى. فإذا وجد أهل العلم أنَّ ضعفَ الحديث المعيَّن ضعفٌ محتملٌ، ورأوا في متنه معنًى مقبولا في جملة الشريعة، لم يتورعوا – في الغالب – عن ذكره وتدوينه استئناسا وليس استدلالا، فهم متفقون على أن الاستدلال على الأحكام الشرعية يجب أن يكون بالحديث الصحيح، ولكنهم يستأنسون بهذا القسم من الضعيف في أبواب القصص والرقائق والسير والآداب والأخلاق وفضائل الأعمال ونحوها. فيمكن تلخيص أسباب ذكر العلماء هذه الأحاديث الضعيفة في كتبهم بما يلي: 1- اعتبار احتمال ظهور صدقها وصحتها ببعض الشواهد والطرق والمتابعات، فيستأنسون بمعانيها في تلك الأبواب إذا كانت مقبولة في الجملة. 2- تقليد من سبقهم من أهل العلم، ممن أخرج الحديث وبوب عليه في مصنفات السنة ولم يحكم برده وتكذيبه، فيوكلون العهدة عليه. 3- وفي كثير من الأحيان يصحبون ذكر هذه الأحاديث ببعض ما يدل على ضعفها، كالتصريح بالضعف، أو ذكرها بصيغة التمريض: رُوي، حُكي، وجاء في الحديث ... ونحوها. القسم الثالث: أحاديث مختلف فيها، مترددة بين القسمين السابقين، وبين قسم الحديث الحسن والمقبول، فيكون ذكر أهل العلم لها في كتبهم من باب اعتبار هذا الخلاف، أو ترجيح قبول الحديث أو على الأقل عدم الجزم برده. هذا واحتمال الخطأ وارد في كل ذلك، فالعلماء وإن اتسعت معارفهم فذلك لا يثبت العصمة لهم، فقد يذكر الحديث الضعيف ظنا منه أنه صحيح، وإذا كان الخطأ قد وقع لأئمة السنة أصحاب المصنفات والسنن والجوامع، فوقوعه فيمن بعدهم من العلماء أولى وأقرب. يقول الحافظ ابن حجر في "النكت على ابن الصلاح" (1/447) : " فإن بعض من صنف الأبواب قد أخرج فيها الأحاديث الضعيفة بل والباطلة، إما لذهول عن ضعفها، وإما لقلة معرفة بالنقد " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105726 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 232 أثر عن كعب الأحبار في بعض ما أنزل على موسى عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم [السُّؤَالُ] ـ[السؤال: ما صحة هذا الحديث الشريف: عن كعب الأحبار رضي الله عنه قال: قرأت في بعض ما أنزل على موسى عليه السلام: " يا موسى! ركعتان يصليهما أحمد وأمته - وهي صلاة الغداة - مَن يصليهما غفرت له ما أصاب من الذنوب من ليله ويومه، ويكون في ذمتي. يا موسى! أربع ركعات يصليها أحمد وأمته - وهي صلاة الظهر - أعطيهم بأول ركعة فيها المغفرة، وبالثانية أثقل ميزانهم، وبالثالثة أوكل عليهم الملائكة يسبحون ويستغفرون لهم، وبالرابعة أفتح لهم أبواب السماء، ويشرف عليه الحور العين. يا موسى! أربع ركعات يصليها أحمد وأمته - وهي صلاة العصر – فلا يبقى مسلم فى السماوات والأرض الا استغفر لهم، ومن استغفر لهم الملائكة لم أعذبه. يا موسى! ثلاث ركعات يصليها أحمد وأمته حين تغرب الشمس أفتح لهم أبواب السماء، لا يسألون من حاجة الا قضيتها لهم. يا موسى! أربع ركعات يصليها أحمد وأمته حين يغيب الشفق، وهي خير لهم من الدنيا وما فيها، ويخرجون من ذنوبهم كيوم ولدتهم أمهاتهم. يا موسى! يتوضأ أحمد وأمته كما أمرتهم، أعطيهم بكل قطرة تقطر من الماء جنة عرضها كعرض السماء والأرض. يا موسى! يصوم أحمد وأمته شهرا فى كل سنة - وهو شهر رمضان - أعطيهم بصيام كل يوم مدينة فى الجنة، وأعطيهم بكل خير يعملون فيه من التطوع أجر فريضة، وأجعل فيه ليلة القدر، من استغفر منهم فيها مرة واحدة نادما صادقا من قلبه، فإن مات من ليله أو شهره أعطيته أجر ثلاثين شهيدا. يا موسى! إن في أمة محمد رجالا يقومون على كل شرف، يشهدون أن لا إله إلا الله، فجزاؤهم بذلك جزاء الأنبياء عليهم السلام، ورحمتى عليهم واجبة، وغضبي بعيد منهم، ولا أحجب باب التوبة عن واحد منهم ما داموا يشهدون أن لا إله إلا الله "]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لم نجد هذا الأثر من كلام كعب الأحبار في كتب أهل العلم المسندة وغير المسندة، ولم نقف على شيء قريب من معناه، وكعب الأحبار (ت 32هـ) من أكثر الرواة الذين كَذَب عليهم الكذَّابون، ونسب إليهم كلُّ مُغرضٍ ما أراد أن يدسه في الدين، ومع أنه ليس من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، إلا أنه من علماء بني إسرائيل من التابعين الذين أسلموا، ونقلوا إلى المسلمين شيئاً من الكتب السابقة، فكثرت في أحاديثه العجائب والغرائب والمنكرات. فلا يجوز التصديق بهذا الأثر المنسوب إليه، لما فيه من المبالغات الظاهرة، منها - على سبيل المثال - قوله: (يا موسى! يتوضأ أحمد وأمته كما أمرتهم، أعطيهم بكل قطرة تقطر من الماء جنة عرضها كعرض السماء والأرض) ومنها قوله: (وأَجْعَلُ فيه ليلة القدر، من استغفر منهم فيها مرة واحدة نادما صادقا من قلبه، فإن مات من ليله أو شهره أعطيته أجر ثلاثين شهيدا) قال الحافظ ابن حجر في "النكت على ابن الصلاح" (2/843) : " ومن جملة القرائن الدالة على الوضع (يعني وضع الحديث، وأنه مكذوب) : الإفراط بالوعيد الشديد على الأمر اليسير، أو بالوعد العظيم على الفعل اليسير، وهذا كثير موجود في حديث القُصَّاص والطُرقِيَّة – يعني جهلة المتصوفة - " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105245 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 233 الحديث القدسي المشهور (خلقتك للعبادة فلا تلعب) [السُّؤَالُ] ـ[أسأل فضيلتكم عن مدى صحة الحديث القدسي التالي: (يا اِبنَ آدمَ خَلَقتُكَ لِلعِبَادةَ فَلا تَلعَب , وَقسَمتُ لَكَ رِزقُكَ فَلا تَتعَب , فَإِن رَضِيتَ بِمَا قَسَمتُهُ لَكَ أَرَحتَ قَلبَكَ وَبَدنَكَ، وكُنتَ عِندِي مَحمُوداً , وإِن لَم تَرضَ بِمَا قَسَمتُهُ لَكَ فَوَعِزَّتِي وَجَلالِي لأُسَلِّطَنَّ عَلَيكَ الدُنيَا تَركُضُ فِيهَا رَكضَ الوُحوش فِي البَريَّةَ، ثُمَّ لاَ يَكُونُ لَكَ فِيهَا إِلا مَا قَسَمتُهُ لَكَ، وَكُنتَ عِندِي مَذمُومَا) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الذي يظهر أن هذا الكلام منقول عن بعض كتب بني إسرائيل، نقله كعب الأحبار أو غيره، فنسبه بعضهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم خطأ أو عمدا. إذ لم يرد هذا الحديث في شيء من كتب السنة، ولم يرد بسندٍ حتى ينظر في صحته أو ضعفه، فلا يجوز الجزم بنسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وكل من نقله أو ذكره في كتابه إنما ينسبه لآثار بني إسرائيل أو التوراة، كما فعل ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (8/52) ، وابن القيم في "الجواب الكافي" (ص/141) ، وابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (7/426) . وقال الأبشيهي في "المستطرف" من كتب النوادر والأدب (1/153) : " روي أن هذه الكلمات وجدها كعب الأحبار مكتوبة في التوراة فكتبها، وهي: ... - فذكر رواية أطول من المذكور في السؤال " انتهى. وقد حكم الشيخ ابن عثيمين عليه بقوله: " غير صحيح "، كما في "الفتاوى الصادرة من مركز الدعوة بعنيزة" (3/63) ، نقلا عن هذا الرابط: http://saaid.net/Minute/m16.htm ثانيا: يغني عن هذا الأثر، الحديث الصحيح الذي يرويه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ! تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي أَمْلَأْ صَدْرَكَ غِنًى، وَأَسُدَّ فَقْرَكَ، وَإِلاَّ تَفْعَلْ مَلَأْتُ يَدَيْكَ شُغْلاً، وَلَمْ أَسُدَّ فَقْرَكَ) رواه الترمذي (2466) وحسنه ابن مفلح في "الآداب الشرعية" (3/262) ، وصححه الشيخ أحمد شاكر في تحقيقه للمسند (16/284) والشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1359) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الحديث: 104924 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 234 حديث (مَن استغفر للمؤمنين كتب له بكل مؤمن حسنة) [السُّؤَالُ] ـ[جاء في الحديث (مَن استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب له بكل مؤمن حسنة) ما المقصود بالحديث؟ وهل هو على ظاهره؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لم يصح حديث في تعيين فضل معين للاستغفار للمؤمنين والمؤمنات، وما ورد في ذلك لا يثبت، وفي أسانيدها ضعف وفي متونها نكارة، إذ فيها مبالغة في الأجر لا تتناسب مع العمل، وهذه هي الأحاديث الواردة في ذلك: 1- عن عبادة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة) رواه الطبراني في "مسند الشاميين" (3/234) من طريق بكر بن خنيس عن عتبة بن حميد عن عيسى بن سنان عن يعلى بن شداد بن أوس عن عبادة بن الصامت. وعيسى بن سنان: ضعفه أحمد وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي وابن معين في رواية. انظر "تهذيب التهذيب" (8/212) وعتبة بن حميد: قال فيه أحمد: ضعيف ليس بالقوي. وقال أبو حاتم: صالح الحديث. وأما بكر بن خنيس فأكثر كلمة المحدثين على تضعيفه ونكارة حديثه. انظر "تهذيب التهذيب" (1/428) فلا وجه لقول الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/210) : إسناده جيد. وعليه اعتمد الشيخ الألباني في تحسينه في "صحيح الجامع" (6026) لأنه لم يطلع على سنده في "مسند الشاميين" إذ لم يكن قد طبع بعد. 2- عن أم سلمة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من قال كل يوم اللهم اغفر لى وللمؤمنين والمؤمنات ألحق به من كل مؤمن حسنة) رواه الطبراني في الكبير (23/370) وفي إسناده أبو أمية إسماعيل بن يعلى الثقفي، جاء في ترجمته في "ميزان الاعتدال" (1/255) : " قال يحيى: ضعيف، ليس حديثه بشيء، وقال مرة: متروك الحديث. وقال النسائي والدارقطني: متروك. وقد مشاه شعبة، وقال: اكتبوا عنه، فإنه شريف. وقال البخاري: سكتوا عنه. وذكره ابن عدى وساق له بضعة عشر حديثا معروفة، لكنها منكرة الاسناد " انتهى. وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/210) : " فيه أبو أمية بن يعلى وهو ضعيف " انتهى. 3- عن أنس رضي الله عنه، جاء عنه من طريقين: - من طريق عمر بن عبيد الطنافسي عن شعيب بن كيسان عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ: (من استغفر للمؤمنين والمؤمنات رد الله عز وجل عليه من آدم فما دونه) . رواه البخاري في "التاريخ الكبير" (4/219) والعقيلي في "الضعفاء" (2/182) وابن بشران في "الأمالي" (برقم/244) وغيرهم. قلت: فيه علتان: الأولى: ضعف شعيب بن كيسان، والثاني: الانقطاع بينه وبين أنس، فقد قال البخاري عقب إخراجه له: " لا يعرف له سماع من أنس، ولا يتابع عليه " لذلك ذكره الذهبي في "ميزان الاعتدال" (2/277) في منكراته، وقال العراقي في "تخريج الإحياء" (1/ 321) : وسنده ضعيف. وقال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (5976) : " منكر " انتهى. - من طريق معمر عن أبان عن أنس مرفوعا بلفظ: (ما من عبد يدعو للمؤمنين والمؤمنات إلا رد الله عليه عن كل مؤمن ومؤمنة مضى أو هو كائن إلى يوم القيامة بمثل ما دعا به) رواه عبد الرزاق في "المصنف" (2/217) قلت: وأبان الذي يروي عنه معمر بن راشد هو ابن أبي عياش اتفقت كلمة المحدثين على تضعيفه وتركه. انظر "تهذيب التهذيب" (1/99) 4- عن أبى الدرداء قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كل يوم سبعا وعشرين مرة أو خمسا وعشرين مرة أحد العددين كان من الذين يستجاب لهم ويرزق بهم أهل الأرض) قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/210) : " رواه الطبراني وفيه عثمان بن أبى العاتكة، وقال فيه حدثت عن أم الدرداء، وعثمان هذا وثقه غير واحد وضعفه الجمهور، وبقية رجاله المسمين ثقات " انتهى. 5- عن أبى هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لم يكن عنده مال يتصدق به فليستغفر للمؤمنين والمؤمنات فانها صدقة) رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (3/128) قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/210) : " فيه من لم أعرفهم " انتهى. 6- عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أيما رجل مسلم لم يكن عنده صدقة فليقل في دعائه: اللهم صل على محمد عبدك ورسولك، وصل على المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، فإنها زكاة) رواه ابن حبان (3/185) في صحيحه، وإسناده ضعيف؛ لأنه من رواية دراج عن أبي الهيثم، وقد ضعفها أحمد وأبو داود وغيرهما، انظر "تهذيب التهذيب" (3/209) ثانيا: الاستغفار للمؤمنين والمؤمنات من دعاء الرسل والأنبياء الكرام، فقد دعا به نوح عليه السلام: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) نوح/28 ودعا به إبراهيم عليه السلام فقال: (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ) إبراهيم/41 وأمر الله سبحانه وتعالى نبيه أن يدعو به فقال: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمؤْمِنَاتِ) محمد/19 وحكاه الله عن المؤمنين الصادقين المخلصين فقال: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) الحشر/10 فيستحب لجميع المسلمين الدعاء بالمغفر لإخوانهم المسلمين، الأحياء منهم والميتين، ولا شك أن الملائكة ستؤمن على دعائه وسيأتيه مثل ما دعا به. روى عبد الرزاق في "المصنف" (2/217) : " عن ابن جريج قال: قلتُ لعطاء: أَستَغفرُ للمؤمنين والمؤمنات؟ قال: نعم، قد أُمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم بذلك، فإنَّ ذلك الواجبَ على الناس، قال الله لنبيِّه صلى الله عليه وسلم: (اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ) قلتُ: أفتدع ذلك في المكتوبة أبداً؟ قال: لا. قلت: فبِمَن تبدأ، بنفسك أم بالمؤمنين؟ قال: بل بنفسي، كما قال الله: (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ) " انتهى. يقول ابن القيم في "مفتاح دار السعادة" (1/298-299) : " والجميعُ مشتركون في الحاجة بل في الضرورة إلى مغفرةِ الله وعفوِه ورحمتِه، فكما يُحبُّ - أي المسلم - أن يَستغفرَ له أخوه المسلمُ، كذلك هو أيضاً ينبغي أن يستغفرَ لأخيه المسلم، فيصير هِجِّيراه: ربِّ اغفر لي ولوالديَّ وللمسلمين والمسلمات وللمؤمنين والمؤمنات، وقد كان بعضُ السلف يستحبُّ لكلِّ أحدٍ أن يُداوم على هذا الدعاء كلَّ يوم سبعين مرَّة، فيجعل له منه وِرداً لا يُخلُّ به. وسمعتُ شيخَنا - أي ابن تيمية – يذكرُه، وذكر فيه فضلاً عظيماً لا أحفظه، وربَّما كان مِن جملة أوراده التي لا يُخلُّ بها، وسمعتُه يقول: إنَّ جعلَه بين السجدتين جائزٌ، فإذا شهدَ العبدُ أنَّ إخوانه مصابون بمثل ما أُصيب به، محتاجون إلى ما هو محتاجٌ إليه لَم يمتنع من مساعدتهم إلاَّ لفرطِ جهله بمغفرة الله وفضلِه، وحقيقٌ بهذا أن لا يُساعَد، فإنَّ الجزاءَ من جنس العمل " انتهى. فتضعيف الأحاديث السابقة هو تضعيف لأن تكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ولخصوص الأجور المذكورة فيها، وذلك لا يعني عدم استحباب الاستغفار لجميع المسلمين والمسلمات. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 104460 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 235 قصة خرافة عن كوكب " الزهرة " ونجم " سهيل " [السُّؤَالُ] ـ[ما هي حقية كوكب الزهرة أنها كانت امرأة، ونجم سهيل أنه كان رجلا، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد لعنهما.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: القصة التي تُروى عن كوكب الزُّهرة، جاءت في سياق قصة أخرى تحكي أمر هاروت وماروت، حاصلها أن الملائكة تعجبوا مِن عصيان بني آدم في الأرض، فأمرهم الله أن يختاروا منهم مَن ينزل إلى الأرض وتركب فيه الشهوة، كي ينظروا أيطعيون أم يعصون، فاختاروا هاروت وماروت، فجاءت الزهرة – امرأة حسناء – فتعرضت لهما حتى أغوتهما، ثم مسخها الله كوكبا في السماء، وأدرك الملائكةُ الأمر فاستغفروا للمؤمنين. جاءت هذه الرواية من حديث ابن عمر على وجهين: 1- من رواية ابن عمر عن كعب الأحبار. وذلك من طرق عن موسى بن عقبة عن سالم عن ابن عمر عن كعب الأحبار به. رواه عبد الرزاق في "تفسيره" (1/73-74) وعنه الطبري في "تفسيره" (2/429-430) ، ورواه ابن أبي حاتم في تفسيره (1/306) ، وهذا سند صحيح متصل رجاله ثقات. 2- من قول النبي صلى الله عليه وسلم: وذلك من طريق نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم به، وقد رواه عن نافع ثلاثة: - فرج بن فضالة عن معاوية بن صالح عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم به. عند الطبري في تفسيره (2/432) . وفرج بن فضالة: له أحاديث مناكير. انظر ترجمته في "تهذيب التهذيب" (8/262) ، ومعاوية بن صالح: له أوهام. انظر: "تهذيب التهذيب" (10/211) - زهير بن محمد عن موسى بن جبير عن نافع عن ابن عمر به مرفوعا. رواه أحمد في المسند (2/134) ، وعبد بن حميد (787) ، وابن حبان في صحيحه (14/63) ، والبزار (2938) – كشف الأستار-، والبيهقي في "السنن" (10/4-5) ، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" (662) . وموسى بن جبير: قال فيه ابن حبان: يخطئ ويخالف. وقال ابن القطان: لا يعرف حاله. كذا في "تهذيب التهذيب" (10/339) ، وزهير بن محمد فيه كلام أيضا، خلاصة حكم الحافظ ابن حجر عليه أنه ثقة يغرب ويأتي بما ينكر. انظره في "تهذيب التهذيب" (3/350) - موسى بن سرجس عن نافع: كما عند ابن مردويه - كذا نقله ابن كثير في تفسيره (1/354) -، وموسى بن سرجس لم يُنقل عن أحد فيه حكم، فهو مجهول الحال، وقد ضعف الترمذي حديثا له رواه في سننه. انظر "تهذيب التهذيب" (10/307) وبذلك يتبين أن الرواية الصحيحة هي من كلام كعب الأحبار، وليست المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأن رفعه [أي نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم] منكر ظاهر من خطأ بعض الرواة، دلنا على ذلك اجتماع قرائن نكارة المتن وضعف السند، ومخالفة الصحيح. لذلك قال أبو حاتم - كما في "العلل" (2/69) – عن واحدة من روايات الرفع: "هذا حديث منكر" انتهى. وقال البزار: " وإنما أتى الرفع هذا عندي من زهير؛ لأنه لم يكن بالحافظ " انتهى. وقال البيهقي عن روايته عن كعب الأحبار: " وهذا أشبه " انتهى. ويقول ابن كثير رحمه الله بعد أن وصف الروايات عن نافع بالغرابة: " وأقرب ما يكون في هذا أنه من رواية عبد الله بن عمر عن كعب الأحبار، لا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وسالم أثبت في أبيه من مولاه نافع، فدار الحديث ورجع إلى نقل كعب الأحبار عن كتب بني إسرائيل " انتهى. "تفسير القرآن العظيم" (1/354) وقد مال الحافظ ابن حجر في "القول المسدد" إلى تصحيح أصل القصة فقال (ص/39) : " له طرق كثيرة جمعتها في جزء مفرد يكاد الواقف عليه أن يقطع بوقوع هذه القصة، لكثرة الطرق الواردة فيها وقوة مخارج أكثرها " انتهى. غير أن كلام المتقدمين الذين ضعفوا الرواية أولى وأقرب، فالطرق الكثيرة مخالفةٌ للطريق الصحيحة، وضعف رواتها يرجح رجوعها إلى كعب الأحبار وليس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد علق الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تحقيق المسند (2/143) على كلام الحافظ بقوله: " أما هذا الذي جزم به الحافظ بصحة وقوع هذه القصة لكثرة طرقها وقوة مخارج أكثرها، فلا، فإنها كلها طرق معلولة أو واهية، إلى مخالفتها الواضحة للعقل، لا من جهة عصمة الملائكة القطعية فقط، بل من ناحية أن الكوكب الذي تراه صغيرا في عين الناظر قد يكون حجمه أضعاف حجم الكرة الأرضية بالآلاف المؤلفة من الأضعاف، فأنَّى يكون جسم المرأة الصغير إلى هذه الأجرام الفلكية الهائلة " انتهى. ومن أظهر علامات نكارة القصة التفاوت الكبير في ألفاظ رواياتها، فمنها المختصر ومنها المطول، ومنها الزائد ومنها الناقص، وبعضها فيها لعن النبي صلى الله عليه وسلم كوكب الزهرة وبعضها يسكت عن ذلك، بل ومنها ما يذكر مسخ الزهرة إلى كوكب، ومنها ما يسكت عنه، أما الرواية عن كعب الأحبار فقد جاءت بلفظ واحد مختصر، ليس فيه ذكر قصة الزهرة ومسخها إلى كوكب، وإنما تقتصر على قصة الملكين هاروت وماروت. وقد وردت القصة عن ابن مسعود وابن عباس من الصحابة رضوان الله عليهم، وعن جماعة من التابعين، ساق مروياتهم الحافظ ابن كثير في "تفسيره" ثم قال (1/360) : " وقد روي في قصة هاروت وماروت عن جماعة من التابعين، كمجاهد والسدي والحسن وقتادة وأبي العالية والزهري والربيع بن أنس ومقاتل بن حيان وغيرهم، وقصها خلق من المفسرين من المتقدمين والمتأخرين، وحاصلها راجع في تفصيلها إلى أخبار بني إسرائيل، إذ ليس فيها حديث مرفوع صحيح متصل الإسناد إلى الصادق المصدوق المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، وظاهر سياق القرآن إجمال القصة من غير بسط ولا إطناب فيها، فنحن نؤمن بما ورد في القرآن على ما أراده الله تعالى، والله أعلم بحقيقة الحال " انتهى. ثانيا: أما ما يُحكى عن النجم " سُهيل "، أنه كان رجلا من بني آدم، ثم مُسخ إلى نجمٍ مُعلق في السماء، فكل ما ورد فيه مكذوب موضوع، وقصة خرافة يتناقلها الناس والرواة، وهذا تفصيله: 1- عن عمرو بن دينار أنه صحب ابن عمر في السفر، فكان إذا طلع سُهيلٌ قال: لعن الله سهيلا، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كان عشَّارا – يأخذ عشر الأموال ضريبة - يظلمهم ويغصبهم أموالهم، فمسخه الله شهابا، فجعله حيث ترون) رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (7/147) وابن السني في "عمل اليوم والليلة" (رقم/651) ، والبزار – كما في "كشف الأستار" (1\902 و903) جميعهم من طريق إبراهيم بن يزيد عن عمرو بن دينار به قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن عمرو بن دينار إلا إبراهيم بن يزيد. لكن عند البزار متابعة مبشر عن عمرو بن دينار، إلا أنها متابعة ساقطة، فقد قال البزار بعد إخراجه لهما: " لا نعلم أحدا رواه عن عمرو بن دينار عن ابن عمر إلا إبراهيم: وهو لين الحديث , وإنما ذكرناه على ما فيه من العلة لأنا لم نحفظه إلا من هذين الوجهين " انتهى. وذكره الذهبي في "الميزان" (3\433) في ترجمة مُبَشِّر، وعده من مناكيره. وقال ابن الجوزي في "الموضوعات" (1/187) : " هذا الحديث لا يصح موقوفا ولا مرفوعا " انتهى. ومن دلائل نكارة الحديث وتخليط إبراهيم بن يزيد أنه يرويه مرة عن عمرو بن دينار عن ابن عمر، ومرة عن عمرو عن عبد الرحمن بن السايب عن ابن عمر. = كما أسنده ابن الجوزي في "الموضوعات" من طريق الدارقطني - 2- عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله سهيلا - ثلاث مرات - , فإنه كان يعشر الناس في الأرض , فمسخه الله شهابا) أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (1/108) , وكذا أخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (649،650) في باب: ما يقول إذا رأى سهيلا. والخطيب البغدادي في "السابق واللاحق" (ص/78) والدارقطني في "العلل الواردة في الأحاديث النبوية" للدارقطني (4/187) من طريق جابر الجعفي عن أبي الطفيل عن علي رضي الله عنه. يقول ابن الجوزي في "الموضوعات" (1/188) : " وقد رواه وكيع عن الثوري موقوفا وهو الصحيح. وهذا لا يصح لأن مداره على جابر الجعفي. قال جرير: لا أستحل أن أروي عنه. وقال أبو حنيفة: ما رأيت أكذب منه. وقال يحيى بن معين: لا نكتب حديثه " انتهى. وجاء في "العلل الواردة في الأحاديث النبوية" للدارقطني (4/187) : " وسئل عن حديث أبي الطفيل عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان إذا رأى سهيلا لعنه وقال: كان رجلا ينحس الناس بالظلم فمسخه الله شهابا. فقال: يرويه جابر الجعفي، واختلف عنه: فرواه الثوري عن جابر: فقال إبراهيم بن خالد وأبو حذيفة عن الثوري عن جابر عن أبي الطفيل عن علي ولا أراه إلا رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وخالفهما وكيع ومحمد بن عبد الوهاب القناد فروياه عن الثوري موقوفا بغير شك. ورواه عيسى بن يونس عن أخيه إسرائيل عن جابر مرفوعا أيضا، ورفعه أبو شيبة إبراهيم بن عثمان عن جابر. والصحيح موقوفا " انتهى. 3- وفي رواية أخرى عن علي بن أبي طالب بسياقٍ مختلفٍ جاء فيها: " أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن المُسوخ؟ فقال: هم ثلاثة عشر ... فذكرها ثم قال: وأما سهيل فكان عشَّارًا باليمن، وأما الزهرة فكانت بنتا لبعض ملوك بني إسرائيل افتتن بها هاروت وماروت " انتهى. عزاه السيوطي في "الدر المنثور" (1/249) للزبير بن البكار في "الموفقيات"، و"ابن مردويه" و"الديلمي" ولم أقف على إسناد منها. ورواه ابن الجوزي في "الموضوعات" في " باب ذكر المسوخ " (1/185) بسنده ثم قال: " هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما وضعه إلا ملحد يقصد وهن الشريعة بنسبة هذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو مستهين بالدين لا يبالي ما فعل، والمتهم به مغيث – مولى جعفر بن محمد عنه عن أبيه عن جده عن علي -. قال أبو الفتح الازدي: خبيث كذاب لا يساوي شيئا، روى حديث المسوخ، وهو حديثٌ منكر. قال المصنف – ابن الجوزي -: وحديث ابن حبيبة الصحيح: (فإنه ما مسخ الله عز وجل شيئا فجعل له نسلا) يرد هذا " انتهى. فالحاصل أنه لم تثبت الحكاية عن مسخ رجل إلى النجم " سهيل " بسند مرفوع صحيح، وكل ما ورد في ذلك من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم فهي أحاديث منكرة ضعيفة، حكم عليها أهل العلم بالوضع والترك، منهم الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (4196) . وغاية ما هنالك أنه قد تصح فيها بعض الآثار الموقوفة عن بعض الصحابة، غير أن هذه الآثار ليس لها حكم الرفع، والأخذ بما فيها موضع شك، لاحتمال تلقيها عن بني إسرائيل احتمالا قويا ظاهرا، كما هو الأمر في قصة مسخ الزهرة إلى الكوكب المعروف، والخرافات التي ترويها الإسرائيليات تأتي بهذا القبيل من القصص والأحدا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 104055 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 236 أحاديث ضعيفة وموضوعة عند المتصوفة [السُّؤَالُ] ـ[هل هذا الحديث الذي يذكره المتصوفة صحيح " ما وسعني لا سمائي ولا أرضي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن ".]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل قال: " ما وسعني لا سمائي ولا أرضي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن ". أجاب: الحمد لله هذا ما ذكروه في الإسرائيليات ليس له إسناد معروف عن النبي صلى الله عليه وسلم. ومعناه وضع في قلبه محبتي ومعرفتي. وما يروى: " القلب بيت الرب "، هذا من جنس الأول، فإن القلب بيت الإيمان بالله تعالى ومعرفته ومحبته. وما يروونه: " كنت كنزا لا أعرف فأحببت أن أعرف فخلقت خلقا فعرفتهم بي فبي عرفوني ". هذا ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ولا أعرف له إسناداً صحيحاً ولا ضعيفاً. وما يروونه عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله خلق العقل، فقال له: أقبل، فأقبل، ثم قال له: أدبر، فأدبر، فقال: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أشرف منك، فبك آخذ وبك أعطي ". هذا الحديث باطل موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث. وما يروونه: " حب الدنيا رأس كل خطيئة " هذا معروف، عن جندب بن عبد الله البجلي وأما عن النبي صلى الله عليه وسلم فليس له إسناد معروف. وما يروونه: " الدنيا خطوة رجل مؤمن "، هذا لا يعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره من سلف الأمة ولا أئمتها. وما يروونه: " من بورك له في شيء فليلزمه "، " ومن ألزم نفسه شيئا لزمه ". الأول: يؤثر عن بعض السلف، والثاني: باطل فإن من ألزم نفسه شيئاً قد يلزمه وقد لا يلزمه بحسب ما يأمر به الله ورسوله. وما يروونه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: " اتخذوا مع الفقراء أيادي فإن لهم في غد دولة وأي دولة "، " الفقر فخري وبه أفتخر "، كلاهما كذب لا يعرف في شيء من كتب المسلمين المعروفة. وما يروونه عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أنا مدينة العلم وعلي بابها "، هذا الحديث ضعيف، بل موضوع عند أهل العلم بالحديث، ولكن قد رواه الترمذي وغيره ووقع هذا وهو كذب. وما يروونه: أنه صلى الله عليه وسلم " يقعد الفقراء يوم القيامة، ويقول: وعزتي وجلالي ما زويت الدنيا عنكم لهوانكم علي ولكن أردت أن أرفع قدركم في هذا اليوم انطلقوا إلى الموقف فمن أحسن إليكم بكسرة أو سقاكم شربة ماء أو كساكم خرقة انطلقوا به إلى الجنة "، قال الشيخ: الثاني كذب لم يروه أحد من أهل العلم بالحديث، وهو باطل خلاف الكتاب والسنة والإجماع. وما يروونه، عن " النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم إلى المدينة خرجن بنات النجار بالدفوف وهن يقلن: طلع البدر علينا من ثنيات الوداع إلى آخر الشعر فقال لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم: هزوا غرابيلكم بارك الله فيكم ": حديث النسوة وضرب الدف في الأفراح صحيح فقد كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما قوله: " هزوا غرابيلكم " هذا لا يعرف عنه. وما يروونه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " اللهم إنك أخرجتني من أحب البقاع إلي فأسكني في أحب البقاع إليك "، هذا حديث باطل كذلك، وقد رواه الترمذي وغيره، بل إنه قال لمكة: " إنك أحب بلاد الله إلي "، وقال: " إنك لأحب البلاد إلى الله ". وما يروونه عن النبي صلى الله عليه وسلم: " من زارني وزار أبي إبراهيم في عام دخل الجنة "، هذا كذب موضوع ولم يروه أحد من أهل العلم بالحديث. وما يروونه، عن علي رضي الله عنه: أن أعرابيا صلى ونقر صلاته، فقال علي: " لا تنقر صلاتك "، فقال الأعرابي: يا علي لو نقرها أبوك ما دخل النار. هذا كذب. وما يروونه، عن عمر أنه قتل أباه، هذا كذب فإن أباه مات قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم. وما يروونه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: " كنت نبيا وآدم بين الماء والطين، وكنت وآدم لا ماء ولا طين " هذا اللفظ كذلك باطل. وما يروونه: " العازب فراشه من نار، مسكين رجل بلا امرأة، ومسكينة امرأة بلا رجل "، هذا ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يثبت عن إبراهيم الخليل عليه السلام لما بنى البيت صلى في كل ركن ألف ركعة فأوحى الله تعالى إليه: " يا إبراهيم ما هذا سد جوعة أو ستر عورة "، هذا كذب ظاهر ليس هو في شيء من كتب المسلمين. وما يروونه: " لا تكرهوا الفتنة فإن فيها حصاد المنافقين "، هذا ليس معروفا عن النبي صلى الله عليه وسلم. وما يروونه: " من علم أخاه آية من كتاب الله ملك رقه "، هذا كذب ليس في شيء من كتب أهل العلم. وما يروونه عن النبي صلى الله عليه وسلم: " اطلعت على ذنوب أمتي فلم أجد أعظم ذنبا ممن تعلم آية ثم نسيها " وإذا صح هذا الحديث فهذا عنى بالنسيان التلاوة، ولفظ الحديث أنه قال: " يوجد من سيئات أمتي الرجل يؤتيه الله آية من القرآن فينام عنها حتى ينساها " والنسيان الذي هو بمعنى الإعراض عن القرآن وترك الإيمان والعمل به، وأما إهمال درسه حتى ينسى فهو من الذنوب. وما يروونه: " إن آية من القرآن خير من محمد وآل محمد، القرآن كلام الله منزل غير مخلوق فلا يشبه بغيره "، اللفظ المذكور غير مأثور. وما يروونه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: " من علم علما نافعا وأخفاه عن المسلمين ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار "، وهذا معناه معروف في السنن، عن النبي صلى الله عليه وسلم: " من سئل عن علم يعلمه فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار ". وما يروونه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا وصلتم إلى ما شجر بين أصحابي فامسكوا، وإذا وصلتم إلى القضاء والقدر فأمسكوا "، هذا مأثور بأسانيد منقطعة. وما يروونه، عن النبي صلى الله عليه وسلم " قال لسلمان الفارسي وهو يأكل العنب: دو دو "، يعني عنبتين عنبتين، هذا ليس كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وهو باطل. وما يروونه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: " من زنى بامرأة فجاءت منه ببنت فللزاني أن يتزوج بابنته من الزنا "، وهذا يقوله من ليس من أصحاب الشافعي وبعضهم ينقله عن الشافعي، ومن أصحاب الشافعي من أنكر ذلك عنه، وقال: إنه لم يصرح بتحليل ذلك ولكن صرح بحل ذلك من الرضاعة إذا رضع من لبن المرأة الحامل من الزنا، وعامة العلماء كأحمد وأبي حنيفة وغيرهما متفقون على تحريم ذلك، وهذا أظهر القولين في مذهب مالك. وما يروونه: " أحق ما أخذتم عليه أجرة كتاب الله "، نعم ثبت ذلك أنه قال: " أحق ما أخذتم عليه أجرة كتاب الله "، لكنه في حديث الرقية، وكان الجعل على عافية مريض القوم لا على التلاوة. وما يروونه عن النبي صلى الله عليه وسلم: " من ظلم ذميا كان الله خصمه يوم القيامة أو كنت خصمه يوم القيامة "، هذا ضعيف، لكن المعروف عنه أنه قال: " من قتل معاهدا بغير حق لم يرح رائحة الجنة ". وما يروونه، عنه: " من أسرج سراجا في مسجد لم تزل الملائكة وحملة العرش تستغفر له ما دام في المسجد ضوء ذلك السراج "، هذا لا أعرف له إسنادا عن النبي صلى الله عليه وسلم. [الْمَصْدَرُ] " الفتاوى الكبرى " (5 / 88 - 93) . الحديث: 14017 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 237 حول حديث الأعمى الذي قتل أم ولده لشتمها النبي صلى الله عليه وسلم [السُّؤَالُ] ـ[ي يتعلق بالحديثين التاليين: (أن أعمى كانت له أم ولد تشتم النبي صلى الله عليه وسلم وتقع فيه، فينهاها فلا تنتهي ويزجرها فلا تتزجر، قال فلما كانت ذات ليلة جعلت تقع في النبي صلى الله عليه وسلم وتشتمه، فأخذ المغول - سيف قصير - فوضعه في بطنها، واتكأ عليها، فقتلها، فوقع بين رجليها طفل، فلطخت ما هناك بالدم، فلما أصبح ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فجمع الناس فقال: أنشد الله رجلا فعل ما فعل لي عليه حق إلا قام، فقام الأعمى يتخطى رقاب الناس وهو يتزلزل، حتى قعد بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! أنا صاحبها، كانت تشتمك وتقع فيك، فأنهاها فلا تنتهي، وأزجرها فلا تنزجر، ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين، وكانت بي رفيقة، فلما كانت البارحة جعلت تشتمك وتقع فيك، فأخذت المغول، فوضعته في بطنها، واتكأت عليها حتى قتلتها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا اشهدوا أن دمها هدر) [رواه أبو داود، وقال عنه الألباني: صحيح، في كتابه " صحيح سنن أبي داود " الحديث رقم (4361) [" أن أعمى كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت له أم ولد، وكان له منها ابنان، وكانت تكثر الوقيعة برسول الله صلى الله عليه وسلم، وتسبه فيزجرها، فلا تنزجر، وينهاها فلا تنتهي، فلما كان ذات ليلة ذكرت النبي صلى الله عليه وسلم، فوقعت فيه، فلم أصبر أن قمت إلى المغول، فوضعته في بطنها، فاتكأت عليه، فقتلتها، فأصبحت قتيلا، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فجمع الناس، وقال: أنشد الله! رجلا لي عليه حق فعل ما فعل إلا قام. فأقبل الأعمى يتدلدل فقال: يا رسول الله! أنا صاحبها، كانت أم ولدي، وكانت بي لطيفة رفيقة، ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين، ولكنها كانت تكثر الوقيعة فيك وتشتمك، فأنهاها فلا تنتهي، وأزجرها فلا تنزجر. فلما كانت البارحة ذكرتك فوقعت فيك، قمت إلى المغول فوضعته في بطنها، فاتكأت عليها حتى قتلتها. فقال رسول الله: ألا؛ اشهدوا أن دمها هدر) [رواه النسائي، وقال عنه الألباني: إسناده صحيح. في كتابه " صحيح سنن النسائي " الحديث رقم 4081] يلاحظ أن رواية أبي داود فيها عبارة غير موجودة في رواية النسائي، وهي: " فوقع بين رجليها طفل فلطخت ما هناك بالدم " أنا أعلم حكم المرتد، وأن المختص بتوقيع حد الردة هو السلطان أو نائبه. إن الذي لفت نظري هي العبارة المشار إليها أعلاه، حيث أنه قد يتبادر إلى الذهن أن حد الردة يطبق أيضا على الجنين. هل هذه العبارة المشار إليها صحيحة وثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وإذا كانت هذه العبارة صحيحة، هل يمكن تفسير ذلك بأن الرجل كان أعمى ولم يكن يعلم أن أمته حامل؟ وإذا كانت هذه العبارة صحيحة، هل يمكن تفسير ذلك بأن الطفل لم يمت كما قال بذلك السيد لا أقصد من سؤالي إثارة الشكوك حول أن الإسلام هو الدين الحق، ولكني أردت الرجوع إلى العلماء حتى يوافوني بالرد الذي أستطيع به الرد على من يطعن بالإسلام. وفقكم الله لما يحب ويرضى.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الكلام على هذه الحادثة المذكورة في السؤال في المسائل الآتية: أولا: الحكم على الحديث. الحديث رواه أبو داود (4361) ، ومن طريقه الدارقطني (3 / 112) ومن طرق أخرى أيضا، ورواه النسائي في " المجتبى " (4070) وفي " السنن الكبرى " (2 / 304) ، وابن أبي عاصم في " الديات " (رقم 249) والطبراني في " المعجم الكبير " (11 / 351) والحاكم في " المستدرك " (4 / 394) والبيهقي في " السنن الكبرى " (7 / 60) جميعهم من طرق عن عثمان الشحام، عن عكرمة، عن ابن عباس به، على اختلاف في ألفاظ الروايات وتطويل وتقصير. وهذا سند حسن، رواته ثقات، ولذلك فقد قبل الحديث: أبو داود والنسائي بإخراجهما له وسكوتهما عنه، والإمام أحمد أيضا، فقد قال المجد ابن تيمية: " واحتج به أحمد في رواية ابنه عبد الله " انتهى من " نيل الأوطار " (7 / 208) ، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وصححه الذهبي في " تلخيصه "، وابن حجر في " بلوغ المرام " (363) وقال: رواته ثقات، وقال الشيخ الألباني في " إرواء الغليل " (5 / 91) : إسناده صحيح على شرط مسلم. انتهى. ويشهد له ما جاء عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (أَنَّ يَهُودِيَّةً كَانَتْ تَشْتُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقَعُ فِيهِ، فَخَنَقَهَا رَجُلٌ حَتَّى مَاتَتْ، فَأَبْطَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَمَهَا) . رواه أبو داود في " السنن " (4362) ، ومن طريقه: البيهقي في " السنن الكبرى " (7 / 60) ، والضياء المقدسي في " المختارة " (2 / 169) . قال الشيخ الألباني في " إرواء الغليل " (1251) : إسناده صحيح على شرط الشيخين، لكنه ضعفه في " ضعيف أبي داود " بالانقطاع. ولعل الأقرب هو الحكم بإرسال الحديث، فقد قال الحافظ ابن حجر في " تهذيب التهذيب " (5 / 68) : " وقال الدارقطنى فى " العلل ": لم يسمع الشعبي من عليٍّ إلا حرفاً واحداً، ما سمع غيره. كأنه عنى ما أخرجه البخاري فى " الرجم " عنه عن علي حين رجم المرأة قال: رجمتها بسنَّة النب صلى الله عليه وآله وسلم " انتهى كلام ابن حجر. لكن مراسيل الشعبي مقبولة عند كثير من أهل العلم، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في " الصارم المسلول " (ص 65) : وهذا الحديث جيد؛ فإن الشعبي رأى عليّاً، وروى عنه حديث شراحة الهمدانية، وكان على عهد علي قد ناهز العشرين سنة، وهو كوفي، فقد ثبت لقاؤه، فيكون الحديث متصلا، ثم إن كان فيه إرسال لأن الشعبي يبعد سماعه من علي: فهو حجة وفاقاً؛ لأن الشعبي عندهم صحيح المراسيل، لا يعرفون له مرسلا إلا صحيحا، ثم هو من أعلم الناس بحديث علي، وأعلمهم بثقات أصحابه. انتهى. وللقصة شاهد آخر يرويه ابن سعد في " الطبقات الكبرى " (4 / 210) فيقول: أخبرنا قبيصة بن عقبة قال: حدثنا يونس بن أبي إسحاق، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن معقل قال: (نزل ابن أم مكتوم على يهودية بالمدينة عمة رجل من الأنصار، فكانت ترفقه وتؤذيه في الله ورسوله، فتناولها فضربها فقتلها، فرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أما والله يا رسول الله إن كانت لترفقني، ولكنها آذتني في الله ورسوله، فضربتها فقتلتها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبعدها الله تعالى، فقد أبطلت دمها) . وهذا السند رواته ثقات. والحاصل بمجموع هذه الروايات: أن أصل القصة ثابتة في السنة النبوية. ولكن: هل هي حادثة واحدة أم متعددة؟ . الذي يبدو أنها حادثة واحدة، وإليه مال شيخ الإسلام ابن تيمية حين قال: ويدل عليه – أي: على أنها حادثة واحدة -: كلام الإمام أحمد؛ لأنه قيل له في رواية عبد الله: في قتل الذمي إذا سَبَّ أحاديث؟ قال: نعم، منها حديث الأعمى الذي قتل المرأة، قال: سمعها تشتم النبي صلى الله عليه وسلم، ثم روى عنه عبد الله كلا الحديثين. ويؤيد ذلك: أن وقوع قصتين مثل هذه لِأَعْمَيَيْنِ، كل منهما كانت المرأة تحسن إليه وتكرر الشتم، وكلاهما قتلها وحده، وكلاهما نشد رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فيها الناسُ: بَعِيدٌ في العادة. " الصارم المسلول " (ص 72، 73) باختصار. ويبقى إشكال في الجمع بين الاختلاف الذي جاء في الروايات في طريقة قَتل اليهودية: هل كان خنقاً أم طعناً بالسيف في بطنها؟ . ذكر ابن تيمية فيه احتمالين: احتمال أن ابن أم مكتوم خنقها ثم طعنها، والاحتمال الثاني وجود الخطأ في إحدى الروايتين. انظر " الصارم " (ص 72) . ثانياً: ليس في الرواية ما يدل على أنه كان في بطن اليهودية جنين، ومَن فهم ذلك مِن السياق فقد أخطأ، وأما قوله في بعض ألفاظ الروايات: (فوقع بين رجليها طفل فلطخت ما هناك بالدم) : فلا يدل على هذا بوجه من الوجوه؛ بل الظاهر أنه طفل من طفليها الذين وصفهما بقوله: (مثل اللؤلؤتين) ، جاء إلى أمه مشفقا عليها فتلطخ بالدم، والدليل على ذلك أن لفظ رواية الطبراني للحديث فيه: (فَأَصْبَحَ طِفْلَيْهَا بَيْنَ رِجْلَيْهَا مُلَطَّخَيْنِ بِالدَّمِ) – كذا بالياء: " طفليها " -، وأيضا في لفظ رواية البيهقي: (فَوَقَعَ طِفْلاَهَا بَيْنَ رِجْلَيْهَا مُتَضَمِّخَانِ بِالدَّمِ) . ويدل على ذلك: ما جاء في " سؤالات الآجري أبا داود السجستاني " (ص 201) : قال أبو داود: سمعت مصعبا الزبيري يقول: عبد الله بن يزيد الخطمي: ليس له صحبة، قال: وهو الذي قتل الأعمى أمه، وهو الطفل الذي سقط بين رجليها، التي سبَّت النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى. إذاً فليس هناك جنين مقتول، ولا يمكن أن تأتي الشريعة بأخذ الجنين بجريرة أمه، والله سبحانه وتعالى يقول: (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) ، على أن اختلاف ألفاظ الحديث ورواياته، ومجيئها مرسلة أحيانا عن عكرمة، كما رواه أبو عبيد القاسم بن سلام في " الأموال " (رقم 416) ، ونقد بعض الحفاظ لمرويات عثمان الشحام بوجود المناكير فيها، كما قال يحيى القطان: تعرف وتنكر، ولم يكن عندي بذاك، وقال أبو أحمد الحاكم: لم يكن بالمتين عندهم. وقال الدارقطني: بصري يعتبر به: كل ذلك يوجب الشك والتوقف في بعض التفاصيل المذكورة في القصة، لكنه لا يرقى إلى رد أصل الرواية ونفي قيام الحادثة، فقد جاءت لها شواهد أخرى سبق ذكرها، وقبلها أهل العلم من المتقدمين والمتأخرين. ثالثاً: في هذه القصة دليل على العدل الذي كان المسلمون يعاملون به أهل الكتاب، والذي جاءت به الشريعة رحمة للعالمين، فحقوق اليهود المعاهدين مصونة محفوظة، ولا يجوز التعرض لهم بشيء من الأذى والضرر، لذلك لما وجد الناس يهودية مقتولة ضجوا ورفعوا أمرها إلى النبي صلى الله عليه وسلم الذي أعطاهم العهد والأمان، ولم يكن يأخذ منهم الجزية، فغضب وناشد المسلمين بالله تعالى أن يظهر من فعل تلك الفعلة، لينظر في عقابه ويقضي في أمره، ولكن لَمَّا عَلِمَ أنها نقضت العهد مرات ومرات، بأذاها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ووقوعها فيه، حُرِمَت جميعَ حقوقها، واستحقت حد القتل الذي توجبه الشريعة على كل من يسب النبي صلى الله عليه وسلم، سواء كان مسلما أو ذميّاً أو معاهداً، فإن التعرض لمقام الأنبياء كفر بالله العظيم، ونقض لكل حرمة وحق وعهد، وخيانة عظمى توجب أشد العقوبات. انظر " أحكام أهل الذمة " (3 / 1398) ، وفي موقعنا جواب السؤال رقم: (22809) . وأما أن " المختص بتوقيع حد الردة هو السلطان أو نائبه "، فقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هذا الإشكال، فقال: " يبقى أن يقال: الحدود لا يقيمها إلا الإمام أو نائبه؟ "، ثم قال رحمه الله: " وجوابه من وجوه: أحدها: أن السيد له أن يقيم الحد على عبده، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: (أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم) [رواه أحمد (736) وغيره، وحسنه الأرناؤوط لغيره، ومال الألباني إلى أن هذه الجملة من كلام علي، كما في الإرواء (2325) ] ، وقوله: (إذا زنت أمة أحدكم فليحدها) [رواه أبو داود (4470) وهو في الصحيحين بلفظ: " فليجلدها الحد "] ، ولا أعلم خلافا بين فقهاء الحديث أن له أن يقيم عليه الحد، مثل حد الزنا والقذف والشرب، ولا خلاف بين المسلمين أن له أن يعززه، واختلفوا هل له أن يقيم عليه قتلا أو قطعا، مثل قتله لردته، أو لسبه النبي صلى الله عليه وسلم وقطعه للسرقة؟ وفيه عن الإمام أحمد روايتان: إحداهما: يجوز، وهو المنصوص عن الشافعي، والأخرى: لا يجوز، كأحد الوجهين لأصحاب الشافعي، وهو قول مالك، وقد صح عن ابن عمر أنه قطع يد عبد له سرق، وصح عن حفصة أنها قتلت جارية لها اعترفت بالسحر، وكان ذلك برأي ابن عمر؛ فيكون الحديث حجة لمن يجوز للسيد أن يقيم الحد على عبده بعلمه مطلقا ... الوجه الثاني:: أن ذلك أكثر ما فيه أنه افتئات على الإمام، والإمام له أن يعفو عمن أقام حدا واجبا دونه. الوجه الثالث: أن هذا، وإن كان حدا، فهو قتل حربي أيضا؛ فصار بمنزلة قتل حربي تحتم قتله، وهذا يجوز قتله لكل أحد ... الوجه الرابع: أن مثل هذا قد وقع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، مثل المنافق الذي قتله عمر بدون إذن النبي صلى الله عليه وسلم، لما لم يرض بحكمه، فنزل القرآن بإقراره، ومثل بنت مروان التي قتلها ذلك الرجل، حتى سماه النبي صلى الله عليه وسلم ناصر الله ورسوله؛ وذلك أن من وجب قتله لمعنى يكيد به الدين ويفسده، ليس بمنزلة من قتل لأجل معصيته من زنا ونحوه. " انتهى من الصارم المسلول (285-286) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103739 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 238 صحة حديث: " اللهم فارج الهم وكاشف الغم " [السُّؤَالُ] ـ[ما صحة هذا الحديث: (اللهم فارج الهم، وكاشف الغم، ومجيب دعوة المضطرين، رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، أنت ترحمني فارحمني برحمة تغنيني بها عن رحمة مَن سواك) ]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: جاء نص هذا الدعاء في حديثين اثنين: 1- في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (دخل علي أبو بكر، فقال: هل سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاء علمنيه؟ قلت: ما هو؟ قال: كان عيسى بن مريم يعلمه أصحابَه قال: لو كان على أحدكم جبل ذهب دينا فدعا الله بذلك لقضاه الله عنه: " اللهم فارج الهم، كاشف الغم، مجيب دعوة المضطرين، رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما، أنت ترحمني، فارحمني برحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك " قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: وكانت علي بقية من الدين، وكنت للدين كارها، فكنت أدعو بذلك، فأتاني الله بفائدة فقضاه الله عني. قالت عائشة: كان لأسماء بنت عميس علي دينار وثلاثة دراهم، فكانت تدخل علي فأستحيي أن أنظر في وجهها؛ لأني لا أجد ما أقضيها، فكنت أدعو بذلك، فما لبثت إلا يسيرا حتى رزقني الله رزقا، ما هو بصدقة تصدق بها علي، ولا ميراث ورثته، فقضاه الله عني، وقسمت في أهلي قسما حسنا، وحليت ابنة عبد الرحمن بثلاث أواق ورق، وفضل لنا فضل حسن) رواه البزار – عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (1/24) – وأبو بكر المروزي في "مسند أبي بكر الصديق" (رقم/40) والطبراني في "الدعاء" (1/317) ، وابن عدي في "الكامل" (2/203) ومن طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (47/472) ، وأخرجه الحاكم في "المستدرك" (1/696) والبيهقي في "دلائل النبوة" (رقم/2420) وفي "الدعوات الكبير" (رقم/167) وفي مسند الفردوس للديلمي (رقم/1988) من عدة طريق عن يونس بن يزيد الأيلي، عن الحكم بن عبد الله الأيلي، عن القاسم بن محمد، عن عائشة به. وقال الحاكم: " وهذا حديث صحيح غير أنهما لم يحتجا بالحكم بن عبد الله الأيلي " انتهى. والصواب أن الحكم بن عبد الله الأيلي ضعيف الحديث جدا، وكذبه غير واحد من الأئمة، جاء في ترجمته في "لسان الميزان" (2/332) : " كان ابن المبارك شديد الحمل عليه. وقال أحمد: أحاديثه كلها موضوعة. وقال ابن معين: ليس بثقة. وقال السعدي وأبو حاتم: كذاب. وقال النسائي والدارقطني وجماعة: متروك الحديث. وقال البخاري: تركوه كان ابن المبارك يوهنه البتة وفي رواية يضعفه. وقال مسلم في "الكنى": منكر الحديث " انتهى باختصار فإن تشنيع العلماء على حديثه كثير. وبهذا يتبين أن الحديث منكر أو موضوع، خلافا لما ذهب إليه الإمام الحاكم رحمه الله؛ ولهذا وضعفه الإمام المنذري في "الترغيب والترهيب" (3/57) وذكر له علة أخرى هي عدم سماع القاسم من عائشة، وحكم عليه بالضعف أيضا الإمام السيوطي في "الدر المنثور" (1/24) ، وحكم عليه الشيخ الألباني في "ضعيف الترغيب" (1143) بالوضع. 2- عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا علي! ألا أعلمك دعاء إذا أصابك غم أو هم تدعو به ربك فيستجاب لك بإذن الله، ويفرج عنك: توضأ، وصل ركعتين، واحمد الله، وأثن عليه، وصل على نبيك، واستغفر لنفسك وللمؤمنين والمؤمنات، ثم قل: اللهم! أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، لا إله إلا الله العلي العظيم، لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، اللهم كاشف الغم، مفرج الهم، مجيب دعوة المضطرين إذا دعوك، رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، فارحمني في حاجتي هذه بقضائها ونجاحها رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك) يقول الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (رقم/5287) : " منكر: أخرجه الأصبهاني (2/ 534/ 1278 - ط) عن إسحاق بن الفيض: أخبرنا المضاء: حدثني عبد العزيز عن أنس مرفوعاً. قلت – الشيخ الألباني -: وهذا إسناد ضعيف مظلم ... " ثم فصل القول في علله رحمه الله، فانظر الموضع المشار إليه من الضعيفة. والخلاصة أن نص هذا الدعاء لم يرد من طريق صحيح، بل طرقه شديدة الضعف، لذلك حكم عليه العلماء بالوضع وأوردوه في كتب الموضوعات، كما في "تذكرة الموضوعات" للفتني (ص 53) ، "تنزيه الشريعة" (2/333) ، "الفوائد المجموعة" (ص 59، 52) . ثانيا: لا حرج في أن يجعل المرء ذلك من دعاء نفسه، أو أن يسأل الله الحاجات بألفاظه، فهي عبارات صحيحة لها شواهد كثيرة من الكتاب والسنة الصحيحة، فيها تذلل وتقرب وإظهار خضوع لله رب العالمين، كما فيها توسل بصفات الله تعالى ورحمته التي وسعت كل شيء، فمن دعا به – من غير اعتقاد مزيد فضل له ولا خصوص أجر – يرجى له القبول والاستجابة. عن عبد الرحمن بن سابط قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بهؤلاء الكلمات ويعظمهن: اللهم فارج الهم، وكاشف الكرب، ومجيب المضطرين، ورحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، ارحمني اليوم رحمة واسعة تغنيني بها عن رحمة من سواك) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (6/109) بسند صحيح عن عبد الرحمن بن سابط، لكن عبد الرحمن هذا ن التابعين، ولم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، كما في ترجمته في "تهذيب التهذيب" (6/181) ، فيكون حديثه مرسلا، والحديث المرسل يستأنس به في الأذكار والدعاء. بل إن الدعاء، متى استقام معناه، وصح لفظه، جاز الدعاء به، ولو لم يكن مأثورا أصلا، فباب الدعاء مفتوح لمن يجتهد فيه، وإن كان الدعاء المأثور الثابت أعظم بركة، وأسد معنى، وأبعد عن التكلف والعدوان في الدعاء. وانظر في موقعنا جواب السؤال رقم (70295) ، (84030) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103605 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 239 هل فتحت نافذة فوق قبر الرسول صلى الله عليه وسلم للاستسقاء؟ [السُّؤَالُ] ـ[أريد جوابا تفصيليا عن مدى صحة الحديث الذي يقول به الصوفيون، من حديث عائشة التي تخبر فيه بفتح نافذة في قبر الرسول صلى الله عليه وسلم من أجل نزول المطر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الحديث المقصود يرويه أبو الجوزاء أَوْسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: (قُحِطَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ قَحْطاً شَدِيداً، فَشَكَوْا إِلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ: انْظُرُوا قَبْرَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَاجْعَلُوا مِنْهُ كِوًى إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى لاَ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ سَقْفٌ. قَالَ: فَفَعَلُوا، فَمُطِرْنَا مَطَراً حَتَّى نَبَتَ الْعُشْبُ وَسَمِنَتِ الإِبِلُ، حَتَّى تَفَتَّقَتْ مِنَ الشَّحْمِ، فَسُمِّىَ عَامَ الْفَتْقِ) . (كوى) جمع "كوة" وهي الفتحة. رواه الدارمي (1/56) رقم (92) تحت باب: ما أكرم الله تعالى نبيه بعد موته. قال الدارمي: حدثنا أبو النعمان، ثنا سعيد بن زيد، ثنا عمرو بن مالك النكري حدثنا أبو الجوزاء أوس بن عبد الله قال:. . . ثم ذكر الحديث. وهذا الأثر ضعيف، لا يصح، وقد بَيَّن العلامة الألباني ضعفه، فقال في كتابه: "التوسل" (ص128) : "وهذا سند ضعيف لا تقوم به حجة لأمور ثلاثة: أولها: أن سعيد بن زيد وهو أخو حماد بن يزيد فيه ضعف. قال فيه الحافظ في "التقريب": صدوق له أوهام. وقال الذهبي في "الميزان": "قال يحيى بن سعيد: ضعيف. وقال السعدي: ليس بحجة، يضعفون حديثه. وقال النسائي وغيره: ليس بالقوي. وقال أحمد: ليس به بأس، كان يحيى بن سعيد لا يستمرئه". وثانيها: أنه موقوف على عائشة وليس بمرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولو صح لم تكن فيه حجة، لأنه يحتمل أن يكون من قبيل الآراء الاجتهادية لبعض الصحابة مما يخطئون فيه ويصيبون، ولسنا ملزمين بالعمل بها. وثالثها: أن أبا النعمان هذا هو محمد بن الفضل يعرف بعارم وهو وإن كان ثقة فقد اختلط في آخر عمره. وقد أورده الحافظ برهان الدين الحلبي في "الاغتباط بمن رمي بالاختلاط" تبعا لابن الصلاح حيث أورده في (المختلطين) من كتابه "المقدمة" وقال: "والحكم فيهم أنه يقبل حديث من أخذ عنهم قبل الاختلاط، ولا يقبل من أخذ عنهم بعد الاختلاط، أو أشكل أمره فلم يدر هل أخذ عنه قبل الاختلاط أو بعده". قلت (الألباني) : وهذا الأثر لا يُدرى هل سمعه الدارمي منه قبل الاختلاط أو بعده، فهو إذن غير مقبول، فلا يحتج به. وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الرد على البكري": "وما روي عن عائشة رضي الله عنها من فتح الكوة من قبره إلى السماء لينزل المطر فليس بصحيح، ولا يثبت إسناده، ومما يبين كذب هذا: أنه في مدة حياة عائشة لم يكن للبيت كوة بل كان باقيا كما كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، بعضه مسقوف، وبعضهم مكشوف، وكانت الشمس تنزل فيه، كما ثبت في الصحيحين عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر والشمس في حجرتها لم يظهر الفيء. بعد ولم تزل الحجرة كذلك حتى زاد الوليد بن عبد الملك في المسجد في إمارته لما زاد الحجر في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم. . ومن حينئذ دخلت الحجرة النبوية في المسجد ثم إنه بنى حول حجرة عائشة التي فيها القبر جداراً عالياً وبعد ذلك جعلت الكوة لينزل منها من ينزل إذا احتيج إلى ذلك لأجل كنس أو تنظيف. وأما وجود الكوة في حياة عائشة فكذب بَيِّن" انتهى. ثانيا: ليس في هذا الحديث دليل لما يعتقده غلاة الصوفية من جواز الاستغاثة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، فأنت لا تجد في الحديث شيئا يدل على ذلك من قريب أو من بعيد، وغاية ما فيه إثبات كرامة للنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته، كما وصفها الدارمي في "مسنده" في تبويب الحديث، وهي بركة جسده الطاهر، وقدره الشريف عند الله تعالى، ولا يعني ذلك جواز أن يذهب المسلمون إليه ليستغيثوا به وهو في قبره، والصحابة رضوان الله عليهم لم يفعلوا ذلك، إنما كشفوا كوة من سقف حجرته ليواجه السماء، ولم يطلب أحد منهم السقيا من النبي صلى الله عليه وسلم، ولا خاطبوه بحاجتهم إلى ذلك. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "اقتضاء الصراط المستقيم" (ص/338) : " قصد القبور للدعاء عندها، ورجاء الإجابة بالدعاء هناك رجاء أكثر من رجائها بالدعاء في غير ذلك الموطن: أمرٌ لم يشرعه الله ولا رسوله ولا فعله أحد من الصحابة ولا التابعين ولا أئمة المسلمين، ولا ذكره أحد من العلماء والصالحين المتقدمين، بل أكثر ما ينقل من ذلك عن بعض المتأخرين بعد المائة الثانية. وأصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أجدبوا مرات، ودهمتهم نوائب غير ذلك، فهلا جاءوا فاستسقوا واستغاثوا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم؟! بل خرج عمر بالعباس فاستسقى به (أي بدعائه) ، ولم يستسق عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم. بل قد روي عن عائشة رضي الله عنها أنها كشفت عن قبر النبي صلى الله عليه وسلم لينزل المطر، فإنه رحمة تنزل على قبره، ولم تستسق عنده، ولا استغاثت هناك" انتهى. وبهذا يظهر أنه لا حجة في هذا الأثر للصوفية على جواز الاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم، أو التوسل بذاته أو جاهه إلى الله تعالى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103585 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 240 قصة الغرانيق [السُّؤَالُ] ـ[قصة الغرانيق المذكورة في تفسير سورة الحج هل ثبت منها شيء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: أصل هذه القصة حادثة وقعت للنبي صلى الله عليه وسلم في مكة في بداية الدعوة، أنه حين أوحيت إليه سورة النجم قرأها على جمعٍ من المسلمين والمشركين، فلما بلغ آخرَها حيث يقول الله تعالى: (أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ. وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ. وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ. فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا) النجم/59-62 سجد النبي صلى الله عليه وسلم، وسجد معه جميعُ مَن حضر من المسلمين والمشركين، إلا رجلين اثنين: أمية بن خلف، والمطلب بن وداعة. عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ بِالنَّجْمِ، وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْجِنُّ وَالإِنْسُ) رواه البخاري (1071) وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (أَوَّلُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ فِيهَا سَجْدَةٌ (وَالنَّجْمِ) قَالَ: فَسَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَجَدَ مَنْ خَلْفَهُ، إِلاَّ رَجُلاً رَأَيْتُهُ أَخَذَ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ فَسَجَدَ عَلَيْهِ، فَرَأَيْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ قُتِلَ كَافِرًا، وَهُوَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَف) رواه البخاري (3972) وأيضا برقم (4863) ورواه مسلم (576) ثانيا: جاءت بعض الروايات تفسِّرُ سبب سجود المشركين مع النبي صلى الله عليه وسلم، وسببَ استجابتهم لأمر الله تعالى، حاصلُها أن الشيطان ألقى في أثناء قراءته كلماتٍ على لسان النبي صلى الله عليه وسلم فيها الثناء على آلهتهم، وإثبات الشفاعة لها عند الله، وهذه الكلمات هي: " تلك الغرانيق العُلى، وإن شفاعتهن لَتُرتَجَى " وأن المشركين لما سمعوا ذلك فرحوا واطمأنوا وسجدوا مع النبي صلى الله عليه وسلم. والغرانيق: جمع غرنوق: وهو طير أبيض طويل العنق. قال ابن الأنباري: " الغرانيق: الذكور من الطير، واحدها غِرْنَوْق وغِرْنَيْق، سمي به لبياضه، وقيل هو الكُرْكيّ، وكانوا يزعمون أن الأصنام تقرّبهم من الله عز وجل، وتشفع لهم إليه، فشبهت بالطيور التي تعلو وترتفع في السماء " انتهى. لسان العرب (10/286) قالوا: فكانت هذه القصة سبب نزول قوله سبحانه وتعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) الحج/52 يقول شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذا القول في "منهاج السنة النبوية" (2/243) : " على المشهور عند السلف والخلف مِن أن ذلك جرى على لسانه ثم نسخه الله وأبطله " انتهى وبعد تتبع الآثار الواردة في هذه القصة، تبين أن مجموع السلف الذين يُحكى عنهم هذا القول يبلغ نحو ثلاثة عشر، وتبين أنه لم يثبت بالسند الصحيح إلا عن خمسةٍ منهم، وهم: سعيد بن جبير، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، وأبو العالية، وقتادة، والزهري. أما الباقون فلا تصح نسبته إليهم، لما في الأسانيد إليهم من ضعف ونكارة، وهم: ابن عباس، وعروة بن الزبير، ومحمد بن كعب القرظي، ومحمد بن قيس، وأبو صالح، والضحاك، ومحمد بن فضالة، والمطلب بن حنطب. انظر تخريج هذه الآثار والحكم عليها في رسالة الشيخ الألباني "نصب المجانيق" (10-34) ثانيا: إلا أن طائفة كبيرة من المحققين من أهل العلم، نفوا وقوع هذه القصة، ولم يأخذوا بإثبات مَن ذكرها من السلف، واستدلوا على ذلك بأن قالوا: مَن ذكرها مِن السلف لم يدركوا النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكروا مصادرهم للحادثة، فدخل الشك فيها، وساعد عليه ما في ظاهرها من طعن في النبوة، إذ كيف يُدخل الشيطان في الوحي كلماتِه الباطلة، مع أن الله تعالى حفظ وحيَه من التحريف والتبديل والزيادة، وعَصَمَه من الخطأ والزلل. يقول القاضي عياض في "الشفا" (2/126) : " فأما من جهة المعنى: فقد قامت الحجة وأجمعت الأمة على عصمته صلى الله عليه وسلم، ونزاهته عن مثل هذه الرذيلة، إمَّا مِن تمنيه أن ينزل عليه مثل هذا من مدح آلهة غير الله وهو كفر، أو أن يتسوَّرَ عليه الشيطان ويشبِّهَ عليه القرآن حتى يجعل فيه ما ليس منه، ويعتقد النبي صلى الله عليه وسلم أن من القرآن ما ليس منه حتى ينبهه جبريل عليه السلام، وذلك كله ممتنع في حقه صلى الله عليه وسلم. أو يقول ذلك النبي صلى الله عليه وسلم من قبل نفسه عمدا - وذلك كفر -، أو سهوا وهو معصوم من هذا كله، وقد قررنا بالبراهين والإجماع عصمته صلى الله عليه وسلم من جريان الكفر على قلبه أو لسانه لا عمدا ولا سهوا، أو أن يتشبه عليه ما يلقيه الملك مما يلقى الشيطان، أو يكون للشيطان عليه سبيل، أو أن يتقول على الله لا عمدا ولا سهوا ما لم ينزل عليه، وقد قال الله تعالى: (ولو تقول علينا بعض الأقاويل) الآية، وقال تعالى (إذًا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات) الآية " انتهى باختصار. وقد عد الشيخ الألباني في رسالته "نصب المجانيق" (46-48) أسماء عشرة من العلماء المتقدمين والمتأخرين في نفي صحة هذه الحادثة، أكثرها يؤكد نفي وجود السند المتصل المرفوع بها، ومنافاتها لعصمة النبي صلى الله عليه وسلم. ثالثا: والمسألة فيها نوع اشتباه، يصعب الجزم فيها بأمر، ولكن يمكننا القول بأن الجزم بنفي هذه الحادثة فيه نظر، وأن اعتبارها منافية لأصول العقيدة ومهمات الدين فيه نظر، أيضا، فقد صحت القصة من طريق جماعة من السلف مِن قولهم، وهي وإن كانت مرسلة، فكثرتها تبعث على الاطمئنان بوقوعها، ولو كان فيها شيء مناقض لعصمة الوحي لَما نطق بها كبار أئمة التابعين كسعيد بن جبير وقتادة وغيرهم. يقول الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (8/439) في تخريجه لهذه القصة: " كثرة الطرق تدل على أن للقصة أصلا ... - ثم نقل تضعيف ابن العربي والقاضي عياض القصة ثم قال -: وجميع ذلك لا يتمشى على القواعد، فإن الطرق إذا كثرت وتباينت مخارجها دل ذلك على أن لها أصلا، وقد ذكرت أن ثلاثة أسانيد منها على شرط الصحيح، وهي مراسيل يَحتجُّ بمثلها مَن يحتجُّ بالمرسل، وكذا من لا يحتج به، لاعتضاد بعضها ببعض " انتهى. وليس في القصة أي طعن في عصمة التبليغ والرسالة، لأن النسخ والتصحيح جاء بوحي من الله، وسواء كان الخطأ من النبي صلى الله عليه وسلم أو بإيهام الشيطان على أسماع المشركين، فإن المآل واحد، هو وقوع الحق وزهوق الباطل، والإخلال بمقتضى الرسالة لا يكون إلا باستمرار الباطل واختلاطه بكلام الله تعالى، وذلك ما لم يكن ولن يكون. يقول شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (10/290) : " وهذه العصمة الثابته للأنبياء هي التي يحصل بها مقصود النبوة والرسالة ... فلا يستقر في ذلك خطأ باتفاق المسلمين. ولكن هل يصدر ما يستدركه الله فينسخ ما يلقي الشيطان ويحكم الله آياته؟ هذا فيه قولان: والمأثور عن السلف يوافق القرآن بذلك. والذين منعوا ذلك من المتأخرين طعنوا فيما ينقل من الزيادة في سورة النجم بقوله: " تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى " وقالوا: إن هذا لم يثبت. ومن علم أنه ثبت قال: هذا ألقاه الشيطان في مسامعهم ولم يلفظ به الرسول. ولكن السؤال وارد على هذا التقدير أيضا، وقالوا في قوله: (إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته) هو حديث النفس. وأما الذين قرروا ما نقل عن السلف فقالوا: هذا منقول نقلا ثابتا لا يمكن القدح فيه، والقرآن يدل عليه بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ. وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) الحج/52-54 فقالوا: الآثار في تفسير هذه الآية معروفة ثابتة في كتب التفسير والحديث، والقرآن يوافق ذلك، فإن نسخ الله لما يُلقي الشيطان، وإحكامه آياته، إنما يكون لرفع ما وقع في آياته، وتمييز الحق من الباطل حتى لا تختلط آياته بغيرها، وجعل ما ألقى الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم، إنما يكون إذا كان ذلك ظاهرا يسمعه الناس لا باطنا في النفس، والفتنة التي تحصل بهذا النوع من النسخ، من جنس الفتنة التي تحصل بالنوع الآخر من النسخ، وهذا النوع أدل على صدق الرسول وبعده عن الهوى من ذلك النوع، فإنه إذا كان يأمر بأمر ثم يأمر بخلافه - وكلاهما من عند الله وهو مصدق في ذلك - فإذا قال عن نفسه إن الثاني هو الذي من عند الله وهو الناسخ، وإن ذلك المرفوع الذي نسخه الله ليس كذلك، كان أدل على اعتماده للصدق، وقوله الحق، وهذا كما قالت عائشة رضي الله عنها: (لو كان محمد كاتما شيئا من الوحي لكتم هذه الآية: (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ) . ألا ترى أن الذي يُعَظِّمُ نفسَه بالباطل يريد أن ينصر كل ما قاله ولو كان خطأ، فبيان الرسول أن الله أحكم آياته ونسخ ما ألقاه الشيطان، هو أدل على تحريه للصدق وبراءته من الكذب، وهذا هو المقصود بالرسالة، فإنه الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، ولهذا كان تكذيبه كفرا محضا بلا ريب " انتهى. والخلاصة أن إثبات أصل القصة قول متجه، وهو أقرب إلى التحقيق العلمي إن شاء الله. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103304 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 241 حديث: (إن نقدت الناس نقدوك) [السُّؤَالُ] ـ[الرجاء إفادتنا بدرجة صحة الحديث المروي عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن نقدت الناس نقدوك، وإن تركتهم تركوك) وأين نجده؟ قيل لي إنه يوجد في كتاب صحيح البخاري لكنني لم أجده.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله حديث أبي الدرداء المذكور ليس في "صحيح البخاري". وله عدة ألفاظ منها: (إن نافرت الناس نافروك، وإن هربت منهم أدركوك , وإن تركتهم لم يتركوك. قال: كيف أصنع؟ قال: هب عرضك ليوم فقرك) وهو مخالف للفظ الوارد في السؤال. رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق " (47/ 178،179) من طريق فَرَج بن فَضالة عن لقمان بن عامر عن أبي الدرداء به. وسنده ضعيف فإن فَرَج بن فَضالة ضعيف , ولقمان بن عامر روايته عن أبي الدرداء منقطعة. انظر: "تهذيب التهذيب" (8/456) , "التقريب" (2/107) . ثم إنهم اضطربوا فيه فروي بالسند نفسه من قول أبي الدرداء رضي الله عنه موقوفا عليه، وليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم. رواه ابن عساكر في"تاريخ دمشق" (47/178) . ثم رواه ابن عساكر (47/179) من طريق أنس بن عياض عن يحي بن سعيد قال: قال أبو الدرداء به موقوفا عليه من قوله. وسنده منقطع , قال ابن المديني عن يحي بن سعيد الأنصاري: "لا أعلمه سمع من صحابي غير أنس". "التهذيب" لابن حجر (11/223) . وورد من حديث أبي أمامة رضي الله عنه. رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (8/126) رقم (7575) وأبو عمرو الداني في"السنن الواردة في الفتن" (219) وابن عساكر في تاريخ دمشق (24/17) . وسنده ضعيف، فيه بقية بن الوليد وهو يدلس تدليس التسوية , وصدقة بن عبد الله السّمين ضعيف. انظر: "مجمع الزوائد" للهيثمي (7/285) . وورد عند الداني وابن عساكر بلفظ: (إن نافذتهم نافذوك) قال ابن الأثير: "أي: إن قلتَ لهم قالوا لك، ويُروى بالقاف والدال المهملة". أي: ناقدتهم. "النهاية" (5/92) . وإنما يثبت هذا الأثر من قول أبي مسلم الخولاني، قال: (كان الناس وَرَقاً لا شوك فيه، وإنهم اليوم شوك لا وَرَق فيه، إن ساببتهم سابوك، وإن ناقدتهم ناقدوك، وإن تركتهم لم يتركوك) . رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (7/206) وابن أبي عاصم في "الزهد" (1/367) وأبو نعيم في "الحلية" (2/123) وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (27/228) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 102508 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 242 أحاديث نبوية في ذم الإسراف في الطعام [السُّؤَالُ] ـ[ما صحة هذين الحديثين لو سمحتم: روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (أول بلاء حدث في هذه الأمة بعد نبيها الشبع؛ فإن القوم لما شبعت بطونهم سمنت أبدانهم، وضعفت قلوبهم، وجمحت شهواتهم) رواه البخاري. ولقد أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا نأكل كل ما تشتهيه الأنفس؛ فقد روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من الإسراف أن تأكل ما اشتهيت) رواه ابن ماجه. وهل هناك في الشرع شيء ينهى أن يسرف المسلم في أكله، أو أن لا يستطيع التحكم في أكله ويأكل في كل وقت وحين؟ حديث أو آية أو كتاب ممكن أن تنصحون به ينهى المسلم عن هذه الأمور، أو يكلمنا عن هدي الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، عن أكله ومطعمه. جزاكم الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: شهوة البطن من أعظم المهلكات، وسببُ كثيرٍ من الآفات والأمراض القلبية والبدنية، إذ تتبعها شهوة الفرج، ثم الرغبة في الجاه والمال لتحقيق هاتين الشهوتين، ويتولد من ذلك من أمراض القلوب الرياء والحسد والتفاخر والكبر بسبب الانشغال بالدنيا، وغالبا ما يدفعه ذلك إلى المنكر والفحشاء، كله بسبب هذه الشهوة، وقد قالت العرب قديما: المعدة بيت الداء، والحمية رأس الدواء. يقول الله عز وجل: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأعراف/31 وفي السنة النبوية من الحث على الاعتدال في الطعام، وذم الإسراف الشيء الكثير: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنِهِ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلاتٍ يُقِمْنِ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لاْ مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعامِهِ، وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ) رواه الترمذي (2380) وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2265) وعَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ لاَ يَأْكُلُ حَتَّى يُؤْتَى بِمِسْكِينٍ يَأْكُلُ مَعَهُ، فَأَدْخَلْتُ رَجُلًا يَأْكُلُ مَعَهُ، فَأَكَلَ كَثِيرًا، فَقَالَ: يَا نَافِعُ! لاَ تُدْخِلْ هَذَا عَلَيَّ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ) رواه البخاري (5393) ومسلم (2060) يقول النووي في شرح هذا الحديث (14/25) : " قال العلماء: ومقصود الحديث التقليل من الدنيا، والحث على الزهد فيها والقناعة، مع أن قلة الأكل من محاسن أخلاق الرجل، وكثرة الأكل بضده، وأما قول ابن عمر فى المسكين الذى أكل عنده كثيرا: " لا يدخلن هذا علي "، فإنما قال هذا لأنه أشبه الكفار، ومن أشبه الكفار كرهت مخالطته لغير حاجة أو ضرورة؛ ولأن القدر الذى يأكله هذا يمكن أن يسد به خلة جماعة " انتهى. وقد سبق في موقعنا ذكر أحاديث أخرى في هذا الباب، فانظر سؤال رقم (71173) ثانيا: يلخص لنا ابن القيم رحمه الله تعالى هدي النبي صلى الله عليه وسلم في أمر الطعام والشراب، ويستخلصه من الأحاديث الصحيحة، فيقول – كما في "زاد المعاد" (1/147) -: " وكذلك كان هديُه صلى الله عليه وسلم وسيرتُه في الطعام، لا يردُّ موجوداً، ولا يتكلف مفقوداً، فما قُرِّبَ إليه شيءٌ من الطيبات إلا أكله، إلا أن تعافَه نفسُه، فيتركَه من غير تحريم، وما عاب طعاماً قطُّ، إن اشتهاه أكله، وإلا تركه، كما ترك أكل الضَّبِّ لمَّا لَمْ يَعْتَدْهُ، ولم يحرمه على الأمة، وأكل الحلوى والعسل، وكان يُحبهما، وأكل لحم الجزور، والضأن، والدجاج، ولحم الحُبارى، ولحم حِمار الوحش، والأرنب، وطعام البحر، وأكل الشواء، وأكل الرُّطبَ والتمرَ ... ولم يكن يردُّ طَيِّباً، ولا يتكلفه، بل كان هديه أكلَ ما تيسر، فإن أعوزه صَبَرَ حتى إنه ليربِطُ على بطنه الحجر من الجوع، ويُرى الهلالُ والهلالُ والهلالُ ولا يُوقد في بيته نارٌ " انتهى باختصار. ثالثا: ذكر العلماء فوائد الاعتدال في الطعام وعدم الإسراف، ومنها: 1- صفاءُ القلبِ وإيقادُ القريحة وإنفاذ البصيرة، فإنّ الشبعَ يورثُ البلادةَ ويُعمي القلب، ولهذا جاءَ في الحكمة (مَن أجاعَ بطنَه عظُمت فكرتُه وفَطُن قلبُه) . 2- الانكسارُ والذلُ وزوالُ البَطَرِ والفرحِ والأشرِ، الذي هو مبدأُ الطغيانِ والغفلةِ عن الله تعالى. 3- أن لا ينسى بلاءَ الله وعذابه، ولا ينسى أهلَ البلاء، فإن الشبعانَ ينسى الجائعَ وينسى الجوع، والعبدُ الفطنُ لا يجدُ بلاءَ غيرِه إلا ويتذكرُ بلاءَ الآخرة. 4- من أكبر الفوائد: كسرُ شهواتِ المعاصي كلّها، والاستيلاءُ على النفسِ الأمّارةِ بالسوء، فإنَّ منشأَ المعاصي كلِّها الشهواتُ والقوى، ومادةُ القوى والشهواتِ لا محالة الأطعمة. قال ذو النون: ما شبعتُ قطُّ إلا عصيتُ أو هممتُ بمعصية. 5- دفعُ النومِ ودوامُ السَّهر، فإنَّ مَن شَبِع كثيرًا شرب كثيرًا، ومن كثر شربُه كثرَ نومه، وفي كثرةِ النومِ ضياعُ العمر وفوتُ التهجدِ وبلادةُ الطبعِ وقسوةُ القب، والعمرُ أنفسُ الجواهرِ، وهو رأسُ مالِ العبدِ، فيه يتجر، والنومُ موت، فتكثيره يُنقِصُ العمر. 6- صحةُ البدن ودفعُ الأمراض، فإن سببَها كثرةُ الأكل وحصولُ الأخلاط في المعدة، وقد قالَ الأطباء: البِطْنةُ أصلُ الداء، والحِميةُ أصلُ الدواء. " ملخصة من إحياء علوم الدين (3/104-109) " رابعا: أما الأحاديث المذكورة في السؤال فلم يصح منها شيء: الحديث الأول: قالت عائشة رضي الله عنها: (إن أول بلاء حدث في هذه الأمة بعد قضاء نبيها صلى الله عليه وسلم: الشبع، فإن القوم لما شبعت بطونهم سمنت أبدانهم، فتصعبت قلوبهم، وجمحت شهواتهم) رواه البخاري في "الضعفاء" – كما عزاه إليه الذهبي في "ميزان الاعتدال" (3/335) - ورواه ابن أبي الدنيا في "الجوع" (رقم/22) من طريق غسان بن عبيد الأزدي الموصلي، قال: حدثنا حمزة البصري، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة به. قلت: وهذا السند ضعيف جدا بسبب غسان بن عبيد، جاء في ترجمته في "لسان الميزان" (4/418) : " قال أحمد بن حنبل: كتبنا عنه، قدم علينا ههنا ثم حرقت حديثه. قال ابن عدي: الضعف على حديثه بين. – وفي رواية عن يحيى بن معين - ضعيف ... - ثم عد حديث عائشة الذي معنا من مناكيره – " انتهى بتصرف. ولذلك قال الشيخ الألباني في "ضعيف الترغيب" (1239) : " منكر موقوف " انتهى. تنبيه: جاء في السؤال نسبة هذا الحديث إلى البخاري، وهذا خطأ كبير؛ لأن إطلاق القول بـ: " رواه البخاري "، ينصرف عادة إلى الصحيح، والبخاري له كتب أخرى كثيرة، يروي فيها الأحاديث بأسانيده، ولا يشترط فيها الصحة، منها كتاب "الضعفاء الصغير" وهو مطبوع، وله كتاب "الضعفاء الكبير": ذكره ابن النديم وبروكلمان في "تاريخ الأدب" (ص/65) وأنه ما زال مخطوطا في مكتبة "بتنة" في الهند؛ فإذا قدر أن البخاري روى حديثا في شيء من كتبه، سوى الصحيح الذي هو أعظم دواوين الإسلام، فينبغي أن يبين عند نسبة الحديث: رواه البخاري في التاريخ، أو: في الضفعاء، أو في الأدب المفرد..، مثلا، ثم يبحث في سند الحديث: هل هو صحيح أو لا، كما هو الحال في الكتب الأخرى. وحديث عائشة هذا لعله في "الضعفاء الكبير"، فقد بحثنا عنه في "الصغير" فلم أجده، كما أن الضعفاء الصغير نادرا ما يذكر فيه الأحاديث والأسانيد. والله أعلم. الحديث الثاني: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ مِنْ السَّرَفِ أَنْ تَأْكُلَ كُلَّ مَا اشْتَهَيْتَ) رواه ابن ماجه (3352) وأبو يعلى في "المسند" (5/154) وأبو نعيم في "الحلية" (10/213) والبيهقي في "شعب الإيمان" (5/46) وغيرهم من طرق عن بقية بن الوليد حدثنا يوسف بن أبي كثير عن نوح بن ذكوان عن الحسن عن أنس مرفوعا. وهذا السند ضعيف جدا، فيه عدة علل، منها: 1- يوسف بن أبي كثير: قال عنه ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (11/421) : " أحد شيوخ بقية الذين لا يعرفون " انتهى. 2- نوح بن ذكوان: منكر الحديث: جاء في ترجمته في "تهذيب التهذيب" (10/484) : " قال ابن عدي: أحاديثه غير محفوظة. وقال ابن حبان: منكر الحديث جدا، يجب التنكب عن حديثه ... وقال أبو نعيم: روى عن الحسن المعضلات، وله صحيفة عن الحسن عن أنس: لا شىء " انتهى باختصار. ولذلك ضعف الحديث غير واحد من أهل العلم: ابن حبان في "المجروحين" (3/47) ، وابن عدي في "الكامل" (8/299) ، وابن الجوزي في "الموضوعات" (3/182) ، والبوصيري في "مصباح الزجاجة" (2/188) والسخاوي في "المقاصد الحسنة" (515) ، وقال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (رقم/241) : موضوع. وفيما سبق من الأحاديث الصحيحة غنى عن هذين الحديثين الضعيفين، ومن أراد التوسع في هذا الموضوع فليرجع إلى كتاب: " الجوع " لابن أبي الدنيا، و "مختصر منهاج القاصدين " لابن قدامة، "زاد المعاد" لابن القيم، و "شرح رياض الصالحين" للشيخ ابن عثيمين. وانظر جواب السؤال رقم (6503) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 102374 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 243 ما يُسمى " دعاء العرش " دعاء مبتدع مكذوب [السُّؤَالُ] ـ[ما مدى صحة هذا الدعاء، وهل له وجود في السنة النبوية؟ قيل إن جبريل علية السلام أتى النبي صلى الله علية وسلم فقال: يا محمد! السلام يقرئك السلام، ويخصك بالتحية والإكرام، وقد أوهبك هذا الدعاء الشريف، يا محمد! ما من عبد يدعو وتكون خطاياه وذنوبه مثل أمواج البحار، وعدد أوراق الأشجار، وقطر الأمطار وبوزن السموات والأرض، إلا غفر الله تعالى ذلك كله له. يا محمد! هذا الدعاء مكتوب حول العرش، ومكتوب على حيطان الجنة وأبوابها، وجميع ما فيها.. ومما ورد فيه: .... يا محمد! ما من عبد قرأ هذا الدعاء إلا غفرت ذنوبه ولو كانت عدد نجوم السماء، ومثل الرمل والحصى، وقطر الأمطار، وورق الأشجار، ووزن الجبال وعدد ريش الطيور، وعدد الخلائق الأحياء والأموات، وعدد الوحوش والدواب، يغفر الله تعالى ذلك كله، ولو صارت البحار مدادا، والأشجار أقلاما، والإنس والجن والملائكة، وخلق الأولين والآخرين يكتبون لي يوم القيامة، لفني المداد، وتكسر الأقلام، ولا يقدرون على حصر ثواب هذا الدعاء. وقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: بهذا الدعاء ظهر الإسلام والإيمان. وقال عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه: نسيت القرآن مرارا كثيرة فرزقني الله حفظ القرآن ببركة هذا الدعاء. وقال سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه: كلما أردت أن أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، أقرأ هذا الدعاء. وقال سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي عنه: كلما أشرع في الجهاد أقرأ هذا الدعاء، وكان تعالى ينصرني على الكفار ببركة هذا الدعاء. ومن قرأ هذا الدعاء وكان مريضا، شفاه الله تعالى، أو كان فقيرا أغناه الله تعالى، ومن قرأ هذا الدعاء وكان به هم أو غم زال عنه، وإن كان عليه دين خلص منه، وإن كان في سجن وأكثر من قراءته خلصه الله تعالى، ويكون آمنا شر الشيطان، وجور السلطان. قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال لي جبريل: يا محمد! من قرأ هذا الدعاء بإخلاص قلب ونية على جبل لزال من موضعه، أو على قبر لا يعذب الله تعالى ذلك الميت في قبره ولو كانت ذنوبه بالغة ما بلغت؛ لأن فيه أسم الله الأعظم. وكل من تعلم هذا الدعاء وعلمه لمؤمنين يكون له أجر عظيم عند الله، وتكون روحة مع أرواح الشهداء، ولا يموت حتى يرى ما أعده الله تعالى له من النعيم المقيم. فلازم قراءة هذا الدعاء في سائر الأوقات تجد خيرا كثيرا مستمرا إن شاء الله تعالى. فنسأل الله تعالى الإعانة على قراءته، وأن يوفقنا والمسلمين لطاعته، إنه على ما شاء قدير وبعباده خبير، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين إلى يوم الدين. الدعاء: بسم الله الرحمن الرحيم: لا إله إلا الله الملك الحق المبين، لا إله إلا الله العدل اليقين، لا إله إلا الله ربنا ورب آبائنا الأولين، سبحانك إني كنت من الظالمين، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك والحمد يحي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير، وإليه المصير، وهو على كل شيء قدير. لا إله إلا الله إقرارا بربوبيته، سبحان الله خضوعا لعظمته، اللهم يا نور السموات والأرض، يا عماد السموات والأرض، يا جبار السموات والأرض، يا ديان السموات والأرض، يا وارث السموات والأرض، يا مالك السموات والأرض، يا عظيم السموات والأرض، يا عالم السموات والأرض، يا قيوم السموات والأرض، يا رحمن الدنيا ورحيم الآخرة. اللهم إني أسألك أن لك الحمد، لا إله إلا أنت الحنان المنان، بديع السموات والأرض، ذو الجلال والإكرام، برحمتك يا أرحم الراحمين. بسم الله أصبحنا وأمسينا، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، وأن الجنة حق، والنار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور. الحمد لله الذي لا يرجى إلا فضله، ولا رازق غيره. الله أكبر ليس كمثله شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع البصير. اللهم إني أسألك في صلاتي ودعائي بركة تطهر بها قلبي، وتكشف بها كربي، وتغفر بها ذنبي، وتصلح بها أمري، وتغني بها فقري، وتذهب بها شري، وتكشف بها همي وغمي، وتشفي بها سقمي، وتقضي بها ديني، وتجلو بها حزني، وتجمع بها شملي، وتبيض بها وجهي. ............ اللهم استر عورتي، واقبل عثرتي، واحفظنى من بين يدي ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي، ومن فوقي ومن تحتي، ولا تجعلني من الغافلين. اللهم إني أسألك الصبر عند القضاء، ومنازل الشهداء، وعيش السعداء، والنصر على الأعداء، ومرافقة الأنبياء، يا رب العالمين. آمين يا أرحم الراحمين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الدعاء كذب مختلق مصنوع، لا يجوز نقله ولا روايته ولا العمل به، ومن تساهل في ذلك تعرض للوعيد الشديد، وكان نبيُّنا محمد صلى الله عليه وسلم خصمَه يوم القيامة، وعلامة الوضع والكذب باديةٌ عليه، إذ لا يُعرف في ديننا دعاءٌ تكون له كل هذه الفضائل المبالغ فيها، ولو كان شيء من ذلك موجودًا في شريعتنا لوجدتَ عشرات الأسانيد الصحيحة تتسابق في نقله وروايته، أما هذا الدعاء فلم يرد ولا بإسناد ضعيف. يقول ابن القيم رحمه الله في "المنار المنيف" (ص/19) في حديثه عن علامات الحديث الموضوع: " اشتماله على المجازفات التي لا يقول مثلها رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهي كثيرة جدا، كقوله في الحديث المكذوب: (من قال لا إله إلا الله خلق الله من تلك الكلمة طائرا له سبعون ألف لسان، لكل لسان سبعون ألف لغة، يستغفرون الله له) وأمثال هذه المجازفات الباردة، التي لا يخلو حال واضعها من أحد أمرين: إما أن يكون في غاية الجهل والحمق، وإما أن يكون زنديقا قصد التنقيص بالرسول بإضافة مثل هذه الكلمات إليه " انتهى. ويقول ابن حجر في "النكت" (2/843) : " ومن جملة القرائن الدالة على الوضع الإفراط بالوعيد الشديد على الأمر اليسير أو بالوعد العظيم على الفعل اليسير، وهذا كثير موجود في حديث القصاص والطرقية " انتهى. جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (24/372-373) : " الدعاء المسمى بـ: (دعاء العرش وفضائل دعاء العرش) دعاء مبتدع، لا أصل له، ولا دليل عليه من الكتاب والسنة، ولم ينسب إلى مرجع معتمد، فهو من اختراع من وضعه، وواضعه مجهول، وفيه ألفاظ مكذوبة، مثل قوله: (أسألك باسمك المكتوب على جناح جبريل وعلى ميكائيل وعلى جبهة إسرافيل، وعلى كف عزرائيل الذي سميت به منكرا ونكيرا وبحق أسرار عبادك عليك) ، وفيه وعود مكذوبة لأجل إغراء الناس بهذا الدعاء المبتدع، مثل قوله: (من دعا به مرة واحدة حشره الله يوم القيامة ووجهه يتلألأ. . إلخ) (وإن كان له ذنوب أكثر من ماء البحر وقطر الأمطار. . إلخ) (ويكتب له ثواب ألف عمرة مبرورة، وإن قرأه خائف أمنه الله، أو عطشان سقاه الله، أو جائع أطعمه الله. إلخ) (وإن حمله ذو عاهة برئ، أو زوجة أكرمها زوجها، وأمن من الجن والإنس والمردة والشياطين والأوجاع والأمراض، ورجع إلى أهله إن كان غائبا. .) إلى آخر كذبه. وهذا دعوة إلى تعليق التمائم والحروز والتعلق بغير الله. فالواجب منع توزيعه ونشره وإتلاف ما وجد منه، ومعاقبة من يروجه بين الناس؛ لأنه دعوة لنشر البدع والخرافات وتعليق التمائم والحروز. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى. وانظر أيضا: http://saaid.net/Doat/assuhaim/fatwa/24.htm والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 101214 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 244 حديث (لا يهين المرأة إلا اللئيم) لا يثبت [السُّؤَالُ] ـ[هل هذا الحديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا أدري بالضبط صيغة الحديث، ما أعرفه أنه هكذا: الحديث (لا يكرم المرأة إلا الكريم , ولا يهين المرأة إلا اللئيم , ولا يغلبن إلا الكريم , ولا يغلبهن إلا اللئيم، وأنا أريد أن أكون - أي رسول الله صلى الله عليه وسلم - مغلوبا أي كريما، وليس غالبا أي لئيما) ]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا نَعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال مثل هذا الكلام بهذا اللفظ، ولا عن أحد من أصحابه أو التابعين، وإنما يُروَى في ذلك شيءٌ قريب من اللفظ المذكور، ولكنه أيضا لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا بيان ذلك: عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي، ما أكرم النساء إلا كريم، ولا أهانهن إلا لئيم) رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (13/313) وعنه ابن أخيه في "الأربعين في مناقب أمهات المؤمنين" (109) وهذا سند ابن عساكر: أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم، أخبرني القاضي أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي العجائز، حدثني أبي، وأخبرنا أبو الحسن بن أبي الحديد، أنا جدي أبو عبد الله، أنا مسدد بن عبد الله الحمصي قالا: نا أبو بكر محمد بن سليمان بن يوسف بن يعقوب الربعي، نا أبو بكر وأبو القاسم محمد وعامر ابنا خريم بن محمد، قالا نا أبو عبد الغني الحسن بن علي بن عيسى الأزدي، نا عبد الرزاق بن همام، أنا إبراهيم بن محمد الأسلمي، عن داود بن الحصين، عن عكرمة بن خالد، عن علي بن أبي طالب به. يقول الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (845) : " موضوع. وهذا إسناد واهٍ بِمَرَّة، وفيه علل: 1 - داود بن الحصين ثقة إلا في عكرمة كما قال الحافظ في "التقريب"، ومستنده قول ابن المديني: " ما رواه عن عكرمة فمنكر ". وكذا قال أبو داود. 2- إبراهيم الأسلمي: كذاب كما قال يحيى القطان وابن معين وابن المديني، وروى أبو زرعة في " تاريخ دمشق " (34/1) بسند صحيح عن يحيى بن سعيد قال: " لم يُترك إبراهيم بن أبي يحيى للقدر، وإنما للكذب " وقال ابن حبان (1/92) : " كان يرى القدر ويذهب إلى كلام جهم، ويكذب مع ذلك في الحديث " 3- أبو عبد الغني الأزدي: متهم بالوضع، وفي ترجمته ساق ابن عساكر هذا الحديث، وقال فيها: " وكان ضعيفا ". ثم روى عن أبي نعيم أنه قال: " حدث عن مالك أحاديث موضوعة ". وكذا قال الحاكم، ثم تعقب ابن عساكر أبا نعيم بقوله: " ولا أعلم روى عن مالك ولا أدركه " قلت – القائل هو الشيخ الألباني رحمه الله -: وهو إنما يروي عن مالك بواسطة عبد الرزاق، وقد ساق له الدارقطني من هذا الوجه حديثا وقال: " باطل، وضعه أبو عبد الغني على عبد الرزاق " وكذا رواه ابن عساكر في ترجمته، لكن قد ساق له ابن حبان (1/235) حديثا آخر، صرح فيه بقوله: " حدثنا مالك " فهو من أكاذيبه عليه. وقال ابن حبان: يضع الحديث على الثقات، لا تحل الرواية عنه بحال " " انتهى باختصار. وفيما ورد في إكرام النساء والإحسان إليهن من الأحاديث الصحيحة الكثيرة غُنيةٌ عن هذا الحديث المنكر، وهي – بلا شك – أبلغ عبارة وأوفى بيانا وأعظم أثرا من كل مروي ضعيف أو مكذوب: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا) رواه البخاري (3331) ومسلم (1468) وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي) رواه الترمذي (3895) وصححه الألباني في صحيح الترمذي وفي "السلسلة الصحيحة" (1174) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ) رواه أحمد (2/439) وحسنه النووي في "رياض الصالحين" (146) ومحققو مسند أحمد، والشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1015) يقول المناوي في "فيض القدير" (1/166) في شرح الحديث الأخير: " بأن تعاملوهما برفق وشفقة، ولا تكلفوهما ما لا يطيقانه، ولا تقصروا في حقهما الواجب والمندوب، وَوَصَفَهُمَا بالضعف استعطافا وزيادة في التحذير والتنفير، فإن الإنسان كلما كان أضعف كانت عناية الله به أتم، وانتقامه من ظالمه أشد " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 100758 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 245 أحاديث نداء القبر وخطابه أحاديث ضعيفة منكرة [السُّؤَالُ] ـ[هل حديث: " القبر ينادي خمس مرات المتوفى " حديث صحيح أم ضعيف وليس له أصل؟ أرجو الرد مدعما بالحديث الصحيح؛ لأن الموضوع مهم جدا جدا، ولا نريد أن نكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا السؤال أحمله أمانة في أعناقكم، وأرجو الرد السريع مع جزيل الشكر.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله جاء في خطاب القبر وندائه وكلامه أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: الحديث الأول: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصَلَّاهُ، فَرَأَى نَاسًا كَأَنَّهُمْ يَكْتَشِرُونَ – يعني: يضحكون - قَالَ: أَمَا إِنَّكُمْ لَوْ أَكْثَرْتُمْ ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ لَشَغَلَكُمْ عَمَّا أَرَى، فَأَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ الْمَوْتِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَلَى الْقَبْرِ يَوْمٌ إِلَّا تَكَلَّمَ فِيهِ فَيَقُولُ: أَنَا بَيْتُ الْغُرْبَةِ، وَأَنَا بَيْتُ الْوَحْدَةِ، وَأَنَا بَيْتُ التُّرَابِ، وَأَنَا بَيْتُ الدُّودِ. فَإِذَا دُفِنَ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ قَالَ لَهُ الْقَبْرُ: مَرْحَبًا وَأَهْلًا، أَمَا إِنْ كُنْتَ لَأَحَبَّ مَنْ يَمْشِي عَلَى ظَهْرِي إِلَيَّ، فَإِذْ وُلِّيتُكَ الْيَوْمَ وَصِرْتَ إِلَيَّ فَسَتَرَى صَنِيعِيَ بِكَ. قَالَ: فَيَتَّسِعُ لَهُ مَدَّ بَصَرِهِ، وَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ. وَإِذَا دُفِنَ الْعَبْدُ الْفَاجِرُ أَوْ الْكَافِرُ قَالَ لَهُ الْقَبْرُ: لَا مَرْحَبًا وَلَا أَهْلًا، أَمَا إِنْ كُنْتَ لَأَبْغَضَ مَنْ يَمْشِي عَلَى ظَهْرِي إِلَيَّ، فَإِذْ وُلِّيتُكَ الْيَوْمَ وَصِرْتَ إِلَيَّ فَسَتَرَى صَنِيعِيَ بِكَ. قَالَ: فَيَلْتَئِمُ عَلَيْهِ حَتَّى يَلْتَقِيَ عَلَيْهِ وَتَخْتَلِفَ أَضْلَاعُهُ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَصَابِعِهِ فَأَدْخَلَ بَعْضَهَا فِي جَوْفِ بَعْضٍ. قَالَ: وَيُقَيِّضُ اللَّهُ لَهُ سَبْعِينَ تِنِّينًا، لَوْ أَنْ وَاحِدًا مِنْهَا نَفَخَ فِي الْأَرْضِ مَا أَنْبَتَتْ شَيْئًا مَا بَقِيَتْ الدُّنْيَا، فَيَنْهَشْنَهُ وَيَخْدِشْنَهُ حَتَّى يُفْضَى بِهِ إِلَى الْحِسَابِ. قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا الْقَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ) رواه الترمذي في سننه (2460) والبيهقى فى شعب الإيمان (1/498) من طريق القاسم بن الحكم العرني عن عبيد الله بن الوليد الوصافي عن عطية عن أبي سعيد الخدري به. وقال الترمذي: حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وهذا سند ضعيف جدا، فيه عبيد الله بن الوليد الوصافي، جاء في ترجمته في "تهذيب التهذيب" (7/55) : عن أحمد بن حنبل: ليس بمحكم الحديث، يكتب حديثه للمعرفة. وقال يحيى بن معين وأبو زرعة وأبو حاتم: ضعيف الحديث. وقال النسائى: متروك الحديث. وقال ابن عدي: ضعيف جدا، يتبين ضعفه على حديثه. وقال ابن حبان: يروي عن الثقات ما لا يشبه الأثبات، حتى يسبق إلى القلب أنه المُتَعَمِّد لها، فاستحق الترك. وقال الحاكم: روى عن محارب أحاديث موضوعة. وقال أبو نعيم الأصبهانى: يحدث عن محارب بالمناكير، لا شيء " انتهى. لذلك قال الحافظ العراقي عن هذا الحديث ـ "تخريج الإحياء" (1/400) ـ: " فيه عبيد الله بن الوليد الصافي ضعيف "، وضعفه السخاوي في "المقاصد الحسنة" (359) والشوكاني في "الفوائد المجموعة" (269) وقال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (10/749) : " عطية ضعيف مدلس والوصافي ضعيف جدا " انتهى. وقال في "ضعيف الترمذي": " ضعيف جدا، ولكن جملة (هاذم اللذات) صحيحة " انتهى. الحديث الثاني: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: (خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَنَازَةٍ، فَجَلَسَ إِلَى قَبْرٍ مِنْهَا، فَقَالَ: مَا يَأْتِي عَلَى هَذَا الْقَبْرِ مِنْ يَوْمٍ إلا وَهُوَ يُنَادِي بِصَوْتٍ طَلْقٍ ذَلْقٍ: يَا ابْنَ آدَمَ! كَيْفَ نَسِيتَنِي؟ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنِّي بَيْتُ الْوَحْدَةِ، وَبَيْتُ الْغُرْبَةِ، وَبَيتُ الْوَحْشَةِ، وَبَيْتُ الدُّودِ، وَبَيْتُ الضِّيقِ، إلا مَنْ وَسَّعَنِي اللَّهُ عَلَيْهِ) أخرجه الطبراني في "الأوسط" (8/273) وفي "المعجم الكبير" في القطعة المفقودة من الثالث عشر برقم (1363) من طريق محمد بن أيوب بن سويد أخبرنا أبي أخبرنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة به. وقال: " لم يرو هذا الحديث عن الأوزاعي إلا أيوب بن سويد تفرد به ابنه " انتهى. وهذا سند ضعيف جدا، بسبب محمد بن أيوب بن سويد، جاء في ترجمته في "ميزان الاعتدال" (3/487) : " ضعفه الدارقطني، وقال ابن حبان: لا تحل الرواية عنه، قال أبو زرعة: رأيته قد أدخل في كتب أبيه أشياء موضوعة " انتهى. وانظر "المجروحين" (2/299) ولذلك قال الحافظ الهيثمي عن هذا الحديث ـ "مجمع الزوائد" (3/165) ـ: " فيه محمد بن أيوب بن سويد وهو ضعيف " انتهى. وضعفه الحافظ ابن حجر في "الكافي الشاف" (62) والسخاوي في "المقاصد الحسنة" (359) والشوكاني في "الفوائد المجموعة" (269) وغيرهم، وقال الألباني في " السلسلة الضعيفة" (4990) : موضوع. الحديث الثالث: عن أبي الحجاج الثمالي رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يَقُولُ الْقَبْرُ لِلْمَيِّتِ حِينَ يُوضَعُ فِيهِ: وَيْحَكَ ابْنَ آدَمَ! مَا غَرَّكَ بِي؟ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنِّي بَيْتُ الْفِتْنَةِ، وَبَيْتُ الظُّلْمَةِ، وَبَيْتُ الْوَحْدَةِ، وَبَيْتُ الدُّودِ؟ مَا غَرَّكَ بِي إِذَ كُنْتَ تَمُرُّ بِي فَدَّادًا – يعني متبخترا -؟ فَإِنْ كَانَ مُصْلِحًا أَجَابَ عَنْهُ مُجِيبُ الْقَبْرِ، فَيَقُولُ: أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ مِمَّنْ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ؟ فَيَقُولُ الْقَبْرُ: إِذَنْ أَعُودُ إِلَيْهِ خَضْرَاءَ، وَيَعُودُ جَسَدُهُ نُورًا، وَيَصْعَدُ رُوحُهُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ) أخرجه ابن أبي الدنيا في "التواضع والخمول" (1/281) ، وابن أبى عاصم فى "الآحاد والمثاني" (4/371) ، وأبو يعلى (12/285) والطبرانى (22/377) ، وأبو نعيم فى "الحلية" (6/90) جميعهم من طريق أبي بكر بن أبي مريم عن هيثم بن مالك عن عبد الرحمن بن عائذ الأزدي عن أبي الحجاج الثمالي رضي الله عنه به. وهذا سند ضعيف بسبب أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم، قال فيه أحمد: ليس بشيء، وقال أبو زرعة: منكر الحديث. وقال أبو حاتم والنسائي والدارقطني: ضعيف. وقال ابن حبان: كان من خيار أهل الشام، ولكن كان رديء الحفظ، يحدث بالشىء فَيَهِم، ويكثر ذلك، حتى استحق الترك. انظر ترجمته في "تهذيب التهذيب" (12/29) لذلك قال الهيثمى (3/164) : " فيه أبو بكر بن أبى مريم، وفيه ضعف لاختلاطه " انتهى. وقال الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء" (5/252) : إسناده ضعيف. وقال الذهبي في "العلو" (29) : " هذا حديث غريب، وابن أبي مريم ضعيف من قبل حفظه " انتهى. الخلاصة: أنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في نداء القبر شيء، والأحاديث التي جاءت بذلك منكرة شديدة الضعف، مع أنه ليس في شيء مما وقفنا عليه منها تقييد ذلك النداء بخمس مرات، إنما فيه مطلق النداء، والله أعلم. وقد ورد في كلام بعض السلف من المواعظ شيء فيه نداء القبر وخطابه: فأخرج ابن عبد البر في "التمهيد" (18/145) عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: " إن القبر يكلم العبد إذا وضع فيه فيقول: يا ابن آدم! ما غرك بي؟ ألم تعلم أني بيت الوحدة؟ ألم تعلم أني بيت الظلمة؟ ألم تعلم أني بيت الحق؟ يا ابن آدم! ما غرك بي؟ ! لقد كنت تمشي حولي فدادا – يعني: متبخترا – " انتهى. وأخرج البيهقي في "شعب الإيمان" (1/360) : عن بلال بن سعد قال: " ينادي القبر كل يوم: أنا بيت الغربة، وبيت الدود والوحشة، وأنا حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنة " انتهى. وأخرج ابن أبي شيبة في "المصنف" (7/165) وهناد في "الزهد" (209) وأبو نعيم في "الحلية" (3/271) من كلام عبيد بن عمير، وهو من كبار التابعين الثقات، أخرج له أصحاب الكتب الستة، توفي سنة (68هـ) قال: " إن القبر ليقول: يا بن آدم! ماذا أعددت لي؟! ألم تعلم أني بيت الغربة، وبيت الوحدة، وبيت الأكلة، وبيت الدود " انتهى. والذي يظهر أن هذا الكلام ممن قاله من السلف، إنما هو ـ والله أعلم ـ من باب الوعظ والتخويف، وحكاية لسان حال القبر وحال المعرض الغافل، يقصدون به تذكير الناس والتأثير البليغ فيهم، لا أنه ينطق بذلك فعلا، وإن كان ذلك ـ لو ثبت به الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم، غير مستنكر ولا بعيد. يقول الحافظ ابن الجوزي في "بستان الواعظين ورياض السامعين" (181) : " عباد الله! ما من أحد - لا مؤمن ولا فاجر - إلا وقبره يناديه بكرة وعشية: إما بالبشرى والسرور، وإما بالويل والثبور، فمن فكر فيه وفي وحشته، وضيقه وغمته، كان عليه أوسع من الدنيا، وأفرج منها، وأبدله الله خيرا من داره، وأهلا خيرا من أهله، وجعل القبر خيرا من داره، فأكثروا ذكره في الآناء والأوقات، وأطيعوا جبار الأرضين والسموات، عساه يجعله لكم روضة من رياض الجنات، ويقيكم فيه الذل والحسرات. فاللهَ اللهَ، جدوا في العمل، فإن القبر أمامكم، والموت يطلبكم، يفرق ما جمعتم، ويخرب ما قد بنيتم بقطع الأنفاس، وينقلكم إلى ضيق اللحود والأرماس، فمن قدم إلى القبر عملا صالحا وجده روضة من رياض الجنان، ومن لم يكن له عمل وجده حفره من حفر النيران، فاستعدوا له يا معشر الأصحاب والإخوان " انتهى. فينبغي لمن أراد أن يذكر شيئا قريبا من كلامهم ألا ينسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بل يحكيه على أنه من لسان حال القبر، وكأن القبر لو قدر له أن ينطق لصاح بهذا الخطاب، وبهذا يتحقق المقصود من الموعظة، ويسلم المرء من إثم التقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 100485 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 246 التصحيف والتحريف [السُّؤَالُ] ـ[ما الفرق بين الحديث المصحف والحديث المحرف؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يقول الإمام السخاوي في تعريف التصحيف: " هو تحويل الكلمة عن الهيئة المتعارفة إلى غيرها " انتهى. " فتح المغيث " (3/72) وهذا من أحسن التعاريف وأشملها لجميع الصور التي يذكرها العلماء في التصحيف، فإن العلماء أطلقوا التصحيف على العديد من الصور، وهي: 1- تغيير في حروف الكلمة مما تختلف فيه صورة الخط: مثاله: قال الشافعي: " صحف مالك في عمر بن عثمان وإنما هو عمرو بن عثمان، وفي جابر بن عتيك وإنما هو جبر بن عتيك، وفي عبد العزيز بن قرير وإنما هو عبد الملك بن قريب " انتهى. " معرفة علوم الحديث " (150) وقال أحمد: " صحف شعبة (مالك بن عرفطة) إنما هو خالد بن علقمة " انتهى. "معرفة علوم الحديث" (146) 2- تغيير في نقط أو شكل الكلمة مع بقاء صورة الخط: وهذا أكثر إطلاق المحدثين. مثاله: تصحيف ابن معين العوام بن مراجم بالراء والجيم، إلى مزاحم بالزاي والحاء. "تدريب الراوي" (2/648) 3- قلب الاسم: قال الحاكم: " سمعت أبا علي الحافظ يقول: صحف فيه أبو حنيفة، لإجماع أصحاب الزهري على روايته عنه عن الربيع بن سبرة عن أبيه (وهو إنما قال عن سبرة بن الربيع) . "معرفة علوم الحديث" (150) 4- إبدال لفظة مكان أخرى: مثاله: روى الحاكم حديث المُحرِم الذي وقصته دابته وفيه قول النبي – صلى الله عليه وسلم – (ولا تخمروا وجهه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا) ثم قال: " ذكر الوجه تصحيف من الرواة لإجماع الثقات الأثبات من أصحاب عمرو بن دينار على روايته عنه (ولا تغطوا رأسه) وهو المحفوظ " انتهى. "معرفة علوم الحديث" (148) 5- إبدال راو بآخر: مثاله: قال الحاكم: " صحف بقية بن الوليد في ذكر صفية ولم يتابع عليه، والحديث عن جويرية " انتهى. "معرفة علوم الحديث" (32) قال الحافظ العراقي "التبصرة والتذكرة" (2/298) : " وقد أطلق من صنف في التصحيف، التصحيف على ما لا تشتبه حروفه بغيره، وإنما أخطأ فيه راويه أو سقط بعض حروفه من غير اشتباه " انتهى. 6- تغيير المعنى. قال العراقي "التبصرة والتذكرة" (2/300-301) : " ومن أمثلة تصحيف المعنى ما ذكره الخطابي عن بعض شيوخه في الحديث أنه لما روى حديث النهي عن التحليق يوم الجمعة قبل الصلاة قال: ما حلقت رأسي قبل الصلاة منذ أربعين سنة، فهم منه تحليق الرؤوس، وإنما المراد تحليق الناس حلقا " انتهى. والناظر في كتب المحدثين يلحظ ما يلي: - استعمال لفظة التصحيف أكثر من استعمال لفظة التحريف. - أنه ليس ثمة فرق بين الاستعمالين، بل هما لفظان مترادفان في استعمال المحدثين ولم يثبت التفريق بينهما في أي من الصور، بل إن الخطابي في كتابه "إصلاح غلط المحدثين" (12) أطلق على جميع أمثلته التي ذكرها في التصحيف – وهي من الصورة الثانية – أطلق عليها لفظ التحريف حيث قال: " وهذه ألفاظ من الحديث يرويها أكثر الناس والمحدثين ملحونة ومحرفة " انتهى. كما أن الناظر في كتب اللغويين يجد أن التصحيف والتحريف ألقاب مترادفة في استعمالهم، وتكفي نظرة سريعة في كتاب "تصحيح التصحيف وتحرير التحريف" لصلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي المتوفى سنة 764هـ وفي كتاب "التنبيه على حدوث التصحيف" لأبي عبد الله حمزة الأصبهاني لإثبات هذه الحقيقة. وهذه التسوية بين الاستعمالين هي الأقرب إلى أصل المعنى اللغوي لكل من التصحيف والتحريف، فإن التصحيف لغة: الخطأ في الصحيفة (كذا في القاموس 3/217) ، والتحريف لغة: التغيير (كذا في القاموس 3/171) : وذلك يعم كل خطأ وكل تغيير دون تفريق بين صوره. إلا أن بعض الأئمة اختار الفصل بين الاصطلاحين والتمييز بينهما، وهو الإمام العسكري أبو أحمد الحسن بن عبد الله المتوفى سنة 382هـ، فقد كتب عدة كتب في التصحيف والتحريف، منها: "شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف" و "تصحيفات المحدثين"، وكان تفريقه مبنيا على أن التصحيف هو ما كانت فيه المخالفة مع تشابه صورة الخط، فإذا أدت المخالفة إلى تغيير الخط فهو التحريف، وذلك في كتابه "شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف" (1/77) حيث ذكر مثالا أخطأ فيه الراوي في قول الشاعر (إذا ما سرى في القوم) فقرأها (سرى بالقوم) فعقب عليه العسكري بقوله: "هذا من التحريف لا من التصحيف " انتهى. كما أنه في مقدمة "تصحيفات المحدثين" (1/4) قال: " هذا كتاب شرحت فيه من الألفاظ المشكلة التي تتشابه في صورة الخط فيقع فيها التصحيف " انتهى. وظاهر من هذا التفريق أنه يضيق فيه معنى لفظ التصحيف الذي يستعمله المحدثون، فهم يطلقونه على كل تغيير، والعسكري يقصره على التغيير الذي تبقى فيه صورة الخط واحدة. والذي يبدو أن هذا الفصل بقي محصورا في استعمال الإمام العسكري فقط، دون أن يتعدى إلى غيره من أهل العلم، حتى كان عصر الحافظ ابن حجر في المتأخرين، فحاول ضبط التفريق بين الاصطلاحين، قصدا منه لتسهيل العلم وتحديده، فاختار أن يفرق بينهما بقوله: " إن كانت المخالفة بتغيير حرف أو حروف مع بقاء صورة الخط في السياق، فإن كان ذلك بالنسبة إلى النقط فالمصحف، وإن كان بالنسبة إلى الشكل فالمحرف " انتهى. "نزهة النظر" (47) ولم يكن احافظ ابن حجر متابعا العسكري في هذا التفريق، يظهر ذلك جليا في تغيير (عُبَاد) مثلا إلى (عَبَّاد) ، فهذا التغيير يسميه الحافظ ابن حجر تحريفا، لأن الذي تغير فيه هو الشكل فقط، أما العسكري فإنه يسميه تصحيفا لبقاء صورة الخط. وتابع الحافظ على اصطلاحه كثير مما جاء بعده، كالسيوطي. انظر: "تدريب الراوي" (2/195، 386) ، والمناوي في شرح النخبة (2/431) ، والقاري في شرحها أيضاً. قال: " وابن الصلاح وغيره سمي القسمين محرفاً ولا مشاحة في الاصطلاح، والفرق أدق عند أرباب الفلاح ". ولم يستعمل الحافظ ابن حجر هذا التفريق في كتاب آخر من كتبه، بل رادف بينهما في كثير من المواضع، فمن ذلك: ما جاء في "الإصابة" (1/219) في ترجمة جاهمة السلمي قال: " وقال ابن لهيعة عن يونس بن يزيد عن ابن إسحاق بهذا الإسناد، لكن حرف اسم الصحابي ونسبته، قال: عن جهم الأسلمي " انتهى. وفي موضع آخر من "الإصابة" (1/270) قال: " صحف ابن لهيعة اسمه ونسبته، وإنما هو جاهمة السلمي " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 100266 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 247 حديث طويل مكذوب في سياق قصة موت النبي صلى الله عليه وسلم [السُّؤَالُ] ـ[أفيدونا عن صحة الحديث المروي في "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد" عن جابر في قوله: (إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً) قال: لما نزلت على محمد صلى الله عليه وسلم قال: " يا جبريل نفسي قد نعيت ". قال جبريل عليه السلام: (وللآخرة خير لك من الأولى ولسوف يعطيك ربك فترضى) ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً أن ينادي بـ (الصلاة جامعة) ، فاجتمع المهاجرون والأنصار، ثم صلى بهم عليه الصلاة والسلام، ثم صعد المنبر، فحمد الله عز وجل، وأثنى عليه، ثم خطب خطبة وجلت منها القلوب، وبكت منها العيون، ثم قال: أيها الناس! أي نبي كنت لكم؟ قالوا: جزاك الله من نبي خيراً، كنت لنا كالأب الرحيم، وكالأخ الناصح الشفيق، أديت رسالات الله عز وجل، وأبلغتنا وحيه، ودعوت إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، فجزاك الله عنا أفضل ما جازى نبياً عن أمته ..... ، فذكر الحديث بطوله) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث الطويل يرويه الإمام الطبراني في "المعجم الكبير" (3/58) وعنه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (4/74) ومن طريقه ابن الجوزي في "الموضوعات" (1/295) قال: حدثنا محمد بن أحمد بن البراء ثنا عبد المنعم بن إدريس بن سنان عن أبيه عن وهب بن منبه: عن جابر بن عبد الله وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما به. قال الهيثمي بعد إيراده هذا الحديث (8/605) : " رواه الطبراني، وفيه عبد المنعم بن إدريس: وهو كذاب وضاع " انتهى. وقال ابن الجوزي في "الموضوعات" (1/301) : " هذا حديث موضوع محال، كافأ الله من وضعه، وقبَّح من يشين الشريعة بمثل هذا التخليط البارد، والكلام الذى لا يليق بالرسول صلى الله عليه وسلم ولا بالصحابة. والمتهم به عبد المنعم بن إدريس: قال أحمد بن حنبل: كان يكذب على وهب. وقال يحيى: كذاب خبيث. وقال ابن المدينى وأبو داود: ليس بثقة. وقال ابن حبان: لا يحل الاحتجاج به. وقال الدارقطني: هو وأبوه متروكان." انتهى. وكذا ذكره في الموضوعات السيوطي في "اللآلئ المصنوعة" (1/257) وابن عراق في "تنزيه الشريعة" (1/330) والشوكاني في "الفوائد المجموعة" (324) وقد احتوى هذا الحديث المكذوب جملا من الأمور: 1- فيه ذكر قصة وفاته صلى الله عليه وسلم واستئذان ملك الموت عليه، وذكر تفاصيل غير ثابتة في تلك الحادثة العظيمة، ومن المعلوم لدى أهل العلم أن قصة وفاة النبي صلى الله عليه وسلم من أكثر المواضيع التي كذب فيها الكذابون، وتناقل الناس فيها أشياء لا تثبت. يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله "البداية والنهاية" (5/256) : " وقد ذكر الواقدي وغيره في الوفاة أخبارًا كثيرةً فيها نكارات وغرابة شديدة، أضربنا عن أكثرها صفحا لضعف أسانيدها، ونكارة متونها، ولا سِيَّما ما يورده كثير من القُصَّاص المتأخرين وغيرهم، فكثير منه موضوع لا محالة، وفي الأحاديث الصحيحة والحسنة المروية في الكتب المشهورة غُنيةٌ عن الأكاذيب وما لا يعرف سنده، والله أعلم " انتهى. ولم يصح في استئذان ملك الموت على النبي صلى الله عليه وسلم لقبض روحه أي حديث وأي خبر، وكل ما ورد في ذلك إما منكر أو موضوع، وانظر جواب السؤال رقم (71400) 2- أما قصة طلب عكاشة القصاص من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد جاء ما يشبهها من طريق صحيح؛ لكن فيها أن الذي طلب القصاص هو أسيد بن حضير رضي الله عنه، فقد روى عبد الرحمن بن أبي ليلى عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ قَالَ: (بَيْنَمَا هُوَ – يعني أسيد بن حضير - يُحَدِّثُ الْقَوْمَ - وَكَانَ فِيهِ مِزَاحٌ - بَيْنَا يُضْحِكُهُمْ، فَطَعَنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَاصِرَتِهِ بِعُودٍ. فَقَالَ: أَصْبِرْنِي. فَقَالَ: اصْطَبِرْ. قَالَ: إِنَّ عَلَيْكَ قَمِيصًا وَلَيْسَ عَلَيَّ قَمِيصٌ. فَرَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَمِيصِهِ، فَاحْتَضَنَهُ وَجَعَلَ يُقَبِّلُ كَشْحَهُ، قَالَ: إِنَّمَا أَرَدْتُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ) رواه أبو داود (5224) ومن طريقه البيهقي في "السنن الكبرى" (7/102) ، ورواه الطبراني في "المعجم الكبير" (1/205) والحاكم في "المستدرك" (3/327) وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (9/76) . وهذا الحديث سنده صحيح، صححه الحاكم وكذا الذهبي، وصححه الألباني في صحيح أبي داود. جاء في "عون المعبود" (14/90) : " (فطعنه النبي صلى الله عليه وسلم) أي ضربه على سبيل المزاح (فقال) أي أسيد (أصبرني) أي: أقدرني ومكني من استيفاء القصاص حتى أطعن في خاصرتك كما طعنت في خاصرتي. (اصطبر) أي: استوف القصاص. (فاحتضنه) أي اعتنقه وأخذه في حضنه وهو ما دون الإبط إلى الكشح. (وجعل يقبل كشحه) هو ما بين الخاصرة إلى الضلع الأقصر من أضلاع الجنب. (قال إنما أردت هذا) أي: ما أردت بقولي أصبرني إلا هذا التقبيل، وما أردت حقيقة القصاص " انتهى. 3- وفي الحديث جمل منكرة شنيعة: منها: (فإن أول من يصلي علي الرب عز وجل من فوق عرشه) وهل يصلي الله على الناس صلاة الجنازة؟! هذا من شنيع كذب الوضاعين. ومنها قوله: (فلما بلغ الروح الركبتين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوه. فلما بلغ الروح السرة نادى النبي صلى الله عليه وسلم: واكرباه. فلما بلغ الروح إلى الثندؤة نادى النبي صلى الله عليه وسلم: يا جبريل! ما أشد مرارة الموت) ووجه النكارة أن فيه إشعارا بتسخط النبي صلى الله عليه وسلم وجزعه عند الموت، وحاشاه من ذلك. ومنها قوله: (فكبرنا بتكبير جبريل عليه السلام، وصلينا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بصلاة جبريل عليه السلام) ولا يعرف أن الملائكة تؤم المسلمين وتصلي بهم، إنما هذا من منكر ما يرويه الرواة المتهمون. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 100100 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 248 حديث موضوع في ذكر سبب تشريع الصلوات الخمس [السُّؤَالُ] ـ[ما مدى صحة هذا الحديث: روي عن علي رضي الله عنه قال: (بينما كان الرسول صلى الله عليه وسلم جالسا بين الأنصار والمهاجرين، أتى إليه جماعة من اليهود، فقالوا له: يا محمد! إنا نسألك عن كلمات أعطاهن الله تعالى لموسى بن عمران، لا يعطيها إلا لنبي مرسل أو لملك مقرب. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سلوا. فقالوا: يا محمد! أخبرنا عن هذه الصلوات الخمس التي افترضها الله على أمتك؟ فقال النبي عليه أفضل الصلاة والسلام: صلاة الفجر: فإن الشمس إذا طلعت تطلع بين قرني الشيطان، ويسجد لها كل كافر من دون الله، فما من مؤمن يصلي صلاة الفجر أربعين يوما في جماعة إلا أعطاه الله براءتين، براءة من النار وبراءة النفاق. قالوا: صدقت يا محمد! أما صلاة الظهر: فإنها الساعة التي تسعر فيها جهنم، فما من مؤمن يصلي هذه الصلاة إلا حرم الله تعالى عليه لفحات جهنم يوم القيامة. أما صلاة العصر: فإنها الساعة التي أكل فيها آدم عليه السلام من الشجرة، فما مؤمن يصلي هذه الصلاة إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه. وأما صلاة المغرب: فإنها الساعة التي تاب فيها الله تعالى على آدم عليه السلام، فما من مؤمن يصلي هذه الصلاة محتسبا ثم يسأل الله تعالى شيئا إلا أعطاه إياه. وأما صلاة العشاء: فإن للقبر ظلمة، ويوم القيامة ظلمة، فما من مؤمن مشى في ظلمة الليل إلى صلاة العتمة إلا حرم الله عليه وقود النار، ويعطى نورا يجوز به على الصراط، فإنها الصلاة التي صلاها المرسلون قبلي، ثم تلا قوله تعالى: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) وجزاكم الله كل خير عنا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله بعد النظر والبحث في هذا الحديث تبين أنه مكذوب موضوع على النبي صلى الله عليه وسلم، ولا تصح نسبته إليه بحال من الأحوال، وعلى ذلك مجموعة من الأدلة: 1- لم نجد هذا الحديث في شيء من الكتب المسندة، وإنما يتناقله من يرويه من الناس من غير إسناد، ومن المعلوم من شريعتنا وجوب رد كل حديث لم يذكره علماء الحديث بإسناده الصحيح. 2- ومن أمارات الوضع الظاهرة أننا وقفنا على الحديث مذكورا في كتاب أبي الليث السمرقندي، المتوفى سنة (375هـ) ، واسم كتابه هو "تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين" في (ص/264-265) وقد نص أهل العلم على أن كتابه هذا هو من مظان الأحاديث المكذوبة والمصنوعة، فقد عدَّه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتاب "تلخيص الاستغاثة" (1/73) في ضمن المصنِّفين الذين " لا يعرفون الصحيح من السقيم، ولا لهم خبرة بالمروي المنقول، ولا لهم خبرة بالرواة النقلة، بل يجمعون فيما يروون بين الصحيح والضعيف، ولا يميزون بينهما "، ويقول الإمام الذهبي في ترجمته في "سير أعلام النبلاء" (16/323) : " وتَرُوج عليه الأحاديث الموضوعة " انتهى. 3- ومن وجوه النكارة فيه أيضا: قوله عن صلاة الظهر بأنها الساعة التي تسعر فيها جهنم، والثابت أن ساعة تسعير جهنم هي قبيل الزوال – قبيل الظهر – فإذا دخل وقت الظهر دخلت ساعة الرحمة. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ بَعْدَ الزَّوَالِ أَرْبَعًا، وَيَقُولُ: إِنَّ أَبْوَابَ السَّمَاءِ تُفْتَحُ فَأُحِبُّ أَنْ أُقَدِّمَ فِيهَا عَمَلًا صَالِحًا) رواه أحمد (3/411) حسنه ابن حجر في "نتائج الأفكار" (3/6) والشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (3404) ومحققو المسند. ومنها: مخالفته ما جاء في الأحاديث الصحيحة أن اجتماع الصلوات الخمس هو من خصائص أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ولم تكن فرضت على الأنبياء من قبله، وإن كان خالف في ذلك بعض أهل العلم، لكن هذا هو الصحيح إن شاء الله، وقد بوب السيوطي في "الخصائص الكبرى" (2/303) : " باب اختصاصه صلى الله عليه وسلم بمجموع الصلوات الخمس، ولم تجمع لأحد، وبأنه أول من صلى العشاء ولم يصلها نبي قبله " وذكر تحته مجموعة من الأحاديث، منها: عن مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال: (أَعْتِمُوا بِهَذِهِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّكُمْ قَدْ فُضِّلْتُمْ بِهَا عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ، وَلَمْ تُصَلِّهَا أُمَّةٌ قَبْلَكُمْ) رواه أبو داود (421) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. 4- ومن قرائن ضعف الحديث ما فيه من تحديد ساعة أكل آدم من الشجرة، والساعة التي تاب الله فيها عليه، ومثل هذه التفصيلات تشبه ما ترويه الإسرائيليات والأخبار المنقولة عن أهل الكتاب، وذلك يرجح كون الخبر مأخوذا عنها. فالحاصل أن هذا الخبر كذب لا أصل له، فلا تجوز روايته ولا نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، كما لا يجوز تناقله في المواقع والمنتديات. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 99693 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 249 النوم بعد العصر وحديث (عجبت لمن عام ونام بعد العصر) [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك حديت نبوي يقول: (عجبت لمن عام ونام بعد العصر) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لم يصح في أمر النوم بعد العصر، مدحا أو ذما، حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه، والحديث الذي يذكره السائل الكريم غير مروي في الكتب المسندة، ولم يذكره أحد من أهل العلم، فهو حديث مكذوب لا أصل له، فلا يجوز اعتقاد صحته، ولا تجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الكذب عليه صلى الله عليه وسلم من كبائر الذنوب. ثانيا: ومن الأحاديث المكذوبة المشتهرة على ألسنة الناس في شأن ذم النوم بعد العصر، حديث: (من نام بعد العصر فاختلس عقله فلا يلومن إلا نفسه) قال الألباني في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (1/112/حديث رقم 39) : " ضعيف. أخرجه ابن حبان في "الضعفاء والمجروحين" (1 / 283) من طريق خالد بن القاسم عن الليث بن سعد عن عقيل عن الزهري عن عروة عن عائشة مرفوعا. أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (3 / 69) وقال: لا يصح، خالد كذاب، والحديث لابن لهيعة فأخذه خالد ونسبه إلى الليث. قال السيوطي في " اللآليء " (2 /150) : قال الحاكم وغيره: كان خالد يدخل على الليث من حديث ابن لهيعة، ثم ذكره السيوطي من طريق ابن لهيعة فمرة قال: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا. ومرة قال: عن ابن شهاب عن أنس مرفوعا. وابن لهيعة ضعيف من قبل حفظه. وقد رواه على وجه ثالث، أخرجه ابن عدي في " الكامل " (ق 211/1) والسهمي في "تاريخ جرجان" (53) عنه عن عقيل عن مكحول مرفوعا مرسلا. أخرجاه من طريق مروان، قال: قلت لليث بن سعد - ورأيته نام بعد العصر في شهر رمضان - يا أبا الحارث! مالك تنام بعد العصر وقد حدثنا ابن لهيعة..؟ فذكره قال الليث: لا أدع ما ينفعني بحديث ابن لهيعة عن عقيل! ثم رواه ابن عدي من طريق منصور بن عمار حدثنا ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. والحديث رواه أبو يعلى وأبو نعيم في " الطب النبوى " (12/2 نسخة السفرجلاني) عن عمرو بن حصين عن ابن علاثة عن الأوزاعي عن الزهري عن عروة عن عائشة مرفوعا. وعمرو بن الحصين هذا كذاب كما قال الخطيب وغيره، وهو راوي حديث العدس وهو: (عليكم بالقرع فإنه يزيد في الدماغ، وعليكم بالعدس فإنه قدس على لسان سبعين نبيا) وهو حديث موضوع " انتهى كلام الشيخ الألباني رحمه الله. ثالثا: أما حكم النوم بعد العصر فقد جاء فيه قولان عن أهل العلم: الأول: الكراهة، وقد نص عليه كثير من الفقهاء في كتب الفقه، وبعضهم يستدل عليه بالحديث السابق، المشار إلى ضعفه، وبعضهم يستدل عليه ببعض الآثار السلفية، والتجربة الطبية. جاء عن خَوَّات بن جبير من الصحابة أنه قال عن النوم بعد آخر النهار إنه حُمق. وجاء عن مكحول من التابعين أنه كان يكره النوم بعد العصر، ويخاف على صاحبه من الوسواس. انظر "مصنف ابن أبي شيبة" (5/339) ونقل المروذي قال: سمعت أبا عبد الله – يعني الإمام أحمد بن حنبل – يكره للرجل أن ينام بعد العصر، يخاف على عقله. نقله ابن مفلح في "الآداب الشرعية" (3/159) وابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (1/22) قال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" (4/219) : " ونوم النهار رديء يورث الأمراض الرطوبية والنوازل، ويفسد اللون ويورث الطحال ويرخي العصب، ويكسل ويضعف الشهوة، إلا في الصيف وقت الهاجرة. وأردؤه نوم أول النهار، وأردأ منه النوم آخره بعد العصر. ورأى عبد الله بن عباس ابنا له نائما نومة الصبحة فقال له: قم أتنام في الساعة التي تقسم فيها الأرزاق؟ ... قال بعض السلف: من نام بعد العصر فاختلس عقله فلا يلومن إلا نفسه " انتهى. وانظر "مطالب أولي النهى" (1/62) ، "غذاء الألباب" (2/358) ، "كشاف القناع" (1/79) ، "الآداب الشرعية" ابن مفلح (3/159) ، "أدب الدنيا والدين" (355-356) ، "شرح معاني الآثار" (1/99) الثاني: هو الجواز، لأن الأصل هو الإباحة، ولم يرد النهي عنه في حديث صحيح، والأحكام الشرعية تؤخذ من الأحاديث الصحيحة، لا من الأحاديث الضعيفة فضلا عن المكذوبة، ولا من آراء الناس. يقول الشيخ الألباني رحمه الله في "السلسلة الضعيفة" (حديث رقم/39) بعد أن أورد عن الليث بن سعد الفقيه المصري المعروف، إنكاره النهي عن نومة العصر، وقوله لمن سأله: مالك تنام بعد العصر؟ لا أدع ما ينفعني بحديث ابن لهيعة عن عقيل – علق على ذلك الشيخ رحمه الله قائلا: " ولقد أعجبني جواب الليث هذا، فإنه يدل على فقه وعلم، ولا عجب، فهو من أئمة المسلمين، والفقهاء المعروفين، وإني لأعلم أن كثيرا من المشايخ اليوم يمتنعون من النوم بعد العصر، ولو كانوا بحاجة إليه، فإذا قيل له: الحديث فيه ضعيف، أجابك على الفور: يعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال! فتأمل الفرق بين فقه السلف، وعلم الخلف! " انتهى. وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (26/148) : " سمعت من أناس تحريم النوم بعد العصر، هل ذلك صحيح؟ فجاء الجواب: " النوم بعد العصر من العادات التي يعتادها بعض الناس، ولا بأس بذلك، والأحاديث التي في النهي عن النوم بعد العصر ليست بصحيحة " انتهى. وهذا القول هو الراجح، لعدم صحة النهي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأما ما جاء عن السلف من الآثار التي تنهى عن نومة العصر، فهي محمولة على الكراهة من جهة الطب لا من جهة الشرع، يعني لما اشتهر عند العرب قديما وبين بعض الأطباء الأوائل أن النوم بعد العصر غير صحي، وقد يؤدي إلى إضرار في البدن، فكرهوا للإنسان النوم بعد العصر كي لا يضر نفسه، من غير نسبة ذلك إلى السنة والتشريع. فيرجع في الأمر إلى الطب، فإن ثبت من جهته الضرر والأذى، كره للمرء أن يضر نفسه، وأما الشرع فلم يثبت فيه النهي عن ذلك ابتداء. وانظر جواب السؤال رقم (2063) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 99699 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 250 حديث (يا علي! لا تنم حتى تأتي بخمسة أشياء) لا يصح [السُّؤَالُ] ـ[قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا علي! لا تنم حتى تأتي بخمسة أشياء هي: 1- قراءة القرآن الكريم كله. 2- التصدق بأربعة آلاف درهم. 3- زيارة الكعبة المشرفة. 4- حفظ مكانك في الجنة. 5- إرضاء الخصوم. فقال علي رضي الله عنه وأرضاه: وكيف يا رسول الله؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: أما تعلم يا علي أنك: 1- إذا قرأت (قل هو الله أحد) ثلاث مرات كأنك قرأت القرآن كله. 2- إذا قرأت (سورة الفاتحة) أربع مرات كأنك تصدقت بأربعة آلاف درهم. 3- إذا قلت (لا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير) عشر مرات فقد زرت الكعبة المشرفة. 4- إذا قلت (لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) عشر مرات فقد حفظت مكانك في الجنة. 5- إذا قلت (أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم , وأتوب إليه) عشر مرات فقد أرضيت الخصوم. سمعت أن هذا الحديث باطل، وأنا اعتقادي أنه صحيح، وأرجو الإفادة. وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله جاء في "مجموع فتاوى ابن باز" (26/328-330) : " نشرة تتضمن أحاديث مكذوبة: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد أجاب عنها سماحته بتاريخ 25 1 1414 هـ: فقد اطلعت على نشر ة مصدرة بما نصه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا علي لا تنم إلا أن تأتي بخمسة أشياء وهي قراءة القرآن كله، والتصدق بأربعة آلاف درهم، وزيارة الكعبة، وحفظ مكانك في الجنة، وإرضاء الخصوم، قال علي: وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما تعلم أنك: إذا قرأت سورة الإخلاص الآية 1 قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ثلاث مرات فقد قرأت القرآن كله قرأت الفاتحة أربع مرات فقد تصدقت بأربعة آلاف درهم، وإذا قلت: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير عشر مرات فقد زرت الكعبة، وإذا قلت: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم عشر مرات فقد حفظت مكانك في الجنة، وإذا قلت: أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه عشر مرات فقد أرضيت الخصوم) ولكون ما تضمنته هذه النشرة لم يرد في كتاب من كتب الحديث المعتمدة، بل هو من الأحاديث الموضوعة المكذوبة على الرسول صلى الله عليه وسلم.. ولذلك فإني أحذر إخواني المسلمين من الاغترار بهذا الحديث وأمثاله من الأخبار الموضوعة أو العمل على طبعها أو نشرها بين المسلمين لما في ذلك من تضليل العامة والتلبيس عليهم والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي وعد المتعمد له بالوعيد العظيم، كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (إن كذبا علي ليس ككذب على غيري، من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) صحيح البخاري (1229) , صحيح مسلم مقدمة (4) وقال: (من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين) صحيح مسلم مقدمة (1) وفي الأخبار الصحيحة عن الرسول صلى الله عليه وسلم المدونة في كتاب الحديث المعتمدة من الصحاح والسنن والمسانيد غنية لمن وفقه الله إلى الخير عن اللجوء إلى أخبار الكذابين والوضاعين، أسأل الله أن يرزق الجميع العلم النافع والعمل الصالح ويجنب الجميع طرق الضلال والانحراف إنه سميع قريب، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. مفتي عام المملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء. وقد سبقت الإجابة على هذا الحديث في جواب السؤال رقم (30765) جاء فيها نقلان في تضعيف هذا الحديث: عن الشيخ ابن عثيمين وعن اللجنة الدائمة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 99606 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 251 أصحاب الكتب الستة [السُّؤَالُ] ـ[من هم أصحاب الكتب الستة وهل يوجد في كتبهم أحاديث ضعيفة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أصحاب الكتب الستة هم: 1- الإمام البخاري 2- الإمام مسلم 3- الإمام أبو داود 4- الإمام الترمذي 5 – الإمام النسائي 6 – الإمام ابن ماجه وإليك تعريفا موجزا بكل واحد منهم: أولاً: الإمام البخاري وهو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بَردِزبَة الجعفي البخاري، كان جده المغيرة مولى لليمان الجعفي والي بخارى، فانتسب إليه بعد إسلامه. ولد ببخارى سنة 194 هـ ونشأ يتيما وأخذ يحفظ الحديث وهو دون العاشرة ولما شب قام برحلة فقصد مكة وأدى فريضة الحج وبقي في مكة زمنا يتلقى العلم على أئمة الفقه والأصول والحديث, ومن ثَم بدأ يرحل ويتنقل من صقع إسلامي إلى آخر على مدى ست عشرة سنة كاملة , طاف فيها بكثير من حواضر العلم يجمع فيها أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم حتى جمع ما يزيد على 600.000 حديث ورجع إلى ألف محدث وناقشهم فيها وكانوا ممن عُرفوا بالصدق والتقوى وصحة العقيدة , ومن هذه الجملة الكبيرة من الأحاديث انتقى كتابه الصحيح متبعا في بحثه عن صحتها أدق الأساليب العلمية , في البحث والتنقيب وتمييز الصحيح من السقيم، وانتقاء الرواة حتى أودع كتابه أصح الصحيح، ولم يستوعب كل الصحيح. واسماه (الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه) . وأراد أمير بخارى أن يأتي البخاري إلى بيته ليعلّم أولاده ويُسمعهم الحديث , فامتنع البخاري وأرسل إليه: " في بيته يؤتى العلم" أي أن العلم يؤتى ولا يأتي ومن أراد العلماء فليذهب إليهم في المسجد والبيوت، فحقد عليه وأمر بإخراجه من بخارى , فنزح إلى قرية (خرتنك) القريبة من (سمرقند) وفيها له أقارب , فأقام فيها إلى أن مات سنة 256 هـ عن 62 عاما. رحمه الله رحمة واسعة. ثانياً: الإمام مسلم وهو مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري أبو الحسين. أحد الأئمة من حفاظ الحديث, ومن أعلام المحدثين , ولد بنيسابور يوم وفاة الإمام الشافعي سنة 204هـ , وطلب العلم في نيسابور ولما شب رحل في طلب الحديث إلى العراق والحجاز, وسمع من شيوخ كثيرين, وروى عنه كثيرون من رجال الحديث. أشهر كتبه: صحيحه المعروف بصحيح مسلم, وهو أحد الكتب الستة المعتمدة في الحديث استغرق في تأليفه ما يقرب من خمس عشرة سنة, وصحيحه يلي صحيح البخاري في المكانة وقوة الأحاديث.وقد شرح صحيحه كثير من العلماء. ومن كتبه كتاب الطبقات وكتاب الجامع وكتاب الأسماء, وغيره من مطبوع ومخطوط. توفي في مدينة نصر آباد , قرب نيسابور سنة 261 هـ عن 57 عاما. رحمه الله رحمة واسعة. ثالثاً: الإمام أبو داود وهو سليمان بن الأشعث بن شداد بن عمرو بن إسحاق بن بشير الأزدي السجستاني, نسبة إلى سجستان. أبو داود. إمام أهل الحديث في عصره. صاحب كتاب السنن في الحديث, وهو أحد الكتب الستة المعتمدة. ولد سنة (202) ورحل إلى بغداد وتفقه بالإمام أحمد بن حنبل ولازمه وكان يشبهه, ورحل إلى الحجاز والعراق وخراسان والشام ومصر والثغور, وروى عنه النسائي والترمذي وغيرهما. كان في الدرجة العليا من النسك والصلاح. جمع في كتابه السنن ما يقرب من (5300) حديث. وقد طلب منه الأمير أبو أحمد طلحة (الموفق العباسي) أن يلبي له ثلاث خلال: أولها أن ينتقل إلى البصرة فيتخذها وطنا له لترحل إليه طلبة العلم فتعمر البلد به. وثانيها أن يروي لأولاده السنن , وثالثها أن يفرد لأولاده مجلسا خاصا , فإن أولاد الخلفاء لا يجلسون مع العامة. فقال له داود: أما الأولى فنعم والثانية فنعم وأما الثالثة فلا سبيل إليها , لأن الناس في العلم سواء , فكان أولاد الموفق العباسي يحضرون ويجلسون وبينهم وبين العامة ستر. استقر بالبصرة وبها توفي سنة 275 هـ عن 73 سنة. رحمه الله رحمة واسعة. رابعاً: الإمام الترمذي وهو محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاك السلمي الترمذي. أبو عيسى. من أهل (ترمذ) إحدى بلاد ما وراء النهر وإليها نسبته. أحد أئمة الحديث والحفاظ. ولد سنة (209) وتتلمذ على البخاري وشاركه في بعض شيوخه. قام في طلب الأحاديث برحلة إلى خراسان والعراق والحجاز. اشتهر بالحفظ والأمانة والعلم. من شيوخه أحمد ابن حنبل وأبو داود السجستاني. صنف (الجامع) المعدود من كتب الحديث الستة المعتمدة, جمع فيه فنونا من علل الحديث التي تفيد الفقيه , فإنه يذكر الحديث وغالبه في أحكام الفقه , فيذكر أسانيده ويعدد الصحابة الذين رووه ويُصَحِّحُ ما صَح عنده ويُضَعف ما ضُعف , ويبين من أخذ بالحديث من الفقهاء ومن لم يأخذ, فجامعه أجمع السنن وأنفعها للمحدث والفقيه. من تصانيفه أيضا كتاب الشمائل النبوية , والعلل في الحديث. عاش شطرا من حياته الأخيرة ضريرا بعد أن طاف في البلاد يجمع الروايات الصحيحة من أهل التثبت. توفي سنة (279) هـ عن 70 عاما. رحمه الله رحمة واسعة. خامساً: الإمام النسائي وهو أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر بن دينار النسائي. أبو عبد الرحمن. أصله من مدينة (نسا) بخراسان وإليها نسبته, وينسب إليها (نسوي) و (نسائي) . ولد سنة 215 هـ وكان أحد أعلام الدين،وأركان الحديث إمام أهل عصره ومقدمهم وعمدتهم. وجرحه وتعديله معتبر عند العلماء. قال الحاكم: سمعت أبا الحسن الدارقطني غير مرة يقول: أبو عبد الرحمن مقدم على كل من يذكر بعلم الحديث، وبجرح الرواة وتعديلهم في زمانه. وكان في غاية الورع والتقى، وكان يواظب على أفضل الصيام (صيام داود) فكان يصوم يوماً ويفطر يوماً. سكن بمصر وانتشرت بها تصانيفه، وأخذ عنه الناس ثم انتقل إلى دمشق وتوفي يوم الاثنين الثالث عشر من شهر صفر سنة (300) عن 85 سنة. رحمه الله رحمة واسعة. سادساً: الإمام ابن ماجه وهو محمد بن يزيد الربعي القزويني. أبو عبد الله. كان أبوه يزيد يعرف بـ (ماجة) فعرف بابن ماجة. و (الربعي) نسبة لربيعة التي ينتسب إليها بالولاء الحافظ المشهور مصنف كتاب السنن في الحديث ولد في (قزوين) وإليها نسبته. سنة (209) ، وارتحل إلى العراق والبصرة والكوفة وبغداد ومكة والشام ومصر والري لكتابة الحديث. صنف في رحلته ثلاثة كتب: كتاب في التفسير, وكتاب في التاريخ وفيه دَوَّن أخبار الرجال الذين دونوا السنة من عصر الصحابة إلى عصره وكتاب السنن. توفي ابن ماجة في يوم الاثنين الثاني والعشرين من رمضان سنة ثلاث وسبعين ومائتين،عن 64 عاما. رحمه الله رحمة واسعة. حكم الأحاديث التي في هذه الكتب: أما صحيحا البخاري ومسلم فقد تلقت الأمة ما جاء فيهما من الأحاديث بالقبول، وأجمعوا على صحة كل ما فيهما إلا ألفاظاً يسيرة جدا أخرجها البخاري ومسلم ليبينوا عِلَّتها إما تصريحا أو تلميحا كما نبه على ذلك العلماء المحققون الدارسون لهذين الكتابين، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وأما سائر كتب السنن فإنها لا تخلو من وجود أحاديث ضعيفة في ثناياها،بعضها نبه عليها صاحب الكتاب، وبعضها بيّنها غيره من العلماء، ولم يحرصوا رحمهم الله على بيان جميع الضعيف لأنهم أوردوا الأحاديث بالأسانيد، فيسهل معرفة الصحيح من الضعيف على أهل العلم بمراجعة رجال السند ومعرفة حالهم من الثقة والضعف. ومن العلماء المشهورين في هذا الشأن أحمد والدارقطني ويحيى بن معين وابن حجر والذهبي والواقي والسخاوي ومن المعاصرين الألباني وأحمد شاكر وغيرهم رحمة الله على الجميع، والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 21523 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 252 الدعاء الذي أنقذ الصحابي من اللص، وفيه (يا ودود! يا ذا العرش المجيد!) [السُّؤَالُ] ـ[أود أن أتبين درجة هذه الأحاديث؛ لأنها تصلني على البريد الإلكتروني ولا أعلم صحتها: اقرأه 3 مرات والله يستجيب بإذن الله: (يا ودود يا ودود، يا ذا العرش المجيد، يا مبدئ يا معيد، يا فعالا لما يريد، أسألك بنور وجهك الذي ملأ أركان عرشك، وأسألك بقدرتك التي قدرت بها على جميع خلقك، وأسألك برحمتك التي وسعت كل شيء، لا إله إلا أنت، يا مغيث أغثني، ثلاث مرات) ]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الدعاء المذكور ورد في حديث له قصة مشهورة منتشرة في المنتديات، لعل من المناسب ذكرها حتى يتبين أمرها: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار يكنى (أبا معلق) ، وكان تاجراً يتجر بماله ولغيره يضرب به في الآفاق، وكان ناسكا ورعا، فخرج مرة فلقيه لص مقنع في السلاح، فقال له: ضع ما معك فإني قاتلك، قال: ما تريد إلى دمي! شأنك بالمال، فقال: أما المال فلي، ولست أريد إلا دمك، قال: أمَّا إذا أبيت فذرني أصلي أربع ركعات؟ قال: صلِّ ما بدا لك، قال: فتوضأ ثم صلَّى أربع ركعات، فكان من دعائه في آخر سجدة أن قال: (يا ودود! يا ذا العرش المجيد! يا فعَّال لما يريد! أسألك بعزك الذي لا يرام، وملكك الذي لا يضام، وبنورك الذي ملأ أركان عرشك، أن تكفيني شرَّ هذا اللص، يا مغيث أغثني! ثلاث مرار) قال: دعا بها ثلاث مرات، فإذا هو بفارس قد أقبل بيده حربة واضعها بين أذني فرسه، فلما بصر به اللص أقبل نحوه فطعنه فقتله، ثم أقبل إليه فقال: قم، قال: من أنت بأبي أنت وأمي فقد أغاثني الله بك اليوم؟ قال: أنا ملَكٌ من أهل السماء الرابعة، دعوت بدعائك الأول فسمعت لأبواب السماء قعقعة، ثم دعوت بدعائك الثاني فسمعت لأهل السماء ضجة، ثم دعوت بدعائك الثالث فقيل لي: دعاء مكروب، فسألت الله تعالى أن يوليني قتله. قال أنس رضي الله عنه: فاعلم أنه من توضأ وصلى أربع ركعات ودعا بهذا الدعاء استجيب له مكروباً كان أو غير مكروب) . أخرجه ابنُ أبي الدنيا في " مجابي الدعوة " (64) و" الهواتف " (24) ، ومن طريقهِ أخرجه اللالكائي في " شرح أصولِ الاعتقاد " (5 / 166) وبوَّب عليه: " سياق ما روي من كراماتِ أبي معلق "، وأخرجه " أبو موسى المديني " – كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في " الإصابة " (7 / 379) في ترجمة " أبي معلق الأنصاري " ونقل عنه أنه أورده بتمامه في كتاب " الوظائف "، وكذا رواه عنه تلميذه ابن الأثير في " أسد الغابة " (6 / 295) -: جميعهم من طريق الكلبي يصله إلى أنس رضي الله عنه. وقد اضطرب فيه الكلبي واختلفت الرواية عنه: فمرة يرويه عن الحسن عن أنس – كما هي رواية ابن أبي الدنيا -. ومرة يرويه عن الحسن عن أبي بن كعب – كما ذكر ذلك ابن حجر في الإصابة عن سند أبي موسى المديني -. ومرة يرويه عن أبي صالح عن أنس – كما في رواية ابن الأثير عن أبي موسى المديني. قال الشيخ الألباني - رحمه الله -: وهذا إسناد مظلم ... الآفة إما من الكلبي المجهول، وإما ممن دونه، والحسن – وهو البصري – مدلس وقد عنعن، فالسند واهٍ. فمن الغريب أن يُذكر (أبو معلق) هذا في الصحابة، ولم يذكروا ما يدل على صحبته سوى هذا المتن الموضوع بهذا الإسناد الواهي! ولذلك – والله أعلم – لم يورده ابن عبد البر في " الاستيعاب "، وقال الذهبي في " التجريد " (2 / 204) : له حديث عجيب، لكن في سنده الكلبي، وليس بثقة، وهو في كتاب " مجابو الدعوة "، ويلاحظ القراء أنه قال في الكلبي: " ليس بثقة "، وفي هذا إشارة منه إلى أنه لم يلتفت إلى قوله في الإسناد: " وليس بصاحب التفسير "؛ لأن الكلبي صاحب التفسير هو المعروف بأنه ليس بثقة، وقد قال في " المغني ": " تركوه، كذَّبه سليمان التيمي، وزائدة، وابن معين، وتركه ابن القطان، وعبد الرحمن ". ومن الغرائب أيضاً: أن يَذكر هذه القصة ابن القيم في أول كتابه " الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي " من رواية ابن أبي الدنيا هذه، معلقا إياها على الحسن، ساكتاً عن إسنادها! . " السلسلة الضعيفة " (5737) قلت: وللكلبي متابعة من قبل مالك بن دينار، فقد أخرج القشيري في " الرسالة القشيرية " (2 / 85، 86 باب الدعاء) القصة بسياق مشابه فقال: أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن بشران ببغداد قال: حدثنا أبو عمرو عثمان بن أحمد المعروف بابن السماك قال: أخبرنا محمد بن عبد ربه الحضرمي قال: أخبرنا بشر بن عبد الملك قال: حدثنا موسى بن الحجاج قال: قال مالك بن دينار: حدثنا الحسن عن أنس بن مالك رضي الله عنه ... فذكر الحديث. لكنها متابعة غير صالحة، إذ في هذا السند علتان: الأولى: محمد بن عبد ربه الحضرمي: لم أقف له على ترجمة. الثانية: بشر بن عبد الملك الراوي عن موسى بن الحجاج: لم أعرفه أيضا، فكل مَن تُرجم لهم بهذا الاسم ثلاثة: 1. بشر بن عبد الملك الخزاعي مولاهم الموصلي، روى عن: غسان بن الربيع ومحمد بن سليمان لوين وجماعة، وروى عنه: الطبراني. " تاريخ الإسلام " الذهبي (أحدا سنة 300 هـ) . 2. بشر بن عبد الملك، أبو يزيد الكوفى نزيل البصرة، روى عن: عون بن موسى، وعبد الله بن عبد الرحمن بن إبراهيم الأنصاري، كتب عنه: أبو حاتم بالبصرة، وروى عنه: أبو زرعة، وسئل عنه فقال: شيخ. " الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم (2 / 362) . 3. بشر بن عبد الملك العتبي، يروى عن: يحيى بن سعيد الانصاري، روى عنه: أبو سعيد الأشج. " الثقات " لابن حبان (6 / 97) . وهم كما ترى لا يبدو أن أحداً منهم هو المذكور في الحديث. إلا أن الحافظ ابن ماكولا في " الإكمال " (5 / 101) ذكر راوياً عن موسى بن الحجاج باسم (بشران بن عبد الملك) فقال: وأما بشران: فهو بشران بن عبد الملك، أظنه موصليّاً، حدَّث عن موسى بن الحجاج بن عمران السمرقندى ببيسان عن مالك بن دينار. انتهى. فلعله هو المقصود، وتصحف اسمه في كتاب " القشيري " إلى " بشر ". أما ابن السماك فهو ثقة، ترجمته في "سير أعلام النبلاء" للذهبي (17 / 312) . وكذا مالك بن دينار (127 هـ) ترجمته في " تهذيب التهذيب " (10 / 15) . والخلاصة: أن القصة والدعاء لا يصحان بوجه من الوجوه، إلا أن جمل هذا الدعاء وعباراته ليس في شيء منها نكارة، بل كلماته صحيحة عظيمة تشهد لها نصوص من الكتاب والسنة، ولكن لا يعني ذلك لزوم نجاة من دعا بها، أو اعتقاد نصرة الله تعالى لمن ذكرها، فذلك متوقف على صحة السند به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وبما أن السند لم يصح: فلا ينبغي اعتقاد ذلك، ومن أحب أن يحفظ هذه الكلمات ويدعو بها دون أن ينسبها إلى الشرع: فلا حرج عليه إن شاء الله تعالى. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98821 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 253 بيان في شأن انتشار الأدعية المبتدعة [السُّؤَالُ] ـ[أود منكم نصيحة في قضية انتشرت في شبكة الإنترنت، وهي كتابة أحاديث موضوعة وأدعية مبتدعة في المنتديات وغيرها، مما لا نعلم فيها أهي صحيحة أو ضعيفة، مما زاد من تأثر الناس بها، وتداولها، وانتشارها، أيضا في رسائل الجوال. ومن هذا: أنني قرأت في أحدها..دعاء هز السماء: " يا ودود يا ودود، يا ذا العرش المجيد، يا مبدئ يا معيد، يا فعالا لما يريد، أسألك بنور وجهك الذي ملأ أركان عرشك، وأسألك بقدرتك التي قدرت بها على جميع خلقك، وأسألك برحمتك التي وسعت كل شيء، لا إله إلا أنت، يا مغيث أغثني " وبعدها قرأت بأنه مبتدع ولا يجوز، وأيضا هناك الكثير انتشر ... ماذا علينا أن نعمل إذا قرأنا مثل هذه الأحاديث في زمن كثرت فيه الفتن؟ أرجو منكم إسداء النصيحة لكي أنشرها بين المنتديات، ونحد من مثل هذه الأخطاء. لا تنسوا الدعاء لي بظهر الغيب، وأن يوفقني في دراستي، وأن يفرج همومنا، ويصلح ذرياتنا، ويجعلهم على الهدى ودين الحق، وأن يشفي مرضنا وعامة المسلمين. باركم الله فيكم، ونفع بعلمكم الإسلام والمسلمين، وجزاكم الله الفردوس الأعلى من الجنة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قد رأينا – وللأسف – في السنوات الأخيرة انتشارا خطيرا لمعصية شنيعة، هي من كبائر الذنوب، ومهلكات المعاصي، تهاون بها كثير من الناس، فأفسدوا بذلك في الدين، وتطاولوا على مقام الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، هذه الظاهرة تتمثل في انتشار الأحاديث المكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم، والجرأة العظيمة في التحديث عنه صلى الله عليه وسلم من غير تَحَرٍّ ولا تَثَبُّت. ولذلك كان لزاما علينا وعلى كل مسلم غيور على دينه أن نذكر الناس ونبلغهم خطورة ما يتساهلون به، ونحذرهم ما بلغ بهم الحال، نصحية لله ولرسوله ولعامة المسلمين. فنقول: أولا: إن واجبنا – أيها الإخوة الكرام – هو نصرة النبي صلى الله عليه وسلم، وتحقيق محبته بحسن اتباعه، والمحافظة على نقاء شريعته - في زمن تطاول فيه السفهاء والحاقدون على مقامه صلى الله عليه وسلم - ولا شك أن من أعظم ما يُنصر به الدين، ويُجَلُّ به الرسول الكريم هو الصدق في نقل أقواله وأخباره، ونفي الكذب الذي يحكى على لسانه، فإننا إذ نعلم أن لا أحد يَقبل أن يُحكى على لسانه ما لم يقل، أو ينقل عنه ما لم ينطق به، فما هو الظن برسولٍ يوحى إليه من عند الله تبارك وتعالى، وشريعتُه شريعة خالدة جاءت لتصلح أمر العباد إلى يوم القيامة، لا شك أنه صلى الله عليه وسلم أكثر الناس كراهية أن يُكذب عليه، ولذلك روى عنه المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه قال: (إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ، فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ) رواه مسلم في مقدمة صحيحه (رقم/4) وقد بوب الحافظ ابن حبان على حديث أبي هريرة بمعنى هذا الحديث بقوله (فصل: ذكر إيجاب دخول النار لمن نسب الشيء إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو غير عالم بصحته) ووالله إن المسلم ليعجب حين يجد في الناس من يتوقى جُهدَهُ الوقوعَ في المعاصي الظاهرة، من غش أو غيبة أو سرقة أو زنا، ثم يتساهل في هذا الأمر، يحسبه هينا وهو عند الله عظيم، فتجده يحفظ الأحاديث المكذوبة، ويحكيها في المجالس والمواقع، ولا يتكلف عناء السؤال عنها، ولا يتثبت من صحتها. ثانيا: ليعلمْ كل من نشر حديثا من غير تثبت من صحته – سواء برسالة في الجوالات، أو في منتديات (الإنترنت) ، أو نقله من موقع إلى آخر، أو أرفقه في رسالة – أنه يستحق بذلك العذاب والنكال في الآخرة، هو والذي كذب الحديث وصنعه أول مرة، فإن جرم الناقل للكذب من غير تثبت كجرم الكاذب الذي تجرأ على مقام الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى – أي: يظن - أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبَِيْنَ) رواه مسلم في مقدمة صحيحه (ص/7) . وقال النووي في شرح هذا الحديث "شرح مسلم" (1/65) : " فيه تغليظ الكذبِ والتعرضِ له، وأن من غلب على ظنه كذب ما يرويه فرواه كان كاذبا، وكيف لا يكون كاذبا وهو مخبر بما لم يكن " انتهى. ويقول الشيخ الألباني رحمه الله في "تمام المنة" (32-34) : " لقد جرى كثير من المؤلفين - ولا سيما في العصر الحاضر - على اختلاف مذاهبهم واختصاصاتهم على رواية الأحاديث المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم دون أن ينبهوا على الضعيفة منها، جهلا منهم بالسنة، أو رغبة، أو كسلا منهم عن الرجوع إلى كتب المتخصصين فيها. قال أبو شامة – في "الباعث على إنكار البدع والحوادث (ص/54) -: " وهذا عند المحققين من أهل الحديث وعند علماء الأصول والفقه خطأ، بل ينبغي أن يبين أمره إن علم، وإلا دخل تحت الوعيد في قوله صلى الله عليه وسلم: (من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين) رواه مسلم " اهـ هذا حكمُ من سكت عن الأحاديث الضعيفة في الفضائل! فكيف إذا كانت في الأحكام ونحوها!؟ واعلم أن من يفعل ذلك فهو أحد رجلين: 1 - إما أن يعرف ضعف تلك لأحاديث ولا ينبه على ضعفها، فهو غاش للمسلمين، وداخل حتما في الوعيد المذكور. قال ابن حبان في كتابه "الضعفاء" (1/7-8) : " في هذا الخبر دليل على أن المحدث إذا روى ما لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، مما تُقُوِّل عليه وهو يعلم ذلك، يكون كأحد الكاذبين، على أن ظاهر الخبر ما هو أشد قال صلى الله عليه وسلم: (من روى عني حديثا وهو يرى أنه كذب. .) ولم يقل: إنه تيقن أنه كذب، فكل شاك فيما يروي أنه صحيح أو غير صحيح داخل في ظاهر خطاب هذا الخبر ". 2 - وإما أن لا يعرف ضعفها، فهو آثم أيضا لإقدامه على نسبتها إليه صلى الله عليه وسلم دون علم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع) رواه مسلم في "مقدمة صحيحه" (رقم/5) فله حظ من إثم الكاذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه قد أشار صلى الله عليه وسلم أن من حدث بكل ما سمعه - ومثله من كتبه - أنه واقع في الكذب عليه صلى الله عليه وسلم لا محالة، فكان بسبب ذلك أحد الكاذِبَيْن: الأول: الذي افتراه. والآخر: هذا الذي نشره! قال ابن حبان أيضا (1/9) : " في هذا الخبر زجر للمرء أن يحدث بكل ما سمع حتى يعلم علم اليقين صحته " اهـ وقد صرح النووي بأن من لا يعرف ضعف الحديث لا يحل له أن يهجم على الاحتجاج به من غير بحث عليه بالتفتيش عنه إن كان عارفا، أو بسؤال أهل العلم إن لم يكن عارفا " انتهى النقل عن الشيخ الألباني رحمه الله. ثالثا: يعظم خطر ما يقع به هؤلاء الناس – الذين ينشرون الأحاديث من غير تثبت ولا تبين – حين ينتشر ما يفترونه في الآفاق، فيقرؤه (ملايين) البشر، وتتناقله الأجيال أزمنة طويلة، فيتحمل هو ومن ساعده في نشرها الإثم إلى يوم القيامة. عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي.. قَالَا: الَّذِي رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ فَكَذَّابٌ يَكْذِبُ بِالْكَذْبَةِ تُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الْآفَاقَ، فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) رواه البخاري (6096) رابعا: نحن لا نملك – إزاء كل هذا الوعيد – إلا أن نُذَكِّرَ أنفسنا وإخواننا المسلمين بتقوى الله في ديننا وشريعتنا، فلا نكون معاولَ هدم وإفساد، فإن انتشار الأحاديث المكذوبة من أعظم عوامل فساد الدين، وما هلك اليهود والنصارى إلا حين افتروا على الله ورسله الكذب، ونسبوا إلى شرائعهم ما لم تأت به الرسل، فاستحقوا بذلك غضب الله ومقته. فهل يريد هؤلاء المتساهلون في نشر الأحاديث من غير تثبت أن يلحقوا بمن غضب الله عليهم ولعنهم؟! وهل يرضى أحد أن يكون أداة تنشر ما يفسد، وعونا للزنادقة الذين يكذبون على شريعتنا ونبينا؟!! أم هل يسعى من يقوم بنشر الأحاديث من غير تثبت إلى التشبه بطوائف الكذب والضلال كالرافضة الذين ملؤوا الدنيا بكذبهم على النبي صلى الله عليه وسلم وآل بيته؟! وهل يعلم هؤلاء أن صلاتهم وصيامهم وعبادتهم - قد - لا تغني عنهم عند الله شيئا، ولا تدفع عنهم عار ذلك الكذب وإثمه، إن هم شاركوا في نشر هذه الأحاديث الباطلة؟! فرب معصية يتهاون بها صاحبها تهوي به في النار وتكون سببا في شقائه. يقول أبو الوفاء علي بن عقيل الحنبلي: " قال شيخنا أبو الفضل الهمداني: مبتدعة الاسلام والواضعون للأحاديث أشد من الملحدين؛ لأن الملحدين قصدوا إفساد الدين من خارج، وهؤلاء قصدوا إفساده من داخل، فهم كأهل بلد سعوا في إفساد أحواله، والملحدون كالمحاصرين من خارج، فالدخلاء يفتحون الحصن، فهو شر على الإسلام من غير الملابسين له " انتهى. نقلا عن "الموضوعات" لابن الجوزي (1/51) خامسا: وبعد ذلك كله يأتيك من يعتذر عن إفساده ونشره الأحاديث المكذوبة بقول: الأحاديث الضعيفة يؤخذ بها في فضائل الأعمال. ألا فليعلم أن هذا من تلبيس الشيطان، ومن الجهل المركب، يعتدي به قائله، ويتحمل به وزرا على وزر، فإن هذه القاعدة التي يذكرها بعض أهل العلم إنما يذكرونها مشروطة بشروط عدة، ليت من يأخذ بها يلتزم هذه الشروط، وهي: 1- أن يتعلق الحديث بفضائل الأعمال مما له أصل في الشريعة، وليس بالعقائد أو الأحكام أو الأخبار التي ينبني عليها فقه وعمل، بل وليس بفضائل الأعمال التي ليس لها أصل في الشريعة. 2- ألا يكون شديد الضعف: فالحديث الموضوع والمنكر لا يجوز روايته ولا العمل به باتفاق أهل العلم. 3- ألا يعتقد نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم. 4- أن يصرح من ينقل هذا الحديث بضعفه، أو يشير إلى ضعفه باستعمال صيغة التمريض: يُروَى، ويُذكَرُ..ونحو ذلك. (هذه الشروط مستخلصة من كلام الحافظ ابن حجر في "تبيين العجب" (3-4) ونقل بعضها عن العز بن عبد السلام وابن دقيق العيد) وانظر حول العمل بالحديث الضعيف جواب السؤالين (44877) و (49675) . إذن، لم يقصد أهل العلم القائلون بهذه القاعدة تجويز ما يقوم به هؤلاء الذين ينشرون في المنتديات كل حديث وكل رواية، صحيحة أو مكذوبة أو ضعيفة. يقول الشيخ الألباني رحمه الله في "تمام المنة" (36) : " ومن المؤسف أن نرى كثيرا من العلماء - فضلا عن العامة - متساهلين بهذه الشروط، فهم يعملون بالحديث دون أن يعرفوا صحته من ضعفه، وإذا عرفوا ضعفه لم يعرفوا مقداره، وهل هو يسير أو شديد يمنع العمل به ثم هم يشهرون العمل به كما لو كان حديثا صحيحا، ولذلك كثرت العبادات التي لا تصح بين المسلمين، وصرفتهم عن العبادات الصحيحة التي وردت بالأسانيد " انتهى. سادسا: إذا تاب العبد من نشر الأحاديث المكذوبة، أو علم حرمة ما قام به بعد أن كان جاهلا بالحكم، فباب التوبة مفتوح، ولكنه مشروط بالبيان بعد الكتمان، والإصلاح بعد الإفساد. يقول الله تعالى: (إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) البقرة/160 لذلك ينبغي على كل مسلم أن ينشر الأحاديث الصحيحة بدلا من المكذوبة الموضوعة، وكُتبُ السنة الصحيحة مليئةٌ - بفضل الله - بالأحاديث الثابتة التي لو قضى المرء عمره في حفظها وفهمها ما كاد يحيط بها، ويكفيه في ذلك أن يجد عالما من علماء الحديث قد حكم على الحديث بالصحة والقبول، فيقبله منه وينشر الحديث مع حكم ذلك العالم عليه. وأما من كان وقع في نشر الأحاديث الواهية فعليه أن ينشر بيانات العلماء في حكمها، وفي موقعنا العديد من الإجابات على أحاديث ضعيفة منتشرة في المنتديات، يمكنه الاستفادة منها. ومن ذلك الحديث المذكور في السؤال، فقد سبق بيان ضعفه في جواب السؤال رقم (98821) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98780 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 254 أحاديث مكذوبة عن الخطاط والخياط [السُّؤَالُ] ـ[ما صحة الحديثين التالين: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنما الخطَّاطون والخيَّاطون يأكلون من أعماق عيونهم) وقال كذلك صلى الله عليه وسلم: (عليكم بحسن الخط، فإنه من مفاتيح الرزق) وكذلك ما معنى الحديث الأول؟ وجزاكم الله عنا كل خير.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: أما الحديث الأول: فلم نجده في كتب الحديث المعتمدة، ولم نقف له على سند أو أثر أو معنى قريب منه، ويبدو أنه من وضع العامة الذين ينسبون كل شيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يراعون في ذلك الوعيد الذي جاء لمن كذب عليه صلى الله عليه وسلم. وهو قد يكون صحيح المعنى، فإن الخَطَّ والخياطةَ حِرفٌ ومهن تعتمد على دقة النظر، وتحتاج إلى استعمال بالغ للعين، لذلك كان رزق الخطاط والخياط مستخرجا من عصب عينه التي يعتمد عليها. إلا أن صحة المعنى لا تجيز لأحد أن ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقله، وقد نسب الوضاعون إلى النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً من الكلام، وخاصة في أبواب الحرَف والمهن؛ كي يروجوا لما يصنعون ويفتخروا بما يحسنون، حتى عقد الإمام ابن الجوزي في كتابه " الموضوعات " (2 / 251) باباً في الخياطة، ذكر فيه بعض الأحاديث المكذوبة في هذا الشأن. ثانياً: أما حديث (عليكم بحسن الخط؛ فإنه مفاتيح الرزق) : فهو حديث مكذوب موضوع أيضا، ليس له أصل في كتب الحديث المسندة، ذكره الصغاني في " الموضوعات " (39) ، والفتني في " تذكرة الموضوعات " (135) ، والعجلوني في " كشف الخفاء " (2 / 71) ، والشوكاني في " الفوائد المجموعة " (147) . والركة ظاهرة في أسلوب الحديثين، لا يبدو عليهما علامات الحكمة أو نور الهداية، ولا يشبه كلام النبي صلى الله عليه وسلم، فيما اعتدناه من حديثه. يقول ابن القيم في علامات الحديث الموضوع: أن يكون كلامه لا يشبه كلام الأنبياء، فضلا عن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو وحي يوحى، كما قال الله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَن الهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى) أي: وما نطقه إلا وحي يوحى، فيكون الحديث مما لا يشبه الوحي، بل لا يشبه كلام الصحابة: كحديث: (ثلاثة تزيد في البصر: النظر إلى الخضرة والماء الجاري والوجه الحسن) . " المنار المنيف " (ص 61، 62) . ثم ذكر من علاماته أيضا: " ركاكة ألفاظ الحديث، وسماجتها، بحيث يمجها السمع، ويدفعها الطبع، ويسمج معناها للفطن: كحديث: (أربع لا تشبع من أربع: أنثى من ذكر، وأرض من مطر، وعين من نظر، وأذن من خبر) . " المنار المنيف " (ص 99) . ثالثاً: مع ما ذكرناه من بطلان نسبة الحديثين المذكورين إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإننا نجد في كلام أهل العلم والأدب شيئا يدل على استحبابهم تحسين الخط، واعتبارهم حسن الخط من رفيع الأدب وجميل الخلق والذوق، وأنقل هنا شيئا من هذا الكلام: يقول الماوردي – رحمه الله -: ولما كان الخط بهذا الحال وجب على من أراد حفظ العلم أن يعبأ بأمرين: أحدهما: تقويم الحروف على أشكالها الموضوعة لها. والثاني: ضبط ما اشتبه منها بالنقط والأشكال المميزة لها. ثم ما زاد على هذين، من تحسين الخط، وملاحة نظمه: فإنما هو زيادة حذق بصنعته، وليس بشرط في صحته. وقد قال علي بن عبيدة: حُسن الخط لسان اليد، وبهجة الضمير، وقال أبو العباس المبرِّد: رداءة الخط زمانة الأدب، وقال عبد الحميد: البيان في اللسان، والخط في البنان، وأنشدني بعض أهل العلم لأحد شعراء البصرة: اعذُر أخاك على نذالة خطه واغفر نذالته لجودة ضبطه فإذا أبان عن المعاني لم يكن تحسينه إلا زيادةَ شرطه واعلم بأن الخط ليس يراد من تركيبه إلا تبيُّن سِمطه ومحل ما زاد على الخط المفهوم، من تصحيح الحروف، وحسن الصورة: محل ما زاد على الكلام المفهوم من فصاحة الألفاظ، وصحة الإعراب، ولذلك قالت العرب: " حُسن الخط أحد الفصاحتين "، وكما أنه لا يعذر من أراد التقدم في الكلام أن يطرح الفصاحة والإعراب وإن فَهم وأَفهم، كذلك لا يُعذر مَن أراد التقدم في الخط أن يَطرح تصحيح الحروف، وتحسين الصورة، وإن فَهم، وأَفهم، وربما تقدم بالخط مَن كان الخطُّ مِن جُلِّ فضائله، وأشرف خصائله، حتى صار عالماً مشهوراً، وسيِّدا مذكوراً، غير أن العلماء اطَّرحوا صرف الهمة إلى تحسين الخط؛ لأنه يشغلهم عن العلم، ويقطعهم عن التوفر عليه، ولذلك تجد خطوط العلماء في الأغلب رديئة لا يخط إلا من أسعده القضاء، وقد قال الفضل بن سهل: مِن سعادة المرء: أن يكون رديء الخط؛ لأن الزمان الذي يفنيه بالكتابة يشغله بالحفظ والنظر، وليست رداءة الخط هي السعادة، وإنما السعادة أن لا يكون له صارفٌ عن العلم، وعادة ذي الخط الحسن أن يتشاغل بتحسين خطه عن العلم، فمِن هذا الوجه صار برداءة خطِّه سعيداً، وإن لم تكن رداءة الخط سعادة. " أدب الدنيا والدين " (ص 47، 48) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال جواب الحديث: 98640 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 255 أحاديث ذم العزوبة كلها باطلة [السُّؤَالُ] ـ[أريد شرح وتفسير هذه الأحاديث النبوية، وهل هي صحيحة؟ روي عن رسول الله صلى الله وسلم أنه قال: 1- (تزوج وإلا فأنت من إخوان الشياطين) 2- (النكاح سنتي، فمن رغب عن سنتي فليس مني) 3- (أراذل موتاكم العزاب) بارك الله فيكم , مع خالص الشكر والتحية.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: ثبت في السنة النبوية الصحيحة الحث على الزواج والترغيب في النكاح، وجاءت بذلك شواهد الكتاب والسنة المتكاثرة، وذلك لما في الزواج من فضيلة ظاهرة ومحاسن كثيرة، وقد سبق في موقعنا بيان الكثير من ذلك بالشرح والتفصيل: فانظر مثلا أرقام الإجابات الآتية: (5511) ، (34652) ومن الأحاديث التي تحث على الزواج ما جاء في الصحيحين: البخاري (5063) ومسلم (1401) عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: (جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ. قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا. وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ. وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا. فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا!! أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي) لكن لا يصلح هذا الحديث أن يكون دليلا على ذم العزوبة وترك الزواج مطلقا، إلا إذا ترك الزواج رهبانية وتقربا إلى الله بهذا الترك، وظنا أن العزَب أفضل من المتزوج، فحينئذ يشمله هذا الحديث، ويكون ممن تبرأ منهم النبي صلى الله عليه وسلم. يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في "فتح الباري" (9/105-106) : " المراد بـ "السنة" الطريقة، لا التي تقابل الفرض، والرغبة عن الشيء الإعراض عنه إلى غيره، والمراد: مَن ترك طريقتي وأخذ بطريقة غيري فليس مني، ولمح بذلك إلى طريق الرهبانية، فإنهم الذين ابتدعوا التشديد كما وصفهم الله تعالى، وقد عابهم بأنهم ما وَفَوْهُ بما التزموه، وطريقة النبي صلى الله عليه وسلم الحنيفية السمحة، فيفطر ليتقوى على الصوم، وينام ليتقوى على القيام، ويتزوج لكسر الشهوة وإعفاف النفس وتكثير النسل. وقوله: (فليس مني) إن كانت الرغبة بضرب من التأويل يعذر صاحبه فيه، فمعنى " فليس مني " أي: على طريقتي، ولا يلزم أن يخرج عن الملة. وإن كان إعراضا وتنطعا يفضي إلى اعتقاد أرجحية عمله فمعنى (فليس مني) : ليس على ملتي؛ لأن اعتقاد ذلك نوع من الكفر. وفي الحديث دلالة على فضل النكاح والترغيب فيه " انتهى. إذن فليس في الحديث دلالة على ذم العزوبة بالإطلاق، خاصة إذا كانت نتيجةَ ظروف أو عدم رغبة في النكاح أو مرض أو نحو ذلك من الأعذار، وكيف تأتي الشريعة بذم من لا يستحق الذم، ومن كان قَدَرُه ألا يجتمع بزوجة يأنس إليها وتأنس إليه!! والغريب أن بعض الكذابين أرادوا أن يناقضوا أولئك الذين يذمون العزوبة مطلقا، فوضعوا من الأحاديث في مدح العزوبة، وكذبوا على النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أيضا، حتى قال ابن القيم رحمه الله في "المنار المنيف" (ص/177) : " أحاديث مدح العزوبة كلها باطلة " انتهى. من هنا تعلم أنه لا يصح حديث في ذم العزوبة ولا في مدحها، وكل حديث فيه ذم للعَزَب وتنقيصٌ لقدره فهو حديثٌ باطلٌ أو منكر، فقد جمع العلماء هذه الأحاديث ودرسوها فلم يجدوا فيها شيئا صحيحا ثابتا. يقول الإمام السخاوي في "المقاصد الحسنة" (135) بعد أن ذكر شيئا من أحاديث ذم العزوبة: " إلى غيرهما من الأحاديث التي لا تخلو من ضعف واضطراب، ولكنه لا يبلغ الحكم عليه بالوضع " انتهى. وبمثله قال الفتني في "تذكرة الموضوعات" (125) ثانيا: أما حديث: (تزوج وإلا فأنت من إخوان الشياطين) وحديث (أراذل موتاكم العزاب) . فقد جاءا في حديث عُكاف بن وداعة الهلالي من طرق كلها ضعيفة، قال فيها الحافظ ابن حجر في "الإصابة" (4/536) بعد أن ذكرها في ترجمته: " والطرق المذكورة كلها لا تخلو من ضعف واضطراب " انتهى. وقال في "تعجيل المنفعة" (2/20) : " لا يخلو طريق من طرقه من ضعف " انتهى. وقال ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (2/609) : " هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ... قالوا لا يصح من هذا شيء " انتهى. وقال البوصيري في "إتحاف الخيرة المهرة": " والأسانيد فيه كلها ضعيفة " انتهى. وحكم عليه الشيخ الألباني بالنكارة في "السلسلة الضعيفة" (2511) (6053) وطرقه مضطرب، تجتمع عند مكحول الدمشقي الثقة فقيه أهل الشام "تهذيب التهذيب" (10/292) إلا أن الضعف في الطريق الموصلة إليه، أو في الشيخ الذي أخذ عنه: 1- فقد جاء من طرق عن بُرد بن سنان – وهو ثقة – عن مكحول عن عطية بن بسر الهلالي عن عكاف بن وداعة الهلالي، ولفظه: (أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا عكاف! ألك امرأة؟ قال: لا. قال: فجارية؟ قال: لا. قال: وأنت صحيح موسر؟ قال: نعم. قال: فأنت إذا من إخوان الشياطين، إن كنت من رهبان النصارى فالحق بهم، وإن كنت منا فإن من سنتنا النكاح، يا ابن وداعة! إن شراركم عزابكم، وأراذل موتاكم عزابكم، يا بن وداعة! إن المتزوجين المبرءون من الخنا، أبا الشيطان تمرسون، والذي نفسي بيده ما للشيطان سلاح أبلغ - وقال بعضهم أنفذ - في الصالحين من الرجال والنساء من ترك النكاح، يا ابن وداعة! إنهن صواحب أيوب وداود ويوسف وكرسف، قال: بأبي وأمي يا رسول الله وما كرسف؟ قال: رجل عبد الله على ساحل البحر خمسمائة عام - وقال بعضهم ثلاثمائة عام - يقوم الليل ويصوم النهار، فمرت به امرأة فأعجبته فتنها، وترك عبادة ربه وكفر بالله، وتدارك الله عز وجل بما سلف فتاب عليه، قال: بأبي وأمي يا رسول الله زوجني؟ قال: زوجتك باسم الله والبركة زينب بنت كلثوم الحميرية) رواه العقيلي في "الضعفاء الكبير" (3/356) وابن قانع في "معجم الصحابة" (1274) وعلة هذه الرواية عطية بن بسر، قال العقيلي: لا يتابع عليه. ثم أسند إلى البخاري قوله: عطية بن بسر عن عكاف بن وداعة لم يقم حديثه. وقال ابن حبان في "الثقات" (5/261) : " عطية بن بسر، شيخ من أهل الشام، حديثه عند أهلها، روى عنه مكحول في التزويج متنا منكرا، وإسناده مقلوب " انتهى. 2- وجاء من طريق محمد بن راشد عن مكحول عن رجل عن أبي ذر فذكر نحوه، ولكن في لفظه: (تزوج وإلا فأنت من المذبذبين) أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (6/171/10387) ، وعنه أحمد (5/163) ، وعنه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (2/118) وعلة هذه الطريق جهالة شيخ مكحول، ولعله هو عطية بن بسر الهلالي المذكور في الرواية السابقة. أما محمد بن راشد فكلام الأئمة على توثيقه. "تهذيب التهذيب" (9/160) 3- من طريق معاوية بن يحيى عن سليمان بن موسى عن مكحول عن غضيف بن الحارث عن عطية بن بسر المازني. أخرجه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (4/195) وأبو يعلى في "مسنده" (12/260) وبحشل في "تاريخ واسط" (ص201) وابن حبان في "المجروحين" (3/3) والطبراني في "المعجم الكبير" (18/85 - 86) ، والعقيلي في "الضعفاء الكبير" (3/356) والبيهقي في "شعب الإيمان" (4/381) وابن الأثير في "أسد الغابة" (4/43) وهو عند أبي نعيم في "معجم الصحابة" (4961) بشكل مختلف، ولكن العلة واحدة وهي في معاوية بن يحيى الصدفي، جاء في "تهذيب التهذيب" (10/220) قال ابن معين: هالك ليس بشىء. وقال أبو زرعة: ليس بقوى، أحاديثه كأنها مقلوبة. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، فى حديثه إنكار. وقال أبو داود: ضعيف. وقال النسائى: ضعيف. وقال أبو أحمد بن عدى: عامة رواياته فيها نظر. وقال ابن حبان في "المجروحين" (2/335) : فيه معاوية بن يحيى منكر الحديث جدا، تغير حفظه فكان يحدث بالوهم فيما سمع " انتهى. وكذا أعله الدارقطني في "التعليقات على المجروحين" (255) والزيلعي في "تخريج الكشاف" (2/439) والهيثمي في "مجمع الزوائد" (4/253) والحاصل أن طرق هذا الحديث كلها ساقطة واهية، ولا يقوي بعضها بعضا لما فيها من النكارة والاضطراب، والمتن منكر كما سبق بيانه. ثالثا: أما حديث (النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني) فلفظه، كما رواه ابن ماجه (1846) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (النِّكَاحُ مِنْ سُنَّتِي، فَمَنْ لَمْ يَعْمَلْ بِسُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي، وَتَزَوَّجُوا فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ، وَمَنْ كَانَ ذَا طَوْلٍ فَلْيَنْكِحْ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَعَلَيْهِ بِالصِّيَامِ فَإِنَّ الصَّوْمَ لَهُ وِجَاءٌ) وفي إسناده عيسى بن ميمون، وهو ضعيف؛ قال البخاري: منكر الحديث، وقال ابن معين: ليس حديثه بشيء. انظر: ميزان الاعتدال (4/245-246) . ولأجل ذلك قال البوصيري في تخريج حديث عائشة السابق: " إِسْنَاده ضَعِيف لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى ضَعْف عِيسَى بْن مَيْمُون الْمَدِينِيّ، لَكِنْ لَهُ شَاهِد صَحِيح. " اهـ وانظر السلسلة الصحيحة (2383) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96977 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 256 هل صح في عدد الأنبياء والرسل شيء؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يوجد حديث صحيح يوضح عدد الأنبياء والرسل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: أرسل الله تعالى رسلاً إلى كل أمةٍ من الأمم، وقد ذكر الله تعالى أنهم متتابعون، الرسول يتبعه الرسول، قال عز وجل: (ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) المؤمنون/44، وقال تعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ) فاطر/24. وقد سمَّى الله تعالى مِن أولئك الرسل مَن سمَّى، وأخبر بقصص بعضهم، دون الكثير منهم، قال تعالى: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا. وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا) النساء/163-164. قال ابن كثير – رحمه الله -: وهذه تسمية الأنبياء الذين نُصَّ على أسمائهم في القرآن، وهم: آدم، وإدريس، ونوح، وهود، وصالح، وإبراهيم، ولوط، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، ويوسف، وأيوب، وشعيب، وموسى، وهارون، ويونس، وداود، وسليمان، وإلياس، والْيَسَع، وزكريا، ويحيى، وعيسى عليهم الصلاة والسلام، وكذا ذو الكفل عند كثير من المفسرين، وسيدهم محمد صلى الله وعليه وسلم. وقوله: (وَرُسُلا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ) أي: خلقاً آخرين لم يذكروا في القرآن. " تفسير ابن كثير " (2 / 469) . ثانياً: قد اختلف أهل العلم في عدد الأنبياء والمرسلين، وذلك بحسب ما ثبت عندهم من الأحاديث الوارد فيها ذِكر عددهم، فمن حسَّنها أو صححها فقد قال بمقتضاها، ومن ضعَّفها فقد قال بأن العدد لا يُعرف إلا بالوحي فيُتوقف في إثبات العدد. الأحاديث الواردة في ذِكر العدد: 1. عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله، كم الأنبياء؟ قال: (مائة ألف وأربعة وعشرون ألفًاً) ، قلت: يا رسول الله، كم الرسل منهم؟ قال: (ثلاثمائة وثلاثة عشر جَمّ غَفِير) ، قلت: يا رسول الله، من كان أولهم؟ قال: (آدم) ... . رواه ابن حبان (361) . والحديث ضعيف جدّاً، فيه إبراهيم بن هشام الغسَّاني، قال الذهبي عنه: متروك، بل قال أبو حاتم: كذّاب، ومن هنا فقد حكم ابن الجوزي على الحديث بأنه موضوع مكذوب. قال ابن كثير – رحمه الله -: قد روى هذا الحديث بطوله الحافظ أبو حاتم ابن حبان البستي في كتابه: " الأنواع والتقاسيم "، وقد وَسَمَه بالصحة، وخالفه أبو الفرج بن الجوزي، فذكر هذا الحديث في كتابه " الموضوعات "، واتهم به إبراهيم بن هشام هذا، ولا شك أنه قد تكلم فيه غير واحد من أئمة الجرح والتعديل من أجل هذا الحديث. " تفسير ابن كثير " (2 / 470) . وقال شعيب الأرناؤط: إسناده ضعيف جدّاً – وذكر كلام العلماء في إبراهيم بن هشام -. " تحقيق صحيح ابن حبان " (2 / 79) . 2. وروي الحديث بذلك العدد – مائة وأربعة وعشرون ألفاً – من وجه آخر: عن أبي أُمَامة قال: قلت: يا نبي الله، كم الأنبياء؟ قال: (مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً، من ذلك ثلاثمائة وخمسة عشر جمّاً غَفِيراً) . رواه ابن حاتم في " تفسيره " (963) . قال ابن كثير – رحمه الله -: مُعَان بن رفاعة السَّلامي: ضعيف، وعلي بن يزيد: ضعيف، والقاسم أبو عبد الرحمن: ضعيفٌ أيضاً. " تفسير ابن كثير " (2 / 470) . 3. وروي حديث أبي ذر رضي الله عنه من وجه آخر، وليس فيه ذكر عدد الأنبياء، وإنما ذُكر عدد المرسلين: قال: قلت: يا رسول الله كم المرسلون؟ قال: (ثلاث مئة وبضعة عشر جمّاً غفيراً) . رواه أحمد (35 / 431) . وفي رواية أخرى (35 / 438) : (ثلاثمئة وخمسة عشر جمّاً غفيراً) . قال شعيب الأرناؤط: إسناده ضعيف جدّاً؛ لجهالة عبيد بن الخشخاش؛ ولضعف أبي عمر الدمشقي، وقال الدارقطني: المسعودي عن أبي عمر الدمشقي: متروك. المسعودي: هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة. " تحقيق مسند أحمد " (35 / 432) . 4. عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بعث الله ثمانية آلاف نبي، أربعة آلاف إلى بني إسرائيل، وأربعة آلاف إلى سائر الناس) . رواه أبو يعلى في " مسنده " (7 / 160) . والحديث: ضعيف جدّاً. قال الهيثمي – رحمه الله -: رواه أبو يعلي وفيه: موسى بن عبيدة الربذي، وهو ضعيف جدّاً. " مجمع الزوائد " (8 / 210) . وقال ابن كثير – رحمه الله -: وهذا أيضاً إسناد ضعيف؛ فيه الربذي: ضعيف، وشيخه الرَّقَاشي: أضعف منه أيضاً. " تفسير ابن كثير " (2 / 470) . 5. عَنْ أَبِى الْوَدَّاكِ، قَالَ: قَالَ لِى أَبُو سَعِيدٍ: هَلْ يُقِرُّ الْخَوَارِجُ بِالدَّجَّالِ؟ فَقُلْتُ: لاَ. فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنِّى خَاتَمُ أَلْفِ نَبِيٍ، أَوْ أَكْثَرُ، مَا بُعِثَ نَبِىٌّ يُتَّبَعُ، إِلاَّ قَدْ حَذَّرَ أُمَّتَهُ الدَّجَّالَ ... ) . رواه أحمد (18 / 275) . والحديث ضعيف؛ لضعف مجالد بن سعيد. قال الهيثمي – رحمه الله -: رواه أحمد، وفيه مجالد بن سعيد، وثقه النسائي في رواية، وقال في أخرى: ليس بالقوى، وضعفه جماعة. " مجمع الزوائد " (7 / 346) . وضعَّفه الأرناؤط في " تحقيق المسند " (18 / 276) . 6. وروي هذا الحديث من رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنه: رواه البزار في " مسنده " (3380) " كشف الأستار ". وفيه مجالد بن سعيد، وسبق أنه ضعيف. قال الهيثمي – رحمه الله -: رواه البزار، وفيه مجالد بن سعيد، وقد ضعفه الجمهور، فيه ثوثيق. " مجمع الزوائد " (7 / 347) . وبما سبق من الأحاديث – ويوجد غيرها تركناها خشية التطويل وكلها ضعيفة – يتبين أنه قد اختلفت الروايات بذكر عدد الأنبياء والمرسلين، فقال كل قوم بمقتضى ما صحَّ عنده، والأشهر فيما سبق هو حديث أبي ذر رضي الله عنه، وأن عدد الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً، والرسل منهم: ثلاثمائة وخمسة عشر، حتى قال بعض العلماء: إن عدد الأنبياء كعدد أصحاب النبي صلى اللهُ عليْه وسلَّم، وعدد الرسل كعدد أصحاب بدر. لكن بالنظر في أسانيد تلك الروايات: لا يتبين لنا صحة تلك الأحاديث لا بمفردها، ولا بمجموع طرقها. ثالثاً: وهذه أقوال بعض الأئمة الذين يقولون بعدم صحة تلك الأحاديث وما تحويها من عدد: 1. قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: وهذا الذي ذكره أحمد، وذكره محمد بن نصر، وغيرهما، يبين أنهم لم يعلموا عدد الكتب والرسل، وأن حديث أبي ذر في ذلك لم يثبت عندهم. " مجموع الفتاوى " (7 / 409) . ففي هذا النقل عن الإمامين أحمد بن حنبل، ومحمد بن نصر المروزي: بيان تضعيف الأحاديث الواردة في ذكر العدد، والظاهر أن شيخ الإسلام رحمه الله يؤيدهم في ذلك، وقد أشار إلى حديث أبي ذر بصيغة التضعيف فقال: " وقد روي في حديث أبي ذر أن عددهم ثلاثمائة وثلاثة عشر "، ولم يستدل به، بل استدل بالآيات الدالة على كثرتهم. 2. وقال ابن عطية – رحمه الله – في تفسير آية النساء -: وقوله تعالى: (ورسلاً لم نقصصهم عليك) النساء/164: يقتضي كثرة الأنبياء، دون تحديد بعدد، وقد قال تعالى (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير) فاطر/24، وقال تعالى: (وقروناً بين ذلك كثيراً) الفرقان/38، وما يُذكر من عدد الأنبياء فغير صحيح، الله أعلم بعدتهم، صلى الله عليهم. انتهى 3. وسئل علماء اللجنة الدائمة: كم عدد الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام؟ . فأجابوا: لا يعلم عددهم إلا الله؛ لقوله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ) غافر/78، والمعروف منهم من ذكروا في القرآن أو صحت بخبره السنَّة. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. " فتاوى اللجنة الدائمة " (3 / 256) . 4. وقال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -: وجاء في حديث أبي ذر عند أبي حاتم بن حبان وغيره أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرسل وعن الأنبياء فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الأنبياء مائة وأربعة وعشرون ألفا والرسل ثلاثمائة وثلاثة عشر، وفي رواية أبي أمامة: ثلاثمائة وخمسة عشر، ولكنهما حديثان ضعيفان عند أهل العلم، ولهما شواهد ولكنها ضعيفة أيضا، كما ذكرنا آنفا، وفي بعضها أنه قال عليه الصلاة والسلام ألف نبي فأكثر، وفي بعضها أن الأنبياء ثلاثة آلاف وجميع الأحاديث في هذا الباب ضعيفة، بل عد ابن الجوزي حديث أبي ذر من الموضوعات. والمقصود أنه ليس في عدد الأنبياء والرسل خبر يعتمد عليه، فلا يعلم عددهم إلا الله سبحانه وتعالى، لكنهم جم غفير، قص الله علينا أخبار بعضهم ولم يقص علينا أخبار البعض الآخر، لحكمته البالغة جل وعلا. " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (2 / 66، 67) . 5.وسئل الشيخ عبد الله بن جبرين – حفظه الله -: كم عدد الأنبياء والمرسلين؟ وهل عدم الإيمان ببعضهم (لجهلنا بهم) يعتبر كفراً؟ وكم عدد الكتب السماوية المنزلة؟ وهل هناك تفاوت في عدد الكتب بين نبي وآخر؟ ولماذ؟. فأجاب: ورد في عدة أحاديث أن عدد الأنبياء: مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً، وأن عدد الرسل منهم: ثلاثمائة وثلاثة عشر، كما ورد أيضاً أن عددهم ثمانية آلاف نبي، والأحاديث في ذلك مذكورة في كتاب ابن كثير " تفسير القرآن العظيم "، في آخر سورة النساء على قوله تعالى: (وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ) ، ولكن الأحاديث في الباب لا تخلو من ضعف على كثرتها والأوْلى في ذلك التوقف، والواجب على المسلم الإيمان بمن سمَّى الله ورسوله منهم بالتفصيل، والإيمان بالبقية إجمالاً؛ فقد ذم الله اليهود على التفريق بينهم بقوله تعالى: (وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ) فنحن نؤمن بكل نبي وكل رسول أرسله الله في زمن من الأزمان، ولكن شريعته لأهل زمانه وكتابه لأمته وقومه. فأما عدد الكتب: فورد في الحديث الطويل عن أبي ذر أن عدد الكتب مائة كتاب وأربعة كتب، كما ذكره ابن كثير في التفسير عند الآية المذكورة، ولكن الله أعلم بصحة ذلك، وقد ذكر الله التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وموسى، فنؤمن بذلك ونؤمن بأن لله كتباً كثيرة لا نحيط بها علماً، ويكفي أن نصدق بها إجمالاً. " فتاوى إسلامية " (1 / 41) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 95747 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 257 هل من فضل أو ميزة لمجيء عرفة يوم الجمعة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل صحيح أن لو عرفة كان يوم جمعة فصادف صلاة الجمعة تعادل 7 حجات؟ . وجزاكم الله ألف خير]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا نعلم حديثاً أنه إن وافق عرفة يوم الجمعة أنه تكون الحجة في ذلك العام تعدل سبع حجات، بل الوارد " سبعون حجة " و " اثنتان وسبعون حجة " لكنهما لا يصحان بحال! أما الأول فقد ورد متنه في حديث، لكنه باطل لا يصح، وأما الثاني فلم نقف له على سند ولا متن، فهو لا أصل له. ونص الحديث الوارد: " أفضل الأيام يوم عرفة إذا وافق يوم الجمعة، وهو أفضل من سبعين حجة في غير جمعة ". وقد حكم عليه الأئمة ببطلانه، وعدم صحته: 1. قال ابن القيم – رحمه الله -: وأما ما استفاض على ألسنة العوام بأنها تعدل ثنتين وسبعين حجة: فباطل لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة والتابعين والله أعلم. " زاد المعاد " (1 / 65) . 2. قال الشيخ الألباني – رحمه الله – في " السلسلة الضعيفة " (207) - بعد أن حكم على الحديث بأنه باطل لا أصل له -: وأما قول الزيلعي - على ما في " حاشية ابن عابدين " (2 / 348) : رواه رزين ابن معاوية في " تجريد الصحاح " -: فاعلم أن كتاب رزين هذا جمع فيه بين الأصول الستة: الصحيحين، وموطأ مالك، وسنن أبي داود، والنسائي، والترمذي، على نمط كتاب ابن الأثير المسمى " جامع الأصول من أحاديث الرسول "، إلا أن في كتاب " التجريد " أحاديث كثيرة لا أصل لها في شيء من هذه الأصول، كما يعلم مما ينقله العلماء عنه مثل المنذري في " الترغيب والترهيب "، وهذا الحديث من هذا القبيل، فإنه لا أصل له في هذه الكتب، ولا في غيرها من كتب الحديث المعروفة، بل صرح العلامة ابن القيم في " الزاد " (1 / 17) ببطلانه، فإنه قال بعد أن أفاض في بيان مزية وقفة الجمعة من وجوه عشرة ذكرها: وأما ما استفاض على ألسنة العوام بأنها تعدل اثنتين وسبعين حجة: فباطل لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من الصحابة والتابعين. وأقره المناوي في " فيض القدير " (2 / 28) ثم ابن عابدين في " الحاشية ". انتهى وفي " السلسلة الضعيفة " (1193) قال – رحمه الله -: قال السخاوي في " الفتاوى الحديثية " (ق 105/2) : " ذكره رزين في " جامعه " مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر صحابيه، ولا مَن خرَّجه، والله أعلم ". انتهى وفي " السلسة الضعيفة " (3144) قال – رحمه الله -: قال الحافظ في " الفتح " (8 / 204) بعد أن عزاه لرزين في " الجامعة " مرفوعاً: " لا أعرف حاله؛ لأنه لم يذكر صحابيه، ولا من أخرجه ". وقال الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي في جزء " فضل يوم عرفة ": " حديث " وقفة الجمعة يوم عرفة أنها تعدل اثنتين وسبعين حجة " حديث باطل لا يصح، وكذلك لا يثبت ما روي عن زر بن حبيش: أنه أفضل من سبعين حجة في غير يوم جمعة ". انتهى 3. وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: هل ورد شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل كون الحج حج الجمعة؟ . فأجاب: لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل الجمعة إذا صادف يوم عرفة، لكن العلماء يقولون: إن مصادفته ليوم الجمعة فيه خير. أولاً: لتكون الحجة كحجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم صادف وقوفه بعرفة يوم الجمعة. ثانياً: أن في يوم الجمعة ساعةً لا يوافقها عبدٌ مسلم وهو قائمٌ يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياها، فيكون ذلك أقرب للإجابة. ثالثاً: أن يوم عرفة عيد ويوم الجمعة عيد، فإذا اتفق العيدان كان في ذلك خير. وأما ما اشتهر من أن حجة الجمعة تعادل سبعين حجة: فهذا غير صحيح. " اللقاء الشهري " (34 / السؤال رقم 18) . 4. وسئل علماء اللجنة الدائمة: يقول بعض الناس: إن يوم عرفة إذا صادف يوم جمعة كهذا العام يكون كمن أدى سبع حجات، هل هناك دليل من السنة في ذلك؟ . فأجابوا: ليس في ذلك دليل صحيح، وقد زعم بعض الناس: أنها تعدل سبعين حجة، أو اثنتين وسبعين حجة، وليس بصحيحٍ أيضاً. " فتاوى اللجنة الدائمة " (11 / 210، 211) . وانظر: " فتح الباري " (8 / 271) ، " تحفة الأحوذي " (4 / 27) . ثانياً: هذا، ولعله من أسباب انتشار هذا الأمر بين الناس أنه ذُكر في كتب الحنفية والشافعية. قال الحنفية: لوقفة الجمعة مزية سبعين حجة، ويغفر فيها لكل فرد بلا واسطة. وقالوا: أفضل الأيام يوم عرفة إذا وافق يوم جمعة، وهو أفضل من سبعين حجة في غير جمعة. " رد المحتار على الدر المختار " (2 / 621) . وقال الشافعية: وقيل: إذا وافق يوم الجمعة يوم عرفة: غَفر الله تعالى لكل أهل الموقف، أي: بلا واسطة، وغير يوم الجمعة بواسطة، أي: يهب مسيئهم لمحسنهم. " مغني المحتاج " (1 / 497) . ثالثاً: ولا يعني بطلان الحديث أنه ليس لوقوف عرفة يوم الجمعة مزية، بل قد ذكر ابن القيم رحمه الله عشر مزايا لذلك، ونوردها لعظَم فائدتها. قال – رحمه الله -: والصواب: أن يوم الجمعة أفضل أيام السبوع، ويوم عرفة ويوم النحر أفضل أيام العام، وكذلك ليلة القدر وليلة الجمعة، ولهذا كان لوقفة الجمعة يوم عرفة مزية على سائر الأيام من وجوه متعددة: أحدها: اجتماع اليومين اللذيْن هما أفضل الأيام. الثاني: أنه اليوم الذي فيه ساعة محققة الإجابة، وأكثر الأقوال أنها آخر ساعة بعد العصر، وأهل الموقف كلهم إذ ذاك واقفون للدعاء والتضرع. الثالث: موافقته ليوم وقفة رسول الله صلى الله عليه وسلم. الرابع: أن فيه اجتماع الخلائق من أقطار الأرض للخطبة، وصلاة الجمعة، ويوافق ذلك اجتماع أهل عرفة يوم عرفة بعرفة، فيحصل من اجتماع المسلمين في مساجدهم وموقفهم من الدعاء والتضرع ما لا يحصل في يوم سواه. الخامس: أن يوم الجمعة يوم عيد، ويوم عرفة يوم عيد لأهل عرفة، ولذلك كُره لمن بعرفة صومه ... . قال شيخنا – أي: ابن تيمية -: وإنما يكون يوم عرفة عيداً في حق أهل عرفة؛ لاجتماعهم فيه بخلاف أهل الأمصار؛ فإنهم إنما يجتمعون يوم النحر، فكان هو العيد في حقهم، والمقصود: أنه إذا اتفق يوم عرفة ويوم جمعة: فقد اتفق عيدان معاً. السادس: أنه موافق ليوم إكمال الله تعالى دينه لعباده المؤمنين وإتمام نعمته عليهم، كما ثبت في صحيح البخاري عن طارق بن شهاب قال: جاء يهودي إلى عمر بن الخطاب فقال: يا أمير المؤمنين آية تقرؤونها في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت ونعلم ذلك اليوم الذي نزلت فيه لاتخذناه عيداً قال: أي آية؟ قال: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) المائدة/3، فقال عمر بن الخطاب: إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه، والمكان الذي نزلت فيه، نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة، يوم جمعة، ونحن واقفون معه بعرفة. السابع: أنه موافق ليوم الجمع الأكبر، والموقف الأعظم يوم القيامة؛ فإن القيامة تقوم يوم الجمعة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها وفيه تقوم الساعة وفيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله خيرا إلا أعطاه إياه) ... الثامن: أن الطاعة الواقعة من المسلمين يوم الجمعة وليلة الجمعة أكثر منها في سائر الأيام، حتى إن أكثر أهل الفجور يحترمون يوم الجمعة وليلته، ويرون أن من تجرأ فيه على معاصي الله عز وجل عجل الله عقوبته ولم يمهله، وهذا أمرٌ قد استقر عندهم، وعلِموه بالتجارب، وذلك لعظم اليوم وشرفه عند الله واختيار الله سبحانه له من بين سائر الأيام، ولا ريب أن للوقفة فيه مزية على غيره. التاسع: أنه موافق ليوم المزيد في الجنة ... وهو يوم جمعة، فإذا وافق يوم عرفة كان له زيادة مزية واختصاص وفضل ليس لغيره. العاشر: أنه يدنو الرب تبارك وتعالى عشية يوم عرفة من أهل الموقف، ثم يباهي بهم الملائكة ... . فبهذه الوجوه وغيرها فضلت وقفة يوم الجمعة على غيرها. وأما ما استفاض على ألسنة العوام بأنها تعدل ثنتين وسبعين حجة فباطل لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة والتابعين والله أعلم. " زاد المعاد " (1 / 60 – 65) باختصار. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 95283 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 258 حديث ضعيف في فضل قيام ليلة العيد [السُّؤَالُ] ـ[هل الحديث الوارد في قيام ليلة العيد صحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث رواه ابن ماجه (1782) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ قَامَ لَيْلَتَيْ الْعِيدَيْنِ مُحْتَسِبًا لِلَّهِ لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ) . وهو حديث ضعيف، لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال النووي في "الأذكار": وهو حديث ضعيف رويناه من رواية أبي أمامة مرفوعاً وموقوفاً، وكلاهما ضعيف انتهى. وقال الحافظ العراقي في تخريج أحاديث إحياء علوم الدين: إسناده ضعيف. وقال الحافظ ابن حجر: هذا حديث غريب مضطرب الإِسناد. انظر: "الفتوحات الربانية" (4/235) . وذكره الألباني في ضعيف ابن ماجه وقال: موضوع. وذكره في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (521) وقال: ضعيف جدا. والحديث رواه الطبراني عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحيا ليلة الفطر وليلة الأضحى لم يمت قلبه يوم تموت القلوب) . وهو ضعيف أيضاً. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد": رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه عمر بن هارون البلخي والغالب عليه الضعف، وأثنى عليه ابن مهدي وغيره، ولكن ضعفه جماعة كثيرة. والله أعلم. وذكره الألباني في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (520) وقال: موضوع. وقال النووي في المجموع: قَالَ أَصْحَابُنَا: يُسْتَحَبُّ إحْيَاءُ لَيْلَتَيْ الْعِيدَيْنِ بِصَلاةٍ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الطَّاعَاتِ، وَاحْتَجَّ لَهُ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَحْيَا لَيْلَتَيْ الْعِيدِ لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ) وَفِي رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ: (مَنْ قَامَ لَيْلَتَيْ الْعِيدَيْنِ مُحْتَسِبًا لِلَّهِ تَعَالَى لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ حِينَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ) رَوَاهُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَوْقُوفًا , وَرُوِيَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي أُمَامَةَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَمَرْفُوعًا كَمَا سَبَقَ , وَأَسَانِيدُ الْجَمِيعِ ضَعِيفَةٌ. انتهى. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " الأَحَادِيثُ الَّتِي تُذْكَرُ فِي لَيْلَةِ الْعِيدَيْنِ كَذِبٌ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم" انتهى. وليس معنى ذلك أن ليلة العيد لا يستحب قيامها، بل قيام الليل مشروع كل ليلة، ولهذا اتفق العلماء على استحباب قيام ليلة العيد، كما نقله في "الموسوعة الفقيهة" (2/235) ، إنما المقصود أن الحديث الوارد في فضل قيامها ضعيف. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 12504 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 259 تمثل العمل الصالح رجلا في القبر [السُّؤَالُ] ـ[ما صحة هذا الحديث: (عند موت الإنسان وأثناء انشغال أقربائه بمناسكِه الجنائزيةِ، يقفُ رجلٌ وسيمُ جداً بجوار رأس الميت. وعند تكفين الجثّة، يَدْخلُ ذلك الرجلِ بين الكفنِ وصدرِ الميّتِ. وبعد الدفنِ، يَعُودَ الناس إلى بيوتهم، ويأتي القبرِ ملكان مُنكرٌ ونكير، ويُحاولانَ أَنْ يَفْصلاَ هذا الرجلِ الوسيم عن الميتِ لكي يَكُونا قادرين على سؤال الرجلِ الميتِ في خصوصية حول إيمانِه. لكن يَقُولُ الرجل الوسيم: " هو رفيقُي، هو صديقُي. أنا لَنْ أَتْركَه بدون تدخّل في أيّ حالٍ منَ الأحوالِ. إذا كنتم معنينَّن لسؤالهِ، فاعمَلوا بما تؤمرونَ، أما أنا فلا أَستطيعُ تَرْكه حتى أدخلهْ إلى الجنة ِ". ويتحول الرجل الوسيم إلى رفيقه الميت ويَقُولُ له: " أَنا القرآن الذيّ كُنْتَ تَقْرؤُه بصوتٍ عالٍ أحياناً وبصوت خفيض أحياناً أخرى. لا تقلق. فبعد سؤال مُنكرٍ ونكير لا حزن بعد اليوم. وعندما ينتهى السؤال، يُرتّبُ الرجل الوسيم والملائكة فراش من الحرير مُلئ بالمسكِ للميت في الجنة) ]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الذي جاء في السنة النبوية الصحيحة من تمثل العمل الصالح، ومنه قيام العبد بالقرآن الكريم، بالرجل الحسن في القبر ما يلي: 1- عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنْ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنْ الْآخِرَةِ نَزَلَ إِلَيْهِ مَلَائِكَةٌ مِنْ السَّمَاءِ بِيضُ الْوُجُوهِ كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الشَّمْسُ، مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ، وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ ... إلى أن قال – في وصف حال المؤمن في القبر -: فَيُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ أَنْ صَدَقَ عَبْدِي فَأَفْرِشُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ، قَالَ: فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ. قَالَ: وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ، حَسَنُ الثِّيَابِ، طَيِّبُ الرِّيحِ، فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ. فَيَقُولُ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالْخَيْرِ. فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ. فَيَقُولُ: رَبِّ أَقِمْ السَّاعَةَ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي وَمَالِي) رواه أحمد (4/362) وصححه الألباني في "أحكام الجنائز" (156) 2- عن بريدة رضي الله عنه قال: سمعت النبي- صلى الله عليه وسلم - يقول: (َإِنَّ الْقُرْآنَ يَلْقَى صَاحِبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يَنْشَقُّ عَنْهُ قَبْرُهُ كَالرَّجُلِ الشَّاحِبِ. فَيَقُولُ لَهُ: هَلْ تَعْرِفُنِي؟ فَيَقُولُ: مَا أَعْرِفُكَ. فَيَقُولُ لَهُ: أَنَا صَاحِبُكَ الْقُرْآنُ الَّذِي أَظْمَأْتُكَ فِي الْهَوَاجِرِ وَأَسْهَرْتُ لَيْلَكَ، وَإِنَّ كُلَّ تَاجِرٍ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَتِهِ، وَإِنَّكَ الْيَوْمَ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ تِجَارَةٍ، فَيُعْطَى الْمُلْكَ بِيَمِينِهِ وَالْخُلْدَ بِشِمَالِهِ وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ وَيُكْسَى وَالِدَاهُ حُلَّتَيْنِ لَا يُقَوَّمُ لَهُمَا أَهْلُ الدُّنْيَا. فَيَقُولَانِ: بِمَ كُسِينَا هَذِهِ؟ فَيُقَالُ: بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ اقْرَأْ وَاصْعَدْ فِي دَرَجَةِ الْجَنَّةِ وَغُرَفِهَا فَهُوَ فِي صُعُودٍ مَا دَامَ يَقْرَأُ هَذًّا كَانَ أَوْ تَرْتِيلًا) رواه أحمد في "المسند" (394) وابن ماجه في "السنن" (3781) وحسنه البوصيري في الزوائد والألباني في "السلسلة الصحيحة" (2829) يقول السيوطي في شرح الحديث (2/1242) : " (كالرجل الشاحب) قال السيوطي: هو المتغير اللون، وكأنه يجيء على هذه الهيئة ليكون أشبه بصاحبه في الدنيا، أو للتنبيه له على أنه كما تغير لونه في الدنيا لأجل القيام بالقرآن كذلك القرآن لأجله في السعي يوم القيامة حتى ينال صاحبه الغاية القصوى في الآخرة." انتهى. ولم أقف على شيء من السنة الصحيحة في تمثل العمل الصالح رجلا في القبر إلا هذين الحديثين. أما الحديث الذي ذكرته – أخي السائل الكريم – فلم يرد في كتب السنة المعتمدة، ولم نقف له على إسناد صحيح ولا ضعيف، بل هو مما ينتشر في بعض المنتديات والمواقع من غير تحرٍّ ولا تثبت، ولعل بعض الجهلة من الناس كتبه من قبل نفسه ثم عزاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليحث الناس على الاهتمام بالقرآن والعناية به، ولم يدر هؤلاء أن الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم من أعظم الذنوب التي توبق صاحبها في نار جهنم، وأن النية الحسنة لا ترفع الإثم عن هؤلاء الذين يكذبون ويضعون الحديث على لسان النبي صلى الله عليه وسلم. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ) رواه البخاري (1291) ومسلم (4) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93151 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 260 هل ورد في فضل سورة "طه" حديث صحيح؟ [السُّؤَالُ] ـ[أود الاستفسار عن فضل قراءة سورة طه، وأيضا عن فضل قراءتها كل ليلة ثلاث مرات متواصلة لفترة معينة؟ ولكم جزيل الشكر.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لِلَّه أولا: صح في فضائل سورة (طه) الأحاديث الآتية: 1- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قال في بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالْكَهْفُ وَمَرْيَمُ وَطه وَالْأَنْبِيَاءُ: (هُنَّ مِنْ الْعِتَاقِ الْأُوَلِ، وَهُنَّ مِنْ تِلَادِي) رواه البخاري (4994) قال البيهقي في "شعب الإيمان" (2/476) : " (العِتاق) : جمع عتيق، والعرب تجعل كل شيء بلغ الغاية في الجودة عتيقا، يريد تفضيل هذه السور لما تضمنت من ذكر القصص وأخبار الأنبياء عليهم الصلاة السلام وأخبار الأمم، و (التِّلاد) : ما كان قديما من المال، يريد أنها من أوائل السور المنزلة في أول الإسلام لأنها مكية، وأنها من أول ما قرأه وحفظه من القرآن " انتهى. ويقول الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (8/388) : " (مِنَ العِتَاقِ) جمع عتيق وهو القديم، أو هو كل ما بلغ الغاية في الجودة، وبالثاني جزم جماعة في هذا الحديث، وقوله (هُنَّ مِن تِلَادِي) أي: مما حفظ قديما، والتلاد قديم الملك، وهو بخلاف الطارف، ومراد ابن مسعود أنهن من أول ما تعلم من القرآن، وأن لهن فضلا لما فيهن من القصص وأخبار الأنبياء والأمم " انتهى. 2- عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اسْمُ اللَّهِ الأَعظَمُ فِي سُوَرٍ مِنَ القُرآنِ ثَلَاثٍ: فِي " البَقَرَةِ " وَ " آلِ عِمرَانَ " وَ " طَهَ ") رواه ابن ماجه (3856) والحاكم (1/686) وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (746) وقال رحمه الله: " قول القاسم بن عبد الرحمن (الراوي عن أبي أمامة) أن الاسم الأعظم في آية (وعنت الوجوه للحي القيوم) من سورة (طه) لم أجد في المرفوع ما يؤيده، فالأقرب عندي أنه في قوله في أول السورة (إني أنا الله لا إله إلا أنا..) فإنه الموافق لبعض الأحاديث الصحيحة، فانظر "الفتح" (11/225) ، و "صحيح أبي داود" (1341) " انتهى. ثانيا: جاء في فضائل سورة طه أحاديث ضعيفة واهية، أذكرها هنا للتنبيه عليها، ولتحذير الناس منها: 1- عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تبارك وتعالى قرأ " طه " و " يس " قبل أن يخلق السماوات والأرض بألف عام، فلما سمعت الملائكة القرآن قالت: طوبى لأمة ينزل هذا عليها، وطوبى لأجواف تحمل هذا، وطوبى لألسنة تتكلم بهذا) رواه الدارمي (2/547) وقال المحقق: إسناده ضعيف جدا، عمر بن حفص بن ذكوان قال أحمد: تركنا حديثه وحرقناه. وفي "المعجم الأوسط" (5/133) ، وقال ابن حبان في "المجروحين" (1/208) : هذا متن موضوع. وكذا قال ابن الجوزي في "الموضوعات" (1/110) ، وقال ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (5/271) : فيه نكارة. وقال الألباني في "السلسلة الضعيفة" (1248) : منكر. وانظر "الكامل" (1/216) ، و "لسان الميزان" (1/114) 2- عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اعملوا بالقرآن، أحِلُّوا حلاله، وحرموا حرامه، واقتدوا به، ولا تكفروا بشيء منه، وما تشابه عليكم منه فردوه إلى الله وإلى أولي الأمر من بعدي كَيْمَا يخبروكم، وآمنوا بالتوراة والإنجيل والزبور وما أوتي النبيون من ربهم، ولْيَسَعكم القرآن وما فيه من البيان؛ فإنه شافع مشفع وماحل مصدق، ألا ولكل آية نور يوم القيامة، وإني أعطيت سورة البقرة من الذكر الأول، وأعطيت " طه " و " طواسين " و " الحواميم " من ألواح موسى، وأعطيت فاتحة الكتاب من تحت العرش) رواه الحاكم في "المستدرك" (1/757) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. والطبراني في "المعجم الكبير" (20/225) وضعفه الألباني في "السلسلة الضعيفة" (2826) وابن حبان في "المجروحين" (2/65) 3- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه: (يا رب " طه " و " يس " ويا رب القرآن العظيم) قال ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (5/173-174) : " لا خلاف بين أهل العلم بالحديث أن هذا الحديث كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى. 4- (من قرأ " طه " أعطي يوم القيامة ثواب المهاجرين والأنصار) ذكره الزمخشري والبيضاوي في فضائل سورة طه، وهو من الأحاديث الموضوعة. انظر "الكشف الإلهي" للطرابلسي (1/178) وأما ما سألت عنه من فضل قراءتها كل ليلة ثلاث مرات فلم أجده في كتب السنة، بل لم أجده حتى في كتب الموضوعات، ولم يثبت في ذلك شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، فينبغي التنبه والحذر، والحرص على العمل بالصحيح من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ونبذ الضعيف والموضوع. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 90186 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 261 ما صحة حديث (بشر الزاني بالفقر) ؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما صحة الحديث القائل: (بشر الزانى والزانية بالفقر ولو بعد حين) ؟ وإذا كان حديثا صحيحا أرجو تفسيره.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد للَّه أولا: الحديث بلفظه المذكور ليس له أصل؛ إذ لم يروه أحد من أصحاب الحديث، ولا هو موجود في شيء من كتب السنة المعتمدة. يقول العجلوني في "كشف الخفاء" (1/286) : " (بشر القاتل بالقتل) قال في المقاصد: لا أعرفه، والمشهور على الألسنة بزيادة: (والزاني بالفقر ولو بعد حين) ولا صحة لها أيضا، وإن كان الواقع يشهد لذلك " انتهى. يقول الشيخ أحمد العامري في "الجد الحثيث" (73) عنه إنه " ليس بحديث " انتهى. وجاء في "النخبة البهية في بيان الأحاديث المكذوبة على خير البرية" لمحمد الأمير الكبير المالكي (1228هـ) (ص/43) : " لا يُعرَف " انتهى. وجاءت أحاديث أخرى تدل على هذا المعنى، لكنها أيضا لا تصح، منها حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الزنا يورث الفقر) رواه أبو حاتم كما في "العلل" (1/410-411) ، والقضاعي في "مسند الشهاب" (1/73) وابن عدي في "الكامل" (6/432) ، والبيهقي في "شعب الإيمان" (4/363) من طريق الماضي بن محمد عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عمر به. قال أبو حاتم بعد روايته الحديث: " هذا حديث باطل، وماضي لا أعرفه " انتهى. وذكره ابن حبان في "المجروحين" (2/237) في منكر حديث ليث بن أبي سليم. وقال ابن عدي في "الكامل" (8/183) : غير محفوظ. وقال الذهبي في "الميزان" (3/423) : منكر. وقال الألباني في "السلسلة الضعيفة" (140) : باطل. وانظر في "السلسلة الضعيفة" (1/270-274) أحاديث أخرى كلها موضوعة أو منكرة في بيان ما يورثه الزنى من الشرور والآفات. ثانيا: من المقرر أن الذنوب لا تأتي إلا بالسوء والمصائب، كما قال الله تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) الروم:41، وقال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) الشورى:30 وبسب الذنوب والمعاصي يحرم العبد من الرزق والخير، بل بسببها تحرم الأرض من القطر، ولو كانت ذنوبا صغيرة، فكيف إذا كانت من الكبائر؟! عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ؛ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ: لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا، إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا!! وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ. وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا. وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ، إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ، فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ. وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ!!) رواه ابن ماجة (4019) وحسنه الألباني. فليس ببعيد أن يبتلي الله تعالى الزاني بالفقر، عقوبة على معصيته؛ حيث تناول لذة من غير حلها، فعوقب بأن حرمه الله الفضل والغنى، وأرسل عليه الفقر والعنا، والجزاء من جنس العمل. روى ابن حبان في "الثقات" (7/574) من طريق مكحول الشامي قال لي ابن عمر: (يا مكحول! إياك والزنا، فإنه يورث الفقر) وعن أسماء رضي الله عنها قالت: (رأيت زيد بن عمرو شيخا كبيرا مسندا ظهره إلى الكعبة وهو يقول: ويحكم يا معشر قريش! إياكم والزنى، فإنه يورث الفقر) رواه أبو نعيم في "معرفة الصحابة" (8/120 ش2) وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (19/512-513) وذكره ابن كثير في "البداية والنهاية" (2/241) يقول المناوي في "فيض القدير" (4/72) : " (الزنا يورث الفقر) أي: اللازم الدائم؛ لأن الغنى من فضل الله، والفضل لأهل الفرح بالله وبعطائه، وقد أغنى الله عباده بما أحل لهم من النكاح من فضله، فمن آثر الزنا عليه فقد آثر الفرح الذي من قبل الشيطان الرجيم على فضل ربه الرحيم، وإذا ذهب الفضل ذهب الغِنى وجاء العَنا، فالزِّنا موكَّلٌ بزوال النعمة، فإذا ابتلي به عبد ولم يُقلع ويرجع فليُوَدِّع نِعَمَ الله، فإنها ضيفٌ سريع الانفصال، وشيكُ الزوال (ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) لأنفال/53 قال في "شرح الشهاب": الفقر نوعان: فقر يد، وفقر قلب؛ فيُذهب شؤمُ الزنا بركةَ ماله فيمحقه؛ لأنه كَفر النعمةَ واستعان بها على معصية المنعم، فيسلبها ثم يبتلى بفقر قلبه لضعف إيمانه، فيفتقر قلبه إلى ما ليس عنده، ولا يعطَى الصبر عنه، وهو العذاب الدائم " انتهى. ويقول ابن القيم في "روضة المحبين" (360) : " والزنى يجمع خلال الشر كلها: من قلة الدين وذهاب الورع وفساد المروءة وقلة الغيرة، فلا تجد زانيا معه ورع، ولا وفاء بعهد، ولا صدق في حديث، ولا محافظة على صديق، ولا غيرة تامة على أهله. فالغدر والكذب والخيانة وقلة الحياء وعدم المراقبة وعدم الأنفة للحرم وذهاب الغيرة من القلب من شعبه وموجباته. ومن موجباته غضب الرب بإفساد حرمه وعياله، ولو تعرض رجل إلى ملك من الملوك بذلك لقابله أسوأ مقابلة. ومنها: سواد الوجه وظلمته، وما يعلوه من الكآبة والمقت الذي يبدو عليه للناظرين. ومنها: ظلمة القلب وطمس نوره، وهو الذي أوجب طمس نور الوجه وغشيان الظلمة له. ومنها: الفقر اللازم، وفي أثر يقول الله تعالى: (أنا الله مهلك الطغاة ومفقر الزناة) . ومنها: أنه يذهب حرمة فاعله ويسقطه من عين ربه ومن أعين عباده. ومنها: أنه يسلبه أحسن الأسماء،وهو اسم العفة والبر والعدالة، ويعطيه أضدادها كاسم الفاجر والفاسق والزاني والخائن. ومنها: أنه يسلبه اسم المؤمن كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) فسلبه اسم الإيمان المطلق، وإن لم يسلب عنه مطلق الإيمان. وسئل جعفر بن محمد عن هذا الحديث، فخط دائرة في الأرض وقال: هذه دائرة الإيمان، ثم خط دائرة أخرى خارجة عنها وقال: هذه دائرة الإسلام، فإذا زنى العبد خرج من هذه ولم يخرج من هذه. ولا يلزم من ثبوت جزء ما من الإيمان له أن يسمى مؤمنا، كما أن الرجل يكون معه جزء من العلم والفقه ولا يسمى به عالما فقيها، ومعه جزء من الشجاعة والجود ولا يسمى بذلك شجاعا ولا جوادا، وكذلك يكون معه شيء من التقوى ولا يسمى متقيا، ونظائره، فالصواب إجراء الحديث على ظاهره ولا يتأول بما يخالف ظاهره والله أعلم. ومنها: أن يعرض نفسه لسكنى التنور الذي رأى النبي صلى الله عليه وسلم فيه الزناة والزواني. ومنها: أنه يفارقه الطيب الذي وصف الله به أهل العفاف، ويستبدل به الخبيث الذي وصف الله به الزناة، كما قال الله تعالى: (الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات) وقد حرم الله الجنة على كل خبيث، بل جعلها مأوى الطيبين ولا يدخلها إلا طيب، قال الله تعالى: (الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون) وقال تعالى: (وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين) فإنما استحقوا سلام الملائكة ودخول الجنة بطيبهم، والزناة من أخبث الخلق، وقد جعل الله سبحانه جهنم دار الخبيث وأهله، فإذا كان يوم القيامة ميز الخبيث من الطيب، وجعل الخبيث بعضه على بعض ثم ألقاه وألقى أهله في جهنم، فلا يدخل النار طيب، ولا يدخل الجنة خبيث. ومنها: الوحشة التي يضعها الله سبحانه وتعالى في قلب الزاني، وهي نظير الوحشة التي تعلو وجهه، فالعفيف على وجهه حلاوة وفي قلبه أنس، ومن جالسه استأنس به، والزاني تعلو وجهه الوحشة، ومن جالسه استوحش به. ومنها: قلة الهيبة التي تنزع من صدور أهله وأصحابه وغيرهم له، وهو أحقر شيء في نفوسهم وعيونهم، بخلاف العفيف؛ فإنه يرزق المهابة والحلاوة. ومنها: أن الناس ينظرونه بعين الخيانة، ولا يأمنه أحد على حرمته، ولا على ولده. ومنها: الرائحة التي تفوح عليه يشمها كل ذي قلب سليم، تفوح من فيه وجسده، ولولا اشتراك الناس في هذه الرائحة لفاحت من صاحبها ونادت عليه ولكن كما قيل كل به مثل ما بي غير أنهم ... من غيرة بعضهم للبعض عذال ومنها: ضيقة الصدر وحرجه؛ فإن الزناة يعاملون بضد قصودهم، فإن من طلب لذة العيش وطيبه بما حرمه الله عليه عاقبه بنقيض قصده، فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته، ولم يجعل الله معصيته سببا إلى خير قط، ولو علم الفاجر ما في العفاف من اللذة والسرور وانشراح الصدر وطيب العيش لرأى أن الذي فاته من اللذة أضعاف أضعاف ما حصل له، دع ربح العاقبة والفوز بثواب الله وكرامته. ومنها: أنه يعرض نفسه لفوات الاستمتاع بالحور العين في المساكن الطيبة في جنات عدن، وقد تقدم أن الله سبحانه وتعالى إذا كان قد عاقب لابس الحرير في الدنيا بحرمانه لبسه يوم القيامة، وشارب الخمر في الدنيا بحرمانه إياها يوم القيامة، فكذلك من تمتع بالصور المحرمة في الدنيا، بل كل ما ناله العبد في الدنيا فإن توسع في حلاله ضيق من حظه يوم القيامة بقدر ما توسع فيه، وإن ناله من حرام فاته نظيره يوم القيامة. ومنها: أن الزنى يجرئه على قطيعة الرحم وعقوق الوالدين وكسب الحرام وظلم الخلق وإضاعة أهله وعياله، وربما قاده قسرا إلى سفك الدم الحرام، وربما استعان عليه بالسحر وبالشرك وهو يدري أو لا يدري، فهذه المعصية لا تتم إلا بأنواع من المعاصي قبلها ومعها، ويتولد عنها أنواع أخر من المعاصي بعدها، فهي محفوفة بجند من المعاصي قبلها، وجند بعدها، وهي أجلب شيء لشر الدنيا والآخرة، وأمنع شيء لخير الدنيا والآخرة، وإذا علقت بالعبد فوقع في حبائلها وأشراكها عز على الناصحين استنقاذه، وأعيى الأطباء دواؤه، فأسيرها لا يفدى، وقتيلها لا يودى، وقد وكلها الله سبحانه بزوال النعم، فإذا ابتلي بها عبد فليودع نعم الله، فإنها ضيف سريع الانتقال، وشيك الزوال، قال الله تعالى: (ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم) وقال تعالى: (وإذا اراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال) " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 89791 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 262 حديث موضوع في ذم الرافضة [السُّؤَالُ] ـ[ممكن أتأكد من سند هذا الحديث وصحته: عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: (كانت ليلتي، وكان النبي صلى الله عليه وسلم عندي، فأتته فاطمة، فسبقها علي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا علي! أنت وأصحابك في الجنة، ألا إنه ممن يزعم أنه يحبك أقوام يرفضون الإسلام ثم يلفظونه، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، لهم نبز، يقال لهم الرافضة، فإن أدركتهم فجاهدهم فإنهم مشركون. قلت: يا رسول الله ما العلامة فيهم؟ قال: لا يشهدون جمعة ولا جماعة، ويطعنون على السلف الأول) رواه الطبراني في الأوسط.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد للَّه أولاً: لمعرفة عقيدة الرافضة يراجع للأهمية جواب سؤال رقم (4569) و (1148) ثانياً: وإذا كان من علامة الرافضة، بل من دينهم ألا يشهدوا جمعة ولا جماعة، وإذا كان من دينهم الخبيث الضال أن يطعنوا في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأزواجه أمهات المؤمنين، بل ويكفرونهم، وإذا كانوا حقا من أجهل الناس بكتاب الله تعالى وسنة نبيه، وأبعدهم عن فقهه بقلوبهم، وإذا كان فيهم حقا من البدع والضلال والشرك ما الله به عليم، مما نبه عليه أهل العلم في موضعه. نقول: إذا كان فيهم كل هذا وغيره، فإن ذلك لا يبيح لنا أن نكذب على نبينا صلى الله عليه وسلم، أو ننسب إليه ما لم يقله، حتى ولو كان للتحذير من بدعهم وضلالهم. جاءت تسمية الرافضة في الأحاديث في معرض الذم عن خمسة من الصحابة، وهم: 1- عن أم سلمة رضي الله عنها، ولفظ الحديث: (كانت ليلتي، وكان النبى صلى الله عليه وسلم عندي، فأتته فاطمة، فسبقها علي، فقال له النبى صلى الله عليه وسلم: يا علي! أنت وأصحابك في الجنة، أنت وشيعتك في الجنة، إلا أنه ممن يزعم أنه يحبك أقوام يرفضون الإسلام ثم يلفظونه، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، لهم نبز (أي لقب) ، يقال لهم الرافضة، فإن أدركتهم فجاهدهم فإنهم مشركون، فقلت: يا رسول الله! ما العلامة فيهم؟ قال: لا يشهدون جمعة ولا جماعة، ويطعنون على السلف الأول) أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (6/354) والخطيب في "تاريخ بغداد" (12/358) ، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" (1/167) من طريق سوَّار بن مصعب الهمداني عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري عن أم سلمة به، قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن عطية إلا سوار بن مصعب. وقال ابن الجوزي: " وهذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، عطية: قد ضعفه الثوري وهشيم وأحمد ويحيى، وسوَّار: قال فيه أحمد ويحيى: متروك " انتهى. وقال الألباني في "السلسلة الضعيفة" (5590) : موضوع. 2- عن معاذ بن جبل في حديث طويل في "تاريخ دمشق" (32/383) جاء في "تنزيه الشريعة المرفوعة" لابن عراق (2/389) : " منكر وفي إسناده غير واحد من المجهولين " انتهى. 3- عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، بنحو لفظ حديث أم سلمة، ورد من عدة طرق عن علي بن أبي طالب: الطريق الأولى: عن كثير النواء عن إبراهيم بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده علي به. أخرجه أحمد في "المسند" (1/103) والبخاري في "التاريخ الكبير" (1/279) ، والبزار (2/138) وقال: لا نعلم له إسنادا عن الحسن إلا هذا الإسناد. وابن عدي في "الكامل" (6/66) ، وأخرجه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (1/163) وقال: " هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يحيى بن المتوكل قال فيه أحمد بن حنبل: هو واهي الحديث. وقال ابن معين: ليس بشيء. وكثير النواء: ضعفه النسائي. وقال ابن عدي: كان غاليا في التشيع مفرطا فيه " انتهى. ويبدو أن رواية الشيعي لأحاديث فيها ذم الرافضة الغرض منها نفي تهمة الغلو المذموم عن نفسه، أو يريد بها الطعن على فرق معينة من الرافضة، والله أعلم. والطريق الثانية: عن سوار بن مصعب عن محمد بن جحادة عن الشعبي عن علي به. أخرجه عبد الله بن أحمد في "السنة" (2/547) أبو نعيم في "الحلية" (4/329) وعنه ابن الجوزي في "العلل المتاهية" (1/164) ، وسوار متروك الحديث كما سبق. والطريق الثالثة: عن أبي جناب الكلبي يحيى بن أبي حية عن أبي سليمان الهمداني عن عمه عن علي به. أخرجه ابن عدي في "الكامل" (7/213) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (42/335) وهي طريق منكرة بسبب ضعف أبي جناب الكلبي كما في "تهذيب التهذيب" (4/350) وجهالة أبي سليمان الهمداني حيث قال الذهبي في "الميزان" (4/533) : لا يُدْرَى من هو. 4- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده علي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا علي! سيكون في أمتنا قوم ينتحلون حبنا أهل البيت، لهم نبز، يسمون الرافضة، فاقتلوهم فإنهم مشركون) أخرجه أحمد بن حنبل في "فضائل الصحابة" (1/417،440) الطبراني في "المعجم الكبير" (12/242) وابن عدي في "الكامل" (5/90) ، وأبو يعلى في "المسند" (4/459) وابن الجوزي في "العلل المتناهية" (1/163،166) جميعهم من طريق الحجاج بن تميم عن ميمون بن مهران عن ابن عبا به. قال ابن الجوزي: " وهذا لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العقيلي حجاج لا يتابع على هذ الحديث، وله غير حديث لا يتابع عليه " انتهى. وانظر ضعف حجاج في "تهذيب التهذيب" (1/357) . ورواه ابن عدي في "الكامل" (5/152) من طريق عمرو بن مخرم البصري ثنا يزيد بن زريع ثنا خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس. وقال: " وهذا حديث بهذا الإسناد، وخاصة عن يزيد بن زريع عن خالد، باطل لا أعلم يرويه غير عمرو بن مخرم، وعن عمرو أحمد بن محمد اليمامي وهو ضعيف أيضا، فلا أدري أتينا من قبل اليمامي أو من قبل عمرو بن مخرم " انتهى. 5- عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: (نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى علي فقال: هذا في الجنة، وإن من شيعته قوما يعطون الإسلام فيلفظونه، لهم نبز، يسمون الرافضة، من لقيهم فليقتلهم فإنهم مشركون) أخرجه أبو يعلى في "المسند" (12/116) وابن حبان في "المجروحين" (1/204) ، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" (1/165) من طريق تليد بن سليمان المحاربي عن أبي الجحاف داود بن أبي عوف عن محمد بن عمرو الهاشمي عن زينب بنت علي عن فاطمة رضي الله عنها به. قال ابن الجوزي: " هذا لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أحمد ويحيى بن معين: تليد بن سليمان المحاربي كذاب " قال ابن حبان في "المجروحين" (1/204) : " تليد بن سليمان المحاربي كنيته أبو إدريس من أهل الكوفة، يروي عن أبي الجحاف داود بن أبي عوف، روى عنه الكوفيون، وكان رافضيا يشتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وروى في فضائل أهل البيت عجائب، وقد حمل عليه يحيى بن معين حملا شديدا وأمر بتركه " انتهى وفيه علة أخرى قالها الهيثمي في "مجمع الزوائد" (9/748) : " أن زينب بنت علي لم تسمع من فاطمة فيما أعلم " انتهى. لذا حكم عليه الألباني في "السلسلة الضعيفة" (6541) بالنكارة. 6- عن ابن عمر رضي الله عنهما بنحو الألفاظ السابقة: أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (42/335) والآجري في "الشريعة" (5/219) من طريق محمد بن معاوية عن يحيى بن سابق المديني عن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر. جاء في "لسان الميزان" (6/256) في ترجمة يحيى بن سابق: " قال أبو حاتم: ليس بقوي. وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات. وقال الدارقطني: متروك. وقال أبو نعيم: حدث عن موسى بن عقبة وغيره بموضوعات " انتهى يظهر مما سبق أن خلاصة الحكم على كل حديث فيه التصريح بذم الرافضة بالاسم أنه حديث منكر، لا ينبغي نسبته للنبي صلى الله عليه وسلم، إذ لم يرو من طريق صحيحة ولا حسنة، بل ولا حتى يسيرة الضعف. قال البيهقي في "دلائل النبوة" (8/24) : " روي في معناه من أوجه أخر، كلها ضعيفة " انتهى. وضعفها الألباني أيضا في "ظلال الجنة" (2/191-194) . ومما يدل على ضعفها أن العلماء يذكرون في تاريخ ظهور هذا اللقب " الرافضة " قصة مشهورة، تدل على تأخر ظهور هذا اللقب عن العهد النبوي. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "منهاج السنة" (1/34) : " لفظ الرافضة إنما ظهر لما رفضوا زيد بن علي بن الحسين في خلافة هشام، وقصة زيد بن علي بن الحسين كانت سنة إحدى وعشرين أو اثنتين وعشرين ومائة، في أواخر خلافة هشام، قال أبو حاتم البستي: قتل زيد بن علي بن الحسين بالكوفة سنة اثنتين وعشرين ومائة، وصلب على خشبة، وكان من أفاضل أهل البيت وعلمائهم، وكانت الشيعة تنتحله. قلت: ومن زمن خروج زيد افترقت الشيعة إلى رافضة وزيدية، فإنه لما سئل عن أبي بكر وعمر فتَرَحَّمَ عليهما رفضه قوم، فقال لهم: رفضتموني! فسموا " رافضة " لرفضهم إياه، وسمي من لم يرفضه من الشيعة زيديا لانتسابهم إليه " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 89850 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 263 فضل التمسك بالسنة زمن انتشار الفساد [السُّؤَالُ] ـ[يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (من تمسك بسنتي عند فساد أمتي له أجر مائة شهيد) ... هل هذا الحديث صحيح؟ وإن كان صحيحا ... فماذا على الإنسان أن يستزيد من الأفعال حتى يعتبر متمسكا بالسنة؟ ... أعيش في بلد عربي ولا يخفى الحال ... فهل ترك المحرمات يعتبر كافيا لذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد للَّه أولا: السنة النبوية سفينة النجاة وبر الأمان، حث النبي صلى الله عليه وسلم على التمسك بها وعدم التفريط فيها فقال: (فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ) رواه أبو داود (4607) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. وحين يكثر الشر والفساد، وتظهر البدع والفتن، يكون أجر التمسك بالسنة أعظم، ومنزلة أصحاب السنة أعلى وأكرم، فإنهم يعيشون غربة بما يحملون من نور وسط ذلك الظلام، وبسبب ما يسعون من إصلاح ما أفسد الناس. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الإِسلَامَ بَدَأَ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ، فَطُوبَى لِلغُرَبَاءِ. قِيلَ: مَن هُم يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الذِينَ يَصلُحُونَ إِذَا فَسَدَ النَّاسُ) أخرجه أبو عمرو الداني في "السنن الواردة في الفتن" (1/25) من حديث ابن مسعود، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1273) وأصل الحديث في صحيح مسلم (145) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (َإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْر، الصَّبْرُ فِيهِ مِثْلُ قَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِيهِمْ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِهِ، - وَزَادَنِي غَيْرُهُ - قَالَوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْهُمْ؟! قَالَ: أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ) رواه أبو داود (4341) والترمذي (3058) وقال: حديث حسن، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (494) وفي بعض روايات الحديث قال: (هم الذين يحيون سنتي ويعلمونها الناس) . والتمسك بالسنة يعني أمورا: 1- القيام بالواجبات واجتناب المحرمات. 2- اجتناب البدع العملية والاعتقادية. 3- الحرص على تطبيق السنن والمستحبات بحسب قدرته واستطاعته. 4- دعوة الناس إلى الخير ومحاولة إصلاح ما أمكن. جاء في محاضرة للشيخ ابن جبرين حول حقيقة الالتزام (ص/10) : " لا شك أن السنة النبوية مدونة وموجودة وقريبة وسهلة التناول لمن طلبها، فما علينا إلا أن نبحث عنها، فإذا عرفنا سنة من السنن عملنا بها حتى يَصْدُق علينا قول (فلان ملتزم) ، ولا ننظر إلى من يُخَذّل أو من يحقر أو من يستهزئ ونحو ذلك. والسنن قد تكون من الواجبات، وقد تكون من الكماليات أو من المستحبات، وقد تكون من الآداب والأخلاق، فعلى المسلم أن يعمل بكل سنة يستطيعها، وذلك احتساباً للأجر وطلباً للثواب. فالملتزم هو الذي كلما سمع حديثاً فإنه يسارع في تطبيقه، ويحرص كل الحرص على العمل به ولو كان من المكملات أو من النوافل. فتراه مثلاً يسابق إلى المساجد ويسوؤه إذا سبقه غيره، وتراه يسابق إلى كثرة القراءة وكثرة الذكر أكثر من غيره، وتراه يكثر من أنواع العبادات، ويحرص كل الحرص أن تكون جميع أعماله وعباداته متبعاً فيها السنة، وليس فيها شيء من البدع،‍ حتى تكون تلك الأعمال والعبادات مقبولة عند الله؛ لأنه متى قبل العمل فاز المسلم برضوان ربه، نسأل الله أن تكون أعمالنا مقبولة عنده إنه سميع مجيب " انتهى. ويقول الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في "المنتقى" (2/سؤال رقم/270) : " يجب عليك الالتزام بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمحافظة عليها، وألا تلتف إلى عذل من يعذلك أو يلومك في هذا، خصوصًا إذا كانت هذه السنن من الواجبات التي يجب التمسك بها، لا في المستحبات، وإذا لم يصل الأمر إلى التشدد، أما إذا كان الأمر بلغ بك إلى حد التشدد فلا ينبغي لك، ولكن ينبغي الاعتدال والتوسط في تطبيق السنن والعمل بها من غير غلو وتشدد، ومن غير تساهل ولا تفريط، هذا هو الذي ينبغي عليك؛ وعلى كل حال أنت مثاب إن شاء الله، وعليك بالتمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى. ثانيا: أما الحديث الذي ذكره السائل الكريم في أن للمتمسك بالسنة عند فساد الناس أجر شهيد أو أجر مائة شهيد فهو حديث ضعيف لا يصح، وهذا شيء من الكلام عليه: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المتمسك بسنتي عند فساد أمتي له أجر شهيد) أخرجه الطبراني في "الأوسط" (2/31) وعنه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (8/200) وفي سنده علتان: 1- تفرد عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد، ومثله لا يحتمل تفرده. 2- جهالة محمد بن صالح العذري: قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/172) : لم أر من ترجمه. ولذلك ضعفه الشيخ الألباني رحمه الله في "السلسلة الضعيفة" (327) . وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من تمسك بسنتي عند فساد أمتي فله أجر مائة شهيد) أخرجه ابن عدي في "الكامل" (2/327) وسنده ضعيف جدا، فيه الحسن بن قتيبة: متروك الحديث، انظر ترجمته في "لسان الميزان" (2/246) ، وضعفه الألباني في "السلسلة الضعيفة" (326) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 89878 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 264 أهم شيوخ الإمام البخاري رحمه الله [السُّؤَالُ] ـ[مَن هُم أهم شيوخ البخاري؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد للَّه البخاري شيخ الإسلام، وإمام الحفاظ، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم، صاحب الصحيح والتصانيف، مولده في شوال سنة أربع وتسعين ومائة، وأول سماعه للحديث سنة خمس ومائتين، وحفظ تصانيف ابن المبارك وهو صبي، ونشأ يتيما. صنف وحدث وما في وجهه شعرة، وكان رأسا في الذكاء، رأسا في العلم، ورأسا في الورع والعبادة. وكان شيخا نحيفا ليس بطويل ولا قصير، مائلا إلى السمرة. كان يقول: لما طعنت في ثماني عشرة سنة جعلت أصنف قضايا الصحابة والتابعين وأقاويلهم في أيام عبيد الله بن موسى، وحينئذ صنفت التاريخ عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم في الليالي المقمرة. وكان يقول: أحفظ مائة ألف حديث صحيح، وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح. قال ابن خزيمة: ما تحت أديم السماء أعلم بالحديث من البخاري. مات ليلة عيد الفطر سنة ست وخمسين ومائتين " انتهى. اختصارا من "تذكرة الحفاظ" للذهبي (2/555) ثانيا: أما شيوخه فهم كثير، حدث محمد بن أبي حاتم عنه أنه قال: " كتبت عن ألف وثمانين نفسا، ليس فيهم إلا صاحب حديث " انتهى. كما في "سير أعلام النبلاء" (12/395) . وأهمية الشيخ تختلف بحسب الاعتبار: فقد تكون الأهمية بسبب مكانة الشيخ العلمية الرفيعة، وقد تكون بسبب إكثار البخاري عنه، وقد تكون بسبب علو سنده، وقد تكون بسبب تأثر البخاري به كثيرا، وقد يجتمع في الشيخ أكثر من اعتبار واحد. أما شيوخه الذين أكثر عنهم جدا في الصحيح، ولهم عنده أكثر من مائة رواية فهم: عبد الله بن يوسف التنيسي، وقد فاقت رواياته عنه الثلاثمائة رواية، علي بن عبد الله المديني فاقت مروياته المائتين، أبو اليمان الحكم بن نافع، موسى بن إسماعيل التبوذكي، عبد الله بن محمد المسندي، أبو نعيم الفضل بن دكين، محمد بن بشار المعروف ببندار، قتيبة بن سعيد، سلمان بن حرب، أبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي، محمد بن المثنى. أما المتوسطون: وهم من لهم دون المائة رواية وأكثر من خمسين، فهم: عبد العزيز بن عبد الله الأويسي، عبد الله بن الزبير الحميدي، إبراهيم بن موسى، إبراهيم بن المنذر، محمد بن يوسف الفريابي، محمد بن كثير، حفص بن عمر. ومن أهم شيوخه الذين بلغوا رتبة الإمامة في العلم والدين: الإمام أحمد بن حنبل وإن لم يرو عنه في الصحيح، وإسحاق بن راهويه روى عنه نحو الثلاثين رواية، وأحمد بن صالح المصري، وأبو نعيم الفضل بن دكين، وغيرهم. ولعل أعظمهم تأثيرا في نفس الإمام البخاري وشخصيته، وأجلهم مرتبة عنده هو الإمام علي بن المديني رحمه الله، حيث قال البخاري فيه: " ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند علي بن المديني " انتهى. "تذكرة الحفاظ" (2/428) . وقد ذكر الذهبي في ترجمة البخاري أسماء أشهر شيوخه، ورتبهم بحسب البلدان فقال في "سير أعلام النبلاء" (12/394-396) ؛ وأما الحافظ ابن حجر فله ترتيب آخر مفيد أيضا، حيث قال في "هدي الساري" (479) : " ينحصرون في خمس طبقات: الطبقة الأولى: من حدثه عن التابعين: مثل محمد بن عبد الله الأنصاري حدثه عن حميد، ومثل مكي بن إبراهيم حدثه عن يزيد بن أبي عبيد، ومثل أبي عاصم النبيل حدثه عن يزيد بن أبي عبيد أيضا، ومثل عبيد الله بن موسى حدثه عن إسماعيل بن أبي خالد، ومثل أبي نعيم حدثه عن الأعمش، ومثل خلاد بن يحيى حدثه عن عيسى بن طهمان، ومثل على بن عياش وعصام بن خالد حدثاه عن حريز بن عثمان، وشيوخ هؤلاء كلهم من التابعين. الطبقة الثانية: من كان في عصر هؤلاء لكن لم يسمع من ثقات التابعين: كآدم بن أبي إياس وأبي مسهر عبد الأعلى بن مسهر وسعيد بن أبي مريم وأيوب بن سليمان بن بلال وأمثالهم. الطبقة الثالثة: هي الوسطى من مشايخه، وهم من لم يلق التابعين، بل أخذ عن كبار تبع الأتباع، كسليمان بن حرب وقتيبة بن سعيد ونعيم بن حماد وعلي بن المديني ويحيى بن معين وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبي بكر وعثمان ابني أبي شيبة وأمثال هؤلاء، وهذه الطبقة قد شاركه مسلم في الأخذ عنهم. الطبقة الرابعة: رفقاؤه في الطلب، ومن سمع قبله قليلا، كمحمد بن يحيى الذهلي وأبي حاتم الرازي ومحمد بن عبد الرحيم صاعقة وعبد بن حميد وأحمد بن النضر وجماعة من نظرائهم، وإنما يخرج عن هؤلاء ما فاته عن مشايخه، أو ما لم يجده عند غيرهم. الطبقة الخامسة: قوم في عداد طلبته في السن والإسناد، سمع منهم للفائدة: كعبد الله بن حماد الآملي وعبد الله بن أبي العاص الخوارزمي وحسين بن محمد القباني وغيرهم، وقد روى عنهم أشياء يسيرة. وعمل في الرواية عنهم بما روى عثمان بن أبي شيبة عن وكيع قال: لا يكون الرجل عالما حتى يحدث عمن هو فوقه، وعمن هو مثله، وعمن هو دونه، وعن البخاري أنه قال: لا يكون المحدث كاملا حتى يكتب عمن هو فوقه، وعمن هو مثله، وعمن هو دونه " انتهى. انظر جواب السؤال رقم (21523) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 89915 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 265 حديث الأوعال حديث ضعيف [السُّؤَالُ] ـ[ما مدى صحة حديث الأوعال؟ وكيف نفسره في ضوء العلم الحديث؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أما نص حديث الأوعال فهو: عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: (كُنتُ فِي البَطْحَاءِ فِي عِصَابَةٍ فِيهِم رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَمَرَّت بِهِم سَحَابَةٌ، فَنَظَرَ إِلَيهَا فَقَالَ: " مَا تُسَمُّونَ هَذِهِ؟ " قالوا: السَّحَابُ. قَالَ: " وَالمُزنُ "، قَالُوا: وَالمُزنُ، قَالَ: " وَالعَنَانُ "، قَالُوا: وَالعَنَان، قال: " هَل تَدرُونَ مَا بُعدُ مَا بَينَ السَّمَاءِ وَالأَرضِ؟ " قالوا: لا نَدرِي. قَالَ: " إِنَّ بُعدَ مَا بَينَهُمَا إِمَّا وَاحِدَةٌ أَو اثنَتَانِ أَو ثَلاثٌ وَسَبعُونَ سَنَةً، ثُمَّ السَّمَاءُ فَوقَهَا كَذَلِكَ - " حَتَّى عَدَّ سَبعَ سَمَوَاتٍ " - ثُمَّ فَوقَ السَّابِعَةِ بَحرٌ بَينَ أسفَلِهِ وَأَعْلاهُ مِثلُ مَا بَينَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، ثُمَّ فَوقَ ذَلِكَ ثَمَانِيَةُ أَوْعَالٍ، بَينَ أَظلافِهِم وَرُكَبِهِم مِثلُ مَا بَينَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، ثُمَّ عَلَى ظُهُورِهِم العَرشُ، مَا بَينَ أَسفَلِهِ وَأَعلاهُ مِثلُ مَا بَينَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، ثُمَّ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَوقَ ذَلِكَ) . قال ابن الأثير في "النهاية" (3/355) : " (أوعال) أي ملائكةٌ على صُورة الأوْعال، وهم تُيوسُ الجَبَل، واحِدُها وَعِلٌ بكسر العين. (الظِّلْف) للبَقَر والغَنَم كالحافِر للفَرس والبَغْل والخُفِّ للبَعِير " انتهى. وهذا حديث مشهور في كتب أهل العلم، ومروي في أكثر الكتب المسندة، فقد أخرجه أحمد في "المسند" (1/206) ، وأبو داود في "السنن" (4723) ، والترمذي في "السنن" (3320) وابن ماجه (193) ، والدارمي في "الرد على الجهمية" (50) ، والبزار في مسنده (4/134) ، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة في "العرش" (1/66) ، وابن خزيمة في كتاب التوحيد (1/234) ، والحاكم في المستدرك (2/410) وغير ذلك من كتب السنة. ومجموع رواية هؤلاء الأئمة تصل إلى خمس روايات كلها تلتقي في: سِمَاك بن حرب عن عبد الله بن عميرة عن الأحنف بن قيس عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه به. أما سِمَاك بن حرب فقد أدرك العديد من الصحابة، وأخرج له مسلم، والبخاري تعليقا، وقد وثقه جماعة من أهل العلم، كالإمام أحمد وأبو حاتم والبزار وغيرهم، ولكن أخذ عليه بعض أهل العلم وجود الغرائب في حديثه، لذلك ضعفه شعبة وابن المبارك، وقال ابن أبي خيثمة سمعت ابن معين سئل عنه: ما الذي عابه؟ قال: أسند أحاديث لم يسندها غيره وهو ثقة. وقال ابن عمار: يقولون إنه كان يغلط، ويختلفون في حديثه. وكان الثوري يضعفه بعض الضعف، ولم يرغب عنه أحد. وقال النسائي: كان ربما لقن، فإذا انفرد بأصل لم يكن حجة لأنه كان يلقن فيتلقن. وقال ابن حبان في "الثقات": يخطىء كثيرا. انظر ترجمته في "تهذيب التهذيب" (4/204) وأما عبد الله بن عميرة: فلا نعرف عنه شيئا من ترجمته إلا أنه يروي عن الأحنف بن قيس، ولا يعرف عنه راو غير سماك بن حرب، ولم ينص أحد من أهل العلم على توثيقه أو تضعيفه، إلا أن ابن احبان ذكره في "الثقات"، وقال ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (5/301) " قال البخاري: لا يعلم له سماع من الأحنف. وذكره ابن حبان في "الثقات"، وحسن الترمذي حديثه، قلت (أي ابن حجر) : قال أبو نعيم في "معرفة الصحابة": أدرك الجاهلية، وكان قائد الأعشى، لا تصح له صحبة ولا رؤية. وقال مسلم في "الوُحدان": تفرد سماك بالراوية عنه. وقال إبراهيم الحربي: لا أعرفه " انتهى. ولما كان أمر سماك بن حرب قد لا يحتمل التفرد بحديث أصل، ونجد أمر عبد الله بن عميرة مشتبها ومحتملا، اختلف أهل العلم في تصحيح الحديث أو تضعيفه. فالحديث قال فيه الترمذي: حسن غريب. وصححه ابن خزيمة بإخراجه في كتاب "التوحيد" حيث اشترط الصحة، وقال الحاكم في "المستدرك": صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ومن المتأخرين ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (3/192) ، وابن القيم في "مختصر الصواعق" (433) حيث قال: إسناده جيد. أما من ضعفه من أهل العلم: فهو مفهوم كلام البزار في "مسنده" (4/115) حيث قال: " لا نعلمه روي بهذا الكلام وهذا اللفظ إلا من هذا الوجه عن العباس عن النبي صلى لله عليه وسلم، وعبد الله بن عميرة، لا نعلم روى عنه إلا سماك بن حرب " انتهى. وابن عدي في الكامل (9/27) حيث قال: غير محفوظ. وأشار إلى ضعفه المزي في "تهذيب الكمال" (10/391) وقال الذهبي في "العلو" (1/60) : " تفرد به سماك عن عبد الله، وعبد الله فيه جهالة " انتهى وإن كان الذهبي قد حسن الحديث في كتاب "العرش" (24) ومن المتأخرين أيضا العلامة الألباني في "السلسلة الضعيفة" (1247) والذي يترجح – والله أعلم – هو ضعف الحديث، فإن تفرد سماك بن حرب بمثل هذا الحديث المتعلق بالغيبيات تفرد غير مقبول، وجهالة عبد الله بن عميرة تضر في مثل هذا الموضع أيضا، ثم ثمة انقطاع بينه وبين الأحنف بن قيس. أما من أراد الاستدلال بهذا الحديث على علو الله سبحانه وتعالى على خلقه، وأنه فوق العرش العظيم، فإن الكتاب والسنة الصحيحة مليئان بما يغني في الدلالة على ذلك، حتى قد تصل الأدلة إلى ألف دليل، وقد جمعها الإمام الذهبي في كتابه "العلو" لمن أراد المزيد. وسبق في موقعنا ذكر شيء من الأدلة، انظر جواب السؤال رقم (992) و (11035) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 88746 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 266 الفرق بين الحديث المنكر والحديث المضطرب [السُّؤَالُ] ـ[ما الفرق بين الحديث المنكر والحديث المضطرب؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لمعرفة الفرق بين هذين النوعين لا بد أولا من توضيح معنى كل منهما، وبيان الصور التي يطلق عليها العلماء هذين الوصفين، ثم تحديد أوجه الشبه وأوجه الافتراق بينهما. فيقال: أولا: يطلق العلماء الوصف بالنكارة على الصور التالية: الصورة الأولى: بعض حالات التفرد، وذلك في: 1- أن ينفرد برواية الحديث الراوي الصدوق النازل عن درجة أهل الإتقان، وليس له عاضد يصحح به، ترى هذا في كلام أحمد بن حنبل وأبي داود والنسائي والعقيلي وابن عدي وغيرهم. 2- تفرد المستور، أو الموصوف بسوء الحفظ، أوالمضعف، وليس له عاضد يقوى به. (انظر الموقظة/42، تدريب الراوي 2/278، النكت لابن حجر 2/674) الصورة الثانية: بعض حالات المخالفة: 1- مخالفة المستور، أو الموصوف بسوء الحفظ، أو المضعف، وإذا كثرت مخالفة الرواي أصبح متروكا، وعليه أكثر ما يطلق الوصف بالنكارة. 2- مخالفة الثقة من هو أوثق منه أو أكثر عددا. (انظر تدريب الراوي 2/277) الصورة الثالثة: أنواع من الحديث الضعيف لأسباب أخرى، كالمدرج، والمنقطع، وحديث المجهول، وقع ذلك في كلام غير واحد من الأئمة المتقدمين، كيحيى بن سعيد القطان، وأحمد بن حنبل، وأبي زرعة، وأبي حاتم، وأبي داود، والنسائي، وغيرهم، يطلقون لقب (المنكر) على هذه الأنواع. (انظر النكت لابن حجر 2/675، تحرير علوم الحديث لعبد الله الجديع 2/ 1036) . ثانيا: الحديث المضطرب لقب أطلقه العلماء على الصور التالية: الصورة الأولى: أن يروى الحديث على أوجه مختلفة متساوية في القوة، بحيث يتعذر الترجيح. وتصح دعوى الاضطراب حين يتعذر الجمع بين الوجوه المختلفة، فإذا أمكن الجمع فلا اضطراب. والصورة الثانية: التردد في الإسناد أو المتن من الراوي المعين، فيقال: (كان فلان يضطرب فيه فتارة يقول كذا، وتارة يقول كذا) . (انظر تدريب الراوي 2/308، النكت لابن حجر 2/773) . ثالثا: يتبين مما سبق الفرق بين النكارة والاضطراب وذلك من جهتين: الأولى: أن المنكر يطلق على تفرد من لا يُحْتمل تفرده، من مستور أو ضعيف برواية لم يتابع عليها، يعني: أن الوصف بالنكارة لا يشترط له تعدد الروايات والمخالفة بينها، أما المضطرب فلا يطلق إلا على ما جاء من أكثر من وجه، ثم اختلفت هذه الوجوه بحيث لا يمكن الجمع ولا الترجيح بينها. الثانية: ثمة فرق آخر، وهو أنه عند تعدد الطرق فإننا ننظر، إن استطعنا تحديد الأرجح منها فإن المرجوح يوصف بالنكارة، في حين أننا لا نصفه بالاضطراب إلا حين تستوي الأوجه الواردة، ولا يمكن الترجيح بينها. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 85048 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 267 نقد قصة موضوعة، والتحذير من القصَّاص الجهلة [السُّؤَالُ] ـ[نرجو الإفادة في صحة هذه الرواية (سمعتها من أحد الوعاظ) استيقظ الساعة الرابعة والثلث ليجهز نفسه لأداء صلاة الفجر , قام وتوضأ ولبس ثوبه وتهيأ للخروج من المنزل والذهاب إلى المسجد , كان معتاداً على ذلك فمنذ صغره اعتاد أن يصلي صلواته جماعة في المسجد حتى صلاة الفجر , خرج من منزله وأخذ طريقه إلى المسجد , وبينما هو في طريقه إليه تعثّر وسقط وتمزّق جزء من ثوبه , فعاد إلى المنزل يغيّر ثوبه ويلبس ثوباً آخر , لم يغضب ولم يسب ولم يلعن، فقط عاد إلى منزله وغيَّر ثوبه بكل بساطة , ثم عاد مرة أخرى يسلك طريق المسجد وإذ به يتعثّر مرة أخرى ويسقط وانقطع جزء من هذا الثوب أيضاً , عاد إلى منزله وقام بتغيير ثوبه , لقد تمزّق كلا ثوبيه ومع ذلك لم يعقه ذلك عن رغبته في أداء الصلاة جماعة في المسجد , عاد مرة أخرى يأخذ طريقه إلى المسجد، وإذا به يتعثر للمرة الثالثة , ولكن شعر فجأة أنه لم يسقط، وأن هناك أحداً أسنده ومنعه من أن يسقط على الأرض , تعجب الرجل ونظر حوله فلم يجد أحداً , وقف حائراً لحظة ثم أكمل طريقه إلى المسجد، وإذا به يسمع صوتاً يقول له أتدري من أنا؟ فقال الرجل: لا، فرد الصوت: أنا الذي منعك من السقوط , فأعقبه الرجل وقال: فمن أنت؟ فأجاب: أنا الشيطان، فسأله الرجل: ما دمتَ الشيطان لم منعتني من السقوط؟ فرد الشيطان: في المرة الأولى عندما تعثرت وعدت إلى منزلك وغيَّرت ثوبك غفر الله لك كل ذنبك، وفي المرة الثانية عندما تعثرت وعدت إلى منزلك وغيَّرت ثوبك غفر الله لأهل بيتك , وعندما تعثرت في المرة الثالثة خفت أن تعود إلى المنزل وتغير ثوبك فيغفر الله لأهل حيّك , فأسندتك ومنعتك السقوط! . ما يحيرني في القصة أنه هل يمكن للشيطان أن يكلم الإنسان وأن يمسك يده ويمنعه من السقوط كما ورد في القصة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: هذه القصة لا أصل لها في كتب السنة والحديث والتاريخ، وهي مخالفة للشرع مخالفة صريحة، وذلك من وجوه: 1. المحادثة بين الرجل والشيطان، فمن الممكن أن يوسوس الشيطان للإنسان، وهو على هيئته الحقيقية، وأما أن يكلمه فهذا غير ممكن، إلا أن يكون الشيطان متشكلا على هيئة البشر. 2. قول الشيطان إنه أسند الرجل عندما تعثَّر، وهذا الأمر لا يصدَّق وليس في مقدور الشيطان أن يفعله، وقد جعل الله تعالى الملائكة حافظة وحارسة للإنسان من ضرر الجن وأذيته؛ لأنهم يروننا ولا نراهم، قال تعالى: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ) الرعد/11، وواضح من القصة المكذوبة أن الشيطان له قدرة على حفظ الإنسان مما يمكن أن يؤذيه، أو أن الشيطان قادر على المنع من قدر الله تعالى. 3. والأخطر في القصة المكذوبة هو في قول الشيطان إن الله تعالى في المرة الأولى غفر للإنسان كل ذنبه، وأنه في المرة الثانية غفر الله لأهل بيته، وزعْمه أنه لو سقط في المرة الثالثة لغفر الله لأهل حيِّه! وهذا كله من الكذب على الله تعالى وادعاء علم الغيب، وليس جرح المجاهد في المعركة مع الكفار بموجب لمثل هذه الفضائل، فكيف تُجعل للذاهب للمسجد، وهي ليست لمن تعثر وسقط في الدعوة إلى الله أو في طريقه لصلة الرحم وغيرها من الطاعات، فكيف تُجعل هذه الفضائل لمن سقط في ذهابه للمسجد؟! . ثم إنه ليس في السقوط والتعثر شيء يوجب هذه الفضائل، وقد سقط وتعثر وجرح كثير من الصحابة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأتِ حرف في السنة في مثل هذه الفضائل بل ولا في جزء منها، ولا يغفر الله تعالى لأهل البيت أو الحي أو المدينة لفعل واحد من الصالحين أو طاعته، فضلاً عن سقوط لا يقرِّب إلى الله وليس هو طاعة في نفسه، ولو كان أحدٌ ينتفع بفعل غيره لانتفع والد إبراهيم عليه السلام بنبوة ابنه، ولانتفع ابن نوح بنبوة أبيه، ولانتفع أبو طالب بنبوة ابن أخيه محمد صلى الله عليه وسلم. ثم من أين علم الشيطان بذلك كله حتى أخبر هذا الرجل، وهل يملك الشيطان أن يمنع رحمة أرادها الله تعالى بأحد من عباده؟ كلا؛ قال الله تعالى: (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) فاطر/2 ثانياً: لا شك أن هذه القصص المكذوبة الباطلة هي مما يروج عند من لم يفهم دينه، ولا يعرف توحيد ربه تعالى، ويروجها أساطين الكذب من الخرافيين المفترين على شرع الله تعالى، وقد توعد الله تعالى هؤلاء الكاذبين بأشد الوعيد، فقال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) الأعراف/33. والواجب على الخطباء والمدرسين أن ينزهوا أنفسهم أن يكونوا من القصَّاص الذين يقصون على العامة ما يخالف الشرع والعقل، وقد حذَّر سلف هذه الأمة من هؤلاء القصَّاص أشد التحذير لما فيه كثير من قصصهم من آثار سيئة على العامة ولما فيها من مضادة لشرع الله. وقد جاء في حديث حسَّنه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (1681) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لمَّا هَلَكُوا قَصُّوا) . قال الشيخ الألباني – رحمه الله -: قال في " النهاية ": (لما هلكوا قصوا) : أي: اتكلوا على القول وتركوا العمل، فكان ذلك سبب هلاكهم، أو بالعكس: لما هلكوا بترك العمل أخلدوا إلى القصص. وقال الألباني – معقِّباً -: ومن الممكن أن يقال: إن سبب هلاكهم اهتمام وعاظهم بالقصص والحكايات دون الفقه والعلم النافع الذي يعرف الناس بدينهم، فيحملهم ذلك على العمل الصالح؛ لما فعلوا ذلك هلكوا. " السلسلة الصحيحة " (4 / 246) . وهذا هو حال القصَّاص: الاهتمام بالحكايات والخرافات، وسردها على العامة، دون الفقه والعلم، ويسمع العامي كثيراً ولا يفقه حكماً ولا يستفيد علماً. قال ابن الجوزي في " تلبيس إبليس " (ص 150) : والقصاص لا يُذمون من حيث هذا الاسم لأن الله عز وجل قال: (نَحْنُ نَقصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القَصَص) وقال: (فَاقْصُص القَصَص) . وإنما ذُمَّ القصاص لأن الغالب منهم الاتساع بذكر القصص دون ذكر العلم المفيد، ثم غالبهم يخلط فيما يورد وربما اعتمد على ما أكثره محال. انتهى وعن أبي قلابة عبد الله بن زيد قال: (ما أمات العلم إلا القصاص، يجالس الرجلُ الرجلَ سنةً فلا يتعلق منه شيء، ويجلس إلى العلم فلا يقوم حتى يتعلق منه شيء) . " حلية الأولياء " (2 / 287) . وكم أحدث هؤلاء القصاص من آثار سيئة على العامة، وسردهم لتلك الخرافات جعلت لهم منزلة عند العامة الذين يصدِّقون كل ما يسمعون حتى أصبحوا مقدَّمين على العلماء وطلبة العلم. قال الحافظ العراقي – رحمه الله -: ومن آفاتهم: أن يحدِّثوا كثيراً من العوام بما لا تبلغه عقولهم , فيقعوا في الاعتقادات السيئة , هذا لو كان صحيحاً , فكيف إذا كان باطلاً؟! . " تحذير الخواص " للسيوطي (ص 180) نقلاً عن " الباعث على الخلاص " للعراقي. يقول ابن الجوزي: والقاص يروي للعوام الأحاديث المنكرة , ويذكر لهم ما لو شم ريح العلم ما ذكره , فيخرج العوام من عنده يتدارسون الباطل، فإذا أنكر عليهم عالم قالوا: قد سمعنا هذا بـ " أخبرنا " و " حدثنا "، فكم قد أفسد القصاص من الخلق بالأحاديث الموضوعة , كم لون قد اصفر من الجوع , وكم هائم على وجهة بالسياحة، وكم مانع نفسه ما قد أبيح , وكم تارك رواية العلم زعماً منه مخالفة النفس في هواها، وكم موتم أولاده [يعني: جعلهم يتامى] بالزهد وهو حي، وكم معرض عن زوجته لا يوفيها حقها؛ فهي لا أيم ولا ذات بعل " اهـ. الموضوعات " (1 / 32) . ومن هنا جاء الذم لهؤلاء القصاص في كلام كثير من السلف: قال ميمون بن مهران - رحمه الله -: القاص ينتظر المقت من الله، والمستمع ينتظر الرحمة. قال الألباني رحمه الله - تحت حديث رقم (4070) من " السلسلة الضعيفة " -: رواه ابن المبارك في كتابه " الزهد " بسندٍ صحيحٍ. وقال الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله -: أكذب الناس القُصَّاص والُّسوَّال، وما أحوج الناس إلى قاص صدوق؛ لأنهم يذكرون الموت وعذاب القبر، قيل له: أكنت تَحضر مجالسهم؟ قال: لا. " الآداب الشرعية " لابن مفلح الحنبلي (2 / 82) . فنسأل الله أن يصلح أحوال الأئمة والخطباء، وأن يهديهم لما فيه صلاحهم وإصلاح غيرهم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83731 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 268 حكم الحديث المعلق [السُّؤَالُ] ـ[ما المقصود بالأحاديث المعلقة؟ وما هو الصحيح منها سواء في البخاري أو في مسلم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الحديث المعلق هو ما حذف من بداية إسناده (أي من جهة المحدث المصنف – صاحب الكتاب-) راو واحد فأكثر. يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله "نزهة النظر" (108-109) : " ومن صور المعلق: أن يحذف جميع السند، ويقال مثلا: قال رسول لله صلى الله عليه وسلم. ومنها: أن يحذف كل السند ولا يبقى إلا اسم الصحابي أو اسم الصحابي والتابعي. ومنها: أن يحذف من حدَّثَه ويضيفه إلى من فوقه " انتهى بتصرف. ثانيا: كل حديث يذكر في الكتب محذوف الإسناد، ويرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، دون عزو إلى شيء من كتب السنة، فهو حديث معلق، فإن كان الحديث موصولا بالأسانيد في كتب السنة، أو كان المصنف الذي علقه قد وصله في مكان آخر من كتبه، فيظهر حينئذ أن تعليق من علقه إنما كان لأجل الاختصار، ووصفه بالتعليق لا يعني الحكم عليه بالضعف، وليس هو محل خلاف وبحث عند أهل العلم. تجد ذلك كثيرا ظاهرا في صحيح الإمام البخاري: يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله "النكت" (1/325) : " إن ضاق مخرج الحديث ولم يكن له إلا إسناد واحد، واشتمل على أحكام واحتاج إلى تكريرها، فإنه والحالة هذه إما أن يختصر المتن أو يختصر الإسناد " انتهى. ويقول السيوطي في "تدريب الراوي" (1/117) : " وأكثر ما في البخاري من ذلك موصول في موضع آخر من كتابه، وإنما أورده معلقا اختصارا ومجانبة للتكرار " انتهى. ثالثا: للحكم على الحديث المعلق فإنه لا بد – كما هو الحال عند الحكم على أي حديث – من جمع طرق الحديث والبحث عن أسانيده؛ ولا يخلو حكمه بعد ذلك من الحالات التالية: 1- إن لم نقف له على سند في أي كتاب: فحينئذ فالأصل الحكم بالضعف على الحديث؛ وذلك للجهل بحال الرواة المحذوفين من السند، فقد يكون منهم الضعيف أو الكذاب. مثاله: ما علقه الحافظ ابن عبد البر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مَا مِن مُسلِمٍ يَمُرُّ عَلَى قَبرِ أَخِيهِ كَانَ يَعرِفُهُ فِي الدُّنيَا، فَيُسَلِّمُ عَلَيهِ، إِلا رَدَّ اللَّهُ عَلَيهِ رُوحَهُ حَتَّى يَرُدَّ عَلَيهِ السَّلامَ) فقد بحث أهل العلم عن هذا الحديث المعلق فلم يجدوه مسندا في كتاب، وكل من يذكره ينقله عن تعليق الحافظ ابن عبد البر، فهو في الأصل حديث ضعيف، إلا أن بعض أهل العلم صححه تبعا للحافظ ابن عبد البر الذي علقه وصححه. 2- إذا وجدنا للحديث سندا موصولا في كتاب آخر من كتب السنة، فإننا حينئذ ننظر في السند، ونحكم عليه بحسب قواعد أهل العلم في نقد الأحاديث، كما أنه يمكن الاستعانة للحكم على الحديث المعلق بما فهمه العلماء من مناهج كتب السنة، وهذا بيان ذلك: رابعا: لبعض الأئمة مناهج في ذكر الحديث المعلق، وهذه المناهج إما أن ينص عليها الإمام نفسه، أو يعرفها من بعده من أهل العلم من خلال دراسة كتابه واستقراء أحاديثه. ومن كلام أهل العلم في منهج البخاري في التعليق، نستطيع تقسيم معلقاته (والتي تصل إلى مائة وستين حديثا معلقا) إلى قسمين: الأول: ما علقه بصيغة الجزم، مثل قال، رَوَى ونحو ذلك: فحكم هذه المعلقات هو الصحة أو الحسن، لأنه لا يستجيز أن يجزم بذلك إلا وقد صح عنده، بل منها ما هو على شرطه وإنما علقه لأنه أخذه مذاكرة أو إجازة. ويستثني العلماء من هذه القاعدة حديثا واحدا فقط، وهو ما علقه في كتاب الزكاة (2/525) : (وقال طاوس: قال معاذ رضي الله عنه لأهل اليمن: ائتوني بعرض ثياب: خميص أو لبيس في الصدقة مكان الشعير والذرة، أهون عليكم، وخير لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة) قالوا: فهذا إسناده إلى طاوس صحيح، إلا أن طاوسا لم يسمع من معاذ. الثاني: ما علقه بصيغة التمريض: مثل: رُوِيَ، يُذكَر ونحوها. فهذا قد يكون فيه الصحيح، وقد يكون فيه الحسن، ويكون علقها لأنه رواها بالمعنى. كما قد يكون فيه الضعيف ضعفا يسيرا: وقد يبين ضعفه بقوله عقبه: (لم يصح) . (ملخصا من كتاب "النكت" للحافظ ابن حجر (1/325-343) ، "تدريب الراوي" للسيوطي (1/117-121) أما صحيح مسلم: فإن جميع ما فيه من المعلقات يصل فقط إلى خمسة أحاديث، يرويها الإمام مسلم مسندة متصلة من طريق، ثم يعلقها عقبه من طريق أخرى غير الطريق التي أسندها، لغرض علمي يريده الإمام مسلم، وقد جمعها الشيخ رشيد الدين العطار في رسالة مطبوعة، وبين وصلها وأسانيدها الصحيحة. وليس في صحيح مسلم – بعد المقدمة – حديث معلق لم يصله من طريق أخرى إلا حديث واحد: قال مسلم في حديث رقم (369) : وروى الليث بن سعد عن جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن بن هرمز عن عمير مولى ابن عباس أنه سمعه يقول:: أقبلت أنا وعبد الرحمن بن يسار مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حتى دخلنا على أبي الجهم بن الحارث ابن الصمة الأنصاري، فقال أبو الجهم: (أَقبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِن نَحوِ بِئرِ جََلٍ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ، فَسَلَّمَ عَلَيهِ، فَلَم يَرُدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَيهِ حَتَّى أَقبَلَ عَلَى الجِدَارِ، فَمَسَحَ وَجهَهُ وَيَدَيهِ، ثُمَّ رَدَّ عَلَيهِ السَّلامَ) وانظر "النكت" للحافظ ابن حجر (1/346-353) وقد وجد هذا الحديث مسندا متصلا من طريق الليث بن سعد أيضا عند البخاري في صحيحه (337) وأبو داود (329) وغيرهما. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83754 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 269 حديث موضوع في فضل التقاط الطعام الملقى على الأرض [السُّؤَالُ] ـ[هناك حديث ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: "من التقط لقمة وقعت منه على الأرض أثناء الطعام فسوف يهبه الله أطفالاً رائعين جدًا ". فهل هذا الحديث صحيح ومن الكتب المحققة؟ وإن كان صحيحًا فما التفسير العلمي لهذا الحديث (أقصد ما العلاقة بين التقاط الطعام والأطفال الرائعين؟) ]ـ [الْجَوَابُ] أولا: جاءت الشريعة المطهرة باحترام النعم، وشكر المنن، وتقدير الخير الذي يسخره سبحانه وتعالى للناس. والطعام من أعظم نعم الله تعالى على الإنسان، جعل فيه حياته وقوته، كما جعل فيه لذته، ولذلك أمر بالحمد بعد تناوله، والشكر على إحسانه به. يقول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) البقرة/172 وقال سبحانه: (فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) النحل/114 وقال سبحانه: (لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ) يس/35 ولا شك أن من شكر نعمة الطعام احترامها وعدم إلقائها، ورفعها عن مواضع الإهانة والقذارة، وحفظها عن ما يفسدها. يقول المناوي في "فيض القدير" (1/191) : " حسن الجوار لنعم الله من تعظيمها، وتعظيمها من شكرها، والرمي بها من الاستخفاف بها، وذلك من الكفران، والكَفور ممقوت مسلوب، ولهذا قالوا: الشكر قيد للنعمة الموجودة، وصيد للنعمة المفقودة. وقالوا: كفران النعم بوار، فاستدع شاردها بالشكر، واستدم هاربها بكرم الجوار. فارتباط النعم بشكرها، وزوالها في كفرها، فمن عظَّمَها فقد شكرها، ومن استخف بها فقد حقرها وعرضها للزوال، ولهذا قالوا: لا زوال للنعمة إذا شكرت، ولا بقاء لها إذا كفرت. قال ابن الحاج: كان العارف المرجاني إذا جاءه القمح لم يترك أحدا من فقراء الزاوية ذلك اليوم يعمل عملا حتى يلتقطوا جميع ما سقط من الحب على الباب أو بالطريق. قال: فينبغي للإنسان إذا وجد خبزا أو غيره مما له حرمة، مما يؤكل، أن يرفعه من موضع المهنة إلى محل طاهر يصونه فيه، لكن لا يُقَبِّلُهُ ولا يرفعه فوق رأسه كما تفعله العامة؛ فإنه بدعة. قال: وهذا الباب مجرَّب، فمن عظَّم الله بتعظيم نعمه لطف به وأكرمه، وإن وقع بالناس شدة جعل له فرجا ومخرجا " انتهى. وقد جاءت النصوص تأمر برفع الطعام الساقط على الأرض: فعَنْ جَابِرٍ بن عبد الله رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُ أَحَدَكُمْ عِنْدَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ شَأْنِهِ، حَتَّى يَحْضُرَهُ عِنْدَ طَعَامِهِ، فَإِذَا سَقَطَتْ مِنْ أَحَدِكُمْ اللُّقْمَةُ فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى، ثُمَّ ليَأْكُلْهَا وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ، فَإِذَا فَرَغَ فَلْيَلْعَقْ أَصَابِعَهُ؛ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي فِي أَيِّ طَعَامِهِ تَكُونُ الْبَرَكَةُ) رواه مسلم (2033) وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَكَلَ طَعَامًا لَعِقَ أَصَابِعَهُ الثَّلَاثَ، قَالَ وَقَالَ: إِذَا سَقَطَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيُمِطْ عَنْهَا الْأَذَى وَلْيَأْكُلْهَا وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَسْلُتَ الْقَصْعَةَ، قَالَ: فَإِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ فِي أَيِّ طَعَامِكُمْ الْبَرَكَةُ) رواه مسلم (2034) يقول النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (13/206) : " معناه والله أعلم: أن الطعام الذى يحضره الإنسان فيه بركة، ولا يُدرى أن تلك البركة فيما أكله، أو فيما بقي على أصابعه، أو في ما بقي في أسفل القصعة، أو فى اللقمة الساقطة، فينبغي أن يحافظ على هذا كله لتحصل البركة، وأصل البركة الزيادة وثبوت الخير والإمتاع به، والمراد هنا والله أعلم: ما يحصل به التغذية، وتسلم عاقبته من أذى، ويُقَوِّي على طاعة الله تعالى وغير ذلك " انتهى. وقد نص الفقهاء في كتبهم على هذا الأدب العظيم، حتى قال ابن حزم في "المحلى" (6/117) بوجوبه، وانظر: المبسوط (30/268) ، حاشية تحفة المحتاج (7/438) ، الإنصاف (8/327) ، الموسوعة الفقهية (6/121) . كما ذكروا لهذا الأدب حكما عديدة، وفوائد كثيرة، منها: 1- امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم وسنته. 2- التواضع وعدم التكبر. 3- احترام نعم الله تعالى وتعظيمها وشكرها وعدم الاستخفاف بها. 4- تحصيل البركة التي قد تكون في اللقمة الساقطة. 5- حرمان الشيطان من ذلك الطعام، حتى قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (13/204) : " فان وقعت على موضع نجس فلا بد من غسلها إن أمكن، فإن تعذر أطعمها حيوانا ولايتركها للشيطان " انتهى. 6- الاقتصاد وعدم الإسراف. يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله "شرح رياض الصالحين" (1/459) : " من آداب الأكل أن الإنسان إذا سقطت لقمة على الأرض فإنه لا يدعها؛ لن الشيطان يحضر الإنسان في جميع شئونه ... والإنسان إذا فعل هذا امتثالا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وتواضعا لله عز وجل، وحرمانا للشيطان من أكلها، حصل على هذه الفوائد الثلاثة: الامتثال لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، والتواضع، وحرمان الشيطان من أكلها " انتهى. ويغفل كثير من الناس عن هذا الأدب أثناء تناول الطعام على السفر، فيظنون أنه أدب خاص بما إذا سقط الطعام على الأرض، ولكنه أدب ينبغي الامتثال به حتى على السفر، فإذا سقطت اللقمة من الصحن على السفرة فعليه أن يرفعها. سئل الشيخ ابن عثيمين في "لقاءات الباب المفتوح" (31/سؤال رقم 25) : " الطعام الذي يسقط على السفرة هل يدخل في حديث إماطة الأذى؟ فأجاب: نعم. الطعام الذي يسقط على السفرة داخل في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا سقطت لقمة أحدكم، فليأخذها وليمط ما بها من أذى، ولا يدعها للشيطان) " انتهى. ثانيا: ما يتناقله بعض الناس من مبالغات في هذا الموضوع هو من الأخبار الكاذبة، فقد روى بعض الوضاعين فضائل لمن يرفع اللقمة الساقطة على الأرض، ونسبوا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم وهو بريء منه. يقول الإمام السخاوي رحمه الله في "المقاصد الحسنة" (627) : " حديث (من أكل ما يسقط من الخِوان والقَصعةِ أمِن من الفقر والبرص والجذام، وصُرِفَ عن ولده الحُمقُ) أبو الشيخ في الثواب عن جابر به مرفوعا. وعن الحجَّاجِ بن علاط مرفوعا أيضا بلفظ: (أُعطِيَ سعةً من الرزق، ووُقِيَ الحمقَ في ولده، وَوَلَدِ ولده) والديلمي من طريق الرشيد عن آبائه عن ابن عباس رفعه: (من أكل ما يسقط من المائدة خرج ولده صباح الوجوه، ونفى عنه الفقر) وأخرجه الخطيب في ترجمة عبد الصمد الهاشمي ثم ضعفه. وأورده الغزالي في الإحياء بلفظ: (عاش في سعة، وعوفي في ولده) وفي الباب عن أنس أورده الخطيب في ترجمة يونس من المؤتلف، وفيه قصة لهدبة بن خالد مع المأمون، وعن أبي هريرة. وكلها مناكير " انتهى. ومن الأحاديث المكذوبة في هذا الموضوع: (أكرموا الخبز، فإنه من بركات السماء والأرض، من أكل ما يسقط من السفرة غُفر له) وانظر "الموضوعات" (2/289- 292) ، "تنزيه الشريعة" (322) ، "كشف الخفاء" (2/230) فالواجب تحذير الناس من هذه الأحاديث، وبيان بطلانها وكذبها، ونفيُ الكذب عن النبي صلى الله عليه وسلم من أفضل الأعمال والقربات. ثالثا: مما ينبغي التنبيه عليه ما يفعله بعض الناس حين يرفع الطعام الساقط على الأرض فتجده يقبله ويضعه على جبهته، فما حكم ذلك؟ جاء في "الموسوعة الفقهية" (13/133-134) : " صرّح الشّافعيّة بجواز تقبيل الخبز، وقالوا: إنّه بدعة مباحة أو حسنة، لأنّه لا دليل على التّحريم ولا الكراهة، لأنّ المكروه ما ورد عنه نهي، أو كان فيه خلاف قويّ، ولم يرد في ذلك نهي، فإن قصد بذلك إكرامه لأجل الأحاديث الواردة في إكرامه فحسن، ودوسه مكروه كراهة شديدة، بل مجرّد إلقائه في الأرض من غير دوس مكروه. وقال صاحب الدّرّ من الحنفيّة مؤيّداً قول الشّافعيّة في جواز تقبيل الخبز: وقواعدنا لا تأباه. أمّا الحنابلة فقالوا: لا يشرع تقبيل الخبز ولا الجمادات إلا ما استثناه الشّرع " انتهى. قال ابن مفلح: (وهو ظاهر كلام الشيخ تقي الدين؛ فإنه ذكر أنه لا يشرع تقبيل الجمادات، إلا ما استثناه الشرع) الآداب الشرعية (3/231) . وإلى المنع ذهب المالكية أيضا. قالوا: (وَيُكْرَهُ تَقْبِيلُ الْمُصْحَفِ وَكَذَا الْخُبْزُ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ امْتِهَانَهُ ـ أي الخبز ـ مَكْرُوهٌ [الخرشي على خليل (2/326) الفواكه الدواني (1/356) ] وقد سبق نص ابن الحاج على أن تقبيل الخبز بدعة. والأظهر ـ والله أعلم ـ ما ذهب إليه المالكية والحنابلة من المنع، لقول عمر رضي الله عنه، لمّا قبل الحجر: (لَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبَّلَكَ مَا قَبَّلْتُكَ) رواه البخاري (1610) ومسلم (1270) . قال الحافظ ابن حجر: " قال شيخنا [يعني: العراقي] في شرح الترمذي: فيه كراهة تقبيل ما لم يرد الشرع بتقبيله. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82972 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 270 حديث لا أصل له يُروَى في فضائل بعض سور القرآن [السُّؤَالُ] ـ[ما مدى صحة هذا الحديث؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (عشرة تمنع عشرة) : سورة الفاتحة تمنع غضب الله. سورة يس تمنع عطش يوم القيامة. سورة الواقعة تمنع الفقر. سورة الدخان تمنع أهوال يوم القيامة. سورة الملك تمنع عذاب القبر. سورة الكوثر تمنع الخصومة. سورة الكافرون تمنع الكفر عند الموت. سورة الإخلاص تمنع النفاق. سورة الفلق تمنع الحسد. سورة الناس تمنع الوسواس) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: باب فضائل القرآن الكريم من أكثر الأبواب التي وضع فيها الوضاعون أحاديثهم، ونسبوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان كثير منهم يحتسب ذلك عند الله، ويظن – لفرط جهله – أنه إنما يرغب الناس بكتاب الله تعالى، وهو في الحقيقة يرتكس في وعيد النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: (مَن كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَليَتَبَوَّأ مَقعَدَهُ مِنَ النَّارِ) رواه البخاري (1291) ومسلم (933) . ومن أمثلة ذلك: ما رواه الحاكم في "المدخل" (54) بسنده إلى أبي عمار المروزي أنه قيل لأبي عصمة نوح بن أبي مريم: من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس في فضائل القرآن سورة سورة، وليس عند أصحاب عكرمة هذا؟ فقال: إني رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن، واشتغلوا بفقه أبي حنيفة، ومغازي ابن إسحاق، فوضعت هذا الحديث حِسبة. (يعني أنه يبتغي بها الثواب عند الله) . وقد اتفق العلماء على حرمة رواية الحديث الموضوع ونسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم. قال صلى الله عليه وسلم: (مَن حَدَّثَ عَنِّي حَدِيثًا يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ، فَهُوَ أَحَدُ الكَاذِبَِيْن) رواه مسلم في مقدمة صحيحه. قال النووي رحمه الله "شرح مسلم" (1/71) : " يحرم رواية الحديث الموضوع على من عرف كونه موضوعا، أو غلب على ظنه وضعه، فمن روى حديثا علم أو ظن وضعه، ولم يبين حال روايته وضعه، فهو داخل في هذا الوعيد، مندرج في جملة الكاذبين على رسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى. ثانياً: أما الحديث المذكور في السؤال، فلم نجده في شيء من الكتب، لا الصحيحة ولا الموضوعة، بعد البحث الشديد عنه، فيبدو أنه لا أصل له البتة، وذلك مما يعجب له المسلم، أن وضع الحديث لا زال مستمرا إلى أيامنا هذه، وأن الأحاديث الموضوعة في تكاثر مستمر، والله المستعان. وبعض السور المذكورة في هذا الحديث لم يصح شيء من فضائلها، وهي: سورة يس والدخان والواقعة والكوثر. انظر: "تدريب الراوي" (2/372) ، وكتاب "الصحيح والسقيم في فضائل القرآن الكريم" وراجع جواب السؤال رقم (6460) . أما الفاتحة: فقد جاء في فضائلها أحاديث كثيرة، ليس في شيء منها أنها تمنع غضب الله. وأما سورة الملك: فقد جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ سُورَةً مِنَ القُرآنِ، ثَلَاثُونَ آيَةً، شَفَعَت لِصَاحِبِهَا حَتَّى غُفِرَ لَهُ (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ المُلكُ) رواه الترمذي (2891) وقال: حديث حسن، وصححه ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (22/277) ، وابن الملقن في "البدر المنير" (3/561) ، وقال ابن حجر "التلخيص الحبير" (1/382) : أعله البخاري وله شاهد بإسناد صحيح، وصححه الألباني في صحيح أبي داود. وانظر جواب السؤال رقم (26240) . وأما سورة الكافرون: فالذي صح في فضلها، ما جاء عن نوفل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عنها: (إِنَّهَا بَرَاءَةٌ مِنَ الشِّركِ) رواه أبو داود (5055) وصححه ابن حجر في "تغليق التعليق" (4/408) والألباني في صحيح أبي داود. وسورة الإخلاص أيضا لم يأت في فضلها أنها تمنع النفاق. والمعوذتان تمنعان من الشيطان والعين والحسد وسائر الشرور، فقد جاء عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تَعَوَّذ بِهِمَا، فَمَا تَعَوَّذَ مُتَعَوِّذٌ بِمِثلِهِمَا) رواه أبو داود (1463) وصححه الألباني في صحيح أبي دواد. الخلاصة: أن هذا الحديث مكذوب لا أصل له. وقد حكم عليه الشيخ ابن عثيمين بالكذب في المجموعة الرابعة من خطب الجمعة، في خطبة مسجلة بعنوان (مسؤوليات الإمام والمأموم في الصلاة، بعض المكذوبات عن الله تعالى ورسوله) ، وهي مطبوعة في موقعه رحمه الله. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82800 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 271 أحاديث فضل قيام ليالي الأسبوع مكذوبة [السُّؤَالُ] ـ[أتتني رسالة تحتوى على أحاديت فى فضل صلاة الليل عن الرسول عليه الصلاة والسلام، وهذه الأحاديث لأول مرة أسمعها في حياتي، أرجو من حضراتكم أن توضحوا لي إذا كانت هذه الأحاديث صحيحة أو لا: عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (من صلى ليلة الجمعة ركعتين، وقرأ فى كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة الزلزلة 15 مرة، فاذا فرغ من صلاته يقول: يا حي يا قيوم، ياذا الجلال والاكرام (100 مرة) آمنه الله من عذاب القبر وظلمته وضيقته، وأهوال يوم القيامة، ولا يقوم من مقامه لا جائعا ولا ظمآنا، ويكسى حلة من نور، ولا يخرج من الدنيا حتى يرى مقعده فى الجنة) . الحديث التاني: عن معاذ بن جبل رضى الله عنه قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (من صلى ليلة السبت 16 ركعة، وقرأ فى كل ركعة الفاتحة وسورة الاخلاص (31 مرة) أخرج المكر والوسواس والعجب والرياء من قلبه، ويجمع الله فى قلبه النور والرحمة والرأفة، ويلبسه يوم القيامة المغفرة، ويبقى وجهه كالقمر ليلة البدر، ويبنى له بكل ركعة قصر فى الجنة) ... إلى العديد ممَّا هو مكتوب من الأحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم. أرجوكم أفيدوني، هل أصلي هذه الصلوات، وهل هى صحيحة أم ضعيفة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لم يرد حديث صحيح في فضل تخصيص يوم من أيام الأسبوع أو لياليه بقيام أو صلاة نافلة، وكل ما ورد في ذلك فهو منكر مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا تجوز روايته فضلا عن العمل به، ومن عمل بمثل هذه الأحاديث المكذوبة فإنما يبتدع في الدين ما ليس منه، فليحذر عقوبة الله وغضبه. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (23/134) : " والصلاة يوم الأحد والاثنين وغير هذا من أيام الأسبوع - وإن كان قد ذكرها طائفة من المصنفين فى الرقائق - فلا نزاع بين أهل المعرفة بالحديث أن أحاديثه كلها موضوعة، ولم يستحبها أحد من أئمة الدين، وفى صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لَا تَخُصُّوا لَيلَةَ الجُمعَةِ بِقِيَامٍ، وَلَا يَومَ الجُمعَةِ بِصِيَامٍ) والله أعلم " انتهى. ويقول ابن القيم في "المنار المنيف" (95) : " أحاديث صلوات الأيام والليالي، كصلاة يوم الأحد وليلة الأحد ويوم الاثنين وليلة الاثنين إلى آخر الأسبوع، كل أحاديثها كذب " انتهى. ويقول العراقي رحمه الله في "تخريج الإحياء" (1/259) : " ليس يصح في أيام الأسبوع ولياليه شيء، وكلها ضعيفة منكرة " انتهى. وقال الشوكاني في "الفوائد المجموعة" (46) : " قال في المختصر: لا يصح في صلاة الأسبوع شيء " انتهى. وقد جاء في فضل قيام الليل مطلقا آيات كريمة وأحاديث صحيحة سبق بيانها في جواب السؤال رقم (50070) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82307 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 272 منهج المحدثين منهج العدل والإنصاف [السُّؤَالُ] ـ[كتب أبو الأعلى المودودي في كتابه (تفاهمات) ما يلي: " قد يكون لدى المحدثين أيضًا ضعف بشري أو أخطاء، فقد كانوا من البشر، وربما كانت هناك عداوة بينهم وبين الراوي، ولذلك فربما يقول المحدث إن راوي الحديث ضعيف لأنه يكرهه " وذكر مولانا في كتابه بعض الأمثلة على محدثين ذائعي الصيت وعداوتهم، معذرة، لا أجد كلمة أخرى أعبر بها بدلا من كلمة عداوة. فمن فضلكم ساعدوني في إزالة هذا الإشكال. لا يمكن أن تتخيلوا كم أربكني وحيرني هذا القول؟ بل لدرجة أني غالبًا أجد الشك في الامتثال لحديث صحيح. رجاء الجواب بأسرع وقت ممكن.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد للَّه أولا: علم الحديث والإسناد هو من خصائص هذه الأمة؛ فلا يوجد عند أمة من الأمم مثل ما عندنا من العناية بالإسناد في نقل كتبهم ودينهم، ولذلك دخلها التحريف والتأليف، واستحال وصولهم إلى الدين النقي، أو الوقوف على أحوال أنبيائهم، على ما كانت عليه، من وجه صحيح يوثق به. ولعلماء الحديث في ذلك اليد الطولى، والمقام المنيف الذي حباهم الله تعالى به؛ إذ شرفهم الله بالعمل على حفظ دينه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. قال محمد بن حاتم بن المظفر رحمه الله: " إن الله أكرم هذه الأمة وشرفها وفضلها بالإسناد، وليس لأحد من الأمم كلها، قديمهم وحديثهم إسناد، وإنما هي صحف في أيديهم، وقد خلطوا بكتبهم أخبارهم، وليس عندهم تمييز بين ما نزل من التوراة والإنجيل مما جاءهم به أنبياؤهم، وتمييز بين ما ألحقوه بكتبهم من الأخبار التي أخذوا عن غير الثقات. وهذه الأمة إنما تنص الحديث من الثقة المعروف في زمانه، المشهور بالصدق والأمانة عن مثله حتى تتناهى أخبارهم، ثم يبحثون أشد البحث حتى يعرفوا الأحفظ فالأحفظ، والأضبط فالأضبط، والأطول مجالسة لمن فوقه ممن كان أقل مجالسة، ثم يكتبون الحديث من عشرين وجها وأكثر حتى يهذبوه من الغلط والزلل، ويضبطوا حروفه ويعدوه عدا؛ فهذا من أعظم نعم الله تعالى على هذه الأمة. نستوزع الله شكر هذه النعمة، ونسأله التثبيت والتوفيق لما يقرب منه ويزلف لديه، ويمسكنا بطاعته، إنه ولي حميد " اهـ شرف أصحاب الحديث (40) . ثانيا: وهم أولى من يتحرى الأمانة في الحكم والنقل، وأوثق من يتحرز من الحيف والجور، حتى ضربوا بذلك أعظم الأمثلة في الإنصاف وتجنب المحاباة في دين الله: فهذا علي بن المديني يطلق الحكم بضعف أبيه، وهو يدرك أن حكمه هذا على والده سيكون كفيلا بالقضاء على مكانته العلمية، فلم يمنعه ذلك من إطلاق رأيه فيه. قال الخطيب البغدادي رحمه الله: " فليس أحد من أهل الحديث يحابي في الحديث أباه، ولا أخاه، ولا ولده. وهذا علي بن عبد الله المديني، وهو إمام الحديث في عصره، لا يروى عنه حرف في تقوية أبيه بل يروى عنه ضد ذلك " اهـ شرف أصحاب الحديث (41) . وقال ابن حبان في "المجروحين" (2/15) : " سئل علي بن المديني عن أبيه؟ فقال: " اسألوا غيري " فقالوا: سألناك، فأطرق، ثم رفع رأسه وقال: " هذا الدين، أبي ضعيف " انتهى. وهذا يحيى بن معين يتكلم في صاحب له ممن كان يحبه، فنقل عنه الحسين بن حبان قوله في (محمد بن سليم القاضي) : " هو والله صاحبنا، وهو لنا محب، ولكن ليس فيه حيلة البتة، وما رأيت أحداً قط يشير بالكتاب عنه ولا يرشد إليه " وقال: " قد والله سمع سماعاً كثيراً، وهو معروف، ولكنه لا يقتصر على ما سمع، يتناول ما لم يسمع "، قلت له: يكتب عنه؟ قال: " لا " انتهى. انظر "تاريخ بغداد" (5/325) وهذا جرير بن عبد الحميد يقول عن أخيه أنس: " لا يكتب عنه؛ فإنه يكذب في كلام الناس " "الجرح والتعديل" (2/289) والإمام البخاري يروي في صحيحه كثيرا عن شيخه محمد بن يحيى الذهلي رغم ما تعرض له من الأذى بسبب كلامه فيه وهجره له، إلا أن العداء لم يمنعه من قبول حديثه وروايته. وقد كانوا يقبلون حديث من يخالفهم في الرأي والمعتقد – إذا ثبت صدقه وتحريه -، ولم يكن ابتداع الراوي بمانع لهم أن يحكموا فيه بالعدل والإنصاف، وهم يسمعون قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) المائدة/8 سئل يحيى بن معين عن سعيد بن خثيم الكوفي فقال: كوفي ليس به بأس، ثقة، فقيل ليحيى: شيعي؟ فقال: وشيعي ثقة، وقدري ثقة. "تهذيب الكمال" (10/414) وكان عباد بن يعقوب الرواجني الكوفي شيعياً جلداً، ومع ذلك فقد كان ابن خزيمة يقول في صحيحه (2/376) : حدثنا الثقة في روايته المتهم في دينه عباد بن يعقوب. ثالثا: كما كانوا يدركون خطورة التطاول على أعراض الناس بغير حق، وعظم شأن الخوض في أحوال الرواة لما ينبني عليه من قبول حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أو رده، حتى قال مُحَمَّد بْن سِيرِينَ: " إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ " رواه مسلم في مقدمة صحيحه. وقال ابن دقيق العيد: " أعراض المسلمين حفرة من الار، وقف على شفيرها طائفتان من الناس: المحدثون والحكام " انتهى. انظر "تدريب الراوي" (2/369) ومثل هذا التدين العظيم، والورع البالغ لا بد وأن يكون له أكبر الأثر في الإنصاف وتحري الصواب حين الحكم على الرواة، وهذا ما يشترطه أهل العلم في كل من يشتغل بالنقد. قال الذهبي في "الموقظة" (82) : " الكلام في الرواة يحتاج إلى ورع تام، وبراءة من الهوى والميل، وخبرة كاملة بالحديث وعلله ورجاله " انتهى. ويقول المعلمي رحمه الله في "التنكيل" (1/54) : " أئمة الحديث عارفون متيقظون يتحرزون من الخطأ جهدهم، لكنهم متفاوتون في ذلك " انتهى. رابعا: نعم، ليس الواحد من هؤلاء معصوما، ومن الممكن أن يقع في كلام بعضهم شيء من الخطأ، ومن الممكن أيضا أن يكون الحامل على بعض هذه الأخطاء حب أو سخط، وقد وقع شيء من ذلك فعلا، وذلك ما لا يخلو عنه البشر، إلا أن ذلك لا ينبغي أن يكون باعثا على التشكك في جميع أحكام النقاد، وذلك لما يلي: 1- لأنها أخطاء يسيرة في جنب التراث العظيم الذي خلفه أئمة الحديث والجرح والتعديل، وهو في غالبه العظيم على جادة الأمانة والإنصاف، فلا يجوز أن يهدر ذلك بسبب النادر من الأخطاء. 2- ولأن المحققين من النقاد بينوا تلك الأخطاء وميزوها في كلامهم ونقدهم، فما كان الباعث عليه عداء أو حسد أو اختلاف مذهب ردوا الحكم الجائر، وأنصفوا فيه الراوي. ولهذا لم يقبل العلماء قول الإمام مالك في محمد بن إسحاق صاحب "المغازي" أنه دجال من الدجاجلة؛ لما علم أنه صدر من منافرة باهرة، بل حققوا أنه حسن الحديث، واحتجت به أئمة الحديث، ولم يقبل قول النسائي في أحمد بن صالح المصري، ولا قول ربيعة في أبي الزناد عبد الله بن ذكوان. انظر "الرفع والتكميل" (409-432) . قال أبو حاتم الرازي رحمه الله: " لم يكن في أمة من الأمم منذ خلق الله آدم أمناء يحفظون آثار الرسل إلا في هذه الأمة» فقال: له رجل: يا أبا حاتم ربما رووا حديثا لا أصل له ولا يصح؟ فقال: «علماؤهم يعرفون الصحيح من السقيم (1) ، فروايتهم ذلك للمعرفة ليتبين لمن بعدهم أنهم ميزوا الآثار وحفظوها، ثم قال:» رحم الله أبا زرعة، كان والله مجتهدا في حفظ آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم " شرف أصحاب الحديث (43) . ولتعلم ـ أيها السائل الكريم ـ فقد حفظ الله هذا الدين بمنه وفضله، وأن السنة المشرفة محفوظة بحفظ الله تعالى لدينه [راجع السؤال رقم (77243) ] ، فلا يمكن أن يجتمع العلماء على توثيق راو ضعيف، أو جرح راو صدوق، بل لا بد أن تجد الحق والإنصاف باديا ظاهرا في أقوال جمهور أهل العلم وفي معظم مسائل الدين. يقول الإمام الذهبي رحمه الله "الموقظة" (84) : " وقد يكون نفس الإمام فيما وافق مذهبه أو في حال شيخه ألطف منه فيما كان بخلاف ذلك، والعصمة للأنبياء والصديقين وحكام القسط. ولكن هذا الدين مؤيد محفوظ من الله تعالى، لم يجتمع علماؤه على ضلالة، لا عمدا ولا خطأ، فلا يجتمع اثنان على توثيق ضعيف، ولا على تضعيف ثقة، وإنما يقع اختلافهم في مراتب القوة أو مراتب الضعف، والحاكم منهم يتكلم بحسب اجتهاده وقوة معارفه، فإن قدر خطؤه في نقده فله أجر واحد، والله الموفق " انتهى. يقول ابن كثير في "الباعث الحثيث" (1/11) : " أما كلام هؤلاء الأئمة المنتصبين لهذا الشأن، فينبغي أن يؤخذ مسلماً من غير ذكر أسباب، وذلك للعلم بمعرفته، واطلاعهم واضطلاعهم في هذا الشأن، واتصافهم بالإنصاف والديانة والخبرة والنصح، لا سيما إذا أطبقوا على تضعيف الرجل، أو كونه متروكاً، أو كذاباً أو نحو ذلك، فالمحدث الماهر لا يتخالجه في مثل هذا وقفة في موافقتهم، لصدقهم وأمانتهم ونصحهم، ولهذا يقول الشافعي في كثير من كلامه على الأحاديث: " لا يثبته أهل العلم بالحديث "، ويرده، ولا يحتج به بمجرد ذلك " انتهى. وبخصوص ما أشرت إليه ـ أخانا الكريم ـ من كلام الشيخ المودودي ـ عفا الله عنه ـ في كتابه المذكور، فالشيخ المودودي وإن كان له من الفضل والسابقة في الدعوة في شبه القارة الهندية، والتصدي لكثير من الأفكار التغريبية المنحرفة، وجهوده الكبيرة في الدعوة والتأليف، إلا أنه ـ شأن غيره من البشر ليس معصوما عن الخطأ، خاصة إذا تكلم في غير ما يحسن، وفي غير تخصصه، كما هو الحال في موضع السؤال، وقد كانت للشيخ رحمه الله هفوات، بل أخطاء عديدة في موقفه من السنة النبوية، ومنهج علماء الحديث في نقدها وتمييزها، ولا يتسع المجال هنا إلى ذكرها أو الإشارة إليها، وقد نبه إلى ذلك عدد من العلماء والمختصين؛ ومن هؤلاء: العلامة الباكستاني " محمد إسماعيل السلفي " رحمه الله (ت 1387) ، فله دراسة هامة حول " موقف الجماعة الإسلامية من الحديث النبوي "، وانظر أيضا ـ بالعربية ـ: " زوابع في وجه السنة " تأليف صلاح الدين مقبول أحمد، ص (117) وما بعدها. وأخيرا، فلتقر عينك أخي الكريم بنعمة الله تعالى على الأمة بذلك العلم الشريف، ولا تسترسل في التشكك في الأحاديث الصحيحة، فالعقل يقضي بعدم رد جهود آلاف العلماء الأمناء عبر آلاف السنين بأخطاء وقعت هنا وهناك، وما أرى الذي يقع في نفسك إلا من وسواس الشيطان، فاستعذ بالله منه، ولا تلتفت إليه، واحرص على القراءة في كتب علوم الحديث، وأنا واثق أنه سيهولك تلك الجهود الجبارة التي تبذل في سبيل التحقق من صحة الحديث الواحد، وذلك ما آمن به كل من طالع كتب الحديث وعلومه ورجاله، حتى قال المستشرق مرجليوث: " ليفخر المسلمون بعلم حديثهم ". والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82365 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 273 كم كانت عدد الركعات في صلاة التراويح على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه [السُّؤَالُ] ـ[ما يُروى عن عمر رضي الله عنه أنه أمر بصلاة التراويح عشرين ركعة. هل هذا صحيح أم ضعيف؟ أو لا أصل له؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: جاء الأمر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بصلاة العشرين ركعة عن أربعة من التابعين، وهذه رواياتهم: 1- عن السائب بن يزيد أنه قال: (أَنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ جَمَعَ النَّاسَ فِي رَمَضَانَ عَلَى أُبَيِّ بنِ كَعبٍ وَعَلَى تَمِيمٍ الدَّارِيِّ عَلَى إِحدَى وَعِشرِينَ رَكعَةً، يَقرَؤُونَ بِالمِئِينَ، وَيَنصَرِفُونَ عِندَ فُرُوعِ الفَجرِ) رواه عن السائب جماعة من الرواة: ومنهم من يذكر (العشرين) أو (إحدى وعشرين) أو (ثلاث وعشرين) وهم: محمد بن يوسف ابن أخت السائب عن السائب: كما عند عبد الرزاق في "المصنف" (4/260) من رواية داود بن قيس وغيره عنه. ويزيد بن خصيفة: أخرجه ابن الجعد في "المسند" (1/413) ، ومن طريقه البيهقي في السنن (2/496) والحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب: أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (4/261) فهذه روايات صحيحة من رواة ثقات عن السائب بن يزيد، وفيها ذكر العشرين ركعة في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والزيادة في رواية (إحدى وعشرين) أو (ثلاث وعشرين) إنما هو باعتبار القيام مع الوتر. 2- عن يزيد بن رومان قال: (كَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ فِي زَمَانِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ فِي رَمَضَانَ بِثَلاثٍ وَعِشرِينَ رَكعةً) رواه عنه مالك في "الموطأ" (1/115) ، وقال النووي في "المجموع" (4/33) : " مرسل، فإن يزيد بن رومان لم يدرك عمر " انتهى. 3- عن يحيى بن سعيد القطان: (أَنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ أَمَرَ رَجُلا يُصَلِّي بِهِم عِشرِينَ رَكعَةً) أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (2/163) عن وكيع عن مالك به، ولكن يحيى بن سعيد لم يدرك عمر. 4- عن عبد العزيز بن رفيع قال: (كَانَ أُبَيُّ بنُ كَعبٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فِي رَمَضَانَ بِالمَدِينَةِ عِشرِينَ رَكعَةً، وَيُوتِرُ بِثَلاثٍ) أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (2/163) . وبمجموع هذه الروايات يتبين أن العشرين ركعة كانت هي السنة الغالبة على التراويح في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومثل صلاة التراويح أمر مشهور يتناقله الجيل وعامة الناس، ورواية يزيد بن رومان ويحيى القطان يعتبر بهما وإن كانا لم يدركا عمر، فإنهما ولا شك تلقياه عن مجموع الناس الذين أدركوهم، وذلك أمر لا يحتاج إلى رجل يسنده، فإن المدينة كلها تسنده. قال الإمام الترمذي رحمه الله في سننه (3/169) : " وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشْرِينَ رَكْعَةً وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيِّ. وقَالَ الشَّافِعِيُّ وَهَكَذَا أَدْرَكْتُ بِبَلَدِنَا بِمَكَّةَ يُصَلُّونَ عِشْرِينَ رَكْعَةً. وقال ابن عبد البر في "الاستذكار" (2/69) : " وروي عشرون ركعة عن علي، وشتير بن شكل، وابن أبي مليكة، والحارث الهمداني، وأبي البختري، وهو قول جمهور العلماء، وبه قال الكوفيون والشافعي وأكثر الفقهاء، وهو الصحيح عن أبي بن كعب، من غير خلاف من الصحابة، وقال عطاء: أدركت الناس وهم يصلون ثلاثا وعشرين ركعة بالوتر " انتهى. وانظر ذلك مسندا في "مصنف ابن أبي شيبة" (2/163) يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى "مجموع الفتاوى" (23/112) : " ثبت أن أُبَىَّ بن كعب كان يقوم بالناس عشرين ركعة فى قيام رمضان، ويوتر بثلاث، فرأى كثير من العلماء أن ذلك هو السنة؛ لأنه أقامه بين المهاجرين والانصار ولم ينكره منكر، واستحب آخرون تسعة وثلاثين ركعة، بناء على أنه عمل أهل المدينة القديم " انتهى. أما ما جاء من رواية الإمام مالك ويحيى القطان وغيرهما عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد في "الموطأ" (1/115) وفي "مصنف ابن أبي شيبة" (2/162) بلفظ: (إحدى عشرة ركعة) فهو محمول على أنه كان في بداية الأمر، ثم خُفِّفَ بعدُ على الناس، فزاد عمر الركعات إلى عشرين ليخفف على الناس القراءة في القيام. قال ابن عبد البر في "الاستذكار" (2/68) : " إلا أنه يحتمل أن يكون القيام في أول ما عمل به عمر بإحدى عشرة ركعة، ثم خفف عليهم طول القيام، ونقلهم إلى إحدى وعشرين ركعة، يخففون فيها القراءة ويزيدون في الركوع والسجود، إلا أن الأغلب عندي في إحدى عشرة ركعة الوهم، والله أعلم " انتهى. ويقول ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (23/113) : " وأُبَىٌّ بن كعب لما قام بهم وهم جماعة واحدة لم يمكن أن يطيل بهم القيام، فكثر الركعات ليكون ذلك عوضا عن طول القيام، وجعلوا ذلك ضعف عدد ركعاته، فإنه كان يقوم بالليل إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة، ثم بعد ذلك كأن الناس بالمدينة ضعفوا عن طول القيام، فكثروا الركعات، حتى بلغت تسعا وثلاثين " انتهى. ثانيا: صلاة الليل الباب فيها واسع، وهي غير محصورة بعدد، فمن شاء قامها بإحدى عشرة ركعة، ومن شاء زاد أو نقص، وكذلك صلاة التراويح في رمضان. يقول ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (23/113) : " وقال طائفة: قد ثبت فى الصحيح عن عائشة (أن النبى لم يكن يزيد فى رمضان ولا غيره على ثلاث عشرة ركعة) واضطرب قوم فى هذا الأصل؛ لما ظنوه من معارضة الحديث الصحيح لما ثبت من سنة الخلفاء الراشدين وعمل المسلمين. والصواب أن ذلك جميعه حسن، كما قد نص على ذلك الامام أحمد رضى الله عنه، وأنه لا يتوقت فى قيام رمضان عدد، فان النبى لم يوقت فيها عددا " انتهى. ويقول الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى "مجموع الفتاوى" (11/322) : " وثبت عن عمر رضي لله عنه أنه أمر من عين من الصحابة أن يصلي إحدى عشرة، وثبت عنهم أنهم صلوا بأمره ثلاثا وعشرين، وهذا يدل على التوسعة في ذلك، وأن الأمر عند الصحابة واسع، كما دل عليه قوله عليه الصلاة والسلام: (صلاة الليل مثنى مثنى) " انتهى وانظر جواب السؤال رقم (9036) (38021) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82152 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 274 قول من قال: لئن حاسبني ربي على بخلي لأحاسبنه على كرمه [السُّؤَالُ] ـ[ما صحة القصة التي تردد في كثير من المواقع والكتب عن الأعرابي الذي لقي الرسول صلى الله عليه وسلم وقال له: لئن حاسبني ربي على بخلي حاسبته على كرمه..ولئن حاسبني على ذنوبي حاسبته على عفوه..ولئن حاسبني على خطاياي حاسبته على رحمته ... وإن كانت غير صحيحة هل يجوز أن نردد مثل هذه العبارات؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المنهج العام الذي ينبغي أن يسلكه كل مسلم فيما يسمع أو يقرأ هو: التحري والتثبت من صحة ذلك، قبل أن يبني عليه شيئا من علم أو عمل؛ وبهذا أمر الله سبحانه وتعالى في كتابه فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا) الحجرات/6 كما حذر النبي صلى الله عليه وسلم من التسليم بكل ما ينشر ويعلن ويذاع، فإن النقل والرواية أمانة ينبغي أداؤها على وجهها، ولا يكون ذلك إلا بالتحري والتثبت. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كَفَى بِالمَرْءِ كَذِباً أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ) رواه مسلم (5) وهذه القصة لم يخرجها أحد من أهل العلم بالحديث، ولا يُعرف لها سند ضعيفٌ، فضلا عن السند الصحيح، كما أن النكارة في متنها ظاهرة، فإن الأعراب وإن كان لا يستبعد أن يصدر عن أحدهم مثل هذا الكلام في حق الله تعالى – وذلك بحكم جهلهم وجفائهم – إلا أنه لا يمكن أن يسمع النبي صلى الله عليه وسلم هذا الكلام الذي يحمل أدب السوء مع الله تعالى ثم يقره ويسكت عنه، فضلا عن أن يبكي إقرارا له كما ينقلون في الرواية. والله سبحانه وتعالى يحب الخضوع في سؤاله والتواضع في اللجوء إليه، وصدق التذلل والتعبد إليه، والاعتراف بالضعف والعجز والذنب والتقصير. فهذا آدم عليه السلام يقول في دعائه: (قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) الأعراف/23 وهذا نوح عليه السلام يقول: (قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ) هود/47 وقد علَّمَنا نبينا صلى الله عليه وسلم لغة التذلل والخضوع، والاعتراف بالذنب في الدعاء. عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: (أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى سَيِّدِ الِاسْتِغْفَارِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، وَأَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَعْتَرِفُ بِذُنُوبِي، فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، لَا يَقُولُهَا أَحَدُكُمْ حِينَ يُمْسِي فَيَأْتِي عَلَيْهِ قَدَرٌ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ وَلَا يَقُولُهَا حِينَ يُصْبِحُ فَيَأْتِي عَلَيْهِ قَدَرٌ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ) البخاري (6306) . هذا هو أدب الدعاء الذي يحبه الله سبحانه وتعالى، وهو أدب الأنبياء والمرسلين، وليس أن يجفو العبد في خطابه ليتطاول على جناب الخالق سبحانه في ألفاظه فيقول (لئن حاسبني لأحاسبنه) ؟!! فإن المقام بين يدي الله عظيم، والعبد ذليل فقير إلى الله تعالى، لا يليق بعبوديته أن يتطاول على سيده بألفاظه، وإن كانت مقاصدُه صحيحةً، فإنَّ فرضَ العبد التأدبُ باللفظ والمعنى. فالحاصل أن هذا حديث مكذوب موضوع، لا تجوز روايته ولا نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، كما لا يجوز أن يخاطب العبد ربه بمثل هذا الخطاب الذي يذكر عن الأعرابي، بل يستعمل المسلم خطاب العبودية التي هي مقامه ومنزلته الحقيقية. يقول الشيخ حاتم الشريف: " إن الحديث المذكور يصلح مثالاً للأحاديث التي تظهر فيها علامات الوضع والكذب، وفيه من ركاكة اللفظ، وضعف التركيب، وسمج الأوصاف، ولا يَشُكُّ من له معرفة بالسنة النبوية وما لها من الجلالة والجزالة أنه لا يمكن أن يكون حديثاً صحيحاً ثابتاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم أجده بهذا اللفظ، وليت أن السائل يخبرنا بالمصدر الذي وجد فيه هذا الحديث ليتسنى لنا تحذير الناس منه. على أن أبا حامد الغزالي على عادته رحمه الله قد أورد حديثاً باطلاً في "إحياء علوم الدين" (4/130) قريباً من مضمونه من الحديث المسؤول عنه، وفيه أن أعرابياً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! من يلي حساب الخلق يوم القيامة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: الله تبارك وتعالى، قال: هو بنفسه؟ قال: نعم، فتبسم الأعرابي، فقال صلى الله عليه وسلم: ممَّ ضحكت يا أعرابي؟ قال: إن الكريم إذا قدر عفا، وإذا حاسب سامح.. إلى آخر الحديث. وقد قال العراقي عن هذا الحديث:" لم أجد له أصلاً " وذكره السبكي ضمن الأحاديث التي لم يجد لها إسناداً (تخريج أحاديث الإحياء: رقم 3466، وطبقات الشافعية الكبرى: 6/364) ، ومع ذلك فالنصوص الدالة على سعة رحمة الله تعالى وعظيم عفوه عز وجل وقبوله لتوبة التائبين واستجابته لاستغفار المستغفرين كثيرة في الكتاب وصحيح السنة. قال تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82 وقال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) الشورى/25 وقال تعالى: (ورحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ) الأعراف/156 وفي الصحيحين البخاري (7554) ومسلم (2751) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله كتب كتاباً قبل أن يخلق الخلق إن رحمتي سبقت غضبي) والله أعلم " انتهى. رابط المصدر: http://saaid.net/Doat/Zugail/321.htm والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 81283 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 275 حول حديث: (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة) [السُّؤَالُ] ـ[قال الإمام الألباني في رسالته " قيام رمضان " في جزء الاعتكاف ما نصه: " ثم وقفت على حديث صحيح صريح يخصص هذه المساجد، وهو: (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة) وأشار إلى أنه من حديث حذيفة عند الطحاوى والبيهقى والإسماعيلي، ومن ثَمَّ هو في السلسلة الصحيحة، فما حكم هذا الحديث؟ وماذا يستفاد منه في بابه؟ أي: النفي نفي تحريم أم نفي كمال؟ وإن كان فما القرينة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد للَّه أولا: دل الكتاب والسنة والإجماع على استحباب الاعتكاف في المساجد. قال تعالى: (وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) البقرة/125 وقال تعالى: (وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) البقرة/187 ونقل الإجماع غير واحد من أهل العلم على ذلك، انظر: "الإجماع" لابن المنذر (47) ، "المغني" (3/122) والعلماء وإن اختلفوا في صفة المسجد الذي يشرع فيه الاعتكاف، إلا أن كل مسجد تقام فيه الجمعة والجماعة لا يكاد يختلف الفقهاء في جواز الاعتكاف فيه، ولم تنقل المخالفة إلا عن بعض التابعين في ذلك. وقد سبق تقرير المسألة في موقعنا جواب السؤال رقم (49006) ، (48985) ثانيا: أما الحديث المذكور في السؤال (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة) فهو من حديث الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان، جاء عنه من طريق سفيان بن عيينة عن جامع بن أبي راشد عن أبي وائل: (قَالَ حُذَيْفَةُ لِعَبْدِ اللَّهِ يَعْنِى ابْنَ مَسْعُودٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ: عَكُوفًا بَيْنَ دَارِكَ وَدَارِ أَبِى مُوسَى وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لاَ اعْتِكَافَ فِى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْ قَالَ فِى الْمَسَاجِدِ الثَّلاَثَةِ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَعَلَّكَ نَسِيتَ وَحَفِظُوا وَأَخْطَأْتَ وَأَصَابُوا) إلا أن أصحاب سفيان بن عيينة اختلفوا عليه: فمنهم من رواه عنه من قول النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: محمد بن الفرج عند الإسماعيلي في "معجم شيوخه" (2/112) . ومحمود بن آدم المروزي عند البيهقي في "السنن" (4/316) ، وهشام بن عمار عند الطحاوي في "بيان مشكل الآثار" (7/40) ، وسعيد بن منصور، كما في "التحقيق في أحاديث الخلاف" لابن الجوزي (2/127) ومنهم من رواه عنه وجعله من قول حذيفة موقوفا عليه، وهم: عبد الرزاق في "المصنف" (4/348) ، وسعيد بن عبد الرحمن ومحمد بن أبي عمر عند الفاكهي في "أخبار مكة" (2/149) . والراجح – والله تعالى أعلم – هي الرواية الموقوفة على حذيفة، يعني أنه قال هذا الكلام من رأيه واجتهاده، ولم يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لما يلي: 1- ورود هذا النص من قول حذيفة رضي الله عنه من طريق أخرى، فقد رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (2/337) وعبد الرزاق أيضا (4/347) من طريق سفيان الثوري عن واصل الأحدب عن إبراهيم النخعي قال: جاء حذيفة إلى عبد الله فقال: ألا أعجبك من قومك عكوف بين دارك ودار الأشعري يعني المسجد؟! قال عبد الله: ولعلهم أصابوا وأخطأت؟! فقال حذيفة: أما علمت أنه لا اعتكاف إلا في ثلاثة مساجد: المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أبالي أعتكف فيه أو في سوقكم هذه. ورواية إبراهيم النخعي عن عبد الله بن مسعود رواية مقبولة لدى أهل العلم. انظر: "جامع التحصيل" (141) ، "شرح العلل" (1/294) 2- اختلاف الروايات على حذيفة رضي الله عنه، فقد جاء عنه من طرق أخرى أنه قال: لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة. ولم يحصره في المساجد الثلاثة فقط. يقول ابن حزم رحمه الله "المحلى" (5/195) بعد أن ذكر هذا الاختلاف: " قلنا: هذا شك من حذيفة أو ممن دونه، ولا يقطع على رسول الله صلى الله عليه وسلم بشك، ولو أنه عليه السلام قال: (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة) لحفظه الله تعالى ولم يدخل فيه شك، فصح يقينا أنه عليه السلام لم يقله قط " انتهى. 3- أن أكابر الصحابة على خلافه، فقد أفتى علي بن أبي طالب وعائشة وابن عباس بالاعتكاف في كل مسجد تقام فيه الجماعة، ولم يثبت عن أحد من الصحابة مخالفة في ذلك، بل كان هذا العمل مشهوراً بينهم في كل الأمصار دون نكير، إلا ما جاء عن حذيفة رضي الله عنه والله أعلم. قاله الشيخ سليمان العلوان. فالخلاصة أنه لا يصح رفع هذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه من قول حذيفة واجتهاده ورأيه الذي خالف فيه باقي الصحابة رضوان الله عليهم، كما خالف فيه ظاهر القرآن الكريم الذي جاء بإطلاق محل الاعتكاف فقال: (وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) البقرة/187، ولا ينبغي مخالفة ظاهر القرآن وعمل أكثر الصحابة برواية موقوفة فيها بعض الاضطراب، لم يروها أهل الصحاح ولا السنن، ولم يفت بها أحد من الفقهاء المتقدمين، وإن ذهب إليها بعض العلماء المتأخرين، فقد أخطأ اجتهادُهم الصوابَ في هذه المسألة. يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (6/504) : " فكل مساجد الدنيا يُسن فيها الاعتكاف، وليس خاصا بالمساجد الثلاث، كما روي ذلك عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة) فإن هذا الحديث ضعيف. ويدل على ضعفه أن ابن مسعود رضي الله عنه وهَّنَه فقال: (لعلهم أصابوا فأخطأت، وذكروا فنسيت) فأوهن هذا حكما ورواية. أما حكما ففي قوله: (أصابوا فأخطأت) وأما رواية: (فذكروا ونسيت) والإنسان معرَّض للنسيان. وإن صح هذا الحديث فالمراد به: لا اعتكاف تام، أي أن المساجد الأخرى الاعتكاف فيها دون المساجد الثلاث، كما أن الصلاة في المساجد فيها دون الصلاة في المساجد الثلاثة. ويدل على أنه عام في كل مسجد قوله تعالى: (وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) ثم كيف يكون هذا الحكم في كتاب الله للأمة من مشارق الأرض ومغاربها ثم نقول: لا يصح إلا في المساجد الثلاثة، فهذا بعيد أن يكون حكم مذكور على سبيل العموم للأمة الإسلامية ثم نقول إن هذه العبادة لا تصح إلا في المساجد الثلاثة " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 81134 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 276 تعريف بموطأ الإمام مالك [السُّؤَالُ] ـ[ما عدد أحاديث (موطأ) الإمام مالك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا بيان موجز حول كتاب موطأ الإمام مالك نسأل الله أن ينفع به: أولا: الموطأ: هو واحد من دواوين الإسلام العظيمة، وكتبه الجليلة، يشتمل على جملة من الأحاديث المرفوعة، والآثار الموقوفة من كلام الصحابة والتابعين ومن بعدهم، ثم هو أيضا يتضمن جملة من اجتهادات المصنف وفتاواه. وقد سمي الموطأ بهذا الاسم لأن مؤلفه وطَّأَهُ للناس، بمعنى أنه: هذَّبَه ومهَّدَه لهم. ونُقِل عن مالك رحمه الله أنه قال: عرضت كتابي هذا على سبعين فقيها من فقهاء المدينة، فكلهم واطَأَنِي عليه، فسميته الموطأ. ثانيا: سبب تأليفه: ذكر ابن عبد البر رحمه الله، في كتاب الاستذكار (1/168) أن أبا جعفر المنصور قال للإمام مالك: (يا مالك! اصنع للناس كتابا أحْمِلُهم عليه، فما أحد اليوم أعلم منك!!) فاستجاب الإمام مالك لطلبه، ولكنه رفض أن يُلزِم الناس جميعا به. ثالثا: مكث الإمام مالك أربعين سنة يقرأ الموطَّأَ على الناس، فيزيد فيه وينقص ويُهذِّب، فكان التلاميذ يسمعونه منه أو يقرؤونه عليه خلال ذلك، فتعددت روايات الموطأ واختلفت بسبب ما قام به الإمام من تعديل على كتابه، فبعض تلاميذه رواه عنه قبل التعديل، وبعضهم أثناءه، وبعضهم رواه في آخر عمره، وبعضهم رواه كاملا، وآخرون رووه ناقصا، فاشتُهِرت عدة روايات للموطأ، أهمها: رواية يحيى بن يحيى المصمودي الليثي (234هـ) : وهي أشهر رواية عن الإمام مالك، وعليها بنى أغلب العلماء شروحاتهم. رواية أبي مصعب الزهري: تمتاز بما فيها من الزيادات، وبأنها آخر رواية نقلت عن مالك، وهي متداولة بين أهل العلم. رواية عبد الله بن مسلمة القعنبي (221هـ) : وهي أكبر روايات الموطأ وعبد الله من أثبت الناس في الموطأ عند ابن معين والنسائي وابن المديني. رواية محمد بن الحسن الشيباني. رواية عبد الله بن سلمة الفهري المصري. وغيرها كثير. [تكلم الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي رحمه الله عن رواة الموطأ، وذكر تعريفا بأربعة عشر نسخة من نسخه، في مقدمته للطبعة التي حققها من الموطأ ص 6-16] . وهذه الروايات تختلف فيما بينها في ترتيب الكتب والأبواب، وفي عدد الأحاديث المرفوعة والمرسلة والموقوفة والبلاغات، كما تختلف في كثير من ألفاظ الأحاديث اختلافا كبيرا. رابعا: عدد أحاديث الموطأ يختلف باختلاف الروايات، كما يختلف بحسب اختلاف طريقة العدّ، وذلك أن بعض أهل العلم يعد كل أثر من كلام الصحابة أو التابعين حديثا مستقلا، وبعضهم لا يعتبره ضمن العدد، لذلك نكتفي بذكر العدد الذي جاء في بعض الطبعات المحققة للموطأ، وهي: رواية يحيى الليثي: (وهي الرواية الأشهر، والمقصودة عند إطلاق الموطأ) : رقمها ترقيما كاملا الشيخ خليل شيحا، فبلغ عدد الأحاديث بترقيمه (1942) حديثا، تشمل المرفوع والموقوف. وأما رواية أبي مصعب الزهري: فقد رقمت في طبعة مؤسسة الرسالة، فبلغ عدد أحاديثها (3069) حديثا، وقد شمل الترقيم كل شيء حتى أقوال الإمام مالك، لهذا السبب كان العدد كبيرا. خامسا: شرطه في كتابه من أوثق الشروط وأشدها، فقد كان يسلك منهج التحري والتوخي وانتقاء الصحيح. قال الشافعي رحمه الله: ما في الأرض بعد كتاب الله أكثر صوابا من موطأ مالك بن أنس. وعن الربيع قال: سمعت الشافعي يقول: كان مالك إذا شك في الحديث طرحه كله. وقال سفيان بن عيينة: رحم الله مالكا، ما كان أشد انتقاده للرجال. "الاستذكار" (1/166) "التمهيد" (1/68) لذلك تجد أن أكثر أسانيد مالك الموصولة في الدرجة العليا من الصحيح، ومن أجل هذا استوعب الشيخان البخاري ومسلم أكثر حديثه في كتابيهما. تنبيه: إنما قال الإمام الشافعي رحمه الله كلامه المنقول سابقا، قبل أن يكتب البخاري ومسلم كتابيهما، كما نبه عليه الحافظ ابن كثير رحمه الله في اختصار علوم الحديث ص (24-25) سادسا: اتبع مالك في موطئه طريقة المؤلفين في عصره، فمزج الحديث بأقوال الصحابة والتابعين والآراء الفقهية، حتى بلغت آثار الصحابة: 613 أثرا، وأقوال التابعين: 285 قولا. يقدم في الباب الحديث المرفوع ثم يتبعه بالآثار وأحيانا يذكر عمل أهل المدينة، فكتابه كتاب فقه وحديث في وقت واحد، وليس كتابَ جمع للروايات فقط، لذلك تجد بعض الأبواب تخلو من المرويات، وإنما يسوق فيها أقوال الفقهاء وعمل أهل المدينة واجتهاداته، ومن ذلك: باب ما لا زكاة فيه من الثمار، وباب صيام الذي يقتل خطأ..وغيرها. ونجد أيضا أنه اقتصر على كتب الفقه والأدب وعمل اليوم والليلة، وليس في كتابه شيء في التوحيد أو الزهد أو البعث والنشور والقصص والتفسير. [انظر: الفكر المنهجي عند المحدثين، د همام سعيد ص (111-118) ، مناهج المحدثين، د ياسر الشمالي ص (285) فما بعده، مقدمة تحقيق الموطأ، ط فؤاد عبد الباقي] . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 81160 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 277 شروط الحديث الصحيح [السُّؤَالُ] ـ[ما هي شروط الحديث الصحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله للحديث الصحيح إطلاقان: إطلاق عام: يشمل المتواتر والصحيح لذاته والصحيح لغيره والحسن. يقول الحافظ ابن حجر: " واعلم أن أكثر أهل الحديث لا يفردون الحسن من الصحيح " انتهى. "النكت" (1/480) . وإطلاق خاص: يشمل الصحيح لذاته والصحيح لغيره فقط. وهو بهذا التعريف: الحديث الذي يرويه العدل تام الضبط، بسند متصل، ولا يكون شاذاً ولا معلَّلاً. فإن كان الضبط خفيفاً وليس تاماً فهو الحسن لذاته. فإن تعددت طرقه فهو الصحيح لغيره. انظر: "نخبة الفِكَر" للحافظ ابن حجر رحمه الله. ومن هذا التعريف يمكن إجمال شروط الحديث الصحيح بما يلي: 1- عدالة جميع رواته. 2- تمام ضبط رواته لما يروون. 3- اتصال السند من أوله إلى منتهاه، بحيث يكون كل راوٍ قد سمع الحديث ممن فوقه. 4- سلامة الحديث من الشذوذ في سنده ومتنه، ومعنى الشذوذ: أن يخالف الراوي من هو أرجح منه. 5- سلامة الحديث من العلة في سنده ومتنه، والعلة: سبب خفي يقدح في صحة الحديث، يطّلع عليه الأئمة المتقنون. وتحديد هذه الشروط جاء نتيجة استقراء الأئمة المتأخرين كلام أهل الحديث وعباراتهم مع تطبيقاتهم، ولذلك تجد في كلام المتقدمين ما يدل على هذه الشروط. فمثلاً: قال الإمام الشافعي رحمه الله في "الرسالة" (370-371) : " ولا تقوم الحجة بخبر الخاصة حتى يجمع أمورا، منها: أن يكون من حَدَّثَ به ثقةً في دينه، معروفًا بالصدق في حديثه، عاقلا لما يحدث به، عالما بما يحيل معاني الحديث من اللفظ، وأن يكون ممن يؤدي الحديث بحروفه كما سمع، لا يحدث به على المعنى؛ لأنه إذا حدث على المعنى وهو غير عالم بما يحيل به معناه لم يدر لعله يحيل الحلال إلى حرام، وإذا أداه بحروفه فلم يبق وجه يُخاف فيه إحالته الحديث، حافظا إذا حدث به من حفظه، حافظا لكتابه إذا حدث من كتابه، إذا شرك أهل الحفظ في حديث وافق حديثهم، بَرِيًّا من أن يكون مدلسا يحدث عن من لقي ما لم يسمع منه، ويحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يحدث الثقات خلافه عن النبي صلى الله عليه وسلم. ويكون هكذا من فوقه ممن حدثه حتى ينتهي بالحديث موصولا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى من انتهى به إليه دونه " انتهى. فإذا اجتمعت هذه الشروط في الحديث فهو حديث صحيح باتفاق أهل العلم، كما نقله ابن الصلاح رحمه الله. انظر: "المقدمة في علوم الحديث" (8) والذهبي في "الموقظة" (24) . ثم إن من أهل العلم من نقص من هذه الشروط: فقد قبل الإمام مالك وأبو حنيفة الحديث المرسل، وهذا تنازل عن شرط الاتصال إلى منتهى الحديث. كما قبل بعض أهل العلم حديث المدلس ولو لم ينص على السماع. وقال الذهبي رحمه الله "الموقظة" (24) : وزاد أهل الحديث سلامته من الشذوذ والعلة، وفيه نظر على مقتضى أصول الفقهاء، فإن كثيرا من العلل يأبونها. وانظر: "تدريب الراوي" (1/68-75، 155) . والمقصود: أن اختلاف العلماء في تصحيح الأحاديث إنما يكون لسببين: الأول: اختلافهم في بعض شروط الصحة، وذلك أن من تنازل عن بعض هذه الشروط، لا بد أنه سيصحح ما لا يصححه غيره. الثاني: اختلافهم في انطباق هذه الشروط على حديث معين. فقد يختلفون في عدالة بعض الرواة، أو اتصال السند ونحو ذلك. واعلم أن ما سبق تقريره من شروط الحديث الصحيح، قد اجتمع عليها أدلةٌ من الشرع، وأدلةٌ من العقل، وليست هذه الشروط تعبدية محضة، بل معقولة المعنى، ظاهرة المقصد، وما هي إلا خلاصة لجهود آلاف العلماء، وعصارة لأفكار أهل الحديث المتقدمين عبر سنوات التدوين الطويلة في القرون الثلاثة الأولى ومن بعدهم. ومن أراد الإطلاع على ذلك فليرجع إلى كتاب الخطيب البغدادي " الكفاية في علم الرواية ". والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 79163 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 278 حديث (كل التجار يدخلون النار إلا المتقين) [السُّؤَالُ] ـ[هل هذا الحديث صحيح (كل التجار يدخلون النار إلا المتقين) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لم نقف على هذا الحديث، وبهذا اللفظ، في شيء من كتب السنة، ولكن قد ورد في السنة الصحيحة ما يشبهه، فمن ذلك: عن رفاعة بن رافع رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ التُجَّارَ يُبعَثُونَ يَومَ القِيَامَةِ فُجَّارًا، إِلَّا مَن اتَّقَى اللَّهَ وَبَرَّ وَصَدَقَ) أخرجه الترمذي (1210) والدارمي (2/247) وابن ماجه (2146) وابن حبان (11/276) قال الترمذي: حسن صحيح. وقال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (994) قال المباركفوري في "تحفة الأحوذي" (4/336) : " (إِلَّا مَنِ اتَّقَى اللَّهَ) بأن لم يرتكب كبيرة ولا صغيرة، مِن غِشٍّ وخيانة، أي: أَحسَنَ إلى الناس في تجارته، أو قام بطاعة الله وعبادته، (وَصَدَقَ) أي: في يمينه وسائر كلامه. قال القاضي: لمَّا كان من دَيدَنِ التجار التدليس في المعاملات، والتهالُكُ على ترويج السلع بما تيسر لهم من الأيمان الكاذبة ونحوها، حكم عليهم بالفجور، واستثنى منهم من اتقى المحارم، وبرَّ في يمينه، وصدق في حديثه. وإلى هذا ذهب الشارحون، وحملوا الفجور على اللغو والحلف، كذا في المرقاة " انتهى. كما جاء في السنة الصحيحة ما يدل على سبب وصف التجار بالفجور، وهو ما يتلبَّسُونَ به من الحلف الكاذب وإخلاف الوعد. عن عبد الرحمن بن شبل رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ التُجَّارَ هُمُ الفُجَّارَ، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ أَوَ لَيسَ قَد أَحَلَّ اللَّهُ البَيعَ؟ قَالَ: بَلَى، وَلِكِنَّهُم يُحَدِّثُونَ فَيَكذِبُونَ، وَيَحلِفُونَ فَيَأثَمُونَ) رواه أحمد (3/428) والحاكم (2/8) وقال صحيح الإسناد، وصححه محققو المسند. والألباني في "السلسلة الصحيحة" (366) وإلا فإن التجارة من أفضل أنواع المكاسب لمن بَرَّ وصدق، فإن التاجر الصدوق الأمين له من الأجر الشيء العظيم. عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ) رواه الترمذي (1209) وقال: هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وقال ابن تيمية كما في "المستدرك على مجموع الفتاوى" (1/163) : إسناده جيد. يقول أبو حامد الغزالي رحمه الله في "إحياء علوم الدين" (2/79) : " وجه الجمع بين هذه الأخبار تفصيل الأحوال: فنقول: لسنا نقول التجارةُ أفضل مطلقا من كل شيء، ولكنّ التجارة إما أن تُطلَبَ بها الكفاية أو الزيادة على الكفاية. فإن طَلب منها الزيادة على الكفاية، لاستكثار المال وادخاره، لا ليُصرَف إلى الخيرات والصدقات، فهي مذمومة؛ لأنه إقبال على الدنيا التي حبها رأس كل خطيئة، فإن كان مع ذلك ظالما خائنا فهو ظلم وفسق. فأما إذا طلب بها الكفاية لنفسه وأولاده، فالتجارة تعففا عن السؤال أفضل " انتهى. وانظر سؤال رقم (21575) [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 77225 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 279 من هم القَصَّاصُون؟ [السُّؤَالُ] ـ[من هم القُصَّاصُ الذين يعتبرون من التالفين الضعفاء، الذين يعيبهم أنهم قَصَّاصُون؟ هل هم أي شخص يعظ الناس ويذكر القَصَص؟ أم هناك تفصيل في المسألة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله القَصُّ هو فن مخاطبة العامة ووعظهم بالاعتماد على القصة. يقول ابن الجوزي رحمه الله: " القاص هو الذي يتبع القصة الماضية بالحكاية عنها والشرح لها ... والتذكير هو تعريف الخلق نِعَمَ الله عز وجل عليهم، وحثهم على شكره، وتحذيرهم من مخالفته. وأما الوعظ فهو تخويف يرق له القلب.. وقد صار اسم القاصِّ عامًّا للأحوال الثلاثة " انتهى. "القُصَّاص والمذكرون" (157-159) . والقصص والوعظ محمود وممدوح من حيث الأصل؛ وذلك أن الله تعالى يقول: (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) الأعراف/176 وقال تعالى: (وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً) النساء/63. وقال تعالى: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) الذاريات/55. كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يُذكِّرُ الناس ويعظهم، ويقص عليهم من أنباء الأمم السابقة ما فيه العبرة والموعظة. فعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: (وَعَظَنَا رَسُولُ الَّلهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوعِظَةً بَلِيغَةً، ذَرَفَت مِنهَا العُيونُ، وَوَجِلَت مِنهَا القُلوبُ) . رواه الترمذي (2676) وقال: حسن صحيح وصححه الألباني في صحيح الترمذي. وعن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حدث الناس عن قصة الثلاثة نفر الذين انطبقت عليهم الصخرة في الغار، فسألوا الله بأعمالهم الصالحة أن يفرجها عنهم حتى انفرجت. رواه البخاري (2215) ومسلم (2743) . وهكذا كان الصحابة رضوان الله عليهم يذكرون الناس بالله تعالى، ويقرؤون عليهم القرآن والحديث، ويدعونهم إلى الاعتبار والادكار بأحوال الماضين. فعن أبي وائل قال: (كَانَ عَبدُ اللهِ بنُ مَسعُودٍ يُذَكِّرُ النَّاسَ فِي كُلِّ خَمِيسٍ، فَقَالَ لَه رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبدِ الرَّحمَن، لَوَدِدتُ أَنَّك ذَكَّرتَنَا كُلَّ يَومٍ، قَالَ: أَمَا إِنَّه يَمنَعُنِي مِن ذَلك أَنِّي أَكرَه أَن أُمِلَّكم، وَإِنِّي أَتَخَوَّلُكُم بِالمَوعِظَةِ كَمَا كَانَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَتَخَوَّلُنَا بِهَا مَخَافَةَ السَّآمَةِ عَلَينَا) . رواه البخاري (70) ومسلم (2821) . فمن سار على هدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه فوعظ الناس وذكرهم بالله تعالى على علم وبصيرة، ولم يَتَقَحَّم أبوابَ الكذب والرياء والمبالغة والجهل، فذلك لا سبيل إلى الإنكار عليه، بل هو مأجور مشكور. قال الإمام أحمد: إذا كان القاص صدوقاً فلا أرى بمجالسته بأساً. وسئل الأوزاعي عن القوم يجتمعون فيأمرون رجلا فيقص عليهم فقال: إذا كان ذلك يوما بعد الأيام فليس به بأس. وروى الخلال عن أبي بكر المروذي قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول: يعجبني أمر القصاص لأنهم يذكرون الميزان وعذاب القبر، قلت له: فترى الذهاب إليهم؟ قال: إي لعمري إذا كان صدوقا. قال: وجاء رجل إلى الإمام أحمد فشكا له الوسوسة فقال: عليك بالقاص، ما أنفع مجالستهم. ولكن لما دخل في باب الوعظ والقص والتذكير من يتقحم ما لا علم له به، فيكذب في الحديث أو يزيد وينقص، أو يظهر عليه حب الظهور والسمعة، أو يكون سيئ السيرة والعمل، لما كان ذلك: اضطر الأئمة من أهل العلم إلى التحذير من أمثال هؤلاء والتنفير منهم. فعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يخرج من المسجد ويقول: ما أخرجني إلا القصاص ولولاهم ما خرجت. وعن أم الدرداء أنها بعثت إلى رجلين من الناس: قل لهما فليتقيا الله تعالى وتكون موعظتهما للناس لنفسهما. وعن شعبة بن الحجاج أنه دنا منه شاب فسأل عن حديث فقال له: أقاص أنت؟ فقال: نعم، قال: اذهب فإنا لا نحدث القصاص، فقال له: لم؟ قال: يأخذون الحديث منا شبرا فيجعلونه ذراعا! أي أنهم يزيدون في الحديث. وسئل سفيان الثوري: نستقبل القصاص بوجوهنا؟ فقال: ولوا البدع ظهوركم. انظر الآثار السابقة في "الآداب الشرعية" (2/82-89) . وقال ابن الجوزي: "معظم البلاء في وضع الحديث إنما يجري من القصاص" انتهى. "القصاص" (308) فالحاصل: أن القص ليس مذموما لذاته، وإنما لما قد يختلط به من الكذب والمبالغة والجرأة على الدين. يقول ابن الجوزي: " والقُصَّاصُ لا يُذَمون من حيث هذا الاسم، وإنما ذُم القُصَّاصُ لأن الغالب منهم الاتساع بذكر القَصَصِ دون ذكر العلم المفيد، ثم غالبُهم يُخَلِّط فيما يورده، وربما اعتمد على ما أكثره محال " انتهى. "تلبيس إبليس" (134) . وقال الإمام أحمد: " القصاص الذي يذكر الجنة والنار والتخويف وله نية وصدق الحديث، فأما هؤلاء الذين أحدثوا من وضع الأخبار والأحاديث فلا أراه " انتهى. "الآداب الشرعية" (2/85) . وبذلك تعلم أن وصف الراوي بأنه م القُصَّاص لا يَلزم منه توثيقا له ولا تجريجا، فقد كان من القصاص الرواة الثقات، كما كان منهم الضعفاء، وهذه بعض الأمثلة: سعيد بن حسان المخزومي: قاص أهل مكة، قال ابن معين وأبو داود والنسائي: ثقة. "تهذيب التهذيب" (4/15) . عائذ الله بن عبد الله بن عمرو: قال مكحول: ما رأيت أعلم منه، وقال الزهري: كان قاص أهل الشام وقاضيهم. "تهذيب التهذيب" (5/74) . ثابت بن أسلم البناني: قال أحمد: ثابت يتثبت في الحديث، وكان يقص، وقتادة كان يقص. "تهذيب التهذيب" (2/3) . قال ابن الجوزي: وقد بلغنا عن حماد بن سلمة أنه قال: كنت أسمع أن القصاص لا يحفظون الحديث، فكنت أقلب الأحاديث على ثابت، أجعل أنسا لابن أبي ليلى، وأجعل ابن أبي ليلى لأنس، أشوشها عليه، فيجيء بها على الاستواء " انتهى. يعني: أنه اختبره فوجده حافظاً للحديث. "القصاص" (260) . وممن كان يقص من الضعفاء: أحمد بن عبد الله بن عياض المكي: له مناكير، قال أبو حاتم: كان يقص. "ميزان الاعتدال" (1/248) . دراج أبو السمح: قال أحمد: أحاديثه مناكير ولَيَّنَه، وقال ابن يونس: كان يقص بمصر. "ميزان الاعتدال" (3/40) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 73003 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 280 قراءة سورة يس على المحتضَر [السُّؤَالُ] ـ[قرأت في جواب السؤال (21870) أنه يُشرع لمن كان موجوداً عند مسلم يحتضر أن يقرأ عليه سورة يس لأنها تسهّل خروج الروح. فهل هناك دليل على هذا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذهب جمهور العلماء (منهم الحنفية والشافعية والحنابلة) إلى استحباب قراءة سورة يس عند المحتضر , واستدلوا على ذلك ببعض الأدلة , ولكنها لا تخلو من ضعف: روى أحمد (19789) وأبو داود (3121) عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اقْرَءُوا يس عَلَى مَوْتَاكُمْ) . والحديث ضعيف، ضعفه النووي في "الأذكار"، وقال ابن حجر في " التلخيص" (2/104) : " أعله ابن القطان بالاضطراب وبالوقف وبجهالة حال روايه أبي عثمان وأبيه. ونقل ابن العربي عن الدارقطني أنه حديث ضعيف الإسناد مجهول المتن، ولا يصح في الباب حديث " انتهى. وضعفه الألباني في "إرواء الغليل" (688) . وروى أحمد (4/105) (16521) عن صَفْوَان قال: حَدَّثَنِي الْمَشْيَخَةُ أَنَّهُمْ حَضَرُوا غُضَيْفَ بْنَ الْحَارِثِ الثُّمَالِيَّ (صحابي) حِينَ اشْتَدَّ سَوْقُهُ، فَقَالَ: هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ يَقْرَأُ يس؟ قَالَ: فَقَرَأَهَا صَالِحُ بْنُ شُرَيْحٍ السَّكُونِيُّ، فَلَمَّا بَلَغَ أَرْبَعِينَ مِنْهَا قُبِضَ. قَالَ: فَكَانَ الْمَشْيَخَةُ يَقُولُونَ: إِذَا قُرِئَتْ عِنْدَ الْمَيِّتِ خُفِّفَ عَنْهُ بِهَا. قَالَ صَفْوَانُ: وَقَرَأَهَا عِيسَى بْنُ الْمُعْتَمِرِ عِنْدَ ابْنِ مَعْبَدٍ. قال الحافظ في "الإصابة" (5/324) : إسناده حسن. وانظر: "المجموع" (5/105) ، "شرح منتهى الإرادات" (1/341) ، "حاشية ابن عابدين" (2/191) . وقد اختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. ففي "الاختيارات" (ص 91) : " والقراءة على الميت بعد موته بدعة، بخلاف القراءة على المحتضر، فإنها تستحب بياسين " انتهى. قالوا: والسبب في استحباب قراءتها: أن هذه السورة مشتملة على التوحيد والمعاد , والبشرى بالجنة لمن مات على التوحيد , بقوله: (يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي) فتستبشر الروح بذلك , فيسهل خروجها. انظر: "مطالب أولي النهى" (1/837) . وذهب الإمام مالك رحمه الله إلى كراهة قراءة سورة يس أو غيرها عند المحتضر، لضعف الحديث الوارد في ذلك، ولأنه ليس من عمل الناس. انظر: الفواكه الدواني" (1/284) ، "شرح مختصر خليل" (2/137) . قال الشيخ الألباني في "أحكام الجنائز": " وأما قراءة سورة يس عنده (يعني عند المحتضر) ، وتوجيهه نحو القبلة، فلم يصح فيه حديث " انتهى. وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز: هل قراءة سورة (يس) عند الاحتضار جائزة؟ فأجاب: " قراءة سورة (يس) عند الاحتضار جاءت في حديث معقل بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اقرأوا على موتاكم يس) صححه جماعة وظنوا أن إسناده جيد، وأنه من رواية أبي عثمان النهدي عن معقل بن يسار، وضعفه آخرون، وقالوا: إن الراوي له ليس هو أبا عثمان النهدي ولكنه شخص آخر مجهول. فالحديث المعروف فيه أنه ضعيف لجهالة أبي عثمان، فلا يستحب قراءتها على الموتى. والذي استحبها ظن أن الحديث صحيح فاستحبها، لكن قراءة القرآن عند المريض أمر طيب، ولعل الله ينفعه بذلك، أما تخصيص سورة (يس) فالأصل أن الحديث ضعيف فتخصيصها ليس له وجه " انتهى. "فتاوى ابن باز" (13/93) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل قراءة سورة (يس) عند المحتضر ثابتة في السنة أم لا؟ فأجاب: " قراءة (يس) عند المحتضر سنة عند كثير من العلماء , لقوله صلى الله عليه وسلم: (اقرأوا على موتاكم يس) ، لكن هذا الحديث تكلم فيه بعضهم وضعفه، فعند من صححه تكون قراءة هذه السورة سنة، وعند من ضعفه لا تكون سنة. والله أعلم " انتهى. "فتاوى ابن عثيمين" (17/72) . وقال أيضاً: " (اقرأوا على موتاكم يس) هذا الحديث ضعيف، فيه شيء من الضعف، ومحل القراءة إذا صح الحديث عند الموت إذا أخذه النزع، فإنه يقرأ عليه سورة يس، قال أهل العلم: وفيها فائدة وهو تسهيل خروج الروح، لأن فيها قوله تعالى: (قِيلَ ?دْخُلِ ?لْجَنَّةَ قَالَ ي?لَيْتَ قَوْمِى يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِى رَبِّى وَجَعَلَنِى مِنَ ?لْمُكْرَمِينَ) فيقرأها عند المحتضر هذا إن صح الحديث، وأما قراءتها على القبر فلا أصل له " انتهى. "فتاوى ابن عثيمين" (17/74) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 72201 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 281 تخريج حديث استئذان ملك الموت على النبي صلى الله عليه وسلم ليقبض روحه [السُّؤَالُ] ـ[ما صحة هذا الحديث: (دخل الملك جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ملك الموت بالباب، ويستأذن أن يدخل عليك، وما استأذن من أحد قبلك، فقال له: ائذن له يا جبريل. ودخل ملك الموت وقال: السلام عليك يا رسول الله، أرسلني الله أخيرك بين البقاء في الدنيا وبين أن تلحق بالله، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بل الرفيق الأعلى، بل الرفيق الأعلى. فوقف ملك الموت عند رأس النبي صلى الله عليه وسلم (كما سيقف عند رأس كل واحد منا) وقال: أيتها الروح الطيبة، روح محمد بن عبد الله، اخرجي إلى رضى من الله ورضوان ورب راضٍ غير غضبان) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله في قصة وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أحداثٌ كثيرةٌ، روى فيها الرواةُ الشيءَ الكثير، ولكن خُلِطَ الصحيح فيه بالمكذوب، وتساهل الكثيرون في ذكر ما ليس له أصل، وما لم يأت إلا من طريق منكر متروك، والذي يبتغي السلامة في هذا الباب عليه بالأحاديث الصحيحة، إذ فيها الغنية والكفاية، وفيها من وصف أحداث وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ما فيه العبرة والعظة والحكمة. قال الحافظ ابن كثير رحمه الله "البداية والنهاية" (5/256) : " وقد ذكر الواقدي وغيره في الوفاة أخبارًا كثيرةً فيها نكارات وغرابة شديدة، أضربنا عن أكثرها صفحا لضعف أسانيدها، ونكارة متونها، ولا سِيَّما ما يورده كثير من القُصَّاص المتأخرين وغيرهم، فكثير منه موضوع لا محالة، وفي الأحاديث الصحيحة والحسنة المروية في الكتب المشهورة غُنيةٌ عن الأكاذيب وما لا يعرف سنده، والله أعلم " انتهى. وبعد البحث في مرويات قصة وفاة النبي صلى الله عليه وسلم لم نقف على الحديث الذي ذكره السائل بهذا اللفظ لكن رويت أحاديث في استئذان ملك الموت على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلفظ قريب مما ذكره السائل، ولكنها أحاديث ضعيفة حكم عليها العلماء بالنكارة والوضع، فمن ذلك: حديث يرويه علي بن الحسين عن أبيه في قصة طويلة فيها ذكر استئذان ملك الموت على النبي صلى الله عليه وسلم ومخاطبته له. وهذه قصة رواها الطبراني في المعجم الكبير (3/129) وفي كتاب الدعاء (1/367) . قال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/35) : فيه عبد الله بن ميمون القداح، وهو ذاهب الحديث. وكذلك حكم عليه الحافظ العراقي في تخريج الإحياء (4/560) والحافظ ابن حجر في "أجوبة بعض تلامذته" (1/87) وابن كثير في البداية والنهاية (5/290) وقال الألباني في "السلسلة الضعيفة" (5384) : موضوع. وحديث آخر يرويه ابن عباس رضي الله عنها، وفيه ذكر استئذان ملك الموت على النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي قبض فيه. رواه الطبراني في المعجم الكبير (12/141) . قال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/36) : وفيه المختار بن نافع وهو ضعيف. وقال العراقي في تخريج الإحياء (4/560) : وفيه المختار بن نافع منكر الحديث. وأما تخييره صلى الله عليه وسلم بين الموت والبقاء في الدنيا، وكذلك قوله: (بل الرفيق الأعلى) فهذا ثابت عنه في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها، وقد سبق ذكره في جواب السؤال رقم (45841) فليرجع إليه. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين بالنسبة لقصة وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ذكرت بعض كتب التاريخ أن ملك الموت أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه على شكل أعرابي، ما صحة هذا الكلام؟ فأجاب رحمه الله: " هذا غير صحيح ... لم يأته ملك الموت ولم يستأذن منه، بل خطب – صلى الله عليه وسلم – في آخر حياته خطبة وقال: (إن عبدا خيَّره الله تعالى بين الخلد في الدنيا ما شاء الله، وبين لقاء ربه، فاختار لقاء ربه) هكذا قال في آخر حياته، فبكى أبو بكر، فتعجب الناس كيف يبكي أبو بكر من هذه الكلمات، فكان النبي صلى الله عليه وسلم هو المُخيَّر، وكان أبو بكر أعلم الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا الذي ورد، أما أن ملك الموت جاء يستأذنه فهذا غير صحيح " انتهى. "لقاء الباب المفتوح" (2/340) ومن أراد المزيد من الأحاديث الصحيحة في قصة وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فليرجع إلى كتاب "البداية والنهاية" للحافظ ابن كثير (5/248) باب احتضاره ووفاته عليه الصلاة والسلام، وكذلك كتاب "صحيح السيرة النبوية" تأليف إبراهيم العلي، الباب السادس: مرض الرسول – صلى الله عليه وسلم – ووفاته. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 71400 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 282 نعم، كان خلقه صلى الله عليه وسلم القرآن [السُّؤَالُ] ـ[أرجو أن تؤكد ما إذا كانت عائشة رضي الله عنها قالت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يلي: (كان خلقه القرآن) . لقد أمضيت ساعات وأنا أبحث عن الدليل لكن دون جدوى.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: نعم، ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت ذلك في وصف النبي صلى الله عليه وسلم. فقد جاء في حديث طويل في قصة سعد بن هشام بن عامر حين قدم المدينة، وأتى عائشة رضي الله عنها يسألها عن بعض المسائل، فقال: (فَقُلتُ: يَا أُمَّ المُؤمِنِينَ! أَنبئِينِي عَن خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَت: أَلَستَ تَقرَأُ القُرآنَ؟ قُلتُ: بَلَى. قَالَت: فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ القُرآنَ. قَالَ: فَهَمَمْتُ أَن أَقُومَ وَلَا أَسأَلَ أَحَدًا عَن شَيْءٍ حَتَّى أَمُوتَ ... الخ) رواه مسلم (746) وفي رواية أخرى: (قُلتُ: يَا أُمَّ المُؤمِنِينَ! حَدِّثِينِي عَن خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَالَت: يَا بُنَيَّ أَمَا تَقرَأُ القُرآنَ؟ قَالَ اللَّهُ: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) خُلُقُ مُحَمَّدٍ القُرآنُ) أخرجها أبو يعلى (8/275) بإسناد صحيح. قال النووي رحمه الله تعالى في "شرح مسلم" (3/268) : " معناه: العمل به، والوقوف عند حدوده، والتأدب بآدابه، والاعتبار بأمثاله وقصصه، وتدبره، وحسن تلاوته " انتهى. وقال ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" (1/148) : " يعني أنه كان يتأدب بآدابه ويتخلق بأخلاقه، فما مدحه القرآن كان فيه رضاه، وما ذمه القرآن كان فيه سخطه، وجاء في رواية عنها قالت: (كَانَ خُلُقُهُ القُرآنُ، يَرضَى لِرِضَاه، وَيَسخَطُ لِسَخَطِهِ) " انتهى. وقال المُناوي في "فيض القدير" (5/170) : " أي ما دل عليه القرآن من أوامره ونواهيه ووعده ووعيده إلى غير ذلك. وقال القاضي: أي خلقه كان جميع ما حصل في القرآن، فإنَّ كُلَّ ما استحسنه وأثنى عليه ودعا إليه فقد تحَلَّى به، وكل ما استهجنه ونهى عنه تَجَنَّبَه وتَخَلَّى عنه، فكان القرآن بيان خلقه ... " انتهى. ثانيا: ومن حق النبي صلى الله عليه وسلم علينا – خاصة في هذه الأيام التي يتعرض فيها شخصه الكريم لحملة الكذب والتشويه – أن نَذكُرَ شيئا من شمائله الكريمة، وصفاته الحميدة، ليعلم العالَم أن في شخصه الكريم صلى الله عليه وسلم أطهر شخص وأعظم نفس وأكرم قلب. يقول أبو حامد الغزالي رحمه الله في "إحياء علوم الدين" (2/430-442) : " بيان جملة من محاسن أخلاقه التي جمعها بعض العلماء والتقطها من الأخبار، فقال: كان أحلم الناس، وأشجع الناس، وأعدل الناس، وأعف الناس، لم تمسَّ يده قط يد امرأة لا يملك رقها أو عصمة نكاحها أو تكون ذات محرم منه، وكان أسخى الناس، لا يبيت عنده دينار ولا درهم، وإن فضل شيء ولم يجد من يعطيه وفَجَأَهُ الليلُ لم يأو إلى منزله حتى يتبرَّأَ منه إلى من يحتاج إليه، لا يأخذ مما آتاه الله إلا قوت عامه فقط من أيسر ما يجد من التمر والشعير، ويضع سائر ذلك في سبيل الله، لا يُسأَلُ شيئا إلا أعطاه، ثم يعود على قوت عامه فيؤثِرُ منه حتى إنه ربما احتاج قبل انقضاء العام إن لم يأته شيء، وكان يخصف النعل، ويرقع الثوب، ويخدم في مهنة أهله، ويقطع اللحم معهن، وكان أشد الناس حياء، لا يثبت بصره في وجه أحد، ويجيب دعوة العبد والحر، ويقبل الهدية ولو أنها جرعة لبن ويكافئ عليها، ولا يأكل الصدقة، ولا يستكبر عن إجابة الأمة والمسكين، يغضب لربه ولا يغضب لنفسه، وينفذ الحق وإن عاد ذلك عليه بالضرر أو على أصحابه، وَجَدَ مِن فُضَلاء أصحابه وخيارهم قتيلا بين اليهود فلم يَحِفْ عليهم ولا زاد على مُرِّ الحق، بل وداه بمائة ناقة وإنَّ بأصحابه لحاجة إلى بعير واحد يتقوون به، وكان يعصب الحجر على بطنه من الجوع، ولا يتورع عن مطعم حلال، لا يأكل متكئا ولا على خِوان، لم يشبع من خبزٍ ثلاثةَ أيام متوالية حتى لقي الله تعالى، إيثارا على نفسه لا فقرا ولا بخلا، يجيب الوليمة، ويعود المرضى، ويشهد الجنائز، ويمشي وحده بين أعدائه بلا حارس، أشد الناس تواضعا، وأسكنهم في غير كبر، وأبلغهم من غير تطويل، وأحسنهم بِشْرًا، لا يهوله شيء من أمور الدنيا، ويلبس ما وجد، يردف خلفه عبده أو غيره، يركب ما أمكنه، مرة فرسا، ومرة بعيرا، ومرة بغلة، ومرة حمارا، ومرة يمشي حافيا بلا رداء ولا عمامة ولا قلنسوة، يعود المرضى في أقصى المدينة، يحب الطيب، ويكرة الرائحة الرديئة، يجالس الفقراء، ويؤاكل المساكين، ويكرم أهل الفضل في أخلاقهم، ويتألف أهل الشرف بالبر لهم، يصل ذوي رحمه من غير أن يؤثرهم على من هو أفضل منهم، لا يجفو على أحد، يقبل معذرة من اعتذر إليه، يمزح ولا يقول إلا حقا، يضحك من غير قهقهة، يرى اللعب المباح فلا ينكره، يسابق أهله، وترفع الأصوات عليه فيصبر، وكان له عبيد وإماء لا يرتفع عليهم في مأكل ولا ملبس، ولا يمضي له وقت في غير عمل لله تعالى أو فيما لا بد منه من صلاح نفسه، لا يحتقر مسكينا لفقره وزمانته [الزمانة: المرض المزمن] ، ولا يهاب ملكا لملكه، يدعو هذا وهذا إلى الله دعاء مستويا. ومما رواه أبو البختري قال: ما شتم رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا من المؤمنين بشتيمة إلا جعل لها كفارة ورحمة، وقال: (إنما بعثت رحمة ولم أبعث لعانا) ، وكان إذا سئل أن يدعو على أحد، مسلم أو كافر، عدل عن الدعاء عليه إلى الدعاء له، وما ضرب بيده أحدا قط، وما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما إلا أن يكون فيه إثم أو قطيعة رحم، وقد وصفه الله تعالى في التوراة قبل أن يبعثه، فقال: محمد رسول الله، عبدي المختار، لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح، وكان من خلقة أن يبدأ من لقيه بالسلام، ومن قاومه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف، وما أخذ أحد بيده فيرسل يده حتى يرسلها الآخر، ولم يكن يُعرَف مجلسه من مجلس أصحابه، قال الله تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ) آل عمران/159 قد جمع الله له السيرة الفاضلة والسياسة التامة وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب، نشأ في بلاد الجهل والصحارى في فقره وفي رعاية الغنم، يتيما لا أب له ولا أم، فعلمه الله تعالى جميع محاسن الأخلاق، والطرق الحميدة وأخبار الأولين والآخرين، وما فيه النجاة والفوز في الآخرة والغبطة والخلاص في الدنيا، ولزوم الواجب وترك الفضول، وفقنا الله لطاعته في أمره والتأسي به في فعله آمين يا رب العالمين " انتهى بشيء من الاختصار. ولا يحسبن أحد أن ما سبق من قبيل الكلام الإنشائي الخطابي، بل كل جملة فيه جاء في المسانيد والصحاح والسنن عشرات الأحاديث الصحيحة المسندة مما يدل عليه ويشهد له، ولكن آثرت عدم ذكرها اختصارا، ومن أراد الاطلاع عليها فليرجع إلى كتاب (الشمائل المحمدية) للإمام الترمذي. رابعا: وفي النهاية أنصحك أخي السائل أن تستعين في بحثك بجهاز الحاسوب والبرامج الحديثية الميسرة، وهي كثيرة بحمد الله، فإنها تختصر عليك الوقت والجهد، كما أنك تستطيع من خلالها الوصول إلى الحديث الذي تريد ومعرفة حكمه، وأنصحك بشراء بعض الكتب الشاملة،مما تجمع أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وترتبها على المواضيع، ومن أعظمها وأوسعها وأيسرها كتاب (رياض الصالحين) للإمام النووي، وكذلك (الترغيب والترهيب) للإمام المنذري، فقد رتب أحاديثه على الموضوعات، وجمع من جميع كتب السنة ما يتعلق بالموضوع الذي يتحدث عنه، وقد خدمه أهل العلم بالتحقيق وبيان الصحيح من الضعيف، منهم الشيخ الألباني رحمه الله تعالى. أسأل الله تعالى لك الأجر على جهدك وبحثك، وأسأله سبحانه أن يوفقنا وإياك لما فيه الخير. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 71184 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 283 حديث: (من اعتمد على عقله ضل) [السُّؤَالُ] ـ[معنى الحديث: (من اعتمد على ماله قلَّ , ومن اعتمد على عقله ضلَّ , ومن اعتمد على الله فلا يضل) . فهل هذا يعني أن العقل لا يستخدم في الاجتهاد؟ ومتى يستخدم العقل في الاجتهاد؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله حديث: (من اعتمد على ماله قلَّ ومن اعتمد على عقله ضلَّ ومن اعتمد على الله فلا يضل) لم نجده بعد الاطلاع والبحث منسوباً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ووجدناه في بعض الكتب منسوباً لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه. والعقل في الإسلام له أهمية كبيرة، وتكمن أهميته في أمور، منها: 1. أنه شرط التكليف، فمن شروط التكليف بالأوامر وترك النواهي أن يكون المكلَّف عاقلاً. 2. أن العقل هو إحدى الضرورات الخمس التي جاءت الشريعة بحفظها والاهتمام بها، وهي: الدين، والنفس، والعقل، والعرض، والمال، ومن تشريعات حفظ العقل في الإسلام تحريم شرب الخمر والمخدرات. 3. أن استعمال الإنسان لعقله استعمالاً صحيحاً يجعله يفهم الآيات والأحاديث على وجهها الصحيح، وإذا كان كافراً فإن الله تعالى جعل في دينه من الحجج والبراهين ما لا يخفى على عاقل، لكن من لم يستخدم عقله لم ينتفع بهذه الحجج والبراهين، لذا سيندم هؤلاء يوم القيامة وسيتمنون لو أنهم استخدموا عقولهم على وجهها الصحيح، قال تعالى: (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ. فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لأَصْحَابِ السَّعِيرِ) الملك/10،11، وليس في الإسلام شيء يخالف العقل الصريح، بل العقل موافق لما جاء في الشرع، وإنما ضلَّ أقوام حكَّموا عقولهم هم في نصوص الشرع فضلوا وأضلوا، أما من استعمل عقله ليفهم ما جاء من نصوص وفق قواعد السلف ومنهجهم فهو المجتهد المأجور. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فيأخذ المسلمونَ جميعَ دينهم من الاعتقادات , والعبادات , وغير ذلك من كتاب الله , وسنَّةِ رسولِهِ , وما اتفق عليه سلف الأمّة وأئمتها، وليس ذلك مخالفاً للعقل الصريح؛ فإنّ ما خالف العقل الصريح فهو باطلٌ. وليس في الكتاب والسنَّةِ والإجماع باطل، ولكن فيه ألفاظ قد لا يفهمها بعضُ النَّاس , أو يفهمون منها معنى باطلاً , فالآفةُ منهم , لا من الكتاب والسُّنَّة؛ فإن الله تعالى قال: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدى وَرَحْمَة وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِين) " انتهى. " مجموع الفتاوى " (11 / 490) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 71323 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 284 ما هي السورة التي تعدل نصف القرآن؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما هي السورة التي تعدل نصف القران؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله جاء في فضل بعض سور القرآن الكريم أحاديث كثيرة، منها الصحيح، وكثير منها ضعيف أو منكر، ومن ذلك ما جاء في فضل سورة الزلزلة أنها تعدل نصف القرآن، فقد ورد ذلك في أحاديث منكرة، وهي: الأول: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذَا زُلْزِلَت تَعدِلُ نِصفَ القُرْآَنِ) رواه الترمذي (2894) والحاكم (1/754) وفي سنده يمان بن المغيرة العنزي، قال فيه البخاري وأبو حاتم: منكر الحديث، وقال ابن حبان: منكر الحديث جدا، يروي المناكير التي لا أصول لها فاستحق الترك. انظر "تهذيب التهذيب (4/452) " وقد تفرد يمان بهذا الحديث، دون جميع أصحاب عطاء، ومثله لا يحتمل منه التفرد، بل تفرده منكر، والله أعلم. وكلمة جماهير أهل العلم على تضعيف الحديث بسبب يمان بن المغيرة، خلافا لمن صححه من أهل العلم. فقد ضعفه الترمذي حيث قال بعد أن أخرجه: غريب لا نعرفه إلا من حديث يمان بن المغيرة، وضعفه ابن عبد البر في "التمهيد") بقوله: هو من أحاديث الشيوخ وليس من أحاديث الأئمة، وضعفه ابن حجر في فتح الباري (8/687) ، والذهبي في تلخيص المستدرك، والمناوي في "فيض القدير" (1/367) ، والشوكاني في الفتح الرباني (12/5930) ، وقال الألباني في "السلسلة الضعيفة" (1342) : منكر. الثاني: عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَن قَرَأَ إِذَا زُلزِلَتْ عُدِلَت لَهُ بِنِصفِ القُرْآنِ) رواه الترمذي (2893) وفي سنده الحسن بن سالم العجلي، قال المزي: هو شيخ مجهول له حديث واحد، وقال العقيلي: مجهول في النقل، وقال ابن حبان: يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات. انظر "تهذيب التهذيب" (1/396) وقد اتفقت كلمة أهل العلم على تضعيف هذا الحديث أيضا، فقد ضعفه الترمذي بقوله بعد إخراجه: غريب، والعقيلي بقوله: "غير محفوظ" كما في "تهذيب التهذيب" (1/396) ، وابن حبان في "المجروحين" (1/279) ، والبيهقي في "شعب الإيمان" (2/497) ، وقال الذهبي في "ميزان الاعتدال" (1/523) : منكر، وكذا قال الألباني في "الضعيفة" (1342) الثالث: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قَرَأَ إِذَا زُلزِلَتْ فِي لَيلَةٍ كَانَت لَهُ بِعَدل ِنِصفِ القُرْآنِ) رواه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (691) ويقول الشيخ الألباني رحمه الله "السلسلة الضعيفة" (1342) :: " أخرجه أبو أمية الطرسوسي في مسند أبي هريرة (2/195) ، وإسناده ضعيف جدا، فيه عيسى بن ميمون المدني، ضعفه الجماعة، وقال أبو حاتم وغيره: متروك الحديث " انتهى. وقال ابن حجر في نتائج الأفكار (3/268) : " في إسناده راو شديد الضعف " انتهى. فيتبين بما سبق أنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء في كون سورة الزلزلة تعدل نصف القرآن، ولكن يبدو أن بعض الأئمة من السلف كان يأخذ بهذه الأحاديث، ويذهب في اجتهاده إلى أن ما في سورة الزلزلة من المعاني العظيمة تعدل نصف المقاصد التي جاء القرآن الكريم لتحقيقها. جاء في "مصنف عبد الرزاق" (3/372) : عن معمر قال: (سمعت رجلا يحدث أن إذا زلزلت تعدل شطر القرآن) وعن جعفر عن هشام بن مسلم قال: سمعت بكر بن عبد الله المزني يقول: (إذا زلزلت الأرض نصف القرآن) . وروى أبو عبيد عن الحسن البصري مرسلا: (إذا زلزلت تعدل نصف القرآن، والعاديات تعدل نصف القرآن) انظر "الإتقان" للسيوطي (2/413) وجاء عن عاصم بن أبي النجود الإمام المقرئ قوله: (كان يقال: من قرأ إذا زلزلت فكأنما قرأ نصف القرآن) قال ابن حجر في "نتائج الأفكار" (3/270) : رجاله ثقات. يقول المناوي في "فيض القدير" (1/367) : " لأن المقصود الأعظم بالذات من القرآن بيان المبدأ والمعاد، و" إذا زلزلت " مقصورة على ذكر المعاد، مستقلة ببيان أحواله، فعادلت نصفه، ذكره القاضي " انتهى. فهو اجتهاد لبعض السلف، لا يجوز أن ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يعني أبدا أنها تعدل نصف القرآن في الأجر والمثوبة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 71359 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 285 ماذا يفعل المسلم مع اختلاف العلماء في التصحيح والتضعيف؟ [السُّؤَالُ] ـ[ماذا نفعل إذا اختلف علماء الحديث في تصحيح وتضعيف حديث ما يتعلق بالعبادة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا فرق عند أهل العلم بين اختلاف العلماء في مسائل الحديث تصحيحا وتضعيفاً وبين اختلافهم في مسائل الفقه؛ وذلك لأن تصحيح الحديث وتضعيفه خاضع للاجتهاد، وفيه تفاوت بين العلماء في العلم بأحوال الرجال وطرق الحديث، فما يعرفه بعضهم من حالٍ للراوي قد يخفى على غيره، وما يقف عليه آخر من شواهد ومتابعات قد لا يتيسر لغيره، فيختلف حكمهم على الحديث الواحد تبعاً لذلك، وأحياناً يقف كل واحد منهم على ترجمة الراوي وطرق الحديث، ويختلف ترجيحهم تصحيحاً وتضعيفاً تبعاً لاجتهادهم في الراجح من حال الرواي، وفي الراجح من خلو طرق الحديث من الشذوذ والعلة. قال الإمام الترمذي: وقد اختلف الأئمة من أهل العلم في تضعيف الرجال كما اختلفوا في سوى ذلك من العلم. " سنن الترمذي " (5 / 756) وهو كتاب " العلل " في آخر " السنن ". وفي بيان أسباب اختلاف العلماء قال شيخ الإسلام ابن تيمية: السبب الثالث: اعتقاد ضعف الحديث باجتهاد قد خالفه فيه غيره، مع قطع النظر عن طريق آخر، سواء كان الصواب معه أو مع غيره، أو معهما عند من يقول: كل مجتهد مصيب؛ ولذلك أسباب: منها: أن يكون المحدث بالحديث يعتقده أحدهما ضعيفا؛ ويعتقده الآخر ثقة، ومعرفة الرجال علم واسع؛ ثم قد يكون المصيب من يعتقد ضعفه؛ لاطلاعه على سبب جارح، وقد يكون الصواب مع الآخر لمعرفته أن ذلك السبب غير جارح؛ إما لأن جنسه غير جارح؛ أو لأنه كان له فيه عذر يمنع الجرح. وهذا باب واسع وللعلماء بالرجال وأحوالهم في ذلك من الإجماع والاختلاف مثل ما لغيرهم من سائر أهل العلم في علومهم. ومنها: ألا يعتقد أن المحدث سمع الحديث ممن حدث عنه، وغيره يعتقد أنه سمعه لأسباب توجب ذلك معروفة. ومنها: أن يكون للمحدث حالان: حال استقامة، وحال اضطراب؛ مثل أن يختلط أو تحترق كتبه، فما حدث به في حال الاستقامة صحيح، وما حدث به في حال الاضطراب ضعيف؛ فلا يدري ذلك الحديث من أي النوعين، وقد علم غيره أنه مما حدث به في حال الاستقامة. ومنها: أن يكون المحدث قد نسي ذلك الحديث فلم يذكره فيما بعد، أو أنكر أن يكون حدثه معتقدا أن هذا علة توجب ترك الحديث، ويرى غيره أن هذا مما يصح الاستدلال به، والمسألة معروفة ... إلى أسباب أخر غير هذه. " مجموع الفتاوى " (20 / 240 – 242) باختصار. ثانياً: أما موقف المسلم من هذا الاختلاف الحاصل بين أهل العلم في التصحيح والتضعيف للحديث الواحد: فهو الموقف ذاته من اختلافهم في الفقه، فإن كان مؤهلاً للترجيح بين أقوالهم رجَّح ما يراه صواباً من أحد الحكمَين، وإن كان غير مؤهل فواجبه التقليد، وعليه أن يأخذ بترجيح من يراه أكثر ديناً وعلماً في هذا الباب، ولا ينبغي أن يغتر بكونه فقيهاً أو أصوليّا أو مفسِّراً، بل ينبغي أن يكون المقلَّد في التصحيح والتضعيف من أهل هذه الصنعة وهذا الفن، وهو فن علم الحديث، ولا حرج عليه فيما يترتب على تقليده، فإن كان الحديث صحيحاً عنده وقلَّده فيه، وكان يحوي حكماً فقهيّاً فالواجب عليه العمل به، ولا حرج عليه إن ترك العمل به إن كان الحديث ضعيفاً. قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -: وإذا اختلفت العلماء عليه في الفتيا، أو فيما يسمع من مواعظهم ونصائحهم مثلاً: فإنه يتبع من يراه إلى الحق أقرب في علمه ودينه. " لقاء الباب المفتوح " (اللقاء " 46 "، سؤال 1136) . ولينظر جواب السؤال رقم (22652) وفيه بيان الموقف الصحيح من اختلاف العلماء. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 70455 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 286 درجة حديث ما يسمى " دعاء جبريل " [السُّؤَالُ] ـ[فضل هذا الدعاء: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (نزل عليّ جبرائيل وأنا أصلي خلف المقام، فلما فرغت من الصلاة دعوت الله تعالى وقلت: حبيبي علمني لأمتي شيئا إذا خرجت من الدنيا عنهم يدعون الله تعالى فيغفر لهم، فقال جبريل: ومن أمتك يشهدون لا إله إلا الله وأنك محمد رسول الله، ويصومون أيام الثلاثة البيض الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر، ثم يدعون الله بهذا الدعاء، فإنه مكتوب حول العرش، وأنا يا محمد بقوة هذا الدعاء أهبط وأصعد، وملك الموت بهذا الدعاء يقبض أرواح المؤمنين، وهذا الدعاء مكتوب على أستار الكعبة وأركانها، ومن قرأ من أمتك هذا الدعاء يأمن عذاب القبر، ويكون من آمناً يوم الفزع الأكبر، ومن موت الفجّار، وغناه عن خلقه، ويرزقه من حيث لا يحتسب، وأنت شفيعه يوم القيامة يا محمد. . . . بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على محمد وآله الطاهرين سبحانك، أنت الله لا إله إلا أنت المؤمن المهيمن سبحانك، أنت الله لا إله إلا أنت المصور الرحيم سبحانك، أنت الله لا إله إلا أنت السميع العليم سبحانك، أنت الله لا إله إلا أنت الحي القيّوم سبحانك، أنت الله لا إله إلا أنت البصير الصادق سبحانك، أنت الله لا إله الله إلا أنت الواسع اللطيف سبحانك، أنت الله لا إله إلا أنت العليّ الكبير سبحانك. . .إلخ الدعاء. هل ما كتب صحيح؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث والذي يسمَّى " دعاء جبريل " لا أصل له في السنة الصحيحة، بل ولا في الضعيفة، وهو من الأحاديث المكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم، ومن قرأ ألفاظ الحديث والدعاء لم يشك أنه من وضع الزنادقة، ففي بيان بعض فضائل هذا الدعاء قوله: " ومَن كتبه على كفنه بتربة الحسين عليه السلام أمِنَ مِن عذاب القبر "! . وفي بعض ألفاظه ما يدل على حماقة قائله، وظنه أنه قد ينطلي هذا الدعاء على حماة الدِّين، فاسمع إليه يقول: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فحفظته، وعلَّمته المؤمنين من شيعتنا وموالينا "!! أما المبالغات في الأجور والثواب، والأخطاء في النحو والإملاء: فحدِّث عن هذا ولا حرج، ونص أوله: " اللهم صلِّ على محمد وآل محمد لا إله إلا الله بعدد ما هلَّله المهللون، الله أكبر بعدد ما كبّره المكبرون، الحمد لله الحمد لله بعدد ما حَمِدهُ الحامدون، سبحان الله بعدد ما سبّحه المسبحون، أستغفر الله أستغفر الله بعدد ما استغفره المستغفرون ". وعلى كل حال: ففي صحيح السنَّة ما يغني عن مثل هذه الخرافات والضلالات، والوصية للأخ السائل أن يقرأ كتاب " حصن المسلم " أو " صحيح الكلِم الطيب "، وكذا ما ذكره الأئمة الثقات كالبخاري ومسلم في كتبهم في أبواب الأدعية، ففيه الخير الكثير. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 70265 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 287 هل تشرع صلاة الحاجة؟ وهل تنفع التجربة لفعلها؟ [السُّؤَالُ] ـ[صلاة الحاجة باثنتي عشرة ركعة مع التشهد بين كل ركعتين وفي التشهد الأخير نثني على الله عز وجل ونصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم نسجد ونقرأ فاتحة الكتاب سبع مرات وآية الكرسي سبع مرات ونقول عشر مرات " لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير "، ثم نقول: " اللهم إني أسألك بمعاقد العز من عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك واسمك الأعظم وجدك الأعلى وكلماتك التامة " ثم نسأل حاجتنا ونرفع رأسنا من السجود ونسلم يميناً ويساراً. سؤالي هو: قيل لي إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قراءة القرآن في السجود وقد جربتها في أيام الدراسة والله سبحانه وتعالى استجاب دعائي وأنا لي حاجة إلى الله سبحانه وتعالى وأريد أن أصليها فما هي نصيحتكم لي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله رويت " صلاة الحاجة " في أربعة أحاديث: اثنان منهما موضوعان، والصلاة في أحدهما اثنتا عشرة ركعة، وفي الآخر ركعتان، والثالث ضعيف جدّاً، والرابع ضعيف، والصلاة فيهما ركعتان. أما الأول: فهو الذي جاء في السؤال وهو من حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اثنتا عشرة ركعة تصليهن من ليل أو نهار وتتشهد بين كل ركعتين، فإذا تشهدت من آخر صلاتك فأثنِ على الله، وصلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم، واقرأ وأنت ساجد فاتحة الكتاب سبع مرات، وقل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات، ثم قل: اللهم إني أسألك بمعاقد العز من عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك واسمك الأعظم وجدك الأعلى وكلماتك التامة، ثم سل حاجتك ثم ارفع رأسك، ثم سلِّم يميناً وشمالاً ولا تعلموها السفهاء فإنهم يدعون بها فيستجاب لهم) . رواه ابن الجوزي في " الموضوعات " (2 / 63) من طريق عامر بن خداش عن عمرو بن هارون البلخي. ونقل ابن الجوزي تكذيب عمرو البلخي عن ابن معين، وقال: وقد صح النهي عن القراءة في السجود. انظر: " الموضوعات " (2 / 63) و " ترتيب الموضوعات " للذهبي (ص 167) . وفي الدعاء بـ " معاقد العز من عرش الله " خلاف بين العلماء، على حسب المقصود من هذا اللفظ الذي لم يرد في الشرع، وقد منع الدعاء به بعض أهل العلم، ومنهم الإمام أبو حنيفة؛ لأنه من التوسل البدعي، وأجازه آخرون لاعتقادهم أنه توسل بصفة من صفات الله عز وجل لا أنه يجوز عندهم التوسل بالمخلوقين. قال الشيخ الألباني رحمه الله: " أقول: لكن الأثر المشار إليه باطل لا يصح، رواه ابن الجوزي في " الموضوعات " وقال: " هذا حديث موضوع بلا شك "، وأقره الحافظ الزيلعي في " نصب الراية " (273) فلا يحتج به، وإن كان قول القائل: " أسألك بمعاقد العز من عرشك " يعود إلى التوسل بصفة من صفات الله عز وجل: فهو توسل مشروع بأدلة أخرى، تغني عن هذا الحديث الموضوع. قال ابن الاثير رحمه الله: " أسألك بمعاقد العز من عرشك، أي: بالخصال التي استحق بها العرش العز، أو بمواضع انعقادها منه، وحقيقة معناه: بعز عرشك، وأصحاب أبي حنيفة يكرهون هذا اللفظ من الدعاء ". فعلى الوجه الأول من هذا الشرح وهو الخصال التي استحق بها العرش العز: يكون توسلاً بصفة من صفات الله تعالى فيكون جائزاً، وأما على الوجه الثاني الذي هو مواضع انعقاد العز من العرش: فهو توسل بمخلوق فيكون غير جائز، وعلى كلٍّ فالحديث لا يستحق زيادة في البحث والتأويل؛ لعدم ثبوته، فنكتفي بما سبق " انتهى كلام الألباني. " التوسل أنواعه وأحكامه " (ص 48، 49) . وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: " هذا الحديث فيه من الغرابة كما ذكر السائل من أنه شرع قراءة الفاتحة في غير القيام في الركوع أو في السجود، وتكرار ذلك، وأيضًا في السؤال بمعاقد العز من العرش وغير ذلك، وكلها أمور غريبة، فالذي ينبغي للسائل أن لا يعمل بهذا الحديث، وفي الأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي لا إشكال فيها، وفيها من نوافل العبادات والصلوات والطاعات ما فيه الخير والكفاية إن شاء الله " انتهى. " المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (1 / 46) . وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن قراءة القرآن في الركوع والسجود. فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ راكعاً أو ساجداً. رواه مسلم (480) . وفي جواب السؤال رقم (34692) سبق ذكر الحديث وتضعيفه من جهة السند والمتن عن علماء اللجنة الدائمة فلينظر. وأما الحديث الثاني الوارد في صلاة الحاجة فهو: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (جاءني جبريل عليه السلام بدعوات فقال: إذا نزل بك أمر من أمر دنياك فقدمهن ثم سل حاجتك: يا بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا صريخ المستصرخين، يا غياث المستغيثين، يا كاشف السوء، يا أرحم الراحمين، يا مجيب دعوة المضطرين، يا إله العالمين، بك أنزل حاجت وأنت أعلم بها فاقضها) . رواه الأصبهاني – كما في " الترغيب والترهيب " (1 / 275) -، وذكر الشيخ الألباني – رحمه الله – في " ضعيف الترغيب " (419) و " السلسلة الضعيفة " (5298) أنه موضوع. وأما الحديث الثالث: فهو: عن عبد الله بن أبي أوفى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من كانت له إلى الله حاجة أو إلى أحد من بني آدم فليتوضأ فليحسن الوضوء ثم ليصل ركعتين ثم ليثن على الله وليصل على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ليقل: لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، لا تدع لي ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا حاجة هي لك رضا إلا قضيتها يا أرحم الراحمين) . رواه الترمذي (479) وابن ماجه (1384) . قال الترمذي: هذا حديث غريب، وفي إسناده مقال. وذكر الألباني رحمه الله في " ضعيف الترغيب " (416) وقال: حديث ضعيف جدّاً. وقد سبق تضعيف الحديث في جواب السؤال رقم (10387) فلينظر. وأما الحديث الرابع فهو: عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا علي، ألا أعلمك دعاء إذا أصابك غم أو هم تدعو به ربك فيستجاب لك بإذن الله، ويفرج عنك؟ توضأ وصل ركعتين واحمد الله وأثن عليه، وصل على نبيك، واستغفر لنفسك وللمؤمنين والمؤمنات، ثم قل: اللهم أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، لا إله إلا الله العلي العظيم، لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، اللهم كاشف الغم، مفرج الهم، مجيب دعوة المضطرين إذا دعوك، رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، فارحمني في حاجتي هذه بقضائها ونجاحها رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك) . رواه الأصبهاني – كما في " الترغيب والترهيب " (1 / 275) وضعفه الألباني رحمه الله في " ضعيف الترغيب " (417) وقال: إسناده مظلم، فيه من لا يُعرف، وانظر " السلسلة الضعيفة " (5287) . والخلاصة: أنه لم يصح في هذه الصلاة حديث، فلا يشرع للمسلم أن يصليها، ويكفيه ما ورد في السنة الصحيحة من صلوات وأدعية وأذكار ثابتة. ثانياً: وأما قول السائلة إنها جربتها فوجدتها نافعة: فهذا قد قاله غيرها قبلها، والشرع لا يثبت بمثل هذا. قال الشوكاني رحمه الله: " السنَّة لا تثبت بمجرد التجربة، وقبول الدعاء لا يدل على أن سبب القبول ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد يجيب الله الدعاء من غير توسل بسنَّة، وهو أرحم الراحمين، وقد تكون الاستجابة استدراجاً " انتهى باختصار. " تحفة الذاكرين " (ص 140) . وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: " وأما ما ذكر من أن فلانًا جرَّبه فوجده صحيحاً، وفلانًا جرَّبه فوجده صحيحاً؛ هذا كله لا يدل على صحة الحديث، فكون الإنسان يُجرِّب الشيء ويحصل له مقصوده لا يدل على صحة ما قيل فيه أو ما ورد فيه؛ لأنه قد يصادف حصول هذا الشيء قضاءً وقدراً، أو يصادف ابتلاءً وامتحاناً للفاعل، فحصول الشيء لا يدل على صحة ما ورد به " انتهى. " المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (1 / 46) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 70295 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 288 ما صحة حديث إحياء أبوي النبي صلى الله عليه وسلم؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما صحة الحديث القائل بإحياء أم النبي محمد صلى الله عليه وسلم فآمنت به ثم ماتت؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لم يصح حديث في أن الله تعالى أحيا أبوي النبي صلى الله عليه وسلم وأنهما آمنا به ثم ماتا، بل الأحاديث الصحيحة الثابتة تدل على أنهما ماتا على الكفر، وأنهما من أهل النار. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله عليه وسلم: (اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي) رواه مسلم (976) . وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أَنَّ رَجُلا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيْنَ أَبِي؟ قَالَ: فِي النَّارِ. فَلَمَّا قَفَّى دَعَاهُ، فَقَالَ: إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ. رواه مسلم (203) . ومما يدل على عدم صحة هذه الأحاديث: أن هذا الأمر لو وقع لاشتهر وانتشر، لأنه يكون آية عظيمة من آيات الله تعالى، فتتوفر الدواعي على نقلها. وقد حكم أئمة العلم المحققون على هذه الأحاديث الواردة بأنها موضوعة مكذوبة. عن عائشة رضي الله عنها قالت: حجَّ بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، فمرَّ بي على عقبة الحجون وهو باكٍ حزين مغتم، فبكيتُ لبكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إنه نزل فقال: يا حميراء استمسكي، فاستند إلى البعير فمكث عني طويلاً، ثم إنه عاد إليَّ وهو فرح مبتسم، فقلت له: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، نزلت من عندي وأنت حزين مغتم فبكيت لبكائك، ثم إنك عدت إليّ وأنت فرح مبتسم، فعَمَ ذا يا رسول الله؟ فقال: ذهبت لقبر أمي آمنة فسألت الله أن يحييها فأحياها، فآمنت بي وردها الله عز وجل. رواه ابن شاهين في " الناسخ والمنسوخ " والخطيب البغدادي في " السابق اللاحق " – كما قال السيوطي في " الحاوي " (2 / 440) -. قال ابن الجوزي: " هذا حديث موضوع بلا شك، والذي وضعه قليل الفهم عديم العلم، إذ لو كان له علم لعلم أن من مات كافراً لا ينفعه أن يؤمن بعد الرجعة، لا؛ بل لو آمن عند المعاينة لم ينتفع، ويكفي رد هذا الحديث قوله تعالى: (فيمت وهو كافر) وقوله في الصحيح: (استأذنت ربي في أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي) وقد كان أقوام يضعون أحاديث ويدسونها في كتب المغفلين فيرويها أولئك، قال شيخنا أبو الفضل بن ناصر: هذا حديث موضوع وأم رسول الله صلى الله عليه وسلم ماتت بالأبواء بين مكة والمدينة ودفنت هناك وليست بالحجون " انتهى. "الموضوعات" (1/283) . الحجون: موضع بمكة. وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله: " وأما الحديث الذي ذكره السهيلي وذكر أن في إسناده مجهولين إلى أبي الزناد عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل ربه أن يحيي أبويه، فأحياهما وآمنا به: إنه حديث منكر جدّاً، وإن كان ممكناً بالنظر إلى قدرة الله تعالى، لكن الذي ثبت في الصحيح يعارضه " انتهى. "البداية " (2/261) . وقال ملا علي القاري عن هذا الحديث: " موضوع، كما قال ابن دحية، وقد وضعت في هذه المسألة رسالة مستقلة " انتهى. "الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة" (ص 83) . وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: هل صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن الله تبارك وتعالى أحيا له أبويه حتى أسلما على يديه ثم ماتا بعد ذلك؟ فأجاب: " لم يصح ذلك عن أحد من أهل الحديث ; بل أهل المعرفة متفقون على أن ذلك كذب مختلق، وإن كان قد روى في ذلك أبو بكر - يعني الخطيب - في كتابه "السابق واللاحق" وذكره أبو القاسم السهيلي في "شرح السيرة" بإسناد فيه مجاهيل، وذكره أبو عبد الله القرطبي في "التذكرة" وأمثال هذه المواضع، فلا نزاع بين أهل المعرفة أنه من أظهر الموضوعات كذباً، كما نص عليه أهل العلم، وليس ذلك في الكتب المعتمدة في الحديث ; لا في الصحيح ولا في السنن ولا في المسانيد ونحو ذلك من كتب الحديث المعروفة، ولا ذكره أهل كتب المغازي والتفسير، وإن كانوا قد يروون الضعيف مع الصحيح، لأن ظهور كذب ذلك لا يخفى على متدين، فإن مثل هذا لو وقع لكان مما تتوافر الهمم والدواعي على نقله، فإنه من أعظم الأمور خرقا للعادة من وجهين: من جهة إحياء الموتى، ومن جهة الإيمان بعد الموت. فكان نقل مثل هذا أولى من نقل غيره، فلما لم يروه أحد من الثقات عُلِم أنه كذب. ثم هذا خلاف الكتاب والسنة الصحيحة والإجماع. قال الله تعالى: (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما) وقال: (وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار) . فبين الله تعالى: أنه لا توبة لمن مات كافراً. وقال تعالى: (فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون) فأخبر أن سنته في عباده أنه لا ينفع الإيمان بعد رؤية البأس ; فكيف بعد الموت؟ ونحو ذلك من النصوص. . . " انتهى باختصار. "مجموع الفتاوى" (4/325) . وبعض أهل التصوف لم يستطع تصحيح هذه الأحاديث وفق القواعد الحديثية فصححها بالكشف! يقول البيجوري: " ولعل هذا الحديث - حديث إحياء والدي النبي صلى الله عليه وسلم وإيمانهما ثم موتهما- صح عند أهل الحقيقة بطريق الكشف " انتهى. "جوهرة التوحيد" (ص 30) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله رادّاً على مثل هذا: " وعامة هؤلاء إذا خوطبوا ببيان فساد قولهم قالوا من جنس قول النصارى: هذا أمر فوق العقل! ويقول بعضهم: يثبت عندنا في الكشف ما يناقض صريح العقل " انتهى باختصار. "الجواب الصحيح" (2/92) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 70297 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 289 صحة رواية في كتاب الآيات الشيطانية [السُّؤَالُ] ـ[في كتاب آيات شيطانية لسلمان رشدي قال أن بعض آيات القرآن أُنزلت للموافقة على اكثر ثلاثة أرباب مشهورة ومحببة كانت توجد في مكة ذلك الوقت لتكون القادة على الأرباب. تلك الآيات أُلغيت وقيل أن تلك الآيات لم تُنزل عن طريق جبريل وإنما كان الشيطان هو الذي وسوس بتلك الآيات ولم يعلم بذلك النبي محمد صلى الله عليه وسلم ذلك الوقت. ما هي صحة هذا؟. إذا كان هناك نسبة من الصحة في هذه الرواية فما هي تلك النسبة؟ وأرجو أن تذكر الرواية الحقيقية لما حدث.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الكلام مبني على رواية باطلة، قال عنها ابن كثير وغيره: " لم تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم بسند صحيح ". وهي: " أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم على المشركين حنى إذا بلغ: (أَفَرَأَيْتُمْ اللاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى) ألقى الشيطان على لسان النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (تلك الفرانيق العُلى وإنّ شفاعتهم لتُرتجى) فأعجب الكفار هذا المدح لهذه لأصنام الثلاثة فسجدوا " هذه الرواية باطلة بلا ريب في وجوه عدة: 1. أنّ أسانيدها واهية لا تصح. 2. أن النبى صلى الله عليه وسلم معصوم في تبليغه للرسالة. 3. على تقدير صحة الأثر، فقد ذكر العلماء أن هذا يكون ممّا ألقاه الشيطان في مسامع الكفار لا على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمعوه منه. وانظر كلام ابن كثير رحمه الله في الرد على هذا في تفسير سورة الحج آية رقم 52. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 4135 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 290 ضعف رواية وأنا على ذلك من الشاهدين بعد تلاوة سورة التين [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك حديث يقرأ بعد الانتهاء من قراءة سورة التين يقول الإنسان " بلا شك واشهد" وما صحته وأين أجده؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الترمذي رحمه الله في سننه: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْمَعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ قَال: سَمِعْتُ رَجُلا بَدَوِيًّا أَعْرَابِيًّا يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَرْوِيهِ يَقُولُ مَنْ قَرَأَ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ فَقَرَأَ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ فَلْيَقُلْ بَلَى وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنْ الشَّاهِدِينَ قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ إِنَّمَا يُرْوَى بِهَذَا الإِسْنَادِ عَنْ هَذَا الأَعْرَابِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلا يُسَمَّى، وهذا تبيين منه رحمه الله لعلّة هذا السّند وهو جهالة هذا الأعرابي وبناء عليه فإنّ السّند ضعيف والحديث غير صحيح وقد رواه أبو داود رحمه الله 753 من طريق الأعرابي المذكور. وقد ضعّف العلامة الألباني الحديث في كتابه ضعيف الجامع رقم 5784 وبما أنّ الحديث لم يثبت فلا نعمل به، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2988 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 291 مبيت الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكر في غار ثور [السُّؤَالُ] ـ[أبحث عن الحديث الذي روى قصة الرسول صلى الله عليه وسلم عندما هاجر لمكة واختبأ في الكهف وكانت الملائكة تغطي بأجنحتها على مدخل الكهف حتى لا يراه من كان يبحث عنه من الكفار. ما يعرفه أغلب الناس أن عنكبوتاً بنى بيته على مدخل الكهف ولكنني وجدت أن هذه الرواية ضعيفة أو ملفقة وأن الرواية التي تخبر أن الملائكة غطت بأجنحتها مدخل الكهف هي الرواية الصحيحة. هل يمكن أن تخبرني باسم الراوي وفي أي كتاب حديث أو سيرة أجد هذه الرواية؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذكر مبيت النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله في الغار في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإليك بيانها: أولاً: من كتاب الله.. ورد في كتاب الله قصة المبيت في الغار قال تعالى: " إِلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " المائدة / 40. فالآية نص واضح على ائتمار المشركين على قتله صلى الله عليه وسلم، وأنهما باتا في الغار. ثانياً: السنة.. أما ما صح من السنة النبوية في قصة المبيت في الغار: 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: ... ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ، فَكَمَنَا فِيهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ غُلَامٌ شَابٌّ ثَقِفٌ لَقِنٌ (أي حاذق سريع الفهم) ، فَيُدْلِجُ مِنْ عِنْدِهِمَا بِسَحَرٍ (أي يخرج من عندهما آخر الليل) فَيُصْبِحُ مَعَ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبَائِتٍ فَلا يَسْمَعُ أَمْرًا يُكْتَادَانِ بِهِ إِلا وَعَاهُ حَتَّى يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلامُ ... الحديث. رواه البخاري (3905) في قصة طويلة بوب عليها: هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة. 2 - عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا فِي الْغَارِ: لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لأَبْصَرَنَا. فَقَالَ: مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا. رواه البخاري (3653) . وأما قصة نسج العنكبوت فقد رواها الإمام أحمد (3241) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي قَوْلِهِ تعالى: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ) قَالَ: تَشَاوَرَتْ قُرَيْشٌ لَيْلَةً بِمَكَّةَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِذَا أَصْبَحَ فَأَثْبِتُوهُ بِالْوَثَاقِ يُرِيدُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ اقْتُلُوهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ أَخْرِجُوهُ. فَأَطْلَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ فَبَاتَ عَلِيٌّ عَلَى فِرَاشِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى لَحِقَ بِالْغَارِ، وَبَاتَ الْمُشْرِكُونَ يَحْرُسُونَ عَلِيًّا يَحْسَبُونَهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا ثَارُوا إِلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَوْا عَلِيًّا رَدَّ اللَّهُ مَكْرَهُمْ، فَقَالُوا: أَيْنَ صَاحِبُكَ هَذَا؟ قَالَ: لَا أَدْرِي. فَاقْتَصُّوا أَثَرَهُ، فَلَمَّا بَلَغُوا الْجَبَلَ خُلِّطَ عَلَيْهِمْ، فَصَعِدُوا فِي الْجَبَلِ فَمَرُّوا بِالْغَارِ، فَرَأَوْا عَلَى بَابِهِ نَسْجَ الْعَنْكَبُوتِ، فَقَالُوا: لَوْ دَخَلَ هَاهُنَا لَمْ يَكُنْ نَسْجُ الْعَنْكَبُوتِ عَلَى بَابِهِ، فَمَكَثَ فِيهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ. وقد اختلف العلماء في هذا الحديث، فحسن إسناده الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" وابن كثير في "البداية والنهاية" (3/222) . وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة، وقال أحمد شاكر في تحقيق المسند (3251) : في إسناده نظر اهـ. وقال محققو المسند (3251) : إسناده ضعيف اهـ. والله أعلم. وأما قصة الحمامتين فقد ذكرها ابن كثير في "البداية والنهاية" (3/223) وقال رواها ابن عساكر ثم قال: هذا حديث غريب جداً من هذا الوجه اهـ وضعفها كذلك محققو المسند في الموضع المشار إليه سابقاً. وقال الألباني في " السلسلة الضعيفة " (3/339) : واعلم أنه لا يصح حديث في عنكبوت الغار والحمامتين على كثرة ما يذكر ذلك في عض الكتب والمحاضرات التي تلقى بمناسبة هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فكن من ذلك على علم اهـ. وأما ستر الملائكة للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكر فقد رواه الطبراني في "الكبير" (24/106-108) من حديث أسماء بنت أبي بكر. وهو حديث طويل وفيه: (فقال أبو بكر لرجل يراه مواجه الغار: يا رسول الله إنه ليرانا، فقال: كلا إن ملائكة تسترنا بأجنحتها ... الحديث) . وهذا الحديث في سنده يعقوب بن حُمَيْد بن كاسِب المدني، وقد اختلف فيه أهل العلم. انظر: "تهذيب الكمال" للمزي (32/318-323) . فضعفه ابن معين، وأبو حاتم، والنسائي، ووهَّاه أبو زرعة الرازي. وقال أبو داود السجستاني رأينا في مسنده أحاديث أنكرناها، فطالبناه بالأصول، فدافعنا، ثم أخرجها بعد، فوجدنا الأحاديث في الأصول مغيرة بخط طري، كانت مراسيل، فأسندها وزاد فيها. وقال ابن عدي: لا بأس به وبرواياته، وهو كثير الحديث، كثير الغرائب. وقال الذهبي: كان من علماء الحديث لكنه له مناكير وغرائب. ووثقه ابن حبان. وقال عنه الحافظ ابن حجر: صدوق له أوهام. والألباني رحمه الله يحسن حديثه غير أنه توقف في تحسين هذا الحديث، قال رحمه الله في "السلسلة الضعيفة" (3/263) : المتقرر في يعقوب هذا أنه حسن الحديث. . . فإن لم يكن في الإسناد علة أخرى فهو حسن. . . ثم قال: وشيخ الطبراني أحمد بن عمرو الخلال المكي لم أقف له على ترجمة، وقد أخرج له في "المعجم الأوسط" نحو 16 حديثا، مما يدل على أنه من شيوخه المشهورين، فإن عرف أو توبع فالحديث حسن اهـ. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 27224 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 292 درجة حديث "من كنت مولاه فعلي مولاه "ومعناه [السُّؤَالُ] ـ[ما صحة الحديث (من كنت مولاه فعلي مولاه) ومعنى الحديث وشكرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث رواه الترمذي 3713 وابن ماجه 121، وقد اختُلِفَ في صحته َقَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي تَخْرِيجِ الْهِدَايَةِ1/189 (وَكَمْ مِنْ حَدِيثٍ كَثُرَتْ رُوَاتُهُ وَتَعَدَّدَتْ طُرُقُهُ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ كحَدِيثِ " مَنْ كُنْت مَوْلَاهُ فِعْلِيٌّ مَوْلاهُ ") ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وأما قوله من كنت مولاه فعلي مولاه فليس هو في الصحاح لكن هو مما رواه العلماء وتنازع الناس في صحته فنقل عن البخاري وإبراهيم الحربي وطائفة من أهل العلم بالحديث انهم طعنوا فيه ... وأما الزيادة وهي قوله اللهم وال من والاه وعاد من عاداه الخ فلا ريب انه كذب) منهاج السنة 7/319. وَقَالَ الذَّهَبِيُّ: (وَأَمَّا حَدِيثُ: مَنْ كُنْت مَوْلاهُ فَلَهُ طُرُقٌ جَيِّدَةٌ) . وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة 1750 وناقش من قال بضعفه. وصحة هذه الجملة عن النبي صلى الله عليه وسلم ـ إن صحت ـ لا تكون بحال دليلا على إثبات ما ألحقه به الغالون من زيادات في الحديث للتوصل إلى تقديمه رضي الله عنه على بقية الصحابة كلهم، أو إلى الطعن في الصحابة بأنهم سلبوه حقه، وقد أشار شيخ الإسلام إلى بعض هذه الزيادات وتضعيفها في عشرة مواضع من منهاج السنة. ومعنى الحديث اختلف فيه، وأيَّاً كان فإنه لا يناقض ما هو ثابت ومعروف بالأحاديث الصحاح من أن أفضل الأمة أبو بكر وأنه الأحقُّ بالخلافة، ثم يليه عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنه الله عنهم أجمعين لأن ثبوت فضل معين لأحد الصحابة، لا يدل على أنه أفضلهم، ولا ينافي كون أبي بكر أفضلهم كما هو مقرر في أبواب العقائد. ومن هذه المعاني التي ذكرت لهذا الحديث (قِيلَ مَعْنَاهُ مَنْ كُنْت أَتَوَلاهُ فِعْلِيٌّ يَتَوَلاهُ مِنْ الْوَلِيِّ ضِدُّ الْعَدُوِّ. أَيْ مَنْ كُنْت أُحِبُّهُ فِعْلِيٌّ يُحِبُّهُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ مَنْ يَتَوَلاَّنِي فِعْلِيٌّ يَتَوَلاَّهُ ذَكَرَهُ الْقَارِي عَنْ بَعْضِ عُلَمَائِهِ , وَقَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ: قَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ الْمَوْلَى فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ اِسْمٌ يَقَعُ عَلَى جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ فَهُوَ الرَّبُّ وَالْمَالِكُ وَالسَّيِّدُ وَالْمُنْعِمُ وَالْمُعْتِقُ وَالنَّاصِرُ وَالْمُحِبُّ وَالتَّابِعُ وَالْجَارُ وَابْنُ الْعَمِّ وَالْحَلِيفُ وَالْعَقِيدُ وَالصِّهْرُ وَالْعَبْدُ وَالْمُعْتَقُ وَالْمُنْعَمُ عَلَيْهِ وَأَكْثَرُهَا قَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ فَيُضَافُ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَا يَقْتَضِيهِ الْحَدِيثُ الْوَارِدُ فِيهِ وَكُلُّ مَنْ وَلِيَ أَمْرًا أَوْ قَامَ بِهِ فَهُوَ مَوْلاهُ وَوَلِيُّهُ , والحديث المذكور يُحْمَلُ عَلَى أَكْثَرِ الأَسْمَاءِ الْمَذْكُورَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَعْنِي بِذَلِكَ ولاءَ الإِسلامِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ} " قَالَ الطِّيبِيُّ: لا يَسْتَقِيمُ أَنْ تُحْمَلَ الْوِلايَةُ عَلَى الإِمَامَةِ الَّتِي هِيَ التَّصَرُّفُ فِي أُمُورِ الْمُؤْمِنِينَ لأَنَّ الْمُتَصَرِّفَ الْمُسْتَقِلَّ فِي حَيَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ هُوَ لا غَيْرُهُ فَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْمَحَبَّةِ ووَلاءِ الإِسْلامِ وَنَحْوِهِمَا) عن تحفة الأحوذي شرح الترمذي حديث 3713 بتصرف. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 26794 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 293 حكم النوم بعد العصر [السُّؤَالُ] ـ[ما هي درجة حديث " من نام بعد العصر، فاختُلس عقله، فلا يلومنَّ إلا نفسه "؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث ضعيف جدّاً. انظر: "الموضوعات" لابن الجوزي (3/69) ، و"اللآلئ المصنوعة" للسيوطي (2/279) و"ترتيب الموضوعات" للذهبي (839) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 21728 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 294 هل وردت أحاديث صحيحة في عتق الأحياء والأموات في رمضان؟ [السُّؤَالُ] ـ[سمعت من أحدهم أن الله يعتق من أموات المسلين كل ليلة واحداً فقط ولا يعتق من الأحياء إلا في آخر ليلة من رمضان بعدد ما أعتق خلال الشهر من أموات، فهل هذا صحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لم نجد – بعد البحث – أحاديث وردت بذلك. وقد وردت أحاديث أن لله تعالى عتقاء من النار في رمضان، وذلك كل ليلة. وهذه الأحاديث منها ما هو صحيح، ومنها ما هو ضعيف، ومنها ما هو موضوع. فمما صح من الأحاديث في ذلك: 1- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ، وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ، وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ) . رواه الترمذي (682) وابن ماجه (1642) . وحسَّنه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " (759) . 2- عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ لِلَّهِ عِنْدَ كُلِّ فِطْرٍ عُتَقَاءَ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ) . رواه أحمد (21698) وابن ماجه (1643) . وصححه الشيخ الألباني في " صحيح ابن ماجه ". وأما الأحاديث الضعيفة والموضوعة الواردة في ذلك، فمنها: 1- ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان أول ليلة من شهر رمضان نظر الله إلى خلقه، وإذا نظر الله إلى عبد لم يعذبه أبداً، ولله في كل يوم ألف ألف عتيق من النار، فإذا كانت ليلة تسع وعشرين أعتق الله فيها مثل جميع ما أعتق في الشهر كله) . وهو حديث موضوع. انظر: " ضعيف الترغيب " (591) و " السلسلة الضعيفة " (5468) . 2- وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الجنة لتبخر وتزين من الحول إلى الحول لدخول شهر رمضان، فإذا كانت أول ليلة من شهر رمضان هبت ريح من تحت العرش يقال لها المثيرة ... قال: ولله عز وجل في كل يوم من شهر رمضان عند الإفطار ألف ألف عتيق من النار كلهم قد استوجبوا النار، فإذا كان آخر يوم من شهر رمضان أعتق الله في ذلك اليوم بقدر ما أعتق من أول الشهر إلى آخره ... ) . وهو حديث موضوع. انظر: " ضعيف الترغيب " (594) . 3- وعن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لله عز وجل في كل ليلة من رمضان ستمائة ألف عتيق من النار، فإذا كان آخر ليلة أعتق الله بعدد من مضى) . وهو حديث ضعيف. انظر: " ضعيف الترغيب " (598) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50699 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 295 هل هذا حديث صحيح (أدَّبني ربي فأحسن تأديبي) [السُّؤَالُ] ـ[ما هي درجة حديث " أدَّبني ربي فأحسن تأديبي "؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث ضعيف. قال ابن تيمية: لا يعرف له إسناد ثابت. انظر: "أحاديث القصاص" (78) ، وأورده الشوكاني في "الفوائد المجموعة" (1020) . والفتني في "تذكرة الموضوعات" (87) . ولكن معناه صحيح. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 21635 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 296 هل يصوم يوم النصف من شعبان حتى لو كان الحديث ضعيفاً؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز بعد العلم بضعف حديث أن نأخذ به؛ وذلك من باب فضائل الأعمال " إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها " علماً أن الصوم نفلاً في تعبد لله وكذلك قيام الليل.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ما ورد في فضل الصلاة والصيام والعبادة في النصف من شعبان ليس من قسم الضعيف، بل هو من قسم الموضوع والباطل، وهذا لا يحل الأخذ به ولا العمل بمقتضاه لا في فضائل الأعمال ولا في غيرها. وقد حكم ببطلان الروايات الواردة في ذلك جمعٌ من أهل العلم، منهم ابن الجوزي في كتابه " الموضوعات " (2 / 440 - 445) ، وابن قيم الجوزية في " المنار المنيف " رقم 174 – 177) ، وأبو شامة الشافعي في " الباعث على إنكار البدع والحوادث " (124- 137) ، والعراقي في " تخريج إحياء علوم الدين " (رقم 582) ، وقد نقل شيخُ الإسلام الاتفاق على بطلانها في " مجموع الفتاوى " (28 / 138) وقال الشيخ ابن باز – رحمه الله -: في " حكم الاحتفال بليلة النصف من شعبان " إن الاحتفال بليلة النصف من شعبان بالصلاة أو غيرها وتخصيص يومها بالصيام: بدعة منكرة عند أكثر أهل العلم، وليس له أصل في الشرع المطهر. وقال – رحمه الله -: ليلة النصف من شعبان ليس فيها حديث صحيح، كل الأحاديث الواردة فيها موضوعة وضعيفة لا أصل لها، وهي ليلة ليس لها خصوصية لا قراءة ولا صلاة خاصة ولا جماعة، وما قاله بعض العلماء أن لها خصوصية: فهو قول ضعيف، فلا يجوز أن تُخصَّ بشيءٍ، هذا هو الصواب، وبالله التوفيق. " فتاوى إسلامية " (4 / 511) . انظر السؤال رقم (8907) ثانياً: وإن سلَّمنا أنها ضعيفة وليست موضوعة: فإن الصحيح من أقوال أهل العلم هو عدم الأخذ بالحديث الضعيف مطلقاً وإن كان في فضائل الأعمال والترغيب والترهيب، وفي الصحيح ما يغني المسلم عن الأخذ بالضعيف، ولا يُعرف تخصيص هذه الليلة ونهارها بشيء في الشرع لا عند النبي صلى الله عليه وسلم ولا عند أصحابه. وقال العلاَّمة أحمد شاكر: لا فرقَ بين الأحكام وبين فضائل الأعمال ونحوها في عدم الأخذ بالرواية الضعيفة، بل لا حجةَ لأحدٍ إلا بما صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث صحيحٍ أو حسنٍ. " الباعث الحثيث " (1 / 278) . وانظر لزيادة البيان " القول المنيف في حكم العمل بالحديث الضعيف ". وانظر جواب السؤال رقم: (44877) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49675 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 297 بيان ضعف حديث في فضل رمضان [السُّؤَالُ] ـ[ما صحة الحديث المروي عن سلمان الفارسي رضي الله عنه أنه قال: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان فقال: أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعاً، من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدّى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار ... الحديث) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث رواه ابن خزيمة بلفظه في صحيحه 3/191 رقم (1887) وقال: إن صح الخبر، وسقطت (إن) من بعض المراجع مثل (الترغيب والترهيب) للمنذري (2/95) فظنوا أن ابن خزيمة قال: صح الخبر، وهو لم يجزم بذلك. رواه المحاملي في أماليه (293) والبيهقي في شعب الإيمان (7/216) وفي فضائل الأوقات ص 146 رقم 37 وأبو الشيخ ابن حبان في كتاب (الثواب) عزاه له الساعاتي في (الفتح الرباني) (9/233) وذكره السيوطي في (الدر المنثور) وقال: أخرجه العقيلي وضعفه) والأصبهاني في الترغيب، وذكره المنقي في (كنز العمال) 8/477، كلهم عن طريق سعيد بن المسيب عن سلمان الفارسي، والحديث ضعيف الإسناد لعلتين هما: 1- فيه انقطاع حيث لم يسمع سعيد بن المسيب من سلمان الفارسي رضي الله عنه. 2- في سنده " علي بن زيد بن جدعان " قال فيه ابن سعد: فيه ضعف ولا يحتج به، وضعفه أحمد وابن معين والنسائي وابن خزيمة والجوزجاني وغيرهم كما في (سير أعلام النبلاء) (5/207) وحكم أبو حاتم الرازي على الحديث بأنه منكر، وكذا قال العيني في (عمدة القاري) 9/20 ومثله قال الشيخ الألباني في (سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة) ج2/262 رقم (871) فيتبين ضعف إسناد هذا الحديث ومتابعته كلها ضعيفة، وحكم المحدثين عليه بالنكارة، إضافة إلى اشتماله على عبارات في ثبوتها نظر، مثل تقسيم الشهر قسمة ثلاثية: العشر الأولى عشر الرحمة ثم المغفرة ثم العتق من النار وهذه لا دليل عليها، بل فضل الله واسع، ورمضان كله رحمة ومغفرة، ولله عتقاء في كل ليلة، وعند الفطر كما ثبتت بذلك الأحاديث. وأيضاً: في الحديث (من تقرب فيه بخصلة من الخير كمن أدى فريضة) وهذا لا دليل عليه بل النافلة نافلة والفريضة فريضة في رمضان وغيره، وفي الحديث أيضاً: (من أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه) وفي هذا التحديد نظر، إذ الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف في رمضان وغيره، ولا يخص من ذلك إلا الصيام فإن أجره عظيم دون تحديد بمقدار، للحديث القدسي (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. فينبغي الحذر من الأحاديث الضعيفة، والتثبت من درجتها قبل التحديث بها، والحرص على انتقاء الأحاديث الصحيحة في فضل رمضان، وفق الله الجميع وتقبل منا الصيام والقيام وسائر الأعمال. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الدكتور / أحمد بن عبد الله الباتلي الحديث: 21364 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 298 الرد على من شكك في صحيح البخاري [السُّؤَالُ] ـ[صديقي الشيعي سألني سؤالاً وهو: كيف نعتمد صحيح البخاري وندعي صحته مع أن الإمام البخاري رحمه الله كان موجوداً بعد 400 سنة من موت النبي صلى الله عليه وسلم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الإمام البخاري رحمه الله: مات سنة 256 هـ أي بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بـ (245) سنة. وليس كما يزعم صاحبك الشيعي، ولكن الكذب من معدنه لا يُستغرب، وليس معنى ذلك أن البخاري يمكنه أن يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة، فهذا ليس مرادا قطعا. وإنما ذكرنا هذا فقط لمجرد التوضيح. وأما كيف نعتمد على صحيح البخاري وهو لم يلتق بالنبي صلى الله عليه وسلم مباشرة؟ فالجواب أن البخاري في صحيحه لا يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة، بل هو يروي عن شيوخ ثقات، في أعلى درجات الحفظ والضبط والأمانة عن مثلهم إلى أن يصل إلى الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقل عدد بين البخاري والنبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة من الرواة، فاعتمادنا على صحيح البخاري لأن الرواة الذين نقل عنهم اختارهم بعناية تامة. فهم في أعلى درجات الثقة، ومع هذا فكان لا يكتب حديثا في هذا الصحيح حتى يغتسل، ثم يصلي ركعتين يستخير الله في هذا الحديث ثم يكتبه، وقد استغرق تأليفه لهذا الكتاب ستة عشر عاما، وقد تلقته أمة الإسلام بالقبول، وأجمعوا على صحة ما ورد فيه، وقد عصم الله هذه الأمة أن تجتمع على ضلالة. قال الإمام النووي رحمه الله في مقدمة شرح مسلم (1/14) : اتفق العلماء رحمهم الله على أن أصح الكتب بعد القرآن العزيز الصحيحان البخاري ومسلم، وتلقتهما الأمة بالقبول، وكتاب البخاري أصحهما وأكثرهما فوائد. انتهى ولو سألت هذا الشيعي أو (الرافضي) عن ما ينقله زعماؤهم من الأقوال عن علي رضي الله عنه، والباقر، وجعفر الصادق، وغيرهم من آل البيت رحمهم الله، هل سمعوه منهم أم ينقلونه بالأسانيد؟ الجواب واضح. وهناك فرقٌ كبيرٌ بين أسانيد البخاري، وأسانيد هؤلاء الضالين الذين لا تجد أسماء رجالهم المعتمدين في الرواية إلا في كتب الضعفاء، والكذابين، والمجروحين. وهذه الدعوى التي يثيرها هذا الرافضي إنما هي مقدمة للطعن في السنة التي تُبين بطلان مذهبهم، وفساد معتقدهم، فلم يجدوا بدا من التهويش بهذه الضلالات. ولكن هيهات فالحق واضح، والباطل مضطرب. ثم ننصحك أيها السائل ـ وفقك الله ـ أن تحرص على مصاحبة من تنفعك مصاحبتهم من أهل السنة، وأن تجتنب مصاحبة أهل البدع، فقد حذر العلماء من مصاحبتهم لأنهم لا يزالون بالشخص حتى يبعدوه عن الحق بشتى أنواع الحيل والتلبيسات. نسأل الله لنا ولك التوفيق للسنة والبعد عن البدعة وأهلها،،، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20153 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 299 صحة حديث من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة [السُّؤَالُ] ـ[ما تقولون في حديث أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث رواه النسائي في عمل اليوم والليلة وابن السني في عمل اليوم والليلة والطبراني في الكبير وغيرهم من طريق محمد بن حمير عن محمد بن زياد الألهاني عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم. وإسناده لا بأس به وقد صححه ابن حبان في كتاب الصلاة والمنذري وابن عبد الهادي وابن كثير. وقد بالغ ابن الجوزي فأورده في كتابه الموضوعات ولا يُوافق على ذلك. والحديث تفرد به محمد بن حمير عن الألهاني. وهذا يحتمل التعليل ولا سيما أن الفسوي رحمه الله قال: محمد بن حمير ليس بالقوي. وخالفه ابن معين فقال ثقة وقال الإمام أحمد. ما علمت إلا خيراً. وقال النسائي ليس به بأس. والحديث جيد الإسناد وليس من صحاح الأخبار ومثله يقبل وذلك لأمور. الأول: أن الإمام النسائي رحمه الله رواه ولم يعله وأورده في المختارة وصححه. الثاني: أن الحديث ليس من أصول الأحكام. الثالث: أن تفرد الصدوق بالحديث يقبل إذا دلت قرينة على ضبطه وتفرد محمد بن حمير من هذا، وقد جاء للحديث شواهد من حديث المغيرة ابن شعبة وأبي مسعود وعلى بن أبي طالب ولا يصح من ذلك شيء والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ سليمان بن ناصر العلوان. الحديث: 9786 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 300 صحة حديث (توسلوا بجاهي) [السُّؤَالُ] ـ[ما هي درجة حديث " توسلوا بجاهي، فإن جاهي عند الله عظيم "؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث لا أصل له. قال ابن تيمية والألباني: لا أصل له. انظر: "اقتضاء الصراط المستقيم" لابن تيمية (2/415) ، "السلسلة الضعيفة" (22) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 12692 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 301 لا يصح حديث: (لا سياحة في الإسلام) [السُّؤَالُ] ـ[ما مدى صحة حديث " لا سياحة في الإسلام "؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله جاء في حديث رواه عبد الرزاق في مصنفه عن ليث عن طاووس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ... ولا سياحة ولا تبتّل ولا ترهّب في الإسلام) . قال الألباني في ضعيف الجامع (ضعيف) برقم (6287) وإنما الصحيح ما رواه أبو داود في سننه من حديث أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله) صححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2093) ومعنى سائحات في قوله تعالى: (مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا) التحريم / 5، سائحات أي صائمات، فالسياحة وردت بمعنى الجهاد وبمعنى الصيام في النصوص الشرعية، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 21942 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 302 كيف نعرف الأحاديث الصحيحة من المكذوبة [السُّؤَالُ] ـ[أعلم أن علينا الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم، لكن ما هو مدى تأكدنا من أن بعض الأحاديث الموجودة اليوم ليست مكذوبة أو مغيرة؟ أرجو أن تتفهم أني لا أقوّمُ الأحاديث ولست أقول أنها خطأ بأي حال من الأحوال، لكن الكثير من الأحاديث التي رُويت لي من قبل بعض المسلمين كانت ضعيفة ومكذوبة. أنا أتمثل الأحاديث ما استطعت. أرجو مساعدتي بتقديم أية معلومات حول ذلك]ـ [الْجَوَابُ] 1. تكفل الله تعالى بحفظ دينه، ومنه حفظ الكتاب المعجز، ومعه حفظ السنة النبوية التي تعين على فهم القرآن، قال الله تعالى {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} ، والذكر يشمل القرآن والسنة. 2. وقد حاول كثيرون - في الماضي والحاضر - أن يدسوا الأحاديث الضعيفة والموضوعة في الشرع المطهر وفي السنة النبوية، لكن الله تعالى ردَّ كيدهم في نحورهم، وسخَّر الله الأسباب لحفظ دينه ومنها العلماء الأثبات الثقات الذين ينخلون الروايات، ويتتبعون مصادرها ويقفون على تراجم رواتها حتى إنهم ليذكرون متى اختلط الراوي ومن الذين رووا عنه قبل الاختلاط ومن روى عنه بعد الاختلاط، ويعرفون رحلات الراوي ودخوله البلدان وعمن أخذ من أهلها، وهكذا في قائمة طويلة يصعب حصرها، وكل ذلك يدل على أن هذه الأمة محفوظة في دينها مهما حاول الأعداء الكيد والعبث والتحريف. قال سفيان الثوري: الملائكة حراس السماء وأصحاب الحديث حراس الأرض. وذكر الحافظ الذهبي أن هارون الرشيد أخذ زنديقا ليقتله فقال الزنديق: أين أنت من ألف حديث وضعتها، فقال الرشيد: أين أنت يا عدو الله من أبى إسحاق الفزاري وعبد الله بن المبارك ينخلانها فيخرجانها حرفاً حرفاً. ويستطيع طالب العلم معرفة الأحاديث الضعيفة والموضوعة بكل يسر وسهولة وذلك بالنظر في أسانيد الرواية ومعرفة حال رجالها من كتب الرجال وكتب الجرح والتعديل. 3. وقد جمع كثير من العلماء مثل هذه الأحاديث الضعيفة والموضوعة في كتب خاصة ليسهل النظر فيها مجموعة فيحذر الإنسان ويُحذِّر غيره، ومنها " العلل المتناهية " لابن الجوزي، و " المنار المنيف " لابن القيم، و"اللآليء المصنوعة في الأحاديث الموضوعة" للسيوطي، و " الفوائد المجموعة " للشوكاني و"الأسرار المرفوعة في الأحاديث الموضوعة" لابن عرّاق، و " ضعيف الجامع الصغير " و " سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة " كلاهما للشيخ الألباني رحمه الله. 4. وكون الأخ السائل يسمع الضعيف والموضوع كما يقول فهو يدل على أنه يميز - ولله الحمد - بين ما كان صحيحاً وما كان غير صحيح! وهذا من فضل الله وهو يدل على ما ذكرنا من حفظ الله لهذه الشريعة. 5. وإننا ننصح الأخ السائل بالقراءة في كتب الرجال والجرح والتعديل وكتب مصطلح الحديث ليعرف مدى الجهود المبذولة لخدمة السنة النبوية. والله الموفق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 6981 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 303 من الذي جمع الأحاديث الصحيحة غير البخاري ومسلم [السُّؤَالُ] ـ[من هم الذين جمعوا الأحاديث الصحيحة غير البخاري ومسلم؟ (التي تعتبر صحيحة) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هناك من قام بجمع الأحاديث الصحيحة غير البخاري ومسلم مثل إبن خزيمة وابن حبّان في صحيحيهما وابن السكن في صحيحه، والحاكم في المستدرك، والضياء المقدسي في المختارة، ولكن لم يبلغ عمل أحد منهم مبلغ الصحيحين. [الْمَصْدَرُ] الشيخ سعد الحميد. الحديث: 11802 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 304 ما هي درجة حديث " من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني "؟ . [السُّؤَالُ] ـ[ما هي درجة حديث " من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني "؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث موضوع. انظر: "ترتيب الموضوعات" للذهبي (600) ، و"الموضوعات" للصغاني (52) ، و"الفوائد المجموعة" للشوكاني (326) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 14003 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 305 ثلاثة أحاديث موضوعة [السُّؤَالُ] ـ[ما صحة هذه الأحاديث المشهورة على الألسنة؟ حب الوطن من الإيمان يخلق الله من الشبه أربعين من أنقذ امرأة من غرق فهي أخته.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قد كثرت في زماننا الأحاديث الموضوعة والآثار الباطلة والحكايات المختلقة. وقد اعتاد الكثير تناقل هذه الأخبار دون تثبت من صحتها ولا بحث عن حقيقتها. وهذا محرم شرعاً وقبيح عقلاً. وهذه الأحاديث الثلاثة مكذوبة مختلقة على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلا تحل روايتها ولا التحديث بها بدون بيان بطلانها. وقد روى البخاري في صحيحه (3509) عن علي بن عياش حدثنا حريز قال حدثني عبد الواحد بن عبد الله النصري قال سمعتُ واثلة بن الأسقع يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إن من أعظم الفِرَى أن يدّعي الرجلُ إلى غير أبيه أو يُرِي عينه ما لم تر أو يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل)) . وروى البخاري (110) ومسلم في مقدمة صحيحه (3) من طريق أبي حَصين عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) . وكلُّ مَنْ حدث بالأحاديث الباطلة والحكايات الموضوعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين صحيحها من سقيمها وحقها من باطلها فقد باءَ بالإثم وتعرض للوعيد. وقد ذكر السيوطي في كتابه ((تحذير الخواص من أكاذيب القصاص ص (167) أن من أقدم على رواية الأحاديث الباطلة يستحق الضرب بالسياط ويهدّد بما هو أكثر من ذلك ويزجر ويهجر ولا يسلم عليه ويغتاب في الله ويُستعدى عليه عند الحاكم ويحكم عليه بالمنع من رواية ذلك ويشهد عليه)) . وذلك للذب عن سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ونفي الأخبار الكاذبة عنها ولحماية الأفراد والمجتمعات من هذه الأساطير والأكذوبات. نسأل الله السلامة والعافية. [الْمَصْدَرُ] الشيخ سليمان بن ناصر العلوان. الحديث: 10163 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 306 هل حديث " اختلاف أمتي رحمة " صحيح؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما هي درجة حديث " اختلاف أمتي رحمة "؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث موضوع. انظر: "الأسرار المرفوعة" (506) ، و"تنزيه الشريعة" (2/402) ، و"السلسلة الضعيفة" (11) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 13623 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 307 تخريج حديث (ما أحل الله في كتابه فهو حلال) والحكم عليه [السُّؤَالُ] ـ[ي حول حديث: " ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عافية، فاقبلوا من الله العافية، فإن الله لم يكن نسيا، ثم تلا هذه الآية (وما كان ربك نسيا) " هذا الحديث صححه الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة 5 صفحة رقم 325 , وحسنه في صفحة رقم 14 في غاية المرام. لكنه حسب موقع الدرر السنية قد قال عن هذا الحديث أشياء كثيرة فمثلا: " إسناده ضعيف جدا لكن معناه صحيح ثابت " و " إسناده صالح " و " إسناده صحيح " و " صحيح موقوفاً ويمكن تحسينه بشاهده مرفوعاً " و " في إسناده سيف بن هارون البرجمي ضعفه جماعة ووثقه أبو نعيم " و " ضعيف " وقال عنه الشيخ أبو إسحاق الحويني على موقعه " ضعيف " فما رأيكم في هذا الحديث؟ وهل يصح لنا أن نحتج به؟ وهل نترك الأحاديث التي تضارب فيها أقوال أهل العلم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: روي هذا الحديث بألفاظ متقاربة عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، وهم: 1- عن أبي الدرداء رضي الله عنه مرفوعا بلفظ: (مَا أَحَلَّ اللهُ فِي كِتَابِهِ فَهُوَ حَلَالٌُ، وَمَا حَرَّمَ فَهوَ حَرَامٌ، وَمَا سَكَتَ عَنهُ فَهُوَ عَفْوٌ، فَاقبَلُوا مِنَ اللهِ عَافِيَتَه (وَمَا كَانَ رَبُّك نَسِيَّا) أخرجه الدارقطني في سننه (2/137) والحاكم في المستدرك (2/406) (10/12) والطبراني في مسند الشاميين (3/209) من طرق عن عاصم بن رجاء بن حيوة عن أبيه عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم به. وهذا إسناد منقطع، فإن الانقطاع ظاهر بين رجاء بن حيوة وأبي الدرداء، إذ وفاة رجاء كانت سنة 112 هـ، ووفاة أبي الدرداء سنة 32 هـ. قال ابن حجر في ترجمة رجاء بن حيوة "تهذيب التهذيب" (3/229) : " روايته عن أبي الدرداء مرسلة " انتهى. وقال الذهبي رحمه الله عن هذا الحديث: " إسناده منقطع " انتهى. "المهذب في اختصار السنن الكبرى للبيهقي" (8/3975) . وكذا قال المعلمي رحمه الله في "الأنوار الكاشفة" (301) . 2- عن سلمان الفارسي رضي الله عنه، بلفظ: (سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم عَنِ السَّمنِ وَالجبنِ والفِراءِ فَقَالَ: الحَلالُ مَا أَحَلَّ اللهُ فِي كِتَابِهِ، وَالحَرَامُ مَا حَرَّمَ اللهُ فِي كِتَابِه، وَمَا سَكَتَ عَنهُ فَهوَ مِمَّا عَفَا عَنهُ) أخرجه الترمذي (1726) وابن ماجه (3367) والحاكم في المستدرك (4/129) ومن طريقه البيهقي في الكبرى (9/320) (10/12) ، وأخرجه الطبراني في الكبير (6/250) من طريق سيف بن هارون البرجمي عن سليمان التيمي عن أبي عثمان عن سلمان به. قال المزي في "تهذيب الكمال" (8/255) : " فيه سيف بن هارون، قال ابن معين: ليس بذاك وقال النسائي: ضعيف، وقال الدارقطني: ضعيف متروك " انتهى. وقال الترمذي: " وهذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه، وروى سفيان وغيره عن سليمان التيمي عن أبي عثمان عن سلمان قوله، وكأن الحديث الموقوف أصح، وسألت البخاري عن هذا الحديث فقال: ما أراه محفوظا، روى سفيان عن سليمان التيمي عن أبي عثمان عن سلمان موقوفا، قال البخاري: وسيف بن هارون مقارب الحديث " انتهى. وقال ابن أبي حاتم في "علل الحديث" (2/10) : " قال أبي: هذا خطأ، رواه الثقات عن التيمي عن أبي عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل ليس فيه سلمان، وهو الصحيح " انتهى. وقال أحمد: منكر، وأنكره ابن معين أيضا. كذا نقله ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" (2/69) . وقال الشيخ الألباني في "التعليقات الرضية" (3/54) : " إسناده ضعيف جدا، ولكن معناه صحيح ثابت " انتهى. 3- عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ اللهَ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلا تُضَيِّعُوهَا، وَحَدَّ حُدُودًا فَلا تَعتدُوهَا، وَحَرَّمَ أَشيَاءَ فَلا تَنتَهِكُوهَا، وَسَكَتَ عَن أَشيَاءَ رَحمَةً لَكم مِن غَيرِ نِسيانٍ فَلا تَبحَثُوا عَنهَا) رواه جماعة من أهل العلم كلهم من طريق داود بن أبي هند عن مكحول عن أبي ثعلبة به. واختلف على داود بن أبي هند: فرواه حفص بن غياث موقوفا عليه كما عند البيهقي (10/12) وتابعه يزيد بن هارون على وقفه كما ذكره الدارقطني في "العلل" (6/324) . ورواه علي بن مسهر مرفوعا عند البيهقي في الكبرى (10/12) وكذا إسحاق الأزرق عند الدارقطني (4/184) ومحمد بن فضيل كما ذكر ذلك الدارقطني في "العلل" (6/324) . قال ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" (2/68) : " له علتان: إحداها: أن مكحولا لم يصح له السماع عن أبي ثعلبة، كذلك قال أبو شهر الدمشقي وأبو نعيم الحافظ وغيرهما. الثانية: أنه اختلف في رفعه ووقفه على أبي ثعلبة، ورواه بعضهم عن مكحول من قوله، لكن قال الدارقطني "العلل" (6/324) : الأشبه بالصواب المرفوع، قال: وهو أشهر " انتهى. وقال ابن حجر: " رجاله ثقات إلا أنه منقطع " انتهى. "المطالب العالية" (3/271) . وقال الذهبي: " منقطع " انتهى. "المهذب" (8/3976) . وقل الألباني: " في إسناده انقطاع " انتهى. "تحقيق رياض الصالحين" (1841) . والحاصل: أن أسانيد هذا الحديث لا تخلو من ضعف، ولكن هل يمكن أن تتقوى بمجموعها؟ ذهب بعض أهل العلم إلى ذلك، فقد حسن النووي حديث أبي ثعلبة كما في الأذكار (505) ، وصححه ابن القيم في إعلام الموقعين (1/221) وابن كثير في تفسيره (1/405) وقال الألباني في تحقيق الإيمان لابن تيمية (43) : حسن بشاهده. وحسَّن الألباني حديث سلمان الفارسي في صحيح الترمذي (1726) وقال في المشكاة (4156) : صحيح موقوفا، يمكن تحسينه بشاهده مرفوعا. لكن ذهب آخرون إلى أن الضعف الشديد الذي في طرق هذا الحديث يمنع تقوية الحديث بمجموع طرقه، فحديث أبي الدرداء انقطاعه بيِّن ظاهر، وحديث سلمان الفارسي رفعه خطأ منكر، وحديث أبي ثعلبة منقطع ومختلف في رفعه. وقد صح هذا الأثر عن ابن عباس رضي الله عنهما من كلامه. أخرجه أبو داود (3800) ، قال ابن كثير في إرشاد الفقيه (1/367) : إسناده صحيح. وصححه الألباني في صحيح أبي داود ومشكاة المصابيح (4074) . كما أن معنى الحديث الإجمالي مقرر في قواعد الدين وأصوله، ومحل استشهاد وقبول عند أهل العلم. قال ابن العربي في "عارضة الأحوذي" (4/185) : " معنى هذا الحديث ثابت في الصحيح " انتهى. وقال أبو بكر بن السمعاني: " هذا الحديث أصل كبير من أصول الدين وفروعه، قال: وحكي عن بعضهم أنه قال: ليس في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث واحد أجمع بانفراده لأصول الدين وفروعه من حديث أبي ثعلبة " انتهى. "جامع العلوم والحكم" (2/70) . وللاستزادة من معنى الحديث وشرحه انظر: شرح ابن رجب على هذا الحديث في "جامع العلوم والحكم" شرح الحديث الثلاثون (2/68-87) . ثانياً: ينبغي التنبه إلى أن حكم بعض العلماء بالصحة أو الضعف على حديث معين، قد يكون المقصود به طريقاً معينة من طرق الحديث وليس حكماً على الحديث بكل طرقه، بمعنى أن العالم قد يحكم على إحدى الطرق بالضعف مثلا، ثم يحكم في مكان آخر على طريق أخرى للحديث نفسه بالصحة، وليس ذلك تناقضاً وإنما اختلفت الطريق المحكوم عليها، وهذا هو الذي وقع من الشيخ الألباني في كلامه على الحديث الذي معنا، أنه صححه من رواية أبي الدرداء، وضعف إسناده من رواية سلمان الفارسي لكنه حسنه بشاهده أي هو حسن لغيره عنده، وليس ذلك تناقضاً بل تفصيل يقتضيه علم الحديث. والواجب على المسلم اتباع الحق فيما يظهر له بعد البحث والاجتهاد، فإن لم يكن له وسع في الاجتهاد اكتفى بتقليد من يثق بعلمه وأمانته من أهل العلم المشهورين، ولا يلتفت إلى غيره، وهذا يعم المسائل الحديثية والفقهية. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 43532 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 308 الحديث المتواتر [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الحديث المتواتر في الإسلام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تعريف الحديث المتواتر في اللغة: مشتق من التواتر، بمعنى التتابع، قال تعالى: (ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تتْرَى) المؤمنون / 44 واصطلاحا: ما رواه جمع لا يمكن تواطؤهم وتوافقهم على الكذب عن مثلهم، ومستند خبرهم الحس. وقد ذكر العلماء أربعة شروط للحديث المتواتر: 1 – أن يرويه عدد كثير. 2 – أن يكون عدد رواته بحيث تحيل العادة تواطؤهم على الكذب. 3 – أن تكون كثرة الرواة في جميع طبقات السند، فيرويه عدد كثير عن عدد كثير حتى ينتهي إلى النبي صلى الله عليه وسلم. 4 – أن يكون مستند خبرهم الحس، فيقولوا سمعنا أو رأينا، لأن ما لا يكون كذلك يحتمل أن يدخل فيه الغلط فلا يكون متواتراً وأما أقسامه فأربعة: 1 – التواتر اللفظي. وهو ما تواتر لفظه ومعناه. مثاله: " مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ " رواه البخاري (107) ، ومسلم (3) ، وأبو داود (3651) ، والترمذي (2661) ، وابن ماجه (30، 37) ، وأحمد (2/159) . وهذا الحديث رواه أكثر من اثنين وسبعين صحابيا، وعنهم جمع غفير لا يمكن حصرهم. 2 – التواتر المعنوي. وهو ما تواتر معناه دون لفظه. مثاله: أحاديث رفع اليدين عند الدعاء، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو مئة حديث، كل منها فيه أنه صلى الله عليه وسلم رفع يديه في الدعاء، وقد جمعها السيوطي في جزء سماه: " فض الوعاء في أحاديث رفع اليدين في الدعاء ". وأما حكمه: فالخبر المتواتر يجب تصديقه ضرورة، لأنه مفيد للعلم القطعي الضروري؛ وإن لم يدل عليه دليل آخر، ولا حاجة إلى البحث عن أحوال رواته، وهذا أمر لا يستريب فيه عاقل. المراجع: - نزهة النظر للحافظ ابن حجر - الحديث المتواتر. د/ خليل ملا خاطر - الحديث الضعيف وحكم الاحتجاج به، للشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير. - معجم مصطلحات الحديث ولطائف الأسانيد، للدكتور محمد ضياء الرحمن الأعظمي. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 34651 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 309 هل صحيح أنه لا توجد أي رواية ضعيفة؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما عدد الروايات للحديث مقارنة بعدد الرواة. وهل هو صحيح أنه لا توجد أي رواية ضعيفة مع وجود عدد كبير من الرواة الضعاف؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يصعب عقد مقارنة بين عدد الروايات وعدد الرواة؛ لأن الحديث الواحد قد يرويه جماعة من الرواة، كما أن الراوي قد يروى عددا من الأحاديث. والقول بأنه لا توجد رواية ضعيفة، قول عار عن الصحة، فإن حال الراوي ومنزلته في العدالة والضبط والحفظ، له أثر في الحكم على مروياته. ونحن نضرب لك أمثلة على ذلك: الأول: حديث " اقرؤوا يسن على موتاكم" رواه أبو داود وابن ماجه، من طريق سليمان التيمي عن أبي عثمان عن أبيه عن معقل بن يسار. والحديث ضعيف لجهالة أبي عثمان، وجهالة أبيه. [انظر: إرواء الغليل 3/150 رقم 688] . الثاني: حديث " لا يفرق بين والدة وولدها " رواه البيهقي، من حديث حسين بن عبد الله بن ضمرة عن أبيه عن جده. قال النووي رحمه الله: (وهو حديث ضعيف، وحسين بن عبد الله هذا مجمع على ضعفه) المجموع 9/445 فهذه الأحاديث ضعفت لضعف رواتها. وقد يكون السند ضعيفا، ويصح الحديث؛ لوروده من طريق آخر صحيح. كما أنه قد يصح السند، ويضعف المتن، لعلة فيه. وهذا علم واسع يحتاج إلى دراسة وممارسة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 32638 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 310 هل وقت النّزول الإلهي هو السدس الخامس من الليل، أو ثلث الليل الأخير كله؟ [السُّؤَالُ] ـ[اطّلعت على الفتاوي أرقام: 34810 و 22438 وفهمت أن ثلث الليل الأخير هو وقت السّحر هو وقت النّزول الإلهي وقد ورد بالتّحديد في الفتوى رقم 34810: "وأول الثلث وآخره يعرف في كل زمان بحسبه فإذا كان الليل تسع ساعات كان أول وقت النزول أول الساعة السابعة إلى طلوع الفجر". وهذا ينطبق علينا تماماً حيث أن آذان المغرب عند السّاعة الثّامنة وآذان الفجر عند السّاعة الخامسة أي أن طول الليل 9 ساعات فيكون وقت النّزول ابتداءً من السّاعة الثّانية وحتى السّاعة الخامسة حسب الفتوى رقم 34810. ولكني قرأت في الفتوى رقم 132950 أن وقت جوف الليل الآخر هو وقت النّزول وهو السّدس الخامس من أسداس الليل: (قال الحافظ ابن رجب: " جوف الليل إذا أُطلق فالمراد به: وسطه، وإن قيل: جوف الليل الآخر، فالمراد به وسط النصف الثاني، وهو السدس الخامس من أسداس الليل، وهو الوقت الذي ورد فيه النزول الإلهي " انتهى "جامع العلوم والحكم" صـ 273) . فيكون وقت النّزول في مدينتنا حسب الفتوى السّابقة ابتداءً من السّاعة الثّانية وحتى السّاعة الثّالثة والنّصف (السّدس الخامس من أسداس الليل) . فمتى وقت النّزول الإلهي: هل هو وقت جوف الليل الآخر، أم ثلث الليل الأخير كله؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله روى البخاري (1145) ومسلم (758) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ يَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ) . وقد تظاهرت الروايات على تحديد وقت النزول الإلهي إلى السماء الدنيا بـ "ثلث الليل الآخر"، كالذي ورد هنا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال الإمام الترمذي رحمه الله: " وهو أصح الروايات". "سنن الترمذي" (2/309) . ولا يمنع ذلك أن يقال: إن السدس الخامس من أسداس الليل هو وقت النزول الإلهي؛ فإن الثلث الأخير هو عبارة عن السدسين: الخامس والسادس، وأول هذا الثلث هو السدس الخامس؛ فلذلك يصح أن يقال: إن وقت النزول هو الثلث الأخير، وهو أيضا: السدس الخامس. فإذا عرفنا أن بعض الروايات صرحت بامتداد ذلك النزول إلى الفجر؛ كما في رواية لمسلم (758) : (فَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُضِيءَ الْفَجْرُ) ؛ ازداد الأمر وضوحا، وعرفنا أن النزول يبدأ في الثلث الآخر من الليل، وهو أيضا: السدس الخامس، ليشمل السدس السادس ـ أيضا ـ بعده. على أنه قد يقال: إنه إذا كان لهذا السدس الخامس خصوصية؛ فلعله أن يكون أرجى أوقات الإجابة في الليل، كما في الحديث عن أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ؟ قَالَ: (جَوْفَ اللَّيْلِ الْآخِرِ، وَدُبُرَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ) رواه الترمذي (3499) وحسنه الألباني. هذا مع أن غير واحد من أهل العلم يعبرون عن جوف الليل الآخر بأنه الثلث الآخر، وأنه ـ أيضا ـ السدس الخامس، لما قد ذكرناه فيما سبق من أن السدس الخامس هو أول ذلك الثلث. قال الخطابي رحمه الله: " قوله (أي الساعات أسمع) ، يريد: أيها أوقع للسمع، والمعنى أيها أولى بالدعاء، وأرجى للاستجابة؟ وهذا كقول ضماد الأزدي، حين عرض عليه رسول الله الإسلام، قال: فسمعت كلاما لم أسمع قولا قط أسمع منه؛ يريد أبلغ منه ولا أنجع في القلب. وجوف الليل الآخر: إنما هو الجزء الخامس من أسداس الليل، وهذا موافق للحديث الذي يروى أن الله يمهل حتى يبقى الثلث الآخر من الليل فينزل إلى السماء الدنيا فيقول هل من سائل فيعطى هل من تائب فيغفر له " انتهى. "غريب الحديث"، للخطابي (1/134) . وقال ابن الأثير رحمه الله: " وفيه: (قِيل له: أيُّ اللَّيل أسْمَعُ؟ قال: جَوْف الليل الآخِرُ) ، أي: ثُلثُه الآخِرُ، وهو الجُزء الخامِس من أسداس الليل " انتهى. "النهاية" (1/841) . وقال المرتضى الزبيدي رحمه الله: " وجَوْفُ اللَّيْلِ: الآخِرُ في الحَدِيثِ وهو قَوْلُهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَمَّا سُئِلَ: أَي اللَّيْلِ أَسْمَعُ؟ قال: (َوْفُ اللَّيْلِ الآخِرِ) أَي: ثُلُثُةُ الآخِرُ، وهو الجُزْءُ الْخَامِسُ مِن أَسْدَاسِ اللَّيْلِ؛ أَي لا نِصْفُه كما زَعَمَهُ بَعْضُهم " انتهى. "تاج العروس" (23/108) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 140434 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 311 تفسير حديث (لو كان شيء يسبق القدر لسبقته العين) [السُّؤَالُ] ـ[أولا أود أن أشكرك على ما تقدمه من عمل وجهد على هذا الموقع، فلقد استفدت منه كثيرا، والحمد لله، وجزاك الله خيرا. سؤالي يتعلق بحديث قرأته في تفسير ابن كثير، في تفسيره للآية الواحدة والخمسين من سورة القلم، والحديث يقول: (نَعَمْ فَلَوْ كَانَ شَيْءٌ يَسْبِقُ الْقَدَرَ لَسَبَقَتْهُ الْعَيْن) وسؤالي هو: إذا كان الله عز وجل قد قدر لكل مخلوق ما سيكون، وحفظ ذلك في اللوح المحفوظ، وأن ما قدره سيحدث بكل تأكيد، فكيف تتفوق العين الشريرة على القدر؟ هل المقصود من هذا هو التأكيد على قوة العين الشريرة؟ أرجو أن يكون السؤال واضحا. وجزاك الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث رواه الإمام مسلم (2188) في صحيحه عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الْعَيْنُ حَقٌّ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ) . وروى الترمذي (2059) عن أسماء بنت عميس رضي الله عنها قالت: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ وَلَدَ جَعْفَرٍ تُسْرِعُ إِلَيْهِمْ الْعَيْنُ أَفَأَسْتَرْقِي لَهُمْ، فَقَالَ: نَعَمْ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ لَسَبَقَتْهُ الْعَيْنُ) وصححه ابن عبد البر في "الاستذكار" (7/409) ، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1252) . وليس في هذا الحديث ما يدل على معارضة العين لقدر الله عز وجل، بل هي من القدر، وكل ما يصيب الناس من مصائب وابتلاءات إنما هي من أقدار الله، ولكن الحديث جرى مجرى المبالغة في إثبات أثر العين، كي يندفع ما في قلوب بعض الناس من الشك في تأثير العين على الإنسان، ففي هذا الحديث إثبات أثر العين، وتأكيد ذلك بأسلوب المبالغة في سرعة التأثير وقوته، وفيه أيضا إثبات أن العين من قدر الله. قال القرطبي رحمه الله: " (ولو كان شيء سبق القدر لسبقته العين) : هذا تحقيق لإصابة العين، ومبالغة فيه تجري مجرى التمثيل، لا أنه يمكن أن يرد القدر شيء، فإن القدر عبارة عن سابق علم الله تعالى ونفوذ مشيئته، ولا راد لأمره، ولا معقب لحكمه، وإنما هذا خرج مخرج قولهم: لأطلبنك ولو تحت الثرى. أو: لو صعدت إلى السماء، ونحوه مما يجري هذا المجرى، وهو كثير" انتهى بتصرف يسير. "المفهم لما أشكل من تلخيص صحيح مسلم" (5/566) . وقال ابن عبد البر رحمه الله: "وفي قوله صلى الله عليه وسلم: (لو كان شيء يسبق القدر لسبقته العين) دليل على أن المرء لا يصيبه إلا ما قدر له، وأن العين لا تسبق القدر، ولكنها من القدر" انتهى. "التمهيد" (6/240) . وقال أيضا رحمه الله: "وفي قوله: (لو سبق شيء القدر لسبقته العين) دليل على أن الصحة والسقم قد علمهما الله تعالى، وما علم فلا بد من كونه على ما علمه، لا يتجاوز وقته، ولكن النفس تسكن إلى العلاج والطب والرقى وكل سبب من أسباب قدر الله وعلمه" انتهى. "الاستذكار" (8/403) . وقال القاضي عياض رحمه الله: " (لو سبق شيء القدر سبقته العين) : بيان أن لا شيء إلا ما قدره الله، وأن كل شيء من عين وغيره إنما هو بقدر الله ومشيئته، لكن فيه صحة أمر العين وقوة دائه" انتهى. "إكمال المعلم" (7/85) . قال النووي رحمه الله: " (ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين) فيه إثبات القدر، وهو حق بالنصوص وإجماع أهل السنة، ومعناه أن الأشياء كلها بقدر الله تعالى، ولا تقع إلا على حسب ما قدرها الله تعالى، وسبق بها علمه، فلا يقع ضرر العين ولا غيره من الخير والشر إلا بقدر الله تعالى" انتهى. "شرح مسلم" (14/174) . وقال أبو الوليد الباجي رحمه الله: " (لو سبق القدر شيء لسبقته العين) يقتضي أنه لا يسبق اقدر شيء ... لكن لما كان تأثير العين تأثيرا متواليا بينا قال فيه صلى الله عليه وسلم هذا القول على معنى المبالغة فيه" انتهى. "المنتقى شرح الموطأ" (7/258) . وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "جرى الحديث مجرى المبالغة في إثبات العين، لا أنه يمكن أن يرد القدر شيء، إذ القدر عبارة عن سابق علم الله، وهو لا راد لأمره، أشار إلى ذلك القرطبي، وحاصله: لو فرض أن شيئا له قوة بحيث يسبق القدر لكان العين، لكنها لا تسبق، فكيف غيرها؟! " انتهى. "فتح الباري" (10/203-204) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 135795 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 312 من الأحاديث الصحيحة الواردة في ذم الأسواق [السُّؤَالُ] ـ[أرجو إرسال الحديث الخاص بالسوق، وهل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالابتعاد عن الأسواق؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأحاديث والآثار الصحيحة الواردة في ذم الأسواق ثابتة في كتب السنة الصحيحة، ومن ذلك: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا، وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا) رواه مسلم (671) ، وتروى في مناسبة هذا الحديث قصة طويلة، لكنها موضوعة لا تصح، انظر "السلسلة الضعيفة" (6500) . قال النووي رحمه الله: "لأنها محل الغش، والخداع، والربا، والأيمان الكاذبة، وإخلاف الوعد، والإعراض عن ذكر الله، وغير ذلك مما في معناه، والمساجد محل نزول الرحمة، والأسواق ضدها" انتهى باختصار. "شرح مسلم" (5/171) . وقال سلمان الفارسي رضي الله عنه: (لَا تَكُونَنَّ إِنْ اسْتَطَعْتَ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ السُّوقَ، وَلَا آخِرَ مَنْ يَخْرُجُ مِنْهَا، فَإِنَّهَا مَعْرَكَةُ الشَّيْطَانِ، وَبِهَا يَنْصِبُ رَايَتَهُ) رواه مسلم (2451) . وقال ميثمٌ - رجلٌ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم -: (بَلَغَنِي أَنَّ المَلَكَ يَغْدُو بِرَايَتِهِ مَعَ أَوَّلِ مَنْ يَغْدُو إِلى المَسْجِدِ، فَلاَ يَزَالُ بِهَا مَعَهُ حَتَّى يَرْجِعَ، فَيَدْخُلَ بِهَا مَنْزِلَهُ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَيَغْدُو بِرَايَتِهِ مَعَ أَوَّلِ مَنْ يَغْدُو إِلى السُّوقِ) رواه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (5/183) وقال ابن حجر: "موقوف صحيح السند" انتهى. "الإصابة" (3/496) ، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب". قال ابن بطال رحمه الله: "هذا إنما خرج على الأغلب؛ لأن المساجد يذكر فيه اسم الله تعالى، والأسواق قد غلب عليها اللغط واللهو والاشتغال بجمع المال، والكَلَب على الدنيا من الوجه المباح وغيره، وأما إذا ذُكر الله في السوق فهو من أفضل الأعمال" انتهى. "شرح صحيح البخاري" (6/249) . وقال القرطبي رحمه الله: "في هذه الأحاديث ما يدل على كراهة دخول الأسواق، لا سيما في هذه الأزمان التي يخالط فيها الرجال النسوان، وهكذا قال علماؤنا، لما كثر الباطل في الأسواق وظهرت فيها المناكر: كره دخولها لأرباب الفضل والمقتدى بهم في الدين، تنزيها لهم عن البقاع التي يعصى الله فيها، فحق على من ابتلاه الله بالسوق أن يخطر بباله أنه قد دخل محل الشيطان ومحل جنوده، وأنه إن أقام هناك هلك، ومن كانت هذه حاله اقتصر منه على قدر ضرورته، وتحرز من سوء عاقبته وبليته" انتهى. "الجامع لأحكام القرآن" (13/16) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 135771 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 313 هل صح حديث: (لقد جئتكم بالذبح) ، وما توجيه معناه؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكن من فضلك أن تعلق لي على هذا الحديث وعلى إسناده؟ هل قال الرسول صلى الله عليه وسلم لقريش إنه جاءهم ليذبحهم؟ وكيف لنا أن نفهم هذا الحديث؟ وما هو معنى الحديث؟ أرجو منكم أن تشرحوا لأنني أجد الحديث محيراً جداً بالنسبة إلي. ونص الحديث يقول: (لقد جئتكم بالذبح) وقد ترجم الحديث من قبل الشيخ: عبد السلام الشامي: قال يعقوب، حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، قال: وحدثني يحيى بن عروة بن الزبير، عن أبيه عروة، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قلت له: ما أكثر ما رأيت قريشاً أصابت من رسول الله فيما كانت تظهر من عداوته؟ قال حضرتهم وقد اجتمع أشرافهم يوما في الحجر، فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من هذا الرجل قط، سفَّه أحلامنا، وشتم آباءنا، وعاب ديننا، وفرق جماعتنا، وسب آلهتنا، لقد صرنا منه على أمر عظيم، أو كما قالوا. قال: فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل يمشي حتى استلم الركن، ثم مر بهم طائفاً بالبيت، فلما أن مر بهم غمزوه ببعض ما يقول، قال: فعرفت ذلك في وجهه، ثم مضى، فلما مر بهم الثانية غمزوه بمثلها، فعرفت ذلك في وجهه، ثم مضى، ثم مر بهم الثالثة، فغمزوه بمثلها، فقال: تسمعون يا معشر قريش، أما والذي نفس محمد بيده لقد جئتكم بالذبح؛ فأخذت القوم كلمته حتى ما فيهم رجل إلا كأن على رأسه طائر واقع، حتى إن أشدهم فيه وطأة قبل ذلك ليرفؤه بأحسن ما يجد من القول؛ حتى إنه ليقول: انصرف يا أبا القاسم، فوالله ما كنت جهولاً. فانصرف صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كان الغد اجتمعوا في الحجر وأنا معهم، فقال بعضهم لبعض: ذكرتم ما بلغ منكم، وما بلغكم عنه، حتى إذا بادأكم بما تكرهون تركتموه، فبينما هم في ذلك إذ طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوثبوا إليه وثبة رجل واحد فأحاطوا به يقولون له: أنت الذي تقول كذا وكذا - لِما كان يبلغهم عنه من عيب آلهتهم ودينهم – قال: فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم أنا الذي أقول ذلك. قال: فلقد رأيت رجلاً منهم أخذ بمجمع ردائه. قال: وقام أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه دونه يقول - وهو يبكي -: أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله. ثم انصرفوا عنه، فإن ذلك لأشد ما رأيت قريشاً بلغت منه قط. رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث رواه أحمد في " المسند " (11/609) طبعة مؤسسة الرسالة من رواية الصحابي عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، وحسنه المحققون، والشيخ أحمد شاكر في تحقيق المسند أيضا، وحسنه الهيثمي في " مجمع الزوائد " (6/19) ، وكذا الشيخ الألباني في " صحيح الموارد " (1403) . وجاء في رواية الإمام البخاري (3678) لأصل القصة أن عروة بن الزبير رحمه الله قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو عَنْ أَشَدِّ مَا صَنَعَ الْمُشْرِكُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: رَأَيْتُ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي فَوَضَعَ رِدَاءَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ بِهِ خَنْقًا شَدِيدًا. فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَفَعَهُ عَنْهُ فَقَالَ: (أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ) . وروي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لهم: (أما والله لا تنتهوا حتى يحل بكم عقابه عاجلاً. – وبعد ذلك قال لأصحابه صلى الله عليه وسلم -: أبشروا فإن الله عز وجل مظهر دينه، ومتم كلمته، وناصر نبيه، إن هؤلاء الذين ترون ممن يذبح الله بأيديكم عاجلاً) . عزاه الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (7/168) للزبير بن بكار، والدارقطني في " الأفراد " وأشار إلى ضعف هذه الرواية. وانظر "فتح الباري" (7/166-170) للوقوف على روايات الحديث. وهذا اللفظ: (جئتكم بالذبح) له معنى صحيح بلا شك، ولا ينبغي أن يثير الحيرة في نفس السائل ولا في نفس أي عاقل، فالمقصود بالذبح هم أشخاص معينون محدودون، وهم أولئك الذين يصرون على الكفر بالله، وعلى حرب الإسلام وأهله، واضطهاد المستضعفين، والتسلط على النساء والشيوخ من المؤمنين، لفتنتهم عن دينهم، وفرض مبادئهم وأفكارهم بالدم والتعذيب والتنكيل، هؤلاء هم الذين قتلوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شر تقتيل، طعنوا سمية زوجة ياسر في عفتها، وقتلوا ياسر في شيخوخته، وعذبوا بلالاً بالرمضاء، وهموا بقتل خير الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يتركوا أسلوباً من أساليب التعذيب والظلم إلا مارسوه على هذه الفئة المؤمنة، حتى اضطروهم إلى الهجرة إلى الحبشة، مكفكفين جراحهم، ومتحملين آلامهم، لعلهم يجدون لدى ملك الحبشة طعم الراحة والأمان. هذا بعض ما فعلته هذه الفئة من مجرمي كفار قريش مع المؤمنين، أما عن تطاولهم على رب العباد فذلك شأن آخر، حكاه الله عنهم في عشرات الآيات في القرآن الكريم. ألا يستحق هؤلاء – بعدئذ - القتل دفعا لشرهم، وتخليصا للعباد من آذاهم. أليس من الحكمة والعقل مجابهتهم – في بعض الأحيان – بالقوة والتهديد والوعيد، وذلك حين يطفح الكيل من مكرهم وظلمهم؟ لماذا يحتار العاقل في قبول تهديد النبي صلى الله عليه وسلم لهم بالعقوبة العاجلة من الله عز وجل، وهم أجدر بها، وأحق بها من قوم عاد وثمود وسائر الأنبياء الذين عرفنا عدوانهم على الأنبياء والمؤمنين في القرآن الكريم؟! ألهذا الحد ينسى العاقل ما فعله هؤلاء المجرمون بالمؤمنين المستعضفين، وينسى أيام العذاب والهوان التي ذاقوها مما يتقطع له قلب كل إنسان وهو يقرأ صفحاتها، ثم يتعاطف مع الجلادين – وهم صناديد كفار قريش – لأن النبي صلى الله عليه وسلم هددهم بالقتل والذبح مرة من المرات. أهكذا تقاس الأمور في موازين العقول؟! وإذا لبَّس الحاقدون على الناس، فاجتزؤوا هذه الكلمة من سياقها، وأرادوا أن يظهروا النبي صلى الله عليه وسلم سفاكاً للدماء، محباً للموت والقتل، فلا يجوز أن ينطلي ذلك على العقلاء من المسلمين ومن غير المسلمين، بل الواجب التعامل مع هذه الحادثة، وكذلك كل حادثة بمقياسين مهمين رئيسيين: 1- السياق الذي جاءت به، ونوع المخاطبين بها، والحادثة التي تفسرها وتبين المقصود منها. 2- النظر في جميع النصوص المتعلقة بالموضوع، والتي من خلالها يمكن الوصول إلى فهم نظرة الإسلام إلى المسألة، وليس من خلال نص واحد فقط. ومن لم يفعل ذلك ضلَّ وتاه، وباع عقله وفكره لكل ناعق بشبهة، ولكل من يحسن الوسوسة بالشر والفساد. ونقول أيضاً: كيف تُصَدَّقُ دعوى مَن يدَّعي أن الإسلام جاء بقتل من لم يتبعه مطلقاً، وقد علم الناس جميعاً علم اليقين أن النبي صلى الله عليه وسلم عفا عن أهل مكة بعد أذاهم الشديد له فجاءه ملك الجبال ليطبق عليهم الأخشبين (جبلان بمكة) ، فقال صلى الله عليه وسلم: (أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا) رواه البخاري (3231) ومسلم (1795) ، وعفا أيضاً صلى الله عليه وسلم عن كفار قريش الذين ظلموا المؤمنين وأكلوا أموالهم بعد فتح مكة، بل وأكرم بعض كبرائهم رجاء حسن إسلامهم، وذلك حين قال – يوم فتح مكة -: (مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ) رواه مسلم (331) ؟! كيف تُصدَّق هذه الدعوى وقد شرع الله تعالى لنا قبول الجزية من أهل الأديان الأخرى، والموافقة على بقائهم في حماية دولة الإسلام وكفالتها؟! كيف تُصدَّق هذه الدعوى وقد علمنا يقيناً كيف قبل النبي صلى الله عليه وسلم الصلح مع يهود المدينة، وتعايش معهم رجاء أن يحفظوا العهد ولا يخونوا، ولم يقاتل أحداً منهم حتى كانوا هم البادئين بالغدر والخيانة؟!! ألم يقل رب العزة شارحاً مقاصد البعثة والرسالة في كلمة واحدة عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) الأنبياء/107.؟!! بل قال عز وجل أيضاً: (فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) الأنعام/147. قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: "يقول تعالى: فإن كذّبك - يا محمد - مخالفوك من المشركين واليهود ومن شابههم، فقل: (رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ) ، وهذا ترغيب لهم في ابتغاء رحمة الله الواسعة واتباع رسوله، (وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) ترهيب لهم من مخالفتهم الرسول خاتم النبيين " انتهى. " تفسير القرآن العظيم " (3/357) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ! قَالَ: (إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً) رواه مسلم (2599) . نرجو أن يكون في هذه الكلمات ذكرى نافعة يزيل الله بها عن الأخ السائل حيرته في معنى هذا الحديث. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 135590 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 314 ما معنى في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة؟ [السُّؤَالُ] ـ[اللهم متعنا بالنظر لوجهك الكريم، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة. ما معنى هذا الدعاء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الدعاء يرويه الصحابي الجليل عمار بن ياسر رضي الله عنه، فيقول: (أَمَا إِنِّي قَدْ دَعَوْتُ فِيهِمَا – يعني في الركعتين - بِدُعَاءٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو بِهِ: اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ، وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ، أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي، أَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَكَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا، وَالْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى، وَلَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، وَمِنْ فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيِّينَ) رواه أحمد في " المسند " (30/265) وصححه محققو طبعة مؤسسة الرسالة، ورواه النسائي في " السنن " (رقم/1305) : وفي لفظه بعض الزيادة: (أَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ، وَأَسْأَلُكَ قُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ، وَأَسْأَلُكَ الرِّضَاءَ بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَأَسْأَلُكَ بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ، فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ) وصححه الشيخ الألباني في " صحيح النسائي " وكتب أخرى. وقوله صلى الله عليه وسلم (في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة) احتراز عن أن يكون الشوق إلى لقاء الله سببه ضرر أو فتنة لحقت بالعبد، بل يسأل الله شوقا إليه، سبَبُهُ حبه سبحانه وتعالى، ورجاءُ ما عنده من الفضل. وقد شرح الحافظ ابن رجب جملا من هذا الدعاء في رسالة بعنوان: " شرح حديث لبيك الله لبيك " (ص/95) ، فكان مما قاله: " وإنما قال: (من غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة) لأن الشوق إلى لقاء الله يستلزم محبة الموت، والموت يقع تمنيه كثيرا من أهل الدنيا بوقوع الضراء المضرة في الدنيا، وإن كان منهيا عنه في الشرع، ويقع من أهل الدين تمنيه لخشية الوقوع في الفتن المضلة، فسأل تمني الموت خاليا من هذين الحالين، وأن يكون ناشئا عن محض محبة الله، والشوق إلى لقائه، وقد حصل هذا المقام لكثير من السلف، قال أبو الدرداء: أحب الموت اشتياقا إلى ربي. وقال أبو عتبة الخولاني: كان إخوانكم للقاء الله أحب إليهم من الشهد. وقالت رابعة: طالت عليَّ الأيام والليالي بالشوق إلى لقاء الله " انتهى. ويقول الشوكاني رحمه الله في شرح هذا الدعاء: " قوله: (بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق) فيه دليل على جواز التوسل إليه تعالى بصفات كماله وخصال جلاله. قوله: (أحييني) إلى قوله: (خيرا لي) هذا ثابت في الصحيحين من حديث أنس بلفظ: (اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني ما كانت الوفاة خيرا لي) وهو يدل على جواز الدعاء بهذا، لكن عند نزول الضرر، كما وقع التقييد بذلك في حديث أنس المذكور المتفق عليه، ولفظه: (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان لا بد متمنيا فليقل: اللهم أحيني) إلى آخره. قوله: (خشيتك في الغيب والشهادة) أي: في مغيب الناس وحضورهم؛ لأن الخشية بين الناس فقط ليست من الخشية لله، بل من خشية الناس. قوله: (وكلمة الحق في الغضب والرضا) إنما جمع بين الحالتين؛ لأن الغضب ربما حال بين الإنسان وبين الصدع بالحق، وكذلك الرضا ربما قاد في بعض الحالات إلى المداهنة وكتم كلمة الحق. قوله: (والقصد في الفقر والغنى) القصد في كتب اللغة بمعنى: استقامة الطريق والاعتدال، وبمعنى ضد الإفراط، وهو المناسب هنا؛ لأن بطر الغنى ربما جر إلى الإفراط. وعدم الصبر على الفقر ربما أوقع في التفريط، فالقصد فيهما هو اطريقة القويمة. قوله: (والشوق إلى لقائك) إنما سأله صلى الله عليه وآله وسلم لأنه من موجبات محبة الله للقاء عبده، لحديث: (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه) ومحبة الله تعالى لذلك من أسباب المغفرة. قوله: (مُضِرَّة) إنما قيد صلى الله عليه وآله وسلم بذلك لأن الضراء ربما كانت نافعة آجلا أو عاجلا، فلا يليق الاستعاذة منها. قوله: (مُضِلَّة) وصفها صلى الله عليه وآله وسلم بذلك لأن من الفتن ما يكون من أسباب الهداية، وهذا بهذا الاعتبار مما لا يستعاذ منه. قال أهل اللغة: الفتنة الامتحان والاختبار " انتهى. " نيل الأوطار " (2/333) وينظر: " فيض القدير " للمناوي (2/184-185) ، " فقه الأدعية والأذكار" (3/160-165) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 135165 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 315 هل يجب علي أن أذكر الله في كل مجلس؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى هذه الأحاديث الثلاثة: 1- (من قعد مقعداً لم يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة , ومن اضطجع مضجعاً لم يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة) 2- (ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا الله فيه , ولم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم ترة , فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم) 3- (ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار وكان لهم حسرة) هل يعني هذا أني لا بد أن أذكر الله دائماً، وأصلي على الرسول صلى الله عليه وسلم كلما تكلمت مع أي شخص، وأني لو لم أفعل أثمت؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تدل هذه الأحاديث وغيرها على استحباب إعمار المجالس بذكر الله تعالى، وقضاء الأوقات في النافع المفيد، كما تدل على التحذير من الوقوع فيما يؤدي إلى الندم يوم القيامة، لا نعني الندم بسبب الوقوع في المعاصي، بل الندم بسبب عدم الاستكثار من الخير الذي يرفع الدرجات، ويبلغ بالمؤمن أعلى المقامات. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (مَنْ قَعَدَ مَقْعَدًا لَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ فِيهِ كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ اللَّهِ تِرَةٌ، وَمَنْ اضْطَجَعَ مَضْجَعًا لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهِ كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ اللَّهِ تِرَةٌ) رواه أبو داود (4856) وبوب عليه بقوله: باب كراهية أن يقوم الرجل من مجلسه ولا يذكر الله. وروى نحوه ابن حبان في " صحيحه " (3/133) وبوب عليه بقوله: ذكر استحباب الذكر لله جل وعلا في الأحوال، حَذَرَ أن يكون المواضع عليه ترة في القيامة. وذكره المنذري في " الترغيب والترهيب " (2/262) تحت باب: " الترهيب من أن يجلس الإنسان مجلساً لا يذكر الله فيه، ولا يصلى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم " انتهى. ولفظ الترمذي للحديث: (مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ) رواه الترمذي في السنن (رقم/3380) وبوب عليه بقوله: باب في القوم يجلسون ولا يذكرون الله. وقال عقب الرواية: هذا حديث حسن، وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومعنى قوله: (ترة) : يعني حسرة وندامة " انتهى. فقد استدل العلماء بهذه الأحاديث على كراهة أن تخلو المجالس من ذكر الله، وليس على تحريم ذلك، فالحسرة لا يلزم أن تكون بسبب ترك الواجبات، بل يمكن أن تقع بسبب ترك المستحبات التي ترفع إلى أعلى الدرجات، وقد جاء عن بعض السلف أنه قال: يعرض على ابن آدم يوم القيامة ساعات عمره، فكل ساعة لم يذكر الله فيها تتقطع نفسه عليها حسرات. كما نقل ذلك الحافظ ابن رجب في " جامع العلوم والحكم " (ص/135) . وقوله في الحديث: (إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم) يدل بظاهره على وجوب الذكر في كل مجلس، لأن العذاب والمغفرة لا يكون إلا عن ذنب، إما بترك واجب، وإما بفعل محرم. قال ابن علان رحمه الله: " (فإن شاء عذبهم) جزاء ما قصروا في ذلك بتركها (وإن شاء غفر لهم) ذلك النقص. وهذا يقتضي وجوب وجود الذكر والصلاة على النبي في المجلس، لأنه رتب العذاب على ترك ذلك وهو آية الوجوب، ولم أر من ذكر عنه القول بوجوب ذلك في كل مجلس، والحديث يقتضيه " انتهى. دليل الفالحين شرح رياض الصالحين (6/127) . والذي حمل أهل العلم الحديث عليه هو كراهة إخلاء المجلس من ذكر الله تعالى. قال الإمام النووي رحمه الله: " يكره لمن قعد في مكان أن يفارقه قبل أن يذكر الله تعالى فيه، لحديث أبي هريرة ن رسول الله صلي الله عليه وسلم ... وذكر الحديث " انتهى. " المجموع " (4/477-478) . وأما المغفرة المذكورة فهي محمولة على ذنوب أخرى، أو على التشديد في ترك ذلك. قال الملا علي القاري رحمه الله: " (إن شاء عذبهم) أي: بذنوبهم السابقة وتقصيراتهم اللاحقة.. قال الطيبى: قوله فإن شاء عذبهم، من باب التشديد والتغليظ، ويحتمل أن يصدر من أهل المجلس ما يوجب العقوبة ". "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (8/37) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 134813 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 316 الجمع بين حديثي (لأعلمن أقواماً يأتون بحسنات) و (كل أمتي معافى إلا المجاهرين) [السُّؤَالُ] ـ[كيف نستطيع الجمع بين الحديثين الشريفين: (أناس من أمتي يأتون يوم القيامة بأعمال كجبال تهامة فيجعلها الله هباء منثوراً) ، قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: الذين إذا خلو بمحارم الله انتهكوها) أو كما قال صلى الله عليه وسلم، وبين قوله صلى الله عليه وسلم (كل أمتي معافى إلا المجاهرون) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نص الحديثين موضع الإشكال: أ. عَنْ ثَوْبَانَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: (لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا) قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لاَ نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ، قَالَ: (أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا) . رواه ابن ماجه (4245) ، وصححه الألباني في " صحيح ابن ماجه ". الهباء في الأصل: الشَّيءُ المُنْبَثُّ الَّذي تَراه في ضَوْء الشمسِ. محارم الله: هي كل ما حرَّمه الله تعالى من المعاصي، الصغائر، والكبائر. ب. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَيَقُولَ: يَا فُلَانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ) . رواه البخاري (5721) ومسلم (2990) . ثانياً: قد استشكل كثير من الناس الجمع بين هذين الحديثين، وتعددت أماكن سؤالهم عن ذلك الجمع، ونذكر ما تيسر من أوجه الجمع بينهما، سائلين الله تعالى التوفيق، فنقول: إن الذي دعا إلى استشكال الحديثين هو ما حواه معناهما مما ظاهره التعارض، فإن الحديث الأول ليس فيه أن أصحاب المعاصي قد جاهروا بمعاصيهم، وبمقتضى الحديث الثاني فهم " معافوْن "، فكيف تحبط أعمالهم، ويتوعدون بالسخط والعذاب؟! ومن هنا جاء الإشكال في ظاهر الحديثين، فذهب العلماء في الجمع بينهما مذاهب شتَّى، ومن ذلك: 1. القول بتضعيف حديث ثوبان، وقد علَّله بعضهم فضعَّف سنده بالراوي " عقبة بن علقمة المعافري "، وحكم على متنه بالنكارة. أ. ويرد على تضعيف سنده: بأن الراوي عقبة بن علقمة وثَّقه كثيرون، وممن وثقه: ابن معين، والنسائي، ومن حكم على رواياته بالرد فإنما هو إذا روى عنه ابنه " محمد "، أو روى هو عن " الأوزاعي "، وهذا قول الأئمة المحققين في حاله، وليست روايته في هذا الحديث عن الأوزاعي، ولا رواه عنه ابنه محمد، فالسند حسن على أقل أحواله. ب. ويرد على نكارة متنه بأن له نظائر معروفة، كما في قوله تعالى: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً) النساء/ 108. وهو وإن لم يكن فيه حبوط أعمال أولئك بلفظ الآية، إلا أنه يُعرف ذلك بمعناها. قال ابن كثير رحمه الله: هذا إنكار على المنافقين في كونهم يستخفون بقبائحهم من الناس؛ لئلا ينكروا عليهم، ويجاهرون الله بها؛ لأنه مطّلع على سرائرهم، وعالم بما في ضمائرهم، ولهذا قال: (وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا) تهديد لهم، ووعيد. " تفسير ابن كثير " (2 / 407) . 2. أن حديث ثوبان في المنافقين، وحديث أبي هريرة في المسلمين، فلا تعارض بينهما، لا سيما إذا حملنا النفاق هنا على النفاق العملي الذي لا ينافي أخوة الإيمان. والواقع أن المتأمل في حال بعض من يقع في المنكرات هذه الأيام من أهل الخير والصلاح الظاهر، وباعتراف من يتوب منهم يجد عجباً، من ارتكاب ذنوب " الخلوات " بشكل يمكن إطلاق وصف " انتهاك " عليه! فمن هؤلاء من تكون خلواته في مشاهدة الفضائيات الفاسدة، والنظر في الإنترنت إلى مواقع الجنس الفاضح، واستعمال أسماء مستعارة للمحادثة والمراسلة مع الأجنبيات، ثم تجد هؤلاء لهم نصيب في الظاهر من الاستقامة، في اللباس، والصلاة، والصيام، ومن هنا كان هذا الحديث محذِّراً لهؤلاء أن يكون حالهم حال المنافقين، أو أن يكونوا أعداء لإبليس في الظاهر، أصدقاء له في السرِّ، كما قال بعض السلف. قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله: الكبيرة السادسة والخمسون بعد الثلاثمائة: إظهار زي الصالحين في الملأ، وانتهاك المحارم، ولو صغائر في الخلوة: أخرج ابن ماجه بسند رواته ثقات عن ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لأعلمنَّ أقواماً مِن أمتي يأتون .... ) . لأن من كان دأبه إظهار الحسن، وإسرار القبيح: يعظم ضرره، وإغواؤه للمسلمين؛ لانحلال ربقة التقوى، والخوف، من عنقه. " الزواجر عن اقتراف الكبائر " (2 / 764) . 3. قوله صلى الله عليه وسلم (إِذَا خَلوا بِمَحَارِمِ الله) لا يقتضي خلوتهم في بيوتهم وحدهم! بل قد يكونون مع جماعتهم، ومن على شاكلتهم، فالحديث فيه بيان خلوتهم بالمحارم، لا خلوتهم مع أنفسهم في بيوتهم، فليس هؤلاء بمعافين، والمعافى الذي في حديث أبي هريرة الذي يظهر لنا أنه يفعل المعصية الغالبة عليه وحده، ولذا جاء في الحديث أنه شخص بعين، وأن ربَّه قد ستره، (يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ) ، وحديث ثوبان فيه الجمع (قوْم) و (خَلَوا) . قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله: الذي يبدو أن (خلوا بمحارم الله) ليس معناها " سرّاً "، وإنما: إذا سنحت لهم الفرصة انتهكوا المحارم، فـ " خلَوا " ليس معناها " سرّاً "، وإنما من باب " خلا لكِ الجو فبيضي واصفري ". " سلسلة الهدى والنور " شريط رقم (226) . 7. وصف هؤلاء المذكورون في حديث ثوبان بأنهم "ينتهكون" محارم الله، وهو وصف يدل على استحلالهم لذلك، أو مبالغتهم فيها في هذه الحال، وأمنهم من مكر الله، وعقوبته، وعدم مبالاتهم باطلاعه عليهم. فلذا استحقوا العقوبة بحبوط أعمالهم، وليس الوعيد على مجرد الفعل لتلك المعصية، ولعله لذلك سأل ثوبان رضي الله عنه النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن يجلِّي حال أولئك، وأن يصفهم؛ خشية أن يكونوا منهم، وهم لا يدرون، ومثل هذا إنما هو طلب لمعرفة حال قلوب أولئك العصاة، وليس لمعرفة أفعالهم مجردة. قال الشيخ محمد المختار الشنقيطي حفظه الله: أي: أن عندهم استهتاراً، واستخفافاً بالله عز وجل، فهناك فرق بين المعصية التي تأتي مع الانكسار، والمعصية التي تأتي بغير انكسار، بين شخص يعصي الله في ستر، وبين شخص عنده جرأة على الله عز وجل، فصارت حسناته في العلانية أشبه بالرياء، وإن كانت أمثال الجبال، فإذا كان بين الصالحين: أَحْسَنَ أيما إحسانٍ؛ لأنه يرجو الناس ولا يرجو الله، فيأتي بحسنات كأمثال الجبال، فظاهرها حسنات، (لكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها) فهم في السر لا يرجون لله وقاراً، ولا يخافون من الله سبحانه وتعالى، بخلاف من يفعل المعصية في السر وقلبه منكسر، ويكره هذه المعصية، ويمقتها، ويرزقه الله الندم، فالشخص الذي يفعل المعصية في السر وعنده الندم، والحرقة، ويتألم: فهذا ليس ممن ينتهك محارم الله عز وجل؛ لأنه - في الأصل - معظِّم لشعائر الله، لكن غلبته شهوته، فينكسر لها، أما الآخر: فيتسم بالوقاحة، والجرأة على الله؛ لأن الشرع لا يتحدث عن شخص، أو شخصين، ولا يتحدث عن نص محدد، إنما يعطي الأوصاف كاملة. مِن الناس مَن إذا خلا بالمعصية: خلا بها جريئاً على الله، ومنهم من يخلو بالمعصية، وهو تحت قهر الشهوة، وسلطان الهوة، ولو أنه أمعن النظر وتريث: ربما غلب إيمانُه شهوتَه، وحال بينه وبين المعصية، لكن الشهوة أعمته، والشهوة قد تعمي وتصم، فلا يسمع نصيحة، ولا يرعوي، فيهجم على المعصية فيستزله الشيطان، قال تعالى: (إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ) آل عمران/ 155، فإذا حصل الاستزلال من الشيطان، فزلت قدم العبد، لكن في قرارة قلبه الاعتراف بالمعصية، والله يعلم أنه لما وقع في المعصية أنه نادم، وأنه كاره لها، حتى إن بعضهم يفعل المعصية وهو في قرارة قلبه يتمنى أنه مات قبل أن يفعلها: فهذا معظِّم لله عز وجل، ولكنه لم يرزق من الإيمان ما يحول بينه وبين المعصية، وقد يكون سبب ابتلاء الله له أنه عيَّر أحداً، أو أنه عق والداً، أو قطع رحمه، فحجب الله عنه رحمته، أو آذى عالماً، أو وقع في أذية ولي من أولياء الله، فآذنه الله بحرب، فأصبح حاله حال المخذول، مع أنه في قرارة قلبه لا يرضى بهذا الشيء ... . فالذي يعصي في السر على مراتب: منهم من يعصي مع وجود الاستخفاف، فبعض العُصاة تجده لما يأتي إلى معصية لا يراه فيها أحد: يذهب الزاجر عنه، ويمارسها بكل تهكم، وبكل وقاحة، وبكل سخرية، ويقول كلمات، ويفعل أفعالاً، ولربما نصحه الناصح، فيرد عليه بكلمات كلها وقاحة، وإذا به يستخف بعظمة الله عز وجل، ودينه، وشرعه، لكنه إذا خرج إلى الظاهر صلى، وصام، وإذا خلا بالمعصية لا يرجو لله وقاراً - والعياذ بالله - فليس هذا مثل من يضعف أمام شهوة، أو يفتن بفتنةٍ يراها، ويحس أن فيها بلاء، وشقاء، ويقدم عليها، وقلبه يتمعر من داخله، ويتألم من قرارة قلبه، ثم إذا أصاب المعصية ندم. ... . فهذا الحديث – أي: حديث ثوبان - ليس على إطلاقه، وإنما المراد به: من كانت عنده الجرأة - والعياذ بالله -، والاستخفاف بحدود الله. " شرح زاد المستقنع " (رقم الدرس 332) . نسأل الله أن يحبب إلينا الإيمان، وأن يزينه في قلوبنا، ونسأله أن يبغِّض إلينا الكفر، والفسوق، والعصيان. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 134636 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 317 التوفيق بين حديث (لن تُغزى مكة بعد هذا العام) وغزو الحجاج والقرامطة لها [السُّؤَالُ] ـ[لي سؤال مرتبط بالحديث التالي من كتاب صحيح الجامع الصغير: (لَنْ تُغزى مكةُ بعد هذا العام أبداً) ، فيكف يكون فهمنا للحديث وهناك حوادث، مثل: غزو مكة على يد أبي طاهر من القرامطة، والعراك الذي دار بين الحَجَّاج وعبد الله بن الزبير؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نص الحديث الذي سأل عنه السائل: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطِيعِ بْنِ الأَسْوَدِ أَخِي بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (لاَ تُغْزَى مَكَّةُ بَعْدَ هَذَا الْعَامِ أَبَداً) رواه أحمد في "مسنده" (24/133) ، وحسَّنه المحققون. وللحديث شاهد عند الترمذي (1611) عَنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْبَرْصَاءِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ يَقُولُ: (لاَ تُغْزَى هَذِهِ بَعْدَ الْيَوْمِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي. وأما معنى الحديث فهو محمول على معنيين: الأول: أن أهل مكة لا يَكفرون أبداً , ولا يُغزون على الكفر؛ وهكذا فسَّره سفيان بن عيينة، كما نقله عنه الطحاوي في " شرح مشكل الآثار " (4 / 162) . ويشهد لذلك حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا تَنْتَهِي الْبُعُوثُ عَنْ غَزْوِ هَذَا الْبَيْتِ حَتَّى يُخْسَفَ بِجَيْشٍ مِنْهُمْ) رواه النسائي (2878) ، وصححه الألباني في "صحيح النسائي". والثاني: أنه إخبارٌ بمعنى النهي، أي: لا يجوز لمسلم، أو لجيش أن يتعرض لحرمتها. ويشهد لهذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْقَتْلَ - أَوِ: الْفِيلَ - وَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْمُؤْمِنِينَ، أَلاَ وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي، وَلاَ تَحِلُّ لأَحَدٍ بَعْدِي أَلاَ وَإِنَّهَا حَلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ) رواه البخاري (112) ومسلم (1355) . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "وَمُحَصِّله: أَنَّهُ خَبَر بِمَعْنَى النَّهْي، بِخِلَافِ قَوْله: (فَلَمْ تَحِلّ لِأَحَدٍ قَبْلِي) فَإِنَّهُ خَبَر مَحْض، أَوْ مَعْنَى قَوْله: (وَلَا تَحِلّ لِأَحَدٍ بَعْدِي) أَيْ: لَا يُحِلّهَا اللَّه بَعْدِي، لِأَنَّ النَّسْخ يَنْقَطِع بَعْده؛ لِكَوْنِهِ خَاتَم النَّبِيِّينَ" انتهى. "فتح الباري" (4/46) . وعلى كلا الوجهين لا يرِد ما فعله الجنابي القرمطي، ولا الحجَّاج الظالم، بالكعبة، وأهلها، فهم لم يغزوا مكة لأجل كفر أهلها، بل الأول هو الكافر كفراً أشد من كفر أهل الكتاب، والثاني لم يرد إلا إخضاع عبد الله بن الزبير لطاعة الخليفة المسلم. وقد ذكر ابن كثير رحمه الله ما فعله أبو طاهر الجنابي بمكة وأهلها، ثم قال: "وقد سأل بعضهم ههنا سؤالاً فقال: قد أحلَّ الله سبحانه بأصحاب الفيل , وكانوا نصارى ما ذكره في كتابه , ولم يفعلوا بمكة شيئاً مما فعله هؤلاء , ومعلوم أن القرامطة شرٌّ من اليهود، والنصارى، والمجوس؛ بل ومن عبَدة الأصنام , وأنهم فعلوا بمكة ما لم يفعله أحد؛ فهلا عوجلوا بالعذاب، والعقوبة، كما عوجل أصحاب الفيل؟ وقد أجيب عن ذلك: بأن أصحاب الفيل إنما عوقبوا إظهاراً لشرف البيت , ولِما يراد به من التشريف العظيم بإرسال النبي الكريم من البلد الذي فيه البيت الحرام، فلما أرادوا إهانة هذه البقعة التي يراد تشريفها , وإرسال الرسول منها: أهلكهم سريعاً عاجلاً , ولم يكن شرائع مقررة تدل على فضله، فلو دخلوه وأخربوه: لأنكرت القلوب فضله , وأما هؤلاء القرامطة: فإنما فعلوا ما فعلوا بعد تقرير الشرائع , وتمهيد القواعد , والعلم بالضرورة من دين الله بشرف مكة، والكعبة , وكل مؤمنٍ يعلم أن هؤلاء قد ألحدوا في الحرم إلحاداً بالغاً عظيماً , وأنهم من أعظم الملحدين الكافرين، بما تبيَّن من كتاب الله وسنَّة رسوله، فلهذا لم يحتج الحال إلى معالجتهم بالعقوة، بل أخرهم الرب تعالى ليوم تشخص فيه الأبصار , والله سبحانه يمهل، ويُملي، ويستدرج، ثم يأخذ أخذ عزيزٍ مقتدرٍ" انتهى. " البداية والنهاية " (11 / 162) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 132762 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 318 هل لمن سلم عليه النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فضل معين؟ [السُّؤَالُ] ـ[أخي حين كان عمره (10) سنين في قريتنا رأى النبي الله صلي الله عليه وسلم، وسلَّم عليه، وعلى عمِّي، وأمي، وأخي، وعليَّ أنا، وكان صفته كما ذكر في الحديث، كما قال أخي، وأخبره صلى الله عليه وسلم عن كنز بجانب الطريق الذي بجانب بيتنا. سؤالي حفظكم الله: هل مَن سلَّمَ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تمسه النار، كما سمعت من بعض الناس، وما هو الكنز.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في المنام - إذا وقعت على صورته الحقيقية - فهي رؤيا حق وصدق كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سبق تقرير ذلك في جواب السؤال رقم: (23367) ثانيا: إذا رأى الرائي في المنام رسول الله صلى الله عليه وسلم على صورته الحقيقية، ورآه في حالٍ مُبَشِّرٍ بالخير أو متكلِّمٍ به: فلا شك أن ذلك مِن عاجل البشرى، ويُرجى لصاحبها الخير من ورائها، إن شاء الله. أما إن رآه على حال الغضب منه، والإنكار عليه، أو بما يُؤَوِّلُه المعبِّرُ العارف الصادقُ أنه أمارة شرٍّ في الرائي: فيجب عليه حينئذ أن يتَّعظ بهذه الرؤيا، ويتدارك ما فرط وقصر. يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله: " إن رآه مقبلا عليه مثلا فهو خير للرائي وفيه – أي وخيرٌ فيه -، وعلى العكس فبالعكس ... - فمن رأى النبي صلى الله عليه وسلم فقد - رأى الحق الذي قصد إعلام الرائي به، فإن كانت على ظاهرها وإلا سعى في تأويلها، ولا يهمل أمرها؛ لأنها إما بشرى بخير، أو إنذار من شر، إما ليخيف الرائي، وإما لينزجر عنه، وإما لينبه على حكم يقع له في دينه أو دنياه .... " انتهى. " فتح الباري " (12/384) ثالثا: بذلك نعلم خطأ دعوى أنَّ كلَّ مَن رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام على أي حال كانت هذه الرؤيا أنه قد حرمه الله على النار، وبشره بدخول الجنة، فهذا فَضْلٌ غيبيٌّ لا يجوز تصديقه إلا إذا جاء به دليل خاص من الكتاب والسنة الصحيحة، وقد بحثنا عنه فلم نقف إلا على حديثين يَستدل بهما بعض الناس، ولا يصح الاستدلال بهما على ذلك: أما الحديث الأول: فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَا تَمَسُّ النَّارُ مُسْلِمًا رَآنِي أَوْ رَأَى مَنْ رَآنِي) رواه الترمذي (3858) وقال: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث موسى بن إبراهيم. ولكنه حديث ضعيف، وعبارة الترمذي تشير إلى تضعيف هذا الوجه، وضعفه الشيخ الألباني في " ضعيف الترمذي ". وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: " وأما الحديث: (من رآني فقد حرمت عليه النار) فهذا لا أصل له، وليس بصحيح " انتهى. باختصار. " فتاوى الشيخ ابن باز " (4 / 445) و (25 / 126) . وأما الحديث الثاني: فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَةِ وَلَا يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِي) رواه البخاري (6993) ، ومسلم (2266) ولفظه: (مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَةِ - أَوْ لَكَأَنَّمَا رَآنِي فِي الْيَقَظَةِ - لَا يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِي) فذهب بعض العلماء – كما ذكره القاضي عياض وجها في تأويل الحديث - أن في قوله صلى الله عليه وسلم: (فسيراني في اليقظة) بشرى لكل من رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، أنه سيكون معه صلى الله عليه وسلم في الجنة، ويراه هناك، وسينال شفاعته يوم القيامة. والأقرب للصواب في تأويل الحديث هو ما توضحه رواية الإمام مسلم رحمه الله، حيث جاء فيها (لكأنما رآني في اليقظة) ، يريد بذلك صلى الله عليه وسلم تأكيد أن من رآه في المنام على صورته الحقيقية لا ينبغي له التشكك في صورته ووجهه، كأنما رآه في اليقظة، وهذا اللفظ هو الأكثر في روايات الحديث. ينظر: " فتح الباري " (12/383) ، " السلسلة الصحيحة " (رقم/2729) . وأما رواية (فسيراني في اليقظة) ، فقد فسرها العلماء بما يتوافق مع ألفاظ الأحاديث الأخرى. قال الإمام النووي رحمه الله: " قال العلماء: إن كان الواقع في نفس الأمر: (فكأنما رآني) فهو كقوله صلى الله عليه وسلم: (فقد رآني) أو (فقد رأى الحق) كما سبق تفسيره. وإن كان: (سيراني في اليقظة) ففيه أقوال: أحدها: المراد به أهل عصره، ومعناه أنَّ مَن رآه في النوم ولم يكن هاجر، يوفقه الله تعالى للهجرة ورؤيته صلى الله عليه وسلم في اليقظة عيانا. والثاني: معناه أنه يرى تصديق تلك الرؤيا في اليقظة في الدار الآخرة؛ لأنه يراه في الآخرة جميع أمته: مَن رآه في الدنيا ومَن لم يره. والثالث: يراه في الآخرة رؤية خاصة في القرب منه وحصول شفاعته " انتهى. " شرح مسلم " (15/26) ، وينظر: " فتح الباري " (12/385) ، فيض القدير، للمناوي (6/133) . وجاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (1/484) : " معنى الحديث على هذه الرواية: أن من رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام على صورته التي كان عليها في الدنيا فسيرى تأويل رؤياه، ووقوع ما أشارت إليه من الخبر في دنياه؛ لأن رؤياه على صورته حق؛ لما دل عليه قوله آخر الحديث: (فإن الشيطان لا يتمثل بي) " انتهى. والحاصل: أننا نرجو أن تكون الرؤيا التي رآها الأخ السائل من مبشرات الخير له، ولكل من سلم عليهم النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، ولكننا لا نجزم بتحريم أحد على النار بسبب هذه الرؤيا، كما لا نجزم في تفسير الكنز المذكور في المنام بشيء معين. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131996 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 319 المقصود بالنهي عن كثرة السؤال [السُّؤَالُ] ـ[روى المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله كره لكم ثلاثا: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال) رواه البخاري (1407) ومسلم (593) . فهل يعني كثرة السؤال هنا كثرة الطلب من الناس؟ وهل يتعارض هذا مع كثرة الطلب من الله، فالله يقول في كتابه الكريم: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) غافر/60؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: هذا الحديث من آداب الإسلام العظيمة، إذا امتثله المسلم حفظ به عمرَه، ومالَه، وجهدَه، ووقاه من شر النفس ونوازع التفريط والضياع. وقد ذكر العلماء رحمهم الله في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم (وكثرة السؤال) أوجها عديدة، كلها تدخل في إطلاق هذا اللفظ، وهي: 1- سؤال الناس أموالهم، وبذل ماء الوجه في سبيل ذلك. 2- سؤال العلماء عن المسائل العويصة التي لا تنفع المسلمين، وإنما تفتح عليهم أبواب النزاع، وتثير بينهم مكنون الشقاق. 3- السؤال عن المسائل التي يندر وقوعها أو يستحيل، لما فيه من التنطع والتكلف. 4- كثرة السؤال عن أخبار الناس وأحداث الزمان وتفاصيل الوقائع مما لا يقدم منفعة وإنما يضيع به الوقت. 5- كثرة سؤال إنسان بعينه عن تفاصيل حاله، والدخول في خصوصيات حياته التي يكره أن يطلع الناس عليها، فيقع في الضيق والحرج بسبب سؤاله عن ذلك. 6- سؤال السائل عما لا يعنيه، ولا شأن له به. وهذه أمور مذمومة كلها – كما ترى - فالأوجَهُ في تفسير الحديث حمله على إطلاقه، واعتبار أن كل ما دل الشرع والأدب على كراهة السؤال عنه وكراهة طلبه فهو داخل في هذا الحديث. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "قوله: (وكثرة السؤال) هل هو سؤال المال، أو السؤال عن المشكلات والمعضلات، أو أعم من ذلك؟ الأولى حمله على العموم. وقد ذهب بعض العلماء إلى أن المراد به كثرة السؤال عن أخبار الناس وأحداث الزمان، أو كثرة سؤال إنسان بعينه عن تفاصيل حاله، فإن ذلك مما يكره المسئول غالبا، وقد ثبت النهي عن الأغلوطات. أخرجه أبو داود من حديث معاوية. وثبت عن جمع من السلف كراهة تكلف المسائل التي يستحيل وقوعها عادة أو يندر جدا، وإنما كرهوا ذلك لما فيه من التنطع والقول بالظن، إذ لا يخلو صاحبه من الخطأ" انتهى. "فتح الباري" (10/407) . وقال القرطبي رحمه الله: "والوجه: حمل الحديث على عمومه، فيتناول جميع تلك الوجوه كلها" انتهى. "المفهم" (5/164) . وقال النووي رحمه الله: "وأما (كثرة السؤال) فقيل: المراد به القطع في المسائل، والإكثار من السؤال عما لم يقع ولا تدعو إليه حاجة، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بالنهي عن ذلك، وكان السلف يكرهون ذلك ويرونه من التكلف المنهي عنه، وفي الصحيح: (كره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها) . وقيل: المراد به سؤال الناس أموالهم وما في أيديهم، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بالنهي عن ذلك. وقيل: يحتمل أن المراد كثرة السؤال عن أخبار الناس وأحداث الزمان وما لا يعني الإنسان، وهذا ضعيف؛ لأنه قد عرف هذا من النهي عن (قيل وقال) . وقيل: يحتمل أن المراد كثرة سؤال الإنسان عن حاله وتفاصيل أمره، فيدخل ذلك في سؤاله عما لا يعنيه، ويتضمن ذلك حصول الحرج في حق المسؤول، فإنه قد لا يؤثر إخباره بأحواله، فإن أخبره شق عليه، وإن كذبه في الأخبار أو تكلف التعريض لحقته المشقة، وإن أهمل جوابه ارتكب سوء الأدب" انتهى. "شرح مسلم" (12/11) . وعلى هذا، فمعنى (كثرة السؤال) أي: سؤال الناس. وأما سؤال الله ودعائه فهو من أفضل العبادات، فالله تعالى يحب من عباده أن يسألوه، ويحب الملحين في الدعاء. وبهذا يتبين معنى الحديث، والفرق بين سؤال الناس الذين هم فقراء إلى الله، وسؤال الله الغني الحميد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131675 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 320 شرح حديث: (لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا) [السُّؤَالُ] ـ[أريد شرح الحديث: (لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا) ]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث من الأحاديث العظيمة الجليلة التي تكسو القلوب انكسارا بين يدي الله، واعترافا بالفقر إليه، ورجاء رحمته وعفوه وإحسانه، فالأمر خطير جد خطير، والله سبحانه وتعالى يقول: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ. يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) الحج/1-2. هذا الحديث رواه الإمام البخاري في صحيحه عن عائشة وأبي هريرة وأنس بن مالك رضي الله عنهم، وكذا رواه الإمام مسلم وغيره، وذلك في أحاديث عدة، ترد بمناسبات مختلفة، وسياقات متعددة، كلها تتضمن هذه الجملة العظيمة: (لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلبَكَيْتُمْ كَثِيرًا) . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "والمراد بالعلم هنا ما يتعلق بعظمة الله، وانتقامه ممَّن يعصيه، والأهوال التي تقع عند النزع، والموت، وفي القبر، ويوم القيامة، ومناسبة كثرة البكاء وقلة الضحك في هذا المقام واضحة، والمراد به التخويف" انتهى. "فتح الباري" (11/319) . وقال النووي رحمه الله: "لو رأيتم ما رأيتُ، وعلمتم ما علمت مما رأيته اليوم وقبل اليوم لأشفقتم إشفاقا بليغا، ولقلَّ ضحككم وكثر بكاؤكم" انتهى. "شرح مسلم" (15/112) . وقال القرطبي رحمه الله: "وقوله صلى الله عليه وسلم: (لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا) : يعني ما يعلم هو من أمور الآخرة وشدة أهوالها، ومما أعد في النار من عذابها وأنكالها، ومما أعد في الجنة من نعيمها وثوابها، فإنه صلى الله عليه وسلم قد كان رأى كل ذلك مشاهدة وتحقيقا، ولذلك كان صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان، قليل الضحك، جُلُّه التبسم" انتهى. "المفهم" (2/557) . وقال المناوي رحمه الله: " (لو تعلمون ما أعلم) أي: من عظم انتقام الله من أهل الجرائم وأهوال القيامة وأحوالها ما علمته لما ضحكتم أصلا، المعبر عنه بقوله (لضحكتم قليلا) إذ القليل بمعنى العديم على ما يقتضيه السياق، لأن (لو) حرف امتناع لامتناع" انتهى. "فيض القدير" (5/402) . ومن أعظم سياقات هذا الحديث ما رواه الترمذي (2312) عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ، أَطَّتْ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ، مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَّا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ، وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا، وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ، وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ) وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1722) . قال المباركفوري رحمه الله: "قوله: (إني أرى ما لا ترون) أي: أبصر ما لا تبصرون. (أطَّت السماء) : أي: صوَّتت، أي: أصدرت صوتاً. وأطيط الإبل: أصواتها وحنينها. (وحُقَّ) أي: ويستحق وينبغي (لها أن تئط) أي: تصوت. (ما فيها موضع أربع أصابع إلا ومَلَك) أي: فيه مَلَك. (واضع جبهته لله ساجداً) قال القاري: أي منقاداً، ليشمل ما قيل إن بعضهم قيام، وبعضهم ركوع، وبعضهم سجود، كما قال تعالى حكاية عنهم: (وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ) أو خص السجود باعتبار الغالب منهم، أو هذا مختص بإحدى السماوات. (إلى الصُّعُدات) أي: الطرق. وقيل: المراد بالصعدات هنا البراري والصحاري. (تجأرون إلى الله) أي: تتضرعون إليه بالدعاء ليدفع عنكم البلاء" انتهى باختصار. "تحفة الأحوذي" (6/601-602) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131516 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 321 حكم تمثيل الأحاديث النبوية، ووضع صور توضيحية أثناء قراءة القرآن [السُّؤَالُ] ـ[هناك قنوات تأتي ببعض الأحاديث، وتمثلها، وتأتي ببعض الآيات، وتكون الخلفية على نفس الآية، يعني: إذا كانت الآيات تتحدث عن الجنَّة، فيأتون بصور حدائق، ما حكم ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: قد اطلعنا على جملة من مقاطع مصورة فيها تمثيل لأحاديث نبوية، ويمكن تقسيم ما رأيناه إلى أقسام ثلاثة: الأول: مقاطع ساعدت الصورة فيها على فهم الحديث، وليس فيها محظور شرعي ومن أمثلة ذلك مما رأيناه: أ. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَثَلِى كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهَا جَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ الَّتِى فِى النَّارِ يَقَعْنَ فِيهَا وَجَعَلَ يَحْجُزُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ فَيَتَقَحَّمْنَ فِيهَا ... ) رواه مسلم (2248) . وفي المقطع المرئي: رجل أوقد ناراً، وفراشات، ودواب، اجتمعن عليها، ووقعن فيها، وهو يذبها عن النار، وهو أمر مطابق لما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم من أمرٍ يتكرر مع كل من يوقد ناراً في صحراء، أو فضاء. ب. عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَثَلُ الْقَلْبِ مَثَلُ الرِّيشَةِ تُقَلِّبُهَا الرِّيَاحُ بِفَلَاةٍ) رواه ابن ماجه (88) ، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه. وفي المقطع المرئي: ريشة تتقلب في فلاة بفعل الرياح، وليس في هذا محظور شرعي. ج. عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَثَلُ المُؤْمِنِ مَثَلُ النَّخْلَةِ مَا أَخَذْتَ مِنْهَا مِنْ شَيْءٍ نَفَعَكَ) رواه الطبراني (12/411) وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2285) . وفي المقطع المرئي: نخلة يؤخذ منها أجزاء منها، وتستعمل فيما ينتفع به الناس، وهو أمر مطابق يقرِّب الصورة لذهن من يستمع الحديث، ويراه واقعاً عمليّاً. والأمثلة على هذا القسم كثيرة. القسم الثاني: مقاطع لم تفد الصورة كثيراً في تقريب معنى الحديث؛ للبعد عن الصورة الحقيقية، وبين المشهد التمثيلي. ومن أمثلة ما رأيناه في ذلك: أ. عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَثَلُ الْبَيْتِ الَّذِي يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ وَالْبَيْتِ الَّذِي لَا يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ) رواه مسلم (779) . والمقطع المرئي وإن كان فيه صورتان متقابلتان لبيت يُذكر الله فيه، وآخر فيه غفلة عن ذلك: لكنه لم يظهر فيه الفرق بين الحياة، والموت. ب. عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى) رواه مسلم (2585) . والمقطع المرئي لم يعبِّر عن حقيقة تداعي البدن لشكوى عضو منه، بل كانت الصورة لمريض لم تظهر عليه أعراض الحمى، ولا السهر، بل كان نائماً! . القسم الثالث: ومن أسوء ما رأيناه، وقفَّ شعرنا من مشاهدته: هو مقطع تمثيلي لرجل ذهب يغرس فسيلة، فصوِّر وقوع يوم القيامة! فاستمر في غرسها، وفي ظنِّ القائمين على إنشاء هذا المقطع أن الأمر مطابق لحديث أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صََّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنْ قَامَتْ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ) رواه أحمد (20/296) وصححه محققو المسند. وقد سئل الشيخ العلامة عبد الرحمن البرَّاك حفظه الله، عن هذا المقطع تحديداً، فأنكره، وبيَّن السبب، فنكتفي بذِكر ما قاله الشيخ حفظه الله: نص السؤال: في قناة " المجد " مقطع بعنوان (أمثال الحديث النبوي) وقد عرضوا فيه صورة رجل يحمل معه فسيلة نخل، ثم عرضوا في السماء بروقاً، وسحاباً أسود، وأصواتاً، ورعوداً، ثم ظهر على الشاشة نص حديث: (إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها) ، ثم قام الرجل بغرس النخلة، وانتهى المقطع، فما حكم هذا العمل؟ فأجاب: "الحمد لله، من الأمور المسلَّمة أن حسن القصد لا يُسوِّغ الوسيلة، بل غاية ما يحصل: رفع الإثم، إذا لم تكن المخالفة الشرعية مشوبة بهوى، وحقائق الغيب من الماضي، والحاضر، والمستقبل لا يمكن تصورها، فضلاً عن تصويرها! ومِن ذلك: أحوال القيامة؛ كالبعث، والصراط، والميزان، وما يسبق ذلك من النفخ في الصور، وما ينشأ عنه من فزع، وصعق، وتغيرات في العالم العلوي، والسفلي، وما يصاحب ذلك من أهوال. وما تضمنه هذا الحديث المذكور في السؤال: يفهمه كل مَن يفهم العربية، فإنه يعرف معنى النخلة، ويعرف معنى الغرس، ومعنى الرجل، وإن كان لا يتصور حقيقة الهول، فلا معنى لتوضيح الواضح! ولا يمكن تصور الهول عند قيام الساعة، وهذا الحديث إن كان صحيحاً: فمقصودة: المبالغة في الحث على غرس الشجر المثمر؛ لما فيه مِن النفع العام، والأجر المترتب على ذلك. ومعلوم أنه إذا قامت الساعة: فلن يُستطاع غرس، ولا يُرجى، ولا يُجنى ثمر، فقد ذهب ما هنالك، وانشغل كلٌّ بنفسه. إذا ثبت هذا: فنحب من إخواننا القائمين على "قناة المجد" وفقهم الله أن يتجنبوا تمثيل الغيبيات، ويكتفوا بذِكر النصوص، وتفسير، وشرح، ما تدعو إليه الحاجة، فجزاهم الله خيراً على ما أرادوا، وقدموا من الخير، وعفا عما يقع من أخطاء، إنه تعالى سميع الدعاء، ومما يلاحظ على هذا المقطع: أن عنوانه غير مطابق لمضمونه، وكأن الذي وضع العنوان اختلط عليه المثل بالتمثيل الاصطلاحي، فإن هذا الحديث ليس من " أمثال الحديث "، وإنما أضيف إليه التمثيل، وصلَّى الله وسلم على محمّد" انتهى. وفي ظننا أن أحاديث الأمثال هي أبعد ما يكون عن الوقوع في المحذور الشرعي؛ فلا حرج من تصويرها وتقديمها للمشاهد؛ لتقريب الصورة لذهنه، بخلاف غيرها من الأحاديث، فقد يوقع في شيء من المحظور، مع كونه لم يفد كثيراً ـ كما سبق ـ، في تقريب المعنى لمن يسمعه ويشاهده، وإن كان الحديث في أمرٍ غيبي مما لا يمكن تصويره على الحقيقة: صار الوقوع في المحظور حتميّاً، فالابتعاد عن القسم الثالث: واجب، وعن الثاني: أسلم. وفي جوابي السؤالين (14488) و (10836) بيان شروط التمثيل، فلتُنظر لمن أراد أن يمثِّل غير ما ذكرناه من أحاديث " الأمثال "؛ خشية الوقوع في الإثم. ثانياً: قد قرأنا لمن يُنكر ذلك التمثيل لأحاديث الأمثال، ولم يظهر لنا صواب قوله، وبيان ذلك من وجوه: 1. أن الفعل نفسه ليس بعبادة يفعلونه من أجل التقرب إلى الله. 2. أن الأمثال بحد ذاتها هي لتقريب الشيء مراد إيصاله للناس، فما يحصل من تمثيل لذلك المثال ليس فيه ما يُنكر، وهو مؤدٍ لدور المثال نفسه. 3. استعمل النبي صلى الله عليه وسلم طرقاً كثيرة من أجل إيصال معانٍ جليلة للصحابة، ومن ذلك: أ. تقريب معنى رحمة الله تعالى بالعباد بصورة واقعية لامرأة وابنها: فعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيٌ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنْ السَّبْيِ قَدْ تَحْلُبُ ثَدْيَهَا تَسْقِي إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَتُرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ؟ قُلْنَا: لَا، وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ، فَقَالَ: لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا) رواه البخاري (5653) ومسلم (2754) . ب. تقريب معنى رؤية الله تعالى برؤية شيء محسوس مشاهَد. فعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةً يَعْنِي الْبَدْرَ فَقَالَ: (إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ، لَا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ) رواه البخاري (529) ومسلم (633) . 4. استعمال النبي صلى الله عليه وسلم للرسم لتوضيح الصورة في أذهان من يراه. ومن أمثلة ذلك: أ- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّاً ثُمَّ قَالَ: (هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ) ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ ثُمَّ قَالَ: (هَذِهِ سُبُلٌ مُتَفَرِّقَةٌ عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ، ثُمَّ قَرَأَ: (إِنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) رواه أحمد (7/208) وحسَّنه المحققون. ب- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مسْعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: خَطَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا مُرَبَّعًا وَخَطَّ خَطًّا فِي الْوَسَطِ خَارِجًا مِنْهُ وَخَطَّ خُطَطًا صِغَاراً إِلَى هَذَا الَّذِي فِي الْوَسَطِ مِنْ جَانِبِهِ الَّذِي فِي الْوَسَطِ، وَقَالَ: (هَذَا الْإِنْسَانُ وَهَذَا أَجَلُهُ مُحِيطٌ بِهِ - أَوْ قَدْ أَحَاطَ بِهِ - وَهَذَا الَّذِي هُوَ خَارِجٌ أَمَلُهُ وَهَذِهِ الْخُطَطُ الصِّغَارُ الْأَعْرَاضُ فَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا، وَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا) رواه البخاري (6054) . فهذان الحديثان فيهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً كان يستعمل ما نسميه الآن "الرسم التوضيحي" لبيان معنى بعض الأحاديث. ثالثاً: أما جعل لوحات خلفية تعبيرية وتصويرية مع قراءة القرآن: فينبغي ترك ذلك؛ لأسباب، منها: 1. الغالب على الآيات القرآنية أنها تحوي معانٍ متعددة، وفي كل كلمة من القرآن إعجاز بلاغي، فالصورة التي ستكون مع القراءة ستعطل التأمل في الآية، وسينحصر الذهن في كلمة فيها، كصورة فاكهة، أو نهر، ويترك ما عداها. 2. وجود صورة مع قراءة الآيات قد يأتي بغير المراد من الآية، فمثلاً: وضع صورة جبل مع قراءة قوله تعالى: (وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً) طه/ 105: من شأنه أن يصرف الذهن عن المراد من التهويل بما يحدث يوم القيامة، فالجبل لا يكاد يجهله أحد، وأما النسف له: فهي الصورة التي لا يمكن لأحدٍ أن يصورها في ذهن الناس، فضلاً عن تصويرها! . 3. وضع الصور مع القراءة لا يطابق الواقع في الآخرة، فصورة الأشجار، والفاكهة، والأنهار، وغيرها مما يشبهها: ليست هي ذاتها التي في الآخرة، وإنما الاشتراك بينهما في الأسماء، لا غير، فصار وضع تلك الصور مع القراءة لا يعبِّر عن الحقيقة. 4. قد تشتمل الآية على معنيين متقابلين، فكيف يمكن جمع ذلك في وقت واحد أثناء قراءة الآية؟! وذلك مثل قوله تعالى: (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ) الحجر/ 49، 50، مثل قوله تعالى: (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً) النساء/ 165. وكثير من آيات القرآن الكريم تذكر المقابلة بين جزاء أهل الجنة وجزاء أهل النار، فكيف سيتم المقابلة بينهما في الصورة؟ 5. وأخيراً: فقد أمر المسلمون عند سماع القرآن بالاستماع والإنصات، ومن شأن النظر في الصور والمشاهد أن يمنع من تفكر القلب، والتدبر بآيات الله تعالى، ومثل هذا ليس مأموراً به من استمع لحديث النبي صلى الله عليه وسلم. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131472 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 322 هل معنى حديث (شقي أو سعيد) الشقاء والسعادة في الدنيا؟ [السُّؤَالُ] ـ[كنت أنا وبعض الإخوة في الله نناقش مغزى حديث رسولنا الكريم الذي رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: حدَّثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: (إن أحدكم ليُجمع خلْقه في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الله إليه الملَك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: يكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد، فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها) متفق عليه، صدق رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم. ومن المعلوم أننا كمسلمين يجب أن نؤمن بلب هذا الحديث إيماناً راسخاً، ولكن وردت الأسئلة التالية أثناء النقاش، ولقلة زادنا الشرعي: رغبنا أن نستزيد من علمكم: 1. هل السعادة والشقاء من منظور شرعي - التي وردت في الحديث - هما نفس السعادة والشقاء من منظور حسي - أي: التي نعيشهما، ونحسهما في هذه الدنيا الفانية؟ . 2. هل يمكن للإنسان أن يعرف مع أيِّ الفريقين هو؟ هل هناك علامات نستدل بها؟ . 3. في واقعنا الإنساني نجد بعض القصور في التسليم بذلك - أي: بما ورد في الحديث - فهل هذا يعتبر قصوراً في الدين، أو التقوى؟ . 4. بسبب طبيعتنا الإنسانية نتذمر في العادة عندما يتلبسنا الإحساس بالتعاسة، هل ذلك يعتبر إنكاراً لقدَر الله؟ . 5. عندما تغمرنا السعادة من كل جانب، وتنبسط لنا الدنيا: قلَّ أن ننسب ذلك لقدر الله، ولكن نحاول الإيحاء أن ذلك بجهدنا، وعلو همتنا، هل هذا يعتبر نقضاً، أو إنكاراً لقدر الله؟ . نسأل الله أن لا يحرمكم الأجر، وأن ينفع الإسلام والمسلمين بجهودكم، وعلمكم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لفظا " السعادة " و " الشقاء " الواردان في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ليسا هما ما نحسه في الدنيا من " سعادة "، وما يصيبنا فيها من " شقاء "، بل هما " الإسلام " و " الكفر "، وهما الطريقان إلى " الجنة " و " النار "، والمقصود بالحديث: ما يختم للإنسان بأحد الأمرين في الدنيا، فمن ختم له بخير فهو سعيد، وهو من أهل السعادة، وجزاؤه الجنة، ومن خُتم له بشرٍّ فهو شقي، وهو من أهل الشقاء، ومصيره النار – والعياذ بالله -. وقد جاء هذا اللفظان في الكتاب والسنَّة بذات المعنى الذي قلناه: أ. (يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ. فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ. خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ. وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) هود/ 105 – 108. ب. عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: كُنَّا فِى جَنَازَةٍ فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَعَدَ وَقَعَدْنَا حَوْلَهُ وَمَعَهُ مِخْصَرَةٌ فَنَكَّسَ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِمِخْصَرَتِهِ ثُمَّ قَالَ: (مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ، مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلاَّ وَقَدْ كَتَبَ اللَّهُ مَكَانَهَا مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَإِلاَّ وَقَدْ كُتِبَتْ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً) قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ نَمْكُثُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ؟ فَقَالَ: (اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ، أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ) ، ثُمَّ قَرَأَ (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى. وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى. وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى. وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) . رواه البخاري (4666) ومسلم (2647) . (المِخصرة) : ما اختصر الإنسان بيده، فأمسكه من عصا، أو عَنَزة. قال الحافظ ابن رجب الحنبلي – رحمه الله -: وقد تكاثرت النُّصوص بذكرِ الكتابِ السابقِ، بالسَّعادة والشقاوة، ففي " الصحيحين " عن عليِّ بن أبي طالب – وذكر الحديث -. ففي هذا الحديث: أنَّ السعادة، والشقاوة: قد سبقَ الكتابُ بهما، وأنَّ ذلك مُقدَّرٌ بحسب الأعمال، وأنَّ كلاًّ ميسر لما خُلق له من الأعمال التي هي سببٌ للسعادة، أو الشقاوة. وفي " الصحيحين " عن عمرانَ بن حُصينٍ، قال: قال رجل:يا رسول الله، أيُعرَفُ أهلُ الجَنَّةِ مِنْ أهلِ النَّارِ؟ قالَ: (نَعَمْ) ، قالَ: فَلِمَ يعملُ العاملونَ؟ قال: (كلٌّ يعملُ لما خُلِقَ له، أو لما ييسر له) . وقد روي هذا المعنى عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم من وجوهٍ كثيرةٍ، وحديث ابن مسعود فيه أنَّ السعادة والشقاوة بحسب خواتيم الأعمال. " جامع العلوم والحِكَم " (ص 55) . وينظر: " فتح الباري " (11 / 483) . ثانياً: ما يشير إليه السائل من الغنى أو الفقر، والصحة أو المرض ... ، وسائر ما يصيب الناس من السراء والضراء في عيشهم، وهو ما يعنيه بقوله: السعادة والشقاوة من المنظور الحسي: هذا كله قد سبق به الكتاب، من قبل أن تخلق السموات والأرض، وقد كتب أيضا فيما كتب للجنين من رزقه: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) القرآن/49. وإنما يُعرف المؤمن أنه محقق للإيمان في هذا الباب، وأنه مسلِّم لقدَر الله تعالى، مؤمن به: إذا شكر ربه في السرَّاء، وصبر عند الضرَّاء. قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: جعل اللهُ سبحانَه وتعالى لعباده المؤمنين بكل منزلة خيراً منه، فهم دائماً في نعمةٍ من ربهم، أصابَهم ما يُحِبَّون، أو ما يكرهون، وجعل أقضيته، وأقداره التي يقضيها لهم، ويُقدرها عليهم: متاجرَ يَربحون بها عليه، وطُرُقًا يصلون منها إليه، كما ثبت في الصحيح عَن إمامهم ومتبوعهم - الذي إذا دُعي يوم القيامة كلُّ أناسٍ بإمامهم دُعُوا به صلواتُ الله وسلامه عليه - أنه قال: (عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله عجب، ما يقضي الله له من قضاء إلاّ كان خيراً له، إن أصابته سرَّاءُ شكَرَ فكان خيراً له، وإن أصابَتْه ضرَّاءُ صَبَر فكان خيراً له) . فهذا الحديث يَعمُّ جميعَ أَقضيتِه لعبده المؤمن، وأنها خير له إذا صبر على مكروهها، وشكرَ لمحبوبها، بل هذا داخلٌ في مسمَّى الإيمان، فإنه كما قال السلف: " الإيمان نصفان، نصفٌ صبر، ونصفٌ شكر "، كقوله تعالى: (إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور) ، وإذا اعتَبر العبدُ الدينَ كلَّه: رآه يَرجِعُ بجملته إلى الصبر، والشكر. " جامع المسائل " (1 / 165) . فعلى المسلم أن يؤمن بقدر الله تعالى خيره وشرِّه، ولا يسعه غير ذلك؛ لأن الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان، والذي لا يصح من غيره. وعلى المسلم أن يرضى بقضاء الله، ويسلِّم لما يكتبه الله له، أو عليه؛ فإن في ذلك حكَم بالغة، ولا يتعجل في النظر لظاهر الأمر أنه نعمة، أو نقمة، بل العبرة بما يترتب على ذلك من شكر للنعم، ومن رضى بالمصائب، فهمنا يكون مؤمناً محققا لما طلبه الله منه، ويكون مستفيداً من ذلك دوافع تدفعه للعمل وعدم القنوط واليأس، كما تدفعه لشكر الله تعالى لنيل المزيد منها. ثالثاً: ثمة علامات يمكن للمسلم أن يستدل بها على كون أصحابها من أهل الجنة، أو أهل النار؛ وذلك بحسب اتصافه بها، وتخلقه بأخلاقها، ظاهراً وباطناً، وعليه بوَّب الإمام النووي رحمه الله بقوله في " شرح مسلم ": " بَاب الصِّفَاتِ الَّتِي يُعْرَفُ بِهَا فِي الدُّنْيَا أَهْلُ الْجَنَّةِ وَأَهْلُ النَّارِ "، وقد جعل تبويبه هذا على حديث عياض بن حمار المجاشعي، والذي رواه مسلم (2265) ، وفيه: (وَأَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلَاثَةٌ ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ مُتَصَدِّقٌ مُوَفَّقٌ وَرَُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ. قَالَ: وَأَهْلُ النَّارِ خَمْسَةٌ الضَّعِيفُ الَّذِي لَا زَبْرَ لَهُ الَّذِينَ هُمْ فِيكُمْ تَبَعًا لَا يَبْتَغُونَ أَهْلًا وَلَا مَالًا وَالْخَائِنُ الَّذِي لَا يَخْفَى لَهُ طَمَعٌ وَإِنْ دَقَّ إِلَّا خَانَهُ وَرَجُلٌ لَا يُصْبِحُ وَلَا يُمْسِي إِلَّا وَهُوَ يُخَادِعُكَ عَنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ وَذَكَرَ الْبُخْلَ أَوْ الْكَذِبَ وَالشِّنْظِيرُ الْفَحَّاشُ) . قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: (ذو سلطان مقسط موفق) وهذا هو الشاهد، يعني: صاحب سلطان، والسلطان يعم السلطة العليا، وما دونها. (مقسط) أي: عادل بين مَن ولاَّه الله عليهم. (موَّفق) أي: مهتد لما فيه التوفيق والصلاح، قد هدى إلى ما فيه الخير. فهذا من أصحاب الجنة. (ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم) رجل رحيم، يرحم عبادَ الله، يرحم الفقراء، يرحم العجزة، يرحم الصغار، يرحم كل من يستحق الرحمة. (رقيق القلب) ليس قلبه قاسياً. (لكل ذي قربى ومسلم) وأما للكفار: فإنه غليظ عليهم. هذا أيضاً من أهل الجنة: أن يكون الإنسان رقيق القلب، يعني: فيه لين، وفيه شفقة على كل ذي قربى ومسلم. والثالث: (رجل عفيف متعفف ذو عيال) يعني: أنه فقير، ولكنه متعفف لا يسأل الناس شيئاً يحسبه الجاهل غنيّاً من التعفف. (ذو عيال) أي: أنه مع فقره عنده عائلة، فتجده صابراً، محتسباً، يكد على نفسه، فربما يأخذ الحبل ويحتطب ويأكل منه، أو يأخذ المخلب يحتش فيأكل منه، المهم: أنه عفيف، متعفف، ذو عيال، ولكنه صابر على البلاء، صابر على عياله، فهذا من أهل الجنة، نسأل الله أن يجعلنا من أحد هؤلاء الأصناف. " شرح رياض الصالحين " (3 / 648، 649) . وقال النووي – رحمه الله -: شرح النووي على مسلم - (17 / 199) (الضعيف الذي لا زَبر له الذين هم فيكم تبعاً لا يبتغون أهلاً، ولا مالاً) . فقوله (زبر) بفتح الزاي وإسكان الموحدة، أي: لا عقل له يزبره، ويمنعه مما لا ينبغى، وقيل: هو الذي لا مال له، وقيل: الذي ليس عنده ما يعتمده. وقوله (لا يتبعون) بالعين المهملة، مخفف، ومشدد، من الاتباع، وفي بعض النسخ " يبتغون " بالموحدة والغين المعجمة، أي: لا يطلبون. قوله صلى الله عليه وسلم (والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق إلا خانة) معنى (لا يخفى) : لا يظهر، قال أهل اللغة: يقال خفيت الشيء إذا أظهرته، وأخفيته إذا سترته وكتمته، هذا هو المشهور، وقيل: هما لغتان فيهما جميعاً. قوله (وذكر البخل والكذب) هي في أكثر النسخ (أو الكذب) بـ (أو) ، وفي بعضها (والكذب) ، بالواو، والأول: هو المشهور في نسخ بلادنا، وقال القاضي: روايتنا عن جميع شيوخنا بالواو إلا ابن أبي جعفر عن الطبري فبـ (أو) وقال بعض الشيوخ: ولعله الصواب، وبه تكون المذكورات خمسة. وأما (الشنظير) فبكسر الشين والظاء المعجمتين وإسكان النون بينهما، وفسَّره في الحديث بأنه الفحَّاش، وهو السيء الخلق. " شرح مسلم " (17 / 199، 200) . فليتأمل العبد الموفق، كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل علامة أهل الجنة في الآخرة أن يعملوا بأعمالهم في الدنيا، وجعل علامة أهل النار في الآخرة أن يعملوا بأعمالهم في الدنيا. قال الإمام أحمد رحمه الله: " سمعت سفيان بن عيينة يقول: من يزرع خيرا يحصد غِبطة، ومن يزرع شرا يحصد ندامة؛ تفعلون السيئات وترجون أن تُجْزَوُا الحسنات؟! أجل؛ كما يجني من الشوك العنب!! " "العلل ومعرفة الرجال" (2/373) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130860 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 323 مسائل في أصل خلق الجنين، وفي كونه ذكَراً أو أنثى، وفي شبهه بأبيه أو أمه [السُّؤَالُ] ـ[قرأت بعض الأحاديث عن تكون الجنين، والتي أوردها ابن القيم في كتابه " التبيان في أقسام القرآن "، ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة كان الجنين ذكراً وإذا سبق ماء المرأة الرجل كان الجنين أنثى ... ) ثم ذكر حديثاً آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل من ماذا خُلق الإنسان؟ فأجاب صلى الله عليه وسلم قائلاً (من ماء الرجل والمرأة معاً، فماء الرجل تُخلق منه العظام والأعصاب لأنه غليظ، وماء المرأة يُخلق منه الدم واللحم لأنه ليّن) ، هل من الممكن شرح وتوضيح هذه الفكرة على ضوء هذين الحديثين؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الحديث الثاني المذكور في السؤال: لا يصح، وهذا لفظه، وكلام الأئمة عليه: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُود قَالَ: (مَرَّ يَهُودِيٌّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُحَدِّثُ أَصْحَابَهُ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: يَا يَهُودِيُّ، إِنَّ هَذَا يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، فَقَالَ: لَأَسْأَلَنَّهُ عَنْ شَيْءٍ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا نَبِيٌّ. قَالَ: فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ / مِمَّ يُخْلَقُ الْإِنْسَانُ؟ قَالَ: يَا يَهُودِيُّ، مِنْ كُلٍّ يُخْلَقُ مِنْ نُطْفَةِ الرَّجُلِ، وَمِنْ نُطْفَةِ الْمَرْأَةِ، فَأَمَّا نُطْفَةُ الرَّجُلِ فَنُطْفَةٌ غَلِيظَةٌ مِنْهَا الْعَظْمُ وَالْعَصَبُ، وَأَمَّا نُطْفَةُ الْمَرْأَةِ فَنُطْفَةٌ رَقِيقَةٌ مِنْهَا اللَّحْمُ وَالدَّمُ، فَقَامَ الْيَهُودِيُّ فَقَالَ: هَكَذَا كَانَ يَقُولُ مَنْ قَبْلَكَ) رواه أحمد في "مسنده" (7/437) . قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله: إسناده ضعيف؛ لضعف حسين بن الحسن، وهو الأشقر. والحديث في " مجمع الزوائد " (8 / 241) ، وقال: " رواه أحمد والطبراني والبزار بإسنادين، وفي أحد إسناديه عامر بن مدرك، وثقه ابن حبان، وضعفه غيره، وبقية رجاله ثقات، وفي إسناد الجماعة عطاء بن السائب، وقد اختلط ". "مسند أحمد" تحقيق الشيخ أحمد شاكر (6 / 199) . وكذا ضعفه محققو المسند (7 / 437) طبعة الرسالة، وقالوا: إسناده ضعيف؛ لضعف حسين بن الحسن، وهو الأشقر، وعطاء بن السائب اختلط بأخرة، ولم نقف على سماع أبي كدينة - وهو يحيى بن المهلب - منه، هل كان قبل الاختلاط أم بعده، وعبد الرحمن والد القاسم - وهو ابن عبد الله بن مسعود - لم يثبت سماعه لهذا الحديث من أبيه، فهو إنما سمع من أبيه شيئاً يسيراً. انتهى. ومع ضعف سند الحديث: فإن في متنه إشكالاً، حيث ذُكر فيه أن لحم الجنين يكون من نطفة الأم، وعظمه من نطفة الأب، وظاهر النصوص: أن اللحم والعظم من مجموع النطفتين. ونقل محققو المسند عن نور الدين أبي الحسن السندي رحمه الله قوله: "قوله: (وَأَمَّا نُطْفَةُ الْمَرْأَةِ فَنُطْفَةٌ رَقِيقَةٌ مِنْهَا اللَّحْمُ وَالدَّم) : قلت: ظاهر القرآن، وهو قوله تعالى: (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً .... ) الآية المؤمنون/14: يدل على أن مجموع النطفتين يصير عظاماً" انتهى. ثانياً: أما خلق الجنين، وكونه ذكراً أو أنثى، وشبهه بأبيه، أو أمه: فكلها مسائل لها ما يدل عليها من الكتاب والسنَّة، وفيها خلاف بين العلماء، ونحن نذكر ذلك مختصراً: 1. خلق الجنين: قال تعالى: (فَلْيَنظُرِ الإنسان مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ والتَّرَائِبِ) الطارق/ 5 – 7. وقد اختلف العلماء في معنى هذه الآية، وقد ذكرنا اختلافهم في جواب السؤال رقم (118879) ، ورجحنا قول طائفة من المفسرين والعلماء أن " الصلب " – وهو الظهر -، و " الترائب " – وهي عظام الصدر -: هي للرجل نفسه. 2. الذكورة والأنوثة، والشبه: وفي هذا خلاف كبير بين العلماء المتقدمين والمعاصرين، ونحن نذكر طائفة من الأحاديث في المسألة، ثم نختار أشهر أقوال العلماء فيها. 1. عن أَنَسٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلاَمٍ سأل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: (مَا بَالُ الْوَلَدِ يَنْزِعُ إِلَى أَبِيهِ أَوْ إِلَى أُمِّهِ؟ قَالَ: أَخْبَرَنِى بِهِ جِبْرِيلُ آنِفًا، أَمَّا الْوَلَدُ، فَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ نَزَعَ الْوَلَدَ، وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ نَزَعَتِ الْوَلَدَ. قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ) رواه البخاري (3723) . ومعنى (ينزع) : يذهب إليه - أو إليها – بشبهه. 2. عن ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كُنْتُ قَائِمًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ حِبْرٌ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ ... قَالَ: جِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنْ الْوَلَدِ، قَالَ: (مَاءُ الرَّجُلِ أَبْيَضُ، وَمَاءُ الْمَرْأَةِ أَصْفَرُ، فَإِذَا اجْتَمَعَا فَعَلَا مَنِيُّ الرَّجُلِ مَنِيَّ الْمَرْأَةِ أَذْكَرَا بِإِذْنِ اللَّهِ، وَإِذَا عَلَا مَنِيُّ الْمَرْأَةِ مَنِيَّ الرَّجُلِ آنَثَا بِإِذْنِ اللَّهِ) قَالَ الْيَهُودِيُّ: لَقَدْ صَدَقْتَ. رواه مسلم (315) . 3. عن أُمِّ سُلَيْمٍ أَنَّهَا سَأَلَتْ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمَرْأَةِ تَرَى فِي مَنَامِهَا مَا يَرَى الرَّجُلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا رَأَتْ ذَلِكِ الْمَرْأَةُ فَلْتَغْتَسِلْ) فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ - وَاسْتَحْيَيْتُ مِنْ ذَلِكَ - قَالَتْ: وَهَلْ يَكُونُ هَذَا؟ فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (نَعَمْ، فَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ، إِنَّ مَاءَ الرَّجُلِ غَلِيظٌ أَبْيَضُ، وَمَاءَ الْمَرْأَةِ رَقِيقٌ أَصْفَرُ، فَمِنْ أَيِّهِمَا عَلَا أَوْ سَبَقَ يَكُونُ مِنْهُ الشَّبَهُ) رواه مسلم (311) . 4. عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ: (امْرَأَةً قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ تَغْتَسِلُ الْمَرْأَةُ إِذَا احْتَلَمَتْ وَأَبْصَرَتْ الْمَاءَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَهَلْ يَكُونُ الشَّبَهُ إِلَّا مِنْ قِبَلِ ذَلِكِ، إِذَا عَلَا مَاؤُهَا مَاءَ الرَّجُلِ أَشْبَهَ الْوَلَدُ أَخْوَالَهُ، وَإِذَا عَلَا مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَهَا أَشْبَهَ أَعْمَامَهُ) . رواه مسلم (314) . ونذكر هنا قولين لأهل العلم في معنى تلك الأحاديث السابقة، ومرجع الكلام إنما هو في فهم معنى "السبق"، و "العلو". أ. قال ابن القيم رحمه الله: "إن سبق أحد الماءين سبب لشبه السابق ماؤه، وعلو أحدهما: سبب لمجانسة الولد للعالي ماؤه، فها هنا أمران: سبق، وعلو، وقد يتفقان، وقد يفترقان، فإن سبق ماءُ الرجل ماءَ المرأة، وعلاه: كان الولد ذكراً، والشبه للرجل، وإن سبق ماءُ المرأة، وعلا ماءَ الرجل: كانت أنثى، والشبه للأم، وإن سبق أحدُهما، وعلا الآخر: كان الشبه للسابق ماؤه، والإذكار، والإيناث لمن علا ماؤه" انتهى. " تحفة المودود بأحكام المولود " (ص 278) . ب. وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "ووقع عند مسلم من حديث عائشة: (إذا علا ماء الرجل ماء المرأة أشبه أعمامه، وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل أشبه أخواله) ونحوه للبزار عن ابن مسعود وفيه: (ماء الرجل أبيض غليظ وماء المرأة أصفر رقيق فأيهما أعلى كان الشبه له) ، والمراد بالعلو هنا: السبق؛ لأن كلَّ مَن سبق: فقد علا شأنه، فهو علوٌّ معنوي. وأما ما وقع عند مسلم من حديث ثوبان - رفعه – (ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر فإذا اجتمعا فعلا منيُّ الرجل منيَّ المرأة أذكرا بإذن الله، وإذا علا منيُّ المرأة منيَّ الرجل آنثا بإذن الله) : فهو مُشكل من جهة أنه يلزم منه اقتران الشبه للأعمام إذا علا ماء الرجل، ويكون ذكراً، لا أنثى، وعكسه، والمشاهد خلاف ذلك؛ لأنه قد يكون ذكراً ويشبه أخواله، لا أعمامه، وعكسه، قال القرطبي: يتعين تأويل حديث " ثوبان " بأن المراد بالعلو: السبق، قلت: والذي يظهر: ما قدمتُه، وهو تأويل العلو في حديث عائشة، وأما حديث ثوبان: فيبقى العلو فيه على ظاهره، فيكون لسبق علامة التذكير والتأنيث، والعلو علامة الشبه، فيرتفع الاشكال، وكأن المراد بالعلو الذي يكون سبب الشبه: بحسب الكثرة، بحيث يصير الآخر مغموراً فيه، فبذلك يحصل الشبه، وينقسم ذلك ستة أقسام: الأول: أن يسبق ماءُ الرجل، ويكون أكثر، فيحصل له الذكورة، والشبه. والثاني: عكسه. والثالث: أن يسبق ماءُ الرجل، ويكون ماء المرأة أكثر، فتحصل الذكورة، والشبه للمرأة. والرابع: عكسه. والخامس: أن يسبق ماءُ الرجل، ويستويان، فيذكر، ولا يختص بشبَه. والسادس: عكسه. " فتح الباري " (7 / 273) . فتلخص مما سبق: أ. أن ابن القيم رحمه الله يرى في تفسير " السبق "، و " العلو " إلى أن سبق أحد الماءيْن: سبب لشبه السابق ماؤه، وعلوُّ أحدهما: سببٌ للتذكير والتأنيث. ب. وذهب ابن حجر رحمه الله إلى أن السبق علامة التذكير والتأنيث، والعلو علامة الشبه. والأمر محتمل، ولعلَّ الحقائق – لا النظريات – الطبية الحديثة تقوي أحد القولين، ويمكن الرجوع إلى الكتب المتخصصة في الموضوع لزيادة المعرفة. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129888 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 324 ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه) ؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "هذا حديث من الأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعنى (ومثله معه) يعني أن الله أعطاه وحيا آخر وهو السنة التي تفسر القرآن وتبين معناه، كما قال الله عز وجل: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) النحل/44، فالله أوحى إليه القرآن وأيضا السنة وهي الأحاديث التي ثبتت عنه صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالصلاة والزكاة والصيام والحج وغير ذلك من أمور الدين والدنيا، فالسنة وحي ثان أوحاه الله إليه لإكمال الرسالة وتمام البلاغ، وهو صلى الله عليه وسلم يعبر عن ذلك بالأحاديث التي بينها للأمة قولا وفعلا وتقريرا، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) وقوله عليه الصلاة والسلام: (لا تقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ) ، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تقبل صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول) ، وقوله صلى الله عليه وسلم: (الصلوات الخمس، ورمضان إلى رمضان، والجمعة إلى الجمعة، كفارات لما بينهن ما لم تغش الكبائر) إلى غير ذلك من الأحاديث الصحيحة في كل ما يحتاجه العباد، وفيما يتعلق بتفسير كتاب الله عز وجل عليه من ربه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وهذا الوحي وحي أوحاه الله إليه، وأخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم وبَيَّنه للأمة، فهو من الله وحي بالمعنى، وهو من كلام النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما تقدم في قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات. . . إلخ) . ومثل قوله صلى الله عليه وسلم: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا. . . إلخ) الحديث. ويدخل في الوحي الثاني الذي أوتيه النبي صلى الله عليه وسلم: الأحاديث القدسية التي يرويها الرسول عن ربه عز وجل، فهي وحي من الله، ومن كلامه سبحانه، ولكن ليس لها حكم القرآن، مثل قوله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل: (يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما، فلا تظالموا، يا عبادي، كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم. . . إلى آخر الحديث) وهو حديث طويل رواه مسلم في صحيحه عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، وكل ذلك داخل في قوله سبحانه: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * [يعني محمدا صلى الله عليه وسلم] وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) النجم/1-4" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (25/58-61) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128162 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 325 كيفية التفريق بين الأولاد في المضاجع [السُّؤَالُ] ـ[نرجو إيضاح كيفية التفريق بين الأولاد في المضاجع الوارد في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، هل المقصود به التفريق بين البنين والبنات، أم بين البنين بعضهم بعضا، وبين البنات بعضهن بعضا؟ وهل المقصود به التفريق بينهم في الفرش أم لا بد أن يكون كل منهم في غرفة مستقلة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الحديث عام، يعم البنين والبنات، والتفريق يكون بجعل كل واحد من البنين، وكل واحدة من البنات في فراش مستقل، ولو كانوا في غرفة واحدة؛ لأن وجود كل واحد مع الآخر في فراش واحد قد يكون وسيلة لوقوع الفاحشة. وفق الله الجميع لكل خير" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (25/357) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128158 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 326 شرح حديث ويل للأعقاب من النار [السُّؤَالُ] ـ[عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: (تخلَّفَ عنَّا النبي صلى الله عليه وسلم في سفرة سافرناها، فأدركنا وقد أرهقتنا الصلاة ونحن نتوضأ، فجعلنا نمسح على أرجلنا، فنادى بأعلى صوته: (ويل للأعقاب من النار) مرتين أو ثلاثا. أريد شرحا مفصلا للحديث.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يمكن الكلام عن هذا الحديث ضمن المباحث الآتية: أولا: نص الحديث وتخريجه. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: (تَخَلَّفَ عَنَّا النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي سَفْرَةٍ سَافَرْنَاهَا، فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ أَرْهَقَتْنَا الصَّلاَةُ وَنَحْنُ نَتَوَضَّأُ، فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ. مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا) رواه البخاري (حديث رقم/60) ، ورواه مسلم (رقم/241) بلفظ آخر فيه: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: (رَجَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِمَاءٍ بِالطَّرِيقِ تَعَجَّلَ قَوْمٌ عِنْدَ الْعَصْرِ، فَتَوَضَّئُوا وَهُمْ عِجَالٌ، فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِمْ وَأَعْقَابُهُمْ تَلُوحُ لَمْ يَمَسَّهَا الْمَاءُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ) وقد روي هذا الحديث عن جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم، كما قال الإمام الترمذي رحمه الله – بعد أن روى الحديث نفسه عن أبي هريرة رضي الله عنه -: " وفي الباب عن عبد الله بن عمرو، وعائشة، وجابر، وعبد الله بن الحارث، ومعيقيب، وخالد بن الوليد، وشرحبيل ابن حسنة، وعمرو بن العاص، ويزيد بن أبي سفيان " انتهى. " سنن الترمذي " (1/96) ثانيا: راوي الحديث. هو الصحابي الجليل عبد الله بن عمرو بن العاص، وكان من علماء الصحابة ومن المكثرين مِن الرواية، فقد كان يَكتب كل شيء يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم في صحف خاصة عنده، حتى اشتهرت إحدى صحائفه التي سماها بـ " الصادقة "، توفي ليالي الحرة بالطائف. ثالثا: معاني كلماته (غريب الحديث) . (تخلف عنا) : أي تأخر عنا. (أرهقتنا الصلاة) : أي كاد وقتها أن يخرج. يقول بدر الدين العيني رحمه الله: " أي: غشيتنا الصلاة. أي: حملتنا الصلاة على أدائها. وقيل قد أعجلتنا لضيق وقتها. وقال القاضي: ومنه المراهق بالفتح في الحج، ويقال بالكسر: وهو الذي أعجله ضيق الوقت أن يطوف " انتهى. " عمدة القاري " (2/8) (ويل) : اختلف العلماء في معناها، فمنهم من قال: هو واد في جهنم، ومنهم من قال غير ذلك، والجميع متفق على أنها كلمة وعيد وتخويف وتهديد. يقول بدر الدين العيني رحمه الله: " ويل من المصادر التي لا أفعال لها وهي كلمة عذاب وهلاك " انتهى. " عمدة القاري " (2/9) (الأعقاب) : جمع عقب، وهو مؤخر القدم. رابعا: الفوائد الفقهية المستنبطة من الحديث. 1- وجوب غسل الرجلين في الوضوء، وعدم إجزاء المسح من غير غسل، نأخذ ذلك من إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على الصحابة مسحهم أرجلهم مسحا سريعا من غير غسل وإجراء للماء عليها، وهذا الحكم متفق عليه بين مذاهب المسلمين الأربعة، ولذلك بوب عليه الإمام البخاري بقوله: " باب غسل الرجلين ولا يمسح على القدمين " انتهى. " صحيح البخاري " (كتاب الوضوء/ باب رقم 27) ، وقال الإمام الترمذي رحمه الله: " وفقه هذا الحديث أنه لا يجوز المسح على القدمين إذا لم يكن عليهما خفان أو جوربان " انتهى. " سنن الترمذي " (1/96) وبوب عليه النسائي بقوله: باب إيجاب غسل الرجلين. " سنن النسائي " (كتاب الطهارة/ باب رقم 89) ، كما بوب عليه البيهقي رحمه الله بقوله: " باب الدليل على أن فرض الرجلين الغسل وأن مسحهما لا يجزئ " انتهى. " السنن الكبرى " (1/68) ، وبوب عليه الإمام ابن خزيمة بقوله: " باب التغليظ في ترك غسل العقبين في الوضوء، والدليل على أن الفرض غسل القدمين لا مسحهما إذا كانتا غير مغطيتين بالخف أو ما يقوم مقام الخف، لا على ما زعمت الروافض أن الفرض مسح القدمين لا غسلهما، إذ لو كان الماسح على القدمين مؤديا للفرض لما جاز أن يقال لتاركٍ فضيلةً: ويل له " انتهى. " صحيح ابن خزيمة " (1/83) 2- وجوب تعميم أعضاء الوضوء بالغسل، وذلك بإيصال الماء إلى جميع أجزاء أعضاء الوضوء وعدم ترك أي محل منها، نجد ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: (ويل للأعقاب من النار) فتخصيصه ذكر الأعقاب لأنها في مؤخرة القدم، فهي مظنة لعدم وصول الماء إليها لمن لم يتعاهدها بذلك، فدل على ضرورة العناية بإسباغ الوضوء في محل الفرض. وقد استنبط الإمام البخاري رحمه الله هذه الفائدة من الحديث في إحدى المواضع التي أخرجه فيها، فقال: " باب غسل الرجلين ولا يمسح على القدمين " انتهى. " صحيح البخاري " (كتاب الوضوء/باب رقم 27) وبوب النووي رحمه الله على هذا الحديث في " شرح مسلم " بقوله: باب وجوب غسل الرجلين بكمالهما. " صحيح مسلم " (كتاب الوضوء/باب رقم 9) . وبوب عليه أبو داود في سننه: باب في إسباغ الوضوء. " سنن أبي داود " (كتاب الطهارة، باب رقم 46) خامسا: الفوائد الأخرى المستنبطة من الحديث. في هذا الحديث فوائد كثيرة أخرى للمتأمل، منها: 1- شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه، حيث كان يتأخر عن القافلة ويمشي آخرها كي يعين ضعيفهم ويحمل عاجزهم ويتفقد أحوالهم. 2- حرص الصحابة رضوان الله عليهم على أداء الصلاة وعدم تأخيرها عن وقتها ولو كانوا في حال السفر والتعب والنصب. 3- حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تعليم أصحابه وبيان الحكم الشرعي عند حاجتهم إليها، وعدم سكوته صلى الله عليه وسلم عن الخطأ إن وقع منهم. 4- وفي الحديث فائدةٌ نبَّه عليها البخاري رحمه الله بقوله في تبويب الحديث بقوله: " باب من رفع صوته بالعلم " انتهى. صحيح البخاري " (كتاب العلم/باب رقم 3) . يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله: " واستدل المصنف على جواز رفع الصوت بالعلم بقوله: (فنادى بأعلى صوته) ، وإنما يتم الاستدلال بذلك حيث تدعو الحاجة إليه لبعد أو كثرة جمع أو غير ذلك، ويلحق بذلك ما إذا كان في موعظة كما ثبت ذلك في حديث جابر: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب وذكر الساعة اشتد غضبه وعلا صوته) الحديث أخرجه مسلم " انتهى. " فتح الباري " (1/143) 5- وفي قول الراوي رضي الله عنه (مرتين أو ثلاثا) دليل أيضا على الأسلوب التعليمي النافع الذي كان يستعمله صلى الله عليه وسلم، وذلك بتكرار الكلام بالعلم كي يحفظ عنه المستمعون ويتثبت المتشككون، وقد أخرج البخاري الحديث أيضا في موقع آخر وبوب عليه بقوله: باب من أعاد الحديث ثلاثا ليفهم عنه. " صحيح البخاري " (كتاب العلم/ باب رقم 30) 6- وفي الحديث أيضا تذكير المسلم بضرورة تحري موافقة الشريعة في جميع أفعاله وأقواله، ولا يتهاون في شيء منها، فقد توعد النبي صلى الله عليه وسلم أولئك الذين لا يبلغ الماء أعقابهم في الوضوء بالويل والنار يوم القيامة، وهو أمر يسير في نظر كثير من الناس، ولكنه عند الله عظيم، فليحذر المسلمون أن يتهاون فيما قد يكون سبب هلاكه في الآخرة، وقد قال الله تعالى: (وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ) النور/15. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128040 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 327 المراد بنفي الإيمان في حديث: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) [السُّؤَالُ] ـ[في الحديث: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه) ، هل المقصود أن الشخص كافر - حتى لو أنه يؤمن بالقرآن والسنة - حتى يحب إخوانه، أم المقصود أنه غير كامل الإيمان؟ أرجو التوضيح.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يرد نفي الإيمان في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ويراد به تارةً: نفي أصل الإيمان، فيكون الشخص كافراً. ويراد به تارة أخرى: نفي كمال الإيمان، فيكون الشخص معه أصل الإيمان، فهو ليس كافراً، غير أنه ناقص الإيمان. والحديث المسؤول عنه هو من النوع الثاني. قال النووي رحمه الله: "قال العلماء رحمهم الله: معناه: لا يؤمن الإيمان التام، وإلا فأصل الإيمان يحصل لمن لم يكن بهذه الصفة" انتهى. "شرح مسلم" (2/16) . وقال القرطبي: "معناه: أنه لا يتم إيمانُ أحد الإيمان التام الكامل، حتى يضم إلى إسلامه سلامة الناس منه، وإرادة الخير لهم، والنصح لجميعهم فيما يحاوله معهم" انتهى. "المفهم لما أشكل من تلخيص صحيح مسلم" (1/224) . وقال أيضا: "أي: لا يكمل إيمانه؛ إذ من يغش المسلم ولا ينصحه مرتكب كبيرة، ولا يكون كافراً بذلك؛ كما قد بَيَّنَّاه غير مرة. وعلى هذا: فمعنى الحديث: أن الموصوف بالإيمان الكامل: من كان في معاملته للناس ناصحاً لهم، مريداً لهم ما يريده لنفسه، وكارهاً لهم ما يكرهه لنفسه" انتهى. "المفهم" (1/227) . ويدل على أن المراد من النفي في هذا الحديث نفي كمال الإيمان، أنه قد جاء الحديث عند ابن حبان بلفظ: (لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يحب للناس ما يحب لنفسه من الخير) وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (1780) . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "والمراد بالنفي: كمال الإيمان ... وقد صرح ابن حبان - من رواية ابن أبي عدي عن حسين المعلم - بالمراد ولفظه: (لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان) ومعنى الحقيقة هنا الكمال، ضرورة أنَّ مَن لم يتصف بهذه الصفة لا يكون كافراً" انتهى. "فتح الباري" (1/57) . وقال ابن رجب رحمه الله: " (لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يحب للناس ما يحب لنفسه من الخير) هذه الرواية تبين معنى الرواية المخرجة في الصحيحين، وأن المراد بنفي الإيمان نفي بلوغ حقيقته ونهايته، فإن الإيمان كثيرا ما يُنفَى لانتفاء بعض أركانه وواجباته، كقوله صلى الله عليه وسلم: (لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ) ، وقوله: (لَا يُؤْمِنُ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ) " انتهى. "جامع العلوم والحكم" (120) . ومعنى نفي كمال الإيمان هنا: أي: الكمال الواجب، فمن لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه كان مقصراً يما يجب عليه من الإيمان، مرتكباً شيئاً محرماً، يستحق عليه العقاب. قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: "لمَّا نفى النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان عمن لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه، دل على أن ذلك من خصال الإيمان، بل من واجباته، فإن الإيمان لا يُنفَى إلا بانتفاء بعض واجباته، كما قال صلى الله عليه وسلم: (لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ) الحديث، وإنما يحب الرجل لأخيه ما يحب لنفسه إذا سلم من الحسد والغل والغش والحقد، وذلك واجب" انتهى. "فتح الباري" (1/41) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127933 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 328 يستحب إغلاق أبواب المنازل في الليل [السُّؤَالُ] ـ[هل هذا الحديث صحيح: وقت غروب الشمس نقول: بسم الله. ونغلق الشبابيك، كي لايدخل الجن؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمرنا بإغلاق الأبواب وذكر اسم الله في الليل، عند دخول الليل، وعند النوم والمبيت، وذلك كي يحفظ المسلم بيته وأهله من دخول كل شيطان ضار من شياطين الإنس والجن، وكذلك من دخول الحيوانات والحشرات المؤذية. عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ أَوْ أَمْسَيْتُمْ فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ، فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنْ اللَّيْلِ فَخَلُّوهُمْ، وَأَغْلِقُوا الْأَبْوَابَ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا، وَأَوْكُوا قِرَبَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، وَخَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ وَلَوْ أَنْ تَعْرُضُوا عَلَيْهَا شَيْئًا، وَأَطْفِئُوا مَصَابِيحَكُمْ) رواه البخاري (3280) واللفظ له، ومسلم (2012) ولفظه: (غَطُّوا الْإِنَاءَ، وَأَوْكُوا السِّقَاءَ، وَأَغْلِقُوا الْبَابَ، وَأَطْفِئُوا السِّرَاجَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَحُلُّ سِقَاءً، وَلَا يَفْتَحُ بَابًا، وَلَا يَكْشِفُ إِنَاءً) وقد بوب عليه الإمام النووي بقوله: " باب الأمر بتغطية الإناء، وإيكاء السقاء، وإغلاق الأبواب، وذكر اسم الله عليها، وإطفاء السراج والنار عند النوم، وكف الصبيان والمواشي بعد المغرب " انتهى. وروى مسلم (2013) في الباب نفسه عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا تُرْسِلُوا فَوَاشِيَكُمْ وَصِبْيَانَكُمْ إِذَا غَابَتْ الشَّمْسُ حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ، فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْبَعِثُ إِذَا غَابَتْ الشَّمْسُ حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ) ورواه ابن حبان في " صحيحه " (4/90) بلفظ: (أَوْكُوا الأَسْقِيَةَ، وَغَلِّقُوا الأَبْوَابَ إِذَا رَقَدْتُمْ بِاللَّيْلِ، وَخَمِّرُوا الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْتِي، فَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْبَابَ مُغْلَقًا دَخَلَ، وَإِنْ لَمْ يَجِدِ السِّقَاءَ مُوكًى شَرِبَ مِنْهُ، وَإِنْ وَجَدَ الْبَابَ مُغْلَقًا وَالسِّقَاءَ مُوكًى لَمْ يَحْلِلْ وِكَاءً وَلَمْ يَفْتَحْ بَابًا مُغْلَقًا، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ لِإِنَائِهِ الَّذِي فِيهِ شَرَابُهُ مَا يُخَمِّرُهُ، فَلْيَعْرِضْ عَلَيْهِ عُودًا) قال الإمام ابن عبد البر رحمه الله: " وفي هذا الحديث الأمر بغلق الأبواب من البيوت في الليل، وتلك سنة مأمور بها رفقا بالناس لشياطين الإنس والجن، وأما قوله: (إن الشيطان لا يفتح غلقا، ولا يحل وكاء) فذلك إعلام منه وإخبار عن نعم الله عز وجل على عباده من الإنس، إذ لم يعط قوة على فتح باب ولا حل وكاء ولا كشف إناء، وأنه قد حرم هذه الأشياء، وإن كان قد أعطي ما هو أكثر منها من التخلل والولوج حيث لا يلج الإنس " انتهى. " الاستذكار " (8/363) وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " قال ابن دقيق العيد: في الأمر بإغلاق الأبواب من المصالح الدينية والدنيوية حراسة الأنفس والأموال من أهل العبث والفساد، ولا سيما الشياطين. وأما قوله: (فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا) فإشارة إلى أن الأمر بالإغلاق لمصلحة إبعاد الشيطان عن الاختلاط بالإنسان، وخصه بالتعليل تنبيها على ما يخفى مما لا يطلع عليه إلا من جانب النبوة، قال: واللام في الشيطان للجنس، إذ ليس المراد فردا بعينه " انتهى. " فتح الباري " (11/87) وقال أيضا رحمه الله: " قال القرطبي: جميع أوامر هذا الباب من باب الإرشاد إلى المصلحة، ويحتمل أن تكون للندب، ولا سيما في حق من يفعل ذلك بنية امتثال الأمر. وقال ابن العربي: ظن قوم أن الأمر بغلق الأبواب عام في الأوقات كلها، وليس كذلك، وإنما هو مقيد بالليل؛ وكأن اختصاص الليل بذلك لأن النهار غالبا محل التيقظ بخلاف الليل، والأصل في جميع ذلك يرجع إلى الشيطان، فإنه هو الذي يسوق الفأرة إلى حرق الدار " انتهى. " فتح الباري " (6/356-357) وقال الخطيب الشربيني الشافعي رحمه الله: " ويسن إذا جن الليل تغطية الإناء ولو بعرض عود، وإيكاء السقاء، وإغلاق الأبواب مسميا لله تعالى في الثلاثة، وكف الصبيان والماشية أول ساعة من الليل، وإطفاء المصباح للنوم " انتهى. " مغني المحتاج " (1/31) وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ينبغي للإنسان إذا نام أن يجافي الباب بمعنى يغلقه " انتهى. " شرح رياض الصالحين " وانظر جواب السؤال رقم (125922) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127141 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 329 حديث: (رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر) [السُّؤَالُ] ـ[هل هذا الحديث صحيح: (رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر) يعني: جهاد النفس؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "حديث: (رجعنا من الجهاد الأصغر، إلي الجهاد الأكبر) رواه البيهقي بسند ضعيف، قاله الحافظ العراقي في تحقيق أحاديث الإحياء، نقله عنه العجلوني في كشف الخفاء، وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: هو كلام إبراهيم بن أبي عبلة وليس بحديث، نقله أيضا العجلوني عن الحافظ في الكشف، وهذا ملخص ما ذكره العجلوني، وفي رواية البيهقي: (قالوا: وما الجهاد الأكبر؟ قال: جهاد القلب) ، ورواه الخطيب البغدادي بلفظ: (رجعنا من الجهاد الأصغر إلي الجهاد الأكبر، قالوا: وما الجهاد الأكبر؟ قال: مجاهدة العبد هواه) ، وقد روياه جميعا عن جابر، كذا في كشف الخفاء، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "الفتاوى" (11/197) : أما الحديث الذي يرويه بعضهم أنه قال في عزوة تبوك: (رجعنا من الجهاد الأصغر، إلى الجهاد الأكبر، فلا أصل له) ، ولم يروه أحد من أهل المعرفة بأقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (26/381) . وانظر جواب السؤال رقم (10455) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127009 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 330 حديث إذا كان جنح الليل فكفوا صبيانكم فإن الشياطين تنتشر حينئذ حديث صحيح [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك دليل على أن وقت المغرب هو وقت انتشار الشياطين، وأنه يجب إدخال الأطفال إلى المنزل في هذا الوقت؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، ورد في هذا الأدب جملة من الأحاديث الصحيحة. فمن ذلك ما جاء عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ أَوْ أَمْسَيْتُمْ فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ، فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنْ اللَّيْلِ فَخَلُّوهُمْ، وَأَغْلِقُوا الْأَبْوَابَ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا، وَأَوْكُوا قِرَبَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، وَخَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ وَلَوْ أَنْ تَعْرُضُوا عَلَيْهَا شَيْئًا، وَأَطْفِئُوا مَصَابِيحَكُمْ) رواه البخاري (3280) ومسلم (2012) ، وبوب عليه النووي بقوله: باب الأمر بتغطية الإناء، وإيكاء السقاء، وإغلاق الأبواب، وذكر اسم الله عليها، وإطفاء السراج والنار عند النوم، وكف الصبيان والمواشي بعد المغرب. وروى مسلم (2013) عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا تُرْسِلُوا فَوَاشِيَكُمْ – أي كل ما ينتشر من ماشية وغيرها - وَصِبْيَانَكُمْ إِذَا غَابَتْ الشَّمْسُ حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ، فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْبَعِثُ إِذَا غَابَتْ الشَّمْسُ حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ) . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله ـ في الحديث الأول ـ: " (جُِنح الليل) هو بضم الجيم وبكسرها، والمعنى: إقباله بعد غروب الشمس، يقال: جنح الليل: أقبل. قوله: (فخلوهم) قال ابن الجوزي: إنما خيف على الصبيان في تلك الساعة، لأن النجاسة التي تلوذ بها الشياطين موجودة معهم غالبا، والذكر الذي يحرز منهم مفقود من الصبيان غالبا، والشياطين عند انتشارهم يتعلقون بما يمكنهم التعلق به، فلذلك خيف على الصبيان في ذلك الوقت. والحكمة في انتشارهم حينئذ أن حركتهم في الليل أمكن منها لهم في النهار؛ لأن الظلام أجمع للقوى الشيطانية من غيره، وكذلك كل سواد " انتهى. " فتح الباري " (6/341) وقال الإمام النووي رحمه الله: " هذا الحديث فيه جمل من أنواع الخير والأدب الجامعة لمصالح الآخرة والدنيا، فأمر صلى الله عليه وسلم بهذه الآداب التي هي سبب للسلامة من إيذاء الشيطان، وجعل الله عز وجل هذه الأسباب أسبابا للسلامة من إيذائه، فلا يقدر على كشف إناء، ولا حل سقاء، ولا فتح باب، ولا إيذاء صبي وغيره إذا وجدت هذه الأسباب، وهذا كما جاء في الحديث الصحيح أن العبد إذا سمى عند دخول بيته قال الشيطان: (لا مبيت) أي: لا سلطان لنا على المبيت عند هؤلاء، وكذلك إذا قال الرجل عند جماع أهله: (اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا) كان سبب سلامة المولود من ضرر الشيطان، وكذلك شبه هذا مما هو مشهور في الأحاديث الصحيحة. وفى هذا الحديث الحث على ذكر الله تعالى في هذه المواضع، ويلحق بها ما في معناها، قال أصحابنا: يستحب أن يذكر اسم الله تعالى على كل أمر ذي بال، وكذلك يحمد الله تعالى في أول كل أمر ذي بال، للحديث الحسن المشهور فيه. قوله (جنح الليل) هو بضم الجيم وكسرها، لغتان مشهورتان، وهو ظلامه، ويقال: أجنح الليل: أي: أقبل ظلامه، وأصل الجنوح الميل. قوله صلى الله عليه وسلم: (فكفوا صبيانكم) أي: امنعوهم من الخروج ذلك الوقت. قوله صلى الله عليه وسلم: (فإن الشيطان ينتشر) أي: جنس الشيطان، ومعاه أنه يخاف على الصبيان ذلك الوقت من إيذاء الشياطين لكثرتهم حينئذ. والله أعلم " انتهى. " شرح مسلم " (13/185) وسئلت اللجنة الدائمة السؤال الآتي: " في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري: (إذا كان جنح الليل أو أمسيتم فكفوا صبيانكم) ثم جاء فيه: (وأطفئوا مصابيحكم) فهل هذا الأمر للوجوب؟ وإن كان للاستحباب فما هي القرينة الصارفة له عن الوجوب؟ فأجابت: " هذه الأوامر الواردة في الحديث محمولة على الندب والإرشاد عند أكثر العلماء، كما نص عليه جماعة من أهل العلم، منهم: ابن مفلح في " الفروع " (1/132) ، والحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (11/87) والله أعلم " انتهى. " فتاوى اللجنة الدائمة " (26/317) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125922 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 331 وقفات مهمة مع حديث الحوض، وبيان الطوائف التي تردهم الملائكة عنده [السُّؤَالُ] ـ[ما تفسير الحديث القدسي في ما معناه - أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما يرِد المسلمون إلى حوضه، يُرجع الله طائفة من الناس فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (يا رب، أمتي، أمتي) فيقول عز وجل: إنك لا تدري ما فعلوا بعدك؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: اصطلح المحدثون على تسمية الحديث الوارد هنا: " حديث الحوض "، وللحديث ألفاظ وروايات متعددة، ليس بينها – بفضل الله – اختلاف. وهذه بعض الروايات بألفاظها المختلفة: عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ مَنْ مَرَّ عَلَيَّ شَرِبَ، وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا، لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي، ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ، فَأَقُولُ: إِنَّهُمْ مِنِّي، فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: سُحْقًا، سُحْقًا، لِمَنْ غَيَّرَ بَعْدِي) . رواه البخاري (6212) ومسلم (2290) . عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى الْمَقْبُرَةَ فَقَالَ: (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا) قَالُوا: أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: (أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ) فَقَالُوا: كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: (أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْرَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ أَلَا يَعْرِفُ خَيْلَهُ) قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: (فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ الْوُضُوءِ وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ، أَلَا لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ؛ أُنَادِيهِمْ: أَلَا هَلُمَّ. فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ. فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا) . رواه مسلم (249) . عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنِّي عَلَى الْحَوْضِ أَنْتَظِرُ مَنْ يَرِدُهُ عَلَيَّ مِنْكُمْ، فَلَيُقَطَّعَنَّ رِجَالٌ دُونِي، فَلَأَقُولَنَّ: يَا رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي، فَلَيُقَالَنَّ لِي: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ، مَا زَالُوا يَرْجِعُونَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ) . رواه أحمد (41 / 388) وصححه المحققون. عن أَنَس بْن مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ الْحَوْضَ رِجَالٌ مِمَّنْ صَاحَبَنِي، حَتَّى إِذَا رَأَيْتُهُمْ وَرُفِعُوا إِلَيَّ اخْتُلِجُوا دُونِي، فَلَأَقُولَنَّ: أَيْ رَبِّ أُصَيْحَابِي أُصَيْحَابِي، فَلَيُقَالَنَّ لِي: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ) . رواه البخاري (6211) ومسلم (2304) . عن عَبْد اللَّهِ بنِ مسعود قال: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ لَيُرْفَعَنَّ إِلَيَّ رِجَالٌ مِنْكُمْ حَتَّى إِذَا أَهْوَيْتُ لِأُنَاوِلَهُمْ اخْتُلِجُوا دُونِي، فَأَقُولُ: أَيْ رَبِّ أَصْحَابِي يَقُولُ: لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ) . رواه البخاري (6642) ومسلم (2297) . ثانياً: عند التأمل في الأحاديث السابقة نجد أن الكلام قد انحصر في مجموعات ترِد حوض النبي صلى الله عليه وسلم لتشرب منه، فتردهم الملائكة، ويناديهم النبي صلى الله عليه وسلم بألفاظ هي " أمتي "، " أصحابي "، " أصيحابي "، وليس بينها اختلاف تضاد، بل هي محمولة على أناس تشملهم معاني تلك الكلمات، ويمكننا أن نجملهم بهذه الطوائف: 1. مرتدون عن الإسلام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا أسلموا في حياته ورأوه وهم على الإسلام. 2. مرتدون عن الإسلام في أواخر حياته صلى الله عليه وسلم، ولم يكن يعلم بكفرهم. 3. أهل النفاق ممن أظهر الإسلام، وأبطن الكفر. 4. أهل الأهواء الذين غيَّروا سنَّة النبي صلى الله وسلم وهديه، كالروافض، والخوارج. 5. وبعض العلماء يُدخل فيهم: أهل الكبائر، وله ما يؤيد من السنَّة، فقد روى الإمام أحمد في مسنده (9 / 514) عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (سَيَكُونُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ يَأْمُرُونَكُمْ بِمَا لَا يَفْعَلُونَ فَمَنْ صَدَّقَهُمْ بِكِذْبِهِمْ وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ وَلَنْ يَرِدَ عَلَيَّ الْحَوْضَ) وصححه المحققون. ولفظ " أمتي " في الأحاديث يصدق على أهل القول الرابع، والخامس، ولفظ " أصحابي " و " أصيحابي " على الأقوال الثلاثة الأوَل. ومما يدل على أنهم من أمته صلى الله عليه وسلم: أنه عرفهم بالغرة والتحجيل، وهي سيما خاصة بهذه الأمة، ويكون تعرف النبي صلى الله عليهم وسلم هناك بصفاتهم، لا بأعيانهم؛ لأنهم جاءوا بعده. ومما يدل على دخول المنافقين في اسم " أصحابي ": قوله صلى الله عليه وسلم (لا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّهُ كَانَ يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ) رواه البخاري (3518) ، وهذا معنى لغوي بحت للصحبة، ليس أنهم استحقوا شرفها؛ لأن تعريف الصحابي الاصطلاحي لا يصدق على هؤلاء. وهذه طائفة من أقوال أهل العلم في تلك الأحاديث: 1. قال النووي - رحمه الله – في شرح الحديث -: هذا مما اختلف العلماء في المراد به على أقوال: أحدها: أن المراد به المنافقون، والمرتدون، فيجوز أن يُحشروا بالغرة والتحجيل، فيناديهم النبي صلى الله عليه وسلم للسيما التي عليهم، فيقال: ليس هؤلاء مما وُعدتَ بهم، إن هؤلاء بدَّلوا بعدك، أي: لم يموتوا على ما ظهر من إسلامهم. والثاني: أن المراد من كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ارتد بعده، فيناديهم النبي صلى الله عليه وسلم، وإن لم يكن عليهم سيما الوضوء، لما كان يعرفه صلى الله عليه وسلم في حياته من إسلامهم، فيقال: ارتدوا بعدك. والثالث: أن المراد به أصحاب المعاصي والكبائر الذين ماتوا على التوحيد، وأصحاب البدع الذين لم يخرجوا ببدعتهم عن الإسلام. " شرح مسلم " (3 / 136، 137) . 2. وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -: وقال الخطابي: لم يرتد من الصحابة أحد، وإنما ارتد قوم من جفاة العرب، ممن لا نصرة له في الدين، وذلك لا يوجب قدحاً في الصحابة المشهورين، ويدل قوله: (أصيحابي) بالتصغير على قلة عددهم. " فتح الباري " (11 / 385) . 3. وقال الشيخ عبد القاهر البغدادي – رحمه الله -: أجمع أهل السنَّة على أن الذين ارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم من كِندة، وحنيفة، وفزارة، وبني أسد، وبني بكر بن وائل، لم يكونوا من الأنصار، ولا من المهاجرين قبل فتح مكة، وإنما أطلق الشرع اسم المهاجرين على من هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم قبل فتح مكة، وأولئك بحمد الله ومنِّه درجوا على الدين القويم، والصراط المستقيم. وأجمع أهل السنة على أن من شهد مع رسول الله بدراً: من أهل الجنة، وكذلك كل مَن شهد معه بيعة الرضوان بالحديبية. " الفَرْق بين الفِرق " (ص 353) . 4. وقال الشاطبي – رحمه الله -: والأظهر: أنهم من الداخلين في غمار هذه الأمة؛ لأجل ما دل على ذلك فيهم، وهو الغرة والتحجيل؛ لأن ذلك لا يكون لأهل الكفر المحض، كان كفرهم أصلاً، أو ارتداداً. ولقوله: (قد بدلوا بعدك) ، ولو كان الكفر: لقال: " قد كفروا بعدك "، وأقرب ما يحمل عليه: تبديل السنة، وهو واقع على أهل البدع، ومن قال: إنه النفاق: فذلك غير خارج عن مقصودنا؛ لأن أهل النفاق إنما أخذوا الشريعة تقيةً، لا تعبداً، فوضعوها غير مواضعها، وهو عين الابتداع. ويجري هذا المجرى كل من اتخذ السنَّة والعمل بها حيلةً وذريعةً إلى نيل حطام الدنيا، لا على التعبد بها لله تعالى؛ لأنه تبديل لها، وإخراج لها عن وضعها الشرعي. " الاعتصام " (1 / 96) . 5. قال القرطبي – رحمه الله -: قال علماؤنا رحمة الله عليهم أجمعين: فكلُّ مَن ارتد عن دين الله، أو أحدث فيه ما لا يرضاه الله، ولم يأذن به الله: فهو من المطرودين عن الحوض، المبعدين عنه، وأشدهم طرداً: مَن خالف جماعة المسلمين، وفارق سبيلهم، كالخوارج على اختلاف فرقها، والروافض على تباين ضلالها، والمعتزلة على أصناف أهوائها، فهؤلاء كلهم مبدِّلون، وكذلك الظلمة المسرفون في الجور، والظلم، وتطميس الحق، وقتل أهله، وإذلالهم، والمعلنون بالكبائر، المستخفون بالمعاصي، وجماعة أهل الزيغ، والأهواء، والبدع. ثم البعد قد يكون في حال، ويقربون بعد المغفرة إن كان التبديل في الأعمال، ولم يكن في العقائد، وعلى هذا التقدير يكون نور الوضوء، يُعرفون به، ثم يقال لهم (سحقاً) ، وإن كانوا من المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يُظهرون الإيمان، ويُسرون الكفر: فيأخذهم بالظاهر، ثم يكشف له الغطاء فيقول لهم: (سحقاً سحقاً) ، ولا يخلد في النار إلا كافر، جاحد، مبطل، ليس في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان. " التذكرة في أحوال الموتى والدار الآخرة " (ص 352) . ثالثاً: مما يبين كذب الروافض في زعمهم أن الصحابة الأجلاء أبا بكر وعمر وعثمان من أولئك المرتدين: أنه قد ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنه قد حصلت ردة، وقتال للمرتدين، فمَن قاتل مَن؟ إن الذي ارتد هم الذين ذكرنا وصفهم، من بعض قبائل العرب، وإن الذي قاتلهم هو أبو بكر الصدِّيق رضي الله عنه، وإخوانه من المهاجرين والأنصار - وقد شاركهم في قتالهم: علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وسبى من بني حنيفة امرأة، أنجبت له فيما بعد الإمام العلَم " محمد بن الحنفية " -؛ فإذا كان الصحابة الكرام: أبو بكر وعمر، ومن معهما من المهاجرين والأنصار: مرتدين؛ فماذا يكون حال مسليمة وأتباعه، والعنسي وأتباعه؟! إلا إن هذا هو عين النفاق والشقاق، وقول الباطل وشهادة الزور. قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: الله أكبر على هؤلاء المرتدين المفترين، أتباع المرتدين، الذين برزوا بمعاداة الله ورسوله وكتابه، ودينه، ومرقوا من الإسلام، ونبذوه وراء ظهورهم، وشاقوا الله ورسوله وعباده المؤمنين، وتولوا أهل الردة والشقاق؛ فإن هذا الفصل وأمثاله من كلامهم: يحقق أن هؤلاء القوم المتعصبين على الصدِّيق رضي الله عنه وحزبه ـ من أصولهم ـ من جنس المرتدين الكفار، كالمرتدين الذين قاتلهم الصدِّيق رضي الله عنه. " منهاج السنة النبوية " (4 / 490) . وقال – رحمه الله -: وفي الجملة: فأمر مسيلمة الكذاب، وادعاؤه النبوة، واتباع بني حنيفة له باليمامة، وقتال الصدِّيق لهم على ذلك: أمر متواتر، مشهور، قد علمه الخاص، والعام، كتواتر أمثاله، وليس هذا من العلم الذي تفرد به الخاصة، بل عِلْم الناس بذلك أظهر من علمهم بقتال " الجمَل " و " صفِّين "، فقد ذُكر عن بعض أهل الكلام أنه أنكر " الجمل "، و " صفين "، وهذا الإنكار وإن كان باطلا: فلم نعلم أحداً أنكر قتال أهل " اليمامة "، وأن مسيلمة الكذاب ادعى النبوة، وأنهم قاتلوه على ذلك. لكن هؤلاء الرافضة مِن جحدهم لهذا، وجهلهم به: بمنزلة إنكارهم لكون أبي بكر وعمر دُفِنَا عند النبي صلى الله عليه وسلم، وإنكارهم لموالاة أبي بكر، وعمر للنبي صلى الله عليه وسلم، ودعواهم أنه نص على " علي " بالخلافة، بل منهم من ينكر أن تكون زينب، ورقية، وأم كلثوم من بنات النبي صلى الله عليه وسلم! ويقولون: إنهن لخديجة من زوجها الذي كان كافراً قبل النبي صلى الله عليه وسلم. " منهاج السنة النبوية " (4 / 492، 493) . وقال – أيضاً -: وهم – أي: الرافضة - يدَّعون أن أبا بكر وعمر، ومن اتبعهما ارتدوا عن الإسلام! وقد علم الخاص والعام: أن أبا بكر هو الذي قاتل المرتدين، فإذا كانوا يدَّعون أن أهل اليمامة مظلومون، قتلوا بغير حق، وكانوا منكرين لقتال أولئك، متأولين لهم: كان هذا مما يحقق أن هؤلاء الخلف تبع لأولئك السلف، وأن الصدِّيق وأتباعه يقاتلون المرتدين في كل زمان. وقوله – أي: ابن المطهر الحلي الرافضي – " إنهم سمُّوا بني حنيفة مرتدين لأنهم لم يحملوا الزكاة إلى أبي بكر ": فهذا مِن أظهر الكذب، وأبينِه؛ فإنه إنما قاتل بني حنيفة لكونهم آمنوا بمسيلمة الكذاب، واعتقدوا نبوته، وأما مانعو الزكاة: فكانوا قوماً آخرين، غير بني حنيفة، وهؤلاء كان قد وقع لبعض الصحابة شبهة في جواز قتالهم، وأما بنو حنيفة فلم يتوقف أحد في وجوب قتالهم ... . " منهاج السنة النبوية " (4 / 493، 494) . رابعاً: يقال لهؤلاء الروافض: لماذا ارتد الخلفاء الثلاثة دون علي؟! وما الذي استثنى مثل " عمار بن ياسر " و " المقداد بن الأسود " و " أبا ذر " و " سلمان الفارسي " من الردة؟! أم هو التحكم والهوى؟! . ونحن نعتقد أن المهاجرين والأنصار في الجنة خالدين فيها أبداً، قال تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) التوبة/ 100. ونعتقد أن أبا بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وهكذا كل من سماهم النبي صلى الله عليه وسلم، وأن هؤلاء جميعاً سيشربون من حوض النبي صلى الله عليه وسلم شراباً هنيئاً، والويل والثبور لمن لعنهم، وكفرهم، فهو أولى أن يكون يوم القيامة في صف المرتدين الذين حاربهم أولئك الأطهار. خامساً: هذه الأحاديث حجة على الروافض؛ حيث يثبتون فيها ردة الصحابة رضي الله عنهم إلا نفراً قليلاً، ويزعمون أنهم " أحدثوا " بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ومعنى هذا أنهم كانوا على الإيمان قبل ذلك! فأي دين اعتقدوه بعد ذلك؟ وماذا فعلوا ما استحقوا به التكفير؟! فإن قالوا: سلب الخلافة من علي رضي الله عنه: فيقال لهم هذه معصية! تكفرها الحسنات، ويكفي الصحابة سبكم ولعنكم لهم حتى توضع أوزارهم عليكم إن شاء الله. وإن قالوا: قتل جنين فاطمة! : قلنا قد قُتل في زمن علي رضي الله عنه الآلاف! فهل تطبقون عليه القاعدة نفسها في التكفير؟! . فتبين مما سبق: أن الصحابة الأجلاء هم الذين دافعوا عن دين الله، وهم الذين أوقفوا مدَّ الردة، والتي قام على إذكائها ونشرها سلف أولئك الروافض، من أمثال مسيلمة الكذاب، والأسود العنسي، وأن الله تعالى قد أثنى في كتابه الكريم على المهاجرين والأنصار في قرآن يُتلى إلى قيام الساعة، وقد نزههم ربهم عن الوقوع في البدعة، فكيف يقعون في الردة، وهم الذين نشروا الإسلام في الآفاق؟! . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125919 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 332 طلب الصفات الدنيوية في الخاطب والمخطوبة [السُّؤَالُ] ـ[عندما جاء أحد الأشخاص لخطبتي , ذكر الحديث التالي , قال صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع: لدينها، ومالها، وجمالها، ونسبها , فاظفر بذات الدين تربت يداك) سؤالي هو: هل يجوز للمرأة أن تتزوج شخصا ما لتلك الأسباب نفسها؟ إذا كان ذلك جائزا , فلماذا لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في الحديث نفسه، أم كان الخطاب خاصاً بالرجال دون النساء؟ وفيما يتعلق باختيار المرأة لزوجها , فقد قرأت حديثا يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه , إلا تفعلوا تكن في الأرض فتنة وفساد كبير) فلماذا لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم إلا صفة واحدة للرجل وهي الدين , ولم يذكر باقي الصفات التي ذكرها في حق المرأة من أنها تنكح لأربع؟ وهل يجوز تطبيق الحديث الأول عل كلٍ من الرجل والمرأة؟ ولماذا كان التخصيص فقط للرجل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ينبغي أولا أن نوضح أن الشريعة الإسلامية إنما حثت على طلب الزوجة الصالحة ذات الدين، وكذلك الزوج الصالح صاحب الدين المستقيم، فالدين هو المقصد الأول والرئيس، وغيره من الصفات كالجمال والمال والحسب والنسب إنما هي تابعة، ليست مذمومة في نفسها، ولا هي مقصودة بالأساس، ولكنها صفات تكميلية إذا وجدت فهي الغنيمة الكاملة، وإذا لم توجد فالدين معيار كل خير. يدل على ذلك ما جاء في السنة من الثناء على بعض هذه الصفات في الزوجة، ومنه ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيُّ النِّسَاءِ خَيرٌ؟ قال: التِي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ إِليهَا، وَتُطِيعُهُ إِذَا أَمَر، وَلا تُخَالِفُهُ فِي نَفسِهَا وَلا فِي مَالِهِ بِمَا يَكرَهُ) رواه أحمد (2/251) وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1838) وكذلك الشأن بالنسبة للزوج، فالأصل طلب الزواج من الصالح التقي الذي جاء وصفه في الحديث بقوله صلى الله عليه وسلم: (ترضون دينه وخلقه) ، فإن صاحَبَ ذلك جمال ومال وحسب فذلك مِن نعم الله تعالى، فقد عد النبي صلى الله عليه وسلم إضاعة الرجل ماله وعدم قدرته على الإنفاق على زوجته سببا في العدول عن الزواج به، وذلك في حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها أنها قالت: (لَمَّا حَلَلْتُ ذَكَرْتُ لَهُ – تعني للنبي صلى الله عليه وسلم - أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَانِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ، وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ، انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ) رواه مسلم (1480) يقول العلامة السعدي رحمه الله: " فإن حصل مع الدين غيرُه فذاك، وإلا فالدين أعظم الصفات المقصودة " انتهى. " بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار " (ص/120) إذا تبين ما سبق عرفنا الجواب عما ذُكِر، وعرفنا أن المال والحسب والجمال من الأمور المرغوبة في الزوجين عند عامة الناس، مؤمنهم وكافرهم، والرغبة بها مركوزة في طبائع البشر وعادات الناس، والشريعة لا تعارض ذلك، وإنما لم يأت التنبيه عليها لأن الناس ـ بطبيعتهم ـ منتبهون إلى ذلك ويطلبون، حتى إنهم ليبالغون فيه، ويهملون غيره من المهمات؛ فجاءت الشريعة بالتأكيد على ما يغفل الناس عنه، أو يهملونه، مع أن هذا هو المقصود الأعظم من الصفات في ميزان الشرع، وهذا ـ أيضا ـ هو الذي يميز مسلك المؤمن الصالح من مسلك غيره من الناس. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور: (تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ) رواه البخاري (5090) ومسلم (1466) قال الإمام النووي رحمه الله: " الصحيح في معنى هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بما يفعله الناس في العادة، فإنهم يقصدون هذه الخصال الأربع، وآخرها عندهم ذات الدين، فاظفر أنت أيها المسترشد بذات الدين، لا أنه أمر بذلك " انتهى. " شرح مسلم " (10/51-52) وقال رحمه الله: " ومعنى ذلك: أن الناس يقصدون في العادة من المرأة هذه الخصال الأربع، فاحرص أنت على ذات الدين واظفر بها، واحرص على صحبتها " انتهى. " رياض الصالحين " (ص/454) وقال القرطبي رحمه الله: " هذه الأربع الخصال هي الْمُرغِّبة في نكاح المرأة، وهي التي يقصدها الرِّجال من النساء، فهو خبرٌ عما في الوجود من ذلك، لا أنه أمرٌ بذلك، وظاهره إباحة النكاح لقصد مجموع هذه الخصال، أو لواحدة منها، لكن قصد الدِّين أولى وأهم " انتهى. " المفهم لما أشكل من تلخيص صحيح مسلم " (4/215) ويقول الشيخ سليمان بن منصور العجيلي الجمل – من فقهاء الشافعية -: " وبعضهم استدل بهذا الحديث على استحباب كونها جميلة، واعترضه الزركشي بأن الاستدلال بذلك على كونها جميلة عجيب؛ لأن هذا بيان لما هو عادة الناس، ولا أمر فيه بنكاح الجميلة، وهو اعتراض واضح، كما لا أمر فيه بنكاح ذات المال والجمال والحسب " انتهى. " فتوحات الوهاب بتوضيح شرح منهج الطلاب المعروف بحاشية الجمل " (4/118) وانظر جواب السؤال رقم: (34170) وذهب بعض أهل العلم إلى أن هذه الصفات مرغب بها شرعا، وأنه يستحب للخاطب تطلبها في مخطوبته، لكن بشرط أن يكون الدين هو الأساس ـ أيضا ـ وألا تعارضه غيره من الصفات المذكورة؛ فإن حصل تعارض قدم الدين حتما. قال ابن حجر رحمه الله: " ويؤخذ منه – أي من هذا الحديث - أن الشريف النسيب يستحب له أن يتزوج نسيبة، إلا إن تعارض: نسيبة غير دينة، وغير نسيبة دينة، فتقدم ذات الدين، وهكذا في كل الصفات. قوله: (وجمالها) يؤخذ منه استحباب تزوج الجميلة، إلا إن تعارض: الجميلة الغير دينة، والغير جميلة الديِّنَة، نعم لو تساوتا في الدين فالجميلة أولى، ويلتحق بالحسنة الذات الحسنة الصفات، ومن ذلك أن تكون خفيفة الصداق. قوله: (فاظفر بذات الدين) في حديث جابر: (فعليك بذات الدين) والمعنى: أن اللائق بذي الدين والمروءة أن يكون الدين مطمح نظره في كل شيء، لا سيما فيما تطول صحبته، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بتحصيل صاحبة الدين الذي هو غاية البغية، وقد وقع في حديث عبد الله بن عمرو عند ابن ماجة رفعه [وفيه ضعف] : (لا تزوجوا النساء لحسنهن، فعسى حسنهن أن يرديهن - أي يهلكهن -، ولا تزوجوهن لأموالهن: فعسى أموالهن أن تطغيهن، ولكن تزوجوهن على الدين، ولأمة سوداء ذات دين أفضل) " انتهى باختصار. " فتح الباري " (9/135-136) . وقد استدلت كثير من كتب الشافعية بهذا الحديث على استحباب التزوج من الجميلة. وجاء في " شرح منتهى الإرادات " (2/623) - من كتب الحنابلة -: " ويسن أيضا تخير الجميلة للخبر – يعني الحديث السابق – " انتهى. والأمر في ذلك واسع إن شاء الله، ما دام المقصود الرئيس في الزوجين متفقا عليه وهو الدين، وما دامت الصفات الدنيوية الأخرى غير مذمومة بل ممدوحة. أما عدم ذكر الصفات المقصودة من الرجال في الزواج كما ذكرت صفات النساء، فليس ذلك بسبب التفريق بينهما، بل لأن الرجل في العادة هو الذي يبحث عن الزوجة ويطلب فيها ما يختاره من الصفات، والمرأة إنما تفكر في صفات من يتقدم لها، فكان الأنسب أن يوجه الخطاب في حديث (تنكح المرأة لأربع) على ما يجري به الغالب من عوائد الناس، وليس على القليل النادر. ثم إن الغالب في خطاب الشريعة أنه موجه للرجال، وقد قرر الأصوليون أن خطاب الرجال يشمل النساء إلا بقرينة صارفة، وإلا فليس من اللازم ورود نص في كل حكم شرعي للرجال، وآخر للنساء. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ النِّسَاءَ شَقَائِقُ الرِّجَالِ) . رواه الترمذي (113) وغيره، وصححه الألباني في صحيح الجامع. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125907 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 333 تقدير المسافات في الأحاديث النبوية [السُّؤَالُ] ـ[قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صنفان من أهل النار لم أرهما بعد: رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، على رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا) وفى حديث آخر فيما معناه: (وإن ريحها ليشم من مسيرة مئة عام) والسؤال هو: لماذا عبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن المسافة بوحدة زمنية وهي العام، أما كان أحرى أن يقول: مائة كيلو، أو أي وحدة من وحدات المسافة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الواجب على المؤمن أن يكون معظماً للرسول صلى الله عليه وسلم متأدباً معه، ولا يجوز له أن يجترئ على مقام النبوة فيزعم أن الأفضل أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول كذا ولا يقول كذا، فمقام النبوة أعظم من هذا، فما قاله النبي صلى الله عليه وسلم هو الأفضل وهو الأحكم والأحسن. ولا مانع من أن يسأل المؤمن عن حكمة قول الرسول صلى الله عليه وسلم كذا، ولكن يختار لذلك من الألفاظ ما لا يخدش جناب النبوة ومقامها العظيم. ثانياً: بعث النبي صلى الله عليه وسلم في العرب وكانوا أمة أمية (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ) الجمعة/2، وكانت أشهر مقاييسهم في تحديد المسافات هي تحديد ذلك بالمسافة التي تقطع في الوقت معين. فذلك الضبط بالنسبة لهم كان أظهر وأوضح في بيان المقصود من أي تقدير آخر، لأنهم كانوا يكثرون السفر والتنقل، ويعرفون كم تقطع الإبل بهم في مسيرة اليوم والليلة الواحدة، فكثر ذلك في خطابهم. فكان من حكمة النبي صلى الله عليه وسلم أن يستعمل المقاييس المشهورة المعروفة عندهم، حتى يحصل المقصود من الكلام، ويفهم معناه، ولو تكلم الرسول صلى الله عليه وسلم بالمقاييس غير المشهورة عندهم لكان هذا خلاف البيان والبلاغة، حيث يخاطب الناس بما لا يعرفون، أو بما لا يعرفه أكثرهم، من غير فائدة لذلك. وليس في تحديد المسافة بذلك أي غضاضة، بل هو أمر اصطلاحي يختلف باختلاف الزمان والمكان، ولا يزال هذا التقدير مستعملاً إلى اليوم. فنحن نسمع اليوم في المقاييس الحديثة ما يسمى بـ "السنة الضوئية": وهي المسافة التي يقطعها الضوء في سنة واحدة، يعني مسيرة سنة بالنسبة للضوء. فهذا يوافق التقدير المنقول في بعض الأحاديث، والتقدير المشهور عند العرب في الجاهلية قبل الإسلام، وفي صدر الإسلام. قال الدكتور جواد علي: "استخدم الجاهليون مصطلحات خاصة في تقدير المسافات والأبعاد، ولا سيما في الأسفار. فاستعملوا مصطلح: مسيرة ساعة، ومسيرة ليلة، ومسيرة نهار، ومسيرة قافلة، وأمثال ذلك، وقصدوا بذلك معدَّل ما يقطعه الإنسان والقافلة في المدد المذكورة" انتهى. "المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام" (14/313) . وقد جاء في السنة النبوية استعمال مصطلح "الميل": فعن المقداد بن الأسود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْخَلْقِ حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ) رواه مسلم (2864) . كما استعمل العرب وحدة: " الإصبع "، و " الشبر "، و" الباع "، و " البريد "، و " الفرسخ "، وغير ذلك من الوحدات المشتهرة في كتب الفقهاء، ويمكن الرجوع إلى بعض الدراسات المعاصرة التي تبين مقادير هذه الوحدات بالمقاييس المعاصرة. منها بحث الشيخ عبد الله بن منيع المقدم للندوة التاسعة لقضايا الزكاة المعاصرة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125599 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 334 شرح حديث لا يشاد الدين أحد إلا غلبه [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يشاد الدين أحدٌ إلا غلبه) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَىْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ) رواه البخاري (39) ومسلم (2816) قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: " معنى الحديث: النهي عن التشديد في الدين، بأن يحمِّل الإنسان نفسه من العبادة ما لا يحتمله إلا بكلفة شديدة، وهذا هو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: (لن يشاد الدين أحد إلا غلبه) يعني: أن الدين لا يؤخذ بالمغالبة، فمن شاد الدين غلبه وقطعه. وفي " مسند الإمام أحمد " – (5/32) وحسنه محققو المسند - عن محجن بن الأدرع قال: (أقبلت مع النبي صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كنا بباب المسجد إذا رجل يصلي قال: " أتقوله صادقا "؟ قلت: يا نبي الله هذا فلان، وهذا من أحسن أهل المدينة أو من أكثر أهل المدينة صلاة، قال: " لا تسمعه فتهلكه - مرتين أو ثلاث - إنكم أمة أريد بكم اليسر) وفي رواية له: (إن خير دينكم أيسره، إن خير دينكم أيسره) – " مسند أحمد " (3/479) وحسنه المحققون -. وقد جاء في رواية عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا: (إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق، ولا تُبَغِّض إلى نفسك عبادة الله؛ فإن المُنْبَتَّ لا سفرا قطع، ولا ظهرا أبقى) – " السنن الكبرى " البيهقي (3/19) وضعفه الألباني في " السلسلة الضعيفة " (1/64) - والمُنْبَتُّ: هو المنقطع في سفره قبل وصوله، فلا سفرا قطع، ولا ظهره الذي يسير عليه أبقى حتى يمكنه السير عليه بعد ذلك؛ بل هو كالمنقطع في المفاوز، فهو إلى الهلاك أقرب، ولو أنه رفق براحلته واقتصد في سيره عليها لقطعت به سفره وبلغ إلى المنزل " انتهى باختصار. " فتح الباري " لابن رجب (1/136-139) وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " والمعنى لا يتعمق أحد في الأعمال الدينية ويترك الرفق إلا عجز وانقطع فيغلب. قال ابن المنير: في هذا الحديث علم من أعلام النبوة، فقد رأينا ورأى الناس قبلنا أن كل متنطع في الدين ينقطع. وليس المراد منع طلب الأكمل في العبادة، فإنه من الأمور المحمودة، بل منع الإفراط المؤدي إلى الملال، أو المبالغة في التطوع المفضي إلى ترك الأفضل، أو إخراج الفرض عن وقته، كمن بات يصلي الليل كله ويغالب النوم إلى أن غلبته عيناه في آخر الليل فنام عن صلاة الصبح في الجماعة، أو إلى أن خرج الوقت المختار، أو إلى أن طلعت الشمس فخرج وقت الفريضة " انتهى. " فتح الباري " لابن حجر (1/94) ويقول العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله: " ما أعظم هذا الحديث وأجمعه للخير والوصايا النافعة والأصول الجامعة، فقد أسّس صلّى الله عليه وسلم في أوله هذا الأصل الكبير، فقال: (إن الدين يسر) أي: ميسر مسهل في عقائده وأخلاقه وأعماله، وفي أفعاله وتُروكه: فإن عقائده التي ترجع إلى الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقَدَر خيره وشره: هي العقائد الصحيحة التي تطمئن لها القلوب، وتوصِّل مقتديها إلى أجلِّ غاية وأفضل مطلوب. وأخلاقه وأعماله أكمل الأخلاق وأصلح الأعمال، بها صلاح الدين والدنيا والآخرة، وبفواتها يفوت الصلاح كله، وهي كلها ميسرة مسهلة، كل مكلف يرى نفسه قادراً عليها لا تشق عليه ولا تكلفه. عقائده صحيحة بسيطة، تقبلها العقول السليمة، والفطر المستقيمة. وفرائضه أسهل شيء: أما الصلوات الخمس: فإنها تتكرر كل يوم وليلة خمس مرات في أوقات مناسبة لها، وتمم اللطيف الخبير سهولتها بإيجاب الجماعة والاجتماع لها؛ فإن الاجتماع في العبادات من المنشطات والمسهلات لها، ورتب عليها من خير الدين وصلاح الإيمان وثواب الله العاجل والآجل ما يوجب للمؤمن أن يستحليها، ويحمد الله على فرضه لها على العباد؛ إذ لا غنى لهم عنها. وأما الزكاة: فإنها لا تجب على فقير ليس عنده نصاب زكوي، وإنما تجب على الأغنياء تتميماً لدينهم وإسلامهم، وتنمية لأموالهم وأخلاقهم، ودفعاً للآفات عنهم وعن أموالهم، وتطهيراً لهم من السيئات، ومواساة لمحاويجهم، وقياماً لمصالحهم الكلية، وهي مع ذلك جزءٌ يسير جداً بالنسبة إلى ما أعطاهم الله من المال والرزق. وأما الصيام: فإن المفروض شهر واحد من كل عام، يجتمع فيه المسلمون كلهم، فيتركون فيه شهواتهم الأصلية - من طعام وشراب ونكاح - في النهار , ويعوضهم الله على ذلك من فضله وإحسانه تتميم دينهم وإيمانهم، وزيادة كمالهم، وأجره العظيم، وبره العميم، وغير ذلك مما رتبه على الصيام من الخير الكثير، ويكون سبباً لحصول التقوى التي ترجع إلى فعل الخيرات كلها، وترك المنكرات. وأما الحج: فإن الله لم يفرضه إلا على المستطيع، وفي العمر مرة واحدة، وفيه من المنافع الكثيرة الدينية والدنيوية ما لا يمكن تعداده، قال تعالى: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ) الحجّ/28, أي: دينية ودنيوية. ثم بعد ذلك بقية شرائع الإسلام التي هي في غاية السهولة الراجعة لأداء حق الله وحق عباده. فهي في نفسها ميسرة، قال تعالى: (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) البقرة/185، ومع ذلك إذا عرض للعبد عارض مرض أو سفر أو غيرهما، رتب على ذلك من التخفيفات، وسقوط بعض الواجبات، أو صفاتها وهيئتها ما هو معروف. ثم إذا نظر العبد إلى الأعمال الموظفة على العباد في اليوم والليلة المتنوعة من فرض ونفل، وصلاة وصيام وصدقة وغيرها، وأراد أن يقتدي فيها بأكمل الخلق وإمامهم محمد صلّى الله عليه وسلم، رأى ذلك غير شاق عليه، ولا مانع له عن مصالح دنياه، بل يتمكن معه من أداء الحقوق كلها: حقّ الله، وحقّ النفس، وحقّ الأهل والأصحاب، وحقّ كلّ من له حقّ على الإنسان برفق وسهولة. وأما من شدد على نفسه فلم يكتف بما اكتفى به النبي صلّى الله عليه وسلم، ولا بما علَّمه للأمة وأرشدهم إليه، بل غلا وأوغل في العبادات: فإن الدين يغلبه، وآخر أمره العجز والانقطاع، ولهذا قال: (ولن يَشادَّ الدينَ أحد إلا غلبه) فمن قاوم هذا الدين بشدة وغلو ولم يقتصد: غلبه الدين، واستحسر، ورجع القهقرى. ولهذا أمر صلّى الله عليه وسلم بالقصد، وحثّ عليه فقال: (والقصد القصد تبلغوا) ثم وصى صلّى الله عليه وسلم بالتسديد والمقاربة، وتقوية النفوس بالبشارة بالخير، وعدم اليأس. فالتسديد: أن يقول الإنسان القول السديد، ويعمل العمل السديد، ويسلك الطريق الرشيد، وهو الإصابة في أقواله وأفعاله من كل وجه، فإن لم يدرك السداد من كل وجه فليتق الله ما استطاع، وليقارب الغرض، فمن لم يدرك الصواب كله فليكتف بالمقاربة، ومن عجز عن العمل كله فليعمل منه ما يستطيعه. ويؤخذ من هذا أصل نافع دلّ عليه أيضاً قوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16, وقوله صلّى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم) والمسائل المبنية على هذا الأصل لا تنحصر. وفي حديث آخر: (يسِّروا، ولا تعسروا، وبَشِّروا، ولا تنفروا) . ثم ختم الحديث بوصية خفيفة على النفوس، وهي في غاية النفع فقال: (واستعينوا بالغدوة والروحة، وشيء من الدُّلجة) وهذه الأوقات الثلاثة كما أنها السبب الوحيد لقطع المسافات القريبة والبعيدة في الأسفار الحسِّية، مع راحة المسافر، وراحة راحلته، ووصوله براحة وسهولة، فهي السبب الوحيد لقطع السفر الأخروي، وسلوك الصراط المستقيم، والسير إلى الله سيراً جميلاً، فمتى أخذ العامل نفسه، وشغلها بالخير والأعمال الصالحة المناسبة لوقته - أوّل نهاره وآخر نهاره وشيئاً من ليله، وخصوصاً آخر الليل - حصل له من الخير ومن الباقيات الصالحات أكمل حظ وأوفر نصيب، ونال السعادة والفوز والفلاح وتم له النجاح في راحة وطمأنينة، مع حصول مقاصده الدنيوية، وأغراضه النفسية. وهذا من أكبر الأدلة على رحمة الله بعباده بهذا الدين الذي هو مادة السعادة الأبدية؛ إذ نصبه لعباده، وأوضحه على ألسنة رسله، وجعله ميسراً مسهلاً، وأعان عليه من كل وجه، ولطف بالعاملين، وحفظهم من القواطع والعوائق. فعلمت بهذا: أنه يؤخذ من هذا الحديث العظيم عدة قواعد: القاعدة الأولى: التيسير الشامل للشريعة على وجه العموم. القاعدة الثانية: المشقة تجلب التيسير وقت حصولها. القاعدة الثالثة: إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم. القاعدة الرابعة: تنشيط أهل الأعمال، وتبشيرهم بالخير والثواب المرتب على الأعمال. القاعدة الخامسة: الوصية الجامعة في كيفية السير والسلوك إلى الله، التي تغني عن كل شيء ولا يغني عنها شيء. فصلوات الله وسلامه على من أوتي جوامع الكلم ونوافعها " انتهى. " بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار " (ص/77-80) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 124611 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 335 حديث إخراج أناس من النار لم يعملوا خيرا قط لا يعني الكفار [السُّؤَالُ] ـ[كيف نجمع بين حديث: (أخرجوا من كان في قلبه مثقال دينار من الإيمان) ... قال: (فيقبض قبضة من النار - أو قال قبضتين - ناسا لم يعملوا لله خيرا قط..) وبين خلود الكافر في النار؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا تعارض بين إخراج أناس من النار جاء في وصفهم أنهم (لم يعملوا خيرا قط) ، وبين الآيات الكثيرة التي تقرر خلود الكفار في نار جهنم، وذلك لأن هؤلاء الموصوفين في الحديث ليسوا من الكفار، بل هم من المؤمنين الموحدين، ولكنهم فرطوا في جنب الله، وأسرفوا على أنفسهم حتى تركوا أكثر العبادات والطاعات، ولم يبق لهم ما يدخلهم الجنة إلا الشفاعة. والحديث يرويه الإمام مسلم في صحيحه (رقم/183) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (حَتَّى إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ النَّارِ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ بِأَشَدَّ مُنَاشَدَةً لِلَّهِ فِي اسْتِقْصَاءِ الْحَقِّ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ فِي النَّارِ، يَقُولُونَ: رَبَّنَا كَانُوا يَصُومُونَ مَعَنَا، وَيُصَلُّونَ، وَيَحُجُّونَ. فَيُقَالُ لَهُمْ: أَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ. فَتُحَرَّمُ صُوَرُهُمْ عَلَى النَّارِ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا قَدْ أَخَذَتْ النَّارُ إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ، وَإِلَى رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا مَا بَقِيَ فِيهَا أَحَدٌ مِمَّنْ أَمَرْتَنَا بِهِ. فَيَقُولُ: ارْجِعُوا، فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ. فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا أَحَدًا مِمَّنْ أَمَرْتَنَا. ثُمَّ يَقُولُ: ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ. فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا مِمَّنْ أَمَرْتَنَا أَحَدًا. ثُمَّ يَقُولُ: ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ. فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا خَيْرًا. وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ يَقُولُ: إِنْ لَمْ تُصَدِّقُونِي بِهَذَا الْحَدِيثِ فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا) فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: شَفَعَتْ الْمَلَائِكَةُ، وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ، وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنْ النَّارِ فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ، قَدْ عَادُوا حُمَمًا، فَيُلْقِيهِمْ فِي نَهَرٍ فِي أَفْوَاهِ الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ نَهَرُ الْحَيَاةِ، فَيَخْرُجُونَ كَمَا تَخْرُجُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ، فَيَخْرُجُونَ كَاللُّؤْلُؤِ فِي رِقَابِهِمْ الْخَوَاتِمُ يَعْرِفُهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ، هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ اللَّهِ الَّذِينَ أَدْخَلَهُمْ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ وَلَا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ) والحديث يرويه أيضا الإمام أحمد في " المسند " (18/394) من طريق أخرى. وقد بين العلماء أن هذه الشفاعة هي لمن قال لا إله إلا الله، وجاء بأصل التوحيد، ولكنه لم يعمل خيرا قط. يقول ابن حجر رحمه الله: " وشفاعة أخرى هي شفاعته فيمن قال لا إله إلا الله ولم يعمل خيرا قط " انتهى. " فتح الباري " (11/428) ويقول الحافظ ابن عبد البر رحمه الله – في شرح رواية أبي هريرة لحديث الرجل الذي أوصى بنيه أن يحرقوه ويذروا نصفه في البر ونصفه في البحر خوفا من عقاب الله، حيث جاء فيها: (قال رجل لم يعمل خيرا قط إلا التوحيد) – قال ابن عبد البر رحمه الله: " وهذه اللفظة – يعني (إلا التوحيد) - إن صحت رفعت الإشكال في إيمان هذا الرجل، وإن لم تصح من جهة النقل فهي صحيحة من جهة المعنى، والأصول كلها تعضدها، والنظر يوجبها؛ لأنه محال غير جائز أن يغفر للذين يموتون وهم كفار، لأن الله عز وجل قد أخبر أنه لا يغفر أن يشرك به لمن مات كافرا، وهذا ما لا مدفع له، ولا خلاف فيه بين أهل القبلة، وفي هذا الأصل ما يدلك على أن قوله في هذا الحديث: (لم يعمل حسنة قط) ، أو (لم يعمل خيرا قط لم يعذبه) إلا ما عدا التوحيد من الحسنات والخير، وهذا سائغ في لسان العرب جائز في لغتها، أن يؤتى بلفظ الكل والمراد البعض، والدليل على أن الرجل كان مؤمنا قوله حين قيل له: لم فعلت هذا؟ فقال: من خشيتك يا رب) والخشية لا تكون إلا لمؤمن مصدق، بل ما تكاد تكون إلا لمؤمن عالم، كما قال الله عز وجل: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) قالوا: كل من خاف لله فقد آمن به وعرفه ومستحيل أن يخافه من لا يؤمن به. وهذا واضح لمن فهم وألهم رشده. ومثل هذا الحديث في المعنى ما حدثناه عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا أبو صالح حدثني الليث عن ابن العجلان عن زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن رجلا لم يعمل خيرا قط وكان يداين الناس فيقول لرسوله: خذ ما يسر واترك ما عسر، وتجاوز لعل الله يتجاوز عنا. فلما هلك قال الله: هل عملت خيرا قط؟ قال لا، إلا أنه كان لي غلام فكنت أداين الناس، فإذا بعثته يتقاضى قلت له خذ ما يسر واترك ما عسر، وتجاوز لعل الله يتجاوز عنا، قال الله قد تجاوزت عنك) قال أبو عمر: فقول هذا الرجل الذي لم يعمل خيرا قط غير تجاوزه عن غرمائه (لعل الله يتجاوز عنا) : إيمان وإقرار بالرب، ومجازاته، وكذلك قول الآخر: (خشيتك يا رب) إيمان بالله واعتراف له بالربوبية والله أعلم " انتهى. " التمهيد " (18/40-41) ويقول الإمام ابن خزيمة رحمه الله – وقد أورد هذا الحديث تحت باب: " ذكر الدليل أن جميع الأخبار التي تقدم ذكري لها إلى هذا الموضع في شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في إخراج أهل التوحيد من النار إنما هي ألفاظ عامة مرادها خاص ": " هذه اللفظة: (لم يعملوا خيرا قط) من الجنس الذي يقول العرب، ينفي الاسم عن الشيء لنقصه عن الكمال والتمام، فمعنى هذه اللفظة على هذا الأصل: لم يعملوا خيرا قط على التمام والكمال، لا على ما أوجب عليه وأمر به، وقد بينت هذا المعنى في مواضع من كتبي " انتهى. " التوحيد " (2/732) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 122342 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 336 تفصيل القول في حديث " أعضوه بهن أبيه " والرد على من قال إنه من الفحش [السُّؤَالُ] ـ[سألني ملحد: كيف يتكلم الرسول عليه السلام بالألفاظ البذيئة!! وهو نبي، مثل: (أعضوه بهن أبيه) ، ويقر قول أبي بكر: " امصص بظر اللات "، مع أنه عليه السلام: نهى عن التفحش؟ . فما الجواب المفصل بارك الله فيكم؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا ينبغي للمسلم أن يلتفت لطعن الطاعنين بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد زكَّاه ربُّه تعالى في خلُقه فقال (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) القلم/ 4، فإذا كانت هذه تزكية رب السموات والأرض له صلى الله عليه وسلم: فكل طعنٍ فيه لا قيمة له، ولسنا نتبع نبيّاً لا نعرف دينه وخلُقه، بل نحن على علم بأدق تفاصيل حياته، وقد كانت منزلته عالية حتى قبل البعثة، وشهد له الجاهليون بكمال خلقه، ولم يجدوا مجالاً للطعن فيها، والعجب هو عندما يأتي ملحد قد سبَّ رب العالمين أعظم السب فنفى وجوده، يأتي ليطعن في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، ويتهمه بالفحش والبذاءة، ويعمى عن كمال خلقه، وينسى سيرته وهديه، وما أحقه بقول القائل: وَهَبني قُلتُ هَذا الصُبحُ لَيلٌ أَيَعمى العالَمونَ عَنِ الضِياءِ ثانياً: قد كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها، ومع بعثه بأعظم رسالة للعالَمين، وفيها أحكام لأدق تفاصيل الحياة، إلا أنه في الأبواب التي لها تعلق بالعورة لا نراه إلا عفَّ اللسان، يستعمل أرقى عبارة، ويبتعد عن الفحش في الكلام، ويوصل المقصود بما تحتويه لغة العرب الواسعة، وذلك في أبواب متعددة، مثل: قضاء الحاجة، والاغتسال، والنكاح، وغير ذلك، وقد تنوعت عباراته حتى إن الرجل ليستطيع التحدث بها أمام النساء، ولعلَّنا نكتفي بمثال واحدٍ يؤكد ما سبق ذِكره، وإلا فالأمثلة كثيرة جدّاً: عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ غُسْلِهَا مِنْ الْمَحِيضِ، فَأَمَرَهَا كَيْفَ تَغْتَسِلُ، قَالَ: (خُذِي فِرْصَةً مِنْ مَسْكٍ فَتَطَهَّرِي بِهَا) ، قَالَتْ: كَيْفَ أَتَطَهَّرُ؟ قَالَ: (تَطَهَّرِي بِهَا) قَالَتْ: كَيْفَ؟ قَالَ: (سُبْحَانَ اللَّهِ تَطَهَّرِي) ، فَاجْتَبَذْتُهَا إِلَيَّ فَقُلْتُ: تَتَبَّعِي بِهَا أَثَرَ الدَّمِ. رواه البخاري (308) ومسلم (332) . ومعنى (فِرصة من مِسك) أي: قطعة صوف أو قطن عليها ذلك الطيب المعروف. وفي رواية للبخاري (309) : عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَيْفَ أَغْتَسِلُ مِنْ الْمَحِيضِ؟ قَالَ: (خُذِي فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَوَضَّئِي ثَلَاثًا) ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَحْيَا، فَأَعْرَضَ بِوَجْهِهِ، أَوْ قَالَ: (تَوَضَّئِي بِهَا) فَأَخَذْتُهَا فَجَذَبْتُهَا فَأَخْبَرْتُهَا بِمَا يُرِيدُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثالثاً: بخصوص الجواب عن الحديث المذكور في السؤال: فإننا ننبِّه على أمرين قبل ذِكر تفصيل الجواب: الأول: أن هذا اللفظ الوارد في الحديث لم يستعمله النبي صلى الله عليه وسلم في حياته، وهو لم يكن لابتداء الكلام به، بل هو عقوبة لقائله، أي: أنه شُرع ردّاً على مرتكبٍ لمحرَّم وهو التعصب الجاهلي. الثاني: أن ما يوجد في شرع الله تعالى من عقوبات وحدود إنما يراد منها عدم وقوع المعاصي والآثام التي تُفسد على الناس حياتهم، فمن رأى قطع اليد عقوبةً شديدة فليعلم أنه بها يحفظ ماله من أهل السرقة، ومن استبشع الرجم للزاني المحصن فليعلم أنه به يأمن من تعدِّي أهل الفجور على عرضه، وهكذا بقية الحدود والعقوبات، ومثله يقال في الحد من التعصب الجاهلي للقبيلة، والآباء، والأجداد، فجاء تشريع هذه الجملة التي تقال لمن رفع راية العصبية الجاهلية؛ لقطعها من الوجود، ولكف الألسنة عن قولها، وفي كل ذلك ينبغي النظر إلى ما تحققه تلك العقوبات والروادع من طهارة في الأقوال، والأفعال، والأخلاق، وهذا هو المهم لمن كان عاقلاً، يسعى لخلو المجتمعات من الشر وأهله. رابعاً: أما الجواب التفصيلي عن الحديث الوارد في السؤال: فنحن نذكر ألفاظ الحديث، ثم نعقبها بشروح أهل العلم له. عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ رَجُلًا اعْتَزَى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعَضَّهُ وَلَمْ يُكَنِّهِ، فَنَظَرَ الْقَوْمُ إِلَيْهِ فَقَالَ لِلْقَوْمِ: إِنِّي قَدْ أَرَى الَّذِي فِي أَنْفُسِكُمْ؛ إِنِّي لَمْ أَسْتَطِعْ إِلَّا أَنْ أَقُولَ هَذَا؛ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنَا: (إِذَا سَمِعْتُمْ مَنْ يَعْتَزِي بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعِضُّوهُ وَلَا تَكْنُوا) . رواه أحمد (35 / 157) وحسَّنه محققو المسند. عَنْ أُبَيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا اعْتَزَى، فَأَعَضَّهُ أُبَيٌّ بِهَنِ أَبِيهِ، فَقَالُوا: مَا كُنْتَ فَحَّاشًا؟ قَالَ: إِنَّا أُمِرْنَا بِذَلِكَ. رواه أحمد (35 / 142) وحسَّنه محققو المسند، وصححه الألباني في صحيح الجامع. قال أبو جعفر الطحاوي – رحمه الله -: ففي هذا الحديث أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن سُمِع يدعو بدعاء الجاهلية ما أمر به فيه. فقال قائل: كيف تقبلون هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم تروون عنه: (الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، والبذاء من الجفاء، والجفاء من النار) ؟ . قال: ففي هذا الحديث أن البذاء في النار، ومعنى البذاء في النار هو: أهل البذاء في النار؛ لأن البذاء لا يقوم بنفسه، وإنما المراد بذِكره من هو فيه. فكان جوابنا في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه: أن " البذاء " المراد في هذا الحديث خلاف البذاء المراد في الحديث الأول، وهو البذاء على مَن لا يستحق أن يُبذأ عليه، فمن كان منه ذلك البذاء: فهو من أهل الوعيد الذي في الحديث المذكور ذلك البذاء فيه، وأما المذكور في الحديث الأول: فإنما هو عقوبة لمن كانت منه دعوى الجاهلية؛ لأنه يدعو برجل من أهل النار، وهو كما كانوا يقولون: " يا لبكر، يا لتميم، يا لهمدان "، فمن فمن دعا كذلك من هؤلاء الجاهلية الذين من أهل النار: كان مستحقّاً للعقوبة، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم عقوبته أن يقابل بما في الحديث الثاني؛ ليكون ذلك استخفافاً به، وبالذي دعا إليه، ولينتهي الناس عن ذلك في المستأنف، فلا يعودون إليه. وقد روي هذا الحديث بغير هذا اللفظ، فعن عُتيّ بن ضمرة قال: شهدتُه يوماً - يعني: أبي بن كعب، وإذا رجل يتعزى بعزاء الجاهلية فأعضّه بكذا أبيه، ولم يكنه، فكأن القوم استنكروا ذلك منه، فقال: لا تلوموني فإن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: (من رأيتموه تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه، ولا تكنوا) . ومعناه: معنى الحديث الذي قبله؛ لأن معنى (من تعزى بعزاء الجاهلية) : إنما هو مِن عزاء نفسه إلى أهل الجاهلية، أي: إضافتها إليهم. " بيان مشكل الآثار " (8 / 51 – 54) باختصار وتهذيب. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: ولهذا قال من قال من العلماء إن هذا يدل على جواز التصريح باسم العورة للحاجة، والمصلحة، وليس من الفحش المنهي عنه، كما في حديث أبيّ بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سمعتموه يتعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه هن أبيه ولا تكنوا) رواه أحمد، فسمع أبي بن كعب رجلاً يقول: يا فلان، فقال: اعضض أير أبيك، فقيل له في ذلك فقال: بهذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. " منهاج السنة النبوية " (8 / 408، 409) . وقال ابن القيم – رحمه الله – عند التعليق على حديث أبي داود: أن رجلاً عَطَسَ عند النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ! فَقَالَ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَعَلَيْكَ السَّلامُ وعَلَى أُمِّكَ) -: ونظيرُ ذِكر الأُم هاهنا: ذكرُ " هَنِ " الأب لمن تعزَّى بعزاءِ الجاهلية، فيقال له: اعضُضْ هَنَ أَبِيكَ، وكَانَ ذِكرُ " هَنِ " الأب هاهنا أحسن تذكيراً لهذا المتكبِّرِ بدعوى الجاهلية بالعُضو الذى خَرَجَ منه، وهو " هَنُ " أبيه، فَلاَ يَنْبَغِى لَهُ أن يتعدَّى طَوْرَهُ، كما أن ذِكرَ الأُم هاهنا أحسنُ تذكيراً له، بأنه باقٍ على أُمِّيته، والله أعلم بمراد رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. " زاد المعاد في هدي خير العباد " (2 / 438) . خامساً: قد عمل كبار الصحابة بهذه الوصية، ورأوا ذلك عقوبة وقعت على مستحقها، ولم يروا ذلك مستقبحاً في شيء؟! وقد سبق ذِكر قول أبي بن كعب راوي الحديث لها، وقد قالها – أيضاً – أبو بكر الصدِّيق رضي الله عنه، فقد قال عروة بن مسعود لما جاء مفاوضاً عن المشركين في " الحديبية " للنبي صلى الله عليه وسلم: " فَإِنِّى وَاللَّهِ لأَرَى وُجُوهًا، وَإِنِّى لأَرَى أَوْشَابًا مِنَ النَّاسِ خَلِيقًا أَنْ يَفِرُّوا وَيَدَعُوكَ "، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: " امْصُصْ بَظْرَ اللاَّتِ، أَنَحْنُ نَفِرُّ عَنْهُ وَنَدَعُهُ "، فَقَالَ: مَنْ ذَا؟ قَالُوا: أَبُو بَكْرٍ. رواه البخاري (2581) . قال ابن حجر – رحمه الله -: و" البَظْر ": بفتح الموحدة، وسكون المعجمة: قطعة تبقى بعد الختان في فرج المرأة. و" اللات ": اسم أحد الأصنام التي كانت قريش وثقيف يعبدونها، وكانت عادة العرب الشتم بذلك، لكن بلفظ الأم، فأراد أبو بكر المبالغة في سب عروة بإقامة من كان يعبد مقام أمه، وحمَله على ذلك ما أغضبه به من نسبة المسلمين إلى الفرار. وفيه: جواز النطق بما يستبشع من الألفاظ لإرادة زجر من بدا منه ما يستحق به ذلك، وقال ابن المنيِّر: في قول أبي بكر تخسيس للعدو، وتكذيبهم، وتعريض بإلزامهم من قولهم " إن اللات بنت الله! " تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً، بأنها لو كانت بنتاً: لكان لها ما يكون للإناث. " فتح الباري " (5 / 340) . وقال ابن القيم – رحمه الله -: وفى قول الصِّدِّيق لعروة: " امصُصْ بَظْرَ اللاَّتِ ": دليلٌ على جواز التصريح باسم العَوْرة، إذا كان فيه مصلحة تقتضيها تلك الحال، كما أذن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يُصرَّح لمن ادَّعى دعوى الجاهلية بِهَنِ أبيه، ويقال له: " اعضُضْ أيْرَ أبيك "، ولا يُكْنَى له، فلكل مقام مقال. " زاد المعاد في هدي خير العباد " (3 / 305) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121823 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 337 معنى (لعن الله من ذبح لغير الله) . [السُّؤَالُ] ـ[يقول صلى الله عليه وسلم: (لعن الله من ذبح لغير الله) ما هو المقصود من ذلك؟ وهل الذبح للضيف يكون من الذبح لغير الله؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "المقصود من الحديث: تحريم الذبح لمن مات من الأنبياء والأولياء؛ رجاء بركتهم، والذبح للجن؛ إرضاء لهم، ورجاء قضائهم للحاجات، أو دفعاً لشرهم، فإن هذا شرك أكبر يستحق فاعله لعنة الله وغضبه. أما الذبح للضيوف إكراماً لهم، أو للأهل توسعةً عليهم، والذبح تقرباً إلى الله من أجل أن تجعل صدقة على الأموات يرجى ثوابها من الله للحي والميت، فهذا جائز، بل هو إحسان يرجى ثوابه من الله، وهكذا الضحايا يوم النحر عن الأموات والأحياء. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم " انتهى. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/196) . وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" أيضاً (1/225) : " يجوز ذبح الذبيحة للضيف ويذكر اسم الله عليها عند الذبح، وليس ذلك داخلا في عموم قوله تعالى: (وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ) ، بل المقصود في الآية ما ذبح لغير الله، كالذبح للأموات ونحوهم تقربا إليهم، أما الذبح للضيف، فالمقصود به إكرامه لا عبادته؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بإكرام الضيف. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم " انتهى. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. وللفائدة ينظر جواب السؤال رقم (44730) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 119690 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 338 حديث: (من فطر صائما ... ) يَعُمُّ الغني والفقير [السُّؤَالُ] ـ[حديث: (من فطر صائما كان له مثل أجره دون أن ينقص من أجره شيئاً) هل المقصود بالصائم الفقير؟ أو يدخل في هذا الأقارب والأصدقاء؟ وهل صيام التطوع فيه نفس الأجر إذا فطر صائما؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الحديث عام يعم الغني والفقير، والفرض والنفل، وفضل الله واسع سبحانه وتعالى" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (25/207) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118145 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 339 شرح حديث: (خير صفوف النساء آخرها) [السُّؤَالُ] ـ[نحن مجموعة من النساء نصلي في المسجد في رمضان في مكان منعزل عن الرجال بحيث لا يروننا ولا نراهم، وقد لاحظت أن الأخوات لا يكملن الصفوف الأول ولا يسوينها، وقد احتج بعضهن بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: (خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها) فقلت لهن: إن هذا الحديث يقصد به عندما كان النساء يصلين خلف الرجال بدون ساتر، أما الآن فقد اختلف الوضع. فهل هذا الكلام الذي قلته صحيح؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الحديث المذكور صحيح، ولكنه محمول عند أهل العلم على المعنى الذي ذكرت، وهو كون الرجال ليس بينهم وبين النساء حائل، أما إذا كُنَّ مستورات عن الرجال فخير صفوفهن أولها، وشرها آخرها كالرجال، وعليهن إتمام الصفوف الأول فالأول، وسد الفرج، كالرجال، لعموم الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك. وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (25/145) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118155 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 340 الجمع بين حديث غربة الدين وبقاء الطائفة المنصورة [السُّؤَالُ] ـ[ما الجمع بين حديث (بدأ الإسلام غريبا) وحديث: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا منافاة بينهما: فالأول ظاهر من الواقع. وتمامه: (فسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء) وفي رواية لغير مسلم: (يحيون ما أمات الناس من سنتي) وفي رواية أخرى: (الذين يُصلحون ما أفسد الناس) . والحديث الثاني يدل على بقاء الإصلاح والدعوة والعلم والتعليم، وفيه بشارة أن هنالك طائفة لا تزال ظاهرة على الحق، فالغربة لا تنافي الطائفة، ولا يلزم أن تكون بمكان واحد، والحق لا بد من بقائه حتى يخرج الدجال، وحتى تأتي الريح [التي تقبض أرواح المؤمنين قُبيل قيام الساعة] . ثم إن هذه الغربة قد تزداد في مصر من الأمصار وتقل في مصر آخر، وقد تكون الغربة ذات معان متعددة: في كثرة البدع، أو إنكار صلاة الجماعة، أو عدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن أعظمها: غربة أهل التوحيد وظهور الشرك. نسأل الله العافية. وقد يظهر الإسلام في ناحية ويكون فيها أحسن مما قبل، كما هو الواقع، وقد يكون في زمان أفضل من زمان آخر. أما حديث: (لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه) فهو محمول على الأغلب، فلا يمنع أن يكون في بعض الزمان أحسن مما قبله، كما جرى في زمان عمر بن عبد العزيز، فإن زمانه أحسن من زمان سليمان والوليد، وكما حصل في زمان شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم من ظهور السنة والرد على المبتدعة، وكما جرى في الجزيرة بعد دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (25/103) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118131 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 341 الجمع بين حديث الجساسة وحديث: (أرأيتكم ليلتكم هذه ... ) [السُّؤَالُ] ـ[سمعت في أشراط الساعة أن المسيح الدجال حي إلى خروجه من حديث تميم الداري، وأيضا حديث النبي رضي الله عنهما (أن كل من الأرض في عهده سيموتون خلال مائة سنة) ، واستدلوا بذلك أنه لا يوجد صحابي بعد سنة 110، سؤالي كيف يتم التوفيق بين الحديثين؟ ولماذا لم يمت المسيح الدجال؟ أعاذنا الله وإياكم من فتنته جميعا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله حديث تميم الداري رواه مسلم في صحيحه، وقد سبق إيراده بنصه في جواب السؤال رقم (82643) وهو يدل على أن الدجال حي موجود الآن، وفي زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه سيظل محبوسا حتى يؤذن له في الخروج، ولا يعارض هذا ما جاء في الصحيحين عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ، فَقَالَ: (أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ، فَإِنَّ رَأْسَ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ) رواه البخاري (116) ومسلم (2537) . فهذا الحديث عام، وحديث تميم خاص، فيكون مستثنى من العموم، أو أن الدجال كان يومئذ في البحر، لا على الأرض، فلا يشمله حديث ابن عمر. قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في "أضواء البيان" (3/397) في الجواب على من قال بحياة الخضر محتجا بأن العموم ليس نصا في الاستغراق، يعني العموم في قوله صلى الله عليه وسلم: (لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ) قال: " لأن الدجال أخرجه دليل صالح للتخصيص، وهو حديث ثابت في الصحيح من حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها، سمعت النَّبي صلى الله عليه وسلم يقول إنه حدثه به تميم الداري، وأنه أعجبه حديث تميم المذكور، لأنه وافق ما كان يحدث به أصحابه من خبر الدجال " ثم ذكر حديث تميم، ثم قال: " فهذا نص صريح في أن الدجال حي موجود في تلك الجزيرة البحرية المذكورة في حديث تميم الداري المذكور، وأنه باق وهو حي حتى يخرج في آخر الزمان، وهذا نص صالح للتخصيص يخرج الدجال من عموم حديث موت كل نفس في تلك المائة. والقاعدة المقررة في الأصول: أن العموم يجب إبقاؤه على عمومه، فما أخرجه نص مخصِّص خرج من العموم وبقي العام حجة في بقية الأفراد التي لم يدلّ على إخراجها دليل، كما قدمناه مراراً وهو الحق ومذهب الجمهور، وهو غالب ما في الكتاب والسنة من العمومات يخرج منها بعض الأفراد بنص مخصِّص، ويبقي العام حجة في الباقي" انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 117550 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 342 إطلاق لفظ الرب مقيدا على السيد [السُّؤَالُ] ـ[ي عن نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن قول: (أطعم ربك) ، وقول المولى جل وعلا في سورة يوسف عليه السلام: (أما الآخر فيسقي ربه خمرا) ، فكيف الجمع بين النصين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: وردت في هذه المسألة بعض النصوص التي ظاهرها التعارض: فقد جاء في السنة النبوية نهي عن استعمال لفظ العبودية أو الربوبية مضافا لغير الله تعالى: فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لاَ يَقُلْ أَحَدُكُمْ: أَطْعِمْ رَبَّكَ، وَضِّئْ رَبَّكَ، اسْقِ رَبَّكَ. وَلْيَقُلْ سَيِّدِي مَوْلاَي. وَلاَ يَقُلْ أَحَدُكُمْ عَبْدِي أَمَتِي. وَلْيَقُلْ فَتَاي وَفَتَاتِي وَغُلاَمِي) رواه البخاري (2552) ومسلم (2249) ، وزاد فيه: (ولا يقل أحدكم ربي) . ولكن جاء في القرآن الكريم، وفي السنة الصحيحة أيضا، ما يدل على استعمال هذه الألفاظ مضافة لغير الله تعالى. يقول الله تعالى: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) النور/32، وقال سبحانه: (قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) يوسف/23، وقال عز وجل: (وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ) يوسف/42. وقال النبي صلى الله عليه وسلم في جوابه لجبريل عليه السلام حين سأله عن أمارات الساعة: (أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا) رواه مسلم برقم (8) ، وأصله في البخاري برقم (50) . وقال صلى الله عليه وسلم في ضالة الإبل: (فَذَرْهَا حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا) رواه البخاري (91) ومسلم (1722) ، وقال صلى الله عليه وسلم: (لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمَالُ فَيَفِيضَ، حَتَّى يُهِمَّ رَبَّ الْمَالِ مَنْ يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ) رواه البخاري (1412) ومسلم (157) . وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لمولاه: (وَأَدْخِلْ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ وَرَبَّ الْغُنَيْمَةِ) رواه البخاري (3059) . ثانيا: تعددت أجوبة العلماء على هذا التعارض: 1. فذهب بعضهم إلى أن الجواز كان في شرع من قبلنا، ولذلك استعملها النبي يوسف عليه السلام، أما في شرعنا فلا يجوز. قال ابن حزم رحمه الله في "المحلى" (9/250) : " فإن احتج محتج بقول يوسف عليه الصلاة والسلام: (إنه ربى أحسن مثواي) ، وقوله: (اذكرني عند ربك) ، فتلك شريعة وهذه أخرى، وتلك لغة وهذه أخرى، وقد كان هذا مباحا عندنا وفي شريعتنا حتى نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك " انتهى. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (15/118) : " فإن قيل: لا ريب أن يوسف سمى السيد ربا في قوله: (اذكرني عند ربك) ، وقوله: (ارجع إلى ربك) ونحو ذلك، وهذا كان جائزا في شرعه، كما جاز في شرعه أن يسجد له أبواه وإخوته، وكما جاز في شرعه أن يؤخذ السارق عبدا، وإن كان هذا منسوخا في شرع محمد صلى الله عليه وسلم " انتهى. 2. وذهب بعض أهل العلم إلى تخصيص النهي بالذي يضيف اللفظ إلى نفسه، فيقول: عبدي، وأما إذا قال: هذا عبدك: فلا بأس. قال ابن حزم رحمه الله: " لا يجوز للسيد أن يقول لغلامه: هذا عبدي، ولا لمملوكته: هذه أَمَتي، لكن يقول: غلامي وفتاي ومملوكي ومملوكتي وخادمي وفتاتي. ولا يجوز للعبد أن يقول: هذا ربي، أو مولاي، أو ربتي، ولا يقل أحد لمملوك: هذا ربك، ولا ربتك، لكن يقول: سيدي. وجائز أن يقول المرء لآخر: هذا عبدك، وهذا عبد فلان، وأمة فلان، ومولى فلان؛ لأن النهى لم يرد إلا فيما ذكرنا فقط، وجائز أن يقول: هؤلاء عبيدك، وعبادك، وإماؤك " انتهى. "المحلى" (9/249) . 3. النهي للكراهة وليس للتحريم. وهو توجيه أكثر الشراح والفقهاء. 4. النهي هو عن اتخاذ ذلك عادة، وليس عن استعماله أحيانا. قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (15/6) : " الجواب من وجهين: أحدهما: أن الحديث الثاني لبيان الجواز، وأن النهي في الأول للأدب وكراهة التنزيه لا للتحريم. والثاني: أن المراد النهي عن الإكثار من استعمال هذه اللفظة واتخاذها عادة شائعة، ولم ينه عن إطلاقها في نادر من الأحوال، واختار القاضي هذا الجواب " انتهى. وقال رحمه الله أيضاً: " قال العلماء: وإنما كره للمملوك أن يقول لمالكه: ربي؛ لأن في لفظه مشاركة لله تعالى في الربوبية. وأما حديث: (حتى يلقاها ربها) فإنما استعمل لأنها غير مكلفة، فهي كالدار والمال، ولا شك أنه لا كراهة في قول: رب الدار، ورب المال. وأما قول يوسف صلى الله عليه وسلم: (اذكرني عند ربك) فعنه جوابان: أحدهما: أنه خاطبه بما يعرفه، وجاز هذا الاستعمال للضرورة، كما قال موسى صلى الله عليه وسلم للسامري: (وانظر إلى إلهك) طه /97، أي: الذي اتخذته إلها. والجواب الثاني: أن هذا شرع من قبلنا، وشرع من قبلنا لا يكون شرعا لن إذا ورد شرعنا بخلافه، وهذا لا خلاف فيه " انتهى. "الأذكار" (ص/363) . وقال القرطبي رحمه الله: " قال العلماء: قوله عليه السلام: (لا يقل أحدكم) ، (وليقل) : من باب الإرشاد إلى إطلاق اسم الأولى، لا أن إطلاق ذلك الاسم محرم، ولأنه قد جاء عنه عليه السلام: (أن تلد الأمة ربها) أي: مالكها وسيدها، وهذا موافق للقرآن في إطلاق ذلك اللفظ، فكان محل النهي في هذا الباب ألا نتخذ هذه الأسماء عادة فنترك الأولى والأحسن. وقد قيل: إن قول الرجل عبدي وأمتي يجمع معنيين: أحدهما: أن العبودية بالحقيقة إنما هي لله تعالى، ففي قول الواحد من الناس لمملوكه عبدي وأمتي تعظيم عليه، وإضافة له إلى نفسه بما أضافه الله تعالى به إلى نفسه، وذلك غير جائز. والثاني: أن المملوك يدخله من ذلك شيء في استصغاره بتلك التسمية، فيحمله ذلك على سوء الطاعة. وقال ابن العربي: يحتمل أن يكون ذلك جائزا في شرع يوسف عليه السلام " انتهى. "الجامع لأحكام القرآن" (9/195) . وانظر جواب السؤال رقم (114749) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 115363 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 343 فوائد السواك الطبية في السنة النبوية [السُّؤَالُ] ـ[لقد قرأت وسمعت أن هناك فوائد عديدة من استخدام المسواك، مثلا علاج الصداع، منع فقدان الذاكرة، إلخ. أتساءل ما إذا مر بكم حديث لدعم هذا القول. جزاكم الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ورد الحث على السواك في السنة النبوية في أحاديث كثيرة، وجاء وصف أثر استعمال السواك بأنه (مطهرة للفم) ، يطهره من الأذى والخبث، ويطيب رائحته، ويمنع الفساد من التسارع إليه، فهي كلمة مطلقة، تثبت للسواك كل طهارة وحماية ووقاية. يقول الدكتور عبد الله عبد الرزاق السعيد: " إنها لمعجزة حقا من الرسول الأمي الأمين صلوات الله عليه، حين يقول: عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ) رواه النسائي (حديث رقم/5) وعلقه البخاري بصيغة الجزم في كتاب الصوم، باب سواك الرطب واليابس للصائم. وصححه المنذري في "الترغيب والترهيب" (1/133) ، وحسنه النووي في "المجموع" (1/267) ، وفي زيادة في "المعجم الأوسط" للطبراني (7/278) (ومجلاة للبصر) ولكنها ضعيفة جدا، انظر "السلسلة الضعيفة" للألباني (رقم/5276) كيف لا يكون السواك مطهرة للفم والنبي الأمي صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى، علمه شديد القوى، أمرنا بالسواك، فوضع لنا الأسس لوقاية أسناننا وأفواهنا من الأمراض لتنظيفهما، وهذا ما يقوله الآن طب الأسنان الوقائي، وكما يقال " الوقاية خير من العلاج " لما توفر لنا من حياة مليئة بالسعادة والهناء. وإن جميع الوسائل المتبعة لنظافة الفم والأسنان ذات قيمة كبيرة في الطب الوقائي، ومن هذه الوسائل المتبعة عود الأراك الذي ورد ذكره في كثير من الأحاديث النبوية الشريفة، وهذا العود يسمى " السواك " ... يقول الأستاذ الدكتور محمد سعيد الجريدلي - رئيس قسم النسج المرضية للفم بجامعة القاهرة -: " إن المسواك يفوق من الناحية الكيماوية والميكانيكية الفرشاة والمعجون بمرات عديدة " وبعد أبحاث عدة وجد أن المواد التي بالسواك تقتل الجراثيم، فتشفي أفواهنا من الأمراض، فهو بمفرده يقوم مقامهما لما يحتويه من مواد عديدة تفوق ما تحويه المعاجين السنية، وكذلك ألياف طبيعية قوية لينة ناعمة ومتينة تعمل أحسن مما تقوم به ألياف الفرشاة، فلا تؤذي اللثة، كما أنها تزيل بكل فعالية ما يتبقى بأفواهنا ويعلق بأسناننا من فضلات الطعام، والتي تتسبب في أمراض وآفات الفم والأسنان، كما أنه لا يوجد حتى اليوم، وفي عالمنا المتحضر هذا معجون للأسنان يحتوي المواد التي يحويها السواك ... كذلك جاء في مجلة جمعية أطباء الأسنان الأمريكية أن أكثر المعاجين المستعملة في الولايات المتحدة الأمريكية ليست طبية وصحية. من هذا نرى أن أغلب المعاجين الموجودة بالسوق تجارية ورخيصة لا يقصد بها إلا الربح، وقد لا يستفيد منها الفم ولا اللثة مطلقا..أما المسواك فلقد وجد فيه – بعد أبحاث علمية – الكثير من المواد الفعالة التي يحملها بين أليافه من مطهرات، كالسنجرين، ومواد قابضة تقوي اللثة كالعفص، وزيوت عطرية حسنة النكهة تطيب بها رائجة الفم، وكلوريد الصوديوم، وبيكربونات الصوديوم، وكلوريد البوتاسيوم، وإكسالات الجير، ومواد عديدة تجلي وتنظف الأسنان، كما أن بعض المواد التي بالمسواك تقتل الجراثيم، ففيهما عناصر ذات أثر وفعل يشبه فعل البنسلين. إذن فالمسواك مطهرة للفم والأسنان حقا وصدقا، فصلوات الله عليك يا حبيب الله، ويا شفيع الخلق، يا رسولنا الأمين إلى يوم الدين، جئتنا بالقرآن المبين من عند رب العالمين، وأحكم الحاكمين، فصدقت فيما نطقت وقلت: (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب) " انتهى. "السواك والعناية بالأسنان" (ص/9-14) . وجاء في بحث للدكتور جيمس ترنر من كلية الطب بجامعة تينيسي الأمريكية والمنشور في مجلة (طب الفم والأسنان الاستوائية) : إن مسواك الأراك يحتوي على مواد مطهرة وقاتلة للميكروبات أهمها: الكبريت، ومادة (سيتوسيترول ب) كما يحتوي على الصوديوم. ودلت الأبحاث والتجارب على أن السواك يحتوي على مادة مضادة لنزيف الدم، ومطهرة للثة، ومعقمة للجروح اللثوية. . . كما يحتوي في أليافه على كميات عديدة من الأملاح المعدنية، وشوارد الكالسيوم، والحديد، والفوسفات، والصوديوم. ويحتوي السواك على نسبة من الفيتامين (C) ومعلوم عند العلماء أن المشاركة بين هذا الفيتامين والمضادات الحيوية يعد من أرفع مستويات التقنية الطبية كما يحتوي على مادة التانين التي تساعد على شد النسيج اللثوي المرتخي. وانظر جواب السؤال رقم: (2577) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 115282 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 344 حديث من أصبح منكم آمنا في سربه [السُّؤَالُ] ـ[ما صحة هذا الحديث: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بأسرها) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث يرويه سَلَمَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مِحْصَنٍ الخَطْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ - وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا) رواه البخاري في "الأدب المفرد" (رقم/300) والترمذي في "السنن" (2346) وقال: حسن غريب. وقال الشيخ الألباني رحمه الله بعد تخريجه الحديث عن جماعة من الصحابة: " وبالجملة، فالحديث حسن إن شاء الله بمجموع حديثي الأنصاري وابن عمر. والله أعلم. انتهى. "السلسلة الصحيحة" (رقم/2318) يقول المباركفوري رحمه الله في شرح هذا الحديث: " قوله: (من أصبح منكم) أي: أيها المؤمنون. (آمناً) أي: غير خائف من عدو. (في سِربه) أي: في نفسه، وقيل: السرب: الجماعة، فالمعنى: في أهله وعياله. وقيل بفتح السين أي: في مسلكه وطريقه، وقيل بفتحتين أي: في بيته. كذا ذكره القاري عن بعض الشراح. وقال التوربشتي: (معافى) اسم مفعول من باب المفاعلة، أي: صحيحاً سالماً من العلل والأسقام. (في جسده) أي: بدنه ظاهراً وباطناً. (عنده قوت يومه) أي: كفاية قوته من وجه الحلال. (فكأنما حيزت) : بصيغة المجهول من الحيازة، وهي الجمع والضم. (له) الضمير عائد لـ (من) ، وزاد في " المشكاة ": " بحذافيرها ". قال القاري: أي: بتمامها، والحذافير الجوانب، وقيل الأعالي، واحدها: حذفار أو حذفور. والمعنى: فكأنما أعطي الدنيا بأسرها " انتهى. "تحفة الأحوذي" (7/11) وقال المناوي رحمه الله: " يعني: من جمع الله له بين عافية بدنه، وأمن قلبه حيث توجه، وكفاف عيشه بقوت يومه، وسلامة أهله، فقد جمع الله له جميع النعم التي من ملك الدنيا لم يحصل على غيرها، فينبغي أن لا يستقبل يومه ذلك إلا بشكرها، بأن يصرفها في طاعة المنعم، لا في معصية، ولا يفتر عن ذكره. قال نفطويه: إذا ما كساك الدهرُ ثوبَ مصحَّةٍ * ولم يخل من قوت يُحَلَّى ويَعذُب فلا تغبطنّ المترَفين فإنه * على حسب ما يعطيهم الدهر يسلب " انتهى. "فيض القدير" (6/88) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114984 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 345 شرح معنى مائلات مميلات [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى قول الرسول عليه الصلاة والسلام في الحديث مائلات مميلات؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا حديث صحيح، رواه مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (صنفان من أهل النار لم أرهما رجال بأيديهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها) وهذا وعيد عظيم يجب الحذر مما دل عليه. فالرجال الذين في أيديهم سياط كأذناب البقر هم من يتولى ضرب الناس بغير حق من شرط أو من غيرهم، سواء كان ذلك بأمر الدولة أو بغير أمر الدولة. فالدولة إنما تطاع في المعروف، قال صلى الله عليه وسلم: (إنما الطاعة في المعروف) وقال عليه الصلاة والسلام: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات) فقد فسر ذلك أهل العلم بأن معنى " كاسيات " يعني من نعم الله. " عاريات " يعني من شكرها، لم يقمن بطاعة الله، ولم يتركن المعاصي والسيئات مع إنعام الله عليهن بالمال وغيره، وفسر الحديث أيضا بمعنى آخر وهو أنهن كاسيات كسوة لا تسترهن إما لرقتها أو لقصورها، فلا يحصل بها المقصود، ولهذا قال: " عاريات "، لأن الكسوة التي عليهن لم تستر عوراتهن. " مائلات " يعني: عن العفة والاستقامة. أي عندهن معاصي وسيئات كاللائي يتعاطين الفاحشة، أو يقصرن في أداء الفرائض، من الصلوات وغيرها. " مميلات " يعني: مميلات لغيرهن، أي يدعين إلى الشر والفساد، فهن بأفعالهن وأقوالهن يملن غيرهن إلى الفساد والمعاصي ويتعاطين الفواحش لعدم إيمانهن أو لضعفه وقلته، والمقصود من هذا الحديث الصحيح هو التحذير من الظلم وأنواع الفساد من الرجال والنساء. وقوله صلى الله عليه وسلم: (رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة) ، قال بعض أهل العلم: إنهن يعظمن الرءوس بما يجعلن عليها من شعر ولفائف وغير ذلك، حتى تكون مثل أسنمة البخت المائلة، والبخت نوع من الإبل لها سنامان، بينهما شيء من الانخفاض والميلان، هذا مائل إلى جهة وهذا مائل إلى جهة، فهؤلاء النسوة لما عظمن رءوسهن وكبرن رءوسهن بما جعلن عليها أشبهن هذه الأسنمة. أما قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها) فهذا وعيد شديد، ولا يلزم من ذلك كفرهن ولا خلودهن في النار كسائر المعاصي، إذا متن على الإسلام، بل هن وغيرهن من أهل المعاصي كلهم متوعدون بالنار على معاصيهم، ولكنهم تحت مشيئة الله إن شاء سبحانه عفا عنهم وغفر لهم وإن شاء عذبهم، كما قال عز وجل في سورة النساء في موضعين: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) النساء / 48، ومن دخل النار من أهل المعاصي فإنه لا يخلد فيها خلود الكفار بل من يخلد منهم كالقاتل والزاني والقاتل نفسه لا يكون خلوده مثل خلود الكفار بل هو خلود له نهاية عند أهل السنة والجماعة، خلافا للخوارج والمعتزلة ومن سار على نهجهم من أهل البدع؛ لأن الأحاديث الصحيحة قد تواترت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دالة على شفاعته صلى الله عليه وسلم في أهل المعاصي من أمته، وأن الله عز وجل يقبلها منه صلى الله عليه وسلم عدة مرات، في كل مرة يحد له حدا فيخرجهم من النار، وهكذا بقية الرسل والمؤمنون والملائكة والأفراط كلهم يشفعون بإذنه سبحانه، ويشفعهم عز وجل فيمن يشاء من أهل التوحيد الذين دخلوا النار بمعاصيهم وهم مسلمون، ويبقى في النار بقية من أهل المعاصي لا تشملهم شفاعة الشفعاء، فيخرجهم الله سبحانه برحمته وإحسانه، ولا يبقى في النار إلا الكفار فيخلدون فيها أبد الآباد كما قال عز وجل في حق الكفرة: (كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا) الإسراء / 97، وقال تعالى: (فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلا عَذَابًا) النبأ / 30، وقال سبحانه في الكفرة من عباد الأوثان: (كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ) البقرة / 167، وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ) المائدة / 36 – 37، والآيات في هذا المعنى كثيرة. نسأل الله العافية والسلامة من حالهم. [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز 6 / 355 الحديث: 14627 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 346 حكم الشرب من فم الزجاجة [السُّؤَالُ] ـ[هل النهى عن الشرب من فم السقاء ينطبق على الشرب من فم الزجاجات؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم: (نَهَى أَنْ يُشْرَبَ مِنْ فِي السِّقَاءِ) رواه البخاري (5628) و (5629) من حديث أبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهم. و"السقاء" هو: الإناء الذي يوضع فيه الماء ويكون له فم يشرب منه، كالقربة. وقد ذكر العلماء رحمهم الله عدة علل لهذا النهي: 1- أن القربة لا يظهر ما بداخلها، فقد يكون بداخلها حشرة أو حية فتؤذيه، كما روي أن رجلا شرب من في السقاء فخرجت حية. وهذه العلة غير موجودة في الشرب من الزجاجات اليوم؛ لأن الغالب أن ما بداخلها ظاهر. 2- أن الذي يشرب من في السقاء قد يغلبه الماء، فينصب أكثر مما يحتاج إليه، فيشرق به أو تبتل ثيابه. وهذه العلة موجودة فيمن يشرب من الزجاجات، كما تراه في كثير من الناس. 3- أن النهي عن ذلك حتى لا يصيب ريقه فم السقاء أو يختلط بالماء الموجود بداخله، أو يصيب نَفَسُه فم السقاء، فيتقذره غيره، وقد يكون ذلك سبباً لانتقال الأمراض. وهذه العلة ـ أيضاً ـ موجودة فيمن يشرب من الزجاجة، ولكنها فيمن يمس الزجاجة بفمه، أما إذا كان يَصُبُّ منها ولا يمسها بفمه فلا بأس. وكذلك أيضاً: هي خاصة بما إذا كان سيشرب من هذه الزجاجة غيره، أما إذا كانت الزجاجة خاصة به، فلا بأس حينئذ من الشرب من فمها. ولا يبعد أن يكون النهي عن الشرب من في السقاء من أجل هذه العلل كلها، كما قال ذلك ابن العربي وابن أبي جمرة رحمهما الله تعالى. وانظر: "فتح الباري" شرح الحديث رقم (5628) . وبعض هذه العلل كما سبق، موجودة فيمن يشرب من الزجاجة، ولذلك فينبغي أن لا يشرب من فمها، لاسيما إذا كان سيشرب من الزجاجة غيره. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112010 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 347 هل يلزم البقاء في مكان صلاة الفجر كي يدرك الفضيلة؟ [السُّؤَالُ] ـ[من صلى الفجر ثم بدل المكان الذى صلى فيه، وقعد يذكر الله، هل يجوز أم أن عليه أن يبقى في مكانه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله روى الترمذي (586) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ صَلَّى الغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ) ، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" برقم (3403) . والذي يظهر أن هذا الثواب لا يشترط لحصوله بقاء المصلي في المكان الذي صلى فيه، فما دام في المسجد يذكر الله تعالى فإنه يرجى له حصول هذا الثواب، ويدل على ذلك: إطلاق الحديث: (مَنْ صَلَّى الغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ، ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ) ، فلم يشترط النبي صلى الله عليه وسلم بقاءه في المكان الذي صلى فيه، فلو انتقل إلى مكان آخر داخل المسجد، وجلس يذكر الله تعالى، شمله الحديث، وقد نص على ذلك بعض أهل العلم. قال ابن رجب رحمه الله في "فتح الباري" (4/56) : " ورد في فضل من جلس في مصلاه بعد الصبح حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب الشمس أحاديث متعددة. وهل المراد بـ (مُصلاه) نفس الموضع الَّذِي صلى فِيهِ، أو المسجد الَّذِي صلى فِيهِ كله مصلى لَهُ؟ هَذَا فِيهِ تردد. وفي صحيح مُسْلِم عَن جابر بن سمرة، أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذا صلى الفجر جلس فِي مصلاه حَتَّى تطلع الشمس حسناء. وفي رِوَايَة لَهُ: كَانَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لا يقوم من مُصلاه الَّذِي يصلي فِيهِ الصبح أو الغداة حَتَّى تطلع الشمس، فإذا طلعت الشمس قام. ومعلوم أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يكن جلوسه فِي الموضع الَّذِي صلى فِيهِ؛ لأنه كَانَ ينفتل إلى أصحابه عقب الصلاة ويقبل عليهم بوجهه. وخرجه الطبراني، وعنده: كَانَ إذا صلى الصبح جلس يذكر الله حَتَّى تطلع الشمس. ولفظة: (الذكر) غريبة. وفي تمام حَدِيْث جابر بْن سمرة الَّذِي خرجه مُسْلِم: وكانوا يتحدثون فيأخذون فِي أمر الجَاهِلِيَّة، فيضحكون ويتبسم. فهذا الحديث يدل على أن المراد بـ (مصلاه الذي يجلس فيه) : المسجد كله. وإلى هذا ذهب طائفة من العلماء، منهم: ابن بطة من أصحابنا وغيره " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109794 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 348 ما المقصود بـ " محارم الله "؟ [السُّؤَالُ] ـ[السؤال: ما المقصود بمحارم الله، وما هو انتهاك محارم الله الواردة بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بأعمال أمثال جبال تهامة بيضاء، فيجعلها الله هباء منثورا. قال ثوبان: يا رسول الله! صفهم لنا، جَلِّهِم لنا لا نكون منهم ونحن لا نعلم. قال: أما إنهم إخوانكم، ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم قوم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها) هل المقصود بانتهاك محارم الله الزنا، وهل انتهاك محارم الله يستلزم الحد عملا بقول الله تعالى: (والحرمات قصاص) ؟ هل من ينتهك محارم الله ومات ولم يتب جزاؤه النار؟ هل الخلوة والوقوع بالفاحشة هي انتهاك لمحارم الله؟ هل الشخص الذي لا يغض البصر هو منتهك لمحارم الله؟ وهل المرأة غير المتحجبة والمبتذلة في لبسها والمتعطرة التي تفتن شباب المسلمين هي منتهكه لمحارم الله؟ هل انتهاك محارم الله المقصود به الخيانة الزوجية أخذا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة خلعت ثيابها في غير بيت زوجها فقد برئت منها ذمة الله ورسوله) وقوله أيضا: (أيما امرأة وضعت ثيابها في غير بيت زوجها فقد هتكت ستر ما بينها وبين الله) ؟ هل من ينتهك محارم الله هو خائن لله وللرسول وللأمانة؟ هل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتق المحارم تكن أعبد الناس) المقصود به هم الأقارب فقط، أم أنه مصطلح عام يشمل المسلم والكافر؟ هل محارم الله هي اقتراف السيئات وعدم التناهي عنها، وهذا نجده في قول الله تعالى: (كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه) ؟ هل محارم الله اتباع الشهوات وترك العبادات، وهذا نجده في قول الله تعالى: (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا) ]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله محارم الله: هي كل ما حرمه الله تعالى من الصغائر والكبائر، كالنظر والاختلاط والتبرج المحرم، ومثله الزنا والربا والرشوة والظلم والسرقة والغيبة والنميمة، ونقض ما أمر الله بالوفاء به، وقطع ما أمر الله به أن يوصل؛ فهو لفظ عام تدخل فيه المعاصي بجميع أنواعها. قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) الرعد:25. وقد جاء استعمال لفظ " محارم الله " في أحاديث كثيرة، منها: ما رواه الإمام مسلم في صحيحه برقم (2328) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: (مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا خَادِمًا، إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ، إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ، فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) ومنها ما رواه الإمام أحمد في "المسند" (4/182) عَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا، وَعَلَى جَنْبَتَيْ الصِّرَاطِ سُورَانِ فِيهِمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ، وَعَلَى الْأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ، وَعَلَى بَابِ الصِّرَاطِ دَاعٍ يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ! ادْخُلُوا الصِّرَاطَ جَمِيعًا، وَلَا تَتَفَرَّجُوا، وَدَاعٍ يَدْعُو مِنْ جَوْفِ الصِّرَاطِ، فَإِذَا أَرَادَ يَفْتَحُ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ قَالَ: وَيْحَكَ لَا تَفْتَحْهُ! فَإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ، وَالصِّرَاطُ الْإِسْلَامُ، وَالسُّورَانِ حُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْأَبْوَابُ الْمُفَتَّحَةُ مَحَارِمُ اللَّهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ الدَّاعِي عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالدَّاعِي فَوْقَ الصِّرَاطِ وَاعِظُ اللَّهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ) . صححه الحاكم في "المستدرك" (1/144) على شرط مسلم، وكذا الذهبي في التلخيص، وحسنه محققو مسند أحمد، والشيخ الألباني في "صحيح الجامع" (3887) . وأما حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ يَأْخُذُ عَنِّي هَؤُلاَءِ الكَلِمَاتِ فَيَعْمَلُ بِهِنَّ أَوْ يُعَلِّمُ مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ؟ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقُلْتُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ! فَأَخَذَ بِيَدِي فَعَدَّ خَمْسًا وَقَالَ: اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ، وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ، وَأَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمًا، وَلاَ تُكْثِرِ الضَّحِكَ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ القَلْبَ) . رواه أحمد (2/310) والترمذي (2305) والطبراني في "الأوسط" (7/125) وغيرهم من طريق جعفر بن سليمان عن أبي طارق عن الحسن عن أبي هريرة. قال الطبراني: " لم يرو هذا الحديث عن الحسن إلا أبو طارق، تفرد به جعفر بن سليمان " انتهى. وقال الترمذي: " هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث جعفر بن سليمان، والحسن لم يسمع عن أبي هريرة شيئا، هكذا روي عن أيوب ويونس بن عبيد وعلي بن زيد قالوا: لم يسمع الحسن من أبي هريرة، وروى أبو عبيدة الناجي عن الحسن هذا الحديث قوله، ولم يذكر فيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى. وفيه علة أخرى هي جهالة أبي طارق السعدي، إذ لم يرد فيه توثيق ولا تجريح عن أحد من أهل العلم، فقال فيه الذهبي في "الميزان" (4/540) : " لا يعرف " انتهى. ولبعض جمل هذا الحديث شواهد اقتضت تصحيح الحديث عند بعض أهل العلم، كالشيخ الألباني رحمه الله في "السلسلة الصحيحة" (برقم/930) ، غير أن جملة الشاهد وهي (اتق المحارم تكن أعبد الناس) لم يرد ما يشهد لها، والله أعلم بالصواب. يقول المناوي في "فيض القدير" (1/161) : " أي: احذر الوقوع في جميع ما حرم الله عليك تكن أعبد الناس، أي: مِن أعبدهم، لما أنه يلزم من ترك المحارم فعل الفرائض، فباتقاء المحارم تبقى الصحيفة نقية من التبعات، فالقليل من التطوع مع ذلك ينمو وتعظم بركته، فيصير ذلك المتقي من أكابر العباد، وقال الذهبي: هنا والله تسكب العبرات، فيلزم أن يكون بصيرا بكل واجب فيقوم به، وعارفا بكل محرم فيجتنبه " انتهى بتصرف يسير. وقد جاء في الكتاب الكريم من التحذير والترهيب من الوقوع في محارم الله ما يغني ويكفي، يقول الله تعالى: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) البقرة/229 ويقول عز وجل: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) النساء/14 على أننا ننبه أخانا الكريم على أن حديث (اتق المحارم تكن أعبد الناس) ليس له علاقة بالأقارب أو الأهل، أو المسلم والكافر؛ وإنما اختلط عليك المحارم المشار إليها في هذه الأحاديث وأمثالها، والتي يقصد بها: ما حرمه الله على عباده، والمحارم في باب النكاح، كالأم والأخت ونحو ذلك؛ وهذا لا علاقة له بما نحن فيه. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 107236 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 349 حديث لا غيبة لفاسق [السُّؤَالُ] ـ[ما قولكم في هذا الحديث: (لا غيبة لفاسق) ؟ فإذا صح فهل التحذير من صاحب العين (العائن) يعتبر غيبة له أو لا؟ ومن الذي يحذر منه ولا تعتبر في حقه غيبة أو نميمة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الغيبة محرمة، شديدة التحريم؛ لقوله تعالى: (وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا) الحجرات/11، ولما ثبت عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم، قلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم) رواه الإمام أحمد وأبو داود بإسناد صحيح، وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم الغيبة بأنها ذكرك أخاك بما يكره. وتجوز في مواضع معدودة دلت عليها الأدلة الشرعية إذا دعت الحاجة إلى ذلك؛ كأن يستشيرك أحد في تزويجه أو مشاركته، أو يشتكيه أحد إلى السلطان لكف ظلمه والأخذ على يده ـ فلا بأس بذكره حينئذ بما يكره؛ لأجل المصلحة الراجحة في ذلك. وقد جمع بعضهم المواضع التي تجوز فيها الغيبة في بيتين فقال: الذم ليس بغيبة في ستة متظلم ومعرف ومحذر ولمظهر فسقا ًومستفت ومن طلب الإعانة في إزالة منكر أما إذا لم يكن هناك مصلحة راجحة في ذكره بما يكره فإنه يكون من الغيبة المحرمة. وأما السؤال عن لفظ: (لا غيبة لفاسق) هل هو حديث أو لا؟ فقد قال الإمام أحمد: منكر، وقال الحاكم والدارقطني والخطيب: باطل. ولكن دل على أنه لا غيبة لفاسق قد أظهر المعصية ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مُرَّ عليه بجنازة فأثنى عليها الحاضرون شراً، فقال صلى الله عليه وسلم: (وجبت) ومُرَّ عليه بأخرى فأثنوا عليها خيراً، فقال صلى الله عليه وسلم: (وجبت) فسألوه صلى الله عليه وسلم عن معنى قوله وجبت؟ فقال: (هذه أثنيتم عليها شراً فوجبت لها النار، وهذه أثنيتم عليها خيراً فوجبت له الجنة، أنتم شهداء الله في أرضه) ولم ينكر عليهم ثناءهم على الجنازة شراً التي علموا فسق صاحبها، فدل ذلك على أن من أظهر الشر لا غيبة له. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ بكر أبو زيد. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/19) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106413 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 350 هل هذا الحديث مخالف لمبدأ المساواة والعدل في الإسلام؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما صحة الحديث الذي رواه أبو داود وغيره ونصه: (أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم) لأنني قرأت أن بعض الناس شكك فيه لأنه يعارض القرآن الكريم وآياته الداعية إلى إقامة المساواة والعدل.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والبيهقي وغيرهم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود) وله طرق كثيرة لا تخلو من مقال، ولكنه بمجموعها يكون حديثاً حسناً. ومعنى الحديث: استحباب ترك مؤاخذه ذي الهيئة إذا وقع في زلة أو هفوة لم تعهد عنه إلا ما كان حداً من حدود الله تعالى وبلغ الحاكم فيجب إقامته. والمراد بـ (ذوي الهيئات) أهل المروءة والخصال الحميدة من عامة الناس، الذين دامت طاعتهم واشتهرت عدالتهم، ولكن زلت في بعض الأحايين أقدامهم، فوقعوا في ذنب وخطأ، ورد هذا المعنى العلامة ابن القيم رحمه الله قائلاً: إن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعبر عن أهل التقوى والطاعة والعبادة بأنهم ذوو الهيئات، ولا عهد بهذه العبارة في كلام الله ورسوله للمطيعين المتقين، والظاهر أنهم ذوو الأقدار بين الناس من الجاه والشرف والسؤدد، فإن الله تعالى خصّهم بنوع تكريم وتفضيل على بني جنسهم، فمن كان منهم مستوراً مشهوراً بالخير حتى كبا به جواده، وأديل عليه شيطانه فلا نسارع إلى تأنبيه وعقوبته، بل تقال عثرته ما لم يكن حداً من حدود الله فإنه يتعيّن استيفاؤه من الشريف كما يتعيّن أخذه من الوضيع، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرق لقطعت يدها) متفق على صحته، وهذا باب عظيم من أبواب محاسن هذه الشريعة الكاملة، وسياستها للعالم وانتظامها لمصالح العباد في المعاش والمعاد. انتهى كلامه. وبما تقدم ذكره يتبيّن أن معنى الحديث ليس معارضاً لمبدأ المساواة والعدل في الإسلام وإنما فيه رفع المؤاخذة بالخطأ والذنب الذي ليس فيه حد إذا صدر عمن لم يكن من عادته ذلك، لم يترتب على ترك تعزيره مفسدة. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة (22/18-20) . الحديث: 12797 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 351 معنى المجثمة [السُّؤَالُ] ـ[ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المجثمة فما المقصود بها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن المجثمة، وذلك في الحديث الذي رواه الترمذي (1393) عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ الْمُجَثَّمَةِ، وَهِيَ الَّتِي تُصْبَرُ بِالنَّبْلِ) . وصححه الألباني في صحيح الجامع (6857) . والمقصود بالمجثمة قد بَيَّنه راوي الحديث فقال: (وهي التي تصبر بالنبل) . أي: هي الحيوان الذي يمسك أو يقيد ويرمى بالنبل حتى يموت، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكلها لأنها ميتة، وليست مذبوحة ذبحاً شرعياً. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105785 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 352 حكم سفر الإنسان بمفرده [السُّؤَالُ] ـ[هل صح أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن سفر الإنسان بمفرده؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن ذلك في أحاديث، منها: 1- عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي الْوَحْدَةِ مَا أَعْلَمُ، مَا سَارَ رَاكِبٌ بِلَيْلٍ وَحْدَهُ) رواه البخاري (2998) وقد أخرج الإمام أحمد في "المسند" (2/91) هذا الحديث بزيادة فيها: (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْوَحْدَةِ أَنْ يَبِيتَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ أَوْ يُسَافِرَ وَحْدَهُ) إلا أن هذه الرواية تعتبر شاذة، وترجح عليها رواية البخاري لسببين اثنين: أ - أن رواية البخاري رواها تسعة من أصحاب عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن ابن عمر. كلهم يقتصر على ذكر السفر دون المبيت، وانفرد واحد من تلاميذ عاصم بن محمد وهو عبد الواحد بن واصل بذكر النهي عن المبيت وحده. وهو وإن كان ثقة، إلا أن رواية الثقات أرجح من روايته. ب - ويدل عليه أن رواية أحمد مروية بالمعنى، إذ لم يذكر الراوي لفظ النبي صلى الله عليه وسلم، بخلاف رواية الأكثرين. ولذلك حكم محققو مسند أحمد (9/467) ومثلهم الشيخ مقبل الوادعي في "أحاديث معلة" (249) بشذوذ رواية عبد الواحد. بخلاف الشيخ الألباني حيث حكم بصحتها، كما في "السلسلة الصحيحة" (60) وقد ورد النهي عن مبيت الرجل وحده مرسلا عن عطاء، كذا رواه أبو داود في "كتاب المراسيل" (380) وابن أبي شيبة في "المصنف" (7/726) وروى الطبراني في "الأوسط" (2079) من طريق محمد بن القاسم الأسدي عن زهير بن معاوية عن أبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو يعلم الناس ما في الوحدة ما سار راكب بليل أبدا، ولا نام رجل في بيت وحده) إلا أنها رواية مردودة بسبب محمد بن القاسم الأسدي، لأنه متهم بالكذب. كما جاء النهي عن المبيت وحيدا في بعض الآثار الصحيحة: فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: " لا يسافرن رجل وحده، ولا ينامن في بيت وحده " انتهى. صححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1/130) وسئل الإمام أحمد عن الرجل يبيت وحده؟ قال: أحب إليَّ أن يتوقى ذلك. نقلا عن "الآداب الشرعية" (1/428) 2- عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الرَّاكِبُ شَيْطَانٌ وَالرَّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ وَالثَّلَاثَةُ رَكْبٌ) رواه الترمذي (1674) وقال حديث حسن. وحسنه ابن حجر في "فتح الباري" (6/53) والألباني في "السلسلة الصحيحة" (62) وهذه الأحاديث تدل على كراهة الوحدة فيما يخشى المرء فيه على نفسه، من ضعف وهلكة ومشقة، أو ما يخشاه من إغواء الشيطان وإضلاله، فإن الفائدة من وجود الرفقة والصحبة الصالحة لا تقتصر على الإعانة والمساعدة، بل الأهم أنها تثبت على الخير والتقوى، فإن الشيطان من الإثنين أبعد. يقول الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (6/53) : " وترجم له ابن خزيمة: " النهي عن سفر الاثنين وأن ما دون الثلاثة عصاة "؛ لأن معنى قوله (شيطان) أي: عاص. وقال الطبري: " هذا الزجر زجر أدب وإرشاد لما يخشى على الواحد من الوحشة والوحدة، وليس بحرام، فالسائر وحده في فلاة وكذا البائت في بيت وحده لا يأمن من الاستيحاش، لا سيما إذا كان ذا فكرة رديئة وقلب ضعيف. والحق أن الناس يتباينون في ذلك، فيحتمل أن يكون الزجر عن ذلك وَقَعَ لحسم المادة، فلا يتناول ما إذا وقعت الحاجة لذلك، وقيل في تفسير قوله: (الراكب شيطان) أي سفره وحده يحمله عليه الشيطان، أو أشبه الشيطان في فعله، وقيل إنما كره ذلك لأن الواحد لو مات في سفره ذلك لم يجد من يقوم عليه، وكذلك الاثنان إذا ماتا أو أحدهما لم يجد من يعينه، بخلاف الثلاثة، ففي الغالب تؤمن تلك الخشية " انتهى. والظاهر من الحديث أن النهي وارد على من يسافر في الطرق الخالية الموحشة، أما الطرق الآهلة، والتي يأمن فيها المرء ألا تنقطع به السبيل، ولا يعدم معينا ولا أنيسا، فلا يرد الكراهة ولا النهي عنه، ومثله السفر في أيامنا هذه في الطائرات أو السفن أو الحافلات، لأن من فيها كلها يعتبرون رفقة، فلم يتحقق وصف الوحدة المنهي عنه. يقول الشيخ ابن عثيمين في "فتاوى نور على الدرب" (متفرقات/الآداب) : " وهذا يدل على الحذر من سفر الإنسان وحده، ولكن هذا في الأسفار الذي لا يكون طريقها مسلوكاً بكثرة، وأما الأسفار الذي يكون طريقها مسلوكاً بكثرة وكأنك في وسط البلد، مثل طريق القصيم الرياض، أو الرياض الدمام وما أشبه ذلك من الطرق التي يكثر فيها السالكون، ومثل طريق الحجاز في أيام المواسم، فإن هذا لا يعد انفراداً في الحقيقة؛ لأن الناس يمرون به كثيراً، فهو منفرد في سيارته وليس منفرداً في السفر، بل الناس حوله ووراءه وأمامه في كل لحظة " انتهى. ويقول الشيخ الألباني في تعليقه على هذا الحديث "الصحيحة" (62) : " ولعل الحديث أراد السفر في الصحارى والفلوات التي قلما يرى المسافر فيها أحدا من الناس، فلا يدخل فيها السفر اليوم في الطرق المعبدة الكثيرة المواصلات. والله أعلم " انتهى. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105280 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 353 ما هو التنطع المذموم؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى التنطع في الإسلام؟ وهل تغطية الوجه وإعفاء اللحى والالتزام بجميع أفعال النبي صلى الله عليه وسلم ورفض كل ما هو مستحدث فى الدين يعد تشددا؟ وما معنى أنه صلى الله عليه وسلم ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الحديث الذي ورد في ذم التنطع جاء عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ. قَالَهَا ثَلَاثًا) رواه مسلم (2670) وللعلماء في تفسير " التنطع " و " المتنطعين " عبارات كثيرة، تتوافق ولا تتعارض، وكلها تجتمع في معنى واحد، يرجع إلى التكلف والتشدد فيما لا ينبغي وفي غير موضعه الصحيح. ومن هذه المعاني: 1- الغلو في العبادة والمعاملة، بحيث يؤدي إلى المشقة الزائدة، والشريعة لم تأمر إلا بما فيه يسر وسماحة، ونهت عن التشدد في الدين، وصور الغلو التي أحدثها الناس في الدين وعدها العلماء من التنطع لا تكاد تحصى بعدد. يقول النووي في "شرح مسلم" (16/220) : " أي: المتعمقون، الغالون، المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم " انتهى. 2- الابتداع في الدين، بتحريم ما لم يحرمه الله ورسوله، واستحداث صور من العبادات والإلزامات لم تكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – كما في "مجموع الفتاوى" (10/620) -: " الرهبانيات والعبادات المبتدعة التي لم يشرعها الله ورسوله من جنس تحريمات المشركين وغيرهم ما أحل الله من الطيبات، ومثل التعمق والتنطع الذي ذمه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (هلك المتنطعون) ، وقال: (لو مد لي الشهر لواصلت وصالا يدع المتعمقون تعمقهم) مثل الجوع أو العطش المفرط الذي يضر العقل والجسم، ويمنع أداء واجبات أو مستحبات أنفع منه، وكذلك الاحتفاء والعري والمشي الذي يضر الإنسان بلا فائدة، مثل حديث أبي إسرائيل الذي نذر أن يصوم، وأن يقوم قائما ولا يجلس، ولا يستظل، ولا يتكلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مروه فليجلس، وليستظل، وليتكلم، وليتم صومه) رواه البخاري. وهذا باب واسع " انتهى. 3- التقعر في الكلام، والتشدق باللسان، بتكلف الكلمات التي تميل قلوب الناس إليه، حيث لا معنى ولا مضمون، ولا فائدة ترجى من تشدقه وتقعره. فقد أورد ابن أبي الدنيا هذا الحديث في رسالة " الغيبة والنميمة " في باب " ما جاء في ذم التقعر في الكلام " (ص/15) وروى فيه عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيمِ اللِّسَانِ) رواه أيضا أحمد في "المسند" (1/22) وحسنه محققو المسند. وروى فيه أيضا قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إن شقاشق الكلام من شقاشق الشيطان) قال ابن الأثير في "النهاية" (5/164) : " المُتَنَطِّعون: هم المُتعَمِّقون المُغالون في الكلام، المتكلِّمون بأقْصَى حُلوقهم. مأخوذ من النِّطَع، وهو الغارُ الأعْلى من الفَم، ثم استُعْمِل في كل تَعَمُّق قولاً وفعلا " انتهى. 4- الخوض فيما لا يعني، والسؤال عما لا ينبغي، وتكلف البحث فيما لا يغني. قال الخطابي: " المتنطع: المتعمق في الشيء، المتكلف للبحث عنه على مذاهب أهل الكلام الداخلين فيما لا يعنيهم، الخائضين فيما لا تبلغه عقولهم " انتهى. نقلا عن " عون المعبود " (12/235) ويقول ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" (ص/285) : " المتنطع: هو المتعمق، البحاث عما لا يعنيه؛ فإن كثرة البحث والسؤال عن حكم ما لم يذكر في الواجبات ولا في المحرمات، قد يوجب اعتقاد تحريمه، أو إيجابه لمشابهته لبعض الواجبات أو المحرمات، فقبول العافية فيه، وترك البحث عنه والسؤال خير " انتهى بتصرف. ثم ذكر ابن رجب رحمه الله أمثلة لما ينبغي تجنب البحث فيه من تفاصيل أمور الغيب المجهولة والفروق الفقهية المتكلفة، والتفريع على المسائل التي يندر وقوعها، ونحوها. قال الشيخ ابن عثيمين في "شرح رياض الصالحين" (1/416-418) : " كذلك أيضاً من التشديد في العبادة، أن يشدد الإنسان على نفسه في الصلاة أو في الصوم أو في غير ذلك مما يسره الله عليه، فإنه إذا شدد على نفسه فيما يسره الله فهو هالك. ومن ذلك ما يفعله بعض المرضى - ولا سيما في رمضان - حين يكون الله قد أباح له الفطر وهو مريض، ويحتاج إلي الأكل والشرب، ولكنه يشدد على نفسه فيبقى صائماً، فهذا أيضاً نقول إنه ينطبق عليه الحديث: هلك المتنطعون. ومن ذلك ما يفعله بعض الطلبة المجتهدين في باب التوحيد؛ حيث تجدهم إذا مرت بهم الآيات والأحاديث في صفات الرب عز وجل جعلوا ينقبون عنها، ويسألون أسئلة ما كلفوا بها، ولا درج عليها سلف الأمة من الصحابة والتابعين وأئمة الهدى من بعدهم، فتجد الواحد ينقب عن أشياء ليست من الأمور التي كلف بها تنطعاً وتشدقاً، فنحن نقول لهؤلاء: إن كان يسعكم ما وسع الصحابة رضي الله عنهم فأمسكوا، وإن لم يسعكم فلا وسع الله عليكم، وثقوا بأنكم ستقعون في شدة وفي حرج وفي قلق ... ومن ذلك أيضاً ما يفعله بعض الطلبة من إدخال الاحتمالات العقلية في الدلائل اللفظية؛ فتجده يقول: يحتمل كذا ويحتمل كذا، حتى تضيع فائدة النص، وحتى يبقى النص كله مرجوجاً لا يستفاد منه. هذا غلط. خذ بظاهر النصوص ودع عنك هذه الاحتمالات العقلية، فإننا لو سلطنا الاحتمالات العقلية على الأدلة اللفظية في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ما بقى لنا حديث واحد أو آية واحدة يستدل بها الإنسان، ولأورد عليها كل شيء، وقد تكون هذه الأمور العقلية وهميات وخيالات من الشيطان، يلقيها في قلب الإنسان حتى يزعزع عقيدته وإيمانه والعياذ بالله. ومن ذلك أيضاً ما يفعله بعض المتشددين في الوضوء، حيث تجده مثلاً يتوضأ ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر، وهو في عافية من ذلك. أيضاً في الاغتسال من الجنابة، تجده يتعب تعباً عظيماً عند الاغتسال، في إدخال الماء في أذنيه، وفي إدخال الماء في منخريه. وكل هذا داخل في قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (هلك المتنطعون. هلك المتنطعون. هلك المتنطعون) فكل من شدد على نفسه في أمر قد وسع الله له فيه فإنه يدخل في هذا الحديث " انتهى باختصار. ثانيا: أما الالتزام بشعائر الدين الظاهرة، والمحافظة على حدود الله، وامتثال أوامره، فهذا من واجبات الدين، وسبيل دخول جنة رب العالمين، ولا يعدها مِن التنطع إلا مَن يريد التحلل من الشريعة، والطعن في الأحكام الثابتة؛ فإن التنطع المذموم هو خروج عن قانون الشريعة وآدابها، فكيف يكون التزامها، والتمسك بها، والعض عليها بالنواجذ تنطعا؟!! والحَكَمُ الفصل في ذلك هو الأدلة من الكتاب والسنة، فما جاءت به الأدلة الصحيحة الظاهرة بإيجاب شيء – كغطاء الوجه وإعفاء اللحية –، أو تحريم شيء – كتحريم المعازف والاختلاط بالنساء ونحوه – فهذا لا يجوز وصفه بالتنطع والتشدد، إذ يلزم منه اتهام النبي صلى الله عليه وسلم - الذي أمرنا بها - بأنه متنطع!! وحاشاه صلى الله عليه وسلم من ذلك. أما ما لم تأت به النصوص، وكان من أحد الأوجه الأربعة السابقة في تفسير التنطع، فهذا هو ما ينبغي ذمه واجتنابه، ولا يخلط بينه وبين أحكام الشريعة الظاهرة الثابتة. ثالثا: أما حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: (مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَيْسَرُ مِنْ الْآخَرِ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ) رواه البخاري (3367) ومسلم (2327) فلا يعني بوجه من الوجوه التخلي عن الشريعة، والتقصير في الواجبات، بل كان النبي صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على تحقيق العبودية لله بجميع لوازمها، ولكن المراد بقوله (بين أمرين) أي من أمور الدنيا التي ليس للشرع فيها أمر أو نهي، أو من الأمور التي يسع فيها الاختيار من السنن والمستحبات، أما إذا جاء التكليف بالوجوب أو التحريم فيجب الوقوف عنده من غير تعد ولا تقصير. يقول الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (6/575) : " قوله: (بين أمرين) أي: من أمور الدنيا، يدل عليه قوله: (ما لم يكن إثما) ؛ لأن أمور الدين لا إثم فيها، وقوله: (ما لم يكن إثما) أي: ما لم يكن الأسهل مقتضيا للإثم، فإنه حينئذ يختار الأشد. وفي حديث أنس عند الطبراني في الأوسط: (إلا اختار أيسرهما ما لم يكن لله فيه سخط) " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103889 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 354 حديث (إنَّ مِن إجلال الله ... ) [السُّؤَالُ] ـ[ما صحة ومعنى الحديث التالي: عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن مِن إجلال الله تعالى إكرامَ ذي الشيبة المسلم، وحاملِ القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرامَ ذي السلطان المُقسط) ]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يروي هذا الحديث الصحابي الجليل أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ: إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ) رواه أبو داود (4843) وحسنه النووي في "رياض الصالحين" (رقم/358) ، والذهبي في "ميزان الاعتدال" (4/565) ، وابن مفلح في "الآداب الشرعية" (1/434) ، والعراقي في "تخريج الإحياء" (2/245) وابن حجر في "تلخيص الحبير" (2/673) والشيخ الألباني في "صحيح أبي داود". جاء في "عون المعبود بشرح سنن أبي داود" (13/132) : " (إِنَّ مِن إجلالِ الله) أي: تبجيله وتعظيمه. (إكرام ذي الشيبة المسلم) أي: تعظيم الشيخ الكبير في الإسلام، بتوقيره في المجالس، والرفق به، والشفقة عليه، ونحو ذلك، كل هذا مِن كمالِ تعظيم الله، لحرمته عند الله. (وحاملِ القرآن) أي: وإكرام حافِظِهِ، وسماه حاملا له لِما يَحمِل لمشاق كثيرة، تزيد على الأحمال الثقيلة، قاله العزيزي. وقال القارى: أي: وإكرام قارئه، وحافظه، ومفسره. (غيرِ الغالي فيه) أي: في القرآن. والغلو: التشديد ومجاوزة الحد، يعني: غير المتجاوز الحد في العمل به، وتتبع ما خفي منه واشتبه عليه من معانية، وفي حدود قراءته ومخارج حروفه، قاله العزيزي. (والجافي عنه) أي: وغير المتباعد عنه، المعرض عن تلاوته، وإحكام قراءته، وإتقان معانيه، والعمل بما فيه. وقيل: الغلو: المبالغة في التجويد، أو الإسراع في القراءة بحيث يمنعه عن تدبر المعنى. والجفاء: أن يتركه بعد ما علمه، لا سيما إذا كان نسيه، فإنه عُدَّ مِن الكبائر. قال في النهاية: ومنه الحديث (اقرؤوا القران ولا تجفوا عنه) أي: تعاهدوه ولا تبعدوا عن تلاوته بأن تتركوا قراءته، وتشتغلوا بتفسيره وتأويله. ولذا قيل: " اشتغل بالعلم بحيث لا يمنعك عن العمل، واشتغل بالعمل بحيث لا يمنعك عن العلم ". وحاصله أن كلا من طرفي الإفراط والتفريط مذموم، والمحمود هو الوسط العدل المطابق لحاله صلى الله عليه وسلم في جميع الأقوال والأفعال. كذا في "المرقاة شرح المشكاة". (وإكرام ذي السلطان المُقسط) بضم الميم. أي: العادل " انتهى مِن "عون المعبود". وانظر جواب السؤال رقم (33680) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103737 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 355 حديث هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان [السُّؤَالُ] ـ[أود أن أعرف رأيكم بشأن شرح الحديث رقم (990) في صحيح البخاري، الذى لَمْ يَدعُ فيه النبى صلى الله عليه وسلم لِنَجد، حيث قال: إن الفتنة والزلازل ونفير الشيطان سيخرجون من نجد. وقد سمعت بعض العلماء يشيرون إلى هذا الحديث عند الحديث عن علماء نجد، كالشيخ عبد الوهاب رحمه الله، كما يصح القول بأن كثيرا من زعماء الحركة السلفية ينحدرون من نجد. فما هو الشرح الصحيح لهذا الحديث الصحيح.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الحديث المقصود في السؤال جاء عن جماعة من الصحابة، ورواه عنهم جماعة كبيرة من التابعين، وأنقل واحدا من هذه الأحاديث، فهي متقاربة في اللفظ والمعنى: عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: (اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَأْمِنَا وفِي يَمَنِنَا. قَالُوا: وَفِي نَجْدِنَا؟ قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَأْمِنَا وفِي يَمَنِنَا. قَالُوا: وَفِي نَجْدِنَا؟ قَالَ: هُنَاكَ الزَّلاَزِلُ وَالْفِتَنُ، وَبِهَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ) رواه البخاري (1037) ومسلم (20905) ، واللفظ للبخاري. ثم الكلام على هذا الحديث في مسائل: المسألة الأولى: من المعلوم لدى أهل العلم أن ما ورد في الكتاب أو السنة من النصوص التي فيها تفضيل بعض الأماكن أو الأقوام على بعض، لا يعني ذلك أبدا تفضيلا لكل من انتسب إلى ذلك المكان، أو لأولئك القوم، على غيرهم من البشر، وكذلك ما ورد في النصوص من ذم بعض الأماكن، وذكر ما فيها من الشر، فلا يعني ذلك – بأي حال من الأحوال – ذم وانتقاص جميع من ينتمي إلى ذلك المكان. والدليل على ذلك قوله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات/13 وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ) رواه مسلم (2564) فميزان الصلاح والفساد هو القلب والعمل، وليس القبيلة أو العرق أو الجنس أو اللون، وهذا التقرير متفق عليه بين أهل العلم. روى مالك في "الموطأ" (1459) عن يحيى بن سعيد: أن أبا الدرداء كتب إلى سلمان الفارسي أن هَلُمَّ إلى الأرض المقدسة – يعني بلاد الشام -، فكتب إليه سلمان: إن الأرض لا تقدس أحدا، وإنما يُقدِّسُ الإنسانَ عملُهُ " انتهى. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في "مجموع الفتاوى" (27/45-47) : " وهو كما قال سلمان الفارسى، فإن مكة حرسها الله تعالى أشرف البقاع، وقد كانت فى غربة الإسلام دار كفر وحرب يحرم المقام بها، وحرم بعد الهجرة أن يرجع إليها المهاجرون فيقيموا بها، وقد كانت الشام فى زمن موسى عليه السلام قبل خروجه ببني إسرائيل دار الصابئة المشركين الجبابرة الفاسقين، وفيها قال تعالى لبنى إسرائيل: (سأريكم دار الفاسقين) فإن كون الأرض دار كفر أو دار السلام أو إيمان، أو دار سلم أو حرب، أو دار طاعة أو معصية، أو دار المؤمنين أو الفاسقين، أوصافٌ عارضةٌ لا لازمة، فقد تنتقل من وصف إلى وصف، كما ينتقل الرجل بنفسه من الكفر إلى الإيمان والعلم، وكذلك بالعكس. وأما الفضيلة الدائمة فى كل وقت ومكان ففي الإيمان والعمل الصالح، كما قال تعالى (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم) الآية. وقال تعالى: (وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين. بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه) الآية. وقال تعالى: (ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم) فلا ينبغي للرجل أن يلتفت إلى فضل البقعة فى فضل أهلها مطلقا، بل يعطي كلَّ ذي حقٍّ حقَّه، ولكن العبرة بفضل الإنسان فى إيمانه وعمله الصالح والكلم الطيب. وإذا فضلت جملة على جملة لم يستلزم ذلك تفضيل الأفراد على الأفراد: كتفضيل القرن الثاني على الثالث، وتفضيل العرب على ما سواهم، وتفضيل قريش على ما سواهم، فهذا هذا والله أعلم " انتهى. المسألة الثانية: وعليه فلا يجوز أن يفهم الحديث السابق على أنه ذم لجميع أهل نجد عبر التاريخ، بل وليس فيه ذم (نجد) مطلقا، وإنما ورد الذم والتنفير عنها مقيدا بوجود الفتن والشرور، ولا يلزم أن يكون ذلك في جميع القرون مُطَّرِدًا، بل قد يكون في عصر من العصور منارة علم وهدى وفضل وخير. يقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن في "مجموعة الرسائل والمسائل" (4/265) : " وعلى كل حال؛ فالذم إنما يكون في حال دون حال، ووقت دون وقت، بحسب حال الساكن؛ لأن الذم إنما يكون للحال دون المحل، وإن كانت الأماكن تتفاضل، وقد تقع المداولة فيها، فإن الله يداول بين خلقه، حتى في البقاع، فمحل المعصية في زمن قد يكون محل طاعة في زمن آخر، وبالعكس " انتهى. المسألة الثالثة: ليس في لفظ الحديث ذم لأهل (نجد) وساكنيها، وإنما فيه ذكر الفتن والشرور التي ستقع وتخرج منها، ولا يعني ذلك ذمَّ الساكنين مطلقا. فقد جاء في السنة النبوية ذكر وقوع الفتن في المدينة المنورة، كقوله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (إِنِّي لَأَرَى مَوَاقِعَ الْفِتَنِ خِلَالَ بُيُوتِكُمْ كَمَوَاقِعِ الْقَطْرِ) رواه البخاري (1878) ومسلم (2885) ولا يجوز أن يفهم من ذلك أي ذم لأهل المدينة المنورة. يقول الشيخ محمد بشير السهسواني الهندي (ت 1326هـ) في كتابه "صيانة الإنسان عن وسوسة دحلان" (ص/500) : " وهذه الأحاديث وغيرها مما ورد في هذا الباب دالة على وقوع الفتن في المدينة النبوية، فلو كان وقوع الفتن في موضع مستلزماً لذم ساكنيه، لزم ذم سكان المدينة كلهم أجمعين، وهذا لا يقول به أحد، على أن مكة والمدينة كانتا في زَمَنٍ موضع الشرك والكفر، وأي فتنة أكبر منهما، بل وما من بلد أو قرية إلا وقد كانت في زمن أو ستصير في زمان موضع الفتنة، فكيف يجترئ مؤمن على ذم جميع مسلمي الدنيا؟ وإنما مناطُ ذم شخصٍ معينٍ كونُه مصدراً للفتن من الكفر والشرك والبدع " انتهى. فالمقصود من الحديث هو ذكر ما سيقع في منطقة (نجد) من الفتن والبلايا العظيمة في مرحلة من التاريخ، وأنها ستكون كالزلازل التي تطال كل من فيها، وسيكون كثير من أهل تلك البلاد ضحايا الفتنة، ولا يعني أن جميع أهلها هم من يُثيرُها ويقومُ عليها، ومَن فهم ذلك من الحديث فقد أساء وظلم. يقول الشيخ الألباني رحمه الله في "السلسلة الصحيحة" (5/305) : " وجهلوا أيضاً أنَّ كونَ الرجل من بعض البلاد المذمومة لا يستلزم أنه هو مذموم أيضاً إذا كان صالحاً في نفسه , والعكس بالعكس، فكم في مكة والمدينة والشام من فاسق وفاجر , وفي العراق من عالم وصالح , وما أحكم قول سلمان الفارسي لأبي الدرداء حينما دعاه أن يهاجر من العراق إلي الشام: أما بعد , فإن الأرض المقدسة لا تقدس أحداً , وإنما يقدس الإنسان بعمله " انتهى. المسألة الرابعة: فسر العلماء المتقدمون هذا الحديث، وقالوا المقصود بالفتن التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم هي فتنة مسيلمة الكذاب الذي ادعى النبوة، والشر الذي يأتي به، وما يلحقه من المتنبئين الكذابين. يقول الحافظ ابن حبان رحمه الله كما في "الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان" (15/24) بعد أن روى حديث عبد الله بن عمر أنه قال: (ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير نحو المشرق ويقول: إن الفتنة هاهنا، إن الفتنة هاهنا، من حيث يطلع قرن الشيطان) قال أبو حاتم رحمه الله: " مشرق المدينة هو البحرين، ومسيلمة منها، وخروجه كان أول حادث حدث في الإسلام " انتهى. كما فسره بعض أهل العلم أيضا بالفتن التي تحدث في (العراق) ، فهي في جهة المشرق عموما بالنسبة لمن في الحجاز، وفي العراق (نجد) أيضا، فإن كل منطقة مرتفعة بالنسبة لغيرها تسمى نجدا، وقد شملها بعض الصحابة في فهمهم لهذا الحديث: فعن سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قال: (يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ! مَا أَسْأَلَكُمْ عَنْ الصَّغِيرَةِ وَأَرْكَبَكُمْ لِلْكَبِيرَةِ! سَمِعْتُ أَبِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ الْفِتْنَةَ تَجِيءُ مِنْ هَاهُنَا - وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ - مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنَا الشَّيْطَانِ، وَأَنْتُمْ يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ) رواه مسلم (2905) فالحديث يشمل كل (نجد) : أي كل مرتفع من الأرض بالنسبة للحجاز في جهة المشرق، وذلك يشمل نجد الحجاز ونجد العراق. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (27/41-42) : " هذه لغة أهل المدينة النبوية فى ذاك الزمان، كانوا يسمون أهل نجد والعراق أهل المشرق " انتهى. ويقول الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (13/47) : " كان أهل المشرق يومئذ أهل كفر، فأخبر صلى الله عليه وسلم أن الفتنة تكون من تلك الناحية، فكان كما أخبر، وأول الفتن كان من قبل المشرق، فكان ذلك سببا للفرقة بين المسلمين، وذلك مما يحبه الشيطان ويفرح به، وكذلك البدع نشأت من تلك الجهة. وقال الخطابي: (نجد) من جهة المشرق، ومَن كان بالمدينة كان نَجدُهُ باديةَ العراق ونواحيها، وهي مشرق أهل المدينة، وأصل النجد ما ارتفع من الأرض، وهو خلاف الغور فإنه ما انخفض منها، وتهامة كلها من الغور ومكة من تهامة. انتهى كلام الخطابي. وعُرف بهذا وهاء ما قاله الداودي: أن (نجدا) من ناحية العراق، فإنه توهم أن نجدا موضع مخصوص، وليس كذلك، بل كل شيء ارتفع بالنسبة إلى ما يليه يسمى المرتفع نجدا، والمنخفض غورا " انتهى كلام الحافظ ابن حجر. ويقول علامة العراق محمود شكري الآلوسي عن بلده العراق في "غاية الأماني" (2/148) : " ولا بدع، فبلاد العراق معدن كل محنة وبلية، ولم يزل أهل الإسلام منها في رزية بعد رزية، فأهل حروراء وما جرى منهم على الإسلام لا يخفى، وفتنة الجهمية الذين أخرجهم كثير من السلف من الإسلام إنما خرجت ونبغت بالعراق، والمعتزلة وما قالوه للحسن البصري وتواتر النقل به ... إنما نبغوا وظهروا بالبصرة، ثم الرافضة والشيعة وما حصل فيهم من الغلو في أهل البيت، والقول الشنيع في علي وسائر الأئمة ومسبة أكابر الصحابة..كل هذا معروف مستفيض " انتهى باختصار. وللشيخ "حكيم محمد أشرف سندهو" رحمه الله، رسالة في بيان ما ذكرناه بعنوان: " أكمل البيان في شرح حديث: نجد قرن الشيطان "، وهي مطبوعة، قال الشيخ عبد القادر بن حبيب الله السندي في تقدمته لها ـ ص (8) ـ: " والموضع الذي يُعَيَّن من قِبَل أهل الجهل والضلالة اليوم [يعني: نجد المعروف في السعودية] لم يقله أحد من السلف ولا من الخلف، إلا بعد ظهور دعوة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، التجديدية للدين الحنيف، إلا هؤلاء الذين لم يفهموا هذه العقيدة الصحيحة، أو يتجاهلون عنها، ولم يعرفوا التاريخ الإسلامي الصحيح الذي يدلهم على تلك الفتن العظيمة التي ظهرت ظهورا واضحا بينا في ذلك النجد الحقيقي ... " انتهى. المسألة الخامسة: ويخطئ كثير من الناس حين يظنون أن المقصود بـ (قرن الشيطان) شخص معين، إذ المقصود هو مطلع الشمس وما يعتريها عند الشروق، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (فَإِنَّهَا – يعني الشمس - تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ) رواه البخاري (3273) ومسلم (612) ودليل ذلك ما في رواية البخاري (7092) : قال صلى الله عليه وسلم: (الْفِتْنَةُ هَا هُنَا، الْفِتْنَةُ هَا هُنَا، مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ، أَوْ قَالَ: قَرْنُ الشَّمْسِ) والشك من الراوي. يقول الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (13/46) : " وأما قوله: " قرن الشمس " فقال الداودي: للشمس قرن حقيقة، ويحتمل أن يريد بالقرن قوة الشيطان، وما يستعين به على الإضلال، وهذا أوجه، وقيل إن الشيطان يقرن رأسه بالشمس عند طلوعها ليقع سجود عبدتها له، قيل: ويحتمل أن يكون للشمس شيطان تطلع الشمس بين قرنيه " انتهى. المسألة السابعة: فأي حجة تبقى بعد ذلك لمن استدل بهذا الحديث على ذم الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، ودعوته التجديدية؟!! وبأي برهان يُعَيِّنُ بعضُ الحاقدين - من غلاة المتصوفة ومن الرافضة - مقصودَ النبي صلى الله عليه وسلم من الذم في واحد من أشهر علماء المسلمين، وأشهر دعاة الإصلاح في القرون المتأخرة، والذي تحمل دعوة التوحيد علما وعملا ودعوة، وعَدَّهُ أهلُ العلم مجدِّدَ ذلك القرن؟!! أهكذا تُفَسَّرُ الأحاديث النبوية، بالهوى والتشهي! وهكذا تحول الأحاديث لأغراض مذهبية أو عنصرية أو طائفية؟!! وانظر عن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب للفائدة: جوابَ السؤال رقم (36616) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 99569 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 356 هل حرّم الإسلام كنز المال؟ [السُّؤَالُ] ـ[لم حرم الإسلام كنز الأموال؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الإسلام لم يحرم كنز المال مطلقا، وإنما ورد التحريم والوعيد الشديد على صاحب الكنز إذا لم يؤد زكاته، وأما إن أدى الزكاة، فليس بصاحب كنز مذموم. قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) التوبة/34. وروى أبو داود (1564) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَا بَلَغَ أَنْ تُؤَدَّى زَكَاتُهُ فَزُكِّيَ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود. وروى البخاري (1404) عَنْ خَالِدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) قَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: مَنْ كَنَزَهَا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهَا فَوَيْلٌ لَهُ، إِنَّمَا كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تُنْزَلَ الزَّكَاةُ، فَلَمَّا أُنْزِلَتْ جَعَلَهَا اللَّهُ طُهْرًا لِلْأَمْوَالِ. وروى مالك في الموطأ (595) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَهُوَ يُسْأَلُ عَنْ الْكَنْزِ مَا هُوَ؟ فَقَالَ: هُوَ الْمَالُ الَّذِي لَا تُؤَدَّى مِنْهُ الزَّكَاةُ. قال ابن كثير رحمه الله في تفسير آية التوبة: " وأما الكنز فقال مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر: هو المال الذي لا يؤدى زكاته. وروى الثوري وغيره عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: ما أدي زكاته فليس بكنز وإن كان تحت سبع أرضين، وما كان ظاهراً لا تؤدى زكاته فهو كنز، وقد روي هذا عن ابن عباس وجابر وأبي هريرة موقوفاً ومرفوعاً، وقال عمر بن الخطاب نحوه: أيما مال أديت زكاته فليس بكنز، وإن كان مدفوناً في الأرض، وأيما مال لم تؤد زكاته فهو كنز يكوى به صاحبه وإن كان على وجه الأرض " انتهى فتبين بهذا أن الكنز المذموم هو الذي لا تؤدى زكاته، وأما ما كان دون النصاب، أو بلغ النصاب وأديت زكاته فليس بكنز. وبهذا يتبيّن أن الإسلام لم يحرم كنز المال وإنما حرّم عدم إيتاء الزكاة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96115 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 357 النمرود وأصحاب الأخدود [السُّؤَالُ] ـ[في أي كتب الحديث ورد شرح لقصة قتل النمرود للطفل خلال أيام حضرة إبراهيم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله النمرود ملك بابل، وهو ملك كافر، وقد جرى له مع إبراهيم عليه السلام، ما ذكره الله بقوله: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) البقرة / 258 ولم يرد في شأنه قصة مع طفل أو غلام من وجه ثابت فيما نعلم. وإن كنت تسأل عن قصة الغلام المؤمن مع الملك الكافر، وما جرى فيها من قتل الغلام، وإيمان الناس بالله، واحتمالهم الأذى في سبيل ذلك. وهي قصة أصحاب الأخدود، فقد رواها مسلم (3005) من حديث صُهَيْبٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: " كَانَ مَلِكٌ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ وَكَانَ لَهُ سَاحِرٌ فَلَمَّا كَبِرَ قَالَ لِلْمَلِكِ إِنِّي قَدْ كَبِرْتُ فَابْعَثْ إِلَيَّ غُلامًا أُعَلِّمْهُ السِّحْرَ فَبَعَثَ إِلَيْهِ غُلامًا يُعَلِّمُهُ فَكَانَ فِي طَرِيقِهِ إِذَا سَلَكَ رَاهِبٌ فَقَعَدَ إِلَيْهِ وَسَمِعَ كَلامَهُ فَأَعْجَبَهُ فَكَانَ إِذَا أَتَى السَّاحِرَ مَرَّ بِالرَّاهِبِ وَقَعَدَ إِلَيْهِ فَإِذَا أَتَى السَّاحِرَ ضَرَبَهُ فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى الرَّاهِبِ فَقَالَ إِذَا خَشِيتَ السَّاحِرَ فَقُلْ حَبَسَنِي أَهْلِي وَإِذَا خَشِيتَ أَهْلَكَ فَقُلْ حَبَسَنِي السَّاحِرُ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَتَى عَلَى دَابَّةٍ عَظِيمَةٍ قَدْ حَبَسَتْ النَّاسَ فَقَالَ الْيَوْمَ أَعْلَمُ آلسَّاحِرُ أَفْضَلُ أَمْ الرَّاهِبُ أَفْضَلُ فَأَخَذَ حَجَرًا فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ أَمْرُ الرَّاهِبِ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ أَمْرِ السَّاحِرِ فَاقْتُلْ هَذِهِ الدَّابَّةَ حَتَّى يَمْضِيَ النَّاسُ فَرَمَاهَا فَقَتَلَهَا وَمَضَى النَّاسُ فَأَتَى الرَّاهِبَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ أَيْ بُنَيَّ أَنْتَ الْيَوْمَ أَفْضَلُ مِنِّي قَدْ بَلَغَ مِنْ أَمْرِكَ مَا أَرَى وَإِنَّكَ سَتُبْتَلَى فَإِنْ ابْتُلِيتَ فَلا تَدُلَّ عَلَيَّ وَكَانَ الْغُلامُ يُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَيُدَاوِي النَّاسَ مِنْ سَائِرِ الأَدْوَاءِ فَسَمِعَ جَلِيسٌ لِلْمَلِكِ كَانَ قَدْ عَمِيَ فَأَتَاهُ بِهَدَايَا كَثِيرَةٍ فَقَالَ مَا هَاهُنَا لَكَ أَجْمَعُ إِنْ أَنْتَ شَفَيْتَنِي فَقَالَ إِنِّي لا أَشْفِي أَحَدًا إِنَّمَا يَشْفِي اللَّهُ فَإِنْ أَنْتَ آمَنْتَ بِاللَّهِ دَعَوْتُ اللَّهَ فَشَفَاكَ فَآمَنَ بِاللَّهِ فَشَفَاهُ اللَّهُ فَأَتَى الْمَلِكَ فَجَلَسَ إِلَيْهِ كَمَا كَانَ يَجْلِسُ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ مَنْ رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ قَالَ رَبِّي قَالَ وَلَكَ رَبٌّ غَيْرِي قَالَ رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الْغُلامِ فَجِيءَ بِالْغُلامِ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ أَيْ بُنَيَّ قَدْ بَلَغَ مِنْ سِحْرِكَ مَا تُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ فَقَالَ إِنِّي لا أَشْفِي أَحَدًا إِنَّمَا يَشْفِي اللَّهُ فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الرَّاهِبِ فَجِيءَ بِالرَّاهِبِ فَقِيلَ لَهُ ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ فَأَبَى فَدَعَا بِالْمِئْشَارِ فَوَضَعَ الْمِئْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ فَشَقَّهُ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ ثُمَّ جِيءَ بِجَلِيسِ الْمَلِكِ فَقِيلَ لَهُ ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ فَأَبَى فَوَضَعَ الْمِئْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ فَشَقَّهُ بِهِ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ ثُمَّ جِيءَ بِالْغُلامِ فَقِيلَ لَهُ ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ فَأَبَى فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ اذْهَبُوا بِهِ إِلَى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا فَاصْعَدُوا بِهِ الْجَبَلَ فَإِذَا بَلَغْتُمْ ذُرْوَتَهُ فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإِلا فَاطْرَحُوهُ فَذَهَبُوا بِهِ فَصَعِدُوا بِهِ الْجَبَلَ فَقَالَ اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ فَرَجَفَ بِهِمْ الْجَبَلُ فَسَقَطُوا وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ قَالَ كَفَانِيهِمُ اللَّهُ فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ اذْهَبُوا بِهِ فَاحْمِلُوهُ فِي قُرْقُورٍ فَتَوَسَّطُوا بِهِ الْبَحْرَ فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإِلا فَاقْذِفُوهُ فَذَهَبُوا بِهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ فَانْكَفَأَتْ بِهِمْ السَّفِينَةُ فَغَرِقُوا وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ قَالَ كَفَانِيهِمُ اللَّهُ فَقَالَ لِلْمَلِكِ إِنَّكَ لَسْتَ بِقَاتِلِي حَتَّى تَفْعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ قَالَ وَمَا هُوَ قَالَ تَجْمَعُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَتَصْلُبُنِي عَلَى جِذْعٍ ثُمَّ خُذْ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِي ثُمَّ ضَعْ السَّهْمَ فِي كَبِدِ الْقَوْسِ ثُمَّ قُلْ بِاسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلامِ ثُمَّ ارْمِنِي فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ قَتَلْتَنِي فَجَمَعَ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَصَلَبَهُ عَلَى جِذْعٍ ثُمَّ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ ثُمَّ وَضَعَ السَّهْمَ فِي كَبْدِ الْقَوْسِ ثُمَّ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلامِ ثُمَّ رَمَاهُ فَوَقَعَ السَّهْمُ فِي صُدْغِهِ فَوَضَعَ يَدَهُ فِي صُدْغِهِ فِي مَوْضِعِ السَّهْمِ فَمَاتَ فَقَالَ النَّاسُ آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلامِ آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلامِ آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلامِ فَأُتِيَ الْمَلِكُ فَقِيلَ لَهُ أَرَأَيْتَ مَا كُنْتَ تَحْذَرُ قَدْ وَاللَّهِ نَزَلَ بِكَ حَذَرُكَ قَدْ آمَنَ النَّاسُ فَأَمَرَ بِالأُخْدُودِ فِي أَفْوَاهِ السِّكَكِ فَخُدَّتْ وَأَضْرَمَ النِّيرَانَ وَقَالَ مَنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ دِينِهِ فَأَحْمُوهُ فِيهَا أَوْ قِيلَ لَهُ اقْتَحِمْ فَفَعَلُوا حَتَّى جَاءَتْ امْرَأَةٌ وَمَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا فَتَقَاعَسَتْ أَنْ تَقَعَ فِيهَا فَقَالَ لَهَا الْغُلامُ يَا أُمَّهْ اصْبِرِي فَإِنَّكِ عَلَى الْحَق". وقولك في سؤالك: (حضرة إبراهيم) تعبير حادث الأولى اجتنابه، فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لهم شعار اختصوا به، وهو (الصلاة والسلام عليم) ، وقد انعقد الإجماع على ذلك، كما نقله ابن القيم في (جلاء الأفهام) عن الإمام النووي رحمهما الله. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 21711 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 358 ما صحة حديث " من تهاون في الصلاة عاقبه الله بخمس عشرة عقوبة "؟ [السُّؤَالُ] ـ[عن صحة الحديث التالي قبل أن أوزعه على الأصدقاء: منكر أو تارك الصلاة يعاقبه الله خمس عشرة عقوبة 6 أثناء حياته و3 حين الموت و3 في القبر و3 يوم القيامة: العقوبات في الدنيا: 1- يمحق الله البركة في عمره 2- لا يستجيب الله لدعائه 3- تذهب من وجهه علامات الصلاح 4- تمقته جميع المخلوقات على الأرض 5- لا يثيبه الله على عمله الصالح 6- لن يشمله الله في دعاء المؤمنين العقوبات أثناء الموت: 1- يموت ذليلاً 2- يموت جوعاناً 3- يموت عطشاناً ولو شرب جميع ماء البحر العقوبات في القبر: 1- يضيق الله قبره حتى تختلف أضلاعه 2- يوقد الله عليه ناراً ذات جمر 3- يرسل الله إليه ثعباناً يقال له الشجاع الأقرع يضربه من الفجر للظهر لتركه صلاة الفجر ومن الظهر للعصر لتركه صلاة الظهر وهكذا ... وفي كل ضربة يدخله في عمق الأرض 70 ذراعاً. العقوبات يوم القيامة: 1- يرسل الله إليه من يسحبه على وجهه 2- ينظر الله إليه نظرة غضب يسقط معها لحم وجهه 3- يحاسبه الله بصرامة ويقذف به في النار.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: حديث " من تهاون في الصلاة عاقبه الله بخمسة عشر عقوبة: ستة منها في الدنيا، وثلاثة عند الموت، وثلاثة في القبر، وثلاثة عند خروجه من القبر ... ": حديث موضوع مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال عنه سماحة الشيخ ابن باز - رحمه الله - في مجلة " البحوث الإسلامية " (22 / 329) : أما الحديث الذي نسبه صاحب النشرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في عقوبة تارك الصلاة وأنه يعاقب بخمس عشرة عقوبة الخ: فإنه من الأحاديث الباطلة المكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم كما بين ذلك الحفاظ من العلماء رحمهم الله كالحافظ الذهبي في " لسان الميزان " والحافظ ابن حجر وغيرهما. وكذلك أصدرت " اللجنة الدائمة " فتوى برقم 8689 ببطلان هذا الحديث كما في " فتاوى اللجنة " (4 / 468) ومما ورد في الفتوى مما يحسن ذكره قول اللجنة: ( ... وإن فيما جاء عن الله وعن رسوله في شأن الصلاة وعقوبة تاركها ما يكفي ويشفي، قال تعالى: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً) النساء / 103، وقال تعالى عن أهل النار: (ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ... ) المدثر 42 – 43، فذكر من صفاتهم ترك الصلاة ... ، وقال صلى الله عليه وسلم: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) رواه الترمذي (2621) والنسائي (431) ، وابن ماجه (1079) وصححه الألباني في صحيح الترمذي (2113) ، والآيات والأحاديث من ترك الصلاة أن النبي صلى الله عليه وسلم سماه كفراً. راجع سؤال (2182) وقال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -: هذا الحديث موضوع مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل لأحد نشره إلا مقروناً ببيان أنه موضوع حتى يكون الناس على بصيرة منه. " فتاوى الشيخ الصادرة من مركز الدعوة بعنيزة " (1 / 6) . نسأل الله تعالى أن يثيبك على حرصك على دعوة إخوانك ونصحهم إلا أنه ينبغي أن يتقرر عند كل راغب في بذل الخير للناس وترهيبهم من الشر أن ذلك لابد أن يكون بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وأن في الصحيح غنية وكفاية عن الضعيف. سألين الله أن يكلل مسعاك بالنجاح وأن يهدي من تدعوهم إلى سلوك طريق الاستقامة وجميع المسلمين. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20897 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 359 ليس في شريعتنا جواز إتيان الدبر [السُّؤَالُ] ـ[أرجو مساعدتي في معرفة الصواب، في البخاري الحديث رقم (4170) و (4171) إن الإتيان في الدبر حلال، وموقعكم يقول إنه حرام، فما هو الصواب؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد للَّه أولاً: الأحاديث الصحيحة التي جاءت في تحريم إتيان الزوجة في الدبر كثيرة، فمن ذلك: 1- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم) رواه أبو داود (3904) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. 2- وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى رَجُلٍ أَتَى امْرَأَةً فِي الدُّبُرِ) رواه الترمذي (1165) وصححه ابن دقيق العيد في "الإلمام" (2/660) ، والألباني في صحيح الترمذي. 3- وعَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ - لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ) رواه ابن ماجه (1924) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه. والأحاديث في ذلك كثيرة، حتى قال الطحاوي رحمه الله في "شرح معاني الآثار" (3/43) : "جاءت الآثار متواترة بذلك " انتهى. ولذلك كانت كلمة العلماء على الأخذ بهذه الأحاديث. قال الماوردي رحمه الله تعالى في "الحاوي" (9/319) : " لأنه إجماع الصحابة: روي ذلك عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وابن مسعود وأبي الدرداء " انتهى. وجاء في "المغني" (7/32) : " ولا يحل وطء الزوجة في الدبر في قول أكثر أهل العلم: منهم علي وعبد الله وأبو الدرداء وابن عباس وعبد الله بن عمرو وأبو هريرة، وبه قال سعيد بن المسيب وأبو بكر بن عبد الرحمن ومجاهد وعكرمة والشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر " وقد سبق في موقعنا بيان ذلك بشيء من التفصيل، فانظر إجابات الأسئلة: (1103) ، (52803) . ثانياً: يتوهم بعض الناس جواز إتيان المرأة في دبرها، ويفهمون من قول الله تعالى: (نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) البقرة/223، أن الله سبحانه أباح في هذه الآية كل شيء، حتى الوطء في الدبر، وقد يتأكد هذا الوهم عندهم إذا قرؤوا الحديث الذي يرويه البخاري في صحيحه – ولعله الحديث الذي قصده السائل - والذي فيه: عن جابر رضي الله عنه قال: كَانَتِ اليَهُودُ تَقُولُ: إِذَا جَامَعَهَا مِن وَرَائِهَا جَاءَ الوَلَدُ أَحْوَل فنزلت (نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) . وهذا فهم خاطئ للآية، فإن قوله تعالى: (فأتوا حرثكم أنى شئتم) يعني إباحة أحوال وأوضاع الجماع المختلفة، إذا كانت في موضع الحرث: وهو الفرج، وليس الدبر، فيجوز أن يأتي الرجل زوجته من الخلف أو الأمام أو على جنب إذا كان ذلك في موضع الحرث، وليس الدبر. ودليل ذلك أن رواية مسلم برقم (1435) لحديث جابر السابق في سبب نزول الآية فيها: (إِنْ شَاءَ مُجَبِّيَةً، وَإِنْ شَاءَ غَيْرَ مُجَبِّيَةٍ، غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي صِمَامٍ وَاحِدٍ) . (مُجَبِّيَةً) : أي: منكبة على وجهها، كهيئة السجود. (في صمام واحد) : هو القبل. وفي رواية أبي داود للحديث نفسه برقم (2163) : عن محمد بن المنكدر قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ: إِنَّ الْيَهُودَ يَقُولُونَ إِذَا جَامَعَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ فِي فَرْجِهَا مِنْ وَرَائِهَا كَانَ وَلَدُهُ أَحْوَلَ،فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) . وفي سنن الترمذي (2980) وحسنه عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: جَاءَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَلَكْتُ. قَالَ: وَمَا أَهْلَكَكَ؟! قَالَ: حَوَّلْتُ رَحْلِي اللَّيْلَةَ. قَالَ: فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا، قَالَ: فَأُنْزِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) أَقْبِلْ وَأَدْبِرْ، وَاتَّقِ الدُّبُرَ وَالْحَيْضَةَ. حسنه الألباني في صحيح الترمذي. فهذه الأحاديث والروايات توضح المقصود من الآية، فلا يجوز لمسلم أن يتجاوز ذلك إلى فهمه الذي لا يدل عليه الأثر ولا اللغة. قال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" (4/261) : " وقد دلت الآية على تحريم الوطء في دبرها من وجهين: أحدهما أنه أباح إتيانها في الحرث، وهو موضع الولد، لا في الحُش الذي هو موضع الأذى، وموضع الحرث هو المراد من قوله: (من حيث أمركم الله) الوجه الثاني: أنه قال: (أنى شئتم) أي: من أين شئتم: من أمام أو من خلف. ال ابن عباس: (فأتوا حرثكم) يعني: الفرج " انتهى بتصرف. ثالثاً: ولعل السائل يعني أيضا ما رواه البخاري عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) قال: يأتيها في. . . قال ابن حجر في "فتح الباري" (8/189) : " هكذا وقع في جميع النسخ، لم يذكر ما بعد الظرف وهو المجرور " انتهى. ثم ذكر ما جاء من بعض الروايات خارج صحيح البخاري أن ابن عمر قال: يأتيها في دبرها. وقد أجاب عن ذلك أهل العلم بجوابين: الأول: أنه حصل خطأ من بعض الرواة عن ابن عمر، وأنهم فهموا منه جواز إتيان الدبر، وهو إنما كان يحكي جواز إتيان المرأة في قبلها من خلفها، بدليل ما جاء من طرق صحيحة عنه أنه كان يرى حرمة إتيان الزوجة في دبرها، فقد روى النسائي في "السنن الكبرى" (5/315) بسند صحيح أن ابن عمر سئل عنه فقال: أو يفعل ذلك مسلم؟! قال ابن القيم رحمه الله في "تهذيب السنن" (6/142) : " فقد صح عن ابن عمر أنه فسر الآية بالإتيان في الفرج من ناحية الدبر،وهو الذي رواه عنه نافع، وأخطأ من أخطأ على نافع فتوهم أن الدبر محل للوطء لا طريق إلى وطء الفرج، فوقع الاشتباه في كون الدبر طريقا إلى موضع الوطء أو هو مأتى، واشتبه على من اشتبه عليه معنى (من) بمعنى (في) فوقع الوهم " انتهى. الجواب الثاني: أنه اجتهاد من ابن عمر رضي الله عنهما في فهم الآية، وقد دلت السنة، وأقوال سائر الصحابة، أنه اجتهاد مجانب للصواب، وقد روى أبو داود برقم (2164) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ ابْنَ عُمَرَ - وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ - أَوْهَمَ، إِنَّمَا كَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ الْأَنْصَارِ - وَهُمْ أَهْلُ وَثَنٍ - مَعَ هَذَا الْحَيِّ مِنْ يَهُودَ - وَهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ -، وَكَانُوا يَرَوْنَ لَهُمْ فَضْلًا عَلَيْهِمْ فِي الْعِلْمِ، فَكَانُوا يَقْتَدُونَ بِكَثِيرٍ مِنْ فِعْلِهِمْ، وَكَانَ مِنْ أَمْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَأْتُوا النِّسَاءَ إِلَّا عَلَى حَرْفٍ، وَذَلِكَ أَسْتَرُ مَا تَكُونُ الْمَرْأَةُ، فَكَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ الْأَنْصَارِ قَدْ أَخَذُوا بِذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ، وَكَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ قُرَيْشٍ يَشْرَحُونَ النِّسَاءَ شَرْحًا مُنْكَرًا، وَيَتَلَذَّذُونَ مِنْهُنَّ مُقْبِلَاتٍ وَمُدْبِرَاتٍ وَمُسْتَلْقِيَاتٍ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَةَ تَزَوَّجَ رَجُلٌ مِنْهُمْ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ،فَذَهَبَ يَصْنَعُ بِهَا ذَلِكَ فَأَنْكَرَتْهُ عَلَيْهِ، وَقَالَتْ: إِنَّمَا كُنَّا نُؤْتَى عَلَى حَرْفٍ، فَاصْنَعْ ذَلِكَ وَإِلَّا فَاجْتَنِبْنِي. حَتَّى شَرِيَ أَمْرُهُمَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) أَيْ: مُقْبِلَاتٍ وَمُدْبِرَاتٍ وَمُسْتَلْقِيَاتٍ، يَعْنِي بِذَلِكَ مَوْضِعَ الْوَلَدِ. وهذا قد يؤيد أن ابن عمر كان يقول بجواز الإتيان في الدبر، فلعله رجع إلى الصواب، بعد أن بَيَّن له ابن عباس أو غيره سبب نزول الآية ومعناها الصحيح، ولذلك ثبت عنه – كما تقدم – أنه كان يقول بتحريمه، ويقول: أو يفعل ذلك مسلم!! والحاصل أن شريعتنا جاءت بتحريم هذا الفعل، وليس فيها شيء يدل على جوازه، ومن ظن في شيء من الكتاب أو السنة ما يدل عليه فقد أخطأ وأوهم. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 91968 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 360 حديث تميم الداري عن المسيح الدجال [السُّؤَالُ] ـ[ما حقيقة أن جماعة من المسلمين كانوا على سفر، فالتقوا برجل سألهم عن الزمان وعن بعثة محمد صلى الله عليه وسلم، فرجع وقال إن هذا ليس زمن خروجه، فقيل إنه الدجال؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله القصة التي ذكرتها جاءت في حديث مشهور، يعرف بـ (حديث الجسّاسة) ، وهو حديث عظيم، فيه علم من أعلام النبوة، فأترك لك فرصة الاستفادة والاستمتاع بقراءته. عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها قالت: (سَمِعْتُ نِدَاءَ الْمُنَادِي، مُنَادِى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يُنَادِي (الصَّلاَةَ جَامِعَةً) . فَخَرَجْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَصَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَكُنْتُ فِى صَفِّ النِّسَاءِ الَّتِى تَلِى ظُهُورَ الْقَوْمِ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلاَتَهُ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَضْحَكُ، فَقَالَ «لِيَلْزَمْ كُلُّ إِنْسَانٍ مُصَلاَّهُ» . ثُمَّ قَالَ «أَتَدْرُونَ لِمَ جَمَعْتُكُمْ» ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «إِنِّى وَاللَّهِ مَا جَمَعْتُكُمْ لِرَغْبَةٍ وَلاَ لِرَهْبَةٍ، وَلَكِنْ جَمَعْتُكُمْ لأَنَّ تَمِيماً الدَّارِىَّ كَانَ رَجُلاً نَصْرَانِيًّا فَجَاءَ فَبَايَعَ وَأَسْلَمَ، وَحَدَّثَنِى حَدِيثاً وَافَقَ الَّذِى كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْ مَسِيحِ الدَّجَّالِ، حَدَّثَنِى أَنَّهُ رَكِبَ فِى سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ مَعَ ثَلاَثِينَ رَجُلاً مِنْ لَخْمٍ وَجُذَامَ، فَلَعِبَ بِهِمُ الْمَوْجُ شَهْراً فِى الْبَحْرِ، ثُمَّ أَرْفَئُوا (أي: التجؤوا) إِلَى جَزِيرَةٍ فِى الْبَحْرِ حَتَّى مَغْرِبِ الشَّمْسِ، فَجَلَسُوا فِى أَقْرُبِ السَّفِينَةِ (وهي سفينة صغيرة تكون مع الكبيرة كالجنيبة يتصرف فيها ركاب السفينة لقضاء حوائجهم، الجمع قوارب والواحد قارب) فَدَخَلُوا الْجَزِيرَةَ فَلَقِيَتْهُمْ دَابَّةٌ أَهْلَبُ (أي: غليظ الشعر) كَثِيرُ الشَّعَرِ، لاَ يَدْرُونَ مَا قُبُلُهُ مِنْ دُبُرِهِ مِنْ كَثْرَةِ الشَّعَرِ، فَقَالُوا: وَيْلَكِ مَا أَنْتِ؟ فَقَالَتْ: أَنَا الْجَسَّاسَةُ (قيل سميت بذلك لتجسسها الأخبار للدجال) . قَالُوا: وَمَا الْجَسَّاسَةُ؟ قَالَتْ: أَيُّهَا الْقَوْمُ! انْطَلِقُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فِى الدَّيْرِ فَإِنَّهُ إِلَى خَبَرِكُمْ بِالأَشْوَاقِ. قَالَ لَمَّا سَمَّتْ لَنَا رَجُلاً فَرِقْنَا (أي خفنا) مِنْهَا أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةً، قَالَ فَانْطَلَقْنَا سِرَاعاً حَتَّى دَخَلْنَا الدَّيْرَ، فَإِذَا فِيهِ أَعْظَمُ إِنْسَانٍ رَأَيْنَاهُ قَطُّ خَلْقاً، وَأَشَدُّهُ وِثَاقاً، مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ، مَا بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى كَعْبَيْهِ بِالْحَدِيدِ، قُلْنَا: وَيْلَكَ مَا أَنْتَ؟ قَالَ: قَدْ قَدَرْتُمْ عَلَى خَبَرِي، فَأَخْبِرُونِي مَا أَنْتُمْ؟ قَالُوا: نَحْنُ أُنَاسٌ مِنَ الْعَرَبِ، رَكِبْنَا فِى سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ، فَصَادَفْنَا الْبَحْرَ حِينَ اغْتَلَمَ (أي هاج) ، فَلَعِبَ بِنَا الْمَوْجُ شَهْراً، ثُمَّ أَرْفَأْنَا إِلَى جَزِيرَتِكَ هَذِهِ، فَجَلَسْنَا فِى أَقْرُبِهَا، فَدَخَلْنَا الْجَزِيرَةَ، فَلَقِيَتْنَا دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعَرِ لاَ يُدْرَى مَا قُبُلُهُ مِنْ دُبُرِهِ مِنْ كَثْرَةِ الشَّعَرِ، فَقُلْنَا: وَيْلَكِ مَا أَنْتِ؟ فَقَالَتْ: أَنَا الْجَسَّاسَةُ. قُلْنَا: وَمَا الْجَسَّاسَةُ؟ قَالَتِ: اعْمِدُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فِى الدَّيْرِ فَإِنَّهُ إِلَى خَبَرِكُمْ بِاْلأَشْوَاقِ. فَأَقْبَلْنَا إِلَيْكَ سِرَاعاً، وَفَزِعْنَا مِنْهَا وَلَمْ نَأْمَنْ أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةً، فَقَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ نَخْلِ بَيْسَانَ. قُلْنَا: عَنْ أَىِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قَالَ: أَسْأَلُكُمْ عَنْ نَخْلِهَا هَلْ يُثْمِرُ؟ قُلْنَا لَهُ: نَعَمْ. قَالَ: أَمَا إِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ لاَ تُثْمِرَ. قَالَ: أَخْبِرُونِى عَنْ بُحَيْرَةِ الطَّبَرِيَّةِ؟ قُلْنَا: عَنْ أَىِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قَالَ: هَلْ فِيهَا مَاءٌ؟ قَالُوا: هِىَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ. قَالَ: أَمَا إِنَّ مَاءَهَا يُوشِكُ أَنْ يَذْهَبَ. قَالَ: أَخْبِرُونِى عَنْ عَيْنِ زُغَرَ؟ (وهي بلدة تقع في الجانب القبلي من الشام) قَالُوا: عَنْ أَىِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قَالَ: هَلْ فِى الْعَيْنِ مَاءٌ؟ وَهَلْ يَزْرَعُ أَهْلُهَا بِمَاءِ الْعَيْنِ؟ قُلْنَا لَهُ: نَعَمْ، هِىَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ، وَأَهْلُهَا يَزْرَعُونَ مِنْ مَائِهَا. قَالَ: أَخْبِرُونِى عَنْ نَبِىِّ الأُمِّيِّينَ مَا فَعَلَ؟ قَالُوا: قَدْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ وَنَزَلَ يَثْرِبَ. قَالَ: أَقَاتَلَهُ الْعَرَبُ؟ قُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ: كَيْفَ صَنَعَ بِهِمْ؟ فَأَخْبَرْنَاهُ أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ عَلَى مَنْ يَلِيهِ مِنَ الْعَرَبِ وَأَطَاعُوهُ، قَالَ لَهُمْ: قَدْ كَانَ ذَلِكَ؟ قُلْنَا نَعَمْ. قَالَ: أَمَا إِنَّ ذَاكَ خَيْرٌ لَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ، وَإِنِّى مُخْبِرُكُمْ عَنِّي، إِنِّى أَنَا الْمَسِيحُ، وَإِنِّى أُوشِكُ أَنْ يُؤْذَنَ لِى فِى الْخُرُوجِ، فَأَخْرُجَ فَأَسِيرَ فِى الأَرْضِ فَلاَ أَدَعَ قَرْيَةً إِلاَّ هَبَطْتُهَا فِى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً غَيْرَ مَكَّةَ وَطَيْبَةَ فَهُمَا مُحَرَّمَتَانِ عَلَيَّ كِلْتَاهُمَا، كُلَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ وَاحِدَةً أَوْ وَاحِداً مِنْهُمَا اسْتَقْبَلَنِى مَلَكٌ بِيَدِهِ السَّيْفُ صَلْتاً يَصُدُّنِى عَنْهَا، وَإِنَّ عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْهَا مَلاَئِكَةً يَحْرُسُونَهَا. قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم - وَطَعَنَ بِمِخْصَرَتِهِ فِى الْمِنْبَرِ -: «هَذِهِ طَيْبَةُ هَذِهِ طَيْبَةُ هَذِهِ طَيْبَةُ» . يَعْنِى الْمَدِينَةَ «أَلاَ هَلْ كُنْتُ حَدَّثْتُكُمْ ذَلِكَ؟» . فَقَالَ النَّاسُ:نَعَمْ. «فَإِنَّهُ أَعْجَبنِى حَدِيثُ تَمِيمٍ أَنَّهُ وَافَقَ الَّذِى كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْهُ وَعَنِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ، أَلاَ إِنَّهُ فِى بَحْرِ الشَّامِ أَوْ بَحْرِ الْيَمَنِ، لاَ بَلْ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ ما هُوَ، مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَا هُوَ، مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَا هُوَ» (قال القاضي: لفظة (ما هو) زائدة، صلة للكلام، ليست بنافية، والمراد إثبات أنه فى جهات المشرق) وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الْمَشْرِقِ. قَالَتْ فَحَفِظْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) رواه مسلم في صحيحه برقم (2942) ، فهو حديث صحيح، رواه أهل العلم في كتبهم، من طريقين عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها، وقال الترمذي رحمه الله "الجامع الصحيح" (2253) : " هذا حديث صحيح غريب " انتهى. وقال ابن عبد البر "الاستذكار" (7/338) : " ثابت صحيح من جهة الإسناد والنقل " انتهى. وللاستزادة انظر الأرقام التالية (8301) (8806) (32665) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82643 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 361 هل يأتي فيمن بعد الصحابة من هو أكثر منهم أجرا؟ [السُّؤَالُ] ـ[كيف يمكن الموازنة بين الحديثين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) والحديث الذي يقول فيه: إن لنا خمسين مثلا من الأجر الذي لهم، لأننا لم نره ولكننا صدقنا به بالغيب والأحاديث ووجود الأجيال المتتابعة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: أما الحديث الأول فهو حديث متفق على صحته بين أهل العلم، رواه البخاري (3673) ومسلم (2541) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ) وأما الحديث الثاني فقد جاء بسياقات متقاربة عن ثمانية من الصحابة، هم أبو ثعلبة الخشني وعبد الله بن مسعود وأبو أمامة وعتبة بن غزوان وأنس بن مالك وعبد الله بن عمر ومعاذ بن جبل، ومحل الشاهد الذي ذكره السائل هو قدر مشترك بين هذه السياقات، ولفظه من حديث أبي ثعلبة عند الترمذي (3058) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (َإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَزَادَنِي غَيْرُ عُتْبَةَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ؟! قَالَ بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ) وقد تبين بعد البحث أن في جميع طرق الحديث وشواهده ما يضعفه عن الاحتجاج به، ولا يسلم منها طريق من مطعن، إلا أن بعض أهل العلم ذهب إلى تحسين الحديث لكثرة طرقه وشواهده، فقد قال الترمذي في حديث أبي ثعلبة هذا: حديث حسن غريب. وصححه أيضا بمجموع طرقه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (494) ثانيا: على القول بتصحيح الحديث الثاني يبدو أن فيه معارضة للحديث الأول، فإن مقتضى الأول أن الأجر الذي يكتبه الله لعمل الصحابة السابقين أعظم من أجر العمل نفسه إذا قام به مَن بعدهم، والحديث الثاني فيه أن أجر مَن بعد الصحابة في زمن الفتنة والشدة أكثر من أجر الصحابة؟ وقد سلك أهل العلم في التوفيق بين هذين الحديثين وحل هذا التعارض الظاهري مسلكين اثنين: الأول: قالوا بأن جميع أعمال السابقين من الصحابة أكثر أجورا وأعظم ثوابا إلا عملا واحدا وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن المتأخرين من المسلمين من الذين يعيشون زمان الغربة لهم عليه من الأجور ما يفوق أجر الصحابة عليه، لأنهم لا يجدون على الحق أعوانا. قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: " الإنفاق في أول الإسلام أفضل لقوله عليه السلام لخالد بن الوليد رضي الله عنه: (لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) أي مد الحنطة. والسبب فيه أن تلك النفقة أثمرت في فتح الإسلام وإعلاء كلمة الله ما لا يثمر غيرها. وكذلك الجهاد بالنفوس، لا يصل المتأخرون فيه إلى فضل المتقدمين، لقلة عدد المتقدمين، وقلة أنصارهم، فكان جهادهم أفضل، ولأن بذل النفس مع النصرة ورجاء الحياة ليس كبذلها مع عدمها، ولذلك قال عليه السلام: (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر) جعله أفضل الجهاد ليأسه من حياته. وأما النهي عن المنكر بين ظهور المسلمين وإظهار شعائر الإسلام فإن ذلك شاق على المتأخرين لعدم المعين، وكثرة المنكر فيهم، كالمنكر على السلطان الجائر، ولذلك قال عليه السلام: (يكون القابض كالقابض على الجمر) لا يستطيع دوام ذلك لمزيد المشقة، فكذلك المتأخر في حفظ دينه، وأما المتقدمون فليسوا كذلك لكثرة المعين وعدم المنكر، فعلى هذا يُنَزَّل الحديث " انتهى. نقلا عن "عون المعبود" (11/333) فهذا المسلك يخصص نوع العمل، فيجعل جميع أعمال الصحابة فاضلة في أجورها على من بعدهم إلا عملا واحدا وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. المسلك الثاني: أن أعمال الصحابة أجرها أعظم وثوابها أكبر من أعمال من بعدهم، إلا في أيام الفتنة وغربة الدين، فإن أعمال من بعدهم أفضل من أعمال الصحابة في زمن الطمأنينة وانتشار الإسلام، فالتخصيص هنا في زمان العمل وليس في أنواع العمل. يقول الشوكاني في "نيل الأوطار" (89/368) : " أعمال الصحابة فاضلة مطلقا من غير تقييد لحالة مخصوصة، كما يدل عليه: (لو أنفق أحدكم مثل أحد) الحديث. إلا أن هذه المزية للسابقين منهم. وأما أعمال من بعد الصحابة فلم يَرِد ما يدل على كونها أفضل على الإطلاق، إنما ورد ذلك مقيدا بأيام الفتنة وغربة الدِّين، حتى كان أجر الواحد يعدل أجر خمسين رجلا من الصحابة، فيكون هذا مخصصا لعموم ما ورد في أعمال الصحابة، فأعمال الصحابة فاضلة، وأعمال من بعدهم مفضولة، إلا في مثل تلك الحالة " انتهى. ثالثا: وعلى جميع الأحوال فإن أحدا من أهل العلم لم يقل بأن مِن المتأخرين مِن المسلمين مَن يفوق السابقين مِن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بدر وأحد وبيعة الرضوان، وليس في الحديث ما يدل على ذلك، بل غاية ما فيه – إن سلَّمنا بصحته – أنَّ أجورَ بعض الأعمال في زمن الفتنة والغربة تضاعف لهم على أجور من لم يدرك غربة الإسلام الأولى من الصحابة رضي الله عنهم. يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري" (7/7) : " على أن حديث (للعامل منهم أجر خمسين منكم) لا يدل على أفضلية غير الصحابة على الصحابة؛ لأن مجرد زيادة الأجر لا يستلزم ثبوت الأفضلية المطلقة، وأيضا فالأجر إنما يقع تفاضله بالنسبة إلى ما يماثله في ذلك العمل، فأما ما فاز به من شاهد النبي صلى الله عليه وسلم من زيادة فضيلة المشاهدة فلا يعدله فيها أحد " انتهى. فالفضل والقدر والمنزلة الأعلى ثابتة لصحابة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد أكرمهم الله بمشاهدة ومصاحبة خير البشر محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا الفضل لن يدركه بحال أحد ممن جاء بعدهم، وزيادة أجور مَن بعدهم في بعض الأعمال أو الأحوال لا يلزم منه أبدا التقدم عليهم في الفضل والمنزلة، خاصة وأن أجور مَن بعد الصحابة تؤول في محصَّلها إلى موازين حسنات الصحابة الذين نقلوا لنا الدين والشريعة، وحملوا لنا هذا الفضل العظيم، فبلغوا الأمانة على وجهها، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ) رواه مسلم (1893) وقد سبق تفصيل ذلك في موقعنا في جواب السؤال رقم (3374) والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 81279 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 362 معنى حديث (مَن صَلَّى الصُّبحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ) [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن صَلَّى الصُّبحَ فِي جَمَاعَةٍ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ ... ) ؛ وكيف أكون في ذمة الله؟ وهل صلاة الرجل مع زوجته في البيت جماعة له نفس معنى الجماعة المراد في الحديث؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله روى مسلم (657) عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن صَلَّى الصُّبحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ، فَلا يَطلُبَنَّكُمُ اللَّهُ مِن ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ فَيُدرِكَهُ فَيَكُبَّهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ) . قال النووي في "شرح مسلم" (5/158) :" الذِّمَّة هنا: الضمان، وقيل الأمان " انتهى. قال الطيبي رحمه الله: " وإنما خص صلاة الصبح بالذكر؛ لما فيها من الكلفة والمشقة، وأداؤها مظنة خلوص الرجل، ومنه إيمانه؛ ومن كان مؤمنا خالصا فهو في ذمة الله تعالى وعهده. " شرح مشكاة المصابيح، للطيبي (2/184) . وفي المراد بالحديث قولان للعلماء: الأول: أن يكون في الحديث نهي عن التعرض بالأذى لكل مسلم صلى صلاة الصبح، فإن من صلى صلاة الصبح فهو في أمان الله وضمانه، ولا يجوز لأحد أن يتعرض لِمَن أمَّنَه الله، ومن تعرض له، فقد أخفر ذمة الله وأمانه، أي أبطلها وأزالها، فيستحق عقاب الله له على إخفار ذمته، والعدوان على من في جواره. انظر: فيض القدير للمناوي (6/164) . قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله "شرح رياض الصالحين" (1/591) : " في هذا دليل على أنه يجب احترام المسلمين الذي صدَّقوا إسلامهم بصلاة الفجر؛ لأن صلاة الفجر لا يصليها إلا مؤمن، وأنه لا يجوز لأحد أن يعتدي عليهم " انتهى. ويدل لهذا المعنى ما رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (4/5) بسنده، وقال الألباني عنه في "صحيح الترغيب" (1/110) : صحيح لغيره: عن الأعمش قال: كان سالم بن عبد الله بن عمر قاعدا عند الحجاج، فقال له الحجاج: قم فاضرب عنق هذا، فأخذ سالم السيف، وأخذ الرجل، وتوجه باب القصر، فنظر إليه أبوه وهو يتوجه بالرجل، فقال: أتراه فاعلا؟! فردَّه مرتين أو ثلاثا، فلما خرج به قال له سالم: صليت الغداة؟ قال: نعم. قال: فخذ أي الطريق شئت، ثم جاء فطرح السيف، فقال له الحجاج: أضربت عنقه؟ قال: لا، قال: ولِمَ ذاك؟ قال: إني سمعت أبي هذا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن صَلَّى الغَدَاةَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ حَتَّى يُمسِيَ) !! والقول الثاني: أن يكون المقصود من الحديث التحذير من ترك صلاة الصبح والتهاون بها، فإن في تركها نقضا للعهد الذي بين العبد وربه، وهذا العهد هو الصلاة والمحافظة عليها. قال البيضاوي: " ويحتمل أن المراد بالذمة الصلاة المقتضية للأمان، فالمعنى: لا تتركوا صلاة الصبح ولا تتهاونوا في شأنها، فينتقض العهد الذي بينكم وبين ربكم، فيطلبكم الله به، ومن طلبه الله للمؤاخذة بما فرط في حقه أدركه، ومن أدركه كبه على وجهه في النار، وذلك لأن صلاة الصبح فيها كلفة وتثاقل، فأداؤها مظنة إخلاص المصلي، والمخلص في أمان الله " انتهى. نقلا عن "فيض القدير" (6/164) وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن فضيلة الدخول في ذمة الله تعالى وجواره، المذكورة في هذا الحديث، إنما تثبت لمن صلى الصبح في جماعة؛ ولذلك بوب عليه النووي رحمه الله ـ في تبويبه لصحيح مسلم: باب فضل صلاة العشاء والصبح في جماعة، وسبقه إلى ذلك المنذري رحمه الله، فذكر الحديث في كتابه: الترغيب والترهيب، باب: (الترغيب في صلاة الصبح والعشاء خاصة، في جماعة، والترهيب من التأخر عنهما) . بل إن هذا هو ظاهر صنيع الإمام مسلم؛ حيث روى قبل الحديث نحوا من عشرين حديثا، وبعده بضعة عشر حديثا، كلها تتحدث عن صلاة الجماعة، وما يتعلق بها. ولذلك أورده الحافظ عبد الحق الأشبيلي في الجمع بين الصحيحين له، في باب: صلاة الجماعة (923) . واعتمده المباركفوري في شرح الترمذي. قال: " (من صلى الصبح) في جماعة ". انتهى. وقال ابن علان في دليل الفالحين (3/550) : " أي: جماعة، كما في رواية أخرى ". ويشهد لهذا التقييد ـ من حيث الرواية ـ حديث أبي بكرة رضي الله عنه: (من صلى الصبح في جماعة فهو في ذمة الله ... ) قال الهيثمي رحمه الله (2/29) : رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح، وقال المنذري في الترغيب: "ورجال إسناده رجال الصحيح "، وقال الألباني: صحيح لغيره. انظر: صحيح الترغيب، رقم (461) . تنبيه: هذه الزيادة اعتمدها المناوي أيضا، ونسبها إلى مسلم. وهو وهم منه، فزيادة (جماعة ليست في مسلم، بل ولا في شيء من الكتب الستة. وقيل: إن هذه الفضيلة تحصل لكل من صلى صلاة الصبح في وقتها، حتى ولو لم يدرك الجماعة، لعدم التقييد بذلك في رواية مسلم وغيره من أصحاب الكتب الستة. وهذا هو الظاهر من تبويب ابن ماجة رحمه الله على هذا الحديث في سننه: باب: المسلمون في ذمة الله، من كتاب الفتن. وعلى ذلك ـ أيضا ـ ابن حبان في صحيحه (5/36) : " باب ذكر إثبات ذمة الله جل وعلا للمصلي صلاة الغداة "، هكذا بإطلاق المصلي. ثالثا:الجماعة الشرعية التي جاء الأمر بها وترتيب الأجور عليها هي جماعة المسجد، وليست أي جماعة أخرى، وقد سبق تفصيل ذلك في الأسئلة (8918) (49947) (72398) وفي خصوص فضل صلاة الصبح في جماعة جاءت بعض الأدلة: فقد جاء في تفسير الطبري (3/270) في تفسير قوله تعالى (وَالمُستَغفِرِينَ بِالأَسحَارِ) عن زيد بن أسلم أنه قال: هم الذين يشهدون الصبح في جماعة. وفي تفسير قوله تعالى (تَتَجَافَى جُنُوبُهُم عَنِ المَضَاجِعِ يَدعُونَ رَبَّهُم خَوفًا وَطَمَعًا) السجدة/16 قال أبو الدرداء والضحاك: صلاة العشاء والصبح في جماعة. انظر "زاد المسير" (6/339) وفي صحيح مسلم (656) من حديث عثمان رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَن صَلَّى العِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصفَ الَّليلِ، وَمَن صَلَّى الصُّبحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى الَّليلَ كُلَّهُ) . وروى البخاري (615) ومسلم (437) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وَلَو يَعلَمُونَ مَا فِي العَتمَةِ وَالصُّبحِ لَأَتَوهُمَا وَلَو حَبوًا) وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لأن أشهد صلاة الصبح في جماعة أحب إلي من أن أقوم ليلة. "الاستذكار" (2/147) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 72559 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 363 حكم الانتحار والصلاة على المنتحر والدعاء له [السُّؤَالُ] ـ[لدي ابنة خالة توفيت ومعظم الاحتمالات تبين أنها انتحرت، فما حكم من ينتحر؟ وما حالته عند ربه؟ وماذا يفعل والداها ليخففا عنها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الانتحار من كبائر الذنوب، وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن المنتحر يعاقب بمثل ما قتل نفسه به. فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَن تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالداً مخلداً فيها أبداً، ومَن تحسَّى سمّاً فقتل نفسه فسمُّه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومَن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً) رواه البخاري (5442) ومسلم (109) . وعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَن قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة) رواه البخاري (5700) ومسلم (110) . وعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع فأخذ سكيناً فحز بها يده فما رقأ الدم حتى مات. قال الله تعالى: بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة) رواه البخاري (3276) ومسلم (113) وقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة على المنتحر، عقوبةً له، وزجراً لغيره أن يفعل فعله، وأذن للناس أن يصلوا عليه، فيسن لأهل العلم والفضل ترك الصلاة على المنتحر تأسيّاً بالنبي صلى الله عليه وسلم. فعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: (أُتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قتل نفسه بمَشاقص فلم يصل عليه) رواه مسلم (978) . قال النووي: " المَشاقص: سهام عراض. وفي هذا الحديث دليل لمن يقول: لا يصلى على قاتل نفسه لعصيانه , وهذا مذهب عمر بن عبد العزيز والأوزاعي , وقال الحسن والنخعي وقتادة ومالك وأبو حنيفة والشافعي وجماهير العلماء: يصلى عليه , وأجابوا عن هذا الحديث بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل عليه بنفسه زجرا للناس عن مثل فعله , وصلت عليه الصحابة " انتهى. " شرح مسلم " (7 / 47) . ولا يعني هذا – إن ثبت انتحارها – أن تتركوا الدعاء لها بالرحمة والمغفرة، بل هو متحتم عليكم لحاجتها له، والانتحار ليس كفراً مخرجاً من الملة كما يظن بعض الناس، بل هو من كبائر الذنوب التي تكون في مشيئة الله يوم القيامة إن شاء غفرها وإن شاء عذَّب بها، فلا تتهاونوا بالدعاء لها، وأخلصوا فيه، فلعله يكون سببا لمغفرة الله لها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 70363 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 364 هل يمكن للبشر رؤية الملائكة والنبي صلى الله عليه وسلم يقظة عياناً؟ [السُّؤَالُ] ـ[كنا قد قمنا بمسيرة احتجاجية كبيرة بالعاصمة لمساندة الشعب الفلسطيني والشعب العراقي ضد الاحتلال الإسرائيلي والأمريكي، بعد انتهاء المسيرة سمعت بعض الإخوان والأخوات يتحدثون أنهم رأوا سيدنا جبريل نازلاً من السماء وكذلك رأوا سيدنا محمد (ص) والكثير من الملائكة يرافقونهم، تأييداً لهذه المسيرة، فهل هذه المشاهدات قد تكون حقيقية ويجب علينا تصديقها وإلا سوف نعاقب بسوء الظن في إخواننا المسلمين؟ بالنسبة لي لم أستطع التصديق علما أن أهل بدر والصحابة الأجلاء العشرة المبشرين بالجنة لم يروا الملائكة الكرام بالعين المجردة ولا رأوا سيدنا جبريل! فهل نستطيع أن نقول إن هذا وهَم المشاهدة؟ أي: تخيل رؤية الشيء حتى يصبح حقيقة يصدقه العقل وتراه العين؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: سبق في جواب السؤال رقم (11469) بيان حكم المظاهرات فلينظر. ثانياً: لا ينبغي اختصار الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم بحرف الصاد، ولا بكلمة " صلعم "! ومن كتب مثل هذا السؤال الطويل لا يعجزه كتابة الصلاة والسلام عليه كاملة. وقد سبق بيان حكم كتابة هذين الاختصارين في جواب السؤال رقم (47976) فلينظر. ثالثاً: الملائكة خلقت من نور – كما رواه مسلم (2996) - ولا يمكن لأحدٍ أن يدَّعي أنه رآها على صورتها الحقيقية إلا أن يكون نبيّاً يُصدَّق قوله، وأما أن يراهم متشكلين على هيئات أحدٍ من البشر فيمكن هذا لعامة الناس وخاصتهم، وقد جاء في السنَّة النبوية من ذلك كثير، سواء في هذه الأمة أم في الأمم التي قبلها. وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو موفور العقل والدين لم يحتمل رؤية جبريل عليه السلام على صورته الحقيقية التي خلقه الله عليها، فكيف أطاقه هؤلاء - هذا إن سلَّمنا أنهم رأوه أصلاً -؟! قال الشيخ عمر الأشقر: ولما كانت الملائكة أجساماً نورانيَّة لطيفة؛ فإن العباد لا يستطيعون رؤيتهم، خاصة أن الله لم يُعطِ أبصارنا القدرة على هذه الرؤية، ولم يرَ الملائكةَ في صُوَرهم الحقيقية من هذه الأمَّة إلا الرسول صلى الله عليه وسلَّم؛ فإنه رأى جبريل مرتين في صورته التي خلَقه الله عليها، وقد دلَّت النصوص على أن البشر يستطيعون رؤية الملائكة إذا تمثَّلت الملائكة في صورة البشر. " عالَم الملائكة الأبرار " (ص 11) . وقال أيضاً – في سياق إثبات بشرية الرسل والرد على من اقترح أن يكونوا من الملائكة -: الرابع: صعوبة رؤية الملائكة، فالكفار عندما يقترحون رؤية الملائكة، وأن يكون الرسل إليهم ملائكة لا يدركون طبيعة الملائكة، ولا يعلمون مدى المشقة والعناء الذي سيلحق بهم من جراء ذلك. فالاتصال بالملائكة ورؤيتهم أمر ليس بسهل، فالرسول صلى الله عليه وسلم مع كونه أفضل الخلق، وهو على جانب عظيم من القوة الجسميَّة والنفسيَّة عندما رأى جبريل على صورته أصابه هول عظيم ورجع إلى منزله يرجف فؤاده، وقد كان صلى الله عليه وسلم يعاني من اتصال الوحي به شدّة، ولذلك قال في الردّ عليهم: (يومَ يروْنَ الملائكةَ لا بُشرى يومئذٍ للمُجرمين) الفرقان/22، ذلك أنَّ الكفار لا يرون الملائكة إلا حين الموت أو حين نزول العذاب، فلو قُدّر أنّهم رأوا الملائكة لكان ذلك اليوم يوم هلاكهم. فكان إرسال الرسل من البشر ضروريّاً كي يتمكنوا من مخاطبتهم، والفقه عنهم، والفهم منهم، ولو بعث الله رسله إليهم من الملائكة لما أمكنهم ذلك (ومَا مَنَعَ النَّاس أنْ يؤمنوا إذ جاءَهُم الهُدى إلاّ أنْ قالوا أبَعَثَ اللهُ بشراً رسُولاً. قُلْ لو كان في الأرضِ ملائكةٌ يمشون مطمئنينَ لنزّلنا عليهم من السّماء ملكاً رسُولاً) الإسراء/94، 95، أما وأن الذين يسكنون الأرض بشر فرحمة الله وحكمته تقتضي أن يكون رسولهم من جنسهم (لَقَدْ مَنَّ اللهُ على المؤمنينَ إذْ بعثَ فيهم رسُولاً من أنفسِهِم) آل عمران/164. وإذا كان البشر لا يستطيعون رؤية الملائكة والتلقي عنهم بيسر وسهولة فيقتضي هذا - لو شاء الله أن يرسل مَلكا رسولا إلى البشر - أن يجعله رجلا (ولَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لجعلناهُ رَجُلاً ولَلَبسْنا عليهم ما يلبِسون) الأنعام/9. والتباس الأمر عليهم بسبب كونه في صورة رجل، فلا يستطيعون أن يتحققوا من كونه ملكاً، وإذا كان الأمر كذلك فلا فائدة من إرسال الرسل من الملائكة على هذا النحو، بل إرسالهم من الملائكة على هذا النحو لا يحقق الغرض المطلوب، لكون الرسول الملك لا يستطيع أن يحس بإحساس البشر وعواطفهم وانفعالاتهم وإن تشكل بأشكالهم. " الرسل والرسالات " (72، 73) . رابعاً: وأما رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة فهو من أقوال المخرفين من الصوفية، ولا أصل له في الشرع ولا في واقع الحال، وقد وقعت للصحابة رضي الله عنهم أمورٌ عظيمة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، وكانوا في أمس الحاجة لوجوده بينهم، فَلِمَ لمْ يظهر لهم؟ ولم يروه وهو أحب الناس إليهم، وهم أحب الناس إليه؟! وأما استدلال بعضهم بالحديث الذي في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من رآني في المنام فسيراني في اليقظة) على إمكانية رؤية النبي صلى الله عليه وسم يقظة: فليس فيه ما يدل على ما قالوه، بل هذا فيه البشرى لمن رآه في المنام أن يراه في الجنة، وليس المعنى أنه يراه يقظة في الدنيا. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وشذ بعض الصالحين فزعم أنها تقع - يعني الرؤية - بعيني الرأس حقيقة. " فتح الباري " (12 / 384) . وقال النووي رحمه الله في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فسيراني في اليقظة) : فيه أقوال: أحدها: أن يراد به أهل عصره، ومعناه: أن من رآه في النوم ولم يكن هاجر يوفقه الله للهجرة ورؤيته صلى الله عليه وسلم في اليقظة عياناً. وثانيها: أنه يرى تصديق تلك الرؤيا في اليقظة في الدار الآخرة؛ لأنه يراه في الآخرة جميع أمته. وثالثها: أنه يراه في الآخرة رؤية خاصة في القرب منه وحصول شفاعته، ونحو ذلك. " شرح مسلم " (15 / 26) . ولا يتعارض ما ذكره النووي في القول الأول مع ما أنكره الحافظ ابن حجر؛ لأن النووي ذكر أنه يراد به أهل عصره صلى الله عليه وسلم، وما أنكره الحافظ إنما هو لمن زعم الرؤية حقيقة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم. وقال أبو العباس القرطبي – ردّاً على من قال برؤيته صلى الله عليه وسلم يقظة -: وهذا يدرك فساده بأوائل العقول، ويلزم عليه أن لا يراه أحد إلا على صورته التي مات عليها، وأن يراه رائيان في آن واحد في مكانين، وأن يحيا الآن ويخرج من قبره ويمشي في الأسواق ويخاطب الناس ويخاطبوه، ويلزم من ذلك أن يخلو قبره من جسده ولا يبقى في قبره منه شيء، فيزار مجرد القبر ويسلم على غائب؛ لأنه جائز أن يرى في الليل والنهار مع اتصال الأوقات على حقيقته في غير قبره. نقله عنه الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (12 / 384) . وأيضاً لو كان صحيحاً أن أحداً يرى النبي صلى الله عليه وسلم يقظة لكان عداده في الصحابة ولاستمرت الصحبة إلى يوم القيامة. وقد ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني أن ابن أبى جمرة نقل عن جماعة من المتصوفة " أنهم رأوا النبي صلى الله عليه وسلم في المنام ثم رأوه بعد ذلك في اليقظة وسألوه عن أشياء كانوا منها متخوفين فأرشدهم إلى طريق تفريجها فجاء الأمر كذلك "! ثم تعقب الحافظ ذلك بقوله: " وهذا مشكل جدّاً، ولو حمل على ظاهره: لكان هؤلاء صحابة، ولأمكن بقاء الصحبة إلى يوم القيامة، ويعكِّر عليه أن جمعاً جمّاً رأوه في المنام ثم لم يذكر واحد منهم أنه رآه في اليقظة، وخبر الصادق لا يتخلف. " فتح الباري " (12 / 385) . وفي رد علماء اللجنة الدائمة على عقيدة التيجاني قالوا: ولم يثبت عن الخلفاء الراشدين ولا سائر الصحابة رضي الله عنهم أن أحداً منهم وهم خير الخلق بعد الأنبياء ادعى أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقظة، ومن المعلوم من الدين بالضرورة أن التشريع قد أكمل في حياته صلى الله عليه وسلم، وأن الله قد أكمل للأمة دينها وأتم عليها نعمته قبل أن يتوفى رسوله صلى الله عليه وسلم إليه، قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً) المائدة/3، فلا شك أن ما زعمه أحمد التيجاني لنفسه من رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة وأنه أخذ عنه الطريقة التيجانية يقظة مشافهة، وأنه عيَّن له الأوراد التي يذكر الله بها ويصلي على رسوله بها لاشك أن هذا من البهتان والضلال المبين. " فتاوى اللجنة الدائمة " (2 / 325، 326) . وقالوا أيضاً: فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما بلغ الرسالة وأكمل الله به دينه وأقام به الحجة على خلقه، وصلى عليه أصحابه رضي الله عنهم صلاة الجنازة، ودفنوه حيث مات في حجرة عائشة رضي الله عنها، وقام من بعده الخلفاء الراشدون، وقد جرى في أيامهم أحداث ووقائع فعالجوا ذلك باجتهادهم، ولم يرجعوا في شيء منها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن زعم بعد ذلك أنه رآه في اليقظة حيا وكلمه أو سمع منه شيئا قبل يوم البعث والنشور فزعمه باطل؛ لمخالفته النصوص والمشاهدة وسنة الله في خلقه، وليس في هذا الحديث دلالة على أنه سيرى ذاته في اليقظة في الحياة الدنيا؛ لأنه يحتمل أن المراد بأنه: فسيراني يوم القيامة، ويحتمل أن المراد: فسيرى تأويل رؤياه؛ لأن هذه الرؤيا صادقة بدليل ما جاء في الروايات الأخرى من قوله صلى الله عليه وسلم: " فقد رآني " الحديث، وقد يراه المؤمن في منامه رؤيا صادقة على صفته التي كان صلى الله عليه وسلم عليها أيام حياته الدنيوية. " فتاوى اللجنة الدائمة " (1 / 486، 487) . وخلاصة ما سبق: أنه لا يجوز لأحدٍ – بعد الأنبياء - أن يدَّعي رؤية الملائكة؛ فهم أجسام نورانية لم يجعل الله تعالى في مقدور البشر رؤيتهم إلا إن تشكلوا. ولا يجوز لأحدٍ أن يدَّعي رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة، ولعل هذه الأوهام والخيالات كانت من بعض مَنْ ليس عنده علم شرعي ولا عقل ناضج فراح يتخيل ويتصور وجود ما لا حقيقة له. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 70364 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 365 ما ثياب الكفار التي نهينا عن لبسها؟ [السُّؤَالُ] ـ[كيف كان المسلمون في زمن النبي صلى الله عليه وسلم يميزون أنفسهم عن الكفار في اللباس؟ هل كان كفار مكة يلبسون هم أيضا الثوب الطويل (الذي يعرف اليوم بالجلابية) ؟ وبناء على ذلك هل يعتبر الثوب الواسع من الملابس اللائقة إسلاميّا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اللباس من نعم الله تعالى على عباده، فهي تستر العورة وتقي الحر والبرد، وقد امتن الله به عليهم فقال: (يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) الأعراف/26، وقال: (وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ) النحل/81. والأصل في اللباس الإباحة، فللمسلم أن يلبس ما يشاء مما يصنعه هو أو يصنعه له غيره من المسلمين وغيرهم، وهذا هو حال الصحابة رضي الله عنهم في مكة وفي غيرها، فلم يكن من يُسلم منهم يلبس لباساً خاصّاً به، وكان النبي صلى الله صلى الله عليه يبلس الجبة الشامية والحلة اليمنية، ولم يكن أهل صناعتهما من المسلمين، فالعبرة بموافقة اللباس للشروط الشرعية، وتجد في جواب السؤال رقم (36891) ملخصاً لأحكام اللباس بالنسبة للرجال، فلينظر. وقد نهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن التشبه بالكفار عموماً – في اللباس وغيره -، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم) رواه أبو داود (4031) وصححه العراقي في "تخريج إحياء علوم الدين" (1/342) والألباني في "إرواء الغليل" (5/109) . ونهانا نهياً خاصاً عن: التشبه بهم في اللباس، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى عليه ثوبين معصفرين فقال له: (إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها) رواه مسلم (2077) . وروى مسلم (2069) عن عمر رضي الله عنه أنه كتب للمسلمين في أذربيجان: (إياكم والتنعم وزي أهل الشرك) رواه مسلم (2069) . وثياب الكفار التي يحرم على المسلمين لبسها هي ما يختص بلبسه الكفار , فلا يلبسها غيرهم , أما ما يلبسه الكفار والمسلمون , فلا حرج في لبسه ولا كراهية فيه، لأنه ليس خاصاً بالكفار. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء عن المشابهة بالكفار المنهي عنها فأجابوا: " المراد بمشابهة الكفار المنهي عنها: مشابهتهم فيما اختصوا به من العادات، وما ابتدعوه في الدين من عقائد وعبادات، كمشابهتهم في حلق اللحية ... . أما لبس البنطلون والبدلة وأمثالهما من اللباس، فالأصل في أنواع اللباس الإباحة، لأنَّهُ من أمور العادات، قال تعالى: (قل من حرَّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق) الآية، ويستثنى من ذلك ما دلَّ الدليل الشرعي على تحريمه أو كراهته كالحرير للرجال، والذي يصف العورة لكونه شفافاً يُرى من ورائه لون الجلد، أو ككونه ضيقاً يحدد العورة، لأنه حينئذ في حكم كشفها , وكشفها لا يجوز، وكالملابس التي هي من سيما الكفار فلا يجوز لبسها لا للرجال ولا للنساء , لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التشبه بهم، وكلبس الرجال ملابس النساء , ولبس النساء ملابس الرجال , لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال. وليس اللباس المسمى بالبنطلون مما يختصُّ بالكفار، بل هو لباس عام في المسلمين والكافرين في كثير من البلاد والدول، وإنما تنفر النفوس من لبس ذلك في بعض البلاد لعدم الإلف ومخالفة عادة سكانها في اللباس، وإن كان ذلك موافقاً لعادة غيرهم من المسلمين، لكن الأولى بالمسلم إذا كان في بلد لم يعتد أهلها ذلك اللباس ألاَّ يلبسه في الصلاة ولا في المجامع العامة ولا في الطرقات " انتهى. " فتاوى اللجنة الدائمة " (3 / 307 - 309) . وقالوا أيضاً: " يجب على المسلمين والمسلمات أن يحرصوا على الأخلاق الإسلامية، وأن يسيروا على منهج الإسلام في أفراحهم وأتراحهم ولباسهم وطعامهم وشرابهم وجميع شؤونهم. ولا يجوز لهم أن يتشبَّهوا بالكفار في لباسهم بأن يلبسوا الملابس الضيقة التي تحدِّد العورة، أو الملابس الشفافة الرقيقة التي تشف عن العورة ولا تسترها، أو الملابس القصيرة التي لا تغطي الصدر أو الذراعين أو الرقبة أو الرأس أو الوجه " انتهى. " فتاوى اللجنة الدائمة " (3 / 306، 307) . وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله عن مقياس التشبُّه بالكفار؟ فأجاب: " مقياس التشبه: أن يفعل المتشبِّه ما يختص به المتشبَّه به، فالتشبُّه بالكفار أن يفعلَ المسلم شيئاً من خصائصهم. أما ما انتشر بين المسلمين وصار لا يتميز به الكفار فإنه لا يكون تشبُّهاً، فلا يكون حراماً من أجل أنَّه تشبّه إلاَّ أن يكون محرَّماً من جهة أخرى. وهذا الذي قلناه هو مقتضى مدلول هذه الكلمة، وقد صرَّح بمثله صاحب "فتح الباري" حيث قال (10/272) : " وقد كره بعض السلف لبس البرنس؛ لنَّهُ كان من لباسِ الرهبانِ، وقد سئل مالكٌ عنه فقال: لا بأس به، قيل: فإنَّهُ من لبوس النصارى، قال: كان يلبس ههنا " انتهى. قلت: لو استدلَّ مالك بقول النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل ما يلبس المحرم؟ فقال: (لا يلبس القميص ولا السراويل ولا البرانس ... ) لكان أولى. وفي "الفتح" أيضاً (10/307) : " وإن قلنا النهي عنها (أي: عن المياثر الأرجوان) من أجل التشبُّه بالأعاجم: فهو لمصلحة دينية، لكن كان ذلك شعارهم حينئذ وهم كفار، ثم لما لم يصر الآن يختص بشعارهم زال ذلك المعنى، فتزول الكراهة، والله أعلم " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (12 / 290) . وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: " وتباح ثياب الكفار إذا لم تعلم نجاستها؛ لأن الأصل الطهارة؛ فلا تزول بالشك، ويباح ما نسجوه أو صبغوه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يلبسون ما نسجه الكفار وصبغوه " انتهى. " الملخص الفقهي " (1 / 20) . وخلاصة الجواب: أنه يحرم على المسلم أن يتشبه بالكفار فيما هو من خصائصهم من اللباس وغيره , أما ما لا يختص به الكفار فلا حرج فيه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69789 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 366 معنى الصلاة والسلام على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى الصلاة والسلام على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: أما " الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم " فمعناها - عند جمهور العلماء -: من الله تعالى: الرحمة، ومن الملائكة: الاستغفار، ومن الآدميين: الدعاء، وذهب آخرون – ومنهم أبو العالية من المتقدمين، وابن القيم من المتأخرين، وابن عثيمين من المعاصرين – إلى أن معنى " الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم " هو الثناء عليه في الملأ الأعلى، ويكون دعاء الملائكة ودعاء المسلمين بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم بأن يثني الله تعالى عليه في الملأ الأعلى، وقد ألَّف ابن القيم – رحمه الله – كتاباً في هذه المسألة، سمّاه " جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام " وقد توسع في بيان معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وأحكامها، وفوائدها، فلينظره من أراد التوسع. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: " قوله: " صلِّ على محمد " قيل: إنَّ الصَّلاةَ مِن الله: الرحمة، ومن الملائكة: الاستغفار، ومن الآدميين: الدُّعاء. فإذا قيل: صَلَّتْ عليه الملائكة، يعني: استغفرت له. وإذا قيل: صَلَّى عليه الخطيبُ، يعني: دعا له بالصلاة. وإذا قيل: صَلَّى عليه الله، يعني: رحمه. وهذا مشهورٌ بين أهل العلم، لكن الصحيح خِلاف ذلك، أن الصَّلاةَ أخصُّ من الرحمة، ولذا أجمع المسلمون على جواز الدُّعاء بالرحمة لكلِّ مؤمن، واختلفوا: هل يُصلَّى على غير الأنبياء؟ ولو كانت الصَّلاةُ بمعنى الرحمة لم يكن بينهما فَرْقٌ، فكما ندعو لفلان بالرحمة نُصلِّي عليه. وأيضاً: فقد قال الله تعالى: (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) البقرة157، فعطف " الرحمة " على " الصلوات " والعطفُ يقتضي المغايرة فتبيَّن بدلالة الآية الكريمة، واستعمال العلماء رحمهم الله للصلاة في موضع والرحمة في موضع: أن الصَّلاة ليست هي الرحمة. وأحسن ما قيل فيها: ما ذكره أبو العالية رحمه الله أنَّ صلاةَ الله على نبيِّه: ثناؤه عليه في الملأ الأعلى. فمعنى " اللَّهمَّ صَلِّ عليه " أي: أثنِ عليه في الملأ الأعلى، أي: عند الملائكة المقرَّبين. فإذا قال قائل: هذا بعيد مِن اشتقاق اللفظ؛ لأن الصَّلاة في اللُّغة الدُّعاء وليست الثناء: فالجواب على هذا: أن الصلاة أيضاً من الصِّلَة، ولا شَكَّ أن الثناء على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الملأ الأعلى من أعظم الصِّلات؛ لأن الثناء قد يكون أحياناً عند الإنسان أهمُّ من كُلِّ حال، فالذِّكرى الحسنة صِلَة عظيمة. وعلى هذا فالقول الرَّاجح: أنَّ الصَّلاةَ عليه تعني: الثناء عليه في الملأ الأعلى " انتهى. " الشرح الممتع " (3 / 163، 164) . ثانياً: وأما معنى " السلام عليه صلى الله عليه وسلم ": فهو الدعاء بسلامة بدنه – في حال حياته -، وسلامة دينه صلى الله عليه وسلم، وسلامة بدنه في قبره، وسلامته يوم القيامة. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: قوله: " السلام عليك ": " السَّلام " قيل: إنَّ المراد بالسَّلامِ: اسمُ الله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنَّ اللَّهَ هو السَّلامُ " كما قال الله تعالى في كتابه: (الملك القدوس السلام) الحشر/23، وبناءً على هذا القول يكون المعنى: أنَّ الله على الرسول صلى الله عليه وسلم بالحِفظ والكَلاءة والعناية وغير ذلك، فكأننا نقول: اللَّهُ عليك، أي: رقيب حافظ مُعْتَنٍ بك، وما أشبه ذلك. وقيل: السلام: اسم مصدر سَلَّمَ بمعنى التَّسليم، كما قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) الأحزاب/56 فمعنى التسليم على الرسول صلى الله عليه وسلم: أننا ندعو له بالسَّلامة مِن كُلِّ آفة. إذا قال قائل: قد يكون هذا الدُّعاء في حياته عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ واضحاً، لكن بعد مماته كيف ندعو له بالسَّلامةِ وقد مات صلى الله عليه وسلم؟ فالجواب: ليس الدُّعاءُ بالسَّلامة مقصوراً في حال الحياة، فهناك أهوال يوم القيامة، ولهذا كان دعاء الرُّسل إذا عَبَرَ النَّاسُ على الصِّراط: " اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ "، فلا ينتهي المرءُ مِن المخاوف والآفات بمجرد موته. إذاً؛ ندعو للرَّسول صلى الله عليه وسلم بالسَّلامةِ من هول الموقف. ونقول - أيضاً -: قد يكون بمعنى أعم، أي: أنَّ السَّلامَ عليه يشمَلُ السَّلامَ على شرعِه وسُنَّتِه ِ، وسلامتها من أن تنالها أيدي العابثين؛ كما قال العلماءُ في قوله تعالى: (فردوه إلى الله والرسول) النساء/59، قالوا: إليه في حياته، وإلى سُنَّتِهِ بعد وفاته. وقوله: " السلام عليك " هل هو خَبَرٌ أو دعاءٌ؟ يعني: هل أنت تخبر بأن الرسولَ مُسَلَّمٌ، أو تدعو بأن الله يُسلِّمُه؟ الجواب: هو دُعاءٌ تدعو بأنَّ الله يُسلِّمُه، فهو خَبَرٌ بمعنى الدُّعاء. ثم هل هذا خطاب للرَّسول عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ كخطابِ النَّاسِ بعضهم بعضاً؟ . الجواب: لا، لو كان كذلك لبطلت الصَّلاة به؛ لأن هذه الصلاة لا يصحُّ فيها شيء من كلام الآدميين؛ ولأنَّه لو كان كذلك لجَهَرَ به الصَّحابةُ حتى يَسمعَ النبي صلى الله عليه وسلم، ولردَّ عليهم السَّلام كما كان كذلك عند ملاقاتِهم إيَّاه، ولكن كما قال شيخ الإسلام في كتاب " اقتضاء الصراط المستقيم ": لقوَّة استحضارك للرسول عليه الصَّلاةُ والسَّلام حين السَّلامِ عليه، كأنه أمامك تخاطبه. ولهذا كان الصَّحابةُ يقولون: السلام عليك، وهو لا يسمعهم، ويقولون: السلام عليك، وهم في بلد وهو في بلد آخر، ونحن نقول: السلام عليك، ونحن في بلد غير بلده، وفي عصر غير عصره " انتهى. " الشرح الممتع " (3 / 149، 150) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69944 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 367 قصة سحر النبي صلى الله عليه وسلم ومعناها [السُّؤَالُ] ـ[هل الحديث بخصوص تعرض النبي صلى الله عليه وسلم للسحر صحيح؟ فقد سمعت الكثير حول الموضوع.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله حديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم حديث صحيح، وقد رواه البخاري ومسلم وغيرهما من أئمة الحديث، وتلقاه أهل السنَّة بالقبول والرضا، ولم يُنكره إلا المبتدعة، وفيما يلي نص الحديث، وتخريجه، ومعناه، ورد العلماء على من أنكره. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: (سُحِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا يَفْعَلُهُ , حَتَّى كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ دَعَا , وَدَعَا ثُمَّ قَالَ: أَشَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ أَفْتَانِي فِيمَا فِيهِ شِفَائِي؟ أَتَانِي رَجُلانِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ , فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلآخَرِ: مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ؟ قَالَ: وَمَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ. قَالَ: فِيمَا ذَا؟ قَالَ: فِي مُشُطٍ وَمُشَاقَةٍ وَجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ. قَالَ فَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ. فَخَرَجَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لِعَائِشَةَ حِينَ رَجَعَ: نَخْلُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ. فَقُلْتُ: اسْتَخْرَجْتَهُ؟ فَقَالَ: لا , أَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللَّهُ , وَخَشِيتُ أَنْ يُثِيرَ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا , ثُمَّ دُفِنَتْ الْبِئْرُ) رواه البخاري (3268) ومسلم (2189) . مطبوب: مسحور. (مُشط) : آلة تسريح الشعر. (مشاقة) أو (مشاطة) : ما يسقط من الشعر. (وجف طلع نخلة ذَكَر) : هو الغشاء الذي يكون على الطلع، ويطلق على الذكر والأنثى , فلهذا قيده بالذَّكَر. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " قال المازري: أنكر المبتدعة هذا الحديث، وزعموا أنه يحط منصب النبوة ويشكك فيها , قالوا: وكل ما أدَّى إلى ذلك فهو باطل , وزعموا أن تجويز هذا يعدم الثقة بما شرعه من الشرائع إذ يحتمل على هذا أن يخيل إليه أنه يرى جبريل وليس هو ثَمَّ (هناك) , وأنه يوحي إليه بشيء ولم يوح إليه بشيء , قال المازري: وهذا كله مردود؛ لأن الدليل قد قام على صدق النبي صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن الله تعالى وعلى عصمته في التبليغ , والمعجزات شاهدات بتصديقه , فتجويز ما قام الدليل على خلافه باطل، وأما ما يتعلق ببعض الأمور الدنيا التي لم يبعث لأجلها ولا كانت الرسالة من أجلها فهو في ذلك عرضة لما يعترض البشر كالأمراض , فغير بعيد أن يخيل إليه في أمر من أمور الدنيا ما لا حقيقة له مع عصمته عن مثل ذلك في أمور الدين. قال: وقد قال بعض الناس: إن المراد بالحديث أنه كان صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه وطئ زوجاته ولم يكن وطأهن , وهذا كثيراً ما يقع تخيله للإنسان في المنام فلا يبعد أن يخيل إليه في اليقظة. قلت – أي: ابن حجر -: وهذا قد ورد صريحاً في رواية ابن عيينة عند البخاري، ولفظه: (حتى كان يرى (أي: يظن) أنه يأتي النساء ولا يأتيهن) وفي رواية الحميدي: (أنه يأتي أهله ولا يأتيهم) . قال عياض: فظهر بهذا أن السحر إنما تسلط على جسده وظواهر جوارحه لا على تمييزه ومعتقده ... . وقال المهلب: صون النبي صلى الله عليه وسلم من الشياطين لا يمنع إرادتهم كيده , ففي الصحيح أن شيطاناً أراد أن يفسد عليه صلاته فأمكنه الله منه , فكذلك السحر، ما ناله من ضرره لا يدخل نقصا على ما يتعلق بالتبليغ , بل هو من جنس ما كان يناله من ضرر سائر الأمراض من ضعف عن الكلام , أو عجز عن بعض الفعل , أو حدوث تخيل لا يستمر , بل يزول ويبطل الله كيد الشياطين " انتهى. "فتح الباري" (10/226، 227) باختصار. وقال ابن القيم رحمه الله: " هديه صلى الله عليه وسلم في علاج السحر الذي سحرته اليهود به: قد أنكر هذا طائفة من الناس، وقالوا: لا يجوز هذا عليه، وظنُّوه نقصاً وعيباً، وليس الأمر كما زعموا، بل هو من جنس ما كان يعتريه من الأسقام والأوجاع، وهو مرض من الأمراض، وإصابته به كإصابته بالسم لا فرق بينهما، وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (سُحِر رسول الله حتى إن كان ليخيَّل إليه أنه يأتي نساءه ولم يأتهن، وذلك أشد ما يكون من السحر) قال القاضي عياض: والسحر مرض من الأمراض، وعارض من العلل، يجوز عليه كأنواع الأمراض مما لا يُنكر، ولا يَقدح في نبوته. وأما كونه يخيَّل إليه أنه فعل الشيء ولم يفعله: فليس في هذا ما يُدخل عليه داخلة في شيء من صدقه؛ لقيام الدليل والإجماع على عصمته من هذا، وإنما هذا فيما يجوز أن يطرأ عليه في أمر دنياه التي لم يُبعث لسببها، ولا فُضِّل من أجلها، وهو فيها عُرضة للآفات كسائر البشر، فغير بعيد أنه يخيَّل إليه مِن أمورها ما لا حقيقة له ثم ينجلي عنه كما كان " انتهى. "زاد المعاد" (4/124) . وبعد، فقد تبيَّن صحة الحديث، وعدم تنقصه من منصب النبوة، والله سبحانه وتعالى يعصم نبيَّه صلى الله عليه وسلم قبل السحر وأثناءه وبعده، ولا يعدو سحره عن كونه متعلقاً بظن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يأتي أهله وهو لم يفعل، وهو في أمرٍ دنيوي بحت، ولا علاقة لسحره بتبليغ الرسالة البتة، وفيما سبق من كلام أهل العلم كفاية، ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى "فتح الباري" و "زاد المعاد". والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 68814 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 368 ما هي التلبينة؟ وكيف يتم العلاج بها؟ [السُّؤَالُ] ـ[أرجو إفادتي عن طريقة العلاج بالتلبينة الواردة بالطب النبوي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ورد ذِكر " التلبينة " في أحاديث صحيحة، منها: أ. عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا كَانَتْ إِذَا مَاتَ الْمَيِّتُ مِنْ أَهْلِهَا فَاجْتَمَعَ لِذَلِكَ النِّسَاءُ، ثُمَّ تَفَرَّقْنَ إِلا أَهْلَهَا وَخَاصَّتَهَا، أَمَرَتْ بِبُرْمَةٍ مِنْ تَلْبِينَةٍ فَطُبِخَتْ، ثُمَّ صُنِعَ ثَرِيدٌ فَصُبَّتْ التَّلْبِينَةُ عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَتْ: كُلْنَ مِنْهَا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: (التَّلْبِينَةُ مُجِمَّةٌ لِفُؤَادِ الْمَرِيضِ، تَذْهَبُ بِبَعْضِ الْحُزْنِ) رواه البخاري (5101) ومسلم (2216) . ب. وعنها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ تَأْمُرُ بِالتَّلْبِينِ لِلْمَرِيضِ وَلِلْمَحْزُونِ عَلَى الْهَالِكِ، وَكَانَتْ تَقُولُ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (إِنَّ التَّلْبِينَةَ تُجِمُّ فُؤَادَ الْمَرِيضِ، وَتَذْهَبُ بِبَعْضِ الْحُزْنِ) رواه البخاري (5365) ومسلم (2216) . قال النووي: " (مَجَمَّةٌ) وَيُقَال: (مُجِمَّةٌ) أَيْ: تُرِيح فُؤَاده , وَتُزِيل عَنْهُ الْهَمّ , وَتُنَشِّطهُ " انتهى. وواضح من الحديثين أنه يعالج بها المريض، وتخفف عن المحزون حزنه، وتنشط القلب وتريحه. والتلبينة: حساء يُعمل من ملعقتين من مطحون الشعير بنخالته، ثم يضاف لهما كوب من الماء، وتطهى على نار هادئة لمدة 5 دقائق. وبعض الناس يضيف عليها ملعقة عسل. وسمِّيت " تلبينة " تشبيهاً لها باللبن في بياضها ورقتها. قال ابن القيم: " وإذا شئتَ أن تعرف فضل التلبينة: فاعرف فضل ماء الشعير، بل هي ماء الشعير لهم؛ فإنها حساء متخذ من دقيق الشعير بنخالته، والفرق بينها وبين ماء الشعير أنه يطبخ صحاحاً، والتلبينة تطبخ منه مطحوناً، وهي أنفع منه لخروج خاصية الشعير بالطحن، وقد تقدم أن للعادات تأثيراً في الانتفاع بالأدوية والأغذية، وكانت عادة القوم أن يتخذوا ماء الشعير منه مطحوناً لا صحاحاً، وهو أكثر تغذية، وأقوى فعلاً، وأعظم جلاءً .... " انتهى. " زاد المعاد " (4 / 120) . وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في تعريف التلبينة: " طعام يتخذ من دقيق أو نخالة، وربما جُعل فيها عسل، سميت بذلك لشبهها باللبن في البياض والرقة، والنافع منه ما كان رقيقاً نضيجاً، لا غليظاً نيئاً " انتهى. " فتح الباري " (9 / 550) . ومما لا شك فيه أن للشعير فوائد متعددة، وقد أظهرت الدراسات الحديثة بعضها، منها: تخفيض الكولسترول، ومعالجة القلب، وعلاج الاكتئاب، وعلاج ارتفاع السكر والضغط، وكونه مليِّناً ومهدِّئاً للقولون، كما أظهرت نتائج البحوث أهمية الشعير في تقليل الإصابة بسرطان القولون. قالت الدكتورة صهباء بندق – وقد ذكرت العلاجات السابقة وفصَّلتها -: وعلى هذا النحو يسهم العلاج بـ " التلبينة " في الوقاية من أمراض القلب والدورة الدموية؛ إذ تحمي الشرايين من التصلب - خاصة شرايين القلب التاجية - فتقي من التعرض لآلام الذبحة الصدرية وأعراض نقص التروية، واحتشاء عضلة القلب. أما المصابون فعليّاً بهذه العلل الوعائية والقلبية: فتساهم " التلبينة " بما تحمله من خيرات صحية فائقة الأهمية في الإقلال من تفاقم حالتهم المرضية، وهذا يُظهر الإعجاز في قول النبي صلى الله عليه وسلم: " التلبينة مجمة لفؤاد المريض ... " أي: مريحة لقلب المريض " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 60311 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 369 معنى حديث استوصوا بالنساء خيرا [السُّؤَالُ] ـ[في الحديث: {استوصوا بالنساء خيرا فإن المرأة خلقت من ضلع أعوج وإن أعوج ما في الضلع أعلاه} إلخ الحديث، الرجاء توضيح معنى الحديث مع توضيح معنى: أعوج ما في الضلع أعلاه. .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا حديث صحيح رواه الشيخان في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال صلى الله عليه وسلم: {استوصوا بالنساء خيرا فإنهن خلقن من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فاستوصوا بالنساء خيرا} انتهى. هذا أمر للأزواج والآباء والإخوة وغيرهم أن يستوصوا بالنساء خيرا وأن يحسنوا إليهن وألا يظلموهن وأن يعطوهن حقوقهن ويوجهوهن إلى الخير، وهذا هو الواجب على الجميع لقوله عليه الصلاة والسلام: {استوصوا بالنساء خيرا} وينبغي ألا يمنع من ذلك كونها قد تسيء في بعض الأحيان إلى زوجها وأقاربها بلسانها أو فعلها لأنهن خلقن من ضلع كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه. ومعلوم أن أعلاه مما يلي منبت الضلع فإن الضلع يكون فيه اعوجاج، هذا معروف. فالمعنى أنه لا بد أن يكون في خلقها شيء من العوج والنقص، ولهذا ورد في الحديث الآخر في الصحيحين: {ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن} والمقصود أن هذا حكم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ثابت في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، ومعنى نقص العقل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم أن شهادة المرأتين تعدل شهادة رجل واحد، وأما نقص الدين فهو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم أنها تمكث الأيام والليالي لا تصلي؛ يعني من أجل الحيض، وهكذا النفاس، وهذا نقص كتبه الله عليها ليس عليها فيه إثم. فينبغي لها أن تعترف بذلك على الوجه الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم ولو كانت ذات علم وتقى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى وإنما ذلك منه وحي يوحيه الله إليه فيبلغه الأمة كما قال عز وجل: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى، مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى. وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى ومقالات الشيخ عبد العزيز ابن باز – رحمه الله - الجزء الخامس. الحديث: 2665 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 370 ما صحة حديث: من زار قبري بعد مماتي فكأنما زارني في حياتي [السُّؤَالُ] ـ[لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أن زيارة قبره بعد موته كزيارته وهو على قيد الحياة ولهذا عندما نزور قبره في المدينة لا يعد حراما أن نتحدث إليه كما لو كان حيا وأن نطلب منه الشفاعة لنا عند الله يوم الحساب، لكني قلق من أن يكون هذا من الشرك في شيء.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله روى الدارقطني في سننه (2/278) بإسناده عن حاطب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي.. الحديث " وهذا حديث حكم عليه كثير من علماء الحديث بالبطلان وأنه لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم فممن حكم عليه بذلك الحافظ الذهبي في لسان الميزان (4/285) عند ترجمته لأحد رواته وهو هارون بن أبي قزعة فقال الذهبي: هارون بن أبي قزعة المدني عن رجل " عن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم " قال البخاري: لا يتابع عليه. وقال الحافظ ابن حجر في لسان الميزان (6/217) : قال الأزدي: هارون أبوقزعة يروي عن رجل من آل حاطب المراسيل. قلت: (أي الحافظ) : فتعين أنه الذي أراد الأزدي وقد ضعفه أيضا يعقوب بن شيبة.. وقد ذكره الحافظ ابن حجر أيضا في التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير (2/266) وقال: وفي إسناده الرجل المجهول. ومقصود الحافظ بالرجل هو رجل من آل حاطب. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في التوسل والوسيلة (ص134) عن الحديث: إن هذا كذبه ظاهر مخالف لدين المسلمين، فإن من زاره في حياته، وكان مؤمنا به، كان من أصحابه، لاسيما إن كان من المهاجرين إليه، المجاهدين معه. وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه " أخرجاه في الصحيحين. والواحد من بعد الصحابة لايكون مثل الصحابة بأعمال مأمور بها واجبة؛ كالحج والجهاد والصلوات الخمس والصلاة عليه، فكيف بعمل ليس بواجب باتفاق المسلمين، بل ولا شرع السفر إليه، بل هو منهي عنه. وأما السفر إلى مسجده للصلاة فيه، والسفر إلى المسجد الأقصى للصلاة فيه هو مستحب، والسفر إلى الكعبة للحج فواجب. فلو سافر أحد السفر الواجب والمستحب لم يكن مثل واحد من الصحابة الذين سافروا إليه في حياته، فكيف بالسفر المنهي عنه. وقال أيضاً في (ص 133) : فإن أحاديث زيارة قبره كلها ضعيفة، لا يعتمد على شيء منها في الدين؛ ولهذا لم يرو أهل الصحاح والسنن شيئا منها، وإنما يرويها من يروي الضعاف كالدارقطني والبزار وغيرهما. وقال الشيخ الألباني في الضعيفة (رقم1021) عن الحديث: باطل. وذكر علل الحديث وهي الرجل الذي لم يسم وضعف هارون أبي قزعة وعلة ثالثة وهي الاختلاف والاضطراب ثم قال الشيخ: وبالجملة فالحديث واهي الإسناد. وقال أيضا في الضعيفة رقم (47) : يظن كثير من الناس أن شيخ الإسلام ابن تيمية ومن نحى نحوه من السلفيين يمنع من زيارة قبره صلى الله عليه وسلم؛ وهذا كذب وافتراء وليست أول فرية على ابن تيمية رحمه الله تعالى، وعليهم، وكل من له اطلاع على كتب ابن تيمية يعلم أنه يقول بمشروعية زيارة قبره صلى الله عليه وسلم واستحبابها إذا لم يقترن بها شيء من المخالفات والبدع، مثل شد الرحل والسفر إليها لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: " لا تشد الرحل إلا إلى ثلاثة مساجد ". والمستثنى منه في الحديث ليس هو المساجد فقط كما يظن كثيرون بل هو كل مكان يقصد للتقرب إلى الله فيه سواء كان مسجداً أو قبراً أو غير ذلك، بدليل ما رواه أبو هريرة قال (في الحديث له) : " فلقيت بصرة بن أبي بصرة الغفاري فقال: من أين أقبلت؟ فقلت: من الطّور، فقال: لو أدركتك قبل أن تخرج إليه ما خرجت! سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا تُعْمل المُطيّ إلا إلى ثلاثة مساجد " الحديث أخرجه أحمد وغيره بسند صحيح. فهذا دليل صريح على أن الصحابة فهموا الحديث على عمومه، ويؤيده أنه لم ينقل عن أحد منهم أنه شدّ الرّحْل لزيارة قبر ما، فهم سلف ابن تيمية في هذه المسألة، فمن طعن فيه فإنما يطعن في السلف الصالح رضي الله عنهم، ورحم الله من قال: وكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف. انتهى والخلاصة أنّ السّفر بنية زيارة القبر النبوي بدعة وحرام لأجل الحديث الوارد في النهي عن شد الرّحال إلى بقعة للعبادة غير المساجد الثلاثة، وأمّا زيارة قبره صلى الله عليه وسلم لمن كان بالمدينة فهو أمر صحيح ومشروع وكذلك السّفر بنية الصّلاة في المسجد النبوي قربة وطاعة وعبادة لله تعالى وإنما يقع في الخطأ والإشكال من لم يفهم الفرق بين ما هو مشروع وما هو ممنوع والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2534 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 371 صحة حديث: (لا تكتبوا عني ... ) وبيان معناه [السُّؤَالُ] ـ[هل هذا الحديث صحيح , وما هو معنى هذا الحديث , لا تكتبوا عني ومن كتب غير القرآن فليمحه ... وجزاكم الله خير.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا تَكْتُبُوا عَنِّي وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ وَحَدِّثُوا عَنِّي وَلا حَرَجَ ... ) رواه مسلم (الزهد والرقائق/5326) قال النووي في شرحه لصحيح مسلم: قَالَ الْقَاضِي: كَانَ بَيْن السَّلَف مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ اِخْتِلاف كَثِير فِي كِتَابَة الْعِلْم , فَكَرِهَهَا كَثِيرُونَ مِنْهُمْ , وَأَجَازَهَا أَكْثَرهمْ , ثُمَّ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازهَا , وَزَالَ ذَلِكَ الْخِلاف. وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَاد بِهَذَا الْحَدِيث الْوَارِد فِي النَّهْي , فَقِيلَ: هُوَ فِي حَقّ مَنْ يَوْثُق بِحِفْظِهِ , وَيُخَاف اِتِّكَاله عَلَى الْكِتَابَة إِذَا كَتَبَ. وَتُحْمَل الأَحَادِيث الْوَارِدَة بِالإِبَاحَةِ عَلَى مَنْ لا يَوْثُق بِحِفْظِهِ كَحَدِيثِ: " اُكْتُبُوا لأَبِي شَاه " وَحَدِيث صَحِيفَة عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , وَحَدِيث كِتَاب عَمْرو بْن حَزْم الَّذِي فِيهِ الْفَرَائِض وَالسُّنَن وَالدِّيَات. وَحَدِيث كِتَاب الصَّدَقَة وَنُصُب الزَّكَاة الَّذِي بَعَثَ بِهِ أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَسًا رَضِيَ اللَّه عَنْهُ حِين وَجَّهَهُ إِلَى الْبَحْرَيْنِ , وَحَدِيث أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ اِبْن عَمْرو بْن الْعَاصِ كَانَ يَكْتُب وَلا أَكْتُب , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الأَحَادِيث. وَقِيلَ: إِنَّ حَدِيث النَّهْي مَنْسُوخ بِهَذِهِ الأَحَادِيث , وَكَانَ النَّهْي حِين خِيفَ اِخْتِلَاطُهُ بِالْقُرْآنِ فَلَمَّا أَمِنَ ذَلِكَ أَذِنَ فِي الْكِتَابَة , وَقِيلَ: إِنَّمَا نَهَى عَنْ كِتَابَة الْحَدِيث مَعَ الْقُرْآن فِي صَحِيفَة وَاحِدَة ; لِئَلا يَخْتَلِط , فَيَشْتَبِه عَلَى الْقَارِئ فِي صَحِيفَة وَاحِدَة. وَاللَّهُ أَعْلَم.ا. هـ. "شرح مسلم" (18/129-130) . وحديث أبي شاه أخرجه البخاري من حديث أَبُي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: (لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ قَامَ فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهَا لا تَحِلُّ لأَحَدٍ كَانَ قَبْلِي وَإِنَّهَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ وَإِنَّهَا لا تَحِلُّ لأَحَدٍ بَعْدِي فَلا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلا يُخْتَلَى شَوْكُهَا وَلا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إِلا لِمُنْشِدٍ وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إِمَّا أَنْ يُفْدَى وَإِمَّا أَنْ يُقِيدَ فَقَالَ الْعَبَّاسُ إِلَّا الْإِذْخِرَ فَإِنَّا نَجْعَلُهُ لِقُبُورِنَا وَبُيُوتِنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا الإِذْخِرَ فَقَامَ أَبُو شَاهٍ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ: اكْتُبُوا لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اكْتُبُوا لأَبِي شَاهٍ) (اللقطة/2254) ومسلم (الحج/1355) . قال ابن حجر: وَيُسْتَفَاد..َ مِنْ قِصَّة أَبِي شَاه (أكتبوا لأبي شاه) أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ فِي كِتَابَة الْحَدِيث عَنْهُ , وَهُوَ يُعَارِض حَدِيث أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لا تَكْتُبُوا عَنِّي شَيْئًا غَيْر الْقُرْآن " رَوَاهُ مُسْلِم. وَالْجَمْع بَيْنهمَا أَنَّ النَّهْي خَاصّ بِوَقْتِ نُزُول الْقُرْآن خَشْيَة اِلْتِبَاسه بِغَيْرِهِ , وَالإِذْن فِي غَيْر ذَلِكَ. أَوْ أَنَّ النَّهْي خَاصّ بِكِتَابَةِ غَيْر الْقُرْآن مَعَ الْقُرْآن فِي شَيْء وَاحِد وَالإِذْن فِي تَفْرِيقهمَا , أَوْ النَّهْي مُتَقَدِّم وَالإِذْن نَاسِخ لَهُ عِنْد الأَمْن مِنْ الِالْتِبَاس وَهُوَ أَقْرَبهَا مَعَ أَنَّهُ لا يُنَافِيهَا. وَقِيلَ النَّهْي خَاصّ بِمَنْ خُشِيَ مِنْهُ الاتِّكَال عَلَى الْكِتَابَة دُون الْحِفْظ , وَالإِذْن لِمَنْ أُمِنَ مِنْهُ ذَلِكَ.. قَالَ الْعُلَمَاء. كَرِهَ جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ كِتَابَة الْحَدِيث وَاسْتَحَبُّوا أَنْ يُؤْخَذ عَنْهُمْ حِفْظًا كَمَا أَخَذُوا حِفْظًا , لَكِنْ لَمَّا قَصُرَتْ الْهِمَم وَخَشِيَ الأَئِمَّة ضَيَاع الْعِلْم دَوَّنُوهُ..أهـ "فتح الباري" (1/208) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 22394 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 372 لماذا خص الصوم بقوله تعالى: (الصيام لي وأنا أجزي به) ؟ [السُّؤَالُ] ـ[لماذا خص الله جزاء الصوم به سبحانه وتعالى؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله روى البخاري (1761) ومسلم (1946) عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قَالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ. . . الحديث) . ولما كانت الأعمال كلها لله وهو الذي يجزي بها، اختلف العلماء في قوله: (الصيام لي وأنا أجزي به) لماذا خص الصوم بذلك؟ وقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله من كلام أهل العلم عشرة أوجه في بيان معنى الحديث وسبب اختصاص الصوم بهذا الفضل، وأهم هذه الأوجه ما يلي: 1- أن الصوم لا يقع فيه الرياء كما يقع في غيره، قال القرطبي: لما كانت الأعمال يدخلها الرياء، والصوم لا يطلع عليه بمجرد فعله إلا الله فأضافه الله إلى نفسه ولهذا قال في الحديث: (يدع شهوته من أجلي) . وقال ابن الجوزي: جميع العبادات تظهر بفعلها وقلّ أن يسلم ما يظهر من شوبٍ (يعني قد يخالطه شيء من الرياء) بخلاف الصوم. 2- أن المراد بقوله: (وأنا أجزى به) أني أنفرد بعلم مقدار ثوابه وتضعيف حسناته. قال القرطبي: معناه أن الأعمال قد كشفت مقادير ثوابها للناس وأنها تضاعف من عشرة إلى سبعمائة إلى ما شاء الله إلا الصيام فإن الله يثيب عليه بغير تقدير. ويشهد لهذا رواية مسلم (1151) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ) أي أجازي عليه جزاء كثيرا من غير تعيين لمقداره، وهذا كقوله تعالى: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) . 3- أن معنى قوله: (الصوم لي) أي أنه أحب العبادات إلي والمقدم عندي. قال ابن عبد البر: كفى بقوله: (الصوم لي) فضلا للصيام على سائر العبادات. وروى النسائي (2220) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لا مِثْلَ لَهُ) . صححه الألباني في صحيح النسائي. 4- أن الإضافة إضافة تشريف وتعظيم، كما يقال: بيت الله، وإن كانت البيوت كلها لله. قال الزين بن المنير: التخصيص في موضع التعميم في مثل هذا السياق لا يفهم منه إلا التعظيم والتشريف. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وَهَذَا الحديثُ الجليلُ يدُلُّ على فضيلةِ الصومِ من وجوهٍ عديدةٍ: الوجه الأول: أن الله اختصَّ لنفسه الصوم من بين سائرِ الأعمال، وذلك لِشرفِهِ عنده، ومحبَّتهِ له، وظهور الإِخلاصِ له سبحانه فيه، لأنه سِرُّ بَيْن العبدِ وربِّه لا يطَّلعُ عليه إلاّ الله. فإِن الصائمَ يكون في الموضِعِ الخالي من الناس مُتمكِّناً منْ تناوُلِ ما حرَّم الله عليه بالصيام، فلا يتناولُهُ؛ لأنه يعلم أن له ربّاً يطَّلع عليه في خلوتِه، وقد حرَّم عَلَيْه ذلك، فيترُكُه لله خوفاً من عقابه، ورغبةً في ثوابه، فمن أجل ذلك شكر اللهُ له هذا الإِخلاصَ، واختصَّ صيامَه لنفْسِه من بين سَائِرِ أعمالِهِ ولهذا قال: (يَدعُ شهوتَه وطعامَه من أجْلي) . وتظهرُ فائدةُ هذا الاختصاص يوم القيامَةِ كما قال سَفيانُ بنُ عُييَنة رحمه الله: إِذَا كانَ يومُ القِيَامَةِ يُحاسِبُ الله عبدَهُ ويؤدي ما عَلَيْه مِن المظالمِ مِن سائِر عمله حَتَّى إِذَا لم يبقَ إلاَّ الصومُ يتحملُ اللهُ عنه ما بقي من المظالِم ويُدخله الجنَّةَ بالصوم. الوجه الثاني: أن الله قال في الصوم: (وأَنَا أجْزي به) فأضافَ الجزاءَ إلى نفسه الكريمةِ؛ لأنَّ الأعمالَ الصالحةَ يضاعفُ أجرها بالْعَدد، الحسنةُ بعَشْرِ أمثالها إلى سَبْعِمائة ضعفٍ إلى أضعاف كثيرةٍ، أمَّا الصَّوم فإِنَّ اللهَ أضافَ الجزاءَ عليه إلى نفسه من غير اعتبَار عَددٍ، وهُوَ سبحانه أكرَمُ الأكرمين وأجوَدُ الأجودين، والعطيَّةُ بقدر مُعْطيها. فيكُونُ أجرُ الصائمِ عظيماً كثيراً بِلاَ حساب. والصيامُ صبْرٌ على طاعةِ الله، وصبرٌ عن مَحارِم الله، وصَبْرٌ على أقْدَارِ الله المؤلمة مِنَ الجُوعِ والعَطَشِ وضعفِ البَدَنِ والنَّفْسِ، فَقَدِ اجْتمعتْ فيه أنْواعُ الصبر الثلاثةُ، وَتحقَّقَ أن يكون الصائمُ من الصابِرِين. وقَدْ قَالَ الله تَعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) الزمر/10. . . " انتهى. "مجالس شهر رمضان" (ص 13) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50388 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 373 يسأل عن معنى كلمة أنواط [السُّؤَالُ] ـ[في حديث أبي واقد الليثي، رضي الله عنه، قال: (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى حنين ونحن حدثاء عهد بكفر وللمشركين سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم يقال لها ذات أنواط ... ) ، فما معنى كلمة أنواط؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث رواه الإمام أحمد21390، والترمذي 2180وقال: حسن صحيح، وابن أبي عاصم في السنة، وقال المناوي: إسناده صحيح، وصححه الألباني في رياض الجنة رقم 76] وردت هذه الكلمة في حديث أبي واقد الليثي، رضي الله عنه: (أنَّهُمْ خَرَجُوا عَنْ مَكَّةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى حُنَيْنٍ، قَالَ وَكَانَ لِلْكُفَّارِ سِدْرَةٌ يَعْكُفُونَ عِنْدَهَا وَيُعَلِّقُونَ بِهَا أَسْلِحَتَهُم،ْ يُقَالُ لَهَا: ذَاتُ أَنْوَاطٍ، قَالَ: فَمَرَرْنَا بِسِدْرَةٍ خَضْرَاءَ عَظِيمَةٍ، قَالَ: فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْتُمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِه،ِ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى: اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةً قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ، إِنَّهَا لَسُنَنٌ لَتَرْكَبُنَّ سُنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ سُنَّةً سُنَّة.) ً وعند ابن أبي عاصم في كتاب السنة: (ونحن حديثو عهد بكفر) سدرة أي: شجرة وقَوْلُهُ: يُقَالُ لَهَا ذَاتُ أَنْوَاطٍ، الأنواط: جمع نوط، وهو كل شيء يعلق، وذات الأنواط هي الشجرة التي يعلق عليها هذه المعاليق. قَالَ ابن الأثير فِي النِّهَايَةِ: هِيَ اِسْمُ شَجَرَةٍ بِعَيْنِهَا كَانَتْ لِلْمُشْرِكِين، يَنُوطُونَ بِهَا سِلَاحَهُمْ، أَيْ يُعَلِّقُونَهُ بِهَا، وَيَعْكُفُونَ حَوْلَهَا، فَسَأَلُوهُ أَنْ يَجْعَلَ لَهُمْ مِثْلَهَا، فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ. وقوله: " قُلْتُمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِه،ِ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى: اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةً قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ "، شبه مقالتهم هذه بقول بني إسرائيل لما مروا على قوم عاكفين على أصنام لهم، طلبوا من موسى عليه السلام أن يجعل لهم إلهاً يعكفون عليه كما لأولئك إله. (إنها لسنن) ، أي: طرق، (لَتَرْكَبُنَّ) أي: لَتَتَّبِعُنَّ، (سُنَّةَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ) أي: طريقة من كان قبلكم من الأمم، وَالْمُرَادُ هُنَا طَرِيقَةُ أَهْلِ الأْهَوَاءِ وَالْبِدَعِ الَّتِي اِبْتَدَعُوهَا مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ بَعْدَ أَنْبِيَائِهِمْ مِنْ تَغْيِيرِ دِينِهِمْ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ: " لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا , وَذِرَاعًا ذِرَاعًا , حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ " قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى. قَالَ " فَمَنْ "؟ قال النووي: وَفِي هَذَا مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم؛َ فَقَدْ وَقَعَ مَا أَخْبَرَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وفي هذا الحديث من الفوائد: 1- التحذير من الشرك، وأن الإنسان قد يستحسن شيئا يظن أنه يقربه إلى الله، وهو أبعد ما يبعده من رحمة ربه، ويقربه من سخطه. 2- بيان أن التبرك بالأشجار والأحجار، والعكوف عليها، والتعلق بها، من الشرك الذي وقع في هذه الأمة، وأن من وقع فيه فهو تابع لطريق اليهود والنصارى، تارك لطريق النبي، صلى الله عليه وسلم. 3- أن العبرة بالمعاني، وليس بالألفاظ؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم شبه قولهم بقول بني إسرائيل، مع أنهم لم يطلبوا إلها من دون الله، صراحة. 4- النهي عن التشبه بأهل الجاهلية والكتاب فيما هو من خصائصهم وعباداتهم. 5- وفيه أن المنتقل من الباطل الذي اعتاده، لا يأمن أن يكون في قلبه بقية من تلك العادة لأن الصحابة الذين طلبوا ذلك لم يكن مضى على إسلامهم إلا أيام معدودة، لأنهم أسلموا يوم فتح مكة ثم خرج بهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى غزوة حنين فوقعت تلك الوقعة وهم في طريقهم إلى حنين. [انظر فتح المجيد، بشرح كتاب التوحيد، 139-147، القول المفيد، للشيخ ابن عثيمين] . ونذكر السائل الكريم بأن هذا الحديث قد ذكره شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله، في كتابه المبارك: كتاب التوحيد، في باب: من تبرك بشجرة أو حجر ونحوهما. فننصح لتمام الفائدة، باقتنائه، مع شيء من شروحه، خاصة الشرحين المشار إليهما. والله الموفق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50147 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 374 صحة حديث الحج كل خمس سنوات ومعناه [السُّؤَالُ] ـ[كيف نفهم الحديث الموجود في صحيح الترغيب والترهيب للألباني وهو حديث قدسي، ويقول الله " من أعطاه الله الصحة ولم يزر بيت الله كل خمس سنوات فهو محروم "؟ . هل يقصد الحج أم العمرة أم كلاهما؟ ماذا نفهم من الحديث؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نص الحديث: عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله: " إنَّ عبداً أصححتُ له جسمه ووسعتُ عليه في المعيشة تمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إليَّ لمحروم ". رواه أبو يعلى (2 / 304) والبيهقي (5 / 262) . ثانياً: الكلام عليه: قد تكلم بعض أهل العلم على الحديث فذهب بعضهم - كابن العربي المالكي - إلى أنه موضوع، وضعفه آخرون كالدارقطني والعقيلي والسبكي، وقد ذهب ابن حبان والشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (1662) إلى أنه صحيح. ثالثاً: حمل بعض العلماء معنى الحديث على الحج أو العمرة، وعلى هذا بوَّب الهيثمي للحديث في كتابه " موارد الظمآن "، فقال: " باب فيمن مضت عليه خمسة أعوام وهو غني ولم يحج أو يعتمر ". " موارد الظمآن " (ص 239) . وحمله آخرون على الحج فقط كما بوب له المنذري في الترغيب والترهيب بقوله: (ترهيب من قدر على الحج فلم يحج) ا. هـ وقد استدلَّ بعض العلماء بالحديث على وجوب الحج في كل خمس سنوات مرة على المستطيع، وهو قول ضعيف، إما لضعف الحديث وعدم صحته أو لأن الحديث محمول على الاستحباب لا الوجوب. قال السبكي: وقد اتفق العلماء على أن الحج فرض عين على كل مكلف حر مسلم مستطيع مرة في العمر إلا من شذ فقال: إنه يجب كل خمسة أعوام مرة , ومتعلقه ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " على كل مسلم في كل خمسة أعوام أن يأتي بيت الله الحرام " حكاه ابن العربي، وقال: قلنا: رواية هذا الحديث حرام فكيف إثبات حكم به، انتهى كلامه. وقال الدارقطني: وقد روي من غير طريق، ولا يصح منها شيء. " فتاوى السبكي " (1 / 263) . وقال الحطاب: (وقال بعض من شذ: إنه يجب في كل سنة وعن بعضهم أنه يجب في كل خمسة أعوام لما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال " على كل مسلم في كل خمسة أعوام أن يأتي بيت الله الحرام "، قال ابن العربي: رواية هذا الحديث حرام فكيف إثبات حكم به؟ , يعني أنه موضوع , وقال النووي: هذا خلاف الإجماع فقائله، محجوج بإجماع من قبله. ا. هـ وعلى تسليم وروده فيحمل على الاستحباب والتأكد في مثل هذه المدة. أ. هـ " مواهب الجليل " (2 / 466) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20653 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 375 متعجب من طول آدم عليه السلام [السُّؤَالُ] ـ[في صحيح البخاري، حديث رقم 246 ذكر رسول الله بأن آدم خُلق وطوله 30 متراً، أنا لا أستطيع أن أفهم هذا أو أتخيله، فأرجو أن تشرح لي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لفظ هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خلق الله آدم وطوله ستون ذراعا، ثم قال: اذهب فسلم على أولئك من الملائكة فاستمع ما يحيونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك. فقال السلام عليكم فقالوا: السلام عليكم ورحمة الله. فزادوه: ورحمة الله فكل من يدخل الجنة على صورة آدم، فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن) . رواه البخاري (3336) ومسلم (7092) . وفي لفظ مسلم: (فكل من يدخل الجنة على صورة آدم وطوله ستون ذراعاً فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن) . وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن) . قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (6/367) : (أي أن كل قرن يكون نشأته في الطول أقصر من القرن الذي قبله، فانتهى تناقص الطول إلى هذه الأمة واستقر الأمر على ذلك) أ. هـ. وعلى المسلم أن يؤمن بكل خبر جاء به الدليل من كتاب الله والسنة الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول الإمام الشافعي رحمه الله: (آمنت بالله وبما جاء عن الله على مراد الله، وآمنت برسول الله وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله) انظر الإرشاد شرح لمعة الاعتقاد ص (89) . فالمؤمن يجب عليه أن يؤمن إيماناً جازماً بكل ما أخبر به الله جل جلاله، وبكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم إذا ثبتت صحته إليه صلى الله عليه وسلم، إيماناً جازماً لا يعتريه أدنى شك ويجب عليه أن يقبله جملة وتفصيلاً سواء فهمه أو لم يفهمه، أو استغربه أم لم يستغربه؛ لأن عدم استيعابه للأمر الصادق المجزوم بصحته وثبوته لا يعني عدم ثبوت هذا الأمر، ولكن القضية أن عقله لم يستطع أن يستوعب ذلك الأمر ويفهمه، والمولى سبحانه وتعالى أمرنا أن نؤمن بكل ما أخبر عنه سبحانه أو أخبر عنه نبيه صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون) الحجرات / 15. ومن جملة الإيمان الإيمان بالغيب، وهذا الحديث الذي بين أيدينا من هذا القبيل، ولقد أثنى الله جل جلاله على الذين يؤمنون بالغيب فقال تعالى: (آلم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ... ) البقرة / 1-3. واعلم أخي الكريم أن الله على كل شيء قدير فكما خلق الإنسان في صورته التي هو عليها الآن قادر على أن يخلقه في صورة أكبر من ذلك أو أصغر. وإذا أشكل عليك هذا الأمر فاعتبر ذلك بهؤلاء الأقزام الذين نراهم وهم رجال في حجم الأطفال فإذا كان ذلك واقعاً فما الذي يمنع من العكس وهو أن يكون رجلاً وطوله ستون ذراعاً، وقد وجد في التاريخ البشري عماليق كما يقول ذلك علماء الآثار والحفريات. وأصل المسألة هو التسليم لكمال قدرة الله تعالى والتسليم لخبره وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم، ونقول كما قال الراسخون في العلم: (آمنا به كل من عند ربنا) آل عمران / 7 نسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20612 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 376 معنى قوله " كنت سمعه الذي يسمع به وبصره.. " الخ [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى قوله تعالى في الحديث القدسي: (وإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يُبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي عليها) ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا أدى المسلم ما فرض الله عليه.. ثم اجتهد في التقرب إلى الله تعالى بنوافل الطاعات واستمر على ذلك ما وسعه أحبه الله تعالى، وكان عوناً له في كل ما يأتي ويذر فإذا سمع كان مسدداً من الله في سمعه، فلا يسمع إلا إلى الخير، ولا يقبل إلا الحق وينزاح عنه الباطل بتأييد الله وتوفيقه، فيرى الحق حقاً والباطل باطلاً، وإذا بطش بشيء بطش بقوة من الله فكان بطشه من بطش الله نصرة للحق، وإذا مشى كان مشيه في طاعة الله طلباً للعلم، وجهاداً في سبيل الله، وبالجملة كان عمله بجوارحه الظاهرة والباطنة بهداية من الله وقوة منه سبحانه. وبهذا يتبين أنه ليس في الحديث دليل على حلول الله في خلقه أو اتحاده بأحد منهم، ويُرشِد إلى ذلك ما جاء في آخر الحديث من قوله تعالى: ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنَّه، وما جاء في بعض الروايات من قوله تعالى: فبي يسمع وبي يبصر.. الخ ففي ذلك إرشاد إلى المراد من أول الحديث، وتصريح بسائل ومسؤول ومستعيذ ومُعيذ.. وهذا الحديث نظير الحديث القدسي الآخر: (يقول الله تعالى: عبدي مرضتُ فلم تعُدني الخ ... ) فكل منهما يشرح آخره أوله، ولكن أرباب الهوى يتبعون ما تشابه من النصوص، ويعرضون عن المُحْكم منها فضلوا سواء السبيل. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة من كتاب فتاوى إسلامية 1/35. الحديث: 14397 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 377 معنى حديث لا هامة ولا صفر ولا نوء ولا غول [السُّؤَالُ] ـ[قرأت حديثا غريبا فيه نفي الهامة والصفر والنوء والغول فما معنى هذه العبارات.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال ابن مفلح الحنبلي: في المسند والصحيحين وغيرها عنه عليه السلام قال: " لا هامة ولا صفر "، زاد مسلم وغيره " ولا نَوء ولا غُول ". فالهامَة: مفرد الهام، وكان أهل الجاهلية يقولون: ليس أحد يموت فيدفن إلا خرج من قبره هامَة، وكانت العرب تزعم أن عظام الميت تصير هامَة فتطير، وكانوا يقولون: إن القتيل يخرج من هامته أي: من رأسه هامة، فلا تزال تقول: اسقوني، اسقوني حتى يؤخذ بثأره ويقتل قاتله. وقوله " لا صَفَر " قيل: كانوا يتشاءمون بدخول صفر، فقال عليه السلام " لا صَفَر "، وقيل: كانت العرب تزعم أن في البطن حية تصيب الإنسان إذا جامع وتؤذيه وإنما تعدي فأبطله الشارع. وقال مالك: كان أهل الجاهلية يحلون صفر عاماً ويحرمونه عاماً. والنَّوء: واحد الأنواء، وهي ثمانية وعشرون منزلة، وهي منازل القمر ومنه قوله تعالى {والقمر قدرناه منازل} ، ويسقط في الغرب كل ثلاث عشرة ليلة منزلة مع طلوع الفجر، ويطلع أخرى مقابلها ذلك الوقت في الشرق فتنقضي جميعها مع انقضاء السنة وكانت العرب تزعم أن مع سقوط المنزلة وطلوع نظيرها يكون مطر فينسبونه إليها فيقولون مطرنا بنوء كذا، وإنما سمي نوءا لأنه إذا سقط الساقط منها بالغرب ناء الطالع بالشرق ينوء نوءا أي: نهض وطلع، وقيل: أراد بالنوء الغروب وهو من الأضداد. فأما من جعل المطر من فعل الله تعالى وأراد بقوله مطرنا بنوء كذا أي: في نوء كذا أي: إن الله أجرى العادة بالمطر في هذا الوقت فلنا خلاف في تحريمه وكراهته. والغول: أحد الغيلان وهي جنس من الجن، والشياطين، كانت العرب تزعم أن الغول في الفلاة يتراءى للناس فيتغول تغولا أي: يتلون تلونا في صور شتى ويغولهم أي: يضلهم عن الطريق ويهلكهم، فنفاه الشارع وأبطله قيل هذا. وقيل: ليس نفياً لعين الغول ووجوده وإنما فيه إبطال زعم العرب وتلونه بالصور المختلفة واغتياله فيكون معنى " لا غول " لأنها لا تستطيع أن تضل أحداً، ويشهد له الحديث الأخير " لا غول ولكن السعالي "، وهو في مسلم وغيره، و " السعالي ": سحرة الجن لكن في الجن سحرة لهم تلبيس وتخييل، ... وروى الخلال عن طاوس أن رجلا صحبه فصاح غراب فقال: خير، خير، فقال له طاوس: وأي خير عند هذا، وأي شر؟ لا تصحبني. " الآداب الشرعية " (3 / 369، 370) . وقال ابن القيم: ذهب بعضهم إلى أن قوله " لا يورد ممرض على مصح " منسوخ بقوله " لا عدوى "، وهذا غير صحيح، وهو مما تقدم آنفاً أن المنهي عنه نوع غير المأذون فيه، فإن الذي نفاه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله " لا عدوى ولا صَفَر " هو ما كان عليه أهل الإشراك من اعتقادهم ثبوت ذلك على قياس شركهم وقاعدة كفرهم، والذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من إيراد الممرض على المصح فيه تأويلان: أحدهما: خشية توريط النفوس في نسبة ما عسى أن يقدره الله تعالى من ذلك إلى العدوى، وفيه التشويش على من يورد عليه وتعريضه لاعتقاد العدوى فلا تنافي بينهما بحال. والتأويل الثاني: أن هذا إنما يدل على أن إيراد الممرض على المصح قد يكون سبباً يخلق الله تعالى به فيه المرض، فيكون إيراده سبباً، وقد يصرف الله سبحانه تأثيره بأسباب تضاده أو تمنعه قوة السببية وهذا محض التوحيد بخلاف ما كان عليه أهل الشرك. وهذا نظير نفيه سبحانه الشفاعة في يوم القيامة بقوله {لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة} فإنه لا تضاد الأحاديث المتواترة المصرحة بإثباتها، فإنه سبحانه إنما نفى الشفاعة التي كان أهل الشرك يثبتونها وهي شفاعة يتقدم فيها الشافع بين يدي المشفوع عنده وإن لم يأذن له، وأما التي أثبتها الله ورسوله فهي الشفاعة التي تكون من بعد إذنه كقوله {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} وقوله {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى} وقوله {ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له} . " حاشية تهذيب سنن أبي داود " (10 / 289 - 291) . والله الموفق للصواب. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 13930 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 378 شرح حديث " صنفان من أهل النار لم أرهما ... " [السُّؤَالُ] ـ[قرأت جوابًا على أحد الأسئلة ولم أستطع فهم الحديث الذي ذكرتموه هناك، رقم السؤال 10221، حيث قلتم: فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " صنفان من أهل النار لم أرهما بعد: رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات على رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجد ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا " رواه أحمد ومسلم في الصحيح. أرجو تفسير هذا الحديث شيئًا ما حتى أفهمه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث فيه إخبار عن صنفين من الناس لم يرهما النبي صلى الله عليه وسلم، يظهران بعد مضي زمنه صلى الله عليه وسلم ويكون مصيرهما إلى النار لعصيانهما، وقد عدَّ العلماء ظهورَ هذين الصنفين من أشراط الساعة الصغرى، وهما: الصنف الأول: رجال معهم سياط ... ، والمراد بهم من يتولى ضرب الناس بغير حق من ظَلَمَة الشُّرَط أو من غيرهم، سواء كان ذلك بأمر الدولة أو بغير أمر الدولة. قال النووي: " فأما أصحاب السياط فهم غلمان والي الشرطة " شرح النووي على صحيح مسلم 17/191. وقال السخاوي: " وهم الآن أعوان الظلمة ويطلق غالبا على أقبح جماعة الوالي، وربما توسع في إطلاقه على ظلمة الحكام ". الإشاعة لأشراط الساعة ص 119. والدليل على كون ظهورهم من أشراط الساعة روايةُ الإمام أحمد وفيها " يخرج رجال من هذه الأمة في آخر الزمان معهم أسياط كأنها أذناب البقر، يغدون في سخط الله ويروحون في غضبه ". المسند 5/315. صححه الحاكم في المستدرك 4/483 وابن حجر في القول المسدد في الذب عن المسند ص53-54. الصنف الثاني: نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات على رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة. قال النووي في المراد من ذلك: " أَمَّا (الْكَاسِيَات العاريات) فمَعْنَاهُ تَكْشِف شَيْئًا مِنْ بَدَنهَا إِظْهَارًا لِجَمَالِهَا , فَهُنَّ كَاسِيَات عَارِيَات. وقيل: يَلْبَسْنَ ثِيَابًا رِقَاقًا تَصِف مَا تَحْتهَا , كَاسِيَات عَارِيَات فِي الْمَعْنَى. وَأَمَّا (مَائِلات مُمِيلات) : فَقِيلَ: زَائِغَات عَنْ طَاعَة اللَّه تَعَالَى , وَمَا يَلْزَمهُنَّ مِنْ حِفْظ الْفُرُوج وَغَيْرهَا , وَمُمِيلَات يُعَلِّمْنَ غَيْرهنَّ مِثْل فِعْلهنَّ , وَقِيلَ: مَائِلَات مُتَبَخْتِرَات فِي مِشْيَتهنَّ , مُمِيلات أَكْتَافهنَّ , وَقِيلَ: مَائِلات إِلَى الرِّجَال مُمِيلات لَهُمْ بِمَا يُبْدِينَ مِنْ زِينَتهنَّ وَغَيْرهَا. وَأَمَّا (رُءُوسهنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْت) فَمَعْنَاهُ: يُعَظِّمْنَ رُءُوسهنَّ بِالْخُمُرِ وَالْعَمَائِم وَغَيْرهَا مِمَّا يُلَفّ عَلَى الرَّأْس , حَتَّى تُشْبِه أَسْنِمَة الإِبِل الْبُخْت , هَذَا هُوَ الْمَشْهُور فِي تَفْسِيره , قَالَ الْمَازِرِيّ: وَيَجُوز أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ يَطْمَحْنَ إِلَى الرِّجَال وَلا يَغْضُضْنَ عَنْهُمْ , وَلا يُنَكِّسْنَ رُءُوسهنَّ .... " شرح النووي على صحيح مسلم 17/191. باختصار قال الشيخ بن عثيمين: " قد فُسِّر قوله " كاسيات عاريات ": بأنهن يلبسن ألبسة قصيرة، لا تستر ما يجب ستره من العورة، وفسر: بأنهن يلبسن ألبسة خفيفة لا تمنع من رؤية ما وراءها من بشرة المرأة، وفسرت: بأن يلبسن ملابس ضيقة، فهي ساترة عن الرؤية لكنها مبدية لمفاتن المرأة ". فتاوى الشيخ محمد بن عثيمين 2/825. وفي الحديث الترهيب والوعيد الشديد من فعل هاتين المعصيتين: 1- ظلم الناس وضربهم بغير حق. 2- تبرج المرأة وإظهارها مفاتنها وعدم التزامها بالحجاب الشرعي والخلق الإسلامي النبيل. وهَذَا الْحَدِيث مِنْ مُعْجِزَات النُّبُوَّة , فَقَدْ وَقَعَ هَذَانِ الصِّنْفَانِ , وَهُمَا مَوْجُودَانِ. كما قال النووي رحمه الله. يراجع للأهمية جواب سؤال رقم (14627) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 47017 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 379 معنى حديث: (من وبَّخ أخاه بذنب) ودرجة صحَّته [السُّؤَالُ] ـ[روى معاذ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من عيَّر أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله ". رواه الترمذي. أرجو أن تشرح الحديث أعلاه بالتفصيل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحديث رواه الترمذي (كتاب صفة القيامة والورع/2429) ، ولفظه: " من عيَّر أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله ". والحديث قال عنه الشيخ الألباني في " ضعيف الجامع " رقم (5710) : (موضوع) . والحديث الضعيف والموضوع لا يُبنى عليهما أحكام ولا يُعمل بهما. أما معنى الحديث، فقال الشيخ المباركفوري: قَوْلُهُ: (مَنْ عَيَّرَ) مِنْ التَّعْيِيرِ أَيْ عَابَ (أَخَاهُ) أَيْ فِي الدِّينِ (بِذَنْبٍ) أَيْ قَدْ تَابَ مِنْهُ عَلَى مَا فَسَّرَ بِهِ الإِمَامُ أَحْمَدُ (لَمْ يَمُتْ) الضَّمِيرُ لِمَنْ (حَتَّى يَعْمَلَهُ) أَيْ الذَّنْبَ الَّذِي عَيَّرَ بِهِ أَخَاهُ , وَكَأَنَّ مَنْ عَيَّرَ أَخَاهُ أَيْ عَابَهُ مِنْ الْعَارِ , وَهُوَ كُلُّ شَيْءٍ لَزِمَ بِهِ عَيْبٌ كَمَا فِي الْقَامُوسِ يُجَازَى بِسَلْبِ التَّوْفِيقِ حَتَّى يَرْتَكِبَ مَا عَيَّرَ أَخَاهُ بِهِ وَذَاكَ إِذَا صَحِبَهُ إِعْجَابُهُ بِنَفْسِهِ لِسَلامَتِهِ مِمَّا عَيَّرَ بِهِ أَخَاهُ. " تحفة الأحوذي " (7 / 173) . هذا، ولا يعني ضعْف الحديث جواز التعيير لمن وقع في الذنب، والذي يقع منه الذنب أقسام: منهم من يتوب ويرجع إلى ربه تعالى أو يقام عليه الحد، فهذا لا يحل تعييره لأنه طهَّر نفسه بالتوبة أو بالحد وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " التائب من الذنب كمن لا ذنب له " رواه ابن ماجه (4240) وصححه البوصيري كما في " الزوائد / حاشية سنن ابن ماجه ". وقد حل الإمام أحمد العقوبة التي في الحديث على من عيَّر من تاب من ذنبه كما نقل عنه الترمذي بعد تخريجه الحديث قال: قال أحمد: مِن ذنب قد تاب منه. ومنهم من يعمل الذنب ولا يجهر به، فيجب على من علم به نصحه والستر عليه. ومنهم من يجهر بذنبه، فهذا ينصح كذلك، ويحذَّر منه حسب المقام الذي يقتضي التحذير. قال ابن القيم رحمه الله: ويحتمل أن يريد: أن تعييرك لأخيك بذنبه أعظم إثما من ذنبه وأشد من معصيته لما فيه من صولة الطاعة وتزكية النفس وشكرها والمناداة عليها بالبراءة من الذنب، وأن أخاك باء به، ولعل كسرته بذنبه وما أحدث له من الذلة والخضوع والإزراء على نفسه والتخلص من مرض الدعوى والكبر والعجب ووقوفه بين يدي الله ناكس الرأس خاشع الطرف منكسر القلب: أنفع له وخير من صولة طاعتك وتكثرك بها والاعتداد بها والمنة على الله وخلقه بها. فما أقرب هذا العاصي من رحمة الله، وما أقرب هذا المُدِّل من مقت الله، فذنب تذل به لديه أحب إليه من طاعة تُدِلُّ بها عليه، وإنك أن تبيت نائما وتصبح نادما خير من أن تبيت قائما وتصبح معجبا؛ فإن المعجب لا يصعد له عمل، وإنك أن تضحك وأنت معترف خير من أن تبكي وأنت مدل، وأنين المذنبين أحب إلى الله من زجل المسبحين المُدِلِّين، ولعل الله أسقاه بهذا الذنب دواء استخرج به داء قاتلا هو فيك ولا تشعر، فلله في أهل طاعته ومعصيته أسرار لا يعلمها إلا هو ولا يطالعها إلا أهل البصائر فيعرفون منها بقدر ما تناله معارف البشر ووراء ذلك مالا يطلع عليه الكرام الكاتبون، وقد قال النبي: " إذا زنت أمة أحدكم فليُقم عليها الحد ولا يُثرَّب " أي: لا يعير، كقول يوسف عليه السلام لإخوته {لا تثريب عليكم اليوم} فإن الميزان بيد الله، والحكم لله، فالسوط الذي ضُرب به هذا العاصي بيد مقلب القلوب، والقصد إقامة الحد لا التعيير والتثريب، ولا يأمن كرات القدر وسطوته إلا أهل الجهل بالله، وقد قال الله تعالى لأعلم الخلق به وأقربهم إليه وسيلة {ولولا أن ثبَّتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا} وقال يوسف الصديق {وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين} وكانت عامة يمين رسول الله " لا، ومقلِّب القلوب "، وقال: " ما من قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن عز وجل إن شاء أن يقيمه أقامه وإن شاء أن يزيغه أزاغه " ثم قال: " اللهم مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك ". " مدارج السالكين (1 / 177، 178) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 13731 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 380 معنى الإحسان في حديث (فأحسن إليهن) [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى الإحسان إلى البنات في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (من كانت له ابنتان فأحسن إليهما كن له ستراً من النار) ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الإحسان للبنات ونحوهن بتربيتهن التربية الإسلامية، وتعليمهن وتنشئتهن على الحق، والحرص على عفتهن وبعدهن عما حرم الله من التبرج وغيره، وهكذا تربية الأخوات والأولاد الذكور إلى غير ذلك من وجوه الإحسان حتى يتربى الجميع على طاعة الله ورسوله، والبعد عن محارم الله والقيام بحق الله سبحانه وتعالى، وبذلك يُعلم أنه ليس المقصود مجرد الإحسان بالأكل والشرب والكسوة فقط بل المراد ما هو أعظم من ذلك من الإحسان إليهن في عمل الدين والدنيا. [الْمَصْدَرُ] فتاوى الشيخ ابن باز في الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة ج/3 ص 107 الحديث: 13260 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 381 ما هي الاستطاعة في حديث الحث على الزواج [السُّؤَالُ] ـ[ما المقصود بكلمة " من استطاع " في الحديث الذي حث فيه الرسول صلى الله عليه وسلم الشباب على الزواج؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عن ابن مسعود قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ) . رواه البخاري (5065) ومسلم (1400) . وجاء: أي وقاية من الوقوع في الفاحشة. وقد اختلف العلماء في معنى " الباءة " هنا على قولين، فقال بعضهم: إنها القدرة على مؤن النكاح [أي: تكاليفه ونفقاته] ، وقال آخرون: إنها القدرة على الجماع، ولا منافاة بينهما، فيكون المعنى: من استطاع منكم الجماع لقدرته على مؤونته فليتزوج. قال النووي: وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْمُرَاد بِالْبَاءَةِ هُنَا عَلَى قَوْلَيْنِ يَرْجِعَانِ إِلَى مَعْنَى وَاحِد أَصَحّهمَا: أَنَّ الْمُرَاد مَعْنَاهَا اللُّغَوِيّ وَهُوَ الْجِمَاع , فَتَقْدِيره: مَنْ اِسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْجِمَاع لِقُدْرَتِهِ عَلَى مُؤَنه وَهِيَ مُؤَن النِّكَاح فَلْيَتَزَوَّجْ , وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الْجِمَاع لِعَجْزِهِ عَنْ مُؤَنه فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ لِيَدْفَع شَهْوَته , وَيَقْطَع شَرّ مَنِيّه , كَمَا يَقْطَعهُ الْوِجَاء اهـ. " شرح مسلم " (9 / 173) . وقال ابن القيم: وقوله " من استطاع منكم الباءة فليتزوج ": فسرت الباءة بالوطء، وفسرت بمؤن النكاح، ولا ينافي التفسير الأول إذ المعنى على هذا مؤن الباءة. " روضة المحبين " (ص 219) . وقال شيخ الإسلام: وَاسْتِطَاعَةُ النِّكَاحِ هُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى الْمَئُونَةِ لَيْسَ هُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى الْوَطْءِ , فَإِنَّ الْحَدِيثَ إنَّمَا هُوَ خِطَابٌ لِلْقَادِرِ عَلَى فِعْلِ الْوَطْءِ , وَلِهَذَا أُمِرَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَصُومَ فَإِنَّهُ وِجَاءٌ اهـ الفتاوى الكبرى (3/134) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 9262 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 382 النصيحة لمن يريد الزواج ولا يقدر عليه [السُّؤَالُ] ـ[حصل عندنا في المسجد برنامج يتناقش فيه شباب المسلمين مع من هو أكبر منهم سنّاً عن أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن الزواج وأنه يجب عليهم تسهيل أمور الزواج للشباب، هذا الموضوع فتح العديد من النقاشات حيث أن الآباء مهتمون بحالة ورفاهية الزوجين وخصوصاً عند إنجاب الأطفال. والشباب الآن لا ينتهون من الدراسة الجامعية إلا في سن 21 أو 23 لطلاب الطب ولا يستطيعون على مصاريف الزواج، فما هي النصيحة العملية التي تنصحهم بها، والكثير من شباب المسلمين في الغرب الذين يريدون أن يكملوا نصف دينهم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: النقاش في الأمور الشرعيَّة وقضاء الوقت في ذلك هو من أنفع ما يقدمه المرء لنفسه؛ لأن طلب العلم فريضة وعبادة، وهو يقضي وقته فيما ينفعه وينفع غيره، وإذا أشكل على المتناقشين شيء فإن عليهم أن يسألوا أهل العلم. ثانياً: النصيحة لمن يعيش في بلاد الفسق والكفر أن يهاجر منها إلى بلاد المسلمين حيث لا يجد فيها من فتن الدنيا والنساء ما يجده هناك، وهي متفاوتة فيما بينها وعليه أن يختار أحسنها. وننصحه بترك كل بيئة يمكن أن تزل فيها قدمه سواء كانت البيئة مسكناً أم عملاً أم دراسة. وننصحه بتعجيل الزواج، واختيار المرأة الصالحة والتي لا ترهقه في مهرها وطلباتها. وننصحه إن عجز عن الزواج أن يتقي الله تعالى فلا يطلق بصره ولا سمعه في المحرمات ولا يمشي إلى حرام ولا يلمس ما لا يحل له لمسه، وليستعن على ذلك بالصيام والصلاة والدعاء والرفقة الصالحة، وليشتغل بما ينفعه من طلب العلم وحفظ القرآن والدعوة إلى الله، فإن النفس إن لم تشغَلها بطاعة الله أشغلتْك بمعصيته. ثالثاً: النصيحة لأولياء الأمور والشباب والفتيات ألا يعتبروا إكمال التعليم عائقاً ومانعاً من الزواج. فمتى كان الزواج عائقا عن التحصيل العلمي؟ ‍! بل الواقع والتجربة شاهد على العكس، لأن الزواج يعين على تفرغ الذهن وصفاء النفس وراحة الفكر. وفوق كل ذلك فيه المبادرة إلى امتثال أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بتزويج الشباب. وعلى أولياء الأمور ألا يرهقوا كاهل الشباب بكثير من الطلبات التي تعتبر نوعاً من الترف والإسراف، وليقتصروا في طلباتهم على ما تحتاج إليه المرأة والبيت فقط. وليعلموا أن الزواج من الأسباب التي يطلب بها الرزق، قال الله تعالى: (وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) النور/32. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 12403 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 383 متى يقال " الصلاة خير من النوم " في الأذان الأول أم الثاني؟ [السُّؤَالُ] ـ[قد كشف أحد المشايخ عما يقال إنه حقيقة مذهلة أن لفظة " الصلاة خير من النوم " في أذان الفجر بدعة؛ لأن بلالاً كان يورد هذه اللفظة في أذان التهجد، غير أن ابن مكتوم كان ينادي لأذان الفجر ولم يكن يذكرها. والدليل الثاني: أنه بمعنى هذه الكلمات فالمرء يحاول أن يقارن النوم بصلاة الفجر، وهذا مما لا يجب، فإذا كان مدرسي على حق فلماذا يعمل بذلك في مكة والمدينة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ورد التثويب في أذان الفجر وهو قول: " الصلاة خير من النوم " في عدد من الأحاديث الصحيحة، وقد ذُكر في بعضها التثويب في الأذان الأول مجملاً دون بيان ما هو المقصود بالأذان الأول، هل هو الأذان الذي يكون قبل الفجر أم أنه هو أذان الفجر ذاته، ومن هذه الأحاديث: 1- عن أبي محذورة رضي الله عنه قال: كنت أؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم , وكنت أقول في أذان الفجر الأول: " حي على الفلاح، الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله ". رواه أبو داود (500) والنسائي (647) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ". 2- وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كان في الأذان الأول بعد الفلاح: الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم) . قال الشيخ الألباني رحمه الله: أخرجه الطحاوي (1 / 82) بسند حسن كما قال الحافظ في " التلخيص " (3 / 169) . " الثمر المستطاب " (ص 131) . وعلى هذه الأحاديث اعتمد من قال: إن التثويب في أذان الفجر يكون في الأذان الأول الذي يكون في آخر الليل، والصحيح أنه يكون في الأذان الذي يكون بعد دخول وقت الصلاة. وذلك لأمور: أ. أن لفظة " الأول " تعني الأول بالنسبة للإقامة، وتكون الإقامة هي الأذان الثاني، وقد ورد في السنة الصحيحة تسمية الإقامة أذاناً، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: (بين كل أذانين صلاة) رواه البخاري (598) ومسلم (838) . وجاء في صحيح مسلم (739) تسمية الأذان الذي يكون بعد دخول الوقت بالأذان الأول، وذلك فيما حدثته عائشة رضي الله عنها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: (كان ينام أول الليل ويحيي آخره، ثم إن كانت له حاجة إلى أهله قضى حاجته ثم ينام فإذا كان عند النداء الأول قالت: وثب فأفاض عليه الماء، وإن لم يكن جنبا توضأ وضوء الرجل للصلاة ثم صلى الركعتين) . والمقصود بالركعتين: سنة الفجر الراتبة. قاله النووي في "شرح مسلم". ب. جاء التصريح في بعض الأحاديث الصحيحة أن هذا التثويب يقال في " أذان صلاة الصبح " و " أذان الفجر " و " وصلاة الغداة " وهي ألفاظ تدل على أن التثويب يكون بعد دخول وقت الصلاة والآذان الذي يكون آخر الليل يكون قبل دخول وقت الصلاة، ومن هذه الأحاديث: 1- عن أبي محذورة رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله علِّمني سنة الأذان، قال: فمسح مقدم رأسي وقال: تقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر ... فإن كان صلاة الصبح قلت: الصلاة خير من النوم , الصلاة خير من النوم. وفي رواية أخرى نحو هذا الخبر وفيه: (الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم في الأولى من الصبح) . رواه أبو داود (501) والنسائي (633) وصححه الشيخ الألباني في " صحيح أبي داود ". وفي رواية أخرى عند أبي داود (504) من حديث أبي محذورة رضي الله عنه: (وكان يقول في الفجر الصلاة خير من النوم) وصححها الشيخ الألباني في " صحيح أبي داود ". 2- عن أنس رضي الله عنه قال: من السنة إذا قال المؤذن في أذان الفجر: حي على الفلاح قال: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم (مرتين) . قال الشيخ الألباني رحمه الله: أخرجه الدارقطني (90) وابن خزيمة في " صحيحه " والبيهقي في " سننه " (1 / 423) ، وقال: " إسناده صحيح ". ثم أخرجه الدارقطني والطحاوي أيضا (1 / 82) من طريق هشيم عن ابن عون به بلفظ: (كان التثويب في صلاة الغداة إذا قال المؤذن: حي على الفلاح قال: الصلاة خير من النوم) (مرتين) ، وهذا اللفظ رواه ابن السكن وصححه كما في " التلخيص " (3 / 148) . " الثمر المستطاب " (ص 132) . ففي هذه الأحاديث: أن التثويب يكون في أذان صلاة الصبح. والأذان الذي يكون للصلاة هو الذي يكون بعد دخول الوقت، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم) متفق عليه. وأما الأذان الذي يكون في آخر الليل فليس أذاناً لصلاة الصبح , وإنما هو (ليرجع القائم ويوقظ النائم) كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين. وبهذا يتبين أن التثويب في الأذان الذي يكون بعد دخول وقت الصلاة ليس بدعة بل هو السنة. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة: ما المانع من الإتيان بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم في التثويب في الأذان الأول للفجر كما جاء في سنن النسائي وابن خزيمة والبيهقي؟ فأجابوا: " نعم، ينبغي الإتيان بالتثويب في الأذان الأول للفجر امتثالا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وواضح من الحديث أنه الأذان الذي يكون عند طوع الفجر الصادق، وسمي أولاً بالنسبة للإقامة، فإنها أذان شرعاً، كما في حديث: (بين كل أذانين صلاة) ، وليس المراد بالأذان الأول ما ينادى به قبل ظهور الفجر الصادق؛ فإنه شرع ليلاً ليستيقظ النائم، وليرجع القائم، وليس أذاناً للإعلام بالفجر، ومن تدبر أحاديث التثويب لم يفهم منها إلا أن التثويب في أذان الإعلام بوقت الفجر لا الأذان الذي يكون ليلا قبيل الفجر " انتهى. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. " فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (6 / 63) . وانظر تفصيلاً علميّاً في الرد على من قال إن التثويب يكون في الأذان الذي قبل دخول وقت الصلاة للشيخ العثيمين رحمه الله في كتاب "الشرح الممتع" (2 / 61 – 64) . وأما قول مدرسك: إنه بهذا يقارن المرء بين النوم وصلاة الفجر! فهذا ليس بصحيح , لأن هذا اللفظ هو خبر بأن الصلاة خير من النوم , وفي ذلك حث للنائم أن يترك النوم ويقوم إلى ما هو خير. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45518 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 384 نسبة أهل الجنة إلى أهل النار [السُّؤَالُ] ـ[يوجد في صحيح البخاري حديثان برقمي (6529 , 6530) بترقيم فتح الباري , في الحديث رقم (6529) ما يفيد أن: " بعث جهنم من كل مائة تسعة وتسعين "، وفي الحديث رقم (6530) ما يفيد أن: " بعث النار من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين ". أرجو الشرح والتوضيح جزاكم الله خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحديث الأول رواه البخاري (6529) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَوَّلُ مَنْ يُدْعَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ آدَمُ، فَتَرَاءَى ذُرِّيَّتُهُ، فَيُقَالُ: هَذَا أَبُوكُمْ آدَمُ. فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، فَيَقُولُ: أَخْرِجْ بَعْثَ جَهَنَّمَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ. فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، كَمْ أُخْرِجُ؟ فَيَقُولُ: أَخْرِجْ مِنْ كُلِّ مِائَةٍ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ. فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذَا أُخِذَ مِنَّا مِنْ كُلِّ مِائَةٍ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ فَمَاذَا يَبْقَى مِنَّا؟ قَالَ: إِنَّ أُمَّتِي فِي الأُمَمِ كَالشَّعَرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي الثَّوْرِ الأَسْوَدِ. الحديث الثاني رواه البخاري (3348) ومسلم (222) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: يَا آدَمُ، فَيَقُولُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، فَيَقُولُ: أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ. قَالَ: وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قَالَ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ، فَعِنْدَهُ يَشِيبُ الصَّغِيرُ، وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا، وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى، وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَيُّنَا ذَلِكَ الْوَاحِدُ؟ قَالَ: أَبْشِرُوا، فَإِنَّ مِنْكُمْ رَجُلا، وَمِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَلْفًا. ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنِّي أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَكَبَّرْنَا. فَقَالَ: أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَكَبَّرْنَا. فَقَالَ: أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَكَبَّرْنَا. فَقَالَ: مَا أَنْتُمْ فِي النَّاسِ إِلا كَالشَّعَرَةِ السَّوْدَاءِ فِي جِلْدِ ثَوْرٍ أَبْيَضَ، أَوْ كَشَعَرَةٍ بَيْضَاءَ فِي جِلْدِ ثَوْرٍ أَسْوَدَ. ومعنى "بَعْثَ النَّارِ" أي: الذين يبعثون إلى النار من ذرية آدم. ومعنى "أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ" أي: مَيِّزْ أَهْلَ النَّارِ مِنْ غَيْرهمْ. ففي الحديث الأول أن عدد الناجين يوم القيامة عشرة من الألف، وفي الحديث الثاني واحد من الألف. وقد جمع العلماء بين الحديثين بعدة طرق، ومنها: 1- أن مفهوم العدد لا اعتبار له، فالتخصيص بعددٍ لا يدل على نفي الزائد، والمقصود من العددين واحدٌ وهو تقليل عدد المؤمنين وتكثير عدد الكافرين. 2- حمْل حديث أبي سعيد الخدري على جميع ذرية آدم، فيكون مِن كل ألف واحدٌ، وحمْل حديث أبي هريرة على مَن عدا يأجوج ومأجوج، فيكون من كل ألف عشرة، ويقرب ذلك أن يأجوج ومأجوج ذكروا في حديث أبي سعيد دون حديث أبي هريرة. 3- ويحتمل أن تقع القسمة مرتين: مرة من جميع الأمم قبل هذه الأمة فيكون من كل ألف واحدٌ، ومرة من هذه الأمة فقط فيكون من كل ألف عشرة. 4- ويحتمل أن يكون المراد ببعث النار: " الكفار ومن يدخلها من العصاة " فيكون من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون كافراً، ومن كل مائة تسعة وتسعون عاصياً. ذكر هذه الأجوبة الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (11 / 390) . والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 22836 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 385 معنى حديث إلا رقماً بثوب [السُّؤَالُ] ـ[ما المقصود بالرقم في حديث (إلا رقماً في ثوب) ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فسر العلماء رحمهم الله الرقم بأمرين: أحدهما أنه الصورة التي تكون في البسط ونحوها فيداس ويمتهن كالوسائد، فهذا معفو عنه، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم عفا عنه، والمقصود: العفو عن استعماله أما التصوير فلا يجوز. والثاني: أنه النقوش التي تكون في الثياب من غير الصور، فإن النقوش في الثياب لا تضر وليس حكمها حكم الصورة، إنما المحرم صورة ما له روح من آدمي وغيره؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دخل على عائشة ورأى ثوباً فيه صورة فغضب وهتكه، وقال (إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم) ، قالت عائشة: فجعلت منها وسادتين يرتفق بهما النبي صلى الله عليه وسلم، واخرج النسائي بإسناد صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان على موعد مع جبرائيل عليه السلام فتأخر عنه فخرج إليه، ينتظره فقال له جبرائيل: إن في البيت تمثالاً وستراً فيه صورة، وكلباً، فأمر برأس التمثال أن يقطع حتى يكون كهيئة الشجرة، وأمر بالستر أن يتخذ منها وسادتان منتبذتان توطآن، وأمر بالكلب أن يخرج، ففعل النبي صلى الله عليه وسلم، فدخل جبرائيل عليه السلام، قال أبو هريرة: وكان الكلب جرواً تحت نضد في البيت أدخله الحسن والحسين. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. ص / 91. الحديث: 12817 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 386 حديث: (اللهم أحيني مسكيناً) [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى دعاء النبي صلى الله عليه وسلم (اللهم أحيني مسكيناً) ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث رواه الترمذي (2352) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا، وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا، وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ الْمَسَاكِينِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) . وقَالَ الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ. ورواه ابن ماجه (4126) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. وقد ضعفه كثير من أهل العلم، وعلى فرض صحته فالمراد بالمسكنة هنا التواضع والإخبات، وليس المراد قلة المال. قال ابن كثير في "البداية والنهاية" (6/75) : " فأمَّا الحديث الذي رواه ابن ماجه عن أبي سعيد أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: (اللهم أحيني مسكيناً. . . الحديث) فإنَّه حديث ضعيف، لا يثبت من جهة إسناده، لأن فيه يزيد بن سنان أبا فروة الرَّهاويّ وهو ضعيف جداً، والله أعلم. وقد رواه التّرمذيّ من وجه آخر عن أنس. . . ثم قال: هذا حديث غريب. قلت (ابن كثير) : وفي إسناده ضعف، وفي متنه نكارة، والله أعلم " انتهى. وَقَالَ الْحَافِظُ فِي "التَّلْخِيصِ" (3/109) بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ: " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَاسْتَغْرَبَهُ , وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ. وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَوَاهُ اِبْنُ مَاجَهْ، وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ أَيْضًا , وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ حَدِيثِ عَطَاءٍ عَنْهُ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ " انتهى. وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن هذا الحديث فقال: " هذا يُرْوَى، لكنه ضعيف لا يثبت، ومعناه: أحيني خاشعا متواضعا، لكن اللفظ لم يثبت " انتهى. "مجموع الفتاوى" (18/357) . وقال أيضاً (18/326) : " هذا الحديث قد رواه الترمذي، وقد ذكره أبو الفرج (ابن الجوزي) في الموضوعات، وسواء صح لفظه أو لم يصح: فالمسكين المحمود هو المتواضع الخاشع لله ; ليس المراد بالمسكنة عدم المال، بل قد يكون الرجل فقيراً من المال وهو جبار، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: ملك كذاب، وفقير مختال، وشيخ زان) وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أنا عبد، آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد) فالمسكنة خلق في النفس، وهو التواضع والخشوع واللين ضد الكبر. كما قال عيسى عليه السلام: (وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً) مريم/32. ومنه قول الشاعر: مساكين أهل الحب حتى قبورهم عليها تراب الذل بين المقابر أي: أذلاء " انتهى. وفي "لسان العرب" (13/216) : " وأَصل المسكين في اللغة الخاضع، وأَصل الفقير المحتاج. ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (اللهم أَحْيِني مِسْكيناً) أَراد به التواضع والإِخْبات، وأَن لا يكون من الجبارين المتكبرين. أي: خاضعاً لك يا رب ذليلاً غير متكبر، وليس يراد بالمسكين هنا الفقير المحتاج " انتهى. ونقل الحافظ ابن حجر في "التلخيص" (3/109) عن البيهقي أنه قال عن هذا الحديث: " وَوَجْهُهُ عِنْدِي أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْ الْمَسْكَنَةَ الَّتِي يَرْجِعُ مَعْنَاهَا إِلَى الْقِلَّةِ , وَإِنَّمَا سَأَلَ الْمَسْكَنَةَ الَّتِي يَرْجِعُ مَعْنَاهَا إِلَى الإِخْبَاتِ وَالتَّوَاضُعِ " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45146 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 387 ما معنى أن الله يحبّ الجمال [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى حديث إن الله جميل يحبّ الجمال، ما هو المقصود بالجمال خصوصا وأن بعض الناس يستدل بهذا الحديث على جواز النظر إلى النساء الجميلات وجواز الاستمتاع بكل شيء جميل، هل من توضيح.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحديث المذكور في السؤال قد أخرجه مسلم في صحيحه رقم 131 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ قَالَ رَجُلٌ إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً قَالَ إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ. قال ابن القيم رحمه الله شارحا ومبيّنا: وقوله في الحديث إن الله جميل يحب الجمال يتناول جمال الثياب المسؤول عنه في نفس الحديث ويدخل فيه بطريق العموم الجمال من كل شيء، وفي صحيح مسلم برقم 1686: " إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا "، وفي سنن الترمذي " إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده " رواه الترمذي برقم 2963 وقال حسن صحيح، وعن أبي الأحوص الجشمي قال رآني النبي صلى الله عليه وسلم وعليَّ أطمار فقال هل لك من مال قلت نعم قال من أي المال قلت من كل ما آتى الله من الإبل والشاه قال فلتر نعمته وكرامته عليك " رواه أحمد برقم 15323 والترمذي 1929 والنسائي 5128، فهو سبحانه يحب ظهور أثر نعمته على عبده فإنه من الجمال الذي يحبه وذلك من شكره على نعمه وهو جمال باطن، فيحب أن يرى على عبده الجمال الظاهر بالنعمة والجمال الباطن بالشكر عليها، ولمحبته سبحانه للجمال أنزل على عباده لباسا وزينة تجمل ظواهرهم وتقوى تجمل بواطنهم؛ فقال: " يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير " الأعراف 26، وقال في أهل الجنة: " ولقَّاهم نضرة وسرورا (11) وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا (12) " الإنسان، فجمل وجوههم بالنضرة وبواطنهم بالسرور وأبدانهم بالحرير وهو سبحانه كما يحب الجمال في الأقوال والأفعال واللباس والهيأة يبغض القبيح من الأقوال والأفعال والثياب والهيأة فيبغض القبيح وأهله ويحب الجمال وأهله ولكن ضلّ في هذا الموضوع فريقان: فريق قالوا كل ما خلقه جميل فهو يحبّ كل ما خلقه ونحن نحب جميع ما خلقه فلا نبغض منه شيئا، قالوا: ومن رأى الكائنات منه رآها كلها جميلة.. وهؤلاء قد عدمت الغيرة لله من قلوبهم والبغض في الله والمعاداة فيه وإنكار المنكر والجهاد في سبيله وإقامة حدوده ويرى جمال الصور من الذكور والإناث من الجمال الذي يحبه الله فيتعبدون بفسقهم وربما غلا بعضهم حتى يزعم أن معبوده يظهر في تلك الصورة ويحل فيها. وقابلهم الفريق الثاني فقالوا قد ذم الله سبحانه جمال الصور وتمام القامة والخلقة فقال عن المنافقين: " وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم " المنافقون 4 وقال: " وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا " مريم 74 أي أموالا ومناظر، وفي صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " صحيح مسلم رقم 4651.. وفي الحديث: " البذاذة من الإيمان " رواه ابن ماجه 4108 وأبو داود 3630 وصححه الألباني رحمه الله وفصل النزاع أن يقال الجمال في الصورة واللباس والهيأة ثلاثة أنواع منه ما يحمد ومنه ما يذم ومنه مالا يتعلق به مدح ولا ذم، فالمحمود منه ما كان لله وأعان على طاعة الله وتنفيذ أوامره والاستجابة له كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتجمل للوفود وهو نظير لباس آلة الحرب للقتال ولباس الحرير في الحرب والخيلاء فيه فإن ذلك محمود إذا تضمن إعلاء كلمة الله ونصر دينه وغيظ عدوه والمذموم منه ما كان للدنيا والرياسة والفخر والخيلاء والتوسل إلى الشهوات وأن يكون هو غاية العبد وأقصى مطلبه فإن كثيرا من النفوس ليس لها همة في سوى ذلك، وأما مالا يحمد ولا يذم هو ما خلا عن هذين القصدين وتجرد عن الوصفين. والمقصود أن هذا الحديث الشريف مشتمل على أصلين عظيمين فأوله معرفة وآخره سلوك فيُعرف الله سبحانه بالجمال الذي لا يماثله فيه شيء ويعبد بالجمال الذي يحبه من الأقوال والأعمال والأخلاق فيحب من عبده أن يجمل لسانه بالصدق وقلبه بالإخلاص والمحبة والإنابة والتوكل وجوارحه بالطاعة وبدنه بإظهار نعمه عليه في لباسه وتطهيره له من الأنجاس والأحداث والأوساخ والشعور المكروهة والختان وتقليم الأظفار فيعرفه بصفات بالجمال ويتعرف إليه بالأفعال والأقوال والأخلاق الجميلة فيعرفه بالجمال الذي هو وصفه ويعبده بالجمال الذي هو شرعه ودينه فجمع الحديث قاعدتين المعرفة والسلوك. الفوائد 1/185 أين هذه المعاني العظيمة للحديث من ضلالات أصحاب الهوى الذين يريدون فهما منحرفا لتبرير مقاصدهم السيئة نسأل الله العافية وصلى الله على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 6652 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 388 أسماء شروح لصحيح الإمام مسلم [السُّؤَالُ] ـ[أريد شروح موسعة لصحيح الإمام مسلم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عليك بكتاب (فتح الملهم لشرح صحيح مسلم) للإمام السبكي، وكذلك كتاب الشراج الوهاج لأبي الطيب صديق بن حسن خان القنوجي البخاري المولود عام 1248 هـ والمتوفي عام 1307 هـ وهو مكون من 13 مجلد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 10299 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 389 ما معنى حديث إنا أمة امية لا نكتب ولا نحسب [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم (نحن أمة أمية لا نقرأ ولا نكتب) وهل ينافي هذا ما يتعلمه المسلمون اليوم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس لفظ الحديث كما ورد في السؤال وإنما سياقه كما يلي: عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إنَّا أمَّة أمِّيَّة لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين ". رواه البخاري (1814) ومسلم (1080) . وقد ورد هذا الحديث في مسألة دخول الشهر الهلالي، وهو يدل على أنه لا يُلتفت في معرفة دخول الشهر إلى الحسابات الفلكية وإنما يُعتمد على الرؤية الظاهرة للقمر عند ولادته فنعرف دخول الشهر، فالحديث سيق لبيان أنّ الاعتماد على الرؤية لا على الحساب ولم يأت لحثّ الأمة الإسلامية للبقاء على الجهل وترك تعلّم الحساب العادي وسائر العلوم النافعة ولذلك فلا ينافي هذا الحديث ما يتعلمه المسلمون اليوم من العلوم المختلفة التي تفيدهم في دنياهم، والإسلام دين العلم، وهو يدعو إليه ويوجبه على كلّ مسلم أن يتعلّم ما افترضه الله عليه ويتعلم أحكام ما يحتاج إليه من العبادات والمعاملات وأما العلوم الدنيوية كالطبّ والهندسة والزراعة وغيرها فيجب على المسلمين أن يتعلّموا منها ما تحتاج إليه الأمّة ولو احتاج المسلمون لصنع إبرة لوجب عليهم أن يكون فيهم من يتعلّم صنعة تلك الإبرة. ولشيخ الإسلام ابن تيمية شرح وافٍ لهذا الحديث استقصى فيه فأجاد وفيما يلي مختارات من جوابه: قوله " إنا أمة أمية " ليس هو طلبا، فإنهم أمِّيُّون قبل الشريعة كما قال الله تعالى {هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم} وقال {وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم} فإذا كانت هذه صفة ثابتة لهم قبل المبعث لم يكونوا مأمورين بابتدائها، نعم قد يؤمرون بالبقاء على بعض أحكامها، فإنا سنبيِّن أنهم لم يؤمروا أن يبقوا على ما كانوا عليه مطلقاً. ... والأمة التي بعثه الله إليها فيهم مَن يقرأ ويكتب كثيراً كما كان في أصحابه، وفيهم من يحسب، وقد بعث صلى الله عليه وسلم بالفرائض التي فيها مِن الحساب ما فيها وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه لما قدِم عاملُه على الصدقة ابن اللتبيَّة حاسَبه، وكان له كتاب عدة كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وزيد ومعاوية يكتبون الوحي ويكتبون العهود ويكتبون كُتُبَه إلى الناس إلى مَن بعثه الله إليه مِن ملوك الأرض ورؤوس الطوائف وإلى عماله وولاته وسعاته وغير ذلك وقد قال الله تعالى في كتابه {لتعلموا عدد السنين والحساب} في آيتين من كتابه فأخبر أنه فعل ذلك ليُعلم الحساب. وإنما الأمي هو في الأصل منسوب إلى " الأمة " التي هي جنس الأميين وهو من لم يتميز عن الجنس بالعلم المختص من قراءة أو كتابة كما يقال " عامي " لمن كان من العامة غير متميز عنهم بما يختص به غيرهم مِن علوم، وقد قيل: إنه نسبة إلى " الأم " أي: هو الباقي على ما عوَّدته أمُّه من المعرفة والعلم ونحو ذلك. ثم التميز الذي يخرج به عن الأمية العامة إلى الاختصاص تارة يكون فضلاً وكمالاً في نفسه كالتميز عنهم بقراءة القرآن وفهم معانيه وتارة يكون بما يتوصل به إلى الفضل والكمال كالمتميز عنهم بقراءة القرآن وفهم معانيه، وتارة يكون بما يتوصل به إلى الفضل والكمال كالتميز عنهم بالكتابة وقراءة المكتوب، فيمدح في حق من استعمله في الكمال ويذم في حق من عطَّله، أو استعمله في الشر، ومن استغنى عنه بما هو أنفع له كان أكمل وأفضل، وكان تركه في حقه مع حصول المقصود به أكمل وأفضل. فإذا تبين أن التميز عن الأميين نوعان؛ فالأمة التي بُعث فيها النبي صلى الله عليه وسلم أولاهم العرب وبواستطهم حصلت الدعوة لسائر الأمم؛ لأنه إنما بُعث بلسانهم فكانوا أميين عامة ليست فيهم مزية علم ولا كتاب ولا غيره مع كون فِطَرهم كانت مستعدة للعلم أكمل من استعداد سائر الأمم بمنزلة أرض الحرث القابلة للزرع، لكن ليس لها من يقوم عليها فلم يكن لهم كتاب يقرأونه منزَّل من عند الله كما لأهل الكتاب، ولا علوم قياسية مستنبطة كما للصابئة ونحوهم، وكان الخط فيهم قليلاً جدّاً، وكان لهم من العلم ما ينال بالفطرة التي لا يخرج بها الإنسان عن الأموَّة العامة كالعلم بالصانع سبحانه، وتعظيم مكارم الأخلاق، وعلم الأنواء، والأنساب، والشِّعر، فاستحقوا اسم الأمية من كل وجه كما قال فيهم {هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم} وقال تعالى {قل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فان أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ} ، فجعل الأميين مقابلين لأهل الكتاب، فالكتابي غير الأمي. فلما بُعث فيهم ووجب عليهم اتباع ما جاء به من الكتاب وتدبره وعقله والعم به وقد جعله تفصيلاً لكل شيءٍ وعلَّمهم نبيُّهم كلَّ شيءٍ حتى الخراءة: صاروا أهلَ كتاب وعلم، بل صاروا أعلم الخلق وأفضلهم في العلوم النافعة، وزالت عنهم الأميُّة المذمومة الناقصة وهي عدم العلم والكتاب المنزل إلى أن علِموا الكتاب والحكمة وأورثوا الكتاب كما قال فيهم {هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبلُ لفي ضلال مبين} فكانوا أميين مِن كل وجهٍ فلما علمهم الكتاب والحكمة: قال فيهم {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله} وقال تعالى: {وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون أن تقولوا إنما أُنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين أو تقولوا لو أنا أُنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم} ، واستجيب فيهم دعوة الخليل حيث قال: {ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم} وقال: {لقد منَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة} . فصارت هذه الأميَّة منها ما هو محرَّم، ومنها ما هو مكروه، ومنها ما هو نقص وترك الأفضل، فمن لم يقرأ الفاتحة أو لم يقرأ شيئاً من القرآن تسمِّيه الفقهاء في " باب الصلاة " أميّاً ويقابلونه بالقارئ، فيقولون: لا يصح اقتداء القارئ بالأمي، ويجوز أن يأتم الأمي بالأمي ونحو ذلك من المسائل، وغرضهم بالأمِّيِّ هنا الذي لا يقرأ القراءة الواجبة سواء كان يكتب أولا يكتب يحسب أولا يحسب. فهذه الأميَّة منها: ما هو تَرك واجبٍ يُعاقب الرجل عليه إذا قدر على التعلم فتركه. ومنها: ما هو مذموم، كالذي وصفه الله عز وجل عن أهل الكتاب حيث قال: {ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون} فهذه صفة من لا يفقه كلام الله ويعمل به وإنما يقتصر على مجرد تلاوته، كما قال الحسن البصري: نَزَل القرآن ليُعمل به فاتَّخذوا تلاوتَه عملاً، فالأمي هنا قد يقرأ حروف القرآن أو غيرها ولا يفقه بل يتكلم في العلم بظاهر من القول ظنّاً فهذا أيضا أميٌّ مذموم كما ذمَّه الله لنقص علمه الواجب سواء كان فرض عين أم كفاية. ومنها: ما هو الأفضل الأكمل، كالذي لا يقرأ مِن القرآن إلا بعضه، ولا يفهم منه إلا ما يتعلق به، ولا يفهم من الشريعة إلا مقدار الواجب عليه، فهذا أيضاً يقال له أميٌّ وغيره ممن أوتى القرآن علماً وعملاً أفضل منه وأكمل. فهذه الأمور المميزة للشخص عن الأمور التي هي فضائل وكمال فقدها إما فقد واجب عيناً أو واجب على الكفاية أو مستحب، وهذه يوصف الله بها وأنبياؤه مطلقا فإن الله عليم حكيم جمع العلم والكلام النافع طلباً وخبراً وإرادةً وكذلك أنبياؤه ونبينا سيد العلماء والحكماء. وأما الأمور المميزة التي هي وسائل وأسباب إلى الفضائل مع إمكان الاستغناء عنها بغيرها فهذه مثل الكتاب الذي هو الخط والحساب فهذا إذا فقدها مع أن فضيلته في نفسه لا تتم بدونها وفقدها نقص إذا حصلها واستعان بها على كماله وفضله كالذي يتعلم الخط فيقرأ به القرآن وكتب العلم النافعة أو يكتب للناس ما ينتفعون به كان هذا فضلاً في حقه وكمالا وإن استعان به على تحصيل ما يضره أو يضر الناس كالذي يقرأ بها كتب الضلالة ويكتب بها ما يضر الناس كالذي يزوِّر خطوط الأمراء والقضاة والشهود: كان هذا ضرراً في حقه وسيئةً ومنقصةً، ولهذا نهى " عمر " أن تعلَّم النساءُ الخطَّ، وان أمكن أن يستغني عنها بالكليَّة بحيث ينال كمال العلوم من غيرها وينال كمال التعليم بدونها كان هذا أفضل له وأكمل وهذه حال نبينا صلى الله عليه وسلم الذي قال الله فيه {الذين يتبعون الرسول النبي الأميَّ الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل} فان أموَّته لم تكن من جهة فقْدِ العلم والقراءة عن ظهر قلبٍ فإنه إمام الأئمة في هذا، وإنما كان مِن جهة أنه لا يكتب ولا يقرأ مكتوباً كما قال الله فيه: {وما كنت تتلو مِن قبله مِن كتاب ولا تخطه بيمينك} . ..... (ثم عاد رحمه الله لبيان المُراد بحديث إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، وأنّ فيه قرينة تدلّ على المراد فقال:) فلما قرن ذلك بقوله الشهر ثلاثون والشهر تسعة وعشرون بيَّن أن المراد به: إنا لا نحتاج في أمر الهلال إلى كتاب ولا حساب، إذ هو تارة كذلك، وتارة كذلك، والفارق بينهما هو الرؤية فقط ليس بينهما فرقٌ آخر من كتابٍ ولا حسابٍ وظهر بذلك أن الأميَّة المذكورة هنا صفة مدح وكمال مِن وجوه: من جهة الاستغناء عن الكتاب والحساب بما هو أبيَن منه وأظهر وهو الهلال. ومن جهة أن الكتاب والحساب هنا يدخلهما غلط. .. إلى آخر كلامه رحمه الله. [الْمَصْدَرُ] " مجموع الفتاوى " (25 / 164 - 175) الحديث: 4713 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 390 الجمع بين أحاديث تفضيل الجماعة على صلاة المنفرد [السُّؤَالُ] ـ[يوجد في صحيح البخاري حديثان برقمي (645 , 646) - بترقيم فتح الباري - في الحديث رقم (645) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة "، وفي الحديث رقم (646) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة ". أرجو الشرح والتوضيح.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحديث الأول جاء من حديث عبد الله بن عمر، وقد رواه البخاري (619) ومسلم (650) ، ولفظه: "صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة ". والثاني: جاء من حديث أبي سعيد الخدري، وقد رواه البخاري (619) ، ولفظه: " صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة ". وقد جمع العلماء بين الحديثين، فقال النووي – رحمه الله -: والجمع بينهما من ثلاثة أوجه: أحدها: أنه لا منافاة فذكر القليل لا ينفي الكثير , ومفهوم العدد باطل عند الأصوليين. والثاني: أن يكون أخبر أولاً بالقليل ثم أعلمه الله - تعالى - بزيادة الفضل فأخبر بها. الثالث: أنه يختلف باختلاف أحوال المصلين والصلاة , وتكون لبعضهم خمس وعشرون , ولبعضهم سبع وعشرون بحسب كمال الصلاة ومحافظته على هيئاتها وخشوعها وكثرة جماعتها وفضلهم وشرف البقعة ونحو ذلك , والله أعلم. " المجموع " (4 / 84) . وهناك وجوه أخر في الجمع غير هذا، وبعضه متفرع عما سبق، وقد رجَّح الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (2 / 132) وجهاً في الجمع غير ما ذكره النووي وهو أن " السبع والعشرين " للصلاة الجهرية، و " الخمس والعشرين " للصلاة السريَّة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 43147 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 391 معنى حديث: (إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ) [السُّؤَالُ] ـ[ورد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: (إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب) ، وورد في حديث آخر: (لا يذهب الليل والنهار حتى تُعْبد اللات والعزى) ، وفي رواية: (حتى تضطرب أليات نساء دوس عند ذي الخلصة) والإشكال: أنه في الحديث الأول يفهم أن الشرك لا يقع في الجزيرة العربية والحديث الثاني يدل على أنه سيقع؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من الأمور المقررة عند أهل العلم أن الشرك واقع في هذه الأمة كما دلت على ذلك النصوص الصحيحة، والواقع يؤيد ذلك. وقد ارتد أكثر العرب بعد وفاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكثير منهم رجع إلى عبادة الأوثان. وقال الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبدون الأوثان، ثم ذكر بعض الأحاديث الدالة على ذلك. وأما قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون ... ) فللعلماء عليه أجوبة: 1- أن الشيطان قد أيس أن يجمع كل المصلين على الكفر. واختار هذا القول العلامة ابن رجب الحنبلي. الدرر السنة (12/117) 2- أن هذا إخبار عما وقع في نفس الشيطان من اليأس لما رأى الفتوح، ودخول الناس في دين الله أفواجاً، فالحديث أخبر عن ظن الشيطان وتوقعه، ثم كان الواقع بخلاف ذلك لحكمة يريدها الله عز وجل. واختار هذا القول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. القول المفيد (1/211) 3- أن الشيطان أيس من المؤمنين كاملي الإيمان، فلم يطمع فيهم الشيطان أن يعبدوه، واختاره الألوسي. وانظر دعاوى المناوئين. (224) 4- أن (أل) في كلمة (المصلون) للعهد، والمراد بهم الصحابة. والأقوال كلها قريبة، وأقربها الثاني، والله أعلم. انظر " أحاديث العقيدة التي يوهم ظاهرها التعارض في الصحيحين " (2/232-238) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 42919 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 392 معنى أن الإيمان يأرز للمدينة [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث يقول فيه الرسول - عليه الصلاة والسلام -: (إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها) . و (يأرز) بكسر الراء ويجوز فيها الفتح والضم , ومعنى (يأرز) يرجع ويثبت في المدينة كما أن الحية إذا خرجت من جحرها رجعت إليه , وهذا إشارة من النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن هذا الدين سوف يرجع إلى المدينة بعد أن تفسد البلدان الأخرى كما أن الحية تخرج وتنتشر في الأرض ثم بعد ذلك ترجع إلى جحرها. وفيه أيضاً إشارة إلى أن الإسلام كما انطلق من المدينة فإنه يرجع إليها أيضا ً, فإن الإسلام بقوته وسلطته لم ينتشر إلا من المدينة وإن كان أصله نابعاً في مكة , ومكة هي المهبط الأول للوحي لكن لم يكن للمسلمين دولة وسلطان وجهاد إلا بعد هاجروا إلى المدينة , فلهذا كان الإسلام بسلطته ونفوذه وقوته منتشراً من المدينة وسيرجع إليها في آخر الزمان. وقال بعض أهل العلم: إن هذا إشارة إلى أمر سبق , وأن المعنى أن الناس يفدون إلى المدينة ويرجعون إليها ليتلقوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم الشريعة والتعاليم الإسلامية. ولكن المعنى الأول هو ظاهر الحديث وهو الأصح. [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ج/1 ص 55. الحديث: 10329 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 393 قصة ماشطة ابنة فرعون [السُّؤَالُ] ـ[أسأل عن صحة القصة التالية: خلال المعراج بالنبي صلى الله عليه وسلم وجد رائحة طيبة كرائحة المسك وعندما سأل عليه الصلاة والسلام عن ذلك، أجابه جبرائيل عليه السلام أنه رائحة الوصيفة التي كانت تعمل في بيت فرعون (زمن موسى عليه السلام) . وهي امرأة كانت قد تركت دينها سراً لكن افتضح أمرها عندما سقط المشط من يدها وقالت " بسم الله ". وعندما سمع فرعون بذلك أحرقها هي وأبناءها. وقد قيل إن رضيعها كلمها في تلك اللحظة وطلب منها أن تحتفظ بهدوئها والتمسك بإيمانها. وبسبب إيمانها العظيم، رفع الله مكانتها. هل هذه القصة صحيحة؟ أم هل توجد قصص مقاربة؟ وهل هذه القصة مأخوذة من مصادر نصرانية أو يهودية؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله وردت قصة ماشطة ابنة فرعون كما يلي: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَمَّا كَانَتْ اللَّيْلَةُ الَّتِي أُسْرِيَ بِي فِيهَا، أَتَتْ عَلَيَّ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، مَا هَذِهِ الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ؟ فَقَالَ: هَذِهِ رَائِحَةُ مَاشِطَةِ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ وَأَوْلادِهَا، قَالَ: قُلْتُ: وَمَا شَأْنُهَا؟ قَالَ: بَيْنَا هِيَ تُمَشِّطُ ابْنَةَ فِرْعَوْنَ ذَاتَ يَوْمٍ، إِذْ سَقَطَتْ الْمِدْرَى مِنْ يَدَيْهَا، فَقَالَتْ: بِسْمِ اللَّهِ، فَقَالَتْ لَهَا ابْنَةُ فِرْعَوْنَ: أَبِي؟ قَالَتْ: لا، وَلَكِنْ رَبِّي وَرَبُّ أَبِيكِ اللَّهُ، قَالَتْ: أُخْبِرُهُ بِذَلِكَ! قَالَتْ: نَعَمْ، فَأَخْبَرَتْهُ، فَدَعَاهَا فَقَالَ: يَا فُلانَةُ؛ وَإِنَّ لَكِ رَبًّا غَيْرِي؟ قَالَتْ: نَعَمْ؛ رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ، فَأَمَرَ بِبَقَرَةٍ مِنْ نُحَاسٍ فَأُحْمِيَتْ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا أَنْ تُلْقَى هِيَ وَأَوْلادُهَا فِيهَا، قَالَتْ لَهُ: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، قَالَ: وَمَا حَاجَتُكِ؟ قَالَتْ: أُحِبُّ أَنْ تَجْمَعَ عِظَامِي وَعِظَامَ وَلَدِي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَتَدْفِنَنَا، قَالَ: ذَلِكَ لَكِ عَلَيْنَا مِنْ الْحَقِّ، قَالَ: فَأَمَرَ بِأَوْلادِهَا فَأُلْقُوا بَيْنَ يَدَيْهَا وَاحِدًا وَاحِدًا إِلَى أَنْ انْتَهَى ذَلِكَ إِلَى صَبِيٍّ لَهَا مُرْضَعٍ، وَكَأَنَّهَا تَقَاعَسَتْ مِنْ أَجْلِهِ، قَالَ: يَا أُمَّهْ؛ اقْتَحِمِي فَإِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ، فَاقْتَحَمَتْ) . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: تَكَلَّمَ أَرْبَعَةُ صِغَارٍ: عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلام، وَصَاحِبُ جُرَيْجٍ، وَشَاهِدُ يُوسُفَ، وَابْنُ مَاشِطَةِ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ. أخرجه الإمام أحمد في " المسند " (1/309) ، والطبراني (12280) ، وابن حبان (2903) ، والحاكم (2/496) . قال الذهبي في " العلو " (84) عن: " هذا حديث حسن الإسناد "، وقال ابن كثير في " التفسير " (3/15) : " إسناده لا بأس به "، وصحح إسناده العلامة أحمد شاكر في تعليقه على المسند (4/295) ، وقال الأرنؤوط في تخريج المسند (5/30 – 31 رقم 2821) : " إسناده حسن، فقد سمع حماد بن سلمة من عطاء قبل الاختلاط عند جمع من الأئمة ". وبهذا يتبين أن هذه القصة صحيحة ثابتة عن نبينا صلى الله عليه وسلم، وليست مأخوذة من مصادر يهودية أو نصرانية. (المِدْرَى) : هي حديدة يسوَّى بها شعر الرَّأس. (فأمَر ببَقَرة من نُحاس فأُحْمِيت) : قال ابن الأثير في " النهاية " (1/145) : قال الحافظ أبو موسى: الذي يقَعُ لي في معناه أنه لا يريد شيئاً مَصُوغا على صورة البَقرة، ولكنَّه ربَّمَا كانت قِدرا كبيرةً واسعة، فسماها بقرة، مأخوذا من التَّبقُّر: التوسع، أو كان شيئاً يَسع بقَرة تامَّة بِتَوابِلِها فسمِّيت بذلك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39678 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 394 شرح حديث: (تنكح المرأة لأربع. . . .) [السُّؤَالُ] ـ[لم أفهم معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع مالها وجمالها وحسبها ودينها) فهل هذا يعني أن المرأة يجب أن تكون غنية وجميلة وذات حسب وأن تكون متدينة؟ موضوع التدين واضح بالنسبة لي ولكن ماذا عن بقية الأشياء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: هذا الحديث رواه البخاري (4802) ومسلم (1466) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ) . وليس في الحديث أمر أو ترغيب في نكاح المرأة لأجل جمالها أو حسبها أو مالها. وإنما المعنى: أن هذه مقاصد الناس في الزواج، فمنهم من يبحث عن ذات الجمال، ومنهم من يطلب الحسب، ومنهم من يرغب في المال، ومنهم من يتزوج المرأة لدينها، وهو ما رغب فيه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (فاظفر بذات الدين تربت يداك) . قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: " الصحيح في معنى هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بما يفعله الناس في العادة فإنهم يقصدون هذه الخصال الأربع، وآخرها عندهم ذات الدين، فاظفر أنت أيها المسترشد بذات الدين، لا أنه أمر بذلك ... وفي هذا الحديث الحث على مصاحبة أهل الدين في كل شيء لأن صاحبهم يستفيد من أخلاقهم وحسن طرائقهم ويأمن المفسدة من جهتهم " اهـ باختصار. وقال المباركفوري في تحفة الأحوذي: " قال القاضي رحمه الله: من عادة الناس أن يرغبوا في النساء ويختاروها لإحدى الخصال واللائق بذوي المروءات وأرباب الديانات أن يكون الدين مطمح نظرهم فيما يأتون ويذرون، لا سيما فيما يدوم أمره، ويعظم خطره " اهـ. وقد اختلف العلماء في معنى قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (تربت يداك) اختلافاً كثيراً، قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم: " وَالْأَصَحّ الْأَقْوَى الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ فِي مَعْنَاهُ: أَنَّهَا كَلِمَة أَصْلُهَا اِفْتَقَرَتْ , وَلَكِنَّ الْعَرَب اِعْتَادَتْ اِسْتِعْمَالهَا غَيْر قَاصِدَة حَقِيقَة مَعْنَاهَا الْأَصْلِيّ , فَيَذْكُرُونَ تَرِبَتْ يَدَاك , وَقَاتَلَهُ اللَّه , مَا أَشْجَعه , وَلَا أُمّ لَهُ , وَلَا أَب لَك , وَثَكِلَتْهُ أُمّه , وَوَيْل أُمّه , وَمَا أَشْبَهَ هَذَا مِنْ أَلْفَاظهمْ يَقُولُونَهَا عِنْد إِنْكَار الشَّيْء , أَوْ الزَّجْر عَنْهُ , أَوْ الذَّمّ عَلَيْهِ , أَوْ اِسْتِعْظَامه , أَوْ الْحَثّ عَلَيْهِ , أَوْ الْإِعْجَاب بِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَم " اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 34170 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 395 ما هي درجة حديث: " لا يصيب رجلاً خدشُ عود.. "؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما هي درجة هذا الحديث: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يصيب رجلا خدش عود، ولا عثرة قدم، ولا اختلاج عرق إلا بذنب , وما يعفو الله أكثر) . وهل يعني أن كل ما يصيب الإنسان هو بسبب ذنوبه؟ هذا قرأته في " تفسير القرطبي ". مع العلم أني بحثت في " صحيح البخاري " وفي " فتح الباري " ولكني لم أجده.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: هذا الحديث رواه الطبري في " التفسير " (5 / 175) والبيهقي في " شعب الإيمان " (7 / 153) من مرسل قتادة. والمرسل هو ما يرويه التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم دون واسطة بينهما، وهو من أقسام الضعيف، فالحديث إسناده ضعيف. وقد ذكره الألباني في "السلسلة الضعيفة" (1796) . ثانياً: معنى الحديث صحيح شهدت له أدلة أخرى من كتاب اله وسنة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فالمصائب التي تصيب الإنسان قد تكون بذنب أذنبه، فيكون البلاء كفارة لذلك الذنب. قال الله عز وجل: (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً) النساء /79، وقال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) الشورى /30. قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (1/529) : (ما أصابك مِن حسنة فمِن الله) أي: مِن فضل الله ومنَّته ولطفه ورحمته، (وما أصابك مِن سيئة فمِن نفسك) أي: فمِن قِبَلك ومن عملك أنت، كما قال تعالى: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير) قال السدي والحسن البصري وابن جريج وابن زيد: (فمِن نفسك) أي: بذنبك، وقال قتادة في الآية (فمن نفسك) عقوبة لك يا ابن آدم بذنبك اهـ. ثالثاً: المصائب التي يصاب بها المؤمن في الدنيا، ترفع في درجاته وتكفر عنه سيئاته. ولذلك ينبغي للمؤمن أن يرضى بما يقدره الله تعالى عليه من المصائب، ويعلم أن ذلك خير له. عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا مِنْ مُصِيبَةٍ تُصِيبُ الْمُسْلِمَ إِلا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا عَنْهُ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا) . رواه البخاري (5640) ومسلم (2572) . وروى مسلم (2572) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَا مِنْ شَيْءٍ يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ حَتَّى الشَّوْكَةِ تُصِيبُهُ إِلا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا حَسَنَةً، أَوْ حُطَّتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 32690 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 396 حديث (عمران بيت المقدس خراب يثرب) [السُّؤَالُ] ـ[أرجو منكم التفضل بشرح هذا الحديث بالتفصيل: روى أحمد وأبو داود عن معاذ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " عمران بيت المقدس خراب يثرب، وخراب يثرب خروج الملحمة، وخروج الملحمة فتح القسطنطينية، وفتح القسطنطينية خروج الدجال ".]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحديث رواه ابن أبي شيبة (7 / 491) وأحمد (5 / 245) وأبو داود (4294) وعلي بن الجعد في مسنده (ص 489) . كلهم: من طريق عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن جبير بن نفير عن مالك بن يخامر عن معاذ بن جبل. ورواه أبو عمرو الداني في " السنن الواردة في الفتن " (4 / 930) من طريق ابن ثوبان عن أبيه أنه سمع مكحولا يقول: حدثني مالك بن يخامر عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفيه: عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، وهو ضعيف، وقد عدَّ الذهبي هذا الحديث من منكراته، كما في " ميزان الاعتدال " (4 / 265) . واختلف عنه فيه أيضاً. قال الدارقطني – وسئل عن الحديث -: يرويه ابن ثوبان، واختلف عنه: فرواه أبو حيوة شريح بن يزيد عن ابن ثوبان عن أبيه عن مكحول قال حدثني مالك بن يخامر عن معاذ، وخالفه علي بن الجعد فرواه عن ابن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن جبير بن نفير عن مالك بن يخامر عن معاذ، زاد في الإسناد جبيراً، والله أعلم. " علل الدارقطني " (6 / 53) . والحديث ضعفه الشيخ شعيب الأرناؤط في تحقيقه لمسند أحمد (36 / 352) . وقد حسنه الشيخُ الألباني رحمه الله في صحيح سنن أبي داود. وعلى فرض صحته فإن معناه: أن كُلّ وَاحِد مِنْ هَذِهِ الْأُمُور أَمَارَة لِوُقُوعِ مَا بَعْده، وَإِنْ وَقَعَ هُنَاكَ فترة زمنية بينهما. (عُمْرَان بَيْت الْمَقْدِس) أَيْ: عِمَارَته بِكَثْرَةِ الرِّجَال وَالْعَقَار وَالْمَال. (خَرَاب يَثْرِب) : أَيْ: سَبَب خَرَاب الْمَدِينَة. وَقَالَ الْقَارِي: أَيْ وَقْت خَرَاب الْمَدِينَة. ويحتمل أن يكون المراد بعمارة بيت المقدس نزول الخلافة فيه في آخر الزمان. ويدل عليه ما رواه أبو داود (2535) عن عبد الله بن حَوَالة الأزدي، قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لنغنم على أقدامنا فرجعنا، فلم نغنم شيئا، وعرف الجهد في وجوهنا، فقام فينا فقال: (اللهم لا تكلهم إليّ فأضعف عنهم، ولا تكلهم إلى أنفسهم فيعجزوا عنها، ولا تكلهم إلى الناس فيستأثروا عليهم) ثم وضع يده على رأسي أو قال: على هامتي، ثم قال: (يا ابن حوالة، إذا رأيت الخلافة قد نزلت أرض المقدسة فقد دنت الزلازل والبلابل [البلابل: الهموم والأحزان] والأمور العظام، والساعة يومئذ أقرب من الناس من يدي هذه من رأسك) . وصححه الألباني في صحيح أبي داود. فظاهره أن نزول الخلافة في الأرض المقدسة سيكون قريبا جداً من الساعة، فقد يكون هذا هو المراد بعمارتها. والله أعلم. (وَخَرَاب يَثْرِب خُرُوج الْمَلْحَمَة) : أَيْ ظُهُور الْحَرْب الْعَظِيمة، وتكون بَيْن أَهْل الشَّام وَالرُّوم. (وَخُرُوجُ الْمَلْحَمَةِ فَتْحُ قُسْطَنْطِينِيَّةَ) يعني: فإذا خرجت الملحمة فبعدها فتح القسطنطينية. (وَفَتْحُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ خُرُوجُ الدَّجَّالِ) يعني إذا فتحت القسطنطينية خرج الدجال. وفي الحديث إشكال؛ وهو كون خراب المدينة قبل الدجال، مع ما ورد من أن الدجال يمنع من دخول المدينة، فإنها ترجف بأهلها ثلاث رجفات فيخرج إليه كل منافق ومنافقة. وقد أجاب ابن كثير عن هذا الإشكال فقال في "النهاية" (1/94) : "وليس المراد أن المدينة تخرب بالكلية قبل خروج الدجال، وإنما ذلك آخر الزمان، بل تكون عمارة بيت المقدس سببا في خراب المدينة النبوية، فإنه قد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن الدجال لا يقدر على دخولها، يُمنع من ذلك بما على أبوابها من الملائكة القائمين بأيدهم السيوف المصلتة" انتهى. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 32684 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 397 ما معنى لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر [السُّؤَالُ] ـ[هل الحديث لا تسبوا الوقت فإن الله هو الوقت يصح عن الرسول صلى الله عليه وسلم؟ وإذا كان صحيحا, فكيف تفسره؟ فقد أشكل علي هذا الموضوع.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحديث ليس بهذا اللفظ " لا تسبوا الوقت فإن الله هو الوقت "، وإنما هو بلفظ " لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر " (وقد يكون اللفظ المذكور جاء بسبب طريقة ترجمة السؤال) ، وقد رواه مسلم عن أبي هريرة (5827) ، وفي لفظ آخر: " لا يسب أحدكم الدهر فإن الله هو الدهر "، وفي لفظ آخر: " لا يقولن أحدكم يا خيبة الدهر فإن الله هو الدهر "، وفي لفظ: " قال الله عز وجل: يؤذيني ابن آدم يقول يا خيبة الدهر فلا يقولن يا خيبة الدهر فأنا الدهر أقلب الليل والنهار فإذا شئت قبضتهما ". وأما معنى الحديث فقد قال النووي: قالوا: هو مجاز وسببه أن العرب كان شأنها أن تسب الدهر عند النوازل والحوادث والمصائب النازلة بها من موت أو هرم أو تلف مال أو غير ذلك فيقولون " يا خيبة الدهر " ونحو هذا من ألفاظ سب الدهر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر " أي: لا تسبوا فاعل النوازل فإنكم إذا سببتم فاعلها وقع السب على الله تعالى لأنه هو فاعلها ومنزلها، وأما الدهر الذي هو الزمان فلا فعل له بل هو مخلوق من جملة خلق الله تعالى. ومعنى " فإن الله هو الدهر " أي: فاعل النوازل والحوادث وخالق الكائنات والله أعلم. " شرح مسلم " (15 / 3) . وينبغي أن يعلم أنه ليس من أسماء الله اسم " الدهر " وإنما نسبته إلى الله تعالى نسبة خلق وتدبير، أي: أنه خالق الدهر، بدليل وجود بعض الألفاظ في نفس الحديث تدل على هذا مثل قوله تعالى: " بيدي الأمر أقلِّب ليلَه ونهارَه " فلا يمكن أن يكون في هذا الحديث المقلِّب - بكسر اللام - والمقلَّب - بفتح اللام - واحداً، وإنما يوجد مقلِّب - بكسر اللام - وهو الله، ومقلَّب - بفتح اللام - وهو الدهر، الذي يتصرف الله فيه كيف شاء ومتى شاء. انظر " فتاوى العقيدة " للشيخ ابن عثيمين (1 / 163) . قال الحافظ ابن كثير - عند قول الله تعالى: {وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر} [الجاثية / 24]-: قال الشافعي وأبو عبيدة وغيرهما في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم: " لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر " كانت العرب في جاهليتها إذا أصابهم شدة أو بلاء أو نكبة قالوا: " يا خيبة الدهر " فيسندون تلك الأفعال إلى الدهر ويسبونه وإنما فاعلها هو الله تعالى فكأنهم إنما سبوا الله عز وجل لأنه فاعل ذلك في الحقيقة فلهذا نهى عن سب الدهر بهذا الاعتبار لأن الله تعالى هو الدهر الذي يصونه ويسندون إليه تلك الأفعال. وهذا أحسن ما قيل في تفسيره، وهو المراد. والله أعلم " تفسير ابن كثير " (4 / 152) . وسئل الشيخ ابن عثيمين حفظه الله عن حكم سب الدهر: فأجاب قائلا: سب الدهر ينقسم إلى ثلاثة أقسام. القسم الأول: أن يقصد الخبر المحض دون اللوم: فهذا جائز مثل أن يقول " تعبنا من شدة حر هذا اليوم أو برده " وما أشبه ذلك لأن الأعمال بالنيات واللفظ صالح لمجرد الخبر. القسم الثاني: أن يسب الدهر على أنه هو الفاعل كأن يقصد بسبه الدهر أن الدهر هو الذي يقلِّب الأمور إلى الخير أو الشر: فهذا شرك أكبر لأنه اعتقد أن مع الله خالقا حيث نسب الحوادث إلى غير الله. القسم الثالث: أن يسب الدهر ويعتقد أن الفاعل هو الله ولكن يسبه لأجل هذه الأمور المكروهة: فهذا محرم لأنه مناف للصبر الواجب وليس بكفر؛ لأنه ما سب الله مباشرة، ولو سب الله مباشرة لكان كافراً. " فتاوى العقيدة " (1 / 197) . ومن منكرات الألفاظ عند بعض الناس أنه يلعن الساعة أو اليوم الذي حدث فيه الشيء الفلاني (مما يكرهه) ونحو ذلك من ألفاظ السّباب فهو يأثم على اللعن والكلام القبيح وثانيا يأثم على لعن ما لا يستحقّ اللعن فما ذنب اليوم والسّاعة؟ إنْ هي إلا ظروف تقع فيها الحوادث وهي مخلوقة ليس لها تدبير ولا ذنب، وكذلك فإنّ سبّ الزمن يعود على خالق الزّمن، فينبغي على المسلم أن ينزّه لسانه عن هذا الفحش والمنكر. والله المستعان. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 9571 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 398 حديث من رضي من الله بالقليل من الرزق.. [السُّؤَالُ] ـ[ما هي درجة حديث " مَن رضي من الله بالقليل من الرزق: رضي الله منه بالقليل من العمل "؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحديث: رواه البيهقي في " شعب الإيمان " (7 / 204) . وفيه: إسحاق بن محمد الفروي، وقد ضعفه النسائي وأبو داود والدارقطني. انظر: " ميزان الاعتدال " (1 / 351) ، و " تهذيب التهذيب " (1 / 217) . وقد ضعفه الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (4 / 334) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 12935 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 399 صَادَر بحكم وظيفته رخاماً قبل ثلاثين سنَة على أن يتلفه ولم يفعل فهل يضمنه؟ [السُّؤَالُ] ـ[في عام 1401 هـ تقريباً كان عمري حينها في بداية العشرينات , وكنت أعمل في شركة للنظافة في مدينتي بجانب كوني طالباً بالجامعة , وكان العمل الموكَّل لي " فرقة للطوارئ " - حينها - لإزالة أي مخالفات، أو متروكات، بعد الكتابة عليها، بالإزالة خلال فترة محددة حسب تعليمات البلدية. وكان لي قريب يعمِّر عمارة , وخلال جولاتنا وجدتُ صناديق تحوي رخاماً , وكتبْتُ عليها: " تُرفع عن الشارع وإلا ستزال وتعدم "؛ حيث كنا أي مخلَّف نجده ولا يزيله صاحبُه: نزيله، ونرميه في مرمى البلدية العام. صاحب الرخام لم يَرفع الرخام من الشارع، وخطر ببالي بدلاً من دفنه بمرمى البلدية أن أعطيه لقريبي ليستفيد منه، وبالفعل عقب فوات المدة المقررة: رفعنا الرخام، وبدلاً من المرمى العام للبلدية: أوصلته لعمارة قريبي الذي سبق أن أبلغته بأن هناك رخاماً سأحضره له لو لم يرفعه صاحبه بعد رفعه , وللأمانة لأني أريد أن أقابل الله بعمل صالح: حضر صاحب البلاط لنا، وقدَّم شكوى، وهدَّد، وقلنا له: البلاط أُتلف. سؤالي: والله، ثم والله، ثم والله، لي فترة من الزمن وأمْر البلاط في بالي، فصاحب المنزل والله لا أعرف من هو , وأريد فتوى، هل تصرفي فيه شيء، وإن كان فيه: أريد أن أبرئ ذمتي قبل أن يأتي عليَّ يوم لا ينفع فيه الندم. القصة مرَّ عليها قرابة 30 عاماً، والصناديق والله لا أعلم إن كانت 4، أو أكثر، أو أقل. أفتوني، جزاكم الله خير الجزاء.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: تعزير ولي الأمر المخالفين للأنظمة التي فيها منافع للناس، وتدفع عنهم الضرر - كأنظمة المرور، والأغذية -: لا حرج فيه، بل هو واجب عليهم إن لم يرتدع المخالفون إلا بذلك. وهناك خلاف بين العلماء في جواز التعزير بالمال، والراجح: جواز التعزير بالمال، وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، وهو ما رجحه "مجمع الفقه الإسلامي"، كما تجده في أجوبة الأسئلة: (21900) و (130222) و (69872) و (72831) . وعليه: فيجوز مصادرة البضاعة التي خالف صاحبها الأنظمة بوضعها في طريق الناس، أو باحتمال تسببها بأذى، أو ضرر، وكان قد أُنذر صاحبها بأنها ستصادر إن لم يرفعها من طريق الناس. وعلى هذا، فلو صادرت هذه الصناديق وأتلفتها لم يكن عليك حرج، ولكنك أخذتها لنفسك، ولم تتلفها، وهذا اعتداء وغصب، فتكون ضامنا لهذا الرخام لصاحبه. فيجب عليك البحث والسؤال عنه، عن طريق معرفتك بالبيت الذي أخذت الرخام من عنده، فإن وصلت إليه أو إلى ورثته فالواجب أن ترد إليهم قيمة هذا الرخام، وتطلب منهم العفو والمسامحة. وإذا يئست من الوصول إليه فإنك تتصدق بقيمة هذا الرخام عنه. وأما بخصوص تقدير كمية الصناديق: فإنك تبني على الأكثر، فإن ترددت في كونها ثلاثة أو أربعة: فاجعلها الأكثر، وهي أربعة. وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم: (31234) . ونسأل الله أن يتقبل توبتك. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 140833 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1 مرض " نقص الانتباه " عند الأطفال؟ وهل يجوز تناول دواء " الريالتين " له؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما هو حكم الإسلام في إعطاء " الريتالين " لطفلة تم تشخيص حالتها على أنها تعانى من اضطراب " نقص الانتباه "، وتجد الطفلة صعوبة في التعلم، ولا تستطيع التركيز لفترات طويلة، ولهذا فقد وصف لها طبيب أطفال " الريتالين "، والوالدان في غاية الحيرة، ويعارضان إعطاءه لطفلتهما؛ لأنه يتسبب في زيادة سرعة الطفلة، لكن الأهم من اهتمامهما بمصلحة الطفلة فهما لا يريدان أن يقترفا إثماً أمام الله سبحانه وتعالى. برجاء تقديم العون للوالدين، فهما في أشد الحاجة إليها.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: تعريف المرض – واختصاره ADD، أو ADHD -: جاء في " الموسوعة العربية العالمية ": " اعتلال نقص الانتباه " Attention deficit disorder ": اعتلال نقص الانتباه: مشكلة سلوكية، يجد الذين يعانون منها صعوبة غير معتادة في الانتباه، والجلوس، دون حركة، أو التحكم في اندفاعاتهم العصبية، والمصطلح الرسمي المستخدم للإشارة لهذا الاعتلال هو: " اعتلال نقص الانتباه - فرط النشاط "، وهو أكثر المشاكل السلوكية شيوعاً بين الأطفال، ويبلغ معدل الإصابة بهذا الاعتلال لدى الصبيان أكثر من ضعف معدل الإصابة لدى البنات، ويعاني عدد ملحوظ من المراهقين والراشدين أيضاً من هذا الاعتلال. ... . ويُظهر الأطفال الذين يعانون من هذا النوع قدراً كبيراً من التململ العصبي، والضجر، ويكونون - في الغالب - من النوع الذي لا يستطيع انتظار دوره لكي يتحدث في الفصل، أو يشارك في النشاط الجماعي، ولا يُظهر الأشخاص الذين يعانون من النوع اللاانتباهي أي علامات جسدية للتململ، والضجر، ولكنهم يجدون صعوبة في التركيز، ويتسم هؤلاء بالنسيان، وعدم النظام، ويفشلون - غالباً - في إكمال فروضهم المدرسية، أو الواجبات الأخرى التي كلفوا بأدائها، وتتعرض الفتيات للإصابة بالنوع اللاانتباهي أكثر من تعرضهن للإصابة بالنوع الذي يتسم بفرط النشاط، ويعاني معظم مرضى " نقص الانتباه - فرط النشاط " من النوع المشترك الذي يجمع بين أعراض كلٍّ من " فرط النشاط " و " النوع اللانتباهي ". http://mousou3a.educdz.com/c/c00050_1.htm ومما علمناه من كلام الاختصاصيين في هذا المرض: 1. أنه لم تتفق كلمة الأطباء إلى الآن على الجزم بسبب هذا المرض. أ. ففي " الموسوعة العربية ": ويعتقد معظم الخبراء أن لاعتلال نقص الانتباه سبب جسدي لم يتم التعرف عليه بعد. انتهى. ب. وقال الدكتور خالد التركاوي – استشاري طب الأطفال بالرياض -: إن أسباب المرض ما زالت غير معروفة، والفرضيات حوله كثيرة، مع وجود بعض الدلائل غير القاطعة التي تشير إلى دور للعوامل الوراثية في ذلك. جريدة " الشرق الأوسط "، الاثنين 27 جمادى الأولى 1421 هـ، 28 أغسطس 2000 العدد 7944. 2- هناك علاجات أخرى تربوية وسلوكية ونفسية ينبغي أن يؤخذ بها مع العلاجات الكيميائية. أ. ففي "الموسوعة العربية": ويستفيد الأطفال الذين يعانون من المرض - أيضاً - من تقنية " تعديل السلوك "، وفي هذه المعالجة يساعِد البالغون الأطفالَ على اكتساب التحكم الذاتي، عن طريق توفير الإشراف الحميم، وتقديم المكافآت المتكررة، في مقابل السلوك الملائم. http://mousou3a.educdz.com/c/c00050_1.htm وقالوا: إنَّ تناول "الريتالين" فقط لا يكفي للقضاء على أعراض نقص الانتباه، ومرض النشاط المفرط، فمعظم مرضى هذا المرض في حاجة إلى علاج يتضمن إعمل أساليب نفسية، وسلوكية. انتهى. http://mousou3a.educdz.com/c/c00078_1.htm ب. وقال الدكتور خالد بن عوض بازيد - استشاري الطب النفسي - أطفال ومراهقين - مركز الظهران الصحي، مستشفى أرامكو السعودية -: علاج ADHD: 1. " العلاج السلوكي المعرفي "، حيث يهدف هذا النوع من العلاج إلى إعانة الطفل على تقوية التركيز، وتقليل التشتت الذهني، وتعديل السلوك الاندفاعي من خلال النظام، والتدريب، والوضوح، والتدعيم. 2. " الإرشاد النفسي التربوي للوالدين والمعلمين والمرشدين الطلابيين " في كيفية التعامل مع الطفل المبتلى بـADHD في البيت، أو المدرسة. 3. " توفير المناخ التعليمي الخاص للحالات الشديدة "، من خلاله تدريبهم على المهارات الاجتماعية المفقودة، وإعانتهم في تحصيلهم العلمي. انتهى. http://www.lakii.com/vb/showthread.php?t=111369 ثالثاً: أما الدواء الطبي الذي يُستعمل - غالباً - في علاج هذا المرض فهو: " الميثيلفنديت "، والمعروف تجاريّاً باسم " الريتالين ". أ. ففي " الموسوعة العربية ": " الريتالين " اسم تجاري لعقار " الميثيلفنديت "، وهو دواء يوصف – غالباً - لعلاج " نقص الانتباه " ومرض " النشاط المفرط ". ... . ونظراً لشيوع هذا المرض فإن ملايين من الناس يتناولون الريتالين، ويحسِّن هذا الدواء درجة التركيز، ويخفض القلق لمعظم مرضى قصور الانتباه، والنشاط المفرط. انتهى. http://mousou3a.educdz.com/c/c00078_1.htm ب. وقال الدكتور حسان المالح - استشاري في الطب النفسي، عضو الجمعية البريطانية للعلاج النفسي والأسري، وعضو الجمعية الأمريكية للطب النفسي -: العلاج الدوائي: وهو يتضمن العلاج بالمنشطات النفسية، من زمرة " الأمفيتامين "، وقد بدأ استعمالها منذ 1937، ويعتبر مثيلفينيديت (Methylphenidat - Ritalin) أكثرها استعمالاً بعد سن السادسة. انتهى. http://www.hayatnafs.com/specialtopics/adhd-overview.htm وقد سألنا الدكتور عمرو هيبة الأستاذ المساعد في كلية الطب جامعة طنطا، والحاصل على الدكتوراة في الأمراض النفسية والعصبية عن "تناول هذا الدواء الريتالين" وعن "أعراضه الجانبية"، وعن "الاكتفاء بالعلاج السلوكي والتربوي والنفسي والاستغناء عن هذا الدواء". فأفاد بما يلي: "هذا الدواء "الريتالين" من أحسن الأدوية التي تستعمل في علاج هذا المرض، ونتائجه ممتازة، ولا يسبب الإدمان ... وأما الأعراض الجانبية، فلا يخلو منها دواء من الأدوية، والشركات المنتجة للأدوية تكتب هذه الأعراض، حتى لا تقع عليها مسؤولية أو يتقدم أحد بشكوى ضدها، وقد تكون هذه الأعراض نسبتها قليلة جداً بحيث لا تكون خطراً. وما دام هذا الدواء سيؤخذ بإرشاد طبيب ومتابعته، فلا مانع من ذلك. ولا يكفي تعديل الجانب السلوكي والتربوي، بل لا بد من الأمرين معاً: العلاج الكيميائي، والعلاج النفسي، وذلك لأن هذا المرض يؤثر على التركيبة الكيمائية للمخ فلا بد من العلاج الكيميائي" انتهى. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 139006 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2 المقصود بجملة " اختلاف الفتوى باختلاف الزمان والمكان " [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك ما يعرف بـ " اختلاف الفتوى باختلاف الزمان والمكان " , فهل هناك ما يثبت ذلك من الكتاب والسنَّة النبوية؟ . أفيدونا، أفادكم الله , وجزاكم الله خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله مسألة " اختلاف – أو تغيُّر - الفتوى باختلاف الزمان والمكان ": لنا معها وقفات: 1. يجب أن يُعلم أن الأحكام الشرعية المبنية على الكتاب والسنَّة: غير قابلة للتغيير، مهما اختلف الزمان، والمكان، فتحريم الخمر، والزنا، والربا، وعقوق الوالدين، وما يشبه ذلك من الأحكام: لن يكون حلالاً في زمان، أو في مكان؛ لثبوت تلك الأحكام الشرعية بنصوص الوحي، ولاكتمال التشريع بها. 2. اتخذ بعض أهل الأهواء من تلك الجملة مطية لهم للعبث بالأحكام الشرعية الثابتة بنصوص الوحي المطهَّر، ولتمييع الدين من خلال تطبيقها على أحكام قد أجمع أهل العلم على حكمها منذ الصدر الأول، ولا يسلم لهم الاستدلال بها، فهي لا تخدم أغراضهم، وإنما نص الجملة في " الفتوى "، لا في " الأحكام الشرعية "، وبينهما فرق كبير، فالأول في مسائل الاجتهاد، وما كان بحسب الواقع، فاختلاف الواقع والزمان له تأثير في الفتوى باحتمال تغيرها. قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: وحكم الله ورسوله لا يختلف في ذاته باختلاف الأزمان، وتطور الأحوال، وتجدد الحوادث؛ فإنه ما من قضية، كائنة ما كانت، إلا وحكمها في كتاب الله تعالى، وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، نصّاً أو ظاهراً أو استنباطاً أو غير ذلك، علِم ذلك مَن علمهُ، وجهله من جهله، وليس معنى ما ذكره العلماء من " تغير الفتوى بتغير الأحوال ": ما ظنه من قَلَّ نصيبهم - أو عُدم - من معرفة مدارك الأحكام وعِلَلها، حيث ظنوا أن معنى ذلك بحسب ما يلائم إراداتهم الشهوانية البهيمية، وأغراضهم الدنيوية، وتصوراتهم الخاطئة الوبية، ولهذا تجدهم يحامون عليها، ويجعلون النصوص تابعة لها، منقادة إليها، مهما أمكنهم، فيحرفون لذلك الكلِم عن مواضعه، وحينئذ معنى " تغير الفتوى بتغير الأحوال والأزمان ": مراد العلماء منه: ما كان مستصْحَبة فيه الأصول الشرعية، والعلل المرعية، والمصالح التي جنسها مراد لله تعالى، ورسوله صلى الله عليه وسلم. " فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم " (12 / 288، 289) . 3. القول بتغير الأحكام الشرعية الثابتة بالوحي يعني تجويز تحريف الدِّين، وتبديل أحكامه، والقول بذلك يعني تجويز النسخ بعد كمال التشريع، ووفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وليُعلم أن الإجماع نفسه لا يمكن أن ينسخ حكماً ثابتاً في الشرع إلا أن يكون مستنده النص، فإن لم يكن كذلك – وهو غير واقع في حقيقة الأمر -: كان القول به تجويزا لتبديل الشريعة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: وكنا نتأول كلام هؤلاء على أن مرادهم أن " الإجماع " يدل على نص ناسخ، فوجدنا من ذُكر عنهم: أنهم يجعلون الإجماع نفسه ناسخاً! فإن كانوا أرادوا ذلك: فهذا قول يجوِّز تبديل المسلمين دينَهم بعد نبيِّهم، كما تقول النصارى مِن: أن المسيح سوَّغ لعلمائهم أن يحرِّموا ما رأوا تحريمه مصلحة، ويحلوا ما رأوا تحليله مصلحة، وليس هذا دين المسلمين، ولا كان الصحابة يسوِّغون ذلك لأنفسهم، ومَن اعتقد في الصحابة أنهم كانوا يستحلون ذلك: فإنه يستتاب، كما يستتاب أمثاله، ولكن يجوز أن يجتهد الحاكم، والمفتي، فيصيب، فيكون له أجران، ويخطئ، فيكون له أجر واحد. " مجموع الفتاوى " (33 / 94) . وهذا من أعظم خصائص الشريعة وأحكامها القطعية. قال الإمام الشاطبي رحمه الله في بيان ميزات أحكام التشريع القطعية -: الثبوت من غير زوال، فلذلك لا تجد فيها بعد كمالها نسخاً، ولا تخصيصاً لعمومها، ولا تقييداً لإطلاقها، ولا رفعاً لحكم من أحكامها، لا بحسب عموم المكلفين، ولا بحسب خصوص بعضهم، ولا بحسب زمان دون زمان، ولا حال دون حال، بل ما أثبت سبباً: فهو سبب أبداً لا يرتفع، وما كان شرطاً: فهو أبداً شرط، وما كان واجباً: فهو واجب أبداً، أو مندوباً: فمندوب، وهكذا جميع الأحكام، فلا زوال لها، ولا تبدل، ولو فُرض بقاء التكليف إلى غير نهاية: لكانت أحكامها كذلك. " الموافقات " (1 / 109، 110) . 4. ضابط فهم هذه العبارة في أمرين: أ. التغير في الفتوى، لا في الحكم الشرعي الثابت بدليله. ب. التغير سببه اختلاف الزمان، والمكان، والعادات، من بلد لآخر. وقد جمعهما الإمام ابن القيم رحمه الله في قوله: " فصل، في تغير الفتوى، واختلافها، بحسب تغير الأزمنة، والأمكنة، والأحوال، والنيات، والعوائد "، والعوائد: جمع عادة، وهو فصل نفيس، ذكر فيه – رحمه الله – أمثلة كثيرة، فلتنظر في " إعلام الموقعين " (3 / 3 فما بعدها) . ونضرب على ذلك أمثلة، منها: 1. اللُّقَطة، فإنها تختلف من بلد لآخر، ومن زمان لآخر، في تحديد قيمة ما يجوز التقاطه، وتملكه من غير تعريف، فيختلف الأمر في البلد نفسه، فالمدينة غير القرية، ويختلف باختلاف البلدان، والأزمنة. 2. زكاة الفطر، ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد شرعها طعاماً، بمقدار صاع، وقد نص الحديث على " الشعير "، و " التمر "، و " الإقط "، وهي الآن ليست أطعمة في كثير من البلدان، فالشعير صار طعاماً للبهائم، والتمر صار من الكماليات، والإقط لا يكاد يأكله إلا القليل، وعليه: فيفتي العلماء في كل بلد بحسب طعامهم الدارج عندهم، فبعضهم يفتي بإخراج الأرز، وآخر يفتي بإخراجها ذرة، وهكذا. فالحكم الشرعي ثابت ولا شك، وهو وجوب زكاة الفطر، وثابت من حيث المقدار، ويبقى الاختلاف والتغير في نوع الطعام المُخرَج. والأمثلة كثيرة جدّاً، في الطلاق، والنكاح، والأيمان، وغيرها من أبواب الشرع. وانظر مثالاً صالحاً لهذا في جوابنا على السؤال رقم (125853) . قال القرافي رحمه الله: فمهما تجدد في العُرف: اعتبره، ومهما سقط: أسقطه، ولا تجمد على المسطور في الكتب طول عمرك، بل إذا جاءك رجل من غير أهل إقليمك يستفتيك: لا تُجْرِه على عرف بلدك، واسأله عن عرف بلده، وأَجْرِه عليه، وأفته به دون عرف بلدك، ودون المقرر في كتبك، فهذا هو الحق الواضح. والجمود على المنقولات أبداً: ضلال في الدِّين، وجهل بمقاصد علماء المسلمين، والسلف الماضين، وعلى هذه القاعدة تتخرج أيمان الطلاق، والعتاق، وجميع الصرائح والكنايات، فقد يصير الصريح كناية فيفتقر إلى النية، وقد تصير الكناية صريحا فتستغني عن النية. " الفروق " (1 / 321) . وقد أثنى ابن القيم رحمه الله على هذا الفقه الدقيق فقال – بعد أن نقل ما سبق -: وهذا محض الفقه، ومَن أفتى الناس بمجرد المنقول في الكتب على اختلاف عُرفهم، وعوائدهم، وأزمنتهم، وأحوالهم، وقرائن أحوالهم: فقد ضلَّ، وأضل، وكانت جنايته على الدِّين أعظم من جناية مَن طبَّب الناس كلهم على اختلاف بلادهم، وعوائدهم، وأزمنتهم، وطبائعهم، بما في كتابٍ من كتب الطب على أبدانهم، بل هذا الطبيب الجاهل، وهذا المفتي الجاهل: أضر ما يكونان على أديان الناس، وأبدانهم، والله المستعان. " إعلام الموقعين " (3 / 78) . ولينظر جواب السؤال رقم: (39286) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130689 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3 هل أُغلق باب الاجتهاد؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل ما زال باب الاجتهاد مفتوحاً؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " الاجتهاد لغة: مأخوذ من الجَهد، وهو المشقة، أو الوسع، أو الطاقة. وأما الاجتهاد عند علماء الفقه، أو الأصول: فقد عرَّفوه بتعاريف متقاربة في ألفاظها، ومعانيها، وكلها تدور حول بذل الجَهد، والطاقة لمعرفة الحكم الشرعي من دليله. وأدق ما قيل في تعريفه: "إن الاجتهاد هو: بذل الطاقة من الفقيه في تحصيل حكم شرعي ظنِّي" انتهى. " الموسوعة الفقهية " (1 / 18، 19) . ولم تزل الأمة تمر عليها النوازل، ويحتاج المسلمون إلى معرفة حكم الله تعالى فيها، ولا يتم ذلك إلا بالاجتهاد في النظر في الأدلة الشرعية لمعرفة الحكم الشرعي لها. وقد اجتهد الصحابة رضي الله عنهم في معرفة الأحكام الشرعية، واجتهد التابعون ومن بعدهم العلماء ونُقلت إلينا اجتهاداتهم. وفي أوائل القرن السادس ظهرت الدعوة إلى غلق باب الاجتهاد، وكان من أسباب ذلك: التعصب الذي وُجد في تلك العصور لمذاهب الأئمة، حتى قال البعض بالمنع من الخروج عن أقوال الأئمة المدونة في كتبهم وكتب أتباعهم، فأطلقوا تلك الدعوى (غلق باب الاجتهاد) حتى يقطعوا الطريق أمام من يجتهد في فهم النصوص ويستنبط أحكاماً تخالف ما قاله الأئمة السابقون. ومما لا شك فيه أن هذه الدعوى غير صحيحة، فهناك الكثير والكثير من المسائل المستجدات يحتاج الناس إلى بيان حكم الله تعالى فيها، ولم يتكلم فيها الأئمة السابقون، لأنها لم تكن موجودة في زمنهم. فالقول بإغلاق باب الاجتهاد يعني أن يبقى المسلمون لا يعلمون حكم الله في وقائع كثيرة ومسائل كثيرة. ثم القائل بغلق باب الاجتهاد إنما قال هذا القول اجتهاداً منه، لم يقل به الأئمة السابقون، فكيف يسمح لنفسه بالاجتهاد ويجعل هذا آخر اجتهاد يُقبل من المسلمين، ويعلن إغلاق الباب بعد اجتهاده هذا؟! وقد ذهب آخرون إلى هذه الدعوة "غلق باب الاجتهاد" لما رأوه من جراءة البعض على الأحكام الشرعية، وصاروا يتلاعبون بالنصوص والأحكام بدعوى الاجتهاد. ولكن الموقف الصحيح تجاه هؤلاء: أن يُبين خطؤهم وتلاعبهم، ويُكشف تزويرهم وكذبهم، لا أن يُغلق باب الاجتهاد. وقد وضع العلماء شروطاً وضوابط للاجتهاد حتى يكون مقبولاً، وهذه الشروط تضمن له ألا يتحول الاجتهاد إلى التلاعب بالنصوص، فليست المسألة فوضى، يقول مَنْ شاء ما شاء، بل هناك شروط للاجتهاد، يجب على المجتهد التقييد بها، وإلا كان اجتهاده نوعاً من التلاعب والعبث. جاء في " الموسوعة الفقهية " (1 / 42، 43) : "والذي نَدين الله عليه: أنه لا بد أن يكون في الأمة علماء متخصصون، على علمٍ بكتاب الله، وسنَّة رسوله، ومواطن الإجماع، وفتاوى الصحابة، والتابعين، ومن جاء بعدهم، كما ينبغي أن يكونوا على خبرة تامة باللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم، ودونت بها السنَّة النبوية، وأن يكونوا قبل ذلك وبعد ذلك على الصراط المستقيم، لا يخشون في الله لومة لائم، لترجع إليهم الأمة فيما نزل بها من أحداث، وما يجدّ من نوازل، وألا يُفتح باب الاجتهاد على مصراعيه، فيلج فيه من لا يحسن قراءة آية من كتاب الله في المصحف، كما لا يُحسن أن يجمع بين أشتات الموضوع، ويرجح بعضها على بعض. والذين أفتوا بإقفال باب الاجتهاد إنما نزعوا عن خوفٍ من أن يدَّعي الاجتهاد أمثال هؤلاء، وأن يفتري على الله الكذب، فيقولون هذا حلال وهذا حرام، من غير دليل ولا برهان، وإنما يقولون ذلك إرضاء للحكام، ولقد رأينا بعض من يدَّعي الاجتهاد يتوهم أن القول بكذا وكذا فيه ترضية لهؤلاء السادة، فيسبقونهم بالقول، ويعتمد هؤلاء الحكام على آراء هؤلاء المدعين، فقد رأينا في عصرنا هذا من أفتى بحل الربا الاستغلالي دون الاستهلاكي، بل منهم من قال بحله مطلقاً؛ لأن المصلحة - في زعمه - توجب الأخذ به، ومنهم مَن أفتى بجواز الإجهاض ابتغاء تحديد النل، لأن بعض الحكام يرى هذا الرأي، ويسميه " تنظيم الأسرة "، ومنهم من يرى أن إقامة الحدود لا تثبت إلا على من اعتاد الجريمة الموجبة للحدِّ، ومنهم ... ومنهم ... فأمثال هؤلاء هم الذين حملوا أهل الورع من العلماء على القول بإقفال باب الاجتهاد. ولكنا نقول: إن القول بحرمة الاجتهاد وإقفال بابه جملة وتفصيلاً لا يتفق مع الشريعة نصّاً وروحاً، وإنما القولة الصحيحة هي إباحته، بل وجوبه على من توفرت فيه شروطه؛ لأن الأمَّة في حاجة إلى معرفة الأحكام الشرعية فيما جدَّ من أحداث لم تقع في العصور القديمة" انتهى. وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل يعتبر باب الاجتهاد في الأحكام الإسلامية مفتوحاً لكل إنسان، أو أن هناك شروطاً لا بد أن تتوفر في المجتهد؟ وهل يجوز لأي إنسان أن يفتي برأيه، دون معرفته بالدليل الواضح؟ فأجابوا: "باب الاجتهاد في معرفة الأحكام الشرعية لا يزال مفتوحاً لمن كان أهلاً لذلك، بأن يكون عالماً بما يحتاجه في مسألته التي يجتهد فيها، من الآيات والأحاديث، قادراً على فهمهما، والاستدلال بهما على مطلوبه، وعالماً بدرجة ما يستدل به من الأحاديث، وبمواضع الإجماع في المسائل التي يبحثها حتى لا يخرج على إجماع المسلمين في حكمه فيها، عارفاً من اللغة العربية القدر الذي يتمكن به من فهم النصوص؛ ليتأتَّى له الاستدلال بها، والاستنباط منها، وليس للإنسان أن يقول في الدين برأيه، أو يُفتي الناس بغير علم، بل عليه أن يسترشد بالدليل الشرعي، ثم بأقوال أهل العلم، ونظرهم في الأدلة، وطريقتهم في الاستدلال بها، والاستنباط، ثم يتكلم، أو يفتي بما اقتنع به، ورضيه لنفسه ديناً" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. " فتاوى اللجنة الدائمة " (5 / 17، 18) . وذكر الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في كتابه "الأصول من علم الأصول" شروط الاجتهاد، فقال: "للاجتهاد شروط منها: 1- أن يعلم من الأدلة الشرعية ما يحتاج إليه في اجتهاده كآيات الأحكام وأحاديثها. 2- أن يعرف ما يتعلق بصحة الحديث وضعفه، كمعرفة الإسناد ورجاله، وغير ذلك. 3- أن يعرف الناسخ والمنسوخ ومواقع الإجماع حتى لا يحكم بمنسوخ أو مخالف للإجماع. 4- أن يعرف من الأدلة ما يختلف به الحكم من تخصيص، أو تقييد، أو نحوه حتى لا يحكم بما يخالف ذلك. 5- أن يعرف من اللغة وأصول الفقه ما يتعلق بدلالات الألفاظ، كالعام والخاص والمطلق والمقيد والمجمل والمبين، ونحو ذلك؛ ليحكم بما تقتضيه تلك الدلالات. 6- أن يكون عنده قدرة يتمكن بها من استنباط الأحكام من أدلتها" انتهى. "الأصول من علم الأصول" (ص 85، 86) . وبهذه الشروط يكون الاجتهاد منضبطاً، بعيداً عن التلاعب والهوى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128024 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4 أقوال وأفعال النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة [السُّؤَالُ] ـ[هل يعتبر فعل وقول الرسول صلى الله عليه وسلم قبل البعثة سنة مثلا زواجه من خديجة رضي الله عنها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: الأصل في أفعال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبل البعثة أنها خارجة عن السنة التشريعية، وأنه لا يلزمنا متابعته والائتساء به فيها، إلا ما جاء به شرعه ـ بعد البعثة ـ بمشروعيتها، إما على جهة الوجوب أو الاستحباب، من نحو (الوفاء بالوعد، وإعانة الملهوف، وإكرام الضيف، والإعانة على نوائب الحق، ونحو ذلك) فيلزمنا الاقتداء به فيه؛ لأنه صار شريعة لنا بعد نبوته، لا لمجرد أنه عليه الصلاة والسلام فعله قبل النبوة، وعلى هذا فيوجد في أفعاله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبل البعثة ما لا يلزم اتباعه فيه، إما لأنه لم يثبت في حقنا تشريعه، وإما لورود ما ينسخه ويعارضه بعد البعثة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (والأمور التي جرت قبل النبوة لا تذكر للأخذ والتشريع كفعله بعد النبوة , لأن المسلمين أجمعوا على أن الذي فرض على العباد من الإيمان به صلى الله عليه وسلم، والعمل بما جاء به، إنما ذلك لما كان بعد النبوة. ولهذا كان عندهم: من ترك الجمعة والجماعة، وتخلى في الغيران والكهوف والجبال، حيث لا جمعة ولا جماعة، وزعم أنه يقتدي بالنبي صلى الله عليه لكونه كان متحنثا في غار حراء قبل النبوة، فترك ما شرع له من العبادات الشرعية التي أمر الله بها ورسوله، واقتدى بما كان يفعل قبل النبوة ـ كان مخطئا؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أكرمه الله بالنبوة، لم يكن يفعل ما فعله قبل ذلك، من حيث التحنث في غار حراء أو نحو ذلك. ولم يكن أحد من أصحابه صلوات الله عليه من بعده، يأتي لغار حراء، ولا يتخلفون عن الجمعة والجماعة في الأماكن المنقطعة، ولا عمل أحد منهم خلوة أربعينية، كما يفعله بعض المتأخرين، بل كانوا يعبدون الله بالعبادات الشرعية التي شرعها لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم " ا. هـ من مجموع الفتاوى (18 / 10) . وأما المحدِّثون فإنهم يعتنون بذكر ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم في كل وقت، ولو كان قبل البعثة، فهي تدخل في السنة على تعريف المحدثين، الذين يعتبرون كل ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم سنة، فيروونه في كتبهم بناء على ذلك. انظر: أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم ودلالتها على الأحكام، للدكتور محمد العروسي (149) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121839 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5 هل يشرع قصد ما فيه مشقة لزيادة الأجر؟ [السُّؤَالُ] ـ[قرأت في إجابة السؤال (113385) (لا يؤجر المكلف على المشقة إذا قصدها، وإنما يؤجر عليها إذا كانت مقارنة للفعل المكلف به، وذلك أن المشقة ليست مقصودة لذاتها) ، وأشكل علي حديث أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ: (كَانَ رَجُلٌ لَا أَعْلَمُ رَجُلًا أَبْعَدَ مِنْ الْمَسْجِدِ مِنْهُ وَكَانَ لَا تُخْطِئُهُ صَلَاةٌ، قَالَ: فَقِيلَ لَهُ، أَوْ قُلْتُ لَهُ لَوْ اشْتَرَيْتَ حِمَارًا تَرْكَبُهُ فِي الظَّلْمَاءِ وَفِي الرَّمْضَاءِ، قَالَ: مَا يَسُرُّنِي أَنَّ مَنْزِلِي إِلَى جَنْبِ الْمَسْجِدِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ يُكْتَبَ لِي مَمْشَايَ إِلَى الْمَسْجِدِ وَرُجُوعِي إِذَا رَجَعْتُ إِلَى أَهْلِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ جَمَعَ اللَّهُ لَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ) ، فقد أقره النبي صلى الله عليه وسلم على ترك شراء الدابة طلباً لزيادة الثواب.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قد علم من أصول الشريعة أن الشارع لا يقصد بالتكليف المشقة، بل يريد ما فيه مصلحة المكلف في العاجلة والآجلة، وقد يقتضي ذلك تكليفه بما فيه مشقة كالجهاد، وحينئذ يزيد له الشارع في الأجر، ترغيبا له في أداء العمل. قال الله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) البقرة/185، وقال: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الحج/78. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا) رواه البخاري (39) . وقد رغب الشارع في قصد المساجد للصلاة، ورتب عليه الثواب، وجعل كل خطوة يخطوها المصلي إلى المسجد له بها حسنة، فمن كان بيته بعيدا ومشى إلى المسجد كتب له ممشاه، وزيد في أجره لما يلحقه من المشقة، لكن هذا لا يدل على أن المشقة تقصد ابتداء، لا من الشارع ولا من المكلف. والحديث الذي ذكرت يدل على فضل المشي إلى المسجد، وأن الماشي يؤجر على هذا ما لا يؤجره الراكب، وقد ثبت هذا الفضل بنصوص أخر، كالحديث الذي رواه مسلم (655) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: خَلَتْ الْبِقَاعُ حَوْلَ الْمَسْجِدِ فَأَرَادَ بَنُو سَلِمَةَ أَنْ يَنْتَقِلُوا إِلَى قُرْبِ الْمَسْجِدِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: لَهُمْ إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَنْتَقِلُوا قُرْبَ الْمَسْجِدِ، قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَرَدْنَا ذَلِكَ، فَقَالَ: (يَا بَنِي سَلِمَةَ دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ) . والعلة في ترغيب النبي صلى الله عليه وسلم لهم في البقاء في ديارهم البعيدة، ليست إلحاق المشقة بهم، ولا قصد المشقة ليثابوا عليها، وإنما العلة هي كراهة أن تصير المدينة خالية إذا تحول الناس جميعا إلى قرب المسجد، وقد جاء النص على ذلك، فيما رواه البخاري (1887) عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَرَادَ بَنُو سَلِمَةَ أَنْ يَتَحَوَّلُوا إِلَى قُرْبِ الْمَسْجِدِ، فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُعْرَى الْمَدِينَةُ، وَقَالَ: (يَا بَنِي سَلِمَةَ أَلَا تَحْتَسِبُونَ آثَارَكُمْ فَأَقَامُوا) . وقوله (تعرى المدينة) أي تصير خالية. ومن فقه البخاري رحمه الله أنه ترجم للحديث بترجمتين، الأولى في احتساب الآثار، والثانية في كراهة النبي صلى الله عليه وسلم أن تعرى المدينة. قال الحافظ في الفتح: " قَوْله: (بَاب كَرَاهِيَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ تُعْرَى الْمَدِينَة) ذَكَرَ فِيهِ حَدِيث أَنَس فِي قِصَّة بَنِي سَلَمَة، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَام عَلَيْهِ فِي " بَاب اِحْتِسَاب الْآثَار " فِي أَوَائِل صَلَاة الْجَمَاعَة. (تَنْبِيه) : تَرْجَمَ الْبُخَارِيّ بِالتَّعْلِيلَيْنِ , فَتَرْجَمَ فِي الصَّلَاة بِاحْتِسَابِ الْآثَار لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَكَانَكُمْ تُكْتَب لَكُمْ آثَاركُمْ " وَتَرْجَمَ هُنَا بِمَا تَرَى لِقَوْلِ الرَّاوِي " فَكَرِهَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُعْرَى الْمَدِينَة " وَكَأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِقْتَصَرَ فِي مُخَاطَبَتهمْ عَلَى التَّعْلِيل الْمُتَعَلِّق بِهِمْ لِكَوْنِهِ أَدْعَى لَهُمْ إِلَى الْمُوَافَقَة " انتهى. " فتح الباري " (4/99) . فحصول المشقة والبعد ليس مقصودا، لكن من كان بعيدا كتب له أجر ممشاه. يقول الإمام الشاطبي رحمه الله: " المشقة ليس للمكلف أن يقصدها في التكليف نظرا إلى عظم أجرها، وله أن يقصد العمل الذي يعظم أجره لعظم مشقته، من حيث هو عمل: أما هذا الثاني؛ فلأنه شأن التكليف في العمل كله؛ لأنه إنما يقصد نفس العمل المترتب عليه الأجر، وذلك هو قصد الشارع بوضع التكليف به، وما جاء على موافقة قصد الشارع هو المطلب. وأما الأول؛ فإن الأعمال بالنيات، والمقاصد معتبرة في التصرفات كما يذكر في موضعه إن شاء الله، فلا يصلح منها إلا ما وافق قصد الشارع، فإذا كان قصد المكلف إيقاع المشقة، فقد خالف قصد الشارع، من حيث إن الشارع لا يقصد بالتكليف نفس المشقة، وكل قصد يخالف قصد الشارع باطل، فالقصد إلى المشقة باطل، فهو إذن من قبيل ما ينهى عنه، وما ينهى عنه لا ثواب فيه، بل فيه الإثم إن ارتفع النهي عنه إلى درجة التحريم، فطلب الأجر بقصد الدخول في المشقة قصد مناقض. فإن قيل: هذا مخالف لما في " الصحيح " من حديث جابر رضي الله عنه قال: خلت البقاع حول المسجد، فأراد بنو سلمة أن ينتقلوا إلى قرب المسجد، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهم: " إنه بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا إلى قرب المسجد ". قالوا: نعم يا رسول الله، قد أردنا ذلك، فقال: " بني سلمة! دياركم تكتب آثاركم، دياركم تكتب آثاركم ". في رواية: فقالوا: ما كان يسرنا أنا كنا تحولنا. وفي رواية عن جابر رضي الله عنه، قال: كانت ديارنا نائية عن المسجد، فأردنا أن نبيع بيوتنا فنقترب من المسجد، فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " إن لكم بكل خطوة درجة ". وفي " رقائق ابن المبارك " عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: أنه كان في سفينة في البحر مرفوع شراعها، فإذا رجل يقول: " يا أهل السفينة قفوا سبع مرار، فقلنا: ألا ترى على أي حال نحن؟ ثم قال في السابعة: " لقضاء قضاه الله على نفسه أنه من عطش لله نفسه في يوم حار من أيام الدنيا شديد الحر، كان حقا على الله أن يرويه يوم القيامة ". فكان أبو موسى رضي الله عنه يتتبع اليوم المعمعاني الشديد الحر فيصومه. وفي الشريعة من هذا ما يدل على أن قصد المكلف إلى التشديد على نفسه في العبادة، وسائر التكاليف صحيح مثاب عليه، فإن أولئك الذين أحبوا الانتقال أمرهم عليه الصلاة والسلام بالثبوت لأجل عظم الأجر بكثرة الخطا، فكانوا كرجل له طريقان إلى العمل: أحدهما سهل، والآخر صعب، فأُمِرَ بالصعب ووُعِدَ على ذلك بالأجر، بل جاء نهيهم عن ذلك إرشادا إلى كثرة الأجر. وتأمل أحوال أصحاب الأحوال من الأولياء، فإنهم ركبوا في التعبد إلى ربهم أعلى ما بلغته طاقتهم، حتى كان من أصلهم الأخذ بعزائم العلم، وترك الرخص جملة، فهذا كله دليل على خلاف ما تقدم. وفي "الصحيح" أيضا عن أبي بن كعب رضي الله عنه، قال: كان رجل من الأنصار بيته أقصى بيت في المدينة، فكان لا تخطئه الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فتوجعنا له، فقلنا له: يا فلان! لو أنك اشتريت حمارا يقيك من الرمضاء، ويقيك من هوام الأرض؟ فقال: أما والله ما أحب أن بيتي مطنب ببيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فحملت به حتى أتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، قال: فدعاه، فقال له مثل ذلك، وذكر أنه يرجو له في أثره الأجر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن لك ما احتسبت "، فالجواب أن نقول: أولا: إن هذه أخبار آحاد في قضية واحدة لا ينتظم منها استقراء قطعي، والظنيات لا تعارض القطعيات، فإن ما نحن فيه من قبيل القطعيات. ثانيا: إن هذه الأحاديث لا دليل فيها على قصد نفس المشقة، فالحديث الأول قد جاء في "البخاري" ما يفسره، فإنه زاد فيه: " وكره أن تعرى المدينة قِبَلَ ذلك، لئلا تخلو ناحيتهم من حراستها "، وقد روي عن مالك بن أنس أنه كان أولا نازلا بالعقيق، ثم نزل إلى المدينة وقيل له عند نزوله العقيق: لم تنزل العقيق فإنه يشق بعده إلى المسجد؟ فقال: بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحبه ويأتيه، وأن بعض الأنصار أرادوا النقلة منه إلى قرب المسجد، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " أما تحتسبون خطاكم "، فقد فهم مالك أن قوله: " ألا تحتسبون خطاكم " ليس من جهة إدخال المشقة، ولكن من جهة فضيلة المحل المنتقل عنه. وأما حديث ابن المبارك فإنه حجة من عمل الصحابي إذا صح سنده عنه، ومع ذلك فإنما فيه الإخبار بأن عظم الأجر ثابت لمن عظمت مشقة العبادة عليه، كالوضوء عند الكريهات، والظمأ والنصب في الجهاد، فإذن اختيار أبي موسى رضي الله عنه للصوم في اليوم الحار كاختيار من اختار الجهاد على نوافل الصلاة والصدقة ونحو ذلك، لا أن فيه قصد التشديد على النفس؛ ليحصل الأجر به، وإنما فيه قصد الدخول في عبادة عظم أجرها؛ لعظم مشقتها، فالمشقة في هذا القصد تابعة لا متبوعة، وكلامنا إنما هو فيما إذا كانت المشقة في القصد غير تابعة، وكذلك حديث الأنصاري ليس فيه ما يدل على قصد التشديد، وإنما فيه دليل على قصد الصبر على مشقة بعد المسجد ليعظم أجره، وهكذا سائر ما في هذا المعنى. وأما شأن أرباب الأحوال، فمقاصدهم القيام بحق معبودهم، مع اطراح النظر في حظوظ نفوسهم، ولا يصح أن يقال: إنهم قصدوا مجرد التشديد على النفوس واحتمال المشقات، لما تقدم من الدليل عليه، ولما سيأتي بعدُ إن شاء الله. ثالثا: إن ما اعتُرِض به معارَض بنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين أرادوا التشديد بالتبتل، حين قال أحدهم: أما أنا، فأصوم ولا أفطر، وقال الآخر: أما أنا، فأقوم ولا أنام، وقال الآخر: أما أنا، فلا آتي النساء، فأنكر ذلك عليهم وأخبر عن نفسه أنه يفعل ذلك كله، وقال: " من رغب من سنتي، فليس مني "، وفي الحديث: " وردَّ النبي صلى الله عليه وسلم التبتل على عثمان بن مظعون، ولو أذن له لاختصينا "، وردَّ صلى الله عليه وسلم على من نذر أن يصوم قائما في اشمس، فأمره بإتمام صيامه، ونهاه عن القيام في الشمس "، وقال: " هلك المتنطعون "، ونهيه عن التشديد شهير في الشريعة، بحيث صار أصلا فيها قطعيا، فإذا لم يكن من قصد الشارع التشديد على النفس، كان قصد المكلف إليه مضادا لما قصد الشارع من التخفيف المعلوم المقطوع به، فإذا خالف قصده قصد الشارع، بطل ولم يصح، وهذا واضح، وبالله التوفيق " انتهى. "الموافقات" (2/222-229) . على أن الذي يترجح عندنا من الجواب عن أحاديث المشي إلى الصلاة، كهذا الذي ذكره السائل، وغيره مما أخبر فيه النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن (أَعْظَم النَّاسِ أَجْرًا فِي الصَّلَاةِ أَبْعَدُهُمْ فَأَبْعَدُهُمْ مَمْشًى وَالَّذِي يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الْإِمَامِ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ الَّذِي يُصَلِّي ثُمَّ يَنَامُ) رواه البخاري (651) ومسلم (662) ، ونحو ذلك، الذي يترجح أن نفسي المشي إلى الصلاة، وكثرة الخطا إلى المساجد، هي عبادة في نفسها، كما أن الطواف حول البيت عبادة مقصودة في نفسها، والسعي بين الصفا والمروة عبادة مقصودة في نفسها. ويدل على ذلك الأحاديث الكثيرة التي وردت في فضل المشي، وتكثير الخطا إلى المساجد، وتفضيل المسجد البعيد. ولذلك قيد الفضل في المشي إلى الجمعة بترك الركوب: عن أَوْس بْن أَوْسٍ الثَّقَفِيُّ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ ثُمَّ بَكَّرَ وَابْتَكَرَ وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ، وَدَنَا مِنْ الْإِمَامِ فَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا) رواه أبو داود (345) ، وصححه الألباني. وفي حديث اختصام الملأ الأعلى: (.. وَالْكَفَّارَاتُ: الْمُكْثُ فِي الْمَسَاجِدِ بَعْدَ الصَّلَوَاتِ، وَالْمَشْيُ عَلَى الْأَقْدَامِ إِلَى الْجَمَاعَاتِ، وَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ فِي الْمَكَارِهِ..) رواه أحمد (3474) والترمذي (3233) ، وصححه الألباني. قال ابن رجب رحمه الله "فتح الباري، لابن رجب" (5/21) : " وقد دلت هذه الأحاديث عَلَى أن المشي إلى المساجد يكتب لصاحبه أجرهُ، وهذا مِمَّا تواترت السنن بِهِ " انتهى. وإلى ذلك يشير الشاطبي رحمه الله فيما سبق، بأن مثل هذه المشقة تابعة، لا متبوعة، والمقصود إنما هو هذا العمل، الذي اتفق أن مشقته زائدة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 113875 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 6 ما هي الأحاديث التي تصلح دليلا شرعيا؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما هي الأحاديث التي يتم الأخذ بها والاستدلال بها شرعا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأحاديث التي يجب الأخذ بها والاستدلال بها هي الأحاديث المقبولة: الصحيحة أو الحسنة، أما الأحاديث الضعيفة أو المكذوبة فلا يجوز الاستدلال بها على الحكم الشرعي: قال الإمام الشافعي رحمه الله في "الرسالة" (ص/463) : " ويجب أن يقبل الخبر في الوقت الذي ثبت فيه، وإن لم يمض عمل من الأئمة بمثل الخبر " انتهى. يعني: متى ثبت الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وجب العمل به. وقال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل: " سألت أبي عن الرجل يكون عنده الكتب المصنفة، فيها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين، وليس للرجل بَصَرٌ بالحديث الضعيف المتروك، ولا الإسناد القوي عن الضعيف، فيجوز أن يعمل بما شاء ويتخير منها فيفتي به ويعمل به؟ قال: لا يعمل حتى يسأل ما يؤخذ به منها، فيكون يعمل على أمر صحيح، ويسأل عن ذلك أهل العلم " انتهى. "إعلام الموقعين" (4/179) وقال الإمام مسلم رحمه الله: " اعلم رحمك الله أن صناعة الحديث ومعرفة أسبابه من الصحيح والسقيم إنما هي لأهل الحديث خاصة، لأنهم الحفاظ لروايات الناس العارفين بها دون غيرهم إذ الأصل الذي يعتمدون لأديانهم: السنن والآثار المنقولة من عصر إلى عصر من لدن نبينا صلى الله عليه وسلم إلى عصرنا هذا " انتهى. "التمييز" (ص/218) وقال الإمام السرخسي رحمه الله: " ترك العمل بالحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرام، كما أن العمل بخلافه حرام " انتهى. "أصول السرخسي" (2/7) . وقال النووي رحمه الله: " قال العلماء: الحديث ثلاثة أقسام , صحيح , وحسن , وضعيف. قالوا: وإنما يجوز الاحتجاج من الحديث في الأحكام بالحديث الصحيح أو الحسن، فأما الضعيف فلا يجوز الاحتجاج به في الأحكام والعقائد، وتجوز روايته والعمل به في غير الأحكام، كالقصص , وفضائل الأعمال , والترغيب والترهيب " انتهى. "المجموع" (1/98) . وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله: " فأما الأئمة وفقهاء أهل الحديث فإنهم يتبعون الحديث الصحيح حيث كان " انتهى. "فضل علم السلف" (ص/57) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " لا يجوز أن يعتمد في الشريعة على الأحاديث الضعيفة التي ليست صحيحة ولا حسنة " انتهى. "مجموع الفتاوى" (1/250) . وقال العلامة زكريا الأنصاري رحمه الله: " من أراد الاحتجاج بحديث من السنن أو المسانيد إن كان متأهلا لمعرفة ما يحتج به من غيره فلا يحتج به حتى ينظر في اتصال إسناده وأصول رواته، وإلا فإن وجد أحدا من الأئمة صححه أو حسنه فله تقليده، وإلا فلا يحتج به " انتهى. "فتح الباقي شرح ألفية العراقي" وانظر جواب السؤال رقم (115125) لمعرفة حكم من يرد الحديث الصحيح. و (79163) لمعرفة شروط الحديث الصحيح. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112086 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 7 يستحب قراءة سورتي الكافرون والإخلاص في سنتي الفجر والمغرب [السُّؤَالُ] ـ[هل قراءة سورتي الكافرون والإخلاص في أول النهار وآخره، أي: في ركعتي السنة في الفجر والمغرب مستحبة وسنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: نعم، يستحب قراءة سورتي "الكافرون" و "الإخلاص" في سنة الفجر وفي سنة المغرب، وقد ثبت ذلك في السنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم: فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (قَرَأَ فِي رَكعَتَي الفَجرِ "قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ " و " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ") رواه مسلم (726) . وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (رَمَقتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عِشرِينَ مَرَّةً يَقرَأُ فَي الرَّكعَتَينِ بَعدَ المَغرِبِ، وَفِي الرَّكعَتَينِ قَبلَ الفَجرِ: " قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ " و " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ") رواه النسائي (992) وقال النووي في "المجموع" (3/385) : إسناده جيد. وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (3328) والشيخ أحمد شاكر في تحقيق المسند (8/89) . قال المباركفوري في "تحفة الأحوذي" (2/418) : " أي: يقرأ في الركعة الأولى منهما " قل يا أيها الكافرون"، وفي الثانية " قل هو الله أحد " انتهى. وقد نص العلماء على استحباب قراءة هاتين السورتين في سنتي الفجر والمغرب، عملاً بهذه الأحاديث. انظر: "المغني" (1/435) ، "مغني المحتاج" (1/464) ، "الفتاوى الفقهية الكبرى" (1/192) ، الموسوعة الفقهية (27/159) . ثانيا: وأما الحكمة من قراءة هاتين السورتين، فلأنهما قد اشتملتا على أنواع التوحيد الثلاثة، فسورة "قل هو الله أحد" اشتملت على توحيد الربوبية والأسماء والصفات، فأثبتت أن الله تعالى إله واحد، ونفت عنه الولد والوالد والنظير، وهو مع هذا "الصمد" الذي اجتمعت له صفات الكمال كلها. وسورة "قل يا أيها الكافرون" تضمنت توحيد العبادة، وأن العبد لا يعبد إلا الله، ولا يشرك به في عبادته أحداً، فلذلك " كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفتتح بهما النهار في سنة الفجر، ويختم بهما في سنة المغرب، وفي السنن أنه كان يوتر بهما، فيكونان خاتمة عمل الليل كما كانا خاتمة عمل النهار " انتهى. قاله ابن القيم في "بدائع الفوائد" (1/145-146) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 85349 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 8 موقفنا من اختلاف الأئمة في مسألة تغطية الوجه [السُّؤَالُ] ـ[بصراحة قضية مهمة تؤرقني، وهي ما معنى اختلاف الأئمة في قضية معينة؟ فإذا قلت لشخص ما إن الشيخ فلان قال إن ذلك الشيء حرام، قال لي: إن هذا في مذهبه هو، أو مذهب بلاده، ونحن نتبع مذهبا آخر يقول إنه حلال، وهذا التفكير أوصلني إليه قضية الحجاب معي، فمثلا البلد الذي أنتمي إليه مذهبه المالكية الذي يقول أئمته إن (مَا ظَهَرَ مِنْهَا) هو الوجه والكفان، أضف إلى ذلك أن الخمار شبه محرم في بلدي، يعني لا يمكن أبدا أن تمارس به حياتك اليومية، كالذهاب به إلى العمل أو المدرسة، وهناك قرارات تمنعه هو والقفازات، رغم أني شخصيا مقتنعة تمام الاقتناع بالخمار، ولكني لا أستطيع أبدا ارتداءه، فما حكمك في ذلك؟ لأني كلما سمعت أشرطة الحجاب للمشايخ الذين من مذهب آخر، أحس أن حجابي ليس شرعيّاً، وأفهم من كلامهم أني الآن سافرة ومتبرجة ومسببة للفتنة في هذه الأمة، فماذا نفعل ونحن حيارى بين هذا وهذا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: كان المسلمون في زمن الوحي يتلقون أحكام الدين عن النبي صلى الله عليه وسلم من خلال آيات القرآن الكريم وأحاديثه النبويَّة الشريفة، ولذلك لم يقع الخلاف بينهم إلا في أشياء يسيرة، وإن وقع فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبين لهم وجه الصواب. ثم لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم وانتشر الصحابة في الآفاق يعلِّمون الناس الدِّين ظهر الخلاف في بعض مسائل الفقه التي احتاج الناس إليها على اختلاف مكانهم وزمانهم، وكان لهذا الخلاف مجموعة من الأسباب، نلخصها هنا من كلام أهل العلم: 1. أن يكون الدليل لم يبلغ هذا المخالف الذي أخطأ في حكمه. 2. أن يكون الحديث قد بلغ العالِم، ولكنه لم يثق بناقله، ورأى أنه مخالف لما هو أقوى منه، فأخذ بما يراه أقوى منه. 3. أن يكون الحديث قد بلغه ولكنه نسيه. 4. أن يكون بَلَغَهُ وفهم منه خلاف المراد. 5. أن يكون قد بلغه الحديث، لكنه منسوخ، ولم يعلم بالناسخ. 6. أن يعتقد أنه معارض بما هو أقوى منه من نص أو إجماع. 7. أن يأخذ العالِم بحديث ضعيف أو يستدل استدلالاً ضعيفاً. وينظر في تفصيل هذه الأسباب، وذِكر غيرها: " رفع الملام عن الأئمة الأعلام " لشيخ الإسلام ابن تيمية " و " الخلاف بين العلماء أسبابه وموقفنا منه " للشيخ العثيمين. ونظن بهذا الذي سقناه من أسباب الخلاف بين العلماء أن معنى اختلاف الأئمة في مسائل الفقه أصبح ظاهراً عندكِ إن شاء الله. ثانياً: ما هو موقف المسلم تجاه الخلاف الذي يكون بين العلماء؟ وبعبارة أخرى: بأي قول يأخذ المسلم من أقوال أهل العلم التي اختلفوا إليها؟ الجواب فيه تفصيل: 1. إذا كان المسلم ممن درس العلم الشرعي وتعلم أصوله وقواعده، ويستطيع أن يميز الخطأ من الصواب من أقوال أهل العلم: فإن الواجب عليه أن يتبع ما يراه صوابا، ويترك ما يراه خطأ. 2. أما إذا كان من العامة، أو ممن لم يدرسوا العلم الشرعي، وعليه: فهو لا يفرِّق بين صواب الأقوال وخطئها: فهذا الواجب في حقه أن يأخذ بفتوى من يثق بعلمه وأمانته ودينه من أهل العلم، سواء كانوا من أهل بلده أو من غيره، ولا يضره اختلاف العلماء بعد ذلك، فلا يجب عليه أن يغير ما يعمل به لأنه سمع عالما آخر يفتي بخلاف من أفتاه سابقا، إلا أن يكون ما علِمه بعد ذلك هو الحق بناءً على ثقته بالمفتي الآخر بدينه وعلمه. يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله -: " الواجب على مَن علِم بالدليل أن يتبع الدليل، ولو خالف مَن خالف من الأئمة، إذا لم يخالف إجماع الأمة. ومَن ليس عنده علم: فهذا يجب عليه أن يسأل أهل العلم لقوله تعالى: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ) يسأل مَن يراه أفضل في دينه وعلمه، لا على سبيل الوجوب؛ لأن من هو أفضل قد يخطئ في هذه المسألة المعينة، ومن هو مفضول قد يصيب فيها الصواب، فهو على سبيل الأولوية، والأرجح: أن يسأل من هو أقرب إلى الصواب لعلمه وورعه ودينه ". انتهى باختصار من كتابه " الخلاف بين العلماء " (ص 15 – 17) . وانظري جواب السؤال رقم (8294) و (10645) . ثالثا: فإن سألت عن قولنا في مسألة غطاء الوجه: فالراجح من أقوال أهل العلم عندنا هو وجوب ستر الوجه عن الرجال الأجانب، وقد جاءت بذلك الأدلة الكثيرة وأقوال جماهير أهل العلم، ومنهم المالكية، فقد قال كثير منهم إنَّ المرأة لا يجوز لها كشف وجهها أمام الرِّجال الأجانب، لا لكونه عورة، بل لأنَّ الكشف مظنَّة الفتنة، وبعضهم يراه عورة مطلقاً، لذلك فإنَّ النِّساء - في مذهبهم - ممنوعات من الخروج سافرات عن وجوههنَّ أمام الرجال الأجانب. قال الله عز وجل: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) الأحزاب/18. قال القاضي أبو بكر بن العربيِّ المالكي – رحمه الله -: " المرأة كلُّها عورة، بدنها وصوتها، فلا يجوز كشف ذلك إلا لضرورة أو لحاجة، كالشهادة عليها، أو داء يكون ببدنها، أو سؤالها عمَّا يعّ ويعرض عندها " انتهى. " أحكام القرآن " لابن العربي (3 / 1578، 1579) . وقال القرطبي – رحمه الله – وهو مالكي أيضاً: " في هذه الآية دليل على أن الله تعالى أذن في مسألتهن من وراء حجاب في حاجة تعرض، أو مسألة يستفتين فيها، ويدخل في ذلك جميع النساء بالمعنى، وبما تضمنته أصول الشريعة من أن المرأة كلها عورة: بدنها وصوتها - كما تقدم - فلا يجوز كشف ذلك إلا لحاجة كالشهادة عليها، أو داء يكون ببدنها، أو سؤالها عما يعرض وتعيَّن عندها " انتهى. في " الجامع لأحكام القرآن " (14 / 227) . ولمطالعة مزيد من أقول الفقهاء المالكية في وجوب تغطية المرأة وجهها، يُنظر: " المعيار المعرب " للونشريسي (10 / 165 و 11 / 226 و 229) و " مواهب الجليل " للحطّاب (3 / 141) و " الذّخيرة " للقرافي (3 / 307) و " حاشية الدسوقي على الشرح الكبير " (2 / 55) . وقد سبق في موقعنا ذكر المسألة بأدلتها في أكثر من إجابة، فانظر أجوبة الأسئلة: (11774) ، (12525) ، (13998) ، (21134) ، (21536) . رابعاً: أما ما ذكرتِ من منع القوانين عندكم من تغطية المرأة وجهها: فذلك مما يدمَى له القلب، وتأسف له النفس، أن يحارب الستر والعفاف، ويشجع التبرج والسفور في كل مكان، وخاصة إذا كان ذلك في بلاد تنتسب للإسلام. فإذا كانت القوانين تمنع من ستر المرأة، وخشيتم من الأذى بسبب لبس غطاء الوجه: فلا حرج عليكم حينئذ من تركه، على أن يكون ذلك بقدر الضرورة، فلا تخرج المرأة من بيتها كاشفة وجهها إلا لحاجة، وإن استطاعت أن تخالف القوانين وتحتمل الأذى اليسير فلتفعل، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وانظري جواب السؤال رقم (2198) و (45672) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 68152 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 9 مرض " نقص الانتباه " عند الأطفال؟ وهل يجوز تناول دواء " الريالتين " له؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما هو حكم الإسلام في إعطاء " الريتالين " لطفلة تم تشخيص حالتها على أنها تعانى من اضطراب " نقص الانتباه "، وتجد الطفلة صعوبة في التعلم، ولا تستطيع التركيز لفترات طويلة، ولهذا فقد وصف لها طبيب أطفال " الريتالين "، والوالدان في غاية الحيرة، ويعارضان إعطاءه لطفلتهما؛ لأنه يتسبب في زيادة سرعة الطفلة، لكن الأهم من اهتمامهما بمصلحة الطفلة فهما لا يريدان أن يقترفا إثماً أمام الله سبحانه وتعالى. برجاء تقديم العون للوالدين، فهما في أشد الحاجة إليها.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: تعريف المرض – واختصاره ADD، أو ADHD -: جاء في " الموسوعة العربية العالمية ": " اعتلال نقص الانتباه " Attention deficit disorder ": اعتلال نقص الانتباه: مشكلة سلوكية، يجد الذين يعانون منها صعوبة غير معتادة في الانتباه، والجلوس، دون حركة، أو التحكم في اندفاعاتهم العصبية، والمصطلح الرسمي المستخدم للإشارة لهذا الاعتلال هو: " اعتلال نقص الانتباه - فرط النشاط "، وهو أكثر المشاكل السلوكية شيوعاً بين الأطفال، ويبلغ معدل الإصابة بهذا الاعتلال لدى الصبيان أكثر من ضعف معدل الإصابة لدى البنات، ويعاني عدد ملحوظ من المراهقين والراشدين أيضاً من هذا الاعتلال. ... . ويُظهر الأطفال الذين يعانون من هذا النوع قدراً كبيراً من التململ العصبي، والضجر، ويكونون - في الغالب - من النوع الذي لا يستطيع انتظار دوره لكي يتحدث في الفصل، أو يشارك في النشاط الجماعي، ولا يُظهر الأشخاص الذين يعانون من النوع اللاانتباهي أي علامات جسدية للتململ، والضجر، ولكنهم يجدون صعوبة في التركيز، ويتسم هؤلاء بالنسيان، وعدم النظام، ويفشلون - غالباً - في إكمال فروضهم المدرسية، أو الواجبات الأخرى التي كلفوا بأدائها، وتتعرض الفتيات للإصابة بالنوع اللاانتباهي أكثر من تعرضهن للإصابة بالنوع الذي يتسم بفرط النشاط، ويعاني معظم مرضى " نقص الانتباه - فرط النشاط " من النوع المشترك الذي يجمع بين أعراض كلٍّ من " فرط النشاط " و " النوع اللانتباهي ". http://mousou3a.educdz.com/c/c00050_1.htm ومما علمناه من كلام الاختصاصيين في هذا المرض: 1. أنه لم تتفق كلمة الأطباء إلى الآن على الجزم بسبب هذا المرض. أ. ففي " الموسوعة العربية ": ويعتقد معظم الخبراء أن لاعتلال نقص الانتباه سبب جسدي لم يتم التعرف عليه بعد. انتهى. ب. وقال الدكتور خالد التركاوي – استشاري طب الأطفال بالرياض -: إن أسباب المرض ما زالت غير معروفة، والفرضيات حوله كثيرة، مع وجود بعض الدلائل غير القاطعة التي تشير إلى دور للعوامل الوراثية في ذلك. جريدة " الشرق الأوسط "، الاثنين 27 جمادى الأولى 1421 هـ، 28 أغسطس 2000 العدد 7944. 2- هناك علاجات أخرى تربوية وسلوكية ونفسية ينبغي أن يؤخذ بها مع العلاجات الكيميائية. أ. ففي "الموسوعة العربية": ويستفيد الأطفال الذين يعانون من المرض - أيضاً - من تقنية " تعديل السلوك "، وفي هذه المعالجة يساعِد البالغون الأطفالَ على اكتساب التحكم الذاتي، عن طريق توفير الإشراف الحميم، وتقديم المكافآت المتكررة، في مقابل السلوك الملائم. http://mousou3a.educdz.com/c/c00050_1.htm وقالوا: إنَّ تناول "الريتالين" فقط لا يكفي للقضاء على أعراض نقص الانتباه، ومرض النشاط المفرط، فمعظم مرضى هذا المرض في حاجة إلى علاج يتضمن إعمل أساليب نفسية، وسلوكية. انتهى. http://mousou3a.educdz.com/c/c00078_1.htm ب. وقال الدكتور خالد بن عوض بازيد - استشاري الطب النفسي - أطفال ومراهقين - مركز الظهران الصحي، مستشفى أرامكو السعودية -: علاج ADHD: 1. " العلاج السلوكي المعرفي "، حيث يهدف هذا النوع من العلاج إلى إعانة الطفل على تقوية التركيز، وتقليل التشتت الذهني، وتعديل السلوك الاندفاعي من خلال النظام، والتدريب، والوضوح، والتدعيم. 2. " الإرشاد النفسي التربوي للوالدين والمعلمين والمرشدين الطلابيين " في كيفية التعامل مع الطفل المبتلى بـADHD في البيت، أو المدرسة. 3. " توفير المناخ التعليمي الخاص للحالات الشديدة "، من خلاله تدريبهم على المهارات الاجتماعية المفقودة، وإعانتهم في تحصيلهم العلمي. انتهى. http://www.lakii.com/vb/showthread.php?t=111369 ثالثاً: أما الدواء الطبي الذي يُستعمل - غالباً - في علاج هذا المرض فهو: " الميثيلفنديت "، والمعروف تجاريّاً باسم " الريتالين ". أ. ففي " الموسوعة العربية ": " الريتالين " اسم تجاري لعقار " الميثيلفنديت "، وهو دواء يوصف – غالباً - لعلاج " نقص الانتباه " ومرض " النشاط المفرط ". ... . ونظراً لشيوع هذا المرض فإن ملايين من الناس يتناولون الريتالين، ويحسِّن هذا الدواء درجة التركيز، ويخفض القلق لمعظم مرضى قصور الانتباه، والنشاط المفرط. انتهى. http://mousou3a.educdz.com/c/c00078_1.htm ب. وقال الدكتور حسان المالح - استشاري في الطب النفسي، عضو الجمعية البريطانية للعلاج النفسي والأسري، وعضو الجمعية الأمريكية للطب النفسي -: العلاج الدوائي: وهو يتضمن العلاج بالمنشطات النفسية، من زمرة " الأمفيتامين "، وقد بدأ استعمالها منذ 1937، ويعتبر مثيلفينيديت (Methylphenidat - Ritalin) أكثرها استعمالاً بعد سن السادسة. انتهى. http://www.hayatnafs.com/specialtopics/adhd-overview.htm وقد سألنا الدكتور عمرو هيبة الأستاذ المساعد في كلية الطب جامعة طنطا، والحاصل على الدكتوراة في الأمراض النفسية والعصبية عن "تناول هذا الدواء الريتالين" وعن "أعراضه الجانبية"، وعن "الاكتفاء بالعلاج السلوكي والتربوي والنفسي والاستغناء عن هذا الدواء". فأفاد بما يلي: "هذا الدواء "الريتالين" من أحسن الأدوية التي تستعمل في علاج هذا المرض، ونتائجه ممتازة، ولا يسبب الإدمان ... وأما الأعراض الجانبية، فلا يخلو منها دواء من الأدوية، والشركات المنتجة للأدوية تكتب هذه الأعراض، حتى لا تقع عليها مسؤولية أو يتقدم أحد بشكوى ضدها، وقد تكون هذه الأعراض نسبتها قليلة جداً بحيث لا تكون خطراً. وما دام هذا الدواء سيؤخذ بإرشاد طبيب ومتابعته، فلا مانع من ذلك. ولا يكفي تعديل الجانب السلوكي والتربوي، بل لا بد من الأمرين معاً: العلاج الكيميائي، والعلاج النفسي، وذلك لأن هذا المرض يؤثر على التركيبة الكيمائية للمخ فلا بد من العلاج الكيميائي" انتهى. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 139006 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 10 شروط إباحة المحرم عند الضرورة [السُّؤَالُ] ـ[أعرف أن من الأمور ما تكون حراماً ثم لظروف معينة تصير حلالاً بدافع الضرورة، أرجو أن تدلني على شروط ذلك.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من القواعد المقررة في شريعتنا أن " الضرورات تبيح المحظورات "، وقد دل على هذه القاعدة أدلة كثيرة، من الكتاب، والسنَّة، منها: قوله تعالى: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) البقرة/ 173. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: (فَمَنِ اضْطُرَّ) أي: ألجئ إلى المحرَّم، بجوع، أو عدم [يعني: عدم وجود طعام غير الميتة] ، أو إكراه. (غَيْرَ بَاغٍ) أي: غير طالب للمحرَّم، مع قدرته على الحلال، أو مع عدم جوعه. (وَلا عَادٍ) أي: متجاوز الحد في تناول ما أبيح له اضطراراً، فمَن اضطر وهو غير قادر على الحلال، وأكل بقدر الضرورة: فلا يزيد عليها. (فَلا إِثْمَ) أي: جناح عليه، وإذا ارتفع الجناح - الإثم -: رجع الأمر إلى ما كان عليه، والإنسان بهذه الحالة مأمور بالأكل، بل منهي أن يلقي بيده إلى التهلكة، وأن يقتل نفسه، فيجب إذًا عليه الأكل، ويأثم إن ترك الأكل حتى مات، فيكون قاتلاً لنفسه , وهذه الإباحة والتوسعة من رحمته تعالى بعباده، فلهذا ختمها بهذين الاسمين الكريمين المناسبين غاية المناسبة فقال: (إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) . ولما كان الحِلُّ مشروطاً بهذين الشرطين، وكان الإنسان في هذه الحالة ربما لا يستقصي تمام الاستقصاء في تحقيقها: أخبر تعالى أنه غفور، فيغفر ما أخطأ فيه في هذه الحال، خصوصاً وقد غلبته الضرورة، وأذهبت حواسه المشقة. وفي هذه الآية دليل على القاعدة المشهورة: " الضرورات تبيح المحظورات "، فكل محظور اضطر إليه الإنسان: فقد أباحه له الملك الرحمن، فله الحمد والشكر، أولاً وآخراً، وظاهراً وباطناً. " تفسير السعدي " (ص 81) . ومن أدلة السنَّة: عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا بِأَرْضٍ تُصِيبُنَا بِهَا مَخْمَصَةٌ، فَمَا يَحِلُّ لَنَا مِنْ الْمَيْتَةِ؟ قَالَ: (إِذَا لَمْ تَصْطَبِحُوا وَلَمْ تَغْتَبِقُوا وَلَمْ تَحْتَفِئُوا بَقْلًا فَشَأْنُكُمْ بِهَا) رواه أحمد (36/227) ، وحسنه المحققون لطرقه وشواهده. تصطبحوا: المراد به الغداء. تغتبقوا: المراد به العشاء. تحتفئوا: بقلا. أي: تجمعوا بقلاً وتأكلوه. وقد مَثَّل العلماء على الضرورات تبيح المحظورات – غير أكل الميتة عند المخمصة -: إساغة اللقمة بالخمر , والتلفظ بكلمة الكفر عند الإكراه , ودفع المعتدي ولو أدى إلى قتله. انظر: "الأشباه والنظائر" (ص 85) لابن نجيم. والضرورة التي تبيح فعل المحرم هي: ما يلحق العبد ضرر بتركه - وهذا الضرر يلحق الضروريات الخمس: الدِّين، والنفس، والنسل، والعقل، والمال. وأما شروط إباحة المحرم للضرورة فقد قال الدكتور عبد الله التهامي – وفقه الله - في بيان ذلك: "هناك شروط، وقيود، لا بد من حصولها في حالةٍ ما؛ ليسوغ تسميتها ضرورة شرعية، ولا يمكن أن تكون تلك الحالة ضرورة شرعية مع تخلف شيء من هذه الضوابط، وإليك بيان هذه الضوابط، مع الاستدلال لها: 1. أن يترتب على الامتثال للدليل الراجح المحرّم ضرر متعلق بإحدى الكليات الخمس، كأن تتعرض نفسه للهلاك إن لم يأكل من الميتة. 2. أن يكون حصول الضرر أمراً قاطعاً، أو ظنًّا غالباً، ولا يلتفت إلى الوهم والظن البعيد، كأن يكون المضطر في حالة تسمح له بانتظار الطعام الحلال الطيب، فلا يقدم على تناول الميتة والحالة كذلك حتى يجزم بوقوع الضرر على نفسه، فيجوز حينها تناول الميتة، ودليل ذلك: ما علم في الشريعة من أن الأحكام تناط باليقين والظنون الغالبة، وأنه لا التفات فيها إلى الأوهام، والظنون المرجوحة البعيدة. 3. ألاّ يُمكن دفع هذا الضرر إلا بالمخالفة، وعدم الامتثال للدليل المحرِّم، فإن أمكن المضطر أن يدفع هذا الضرر بأمرين أحدهما جائز والآخر ممنوع: حرُم عليه ارتكاب المخالفة للدليل المحرم، ووجب عليه دفع الضرر بالأمر الجائز، كأن يغص بلقمة وأمامه كأسان من الماء، والخمر. 4. ألا يعارِض هذه الضرورة عند ارتكابها ما هو أعظم منها، أو مثلها، كأن يأكل المضطر طعام مضطر آخر، ووجه ذلك: ما ورد من قواعد مثل: " الضرر لا يزال بمثله" انتهى من "مجلة البيان" (عدد 120، ص 8) . وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: "ليس هناك ضرورة تبيح المحرم إلا بشرطين: 1. أن نعلم أنه لا تزول ضرورته إلا بهذا. 2. أن نعلم أن ضرورته تزول به" انتهى. "لقاء الباب المفتوح" (3/19) . وعلى هذا، فشروط إباحة المحرم للضرورة هي: 1- وجود الضرورة. 2- ألا توجد وسيلة لدفع الضرر إلا بفعل هذا المحرم. 3- أن يكون فعل المحرم مزيلاً للضرورة قطعاً، فإن حصل شك هل تزول الضرورة بهذا الفعل أم لا؟ فلا يجوز فعل المحرم حينئذ. 4- ألا يعارض هذه الضرورة ما هو مثلها أو أعظم منها. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 137035 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 11 إباحة المحرم للضرورة وشروط ذلك [السُّؤَالُ] ـ[أعرف أن المحرمات تكون حلالاً إذا وجدت ضرورة لفعلها، فهل لهذا الحكم شروط، حتى يكون تطبيقه صحيحاً؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من القواعد المقررة في الشريعة الإسلامية، والتي اتفق عليها العلماء: أن "الضرورات تبيح المحظورات". وقد دل على هذه القاعدة أدلة كثيرة من القرآن الكريم والسنة النبوية، قمن ذلك قوله الله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً فَمَنْ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) المائدة/3. وقوله تعالى: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) الأنعام/119. ومن أمثلة هذه القاعدة: 1- أكل الميتة لمن لم يجد غيرها وخشي الموت من الجوع. 2- التلفظ بكلمة الكفر تحت وطأة التعذيب والإكراه. 3- دفع الصائل المعتدي الظالم ولو أدى ذلك إلى قتله. انظر: "الأشباه والنظائر" لابن نجيم ص 85. والضرورة هي: ما يلحق الإنسان ضرر بتركه، وهذا الضرر يلحق الضروريات الخمس وهي: (الدين، والنفس، والعرض، والعقل، والمال) . وأما شروط إباحة المحرم للضرورة، فقد ذكر الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله شرطين لذلك، وشرحهما شرحاً وافياً مع الأمثلة وذكر بعض الاعتراضات والجواب عليها، ولهذا نكتفي بذكر كلامه، قال رحمه الله: "وهذه القاعدة من القواعد الفقهية الأصولية التي دل عليها الشرع، "كل شيء ممنوع فإنه يحل للضرورة" ... فالممنوع يباح للضرورة ولكن بشرطين: الشرط الأول: أن نضطر إلى هذا المحرم بعينه، بمعنى: أن لا نجد شيئاً يدفع الضرورة إلا هذا الشيء المحرم، فإن وجد سواه فإنه لا يحل، ولو اندفعت الضرورة به. الشرط الثاني: أن تندفع الضرورة به، فإن لم تندفع الضرورة به فإنه يبقى على التحريم، وإن شككنا هل تندفع أو لا؟ فإنه يبقى أيضاً على التحريم، وذلك لأن ارتكاب المحظور مفسدة متيقنة، واندفاع الضرورة به مشكوك فيه، ولا ينتهك المحرم المتيقن لأمر مشكوك فيه. ومن ثَمَّ يختلف الحكم في رجل جائع لم يجد إلا ميتة، فهنا نقول: كُلْ من الميتة. فإذا قال: هذا انتهاك للمحرم، قلنا: حَلَّ لك للضرورة، لأنه ليس عندك ما تأكله سوى هذا، ولأنك إذا أكلت اندفعت الضرورة به. ورجل قيل له: إن تناول الخمر يشفيك من المرض، فهنا نقول: لا يحل لك أن تتناول الخمر ولو قيل لك: إنه يشفيك من المرض. لماذا؟ أولاً: لأنه لا يتيقن الشفاء به، فإنه ربما يشربه ولا يبرأ من المرض، فإننا نرى كثيراً من المرضى يتناولون أدوية نافعة، ثم لا ينتفعون بها. ثانياً: أن المريض قد يبرأ بدون علاج، بتوكله على الله، ودعائه ربه، ودعاء الناس له، وما أشبه ذلك. هذا من حيث التعليل. أما من حيث الدليل؛ فقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ) فهذا الحكم معقول العلة، لأن الله سبحانه لم يحرمه علينا إلا لأنه ضار بنا، فكيف يكون المحرم شفاءً ودواءً؟ ولهذا يحرم التداوي بالمحرم، كما نص عليه أهل العلم، ولا يقال: هذا ضرورة؛ كما يظنه بعض الناس. لو قال قائل: إنسان غَصَّ، وليس عنده إلا كوب خمر، فهل يجوز أن يشرب هذا الكوب لدفع الغصة؟ الجواب: يجوز، لأن الشرطين وجدا فيه. فهو قد اضطر إلى هذا بعينه، ونتيقن زوال الضرورة به، فنقول: اشرب الخمر، ولكن إذا زالت الغصة فكفَّ عن الشراب. لو قال قائل: رجل وجد لحماً مذبوحاً حلالاً ولحماً لحيوان ميت، فهل له أكل الميت لكونه مضطراًّ لذلك؟ الجواب: ليس له ذلك، لأن الضرورة تندفع بغيره، فلا يحل، لعدم تحقق الشرط الأول. ولو قال: أنا عطشان وليس عند إلا كوب خمر. فهل أشرب؟ الجواب: لا، كما قال العلماء، لأنه لا تندفع به الضرورة، بل لا يزيده إلا عطشاً، فإذاً لا فائدة من انتهاك المحرم، لأنه لا تندفع به الضرورة، فلم يتحقق الشرط الثاني. ولو قال قائل: لو اضطر المريض إلى شرب الدم للتداوي به فهل يجوز له ذلك؟ الجواب: لا يجوز له ذلك، لانتفاء الشرطين" انتهى. "شرح منظومة أصول الفقه وقواعده (صـ 59 – 61) . ولمزيد الفائدة عن هذه القاعدة انظر جواب السؤال رقم (137035) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130815 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 12 حكم النقاش في المنتديات في مسائل الشرع، والتصويت عليها [السُّؤَالُ] ـ[ينتشر في الآونة الأخيرة في كثير من المنتديات قيام بعض المحسوبين على الالتزام الديني بمناقشة القضايا الشرعية المختلفة، مثل لون الحجاب، وصفته، وإغلاق المحلات أوقات الصلوات، وفتح دور السينما، وقيادة المرأة للسيارة بشكل مفتوح بين عوام الناس. ويبدأ كل واحد يدلي بدلوه بين مؤيد ومعارض ومتحفظ، وكأنها مسابقة مثلاً، بل تصل أن بعضهم يصف ارتداء أخت مسلمة في كندا للعباءة السوداء، وتجمع أهل البلد عليها مستغربين بالمنظر المقزز!! وعندما يرد عليهم أحد يتهمونه بالتشدد، والانغلاق، وعدم تقبل الرأي الآخر، ورغم أن أصحاب هذه النقاشات محسوبون على أهل الدين: غالباً ما تخلو هذه النقاشات من الأدلة الشرعية، أو الاستدلال برأي العلماء، وعندما يناقَشون في الأمر يقولون: إن هذه مجرد آراء شخصية، لا علاقة لها بالفتوى، وما شابه، وأصبحت هذه النقاشات مصدراً للتناحر، والبغضاء بين الشباب الملتزم. فما هو حكم مناقشة القضايا الشرعية في المجالس المفتوحة بين الناس؟ وماذا تقول للقائمين على هذه المنتديات التي يتم بها مثل هذه الأمور؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ما جاء في السؤال هو من القضايا المهمة التي ينبغي التنبيه عليها، ويمكن أن نقسِّم الأمر إلى مسائل: المسألة الأولى: النقاش في مسائل شرعية ثابتة بالنص أو الإجماع. المسألة الثانية: نقاش في مسائل اجتهادية، أدلتها محتملة، وفيها خلاف بين العلماء. المسألة الثالثة: عرض شيء من قضايا الشرع على التصويت. أما المسألة الأولى: فيجب أن يُعلم أن ما ثبت فيه نص من القرآن، أو صحَّ فيه دليل من السنَّة، أو أجمع العلماء على القول به، سواء من مسائل الاعتقاد، أو من الفقه: فإنه لا يجوز لأحدٍ أن يشكك فيها، ولا أن يجعلها عرضة للنقاش، لا بين العلماء وطلبة العلم، ولا - من باب أولى – بين عامة النّاس، وإنما يُدعى الناس للعمل بتلك المسائل، وتبني ما فيها من اعتقاد. وأما المسألة الثانية: فكثير من المسائل الشرعية وقع فيها خلاف بين العلماء، من حيث أدلتها، أو الاستدلال بها، ومثل هذه المسائل لا بأس بعرضها في المنتديات ليتم النقاش فيها، والتحاور حولها، على أن يكون ذلك وفق ضوابط، وشروط، منها: 1. أن يكون النقاش والتحاور فيها مبنياً على الأدلة وأقوال العلماء، لا بمجرد الهوى أو الرأي الشخصي، فإنه لا يجوز الكلام في الشرع إلا إذا كان الكلام مبنياً على الأدلة الشرعية. 2. أن يكون الحوار والنقاش بأدب، وأن يُبتعد عن فحش القول، وعن التعصب. 3. أن لا تُعطى المسائل أكبر من حجمها، وأن تعطى المسائل المهمة الأولوية في البحث، والنقاش. وأما التصويت على شيء من مسائل الشرع – وهي المسألة الثالثة – وفتح المجال لكل إنسان ليقول رأيه فيها: فهو أمر مرفوض، والناس فيهم المسلم والكافر، والطائع والعاصي، والعالم والجاهل، والكبير والصغير، فكيف تُعرض أحكام الله تعالى على هؤلاء جميعاً ليصوتوا على ما يرونه مناسباً أن يكون هو شرع الله؟! والأحكام الشرعية لا تثبت بهذا الأسلوب، وليس بعدد الأصوات يُعرف الصواب من الخطأ، أو الراجح من المرجوح فيها، بل يُعرف ذلك بنقاش علمي حول الأدلة التي في المسألة، وكيفية الاستدلال بها للتوصل إلى معرفة حكم الله تعالى. وقد قرأنا في بعض المنتديات: " شارك معنا بصوتك: هل توافق على التعدد "! ومثل: " ما رأيك بالنقاب، وهل تؤيده "! وإذا نظرنا إلى اختيارات المشاركين وآراءهم، تبين لنا خطورة مثل هذا الأسلوب، فموضوع النقاب – مثلاً – كان من ضمن اختيارات المشاركين فيه: " تخلف ورجعية "! " إرهاب وتطرف "! " استمرار لظلم المرأة "! " أؤيده لأن النساء منحرفات "! وهذا الكلام سب وتنقص لأحكام شرعية شرعها الله تعالى، وذلك أمر خطير على إيمان من فعل ذلك. نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 122964 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 13 الفرق بين القصد والنية وأهمية المقاصد في الفقه [السُّؤَالُ] ـ[ما الفرق بين القصد والنية؟ وما موقع المقاصد في الفقه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: القصد في اصطلاح الفقهاء هو: العزم المتجه نحو إنشاء فعل. "معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية" (3/96) . والنية هي كما يقول القرافي رحمه الله: " قصد الإنسان بقلبه ما يريده بفعله ". "الذخيرة" (1/20) . وعرفها النووي بأنها " عزم القلب على عمل فرض أو غيره ". "المجموع" (1/310) . ومن تعريف القرافي يتبين أن النية والقصد متقاربان، ولهذا عرف النية بالقصد، لكن ذهب ابن القيم رحمه الله إلى أن بينهما فرقا، قال: " فالنية هي القصد بعينه ولكن بينها وبين القصد فرقان: أحدهما: أن القصد معلق بفعل الفاعل نفسه وبفعل غيره. والنية لا تتعلق إلا بفعله نفسه، فلا يتصور أن ينوي الرجل فعل غيره، ويُتصور أن يقصده ويريده. الفرق الثاني: أن القصد لا يكون إلا بفعلٍ مقدورٍ يقصده الفاعل. وأما النية فينوي الإنسان ما يقدر عليه وما يعجز عنه، ولهذا في حديث أبي كبشة الأنماري الذي رواه أحمد والترمذي وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ: عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا، فَهُوَ يَتَّقِي فِي مَالِه رَبَّهُ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ عند الله، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا، فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ فيه بِعَمَلِ فُلَانٍ، فَهُوَ بِنِيَّتِهِ، وَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ. وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا، فذلك شَرُّ مَنْزِلَةٍ عِنْدَ الله. ثم قال: وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالًا وَلَا عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلَانٍ، فَهُوَ بِنِيَّتِهِ، وَهُما فِي الوِزْرِ سَوَاءٌ) فالنية تتعلق بالمقدور عليه والمعجوز عنه، بخلاف القصد والإرادة فإنهما لا يتعلقان بالمعجوز عنه، لا من فعله ولا من فعل غيره " انتهى من "بدائع الفوائد" (3/190) ، وانظر: "القواعد الكلية والضوابط الفقهية" للدكتور محمد عثمان شبير ص 93، 94. ثانيا: المقاصد لها موقع كبير مهم من الفقه، وحسبك من ذلك أن من القواعد الكلية الكبرى قاعدة: الأمور بمقاصدها، المأخوذة من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) رواه البخاري (1) ومسلم (1907) . قال السيوطي رحمه الله: " اعلم أنه قد تواتر النقل عن الأئمة في تعظيم قدر حديث النية: قال أبو عبيدة: ليس في أخبار النبي صلى الله عليه وسلم شيء أجمع وأغنى وأكثر فائدة منه. واتفق الإمام الشافعي وأحمد بن حنبل وابن مهدي وابن المديني وأبو داود والدارقطني وغيرهم على أنه ثلث العلم، ومنهم من قال: ربعه، ووجه البيهقي كونه ثلث العلم بأن كسب العبد يقع بقلبه ولسانه وجوارحه، فالنية أحد أقسامها الثلاثة وأرجحها؛ لأنها قد تكون عبادة مستقلة، وغيرها يحتاج إليها " إلى أن قال: " وقال الشافعي: يدخل في سبعين بابا " انتهى من "الأشباه والنظائر" ص 9. وهذا يدل على أهمية معرفة المقاصد واعتبارها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 70446 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 14 باب في أحكام الغصب [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم أخذ شيء من أملاك الغير غصباً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الغصب لغة: أخذ الشيء ظلماً ومعناه في اصطلاح الفقهاء: الاستيلاء على حق غيره قهراً بغير حق. والغصب محرم بإجماع المسلمين؛ لقوله تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) , والغصب من أعظم أكل المال بالباطل , ولقوله صلى الله عليه وسلم: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام) , وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه) . والمال المغصوب قد يكون عقاراًً وقد يكون منقولاً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من اقتطع شبراً من الأرض ظلماً؛ طوقه من سبع أرضين) . فيلزم الغاصب أن يتوب إلى الله عز وجل , ويرد المغصوب إلى صاحبه , ويطلب منه العفو؛ قال صلى الله عليه وسلم: (من كانت عنده لأخيه مظلمة؛ فليتحلل منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم [يعني يوم القيامة] : إن كانت له حسنات؛ أخذ من حسناته وأعطيت للمظلوم، وإن لم تكن له حسنات؛ أخذ من سيئات المظلوم , فطرحت عليه , وطرح في النار , أو كما قال صلى الله عليه وسلم , فإن كان المغصوب باقياً؛ رده بحاله , وإن كان تالفا؛ رد بدله. قال الإمام الموفق: (أجمع العلماء على وجوب رد المغصوب إذا كان بحاله لم يتغير) انتهى. وكذلك يلزمه رد المغصوب بزيادته , سواء كانت متصلة أو منفصلة , لأنها نماء المغصوب , فهي لمالك الأصل. وإن كان الغاصب قد بنى في الأرض المغصوبة أو غرس فيها , لزمه قلع البناء والغراس إذا طالبه المالك بذلك , لقوله صلى الله عليه وسلم: (ليس لعرق ظالم حق) , رواه الترمذي وغيره وحسنه , وإن كان ذلك يؤثر على الأرض , لزمه غرامة نقصها , ويلزمه أيضا إزالة آثار الغراس والبناء المتبقية , حتى يسلم الأرض لمالكها سليمة. ويلزمه أيضاً دفع أجرتها منذ أن غصبها إلى أن سلمها؛ أي أجرة مثلها؛ لأنه منع صاحبها من الانتفاع بها في هذه المدة بغير حق. وإن غصب شيئاً وحبسه حتى رخص سعره؛ ضمن له نقصه على الصحيح. وإن خلط المغصوب مع غيره مما يتميز - كحنطة بشعير -؛ لزم الغاصب تخليصه ورده , وإن خلطه بما لا يتميز - كما لو خلط حنطة بمثلها -؛ لزمه رد مثله كيلاً أو وزناً من غير المخلوط , وإن خلطه بمثله أو أحسن منه أو خلطه بغير جنسه مما لا يتميز؛ بيع المخلوط , وأعطي كل منهما قدر حصته من الثمن , وإن نقص المغصوب في هذه الصورة عن قيمته منفردا ًضمن الغاصب نقصه. ومما ذكروه في هذا الباب قولهم: " والأيدي المترتبة على يد الغاصب كلها أيدي ضمان ": ومعناه أن الأيدي التي ينتقل إليها المغصوب عن طريق الغاصب كلها تضمن المغصوب إذا تلف فيها , وهذه الأيدي عشر: يد المشتري وما في معناه , ويد المستأجر , ويد القابض تملكاً بلا عوض كيد المنتهب , ويد القابض لمصلحة الدافع كالوكيل , ويد المستعير , ويد الغاصب , ويد المتصرف في المال كالمضارب , ويد المتزوج للمغصوبة , ويد القابض تعويضا بغير بيع , ويد المتلف للمغصوب نيابة عن غاصبه، وفي كل هذه الصور إذا علم الثاني بحقيقة الحال , وأن الدافع إليه غاصب؛ فقرار الضمان عليه؛ لتعديه على ما يعلمه غير مأذون فيه من مالكه؛ وإن لم يعلم بحقيقة الحال؛ فالضمان على الغاصب الأول. وإن كان المغصوب مما جرت العادة بتأجيره لزم الغاصب أجره مثله مدة بقائه بيده؛ لأن المنافع مال متقوم , فوجب ضمانها كضمان العين. وكل تصرفات الغاصب الحكمية باطلة؛ لعدم إذن المالك. وإن غصب شيئاً وجهل صاحبه ولم يتمكن من رده إليه؛ سلمه إلى الحاكم الذي يضعه في موضعه الصحيح , أو تصدق به عن صاحبه , وإذا تصدق به؛ صار ثواباً لصاحبه , وتخلص منه الغاصب. وليس اغتصاب الأموال مقصوراً على الاستيلاء عليها بالقوة بل ذلك يشمل الاستيلاء عليها بطريق الخصومة الباطلة والأيمان الفاجرة: قال الله تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا ً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون) ؛ فالأمر شديد والحساب عسير. وقال صلى الله عليه وسلم: (من غصب شبراً من الأرض طوقه من سبع أرضين) , وقال صلى الله عليه وسلم: (من قضيت له بحق أخيه؛ فلا يأخذه؛ فإنما أقطع له قطعة من نار) . [الْمَصْدَرُ] الملخص الفقهي للشيخ صالح الفوزان ص 130. الحديث: 10323 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 15 هل يعتبر شهيداً من مات في سفر تجاري بحري [السُّؤَالُ] ـ[هل يعتبر شهيداً من مات في سفر تجاري بحري؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: عن رجل ركب البحر للتجارة فغرق، فهل مات شهيداً؟ أجاب: نعم، مات شهيداً، إذا لم يكن عاصياً بركوبه، فإنَّه قد صحَّ عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الغريق شهيدٌ، والمبطون شهيدٌ، والحريق شهيدٌ، والميت بالطاعون شهيدٌ، والمرأة تموت في نفاسها شهيدةٌ، وصاحب الهدم شهيدٌ "، وجاء ذكر غير هؤلاء. وركوب البحر للتجارة جائزٌ إذا غلب على الظن السلامة، وأما بدون ذلك فليس له أن يركبه للتجارة، فإن فعل فقد أعان على قتل نفسه، ومثل هذا لا يقال: إنه شهيد، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] " الفتاوى الكبرى " (3 / 23) . الحديث: 22140 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 16 يخشى على نفسه العطش في الصحراء فهل يعطي الماء لعطشان آخر [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان شخص يمشي في الصحراء ومعه ماءٌ لكنه يخشى العطش في المآل، وهناك عطشان في الحال فهل يجب عليه بذله له أو لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سُئل ابن حجر الهيتمي السؤال السابق: فأجاب بقوله: ذكر في " المجموع " في المقدَّم منهما وجهين، ولم أرَ من رجَّح منهما شيئاً، والذي يظهر ترجيحه: أنه يقدَّم العطشان في الحال إذا خشي من العطش الهلاك؛ لأن إتلاف مهجته محقَّق بخلاف المالك فإنه قد يحصل له ماء، فإن كان ببرية أيس فيها من حصول ماء وغلب على ظنه الهلاك لو بذل ما معه فللنَّظر في ذلك مجال، وعدم وجوب البذل حينئذٍ أقرب، وكذا لو خشي العطشان من العطش في الحال إتلاف عضو أو حدوث مرضٍ ونحوه، وخشي المالك من العطش في المآل إتلاف النفس، فلا يجب البذل أيضا على الأقرب. [الْمَصْدَرُ] " الفتاوى الفقهية الكبرى " (1 / 69) . الحديث: 21656 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 17 أحكام إحياء الموات [السُّؤَالُ] ـ[ما هو إحياء الموات، وما هو أحكامه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الموات - بفتح الميم والواو -: هو ما لا روح فيه، والمراد به هنا الأرض التي لا مالك لها. ويعرفه الفقهاء رحمهم الله بأنه الأرض المنفكة عن الاختصاصات وملك معصوم. فيخرج بهذا التعريف شيئان: الأول: ما جرى ملك معصوم من مسلم وكافر بشراء أو عطية أو غيرها. الثاني: ما تعلقت به مصلحة ملك المعصوم؛ كالطرق والأفنية ومسيل المياه، أو تعلقت به مصالح العامر من البلد، كدفن الموتى وموضع القمامة والبقاع المرصدة لصلاة العيدين والمحتطبات والمراعي؛ فكل ذلك لا يملك بالإحياء. فإذا خلت الأرض عن ملك معصوم واختصاصه، وأحياها شخص؛ ملكها؛ لحديث جابر رضي الله عنه مرفوعاً: (من أحيا أرضاً ميتة؛ فهي له) , رواه أحمد والترمذي وصححه , وورد بمعناه أحاديث , وبعضها في (صحيح البخاري) . وعامة فقهاء الأمصار على أن الموات يملك بالإحياء، وإن اختلفوا في شروطه؛ إلا موات الحرم وعرفات؛ فلا يملك بالإحياء؛ لما فيه من التضييق في أداء المناسك، واستيلائه على محل الناس فيه سواء. ويحصل إحياء الموات بأمور: الأول: إذا أحاطه بحائط منيع مما جرت العادة به؛ فقد أحياه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من أحاط حائطاً على أرض؛ فهي له) ، رواه أحمد وأبو داود عن جابر، وصححه ابن الجارود، وعن سمرة مثله , وهو يدل على أن التحويط على الأرض مما يستحق به ملكها، والمقدار المعتبر ما يسمى حائطاً في اللغة، أما لو أدار حول الموت أحجاراً ونحوها كتراب أو جدار صغير لا يمنع ما وراءه أو حفر حولها خندقاً؛ فإنه لا يملكه بذلك، لكن يكون أحق بإحيائه من غيره، ولا يجوز له بيعه إلا بإحيائه. الثاني: إذا حفر في الأرض الموات بئراً، فوصل إلى مائها؛ فقد أحياها؛ فإن حفر البئر ولم يصل إلى الماء؛ لم يملكها بذلك، وإنما يكون أحق بإحيائها من غيره؛ لأنه شرع في أحيائها. الثالث: إذا أوصل إلى الأرض الموات ماء أجراه من عين أو نهر؛ فقد أحياها بذلك؛ لأن نفع الماء للأرض أكثر من الحائط. الرابع: إذا حبس عن الأرض الموات الماء الذي كان يغمرها ولا تصلح معه للزراعة، فحبسه عنها حتى أصبحت صالحة لذلك؛ فقد أحياها؛ لأن نفع الأرض بذلك أكثر من نفع الحائط الذي ورد في الدليل أنه يملكها بإقامته عليها. ومن العلماء من يرى أن إحياء الموات لا يقف عند هذه الأمور بل يرجع فيه إلى العرف فما عده الناس إحياء؛ فإنه يملك به الأرض الموات؛ واختار ذلك جمع من أئمة الحنابلة وغيرهم؛ لأن الشرع ورد بتعليق الملك عليه ولم يبينه , فوجب الرجوع إلى ما كان إحياء في العرف. ولإمام المسلمين إقطاع الأرض الموات لمن يحييها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث العقيق , وأقطع وائل بن حجر أرضاً بحضرموت , وأقطع عمر وعثمان وجمعاً من الصحابة , لكن لا يملكه بمجرد الإقطاع حتى يحييه , بل يكون أحق به من غيره , فإن أحياه ملكه , وإن عجز عن إحيائه؛ فللإمام استرجاعه وإقطاعه لغيره ممن يقدر على إحيائه؛ لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استرجع الإقطاعات من الذين عجزوا عن إحيائها. ومن سبق إلى مباح غير الأرض الموات؛ الصيد، والحطب؛ فهو أحق به. وإذا كان يمر بأملاك الناس ماء مباح (أي: غير مملوك) كماء النهر وماء الوادي , فللأعلى أن يسقي منه ويحبس الماء إلى الكعب ثم يرسله لمن بعده ... وهكذا، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اسق يا زبير! ثم احبس الماء حتى يصل إلى الجدر) ؛ متفق عليه، وذكر عبد الرزاق عن معمر الزهري؛ قال: نظرنا إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ثم احبس الماء حتى يصل إلى الجدر) . فكان إلى الكعبين؛ أي: قاسوا ما وقعت فيه القصة، فوجدوه يبلغ الكعبين , فجعلوا ذلك معياراً لاستحقاق الأول فالأول , وروى أبو داود وغيره عن عمرو بن شعيب؛ أنه صلى الله عليه وسلم قضى في سيل مهزور (واد في المدينة مشهور) : (أن يمسك الأعلى حتى يبلغ السيل الكعبين , ثم يرسل الأعلى إلى الأسفل) . أما إن كان الماء مملوكاً؛ فإنه يقسم بين الملاك بقدر أملاكهم , ويتصرف كل واحد في حصته بما شاء. ولإمام المسلمين أن يحمي مرعى لمواشي بيت مال المسلمين؛ كخيل الجهاد , وإبل الصدقة؛ ما لم يضرهم بالتضييق عليهم؛ لما روى ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى النقيع لخيل المسلمين) ؛ فيجوز للإمام أن يحمي العشب في أرض الموات لإبل الصدقة وخيل المجاهدين وأنعام الجزية والضوال إذا احتاج إلى ذلك ولم يضيق على المسلمين. [الْمَصْدَرُ] من كتاب الملخص الفقهي للشيخ صالح آل فوزان. الحديث: 21375 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 18 معنى كلمة بوكيمون [السُّؤَالُ] ـ[لعله وصلكم الترجمة التي للبوكيمون لكن أنا أسأل عن صحة هذه الترجمة لأنكم في شريطك عن البوكيمون لم تذكروا هذه الترجمة وفتوى كبار العلماء كذلك لم تذكر هذه الترجمة فنرجو ذكر صحة الترجمة من عدمها.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سمعنا عن كثيرٍ من الأقوال في ترجمة هذه الكلمة، ولعلها من مبالغات بعض الناس، أو أنه من شركات منافسة. والصحيح: أن اسم المنتج في اليابان هو " بوكيت مونستر " Poket monster، ومعناه: الحيوان المسخ الصغير بحجم الجيب، وبوكيمون: هو اختصار لهاتين الكلمتين. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 21179 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 19 طريقة التعامل مع الأوراق المحترمة [السُّؤَالُ] ـ[ما هو حكم الشريعة بالأسماء المحترمة التي توجد في الجرائد بما فيها أسماء الأنبياء أو أسماء الله عبد الله أو عبد الكريم؟ كيف نتلف هذه الأوراق؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه الأوراق التي فيها ذكر الله يجب الاحتفاظ بها وصيانتها عن الابتذال والامتهان حتى يفرغ منها، فإذا فرع منها لم يبق لها حاجة وجب دفنها في محلّ طاهر أو إحراقها أو حفظها في محلّ يصونها عن الابتذال كالدواليب والرفوف ونحو ذلك. [الْمَصْدَرُ] فتوى الشيخ ابن باز من كتاب فتاوى إسلامية ج/4 ص/313. الحديث: 21511 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 20 تسأل عن زكاة الذهب الأبيض وبيت مسكون بالجن [السُّؤَالُ] ـ[في محلات ومعارض الذهب يباع معدن لونه أبيض مثل الفضة وبعض الناس يسمونه ذهب أبيض وآخرين يسمونه بلاتين. هل عليّ زكاه فيه وهل الزكاة بنفس قيمه زكاة الذهب الأصفر؟ ثانيا: هناك علامة معينه تظهر في جبين بعض الرجال ويطلق عليها الناس علامة صلاه وزوجي لا تظهر عنده هذه العلامة رغم أنه مواظب على كل الصلوات في المسجد ومتدين جدا فهل هذه العلامة هي ما يقصد بها "سيماهم في وجوههم من أثر السجود"؟ ولماذا لا تظهر لكل الرجال ولماذا لا تظهر للنساء وهل عدم ظهورها يعنى شيء؟ ثالثا: نسكن في شقه إيجار منذ 5 سنوات وكنا نشعر ونلاحظ أشياء كثيرة تجعلنا نشك بأن الشقة يسكنها الجان وفى الأيام الأخيرة رأيت بنفسي كوب من الزجاج في المطبخ يطير ويرمى وحده في الحائط وينزل عبارة عن فتافيت من الزجاج ولا نعلم ماذا نفعل؟ رابعا: أنا امرأة مسلمة مثل غيري الكثيرات أتقطع حزنا عما تفعله أمريكا واليهود في المسلمين ولا أعلم ما هو واجبي أمام الله تجاه هذا الموضوع وما هو بيدي أن أفعله حتى أكون بريئة الذمة أمام الله وهل على شيء معين واجب أن أفعله؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إذا كان ذهبا أو فضة ففيه الزكاة والمرجع في تحديد نوعيته لأهل الخبرة. ثانياً: ليس بالضرورة أن تظهر هذه العلامة في الجبهة لكل مصل بل تتفاوت طبائع جلود الأشخاص كما أنّ ظهورها لا يدلّ على صلاح الشخص والمشهور عن المفسرين في معنى قوله تعالى سيماهم في وجوههم: أي نور الطاعة ثالثاً: عليكم بقراءة سورة البقرة في البيت ثلاثة أيام في كل يوم مرة رابعاً: اجتهدي بالدعاء لإخوانك هناك لعلّ الله أن يستجيب وتصدقي عليهم بما تستطيعين. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 22948 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 21 لماذا قدّمت الوصية في قوله تعالى: (من بعد وصيّة يوصى بها أو دَيْن) [السُّؤَالُ] ـ[لمادا أتت لفظة الوصية في القرآن الكريم قبل الدين ونحن نعلم أن الدين ينفد قبل الوصية.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال القرطبي رحمه الله: " إن قيل: ما الحكمة في تقديم ذكر الوصية على ذكر الدَّيْن, والدين مقدم عليها بإجماع، أي تقضى ديون الميت من تركته قبل إخراج ما أوصى به ... فالجواب من أوجه خمسة: الأول: إنما قصد تقديم هذين الفصلين على الميراث ولم يقصد ترتيبهما في أنفسهما ; فلذلك تقدمت الوصية في اللفظ. جواب ثان: لما كانت الوصية أقل لزوما من الدين قدمها اهتماما بها; كما قال تعالى: "لا يغادر صغيرة ولا كبيرة" الكهف/49. ... جواب ثالث: إنما قدمت الوصية إذ هي حظ مساكين وضعفاء , وأخَّر الدَّيْن إذ هو حظ غريم يطلبه بقوة وسلطان وله فيه مقال. جواب رابع: لما كانت الوصية ينشئها من قبل نفسه قدَّمها , والدين ثابت مؤدّى ذكره أو لم يذكره. " انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج/5 ص/74 وزاد بعض العلماء وجهين آخرين " وإنما قدّمت الوصيّة على الدَّين في الذكر لأن الوصية إنما تقع على سبيل البر والصلة بخلاف الدَّين فإنه إنما يقع غالباً بنوع تفريط فوقعت البداءة بالوصية لكونها أفضل. وقيل قدمت الوصية لأنها شيء يؤخذ بغير عوض والدَّين يؤخذ بعوض فكان إخراج الوصية أشقُّ على الوارث من إخراج الدَّيْن وكان أداؤها مظنّة للتفريط بخلاف الدَّيْن فإن الوارث مطمئن بإخراجه فقدّمت الوصية لذلك ". انظر التحقيقات المرضية في المباحث الفرضية للشيخ صالح للفوزان ص/27. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 21271 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 22 صفات المفتي [السُّؤَالُ] ـ[ما هي الخصال التي يجب تحققها فيمن ينصِّب نفسَه للفتيا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال ابن القيم: ذكر أبو عبد الله بن بطة في كتابه في " الخلع " عن الإمام أحمد أنه قال: " لا ينبغي للرجل أن ينصِّب نفسه للفتيا حتى يكون فيه خمس خصال: أولها: أن تكون له نيَّة، فإن لم يكن له نيَّة لم يكن عليه نورٌ ولا على كلامه نور. والثانية: أن يكون له علمٌ وحلمٌ ووقارٌ وسكينةٌ. الثالثة: أن يكون قويّاً على ما هو فيه وعلى معرفته. الرابعة: الكفاية وإلا مضغه النَّاس. الخامسة: معرفة النَّاس. وهذا مما يدل على جلالة أحمد ومحله من العلم والمعرفة؛ فإن هذه الخمسة هي دعائم الفتوى، وأي شيءٍ نقص منها ظهر الخلل في المفتي بحسبه. [الْمَصْدَرُ] " أعلام الموقعين " (4 / 153) . الحديث: 21844 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 23 هل يجوز الذبح بنية دفع السوء [السُّؤَالُ] ـ[أنا متزوج منذ أربع سنوات ولم أرزق بأطفال، والحمد لله تلقيت مؤخراً خبراً أن زوجتي حامل، فقمت وبناءاً على نصيحة والدي بذبح ذبيحتين (فدو) وتوزيعهم على المحتاجين من المسلمين خالصاً لوجه الله تعالى عني وعن زوجتي، فما حكمه في الشرع؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان ذبحُك هذا وإطعامك المحتاجين شكراً لله تبارك وتعالى: فإنه يجوز، فإن إطعام الطعام من الإحسان إلى الناس، والله تعالى يحب المحسنين. وإذا كان ذبحك هذا دفعاً للسوء وجلباً للخير: فإنه لا يجوز، وهذا هو المشهور عند عامة الناس من كلمة (الفدو) فهم يظنون أن في فعلهم هذا دفعاً للسوء، وهم يفعلونه في حال حدوث الحوادث أو الأمراض التي تصيبهم أو تصيب بعض أفرادهم. وليس الذبح في الشرع مانعاً من وقوع المقدور خيراً كان أو شرّاً. وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – عن الذبح عند اكتمال البناء أو انتصافه فقال: هذا التصرف فيه تفصيل، فإن كان المقصود من الذبيحة اتقاء الجن أو مقصداً آخر يقصد به صاحب البيت أن هذا الذبح يحصل به كذا وكذا كسلامته وسلامة ساكنيه فهذا لا يجوز، فهو من البدع، وإن كان للجن فهو شرك أكبر؛ لأنها عبادة لغير الله. أما إن كان من باب الشكر على ما أنعم الله به عليه من الوصول إلى السقف أو عند اكتمال البيت فيجمع أقاربه وجيرانه ويدعوهم لهذه الوليمة: فهذه لا بأس بها، وهذا يفعله كثير من الناس من باب الشكر لنعم الله حيث منَّ عليهم بتعمير البيت والسكن فيه بدلاً من الاستئجار، ومثل ذلك ما يفعله بعض الناس عند القدوم من السفر يدعو أقاربه وجيرانه شكراً لله على السلامة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قدِم من سفر نحر جزوراً ودعا الناس لذلك عليه الصلاة والسلام. رواه البخاري (3089) " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (5 / 388) . وقال الشيخ محمد الصالح بن عثيمين – رحمه الله -: ما يفعله بعض الناس إذا نزل منزلاً جديداً ذبح ودعا الجيران والأقارب: هذا لا بأس به ما لم يكن مصحوباً بعقيدة فاسدة، كما يُفعل في بعض الأماكن إذا نزل منزلاً فإن أول ما يفعل أن يأتي بشاة ويذبحها على عتبة الباب حتى يسيل الدم عليها، ويقول: إن هذا يمنع الجن من دخول البيت، فهذه عقيدة فاسدة ليس لها أصل، لكن من ذبح من أجل الفرح والسرور: فهذا لا بأس به. " الشرح الممتع " (7 / 550، 551) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 26952 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 24 هل يشتغل بطهارة القلب أم بنوافل الأعمال؟ [السُّؤَالُ] ـ[أَيُّمَا أَوْلَى مُعَالَجَةُ مَا يَكْرَهُ اللَّهُ مِنْ قَلْبِك مِثْلُ: الْحَسَدِ وَالْحِقْدِ وَالْغِلِّ وَالْكِبْرِ وَالرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَرُؤْيَةِ الأَعْمَالِ وَقَسْوَةِ الْقَلْبِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، مِمَّا يَخْتَصُّ بِالْقَلْبِ مِنْ دَرَنِهِ وَخُبْثِهِ؟ أَوْ الاشْتِغَالُ بِالأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ: مِنْ الصَّلاةِ وَالصِّيَامِ وَأَنْوَاعِ الْقُرُبَاتِ: مَنْ النَّوَافِلِ وَالْمَنْذُورَاتِ مَعَ وُجُودِ تِلْكَ الأُمُورِ فِي قَلْبِهِ؟ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله مِنْ ذَلِكَ مَا هُوَ عَلَيْهِ وَاجِبٌ: وَأَنَّ لِلأَوْجَبِ فَضْلا وَزِيَادَةً، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِيمَا يَرْوِيه عَنْهُ رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم: {مَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْت عَلَيْهِ} ، ثُمَّ قَالَ: {وَلا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ} وَالأَعْمَالُ الظَّاهِرَةُ لا تَكُونُ صَالِحَةً مَقْبُولَةً إلا بِتَوَسُّطِ عَمَلِ الْقَلْبِ فَإِنَّ الْقَلْبَ مَلِكٌ وَالأَعْضَاءُ جُنُودُهُ، فَإِذَا خَبُثَ الْمَلِكُ خَبُثَتْ جُنُودُهُ ; وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: {أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ} وَكَذَلِكَ أَعْمَالُ الْقَلْبِ لا بُدَّ أَنْ تُؤَثِّرَ فِي عَمَلِ الْجَسَدِ وَإِذَا كَانَ الْمُقَدَّمُ هُوَ الأَوْجَبُ [سَوَاءٌ] سُمِّيَ بَاطِنًا أَوْ ظَاهِرًا فَقَدْ يَكُونُ مَا يُسَمَّى بَاطِنًا أَوَجَبَ مِثْلُ تَرْكِ الْحَسَدِ وَالْكِبْرِ فَإِنَّهُ أَوَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ نَوَافِلِ الصِّيَامِ وَقَدْ يَكُونُ مِمَّا سُمِّيَ ظَاهِرًا أَفْضَلَ: مِثْلُ قِيَامِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ مُجَرَّدِ تَرْكِ بَعْضِ الْخَوَاطِرِ الَّتِي تَخْطُرُ فِي الْقَلْبِ مِنْ جِنْسِ الْغِبْطَةِ وَنَحْوِهَا وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ عَمَلِ الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ يُعِينُ الآخَرَ وَالصَّلاةُ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَتُورِثُ الْخُشُوعَ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الآثَارِ الْعَظِيمَةِ: هِيَ أَفْضَلُ الأَعْمَالِ وَالصَّدَقَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ." انتهى كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (مجموع الفتاوى 6/381) فلا فصل بين صلاح الباطن وإصلاح الظاهر. والعبادات الظاهرة التي يمارسها الإنسان بجوارحه فإنها – إذا أراد بها وجه الله – تؤثر إيجاباً في باطنه ولا شك. ومن أمثلة ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: " أَلا أُخْبِرُكُمْ بِمَا يُذْهِبُ وَحَرَ الصَّدْرِ صَوْمُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْر " رواه النسائي (2386) وصححه الألباني في صحيح النسائي (2249) ووحر الصدر: غيظة وحقده وحسده. ومن العلاجات المهمة لأمراض القلب التدبر والتفكر في نصوص الوعيد على من ترك هذه الأمراض ترتع في قلبه كقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرةٍ من كبر " رواه مسلم (91) . وحديث قول النار: " أُوثرت بالمتكبرين " رواه البخاري (4850) ومسلم (2846) وحديث: " يُحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال " رواه الترمذي (2492) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (2025) . وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمْ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ لا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَفَلا أُنَبِّئُكُمْ بِمَا يُثَبِّتُ ذَاكُمْ لَكُمْ أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ " رواه الترمذي (2510) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (2038) فمن تأمل بعين البصيرة مثل هذا الوعيد على هذه الأمراض القلبية فإنه ولا شك سيجاهد نفسه في تطهير قلبه منها، ويستعين على ذلك بأعمال الجوارح ويدعو ربه أن ينقي قلبه من الغلِّ والحسد والحقد وغيرها كما قال تعالى عن دعاء المؤمنين: {ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا} . والله أعلم وصلى اله على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 21673 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 25 سجود ما في الكون لله تعالى [السُّؤَالُ] ـ[ورد في سورة الحج أية (18) سجود الدوآب فما هي كيفية هذا السجود؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اعلم أن هذا الكون بكل ما فيه من مخلوقات هي معبدة لله إما اختيارا أو إكراها.. فالمؤمن يعبد الله اختيارا ويثاب على عبادته سبحانه والكافر وإن كان شاردا عن ربه تاركا لعبادته فذرات جسده وكل ما فيه يعبده سبحانه وتعالى بل ويسبحه عز وجل لكننا بقصور عقلنا وحواسنا لا نشعر بهذا التسبيح ولا نعقله، يقول تعالى: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً) الإسراء / 44، والمقصود أن كل مخلوق فهو خاضع لله عابد له عبادة لائقة بحاله ووضعه، فالشمس والقمر والنجوم والشجر والدواب كلها خاضعة لله تسبحه سبحانه وتعالى وتسجد له ولكل واحد منها عبوديتها اللائقة بها لله عز وجل، يقول تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) الحج /18، ويقول تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ*وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) النحل/ 48-49 يقول الإمام ابن كثير: (يخبر الله تعالى عن عظمته وجلاله وكبريائه الذي خضع له كل شيء ودانت له الأشياء والمخلوقات بأسرها؛ جماداتها وحيواناتها ومكلفوها من الإنس والجن والملائكة فأخبر أن كل ما له ظل يتفيأ ذات اليمين وذات الشمال أي بكرة وعشيا فإنه ساجد لله تعالى. قال مجاهد: إذا زالت الشمس سجد كل شيء لله عز وجل) فأثبت سبحانه وتعالى السجود لكل الكائنات وبين كيفية سجود بعضها وهو بفيء ظلالها ذات اليمين والشمال، ولا يلزم أن يكون سجودها على سبعة أعضاء إذ هذا خاص بالمسلمين أما سجود بقية الكائنات فهو في كل مخلوق بحسبه، يؤكد أن هذا السجود يراد به حقيقة السجود أنه ظاهر النص أولا فإذا لم يرد مانع صحيح من حمل الآية على هذا الظاهر وجب الأخذ به، يؤكده كذلك أن عطف سجود الشمس والقمر والنجوم والشجر والدواب على سجود الملائكة والبشر يدل على حقيقة هذا السجود للكائنات كلها. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (والسجود من جنس القنوت فإن السجود الشامل لجميع المخلوقات هو المتضمن لغاية الخضوع والذل وكل مخلوق فقد تواضع لعظمته وذل لعزته واستسلم لقدرته ولا يجب أن يكون سجود كل شيء مثل سجود الإنسان على سبعة أعضاء ووضع جبهة في رأس مدور على التراب فإن هذا سجود مخصوص من الإنسان ومن الأمم من يركع ولا يسجد وذلك سجودها كما قال تعالى: (ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة) وإنما قيل ادخلوه ركعا ومنهم من يسجد على جنب كاليهود فالسجود اسم جنس ولكن لما شاع سجود الآدميين المسلمين صار كثير من الناس يظن أن هذا هو سجود كل أحد كما في لفظ القنوت) جامع الرسائل 1/27. ويقول رحمه الله: (ومعلوم أن سجود كل شيء بحسبه ليس سجود هذه المخلوقات وضع جباهها على الأرض) مجموع الفتاوى 21/284، فمما يدخل في هذا السجود كمال خضوع هذه المخلوقات لله وانقيادها له سبحانه وذلها لربوبيته وعزه وسلطانه، يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: (وهو سجود الذل والقهر والخضوع فكل أحد خاضع لربوبيته ذليل لعزته مقهور تحت سلطانه تعالى) مدارج السالكين 1/107. كما أن سجود هذه المخلوقات سجود حقيقي يليق بهذه المخلوقات كل بحسبه فسجود الإنسان لائق به وهو ما كان على الهيئة المعروفة وعلى الأعضاء السبعة وسجود الشمس يليق بها كما صح في الحديث عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي ذَرٍّ حِينَ غَرَبَتِ الشَّمْسُ: (أَتَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ؟) قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: (فَإِنَّهَا تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ الْعَرْشِ فَتَسْتَأْذِنَ فَيُؤْذَنُ لَهَا وَيُوشِكُ أَنْ تَسْجُدَ فَلَا يُقْبَلَ مِنْهَا وَتَسْتَأْذِنَ فَلا يُؤْذَنَ لَهَا يُقَالُ لَهَا ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) رواه البخاري 3199 فسجودها سجود حقيقي يناسب الشمس لكن كيف تسجد لله تحت العرش؟ الله سبحانه هو الأعلم بكيفية هذا السجود وظاهر الحديث يأبى أن يكون معنى السجود مجرد خضوعها لأمر الله سبحانه وانقيادها لطاعته بل هو خضوع وذلة وانكسار وانقياد بسجود حقيقي لا نعلم كيفيته، وكذا يقال في القمر والشجر والدواب وسائر الكائنات كل له سجود يناسبه ويليق به، فالواجب على المؤمن أن لا يجعل من جهله بكيفية سجود بعض الكائنات مانعا من التصديق والإيمان بهذا السجود بل الواجب عليه الإيمان بما أخبر الله به من سجود الكائنات له سبحانه. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 27036 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 26 الصدقة في وقت الحاجة والمجاعة أفضل من التطوع بالعمرة [السُّؤَالُ] ـ[سمعت بعض الدعاة يقول: إن التصدق على المسلمين المضطرين إلى المال، كمن عندهم مجاعة أفضل من الاعتمار في رمضان، ما رأي فضيلتكم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " نعم، الصدقة في وقت الحاجة وشدة المجاعة أفضل من عمرة التطوع، لأن نفع العمرة قاصر على صاحبها، والصدقة على المحاويج والجياع يتعدى نفعها، وما كان نفعه متعدياً أفضل مما كان نفعه قاصراً، وهذا عام في فقراء المسلمين في كل مكان، ولكن الفقراء الذين في البلد أحق من الذين في الخارج. والله أعلم ". "المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (2 / 333) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97227 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 27 حكم العادات والتقاليد إذا خالفت الشرع أو سببت الحرج [السُّؤَالُ] ـ[هناك عادة عند فئة من الناس في الجنازة والتعزية لأهل فقيد بين قريتين، بينهما مسافة ساعة واحدة بالسيارة، جميع أهالي القريتين مسلمون، وهناك ترابط وثيق بين أهالي القريتين من قرابة بصلة رحم، زواج، مودة، جنسية واحدة، وكلهم أو أغلبهم في المذهب الحنفي. العادة: بعد ما يحضرون الجنازة، أو زيارة أهل الفقيد للتعزية من قرية إلى أخرى ... فورا مسرعين يرجعون إلى قريتهم ولا يقبلون أن يتأخروا قليلا للضيافة عند أقاربهم (دون أهل الفقيد) ، حتى عند أرحامهم، بحجة أنه لا يليق أو لا يجوز التأخر للضيافة أو الزيارة في هذه المناسبة. السؤال: هل هذه العادة لها أصل في الدين؟ أرجو جوابا شافيا ومفصلا لأن العادة قد تؤدي إلى إحراج، توتر، وسلبيات أخرى من الناحية الاجتماعية.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لِلَّه ليس في الشرع الحنيف شيء يدل على العادات التي ذكرتها في السؤال، ويبدو أنها مما اعتاد الناس عندكم عليها في حياتهم ولا ينسبونها إلى الدين، ويبدو أيضا أنها ترجع إلى أمورهم النفسية والاجتماعية. وعلى كل حال، فبما أن هذه العادة لم ترد في الشريعة المطهرة، لا سيما وقد ذكرت في سؤالك أن الضيافة المسئول عنها لا تكون عند أهل الفقيد، وهذا هو الذي يُنهى عنه؛ فلا ينبغي أن يتخذها الناس شرعا مقدَّسًا لا يغيرونه ولا يبدلونه، وذلك لأن في هذه العادة تقصيرا – ولو بقدر ما – في صلة الأرحام، وزيارة الأهل والإخوان، وليس ثمة سبب وجيه للتقصير في هذه الصلة، خاصةً وأن العتب من قبل الأرحام قائم على أقاربهم الذين يصلون قريتهم دون أن يأتوا لزيارتهم، وقد يكون ذلك سببا لإيغار الصدور وظنون السوء. والعادات والتقاليد التي تخالف الشرع مخالفة ظاهرة، أو تخالف مقاصد الشريعة العامة، أو تؤدي إلى المخالفة والتقصير، يجب نبذها والسعي إلى تغييرها، ويحتاج الأمر إلى شيء من الحكمة والرفق. يقول الشيخ السعدي رحمه الله "رسالة في أصول الفقه" (7) : (الأصل في العادات الإباحة إلا ما ورد عن الشارع تحريمه) ويقول الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "مجموع الفتاوى" (6/510) : " الواجب على كل مسلم أن لا يعتمد على العادات، بل يجب عرضها على الشرع المطهر، فما أقره منها جاز فعله، وما لا فلا، وليس اعتياد الناس للشيء دليلا على حله، فجميع العادات التي اعتادها الناس في بلادهم أو في قبائلهم يجب عرضها على كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، فما أباح الله ورسوله فهو مباح، وما نهى الله عنه وجب تركه وإن كان عادة للناس " انتهى. ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله "تفسير سورة البقرة 2" (299) : " العادات لا تجعل غير المشروع مشروعاً؛ لقوله تعالى: (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا) مع أنهم اعتادوه واعتقدوه من البر؛ فمن اعتاد شيئاً يعتقده براً عُرِض على شريعة الله " انتهى. وقد عد أهل العلم التمسك بالعادات والتقاليد التي تشق على الناس، وتؤدي إلى بعض المفاسد، أو تؤدي إلى بعض الشقاق والنزاع، أو توقع في الحرج، عد ذلك أهل العلم من الغلو المذموم، ومن التكلف والتنطع الذي جاء النهي عنه في شريعتنا. عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ. قالها ثلاثا) رواه مسلم (2670) قال النووي رحمه الله "شرح مسلم" (16/220) : " أي: المتعمقون الغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم " انتهى. ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في حديثه عن أقسام الغلو "مجموع الفتاوى" (7/7) : " القسم الرابع: الغلو في العادات: وهو التشدد في التمسك بالعادات القديمة وعدم التحول إلى ما هو خير منها. أما إن كانت العادات متساوية في المصالح فإن كون الإنسان يبقى على ما هو عليه خير من تلقي العادات الوافدة " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 89642 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 28 هل يجوز أن يذبح شكرا لله على نعمة معينة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لإنسان قد اشترى سيارة أو داراً أن يذبح شكراً للَّه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إنعام الله على الناس كبير، وفضله وكرمه لهم جزيل وعظيم، والنعمة لا تقابل إلا بالشكر والتقدير، وقد أمر الله سبحانه وتعالى بشكره، فهو سبحانه شكور يحب الشاكرين. قال تعالى: (فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) النحل/114. وقال تعالى: (فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) العنكبوت/17. ومِن شُكر الله تعالى التقرب إليه بأنواع العبادات والطاعات، والتحبب له بالحسنات الطيبات، من صلاة وزكاة وصيام ونحو ذلك. ومن شكر الله أيضا شكره بالنسك وهو الذبح لوجه الله تعالى. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في تفسير قوله تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وانْحَرْ) : "والمقصود أن الصلاة والنسك هما أجلّ ما يُتقرب به إلى الله، فإنه أتى فيهما بالفاء الدالة على السبب؛ لأن فعل ذلك وهو الصلاة والنحر سبب للقيام بشكر ما أعطاه الله إياه من الكوثر والخير الكثير، فشكر المنعم عليه وعبادته أعظمها هاتان العبادتان، بل الصلاة نهاية العبادات وغاية الغايات، كأنه يقول إنا أعطيناك الكوثر والخير الكثير، وأنعمنا عليك بذلك لأجل قيامك لنا بهاتين العبادتين شكراً لإنعامنا عليك، وهما السبب لإنعامنا عليك بذلك، فقم لنا بهما، فإن الصلاة والنحر محفوفان بإنعامٍ قبلهما وإنعام بعدهما، وأجلُّ العبادات المالية النحر، وأجلُّ العبادات البدنية الصلاة، وما يجتمع للعبد فى الصلاة لا يجتمع له فى غيرها من سائر العبادات، كما عرفه أرباب القلوب الحية، وأصحاب الهمم العالية، وما يجتمع له فى نحره من إيثار الله وحسن الظن به وقوة اليقين والوثوق بما فى يد الله أمر عجيب إذا قارن ذلك الإيمان والإخلاص، وقد امتثل النبي صلى الله عليه وسلم أمر ربه، فكان كثير الصلاة لربه، كثير النحر، حتى نحر بيده فى حجة الوداع ثلاثا وستين بدنة، وكان ينحر فى الأعياد وغيرها " انتهى. " مجموع الفتاوى " (16 / 532) . فإذا أنعم الله على العبد بنعمة جليلة – وكلُّ نِعَمِه سبحانه جليلة – فيستحب له أن يشكر الله عليها بأن يحسن إلى الناس، فيذبح ويطعم ويدعو إخوانه وأصحابه، ويتصدق على أهل الحاجة والمسكنة. جاء في " الموسوعة الفقهية " (26 / 180، 181) : " يستحبّ تجديد الشّكر عند تجدّد النّعم لفظاً بالحمد والثّناء، ويكون الشّكر على ذلك أيضاً بفعل قربة من القرب، ومن ذلك أن يذبح ذبيحةً أو يصنع دعوةً، وقد ذكر الفقهاء الدّعوات الّتي تصنع لما يتجدّد من النّعم، كالوكيرة الّتي تصنع للمسكن المتجدّد، والنّقيعة الّتي تصنع لقدوم الغائب، والحِذَاق وهو ما يصنع عند ختم الصّبيّ القرآن. ومذهب الحنابلة، وهو الرّاجح من مذهب الشّافعيّة، أنّ هذه الدّعوات مستحبّة. قال ابن قدامة: وليس لهذه الدّعوات - يعني ما عدا وليمة العرس والعقيقة - فضيلة تختصّ بها، ولكن هي بمنزلة الدّعوة لغير سبب حادث، فإذا قصد بها فاعلها شكر نعمة الله عليه، وإطعام إخوانه، وبذل طعامه، فله أجر ذلك إن شاء الله " انتهى. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا نجح أحد الأبناء في الدراسة، فهل يجوز لي أن أذبح ذبيحة احتفاءً بنجاح الابن، وشكراً لله عز وجل؟ فأجاب: "لا بأس إذا نجح الأبناء أو أحدهم أن يصنع الإنسان وليمة يدعو إليها أحبابه وأصحاب ابنه، فرحاً بنعمة الله تبارك وتعالى، وتشجيعاً للابن وتنشيطاً له " انتهى. " لقاءات الباب المفتوح " (لقاء رقم 161، السؤال رقم 1) . ثانياً: الواجب الحذر من بعض العقائد التي يؤمن بها كثير من الناس، فيقولون: إنه لا بد لحفظ البيت الجديد أو السيارة الجديدة من التقرب بالذبح وتلطيخه بدم المذبوح، وأن الأرواح الشريرة لا تنكفئ عنك إلا بذلك، وإلا فسرعان ما تزول النعمة، وهذا اعتقاد جاهلي، لا يصدر عمن يؤمن بالله ربا يملك النفع والضر، وبيده الخلق والأمر، ويعلم أنه لا يجوز التقرب بالنسك والعبادة إلا لوجه الله سبحانه وتعالى. سئل علماء اللجنة الدائمة: عما اعتاده كثير من الناس أن الذبح على عتبة المنزل الجديد وقبل دخوله من أهم الأسباب لدفع العين، ولجعل البيت مباركاً، ولتجنب المآسي والحوادث غير المستحبة. فأجابوا: "إذا كانت هذه العادة – أي: الذبح عند عتبة البيت الجديد - من أجل إرضاء الجن وتجنب المآسي والأحداث الكريهة: فهي عادة محرمة، بل شرك، وهذا هو الظاهر من تقديم الذبح على النزول بالبيت، وجعله على العتبة على الخصوص. وإن كان القصد من الذبح إكرام الجيران الجدد، والتعرف عليهم، وشكر الله على ما أنعم به من السكن الجديد، وإكرام الأقارب والأصدقاء بهذه المناسبة، وتعريفهم بهذا المسكن: فهذا خير يُحمد عليه فاعله، لكن ذلك إنما يكون عادة بعد نزول أهل البيت فيه لا قبل، ولا يكون ذبح الذبيحة أو الذبائ عند عتبة الباب أو مدخل البيت على الخصوص " انتهى. " فتاوى اللجنة الدائمة " (1 / 214) . وانظر جواب السؤال رقم (26952) ففيه فتويان للشيخين عبد العزيز بن باز والعثيمين في الموضوع ذاته. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 89705 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 29 يستحب قراءة سورتي الكافرون والإخلاص في سنتي الفجر والمغرب [السُّؤَالُ] ـ[هل قراءة سورتي الكافرون والإخلاص في أول النهار وآخره، أي: في ركعتي السنة في الفجر والمغرب مستحبة وسنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: نعم، يستحب قراءة سورتي "الكافرون" و "الإخلاص" في سنة الفجر وفي سنة المغرب، وقد ثبت ذلك في السنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم: فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (قَرَأَ فِي رَكعَتَي الفَجرِ "قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ " و " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ") رواه مسلم (726) . وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (رَمَقتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عِشرِينَ مَرَّةً يَقرَأُ فَي الرَّكعَتَينِ بَعدَ المَغرِبِ، وَفِي الرَّكعَتَينِ قَبلَ الفَجرِ: " قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ " و " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ") رواه النسائي (992) وقال النووي في "المجموع" (3/385) : إسناده جيد. وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (3328) والشيخ أحمد شاكر في تحقيق المسند (8/89) . قال المباركفوري في "تحفة الأحوذي" (2/418) : " أي: يقرأ في الركعة الأولى منهما " قل يا أيها الكافرون"، وفي الثانية " قل هو الله أحد " انتهى. وقد نص العلماء على استحباب قراءة هاتين السورتين في سنتي الفجر والمغرب، عملاً بهذه الأحاديث. انظر: "المغني" (1/435) ، "مغني المحتاج" (1/464) ، "الفتاوى الفقهية الكبرى" (1/192) ، الموسوعة الفقهية (27/159) . ثانيا: وأما الحكمة من قراءة هاتين السورتين، فلأنهما قد اشتملتا على أنواع التوحيد الثلاثة، فسورة "قل هو الله أحد" اشتملت على توحيد الربوبية والأسماء والصفات، فأثبتت أن الله تعالى إله واحد، ونفت عنه الولد والوالد والنظير، وهو مع هذا "الصمد" الذي اجتمعت له صفات الكمال كلها. وسورة "قل يا أيها الكافرون" تضمنت توحيد العبادة، وأن العبد لا يعبد إلا الله، ولا يشرك به في عبادته أحداً، فلذلك " كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفتتح بهما النهار في سنة الفجر، ويختم بهما في سنة المغرب، وفي السنن أنه كان يوتر بهما، فيكونان خاتمة عمل الليل كما كانا خاتمة عمل النهار " انتهى. قاله ابن القيم في "بدائع الفوائد" (1/145-146) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 85349 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 30 دخول الرياء على العبادة [السُّؤَالُ] ـ[هل يثاب الإنسان على عمل فيه رياء ثم تغيرت النية أثناء العمل لتكون لله؟ مثلاً لقد أنهيت تلاوة القرآن وداخلني الرياء فإذا قاومت هذه الفكرة بالتفكير في الله هل أنال ثواباً على هذه التلاوة أم أنها تضيع بسبب الرياء؟ حتى لو جاء الرياء بعد انتهاء العمل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ ابن عثيمين حفظه الله: اتصال الرياء بالعبادة على ثلاثة أوجه: الوجه الأول: أن يكون الباعث على العبادة مراءاة الناس مِن الأصل؛ كمن قام يصلِّي مراءاة الناس، مِن أجل أن يمدحه الناس على صلاته، فهذا مبطل للعبادة. الوجه الثاني: أن يكون مشاركاً للعبادة في أثنائها، بمعنى: أن يكون الحامل له في أول أمره الإخلاص لله، ثم طرأ الرياء في أثناء العبادة، فهذه العبادة لا تخلو من حالين: الحال الأولى: أن لا يرتبط أول العبادة بآخرها، فأولُّها صحيح بكل حال، وآخرها باطل. مثال ذلك: رجل عنده مائة ريال يريد أن يتصدق بها، فتصدق بخمسين منها صدقةً خالصةً، ثم طرأ عليه الرياء في الخمسين الباقية فالأُولى صدقة صحيحة مقبولة، والخمسون الباقية صدقة باطلة لاختلاط الرياء فيها بالإخلاص. الحال الثانية: أن يرتبط أول العبادة بآخرها: فلا يخلو الإنسان حينئذٍ مِن أمرين: الأمر الأول: أن يُدافع الرياء ولا يسكن إليه، بل يعرض عنه ويكرهه: فإنه لا يؤثر شيئاً لقوله صلى الله عليه وسلم " إن الله تجاوز عن أمتي ما حدَّثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم ". الأمر الثاني: أن يطمئنَّ إلى هذا الرياء ولا يدافعه: فحينئذٍ تبطل جميع العبادة؛ لأن أولها مرتبط بآخرها. مثال ذلك: أن يبتدئ الصلاة مخلصاً بها لله تعالى، ثم يطرأ عليها الرياء في الركعة الثانية، فتبطل الصلاة كلها لارتباط أولها بآخرها. الوجه الثالث: أن يطرأ الرياء بعد انتهاء العبادة: فإنه لا يؤثر عليها ولا يبطلها؛ لأنها تمَّت صحيحة فلا تفسد بحدوث الرياء بعد ذلك. وليس مِن الرياء أن يفرح الإنسان بعلم الناس بعبادته؛ لأن هذا إنما طرأ بعد الفراغ من العبادة. وليس مِن الرياء أن يُسرَّ الإنسان بفعل الطاعة؛ لأن ذلك دليل إيمانه، قال النبي صلى الله عليه وسلم " مَن سرَّته حسنته وساءته سيئته فذلك المؤمن ". وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: " تلك عاجل بشرى المؤمن ". " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (2 / 29، 30) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 9359 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 31 أريد أن أكون ربانيّا.. الوصايا العشر [السُّؤَالُ] ـ[ي قصير، وهو أنني أحبُّ أن أدخل الجنَّة.. أحبُّ أن أجاهد نفسي، أحبُّ أن أقبِّل يد أمي كلَّ يوم، أحبُّ أن أبعد عن الهوى والشيطان، أحبُّ أن يلقِّبني الله يوم القيامة بالعبد الرباني إن شاء الله، أحبُّ أن أحبَّ إخواني، أحبُّ أن يستمرَّ إيماني في الارتفاع. ماذا أفعل؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نسأل الله أن يثبِّتك على الحقِّ دائمًا، وأن يحقِّق مرادك، وأن يجعلك من الأوَّابين العارفين بالحقِّ والمدافعين عنه والمتمسكين بالدين. إنَّ التساؤلات التي طرحتها في استشارتك تدلُّ على فطرةٍ سويَّةٍ ونقيَّة، ورغبةٍ كبيرةٍ في الوصول إلى المعالي وإعطاء كلَّ ذي حقٍّ حقَّه، وهذه أماني عظيمة تتحقَّق بالإيمان، وكما ورد عن سفيان الثوري قوله: " ليس الإيمان بالتمنِّي ولا بالتحلي، ولكن ما وقر في القلب وصدَّقه العمل"، ومن هنا سوف نعرج معك أخي على قضيَّة الإيمان، وأهمِّيَّتها في الوصول إلى الربَّانيَّة، وتحقيق رضى وبرِّ الوالدين والفوز بالجنَّة. * من طلب العلا سهر الليالي، ولله درُّ الشاعر إذ يقول: طوبى لمن سهرت بالليل عيناه … … . وبات في قلقٍ في حبِّ مولاه وقام يرعى نجوم الليل منفردًا … … . شوقًا إليه وعين الله ترعاه ولذلك يقول الفضيل: "حرامٌ على قلوبكم أن تصيب حلاوة الإيمان حتى تزهدوا في الدنيا"، وقال أيضًا: " إذا لم تقدر على قيام الليل وصيام النهار فاعلم أنَّك محروم". فالمؤمن الصادق يحمل قلبًا كالجمرة الملتهبة، ولذلك روى الحاكم في مستدركه والطبراني في معجمه بسندٍ صحيحٍ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، اسألوا الله أن يجدِّد الإيمان في قلوبكم) ، يعنى أنَّ الإيمان يبلى في القلب كما يبلى الثوب. وتعتري قلب المؤمن في بعض الأحيان سحابةٌ من سحب المعصية، وهذه الصورة صوَّرها لنا الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: (ما من القلوب قلبٌ إلا وله سحابةٌ كسحابة القمر، إذا علته سحابةٌ أظلم وإذا تجلَّت عنه أضاء) رواه الطبرانيّ في الأوسط وصححه الألباني، كذلك قلب المؤمن تعتريه أحيانًا سحبٌ مظلمةٌ فتحجب نوره فيبقى في ظلمةٍ ووحشةٍ، فإذا سعى لزيادة رصيده الإيماني واستعان بالله انقشعت تلك السحب وعاد نور قلبه يضيء، ولذا يقول بعض السلف: " من فقه العبد أن يعاهد إيمانه وما ينتقص منه " ومن فقه العبد أيضًا: " أن يعلم نزغات الشيطان أنَّى تأتيه ". فلابدَّ من العودة إلى الإيمان، فإذا عدت إلى الإيمان ومقتضياته سيتحقَّق لك ما تريد، ولذا سأضع أمامك قاعدةً تستدلُّ بها على وجود الإيمان أو عدمه، يقول الإمام ابن الجوزي: "يا مطرودًا عن الباب، يا محرومًا من لقاء الأحباب، إذا أردت أن تعرف قدرك عند الملك، فانظر فيما يستخدمك، وبأيِّ الأعمال يشغلك، كم عند باب الملك من واقفٍ، لكن لا يدخل إلا من عني به، ما كلّ قلبٍ يصلح للقرب، ولا كلّ صدرٍ يحمل الحبّ، ما كلّ نسيم يشبه نسيم السحر ". فإذا أراد المرء أن يعرف أين هو من الله، وأين هو من أوامره ونواهيه، فلينظر إلى حاله وما هو مشغول به، فإذا كان مشغولاً بالدعوة وأمورها، وفى إنقاذ الخلق من النار، والعمل من أجل الفوز بالجنَّة ومساعدة الضعيف والمحتاج، وبرِّ الوالدين، فليبشر بقرب منزلته من ملك الملوك، فإن الله لا يوفِّق للخير إلا من يحبّ. وإذا كان منصرفًا عن الدعوة، مبغضًا للدعاة، بعيدًا عن فعل الخيرات، منشغلاً بالدنيا وتحصيلها، والقيل والقال وكثرة السؤال، مع قلَّة العمل، أو متَّبعًا لهواه وشهواته، فليعلم أنَّه بعيدٌ من الله، وقد حُرِم ممَّا يقرِّبه من الجنَّة، إذ يقول الله عزَّ وجلَّ في كتابه الكريم: (من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثمَّ جعلنا له جهنَّم يصلاها مذمومًا مدحورًا * ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمنٌ فأولئك كان سعيهم مشكوراً) . أخي ... إن أردت أن تحظى بمرتبةٍ متقدِّمةٍ في كلِّ أوجه الخير، بما فيها أن تكون عبدًا ربَّانيّا وبارّا بوالديك، ومبتغيًا الجنَّة، فعليك بالآتي: أوَّلاً: عليك بإحياء وإيقاظ الإيمان داخل نفسك، فالإيمان هو الموصلٌ لكلِّ ما ينشده المسلم في الدنيا والآخرة، فالإيمان هو مفتاحٌ لكلِّ خيرٍ مغلاقٌ لكلِّ شرّ، ووسائل بعث الإيمان وتمكينه في النفس كثيرةٌ ومتعدِّدة، ومنها الإكثار من الطاعات والأعمال الصالحات. ثانياً: أن تقبل على مولاك إقبالاً صادقًا كما جاء في الأثر: " إذا أقبل عليَّ عبدي بقلبه وقالبه أقبلت عليه بقلوب عبادي مودَّةً ورحمة ". وأن تجعل الله عزَّ وجلَّ الغاية الأسمى والهدف الأعلى: (وما خلقت الجنَّ والإنس إلا ليعبدون) . ثالثاً: أن تتطلَّع دائمًا إلى الدرجات العلا، وأن تجعل هدفك في الحياة هو رضى الله عزَّ وجلّ، والعمل من أجل الفوز بالجنَّة، أو بالأحرى الفوز بالفردوس الأعلى، وأن تعمل ما استطعت جاهدًا على تحقيق هذه الأهداف السامية. رابعاً: أن تتأسَى بأصحاب القدوة في التاريخ الإسلامي من الصحابة والتابعين والسلف الصالح. خامساً: أن تغتنم كلَّ دقيقةٍ وكلَّ لحظةٍ وكلَّ خلجة قلبٍ في أن تجعلها خزانةً في رصيدك الإيماني. سادساً: الصحبة الصالحة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل) رواه أبو داود والترمذيّ بسندٍ حسن، فالصحبة الطيِّبة هي خير معينٍ على الطاعة وهجران المعاصي والشرور والوقوع في الخطايا. سابعاً: كثرة الفضائل من الأعمال الصالحات التي تحقِّق لك سعادة العاجل والآجل. ثامناً: قيام الليل والدعاء في وقت السحر، فالرسول صلى الله عليه وسلم كانت تتورم قدماه رغبةً في أن يكون عبدًا شكوراً، رغم أنَّ الله قد غفر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر. تاسعاً: المداومة على الورد القرآني، وأوراد التفكُّر والتأمُّل والتدبُّر في أسرار القرآن. عاشراً: الحرص على نشر الدعوة في سبيل الله، والعمل للدين على قدر الاستطاعة. وإذا أردت أن تصل إلى الربانية التي تطمح لها فكن كما أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين) فالربانية هي الانتساب للرب، وهذا الانتساب لا يتحقق إلا من خلال تطبيقنا لهذه الآية، أن نكون لله رب العالمين في كل أحوالنا. فالربانية لا تتأتى مكتملة إلا بهذا، لا تتأتى إلا بعبادة الله عز وجل بالمفهوم الشامل للعبادة، وهو جعل الحياة والممات، بل الحركات والسكنات له سبحانه، فلا ننطق إلا بما يرضي الله، ولا نعمل إلا ما يرضاه الله، ولا تتوجه نياتنا في تلك الأقوال والأفعال إلا لله، لا أن نختزل العبادة في مجرد أن نرفع رءوسنا ونخفضها في أوقات معينة ومحددة، أو نخرج دريهمات قليلة كل مدة من الزمن، أو نصوم أيامًا معدودات كل عام، أو نحرك ألسنتنا ببعض التمتمات والأذكار. ولهذا فالأعمال التي تؤدي إلى هذه المرتبة – الربانية – أكثر من أن تُحصَى أو تعد، وهي تتشعب بتشعب مجالات حياتنا وأماكن وجودنا، وذلك من فضل الله علينا وعلى الناس. فقط ابحث في كل مكان تتواجد فيه، وفي كل لحظة تمر عليك، عما يرضيه عز وجل، وعما تظن أنه يريد أن يراك عليه واعمل به، تكن بذلك ربانياً. وختاما نسأل الله أن يتقبل منا ومنك صالح العمل، وأن يحشرنا وإياك في مستقر رحمته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسًن أولئك رفيقاً. المرجع موقع إسلام أون لاين. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 34306 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 32 كيف يكون خلق الإنسان من المني المصنوع من الدم؟ [السُّؤَالُ] ـ[كيف يمكن أن يكون خلق الإنسان من المني المصنوع من الدم، وهو نجس؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الدم إنما يُحكَم بنجاسته إذا سفح وخرج، أما إذا كان في بدن الحيوان وعروقه فليس بنجس. قال شيخ الإسلام رحمه الله: " لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الدَّمَ قَبْلَ ظُهُورِهِ وَبُرُوزِهِ يَكُونُ نَجِسًا، فَلَا بُدَّ مِنْ الدَّلِيلِ عَلَى تَنْجِيسِهِ وَلَا يُغْنِي الْقِيَاسُ عَلَيْهِ إذَا ظَهَرَ وَبَرَزَ بِاتِّفَاقِ الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لِلدَّلِيلِ عَلَى طَهَارَتِهِ وُجُوهٌ: أَحَدُهَا: أَنَّ النَّجِسَ هُوَ الْمُسْتَقْذَرُ الْمُسْتَخْبَثُ، وَهَذَا الْوَصْفُ لَا يَثْبُتُ لِهَذِهِ الْأَجْنَاسِ إلَّا بَعْدَ مُفَارَقَتِهَا مَوَاضِعَ خَلْقِهَا فَوَصْفُهَا بِالنَّجَاسَةِ فِيهَا وَصْفٌ بِمَا لَا تَتَّصِفُ بِهِ. وَثَانِيهَا: أَنَّ خَاصَّةَ النَّجِسِ وُجُوبُ مُجَانَبَتِهِ فِي الصَّلَاةِ. وَهَذَا مَفْقُودٌ فِيما فِي الْبَدَنِ مِنْ الدِّمَاءِ وَغَيْرِهَا. وهذه الدِّمَاء الْمُسْتَخْبَثَة فِي الْأَبْدَانِ وَغَيْرِهَا هِيَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْحَيَوَانِ الَّتِي لَا تَقُومُ حَيَاتُهُ إلَّا بِهَا، حَتَّى سُمِّيَتْ نَفْسًا، فَالْحُكْمُ بِأَنَّ اللَّهَ يَجْعَلُ أَحَدَ أَرْكَانِ عِبَادِهِ مِنْ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ نَوْعًا نَجِسًا فِي غَايَةِ الْبُعْدِ. كما أَنَّ الْأَصْل َ الطَّهَارَةُ، فَلَا تَثْبُتُ النَّجَاسَةُ إلَّا بِدَلِيلِ وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الدِّمَاءِ الْمُسْتَخْبَثَةِ شَيْءٌ مِنْ أَدِلَّةِ النَّجَاسَةِ وَخَصَائِصِهَا " انتهى بتصرف يسير. "مجموع الفتاوى" (21/598-600) وقال ابن القيم رحمه الله: " إنما تصير الفضلة بولا وغائطا إذا فارقت محلها، فحينئذ يحكم عليها بالنجاسة، وإلا فما دامت في محلها فهي طعام وشراب طيب غير خبيث، وإنما يصير خبيثا بعد قذفه وإخراجه وكذلك الدم إنما هو نجس إذا سفح وخرج، فأما إذا كان في بدن الحيوان وعروقه فليس بنجس " انتهى. "بدائع الفوائد" (3 / 641) . ثانيا: إذا افترضنا أن الدم نجس وهو في محله، قبل خروجه من بدن الإنسان أو الحيوان؛ فالمني طاهر وإن تولّد منه، وذلك لأنه استحال؛ أي تحول عن صفات الدم الأصلية، إلى صفات أخرى، فطهر بهذه الاستحالة؛ والعبرة هنا ليست بالأصل الذي تحول عنه، وإنما العبرة بصفاته التي هو عليها وقت الحكم عليه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " لَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ الدَّمَ نَجِسٌ فَإِنَّهُ قَدْ اسْتَحَالَ وَتَبَدَّلَ. وَقَوْلُهُمْ: الِاسْتِحَالَةُ لَا تُطَهِّرُ. قُلْنَا: مَنْ أَفْتَى بِهَذِهِ الْفَتْوَى الطَّوِيلَةِ الْعَرِيضَةِ الْمُخَالِفَةِ لِلْإِجْمَاعِ؛ فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعُوا أَنَّ الْخَمْرَ إذَا بَدَأَ اللَّهُ بِإِفْسَادِهَا وَتَحْوِيلِهَا خَلًّا: طَهُرَتْ. وَكَذَلِكَ تَحْوِيلُ الدَّوَابِّ وَالشَّجَرِ، بَلْ أَقُولُ: الِاسْتِقْرَاءُ دَلَّنَا أَنَّ كُلَّ مَا بَدَأَ اللَّهُ بِتَحْوِيلِهِ وَتَبْدِيلِهِ مِنْ جِنْسٍ إلَى جِنْسٍ، مِثْلُ جَعْلِ الْخَمْرِ خَلًّا، وَالدَّمِ مَنِيًّا، وَالْعَلَقَةِ مُضْغَةً، وَلَحْمِ الْجَلَّالَةِ الْخَبِيثِ طَيِّبًا، وَكَذَلِكَ بَيْضُهَا وَلَبَنُهَا، وَالزَّرْعُ الْمَسْقِيُّ بِالنَّجِسِ إذَا سُقِيَ بِالْمَاءِ الطَّاهِرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ: فَإِنَّهُ يَزُولُ حُكْمُ التَّنْجِيسِ وَيَزُولُ حَقِيقَةُ النَّجِسِ وَاسْمُهُ التَّابِعُ لِلْحَقِيقَةِ، وَهَذَا ضَرُورِيٌّ لَا يُمْكِنُ الْمُنَازَعَةُ فِيهِ؛ فَإِنَّ جَمِيعَ الْأَجْسَامِ الْمَخْلُوقَةِ فِي الْأَرْضِ فَإِنَّ اللَّهَ يُحَوِّلُهَا مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ، وَيُبَدِّلُهَا خَلْقًا بَعْدَ خَلْقٍ، وَلَا الْتِفَاتَ إَى مَوَادِّهَا وَعَنَاصِرِهَا" "مجموع الفتاوى" (21 / 600-601) وقال ابن القيم رحمه الله: " الطيب إذا استحال خبيثا صار نجسا، كالماء والطعام إذا استحال بولا وعذرة، فكيف أثرت الاستحالة في انقلاب الطيب خبيثا ولم تؤثر في انقلاب الخبيث طيبا؟ والله تعالى يخرج الطيب من الخبيث، والخبيث من الطيب، ولا عبرة بالأصل بل بوصف الشيء نفسه، ومن الممتنع بقاء حكم الخبث وقد زال اسمه ووصفه، والحكم تابع للاسم والوصف دائر معه وجودا وعدما " انتهى. "إعلام الموقعين" (2 / 14) . وينظر حول طهارة المني: جواب السؤال رقم: (2458) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 141556 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 33 لا حرج في استخدام سخانات المياه الشمسية [السُّؤَالُ] ـ[تستخدم سخانات المياه الشمسية لاستخدام المياه المسخنة على البطيء عن طريق الشمس توفيرا للطاقة (الكهرباء أو الغاز وخلافه) ويقوم خزان المياه بتسخين المياه باستخدام أشعة الشمس. فهل يجوز هذا في الإسلام؟ ولقد سمعت أحد الناس يقول إنه ورد حديث للنبي صلى الله عليه وسلم ينهى فيه أصحابه عن الوضوء بماء تعرض للشمس.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج في استخدام سخانات المياه الشمسية لتسخين المياه؛ لأن الأصل في الأشياء أنها مباحة ما لم ينه الله عنها. وقد دل على ذلك قول الله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً) وقوله: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) فكل ما في السموات والأرض يجوز للإنسان أن ينتفع به ويستعمله، إلا إذا دل دليل شرعي على أنه ممنوع من استعماله، ولم يرد دليل شرعي صحيح يمنع المسلم من الاستفادة من الطاقة الشمسية أو استعمالها في تسخين الماء. وقول السائلة: إنها سمعت أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أصحابه عن الوضوء بماء تعرض للشمس، فهذا الحديث موضوع، كذب، لا يحل نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن الملقن في "البدر المنير" (1 / 428) بعد أن تكلم على طرقه: "فَتَلَخَّص: أَن الْوَارِد فِي النَّهْي عَن اسْتِعْمَال المَاء المشمس، من جَمِيع طرقه بَاطِل، لَا يصحّ، وَلَا يحلُّ لأحدٍ الِاحْتِجَاج بِهِ. وَمَا قَصَّرَ ابنُ الْجَوْزِيّ فِي نسبته إِلَى الْوَضع فِي حَدِيث عَائِشَة وأَنس" انتهى. وذكره الألباني في "الإرواء" (1/53) وقال: موضوع. وقال العقيلي في "الضعفاء" (2 / 176) : "ليس في الماء المشمس شئ يصح مسندا" انتهى. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء عن استخدام الماء المشمس والسخانات الشمسية. فأجابوا: " لا نعلم دليلا صحيحا يمنع من استعمال الماء المشمس " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (5 / 74) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 137083 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 34 كيفية تطهير البئر إذا ماتت فيه فأرة [السُّؤَالُ] ـ[لو سقط فأر في بئر ولم نعرف كم كانت مدة بقائه في هذا البئر وبقينا لفترة نستخدمه في حفظ الماء إلى أن تبين لنا مؤخرا حقيقة هذا الأمر، فماذا يجب علينا فعله إزاء ذلك وفق تعاليم الإسلام في هذا الموقف؟ ففضلا عرفني ما فتواك حيث يمثل هذا الأمر مشكلة كبيرة لنا يصعب حلها ... ]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا سقطت الفأرة في بئر وماتت: وجب إخراجها منه، ثم إن كان الماء قد تغير بها في لونه أو طعمه أو ريحه فهو نجس لا يجوز استعماله، وإن كان قد بقي على صفاته ولم يتغير فهو طاهر. ولا يختلف الحكم باختلاف مدة بقائها فيه، إلا أن طول مكثها فيه أدعى إلى تغير مائه. وقد روى الترمذي (66) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ؟ وَهِيَ بِئْرٌ يُلْقَى فِيهَا الْحِيَضُ وَلُحُومُ الْكِلَابِ وَالنَّتْنُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ) وصححه الألباني في "سنن الترمذي". قال ابن القيم رحمه الله في "حاشيته" على السنن (1/ 83) : "فوضوؤه من بئر بضاعة وحالها ما ذكروه له دليل على أن الماء لا يتنجس بوقوع النجاسة فيه ما لم يتغير" انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " الصحيح أن الماء لا ينجس إلا بالتغير؛ لأن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما، فإذا وجدت النجاسة صار الماء نجسا " انتهى. "شرح الكافي" (5/23) . وسئل أيضاً: عندنا خزان ماء بال فيه طفل، وكذلك وجدنا فيه فأراً , فما رأيك؟ فأجاب: "الماء إذا سقطت فيه النجاسة من بول، أو عذرة، أو فأرة أو غيرها مما يكون نجساً، ولم يتغير لا طعمه ولا لونه ولا ريحه بالنجاسة، فهو طهور , لكن النجاسة ذات الجرم يجب إخراجها , مثل لو كانت عذرة، يجب أن تخرج من الماء, أو فأرة تخرج أيضاً" انتهى. "لقاء الباب المفتوح" (102/5) . وروى عبد الرزاق في "المصنف" (269) عن معمر قال: سألت الزهري عن دجاجة وقعت في بئر فماتت فقال: "لا بأس أن يتوضأ منها ويشرب إلا أن تنتن حتى يوجد ريح نتنها في الماء فتنزح". أما تطهير البئر إذا كان الماء قد تغير بالنجاسة، فيكون بإزالة هذا التغير والرجوع بالماء إلى صفاته الأصلية، ويمكن إزالة هذا التغيير بعدة طرق: إما بإضافة ماء كثير إلى البئر حتى يزول التغيير، وإما بالنزح منه، وإما بإضافة مواد إليه حتى يزول التغيير، أو بغير ذلك من الطرق. وانظر: "الشرح الممتع" (1/55 – 58) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136763 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 35 حكم الطهارة بالماء المتغير بالصدئ [السُّؤَالُ] ـ[لدينا مشكلة في المنزل هو أن الماء يخرج من أغلب الصنابير وقد تغير طعمه قليلا وحتى لونه يتغير قليلا أنا لا أعرف يقينا لماذا لكن يبدو أن القنوات التي يصل منها الماء إلى الصنبور قد أصبحت صدئة، ويتعسر تغييرها أنا أعلم أن الماء لا يجوز استعماله للطهارة إذا تغير لونه أو طعمه بنجاسة، لكن لا أعرف هل كون القنوات صدئة ويختلط ذلك بالماء يصبح نجسا أم لا؟ علما بأني أشرب في بعض الأحيان من هذا الماء حين أعجز عن الذهاب لصنبور الحديقة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأصل طهارة الماء حتى يتغير لونه أو طعمه أو رائحته بنجاسة وقعت فيه. أما إذا تغير الماء (لونه أو طعمه أو ريحه) بشيء طاهر ـ كالصدأ ـ فهو باق على طهوريته، ما دام اسم الماء ثابتا له. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "مسألة تغير الماء اليسير أو الكثير بالطاهرات كالأشنان والصابون والسدر والتراب والعجين وغير ذلك مما قد يغير الماء مثل الإناء إذا كان فيه أثر سدر ووضع فيه ماء فتغير به مع بقاء اسم الماء فهذا فيه قولان معروفان للعلماء: أحدهما: أنه لا يجوز التطهير به كما هو مذهب مالك والشافعى وأحمد في إحدى الروايتين عنه؛ لأن هذا ليس بماء مطلق فلا يدخل في قوله تعالى: (فلم تجدوا ماء) . ثم إن أصحاب هذا القول استثنوا من هذا أنواعا بعضها متفق عليه بينهم وبعضها مختلف فيه: فما كان من التغير حاصلا بأصل الخلقة أو بما يشق صون الماء عنه فهو طهور باتفاقهم، وما تغير بالأدهان والكافور ونحو ذلك ففيه قولان معروفان، وما كان تغيره يسيرا فهل يعفى عنه أولا يعفى عنه أو يفرق بين الرائحة وغيرها؟ على ثلاثة أوجه. والقول الثاني: أنه لا فرق بين المتغير بأصل الخلقة وغيره ولا بما يشق الاحتراز عنه ولا بما لا يشق الاحتراز عنه، فما دام يسمى ماء ولم يغلب عليه أجزاء غيره كان طهورا، كما هو مذهب أبى حنيفة وأحمد في الرواية الأخرى عنه، وهى التي نص عليها في أكثر أجوبته وهذا القول هو الصواب" انتهى بتصرف يسير. "مجموع الفتاوى" (21/24-25) . وقال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: " كل ماء نزل من السماء، أو نبع من الأرض، فهو طهور، يطهر من الأحداث والأخباث، ولو تغير لونه أو طعمه أو ريحه بشيء طاهر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ لا يُنَجِّسُهُ شَيءٌ) رواه أهل السنن، وهو صحيح. فإن تغير أحد أوصافه بنجاسة فهو نجس، يجب اجتنابه " انتهى. "منهج السالكين" (1 / 33) . وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " إذا تغير الماء بالنجاسات صار نجسا بالإجماع، أما إذا تغير بأشياء أخرى من الطاهرات كالبوية وأثر الدباغ في القرب ونحوها وما يقع في المياه من الحشائش والأتربة ونحو ذلك، فإنه لا ينجس بذلك، ولا يكون مسلوب الطهورية، بل هو باق على حاله طاهر مطهر ما دام اسم الماء ثابتا له " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (29 /7) . وتغير الماء بالصدأ ونحوه ليس تغيرا بالنجاسة؛ لأن الصدأ ليس من النجاسات، فالماء باق على طهوريته، لا يضرك تغيره. ولكن ننصح بعدم الشرب منه؛ لما قد يؤدي إليه من مشاكل وأضرار صحية. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 135281 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 36 حكم استعمال مياه الصرف بعد تنقيتها بالوسائل الحديثة [السُّؤَالُ] ـ[توجد محطات تقوم بتنقية مياه الصرف لإعادة استعمالها مرة أخرى، فهل يجوز استعمالها إذا تمت تنقيتها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صدر في حكم إعادة استعمال مياه الصرف بعد تنقيتها قرار من هيئة كبار العلماء، ونصه: "الحمد لله وحده، وصلى الله على من لا نبي بعده، محمد وعلى آله وصحبه، وبعد: ففي الدورة الثالثة عشرة لهيئة كبار العلماء المنعقدة في النصف الآخر من شهر شوال 1398هـ بمدينة الطائف وبناء على رغبة المجلس التأسسي لرابطة العالم الإسلامي في إحالة موضوع الاستفتاء الوارد إلى الرابطة من رئيس تحرير جريدة (مسلم نيوز) الصادرة بكيب تاون إلى هيئة كبار العلماء لإعداد بحث في الموضوع وتقرير ما تراه الهيئة نحوه، والمتضمن الإفادة بأن المسلمين في تلك الجهة يواجهون مشكلة كبيرة بسبب ما أقدم عليه مجلس مشروع التحقيقات العالمية والصناعية الذي يعمل على إنتاج ماء للشرب النقي من مياه المجاري، وأنهم يسألون عن حكم استعمال هذه المياه بعد تنقيتها للوضوء. بناء على ذلك فقد الطلع المجلس على البحث المعد في ذلك من قبل اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، كما اطلع المجلس على خطاب معالي وزير الزراعة والمياه رقم 1/1299 وتاريخ 30/50/1398 هـ وبعد البحث والمداولة والمناقشة قرر المجلس ما يلي:- بناءً على ما ذكره أهل العلم من أن الماء الكثير المتغير بنجاسة يطهر إذا زال تغيره بنفسه أو بإضافة ماء طهور إليه، أو زال تغيره بطول مكث أو تأثير شمس ومرور الرياح عليه أو نحو ذلك لزوال الحكم بزوال علته. وحيث إن المياه المتنجسة يمكن التخلص من نجاستها بعدة وسائل، وحيث إن تنقيتها وتخليصها مما طرأ عليها من النجاسات بواسطة الطرق الفنية الحديثة لإعمال التنقية يعتبر من أحسن وسائل الترشيح والتطهير، حيث يبذل الكثير من الأسباب المادية لتخليص هذه المياه من النجاسات، كما يشهد بذلك ويقرره الخبراء المختصون بذلك ممن لا يتطرق الشك إليهم في عملهم وخبرتهم وتجاربهم. ولذلك فإن المجلس يرى طهارتها بعد تنقيتها التنقية الكاملة بحيث تعود إلى خلقتها الأولى لا يرى فيها تغير بنجاسة في طعم ولا لون ولا ريح، ويجوز استعمالها في إزالة الأحداث والأخباث، وتحصل الطهارة بها منها، كما يجوز شربها إلا إذا كانت هناك أضرار صحية تنشأ عن استعمالها فيمتنع ذلك للمحافظة على النفس، وتفادياً للضرر، لا لنجاستها. والمجلس إذ يقرر ذلك يستحسن الاستغناء عنها في استعمالها للشرب متى وجد إلى ذلك سبيل، احتياطاً للصحة، واتقاءً للضرر، وتنزهاً عما تستقذره النفوس، وتنفر منه الطباع. والله الموفق، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم" انتهى. هيئة كبار العلماء. "مجلة البحوث الإسلامية" (17/40، 41) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130898 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 37 كيف يصلي مَنْ فُتحت له فتحة في بطنه ليخرج منها الخارج؟ [السُّؤَالُ] ـ[أصيب والدي بورم في المستقيم فقرر الأطباء لإزالة الورم استئصال المستقيم وجزء من القولون وغلق فتحة الشرج وتحويل البراز إلى فتحة في البطن عن طريق كيس له قاعدة جيدة الالتصاق بالبطن ويوضع على القاعدة كيس محكم الغلق يتم إبداله أو إفراغه متى يريد صاحبه وهنا لم يعد لأبي قدرة على التحكم في إخراج البراز في الكيس أو الإحساس بخروج الريح من عدمه لأن عضلة التحكم لم تعد موجودة فكيف ومتى يتم نقض وضوء أبى؟ علما أن هذا الأمر يؤرقه جيداً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نسأل الله العظيم، رب العرش العظيم، أن يعافي والدك، ويكشف الضر عنه، إنه سميع قريب. وقد ورد إلى اللجنة الدائمة للإفتاء سؤال عن حالة مشابهة لحالة والدك، يقول السائل: أنا إمام مسجد وأصابني مرض السرطان في الأمعاء، وقرر الدكاترة أن المرض في المستقيم الذي فيه الفضلات وأنه لا بد من استئصاله، وفعلا أجروا العملية وسدوا المخرج وفتحوا فتحة جانبية للبراز، ونستعمل أكياس من النايلون كل يوم وليلة، نلصق كيس على هذه الفتحة بغراء فلا يخرج منها ريح ولا عرق ولا أي شيء يستنكر، ثم ننزعه بعد يوم وليلة ونغسل الفتحة غسلا جيدا، ونلصق أخرى مكانها؟ فأجابوا: "إذا كان الأمر كما ذكرت فوضوؤك ينتقض بما يخرج منك من الغائط إلى الكيس قليلا أو كثيرا، ويجب عليك الوضوء لكل صلاة كمن به سلسل البول وكالمستحاضة، ويعفى عنك بالنسبة لحملك الكيس في الصلاة وبه نجاسة، وعن خروج البراز منك إلى الكيس وأنت في الصلاة" انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/412-413) . وقال الشيخ ابن باز: "من كان حدثه دائما بالريح أو البول أو غيرهما فإنه يتوضأ لكل صلاة بعد دخول الوقت، ولا يضره ما خرج من الحدث في نفس الوقت أو في نفس الصلاة" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (12/340) . فالواجب على والدك أن يتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، وله أن يصلى بهذا الوضوء ما شاء من النوافل حتى خروج وقت هذه الفريضة، فيتوضأ للصلاة التي تليها عند دخول وقتها، وهكذا في كل صلاة، ولا يضره ما يخرج منه في أثناء ذلك من براز أو ريح، وعليه التحفظ من النجاسات أن تصيب شيئا من بدنه أو ثيابه ما أمكنه. ولمزيد من الفائدة انظر جواب السؤال رقم: (39494) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128115 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 38 متى يكون الحدث الناقض للوضوء حدثا دائما؟ [السُّؤَالُ] ـ[متى أعتبر نفسي صاحب حدث دائم؟ هل عندما أتوضأ فينتقض وضوئي مرة أو مرتين أو ثلاث مرات؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحدث الدائم هو المستمر الذي لا ينقطع. قال الشيخ ابن جبرين حفظه الله: "الحدث الدائم هو الذي لا ينقطع من بول أو نحوه، فيلزمه أن يتوضأ لكل صلاة" انتهى من موقع الشيخ. أو بمعنى آخر: هو الذي لا يتحكم فيه صاحبه، فيمكن أن يخرج في أي وقت بدون اختياره. أما إذا كان الرجل يتحكم في البول أو الريح، ولكن انتقضت طهارته مرتين أو ثلاثاً لسبب معين، فهذا لا يعد حدثاً دائماً، ويلزمه إعادة الوضوء وغسل ما أصابه من النجاسة. وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: ينتقض وضوئي في الصلاة , وفي قراءة القرآن بواسطة الريح , سواء بصوت أو برائحة فقط , فأعيد الوضوء كلما انتقض , ولكن هناك إحدى الأخوات في الله قالت لي: إنه ليس عليك إعادة الوضوء عدة مرات , ولكن بوضوء واحد تصلين , وإن انتقض الوضوء فعليك إعادة الوضوء مرة ثانية , وإن انتقض الوضوء ثالثة فلا يلزمك إعادة الوضوء , فهل هذا صحيح , وماذا أفعل في هذه الحال؟ فأجاب: " إذا انتقض وضوؤك في الصلاة عن يقين بسماع الصوت أو بوجود الرائحة , فعليك أن تعيدي الوضوء والصلاة، إلا إذا كان الحدث معك دائما , فإن عليك أن تتوضئي للصلاة إذا دخل الوقت , ثم تصلي الفرض والنفل - ما دام الوقت - ولا يضرك ما خرج منك في الوقت ; لأن هذه الحال حالة ضرورة يعفى فيها عما يخرج من صاحب الحدث الدائم إذا توضأ بعد دخول الوقت " انتهى باختصار. "مجموع فتاوى ابن باز" (10/120-121) . ولمزيد الفائدة: انظر جواب السؤال (22843) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127853 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 39 مصاب بسلس مذي ويضع لاصقا فهل يلزمه تغييره لكل صلاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا مصاب بسلس المذي وبصراحة وجدت طريقة أراحتني كثيرا من غسل الثياب وتطهيرها وهي أنني - أكرمكم الله - أضع قطعه صغيره من شريط لاصق على راس الذكر وإذا أردت التبول نزعتها وعند الانتهاء أضع غيرها وسؤالي هو هل يجب علي أن أنزعها عندما تتلوث بالمذي عند الصلاة لأنه يشق على تغييرها قبل كل صلاة وإذا صليت وكان على الشريط اللاصق مذي هل بطل صلاتي وهذه الطريقة بالفعل أراحتني وخصوصا عندما أذهب إلي الجامعة وخارج المنزل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من به سلس بول أو مذي يلزمه أمران: الأول: أن يغسل المحل ثم يتحفظ بقطعة قماش أو منديل يمنع انتشار البول أو المذي. الثالث: أن يتوضأ بعد دخول وقت الصلاة إن خرج منه شيء. ولا يلزمه أن يجدد غسل المحل والعصابة لكل صلاة، إلا إذا فرط في التحفّظ. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/206) : " (والمبتلى بسلس البول , وكثرة المذي , فلا ينقطع , كالمستحاضة , يتوضأ لكل صلاة , بعد أن يغسل فرجه) وجملته أن المستحاضة , ومن به سلس البول أو المذي , وأشباههم ممن يستمر منه الحدث ولا يمكنه حفظ طهارته , عليه الوضوء لكل صلاة بعد غسل محل الحدث , وشدّه والتحرّز من خروج الحدث بما يمكنه" انتهى. وقال في "شرح منتهى الإرادات" (1/120) : "يلزم كل من دام حدثه من مستحاضة , ومن به سلس بول , أو مذي , أو ريح , غسل المحل الملوث بالحدث , لإزالته عنه، وتعصيبه: أي فعل ما يمنع الخارج حسب الإمكان، من حشو بقطن , وشدّه بخرقة طاهرة ... ولا يلزمه إعادتهما، أي: الغسل والعصب لكل صلاة إن لم يفرّط , لأن الحدث مع غلبته وقوته لا يمكن التحرز منه ... ويتوضأ مَنْ حدثه دائم لوقت كل صلاة إن خرج شيء" انتهى بتصرف واختصار. وبعض الفقهاء لا يرى وجوب العصب وشد الخرقة. قال الحطاب المالكي رحمه الله: " واستحب في المدونة أن يدرأ ذلك بخرقة. قال سند: ولا يجب ; لأنه يصلي بالخرقة وفيها النجاسة كما يصلي بثوبه. قال سند: هل يستحب تبديل الخرقة؟ قال الإبياني: يستحب له ذلك عند الصلاة ويغسلها، وعلى قول سحنون: لا يستحب، وغسل الفرج أهون عليه من ذلك " انتهى من "مواهب الجليل" (1/143) . وحيث إنك تضع شريطا لاصقا يمنع انتشار المذي، فهذا تحفّظ مناسب، ولا يلزمك تغيير الشريط لكل صلاة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126293 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 40 شخص يعاني من القولون العصبي والانتفاخ والغازات [السُّؤَالُ] ـ[أنا شخص أعاني من القولون العصبي ومن أعراضه الانتفاخ وغازات وعدم إخراج كامل للفضلات، لذلك فإني أدخل إلى الحمام قبل الأذان بربع ساعة تقريبا أو أقل، وذلك للتخلص من الفضلات ثم من الغازات وعندما أخرج من الحمام أنتظر من عشر إلى ربع ساعة لوقوف البول لأني مصاب بسلس البول علماً أني قد أدخل الحمام وأستغرق أكثر من ساعة، وذلك لاضطراب في عمل القولون والفضلات تخرج بشكل غير طبيعي، وأحيانا أستيقظ من النوم ولم يبق من الوقت ما يكفي، فإن دخلت الحمام ثم خرجت وانتظرت لانقطاع البول خرج الوقت، وإن صليت على حالي صليت مع وجود انتفاخ وغازات، وأحيانا أدخل الحمام قبل الأذان ولا أخرج إلا ولم يبق من الوقت ما يكفي، فلو انتظرت انقطاع البول خرج الوقت، وإن صليت على حالي، صليت والقطرات تنزل مني علماً أن كثيراً من صلاة الجماعة تفوتني لعلمي بأن الطهارة مقدمة على الجماعة، ولكن الذي يشكل علي هو: هل يجب علي أن أبقى هذا الوقت الطويل لإخراج الفضلات والغازات من ثم أحصل على الطهارة، وفي ذلك مشقة علي أو أصلي على حالي؟ علماً أني قد تحصل لي طهارة، لكن لا أعلم متى، وهل المقدم الطهارة أو الوقت علماً أني قد أدخل الحمام في أول الوقت، وأحيانا بسبب الاستيقاظ أدخل ولم يبق من الوقت إلا أربعين أو ثلاثين دقيقة أرجو التكرم بتوضيح الحكم في حالتي، وماذا يجب علي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحكم بالنسبة لمن ابتلي بسلس البول ونحوه ممن كان حدثه مستمرا، أنه يتوضأ لوقت كل صلاة وضوءا مستقلا عند دخول وقتها، ولو كان قد توضأ للصلاة التي قبلها قريبا؛ وذلك لما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني امرأة أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا، إنما ذلك عرق وليس بحيض، فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي، ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت) رواه البخاري (226) – واللفظ له – ومسلم (333) . وصاحب السلس ملحق عند أهل العلم بالمستحاضة، قال العيني رحمه الله في "عمدة القاري" (3/280) : "ويلحق بالمستحاضة ما في معناها كمن به سلس البول والمذي والودي ومن به جرح يسيل" انتهى. لكن إن علم أن البول ينقطع عنه في وقت يتسع لطهارته وصلاته، لزمه تأخير الصلاة لذلك الوقت. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: "المريض المصاب بسلس البول ولم يبرأ بمعالجته عليه أن يتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، ويغسل ما يصيب بدنه، ويجعل للصلاة ثوبا طاهرا إن لم يشق عليه ذلك، وإلا عفي عنه، لقول الله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) وقوله: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ) وقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) ، ويحتاط لنفسه احتياطا يمنع انتشار البول في ثوبه أو جسمه أو مكان صلاته" انتهى من "فتاوى إسلامية" (1/192) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "المصاب بسلس البول له حالان: الأولى: إذا كان مستمرّاً عنده بحيث لا يتوقف، فكلما تجمَّع شيء بالمثانة نزل: فهذا يتوضأ إذا دخل الوقت ويتحفظ بشيء على فرجه، ويصلِّي ولا يضرُّه ما خرج. الثانية: إذا كان يتوقف بعد بوله ولو بعد عشر دقائق أو ربع ساعة: فهذا ينتظر حتى يتوقف ثم يتوضأ ويصلِّي، ولو فاتته صلاة الجماعة" انتهى. "أسئلة لقاء الباب المفتوح" (س 17، لقاء 67) . وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن رجل تخرج منه غازات باستمرار، فكيف يتوضأ ويصلي؟ فأجابت: "إذا كان حالك ما ذكر وأن الغازات مستمرة معك فعليك الوضوء لكل صلاة بعد دخول الوقت ولا يضرك ما يخرجك منك بعد ذلك. وأما الجمعة فتوضأ لها قبل دخول الخطيب في الوقت الذي يمكنك من سماع الخطبة وأداء الصلاة" انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/ 412) . والذي يظهر لنا أنه لا يلزمك البقاء في قضاء الحاجة كل هذا الوقت الطويل الذي تذكره، بل تقضي حاجتك ثم تخرج وتتوضأ وتصلي، ولا يضرك ما نزل بعد الوضوء أو في الصلاة لأنك معذور. ولمعرفة المزيد عن أحكام صاحب سلس البول، راجع جواب السؤال رقم (22843) (2723) (39431) (39494) . ونسأل الله تعالى أن يرفع عنك ما أصابك ويعافيك. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126243 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 41 تعاني من مشكلة أكل الأظافر وتريد وضع الطلاء فهل يؤثر على صلاتها [السُّؤَالُ] ـ[أعاني من مشكل أكل أظافري يوميا إلى حد المضغ والبلع، فمن شدة خوفي على معدتي استشرت طبيبا فنصحني بالطلاء الأبيض، لأنه يقويها وله ذوق مر يمنع أكلهم، لكني أعلم أن هذا يبطل الصلاة، فهل يجوز لي في هذا الحال؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يشترط لصحة الوضوء والغسل: وصول الماء إلى أعضاء الطهارة؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) المائدة/6. وقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه: (فَإِذَا وَجَدْتَ الْمَاءَ فَأَمِسَّهُ جِلْدَكَ، فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ) رواه أبو داود (332) ، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود. قال النووي رحمه الله: " إذا كان على بعض أعضائه شمع، أو عجين، أو حنَّاء، وأشباه ذلك، فمنع وصول الماء إلى شيء من العضو: لم تصح طهارته، سواء كثر ذلك أم قل، ولو بقي على اليد وغيرها أثر الحناء ولونه دون عينه أو أثر دهن مائع بحيث يمس الماء بشرة العضو ويجري عليها لكن لا يثبت: صحت طهارته " انتهى من" المجموع" (1/529) . وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/218) : " إذا كان للطلاء جِرْم على سطح الأظافر فلا يجزئها الوضوء " انتهى. وإذا لم تصح الطهارة، لم تصح الصلاة. وعليه؛ فيلزمك إزالة الطلاء الذي له مادة – وليس مجرد لون – قبل الوضوء أو الغسل. ولعل استعمالك له من بعد صلاة العشاء إلى الفجر، وفيما بين الفجر والظهر، وفي أوقات الحيض، يقلل من المشكلة التي ذكرت، حتى تعتادي ترك ذلك دائما. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 122678 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 42 استيقظ قبيل طلوع الشمس وهو جنب فهل يغتسل ولو طلعت الشمس؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل مراعاة وقت الصلاة مقدم على الطهارة، أو الطهارة مقدمة لمن استيقظ من النوم وهو جنب حيث لو اغتسل طلعت الشمس، هل يغتسل ويقضي الصلاة، أو يصلي قبل طلوع الشمس؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "يغتسل ويصلي ولو طلعت الشمس، لعموم قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ) المائدة/6، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) . وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (6/298) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121483 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 43 مس المحدث والحائض لغلاف المصحف وكتب التفسير [السُّؤَالُ] ـ[توجد مصاحف تكون مغلفة بغلاف من القماش الثقيل فهل يجوز مسكها لمن ليس على طهارة..كذلك ما حكم مسك أطراف الصفحات لقلب الصفحة لأنه يوجد من أجاز مسكها..ومتى نستطيع أن نقول عن كتب التفسير إنها تفسير يجوز للحائض القراءة منها ومتى نقول عنها إنها تتبع حكم المصحف لا يجوز لمسها للحائض؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا يجوز مس القرآن للمحدث بلا حائل، في مذهب جمهور الفقهاء؛ لما جاء في كتاب عمرو بن حزم الذي كتبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن وفيه: (ألا يمس القرآن إلا طاهر) رواه مالك (468) وابن حبان (793) والبيهقي (1/87) . قال الحافظ ابن حجر: " وقد صحح الحديث بالكتاب المذكور جماعة من الأئمة لا من حيث الإسناد بل من حيث الشهرة، فقال الشافعي في رسالته: لم يقبلوا هذا الحديث حتى ثبت عندهم أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال ابن عبد البر: هذا كتاب مشهور عند أهل السير، معروف ما فيه عند أهل العلم معرفة يستغنى بشهرتها عن الإسناد، لأنه أشبه التواتر في مجيئه لتلقي الناس له بالقبول والمعرفة" انتهى من "التلخيص الحبير" (4/17) . والحديث صححه الشيخ الألباني في "إرواء الغليل" (1/158) . ثانيا: غلاف المصحف المتصل به [أي: المثبت في المصحف بمادة لاصقة أو بالخياطة … أو غير ذلك] يأخذ حكم المصحف فلا يجوز مسه بغير وضوء، وكذا أطراف الأوراق. جاء في "الموسوعة الفقهية" (38/7) : " ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة إلى أنه يمتنع على غير المتطهر مس جلد المصحف المتصل، والحواشي التي لا كتابة فيها من أوراق المصحف، والبياض بين السطور، وكذا ما فيه من صحائف خالية من الكتابة بالكلية، وذلك لأنها تابعة للمكتوب وحريم له، وحريم الشيء تبع له ويأخذ حكمه. وذهب بعض الحنفية والشافعية إلى جواز ذلك" انتهى. أما الغلاف المنفصل عن المصحف، الذي هو عبارة عن كيس يدخل فيه المصحف ويخرج منه، فلا حرج في لمسه بدون طهارة، ولو كان المصحف بداخله. فيجوز مس المصحف بحائل منفصل عنه، كالكيس الذي يوضع فيه، والقفاز ونحو ذلك. قال في "كشاف القناع" (1/135) : "وللمحدث حمل المصحف بعلاقته وفي غلافه أي: كيسه من غير مس له ; لأن النهي ورد عن المس والحمل ليس بمس وله تصفحه بكمه أو بعود ونحوه كخرقة وخشبة ; لأنه غير ماس له. وله مسه أي: المصحف من وراء حائل لما تقدم " انتهى بتصرف. ثالثا: يجوز للمحدث - حدثا أصغر أو أكبر - أن يمس كتب التفسير، في قول جمهور الفقهاء، إلا أن منهم من قيد ذلك بكون ما فيه من التفسير أكثر مما فيه من القرآن، ومنهم من لم يشترط ذلك. جاء في "الموسوعة الفقهية" (13/97) : " يجوز عند جمهور الفقهاء للمحدث مس كتب التفسير وإن كان فيها آيات من القرآن وحملها والمطالعة فيها، وإن كان جنبا، قالوا: لأن المقصود من التفسير: معاني القرآن، لا تلاوته، فلا تجري عليه أحكام القرآن. وصرح الشافعية بأن الجواز مشروط فيه أن يكون التفسير أكثر من القرآن لعدم الإخلال بتعظيمه حينئذ، وليس هو في معنى المصحف. وخالف في ذلك الحنفية، فأوجبوا الوضوء لمس كتب التفسير " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وأما كتب التفسير فيجوز مسها؛ لأنها تعتبر تفسيرا، والآيات التي فيها أقل من التفسير الذي فيها. ويستدل لهذا بكتابة النبي صلى الله عليه وسلم الكتب للكفار، وفيها آيات من القرآن، فدل هذا على أن الحكم للأغلب والأكثر. أما إذا تساوى التفسير والقرآن، فإنه إذا اجتمع مبيح وحاظر ولم يتميز أحدهما برجحان، فإنه يغلب جانب الحظر فيعطى الحكم للقرآن. وإن كان التفسير أكثر ولو بقليل أعطي حكم التفسير " انتهى من "الشرح الممتع" (1/267) . وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (4/136) : "يجوز ترجمة معاني القرآن بلغة غير اللغة العربية، كما يجوز تفسير معانيه باللغة العربية ويكون ذلك بيانا للمعنى الذي فهمه المترجم من القرآن ولا يسمى قرآنا. وعلى هذا يجوز أن يمس الإنسان ترجمة معاني القرآن بغير اللغة العربية وتفسيره بالعربية وهو غير متوضئ " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118244 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 44 حكمة تشريع الطهارة في الإسلام [السُّؤَالُ] ـ[ما هو معنى الطهارة للرد على أهل الكتاب في ذلك؟ ولماذا نتطهر في الصلاة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: من يعلم ما جاءت به شريعة الإسلام الخالدة لا يستشكل ما أمرت به، ولا ما نهت عنه؛ لأن علمه بها يمنعه من أن يقف حائراً يتلمس الحكمة، وينظر في العلة، ولم نر مثل هذه الاستشكالات إلا ممن يجهل هذا الدين العظيم. ولو أن شخصاً ما يثق بطبيب بشري ثقة مطلقة، ثم جاء ذلك الطبيب ببرامج صحية، ووقائية: لرأيت ذلك الواثق بالطبيب يسلم له، وينفذ أوامره، وكله ثقة بأنه ما قال هذا إلا عن خبرة وتجربة، ولا تجده يقف ويتأمل حتى يعرف لم قال هذا هنا، ولم منع ذاك هناك. ولله المثل الأعلى، فإن ثقتنا بربنا تعالى لا يمكن مقارنتها بثقة ذلك الشخص بذلك الطبيب، وكيف يكون هذا وليس ثمة مجال للمقارنة بين إله وبشر، بين خالق ومخلوق. ومما يصدِّق هذا ما قاله الإمام ابن القيم رحمه الله في نهاية بحثه في حكَم تشريع الطهارة، قال: لو أن " أبقراط " وذويه أوصوا بمثل هذا: لخضع أتباعهم لهم فيه، وعظَّموهم عليه غاية التعظيم، وأبدوا له من الحكَم، والفوائد ما قدروا عليه. " شفاء العليل " (ص 230) . ثانياً: أما بخصوص الحكَم من تشريع الطهارة: فهي كثيرة، ونعني بالطهارة: إزالة القذر، والنجاسات، والوضوء، والغسل، ومن هذه الحِكم: 1. أن الطهارة موافقة للفطرة التي فطر الله تعالى الناس عليها، ومما لا شك فيه أن الإسلام هو دين الفطرة، وأنه جاء بالحث على " سنن الفطرة " لتوكيد فعل ما يُفعل منها، والبُعد عن ما يُترك منها، فغسل الوجه، وتنظيف الأنف، والفم، واليدين، وكذا الاغتسال، والاستنجاء، كل ذلك لا يحتاج لشرع ليشرعه، بل يكفي الإنسان أن يكون سليم الفطرة لينظف تلك الأعضاء والجوارح، وليحرص على بعدها عن القذر والنجاسة. 2. الإسلام دين النظافة، والجمال، ويحرص على أن يكون أتباعه شامة بين الناس، ينظفون أبدانهم، ويسرحون شعورهم، ويلبسون أطهر الثياب، وتفوح منهم رائحة الطيب، ومثل هؤلاء لا شك ولا ريب أنهم سيكونون محط إعجاب الناس بهم، وهو ما يؤدي إلى نجاح دعوتهم لهذا الدين العظيم، وكما أن الناس تميل قلوبهم إلى النظيف الطاهر في بدنه وثيابه: فإنها تنفر من الوسخ القذر في ثيابه وبدنه، وليس هذا من الإسلام في شيء. 3. أثبت الدراسات العلمية الحديثة المؤصلة أن النظافة والطهارة تحصِّن صاحبها من أمراض كثيرة، وأن القذارة سبب في حصول كثير من الأمراض، فكيف لهذا الدين العظيم أن لا يكون في تشريعاته ما يساهم في الوقاية من الأمراض، ويمنع من حدوثها وانتشارها؟! . 4. للمسلم مع ربه تعالى لقاءات للمناجاة، ومن يقف بين يدي رئيس أو ملك أو عظيم: فإنه يحرص – كما هو مشاهد – على نظافة بدنه، وثيابه، وطيب رائحته، وحرص الناس على هذا مع البشر ليس في الإسلام ما يمنع منه، بل كان هذا هو هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، حيث كان يتجمل للوفود، ونزيد على ذلك أن أعظم من يُتجمل له، وأعظم من نحرص على طهارة أبداننا وثيابه ونحن بين يديه: هو الله تعالى، ولذلك لا نعجب عندما نفعل هذا بين يديه تعالى، وها هم الناس يحرصون على مثله أو أعظم منه بين يدي مخلوق مثلهم؛ فكيف ينبغي أن يكون حاله أمام الله؛ فالله أحق أن يتجمل له الناس، كما قال ابن عمر رضي الله عنهما. [انظر: صحيح ابن خزيمة (766) ] . 5. ومن تأمل أحكام الشرع، ورزقه الله تعالى الفهم: استطاع أن يفرِّق بين طرق الطهارة في الإسلام، وأنه ثمة حكم في كون الغسل من الجنابة، لا من البول – مثلاً -، وأنه ثمة فرق بين الوضوء والغسل. قال ابن القيم – رحمه الله -: إيجاب الشارع صلى الله عليه وسلم الغسل من المنيّ دون البول: فهذا من أعظم محاسن الشريعة، وما اشتملت عليه من الرحمة، والحكمة، والمصلحة؛ فإن المنيّ يخرج من جميع البدن، ولهذا سمَّاه الله سبحانه وتعالى (سُلالة) ؛ لأنه يسيل من جميع البدن، وأما البول: فإنما هو فضلة الطعام، والشراب، المستحيلة في المعدة، والمثانة، فتأثر البدن بخروج المني أعظم من تأثره بخروج البول. وأيضاً: فإن الاغتسال من خروج المني من أنفع شيء للبدن، والقلب، والروح، بل جميع الأرواح القائمة بالبدن فإنها تقوى بالاغتسال، والغسل يُخلف عليه ما تحلل منه بخروج المني، وهذا أمر يُعرف بالحسِّ. وأيضاً: فإن الجنابة توجب ثقلاً وكسلاً، والغسل يُحدث له نشاطاً، وخفةً، ولهذا قال أبو ذر لمَّا اغتسل من الجنابة: " كأنما ألقيتُ عنِّي حِمْلاً ". وبالجملة: فهذا أمر يدركه كلُّ ذي حسٍّ سليم، وفطرة صحيحة، ويعلم أن الاغتسال من الجنابة يجري مجرى المصالح التي تلحق بالضروريات للبدن والقلب، مع ما تحدثه الجنابة من بُعد القلب والروح عن الأرواح الطيبة، فإذا اغتسل: زال ذلك البُعد، ولهذا قال غير واحد من الصحابة: " إن العبد إذا نام عرجت روحه، فإن كان طاهراً أذن لها بالسجود، وإن كان جنباً لم يؤذن لها "، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم الجنُب إذا نام أن يتوضأ. وقد صرح أفاضل الأطباء بأن لاغتسال بعد الجماع يعيد إلى البدن قوته، ويخلف عليه ما تحلل منه، وإنه من أنفع شيء للبدن والروح، وتركه مُضرٌّ، ويكفي شهادة العقل والفطرة بحُسنه، وبالله التوفيق. على أن الشارع لو شرع الاغتسال من البول: لكان في ذلك أعظم حرج ومشقة على الأمة تمنعه حكمة الله، ورحمته، وإحسانه إلى خلقه. " إعلام الموقعين " (2 / 77، 78) ، وانظر أيضا: " التحرير والتنوير " للطاهر ابن عاشور (5 / 65) . 6. وفي الإسلام علاقة بين الظاهر والباطن، فمن حرص على تطهير بدنه وثيابه من الأقذار والنجاسات: فإنه ينبغي أن يكون أحرص على تطهير نفسه وباطنه من أخلاق السوء، ومن جمَّل بدنه وثوبه فهو علامة على جمال باطنه، ولا يحرص الإسلام على جمال الظاهر ويغض الطرف عن جمال الباطن، بل كلاهما مطلوب، وإن كان الإنسان يُعذر بعدم توفر ما يجمِّل ظاهره فإنه ليس معذوراً بترك تجميل باطنه، وكلا الطهارتين سبب لتحصيل محبة الله تعالى، قال تعالى: (إِنَّ الله يُحِبُّ التوابين وَيُحِبُّ المتطهرين) البقرة /222. 7. ونختم بكلام جامع للإمام ابن القيم رحمه الله، حيث يقول: تأمَّل أبواب الشريعة ووسائلها وغاياتها كيف تجدها مشحونة بالحكَم المقصودة، والغايات الحميدة التي شرعت لأجلها، التي لولاها لكان الناس كالبهائم، بل أسوأ حالاً، فكم في الطهارة من حِكمة، ومنفعة، للقلب، والبدن، وتفريح للقلب، وتنشيط للجوارح، وتخفيف من أحمال ما أوجبته الطبيعة، وألقاه عز النفس من درن المخالفات، فهي منظفة للقلب والروح والبدن، وفي غسل الجنابة من زيادة النعومة والإخلاف على البدن نظير ما تحلل منه بالجنابة ما هو من أنفع الأمور. وتأملْ كون الوضوء في الأطراف التي هي محل الكسب والعمل، فجعل في الوجه الذي فيه السمع والبصر والكلام والشم والذوق، وهذه الأبواب هي أبواب المعاصي والذنوب كلها، منها يدخل إليها، ثم جعل في اليدين وهما طرفاه وجناحاه اللذان بهما يبطش ويأخذ ويعطي، ثم في الرِّجلين اللتين بهما يمشي ويسعى. ولمَّا كان غسل الرأس مما فيه أعظم حرج ومشقة: جعل مكانه المسح، وجعل ذلك مخرجاً للخطايا من هذه المواضع حتى يخرج مع قطر الماء من شعره وبشره، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة قال: (إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ - أَوِ الْمُؤْمِنُ - فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ الْمَاءِ - أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ - فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ كَانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ - أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ - فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلاَهُ مَعَ الْمَاءِ - أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ - حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ) رواه مسلم، وفي صحيح مسلم أيضاً عن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جَسَدِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِهِ) فهذا من أجلِّ حكَم الوضوء، وفوائده. وقال نفاة الحكمة: إنه تكليف ومشقة وعناء محض لا مصلحة فيه، ولا حكمة شرع لأجلها! ولو لم يكن في مصلحته وحكمته إلا أنه سيماء هذه الأمة وعلامتهم في وجوههم وأطرافهم يوم القيامة بين الأمم ليست لأحد غيرهم، ولو لم يكن فيه من المصلحة والحكمة إلا أن المتوضئ يطهر يديه بالماء وقلبه بالتوبة ليستعد للدخول على ربه ومناجاته والوقوف بين يديه طاهر البدن، والثوب، والقلب، فأي حكمة ورحمة ومصلحة فوق هذا؟! . ولمَّا كانت الشهوة تجري في جميع البدن حتى إن تحت كل شعرة شهوة: سرى غسل الجنابة إلى حيث سرت الشهوة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (إِنَّ تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةً) [رواه أهل السنن، وفيه ضعف] ؛ فأمر أن يوصل الماء إلى أصل كل شعرة، فيبرد حرارة الشهوة، فتسكن النفس، وتطمئن إلى ذكر الله، وتلاوة كلامه، والوقوف بين يديه. " شفاء العليل " (ص 229، 230) . وبكل حال: فإنه من تأمل أحكام الشريعة بانت له حكَمها، ومن طمس الله بصيرته: فلن ينتفع بما يراه، ولا بما يسمعه، وليُعلم أن الطهارة من محاسن الأخلاق لم تختلف فيها الشرائع السابقة للإسلام، ولا يُتصور رسول يأتي قومه برسالة إلا وفيها الدعوة – أولاً – لتطهير القلب من رجس الأوثان، ثم تدعو الناس إلى الجميل من الأقوال، والأفعال، والأخلاق، وتطهير الثوب، والبدن، والغسل، والتطهر، وإزالة القذر والنجاسة مما لا تختلف الشرائع السماوية كلها في تشريعها، ومن جادل في ذلك فإنما يجادل بالباطل. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118037 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 45 يخرج منه بول يسير بعد الوضوء فهل يعفى عنه [السُّؤَالُ] ـ[هل يعفى عن سلس البول اليسير؟ ذلك أني في بعض الأحيان إذا وضعت ملابسي أجد أن شيئاً يسيراً قد خرج مني، وبدون أن أشعر به. هل يجب علي أن أتفقد ملابسي الداخلية عند كل صلاة؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا تيقنت من خروج شيء من البول، فإنه يلزمك إعادة الوضوء وغسل ما أصاب من ثيابك، وإذا كان موضع البول لا يتبين لك، فإنك تغسل ما يغلب على الظن أنها أصابته حتى تجزم بزوال النجاسة. قال في "زاد المستقنع": " وإن خفي موضع نجاسة غسل حتى يجزم بزواله ". قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه: " يعني إذا أصابت النجاسة شيئا، وخفي مكانها، وجب غسل ما أصابته حتى يتيقن زوالها. واعلم أن ما أصابته النجاسة لا يخلو من أمرين: إما أن يكون ضيقا، وإما أن يكون واسعا. فإن كان واسعا فإنه يتحرى، ويغسل ما غلب على ظنه أن النجاسة أصابته؛ لأن غسل جميع المكان الواسع فيه صعوبة. وإن كان ضيقا فإنه يجب أن يغسل حتى يجزم بزوالها " انتهى من "الشرح الممتع" (1/435) . وبهذا تعلم أنه لا يعفى عن يسير البول. وينبغي أن تحذر من الوسوسة، فإنها داء وشر إذا تمكن من الإنسان أدخل عليه الهم، وأورثه الشك، وثقّل عليه العبادة، فاحذر من ذلك. ولهذا نقول: لا تفتش في ملابسك، ولا تهتم بهذا الأمر حتى يزول عنك. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا انتهيت من الوضوء واتجهت إلى الصلاة أحس بخروج قطرة من البول من الذكر، فماذا عليَّ؟ فأجاب: " الذي ينبغي أن يُتلهى عن هذا ويُعرض عنه، كما أمر بذلك أئمة المسلمين، ولا يلتفت إليه، ولا يذهب ينظر في ذكره، هل خرج أو لا؟ وهو بإذن الله إذا استعاذ بالله من الشيطان الرجيم وتركه يزول عنه، أما إذا تيقن يقيناً مثل الشمس فلابد أن يغسل ما أصابه البول وأن يعيد الوضوء لأن بعض الناس إذا أحس ببرودة على رأس الذكر، ظن أنه نزل شيء، فإذا تأكد فكما قلت لك. وهذا الذي تقول ليس فيه سلس؛ لأن هذا ينقطع، السلس يستمر مع الإنسان، أما هذا فهو بعد الحركة يخرج نقطة أو نقطتين، هذا ليس بسلس؛ لأنه إذا خرجت نقطتان وقف، فهذا يغسل ويتوضأ مرة ثانية، وهكذا يفعل دائماً، وليصبر وليحتسب " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (184/15) . وأما سلس البول فهو خروجه بلا انقطاع في وقت معين، والمصاب بذلك يلزمه أن يغسل فرجه، ويعصب عليه ما يمنع انتقال البول إلى بدنه وثوبه، ويتوضأ بعد الدخول الوقت. ونرجو مراجعة جواب السؤال رقم (39494) لمعرفة أحكام سلس البول. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 117053 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 46 حكم التيمم مع وجود الماء [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم التيمم مع وجود الماء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن (من يتيمّم مع وجود الماء لديه فقال.. " هذا منكر عظيم يجب التنبيه عليه، وذلك لأن الوضوء للصلاة شرط من شروط صحتها عند وجود الماء كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) الآية. وفي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تقبل صلاة أحدكم إذا أحْدث حتى يتوضأ) . وقد أباح الله سبحانه وتعالى التيمم وأقامه مقام الوضوء في حال فقد الماء، أو العجز عن استعماله لمرض ونحوه، للآية السابقة، ولقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً) وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فصلى بالناس، فإذا هو برجل معتزل، فقال: ما منعك أن تصلي؟ قال: أصابتني جنابة ولا ماء. قال: عليك بالصعيد فإنه يكفيك) متفق عليه. ومن هذا يُعلم أن التيمم للصلاة لا يجوز مع وجود الماء والقدرة على استعماله، بل الواجب على المسلم أن يستعمل الماء في وضوئه وغسله من الجنابة أينما كان، ما دام قادراً عليه، وليس بمعذور في تركه والاكتفاء بالتيمم، وتكون صلاته حينئذ غير صحيحة لفقد شرط من شروطها وهو الطهارة بالماء عند القدرة عليه. وكثير من البادية ـ هداهم الله ـ وغيرهم ممن يذهب إلى النزهة يستعملون التيمم، والماء عندهم كثير، والوصول إليه ميسر، وهذا بلا شك تساهل عظيم وعمل قبيح لا يجوز فعله لكونه خلاف الأدلة الشرعية، وإنما يعذر المسلم في استعمال التيمم إذا بعُد عنه الماء، أو لم يبق عنده منه إلا اليسير الذي يحفظه لإنقاذ حياته وأهله وبهائمه مع بُعد الماء عنه، فالواجب على كل مسلم أينما كان أن يتقي الله سبحانه وتعالى في جميع أموره وأن يلتزم بما أوجب الله عليه، ومن ذلك الوضوء بالماء عند القدرة عليه، كما يلزمه أن يحذر ما حرّمه الله عليه، ومن ذلك التيمم مع وجود الماء والقدرة على استعماله. وأسأل الله أن يوفقنا والمسلمين جميعاً للفقه في دينه والثبات عليه، وأن يعيذنا جميعاً من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا إنه جواد كريم، وصلى الله عليه نبينا محمد وآله وصحبه. [الْمَصْدَرُ] انظر كتاب فتاوى إسلامية ج/1 ص/210. الحديث: 13618 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 47 لمس الجنب والحائض للكتب والمجلات التي بها آيات قرآنية [السُّؤَالُ] ـ[هل يحرم على الجنب والحائض لمس الكتب والمجلات التي تشتمل على آيات قرآنية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا يحرم على الجنب ولا على الحائض ولا على غير المتوضئ لمس شيء من الكتب أو المجلات التي فيها شيء من الآيات، لأن ذلك ليس بمصحف" انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. "مجموع فتاوى ابن عثمين" (4/225) . وانظر جواب السؤال رقم (22829) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118084 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 48 حدثها دائم وقد خرج الوقت أثناء طوافها ولم تعد الوضوء [السُّؤَالُ] ـ[أنا صاحبة حدث دائم ويلزمني الوضوء عند كل صلاة، في الحج وصلت إلى الحرم في غير وقت صلاة وتوضأت وشرعت في الطواف، وأثناء الطواف دخل وقت الصلاة فصليت بدون تجديد الوضوء، نظرا لشدة الزحام، ثم أكملت الطواف والسعي فهل فعلي هذا صحيح؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يلزم المستحاضة ومن حدثه دائم أن يتوضأ لوقت كل صلاة، عند جمهور الفقهاء، فخروج الوقت ناقض للوضوء في حقها، وهذا مقيد بما لو خرج شيء، فإذا لم يخرج شيء فهي باقية على وضوئها الأول ولها أن تصلي به الفريضة التالية. قال البهوتي في "الروض المربع" (ص 57) : " والمستحاضة ونحوها ممن به سلس بول أو مذي أو ريح ... تتوضأ لدخول وقت كل صلاة إن خرج شيء، وتصلي ما دام الوقت فروضا ونوافل، فإن لم يخرج شيء لم يجب الوضوء " انتهى بتصرف. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " يجب على المستحاضة أن تتوضأ لوقت كل صلاة إن خرج شيء، فإن لم يخرج منها شيء بقيت على وضوئها الأول " انتهى من "الشرح الممتع" (1/438) . فإذا لم تتيقني خروج شيء منك بعد وضوئك وإلى فراغك من الطواف، فإن طوافك صحيح، ولا شيء عليك. وأما السعي فلا تشترط له الطهارة، فلو سعيت وأنت على غير طهارة فإن سعيك صحيح. أما إذا تيقنت خروج شيء بعد وضوئك، فكان عليك أن تتوضئي بعد دخول الوقت الجديد، ليصح طوافك وصلاتك. فإذا لم تفعلي فإن طوافك لا يصح عند كثير من أهل العلم. وذهب بعضهم إلى أن الطواف لا يشترط له الطهارة من الحدث الأصغر، وأن من طاف بغير وضوء صح طوافه، وهذا مذهب الحنفية، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ورجحه الشيخ ابن عثيمين رحمهما الله، وينظر جواب السؤال رقم (34695) . وعلى هذا القول، طوافك صحيح، وحجك صحيح، ولا يلزمك شيء، لكن يلزمك إعادة الصلاة التي صليتها دون أن تتوضئي. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 113460 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 49 مصاب بالسلس فماذا يصنع في الحج [السُّؤَالُ] ـ[أعاني منذ سنوات قلائل من سلس البول غير الدائم، تخرج مني قطرات من البول بعد التبول، خلال السنوات الفائتة اعتدت أن أستخدم مناشف ورقية مع ملابسي الداخلية وأنظف نفسي بالماء ثم أتوضأ قبل كل صلاة. أنوي الذهاب للحج هذا العام إن شاء الله، أسئلتي هي: - هل أرتدي ملابس داخلية حال الإحرام؟ - هل يجوز لي جمع كل صلاتين معا أثناء سفري لأداء الحج أو خلال تأديتي للمناسك؟ - هل أنظف نفسي مرتين وأتوضأ مرتين قبل جمع صلاتين معا أثناء الحج؟ - أشعر أحيانا أنني متأكد أن شيئا لم يخرج مني، فهل علي في هذه الحالة أن أنظف نفسي مرة أخرى قبل جمع الصلاتين التاليتين؟ - هل علىّ أن أستخدم الماء لتنظيف نفسي قبل كل صلاة حتى ولم لم أتبول؟ هل يجوز استخدام المناشف الورقية فقط؟ - هل يجوز لي الاستمرار في أخذ الأدوية أثناء الإحرام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: من كان حدثه دائما مستمرا، كصاحب سلس البول والريح، يتوضأ لوقت كل صلاة، ويصلي بوضوئه ما شاء من الفروض والنوافل، حتى يدخل وقت الصلاة الأخرى، ولا يضره لو خرج منه شيء بعد وضوئه ولو أثناء الصلاة. وأما إن كان البول ينقطع عنه في وقت يتسع لطهارته وصلاته فإنه يلزمه تأخير الصلاة لذلك الوقت. وينبغي أن يذهب إلى الخلاء قبل الصلاة أو الأذان بربع ساعة مثلاً ثم يضع شيئاً يأمن معه التلوث بعد استنجائه، ثم إذا انقطع البول استنجي وتوضأ وصلى. وينظر جواب السؤال: 39494 و 6656. ثانيا: يمكنك أثناء الإحرام أن تلف على ذكرك مناشف ورقية وأن تضع عليها كيسا يمنعها من السقوط ويمنع البول من الخروج، ولا يعد هذا من المحظورات. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم أن يضع المحرم صاحب السلس شيئاً على العضو - مثل الكيس - حتى لا تنتشر النجاسة؟ هل هو من محظورات الإحرام؟. فأجاب: بأن هذا ليس من محظورات الإحرام. وينظر جواب السؤال رقم 11013 فإن شق ذلك عليك فالبس حفاظة أو ملابس داخلية، ولا حرج عليك، لكن تلزمك الفدية وهي على التخيير: ذبح شاة أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع أو صيام ثلاثة أيام. لحديث كعب بن عجرة رضي الله عنه لما احتاج أن يحلق رأسه وهو محرم، قال له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَاحْلِقْ، وَصُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، أَوْ انْسُكْ نَسِيكَةً) رواه البخاري (4190) ومسلم (1201) . ثالثا: يجوز لك الجمع بين الصلاتين لعذر السفر، وكذلك إذا شق عليك الدخول للخلاء ثم الخروج منه والعودة إليه لا سيما مع وجود الزحام، فحيث وجد الحرج والمشقة شرع الجمع. ومن جمع بين الصلاتين، فإنه يتوضأ لهما وضوءا واحدا، سواء كان صاحب سلس أو لم يكن. وكذلك التنظف والتطهر قبل الوضوء، يكون مرة واحدة. وإذا تأكدت من طهارة المحل وعدم خروج شيء منك فإنه لا يلزمك الاستنجاء ولا التطهر. ويجوز الاقتصار على استعمال المناديل الورقية للتطهر، وإن كان استعمال الماء أفضل. رابعا: لا حرج في استعمال الأدوية أثناء الإحرام. ونسأل الله تعالى لك الشفاء والمعافاة وأن يرزقنا وإياك حجا مبرورا وذنبا مغفورا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111091 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 50 حكم مس المصحف من الغلاف من غير وضوء [السُّؤَالُ] ـ[أود سؤالكم عن حكم لمس غلاف المصحف وأنا غير طاهرة؟ لأني سمعت أن المصحف الذي يكون مغلف بأخضر يجوز لمس غلافه إذا لم أكن طاهرة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله غلاف المصحف المتصل به إما بالخياطة أو اللصق أو غير ذلك له حكم المصحف فلا يجوز لغير المتوضئ أن يمسه، أما الغلاف المنفصل عن المصحف، كالجراب الذي يوضع فيه المصحف لحفظه، فلا حرج في مسه من غير وضوء. جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: "ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يمتنع على غير المتطهّر مس جلد المصحف المتّصل , والحواشي الّتي لا كتابة فيها من أوراق المصحف , والبياض بين السطور , وكذا ما فيه من صحائف خاليةٍ من الكتابة بالكلّيّة , وذلك لأنّها تابعة للمكتوب وذهب بعض الحنفيّة والشّافعيّة إلى جواز ذلك" انتهى. وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: "لا يجوز مس المصحف للمسلم إلا على طهارة من الحدثين الأكبر والأصغر، وهكذا نقله من مكان إلى مكان، إذا كان الناقل على غير طهارة. لكن إذا مسه أو نقله بواسطة، كأن يأخذه في لفافة أو في جرابه، أو بعلاقته فلا بأس، أما أن يمسه مباشرة وهو على غير طهارة فلا يجوز على الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم؛ لما تقدم، وأما القراءة فلا بأس أن يقرأ وهو محدث عن ظهر قلب، أو يقرأ ويمسك له القرآن من يرد عليه ويفتح عليه فلا بأس بذلك" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (10/149، 150) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 110808 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 51 هل يلزم غسل ثياب وأواني من دخل في الإسلام؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يلزم غسل ملابس وأغراض وأواني من اعتنق الإسلام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا يجب ذلك، لأن القول الراجح أن غير المسلمين نجاستهم نجاسة معنوية، وليست حسية، لأن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ هو وأصحابه من مزادة (إناء من جلد) امرأة مشركة، ولأن الله أباح لنا نكاح نساء أهل الكتاب؛ ولابد من الملامسة، ولأن الله أباح طعام الذين أوتوا الكتاب، ولابد من ملامستهم إياه غالباً. وبناءاً على ذلك فإنه لا يجب على الرجل إذا أسلم أن يغسل ملابسه وفرشه ونحو ذلك، إلا إذا تيقن أنها أصيبت بنجاسة لم تطهر منها" انتهى. فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. "الإجابات على أسئلة الجاليات" (1/2، 3) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109197 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 52 قراءة القرآن من الجوال هل يشترط لها الطهارة؟ [السُّؤَالُ] ـ[يوجد في بعض الجوالات برامج للقرآن تستطيع أن تتصفح منها القرآن في أي وقت على شاشة الجوال، فهل يلزم قبل القراءة من الجوال الطهارة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه الجوالات التي وضع فيها القرآن كتابة أو تسجيلا، لا تأخذ حكم المصحف، فيجوز لمسها من غير طهارة، ويجوز دخول الخلاء بها، وذلك لأن كتابة القرآن في الجوال ليس ككتابته في المصاحف، فهي ذبذبات تعرض ثم تزول وليست حروفا ثابتة، والجوال مشتمل على القرآن وغيره. وقد سئل الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك: ما حكم قراءة القرآن من جهاز الجوال بدون طهارة؟ فأجاب حفظه الله: " الجواب: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد. فمعلوم أن تلاوة القرآن عن ظهر قلب لا تشترط لها الطهارة من الحدث الأصغر، بل من الأكبر، ولكن الطهارة لقراءة القرآن ولو عن ظهر قلب أفضل، لأنه كلام الله ومن كمال تعظيمه ألا يقرأ إلا على طهارة. وأما قراءته من المصحف فتشترط الطهارة للمس المصحف مطلقاً، لما جاء في الحديث المشهور: (لا يمس القرآن إلا طاهر) ولما جاء من الآثار عن الصحابة والتابعين، وإلى هذا ذهب جمهور أهل العلم، وهو أنه يحرم على المحدث مس المصحف، سواء كان للتلاوة أو غيرها، وعلى هذا يظهر أن الجوال ونحوه من الأجهزة التي يسجل فيها القرآن ليس لها حكم المصحف،لأن حروف القرآن وجودها في هذه الأجهزة تختلف عن وجودها في المصحف، فلا توجد بصفتها المقروءة، بل توجد على صفة ذبذبات تتكون منها الحروف بصورتها عند طلبها، فتظهر الشاشة وتزول بالانتقال إلى غيرها، وعليه فيجوز مس الجوال أو الشريط الذي سجل فيه القرآن، وتجوز القراءة منه، ولو من غير طهارة والله أعلم " انتهى نقلا عن موقع: "نور الإسلام". وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: أنا حريص على قراءة القرآن وعادة أكون في المسجد مبكرا ومعي جوال من الجوالات الحديثة التي فيها برنامج كامل للقرآن الكريم -القرآن كاملا- بعض المرات: لا أكون على طهارة فأقرأ ما يتيسر وأقرأ بعض الأجزاء، هل تجب الطهارة عند القراءة من الجوالات؟ فأجاب: "هذا من الترف الذي ظهر على الناس، المصاحف والحمد لله متوفرة في المساجد وبطباعة فاخرة، فلا حاجة للقراءة من الجوال، ولكن إذا حصل هذا فلا نرى أنه يأخذ حكم المصحف. المصحف لا يمسه إلا طاهر، كما في الحديث: (لا يمس القرآن إلا طاهر) وأما الجوال فلا يسمى مصحفا " انتهى. وقراءة القرآن من الجوال فيها تيسير للحائض، ومن يتعذر عليه حمل المصحف معه، أو كان في موضع يشق عليه فيه الوضوء، لعدم اشتراط الطهارة لمسه كما سبق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106961 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 53 الأصل طهارة ماء المسابح حتى تُعلم نجاستها [السُّؤَالُ] ـ[هل ماء المسبح طاهر إذا بلل الملابس حيث إن ماء المسبح يسبح فيه الصغار وقد ينجسونه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأصل في كل المياه أنها طاهرة، إلا إذا وقعت فيها نجاسة، وأثرت تلك النجاسة في لونها أو طعمها أو ريحها، فهنا نحكم بنجاسة الماء؛ قال تعالى: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً) الفرقان/48، وروى النسائي (326) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ) ، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" برقم (1925) . وقال علماء اللجنة الدائمة الإفتاء: "الأصل في الماء الطهارة، فإذا تغير لونه أو طعمه أو ريحه بنجاسة فهو نجس، سواء كان قليلاً أو كثيراً، وإذا لم تغيره النجاسة فهو طهور " انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/84) . فعلى هذا، فإن ماء المسبح باقٍ على الأصل، وهو الطهارة حتى نتيقن أنه تغير بنجاسة وقعت فيه. قال الشيرازي رحمه الله في "المذهب" (1/221) : " إذَا تَيَقَّنَ طَهَارَةَ الْمَاءِ وَشَكَّ فِي نَجَاسَتِهِ تَوَضَّأَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ عَلَى الطَّهَارَةِ , وَإِنْ تَيَقَّنَ نَجَاسَتَهُ وَشَكَّ فِي طَهَارَتِهِ لَمْ يَتَوَضَّأْ بِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ عَلَى النَّجَاسَةِ , وَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ طَهَارَتَهُ وَلَا نَجَاسَتَهُ تَوَضَّأَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ طَهَارَتُهُ " انتهى. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106643 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 54 تخرج منه قطرات بعد البول وإذا انتظر ربما فاتته الجماعة [السُّؤَالُ] ـ[عن المذي وهو أنه عندما يخرج أغتسل منه ثم أذهب إلى الصلاة ولكن عندما أرجع للحمام أكرمكم الله للبول أجد متبقيا ينزل مع البول وأحيانا أبقى في الحمام أكثر من نصف ساعة للتأكد أنه خرج كله فسؤالي هو هل أتأكد أنه خرج تماما أو أنني أغتسل ثم أذهب للصلاة علما بأن بعض الصلوات في المسجد تضيع بهذا السبب وأحيانا أبقى في دائرة الشك بحيث أني أذهب للمسجد وأصلي وأرجع أشك في طهارتي وأصليها مرة أخرى في البيت.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الذي يخرج عقب البول عادة هو الودي، وهو سائل أبيض ثخين يخرج على شكل قطرات، وأما المذي فإنه يخرج عقب ثوران الشهوة. وكلاهما ينقض الوضوء، ولا يوجبان الغسل. فقولك: " عندما يخرج أغتسل منه " لعلك تقصد أنك تغسِله، وأما الغُسل فلا يلزمك، بل يلزمك الوضوء. قال النووي رحمه الله مبينا الفرق بين المذي والودي: " وأما المذي فهو ماء أبيض رقيق لزج يخرج عند شهوةٍ , لا بشهوة , ولا دفق ولا يعقبه فتور، وربما لا يحس بخروجه , ويشترك الرجل والمرأة فيه ... وأما الودي فماء أبيض كدر ثخين , يشبه المني في الثخانة ويخالفه في الكدورة ولا رائحة له , ويخرج عقيب البول إذا كانت الطبيعة مستمسكة، وعند حمل شيء ثقيل، ويخرج قطرة أو قطرتين ونحوهما. وأجمع العلماء أنه لا يجب الغسل بخروج المذي والودي " انتهى من "المجموع" (2/160) . وسئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله: عند نهاية التبول أجد نزول بعض السائل المنوي، ولا أدري هل يجب الاغتسال بعد كل تبول أو ماذا أفعل؟ لأني في شك بأن تأثيره نفس تأثير الجماع؟ فأجاب: "هذا المني الذي يخرج بعد البول هو الودي المشهور، وحيث إنه يخرج بعد البول ويسيل سيلانا فإنه لا يوجب الاغتسال، وإنما ينقض الوضوء، فيلزم غسل الذكر بعده والوضوء، ولا يجب الاغتسال، وإنما يجب الغسل بخروج المني دفقا بلذة، لا بدونها؛ والدفق هو أن يندفع اندفاعا قويا، لا كخروج البول الذي يسيل ويتقاطر، فلا يضرك خروجه هكذا " انتهى نقلا عن "فتاوى إسلامية" (1/226) . ثانيا: إذا قضيت حاجتك، فيلزمك الانتظار حتى تتيقن انقطاع الخارج، ثم تستنجي وتتوضأ، ولو أدى ذلك إلى فوات الجماعة فلا حرج عليك، لكن ينبغي أن تتهيأ للصلاة قبل وقتها، ما دمت تعلم أنك تحتاج إلى وقت طويل لقضاء الحاجة. وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: رجل مصاب بسلس في البول، يطهر بعد التبول لفترة. لو انتظر انتهاء السلس لانتهت الجماعة ماذا يكون الحكم؟ فأجابت: "إذا عرف أن السلس ينتهي فلا يجوز له أن يصلي وهو معه طلبا لفضل الجماعة. وإنما عليه أن ينتظر حتى ينتهي ويستنجي بعده ويتوضأ ويصلي صلاته ولو فاتته الجماعة. وعليه أن يبادر بالاستنجاء والوضوء بعد دخول الوقت، رجاء أن يتمكن من صلاة الجماعة " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/408) وقال الشيخ ابن جبرين حفظه الله فيمن ابتلي بذلك: " عليك أولا: أن تحتاط لطهارتك، فتتوضأ قبل دخول الوقت بنصف ساعة أو نحوها بعد أن تتبول وينقطع أثر البول منك، رجاء أن يتوقف قبل حضور وقت الصلاة. وعليك ثانيا: بعد كل تبول أن تغسل فرجك بالماء البارد الذي يقطع البول ويفيد في توقف النقط. وإذا كانت هذه النقط وسواسا أو توهما فعليك بعد الاستنجاء أن ترش سراويلك وثوبك بالماء، حتى لا يوهمك الشيطان إذا رأيت بللا أنه من البول، حيث يتحقق أنه الماء الذي صببته على ثيابك " انتهى من "فتاوى إسلامية" (1/196) . ثالثا: ينبغي أن تحذر من الوسوسة، فإنها داء وشر إذا تمكن من الإنسان أدخل عليه الهم، وأورثه الشك، وثقّل عليه العبادة، فاحذر من ذلك، فإذا قضيت حاجتك وتوضأت وصليت، فلا تلتفت للشك، إذ الأصل هو الطهارة وصحة الصلاة. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا انتهيت من الوضوء واتجهت إلى الصلاة أحس بخروج قطرة من البول من الذكر، فماذا عليَّ؟ فأجاب: " الذي ينبغي أن يُتلهى عن هذا ويُعرض عنه، كما أمر بذلك أئمة المسلمين، ولا يلتفت إليه، ولا يذهب ينظر في ذكره، هل خرج أو لا؟ وهو بإذن الله إذا استعاذ بالله من الشيطان الرجيم وتركه يزول عنه، أما إذا تيقن يقيناً مثل الشمس فلابد أن يغسل ما أصابه البول وأن يعيد الوضوء لأن بعض الناس إذا أحس ببرودة على رأس الذكر ظن أنه نزل شيء، فإذا تأكد فكما قلت لك، وهذا الذي تقول ليس فيه سلس؛ لأن هذا ينقطع، السلس يستمر مع الإنسان، أما هذا فهو بعد الحركة يخرج نقطة أو نقطتين، هذا ليس بسلس؛ لأنه إذا خرجت نقطتان وقف، فهذا يغسل ويتوضأ مرة ثانية وهكذا يفعل دائماً وليصبر وليحتسب " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (184/15) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105781 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 55 كيف يتطهر المريض ويصلي؟ [السُّؤَالُ] ـ[كيف يتطهر المريض ويصلي؟ أرجو بيان ذلك بالتفصيل.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "أولاً: طهارة المريض: 1- يجب على المريض ما يجب على الصحيح من الطهارة بالماء من الحدثين الأصغر والأكبر، فيتوضأ من الأصغر ويغتسل من الأكبر. 2- ولابد قبل الوضوء من الاستنجاء بالماء، أو الاستجمار بالحجارة أو ما يقوم مقامها في حق من بال أو أتى الغائط. ولابد في الاستجمار من ثلاثة أحجار طاهرة، ولا يجوز الاستجمار بالروث والعظام والطعام وكل ما له حرمة، والأفضل أن يستجمر بالحجارة وما أشبهها؛ كالمناديل ونحو ذلك، ثم يتبعها الماء، لأن الحجارة تزيل عين النجاسة، والماء يطهر المحل، فيكون أبلغ. والإنسان مخير بين الاستنجاء بالماء أو الاستجمار بالحجارة وما أشبهها، وإن أراد الاقتصار على أحدهما فالماء أفضل؛ لأنه يطهر المحل، ويزيل العين والأثر، وهو أبلغ في التنظيف. وإن اقتصر على الحجر أجزأه ثلاثة أحجار إذا نقى بهن المحل، فإن لم تكف زاد رابعاً وخامساً حتى ينقي المحل، والأفضل أن يقطع على وتر. ولا يجوز الاستجمار باليد اليمنى، وإن كان أقطع اليسرى أو بها كسر أو مرض ونحوهما استجمر بيمينه للحاجة، ولا حرج في ذلك. 3- إذا لم يستطع المريض الوضوء بالماء لعجزه أو لخوفه زيادة المرض أو تأخر برئه فإنه يتيمم. والتيمم هو: أن يضرب بيديه على التراب الطاهر ضربة واحدة فيمسح وجهه بباطن أصابعه وكفيه براحتيه. ويجوز أن يتيمم على كل شيء طاهر له غبار، ولو كان على غير الأرض، كأن يتطاير الغبار مثلاً على جدار أو نحوه فيجوز أن يتيمم عليه، وإن بقى على طهارته من التيمم الأول صلى به كالوضوء، ولو عدة صلوات، ولا يلزمه تجديد تيممه؛ لأنه بدل الماء، والبدل له حكم المبدل. ويبطل التيمم بكل ما يُبْطِل الوضوء، وبالقدرة على استعمال الماء أو وجوده إن كان معدوماً. 4- إذا كان المرض يسيراً لا يخاف من استعمال الماء معه تلفاً ولا مرضاً مخوفاً ولا إبطاء برء ولا زيادة ألم ولا شيئاً فاحشاً، وذلك كصداع ووجع ضرس ونحوها، أو ممن يمكنه استعمال الماء الدافئ ولا ضرر عليه – فهذا لا يجوز له التيمم؛ لأن إباحته هنا لنفي الضرر، ولا ضرر عليه، ولأنه واجد للماء، فوجب عليه استعماله. 5- إذا شق على المريض أن يتوضأ أو يتيمم بنفسه وضأه أو يممه غيره وأجزأه ذلك. 6- من به جروح أو قروح أو كسر أو مرض يضره منه استعمال الماء فأجنب – جاز له التيمم، وإن أمكنه غسل الصحيح من جسده وجب عليه ذلك وتيمم للباقي. 7- من به جرح في أحد أعضاء الطهارة فإنه يغسله بالماء، فإن شق عليه غَسْلُه أو كان يتضرر به مسحه بالماء حال غسل العضو الذي به الجرح حسب الترتيب، فإن شق عليه مَسْحُه أو كان يتضرر به تيمم عنه وأجزأه. 8- صاحب الجبيرة: وهو من كان في بعض أعضائه كسر مشدود وعليه خرقة أو نحوها، فإنه يمسح عليها بالماء، وتكفيه، ولو لم يضعها على طهارة. 9- يجب على المريض إذا أراد أن يصلي أن يجتهد في طهارة بدنه وثيابه ومكان صلاته من النجاسات، فإن لم يستطع صلى على حاله ولا حرج عليه. 10- إذا كان المريض مصاباً بسلس البول، ولم يبرأ بمعالجته فعليه أن يستنجي ويتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، ويغسل ما يصيب بدنه وثوبه، أو يجعل للصلاة ثوباً طاهراً إن لم يشق عليه جعل الثوب الطاهر للصلاة، وإلا عفي عنه، ويحتاط لنفسه احتياطاً يمنع انتشار البول في ثوبه أو جسمه أو مكان صلاته بوضع حافظ على رأس الذكر. ثانياً: صلاة المريض: 1- يجب على المريض أن يصلي قائماً قدر استطاعته. 2- من لا يستطيع القيام صلى جالساً والأفضل أن يكون متربعاً في كل القيام. 3- فإن عجز عن الصلاة جالساً صلى على جنبه مستقبل القبلة بوجهه، والمستحب أن يكون على جنبه الأيمن. 4- فإن عجز عن الصلاة على جنبه صلى مستلقياً ورجلاه إلى القبلة. 5- ومن قدر على القيام وعجز عن الركوع أو السجود لم يسقط عنه القيام، بل يصلي قائماً فيومئ بالركوع، ثم يجلس ويومئ بالسجود. 6- وإن كان بعينه مرض فقال طبيب ثقة: إن صليت مستلقياً أمكن مداواتك وإلا فلا، فله أن يصلي مستلقياً. 7- من عجز عن الركوع والسجود أومأ بهما، ويجعل السجود أخفض من الركوع. 8- ومن عجز عن السجود وحده ركع وأومأ بالسجود. 9- ومن لم يمكنه أن يحني ظهره حنى رقبته، وإن كان ظهره متقوساً فصار كأنه راكع فمتى أراد الركوع زاد في انحنائه قليلاً، ويقرب وجهه إلى الأرض في السجود أكثر ما أمكنه ذلك. 10- فإن كان لا يستطيع الإيماء برأسه فيكبر ويقرأ وينوي بقلبه القيام والركوع والرفع منه والسجود والرفع منه والجلسة بين السجدتين والجلوس للتشهد، ويأتي بالأذكار الواردة، أما ما يفعله بعض المرضى من الإشارة بالإصبع فلا أصل له. 11- ومتى قدر المريض في أثناء صلاته على ما كان عاجزاً عنه من قيام أو قعود أو ركوع أو سجود أو إيماء انتقل إليه وبنى على ما مضى من صلاته. 12- وإذا نام المريض أو غيره عن صلاة أو نسيها وجب عليه أن يصليها حال استيقاظه من النوم أو حال ذكره لها، ولا يجوز له تركها إلى دخول وقت مثلها ليصليها فيه. 13- لا يجوز ترك الصلاة بأي حال من الأحوال، بل يجب على المكلف أن يحرص على الصلاة في جميع أحواله، وفي صحته ومرضه؛ لأنها عمود الإسلام وأعظم الفرائض بعد الشهادتين، فلا يجوز لمسلم ترك الصلاة المفروضة حتى يفوت وقتها، ولو كان مريضاً، ما دام عقله ثابتاً بل عليه أن يؤديها في وقتها حسب استطاعته على ما ذكر من تفصيل، وأما ما يفعله بعض المرضى من تأخير الصلاة حتى يشفى من مرضه فهو أمر لا يجوز، ولا أصل له في الشرع المطهر. 14- وإن شق على المريض فعل كل صلاة في وقتها فله الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء جمع تقديم أو جمع تأخير، حسبما تيسر له، إن شاء قدم العصر مع الظهر، وإن شاء أخر الظهر مع العصر، وإن شاء قدم العشاء مع المغرب، وإن شاء أخر المغرب مع العشاء. أما الفجر فلا تجمع لما قبلها ولا لما بعدها؛ لأن وقتها منفصل عما قبلها وعما بعدها. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم". الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ بكر أبو زيد. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (24/405) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105356 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 56 حكم لمس الكتب أو المجلات التي تحتوي على آيات قرآنية للحائض والجنب [السُّؤَالُ] ـ[أعلم أنه لا يجوز مس المصحف إلا بوضوء , فهل ينطبق هذا الحكم على الآيات المفردة أو كتب التفسير أو كتب السيرة أو ما شابه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز للمحدث مس الآيات المفردة لأن حكمها حكم المصحف، وأما إن كُتب مع الآيات غيرها ككتب التفسير والفقه فالحكم للأغلب، فإن كان القرآن الذي فيها أكثر من غيره حرم مسها بغير بوضوء، وإن كان غير القرآن هو الأكثر جاز مسها. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وما فيه شيء من القرآن حكمه حكم المصحف إن كان مفرداً، فإن كتب مع القرآن غيره فالحكم للأغلب، فيجوز مس كتب التفسير والحديث والفقه والرسائل التي فيها شيء من القرآن) اهـ شرح العدة (1/385) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 22829 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 57 إذا استيقظ ووجد بللا في الثوب ولا يدري ما هو [السُّؤَالُ] ـ[ماذا أفعل عندما أستيقظ من النوم وأنا غير متأكد إذا كان علي الغسل أم لا؟ بمعنى أنني لست متأكداً إذا كنت قد قذفت المنى أثناء النوم لأي سبب (العلامات غير مرئية أو جزئية.. إلخ) أرجو أن تنصحني في هذا الموقف.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا استيقظ الإنسان من نومه، ورأى في نومه أنه احتلم، غير أنه لم ير بللاً في ثيابه فإنه لا يلزمه الاغتسال بإجماع العلماء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سألته امرأة فقالت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ، هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا هِيَ احْتَلَمَتْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ، إِذَا رَأَتْ الْمَاءَ. رواه البخاري (282) ومسلم (313) . وهذا يدل على أنه لا يجب الاغتسال إذا لم ير الماء. المغني 1/269. وأما إذا وجد البلل فلا يخلو من ثلاثة أحوال: الأولى: أن يتيقن أنه مني فيلزمه الاغتسال بالإجماع. المغني 1/269. الثانية: أن يتيقن أنه ليس بمني، فلا يلزمه الاغتسال، ولكن يغسل ما أصابه هذا البلل لأن حكمه حينئذ حكم البول. الشرح الممتع 1/280. الثالثة: أن يتردد فيه ولا يدري هل هو مني أو مذي؟ فاختلف في ذلك العلماء: فصحح النووي في المجموع (2/146) أنه يلزمه حكم المني والمذي معاً، فيغتسل رفعا للجنابة لاحتمال أنه مني، ويطهر ثيابه من النجاسة لاحتمال أنه مذي. لأنه لا تبرأ ذمته من الطهارة إلا بذلك. ومذهب الإمام أحمد واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية أنه إن سبق نومه تفكير في الشهوة أو مداعبة مع زوجته أو نظر، فهذا البلل يعتبر مذيا، لأن الماء الذي ينزل بسبب ذلك غالباً هو المذي، والأصل عدم ما سواه. فيطهر ثيابه من المذي برشها بالماء، ولا يجب عليه الاغتسال. أما إذا لم يسبق نومه تفكير في الشهوة أو مداعبة أو نظر، فهذا البلل يعتبر منيا. لما روت عَائِشَةُ قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الرَّجُلِ يَجِدُ الْبَلَلَ وَلا يَذْكُرُ احْتِلامًا. قَالَ: يَغْتَسِلُ. وَعَنْ الرَّجُلِ يَرَى أَنَّهُ قَدْ احْتَلَمَ وَلا يَجِدُ الْبَلَلَ. قَالَ: لا غُسْلَ عَلَيْهِ. رواه أبو داود (236) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود (216) . قال الخطابي في معالم السنن: ظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ يُوجِبُ الاغْتِسَالَ إِذَا رَأَى بِلَّةً، وَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ أَنَّهَا الْمَاءُ الدَّافِقُ [المني] , وَرُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ مِنْهُمْ عَطَاءٌ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ اهـ ولأن هذا الماء لا بد لخروجه من سبب، وليس هناك سبب ظاهر إلا الاحتلام، والماء الذي يخرج بالاحتلام في الغالب إنما هو المني، فألحقت هذه الصورة المجهولة بالأعم الأغلب. انظر المغني (1/270) ، شرح العمدة (1/353) . وكلا القولين قوي، فإن أخذ بالقول الثاني أجزأه إن شاء الله، وإن احتاط لصحة صلاته وأخذ بالقول الأول كان أفضل. نسأل الله تعالى أن يفقهنا في ديننا. والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 22705 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 58 كيف تتوضأ يوم عرسها، وقد وضعت المساحيق؟ [السُّؤَالُ] ـ[لقد قرأت في موقعكم أن السائل الذي ينزل من المرأة طاهر ولكن ينقض الوضوء، سؤالي هو ماذا أفعل يوم عرسي فيجب أن أضع مساحيق التجميل قبل العشاء إن لم يكن قبل المغرب وإن امتنعت عن هذا ستغضب أمي بشدة وهي صاحبة قلب ضعيف فقد تؤذى.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الإفرازات الخارجة من الفرج (محل الولادة) طاهرة، ولكن في نقضها للوضوء خلاف، فمن أهل العلم من يراها ناقضة للوضوء، إلا أنه إذا كانت مستمرة، فإنها تأخذ حكم السلس، فتتوضأ المرأة بعد دخول وقت كل صلاة، وتصلي بهذا الوضوء ما شاءت من الفرض والنوافل، ولا يضرها نزول هذه الإفرازات. ومن أهل العلم من ذهب إلى أن هذه الإفرازات المستمرة لا تنقض الوضوء؛ لعدم الدليل على النقض. والأحوط هو الوضوء، لكن إن شق ذلك فلا حرج في تركه؛ لأن القول بعدم النقض قول قوي. وعليه فيمكنك الوضوء بعد أذان المغرب أو قبله، والمحافظة عليه، لأداء صلاة العشاء في وقتها. على أنا بينا في جواب السؤال رقم (39494) أنه إذا شق على صاحب السلس – سواء كان من بول أو ريح أو إفرازات - أن يتوضأ لوقت كل صلاة جاز له الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، فيصلي الصلاتين جمعاً بوضوء واحد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103305 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 59 علاج الوسواس في الطهارة [السُّؤَالُ] ـ[أنا فتاة متزوجة وقد دخل علي الوسواس منذ فترة وهذا الوسواس يشغلني في الوضوء حتى أني لا أستطيع الموالاة، أستمر في الوضوء ساعة ونصف في كل وقت حيث يخيل إليّ أنني لم أتم الوضوء وكذلك غسل الجنابة استمر فيه الساعات ويخيل إليّ أنني لم أطهر، وقد دخلت إلى مستشفى الأمراض العصبية فماذا تنصحونني؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: تابعي العلاج في مستشفى الأمراض النفسية وعند الأطباء عسى الله أن يكتب لك الشفاء واستعيني بالله واطلبي منه أن يعافيك من مرضك وأقرئي آية الكرسي عندما ترقدين في فراشك للنوم وقولي: (باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم) ثلاث مرات صباحاً وثلاث مرات مساءاً وارقي نفسك بقراءة سورة الإخلاص والمعوذتين ثلاث مرات تنفثين في يديك عقب كل مرة وتمسحين بهما ما استطعت من بدنك عند النوم، لما روى البخاري في صحيحه وأهل السنن عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم: (كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما وقرأ فيهما (قل هو الله أحد) و (قل أعوذ برب الفلق) و (قل أعوذ برب الناس) ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات) ، وادعي الله أن يذهب ما بك من بأس فقولي: (اذهب البأس رب الناس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاءك شفاء لا يغادر سقماً) وكرري ذلك ثلاثاً وادعي أيضاً بدعاء الكرب فقولي: (لا إله إلا الله العظيم الحليم لا إله إلا الله رب العرش العظيم لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم) ، وإذا فرغت من الوضوء أو الغسل من حيض أو جنابة فاعتمدي أنك قد طهرت ودعي عنك الوسواس وطول المكث في الحمام فإنه من الشيطان وبذلك ينقطع عنك بإذن الله. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 5/223 الحديث: 1174 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 60 يجوز لكل من الزوجين قراءة القرآن بجانب بعضهما [السُّؤَالُ] ـ[هل حرام للزوجة أن تقرأ القرآن بجانب زوجها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز للزوجة قراءة القرآن بجانب زوجها وكذلك العكس، وإنما تحرم قراءة القرآن في حال الجنابة. ويراجع جواب سؤال رقم 10672. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 14371 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 61 صاحب السلس يتوضأ لكل صلاة فريضة وضوءا مستقلا [السُّؤَالُ] ـ[حسب علمي أن الشخص الذي يواجه صعوبة في البقاء على طهارته بسب ظروف خارجة عن إرادته، مثل سلس البول ونحوه، بأنه لا يجب عليه الغسل باستمرار لمشقة ذلك، وإنما يجب عليه تجديد الوضوء قبل كل فريضة، ولكن ماذا لو كانت هذه الفترة بين الفريضتين قصيرة كأن يكون تأخر في أداء صلاة العصر لعذر ما وأداها قُبيل المغرب بنصف ساعة، فهل يجب عليه أن يجدد الوضوء لصلاة المغرب رغم هذا الفارق الزمني البسيط؟ وكذلك الحال بالنسبة لصلاة الجمعة فإذا توضأ لها فهل يعتبر على طهارة إلى صلاة العصر.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يلزم صاحب السلس وضوء مستقل لكل صلاة عند دخول وقتها ولو كان قد توضأ للصلاة التي قبلها من قريب، وذلك لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم علّم المستحاضة أن تفعل ذلك كما جاء في حديث عَائِشَةَ قَالَتْ جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلا أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ الصَّلاةَ قَالَ لا إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلاةَ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ فِي حَدِيثِهِ وَقَالَ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلاةٍ حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الْوَقْتُ.. قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ إِذَا جَاوَزَتْ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا اغْتَسَلَتْ وَتَوَضَّأَتْ لِكُلِّ صَلاةٍ. سنن الترمذي 116 والحديث في البخاري برقم 221 قال ابن حجر رحمه الله: حكم دم الاستحاضة حكم الحدث فتتوضأ لكل صلاة، لكنها لا تصلي بذلك الوضوء أكثر من فريضة واحدة مؤداة أو مقضية لظاهر قوله " ثم توضئي لكل صلاة "، وبهذا قال الجمهور.. فتح الباري: كتاب الحيض: باب الاستحاضة. وصاحب الحدث المستمر كسلس البول والرّيح حكمه حكم المستحاضة، ولك أن تصلي بوضوء الفريضة ما شئت من النوافل إلى خروج وقت هذه الفريضة. والله تعالى أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2723 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 62 عاجزة عن استخدام الماء؟ متى يُشرع التيمم؟ [السُّؤَالُ] ـ[أعرف سيدة تعاني من مشكلات في الجلد عندما تتوضأ بالماء، مما يجعلها عاجزة عن أداء الصلاة. ما الشيء الذي عليها أن تفعله إذا وجدت مشكلة أو معاناة لدى استعمالها الماء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من لم يستطع أن يتوضأ بالماء فعليه أن يتيمم ويُصلي بالتيميم، والتيمم أن يضرب بكفيه الأرض ويمسح وجهه وكفيه. وليُعلم بأن " التيمم شرعه الله عند فقد الماء أو تعذر استعماله لمرض أو نحوه فقال تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا) سورة المائدة/43 [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة ـ أُنظر فتاوى إسلامية ج1ص216 الحديث: 11973 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 63 حكم مس المصحف للمحدث، ومعنى حديث إن المؤمن لا ينجس [السُّؤَالُ] ـ[هل يحرم حمل القرآن والقراءة منه (الذي لا يضم ترجمة لمعانيه أو تعليقات حول آياته) دون وضوء؟ لأني سمعت في بعض الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المؤمن طاهر دائما حتى وإن كان جنبا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سئل سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز مثل هذا السؤال فقال: لا يَجُوز للمسلم مَسُّ المُصْحَفِ وهو على غير وُضُوءٍ، عند جمهور أهل العلم، وهو الذي عليه الأئمة الأربعة رضي الله عنهم، وهو الذي كان يُفْتِي به أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ورد في ذلك حديث صحيح لا بأس به، من حديث عمرو بن حزم رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن: " أنْ لاَ يَمَسَّ القرآن إلا طاهر " وهو حديث جيد له طرق يَشُدُّ بعضها بعضاً، وبذلك يُعْلم أنّه لا يجوز مَسّ المُصْحَفِ إلا على طهارةٍ من الحَدَثَيْنِ الأكبر، والأصغر، وهكذا نَقْلُهُ من مكان إلى مكان إذا كان النَاِقُل على غير طهارة، لكن إذا مَسّهُ أو نقله بواسطة، كأن يأخذه في لِفافَة فلا بأس، أما أن يَمَسّه مُبَاشَرَةً وهو على غير طهارة، فلا يجوز على الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم، لما تَقَدّم، أما القراءة فلا بأس أن يقرأ وهو مُحْدِثٌ عن ظهر قلب أن يقرأ ويَمْسِكَ له القرآن مَنْ يَرُدُّ عليه ويَفْتَحَ عليه فلا بأس، لكن الجُنُبَ صَاحِب الحدث الأكبر لا يقرأ، لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يحجبه شيء عن القراءة إلا الجنابة، وروى أحمد بإسناد جيد عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من الغائط وقرأ شيئا من القرآن وقال: " هذا لمن ليس بجنب، أما الجنب فلا، ولا آية ". والمقصود أن ذا الجنابة لا يقرأ القرآن لا من المصحف ولا عن ظهر قلب حتى يغتسل، وأما المحدث حدثا أصغر وليس بجنب فله أن يقرأ القرآن عن ظهر قلب ولا يمس المصحف. فتاوى الشيخ ابن باز رحمه الله 10/150 أما حديث طهارة المؤمن فقد جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا جُنُبٌ فَأَخَذَ بِيَدِي فَمَشَيْتُ مَعَهُ حَتَّى قَعَدَ فَانْسَلَلْتُ فَأَتَيْتُ الرَّحْلَ فَاغْتَسَلْتُ ثُمَّ جِئْتُ وَهُوَ قَاعِدٌ فَقَالَ أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هِرٍّ فَقُلْتُ لَهُ فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ يَا أَبَا هِرٍّ إِنَّ الْمُؤْمِنَ لا يَنْجُسُ " رواه البخاري (الغسل /276) ومسلم (الحيض/556) قال النووي في شرحه لصحيح مسلم: هذا الحديث أصل عظيم في طهارة المسلم حياً وميتاً، قال: فإذا ثَبَتَتْ طهارته، فَعَرَقُه ولُعَابُه ودَمْعُه طاهرات سواء كان مُحْدِثا أو جُنُباً أو حَائِضاً أو نُفَسَاء. وإذا علم هذا عرف معنى كونه طاهراً، فلا يمنع أن يكون جسمه طاهر وهو في نفس الوقت محدث لأن الحدث هو وصف قائم بالبدن يمنع من الصلاة ونحوها مما تشترط له الطهارة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 10672 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 64 أخبره رجل بخروج ريح منه [السُّؤَالُ] ـ[أخبره عدلٌ أنه خرج منه حدثٌ فهل يلزمه قبول خبره أو لا - كما أفتى به بعض أهل اليمن -؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سئل ابن حجر الهيتمي السؤال السابق فأجاب: الصواب: أنَّه يلزمه، وزعْمُ أن خبَرَه لا يفيد اليقين، بل الظن، ولا يرفع يقين طهرٍ بظن حدثٍ: يبطله أنَّه لو أخبره بوقوع نجاسةٍ في الماء: لزمه قبول خبره مع وجود العلة المذكورة، ووجهه أن هذا وإن كان ظنّاً إلا أنَّه قائمٌ مقام اليقين شرعاً في أبوابٍ كثيرةٍ. والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب. [الْمَصْدَرُ] " الفتاوى الفقهية الكبرى " (1 / 36) . الحديث: 21659 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 65 الحكمة في كون التيمم على عضوين [السُّؤَالُ] ـ[ما هي الحكمة في كون التيمم على عضوين؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال ابن القيم رحمه الله: وأما كونه - أي: التيمم - في عضوين ففي غاية الموافقة للقياس والحكمة؛ فإن وضع التراب على الرءوس مكروه في العادات، وإنما يفعل عند المصائب والنوائب، والرِّجلان محل ملابسة التراب في أغلب الأحوال، وفي تتريب الوجه من الخضوع والتعظيم لله والذل له والانكسار لله ما هو من أحب العبادات إليه وأنفعها للعبد، ولذلك يستحب للساجد أن يُترِّب وجهه لله، وأن لا يقصد وقاية وجهه من التراب كما قال بعض الصحابة لمن رآه قد سجد وجعل بينه وبين التراب وقاية فقال: " ترِّب وجهك "، وهذا المعنى لا يوجد في تتريب الرِّجلين. وأيضاً فموافقة ذلك للقياس من وجهٍ آخر: وهو أن التيمم جُعل في العضوين المغسولين، وسقط عن العضوين الممسوحين، فإن الرِّجلين تُمسحان في الخف، والرأس في العمامة، فلمَّا خُفِّف عن المغسوليْن بالمسح خُفِّف عن الممسوحيْن بالعفو، إذ لو مُسحا بالتراب لم يكن فيه تخفيفٌ عنهما، بل كان فيه انتقالٌ من مسحهما بالماء إلى مسحهما بالتراب، فظهر أن الذي جاءت به الشريعة هو أعدل الأمور وأكملها، وهو الميزان الصحيح. وأما كون تيمم الجنب كتيمم المحدِث فلمَّا سَقط مسح الرأس والرجلين بالتراب عن المحدِث سقط مسح البدن كله بالتراب عنه بطريق الأولى، إذ في ذلك من المشقة والحرج والعسر ما يناقض رخصة التيمم، ويدخل أكرم المخلوقات على الله في شبه البهائم إذا تمرغ في التراب، فالذي جاءت به الشريعة لا مزيد في الحسن والحكمة والعدل عليه، ولله الحمد. [الْمَصْدَرُ] " أعلام الموقعين " (1 / 301، 302) . الحديث: 14236 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 66 كان يصلي ثلاث سنوات دون غسل الجنابة [السُّؤَالُ] ـ[عندما بلغت واحتلمت لم أكن أعرف بأن الغسل لا بد منه فبقيت على ذلك مدة تصل إلى ثلاث سنوات وبعدها علمت بوجوب الغسل فسؤالي هو ماذا علي أن أفعل من أجل الصلوات التي كنت أصليها في هذه الفترة هل علي قضاؤها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله متى وجدت في ثوبك المني يجب عليك أن تغتسل حتى ولو لم تذكر احتلاماً، فالمسلم إذا استيقظ من نومه ووجد في ثوبه أو فخذه أو في مكان نومه بللاً يعني أثر مني فيجب عليه أن يغتسل ولو لم يذكر احتلاماً في نومه فهذا لا بد منه لأنه موجب الغسل وهو خروج المني ذكر احتلاماً في منامه أم لم يذكر، أما لو ذكر احتلاماً في منامه ولكنه لم يخرج منه شيء كما لو قلت أنا احتلمت في النوم كأن واقعت امرأة ولكن بعد أن استيقظت لم تجد أثر مني لا في ثوبك ولا في ملابسك ولا في بدنك ولا في منامك فهل يجب الغسل؟ فهذا ليس فيه غسل ما دام أنه لم يوجد مني حتى ولو احتلمت إنما الغسل يترتب على وجود المني. أما أنك تقول إنك لمدة ثلاث سنوات تصلي بدون غسل من الجنابة فالواجب عليك وعلى أمثالك أن تسأل، قال تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) النحل/43 ومالك عذر عند الله، فإن الله سبحانه وتعالى أعطاك الصحة والعافية وأعطاك العقل وأمرك أن تسأل، ولا يجوز لك أن تعبد الله على جهل وضلال فإن عبادة الله على الجهل والضلال هي طريقة النصارى، ألم تقرأ سورة الفاتحة كل يوم في صلاتك (اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) الفاتحة /6-7، فالمغضوب عليهم هم اليهود معهم علم ولم يعملوا به، والضالين هم النصارى يعبدون الله على جهل وضلال، فكذلك المسلم إذا عبد الله على جهل وضلال فإنه من الضالين، قال بعض العلماء: من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود ومن فسد من عبادنا ففيه شبه من النصارى، وأنت عليك بتقوى الله ومراقبته والإكثار من النوافل، وبعض العلماء يوجب عليك أن تقضي هذه الثلاث سنين لكن ما دام أنه صدر عن جهل وعددها كثير فأرجو ألا حرج عليك إن شاء الله وتكثر من النوافل وإن أمكن قضاؤها فهو المتعين بكل حال وإن شئت تكثر من النوافل كما ذكره جمع من أهل العلم والمسألة خلافية بينهم، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد الله بن حميد ص 64 الحديث: 9446 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 67 يجوز لمس الشريط المسجل عليه قرآن للجنب [السُّؤَالُ] ـ[نعلم أن القرآن الكريم له حرمته لا يمسه إلا المطهرون، فما رأيك في الشريط المسجل عليه قرآن كريم للرجل أو المرأة إذا كان عليهما جنابة أو المرأة إذا كانت حائضاً هل يجوز لمس أو حمل الشريط الذي فيه قرآن كريم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج في حمل أو لمس الشريط المسجل عليه القرآن لمن كان عليه جنابة ونحوها. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة فتوى رقم 9620 الحديث: 22000 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 68 مس الكافر للمصحف وعمله في طباعته أو تجليده [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمشرك أو الكافر من أهل الكتاب أو غيره أن يمس أي ورقة كتب عليها قرآن كريم أو يطلع عليها، وزيادة بالإيضاح نحن لدينا مطبعه ونطبع فيها المصحف الشريف، ولقد أصاب الآلة التي تطبع أوراق المصحف عطل فني لم نتمكن من إصلاحه، وتم استدعاء مهندس من الشركة المصنعة للآلة لإصلاح الخلل، وعندما تم الإصلاح من قبله، وأراد هذا المهندس من أهل الكتاب التأكد من المشكلة في الطبعة، أراد أن يلمس الورق المطبوع فيها آيات من المصحف الشريف، فتم منعه من ذلك، وسحبت الأوراق من تحت يده، واختلف الرأي: هناك فريق يقول لا يوجد حرج بأن يفحص ما تم طباعته للتأكد من أن المشكلة الموجودة في الآلة قد حلت، وفريق أخر يقول حرام أن يمس القرآن لأنه نجس، مستنداً بقوله تعالى (لا يمسه إلا المطهرون) تم بعد ذلك تغير العمل من طباعة المصحف إلى عمل آخر لكتاب لا يوجد فيه قرآن ليتم الفحص من قبل هذا المهندس.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذهب جمهور الفقهاء إلى منع الكافر من مس المصحف، وتحريم تمكينه منه، لأنه إذا منِع المسلم غير المتوضئ من مس المصحف فالكافر من باب أولى، ولما يخشى من امتهانه المصحف، ولهذا نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن السفر بالقرآن إلى أرض العدو، كما روى البخاري (2990) ومسلم (1869) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ. زاد مسلم: (مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ) . قال النووي رحمه الله في "المجموع" (2/85) : " قال أصحابنا: لا يمنع الكافر سماع القرآن، ويمنع مس المصحف. وهل يجوز تعليمه القرآن؟ ينظر إن لم يرج إسلامه لم يجز , وإن رجي جاز في أصح الوجهين " انتهى. وقال الرملي رحمه الله: " ويمنع الكافر من وضع يده على المصحف لتجليده كما قاله ابن عبد السلام وإن رجي إسلامه , بخلاف تمكينه من القراءة لما في تمكينه من الاستيلاء عليه من الإهانة " انتهى من "نهاية المحتاج" (3/389) . وقال الباجي في "المنتقى" (3/165) : " ولو أن أحدا من الكفار رغب أن يرسل إليه بمصحف يتدبره لم يرسل إليه به؛ لأنه نجس جنب ولا يجوز له مس المصحف، ولا يجوز لأحد أن يسلمه، إليه ذكره ابن الماجشون " انتهى. وجاء في "الموسوعة الفقهية": " مس الكافر المصحف وعمله في نسخ المصاحف وتصنيعها: يمنع الكافر من مسّ المصحف , كما يمنع منه المسلم الجنب , بل الكافر أولى بالمنع , ويمنع منه مطلقاً , أي سواء اغتسل أو لم يغتسل , وفي الفتاوى الهنديّة: أنّ أبا حنيفة قال: إن اغتسل جاز أن يمسّه , وحكي في البحر عن أبي حنيفة وأبى يوسف المنع مطلقاً. ويمنع الكافر من العمل في تصنيع المصاحف , ومن ذلك ما قال القليوبي: يمنع الكافر من تجليد المصحف وتذهيبه , لكن قال البهوتيّ: يجوز أن ينسخ الكافر المصاحف دون مسٍّ أو حملٍ " انتهى (مصحف، فقرة 30) . وفيها أيضا: " ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وأبو يوسف من الحنفيّة إلى أنّه لا يجوز للكافر مس المصحف لأنّ في ذلك إهانةً للمصحف. وقال محمّد بن الحسن: لا بأس أن يمسّ الكافر المصحف إذا اغتسل , لأنّ المانع هو الحدث وقد زال بالغسل , وإنّما بقي نجاسة اعتقاده وذلك في قلبه لا في يده " انتهى (كفر، فقرة 16) . وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: ما حكم مس النصراني للمصحف، وكذلك مسه لترجمة معاني القرآن الكريم؟ فأجاب: " هذا فيه نزاع بين أهل العلم، والمعروف عند أهل العلم منع النصراني واليهودي وسائر الكفرة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو، قال: لئلا تناله أيديهم، فدل ذلك على أنهم لا يمكنون منه وإنما يمكنون من السماع، قال تعالى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ) الآية، يعني: يتلى عليهم حتى يسمعوه، ولكن لا يدفع إليهم القرآن. وذهب بعض أهل العلم إلى جواز ذلك إذا رجي إسلام الكافر واحتجوا على هذا بأنه صلى الله عليه وسلم كتب إلى هرقل عظيم الروم قوله جل وعلا: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ) الآية، قالوا: هذه الآية العظيمة آية من كتاب الله وقد كتبها إلى هرقل. والصواب أنه ليس بحجة، وإنما يدل على جواز الكتابة للآية والآيتين من كتاب الله. أما تسليم المصحف فليس بثابت عنه صلى الله عليه وسلم. أما بالنسبة لكتاب ترجمة معاني القرآن فلا حرج في أن يمسه الكافر؛ لأن المترجَم معناه أنه كتاب تفسير وليس بقرآن، أي أن الترجمة تفسير لمعاني القرآن، فإذا مسه الكافر أو من ليس على طهارة فلا حرج؛ لأنه ليس له حكم القرآن، وحكم القرآن يختص بما إذا كان مكتوبا بالعربية وحدها وليس فيه تفسير، أما إذا كان معه الترجمة فحكمه حكم التفسير، والتفسير يجوز أن يحمله المحدث والمسلم والكافر؛ لأنه ليس كتاب القرآن ولكنه يعتبر من كتب التفسير " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (24/340) . على أننا ننبه هنا إلى أن امتهان الكافر للمصحف - في مثل هذه الصورة المسئول عنها – غير ظاهر، بل يبعد هنا جداً. وإنما الامتهان الحقيقي – فيما يظهر لنا هنا – هو أن نقوم بطباعة صفحة من المصحف لا لشيء إلا لتجربة الآلة، وإذا كان أهل العلم قد اختلفوا في حكم الأوراق البالية من المصحف: هل تُحرق أو تُغسل، أو تمزق ومن منع من شيء من ذلك رأى أنه " خلاف الاحترام " انظر: "البرهان في علوم القرآن للزركشي" (1/477) فكيف نعتمد طبع أوراق لمجرد التجربة، ثم نتخلص منها بعد ذلك؟! وبناء على ذلك، فإذا أمكن فحص آلة الطباعة وتجربتها على غير المصحف، كما فعلتم، فهو الواجب ولا يجوز طباعة ورقة من المصحف لذلك الغرض، ما دام يمكن أن يتم بغير المصحف، وإذا فحص الكافر آلة الطباعة، وجربها من غير مس الأوراق المطبوعة، فلا حرج أيضاً. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96646 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 69 هل الطهارة واجبة في سجود التلاوة [السُّؤَالُ] ـ[سجود التلاوة، نرى بعض الناس لا يشترط فيه الطهارة ولا التوجه إلى القبلة، وبعضهم يشترط، فما هو الصواب؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من أهل العلم من يرى أنه صلاة، ويبني على ذلك اشتراط الطهارة واستقبال القبلة والتكبير عند السجود وعند الرفع منه والسلام، ومنهم من يرى أنه عبادة، ولكن ليس كالصلاة، ويبني على ذلك عدم اشتراط الطهارة والتوجه إلى القبلة وغير ذلك مما سبق، وهذا القول أرجح؛ لأننا لا نعلم دليلاً يدل على اشتراط الطهارة واستقبال القبلة، لكن متى تيسر استقبال القبلة حين السجود وأن يكون على طهارة فهو أولى خروجا من خلاف العلماء. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 7/262 الحديث: 4913 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 70 صلاة من يُلابس لحم الخنزير [السُّؤَالُ] ـ[أعمل في مطعم، حيث تمتد ساعات عملي اليومية إلى اثنتي عشرة ساعة، وبسبب اشتغالي بالمنتجات الخنزيرية تكون حالتي متسخة طوال اليوم. فما هي شروط الصلاة؟ وهل أستطيع أن أقضي الصلوات الخمس في نهاية اليوم، بعد أن أكون قد اغتسلت.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب عليك أن تصلي الصلوات الخمس في أوقاتها بعد أن تزيل النجاسات عن نفسك وتتطهر كما أمر الله، ولا بدّ أن تبحث يا أخي عن عمل آخر تكسب منه رزقا حلالا لأنّ طبخ الخنزير وتقديمه حرام لا يجوز. وفقنا الله وإيّاك لما يحبّ ويرضى وباعد بيننا وبين أسباب غضبه وسخطه. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 1395 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 71 ما هي صفة التَّيَمٌّم [السُّؤَالُ] ـ[ما هي صفة التَّيَمٌّم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صفته أنْ يضرِب الأرضَ بيديْه ثم يمسَحَ وجهَه كاملاً ثم يمسَحَ اليديْن بعضَهما ببعضٍ. [الْمَصْدَرُ] إعلام المسافرين ببعض آداب وأحكام السفر وما يخص الملاحين الجويين لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين. الحديث: 9706 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 72 حكم استخدام الصرف الصحي في سقي النخيل [السُّؤَالُ] ـ[عندنا نخل على مجاري الصرف الصحي، فهل يجوز الأكل من تمره وبلحه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم يجوز أن يؤكل من تمر النخل الذي يُسقى بماء مجاري الصحة، لأنه إذا لم يظهر الطعم ولا الريح فإنه يعني أن النجاسة استحالت. [الْمَصْدَرُ] مجلة الدعوة العدد/1798 ص/61 الحديث: 1363 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 73 إذا رفض أخذ الدواء هل يكون عاقاً لأبيه? [السُّؤَالُ] ـ[أنا مريض بالربو وكثيراً ما أذهب إلى المستشفى على طول العام وكانوا يعطونني مادة الكرتزون مما أثر على عظامي، فقطعته خشيه الهلاك مما أغضب والدي فهل أنا عاق؟ 2- أعاني من آلام في المعدة مما يسبب لي كثرة الغازات فكيف أتطهر للصلاة؟ ولهذه الأسباب أصبحت لا أستطيع المشي كثيرا وعند قطعي للكرتزون تعبت أكثر فأمرني الطبيب بلزوم البيت وأصبحت لا أكثر من الذهاب للمسجد إلا لصلاة الجمعة لهذا السبب فهل أنا آثم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: نسأل الله تعالى أن يشفيك ويعافيك ويأجرك على ما أصابك. ثانيا: إذا كان الدواء يضرك ويؤثر على عظامك، فلا حرج في قطعه، لأنه لا يلزمك أن تتناول ما يضرك من دواء أو غيره وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) رواه أحمد وابن ماجه (2341) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه. لكن ينبغي مراجعة الطبيب في ذلك، فقد تكون المضرة بتركه أعظم من المضرة الحاصلة بأخذه. فعليك أن توازن بين المصالح المترتبة على أخذك الدواء وبين المفاسد وبين المفاسد المترتبة على عدم أخذه. وإذا ثبت أن الدواء مضرّ بك، فلا يكون امتناعك عن أخذه عقوقاً لوالدك، لأن الطاعة إنما تكون في المعروف، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الطاعة في المعروف) رواه البخاري (7257) ومسلم (1840) ثالثا: ينبغي أن تبحث عن علاج لكثرة الغازات، حتى تؤدي الصلاة بخشوع واطمئنان مع الجماعة، فإن استمر خروجها، بحيث لا تنقطع وقتا يتسع لفعل الطهارة والصلاة، فهذا ما يسمى بسلس الريح، وحينئذ يكفيك الوضوء بعد دخول الوقت، وتصلي به الفرض وما شئت من النفل، ولا يضرك خروج الريح ولو في الصلاة. وأما إن كان الريح ينقطع عنك وقتاً يتسع للطهارة والصلاة، فيلزمك أداء الصلاة في هذا الوقت، ولو أدى إلى ترك الجماعة في المسجد. رابعا: إذا كان الخروج إلى المسجد يضرك أو يشقّ عليك، فلا حرج عليك في أداء الصلاة في البيت، لقوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16، وقوله سبحانه: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة/286. وكلما شعرت بالنشاط والقوة خرجت إلى المسجد. ونسأل الله تعالى لك الشفاء والمعافاة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 94843 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 74 يعجز عن الوضوء والتيميم فكيف يصلي؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا مسلم وأستعمل كرسي المعاقين وسؤالي عن الوضوء لا أستطيع أن أمسك شيئاً بيدي، لدي شخص يأتيني كل صباح ويساعدني في الاستحمام فهل هذا يكفي لبقية اليوم؟ أحاول التيمم ولكنني لا أستطيع مسح الوجه تماماً وأواجه صعوبة في وضع يدي على التراب للتيمم. أرجو أن تنصحني.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحمد لله 1. مما جاء به الإسلام التيسير والتسهيل على الناس وأنه لا يحملهم ما لا يطيقون قال الله تعالى: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} البقرة / 286. فأوجب الله تعالى على المسلمين الوضوء ورضيه لهم ولكنه لما علم الضعف من بعضهم رخَّص لهم فشرع التيمم وجعله بدلاً من الماء وجعله طهوراً للمسلم. فإن شق التيمم على صاحبه: جاز له الصلاة من غير وضوء ولا تيمم، وهذا كالذي لم يجد ثوباً يستر عورته في الصلاة: جاز له الصلاة بدون ثوب. وإذا ساعدك شخص على الاغتسال أو الوضوء فحسن جداً، وهو يكفيك لبقية يومك ما لم تأت بحدثٍ أكبر أو أصغر فتفسد طهارتك. وإذا تيممت بنفسك أو يممك أحد من الناس فيكفي أن تمرر يدك على التراب، وتمسح ما تستطيعه من وجهك. ولك – بسبب المشقة والمرض – أن تجمع بين الصلاتين إن لم يتيسر لك الطهارة للوقت الثاني. فإن لم يتيسر لك الوضوء ولا التيمم حتى ضاق عليك وقت الصلاة فوجب عليك أن تصلي ولو من غير طهارتي الماء والتراب. والدليل على أنه يجوز للرجل القيام بالصلاة إن لم يستطع الطهارة: عن عائشة: أنها استعارت من أسماء قلادة فهلكت فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا فوجدها فأدركتهم الصلاة وليس معهم ماء فصلوا فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله آية التيمم فقال أسيد بن حضير لعائشة جزاك الله خيرا فوالله ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله ذلك لك وللمسلمين فيه خيراً ". رواه البخاري (329) - واللفظ له - ومسلم (367) . وفي رواية صريحة عند الطبراني وأبي عوانة أنهم صلوا من غير وضوء. عن عائشة قالت: " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أسيد بن حضير وأناسا معه في طلب قلادة أضلتها عائشة فحضرت الصلاة فصلوا بغير وضوء فلما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم شكوا إليه ذلك فنزلت آية التيمم زاد النفيلي فقال أسيد بن حضير جزاك الله خيرا فوالله ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله للمسلمين ولك فيه فرجا ". رواه أبوعوانة (873) والطبراني (131) . فهذا دليل على أن عدم وجود الماء - وهو الطهارة الوحيدة قبل التيمم - يبيح الصلاة بدون وضوء، فمن باب أولى أن تباح الصلاة بانعدام التراب الذي هو أدنى منزلة من الماء. وبه يستدل على أن فاقد الطهور سواء بانعدامه وعدم المقدرة على إيجاده أو عدم المقدرة على استخدامه مع وجوده أنه يجوز له الصلاة بدون طهارة. وقد بوب البخاري على الحديث بقوله: باب إذا لم يجد ماءً ولا تراباً. قال ابن رشيد: كأن المصنف نزَّل فقد شرعية التيمم منزلة فقد التراب بعد شرعية التيمم فكأنه يقول حكمهم في عدم المطهر - الذي هو الماء خاصة - كحكمنا في عدم المطهريْن الماء والتراب، وبهذا تظهر مناسبة الحديث للترجمة لأن الحديث ليس فيه أنهم فقدوا التراب وإنما فيه أنهم فقدوا الماء فقط ففيه دليل على وجوب الصلاة لفاقد الطهوريْن ووجهه أنهم صلوا معتقدين وجوب ذلك ولو كانت الصلاة حينئذ ممنوعة لأنكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم وبهذا قال الشافعي وأحمد وجمهور المحدثين وأكثر أصحاب مالك. " فتح الباري " (1 / 440) . قال ابن القيم: وحالة عدم التراب كحالة عدم مشروعيته ولا فرق فإنهم صلوا بغير تيمم لعدم مشروعية التيمم حينئذ فهكذا من صلى بغير تيمم لعدم ما يتيمم به فأي فرق بين عدمه في نفسه وعدم مشروعيته فمقتضى القياس والسنة أن العادم يصلي على حسب حاله فإن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها ولا يعيد لأنه فعل ما أمر به فلم يجب عليه الإعادة كمن ترك القيام والاستقبال والسترة والقراءة لعجزه عن ذلك فهذا موجب النص والقياس. " حاشية ابن القيم على تهذيب سنن أبي داود " (1 / 61) . قال ابن قدامة: ولأنه شرط من شرائط الصلاة فيسقط عند العجز عنه كسائر شروطها وأركانها ولأنه أدى فرضه على حسبه فلم يلزمه الإعادة كالعاجز عن السترة إذا صلى عريانا والعاجز عن الاستقبال إذا صلى إلى غيرها والعاجز عن القيام إذا صلى جالسا. " المغني " (1 / 157) . وقال الشوكاني: قوله " فصلوا بغير وضوء " استدل بذلك جماعة من المحققين منهم المصنف على وجوب الصلاة عند عدم المطهرين الماء والتراب وليس في الحديث أنهم فقدوا التراب وإنما فيه أنهم فقدوا الماء فقط، ولكن عدم الماء في ذلك الوقت كعدم الماء والتراب؛ لأنه لا مطهر سواه ووجه الاستدلال به أنهم صلوا معتقدين وجوب ذلك ولو كانت الصلاة حينئذ ممنوعة لأنكر عليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبهذا قال الشافعي وأحمد وجمهور المحدِِّثين وأكثر أصحاب مالك. " نيل الأوطار " (1 / 337) . هذا كلام العلماء في هذه المسألة وهو الراجح الذي يصار إليه. فأنت حكمك حكم الذي لم يجد الماء والتراب إذا تعذر عليك أن تجد من يُيممك بجامع عدم المقدرة عليه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 5430 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 75 الفرق بين المني والودي [السُّؤَالُ] ـ[يخرج مني ماء غليظ وثخين في كثير من الأحيان فكيف أفرّق بين المني الذي يجب أن أغتسل منه وبين ما يسميه الفقهاء بالودي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الودي في اللغة: الماء الثخين الأبيض الذي يخرج في إثر البول. قال الشيخ ابن عثيمين مبيّناً الفرق بين المني والمذي والودي: "الفرق بين المني والمذي، أن المني غليظ له رائحة، ويخرج دفقا عند اشتداد الشهوة، وأما المذي فهو ماء رقيق وليس له رائحة المني، ويخرج بدون دفق، ولا يخرج أيضا عند اشتداد الشهوة، بل عند فتورها إذا فترت تبين للإنسان. أما الودي فإنه عصارة تخرج بعد البول، نقط بيضاء في آخر البول. هذا بالنسبة لماهية هذه الأشياء الثلاثة. أما بالنسبة لأحكامها: فإن الودي له أحكام البول من كل وجه. والمذي يختلف عن البول بعض الشيء في التطهر منه، لأن نجاسته أخف فيكفي فيه النضح، وهوأن يعم المحل الذي أصابه بالماء بدون عصر وبدون فرك، وكذلك يجب فيه غسل الذكر كله والأنثيين وإن لم يصبهما. أما المني فإنه طاهر لا يلزم غسل ما أصابه إلا على سبيل إزالة الأثر فقط، وهو موجب للغسل، وأما المذي والودي والبول فكلها توجب الوضوء" اهـ. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (11/169) . [الْمَصْدَرُ] موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 10540 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 76 امرأة مصابة بالوسواس في الطهارة [السُّؤَالُ] ـ[امرأة ابتلاها الله بوسواس في الطهارة والشعور بعد الوضوء بمدافعة الخبث، وفي ذات مرة شعرت بمن يأمرها بسب القرآن وسبّ الله فما كان منها إلا أن بكت، فكيف علاجها والخلاص من هذا الوسواس؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الوسواس مبتلى به كثير من الناس ولا حول ولا قوة إلا بالله، ودواء الوسواس كثرة التعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ولا سيما قراءة المعوذتين، فإنه ما استعاذ مستعيذ بمثلها: (قل أعوذ برب الفلق) الفلق/1 إلى آخرها، وهذا يتضمن الاستعاذة من شر الشيطان لأنه من مخلوقات الله، وفي سورة الناس: (قل أعوذ برب الناس) الناس/1 إلى آخرها. فدواء ذلك بكثرة التعوذ بالله من الشيطان الرجيم، اللجوء إلى الله تبارك وتعالى، والعزيمة الصادقة، بحيث لا يلتفت الإنسان لما يرد على قلبه من الوساوس. مثلاً توضأت مرة واحدة أو مرتين أو ثلاثاً فلا تلتفت إلى وسوسة الشيطان، حتى لو شعر الإنسان في نفسه أنه لم يتوضأ مثلاً، أو أنه أهمل شيئاً من أعضائه، أو أنه لم ينو فلا يلتفت لهذا الشيء، وكذلك لو أنه في صلاته شعر أو وقع في نفسه أنه لم يكبر للإحرام لا يلتفت لذلك، يمضي في صلاته يكملها، وكذلك أيضاً لو خطر في قلبه ما ذُكر من سبِّ الله عز وجل، أو سب المصحف أو غير ذلك من الكفر، فلا يلتفت لهذا ولا يضره، حتى لو فرض أنه جرى على لسانه هذا الشيء وهو بغير اختيار، فإنه لاشيء عليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا طلاق في إغلاق) أخرجه أبو داود (2193) وأحمد في المسند (6/276) وحسنه الألباني في الإرواء رقم 2047، فإذا كان طلاق الموسوس لا يقع فهذا أولى بالعفو، لكن يُعرِض عن هذا ولا يهتم به. فوصيتي لهذه ولغيرها ممن ابتلي بذلك الإكثار من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، ومن قراءة السورتين العظيمتين: (قل أعوذ برب الفلق) و (قل أعوذ برب الناس) ، ومن العزيمة الصادقة وعدم الالتفات إلى تلك الوساوس الشيطانية. ولو أوقع الشيطان في قلبه التشكيك في الله أو ما أشبه ذلك لا يهمه، لأنه ما تألم من هذا الشك إلا لإيمان في قلبه، فغير المؤمن لا يهمه شكَّ أو لم يشك، لكن الذي يتألم من هذه الشكوك والوساوس مؤمن، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة: (ذلك صريح الإيمان) أخرجه مسلم رقم 132، يعني: أن ما يلقي الشيطان في قلوبكم من مثل هذه الأمور صريح الإيمان أي خالصة ... جعله خالص الإيمان، لأن هذا الذي ورد على قلبه الشك لا يطمئن لهذا الشك ولا يلتفت إليه ويتألم منه ولا يريده، والشيطان لا يأتي إلا القلوب العامرة حتى يدمرها، فالقلوب الدامرة لا يأتيها، لأنها دامرة , قيل لابن عباس أو ابن مسعود: إن اليهود يقولون نحن لا نوسوس في صلاتنا. قال نعم: وما يفعل الشيطان بقلب خراب!! فوصيتي لها أن تعرض عن هذا كله، وهي سوف تتألم أول الأمر، سوف ترى أنها صلت بغير طهارة أو صلت بغير تكبيرة الإحرام، أو ما أشبه ذلك ولكنها سوف تستريح بعد ذلك، ويزول عنها ذلك الشك والوسواس بإذن الله. والحمد لله هناك أناس شكوا هذا الشكوى وبُلّغوا بما ينبغي أن يقاوموها به فعافهم الله منها، ونسأل الله لها العافية. [الْمَصْدَرُ] كتاب لقاءات الباب المفتوح للشيخ محمد بن صالح العثيمين ص 14. الحديث: 10160 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 77 الصلاة بطلاء الأظافر [السُّؤَالُ] ـ[هل مسموح في الإسلام الصلاة والأظافر ملونة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يباح للمرأة طلاء أظافرها للزينة، بما لا يضر، ولا حرج عليها في الصلاة به، إلا إذا كان لهذا الطلاء مادة تمنع وصول الماء لما تحته، فلا يصح الوضوء والغسل إلا بعد إزالتها. وإذا لم يصح الوضوء لم تصح الصلاة. جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (5/218) : (إذا كان للطلاء جرم على سطح الأظافر، فلا يجزئها الوضوء دون إزالته قبل الوضوء، وإذا لم يكن له جرم أجزأها الوضوء كالحناء) . والله أعلم.. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20728 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 78 جامعها زوجها ثم أتتها الدورة فمتى تغتسل [السُّؤَالُ] ـ[اذا جامع الزوج زوجته وبعد ذلك اتتها الدورة الشهرية. فهل تحتاج ان تغتسل بعد الجماع أم بعد انتهاء الدورة؟؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا جامع الزوج زوجته ثم أتتها الدورة قبل أن تغتسل من الجنابة فلا يجب عليها غسل الجنابة حتى تطهر. لكن لو أرادت أن تقرأ القرآن فيجب عليها أن تغتسل من الجنابة لأن الجُنب لا يجوز له أن يقرأ القرآن على الراجح من أقوال أهل العلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ سعد الحميد الحديث: 11963 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 79 يعاني من تأخر انقطاع البول بعد التبول [السُّؤَالُ] ـ[أعاني مشكلة في التبول، حيث ينزل القليل منه بعد تبولي بـ 5 أو 10 دقائق، مما يجبرني على الانتظار 15 دقيقة تقريبا للتأكد (من انقطاعه) ، وكذلك فأنا أؤخر الصلاة 20 دقيقة، ولا ينزل مني البول في غير هذين الحالتين أعلاه. فهل توجد طريقة تساعدني على الصلاة في الوقت، أم أن علي الانتظار وإعادة الوضوء؟ هذه المشكلة عقدت حياتي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الشريعة الإسلامية شريعة سمحة ترفع الحرج عن العباد وتيسر عليهم أمورهم قال الله تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) الحج / 78، وما سألت عنه أمر لا يدعو إلى القلق والإصابة بالإحباط واليأس لأن ما أصبت به هو ابتلاء من الله تعالى تؤجر على الصبر عليه، واعلم بأن دين الله يسر في كل شئ، فإذا كان هذا من عادتك وأنت تعلم أن انقطاع البول يتأخر خمس أو عشر دقائق، فإن الأمر يقتضي أن تقوم مبكراً قبل الوقت بنحو عشر دقائق من أجل أن تبول حتى ينقطع ثم بعد ذلك تتوضأ لكن لو فرض أنك قمت متأخراً وأنت محتاج إلى التبول فلا حرج عليك أن تبول وتنتظر حتى ينتهي البول ولو فاتتك صلاة الجماعة لإنك في هذه الحال معذور، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (لا صلاة بحضرة طعام ولا هو يدافعه الأخبثان) رواه مسلم برقم (560) فعلى هذا نقول: تقدم قبل الوقت بالمقدار الكافي لانقطاع بولك، فإن لم يتيسر لك ذلك فإنك تنتظر ولو فاتتك صلاة الجماعة، مادمت محصوراً تشتغل بنفسك بمدافعة هذا الشيء والله الموفق. اهـ الشيخ ابن عثيمين: فتاوى منار الإسلام (1 / 106) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 26806 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 80 هل المرأة يخرج منها المَذي والوَدي [السُّؤَالُ] ـ[حيث أن الأمر يتعلق بعلاقاتي الخاصة بزوجتي، وباستمتاعنا الجسدي، فأنا أريد أن أعرف بعض الأمور المحددة من وجهة النظر الإسلامية. هل هناك أي شيء يخرج من فرج المرأة يشابه ما يخرج من الرجل من المذي والودي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ماء المرأة ينقسم انقسام ماء الرجل، ويخرج منها المَنِيّ، والمَذي، والوَدي. فإذا نزل منها مذي وجب عليها غسل فرجها، وإذا نزل منها ودي فحكمه حكم البول ويجب عليها غسله. فتوى اللجنة الدائمة فتاوى العلماء في عشرة النساء ص37 وأجاب الشيخ الفوزان عن حكم الإفرازات التي تخرج من المرأة هل تعتبر نجسة فقال: والإفرازات التي تخرج من قبل المرأة نجسة وتنقض الوضوء وتنجس ما أصاب البدن أو الثياب. فيجب على المرأة أن تستنجي منها وتتوضأ إذا أرادت الصلاة وتغسل المكان الذي أصابته من ثوبها أو بدنها. وخروج الإفرازات من المرأة نتيجة القُبلة أو المُلاعبة من الزوج لا تُوجِب الغسل إلا إذا كانت مَنِيّاًً خرج بدفق ولذَّة. فتاوى المرأة المسلمة 1 /222 وإذا تبيَّن أن المذي والودي والبول كلها نجسة فلا يجوز ابتلاعها لأن ابتلاع النجاسة حرام.. قال الشافعي: ولا يحِل شرب النجس ولا أكله. الأم ج/7 ص/221 قال ابن قدامة في المغني: شرب النجس حرام ج/1 ص/378 قال الدسوقي: ولو أكل أو شرب نجساً وجب عليه أن يتقيَّأه.. حاشية الدسوقي ج/1 ص/69 وأما المني فهو طاهر لكن ابتلاعه مستقذر تعافه النفوس السليمة وأصحاب الفطر المستقيمة ولا يجوز أكل المستقذرات ولا شربها ولا ابتلاعها، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 12223 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 81 حكم نجاسة لحم الخنزير [السُّؤَالُ] ـ[لقد قرأت أن الصحون والملاعق والسكاكين التي لامست لحم الخنزير يجب أن تغسل سبع مرات بالماء ومرة واحدة بالرمل , هل هذا صحيح؟ على أي حديث يستند هذا الحكم؟ ألا يكفي أن تغسل الصحون بالصابون مرة واحدة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لحم الخنزير مُحَرَّمٌ ولا يجوز أكله، سواء كان لَحْمُه أو شَحْمُه أو أيّ جزءٍ من أجزائه. لقول الله تعالى: (حرّمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير) المائدة /3. وأجمع المسلمون على تحريم الخنزير بجميع أجزائه، وقد حرَّمه الله لما فيه من الضرر ولأنه رجس، كما قال عز وجل: (قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) الأنعام/145 ولحمه داء، وكلما تقدم الناس في العلم فإنهم يكتشفون أمراضاً أخرى، بسبب أكل لحم الخنزير. وينبغي على المسلم الابتعاد عن الأماكن التي يؤكل فيها هذا اللحم القذر حتى لا يأكل منه بدون علمه. أما غسل الصحون فيكفي غسلها جيداً بما يزيل قذر هذا اللحم. لأنّ الصحيح أنّ نَجَاسَةَ الخِنْزِيرِ كَغَيْرِهِ ولا يُغْسَلُ سبع مرات إحداها بالتراب، انظر الشرح الممتع لابن عثيمين 1/356. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 10528 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 82 القولون العصبي والغازات المستمرة [السُّؤَالُ] ـ[أنني مصاب بمرض القولون العصبي ومن أعراضه غازات وأنتفاخ في البطن ولا أستطيع أن أتحكم في خروج تلك الغازات بالرغم من خروجها باستمرار مما يسببلي أحراج في الصلوات. وأريد أن اسأل: في يوم الجمعة إذا خرجتُ مبكراً قبل الصلاة مثلاً بساعة هل يلزمني أعادة الوضوء عند دخول الإمام علماً أن في هذا مشقة كبيرة للزحام على أماكن الوضوء في ذلك الوقت. ثانياً أنا مؤذن مسجد وأحيانا أأم الجماعة فما حكم أمامتي وأنا على تلك الحالة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله حالتك شبيهة بمن عنده سلس بول، لذا يجب عليك أن تتوضأ عند دخول وقت كل صلاة، ويجب عليك أن تتوضأ كذلك لصلاة الجمعة بعد النداء الثاني ولو كان الزحام شديدا. أما بالنسبة لإمامتك الناس، فإنها صحيحة على الراجح وإن رأيت أن تترك غيرك يصلي بالناس فقد يكون هذا أحسن لأنه من المحتمل أن يخرج منك شيء ويتفطن الناس إليه، ومع أن صلاتك صحيحة إلا أنك لن تقوم بشرح حالتك للمصلين كي لا يسيئوا الظن بك، نسأل الله تعالى أن يرفع عنك ما أصابك وأن يرد عليك سابق صحتك وعافيتك. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 22343 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 83 صفة التيمم [السُّؤَالُ] ـ[كيف يتيمم الإنسان إذا لم يجد الماء، أو لم يستطع استعمال الماء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله روى البخاري ومسلم حديثَ عمار بن ياسر رضي الله عنهما في صفة التيمم، وقد رواه البخاري في عدة مواضع من صحيحه، ولفظ إحدى هذه الروايات (347) (1/455) من الفتح: (إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَصْنَعَ هَكَذَا؛ فَضَرَبَ بِكَفِّهِ ضَرْبَةً عَلَى الأَرْضِ ثُمَّ نَفَضَهَا، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا ظَهْرَ كَفِّهِ بِشِمَالِهِ، أَوْ ظَهْرَ شِمَالِهِ بِكَفِّهِ، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ) . ورواه أبو داود (317) (1/515) من عون المعبود، بنفس إسناد البخاري إلا شيخَ البخاري (محمد بن سلاَم) فإنه أبدله بـ (محمد بن سليمان الأنباري) قال عنه الحافظ في التقريب (2/167) : صدوق اهـ ولفظه: (فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى الأَرْضِ فَنَفَضَهَا، ثُمَّ ضَرَبَ بِشِمَالِهِ عَلَى يَمِينِهِ، وَبِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ عَلَى الْكَفَّيْنِ، ثُمَّ مَسَحَ وَجْهَهُ) . وذكر الحافظ في الفتح (1/457) أن الإسماعيلي رواه بلفظ: (إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَضْرِبَ بِيَدَيْكَ عَلَى الأَرْضِ، ثُمَّ تَنْفُضَهُمَا، ثُمَّ تَمْسَحَ بِيَمِيْنِكَ عَلَى شِمَالِكَ، وَشِمَالِكَ عَلَى يَمِيْنِكَ، ثُمَّ تَمْسَحَ عَلَى وَجْهِكَ) . قال الشنقيطي في أضواء البيان (2/43) : فحديثُ البخاري هذا نصٌّ في تقديم اليدين على الوجه اهـ وقال شيخ الإسلام في الفتاوى (21/423) : فرواية البخاري صريحةٌ في أنه مَرَّ على ظهر الكف قبل الوجه، وقولُه في الرواية الأخرى: (وظاهر كفيه) يدل على أنه مسح ظاهر كل منهما براحة اليد الأخرى اهـ. وقال أيضاً (21/425) : لكنَّ الروايةَ التي انفرد بها البخاري تبين أنه مسح ظهر الكفين قبل الوجه اهـ وانظر الفتاوى (21/422-427) . وعلى هذا تكون صفة التيمم: أن يقول: بسم الله ناوياً التيمم، ثم يضرب بكفيه وجه الأرض ضربة واحدة، ثم يمسح ظاهر كفه الأيمن براحة يده اليسرى، وظاهر كفه الأيسر براحة يده اليمنى، ثم يمسح وجهه بيديه. ويقال بعد التيمم ما يقال بعد الوضوء من الأذكار. والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 21074 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 84 يحس بخروج شيء عند تحدثه مع النساء [السُّؤَالُ] ـ[أحاول أن أتلو الأذكار أو أصلي ولكن لا أستطيع لأني أجد أشياء تخرج مني. أتكلم مع فتيات لكن ليس هناك انتصاب أو شيء ويخرج مني هذا السائل ربما بسبب البنات لكن لا تستطيع أن تتوقف عن محادثة البنات في مجتمع كهذا. إنني لا أتكلم في أمور سيئة ولا أعرف سبب المشكلة. أريد أن أعرف إن كان منياً فهل وضوئي ينتقض وماذا أفعل لأتخلص من هذا السائل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يَحْرُمُ عليك أيها السَّائِل النَّظَر إلى النساء ابتداءً، فضلاً عن محادَثَتِهِنَّ، حتى ولو كان كما تقول، أنك لا تَتَكلَّم في أمور سيئة، لأن هذا الأمر يجرّك للوقوع في المُحَرَّمِ، ويراجع سؤال رقم: 1200 و 1121، أما هذا السائل فليس منياً يراجع سؤال 2458 في الفرق بين المِنِّي والمَذي والأحكام المتعلقة بهما، فالواجب عليك الابتعاد عن هذا الأمور، خاصة وأنك كما تَذْكُر، تصلِّي وتَتْلُو الأذكار، ولا تتعلل بالمجتمع الذي تعيش فيه فإن هذا من ألاعيب الشيطان ومَكْرِهِ، لأن مجتمعك لاشك لا يخلو من الرجال الذين يمكنك أن تتحدث معهم بما يرضي الله، وتذكر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) . نسأل الله لنا ولك الهداية. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 10156 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 85 التطيب بالكولونيا بعد الوضوء [السُّؤَالُ] ـ[كثر الجدل حول التطيب بمادة الكولونيا، فهل يشرع للمسلم المتوضيء أن يجدد وضوءه منها أو يغسل ما وقعت عليه من جسده؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الطيب المعروف بالكولونيا لا يخلو من المادة المعروفة بالسبرتو وهي مادة مسكرة حسب إفادة الأطباء فالواجب ترك استعماله، والاعتياض عنه بالأطياب السليمة، أما الوضوء منه فلا يجب ولا يجب غسل ما أصاب البدن منه لأنه ليس هناك دليل واضح على نجاسته، والله ولي التوفيق. [الْمَصْدَرُ] فتاوى إسلامية، ابن باز (1/135) الحديث: 13936 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 86 إذا تحركت الريح ولم تخرج هل ينتقض الوضوء؟ [السُّؤَالُ] ـ[أود معرفة الضابط الواضح فيما يخص انتقاض الوضوء بخروج ريح. فقد يحدث أحيانًا أن تتحرك غازات في الدبر لكنها لا تخرج إلى الخارج. هل يعتبر الوضوء قد انتقض بسبب هذا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الناقض هو خروج الريح المعتاد من الدبر، هذا الذي ينقض الوضوء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن زيد في الرجل يخيل إليه أنه أحدث في الصلاة ولم يحدث قال: (لا يخرج حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) فإذا حدث في بطنه شئ فشك هل انتقض وضوؤه أو لا فالأصل بقاء الطهارة. [الْمَصْدَرُ] الشيخ الدكتور / خالد المشيقح الحديث: 20330 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 87 يجوز للعريس أن يستقبل المهنئين وهو جنب [السُّؤَالُ] ـ[اعتاد الناس في بلدتنا انتظار العروس بعد الدخول به ليلة الزفاف ليباركوا لها والجلوس معها بعض الوقت، وكذلك يفعل الرجال مع العريس، هذا الأمر يجعل العرسان يخرجون إليهم قبل الغسل من الجنابة؛ فهل هذا جائز، أم يجب عليهم الغسل أولا ثم الخروج لاستقبال المهنئين، الأمر الذي يأخذ منهم الكثير من الوقت لتجهيز أنفسهم، خاصة المرأة، فما رأيكم في ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج في خروج الجنب لاستقبال المهنئين والسلام عليهم والجلوس معهم؛ لما روى البخاري (283) ومسلم (372) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَهُ فِي بَعْضِ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ جُنُبٌ فَانْخَنَسْتُ مِنْهُ فَذَهَبَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ كُنْتُ جُنُبًا فَكَرِهْتُ أَنْ أُجَالِسَكَ وَأَنَا عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ إِنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَنْجُسُ) . والأفضل له أن يتوضأ؛ لما روى مسلم (305) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ جُنُبًا فَأَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَنَامَ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ. ولأنّ الملائكة لا تقرب الجُنُب كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ثَلَاثَةٌ لَا تَقْرَبُهُمْ الْمَلَائِكَةُ جِيفَةُ الْكَافِرِ وَالْمُتَضَمِّخُ بِالْخَلُوقِ وَالْجُنُبُ إِلا أَنْ يَتَوَضَّأَ) رواه أبو داود 4180 وحسنه الألباني في صحيح أبي داود 3522 وَالْمُتَضَمِّخُ بِالْخَلُوقِ: هو الرجل المتلطّخ بطيب فيه زعفران لما في ذلك من الرّعونة والتشبّه بالنساء. "فيض القدير" (3/325) . وراجع السؤال رقم (6533) على أن هذه العادات القديمة، مما ينبغي توعية الناس وتعويدهم على التخلص منها؛ فمثل هذا الاجتماع المتعمد، والمعتاد، مما يخدش حياء العروسين، بل ويحملهما عبئا نفسيا زائدا في مثل هذه الظروف: أن يشعر الرجل هو وامرأته أن الأقارب والأصدقاء في انتظار انتهائهما من شأنهما، ليباركوا لهما بعد ذلك؟!! إن وقت التهنئة ليس مضيقا على هذا الوقت المحرج؛ فبالإمكان أن تتم هذه التهنئة أثناء العرس، أو بعد تلك الليلة، أو في أي وقت آخر، ولا وجه لتعمد ذلك الوقت، وتهنئة الزوجين به إلا العادات القديمة البالية، والتي لا أصل لها في الشرع، ولا وجه لها من العقل السليم، أو محاسن الآداب والأخلاق. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 91391 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 88 يريد الحج ولكن تنزل منه قطرات بعد البول فيشق عليه غسل الثياب [السُّؤَالُ] ـ[أريد الحج عن أخي المتوفى، وأنا أعاني من نزول بعض القطرات اللزجة الشفافة (ليست بول) بعد التبول بفترات زمنية مختلفة، مما يضطرني لغسل ملابسي عند كل صلاة. سؤالي: هل أحج عن أخي هذه السنة مع ما في ذلك من حرج أثناء الإحرام والصلاة أو أؤجل الحج إلى أن أتعالج بإذنه تعالى. سؤالي الآخر: هل تعتبر هذه القطرات مذيا أو وديا أو إفرازات أخرى؟ وما الحكم في كل حالة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: ما يخرج بعد البول غالبا هو الودي، وهو ماء أبيض ثخين، يخرج قطرات بيضاء، وهو نجس ناقض للوضوء. قال النووي رحمه الله مبينا الفرق بين المذي والودي: " وأما المذي فهو ماء أبيض رقيق لزج يخرج عند شهوةٍ، لا بشهوة، ولا دفق ولا يعقبه فتور وربما لا يحس بخروجه، ويشترك الرجل والمرأة فيه ... وأما الودي فماء أبيض كدر ثخين، يشبه المني في الثخانة ويخالفه في الكدورة ولا رائحة له، ويخرج عقيب البول ... ، وعند حمل شيء ثقيل، ويخرج قطرة أو قطرتين ونحوهما. وأجمع العلماء أنه لا يجب الغسل بخروج المذي والودي " انتهى من "المجموع" (2/160) باختصار. وسئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله: عند نهاية التبول أجد نزول بعض السائل المنوي، ولا أدري هل يجب الاغتسال بعد كل تبول أو ماذا أفعل؟ لأني في شك بأن تأثيره نفس تأثير الجماع. فأجاب: "هذا المني الذي يخرج بعد البول هو الودي المشهور، وحيث إنه يخرج بعد البول ويسيل سيلانا فإنه لا يوجب الاغتسال، وإنما ينقض الوضوء، فيلزم غسل الذكر بعده والوضوء، ولا يجب الاغتسال، وإنما يجب الغسل بخروج المني دفقا بلذة لا بدونها؛ والدفق هو أن يندفع اندفاعا قويا، لا كخروج البول الذي يسيل ويتقاطر، فلا يضرك خروجه هكذا " انتهى نقلا عن "فتاوى إسلامية" (1/226) . وراجع جواب السؤال رقم (47693) . ثانيا: ما دامت هذه القطرات لا تنزل إلا بعد التبول، فلا يكون ذلك كسلس البول الذي ينزل باستمرار بدون اختيار صاحبه، وحينئذ عليك أن تستعد للصلاة قبل دخول وقتها بفترة كافية لانقطاع هذه القطرات، وينبغي أن تجعل قطعة قماش أو منديل يمنع انتشار هذه النجاسة إلى ثيابك، وحينئذ لا تحتاج إلا إلى تغيير هذا المنديل فقط، وهذا أيسر عليك من غسل الثياب أو تغييرها. وإذا نسيت وضع المنديل أو تعدت النجاسة إلى الثياب وشق عليك تغييرها أو غسلها، لسبب ما، فنرجو ألا يكون عليك حرج في الصلاة بها. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " المريض المصاب بسلس البول ولم يبرأ بمعالجته عليه أن يتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، ويغسل ما يصيب بدنه، ويجعل للصلاة ثوبا طاهرا إن لم يشق عليه ذلك، وإلا عفي عنه، لقول الله تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) وقوله: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) وقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) ويحتاط لنفسه احتياطا يمنع انتشار البول في ثوبه أو جسمه أو مكان صلاته " انتهى نقلا عن "فتاوى إسلامية" (1/192) . ولا يجوز لك أن تصلى مع نزول هذه القطرات ما دمت تعلم أن ستنقطع ولو أدى ذلك إلى فوات صلاة الجماعة. سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: رجل مصاب بسلس في البول، يطهر بعد التبول لفترة. لو انتظر انتهاء السلس لانتهت الجماعة ماذا يكون الحكم؟ فأجابوا: إذا عرف أن السلس ينتهي فلا يجوز له أن يصلي وهو معه طلبا لفضل الجماعة. وإنما عليه أن ينتظر حتى ينتهي ويستنجي بعده ويتوضأ ويصلي صلاته ولو فاتته الجماعة. وعليه أن يبادر بالاستنجاء والوضوء بعد دخول الوقت، رجاء أن يتمكن من صلاة الجماعة " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/408) . ثالثا: أما الحج عن أخيك هذه السنة أو في السنة القادمة بعد العلاج، فانظر ما هو الأرفق لك، ولا حرج في تأخير الحج عنه إلى العام القادم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83987 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 89 مصابة بالوسواس وتشك في عبادتها [السُّؤَالُ] ـ[أنا إنسانة شديدة الوساوس بشكل لا يتصوره عقل بشر في الصيام، وعندما أكون صائمة في رمضان تأتيني الوساوس في كل وقت أن صيامي خاطئ. فمثلا تأتيني الوساوس قبل الفجر وبعده، وأحيانا قبل المغرب على أتفه سبب، ومن ثم أصوم ذلك اليوم ولكن أنوي أن أعيده، وعندما انتهى رمضان قلت في نفسي سأقضي القضاء فقط، لأن تلك الأيام صمتها. ولكن جاءت الوساوس مرة أخرى بأن ما قلت سأعيده يجب إعادته لأنني نويت إعادته والآن لا أدري أأعيدها أم أسال الله عز وجل قبولها؟ بالإضافة أنني جاءتني بعد القصة البيضاء صفرة في رجب وشعبان ورمضان ثم بعد ذلك لم تعد تأتيني بعد القصة البيضاء أي صفرة أو كدرة وهذا كان له كبير الأثر في المعاونة على الوساوس، هذا وتضيع علي الأيام بعد رمضان بسبب الوساوس فهذا لم أنوي وهذا أدخلت نيتين وهذا دخل شيء في حلقي وهذا وذاك حتى يقرب رمضان الآخر وأنا لم أقض وأنا في حالة لا يعلم بها إلا الله عز وجل أرجو الإفادة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نسأل الله تعالى أن يشفيك ويعافيك من هذه الوساوس؛ لأن الوسوسة نوع من المرض يتوصل الشيطان من خلاله إلى إدخال الهم والحزن على المؤمن، ونوصيك بالصبر، والفزع واللجوء إلى الله تعالى وسؤاله العفو والعافية فإنه سميع قريب مجيب، جل وعلا. واعلمي أن خير علاج للوسوسة هو الإعراض عنها، وعدم الالتفات إليها. وانظري جواب السؤال رقم (62839) و (25778) . ثانياً: صيامك صحيح، ولا يلزمك إعادة شئ منه، ولو كنت نويت الإعادة، لأنها ـ كما تعلمين وساوس ـ لا حقيقة لها. وانظري السؤال رقم (39684) ثالثاً: نزول الصفرة أو الكدرة بعد القصة البيضاء لا يكون حيضاً؛ لقول أم عطية رضي الله عنها: (كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئاً) رواه البخاري (326) وأبو داود (307) واللفظ له. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82763 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 90 إذا مس فرجه أثناء الغسل هل يلزمه الوضوء؟ [السُّؤَالُ] ـ[ي عن الطهارة وبالخصوص غسل الجنابة بعد غسل اليدين والفرج ثم الوضوء هل يجوز غسل الفرج مرة أخرى حينما نعم الماء على سائر البدن أم أنه سيبطل الوضوء إذا كنت أنوي الصلاة بعد الانتهاء من الغسل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله السنة أن يغسل الإنسان فرجه قبل الشروع في الغسل، كما دل عليه ما رواه البخاري (276) ومسلم (317) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَتْ مَيْمُونَةُ: (وَضَعْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُسْلًا فَسَتَرْتُهُ بِثَوْبٍ، وَصَبَّ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ صَبَّ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فَغَسَلَ فَرْجَهُ، فَضَرَبَ بِيَدِهِ الْأَرْضَ فَمَسَحَهَا، ثُمَّ غَسَلَهَا، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ، ثُمَّ صَبَّ عَلَى رَأْسِهِ وَأَفَاضَ عَلَى جَسَدِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ) . فإن مس فرجه بعد ذلك أو غسله مرة أخرى فالأحوط أن يتوضأ بعد انتهاء الغسل، لما ذهب إليه أكثر العلماء من أن مس الفرج ناقض للوضوء، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (82759) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82521 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 91 يخرج منه سائل شفاف بعد التبول بربع ساعة [السُّؤَالُ] ـ[يخرج مني سائل شفاف لزج.. بعد التبول بربع ساعة.. وأحيانا أتوضأ وأصلي فأشعر بإحساس أن هذا السائل يخرج ومرات أجد آثارا على العضو وأحيانا لا أجد فما حكم الصلاة هنا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: ما يخرج بعد البول عادة، هو الودي، ولمعرفة الفرق بين الودي والمذي والمني، وما يترتب على كل منها انظر جواب السؤال رقم (47693) . ثانيا: إذا استمر خروج البول أو الودي أو المذي، بحيث كان لا يتوقف في وقت معين، فهذا هو السَّلَس، وصاحبه يعامل معاملة خاصة في باب الطهارة، من جهتين: الأولى: أنه يتوضأ بعد دخول وقت الصلاة، ويصلي ما شاء من الفرض والنوافل، ولا يضره خروج الخارج، ولو خرج أثناء الصلاة، فإذا دخل وقت الفريضة التالية وأراد الصلاة توضأ مرة أخرى، وهكذا. والثانية: أنه يلزمه التحفظ من انتشار النجاسة بوضع قطن ونحوه، ثم غسل ما أصابه من النجاسة في بدنه أو ثوبه، فإن شق عليه الغسل أو تبديل الثوب المتنجس صلى على حاله. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " المريض المصاب بسلس البول ولم يبرأ بمعالجته عليه أن يتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، ويغسل ما يصيب بدنه، ويجعل للصلاة ثوبا طاهرا إن لم يشق عليه ذلك، وإلا عفي عنه، لقول الله تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) وقوله: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) وقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) ويحتاط لنفسه احتياطا يمنع انتشار البول في ثوبه أو جسمه أو مكان صلاته " انتهى نقلا عن "فتاوى إسلامية" (1/192) . هذا فيما إذا استمر الخارج ولم يُعهد وقت لانقطاعه، أما إذا علمت أنه يتوقف بعد ربع ساعة مثلا فإنه يلزمك تأخير الوضوء والصلاة إلى انقطاعه وتوقفه، ولو أدى ذلك إلى ترك الجماعة في المسجد، فإن مصلحة أداء الصلاة مع الطهارة المتيقنة آكد من مصلحة أدائها مع الجماعة. قال في مطالب أولي النهى (1/266) : "وإن اعتيد انقطاع حدثٍ دائمٍ زمنا يتسع للصلاة والطهارة لها تعيّن فعل المفروضة فيه ... ؛ لأنه قد أمكنه الإتيان بها على وجه لا عذر معه ولا ضرورة، فتعيّن كمن لا عذر له" انتهى بتصرف. وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: رجل مصاب بسلس في البول، يطهر بعد التبول لفترة. لو انتظر انتهاء السلس لانتهت الجماعة ماذا يكون الحكم؟ فأجابوا: "إذا عرف أن السلس ينتهي فلا يجوز له أن يصلي وهو معه طلبا لفضل الجماعة. وإنما عليه أن ينتظر حتى ينتهي ويستنجي بعده ويتوضأ ويصلي صلاته ولو فاتته الجماعة. وعليه أن يبادر بالاستنجاء والوضوء بعد دخول الوقت، رجاء أن يتمكن من صلاة الجماعة " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/408) . ثالثا: إذا لم يكن الخارج مستمرا، وتوضأت وصليت بعد توقفه، فينبغي الحذر من الوسوسة، والتعلق بالوهم والظن، فربما خيل إليك الشيطان أن شيئا يخرج منك أثناء الصلاة، فلا تلتفت لذلك ما لم تتحقق خروجه، ولا يلزمك التفتيش في ثيابك بعد كل صلاة، فإن الشيطان حريص على إدخال الهم والحزن على المسلم، وتشكيكه في عبادته، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا كَانَ فِي الصَّلَاةِ جَاءَهُ الشَّيْطَانُ فَأَبَسَ بِهِ، كَمَا يَأْبِسُ الرَّجُلُ بِدَابَّتِهِ، فَإِذَا سَكَنَ لَهُ أَضْرَطَ بَيْنَ أَلْيَتَيْهِ لِيَفْتِنَهُ عَنْ صَلَاتِهِ، فَإِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا لَا يُشَكُّ فِيهِ) رواه أحمد (8351) وإسناده قوي كما قال شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند. ومعنى (فأبَسَ منه) : ضربه، كما يضرب الرجل دابته ليزجرها. وينبغي استشارة الطبيب في هذا الخارج، والبحث عن دواء له إن كان ناشئا عن مرض، فإن الله تعالى أنزل لكل داء دواءً، عافانا الله وإياك. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82079 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 92 طهارة وصلاة من به سلس البول [السُّؤَالُ] ـ[اشعر بنزول بعض نقاط من البول سألت بالنسبة للصلاة فقيل لي توضئي لكل وقت صلاة وصلي ما شئت وإذا دخل وقت صلاة أخرى توضئي وضوءا جديدا. سؤالي هو: هل يجوز لي التوضؤ قبل دخول وقت الصلاة مثلا: للحاق بصلاة الجماعة بالمسجد؟ هل عندما أكون خارج المنزل يجوز لي أن أصلي بوضوء الصلوات التي يحين وقتها، وإن لم يجز ماذا أفعل لأطهر ملابسي الداخلية لأتوضأ وأصلي بها؟ وهل يجوز لي صلاة طويلة بوضوء واحد مثل صلاة العشاء ثم التراويح؟ جزاكم الله كل خير..]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله 1- من كان حدثه دائما مستمرا، كصاحب سلس البول والريح، يتوضأ لوقت كل صلاة، ويصلي بوضوئه ما شاء من الفروض والنوافل، حتى يدخل وقت الصلاة الأخرى. وذلك لما في الصحيحين عن عائشة قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني امرأة أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، إنما ذلك عرق وليس بحيض، فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي، ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت. رواه البخاري (226) – واللفظ له – ومسلم (333) وصاحب السلس ملحق عند أهل العلم بالمستحاضة. لكن إن علم أن البول ينقطع عنه في وقت يتسع لطهارته وصلاته لزمه تأخير الصلاة لذلك الوقت. قال الشيخ ابن عثيمين: (المصاب بسلس البول له حالان: الأولى: إذا كان مستمرّاً عنده بحيث لا يتوقف، فكلما تجمَّع شيء بالمثانة نزل: فهذا يتوضأ إذا دخل الوقت ويتحفظ بشيء على فرجه، ويصلِّي ولا يضرُّه ما خرج. الثانية: إذا كان يتوقف بعد بوله ولو بعد عشر دقائق أو ربع ساعة: فهذا ينتظر حتى يتوقف ثم يتوضأ ويصلِّي، ولو فاتته صلاة الجماعة) . " أسئلة الباب المفتوح " (س 17، لقاء 67) . وقد اختلف العلماء في طهارة المستحاضة ونحوها هل تبطل بخروج الوقت أم بدخول الوقت الآخر، وثمرة ذلك تظهر فيمن توضأت لصلاة الصبح، فهل لها أن تصلي بوضوئها هذا صلاة الضحى وصلاة العيدين أم لا؟ فمن قال: إن طهارتها تبطل بخروج الوقت، منعها من ذلك، لأنها بطلوع الشمس قد انتقضت طهارتها. ومن قال: إن طهارتها تبطل بدخول الوقت الآخر، أجاز لها أن تصلي الضحى والعيدين بوضوء الصبح لأن طهارتها باقية إلى دخول وقت الظهر. والقولان في مذهب الإمام أحمد وغيره. (الإنصاف 1/378، والموسوعة الفقهية 3/212) . والأحوط أن تتوضأ للضحى والعيدين وضوءا جديدا، وبهذا أفتى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، وانظري السؤال رقم 22843. 2- وبناء على ما سبق: ليس لك أن تتوضئي قبل الوقت لتصلي بعده، سواء كان ذلك لإدراك الجماعة أو غيرها لأن طهارتك ستنتقض بدخول الوقت الجديد. غير أننا ننبه على أن هذا الحكم متعلق باستمرار الحدث، وخروج الخارج، لكن لو قُدر أن صاحب السلس توضأ، ثم لم يخرج منه شيء حتى دخل وقت الصلاة الأخرى، لم يلزمه الوضوء، وهو على وضوئه الأول. فقول الفقهاء: يتوضأ لوقت كل صلاة، مقيد بما إذا خرج منه شيء. قال البهوتي في الروض المربع (ص 57) : ((والمستحاضة ونحوها) ممن به سلس بول أو مذي أو ريح. . . (تتوضأ لـ) دخول (وقت كل صلاة) إن خرج شيء (وتصلي) ما دام الوقت (فروضا ونوافل) ، فإن لم يخرج شيء لم يجب الوضوء) انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (يجب على المستحاضة أن تتوضأ لوقت كل صلاة إن خرج شيء، فإن لم يخرج منها شيء بقيت على وضوئها الأول) الشرح الممتع 1/438 3- وإن كنت خارج المنزل، وقد انتقضت طهارتك بدخول الوقت، وأردت الصلاة فإنه يلزمك أن تعيدي الوضوء بعد غسل المحل، وشده بما يمنع خروج الخارج قدر الإمكان. وتطهير الملابس الداخلية يكون بغسلها، وإن خصصت لصلاتك ثيابا طاهرة تحملينها معك كان أرفق بك وأيسر، وإن شق عليك غسل الملابس أو تبديلها فصلي على حالك. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: (المريض المصاب بسلس البول ولم يبرأ بمعالجته عليه أن يتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، ويغسل ما يصيب بدنه، ويجعل للصلاة ثوبا طاهرا إن لم يشق عليه ذلك، وإلا عفي عنه لقول الله تعالى (وما جعل عليكم في الدين من حرج) وقوله: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) وقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" ويحتاط لنفسه احتياطا يمنع انتشار البول في ثوبه أو جسمه أو مكان صلاته) انتهى نقلا عن فتاوى إسلامية 1/192. وإذا شق عليك الوضوء وغسل الثياب لكل صلاة فإنه يجوز لك الجمع بين صلاتي الظهر والعصر، فتصليهما بوضوء واحد في وقت إحداهما، وكذلك الجمع بين صلاتي المغرب والعشاء. سواء كنت داخل البيت أو خارجه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (24/14) : ويجمع المريض والمستحاضة اهـ. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (4/559) : يجوز الجمع للمستحاضة بين الظهرين (الظهر والعصر) والعشائين (المغرب والعشاء) لمشقة الوضوء عليها لكل صلاة اهـ. 4- ولك أن تصلي التراويح بوضوء العاء، ولو امتدت صلاة التراويح إلى ما بعد نصف الليل. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجوز للمرأة المستحاضة أن تصلي قيام الليل إذا انقضى نصف الليل بوضوء العشاء؟ فأجاب رحمه الله: (هذه المسألة محل خلاف، فذهب بعض أهل العلم إلى أنه إذا انقضى نصف الليل وجب عليها أن تجدد الوضوء، وقيل: لا يلزمها أن تجدد الوضوء، وهو الراجح) فتاوى الطهارة ص 286. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39494 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 93 استعمال المناديل والأوراق في إزالة النجاسة [السُّؤَالُ] ـ[نستعمل في بريطانيا المناديل والأوراق في الاستنجاء في الحمامات فهل يجب استعمال الماء بعد استعمال المناديل أم لا؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز استعمال المناديل والأوراق ونحوهما في الاستجمار وتجزئ إذا أنقت ونظّفت المحل من قُبُل أو دبر، والأفضل أن يكون ما يُستجمر به وتراً كثلاث أوراق أو ثلاثة أحجار ونحو ذلك، ويجب ألا ينقص عن ثلاث مسحات ولا يجب استعمال الماء بعده، ولكنه سنة. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 5/107 الحديث: 2138 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 94 حكم المصنوعات من جلود الحيوانات [السُّؤَالُ] ـ[ما هو الضابط في استخدام الجلود سواء كانت مأكولة اللحم أو غير مأكولة اللحم، وسواء كانت مدبوغة أو غير مدبوغة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أما جلود الحيوانات التي تحل بالذكاة فإنها طاهرة، لأنها صارت طيبة بالذكاة كجلود الإبل والبقر والغنم والظباء والأرانب وغيرها، سواء دبغت أم لم تدبغ، وأما جلود غير المأكول كجلود الكلاب والذئاب والأسود والفيلة، وما أشبهها فإنها نجسة، سواء ذبحت أو ماتت أو قتلت، لأنه وإن ذبحت لا تحل ولا تكون طيبة، فهي نجسة، وسواء دبغت أم لم تدبغ على القول الراجح، لأن القول الراجح أن الجلود النجسة لا تطهر بالدباغ، إذا كانت من حيوان لا يحل بالذكاة. أما جلود الميتة مما ذكي فإنها إذا دبغت صارت طاهرة، وقبل الدبغ هي نجسة، فصارت الجلود الآن على ثلاثة أقسام: القسم الأول: طاهر، دبغ أم لم يدبغ، وهو جلود الحيوان المذكى إذا كان يؤكل. القسم الثاني: جلود لا تطهر لا بعد الدبغ ولا قبل الدبغ فهي نجسة، وهي جلود ما لا يؤكل لحمه كالخنزير. القسم الثالث: جلود تطهر بعد الدبغ ولا تطهر قبله، وهي جلود ما يؤكل لحمه إذا ماتت بغير ذكاة. [الْمَصْدَرُ] لقاء الباب المفتوح لابن عثيمين 52/39 الحديث: 1695 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 95 الفروق بين المني والمذي [السُّؤَالُ] ـ[أحيانا عندما أستيقظ من النوم في الصباح أجد بعض البلل في ملابسي الداخلية. أرجو ألا تنظر للأمر على أنه احتلام أثناء النوم أو تبول لا إرادي لأن المذي أو المادة اللاصقة تخرج مني عادة بعد الاستيقاظ في صباح اليوم التالي وفي أغلب الأحيان أقوم بغسل ملابسي الداخلية وسروالي للسبب ذاته. سبق وقرأت في أحد الكتب أنه إذا لم تكن تلك المادة تحتوي على حيوانات منوية وأنها فقط مجرد مذي عندئذ لا يجب الغسل ويكتفي فقط بالوضوء للصلاة. فإذا كان الحال كذلك ماذا ينبغي أن نفعل مع الملابس؟ وقد لاحظت أن هذا المذي يخرج أيضا في بعض المواقف الحرجة على الرغم من إبعاد نفسي عن جميع المواقف التي تعمل على إفراز المذي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الفرق الأول: في الصفات: المني: بالنسبة للرجل ماء غليظ أبيض، أما بالنسبة للمرأة فهو أصفر رقيق. والأصل في هذه الصفات ما جاء عن أم سليم رضي الله عنها أنها سألت نبي الله صلى الله عليه وسلم عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا رأت ذلك المرأة فلتغتسل " فقالت أم سليم: - واستحيَيْتُ من ذلك - قالت: وهل يكون هذا؟ . فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " فمن أين يكون الشبه؟ إن ماء الرجل غليظ أبيض وماء المرأة رقيق أصفر فمن أيهما علا أو سبق يكون الشبه " متفق عليه. صحيح مسلم 469 قال الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم (3/222) عند قول النبي صلى الله عليه وسلم " إن ماء الرجل غليظ أبيض وماء المرأة رقيق أصفر ": هذا أصل عظيم في بيان صفة المني وهذه صفته في حال السلامة وفي الغالب، قال العلماء: مني الرجل في حال الصحة أبيض ثخين يتدفق في خروجه دفقة بعد دفقة ويخرج بشهوة ويتلذذ بخروجه وإذا خرج استعقب خروجه فتور ورائحة كرائحة طَلْع النخل ورائحة الطلع قريبة من رائحة العجين،.. (وقد يتغيّر لون المنيّ بأسباب منها) .. أن يمرض فيصير منيّه رقيقا أصفر أو يسترخي وعاء المني فيسيل من غير التذاذ وشهوة أو يستكثر من الجماع فيحمرّ ويصير كماء اللحم وربما يخرج دما عبيطا،.. ثم إن خواص المني التي عليها الاعتماد في كونه منيا ثلاث: أحدها الخروج بشهوة مع الفتور عَقِبَه. والثانية: الرائحة التي شبه رائحة الطَّلْع كما سبق. الثالث: الخروج بدَفْق ودَفْعات، وكل واحدة من هذه الثلاث كافية في إثبات كونه منيا ولا يشترط اجتماعها فيه، وإذا لم يوجد شيء منها لم يحكم بكونه منيا وغلب على الظن كونه ليس منيا هذا كله في مني الرجل، وأما مني المرأة فهو أصفر رقيق وقد يَبْيضّ لفَضْل قُوَّتها، وله خاصيتان يعرف بواحدة منهما أحدهما أن رائحته كرائحة مني الرجل والثانية التلذذ بخروجه وفتور قوتها عقب خروجه. أ. هـ. أما المذي: فهو ماء أبيض لزج يخرج عند التفكير في الجماع أو إرادته ولا يجد لخروجه منه شهوة ولا دفعا ولا يعقبه فتور، يكون ذلك للرجل والمرأة وهو في النساء أكثر من الرجال قاله الإمام النووي في شرح مسلم (3/213) . الفرق الثاني: في الحكم المترتب على خروجه من الإنسان: المنيّ يوجب الغسل من الجنابة سواء كان خروجه يقظة بجماع أو غيره أو كان في المنام بالاحتلام. أما المذي فإنه يوجب الوضوء فقط ودليل ذلك ما رواه علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كنت رجلا مذّاء فأمرت المقداد أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله فقال: " فيه الوضوء " متفق عليه واللفظ للبخاري. قال ابن قدامة في المغني (1/168) : قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن خروج الغائط من الدبر وخروج البول من ذكر الرجل وقُبل المرأة وخروج المذي وخروج الريح من الدبر أحداث ينقض كل واحد منها الطهارة. الفرق الثالث: الحكم من جهة طهارتهما ونجاستهما: المني طاهر على القول الراجح من أقوال العلماء ودليل ذلك ما روته عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل المني ثم يخرج إلى الصلاة في ذلك الثوب وأنا أنظر إلى أثر الغسل فيه. متفق عليه وفي رواية لمسلم " ولقد كنت أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فركا فيصلي فيه وفي لفظ " لقد كنت أحكّه يابسا بظفري من ثوبه ". بل ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يترك غسله وهو رطب ويكتفي بمسحه بعود ونحوه كما روى الإمام أحمد في مسنده (6/243) عن عائشة رضي الله عنه قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلت " يزيل ويميط " المني من ثوبه بعرق الأذخر ثم يصلي فيه ويَحتّه من ثوبه يابسا ثم يصلي فيه " ورواه ابن خزيمة في صحيحه وحسنه الشيخ الألباني في الإرواء (1/197) . أما المذي فإنه نجس لحديث علي المتقدم ذكره والذي جاء في بعض طرقه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بغسل الذكر والأنثيين (أي الخصيتين) ويتوضأ كما أخرجه أبو عوانة في مستخرجه وقال ابن حجر في التلخيص: وهذا إسناد لا مطعن فيه. فهو نجس يجب غسل الذكر والأنثيين من خروجه ويُبطل الطّهارة. حكم الثوب إذا أصابه المني والمذي على القول بطهارة المني فإنه لو أصاب الثوب لا ينجّسه ولو صلى الإنسان بذلك الثوب فلا بأس بذلك قال ابن قدامة في المغني (1/763) : " وإن قلنا بطهارته أستحب فركه وإن صلى من غير فرك أجزأه ". أما المذ: فإنه يكتفى بنضح الثوب للمشقة في ذلك ودليل ذلك ما رواه أبو داود في سننه عن سهل بن حنيف قال: كنت ألقى من المذي شدة وكنت اكثر من الاغتسال فسالت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال " إنما يجزئك من ذلك الوضوء. قلت: يا رسول الله فكيف بما يصيب ثوبي منه؟ قال: يكفيك بأن تأخذ كفاً من ماء فتنضح بها ثوبك حيث تُرى (أي تظنّ) أنه أصابه " ورواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح ولا نعرفه إلا من حديث محمد بن إسحاق في المذي مثل هذا. ا.هـ. قال صاحب تحفة الأحوذي (1/373) : واستدل به على أن المذي إذا أصاب الثوب يكفي نضحه ورشّ الماء عليه ولا يجب غسله. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2458 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 96 الطهارة بماء زمزم [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الطهارة بماء زمزم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا تكره الطهارة بماء زمزم عندنا، وبه قال العلماء كافه إلا أحمد في رواية. دليلنا (دليل ذلك) أنه لم يثبت فيه نهي، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الماء طهور لا ينجسه شيء) . وأما ما يقال عن العباس من النهي عن الاغتسال بماء زمزم فليس بصحيح عنه. [الْمَصْدَرُ] من كتاب فتاوى الإمام النووي ص16 الحديث: 3487 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 97 هل يجوز المسح على الخفين إذا لبستهما بعد التيمم؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا تيممت وأنا لابس للحذاء أو الجوارب، فهل يجوز لي المسح؟ نفس السؤال إذا لبستهما بعد التيمم وقبل الحدث.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لم يختلف أهل العلم في أنه يشترط لجواز المسح على الخفين أن يكون قد سبق لبسهما على طهارة، فإن لبسهما على غير طهارة لم يصح المسح عليهما بلا خلاف. يقول ابن قدامة رحمه الله: " لا نعلم في اشتراط تقدم الطهارة لجواز المسح خلافا " انتهى. " المغني " (1/317) ثانيا: ذهب جمهور أهل العلم إلى أن الطهارة المشترطة لجواز المسح على الخفين هي طهارة الماء بمعنى أنه يجب أن يكون قد توضأ أو اغتسل قبل أن يلبسهما، أما إذا تطهر بالتيمم لعدم وجود الماء عند تيممه، أو لعدم القدرة على استعمال الماء، ثم أراد أن يتوضأ ويمسح على الخفين: فلا يجوز له ذلك. يقول ابن قدامة رحمه الله: " إن تيمم ثم لبس الخف لم يكن له المسح: 1- لأنه لبسه على طهارة غير كاملة. 2- ولأنها طهارة ضرورة بطلت من أصلها، فصار كاللابس له على غير طهارة. 3- ولأن التيمم لا يرفع الحدث، فقد لبسه وهو محدث " انتهى. " المغني " (1/319) وجاء في " الموسوعة الفقهية " (37/264) " الجمهور غير الشافعية يشترطون أن تكون الطهارة بالماء؛ من وضوء أو غسل. أما الشافعية فيجوزون أن تكون الطهارة بالماء أو بالتيمم، ولكن ليس لفقد الماء مثلا، بل لعدم القدرة على استعماله " انتهى. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا تطهَّر الإنسان بالتيمم ولبس الخفين، فهل يجوز له أن يمسح عليهما إذا وجد الماء؟ فأجاب: لا يجوز له أن يمسح على الخفين إذا كانت الطهارة طهارة تيمم، لقوله صلى الله عليه وسلم: " فإني أدخلتهما طاهرتين ". وطهارة التيمم لا تتعلق بالرِّجل، إنما هي في الوجه والكفين فقط، وعلى هذا أيضاً لو أن إنساناً ليس عنده ماء، أو كان مريضاً لا يستطيع استعمال الماء في الوضوء، فإنه يلبس الخفين، ولو كان على غير طهارة، وتبقيان عليه بلا مدة محدودة حتى يجد الماء إن كان عادِماً له، أو يشفى من مرضه إن كان مريضاً، لأن الرِّجل لا علاقة لها بطهارة التيمم " انتهى. " مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين " (11/174) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 135530 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 98 كان يمسح الخفين دون أن يلبسهما على طهارة [السُّؤَالُ] ـ[صليت فترة من الزمن وأنا أمسح على الخف (الشراب) ولكني قد نسيت أن من شروط المسح على الخف أنه يجب أن يُلبس الخف على طهارة وبعد علمي بذلك صرت لا ألبس الخف إلا على طهارة , فالسؤال هو: هل يجب عليّ أن أقضي ما تركت من صلاة وصيام أم لا , والصلوات التي كنت لابس الخف على غير طهارة؟ علماً بأني لا أعلم عدد الصلوات التي صليتها وأنا لابس الخف (الشراب) على غير طهارة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يشترط للمسح على الخف أو الجورب شروط منها: لبسهما على طهارة؛ لحديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه لما أراد أن ينزع خفي النبي صلى الله عليه وسلم ليغسل قدميه في الوضوء، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (دَعْهُمَا، فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ، فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا) رواه البخاري (206) ومسلم (274) . وإذا كان الحال ما ذكرت من مسحك على الجوربين وقد لبستهما على غير طهارة، جهلا منك بوجوب ذلك، فلا يلزمك القضاء في قول جماعة من أهل العلم، وإن أمكنك القضاء فهو أولى وأحوط. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وعلى هذا؛ لو ترك الطهارة الواجبة لعدم بلوغ النص، مثل: أن يأكل لحم الإبل ولا يتوضأ ثم يبلغه النص ويتبين له وجوب الوضوء، أو يصلي في أعطان الإبل ثم يبلغه ويتبين له النص: فهل عليه إعادة ما مضى؟ فيه قولان هما روايتان عن أحمد. ونظيره: أن يمس ذَكَره ويصلى، ثم يتبين له وجوب الوضوء من مس الذكر. والصحيح في جميع هذه المسائل: عدم وجوب الإعادة؛ لأن الله عفا عن الخطأ والنسيان؛ ولأنه قال: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) ، فمن لم يبلغه أمر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شيءٍ معيَّنٍ: لم يثبت حكم وجوبه عليه، ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر وعمَّاراً لما أجْنبا فلم يصلِّ عمر وصلَّى عمار بالتمرغ أن يعيد واحد منهما، وكذلك لم يأمر أبا ذر بالإعادة لما كان يجنب ويمكث أياماً لا يصلي، وكذلك لم يأمر مَن أكل من الصحابة حتى يتبين له الحبل الأبيض من الحبل الأسود بالقضاء، كما لم يأمر مَن صلى إلى بيت المقدس قبل بلوغ النسخ لهم بالقضاء. ومن هذا الباب: المستحاضة إذا مكثت مدة لا تصلي لاعتقادها عدم وجوب الصلاة عليها، ففي وجوب القضاء عليها قولان، أحدهما: لا إعادة عليها - كما نقل عن مالك وغيره -؛ لأن المستحاضة التي قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: (إني حضت حيضةً شديدةً كبيرةً منكرةً منعتني الصلاة والصيام) أمرها بما يجب في المستقبل، ولم يأمرها بقضاء صلاة الماضي " انتهى من "مجموع الفتاوى" (21/101) . والواجب على المسلم أن يتعلم ما تتوقف عليه صحة عبادته ومعاملته، فهذا من العلم المفروض عليه، وتركه إثم ومعصية، ولهذا فالأحوط لك هو قضاء تلك الصلوات كما سبق . وإذا جهلت عدد الصلوات، فصل ما يغلب على ظنك أنه العدد المطلوب. وإذا كنت ترك الصلاة والصوم زمنا بعد بلوغك، فالواجب عليك أن تتوب إلى الله تعالى، ولا يلزمك قضاء ما فات، وعليك أن تكثر من نوافل الصيام والصلاة. ونسأل الله تعالى أن يتقبل توبتك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129778 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 99 هل حكم خلع العمامة بعد المسح عليها في الوضوء كحكم الخف؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما هو معيار التفرقة الذي اعتمده الفقهاء في التفرقة بين المسح على الخفين والمسح على العمامة حيث جعلوا النازع للممسوح من الخفين منتقض وضوؤه والنازع للممسوح من العمائم غير منتقض وضوؤه وبارك الله فيكم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: أولاً: المسح على العمامة ثابت بالسنة النبوية الصحيحة، ففي صحيح البخاري (205) عن عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ: (رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى عِمَامَتِهِ، وَخُفَّيْهِ) . والقول بجواز المسح على العمامة هو مذهب الإمام أحمد. وأما جمهور الفقهاء فلا يجيزون المسح على العمامة. قال ابن رشد: " اختلف العلماء في المسح على العمامة، فأجاز ذلك أحمد بن حنبل ... ، ومنع من ذلك جماعة منهم: مالك، والشافعي، وأبو حنيفة ". انتهى " بداية المجتهد" (1/15) . وقال النووي: " وأما إذا اقتصر على مسح العمامة ولم يمسح شيئاً من رأسه، فلا يجزيه بلا خلاف عندنا، وهو مذهب أكثر العلماء ". انتهى " المجموع" (1/407) . ولذلك عدَّ المرداوي مسألة المسح على العمامة من مفردات مذهب الحنابلة. ينظر: "الإنصاف" (1 / 185) . وما ذهب إليه الإمام أحمد هو الأرجح من حيث الدليل. ثانياً: القائلون بجواز المسح على العمامة لم يفرقوا بينها وبين الخف في حكم الطهارة عند خلعهما، بل هما عندهم من باب واحد. فمن يقول ببطلان طهارة من يخلع خفيه بعد المسح، يقول ذلك أيضاً فيمن خلع عمامته بعد المسح عليها، وهو المذهب عند الحنابلة. قال ابن قدامة عن العمامة: " وحكمها في التوقيت، واشتراط تقديم الطهارة، وبطلان الطهارة بخلعها، كحكم الخف؛ لأنها أحد الممسوحين على سبيل البدل ". انتهى " الكافي " (1/39) . وقال المرداوي: " وَمَتَى ظَهَرَ قَدَمُ الْمَاسِحِ، وَرَأْسُهُ، أو انْقَضَتْ مُدَّةُ الْمَسْحِ، اسْتَأْنَفَ الطَّهَارَةَ ". انتهى " الإنصاف" (1 /190) . ومن يقول: إن خلع الخف لا ينقض الوضوء، يقول ذلك أيضاً في خلع العمامة، وهو قول ابن حزم الظاهري ورواية عن الإمام أحمد، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية. ينظر: "المحلى" (1/137) ، (1/340) ، "الإنصاف" للمرداوي (1 / 190) . قال شيخ الإسلام: " ولا ينتقض وضوء الماسح على الخف والعمامة بنزعهما ". انتهى من "الاختيارات العلمية" صـ 26. وقد سبق بيان أقول العلماء في حكم طهارة من خلع خفيه والراجح منها في السؤال (45788) ، (26343) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129557 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 100 لا يجوز المسح على الخفين أو الجوربين إلا إذا لبسهما على طهارة كاملة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الآتي: لو أن شخصاً توضأ ثم لبس الجوربين ثم انتقض وضوؤه فخلع الجوارب لبضع ثوانٍ ليضع بعض الكِريم على قدميه ثم لبس الجوربين مجدداً فهل يلزمه غسل قدميه من جديد إذا أعاد الوضوء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يصح المسح على الجوربين في الوضوء إلا لمن لبسهما على طهارة، وقد دلت على ذلك السنة النبوية الصحيحة. روى البخاري (206) ومسلم (274) عن الْمُغِيرَةِ بن شعبة رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَأَهْوَيْتُ لِأَنْزِعَ خُفَّيْهِ فَقَالَ: (دَعْهُمَا، فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ، فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا) . ولفظ أبي داود (151) : (دع الخفين؛ فإني أدخلت القدمين الخفين وهما طاهرتان) . قال النووي: " فِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ لَا يَجُوز إِلَّا إِذَا لَبِسَهُمَا عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَة " انتهى. وقال ابن قدامة في "المغني" (1/174) : "لَا نَعْلَمُ فِي اشْتِرَاطِ تَقَدُّمِ الطَّهَارَةِ لِجَوَازِ الْمَسْحِ خِلَافًا" انتهى. وقَالَ الإمام مَالِك رحمه الله: " إِنَّمَا يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ مَنْ أَدْخَلَ رِجْلَيْهِ فِي الْخُفَّيْنِ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ بِطُهْرِ الْوُضُوءِ، وَأَمَّا مَنْ أَدْخَلَ رِجْلَيْهِ فِي الْخُفَّيْنِ وَهُمَا غَيْرُ طَاهِرَتَيْنِ بِطُهْرِ الْوُضُوءِ فَلَا يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ " انتهى. "الموطأ" (1/37) . قال في "المنتقي شرح الموطأ" (1/78) : " وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ إِذَا لَبِسَ خُفَّيْهِ بَعْدَ وُضُوئِهِ ثُمَّ أَحْدَثَ ثُمَّ خَلَعَهُمَا ثُمَّ لَبِسَهُمَا فَقَدْ زَالَ حُكْمُ لُبْسِهِمَا عَلَى الطَّهَارَةِ وَصَارَ لَابِسًا لَهُمَا عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ، وَإِدْخَالُهُمَا فِي الْخُفِّ طَاهِرَتَيْنِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ " انتهى. وعلى هذا؛ فمن خلع جوربين ثم أعاد لبسهما على غير طهارة، فلا يجوز له المسح عليهما، بل لابد من غسل الرجلين في الوضوء، وكون مدة خلعهما كانت ثوانٍ يسيرة، لا يختلف به الحكم، لأنه يصدق عليه أنه لبس الجوربين على غير طهارة، فلا يجوز له المسح عليهما. والله أعلم ولمزيد الفائدة راجع السؤال رقم: (9640) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128445 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 101 هل الوضوء مع مسح الجوربين يعد وضوءاً كاملاً؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يصح غسل القدم في الوضوء من فوق الجوارب؟ وهل يعد هذا الوضوء وضوءا كاملاً؟ وهل تقبل الصلاة حينها؟ وهل هذا النوع من الوضوء يمنع النار من أن تمس قدمنا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الذي يظهر أن مراد السائل هو المسح على الجوربين في الوضوء، وهذا المسح مشروع، وهو بدل عن غسل القدمين، ومن توضأ ومسح على الخفين أو الجوربين، فوضوءه صحيح كامل، وقد توضأ النبي صلى الله عليه وسلم ومسح على الخفين، وتوضأ أصحابه كذلك، فهو وضوء كامل، يترتب عليه ما يترتب على الوضوء من أجر وثواب. ويشترط أن يَلبس الجوربين على طهارة كاملة، أي غسَل فيها قدميه، ثم يمسح عليها فيما بعد إن أراد. وإن مسح على جورب خفيف أو مخرق جاز على الراجح، ولمعرفة شروط المسح على الجوربين وصفته، ينظر جواب السؤال رقم (8186) ، ورقم (12796) ، ورقم (9640) . ثانياً: قد جاء الوعيد في حق من لم يتم غسل قدميه في الوضوء، وذلك فيما ما رواه البخاري (163) ومسلم (241) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: تَخَلَّفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنَّا فِي سَفْرَةٍ سَافَرْنَاهَا، فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ أَرْهَقْنَا الْعَصْرَ (أي أخرنا العصر) فَجَعَلْنَا نَتَوَضَّأُ وَنَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: (وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ، مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا) . وروى مسلم (242) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا لَمْ يَغْسِلْ عَقِبَيْهِ، فَقَالَ: (وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ) . والعقب هو مؤخر القدم. وهذا في حق من غسل القدمين لكن لم يتم غسلهما، وأما من مسح على الخفين أو الجوربين فلا يدخل في هذا؛ لأنه أتى بوضوء صحيح كامل، كما سبق. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 117743 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 102 إذا مسح على الخف مسح تجديد ثم خلعه فله أن يلبسه ويمسح عليه [السُّؤَالُ] ـ[إذا توضأ شخص وقت صلاة الظهر ثم ارتدى الخفين ثم قام بتجديد وضوئه لصلاة العصر بالمسح على الخفين فقط ثم خلع الخفين بعد العصر ثم ارتداهما مجددا عند الخروج فهل يجوز له المسح على الخفين عند صلاة المغرب؟ برجاء تقديم الدليل.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: خلع الخف لا ينقض الوضوء على الراجح، فلمن خلع الخف أن يصلي بوضوئه السابق. وينظر جواب السؤال رقم (100112) . ثانيا: من شروط المسح على الخفين أو الجوربين أن يلبسهما على طهارة، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (9640) . والذي توضأ تجديداً لوضوئه ومسح على الجوربين، ثم خلعهما، ثم لبسهما قبل أن ينتقض وضوؤه، فهذا يصدق عليه أنه لبسهما على طهارة، فله أن يمسح عليهما. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ونحن قلنا إنه إذا خلع الخف لا تنتقض الطهارة وقاله غيرنا، لكن ما أحد من هؤلاء الذين قالوا إن الطهارة لا تنتقض قال إنه يجوز أن يعيده ويمسح عليه، ولقد تعبنا ولم نجد أحداً قال بهذا القول وإلا كان وجيهاً. السائل: حتى ولو كان المسح مسح تجديد؟ الشيخ: لا، إذا كان مسح تجديد فمعناه أن الوضوء الأول لم ينتقض، فيجوز المسح عليه بعد الخلع، وكذلك لو فرضنا أن الشخص ما مسح، خلع وهو على الطهارة الأولى قبل المسح ثم ردها فلا بأس " انتهى من "شرح الكافي". والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 116409 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 103 يحتاج أن يلبس جوربا قبل نهوضه من فراشه وتطهره فهل يمسح عليه [السُّؤَالُ] ـ[كنت قد خضعت للمرة الثانية لعملية استئصال الدوالي (ما يعرف بعرق النسا) من إحدى رجلي ويجب علي أن ألبس جوربا خاصا لمنع تأخر الدم في أوردة رجلي المصابة وإلا سيعود المرض من جديد وليس هناك من مجال لعملية ثالثة. حيث يجب لبس هذا الجورب قبل النهوض من الفراش خوفاً من امتلاء الأوردة بالدم مما يؤدي لقلة فائدة الجورب. هل يجوز لي لبس الجورب قبل النهوض لصلاة الفجر (أي قبل أن أتوضأ) . للعلم، أن الجورب يغطي من مشط القدم وحتى أعلى الفخذ، ولأن مهنتي تتطلب مني الوقوف لوقت طويل (دكتور جامعة) فلا بد من لبس الجورب. أفيدوني جزاكم الله خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: نسأل الله تعالى لك الشفاء والعافية والمعافاة في الدين والدنيا. ثانيا: إن أمكنك لبس هذا الجورب قبل نومك على طهارة كاملة، فهذا حسن، ومعلوم أن المقيم يمسح على الخف ونحوه يوما وليلة (24 ساعة) من أول مسح بعد الحدث. فلو توضأت ثم لبسته قبل نومك، ومسحت عليه في وقت الفجر، جاز لك المسح عليه إلى وقت الفجر التالي له. وبهذا تخرج من إشكال لبس الجورب على غير طهارة. ثالثا: إن لم يمكنك ذلك، كأن يكون هناك مضرة من لبسه أثناء النوم، فلا حرج في لبسه قبل النهوض من الفراش، ويكون في حكم الجبيرة؛ لأنك مضطر للبسه، وتتضرر بتركه. ولا يشترط لجواز المسح على الجبيرة أن يكون لبسها على طهارة، وهو مذهب الحنفية والمالكية. وينظر: "الموسوعة الفقهية" (15/108) . قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "شرح الكافي": "فالقول الصحيح بلا شك أنه لا يشترط للجبيرة أن توضع على طهارة بل متى وجد سببها وضعت ومسح عليها" انتهى. ولكن يجب التنبه إلى أننا إذا اعتبرنا هذا الجورب كالجبيرة، فحينئذ يجب المسح عليه كله، أسفله وأعلاه إلى الكعبين، ولا يجوز الاقتصار على ظاهره فقط – كما هو الحكم في المسح على الخفين أو الجوربين. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114192 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 104 لا يشترط في المسح على الجوربين أن ينوي ذلك عند لبسهما [السُّؤَالُ] ـ[هل تشترط النية في المسح على الجورب؟ بمعنى لو أني متوضئ ولبست الجورب دون أن أنوي استخدامه في المسح عليه، عندما أتوضأ هل يجوز المسح عليه بالرغم أنني لم أنو مسبقاً استخدام الجورب للمسح، وإنما لبست الجورب للخروج فقط؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا تشترط النية لجواز المسح على الجوربين، فإذا لبس الجوربين على طهارة، فله المسح عليهما، يوماً وليلة إذا كان مقيماً، وثلاثة أيام بلياليهن إذا كان مسافراً. ولمعرفة شروط المسح على الخفين والجوربين، انظر جواب السؤال رقم (9640) . وقد سئل الشيخ ابن عثيمين: هل يُشترط لجواز المسح على الخفين أن ينوي المسح عليهما وكذلك نية المدة؟ فأجاب: "النية هنا غير واجبة، لأن هذا عمل عُلّق الحكم على مجرد وجوده، فلا يحتاج إلى نية، كما لو لبس الثوب فإنه لا يشترط أن ينوي به ستر عورته في صلاته مثلاً، فلا يُشترط في لبس الخفين أن ينوي أنه سيمسح عليهما، ولا كذلك نية المدة، بل إن كان مسافراً فله ثلاثة أيام نواها أم لم ينوها، وإن كان مقيماً فله يوم وليلة نواها أم لم ينوها" انتهى. مجموع فتاوى ابن عثيمين (11/117) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112323 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 105 إذا مسح وهو مقيم ثم سافر [السُّؤَالُ] ـ[إذا مسح الإنسان على الجوربين وهو مقيم ثم سافر فهل يتم مسح مسافر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا ابتدأ الإنسان المسح على الجوربين أو الخفين وهو مقيم، وبقى له شيء من المدة (وهي 24 ساعة) ثم سافر، فإنه يكمل مسح مسافر، فيكمل ثلاثة أيام بلياليهن على المدة التي كان قد مسحها وهو مقيم. وهذا مذهب الإمام أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد رحمه الله، وذهب الإمام الشافعي وهي الرواية الأخرى عن الإمام أحمد رحمه الله أنه يتم مسح مقيم. والصحيح من القولين هو القول الأول، لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخَّص للمسافر أن يمسح ثلاثة أيام بلياليهن، وهو مسافر. انظر: "المغني" (1/371) ، "الإنصاف" (1/402) ، "الشرح الممتع" (1/251) . قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "إذا مسح وهو مقيم ثم سافر فإنه يتم مسح مسافر على القول الراجح، وقد ذكر بعض أهل العلم أنه إذا مسح في الحضر ثم سافر، أتم مسح مقيم، ولكن الراجح ما قلناه، لأن هذا الرجل قد بقى في مدة مسحه شيء قبل أن يسافر وسافر، فيصدق عليه أنه من المسافرين الذين يمسحون ثلاثة أيام، وقد ذكر عن الإمام أحمد رحمه الله أنه رجع إلى هذا القول بعد أن كان يقول بأنه يتم مسح مقيم" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (11/175) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111874 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 106 متى تبدأ مدة المسح على الخفين أو الجوربين؟ [السُّؤَالُ] ـ[متى تبدأ مدة المسح؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "للعلماء في هذه المسألة قولان معروفان: الأول: أنها تبدأ من الحدث بعد اللبس. والآخر: من المسح بعد الحدث. وقد ذهب إلى الأول أبو حنيفة والشافعي وأحمد وأصحابهم، ولا نعلم لهم دليلا يستحق الذكر إلا مجرد الرأي، ولذلك خالفهم بعض أصحابهم كما يأتي، ولا علمت لهم سلفا من الصحابة، بخلاف القول الثاني فإمامهم الأحاديث الصحيحة، وفتوى عمر بن الخطاب رضي الله عنه. أما السنة فالأحاديث الصحيحة التي رواها جمع من الصحابة في صحيح مسلم والسنن الأربعة والمسانيد وغيرها ففيها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالمسح) وفي بعضها: (رخص في المسح) وفي غيرها: (جعل المسح للمقيم يوما وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام ولياليهن) ومن الواضح جدا أن الحديث كالنص على ابتداء مدة المسح من مباشرة المسح، وهو كالنص أيضاً على رد القول الأول، لأن مقتضاه كما نصوا عليه في الفروع: أن من صلى الفجر قبيل طلوع الشمس ثم أحدث عند الفجر من اليوم الثاني فتوضأ ومسح لأول مرة لصلاة الفجر فليس له المسح بعدها، فهل يصدق على مثل هذا أنه مسح يوما وليلة؟ أما على القول الثاني الراجح فله أن يمسح إلى قبيل الفجر من اليوم الثالث، بل لقد قالوا أغرب مما ذكرنا: فلو أحدث ولم يمسح حتى مضى من بعد الحدث يوم وليلة أو ثلاثة أيام إن كان مسافراً انقضت المدة ولم يجز المسح بعد ذلك حتى يستأنف لبسا على طهارة. فحرموه من الانتفاع بهذه الرخصة. بناء على هذا الرأي المخالف للسنة، ولذلك لم يسع الإمام النووي إلا أن يخالف مذهبه لقوة الدليل، فقال رحمه الله تعالى بعد أن حكى القول الأول ومن قال به (1/487) : (وقال الأوزاعي وأبو ثور: ابتداء المدة من حين يمسح بعد الحدث، وهو رواية عن أحمد وداود، وهو المختار الراجح دليلاً، واختاره ابن المنذر، وحكى نحوه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وحكى الماوردي والشاشي عن الحسن البصري أن ابتدائها من اللبس واحتج القائلون من حين المسح بقوله صلى الله عليه وسلم: (يمسح المسافر ثلاثة أيام) وهي أحاديث صحاح كما سبق، وهذا تصريح بأنه يمسح ثلاثة، ولا يكون ذلك إلا إذا كانت المدة من المسح، ولأن الشافعي رضي الله عنه قال: إذا أحدث في الحضر ومسح في السفر أتم مسح مسافر، فعلق الحكم بالمسح. واحتج أصحابنا برواية رواها الحافظ القاسم بن زكريا المطرزي في حديث صفوان: (من الحدث إلى الحدث) وهي زيادة غريبة ليست ثابتة وبالقياس. . .) . قلت (الألباني) : إن القياس المشار إليه لو كان مسلما بصحته في نفسه فشرط قبوله والاحتجاج به إنما هو إذا لم يخالف السنة، أما وهو مخالف لها كما رأيت فلا يجوز الالتفات إليه، ولذلك قيل: إذا ورد الأثر بطل النظر. وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل. فيكف وهو مخالف أيضا لقول الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، وعهدي بالمقلدين أن يدعوا الأخذ بالسنة الصحيحة حين تخالف قوله رضي الله عنه، كما فعلوا في الطلاق الثلاث، فكيف لا يأخذون به حين وافق السنة؟ فقد روى عبد الرزاق في (المصنف) (1/209/807) عن أبي عثمان النهدي قال: (حضرت سعدا وابن عمر يختصمان إلى عمر في المسح على الخفين فقال عمر: يمسح عليهما مثل ساعته من يومه وليلته) . قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين، وهو صريح في أن المسح يبتدئ من ساعة إجرائه على الخف إلى مثلها من اليوم والليلة، وهو ظاهر كل الآثار المروية عن الصحابة في مدة المسح فيما علمنا، مما أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة في (المصنف) وعلى سبيل المثال أذكر ما رواه ابن أبي شيبة (1/180) عن عمرو بن الحارث قال: (خرجت مع عبد الله إلى المدائن فمسح على الخفين ثلاثا لا ينزعهما) . وإسناده صحيح على شرط الشيخين. فقد اتفقت الآثار السلفية مع السنة المحمدية على ما ذكرنا، فتمسك بها تكن بإذن الله مهديا" انتهى. "رسالة تمام النصح في أحكام المسح" للشيخ الألباني رحمه الله. ص (89، 92) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112070 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 107 هل ينتقض الوضوء بخلع الجوارب؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا توضأ الإنسان ومسح على الخفين وأثناء مدة المسح خلع خفيه قبل الصلاة، فهل يصلي وتصح صلاته أم أن وضوءه ينتقض بخلع الخفين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: إذا خلع الخف أو الجورب بعد أن مسح عليهما فلا تبطل طهارته على القول الصحيح من أقوال أهل العلم، وذلك لأن الرجل إذا مسح على الخف فقد تمت طهارته بمقتضى الدليل الشرعي، فإذا خلعه فإن هذه الطهارة الثابتة بمقتضى الدليل الشرعي لا يمكن نقضها إلا بدليل شرعي، ولا دليل على أن خلع الممسوح من الخفاف أو الجوارب ينقض الوضوء، وعلى هذا فيكون وضوءه باقياً وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة من أهل العلم.ولكن لو أعاد الخف بعد ذلك وانتقض وضوءه ثم أراد أن يمسح عليه في المستقبل فلا؛ لأنه لابد أن يلبس الخف على طهارة غسل فيها الرجل، على ما أعلمه من كلام أهل العلم. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] ينظر: مجموع فتاوى ورسائل الشيخ / محمد بن صالح العثيمين رحمه الله (11 / 179) ومجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (21 / 179، 215) الحديث: 26343 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 108 هل يصح المسح على الخفين في الصيف؟ [السُّؤَالُ] ـ[كثيراً ما أرى بعض المصلين يمسحون على الشراب في وضوئهم حتى في وقت الصيف، أرجو أن تفيدني عن مدى جواز ذلك، وأيهما أفضل للمقيم الوضوء مع غسل الرجلين، أم المسح على الشراب، علماً أن الذين يقومون بالمسح ليس لهم عذر إلا أنهم يقولون: إن ذلك مرخص به.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: عموم الأحاديث الصحيحة الدالة على جواز المسح على الخفين والجوربين يدل على جواز المسح في الشتاء والصيف. ولا أعلم دليلاً شرعياً يدل على تخصيص وقت الشتاء، ولكن ليس له أن يمسح على الشراب أو غيره إلا بالشروط المعتبرة شرعاًً، ومنها كون الشراب ساتراً لمحل الفرض ملبوساً على طهارة، مع مراعاة المدة، وهي يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليهن للمسافر بدءاً من المسح بعد الحدث في أصح قولي العلماء. والله ولي التوفيق. [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ ابن باز رحمه الله (10 / 113) . الحديث: 20431 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 109 بقاء الطهارة بعد انتهاء مدة المسح على الجوربين [السُّؤَالُ] ـ[قرأت بأن مدة المسح على الخفين (أي الجوربين) هي يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر، فإذا انتهت مدة المسح فهل ينتقض الوضوء؟ أم يبقى على طهارته؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله: الصحيح أنه لا ينتقض (الوضوء) بانتهاء مدة المسح، يعني مثلاً لو كانت تنتهي مدة المسح الساعة الثانية عشرة ظهراً، وبقيت على طهارتك إلى الليل فأنت على طهارتك؛ وذلك لأنه ليس هناك دليل على انتقاض الوضوء بانتهاء مدة المسح، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وقَّت المسح ولم يوقت الطهارة، وهذه قاعدة ينبغي لطالب العلم أن ينتبه لها، وهي أن ما ثبت بدليل شرعي فإنه لا يرتفع إلا بدليل شرعي؛ لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان. [الْمَصْدَرُ] اللقاء الرابع والأربعون من لقاء الباب المفتوح. الحديث: 21705 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 110 إذا انتهت مدة المسح أو نزع الخف الأعلى هل تنتقض الطهارة [السُّؤَالُ] ـ[لو تذكرت وأنا في الصلاة أن مدة المسح على الخف انقضت ماذا أفعل هل أخرج من الصلاة وهل لو لبست الجورب تحت الخف على طهارة ثم خلعت الخف وبقيت بالجورب فهل ينقض وضوئي أم أصبح على طهارة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا انقضت مدة المسح على الخفين، وكنت على طهارة، لم تنتقض طهارتك على القول الراجح، الذي اختاره جمع من أهل العلم، منهم ابن حزم وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمهما الله؛ لعدم الدليل على النقض، وإنما تنتقض الطهارة بالنواقض المعروفة كخروج الحدث. وانظر السؤال رقم (69829) . وعليه، فإذا انقضت المدة وأنت في الصلاة، فاستمر في صلاتك، وصل ما شئت حتى ينتقض وضوؤك. ثانيا: إذا خلع الإنسان الخف أو الجورب بعد أن مسح عليهما فلا تبطل طهارته على القول الصحيح من أقوال أهل العلم، وذلك لأن الرجل إذا مسح على الخف فقد تمت طهارته بمقتضى الدليل الشرعي، فإذا خلعه فإن هذه الطهارة الثابتة بمقتضى الدليل الشرعي لا يمكن نقضها إلا بدليل شرعي، ولا دليل على أن خلع الممسوح من الخفاف أو الجوارب ينقض الوضوء، وعلى هذا فيكون وضوءه باقياً، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة من أهل العلم. وينظر: " مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية " (21 / 179، 215) ، ومجموع " فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين " (11 / 179) . وإنما يترتب على نزع الخف انتهاء المسح، أي ليس له أن يلبسه مرة أخرى ويمسح عليه إلا بعد طهارة كاملة يغسل فيها رجليه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 100112 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 111 حكم المسح على الجورب المثقوب [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز المسح على الجورب المثقوب؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصحيح من أقاويل العلماء جواز المسح على الخف أو الجورب المخرق فقد رخص النبي صلى الله عليه وسلم بالمسح على الخفين ولم يشترط كونه سليماً من الخروق أو الفتوق ولا سيما أن خفاف بعض الصحابة لا تخلو من فتوق وشقوق فلو كان هذا مؤثراً على المسح لبين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بياناً عاماً فقد تقرر في القواعد الأصولية أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز. وقد قال الإمام سفيان الثوري رحمه الله (امسح عليها ما تعلقت به رجلك وهل كانت خفاف المهاجرين والأنصار إلا مخرقة مشققة مرقعة) رواه عبد الرزاق في المصنف (1 / 194) وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى (21 / 174) فلما أطلق الرسول صلى الله عليه وسلم الأمر بالمسح على الخفاف مع علمه بما هي عليه في العادة ولم يشترط أن تكون سليمة من العيوب وجب حمل أمره على الإطلاق ولم يجز أن يقيد كلامه إلا بدليل شرعي. وكان مقتضى لفظه أن كل خف يلبسه الناس ويمشون فيه فلهم أن يمسحوا عليه وإن كان مفتوقاً أو مخروقاً من غير تَحديد لمقدار ذلك فإن التحديد لا بدّ له من دليل..) . وهذا مذهب إسحاق وابن المبارك وابن عيينة وأبي ثور. وذهب الإمام الشافعي وأحمد في المشهور عنهما إلى أنه لا يجوز المسح على الخفين أو الجوربين ما دام أنه يظهر من الملبوس فتق أو شق في محل الفرض وذهب أبو حنيفة ومالك إلى التفريق بين الخرق اليسير والخرق الكثير. والصحيح القول الأول وأنه يجوز المسح على الخفين والجوربين ما تعلقت بهما القدم وأمكن المشي فيهما. ويصح أيضاً المسح على الجوربين اللذين يصفان البشرة لأن الإذن بالمسح على الخفين مطلق ولم يرد تقييده بشيء فكان مقتضى ذلك أن كل جورب يلبسه الناس لهم أن يمسحوا عليه وهذا مقتضى قول القائلين بجواز المسح على الخف المخرق ما أمكن المشيء عليه. وقد ذكر النووي رحمه الله في المجموع (1 / 502) أنه إذا لبس خف زجاج يمكن متابعة المشي عليه جاز المسح عليه وإن كان تُرى تحته البشرة ... ) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الشيخ سليمان بن ناصر العلوان. الحديث: 8186 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 112 إذا لبس خفاً على الجورب، فعلى أيهما يمسح؟ [السُّؤَالُ] ـ[لبست الجورب تحت الخف على طهارة، ثم توضأت، ومسحت على الخف، فهل إذا خلعت الخف أكمل المسح على الجورب ما تبقى من مدة المسح؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من لبس خفا على خف، أو خفا على جورب، فلأيهما يكون الحكم؟ في ذلك تفصيل: قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: "1- إذا لبس جوربا أو خفا ثم أحدث، ثم لبس عليه آخر قبل أن يتوضأ، فالحكم للأول. أي إذا أراد أن يمسح بعد ذلك مسح على الأول، ولم يجز أن يمسح على الأعلى. 2- إذا لبس جوربا أو خفا، ثم أحدث، ومسحه، ثم لبس عليه آخر، فله مسح الثاني على القول الصحيح. قال في الفروع: ويتوجه الجواز وفاقاً لمالك. اهـ. وقال النووي: إن هذا هو الأظهر المختار لأنه لبسه على طهارة، وقولهم إنها طهارة ناقصة غير مقبول. اهـ. وإذا قلنا بذلك كان ابتداء المدة من مسح الأول. وله في هذه الحالة مسح الأول أيضا من غير شك. 3- إذا لبس خفا على خف أو جورب، ومسح الأعلى ثم خلعه، فهل يمسح بقية المدة على الأسفل؟ لم أر من صرح به، لكن ذكر النووي عن أبي العباس بن سريج، فيما إذا لبس الجُرموق على الخف ثلاثة معان، منها: أنهما يكونان كخف واحد، الأعلى ظهارة، والأسفل بطانة. قلت: وبناء عليه يجوز أن يمسح على الأسفل حتى تنتهي المدة من مسحه على الأعلى، كما لو كشطت ظهارة الخف فإنه يمسح على بطانته ". انتهى من "فتاوى الطهارة" للشيخ ابن عثيمين (ص 192) . والجُرموق: خف يلبس فوق الخف المعتاد، لاسيما في البلاد الباردة والمقصود بالظَّهارة والِبطانة، فيما لو كان هناك خف مكون من طبقتين، فالعليا تسمى الظهارة، والسفلى تسمى البطانة. "الشرح الممتع" (1/211) . وقد تبين بهذا أن من لبس خفا على جورب، ثم نزع الأعلى منهما، فإن مسحه لا ينتقض، وله أن يمسح على الأسفل في جميع الحالات الثلاث التي ذكرها الشيخ، إلى انتهاء مدة المسح. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98580 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 113 إذا لبس الخف عند الفجر فهل يمسح عليه إلى الفجر التالي؟ [السُّؤَالُ] ـ[كم مدة المسح على الخفين؟ فأنا ألبس الخفين على طهارة وذلك بعد الوضوء لصلاة الفجر فهل يجوز أن أستمر في اللبس إلى الفجر الثاني؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: دلت السنة الصحيحة على أن مدة المسح على الخفين للمقيم يوم وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن، فقد روى مسلم (276) أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه سئل عن ذلك فقال: (جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ، وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ) . وروى الترمذي (95) وأبو داود (157) وابن ماجه (553) عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَقَالَ: (لِلْمُسَافِرِ ثَلاثَةٌ، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. ثانيا: الراجح من أقوال أهل العلم أن مدة المسح تبتدئ من أول مسحٍ بعد الحدث، لا من اللبس، فلو توضأ لصلاة الفجر، ولبس الخفين، ثم أحدث في التاسعة صباحا ولم يتوضأ، ثم توضأ في الساعة الثانية عشرة، فالمدة تبدأ من الثانية عشرة، وتستمر يوما وليلة، أي أربعا وعشرين ساعة. قال النووي رحمه الله: " وقال الأوزاعي وأبو ثور: ابتداء المدة من حين يمسح بعد الحدث، وهو رواية عن أحمد وداود، وهو المختار الراجح دليلا، واختاره ابن المنذر، وحكى نحوه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه " انتهى من المجموع" (1/512) . واختار هذا القول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، وقال: " لأن الأحاديث: (يمسح المقيم) ، (يمسح المسافر) ولا يمكن أن يصدق عليه أنه ماسح إلا بفعل المسح، وهذا هو الصحيح ". "الشرح الممتع" (1/186) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97494 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 114 صفة المسح على الخف أو الجورب [السُّؤَالُ] ـ[ي يتعلق بحديث المسح على الجوارب في حالة المسح على الطهارة، قال ابن خزيمة أنه حسب ما ورد في حديث صفوان بن عسال عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: أمرنا بالمسح على الخفين إذا لبسناهما على طهارة لمدة ثلاثة أيام للمسافر ولمدة يوم وليلة للمقيم. سؤالي هو: هل يمكن أن أفترض أن يوم وليلة في الحديث تعني 24 ساعة؟ وبالتالي هل أستطيع لبس جواربي على طهارة في أي وقت ثم أمسح عليها عند الوضوء مادامت المدة خلال الـ 24 ساعة؟ مثلا، هل يجوز أن ألبس الجوارب عند الحادية عشراً مساءاً في يوم ما , ثم أمسح عليها عند الوضوء حتى الحادية عشرة مساءاً من اليوم التالي؟ كذلك , أرجو أن تخبروني ما هي الجزء من الجوارب الذي يجب أن يمسح؟ أنا أعلم أنه لا يجوز مسح أسفل الجوارب , لكن هل يجب أن نمسح الجوارب من الجانبين والخلف والمقدمة؟ أرجو إجابتي لأن هذا سيجعل حياتي أسهل بكثير , كما أن بشرتي حساسة وإهمالي للأمر يقودني لكثير من الوسواس وعدم الرضا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أما بداية مدة المسح على الخفين أو الجوربين فإنها تكون مِن أول مرَّة مَسَح فيها بعد الحَدَث وليس من أول لبس الخف. يراجع جواب سؤال رقم 9640. أما صفة المسح فهي: " أن يضع أصابع يديه مبلولتين بالماء على أصابع رجليه ثمَّ يُمرُّهما إلى ساقه، يمسح الرجل اليمنى باليد اليمنى، والرجل اليسرى باليد اليسرى، ويُفرِّج أصابعه إذا مسح ولا يكرر المسح ". انظر الملخص الفقهي للفوزان 1/43 قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " يعني أن الذي يمسح هو أعلى الخف، فيُمرّ يده من عند أصابع الرجل إلى الساق فقط، ويكون المسح باليدين جميعاً على الرجلين جميعاً، يعني اليد اليمنى تمسح الرجل اليمنى، واليد اليسرى تمسح الرجل اليسرى في نفس اللحظة، كما تمسح الأذنان، لأن هذا هو ظاهر السنة، لقول المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: " فمسح عليهما "، ولم يقل بدأ باليمنى بل قال: مسح عليهما، فظاهر السنة هو هذا. نعم لو فرض أن إحدى يديه لا يعمل بها فيبدأ باليمنى قبل اليسرى، وكثير من الناس يمسح بكلتا يديه على اليمنى وكلتا يديه على اليسرى، وهذا لا أصل له فيما أعلم. ... وعلى أي صفة مسح أعلى الخف فإنه يجزئ لكن كلامنا هذا في الأفضل." أ. هـ. انظر فتاوى المرأة المسلمة ج/1 ص/250 ولا يمسح من جانبي الخف ّوخلفه فلم يرد في مسحه شيء. قال الشيخ ابن عثيمين: " وقد يقول قائل: إن ظاهر الأمر قد يكون باطن الخف أولى بالمسح لأنه هو الذي باشر التراب والأوساخ، لكن عند التأمل نجد أن مسح أعلى الخف هو الأعلى والذي يدل عليه العقل، لأن هذا المسح لا يراد به التنظيف والتنقية، وإنما يراد به التعبد، ولو أننا مسحنا أسفل الخف لكان ذلك تلويثاً له ". والله أعلم. يراجع الشرح الممتع لابن عثيمين ج/1 ص/213. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 12796 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 115 شروط المسح على الخفين [السُّؤَالُ] ـ[ما هي شروط المسح على الْخُفَّين مع الأدلة على ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يُشترط للمسح على الخفَّيْن أربعة شروط: الشرط الأول: أنْ يكون لابساً لهما على طهارة ودليل ذلك قوله صلَّى الله عليه وسلم للمغيرة بن شعبة: (دعْهما فإنِّي أدخَلتُهما طاهرتَيْن) . الشرط الثاني: أنْ يكون الخُفَّان أو الجوارب طاهرةً فإنْ كانت نجسةً فإنَّه لا يجوز المسح عليها، ودليل ذلك أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى ذات يوم بأصحابه وعليه نعلان فخلعهما في أثناء صلاته وأَخبَر أنَّ جبريل أخبره بأنَّ فيهما أذىً أو قذَراً رواه أحمد من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في مسنده، وهذا يدل على أنَّه لا تَجوز الصلاة فيما فيه نَجاسة ولأنَّ النَّجس إذا مُسِح عليه تلوَّثَ الماسحُ بالنَّجاسةِ فلا يصِحُّ أنْ يكونَ مطهراً. الشرط الثالث: أنْ يكون مسحهما في الحَدَث الأصغر لا في الجنابة أو ما يوجب الغُسل، ودليل ذلك حديث صفوان بن عسَّال رضي الله عنه قال: أَمَرَنا رسولُ الله إذا كنَّا سَفرا أنْ لا نَنْزِع خِفافنا ثلاثة أيام ولياليَهُنَّ إلاَّ مِن جَنابة ولكنْ مِن غائطٍ وبولٍ ونومٍ رواه أحمد من حديث صفوان بن عسّال رضي الله عنه في مسنده، فيُشترَطُ أنْ يكون المسح في الحَدَث الأصغر ولا يجوز في الحَدَث الأكبر لهذا الحديث الذي ذكرناه. الشرط الرابع: أنْ يكون المسح في الوقت المحدَّد شرعاً وهو يومٌ وليلةٌ للمُقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر لحديث عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه قال: جعلَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلم للمُقيم يوماً وليلةً وللمسافر ثلاثة أيام ولياليَهن، يعني في المسح على الخُفَّين. رواه مسلم، وهذه المدة تبتدئ مِن أول مرَّة مَسَح بعد الحَدَث وتنتهي بأربعٍ وعشرين ساعةً بالنسبة للمُقيم واثنتين وسبعين ساعةً بالنسبة للمُسافر، فإذا قدَّرنا أنَّ شخصاً تطهَّر لصلاة الفجر يوم الثلاثاء وبقي على طهارته حتى صلَّى العشاء من ليلة الأربعاء ونام ثم قام لصلاة الفجر يوم الأربعاء ومَسَح في الساعة الخامسة بالتوقيت الزوالي فإنَّ ابتداء المدة يكون في الساعة الخامسة مِن صباح يوم الأربعاء إلى الساعة الخامسة مِن صباح يوم الخميس فلو قُدِّر أنَّه مسَحَ يوم الخميس قبل تمام الساعة الخامسة فإنَّ له أنْ يُصلِّيَ الفجر أي فجرَ يوم الخميس بهذا المسح ويُصلي ما شاء أيضاً مادام على طهارته لأنَّ الوضوء لا يُنتَقَض إذا تَمَّت المدَّة على القول الراجح مِن أقوال أهل العلم وذلك لأنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لم يُوقِّت الطَّهارة وإنَّما وَقَّتَ المسْح فإذا تَمَّت المدة فلا مسْحَ ولكنَّه إذا كان على طهارة فطهارته باقيةٌ لأنَّ هذه الطهارة ثبتَتْ بمُقتضَى دليلٍ شرعي وما ثبتَ بدليلٍ شرعيٍ فإنَّه لا يرتفع إلاَّ بدليلٍ شرعيٍ ولا دليلَ على انتقاض الوضوء بتمام مدة المسح ولأنَّ الأصلَ بقاءُ ما كان على ما كان حتى يتبيَّن زوالُه فهذه الشروط التي تُشترَط للمسح على الخفَّيْن وهناك شروط أخرى ذكرها بعض أهل العلم وفي بعضها نظر. [الْمَصْدَرُ] إعلام المسافرين ببعض آداب وأحكام السفر وما يخص الملاحين الجويين لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ص 14. الحديث: 9640 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 116 هل يجوز المسح على الخفين لمدة طويلة بسبب المرض [السُّؤَالُ] ـ[أبلغ من العمر 60 سنة وأشكو من مرض في ظهري أجد معه مشقة في غسل رجلي عند الوضوء فهل يجوز لي المسح على الخفين لمدة طويلة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله دلت السنة الصحيحة على أن المسح على الخفين موقت بمدة معلومة، وهي يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر. فقد روى مسلم (276) عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ قَالَ: أَتَيْتُ عَائِشَةَ أَسْأَلُهَا عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَقَالَتْ: عَلَيْكَ بِابْنِ أَبِي طَالِبٍ فَسَلْهُ فَإِنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ: (جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ، وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ) . وروى الترمذي (95) وأبو داود (157) وابن ماجه (553) عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَقَالَ: (لِلْمُسَافِرِ ثَلاثَةٌ، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. والراجح من أقوال أهل العلم أن مدة المسح تبتدئ من أول مسحٍ بعد الحدث، لا من اللبس، فلو توضأ لصلاة الفجر، ولبس الخفين، ثم أحدث في التاسعة صباحا ولم يتوضأ، ثم توضأ في الساعة الثانية عشرة، فالمدة تبدأ من الثانية عشرة، وتستمر يوما وليلة، أي أربعا وعشرين ساعة. قال النووي رحمه الله: " وقال الأوزاعي وأبو ثور: ابتداء المدة من حين يمسح بعد الحدث، وهو رواية عن أحمد وداود، وهو المختار الراجح دليلا، واختاره ابن المنذر، وحُكِيَ نحوه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه " انتهى من المجموع" (1/512) . وبناء على ذلك فيجب أن تتقيد بمدة المسح، فإذا انقضت لم يجز المسح على الخف، حتى ينزع ويلبس على طهارة كاملة، لكن انقضاء المدة لا يوجب بطلان الوضوء على الراجح، فإذا انقضت المدة وأنت على طهارة، جاز لك الصلاة بهذه الطهارة حتى تحدث. وما ذكرت من مشقة غسل الرجل، يمكن التغلب عليه بالجلوس على كرسي ونحوه، أو صب الماء على الرجلين دون أن تنحني لغسلهما. قال النووي رحمه الله: " مذهبنا أن دَلْك الأعضاء في الغسل وفي الوضوء سنة ليس بواجب، فلو أفاض الماء عليه ولم يمسه بيديه، أو انغمس في ماء كثير ، أجزأه وضوؤه وغسله , وبه قال العلماء كافة إلا مالكا والمزني فإنهما شرطاه في صحة الغسل والوضوء " انتهى من "المجموع" (2/214) . وانظر جواب السؤال رقم (90218) ونسأل الله لك الشفاء والمعافاة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 95230 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 117 لا يشترط أن يكون الجورب من الجلد [السُّؤَالُ] ـ[ما طبيعة الجوارب التي يُمسح عليها؟ هل يجوز المسح على أية جوارب، أم يجب أن تكون من الجلد؟ أرجو أن تجيب على ضوء الكتاب والسنة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: ((تَوَضَّأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ)) . رواه الترمذي (92) ، وصححه الألباني في " صحيح سنن الترمذي " برقم (86) . قال " صاحب القاموس ": الجورب: لفافة الرِّجْلِ. قال أبو بكر بن العربي: والجورب هو غِشَاءٌ للقدم من الصوف يُتَّخَذُ للتَدْفِئَة. َوعنْ يَحْيَى الْبَكَّاءِ قَالَ سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ كَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ. " المصنف " لابن أبي شيبة (1 / 173) . قال ابن حزم: وَالْمَسْحُ عَلَى كُلِّ مَا لُبِسَ فِي الرِّجْلَيْنِ - مِمَّا يَحِلُّ لِبَاسُهُ مِمَّا يَبْلُغُ فَوْقَ الْكَعْبَيْنِ سُنَّةٌ , سَوَاءٌ كَانَا خُفَّيْنِ مِنْ جُلُودٍ أَوْ لُبُودٍ أَوْ عُودٍ أَوْ حَلْفَاءَ أَوْ جَوْرَبَيْنِ مِنْ كَتَّانٍ أَوْ صُوفٍ أَوْ قُطْنٍ أَوْ وَبَرٍ أَوْ شَعْرٍ - كَانَ عَلَيْهِمَا جِلْدٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ - أَوْ جُرْمُوقَيْنِ أَوْ خُفَّيْنِ عَلَى خُفَّيْنِ أَوْ جَوْرَبَيْنِ عَلَى جَوْرَبَيْنِ .... " المُحَلَّى " (1 / 321) . وخالف في جواز المسح على الخفين بعض أهل العلم، والصحيح الذي تدل عليه الأدلة جواز ذلك كما سبق. والله أعلم. ويراجع جواب سؤال رقم (8186) و (9640) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 13954 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 118 لبس الجورب ووصل الماء إلى قدمه فهل له المسح عليه [السُّؤَالُ] ـ[كنت ألبس الجوارب على طهارة , ولامس جواربي ماء في أرض الحمام وأحببت أن أسكب عليها ماءً من الصنبور، لأنه أحياناً أجد نجاسة في أرض الحمام كبول من غير المسلمين، فأسكب على جواربي الماء من الصنبور حتى أتيقن أنه زالت قطرات النجاسة من عليه , فهل لي أن أمسح على جواربي كالخفين وأنا قد لبستهم على طهارة، وكما تعلمون أنه بعد سكب الماء وصل الماء الطاهر للبشرة , فهل يجوز المسح على الجوربين أم لا؟ وإذا كان لا فماذا أفعل في صلواتي السابقة؟ علما أني فعلت ذلك عدة مرات.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الأصل في الجورب وفي المياه أنها طاهرة، ولا يحكم بنجاستها بمجرد الشك، فما لم تتيقن من وصول النجاسة إلى جواربك فلا تهتم بالتفتيش عنها والتفكير في إزالتها. ثانيا: وصول الماء إلى بشرة قدمك أثناء تطهير الجورب، لا يضرك، فلك أن تمسح على جوربيك، ما دمت قد لبستهما بعد طهارة كاملة. وقد اختلف الفقهاء هل يشترط في الخف أن يمنع وصول الماء إلى القدم، أولا؟ فذهب بعضهم إلى أنه لا يشترط، وهذا مذهب الحنابلة، قال في مطالب أولي النهى" (1/131) : "الشرط السابع: إمكان مشي عرفا بممسوح، لا كونه يمنع نفوذ الماء , لأنه ساتر لمحل الفرض , ويمكن متابعة المشي فيه " انتهى بتصرف. وذهب آخرون إلى اشتراط ذلك، كما هو مذهب الشافعية، قال النووي رحمه الله في "المجموع" (1/531) : " هل يشترط كون الخف صفيقا يمنع نفوذ الماء؟ فيه وجهان حكاهما إمام الحرمين وغيره: أحدهما: يشترط، فإن كان منسوجا بحيث لو صب عليه الماء نفذ لم يجز المسح. والثاني: لا يشترط، بل يجوز المسح وإن نفذ الماء , واختاره إمام الحرمين والغزالي لوجود الستر. والمذهب الأول، والله أعلم" انتهى باختصار. والقول الأول هو الراجح، لأنه لم يرد دليل صحيح يدل على اشتراط عدم نفوذ الماء إلى الجورب، فما دام يسمى جورباً، ويلبسه الناس عادة صح المسح عليه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 72872 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 119 هل فرض الرجلين أثناء الوضوء الغسل أم المسح؟ [السُّؤَالُ] ـ[لماذا ذكر الله سبحانه المسح للأرجل أثناء الوضوء في الآية الكريمة (وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) ، فالذي تعلمناه أننا نغسل أرجلنا أثناء الوضوء، فلم جاءت الكلمة " امسحوا "؛ لأن زميلتي سألتني هذا السؤال وقالت لي: أنا أمسح رجلي أثناء الوضوء ولا أغسلها فلم أعرف بم أجيبها، هل فيها نوع من الإعجاز؟ وما الحكمة من ذكر المسح بدل الغسل؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب في الوضوء هو غسل الرجلين، ولا يكفي مسحهما، وفهم زميلتك من الآية أنها تدل على مسح الرجلين غير صحيح. والدليل على أن الواجب هو غسل الرجلين، ما رواه البخاري (163) ومسلم (241) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: تَخَلَّفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنَّا فِي سَفْرَةٍ سَافَرْنَاهَا، فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ أَرْهَقْنَا الْعَصْرَ (أي أخرنا العصر) فَجَعَلْنَا نَتَوَضَّأُ وَنَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: (وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا) . وروى مسلم (242) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا لَمْ يَغْسِلْ عَقِبَيْهِ، فَقَالَ: (وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ) . والعقب هو مؤخر القدم. قَالَ اِبْن خُزَيْمَةَ: لَوْ كَانَ الْمَاسِح مُؤَدِّيًا لِلْفَرْضِ لَمَا تُوُعِّدَ بِالنَّارِ. قال الحافظ ابن حجر: " وَقَدْ تَوَاتَرَتْ الأَخْبَار عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صِفَة وُضُوئِهِ أَنَّهُ غَسَلَ رِجْلَيْهِ وَهُوَ الْمُبَيِّن لأَمْرِ اللَّه , وَلَمْ يَثْبُت عَنْ أَحَد مِنْ الصَّحَابَة خِلَاف ذَلِكَ إِلا عَنْ عَلِيّ وَابْن عَبَّاس وَأَنَس , وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُمْ الرُّجُوع عَنْ ذَلِكَ , قَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي لَيْلَى: أَجْمَعَ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى غَسْل الْقَدَمَيْنِ , رَوَاهُ سَعِيد بْن مَنْصُور " انتهى. "فتح الباري" (1/320) . وأما الآية، وهي قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) المائدة/6، فإنها لا تدل على جواز مسح الرجلين، وبيان ذلك: أن في الآية قراءتين: الأولى: (وَأَرْجُلَكُمْ) بنصب اللام، فتكون الأرجل معطوفة على الوجه، والوجه مغسول، فتكون الأرجل مغسولة أيضاً، فكأن لفظ الآية في الأصل: (اغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وأرجلكم إلى الكعبين وامسحوا برؤوسكم) ولكن أُخِّرَ غسلُ الرجل بعد مسح الرأس للدلالة على أن ترتيب الأعضاء في الوضوء يكون على هذا النحو، غسل الوجه، ثم الأيدي، ثم مسح الرأس، ثم غسل الأرجل. انظر: "المجموع" (1/471) . القراءة الثانية: (وَأَرْجُلِكُمْ) بكسر اللام، فتكون معطوفة على الرأس، والرأس ممسوح، فتكون الأرجل ممسوحة. غير أن السنة بينت أن المسح إنما هو على الخفين أو الجوربين بشروط معروفة في السنة. انظر: "المجموع" (1/450) ، "الاختيارات" (ص 13) . ولمعرفة شروط المسح على الخفين انظر السؤال (9640) . وبهذا يتبن أن الآية على القراءتين لا تدل على مسح الأرجل، وإنما تدل على وجوب غسل الأرجل، أو مسح الخفين لمن يلبس الخفين. وقد ذهب بعض العلماء – على قراءة الجر – إلى أن الحكمة من ذكر المسح في حق الأرجل مع أنها مغسولة إشارة إلى أنه ينبغي الاقتصاد في استعمال الماء عند غسل الرجلين، لأن العادة الإسراف عند غسلهما، فأمرت الآية بالمسح أي بأن يكون الغسل بلا إسراف في الماء. قال ابن قدامة في "المغني" (1/186) : " ويحتمل أنه أراد بالمسح الغسل الخفيف. قال أبو علي الفارسي: العرب تسمي خفيف الغسل مسحا , فيقولون: تمسحت للصلاة. أي توضأت " انتهى. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وفي ذِكر المسح على الرجلين تنبيه على قلة الصب في الرجل فإن السرف يعتاد فيهما كثيراً " انتهى "منهاج السنة" (4/174) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69761 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 120 مسح ثلاثة أيام وهو مقيم فهل يعيد صلاة يومين؟ [السُّؤَالُ] ـ[كنت قد توضأت ولمدة ثلاثة أيام متواصلة وأنا أرتدي الجوارب نفسها دون أن أخلعها خلال الثلاثة أيام مع العلم أن مدة المسح على الجوارب هي يوم وليلة للمقيم؟ هل صلاتي في اليومين الثاني والثالث صحيحة أم يتوجب علي إعادتها لمخالفة المدة المسموح بها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: دلت السنة الصحيحة على أن مدة المسح على الخفين للمقيم يوم وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن، والمسح على الجورب كالمسح على الخفين. روى مسلم (276) عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ قَالَ: أَتَيْتُ عَائِشَةَ أَسْأَلُهَا عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَقَالَتْ: عَلَيْكَ بِابْنِ أَبِي طَالِبٍ فَسَلْهُ فَإِنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ: (جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ، وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ) . وروى الترمذي (95) وأبو داود (157) وابن ماجه (553) عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَقَالَ: (لِلْمُسَافِرِ ثَلاثَةٌ، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. وروى الترمذي (96) والنسائي (127) وابن ماجه (478) عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ رضي الله عنه قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا إِذَا كُنَّا سَفرًا أَنْ لا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ إِلا مِنْ جَنَابَةٍ، وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ) والحديث حسنه الألباني. ثانيا: والراجح من أقوال الفقهاء في ابتداء المدة أنها من أول مسحة بعد الحدث، لا من اللبس، ولا من الحدث بعد اللبس، فلو توضأ لصلاة الفجر، ولبس الخفين، ثم أحدث في التاسعة صباحا ولم يتوضأ، ثم توضأ في الساعة الثانية عشرة، فالمدة تبدأ من الثانية عشرة، وتستمر يوما وليلة، أي أربعا وعشرين ساعة. قال النووي رحمه الله: " وقال الأوزاعي وأبو ثور: ابتداء المدة من حين يمسح بعد الحدث، وهو رواية عن أحمد وداود، وهو المختار الراجح دليلا، واختاره ابن المنذر، وحكى نحوه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه " انتهى من المجموع" (1/512) . وهذا ما رجحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، وقال: " لأن الأحاديث: (يمسح المقيم) ، (يمسح المسافر) ولا يمكن أن يصدق عليه أنه ماسح إلا بفعل المسح وهذا هو الصحيح ". "الشرح الممتع" (1/186) . ثالثا: اختار جمع من أهل العلم، منهم ابن حزم وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمهما الله أن الطهارة لا تنتقض بانتهاء مدة المسح، لعدم الدليل على ذلك، وإنما تنتقض الطهارة بالنواقض المعروفة كخروج الحدث. "المحلى 2/151، الاختيارات الفقهية ص 15، الشرح الممتع 1/216". وعليه: فمن كان على طهارة، وانقضت مدة المسح قبل صلاة الظهر، فله أن يصلي الظهر وما بعده بطهارته السابقة، إلى أن ينتقض وضوؤه. وبناء على جميع ما سبق: فإن انقضت مدة المسح وأنت على غير طهارة، فالواجب عليك إعادة جميع الصلوات التي صليتها بعد انقضاء المدة ولم تغسل فيها رجليك. وإن انقضت المدة وأنت على طهارة، فالواجب عليك إعادة الصلوات من أول ما انتقض وضوؤك بعد انقضاء المدة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69829 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 121 هل يمسح على الجورب مع أن رائحته كريهة؟ [السُّؤَالُ] ـ[جاء أحد المصلين ليتوضأ وهو مرتد الجوربين، أي أنه يريد أن يسمح عليهما، ولكن لجوربيه رائحة كريهة يخاف أن يؤذى بها المصليين؟ فماذا يفعل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: ينبغي أن يكون المصلي على حال من النظافة في بدنه وثيابه، بحيث لا تتأذى منه الملائكة، ولا يتأذى به إخوانه المصلون. ولهذا تأكد الاغتسال واستعمال السواك والطيب يوم الجمعة لازدحام الناس، ومُنع المسلم الذي أكل بصلاً أو ثوماً أو نحو ذلك مما له رائحة خبيثة - منع من حضور المسجد، لئلا يؤذي أحداً برائحته. روى أحمد (16445) أن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَتَسَوَّكُ وَيَمَسُّ مِنْ طِيبٍ إِنْ كَانَ لأَهْلِهِ) والحديث صححه شعيب الأرنؤوط في تحقيقه للمسند. وروى مسلم (564) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ) . فإذا كان للجوربين رائحة كريهة، فيتأكد نزعهما، وغسل القدمين، ولا يحل له أن يؤذي الملائكة والمصلين برائحته، فإن دخل المسجد وهو كذلك فإنه يؤمر بالخروج منه. روى مسلم (567) عن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قال: (إِنَّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ تَأْكُلُونَ شَجَرَتَيْنِ لا أَرَاهُمَا إِلا خَبِيثَتَيْنِ: هَذَا الْبَصَلَ وَالثُّومَ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا وَجَدَ رِيحَهُمَا مِنْ الرَّجُلِ فِي الْمَسْجِدِ أَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ إِلَى الْبَقِيعِ، فَمَنْ أَكَلَهُمَا فَلْيُمِتْهُمَا طَبْخًا) . قال النووي: هَذَا فِيهِ: إِخْرَاج مَنْ وُجِدَ مِنْهُ رِيح الثَّوْم وَالْبَصَل وَنَحْوهمَا مِنْ الْمَسْجِد، وَإِزَالَة الْمُنْكَر بِالْيَدِ لِمَنْ أَمْكَنَهُ. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69858 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 122 هل يمسح على الجوربين إذا لبس اليمنى قبل غسل الرجل اليسرى؟ [السُّؤَالُ] ـ[بعض الناس يغسل رجله اليمنى في الوضوء ثم يلبس الجورب، ثم يغسل اليسرى ويلبس عليها الجورب، فإذا توضأ بعد ذلك فهل يجوز المسح على الجوربين؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " الأولى والأحوط: ألا يلبس المتوضئ الشراب حتى يغسل رجله اليسرى؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا توضأ أحدكم فلبس خفيه فليمسح عليهما، وليصل فيهما، ولا يخلعهما إن شاء إلا من جنابة) أخرجه الدارقطني والحاكم وصححه من حديث أنس رضي الله عنه؛ ولحديث أبي بكرة الثقفي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه رخص للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوما وليلة، إذا تطهر فلبس خفيه أن يمسح عليهما. أخرجه الدارقطني وصححه ابن خزيمة. ولما في الصحيحين من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ فأراد أن ينزع خفيه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين) وظاهر هذه الأحاديث الثلاثة وما جاء في معناها أنه لا يجوز للمسلم أن يمسح على الخفين إلا إذا كان قد لبسهما بعد كمال الطهارة، والذي أدخل الخف أو الشراب برجله اليمنى قبل غسل رجله اليسرى لم تكمل طهارته. وذهب بعض أهل العلم إلى جواز المسح، ولو كان الماسح قد أدخل رجله اليمنى في الخف أو الشراب قبل غسل اليسرى؛ لأن كل واحدة منهما إنما أدخلت بعد غسلها. والأحوط: الأول، وهو الأظهر في الدليل، ومن فعل ذلك فينبغي له أن ينزع الخف أو الشراب من رجله اليمنى قبل المسح، ثم يعيد إدخالها فيه بعد غسل اليسرى، حتى يخرج من الخلاف ويحتاط لدينه " انتهى. الشيخ ابن باز رحمه الله. "مجموع فتاوى ابن باز" (10/116) . ومما يستدل به أيضاً على أنه لا يجوز المسح على الخفين إلا إذا لبسهما على طهارة كاملة: ما رواه ابن خزيمة والدارقطني عن أبي بَكْرَةَ رضي الله عنه عن النّبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: أنّهُ رَخّص لَلْمُسَافِرِ ثَلاثَةَ أيَامٍ ولَيَاليَهُنَّ، وللمُقيمِ يَوْماً ولَيْلَةً، إذا تَطَهّرَ فَلَبِسَ خُفّيْهِ: أنّ يَمْسَحَ عَلَيْهِمَا. صححه الخطابي، ونقل البيهقي: أن الشافعي صححه. وحسنه النووي. تلخيص الحبير (1/278) . وانظر: "المجموع" للنووي (1/541) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69866 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 123 هل المسح على الخفين أفضل أم غسل القدمين؟ [السُّؤَالُ] ـ[ هل المسح على الخفين أفضل أم غسل القدمين؟. ]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذهب جمهور العلماء (منهم أبو حنيفة ومالك والشافعي) إلى أن غسل القدمين أفضل، قالوا: لأن غسل القدمين هو الأصل، فكان أفضل. انظر: "المجموع" (1/502) . وذهب الإمام أحمد إلى أن المسح على الخفين أفضل، واستدل بـ: 1- أنه أيسر، و (مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ) رواه البخاري (3560) ومسلم (2327) . 2- أنه رخصة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ) رواه أحمد (5832) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (564) . 3- أن في المسح على الخفين مخالفةً لأهل البدع الذين ينكرونه، كالخوراج والروافض. وقد كثرت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في فعل كل منهما، غسل القدمين، والمسح على الخفين، مما جعل بعض العلماء يقول: المسح والغسل سواء، وهو ما اختاره ابن المنذر رحمه الله. واختار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم أن الأفضل في حق كل واحد ما كان موافقاً للحال التي عليها قدمه، فإن كان لابساً للخف فالأفضل المسح، وإن كانت قدماه مكشوفتين فالأفضل الغسل، ولا يلبس الخف من أجل أن يمسح عليه. ويدل لهذا حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه لما أراد أن ينزع خفي النبي صلى الله عليه وسلم ليغسل قدميه في الوضوء فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (دَعْهُمَا، فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ، فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا) رواه البخاري (206) ومسلم (274) . فهذا يدل على أن المسح أفضل في حق من كان يلبس الخفين. ويدل لذلك أيضاً ما رواه الترمذي (96) عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا إِذَا كُنَّا سَفَرًا أَنْ لا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهنَّ إِلا مِنْ جَنَابَةٍ، وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ. حسنه الألباني في "إرواء الغليل" (104) . فالأمر بالمسح يدل على أنه أفضل، ولكنه في حق لابس الخف. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " وفصل الخطاب: أن الأفضل في حق كل واحد ما هو الموافق لحال قدمه. فالأفضل لمن قدماه مكشوفتان: غسلهما ولا يتحرى لبس الخف ليمسح عليه , كما كان عليه أفضل الصلاة والسلام يغسل قدميه إذا كانتا مكشوفتين , ويمسح قدميه إذا كان لابسا للخف " انتهى من "الإنصاف" (1/378) . وقال ابن القيم في "زاد المعاد" (1/199) : " ولم يكن يتكلف ضد حاله التي عليها قدماه، بل إن كانتا في الخف مسح عليهما ولم ينزعهما، وإن كانت مكشوفتين غسل القدمين، ولم يلبس الخف ليمسح عليه، وهذا أعدل الأقوال في مسألة الأفضل من المسح والغسل، قاله شيخنا (يعني شيخ الإسلام ابن تيمية) " انتهى. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45535 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 124 إذا مسح على الخفين ثم خلعها هل تبطل طهارته بذلك؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا مسح المتوضئ على الخفين أو الجوربين ثم خلعهما، هل تبطل طهارته بذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف العلماء في حكم من توضأ ومسح على خفيه ثم خلعهما. فقال بعض العلماء: يكفيه غسل قدميه، ويتم بذلك وضوؤه. وهذا القول ضعيف، لأن الوضوء تجب فيه الموالاة، أي لا يفصل بين غسل الأعضاء بزمن طويل، بل يغسلها متتابعة متوالية. ولذلك ذكر ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/367) أن هذا القول مبني على عدم وجوب الموالاة في الوضوء، وهو ضعيف. وقال آخرون: تبطل طهارته بذلك، ويجب عليه إذا أراد أن يصلي أن يعيد الوضوء، واحتجوا بأن المسح أقيم مقام الغسل، فإذا زال الخف بطلت الطهارة في القدمين، لأنها بذلك تكون غير مغسولة ولا ممسوح عليها، وإذا بطلت الطهارة في القدمين بطلت كلها لأن الطهارة لا تتجزأ. وقد اختار هذا القول الشيخ ابن باز رحمه الله، كما في "مجموع فتاواه" (10/113) . وقال آخرون: لا تبطل طهارته بذلك حتى يحدث، وقال بهذا القول جماعة من السلف منهم قتادة والحسن البصري وابن أبي ليلى، ونصره ابن حزم في "المحلى" (1/105) واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن المنذر، وقال النووي في "المجموع" (1/557) : وهو المختار الأقوى. واستدل هؤلاء بعدة أدلة: 1- أن الطهارة لا تبطل إلا بالحدث، وخلع الخفين ليس بحدث. 2- أن طهارة من مسح على الخفين قد ثبتت بدليل شرعي، ولا يمكن الحكم عليها بالبطلان إلا بدليل شرعي، وليس هناك من الأدلة ما يدل على انتقاض الطهارة بخلع النعلين. 3- القياس على حلق الشعر بعد الوضوء، فإن من توضأ ومسح رأسه ثم حلق شعره، فطهارته باقية لا تنتقض بذلك، فكذلك من مسح على الخفين ثم خلعهما. وقال الشيخ ابن عثيمين: " إذا خلع الخف أو الجورب بعد مسحه لم تنتقض طهارته بذلك، فيصلي ما شاء حتى يحدث على القول الصحيح " انتهى. من"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (11/193) . انظر: "المغني" (1/366-386) ، "المحلى" (1/105) ، "الاختيارات" (ص 15) ، "الشرح الممتع" (1/180) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45788 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 125 من مسح على الجوربين من غير طهارة وصلى [السُّؤَالُ] ـ[بقيت فترة من الزمن أمسح على الجوربين على غير طهارة جاهلاً بالحكم فما حكم صلاتي في تلك الفترة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب أن تقضي الصلوات الماضية التي صليتها وأنت تمسح على الجوربين على غير طهارة. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 5/246 الحديث: 2170 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 126 حكم المسح على الجوارب المخرقة والشفافة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم المسح على الجوارب إذا كان بها ثقوب أو شفافة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز المسح عليها في وضوء بدلاً من غسل الرجلين إذا كان لبسهما على طهارة ما لم تتسع الثقوب عرفاً أو تزيد الشفافية حتى تكون الرجلان في حكم العاريتين يرى ما وراءها من حمرة أو سواد مثلاً. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 5/246 الحديث: 2171 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 127 للمسح على الجوربين لا بد من لبسهما جميعا بعد الطهارة الكاملة [السُّؤَالُ] ـ[ما الحكم إذا غسل الرجل رجله اليمنى ثم لبس بعد ذلك الجورب قبل أن يغسل رجله اليسرى هل يجوز له المسح على الجوربين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس لك المسح عليهما لأنك أدخلت الأولى قبل تمام الطهارة. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 5/247 الحديث: 2172 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 128 هل يجوز شرب العصير في زجاجة خمر؟ [السُّؤَالُ] ـ[حكم شرب العصير في زجاجة خمر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: الأولى بالمسلم أن يتجنب استعمال الأواني التي تستعمل في طبخ الخنزير وشرب الخمر، فإن لم يجد غيرها فيجوز له استعمالها بشرط أن يغسلها بالماء قبل ذلك. فعَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقَالَ: إِنَّا نُجَاوِرُ أَهْلَ الْكِتَابِ، وَهُمْ يَطْبُخُونَ فِي قُدُورِهِمْ الْخِنْزِيرَ، وَيَشْرَبُونَ فِي آنِيَتِهِمْ الْخَمْرَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَكُلُوا فِيهَا وَاشْرَبُوا، وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا غَيْرَهَا فَارْحَضُوهَا بِالْمَاءِ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا) رواه أبو داود (3839) وأصله في الصحيحين. وينظر جواب السؤال: (65617) . ولا نظن الأمر يضيق على مسلم في هذا العصر حتى لا يجد ما يشرب به العصير إلا زجاجة الخمر. ثم إن شرب العصير في زجاجة خمر قد يفتح الباب للطعن في هذا الشارب، فقد يظن من يراه أنه يشرب الخمر. والذي ينبغي للمؤمن أن يغلق عن نفسه باب القيل والقال. وأما إذا كان قصد الشارب من الشرب في زجاجة الخمر مشابهة شاربي الخمور في طريقة شربهم، فيحرم الشرب في تلك الزجاجة حينئذ؛ لأن مشابهة أهل الفسق والفجور أمر محرم، وينظر جواب السؤال (119530) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 133513 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 129 لبس قفازات من جلد الخنزير [السُّؤَالُ] ـ[أعمل في شركة حيث يستخدم العمال دائما قفازات من جلد الخنزير. على حد علمي أي شيء يؤخذ من الخنزير فهو حرام، وإذا لمسته يجب أن أغسل يدي 7 مرات بالإضافة لمرة بالتراب. في هذه الحالة ما الذي يجب أن أفعله؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سبق في إجابة السؤال رقم (1695) أن جلد الخنزير نجس ولا يطهر بالدباغ. ومجرد لمس النجاسة لا ينجّس البدن إلا مع وجود الرطوبة في النجاسة أو في البدن. قال الشيخ ابن جبرين: لا يضر لمس النجاسة اليابسة بالبدن والثوب اليابس. . . لأن النجاسة إنما تتعدى مع رطوبتها اهـ فتاوى إسلامية (1/194) . وعلى هذا لا تتنجس اليد بمجرد لبس هذه القفازات المصنوعة من جلد الخنزير، إلا إذا كانت اليد أو القفاز عليه بلل من الماء. وإذا حصل التنجس بلمس جلد الخنزير – مع وجود البلل – لزم غسل اليد، ويكفي في ذلك غسلة واحدة لأنه لم يرد الأمر بغسل النجاسة سبع مرات إحداهن بالتراب إلا في نجاسة الكلب. وذهب بعض العلماء إلى قياس الخنزير على الكلب، فأوجبوا غسل نجاسته سبع مرات إحداهن بالتراب. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (وهذا قياس ضعيف؛ لأن الخنزير مذكور في القرآن، وموجود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يرد إلحاقه بالكلب، فالصحيح أن نجاسته كنجاسة غيره، لا يغسل سبع مرات إحداها بالتراب) الشرح الممتع 1/356 وينبغي على المسلم أن يحرص على طهارة بدنه وثيابه، ويجتنب لبس هذه القفازات المصنوعة من جلد الخنزير، لما في ذلك من مباشرة النجاسة، وتعريض يده وثيابه للتنجس مما قد يؤثر على صحة صلاته، إلا إذا احتاج إلى لبس هذه القفازات كما لو لم يجد غيرها فيجوز له لبسها مع الاحتياط من تنجيسها لبدنه وثيابه، والمبادرة إلى غسل النجاسة إن حصلت حتى لا تتعدى إلى موضع آخر أو ينسى غسلها أو موضعها من ثيابه. وسيجد من الجلود الطاهرة ما يغنيه عن هذه النجسة، نسأل الله أن يوفقنا لما يحب ويرضى والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 22713 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 130 الآنية المطلية بالفضّة وحكم إهداء الهدايا [السُّؤَالُ] ـ[جاءتني مؤخرا هدايا لزفافي لكن بعضها لا يتناسب مع السنة مثل صور لذوات الأرواح وبعضها تماثيل وأوعية مطلية بالفضة..الخ فهل يجوز لي إهداء هذه الأشياء لغير المسلمين؟ أم يجب عليّ التخلص منها فقط؟ أيضا هل من المباح أن نهدي الهدية التي أهدانا إياها الآخرون؟ على سبيل المثال لقد أهداني بعض الأصدقاء الكثير من أوعية السلطة وأنا لا أحتاجها جميعها فهل يمكنني تقديم بعض منها كهدية للآخرين؟ جزاك الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فإن هدي النبي صلى الله عليه وسلم طمس الصور ومحق التماثيل لحديث أَبِي الْهَيَّاجِ الأَسَدِيِّ قَالَ: قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَلا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لا تَدَعَ تِمْثَالا إِلا طَمَسْتَهُ وَلا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلا سَوَّيْتَهُ " رواه مسلم 1609، ولذا يتعين إتلاف صور ذوات الأرواح والتخلص منها، وأما الأواني المطلية بالفضة فلا يجوز استخدامها لقوله صلى الله عليه وسلم: " الَّذِي يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ. " رواه مسلم 3846، والمطلي والمموه بالذهب والفضة حكمه حكم المصنوع من الذّهب والفضّة، أمّا بالنسبة لإهدائك للهدايا التي أهديت إليك فلا حرج في ذلك لأن الإنسان يملك الهدية بقبولها، فيجوز له التصرف فيها بالبيع والهبة والوقف ونحو ذلك، والله أعلم.. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2442 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 131 تحريم آنية الذهب والفضة [السُّؤَالُ] ـ[انتشر في هذه الأيام استعمال آنية الذهب والفضة وخاصة بين الموسرين من الناس بل وصل الأمر عند بعضهم إلى أن يشتري أطقما من المواد الصحية كخلاطات الحمامات أو المسابح أو مواسير المياه أو مساكاتها كلها من الذهب الخالص ولا يزكون هذا الذهب ولا ينظرون إلى قيمته، والمعلوم أن هذا ممنوع ما رأي سماحتكم في ذلك؟ وهل يمكن التوجيه بمنع بيع مثل هذه الأجهزة للمسلمين الذين يجهلون حكمها بارك الله فيكم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأواني من الذهب والفضة محرمة بالنص والإجماع وقد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة) متفق على صحته من حديث حذيفة رضي الله عنه، وثبت أيضا عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الذي يأكل ويشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم) متفق على صحته من حديث أم سلمة رضي الله عنها وهذا لفظ مسلم. فالذهب والفضة لا يجوز اتخاذهما أواني، ولا الأكل ولا الشرب فيها، وهكذا الوضوء والغسل، هذا كله محرم بنص الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام. والواجب منع بيعها حتى لا يستعملها المسلم، وقد حرم الله عليه استعمالها فلا تستعمل في الشراب ولا في الأكل ولا في غيرهما، ولا يجوز أن يتخذ منها ملاعق ولا أكواب للقهوة أو الشاي كل هذا ممنوع؛ لأنها نوع من الأواني. فالواجب على المسلم الحذر مما حرم الله عليه وأن يبتعد عن الإسراف والتبذير والتلاعب بالأموال، وإذا كان عنده سعة من الأموال فعنده الفقراء يتصدق عليهم، عنده المجاهدون في سبيل الله يعطيهم في سبيل الله يتصدق لا يلعب بالمال، المال له حاجة وله من هو محتاج، فالواجب على المؤمن أن يصرف المال في جهته الخيرية كمواساة الفقراء والمحاويج وفي تعمير المساجد والمدارس وفي إصلاح الطرقات وفي إصلاح القناطر وفي مساعدة المجاهدين والمهاجرين الفقراء وفي غير ذلك من وجوه الخير كقضاء دين المدينين العاجزين، وتزويج من لا يستطيع الزواج كل هذه طرق خيرية يشرع الإنفاق فيها. أما التلاعب بها في أواني الذهب والفضة أو ملاعق أو أكواب منها أو مواسير وأشباه ذلك كل هذا منكر يجب تركه والحذر منه، ويجب على من له شأن في البلاد التي فيها هذا العمل من العلماء والأمراء إنكار ذلك وأن يحولوا بين المسرفين وبين هذا التلاعب والله المستعان. [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز 6/378 الحديث: 13733 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 132 اقتناء الكلب ولمسه وتقبيله [السُّؤَالُ] ـ[الاحتفاظ بكلب يعدُّ من النجاسات، لكن إذا أبقى المسلم كلباً لمجرد حراسة البيت، وأبقاه خارجه، ووضعه في مكان في آخر المجمع، فكيف يمكنه أن يطهر نفسه؟ وما هو الحكم إذا لم يجد تراباً أو طيناً لينظف به نفسه؟ وهل يوجد هناك أية بدائل لتنظيف المسلم نفسه؟ في بعض الأحيان يقوم المذكور باصطحاب الكلب معه للجري، وهو يربت عليه، ويقبله ... إلخ.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: حرَّم الشرع المطهر على المسلم اقتناء الكلاب، وعاقب من خالف ذلك بنقصان حسناته بمقدار قيراط أو قيراطين كل يوم، وقد استثني من ذلك اقتناؤه للصيد ولحراسة الماشية ولحراسة الزرع. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (مَنِ اتَّخَذَ كَلْباً إِلاَّ كَلْبَ مَاشِيَةٍ، أوْ صَيْدٍ، أوْ زَرْعٍ، انْتُقِصَ مِنْ أجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ) رواه مسلم (1575) . وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنِ اقْتَنَى كَلْباً إِلاَّ كَلْبَ مَاشِيَةٍ، أوْ ضَارِياً نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ) رواه البخاري (5163) ومسلم (1574) . وهل يجوز اقتناء الكلب لحراسة البيوت؟ قال النووي: " اختلف في جواز اقتنائه لغير هذه الأمور الثلاثة كحفظ الدور والدروب، والراجح: جوازه قياساً على الثلاثة عملاً بالعلَّة المفهومة من الحديث وهي: الحاجة " انتهى. " شرح مسلم " (10 / 236) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وعلى هذا فالمنزل الذي يكون في وسط البلد لا حاجة أنْ يتخذ الكلب لحراسته، فيكون اقتناء الكلب لهذا الغرض في مثل هذه الحال محرماً لا يجوز وينتقص من أجور أصحابه كل يوم قيراط أو قيراطان، فعليهم أنْ يطردوا هذا الكلب وألا يقتنوه، وأما لو كان هذا البيت في البر خالياً ليس حوله أحدٌ فإنَّه يجوز أنْ يقتني الكلب لحراسة البيت ومَن فيه، وحراسةُ أهلِ البيت أبلغُ في الحفاظ مِن حراسة المواشي والحرث " انتهى. " مجموع فتاوى ابن عثيمين " (4 / 246) . وفي التوفيق بين رواية " القيراط " و " القيراطين " أقوال. قال الحافظ العيني رحمه الله: أ- يجوز أنْ يكونا في نوعين مِن الكلاب، أحدُهما أشدُّ إيذاءً. ب- وقيل: القيراطان في المدن والقرى، والقيراط في البوادي. جـ- وقيل: هما في زمانين، ذكر القيراط أولاً، ثم زاد التغليظ، فذكر القيراطين. " عمدة القاري " (12 / 158) . ثانياً: وأما قول السائل " الاحتفاظ بكلب يعدُّ من النجاسات " فهو غير صحيح على إطلاقه إذ النجاسة ليست في ذات الكلب بل في ريقه حين يشرب من إناء، فمن لمس كلباً أو لمسه كلب فإنه لا يجب عليه تطهير نفسه لا بتراب ولا بماء، فإن شرب الكلب من إناء فإنه يجب عليه إراقة الماء وغسله سبع مرات بالماء وثامنة بالتراب إن كان يريد استعماله، فإن جعله خاصّاً للكلب لم يلزمه تطهيره. فعن أبي هريرة رضي الله عنه , أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: (طُهُورُ إِنَاءِ أحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الكَلْبُ أنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولاَهُنَّ بِالتُّرَابِ) رواه مسلم (279) . وفي رواية لمسلم (280) : (إِذَا وَلَغَ الكُلْبُ في الإِنَاءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وأما الكلب فقد تنازع العلماء فيه على ثلاثة أقوال: أحدها: أنَّه طاهرٌ حتى ريقه، وهذا هو مذهب مالك. والثاني: نجس حتى شعره، وهذا هو مذهب الشافعي، وإحدى الروايتين عن أحمد. والثالث: شعره طاهر، وريقه نجسٌ، وهذا هو مذهب أبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين عنه. وهذا أصحُّ الأقوال، فإذا أصاب الثوبَ أو البدنَ رطوبةُ شعره لم ينجس بذلك " انتهى. " مجموع الفتاوى " (21 / 530) . وقال في موضعٍ آخر: " وذلك لأنَّ الأصل في الأعيان الطهارة، فلا يجوز تنجيس شيء ولا تحريمه إلا بدليلٍ , كما قال تعالى: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُّرِرْتُم إِلَيْهِ) الأنعام/119، وقال تعالى: (وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُم حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَا يَتَّقُونَ) التوبة/115 ... وإذا كان كذلك: فالنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم قال: (طُهُورُ إِنَاءِ أحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الكَلْبُ أنْ يَغْسِلَهُ سَبْعاً، أولاَهُنَّ بِالتُّرَابِ) ، وفي الحديث الآخر: (إذَا وَلَغَ الكَلْبُ … ) فأحاديثُه كلُّها ليس فيها إلا ذكر الولوغ لم يذكر سائر الأجزاء، فتنجيسها إنما هو بالقياس ... وأيضاً: فالنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم رخَّص في اقتناء كلب الصيد والماشية والحرث، ولا بد لمن اقتناه أنْ يصيبه رطوبةُ شعوره كما يصيبه رطوبةُ البغل والحمار وغير ذلك، فالقول بنجاسة شعورها والحال هذه من الحرج المرفوع عن الأمة " انتهى. " مجموع الفتاوى " (21 / 617 و 619) . والأحوط: أنه إن مس الكلب وعلى يده رطوبة , أو على الكلب رطوبة أن يغسلها سبع مرات إحداهن بالتراب , قال الشيخ ابن عثيمين: " وأما مس هذا الكلب فإن كان مسه بدون رطوبة فإنه لا ينجس اليد , وإن كان مسه برطوبة فإن هذا يوجب تنجيس اليد على رأي كثير من أهل العلم , ويجب غسل اليد بعده سبع مرات , إحداهن بالتراب " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (11/246) . ثالثاً: وأما كيفية تطهير نجاسة الكلب، فقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (41090) ، (46314) وأن الواجب غسل نجاسة الكلب سبع مرات إحداهن بالتراب، ومع وجود التراب فالواجب استعماله، ولا يجزئ غيره، أما إذا لم يجد تراباً، فلا حرج من استعمال غيره من المنظفات كالصابون. رابعاً: وما ذكره السائل من تقبيل الكلاب فهو مسبب لأمراض كثيرة، والأمراض التي تصيب الإنسان نتيجة مخالفة الشرع بتقبيل الكلاب أو الشرب من آنيتها قبل تطهيرها كثيرة , ومنها " مرض الباستريلا " وهو مرضٌ بكتيري، يوجد السبب المرضي له طبيعياً في الجهاز التنفسي العلوي للإنسان والحيوانات، وتحت ظروفٍ خاصَّةٍ يغزو هذا الجرثوم الجسم محُدِثاً المرض. ومنها " الأكياس المائية " وهو من الأمراض الطفيلية التي تصيب الأحشاء الداخلية للإنسان والحيوان، وتكون أعلى إصابة لها في الكبد والرئتين، يليها التجويف البطني، وبقية أعضاء الجسم. ويسبب هذا المرض دودة شريطية تُسَّمى (ايكاينكوس كرانيلوسيس) وهي دودة صغيرة طول البالغة منها (2 – 9) ملم، تتكون مِن ثلاث قطعٍ، ورأس، ورقبة، ويكون الرأس مزوداً بأربع ممصات. وتعيش الديدان البالغة في أمعاء المضائف النهائية، المتمثلة بالكلاب والقطط والثعالب والذئاب. وينتقل هذا المرض إلى الإنسان المولع بتربية الكلاب، حين يقبله، أو يشرب مِن إنائه. انظر كتاب: " أمراض الحيوانات الأليفة التي تصيب الإنسان " للدكتور علي إسماعيل عبيد السنافي. والخلاصة: لا يجوز اقتناء الكلاب إلا لصيد أو حراسة ماشية وزرع، ويجوز اتخاذه لحراسة الدور بشرط أن تكون خارج المدينة وبشرط عدم توفر وسيلة أخرى، ولا ينبغي للمسلم تقليد الكفار في الركض مع الكلاب، ولمس فمه وتقبيله مسبب لأمراض كثيرة. والحمد لله على هذه الشريعة الكاملة المطهرة، والتي جاءت لإصلاح دين ودنيا الناس، ولكن أكثر الناس لا يعلمون. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69840 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 133 هل يلزمه غسل الأطباق بعد استعمالها وغسلها من قبل غير المسلمين؟ [السُّؤَالُ] ـ[أقيم في دولة غير إسلامية حيث يتوجب علي استخدام مطبخ يستخدمه أشخاص غير مسلمين. بعد الفراغ من الطعام يقوم زملاؤنا غير المسلمين بغسل الأطباق، فهل يجوز لنا استخدام هذه الأطباق في الأكل أم يتوجب علينا غسلها ثلاث مرات حتى تطهر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأصل في الأواني الطهارة، سواء استعملها المسلم أو الكتابي أو غيرهما، حتى يُتقين نجاستها. ولهذا ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز استعمال آنية الكفار، واستدلوا على ذلك بعدة أدلة، منها: 1- أن الله تعالى أباح لنا طعام أهل الكتاب، أي ذبائحهم، ومن المعلوم أنهم يأتون بها إلينا أحيانا مطبوخة بأوانيهم، فدل على جواز استعمال أوانيهم. 2- أن النبي صلى الله عليه وسلم دعاه غلام يهودي على خُبْزِ شَعِيرٍ وإِهَالَةٍ سَنِخَة. رواه أحمد، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1/71) . 3- أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ وأصحابه من مزادةِ امرأةٍ مشركةٍ. رواه البخاري (337) ومسلم (682) والمزادة: وعاء من الجلد يوضع فيه الماء. فهذه الأدلة تدل على جواز استعمال آنية الكفار. لكن إذا علمنا أنهم يطبخون في أوانيهم لحم الخنزير أو الميتة، أو يشربون فيها الخمر، فالأولى التنزه عنها وعدم استعمالها إلا إذا احتجنا إليها ولم نجد غيرها، فنغسلها ونأكل فيها. وإذا قاموا هم بغسلها فلا يلزمنا إعادة الغسل. ولا يشترط في الغسل أن يكون ثلاث مرات، بل تغسل حتى يزول ما فيها من أثر طعامهم وشرابهم. والدليل على هذا ما رواه البخاري (5478) ومسلم (3567) عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنَّا بِأَرْضِ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَفَنَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ؟ . . . قَالَ: أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَإِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَلا تَأْكُلُوا فِيهَا، وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَاغْسِلُوهَا وَكُلُوا فِيهَا. وهذا محمول على من يستعمل الآنية منهم في المحرمات، لرواية أبي داود (3839) (إِنَّا نُجَاوِرُ أَهْلَ الْكِتَابِ، وَهُمْ يَطْبُخُونَ فِي قُدُورِهِمْ الْخِنْزِيرَ، وَيَشْرَبُونَ فِي آنِيَتِهِمْ الْخَمْرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَكُلُوا فِيهَا وَاشْرَبُوا، وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا غَيْرَهَا فَارْحَضُوهَا بِالْمَاءِ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا. صححه الألباني في صحيح أبي داود. قال الخطابي: " الرَّحْض: الْغَسْل. وَالأَصْل فِي هَذَا: أَنَّهُ إِذَا كَانَ مَعْلُومًا مِنْ حَالِ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ يَطْبُخُونَ فِي قُدُورهمْ الْخِنْزِير وَيَشْرَبُونَ فِي آنِيَتهمْ الْخَمْر فَإِنَّهُ لا يَجُوز اِسْتِعْمَالهَا إِلا بَعْد الْغَسْل وَالتَّنْظِيف " انتهى من عون المعبود. وقوله: (إِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَكُلُوا فِيهَا وَاشْرَبُوا) أي كلوا في ذلك الغير واشربوا. وهذا الأمر للاستحباب عند جمهور الفقهاء، أي: يستحب التنزه عن هذه الأواني. ويكره استعمالها حتى مع غسلها، إلا عند عدم وجود غيرها فتزول الكراهة. قال النووي رحمه الله في شرح مسلم (13/80) : " وإنما نهى عن الأكل فيها بعد الغسل للاستقذار، وكونها معتادة للنجاسة " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (1/69) : " وأما حديث أبي ثعلبة الخشني أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا تأكلوا فيها إلا ألا تجدوا غيرها، فاغسلوها وكلوا فيها) فهذا يدل على أن الأولى التنزه. لكن كثيراً من أهل العلم حملوا هذا الحديث على أناس عرفوا بمباشرة النجاسات من أكل الخنزير ونحوه، فقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم منع من الأكل في آنيتهم إلا إذا لم نجد غيرها، فإننا نغسلها ونأكل فيها، وهذا الحمل جيد، وهو مقتضى قواعد الشرع " انتهى. وخلاصة الجواب: إذا كان هؤلاء لا يستعملون تلك الأواني في شرب الخمر أو أكل الخنزير أو الميتة فاستعمالكم لها جائز. فإن كانوا يستعملونها في الأطعمة أو الأشربة المحرمة أو النجسة فالأفضل لكم عدم استعمالها إذا وجدتم غيرها، فإن لم تجدوا غيرها فلكم استعمالها بعد غسلها، سواء قمتم أنتم أو هم بغسلها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65617 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 134 حكم أكل ذبائح الكفار واستعمال أوانيهم [السُّؤَالُ] ـ[إنني أسمع - قبل مجيئي للصين - أن الحيوانات التي ذبحها الملحدون، أو بالأحرى قتلوها لا يجوز للمسلم أكلها، وعندنا في الجامعة مطعم صغير للمسلمين، وتوجد فيه لحوم، غير أنني لست على يقين أنها مذبوحة على الطريقة الإسلامية ومتشكك في ذلك، مع العلم أن زميلاتي غير متشككين مثلي ويأكلون منها، أهم على حق أم يأكلون حراما؟ وكذلك بالنسبة لأواني الطعام ليس هناك تمييز بين أواني المسلمين وغيرهم، ماذا ينبغي علي أن أفعل حيال هذه الأمور؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز أكل ذبائح الكفار غير أهل الكتاب من اليهود والنصارى، سواء كانوا مجوسا أو وثنيين أو شيوعيين، أو غيرهم من أنواع الكفار، ولا ما خالط ذبائحهم من المرق وغيره؛ لأن الله سبحانه لم يبح لنا من أطعمة الكفار إلا طعام أهل الكتاب في قوله عز وجل: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) الآية. وطعامهم: هو ذبائحهم، كما قال ابن عباس وغيره. أما الفواكه ونحوها فلا حرج فيها؛ لأنها غير داخلة في الطعام المحرم، أما طعام المسلمين فهو حل للمسلمين وغيرهم، إذا كانوا مسلمين حقا لا يعبدون إلا الله، ولا يدعون معه غيره من الأنبياء، والأولياء، وأصحاب القبور وغيرهم مما يعبده الكفرة. أما الأواني: فالواجب على المسلمين أن يكون لهم أوان غير أواني الكفرة التي يستعمل فيها طعامهم وخمرهم ونحو ذلك، فإن لم يجدوا وجب على طباخ المسلمين أن يغسل الأواني التي يستعملها الكفار ثم يضع فيها طعام المسلمين؛ لما ثبت في الصحيحين، عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الأكل في أواني المشركين، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تأكلوا فيها إلا أن لا تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا فيها) وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز يرحمه الله، م/4، ص/435 الحديث: 34496 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 135 هل يجوز استخدام مكحلة من ذهب؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما صحة ما يقال بأن استخدام ميل (ما يوضع به الكحل في العين) من ذهب لتكحيل العين يقوي النظر، وهل يجوز استخدام ميل من الذهب؟ أم أن ذلك يدخل في التحريم؟ . علما أننا قرأنا ذلك في كتاب ابن القيم الجوزية " الطب النبوي ".]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صحَّ النص عن النبي صلى الله عليه وسلم واتفق الفقهاء على حرمة استعمال أواني الذهب والفضة في الأكل والشرب بهما. فعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة ". رواه البخاري (5110) ومسلم (2067) . عن أم سلمة – رضي الله عنها – قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " الذي يأكل ويشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم ". رواه البخاري (5311) ومسلم (2065) - واللفظ له -. وهذا إنما هو في آنية الذهب والفضة. وأما استعمال ميل من ذهب، فقد ذكر ابن القيم في زاد المعاد (4/310) ، وابن مفلح في الآداب الشرعية (3/23) أنه نافع للعين. فظاهر كلامهما إباحته، وهو ما نص عليه شيخ الإسلام – رحمه الله – في الاختيارات ص (8) قال: ويباح الاكتحال بميل الذهب والفضة لأنها حاجة، ويباحان لها.اهـ. وأما نفع ميل الذهب للعين فقد ذكر ابن القيم في زاد المعاد: أنه يجلو العين ويقويها، وينفع من كثير من أمراضها. اهـ. وذكره ابن مفلح بنصه في الآداب الشرعية: والمرجع في ذلك إلى أهل الاختصاص " والله تعالى أعلم بالصواب. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 32556 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 136 لا حرج من إزالة النجاسة بالمناديل بعد قضاء الحاجة [السُّؤَالُ] ـ[أعيش في أمريكا، ولا توجد أية طريقة لأن أستخدم الماء بعد انتهائي من قضاء الحاجة في حمام المكتب الذي أعمل فيه. ولذلك فإني لا أكون طاهرا وأنا في المكتب خلال وقت النهار بكاملة. لكني إذا احتجت لان أصلي خلال أوقات العمل، فكيف أفعل؟ وعندما أرجع لبيتي، فبإمكاني أن أغتسل، لكن ماذا أفعل وأنا في المكتب؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا قضيت حاجتك فعليك أن تمسح بالمناديل ما ينظف المخرجين وهذا كافٍ في حصول الطهارة المطلوبة، ولا يجب استعمال الماء، ـ وإن كان هذا هو الأفضل ـ وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (59928) و (111813) . وعلى هذا، فإذا أزلت أثر النجاسة بالمناديل، فإن بإمكانك الخروج من الحمام وتتوضأ وتصلي. ولا تؤخر الصلاة عن وقتها، ولا تحتاج أن تغتسل إذا رجعت إلى البيت. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129685 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 137 لا ينبغي التشدد في الاستنجاء بعد قضاء الحاجة [السُّؤَالُ] ـ[أنا أشعر بحرج شديد أثناء التطهر من الحدث الأكبر حيث إنني أتطهر بالقليل من الماء ومن ثم أستجمر أحيانا 21 مرة وأحيانا أكثر ومع ذلك أرى أثرا مما يجعلني أتطهر مرة أخرى بالماء ولذلك أصبحت أمضي وقتا طويلا في دورة المياه للتطهر مما ألحق بي أضرارا صحية فما رأيكم؟ وهل يوجد عدد معين للاستجمار تحصل به الطهارة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الحدث الأكبر يطلق على الجنابة والحيض والنفاس، وكيفية التطهر منه: تبدأ المرأة بالاستنجاء ثم تعم بدنها بالماء، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (10790) . أما خروج الريح والبول والغائط والمذي ... إلخ فهذا هو الحدث الأصغر، ولعلك تقصدين ذلك. قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: "الحدث الأصغر: ما يُوجب الوضوء دون الغسل كخروج البول والغائط والريح من الدبر، وأكل لحم الجزور والنوم. أما الحدث الأكبر: فهو ما يُوجب الغسل كالجماع، وإنزال عن شهوة في حال الاحتلام أو غيره، والحيض، والنفاس" انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" - المجموعة الثانية - (4/112) . ثانياً: الاستجمار هو إزالة ما على السبيلين [الفرجين] من نجاسة بحجر أو منديل وما يشبه ذلك. والواجب في الاستجمار ألا تقل عدد المسحات عن ثلاثة، وأن يحصل الإنقاء، وهو إزالة النجاسة، وجفاف المكان، وعلامة حصول الطهارة: أن تخرج آخر مسحة جافة ليس عليها أثر من النجاسة، فإذا حصل هذا فقد حصل المقصود وطهر المحل. روى مسلم (262) عَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه أنه قال: (نَهَانَا نَبِيُّنا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ) . قال ابن قدامة في "المغني" (1/102) : " يُشْتَرَطُ الْأَمْرَانِ جَمِيعًا: الْإِنْقَاءُ , وَإِكْمَالُ الثَّلَاثَةِ , أَيُّهُمَا وُجِدَ دُونَ صَاحِبِهِ لَمْ يَكْفِ , وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَة" انتهى. وقد سُئِل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: إذا استنزه الرجال بالأحجار دبراً كان أو قبلاً بماذا يستنزه النساء قبلا عند عدم الماء؟ فأجابوا: "الاستجمار بالأحجار وما يقوم مقامها من غير العظام والأرواث قائم مقام الاستنجاء بالماء في تطهير القبل والدبر، والرجال والنساء في ذلك سواء، والواجب: ثلاثة أحجار منقيات لكل واحد من الدبر والقبل، فإن لم تكف وجبت الزيادة حتى يحصل النقاء، والأفضل: القطع على وتر، فإذا أنقى بأربعة شُرِعَ أن يستجمر بخامس، وإذا أنقى بستة شُرِعَ أن يستجمر بسابع؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ومن استجمر فليوتر) " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" - المجموعة الثانية - (4 / 36) . أما إن كنت تقصدين بالاستجمار غسل أثر النجاسة بالماء، فهذا لا يشترط له عدد، والواجب هو غسل النجاسة حتى يغلب على الظن أنها قد زالت، ويكفي هنا العمل بغلبة الظن، ولا يشترط تيقن أنها زالت. واعلمي أن هذا التشدد هو من وساوس الشيطان، التي يريد بها أن تكون العبادة شاقة على المسلم فيتركها، أو ينغص عليه حياته، ويوقعه في الضيق والحزن. فعليك الاقتصار على ما ورد به الشرع من غير زيادة ولا نقصان، فإذا وسوس إليك الشيطان أنك لم تطهري فلا تلتفتي إلى هذه الوسوسة حتى يذهبها الله تعالى عنك. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: "يجب على المؤمن أن يكون عدواً للشيطان، محارباً له، مكافحاً له، لا يخضع له، فإذا أملى عليك أنك ما توضأت وما صليت وأنت تعرف أنك توضأت وصليت فترى يدك فيها الماء وتعلم أنك صليت فلا تطاوع عدو الله، واجزم بأنك صليت، واجزم بأنك توضأت، ولا تُعِدْ شيئاً من ذلك، وتعوذ بالله من عدو الله الشيطان. هكذا يجب على المؤمن يكون قوياً في حرب عدو الله، وفي مكافحته حتى لا يغلب عليه وحتى لا يؤذيه، فإنه متى غلب على الإنسان جعله كالمجنون يتلاعب به، فالواجب على المؤمن وعلى المؤمنة: الحذر من عدو الله، والاستعاذة بالله من شره ومكايده، وبالقوة في ذلك، والصبر في ذلك حتى لا تُطاوعه في إعادة صلاة، ولا في إعادة وضوء، ولا في إعادة تكبير، ولا في غير ذلك. وهكذا إذا قال لك: ثوبك نجس، أو البقعة نجسة، أو الحمام فيه نجاسة، أو الأرض التي وطأتها فيها نجاسة، أو مصلاك فيه كذا فلا تطعه في ذلك، كذب عدو الله، واستعذ بالله من شره، وصَلِّ في المكان الذي تصلي فيه، والسجادة التي تصلي عليها كذلك، والأرض التي تطأ عليها وتعرف أنها طاهرة إلا إذا رأيت بعينك نجاسة وطأتها رطبة فاغسل رجلك، والحمد لله. أما وساوسه فلا تطاوع عدو الله فيها، واعرف أن الأصل: هو الطهارة، هذا هو الأصل، فلا تطاوع عدو الله في شيء إلا في يقين رأيته بعينك، وشاهدته بعينك، حتى لا يغلب عليك عدو الله، نسأل الله للجميع العافية" انتهى. "فتاوى نور على الدرب" (1 / 77، 78) . ونسأل الله أن يلهمك رشدك ويوفقك لكل خير. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127362 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 138 دخول الخلاء بدبلة مكتوب عليها اسم "عبد الله" [السُّؤَالُ] ـ[الدبلة التي مكتوب عليها اسم عبد الله هل يجوز الدخول بها إلى الحمام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يستحب تنزيه ما فيه ذكر الله عن الدخول به إلى الحمام - مكان قضاء الحاجة - , فإن احتاج إلى الدخول به ستره ودخل به. قال ابن قدامة رحمه الله "المغنى" (1/109) : " إذا أراد دخول الخلاء ومعه شيء فيه ذكر الله تعالى استحب وضعه ... فإن احتفظ بما معه مما فيه ذكر الله تعالى واحترز عليه من السقوط أو أدار فص الخاتم إلى باطن كفه، فلا بأس. قال أحمد: الخاتم إذا كان فيه اسم الله يجعله في باطن كفه ويدخل الخلاء، وبه قال إسحاق ورخص فيه ابن المسيب والحسن وابن سيرين " انتهى باختصار. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: ما حكم الدخول إلى الحمام بأوراق فيها اسم الله؟ فأجاب: " يجوز دخول الحمام بأوراق فيها اسم الله ما دامت في الجيب ليست ظاهرة , بل هي مخفية ومستورة " انتهى. "فتاوى من الطهارة" (ص/109) . وعلى هذا؛ فإنه يجوز لك الدخول بها لكن الكتابة على الدبلة تكون من الداخل، فهي مستورة وليست ظاهرة. ولكن ينبغي التنبه إلى أن الدبلة إن كانت من أجل الخطوبة فلا ينبغي للمسلم لبسها، لما فيها من التشبه بالنصارى، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (21441) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121141 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 139 هل يجزئ استعمال المناديل في الاستجمار؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يكفي استعمال المناديل في الاستجمار، أم لابد من استعمال الماء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب بعد قضاء الحاجة هو إزالة ما على الموضع من نجاسة، سواء أزيلت بالماء أم بغيره، كالأحجار أو الأوراق أو المناديل، وإن كان استعمال الماء أفضل. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: نستعمل في بريطانيا المناديل والأوراق في الاستنجاء في الحمامات فهل يجب استعمال الماء بعد استعمال المناديل أو لا؟ فأجابوا: " الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه.. وبعد: يجوز استعمال المناديل والأوراق ونحوهما في الاستجمار وتجزئ إذا أنقت ونظفت المحل من قبل أو دبر، والأفضل أن يكون استعمال ما يستجمر به وترا، ويجب ألا ينقص عن ثلاث مسحات، ولا يجب استعمال الماء بعده، لكنه سنة. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ عبد الرزاق عفيفي.. الشيخ عبد الله بن غديان.. الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/125) . وسئل الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله: هل يجزئ في الاستجمار استعمال المناديل؟ فأجاب: "نعم؛ يجزئ في الاستجمار استعمال المناديل، ولا بأس به، لأن المقصود من الاستجمار هو إزالة النجاسة سواء ذلك بالمناديل، أو الخِرَق، أو بالتراب، أو بالأحجار، إلا إنه لا يجوز أن يستجمر الإنسان بما نهى الشرع عنه، مثل العظام والروث، لأن العظام طعام الجن إذا كانت مذكاة، وإن كانت غير مذكاة فإنها نجسة، والنجس لا يطهر، وأما الروث فإن كانت نجسة فهي نجسة لا تطهر، وإن كانت طاهرة، فهي طعام بهائم الجن، لأن الجن الذين قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم، وآمنوا به، أعطاهم ضيافة لا تنقطع إلى يوم القيامة. قال: (لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه، تجدونه أوفر ما يكون لحماً) وهذا من أمور الغيب التي لا تشاهد، ولكن يجب علينا أن نؤمن بذلك، كذلك هذه الأرواث تكون علفاً لبهائمهم" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (4/112) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111813 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 140 ماهي الأعضاء التي يجب غسلها عند الاستنجاء [السُّؤَالُ] ـ[أرجو أن تبين لي بالتحديد ما هي الأعضاء التي على المسلم أن يغسلها عند استنجائه؟ هل يكفي مجرد غسل الفتحة، أم أن الواجب غسل الذكر بأكمله والمكان الذي ينبت فيه شعر العانة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب الاستنجاء وهو إزالة ما خرج من السبيلين بالماء أو بحجر أو بأي شيء يحصل به إزالة النجاسة من الطاهرات: كالحصى والمناديل الخشنة الطاهرة، والأوراق الطاهرة التي ليس فيها شيء من ذكر الله أو أسمائه، ما عدا العظام والأرواث. وهذا في حالة إذا خرج منهما الأذى من الغائط والبول. أما إذا لم يخرج منهما شيء وإنما أحدث ريحاً فلا يجب الاستنجاء. أما ما يغسل، فإن خرج منه بول فإنه يكفيه غسل طرف الذكر (أي رأس الذكر) عن البول. ولا يشرع له غسل الدبر إذا لم يخرج منه شيء. والدبر عليه أن يزيل الأذى منه بغسل حلقة الدبر ما تعلق به الأذى مما حولها. للاستزادة يراجع كتاب فتاوى الشيخ ابن باز م /10 ص/36، وكتاب الشرح الممتع لابن عثيمين ج/1 ص/88. وهذا ما يتعلق بالبول والغائط. أما المني والمذي فيراجع جواب سؤال رقم 2458. ومما لا شك فيه أن البول أو الغائط إذا تعدى موضع خروجه فإنه يغسل مكانه أيضاً وتزال النجاسة والأذى منه. وهذه جملة من آداب قضاء الحاجة التي يستحب للمسلم أن يفعلها عند قضائه لحاجته: 1- يسن التسمية عند دخول الخلاء لما جاء عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (سَتْرُ مَا بَيْنَ أَعْيُنِ الْجِنِّ وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ إِذَا دَخَلَ أَحَدُهُمْ الْخَلَاءَ أَنْ يَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ) رواه الترمذي (الجمعة/551) وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم 496. وثبت أيضاً من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إِذَا دَخَلَ الْخَلاءَ قَالَ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ) رواه البخاري (الوضوء/139) 2- يقدِّم رجله اليسرى حال الدخول، وعند الخروج يقدِّم رجله اليمنى. 3- إذا كان في مكان غير معد لقضاء الحاجة يستحب له أن يُبعد. 4- لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها عند قضاء حاجته لما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْغَائِطَ فَلا يَسْتَقْبِل الْقِبْلَةَ وَلا يُوَلِّهَا ظَهْرَهُ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا) رواه البخاري (الوضوء/141) . 5- وعليه التحرز عند البول من تطاير رشاش البول عليه حتى لا يُصيب ثوبه أو بدنه. لما ثبت من حديث ابن عباس قال: (مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ أَوْ مَكَّةَ فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ ثُمَّ قَالَ بَلَى كَانَ أَحَدُهُمَا لا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ وَكَانَ الآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ ثُمَّ دَعَا بِجَرِيدَةٍ فَكَسَرَهَا كِسْرَتَيْنِ فَوَضَعَ عَلَى كُلِّ قَبْرٍ مِنْهُمَا كِسْرَةً فَقِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ فَعَلْتَ هَذَا قَالَ لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ تَيْبَسَا أَوْ إِلَى أَنْ يَيْبَسَا) رواه البخاري (الوضوء/209) 6- لا يمس ذكره بيمينه وهو يبول. لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَإِذَا أَتَى الْخَلَاءَ فَلَا يَمَسَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَلا يَتَمَسَّحْ بِيَمِينِهِ) رواه البخاري (الوضوء/149) 7- لا يجوز قضاء الحاجة في طريق الناس أو في الظل لأَنَّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ. قَالُوا: وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ فِي ظِلِّهِمْ) رواه مسلم (الطهارة/397) 8- يكره له أن يتكلم حال قضاء الحاجة. 9- يستحب له إذا خرج من الخلاء أن يقول: (غفرانك) لما روته عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ مِنْ الْخَلَاءِ قَالَ: غُفْرَانَكَ) رواه الترمذي (الطهارة/7) وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم 7. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 12657 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 141 الاستنجاء والاستجمار [السُّؤَالُ] ـ[إنني أكون في المدرسة طوال اليوم وأدخل دورة المياه _ ولا أستطيع أن أذهب للمنزل للاستنجاء فهل أتوضأ وأصلي أم أترك الصلاة وأعوضها بعد ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا قضى الإنسان حاجته فإنه يجب عليه أن يتطهر من النجاسة إما بالماء وهو أفضل وأكمل، وإما بغير الماء مما يزيل النجاسة كورق التواليت أو القماش أو الأحجار أو غير ذلك. قال الشيخ ابن عثيمين: الإنسان إذا قضى حاجته لا يخلو من ثلاث حالات: الأولى: أن يتطهر بالماء، وهو جائز والدليل: لحديث أنس رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته فأنطلق أنا وغلام نحوي بإداوة من ماء وعنزة فيستنجي بالماء " رواه البخاري (149) ومسلم (271) وأما التعليل: فلأن الأصل في إزالة النجاسات إنما يكون بالماء، فكما أنك تزيل النجاسة به عن رجلك، فكذلك تزيلها بالماء إذا كانت من الخارج منك. الثانية: أن يتطهر بالأحجار، فالاستجمار بالأحجار مجزىء، دلَّ على ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم وفعله: أما قوله: فحديث سلمان رضي الله عنه قال: " نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستجمر بأقل من ثلاثة أحجار" رواه مسلم (262) . وأما فعله فكما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه: " أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى الغائط وأمره أن يأتيه بثلاثة أحجار، فأخذ الحجرين، وألقى الروثة وقال: هذا ركس " - رواه البخاري (155) . وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه جمع للنبي صلى الله عليه وسلم أحجاراً وأتى بها بثوبه فوضعها عنده ثم انصرف – رواه البخاري (154) - فدل على جواز الاستجمار ... الثالثة: أن يتطهر بالحجر ثم بالماء. وهذا لا أعلمه وارداً عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن من حيث المعنى لا شك أنه أكمل تطهيراً. " الشرح الممتع " (1 / 103 - 105) . وعلى هذا فلا عذر لك في ترك الصلاة وتأخيرها عن وقتها لعدم المقدرة على الاستنجاء لأنه بإمكانك إزالة النجاسة والتطهر منها بالمناديل ونحوها، وكل إنسان يستطيع أن يصحب معه في جيبه بعض المناديل التي يتنظف بها، ثم لم يظهر من السؤال ما المانع من الاستنجاء بالماء بعد قضاء الحاجة، لاسيما وأنت تقول: فهل أتوضأ وأصلي أم أترك الصلاة؟ ومعنى ذلك أن الماء موجود، فبإمكانك نقل الماء إلى دورة المياه والاستنجاء به، فإن لم تفعل فإنه يجب عليك إزالة النجاسة بالمناديل ونحوها ثم تتوضأ وتصلي، ولا يجوز لك تأخير الصلاة حتى يخرج وقتها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 8003 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 142 ما هو الاستِجْمارُ [السُّؤَالُ] ـ[ما هو الاستِجْمارُ؟ وهل يصِحُّ الاستِجْمارُ بالمناديل في الطَّائرة مع وجود الماء؟ وما هو الأكْمَلُ في الطَّهارة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الاستِجْمار: هو تطهيُر القُبُلِ أو الدُّبُرِ مِن البوْل أو الغائط بأحجار أو ما يقوم مقامها، ومما يقوم مقامها المناديل ولكن يُشترط أن لا يقلَّ عن ثلاث مسحات، وألاّ يكون مما نُهِيَ عن الاستجمار به كالرَّوث والعظام وما له حُرمة كالطعام ونحوه. ويجوز الاستجمار مع وجود الماء وعدمه، قال أهل العلم: والأفضل أن يُجمَع بينهما لأنه أكْمَلُ في الإنْقاء. [الْمَصْدَرُ] إعلام المسافرين ببعض آداب وأحكام السفر وما يخص الملاحين الجويين لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ص 10. الحديث: 9645 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 143 حكم الاستجمار بالقواقع البحرية [السُّؤَالُ] ـ[هل الصدف أو القواقع البحرية تعتبر من العظم الذي لا يجوز الإستجمار به.]ـ [الْجَوَابُ] عرضنا هذا السؤال على الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب بقوله: لا، بل يجوز الإستجمار بها لأن الحديث يقول " لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه ". وهذه (أي الصدف والقواقع البحرية) لا تذبح (فليست مثل الذبائح المباحة التي يذكر اسم الله عليها ويحرم الإستجمار بعظامها لأنه طعام الجن المسلمين كما ذكر في الحديث السابق) . انتهى، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن صالح العثيمين الحديث: 8865 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 144 دخول الحمام بالجوال وفي شاشته لفظ الجلالة [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان لدى المسلم هاتف يظهر على شاشته عبارة: "الله أكبر" بالعربية، فهل يجوز له دخول الحمام والهاتف معه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذهب جمهور الفقهاء إلى كراهة دخول الخلاء بشيء فيه ذكر الله عز وجل إلا لحاجة، كالدراهم التي عليها اسم الله تعالى. وصرح جماعة منهم بأنه إذا أخفى ما معه فلا حرج حينئذ. قال ابن قدامة رحمه الله: " إذا أراد دخول الخلاء ومعه شيء فيه ذكر الله تعالى استحب وضعه ... فإن احتفظ بما معه مما فيه ذكر الله تعالى، واحترز عليه من السقوط، أو أدار فص الخاتم إلى باطن كفه فلا بأس. قال أحمد: الخاتم إذا كان فيه اسم الله يجعله في باطن كفه، ويدخل الخلاء. وقال عكرمة: اقلبه هكذا في باطن كفك فاقبض عليه، وبه قال إسحاق، ورخص فيه ابن المسيب والحسن وابن سيرين، وقال أحمد في الرجل يدخل الخلاء ومعه الدراهم: أرجو أن لا يكون به بأس " انتهى من المغني (1/109) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم الدخول إلى الحمام بأوراق فيها اسم الله؟ فأجاب: " يجوز دخول الحمام بأوراق فيها اسم الله ما دامت في الجيب ليست ظاهرة، بل هي مخفية ومستورة " انتهى من "فتاوى الطهارة" ص (109) . وعلى هذا؛ فلا حرج من دخول الخلاء بالهاتف المحمول وعلى شاشته عبارة "الله أكبر" على أن يضعه في جيبه , بحيث لا يكون ظاهراً. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 72235 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 145 لا يلزم الاستنجاء لمن به سلس بول قبل خروج الوقت [السُّؤَالُ] ـ[شخص مصاب بسلس البول، توضأ بعد دخول الوقت ثم أراد تجديد وضوئه ولم يدخل الوقت التالي، فهل عليه الاستنجاء مرة أخرى عند تجديد الوضوء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صاحب الحدث الدائم – كمن به سلس بول - إذا جدد الوضوء قبل خروج الوقت، لم يلزمه الاستنجاء عند التجديد، لأنه متوضئ حكما. وإذا خرج الوقت لزمه أن يغسل فرجه، وأن يتوضأ، ثم يصلي ما شاء من فروض ونوافل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش: " فاغسلي عنك الدم ثم صلي، ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت ". رواه البخاري (226) ومسلم (333) ولو قُدر أنه توضأ، ثم لم يخرج منه شيء حتى دخل وقت الصلاة الأخرى، لم يلزمه الوضوء، وهو على وضوئه الأول. فقول الفقهاء: يتوضأ لوقت كل صلاة، مقيد بما إذا خرج منه شيء. قال البهوتي في الروض المربع (ص 57) : ((والمستحاضة ونحوها) ممن به سلس بول أو مذي أو ريح أو جرح لا يرقأ دمه أو رعاف دائم ... (تتوضأ لـ) دخول (وقت كل صلاة) إن خرج شيء (وتصلي) ما دام الوقت (فروضا ونوافل) ، فإن لم يخرج شيء لم يجب الوضوء) انتهى. ولمعرفة المزيد عن أحكام صاحب السلس انظر السؤال رقم 22843، ورقم 39494 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39431 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 146 هل يلزم الاستنجاء عند كل وضوء [السُّؤَالُ] ـ[هل يلزم الإنسان أن يستنجي كل مرة يريد أن يتوضأ فيها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يلزمه الاستنجاء كلما أراد أن يتوضأ إنما يلزمه الاستنجاء بغسل قبله إذا خرج منه بول ونحوه ويغسل دبره إذا خرج منه غائط ثم يتوضأ للصلاة. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 5/102 الحديث: 1170 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 147 الاستنجاء من الريح [السُّؤَالُ] ـ[قال لنا مدرس المادة الدينية إن الوضوء من الريح مكروه أي أن الإنسان إذا ظهرت منه ريح من دبره بعد وضوئه مكروه له أن يتوضأ هل هذا صحيح؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يكره الاستنجاء من الريح لما في ذلك من الغلوّ لكن متى خرج الريح بعد الوضوء بطل الوضوء بإجماع المسلمين ولا يسمى غسل الدبر والقبل وضوءاً وإنما يسمى استنجاء إن كان بالماء أما إن كان بالحجار ونحوها فإنه يسمى استجماراً. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 5/101 الحديث: 2137 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 148 حكم المسح على القبعة أو الكوفية في الوضوء [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكن المسح بماء الوضوء علي ما ألبسه فوق رأسي؟ مثل القبعة أو الكوفية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاُ: جاءت الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم بجواز المسح على العمامة في الوضوء، وهذه الأحاديث جاءت على وجهين: الأول: المسح على الناصية [مقدم الرأس] والعمامة، فعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ، فَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ، وَعَلَى الْعِمَامَةِ، وَعَلَى الْخُفَّيْنِ) . رواه البخاري (182) ومسلم (274) واللفظ له. الثاني: الاقتصار على مسح العمامة وحدها، فعن عمرو بن أمية رضي الله عنه قال: (رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى عِمَامَتِهِ وَخُفَّيْهِ) رواه البخاري (205) . وقد عمل بهذه الأحاديث الإمام أحمد رحمه الله. وانظر: "كشاف القناع" (1/120) . وذهب جمهور العلماء إلى أنه لا يجزئ الاقتصار على مسح العمامة في الوضوء، وأن من فعل ذلك لم يصح وضوؤه، وقد سبق بيان هذا، وترجيح مذهب الإمام أحمد في جواب السؤال رقم: (129557) . ثانياً: أما مذاهب الأئمة في المسح على العمامة والطاقية ونحو ذلك: فعند الشافعية: يجب مسح بعض الرأس، ثم يستحب أن يكمل على العمامة. قال النووي في "المجموع" (1/440) : "قال أصحابنا: إذا كان عليه عمامة ولم يُرِدْ نزعها لعذر ولغير عذر مسح الناصية كلها , ويستحب أن يتم المسح على العمامة، سواء لبسها على طهارة أو حدث , ولو كان على رأسه قلنسوة ولم يرد نزعها فهي كالعمامة فيمسح بناصيته , ويستحب أن يتم المسح عليها. وهكذا حكم ما على رأس المرأة , وأما إذا اقتصر على مسح العمامة ولم يمسح شيئا من رأسه فلا يجزيه بلا خلاف عندنا" انتهى. فأجاز الشافعية المسح على العمامة والقلنسوة [تشبه الطاقية] ، بشرط أن يمسح جزءاً من الرأس، وهذا مبني على أن الواجب عندهم في الوضوء هو مسح بعض الرأس، ولا يجب مسح الرأس كله، ولهذا ذكروا أن إكمال المسح على العمامة والقلنسوة مستحب، فلو لم يمسح عليهما صح وضوؤه. وقد سبق في جواب السؤال رقم (70530) أن الراجح هو وجوب مسح الرأس كله في الوضوء، وهو مذهب الإمامين مالك وأحمد رحمهما الله. وعند المالكية: لا يجوز المسح على العمامة إلا للضرورة، وذلك إذا خاف بنزعها ضرراً. وإذا كان بعض رأسه مكشوفاً وجب عليه مسحه، ثم يكمل على العمامة وجوباً، كما في "حاشية العدوي" (1/195) . وجاء في " الشرح الكبير " (1/163) من كتب المالكية: "ولو أمكنه مسح بعض الرأس أتى به وكمَّل على العمامة وجوبا على المعتمد" انتهى. أما الأحناف فقد منعوا المسح على العمامة مع ورود الأحاديث بها. انظر: "حاشية ابن عابدين" (1/181) . أما الحنابلة الذين أجازوا المسح على العمامة فقد علَّلوا جواز المسح عليها بمشقة نزعها، وبَنَوْا على هذا أن المسح على القلنسوة والطاقية لا يجوز، لأنه لا مشقة في نزعها. قال البهوتي الحنبلي رحمه الله: "لا يجوز المسح على الوقاية [وهي الطرحة تجعلها المرأة فوق خمارها] ; لأنه لا يشق نزعها فهي كطاقية الرجل، ولا على القلانس جمع قلنسوة أو قلنسية، ووجه عدم المسح عليها: أنه لا يشق نزعها فلم يجز المسح عليها" انتهى. "كشاف القناع" (1/113) . وقال ابن قدامة في "المغني" (1/384) : "ولا يجوز المسح على القلنسوة، الطاقية، نص عليه الإمام أحمد" انتهى. فتبين بهذا أن المسح على الطاقية ومثلها: القبعة: لا يصح، وكذلك لا يصح المسح على "الشماغ" و "الغترة" و "الكوفية" وهي بمعنى واحد، إلا على مذهب الإمام الشافعي، إذا مسح معها بعض الرأس، وهذا مبني ـ كما سبق ـ على أن استيعاب الرأس كله بالمسح ليس واجباً عنده، وإنما الواجب مسح بعضه. وقد أفتى علماؤنا المعاصرون بعدم جواز المسح على الطاقية والقبعة والشماغ ونحوها. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "يجوز المسح على عِمَامة الرَّجل، والعِمامةُ: ما يُعمَّمُ به الرَّأس، ويكوَّرُ عليه، وهي معروفةٌ. والدَّليل على جواز المسح عليها حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم: (مسح بناصيته، وعلى العِمامة، وعلى خُفّيه) ، وقد يُعبَّر عنها بالخِمَار كما في صحيح مسلم: (مسح على الخُفَّين والخِمَار قال: يعني العِمَامة) . ففسَّر الخِمَار بالعِمَامة، ولولا هذا التفسير لقلنا بجواز المسح على " الغُترة " إِذا كانت مخمِّرة للرَّأس، كما يجوز في خُمُر النِّساء" انتهى. "الشرح الممتع" (1/236) . وقال الشيخ ابن جبرين رحمه الله: "الطاقية هي القلنسوة، تلبس فوق الرأس للوقاية من الشمس والحر، وهي مفصلة بقدر أعلى الرأس، ولا تستر الأذنين غالبا، فلا تقاس بالعمامة في المسح عليها لعدم مشقة رفعها" انتهى. http://ibn-jebreen.com/book.php?cat=6&book;=60&page;=3318 وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: "الطاقية ليست كالعمامة، الطاقية والقلنسوة والقبعة: كل أغطية الرأس لا تأخذ حكم العمامة، العمامة خاصة، هي التي وردت السنة بالمسح عليها، فيقتصر عليها، أما أغطية الرأس الأخرى؛ كالطاقية، والقلنسوة، والقبعة، والطربوش، وما يلبس على الرأس: هذه كلها لا يمسح عليها" انتهى. http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/FatwaaTree/tabid/84/Default.aspx?View=Page&NodeID;=10098&PageID;=11773 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 139719 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 149 صفة غسل اليدين في الوضوء [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أسأل عن كيفية صفة غسل اليدين في الوضوء، أنا أعرف بفضل الله ثم بفضلكم أن غسيل اليد يكون من أطراف الأصابع إلى المرفق، ولكن سؤالي هو: هل الغسيل من أطراف الأصابع ثم إلى المرفق يعتبر مرة واحدة ثم الغسيل من المرفق إلى أطراف الأصابع يعتبر مرة ثانية أم أن هذه العملية تعتبر مرة واحدة؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: الجواب: من فروض الوضوء التي لا يصح إلا بها: غسل اليدين من أطراف الأصابع إلى المرفقين، مرة واحدة. ويستحب غسلهما ثلاثا. والمقصود بالمرة الواحدة: أن يصل الماء إلى جميع اليد، بأي طريقة كانت، فإذا وصل الماء إلى جميع اليد من أطراف الأصابع إلى المرفقين يكون قد غسلها مرة واحدة. فإذا أوصل الماء لليد ثانية من المرفق إلى أطراف الأصابع أو غير ذلك، فهي مرة ثانية، وانظر: "الفواكه الدواني" (1/144) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 133096 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 150 حكم الوضوء داخل الحمام [السُّؤَالُ] ـ[أستخدم الصنبور في الوضوء، ويقول أبي إنه لو سقطت قطرات مياه على الأرض وبلت ملابسي فلم تعد كل من صلاتي ووضوئي صحيحا، فهل هو على صواب؟ ... ]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا توضأ الإنسان في مكان طاهر، فلا يضره لو سقط الماء على الأرض ثم أصاب بدنه أو ثوبه. وينبغي أن يُعلم أن الأصل هو الطهارة، فلا يحكم بنجاسة المكان إلا بيقين. وبعض الناس يتحرج من الوضوء في (الحمام) المعد لقضاء الحاجة، ويظن أن الماء إذا نزل على الأرض ثم أصابه فقد تنجس، وهذا ليس صحيحا في أكثر الأحوال، فإن أرضية الحمام طاهرة باستثناء موضع قضاء الحاجة، ولا يحكم بنجاسة هذه الأرض إلا بيقين. وعليه؛ فلا يضر سقوط الماء على الأرض ثم ارتداده على الثوب أو البدن. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما حكم الوضوء في الحمام؟ وهل إذا وضع ساتر بين مكان النجاسة وصنبور الماء يصح الوضوء؟ فأجابوا: "إذا وضع حائل بين الماء الذي ينزل من الصنبور وبين محل النجاسة بحيث إن الماء إذا نزل على الأرض تكون هذه الأرض طاهرة فلا مانع من الوضوء والاستنجاء " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/85) . وسئلوا أيضا (5/85) : هل يجوز للرجل أن يبول في الحمام؟ فأجابوا: "نعم، يجوز له ذلك مع التحفظ من رشاش البول، ويشرع له أن يصب عليه ماء ليذهب مباشرة إن أراد أن يتوضأ بذلك المكان " انتهى. وقالوا أيضاً (5/238) : " إذا تيسر له الوضوء خارج الحمام فالأكمل أن يتوضأ خارجه مع مراعاة التسمية أوله، وإلا توضأ داخل الحمام وتحفظ مما قد يكون فيه من نجاسة " انتهى. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن بعض الناس عندما يريدون الوضوء يتوضؤون داخل الحمامات المخصصة لقضاء الحاجة فيخرجون وقد ابتلت ملابسهم ولا شك أن الحمامات لا تخلو من النجاسات فهل تصح الصلاة في ملابسهم تلك؟ وهل يجوز لهم فعل ذلك؟ فأجاب: "قبل أن أجيب على هذا السؤال أقول: إن هذه الشريعة ولله الحمد كاملة في جميع الوجوه، وملائمة لفطرة الإنسان التي فطر الله الخلق عليها، وحيث إنها جاءت باليسر والسهولة، بل جاءت بإبعاد الإنسان عن المتاهات في الوساوس والتخيلات التي لا أصل لها، وبناء على هذا؛ فإن الإنسان بملابسه الأصل أن يكون طاهراً ما لم يتيقن ورود النجاسة على بدنه أو ثيابه، وهذا الأصل يشهد له قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين شكا إليه الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في صلاته يعني الحدث، فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا ينصرف حتى يسمع صوتاً، أو يجد ريحاً) . فالأصل بقاء ما كان على ما كان، فثيابهم التي دخلوا بها الحمامات التي يقضون بها الحاجة كما ذكر السائل إذا تلوثت بماء فَمَنِ الذي يقول إن هذه الرطوبة هي رطوبة النجاسة من بول أو غائط أو نحو ذلك؟ وإذا كنا لا نجزم بهذا الأمر فإن الأصل الطهارة، صحيح إنه قد يغلب على الظن أنها تلوثت بشيء نجس، ولكنا ما دمنا لم نتيقن، فإن الأصل بقاء الطهارة، ولا يجب عليهم غسل ثيابهم ولهم أن يصلوا بها ولا حرج" انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (12/369) . وننبه إلى أنه لو فرض وجود النجاسة وتحقق الإنسان من وصولها إلى ثوبه، فإن هذا لا يبطل وضوءه، لكن لا تصح صلاته إذا علم بها حتى يزيلها، فالنجاسة لا تؤثر على الوضوء وإنما تؤثر على صحة الصلاة، فيلزمه ـ إن تيقن حصول النجاسة ـ أن يغسلها قبل الصلاة، ثم يصلي بذلك الوضوء، ولا يبطل وضوؤه بذلك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 132973 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 151 حكم رفع الإصبع عند التشهد عقب الوضوء [السُّؤَالُ] ـ[سمعت أن الشيخ عبد الله بن جبرين قال: إنه يجوز رفع الإصبع بعد الوضوء، وقول لا إله إلا الله، ورأيت كثيراً من الإخوة يفعلون ذلك. فأرجو معرفة القول الفصل للعلماء في هذه المسألة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لم يثبت في السنة النبوية ـ فيما نعلم ـ، استحباب رفع السبابة للتشهد بعد الوضوء خاصة، ومعلوم أن الأصل في العبادة التوقيف، وأنه لا تجوز الزيادة على ما ورد في السنة. وأيضاً: المشروع للمسلم أن يقول بعد الوضوء: (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) رواه مسلم (234) ولا يقتصر على قوله "لا إله إلا الله" فقط. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم رفع الأصبع في التشهد بعد الوضوء، مع المداومة على ذلك؟ فأجاب: "لا أعلم له أصلاً، وإنما المشروع لمن انتهى من الوضوء أن يقول: (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) وكفاية" انتهى. "نور على الدرب" (فتاوى الطهارة، فروض الوضوء وصفته) . وأما ما ذكره السائل عن الشيخ ابن جبرين حفظه الله فلم نجد كلامه باستحباب هذا الفعل. وقد ورد في الأحاديث الصحيحة الإشارة بالسبابة، في التشهد من الصلاة، وعند دعاء الخطيب على المنبر يوم الجمعة، أما ثبوت ذلك بعد الوضوء، فلم يثبت. تنبيه: وصف الله تعالى كلامه بأنه قول فصل، فقال: (إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ) الطارق/13، 14. وعلى هذا؛ فلا ينبغي أن يقال لاجتهادات العلماء في فهم نصوص الكتاب والسنة: إنها قول فصل، أو يقال: ما القول الفصل في كذا؟ إلا إذا كان هذا القول قد دلت عليه أدلة قطعية من الكتاب والسنة، كتحريم الزنا، وتحريم شرب الخمر.. إلخ. أما المسائل الاجتهادية فلا يقال فيها: القول الفصل كذا، وإنما يقال: الظاهر كذا، أو الراجح أو الصواب ... ونحو ذلك من العبارات. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129501 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 152 حد الوجه في الوضوء [السُّؤَالُ] ـ[قرأت أن حدود الوجه في الوضوء هي: من منبت الشعر إلي الذقن طولا ومن الأذن إلي الأذن عرضا. فهل هناك دليل علي ذلك أم هذا اجتهاد من العلماء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه هي حدود الوجه التي اتفق العلماء عليها، وهي حدوده من جهة اللغة التي نزل القرآن بها، فيكون الوصف والحد بدليلين شرعيين: - من جهة إطباق العلماء وإجماعهم، وإجماعهم حجة. - ومن جهة اللغة التي نزل بها القرآن، ونحن مخاطبون بها، ولا مخالف لها من جهة الشرع. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) المائدة/6 قال أهل اللغة: " والوَجْهُ مستقبَلُ كُلِّ شَيءٍ " انتهى. "المحيط في اللغة" (1/314) – "كتاب العين" (4/66) وقال القرطبي: " الوجه في اللغة مأخوذ من المواجهة، وهو عضو مشتمل على أعضاء وله طول وعرض؛ فحده في الطول من مبتدأ سطح الجبهة إلى منتهى اللحيين، ومن الأذن إلى الأذن في العرض " انتهى. "الجامع لأحكام القرآن" (6/83) قال أيضا: " والعرب لا تسمي وجها إلا ما وقعت به المواجهة " انتهى. "الجامع لأحكام القرآن" (6/84) وقال ابن كثير: " وحَدُّ الوجه عند الفقهاء: ما بين منابت شعر الرأس - ولا اعتبار بالصَّلع ولا بالغَمَم - إلى منتهى اللحيين والذقن طولا ومن الأذن إلى الأذن عرضا " انتهى. "تفسير ابن كثير" (3/47) قَالَ الشيرازي رحمه الله تعالى " ثُمَّ يَغْسِلُ وَجْهَهُ وَذَلِكَ فَرْضٌ لقوله تعالى: (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) وَالْوَجْهُ مَا بَيْنَ مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ إلَى الذَّقَنِ وَمُنْتَهَى اللَّحْيَيْنِ طُولًا , وَمِنْ الْأُذُنِ إلَى الْأُذُنِ عَرْضًا " انتهى. قال النووي: " هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي حَدِّ الْوَجْهِ هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْأُمّ " انتهى من المجموع (1/405) وقال النووي أيضا في "المجموع" (1/399) : " وَالْوَجْهُ عِنْدَ الْعَرَبِ مَا حَصَلَتْ بِهِ الْمُوَاجَهَةُ " انتهى. وقال الكاساني في "بدائع الصنائع" (1/3) : " وَلَمْ يَذْكُرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ حَدَّ الْوَجْهِ , وَذَكَرَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّهُ مِنْ قِصَاصِ الشَّعْرِ إلَى أَسْفَلِ الذَّقَنِ , وَإِلَى شَحْمَتَيْ الْأُذُنَيْنِ , وَهَذَا تَحْدِيدٌ صَحِيحٌ ; لِأَنَّهُ تَحْدِيدُ الشَّيْءِ بِمَا يُنْبِئُ عَنْهُ اللَّفْظُ لُغَةً ; لِأَنَّ الْوَجْهَ اسْمٌ لِمَا يُوَاجِهُ الْإِنْسَانَ , أَوْ مَا يُوَاجَهُ إلَيْهِ فِي الْعَادَةِ , وَالْمُوَاجَهَةُ تَقَعُ بِهَذَا الْمَحْدُودِ " انتهى. وراجع: "دقائق أولي النهى" (1/56) – "كشاف القناع" (1/95) – "المغني" (1/83) – "تبيين الحقائق" (1/2) – "فتح القدير" (1/15) – "مطالب أولي النهى" (1/113) – "رد المحتار" (1/96) – "الموسوعة الفقهية" (4/126) – "تفسير ابن كثير" (3/48) – "الكليات" (1628) – "اللباب" (7/219) – "تفسير البغوي" (3/21) – "نظم الدرر" (2/403) فقد اجتمعت أقوال المفسرين والفقهاء وأهل اللغة على أن الوجه هو ما تحصل به المواجهة، وأن هذا حده. وكفى بذلك حجة شرعية. والله تعالى أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129353 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 153 حكم الوضوء بالماء الفاضل عن وضوء المرأة [السُّؤَالُ] ـ[روى الإمام مسلم في صحيحه عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَغْتَسِلُ بِفَضْلِ مَيْمُونَةَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا. أما الإمامان أبو داود والنسائي في سننهما فقد رويا عَنْ رَجُلٍ صَحِبَ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: نَهَى رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَغْتَسِلَ اَلْمَرْأَةُ بِفَضْلِ اَلرَّجُلِ , أَوْ اَلرَّجُلُ بِفَضْلِ اَلْمَرْأَةِ , وَلْيَغْتَرِفَا جَمِيعًا. والحديث صححه الإمام الألباني طيب الله ثراهم جميعا. وَلِأَصْحَابِ " اَلسُّنَنِ ": اِغْتَسَلَ بَعْضُ أَزْوَاجِ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي جَفْنَةٍ , فَجَاءَ لِيَغْتَسِلَ مِنْهَا , فَقَالَتْ لَهُ: إِنِّي كُنْتُ جُنُبًا , فَقَالَ: "إِنَّ اَلْمَاءَ لَا يُجْنِبُ". ومن المعروف أن الأحاديث إذا صحت فلا تعارض بينها، ولكني أسأل فضيلتكم الشرح والإيضاح.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأحاديث الواردة في هذا الباب على وجهين: الوجه الأول: أحاديث تدل على جواز أن يتوضأ أو يغتسل الرجل بفضل وَضوء المرأة، وهو ما يتبقى من الماء في الإناء الذي توضأت منه، وقد أخذ بهذه الأحاديث جماهير أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية ورواية عن الإمام أحمد. قال ابن قدامة: "اختارها ابن عقيل، وهو قول أكثر أهل العلم" انتهى. "المغني" (1/136) . وقد ذكر السائل بعض هذه الأحاديث، ومنها أيضا: عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: (كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِنَاءٍ بَيْنِي وَبَيْنَهُ وَاحِدٍ، فَيُبَادِرُنِي حَتَّى أَقُولَ: دَعْ لِي. دَعْ لِي. قَالَتْ: وَهُمَا جُنُبَانِ) رواه البخاري (250) ومسلم (321) واللفظ له. قال الإمام الشافعي رحمه الله: "لا بأس أن يتوضأ ويغتسل بفضل الجنب والحائض ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل وعائشة من إناء واحد فقد اغتسل كل واحد منهما بفضل صاحبه" انتهى. "الأم" (8/98) . وانظر من كتب الحنفية: "رد المحتار" (1/133) . الوجه الثاني: أحاديث تنهى عن ذلك، وقد أخذ بها ابن عمر فنهى عن فضل المرأة إذا كانت جنبا أو حائضاً، وأخذ بها مطلقاً الحسن البصري وسعيد بن المسيب، كما في " مصنف ابن أبي شيبة " (1/47-49) . قال ابن حزم في "المحلى": "بهذا يقول عبد الله بن سرجس والحكم بن عمرو , وهما صاحبان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبه تقول جويرية أم المؤمنين، وأم سلمة أم المؤمنين، وعمر بن الخطاب , وقد روي عن عمر أنه ضرب بالدرة من خالف هذا القول" انتهى. وأخذ بهذا القول الحنابلة في المعتمد من مذهبهم، كما في "كشاف القناع" (1/37) . ومن هذه الأحاديث: الحديث الذي ذكره السائل، وأيضاً: عن الحكم بن عمرو الغفاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: (نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة) رواه أبو داود (82) ، والترمذي (68) وقد اختلف العلماء في تصحيح هذا الحديث، فحسنه الترمذي، والألباني في "صحيح أبي داود". وضعفه الإمام البخاري، وابن عبد البر في "الاستذكار" (1/209) فقال: مضطرب لا تقوم به حجة. وقال النووي في "الخلاصة" (1/200) : ضعيف. وقال ابن القيم في "تهذيب السنن" (1/149) : ليس بصحيح. وقد أجاب النووي عن هذه الأحاديث بقوله: " وأما حديث الحكم بن عمرو: فأجاب أصحابنا عنه بأجوبة: أحدها: جواب البيهقي وغيره أنه ضعيف , قال البيهقي , قال الترمذي: سألت البخاري عنه فقال ليس هو بصحيح , قال البخاري: وحديث ابن سرجس الصحيح أنه موقوف عليه ومن رفعه فقد أخطأ , وكذا قال الدارقطني: وقفه أولى بالصواب من رفعه وروي حديث الحكم أيضا موقوفا عليه , قال البيهقي في كتاب المعرفة: الأحاديث السابقة في الرخصة أصح فالمصير إليها أولى. الجواب الثاني: جواب الخطابي وأصحابنا: أن النهي عن فضل أعضائها، وهو ما سال عنها , ويؤيد هذا أن رواية داود بن عبد الله الأودي، عن حميد بن عبد الرحمن الحميري، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه نهى أن تغتسل المرأة بفضل الرجل , أو يغتسل الرجل بفضل المرأة) يُحمَل على أن المراد ما سقط من أعضائها , ويؤيده أنا لا نعلم أحدا من العلماء منعها فضل الرجل , فينبغي تأويله على ما ذكرته ... يحملنا على ذلك أن الحديث لم يقل أحد بظاهره، ومحال أن يصح وتعمل الأمة كلها بخلاف المراد منه. الجواب الثالث: ذكره الخطابي وأصحابنا: أن النهي للتنزيه جمعاً بين الأحاديث" انتهى باختصار. "المجموع" (2/221) . وهذا الجواب الثالث الذي هو المعتمد، أن النهي في الأحاديث ليس للتحريم، فالأفضل للرجل أن لا يتوضأ بفضل طهور المرأة، ولكنه إن فعل فهو جائز. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "والصحيح أن النهي في الحديث ليس على سبيل التحريم، بل على سبيل الأولوية وكراهة التنزيه ... فالصواب: أن الرجل لو تطهر بما خلت به المرأة، فإن طهارته صحيحة ويرتفع حدثه، هذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله" انتهى من الشرح الممتع" (1/46) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129160 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 154 التقصير الذي يعذب عليه في الوضوء هو التقصير في الواجبات [السُّؤَالُ] ـ[ (أمر بعبد من عبيد الله أن يجلد في قبره مائة جلدة فما زال يسأل الله عز وجل حتى صارت جلدة فلما ضرب اشتعل عليه قبره نارا فلما أفاق قال: علام جلدتموني؟ فقيل له: إنك صليت صلاة من غير طهور ومررت على مظلوم فلم تنصره) . فهل التهاون في الوضوء معناه عدم استكماله، أو نسيانه شيئا منه ولم يعد الوضوء، أو المسح على الجوارب بداعي البرد (مبررات) ? وهل يعذب الله عبدا بسبب صلاة بدون استكمال وضوء حتى لو كان ناسيا ?]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الحديث المذكور في السؤال رواه عبد الرزاق في مصنفه (3/588) وابن أبي شيبة في مصنفه (13/413) وهناد في الزهد (362) ، وغيرهم، عن أبي إسحاق [هو السبيعي] ، عن عمرو بن شرحبيل، به. وعمرو بن شرحبيل تابعي كوفي ثقة، روى عن عمر وعلي وابن مسعود وغيرهم. ولم يصرح عمرو بن شرحبيل برفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما ذكره من قوله، ولو صرح برفعه: لكان حديثا مرسلا، والمرسل من أنواع الحديث الضعيف. ومعلوم أن مثل هذا الأمر الغيبي لا يعتمد فيه إلا على نص كتاب، أو حديث صحيح من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، لا سيما وفي متنه غرابة، بل نكارة، يُتَأَنى في مثلها!! وقد روى الطحاوي هذا الحديث بإسناده: حدثنا فَهْدُ بن سُلَيْمَانَ قال ثنا عَمْرُو بن عَوْنٍ الْوَاسِطِيُّ قال حدثنا جَعْفَرُ بن سُلَيْمَانَ عن عَاصِمٍ عن شَقِيقٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم، به. شرح مشكل الآثار (8/212، رقم 3185) ، ومن طريقه ابن عبد البر في التمهيد (23/299) . قال الشيخ الألباني رحمه الله ـ السلسلة الصحيحة (2774) ـ: " وهذا إسناد جيد رجاله كلهم ثقات من رجال التهذيب، غير فهد هذا، وهو ثقة ثبت.." اهـ والواقع أن ذكر جعفر بن سليمان في الإسناد غلط؛ حيث لم يذكره أحد في الرواة عن عاصم، ولم يذكر أحد عمرو بن عون الواسطي في الرواة عنه، والصواب في الإسناد: حدثنا حفص بن سليمان عن عاصم، وحفص هو القارئ المشهور، صاحب عاصم، وقد روى عنه عمرو عون الواسطي، وما في إسناد الطحاوي هو مجرد تحريف من النساخ، لقرب رسم الاسمين: حفص، وجعفر!! ومما يؤكد ذلك أمران: الأول: أن الحافظ ابن رجب رحمه الله صرح بأن المذكور في هذا الإسناد هو حفص بن سليمان القارئ؛ فقال بعد أن ذكر الأثر من قول أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل، كما قدمناه: " ورويناه من طريق حفص بن سليمان القارئ، وهو ضعيف جدا، عن عاصم، عن أبي وائل، عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم". انتهى. "أهوال القبور" (85) . الثاني: أن الحافظ عبد الحق الأشبيلي رحمه الله، قد نقل هذا الحديث المرفوع من طريق الطحاوي، فقال: " الطحاوي: حدثنا فهد بن سليمان، ثنا عمرو بن عون الواسطي، ثنا (حفص) بن سليمان، عن عاصم، عن شقيق، عن ابن مسعود، عن النبي.. ". "الأحكام الشرعية" (3/208) قال محقق الأحكام، تعليقا على ذكر حفص في الإسناد: "تحرفت في مشكل الآثار إلى جعفر". فإذا تبين أن الصواب في الإسناد: حفص بن سليمان، عن عاصم..، علم أن الحديث المرفوع ضعيف جدا، لحال حفص هذا، فهو متروك الحديث، كما قال غير واحد من الأئمة، ولأجل ذلك صرح الحافظ ابن رجب بضعفه، كما نقلناه عنه. ينظر ترجمة حفص بن سليمان في: التاريخ الكبير، للبخاري (2/363) ، الضعفاء والمتروكين، للنسائي (167) ، ميزان الاعتدال، للذهبي (1/558) . ثانيا: إسباغ الوضوء والمحافظة عليه من المهمات التي ينبغي للمسلم الاعتناء بها، فالصلاة عمود الدين، والوضوء شرط من شروط صحتها، من تهاون به فقد تهاون في صلاته. وقد روى مسلم في صحيحه (223) عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآَنِ أَوْ تَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالصَّلَاةُ نُورٌ وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا) . وفي رواية النسائي (2437) : (إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ شَطْرُ الْإِيمَانِ..) . وقد ورد في الأحاديث الصحيحة من الوعيد ما يخوف المسلم من التقصير في الوضوء: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: (تَخَلَّفَ عَنَّا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفْرَةٍ سَافَرْنَاهَا، فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ أَرْهَقَتْنَا الصَّلاَةُ وَنَحْنُ نَتَوَضَّأُ، فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ. مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا) رواه البخاري (60) ومسلم (241) . قال الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله: " الحديث فيه دليل على وجوب تعميم الأعضاء بالمطهر، وأنَّ ترك البعض منها غير مجزئ " انتهى. " إحكام الأحكام " (ص/17) . شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فالمسلم لا يصلي إلى غير القبلة، أو بغير وضوء أو ركوع أو سجود، ومَن فعل ذلك كان مستحقا للذم والعقاب " انتهى. " منهاج السنة النبوية " (5/204) . وهذا الذم والعقاب إنما هو فيمن علم أنه على غير وضوء، أو أن طهارته ناقصة، أو فرط ولم يعتن بطهارته، ولم يتفقد ما يحتاج إلى تفقد وعناية؛ قال ابن جُزَيّ الغرناطي رحمه الله: " ويأثم في العمد إجماعا ". القوانين الفقهية (74) . فأما من لم يعلم بحدثه، أو نقصان طهارته، فهذا لا ذم عليه ولا عقاب، وكذلك الناسي الذي يترك بعض الواجبات سهوا ولا يتذكرها بعد ذلك: فهو معذور عند الله عز وجل، فقد استجاب سبحانه دعاء المؤمنين حين قالوا: (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) البقرة/286، فقال عز وجل كما في الحديث القدسي في " صحيح مسلم " (126) : (قَدْ فَعَلتُ) . وإن كان يجب عليه إن يعيد صلاته، إذا علم بذلك. َسُئِلَ شيخ الإسلام ابن تيمية: " عَنْ رَجُلٍ صَلَّى بِغَيْرِ وُضُوءٍ إمَامًا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَوْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ لَا يَعْلَمُ بِهَا: فَهَلْ صَلَاتُهُ جَائِزَةٌ؟ أَمْ لَا؟ وَإِنْ كَانَتْ صَلَاتُهُ جَائِزَةً: فَهَلْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِينَ خَلْفَهُ تَصِحُّ؟ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ". فَأَجَابَ رحمه الله: " أَمَّا الْمَأْمُومُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِحَدَثِ الْإِمَامِ أَوْ النَّجَاسَةِ الَّتِي عَلَيْهِ حَتَّى قُضِيَتْ الصَّلَاةُ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَكَذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَحْمَد إذَا كَانَ الْإِمَامُ غَيْرَ عَالِمٍ وَيُعِيدُ وَحْدَهُ إذَا كَانَ مُحْدِثًا. وَبِذَلِكَ مَضَتْ سُنَّةُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ فَإِنَّهُمْ صَلَّوْا بِالنَّاسِ ثُمَّ رَأَوْا الْجَنَابَةَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَأَعَادُوا وَلَمْ يَأْمُرُوا النَّاسَ بِالْإِعَادَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ". انتهى. "مجموع الفتاوى" (23/369) . وأما ما ذكر في السؤال من المسح على الجوربين بداعي البرد، أو مبررات أخرى، فهذا أمر لا ينكر على فاعله، ما دام قد لبس الجوربين على طهارة، بعد غسل القدمين، فله أن يمسح عليهما يوما وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليهن للمسافر، وهذا من توسعة الله على عباده، ولا يشترط لذلك المسح أن يكون الجو باردا، أو أن يتعذر عليه الخلع، أو نحو ذلك من الأعذار؛ فالمسلم لا يحتاج مبررا لكي يترخص بتلك الرخصة، بل أن يفعل ذلك في حال السعة، كما له أن يفعله في حال الشغل والسفر، لا سيما إن كان ذلك أرفق به، وأوفق لحاله، وأبعد له عن التكلف والمشقة. وينظر جواب السؤال رقم (117743) . والخلاصة: أنه كما لا يجوز للمسلم التهاون في أداء الوضوء الصحيح، لا يجوز أن يصل به الأمر إلى حد الوسوسة، والتوسط بين هذين الطرفين يكون باتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم في العبادات جميعها. وانظر في شرح ذلك في موقعنا جواب السؤال رقم: (11497) ، (102461) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127335 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 155 هل يشترط لصحة الوضوء دلك وتخليل أصابع القدمين [السُّؤَالُ] ـ[هل يشترط في الوضوء الدلك بين أصابع القدمين في كل مرة، فعلى سبيل المثال القدم تُغسل ثلاث مرات، فهل نخلل بين الأصابع في كل مرة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب في الوضوء غسل الأعضاء مرة، والتأكد من وصول الماء إلى العضو، فإن لم يصل الماء إلا بالدلك تعيّن، وإلا، فالدلك سنة. والواجب إيصال الماء بين أصابع اليدين والرجلين مرة واحدة، بالتخليل أو غيره، فإن خلل مع كل غسلة من الثلاث فلا بأس، وليس شرطا، إنما الواجب التأكد من وصول الماء إلى ما بين أصابع اليدين والرجلين مرة واحدة على الأقل. روى البخاري (157) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " تَوَضَّأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّةً مَرَّةً " قال النووي رحمه الله: " أجمع العلماء على أن الواجب مرة واحدة " انتهى. َ "المجموع" (1/465) ، وينظر: "شرح مسلم" (3/106) "المغني": (1/94) . ويراجع: جواب السؤال رقم (72450) . ثانيا: دلك العضو بالماء، ليس خاصا بإدخال الماء بين الأصابع، بل هو عام في كل عضو مغسول. جاء في "الموسوعة الفقهية": " الدَّلْكُ لُغَةً: مَصْدَرُ " دَلَكَ "، يُقَال: دَلَكْتُ الشَّيْءَ دَلْكًا مِنْ بَابِ " قَتَل ": مَرَسْتَهُ بِيَدِكَ، وَدَلَكْتَ النَّعْل بِالأَْرْضِ: مَسَحْتَهَا بِهَا. وَفِي الاِصْطِلاَحِ هُوَ - كَمَا نَصَّ الْمَالِكِيَّةُ -: إِمْرَارُ الْيَدِ عَلَى الْعُضْوِ إِمْرَارًا مُتَوَسِّطًا وَلَوْ لَمْ تَزُل الأَْوْسَاخُ وَلَوْ بَعْدَ صَبِّ الْمَاءِ قَبْل جَفَافِهِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الدَّلْكِ فِي الْوُضُوءِ هَل هُوَ فَرْضٌ أَوْ سُنَّةٌ؟ فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَقَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّ الدَّلْكَ سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ، زَادَ الشَّافِعِيَّةُ: وَيُبَالِغُ فِي الْعَقِبِ خُصُوصًا فِي الشِّتَاءِ، فَقَدْ وَرَدَ: وَيْلٌ لِلأَْعْقَابِ مِنَ النَّارِ [متفق عليه] . وَقَال الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ: هُوَ فَرْضٌ مِنْ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ، قَال الْحَطَّابُ: وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الدَّلْكِ هَل هُوَ وَاجِبٌ أَوْ لاَ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ: الْمَشْهُورُ: الْوُجُوبُ، وَهُوَ قَوْل مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ؛ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ فِي حُصُول مُسَمَّى الْغَسْل، قَال ابْنُ يُونُسَ: لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ - لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: وَادْلُكِي جَسَدَكِ بِيَدِكِ، وَالأَْمْرُ عَلَى الْوُجُوبِ، وَلأَِنَّ عِلَّتَهُ إِيصَال الْمَاءِ إِلَى جَسَدِهِ عَلَى وَجْهٍ يُسَمَّى غَسْلاً، وَقَدْ فَرَّقَ أَهْل اللُّغَةِ بَيْنَ الْغَسْل وَالاِنْغِمَاسِ. وَالثَّانِي: نَفْيُ وُجُوبِهِ، وَهُوَ لاِبْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ بِنَاءً عَلَى صِدْقِ اسْمِ الْغَسْل بِدُونِهِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ وَاجِبٌ لاَ لِنَفْسِهِ، بَل لِتَحَقُّقِ إِيصَال الْمَاءِ، فَمَنْ تَحَقَّقَ إِيصَال الْمَاءِ لِطُول مُكْثٍ أَجْزَأَهُ، وَعَزَهُ اللَّخْمِيُّ لأَِبِي الْفَرَجِ وَذَكَرَ ابْنُ نَاجِي أَنَّ ابْنَ رُشْدٍ عَزَاهُ لَهُ. "الموسوعة الفقهية" (43/358 (. وقال الإمام النووي رحمه الله: " واتفق الجمهور على أنه يكفي في غسل الأعضاء في الوضوء، والغسل جريان الماء على الأعضاء، ولا يشترط الدلك. وانفرد مالك والمزني باشتراطه ". "شرح صحيح مسلم" (3/107) . وأعدل الأقوال في "الدلك" هو القول الثالث عند المالكية، وهو أن المقصود تحقق وصول الماء؛ فإذا وصل بدون دلك: لم يجب عليه أن يدلك العضو المغسول، وإلا وجب عليه ذلك. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وأما دلك البدن في الغسل، ودلك أعضاء الوضوء فيه: فيجب إذا لم يعلم وصول الطهور إلى محله بدونه، مثل باطن الشعور الكثيفة، وإن وصل الطهور بدونها فهو مستحب.. ". "شرح العمدة" (1/367-368) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وشُرع الدَّلك ليتيقَّن وصول الماء إلى جميع البَدَنِ، لأنَّه لو صَبَّ بلا دَلْكٍ ربَّما يتفرَّق في البدن من أجل ما فيه من الدُّهون، فَسُنَّ الدَّلك ". "الشرح الممتع" (1/361) . وقال أيضا: " الواجب في الوضوء والغسل أن يُِّمِرّ الماء على جميع العضو المطلوب تطهيره، وأما دلكه فإنه ليس بواجب، لكن قد يتأكد الدلك إذا دعت الحاجة إليه، كما لو كان الماء بارداً جداً، أو كان على العضو أثر زيت أو دهن أو ما أشبه ذلك، فحينئذٍ يتأكد الدلك، ليتيقن الإنسان وصول الماء إلى جميع العضو الذي يراد تطهيره ... فالغسل هو الفرض، والتدلك ليس بفرض" "فتاوى نور على الدرب" (3/464 (. ثالثا: وأما تخليل الأصابع، فالمراد به إيصال الماء باليد، في الخلال التي بين الأصابع. روى أبو داود (142) والترمذي (788) وصححه عن لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنْ الْوُضُوءِ قَالَ: (أَسْبِغْ الْوُضُوءَ وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا) . وقد حمل الفقهاء ذلك الأمر بالتخليل، على نحو ما حملوا عليه القول في التدليك، كما مر. قال في عون المعبود: " وَالْحَدِيث فِيهِ دَلِيل عَلَى وُجُوب تَخْلِيل أَصَابِع الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ" انتهى. وهذا محمول على أن الماء لا يصل إلى ما بين الأصابع إلا بالتخليل باليد، فإن وصل بغير التخليل فالتخليل سنة. وجاء في "الموسوعة الفقهية" (11/49) : " إيصَالُ الْمَاءِ بَيْنَ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ بِالتَّخْلِيلِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ مُتَمِّمَاتِ الْغُسْلِ , فَهُوَ فَرْضٌ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ عِنْدَ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ ; لقوله تعالى: (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ) . أَمَّا التَّخْلِيلُ بَعْدَ دُخُولِ الْمَاءِ خِلَالَ الْأَصَابِعِ , فَعِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) أَنَّ تَخْلِيلَ الْأَصَابِعِ فِي الْوُضُوءِ سُنَّةٌ , لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِلَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ: (أَسْبِغْ الْوُضُوءَ , وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ) , وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " السنة أن يخلل الأصابع: أصابع اليدين وأصابع الرجلين ليتيقن دخول الماء إلى ما بين الأصابع، لا سيما أصابع الرجل؛ لأنها متلاصقة " انتهى. "لقاء الباب المفتوح" (8/7) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126379 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 156 الصلاة والوضوء مع وجود الأظافر الصناعية [السُّؤَالُ] ـ[هل تجوز الصلاة والعبادة أثناء وضع الأظافر الاصطناعية بسبب كسر الأظافر بشكل دائم لقلة الكالسيوم بالجسم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج في وضع الأظافر الصناعية بشكل دائم إذا كان ذلك بسبب كسر الأظافر الطبيعية بسبب قلة الكالسيوم في الجسم. أما وضعها من أجل الزينة والتجمل فلا يجوز ذلك، وانظر جواب السؤال (21724) . ولا حرج في الصلاة مع وجود هذه الأظافر، لكن يشترط إزالتها عند الوضوء والغسل حتى يصل الماء لما تحتها. جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (5/218) : " إذا كان للطلاء جرم على سطح الأظافر، فلا يجزئها الوضوء دون إزالته قبل الوضوء، وإذا لم يكن له جرم أجزأها الوضوء كالحناء " انتهى. وإذا كان هذا في الطلاء، فالأظافر الصناعية من باب أولى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120850 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 157 كيف يتوضأ من وضع علاجاً على وجهه؟ [السُّؤَالُ] ـ[إني فتاة أضع على وجهي دهانات وصفها لي الطبيب، وقال: يجب علي ألا يمسها الماء لمدة تقدر بـ12 ساعة على الأقل، وإني ولله الحمد مسلمة وعلي أن أتوضأ فأخشى أن يلامس الماء الدهان على وجهي، فهل أمسح الأجزاء التي لا يوجد بها دهان أم ماذا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كان في الوجه مرض جلدي وقد وصف له الطبيب دهاناً يوضع عليه وقال لا يمسه الماء لعدة ساعات من أجل بقاء الدهان للعلاج ففي هذه الحالة يجنب موضعه الماء في الوضوء ويغسل الباقي مع بقية الأعضاء ويتيمم بدل غسل الوجه إلى أن تنتهي الحاجة إلى وضع الدهان والله أعلم" انتهى. "المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان" (4/9، 10) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120759 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 158 حكم المسح على الحذاء العسكري والصلاة به [السُّؤَالُ] ـ[نحن العسكريون نقوم بلبس البوت الرياضي في الحصة الصباحية على طهارة، ثم بعد انتهاء الحصة نقوم بخلعه ولبس البسطار العسكري [الحذاء العسكري] على نفس الطهارة السابقة، وعند صلاة الظهر نمسح على هذا الحذاء، فما الحكم في ذلك؟ وهل ينتقض الوضوء بذلك؟ وهل الصلاة على هذه الحال صحيحة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: يجوز المسح على الحذاء العسكري؛ لأنه في حكم الخف. وقد سئل الشيخ الفوزان حفظه الله: هل يجوز الصلاة بالبسطار [الحذاء العسكري] أكرمكم الله؟ وما هي كيفية الوضوء فيه؟ وهل له مدة معينة؟ فأجاب: "تجوز الصلاة بالبسطار - أي: الخف - إذا كان طاهرًا وليس عليه نجاسة، ويجوز المسح عليه في الوضوء إذا كان ساترًا سترًا كاملاً للرجل، بأن يكون ضافيًا على الكعبين وما تحتهما، وثابتًا على الرجل، وقد لبسه على طهارة، بأن يلبسه وهو على وضوء. وصفة المسح أن يضع أصابع يديه مبلولتين بالماء على أطراف أصابع رجله، ثم يمررهما إلى ساقيه. ومدة المسح يوم وليلة بالنسبة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر، وهو رخصة ثابتة بالسنة المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكره إلا المبتدعة، وابتداء المدة على الصحيح من أول مسح بعد اللبس، والله أعلم " انتهى من "المنتقى" (2/54) . وينظر جواب السؤال رقم (69793) . ثانيا: من شروط المسح على الخفين أو ما في حكمهما كالبسطار أن يلبسهما على طهارة كاملة، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (9640) . وإذا كنت على وضوئك الأول الذي غسلت فيه رجليك، ولبست البسطار بعد خلع البوت، جاز لك أن تمسح عليه، لأنه يصدق عليك أن لبسته على طهارة كاملة. فتمسح على البسطار يوما وليلة إن كنت مقيما، وثلاثة أيام بلياليها إن كنت مسافرا، وتبدأ المدة من أول مسح بعد الحدث. وإن احتجت إلى خلع البسطار، فلك أن تمسح على الجوربين، ولا يضرك حينئذ خلع البسطار أو خلع البوت؛ لأن الحكم إنما هو للجوربين. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118018 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 159 طريقة مبتدعة في الوضوء [السُّؤَالُ] ـ[عندما أتوضأ، فأنا أبدأ بالبسملة ثم أستمر قائلة "نويت طهارة الوضوء"، وبينما أقول ذلك على جميع الأعضاء الواجب غسلها، فأنا أعلم أنك قدمت ما يقال عند الوضوء، لكني أريد أن أعرف ما إذا كان يمكنني أن أستمر في قول ما تعودت على قوله بدلا عن ما قدمته أنت، وبالطبع فإنك إذا أخبرتني بما يخالف فعلي، فسآخذ بنصيحتك.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب على المسلم في عبادته لله عز وجل أن يتعبَّد الله بما شرعه الله له، والأصل في العبادات التوقيف فلا يشرع شيء من أنواع العبادة إلا بدليل، ومن أتى بشيء مما لم يأت به الله عز وجل ولا رسوله فقد أحدث في دين الله عز وجل، وعمله هذا مردود، لأن العمل حتى يقبل لا بد فيه من أمرين: 1- الإخلاص لله عز وجل. قال تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) البينة 2- المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم واتباع ما جاء به قال تعالى: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) الحشر فلا يجوز ابتداع شيء من أنواع العبادة لم يأت بها النبي صلى الله عليه وسلم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " رواه البخاري (2697) ومسلم (1718) وروى الترمذي عن الإمام أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ من حديث العرباض بن سارية وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ " رواه الترمذي (السنة/3991) ، قال الألباني في صحيح سنن أبي داود صحيح برقم 3851. والواجب على المسلم أن لا يتجاوز ما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم وشرعه. وقد نقل الصحابة صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم ولم يَنقُل أحد منهم هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم فيجب اتباع ما جاء به. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في مسألة التلفظ بالنية: لا يستحب التلفظ بها لأن ذلك بدعة لم تنقل عن رسول الله ولا عن اصحابه ولا أمر النبى أحدا من أمته أن يتلفظ بالنية ولا عَلّم ذلك أحدا من المسلمين ولو كان هذا مشهورا مشروعا لم يهمله النبى وأصحابه مع أن الأمة مبتلاة به كل يوم وليلة بل التلفظ بالنية نقص فى العقل والدين. مجموع الفتاوى ج: 22 ص: 231 وقال في موضع آخر: وجميع ما أحدثه الناس من التلفظ بالنية قبل التكبير وقبل التلبية وفى الطهارة وسائر العبادات فهى من البدع التى لم يشرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل ما يحدث فى العبادات المشروعة من الزيادات التى لم يشرعها رسول الله فهى بدعة بل كان صلى الله عليه وسلم يداوم في العبادات على تركها، ففعلها والمداومة عليها بدعة وضلالة. مجموع الفتاوى ج: 22 ص: 223 أما الذكر الذي يقال قبل الوضوء أو بعده يراجع جواب سؤال رقم 2165. فيجب على المسلم ترك ما لم يأت به النبي صلى الله عليه وسلم والبعد عن الابتداع في الدين، لأن في الابتداع مشابهة لأهل الكتاب، وينبغي على أن يحرص على تعلُّم أمور دينه حتى لا يقع في البدع. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 14234 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 160 الجمع بين المضمضة والاستنشاق بغرفة واحدة [السُّؤَالُ] ـ[هل الجمع بين المضمضة والاستنشاق سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، الصحيح الثابت في السنة النبوية في أحاديث وصف وضوء النبي صلى الله عليه وسلم أن يُجمع بين المضمضة والاستنشاق في غَرفة واحدة يتمضمض ويستنشق منها، يفعل ذلك ثلاث مرات من ثلاث غرفات. روى البخاري (191) ومسلم (235) عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه في وصف وضوء النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثم مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفَّةٍ وَاحِدَةٍ، فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلاَثًا) ، وبوب عليه البخاري رحمه الله بقوله: باب من مضمض واستنشق من غرفة واحدة. وفي رواية للبخاري (199) : (فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ) . قال النووي رحمه الله: " وعلى أي صفة وصل الماء إلى الفم والأنف حصلت المضمضة والاستنشاق، والأفضل أن يتمضمض ويستنشق بثلاث غرفات، يتمضمض من كل واحدة، ثم يستنشق منها. وبه جاءت الأحاديث الصحيحة في البخاري ومسلم وغيرهما، وأما حديث الفصل فضعيف وهو حديث: (رأيته يفصل بين المضمضة والاستنشاق) رواه أبو داود (139) ، فيتعين المصير إلى الجمع بثلاث غرفات كما ذكرنا؛ لحديث عبد الله بن زيد " انتهى باختصار. "شرح مسلم" (3/105-106) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " الجمع بين المضمضة والاستنشاق بماء واحد أفضل من أن يفصل كل واحد بماء؛ لأن في حديث عبد الله بن زيد في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه مضمض واستنشق واستنثر ثلاثا بثلاث غرفات) . وفي لفظ: (تمضمض واستنشق من كف واحد، فعل ذلك ثلاثا) متفق عليهما. وفي لفظ: (تمضمض واستنثر ثلاثا من غرفة واحدة) رواه البخاري. وكذلك في حديث ابن عباس وعثمان وغيرهما. وهذه الأحاديث أكثر وأصح من أحاديث الفصل " انتهى. "شرح العمدة" (1/177-178) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 115745 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 161 معاقة لا تستطيع الوضوء ويرفض أولادها أن يوضئوها [السُّؤَالُ] ـ[امرأة معاقة ولا تستطيع الوضوء وأحياناً تأمر أولادها ليوضئوها فلا يفعلون ذلك، فتضطر إلى الصلاة بدون وضوء. فما حكم فعلها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يجب على الأولاد أن يساعدوا أمهم في طهارتها، فإن هذا من حقها الواجب عليهم، وعدم قيامهم بذلك يوقعهم في كبيرة من أعظم الكبائر، وهي عقوق الأمهات. ويُخشى أن يعجل الله لهم العقوبة على تلك المعصية. فعليهم التوبة إلى الله، والندم على ما فعلوا، والاعتذار لأمهم واستسماحها، والاجتهاد في طاعتها وإرضائها، فإن ذلك باب من أبواب الجنة، لا يدرون متى يغلق عنهم، وحينئذ لا ينفع الندم. وأما عن طهارتها إذا رفضوا مساعدتها.. فالمريض إذا لم يستطع أن يتوضأ، ولم يجد من يوضئه، ولو بأجرة، فإنه يتيمم، ويمكنه التيمم من الفراش الذي ينام عليه إن كان عليه غبار، أو يجعل بجانبه إناء فيه رمل أو تراب يتيمم منه. قال البهوتي رحمه الله في "كشاف القناع" (1/103) : " وَإِذَا وَجَدَ َالْمَرِيضُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ أَنْ يُوَضِّئَ نَفْسَهُ مَنْ يُوَضِّئُهُ، أَوْ يُغَسِّلُهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَقَدَرَ عَلَيْهَا لزمه ذلك ; لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الصَّحِيحِ ... فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُوَضِّئُهُ وَلَا مَنْ يُيَمِّمُهُ , بِأَنْ عَجَزَ عَنْ الْأُجْرَةِ أَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَنْ يَسْتَأْجِرُهُ صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ " انتهى مختصرا. فإن كانت المرأة المسؤول عنها يمكنها أن تستأجر من يوضئها، لزمها ذلك. فإن لم يمكنها ذلك، فإنها تنتقل إلى التيمم، لقول الله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) المائدة/6. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: المريض الذي لا يجد التراب هل يتيمم على الجدار وكذلك الفراش أم لا؟ فأجاب: " الجدار من الصعيد الطيب. فإذا كان الجدار مبنيا من الصعيد سواء كان حجرا أو كان مدرا - لَبِنًا من الطين -، فإنه يجوز التيمم عليه، أما إذا كان الجدار مكسوا بالأخشاب أو بالبوية فهذا إن كان عليه تراب - غبار - فإنه يتيمم به ولا حرج، ويكون كالذي يتمم على الأرض؛ لأن التراب من مادة الأرض، أما إذا لم يكن عليه تراب، فإنه ليس من الصعيد في شيء، فلا يتيمم عليه. وبالنسبة للفرش نقول: إن كان فيها غبار فليتيمم عليها، وإلا فلا يتيمم عليها لأنها ليست من الصعيد " انتهى من "فتاوى الطهارة" (ص 240) . فإن عجزت عن التيمم، صلت بلا وضوء ولا تيمم، لقول الله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة/286، وقوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16. وبهذا يُعلم أنه لا تجوز الصلاة بلا وضوء ولا تيمم ما دامت قادرة على التيمم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 115747 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 162 التسمية في الوضوء إذا كان الشخص في الحمام [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمسلم إذا قضى الحاجة في الحمام أن يقول بعد ذلك "بسم الله" داخل الحمام ثم يتوضأ , أم أنه يخرج ويسمي ثم يدخل ويتوضأ (حيث لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله) . وهل يجوز أن أذكر الله تعالى وأنا أستحم في الحمام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سئل الشيخ ابن عثيمين عن ذلك فقال: التسمية إذا كان الإنسان في الحمام تكون بقلبه ولا ينطق بها بلسانه، وإذا كان كذلك فاعملي بهذا على أن القول الراجح أن التَّسمية ليست من الواجبات بل هي من المستحبَّات، فينبغي ألا يكون لديك هواجس وغفلة. [الْمَصْدَرُ] فتاوى إسلامية ج/1 ص/219 الحديث: 21895 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 163 هل يجب مسح الأذنين في الوضوء؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا توضأت، وقلت الشهادتين وتجهزت للصلاة لكن فجأة تذكرت أني نسيت مسح الأذنين. ما يجب علي فعله؟ هل أعيد الوضوء من بدايته أم أمسح الأذنين فقط؟]ـ [الْجَوَابُ] مسح الأذنين في الوضوء مما واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم، واختلف أهل العلم فيه هل هو واجب أو سنة، فمنهم من قال بالوجوب كما هو المذهب عند الحنابلة؛ لما روى ابن ماجه (443) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ) والحديث مختلف في صحته، وقد صححه الألباني رحمه الله في صحيح ابن ماجة. وإذا كان الأذنان من الرأس كان مسحهما في الوضوء فرضا كمسح الرأس. وذهب الجمهور إلى أن مسح الأذنين سنة مستحبة وليس واجباً. وينظر: "الموسوعة الفقهية" (43/364) . والمنقول عن الإمام أحمد رحمه الله أن من ترك مسح الأذنين، أن وضوءه يجزئه. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/90) : " والأذنان من الرأس , فقياس المذهب وجوب مسحهما مع مسحه. وقال الخلال: كلهم حكوا عن أبي عبد الله فيمن ترك مسحهما عامدا أو ناسيا , أنه يجزئه ; وذلك لأنهما تبع للرأس , لا يفهم من إطلاق اسم الرأس دخولهما فيه , ولا يشبهان بقية أجزاء الرأس , ولذلك لم يجزه مسحهما عن مسحه عند من اجتزأ بمسح بعضه , والأولى مسحهما معه ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم مسحهما مع رأسه , فروت الرُّبَيِّع أنها رأت النبي صلى الله عليه وسلم مسح رأسه , ما أقبل منه وما أدبر وصدغيه وأذنيه مرة واحدة. وروى ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح رأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما. وقال الترمذي: حديث ابن عباس وحديث الرُّبَيِّع صحيحان " انتهى. وبناء على ذلك، فمن نسي مسح الأذنين، فلا شيء عليه، ووضوؤه صحيح. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 115246 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 164 استعمال (ماسكرا) لرموش العين تمنع وصول الماء [السُّؤَالُ] ـ[نحن مجموعة من النساء نرغب بالاستفسار عن حكم الوضوء للمرأة التي تضع على رموشها ما يسمى بـ (الماسكرا) وهي كالطلاء للرموش تستخدم للتزيين فتعطي الرموش شكلا جميلا وأحيانا كثافة، ومن هذه الماسكارا ما هو منفذ للماء، ومنها ما هو غير منفذ للماء ما يسمى بالانجليزية (الووتربروف) ، ونحن نعلم أن الرموش لا بد أن يصلها الماء في الوضوء، فما حكم الوضوء في هذه الحالة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأهداب أو رموش العين، يجب إيصال الماء إليها في الوضوء والغسل، لدخولها في حد الوجه المأمور بغسله، وهكذا شعر الحاجبين والخدين والشارب واللحية. قال في "الروض المربع" (ص 7) : "ويغسل ما في الوجه من شعر خفيف يصف البشرة كأهداب عين وشارب وعنفقة [الشعر تحت الشفة السفلى] لأنها من الوجه " انتهى باختصار وتصرف. وينظر: "المجموع" (1/376) ، "مواهب الجليل" (1/185) . وبناء على ذلك: فإن كان الطلاء لا يمنع وصول الماء إلى الشعر، فالوضوء صحيح، وإن كان يمنع وصول الماء وجب إزالته قبل الوضوء أو الغسل؛ لأن من شرط صحة الوضوء والغسل إزالة ما يمنع وصول الماء إلى العضو المغسول. قال النووي في "المجموع" (1/492) : " إذا كان على بعض أعضائه شمع أو عجين أو حناء وأشباه ذلك فمنع وصول الماء إلى شيء من العضو لم تصح طهارته سواء أكثر ذلك أم قل " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 113725 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 165 حكم وضع الجل على الشعر والوضوء به إذا كان يمنع وصول الماء [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أعرف حكم وضع الجل على الشعر، وأيضا: هل يمنع وصول الماء إلي الشعر؟ وإذا كان يمنع وصول الماء إلي الشعر هل أضعه بعد الوضوء مباشرة وأمسح عليه في الوضوء الآخر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الجل الذي يوضع على الشعر، إن كان مأخوذا من جيلاتين حيواني، فالحكم فيه يتوقف على الحيوان المأخوذ منه، فإن أخذ من حيوان مأكول مُذَكَّى، جاز إن لم يكن في استعماله ضرر، وإن أخذ من حيوان غير مأكول كالخنزير، أو من ميتة، لم يجز وضعه على الشعر لنجاسته. وانظر حكم الجيلاتين في جواب السؤال رقم (210) . ثانيا: إن كان الجل لا يمنع وصول الماء إلى الشعر، بل يتحلل بالماء ويصل الماء إلى الشعر، فلا إشكال في صحة الوضوء مع وجوده، وإن كان يمنع وصول الماء، فقد رخص بعض أهل العلم فيه؛ لأن مسح الرأس مبني على التخفيف، والمطلوب هو المسح فقط لا الغسل. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ولا يُمنع – أي المُحْرم- من تلبيده (أي: شعره) بصمغٍ وعسل ليتلبد ويجتمع الشعر، يعني لا بأس أن يضع على شعره صمغاً وعسلاً من أجل أن لا ينتفش ويثبت، ومن المعلوم أنه إذا فعل ذلك فسوف يكون هذا الصمغ والعسل مانعاً من مباشرة الماء للشعر، لكنه لا بأس به، ولهذا أبيح المسح على العمامة مع كونه يمنع مباشرة الرأس، وخُفف في ذلك بالنسبة للرأس دون اليد والوجه والقدم؛ لأن أصل تطهير الرأس مسامحٌ فيه، لا يجب فيه إلا المسح. وبناءً على ذلك نقول: إذا لَبَّدت المرأة رأسها بالحناء فهل لها أن تمسح عليه عند الوضوء أو نقول: لا بد أن تزيل الحناء؟ لا بأس أن تمسح عليه ولو كان فيه حناء يمنع مباشرة الماء " انتهى من "شرح الكافي". وسئل رحمه الله أيضا: ما حكم المسح على الحناء الموضوع على الشعر أثناء الوضوء؟ فأجاب: "لا بأس به، ولو كان يمنع وصول الماء، لكن في الغسل من الجنابة والحيض لا بد من إزالته، ويدل على أن الأول لا بأس به: أن النبي صلى الله عليه وسلم في إحرامه في الحج كان قد لبَّد رأسه، أي: وضع عليه لبد من صمغ أو عسل أو ما أشبه ذلك؛ اتقاء الشعث، كما قال صلى الله عليه وسلم حين قيل له: (يا رسول الله! ألا تقصر -أي: من العمرة- وتحل كما حل الناس؟ قال: إني قد سقت هديي ولبّدت رأسي فلا أحل حتى أنحر) فالحناء على الرأس ولو منع وصول الماء لا بأس به في الوضوء، لكن في الغسل من الجنابة أو الحيض لا بد من إزالته " انتهى من "اللقاء الشهري" (68/14) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 113647 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 166 صفة مسح المرأة لرأسها في الوضوء [السُّؤَالُ] ـ[ما هي طريقة مسح المرأة على رأسها عند الوضوء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صفة مسح الرأس في الوضوء للمرأة ومن كان شعره طويلا من الرجال، هي ما ورد في حديث الربيّع بنت معوذ رضي الله عنها، كما روى أحمد (26484) وأبو داود (128) عَنْها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ عِنْدَهَا، فَمَسَحَ الرَّأْسَ كُلَّهُ مِنْ قَرْنِ الشَّعْرِ، كُلَّ نَاحِيَةٍ لِمُنْصَبِّ الشَّعْرِ، لا يُحَرِّكُ الشَّعْرَ عَنْ هَيْئَتِهِ. حسنه الألباني في صحيح أبي داود. وقوله (مِنْ قَرْن الشَّعْر) : المراد بقرن الشعر هنا أعلى الرأس، أي: يَبْتَدِئ الْمَسْح مِنْ الأَعْلَى إِلَى أَسْفَلَ. قَالَ الْعِرَاقِيّ: " وَالْمَعْنَى أَنَّهُ كَانَ يَبْتَدِئ الْمَسْح بِأَعْلَى الرَّأْس إِلَى أَنْ يَنْتَهِي بِأَسْفَلِهِ يَفْعَل ذَلِكَ فِي كُلّ نَاحِيَة عَلَى حِدَتهَا " اِنْتَهَى نقلا عن "عون المعبود". وقد ورد في صفة المسح كيفية أخرى مشهورة، وهي أن يمسح الإنسان شعره بيديه من مقدم رأسه إلى قفاه، ثم يردّهما إلى الموضع الذي بدأ منه. ولكن هذه الصفة تؤدي إلى انتشار الشعر وتشعثه، فكان المختار للمرأة أن تمسح بالكيفية الأولى، أو أن تمسح من مقدم رأسها إلى مؤخرته، ولا تعود بيديها، وهذا وجه آخر في تفسير حديث الربيع، وينظر جواب السؤال رقم (45867) . قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/87) : " فإن كان ذا شعر يخاف أن ينتفش برد يديه لم يردهما. نص عليه أحمد، فإنه قيل له: من له شعر إلى منكبيه , كيف يمسح في الوضوء؟ فأقبل أحمد بيديه على رأسه مرة , وقال: هكذا كراهية أن ينتشر شعره. يعني أنه يمسح إلى قفاه ولا يرد يديه. وإن شاء مسح , كما روي عن الربيع , (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ عندها , فمسح رأسه كله من فرق الشعر كل ناحية لمصب الشعر لا يحرك الشعر عن هيئته) رواه أبو داود. وسئل أحمد كيف تمسح المرأة؟ فقال: هكذا. ووضع يده على وسط رأسه , ثم جرها إلى مقدمه , ثم رفعها فوضعها حيث منه بدأ , ثم جرها إلى مؤخره. وكيف مسح بعد استيعاب قدر الواجب أجزأه " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112171 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 167 صفة غسل اللحية في الوضوء والغسل [السُّؤَالُ] ـ[أنا مطلق اللحية ولحيتي وسط في الطول أقرب للكثيف يوجد بها فراغات من الجوانب في العوارض، هل يلزم علي دلكها مع أن الدلك سنة في الوضوء والغسل؟ أم يكفي علي أن آخذ كفا من الماء وأغسلها مرة واحدة مع الوجه، وكذلك شعر الوجه (الحاجبان , الشارب , العنقفة) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الدلك مستحب في الوضوء والغسل عند أكثر العلماء خلافا للمالكية. قال النووي رحمه الله في "المجموع" (2/214) : " مذهبنا أن دلك الأعضاء في الغسل وفي الوضوء سنة ليس بواجب، فلو أفاض الماء عليه فوصل به ولم يمسه بيديه أو انغمس في ماء كثير أو وقف تحت ميزاب أو تحت المطر ناويا فوصل شعره وبشره أجزأه وضوؤه وغسله , وبه قال العلماء كافة إلا مالكا والمزني فإنهما شرطاه في صحة الغسل والوضوء " انتهى. شعر الوجه من اللحية والشارب والعنفقة والحاجبين فيه تفصيل: فما كان خفيفا يرى منه ظاهر البشرة وجب إيصال الماء إلى باطنه، وما كان كثيفا لا ترى منه البشرة وجب غسل ظاهره فقط، واستُحب تخليله، هذا في الوضوء، وأما في الغُسل فيجب غسل ظاهره وباطنه. قال في "زاد المستقنع": " ويغسل وجهه من منابت شعر الرأس إلى ما انحدر من اللحين والذقن طولا، ومن الأذن إلى الأذن عرضا، وما فيه من شعر خفيف، والظاهرَ الكثيف مع ما استرسل منه " انتهى. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه: " قوله: " وما فيه من شعرٍ خفيف، والظَّاهرَ الكثيف " الخفيفُ: ما تُرى من ورائه البشرةُ، والكثيف: ما لا تُرى من ورائه. فالخفيفُ: يجب غسله وما تحته؛ لأن ما تحته إذا كان يُرى فإنَّه تَحصُلُ به المواجهة، والكثيف يجب غسلُ ظاهرهِ دونَ باطنهِ؛ لأنَّ المواجهةَ لا تكون إلا في ظاهر الكثيف. وكذلك يجب غسلُ ما في الوجه من شعر، كالشَّارب، والعَنْفَقَةِ، والأهداب، والحاجبين والعارضين. ويُستَحبُّ تخليل الشَّعر الكثيف؛ لأنَّ الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ كان يخلِّل لحيته في الوُضُوء. قوله: " مع ما استرسل منه ": "استرسل" أي: نَزَلَ " انتهى من "الشرح الممتع" (1/212) . وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/206) : " يجب غسل ظاهر اللحية الكثيفة ولا يجب غسل باطنها ولا البشرة التي تحته ولكن يشرع تخليلها، قال النووي رحمه الله تعالى: " لا خلاف في وجوب غسل اللحية الكثيفة ولا يجب غسل باطنها ولا البشرة التي تحته اتفاقا، وهو مذهب جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ". وقال ابن رشد: " هذا أمر لا أعلم فيه خلافا " انتهى. وأما اللحية الخفيفة التي تبين منها البشرة فإنه يجب غسل باطنها وظاهرها " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 110261 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 168 هل يلزمه الوضوء قبل أن يدخل الإسلام؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يلزم المسلم الجديد الوضوء قبل نطقه بالشهادتين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا يلزم ذلك، بل إذا نطق بالشهادتين صح نطقه بهما، وصار بذلك مسلماً، وإن لم يتوضأ؛ لأن الطهارة ليست شرطاً للإسلام" انتهى. فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. "الإجابات على أسئلة الجاليات" (1/5) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109196 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 169 هل تصلي المستحاضة وصاحب السلس التراويح بوضوء العشاء ولو بعد نصف الليل؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمرأة المستحاضة أن تصلي قيام الليل إذا انقضى نصف الليل بوضوء العشاء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "هذه المسألة محل خلاف، فذهب بعض أهل العلم إلى أنه إذا انقضى نصف الليل وجب عليها أن تجدد الوضوء، وقيل: لا يلزمها أن تجدد الوضوء، وهو الراجح" انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله "فتاوى الطهارة" (286) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109212 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 170 هل يجب خلع القرط من الأنف والأذن عند الوضوء والغسل؟ [السُّؤَالُ] ـ[قمت بثقب أنفي، وأريد أن أسأل إن كان علي أن أنزع القرط من أنفي للوضوء كي يصل الماء تحت مكان القرط؟ أم أتركه وأكتفي بتمرير الماء فوقه؟ هل أنزع القرط من أذني أيضا أم أتركه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجب خلع القرط، ولا حَلقَةِ الأنف التي تتخذها النساء للزينة، لا عند الوضوء، ولا عند الغسل، بل يكفي غسل ظاهر الأذن والأنف، وذلك للأوجه الآتية: الواجب هو غسل ظاهر الأنف (الذي هو من الوجه) في الوضوء والغسل، أما داخل الأنف (ومنه الثقب الذي يعلق فيه الحلق) فلا يجب غسله، وإنما الواجب هو الاستنشاق، وهذا يحصل مع وجود هذا الثقب ومع وجود القرط، فلا يجب خلعه ولا تحريكه. وأما الأذن فلا يجب غسلها في الوضوء، وإنما يستحب مسحها، والذي يستحب مسحه من الأذن هو الصماخ (التجويف الذي في الأذن) تدخل فيه السبابة، ويمسح ظاهر الأذن بالإبهام. وأما الموضع الذي يثقب من أجل تعليق القرط فلا يستحب مسحه في الوضوء، وبالتالي.. لا يؤثر وجود القرط على صحة الوضوء ولا يجب تحريكه ولا نزعه. وأما في الاغتسال فتغسل الأذن كما يغسل سائر البدن، ويعفى عن ثقب القرط عند الشافعية، فلا يجب إدخال الماء فيه لأنهم يعتبرونه من الباطن وليس من ظاهر الجسم الذي يجب غسله. جاء في "الموسوعة الفقهية" (13/19) : " اتفقوا على ضرورة إيصال الماء إلى ما يمكن إيصاله إليه من أجزاء البدن، ولو كانت غائرة، كعمق السرة ومحل العمليات الجراحية التي لها أثر غائر. ولكن الشافعية اعتبروا شعب الأذن يدخل فيه القرط من الباطن، لا من الظاهر، فلا يلزم إدخال الماء إليه ولو أمكن " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الحديث: 107841 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 171 كيف يتوضأ ويصلي المريض المركب له كيس للبول؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الطهارة والصلاة لمريض راقد في سريره؛ بسبب عملية أو غيره ومركب له أجهزة على يديه، وكيس للبول حتى لا يتحرك من السرير ويذهب للحمام، وهذا الكيس قد يبقى يوم ويفرغ عند امتلائه ثم يركب له مرة أخرى؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تجب الصلاة على المسلم على أية حال كان عليها ما دام عقله باقياً، فإذا كان الإنسان مريضاً، وقدر على الصلاة قائماً، فإنه يصلى قائماً، فإن لم يستطع صلى قاعداً، فإن لم يستطع صلى على جنبه، فإن لم يستطع صلى مستلقياً؛ لما روى البخاري (1066) عن عمران بن حصين قال: كانت بي بواسير، فسألت الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: (صلِّ قائماً، فإن لم تستطيع فقاعداً، فإن لم تستطيع فعلى جنب) ، وكذا الحكم بالنسبة للطهارة، فإذا قدر على الوضوء بالماء توضأ، فإذا لم يستطع، فإنه يتيمم بالتراب. وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله عن المريض المركب له كيس بول كيف يصلي وكيف يتوضأ؟ فأجاب: " يصلي على حسب حاله، مثل صاحب السلس ومثل المرأة المستحاضة، يصلي المريض إذا دخل الوقت على حسب حاله، ويتيمم إذا كان لا يستطيع استعمال الماء، فإن كان يستطيع ذلك وجب عليه الوضوء بالماء؛ لقول الله عزل وجل: (فاتقوا الله ما استطعتم) ، والخارج بعد ذلك لا يضره، لكن لا يتوضأ إلا بعد دخول الوقت، ويصلي ولو خرج الخارج ما دام في الوقت، ولو كان البول يخرج من ذكره، وهكذا، المستحاضة تصلي في الوقت، ولو خرج منها الدم مدة طويلة، فإنها تصلي على حسب حالها، لكن لا يتوضأ من حَدَثُه دائماً إلا إذا دخل الوقت؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمستحاضة: (توضئي لوقت كل صلاة) ، فيصلي صاحب السلس والمستحاضة والمريض المسئول عنه في الوقت جميع الصلوات من فرض ونفل، ويقرأ القرآن من المصحف، ويطوف بالكعبة من كان بمكة مادام في الوقت، فإذا خرج الوقت أمسك عن ذلك حتى يتوضأ للوقت الذي دخل " انتهى. "الفتاوى المتعلقة بالطب وأحكام المرضى" (ص: 34) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106751 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 172 كيف يتوضأ المريض؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن يقوم شخص بمساعدة مريض لا يستطيع أن يتيمم بمفرده بسبب الأجهزة على يديه وكيفية ذلك؟ ولو أراد أن يوضئه كيف يمكن أن يمضمضه ويستنثر له؟ أو كيف يمكن أن يوضئه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب على المريض ما يجب على الصحيح من الطهارة بالماء من الحديثين الأصغر والأكبر، فيتوضأ من الحدث الأصغر، ويغتسل من الحدث الأكبر، فإذا لم يستطع أن يتوضأ هو بنفسه، فإنه يوضئه غيره. قال البهوتي رحمه الله في "كشاف القناع" (1/103) : " وَإِذَا وَجَدَ الْأَقْطَعُ [من قطعت إحدى يديه] وَنَحْوُهُ، كَالْأَشَلِّ وَالْمَرِيضِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ أَنْ يُوَضِّئَ نَفْسَهُ مَنْ يُوَضِّئُهُ، أَوْ يُغَسِّلُهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَقَدَرَ عَلَيْهَا لزمه ذلك ; لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الصَّحِيحِ " انتهى باختصار. فإذا لم يستطع المريض أن يتوضأ، ولم يجد من يوضئه، فإنه يتيمم، ولو على الجدار أو الفراش إن كان عليه غبار، أو يحمل معه ترابا في إناء أو كيس يتيمم به، فإن لم يمكنه التيمم صلى على حاله. قال البهوتي رحمه الله في "كشاف القناع" (1/103) : " فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُوَضِّئُهُ وَلَا مَنْ يُيَمِّمُهُ , بِأَنْ عَجَزَ عَنْ الْأُجْرَةِ أَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَنْ يَسْتَأْجِرُهُ صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ " انتهى. فعلى هذا، يجوز لك أن توضأ مريضك، وذلك بأن تصب عليه الماء، ويقوم هو بغسل أعضائه، أو تقوم أنت بغسل أعضائه إذا لم يستطع هو القيام بذلك. أما المضمضة والاستنشاق، فإذا لم يستطع المريض فعلها بنفسه، وتعذر ذلك عليك، فلا حرج من تركها، ولكن عليه بعد الانتهاء من الوضوء أن يتيمم، لأنه يعتبر ترك عضواً من أعضاء الوضوء، وقد سبق في جواب السؤال رقم (88066) بيان أن الوضوء والاغتسال لا يصحان إلا بالمضمضة والاستنشاق. أما التيمم فإن لم يستطع أن يتمم هو، فإنك تضرب بيديك على التراب ثم تمسح بهما وجهه ويديه. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106758 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 173 هل يصلي خلف من لا يعيد غسل كفيه مع اليدين في الوضوء؟ [السُّؤَالُ] ـ[بعض الناس يقتصرون في الوضوء على غسل الأيدي من الرسغ إلى المرفق، ولا يغسلونها من الكف، وأحياناً يتقدم بنا رجل ليصلي إماماً وعند شعور قوي أنه لم يغسل يده غسلاً صحيحاً. وأحياناً أكون شاكاً فهل أصلي خلفه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: سبق في جواب السؤال رقم (103694) أن الواجب هو غسل اليد من أطراف الأصابع إلى المرفقين، وأن غسلهما من الرسغ لا يصح به الوضوء، وأن هذا مذهب جمهور العلماء، خلافاً للأحناف فإنهم قالوا بصحة وضوء من فعل ذلك. ثانياً: تصح الصلاة خلف الحنفي الذي يقتصر على غسل الكفين أولاً، ولا يعيد غسلهما مع الذراعين، لأنها مسألة خلافية، والعامي معذور في تقليد من قلده من أهل العلم. وتصح الصلاة خلف من لا تعلم حاله ولا تدري هل يغسل يديه غسلا صحيحا أم لا، ولا ينبغي الشك في عبادة المسلم، بل ينبغي حمله على الأصل وهو السلامة والبراءة. وينبغي أن تبين هذه المسألة لإخوانك بالحكمة والموعظة الحسنة، فإن أصروا على رأيهم، وتمسكوا بالمذهب الحنفي أو بقول من يفتيهم، فدع الجدال معهم، ولا تتحرج من الصلاة خلفهم، فما زال الأئمة يصلون خلف بعضهم البعض مع اختلافهم في الفروع، ولهذا صححوا الصلاة خلف من لا يرى نقض الوضوء بأكل لحم الإبل، أو مس ذكر، ونحوه مما وقع فيه الخلاف. قال ابن قدامة في "المغني" (2/11) : " فأما المخالفون في الفروع كأصحاب أبي حنيفة , ومالك , والشافعي , فالصلاة خلفهم صحيحة غير مكروهة. نص عليه أحمد ; لأن الصحابة والتابعين , ومن بعدهم لم يزل بعضهم يأتم ببعض , مع اختلافهم في الفروع , فكان ذلك إجماعا , ولأن المخالف إما أن يكون مصيبا في اجتهاده , فله أجران: أجر لاجتهاده، وأجر لإصابته , أو مخطئا فله أجر على اجتهاده , ولا إثم عليه في الخطأ , لأنه محطوط عنه. فإن علم أنه يترك ركنا أو شرطا يعتقده المأموم دون الإمام , فظاهر كلام أحمد صحة الائتمام به. قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يُسأل عن رجل صلى بقوم , وعليه جلود الثعالب , فقال: إن كان يلبسه وهو يتأول: (أيما إهاب دبغ فقد طهر) . يصلى خلفه. قيل له: أفتراه أنت جائزا؟ قال: لا , نحن لا نراه جائزا، ولكن إذا كان هو يتأول فلا بأس أن يصلى خلفه " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106431 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 174 إذا غسل الرجل اليمنى وجففها ثم غسل اليسرى هل تنقطع الموالاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم إذا توضأت وغسلت رجلي اليمنى وجففتها بقطعة قماش هي قريبة مني وغسلت الرجل الأخرى وجففتها هل في وضوئي هذا عدم موالاة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الموالاة في الوضوء هي ألا يتأخر غسل العضو حتى يجف ما قبله في زمن معتدل، فلا يؤثر جفاف العضو لشدة حرارة أو وجود ريح أو تنشيفه بثوب مثلا، إذا لم يمض الزمن الذي يقع فيه الجفاف عادة، فالمعتبر هو عدم مضي الزمن. ويجعل بعض العلماء الموالاة هي: ألا يفصل بين غسل الأعضاء بزمن طويل عرفاً، ولا يقيد ذلك بالزمن الذي يحصل فيه الجفاف. قال في ابن قدامة في "المغني" (1/181) : " والموالاة الواجبة: أن لا يترك غسل عضو حتى يمضي زمن يجف فيه العضو الذي قبله في الزمان المعتدل ; لأنه قد يسرع جفاف العضو في بعض الزمان دون بعض" انتهى. وقال في كشاف القناع (1/105) : " والموالاة: المتابعة، والمراد هنا: أن لا يؤخر غسل عضو حتى ينشف العضو الذي قبله في زمن معتدل الحرارة والبرودة. بأن لا يؤخر غسل اليدين حتى يجف الوجه , ولا مسح الرأس حتى تجف اليدان ولا غسل الرجلين حتى تجف الرأس لو كانت مغسولة , وعلم منه أنه لو أخر مسح الرأس حتى جف الوجه دون اليدين لم يؤثر " انتهى بتصرف. وعليه؛ فمن غسل رجله اليمنى وجففها، ثم غسل الأخرى دون مضي زمن يقع فيه الجفاف عادة، فوضوؤه صحيح. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105702 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 175 الغسل بالصابون في الوضوء وتغيير حفاظة الطّفل [السُّؤَالُ] ـ[أسلمت حديثا وعندي سؤال يخص الوضوء. هل يجب علي استخدام الصابون عند الوضوء، خصوصا عند غسل الوجه واليدين إلى المرفقين والرجلين؟ فكل المصادر التي قرأت فيها لم تذكر استخدام الصابون بل استخدمت كلمة "غسل". هل ينتقض الوضوء إذا غيرت حفاضة صغيري؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله 1. نهنئك ونحمد الله على ما منّ عليك به من الهداية إلى الصراط المستقيم ونسأله لنا ولك الثبات على هذا الدّين 2. لا يجب عليك أبداً استخدام الصابون عند الوضوء، وكلمة " غسل " التي قرأتيها في المصادر المشار إليها في السؤال لا تعني استخدام الصابون، أو أي منظّف آخر. قال الشيخ ابن عثيمين حفظه الله: غسل الأيدي والوجه بالصابون عند الوضوء ليس بمشروع بل هو من التعنت والتنطع وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " هلك المتنطعون هلك المتنطعون"، قالها ثلاثا. نعم، لو فرض أن في اليدين وسخا لا يزول إلا بهذا أي باستعمال الصابون أو غيره من المطهرات المنظفات فإنه لا حرج في استعماله حينئذ، وأما إذا كان الأمر عاديا فإن استعمال الصابون (في الوضوء) يعتبر من التنطع والبدعة فلا تستعمل. "فتاوى إسلامية" (1/223) . 3. أما تغيير حفاضة الطفل، فإن كان المراد ذات التغيير فهو غير مؤثّر في صحة الوضوء. وإن كان المراد أنك تلمسين وتباشرين النجاسة فهو غير مؤثر في الوضوء أيضاً، إذ لا علاقة بين مس النجاسة وصحة الوضوء، وقد نقل في ذلك إجماع أهل العلم كما في " الأوسط " لابن المنذر (1 / 203) ، والواجب فقط هو غسل الأيدي مما علق فيها من النجاسات. وإن كان المراد أنك تمسين عورة الطفل أو الطفلة فإنّ الطفل ذي السنتين فأقلّ لا حكم لعورته كما قال العلماء فلو مسستِها لا يتأثّر وضوؤك والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 6987 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 176 إذا كان بقدميه ما يمنع وصول الماء وتعذرت إزالته [السُّؤَالُ] ـ[تلتصق بقدمي أشياء نظرا لأن قدمي مشققة فلا أستطيع إخراجها هل هذا يبطل الوضوء؟ وفي مرة التصق بقدمي زفت أخرجت جزءا منه ولم أستطع أن أخرج الباقي، هل هذه الصلاة جائزة؟ يوجد برامج للموبايل تذكر بأوقات الصلاة وهكذا ولكن لها حقوق طبع فهل هذا جائز؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: يجب إزالة ما يمنع وصول الماء إلى البشرة، ويعفى عن الشيء اليسير جدا كالوسخ تحت الأظفار أو في شقوق الرجلين بعد الاجتهاد في إزالته. قال المرداوي في "الإنصاف" (1/158) : "لو كان تحت أظفاره يسير وسخ , يمنع وصول الماء إلى ما تحته لم تصح طهارته. قاله ابن عقيل. . . وقيل: تصح , وهو الصحيح , وإليه ميل المصنف (ابن قدامة) , واختاره الشيخ تقي الدين (ابن تيمية) وقيل: يصح ممن يشق تحرزه منه , كأرباب الصنائع والأعمال الشاقة من الزراعة وغيرها. وألحق الشيخ تقي الدين كل يسيرٍ منع , حيث كان من البدن , كدم وعجين ونحوهما، واختاره " انتهى. وإذا تعذر إزالة ما لصق بالجلد، وكان كثيرا لا يعفى عنه، فإنك تمسح عليه كالجبيرة. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وإذا كان هناك مانع يمنع وصول الماء لم يصدق عليه أنه غسل العضو، لكن شيخ الإسلام رحمه الله قال: إن الشيء اليسير يعفى عنه لا سيما فيمن ابتلي به. وهذا ينطبق على العمال الذين يستعملون البوية فإنه كثيرا ما يكون فيه النقطة أو النقطتان إما أن ينسوها أو لا يجدون ما يزيلونها به في الحال، فعلى رأي شيخ الإسلام رحمه الله يعفى عن هذا. ولكن ينبغي أن نأخذ بالحديث – [وهو ما روى مسلم (243) عن عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنَّ رَجُلًا تَوَضَّأَ فَتَرَكَ مَوْضِعَ ظُفُرٍ عَلَى قَدَمِهِ فَأَبْصَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ فَرَجَعَ ثُمَّ صَلَّى]- وأنه لا يعفى عن الشيء ولو كان يسيرا، فهو إن أمكنه أن يزيله قبل أن يخرج وقت الصلاة أزاله، وإلا مسح عليه وصار كالجبيرة " انتهى من "شرح الكافي". ثانيا: برامج الموبايل إذا لم يأذن أصحابها في نسخها، فلا يجوز نسخها، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (95173) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 104354 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 177 تنشيف الأعضاء بعد الوضوء [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز التنشيف بالمنشفة أو المنديل بعد الوضوء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز للإنسان إذا توضأ أن ينشف أعضاء وضوئه؛ لأن الأصل في هذا الفعل الإباحة. قال ابن قدامه رحمه الله في "المغني" (1/195) : " لَا بَأْسَ بِتَنْشِيفِ أَعْضَائِهِ بِالْمِنْدِيلِ مِنْ بَلَلِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ؛ وهو المنقول عن الإمام أحمد، وقد رُوِيَ أَخْذُ الْمِنْدِيلِ بَعْدَ الْوُضُوءِ عن عُثْمَان وَالْحَسَن بْن عَلِيٍّ وَأَنَس , وَكَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وهو الأصح، لأن الأصل الإباحة" انتهى بتصرف. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن حكم تنشيف أعضاء الوضوء. فأجاب: " تنشيف الأعضاء لا بأس به؛ لأن الأصل عدم المنع، والأصل فيما عدا العبادات من العقود والأفعال والأعيان الحل والإباحة حتى يقود دليل على المنع. فإن قال قائل: كيف تجيب عن حديث ميمونة رضي الله عنها، حينما ذكرت أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل، قالت: فأتيته بالمنديل فرده وجعل ينفض الماء بيده؟ فالجواب: أن هذا الفعل من النبي صلى الله عليه وسلم قضية عَيْن تحتمل عدة أمور: إما لأنه لسبب في المنديل، أو لعدم نظافته، أو يخشى أن يبله بالماء، وبلله بالماء غير مناسب، فهناك احتمالات ولكن إتيانها بالمنديل قد يكون دليلاً على أن من عادته أن ينشف أعضاءه، وإلا لما أتت به" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (11/93) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103968 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 178 الطلاء على الأظافر هل يبطل الطهارة ويوجب إعادة الصلوات؟ [السُّؤَالُ] ـ[امرأة كانت في مكان بعيد عن المدينة، ولا تعلم بوجوب إزالة الطلاء الذي على الأظافر، فعندما علمت بوجوب إزالته لم تجد ما يزيل هذا الطلاء، ولم تستطع النزول إلى المدينة لشراء هذا المزيل؟ فكانت تتوضأ على هذا الحائل لمدة أسبوع؟ فما الحكم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من شروط صحة الطهارة أن يمس الماءُ الجلد، فلو حال بين الجلد وبين الماء حائل مِن دهون أو طلاء أو شمع أو لصقات لم تصح الطهارة، والصلاة على تلك الحال صلاة باطلة غير مجزئة. والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه: (فَإِذَا وَجَدْتَ الْمَاءَ فَأَمِسَّهُ جِلْدَكَ فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ) رواه أبوداود (332) ، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود". قال الإمام الشافعي رحمه الله: "وإن كان عليه عِلْكٌ، أو شيء ثخين، فيمنع الماء أن يصل إلى الجلد: لم يُجْزِهِ وضوءُهُ ذلك العضوَ حتى يُزيلَ عنه ذلك، أو يُزيلَ منه ما يعلم أن الماء قد ماسَّ معه الجلدَ كُلَّه، لا حائل دونه" انتهى. " الأم " (1 / 44) . وقال النووي رحمه الله: "إذا كان على بعض أعضائه شمع، أو عجين، أو حنَّاء، وأشباه ذلك، فمنع وصول الماء إلى شيء من العضو: لم تصح طهارته، سواء كثر ذلك أم قل، ولو بقي على اليد وغيرها أثر الحناء ولونه دون عينه أو أثر دهن مائع بحيث يمس الماء بشرة العضو ويجري عليها لكن لا يثبت: صحت طهارته" انتهى. " المجموع " (1 / 529) . وجاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (5 / 218) : "إذا كان للطلاء جرم على سطح الأظافر فلا يجزئها الوضوء" انتهى. لذلك؛ فقد كان الواجب على هذه المرأة الحرص على تحصيل ما تزيل به الطلاء، ولو بتكلف الذهاب إلى مكانِ بَيعِهِ البعيد، مع أن إزالتَه ممكنةٌ باستعمال كثيرٍ من سوائل التنظيف المطبخية القوية، أو بمسحه بشيء مرطب بسوائل الوقود، ونحو ذلك من المذيبات. فلا نرى لهذه المرأة عذرا في صلاتها بطهارة باطلة بسبب وجود الطلاء، والجهل قد يرفع الإثم لكنه لا يصحح الصلاة. فعليها إعادة الصلوات التي صلتها بطهارة ناقصة بسبب وجود هذا الطلاء. نسأل الله لنا ولها العفو والمغفرة. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103738 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 179 حكم وضوء من يغسل اليدين من الرسغين إلى المرفقين ولا يغسل الكفين [السُّؤَالُ] ـ[بعض المسلمين أثناء الوضوء عند غسل اليدين يغسلون من الرسغ إلى المرفق دون إدخال الكفين في الغسل، فما حكم ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الأعضاء التي يجب غسلها في الوضوء جاءت مبينة في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) المائدة/6، فأوجب الله تعالى غسل اليدين إلى المرفقين بعد غسل الوجه، وهذا لا يتحقق إلا بغسل اليدين من أصابع الكفين إلى المرفقين، فمن اقتصر على غسلهما من الرسغين إلى المرافق لم يكن أتى بهذا الفرض. وأما غسل الكفين أول الوضوء فهذا غسل مسنون، ولا يجزئ عن الفرض عند جمهور العلماء، خلافا للحنفية. وجمهور العلماء على أنه يجب الترتيب بين أعضاء الوضوء، فيغسلها على الترتيب الوارد في الآية: غسل الوجه ثم غسل اليدين ثم مسح الرأس ثم غسل الرجلين. وعليه؛ فلا يصح الاكتفاء بغسل الكفين في أول الوضوء عن إعادة غسلهما مع اليد، لأن ذلك يؤدي إلى اختلال الترتيب، بإدخال غسل الوجه أثناء غسل اليدين، والواجب أن يكون غسل اليدين كله واقعا بعد غسل الوجه. والحاصل: أن من توضأ فغسل كفيه ثم تمضمض واستنشق وغسل وجهه ثم غسل يديه من الرسغين إلى المرفقين لم يصح وضوؤه عند أكثر أهل العلم. وقد سئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله: ما حكم من يغسل يده من الرسغ إلى المرفق، دون غسل الكف، مكتفيا بغسلها أول الوضوء، وهل يلزمه إعادة الوضوء؟ فأجاب: "لا يجوز في الوضوء الاقتصار على غسل الذراع فقط دون الكف بل متى فرغ من غسل الوجه بدأ بغسل اليدين، فيغسل كل يد من رؤوس الأصابع إلى المرافق، ولو كان قد غسل الكفين قبل الوجه، فإن غسلهما الأول سنة، وبعد الوجه فرض، فمن اقتصر في غسل اليدين من الرسغ إلى المرفق فما أكمل الفرض المطلوب، فعليه إعادة الوضوء بعد التمام، أو عليه غسل ما تركه إن كان قريبا، فيغسل الكفين وما بعدهما " انتهى من "اللؤلؤ المكين من فتاوى الشيخ ابن جبرين" ص 77. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وهنا نقف لننبه على ما يغفل عنه كثير من الناس حيث كانوا يغسلون اليد من الكف إلى المرفق ظناً منهم أن غسلها قد تم قبل غسل الوجه، وهذا غير صحيح، ولا بد أن تغسلها من أطراف الأصابع إلى المرفقين " انتهى من "اللقاء الشهري" (3/330) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103694 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 180 هل يجوز الزيادة عن الركعتين بعد الوضوء [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لنا أن نصلي أكثر من ركعتين بعد الوضوء كما هو وارد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبلال: (يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة) فقال: (ما عملت عملا أرجى عندي من أني لم أتطهر طهورا في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي) متفق عليه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سنة الوضوء ركعتان، لحديث بلال المذكور وغيره، ويجوز للمرء أن يتنفل بما شاء من النوافل زيادة على الركعتين، في غير أوقات النهي. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 7/276 الحديث: 5253 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 181 المسح على اللصقة التي توضع على الجروح [السُّؤَالُ] ـ[ظهر ما يشبه الدمامل في رجلي وكان العلاج أن ألفّ مكان الدمامل بلصقة بحيث لا يصلها الماء أثناء الوضوء. ما حكم الوضوء في هذه الحالة?.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله وضوؤك صحيح إذا مسحت على اللصقة أو مر الماء عليها. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة. من مجلة البحوث الإسلامية (59/139) . الحديث: 22178 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 182 استيعاب أعضاء الوضوء بالغسل [السُّؤَالُ] ـ[في بعض الأحيان يلتزق بقدمي بعض الأشياء التي لا أستطيع إزالتها إلا بمادة، وهذه المادة ليست معي، فماذا أفعل وهي مانعة للماء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب على المتوضيء أن يستوعب جميع العضو بالغسل، وأن لا يترك منه شيئا، ولو كان يسيراً، وإذا كان على القدم شيء عازل يمنع وصول الماء إلى البشرة فيجب إزالته ولا يتحقق غسل العضو إلا بإزالة ذلك المانع. والدليل على ذلك ما رواه أحمد في "مسنده" (3/424) وأبو داود (175) عن خالد بن معدان عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلا يُصَلِّي، وَفِي ظَهْرِ قَدَمِهِ لُمْعَةٌ قَدْرُ الدِّرْهَمِ لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ) . قال الإمام أحمد: هذا إسناد جيد. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود". وسئل العلامة ابن عثيمين رحمه الله عما إذا كان في يد الإنسان دهن فهل يصح وضوؤه؟ فأجاب: " نعم، يصح وضوؤه بشرط ألا يكون هذا الدهن متجمدا يمنع وصول الماء، فإن كان متجمدا يمنع وصول الماء فلا بد من إزالته قبل الوضوء" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (11/147) . وينبغي للمسلم أن يحتاط لعبادته وطهارته بأن يضع على قدمه أثناء العمل ما يحول دون إصابة أعضاء وضوئه بتلك الأشياء العازلة أو أن يصطحب معه المادة المزيلة لتلك الأشياء المانعة. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 102461 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 183 الشك أثناء الوضوء [السُّؤَالُ] ـ[في بعضِ الأحيانِ يحدث أنْ أنسَى هلْ مسحْتُ على رأسي أم لا، ولم يترجَّحْ لي شيئٌ فهلْ أتوضَّأُ مِن جديدٍ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان هذا الشَّكُّ بعدَ الفَراغ مِن الوُضوء فإنَّه لا عِبرةَ به ولا يُلتَفَت إليه، وإذا كان قبْل الفراغِ مثلَ أنْ يَشُكَّ هل مسَحَ رأسَه وهو يغسِلُ رِجليه فإنَّه يمسحُ رأسَه ويغسِلُ رِجليْه، وليسَ في هذا كُلْفةٌ. هذا إذا لم يكنْ مُبتلَىً بكثرة الشُّكوك، فإنْ كان كثيرَ الشُّكوكِ فإنَّه لا يلتَفِت إلى ذلك ويَبْني على ما هو عليه الآنَ، فإنْ كان في غَسْلِ الرِّجلين فإنَّه يبني على أنَّه مسَحَ رأسَه وكذلك بقية الأعضاءِ. [الْمَصْدَرُ] إعلام المسافرين ببعض آداب وأحكام السفر وما يخص الملاحين الجويين لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ص12. الحديث: 10778 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 184 ماذا يفعل في الطهارة إذا لم يجد ماءً ولا تراباً [السُّؤَالُ] ـ[ماذا يصنع من لم يجد الماء ولا التراب للطهارة؟ وهل عليه إعادة الصلاة بعد وجود أيٍّ منهما؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال ابن حزم: ومن كان محبوساً في حضَرٍ أو سفرٍ بحيث لا يجد تراباً ولا ماءً أو كان مصلوباً وجاءت الصلاة فليصلِّ كما هو وصلاته تامة ولا يعيدها، سواء وجد الماء في الوقت أو لم يجده إلا بعد الوقت. برهان ذلك: قول الله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) وقوله تعالى: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) ، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم "، وقوله تعالى: (وقد فصَّل لكم ما حرَّم عليكم إلا ما اضطررتم إليه) ، فصح بهذه النصوص أنه لا يلزمنا من الشرائع إلا ما استطعنا، وأن ما لم نستطعه فساقطٌ عنَّا، وصحَّ أن الله تعالى حرَّم علينا ترك الوضوء أو التيمم للصلاة إلا أن نضطر إليه، والممنوع من الماء والتراب مضطرٌ إلى ما حرَّم عليه مِن ترك التطهر بالماء أو التراب، فسقط عنا تحريم ذلك عليه، وهو قادرٌ على الصلاة بتوفيتها أحكامها وبالإيمان، فبقي عليه ما قدر عليه، فإذا صلَّى كما ذكرنا فقد صلَّى كما أمره الله تعالى، ومن صلَّى كما أمره الله تعالى فلا شيءَ عليه، والمبادرة إلى الصلاة في أول الوقت أفضل لما ذكرنا قبل. وقال أبو حنيفة وسفيان الثوري والأوزاعي - فيمن هذه صفته -: لا يصلي حتى يجد الماء متى وجده. [الْمَصْدَرُ] " المحلى " (1 / 363، 364) . الحديث: 21573 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 185 الدعاء أثناء الوضوء بجاه النبي صلى الله عليه وسلم [السُّؤَالُ] ـ[عندي عادة لا أدري أهي سيئة أم حسنة: مثلا عند غسل رجلي في الوضوء أدعو ربي أن يثبت رجلي على الصراط بجاه النبي عليه الصلاة والسلام. وكذلك في الصلاة مثلا: رب اغفر لي وارحمني وسامحني بجاه نبيك عليه الصلاة والسلام. فهل مثل هذا الدعاء يجوز أم لا؟ مع العلم أني اعتَدْتُ على الدعاء بهذه الصفة اعتقادا مني أن الله سبحانه وتعالى لا يرد الدعاء لمن توسل إليه بحبيبه عليه الصلاة والسلام.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله دعاء الله تعالى أن يثبت رجل عبده على الصراط، دعاء حسن لا بأس به، نسأل الله تعالى أن يثبت أقدمنا جميعاً. ولكن دخل الخطأ في هذا الدعاء من وجهين: الأول: اعتيادك هذا الدعاء عند غسل الرجلين في الوضوء. فإنك تعلم – أخي السائل – أن الوضوء عبادة، وأن المسلم ليس له أن يغيِّر صفة العبادة أو يزيد عليها، أو ينقص منها. بل كمال الاتباع للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نفعل كما فعل، من غير زيادة ولا نقصان. قال ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (22/510) : " وليس لأحد أن يسن للناس نوعا من الأذكار والأدعية غير المسنون، ويجعلها عبادة راتبة يواظب الناس عليها كما يواظبون على الصلوات الخمس، بل هذا ابتداع دين لم يأذن الله به " انتهى. ولم يكن من هدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدعاء عند غسل أعضاء الوضوء، وقد ورد في ذلك حديث، غير أنه لا يصح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال الحافظ ابن الصلاح: " لم يصح فيه حديث " انتهى. كذا نقله الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" (1/297) . وقال ابن القيم في "المنار المنيف" (45) : " وأما الحديث الموضوع في الذكر على كل عضو فباطل " انتهى. وقال النووي عن دعاء الأعضاء في الوضوء: دعاء الأعضاء لا أصل له" "الفتوحات الربانية" (2/27-29) وفي "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم" (2/49) : " بعض الناس يرى أَن لكل عضو ذكرًا يخصه، ويروى في ذلك شيء من الأَحاديث، لكنها لا تصح أَبدًا، بل هي باطلة " انتهى. وجاء في " دروس للشيخ عبد العزيز بن باز" (درس رقم/13 ش2) : " هذه كلها لا أصل لها، ولم يُحفظ فيها شيء عن النبي عليه الصلاة والسلام، فلا تستحب هذه الدعوات عند هذه الأعضاء، وإنما المستحب شيئان: أولاً: عند البدء بالتسمية. ثانياً: بعد الفراغ بالشهادة. هذا هو المشروع في الوضوء " انتهى. ولا يقال: إن الحديث الضعيف يُعمل به في فضائل الأعمال. لأن هذه القاعدة ليس متفقاً عليها، وهناك من ينازع فيها. ثم إن شرط العمل بالضعيف أن لا يكون شديد الضعف، وهذا الشرط مفقود هنا. كما حققه ابن علان في " الفتوحات الربانية " (2/29) . وقد كتب السيوطي رحمه الله في هذه المسألة رسالة أسماها "الإغضاء عن دعاء الأعضاء" بَيَّن فيها شدة ضعف ما ورد في ذلك وعدم صلاحيته للعمل به ولو في فضائل الأعمال. وانظر جواب السؤال رقم (45730) . وأما الخطأ الثاني فهو قولك في الدعاء (بجاه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) . ولا شك أن جاه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عظيم، ولكن الله تعالى لم يجعل التوسل إليه بذلك من أسباب إجابة الدعاء. ولم يرشدنا الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وهو الذي لم يترك خيراً إلا دلنا عليه – لم يرشدنا إلى التوسل إلى الله بذلك. فعُلِم من ذلك أن هذا الدعاء ليس مشروعاً. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (23265) فاحرص يا أخي على اتباع سنة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعدم الزيادة عليها أو النقص منها، وابتعد عن الأمور المحدثة في الدين، كما أوصنا بذلك الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله: (فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ) رواه أبو داود (4607) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 102269 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 186 حكم الوضوء في المسجد [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الوضوء في المسجد؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا بأس بذلك فقد رخص فيه أئمة السلف وأهل العلم وحكى ابن المنذر في الأوسط الإجماع على ذلك وقال ليس للمنع من ذلك معنى ظاهر لأنه ماء طاهر يلاقي ها هنا طاهراً ولا يزيده بذلك إلا نظافة غير أنا نكره أن يتوضأ في موضع مصلى الناس لئلا يتأذى بهذا الطهور مسلم. وقد ثبت عن ابن عباس أنه قال لا بأس بهذا رواه ابن المنذر في الأوسط. وروى ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يتوضأ في المسجد. ولا يدخل في الوضوء قضاء الحاجة فإن قضاء الحاجة من بول وغائط في أماكن المصلين محرم بالإجماع. [الْمَصْدَرُ] الشيخ سليمان بن ناصر العلوان. الحديث: 12942 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 187 مصاب بنزلة برد ولا يمكنه الاستنشاق [السُّؤَالُ] ـ[هل يصح الغسل إذا كان المرء يعانى من نزلة برد وغير قادر على غسل أنفه من الداخل بشكل كامل؟ أم يجب عليه أن يتجنب الجماع لهذا السبب؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: يجب المضمضة والاستنشاق في الغسل، على الصحيح من قولي العلماء، وانظر جواب السؤال رقم (88066) . والاستنشاق هو جذب الماء بالنفَس إلى الأنف، ولا تجب المبالغة في ذلك، ولا وصول الماء إلى الخياشيم، بل يكفي جذب الماء إلى المنخرين. فإن كان هناك مرض يمنع الإنسان من إكمال الاستنشاق والمبالغة فيه، فليكتف بأقل ما يمكن، وهو جذب الماء إلى داخل الأنف، ولو إلى أطرافه، ولا يبالغ في ذلك. قال في كشاف القناع (1/94) : " المبالغة في الاستنشاق: جذب الماء بنفس إلى أقصى الأنف. . والواجب في الاستنشاق جذب الماء إلى باطن الأنف وإن لم يبلغ أقصاه" انتهى. وعلى هذا؛ فيكفيك إدخال الماء إلى داخل الأنف، ولا يجب عليك المبالغة في ذلك، وإيصاله إلى أقصى الأنف. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 101099 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 188 هل يجب الوضوء في غير وقت الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك رواية يلزم الوضوء بعد كل بول أوغائط في وقت غير أوقات الصلاه مع العلم أني أوسوس من هذه النقطه كثيراً وتسبب لي الحرج والمشاكل مع زوجي وقوله بأنا هذا من التنطع في الدين والبدع.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لم يرِدْ دليل على أنَّه يَلْزَم الوُضوء بعد كل حدث، ما لم يكن الإنسان سيصلي، فإذا أراد الصلاة تجب عليه الطهارة سواء كانت من حدث أكبر أو أصغر، لأن الآية جاءت بالأمر بالوضوء عند الصلاة، قال تعالى: (يأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة ... ) المائدة/6. وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ الْخَلاَءِ فَقُرِّبَ إِلَيْهِ طَعَامٌ فَقَالُوا أَلا نَأْتِيكَ بِوَضُوءٍ قَالَ إِنَّمَا أُمِرْتُ بِالْوُضُوءِ إِذَا قُمْتُ إِلَى الصَّلاةِ. رواه الترمذي (الأطعمة/1770) وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي حديث رقم 1506، فهذا الحديث يدل على أنه لا يلزم الوضوء إلا إذا أراد القيام الى الصلاة، إلا أنّ هناك أعْمال يُسْتحب الوضوء عند القيام بها، كقراءة القرآن، وعند النوم.. وغيرها. وينبغي العلم أنه يجوز للإنسان أن يصلي بوضوء واحد ما لم يحدث، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: أَنَّهُ صَلَّى يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ الصَّلَوَاتِ كُلَّهَا بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ , فَقَالَ عُمَرُ: رَأَيْتُكَ صَنَعْتَ شَيْئًا مَا كُنْتَ تَصْنَعُهُ؟ فَقَالَ: عَمْدًا صَنَعْتُهُ يَا عُمَرُ رواه مسلم (الطهارة/415) ، قال الإمام النووي، في شرحه لصحيح مسلم: هذا الحديث يدل على جواز الصلوات المفروضات، والنوافل بوضوء واحد ما لم يحدث، وهذا جائز بإجماع من يعتد به. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 8924 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 189 حكم استعمال المناكير وهل تجب إزالته عند الوضوء [السُّؤَالُ] ـ[هل في استعمال المرأة للمناكير التي تطلى بها الأظافر إثم؟ وماذا تعمل عند الوضوء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا نعلم شيئا في هذا، لكن تركه أولى؛ لعدم الحاجة إليه، ولأنه قد يحول دون وصول الماء إلى البشرة عند الوضوء. والحاصل: أن تركه أولى، والاكتفاء بالحناء، والذي عليه الأوائل أولى، فإن استعملته المرأة، فالواجب أن تزيله عند الوضوء؛ لأنه - كما قلنا - يحول دون وصول الماء إلى البشرة. والله ولي التوفيق. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد العزيز بن باز يرحمه الله. الحديث: 9066 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 190 القبلة بمجردها لا تنقض الوضوء [السُّؤَالُ] ـ[زوجي يقبلني دائماً وهو ذاهب إلى خارج البيت، حتى وإن كان خارجاً للصلاة في المسجد، واشعر أحياناً أنه يقبلني بشهوة فما الحكم الشرعي في وضوئه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم: (قَبّل امرأة من نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ) أبو داود في الطهارة (178،179،180) ، والترمذي في الطهارة (86) ، والنسائي في الطهارة (1/104) وابن ماجه في الطهارة (502) هذا الحديث فيه بيان حكم مس المرأة وتقبيلها: هل ينقض الوضوء أم لا ينقض الوضوء؟ والعلماء رحمهم الله اختلفوا في ذلك، فمنهم من قال إن مسست المرأة انتقض الوضوء بكل حال، ومنهم من قال إن مسستها بشهوة انتقض الوضوء وإلا فلا، ومنهم من قال إنه لا ينقض الوضوء مطلقاً وهذا القول هو الراجح. يعني أن الرجل إذا قبّل زوجته أو مس يدها أو ضمها ولم يُنزل ولم يُحدث فإن وضوءه لا يفسد لا هو ولا هي، وذلك أن الأصل بقاء الوضوء على ما كان عليه، حتى يقوم دليل على أنه انتقض، ولم يرد في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم دليل على أن مس المرأة ينقض الوضوء، وعلى هذا يكون مس المرأة ولو بدون حائل ولو بشهوة وتقبيلها وضمها، كل ذلك لا ينقض الوضوء فتاوى المرأة، ابن عثيمين ص 20 أما إذا خرج منه مذي أو مني نتيجة التقبيل فقد فسد وضوءه. والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 21242 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 191 حكم ما يسيل من المرأة باستمرار [السُّؤَالُ] ـ[تخرج مني سوائل باستمرار فكيف أصلي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله السائل إذا كان متقطِّعاً وكان من عادته أن ينقطع في أوقات الصلاة، فإنها تؤخّر الصلاة إلى الوقت الذي ينقطع فيه ما لم تخش خروج الوقت، فإن خشيت خروج الوقت فإنها تتوضَّأ وتتلجّم (تتحفّظ) وتصلي. [الْمَصْدَرُ] فتوى الشيخ ابن عثيمين من كتاب فتاوى المرأة المسلمة ج/1 ص/224. الحديث: 22949 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 192 صفة الوضوء [السُّؤَالُ] ـ[أرجو أن تخبروني كيف يمكن للمرأة أن تتوضأ. أسأل من أجل زوجتي، وأيضا فأنا أرجو أن تخبروني كيف أتمكن من قراءة آية الكرسي بكلمات عربية، لكن بالأحرف الإنجليزية، فأنا أتشوق لتعلم الآيات الجميلة التي ذكر الله تعالى فيها عن نفسه. أرجوك رجاء أن تجيب على سؤالي هذا، فقلبي يتشوق إلى الجواب. وأسأل الله أن يرحم نبينا الحبيب وآله وأصحابه.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: نحمد الله عز وجل الذي يسّر لك الهداية وشرح صدرك، ونسأل الله أن يثبّتنا وإياك على طاعته، ونشكر لك جهدك في تعلم أمور دينك، وننصحك بالاجتهاد في تعلم العلم الذي تصحح به عبادتك والحرص على تعلم اللغة العربية، حتى تتمكن من قراءة القرآن، وفهمه على الوجه المطلوب. نسأل الله أن يرزقك العلم النافع. أما صفة الوضوء فله صفتان: الأولى: صفة واجبة: وهي: أولاً: غسل الوجه بالكامل مرّة، ومنه المضمضة والاستنشاق. ثانياً: غسل اليدين إلى المرفقين مرّة واحدة. ثالثاً: مسح الرأس كله ومنه الأذنان. رابعا: غسل الرجلين مع الكعبين مرّة واحدة، والمراد بالمرّة في كلِّ ما سبق أن يستوعب جميع العضو بالغسل. خامسا: الترتيب، بأن يغسل الوجه أولا ثم اليدين ثم يمسح الرأس ثم يغسل رجليه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم رتَّب الوضوء على هذه الكيفية. سادساً: الموالاة، وهي أن يكون غسل الأعضاء المذكورة متوالياً بحيث لا يفصل بين غسل عضو وغسل العضو الذي قبله بفترة زمنية طويلة عرفاً، بل يتابع غسل لأعضاء الواحد تلو الآخر. فهذه فروض الوضوء التي لابد منها حتى يكون الوضوء صحيحاً، والدليل على هذه الفروض، قول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة/6 الصفة الثانية: صفة مستحبة: وهي التي وردت في سنّة النبي صلى الله عليه وسلم، وتفصيلها كما يلي: 1- أن ينوي الإنسان الطهارة ورفع الحدث، ولا يتلفظ بالنيّة، لأنّ محلها القلب. وكذا سائر العبادات. 2- يقول بسم الله 3- ثم يغسل كفيه ثلاث مرات 4- ثم يتمضمض ثلاث مرات، (والمضمضة هي إدارة الماء في الفم) ويستنشق ثلاث مرات وينثر الماء من أنفه بيساره، والاستنشاق هو إيصال الماء إلى داخل الأنف، والاستنثار هو إخراجه من الأنف. 5- يغسل وجهه ثلاث مرات، وحد الوجه من منابت شعر الرأس المعتاد إلى ما انحدر من اللحيين والذقن، طولاً، ومن حدّ الأذن اليمنى إلى حد الأذن اليسرى عرضا، والرجل يغسل شعر لحيته لأنه من الوجه،فإن كانت خفيفة وجب غسل ظاهرها وباطنها، وإن كانت كثيفة أي ساترة للجلد، غسل ظاهرها فقط وخللها. 6- ثم يغسل يديه إلى المرفقين ثلاث مرات، وحَدُّ اليد من رؤوس الأصابع مع الأظافر إلى أول العضد، ولا بد أن يزيل ما علق باليد قبل الغسل من عجين أو طين، وصبغ ونحوه مما يمنع وصول الماء إلى البشرة. 7- ثم بعد ذلك يمسح رأسه وأذنيه مرة واحدة بماء جديد غير البلل الباقي من غسل يديه، وصفة مسح الرأس أن يضع يديه مبلولتين بالماء على مقدم رأسه ويمرُّهما إلى قفاه ثم يردهما إلى الموضع الذي بدأ منه، ثم يدخل أصبعيه السبابتين في خرقي أذنيه، ويمسح ظاهرهما بإبهاميه. وبالنسبة لشعر المرأة فإنها تمسح عليه سواء كان نازلا أو ملفوفا من مقدَّم الرأس إلى منابت شعرها على الرقبة، ولا يجب مسح ما طال من شعرها على ظهرها. 8- ثم يغسل رجليه ثلاث مرات إلى الكعبين، والكعبان هما العظمان الناتئان في أسفل الساق. والدليل على ذلك ما تقدّم من حديث حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَعَا بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْمِرْفَقِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْكَعْبَيْنِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ غَسَلَ الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " رواه مسلم (الطهارة /331) أما شروط الوضوء فهي: الإسلام والعقل والتمييز والنية، فلا يصح الوضوء من كافر، ولا من مجنون، ولا من صغير لا يميزه، ولا من لم ينو الوضوء بأن نوى التبرد مثلا، ويشترط أن يكون الماء طهوراً فالماء النجس لا يصح به الوضوء، ويشترط كذلك إزالة ما يمنع وصول الماء إلى الجلد والأظافر كالمناكير التي تضعها المرأة على أظافرها. والتسمية مشروعة عند جماهير العلماء، وهم مختلفون هل هي واجبة أو سنة، وينبغي لمن ذكرها في أول الوضوء أو في أثنائه أن يقولها. ولا اختلاف في صفة الوضوء بين كل من الرجل والمرأة ويستحب أن يقول بعد الفراغ من الوضوء: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله لقول النبي صلى الله عليه وسلم: مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ أَوْ فَيُسْبِغُ الْوَضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ إِلا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ رواه مسلم (الطهارة/345) ، وفي زيادة عند الترمذي: اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين (الطهارة/50) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم 48. انظر الملخص الفقهي للفوزان 1/36 أما قولك: " أسأل الله أن يرحم نبيّنا "؛ فالمشروع في حق الرسول صلى الله عليه وسلم الصلاة والسلام عليه، كما أمرنا ربنا عز وجل بقوله (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) الأحزاب/56 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 11497 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 193 صلى بغير وضوء ناسياً [السُّؤَالُ] ـ[صَلَّيتُ بغَيْر وُضوء نسياناً وبعد أنْ فرَغْتُ مِن صلاتي تذكَّرتُ ذلك فهل عليَّ إعادةُ الصلاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعمْ مَنْ صلَّى ناسياً بغير وضوء وجَبَ عليه إعادةُ الصَّلاة لقولِ الرَّسولِ صلَّى الله عليه وسلم: (لا يقبَلُ اللهُ صلاةَ أحدِكم إذا أَحْدثَ حتى يتوضَّأَ) رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في كتاب الوضوء. بخلاف مَنْ صَلَّى في ثوبٍ نَجِسٍ ناسياً فإنَّه لا إعادةَ عليه لأنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلم أتاه جبريلُ أثناءَ الصَّلاةِ وأخْبَرَه أنَّ في نَعْلَيْه قَذَراً فخلَعَهما وبَنَى على صلاتِه رواه أحمد من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في مسنده. مِمَّا يدُلُّ على أنَّ الجاهلَ بالنجاسةِ لا يُؤْمَرُ بالإعادةِ وكذلك النَّاسي. [الْمَصْدَرُ] إعلام المسافرين ببعض آداب وأحكام السفر وما يخص الملاحين الجويين لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ص 12. الحديث: 10780 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 194 لا يجب غسل الأطراف الصناعية في الوضوء [السُّؤَالُ] ـ[قطعت قدمي ـ والحمد لله ـ ووضعت بدلها قدماً صناعياً فهل يجب عليَّ غسله والمسح عليه إذا كان عليه جورب؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " إذا كانت الرِّجل قد قطعت من الساق وذهب الكعب والقدم ولبست مكانها قدماً صناعيّاً فليس عليك غسله، وقد سقط عنك غسل هذه الرِّجل المقطوعة، ولا تمسح على القدم الصناعي، أما إذا كان قد بقي من الرِّجل شيء من الكعب فما تحته، فإنه يجب عليك غسل هذا الباقي، وإذا لبست عليه ساتراً من خف أو جورب فإنك تمسح عليه على ما يحاذيه من الملبوس ". "المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (2 / 36) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97450 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 195 حكم التسمية في الوضوء [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم التسمية في الوضوء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف العلماء في حكم التسمية في الوضوء. فذهب الإمام أحمد إلى وجوبها، واستدل بما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ) رواه الترمذي (25) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي. انظر: المغني (1/145) . وذهب جمهور العلماء منهم الأئمة أبو حنيفة ومالك والشافعي ورواية عن الإمام أحمد إلى أن التسمية سنة من سنن الوضوء وليست واجبة. واستدلوا على عدم وجوبها بأدلة: 1- منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم عَلَّمَ رجلاً الوضوءَ فقال له: (تَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَكَ اللَّهُ) رواه الترمذي (302) وصححه الألباني في صحيح الترمذي (247) . وهذا إشارة إلى قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) المائدة/6. وليس فيما أمر الله التسمية. انظر: المجموع للنووي (1/346) . وقد روى أبو داود (856) هذا الحديث بلفظ أكمل من هذا، وأوضح في الدلالة على عدم وجوب التسمية في الوضوء. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّهَا لا تَتِمُّ صَلاةُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يُسْبِغَ الْوُضُوءَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَيَغْسِلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَيَمْسَحَ بِرَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ. . . الحديث. فلم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم التسمية، مما يدل على عدم وجوبها. انظر: السنن الكبرى للبيهقي (1/44) . 2- ومنها: أن كثيراً من الذين وصفوا وضوء النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكروا فيه التسمية، ولو كانت واجبة لذُكرت. انظر: الشرح الممتع (1/130) . وهذا القول اختاره كثير من الحنابلة كالخرقي وابن قدامة. انظر المغني (1/145) والإنصاف (1/128) . واختاره من المعاصرين الشيخان محمد بن إبراهيم، ومحمد بن عثيمين رحمهما الله. انظر: فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم (2/39) ، الشرح الممتع (1/130، 300) . وأجاب هؤلاء عن الحديث الذي استدل به من قال بوجوب التسمية بجوابين: الأول: أن الحديث ضعيف. ضعفه جماعة من العلماء منهم الإمام أحمد والبيهقي والنووي والبزار. سئل الإمام أحمد عن التسمية في الوضوء، فقال: ليس يثبت في هذا حديث، ولا أعلم فيها حديثاً له إسناد جيد اهـ المغني (1/145) . انظر: السنن الكبرى للبيهقي (1/43) ، المجموع (1/343) ، تلخيص الحبير (1/72) . الجواب الثاني: أن الحديث إن صح فمعناه: لا وضوء كامل. وليس معناه لا وضوء صحيح. انظر: المجموع (1/347) ، والمغني (1/146) . وعلى هذا؛ فالحديث –إن صح- فإنه يدل على استحباب التسمية لا وجوبها. والله أعلم. وعلى هذا لو توضأ المسلم ولم يسم فوضوؤه صحيح، غير أنه فَوَّت على نفسه ثواب الإتيان بهذه السنة، والأحوط للمسلم ألا يترك التسمية على الوضوء. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 21241 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 196 لا تجب إعادة الوضوء بغير ناقض [السُّؤَالُ] ـ[أتساءل عن الحكم الصحيح بخصوص الوضوء يقول البعض بأنه ليس من الواجب على المسلم أن يتوضأ لكل صلاة, إذا لم ينتقض الوضوء السابق (بحدث) , مثل خروج ريح وما شابهه. هل ذلك صحيح؟ وهل على المسلم أن يتوضأ لكل صلاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصلاة ركن من أركان الإسلام التي لا يقوم إلا بها، وللصلاة شروط لا تصح إلا بها، ومنها (الطهارة وهي رفع الحدث الأكبر والأصغر) ويرفع الحدث الأصغر بالوضوء فيجب أن يكون العبد عند كل صلاة طاهرا متوضئا قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين..) . وإذا كان الإنسان على وضوئه، لم ينقضه بأحد النواقض وهي: (الخارج من السبيلين من البول والغائط والريح، والنوم وأكل لحم الإبل وغيرها) فحينها لا يجب عليه إعادة الوضوء وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى الصلوات الخمس يوم فتح مكة بوضوء واحد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 9945 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 197 كيف يتوضأ راكب الطائرة عند فقد الماء؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا عُدِمَ الماءُ أو تجمَّدَ في الطائرة، أو حِيلَ دون استعماله خشيةَ تسَرُّبِه ووقوعِ أضرارٍ منه في الطائرة أو لم يكنْ كافياً، فكيف يكونُ وُضوء الراكب مع عدم وجود التُّراب؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الوضوءُ حسب ما ذكرْتَ متعذِّرٌ أو متعَسِّرٌ والله تعالى يقولُ: (وما جعَلَ عليْكم في الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الحج/78. فيتيمَّمُ الراكب على فراشِ الطائرة إنْ كان فيه غُبار وإنْ لم يكنْ فيه غُبار فإنَّه يصلِّي ولو بغير طهارة لعجزه عنها، وقد قال الله تعالى: (فاتَّقُوا الله ما استَطَعْتُم) التغابن/16، لكنْ إذا كان يُمكن أنْ يهبِط في المطار في آخر وقت الثانية وهي مِمَّا يُجمَع إليها ما قبلها فليُؤَخِّرْ أيْ فلْيَنْوِ جمْعَ التأخير ويُصلِّ الصلاتين إذا هبط في المطار، أمَّا إذا كان لا يُمكن كما لو كان هذا هو وقت الثانية في المجموعتين أو كانت الصلاة لا تُجمَع إلى ما بعدَها كصلاة العصر مع المغرب، وصلاة العشاء مع الفجر، وصلاة الفجر مع الظهر، فهذا يصَلِّي على حسب حاله. [الْمَصْدَرُ] إعلام المسافرين ببعض آداب وأحكام السفر وما يخص الملاحين الجويين لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ص11. الحديث: 10798 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 198 وضوء المرأة لأجل السوائل مستمرة الخروج [السُّؤَالُ] ـ[إخواني في الله إني ألاقي مشكله صعبة في الطهارة لقد قرأت بعض الإجابات ولكني لم أجد مرادي بعد فأنا أحيانا وليس بشكل دائم تنزل مني بعض السوائل صفراء أو بيضاء وهي حسب ما قرأت تنقض الوضوء ويجب علي أن أتوضأ عند دخول وقت الصلاة ولكن أحيانا كثيرة أتوضأ قبل دخول وقت الصلاة إذا علمت بصعوبة وضوئي في المكان الذي سوف أذهب إليه فهل يعتبر وضوئي صحيحا وماذا علي أن أفعل حيال الصلوات التي صليتها بهذه الطريقة إذا لم يكن وضوئي صحيحا جزاكم الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من كان به حدث دائم كسلس البول، أو استحاضة أو نحوها فعليه أن يتوضأ لكل صلاة، ويجعل على فرجه ما يمنع تعدي الخارج عن موضعه لئلا ينجس بقية البدن والثياب، وطهارته طهارة ضرورة لا تتقدم وقت الصلاة فعليه مراعاة ذلك، وعلى الإنسان ان يتقي الله ما استطاع، وما جعل عليكم في الدين من حرج. وما سبق من الصلوات، وما فعل من الجهل فإنه صحيح يجزئ إن شاء الله فلا يحتاج إلى إعادة. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد الكريم الخضير. الحديث: 22282 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 199 حكم الوضوء بالماء الملوث غير النجس [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الوضوء بماء ملوث غير نجس؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أجابنا عن هذا السؤال الشيخ عبد الله بن منيع فقال: من قواعد الشريعة حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: " لا ضرر ولا ضرار " ومن هذه القاعدة لا يجوز للمسلم أن يضر نفسه ومن ذلك استعمال الماء الملوث في الوضوء. لذلك يحرم الوضوء بالماء الملوث، أما من توضأ بالماء الملوث فوضوؤه صحيح لأنه غير نجس ولكن فعله محرم لإضراره بنفسه. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 3427 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 200 هل لمس المرأة ينقض الوضوء؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل صحيح بأنني يجب أن أعيد الوضوء في كل مرة ألمس بها امرأة من غير المحارم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يلمس امرأة أجنبية عنه، انظر تفصيل الأدلة وأقوال العلماء في إجابة السؤال رقم (21183) . وأما نقض الوضوء بلمس المرأة ففيه خلاف بين العلماء، والصحيح أنه لا ينقض الوضوء، يراجع سؤال رقم (2178) ، ولا فرق بين كون المرأة من محارمه أو زوجته أو أجنبية عنه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 22757 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 201 يعاني من مرض جلدي فهل يتيمم؟ [السُّؤَالُ] ـ[أعاني من مرض جلدي (أكزما) ، ولم يتم العلاج منه حتى أنني أصبحت أتوضأ خمس مرات في اليوم فقط، حاولت كل الوسائل ولكن دون جدوى، ماذا أفعل إذا كان الوضوء يسبب لي طفحاً جلديّاً سيئاً جدّاً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) البقرة/286. وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ... فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتُكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم ". رواه البخاري (6858) ومسلم (1337) . ومع أمر الله تعالى الواضح في وجوب الوضوء بالماء إلا أنه تعالى استثنى المريض من وجوب الوضوء بالماء وجعل له " التيمم ". قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوّاً غفوراً) المائدة/43. قال الشيخ محمد الصالح العثيمين: قوله: " أو خاف باسْتِعْمالِه، أو طَلبِهِ ضَرَرَ بَدَنِهِ ". فإذا تضرَّر بَدَنُه باستعماله الماءَ صار مريضاً، فيدخل في عموم قوله تعالى: (وإن كنتم مرضى أو على سفر) الآية المائدة/6. كما لو كان في أعضاء وُضُوئه قُروح، أو في بَدَنِه كُلِّه عند الغُسْل قُروح وخاف ضَرَر بَدَنِه فله أن يتيمَّم. " الشرح الممتع " (1 / 378، 379) ط ابن الجوزي. وإن كان يمكنه أن يجعل الماء على جلده دون أن يتأثر جلده فليفعل، ولا يتشرط أن يدلك العضو أو أن يبالغ في غسله. قال الشيخ محمد الصالح العثيمين: وكذلك لا يبالغُ في الاستنشاق إذا كانت له جيوب أنفيَّة زوائد؛ لأنَّه مع المبالغة ربما يستقرُّ الماء في هذه الزوائد ثم يتعفَّن، ويصبح له رائحة كريهة ويصابُ بمرض، أو ضرر في ذلك، فهذا يقال له: يكفي أن تستنشق حتى يكونَ الماء داخل المنخرين. " الشرح الممتع " (1 / 210) ط ابن الجوزي. وقال: وإذا كان في الإنسان جيوبٌ أنفيةٌ، ولو بالغ في الاستنشاق احتقن الماءُ بهذه الجيوب وآلمه، أو فسد الماء وأدَّى إلى صديد أو نحو ذلك: ففي هذه الحال نقول له: لا تبالغ درءاً للضَّرر عن نفسك. " الشرح الممتع " (1 / 172) ط ابن الجوزي. فإذا كان الوضوء يضر بجلدك أو يؤخر شفاءه: فعليك بالتيمم، ولا حرج عليك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20935 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 202 أوقات النهي عن الصلاة لا تشمل الوضوء [السُّؤَالُ] ـ[وفقاً لكثير من الأحاديث فإن التهيؤ للصلاة والاستعداد لها هو بمنزلة الصلاة. هل هذا يعني أنه لا يجوز الوضوء أثناء شروق الشمس أو غروبها (الساعة 12صباحاً/12مساءً) ؟ أم أنه جائز؟ وإذا كان الإنسان يصلي صلاة فريضة طويلة وحان موعد الغروب أو الشروق فهل يقطع الصلاة أم يكملها؟ أيضاً: إذا كنا نصلي صلاة تراويح طويلة ولم ننته منها إلا بعد الساعة 12 مساءً، فهل يجب أن نتوضأ مرة أخرى بعد 12 ليلاً أم أن هذا لا يؤثر حيث أنها هي نفس الصلاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ثبت في صحيح الإمام مسلم رحمه الله من حديث عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الْجُهَنِيَّ أنه قال: (ثَلاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ) (صلاة المسافرين وقصرها/1373) فالمنهي عنه في هذا الحديث هو الصلاة ودفن الميت، ولا يعتبر الوضوء له حكم الصلاة مطلقاً لأن الصلاة هي: التعبد لله تعالى بأقوال وأفعال معلومة مفتتحة بالتكبير، مختتمة بالتسليم. وهذه هي المقصودة بالنهي عنها في الحديث، وليس الوضوء، وقياس الوضوء على الصلاة في النهي قياس مع الفارق، فلا يصح، فلو تكلم الإنسان في أثناء وضوئه لم يكن وضوؤه باطلاً، بينما الكلام يبطل الصلاة، وغير ذلك من الفروق بين الصلاة الوضوء، والمقصود أنه لا يصح قياس الوضوء على الصلاة في النهي في هذه الأوقات، بل إن الإنسان يستحب له أن يكون على طهارة. ثانياً: لا تقطع صلاة الفريضة إذا كان يصليها وقرب شروق الشمس أو غروبها؛ وذلك أن إدراك الصلاة في وقتها يكون بإدراك ركعة منها في الوقت، فإذا كان يصلي الفجر - مثلاً - فأطال في الأولى، ثم دخل في الثانية وأطالها وطلعت عليه الشمس فحينها يقال لا بأس في فعله، ويكون قد أدَّى الصلاة في وقتها. فإن طلعت عليه الشمس ولمَّا ينته من الركعة الأولى فيكون قد صلاها في غير وقتها وهو آثم على تطويله، ومثله يقال في العصر وفي باقي الصلوات. ثالثاً: إذا كان الإنسان على وضوئه، ولم ينتقض بأحد النواقض: فحينها لا يجب عليه إعادة الوضوء، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى الصلوات الخمس يوم فتح مكة بوضوء واحد. عن سليمان بن بريدة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى الصلوات يوم الفتح بوضوءٍ واحدٍ ومسح على خفَّيه فقال له عمر: لقد صنعتَ اليوم شيئاً لم تكن تصنعْه، قال: عمداً صنعتُه يا عمر. رواه مسلم (277) . قال النووي: في هذا الحديث أنواع من العلم منها: جواز المسح على الخف، وجواز الصلوات المفروضات والنوافل بوضوء واحد ما لم يحدث، وهذا جائز بإجماع من يعتد به. وحكى أبو جعفر الطحاوي وأبو الحسن بن بطال في " شرح صحيح البخاري " عن طائفة من العلماء أنهم قالوا: يجب الوضوء لكل صلاة وإن كان متطهرا، واحتجوا بقول الله تعالى: {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم. . .} الآية! وما أظن هذا المذهب يصح عن أحد، ولعلهم أرادوا استحباب تجديد الوضوء عند كل صلاة. ودليل الجمهور الأحاديث الصحيحة ومنها هذا الحديث. وحديث أنس في صحيح البخاري: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة وكان أحدنا يكفيه الوضوء ما لم يحدث ". وحديث سويد بن النعمان في صحيح البخاري أيضا: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى العصر ثم أكل سويقا، ثم صلى المغرب ولم يتوضأ ". وفي معناه أحاديث كثيرة، كحديث الجمع بين الصلاتين بعرفة والمزدلفة، وسائر الأسفار، والجمع بين الصلوات الفائتات يوم الخندق وغير ذلك. وأما الآية الكريمة فالمراد بها - والله أعلم - إذا قمتم محدِثين، وقيل: إنها منسوخة بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا القول ضعيف. والله أعلم. وأما قول عمر رضي الله عنه: صنعتَ اليوم شيئا لم تكن تصنعه؟ ففيه تصريح بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يواظب على الوضوء لكل صلاة عملا بالأفضل، وصلى الصلوات في هذا اليوم بوضوء واحد بيانا للجواز كما قال صلى الله عليه وسلم: " عمدا صنعته يا عمر ". " شرح مسلم " (3 / 177، 178) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 13628 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 203 الكلام بعد الوضوء [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك شيء يجب على الشخص أن لا يقوله بعد الوضوء للصلاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من توضأ للصلاة، فلا حرج عليه أن يتكلم بالكلام المباح، مع أهله وإخوانه وغيرهم، ولا يحرم عليه كلام معين لأجل وضوئه، بل ما كان محرما قبل الوضوء فهو محرم بعده، كالكذب والغيبة والنميمة والسب والشتم، ونحو ذلك. لكن لما كان الوضوء مكفراً للسيئات، تتساقط معه الذنوب، كان على العبد أن يجتهد في ترك المحرمات بعده، ليقف بين يدي الله تعالى طاهرا نقيا. فقد روى مسلم (244) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ "إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ أَوْ الْمُؤْمِنُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ كَانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلَاهُ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنْ الذُّنُوبِ ". وروى أيضا (245) عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جَسَدِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِهِ". والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20850 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 204 هل يلزمها الوضوء من الإفرازات لتقرأ القرآن؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا أتوضا قبل قراءة القرآن فهل إذا خرجت إفرازات مني أثناء قراءتي للقرآن يجب على إعادة وضوئي لمتابعة القراءة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: يجوز للمحدث حدثا أصغر أن يقرأ القرآن من غير مس للمصحف، كما يجوز له أن يمس كتب التفسير وأن يقرأ القرآن منها، وليس له أن يمس المصحف إلا بوضوء. وانظري جواب السؤال رقم (10672) . ثانيا: الإفرازات الخارجة من الفرج (محل الولادة) طاهرة، ولكن في نقضها للوضوء خلاف، فذهب جماهير أهل العلم إلى أنها ناقضة للوضوء، ولكن إذا كانت مستمرة، فإنها تأخذ حكم السلس، فتتوضأ المرأة لوقت كل صلاة، وتصلي بهذا الوضوء ما شاءت من الفرض والنوافل، وتمس به المصحف، ولا يضرها نزول هذه الإفرازات. وأما إذا كانت الإفرازات غير مستمرة فيمكنك القراءة من المصحف بأن تجعلي على يدك حائلا بينك وبين المصحف كالقفاز ونحوه. وانظري جواب السؤال رقم (2564) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 94539 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 205 هل يؤم المتيمم المتوضئين [السُّؤَالُ] ـ[هل يؤم المتيمم المتوضئين؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال ابن حزم: وجائزٌ أن يؤمَّ المتيممُ المتوضئينَ، والمتوضئُ المتيممينَ، والماسحُ الغاسِلينَ، والغاسلُ الماسحينَ؛ لأن كلَّ واحدٍ ممن ذكرنا قد أدَّى فرضَه، وليس أحدُهما بأطهرَ من الآخر، ولا أحدُهما أتمَّ صلاةً من الآخر، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حضرت الصلاة أن يؤمَّهم أقرؤهم، ولم يخص عليه السلام غير ذلك، ولو كان ههنا واجبٌ غير ما ذكره عليه السلام لبيَّنه ولا أهمله، حاشا لله من ذلك، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف وزفر وسفيان والشافعي وداود وأحمد وإسحاق وأبي ثور، وروي ذلك عن ابن عباس وعمار بن ياسر وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم، وهو قول سعيد ابن المسيب والحسن وعطاء والزهري وحماد بن أبي سليمان. وروي المنع في ذلك عن علي بن أبي طالب، قال: لا يؤمُّ المتيممُ المتوضئين، ولا المقيَّدُ المطلَقين، وقال ربيعة: لا يؤم المتيمم من جنابة إلا من هو مثله، وبه يقول يحيى بن سعيد الأنصاري. وقال محمد بن الحسن والحسن بن حي: لا يؤمهم. وكره مالك وعبيد الله بن الحسن أن يؤمهم، فإن فعل أجزأه. وقال الأوزاعي: لا يؤمهم إلا إن كان أميراً. قال علي - أي: ابن حزم -: النهي عن ذلك أو كراهته لا دليل عليه من قرآن ولا من سنَّة ولا من إجماع ولا من قياس، وكذلك تقسيم من قسم، وبالله تعالى التوفيق. [الْمَصْدَرُ] " المحلى " (1 / 367، 368) . الحديث: 21564 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 206 الإسراف في الوضوء [السُّؤَالُ] ـ[الوضوءُ في حَمَّامات الطائرة مِن قِبَل الركَّاب يجعل الماء يتساقط على أرضيَّة الحمام مما قد يُسَبِّب أضراراً فنيةً للطائرة. فهل يصِحُّ نُصْح الركاب بأنْ يتوضَّؤا مرةً مرةً وألاَّ يُسرِفوا في الماء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا في ظني أنه غير مسلَّم لأنّ الإنسان العارف إذا توضأ جعل المتساقط من وضوئه في نفس الحوض الذي يصب فيه الماء. نعم بعض الناس لا يعرف فربما يخرج الماء إلى خارج الحوض، وأما الإسراف في الماء فنعم ينبغي للإنسان ألاّ يُسرف فيه. [الْمَصْدَرُ] إعلام المسافرين ببعض آداب وأحكام السفر وما يخص الملاحين الجويين لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ص 13. الحديث: 12159 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 207 حامل ولا تستطيع أن ترفع رجلها لتغسلها في الوضوء [السُّؤَالُ] ـ[أنا حامل في الشهر الثالث والدكتور الخاص بي نصحني بعدم رفع رجلي للوضوء على الحوض لأن هذا فيه خطر علي كبير، وأنا بالمنزل أتوضأ في البانيو. ولكني أعمل، ولا يوجد أي طريقة لغسل رجلي إلا رفعها على الحوض فسؤالي كالآتي: هل حرام لو مسحت على رجلي فقط من الأمام كحل مؤقت إلى أن ألد إن شاء الله؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله غسل الرجلين فرض من فرائض الوضوء، لا يصح إلا به، بإجماع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (69761) . ويمكنك دفع المشقة الحاصلة عليك بأحد أمرين: الأول: أن تقومي بصب الماء على الرجلين بكوب أو بيدك أو بغير ذلك من غير رفعهما، وإذا وصل الماء إلى جميع القدم فقد حصل الغسل الواجب، وصحت بذلك الطهارة ولا يشترط الدلك باليد. قال النووي رحمه الله: " مذهبنا أن دَلْك الأعضاء في الغسل وفي الوضوء سنة ليس بواجب، فلو أفاض الماء عليه ولم يمسه بيديه، أو انغمس في ماء كثير، أجزأه وضوؤه وغسله , وبه قال العلماء كافة إلا مالكا والمزني فإنهما شرطاه في صحة الغسل والوضوء " انتهى من "المجموع" (2/214) . الثاني: أن تتوضئي في البيت وتغسلي رجليك ثم تلبسي جوربا، فإذا أردت الوضوء بعد ذلك فإنه يكفيك المسح على الجوربين، لمدة 24 ساعة ما دمت مقيمة في البلد، و72 ساعة إذا كنت مسافرة. ولمعرفة شروط المسح على الخفين راجعي السؤال رقم (9640) و (8186) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 90218 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 208 بعد الاستنجاء يحس بخروج شيء من الدبر [السُّؤَالُ] ـ[بعد التغوط -أكرمكم الله- أحس بشيء يخرج من الدبر، أحياناً يكون هناك شيء، وأحياناً لا أجد. فسؤالي هو: هل عليّ أن أتفحص وضوئي لكل صلاة؟ وماذا بشأن الصلوات الفائتة؟ هل علي إعادتها؟ مع العلم أني لا أعرف عددها.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا قضى الإنسان وحاجته، واستنجى ثم توضأ، فهو على طهارة حتى يتيقن وجود ما ينقض طهارته، ولا ينتقض وضوؤه بمجرد الشك، حتى ولو قوي الشك ووصل إلى غلبة الظن. وعليه؛ فمجرد الشعور بخروج شيء من الدبر لا يعدّ ناقضاً للوضوء، وينبغي الحذر من الوسوسة، وما دمت قد استنجيت ونقيّت المحل، فلا يلزمك الفحص قبل الصلاة. وما أديته من الصلوات لا يلزمك إعادته، لأنك كنت على طهارة، ولم تتيقن وجود ما ينقضها. وقد دل على هذا الأصل ما رواه البخاري (137) ومسلم (361) عَنْ عبد الله بن زيد رضي الله عنه أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلُ الَّذِي يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: (لا يَنْصَرِفْ، حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا) . قال النووي رحمه الله: " وَهَذَا الْحَدِيث أَصْل مِنْ أُصُول الإِسْلام، وَقَاعِدَة عَظِيمَة مِنْ قَوَاعِد الْفِقْه , وَهِيَ أَنَّ الأَشْيَاء يُحْكَم بِبَقَائِهَا عَلَى أُصُولهَا حَتَّى يُتَيَقَّن خِلاف ذَلِكَ، وَلا يَضُرّ الشَّكّ الطَّارِئ عَلَيْهَا. فَمِنْ ذَلِكَ: المَسْأَلَة الَّتِي وَرَدَ فِيهَا الْحَدِيث، وَهِيَ أَنَّ مَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَة وَشَكَّ فِي الْحَدَث حُكِمَ بِبَقَائِهِ عَلَى الطَّهَارَة , وَلا فَرْق بَيْن حُصُول هَذَا الشَّكّ فِي نَفْس الصَّلاة , وَحُصُوله خَارِج الصَّلاة. هَذَا مَذْهَبنَا وَمَذْهَب جَمَاهِير الْعُلَمَاء مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف ... قَالَ أَصْحَابنَا: وَلا فَرْق فِي الشَّكّ بَيْن أَنْ يَسْتَوِي الاحْتِمَالانِ فِي وُقُوع الْحَدَث وَعَدَمه , أَوْ يَتَرَجَّح أَحَدهمَا , أَوْ يَغْلِب عَلَى ظَنّه , فَلا وُضُوء عَلَيْهِ بِكُلِّ حَال " انتهى من "شرح مسلم". وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عند ما أتبول وأتوضأ ثم أصلي أحس بخروج شيء من ذكري، ولو فتشت عن ذلك لوجدت أنه قد خرج بعض البول، فما الحل؟ فأجاب: "لا شك أن الله عز وجل من حكمته أنه جعل للبول والغائط ما يمسكه من الأعصاب القوية التي تشد عليه حتى لا يخرج منه شيء، لكن قد تصاب هذه الأعصاب بمرض فتسترخي فيخرج البول، إما باستمرار، وإما في وقت دون آخر، وقد يكون الإنسان نفسه هو السبب في ذلك، فإن من الناس من إذا انتهى من البول أمسك مجاري البول من عند الدبر إلى رأس الذكر يسلتها سلتاً، ومن الناس من يبقى يتعصر حتى يخرج آخر قطرة من البول، وهذا غلط، حتى وإن كان بعض الفقهاء يقولون: إنه يسن السلت والنتر فإنه قول ضعيف، بل هو بدعة كما نص على هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وكما هو ظاهر من السنة، فالرسول عليه الصلاة والسلام ما حفظ عنه أبداً أنه يسلت مجاري البول من عند الدبر إلى رأس الذكر أبداً، ولا أنه يتعصر وينتر الذكر أبداً، لكن بعض الناس يفعل هذا؛ إما تقليداً لقول من قاله من الفقهاء، وإما لأنه يتوهم أنه إذا لم يفعل هذا يبقى البول في ذكره، وهذا غلط. إذا بال الإنسان فليغسل رأس الذكر فقط وكفى، ولا حاجة لأن يعصر القصبة أبداً ولا يحركها، بل يغسل رأس الذكر الذي أصابه البول، وينتهي كل شيء، لو اعتاد الإنسان هذا لما حصل له هذا المرض الذي تسبب له هو. فنصيحتي لهذا الأخ: أن يُعْرِض عن هذا، ولا يلتفت إليه، ولا ينتر الذكر ولا يسلته، بل يدعه على طبيعته، فإذا خرجت آخر نقطة غسل رأس الذكر، ربما يحس الإنسان بحركة في ذكره، فليس عليه أن ينظر؛ لأن بعض الناس إذا أحس بحركة أرخى سراويله وجعل يعصر ذكره من فوق، إذا عصره فلابد أن يخرج شيء، لكن دعه ولا تلتفت له، حتى إن بعض العلماء رحمهم الله قال: إنه في هذا الحال إذا ابتلي بهذا الوسواس يرش على سراويله الماء من أجل إذا فكر أو شك يحمل ذلك على هذا الماء، لكن نحن نقول: لا حاجة لهذا، هذا تكلف، أعرض عن هذا، ولا تشتغل به، ويزول عنك بإذن الله، ولا تذهب إذا أحسست ببرودة في رأس الذكر، أو أحسست بحركة في داخل الذكر لا تذهب لتنظر، دع هذا " انتهى من "اللقاء الشهري". والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 89888 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 209 هل يصح الوضوء مع وجود أثر المكياج؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز الوضوء مع وجود المكياج على الوجه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يشترط لصحة الوضوء إزالة ما يمنع وصول الماء إلى البشرة، من شمع وعجين ومادة لاصقة ونحو ذلك، حتى يتحقق المراد من غسل أعضاء الوضوء. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) المائدة/6. وقد ذكر في "الإنصاف" (1/144) : أن من شروط صحة الوضوء: إزالة ما يمنع وصول الماء إلى العضو. وقال النووي في "المجموع" (1/492) : " إذا كان على بعض أعضائه شمع أو عجين أو حناء وأشباه ذلك فمنع وصول الماء إلى شيء من العضو لم تصح طهارته سواء أكثر ذلك أم قل. ولو بقي على اليد وغيرها أثر الحناء ولونه، دون عينه، أو أثر دهن مائع بحيث يمس الماء بشرة العضو ويجري عليها لكن لا يثبت: صحت طهارته " انتهى. ويُعلم من هذا أن المكياج إذا أزيل قبل الوضوء، أو بقي لونه فقط، فإن الوضوء صحيح. وعلى هذا، فإذا كان المكياج يمنع وصول الماء إلى البشرة فلا يصح الوضوء، وأما إذا كان مجرد لون أو كان يسيرا بحيث لا يمنع وصول الماء إلى البشرة فإن الوضوء صحيح. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 88179 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 210 حكم تخليل اللحية في الوضوء [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم تخليل اللحية في الوضوء؟ وما هو الراجح من أقوال أهل العلم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: اللحية إن كانت خفيفة يظهر جلد الوجه من تحتها، وجب تخليلها وغسل ما تحتها، لأنه داخل في حد الوجه. وإن كانت كثيفة لا يظهر جلد الوجه من تحتها، فلا يجب غسل ما تحتها، ويستحب تخليها، في قول جمهور العلماء، وهو الراجح. قال ابن قدامة رحمه الله: " اللحية إن كانت خفيفة تصف البشرة وجب غسل باطنها. وإن كانت كثيفة لم يجب غسل ما تحتها , ويستحب تخليلها. وقال إسحاق: إذا ترك تخليل لحيته عامدا أعاد , لأن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يخلل لحيته) رواه عنه عثمان بن عفان. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقال البخاري: هذا أصح حديث في الباب. وروى أبو داود عن أنس (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ أخذ كفا من ماء فأدخله تحت حنكه. وقال: هكذا أمرني ربي عز وجل) . وعن ابن عمر قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ عرك عارضيه بعض العرك , ثم شبك لحيته بأصابعه من تحتها) رواه ابن ماجه. وقال عطاء وأبو ثور: يجب غسل باطن شعور الوجه وإن كان كثيفا كما يجب في الجنابة ; لأنه مأمور بغسل الوجه في الوضوء كما أمر بغسله في الجنابة , فما وجب في أحدهما وجب في الآخر مثله. ومذهب أكثر أهل العلم أن ذلك لا يجب , ولا يجب التخليل ; وممن رخص في ترك التخليل ابن عمر , والحسن بن علي , وطاوس , والنخعي , والشعبي , وأبو العالية , ومجاهد , وأبو القاسم , ومحمد بن علي , وسعيد بن عبد العزيز وابن المنذر ; لأن الله تعالى أمر بالغسل , ولم يذكر التخليل , وأكثر من حكى وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحكه. ولو كان واجبا لما أخل به في وضوء , ولو فعله في كل وضوء لنقله كل من حكى وضوءه أو أكثرهم , وتركه لذلك يدل على أن غسل ما تحت الشعر الكثيف ليس بواجب ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان كثيف اللحية فلا يبلغ الماء ما تحت شعرها بدون التخليل والمبالغة , وفعله للتخليل في بعض أحيانه يدل على استحباب ذلك , والله أعلم " انتهى من "المغني" (1/74) . وقال النووي رحمه الله: " اللحية الكثيفة يجب غسل ظاهرها بلا خلاف ولا يجب غسل باطنها ولا البشرة تحته , هذا هو المذهب الصحيح المشهور، الذي نص عليه الشافعي رحمه الله وقطع به جمهور الأصحاب، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد وجماهير العلماء من الصحابة والتابعين وغيرهم. وحكى الرافعي قولا ووجها أنه يجب غسل البشرة وهو مذهب المزني وأبي ثور " انتهى من "المجموع" (1/408) . ومن أدلة الجمهور على أن تخليل اللحية الكثيفة غير واجب، وأن باطن اللحية الكثيفة لا يجب غسله: ما رواه البخاري (140) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ، أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ، فَمَضْمَضَ بِهَا وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَجَعَلَ بِهَا هَكَذَا، أَضَافَهَا إِلَى يَدِهِ الْأُخْرَى، فَغَسَلَ بِهِمَا وَجْهَهُ. . . ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ. ووجه الاستدلال من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان كث اللحية، فغرفة واحدة لا تكفي لغسل الوجه، وغسل ما تحت اللحية، فعلم من ذلك أنه صلى الله عليه وسلم اكتفى بغسل ظاهرها فقط. وانظر: "المجموع" (1/408) ، "نيل الأوطار" (1/190) . ثانيا: احتج من أوجب التخليل بما روى أبو داود (145) عَنْ أَنَسٍ ابْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ أَخَذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَأَدْخَلَهُ تَحْتَ حَنَكِهِ فَخَلَّلَ بِهِ لِحْيَتَهُ، وَقَالَ: هَكَذَا أَمَرَنِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ) . وهو حديث مختلف فيه، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " وأما حديث أنس فرواه أبو داود وفي إسناده الوليد بن زروان وهو مجهول الحال ... وله طرق أخرى عن أنس ضعيفة " انتهى من "التلخيص الحبير" (1/86) باختصار. والحديث صححه ابن القيم في "تهذيب السنن"، والألباني في "صحيح أبي داود". وعلى فرض صحته، فيحمل الأمر فيه على الاستحباب، جمعا بينه وبين الأدلة الأخرى؛ إذ أكثر من حكى وضوءه صلى الله عليه وسلم لم يذكر التخليل، ولو كان واجبا لما أخل به في وضوء , ولو فعله في كل وضوء لنقله كل من حكى وضوءه أو أكثرهم. ثالثا: ينبغي التنبه إلى أن ظاهر اللحية الكثيفة يجب غسله، ولو كانت مسترسلة؛ لأنها داخلة في حد الوجه. فيغسل ظاهرها وجوبا. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " من سنن الوضوء: تخليل اللحية الكثيفة، واللحية إما خفيفة، وإما كثيفة. فالخفيفة هي التي لا تستر البشرة، وهذه يجب غسلها وما تحتها؛ لأن ما تحتها لما كان باديا كان داخلا في الوجه الذي تكون به المواجهة، والكثيفة: ما تستر البشرة، وهذه لا يجب إلا غسل ظاهرها فقط، وعلى المشهور من المذهب يجب غسل المسترسل منها. وقيل: لا يجب، كما لا يجب مسح ما استرسل من الرأس، والأقرب في ذلك الوجوب، والفرق بينها وبن الرأس: أن اللحية وإن طالت تحصل بها المواجهة؛ فهي داخلة في حد الوجه، أما المسترسل من الرأس فلا يدخل في الرأس، لأنه مأخوذ من الترؤس وهو العلو، وما نزل عن حد الشعر، فليس بمترئس " انتهى من "الشرح الممتع" (1/106) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 85031 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 211 الوضوء مع وجود طلاء الشفاه [السُّؤَالُ] ـ[هل يعتبر طلاء الشفاه حائلا للوضوء؟ والطلاء عموما إذا توضأنا يخف لكن لا يزول؟ وهل تعاد الصلوات السابقة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يشترط لصحة الوضوء إزالة ما يمنع وصول الماء إلى البشرة، من طلاء وغيره، لكن إن بقي لونه أو أثره بحيث يمس الماء بشرة العضو ويجري عليها، دون أن يثبت، صح الوضوء. قال النووي في "المجموع" (1/492) : " إذا كان على بعض أعضائه شمع أو عجين أو حناء وأشباه ذلك فمنع وصول الماء إلى شيء من العضو لم تصح طهارته سواء أكثر ذلك أم قل. ولو بقي على اليد وغيرها أثر الحناء ولونه، دون عينه، أو أثر دهن مائع بحيث يمس الماء بشرة العضو ويجري عليها لكن لا يثبت: صحت طهارته " انتهى. وعليه فينبغي أن تزيلي طلاء الشفاه قبل الوضوء، بحيث لا يبقى جرمه الذي يمنع وصول الماء، أما بقاء اللون والأثر الدهني فلا يضر. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 81685 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 212 هل ينتقض الوضوء بلمس المرأة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل مس المرأة الأجنبية ينقض الوضوء؟ مع ذكر اختلاف العلماء في ذلك.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف أهل العلم في نقض الوضوء بمس المرأة على ثلاثة أقوال: القول الأول: أن لمس المرأة ينقض الوضوء بكل حال، سواء كان اللمس بشهوة أم لا، وسواء قصد ذلك أم حصل سهواً أو اتفاقاً. وهذا مذهب الإمام الشافعي رحمه الله. واستدل بقوله تعالى: (أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء) النساء/43. والأصل في معنى اللمس أنه اللمس باليد. وقد جاء في الأحاديث استعمال اللمس بمعنى لمس اليد، كما في قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لماعز رضي الله عنه: (لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ أَوْ لَمَسْتَ) رواه أحمد في المسند (2130) . وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالْيَدُ زِنَاهَا اللَّمْسُ) رواه أحمد (8392) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (8204) . ولكن هذه الأحاديث تدل على أن المس أو اللمس يطلق ويراد به ما دون الجماع، وهذا لا نزاع فيه، وإنما النزاع هل الملامسة في الآية يراد بها الجماع أو ما دونه؟ وهذه الأحاديث لا تدل على شيء من هذا. وهذا القول هو أضعف الأقوال في هذه المسألة، قال شيخ الإسلام رحمه الله كما في الاختيارات (ص18) : " إذا مس المرأة لغير شهوة فهذا مما علم بالضرورة أن الشارع لم يوجب منه وضوءاً ولا يستحب الوضوء منه " انتهى. القول الثاني: أن مس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقاً سواء كان بشهوة أم بغير شهوة. وهذا مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله. وقد دل على هذا القول عدة أدلة: 1- أن الأصل بقاء الطهارة وعدم نقضها حتى يأتي دليل صحيح يدل على أن هذا الشيء ناقض للوضوء، ولا يوجد هذا الدليل هنا، وأما الآية فسيأتي أن المراد بها الجماع، وليس مطلق الملامسة. 2- عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِجْلَايَ فِي قِبْلَتِهِ فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ فَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا) رواه البخاري (382) وفي رواية للنسائي (166) بإسناد صحيح: (حَتَّى إِذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ مَسَّنِي بِرِجْلِهِ) صححه الألباني في سنن النسائي. 3- وعنها رضي الله عنها قالت: (فَقَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً مِنْ الْفِرَاشِ فَالْتَمَسْتُهُ فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ) رواه مسلم (486) ، وفي رواية للبيهقي بإسناد صحيح: (فَجَعَلْتُ أَطْلُبُهُ بِيَدِي فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى قَدَمَيْهِ وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ وَهُوَ سَاجِدٌ..) وهي عند النسائي أيضاً (169) . وظاهر هذه الأحاديث بلا شك أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مس عائشة رضي الله عنها وهو يصلي، ولو كان مس المرأة ناقضاً للوضوء لبطل الوضوء والصلاة. وأجاب الشافعية عن هذه الأحاديث جواباً ضعيفاً، فقالوا: لعله كان من فوق حائل!! قال الشوكاني: وهذا التأويل فيه تكلُّف ومخالفة للظاهر. 4- وعنها رضي الله عنها (أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبَّلَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) رواه أبو داود (179) وصححه ابن جرير وابن عبد البر والزيلعي، والألباني في صحيح أبي داود. وضعفه كثيرون: منهم سفيان الثوري ويحيى بن سعيد القطان، وأحمد بن حنبل والدارقطني والبيهقي والنووي. فإن صح هذا الحديث فهو ظاهر جداً في الدلالة على هذا القول، وإن لم يصح فإنه يغني عنه الأحاديث الصحيحة السابقة، مع التمسك بالأصل وهو صحة الطهارة، وعدم الدليل على نقض الوضوء بمس المرأة. القول الثالث: التفصيل: إن كان المسّ بشهوة نَقض، وإن كان بغير شهوة لم ينقض. وهذا مذهب المالكية والحنابلة. وهؤلاء حاولوا الجمع بين النصوص، الآية: (أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء) وهي دالة على نقض الوضوء بمس المرأة عندهم، والأحاديث التي استدل بها من رأى عدم النقض. وهذا المسلك صحيح لو كانت الآية دالة على نقض الوضوء بمطلق المس - كما ذهبوا إليه - ولكن الصحيح في معنى الآية: أن المراد بها الجماع، كذا فسرها عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، واختاره ابن جرير، وتفسيره رضي الله عنه مقدم على تفسيره غيره، لدعاء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له: (اللهم فقّهه في الدين وعلمّه التأويل) رواه أحمد وأصله في البخاري، وصححه الألباني في تحقيق الطحاوية. وانظر: "محاسن التأويل" للقاسمي (5/172) . وقد ورد في القرآن الكريم التعبير عن الجماع بالمس في غير ما آية: قال تعالى: (لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً) البقرة/236. وقال تعالى: (وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ) البقرة/237. وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا) الأحزاب/49. ثم الآية عند التأمل تدل على هذا القول (أن المراد بالملامسة فيها الجماع) ، وبيان ذلك: " أن الله تعالى قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ) المائدة/6، فهذه طهارة بالماء أصليّة صغرى. ثم قال: (وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا) فقوله: (فَتَيَمَّمُواْ) هذا البدل، وقوله: (أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ) هذا بيان سبب الصغرى، قوله: (أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء) هذا بيان سبب الكبرى. ولو حملناه على المس الذي هو الجسُّ باليد، كانت الآية الكريمة ذكر الله فيها سببين للطهارة الصغرى، وسكت الله عن سبب الطهارة الكبرى، مع أنه قال: (وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ) وهذا خلاف البلاغة القرآنية. وعليه، فتكون الآية دالة على أن المراد بقوله: (أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء) أي: " جامعتم " ليكون الله تعالى ذكر السببين الموجبين للطهارة " انتهى من الشرح الممتع " (1/240) . وانظر: "بدائع الصنائع" (1/132) "الفقه المالكي" (1/89) "المجموع" (2/21) . وأرجح هذه الأقوال هو القول الثاني، أن مس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقاً سواء كان بشهوة أم بدون شهوة. وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية (12/222) واختاره من المعاصرين الشيخ ابن باز (10/134) والشيخ ابن عثيمين (1/286) وعلماء اللجنة الدائمة (5/266) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 76115 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 213 لا تستطيع خلع الحجاب عند الوضوء في محل عملها فهل تمسح عليه؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا أعمل في شركة ومن الصعب علي الوضوء للصلاة (أي خلع الحجاب لمسح الشعر والأذنين) والسؤال هل الأفضل أن أمسح على الحجاب وأمسح الأذنين قدر استطاعتي فقط؟ أم أن أجمع صلاة الظهر والعصر بالمنزل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الظاهر أن تحرجك من خلع الحجاب هو لوجود الرجال الأجانب في محل عملك، فإن كان الأمر كذلك فاعلمي أن اختلاط المرأة بالرجال الأجانب عنها يترتب عليه مفاسد ومحاذير كثرة، كالخلوة والنظر والخضوع بالقول وفتنة القلب وغير ذلك مما لا يخفى على أهل البصائر، وراجعي السؤال رقم (1200) لمعرفة أدلة تحريم الاختلاط. ثانيا: من ابتليت بذلك، وحان وقت الصلاة أثناء عملها، ولم يمكن تأخيرها إلى حين رجوعها لبيتها، فإنها تصلي في أستر موضع في محل العمل، مع سترها لوجهها وكفيها وجميع بدنها عن الرجال الأجانب، وقد سبق بيان ذلك في السؤال رقم (39178) . ثالثا: قولك: إنه من الصعب خلع الحجاب لمسح الشعر والأذنين في الوضوء، يثير تساؤلا، وهو كيف تغسلين ذراعيك وقدميك في حضرة الرجال؟ ولا يخفى عليك أن الذراعين والقدمين هما من العورة التي يجب سترها عن الأجانب، وأما الوجه والكفان ففيهما خلاف، والراجح وجوب سترهما أيضا، وانظري السؤال رقم (11774) . رابعا: يجوز للمرأة أن تمسح على خمارها عند الحاجة، كشدة البرد، أو مشقة خلع الحجاب ولبسه. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجوز للمرأة أن تمسح على خمارها؟ فأجاب: " المشهور من مذهب الإمام أحمد، أنها تمسح على الخمار إذا كان مدارا تحت حلقها، لأن ذلك قد ورد عن بعض نساء الصحابة رضي الله عنهن. وعلى كل حال فإذا كانت هناك مشقة، إما لبرودة الجو أو لمشقة النزع واللف مرة أخرى، فالتسامح في مثل هذا لا بأس به، وإلا فالأولى ألا تمسح " انتهى. "فتاوى الطهارة" (ص 171) . وقال في "شرح منتهى الإرادات" (1/60) : " ويصح المسح أيضا على خُمُرِ نساء مُدارةٍ تحت حلوقهن؛ لأن أم سلمة كانت تمسح على خمارها، ذكره ابن المنذر " انتهى. ومادام الخمار ساترا للأذنين، فإنه يكفي المسح على الخمار، ولا يلزم إدخال اليدين تحت الخمار لمسحهما، وكذلك الرجل إذا لبس عمامة، فإنه لا يلزمه مسح الأذنين، ولو كانتا مكشوفتين، بل يستحب ذلك فقط. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ويسن أيضا أن يمسح ما ظهر من الرأس كالناصية وجانب الرأس والأذنين ". "فتاوى الطهارة" (ص 170) . خامسا: على المرأة المسلمة أن تحرص على تقوى الله تعالى، وامتثال أمره، واجتناب نهيه، والبعد عن العمل المختلط الذي قد يُحل بها غضب الله وسخطه، والحذر من إيثار الدنيا على الآخرة، فإنها متاع زائل، وما عند الله لا ينفد. وقد صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه) صححه الشيخ الألباني رحمه الله في "حجاب المرأة المسلمة" (ص 49) . نسأل الله أن يوفقك لما فيه خيرك في الدنيا والآخرة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 72391 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 214 يجزئ غسل الرجل مرة واحدة في الوضوء [السُّؤَالُ] ـ[عندما أغسل رجلي في الوضوء لا يمكنني عد الغسلات ولكني أكتفي بغسلها كلها مع الدلك وتخليل الأصابع بالسبابة فهل هذه الكيفية تجزئ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، هذه الكيفية تجزئ، وقد أجمع العلماء على أن الواجب في غسل الأعضاء مرة مرة، وعلى أن المرتين والثلاث سنة. وذلك لما روى البخاري (157) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: (تَوَضَّأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّةً مَرَّةً) . قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: " وَقَدْ أَجْمَع الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْوَاجِب فِي غَسْلِ الأَعْضَاء مَرَّة مَرَّة، وَعَلَى أَنَّ الثَّلاث سُنَّة، وَقَدْ جَاءَتْ الأَحَادِيث الصَّحِيحَة بِالْغَسْلِ مَرَّة مَرَّة، وَثَلاثًا ثَلاثًا وَبَعْض الأَعْضَاء ثَلاثًا وَبَعْضهَا مَرَّتَيْنِ وَبَعْضهَا مَرَّة. قَالَ الْعُلَمَاء: فَاخْتِلافهَا دَلِيل عَلَى جَوَاز ذَلِكَ كُلّه، وَأَنَّ الثَّلاث هِيَ الْكَمَال وَالْوَاحِدَة تُجْزِئُ، فَعَلَى هَذَا يُحْمَل اِخْتِلاف الأَحَادِيث " انتهى. وقال الشوكاني رحمه الله: " وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بالغسل مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثا ثلاثا، وبعض الأعضاء ثلاثا وبعضها مرتين، والاختلاف دليل على جواز ذلك كله، وأن الثلاث هي الكمال والواحدة تجزئ " انتهى من "نيل الأوطار" (1/188) . ولكن لا ينبغي للإنسان أن يداوم على غسل الأعضاء مرة مرة، ويترك الأكمل، فإنه بذلك يحرم نفسه مزيداً من الثواب. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 72450 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 215 يدخل الماء إلى أنفه في الوضوء عند غسل الوجه [السُّؤَالُ] ـ[أثناء الوضوء أستنشق وأستنثر ثلاث مرات ولكني عندما أغسل وجهي يدخل بعض الماء في أنفي فأستنثره، فهل هذا جائز أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا حرج عليك في إخراج الماء الذي قد يدخل إلى أنفك أثناء غسل الوجه، بعد انتهائك من المضمضة والاستنشاق، ولا يعدّ هذا زيادة على الثلاث الواردة في السنة، لأن دخول الماء لم يكن بقصد منك. وقد ذكر العلماء رحمهم الله أن الأفضل في غسل الوجه أن يبدأ من أعلاه، فلعلك إذا فعلت ذلك لم يدخل الماء في أنفك. قال النووي رحمه الله في "المجموع" (1/215) : " قال الماوردي: صفة غسل الوجه المستحبة أن يأخذ الماء بيديه جميعا لأنه أمكن وأسبغ , ويبدأ بأعلى وجهه ثم يحدره ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا كان يفعل , ولأن أعلى الوجه أشرف لكونه موضع السجود , ولأنه أمكن فيجري الماء بطبعه ثم يمر يديه بالماء على وجهه حتى يستوعب جميع ما يؤمر بإيصال الماء إليه , فإن أوصل الماء على صفة أخرى أجزأه " انتهى. وذكر أيضاً في "مواهب الجليل" (1/187) في صفة غسل الوجه: أنه يبدأ من أعلاه. ثانياً: قد دلت السنة على أن الاستنشاق والاستنثار يكون ثلاثا، كما روى البخاري (186) ومسلم (235) – واللفظ له - عن عَبْد اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه أنه تَوَضَّأَ لَهُمْ وُضُوءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. . . (فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفٍّ وَاحِدَةٍ، فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلاثًا) . فهذا الحديث يدل على أن السنة ألا يفصل بين المضمضمة والاستنشاق، بل يمضمض ويستنشق من كف واحدة، ثم يمضمض ويستنشق، ثم يمضمض ويستنشق. خلافا لما يفعله كثير من الناس من الفصل بينهما، فيمضمض ثلاث مرات، ثم يستنشق ثلاثاً. قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم": " قَالَ أَصْحَابنَا: وَعَلَى أَيّ صِفَة وَصَلَ الْمَاء إِلَى الْفَم وَالأَنْف، حَصَلَتْ الْمَضْمَضَة وَالاسْتِنْشَاق. وَفِي الأَفْضَل خَمْسَة أَوْجُهٍ: الأَوَّل: يَتَمَضْمَض وَيَسْتَنْشِق بِثَلاثِ غُرُفَات، يَتَمَضْمَض مِنْ كُلّ وَاحِدَة ثُمَّ يَسْتَنْشِق مِنْهَا. . . وهذا الْوَجْه هوَ الصَّحِيح، وَبِهِ جَاءَتْ الأَحَادِيث الصَّحِيحَة فِي الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم وَغَيْرهمَا. وَأَمَّا حَدِيث الْفَصْل فَضَعِيف، فَيَتَعَيَّن الْمَصِير إِلَى الْجَمْع بِثَلاثِ غُرُفَات كَمَا ذَكَرْنَا، لِحَدِيثِ عَبْد اللَّه بْن زَيْد الْمَذْكُور فِي الْكِتَاب " انتهى بتصرف. وأما الزيادة على الثلاث فمكروهة، والأصل في ذلك ما رواه النسائي (140) وأبو داود (135) وابن ماجه (422) عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُهُ عَنْ الْوُضُوءِ فَأَرَاهُ الْوُضُوءَ ثَلاثًا ثَلاثًا ثُمَّ قَالَ: (هَكَذَا الْوُضُوءُ، فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ أَسَاءَ وَتَعَدَّى وَظَلَمَ) والحديث صححه الألباني في صحيح النسائي. قال النووي رحمه الله في تتمة كلامه السابق: " وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى كَرَاهَة الزِّيَادَة عَلَى الثَّلاث، وَالْمُرَاد بِالثَّلاثِ الْمُسْتَوْعِبَة لِلْعُضْوِ، وَأَمَّا إِذَا لَمْ تَسْتَوْعِب الْعُضْو إِلا بِغرْفَتَيْنِ فَهِيَ غَسْلَة وَاحِدَة. وَلَوْ شَكّ هَلْ غَسَلَ ثَلاثًا أَمْ اِثْنَتَيْنِ؟ جَعَلَ ذَلِكَ اِثْنَتَيْنِ وَأَتَى بِثَالِثَةٍ , هَذَا هُوَ الصَّوَاب الَّذِي قَالَهُ الْجَمَاهِير مِنْ أَصْحَابنَا، وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ مِنْ أَصْحَابنَا: يَجْعَل ذَلِكَ ثَلاثًا وَلا يَزِيد عَلَيْهَا مَخَافَة مِنْ اِرْتِكَاب بِدْعَة بِالرَّابِعَةِ، وَالأَوَّل هُوَ الْجَارِي عَلَى الْقَوَاعِد، وَإِنَّمَا تَكُون الرَّابِعَة بِدْعَة وَمَكْرُوهَة إِذَا تَعَمَّدَ كَوْنهَا رَابِعَة، وَاَللَّه أَعْلَم " انتهى. والحاصل أنه لا شيء عليك في إخراج الماء الذي يدخل إلى أنفك من غير قصد، ولا يعد هذا زيادة في الوضوء، لأنك لم تتعمد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 71169 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 216 هل يجزئ مسح بعض الرأس في الوضوء؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل ممكن عند الوضوء مسح جزء صغير من الرأس على أن يكون من الجزء الخلفي وليس الأمامي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أجمع المسلمون على وجوب مَسْح الرَّأْسِ في الوضوء، لقول اللَّه تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) المائدة/6. واتفق الفقهاء على أن الأفضل استيعاب الرأس بالمسح، غير أنهم اختلفوا هل هذا الاستيعاب واجب أم لا؟ فذهب المالكية والحنابلة إلى وجوب مسح الرأس كله. وذهب الحنفية والشَّافعية إلى أنه يكفي مسح بعض الرأس. واستدل المالكية والحنابلة بعدة أدلة: 1- قَوْل اللَّهِ تَعَالَى: (وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ) وهذا يتناول جميع الرأس. وهذه الآية: (وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ) كقوله تعالى فِي التَّيَمُّمِ: (فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) والوجه يجب استيعابه في التيمم فكذلك الرأس هنا. انظر: "مجموع الفتاوى" (21/125) . قال ابن عبد البر رحمه الله: " اختلف الفقهاء فيمن مسح بعض الرأس، فقال مالك: الفرض مسح جميع الرأس، وإن ترك شيئا منه كان كمن ترك غسل شيء من وجهه، هذا هو المعروف من مذهب مالك، وهو قول ابن علية، قال ابن علية: قد أمر الله بمسح الرأس في الوضوء كما أمر مسح الوجه في التيمم، وأمر بغسله في الوضوء، وقد أجمعوا أنه لا يجوز غسل بعض الوجه في الوضوء ولا مسح بعضه في التيمم، فكذلك مسح الرأس " انتهى. " التمهيد " (20 / 114) . 2- واستدلوا بفعله صلى الله عليه وسلم , فإنه لم يثبت عنه أنه اقتصر على مسح بعض الرأس. واحتج الأحناف والشافعية بأدلة منها: 1ـ قوله تعالى (وامْسَحُوا بِرُءُوسِكُم) قالوا: والباء للتبعيض، فكأنه قال: (وامسحوا بعض رؤوسكم) . وأجيب عن هذا: بأن الباء ليست للتبعيض، وإنما هي للإلصاق، ومعنى الإلصاق: أنه يجب أن يلتصق بالرأس شيء من الماء الذي يمسح به. انظر: "مجموع الفتاوى" (21/123) . 2ـ ما رواه مسلم (247) عن الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ رضي الله عنه: (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعِمَامَتِهِ) . قالوا: فاقتصر صلى الله عليه وسلم على مسح الناصية وهي مقدم الرأس. وأجيب عن هذا: بأنه صلى الله عليه وسلم مسح بناصيته، وأكمل المسح على العمامة، ومسح العمامة يقوم مقام مسح الرأس. قال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" (1/193) : " لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ أَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى مَسْحِ بَعْضِ رَأْسِهِ أَلْبَتَّةَ , وَلَكِنْ كَانَ إذَا مَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ أَكْمَلَ عَلَى الْعِمَامَةِ " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين " إجزاء المسح على الناصية هنا لأنه مسح على العمامة معه، فلا يدلُّ على جواز المسح على الناصية فقط " انتهى من "الشرح الممتع" (1/178) . وبهذا يظهر أن الراجح من القولين هو القول بوجوب مسح الرأس كله في الوضوء. وقد جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/227) : " الواجب مسح جميع الرأس في الوضوء؛ لقوله تعالى: (وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ) ولما أخرجه البخاري ومسلم عن عبد الله بن زيد بن عاصم رضي الله عنهما في صفة الوضوء قال: (ومَسَحَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بِرَأْسِهِ فَأَقْبَلَ بِيَدَيْهِ وَأَدْبَرَ) , وفي لفظ لهما: (بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه , ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه) " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (1/187) : " ولو مسح بناصيته فقط دون بقيَّة الرَّأس فإنَّه لا يجزئه؛ لقوله تعالى: (وامسحوا برءوسكم) المائدة/6 ولم يقل: (ببعض رؤوسكم) " انتهى. وأما صفة مسح الرأس فقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (45867) فلينظر. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 70530 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 217 لا يشرع مسح العنق في الوضوء [السُّؤَالُ] ـ[هل يستحب مسح العنق في الوضوء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يستحب مسح العنق في الوضوء، لعدم ثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح على عنقه في الوضوء، بل ولا روي عنه ذلك في حديث صحيح، بل الأحاديث الصحيحة التي فيها صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يمسح على عنقه ; ولهذا لم يستحب ذلك جمهور العلماء كمالك والشافعي وأحمد في ظاهر مذهبهم، ومن استحبه فاعتمد فيه على أثر يروى عن أبي هريرة رضي الله عنه، أو حديث يضعف نقله: أنه مسح رأسه حتى بلغ القَذَال. ومثل ذلك لا يصلح عمدة، ولا يعارض ما دلت عليه الأحاديث، ومن ترك مسح العنق فوضوءه صحيح باتفاق العلماء " انتهى. "مجموع الفتاوى" (21/127) . وهذا الحديث: (أنه صلى الله عليه وسلم مسح رأسه حتى بلغ الْقَذَالَ، وَهُوَ أَوَّلُ الْقَفَا) . رواه أبو داود (132) وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود. وذكر النووي في "المجموع" (1/489) اختلاف أصحاب الشافعي رحمهم الله في مسح الرقبة في الوضوء، ثم قال: هذا مختصر ما قالوه، وحاصله أربعة أوجه: أحدها: يسن مسحه بماء جديد. والثاني: يستحب ولا يقال مسنون. والثالث: يستحب ببقية ماء الرأس والأذن. والرابع: لا يسن ولا يستحب. وهذا الرابع هو الصواب، ولهذا لم يذكره الشافعي رضي الله عنه، ولا أصحابنا المتقدمون، ولم يذكره أيضا أكثر المصنفين , ولم يثبت فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وثبت في صحيح مسلم وغيره عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (شَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ) وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَحْدَثَ فِي دِينِنَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ) وفي رواية لمسلم: (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) وأما الحديث المروي عن طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده: أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ رَأْسَهُ حَتَّى يَبْلُغَ الْقَذَالَ وَمَا يَلِيهِ مِنْ مُقَدَّمِ الْعُنُقِ. فهو حديث ضعيف بالاتفاق. وأما قول الغزالي: إن مسح الرقبة سنة لقوله صلى الله عليه وسلم: (مَسْحُ الرَّقَبَةِ أَمَانٌ مِنْ الْغُلِّ) فغلط، لأن هذا موضوع ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى. و (الْغُلِّ) هو القيد والسلاسل التي يكون في الرقبة. قال الله تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ) الرعد/5. وقال: (وَجَعَلْنَا الأَغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) سبأ/33. وقال ابن القيم في "زاد المعاد" (1/195) : " ولم يصح عنه (صلى الله عليه وسلم) في مسح العنق حديث البتة " انتهى. وقال الشيخ ابن باز: " لا يستحب ولا يشرع مسح العنق، وإنما المسح يكون للرأس والأذنين فقط، كما دل على ذلك الكتاب والسنة " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (10/102) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 70120 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 218 هل فرض الرجلين أثناء الوضوء الغسل أم المسح؟ [السُّؤَالُ] ـ[لماذا ذكر الله سبحانه المسح للأرجل أثناء الوضوء في الآية الكريمة (وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) ، فالذي تعلمناه أننا نغسل أرجلنا أثناء الوضوء، فلم جاءت الكلمة " امسحوا "؛ لأن زميلتي سألتني هذا السؤال وقالت لي: أنا أمسح رجلي أثناء الوضوء ولا أغسلها فلم أعرف بم أجيبها، هل فيها نوع من الإعجاز؟ وما الحكمة من ذكر المسح بدل الغسل؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب في الوضوء هو غسل الرجلين، ولا يكفي مسحهما، وفهم زميلتك من الآية أنها تدل على مسح الرجلين غير صحيح. والدليل على أن الواجب هو غسل الرجلين، ما رواه البخاري (163) ومسلم (241) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: تَخَلَّفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنَّا فِي سَفْرَةٍ سَافَرْنَاهَا، فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ أَرْهَقْنَا الْعَصْرَ (أي أخرنا العصر) فَجَعَلْنَا نَتَوَضَّأُ وَنَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: (وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا) . وروى مسلم (242) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا لَمْ يَغْسِلْ عَقِبَيْهِ، فَقَالَ: (وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ) . والعقب هو مؤخر القدم. قَالَ اِبْن خُزَيْمَةَ: لَوْ كَانَ الْمَاسِح مُؤَدِّيًا لِلْفَرْضِ لَمَا تُوُعِّدَ بِالنَّارِ. قال الحافظ ابن حجر: " وَقَدْ تَوَاتَرَتْ الأَخْبَار عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صِفَة وُضُوئِهِ أَنَّهُ غَسَلَ رِجْلَيْهِ وَهُوَ الْمُبَيِّن لأَمْرِ اللَّه , وَلَمْ يَثْبُت عَنْ أَحَد مِنْ الصَّحَابَة خِلَاف ذَلِكَ إِلا عَنْ عَلِيّ وَابْن عَبَّاس وَأَنَس , وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُمْ الرُّجُوع عَنْ ذَلِكَ , قَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي لَيْلَى: أَجْمَعَ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى غَسْل الْقَدَمَيْنِ , رَوَاهُ سَعِيد بْن مَنْصُور " انتهى. "فتح الباري" (1/320) . وأما الآية، وهي قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) المائدة/6، فإنها لا تدل على جواز مسح الرجلين، وبيان ذلك: أن في الآية قراءتين: الأولى: (وَأَرْجُلَكُمْ) بنصب اللام، فتكون الأرجل معطوفة على الوجه، والوجه مغسول، فتكون الأرجل مغسولة أيضاً، فكأن لفظ الآية في الأصل: (اغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وأرجلكم إلى الكعبين وامسحوا برؤوسكم) ولكن أُخِّرَ غسلُ الرجل بعد مسح الرأس للدلالة على أن ترتيب الأعضاء في الوضوء يكون على هذا النحو، غسل الوجه، ثم الأيدي، ثم مسح الرأس، ثم غسل الأرجل. انظر: "المجموع" (1/471) . القراءة الثانية: (وَأَرْجُلِكُمْ) بكسر اللام، فتكون معطوفة على الرأس، والرأس ممسوح، فتكون الأرجل ممسوحة. غير أن السنة بينت أن المسح إنما هو على الخفين أو الجوربين بشروط معروفة في السنة. انظر: "المجموع" (1/450) ، "الاختيارات" (ص 13) . ولمعرفة شروط المسح على الخفين انظر السؤال (9640) . وبهذا يتبن أن الآية على القراءتين لا تدل على مسح الأرجل، وإنما تدل على وجوب غسل الأرجل، أو مسح الخفين لمن يلبس الخفين. وقد ذهب بعض العلماء – على قراءة الجر – إلى أن الحكمة من ذكر المسح في حق الأرجل مع أنها مغسولة إشارة إلى أنه ينبغي الاقتصاد في استعمال الماء عند غسل الرجلين، لأن العادة الإسراف عند غسلهما، فأمرت الآية بالمسح أي بأن يكون الغسل بلا إسراف في الماء. قال ابن قدامة في "المغني" (1/186) : " ويحتمل أنه أراد بالمسح الغسل الخفيف. قال أبو علي الفارسي: العرب تسمي خفيف الغسل مسحا , فيقولون: تمسحت للصلاة. أي توضأت " انتهى. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وفي ذِكر المسح على الرجلين تنبيه على قلة الصب في الرجل فإن السرف يعتاد فيهما كثيراً " انتهى "منهاج السنة" (4/174) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69761 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 219 كيف يتوضأ ويغتسل من عليه عصابة بسبب جرح [السُّؤَالُ] ـ[لو كان هناك جرح في أحد أعضاء الوضوء فهل يتوضأ المسلم الوضوء الكامل ثم يتيمم بالنسبة للجزء الذي فيه جرح في النهاية، أم يتيمم فقط؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان هناك جرح في أحد أعضاء الوضوء , فهذا الجرح إما أن يكون مكشوفاً وإما أن يكون عليه لصوق أو رباط. فإن كان عليه لصوق أو رباط فإنه يغسل الجزء الصحيح ثم يبل يده بالماء ويمسح على اللصوق , ولا يحتاج مع هذا المسح إلى التيمم. وقد رويت أحاديث في المسح على الجبائر إلا أنها كلها ضعيفة غير أنه قد ثبت عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: " وَلَا يَثْبُتُ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم شَيْءٌ. . . وَإِنَّمَا فِيهِ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ مِنْ التَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مَعَ مَا رُوِّينَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. فَذَكَر بِإِسْنَادِهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما تَوَضَّأَ وَكَفُّهُ مَعْصُوبَةٌ فَمَسَحَ عَلَيْهَا وَعَلَى الْعِصَابَةِ وَغَسَلَ مَا سِوَى ذَلِكَ. قَالَ: وَهَذَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ صَحِيحٌ " انتهى. "المجموع" (2/368) . أما إن كان الجرح مكشوفاً فالواجب غسله بالماء إن أمكن , فإن كان الغسل يضره , وأمكن مسحه , فالواجب مسحه , فإن تعذر , فإنه يُبقي هذا الجرح بلا غسل ولا مسح , ثم إذا انتهى من الوضوء تيمم. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (1/169) : " قال العلماء رحمهم الله تعالى: إن الجرح ونحوه إما أن يكون مكشوفاً أو مستوراً. فإن كان مكشوفاً فالواجب غسله بالماء , فإن تعذر غسله بالماء فالمسح للجرح , فإن تعذر المسح فالتيمم , وهذا على الترتيب. وإن كان مستوراً بما يسوغ ستره به , فليس فيه إلا المسح فقط، فإن ضره المسح مع كونه مستوراً فيعدل إلى التيمم , كما لو كان مكشوفاً , هذا ما ذكره الفقهاء رحمهم الله " انتهى. وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " إن كان عليه جبيرة مسح عليها، وإن كان مكشوفاً تيمم عنه " انتهى. فتاوى ابن باز (10/118) . وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: بعد الغسيل الذي يعمله لي الطبيب أنزف دمًا من يدي من مكان الإبر فيلف عليها بشاش، فإذا نزعته ينزف الدم ولا ينتهي إلا في الليل ويبقى هذا الشاش ملفوفًا على يدي اليسرى، فهل يجوز لي عند الوضوء أن أمسح عليها على الرغم من أن الشاش لا يوضع في وقته على طهارة بل يوضع وهناك دم أحيانًا وكيفية طريقة المسح؟ فأجاب: " لا تنزع الشاشة التي ربطت على الجرح، لا سيما إذا كان نزعها يَضُرُّ بك وينزف الدم، ولا يجوز لك نزعها في هذه الحالة؛ لأن في ذلك خطراً عليك، فأَبْقها على وضعها، وإذا توضأتَ تغسل الذي ليس عليه رباط من اليد، وأما ما عليه رباط فيكفي أن تمسح على ظاهره بأن تبل يدك بالماء وتديرها على ظاهر الشاشة، ويكفيك هذا عن غسل ما تحتها مدة بقائها لحاجة ولو عدة أوقات أو عدة أيام، ولا يشترط أن توضع الشاشة على طهارة بل تمسح عليها على الصحيح، ولو لم تكن عند وضعها على طهارة، ولو كان تحتها دم على موضع الإبرة أو الجرح. فالحاصل: أنه لا حرج عليك في أن تبقي الشاشة، بل يتعين أن تبقيها للمصلحة، وتمسح على ظاهرها عندما تغسل ما ظهر منها من اليد " انتهى. " المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (5 / 15) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69796 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 220 هل وجود الزيت والحبر وإفرازات العين المتجمدة يؤثر على الطهارة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يمنع الوضوء وجود سمن أو زيت أو حبر أقلام الكتابة علي أحد أعضائه؟ وهل شمع الأذن وإفرازات العين المتجمدة تمنع الطهارة؟ وهل هناك أحاديث صحيحة تتحدث في هذا الشأن؟ وهل اتفق العلماء في ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الضابط في هذا: (أن ما يمنع وصول الماء إلى العضو لا يصح معه الوضوء. وما لا يمنع وصول الماء إلى العضو فيصح معه الوضوء) . وعلى هذا: يصح الوضوء مع وجود الحبر على أعضاء الوضوء لأنه لا يمنع وصول الماء إلى العضو. وأما السمن فإن كان له جرم يمنع وصول الماء إلى العضو لم يصح معه الوضوء، أما إن كان الباقي على العضو أثره فقط، أو كان سائلا كالزيت، فيصح معه الوضوء، لكن يتأكد هنا دلك العضو لأن الدهن يتمايز معه الماء. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (9493) . قال النووي في "المجموع" (1/456) : " إذا كان على بعض أعضائه شمع أو عجين أو حناء وأشباه ذلك فمنع وصول الماء إلى شيء من العضو لم تصح طهارته سواء أكثر ذلك أم قل , ولو بقي على اليد وغيرها أثر الحناء ولونه دون عينه أو أثر دهن مائع بحيث يمس الماء بشرة العضو ويجري عليها لكن لا يثبت: صحت طهارته " انتهى. ثانيا: إفرازات العين المتجمدة التي تكون في موق العين يجب إزالتها عند بعض أهل العلم، وقد ورد في مسح المأقين حديث ضعيف، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (45812) . ثالثا: أما شمع الأذن فما كان منه على صماخ الأذنين، فيجب إزالته، بخلاف ما كان بداخل الأذن. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (34172) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69817 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 221 هل يلزم من يغتسل للتبرد أن يتوضأ للصلاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا اغتسل المسلم غسله العادي ولم يتوضأ فهل يجوز له أن يصلي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المستحب للمسلم أن يتوضأ قبل غسله؛ اتباعاً لهدي النبي صلى الله عليه وسلم. والغسل إذا كان عن حدث أكبر مثل غسل الجنابة والحيض، وكان المغتسل قد عمَّم بدنه بالماء مع المضمضة والاستنشاق: فإنه يجزئه عن الوضوء، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ بعد غسله. وتجد تفصيل هذا في جواب السؤال رقم (5032) فلينظر. أما إن كان الغسل غسل تبرد وتنظف: فلا يجزئه عن الوضوء. سُئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: هل يجزئ الغسل من الجنابة عن الوضوء؟ فأجاب: " إذا كان على الإنسان جنابة واغتسل فإن ذلك يجزئه عن الوضوء، لقوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) ولا يجب عليه إعادة الوضوء بعد الغسل، إلا إذا حصل ناقض من نواقض الوضوء، فأحدث بعد الغسل، فيجب عليه أن يتوضأ، وأما إذا لم يحدث فإن غسله من الجنابة يجزئ عن الوضوء سواء توضأ قبل الغسل أم لم يتوضأ، لكن لابد من ملاحظة المضمضة والاستنشاق، فإنه لابد منهما في الوضوء والغسل " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (11 / السؤال رقم 180) . وسُئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله – أيضاً: هل يجزئ الغسل غير المشروع عن الوضوء؟ فأجاب: " الغسل غير المشروع لا يجزئ عن الوضوء؛ لأنه ليس بعبادة " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (11 / السؤال رقم 181) . وسُئل رحمه الله – أيضاً -: هل الاستحمام يكفي عن الوضوء؟ فأجاب: " الاستحمام إن كان عن جنابة: فإنه يكفي عن الوضوء؛ لقوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) فإذا كان على الإنسان جنابة وانغمس في بركة أو في نهر أو ما أشبه ذلك، ونوى بذلك رفع الجنابة وتمضمض واستنشق: فإنه يرتفع الحدث عنه الأصغر والأكبر؛ لأن الله تعالى لم يوجب عند الجنابة سوى أن نطَّهَّر، أي: أن نَعُمَّ جميع البدن بالماء غسلاً، وإن كان الأفضل أن المغتسل من الجنابة يتوضأ أولاً؛ حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يغسل فرجه بعد أن يغسل كفيه ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يفيض الماء على رأسه، فإذا ظن أنه أروى بشرته أفاض عليه ثلاث مرات، ثم يغسل باقي جسده. أما إذا كان الاستحمام لتنظيف أو لتبرد: فإنه لا يكفى عن الوضوء؛ لأن ذلك ليس من العبادة، وإنما هو من الأمور العادية، وإن كان الشرع يأمر بالنظافة، لكن لا على هذا الوجه، بل النظافة مطلقا في أي شيء يحصل فيه التنظيف. وعلى كل حال: إذا كان الاستحمام للتبرد أو النظافة: فإنه لا يجزئ عن الوضوء " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (11 / السؤال رقم 182) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 68854 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 222 إذا توضأ لقراءة القرآن فلا بأس من الصلاة بهذا الوضوء [السُّؤَالُ] ـ[سمعت فتوى تقول أنني لو توضأت لقراءة القرآن فلا يصح أن أصلي بنفس الوضوء، ولو توضأت مثلاً للصلاة فلا يصح أن أقرأ القرآن بهذا الوضوء، فما صحة هذا الكلام وبماذا أستدل على قائليه، وإن كان صحيحاً فماذا أنوي عند وضوئي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه الفتوى غير صحيحة، بل من توضأ لشيء مما يستحب له الوضوء أو يجب فقد صح وضوؤه وارتفع حدثه، ويجوز له أن يفعل ما توضأ من أجله وغيره، ما دام لم يحدث. فمن توضأ لقراءة القرآن جاز له أن يصلي بهذا الوضوء، ومن توضأ للصلاة، جاز له أن يقرأ القرآن. قال أبو إسحاق الشيرازي رحمه الله تعالى: "وإن نوى الطهارة للصلاة أو لأمر لا يستباح إلا بطهارة كمس المصحف ونحوه أجزأه لأنه لا يستباح مع الحدث , فإذا نوى الطهارة لذلك تضمنت نيته رفع الحدث". قال النووي في شرحه: "هذا الذي ذكره نص عليه الشافعي رحمه الله واتفق عليه الأصحاب , ثم إذا نوى الطهارة لشيء لا يستباح إلا بالطهارة ارتفع حدثه واستباح الذي نواه وغيره" انتهى. "المجموع" (1/365) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله إذا توضأ الإنسان لرفع الحدث ولم ينو صلاة فهل يجوز أن يصلي بذلك الوضوء؟ فأجاب: " إذا توضأ الإنسان بغير نية الصلاة، وإنما توضأ لرفع الحدث فقط، فله أن يصلي ما يشاء من فروض ونوافل حتى تنتقض طهارته" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (11/149) . وأما ماذا ينوي المسلم عند وضوئه؟ فينوى رفع الحدث الأصغر، أو ينوي الوضوء من أجل ِفْعل ما يجب أو يستحب له الوضوء. فمثال ما يجب له الوضوء: الصلاة ومس المصحف. ومثال ما يستحب له الوضوء: قراءة القرآن وذكر الله، وعند النوم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 67803 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 223 مصاب بسلس ريح فهل يلزمه الوضوء لحدث آخر لأداء النوافل؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا مصاب بانفلات في الريح، سؤالي هو: لو أنى أحدثت حدثاً غير حدثي الدائم بعد أن صليت الفريضة , هل أتوضأ مرة أخرى لصلاة النوافل كقيام الليل وغيرها؟ وماذا أنوي عند الوضوء في هذه الحالة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف العلماء في وضوء المصاب بسلس البول أو انفلات الريح، هل يلزمه الوضوء لكل فرض بعد دخول وقته، ثم يصلي به ما شاء من النوافل، أم أنه يجوز له أن يتوضأ وضوءً واحداً، ويصلي به كل صلواته ما دام لم ينقض بناقض غير السلس الملازم له؟ فذهب أبو حنيفة والشافعي وأحمد إلى أنه يتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، وذهب مالك إلى أن صاحب السلس يجوز له أن يتوضأ وضوءً واحداً، ويصلي به صلواته كلها ما دام وضوؤه لم ينقض بناقض غير ذلك السلس الملازم له. والقول الأول هو الأحوط والذي عليه الأكثر. وانظر جواب السؤال (22843) ففيه زيادة فائدة. وأما إذا أحدث المصاب بالسلس بغير الحدث الدائم، فيجب عليه إعادة الوضوء، ولا يجوز له أن يصلي فريضة أو نافلة من غير أن يتوضأ، لما رواه البخاري (6954) ومسلم (225) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ) . وقد أجمع العلماء على أن الطهارة من الحدث شرط لصحة الصلاة، لا تصح إلا به. وانظر: "المجموع" للنووي (3/139) ، و "مجموع الفتاوى" لشيخ الإسلام (22/99) . وأما ماذا تنوي في هذه الحال؟ فإنك تنوي الطهارة من أجل فعل الصلاة. مع التنبه إلى أن النية لا يشرع التلفظ بها باللسان، وإنما النية هي القصد بالقلب. وانظر السؤال: (13337) ، (14234) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65648 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 224 هل سلس البول من تأثير الجن وماذا يفعل في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[قرأت سؤالاً عن شخص ما يعاني من مشكلة في الوضوء وعندي مشكلة مشابهه أو حتى أسوء حينما أريد أن أصلي أشعر بأن هناك ريحاً تخرج مني. لو ذهبت إلى الحمام أقضي 30 دقيقة ولكن البول وسائل آخر يستمر في الخروج مني أثناء الصلاة ويكون عندي رغبة شديدة في الذهاب إلى الحمام ولذلك علي أن أكرر وضوئي مرة بعد مرة وهذا الموقف يحيرني جداً ويخجلني حيث يجعل الصلاة صعبة جداً وهذا يؤثر على إيماني أنا متأكد أن هذا ليس مرضاً لأني ذهبت إلى كثير من الأطباء ولكن بدون تحسن وهذه المشكلة تأتي لي فقط عندما أريد أن أصلي بعض الناس يقولون لي أن هذا بسبب جن دخل جسمي من فضلك أرشدني كيف يمكن أن أصلي بسهولة هل أستطيع أن أؤدي أكثر من صلاة واحدة بنفس الوضوء حتى لو هذه الأشياء تخرج مني. لو هذا بسبب الجن كيف يمكن الخلاص منه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سلس البول وما في حكمه مما يخرج من السبيل بدون إرادة، ولا يمكن التحكم فيه لا يلتفت إليه، بل يصلي الإنسان على حسب حاله ولو خرج هذا السائل أثناء الصلاة للمشقة والحرج في الإستنزاه منه، قال تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) ، لكن إن خشي تلويث بدنه وثيابه، لفَّه (أعني فرجه) بمناديل وشبهها، ويصلي بعد وضوئه، ولا يلتفت إلى أي خارج لا يمكن أن يتحكم به، وهذا مرض عادي، ومنتشر كثيرا ً، وليس من صنع الجن، ولا بسببهم والطهارة ضرورة عليك تجديدها لكل صلاة (فريضة) . [الْمَصْدَرُ] الشيخ: عبد الكريم الخضير الحديث: 8285 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 225 صفة مسح الرأس في الوضوء [السُّؤَالُ] ـ[ما هي صفة مسح الرأس في الوضوء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: كيفية الغسل أو المسح في الوضوء ليست واجبة، فالواجب هو حصول الغسل بالنسبة للأعضاء المغسولة، وحصول المسح للأعضاء الممسوحة، بأي كيفية كانت، لكن لا شك أن اتباع الصفة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل وأكمل. انظر: "المغني" (1/171) . ثانياً: ورد مسح الرأس في الوضوء على صفتين: الأولى: أن يضع يديه بعد بلهما بالماء على مقدم الرأس ثم يمسح رأسه حتى قفاه، ثم يعود بيديه إلى مقدم رأسه. وقد ذكر النووي رحمه الله في "شرح مسلم" اتفاق العلماء على استحباب هذه الكيفية. وقد ثبت ذلك في عدة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. روى البخاري (185) ومسلم (235) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه أنه وصف وضوء النبي صلى الله عليه وسلم (. . ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ، بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ حَتَّى ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ) . وروى أبو داود (124) أَنَّ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه تَوَضَّأَ لِلنَّاسِ كَمَا رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ، فَلَمَّا بَلَغَ رَأْسَهُ غَرَفَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَتَلَقَّاهَا بِشِمَالِهِ حَتَّى وَضَعَهَا عَلَى وَسَطِ رَأْسِهِ حَتَّى قَطَرَ الْمَاءُ أَوْ كَادَ يَقْطُرُ، ثُمَّ مَسَحَ مِنْ مُقَدَّمِهِ إِلَى مُؤَخَّرِهِ، وَمِنْ مُؤَخَّرِهِ إِلَى مُقَدَّمِهِ. صححه الألباني في صحيح أبي داود. وروى أبو داود (122) عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ رضي الله عنه قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ، فَلَمَّا بَلَغَ مَسْحَ رَأْسِهِ وَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهِ فَأَمَرَّهُمَا حَتَّى بَلَغَ الْقَفَا، ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ. صححه الألباني في صحيح أبي داود. وهذه الصفة تناسب من كان شعره قصيراً، لا ينتفش بعود يديه إلى مقدم رأسه. الصفة الثانية: يمسح جميع رأسه، ولكن باتجاه الشعر، بحيث لا يغير الشعر عن هيئته. وهذه الصفة تناسب من كان شعره طويلاً – رجلاً كان أو امرأة- بحيث يخشى انتفاشه بعود يديه. روى أحمد (26484) وأبو داود (128) عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ ابْنِ عَفْرَاءَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ عِنْدَهَا، فَمَسَحَ الرَّأْسَ كُلَّهُ مِنْ قَرْنِ الشَّعْرِ، كُلَّ نَاحِيَةٍ لِمُنْصَبِّ الشَّعْرِ، لا يُحَرِّكُ الشَّعْرَ عَنْ هَيْئَتِهِ. حسنه الألباني في صحيح أبي داود. (مِنْ قَرْن الشَّعْر) : المراد بقرن الشعر هنا أعلى الرأس، أي: يَبْتَدِئ الْمَسْح مِنْ الأَعْلَى إِلَى أَسْفَلَ. (كُلّ نَاحِيَة) : أَيْ فِي كُلّ نَاحِيَة بِحَيْثُ يَسْتَوْعِب مَسْح جَمِيع الرَّأْس عَرْضًا وَطُولا. (لِمُنْصَبِّ الشَّعْر) : الْمَكَان الَّذِي يَنْحَدِر إِلَيْهِ وَهُوَ أَسْفَلَ الرَّأْس. قَالَ الْعِرَاقِيّ: وَالْمَعْنَى أَنَّهُ كَانَ يَبْتَدِئ الْمَسْح بِأَعْلَى الرَّأْس إِلَى أَنْ يَنْتَهِي بِأَسْفَلِهِ يَفْعَل ذَلِكَ فِي كُلّ نَاحِيَة عَلَى حِدَتهَا. اِنْتَهَى. (لا يُحَرِّك الشَّعْر عَنْ هَيْئَته) : الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا. قَالَ اِبْن رَسْلَان: وَهَذِهِ الْكَيْفِيَّة مَخْصُوصَة بِمَنْ لَهُ شَعْر طَوِيل , إِذْ لَوْ رَدَّ يَده عَلَيْهِ لِيَصِل الْمَاء إِلَى أُصُوله يَنْتَفِش وَيَتَضَرَّر صَاحِبه بِانْتِفَاشِهِ وَانْتِشَار بَعْضه. وَرُوِيَ عَنْ الإمام أَحْمَدَ أَنَّهُ سُئِلَ كَيْفَ تَمْسَح الْمَرْأَة وَمَنْ لَهُ شَعْر طَوِيل كَشَعْرِهَا؟ فَقَالَ: إِنْ شَاءَ مَسَحَ كَمَا رُوِيَ عَنْ الرُّبَيِّع، وَذَكَرَ الْحَدِيث ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا، وَوَضَعَ يَده عَلَى وَسَط رَأْسه ثُمَّ جَرَّهَا إِلَى مُقَدَّمه، ثُمَّ رَفَعَهَا فَوَضَعَهَا حَيْثُ بَدَأَ مِنْهُ (يعني وضعها على وسط رأسه) ثُمَّ جَرّهَا إِلَى مُؤَخَّره. ويحتمل أن يكون المراد بالقرن هنا مُقَدَّم الرَّأْس , أَيْ: اِبْتَدَأَ الْمَسْح مِنْ مُقَدَّم رَأْسه مُسْتَوْعِبًا جَمِيع جَوَانِبه إِلَى مُنْصَبّ شَعْره وَهُوَ مُؤَخَّر رَأْسه، أي مسح رأسه مرة واحدة من مقدمه إلى مؤخره، ولا يعود بيديه مرة أخرى، لأنه بذلك لا يحرك الشَّعْر عَنْ هَيْئَته، وَقَدْ قَالَت الرُّبَيِّعِ رضي الله عنها: لا يُحَرِّكُ الشَّعْرَ عَنْ هَيْئَتِهِ. انظر: "عون المعبود شرح سنن أبي داود"، "نيل الأوطار" (1/189) ، "المغني" (1/178) . والحاصل أن هذه الصفة يفعلها من يخشى انتفاش شعره، فيمسح شعره إلى الجهة التي ينحدر إليها حتى لا يتغير عن هيئته. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45867 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 226 الأدعية التي تقال في الوضوء [السُّؤَالُ] ـ[ما هي الأدعية التي تقال على الوضوء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أدعية تقال في أول الوضوء وأخرى تقال بعده. فأما ما يقال في أول الوضوء فلم يثبت فيه إلا التسمية بلفظ: (بسم الله) . ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ) روه الترمذي (25) . وقَالَ: وَفِي الْبَاب عَنْ عَائِشَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَأَنَسٍ. قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: لا أَعْلَمُ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثًا لَهُ إِسْنَادٌ جَيِّدٌ انتهى كلام الترمذي. والحديث صححه الألباني في صحيح الترمذي. وسبق في إجابة السؤال (21241) أن هذا الحديث مما اختلف العلماء في صحته. ونقل النووي في "المجموع" (1/385) عن البيهقي قوله: " أَصَحُّ مَا فِي التَّسْمِيَةِ حَدِيثُ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَضَعَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ الَّذِي فِيهِ الْمَاءُ ثُمَّ قَالَ: تَوَضَّئُوا بِاسْمِ اللَّهِ , قَالَ: فَرَأَيْت الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ، وَالْقَوْمُ يَتَوَضَّؤُنَ حَتَّى تَوَضَّئُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ، وَكَانُوا نَحْوَ سَبْعِينَ رَجُلا. وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ. وَاحْتَجَّ بِهِ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِهِ "مَعْرِفَةِ السُّنَنِ وَالآثَارِ" وَضَعَّفَ الأَحَادِيثَ الْبَاقِيَةَ " انتهى وأما ما يقال بعده: فقد وردت فيه عدة أحاديث. ومجموع ما ورد أنه يقول: (أشْهَدُ أنْ لا إله إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيك لَهُ، وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَوَّابِينَ، واجْعَلْني مِنَ المُتَطَهِّرِينَ، سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وبِحَمْدِكَ، أشْهَدُ أنْ لا إلهَ إِلاَّ أنْتَ، أسْتَغْفِرُكَ وأتُوبُ إِلَيْكَ) . روى مسلم (234) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ أَوْ فَيُسْبِغُ الْوَضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، إِلا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ) رواه مسلم (234) . زاد الترمذي (55) : (اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ التَّوَّابِينَ، وَاجْعَلْنِي مِنْ الْمُتَطَهِّرِينَ) . وهذه الزيادة ضعفها الحافظ ابن حجر رحمه الله، فإنه قال: " هذه الزيادة التي عند الترمذي لم تثبت في هذا الحديث " انتهى من "الفتوحات الربانية" (2/19) . وقد صححها الألباني في صحيح الترمذي. وجزم ابن القيم في "زاد المعاد" بثبوتها عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأما (سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وبِحَمْدِكَ، أشْهَدُ أنْ لا إلهَ إِلاَّ أنْتَ، أسْتَغْفِرُكَ وأتُوبُ إِلَيْكَ) . فقد رواه النسائي في " عمل اليوم والليلة" والحاكم في المستدرك عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. وقد اختلف الرواة هل الحديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو من قول أبي سعيد رضي الله عنه؟ قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " والسند صحيح بلا ريب، إنما اختلف في رفع المتن ووقفه، فالنسائي جرى على طريقته في الترجيح بالأكثر والأحفظ، فلذا حكم عليه بالخطأ، وأما على طريق الشيخ المصنف (يعني النووي) تبعاً لابن الصلاح وغيرهم فالرفع عندهم مقدم لما مع الرافع من زيادة العلم، وعلى تقدير العمل بالطريقة الأخرى فهذا مما لا مجال للرأي فيه فله حكم الرفع " انتهى من "الفتوحات الربانية" (2/21) . وقد صححه الألباني في "صحيح الترغيب" (225) و"السلسلة الصحيحة" (2333) . وانظر: "تمام المنة" (ص 94- 98) . فهذا ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأذكار التي تقال على الوضوء، أما الدعاء عند غسل أعضاء الوضوء فلم يثبت فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال النووي في الأذكار (ص 30) : وأما الدعاء على أعضاء الوضوء فلم يجئ فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال ابن القيم في "زاد المعاد" (1/195) : ولم يحفظ عنه أنه كان يقول على وضوئه شيئا غير التسمية، وكل حديث في أذكار الوضوء الذي يقال عليه فكذب مختلق، لم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا منه، ولا علمه لأمته، ولا ثبت عنه غير التسمية في أوله، وقوله: (أشْهَدُ أنْ لا إله إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيك لَهُ، وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَوَّابِينَ، واجْعَلْني مِنَ المُتَطَهِّرِينَ) في آخره، وفي حديث آخر في "سنن النسائي" مما يقال بعد الوضوء أيضاً: (سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وبِحَمْدِكَ، أشْهَدُ أنْ لا إلهَ إِلاَّ أنْتَ، أسْتَغْفِرُكَ وأتُوبُ إِلَيْكَ) انتهى. وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/221) : " لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم دعاء أثناء الوضوء، وما يدعو به العامة عند غسل كل عضو بدعة، مثل قولهم عند غسل الوجه: (اللهم بيض وجهي يوم تسود الوجوه) وقولهم: عند غسل اليدين: (اللهم أعطني كتابي بيميني، ولا تعطني كتابي بشمالي) إلى غير ذلك من الأدعية عند سائر أعضاء الوضوء " انتهى. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45730 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 227 يتكون على طرف عينه مثل القشر، فما أثر ذلك على وضوئه [السُّؤَالُ] ـ[أشكو منذ فترة تكرار إفرازات من ركن العين الداخلي في المنطقة بين العين والأنف، عندما تجف تكون كقشر الشعر الصغير الحجم، ويتكرر هذا على مدار اليوم حتى أنه أصبحت عادة عندي أن أتفحص عيني قبل كل وضوء أو أقوم بغسلها أو أولي عناية خاصة لعيني أثناء الوضوء، إلا أنه في بعض الأحيان قد لا أقوم بهذا لأكتشف وجود هذه الإفرازات ولا أدري هل كانت موجودة قبل الوضوء ولم أرها أم حدثت بعده أم كانت مثلا ذرات رمل أو ما شابه، أفيدوني أفادكم الله فإن هذا الأمر صار يؤرقني؟ هل يجب علي الإعادة إذا ما وجدت مثل هذا؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله طرف العين الذي يلي الأنف يسمى الموق، وقد روى أحمد (22277) وأبو داود (134) وابن ماجة (444) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمسح مأقيه. والحديث ضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود. " قَالَ الأَزْهَرِيّ: أَجْمَعَ أَهْل اللُّغَة أَنَّ الْمُوقَ وَالَمَاق مُؤَخَّر الْعَيْن الَّذِي يَلِي الأَنْف. اِنْتَهَى. قَالَ الطِّيبِيُّ: إِنَّمَا مَسَحَهُمَا عَلَى الاسْتِحْبَاب مُبَالَغَة فِي الإِسْبَاغ , لأَنَّ الْعَيْن قَلَّمَا تَخْلُو مِنْ كُحْل وَغَيْره أَوْ رَمَص فَيَسِيل فَيَنْعَقِد عَلَى طَرْف الْعَيْن " انتهى من "عون المعبود" باختصار. وصرح الشافعية بوجوب غسل الموق في الوضوء، وإزالة ما عليه من إفرازات تمنع وصول الماء. قال الرملي الشافعي في "نهاية المحتاج" (1/168) : " ويجب غسل موقي العين قطعا , فإن كان عليه نحو رماص يمنع وصول الماء إلى المحل الواجب وجب إزالته وغسل ما تحته " انتهى. وفي "أسنى المطالب" للشيخ زكريا الأنصاري في ذكر مندوبات الوضوء (1/43) : " وكذا الموق , وهو طرف العين الذي يلي الأنف يتعهده بالسبابة، الأيمن باليمنى , والأيسر باليسرى , ومثله اللحاظ , وهو الطرف الآخر ومحل سن غسلهما إذا لم يكن فيهما رمص يمنع وصول الماء إلى محله , وإلا فغسلهما واجب ذكره في المجموع " انتهى. ويرى بعض العلماء أن مثل هذا إذا كان يسيرا، فإنه يعنى عنه، ولا يضر الوضوء، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. قال المرداوي في "الإنصاف": " فائدة: لو كان تحت أظفاره يسير وسخ , يمنع وصول الماء إلى ما تحته لم تصح طهارته. قاله ابن عقيل. . . وقيل: تصح , وهو الصحيح , صححه في الرعاية الكبرى , وصاحب حواشي المقنع , وجزم به في الإفادات , وإليه ميل المصنف (يعني: ابن قدامة) واختاره الشيخ تقي الدين ... وألحق الشيخ تقي الدين كل يسيرٍ منع , حيث كان من البدن , كدم وعجين ونحوهما، واختاره " انتهى. وقال ابن قدامة في "المغني" (1/174) بعد أن ذكر قول ابن عقيل بوجوب إزالة ما تحت الأظفار من وسخ، وأن طهارته لا تصح إذا منع وصول الماء إلى ما تحته، قال: " ويحتمل أن لا يلزمه ذلك ; لأن هذا يستر عادة , فلو كان غسله واجبا لبينه النبي صلى الله عليه وسلم ; لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45812 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 228 متى ينوي الوضوء؟ [السُّؤَالُ] ـ[متى ينوي المسلم إذا أراد الوضوء؟ في البداية؟ أم عند غسل الوجه؟ أم يجوز أن ينوي في أي وقت أثناء وضوئه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: النية شرط لجميع العبادات، فلا تصح عبادة من العبادات –ومنها الوضوء- إلا بالنية. قال النووي رحمه الله: " النِّيَّةَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ بِلا خِلَافٍ عِنْدَنَا، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَدَاوُد , وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: (وَمَا أُمِرُوا إلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) وَالإِخْلاصُ عَمَلُ الْقَلْبِ وَهُوَ النِّيَّةُ وَالأَمْرُ بِهِ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ. وَمِنْ السُّنَّةِ: قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: (إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ) لأَنَّ لَفْظَةَ (إنَّمَا) لِلْحَصْرِ. وَالْمُرَادُ أَنَّ حُكْمَ الْعَمَلِ لا يَثْبُتُ إلا بِالنِّيَّةِ. وَدَلِيلٌ آخَرُ: وَهُوَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: (وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) وَهَذَا لَمْ يَنْوِ الْوُضُوءَ فَلا يَكُونُ لَهُ. . . إلخ " انتهى باختصار من "المجموع" (1/356) ، ونحوه في " المغني " (1/156) . ثانياً: ينبغي أن يعلم أن النية محلها القلب، فلا يشرع التلفظ بها بلسانه. انظر السؤال (13337) . ثالثاً: وأما وقت النية. فالأكمل أن ينوي مع بداية الوضوء أو قبله بزمن يسير، حتى تكون النية شاملة لجميع أجزاء الوضوء، أما الواجب من ذلك فهو أن ينوي مع أول الواجبات. قال ابن قدامة في "المغني" (1/159) : " وَيَجِبُ تَقْدِيمُ النِّيَّةِ عَلَى الطَّهَارَةِ كُلِّهَا ; لأَنَّهَا شَرْطٌ لَهَا , فَيُعْتَبَرُ وُجُودُهَا فِي جَمِيعِهَا , فَإِنْ وُجِدَ شَيْءٌ مِنْ وَاجِبَاتِ الطَّهَارَةِ قَبْلَ النِّيَّةِ لَمْ يُعْتَدُّ بِهِ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْوِيَ قَبْلَ غَسْلِ كَفَّيْهِ , لِتَشْمَلَ النِّيَّةُ مَسْنُونَ الطَّهَارَةِ وَمَفْرُوضَهَا. فَإِنْ غَسَلَ كَفَّيْهِ قَبْلَ النِّيَّةِ كَانَ كَمَنْ لَمْ يَغْسِلْهُمَا. وَيَجُوزُ تَقْدِيمُ النِّيَّةِ عَلَى الطَّهَارَةِ بِالزَّمَنِ الْيَسِيرِ. . . وَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ لَمْ يُجْزِهِ ذَلِكَ " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين في " الشرح الممتع " (1/140) : " والنية لها محلان: الأول: تكون فيه سنة، وهو قبل مسنون الطهارة إن وجد قبل واجب. الثاني: تكون فيه واجبة عند أول الواجبات " انتهى. وعلى هذا فالأكمل أن تكون النية قبل الشروع في الوضوء، والواجب أن تكون مع أول الواجبات، وقد اختلف العلماء في أول واجبات الوضوء، فقيل: التسمية، وقيل: المضمضة. وهو الصحيح، وقيل: غسل الوجه. انظر الأسئلة: (21241) ، (11497) . ولكن إذا نوى مع أول الواجبات فلا يثاب على ما فعله قبل ذلك من سنن الوضوء كالتسمية وغسل الكفين ثلاثاً، كما تقدم في كلام ابن قدامة رحمه الله. وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أنه كان في أول الوضوء يغسل كفيه ثلاثا مع نية الوضوء، ويسمي. " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (10/98) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39687 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 229 هل يصح الوضوء مع وجود الزيت في الشعر؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل قليل من زيت الزيتون في الشعر يمنع وصول الماء إلى الشعر وبالتالي يكون الوضوء باطلاً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الذي يظهر أن قليل الزيت المذكور لا يمنع وصول الماء إلى الشعر. والقاعدة، كما ذكر الشيخ ابن عثيمين رحمه الله – أن الإنسان إذا استعمل الدهن (الكريم والزيت) في أعضاء طهارته، فإما أن يبقى الدهن جامدا له جرم، فحينئذ لابد أن يزيل ذلك قبل أن يطهر أعضاءه، فإن بقي الدهن هكذا جرما، فإنه يمنع وصول الماء إلى البشرة وحينئذ لا تصح الطهارة. أما إذا كان الدهن ليس له جرم، وإنما أثره باق على أعضاء الطهارة، فإنه لا يضر، ولكن في هذه الحالة يتأكد أن يمر الإنسان يده على العضو لأن العادة أن الدهن يتمايز معه الماء، فربما لا يصيب جميع العضو الذي يطهره) اهـ. "فتاوى الطهارة" (ص 147) . يضاف إلى ذلك أن مسح الرأس خُفِف فيه، إذ فرض الرأس المسح لا الغسل، ولا يلزم في المسح أن يمر الماء على كل شعرة بعينها. سئل الشيخ ابن عثيمين أيضاً: إذا لَبَّدت المرأة رأسها بحناء ونحوه فهل تمسح عليه؟ فأجاب: إذا لَبَّدت المرأة رأسها بحناء فإنها تمسح عليه ولا حاجة إلى أنها تنقض الرأس وتَحُتُّ (تزيل) هذا الحناء، لأنه ثبت أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان في إحرامه ملبداً. فما وُضِع على الرأس من التَّلَبُّد فهو تابع له (يعني تابع للرأس) ، وهذا يدل على أن تطهير الرأس فيه شيء من التسهيل اهـ. "فتاوى المرأة المسلمة" (1/28) . والتلبيد هو وضع مادة على الرأس كالحناء تلصق الشعر بعضه ببعض وتمنع دخول التراب ونحوه إليه. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39493 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 230 لا يجب الوضوء من ألبان الإبل [السُّؤَالُ] ـ[قرأت السؤال (7103) وفيه أن أكل لحم الإبل من نواقض الوضوء، هل يجب الوضوء من ألبان الإبل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذهب عامة أهل العلم إلى أنه لا يجب الوضوء من ألبان الإبل، وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله، ويدل على ذلك عدة أدلة: 1- أن الأصل عدم نقض الوضوء، وليس هناك دليل صحيح يدل على نقض الوضوء بشرب لبن الإبل. 2- أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر القوم الذين قدموا إلى المدينة وأصابهم مرض أن يشربوا من أبوال الإبل وألبانها. رواه البخاري (233) ومسلم (1671) ، ولو كان شرب لبنها ناقضاً للوضوء لبين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم. انظر: "المغني" (1/245) ، "الإنصاف" (2/58) الشرح الممتع (1/209) . وأما ما رواه أحمد (18617) وابن ماجه (496) عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تَتَوَضَّئُوا مِنْ أَلْبَانِ الْغَنَمِ، وَتَوَضَّئُوا مِنْ أَلْبَانِ الإِبِل) وكذلك ما رواه ابن ماجه (497) عن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (تَوَضَّئُوا مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ، وَلا تَتَوَضَّئُوا مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ، وَتَوَضَّئُوا مِنْ أَلْبَانِ الإِبِلِ، وَلا تَوَضَّئُوا مِنْ أَلْبَانِ الْغَنَمِ) . فكلا الحديثين ضعيف لا يصح الاحتجاج به، وقد ضعفهما الألباني في ضعيف ابن ماجه. ولو صح هذا الحديث لأمكن أن يحمل الأمر فيه بالوضوء من لبن الإبل على الاستحباب، جمعاً بينه وبين الحديث السابق ذكره. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36736 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 231 هل تشترط الطهارة للطواف والسعي؟ [السُّؤَالُ] ـ[أثناء طوافي للعمرة انتقض وضوئي، فلم أدر ماذا أصنع، فخرجت وتوضأت وأعدت الطواف ثم سعيت بين الصفا والمروة. فهل ما فعلته صحيح؟ وماذا كان عليّ أن أفعل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لقد أحسنت بإعادتك الوضوء والطواف، وأخذت بالأحسن والأحوط، وقد ذهب أكثر العلماء إلى أن الطهارة من الحدث شرط لصحة الطواف كالصلاة، فكما لا تصح الصلاة من المحدث حتى يتوضأ فكذلك الطواف. قال ابن قدامة: الطَّهَارَة مِنْ الْحَدَثِ شرط لِصِحَّةِ الطَّوَافِ , فِي الْمَشْهُورِ عَنْ أَحْمَدَ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ اهـ. واستدل الجمهور لهذا القول بعدة أدلة، منها: 1- قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلاةٌ , إلا أَنَّكُمْ تَتَكَلَّمُونَ فِيهِ) . رواه الترمذي (960) وصححه الألباني في إرواء الغليل (121) . 2- ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: (لما أراد صلى الله عليه وسلم أن يطوف توضأ) . وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خذوا عني مناسككم) . رواه مسلم (1297) . فتاوى الشيخ ابن باز (17/213-214) . 3- ثبت في الصحيحين أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لعائشة لما حاضت: (افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي) . وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: لي قريبة اعتمرت في رمضان ولما دخلت الحرم أحدثت حدثاً أصغر، خرج منها ريح وخجلت أن تقول لأهلها أريد أن أتوضأ، ثم طافت ولما انتهت من الطواف ذهبت لوحدها وتوضأت ثم أتت بالسعي، فهل عليها دم أم كفارة؟ فأجاب: طوافها غير صحيح، لأن من شرط صحة الطواف الطهارة كالصلاة، فعليها أن ترجع إلى مكة وأن تطوف بالبيت ويستحب لها أن تعيد السعي، لأن أكثر أهل العلم لا يجيز تقديمه على الطواف، ثم تقصّر من جميع رأسها وتحلّ، وإن كانت ذات زوج وقد جامعها زوجها فعليه دم يذبح في مكة للفقراء، وعليها أن تأتي بعمرة جديدة من الميقات الذي أحرمت منه للعمرة الأولى، لأن العمرة الأولى فسدت بالجماع، فعليها أن تفعل ما ذكرنا ثم تأتي بالعمرة الجديدة من الميقات التي أحرمت للعمرة الأولى منه، سواء كان ذلك في الحال أو في وقت آخر حسب طاقتها. والله وليّ التوفيق اهـ. فتاوى الشيخ ابن باز (17/214-215) . وسئل أيضاً: رجل شرع في الطواف فخرج منه ريح، هل يلزمه قطع طوافه أم يستمر؟ فأجاب: إذا أحدث الإنسان في الطواف بريح أو بول أو منيّ أو مس فرج أو ما أشبه ذلك انقطع طوافه كالصلاة يذهب فيتطهر ثم يستأنف الطواف، هذا هو الصحيح، والمسألة فيها خلاف، لكن هذا هو الصواب في الطواف والصلاة جميعاً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا فسا أحدكم في الصلاة فلينصرف وليتوضأ وليعد الصلاة) . رواه أبو داود وصححه ابن خزيمة، والطواف من جنس الصلاة في الجملة .... اهـ. مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (17/216-217) . وذهب بعض العلماء إلى أن الطهارة من الحدث ليست شرطاً للطواف. وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية. وأجابوا عن أدلة القول الأول بالآتي: أما حديث (الطواف بالبيت صلاة) فقالوا: لا يصح من قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنما هو من قول ابن عباس رضي الله عنهما. قال النووي في المجموع: الصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ , كَذَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْحُفَّاظِ اهـ. وأما فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنه طاف متطهراً فقالوا: هذا لا يدل على الوجوب، وإنما يدل على الاستحباب فقط، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعله ولم يَرِد أنه أمر أصحابه بذلك. وأما قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعائشة: (افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي) فإنما منعها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الطواف لأنها حائض، والحائض ممنوعة من دخول المسجد. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والذين أوجبوا الوضوء للطواف ليس معهم حجة أصلاً؛ فإنه لم يَنقل أحدٌ عن النَّبي صلى الله عليه وسلم لا بإسناد صحيح ولا ضعيف أنه أمر بالوضوء للطواف، مع العلم بأنه قد حج معه خلائق عظيمة، وقد اعتمر عمَراً متعددة والناس يعتمرون معه فلو كان الوضوء فرضاً للطواف لبيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم بياناً عامّاً، ولو بيَّنه لنَقل ذلك المسلمون عنه ولم يهملوه، ولكن ثبت في الصحيح أنه لما طاف توضأ، وهذا وحده لا يدل على الوجوب؛ فإنه قد كان يتوضأ لكل صلاة، وقد قال: " إني كرهتُ أن أذكر الله إلا على طهر " ... .اهـ. "مجموع الفتاوى" (21 / 273) . وهذا القول –أي عدم اشتراط الطهارة للطواف- مع قوته واحتمال الأدلة له لا ينبغي للإنسان أن يقدم على الطواف بلا طهارة، وذلك لأن الطواف متطهراً أفضل بلا شك، وأحوط وأبرأ للذمة. وبه يسلم الإنسان من مخالفة جمهور العلماء. ولكن يسع الإنسان العمل به مع المشقة الشديدة في مراعاة الوضوء، وذلك يكون في أيام المواسم، أو إذا كان الرجل مريضاً أو كبيراً في السن يشق عليه أن يحافظ على طهارته مع شدة الزحام والمدافعة. . ونحو ذلك. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله بعد أن أجاب عن أدلة الجمهور: وعليه: فالقول الراجح الذي تطمئن إليه النفس: أنه لا يشترط في الطواف الطهارة من الحدث الأصغر، لكنها بلا شك أفضل وأكمل واتباعاً للنبي صلى الله عليه وسلم، ولا ينبغي أن يخل بها الإنسان لمخالفة جمهور العلماء في ذلك، ولكن أحياناً يضطر الإنسان إلى القول بما ذهب إليه شيخ الإسلام، مثل: لو أحدث أثناء طوافه في زحام شديد، فالقول بأنه يلزمه أن يذهب ويتوضأ ثم يأتي في هذا الزحام الشديد، لا سيما إذا لم يبق عليه إلا بعض شوط: فيه مشقة شديدة، وما كان فيه مشقة شديدة ولم يظهر فيه النص ظهوراً بيِّناً: فإنه لا ينبغي أن نُلزم الناس به، بل نتبع ما هو الأسهل والأيسر؛ لأن إلزام الناس بما فيه مشقة بغير دليل واضح منافٍ لقوله تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) . البقرة / 185 اهـ. " الشرح الممتع " (7 / 300) . وأما بالنسبة للسعي: فلا يشترط فيه الوضوء وهو مذهب الأئمة الأربعة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، بل يجوز للحائض أن تسعى بين الصفا والمروة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع الحائض إلا من الطواف فقال لعائشة – رضي الله عنها – لما حاضت -: " افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت ". انظر المغني 5 / 246. قال الشيخ ابن عثيمين: فلو سعى محدثاً، أو سعى وهو جنب، أو سعت المرأة وهي حائض: فإن ذلك مجزئ، لكن الأفضل أن يسعى على طهارة. " الشرح الممتع " (7 / 310، 311) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 34695 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 232 عندما أغسل أذني في الوضوء هل يجب إدخال يدي في جميع الأذن [السُّؤَالُ] ـ[عندما أغسل أذني في الوضوء هل يجب إدخال يدي في جميع الأذن؟ وما حكم المادة الصمغية التي في الأذن هل يجب إزالتها حتى يصل الماء لجميع الأذن من الداخل؟ مع العلم أن هذه المادة الصمغية قد تخرج من داخل الأذن.`]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم هو مسح الأذنين، لا غسلهما، يمسح ظاهرهما بإبهاميه، وباطنهما بسبابتيه، بما تبقى من البلل في يديه بعد مسح الرأس. روى الترمذي (36) عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما. قال أبو عيسى الترمذي: وحديث ابن عباس حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم يرون مسح الأذنين ظهورهما وبطونهما. وروى النسائي (74) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم: (ثم مسح برأسه وأذنيه باطنهما بالسباحتين وظاهرهما بإبهاميه) صححه الألباني في صحيح النسائي. وفي "تحفة الأحوذي" " وظاهر الأذنين: خارجهما مما يلي الرأس، وباطن الأذنين: داخلهما مما يلي الوجه " انتهى. وروى أبو داود عن المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فلما بلغ مسح رأسه وضع كفيه على مقدم رأسه فأمرهما حتى بلغ القفا ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه، ومسح بأذنيه ظاهرهما وباطنهما، وأدخل أصابعه في صماخ أذنيه) صححه الألباني في صحيح أبي داود. قال "في عون المعبود": " الصماخ: الخرق الذي في الأذن المفضي إلى الدماغ " انتهى. وقال النووي في "المجموع" (1/443) : " وأما كيفية مسح الأذنين، فقال إمام الحرمين والغزالي وجماعات: يأخذ الماء بيديه ويدخل مسبحتيه في صماخي أذنيه ويديرهما على المعاطف ويمر الإبهامين على ظهور الأذنين " انتهى بتصرف. وما كان على فتحة الأذنين من المادة الصمغية فإنه يزال، بخلاف ما كان داخلا، ولا يشرع إدخال الماء داخل الأذن، والمطلوب هو المسح لا الغسل كما سبق. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 34172 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 233 صبغة الشعر هل يجوز المسح عليها في الوضوء [السُّؤَالُ] ـ[إذا أرادت المرأة أن تضع طلاء الأظافر فيجب عليها أن تزيله قبل أن تتوضأ ولكن ماذا عن صبغ الشعر؟ هل تجب إزالة الصبغ قبل مسح الرأس عند الوضوء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الذي يظهر والله أعلم أن تلبيد الشعر بالحناء أو ما شابهه لا يؤثر في الوضوء، بل يكتفى بالمسح عليه. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (إذا لبدت المرأة رأسها بحناء أو ما شابهه فإنها تمسح عليه، ولا حاجة إلى أنها تنقض الرأس وتَحُتُّ (تزيل) هذا الحناء لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان في إحرامه ملبداً، فما وضع على الرأس من التلبيد فهو تابع له (يعني: تابع للرأس) وهذا يدل على أن تطهير الرأس فيه شيء من التسهيل) انظر الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين (1/196) ، فتاوى المرأة المسلمة والتلبيد هو وضع مادة على الشعر تلصق الشعر بعضه ببعض كالحناء. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 33724 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 234 المسح على اللصقة في الوضوء [السُّؤَالُ] ـ[ظهر ما يشبه الدمامل في رجلي وكان العلاج أن ألف مكان الدمل بلصقة بحيث لا يصلها الماء أثناء الوضوء ما حكم الوضوء في هذه الحالة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله وضوؤك صحيح إذا مسحت على اللصقة أو مرَّ الماء عليها. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 5/248 الحديث: 2173 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 235 طريقة المضمضة في الوضوء [السُّؤَالُ] ـ[هل يبطل الوضوء إذا تمضمض الإنسان ولم يدخل أصبعه في فمه، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يتمضمض بأصبعه وهل هذا خبر صحيح عنه صلى الله عليه وسلم؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يصح الوضوء بدون إدخال إصبعه في فمه عند المضمضة وأما الخبر فقد رواه الإمام احمد بسند ضعيف. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 5/208 الحديث: 1175 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 236 دعاء الوضوء [السُّؤَالُ] ـ[هل ثبت في الشرع دعاء أثناء الوضوء أو لا؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم دعاء أثناء الوضوء عند غسل الأعضاء أو مسحها، وما ذكر من الأدعية في ذلك مبتدع لا أصل له، وإنما المعروف شرعاً التسمية أوله والنطق بالشهادتين بعده وقول: (اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) بعد الشهادتين. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 5/205 الحديث: 1180 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 237 الاستنشاق واجب في الوضوء [السُّؤَالُ] ـ[توضأت للصلاة وأثناء الصلاة تذكرت عدم استنشاقي فما حكم وضوئي وصلاتي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الاستنشاق واجب في الوضوء لما ثبت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأمره بقوله: (من توضأ فليستنثر) رواه البخاري ومسلم، وقوله: (من توضأ فليستنشق) ومن لم يستنشق فوضوؤه غير صحيح، والواجب عليك إعادة الوضوء والصلاة. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 5/209 الحديث: 1197 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 238 لا بد من غسل الكف في غسل اليد في الوضوء [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من يغسل يده من الرسغ إلى المرفق، دون غسل الكف، مكتفيا بغسلها أول الوضوء، وهل يلزمه إعادة الوضوء؟.]ـ [الْجَوَابُ] لا يجوز في الوضوء الاقتصار على غسل الذراع فقط دون الكف بل متى فرغ من غسل الوجه بدأ بغسل اليدين، فيغسل كل يد من رؤوس الأصابع إلى المرافق، ولو كان قد غسل الكفين قبل الوجه، فإن غسلهما الأول سنة، وبعد الوجه فرض، فمن اقتصر في غسل اليدين من الرسغ إلى المرفق فما أكمل الفرض المطلوب، فعليه إعادة الوضوء بعد التمام، أو عليه غسل ما تركه إن كان قريبا، فيغسل الكفين وما بعدهما. [الْمَصْدَرُ] اللؤلؤ المكين من فتاوى الشيخ ابن جبرين ص77. الحديث: 2069 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 239 أذكار الوضوء [السُّؤَالُ] ـ[ماذا يستحب فعله عند الوضوء؟ وماذا يقال بعده؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن صفة الوضوء الشرعي هي: أن يفرغ الشخص من الإناء على كفيه ثلاث مرات ثم يدخل يده اليمنى في الإناء فيتمضمض ويستنثر ثلاث مرات ثم يغسل وجهه ثلاث مرات ثم يغسل يديه إلى المرفقين ثلاثاً ثم يمسح رأسه وأذنيه مرة واحدة ثم يغسل رجليه إلى الكعبين ثلاث مرات وإن غسل مرتين مرتين أو مرة مرة أجزأ ذلك ثم يقول بعد الوضوء: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين. فتاوى اللجنة الدائمة 5/231، وأما قبل الوضوء فإنّه يسمّي الله تعالى لحديث: لا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ. سنن الترمذي 56. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2165 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 240 حكم الوضوء وبين الأسنان بقايا طعام [السُّؤَالُ] ـ[عند تناول الطعام تتواجد بعض الفضلات بين الإسنان وإذا توضأنا أو اغتسلنا ولم نستطع إخراج هذه الفضلات هل يصح الوضوء أو الإغتسال؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يصح الوضوء والغسل ولو بقي شيء من الفضلات بين الإسنان لكن إزالتها أفضل. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 5/234 الحديث: 2166 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 241 حكم الوضوء عاريا [السُّؤَالُ] ـ[عورة الرجل من السرة إلى الركبة فما حكم وضوئه عارياً أو لابساً سروالاً قصيراً لا يستر ركبته؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يصح وضوؤه، لأن كشف العورة ولبس السروال القصير لا يمنعان من صحة الوضوء، ولكن يحرم عليه كشف عورته بحضرة غير زوجته أو سريته وهي الأمة المملوكة له التي يباح له الاستمتاع بها. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 5/235 الحديث: 2167 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 242 لا يُشرع مسح الرقبة في الوضوء [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز مسح الرقبة عند الوضوء أم أنه غير مذكور في كتاب الله وسنة محمد صلى الله عليه وسلم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لم يثبت في كتاب الله تعالى ولا سنة الرسول صلى الله عليه وسلم أن مسح الرقبة سنة من سنن الوضوء، فلا يشرع مسحها. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 5/235 الحديث: 2168 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 243 التيمم عن العضو المريض عند عدم استطاعة استعمال الماء في طهارته في الوضوء والغسل [السُّؤَالُ] ـ[تزوجت في يوليو الماضي، عام 2008، لكني أجد أنه يصعب الاغتسال كل يوم، حيث يصيبني صداع شديد إذا غسلت رأسي كل يوم؛ فهل هناك شكل آخر من أشكال الغسل، بدلا من غسل الرأس؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: غسل الجنابة فرض واجب باتفاق الأمة، والواجب فيه تعميم البدن كله بالماء، بما في ذلك الرأس. قال النووي في: (بَاب صِفَة غُسْلِ الْجَنَابَة) : " وَالْوَاجِب مِنْ هَذَا كُلّه النِّيَّة فِي أَوَّل مُلَاقَاة أَوَّل جُزْء مِنْ الْبَدَن لِلْمَاءِ , وَتَعْمِيم الْبَدَن شَعْره وَبَشَره بِالْمَاءِ , وَمِنْ شَرْطه أَنْ يَكُون الْبَدَن طَاهِرًا مِنْ النَّجَاسَة , وَمَا زَادَ عَلَى هَذَا مِمَّا ذَكَرْنَاهُ سُنَّة " انتهى. "شرح مسلم" (3/229) . وقال الشوكاني رحمه الله: " أما تعميم البدن: فلا يتم مفهوم الغسل إلا به " انتهى. "السيل الجرار" (1/ 113) . ثانيا: رخص الله تعالى للمريض الذي يعجز عن استعمال الماء، أو يشق استعماله عليه مشقة لا يحتملها هو: أن يتيمم، وهذا من رحمة الله تعالى بهذه الأمة، وتخفيفه عنها، ما لم يخفف عن الأمم التي قبلها. قال تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) النساء / 43 قال السدي: " هو الجراح. والجراحة التي يتخوّف عليه من الماء، إن أصابه ضرَّ صاحبه، فذلك يتيمم صعيدًا طيبًا ". وقال مجاهد: " والمرض أن يصيب الرجل الجرح والقرح والجدريّ، فيخاف على نفسه من برد الماء وأذاه، يتيمم بالصعيد كما يتيمم المسافر الذي لا يجد الماء " انتهى. تفسير الطبري - (8 / 386-387) . قال الطبري: " فتأويل الآية إذًا: وإن كنتم جَرْحى أو بكم قروحٌ، أو كسر، أو علّة لا تقدرون معها على الاغتسال من الجنابة، وأنتم مقيمون غيرُ مسافرين، فتيمموا صعيدًا طيبًا " انتهى. "تفسير الطبري" (8 / 388) وقال السعدي رحمه الله: " فأباح التيمم للمريض مطلقًا، مع وجود الماء وعدمه، والعلة: المرض الذي يشق معه استعمال الماء " انتهى. "تفسير السعدي" (ص 179) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " مَنْ أَصَابَتْهُ جَنَابَةٌ مِنْ احْتِلَامٍ أَوْ جِمَاعٍ، حَلَالٍ أَوْ حَرَامٍ: فَعَلَيْهِ أَنْ يَغْتَسِلَ وَيُصَلِّيَ. فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الِاغْتِسَالُ لِعَدَمِ الْمَاءِ أَوْ لِتَضَرُّرِهِ بِاسْتِعْمَالِهِ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ مَرِيضًا يَزِيدُ الِاغْتِسَالُ فِي مَرَضِهِ، أَوْ يَكُونَ الْهَوَاءُ بَارِدًا وَإِنْ اغْتَسَلَ خَافَ أَنْ يَمْرَضَ بِصُدَاعِ أَوْ زُكَامٍ أَوْ نَزْلَةٍ: فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي، سَوَاءٌ كَانَ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً. وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا، وَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَمْنَعَ زَوْجَهَا مِنْ الْجِمَاعِ؛ بَلْ لَهُ أَنْ يُجَامِعَهَا، فَإِنْ قَدَرَتْ عَلَى الِاغْتِسَالِ [اغتسلت] ؛ وَإِلَّا تَيَمَّمَتْ. وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ إنْ قَدَرَ عَلَى الِاغْتِسَالِ وَإِلَّا تَيَمَّمَ ". انتهى. مجموع الفتاوى (21/451) ، وينظر (21/443 (. ثالثا: من أمكنه أن يغسل بعض أعضائه، وعجز عن غسل الباقي: غسل ما قدر عليه، وتيمم عن الباقي. قال ابن قدامة رحمه الله: " الْجَرِيحَ وَالْمَرِيضَ إذَا أَمْكَنَهُ غَسْلُ بَعْضِ جَسَدِهِ دُونَ بَعْضٍ , لَزِمَهُ غَسْلُ مَا أَمْكَنَهُ , وَتَيَمَّمَ لِلْبَاقِي. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ " انتهى. "المغني" (1/162) . قال علماء اللجنة: " من به جروح أو قروح أو كسر، أو مرض يضره منه استعمال الماء، فأجنب: جاز له التيمم، وإن أمكنه غسل الصحيح من جسده وجب عليه ذلك، وتيمم للباقي " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (24 / 407-408) وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: أنا امرأة متزوجة ومريضة بحساسية في الصدر، وعندي نزلة طولة العام، فكيف أصلي؟ هل أغتسل وبدون غسل الرأس ومسحه فقط؟ علمًا بأنني أُصاب بالنزلة عند غسل الرأس مرات في الأسبوع، وكثيرًا ما أترك الصلاة لعدم قدرتي على غسل الرأس ومسحه فقط. فأجاب: " إذا كان يضرك غسل الرأس من الجنابة والحيض: كفاك مسحه مع التيمم؛ لقول الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) . وقول النبي صلى الله عليه وسلم (ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فائتوا منه ما استطعتم) . "مجموع الفتاوى" (10/181) . وبناء على ما سبق: فإذا كان غسل الرأس يضرك ضررا شديدا، ولا تقدرين على غسله إلا بحرج شديد، لما يصيبك من الصداع: فإنه يجوز لك أن تغسلي بقية جسدك، وتمسح على رأسك، وتتيممي له. وقد قال الله عز وجل في آخر آية التيمم: (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة / 6 أما إن كان الصداع الذي يصيبك عند غسل الرأس صداعا محتملا – ولو ببعض مشقة – أو كان يمكن علاجه ببعض الأدوية، أو كان لا يستمر في العادة إلا فترة يسيرة، أو كان يزول باستعمال الماء الحار دون البارد، ونحو ذلك: فليست لك رخصة في ترك غسل الرأس أثناء الغسل، ولا يوجد بديل عن غسله. وإن كان يصيبك الصداع بسبب تكرار الغسل، فاغسلي رأسك بالمقدار الذي يغلب على ظنك أنه لا يصيبك من ورائه الصداع، إما تغسلينه مرة، وتتركين مرة، أو تغسلي مرتين وتتركي مرة، أو ما قدرت عليه، ولا يضرك فعله. ويمكنك التسهيل في غسل الرأس باستعمال أقل قدر من الماء تتحققين به وصول الماء إلى جميع الرأس، ويمكنك أيضا ألا تنقضي ضفائر رأسك، إن كان لك شعر طويل تضفرينه. والنصيحة لك ـ أخيرا ـ بعرض نفسك على طبيب ثقة، لعل بك علة تزول بالدواء. وينظر: إجابة السؤال رقم (27065) ، (129496) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 137298 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 244 حكم الاغتسال من الجنابة مع وجود لصقة تمنع الحمل [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الغسل من الجنابة على اللصقة (ايفرا) وهي عبارة عن لصقة توضع على الجلد في أي مكان في الجسم يوجد بها هرمون يمنع من حدوث الحمل يتم تغييرها مرة كل أسبوع، يتم الاغتسال من الجنابة أو الحيض بوجودها، علماً أنه إذا تم تغييرها مرتين أو أكثر في الأسبوع تصبح نسبة الهرمون في الجسم زائدة، فإذا كان لا يجوز فما حكم الصلوات السابقة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: أولاً: استخدام ما يمنع حدوث الحمل لا يجوز إلا عند الحاجة بضوابط شرعية قد سبق ذكرها في جواب السؤال رقم (21169) . ثانياً: يجب عند إرادة الاغتسال من الجنابة، تعميم البدن بالماء، وينظر جواب السؤال رقم (103738) . فإن كان على بدنه لصوق أو لفائف ... وجب نزعها عند إرادة الغسل، إن لم يخف ضرراً، فإن خاف ضرراً مسح عليها. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/173) : " قال الإمام أحمد: إذا توضأ , وخاف على جرحه الماء , مسح على الخرقة ..... وقال القاضي , في اللصوق على الجرح: إن لم يكن في نزعه ضرر نزعه , وغسل الصحيح , ويتيمم للجرح , ويمسح على موضع الجرح , فإن كان في نزعه ضرر، فحكمه حكم الجبيرة , يمسح عليه " انتهى. وهذا الحكم " وضع اللصقة على الجرح " فيما إذا كانت هناك ضرورة لوضعها، أما إذا لم تكن هناك ضرورة لوضعها فلا يصح الغسل من الجنابة إلا بإزالتها؛ لوجوب تعميم البدن بالماء، ولا شك أن هذه اللصوق تمنع وصول الماء إلى ما تحتها. فإن رأيت أنه لا بد من وضعها، فالواجب نزعها عند إرادة الغسل، ولا يجوز المسح عليها، ولا تقاس هذه اللصوق على الجبائر لأن وضعها ليس للضرورة. ثالثاً: لا يلزم قضاء الصلوات الفائتة، وينظر في ذلك جواب السؤال رقم (119755) . رابعاً: لم يتم التأكد بعد من أن استعمال هذه اللصقة لمنع الحمل وسيلة آمنة. فقد أثبتت بعض الدراسات حدوث أضرار، فقد تسبب المزيد من الجلطات الدموية بشكل يفوق أقراص منع الحمل إلا أن الأمر بحاجة إلي المزيد من الأبحاث. وأظهرت دراسة أن احتمال إصابة النساء اللائي يستخدمن اللصقة المسماة (اورثو ايفرا) Ortho Evra بالجلطات الدموية يزيد مرتين بالمقارنة مع النساء اللائي يتناولن الأقراص. ولكن دراسة أخرى وجدت أن المخاطر تبدو متماثلة بالنسبة للطريقتين. http://www.elaph.com/ElaphWeb/Health/2006/2/129288.htm والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136534 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 245 خروج المني بعد الاستيقاظ من النوم [السُّؤَالُ] ـ[إذا نمت وقمت من النوم أروح للحمام الله يكرمكم أريد التبوّل، وقبل أن أبول أنثر القضيب ويخرج شيء أبيض، ما يطلع وراء بعض دفق، لا، يطلع مرة واحدة، وهو كثيف وأبيض ولزج، وهذا يتعبني كل ما أقوم من النوم لازم أغتسل ما هو هذا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: أولاً: لا بد من معرفة المني، والمذي، والودي. فالمني كما قال النووي رحمه الله: "له رائحة كرائحة طلع النخل قريبة من رائحة العجين، وإذا يبس كانت رائحته كرائحة البيض. وأما المذي فهو ماء أبيض رقيق لزج يخرج عند الشهوة , لا بشهوة , ولا دفق ولا يعقبه فتور وربما لا يحس بخروجه، وأما الودي فماء أبيض كدر ثخين , يشبه المني في الثخانة ويخالفه في الكدورة ولا رائحة له , ويخرج عقيب البول، وعند حمل شيء ثقيل ويخرج قطرة أو قطرتين ونحوهما " انتهى من "المجموع" (2/161) باختصار وتصرف يسير. وفي الحديث: (إِنَّ مَاءَ الرَّجُلِ غَلِيظٌ أَبْيَضُ وَمَاءَ الْمَرْأَةِ رَقِيقٌ أَصْفَرُ) رواه مسلم (311) . فالظاهر أن ما تجده هو "المني"، فإن كان يخرج مصحوباً بشهوة وجب عليك الغسل، وإن لم يخرج بشهوة، فلا غسل عليك، وبهذا قال جماهير العلماء، وينظر جواب السؤال رقم (47693) . وقد ذكر أهل العلم رحمهم الله أن المني قد يخرج بغير شهوة لمرض أو برد، فننصحك بمراجعة الطبيب. تنبيه: قولك: أنثر القضيب. اعلم أنه لا يجوز للمسلم أن يثير شهوة نفسه، ما لم يكن عنده تصريف لها بالحلال، كما لو كانت له زوجة. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136525 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 246 اغتسل للجنابة ثم وجد بقعة صغيرة من مادة لاصقة على يده [السُّؤَالُ] ـ[عند الاغتسال من الجنابة تبين أنه يوجد بقعة صغيرة من مادة لاصقة على أحد أصابع اليد، ولا أعلم إن كان قبل الغسل أم بعده، فما حكم ذلك؟ هل يلزم إعادة الغسل أم ماذا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يشترط لصحة الطهارة: إزالة ما يمنع وصول الماء إلى البشرة؛ ليتحقق غسل الأعضاء المأمور بغسلها شرعا. ومن اغتسل أو توضأ ثم رأى ما يمنع وصول الماء كالمادة اللاصقة، ولم يدر وقت حدوثها، فالأصل أنها بعد الطهارة، لأن "الحادث يضاف إلى أقرب أوقاته " كما تقرر في قواعد الفقه. وينظر: "غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر" (1/217) ، "درر الحكام في شرح مجلة الأحكام" (1/28) . وعليه؛ فلا يلزمك إعادة الغسل، لعدم التحقق من وجود المادة اللاصقة قبله. ثانياً: ذهب بعض أهل العلم إلى أنه يعفى عن المانع اليسير سواء كان تحت الأظفار أو في أي محل من البدن، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. قال المرداوي في "الإنصاف" (1/158) : " فائدة: لو كان تحت أظفاره يسير وسخ , يمنع وصول الماء إلى ما تحته لم تصح طهارته. قاله ابن عقيل , وقدمه في القواعد الأصولية , والتلخيص , وابن رزين في شرحه. وقيل: تصح , وهو الصحيح , صححه في الرعاية الكبرى , وصاحب حواشي المقنع , وجزم به في الإفادات , وقدمه في الرعاية الصغرى. وإليه ميل المصنف (ابن قدامة) , واختاره الشيخ تقي الدين ... وألحق الشيخ تقي الدين كل يسيرٍ منع , حيث كان من البدن , كدم وعجين ونحوهما. واختاره " انتهى. وعلى فرض أن هذه المادة اللاصقة كانت قبل الاغتسال، وأنه لا يعفى عن المانع اليسير، فلا يجب عليك إعادة الغسل، وإنما يكفيك أن تزيل هذه البقعة ثم تغسل ما تحتها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131739 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 247 يتساقط شعرها ويضرها غسل رأسها فكيف تغتسل من الحيض والجنابة؟ [السُّؤَالُ] ـ[أخت لنا في الله تعاني من تساقط الشعر والدكتور طلب منها عدم غسله بالماء إلا مرة كل أسبوع مع العلاج لمدة ثلاثة أشهر. كيف لها أن تتطهر من الجنابة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب في غسل الجنابة استيعاب جميع البدن بالماء، إلا أن المرأة إذا ضفرت شعرها لم يلزمها نقضه، لكن تحثي على رأسها الماء بحيث يصل إلى جميع شعرها. وذلك لما روى مسلم (330) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي، فَأَنْقُضُهُ لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ؟ قَالَ: (لا، إِنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِي عَلَى رَأْسِكِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ، ثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَيْكِ الْمَاءَ فَتَطْهُرِينَ) وفي رواية: (فَأَنْقُضُهُ لِلْحَيْضَةِ وَالْجَنَابَةِ؟ فَقَالَ: لا) . قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: " فمذهبنا ومذهب الجمهور أن ضفائر المغتسلة إذا وصل الماء إلى جميع شعرها ظاهرِه وباطنِه من غير نقض لم يجب نقضُها، وإن لم يصل إلا بنقضِها وجب نقضُها، وحديث أم سلمة محمول على أنه كان يصل الماء إلى جميع شعرها من غير نقض؛ لأن إيصال الماء واجب. وحُكِي عن النَّخعي وجوبُ نقضها بكل حال، وعن الحسن وطاوس وجوب النقض في غسل الحيض دون الجنابة، ودليلنا حديث أم سلمة " انتهى. وإذا كان استعمال الماء يضرها ويؤدي إلى تساقط شعر رأسها، فإنها تتيمم وتغسل بقية جسدها؛ لقوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا) المائدة/6، ففي الآية دليل على أن المريض الذي يضره استعمال الماء أو يؤدي إلى تأخير شفائه أنه يتيمم , وقد بيَّن الله تعالى حكمة هذا التشريع فقال: (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة / 6. وإن أمكنها مسح رأسها، مسحته وتيممت وغسلت باقي جسدها، لأن هذا في وسعها، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها. وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: أنا امرأة متزوجة ومريضة بحساسية في الصدر، وعندي نزلة طول العام فكيف أصلي؟ هل أغتسل وبدون غسل الرأس ومسحه فقط؟ علمًا بأنني أُصاب بالنزلة عند غسل الرأس مرات في الأسبوع وكثيرًا ما أترك الصلاة لعدم قدرتي على غسل الرأس ومسحه فقط ومترددة وقلقة ومنزعجة جدًا رغم أنني أعرف أن الدين يسر، فأرجو إفادتي بالإجابة القاطعة حتى أستطيع أن أعيش في أمان، وأؤدي فرضي كاملاً، علمًا بأنني مدرسة ويوميًا أخرج للعمل فأُصاب بالهواء الذي يُلزمني السرير عادة فأنا مريضة، والله يعلم فأنا حائرة بين ممارسة حياتي الزوجية وهي طاعة الزوج وفوق ذلك طاعة الله. فأجاب: "إذا كان يضرك غسل الرأس من الجنابة والحيض كفاك مسحه مع التيمم، لقول الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) . وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فائتوا منه ما استطعتم) " انتهى نقلا عن "فتاوى إسلامية" (1/214) . وينظر صفة التيمم في جواب السؤال رقم (21074) . وهذا التيمم يجوز أن يكون قبل الغسل أو بعده، لأن الترتيب بين الأعضاء لا يجب في الغسل. ويجب التنبه إلى أن بعض النساء تبالغ في الخوف من تساقط الشعر، فلا بد أن يكون تساقط الشعر مرضا حقيقيا وليس وهما أو هاجسا، حتى يرخص للمرأة في ترك غسل رأسها والاكتفاء بمسحه ولتيمم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129496 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 248 كانت تفعل العادة السرية ولا تغتسل وتصوم وتصلي [السُّؤَالُ] ـ[أرجو من فضيلتكم أن يفتيني في أمري الذي قد بعثت به إلى الكثير ولم أجد منهم >الرد وقد عشت في قلق دائم فأرجو منكم فتواى كنت في سن صغيرة افعل العادة السيئة منذ عمري 12سنة ولم أكن اعرف معناها أو حتى ما هي وفي سن 14سنة عرفت أنها العادة السرية السيئة ولكن لم أكن اعرف حكمها فقط أنها خطرة وأنها تسبب أمراض ولم أكن في هذه السن أصلي ولكني أصوم دون صلاة. وفي سن 15سنة بدأت أصلي وأصوم ولا أسمع الأغاني ولكني لازلت أفعل العادة السرية ولا أعرف حكمها أيضا وإذا فعلتها لم أكن اغتسل وكنت أصلي بعدها وأصوم وقد فعلتها في ظهر رمضان مرتان لا أدري، وفي سن 18 قرأت في كتاب أنها محرمة ويجب الغسل بعدها ولكني لم أستطع التوبة منها واستمر فعلي لها حتى بعد الزواج والآن تبت إلى الله توبة نصوحاً وعمري 27سنة السؤال ما حكم ما فعلته وما علي فعله؟ وما حكم صومي وصلاتي عندما كنت أفعلها ولم أكن أغتسل ثم أقوم للصلاة وما حكم صيامي وما كفارة ما فعلت وما حكم صيام اليومين الذين فعلت فيهما العادة في ظهر رمضان وما هي الكفارة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: يحرم الاستمناء أو ما يسمى بـ "العادة السرية" لأدلة سبق بيانها في جواب السؤال رقم 329، وإذا خرج المني بذلك وجب الغسل. وليس في فعل الاستمناء كفارة، لكن تجب التوبة منه، وذلك بالإقلاع عنه، والندم على فعله، والعزم على عدم العودة إليه. ثانيا: إذا كانت ممارستك للعادة السرية يصحبها خروج المني، فهذا مبطل للصوم، ولا تصح معه الصلاة إلا أن تغتسلي. وإذا لم يكن يصحبها خروج المني فصلاتك وصومك صحيحان. ثالثا: من استمنى وهو جاهل بوجوب الغسل منه وبكونه مبطلا للصوم، فهل يلزمه قضاء الصلاة والصوم؟ في ذلك خلاف بين الفقهاء، والجمهور على وجوب القضاء، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يجب، وينظر جواب السؤال رقم (50017) . والأحوط أن تقضي صوم اليومين، إذا كان قد خرج المني. وأما الصلاة فينبغي أن تكثري من النوافل والأعمال الصالحة، ولا نرى لزوم قضائها. رابعا: ينبغي أن تعلمي أن البلوغ له علامات، وأن الفتاة قد تبلغ قبل سن الخامسة عشرة، إذا حاضت، أو ظهر عليها شيء من علامات البلوغ الأخرى، وينظر في ذلك جواب السؤال رقم (20475) ورقم (21246) . وما جرى معك يؤكد أهمية طلب العلم الشرعي، وهو أمر ميسر في هذا الزمن والحمد لله. ونسأل الله لنا ولك التوفيق والثبات. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127290 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 249 إذا استمنى الزوج بيد زوجته فهل يلزمها الغسل أيضا؟ [السُّؤَالُ] ـ[أعيش هذه الأيام أنا وزوجتي في بيت أقاربها، وفي بعض الأحيان أريد أن أعاشرها، ولكنها تستحي من الغسل بعد ذلك، وأنا بدوري أقدر هذا الموقف، إلا أنني في بعض الأحيان لا أستطيع أن أحتمل فأطلب منها أن تستخدم يدها في ذلك. أنا أعلم أنه يجب علي الغسل في هذه الحالة، لكن ماذا عنها هل عليها من غسل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الواقع ما ذكرت فليس عليها غسل ما لم تنزل هي. فقد روى البخاري (130) ومسلم (313) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ فَهَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا احْتَلَمَتْ؟ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا رَأَتْ الْمَاءَ. فقيد النبي صلى الله عليه وسلم وجوب الغسل بما إذا رأت الماء. قال ابن قدامة في "المغني" (1/ 127) : " خُرُوجُ الْمَنِيِّ الدَّافِقِ بِشَهْوَةٍ , يُوجِبُ الْغُسْلَ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي يَقَظَةٍ أَوْ فِي نَوْمٍ. وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ. قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا " انتهى. وقال أيضا (1/129) : " عَلَّقَ الِاغْتِسَالَ عَلَى الرُّؤْيَةِ وَفَضْخِهِ , بِقَوْلِهِ: " إذَا رَأَتْ الْمَاءَ " وَ " إذَا فَضَخْت الْمَاءَ فَاغْتَسِلْ " فَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِدُونِه " انتهى. وينظر: فتح الباري، للحافظ ابن حجر (1/389) ، وفتح الباري، للحافظ ابن رجب (2/51) . على أننا ننبه الزوج إلى أن هذا الوضع غير مقبول شرعا، أن يعيش هو وزوجه في بيت بعض أقربائه، أو أقربائها، بحيث لا يتمكن من معاشرتها، على الوجه المناسب، ولا يصون سرها، وتصون سره، والواجب أن يسعى في تدبير مسكن مستقل، يصلح للعشرة الزوجية، في أقرب وقت ممكن. قال ابن مفلح رحمه الله: " يَلْزَمُ الزَّوْجَ نَفَقَةُ زَوْجَتِهِ وَكِسْوَتُهَا وَسُكْنَاهَا بِمَا يَصْلُحُ لِمِثْلِهَا بِالْمَعْرُوفِ ". انتهى. "الفروع"، لابن مفلح (10/329) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127185 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 250 متى يبدأ وقت استحباب غسل الجمعة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجزئ غسل الجمعة بعد صلاة المغرب من ليلة الجمعة؟ أم هل يجب الغسل صبيحة يوم الجمعة؟ كذلك بخصوص سورة الكهف , هل تُجزئ قراءتها ليلة الجمعة بعد المغرب، أم يجب أن تُقرأ يوم الجمعة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: اختلف العلماء في ابتداء وقت غسل الجمعة، فذهب جمهورهم (منهم الشافعية والحنابلة والظاهرية) إلى أنه من فجر يوم الجمعة، وروي ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما. قال الخطيب الشربيني الشافعي رحمه الله عن وقت غسل الجمعة: " ووقته من الفجر الصادق؛ لأن الأخبار علَّقته باليوم , كقوله صلى الله عليه وسلم: (من اغتسل يوم الجمعة ثم راح في الساعة الأولى) الحديث , فلا يجزئ قبله. وقيل: وقته من نصف الليل كالعيد .... وتقريبه من ذهابه إلى الجمعة أفضل؛ لأنه أبلغ في المقصود من انتفاء الرائحة الكريهة , ولو تعارض الغسل والتبكير فمراعاة الغسل أولى، كما قاله الزركشي ; لأنه مختلف في وجوبه " انتهى باختصار. " مغني المحتاج " (1/558) . وقال البهوتي الحنبلي رحمه الله: " وأوله: من طلوع الفجر , فلا يجزئ الاغتسال قبله .... والأفضل أن يغتسل عند مضيه إلى الجمعة؛ لأنه أبلغ في المقصود " انتهى باختصار. " كشاف القناع " (1/150) . وقال ابن حزم رحمه الله: " أول أوقات الغسل المذكور إثر طلوع الفجر من يوم الجمعة ... وروينا عن نافع عن ابن عمر: أنه كان يغتسل بعد طلوع الفجر يوم الجمعة فيجتزئ به من غسل الجمعة. وعن مجاهد والحسن وإبراهيم النخعي أنهم قالوا: إذا اغتسل الرجل بعد طلوع الفجر أجزأه " انتهى باختصار. " المحلى " (1/266) . وعند الإمام مالك: يبدأ وقت غسل الجمعة قبيل الذهاب إليها، فلا يجزئه إلا عند الذهاب إليها، فلو اغتسل بعد الفجر ولم يذهب مباشرة للمسجد لم يجزئه ويندب له إعادته. قال النووي رحمه الله: " لو اغتسل للجمعة قبل الفجر لم تجزئه على الصحيح من مذهبنا , وبه قال جماهير العلماء. وقال الأوزاعي: يجزئه. ولو اغتسل لها بعد طلوع الفجر أجزأه عندنا وعند الجمهور، حكاه ابن المنذر عن الحسن ومجاهد والنخعي والثوري وأحمد وإسحاق وأبي ثور. وقال مالك: لا يجزئه إلا عند الذهاب إلى الجمعة. وكلهم يقولون: لا يجزئه قبل الفجر إلا الأوزاعي فقال: يجزئه الاغتسال قبل طلوع الفجر للجنابة والجمعة " انتهى. " المجموع " (4/408) ، وانظر: " حاشية العدوي " (1/379) ، " التاج والإكليل " (2/543) . وقد اختار القول الأول (أن أول وقته يبدأ من طلوع الفجر) الشيخ ابن باز رحمه الله، وقد نقلنا فتواه في ذلك في جواب السؤال رقم (14073) وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "غسل الجمعة يبدأ من طلوع الفجر، لكن الأفضل أن لا يغتسل إلا بعد طلوع الشمس؛ لأن النهار المتيقن من طلوع الشمس، لأن ما قبل طلوع الشمس من وقت صلاة الفجر، فوقت صلاة الفجر لم ينقطع بعد، فالأفضل أن لا يغتسل إلا إذا طلعت الشمس، ثم الأفضل أن لا يغتسل إلا عند الذهاب إلى الجمعة فيكون ذهابه إلى الجمعة بعد الطهارة مباشرة" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (16/142) . ثانيا: أما وقت استحباب قراءة سورة الكهف يوم الجمعة، فهو من غروب شمس يوم الخميس إلى غروب شمس يوم الجمعة، لأن الأحاديث جاءت بالترغيب في قراءتها (يوم الجمعة) و (ليلة الجمعة) ، وقد سبق بيان ذلك في جواب رقم: (10700) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127087 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 251 لا يكفي مسح الرأس وتخليله في غسل الجنابة [السُّؤَالُ] ـ[ورد في سؤال 2648 طريقة غسل الشعر من الجنابة , لكن هل يجوز تخليل الشعر والاكتفاء بالمسح عليه فقط لأني أجد مشقة في غسله كل مرة بسبب استعمال مجفف الشعر للظهور بمظهر جميل أمام زوجي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب في الغسل من الجنابة غسل البدن كله ومنه الشعر، والغسل هو جريان الماء على العضو. الشرح الممتع 1/ 128 فلا بد من إفاضة الماء على الشعر وإيصاله إلى ما تحته، أما مجرد المسح على الشعر فلا يكفي لأنه لا يعتبر غسلاً، والواجب هو الغسل لا المسح. عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ يَبْدَأُ فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ ثُمَّ يُفْرِغُ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فَيَغْسِلُ فَرْجَهُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءهُ لِلصَّلاةِ ثُمَّ يَأْخُذُ الْمَاءَ فَيُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي أُصُولِ الشَّعْرِ حَتَّى إِذَا رَأَى أَنْ قَدْ اسْتَبْرَأَ حَفَنَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاثَ حَفَنَاتٍ ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ " رواه مسلم 474، قال الشيخ ابن عثيمين في شرحه لهذا الحديث: " يجب إيصال الماء في الغسل من الجنابة إلى ما تحت الشعر ولو كان كثيفا. يؤخذ هذا من إدخال أصابعه (صلى الله عليه وسلم) في الشعر وحفن ثلاث مرات بعد أن روّى أصوله ".ا. هـ. شرح بلوغ المرام (ص399) قال الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله: " يُرشد النساء اللاتي يتحرجن من غسل رؤوسهن في الجنابة بأنه يكفيهن أن يحثين على رءوسهن ثلاث حثيات من الماء حتى يعمه الماء من غير حاجة إلى نقض ولا تغيير شيء من الزي الذي يشق عليهن تغييره، مع بيان مالهن عند الله من الأجر العظيم والعاقبة الحميدة والحياة الطيبة الكريمة الدائمة في دار الكرامة إذا صبرن على أحكام الشريعة وتمسكن بها " مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله 6/236 انظر السؤال رقم (34776) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 27065 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 252 صفة الغُسْل للجَنابة [السُّؤَالُ] ـ[ما هي صفة الغُسْل للجَنابة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله غُسْل الجَنابة له صفتان: صفةٌ مُجزِئَةٌ، وصفةٌ كاملةٌ: أما الصفةُ الْمُجزِئة فأَنْ يتمضْمَضَ ويستنشِق ويَعُمَّ بدَنَه بالماء ولو دُفعةً واحدةً ولو ينغَمِس في ماءٍ عميقٍ. وأمَّا الكاملة فهي أنْ يغسِل فَرْجَه وما تلوَّثَ مِن آثارِ الجَنابة ثُمَّ يتوضَّأ وُضوءاً كاملاً ثُمَّ يَحْثُو الماء على رأسه ثلاثاً حتى يروِيَه إلى أصول شَعْره ثم يغسل شِقَّه الأيمنَ ثُمَّ شِقَّه الأيسرَ. [الْمَصْدَرُ] إعلام المسافرين ببعض آداب وأحكام السفر وما يخص الملاحين الجويين لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ص 11. الحديث: 10790 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 253 يتكاسل عن الغسل لبرودة المياه ويسأل عن رخصة [السُّؤَالُ] ـ[مشكلتي أنني أتكاسل أحياناً عن الغسل بسبب برودة المياه أو الإرهاق وأنا أخشى أن أكون منافقا. هل من رخصة أو شيء ما لكي يصبح التطهر أسهل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من أصابته جنابة من احتلام أو جماع، لزمه الغسل؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) المائدة/6. فإن لم يستطع الغسل لعدم الماء، أو لعدم قدرته على استعماله، تيمم وصلى؛ لقوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة/6. وكذلك من احتلم وخشي من حصول مرضٍ إن استعمل الماء البارد ولم يجد ما يسخنه به، فإنه يتيمم، وهذا في حكم النادر أو القليل اليوم لمن يعيش في المدن، لكثرة وسائل تسخين الماء المتاحة. والمقصود أن برودة الماء ليست عذرا في تأخير الغسل، ما دام يمكنك تسخينه، فإن لم يمكن تسخينه، وخشيت الضرر باستعمال الماء البارد، فقد جعل الله لك رخصة في التيمم. والصلاة شأنها عظيم، ولا يجوز تأخيرها عن وقتها، ويجب المبادر بالغسل لأدائها في وقتها، قال الله تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) البقرة/238، وقال سبحانه: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) النساء/103، أي: لها وقت محدد، وتوعد الله من تهاون في أمر الصلاة فقال: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) مريم/59. قال ابن مسعود رضي الله عنه: الغي: واد في جهنم، بعيد القعر، خبيث الطعم. وجاء عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم أن من ترك صلاة واحدة متعمدا حتى خرج وقتها أنه كافر، وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) رواه البخاري (553) . وقال صلى الله عليه وسلم: (لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا، وَإِنْ قُطِّعْتَ وَحُرِّقْتَ، وَلَا تَتْرُكْ صَلَاةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا فَمَنْ تَرَكَهَا مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ، وَلَا تَشْرَبْ الْخَمْرَ، فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ) رواه ابن ماجه (4034) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه. فبادر أيها الأخ بالاغتسال، وأَدِّ الصلاة في وقتها، واحذر من اتباع الشيطان والنفس الأمارة بالسوء، وتخلق بصفات أهل الإيمان، وتجنب خصال أهل النفاق الذين قال الله فيهم: (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا) النساء/142. نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 117210 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 254 هل يجب غسل الشعر في غسل الجماع [السُّؤَالُ] ـ[هل يجب غسل الشعر بعد الجماع حتى يصح الاغتسال؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله غسل الشعر في غسل الجنابة واجب ودليل ذلك حديث عائشة قالت: عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ يَبْدَأُ فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ ثُمَّ يُفْرِغُ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فَيَغْسِلُ فَرْجَهُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءهُ لِلصَّلاةِ ثُمَّ يَأْخُذُ الْمَاءَ فَيُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي أُصُولِ الشَّعْرِ حَتَّى إِذَا رَأَى أَنْ قَدْ اسْتَبْرَأَ حَفَنَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاثَ حَفَنَاتٍ ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ " رواه مسلم 474، قال الشيخ ابن عثيمين في شرحه لبلوغ المرام (ص399) : وفيه أيضا دليل على أنه يجب إيصال الماء في الغسل من الجنابة إلى ما تحت الشعر ولو كان كثيفا يؤخذ هذا من إدخال أصابعه في الشعر وحفن ثلاث مرات بعد أن روّى أصوله.ا. هـ. وهذا الحكم لا فرق فيه بين الرجل والمرأة إلا أن العلماء تكلموا في نقض الشعر إذا كان مجدّلا في غسل الجنابة والحيض بالنسبة للمرأة والراجح أنه لا يجب نقض الشعر المضفور ودليل ذلك حديث أم سلمة قالت: قلت يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه لغسل الجنابة، وفي رواية " والحيضة؟ فقال: لا، إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات. رواه مسلم. ومن الأدلة أيضا ما جاء عن عبيد بن عُمير قال: بلغ عائشة أن عبد الله بن عمر يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن فقالت: يا عجبا لابن عمر هذا، يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن أفلا يأمرهن أن يحلقن رؤوسهن لقد كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد ولا أزيد على أن أُفرغ على رأسي ثلاث إفراغات. رواه مسلم (331) . قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين في شرح بلوغ المرام (ص406) : وهذا الحديث في اغتسال المرأة هل يجب عليها أن تنقض هذه الجدايل وتغسل ما تحتها أم لا؟ فبين الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لا يجب أن تنقضه لما في ذلك من المشقة ولا سيما في غسل الجنابة وفي هذه المسألة خلاف فذهب بعض أهل العلم أنه يجب على المرأة أن تنقض الشعر في غسل الحيض ولا تنقضه في غسل الجنابة والفرق بين غسل الجنابة وغسل الحيض ظاهر لأن غسل الجنابة يتكرر فيشق عليها أن تنقضه في الصباح وتفتله في المساء وبالعكس أما غسل الحيض فإنه لا يأتي غالبا إلا مرة واحدة في الشهر فيسهل عليها أن تنقضه.. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2648 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 255 اغتسلت وصلت دون أن تغسل شعرها [السُّؤَالُ] ـ[بعض المرات أغتسل من الجنابة أو من الحيض ولا أغسل شعري لأنه مضفر فما حكم ذلك؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا خطأ كبير ولا يجوز فعله، وبناء عليه لا تصح الصلاة بل لا بد من أن تغسلي كافة البدن بما في ذلك الشعر كما في حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله إني امرأة أشد شعر رأسي، أفأنقضه لغسل الجنابة؟ قال: " لا إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات " رواه مسلم برقم (330) ، فإذا كان شعرك مضفرا فإنك تغسلينه وتدخلين الماء إلى أصوله مع غسل ما استرسل منه وهذا لا بد منه، وصلاتك لا تصح لأنك لم تغتسلي من الجنابة لأن غسل الجنابة مشروط فيه تعميم البدن بالماء بما في ذلك الشعر وكذلك الغسل للطهر من الحيض أو النفاس. فعليك أن تقضي صلاتك التي صليتها وأنت لم تغسلي شعرك عند رفع الجنابة أو الطهر من الحيض. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] فتاوى الشيخ عبد الله بن حميد ص 53. الحديث: 9755 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 256 احتلم ولم يغتسل لشدة البرد [السُّؤَالُ] ـ[كنت مرة نائماً بعد الظهر بعد أن تناولت وجبة الغداء، رأيت حلماً ثم احتلمت، استيقظت حين أُذن لصلاة العصر، كان الجو بارداً جداً فلم أستطع أن أغتسل أزلت آثار المني من سروالي وتيممت وصليت العصر. هل فعلت الشيء الصحيح؟ هل يجب الاغتسال بعد الاحتلام؟ أم يكفي إزالة آثار المني والوضوء لكي أكون طاهراً؟ في الحقيقة وبسبب البرد فقد اغتسلت بعد عدة أيام وكنت أصلي كل هذه الأيام بنفس الملابس.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فإن من رحمة الله بعباده أن التكليف يسقط مع العجز عنه، لقوله تعالى: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} . ومن ذلك عدم القدرة على الاغتسال من الجنابة، فمن لم يستطع أن يغتسل لمرضٍ أو بردٍ شديد فله أن يتيمم ولا إعادة عليه؛ لحديث عمرو بن العاص قال: " احْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السُّلاسِلِ فَأَشْفَقْتُ إِنْ اغْتَسَلْتُ أَنْ أَهْلِكَ فَتَيَمَّمْتُ ثُمَّ صَلَّيْتُ بِأَصْحَابِي الصُّبْحَ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا عَمْرُو صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي مَنَعَنِي مِنْ الاغْتِسَالِ وَقُلْتُ إِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا " رواه أبو داود (334) وصححه الألباني في صحيح أبي داود (323) وعلقه البخاري. فإذا كنت في مكان ولا تجد ما تسخّن به الماء وتخشى المرض لو اغتسلت بالماء البارد ففعلك صحيح ولا إعادة عليك. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 20156 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 257 لم يكن يغتسل من الجنابة جهلا فهل يقضي الصلوات [السُّؤَالُ] ـ[عندما كنت في الصف الأول متوسط حدثني أحد أقاربي عن المذي وقال لي إنه هو الذي يخرج عند الشهوة وعندما وصلت إلي الصف الثالث متوسط أخذت درسا عن المذي وكيفية التطهر منه وبعدها كلما أكون جنبا أغسل ذكري وأتوضأ للصلاة جهلا مني أنه المني ولما علمت حكمه تقريبا بعد ثلاث سنوات حزنت على الصلوات التي كنت أصليها فهل يجب علي الإعادة بسبب أني فهمت خطأ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الفرق بين المذي والمني معروف، وينظر بيانه في جواب السؤال رقم (2458) والواجب على المسلم أن يتعلم ما يلزم لصحة عقيدته وعبادته ومعاملته. ومن صلى صلوات كثيرة بغير طهارة صحيحة، جهلا منه بوجوب الطهارة، لم تلزمه الإعادة على الراجح. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وعلى هذا لو ترك الطهارة الواجبة لعدم بلوغ النص، مثل: أن يأكل لحم الإبل ولا يتوضأ ثم يبلغه النص ويتبين له وجوب الوضوء، أو يصلي في أعطان الإبل ثم يبلغه ويتبين له النص: فهل عليه إعادة ما مضى؟ فيه قولان هما روايتان عن أحمد. ونظيره: أن يمس ذَكَره ويصلى، ثم يتبين له وجوب الوضوء من مس الذكر. والصحيح في جميع هذه المسائل: عدم وجوب الإعادة؛ لأن الله عفا عن الخطأ والنسيان؛ ولأنه قال: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) ، فمن لم يبلغه أمر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شيءٍ معيَّنٍ: لم يثبت حكم وجوبه عليه، ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر وعمَّاراً لما أجْنبا فلم يصلِّ عمر وصلَّى عمار بالتمرغ أن يعيد واحد منهما، وكذلك لم يأمر أبا ذر بالإعادة لما كان يجنب ويمكث أياماً لا يصلي، وكذلك لم يأمر مَن أكل من الصحابة حتى يتبين له الحبل الأبيض من الحبل الأسود بالقضاء، كما لم يأمر مَن صلى إلى بيت المقدس قبل بلوغ النسخ لهم بالقضاء. ومن هذا الباب: المستحاضة إذا مكثت مدة لا تصلي لاعتقادها عدم وجوب الصلاة عليها، ففي وجوب القضاء عليها قولان، أحدهما: لا إعادة عليها – كما نقل عن مالك وغيره -؛ لأن المستحاضة التي قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: (إني حضت حيضةً شديدةً كبيرةً منكرةً منعتني الصلاة والصيام) أمرها بما يجب في المستقبل، ولم يأمرها بقضاء صلاة الماضي " انتهى من "مجموع الفتاوى" (21 / 101) . وينظر جواب السؤال رقم (45648) . وينبغي أن تكثر من النوافل، فإن النوافل تكمل الناقص الحاصل في الفريضة، وأقبل على تعلم العلم النافع، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ) رواه البخاري (71) ومسلم (1037) . وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 115532 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 258 من احتلم ولم يجد منيا فلا غسل عليه [السُّؤَالُ] ـ[عندما أستيقظ من النوم بعد الاحتلام مباشرة أكون على يقين بأنه لم يخرج مني شيء سواء مني أو مذي , ولكن من كثرة الوساوس أقوم بفحص داخل القضيب كأني أجد شيا يسيرا بداخله أقوم بعصر القضيب فلم يخرج شيء ويغلب على ظني أن هذا ليس منيا , وهذا الإشكال يكون عندي في المنام فقط نتيجة فتواكم التي تقول بأن كل ما يكون بعد الاحتلام غالبا يكون منيا وهذا مما يجعل المرء في حيرة من أمره , أفدني جزاك الله.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من رأى أنه احتلم ثم استيقظ ولم يجد بللا، فلا غسل عليه؛ لما روى البخاري (130) ومسلم (313) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ، فَهَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا احْتَلَمَتْ؟ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا رَأَتْ الْمَاءَ) . قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/130) : " إذا رأى أنه قد احتلم , ولم يجد منيا , فلا غسل عليه. قال ابن المنذر: أجمع على هذا كل من أحفظ عنه من أهل العلم ... وإن انتبه فرأى منيا , ولم يذكر احتلاما , فعليه الغسل لا نعلم فيه اختلافا أيضا. وروي نحو ذلك عن عمر وعثمان , وبه قال ابن عباس وعطاء وسعيد بن جبير والشعبي والنخعي والحسن ومجاهد وقتادة ومالك والشافعي وإسحاق ; لأن الظاهر أن خروجه كان لاحتلام نسيه " انتهى. وإذا لم تجد على بدنك أو ثيابك منيا، فلا يلزمك فحص داخل القضيب، بل هذا مما يوجب الوسوسة، ويقويها. ولم يكلفنا الله عز وجل بهذا الفحص، لا بعد النوم ولا عقب البول، وليس في الشريعة مثل هذا الحرج، قال الله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الحج/78، وهذا لا يؤخذ من فتوانا. فنصيحتنا أن تدع ذلك، وأن لا تلتفت للوسوسة، وأن تكثر من ذكر الله وطاعته، فهذا خير علاج للوساوس، عافانا الله وإياك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114586 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 259 اغتسل للنظافة ثم تبين أنه كان جنبا فهل يعيد الغسل؟ [السُّؤَالُ] ـ[استيقظت صباحا واغتسلت حسب عادتي وصليت الفجر وتبين لي بعد ساعتين أنني كنت جنبا فهل أعيد الاغتسال أم أن الغسل السابق يكفيني؟ مع العلم بأنني لم أنو الغسل من الجنابة في الغسل السابق؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: من صلى ثم تبين له أنه كان جنبا، لزمه الغسل وإعادة الصلاة، ولا يجزئه غسله الأول للعادة أو نظافة دون نية رفع الجنابة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) . رواه البخاري (1) ومسلم (1907) . قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/158) : "فإن نوى بالطهارة ما لا تشرع له الطهارة، كالتبرد.. ولم ينو الطهارة الشرعية لم يرتفع حدثه، لأنه لم ينو الطهارة ولا ما يتضمن نيتها فلم يحصل له شيء " انتهى. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 7892 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 260 إذا خرج المنيّ حال اليقظة بسبب المرض فلا يجب الغسل [السُّؤَالُ] ـ[في جوابك على السؤال رقم 1927 قلت بأن سيلان المني بسبب المرض لا يستوجب الغسل. لكنك لم تقدم أي حديث يؤيد جوابك. فهلا تفضلت بإخباري عن الأمور التي بنيت جوابك عليها ليرتاح قلبي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قول الله تعالى: (وإن كنتم جنُباً فاطَّهروا) المائدة/6، والجنُب هو الذي خرج منه المنيّ دفقاً بلذّةٍ. ودفقاًً لأن الله سبحانه يقول: (فلينظر الإنسان مم خلق، خلق من ماءٍ دافق) الطارق/5-6 فإذا خرج من يقظان بغير لذّة فإنه لا يوجب الغسل، أما حديث النبي صلى الله عليه وسلم: " الماء من الماء " الذي رواه مسلم (الحيض/518) فإنه يحمل على المعهود المعروف مِنْ خروجه بلذّة، ويوجب تحلُّلَ البدن وفتوره، أما الذي يخرج بدون ذلك، فإنه لا يوجب تحلُّلَه وفتوره. ولهذا ذكروا لهذا الماء ثلاث علامات: الأولى: أن يخرج دفقاً. الثانية: رائحته فإذا كان يابساً فإن رائحته تكون كرائحة البيض، وإذا كان غير يابس فرائحته تكون كرائحة الطين واللقاح. الثالثة: فتور البدن بعد خروجه. انظر الشرح الممتع لابن عثيمين ج1/ص277-278 وسئلت اللجنة الدائمة عن الموجب للغسل في الاحتلام فأجابت: لا يخفى أن الغسل يجب بخروج المنيّ دفقاً بلذّةٍ في اليقظة، وبوجوده مطلقاً في حال النوم، لما روى الإمام أحمد عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا فضخت الماء فاغتسل وإن لم تكن فاضخاً فلا تغتسل " والفضخ هو خروجه بالغلبة. أهـ فتاوى إسلامية ج1/ص216 وقد ثبت عند أبي داود والنسائي أيضاً من ْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ رَجُلا مَذَّاءً فَجَعَلْتُ أَغْتَسِلُ حَتَّى تَشَقَّقَ ظَهْرِي فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ ذُكِرَ لَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تَفْعَلْ إِذَا رَأَيْتَ الْمَذْيَ فَاغْسِلْ ذَكَرَكَ وَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاةِ فَإِذَا فَضَخْتَ الْمَاءَ فَاغْتَسِلْ " رواه أبو داود (الطهارة/178) ، والنسائي (الطهارة/193) ، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم 187 قال شارح الحديث: الفضخ الدَّفق، أي صببت المنيَّ بشدّةٍ، وجامعت فاغتسل. قال ابن منظور: في (وإذا رأيت فضخ الماء) قال: وفضخ الماء: دفْقُه، وانفضخ الدَّلو إذا دفق ما فيه من الماء 3/46. وهذا يدل على أنه إذا خرج غير ذلك حال اليقظة أو كان يسيل بسبب مرض فإنه لا يوجب الغسل. قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: لَوْ انْفَصَلَ - أَيْ الْمَنِيُّ - بِضَرْبٍ أَوْ حَمْلٍ ثَقِيلٍ عَلَى ظَهْرِهِ فَلا غُسْلَ عِنْدَنَا. وَقَالَ الدَّرْدِيرُ: وَإِنْ خَرَجَ بِلا لَذَّةٍ بَلْ سَلَسًا أَوْ بِضَرْبَةٍ أَوْ طَرِبَةٍ أَوْ لَدْغَةِ عَقْرَبٍ فَلا غُسْلَ. نصَّ الْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ انْكَسَرَ صُلْبُ الرَّجُلِ فَخَرَجَ مِنْهُ الْمَنِيُّ , وَلَمْ يُنْزِلْ مِنْ الذَّكَرِ , فَإِنَّهُ لا يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ. وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ حُكْمَهُ كَالنَّجَاسَةِ الْمُعْتَادَةِ. انظر الموسوعة الفقهية ج/31 ص/197 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 12317 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 261 إذا استيقظ ورأى بللا لم يدر ما هو [السُّؤَالُ] ـ[أحيانا أستيقظ من نومي وأجد أثرا فلا أدري هل هو مني أو مذي فهل يجب علي الاغتسال منه أو لا؟ وإن كانت لديكم نصائح أخرى للمسلمين المغتربين والذين يعيشون في البلاد غير الإسلامية في مسائل الصلاة وأوقاتها في الجامعة ومسائل الطهارة ومسائل مصافحة النساء الأجنبيات إلى غير ذلك مما هو مهم أن يراعيه الشاب المسلم أفيدوني وفقكم الله تعالى لما فيه خير للمسلمين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من استيقظ من نومه ووجد بللاً، فله ثلاثة أحوال: الأولى: أن يعلم أنه مني، وذلك بمعرفة صفات المني، وقد ذكر الفقهاء أن رائحة المني الرطب كرائحة العجين أو طلع النخل، ورائحة المني اليابس كرائحة بياض البيض. فحينئذ يجب الغسل. ولا يجب غسل الثوب؛ لأن المني طاهر على الراجح من قولي العلماء. الثاني: أن يعلم أنه مذي، فلا يجب الغسل، ولكن يجب غسل ما أصاب من البدن ورسن الثوب؛ لأن المذي نجس. الثالث: ألا يدري هل هو مني أو مذي؟ ففيه تفصيل: فإن كان تقدم نومه سبب يدعو إلى تحريك الشهوة وخروج المذي، كتفكير أو نظر، فالبلل الذي وجده في ثوبه له حكم المذي. وإن لم يكن تقدم نومه سبب يدعو إلى خروج المذي، فإنه يعمل بالاحتياط، ويراعي حكم المني والمذي معا: فيغتسل، ويغسل ما أصاب ثوبه، ويأتي بالوضوء مرتبا أثناء غسله. قال في "مطالب أولي النهى" (1/162) : "وإن أفاق نائم فوجد بللا ببدنه أو ثوبه أو فراشه ... فإن تحقق أنه مني اغتسل وجوبا، ولو لم يذكر احتلاما , قال الموفق: لا نعلم فيه خلافا. ولا يغسل ما أصابه , لطهارة المني. ويعرف المني بريح كريح عجين وريح طلع نخل حال كونه رطبا , أو ريح بياض بيض حال كونه جافا، وإن تحقق أنه غير مني طهر ما أصابه فقط من بدن وثوب , لأنه نجس. وإن اشتبه عليه ذلك البلل بأن لم يدر أمني أو مذي؟ وتقدم نومه سبب من برد أو نظر أو فكر أو ملاعبة أو انتشار طهر ما أصابه - لرجحان كونه مذيا بقيام سببه , إقامة للظن مقام اليقين , كما لو وجد في نومه حلما فإنا نوجب الغسل لرجحان كونه منيا بقيام سببه. وإلا يتقدم نومه سبب , ووجد بللا في ثوبه أو بدنه أو فراشه اغتسل وجوبا وتوضأ مرتبا متواليا وطهر ما أصابه أيضا. قال في "شرح الإقناع": احتياطا , ثم قال: وليس هذا من باب الإيجاب بالشك، وإنما هو من باب الاحتياط في الخروج من عهدة الواجب , كمن نسي صلاة من يوم وجهلها , لأنه في المثال لا يخرج عن كونه منيا أو مذيا , ولا سبب لأحد الأمرين يرجح به , فلم يخرج من عهدة الوجوب إلا بما ذكر" انتهى بتصرف. وانظر جواب السؤال رقم (22705) وما ذكرت من النصائح المتعلقة بالصلاة والطهارة والعلاقة مع النساء، تجده في موضعه على الموقع، وانظر للفائدة جواب السؤال (22309) . نسأل الله لنا ولك التوفيق والعون والسداد. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111846 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 262 من أجنب واغتسل ثم خرج منه مني بعد الغسل [السُّؤَالُ] ـ[إذا اغتسل الرجل من الجنابة وبعد الغسل خرج منه بعض المني، فهل يجب أن يغتسل مرة ثانية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف الفقهاء في إيجاب الغسل في حالة خروج المني بعد الاغتسال: والصحيح في هذا قول الحنابلة: أنه إذا خرج بلا شهوة فلا يجب الغسل لأنه بقية المني الأول , وإن خرج بشهوة وجب الغسل لأنه بذلك يكون غير المني الأول خرج بشهوة جديدة. قال ابن قدامة رحمه الله: "فأما إن احتلم أو جامع فأمنى ثم اغتسل , ثم خرج منه مني , فالمشهور عن أحمد أنه لا غسل عليه , قال الخلال: تواترت الروايات عن أبي عبد الله ـ أي الإمام أحمد ـ , أنه ليس عليه إلا الوضوء. وروي ذلك عن علي وابن عباس وعطاء والزهري ومالك والليث والثوري وإسحاق , وقال سعيد بن جبير: لا غسل عليه إلا من شهوة ... " انتهى من "المغني" 1/128 باختصار. وانظر: "الإنصاف" (1/232) و "كشاف القناع" (1/141) . ودليل ذلك: 1- روى سعيد عن ابن عباس رضي الله عنه أنه سئل عن الجنب يخرج منه الشيء بعد الغسل؟ فقال: يتوضأ , وكذا ذكره الإمام أحمد عن علي. 2- ولأنه مني واحد فأوجب غسلا واحدا , كما لو خرج دفقة واحدة. 3- ولأنه خارج لغير شهوة أشبه الخارج لبرد , وبه علَّلَ الإمام أحمد حيث قال: لأن الشهوة ماضية , وإنما هو حدث أرجو أن يجزئه الوضوء ". انتهى من "كشف القناع" (1/142) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (قوله: " فإن خرج بعده لم يُعِده " أي: إذا اغتسل لهذا الذي انتقل ثم خرج مع الحركة، فإنه لا يعيد الغسل. والدليل: 1- أن السبب واحد، فلا يوجب غسلين. 2- أنه إذا خرج بعد ذلك خرج بلا لذة، ولا يجب الغسل إلا إذا خرج بلذة. لكن لو خرج مني جديد لشهوة طارئة فإنه يجب عليه الغسل بهذا السبب الثاني) انتهى من "الشرح الممتع" (1/281) . وسئل الشيخ ابن عثيمين عن هذا السائل الذي يخرج بعد الغسل من الجنابة فأجاب: "هذا السائل الذي يخرج بعد الغسل من الجنابة إذا لم يكن هناك شهوة جديدة أوجبت خروجه فإنه بقية ما كان من الجنابة الأولى، فلا يجب عليه الغسل منه، وإنما عليه أن يغسله ويغسل ما أصابه ويُعيد الوضوء فقط " انتهى. فتاوى ابن عثيمين (11/222) . وهو اختيار علماء اللجنة الدائمة للإفتاء حيث قالوا: " يكفي من اغتسل من الجنابة ثم خرج منه مني بعد الغسل غسله ذلك , ولا يلزمه إعادة الغسل , وإنما يجب عليه الاستنجاء والوضوء " انتهى. عبد العزيز بن باز ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد الله بن غديان. "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/325) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111870 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 263 الاحتلام أمر طبيعي لا يؤاخذ عليه الإنسان [السُّؤَالُ] ـ[أحاول منع نفسي من التمتع المحرم ما استطعت إلى ذلك سبيلا. لكن في بعض الأحيان, أستيقظ محتلما واجد البلل في ملابسي. ما حكم ذلك؟ أهو محرم؟ وما عساي أفعل للتخلص منه؟ فالأمر مخجل جدا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ركب الله الشهوة في الإنسان وأمر عباده بأن يصرفوا هذه الطاقة في الطريق الصحيح وهو النكاح لمن استطاع إلى ذلك سبيلاً، لتتحقق المصالح الدنيوية، من بناء الأسرة وتقوية المجتمع وإعمار الدنيا وفق سنة الله تعالى، ثم إن من الطرق التي غرزها الله في عباده لإخراج هذه الطاقة المخزونة (الشهوة) الاحتلام، فهو سبب لتصريف القوة الجنسية لدى الجنسين، وليس للإنسان دور في إخراجها بل تخرج بمقتضى الطبيعة البشرية والإنسان لا يؤاخذ على ذلك والدليل على ذلك: 1. عن علي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يشب وعن المعتوه حتى يعقل ". رواه الترمذي (1343) وابن ماجه (3032) والنسائي (3378) . وروي كذلك من حديث عائشة في السنن الأربعة إلا الترمذي. والحديث: حسَّنه الترمذي، والنووي في " شرح مسلم " (8 / 14) . والنائم لا يعقل مما يفعل شيئاً فهو ممن رفع القلم عنه، والحلم يقع من النائم فالحلم مما يعفى عنه. 2- بل إن الله تعالى جعل الحلم علامة من علامات البلوغ ولذا قال الله تعالى: {وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا … .} النور / 59. فلو كان الحلم حراماً لم يجعله الله علامةً على البلوغ. 3- عن زينب ابنة أم سلمة: عن أم سلمة قالت: " جاءت أم سليم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن الله لا يستحيي من الحق فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم إذا رأت الماء، فغطَّت أم سلمة وجهها وقالت: يا رسول الله أو تحتلم المرأة؟ قال نعم تربت يمينك فبم يشبهها ولدها؟ ". رواه البخاري (130) ومسلم (313) . 4- وعن عائشة قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاما قال يغتسل وعن الرجل يرى أنه قد احتلم ولم يجد بللا قال لا غسل عليه قالت أم سلمة يا رسول الله هل على المرأة ترى ذلك غسل قال نعم إنما النساء شقائق الرجال ". رواه الترمذي (113) وأبو داود (236) . قال العجلوني: قال ابن القطان: هو من طريق عائشة ضعيف ومن طريق أنس صحيح. " كشف الخفاء " (1 / 248) . الخلاصة: الاحتلام أمر طبيعي، ولا يمكن التخلص منه، وليس الأمر مخجلاً بالحد الذي صورته. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 9208 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 264 حكم التعرّي عند الاغتسال [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للشخص أن يستحم عرياناً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم يجوز للشخص أن يستحم عرياناً لما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم كما روت عنه ميمونة رضي الله عنها أنها اغتسلت هي والنبي صلى الله عليه وسلم في قصعة فيها أثر عجين وثبت عنه في غير ما موضع كما في البخاري ومسلم واغتساله مع عائشة رضي الله عنها. ولا يصح في وجوب الاستتار حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كان بعض السلف يؤثر الاستتار عند الاغتسال لكن الشرع لا يوجبه. ويكفي أن يكون بعيداً عن أنظار الناس. وقد استدل بعض العلماء بحديث الصحيحين في اغتسال موسى عليه السلام عرياناً - البخاري (274) ومسلم (339) ، وعليه بوب النووي جواز الاعتسال عرياناً في الخلوة في صحيح مسلم. وكذا اغتسال أيوب عليه السلام عرياناً كما في صحيح البخاري (275) . قال الإمام النووي: وقد قدمنا في الباب السابق أنه يجوز كشف العورة في موضع الحاجة في الخلوة وذلك كحالة الاغتسال وحال البول ومعاشرة الزوجة ونحو ذلك فهذا كله جائز فيه التكشف في الخلوة، وأما بحضرة الناس: فيحرم كشف العورة في كل ذلك. قال العلماء: والتستر بمئزر ونحوه في حال الاغتسال في الخلوة أفضل من التكشف، والتكشف جائز مدة الحاجة في الغسل ونحوه والزيادة على قدر الحاجة حرام على الأصح ... " شرح مسلم " (4 / 32) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 6976 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 265 لا يكره الغسل قبل المغرب ولا بعده [السُّؤَالُ] ـ[يقال إنه لا يجوز الاستحمام من الساعة 18:00بتوقيت غرينيتش إلى صلاة المغرب ... فما حكم الإسلام في هذا؟]ـ [الْجَوَابُ] يباح الاغتسال في أي وقت من الليل أو النهار؛ لأن الأصل الإباحة، وليس هناك دليل يمنع من الاغتسال بعد العصر أو قبل المغرب أو في غيرهما من الأوقات. وقد نصّ بعض الفقهاء من الشافعية وغيرهم على كراهة دخول الحمام قبيل الغروب وبين المغرب والعشاء، ومنهم من علل ذلك بأنه وقت انتشار الشياطين، والمقصود بالحمام في كلامهم الحمام العام الذي كان يذهب إليه الناس، ويحصل فيه التساهل في كشف العورات والنظر إليها. والصحيح أنه لا يكره أيضا دخول الحمام في هذين الوقتين؛ لعدم الدليل على هذه الكراهة. ولهذا قال في "مطالب أولي النهى" (1/189) : "ولا يكره دخوله حماما قرب غروب ولا بعده؛ لعدم النهي الخاص عنه , خلافا لابن الجوزي " انتهى. وقال ابن مفلح في "الآداب الشرعية" (3/322) : " قال ابن الجوزي في منهاج القاصدين: ويكره دخول الحمام قريبا من الغروب وبين العشاءين؛ فإنه وقت انتشار الشياطين انتهى كلامه. وظاهر كلام غيره يدل على خلافه. وروي عن أحمد أيضا ما يدل على خلافه" انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 104808 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 266 أصابته جنابة في بيت صديقه وخشي أن يتهم [السُّؤَالُ] ـ[استضافني رجل إلى بيته ونمت عنده تلك الليلة وقمت على جنابة ودعاني إلى صلاة الفجر لكي نصليها في بيته فهل يجب علي تلبية دعوته إلى الصلاة أم أرفض مع أن له زوجة في البيت وأخاف أن أقول له إني على جنابة خشيت تسلل الشك إليه في أهله ?]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا أصبحت جنبا، لزمك الغسل، لتتمكن من أداء الصلاة، ولا يجوز لك الصلاة مع الجنابة، ولا يجزئ الوضوء عن الغسل، لكن إن لم تجد ماء، أو وجدته باردا، ولم تجد ما تسخنه به، وخشيت على نفسك من استعماله، فتيمم. وأما ترك الاغتسال خجلا وحياء، فلا يجوز، ولا يبيح ذلك التيمم. والصلاة مع الجنابة منكر عظيم، تجب منه التوبة، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ وَلَا صَدَقَةٌ مِنْ غُلُولٍ) رواه مسلم (224) . وقد أخبرنا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الصلاة من غير طهارة من الأسباب التي يُعذّب عليها في القبر. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (65731) والواجب على العبد أن يكون خوفه من الله تعالى فوق خوف الناس، كما قال سبحانه: (فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْن) المائدة/44 وقال: (أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) التوبة/ 13. والحياء الذي يحمل على ترك الواجبات حياء مذموم، بل هو ضعف وعجز. ولو أنك خرجت إلى المسجد، واغتسلت، وصليت، لأمنت من هذا الحرج. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 101547 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 267 هل يحرم على المرأة الجُنُب الطّبخ ومسّ الأشياء [السُّؤَالُ] ـ[ما هي المدة التي يمكننا مكثها قبل الغسل من الوطء؟ فقد سمعنا أنه يحرم علينا القيام بأي عمل مثل المشي أو طبخ الطعام ما لم نغتسل من الجنابة. هل يمكن تأخير الغسل إلى أن يحين وقت الصلاة التالية؟ والله يثيبك على جهودك.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس هناك مدة معيّنة لمكث المرأة جنبا قبل الاغتسال إنما ذلك مرتبط بأداء الصلاة وغيرها من العبادات المشترطة فيها الطهارة، فلا بأس من تأخير الغسل إلى أن يحين وقت الصّلاة التالية ما دامت الصلاة التي قبلها قد أُدّيت على طهارة لكن يُندب للإنسان المسلم أن يعجّل بالاغتسال لكي يكون دائما على طهارة كما هي السنّة ولأنّ الملائكة لا تقرب الجُنُب كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: " ثَلَاثَةٌ لَا تَقْرَبُهُمْ الْمَلَائِكَةُ جِيفَةُ الْكَافِرِ وَالْمُتَضَمِّخُ بِالْخَلُوقِ (وهو الرجل المتلطّخ بطيب فيه زعفران لما في ذلك من الرّعونة والتشبّه بالنساء: فيض القدير 3/325) وَالْجُنُبُ إِلا أَنْ يَتَوَضَّأَ " رواه أبو داود 4180 وحسنه الألباني في صحيح أبي داود 3522 فإذا انشغلت المرأة ولم يتيسّر لها الغسل من الجنابة بعد الوطء مباشرة فلا يضرّها ذلك ولا تكون نجسة ويكفيها الوضوء لتخفيف الجنابة وحتى تقربها الملائكة. وأما يزعمه بعض الناس من أنه يَحرم على المرأة الجنب مس الأشياء والقيام ببعض الأمور فكل ذلك بدعة من القول وزور ليس له أصل في الدين، وإنما قام هذا الاعتقاد الفاسد على الأحاديث المكذوبة والموضوعة الواردة في هذا الباب، قال الشيخ الشقيري رحمه الله: وكذا من الأباطيل اعتقاد النساء أن المرأة الجُنُب إن باشرت عجن العجين فسَد بسبب جنابتها، وأنّ البركة تضيع من كلّ شيء تضع يدها فيه. " السنن والمبتدعات ص: 31. وقد ورد إلى اللجنة الدائمة والبحوث نحو السؤال المذكور أعلاه (5/318- الفتاوى) وهذا نص الجواب: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه وبعد نعم يجوز للجنب قبل أن يغتسل لمس الأشياء من أثواب وأطباق وقدور ونحوها سواء كان رجلاً أم امرأة لأنه ليس بنجس ولا يتنجس ما لمسه منها بلمسه إياه لما ثبت في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأيام فانخس منه ثم رجع فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"أين كنت يا أبا هريرة " فقال:"إني كنت جنباً فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة " فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"سبحان الله إن المسلم لا ينجس "رواه البخاري 1/333 وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وأله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 6533 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 268 خروج المني من المرأة بدون جماع [السُّؤَالُ] ـ[إذا خرج المنيّ من المرأة بدون جماع فهل يجب أن تغتسل قبل أن تصلي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا خرج المنيّ من المرأة بدون جماع فعليها الغسل وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم المرأة بالاغتسال إذا هي رأت الماء كما روى مالك في الموطأ (1/51) والبخاري (282) والنسائي (1/114) عن أم سلمة رضي الله عنها قالت جاءت أم سليم امرأة أبي طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق هل على المرأة غسل إذا هي احتلمت قال نعم إذا رأت الماء) . فقد أمر صلى الله عليه وسلم النساء في هذا الحديث إذا رأين الماء الذي هو المنيّ أن يغتسلن. قال البغوي في شرح السنة (2/9) : (غسل الجنابة وجوبه بأحد الأمرين: أما بإدخال الحشفة في الفرج أو خروج الماء الدافق من الرجل أو المرأة.. وذهب أهل العلم إلى أنه لا غسل عليه حتى يتيقن أنه بلل الماء الدافق) . قال ابن قدامة في المغني (1/200) : (أن النبي صلى الله عليه وسلم علّق الاغتسال على الرؤية بقوله: (إذا رأت الماء وإذا فضخت الماء فاغتسل) فلا يثبت الحكم بدونه. قال ابن حجر في الفتح (1/389) : (وفيه دليل على وجوب الغسل على المرأة بالإنزال) . قال ابن رجب في الفتح (1/338) : (وهذا الحديث نص على أن المرأة إذا رأت حلماً في منامها ورأت الماء في اليقظة أن عليها الغسل وإلى هذا ذهب جمهور العلماء ولا يعرف فيه خلاف إلا عن النخعي وهو شذوذ) . فهذا الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم يبين الأمر، وهو أنه بمجرد خروج الماء من المرأة قل أو كثر وجب الغسل عليها. وعليه فخروج الماء من فرج المرأة إذا شعرت به ولو كان قليلاً يجب عليه أن تغتسل منه للنص على ذلك ولا يكفي فيه الوضوء ما لم يكن ماء غير الماء الذي يوجب الغسل كالمذي وغيره فيكفي فيه الوضوء والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 6010 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 269 هل يجب الغسل بعد إدخال أنبوب التصوير لفرج المرأة [السُّؤَالُ] ـ[أنا أخضع لعلاج إخصاب منذ بضعة أشهر. أذهب إلى الدكتور باستمرار للتصوير والمراقبة الدورية. أثناء التصوير تقوم الممرضة بإدخال أنبوب إلى فرجي ليحصلوا على صورة قريبة، في بعض الأوقات يتم إدخال الدواء إلى فرجي أيضا. هل الغسل واجب بعد إدخال أنبوب التصوير للفرج؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سئلت اللجنة الدائمة: إذا أدخلت المرأة أو الطبيبة جهازاً أو علاجاً في الفرج، فهل يجب الاغتسال؟ وهل يفسد ذلك الصوم؟ فأجابت " إذا حصل ما ذُكر فلا يجب غسل الجنابة، ولا يُفسد الصوم ". [الْمَصْدَرُ] انظر الفتاوى الجامعة ج/1 ص/50 الحديث: 21611 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 270 خروج بقايا المني بعد الغسل هل يوجب الغسل مرة أخرى [السُّؤَالُ] ـ[يحدث في بعض الأحيان، بعد انتهائي من بقائي مع زوجي، وبعد اغتسالي، أن ينزل شيء من المني مني مرة أخرى، حتى بعد مرور عدة ساعات. فهل علي أن أعيد غسلي إذا حدث ذلك، أم يكفيني أن أزيل المني من ملابسي وأتوضأ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سئل الشيخ ابن عثيمين عن هذا السائل الذي يخرج بعد الغسل من الجنابة فأجاب: هذا السائل الذي يخرج بعد الغسل من الجنابة إذا لم يكن هناك شهوة جديدة أوجبت خروجه فإنه بقية ما كان من الجنابة الأولى، فلا يجب عليه الغسل منه، وإنما عليه أن يغسله ويغسل ما أصابه ويُعيد الوضوء فقط. فتاوى ابن عثيمين11/222. وفي شرح عبارة زاد المستقنع: (فإن خرج بعده لم يُعِدهُ) قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: أي إذا اغتسل لهذا الذي انتقل (أي المني) ثم خرج مع الحركة فإنه لا يعيد الغسل، والدليل: أن السبب واحد، فلا يوجب غُسلين. أنه إذا خرج بعد ذلك خرج بلا لذّة، ولا يجب الغسل إلا إذا خرج بلذّة انظر الشرح الممتع لابن عثيمين 1/281. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 12352 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 271 استيقظ جنبا وخاف فوات المحاضرة فهل يوضأ؟ [السُّؤَالُ] ـ[أحيانا أجد نفسي محتلما بعد النوم صباحا وهذا قبل ذهابي للجامعة فلا يوجد وقت للاغتسال ومواعيد محاضراتي مستمرة حتى ما بعد صلاة العصر مما لا يتيح لي إمكانية العودة للمنزل للاغتسال والصلاة بالإضافة لعدم إمكانية الاغتسال في الجامعة؟ فهل يجزئ الوضوء أم أقضي الظهر والعصر بعد رجوعي إلى المنزل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من استيقظ ووجد نفسه محتلما، لزمه الغسل؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) النساء/43، فإن لم يستطع الغسل لعدم الماء، أو لعدم قدرته على استعماله، تيمم وصلى؛ لقوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة/6. وأما الوضوء فلا يجزئ عن الغسل. وذهابك للجامعة لا يعد عذرا يبيح التيمم، بل يلزمك الغسل ولو أدى إلى تأخرك عن المحاضرة الأولى أو بعضها، وإذا اقتصد الإنسان في غسله أمكن أن يفرغ منه في دقائق معدودة. والمقصود: أن أمر الصلاة والطهارة لها عظيم، والإتيان بهما مقدم على أمر الدراسة؛ فلا يجوز التهاون في ذلك، ولا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها إلا لعذر يبيح جمع الصلاتين؛ لقوله تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) البقرة/238، وقوله تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) النساء/103، وقوله تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) مريم/59. وفقنا الله وإياك لطاعته ومرضاته. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 100399 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 272 هل يجب على الزوجين أن يغتسلا مباشرة بعد الجماع؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجب على الزوجين أن يغتسلا مباشرة بعد الجماع؟ أم يمكن أن يؤخرا ذلك حتى يستيقظا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز تأخير الغسل إلى الفجر ويستحب للجنب أن يتوضأ قبل النوم وبهذا أخذ جمهور العلماء ونقل النووي الإجماع عليه الكافي 1/173 والمهذب 1/33 المغني 1/229. واستدلوا بحديث عائشة رضي الله عنها المتفق عليه قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب غسل فرجه وتوضأ وضوءه للصلاة) رواه الجماعة وبما رواه ابن عمر أن عمر رضي الله عنه قال: يا رسول الله أينام أحدنا وهو جنب قال: (نعم إذا توضأ) متفق عليه والحكمة من الوضوء أنه يخفف الحدث، وأنشط للبدن. وذهب الظاهرية وابن حبيب من المالكية إلى وجوب الوضوء على الجنب مستدلين بحديث عمر المتقدم. والله تعالى أعلم [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 3963 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 273 عملت في نفسها ما أدّى إلى الإنزال [السُّؤَالُ] ـ[إذا استثارت المرأة نفسها حتى الإنزال، فهل هذا يجعلها جنبا كما الجماع يفعل؟.]ـ [الْجَوَابُ] إذا استثارت المرأة نفسها حتى الإنزال وجب عليها الغسل، وتعتبر جُنُبا بذلك. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الماء من الماء) صحيح مسلم 151. أي أن الغُسل يجب من إنزال المنيّ. ولكن هذا العمل - وهو استثارة المرأة أو الرجل نفسه حتى الإنزال - هو الاستمناء، وهو عمل محرم على الرجل والمرأة، ولا فرق بينهما في ذلك. ولمزيد من الأدلة والتفصيل يُرجى الاطلاع على سؤال رقم 329. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 3578 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 274 لا يجب الغسل من الجنابة عند الأكل [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لشخص أن يأكل أو يشرب بعد الجماع وقبل أن يغتسل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يَجِبُ الغُسْل من الجَنَابَةِ عند الأكل، وإنّما يُسَنُّ له الوُضُوءُ إذا أرادَ الأَكل، وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء. والدليل على ذلك حديث عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أراد أن يأكل أو ينام وهو جُنُبْ تَوَضَّأ) رواه مسلم (الحيض/461) ، قال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع: " والذي يظهر لي أن الجُنُبَ لا ينامُ إلا بِوُضُوءٍ على سبيل الاستحباب، وكذا بالنسبة للأكل والشرب، قال بعض العلماء: لا يكره له الأكل والشرب، وهو على جنابة بلا وضوء ". [الْمَصْدَرُ] انظر الشرح الممتع 1/310-311. الحديث: 10319 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 275 اغتسل ثم تبين له أن رجله لم يصبها الماء [السُّؤَالُ] ـ[إذا اغتسل الإنسان غسل الجنابة مثلا، ثم بعد ثلاث ساعات علم أن هناك حائلا منع وصول الماء إلى رجله، فهل يلزمه إعادة الغسل، أم عليه فقط أن يغسل رجله؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: من شروط الوضوء والغسل التي لا بد من تحققها كي يقع صحيحا مجزئا، زوالُ كلِّ مانعٍ وحائل يمنع وصول الماء إلى البشرة، كالأدهان والأصباغ والألوان التي لها جِرمٌ يحجز الماء عن الجلد. قال الإمام الشافعي رحمه الله في كتابه "الأم" (1/44) : " وإن كان عليه عِلْكٌ أو شيء ثخين فيمنع الماء أن يصل إلى الجلد لم يُجْزِهِ وضوءُهُ ذلك العضوَ حتى يُزيلَ عنه ذلك، أو يُزيلَ منه ما يعلم أن الماء قد ماسَّ معه الجلدَ كُلَّه، لا حائل دونه " انتهى. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (69817) . ثانيا: فإن ترك المغتسل موضعا من جسمه لم يصبه الماء، أو حال بينَ جُزءٍ من جسمه وبين الماء حائلٌ ومانع، ثم تَنَبَّهَ بعد فترة من الزمن، فهل يعيد غسله كاملا، أم يكفي غسل الجزء الذي لم يصبه الماء فقط؟ هذه المسألة مبنية على حكم الموالاة بين الأعضاء في الغسل، والموالاة: أن يقع غسل أعضاء الجسم على الولاء، بعضُها يلي بعضاً، دون وجود فاصلٍ طويل. وقد ذهب أكثر أهل العلم إلى عدم وجوب الموالاة في الغسل. جاء في "الموسوعة الفقهية" (11/100-101) : " التّرتيب والموالاة في الغسل غير واجبين عند جمهور الفقهاء. وقال اللّيث: لا بدّ من الموالاة. واختلف فيه عن الإمام مالك، والمقدّم عند أصحابه: وجوب الموالاة. وفيه وجه لأصحاب الإمام الشّافعيّ. فعلى قول الجمهور: لو ترك غسل عضو أو لمعة من عضو، تدارك المتروكَ وحدَه بعدُ، طال الوقت أو قصر " انتهى باختصار. وانظر أيضا: "المغني" (1/220) ، "منح الجليل" (1/125) وقد اختار شيخ الإسلام ابن تيمية في "شرح العمدة" (1/208-209) قول الجمهور، وانتصر له، وذكر من أدلته: " 1- ما روى ابن عباس عنه صلى الله عليه وسلم: أنه رأى لمعة بعد غسله فعصر شعره عليها. رواه ابن ماجه (663) وضعفه ابن حجر في الدراية (1/55) وابن الجوزي في العلل (1/347) والبوصيري في "مصباح الزجاجة"، والألباني في ضعيف ابن ماجه. 2- وعن علي رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني اغتسلت من الجنابة وصليت الفجر ثم أصبحت فرأيت قدر موضع الظفر لم يصبه الماء؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو كنت مسحت عليه بيدك أجزأك) رواه ابن ماجه (664) وضعفه البوصيري في "مصباح الزجاجة"، والألباني في ضعيف ابن ماجه. 3- ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الجنب إذا أراد أن ينام أن يتوضأ وضوءه للصلاة، وكذلك الآكل، والمُجامع ثانيا، وكان أصحاب رسول صلى الله عليه وسلم يتحدثون في المسجد إذا توضؤوا وهم جنب، ولولا أن الجنابة تنقص بالوضوء لم يكن في ذلك فائدة، وإنما تنقص إذا صح تبعيضها، وإذا صح تبعيضها صح تفريقها، بخلاف الوضوء، فإنه لايصح تبعيضه في موضع واحد، بل لا يرتفع الحدث عن عضو حتى يرتفع عن جميع الأعضاء. 4- وقال ابن عباس فيمن نسي المضمضة والاستنشاق في الجنابة وصلى: أنه ينصرف فيمضمض ويستنشق ويعيد الصلاة. رواه سعيد في سننه. ورواه الدارقطني في سننه (1/116) وجاء مثله عن جماعة من السلف، كما في مصنف ابن أبي شيبة (1/224-225) 5- ولأن الموالاة تابعة للترتيب، والتريب إنما يكون بين عضوين، وبدن الجنب كالعضو الواحد. 6- ولأن تفريق الغسل يحتاج إليه كثيرا، فإنه قد يكون أصلح للبدين، وقد ينسى فيه موضع لمعة أو لمعتين أو باطن شعره، وفي إعادته مشقة عظيمة، والوضوء يندر ذلك فيه، وتخف مؤونة الإعادة فافترقا " انتهى بتصرف يسير. فعلى هذا، مَن ترك جزءا مِن جسمه لم يصبه ماء الغسل، أو كان عليه حائل منع وصول الماء إلى الجسم، فإنه يجزئه غسل الجزء المتروك فقط، ولا يجب إعادة الاغتسال. قال الإمام الشافعي في "الأم" (2/88) : " ولو ترك لُمعةً – يعني موضعا - من جسده - تقل أو تكثر - فصلى، أعاد غسل ما ترك من جسده، ثم أعاد الصلاة بعد غسله " انتهى. وانظر سؤال رقم (9066) وانظر جواب السؤال رقم (50320) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 99538 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 276 هل يجزئ الغسل عن الوضوء؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل غسل الجمعة للنساء يجزئ عن الوضوء؟ وهل الغسل المستحب كالعيدين يجزئ عن الوضوء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا اقتصر المغتسل على القدر المجزئ من صفة الغسل، وهي مبينة في جواب السؤال رقم (10790) والتي يكتفي فيها بتعميم الماء دون أن يأتي بالوضوء قبل الغسل. فإن كان الغسل واجبا لرفع الحدث الأكبر، من جنابة أو حيض أو نفاس، فهذا الغسل يجزئ عن الوضوء، على الصحيح من أقوال أهل العلم، لأن الحدث الأصغر يندرج في الحدث الأكبر، فإذا ارتفع الأكبر بالغسل لزم ارتفاع الحدث الأصغر أيضا. أما إن كان الغسل مسنونا، كغسل الجمعة والعيدين، (رجلاً كان أم امرأة) فلا يجزئ هذا الغسل عن الوضوء. جاء في "شرح مختصر خليل" للخرشي (1/175) : " فإن اقتصر المتطهر على الغسل دون الوضوء أجزأه، وهذا في الغسل الواجب، أما غيره فلا يجزئ عن الوضوء، ولا بد من الوضوء إذا أراد الصلاة " انتهى. وجاء في "حاشية الصاوي على الشرح الصغير" (1/173-174) : " غسل الجنابة يجزئ عن الوضوء..وأما لو كان غير واجب – كغسل الجمعة والعيدين فلا يجزئ عن الوضوء، ولا بد من الوضوء إذا أراد الصلاة " انتهى. وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، كما في "مجموع فتاوى ابن باز" (10/173-174) : " إذا كان الغسل عن الجنابة , ونوى المغتسل الحدثين: الأصغر والأكبر أجزأ عنهما , ولكن الأفضل أن يستنجي ثم يتوضأ ثم يكمل غسله ; اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم , وهكذا الحائض والنفساء في الحكم المذكور. أما إن كان الغسل لغير ذلك ; كغسل الجمعة , وغسل التبرد والنظافة، فلا يجزئ عن الوضوء ولو نوى ذلك ; لعدم الترتيب , وهو فرض من فروض الوضوء , ولعدم وجود طهارة كبرى تندرج فيها الطهارة الصغرى بالنية , كما في غسل الجنابة " انتهى. وقال أيضا " مجموع الفتاوى " (10/175-176) : " السنة للجنب: أن يتوضأ ثم يغتسل ; تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم , فإن اغتسل غسل الجنابة ناويا الطهارة من الحدثين: الأصغر والأكبر أجزأه ذلك , ولكنه خلاف الأفضل , أما إذا كان الغسل مستحبا ; كغسل الجمعة , أو للتبرد، فإنه لا يكفيه عن الوضوء ; بل لا بد من الوضوء قبله أو بعده؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ) متفق على صحته. وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تقبل صلاة بغير طهور) أخرجه مسلم في صحيحه. ولا يعتبر الغسل المستحب أو المباح تطهرا من الحدث الأصغر إلا أن يؤديه كما شرعه الله في قوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) المائدة/6. أما إذا كان الغسل عن جنابة أو حيض أو نفاس ونوى المغتسل الطهارتين دخلت الصغرى في الكبرى؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) متفق على صحته " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "لقاء الباب المفتوح" (رقم109/سؤال14) : " إذا اغتسل بنية الوضوء ولم يتوضأ فإنه لا يجزئه عن الوضوء إلا إذا كان عن جنابة , فإن كان عن جنابة فإن الغسل يكفي عن الوضوء، لقول الله تبارك وتعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) المائدة/6، ولم يذكر وضوءاً. أما إذا كان اغتسل للتبرد أو لغسل الجمعة أو لغسل مستحب فإنه لا يجزئه؛ لأن غسله ليس عن حدث. والقاعدة إذاً: إذا كان الغسل عن حدث – أي: عن جنابة - أو امرأة عن حيض أجزأ عن الوضوء، وإلا فإنه لا يجزئ " انتهى بتصرف يسير. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 99543 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 277 الفرق بين المني والمذي والرطوبة [السُّؤَالُ] ـ[لا أعلم متى يكون ما يخرج من المرأة منِيّاً يوجب الغسل، ومتى يكون إفرازات عادية توجب الوضوء، وحاولت أن أعرف أكثر من مرة ولا أحد يجيبني بدقة، فأصبحت أتعامل مع جميع الإفرازات على أنها عادية لا توجب الغسل , ولا أغتسل إلا بعد الجماع. أرجو أن توضحوا لي الفرق بينهما.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: ما يخرج من المرأة قد يكون منيًّا أو مذياً أو إفرازات عادية، وهي ما تسمى بـ (الرطوبة) ، وكل واحد من هذه الثلاثة له صفات وأحكام تخصه. أما المني، فصفاته: 1. رقيق أصفر. وهذا الوصف ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن ماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة رقيق أصفر) رواه مسلم (311) . وقد يكون من المرأة أبيض عند بعض النساء. 2. رائحته كرائحة الطلع، ورائحة الطلع قريبة من رائحة العجين. 3. التلذذ بخروجه، وفتور الشهوة عقب خروجه. ولا يشترط اجتماع هذه الصفات الثلاثة، بل تكفي صفة واحدة للحكم بأنه مني. قاله النووي في المجموع (2/141) . وأما المذي: فهو ماء أبيض (شفاف) لزج يخرج عند الشهوة إما بالتفكير أو غيره. ولا يتلذذ بخروجه، ولا يعقبه فتور الشهوة. وأما الرطوبة: فهي الإفرازات التي تخرج من الرحم وهي شفافة، وقد لا تشعر المرأة بخروجها، وتختلف النساء فيها قلةً وكثرةً. وأما الفرق بين هذه الأشياء الثلاثة (المني والمذي والرطوبة) من حيث الحكم: فالمني طاهر، لا يجب غسل الثوب منه، ويجب الاغتسال بعد خروجه، سواء كان خروجه في النوم أو في اليقظة، بسبب الجماع أو الاحتلام أو غير ذلك. والمذي نجس، فيجب غسله إذا أصاب البدن، وأما الثوب إذا أصابه المذي فيكفي لتطهيره رشه بالماء، وخروج المذي ينقض الوضوء، ولا يجب الاغتسال بعد خروجه. أما الرطوبة، فهي طاهرة، لا يجب غسلها ولا غسل الثياب التي أصابتها، وهي ناقضة للوضوء، إلا إذا كانت مستمرة من المرأة، فإنها تتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، ولا يضرها خروج الرطوبة بعد ذلك. ولمزيد الفائدة تراجع أجوبة الأسئلة (2458) و (81774) و (50404) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 99507 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 278 هل يجوز الاستحمام عريانا [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز في الإسلام الاستحمام عرياناً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله روى البخاري في الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مُوسَى كَانَ رَجُلا حَيِيًّا سِتِّيرًا لا يُرَى مِنْ جِلْدِهِ شَيْءٌ اسْتِحْيَاءً مِنْهُ فَآذَاهُ مَنْ آذَاهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَالُوا مَا يَسْتَتِرُ هَذَا التَّسَتُّرَ إِلا مِنْ عَيْبٍ بِجِلْدِهِ إِمَّا بَرَصٌ وَإِمَّا أُدْرَةٌ وَإِمَّا آفَةٌ وَإِنَّ اللَّهَ أَرَادَ أَنْ يُبَرِّئَهُ مِمَّا قَالُوا لِمُوسَى فَخَلا يَوْمًا وَحْدَهُ فَوَضَعَ ثِيَابَهُ عَلَى الْحَجَرِ ثُمَّ اغْتَسَلَ فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ إِلَى ثِيَابِهِ لِيَأْخُذَهَا وَإِنَّ الْحَجَرَ عَدَا بِثَوْبِهِ فَأَخَذَ مُوسَى عَصَاهُ وَطَلَبَ الْحَجَرَ فَجَعَلَ يَقُولُ ثَوْبِي حَجَرُ ثَوْبِي حَجَرُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَلإ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَرَأَوْهُ عُرْيَانًا أَحْسَنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ وَأَبْرَأَهُ مِمَّا يَقُولُونَ وَقَامَ الْحَجَرُ فَأَخَذَ ثَوْبَهُ فَلَبِسَهُ وَطَفِقَ بِالْحَجَرِ ضَرْبًا بِعَصَاهُ فَوَاللَّهِ إِنَّ بِالْحَجَرِ لَنَدَبًا مِنْ أَثَرِ ضَرْبِهِ ثَلاثًا أَوْ أَرْبَعًا أَوْ خَمْسًا فَذَلِكَ قَوْلُهُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا صحيح البخاري 3404 استدل العلماء بهذا الحديث على جواز التعري خاليا سيما إذا كان ذلك لحاجة من مثل الغسل وإلى جواز ذلك ذهب أكثر العلماء كما قال الحافظ في الفتح 1/385 وقد بوب البخاري عليه (باب من اغتسل عريانا وحده في الخلوة ومن تستر فالستر أفضل) وأفضليه الستر مأخوذة من الحديث الذي أخرجه أصحاب السنن وحسنه الترمذي وصححه الحاكم عن معاوية بن حيدة قال قلت يا نبي الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال احفظ عورتك إلا من زوجك أو ما ملكت يمينك. قلت: يا رسول الله أحدنا إذا كان خاليا؟ قال: الله أحق أن يستحيى منه من الناس والله ولي التوفيق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 6894 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 279 ترى في المنام أحلاماً مزعجة، وتَتَخَيَّل الجِماع في النوم [السُّؤَالُ] ـ[أرى في المنام أناساً يطاردونني، وفي بعض الأحيان يكونون أشخاصا من أفراد عائلتي، وأحيانا لا أعرفهم. قد يبدو ذلك غريبا لكن هذا هو الذي يحدث. وأجدني، في مثل هذه الأحلام، أطير في السماء للفرار ممن يطاردني، وقد نجحت في ذلك. فهل يعني هذا أن الله يأخذ روحي ويجعلها تطير فعلا؟ كما أني رأيت في المنام مؤخرا أن رجلا لا أعرفه كان يجامعني. وقد صدمت من هول ذلك الحلم. فهل أخذ الله روحي عندها، أم أن ذلك كان من ألاعيب الشيطان؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه الرؤى وأشباهها من المَرائي المكروهة هي من الشيطان والمشروع للمسلم إذا رأى ما يكرهه أن ينفث عن يساره ثلاث مرات وأن يتعوذ بالله من الشيطان ومن شر ما رأى ثلاث مرات، ثم ينقلب على جنبه الآخر فإنها لا تضره، ولا يخبر بها أحداً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنْ اللَّهِ وَالْحُلُمُ مِنْ الشَّيْطَانِ فَإِذَا حَلَمَ أَحَدُكُمْ حُلُمًا يَخَافُهُ فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا فَإِنَّهَا لا تَضُرُّهُ) رواه البخاري (بدء الخلق/3049) . وإذا رأت المرأة في منامها أن هناك من يجامعها، فهذا أمر طبيعي، فالمرأة تحتلم كما يحتلم الرجل، والاحتلام هو تخيل العملية الجنسية في المنام، فقد جاء في الحديث: عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ فَهَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا احْتَلَمَتْ؟ " قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا رَأَتْ الْمَاءَ) رواه البخاري (العلم/127) . قال الشيخ البسام معنى " احتلمت ": (عبارة عما يراه النائم في نومه من الأشياء، والمراد هنا: إذا رأت المرأة في نومها مثل ما يرى الرجل من صورة الجماع وتمثيله. وعلى المرأة إذا رأت ذلك في منامها فإذا نزل منها شيء من أثر هذا الاحتلام وجب عليها أن تغتسل، أما إذا كان الاحتلام مجرداً عن الإنزال فلا يوجب الغسل، لقوله عليه الصلاة والسلام: " إذا رأت الماء ") والله أعلم. انظر توضيح الأحكام 1/297 [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 11731 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 280 هل يجب الوضوء بعد الغسل للطهارة [السُّؤَالُ] ـ[هل من الضروري أن أتوضأ بعد الاستحمام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن كنت تعني بالاستحمام الاغتسال فالجواب كالتالي: روى البخاري في الصحيح 248 عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه، ثم توضأ كما يتوضأ للصلاة، ثم يدخل أصابعه في الماء فيخلل بها أصول شعره، ثم يصب على رأسه ثلاث غرف بيديه، ثم يفيض على جلده كله. قال الحافظ في الفتح 1/248.. وإنما قدم غسل أعضاء الوضوء تشريفا لها ولتحصيل له صورة الطهارتين الصغرى والكبرى.. وقال الحافظ أيضا 1/362: واستدل به البخاري أيضا على أن الواجب في غسل الجنابة مرة واحدة، وعلى أن من توضأ بنية الغسل ثم أكمل باقي أعضاء بدنه لا يشرع له تجديد الوضوء من غير حدث. قال ابن قدامة في المغني 1/217 وَلِغُسْلِ الْجَنَابَةِ صِفَتَانِ: صِفَةُ إجْزَاءٍ , وَصِفَةُ كَمَالٍ , فَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْخِرَقِيِّ هَاهُنَا صِفَةُ الْكَمَالِ. قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: الْكَامِلُ يَأْتِي فِيهِ بِعَشَرَةِ أَشْيَاءَ النِّيَّةِ , وَالتَّسْمِيَةِ , وَغَسْلِ يَدَيْهِ ثَلاثًا , وَغَسْلِ مَا بِهِ مِنْ أَذًى , وَالْوُضُوءِ , وَيُحْثِي عَلَى رَأْسِهِ ثَلاثًا يُروِّي بِهَا أُصُولَ الشَّعْرِ , وَيُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ , وَيَبْدَأُ بِشِقِّهِ الأَيْمَنِ , وَيَدْلُكُ بَدَنَهُ بِيَدِهِ , وَيَنْتَقِلُ مِنْ مَوْضِعِ غُسْلِهِ فَيَغْسِلُ قَدَمَيْهِ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُخَلِّلَ أُصُولَ شَعْرِ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ بِمَاءٍ قَبْلَ إفَاضَتِهِ عَلَيْهِ. قَالَ أَحْمَدُ: الْغُسْلُ مِنْ الْجَنَابَةِ عَلَى حَدِيثِ عَائِشَةَ , وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْهَا , قَالَتْ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ غَسَلَ يَدَيْهِ ثَلاثًا , وَتَوَضَّأَ وُضُوءهُ لِلصَّلاةِ , ثُمَّ يُخَلِّلُ شَعْرَهُ بِيَدِهِ , حَتَّى إذَا ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَرْوَى بَشَرَتَهُ أَفَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ , ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَتْ مَيْمُونَةُ: (وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَضُوءَ الْجَنَابَةِ , فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ , فَغَسَلَهُمَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا , ثُمَّ أَفْرَغَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ , فَغَسَلَ مَذَاكِيرَهُ , ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ الأَرْضَ أَوْ الْحَائِطَ , مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا , ثُمَّ تَمَضْمَضَ , وَاسْتَنْشَقَ , وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ , ثُمَّ أَفَاضَ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ , ثُمَّ غَسَلَ جَسَدَهُ ثُمَّ تَنَحَّى عَنْ مَقَامِهِ ذَلِكَ فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ , فَأَتَيْته بِالْمِنْدِيلِ , فَلَمْ يُرِدْهَا , وَجَعَلَ يَنْفُضُ الْمَاءَ بِيَدَيْهِ) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ كَثِيرٌ مِنْ الْخِصَالِ الْمُسَمَّاةِ , وَأَمَّا الْبِدَايَةُ بِشِقِّهِ الأَيْمَنِ فَلأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُحِبُّ التَّيَمُّنَ فِي طُهُورِهِ , وَفِي حَدِيثٍ عَنْ عَائِشَةَ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ دَعَا بِشَيْءٍ نَحْوِ الْحِلابِ , فَأَخَذَ بِكَفَّيْهِ , ثُمَّ بَدَأَ بِشِقِّ رَأْسِهِ الأَيْمَنِ , ثُمَّ الأَيْسَرِ , ثُمَّ أَخَذَ بِكَفَّيْهِ فَقَالَ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَأَمَّا غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ بَعْدَ الْغُسْلِ , فَقَدْ اُخْتُلِفَ عَنْ أَحْمَدَ فِي مَوْضِعِهِ ; فَقَالَ فِي رِوَايَةٍ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَغْسِلَهُمَا بَعْدَ الْوُضُوءِ ; لِحَدِيثِ مَيْمُونَةَ. وَقَالَ فِي رِوَايَةٍ: الْعَمَلُ عَلَى حَدِيثِ عَائِشَةَ. وَفِيهِ أَنَّهُ تَوَضَّأَ لِلصَّلاةِ قَبْلَ اغْتِسَالِهِ. .. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قال: (وإن غسل مرة وعم بالماء رأسه وجسده ولم يتوضأ أجزاه بعد أن يتمضمض واستنشق وينوى به الغسل والوضوء وكان تاركاً للاختيار) . هذا المذكور صفة الإجزاء والأول هو المختار ولذلك قال وكان تاركاً الاختيار يعني إذا اقتصر على هذا أجزأه مع تركه الأفضل والأولى وقوله وينوي به الغسل والوضوء يعني أنه يجزئه الغسل عنهما إذا نواهما نص عليه أحمد وعنه رواية أخرى: لا يجزئه الغسل عن الوضوء حتى يأتي قبل الغسل أو بعده وهو أحد قولي الشافعي لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ولأن الجنابة والحدث وجدا منه فوجبت لهما الطهارتان كما لو كانا منفردين. ولنا قوله الله تعالى: {لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنباً إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا} النساء:43 جعل الغسل غاية للمنع من الصلاة فإذا اغتسل يجب أن لا يمنع منها ولأنهما عبادتان من جنس واحد فتدخل الصغرى في الكبرى كالعمرة في الحج. قال ابن عبد البر: المغتسل من الجنابة إذا لم يتوضأ وعم جميع جسده فقد أدى ما عليه لأن الله تعالى إنما افترض على الجنب الغسل من الجنابة دون الوضوء بقوله: {وإن كنتم جنباً فاطهروا} وهو إجماع لا خلاف فيه بين العلماء إلا أنهم أجمعوا على استحباب الوضوء قبل الغسل تأسياً برسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنه أعون على الغسل وأهذب فيه.. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 5032 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 281 يكفي في الغسل تعميم الجسد بالماء [السُّؤَالُ] ـ[أنا أرسلت لكم من قبل لكنني إلى الآن في حيرة ولم أجد منكم الإجابة الشافية , أعلم علم اليقين أن أسئلتي قد تبدو لكم أنها لا تستحق الإجابة , لكن أنا أعاني من وساوس وغيري الكثير ممن ابتلاهم الله بالوسواس القهري , فنرجو عدم إحالة أسئلتي إلى استشارات مشابهة لها , لأنني لا أقتنع إلا عندما أسمع رأي فضيلتكم في مشكلتي , مثلا الغسل من الجنابة أريد أن أعلم هل يكفي أن أقف تحت الدش وأمرر الماء على جسمي أم يجب إيصال الماء إلى مابين الفخذين أم فقط على ظاهر الجسم , وبالنسبة للوضوء أنا اكتفيت بغسل الأعضاء مرة واحدة لكي لا أقضي وقتاً كبيراً]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نسأل الله تعالى لك الشفاء والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا. والواجب في الغسل من الجنابة تعميم الجسد بالماء بما في ذلك ما بين الفخذين، فإذا وقفت تحت (الدش) ووصل ومر الماء إلى جميع جسدك، مع المضمضة والاستنشاق، فقد تم غسلك. ثانياً: يجوز الاقتصار على الوضوء على غسل الأعضاء مرة مرة، والأكمل فعل ذلك ثلاث مرات، كما هو معلوم. فإذا اقتصرت على غسل الأعضاء مرة واحدة حتى تتغلب على ذلك الوسواس فلا حرج عليك إن شاء الله تعالى، وعليك بالاستعانة بالله عز وجل والدعاء وسؤال العافية. نسأل الله تعالى أن يحفظك ويعافيك. والله أعلم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96925 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 282 قراءة الأذكار للجُنُبْ [السُّؤَالُ] ـ[أود أن أعرف عما إذا كان بإمكان الشخص الجنب أن يدعو الله ويذكر الله وبخاصة أذكار ما قبل النوم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز للشخص إذا كان جُنُباً أن يدعو الله ويذْكُرَهُ ولوكانت أذكار النوم وغيرها، لما جاء في الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه) رواه مسلم /الحيض 558، قال بعض شرَّاحِ الحديث: الحديث مقرِّرٌ للأصل وهو ذكر الله تعالى على كل حال من الأحوال، ولو كان مُحْدثاً أو جُنُبَاً والذكر بالتسبيح والتهليل والتكبيير والتحميد وشبهها من الأذكار جائز كل حين بإجماع المسلمين، والذي يحرُمُ من الذكر تلاوة القرآن وهو بأن يقرأ آية فصاعداً سواءً كان ذلك من المصحف أو عن ظهر قلب , لأنه قد جاء النهي عن ذلك، ولكن يستحب للجنب أن يغسل فرجه ويتوضأ إذا أراد النوم لما جاء في الحديث أن عمر رضي الله عنه قال يا رسول الله أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: (نعم إذا توضأ) رواه البخاري / الغسل 280 انظر الشرح الممتع لابن عثيمين 1/288 , توضيح الأحكام للبسام 1/250 , فتاوى إسلامية 1/232. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 8828 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 283 لا يلزم المرأة الجلوس أثناء الاغتسال [السُّؤَالُ] ـ[هل يجب على المرأة الجلوس أثناء الاستحمام أم أن ذلك الأمر ليس ذا أهمية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجب على المرأة أن تجلس أثناء الاغتسال، بل لها أن تغتسل كيفما شاءت واقفةً وجالسة ومستلقية، وكذلك الحال بالنسبة للرجل. ولا حرج أيضا في اغتسال الإنسان عريانا، كما هو مبين في جواب السؤال رقم (6894) ورقم (6976) واستحب بعض الفقهاء ألا يقف الإنسان عريانا، حال الغسل وغيره، بل يضم جسمه ليستر نفسه. قال ابن عبد البر رحمه الله: " ولا ينتصب الرجل عريانا ليلا أو نهارا فإذا اغتسل فلينضم ما استطاع فإن الله أحق أن يستحى منه " انتهى من "حاشية العدوي على شرح الرسالة" (2/455) . وهذا من باب الحياء والستر، لكنه لا يجب. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96683 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 284 إذا احتلم في سفره ولم يستطع الغسل [السُّؤَالُ] ـ[كنت على طريق سفر ونمت في الطريق واحتلمت وكان الاحتلام قبل صلاة الظهر ولم أستطع الاستحمام مع أصحابي، وصليت الظهر والعصر والمغرب والعشاء. فلما عدت إلى الرياض قضيت جميع الصلوات فماذا علي أن أفعل في مثل هذي الأوقات؟ وإذا كنت في طلعة برية واحتلمت فيها فماذا أفعل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من أصابته جنابة من احتلام أو غيره، وجب عليه أن يغتسل، فإن لم يجد ماء، أو وجده وخاف على نفسه من استعماله، لشدة البرد، ولم يجد ما يسخنه به، تيمم وصلى، ولو كان سيمكث في موضعه هذا أياما؛ لقوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا) النساء/43، ولحديث عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: (احْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السُّلاسِلِ، فَأَشْفَقْتُ إِنْ اغْتَسَلْتُ أَنْ أَهْلِكَ، فَتَيَمَّمْتُ ثُمَّ صَلَّيْتُ بِأَصْحَابِي الصُّبْحَ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا عَمْرُو صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ؟ فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي مَنَعَنِي مِنْ الاغْتِسَالِ، وَقُلْتُ إِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ: (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا " رواه أبو داود (334) وصححه الألباني في صحيح أبي داود (323) . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " وفي هذا الحديث جواز التيمم لمن يتوقع من استعمال الماء الهلاك سواء كان لأجل برد أو غيره، وجواز صلاة المتيمم بالمتوضئين " انتهى من "فتح الباري" (1/454) . وأما ترك الاغتسال والصلاة مع الجنابة خجلا وحياء، فلا يجوز، وهو منكر عظيم، ونم أسباب عذاب القبر، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (65731) . والحاصل: أنك إذا كنت لم تغتسل خجلاً وحياءً من أصحابك فذلك حرام، وعليك التوبة إلى الله والندم على ذلك العزم على عدم العودة إليه. وإن كنت لم تغتسل لكونك لم تجد ماء، أو وجدته وكان الماء بارداً وليس عندك ما تسخنه به، جاز لك ترك الاغتسال، وتتيمم بدلاً منه، فإن كنت تيممت فصلاتك صحيحة، وإن كنت صليت بغير تيمم فصلاتك غير صحيحة، وقد أعدتها بعد عودتك من السفر. ونسأل الله أن يفقهنا في دينه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96658 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 285 هل يلزم الغسل من حصول الاستمتاع [السُّؤَالُ] ـ[سؤالي هو متى يجب الغسل على المرأة بعد أن تكون مع زوجها؟ الأهم: إذا لم يجامعا بعضهما جماعاً كاملاً وكل ما حدث أنه حصل بينهما شيء من الاستمتاع باستعمال اليد فقط فهل عليها غسل قبل صيامها اليوم التالي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب الغسل على الرجل والمرأة على حد سواء عند حصول أحد أمرين: 1. التقاء الختانين، أي الإيلاج وهو حصول الجماع، ولو لم يُنزلا. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا التقى الختانان وغابت الحشفة، فقد وجب الغسل، أنزل أو لم ينزل) رواه أبو داود وهو في صحيح سنن أبي داود 209. 2. الإنزال ولو بدون التقاء الختانين، ولو كان بسبب الاستمتاع باليد ونحوها. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الماء من الماء) رواه مسلم 151. أي إن الغسل يجب عند نزول الماء أي المني. وأمّا الصيام فلا يلزم لصحّته أن يغتسل الإنسان من الجنابة قبل الفجر بل لو بدأ يوم الصيام وهو جُنُب فصيامه صحيح (يُنظر 70 مسألة في الصيام) وإنما عليه المبادرة إلى الغسل لإدراك صلاة الفجر. والله تعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 7529 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 286 كان جنبا وأقيمت الصلاة فهل يصلي أم يغتسل ولو فاتته الجماعة؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان الرجل جنباً وحان وقت الصلاة هل يذهب للصلاة في المسجد أم إنه يجب عليه الغسل أولاً ثم يصلي بعد ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الجنب يلزمه الاغتسال من أجل الصلاة، ولا تصح صلاته بدونه، لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) النساء/43، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ) رواه مسلم (224) . وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء قال النووي رحمه الله: " أجمع المسلمون على تحريم الصلاة على المحدث، وأجمعوا على أنها لا تصح منه سواء إن كان عالما بحدثه أو جاهلا أو ناسيا، لكنه إن صلى جاهلا أو ناسيا فلا إثم عليه. وإن كان عالما بالحدث وتحريم الصلاة مع الحدث فقد ارتكب معصية عظيمة ولا يكفر عندنا بذلك إلا أن يستحله , وقال أبو حنيفة: يكفر لاستهزائه. دليلنا: أنه معصية فأشبهت الزنا وأشباهه , هذا كله إذا لم يأت ببدل ولا اضطر إلى الصلاة محدثا " انتهى من "المجموع" (2/78) . فالجنب يلزمه الاغتسال أولاً، ثم يصلي، ولو كان غسله سيفوت عليه صلاة الجماعة. وراجع السؤال رقم (94311) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 95743 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 287 إذا كان لديها إبرة مثبتة في البطن بلاصق فهل تمسح عليها في الغسل؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا مصابة بداء السكري واستخدم للعلاج مضخة الأنسولين كبديل للحقن.. وهذه المضخة لها إبرة صغيرة تكون مثبتة في البطن لمدة ثلاثة أيام ثم أقوم بتغييرها.. علما بأن هذه الإبرة تكون محاطة ومغطاة بطبقة من اللزق الذي يمنع وصول الماء إلى الإبرة وإلى الجلد من تحتها، فهل يكفي عند الاغتسال من عادتي الشهرية أن أمرر الماء عليها إذا كانت طهرتي في خلال هذه الأيام الثلاثة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا أمكن نزع هذا اللاصق عند الاغتسال وغسل ما تحته من البدن ثم إعادته من غير ضرر فهذا هو الواجب ولا يجوز المسح عليه. أما إذا كان هناك ضرر من نزع اللاصق، فلا حرج من المسح عليه. قال ابن قدامة رحمه الله: " قال أحمد: إذا توضأ , وخاف على جرحه الماء , مسح على الخرقة. .. وكذلك إن وضع على جرحه دواء , وخاف من نزعه , مسح عليه. نص عليه أحمد. قال الأثرم: سألت أبا عبد الله عن الجرح يكون بالرجُل , يضع , عليه الدواء , فيخاف إن نزع الدواء إذا أراد الوضوء أن يؤذيه؟ قال: ما أدري ما يؤذيه , ولكن إذا خاف على نفسه , أو خوف من ذلك , مسح عليه ... وقال القاضي , في اللصوق على الجرح: إن لم يكن في نزعه ضرر نزعه ..... فإن كان في نزعه ضرر فحكمه حكم الجبيرة , يمسح عليه " انتهى من "المغني" (1/172) . وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: ما حكم من صلى بالناس جماعة وفيه جرح؟ فأجاب: إذا كان الجرح عليه جبيرة فإنه يمسح عليها وقت الوضوء وغسل الجنابة , ويجزئه ذلك , وصلاته صحيحة , سواء كان إماما أو مأموما أو منفردا , فإن لم تكن عليه جبيرة تيمم عنه بعد غسل أعضائه السليمة , وأجزأه ذلك وصحت صلاته؛ لقول الله سبحانه وتعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين الذين أصيبوا ببعض الجراحات يوم أحد صلوا بجروحهم ; ولما روى أبو داود رحمه الله عن جابر رضي الله عنه أن رجلا أصابه جرح فأفتاه بعض أصحابه بغسله , فغسله فمات , فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (قتلوه قتلهم الله ألا سألوا إذ لم يعلموا، إنما شفاء العي السؤال) ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما كان يكفيه أن يَعصِب على جرحه خرقة، ويمسح عليها، ويغسل سائر جسده) " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز (10/119) . ونسأل الله أن يشفيك ويعافيك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 95065 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 288 إذا استيقظ جنبا وخاف إن اغتسل أن يخرج الوقت فهل يتيمم؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا استيقظ الرجل من نومه وهو جنب وقت إقامة صلاة الفجر، فلو اغتسل فاتته صلاة الجماعة، فهل له أن يتوضأ ويصلي في المسجد جماعة ثم إذا رجع اغتسل وصلى ركعتي الفجر، أم يغتسل ولو فاتت صلاة الجماعة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الجنب يلزمه الاغتسال من أجل الصلاة، ولا تصح صلاته بمجرد الوضوء. ويجب عليه الاغتسال ولو خشي فوت صلاة الجماعة، بل لو استيقظ متأخرا وخشي خروج الوقت إن اغتسل، فجمهور العلماء – وهو الصواب – على أنه يلزمه الاغتسال، لأنه معذور. والوقت في حقه هو وقت استيقاظه؛ لما روى الترمذي (177) والنسائي (615) وأبو داود (437) وابن ماجه (698) عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: ذَكَرُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَوْمَهُمْ عَنْ الصَّلَاةِ فَقَالَ: (إِنَّهُ لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إِنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ فَإِذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ صَلَاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا) وصححه الألباني في صحيح الترمذي وأصل الحديث في الصحيحين. وقال ابن قدامة في بيان مذهب الجمهور: " وإذا كان الماء موجودا إلا أنه إذا اشتغل بتحصيله واستعماله فات الوقت , لم يبح له التيمم , سواء كان حاضرا أو مسافرا , في قول أكثر أهل العلم منهم: الشافعي وأبو ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي وعن الأوزاعي , والثوري: له التيمم. رواه عنهما الوليد بن مسلم " انتهى من "المغني" (1/166) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ومن استيقظ آخر وقت صلاة وهو جنب وخاف إن اغتسل خرج الوقت اغتسل وصلى , ولو خرج الوقت , وكذا من نسيها " انتهى من "الاختيارات الفقهية". وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: بالنسبة لتسخين الماء إذا كان الإنسان يتكاسل أو قام متأخراً من نومه في البرية ويخشى من فوات الوقت فما الذي يفعل هل يسخن الماء أم يتيمم؟ فأجاب: "يجب عليه أن يسخن الماء ولو كان يخشى خروج الوقت، وذلك لأن النائم إذا قام من نومه فوقت الصلاة في حقه من استيقاظه وليس من دخول وقتها، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) فجعل وقتها عند الذكر بالنسبة للنسيان، وكذلك عند الاستيقاظ بالنسبة للنوم، فنحن نقول: إذا قمت مثلاً من نومك قبل طلوع الشمس بنحو خمس دقائق أو عشر دقائق إن تيممت أدركت الصلاة في الوقت وإن اغتسلت خرج الوقت، فنقول: اغتسل ولو خرج الوقت، وذلك لأن وقت الصلاة في حقك كان عند استيقاظك من النوم، وليس من طلوع الفجر، لأنك معذور به " انتهى من "فتاوى نور على الدرب". والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 94311 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 289 إذا استيقظ متأخرا والماء بارد فهل يتيمم؟ [السُّؤَالُ] ـ[رجل أصابته جنابة في حلم أي احتلام فأصبح وهو متأخر عن عمله وكان الجو ممطرا وباردا فتيمم بالصعيد الطاهر، فهل يجوز ذلك؟ علما بأنه خاف التأخر عن عمله وخاف على نفسه من المرض والتهلكة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من احتلم وأنزل المني، وجب عليه أن يغتسل من أجل الصلاة، ولا يجوز له العدول عنه إلى التيمم إلا عند فقد الماء أو خشية الضرر باستعماله؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) المائدة/6. وقوله صلى الله عليه وسلم: (الصعيد وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته، فإن ذلك خير) رواه البزار، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3861) . فمن استيقظ جنبا، وخشي الضرر باستعمال الماء لبرودة الجو، فإن أمكنه تسخين الماء، لزمه ذلك، ولو خرج الوقت؛ لأن النائم معذور، والوقت في حقه هو وقت استيقاظه، فتلزمه الصلاة وما يشترط لها من الطهارة. وإذا لم يجد ما يسخن به الماء، جاز له التيمم حينئذ. وخوف التأخر عن العمل لا يعتبر عذرا يبيح ترك الغسل والانتقال إلى التيمم. وعلى من تيمم، بلا عذر يبيح التيمم أن يعيد ما صلاه بذلك التيمم؛ لتبرأ ذمته. وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: إذا كان البرد شديدا جدا جدا والماء في الإناء كالروب وفي الإبريق يتثلج ومثلا إنسان وقع عليه حدث والماء يؤثر عليه ويعمل له مرض الحمى كيف العمل؟ فأجابت: " إذا كان الأمر كما ذكر فإنه يتيمم قال تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) لكن إذا أمكنه تسخينه بالنار وجب ذلك، ووجب عليه الغسل لقول الله عز وجل: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93865 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 290 لم تكن تعلم بوجوب الغسل فهل يلزمها قضاء الصلوات [السُّؤَالُ] ـ[لم أكن أعلم أن خروج شيء من المرأة بشهوة يوجب الاغتسال وعلمت بذلك بعد سنتين من بلوغي بنزول الحيض وبعدها صرت أغتسل بعد النزول. المشكلة أني لا أعلم كم صلاة صليتها دون طهارة من قبل ولكن لا أتوقع أنها كثيرة العدد حيث إني اغتسل بعد الحيض. كما أني أخاف أن يكون هناك عدد من أيام رمضان أيضا صمتها دون طهارة. توقعا مني أنه نزل 3 مرات وقد يكون أكثر. وقد قضيت صلاة أسبوعين. أفيدوني ماذا أفعل؟ أفيدوني دائما أفكر بهذا الأمر وكم مرة وسوس لي الشيطان بأن أسلم من جديد حتى يسقط عني ما فات ولكن ولله الحمد أتعوذ من الشيطان ولا أقوم بهذا الشيء الفظيع..]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الأمر كما ذكرت، فلا يلزمك قضاء الصلوات التي صليتها بلا طهارة، عند جمع من أهل العلم، لأنك معذورة بالجهل. وراجعي السؤال رقم (45648) . وهذا هو الظاهر إن كان لم يخطر ببالك أن الغسل واجب. ومن أهل العلم من يلزمك بالقضاء، لأن الجهل في حقك ليس عذرا، لوجودك في بلاد ينتشر فيها العلم. والأحوط لك: قضاء الصلوات التي صليتها بلا طهارة، وتجتهدي في تقديرها، فإن كانت كثيرة بحيث يشق عليك قضاؤها، فنرجو ألا يكون عليك شيء في تركها، وعليك الإكثار من النوافل ما استطعت. وأما الصوم، فلا يلزمك قضاؤه؛ لأنه لا يشترط له الطهارة، فصيام الجنب صحيح، وإنما يلزمه الاغتسال لأجل الصلاة. وأما الوسوسة التي ذكرتِ فأمرٌ عظيم، ونحمد الله أن صرفك عن الاستجابة لها، إذ كيف يقدم العبد على أعظم منكر، وهو الكفر، رجاء أن يغفر له! وما يدريه أن يسلم بعده، فقد يحال بينه وبين الإسلام، عياذا بالله من ذلك المصير. ولو كانت هذه وسيلة مشروعة للتوبة لأرشد إليها الشرع، ولقيلت في حق من أتى الكبائر العظيمة، كمن قتل مائة نفس. فاحمدي الله تعالى على نعمة الإسلام، وسليه الاستقامة والثبات، وأقبلي على تعلم العلم الشرعي النافع، فإنه نعم الزاد والشرف لك. نسأل الله تعالى التوفيق والسداد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93735 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 291 موجبات الغسل [السُّؤَالُ] ـ[ما هي الأشياء التي توجب الغسل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " موجبات الغسل ستة أشياء , إذا حصل واحد منها ; وجب على المسلم الاغتسال: أحدها: خروج المني من مخرجه من الذكر أو الأنثى , ولا يخلو: إما أن يخرج في حال اليقظة , أو حال النوم , فإن خرج في حال اليقظة ; اشترط وجود اللذة بخروجه , فإن خرج بدون لذة ; لم يوجب الغسل ; كالذي يخرج بسبب مرض, وإن خرج في حال النوم , وهو ما يسمى بالاحتلام , وجب الغسل مطلقا ; لفقد إدراكه , فقد لا يشعر باللذة ; فالنائم إذا استيقظ ووجد أثر المني ; وجب عليه الغسل , وإن احتلم , ولم يخرج منه مني , ولم يجد له أثرا ; لم يجب عليه الغسل. الثاني من موجبات الغسل: إيلاج الذكر في الفرج , ولو لم يحصل إنزال ; للحديث الذي رواه مسلم وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا قعد بين شعبها الأربع , ثم مس الختان الختان ; فقد وجب الغسل) فيجب الغسل على الواطئ والموطوءة بالإيلاج , ولو لم يحصل إنزال ; لهذا الحديث , ولإجماع أهل العلم على ذلك. الثالث من موجبات الغسل عند طائفة من العلماء: إسلام الكافر , فإذا أسلم الكافر ; وجب عليه الغسل ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بعض الذين أسلموا أن يغتسلوا , ويرى كثير من أهل العلم أن اغتسال الكافر إذا أسلم مستحب , وليس بواجب ; لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر به كل من أسلم , فيحمل الأمر به على الاستحباب ; جمعا بين الأدلة. الرابع من موجبات الغسل: الموت , فيجب تغسيل الميت ; غير الشهيد في المعركة ; فإنه لا يغسل. الخامس والسادس من موجبات الغسل: الحيض والنفاس ; لقوله صلى الله عليه وسلم: (وإذا ذهبت حيضتك ; فاغتسلي وصلي) وقوله تعالى: (فَإِذَا تَطَهَّرْنَ) يعني: الحيض، يتطهرن بالاغتسال بعد انتهاء الحيض " انتهى من "الملخص الفقهي" للشيخ صالح الفوزان حفظه الله. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93027 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 292 لا يجب الدلك في الوضوء والغسل [السُّؤَالُ] ـ[هل يجب فرك الجسم باليد أثناء الاغتسال من الاحتلام , أم يكفي سكب الماء على الجسم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجب الدلك في الوضوء أو الغسل، عند جمهور العلماء، ويكفي وصول الماء إلى عامة الجسد في الغسل، خلافا لمالك رحمه الله. قال النووي رحمه الله: " مذهبنا أن دلك الأعضاء في الغسل وفي الوضوء سنة ليس بواجب، فلو أفاض الماء عليه فوصل به ولم يمسه بيديه، أو انغمس في ماء كثير، أو وقف تحت ميزاب، أو تحت المطر ناويا، فوصل شعره وبشره أجزأه وضوءه وغسله , وبه قال العلماء كافة إلا مالكا والمزني، فإنهما شرطاه في صحة الغسل والوضوء. واحتج أصحابنا بقوله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه: (فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك) ولم يأمره بزيادة , وهو حديث صحيح وله نظائر كثيرة من الحديث" انتهى من "المجموع" (2/214) باختصار. وقال ابن قدامة رحمه الله: " ولا يجب عليه إمرار يده على جسده في الغسل والوضوء , إذا تيقن أو غلب على ظنه وصول الماء إلى جميع جسده. وهذا قول الحسن والنخعي والشعبي وحماد والثوري والأوزاعي والشافعي وإسحاق , وأصحاب الرأي. وقال مالك: إمرار يده إلى حيث تنال يده واجب. ونحوه قال أبو العالية. وقال عطاء , في الجنب يفيض عليه الماء , قال: لا , بل يغتسل غسلاً ; لأن الله تعالى قال: (حتى تغتسلوا) ولا يقال: اغتسل إلا لمن دلك نفسه ; ولأن الغسل طهارة عن حدث , فوجب إمرار اليد فيها, كالتيمم. ولنا ما روت أم سلمة , قالت: قلت يا رسول الله , إني امرأة أشد ضفر رأسي , أفأنقضه لغسل الجنابة؟ فقال: (لا , إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات , ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين) . رواه مسلم. ولأنه غسل واجب , فلم يجب فيه إمرار اليد , كغسل النجاسة , وما ذكروه في الغسل غير مسلّم ; فإنه يقال: غسل الإناء وإن لم يمر يده , ويسمى السيل الكبير غاسولا , والتيمم أمرنا فيه بالمسح ; لأنه طهارة بالتراب , ويتعذر في الغالب إمرار التراب إلا باليد " انتهى من "المغني" (1/290) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93056 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 293 صلَّى وحده وبالناس وهو على جنابة فماذا يترتب عليه؟ [السُّؤَالُ] ـ[صليت وأنا على جنابة، في البداية لم أكن أعلم ثم علمت، ولكنني كنت مسلماً غير مبالٍ، صليت عدة صلوات وأنا على جنابة، وفي مرة كنت في البيت وصليت إماماً واستحييت أن أقول بأنني على جنابة، وأريد التوبة، هل أعيد الصلوات أم أصلي العديد من النوافل؟ إهمالي هو السبب وأريد أن أتوب، فماذا أفعل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ما صليتَه وأنت لم تعلم بحكم هذا الفعل: لا إثم عليك فيه، ولا قضاء لما صليتَه وأنت جنب، فالشرع عذر الجاهل سواء في تركه للواجبات أو في فعله للمحرمات إذا كان غير مقصِّر في السؤال والعلم، فإن كان مقصِّراً في طلب العلم والسؤال: فهو آثم على تقصيره هذا. قال علماء اللجنة الدائمة: لا تصح الصلاة بدون طهارة لمن كان عليه حدث أصغر أو أكبر إجماعا ً، لقول الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق ... الآية) المائدة/6 ولقوله صلى الله عليه وسلم " لا تقبل صلاة بغير طهور ". رواه مسلم (224) " فتاوى اللجنة الدائمة (6 / 259) . ثانياً: فإن كنتَ تعلم حكم الشرع في صلاة الجنب، وأنه لا يحل للجنب أن يصلي حتى يغتسل: فإنك آثم على فعلك هذا، ويجب عليك التوبة والاستغفار والندم والعزم على عدم العود لهذا الفعل، كما يجب قضاء تلك الصلوات التي صُلِّيت على تلك الحال. سئل علماء اللجنة الدائمة: أنا امرأة تزوجت منذ سبعة عشر عاما، وكنت في بداية زواجى أجهل بعض بل كل أحكام الغسل من الجنابة؛ لجهلي بالأمور المسببة للجنابة وكذلك زوجي، وهذا الجهل ينحصر منا في أن الجنابة لاتكون إلا على الزوج فقط، وكان زواجي في قبل رمضان بشهر تقريبا، وفي أواخر شهر رمضان من نفس العام علمت بالحكم، فماذا عليَّ أن أعمل بالنسبة للصلوات التي صليتها أثناء هذه الفترة، علماً بأنني أغتسل بنية النظافة وليس لرفع الحدث، واغتسالي هذا ليس دائماً أي بعد كل جماع مع العلم بأنني محافظة على الوضوء عند كل صلاة، وكل هذا يحصل بالجهل مني بالطبع كما أشرت، وكذلك ماذا علي بالنسبة لصيامي شهر رمضان المبارك؟ فأجابوا: يجب عليك قضاء الصلوات التي صليتيها بدون غسل عن الجنابة لتفريطك وعدم تفقهك في الدين، وعليك مع القضاء التوبة إلى الله من ذلك، وأما الصيام فصحيح إذا لم يكن الجماع وقع في النهار. " فتاوى اللجنة الدائمة " (6 / 269) . ثالثاً: ليس على من صلى خلفك من المأمومين إعادة الصلاة، لأن صلاتهم صحيحة، ولا علاقة لصلاتهم ببطلان صلاة إمامهم الذي صلى جنباً وهم لا يعلمون. سئل علماء اللجنة الدائمة: في الأيام القليلة السابقة عندما أردت الوضوء لصلاة المغرب، لاحظت وجود مني في إزاري، فاغتسلت وصليت المغرب ولكني لا أعلم متى حصل الاحتلام: هل قبل صلاة الفجر أم في القيلولة، والمهم أني أسأل في الأمر، فأظن أني صليت الفروض الثلاث: الفجر والظهر والعصر، وأنا على جنابة دون أن أعلم، وبالصدفة فإني صليت هذه الصلوات الثلاث إماماً بمجموعة من المصلين يصل عددهم إلى ثلاثمائة نفر، فكيف أفعل هل أقضي هذه الصلوات الثلاث، وما حكم صلاة من صلى خلفي، وهل تترتب على فعلي هذا جناية؟ أفيدونا أفادكم الله. فأجابوا: يجب عليك إعادة صلاتي الظهر والعصر بعد أن تغتسل غسل الجنابة، ويجب أن تعجل بذلك، أما من صلى وراءك هذه الصلوات فلا يجب عليهم إعادتها، فإن عمر رضي الله عنه صلى بالناس صلاة الفجر وهو جنب وقد كان ناسيا فأعاد الفجر ولم يأمر من صلى وراءه تلك الصلاة أن يعيدها، ولأنهم معذورون لكونهم لايعلمون حدثك، أما الفجر فليس عليك إعادة؛ لأن المني قد يكون من نوم الظهيرة، والأصل براءة الذمة من وجوب الإعادة إلا بيقين الحدث. " فتاوى اللجنة الدائمة " (6 / 266) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 27091 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 294 هل يجوز للمرأة أن تؤدي أعمال البيت وهي جنب [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمرأة أن تؤدي وظائفها المعتادة كالطبخ، ورعاية الأطفال، وشؤون البيت قبل الاغتسال من الجماع؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يحرم على الجنب الصلاة والطواف والمكث في المسجد وقراءة القرآن ومس المصحف، وما سوى ذلك فهو جائز. فلا حرج على المرأة إن كانت على جنابة أن تطبخ أو تقوم على رعاية بيتها وأبنائها وقضاء حوائجها، وقد دل على ذلك عدة أدلة منها: أ. عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه في بعض طريق المدينة وهو جنُب، قال فانخنستُ منه، فذهبت فاغتسلت، ثم جئت فقال: أين كنت يا أبا هريرة؟ قلت: كنت جنُباً فكرهتُ أن أجالسك وأنا على غير طهارة، فقال: سبحان الله، إن المسلم لا ينجس. رواه البخاري (279) ومسلم (371) . قال الحافظ ابن حجر: وفيه جواز تأخير الاغتسال عن أول وقت وجوبه، ... وعلى جواز تصرف الجنب في حوائجه. " فتح الباري " (1 / 391) . والأفضل للجنب أن يسارع إلى الاغتسال خشية نسيانه لجنابته، ولو توضأ قبل مباشرته للطعام والشراب وقبل نومه فهو أفضل من فعل هذه الأشياء، وهو على جنابة، وليس هذا الوضوء بواجب بل هو لتخفيف الحدث، وهو مستحب، وفي ذلك بعض أحاديث، منها: أ. عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان جنباً فأراد أن يأكل أو ينام توضأ وضوءه للصلاة. رواه مسلم (305) . ب. عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيرقد أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم، إذا توضأ أحدكم فليرقد وهو جنب. رواه البخاري (283) ومسلم (306) . قال النووي: وفيها: أنه يستحب أن يتوضأ ويغسل فرجه لهذه الأمور كلها، ولاسيما إذا أراد جماع من لم يجامعها؛ فإنه يتأكد استحباب غسل ذكَره، وقد نص أصحابنا أنه يكره النوم والأكل والشرب والجماع قبل الوضوء، وهذه الأحاديث تدل عليه، ولا خلاف عندنا أن هذا الوضوء ليس بواجب، وبهذا قال مالك والجمهور. " شرح مسلم " (3 / 217) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الجنُب يستحب له الوضوء إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام أو يعاود الوطء، لكن يُكره له النوم إذا لم يتوضأ؛ فإنه قد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم " سئل هل يرقد أحدنا وهو جنب؟ فقال: نعم، إذا توضأ للصلاة " ... " مجموع الفتاوى " (21 / 343) . راجع السؤال رقم (6533) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20847 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 295 هل يجوز للزوجين التَّجرّد من الثياب حال النوم وما أثر ذلك في الطهارة [السُّؤَالُ] ـ[هل النوم عارية مع الزوج جائز في الإسلام؟ إذا كان الجواب نعم، فهل المعانقة أثناء النوم توجب الغسل قبل الصلاة أم أن الوضوء يكفي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: أما الشق الأول من السؤال: فيجوز للزوجين ذلك. قال الله عز وجل: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ. إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) [المؤمنون /5-6] . قال الإمام ابن حزم رحمه الله: فأمر تعالى بحفظ الفرج إلا على الزوجة وملك اليمين، فلا ملامة في ذلك، وهذا عموم في رؤيته ولمسه ومخالطته. أ. هـ‍ "المحلى" (9/165) . وأما من السنَّةِ: فقد صحَّ عن عائشةَ رضي الله عنها أنَّها قالت: "كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم منْ إِنَاءٍ بَيْني وَبَيْنَهُ وَاحِدٍ، فَيُبَادِرَني حَتَّى أَقُولَ: دَعْ لي، دَعْ لي" رواه البخاري (258) ومسلم (321) - واللفظ له -. قال الحافظ ابن حجر: واستدل به الداوديُّ على جواز نظر الرجل إلى عورة امرأته وعكسه، ويؤيده ما رواه ابن حبان من طريق سليمان بن موسى أنه سئل عن الرجل ينظر إلى فرج امرأته، فقال: سألت عطاءً فقال: سألتُ عائشة فذكرتْ هذا الحديث بمعناه. قال الحافظ: وهو نصٌّ في المسألة. أ. هـ‍. وحديثٌ آخرُ من السنَّةِ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم "احفظْ عَوْرَتَكَ إِلاَّ مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ" رواه أبو داود (4017) والترمذي (2769) وحسنه، وابن ماجه (1920) . ورواه البخاري معلقا (1/508) ، وقال الحافظ ابن حجر عنده: ومفهوم قوله " إلا عن زوجتك " يدل على أنه يجوز لها النظر إلى ذلك منه، وقياسه أنه يجوز له النظر. أ.هـ‍. قال ابن حزم رحمه الله: وحلالٌ للرَّجُلِ أَنْ ينظرَ إلى فرج امرأته -زوجته وأمَتِه التي يحل وطؤها - وكذلك لهما أنْ ينظرا إلى فرجه، لا كراهة في ذلك أصلاً، برهان ذلك الأخبار المشهورة عن طريق عائشة وأمِّ سلمة وميمونة أمهات المؤمنين رضي الله عنهن أنهن كنّ يغتسلن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجنابة من إناءٍ واحدٍ، وفي خبر ميمونة بيان أنه عليه الصلاة والسلام كان بغير مئزرٍ لأنَّ في خبرها " أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلاَمُ أَدْخَلَ يَدَهُ في الإِنَاءِ ثُمَّ أَفْرَغَ عَلى فَرْجِهِ وَغَسَلَهُ بِشِمَالِهِ"، فبطل بعد هذا أنْ يُلتفت إلى رأيِ أَحَدٍ، ومن العجب أنْ يُبيحَ بعضُ المتكلِّفين مِن أهل الجهل!! وَطءَ الفرجِ ويمنع من النظر إليه. أ. هـ‍ "المحلى" (9/165) . وقال الشيخ الألباني رحمه الله: تحريم النظر بالنسبة للجماع من تحريم الوسائل، فإذا أباح الله تعالى للزوج أنْ يجامع زوجته، فهل يعقل أنْ يمنعه من النظر إلى فرجها؟! اللهمَّ لا. أ. هـ "السلسلة الضعيفة" (1/353) . ثانياً: أما حكم الطهارة في هذه الحالة: فالمعانقة أثناء النوم إذا لم يترتب عليها إنزال أو لم يحصل جماع فإنها لا توجب الغسل، وإنما إذا حصل مذي فإن على الرجل أن يغسل ذكره وأنثييه، وعلى المرأة أن تغسل فرجها، ويجب عليهما الوضوء فقط لا الغسل، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 13486 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 296 يكفي غسل واحد بنية الجمعة ورفع الجنابة [السُّؤَالُ] ـ[إذا اجتمع على الإنسان غسل جنابة وغسل جمعة فكيف يصنع من ناحية النية وعدد الاغتسال؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا اجتمع على الإنسان غسل جنابة وغسل الجمعة فإنه يكفيه أن يغتسل لهما غسلاً واحداً، وينوي الاغتسال للجنابة والجمعة جميعاً، لقول النبي صلى الله وعليه وسلم: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) رواه البخاري (1) ومسلم (1907) . قال النووي في "المجموع" (1/368) : " ولو نوى بغسله غسل الجنابة والجمعة حصلا جميعا هذا هو الصحيح " انتهى. وقال ابن قدامة رحمه الله: " إن اغتسل للجمعة والجنابة غسلا واحدا ونواهما , أجزأه , ولا نعلم فيه خلافا " انتهى. وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: هل يكفي غسل الجنابة عن غسل الجمعة؟ فأجاب: " إذا كان في النهار كفاه ذلك، والأفضل أن ينويهما جميعا، وذلك بأن ينوي بغسله: الجمعة والجنابة، وبذلك يحصل له- إن شاء الله- فضل غسل الجمعة " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (12/406) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم الجمع بين غسل الجمعة وغسل الجنابة؟ فأجاب: " لا بأس بذلك، فإذا كان الإنسان جنباً واغتسل ونوى بذلك رفع الجنابة والاغتسال للجمعة فلا حرج في هذا، كما لو أن الإنسان دخل المسجد وصلى ركعتين ينوي بهما الراتبة وتحية المسجد فلا بأس. وهذه المسألة لا تخلو من أقسام ثلاثة: القسم الأول: أن ينوي الجنابة فقط. القسم الثاني: أن ينوي غسل الجنابة والجمعة. القسم الثالث: أن ينوي غسل الجمعة فقط. بقي قسم رابع وهو لا يمكن أن يرد وهو أن لا ينويهما وهذا غير وارد. فإذا نوى غسل الجنابة أجزأ عن غسل الجمعة إذا كان بعد طلوع الشمس، وإذا نواهما جميعاً أجزأ ونال الأجر لهما جميعاً، وإذا نوى غسل الجمعة لم يكفه عن غسل الجنابة؛ لأن غسل الجمعة واجب عن غير حدث، وغسل الجنابة واجب عن حدث فلابد من نية ترفع هذا الحدث. وبعض العلماء قال: يغتسل مرتين، ولكن هذا لا وجه له " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (16/137) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 88032 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 297 إذا اغتسل ونوى رفع الحدثين فمتى يتمضمض ويستنشق؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا اغتسل الإنسان ونوى به الوضوء، فمعلوم أنه يجب عليه المضمضة والاستنشاق. سؤالي: متى تكون المضمضمة والاستنشاق؟ أي متى يفعلان قبل الغسل أم بعده؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يجزئ الاغتسال عن الوضوء إلا إذا كان الاغتسال عن حدث أكبر (جنابة، حيض، نفاس) قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " إذا كان الغسل عن الجنابة، ونوى المغتسل الحدثين: الأصغر والأكبر أجزأ عنهما. . أما إن كان الغسل لغير ذلك؛ كغسل الجمعة، وغسل التبرد والنظافة فلا يجزئ عن الوضوء ولو نوى ذلك؛ لعدم الترتيب، وهو فرض من فروض الوضوء، ولعدم وجود طهارة كبرى تندرج فيها الطهارة الصغرى بالنية، كما في غسل الجنابة " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (10/173) . وانظر جواب السؤال (82759) . ثانياً: المضمضة والاستنشاق لابد منهما في الغسل، كما هو مذهب الحنفية والحنابلة. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " فمن أهل العلم من قال: لا يصح الغسل إلا بهما كالوضوء. وقيل: يصح بدونهما. والصواب: القول الأول؛ لقوله تعالى: (فاطَّهَّروا) المائدة/6، وهذا يشمل البدن كله، وداخل الأنف والفم من البدن الذي يجب تطهيره، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهما في الوضوء لدخولهما تحت قوله تعالى: (فاغسلوا وجوهكم) المائدة/6، فإذا كانا داخلين في غسل الوجه، وهو مما يجب تطهيره في الوضوء، كانا داخلين فيه في الغسل لأن الطهارة فيه أوكد " انتهى من "الشرح الممتع". ثالثاً: يستحب للمغتسل أن يتوضأ في بداية غسله، فإن لم يفعل وأفاض الماء على جميع جسده أجزأه ذلك وصح غسله، وله أن يتمضمض ويستنشق في أول غسله أو في آخره أو وسطه؛ لأن الغسل لا يجب فيه الترتيب. وانظر: "المغني" (1/140) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 88066 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 298 تذكر أنه جنب وتعذر عليه الغسل فتيمم ثم توضأ [السُّؤَالُ] ـ[خرجت من منزلي صباحا لأقضي أمرا ما وعند اقتراب صلاة الظهر تذكرت أني قد احتلمت أثناء نومي بعد صلاة الفجر وأني الآن جنب ويتعذر علي أن أغتسل فقمت بالتيمم للتطهر من الحدث الأكبر ثم توضأت للصلاة فهل ما فعلت صحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من احتلم وأنزل المني، وجب عليه الغسل، ولا يجوز له العدول عنه إلى التيمم إلا عند فقد الماء أو خشية الضرر باستعماله؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً) النساء/43. وقوله صلى الله عليه وسلم: (الصعيد وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته فإن ذلك خير) رواه البزار، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3861) . فكان الواجب عليك أن تغتسل في المسجد، أو تؤخر الصلاة ساعة أو نحوها حتى ترجع إلى البيت فتغتسل وتصليها، ما دمت ستصليها قبل خروج وقتها. أما التيمم حياء وخجلاً من الغسل أو خشية فوت صلاة الجماعة فلا يصح، لأن التيمم لا يصح إلا إذا فقد الماء أو خاف الإنسان حصول ضرر من استعماله الماء. وعلى هذا فيلزمك أن تعيد الصلوات التي صليتها بهذا التيمم قبل أن تغتسل. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 85219 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 299 هل يؤخر غسل قدميه حتى يفرغ من الاغتسال؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما هي أنواع الغسل؟ وكيف نؤديها؟ وهل غسل الجمعة كغسل العيدين كغسل التبرد كغسل الجنابة؟ ما هي التي يجب الوضوء بعدها إذا أردنا أن نصلي؟ حين يقال "من السنة ترك غسل الرجلين إلى آخر الغسل؛ أيعني ذلك أننا لا نتم الوضوء الذي نفعله في أول الغسل حتى نصل إلى آخر الغسل (أي يبقى غسل الرجلين إلى آخر الغسل) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الغسل المشروع صفته واحدة، سواء كان للجمعة أو للعيدين أو الجنابة، فيستحب فيه البداءة بالوضوء، ثم إفاضة الماء على سائر الجسد مبتدئاً بالشق الأيمن. وانظر السؤال رقم (10790) ثانيا: إذا توضأ الإنسان في مبتدأ غسله فله أن يغسل قدميه مع الوضوء، أو يؤخرهما حتى يفرغ من غسله، فقد ثبت كلا الأمرين عن الرسول صلى الله عليه وسلم. ففي حديث عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ غَسَلَ يَدَيْهِ، وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ اغْتَسَلَ ثُمَّ يُخَلِّلُ بِيَدِهِ شَعَرَهُ، حَتَّى إِذَا ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَرْوَى بَشَرَتَهُ أَفَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ. رواه البخاري (273) ومسلم (316) . وهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم غسل رجليه حين توضأ أولا. وفي حديث ميمونة رضي الله عنها قالت: أَدْنَيْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُسْلَهُ مِنْ الْجَنَابَةِ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ ثُمَّ أَفْرَغَ بِهِ عَلَى فَرْجِهِ وَغَسَلَهُ بِشِمَالِهِ، ثُمَّ ضَرَبَ بِشِمَالِهِ الْأَرْضَ فَدَلَكَهَا دَلْكًا شَدِيدًا، ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ حَفَنَاتٍ مِلْءَ كَفِّهِ، ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى عَنْ مَقَامِهِ ذَلِكَ فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ. رواه البخاري (265) ومسلم (317) واللفظ له. وعلى هذا، فكلا الأمرين جائز، سواء غسل رجليه مع الوضوء، أم أخرهما إلى نهاية الغسل. وقد اختار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أن الأفضل أن يغسل رجليه مع الوضوء إلا من عذر. فقال في "الشرح الممتع" (1/213) : " قوله: (ويغسل قدميه مكانا آخر) أي: عندما ينتهي من الغسل يغسل قدميه في مكان آخر غير المكان الأول. وظاهر كلام المؤلف أنه سنّة مطلقا، ولو كان المحل نظيفا كما في حماماتنا الآن. والظاهر لي أنه يغسل قدميه في مكان آخر عند الحاجة، كما لو كانت الأرض طينا، لأنه لو لم يغسلهما لتلوثت رجلاه بالطين. ويدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يغسل رجليه في حديث عائشة بعد الغسل. ورواية: " أنه غسل رجليه " ضعيفة. والصواب: أنه غسل رجليه في حديث ميمونة فقط " انتهى. ثالثا: الغسل الذي يجزئ عن الوضوء هو الغسل من حدث أكبر (الجنابة والحيض والنفاس) أما سائر الأغسال فإنها لا تغني عن الوضوء. وينظر: السؤال رقم (5032) و (68854) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 85065 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 300 أخذ منه الطبيب عينة من الحيوانات المنوية فهل يجب عليه الغسل؟ [السُّؤَالُ] ـ[ذهبت للطبيب وأخذ مني عينة من الحيوانات المنوية عن طريق ضغط البروستات بإصبعه فهل أنا جنب في هذه الحالة؟ وهل يجب علي الاغتسال من الجنابة أم لا؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: استدعاء المني وإخراجه باليد ونحوها هو الاستمناء المحرم، لكن إن كان ذلك لأجل الفحص والعلاج، فلا حرج فيه، كما هو مبين في الجواب رقم (27112) وراجع السؤال رقم (329) لمعرفة أدلة تحريم الاستمناء. ثانيا: إذا خرج المني عن طريق الضغط على البروستات، أو بغير ذلك من الطرق، فله حالتان: الأولى: أن يخرج بلذة، وهذا هو الغالب، فحينئذ يجب الغسل باتفاق العلماء. الثانية: أن يخرج بدون لذة، وعادةً ما يحصل هذا بسبب المرض، وبدون استدعاء، فهذا مما اختلف فيه الفقهاء، فالجمهور من الحنفية والمالكية والحنابلة على أنه لا يجب الغسل، وهو الصحيح. وهذا في المستيقظ، وأما النائم، فإنه إذا خرج منه المني وجب عليه الغسل مطلقا، سواء خرج منه بلذة أو بدونها. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وظاهر الحديث [حديث (الماء من الماء) أنه يجب الغسل سواء خرج دفقا بلذة، أم لا، وهذا مذهب الشافعي رحمه الله: أن خروج المني مطلقا موجب للغسل حتى ولو بدون شهوة وبأي سبب خرج؛ لعموم الحديث. وجمهور أهل العلم: يشترطون لوجوب الغسل بخروجه أن يكون دَفْقا بلذة. وقال بعض العلماء: بلذة. وحذف " دفقا " وقال: إنه متى كان بلذة فلا بد أن يكون دفقا. وذِكْر الدفق أولى لموافقة قوله تعالى: (فلينظر الإنسان مم خلق. خلق من ماء دافق) الطارق/ 5، 6. فإذا خرج من غير لذة من يقظان فإنه لا يوجب الغسل، وهو الصحيح. فإن قيل: ما الجواب عن حديث (الماء من الماء) ؟ قلنا: إنه يحمل على المعهود المعروف الذي يخرج بلذة، ويوجب تحلل البدن وفتوره، أما الذي بدون ذلك، فإنه لا يوجب تحلله ولا فتوره " انتهى من "الشرح الممتع". وانظر جواب السؤال رقم (12317) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 84409 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 301 إذا جامع ولم ينزل وجب الغسل [السُّؤَالُ] ـ[في حال حصول جماع ولم يتم القذف (خروج المني) هل يجب على كلاهما الاستحمام؟ وفي حال لم يصلا للشهوة هل يجوز استعمالهما العادة السرية؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا حصل الجماع بإدخال الحشفة (رأس الذكر) في الفرج، فقد وجب الغسل على الرجل والمرأة، وإن لم ينزل المني، لما روى البخاري (291) ومسلم (348) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ ثُمَّ جَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ الْغَسْلُ) زاد مسلم (وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ) . قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/131) : " واتفق الفقهاء على وجوب الغسل في هذه المسألة , إلا ما حكي عن داود أنه قال: لا يجب " انتهى. ثانيا: يجوز للرجل أن يستمتع بزوجته، وللمرأة أن تستمتع بزوجها، كيفيما شاءا، إذا اتقيا الحيضة والدبر، ومن ذلك أن يستمني بيدها، أو تستمني بيده، فهذا داخل في الاستمتاع المأذون فيه بقوله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) المؤمنون/5،6. وأما أن يستمني الرجل بيده، أو المرأة بيدها، فهذا اعتداء محرم، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (329) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83570 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 302 صفة الغسل الكامل والمجزئ [السُّؤَالُ] ـ[أغتسل من الحيض كالتالي: 1- أنوي الطهارة بقلبي ولا أنطق بها. 2- أبدأ بالوقوف تحت "الدوش" وتفيض المياه على كامل جسدي. 3- أستحم وأغسل كامل جسدي باستعمال اللوف والصابون بما في ذلك منطقة الفرج. 4- أغسل شعري كله باستعمال الشامبو. 5- بعدها أشطف جسدي من آثار الصابون والشامبو وبعدها أجعل الماء يفيض على شقي الأيمن ثلاثا ثم على شقي الأيسر ثلاثا. 6- ثم أتوضأ. علمت مؤخرا بأنني لا أتبع خطوات الغسل الصحيحة، أرجو منكم إفادتي هل غسلي طوال السنين السابقة بالطريقة المذكورة عاليه خاطئ أم صحيح؟ ... وإذا كان خاطئا ولا يصلح أرجو إعلامي ماذا يمكنني فعله لعلاج هذا الخطأ المتكرر طوال السنوات السابقة؟ وهل صلاتي وصيامي طوال هذه المدة باطل وغير مقبول؟ وإن كان كذلك فماذا يمكنني عمله لإصلاح هذا الأمر؟ ... كما أرجو منكم إبلاغى بالطريقة الصحيحة للغسل من الحيض ومن الجنابة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: غسلك بالطريقة المذكورة: صحيح مجزئ والحمد لله، لكن فاتك بعض السنن التي لا تؤثر على صحة غسلك. وبيان ذلك أن الغسل نوعان: مجزئ، وكامل. أما المجزئ فيكتفي فيه الإنسان بفعل الواجبات فقط، ولا يفعل شيئاً من المستحبات والسنن، فينوي الطهارة، ثم يعم جسده بالماء بأي طريقة، سواء وقف تحت (الدوش) ، أو نزل بحراً، أو حمام سباحة ونحو ذلك، مع المضمضة والاستنشاق. وأما الغسل الكامل: فأن يفعل كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فيأتي بجميع سنن الاغتسال. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين عن صفة الغسل: فأجاب: " صفة الغسل على وجهين: الوجه الأول: صفة واجبة، وهي أن يعم بدنه كله بالماء، ومن ذلك المضمضة والاستنشاق، فإذا عمم بدنه على أي وجه كان، فقد ارتفع عنه الحدث الأكبر وتمت طهارته، لقول الله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) المائدة/6. الوجه الثاني: صفة كاملة، وهي أن يغتسل كما اغتسل النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا أراد أن يغتسل من الجنابة فإنه يغسل كفيه، ثم يغسل فرجه وما تلوث من الجنابة، ثم يتوضأ وضوءاً كاملاً، ثم يغسل رأسه بالماء ثلاثاً، ثم يغسل بقية بدنه. هذه صفة الغسل الكامل " انتهى من "فتاوى أركان الإسلام" (ص248) . ثانياً: لا فرق بين غسل الجنابة وغسل الحيض إلا أنه يستحب دلك الشعر في غسل الحيض أشد من دلكه في غسل الجنابة، ويستحب فيه أيضا أن تتطيب المرأة في موضع الدم، إزالة للرائحة الكريهة. روى مسلم (332) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنه أَنَّ أَسْمَاءَ رضي الله عنه سَأَلَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ غُسْلِ الْمَحِيضِ فَقَالَ: (تَأْخُذُ إِحْدَاكُنَّ مَاءَهَا وَسِدْرَتَهَا، فَتَطَهَّرُ فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ دَلْكًا شَدِيدًا، حَتَّى تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِهَا، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ، ثُمَّ تَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَطَهَّرُ بِهَا، فَقَالَتْ أَسْمَاءُ: وَكَيْفَ تَطَهَّرُ بِهَا؟ فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! تَطَهَّرِينَ بِهَا! فَقَالَتْ عَائِشَةُ كَأَنَّهَا تُخْفِي ذَلِكَ: تَتَبَّعِينَ أَثَرَ الدَّمِ. وَسَأَلَتْهُ عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ، فَقَالَ: تَأْخُذُ مَاءً فَتَطَهَّرُ فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ حَتَّى تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِهَا، ثُمَّ تُفِيضُ عَلَيْهَا الْمَاءَ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ، لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ) . ففَرَّق صلى الله عليه وسلم بين غسل الحيض وغسل الجنابة، في دلك الشعر، واستعمال الطيب. وقوله: (شؤون رأسها) المراد به: أصول الشعر. (فِرْصَةً مُمَسَّكَةً) أي قطعة قطن أو قماش مطيبة بالمسك. وقول عائشة: (كأنها تخفي ذلك) : أي قالت ذلك بصوت خفي يسمعه المخاطب ولا يسمعه الحاضرون. ثالثاً: التسمية عند الوضوء والغسل مستحبة في قول جمهور الفقهاء، وقال الحنابلة بوجوبها. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والتسمية على المذهب واجبة كالوضوء، وليس فيها نص، ولكنهم قالوا: وجبت في الوضوء فالغسل من باب أولى، لأنه طهارة أكبر. والصحيح أنها ليست بواجبة لا في الوضوء، ولا في الغسل " انتهى من "الشرح الممتع". رابعاً: المضمضة والاستنشاق لابد منهما في الغسل، كما هو مذهب الحنفية والحنابلة. قال النووي رحمه الله مبينا الخلاف في ذلك: " مذاهب العلماء في المضمضة والاستنشاق أربعة: أحدها: أنهما سنتان في الوضوء والغسل , هذا مذهبنا [الشافعية] . والمذهب الثاني: أنهما واجبتان في الوضوء والغسل وشرطان لصحتهما , وهو المشهور عن أحمد. والثالث: واجبتان في الغسل دون الوضوء، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه. والرابع: الاستنشاق واجب في الوضوء والغسل دون المضمضة , وهو رواية عن أحمد , قال ابن المنذر: وبه أقول " انتهى من "المجموع" (1/400) باختصار. والراجح هو القول الثاني، أي وجوب المضمضة والاستنشاق في الغسل، وأنهما شرطان لصحته. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " فمن أهل العلم من قال: لا يصح الغسل إلا بهما كالوضوء. وقيل: يصح بدونهما. والصواب: القول الأول؛ لقوله تعالى: (فاطَّهَّروا) المائدة/6، وهذا يشمل البدن كله، وداخل الأنف والفم من البدن الذي يجب تطهيره، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهما في الوضوء لدخولهما تحت قوله تعالى: (فاغسلوا وجوهكم) المائدة/6، فإذا كانا داخلين في غسل الوجه، وهو مما يجب تطهيره في الوضوء، كانا داخلين فيه في الغسل لأن الطهارة فيه أوكد " انتهى من "الشرح الممتع". خامساً: إذا كنت في الماضي لا تأتين بالمضمضة والاستنشاق في الغسل لعدم العلم بحكمهما، أو اعتماداً على قول من لا يوجب ذلك، فإن اغتسالك صحيح وصلاتك المبنية على هذا الغسل صحيحة، ولا يلزمك إعادتها، لقوة اختلاف العلماء في حكم المضمضة والاستنشاق ـ كما سبق. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83172 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 303 مس الذكر هل ينقض الوضوء؟ [السُّؤَالُ] ـ[أعلم أن الغسل من الجنابة يجزئ عن الوضوء سواء توضأ الجنب قبل الغسل أم لم يتوضأ ولكن ماذا عن مس الذكر والإليتين أثناء الغسل؟ فهل هذا يوجب الوضوء بعد انتهاء الغسل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا اغتسل الجنب ومس ذكره أثناء الاغتسال، هل يجب عليه الوضوء أم لا؟ ينبني هذا على اختلاف العلماء في نقض الوضوء بمس الذكر، فمن رأى أنه ناقض أوجب عليه الوضوء، ومن رأى أنه غير ناقض فلا يوجب عليه الوضوء. قال في "الشرح الممتع": " واختلف العلماء رحمهم الله في مس الذكر والقبل هل ينقض الوضوء أم لا؟ على أقوال: القول الأول: وهو المذهب (أي: مذهب الإمام أحمد) أنه ينقض الوضوء، واستدلوا بما يلي: 1- حديث بسرة بنت صفوان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مس ذكره فليتوضأ) . 2- حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره؛ ليس دونها ستر فقد وجب عليه الوضوء) ، وفي رواية: (إلى فرجه) . 3- أن الإنسان قد يحصل منه تحرك شهوة عند مس الذكر، أو القبل فيخرج منه شيء وهو لا يشعر، فما كان مظنة الحدث علق الحكم به كالنوم. القول الثاني: أن مس الذكر لا ينقض الوضوء، واستدلوا بما يلي: 1 حديث طلق بن علي أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يمس ذكره في الصلاة: أعليه وضوء؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا، إنما هو بضعة منك) . 2 أن الأصل بقاء الطهارة، وعدم النقض، فلا نخرج عن هذا الأصل إلا بدليل متيقن. وحديث بسرة وأبي هريرة ضعيفان، وإذا كان فيه احتمال؛ فالأصل بقاء الوضوء. قال صلى الله عليه وسلم: (لا ينصرف حتى يسمع صوتا، أو يجد ريحا) فإذا كان هذا في السبب الموجب حسا، فكذلك السبب الموجب شرعا، فلا يمكن أن نلتفت إليه حتى يكون معلوما بيقين. القول الثالث: أنه إن مسه بشهوة انتقض الوضوء وإلا فلا، وبهذا يحصل الجمع بين حديث بسرة، وحديث طلق بن علي، وإذا أمكن الجمع وجب المصير إليه قبل الترجيح والنسخ؛ لأن الجمع فيه إعمال الدليلين، وترجيح أحدهما إلغاء للآخر. ويؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما هو بضعة منك) لأنك إذا مسست ذكرك بدون تحرك شهوة صار كأنما تمس سائر أعضائك، وحينئذ لا ينتقض الوضوء، وإذا مسسته لشهوة فإنه ينتقض؛ لأن العلة موجودة، وهي احتمال خروج شيء ناقض من غير شعور منك، فإذا مسه لشهوة وجب الوضوء، ولغير شهوة لا يجب الوضوء؛ ولأن مسه على هذا الوجه يخالف مس بقية الأعضاء. وجمع بعض العلماء بينها بأن الأمر بالوضوء في حديث بسرة للاستحباب، والنفي في حديث طلق لنفي الوجوب؛ بدليل أنه سأل عن الوجوب فقال: (أعليه) وكلمة: (على) ظاهرة في الوجوب. القول الرابع: وهو اختيار شيخ الإسلام أن الوضوء من مس الذكر مستحب مطلقا، ولو بشهوة. وإذا قلنا: إنه مستحب، فمعناه أنه مشروع وفيه أجر، واحتياط، وأما دعوى أن حديث طلق بن علي منسوخ، لأنه قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبني مسجده أول الهجرة، ولم يعد إليه بعد. فهذا غير صحيح لما يلي: 1- أنه لا يصار إلى النسخ إلا إذا تعذر الجمع، والجمع هنا ممكن. 2 - أن في حديث طلق علة لا يمكن أن تزول، وإذا ربط الحكم بعلة لا يمكن أن تزول فإن الحكم لا يمكن أن يزول؛ لأن الحكم يدور مع علته، والعلة هي قوله: (إنما هو بضعة منك) ولا يمكن في يوم من الأيام أن يكون ذكر الإنسان ليس بضعة منه، فلا يمكن النسخ. 3 - أن أهل العلم قالوا: إن التاريخ لا يعلم بتقدم إسلام الراوي، أو تقدم أخذه؛ لجواز أن يكون الراوي حدث به عن غيره. بمعنى: أنه إذا روى صحابيان حديثين ظاهرهما التعارض، وكان أحدهما متأخرا عن الآخر في الإسلام، فلا نقول: إن الذي تأخر إسلامه حديثه يكون ناسخا لمن تقدم إسلامه، لجواز أن يكون رواه عن غيره من الصحابة، أو أن النبي صلى الله عليه وسلم حدث به بعد ذلك. والخلاصة: أن الإنسان إذا مس ذكره استحب له الوضوء مطلقا، سواء بشهوة أم بغير شهوة، وإذا مسه لشهوة فالقول بالوجوب قوي جدا، لكني لا أجزم به، والاحتياط أن يتوضأ" انتهى. ثم جزم الشيخ رحمه الله في شرح "بلوغ المرام" (1/259) أن مس الذكر بشهوة ناقض للوضوء، ومسه بدون شهوة غير ناقض. وعلى هذا القول؛ فمن مس ذكره بشهوة أثناء الاغتسال من الجنابة وجب عليه الوضوء بعد انتهاء الغسل، وإذا كان مسه بلا شهوة فلا يلزمه الوضوء. ثانياً: مس الأليتين لا ينقض الوضوء، والخلاف إنما هو في مس حلقة الدبر، لأنه قد ورد حديث بسرة بنت صفوان بلفظ: (من مس فرجه فليتوضأ) رواه النسائي (444) وابن ماجه (481) وصححه الألباني في صحيح النسائي. فالخلاف في مس حلقة الدبر كالخلاف في مس الذكر. وأما ما جاور ذلك فمسه لا ينقض الوضوء، كمس الخصيتين والصفحتين. قال الإمام الشافعي رحمه الله في "الأم" (1/34) : " فإن مس أنثييه أو أليتيه أو ركبتيه ولم يمس ذكره لم يجب عليه الوضوء " انتهى. وقال النووي رحمه الله في "المجموع" (2/42) : " قال أصحابنا: والمراد بالدبر ملتقى المنفذ , أما ما وراء ذلك من باطن الأليين فلا ينقض بلا خلاف " انتهى. وقال ابن قدامة رحمه الله: " ولا ينتقض الوضوء بمس ما عدا الفرجين من سائر البدن , كالرُّفغ والأنثيين والإبط , في قول عامة أهل العلم ; لأنه لا نص في هذا ولا هو في معنى المنصوص عليه فلا يثبت الحكم فيه " انتهى باختصار من "المغني" (1/119) . والرُّفْغ: ما حول الفرج، أو أصول الفخذين من باطن. "مختار الصحاح". والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82759 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 304 صفة الاغتسال من الحدث الأكبر [السُّؤَالُ] ـ[كيفية الوضوء الأكبر؟ هناك اختلافات في عدة مذاهب، فمن يجب عليَّ اتباعه؟ وكيف كان يتوضأ الرسول صلى الله عليه وسلم، الوضوء الأصغر؟ والوضوء الأكبر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا يجب عليك اتباع مذهب معين، إنما يجب عليك أن تسأل من تَثِق به من أهل العلم، ممن اشتهر في الناس علمه وفضله، ثم تأخذ بما يُبَيِّنُه لك من أحكام الدين، ولا يضرك إن كان هناك خلاف بين أهل العلم في مسائل الدين، فهو شيء أراده الله لحكمته، والمسلم الذي لا يمكنه الاجتهاد لمعرفة الحق، إنما يجب عليه سؤال أهل العلم، وليس عليه أكثر من ذلك. ثانيا: سبق في جواب السؤال رقم (11497) بيان صفة الوضوء من الحدث الأصغر بالتفصيل، فليرجع إليه. ثالثا: أما عن صفة الاغتسال من الحدث الأكبر، فالجواب: الغسل له صفتان: صفةٌ مجزئة: بمعنى أنه من اكتفى بالغسل على هذه الصفة صح غسله، وتطهَّر من الحدث الأكبر، ومَن أَخَلَّ بهذه الصفة لم يصحَّ غسله. صفة كاملة مستحبة: وهي الصفة التي يستحب الإتيان بها ولا يجب. أما الصفة الواجبة المجزئة فهي: 1- أن ينوي الطهارة من حدثه: جنابة أو حيضا أو نفاسا. 2- ثم يَعُمَّ بدنَه بالغسل مرة، يتفقَّد فيها أصول شعره، والمواضع التي لا يصل إليها الماء بسهولة كالإبطين وباطن الركبتين، مع المضمضة والاستنشاق على الصحيح من أقوال أهل العلم. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله "الشرح الممتع" (1/423) : "والدليل على أن هذا الغسل مجزئٌ: قوله تعالى: (وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ) المائدة/6، ولم يذكر الله شيئا سوى ذلك، ومن عَمَّ بدنه بالغسل مرة واحدة صدق عليه أنه قد اطَّهَّرَ" انتهى. أما الصفة الكاملة فهي: 1- أن ينوي بقلبه الطهارة من الحدث الأكبر: جنابة أو حيض أو نفاس. 2- ثم يسمي الله تعالى، ويغسل يديه ثلاثا، ويغسل فرجه من الأذى. 3- ثم يتوضأ وضوءه للصلاة كاملا. 4- ثم يصب الماء على رأسه ثلاث مرات، ويدلك شعره حتى يصل الماء إلى أصول الشعر. 5- ثم يعم بدنه بالماء والغسل، يبدأ بشق بدنه الأيمن، ثم الأيسر، يدلكه بيديه ليصل الماء إلى جميع الجسم. والدليل على هذه الصفة المستحبة: عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، إِذَا اغتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ غَسَلَ يَدَيهِ وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ اغتَسَلَ، ثُمَّ يُخَلِّلُ بِيَدِهِ شَعرَهُ، حَتَّى إِذَا ظَنَّ أَنَّه قَد أَروَى بَشرَتَهُ، أَفَاضَ عَلَيهِ المَاءَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ) رواه البخاري (248) ومسلم (316) . وعنها رضي الله عنها قالت: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، إِذَا اغتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ، دَعَا بِشَيْءٍ نَحوَ الحِلَابِ، فَأَخَذَ بِكَفّهِ، بَدَأَ بِشقِّ رَأسِهِ الأَيمَنِ، ثُمَّ الأَيسَرِ، ثُمَّ أَخَذَ بِكَفَّيهِ، فَقَالَ بِهِمَا عَلَى رَأسِهِ) أخرجه البخاري (258) ومسلم (318) . الحلاب: الإناء الذي يُحلب فيه. وانظر جواب السؤال رقم (10790) . ومن الأحكام المهمة في هذا الباب: أن الغسل من الحدث الأكبر يجزئ عن الوضوء، فمن اغتسل الغسل الكامل أو المجزئ، لا يجب عليه أن يعيد الوضوء، إلا إن جاء بأحد نواقض الطهارة أثناء غسله، وانظر جواب السؤال (68854) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82344 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 305 إذا مس فرجه أثناء الغسل هل يلزمه الوضوء؟ [السُّؤَالُ] ـ[ي عن الطهارة وبالخصوص غسل الجنابة بعد غسل اليدين والفرج ثم الوضوء هل يجوز غسل الفرج مرة أخرى حينما نعم الماء على سائر البدن أم أنه سيبطل الوضوء إذا كنت أنوي الصلاة بعد الانتهاء من الغسل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله السنة أن يغسل الإنسان فرجه قبل الشروع في الغسل، كما دل عليه ما رواه البخاري (276) ومسلم (317) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَتْ مَيْمُونَةُ: (وَضَعْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُسْلًا فَسَتَرْتُهُ بِثَوْبٍ، وَصَبَّ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ صَبَّ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فَغَسَلَ فَرْجَهُ، فَضَرَبَ بِيَدِهِ الْأَرْضَ فَمَسَحَهَا، ثُمَّ غَسَلَهَا، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ، ثُمَّ صَبَّ عَلَى رَأْسِهِ وَأَفَاضَ عَلَى جَسَدِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ) . فإن مس فرجه بعد ذلك أو غسله مرة أخرى فالأحوط أن يتوضأ بعد انتهاء الغسل، لما ذهب إليه أكثر العلماء من أن مس الفرج ناقض للوضوء، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (82759) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82521 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 306 متى يجب الغسل ومتى يستحب؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجب الغسل بعد الاحتلام، أم إنه فقط بعد المعاشرة؟ وما هي المواضع الأخرى التي يجب أو يستحب فيها الغسل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الغسل قد يكون واجبا، وقد يكون سنة مستحبة، وقد بين العلماء رحمهم الله جميع تلك الحالات، ويمكن تقسيم كلامهم إلى ثلاثة أقسام: الأول: موجبات الغسل المتفق عليها، وهي: 1- خروج المني ولو من غير جماع. جاء في الموسوعة الفقهية (31/195) : " اتّفق الفقهاء على أنّ خروج المنيّ من موجبات الغسل، بل نقل النّوويّ الإجماع على ذلك، ولا فرق في ذلك بين الرّجل والمرأة في النّوم أو اليقظة، والأصل في ذلك حديث أبي سعيد الخدريّ رضي الله تعالى عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: (إنّما الماء من الماء) رواه مسلم (343) ، ومعناه - كما حكاه النّوويّ - يجب الغسل بالماء من إنزال الماء الدّافق وهو المنيّ " انتهى. ويراجع الأسئلة التالية (6010) (12317) (47693) 2- التقاء الختانين بتغييب الحشفة كاملة في الفرج، ولو لم يحصل إنزال. انظر سؤال رقم (7529) (36865) 3-4 : الحيض والنفاس جاء في الموسوعة الفقهية (31/204) : " اتفق الفقهاء على أن الحيض والنفاس من موجبات الغسل، ونقل ابن المنذر وابن جرير الطبري وآخرون الإجماع عليه، ودليل وجوب الغسل في الحيض قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ} " انتهى. القسم الثاني: الحالات التي لا يجب فيها الغسل بالاتفاق، وإنما يستحب. 1- في كل مجمع للناس، فيستحب الاغتسال له: قال البغوي رحمه الله: يستحب لمن أراد الاجتماع بالناس أن يغتسل ويتنظف ويتطيب. ومن ذلك: غسل العيدين: قال النووي رحمه الله "المجموع" (2/233) : " سنة لكل أحد بالاتفاق، سواء الرجال والنساء والصبيان؛ لأنه يراد للزينة وكلهم من أهلها " انتهى. انظر سؤال رقم (48988) ومنه الغسل لصلاة الكسوف والاستسقاء وللوقوف بعرفة، والغسل بالمشعر الحرام ولرمي الجمار في أيام التشريق، ونحو ذلك من مجامع الناس في عباداتهم أو عاداتهم. 2- عند تغير البدن: يقول المحاملي – من فقهاء الشافعية -: يستحب الغسل عند كل حال تغير فيه البدن. ومن ذلك: ما نص عليه الفقهاء من استحباب غسل المجنون والمغمى عليه إذا أفاق والغسل من الحجامة وبعد دخول الحمام ونحو ذلك، فإن الغسل يزيل ما علق بالبدن ويعيده إلى حاله الطبيعي. انظر "المجموع" (2/234،235) 3- عند بعض العبادات: كالغسل للإحرام، فإن النبي صلى الله عليه وسلم (تَجَرَّدَ لإِهلالِهِ وَاغتَسَلَ) رواه الترمذي (830) ، ونص الفقهاء على استحباب الغسل لطوافي الزيارة والوداع، وفي ليلة القدر، وكان ابن عمر إذا دخل مكة اغتسل، ويذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله. رواه البخاري (1478) ومسلم (1259) القسم الثالث: الأغسال المختلف فيها، وبيان الراجح في ذلك: 1- غسل الميت: ذهب جماهير أهل العلم إلى أن الموت من موجبات الغسل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم حين توفيت ابنته (اغْسِلْنَهَا ثَلاثًا أَو خَمْسًا أَو أَكثَرَ مِن ذَلِكَ) رواه البخاري (1253) ومسلم (939) 2- الغسل من غسل الميت: اختلف العلماء فيه تبعا لاختلافهم في حكم الحديث المروي فيه. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَن غَسَّلَ مَيتًا فَلْيَغتَسِلْ) رواه أحمد (2/454) وأبو داود (3161) والترمذي (993) وقال حديث حسن، وقال الإمام أحمد "مسائل أحمد لأبي داود" (309) : ليس يثبت فيه حديث. يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله "الشرح الممتع" (1/411) : " (الاستحباب) هو القول الوسط والأقرب " انتهى. انظر سؤال رقم (6962) 3- غسل الجمعة: قال النووي "المجموع" (2/232) : " هو سنة عند الجمهور، وأوجبه بعض السلف " انتهى. والصحيح فيه ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية "الفتاوى الكبرى" (5/307) : " ويجب غسل الجمعة على من له عرق أو ريح يتأذى به غيره " انتهى. 4- إذا أسلم الكافر: جاء في الموسوعة الفقهية (31/205-206) : ذهب المالكيّة والحنابلة إلى أنّ إسلام الكافر موجب للغسل، فإذا أسلم الكافر وجب عليه أن يغتسل، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه (أنّ ثمامة بن أثال رضي الله عنه أسلم، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: اذهبوا به إلى حائط بني فلان فمروه أن يغتسل) وعن (قيس بن عاصم أنّه أسلم: فأمره النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن يغتسل بماء وسدر) ؛ ولأنّه لا يسلم غالباً من جنابة، فأقيمت المظنّة مقام الحقيقة كالنّوم والتقاء الختانين. وذهب الحنفية والشافعية إلى استحباب الغسل للكافر إذا أسلم وهو غير جنب؛ أنه أسلم خلق كثير ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالغسل، وإذا أسلم الكافر وهو جنب وجب عليه الغسل، قال النّوويّ: نصّ عليه الشّافعيّ، واتّفق عليه جماهير الأصحاب " انتهى. يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله "الشرح الممتع" (1/397) : " الأحوط أن يغتسل " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 81949 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 307 إذا أجنب مرتين كفاه غسل واحد [السُّؤَالُ] ـ[ما هو حكم الاغتسال عندما يقوم الشخص بإنزال المني مرتين متتاليتين في أوقات مختلفة علما أنه لم يغتسل في المرة الأولى هل يقوم بالغسل مرتين أم تكفي مرة واحدة عنها كلها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا أنزل الرجل المني مرتين أو أكثر في أوقات مختلفة، ثم اغتسل غسلا واحدا كفاه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يطوف على نسائه، ثم يغتسل غسلا واحدا، كما روى مسلم (309) عَنْ أَنَس رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ. وقد قرر الفقهاء أنه لو اجتمعت أسباب توجب الغسل كالجماع مرات، أو التقاء الختانين مع الإنزال، أو الجنابة مع الحيض، فإنه يكفيه غسل واحد بالإجماع. قال النووي رحمه الله: " إذا أحدث أحداثا متفقة أو مختلفة، كفاه وضوء واحد بالإجماع، وكذا لو أجنب مرات، بجماع امرأة واحدة، أو نسوة، أو احتلام، أو بالمجموع، كفاه غسل بالإجماع. وممن نقل الإجماع فيه أبو محمد بن حزم والله أعلم " انتهى من "المجموع" (1/487) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 81772 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 308 هل يتيمم أيام البرد الشديد من الجنابة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل أستطيع أن أصلي وأنا على جنابة بالتيمم أيام البرد الشديد، علما بأنه لا تتوفر لدي الإمكانيات التي تستوجب مني التطهر فوراً، كما أنى مريض بالبرد الذي أصاب ظهري وهو يؤثر علي كثيراً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب على من أصابته جنابة وأراد الصلاة أن يغتسل بالماء؛ لقوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) ، فإن عجز عن استعمال الماء لكونه غير موجود، أو وجده وكان في استعماله ضرر لمرضه، أو لشدة البرد - وليس عنده ما يسخنه به -: فإنه يعدل عن الاغتسال بالماء إلى التيمم بالتراب؛ لقوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا) ففي الآية دليل على أن المريض الذي يضره استعمال الماء كأن يؤدي الاغتسال إلى الموت أو زيادة المرض أو تأخير شفائه أنه يتيمم , وقد بيَّن الله تعالى كيفية التيمم فقال: (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) وبيَّن حكمة هذا التشريع فقال: (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة / 6. وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: احتلمت في ليلة باردة في غزوة " ذات السلاسل " فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيممت، ثم صليت بأصحابي الصبح، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب؟ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت: إني سمعت الله يقول: (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) النساء/29، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئاً. رواه أبو داود (334) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ". قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وفي هذا الحديث جواز التيمم لمن يتوقع من استعمال الماء الهلاك سواء كان لأجل برد أو غيره، وجواز صلاة المتيمم بالمتوضئين. " فتح الباري " (1 / 454) . وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: إن كنت تستطيع أن تجد ماء دافئا أو تستطيع تسخين البارد، أو الشراء من جيرانك أو غير جيرانك: فالواجب عليك أن تعمل ذلك؛ لأن الله يقول: (فاتَّقوا الله ما استَطَعْتُم) ، فعليك أن تعمل ما تستطيع من الشراء أو التسخين أو غيرهما من الطرق التي تمكنك من الوضوء الشرعي بالماء، فإن عجزت وكان البرد شديداً، وفيه خطر عليك، ولا حيلة لك بتسخينه ولا شراء شيء من الماء الساخن ممن حولك: فأنت معذور، ويكفيك التيمم؛ لقول الله تعالى: (فاتَّقوا الله ما استَطَعْتُم) وقوله سبحانه: (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) . والعاجز عن استعمال الماء حكمه حكم من لم يجد الماء. " مجموع فتاوى ابن باز" (10/199، 200) . وعليك أن تغسل ما تستطيع غسله من بدنك , كأن تغسل اليدين والرجلين وما أشبه ذلك. إذا لم يكن في هذا ضرر عليك , ثم تتيمم. ونسأل الله لك الشفاء العاجل، وأن يجعل ما أصابك كفارة لك ورفعا لدرجاتك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 70507 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 309 كيف يتوضأ ويغتسل من عليه عصابة بسبب جرح [السُّؤَالُ] ـ[لو كان هناك جرح في أحد أعضاء الوضوء فهل يتوضأ المسلم الوضوء الكامل ثم يتيمم بالنسبة للجزء الذي فيه جرح في النهاية، أم يتيمم فقط؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان هناك جرح في أحد أعضاء الوضوء , فهذا الجرح إما أن يكون مكشوفاً وإما أن يكون عليه لصوق أو رباط. فإن كان عليه لصوق أو رباط فإنه يغسل الجزء الصحيح ثم يبل يده بالماء ويمسح على اللصوق , ولا يحتاج مع هذا المسح إلى التيمم. وقد رويت أحاديث في المسح على الجبائر إلا أنها كلها ضعيفة غير أنه قد ثبت عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: " وَلَا يَثْبُتُ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم شَيْءٌ. . . وَإِنَّمَا فِيهِ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ مِنْ التَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مَعَ مَا رُوِّينَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. فَذَكَر بِإِسْنَادِهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما تَوَضَّأَ وَكَفُّهُ مَعْصُوبَةٌ فَمَسَحَ عَلَيْهَا وَعَلَى الْعِصَابَةِ وَغَسَلَ مَا سِوَى ذَلِكَ. قَالَ: وَهَذَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ صَحِيحٌ " انتهى. "المجموع" (2/368) . أما إن كان الجرح مكشوفاً فالواجب غسله بالماء إن أمكن , فإن كان الغسل يضره , وأمكن مسحه , فالواجب مسحه , فإن تعذر , فإنه يُبقي هذا الجرح بلا غسل ولا مسح , ثم إذا انتهى من الوضوء تيمم. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (1/169) : " قال العلماء رحمهم الله تعالى: إن الجرح ونحوه إما أن يكون مكشوفاً أو مستوراً. فإن كان مكشوفاً فالواجب غسله بالماء , فإن تعذر غسله بالماء فالمسح للجرح , فإن تعذر المسح فالتيمم , وهذا على الترتيب. وإن كان مستوراً بما يسوغ ستره به , فليس فيه إلا المسح فقط، فإن ضره المسح مع كونه مستوراً فيعدل إلى التيمم , كما لو كان مكشوفاً , هذا ما ذكره الفقهاء رحمهم الله " انتهى. وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " إن كان عليه جبيرة مسح عليها، وإن كان مكشوفاً تيمم عنه " انتهى. فتاوى ابن باز (10/118) . وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: بعد الغسيل الذي يعمله لي الطبيب أنزف دمًا من يدي من مكان الإبر فيلف عليها بشاش، فإذا نزعته ينزف الدم ولا ينتهي إلا في الليل ويبقى هذا الشاش ملفوفًا على يدي اليسرى، فهل يجوز لي عند الوضوء أن أمسح عليها على الرغم من أن الشاش لا يوضع في وقته على طهارة بل يوضع وهناك دم أحيانًا وكيفية طريقة المسح؟ فأجاب: " لا تنزع الشاشة التي ربطت على الجرح، لا سيما إذا كان نزعها يَضُرُّ بك وينزف الدم، ولا يجوز لك نزعها في هذه الحالة؛ لأن في ذلك خطراً عليك، فأَبْقها على وضعها، وإذا توضأتَ تغسل الذي ليس عليه رباط من اليد، وأما ما عليه رباط فيكفي أن تمسح على ظاهره بأن تبل يدك بالماء وتديرها على ظاهر الشاشة، ويكفيك هذا عن غسل ما تحتها مدة بقائها لحاجة ولو عدة أوقات أو عدة أيام، ولا يشترط أن توضع الشاشة على طهارة بل تمسح عليها على الصحيح، ولو لم تكن عند وضعها على طهارة، ولو كان تحتها دم على موضع الإبرة أو الجرح. فالحاصل: أنه لا حرج عليك في أن تبقي الشاشة، بل يتعين أن تبقيها للمصلحة، وتمسح على ظاهرها عندما تغسل ما ظهر منها من اليد " انتهى. " المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (5 / 15) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69796 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 310 يعاني من كثرة الاحتلام، ويجد بللاً ولا يذكر احتلاماً [السُّؤَالُ] ـ[أعاني منذ حوالي خمس سنوات من خروج المني كثيرا وألقى منه عناء، عند استيقاظي من النوم أجد بللا ولا أذكر أني احتلمت غالبا، ويحدث في معظم الأحيان أني أغتسل من المرة الأولى لأجد البل في اليوم التالي؛ هل يجب عليّ أن أغتسل في كل مرة حيث يمكن أن أجد بللا في الأسبوع مرتين، وما هو الحل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " إذا استيقظ الإنسان فوجد بللا، فلا يخلو من ثلاث حالات: الحال الأولى: أن يتيقن أنه مني، فيجب عليه حينئذ الاغتسال، سواء ذكر احتلاما أم لم يذكر. الحال الثانية: أن يتيقن أنه ليس بمني، فلا يجب عليه الغسل في هذه الحال، ولكن يجب عليه أن يغسل ما أصابه، لأن حكمه حكم البول. الحال الثالثة: أن يجهل هل هو مني أم لا؟ ففيه تفصيل: أولا: إن ذكر أنه احتلم في منامه، فإنه يجعله منيا ويغتسل، لحديث أم سلمة رضي الله عنها حين سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل، هل عليها غسل؟ قال: (نعم، إذا هي رأت الماء) . فدل هذا على وجوب الغسل على من احتلم ووجد الماء. ثانيا: إذا لم ير شيئا في منامه، فإن كان قد سبق نومه تفكير في الجماع جعله مذياً. وإن لم يسبق نومه تفكير فهذا محل خلاف: قيل: يجب عليه الغسل احتياطا. وقيل: لا يجب، وهو الصحيح، لأن الأصل براءة الذمة " انتهى من "فتاوى الطهارة" للشيخ بن عثيمين رحمه الله (ص 221) . وقد ذكر الفقهاء أن رائحة المني الرطب كرائحة العجين أو طلع النخل، ورائحة المني اليابس كرائحة بياض البيض. "مطالب أولي النهى" (1/162) . ولا أثر لكون ذلك يقع في الأسبوع مرتين أو أكثر. فكلما احتلمت وجب عليك الغسل. ولا ينبغي القلق من حدوث هذا الأمر؛ إذ العامل فيه قد يكون طبيعة البدن، أو نوع الأطعمة، ونحو ذلك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69806 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 311 هل يلزم من يغتسل للتبرد أن يتوضأ للصلاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا اغتسل المسلم غسله العادي ولم يتوضأ فهل يجوز له أن يصلي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المستحب للمسلم أن يتوضأ قبل غسله؛ اتباعاً لهدي النبي صلى الله عليه وسلم. والغسل إذا كان عن حدث أكبر مثل غسل الجنابة والحيض، وكان المغتسل قد عمَّم بدنه بالماء مع المضمضة والاستنشاق: فإنه يجزئه عن الوضوء، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ بعد غسله. وتجد تفصيل هذا في جواب السؤال رقم (5032) فلينظر. أما إن كان الغسل غسل تبرد وتنظف: فلا يجزئه عن الوضوء. سُئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: هل يجزئ الغسل من الجنابة عن الوضوء؟ فأجاب: " إذا كان على الإنسان جنابة واغتسل فإن ذلك يجزئه عن الوضوء، لقوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) ولا يجب عليه إعادة الوضوء بعد الغسل، إلا إذا حصل ناقض من نواقض الوضوء، فأحدث بعد الغسل، فيجب عليه أن يتوضأ، وأما إذا لم يحدث فإن غسله من الجنابة يجزئ عن الوضوء سواء توضأ قبل الغسل أم لم يتوضأ، لكن لابد من ملاحظة المضمضة والاستنشاق، فإنه لابد منهما في الوضوء والغسل " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (11 / السؤال رقم 180) . وسُئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله – أيضاً: هل يجزئ الغسل غير المشروع عن الوضوء؟ فأجاب: " الغسل غير المشروع لا يجزئ عن الوضوء؛ لأنه ليس بعبادة " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (11 / السؤال رقم 181) . وسُئل رحمه الله – أيضاً -: هل الاستحمام يكفي عن الوضوء؟ فأجاب: " الاستحمام إن كان عن جنابة: فإنه يكفي عن الوضوء؛ لقوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) فإذا كان على الإنسان جنابة وانغمس في بركة أو في نهر أو ما أشبه ذلك، ونوى بذلك رفع الجنابة وتمضمض واستنشق: فإنه يرتفع الحدث عنه الأصغر والأكبر؛ لأن الله تعالى لم يوجب عند الجنابة سوى أن نطَّهَّر، أي: أن نَعُمَّ جميع البدن بالماء غسلاً، وإن كان الأفضل أن المغتسل من الجنابة يتوضأ أولاً؛ حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يغسل فرجه بعد أن يغسل كفيه ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يفيض الماء على رأسه، فإذا ظن أنه أروى بشرته أفاض عليه ثلاث مرات، ثم يغسل باقي جسده. أما إذا كان الاستحمام لتنظيف أو لتبرد: فإنه لا يكفى عن الوضوء؛ لأن ذلك ليس من العبادة، وإنما هو من الأمور العادية، وإن كان الشرع يأمر بالنظافة، لكن لا على هذا الوجه، بل النظافة مطلقا في أي شيء يحصل فيه التنظيف. وعلى كل حال: إذا كان الاستحمام للتبرد أو النظافة: فإنه لا يجزئ عن الوضوء " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (11 / السؤال رقم 182) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 68854 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 312 تأخير الغسل من الجنابة في رمضان حتى يطلع الفجر لا يُبطل الصيام [السُّؤَالُ] ـ[احتلمت قبل السحور مرة.. ولم يكن باستطاعتي أن أغتسل.. وكنت أحس بالخجل الشديد من الاغتسال.. لأن والداي سيعلمان بالأمر (أني احتلمت) .. ولذلك فقد تناولت سحوري دون أن أغتسل، وللأسف فإني لم أصلي صلاة الفجر ذلك الصباح أيضا.. لكني اغتسلت وصليت الفجر لاحقا.. وأريد أن أعرف ما إذا كان صومي مقبولاً. لأني أظن أني أخطأت عندما تناولت سحوري وأنا جنب (من الاحتلام) .. فهل صومي مقبول؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يصح صيام من واقع زوجته ليلاً وأصبح جنباً، وكذا يصح صيام من أصابته جنابة في نومه ليلاً أو نهاراً ولا حرج عليه في تأخير الغسل حتى يطلع الفجر، وإنما يُفسد الصيام الجماع في نهار رمضان من طلوع الفجر إلى غروب الشمس. فتاوى اللجنة الدائمة 10/327 أما تأخيرك الصلاة حتى تطلع الشمس فإنه محرَّم عليك، والواجب تأدية الصلاة في وقتها، وخجلك الشديد من الاغتسال ليس عذراً يبيح لك تأخير الصلاة عن وقتها، والواجب عليك التوبة من ذلك والاستغفار. وفقنا الله وإياك لكل خير. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 14225 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 313 اغتسل ثم صلى ثم تبين أنه ترك موضعا من جسده لم يصبه الماء [السُّؤَالُ] ـ[هل الغسل يجب فيه الموالاة أي لو أن شخصا تذكر بعد فترة من الزمن عدم غسله لجزء يسير من جسده هل يغسله فقط أم يجب عليه إعادة الغسل من جديد مع ما به من مشقة. وحالتي هي أنني اغتسلت ويوجد لدي (لصق لجرح في ظهري) فأزلته وأزلت الصمغ الناتج عنه في ظني أني أزلته كاملا لكن بعد فترة تبين لي أنه لم يزل كاملا مع العلم أن الماء قد مر على الموضع فهل علي شيء (أعني صمغ الصق هل يمنع وصول الماء) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: نص الفقهاء رحمهم الله على اشتراط إزالة كل ما يمنع وصول الماء إلى أعضاء الطهارة لصحة الغسل أو الوضوء؛ فإن غسل الأعضاء لا يتحقق بذلك. قال النووي: " إذا كان على بعض أعضائه شمع أو عجين أو حناء وأشباه ذلك فمنع وصول الماء إلى شيء من العضو لم تصح طهارته سواء كثر ذلك أم قل ولو بقي على اليد وغيرها أثر الحناء ولونه دون عينه أو أثر دهن مائع بحيث يمس الماء بشرة العضو ويجري عليها لكن لا يثبت صحت طهارته ". انتهى من المجموع (1 /529) ثانيا: أما حكم ما صليت وهذا الصمغ عليك فتنظر إن كان الصمغ كثيفا يمنع وصول الماء فتعتبر الصلاة باطلة وعليك الإعادة وإن كان يسيرا لا يحجز الماء عن البشرة فالصلاة صحيحة، وأنت من يقدر ذلك لأنك تراه، فإن شككت فالأحوط الإعادة. ثالثا: اختلف العلماء في حكم الموالاة في الغسل على قولين: الأول: لا تشترط الموالاة، وهو قول أكثر أهل العلم كما قال في "المغني" (1/220) . واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية: في "شرح العمدة" (1/208) واستدل له بأدلة كثيرة ـ تجدها في جواب السؤال رقم (99538) . وعلى هذا القول، فمن ترك غسل جزء من بدنه، ثم تذكر بعد ذلك، فإنه يكفيه غسل الموضع الذي تركه فقط، ولا يجب عليه إعادة الغسل. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50320 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 314 أحدث أثناء الغسل من الجنابة فهل يبطل غسله؟ [السُّؤَالُ] ـ[خروج الريح أثناء الغسل من الجنابة هل يبطل الغسل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله خروج الريح من نواقض الوضوء لا من نواقض الغسل، وعليه: فمن لمس فرجه أو تبول أو أخرج ريحا أثناء غسله فإنه يتم غسله، ويتوضأ بعده. والغسل إذا كان عن حدث أكبر فإنه يجزي عن الوضوء، فإذا كان على الإنسان جنابة واغتسل فإن ذلك يجزئه عن الوضوء، لقوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) المائدة/6، ولا يجب عليه أن يتوضأ بعد الغسل، إلا إذا حصل ناقض من نواقض الوضوء أثناء الغسل أو بعده، فيجب عليه أن يتوضأ للصلاة، وأما إذا لم يحدث فإن غسله من الجنابة يجزئ عن الوضوء سواء توضأ قبل الغسل أم لم يتوضأ، لكن لابد من ملاحظة المضمضة والاستنشاق، فإنه لابد منهما في الوضوء والغسل. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين بتصرف " (11 /228) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49693 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 315 نزول المني من غير شهوة لا يوجب الاغتسال [السُّؤَالُ] ـ[أعاني من إفرازات عديدة، وأكثر ما ينزل منى هو المنى بشهوة أو بدونها، ولكنه ينزل منى كل يوم عدة مرات، وفى كل مرة أغتسل منه. وكذلك عندما لا أتأكد من أنه منى قد أغتسل، وقد أغتسل في اليوم الواحد ست مرات، مما يعطلني عن الصلاة في وقتها.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اعلمي أيتها السائلة أن خروج المني بشهوة يوجب الغسل بإجماع العلماء. انظر: "المجموع" (2/111) ، "المغني" (1/266) . وأما خروج المني بغير شهوة فقد اختلف العلماء في ذلك، والراجح أن خروجه بغير شهوة لا يوجب الغسل بل يوجب الوضوء؛ والدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: (إذا فضحت الماء فقد وجب الغسل) رواه أبو داود (206) وصححه الألباني في "الإرواء" (125) . وفضح الماء هو: خروجه بشهوة وبتدفق. انظر الشرح الممتع (1/278) ويجب أن يفرق الإنسان بين الأشياء التي تخرج من السبيل، فليس كل خارج من السبيل منياً يوجب الاغتسال، بل هناك المذي والودي والإفرازات التي تخرج من المرأة. فيجب أن يعلم الإنسان الفرق بين هذه الأمور ويميز بينها، فإن المذي والودي لا يوجبان الغسل، وإنما يوجبان الاستنجاء والوضوء. لما ثبت في الصحيح من حديث علي رضي الله عنه قال: كُنْتُ رَجُلا مَذَّاءً (كثير المذي) فَأَمَرْتُ الْمِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ أَنْ يَسْأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَهُ فَقَالَ: فِيهِ الْوُضُوء. رواه البخاري (132) ومسلم (303) . وأما الإفرازات فليست نجسة، ولكنها تنقض الوضوء. راجع السؤال (7776) وأما المني فإذا خرج بشهوة وجب الغسل، وإن كان من غير شهوة لم يوجب الغسل. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "الفرق بين المني والمذي، أن المني غليظ له رائحة، ويخرج دفقا عند اشتداد الشهوة، وأما المذي فهو ماء رقيق وليس له رائحة المني، ويخرج بدون دفق، ولا يخرج أيضا عند اشتداد الشهوة، بل عند فتورها إذا فترت تبين للإنسان. أما الودي فإنه عصارة تخرج بعد البول، نقط بيضاء في آخر البول. هذا بالنسبة لماهية هذه الأشياء الثلاثة. أما بالنسبة لأحكامها: فإن الودي له أحكام البول من كل وجه. والمذي يختلف عن البول بعض الشيء في التطهر منه، لأن نجاسته أخف فيكفي فيه النضح، وهوأن يعم المحل الذي أصابه بالماء بدون عصر وبدون فرك، وكذلك يجب فيه غسل الذكر كله والأنثيين وإن لم يصبهما. أما المني فإنه طاهر لا يلزم غسل ما أصابه إلا على سبيل إزالة الأثر فقط، وهو موجب للغسل، وأما المذي والودي والبول فكلها توجب الوضوء" اهـ. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (11/169) . والذي يظهر أيتها السائلة أن حالتك هذه حالة مرضية ينبغي أن تراجعي فيها طبيبة مختصة، نسأل الله أن يجعل لك من كل هم وحزن وضيق مخرجاً. إنه سميع مجيب. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 47693 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 316 أخر الصلاة عن وقتها بلا عذر، فهل يلزمه الاغتسال؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يتطلب تأخير الصلاة بدون عذر الغسل وذلك لأنه كما ورد في الموقع يخرج من الملة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إن الصلاة عماد الدين.. وعنوان الفالحين.. وسعادة الصالحين.. كتبها الله على المؤمنين: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) النساء/103 (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ* فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ*وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) المؤمنون/1-8 وهي أول ما يُحاسب عليها العبد يوم الدين. قال عليه الصلاة والسلام: (إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ) رواه الترمذي (413) وأبو داود (864) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. والصلاة يمحو الله بها الخطايا والسيئات، ويرفع الدرجات، وهي آخر ما يضيع من الدين، فإن ضاعت ضاع الدين كله. انظر السؤال (33694) أخي المسلم حافظ على صلاتك قبل مماتك ... وصل قبل أن يُصلى عليك.. فإن كنت محافظاً عليها فاستمر.. وإن كنت متهاوناً فيها فتب واستغفر قبل فوات الأوان.. فمن تاب تاب الله عليه.. ومن أقبل على الله أقبل الله إليه. يقول الله في الحديث القدسي: (وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً) رواه البخاري (7405) ومسلم (2675) فتب إلى الله توبة نصوحاً.. عسى الله أن يتوب عليك.. ثانياً: التهاون بالصلاة، وتأخيرها عن وقتها من غير عذر من الكبائر. راجع السؤال (47123) . بل ذهب بعض العلماء إلى تكفير من ترك صلاة واحدة من غير عذر حتى خرج وقتها. راجع السؤال (39818) . وعلى هذا القول تنبني إجابة سؤالك، وهو أمر من ترك صلاة بغير عذر حتى خرج وقتها بالاغتسال. فإن اغتسال الكافر إذا أسلم مشروع، ومثله المرتد إذا رجع إلى الإسلام. قال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع (1/202) : "إذا أسلم الكافر وجب عليه الغُسْل سواء كان أصليًّا، أو مرتدًّا. فالأصليُّ: من كان من أول حياته على غَيْر دِينِ الإسلام كاليهوديِّ والنَّصرانيِّ، والبوذيِّ، وما أشبه ذلك. والمرتَدُّ: من كان على دين الإسلام ثم ارتدَّ عنه ـ نسأل الله السَّلامة ـ كَمَنْ ترك الصَّلاة، أو اعتقد أنَّ وشريكاً، أو دعا النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أن يُغِيثَه من الشِّدَّةِ، أو دعا غيره أن يُغِيثهَ في أمرٍ لا يمكن فيه الغَوْثُ. والدَّليل على وجوب الغُسْل بذلك: 1ـ حديث قَيس بن عاصم أنَّه لمَّا أسلم أَمَره النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أنَّ يغتسل بماء ٍوسِدْر. رواه الترمذي (605) ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي. والأَصْلُ في الأمر الوُجوب. 2ـ أنه طَهَّر باطنه من نَجَسِ الشِّرْك، فَمِنَ الحِكْمة أن يُطَهِّرَ ظاهره بالغُسْل. وقال بعض العلماء: لا يَجِب الغُسْل بذلك، واستدلَّ على ذلك بأنه لم يَرِدْ عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أمر عامٌّ مثل: مَنْ أسلم فَلْيَغْتَسِل، كما قال: "من جاء مِنْكُم الجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِل" وما أكثر الصَّحابة الذين أسلموا، ولمْ يُنْقَل أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أمرهم بالغُسْلِ أو قال من أسلم فليغتسل، ولو كان واجباً لكان مشهوراً لحاجة النَّاس إليه. وقد نقول: إنَّ القول الأوَّل أقوى وهو وُجوب الغُسْل، لأنَّ أمْرَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ واحداً مِنَ الأمَّة بحُكمٍ ليس هناك معنى معقول لتخصيصه به أمْرٌ للأمة جميعاً، إذ لا معنى لتخصيصه به. وأمْرُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لواحد لا يعني عدم أمْرِ غيره به. وأما عدم النَّقل عن كلِّ واحد من الصَّحابة أنه اغتسل بعد إسلامه، فنقول: عدم النَّقل، ليس نقلاً للعدم؛ لأنَّ الأصلَ العملُ بما أمر به النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، ولا يلزم أن يُنقلَ العمل به من كلِّ واحد" اهـ. وقال ابن قدامة في المغني: إذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ , سَوَاءٌ كَانَ أَصْلِيًّا , أَوْ مُرْتَدًّا. . . وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَابْنِ الْمُنْذِرِ" اهـ. وجاء في "الموسوعة الفقهية" (31/206) : "ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إلَى أَنَّ إسْلامَ الْكَافِرِ مُوجِبٌ لِلْغُسْلِ , فَإِذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَغْتَسِلَ. . . وَلَمْ يُفَرِّقُوا فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْكَافِرِ الأَصْلِيِّ وَالْمُرْتَدِّ , فَيَجِبُ الْغُسْلُ عَلَى الْمُرْتَدِّ أَيْضًا إذَا أَسْلَمَ" اهـ. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 46562 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 317 لم يكن يعلم بوجوب غسل الجنابة فهل يعيد الصلوات؟ [السُّؤَالُ] ـ[لم أكن أعلم بوجوب الغسل من الجنابة للصلاة، فهل عليَّ إعادة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب على كل مسلم ومسلمة تعلم الأحكام الشرعية وخاصة المتعلقة بما قد كلفه الله به ويستطيع القيام به، فمن ملك المال وجب عليه تعلم أحكام الزكاة، ومن عمل في التجارة وجب عليه تعلم أحكام البيع والشراء، وعلى الجميع تعلم الاعتقاد الصحيح وما يلزم كل مكلف القيام به، وأحكام الطهارة والصلاة، وقد يسَّر الله تعالى طرق طلب العلم، فلم يعد للكثيرين حجة في عدم العلم إلا التقصير. وبخصوص المسألة المعيّنة: وهي عدم العلم بوجوب الغسل من الجنابة، وأنك قد صلَّيت صلوات كثيرة وأنت على هذه الحال: فقد ذهب أهل العلم إلى أن ذلك يعتبر عذراً، فلا يجب عليك قضاؤها ولكن عليك الاغتسال وإعادة الصلاة التي بلغك الحكم وأنت في وقتها. واستدلوا على ذلك بعدة أدلة: 1. عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فدخل رجل فصلى فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد وقال: ارجع فصل فإنك لم تصل فرجع يصلي كما صلى ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ارجع فصل فإنك لم تصل ثلاثا فقال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلمني، فقال: إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تعتدل قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا وافعل ذلك في صلاتك كلها. رواه البخاري (724) ومسلم (367) . فلم يأمره النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقضاء ما مضى من الصلوات وإنما أمره بقضاء الصلاة الحاضرة فقط. 2. عن عبد الرحمن بن أبزى قال: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال: إني أجنبت فلم أصب الماء، فقال عمار بن ياسر لعمر بن الخطاب: أما تذكر أنا كنا في سفر أنا وأنت فأما أنت فلم تصل وأما أنا فتمعكت (أي: تمرغت في التراب) فصليت فذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما كان يكفيك هكذا فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بكفيه الأرض ونفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه وكفيه. رواه البخاري (331) ومسلم (368) . فقد ترك عمر بن الخطاب رضي الله عنه الصلاة لعدم علمه بوجوب التيمم لمن فقد الماء، وخالف عمار بن ياسر رضي الله عنه طريقة التيمم لعدم علمه بصفة التيمم الصحيحة، ولم يأمرهما النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء ما تركاه من الصلوات. قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: ... وعلى هذا لو ترك الطهارة الواجبة لعدم بلوغ النص، مثل: أن يأكل لحم الإبل ولا يتوضأ ثم يبلغه النص ويتبين له وجوب الوضوء، أو يصلي في أعطان الإبل ثم يبلغه ويتبين له النص: فهل عليه إعادة ما مضى؟ فيه قولان هما روايتان عن أحمد. ونظيره: أن يمس ذَكَره ويصلى، ثم يتبين له وجوب الوضوء من مس الذكر. والصحيح في جميع هذه المسائل: عدم وجوب الإعادة؛ لأن الله عفا عن الخطأ والنسيان؛ ولأنه قال {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} ، فمن لم يبلغه أمر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شيءٍ معيَّنٍ: لم يثبت حكم وجوبه عليه، ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر وعمَّاراً لما أجْنبا فلم يصلِّ عمر وصلَّى عمار بالتمرغ أن يعيد واحد منهما، وكذلك لم يأمر أبا ذر بالإعادة لما كان يجنب ويمكث أياماً لا يصلي، وكذلك لم يأمر مَن أكل من الصحابة حتى يتبين له الحبل الأبيض من الحبل الأسود بالقضاء، كما لم يأمر مَن صلى إلى بيت المقدس قبل بلوغ النسخ لهم بالقضاء. ومن هذا الباب: المستحاضة إذا مكثت مدة لا تصلي لاعتقادها عدم وجوب الصلاة عليها، ففي وجوب القضاء عليها قولان، أحدهما: لا إعادة عليها - كما نقل عن مالك وغيره –؛ لأن المستحاضة التي قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: " إني حضت حيضةً شديدةً كبيرةً منكرةً منعتني الصلاة والصيام " أمرها بما يجب في المستقبل، ولم يأمرها بقضاء صلاة الماضي. وقد ثبت عندي بالنقل المتواتر أن في النساء والرجال بالبوادي وغير البوادي مَن يبلغ ولا يعلم أن الصلاة عليه واجبة، بل إذا قيل للمرأة: صلِّي، تقول: حتى أكبر وأصير عجوزة! ظانَّة أنه لا يخاطَب بالصلاة إلا المرأة الكبيرة كالعجوز ونحوها، وفي أتباع الشيوخ (أي من الصوفية) طوائف كثيرون لا يعلمون أن الصلاة واجبة عليهم، فهؤلاء لا يجب عليهم في الصحيح قضاء الصلوات سواء قيل: كانوا كفَّاراً أو كانوا معذورين بالجهل ... " مجموع الفتاوى " (21 / 101، 102) . وانظر جواب السؤال رقم (21806) . ويمكن أن يُقال هنا إن السائل إذا كان في مكان تتوافر فيه أسباب التعلم وفرّط ولم يتعلم فإن عليه قضاء الصلوات التي صلاها بغير غُسل من الجنابة ما لم يكن كبيراً جداً، فيسقط قضاؤها حينئذ للحرج لقوله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الحج/78 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45648 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 318 يثقل عليها الغسل من الجنابة فتترك الصلاة ثم تتوب ثم تعود لذلك [السُّؤَالُ] ـ[امرأة تصلي وتترك وتريد أن تتوب. تترك الصلاة لأنها تعاشر زوجها وتؤخر الاغتسال ثم ترجع تندم، وقد تترك الصلاة أسبوعاً كاملاً. تريد أن تتوب لكن تحس أنه لا فائدة، تخاف أن ترجع مرة أخرى وأن رب العالمين لن يغفر لها.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصلاة أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وتاركها تهاونا أو كسلا كافر خارج عن ملة الإسلام في أصح قولي العلماء؛ لأدلة كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم: " إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة " رواه مسلم (82) وقوله: " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر" رواه الترمذي (2621) والنسائي (463) وابن ماجه (1079) فكيف ترضى مسلمة أن تعرض نفسها للكفر بالله تعالى، لأجل ما تجده من مشقة الغسل؟! والواقع أنه لا مشقة في ذلك لولا تزيين الشيطان وإغواؤه للعبد. فعلى هذه الأخت أن تتقي الله تعالى وتخاف عقابه، وتبادر بالتوبة النصوح قبل أن يفجأها هادم اللذات ومفرق الجماعات، وعليها أن تعود إلى الصلاة وتستمر عليها، وتكون من أهل الطهارة والنظافة فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين. وخوفها من الرجوع إلى المعصية والذنب، ينبغي أن يدفعها إلى التمسك بالطاعة والمثابرة عليها، لا إلى التقصير والتفريط، وعلى المؤمن أن يحسن الظن بالله تعالى، وأن يعلم أن الله يتوب على من تاب، وأنه يزيد الذين اهتدوا هدى، كما قال سبحانه: (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) التوبة/104 وقال: (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَرَدّاً) مريم/76 وقال: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) العنكبوت/69 والله سبحانه يغفر الذنوب كلها لمن تاب إليه وندم، قال الله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر/53. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45716 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 319 إذا نزل المني بعد الغسل من الجنابة [السُّؤَالُ] ـ[أنا شاب للأسف الشديد أحاول بقوة ترك العادة السرية ولكني أضعف أحيانا ويحدث أنه بعد الغسل يخرج سائل شفاف لزج فهل هو يوجب الغسل حتى لو كان منيا مع العلم أنه خرج بدون شهوة وهل يجوز إزالة النجاسة مع غسل الجنابة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الواجب عليك أن تتوب إلى الله تعالى من العادة السرية وأن تقلع عنها؛ وأن تحذر عاقبة تكرار الذنب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب سقل قلبه، وإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه، وهو الران الذي ذكر الله (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون) رواه الترمذي (3257) وابن ماجة (4234) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي برقم2654. ويمكنك مراجعة السؤال (329) ففيه بيان لكيفية الإقلاع عن هذه العادة السيئة. ثانيا: من اغتسل من احتلام أو جماع ثم خرج منه شيء بعد الغسل، دون شهوة، لم يلزمه إعادة الغسل، قال ابن قدامة رحمه الله: (فصل: فأما إن احتلم , أو جامع , فأمنى , ثم اغتسل , ثم خرج منه مني , فالمشهور عن أحمد أنه لا غسل عليه , قال الخلال: تواترت الروايات عن أبي عبد الله ـ أي الإمام أحمد ـ , أنه ليس عليه إلا الوضوء , بال أو لم يبل , فعلى هذا استقر قوله. وروي ذلك عن علي وابن عباس وعطاء والزهري ومالك والليث والثوري وإسحاق , وقال سعيد بن جبير: لا غسل عليه إلا من شهوة. وفيه رواية ثانية: إن خرج بعد البول , فلا غسل فيه , وإن خرج قبله اغتسل، وهذا قول الأوزاعي وأبي حنيفة , ونقل ذلك عن الحسن ; لأنه بقية ماء خرج بالدفق والشهوة , فأوجب الغسل كالأول وبعد البول خرج بغير دفق وشهوة , ولا نعلم أنه بقية الأول ; لأنه لو كان بقيته لما تخلف بعد البول. وقال القاضي: فيه رواية ثالثة , عليه الغسل بكل حال. وهو مذهب الشافعي ; لأن الاعتبار بخروجه كسائر الأحداث. وقال في موضع آخر: لا غسل عليه. رواية واحدة ; لأنه جنابة واحدة , فلم يجب به غسلان , كما لو خرج دفعة واحدة ... ) انتهى من المغني 1/128 والصحيح أنه إذا خرج بغير شهوة لم يجب الغسل كما في الإنصاف 1/232، وكشاف القناع 1/141 ونصه: (فإن خرج المني بعد الغسل من انتقاله) لم يجب الغسل. (أو) خرج المني (بعد غسله من جماع لم ينزل فيه) بغير شهوة لم يجب الغسل (أو خرجت بقية مني اغتسل له بغير شهوة لم يجب الغسل) لما روى سعيد عن ابن عباس أنه سئل عن الجنب يخرج منه الشيء بعد الغسل؟ قال: يتوضأ وكذا ذكره الإمام أحمد عن علي ولأنه مني واحد فأوجب غسلا واحدا , كما لو خرج دفقة واحدة , ولأنه خارج لغير شهوة أشبه الخارج لبرد , وبه علل أحمد قال: لأن الشهوة ماضية , وإنما هو حدث أرجو أن يجزئه الوضوء) انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (قوله: " فإن خرج بعده لم يُعِده " أي: إذا اغتسل لهذا الذي انتقل ثم خرج مع الحركة، فإنه لا يعيد الغسل. والدليل: 1- أن السبب واحد، فلا يوجب غسلين. 2- أنه إذا خرج بعد ذلك خرج بلا لذة، ولا يجب الغسل إلا إذا خرج بلذة. لكن لو خرج مني جديد لشهوة طارئة فإنه يجب عليه الغسل بهذا السبب الثاني) انتهى من الشرح الممتع (1/281) . وانظر السؤال رقم (12352) ثالثا: المشروع في غسل الجنابة: إزالة ما لوث البدن من مني وغيره، ثم الشروع في الاغتسال بالبدء بأعضاء الوضوء، ثم إفاضة الماء على سائر الجسد، لثبوت ذلك في صفة غسله صلى الله عليه وسلم، فقد روى البخاري (251) ومسلم (476) عن مَيْمُونَة رضي الله عنها قَالَتْ صَبَبْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُسْلا فَأَفْرَغَ بِيَمِينِهِ عَلَى يَسَارِهِ فَغَسَلَهُمَا ثُمَّ غَسَلَ فَرْجَهُ ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ الأَرْضَ فَمَسَحَهَا بِالتُّرَابِ ثُمَّ غَسَلَهَا ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَأَفَاضَ عَلَى رَأْسِهِ ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ ثُمَّ أُتِيَ بِمِنْدِيلٍ فَلَمْ يَنْفُضْ بِهَا"، وإن حصل منك إزالة لسيء من النجاسات أو غيرها فإن هذا لا يبطل الغسل لأن الواجب في الغسل تعميم الجسد بالماء ـ مع المضمضة والاستنشاق على الصحيح ـ مع نية الغسل، وليس من شروط رفعه للحدث عدم ملامسة النجاسة في أثنائه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 44945 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 320 بماذا يكون الجماع؟ [السُّؤَالُ] ـ[يجب الاغتسال إذا حصل جماع، لكن ما المراد بالجماع؟ هل أي مداعبة تكون جماعاً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليست كل مداعبة تكون جماعاً، وإنما الجماع يكون بإدخال الحَشَفَة كاملة (رأس الذكر) في الفرج، فإذا حصل هذا فقد حصل الجماع، وإن لم يحصل إدخال، أو أدخل بعض الحشفة وليس كلها، فهذا لا يكون جماعاً، وهذا ما دلت عليه الأحاديث: فعن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ ثُمَّ جَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ) رواه البخاري (291) ومسلم (525) . وقوله صلى الله عليه وسلم: (ثُمَّ جَهَدَهَا) كناية عن إدخال الذكر في الفرج. قاله الحافظ في "الفتح". وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ وَمَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ) رواه مسلم (349) . قال النووي في "شرح مسلم": " قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَمَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْل) قَالَ الْعُلَمَاء: مَعْنَاهُ غَيَّبْت ذَكَرَك فِي فَرْجهَا، وَلَيْسَ الْمُرَاد حَقِيقَة الْمَسِّ، وَذَلِكَ أَنَّ خِتَان الْمَرْأَة فِي أَعْلَى الْفَرْج، وَلا يَمَسّهُ الذَّكَر فِي الْجِمَاع , وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهُ لَوْ وَضَعَ ذَكَرَهُ عَلَى خِتَانهَا وَلَمْ يُولِجْهُ (يُدخله) لَمْ يَجِب الْغُسْل , لا عَلَيْهِ وَلا عَلَيْهَا , فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَاد مَا ذَكَرْنَاهُ. وَالْمُرَاد بِالْمُمَاسَّةِ: الْمُحَاذَاة , وَكَذَلِكَ الرِّوَايَة الأُخْرَى: (إِذَا اِلْتَقَى الْخِتَانَانِ) أَيْ: تَحَاذَيَا " انتهى. وقال في "المجموع" (2/150) : " وجوب الغسل وجميع الأحكام المتعلقة بالجماع يشترط فيها تغييب الحشفة بكمالها في الفرج , ولا يشترط زيادة (على) الحشفة، ولا يتعلق ببعض الحشفة وحده شيء من الأحكام " انتهى. وقال الحافظ في "الفتح": " وَالْمُرَاد بِالْمَسِّ وَالالْتِقَاءِ: الْمُحَاذَاة، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَة التِّرْمِذِيِّ بِلَفْظ: (إِذَا جَاوَزَ) وَلَيْسَ الْمُرَاد بِالْمَسِّ حَقِيقَته ; لأَنَّهُ لا يُتَصَوَّرُ عِنْدَ غَيْبَة الْحَشَفَة " انتهى. وقَالَ الشَّوْكَانِيُّ: " وَرَدَ الْحَدِيثُ بِلَفْظِ "الْمُحَاذَاةِ" وَبِلَفْظِ "الْمُلاقَاةِ" وَبِلَفْظِ "الْمُلامَسَةِ" وَبِلَفْظِ "الإِلْصَاقِ" , وَالْمُرَادُ بِالْمُلَاقَاةِ: الْمُحَاذَاةُ " انتهى. وقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ: " إِذَا غَابَتْ الْحَشَفَةُ فِي الْفَرْجِ فَقَدْ وَقَعَتْ الْمُلاقَاةُ " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " من المعلوم أن موضع الختان فوق الحشفة مما يلي قصبة الذكر، فإذا كان كذلك فلا يمس موضع ختان المرأة إلا بعد أن تلج الحشفة، ولذلك اشترطنا في وجوب الغسل من الجماع أن يُغْيّب الحشفة، وقد ورد في بعض ألفاظ حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: (إذا التقى الختانان وتوارت الحشفة فقد وجب الغسل) " انتهى. رواه ابن ماجه (611) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (11/323) . وعلى هذا؛ فالمقصود من "مس الختان الختان" و "ملاقاة الختانين": هو محاذاة موضع ختان الرجل لموضع ختان المرأة، ويحصل ذلك بتغييب الحشفة كلها في الفرج، فإذا غابت الحشفة في الفرج فقد حصل الجماع ووجب الغسل. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 43479 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 321 نسيت أن تغتسل من الجنابة حتى غربت الشمس [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الإسلام في امرأة نسيت أن تتطهر من الجنابة في يوم من أيام شهر رمضان؟ مع ملاحظه أن الجماع قد حدث قبل أذان الفجر لكنها نسيت أن تتطهر قبل المغرب.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا أصبح الصائم جنبا من احتلام أو جماع فلا شيء عليه، طالما أن الجماع قد حصل قبل أذان الفجر، ويدل لذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (كان يدركه الفجر في رمضان وهو جنب من غير حلم - أي احتلام - فيغتسل ويصوم) رواه البخاري (1926) ، ومسلم (1109) من حديث عائشة - رضي الله عنها -] . وعلى هذا فصيامك ذلك اليوم صحيح، لكن كان الواجب عليك المبادرة إلى الاغتسال، لأن عليك صلوات لا بد أن تُصَلِّى في وقتها ولا يجوز تأخيرها. والصلاة في الإسلام شأنها عظيم، فهي أعظم وآكد من الصيام والزكاة والحجّ وسائر العبادات، فينبغي أن يكون اهتمام المسلم بها على قدر منزلتها. ولذلك فإن المتكاسل عن أداء الصلاة على خطر عظيم، حتى ذهب بعض أهل العلم إلى تكفير من ترك صلاة واحدة من غير عذر حتى خرج وقتها. وورد في الترهيب من ترك الصلاة قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ تَرَكَ صَلاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) رواه البخاري (553) وانظري لمعرفة شرحه السؤال رقم: (49698) فعلى السائلة أن تتوب إلى الله من تركها الصلاة وتكاسلها عن أدائها في وقتها، والله تعالى يتوب على من تاب، ويغفر لمن رجع إليه وأناب. والله تعالى أعلم. وانظري للمزيد من الفائدة السؤال رقم (21806) ، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 43307 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 322 تريد أن تتيمم بدلا عن غسل الجنابة حياء من أهل زوجها [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أسال إن كان بالإمكان أن أتيمم عوضاً عن أن أغتسل للطهارة من الجنابة لأنني أعيش مع أم زوجي وأخته فأنا أستحيي من الاغتسال يوميا أو يوما بعد يوم مع العلم أنني سوف ألتجئ للتيمم مرة أو مرتين في الأسبوع لكي لا يحس من معي في البيت بكثرة الاغتسال.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب الاغتسال من الجنابة بالماء؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً) النساء/43 وقوله: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة/6. وقوله صلى الله عليه وسلم: (الصعيد وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته فإن ذلك خير) رواه البزار، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3861) ولا يجوز العدول إلى التيمم إلا عند تعذر استعمال الماء، لفقده، أو التضرر باستعماله. للآية السابقة. وأما ترك الاغتسال خجلا، فلا يجوز، ولا يجزئ التيمم حينئذ، ولا تصح الصلاة بذلك، والواجب على العبد أن يكون خوفه من الله تعالى فوق خوف الناس، كما قال سبحانه: (فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْن) المائدة/44 وقال: (أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) التوبة/13. والخجل الذي يحمل على ترك الواجبات خجل مذموم، بل هو ضعف وعجز. وليس هو من الحياء الممدوح في شيء. وبإمكانك ـ للتخفيف مما تجدينه من استحياء ـ أن تغتسلي في أوقات لا يشعرون بك فيها كالاغتسال قبل طلوع الفجر، أو استعمال الماء بطريقة لا يسمع معها صوت للماء ولا يُدرى باغتسالك ونحو ذلك مما ترينه مساعداً على إخفاء ما قد ينتابك الحجل بسببه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 42979 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 323 هل يجب على المرأة نقض شعر رأسها لغسل الجنابة؟ [السُّؤَالُ] ـ[شعر رأسي طويل جدّاً، وبعد كل مرة يحصل فيها جماع فأنا أغتسل غسلاً كاملاً، فهل أغسل شعر رأسي كل مرة - لأني أجد صعوبة في ذلك خاصة إذا حدث ذلك في أيام متتابعة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجب على المرأة أن تنقض شعر رأسها إن هي اغتسلت للجنابة، ويجب مع هذا أن توصل الماء لجميع بدنها بما فيه شعرها وأصوله. سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: بعض النساء لدينا يمشطن شعورهن - أي: يضفرنها - وعندما يغتسلن من الجنابة لا تفك المرأة ضفائرها، فهل يصح غسلها؟ مع العلم أن الماء لم يصل إلى كل منابت شعرها. أفيدونا أفادكم الله. فأجاب: إذا أفاضت المرأة على رأسها كفى؛ لأن أم سلمة رضي الله عنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقالت: إِنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي فَأَنْقُضُهُ لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ؟ قَالَ: لا، إِنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِي عَلَى رَأْسِكِ ثَلاثَ حَثَيَاتٍ، ثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَيْكِ الْمَاءَ فَتَطْهُرِينَ. أخرجه الإمام مسلم في صحيحه. فإذا حثت المرأة على رأسها الماء ثلاث حثيات كفاها ذلك ولا حاجة إلى نقضه؛ لهذا الحديث الصحيح. " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (10 / 182) . وقال الشيخ ابن باز أيضاً: أما الطهارة الكبرى: فلا بد أن تفيض عليه الماء ثلاث مرات، ولا يكفي المسح؛ لما ثبت في صحيح مسلم. . . ثم ذكر حديث أم سلمة المتقدم. " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (10 / 161) . قال ابن القيم في " تهذيب السنن": حَدِيث أُمِّ سَلَمَةَ هَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْمَرْأَة أَنَّ تَنْقُض شَعْرهَا لِغُسْلِ الْجَنَابَة , وَهَذَا اِتِّفَاق مِنْ أَهْل الْعِلْم , إِلا مَا يُحْكَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُمَا قَالا تَنْقُضهُ , وَلا يُعْلَم لَهُمَا مُوَافِق. انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين: وأقل واجب في الغسل أن تعم به جميع بدنها حتى ما تحت الشعر، والأفضل أن يكون على صفة ما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، حيث سألته أسماء بنت شكل عن غسل المحيض فقال صلى الله عليه وسلم: " تَأْخُذُ إِحْدَاكُنَّ مَاءَهَا وَسِدْرَتَهَا فَتَطَهَّرُ فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ دَلْكًا شَدِيدًا، حَتَّى تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِهَا، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ، ثُمَّ تَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً - أي: قطعة قماش فيها مسك - فَتَطَهَّرُ بِهَا، فَقَالَتْ أَسْمَاءُ: وَكَيْفَ تَطَهَّرُ بِهَا؟ فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! تَطَهَّرِينَ بِهَا! فَقَالَتْ عَائِشَةُ لها: تَتَبَّعِينَ أَثَرَ الدَّمِ. رواه البخاري ومسلم. ولا يجب نقض شعر الرأس، إلا أن يكون مشدوداً بقوة بحيث يخشى ألا يصل الماء إلى أصوله، لما في صحيح مسلم من حديث أم سلمة رضي الله عنها. . . ثم ذكر الحديث المتقدم. " مجموع فتاوى ابن عثيمين " (11 / 318، 319) . وانظر جواب السؤال رقم (34776) و (27065) و (9755) و (2648) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 40329 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 324 حبس المني هل يوجب الغسل [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم إذا أمسك الرجل ذكره قبل الإنزال مباشرة ومنعه من القذف فلم ينزل منه شيء هل عليه غسل؟ وإذا فعل نفس الشيء لكنه بعد فترة لاحظ نزول بعض القطرات الصغيرة فما الحكم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إذا أحس الرجل بانتقال المني عند الشهوة بدون جماع فأمسك ذكره , فلم يخرج منه شيء فلا غسل عليه في قول جمهور العلماء، خلافا للمشهور عن أحمد رحمه الله. قال ابن قدامة رحمه الله: إن أحس بانتقال المني عند الشهوة فأمسك ذكره , فلم يخرج فلا غسل عليه.. (وهذا) قول أكثر الفقهاء. لأن النبي صلى الله عليه وسلم علق الاغتسال على الرؤية وفضخ الماء , بقوله: إذا رأت الماء وإذا فضخت الماء فاغتسل فلا يثبت الحكم بدونه " المغني 1/128 وقال النووي رحمه الله: لو قبل امرأة فأحس بانتقال المني ونزوله فأمسك ذكره فلم يخرج منه في الحال شيء , ولا علم خروجه بعد ذلك , فلا غسل عليه عندنا , وبه قال العلماء كافة إلا أحمد , فإنه قال - في أشهر الروايتين عنه - يجب الغسل , قال: ولا يتصور رجوع المني. دليلنا قوله صلى الله عليه وسلم: " إنما الماء من الماء " ولأن العلماء مجمعون على أن من أحس بالحدث كالقرقرة والريح , ولم يخرج منه شيء لا وضوء عليه , فكذا هنا " انتهى من المجموع 2/159 وما ذهب إليه جمهور العلماء هو الراجح؛ لما ذكروه من الأدلة. وينبغي التنبه إلى أن هذا العمل، وهو حبس المني عن الخروج مضر جدا. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وهل يمكن أن ينتقل (المني) بلا خروج؟ نعم يمكن , وذلك بأن يمسك آلته حتى لا يخرج، أو تفتر الشهوة، وهذا وإن مثل به الفقهاء فإنه مضر جداً، والفقهاء رحمهم الله يمثلون بالشيء للتصوير بقطع النظر عن حله أو حرمته، وقال بعض العلماء: لا غسل بالانتقال، وهذا اختيار شيخ الإسلام، وهو الصواب " انتهى من الشرح الممتع 1/280 وأما عند خروج المني فيجب الغسل، ولو كان الخارج قطرة واحدة. ومنه يعلم أنه لا خلاف بين العلماء في إيجاب الغسل بخروج المني، إذا خرج بشهوة ودفق، وهذا حاصل فيمن يمسك ذكره عند انتقال المني، ثم يغلبه المني ويخرج منه قطرة أو قطرات ولو بعد فترة. انظر المغني 1/268 وقد سئلت اللجنة الدائمة عن خروج قطرة مني واحدة عن شهوة.. فأجابت بما يلي: " إذا خرج المني دفقاً عن شهوة وجب الغسل ولو كان الخارج منه قطرة واحدة وبدون جماع، ولا يكفي الوضوء بل يجب عليه غسل الجنابة " فتاوى اللجنة 5/303 أنظر السؤال (12317) و (6010) . ثانياً: إذا حصل جماع فإنه يجب الغسل حتى ولو لم يُنزل المني لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا التقى الختانان وغابت الحشفة فقد وجب الغسل، أنزل أو لم يُنزل " حسنه الألباني في صحيح الجامع 379 أنظر السؤال (7529) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 40126 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 325 يجوز رفع الجنابة بالتيمم عند العذر [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز رفع الجنابة بالتيمم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا وُجد العذر الذي يبيح التيمم وهو إما فقد الماء أو تعذر استعماله بسبب مرض ونحوه فإن التيمم يقوم مقام الوضوء والاغتسال، فيتيمم الجنب ويصلي، ثم إذا وجد الماء وجب عليه الاغتسال. وقد دل على ذلك القرآن والسنة. 1- قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) المائدة/6 " فأَمَرَنَا الله سُبْحَانَهُ بِالطَّهَارَتَيْنِ الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى وَبِالتَّيَمُّمِ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا" اهـ. قاله شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (21/396) بتصرف يسير. والطهارة الصغرى هي الوضوء، والكبرى هي الاغتسال. 2- وروى البخاري في موضعين (344) (348) عَنْ عِمْرَان بْن حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلا مُعْتَزِلا لَمْ يُصَلِّ فِي الْقَوْمِ، فَقَالَ: يَا فُلانُ، مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ فِي الْقَوْمِ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ، وَلا مَاءَ. قَالَ: عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ، فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ. وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم وجد الماء فأَعْطَى الَّذِي أَصَابَتْهُ الْجَنَابَةُ إِنَاءً مِنْ مَاءٍ وقَالَ: (اذْهَبْ فَأَفْرِغْهُ عَلَيْكَ) . "وهذا دليل على أن التيمم مطهر وكاف عن الماء لكن إذا وجد الماء فإنه يجب استعماله، ولهذا أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يفرغه على نفسه بدون أن يحدث له جنابة جديدة " قاله ابن عثيمين في "مجموع الفتاوى" (11/239) . 3- وروى مسلم (368) أَنَّ رَجُلا أَتَى عُمَرَ فَقَالَ: إِنِّي أَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدْ مَاءً. فَقَالَ: لا تُصَلِّ. فَقَالَ عَمَّارٌ: أَمَا تَذْكُرُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ أَنَا وَأَنْتَ فِي سَرِيَّةٍ فَأَجْنَبْنَا فَلَمْ نَجِدْ مَاءً فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ فِي التُّرَابِ وَصَلَّيْتُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَضْرِبَ بِيَدَيْكَ الأَرْضَ ثُمَّ تَنْفُخَ ثُمَّ تَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَكَ وَكَفَّيْكَ) فَقَالَ عُمَرُ: اتَّقِ اللَّهَ يَا عَمَّارُ! قَالَ: إِنْ شِئْتَ لَمْ أُحَدِّثْ بِهِ. فَقَالَ عُمَرُ: نُوَلِّيكَ مَا تَوَلَّيْتَ. وفي رواية: (قَالَ عَمَّارٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنْ شِئْتَ لِمَا جَعَلَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ حَقِّكَ لا أُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا) . فنسي عمر رضي الله عنه تلك الحادثة. (فَقَالَ عُمَرُ: اتَّقِ اللَّهَ يَا عَمَّارُ‍!) "مَعْنَاهُ: قَالَ عُمَر لِعَمَّارٍ: اِتَّقِ اللَّه تَعَالَى فِيمَا تَرْوِيه وَتَثَبَّتْ. فَلَعَلَّك نَسِيت , أَوْ اِشْتَبَهَ عَلَيْك الأَمْر. وَأَمَّا قَوْل عَمَّار إِنْ شِئْت لَمْ أُحَدِّث بِهِ فَمَعْنَاهُ , وَاَللَّه أَعْلَم ; إِنْ رَأَيْت الْمَصْلَحَة فِي إِمْسَاكِي عَنْ التَّحْدِيث بِهِ رَاجِحَة عَلَى مَصْلَحَة تَحْدِيثِي بِهِ أَمْسَكْت , فَإِنَّ طَاعَتك وَاجِبَة عَلَيَّ فِي غَيْر الْمَعْصِيَة , وَأَصْل تَبْلِيغ هَذِهِ السُّنَّة وَأَدَاء الْعِلْم قَدْ حَصَلَ , فَإِذَا أَمْسَكَ بَعْد هَذَا لا يَكُون دَاخِلا فِيمَنْ كَتَمَ الْعِلْم. وَيَحْتَمِل أَنَّهُ أَرَادَ إِنْ شِئْت لَمْ أُحَدِّث بِهِ تَحْدِيثًا شَائِعًا بِحَيْثُ يَشْتَهِر فِي النَّاس , بَلْ لا أُحَدِّث بِهِ إِلا نَادِرًا " اهـ. قاله النووي. (فَقَالَ عُمَرُ نُوَلِّيكَ مَا تَوَلَّيْتَ) "أَيْ لا يَلْزَم مِنْ كَوْنِي لا أَتَذَكَّرُهُ أَنْ لا يَكُون حَقًّا فِي نَفْس الأَمْر , فَلَيْسَ لِي مَنْعُك مِنْ التَّحْدِيث بِهِ " قاله الحافظ في "فتح الباري " 4- وروى أبو داود (334) عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ احْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السُّلَاسِلِ فَأَشْفَقْتُ إِنْ اغْتَسَلْتُ أَنْ أَهْلِكَ فَتَيَمَّمْتُ ثُمَّ صَلَّيْتُ بِأَصْحَابِي الصُّبْحَ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا عَمْرُو، صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ؟! فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي مَنَعَنِي مِنْ الاغْتِسَالِ، وَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ: (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا. قال الحافظ في الفتح (1/589) : إسناده قوي اهـ. وصححه الألباني في صحيح أبي داود. وقال البخاري رحمه الله في صحيحه: " إِذَا خَافَ الْجُنُبُ عَلَى نَفْسِهِ الْمَرَضَ أَوْ الْمَوْتَ أَوْ خَافَ الْعَطَشَ تَيَمَّمَ وَيُذْكَرُ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ أَجْنَبَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فَتَيَمَّمَ وَتَلا " وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا " فَذَكَرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُعَنِّفْ" اهـ. وقال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (21/451) : "مَنْ أَصَابَتْهُ جَنَابَةٌ مِنْ احْتِلامٍ أَوْ جِمَاعٍ حَلالٍ أَوْ حَرَامٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَغْتَسِلَ وَيُصَلِّيَ فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الاغْتِسَالُ لِعَدَمِ الْمَاءِ أَوْ لِتَضَرُّرِهِ بِاسْتِعْمَالِهِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ مَرِيضًا يَزِيدُ الاغْتِسَالُ فِي مَرَضِهِ أَوْ يَكُونَ الْهَوَاءُ بَارِدًا وَإِنْ اغْتَسَلَ خَافَ أَنْ يَمْرَضَ بِصُدَاعِ أَوْ زُكَامٍ أَوْ نَزْلَةٍ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي. سَوَاءٌ كَانَ رَجُلا أَوْ امْرَأَةً وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الصَّلاةَ عَنْ وَقْتِهَا" اهـ. وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله في مجموع الفتاوى (10/201) : هل التيمم يُسقط عن الجنب الاغتسال بتاتا؟ وكم صلاة يمكن أن أصلي به؟ فأجاب: التيمم يقوم مقام الماء، فالله جعل الأرض مسجداً وطهوراً للمسلمين، فإذا فقد الماء أو عجز عنه لمرض قام التيمم مقامه، فلا يزال كافيا حتى يجد الماء، فإذا وجد الماء وجب عليه الغسل عن جنابته السابقة، وهكذا المريض إذا برئ وعافاه الله يغتسل عن جنابته السابقة التي طهرها بالتيمم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ) ثم قال: (فَإِذَا وَجَدْتَ الْمَاءَ فَأَمِسَّهُ بَشَرَتَك) . رواه الترمذي، من حديث أبي ذر رضي الله عنه، ورواه البزار، وصححه ابن القطان، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. فإذا وجد الماء الجنب أمسه بشرته، أي: اغتسل بعد ذلك عما مضى، وأما صلواته الماضية فهي صحيحة بالتيمم عند فقده الماء أو عجزه عن استعماله؛ لمرض يمنعه من الماء، حتى ينتهي المرض ويشفى منه، وحتى يجد الماء إذا كان فاقدا له، ولو طالت المدة اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 40204 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 326 احتلم وهو صائم ولم ير أثراً للمني [السُّؤَالُ] ـ[احتلمت وأنا صائم، ولكني عندما استيقظت لم أر شيئا قد نزل مني، فلقد حلمت دون أن أنزل، فهل أغتسل وأكمل صيامى أم أكمل بدون اغتسال أم أفطر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: من احتلم ثم لما استيقظ لم ير أثر المني في ثوبه فإنه لا يلزمه الاغتسال. قال ابن قدامة في "المغني": إذَا رَأَى أَنَّهُ قَدْ احْتَلَمَ , وَلَمْ يَجِدْ مَنِيًّا , فَلا غُسْلَ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ عَلَى هَذَا كُلُّ مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ... وَرَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ , هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إذَا هِيَ احْتَلَمَتْ؟ قَالَ: (نَعَمْ, إذَا رَأَتْ الْمَاءَ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ , وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لا غُسْلَ عَلَيْهَا إلا أَنْ تَرَى الْمَاءَ اهـ. ثانيا: لا يبطل الصوم بالاحتلام لأنه يحصل بدون اختيار الصائم. قال النووي في "المجموع": إذَا احْتَلَمَ فَلَا يُفْطِرُ بِالإِجْمَاعِ ; لأَنَّهُ مَغْلُوبٌ كَمَنْ طَارَتْ ذُبَابَةٌ فَوَقَعَتْ فِي جَوْفِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ , فَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي دَلِيلِ الْمَسْأَلَةِ، وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: (لا يُفْطِرُ مَنْ قَاءَ وَلا مَنْ احْتَلَمَ وَلا مَنْ احْتَجَمَ) فَحَدِيثٌ ضَعِيفٌ لا يُحْتَجُّ بِهِ اهـ. وقال في "المغني" (4/363) : وَلَوْ احْتَلَمَ لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ , لأَنَّهُ عَنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ مِنْهُ , فَأَشْبَهَ مَا لَوْ دَخَلَ حَلْقَهُ شَيْءٌ وَهُوَ نَائِمٌ اهـ. وسئل الشيخ ابن باز في مجموع الفتاوى (15/276) : عن شخص نام في نهار رمضان واحتلم وخرج منه المني، هل يقضي هذا اليوم؟ فأجاب: ليس عليه قضاء؛ لأن الاحتلام ليس باختياره، ولكن عليه الغسل إذا وجد المني اهـ. وسئل الشيخ ابن عثيمين في فتاوى الصيام (ص284) عمن احتلم في نهار رمضان؟ فأجاب: صيامه صحيح، فإن الاحتلام لا يبطل الصوم؛ لأنه بغير اختياره، وقد رفع القلم عنه في حال نومه اهـ. وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (10/274) : "من احتلم وهو صائم أو محرم بالحج أو العمرة فليس عليه إثم ولا كفارة ولا يؤثر على صيامه وحجه وعمرته وعليه غسل الجنابة إذا كان قد أنزل منياً اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38623 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 327 هل يجب الغسل لو حصل الجماع بحائل؟ [السُّؤَالُ] ـ[لو حصل الجماع بحائل , كبعض الأدوات المستخدمة في هذا العصر، هل يجب الغسل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا حصل إنزال للمني فيجب الغسل من أجل الإنزال، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ) رواه مسلم (343) . أما إذا لم يحصل إنزال للمني فقد اختلف العلماء في هذا على ثلاثة أقوال: الأول: وجوب الغسل على الرجل والمرأة مطلقاً , سواء كان الحائل غليظاً أو رقيقاً. وهو مذهب الشافعي رحمه الله. قال النووي: " " ولو لف على ذكره خرقة وأولجه (أدخله) بحيث غابت الحشفة ولم ينزل فالصحيح: وجوب الغسل عليهما، لأن الأحكام متعلقة بالإيلاج وقد حصل " انتهى باختصار. "المجموع" (2/150) . القول الثاني: أنه لا يجب الغسل مطلقاً , وهو مذهب الحنابلة , كما في الإنصاف (2/92) . لأنه لا تحصل الملاقاة مع وجود الحائل. القول الثالث: إذا كان الحائل رقيقاً بحيث يجد الحرارة واللذة وجب الغسل وإلا فلا , وهو مذهب المالكية كما في الموسوعة (11/201) . قال ابن عثيمين عن هذا القول الثالث: (وهو الأقرب , والأحوط أن يغتسل) اهـ. الشرح الممتع (1/234) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37031 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 328 يجب الغسل من الجماع وإن لم يحصل إنزال [السُّؤَالُ] ـ[إذا حصل جماع ولم يحصل إنزال للمني، هل يجب الاغتسال؟ أم أنه لا يجب إلا إذا نزل المني؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اتفق العلماء على أنه يجب الاغتسال من الجماع. "الموسوعة الفقهية" (31/198) . فلو جامع الرجل زوجته وجب الغسل عليهما ولو لم يحصل إنزال للمني , وهذا قد ورد صريحا عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما رواه أَبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ ثُمَّ جَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ) رواه البخاري (291) وزاد مسلم (525) : (وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ) . قال النووي في "شرح مسلم ": " وَمَعْنَى الْحَدِيث: أَنَّ إِيجَاب الْغُسْل لا يَتَوَقَّف عَلَى نُزُول الْمَنِيّ، بَلْ مَتَى غَابَتْ الْحَشَفَة فِي الْفَرْج وَجَبَ الْغُسْل عَلَى الرَّجُل وَالْمَرْأَة , وَهَذَا لا خِلاف فِيهِ الْيَوْم , وَقَدْ كَانَ فِيهِ خِلَاف لِبَعْضِ الصَّحَابَة وَمَنْ بَعْدهمْ , ثُمَّ اِنْعَقَدَ الْإِجْمَاع عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ " انتهى. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وهذا صريح في وجوب الغسل , وإن لم ينزل وهذا يخفى على كثير من الناس , فتجد الزوجين يحصل منهما هذا الشيء , ولا يغتسلان , لا سيما إذا كانا صغيرين ولم يتعلما , وهذا بناء عندهم على عدم وجوب الغسل إلا بالإنزال , وهذا خطأ " انتهى. "الشرح الممتع" (1/223) . وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/314) : " مما يوجب الغسل على المسلم: خروج المني في النوم , وتغييب حشفة الذكر في الفرج ولو لم ينزل مني , ونزول المني يقظة بلذة، ولو بدون جماع , وحيض امرأة ونفاسها , فيجب عليها الغسل إذا انقطع الدم " انتهى. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36865 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 329 صلَّت وعليها جنابة نسياناً فهل تعيد الصلوات؟ [السُّؤَالُ] ـ[صليت الفجر والظهر والعصر بدون غسل من جنابة ناسية، وبعد استحمامي عند صلاة المغرب أعدت هذه الصلوات قبل أن أصلي المغرب، ثم أخبرني زوجي أن الغسل يشترط فيه النية فاغتسلت وصليت العشاء ولم أعد بقية الصلوات، فهل صلاتي للفجر وحتى المغرب صحيحة؟ وماذا يجب علي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: من صلى وهو على غير طهارة، وجب عليه التطهر وإعادة الصلاة بإجماع العلماء، ولو كان ناسياً. قال النووي في المجموع (2/78) : " أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ الصَّلاةِ عَلَى الْمُحْدِثِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا لَا تَصِحُّ مِنْهُ سَوَاءٌ إنْ كَانَ عَالِمًا بِحَدَثِهِ أَوْ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا، لَكِنَّهُ إنْ صَلَّى جَاهِلا أَوْ نَاسِيًا فَلا إثْمَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِالْحَدَثِ وَتَحْرِيمِ الصَّلاةِ مَعَ الْحَدَثِ فَقَدْ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً عَظِيمَةً " اهـ. ثانياً: لا يصح الاغتسال من الجنابة إلا بالنية، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ) رواه البخاري (1) ومسلم (1907) . والنية محلها القلب، ولا يشرع التلفظ بها باللسان. فإن كنت تذكرت أنك على جنابة قبل الاغتسال عند صلاة المغرب فاغتسلت من أجل ذلك، وأعدت الصلوات التي صليتيها وأنت جنب، فاغتسالك صحيح لوجود النية، وقد أحسنت بإعادة الصلوات، وهذا هو الواجب عليك. أما إذا كنت لم تتذكري أنك على جنابة إلا بعد الاغتسال، وكان اغتسالك من أجل التنظف أو التبرد مثلاً، فإن هذا الاغتسال لا يرفع الجنابة لعدم وجود النية، فيجب عليك إعادة الاغتسال والصلاة، وقد قمت بإعادة الاغتسال، وبقي عليك إعادة الصلاة، فتعيدين صلاة الفجر والظهر والعصر والمغرب. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 32680 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 330 تأخير غسل الجنابة لبعد طلوع الفجر في رمضان [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز تأخير غسل الجنابة إلى طلوع الفجر وهل يجوز للنساء تأخير غسل الحيض أو النفساء إلى طلوع الفجر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا رأت المرأة الطهر قبل الفجر فإنه يلزمها الصوم ولا مانع من تأخير الغسل إلى بعد طلوع الفجر، ولكن ليس لها تأخيره إلى طلوع الشمس وهكذا الجنب ليس له تأخير الغسل إلى ما بعد طلوع الشمس ويجب على الرجل المبادرة بذلك حتى يدرك صلاة الفجر مع الجماعة. [الْمَصْدَرُ] فتاوى الشيخ ابن باز الحديث: 7310 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 331 إذا ولدت المرأة ولم ينزل منها دم، أو نزل وانقطع قبل الأربعين [السُّؤَالُ] ـ[هناك امرأة نفساء لها 22 يوم لكن لا ينزل منها دم النفساء..هل تصلي؟ أم تنتظر أربعين يوما؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: أولاً: النفاس هو الدم الخارج من الرحم بسبب الولادة. وإذا كانت الولادة عارية عن الدم ـ وهذا نادر جداً ـ فلا تُعد المرأة نفساء، ولا يلزمها ما يلزم النفساء من الأحكام؛ لأن الحكم يدور مع وجود الدم. قال ابن قدامة المقدسي: "وإن ولدت ولم تر دماً، فهي طاهر لا نفاس لها؛ لأنَّ النفاس هو الدم، ولم يُوجد" انتهى من "المغني" (1/429) . وقال ابن حجر الهيتمي: "من ولدت ولم تر دماً فلا نفاس لها أصلاً، فإذا اغتسلت فلها حكم الطاهرات في كل شيء" انتهى من "الفتاوى الفقهية الكبرى" (1/358) . وجاء في الموسوعة الفقهية (41/15) : "وإذا عريت الولادة أو خلت عن دم، بأن خرج الولد جافا، فهي طاهر لا نفاس لها؛ لأن النفاس هو الدم، ولم يوجد" انتهى. وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: بعض النسوة تعسر عليهن الولادة فيضطر إلى توليدهن بطريقة العملية الجراحية، ولربما يحصل من جراء ذلك خروج الولد عن طريق غير الفرج. فما حكم أمثال هؤلاء النسوة في الشرع من ناحية دم النفاس؟ فأجابت: "حكمها حكم النفساء؛ إن رأت دما جلست حتى تطهر، وإن لم تر دما فإنها تصوم وتصلي كسائر الطاهرات ". انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/420) . ثانيا: اختلف العلماء في وجوب الغسل عليها. فقيل: لا يلزمها الغسل، لأن الشرع إنما أوجبه على النفساء، وليست هذه نفساء، ولا في معناها. وهذا مذهب المالكية والحنابلة. ينظر: "المغني" (1/429) ، "الموسوعة الفقهية" (41/15) . واختاره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله فقال: " وإذا نفست المرأة فقد لا ترى الدم، وهذا نادر جدا، وعلى هذا لا تجلس مدة النفاس، فإذا ولدت عند طلوع الشمس ودخل وقت الظهر ولم تر دما فإنها لا تغتسل، بل تتوضأ وتصلي". انتهى من " الشرح الممتع" (1 /281) . وقيل: يلزمها الغسل؛ لأن الولادة مظنة للنفاس الموجب للغسل، فقامت مقامه في الإيجاب. وهو مذهب الشافعية، واختاره علماء اللجنة الدائمة للإفتاء، فقالوا: "إذا وضعت الحامل ولم يخرج دم وجب عليها الغسل والصلاة والصوم، ولزوجها أن يجامعها بعد الغسل؛ لأن الغالب في الولادة خروج دم ولو قليل مع المولود أو عقبه" انتهى. من "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/421) . والأحوط: أن تغتسل خروجاً من خلاف العلماء. ثالثاً: أما إذا نزل الدم عدة أيام ثم انقطع عنها فيلزمها الاغتسال، وتصلي وتصوم ولو كان ذلك قبل مرور أربعين يوماً على ولادتها؛ وعلى هذا أجمع العلماء، لأن النفاس لا حد لأقله، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (50308) ، فإن عاد الدم في مدة الأربعين يوماً فهو نفاس، ثم ما زاد على الأربعين يكون استحاضة، لا يمنع من الصلاة والصوم. ولمزيد الفائدة راجعي جواب السؤال رقم (7417) ، (106464) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 140621 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 332 هل يلزم الحائض النظر في طهرها قبل الفجر؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا كنت في آخر فترة الحيض، هل يجب علي أن أستيقظ قبل صلاة الفجر لكي أعرف إذا طهرت أم لا؟ علماً أني لم أكن طهرت بعد صلاة العشاء؟ وهل يجب علي أن أستيقظ قبل الشروق لكي أعرف إذا طهرت أم لا؟ علماً أني لم أكن طهرت بعد وقت صلاة الفجر.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كانت المرأة في آخر مدة الحيض لم يلزمها الاستيقاظ قبل الفجر لتنظر هل طهرت أم لا؛ لأن ذلك من التكلف والحرج الذي رفع عن هذه الأمة، ولهذا لم يرد الأمر به، ولا نقل عن أحد من الصدر الأول. وإنما تنظر المرأة قبل نومها، وفي أوقات الصلوات، فتنظر قبل طلوع الشمس، وفيما بين الظهر والعصر، وهكذا. قال البخاري رحمه الله في صحيحه: "باب إقبال المحيض وإدباره ... وبلغ ابنة زيد بن ثابت أن نساء يدعون بالمصابيح من جوف الليل ينظرن إلى الطهر فقالت: ما كان النساء يصنعن هذا وعابت عليهن" انتهى. والأثر أخرجه مالك في الموطأ. قَال ابن عبد البر رحمه الله: " إنما أنكرت بنت زيد بن ثابت على النساء افتقاد أحوالهن في غير وقت الصَّلاة وما قاربها؛ لأن جوف الليل ليس بوقت صلاة، وإنما على النساء افتقاد أحوالهن للصلاة، فإن كن قد طهرن تأهبن للغسل، لما عليهن من الصَّلاة " انتهى نقلا من "فتح الباري" لابن رجب الحنبلي (1/ 491) . وقال الخرشي رحمه الله في "شرح مختصر خليل" (1/207) : " (وليس عليها نظر طهرها قبل الفجر بل عند النوم والصبح) أي: وليس على الحائض في أيام عادتها وما بعدها نظر طهرها قبل الفجر لا وجوبا ولا ندبا بل يكره ذلك، بل يجب عليها النظر عند النوم وعند كل صلاة من الصلوات لكن وجوبا موسعا إلى أن يبقى من الوقت قدر ما تغتسل وتصلي فيجب وجوبا مضيقا " انتهى. وإذا رأت الطهر بعد الفجر وشكت هل كان قبل الفجر أو بعده، صلت الصبح فقط، ولم يلزمها صلاة المغرب والعشاء. ولم يصح صومها هذا اليوم، لعدم التيقن بحصول الطهر قبل الفجر. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 138693 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 333 حدث نزيف بعد تعاطي إبرة لمنع الحمل مؤقتا، فما الحكم؟ [السُّؤَالُ] ـ[لي قريبه متزوجة عمرها 30 سنة مريضة بالسكر والضغط وأصابتها الجلطة العام الماضي أثرت على صحتها بشكل عام ثم أخذت إبرة تمنعها من الحمل لمدة ثلاثة أشهر وحدث معها قبل انقضاء المدة المحددة نزيف خفيف ومستمر من قبل رمضان واستمر معها حتى بعد انقضاء رمضان وكانت تصلي وتصوم وتقول لي أيضا إنها قضت الآن 16 يوما. فما حكم هذه الإبرة في حالتها؟ وهل تقضي الصلاة أو الصيام وماذا عليها؟ أو ما الحكم في حالتها عموماً؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: يجوز للمرأة أن تستعمل وسيلة تمنع الحمل منعاً مؤقتاً، مرعاة لظروفها الصحية التي لا تتحمل الحمل. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: "يجوز تعاطي أسباب منع الحمل مؤقتا للمصلحة الشرعية" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (9/434) . وقال الشيخ صالح الفوزان: "إذا كان هذا التنظيم أو تأخير الحمل لداعٍ صحي بالمرأة ككون المرأة مثلاً لا تطيق الحمل والولادة في حالة خاصة أو ظرف خاص لمرضها فإنه لا مانع من أن تعطي ما يمنع الحمل مؤقتًا حتى تزول هذه الحالة التي يشق عليها فيها الحمل والولادة" انتهى. "المنتقى من فتاوى الفوزان" (89/20) . ثانيا: هذه المرأة تكون مستحاضة، وأيام حيضها السابقة معلومة، وحكمها: أن تجلس مدة حيضها السابقة، فلا تصلي ولا تصوم، فإذا انقضت تلك المدة اغتسلت وصلت وصامت. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عمن أصابها نزيف دم كيف تصلي ومتى تصوم؟ فأجاب: "مثل هذه المرأة التي أصابها نزيف الدم، حكمها أن تجلس عن الصلاة والصوم مدة عادتها السابقة قبل الحدث الذي أصابها، فإذا كان من عادتها أن الحيض يأتيها من أول كل شهر لمدة ستة أيام مثلاً، فإنها تجلس من أول كل شهر مدة ستة أيام لا تصلي ولا تصوم، فإذا انقضت اغتسلت وصلت وصامت. وكيفية الصلاة لهذه المرأة وأمثالها: أنها تغسل فرجها غسلاً تاماً وتعصبه وتتوضأ وتفعل ذلك عند دخول وقت صلاة الفريضة لا تفعله قبل دخول الوقت، تفعله بعد دخول الوقت، ثم تصلي، وكذلك تفعله إذا أرادت أن تتنفل في غير أوقات الفرائض، وفي هذه الحال ومن أجل المشقة عليها يجوز لها أن تجمع صلاة الظهر مع العصر (أو العكس) وصلاة المغرب مع العشاء (أو العكس) حتى يكون عملها هذا واحداً للصلاتين صلاة الظهر والعصر، وواحداً للصلاتين المغرب والعشاء، وواحداً لصلاة الفجر بدلاً من أن تعمل ذلك خمس مرات تعمله ثلاث مرات" انتهى. "مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (11/220) . ثالثا: قد ذكرت أنها كانت تصلي وتصوم في مدة النزيف، فصلاتها في أيام الحيض غير صحيحة ولا يلزمها قضاؤها، لأن الحائض لا تقضي الصلاة. أما الصوم فهو غير صحيح في أيام الحيض ويلزمها قضاؤه، وقد قضت ستة عشر يوماً فإن كانت هذه هي أيام الحيض أو أكثر فقد فعلت ما وجب عليها ولا يلزمها أكثر من هذا، وإن كانت أيام حيضها أكثر من ذلك، قضت ما تبقى عليها. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 132832 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 334 مصاب بسلس مستمر وآخر منقطع فهل يتوضأ بعد دخول الوقت أو ينتظر توقف الحدث؟ [السُّؤَالُ] ـ[أجريت لي عملية استئصال قولون وبسبب هذا الاستئصال أصبحت عملية التصريف وقضاء الحاجة عن طريق فتحة خارجية وأصبحت أتوضأ لكل صلاة. ومعي أيضا سلس البول وهذا السلس يستمر معي بعد خروجي من الحمام لفترة محدودة أحيانا يستمر معي لأكثر من ساعة وأحيانا أقل من ساعة أي أن البول لا يجف إلا بعد تمام هذه المدة. السؤال: هل أنتظر مدة جفاف البول وبعدها أتوضأ وأصلى، أم أتوضأ في أول الوقت؛ نظراً للعذر الأول ولا ألتفت إلي جفاف البول؟ وإذا دخل وقت الصلاة وكنت بحاجة ماسة إلى دخول الحمام هل أتوضأ على الفور لإدراك صلاة الجماعة في المسجد أم أنتظر حتى الجفاف وأصلى في البيت؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نسأل الله تعالى أن يشفيك ويعافيك، وما قمت به من الوضوء لكل صلاة لأجل خروج الخارج من الفتحة صواب؛ لدخول ذلك في حكم السلس. وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: عمن أجريت له عملية استئصال للمستقيم وفتحت له فتحة جانبية للبراز، فأجابت: " إذا كان الأمر كما ذكرت فوضوؤك ينتقض بما يخرج منك من الغائط إلى الكيس قليلا أو كثيرا، ويجب عليك الوضوء لكل صلاة كمن به سلسل البول وكالمستحاضة، ويعفى عنك بالنسبة لحملك الكيس في الصلاة وبه نجاسة وعن خروج البراز منك إلى الكيس وأنت في الصلاة ... " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/412) . ثانياً: ما دام البول ينقطع وقتا يتسع للطهارة والصلاة، فهذا لا يعد سلسا، ويلزمك الانتظار لانقطاعه ولو أدى ذلك لترك صلاة الجماعة، وكونك تتوضأ لكل صلاة لأجل الفتحة الجانبية، لا يعني عدم انتقاض وضوئك بالنواقض الأخرى، ومنها خروج البول على وجه لا يعدّ سلسا لانقطاعه وعدم استمراره. وينظر: "كشاف القناع" (1/88) . وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (39494) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131769 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 335 توفي جنينها بعد 66 يوما ونزل بعد 100 يوم فهل دمها دم نفاس؟ [السُّؤَالُ] ـ[توفي الجنين وكان عمره 66 يوماً، وبقى في بطني مدة 35 يوماً بعدها، ثم سقط بعد ذلك، وخلال تلك الفترة كان يخرج مني دم ولم أكن أصلي، والآن بعد خروجه هل عليّ صلاة أم أنتظر حتى أطهر؟ وهل أقضي ما فاتني من صلاة أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا أسقطت المرأة جنينيها وقد تبين فيه خلق الإنسان، فالدم النازل منها دم نفاس، وإن لم يتبين فيه خلق الإنسان فهو دم استحاضة تصوم معه وتصلي. والتخليق إنما يكون في مرحلة المضغة؛ لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنْ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ) الحج/5. فوصف الله تعالى المضغة بأنها مخلقة وغير مخلقة. ومعنى التخليق أن تظهر في الحمل آثار تخطيط الجسم كالرأس والأطراف ونحو ذلك. ويبدأ التخليق في الجنين بعد ثمانين يوماً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: وَيُقَالُ لَهُ: اكْتُبْ عَمَلَهُ، وَرِزْقَهُ، وَأَجَلَهُ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوح) رواه البخاري (3208) . فدل هذا الحديث على أن الجنين يمر بعدة مراحل: أربعين يوماً نطفة، ثم أربعين أخرى علقة، ثم أربعين ثالثة مضغة. ثم ينفخ فيه الروح بعد تمام مائة وعشرين يوماً. فما دام الجنين قد مات بعد 66 يوماً من الحمل، فإنه لا يكون مخلقاً، ويكون الدم النازل بسببه دم استحاضة وليس نفاساً، فلا تترك له الصلاة. وأما قضاء الصلوات التي تركتيها بناء على أن هذا الدم نفاس فالأحوط هو قضاء ما تركت من الصلاة وهو مذهب جمهور أهل العلم، وذهب بعضهم إلى أن المرأة إن تركت الصلاة لجهلها وظنها أن الصلاة مرفوعة عنها ثم تبين أنها مستحاضة، أنه لا يلزمها القضاء. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وعلى هذا لو ترك الطهارة الواجبة لعدم بلوغ النص، مثل: أن يأكل لحم الإبل ولا يتوضأ ثم يبلغه النص ويتبين له وجوب الوضوء، أو يصلي في أعطان الإبل ثم يبلغه ويتبين له النص: فهل عليه إعادة ما مضى؟ فيه قولان هما روايتان عن أحمد. ونظيره: أن يمس ذَكَره ويصلى، ثم يتبين له وجوب الوضوء من مس الذكر. والصحيح في جميع هذه المسائل: عدم وجوب الإعادة؛ لأن الله عفا عن الخطأ والنسيان؛ ولأنه قال (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) ، فمن لم يبلغه أمر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شيءٍ معيَّنٍ: لم يثبت حكم وجوبه عليه، ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر وعمَّاراً لما أجْنبا فلم يصلِّ عمر وصلَّى عمار بالتمرغ أن يعيد واحد منهما، وكذلك لم يأمر أبا ذر بالإعادة لما كان يجنب ويمكث أياماً لا يصلي، وكذلك لم يأمر مَن أكل من الصحابة حتى يتبين له الحبل الأبيض من الحبل الأسود بالقضاء، كما لم يأمر مَن صلى إلى بيت المقدس قبل بلوغ النسخ لهم بالقضاء. ومن هذا الباب: المستحاضة إذا مكثت مدة لا تصلي لاعتقادها عدم وجوب الصلاة عليها، ففي وجوب القضاء عليها قولان، أحدهما: لا إعادة عليها - كما نقل عن مالك وغيره -؛ لأن المستحاضة التي قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: (إني حضت حيضةً شديدةً كبيرةً منكرةً منعتني الصلاة والصيام) أمرها بما يجب في المستقبل، ولم يأمرها بقضاء صلاة الماضي " انتهى من "مجموع الفتاوى" (21/101) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131275 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 336 نزول قطرات دم بعد الطهر لا تعتبر حيضاً [السُّؤَالُ] ـ[صمت أربعة أيام من رمضان، وجاءني الحيض، وبعد قضاء أيام الحيض تطهرت وبدأت الصوم، ولكن سقطت بعض القطرات من الدم وتتوقف، وعندما أتطهر وأصوم تنزل ثانية طيلة شهر رمضان، ما هو الجواب في هذا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كان الواقع كما ذكرت، فإن قطرات الدم التي نزلت عليك بعد الطهارة من العادة لا تعتبر حيضاً؛ لأنه ليس دماً مستمراً، فلا يأخذ حكم الحيض، ويجب عليك الصوم والصلاة والوضوء لوقت كل صلاة حال وجودها كسائر المستحاضات وأصحاب السلس الدائم، وصومك في تلك الأيام صحيح. وبالله التوفيق، وصلى الله علي نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ عبد العزيز آل الشيخ.. الشيخ صالح الفوزان.. الشيخ بكر أبو زيد. "فتاوى اللجنة الدائمة المجموعة الثانية" (9/83) . [الْمَصْدَرُ] "فتاوى اللجنة الدائمة المجموعة الثانية" (9/83) الحديث: 130021 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 337 متى تغتسل النفساء؟ [السُّؤَالُ] ـ[الحمد لله ولدت زوجتي منذ أسبوع وأريد أن أستفسر ما إذا كان قد حان الوقت لها أن تغتسل، فهناك عادة تقول بأن على المرأة أن تغتسل بعد عدة أيام من ولادتها، فهل هذا صحيح؟ وهل لهذه العادة من علاقة بالشرع؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا وضعت المرأة مولودها، سمي الدم الذي يخرج منها بسبب الولادة: "نفاسا"، وتسمى المرأة: "نفساء"، فمتى نفست لم تصل ولم تصم ولم يجامعها زوجها، حتى تطهر من نفاسها أو تنقضي أيام النفاس، وهي أربعون يوما، ثم تغتسل. قال الترمذي رحمه الله: " أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى أَنَّ النُّفَسَاءَ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا إِلَّا أَنْ تَرَى الطُّهْرَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنَّهَا تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي، فَإِذَا رَأَتْ الدَّمَ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ فَإِنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالُوا لَا تَدَعُ الصَّلَاةَ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَقُ " انتهى. "سنن الترمذي" (1/256) . وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: " إذا رأت المرأة النفساء الطهر قبل تمام الأربعين فإنها تغتسل وتصلي وتصوم، ولزوجها جماعها. فإن استمر معها الدم بعد الأربعين فإنها تعتبر نفسها في حكم الطاهرة؛ لأن الأربعين هي نهاية مدة النفاس في أصح قولي العلماء، ويعتبر الدم الذي معها بعد الأربعين دم فساد حكمه حكم دم الاستحاضة، إلا إن صادف عادتها فإنها تعتبره حيضا تدع له الصلاة والصوم ويحرم على زوجها جماعها " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/417) . فتبين بهذا أن الاغتسال المشروع للنفساء يكون بعد طهارتها من دم النفاس، وهو اغتسال واجب. وأما إذا جرت العادة في بعض البلاد بأن النفساء تغتسل بعد ولادتها بأيام، فهذا الاغتسال يراد منه التنشيط والتنظيف وهو لا بأس به، ولكنه لا يترتب عليه أحكام شرعية كالصلاة أو الجماع، فالنفساء لا تصلي ولا يجامعها زوجها حتى تطهر من دم النفاس، وتغتسل. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128877 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 338 لم يثبت أن علياً رضي الله عنه ولد في الكعبة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمرأة أن تضع مولودة في المسجد؟ وهل صحيح أن سيدنا علي بن أبي طالب قد ولد في الكعبة؟ وإذا كان صحيحا فالمرأة أثناء الوضع لا تكون على طهور، فكيف تدخل المسجد وهو بيت من بيوت الله وهي نفساء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يجوز للحائض والنفساء أن تبقى في المسجد. جاء في "الموسوعة الفقهية" (20/243) "لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ دُخُول الْمَسْجِدِ، وَالْمُكْثُ فِيهِ وَلَوْ بِوُضُوءٍ" انتهى. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (60213) و (33649) . ثانيا: أما خبر ولادة علي بن أبي طالب رضي الله عنه في الكعبة: فقد قال الحاكم أبو عبد الله في "المستدرك" (5/206) : " تواترت الأخبار أن فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في جوف الكعبة " انتهى. فتعقبه ابن الملقن رحمه الله فقال: "حَكِيم بن حزام رضي الله عنه ولد فِي جَوف الْكَعْبَة، وَلَا يعرف أحد ولد فِيهَا غَيره، وَأما مَا رُوِيَ عَن عَلّي رَضي اللهُ عَنهُ أَنه ولد فِيهَا فضعيف، وَخَالف الْحَاكِم فِي ذَلِكَ فَقَالَ فِي «الْمُسْتَدْرك» فِي تَرْجَمَة عَلّي أَن الْأَخْبَار تَوَاتَرَتْ بذلك" انتهى. "البدر المنير" (6/489) . وقد سئل د. الشريف حاتم بن عارف العوني (عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى) : هل صحيح أن سيدنا علياً رضي الله عنه وُلِد داخل الكعبة؟ وإذا كان الجواب نعم فهل في هذا ميزة له رضي الله عنه؟ فأجاب: " لم يرد حديثٌ صحيحٌ بذلك، ولم يرد بذلك شيءٌ في المصادر الموثوقة من مصادر السنة؛ إلا ما جاء في كلامٍ لأبي عبد الله الحاكم النيسابوري، وما ورد في مناقب علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) لابن المغازلي. أما الحاكم فأورد ما جاء عن بعض نسّابي قريشٍ، من أن حكيم بن حِزام رضي الله عنه وُلد في جوف الكعبة، فلم يُنكر ذلك، لكنه لما أورد قول مصعب بن عبد الله الزُّبيري عن حكيم: " وأمه فاختة بنت زهير بن أسد بن عبد العزى، وكانت ولدت حكيمًا في الكعبة، وهي حامل، فضربها المخاض وهي في جوف الكعبة، فولدت فيها، فحُمِلت في نِطْعٍ، وغُسل ما كان تحتها من الثياب عند حوض زمزم. قال مصعب: ولم يُولد قبلَه، ولا بعده، في الكعبة أحدٌ". فتعقّبه الحاكم قائلًا: " وَهِمَ مصعبٌ في الحرف الأخير، فقد تواترت الأخبار: أن فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في جوف الكعبة ". وأما ما جاء عند ابن المغازلي، فإنه أسند خبرًا فيه قصة مولد علي (رضي الله عنه) في جوف الكعبة (مناقب علي رقم 3) ؛ لكن إسناده شديد الضعف، لتتابع المجهولين في إسناده، مع نكارة القصة التي تفرّدوا بها. وهذا أحد أكبر عيوب كتاب ابن المغازلي في المناقب، حتى قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن كتابه هذا: "قد جمع في كتابه من الأحاديث الموضوعات ما لا يخفى أنه كذبٌ على من له أدنى معرفةٍ بالحديث". كما في منهاج السنة النبوية (7/15) . فأما قول الحاكم: " فقد تواترت الأخبار: أن فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في جوف الكعبة "، فـ (المتواتر) عند الحاكم ليس هو المتواتر عند الأصوليين، والذي يعنون به الخبر الذي يفيد العلم اليقيني الضروري لكثرة المخبرين به. كما نبّه على ذلك البلقيني في محاسن الاصطلاح (453) ، والعراقي في التقييد والإيضاح (1/776) . فلا يتجاوز كلام الحاكم أن يكون إخبارًا عن أن هذا الأمر في زمنه كان من الأمور المشهورة بين الناس، ولا يدل على أكثر من ذلك؛ لما بيّنّاه من أن المتواتر عنده ليس هو المتواتر عند الأصوليين. وإذا تبيّنَ ذلك: فإن مجرّد الشهرة في زمن الحاكم المتوفَّى سنة (405هـ) ، لا تُغني شيئًا؛ خاصةً إذا خالفت مقالةً لمن هو أقرب زمنًا منه من زمن الحادثة التي اشتهرت في زمنه، وهو مصعب الزبيري المتوفَّى سنة (236هـ) ، وهو علّامةٌ في نسب قريشٍ وأخبارها، حيث نفى أن يكون أحدٌ قد وُلد في جوف الكعبة غير حكيم بن حزامٍ كما سبق. أما سبب شهرة هذا الأمر في زمن الحاكم: فهو لأنه مما تدّعيه الشيعةُ لعلي رضي الله عنه، وهو عندهم يكاد يكون من المسلّمات، دون أن يكون لديهم برهانٌ صحيحٌ عليه. حتى قال شاعرهم (وهو السيد الحميري، كما في ديوانه 64:) عن فاطمة بنت أسد أمِّ علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) : ولدتْهُ في حرم الإله وأمنِه والبيتِ حيثُ فناؤه والمسجدُ بيضاءُ طاهرةُ الثيابِ كريمةٌ طابت وطاب وليدُها والمولدُ وتناقلت ذلك المصادرُ الشيعيةُ، كأمالي الشيخ الصدوق وأمالي الطوسي وغيرها. وفي الإمام الحاكم تشيّعٌ يسير، نص عليه أهل العلم. فلعل مصدره هو شهرة هذا الخبر في زمنه بين عموم الناس، والناس أخذوها من الشيعة ومن مثل هذه الأخبار غير المعتمدة " انتهى. http://www.alalbayt.com/index.php?option=com_content&task;=view&id;=3449&Itemid;=87%20-%2035k فتبين بذلك أن خبر ولادة علي رضي الله عنه بالكعبة لا يصح. وعلى فرض صحة ثبوت ذلك، فلا يستفاد منه حكم شرعي، لأن ولادته رضي الله عنه كانت قبل النبوة، يعني في الجاهلية، قال الحافظ ابن حجر في "الإصابة" (4/564) : " ولد قبل البعثة بعشر سنين على الصحيح " انتهى. ونحن مخاطبون بشريعة الإسلام، فلا حجة فيما كان قبل البعثة. وقد أمرنا الله تعالى بتعظيم المساجد في قوله: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) . قال السعدي رحمه الله: " (أَذِنَ) أي: أمر ووحي (أَنْ تُرْفَعَ) يدخل في رفعها: بناؤها وكنسها وتنظيفها من النجاسة والأذى، وصونها من المجانين والصبيان الذين لا يحترزون عند النجاسة، وعن الكافر وأن تصان من اللغو ورفع الأصوات فيها" انتهى. "تفسير السعدي" (ص 663) . فيجب تنزيه المساجد عن كشف العورات والدم الحاصل بسبب الولادة. وعلى فرض، أن امرأة أخذها الطلق وهي في المسجد ولم نستطع نقلها إلى مكان آخر، فهذه حالة ضرورة لا يستفاد منها جواز هذا العمل. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128699 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 339 اضطرب الحيض بسبب حبوب منع الحمل [السُّؤَالُ] ـ[أستخدم حبوب تحديد النسل بسبب بعض المشاكل الطبية عندي، وقد نسيت أخذ بعض تلك الحبوب والآن أنا أعاني من النزيف. أنا أصلي يومين من الأيام التي أعاني من ذلك النزيف , إلا أنني أشعر بالإثم. فما هو الرأي الصحيح في هذا الأمر؟ أرجو الأخذ بعين الاعتبار أن أخذ تلك الحبوب بسبب مشاكل طبية , وزوجي أيضا على علم تام بهذا الأمر , فإما آخذ تلك الحبوب أو أن أواجه مشاكل صحية. جزاكم الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا ينبغي للمرأة أن تستخدم حبوب منع الحمل إلا بشرطين: الشرط الأول: أن تكون في حاجة لذلك؛ مثل أن تكون مريضة أو ضعيفة، والحمل يزيد من مرضها أو ضعفها. والشرط الثاني: أن يأذن لها الزوج؛ لأن للزوج حقاً في الإنجاب. ثم لابد مع ذلك من مشاورة الطبيب الثقة في استخدام هذه الحبوب، ومدى ملاءمتها لحالتها الصحية، وهل لها أضرار مستقبلية عليها أو لا؟ وقد سبق في جواب السؤال رقم (21169) نقل ذلك عن الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. ثانياً: أما حكم هذا النزيف، وحكم الصلاة والصيام فيه، فمن المعلوم أن تناول هذه الحبوب يسبب اضطراباً في الحيض عند المرأة، فقد يزيد، وقد يتقدم. وقد اختلف العلماء في ذلك: هل يعد حيضاً أم لا؟ فاختار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أن الزيادة في مدة الحيض بسبب هذه الحبوب تكون حيضاً، فقال رحمه الله: "من مساوئ هذه الحبوب: أنها توجب اضطراب العادة على المرأة فتوقعها في الشك والحيرة وكذلك توقع المفتين في الشك والحيرة؛ لأنهم لا يدرون عن هذا الدم الذي تغير عليها أهو حيض أم لا؟ وعلى هذا: إذا كان من عادتها أن تحيض خمسة أيام واستعملت الحبوب التي لمنع الحمل ثم زادت عادتها , فإن هذه الزيادة تبع الأصل , بمعنى أنه يحكم بأنه حيض ما لم تتجاوز خمسة عشر يوماً , فإن تجاوزت خمسة عشرة يوماً صارت استحاضة , وحينئذ ترجع إلى عادتها الأولى التي هي خمسة أيام" انتهى. "فتاوى نور على الدرب" (123/1) . وقد اختار علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: أن المرأة تنظر إلى الدم النازل بسبب هذه الحبوب، فإن كان بصفات دم الحيض فهو حيض، وإن كان بصفات الدم المعتاد فهو نزيف، وليس حيضاً. فقد سئلوا: في الأيام الحاضرة تستعمل النساء موانع الحمل الاصطناعية كالحبوب واللولب، وأي طبيب قبل وضع اللولب أو إعطاء الحبوب يعطي المرأة حبتين للتأكد من عدم حمل المرأة، بهذه الحالة يجب أن يأتيها الدم إن لم تكن حاملا. والسؤال: إن هذا الدم الذي ينزل عليها خلال أيام معدودة هل حكمه حكم دم الحيض بترك الصلاة والصيام والجماع؟ علما أن فترة نزول هذا الدم ليست وقت حيضها المعتاد. كذلك بعد وضع اللولب أو استعمال الحبوب عند بعض النساء يتغير نظام دورة الحيض فتزيد فجأة بعد استعمال المانع للحمل حتى إن بعضهن لا تطهر خلال الشهر أكثر من أسبوع، وينزل الدم عليها خلال ثلاثة أسابيع متوالية ويكون الدم النازل نفس الدم الذي ينزل عند الحيض، وكذلك نفس الدم الذي ينزل عند أخذ الحبتين للتأكد من عدم الحمل كما في السؤال السابق. والسؤال: ما حكم المرأة خلال هذه الفترة ثلاثة أسابيع أهو حكم الحيض؟ أم تلتزم بعادتها قبل استعمال المانع أسبوع أو عشرة أيام؟ فأجابوا: "إذا كان الدم الذي نزل بعد أخذ الحبتين هو دم العادة المعروف للمرأة فهو دم حيض تترك وقته الصوم والصلاة، وإذا كان غير ذلك فلا يعتبر دم حيض يمنع الصوم والصلاة والجماع؛ لأنه إنما نزل بسبب الحبوب " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/402) . وقد نقل عن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أنه سئل عن الحيض الذي ينتج عن تناول الحبوب، فقال: "على المرأة أن تسأل الطبيب، فإذا قال: هذا حيض فهو حيض، وإذا قال: هذه عصارات من هذه الحبوب فليس بحيض " انتهى من فتاوى ودروس الحرم المكي للشيخ ابن عثيمين2/284 وهذا القول جيد، وبه يرتفع الإشكال إن شاء الله. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127259 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 340 سقط الجنين لشهرين فتركت الصلاة ظنا أنها في النفاس [السُّؤَالُ] ـ[سقط جنيني وعمره سبعة أسابيع تقريباً , وبعد التسقيط لم أصل لمدة أحد عشر يوماً , جهلاً مني لأني كنت أظن أن لي حكم النفاس وكان ينزل مني دم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا أسقطت المرأة جنينها ولم يتبين فيه خلق الإنسان كالرأس والأطراف، ولو بالتخطيط فقط، فالدم النازل معه دم فساد، لا يمنع الصلاة والصوم. وإن تبين فيه خلق إنسان فهو دم نفاس. وأقل مدة يتبين فيها خلق الإنسان هي واحد وثمانون يوما، كما هو مبين في جواب السؤال رقم (37784) ورقم (45564) . وعليه؛ فقد أخطأت بتركك الصلاة، ويلزمك قضاء هذه الأيام في قول جمهور العلماء. وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يلزم القضاء في مثل هذه الحال، من أجل عدم العلم بوجوب الصلاة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وعلى هذا؛ لو ترك الطهارة الواجبة لعدم بلوغ النص، مثل: أن يأكل لحم الإبل ولا يتوضأ ثم يبلغه النص ويتبين له وجوب الوضوء، أو يصلي في أعطان الإبل ثم يبلغه ويتبين له النص: فهل عليه إعادة ما مضى؟ فيه قولان هما روايتان عن أحمد. ونظيره: أن يمس ذَكَره ويصلى، ثم يتبين له وجوب الوضوء من مس الذكر. والصحيح في جميع هذه المسائل: عدم وجوب الإعادة؛ لأن الله عفا عن الخطأ والنسيان؛ ولأنه قال: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) ، فمن لم يبلغه أمر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شيءٍ معيَّنٍ: لم يثبت حكم وجوبه عليه، ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر وعمَّاراً لما أجْنبا فلم يصلِّ عمر وصلَّى عمار بالتمرغ أن يعيد واحد منهما، وكذلك لم يأمر أبا ذر بالإعادة لما كان يجنب ويمكث أياماً لا يصلي، وكذلك لم يأمر مَن أكل من الصحابة حتى يتبين له الحبل الأبيض من الحبل الأسود بالقضاء، كما لم يأمر مَن صلى إلى بيت المقدس قبل بلوغ النسخ لهم بالقضاء. ومن هذا الباب: المستحاضة إذا مكثت مدة لا تصلي لاعتقادها عدم وجوب الصلاة عليها، ففي وجوب القضاء عليها قولان، أحدهما: لا إعادة عليها - كما نقل عن مالك وغيره -؛ لأن المستحاضة التي قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: (إني حضت حيضةً شديدةً كبيرةً منكرةً منعتني الصلاة والصيام) أمرها بما يجب في المستقبل، ولم يأمرها بقضاء صلاة الماضي " انتهى من "مجموع الفتاوى" (21/101) . والأحوط: أن تقضي هذه الأيام، وذلك بفعلها مجتمعة على قدر الطاقة، فتصلين خمس صلوات عن اليوم الأول، ثم خمسا عن الثاني وهكذا حتى تفرغي منها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126756 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 341 نزلت عليها صفرة بعد الأربعين من نفاسها فهل تصلي وتصوم؟ [السُّؤَالُ] ـ[بعد الأربعين مباشرة صمت قضاء ما علي من صوم شهر رمضان وخلال صومي أجد خروج الصفرة من غير وجود دم علما أن هذا الوقت موعد حيضتي، فسؤالي هو هل صيامي صحيح أم علي إعادته وقضاؤه من جديد، علما أني أصلي ولم أقطع الصلاة لأني في غالب وقتي توجد معي علامات الطهارة ولا أجد ما يجعلني أترك الصلاة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذهب جمهور أهل العلم إلى أن أكثر النفاس أربعون يوماً فإذا تجاوز الدم ذلك فهو استحاضة إلا إذا صادف وقت العادة، فهو حيض. وينظر جواب السؤال رقم 10488 وعليه فلو رأيت الدم بعد الأربعين وصادف وقت عادتك، فهو حيض. أما الصفرة فلا يترتب عليها شيء؛ لقول أم عطية رضي الله عنها: (كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئاً) رواه أبو داود (307) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. وقد أصبت في أدائك للصلاة وقضاء ما عليك من الصوم، زادك الله علما وهدى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126055 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 342 تنزل عليها مادة بيضاء لزجة قبل العادة وبعدها بأسبوع [السُّؤَالُ] ـ[يوم قبل أو يومين من نزول دم الحيض, تنزل مادة بيضاء لزجة, وكذلك بعد انتهاء مدة الحيض بأسبوع فما حكم الصلاة والصيام في تلك الأيام؟ وهل يلزمني إعادة الوضوء الحدث الأصغر فقط أم الحدث الأكبر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: هذه المادة البيضاء اللزجة لها حكم الإفرازات، وفيه تفصيل: فإن كانت مستمرة، فحكمها حكم سلس البول، فيلزمك الوضوء لكل صلاة بعد دخول وقتها، ولا يضرك نزول هذه الإفرازات بعد ذلك، ولو كان ذلك أثناء الصلاة. وإن كانت غير مستمرة، ففي نقضها للوضوء خلاف، فالجمهور على أنها تنقض الوضوء، وذهب بعض أهل العلم إلى أنها لا تنقض، لعدم الدليل على النقض، والأحوط العمل بقول الجمهور. ثانيا: هذه الإفرازات طاهرة على الراجح، فلا يلزم غسل الملابس منها، وهذا مذهب أبي حنيفة وأحمد وإحدى الروايتين عن الشافعي وصححها النووي. واختار هذا القول الشيخ ابن عثيمين، رحم الله الجميع. قال في الشرح الممتع (1/392) : " وإذا كانت -يعني هذه الإفرازات- من مسلك الذكر فهي طاهرة، لأنها ليست من فضلات الطعام والشراب، فليست بولاً، والأصل عدم النجاسة حتى يقوم الدليل على ذلك، ولأنه لا يلزمه إذا جامع أهله أن يغسل ذكره، ولا ثيابه إذا تلوثت به، ولو كانت نجسة للزم من ذلك أن ينجس المني، لأنه يتلوث بها " انتهى. وينظر: "المجموع" (1/406) ، "المغني" (2/88) . ثالثا: لا تأثير لهذه الإفرازات على الصيام. والحاصل: أنك تصومين وتصلين، وتتوضئين من نزول هذه الإفرازات، إلا أن تكون مستمرة طول اليوم، فتتوضئي لكل فريضة بعد دخول وقتها، ولك أن تصلي بهذا الوضوء ما شئت من النوافل حتى يخرج وقت الصلاة التي توضأت لها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 122034 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 343 إذا استمر الحيض أكثر من العادة [السُّؤَالُ] ـ[إذا كانت المرأة عادتها الشهرية ثمانية أيام أو سبعة أيام، ثم استمرت معها مرة أو مرتين أكثر من ذلك، فما الحكم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كانت عادة هذه المرأة ستة أيام ثم طالت هذه المدة وصارت تسعة أو عشرة أو أحد عشر يوماً، فإنها تبقى لا تصلي حتى تطهر، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحد حداً معيناً في الحيض، وقد قال الله تعالى: (وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً) . فمتى كان هذا الدم باقياً، فإن المرأة على حالها حتى تطهر وتغتسل ثم تصلي، فإذا جاءها في الشهر الثاني ناقصاً عن ذلك فإنها تغتسل إذا طهرت وإن لم يكن على المدة السابقة، والمهم أن المرأة متى كان الحيض معها موجوداً فإنها لا تصلي، سواء كان الحيض موافقاً للعادة السابقة أو زائداً عنها أو ناقصاً، وإذا طهرت تصلي" انتهى. فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. "فتاوى إسلامية" (1/330) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121366 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 344 حكم الماء والدم النازل قبل الولادة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم السائل الذي يخرج من المرأة الحامل قبل الولادة بيومين أو ثلاثة، وهو عبارة عن سائل شفاف يشبه الماء يطلق عليه بعضهم [ماء الجنين] هل هذا يمنع الصلاة والصيام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما يخرج من الحامل قبل الولادة: 1- إن كان دماً، وخرج قبل الولادة بيومين أو ثلاثة، مع أمارة من ألم أو وجع، فهو دم نفاس، وإلا فهو دم فساد لا تترك معه الصوم والصلاة. قال في "كشاف القناع" (1/219) : " فإن رأت الدم قبل خروج الولد بثلاثة أيام فأقل بأمارة كتوجع فهو نفاس كالخارج مع الولادة، ولا يحسب ما قبل الولادة من مدت النفاس " انتهى بتصرف. 2- وإن كان ماء كما ذكرت، فحكمه حكم إفرازات الفرج، فهو طاهر لخروجه من الرحم، وينقض الوضوء، ولا يمنع الصلاة والصيام؛ لأنه لا يعتبر نفاساً. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: قبل الولادة بثلاثة أيام خرج منها ماء مع شيء من الألم فهل هذا نفاس؟ فأجاب: "هذا ليس بنفاس؛ لأن النفاس هو الدم، وليس الماء، وأيضاً: لا يكون نفاساً إلا إذا كان مصحوباً بالطلق قبل الولادة بيومين أو ثلاثة، وأما إذا كان قبل الولادة بزمن طويل، فإنه ليس نفاساً؛ لأن النفاس هو الدم الخارج مع الولادة أو قبلها بيومين أو ثلاثة مع الطلق، وأما الماء فليس من النفاس " انتهى من "فتاوى نور على الدرب". وينظر حكم الإفرازات في جواب السؤال رقم (37752) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 119482 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 345 نزل عليها دم بني اللون ثم على هيئة خيط أسود [السُّؤَالُ] ـ[لقد تأخر الحيض عندي حتى إنني ظننت أنى حامل، لكن وبعد 10 أيام نزل مني دم بني اللون، ويوم آخر على شكل خيط أسود، فماذا أفعل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الدم الذي يمنع المرأة من الصلاة والصوم والجماع هو دم الحيض، وقد جعل الله تعالى له علاماتٍ لا تخفى على النساء، فمن حيث اللون فهو أسود أو أحمر قاتم، ومن حيث الرائحة فله رائحة كريهة، وهو – كذلك – ثخين، وهو دم يسيل من الرحم، فلا يكون قطرة أو قطرات، ولا يكون كالخيط. فقولك: إنه نزل عليك دم بني اللون، إن كنت تقصدين الكدرة، فهذه إن جاءت قبل الدورة لا تعد حيضا، وإن كنت تقصدين أن لون الدم فاتح، فهذا إن كان دما سائلا وليس مجرد أثر أو قطرات، فالأصل أنه حيض. وأما الخيط الأسود فلا يعد حيضا. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا نزل من المرأة في نهار رمضان نقط دم يسيرة، واستمر معها هذا الدم طوال شهر رمضان وهي تصوم، فهل صومها صحيح؟ فأجاب: " نعم، صومها صحيح، وأما هذه النقط فليست بشيء لأنها من العروق، وقد أُثِر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: إن هذه النقط التي تكون كرعاف (نزيف) الأنف ليست بحيض، هكذا يذكر عنه رضي الله عنه " انتهى من "60 سؤالا في الحيض" ص6. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 119009 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 346 نزول قطرات من الدم بعد غسل الحيض [السُّؤَالُ] ـ[عند الانتهاء من الحيض وبعد الاغتسال فوجئت بنزول قطرات من الدم، فهل يجب علي أن أعيد الاغتسال مرة ثانية أم لا؟ أفيدونا وجزاك الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا تمت عادتك المعتادة كان الذي رأيته صفرة وكدرة، فهذا لا تعتبرينه شيئا بل صومي وصلي لحديث أم عطية رضي الله عنها قال: " كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئا " رواه البخاري (1/ 426) ، هذا إذا تمت العادة. وأما إذا كانت الصفرة والكدرة في زمن الحيض، فإنها حيض كما لو كانت عادتك سبعة أيام مثلا وفي اليوم الخامس انقطع الدم ورأيت صفرة وكدرة فهذا حيض فلا تصلين ولا تصومين. أما ما ذكرت فإن كان يتكرر كل شهر فعليك أن تغتسلي إذا انقطع ورأيت الطهر بعدها. وإذا كانت قطرات قلائل ولا تتكرر بل تأتي في بعض الأحيان وليست دما خالصا بل فيها شيء من الصفرة والكدرة، فهذا لا يعتبر شيئا ولا يلزمك اغتسال، بل وجودها كعدمها واغتسلي متى رأيت الطهر. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] فتاوى الشيخ عبد الله بن حميد ص 52. الحديث: 9202 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 347 لم تكن تعلم أن الحائض إذا طهرت قبل الفجر صلت المغرب والعشاء [السُّؤَالُ] ـ[قرأت من قريب أنه لا بد من الصلاة الأخيرة أو الجمع بين الصلاتين عند انتهاء الدورة، ما كنت أعلم بهذا، وعمري الآن 38 سنة، فماذا أفعل؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا طهرت الحائض بعد دخول وقت العشاء فإنه يلزمها أن تصلي العشاء لأنها أدركت وقتها، وكذلك يلزمها أن تصلي المغرب؛ لأنها تُجمع مع العشاء عند وجود العذر. وكذلك إذا طهرت بعد دخول وقت العصر فإنها تصلي الظهر والعصر، هذا ما أفتى به بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وبه قال جمهور العلماء. وأما إذا طهرت بعد الصبح أو بعد الظهر أو بعد المغرب فإنه لا تصلي إلا صلاة واحدة، وهي الصلاة التي طهرت في وقتها: (الصبح أو الظهر أو المغرب) ؛ لأن هذه الصلوات لا تُجمع إلى شيء قبلها. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/238) : "إذا طهرت الحائض قبل أن تغيب الشمس صلت الظهر فالعصر. وإذا طهرت قبل أن يطلع الفجر صلت المغرب وعشاء الآخرة، روي هذا القول عن عبد الرحمن بن عوف وابن عباس وطاوس ومجاهد والنخعي والزهري وربيعة ومالك والليث والشافعي وإسحاق وأبي ثور. قال الإمام أحمد: عامة التابعين يقولون بهذا القول إلا الحسن وحده قال: لا تجب إلا الصلاة التي طهرت في وقتها وحدها. وهو قول الثوري , وأصحاب الرأي. وروى ابن المنذر عن عبد الرحمن بن عوف , وعبد الله بن عباس , أنهما قالا في الحائض تطهر قبل طلوع الفجر بركعة: (تصلي المغرب والعشاء , فإذا طهرت قبل أن تغرب الشمس , صلت الظهر والعصر جميعا) . ولأن وقت الثانية وقت للأولى حال العذر , فإذا أدركه المعذور لزمه فرضها , كما يلزمه فرض الثانية" انتهى بتصرف. وقد اختار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أنه لا يلزمها إلا الصلاة التي أدركت وقتها فقط، ولا يلزمها أن تجمع معها التي قبلها. والأحوط هو العمل بقول جمهور العلماء، فتصلين الصلاتين معاً، ومن اقتصرتْ على الصلاة التي أدركت وقتها فقط، فنرجو ألا يكون عليها حرج، ومن لم تفعل ذلك فيما سبق جهلا منها، فلا شيء عليها؛ لعموم الأدلة في عذر الجاهل والمخطئ، ولكون المسألة محل خلاف كما سبق، وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (45648) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 117671 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 348 حكم الدم قبل الولادة [السُّؤَالُ] ـ[امرأة جاءها دم أثناء الحمل قبل نفاسها بخمسة أيام في شهر رمضان هل يكون دم حيض أو نفاس وماذا يجب عليها؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الأمر كما ذكر من رؤيتها الدم وهي حامل قبل الولادة بخمسة أيام فإن لم تر علامة على قرب الوضع كالمخاض وهو الطلق فليس بدم حيض ولا نفاس بل دم فساد على الصحيح وعلى ذلك لا تترك العبادات بل تصوم وتصلي وإن كان مع هذا الدم أمارة من أمارات قرب وضع الحمل من الطلق ونحوه فهو دم نفاس تدع من أجله الصلاة والصوم ثم إذا طهرت منه بعد الولادة قضت الصوم دون الصلاة. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة. الحديث: 6944 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 349 ما حكم الدم الذي يخرج في غير أيام الدورة الشهرية [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الدم الذي يخرج في غير أيام الدورة الشهرية فأنا عادتي في كل شهر من الدورة تسعة أيام ولكن في بعض الأشهر يأتي خارج أيام الدورة ولكن بنسبة أقل جداً وتستمر معي هذه الحالة لمدة يوم أو يومين فهل تجب علي الصلاة والصيام أثناء ذلك أم القضاء؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الدم الزائد عن العادة هو دم عرق ولا يحسب من العادة فالمرأة التي تعرف عادتها تبقى زمن العادة لا تصلي ولا تصوم ولا تمس المصحف ولا يأتيها زوجها في الفرج فإذا طهرت وانقطعت أيام عدتها واغتسلت فهي في حكم الطاهرات ولو رأت شيئاً من دم أو صفرة أو كدرة فذلك استحاضة لا تردها عن الصلاة ونحوها. [الْمَصْدَرُ] فتاوى الشيخ ابن جبرين. الحديث: 7501 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 350 قراءة القرآن أثناء الحيض [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكن للمرأة أن تقرأ القرآن أثناء فترة الحيض أو الدورة الشهرية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه المسألة مما اختلف فيه أهل العلم رحمهم الله: فجمهور الفقهاء على حرمة قراءة الحائض للقرآن حال الحيض حتى تطهر، ولا يستثنى من ذلك إلا ما كان على سبيل الذّكر والدّعاء ولم يقصد به التلاوة كقول: بسم الله الرحمن الرحيم، إنا لله وإنا إليه راجعون، ربنا آتنا في الدنيا حسنة … الخ مما ورد في القرآن وهو من عموم الذكر. واستدلوا على المنع بأمور منها: 1- أنها في حكم الجنب بجامع أن كلاً منها عليه الغسل، وقد ثبت من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم القرآن وكان لا يحجزه عن القرآن إلا الجنابة " رواه أبو داود (1/281) والترمذي (146) والنسائي (1/144) وابن ماجه (1/207) وأحمد (1/84) ابن خزيمة (1/104) قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وقال الحافظ ابن حجر: والحق أنه من قبيل الحسن يصلح للحجة. 2- ما روي من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن " رواه الترمذي (131) وابن ماجه (595) والدارقطني (1/117) والبيهقي (1/89) وهو حديث ضعيف لأنه من رواية إسماعيل بن عياش عن الحجازيين وروايته عنهم ضعيفة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية (21/460) : وهو حديث ضعيف باتفاق أهل المعرفة بالحديث أ. هـ. وينظر: نصب الراية 1/195 والتلخيص الحبير 1/183. وذهب بعض أهل العلم إلى جواز قراءة الحائض للقرآن وهو مذهب مالك، ورواية عن أحمد اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية ورجحه الشوكاني واستدلوا على ذلك بأمور منها: 1- أن الأصل الجواز والحل حتى يقوم دليل على المنع وليس هناك دليل يمنع من قراءة الحائض للقرآن، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ليس في منع الحائض من القراءة نصوص صريحة صحيحة، وقال: ومعلوم أن النساء كن يحضن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن ينههن عن قراءة القرآن، كما لم يكن ينههن عن الذكر والدعاء. 2- أن الله تعالى أمر بتلاوة القرآن، وأثنى على تاليه ووعده بجزيل الثواب وعظيم الجزاء فلا يمنع من ذلك إلا من ثبت في حقه الدليل وليس هناك ما يمنع الحائض من القراءة كما تقدم. 3- أن قياس الحائض على الجنب في المنع من قراءة القرآن قياس مع الفارق لأن الجنب باختياره أن يزيل هذا المانع بالغسل بخلاف الحائض، وكذلك فإن الحيض قد تطول مدته غالباً، بخلاف الجنب فإنه مأمور بالإغتسال عند حضور وقت الصلاة. 4- أن في منع الحائض من القراءة تفويتاً للأجر عليها وربما تعرضت لنسيان شيء من القرآن أو احتاجت إلى القراءة حال التعليم أو التعلم. فتبين مما سبق قوة أدلة قول من ذهب إلى جواز قراءة الحائض للقرآن، وإن احتاطت المرأة واقتصرت على القراءة عند خوف نسيانه فقد أخذت بالأحوط. ومما يجدر التنبيه عليه أن ما تقدم في هذه المسألة يختص بقراءة الحائض للقرآن عن ظهر قلب، أما القراءة من المصحف فلها حكم آخر حيث أن الراجح من قولي أهل العلم تحريم مس المصحف للمُحدث لعموم قوله تعالى: (لا يمسه إلا المطهرون) ولما جاء في كتاب عمرو بن حزم الذي كتبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن وفيه: " ألا يمس القرآن إلا طاهر " رواه مالك 1/199 والنسائي 8/57 وابن حبان 793 والبيهقي 1/87 قال الحافظ ابن حجر: وقد صحح الحديث جماعة من الأئمة من حيث الشهرة، وقال الشافعي: ثبت عندهم أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال ابن عبد البر: هذا كتاب مشهور عند أهل السير معروف عند أهل العلم معرفة يستغني بشهرتها عن الإسناد لأنه أشبه المتواتر لتلقي الناس له بالقبول والمعرفة.أ. هـ وقال الشيخ الألباني عنه: صحيح.التلخيص الحبير 4/17 وانظر: نصب الراية 1/196 إرواء الغليل 1/158. حاشية ابن عابدين 1/159 المجموع 1/356 كشاف القناع 1/147 المغني 3/461 نيل الأوطار 1/226 مجموع الفتاوى 21/460 الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين 1/291. ولذلك فإذا أرادت الحائض أن تقرأ في المصحف فإنها تمسكه بشيء منفصل عنه كخرقة طاهرة أو تلبس قفازا، أو تقلب أوراق المصحف بعود أو قلم ونحو ذلك، وجلدة المصحف المخيطة أو الملتصقة به لها حكم المصحف في المسّ، والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2564 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 351 اغتسلت وصلت دون أن تغسل شعرها [السُّؤَالُ] ـ[بعض المرات أغتسل من الجنابة أو من الحيض ولا أغسل شعري لأنه مضفر فما حكم ذلك؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا خطأ كبير ولا يجوز فعله، وبناء عليه لا تصح الصلاة بل لا بد من أن تغسلي كافة البدن بما في ذلك الشعر كما في حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله إني امرأة أشد شعر رأسي، أفأنقضه لغسل الجنابة؟ قال: " لا إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات " رواه مسلم برقم (330) ، فإذا كان شعرك مضفرا فإنك تغسلينه وتدخلين الماء إلى أصوله مع غسل ما استرسل منه وهذا لا بد منه، وصلاتك لا تصح لأنك لم تغتسلي من الجنابة لأن غسل الجنابة مشروط فيه تعميم البدن بالماء بما في ذلك الشعر وكذلك الغسل للطهر من الحيض أو النفاس. فعليك أن تقضي صلاتك التي صليتها وأنت لم تغسلي شعرك عند رفع الجنابة أو الطهر من الحيض. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] فتاوى الشيخ عبد الله بن حميد ص 53. الحديث: 9755 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 352 زوجها يرغمها على الجماع وقت الحيض [السُّؤَالُ] ـ[أنا امرأة مسلمة ومتزوجة والحمد لله ولكن زوجي يأتيني في أوقات الحيض فهل يجوز له ذلك أم علي أن أمنعه مع العلم أن هذا يؤذيني ويؤلمني ويكدر علي يومي وأنا أسأل هذا السؤال لأني سمعت من صديقاتي أنه لا يجوز للرجل إتيان المرأة أثناء الحيض. وجزاكم الله خيراً على هذا البرنامج الذي أتاح لي فرصة طرح مسألة محرجة كهذه مع العلم أني أعاني من هذه المشكلة ولا ادري ماذا أفعل وجعلكم الله ذخراً للإسلام والمسلمين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فإنّ إتيان المرأة في المحيض حرام قال تعالى: (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن) (البقرة/222) فلا يحل له أن يأتيها حتى تغتسل بعد طهرها لقوله تعالى: (فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله..) (البقرة/222) ويدل على شناعة هذه المعصية قوله صلى الله عليه وسلم: " من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فقد كفر بما أنزل على محمد " [رواه الترمذي عن أبي هريرة 1/243 وهو في صحيح الجامع 5918] فيجب عليك أن لا تمكّنيه من ذلك وتمتنعي منه فإن طاوعتِه فأنت شريكة له في الإثم وإذا أكرهك كان الإثم عليه. ولمزيد من المعلومات راجع السؤال رقم 2121 والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 7838 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 353 تسأل عن دعاء خاص للطهارة من الحيض [السُّؤَالُ] ـ[هناك سؤال مشابه في هذا الموقع (في الإنترنت) ولكنه ليس بالضبط ما احتاج. كنت أتفكر في كيفية طهر المرأة من الحيض، وهل هناك دعاء خاص تحتاجه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا انقطع الدم وطهرت، ثم اغتسلت بعد ذلك من الحيض بنيّة الطهارة فإنها تعتبر طاهرة، وليس هناك أيّ دعاء خاص بذلك، إلا ما ورد من أذكار الوضوء المعروفة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 12897 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 354 أقصى مدة للنفاس 40 يوما [السُّؤَالُ] ـ[ما هي آخر مدة النفاس؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله في ذلك خلاف بين أهل العلم. 1- فقال أكثر أهل العلم إن أكثر النفاس أربعون يوماً فإذا تجاوز الدم ذلك فهو استحاضة إلا إذا صادف عادة حيضها وهذا مذهب أبي حنيفة وأحمد في رواية وهي المشهورة من مذهبه وحكاه الترمذي في جامعه عن سفيان وابن المبارك وإسحاق وأكثر أهل العلم. 2- وقال مالك والشافعي وأحمد في رواية أكثره ستون يوماً. 3- وقال الحسن البصري تجلس أربعين يوماً إلى خمسين فإن زاد فهي استحاضة. 4- وقيل غير ذلك من الأقوال وهي اجتهادات ليس على شيء منها دليل صحيح إلا القول الأول فقد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال. النفساء تنتظر نحواً من أربعين يوماً. رواه ابن الجارود في المنتقى. وقد روى أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة من طريق مسة الأزدية عن أم سلمة قالت: كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يوماً وكنا نطلي وجوهنا بالورس من الكلف. وهذا الإسناد مختلف فيه وقد ضعفه ابن القطان في بيان الوهم والإيهام والإمام ابن حزم. وصححه الحاكم وحسنه النووي وغيره. قال ابن عبد البر رحمه الله في الاستذكار ليس في مسألة أكثر النفاس موضع للاتباع والتقليد إلا من قال بالأربعين فإنهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا مخالف لهم منهم. وسائر الأقوال جاءَت عن غيرهم ولا يجوز عندنا الخلاف عليهم بغيرهم لأن إجماع الصحابة حجة على من بعدهم والنفس تسكن إليهم فأين المهرب عنهم دون سنة ولا أصل. وهذا القول هو الصواب وذلك لأمور: الأول: أنه قول الصحابة ولا مخالف لهم. الثاني: أنه لا بد في المسألة من تحديد أيام تجلس فيها النفساء ولا يمكن تجاوز قول الصحابة إلى غيرهم. الثالث: أنه قول الأطباء وهم من أهل الاختصاص في معرفة الدم فاتفق قولهم مع رأي ابن عباس وقول أكثر أهل العلم. وأما أقل النفاس فلا حدَّ له في قول أكثر أهل العلم فإذا رأت النفساء الطهر وهو انقطاع الدم وجب عليها أن تغتسل وتصلي. وقد ذكر الإمام أبو عيسى الترمذي رحمه الله في جامعه إجماع أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومَنْ بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يوماً إلا أن ترى الطهر قبل ذلك فإنها تغتسل وتصلي. [الْمَصْدَرُ] الشيخ سلمان بن ناصر العلوان. الحديث: 10488 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 355 غلب على ظنها أنها طهُرت فاغتسلت وجامعها زوجها ثم نزل الدم [السُّؤَالُ] ـ[ظنت زوجتي أنها طهرت من حيضتها (مع أن ذلك كان مبكرا عن العادة) وبدأت في تأدية الصلاة. ثم وقعت عليها. وظنت بعد هذا أنها رأت الدم مرة أخرى، فلم تصل الفجر في اليوم التالي. ثم اغتسلت وصلت الظهر. فهل علي أو عليها إثم في ذلك؟ وإذا كان الجواب بنعم، فهل علي كفارة (عن ذلك) ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا غلب على المرأة الطُّهر وظهرت لها علاماته، فتطهرت وصلت وجامعها زوجها، فإنه ليس عليهما إثم بهذا الجماع، لأنه فعل ما أبيح له إذ المحرَّم هو جماعها حال الحيض، فإذا عاودها دم الحيض فإنها تعتبر حائضاً وتحرم عليها الصلاة، ولا يجامعها زوجها. لأن دم الحيض متى نزل ثبت حكمه، وعلاماته معروفة للنساء، وعلى المرأة أن لا تتعجل الغسل والصلاة حتى ترى القصة البيضاء وهي علامة الطهر، أو الجفاف التام لمن لا ترى القصة البيضاء، فتوقف الدم ليس هو الطهر، وإنما ذلك برؤية علامة الطهر وانقضاء المدَّة المعتادة. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 12351 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 356 استعمال النساء للحفائظ [السُّؤَالُ] ـ[هل ورد في القران أو الحديث ما يدل على عدم جواز وضع المسلمات للحفاظات القطنية؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المسلم مأمور دائماً باجتناب النجاسة، لقول الله تعالى: (وثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) المدثر، ودَمُ الحَيْضِ نَجِس، وإذا وقع على ثوب المرأة فعليها أن تَغْسِلَهُ، ومثل هذه الحفاظات، تَرْجِع إلى ما تَعَوَّد النساء فِعْلَهُ، وقد كان النِّساء على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يِتَّخِذْنَ ثِيَاباً خاصّة للحيض، لما جاء عن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: " حِضْتُ وأنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فانْسَلَلْتُ منه، فأخذت ثياب حيضتي فلبستها..الحديث " رواه البخاري (الحيض / 311) ، ولأن الأصل في الأشياء الإباحة، ولم يرد دليل على المنع من ذلك فلا يصح أن يقال بأن ذلك لا يجوز، بل إنه قد جاء ما يدل على جواز استعمال القطن لوقف النزف فعَنْ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ أَنَّهَا اسْتُحِيضَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنِّي اسْتُحِضْتُ حَيْضَةً مُنْكَرَةً شَدِيدَةً، قَالَ لَهَا: (احْتَشِي كُرْسُفًا) ، قَالَتْ لَهُ: إِنَّهُ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ إِنِّي أَثُجُّ ثَجًّا، قَالَ: (تَلَجَّمِي وَتَحَيَّضِي فِي كُلِّ شَهْرٍ فِي عِلْمِ اللَّهِ سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ اغْتَسِلِي غُسْلا فَصَلِّي وَصُومِي ثَلاثَةً وَعِشْرِينَ أَوْ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ وَأَخِّرِي الظُّهْرَ وَقَدِّمِي الْعَصْرَ وَاغْتَسِلِي لَهُمَا غُسْلا وَأَخِّرِي الْمَغْرِبَ وَعَجِّلِي الْعِشَاءَ وَاغْتَسِلِي لَهُمَا غُسْلا وَهَذَا أَحَبُّ الأمْرَيْنِ إِلَي) رواه ابن ماجة (الطهارة وسننها/619) ، وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة برقم 510، والله أعلم. والكرسف: قال شارح الحديث هو القطن وكذا قال الرازي انظر مختار الصحاح ص/236. [الْمَصْدَرُ] الإٌسلام سؤال وجواب الحديث: 10559 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 357 حاضت بعد دخول وقت الصلاة؛ فما الحكم؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا حاضت المرأة بعد دخول وقت الصلاة فما الحكم، وهل تقضي الصلاة عن وقت الحيض؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا حدث الحيض بعد دخول وقت الصلاة كأن حاضت بعد دخول وقت الظهر بنصف ساعة مثلاً فإنها بعد أن تطهر من الحيض تقضي هذه الصلاة التي دخل وقتها وهي طاهرة لقوله تعالى: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً) النساء/103 ولا تقضي الصلاة عن وقت الحيض لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الطويل: " أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ " رواه البخاري (304) ومسلم (80) . وأجمع العلماء على أنها لا تقضي الصلاة التي فاتتها في أثناء مدة الحيض. وأما إذا طهرت وكان باقياً من الوقت مقدار ركعة فأكثر فإنها تصلي ذلك الوقت الذي طهرت فيه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الصُّبْحِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ " رواه البخاري (579) ومسلم (607) . فإذا طهرت وقت العصر وكان باقياً على غروب الشمس مقدار ركعة فإنها تصلي العصر. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله (11/ 276) . الحديث: 26336 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 358 طريقة التوبة من جماع الزوجة بعد انتهاء الحيض وقبل الاغتسال [السُّؤَالُ] ـ[قرأت جميع الأجوبة المتعلقة بالاستمناء والجماع بعد انقضاء الدورة وقبل الاغتسال، وأريد أن أستوضح عن ذلك، هل توجد أية (طريقة) للتوبة، كالدعاء مثلا، للتخلص من المعاصي التي ارتكبها الرجل أو ارتكبتها المرأة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله وطء الحائض في الفرج حرام، لقول الله تعالى: (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض) البقرة/222، ومن فعل ذلك فعليه أن يستغفر الله عز وجل ويتوب إليه، وعليه أن يتصدّق بدينار أو نصفه كفارة لما حصل منه، كما روى أحمد وأصحاب السنن بإسناد جيد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فيمن يأتي امرأته وهي حائض: (يتصدّق بدينار أو بنصف دينار) وأيهما أخرجت أجزأك،..ولا يجوز أن يطأها بعد الطهر أي انقطاع الدم وقبل أن تغتسل لقوله تعالى: (ولا تقربوهن حتى يطهرن) البقرة /222، فلم يأذن سبحانه في وطء الحائض حتى ينقطع دم حيضها وتتطهّر أي تغتسل، ومن وطئها قبل الغسل أثم وعليه الكفارة..أ. هـ. انظر كتاب فتاوى العلماء في عشرة النساء ص/51 فتوى اللجنة الدائمة أما طريقة التخلص من المعاصي التي ارتكبها الرجل والمرأة فيراجع سؤال رقم (14289) ، (329) فعليك بالتوبة إلى الله لمخالفتك النهي الوارد في الآية وعدم الامتثال لقوله تعالى: (فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله) وذلك بالندم على ما حصل والعزم على عدم العودة، واستكثر من الحسنات فإن الحسنات يُذهبن السيئات والله غفور رحيم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 12662 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 359 منع العادة الشهرية في رمضان [السُّؤَالُ] ـ[تعمد بعض النساء أخذ حبوب في رمضان لمنع الدورة الشهرية - الحيض - والرغبة في ذلك حتى لا تقضي فيما بعد فهل هذا جائز وهل في ذلك قيود حتى لا تعمل بها هؤلاء النساء؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الذي أراه في هذه المسألة ألا تفعله المرأة وتبقى على ما قدره الله عز وجل وكتبه على بنات آدم فإن هذه الدورة الشهرية لله تعالى حكمة في إيجادها، هذه الحكمة تناسب طبيعة المرأة فإذا منعت هذه العادة فإنه لا شك يحدث منها رد فعل ضار على جسم المرأة وقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) هذا بغض النظر عما تسببه هذه الحبوب من أضرار على الرحم كما ذكر ذلك الأطباء، فالذي أرى في هذه المسألة أن النساء لا يستعملن هذه الحبوب والحمد لله على قدره وحكمته إذا أتاها الحيض تمسك عن الصوم والصلاة وإذا طهرت تستأنف الصيام والصلاة وإذا انتهى رمضان تقضي ما فاتها من الصوم. [الْمَصْدَرُ] فتاوى الشيخ ابن عثيمين. الحديث: 7416 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 360 طريقة عجيبة ومبتدعة للطهارة من الحيض [السُّؤَالُ] ـ[ما هي الطريقة المثلى للغسل بعد انتهاء فترة الحيض؟ قال لي كبار السن بأن أستحم ثم أتوضأ ثم أقرأ التشهد سبع مرات على ماء ثم أصبه على نفسي مبتدئة من الرأس ثم الأكتاف ثم الأرجل ثم الفرج. ثم أقرأ سبع آيات وآية الكرسي على ماء ثم أصبه على نفسي بنفس الطريقة السابقة. هل يجب أن أقوم بهذه الخطوات؟ سأكون ممتنة لنصيحتك في هذا الموضوع.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه طريقة مبتدعة ما أنزل الله بها من سلطان، يكفيك لإصابة السنة الوضوء ثم تعميم البدن بالماء ونسأل الله أن يرزقنا وإياك العلم النافع وأن يعافينا من الجهل والبدع. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 5900 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 361 طهرت من الحيض، فهل لها أن تلبس الثياب التي كانت تلبسها وهي حائض؟ [السُّؤَالُ] ـ[حضت، فهل يجوز لي بعد انتهاء الحيض إعادة ارتداء الملابس التي كنت أرتديها أثناء الحيض أم يجب علي تطهيرها من جديد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج على المرأة إذا طهرت من الحيض أن تلبس الملابس التي كانت تلبسها وهي حائض ما دامت نظيفة طاهرة لم يصبها شيء من دم الحيض. فإذا كانت الثياب أصابها شيء من دم الحيض فيجب غسل الموضع الذي أصابه الدم قبل الصلاة فيه، فقد جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَت:ْ إِحْدَانَا يُصِيبُ ثَوْبَهَا مِنْ دَمِ الْحَيْضَةِ كَيْفَ تَصْنَعُ بِه؟ ِ قَالَ: (تَحُتُّهُ، ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ، ثُمَّ تَنْضَحُهُ، ثُمَّ تُصَلِّي فِيهِ) رواه البخاري (227) ومسلم (291) . (تَحُتُّهُ) أي: تقشره وتحكه. (تَقْرُصُهُ) أي: تقطعه بأطراف الأصابع مع الماء ليتحلل. (تَنْضَحُهُ) أي: تغسله. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتطير الثياب قبل الصلاة فيها. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114374 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 362 كيف تحدّد المرأة انتهاء فترة الحيض لتصلي [السُّؤَالُ] ـ[كيف تحدد المرأة متى تبدأ الصلاة بعد انتهاء فترة الحيض؟ ماذا يجب أن تفعل إذا اعتقدت بأنها انتهت وبدأت الصلاة ثم اكتشفت المزيد من الدم أو إخراج سائل بني؟.]ـ [الْجَوَابُ] أولاً: إذا حاضت المرأة فإن طهرها يكون بانقطاع الدم قلَّ ذلك أو كثر وقد ذهب كثير من الفقهاء إلى أن أقلَّه يوم وليلة وأكثره خمسة عشر يوماً. وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله رحمه الله على أنه لاحدّ لأقلّه وأكثره بل متى وُجد بصفاته المعلومة فهو حيض قلّ أو كَثُر، قال رحمه الله: الحيض، علَّق الله به أحكاماً متعددة في الكتاب والسنَّة، ولم يقدِّر لا أقله ولا أكثره، ولا الطهر بين الحيضتين مع عموم بلوى الأمَّة بذلك واحتياجهم إليه.. " ثم قال: " والعلماء منهم من يحدُّ أكثرَه وأقلَّه، ثمَّ يختلفون في التحديد، ومنهم من يحد أكثره دون أقله والقول الثالث أصح: أنَّه لا حدَّ لا لأقله ولا لأكثره." مجموع الفتاوى " (19 / 237) ." ثانياً: وهناك دم يسمى الاستحاضة يكون مختلفاً بصفاته عن دم الحيض وله أحكام تختلف عن أحكام الحيض ويمكن تمييز هذا الدم عن الحيض بما يأتي: اللون: دم الحيض أسود والاستحاضة دمها أحمر. الرِّقَّة: فدم الحيض ثخين غليظ والاستحاضة دمها رقيق. الرائحة: دم الحيض منتن كريه والاستحاضة دمها غير منتن لأنه دم عرق عادي. التجمد: دم الحيض لا يتجمد إذا ظهر والاستحاضة دمها يتجمد لأنه دم عرق. وبذلك تتبين صفات دم الحيض فإذا انطبقت على الدم الخارج فهو حيض يوجب الغسل، ودمه نجس، أما الاستحاضة فالدم لا يوجب الغسل. والحيض يمنع الصلاة، والاستحاضة لا تمنع الصلاة، وإنما تكتفي بالتحفّظ والوضوء لكل صلاة إذا استمر نزول الدم إلى الصلاة التي بعدها، وإن نزل الدم خلال الصلاة فلا يضر. ثالثاً: تعرف المرأة الطّهر بأحد أمرين: - نزول القصّة البيضاء وهو سائل أبيض يخرج من الرّحم علامة على الطّهر - الجفاف التام إذا لم يكن للمرأة هذه القصّة البيضاء فعند ذلك تعرف أنها قد طَهُرت إذا أدخلت في مكان خروج الدم قطنة بيضاء مثلا فخرجت نظيفة فتكون قد طهرت فتغتسل، ثم تصلي. وإن خرجت القطنة حمراء أو صفراء أو بنية: فلا تصلي. وقد كانت النساء يبعثن إلى عائشة بالدّرجة فيها الكرسف فيه الصفرة فتقول: لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء. رواه البخاري معلقاً (كتاب الحيض، باب إقبال المحيض وإدباره) ومالك (130) . والدُّرْجة: هو الوعاء التي تضع المرأة طيبها ومتاعها. والكرسف: القطن. والقَصَّة: ماء أبيض يخرج عند انتهاء الحيض. ومعنى الصفرة: أي ماء أصفر. وأما إن جاءت صُفْرة أو كُدرة في أيام طهر المرأة فإنه لا يُعدّ شيئاً ولا تترك المرأة صلاتها ولا تغتسل لأنه لا يوجب الغسل ولا تكون منه الجنابة. لحديث أم عطية رضي الله عنها: كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئاً. رواه أبو داود (307) ، ورواه البخاري (320) ولم يذكر " بعد الطهر ". ومعنى الكدرة: هي الماء البني الذي يشبه الماء الوسخ. ومعنى لا نعده شيئاً: أي لا نعده حيضاً ولكنه ماء نجس يوجب غسله ويوجب الوضوء. وأما إذا اتّصلت القصّة البيضاء بالحيض فهي من الحيض. رابعاً: إذا اعتقدت المرأة أنها طهرت ثم عاد لها الدم، فإن كان الدم يحمل صفات الحيض التي سبق بيانها فهو حيض، وإلا فهو استحاضة. ففي الأولى: لا تصلي. وفي الثانية: تتحفظ، ثم تتوضأ لكل صلاة، ثم تصلي. وأما السائل البني وهو (الكدرة) كما عرفناه فإن رأته بعد الطهر فحكمه: أنه طاهر لكن يوجب الوضوء فحسب. وإن رأته في زمن الحيض فحكمه حكم الحيض. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 5595 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 363 إذا تسببت في نزول الحيض فهل لها أحكامه؟ [السُّؤَالُ] ـ[امرأة تسببت في نزول دم الحيض منها بالعلاج، وتركت الصلاة فهل تقضيها أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] "لا تقضي المرأة الصلاة إذا تسببت لنزول الحيض فنزل، لأن دم الحيض متى وجد وُجد حكمه، كما أنها لو تناولت ما يمنع الحيض، فإنها تصلي وتصوم ولا تقضي الصوم، لأنها ليست بحائض، فالحكم يدور مع علته، قال الله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى) البقرة/222، فمتى وجد هذا الأذى ثبت حكمه، ومتى لم يوجد لم يثبت حكمه" انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (11/272) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111801 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 364 هل يلزم الحائض تغيير ملابسها بعد طهرها؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يلزم الحائض تغيير ملابسها بعد طهرها، مع العلم أنه لم يصبها دم ولا نجاسة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا يلزمها ذلك، لأن الحيض لا ينجس البدن، وإنما دم الحيض ينجس ما لاقاه فقط، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم النساء إذا أصاب ثيابهم دم حيض أن يغسلنه ويصلين في ثيابهن" انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. "فتاوى علماء البلد الحرام" (ص202) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112099 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 365 حاضت بعد وقت صلاة الظهر فهل تقضيها إذا طهرت؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا جائتني الدورة الشهرية بعد دخول وقت الصلاة (مثلا الظهر) بمدة زمنية تكفى للصلاة ولكنى لم أكن قد صليت، فمتى يكون على قضاؤها؟ عندما أغتسل حتى لو كان عند صلاة العشاء أم عند أول ظهر قادم يأتي؟ وهل إذا تطهرت عند العشاء هل أصلى المغرب والعشاء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا جاءتك الدورة بعد دخول وقت الصلاة بما يكفي لصلاة ركعة وجب عليك قضاؤها إذا طهرت، وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: عن المرأة إذا حاضت وقد أدركت من وقت الصلاة مقدار ركعة فهل تجب عليها تلك الصلاة؟ فأجاب: "المرأة إذا حاضت بعد دخول وقت الصلاة فإنه يجب عليها إذا طهرت أن تقضي تلك الصلاة التي حاضت في وقتها إذا لم تصلها قبل أن يأتيها الحيض، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) . فإذا أدركت المرأة من وقت الصلاة مقدار ركعة ثم حاضت قبل أن تصلي فإنها إذا طهرت لزمها القضاء" انتهى. ووقت القضاء يكون بعد زوال العذر مباشرة، فإذا طهرت من الحيض فإنك تغتسلين وتصلين الصلاة التي كانت عليك، ولو كان ذلك في غير وقتها، ولا تنتظري وقتها من الغد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك) رواه البخاري (597) ومسلم (684) . ثانيا: إذا طهرت المرأة قبل انقضاء وقت الصلاة وجبت عليها تلك الصلاة والتي تجمع معها عند جمهور العلماء. فمثلا: من طهرت قبل غروب الشمس وجب عليها الظهر والعصر معا، فقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (6/161) ما يلي: "إذا طهرت المرأة من الحيض أو النفاس قبل خروج وقت الصلاة الضروري لزمتها تلك الصلاة وما يجمع إليها قبلها، فمن طهرت قبل غروب الشمس لزمتها صلاة العصر والظهر، ومن طهرت قبل طلوع الفجر الثاني لزمتها صلاة العشاء والمغرب، ومن طهرت قبل طلوع الشمس لزمتها صلاة الفجر" انتهى. وقد ذكرنا اختلاف العلماء في ذلك في جواب السؤال رقم (82106) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111522 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 366 أخذ حبوب منع الحيض في العشر الأواخر من رمضان [السُّؤَالُ] ـ[إذا كانت المرأة يأتيها الحيض في العشر الأواخر من رمضان، فهل يجوز لها أن تستعمل حبوب منع الحمل لتتمكن من أداء العبادة في هذه الأيام الفاضلة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عُرض هذا السؤال على الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله فقال: لا نرى أنها تستعمل هذه الحبوب لتعينها على طاعة الله؛ لأن الحيض الذي يخرج شيءٌ كتبه الله على بنات آدم وقد دخل النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة وهي معه في حجة الوداع وقد أحرمت بالعمرة فأتاها الحيض قبل أن تصل إلى مكة فدخل عليها وهي تبكي، فقال ما يبكيك فأخبرته أنها حاضت فقال لها إن هذا شيءٌ قد كتبه الله على بنات آدم، فالحيض ليس منها فإذا جاءها في العشر الأواخر فلتقنع بما قدر الله لها ولا تستعمل هذه الحبوب وقد بلغني ممن أثق به من الأطباء أن هذه الحبوب ضارة في الرحم وفي الدم وربما تكون سبباً لتشويه الجنين إذا حصل لها جنين فلذاك نرى تجنبها. وإذا حصل لها الحيض وتركت الصلاة والصيام فهذا ليس بيدها بل بقدر الله. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله الحديث: 13738 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 367 تشك في حصول الطهر قبل الفجر فهل تصلي وتصوم؟ [السُّؤَالُ] ـ[في آخر يوم للدورة الشهرية رأيت نزول السائل الأصفر قبل أذان الفجر بحوالي ساعتين ثم نمت ولم أرى هل توقف نزوله قبل الفجر أم لا وفي الصباح لاحظت توقف نزول السوائل ثم انتظرت قليلا أترقب وقد أذن لصلاة الظهر وبعدها اغتسلت فهل يجب علي قضاء ما فاتني من صلاة أم أصلي صلاة الظهر فقط؟ وهل يحب عليّ أن اقضي صيام هذا اليوم بعد رمضان؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا حاضت المرأة فالأصل بقاء هذا الحيض حتى تتيقن زواله، ولا يجوز لها أن تصوم أو تصلي وهي تشك: هل انتهى الحيض أما لا؟ وقد بينا ذلك في جواب السؤال رقم (106452) . وقد كانت عائشة رضي الله عنها تأمر النساء بالتمهل وعدم الاستعجال حتى تتيقن الطهر، فكانت تقول: (لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ) تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضَةِ. وعلى هذا؛ لا يلزمك قضاء صلاة الفجر، وأما صلاة الظهر فتجب عليك لأنها أدركتك وأنت طاهرة من الحيض. وأما الصيام فلا يصح صيام ذلك اليوم – لو صمتيه – لأنك كنت حائضاً في أوله، وعليك قضاؤه بعد انتهاء رمضان. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 108549 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 368 كانت تطهر قبل المغرب ولا تصلي الظهر مع العصر فهل يلزمها القضاء؟ [السُّؤَالُ] ـ[قرأت فتواكم الخاصة بالحائض التي تطهر قبل غروب الشمس فإن عليها صلاة الظهر والعصر، لم أكن أعرف ذلك من قبل فقد كنت أصلي من اليوم التالي، فهل آثم لذلك؟ وهل أقضي تلك الصلوات منذ أن أصبحت مسلمة (منذ ثلاثة أعوام) ؟ أم أن التوبة تكفي؟ أم أن هناك كفارة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الحائض إذا طهرت قبل غروب الشمس لزمها أن تصلي الظهر والعصر عند جمهور الفقهاء خلافا للحنفية، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم (103083) وإن اقتصرتْ على أداء العصر فقط، فنرجو ألا يكون عليها حرج. ثانيا: قولك: "فقد كنت أصلي من اليوم التالي". يعني: أنك لا تصلين الظهر والعصر والمغرب والعشاء في اليوم الذي طهرت فيه، وتبدئين الصلاة من فجر اليوم التالي فهذا التصرف خطأ، وتفريط كبير، يلزمك فيه التوبة والندم والاستغفار، وأما القضاء فلا يلزمك على الراجح لكونك جاهلة بالحكم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ... وعلى هذا لو ترك الطهارة الواجبة لعدم بلوغ النص، مثل: أن يأكل لحم الإبل ولا يتوضأ ثم يبلغه النص ويتبين له وجوب الوضوء، أو يصلي في أعطان الإبل ثم يبلغه ويتبين له النص: فهل عليه إعادة ما مضى؟ فيه قولان هما روايتان عن أحمد. ونظيره: أن يمس ذَكَره ويصلى، ثم يتبين له وجوب الوضوء من مس الذكر. والصحيح في جميع هذه المسائل: عدم وجوب الإعادة؛ لأن الله عفا عن الخطأ والنسيان؛ ولأنه قال: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) ، فمن لم يبلغه أمر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شيءٍ معيَّنٍ: لم يثبت حكم وجوبه عليه، ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر وعمَّاراً لما أجْنبا فلم يصلِّ عمر وصلَّى عمار بالتمرغ أن يعيد واحد منهما، وكذلك لم يأمر أبا ذر بالإعادة لما كان يجنب ويمكث أياماً لا يصلي، وكذلك لم يأمر مَن أكل من الصحابة حتى يتبين له الحبل الأبيض من الحبل الأسود بالقضاء، كما لم يأمر مَن صلى إلى بيت المقدس قبل بلوغ النسخ لهم بالقضاء. ومن هذا الباب: المستحاضة إذا مكثت مدة لا تصلي لاعتقادها عدم وجوب الصلاة عليها، ففي وجوب القضاء عليها قولان، أحدهما: لا إعادة عليها – كما نقل عن مالك وغيره -؛ لأن المستحاضة التي قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: (إني حضت حيضةً شديدةً كبيرةً منكرةً منعتني الصلاة والصيام) أمرها بما يجب في المستقبل، ولم يأمرها بقضاء صلاة الماضي. وقد ثبت عندي بالنقل المتواتر أن في النساء والرجال بالبوادي وغير البوادي مَن يبلغ ولا يعلم أن الصلاة عليه واجبة، بل إذا قيل للمرأة: صلِّي، تقول: حتى أكبر وأصير عجوزة! ظانَّة أنه لا يخاطَب بالصلاة إلا المرأة الكبيرة كالعجوز ونحوها، وفي أتباع الشيوخ (أي من الصوفية) طوائف كثيرون لا يعلمون أن الصلاة واجبة عليهم، فهؤلاء لا يجب عليهم في الصحيح قضاء الصلوات سواء قيل: كانوا كفَّاراً أو كانوا معذورين بالجهل ... " انتهى من "مجموع الفتاوى" (21/101) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 107891 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 369 نقطة الدم المنفصلة ليست علامة على البلوغ [السُّؤَالُ] ـ[هناك صديقة لأمي، لديها ابنة تبلغ من العمر ثلاث عشرة سنة، لاحظت في ملابسها نقطة دم منذ ما يقرب السنتين، فنصحتها الأم بصيام رمضان الماضي , ظنا منها أنها إشارة تدل على البلوغ، لكن منذ ذلك الوقت إلى يومنا هذا لم تلاحظ هذه الأم على ابنتها أي علامة حيض. وهي تسأل الآن، هل يجب على ابنتها الصيام؟ مع العلم أنها صامت السنة الماضية.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الذي يظهر – والله أعلم – أن نقطة الدم في حالة هذه الفتاة لا تعتبر حيضاً، بل هي من الدم العارض الذي يكون بسبب مرض أو غيره، وذلك لأمور: 1- أن هذا الدم لم يرجع إليها بعد ذلك، فهي قد قضت سنتين إلى الآن ولم تر حيضا حقيقيا، وهذا دليل ظاهر على أن الحيض لم ينزل عليها بعد. 2- أن نزول النقطة الواحدة والنقطتين من الدم لا يعتبر حيضاً. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله – كما في "فتاوى المرأة المسلمة" (1/137) - عن امرأة نزل منها في رمضان نقط بسيطة، واستمر معها هذا الدم طوال الشهر، وهي تصوم، فهل صومها صحيح؟ فأجاب: " نعم، صومها صحيح، وأما هذه النقط فليست بشيء؛ لأنها من العروق " انتهى. فهذه الفتاة لم تحض ولم تبلغ، فلا يجب عليها الصوم، ولكن ينبغي أن تعوّد على الصيام ما دامت تستطيعه كي يسهل عليها في مستقبل الأيام، وإن صامت فصومها صحيح مأجورة عليه إن شاء الله تعالى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 107149 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 370 أسقطت في الشهر الثالث ولم تصل أياما فهل تقضيها [السُّؤَالُ] ـ[امرأة أسقطت جنينا في شهرها الثالث، وظنت أن الدم دم نفاس فتركت الصلاة لمدة تتراوح من أسبوع إلى عشرة أيام حتى انقطع عنها الدم ثم صلت بعد انقطاع الدم.. ومضى على هذا عدة سنوات ... هل عليها قضاء الأيام التي تركت الصلاة فيها؟ وإذا كان عليها القضاء، فهل تقضيها سردا؟ أم كل صلاة مع نظيرتها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا أسقطت المرأة فلا يعتبر الدم النازل منها دم نفاس إلا إذا أسقطت ما تبين فيه خلق الإنسان. والتخليق لا يبدأ في الحمل قبل واحد وثمانين يوماً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ وَيُقَالُ لَهُ اكْتُبْ عَمَلَهُ وَرِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوح) رواه البخاري (3208) . فدل هذا الحديث على أن الإنسان يمر بعدة مراحل في الحمل: أربعين يوماً نطفة، ثم أربعين أخرى علقة، ثم أربعين ثالثة مضغة. ثم ينفخ فيه الروح بعد تمام مائة وعشرين يوماً. والتخليق يكون في مرحلة المضغة، ولا يكون قبل ذلك، لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنْ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ) الحج/5. فوصف الله تعالى المضغة بأنها مخلقة وغير مخلقة. ومعنى التخليق أن تظهر في الحمل آثار تخطيط الجسم كالرأس والأطراف ونحو ذلك. وعلى هذا؛ فإن كان السقط نزل قبل واحد وثمانين يوماً من الحمل فالدم النازل ليس بدم نفاس، بل هو دم استحاضة فلا يمنعها من الصلاة والصوم. وإن كان قد نزل بعد أن تم له ثمانون يوما، فإن ظهر فيه التخليق فهو نفاس، وإن لم يظهر فيه شيء، فليس بنفاس. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في رسالة "الدماء الطبيعية للنساء" ص 40: "ولا يثبت النفاس إلا إذا وضعت ما تبين فيه خلق إنسان، فلو وضعت سقطاً صغيراً لم يتبين فيه خلق إنسان فليس دمها دم نفاس، بل هو دم عرق، فيكون حكمها حكم الاستحاضة، وأقل مدة يتبين فيها خلق إنسان ثمانون يوماً من ابتداء الحمل، وغالبها تسعون يوماً" انتهى. وعند الشك أو الجهل بالحال: هل تم التخليق أم لا؟ فالأصل أنه لم يتم التخليق، فلا يحكم بأنه نفاس مع الشك. ثانيا: إذا لم يكن الدم نفاسا، لعدم تخلق الجنين، وتركت المرأة الصلاة ظنا منها أنه نفاس، فلا قضاء عليها عند جماعة من أهل العلم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " المستحاضة إذا مكثت مدة لا تصلي لاعتقادها عدم وجوب الصلاة عليها، ففي وجوب القضاء عليها قولان، أحدهما: لا إعادة عليها - كما نقل عن مالك وغيره -؛ لأن المستحاضة التي قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: (إني حضت حيضةً شديدةً كبيرةً منكرةً منعتني الصلاة والصيام) أمرها بما يجب في المستقبل، ولم يأمرها بقضاء صلاة الماضي " انتهى من "مجموع الفتاوى" (21 /102) . وإذا قضت تلك الصلوات، فهو أحوط وأبرأ لذمتها. وإذا قضتها فإنها تصليها جميعا سردا على قدر استطعتها، وترتبها، فتصلي الصلوات الخمس عن اليوم الأول، ثم عن الثاني، ثم عن الثالث، حتى تقضي ما عليها، ولا يجوز أن تصلي كل صلاة مع نظيرتها، فإن شق عليها صلاتها جميعاً في وقت واحد، فإنها تصلي ما تستطيع ثم تستريح ساعة أو ساعتين، ثم تكمل .... وهكذا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 107115 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 371 هل للولادة القيصرية نفاس؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل للولادة القيصرية نفاس؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله النفاس هو الدم النازل لأجل الولادة، سواء كانت طبيعية أو قيصرية، بل إذا أسقطت المرأة جنينا متخلقا أي ظهر فيه رأس أو يد أو رجل، وهذا إنما يكون بعد ثمانين يوما من الحمل، فالدم النازل لذلك دم نفاس. قال في "كشاف القناع" (1/218) : " النفاس , هو دم ترخيه الرحم مع ولادة وقبلها بيومين أو ثلاثة مع أمارة، وبعدها إلى تمام أربعين يوما ويثبت حكم النفاس ولو بتعديها على نفسها بضرب أو شرب دواء أو غيرهما ... بوضع ما يتبيّن فيه خلق الإنسان فلو وضعت علقة أو مضغة لا تخطيط فيها لم يثبت لها بذلك حكم النفاس , وأقل ما يتبين فيه خلق الإنسان أحد وثمانون يوما وغالبها على ما ذكره المجد وابن تميم وابن حمدان وغيرهم: ثلاثة أشهر " انتهى باختصار. والنفاس قد يبقى أياما ثم ينقطع، فلا يشترط أن يستمر إلى الأربعين. والله أعلم. وانظر جواب السؤال رقم (50308) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 107045 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 372 عاد إليها دم النفاس وهي صائمة [السُّؤَالُ] ـ[إذا طهرت النفساء خلال أسبوع وصامت مع المسلمين في رمضان أياماً معدودة ثم عاد إليها الدم هل تفطر في هذه الحالة؟ وهل يلزمها قضاء الأيام التي صامتها والتي أفطرتها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا طهرت النفساء في الأربعين فصامت أياماً ثم عاد إليها الدم في الأربعين فإن صومها صحيح، وعليها أن تدع الصلاة والصيام في الأيام التي عاد فيهل الدم – لأنه نفاس – حتى تطهر أو تكمل الأربعين، ومتى أكملت الأربعين وجب عليها الغسل، وإن لم تر الطهر، لأن الأربعين هي نهاية النفاس في أصح قولي العلماء، وعليها بعد ذلك أن تتوضأ لوقت كل صلاة حتى ينقطع عنها الدم، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك المستحاضة، ولزوجها أن يستمتع بها بعد الأربعين، وإن لم تر الطهر، لأن الدم والحال ما ذكر دم فساد لا يمنع الصلاة ولا الصوم، ولا يمنع الزوج من استمتاعه بزوجته. لكن إن وافق الدم بعد الأربعين عادتها في الحيض فإنها تدع الصلاة والصوم وتعتبره حيضاً. والله ولي التوفيق" انتهى. فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله. "فتاوى إسلامية" (2/146) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106464 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 373 كفارة جماع النفساء [السُّؤَالُ] ـ[ما هى كفارة مباشرة المرأة فى فرجها أثناء فترة النفاس؟ علما بأن السؤال رقم (36722) لا يحتوى على الكفارة إذا تمت المباشرة الفعلية، ولكنه يوضح فقط أنها محرمة - وهذا معلوم - ولكن قد وقع الخطأ، ونريد أن نعرف كفارته؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: اختلف أهل العلم في وجوب الكفارة على من جامع الحائض أو النفساء، على ثلاثة أقوال: القول الأول: وجوب الكفارة: حكاه ابن المنذر عن ابن عباس وقتادة، وحكاه بعض الشافعية قولا قديما للشافعي، وبعضهم أنكره، وهو رواية عن أحمد عليها جمهور الحنابلة كما قال المرداوي في "الإنصاف" (1/351) ، وحكى بعض الحنابلة عن أحمد في النفساء رواية واحدة بالوجوب، بخلاف الحيض. انظر: النووي في "المجموع" (2/391) ، "الإنصاف" (1/349) واستدلوا عليه بما جاء من طرقٍ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ - قَالَ: (يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ أَوْ بِنِصْفِ دِينَارٍ) . الحديث أخرجه أبو داود (264) وغيره، وهذا الحديث اختلف في إسناده ومتنه على أوجه كثيرة، كما اختلف النقاد في تصحيحه وتضعيفه اختلافا كبيرا. انظر "التلخيص الحبير" (1/292-293) ، وتعليق الشيخ أحمد شاكر على "سنن الترمذي" (1/246 - 254) . القول الثاني: الاستحباب وعدم الوجوب: يقول النووي في "المجموع" (2/391) : " حكاه أبو سليمان الخطابي عن أكثر العلماء , وحكاه ابن المنذر عن عطاء وابن أبي مليكة والشعبي والنخعي ومكحول والزهري وأيوب السختياني وأبي الزناد وربيعة وحماد بن أبي سليمان وسفيان الثوري والليث بن سعد " انتهى. وهو قول الحنفية والشافعية: جاء في "الدر المختار" (1/298) : " ويندب تصدقه بدينار أو نصفه " انتهى. وانظر: "الفتاوى الهندية" (1/39) ويقول النووي في "المجموع" (2/390) : " إذا وطئها عالما بالحيض وتحريمه مختارا ففيه قولان , الصحيح الجديد: لا يلزمه كفارة , بل يعزر ويستغفر الله تعالى ويتوب , ويستحب أن يكفر الكفارة التي يوجبها القديم. والثاني ـ وهو القديم ـ: يلزمه الكفارة ... ، ثم ذكر الخلاف في حكاية الوجوب قولا قديما للشافعي - " انتهى. القول الثالث: الواجب التوبة والاستغفار ولا كفارة في ذلك: وهو قول المالكية، كما في "الموسوعة الفقهية" (18/325) ، وقول ابن حزم في "المحلى" (2/187) . ولا شك أن القول بالصدقة المذكورة في الحديث هو أحوط وأبرأ للذمة، وأدعى إلى الانتهاء عن تلك المعصية، وتعظيم حرمات الله عز وجل، وعدم تعدي حدوده، لا سيما وقد قال به ابن عباس رضي الله عنهما، إن لم يصح الحديث مرفوعا. قال الشيخ محمد بن إبراهيم، رحمه الله: " وطء الرجل امرأَته وهي حائض حرام بنص الكتاب والسنة؛ قال الله تعالى: (وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ) [الآية، البقرة /222] ، والمراد المنع من وطئها في المحيض، وهو موضع الحيض، وهو الفرج؛ فإذا تجرأ ووطئها، فعليه التوبة، وأَن لا يعود لمثلها، وعليه الكفارة، وهي دينار أَو نصف دينار، على التخيير؛ لحديث ابن عباس مرفوعًا ... ، والمراد بالدينار: مثقال من الذهب، فإن لم يجده فيكفي قيمته من الفضة. " انتهى. فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم (2/98) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وجوبُ الكفَّارة من مفردات المذهب [يعني: مذهب الحنابلة] ، والأئمة الثَّلاثة يرون أنَّه آثم بلا كفارة. والحديثُ صحيحٌ، لأنَّ رجالَه كلَّهم ثقاتٌ، وإذا صحَّ فلا يضرُّ انفرادُ أحمد بالقول به. فالصحيح: أنها واجبةٌ، وعلى الأقل نقولُ بالوجوب احتياطاً." انتهى. الشرح الممتع (1/255) ط مصر. وكذلك أفتى بوجوب الكفارة: علماء اللجنة الدائمة، كما في فتاوى اللجنة (6/93،112) . تنبيه: قيمة الدينار، بالوزن: (4.25) غراما تقريبا، فالواجب عليه أن يتصدق بهذه القيمة، أو نصفها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105642 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 374 كفارة من جامع زوجته الحائض في رمضان [السُّؤَالُ] ـ[كيف يكفر التائب عن جماعه لزوجته وهى حائض في دورتها في الأيام العادية وكفارة الجماع وهى حائض في شهر رمضان؟ فهذا حدث وعندنا علم بحرمة هذه الأفعال ونيتنا الآن التوبة لله وطلب المغفرة فأرجوكم دلوني على عمل أعمله ليغفر الله لي وجزاكم الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: جماع الحائض محرم بإجماع العلماء؛ لقوله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) البقرة/222، ولما روى الترمذي (135) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) . صححه الألباني في صحيح الترمذي. ومن فعل ذلك لزمته التوبة والكفارة، وهي أن يتصدق بدينار أو نصفه، على الفقراء والمساكين؛ لما روى أحمد (2032) وأبو داود (264) والترمذي (135) والنسائي (289) وابن ماجه (640) عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فيمن يأتي امرأته وهي حائض: (يتصدّق بدينار أو بنصف دينار) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. والدينار: أربع جرامات وربع من الذهب، فانظر قيمة هذا وتصدق به، أو بنصفه، مع العزم على عدم العود لذلك أبدا. ثانيا: إن كان مقصودك بالجماع في رمضان: جماع الحائض في ليالي رمضان، فالواجب هو ما سبق ذكره من التوبة والكفارة. وإن كان المقصود هو الجماع في نهار رمضان، فقد اجتمع هنا ذنبان كبيران، وهما الفطر في نهار رمضان، والمعاشرة أثناء الحيض. أما الجماع في الحيض فقد عرفت ما فيه. وأما الفطر في نهار رمضان بالجماع، فيترتب عليه خمسة أمور: 1- الإثم. 2- فساد الصوم. 3- لزوم الإمساك. 4- وجوب القضاء. 5 – وجوب الكفارة مع التوبة. فيجب عليك قضاء اليوم الذي أفسدت صيامه بالجماع وعليك مع ذلك: الكفارة. وهي: عتق رقبة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً. وانظر جواب السؤال (22938) . وفق الله الجميع لما يحب ويرضى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 104865 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 375 عود دم النفاس في الأربعين [السُّؤَالُ] ـ[أنجبت وظل نزول الدم أسبوعين وكان متقطعا قليلاً ثم ظللت أسبوعين آخرين أو أكثر تنزل منى إفرازات صفراء ورأيت علامة الطهر اليوم الرابع والثلاثين من النفاس فاغتسلت وصليت الظهر وجامعني زوجي، وفي العصر نزلت عليَّ إفرازات صفراء وبعد يومين نزل على دم حتى نهاية الأربعين رأيت الطهر فاغتسلت وصليت، ولكن كان ينزل منى بعض الدم القليل جدا، وأنا الآن منذ الأمس ينزل عليَّ الدم بصفة مستمرة، فلا أدرى هل أنا على طهر أم مازلت نفساء؟ وما حكم الأيام التي كانت تنزل عليَّ فيها إفرازات صفراء هل عليَّ قضاء الصلاة التي لم أصلها فيها أم أنها من النفاس؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: المرأة إذا نزل منها الدم بسبب الولادة فإنها نفساء، ولا تزال كذلك حتى ترى الطهر أو تتم أربعين يوماً. وعليه؛ فما مضى عليك أيتها الأخت قبل أن تري الطهر كله نفاس وإن كان في بعض الأيام عبارة عن إفرازات صفراء، لأن الصفرة والكدرة ما دامت متصلة بالنفاس فهي منه، فلا صلاة عليك في هذه المدة. وقد سئُل الشيخ محمد العثيمين رحمه الله عن المرأة ترى دم النفاس لمدة أسبوعين ثم يتحول تدريجياً إلى مادة مخاطية مائلة إلى الصفرة ويستمر كذلك حتى نهاية الأربعين، فهل ينطبق على هذه المادة التي تلت الدم حكم النفاس أم لا؟ فأجاب: "هذه الصفرة أو السائل المخاطي ما دام لم تظهر فيه الطهارة الواضحة البينة فإنه تابع لحكم الدم، فلا تكون طاهراً حتى تتخلص من هذا" انتهى من "فتاوى المرأة المسلمة" صـ 304. أما اغتسالك وصلاتك بعد رؤية الطهر في اليوم الرابع والثلاثين فصحيح والحمد لله، وجماع زوجك لك بعد ذلك جائز، والإفرازات الصفراء التي نزلت بعد ذلك ليست من النفاس، لأنها جاءت بعد الطهر، وقد روى أبو داود في سننه (264) وصححه الألباني عن أم عطية رضي الله عنها قالت: (كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئاً) . وعليه؛ فالصلاة في هذه الأيام واجبة، فإن كنت لم تصلها فعليك قضاؤها. وأما عود الدم بعد ذلك فإنه نفاس ما دام في الأربعين، قال العلامة ابن باز رحمه الله: "إذا طهرت النفساء في الأربعين فصامت أياماً، ثم عاد إليها الدم في الأربعين، فإن صومها صحيح، وعليها أن تدع الصلاة والصيام في الأيام التي عاد فيها الدم، لأنه نفاس، حتى تطهر أو تكمل الأربعين" انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (4/133) . وما دمت قد رأيت الطهر عند تمام الأربعين فقد انتهى النفاس وغسلك وصلاتك صحيحان، وأما عود الدم بعد ذلك فإنه حيض، ما لم يجاوز أكثر وقت الحيض، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "فإذا عاد عليها الدم بعد الأربعين فهو حيض إلا أن يستمر عليها أكثر الوقت فإنها تجلس عادتها فقط" انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (4/289، 290) . وبهذا تعلمين أيتها الأخت أنك أيام نزول الدم بعد الأربعين حائض، ولو كان هذا الدم متقطعاً ما لم يجاوز أكثر وقت الحيض وهو خمسة عشر يوماً. لكن: إذا كان هذا الدم قليلاً جداً كما تقولين كقطرة أو قطرتين، فإنه لا يكون حيضاً، ولا يمنع من الصلاة والجماع، ولكن عليك أن تتوضئي لكل صلاة بعد دخول وقتها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 104589 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 376 حكم غسل خرقة الحيض قبل رميها [السُّؤَالُ] ـ[هل على المرأة تنظيف الثوب الذي تضعه لمنع مرور دم الحيض قبل رميه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لم يذكر أحد من أهل العلم – فيما نعلم- أن المرأة ينبغي لها أن تغسل الخرقة التي يكون فيها شيء من دم الحيض قبل إلقائها، بل ظاهر فعل الصحابيات أنهن لم يكن يغسلن هذه الخرق، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم بذلك، ولم يرد أنه نهاهن، فقد روى الترمذي (61) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ؟ وَهِيَ بِئْرٌ يُلْقَى فِيهَا الْحِيَضُ وَلُحُومُ الْكِلَابِ وَالنَّتْنُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ لا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ) وهو حديث صحيح، صححه أحمد ويحي بن معين وابن خزيمة وابن تيمية وغيرهم رحمهم الله. والمقصود بالحِيَض: جَمْعُ حِيْضَةٍ وَهِيَ الْخِرْقَةُ الَّتِي تُسْتَعْمَلُ فِي دَمِ الْحَيْضِ. فالظاهر أنهم كانوا يرمونها ملوثة بالدم، وإلا لم يسأل الصحابة عن طهارة الماء الذي توجد فيه هذه الخرق. وليس معنى الحديث: أنهم كانوا يلقون هذه الأشياء في البئر عمداً، فإن الصحابة رضي الله عنهم أعظم وأجل من ذلك. وإنما المراد: أن البئر كانت في مسيل بعض الأودية، فيأتي السيل وقد حمل معه هذه الأشياء، فيلقيها في البئر. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 104456 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 377 هل للحائض أن تجلس في طرف المسجد بقرب الباب لسماع الدرس؟ [السُّؤَالُ] ـ[قرأت في الموقع عن مكث الحائض في المسجد ولكن عندما نقول لأخواتنا ذلك الرأي يردون بأن أحد المشايخ الثقات أفتى بأنه يجوز للحائض أن تمكث في المسجد واستدل في فتواه على ما يقولون لي فأنا لم أسمعه بنفسي ما معناه المرأة التي كانت تقم المسجد أي التي كانت تقيم في المسجد أي أنها كانت عندما تأتيها الحيض لا تخرج من المسجد وهذا يدل على جواز مكث الحائض في المسجد فما الحكم في هذا الكلام؟ وكذلك ما حكم جلوس المرأة الحائض بجوار الباب في أطراف المسجد حيث إن ذلك يفعله كثير من النساء التي تقتنع بعدم جواز مكث الحائض المسجد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: يحرم على الحائض أن تمكث في المسجد؛ لما روى البخاري (974) ومسلم (890) عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها قَالَتْ: (أَمَرَنَا تَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُخْرِجَ فِي الْعِيدَيْنِ الْعَوَاتِقَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ، وَأَمَرَ الْحُيَّضَ أَنْ يَعْتَزِلْنَ مُصَلَّى الْمُسْلِمِينَ) ، فمنع النبي صلى الله عليه وسلم الحائض من مصلى العيد، وأمرها باعتزاله، لأن له حكم المسجد، فدل على منعها من دخول المسجد. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (33649) ، (60213) . ثانياً: أما ما ذكرتِ من أن هناك من نقل لك قولاً آخر في المسألة، وهو أنه يجوز للحائض أن تمكث في المسجد، فهذا قول لبعض أهل العلم، لكن الراجح ما ذكرناه من المنع، وهو قول المذاهب الأربعة، وعليه فتوى كثير من أهل العلم كالشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله، والشيخ صالح الفوزان حفظه الله، واللجنة الدائمة للإفتاء. والمرأة التي كانت تقمّ المسجد، لا يجزم أحد بأنها كانت تمكث في المسجد حال حيضها، ومعنى (تقمّ) : تكنس وتنظف، لا بمعنى أنها تقيم. ثالثا: للحائض أن تجلس خارج المسجد ولو بجوار الباب، وليس لها أن تجلس داخله بعيدا أو قريبا من الباب، سواء كان في مقدمته، أو في أطرافه؛ لأن الجميع داخل في حد المسجد. ويجوز لها أن تمكث في ساحة المسجد أو رحبته غير المحوطة؛ لأنها لا تأخذ حكم المسجد. سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: هل الحائض يمكن أن تحضر الدرس في الجامع؟ فأجاب: " لا بأس أن تحضر الحائض والنفساء عند باب المسجد لسماع الدروس والمواعظ , لكن لا يجوز جلوسها في المسجد ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب) " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (10/220) . وسئل الشيخ محمد المختار الشنقيطي حفظه الله: هل يجوز للمرأة إذا جاءتها الحيضة أن تحضر الدرس وتجلس عند الدرج أو عند موضع الأحذية -أكرمكم الله- وهي عند مصلى النساء. أي: داخل الباب من جهة المصلى أو من جهة المسجد؟ فأجاب: " المرأة الحائض لا تدخل إلى المسجد إذا كانت حال حيضها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: (ناوليني الخُمرة [نوع من الفراش] ، فقالت: إني حائض، قال: إن حيضتك ليست في يدك) ، فدل على أن الأصل عدم دخول الحائض، بدليل أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لما قال لها: (ناوليني الخُمرة؛ قالت: إني حائض) ، فامتنعت من الدخول واعتذرت بكونها حائضاً، فدل على أن هذا كان معمولاً به في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، لأنها لا تنشئ الأحكام من عندها، وقد قال لها عليه الصلاة والسلام ذلك صريحاً في قوله: (اصنعي ما يصنع الحاج، غير أن لا تطوفي بالبيت) حينما حاضت في حجة الوداع، فالذي على المرأة أن تلتزم به: أن لا تدخل مسجداً إذا كانت حائضة والله يأجرها ويكتب ثوابها ... وفي هذه الحالة تجلس خارج المسجد عند باب المسجد وتسمع، لكن لا تدخل، ولها أن تدني رأسها وتصغي " انتهى مختصرا من "شرح زاد المستقنع". وقال في "مطالب أولي النهى" (2/234) : " ومن المسجد ظهره، أي: سطحه , ومنه: رحبته المحوطة (الساحة) قال القاضي: إن كان عليها حائط وباب , فهي كالمسجد؛ لأنها معه , وتابعة له , وإن لم تكن محوطة , لم يثبت لها حكم المسجد " انتهى باختصار. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103136 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 378 الحائض إذا طهرت، فإنها تقضي الصلاة الحاضرة [السُّؤَالُ] ـ[إذا طهرت الحائض قبل غروب الشمس، فهل تصلي العصر فقط أم تصلي الظهر والعصر؟ وكذلك إذا طهرت في وقت صلاة العشاء، هل تصلي العشاء فقط أم تصلي معها المغرب؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذهب جمهور العلماء إلى أن الحائض إذا طهرت وجب عليها أن تصلي الصلاة التي أدركت وقتها وتصلي معها الصلاة التي قبلها إن كانت تجمع معها. وعلى هذا، فإذا طهرت قبل غروب الشمس، فإنها تصلي الظهر والعصر، وإذا طهرت في وقت العشاء فإنها تصلي المغرب والعشاء. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/239) : " َإِذَا طَهُرَتْ الْحَائِضُ , قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ , صَلَّت الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ , وإن َطَهُرَتْ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ , صَلَّت الْمَغْرِبَ وَالعِشَاءَ؛ لما رَوَى الْأَثْرَمُ , وَابْنُ الْمُنْذِرِ , وَغَيْرُهُمَا , بِإِسْنَادِهِمْ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ , وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ , أَنَّهُمَا قَالَا فِي الْحَائِضِ تَطْهُرُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِرَكْعَةٍ: تُصَلِّي الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ , فَإِذَا طَهُرَتْ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ , صَلَّتْ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا. وَلِأَنَّ وَقْتَ الثَّانِيَةِ وَقْتٌ لِلْأُولَى حَالَ الْعُذْرِ , فَإِذَا أَدْرَكَهُ الْمَعْذُورُ لَزِمَهُ فَرْضُهَا , كَمَا يَلْزَمُهُ فَرْضُ الثَّانِيَةِ " انتهى بتصرف. وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " إذا طهرت الحائض أو النفساء قبل غروب الشمس وجب عليها أن تصلي الظهر والعصر في أصح قولي العلماء , وهكذا إذا طهرت قبل طلوع الفجر وجب عليها أن تصلي المغرب والعشاء؛ لأن وقتهما واحد في حق المعذور، كالمريض، والمسافر " انتهى بتصرف. "مجموع الفتاوى" (10/217) . وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء (6/158) : " إذا طهرت المرأة من الحيض أو النفاس قبل خروج وقت الصلاة الضروري لزمتها تلك الصلاة وما يجمع إليها قبلها، فمن طهرت قبل غروب الشمس لزمتها صلاة العصر والظهر، ومن طهرت قبل طلوع الفجر الثاني لزمتها صلاة العشاء والمغرب، ومن طهرت قبل طلوع الشمس لزمتها صلاة الفجر " انتهى. وذهب الأحناف إلى أنه لا يلزمها إلا الصَّلاة التي أدركت وقتها فقط؛ لأن وقت الصلاة الأولى خرج وهي معذورة، فلا يلزمها قضاؤها. وانظر "الموسوعة الفقهية" (13/73) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (2/133) : " لا يلزمها إلا الصَّلاة التي أدركت وقتها فقط، فأما ما قبلها فلا يلزمها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أدرك ركعةً من الصَّلاة فقد أدرك الصَّلاة) ، و (أل) في قوله: (الصَّلاة) للعهد، أي: أدرك الصَّلاة التي أدرك من وقتها ركعة، وأما الصَّلاة التي قبلها فلم يدرك شيئاً من وقتها، وقد مَرَّ به وقتها كاملاً، وهو ليس أهلاً للوجوب فكيف نلزمه بقضائها، وقال عليه الصلاة والسلام (من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر) ، ولم يذكر وجوب قضاء الظُّهر. أما النَّظر: فإننا متَّفقون على أنه لو أدرك ركعةً من صلاة الظُّهر ثم وُجِدَ مانعُ التكليف، لم يلزمه إلا قضاء الظُّهر فقط، مع أن وقت الظُّهر وقتٌ للظُّهر والعصر عند العُذر والجمع، فما الفرق بين المسألتين؟! كلتاهما أتى عليه وقت إحدى الصَّلاتين وهو ليس أهلاً للتكليف، لكن في المسألة الأولى مَرَّ عليه وقت الصَّلاة الأُولى، وفي المسألة الثانية مَرَّ عليه وقت الصَّلاة الثانية " انتهى بتصرف. والقول الأول أحوط، والعمل به أولى، وإذا اقتصرت على صلاة العصر فقط، أو العشاء فقط، فنرجو أن لا يكون عليها حرج. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103083 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 379 بعد حصول الجفاف تنزل القصة فهل يلزمها الانتظار؟ [السُّؤَالُ] ـ[في السابق كنت أعرف انتهاء الحيض بالقصة البيضاء , ولكن في بعض الأشهر كنت أنتظرها إلى اليوم الثامن في الليل ولكن لا أرى إلا الجفاف ثم أغتسل ولا أنتظر يوما آخر حتى نزول القصة لأن الجفاف طال وأخشى أن أضيع الصلوات بذلك, ولكن في آخر شهر انتظرت حتى بعد منتصف الليل (في اليوم الثامن) فرأيت القصة، فخفت أن تكون كل تلك الشهور التي أظن أني طهرت فيها بالجفاف فقط , أكون استعجلت فيها, وكان يجب علي السهر حتى الفجر حتى أرى القصة لكي لا تفوتني الصلوات. أفيدوني جزاكم الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الطهر يعرف بإحدى علامتين: الأولى: انقطاع الدم وجفاف المحل بحيث لو احتشت المرأة بقطنة ونحوها خرجت نظيفة ليس عليها أثر من دم أو صفرة أو كدرة. الثانية: نزول القصة البيضاء، وبعض النساء لا يرين هذه القصة. وما ذكرت من أنك كنت تعتمدين على الجفاف ولا تنتظرين القصة، هو الصواب. قال النووي رحمه الله: " علامة انقطاع الحيض ووجود الطهر: أن ينقطع خروج الدم وخروج الصفرة والكدرة , فإذا انقطع طهرت سواء خرجت بعده رطوبة بيضاء أم لا " انتهى من "المجموع" (2/562) . ثانيا: إذا جاءك الحيض ثم انقطع، وجف المحل تماما، فقد طهرت، ولزمك الصوم والصلاة، ولا يلزمك السهر وانتظار نزول القصة، بل ليس لك أن تفوتي الصلاة لأجل هذا الانتظار. أما إذا كان المحل لم يجف، بل كان هناك صفرة أو كدرة، فلا تعجلي حتى يحصل النقاء التام أو تنزل القصة، فقد كانت النساء تبعث إلى عائشة رضي الله عنها بالقطنة فيها الصفرة، فكانت تقول لهن: (لا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ) . رواه البخاري تعليقاً. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 102926 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 380 الحكمة من استعمال الحائض قطنة ممسكة بعد الغسل [السُّؤَالُ] ـ[ما الحكمة من استخدام القطنة الممسكة بعد انقطاع دم الحيض؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله روى البخاري (314) ومسلم (332) واللفظ له عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ أَسْمَاءَ سَأَلَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ غُسْلِ الْمَحِيضِ فَقَالَ: (تَأْخُذُ إِحْدَاكُنَّ مَاءَهَا وَسِدْرَتَهَا فَتَطَهَّرُ فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ دَلْكًا شَدِيدًا حَتَّى تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِهَا ثُمَّ تَصُبُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ ثُمَّ تَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَطَهَّرُ بِهَا) فَقَالَتْ أَسْمَاءُ: وَكَيْفَ تَطَهَّرُ بِهَا؟ فَقَالَ: (سُبْحَانَ اللَّهِ! تَطَهَّرِينَ بِهَا) فَقَالَتْ عَائِشَةُ كَأَنَّهَا تُخْفِي ذَلِكَ: تَتَبَّعِينَ أَثَرَ الدَّمِ. والفرصة الممسكة: قطعة من القطن أو الصوف مطيبة بالمسك. والحكمة من استعمالها: تطييب المحل، ودفع الرائحة الكريهة. قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: " وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْحِكْمَة فِي اِسْتِعْمَال الْمِسْك , فَالصَّحِيح الْمُخْتَار الَّذِي قَالَهُ الْجَمَاهِير مِنْ أَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ أَنَّ الْمَقْصُود بِاسْتِعْمَالِ الْمِسْك تَطْيِيب الْمَحَلّ , وَدَفْع الرَّائِحَة الْكَرِيهَة. إلى أن قال: " وَتَسْتَعْمِلهُ بَعْد الْغُسْل , فَإِنْ لَمْ تَجِد مِسْكًا فَتَسْتَعْمِل أَيّ طِيب وَجَدَتْ , فَإِنْ لِمَ تَجِد طِيبًا اُسْتُحِبَّ لَهَا اِسْتِعْمَال ما يُزِيل الْكَرَاهَة [الصابون الآن] ، فَإِنْ لَمْ تَجِد شَيْئًا مِنْ هَذَا فَالْمَاء كَافٍ لَهَا , لَكِنْ إِنْ تَرَكَتْ التَّطَيُّب مَعَ التَّمَكُّن مِنْهُ كُرِهَ لَهَا , وَإِنْ لَمْ تَتَمَكَّن فَلَا كَرَاهَة فِي حَقّهَا " انتهى. وقد توصلت الدكتورة آمنة علي ناصر صديق أستاذة الأحياء الدقيقة في كلية التربية للأقسام العلمية بجدة إلى اكتشاف أن المسك مضاد حيوي طبيعي لعلاج الأمراض الجلدية والتناسلية في الإنسان والحيوان. وسجل هذا الاكتشاف بمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية في الرياض كبراءة اختراع. ينظر: مجلة المجتمع: http://www.almujtamaa-mag.com/Detail.asp?InSectionID=81&InNewsItemID;=217507 كما قدمت الباحثة في المؤتمر العالمي الثامن للإعجاز العلمي في القرآن والسنة المنعقد بالكويت 1427 هـ بحثا لها بعنوان: صور من الإعجاز العلمي لاستخدام المسك كمضاد حيوي للفطريات والخمائر المسببة لبعض الأمراض للإنسان والحيوان والنبات. وأوضحت أن الأحياء المجهرية الممرضة تكثر أعدادها في فترة الحيض وأن المسك له تأثير كبير في القضاء على هذه الميكروبات الممرضة. ينظر نص البحث في: http://www.nooran.org/con8/Research/436.pdf http://www.tafsir.org/vb/archive/index.php?t-6980.html وبهذا يتبين أن الحكمة من استعمال الحائض للمسك: تطييب المحل، ودفع الرائحة الكريهة، والقضاء على الفطريات والميكروبات الممرضة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 101779 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 381 إزالة الشعر والأظافر في فترة الحيض [السُّؤَالُ] ـ[هل تأثم المرأة عند إزالة الشعر والأظافر والتخلص منهما أثناء فترة الحيض؟ وهل يجب أثناء الحيض غسلهما قبل التخلص منهما؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الإشكال الذي يطرأ عند كثير من النساء، في شأن حكم إزالة الشعر والأظافر ونحوها من سنن الفطرة أثناء فترة الحيض، ناشئٌ عن اعتقادٍ باطلٍ لدى بعضهن، بأن أجزاء الإنسان تعود إليه يوم القيامة، فإذا أزالها وعليه الحدث الأكبر من جنابة أو حيض أو نفاس، عاد إليه يوم القيامة نجسا لم تصبه الطهارة، وهذا كلام فاسد وتوهم لا محل له من الصحة. سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله – كما في "مجموع الفتاوى" (21/120-121) -: " عن الرجل إذا كان جنبا وقص ظفره أو شاربه أو مشَّطَ رأسه، هل عليه شيء في ذلك، فقد أشار بعضهم إلى هذا وقال: إذا قص الجنب شعره أو ظفره فإنه تعود إليه أجزاؤه في الآخرة، فيقوم يوم القيامة وعليه قسط من الجنابة بحسب ما نقص من ذلك، وعلى كل شعرة قسط من الجنابة، فهل ذلك كذلك أم لا؟ فأجاب رحمه الله: " قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث حذيفة ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنهما أنه لما ذكر له الجنب قال (إِنَّ المُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ) وفي صحيح الحاكم (حَيًّا وَلَا مَيتًا) وما أعلم على كراهية إزالة شعر الجنب وظفره دليلا شرعيا، بل قد قال النبي صلى الله عليه وسلم للذي أسلم: (أَلْقِ عَنكَ شَعرَ الكُفرِ وَاختَتِن) – [رواه أبو داود (356) وحسنه الألباني في "إرواء الغليل" (1/120) ]- فأمر الذي أسلم أن يغتسل، ولم يأمره بتأخير الاختتان وإزالة الشعر عن الاغتسال، فإطلاق كلامه يقتضي جواز الأمرين، وكذلك تؤمر الحائض بالامتشاط في غسلها، مع أن الامتشاط يذهب ببعض الشعر. والله أعلم " انتهى. ويشير شيخ الإسلام بذلك إلى حديث عائشة رضي الله عنها حين حاضت في حجة الوداع فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (انْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ وَدَعِي الْعُمْرَةَ) رواه البخاري (1556) ومسلم (1211) فالامتشاط غالبا ما يصاحبه تساقط بعض الشعر، ومع ذلك أذن به النبي صلى الله عليه وسلم للمحرم والحائض. يقول فقهاء الشافعية كما في "تحفة المحتاج" (4/56) : " النص على أن الحائض تأخذها " انتهى. (يعني الظفر والعانة والإبط، والمقصود نصُّ المذهب) وجاء في "فتاوى نور على الدرب" للشيخ ابن عثيمين (فتاوى الزينة والمرأة/سؤال رقم 9) : " سمعت بأن مَشط الشعر لا يجوز أثناء الحيض، ولا قص الأظافر والغسل، فهل هذا صحيح أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ليس بصحيح، فالحائض يجوز لها قص أظافرها ومشط رأسها، ويجوز أن تغتسل من الجنابة، مثل أن تحتلم وهي حائض فإنها تغتسل من الجنابة، أو يباشرها زوجها من غير وطِء فيحصل منها إنزال فتغتسل من الجنابة، فهذا القول الذي اشتهر عند بعض النساء من أنها لا تغتسل ولا تمتشط ولا تكد رأسها ولا تقلم أظفارها ليس له أصل من الشريعة فيما أعلم " انتهى. ولا يعرف القول بكراهة ذلك عن أحد من فقهاء الأمة المعتبرين، وإنما تذكره بعض كتب أهل البدع من الطوائف المخالفة لأهل السنة، كما في "شرح النيل وشفاء العليل" (1/347) لمحمد بن يوسف الإباضي. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 101285 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 382 طهرت من الحيض ثم رأت قطرات من الدم [السُّؤَالُ] ـ[امرأة بعد أن طهرت بدأت تجد بعض النقاط الصغيرة من الدم، فهل تفطر ولا تصلي أم ماذا تفعل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " مشاكل النساء في الحيض بحر لا ساحل له، ومن أسبابه استعمال الحبوب المانعة للحمل والمانعة من الحيض. وما كان الناس يعرفون مثل هذه الإشكالات الكثيرة من قبل، صحيح أن الإشكال ما زال موجوداً من بعث الرسول، بل منذ وجد النساء، ولكن كثرته على هذا الوجه الذي يقف الإنسان حيران في حل مشاكله أمر يؤسف له، ولكن القاعدة العامة أن المرأة إذا طهرت ورأت الطهر المتيقن في الحيض، وأعني الطهر في الحيض خروج القصة البيضاء، وهو ماء أبيض تعرفه النساء فما تراه بعد الطهر من كدرة أو صفرة أو نقطة أو رطوبة، فليس بحيض، فلا يمنع من الصلاة، ولا يمنع من الصيام، ولا يمنع من جماع الرجل لزوجته، لأنه ليس بحيض. قالت أم عطية رضي الله عنها: (كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئاً) أخرجه البخاري وزاد أبو داود: (بعد الطهر) , وسندها صحيح. وعلى هذا نقول: كل ما حدث بعد الطهر المتيقن من هذه الأشياء فإنها لا تضر المرأة، ولا تمنعها من صلاتها وصيامها ومباشرة زوجها إياها. ولكن يجب أن لا تتعجل حتى ترى الطهر، لأن بعض النساء إذا جف الدم عنها بادرت واغتسلت قبل أن ترى الطهر، ولهذا كان نساء الصحابة يبعثن إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بالكرسف يعني القطن فيه الصفرة، فتقول لهن: لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء " اهـ. [الْمَصْدَرُ] فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين. "مجموعة أسئلة تهم الأسرة المسلمة" ص (25) . الحديث: 12693 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 383 تأتيها الدورة متقطعة وتزيد وتنقص [السُّؤَالُ] ـ[يشق علي كثيرا تحديد الطهر الحقيقي، ذلك أن حالاتى دائما شبه متجددة، عندي إفرازات شبه ملازمة وتتغير ألوانها وأشكالها وقد يصاحبها دم، أما في الحيض فيسيل الدم بضعة أيام وقد ينقطع ويعود مرارا وهذا من عادة حيضي لكن في الأخير يتجدد عندي الأمر فأحيانا أعرف القصة البيضاء وأحيانا لا وهكذا بين اليبوس وعدمه بين السيلان والانقطاع والطول في المدة والقصر , وقد احترت وأصبحت في حرج ولا أستطيع الخروج من الفتاوى بشيء فقل لي قولا واحدا أتبعه. 2ـ ليس لدينا أولاد ولله الحمد وقد من الله علي بمعرفة طريق الحق وأريد ملأ عمري بعبادة مولاي وحبيبي ربي وإلهي ومن أجل ذلك أطمع كثيرا في تحصيل العلم الشرعي ولطالما انتظرت هذه الفرصة – الإنترنت- فأرجو أن تدلني وتوجهني كيف أطلب ميراث الحبيب صلى الله عليه وسلم وأرجو أن تدلني على أخوات تقيات فقيهات ... أشد على أيديهن .... فإني في غربة وحيرة .... مع العلم أن الوسيلة الوحيدة لدي الآن هي هذه الشبكة نفعنا الله بها 3ـ أرجوك أن تدعو لي بالثبات ولزوجي بالهداية والرجوع إلى الله فإنه بعيد عن الحق وأهله، وكذلك أدع لوالدي وإخوتي، أسأل الله لنا جميعا الهداية والصلاح.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الإفرازات المستمرة، لها حكم سلس البول فعليك أن تتوضئي لكل صلاة بعد خول وقتها، ثم لا يضرك ما نزل بعد ذلك، ولو كان ذلك أثناء الصلاة. ثانيا: الأصل في الدم النازل على المرأة أنه دم حيض، والحيض قد يتقدم ويتأخر، ويزيد وينقص، فإذا جاء الدم فهذا هو الحيض ما لم يتجاوز خمسة عشر يوما، وعند بعض أهل العلم ما لم يبلغ أكثر الشهر. فإن تجاوز خمسة عشر يوماً، كان استحاضة، والمستحاضة كما سبق تتوضأ بعد دخول الوقت لكل صلاة. ثالثا: من النساء من يأتيها الحيض أياما، ثم تطهر، ثم يأتيها الحيض مرة أخرى، والمقصود أن حيضها يكون متقطعاً ويتخلله طهر، وهذا لا إشكال فيه، فإذا طهرت من الحيض، اغتسلت وصلت، فإن عاد إليها الدم فهو حيض، لا تصلي فيه، وهكذا ما لم يتجاوز المجموع خمسة عشر يوما. والطهر يعرف بإحدى علامتين: نزول القصة البيضاء، أو حصول الجفاف التام، بحيث لو احتشت بقطنة ونحوها خرجت نظيفة، فإذا حصل الطهر فاغتسلي وصلي، وإذا لم يحصل فأنت لا زلت في الحيض، ولو كان الدم خفيفا أو متقطعا. رابعا: نهنئك بما أنعم الله عليك من الاستقامة ومعرفة طريق الحق، ونسأله سبحانه أن يزيدك إيمانا وعلما ويقينا، وأن يهدي زوجك، ويصلح حاله، ويقر أعينكم بالذرية المؤمنة الصالحة. ولا شك أن آكد ما عليك الآن هو تحصيل العلم الشرعي الذي تحتاجين إليه لتصحيح عقيدتك وعبادتك ومعاملتك، وهذا القدر من العلم فرض عين على كل مسلم ومسلمة. وطرق تحصيل العلم كثيرة، أهمها حضور مجالس العلم وحلقاته على يد أهله، فإن لم يتيسر ذلك فمتابعة هذه المجالس عبر التلفاز أو الإنترنت أو الأشرطة، وهذا مما يسره الله تعالى في هذه الأزمنة، وإليك بعض الأمثلة والنماذج التي يمكنك الاستفادة منها: 1- متابعة قناة المجد العلمية، والانتظام في سماع ما يلقى فيها من دروس في علوم شتى، ومتابعة الأكاديمة العلمية على الإنترنت: http://www.islamacademy.net/Arabic/index.asp 2- الدراسة في إحدى الجامعات التي تتاح فيها الدراسة عن بعد. 3- الاستفادة من المواقع الإسلامية، المشتملة على البحوث والفتاوى، كموقعنا هذا، وموقع الشبكة الإسلامية، وموقع وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، وغير ذلك من المواقع الإسلامية الرائدة. 4- التعرف على بعض الصالحات والاستفادة من صحبتهن، من خلال بعض المنتديات النسائية، كمنتدى لك: http://www.lakii.com/ ويمكنك الوصول إلى كثير من المواقع النافعة، عن طريق هذا الرابط: http://www.sultan.org/a/ 5- حضور المحاضرات الدعوية التي تقام في المساجد أو المراكز الإسلامية. 6- الالتحاق ببرامج تحفيظ القرآن الكريم في المساجد أو في دور التحفيظ. إلى غير ذلك من الوسائل الكثيرة المتنوعة. نسال الله لنا ولك التوفيق والثبات. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 100013 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 384 هل يشترط غسل الخرق من دم الحيض قبل رميها [السُّؤَالُ] ـ[هناك عادة عند صديقاتي المسلمات أنهن يغسلن الفوط النسائية التي يستعملنها وقت العادة الشهرية قبل أن يرمينها بعد الاستعمال. هل صحيح أننا يجب أن نفعل هذا مع أننا نستعمل نوع الفوط التي تُستعمل مرة واحدة فقط ثم تُرمى؟ قيل أن هناك نوع من الهستيريا والمضايقة تصيب من لا تغسل فوطها جيداً قبل أن ترميها. قالوا أن الشيطان والجن يحبون أكل دم الحيض المتبقي على الفوط غير المغسولة جيداً وبعدها يؤذون التي لا تغسلها جيداً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فلم يذكر أحد من أهل العلم المعتبرين أن المرأة ينبغي لها أن تغسل الخرقة التي يكون فيها شيء من دم الحيض إذا كانت ستلقيها، ولن تستخدمها، بل ظاهر فعل الصحابيات أنهن لم يكن يغسلن هذه الخرق، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم بذلك، ولم يرد أنه نهاهن فقد روى الترمذي (61) وغيره من أهل السنن عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ وَهِيَ بِئْرٌ يُلْقَى فِيهَا الْحِيَضُ وَلُحُومُ الْكِلَابِ وَالنَّتْنُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ لا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ " وهو حديث صحيح صححه أحمد ويحي بن معين وابن خزيمة وابن تيمية وغيرهم رحمهم الله. والمقصود بالحيض: بِكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِ الياءِ جَمْعُ حِيْضَةٍ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَسُكُونِ الياء وَهِيَ الْخِرْقَةُ الَّتِي تُسْتَعْمَلُ فِي دَمِ الْحَيْضِ كما قال المباركفوري عند شرحه لهذا الحديث. فالظاهر أنهم كانوا يرمونها ملوثة بالدم، وإلا لم يستنكر الصحابة طهارة الماء الذي توجد فيه هذه الخرق. فما تذكره صديقاتك لا يعلم له أساس من الصحة بل هو من الخرافات والتخرصات والرجم بغير علم، وما أكثر ما أشيع مثل هذه الأمور عند العامة ولذلك لابد من المطالبة بالبينة والدليل والرجوع إلى أهل العلم وكتب العلم ورفض هذه الخزعبلات والتحذير منها، وعلى الشخص أن يتحصن من شر شياطين الإنس والجن بكثرة الذكر وتلاوة القرآن والاستقامة على الأوامر الشرعية، وأن يبتعد عن الأوهام، والأساطير التي لا تثبت. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 20009 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 385 حكم السائل البنّي القاتم إذا نزل على المرأة بعد انتهاء حيضها [السُّؤَالُ] ـ[أنا أعاني من هذه المشكلة كل عام في رمضان، فعندما أنتهي من الدورة بعد اليوم السابع، وأغتسل استعدادا للصيام والصلاة، ينزل مني مرة أخرى سائل بني قاتم اللون، وقد ذكرتَ أن المسلمة يمكنها أن تصلي، لكن هل تستطيع المسلمة أن تصوم؟ وأيضا هل على المرأة أن تغتسل مرة أخرى (الوضوء) ؟ كل الذين طرحت عليهم هذه الأسئلة أجابوني بإجابات مختلفة. أرجو أن تساعدني بتوضيح الحكم حول ذلك توضيحا شافيا، هل أصوم وأصلي؟ أم علي أن أقضي ذلك اليوم كغيره من الأيام التي فاتتني (بسبب الدورة) ؟ وهل يمكنك أن تقدم لي دعاء محددا يمكنني قوله كي أغتسل وأصبح طاهرة مرة أخرى، أعلم بالدعاء التالي: " نويت طهارة الحدث فهل يكفي ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إذا كان لها عادة مستمرة وكان هذا السائل ينزل عليها بعد انتهاء عادتها فهذا ليس من الحيض وإنما هو استحاضة. فلا تلتفت إليه وتتوضأ لكل صلاة وتصوم. وإن كانت ترى الطهر ـ القصّة البيضاء ـ وكان هذا السائل ينزل عليها بعد الطهر، فلا تلتفت إليه. كالحالة الأولى. وإن كان هذا في أيام عادتها فهو حيض، فلا تصلي ولا تصوم. ثانيا: ليس هناك دعاء مخصوص يُقال حتى تطهر المرأة من حيضها، ويراجع سؤال رقم:12897 ثالثا: النيّة محلّها القلب، ولا يجوز التلفّظ بها،فلا يصح أن تقولي قبل أي عمل صالح تعملينه: نويت أن أفعل كذا وكذا، لأن ذلك لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وخير الهّدْي هديه، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة. وللأهمية يراجع سؤال رقم: 13337. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 14230 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 386 ما هي المدة بين الحيضتين [السُّؤَالُ] ـ[ما أقل مدة الطهر؟ الدورة الشهرية غير منتظمة لدي فأحيانا تغيب اشهر وأحيانا أخرى تتقدم عن موعدها وقد اغتسلت من الدورة قبل عشرة أيام وخلال تلك الفترة كانت هنالك صفرة خفيفة بين الحين والآخر ولكن بعد عشرة أيام ازدادت لتصبح دورة جديدة مع آلامها ولون دمها؟ قيل لي علي الاغتسال والصلاة لان أقل الطهر 15 يوما أفتوني جزاكم الله خيرا لأني تركت الصلاة ظنا مني أنها حيض؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حدّ لأقل الطهر بين الحيضتين، بل متى رأت الدم أي دم الحيض الأسود المعروف المنتن فعليها أن تجلس فلا تصوم ولا تصلي، شريطة أن لا يتعدى مجموع حيضها نصف المدة (خمسة عشر يوماً في الشهر) . والصُفرة والكُدرة بعد الطهر ليست بشيء، وليس لها حكم الحيض. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد الكريم الخضير الحديث: 20898 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 387 تناولت حبوباً فاضطربت العادة [السُّؤَالُ] ـ[امرأة تناولت حبوب وحقن طبيه لمنع الحمل فأدى ذلك إلى اضطراب في مواعيد الدورة الشهرية فترى الدم عشرة أيام هي مدة دورتها، ثم تطهر عشرة أيام فترى الدم مرة أخرى على الهيئة السابقة وهكذا فما الحكم الشرعي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا اضطربت عادة المرأة الشهرية المعتادة فإنها تعمل بالتمييز، فمتى رأت دم الحيض وهو دم أسود معروف له رائحة، فإنها تجلس حتى تطهر. الشيخ: عبد الكريم الخضير. وهذا ما لم يزد مجموع أيام العادة عن خمسة عشر يوماً في الشهر. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 25784 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 388 حكم من طهرت من النفاس ثم عاد الدم [السُّؤَالُ] ـ[إذا طهرت النفساء قبل الأربعين هل تصوم وتصلي أم لا؟ وإذا جاءها الحيض بعد ذلك هل تفطر؟ وإذا طهرت مرة ثانية هل تصوم وتصلي أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا طهرت النفساء قبل تمام الأربعين وجب عليها الغسل والصلاة وصوم رمضان وحلت لزوجها فإن عاد عليها الدم في الأربعين وجب عليها ترك الصلاة والصوم وحرمت على زوجها في أصح قولي العلماء وصارت في حكم النفساء حتى تطهر أو تكمل الأربعين فإذا طهرت قبل الأربعين أو على رأس الأربعين اغتسلت وصلت وصامت وحلت لزوجها وإن استمر الدم بعد الأربعين فهو دم فساد لا تدع من أجله الصلاة ولا الصوم بل تصلي وتصوم في رمضان وتحل لزوجها كالمستحاضة وعليها أن تستنجي وتتحفظ بما يخفف عنها الدم من القطن ونحوه وتتوضأ لوقت كل صلاة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المستحاضة بذلك إلا إذا جاءتها الدورة الشهرية أعني الحيض فإنها تترك الصلاة والصوم وتحرم على زوجها حتى تطهر من حيضها وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى الشيخ ابن باز الحديث: 7417 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 389 ماذا تفعل النفساء إذا رأت الصفار [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم خروج الصفار أثناء النفاس وطول الأربعين هل أصلي وأصوم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما يخرج من المرأة بعد الولادة حكمه كدم النفاس سواء كان دماً عادياً أو صفرة أو كدرة لأنه في وقت العادة حتى تتم الأربعين، فما بعدها إن كان دماً عادياً ولم يتخلله انقطاع فهو دم نفاس وإلا فهو دم استحاضة أو نحوه. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى الشيخ ابن باز. الحديث: 7419 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 390 حكم الدعاء للحائض [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للحائض أن تدعو خلال فترة الحيض؟ ما هي الطريقة الصحيحة لفعل هذا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله جاء السؤال التالي في كتاب: فتاوى إسلامية 1/239: س: هل يجوز للحائض قراءة كتب الأدعية يوم عرفة على الرغم من أن بها آيات قرآنية؟ جـ: لا حرج أن تقرأ الحائض والنفساء الأدعية المكتوبة في مناسك الحج، ولا بأس أن تقرأ القرآن على الصحيح أيضاً لأنه لم يرد نص صحيح صريح يمنع الحائض والنفساء من قراءة القرآن، إنما ورد في الجنب خاصة بأن لا يقرأ القرآن وهو جنب، لحديث علي رضي الله عنه وأرضاه، أما الحائض والنفساء فورد فيهما حديث ابن عمر (لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن) ولكنه ضعيف، لأن الحديث من رواية إسماعيل بن عياش عن الحجازيين وهو ضعيف في روايته عنهم. ولكنها تقرأ بدون مس المصحف، عن ظهر قلب، أما الجنب فلا يجوز له أن يقرأ القرآن لا عن ظهر قلب ولا من المصحف حتى يغتسل، والفرق بينهما أن الجنب وقته يسير، وفي إمكانه أن يغتسل في الحال من حين يفرغ من إتيان أهله، فمدته لا تطول، والأمر في يده متى شاء اغتسل وإن عجز عن الماء تيمم وصلى وقرأ، أما الحائض والنفساء فليس الأمر بيدهما وإنما هو بيد الله عز وجل.. والحيض يحتاج إلى أيام والنفاس كذلك، ولهذا أبيح لهما قراءة القرآن لئلا تنسياه ولئلا يفوتهما فضل القراءة وتعلم الأحكام الشرعية من كتاب الله، فمن باب أولى أن تقرأ الكتب التي فيها الأدعية المخلوطة من الآيات والأحاديث إلى غير ذلك.. هذا هو الصواب وهو أصح قولي العلماء رحمهم الله في ذلك. الشيخ ابن باز وورد السؤال التالي: س: إنني أقوم بقراءة بعض تفاسير القرآن ولست على طهارة.. كالدورة الشهرية مثلاً فهل في ذلك حرج علي، وهل يلحقني إثم على ذلك؟ جـ: لا حرج على الحائض والنفساء في قراءة كتب التفاسير ولا في قراءة القرآن من دون مس المصحف في أصح قولي العلماء، أما الجنب فليس له قراءة القرآن مطلقا حتى يغتسل، وله أن يقرأ في كتب التفسير والحديث وغيرهما من دون أن يقرأ ما في ضمنها من الآيات، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يحجزه شيء عن قراءة القرآن إلا الجنابة، وفي لفظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال في ضمن حديث رواه الإمام أحمد بإسناد جيد: (أما الجنب فلا ولا آية) الشيخ ابن باز، [الْمَصْدَرُ] فتاوى إسلامية 1/239 الحديث: 5048 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 391 تنزل عليها نقاط بنية متفرقة قبل نزول الدم [السُّؤَالُ] ـ[الدورة الشهرية لا تأتي طبيعية بل لابد من أخذ حبوب لإنزالها، ومنذ شهرين أخذت علاجا لإنزالها فلم تنزل ثم أخذت هذا الشهر حبوبا لإنزالها، فنزل في اليوم المفترض نزولها فيه مني نقط بلون بني وهذه النقط متقطعة خلال اليوم ثم في اليوم التالي نزل مني نقط حمراء اللون وبدأت كمية الدم تصبح قريبا من الطبيعية. سؤالي: هل اليوم الأول الذي نزلت فيه النقط البنية اللون أمتنع من الصلاة أم أصلي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الذي يظهر - والله أعلم - أن هذه النقاط ما دامت في زمن العادة، ومتصلة بالدم النازل بعدها، فهي من الحيض، فتمتنعين فيها من الصلاة والصوم. سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: قبل حلول الدورة الشهرية تأتي معي مادة بنية اللون تستمر خمسة أيام، وبعد ذلك يأتي الدم الطبيعي ويستمر الدم الطبيعي لمدة ثمانية أيام بعد الأيام الخمسة الأولى. وتقول: أنا أصلي الأيام الخمسة، ولكن أنا أسأل: هل يجب علي صيام وصلاة هذه الأيام أم لا؟ فأجاب: " إذا كانت الأيام الخمسة البنية منفصلة عن الدم فليست من الحيض، وعليك أن تصلي فيها وتصومي وتتوضئي لكل صلاة؛ لأنها في حكم البول، وليس لها حكم الحيض، فهي لا تمنع الصلاة ولا الصيام، ولكنها توجب الوضوء كل وقت حتى تنقطع، كدم الاستحاضة. أما إذا كانت هذه الخمسة متصلة بالحيض فهي من جملة الحيض، وتحتسب من العادة، وعليك ألا تصلي فيها ولا تصومي " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (10/207) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98071 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 392 رأت قطرات من الدم أثناء الحمل فهل تترك الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[إذا خرجت قطرات متقطعة من المرأة أثناء الحمل فهل تواصل الصلاة أثناء الحمل أم أنها يجب أن تتوقف عن الصلاة لأن هذا عذر لها؟ أم أنها تتوقف عن الصلاة ثم تقضي بعد توقف القطرات؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الدم الذي يخرج من الحامل قد يكون دم حيض وقد يكون دم فساد وقد يكون دم نفاس، فيكون دم نفاس إذا خرج في وقت الطلْق – وبعض العلماء يقول: ولو كان قبل يومين أو ثلاثة من الوضع. قال شيخ الإسلام: فأما الذي تراه قبل الوضع بيومين أو ثلاثة فهو نفاس؛ لأنه دم خارج بسبب الولادة فكان نفاساً كالخارج بعدها، وهذا لأن الحامل لا تكاد ترى الدم فإذا رأته قريب الوضع فالظاهر أنه بسبب الولد لا سيما إن كان قد ضربها المخاض. " شرح العمدة " (1 / 514، 515) . ويكون دم حيض إذا كان على صفة دم الحيض وفي وقته وهو اختيار الشيخ محمد بن إبراهيم وابن عثيمين، انظر فتاوى محمد بن إبراهيم 2/97 قال الشيخ ابن عثيمين: والراجح: أن الحامل إذا رأت الدم المطرد الذي يأتيها على وقته وشهره وحاله: فإنه حيض تترك من أجله الصلاة والصوم وغير ذلك، إلا أنه يختلف عن الحيض بأنه لا عبرة به في العدَّة؛ لأن الحمل أقوى منه. " الشرح الممتع " (1 / 405) . والقول بأن الحامل قد تحيض هو من مذهب الشافعي ورواية عن أحمد واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية كما في الاختيارات ص 59، غير أن خروج الحيض من الحامل نادر. ويكون دم فساد إذا كان غير هذا وذاك، وهو الدم الأحمر الذي يخرج في الاستحاضة، وهو الذي يسمَّى عند عامة النساء " النزيف ". فهذا لا يمنع المرأة من الصلاة ولا من الصيام بل هي في حكم الطاهرات. فتاوى الشيخ ابن عثيمين 2/270 وهذا القسم الثالث هو المنطبق على الحالة المذكورة في السؤال، فهذه القطرات من الدم ليس حيضاً فلا تمنع المرأة من الصلاة ولا من الصيام ولا تأخذ أحكام الحائض. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال سؤال وجواب الحديث: 23400 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 393 مشكلة السائل الأصفر في الدورة الشهرية [السُّؤَالُ] ـ[عندي مشكلة تتعلق بالدورة. ففي كل مرة أغتسل فيها بعد انقضاء الدورة، ينزل مني سائل يميل إلى الصفرة والبياض. وهذا السائل ينزل أيضا في غير أوقات الدورة. فهل علي الانتظار إلى أن أرى السائل الأصفر كي أغتسل؟ في بعض الأحيان ينزل السائل بغزارة وفي أحايين أخرى لا يكون كذلك. أحيانا ينزل مني هذا السائل الذي يميل إلى الصفرة والبياض، وفي أحايين أخرى لا ينزل. أحتاج حقا أن أعرف لأنه من الصعب علي أن أحدد متى أبدأ صلاتي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الشيء المعتاد من النساء أولا نزول الدم الخالص، ثم يعقبه كُدرة، ثم صُفرة، ثم ينزل السائل الأبيض المسمى: القصّة البيضاء وهو علامة الطُهر، وبعض النساء تنقطع منهن الصفرة، ولا ينزل معهن سائل أبيض بعد ذلك وإنما يكون معها جفاف، فإذا استمر الجفاف يوما كاملا تقريبا فهو طهارة - وإن لم تنزل القصّة البيضاء - إلا إذا كانت المرأة معتادة نزول الدم والكدرة والصفرة زمنا معينا كسبعة أيام مثلا ثم يأتي الجفاف فهذه عليها أن تغتسل وتصلي ولا يلزمها الانتظار يوما كاملا. فإن رأت المرأة الطهارة سواء سائلا أبيض أو جفافا أكثر من يوم ثم نزل معها بعد ذلك كدرة أو صفرة فلا شيء عليها، ولا تعتبره شيئا بل هي باقية على طهارتها، إلا أن يخرج منها دم، لقول أم سلمة رضي الله عنها: كنا لا نعدّ الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئا. وبناءا على ما سبق فأنت ينبغي ان تحددي عادتك، فإما أن تكون عادتك مضطربة، أو تكون عادتك منتظمة. فالمضطربة تنتظر حتى تطهر إلا أن يستمر معها الدم وتوابعه خمسة عشر يوما فإذا بلغ هذه المدة ولم تطهر فتغتسل وتصلي ولا شيء عليها إن شاء الله. والمنتظمة فهي على التفصيل الذي سبق. [الْمَصْدَرُ] الشيخ سعد الحميد الحديث: 13948 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 394 أسقطت بعد شهرين من الحمل وتسأل عن صيامها أثناء نزول الدم [السُّؤَالُ] ـ[امرأة نزل معها الدم قبل إسقاط الجنين بيومين في رمضان وبعد الإسقاط بيومين علماً أن الجنين عمره شهران فهل تقضي الصوم أم ماذا تفعل؟ علماً أنها صامت ولم تفطر.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا أسقطت المرأة جنينها ولم يتبين فيه خلق الإنسان كالرأس والأطراف، ولو بالتخطيط فقط، فالدم النازل معه دم فساد، لا يمنع الصلاة والصوم. وإن تبين فيه خلق إنسان فهو دم نفاس، وأقل مدة يتبين فيها خلق الإنسان هي واحد وثمانون يوما، كما هو مبين في الجواب رقم (37784) ورقم (45564) وإذا كان الأمر كما ذكرت من أن عمر الجنين شهران، فالدم النازل قبل الإسقاط وبعده، دم فساد، لا دم نفاس، وقد أصابت المرأة في صومها تلك الأيام، ولا قضاء عليها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 95762 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 395 يتقطع طهرها وينزل عليها صفرة في اليوم الحادي عشر [السُّؤَالُ] ـ[امرأة ينزل عليها دم الحيض الأربع الأيام الأولى ثم بعد ذلك الدورة تنقطع في اليوم الخامس وفي اليوم السادس ينزل عليها دم يسير ... ويوم السابع والثامن والتاسع ينزل عليها شيء يختلف عن دم الحيض في فترة الظهر فقط.. واليوم الحادي عشر ينزل صفرة ... علماً أنها لا ترى القصة البيضاء.. هل صيام يوم الحادي عشر تقضيه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: المرأة قد تحيض أحد عشر يوما، وأكثر من ذلك، إلى خمسة عشر يوما، عند جمهور الفقهاء، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا حد لأكثر الحيض، إلا إذا أطبق عليها الدم الشهر كله أو أكثره فتكون مستحاضة. ثانيا: الطهر من الحيض يعرف بإحدى علامتين: الأولى: نزول القَصَّة البيضاء، وهي ماء أبيض تعرفه النساء. الثانية: حصول الجفاف التام، بحيث لو وضعت في المحل قطنة أو نحوها، خرجت نظيفة ليس عليها أثر من دم أو صفرة. ثالثا: الصفرة والكدرة المتصلة بالحيض، لها حكم الحيض، فإن جاءت بعد تحقق الطهر، فلا يُلتفت إليها؛ لحديث أم عطية رضي الله عنها قالت: (كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئاً) . رواه أبو داود (307) . وصححه الألباني في صحيح أبي داود. وبناء على ذلك نقول: 1- انقطاع الدم في اليوم الخامس: إن كان المراد منه حصول الجفاف التام، فيلزمك حينئذ الغسل والصلاة والصيام لكونك قد طهرت. وإن لم يكن قد حصل الجفاف التام، فالحيض باق. 2- إذا لم يحصل جفاف تام خلال اليوم السابع إلى الحادي عشر، فالجميع حيض، والصفرة الحاصلة في اليوم الحادي عشر، تعتبر حيضا، كما سبق؛ لأنها لم تأت بعد الطهر، بل جاءت متصلة بما له حكم الحيض. وأما إن حصل جفاف تام خلال هذه الأيام، ولو لمدة ساعات، فهذه الجفاف يعتبر طهرا، تغتسل له المرأة، وتصلي ما فيه من الصلوات. 3- صيام اليوم الحادي عشر، يتوقف حكمه على ما سبق بيانه، فإن كانت هذه الصفرة واقعة بعد علامة الطهر، القصة أو الجفاف، فليست حيضا، ويصح صيام ذلك اليوم، وإن كانت لم يسبقها علامة الطهر، فهو حيض، ولا يصح صيام ذلك اليوم، ويلزم قضاؤه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 95421 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 396 هل يجامع زوجته الحائض ويخرج الكفارة نظرا لطول مدة الحيض؟ [السُّؤَالُ] ـ[مدة حيضي 10 أيام وأجلس 5 أيام أرى فيها صفرة فقط وزوجي لا يحتمل مدة حيضي ويتضايق كثيرا فهل له أن يجامع قبل العشرة ثم يدفع كفارة وخصوصا أن الوقت بين الحيضتين 16 يوما فقط؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا كانت الصفرة بعد الحيض متصلة به، فهي جزء من الحيض، فلا يجوز فيها الجماع ولا الصلاة ولا الصوم. وإن جاءت الصفرة بعد الطهر من الحيض، فلا تعتبر شيئا. وأما الصفرة قبل الحيض المتصلة به فإن صاحبها آلام الحيض التي تصيب المرأة فهي حيض، وإن لم تصاحبها تلك الآلام فليست بحيض. وانظر جواب السؤال رقم (37840) والطهر من الحيض يحصل بإحدى علامتين: نزول القصة البيضاء، أو جفاف المحل بحيث لو احتشت بقطنة أو نحوها خرجت نظيفة لا أثر بها من دم أو صفرة أو كدرة. ثانيا: لا يجوز للزوج أن يجامع زوجته في فترة الحيض؛ لقوله تعالى: (وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِين) البقرة/222 فلا يجوز جماع الحائض حتى تطهر وتغتسل. وقد ورد الوعيد الشديد في إتيان الحائض، كما روى الترمذي (135) وأبو داود (3904) وابن ماجه (639) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. وللزوج أن يستمتع بزوجته الحائض فيما عدا الوطء، وينظر السؤال رقم (36722) وليس للزوجة أن توافق زوجها على ذلك المنكر، بل يجب أن تأبى وتمتنع منه. وعلى الزوج أن يتقي الله تعالى، وأن يحذر من الاستمتاع المحرم، ففي الحلال غنية وكفاية، والوطء في الحيض مع كونه محرما، هو مضر مؤذٍ للرجل والمرأة. وينظر السؤال رقم (43028) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 94963 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 397 زادت أيام عادتها بسبب اللولب [السُّؤَالُ] ـ[أثناء شهر رمضان زوجتي ذهبت لتركيب لولب بعد أن أتتها الحيضة وزادت أيام الحيض وأفطرت أحد عشر يوما وثبت بعد ذلك أن أربعة أيام منها ليس بدم حيض ولكن دم نزيف ... ما حكم هذه الأيام؟ وهل هناك كفارة؟ وما هي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا زادت أيام نزول الدم بسبب اللولب، وكان الدم متصلا، فالجميع حيض، كأن تكون عادتها سبعة أيام فتزيد إلى أحد عشر يوما. أما إذا انقطع الدم بعد الأيام السبعة، وتحققت من الطهر، ثم جاءها أربعة أيام، مخالفا لدم الحيض المعروف، وكان ذلك بسبب اللولب، فهذه الأربعة لا تعد حيضا وإنما هي استحاضة. وكذلك إذا تبين بالطب أن الدم النازل دم نزيف لا دم حيض، فيكون استحاضة. ثانيا: إذا أفطرت المرأة عند رؤية الدم ظنا منها أنه دم حيض، ثم تبين أنه دم استحاضة، فلا شيء عليها غير قضاء الأيام التي أفطرتها. والحاصل: أنه إذا ثبت أن هذه الأيام لم تكن حيضاً فليس عليها إلا القضاء فقط. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 94824 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 398 ترى نقطة من الدم فهل تصوم؟ [السُّؤَالُ] ـ[عندما أدخل الخلاء لقضاء الحاجة أجد في المكان الذي قضيت فيه حاجتي نقطة من الدم مما يثير قلقي وشكي في أن أكون حائضاً فهل أصلى وأكمل صيامي أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الذي يظهر أن نزول نقطة دم لا يكون حيضا، فلا تمنع من الصلاة والصيام. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن امرأة نزل منها في رمضان نقط بسيطة واستمر معها هذا الدم طوال الشهر، وهو تصوم، فهل صومها صحيح؟ فأجاب: " نعم، صومها صحيح، وأما هذه النقط فليست بشيء لأنها من العروق " انتهى. "فتاوى المرأة المسلمة" (1/137) . وقال أيضاً: " القاعدة العامة أن المرأة إذا طهرت ورأت الطهر المتيقن في الحيض وفي النفاس وأعني الطهر في الحيض خروج القصة البيضاء، وهو ماء أبيض تعرفه النساء، فما بعد الطهر من كدرة، أو صفرة، أو نقطة، أو رطوبة، فهذا كله ليس بحيض، فلا يمنع من الصلاة، ولا يمنع من الصيام، ولا يمنع من جماع الرجل لزوجته، لأنه ليس بحيض" انتهى. 60 " سؤالا في الحيض". [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93793 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 399 نزول الكدرة بعد يوم من الحيض [السُّؤَالُ] ـ[جاءتني الدورة أول يوم وبعدين توقفت وقام ينزل إفرازات بنيه بعدين نزلت (يعني دورتي أربعة أيام) بعدين يوم ولا شيء اغتسلت ورحت أصلي التراويح وصليت وقرأت قرآن وصمت ثم نزلت علي الدورة بالليل هل علي قضاء هذا اليوم؟ والقرآن الذي قرأته أعيد قراءته؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الطهر من الحيض يعرف بإحدى علامتين: الأولى: نزول القصة البيضاء، وهي ماء أبيض تعرفه النساء. الثانية: حصول الجفاف التام، بحيث لو وضعت في المحل قطنة ونحوها، خرجت نظيفة ليس عليها أثر من دم أو صفرة. والحائض قد ترى الدم يوما أو يومين أو أكثر، ثم تطهر مدة يوم أو أكثر، ثم يأتيها الدم مرة ثانية. والكدرة (الإفرازات البنية) إن نزلت بعد تحقق الطهر، فلا تعتبر حيضا. وإن نزلت قبل حصول الطهر، فهي جزء من الحيض. وبناء على ذلك نقول: 1- توقف الدم بعد اليوم الأول: إن كان المراد منه حصول الجفاف التام، فيلزمك حينئذ الغسل والصلاة والصيام لكونك قد طهرت. وإن لم يكن قد حصل الجفاف التام، فالحيض باق، والكدرة التي نزلت بعده تعتبر جزءا من الحيض. 2- وإذا كان الدم قد توقف بعد أربعة أيام ورأيت القصة البيضاء أو حصل الجفاف التام، فقد أصبت في اغتسالك وصلاتك وصومك. فإن عاد الدم ونزل في الليل، فهو حيض، ولا يؤثر على صلاتك وصومك في ذلك اليوم، فالصلاة صحيحة والصوم صحيح. 3- وأما قراءة القرآن فهي جائزة للحائض وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (2564) وإنما تمنع الحائض من مس المصحف، فإذا أرادت أن تقرآ القرآن فلتلبس قفازا أو تقلب صفحات المصحف بمنديل حتى لا تكون قد مست المصحف. وعلى كل حال، لا يلزمك إعادة ما قرأت من القرآن، ولك ثوابه إن شاء الله تعالى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93772 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 400 انقطع حيضها ثم رأت قطرات من الدم [السُّؤَالُ] ـ[امرأة تبلغ من العمر 46عاما مصابة بتليف بسيط (قليل) في الرحم انقطع عنها الحيض من يوم20 يونيو والآن أتاها الدم يوم 3 أكتوبر أي بعد مضي ثلاث أشهر و12 يوما تقريبا لونه أحمر فاتح، قليل لا يتعدى المخرج، ولذلك لا تستطيع تميزه، هل تترك الصيام والصلاة أم أنه يكون حالة مرضية من إصابتها بالتليف؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الدم الذي يمنع المرأة من الصلاة والصوم والجماع هو دم الحيض، وقد جعل الله تعالى له علاماتٍ لا تخفى على النساء، فمن حيث اللون فهو أسود، ومن حيث الرائحة فله رائحة كريهة، وهو – كذلك – ثخين، وما عدا ذلك فلا يكون دم حيض، ويكون دم استحاضة، وهو ما تسميه النساء " النزيف "، وهذا الدم لا يمنع من الصلاة والصيام والجماع. والذي يظهر بحسب وصف لون الدم الخارج وقلته أنه ليس دم حيض، وبناء عليه: فيجب عليها الصلاة والصيام، ويجوز لزوجها – إن كانت متزوجة - جماعها. وقد ذكرنا الفروقات بين دم الحيض ودم الاستحاضة في جوابنا على السؤال رقم (5595) فلينظر فهو مهم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93559 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 401 أدركت من وقت الصلاة قدر التحريم [السُّؤَالُ] ـ[أنا امرأة جاءني الحيض بعد أن غربت الشمس بدقائق، فهل ألزم بقضاء صلاة المغرب، إذا طهرت من الحيض؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف العلماء رحمهم الله، فيمن جاءه المانع – أي: الذي يمنع من الصلاة -، كالجنون والحيض بعد دخول وقت الصلاة، هل يلزمه قضاء تلك الصلاة بعد زوال المانع؟ على أقوال: القول الأول: أن من أدرك من وقت الصلاة قدر تكبيرة الإحرام، ثم جاءه المانع، فإنه يلزمه قضاء تلك الصلاة إذا زال المانع. قال البهوتي رحمه الله في "كشاف القناع" (1/260) : " وَمَنْ أَدْرَكَ مِنْ أَوَّلِ وَقْتِ مَكْتُوبَةٍ قَدْرَ تَكْبِيرَةٍ ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ مَانِعٌ مِنْ جُنُونٍ أَوْ حَيْضٍ وَنَحْوِهِ كَنِفَاسٍ، ثُمَّ زَالَ الْمَانِعُ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهَا ; لَزِمَهُ قَضَاءُ الصَّلَاةِ الَّتِي أَدْرَكَ التَّكْبِيرَةَ مِنْ وَقْتِهَا فَقَطْ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ تَجِبُ بِدُخُولِ أَوَّلِ الْوَقْتِ عَلَى المكلف " انتهى. القول الثاني: أنه إذا مضى زمن يمكن فيه فعل الفريضة، ثم حصل المانع من جنون أو حيض، فإنه يلزمه قضاء تلك الصلاة إذا زال المانع، وإذا كان الوقت الذي أدركه أقل مما يمكن فيه فعل الفريضة فلا يجب قضاؤها. وانظر "المجموع" (3/50،72-73) القول الثالث: أنه لا يلزم قضاء الصَّلاة، إلا إذا أدرك من وقتها ما يكفي لصلاة ركعة كاملة؛ لما روى البخاري (580) ومسلم (954) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ) . وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "فتاوى نور على الدرب" عن: امرأة دخل عليها وقت صلاة الظهر فانشغلت ببعض أمورها، وقبل خروج الوقت همت بالصلاة إلا أنها حاضت فهل تصلي إذا طهرت؟ فأجاب: " الصحيح أن المرأة إذا طهرت وقد أدركت من الوقت مقدار ركعة وجب عليها أن تقضي الصلاة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) ، وهذه أدركت من وقتها ركعة فيجب عليها أن تقضي الصلاة " انتهى. فيجب على من أدركت من الصلاة قدر ركعة، ثم جاءها الحيض أن تقضي تلك الصلاة إذا طهرت من الحيض. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93632 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 402 يحصل لها الجفاف ثم تنزل عليها القصة البيضاء بعد أسبوع [السُّؤَالُ] ـ[عادتي الشهرية كانت في السابق 6 إلى 7 أيام وكنت أعرف طهري عند عدم رؤية الدم لأن القصة البيضاء لا تنزل إلا بعد حوالي أسبوع أو أكثر، فهل صلاتي وصيامي مقبولان؟ مشكلتي الآن هي أن عادتي الشهرية اضطربت منذ حوالي 3 أشهر فأصبحت مرة يومين ومرة أخرى 3 أو 4 أيام وأنا الآن لا أعرف ماذا أفعل؟ كم يجب أن أنتظر لأعلم طهري لأن القصة البيضاء كما ذكرت لكم لا تنزل إلا بعد حوالي أسبوع، فهل أصلي وأصوم؟ علما أني البارحة في يوم رمضان وجدت بعض الخيوط بنية اللون فأفطرت. وهل يجب علي تأخير الغسل حتى أرى القصة البيضاء وتكون قد طالت المدة؟ فهل أستطيع الصوم فقط لأن الصلاة لا تجوز؟ وهل أقضي هذه الأيام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الطهر يعرف بإحدى علامتين: الأولى: انقطاع الدم وجفاف المحل بحيث لو احتشت المرأة بقطنة ونحوها خرجت نظيفة ليس عليها أثر من دم أو صفرة أو كدرة. الثانية: نزول القصة البيضاء، وبعض النساء لا ترى هذه القصة. وما ذكرت أن عادتك كانت ستة إلى سبعة أيام، وأنه يحصل الجفاف بعد ذلك، كاف في الحكم بطهارتك من الحيض، وليس عليك أن تنتظري نزول القصة. قال النووي رحمه الله: " علامة انقطاع الحيض ووجود الطهر: أن ينقطع خروج الدم وخروج الصفرة والكدرة , فإذا انقطع طهرت سواء خرجت بعده رطوبة بيضاء أم لا " انتهى من "المجموع" (2/562) . ثانيا: إذا جاءك الحيض مدة يومين أو ثلاثة أو أربعة، ثم انقطع، وجف المحل تماما، فقد طهرت، ولزمك الصوم والصلاة، ولا تنتظري نزول القصة. أما إذا كان المحل لم يجف، بل هناك صفرة أو كدرة، فلا تعجلي حتى يحصل النقاء التام أو تنزل القصة، فقد كانت النساء تبعث إلى عائشة رضي الله عنها بالقطنة فيها الصفرة، فكانت تقول لهن: لا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ. تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضَةِ. رواه البخاري تعليقاً. ثالثا: ما ذكرت من الخطوط البنية، لا تعد حيضا إذا نزلت قبل العادة أو بعدها، أما إذا كانت متصلة بالدم، فتعد حيضا؛ لحديث أم عطية رضي الله عنها قالت: (كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئاً) رواه البخاري (326) وأبو داود (307) . ولا فرق بين الصلاة والصوم بالنسبة للحائض، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم عن المرأة: (أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟) رواه البخاري ومسلم. فالمرأة الحائض يحرم عليها الصلاة والصوم، غير أنها تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة. فإن كانت هذه الخيوط البنية نزلت بعد الطهر فليست بشيء، فلا تمنعك من الصلاة والصيام، وإن كانت نزلت قبل الطهر فهي حيض، فيحرم عليك الصلاة والصوم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93455 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 403 جامع زوجته وهي حائض جاهلا بالحكم الشرعي [السُّؤَالُ] ـ[جامعت زوجتي وهي حائض، ولم أكن أعرف ما حكم جماع الحائض. أفيدونا جزاكم الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الجهل بالحكم الشرعي عذر عند الله سبحانه وتعالى، فقد رحم الله هذه الأمة وخفف عنها، فرفع عنها الإثم في حالات الجهل والنسيان والإكراه. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ) قَالَ: دَخَلَ قُلُوبَهُمْ مِنْهَا شَيْءٌ لَمْ يَدْخُلْ قُلُوبَهُمْ مِنْ شَيْءٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَسَلَّمْنَا. قَالَ: فَأَلْقَى اللَّهُ الإِيمَانَ فِي قُلُوبِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ. رواه مسلم (126) . وقد نص أهل العلم على أن من فعل المحرم جاهلا فلا شيء عليه. قال النووي في "شرح مسلم" (3/204) : " فإن كان ناسيا أو جاهلا بوجود الحيض، أو جاهلا بتحريمه، أو مكرها: فلا إثم عليه ولا كفارة، وإن وطئها عامدا، عالما بالحيض والتحريم، مختارا، فقد ارتكب معصية كبيرة، نص الشافعي على أنها كبيرة، وتجب عليه التوبة " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله "الشرح الممتع" (1/571) : " ولا تجب الكفَّارة – على من جامع زوجته وهي حائض - إلا بثلاثة شروط: 1 ـ أن يكون عالماً. 2 ـ أن يكون ذاكراً. 3 ـ أن يكون مختاراً. فإن كان جاهلاً للتّحريم، أو الحيضِ، أو ناسياً، أو أُكرهت المرأةُ، أو حَصَلَ الحيضُ في أثناء الجماع، فلا كفَّارة، ولا إثم " انتهى. وبما أنك – أخي السائل – لم تكن تعرف تحريم جماع الحائض فلا إثم عليك إن شاء الله، ولا كفارة. إلا أن الواجب على كل مسلم السعي في التفقه في الدين، وتعلم أحكام الشريعة وأخلاقها وآدابها، وخاصة ما تمس إليه الحاجة من أمور العبادات وأحكام النكاح والبيوع وما يحتاج إليه في يومه وليلته، ولا ينتظر حتى إذا قام بالفعل وانتهى ذهب ليسأل أو اعتذر بالجهل وعدم العلم، فإن من يقصر في طلب العلم الشرعي الضروري يخشى عليه من الإثم وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) رواه ابن ماجه (224) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93074 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 404 إذا جاءها الحيض وهي جنب فهل تغتسل من الجنابة؟ [السُّؤَالُ] ـ[كيف تتطهر المرأة من الجنابة وهي حائض؟ وإذا تطهرت من الجنابة وهي حائض هل تتوضأ وتأخذ ثلاث حثيات من الماء ثم تغسل شقها الأيمن ثم الأيسر بالماء؟ أم فقط تغتسل بدون وضوء لأنها حائض أيضا؟ وهل يرفع عنها الجنابة ويبقى الحيض فقط أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا أجنبت الحائض، أو حاضت وهي جنب، شرع لها أن تغتسل من الجنابة، وتستفيد بذلك جواز قراءة القرآن من غير مس للمصحف، لأن الجنب يمنع من قراءة القرآن بخلاف الحائض، وانظر جواب السؤال رقم (2564) ، (60213) . وصفة هذا الغسل، كغيره من الأغسال المشروعة، فتبدأ بغسل أعضاء الوضوء، وتحثي على رأسها ثلاث حثيات، وتغسل شقها الأيمن ثم الأيسر، ثم تفيض الماء على سائر البدن. وبهذا ترتفع عنها الجنابة ويبقى الحيض. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/134) : " فإن اغتسلت للجنابة في زمن حيضها , صح غسلها , وزال حكم الجنابة. نص عليه أحمد , وقال: تزول الجنابة , والحيض لا يزول حتى ينقطع الدم. قال: ولا أعلم أحدا قال: لا تغتسل. إلا عطاء , وقد روي عنه أيضا أنها تغتسل " انتهى بتصرف. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 91793 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 405 تشعر بحالة نفسية سيئة أثناء الحيض [السُّؤَالُ] ـ[أشعر أحيانا ًبأن داخلي ليس نظيفاً، بل إنني عند قرب موعد الدورة الشهرية أشعر كما لو أن دمي يفور في داخل عروقي وأشعر برغبة في تقطيع نفسي فما بالك بالناس من حولي وقد بدأت منذ حوالي سنتين أو أكثر بالتوقف عن الغيبة والمحاولة الجادة في ذلك وكم أحب الإحساس بالراحة الذي تحصّل لي منذ تركي لهذا الإثم. ولكني مع قرب الدورة الشهرية أشعر بأني أغلي فأبدأ بإعادة ما فات من أهلي وأمي فعلت كذا وأبي فعل كذا وأختي كذا ولا أعرف كيف أتوقف وقد تستمر معي هذه الحالة يومين أو أكثر. فأرجو إرشادي]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: نحمد الله تعالى أن وفقك وهداك لمعرفة خطر الغيبة وشرها، والسعي في التخلص منها، ونسأله سبحانه أن يعينك ويثبتك على ذلك. ثانيا: من المعلوم أن كثيرا من النساء يصبن بحالة من الكآبة والضيق أثناء الحيض، وخاصة عند بدايته، كما أن حالة المرأة العقلية والفكرية لا تكون طبيعية أثناء الحيض، وأكثر النساء يصبن بآلام في الظهر وفي أسفل البطن، وبعضهن تكون آلامهن فوق الاحتمال مما يستدعي استعمال الأدوية والمسكنات. ينظر السؤال رقم (43028) . ولاشك أن ما تشعرين به هو أثر من تأثيرات الحيض، وما عليك إلا أن تصبري وتحتسبي، فإنه ما يصيب المسلم من هم ولا غم إلا كفر به من خطاياه. وينبغي أن تشغلي نفسك بما ينفعك من عمل ومطالعة ونحو ذلك، فإن الفراغ يزيد المهموم هما. ولا حرج على الحائض في قراءة القرآن دون أن تمس المصحف، وفي هذا ما يشغلها ويخفف عنها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 91956 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 406 صفة الغسل الكامل والمجزئ [السُّؤَالُ] ـ[أغتسل من الحيض كالتالي: 1- أنوي الطهارة بقلبي ولا أنطق بها. 2- أبدأ بالوقوف تحت "الدوش" وتفيض المياه على كامل جسدي. 3- أستحم وأغسل كامل جسدي باستعمال اللوف والصابون بما في ذلك منطقة الفرج. 4- أغسل شعري كله باستعمال الشامبو. 5- بعدها أشطف جسدي من آثار الصابون والشامبو وبعدها أجعل الماء يفيض على شقي الأيمن ثلاثا ثم على شقي الأيسر ثلاثا. 6- ثم أتوضأ. علمت مؤخرا بأنني لا أتبع خطوات الغسل الصحيحة، أرجو منكم إفادتي هل غسلي طوال السنين السابقة بالطريقة المذكورة عاليه خاطئ أم صحيح؟ ... وإذا كان خاطئا ولا يصلح أرجو إعلامي ماذا يمكنني فعله لعلاج هذا الخطأ المتكرر طوال السنوات السابقة؟ وهل صلاتي وصيامي طوال هذه المدة باطل وغير مقبول؟ وإن كان كذلك فماذا يمكنني عمله لإصلاح هذا الأمر؟ ... كما أرجو منكم إبلاغى بالطريقة الصحيحة للغسل من الحيض ومن الجنابة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: غسلك بالطريقة المذكورة: صحيح مجزئ والحمد لله، لكن فاتك بعض السنن التي لا تؤثر على صحة غسلك. وبيان ذلك أن الغسل نوعان: مجزئ، وكامل. أما المجزئ فيكتفي فيه الإنسان بفعل الواجبات فقط، ولا يفعل شيئاً من المستحبات والسنن، فينوي الطهارة، ثم يعم جسده بالماء بأي طريقة، سواء وقف تحت (الدوش) ، أو نزل بحراً، أو حمام سباحة ونحو ذلك، مع المضمضة والاستنشاق. وأما الغسل الكامل: فأن يفعل كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فيأتي بجميع سنن الاغتسال. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين عن صفة الغسل: فأجاب: " صفة الغسل على وجهين: الوجه الأول: صفة واجبة، وهي أن يعم بدنه كله بالماء، ومن ذلك المضمضة والاستنشاق، فإذا عمم بدنه على أي وجه كان، فقد ارتفع عنه الحدث الأكبر وتمت طهارته، لقول الله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) المائدة/6. الوجه الثاني: صفة كاملة، وهي أن يغتسل كما اغتسل النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا أراد أن يغتسل من الجنابة فإنه يغسل كفيه، ثم يغسل فرجه وما تلوث من الجنابة، ثم يتوضأ وضوءاً كاملاً، ثم يغسل رأسه بالماء ثلاثاً، ثم يغسل بقية بدنه. هذه صفة الغسل الكامل " انتهى من "فتاوى أركان الإسلام" (ص248) . ثانياً: لا فرق بين غسل الجنابة وغسل الحيض إلا أنه يستحب دلك الشعر في غسل الحيض أشد من دلكه في غسل الجنابة، ويستحب فيه أيضا أن تتطيب المرأة في موضع الدم، إزالة للرائحة الكريهة. روى مسلم (332) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنه أَنَّ أَسْمَاءَ رضي الله عنه سَأَلَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ غُسْلِ الْمَحِيضِ فَقَالَ: (تَأْخُذُ إِحْدَاكُنَّ مَاءَهَا وَسِدْرَتَهَا، فَتَطَهَّرُ فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ دَلْكًا شَدِيدًا، حَتَّى تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِهَا، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ، ثُمَّ تَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَطَهَّرُ بِهَا، فَقَالَتْ أَسْمَاءُ: وَكَيْفَ تَطَهَّرُ بِهَا؟ فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! تَطَهَّرِينَ بِهَا! فَقَالَتْ عَائِشَةُ كَأَنَّهَا تُخْفِي ذَلِكَ: تَتَبَّعِينَ أَثَرَ الدَّمِ. وَسَأَلَتْهُ عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ، فَقَالَ: تَأْخُذُ مَاءً فَتَطَهَّرُ فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ حَتَّى تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِهَا، ثُمَّ تُفِيضُ عَلَيْهَا الْمَاءَ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ، لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ) . ففَرَّق صلى الله عليه وسلم بين غسل الحيض وغسل الجنابة، في دلك الشعر، واستعمال الطيب. وقوله: (شؤون رأسها) المراد به: أصول الشعر. (فِرْصَةً مُمَسَّكَةً) أي قطعة قطن أو قماش مطيبة بالمسك. وقول عائشة: (كأنها تخفي ذلك) : أي قالت ذلك بصوت خفي يسمعه المخاطب ولا يسمعه الحاضرون. ثالثاً: التسمية عند الوضوء والغسل مستحبة في قول جمهور الفقهاء، وقال الحنابلة بوجوبها. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والتسمية على المذهب واجبة كالوضوء، وليس فيها نص، ولكنهم قالوا: وجبت في الوضوء فالغسل من باب أولى، لأنه طهارة أكبر. والصحيح أنها ليست بواجبة لا في الوضوء، ولا في الغسل " انتهى من "الشرح الممتع". رابعاً: المضمضة والاستنشاق لابد منهما في الغسل، كما هو مذهب الحنفية والحنابلة. قال النووي رحمه الله مبينا الخلاف في ذلك: " مذاهب العلماء في المضمضة والاستنشاق أربعة: أحدها: أنهما سنتان في الوضوء والغسل , هذا مذهبنا [الشافعية] . والمذهب الثاني: أنهما واجبتان في الوضوء والغسل وشرطان لصحتهما , وهو المشهور عن أحمد. والثالث: واجبتان في الغسل دون الوضوء، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه. والرابع: الاستنشاق واجب في الوضوء والغسل دون المضمضة , وهو رواية عن أحمد , قال ابن المنذر: وبه أقول " انتهى من "المجموع" (1/400) باختصار. والراجح هو القول الثاني، أي وجوب المضمضة والاستنشاق في الغسل، وأنهما شرطان لصحته. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " فمن أهل العلم من قال: لا يصح الغسل إلا بهما كالوضوء. وقيل: يصح بدونهما. والصواب: القول الأول؛ لقوله تعالى: (فاطَّهَّروا) المائدة/6، وهذا يشمل البدن كله، وداخل الأنف والفم من البدن الذي يجب تطهيره، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهما في الوضوء لدخولهما تحت قوله تعالى: (فاغسلوا وجوهكم) المائدة/6، فإذا كانا داخلين في غسل الوجه، وهو مما يجب تطهيره في الوضوء، كانا داخلين فيه في الغسل لأن الطهارة فيه أوكد " انتهى من "الشرح الممتع". خامساً: إذا كنت في الماضي لا تأتين بالمضمضة والاستنشاق في الغسل لعدم العلم بحكمهما، أو اعتماداً على قول من لا يوجب ذلك، فإن اغتسالك صحيح وصلاتك المبنية على هذا الغسل صحيحة، ولا يلزمك إعادتها، لقوة اختلاف العلماء في حكم المضمضة والاستنشاق ـ كما سبق. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83172 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 407 طهرت من النفاس قبل الأربعين لكنها لم تصل فهل يلزمها القضاء؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا امرأة لي أسبوعان من النفاس، لي سبعة أيام لم أر دما ولكني لم أصلّ بعد لنسياني ذلك برغم أني أعرف أن المرأة تصلي أثناء الطهارة ولكن لم أفكر بهذا فقد قلت لنفسي سوف أصلي بعد الأربعين. فهل علي قضاء تلك الأيام السبعة أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: ليس لأقل النفاس حد، فقد تطهر المرأة من النفاس بعد يوم أو يومين من الولادة، ومتى طهرت المرأة من نفاسها وجب عليها الاغتسال والصلاة، ولو كان ذلك قبل مرور أربعين يوماً. قال الترمذي رحمه الله: " و َقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى أَنَّ النُّفَسَاءَ تَدَعُ الصَّلاةَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا إِلا أَنْ تَرَى الطُّهْرَ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّهَا تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي " انتهى. وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (5/458) : " إذا رأت المرأة النفساء الطهر قبل تمام الأربعين فإنها تغتسل وتصلي وتصوم ولزوجها جماعها " انتهى. ثانيا: حيث إنك تركت الصلاة مدة سبعة أيام، مع علمك أن المرأة إذا طهرت لزمتها الصلاة، فإنه يجب عليك قضاء ما فاتك، وصفة القضاء أن تصلي خمس صلوات عن اليوم الأول: (الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء) ثم خمس صلوات عن اليوم الثاني، وهكذا حتى تقضي سبعة أيام. وهذا القضاء واجب على الفور ولا يجوز تأخيره، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَسِيَ صَلاةً فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَهَا لا كَفَّارَةَ لَهَا إِلا ذَلِكَ (وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي)) رواه البخاري (597) ومسلم (684) . وإذا كان عليك مشقة في قضاء تلك الصلوات جميعاًَ في وقت واحد، فإنك تصلين بعضها ثم ترتاحين ثم تصلين بعضها وهكذا حتى تتميها كلها، ولو استغرق ذلك عدة أيام، دفعاً للحرج والمشقة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82868 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 408 تغسل من الحيض ثم ترى الكدرة [السُّؤَالُ] ـ[أنا فتاة لدي إفرازات مستمرة وهي ذات لون أصفر. وأنا من الفتيات اللاتي لا يوجد عندهن علامة طهر ولا أعرف كيف تكون علامة طهري في هذه الحالة. فدورتي تكون 7 أيام أي (الدم الصريح يكون 7 أيام) وما بعده ينزل من كدرة وصفرة فسؤالي هنا عندما تختفي الكدرة وتبقي الصفرة هل هذه الصفرة تابعة للدورة أم هي تابعة للإفرازات الصفراء المستمرة فأحيانا الكدرة تختفي يوما وتبقي الإفرازات الصفراء فأغتسل وأصلي وبعدها تنزل الكدرة من جديد ولو مرة في اليوم فأبقى في حيرة كبيرة من أمري هل أعيد الغسل أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الإفرازات المستمرة التي تخرج من المرأة، طاهرة على الراجح من قولي العلماء، لكنها تنقض الوضوء، وتعامل صاحبتها معاملة من به سلس بول، فتتوضأ لكل صلاة، وتصلي ما شاءت من الفرض والنفل. وتفصيل ذلك تجدينه في جواب السؤال رقم (50404) ثانيا: تعرف المرأة الطهر بإحدى علامتين: الأولى: نزول القصة البيضاء. والثانية: حصول الجفاف التام، بحيث لو احتشت بقطنة خرجت نظيفة، ليس عليها أثر من دم أو صفرة أو كدرة. وقال الباجي في "المنتقى": " وَالْمُعْتَادُ فِي الطُّهْرِ أَمْرَانِ: الْقَصَّةُ الْبَيْضَاءُ، وَهِيَ مَاءٌ أَبْيَضُ. وَالْأَمْرُ الثَّانِي: الْجُفُوفُ، وَهُوَ أَنْ تُدْخِلَ الْمَرْأَةُ الْقُطْنَ أَوْ الْخِرْقَةَ فِي قُبُلِهَا فَيَخْرُجَ ذَلِكَ جَافًّا لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ دَمٍ، وَعَادَةُ النِّسَاءِ تَخْتَلِفُ فِي ذَلِكَ، فَمِنْهُنَّ مَنْ عَادَتُهَا أَنْ تَرَى الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ، وَمِنْهُنَّ مَنْ عَادَتُهَا أَنْ تَرَى الْجَفَافَ " انتهى باختصار. ثالثا: الصفرة أو الكدرة إذا اتصلت بالحيض فهي من الحيض، وإذا جاءت بعد تحقق الطهر، فلا يلتفت لها. قال البخاري رحمه الله في صحيحه: " بَاب إِقْبَالِ الْمَحِيضِ وَإِدْبَارِهِ وَكُنَّ نِسَاءٌ يَبْعَثْنَ إِلَى عَائِشَةَ بِالدُّرَجَةِ فِيهَا الْكُرْسُفُ فِيهِ الصُّفْرَةُ فَتَقُولُ لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضَةِ ". والدُّرْجة: هو الوعاء التي تضع المرأة طيبها ومتاعها، والكرسف: القطن، والصفرة: الماء الأصفر. ودم الحيض غالبا ما يتغير لونه في آخر مدة الحيض، فيخف لونه، وقد تتبعه صفرة أو كدرة. وأثر عائشة رضي الله عنها يشير إلى هذا، ويدل على أن الصفرة المتصلة بالحيض تعد حيضا. والأصل أن تعتبري هذه الصفرة من الحيض، لا من الإفرازات، ما دمت لم تتحققي من علامة الطهر، لا سيما وأنت ترين الكدرة بعد اغتسالك، فهذا مما يرجح أنها من الحيض. وأما إذا تحقق الطهر بنزول القصة البيضاء أو بالنقاء التام، فإنه لا يلتفت إلى الصفرة والكدرة حينئذ، وهذا ما دل عليه قول أم عطية رضي الله عنها: (كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئا) رواه البخاري (320) وأبو داود (307) واللفظ له. وانظري السؤال رقم (5595) ورقم (50059) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82507 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 409 أتاها الحيض قبل أن تقوم بعمرتها [السُّؤَالُ] ـ[ذهبت أنا وزوجتي إلى مكة قبل يومين لأداء العمرة، وفي الطائرة نوينا الإحرام للعمرة، وعند وصولنا إلى مكة ذهبنا للفندق لوضع الحقائب هناك، وبعد ذلك اكتَشَفَت زوجتي أنها أتتها الدورة الشهرية عندما وصلنا للفندق. فما الحكم في ذلك؟ هل عليها فدية؟ وكم مقدار الفدية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحيض لا يمنع المرأة من الإحرام بالحج والعمرة، ولكن يحرم عليها الطواف بالبيت إلا بعد أن تطهر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله عنها لما حاضت قبل دخول مكة: (افْعَلِي كَمَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي) متفق عليه. وثبت في صحيح البخاري أنها لما طهرت طافت بالبيت، وسعت بين الصفا والمروة، وهذا يدل على أنه إذا حاضت المرأة قبل الطواف فإنها لا تطوف ولا تسعى حتى تطهر. وعلى هذا فالواجب على زوجتك أن تنتظر حتى تطهر ثم تطوف بالبيت، وتسعى بين الصفا والمروة، ثم تقصر شعرها، وبهذا تكون قد أتمت عمرتها، وليس عليها فدية من أجل حيضها وهي محرمة. وانظر جواب السؤال (40608) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82012 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 410 إذا طهرت الحائض قبل الفجر صلت المغرب والعشاء [السُّؤَالُ] ـ[عند الطهور من الحيض وأغتسل مثلا بالليل كيف أصلي؟ هل أصلي العشاء فقط أم العشاء والمغرب أم اليوم كاملا؟ مع العلم أني لا أرى القصة البيضاء بل أترك يوما لمعرفة أن الدم توقف عني؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا طهرت الحائض بعد دخول وقت العشاء فإنه يلزمها أن تصلي العشاء لأنها أدركت وقتها، وكذلك يلزمها أن تصلي المغرب؛ لأنها تُجمع مع العشاء عند وجود العذر. وكذلك إذا طهرت بعد دخول وقت العصر فإنها تصلي الظهر والعصر، هذا ما أفتى به بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وبه قال جمهور العلماء. وأما إذا طهرت بعد الصبح أو بعد الظهر أو بعد المغرب فإنه لا تصلي إلا صلاة واحدة، وهي الصلاة التي طهرت في وقتها: (الصبح أو الظهر أو المغرب) ؛ لأن هذه الصلوات لا تُجمع إلى شيء قبلها. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/238) : "إذا طهرت الحائض قبل أن تغيب الشمس صلت الظهر فالعصر. وإذا طهرت قبل أن يطلع الفجر صلت المغرب وعشاء الآخرة، روي هذا القول عن عبد الرحمن بن عوف وابن عباس وطاوس ومجاهد والنخعي والزهري وربيعة ومالك والليث والشافعي وإسحاق وأبي ثور. قال الإمام أحمد: عامة التابعين يقولون بهذا القول إلا الحسن وحده قال: لا تجب إلا الصلاة التي طهرت في وقتها وحدها. وهو قول الثوري , وأصحاب الرأي ; لأن وقت الأولى خرج في حال عذرها , فلم تجب كما لو لم يدرك من وقت الثانية شيئا. وحكي عن مالك أنه إذا أدرك قدر خمس ركعات من وقت الثانية , وجبت الأولى ; لأن قدر الركعة الأولى من الخمس وقت للصلاة الأولى في حال العذر , فوجبت بإدراكه , كما لو أدرك ذلك من وقتها المختار , بخلاف ما لو أدرك دون ذلك. ولنا ما روى الأثرم , وابن المنذر , وغيرهما , بإسنادهم عن عبد الرحمن بن عوف , وعبد الله بن عباس , أنهما قالا في الحائض تطهر قبل طلوع الفجر بركعة: تصلي المغرب والعشاء , فإذا طهرت قبل أن تغرب الشمس , صلت الظهر والعصر جميعا؛ ولأن وقت الثانية وقت للأولى حال العذر , فإذا أدركه المعذور لزمه فرضها , كما يلزمه فرض الثانية" انتهى بتصرف. وقال في متن زاد المستقنع: " ومن صار أهلا لوجوبها قبل خروج وقتها: لزمته وما يجمع إليها قبلها " انتهى. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع": " مثال ذلك: إذا أدرك من وقت صلاة العصر قدر ركعة أو قدر التحريمة لزمته صلاة العصر، ولزمته صلاة الظهر أيضا، وإن أدرك ذلك من وقت صلاة العشاء لزمته صلاة العشاء وصلاة المغرب أيضا، وإن أدرك ذلك من وقت صلاة الفجر لا يلزمه إلا الفجر؛ لأنها لا تجمع إلى ما قبلها. فإن قيل: ما وجه وجوب صلاة الظهر في المثال الأول؛ وصلاة المغرب في المثال الثاني؟ فالجواب: الأثر، والنظر. أما الأثر: فإنه روي ذلك عن ابن عباس وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم. وأما النظر: فلأن وقت الصلاة الثانية وقت للأولى عند العذر الذي يبيح الجمع، فلما كان وقتا لها عند العذر صار إدراك جزء منه كإدراك جزء من الوقتين جميعا، وهذا هو المشهور من المذهب. وقال بعض أهل العلم: إنه لا يلزمه إلا الصلاة التي أدرك وقتها فقط، فأما ما قبلها فلا يلزمه " انتهى، ورجح الشيخ رحمه الله هذا القول الأخير. والأحوط هو العمل بقول جمهور العلماء، فتصلي الصلاتين معاً، ولا يلزمها أن تصلي صلوات اليوم كاملاً، وإن اقتصرت على الصلاة التي أدركت وقتها فقط، فنرجو ألا يكون عليها حرج. ثانيا: تطهر المرأة من حيضها بإحدى علامتين: القصة البيضاء، أو حصول الجفاف التام، بحيث لو احتشت بقطنة خرجت نظيفة ليس عليها أثر من حمرة أو صفرة، على ما بيناه في جواب السؤال رقم 5595. فكونك تجلسين يوما دون صلاة، لعدم رؤيتك للقصة البيضاء، عمل لا يصح؛ لاحتمال أن تكوني قد طهرت بالجفوف، فالواجب عليك مراعاة هذه العلامة في الطهر. قال النووي رحمه الله: " علامة انقطاع الحيض ووجود الطهر: أن ينقطع خروج الدم وخروج الصفرة والكدرة , فإذا انقطع طهرت سواء خرجت بعده رطوبة بيضاء أم لا " انتهى من "المجموع" (2/562) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82106 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 411 ظنت أنها نفساء فتركت الصوم والصلاة [السُّؤَالُ] ـ[مرت أربعون يوما تقريبا على نزول جنين من بطني ولم يتعدَّ الشهرين والنصف ووافق ذلك شهر رمضان ثم تركت الصلاة والصوم ولم يكن لي علم بالأمور الشرعية، وعلمت بعدها أنني لا أعتبر نفساء، فهل أقضي ما فاتني من الصلاة والصوم؟ وأنا الآن حائرة ولا أدري ما أفعل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا أسقطت المرأة فلا يعتبر الدم النازل منها دم نفاس إلا إذا أسقطت ما تبين فيه خلق الإنسان، من رأس أو يد أو رجل أو غير ذلك. والتخليق لا يبدأ في الحمل قبل ثمانين يوماً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ وَيُقَالُ لَهُ: اكْتُبْ عَمَلَهُ وَرِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوح) رواه البخاري (3208) . فدل هذا الحديث على أن الإنسان يمر بعدة مراحل في الحمل: أربعين يوماً نطفة، ثم أربعين أخرى علقة، ثم أربعين ثالثة مضغة. ثم ينفخ فيه الروح بعد تمام مائة وعشرين يوماً. والتخليق يكون في مرحلة المضغة، ولا يكون قبل ذلك، لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنْ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ) الحج/5. فعُلم من هذه الآية: أن المضغة قد تكون مخلقة وقد تكون غير مخلقة. قال ابن قدامة رحمه الله: "إذا رأت المرأة الدم بعد وضع شيء يتبين فيه خلق الإنسان , فهو نفاس. نص عليه [أي: الإمام أحمد] وإن رأته بعد إلقاء نطفة أو علقة , فليس بنفاس" انتهى من "المغني" (1/211) . وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: "إذا أسقطت المرأة ما تبين فيه خلق الإنسان من رأس أو يد أو رجل أو غير ذلك فهي نفساء، لها أحكام النفاس، فلا تصلي ولا تصوم ولا يحل لزوجها جماعها حتى تطهر أو تكمل أربعين يوما. . . أما إذا كان الخارج من المرأة لم يتبين فيه خلق الإنسان بأن كان لحمة ولا تخطيط فيه أو كان دما: فإنها بذلك تكون لها حكم المستحاضة لا حكم النفاس، لا حكم الحائض , وعليها أن تصلي وتصوم في رمضان وتحل لزوجها ... لأنها في حكم المستحاضة عند أهل العلم" انتهى من "فتاوى إسلامية " (1 / 243) . وقال الشيخ ابن عثيمين: "قال أهل العلم: إن خرج وقد تبيَّن فيه خلق إنسان: فإن دمها بعد خروجه يُعدُّ نفاساً، تترك فيه الصلاة والصوم ويتجنبها زوجها حتى تطهر، وإن خرج وهو غير مخلَّق: فإنه لا يعتبر دم نفاس بل هو دم فساد لا يمنعها من الصلاة ولا من الصيام ولا من غيرهما. قال أهل العلم: وأقل زمن يتبين فيه التخطيط واحد وثمانون يوما". "فتاوى المرأة المسلمة" (1/304، 305) . وعلى هذا؛ فالدم الذي نزل عليك ليس دم نفاس؛ لأن الجنين نزل قبل تمام ثمانين يوما، وكان عليك أن تصلي وتصومي في تلك الفترة؛ إلا إن جاءك الحيض. ثانيا: يجب عليك قضاء الصيام، وهذا لا إشكال فيه، سواء قلنا إنك كنت طاهرة، أو كنت نفساء، لأن من ترك الصيام لعذر (كمرض أو حيض أو سفر) فالواجب عليه القضاء، وأنت تركتيه لعذر، وهو ظنك أنك نفساء. أما قضاء الصلاة، فالظاهر أنه لا يلزمك القضاء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر المستحاضة التي تركت الصلاة أثناء نزول الدم بالقضاء، وإنما أرشدها إلى ما تصنع في المستقبل. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "المستحاضة إذا مكثت مدة لا تصلي لاعتقادها عدم وجوب الصلاة عليها، ففي وجوب القضاء عليها قولان، أحدهما: لا إعادة عليها - كما نقل عن مالك وغيره –؛ لأن المستحاضة التي قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: (إني حضت حيضةً شديدةً كبيرةً منكرةً منعتني الصلاة والصيام) أمرها بما يجب في المستقبل، ولم يأمرها بقضاء صلاة الماضي " انتهى من "مجموع الفتاوى" (22/102) وينظر جواب السؤال رقم (45648) . والحاصل: أنه يلزمك قضاء الصوم، وأما الصلاة فإن سهل عليك قضاؤها فافعلي، وإلا فنرجو أن يعفو الله عنك، ونوصيك بالحرص على طلب العلم والتفقه الدين. نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 81586 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 412 ظنت أن الدم النازل مع السقط دم نفاس فأفطرت [السُّؤَالُ] ـ[في يوم من رمضان ذهبت إلى المستشفى لإسقاط الحمل الذي لم يتم 3 أشهر تناولت بعض الأدوية وبعد الإجهاض أكلت بعض الأكل ظنا مني أنه جائز لي أن آكل. لكن بعد الرجوع إلى البيت بحثت عبر الإنترنت وعلمت أنه يجب علي الصوم وكذلك الصلاة لأن ذلك الدم دم فساد فقضيت ذالك اليوم بعد خروج رمضان. هل يكفي ما فعلته أم ماذا يجب علي القيام به؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: سبق بيان حكم الإجهاض المتعمد في جواب السؤال رقم (42321) فراجعيه. كما سبق بيان الأحكام المترتبة على سقوط الجنين في مراحله المختلفة في جواب السؤال رقم (12475) . ثانيا: إذا أسقطت المرأة جنينها ولم يتبين فيه خلق الإنسان كالرأس والأطراف، فالدم النازل معه دم فساد، لا يمنع الصلاة والصوم، وإن تبين فيه خلق إنسان فهو دم نفاس، وأقل مدة يتبين فيها خلق الإنسان هي واحد وثمانون يوما، كما هو مبين في الجواب رقم (37784) ثالثا: إذا أفطرت ظنا منك أن الدم النازل هو دم نفاس، ثم تبين أنه دم فساد، وقضيت الصوم والصلاة، فلا شيء عليك، وإن لم تكوني قضيت صلاة ذلك اليوم فبادري بقضائها. وفقنا الله وإياك لطاعته ومرضاته. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 81169 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 413 رأت الدم بعد طهرها وجماع زوجها لها فماذا يترتب عليهما؟ [السُّؤَالُ] ـ[رجل تطهرت زوجته من الدورة الشهرية ثم جامعها، وبعد ذلك في نفس اليوم وقبل أن تغتسل هي من الجنابة أتاها بعض الدم، وهذا يحدث لها نادراً أن تزيد دورتها عن الأيام المعتادة يوما، فهل يعتبر أتاها في حيض؟ وماذا عليهما؟ وهل يلزم الزوجة الاغتسال من الجنابة أم لها أن تؤجل ذلك إلى نهاية اليوم لتغتسل من الحيض والجنابة معا؟ وهل عليهما إثم؟ علما بأنها كانت متأكدة من طهرها حيث رأت الطهر واغتسلت وصلت.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كنت تيقنت رؤية الطهر إما بالجفاف التام، وإما بنزول السائل الأبيض الذي تعرف النساء انتهاء الحيض بنزوله، فما نزل بعد ذلك من دم لا يعتبر حيضاً، فلا يمنع من الصلاة والصيام والجماع. أما إذا كنت لم تتيقني الطهر، وإنما بنيت على انتهاء حيضك المعتاد، فهذا الدم النازل حيض، لأن الحيض قد يزيد وقد ينقص عن أيامه المعتادة. وقد سئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله: ما حكم الدم الذي يخرج في غير أيام الدورة الشهرية. فأنا عادتي في كل شهر 9 أيام ولكن في بعض الأشهر يأتي الدم خارج أيام الدورة ولكن بنسبة أقل جداً وتستمر معي هذه الحالة لمدة يوم أو يومين فهل تجب علي الصلاة والصيام أثناء ذلك أم القضاء؟ فأجاب: "هذا الدم الزائد عن العادة هو دم عرق لا يحسب من العادة، فالمرأة التي تعرف عادتها تبقى زمن العادة لا تصلي ولا تصوم ولا تمس المصحف ولا يأتيها زوجها في الفرج، فإذا طهرت وانقضت أيام عادتها واغتسلت فهي في حكم الطاهرات، ولو رأت شيئاً من دم أو صفرة أو كدرة فذلك استحاضة، لا تردها على الصلاة ونحوها" انتهى. "فتاوى المرأة المسلمة" (1/277) . وأما ما حصل من جماع فلا حرج عليكما فيه، لأنكما كنتما تعتقدان أن الحيض قد انتهى. ولا حرج على المرأة في تأخير غسل الجنابة، حتى تغتسل من الحيض والجنابة جميعاً، وإن كان الأولى أن تغتسل للجنابة، فإنها تستفيد بذلك جواز قراءة القرآن، فإن الجنب ممنوع من قراءة القرآن، بينما الحائض تقرأ القرآن. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (2564) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 78396 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 414 سنن الفطرة في فترة الحيض [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز القيام بسنن الفطرة للنساء أثناء فترة الحيض؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا تمنع الحائض من القيام بسنن الفطرة، والتنظف والتجمل والتزين، بل الحائض في ذلك كغيرها من النساء. وإنما تمنع الحائض من الصلاة والصيام والطواف بالكعبة، ومس المصحف، ودخول المسجد والجماع. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل يجوز أن أضع الحِنّا في يدي وشعري أثناء الدورة الشهرية؟ فأجابوا: " يجوز لك ذلك؛ لأن الأصل في ذلك الجواز، ولم يثبت ما يمنع شرعا " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/403) . ثانياً: القيام بسنن الفطرة معلق بالحاجة إلى ذلك، فمن طال عليه شعره أو ظفره فيشرع له المبادرة إلى تقصيره قال النووي رحمه الله "المجموع" (1/340) : " وأما التوقيت في تقليم الأظفار فهو معتبر بطولها، فمتى طالت قلمها، ويختلف ذلك باختلاف الأشخاص والأحوال، وكذا الضابط في قص الشارب ونتف الإبط وحلق العانة" انتهى. ومعلوم أن فترة الحيض قد تتجاوز أسبوعا، والنفاس قد يصل إلى الأربعين، فكيف تؤمر بالجلوس كل هذه الفترة دون أن تقوم بهذه السنن! ثالثاً: يعتقد بعض الناس أن من عليه الحدث الأكبر لا يأخذ شيئا من شعره وأظفاره؛ وهذا اعتقاد باطل لا أصل له في شريعة الإسلام. سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن الرجل اذا كان جنبا وقص ظفره أو شاربه أو مشط رأسه، هل عليه شيء في ذلك، فقد أشار بعضهم إلى هذا وقال: إذا قص الجنب شعره أو ظفره فإنه تعود إليه أجزاؤه في الآخرة، فيقوم يوم القيامة وعليه قسط من الجنابة بحسب ما نقص من ذلك، وعلى كل شعرة قسط من الجنابة، فهل ذلك كذلك أم لا؟ فأجاب رحمه الله: " قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث حذيفة ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنهما أنه لما ذكر له الجنب قال: (إن المؤمن لا ينجس) وفي صحيح الحاكم: (حيا ولا ميتا) وما أعلم على كراهية إزالة شعر الجنب وظفره دليلا شرعيا، بل قد قال النبي صلى الله عليه وسلم للذي أسلم: (ألق عنك شعر الكفر واختتن) فأمر الذي أسلم أن يغتسل، ولم يأمره بتأخير الاختتان وإزالة الشعر عن الاغتسال، فإطلاق كلامه يقتضي جواز الأمرين، وكذلك تؤمر الحائض بالامتشاط في غسلها، مع أن الامتشاط يذهب ببعض الشعر. والله أعلم" انتهى. "مجموع الفتاوى" (21/120-121) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 75727 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 415 أحكام الحيض [السُّؤَالُ] ـ[ما هي الأحكام المترتبة على وجود الحيض للمرأة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " للحيض أحكام كثيرة تزيد على العشرين، نذكر منها ما نراه كثير الحاجة، فمن ذلك: الأول: الصلاة: فيحرم على الحائض الصلاة فرضها ونفلها ولا تصح منها، وكذلك لا تجب عليها الصلاة إلا أن تدرك من وقتها مقدار ركعة كاملة، فتجب عليها الصلاة حينئذ، سواء أدركت ذلك من أول الوقت أم من آخره. مثال ذلك من أوله: امرأة حاضت بعد غروب الشمس بمقدار ركعة فيجب عليها إذا طهرت قضاء صلاة المغرب لأنها أدركت من وقتها قدر ركعة قبل أن تحيض. ومثال ذلك من آخره: امرأة طهرت من الحيض قبل طلوع الشمس بمقدار ركعة فيجب عليها إذا تطهرت قضاء صلاة الفجر، لأنها أدركت من وقتها جزءاً يتسع لركعة. أما إذا أدركت الحائض من الوقت جزءاً لا يتسع لركعة كاملة، مثل أن تحيض في المثال الأول بعد الغروب بلحظة أو تطهر في المثال الثاني قبل طلوع الشمس بلحظة، فإن الصلاة لا تجب عليها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) متفق عليه، فإن مفهومه أن من أدرك ركعة لم يكن مدركاً للصلاة. * وأما الذكر والتكبير والتسبيح والتحميد، والتسمية على الأكل وغيره، وقراءة الحديث والفقه والدعاء والتأمين عليه واستماع القرآن فلا يحرم عليها شيء من ذلك، فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتكيء في حجر عائشة رضي الله عنها وهي حائض فيقرأ القرآن. وفي الصحيحين أيضاً عن أم عطية رضي الله عنها أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يخرج العواتق وذوات الخدور والحيض ـ يعني إلى صلاة العيدين ـ وليشهدن الخير ودعوة المؤمنين ويعتزل الحيض المصلى) . فأما قراءة الحائض القرآن الكريم بنفسها، فإن كان نظراً بالعين أو تأملاً بالقلب بدون نطق باللسان فلا بأس بذلك، مثل أن يوضع المصحف أو اللوح فتنظر إلى الآيات وتقرأها بقلبها، قال النووي في "شرح المهذب": جائز بلا خلاف. وأما إن كانت قراءتها نطقاً باللسان فجمهور العلماء على أنه ممنوع وغير جائز. وقال البخاري وابن جرير الطبري وابن المنذر: هو جائز، وحكي عن مالك وعن الشافعي في القول القديم حكاه عنهما في "فتح الباري" وذكر البخاري تعليقاً عن إبراهيم النخعي: لا بأس أن تقرأ الآية. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى": " ليس في منعها من القرآن سنة أصلاً، فإن قوله: (لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن) حديث ضعيف باتفاق أهل المعرفة بالحديث. وقد كان النساء يحضن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فلو كانت القراءة محرمة عليهن كالصلاة، لكان هذا مما بينه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته وتعلمه أمهات المؤمنين وكان ذلك مما ينقلونه في الناس، فلما لم ينقل أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك نهياً لم يجز أن تجعل حراماً، مع العلم أنه لم ينه عن ذلك، وإذا لم ينه عنه مع كثرة الحيض في زمنه علم أنه ليس بمحرم " انتهى. * والذي ينبغي بعد أن عرفنا نزاع أهل العلم أن يقال: الأولى للحائض ألا تقرأ القرآن الكريم نطقاً باللسان إلا عند الحاجة لذلك، مثل أن تكون معلمة فتحتاج إلى تلقين المتعلمات، أو في حال الاختبار فتحتاج المتعلمة إلى القراءة لاختبارها أو نحو ذلك. الحكم الثاني: الصيام: فيحرم على الحائض الصيام فرضه ونفله، ولا يصح منها لكن يجب عليها قضاء الفرض منه لحديث عائشة رضي الله عنها: (كان يصيبنا ذلك ـ تعني الحيض ـ فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة) متفق عليه. وإذا حاضت وهي صائمة بطل صيامها ولو كان ذلك قبيل الغروب بلحظة، ووجب عليها قضاء ذلك اليوم إن كان فرضاً. أما إذا أحست بانتقال الحيض قبل الغروب لكن لم يخرج إلا بعد الغروب فإن صومها تام ولا يبطل على القول الصحيح، لأن الدم في باطن الجوف لا حكم له، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سُئل عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل هل عليها من غسل؟ قال: (نعم إذا هي رأت الماء) . فعلق الحكم برؤية المني لا بانتقاله، فكذلك الحيض لا تثبت أحكامه إلا برؤيته خارجاً لا بانتقاله. وإذا طلع الفجر وهي حائض لم يصح منها صيام ذلك اليوم ولو طهرت بعد الفجر بلحظة. وإذا طهرت قبيل الفجر فصامت صح صومها،وإن لم تغتسل إلا بعد الفجر، كالجنب إذا نوى الصيام وهو جنب ولم يغتسل إلا بعد طلوع الفجر فإن صومه صحيح، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصبح جنباً من جماع غير احتلام ثم يصوم في رمضان) متفق عليه. الحكم الثالث: الطواف بالبيت: فيحرم عليها الطواف بالبيت، فرضه ونفله، ولا يصح منها لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة لما حاضت: (افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري) . وأما بقية الأفعال كالسعي بين الصفا والمروة، والوقوف بعرفة، والمبيت بمزدلفة ومنى، ورمي الجمار وغيرها من مناسك الحج والعمرة فليست حراماً عليها، وعلى هذا فلو طافت الأنثى وهي طاهر ثم خرج الحيض بعد الطواف مباشرة، أو في أثنء السعي فلا حرج في ذلك. الحكم الرابع: سقوط طواف الوداع عنها: فإذا أكملت الأنثى مناسك الحج والعمرة، ثم حاضت قبل الخروج إلى بلدها واستمر بها الحيض إلى خروجها، فإنها تخرج بلا وداع، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن المرأة الحائض) متفق عليه. وأما طواف الحج والعمرة فلا يسقط عنها بل تطوف إذا طهرت. الحكم الخامس: المكث في المسجد: فيحرم على الحائض أن تمكث في المسجد حتى مصلى العيد يحرم عليها أن تمكث فيه، لحديث أم عطية رضي الله عنها: أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يخرج العواتق وذوات الخدور والحيض) وفيه: (يعتزل الحيض المصلى) متفق عليه. الحكم السادس: الجماع: فيحرم على زوجها أن يجامعها، ويحرم عليها تمكينه من ذلك , لقوله تعالى: (وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) . والمراد بالمحيض زمان الحيض ومكانه وهو الفرج. ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح) يعني الجماع. رواه مسلم. ولأن المسلمين أجمعوا على تحريم وطء الحائض في فرجها. وقد أبيح له ولله الحمد ما يكسر به شهوته دون الجماع، كالتقبيل والضم والمباشرة فيما دون الفرج، لكن الأولى ألا يباشر فيما بين السرة والركبة إلا من وراء حائل، لقول عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم، يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض. متفق عليه. الحكم السابع: الطلاق: فيحرم على الزوج طلاق الحائض حال حيضها، لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) ، أي: في حال يستقبلن به عدة معلومة حين الطلاق، ولا يكون ذلك إلا إذا طلقها حاملاً أو طاهراً من غير جماع، لأنها إذا طلقت حال الحيض لم تستقبل العدة حيث إن الحيضة التي طلقت فيها لا تحسب من العدة، وإذا طلقت طاهراً بعد الجماع لم تكن العدة التي تستقبلها معلومة حيث إنه لا يعلم هل حملت من هذا الجماع،فتعتد بالحمل،أو لم تحمل فتعتد بالحيض، فلما لم يحصل اليقين من نوع العدة حرم عليه الطلاق حتى يتبين الأمر. فطلاق الحائض حال حيضها حرام للآية السابقة، ولما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فأخبر عمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فتغيظ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء) . فلو طلق الرجل امرأته وهي حائض فهو آثم، وعليه أن يتوب إلى الله تعالى، وأن يرد المرأة إلى عصمته ليطلقها طلاقاً شرعياً موافقاً لأمر الله ورسوله، فيتركها بعد ردها حتى تطهر من الحيضة التي طلقها فيها، ثم تحيض مرة أخرى، ثم إذا طهرت فإن شاء أبقاها وإن شاء طلقها قبل أن يجامعها. ويستثنى من تحريم الطلاق في الحيض ثلاث مسائل: الأولى: إذا كان الطلاق قبل أن يخلو بها، أو يمسها فلا بأس أن يطلقها وهي حائض، لأنه لا عدة عليها حينئذ، فلا يكون طلاقها مخالفاً لقوله تعالى: (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) . الثانية: إذا كان الحيض في حال الحمل. الثانية: إذا كان الطلاق على عوض، فإنه لا بأس أن يطلقها وهي حائض. وأما عقد النكاح على المرأة وهي حائض فلا بأس به لأن الأصل الحل، ولا دليل على المنع منه، لكن إدخال الزوج عليها وهي حائض ينظر فيه فإن كان يؤمن من أن يطأها فلا بأس، وإلا فلا يدخل عليها حتى تطهر خوفاً من الوقوع في الممنوع. الحكم الثامن: اعتبار عدة الطلاق به ـ أي الحيض ـ فإذا طلق الرجل زوجته بعد أن مسها أو خلا بها وجب عليها أن تعتد بثلاث حيض كاملة، إن كانت من ذوات الحيض، ولم تكن حاملاً لقوله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) . أي: ثلاث حيض. فإن كانت حاملاً فعدتها إلى وضع الحمل كله، سواء طالت المدة أو قصرت لقوله تعالى: (وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) . وإن كانت من غير ذوات الحيض لكبر أو عملية استأصلت رحمها أو غير ذلك مما لا ترجو معه رجوع الحيض، فعدتها ثلاثة أشهر لقوله تعالى: (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) . وإن كانت من ذوات الحيض لكن ارتفع حيضها لسبب معلوم كالمرض والرضاع فإنها تبقى في العدة وإن طالت المدة حتى يعود الحيض فتعتد به، فإن زال السبب ولم يعد الحيض بأن برئت من المرض أو انتهت من الرضاع وبقي الحيض مرتفعاً فإنها تعتد بسنة كاملة من زوال السبب، هذا هو القول الصحيح، الذي ينطبق على القواعد الشرعية، فإنه إذا زال السبب ولم يعد الحيض صارت كمن ارتفع حيضها لغير سبب معلوم وإذا ارتفع حيضها لغير سبب معلوم، فإنها تعتد بسنة كاملة تسعة أشهر للحمل احتياطاً غالب الحمل، وثلاثة أشهر للعدة. * أما إذا كان الطلاق بعد العقد وقبل المسيس والخلوة، فليس فيه عدة إطلاقاً، لا بحيض ولا غيره لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا) . الحكم التاسع: الحكم ببراءة الرحم: أي بخلوه من الحمل، وهذا يحتاج إليه كلما احتيج إلى الحكم ببراءة الرحم وله مسائل: منها: إذا مات شخص عن امرأة يرثه حملها، وهي ذات زوج، فإن زوجها لا يطأها حتى تحيض، أو يتبين حملها، فإن تبين حملها، حكمنا بإرثه، لحكمنا بوجوده حين موت مورثه، وإن حاضت حكمنا بعدم إرثه لحكمنا ببراءة الرحم بالحيض. الحكم العاشر: وجوب الغسل: فيجب على الحائض إذا طهرت أن تغتسل بتطهير جميع البدن، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش: (فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي) رواه البخاري. * وأقل واجب في الغسل أن تعم به جميع بدنها حتى ما تحت الشعر، والأفضل أن يكون على صفة ما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، حيث سألته أسماء بنت شكل عن غسل المحيض فقال صلى الله عليه وسلم: (تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها فتطهر فتحسن الطهور، ثم تصب على رأسها فتدلكه دلكاً شديداً، حتى تبلغ شئون رأسها، ثم تصب عليها الماء، ثم تأخذ فرصة ممسكة ـ أي قطعة قماش فيها مسك فتطهر بها ـ فقالت أسماء: كيف تطهر بها؟ فقال: سبحان الله! فقالت عائشة لها: تتبعين أثر الدم) رواه مسلم. * ولا يجب نقض شعر الرأس، إلا أن يكون مشدوداً بقوة بحيث يخشى ألا يصل الماء إلى أصوله، لما في صحيح مسلم من حديث أم سلمة رضي الله عنها أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني امرأة أشد شعر رأسي أفأنقضه لغسل الجنابة؟ وفي رواية للحيضة والجنابة؟ فقال: (لا , إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين) . وإذا طهرت الحائض في أثناء وقت الصلاة وجب عليها أن تبادر بالاغتسال لتدرك أداء الصلاة في وقتها، فإن كانت في سفر وليس عندها ماء أو كان عندها ماء ولكن تخاف الضرر باستعماله، أو كانت مريضة يضرها الماء فإنها تتيمم بدلاً عن الاغتسال حتى يزول المانع ثم تغتسل. وإن بعض النساء تطهر في أثناء وقت الصلاة، وتؤخر الاغتسال إلى وقت آخر تقول: إنه لا يمكنها كمال التطهر في هذا الوقت، ولكن هذا ليس بحجة ولا عذر لأنها يمكنها أن تقتصر على أقل الواجب في الغسل، وتؤدي الصلاة في وقتها، ثم إذا حصل لها وقت سعة تطهرت التطهر الكامل " انتهى. فهذه أهم الأحكام التي تترتب على وجود الحيض من المرأة. "رسالة في الدماء الطبيعية للنساء" للشيخ ابن عثيمين رحمه الله. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 70438 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 416 اضطرت للمس المصحف وهي حائض [السُّؤَالُ] ـ[لقد مسست المصحف وقرأت منه وأنا حائض على امرأة فيها مس قد ثارت ولم يستطيع أحد أن يقرأ عليها لتهدئتها فلم يكن بينهم من يجود ويرتل غيري فاضطررت للقراءة ... فما الحكم في تصرفي هذا.. هل علي إثم؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز لغير المتوضئ (الحائض وغيرها) أن يمس المصحف في قول جمهور العلماء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إِلا طَاهِرٌ) رواه مالك في الموطأ (468) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (122) . وللحائض أن تقرأ القرآن من غير مس للمصحف على القول الراجح، كما لو قرأت من حفظها، أو أمسكت المصحف بحائل، ولها أن تقرأ من المصحف المشتمل على تفسير، كما هو مبين في جواب السؤال (2564) ، (60213) . فكان عليك أن تتجنبي مس المصحف مباشرة، وأن تمسكيه بشيء منفصل عنه كخرقة طاهرة أو تلبسي قفازا، أو تقلبي أوراق المصحف بعود أو قلم ونحو ذلك. أما وقد حصل المحظور، فما عليك إلا أن تستغفري الله تعالى، وتتوبي إليه، ونسأل الله أن يتجاوز عنك، كما نسأله أن يتقبل منك ويثيبك على مساعدتك لأختك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 70403 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 417 ليس على الحائض حرج في دخولها للمدينة النبوية؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمرأة أن تدخل الحرم المدني وهي حائض؟ وماذا عليها إذا كانت حائضاً وهي في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا تُمنع المرأة الحائض من دخول مكة ولا المدينة، وليس في النصوص ما يمنعها من دخولهما، بل النصوص تدل على عكس ذلك، فالنساء اللاتي يأتين للحج والعمرة يمكن أن يكنَّ حيَّضاً وهنَّ ممنوعات من الطواف بالبيت فقط، وقد كانت عائشة رضي الله عنها مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وحاضت قبل دخول مكة، ولم يمنعها صلى الله عليه وسلم من دخولها حتى تطهر! بل أمرها أن تفعل جميع مناسك الحج إلا الطواف بالبيت، فإنها تؤجله حتى تطهر، فقال صلى الله عليه وسلم: (افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي) رواه البخاري (305) ومسلم (1211) . والنساء اللاتي يسكنَّ المدينة ألم يكن يصيبهن الحيض؟ فهل كانوا يخرجن من المدينة؟! فالحاصل أنه لا حرج في دخول الحائض مكة والمدينة وبقائها فيهما، والأمر أوضح من أن يستدل له. وأما دخول الحائض المسجد (سواء كان المسجد الحرام بمكة، أو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، أو غيرهما من المساجد) فقد سبق في جواب السؤال (33649) أنه لا يحل لها دخول المسجد، فلينظر. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69758 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 418 أحكام الاستحاضة [السُّؤَالُ] ـ[ما هي الأحكام التي تترتب على الاستحاضة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سبق في جواب السؤال (68818) بيان متى يكون الدم حيضاً ومتى يكون استحاضة فمتى كان حيضاً ثبتت له أحكام الحيض، ومتى كان استحاضة ثبتت له أحكام الاستحاضة. وقد سبق ذكر المهم من أحكام الحيض في جواب السؤال (70438) وأما أحكام الاستحاضة، فكأحكام الطهر، فلا فرق بين المستحاضة وبين الطاهرات إلا فيما يأتي: الأول: وجوب الوضوء عليها لكل صلاة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش: (ثم توضئي لكل صلاة) رواه البخاري في باب غسل الدم. معنى ذلك أنها لا تتوضأ للصلاة المؤقتة إلا بعد دخول وقتها. أما إذا كانت الصلاة غير مؤقتة فإنها تتوضأ لها عند إرادة فعلها. الثاني: أنها إذا أرادت الوضوء فإنها تغسل أثر الدم، وتعصب على الفرج خرقة على قطن ليستمسك الدم , لقول النبي صلى الله عليه وسلم لحمنة: (أنعت لك الكرسف , فإنه يذهب الدم، قالت: فإنه أكثر من ذلك، قال: فاتخذي ثوباً. قالت: هو أكثر من ذلك. قال: فتلجمي) الحديث، ولا يضرها ما خرج بعد ذلك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش: (اجتنبي الصلاة أيام حيضك ثم اغتسلي وتوضئي لكل صلاة، ثم صلي، وإن قطر الدم على الحصير) رواه أحمد وابن ماجة. الثالث: الجماع، فقد اختلف العلماء في جوازه إذا لم يخف العنت بتركه، والصواب جوازه مطلقاً , لأن نساء كثيرات يبلغن العشر أو أكثر استحضن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم , ولم يمنع الله ولا رسوله من جماعهن. بل في قوله تعالى: (فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيض) دليل على أنه لا يجب اعتزالهن فيما سواه، ولأن الصلاة تجوز منها، فالجماع أهون. وقياس جماعها على جماع الحائض غير صحيح، لأنهما لا يستويان حتى عند القائلين بالتحريم والقياس لا يصح مع الفارق " انتهى. "رسالة في الدماء الطبيعية للنساء" للشيخ ابن عثيمين رحمه الله. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 68810 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 419 أحوال المستحاضة [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان الدم ينزل من المرأة كثيراً، بحيث تكون مستحاضة، فكيف تصلي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " للمستحاضة ثلاثة حالات: الحالة الأولى: أن يكون لها حيض معلوم قبل الاستحاضة فهذه ترجع إلى مدة حيضها المعلوم السابق فتجلس فيها ويثبت لها أحكام الحيض، وما عداها استحاضة، يثبت لها أحكام المستحاضة. مثال ذلك: امرأة كان يأتيها الحيض ستة أيام من أول كل شهر، ثم طرأت عليها الاستحاضة فصار الدم يأتيها باستمرار، فيكون حيضها ستة أيام من أول كل شهر، وما عداها استحاضة , لحديث عائشة رضي الله عنها أن فاطمة بنت أبي حبيش قالت: يا رسول الله إني أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ قال: (لا. إن ذلك عرق، ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ثم اغتسلي وصلي) رواه البخاري، وفي صحيح مسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأم حبيبة: (امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي وصلي) . فعلى هذا تجلس المستحاضة التي لها حيض معلوم قدر حيضها ثم تغتسل وتصلي ولا تبالي بالدم حينئذ. الحالة الثانية: أن لا يكون لها حيض معلوم قبل الاستحاضة بأن تكون الاستحاضة مستمرة بها من أول ما رأت الدم من أول أمرها، فهذه تعمل بالتمييز فيكون حيضها ما تميز بسواد أو غلظة أو رائحة يثبت له أحكام الحيض، وما عداه استحاضة يثبت له أحكام الاستحاضة. مثال ذلك: امرأة رأت الدم في أول ما رأته، واستمر عليها لكن تراه عشرة أيام أسود وباقي الشهر أحمر. أو تراه عشرة أيام غليظاً وباقي الشهر رقيقاً. أو تراه عشرة أيام له رائحة الحيض وباقي الشهر لا رائحة له , فحيضها هو الأسود في المثال الأول، والغليظ في المثال الثاني، وذو الرائحة في المثال الثالث، وما عدا ذلك فهو استحاضة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش: (إذا كان دم الحيضة فإنه أسود يعرف، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي فإنما هو عرق) رواه أبو داود والنسائي، وصححه ابن حبان والحاكم. وهذا الحديث وإن كان في سنده ومتنه نظر، فقد عمل به أهل العلم رحمهم الله، وهو أولى من ردها إلى عادة غالب النساء. الحالة الثالثة: ألا يكون لها حيض معلوم ولا تمييز صالح بأن تكون الاستحاضة مستمرة من أول ما رأت الدم ودمها على صفة واحدة أو على صفات مضطربة لا يمكن أن تكون حيضاً، فهذه تعمل بعادة غالب النساء فيكون حيضها ستة أيام أو سبعة من كل شهر، يبتديء من أول المدة التي رأت فيها الدم، وما عداه استحاضة. مثال ذلك: أن ترى الدم أول ما تراه في الخامس من الشهر ويستمر عليها من غير أن يكون فيه تمييز صالح للحيض لا بلون ولا غيره فيكون حيضها من كل شهر ستة أيام أو سبعة تبتديء من اليوم الخامس من كل شهر. لحديث حمنة بنت جحش رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله , إني أستحاض حيضة كبيرة شديدة فما ترى فيها قد منعتني الصلاة والصيام؟ فقال: (أنعت لك [أصف لك استعمال] الكرسف [وهو القطن] تضعينه على الفرج، فإنه يذهب الدم، قالت: هو أكثر من ذلك. وفيه قال: (إنما هذا ركضة من ركضات الشيطان فتحيضي ستة أيام أو سبعة في علم الله تعالى، ثم اغتسلي حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستنقيت فصلي أربعاً وعشرين أو ثلاثاً وعشرين ليلة وأيامها وصومي) . الحديث رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه، ونقل عن أحمد أنه صححه، وعن البخاري أنه حسنه. وقوله صلى الله عليه وسلم: (ستة أيام أو سبعة) ليس للتخيير وإنما هو للاجتهاد فتنظر فيما هو أقرب إلى حالها ممن يشابهها خلقة ويقاربها سناً ورحماً وفيما هو أقرب إلى الحيض من دمها، ونحو ذلك من الاعتبارات فإن كان الأقرب أن يكون ستة جعلته ستة , وإن كان الأقرب أن يكون سبعة جعلته سبعة " انتهى. "رسالة في الدماء الطبيعية للنساء" للشيخ ابن عثيمين رحمه الله. ففي الوقت الذي تحكم فيه بأن الدم دم حيض فهي حائض , وفي الوقت الذي تحكم فيه بانتهاء الحيض فهي طاهر تصلي وتصوم ويأتيها زوجها. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 68818 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 420 طهرت بعد الظهر فهل تصوم بقية اليوم؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما الحكم اذا طَهُرتُ بعد الظهر ولم أنوِ صيامي من الليل، هل يجوز لي الصيام أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الحائض والنفساء لا يجوز لهما الصيام أثناء فترة الحيض والنفاس باتفاق العلماء. جاء في "الموسوعة الفقهية" (18/318) : " اتّفق الفقهاء على تحريم الصّوم على الحائض مطلقاً فرضاً أو نفلاً وعدم صحّته منها؛ لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد: (أليس إذا حاضت لم تصلّ، ولم تصم؟ قلن: بلى. قال: فذلك من نقصان دينها) فإذا رأت المرأة الدّم ساعةً من نهار، فسد صومها، وقد نقل ابن جرير والنّوويّ وغيرهما الإجماع على ذلك ........ كما اتّفق الفقهاء على وجوب قضاء رمضان عليها، لقول عائشة رضي الله عنها في الحيض: كان يصيبنا ذلك، فنؤمر بقضاء الصّوم ولا نؤمر بقضاء الصّلاة. ونقل التّرمذيّ وابن المنذر وابن جرير وغيرهم الإجماع على ذلك " انتهى. وبهذا يتضح أنه لا يصح صيام اليوم الذي طهرت فيه الحائض، وعليها قضاء هذا اليوم بعد رمضان. ثم اختلف العلماء: هل يجب عليها أن تمتنع عن الطعام والشراب بقية يومها احتراما لحرمة الشهر الفضيل أو لا يجب؟ على قولين لأهل العلم، الراجح منهما ما ذهب إليه المالكية والشافعية من عدم وجوب الإمساك عليهما. وهو ما اختاره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (6/344) . جاء في "الموسوعة الفقهية" (18/318) : " لا خلاف بين الفقهاء في أنّه إذا انقطع دم الحيض بعد الفجر، فإنّه لا يجزيها صوم ذلك اليوم ويجب عليها قضاؤه، ويجب عليها الإمساك حينئذ عند الحنفيّة والحنابلة، وعند المالكيّة يجوز لها التّمادي على تعاطي المفطر ولا يستحبّ لها الإمساك، وعند الشّافعيّة لا يلزمها الإمساك " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 68829 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 421 هل تصوم المرأة المستحاضة؟ [السُّؤَالُ] ـ[ هل تصوم المرأة المستحاضة؟. ]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله في المدة التي تحكم فيها المستحاضة على الدم النازل بأنه دم حيض , فهي حائض تجري عليها أحكام الحائض , فإذا انتهى الحيض فهي طاهر، تغتسل وتصوم وتصلي ويأتيها زوجها , ولو كان الدم مستمراً في النزول. فعن عائشة قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني امرأة أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لاَ، إِنَّمَا ذَلك عِرْقٌ وَلَيْسَ بِحَيْضٍ، فَإذا أَقْبَلتْ حَيْضتُكِ فَدَعِي الصَّلاةَ , وَإِذَا أَدْبَرتْ فَاغْسِلي عنكِ الدمَ ثُمَّ صَلِّي) رواه البخاري (226) ومسلم (333) . قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في بيان معنى (إِنَّمَا ذَلك عِرْقٌ) : " وفي هذا إشارة إلى أن الدم الذي يخرج إذا كان دم عرق - ومنه دم العملية [الجراحية]- فإن ذلك لا يعتبر حيضاً، فلا يحرم به ما يحرم بالحيض، وتجب فيه الصلاة والصيام إذا كان في نهار رمضان " انتهى. " مجموع فتاوى ابن عيثمين " (11 / السؤال رقم 226) . وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف معه بعض نسائه , وهي مستحاضة ترى الدم , فربما وضعت الطست تحتها من الدم. رواه البخاري (303) . وانظر جواب السؤال رقم (7501) و (5595) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 66571 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 422 جاءها الدم بسبب تركيب اللولب بعد انتهاء النفاس [السُّؤَالُ] ـ[بعد انقطاع دم النفاس وذلك قبل رمضان بعشرة أيام ذهبت إلى الطبيبة لوضع لولب قبل يومين من رمضان ثم عاد نزول الدم حتى اليوم فهل أصوم وأصلي؟ علما بأني أفعل ذلك الآن.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الأصل أن الدم الذي ينزل على المرأة دم حيض، ما لم يتجاوز خمسة عشر يوما، فيكون دم استحاضة، عند أكثر الفقهاء، وعند بعضهم: ما لم يطبق عليها الدم أكثر الشهر، فإن أطبق عليها الدم كان استحاضة. ثانياً: العادة قد تزيد وتنقص، وتتقدم وتتأخر، والدم النازل في هذه الأحوال يحكم بأنه دم حيض، من غير حاجة إلى تكرره، على الراجح من قولي الفقهاء. فقد تكون عادتك سبعة أيام، فتمتد إلى عشرة مثلاً، فيحكم بأن الجميع حيض. ثالثاً: تركيب اللولب يسبب اضطرابا في الدورة غالبا، زيادة في أيامها، أو تقدما في موعدها، أو تغيرا في صفة دم الحيض. رابعاً: ما فهمناه من سؤالك أن الدم نزل عليك بعد تركيب اللولب، قبل يومين من رمضان، واستمر حتى هذا اليوم (السابع من رمضان) ولم تبيني قدر عادتك سابقاً، ولا هل جاءت العادة في موعدها أم لا؟ وبناء على هذه المقدمات: فإن الدم الذي نزل عليك يحكم بأنه دم حيض، إلا إن تجاوز خمسة عشر يوما، فتكونين مستحاضة، [وعند بعض أهل العلم لا تكونين مستحاضة حتى يطبق عليك الدم أكثر الشهر] . وإذا ثبت أنك مستحاضة، فأنت بين أحوال ثلاثة: 1- أن يكون لك عادة سابقة معلومة، فتعتمدين على عادتك السابقة، فتجلسين قدرها، ثم تغتسلين وتصلين، وما زاد على قدر عادتك فهو استحاضة. 2- فإن لم يكن لك عادة سابقة منضبطة، فتلجئين إلى التمييز بين الدماء، فدم الحيض أسود (غامق) ثخين، ذو رائحة كريهة، يصحبه عادة تألم. ودم الاستحاضة فاتح رقيق. فيكون حيضك هو أيام الدم الأسود الثخين، وأما الدم الآخر، فاستحاضة. 3- فإن لم يكن هناك تمييز، فتجلسين ستة أيام أو سبعة أيام، لأن ذلك غالب الحيض عند النساء ثم تغتسلين وتصلين. والمستحاضة: تصوم وتصلي وتوطأ، ويلزمها أن تتوضأ لكل فريضة بعد دخول وقتها، وتصلي بالوضوء ما شاءت من النوافل. وقد سبق بيان أحوال المستحاضة بأدلتها في جواب السؤال رقم (68818) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65903 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 423 اضطربت عادتها بسبب حبوب منع الدورة فكيف تفعل في الصلاة والصيام؟ [السُّؤَالُ] ـ[منذ سنوات مضت وبعد أشهر من بلوغي، قررت عائلتي الذهاب للحج، ونزلت العادة قبل أيام من تاريخ السفر المحدد. ولذلك فقد طلبت مني والدتي أن أتناول الحبوب لإيقاف الحيض؛ وقد فعلت ذلك. ومنذ تلك الحادثة والعادة عندي غير منتظمة. حتى إنها لا تنزل عندي لعدة أشهر، وفي بعض الأحيان إذا نزلت فإنها لا تنقطع. وقد بدأ الحيض عندي قبل رمضان لهذا العام بعشرة أو 11 يوما. ثم اغتسلت بعد 9 أيام تقريبا. ثم لاحظت نزوله مرة أخرى بعد يومين. فأخبرتني جدتي ألا أصوم في أول رمضان. ولم أصم اليومين الأولين من الشهر، ثم اغتسلت وصمت الثالث مع أن الدم لم يزل ينزل. وذلك لأني أظن أني قرأت حديثا سمح فيه النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة بعد التحفظ بالقطن أو قماش سميك، لأنه لم يكن دم حيض. وأرجو أن تذكر لي بوضوح كيف أتصرف؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: تعرف طهارة المرأة من الحيض بإحدى علامتين: بنزول القصة البيضاء، أو بالجفاف وانقطاع الدم تماما. وحينئذ تصلي وتصوم. فإن عاودها الدم، أخذ حكم الحيض، ولا تكون مستحاضة إلا إذا استمر عليها الدم دائما، أو كان لا ينقطع إلا يسيرا. وبهذا أفتى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، كما في "فتاوى المرأة المسلمة" ص 275. ثانيا: بناء على ذلك فإنه يلزمك أن تقضي الأيام التي صمتِ أثناء نزول الدم، إذا كان الدم لم يستمر عليك بقية الشهر. ثالثا: إذا استمر الدم بلا انقطاع، فأنت مستحاضة، وعليك في الشهر التالي: 1- أن تجلسي قدر عادتك السابقة، ثم تغتسلي وتصلي، فالاستحاضة كما ذكرتِ لا تمنع الصلاة والصوم، لكن يلزم التحفظ بقطن أو قماش سميك يمنع انتشار الدم وتلويث الثياب أو محل الصلاة. 2- فإن لم يكن لها عادة سابقة منضبطة، فتعلمين بالتمييز بين الدم، فدم الحيض أسود (غامق) ثخين، ذو رائحة كريهة، يصحبه عادة تألم. ودم الاستحاضة فاتح رقيق. فيكون الحيض هو أيام الدم الأسود الثخين، وأما الدم الآخر، فاستحاضة. 3- فإن لم يكن هناك تمييز، فتجلس ستة أيام أو سبعة أيام، لأن ذلك غالب الحيض عند النساء ثم تغتسل وتصلي. والمستحاضة: يلزمها أن تتوضأ لكل فريضة بعد دخول وقتها، وتصلي بهذا الوضوء ما شاءت من النوافل. ولمزيد الفائدة راجعي جواب السؤال (68818) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65784 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 424 تأتيها الدورة في ميعادها ويتوقف الدم يوما أو نصف يوم في أولها وآخرها [السُّؤَالُ] ـ[زوجتي تأتيها الدور في ميعادها. ولكن قد تبدأ بدم بسيط ثم يتوقف نصف يوم أو يوم كاملا. وكذلك عند انتهاء الدورة فمتى تبدأ تقف عن الصيام والصلاة ومتى تعود لهما؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا رأت المرأة دم الحيض لزمها ترك الصلاة والصوم، فإن انقطع الدم أثناء الحيض نُظر في ذلك: 1- فإن كان أثر الدم باقيا، بحيث لو احتشت بقطنة ونحوها خرجت وعليها أثر الدم، فلا يحكم بانقطاع الحيض، وتظل ممتنعة عن الصلاة والصيام، سواء حدث هذا في أول الدورة أو في آخرها. 2- إن حصل الجفاف والنقاء التام، بحيث لو احتشت بقطنة خرجت نظيفة ليس عليها أثر الدم، فهذا علامة انقطاع حيضها، فتكون طاهراً، فتغتسل وتصلي وتصوم وتفعل ما يفعله الطاهرات. ثم إن عاودها الدم أمسكت. والحكم بأن النقاء في فترة الحيض يعتبر طهرا هو مذهب المالكية والحنابلة. انظر: "مطالب أولي النهى" (1/260) . وقد سبق في جواب السؤال (37839) ذكر قول علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: " إذا انقطع الحيض يوماً واحداً أو ليلة واحدة أثناء أيام حيضها فعليها أن تغتسل وتصلي الصلوات التي أدركت وقتها وهي طاهر لقول ابن عباس: " أما إذا رأت الدم البحراني فإنها لا تصلي، وإذا رأت الطهر ساعة فلتغتسل " انتهى. "مجلة البحوث العلمية" (12/102) والدَمٌ البَحْرَانيٌّ هو الدَّم الغليظ، وقيل: الكثير. "لسان العرب" (4/46) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65852 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 425 اضطربت دورتها بسبب الحبوب فماذا تفعل؟ [السُّؤَالُ] ـ[أتت الدورة لزوجتي بعد عشرة أيام من الدورة السابقة بسبب نسيانها حبة من حبوب تنظيم الدورة، وقالت لها الطبيبة أن تأخذ حبوب تنظيم الدورة وسوف تنقطع الدورة ولكن استمرت إلى الآن بدم خفيف لمدة 25 يوماً، فماذا تفعل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يمكن ـ عادةً ـ أن تستمر الدورة هذه المدة الطويلة، فتكون زوجتك في هذه المدة مستحاضة، فتجلس أيام عادتها التي كانت تأتيها كل شهر، ويكون هذا هو حيضها، ثم تغتسل وتصلي وتصوم ويجوز جماعها، فتكون طاهراً ولو نزل الدم. وانظر جواب السؤال رقم (49671) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65723 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 426 ما زاد من أيام العادة على 15 يوماً هل تعتبره حيضاً أم تصوم؟ [السُّؤَالُ] ـ[أعاني من فرط الطمث وأيام العادة غير منتظمة، فإذا زادت الأيام عن 10 أو 15 يوماً هل يجوز لي أن أصلي أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس في الشرع دليل ثابت يبيِّن أقل مدة للحيض أو أكثره، وقد سئل الشيخ ابن عثيمين: هل لأقل الحيض وأكثره حد معلوم بالأيام؟ فأجاب: " ليس لأقل الحيض ولا لأكثره حدٌّ بالأيام على الصحيح؛ لقول الله عز وجل: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) البقرة/222. فلم يجعل الله غاية المنع أياماً معلومة، بل جعل غاية المنع هي الطهر، فدل هذا على أن علة الحكم هي الحيض وجوداً أو عدماً، فمتى وجد الحيض ثبت الحكم، ومتى طهرت منه زالت أحكامه، ثم إن التحديد لا دليل عليه، مع أن الضرورة داعية إلى بيانه، فلو كان التحديد بسنٍّ أو زمن ثابتاً شرعاً لكان مبيَّناً في كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، فبناء عليه: فكل ما رأته المرأة من الدم المعروف عند النساء بأنه حيض فهو دم حيض من غير تقدير ذلك بزمن معين، إلا يكون الدم مستمراً مع المرأة لا ينقطع أبداً، أو ينقطع مدة يسيرة كاليوم واليومين في الشهر، فإنه حينئذٍ يكون دم استحاضة. "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (11/271) . وعلى هذا فلا يجوز لكِ أن تصلي إلا بعد انقطاع الدورة الشهرية والاغتسال من الحيض، ويعرف انقطاع دم الحيض بإحدى علامتين: إما نزول القصة البيضاء - وهو سائل أبيض يخرج عند انتهاء الحيض -، وإما بالجفاف التام للدم. وللمزيد: يُراجع جواب السؤال رقم (5595) ففيه زيادة تفصيل. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65570 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 427 رأت الطهر ثم نزل عليها إفرازات فماذا تفعل؟ [السُّؤَالُ] ـ[إن دورتي الشهرية ستة أيام وفي اليوم السادس انقطع الدم، ووضعت منديل لأتأكد، وكان يخرج القصة البيضاء قليلا، فاغتسلت وجامعني زوجي في تلك الليلة، ثم اغتسلت وصمت (نحن في رمضان) وفي الظهر وجدت بعض الإفرازات فيها شيء يسير جدّاً من الاصفرار أو الاحمرار، فلا أدري ما الحكم؟ هل أقضي هذا اليوم أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا ندري ما المراد بقولك: "يخرج القصة البيضاء قليلاً". فإن كان مرادك أنك رأيت القصة البيضاء، فهي علامة على الطهر، فما نزل بعدها من الصفرة أو الحمرة لا يعتبر حيضاً، لقول أم عطية رضي الله عنها: كُنَّا لا نَعُدُّ الْكُدْرَةَ وَالصُّفْرَةَ بَعْدَ الطُّهْرِ شَيْئًا. رواه أبو داود (307) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. فعلى هذا؛ صومك صحيح، ولا حرج فيما وقع من الجماع، لأنك لم تكوني حائضاً. وإن كان مرادك أنك رأيت بقايا من الصفرة أو الحمرة، فهذا دليل على عدم انتهاء الحيض، ولا ينبغي للمرأة أن تتعجل فتحكم بانتهاء الحيض مع وجود الصفرة أو الحمرة، مهما كان قليلاً، فقد كانت النساء يبعثن إِلَى عَائِشَةَ بِالدُّرَجَةِ فِيهَا الْكُرْسُفُ فِيهِ الصُّفْرَةُ، فَتَقُولُ: لا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ. رواه مالك (130) . (الدُّرجَةِ) : ما تحتشي به المرأة من قطنة وغيرها لتعرف هل بقي من أثر الحيض شيء أم لا. وقيل: هي وعاء صغير. (الْكُرْسُفُ) هو القطن. وانظري السؤال (66062) . وعلى هذا، فعليك قضاء صيام هذا اليوم، لأنه لا يصح الصيام مع وجود الحيض. أما ما وقع من الجماع فيه، فلا حرج فيه إن شاء الله تعالى، لأنك كنت تظنين انتهاء الحيض، ولم تتعمدي فعل المحرم، وقد قال الله تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) الأحزاب/5. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65593 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 428 دخول الحائض المسجد لحضور مجلس علم أو حلقة لتحفيظ القرآن [السُّؤَالُ] ـ[امرأة حائض تريد دخول المسجد لحضور مجلس علم أو حلقة لتحفيظ القرآن مع العلم بأنها مواظبة على ذلك بشكل أساسي، وإن تغيبت للحيض سيفوتها مسائل سيتعذر عليها إدراكها فيما بعد، فهل يجوز لها الحضور بشروط معينة استثناء وما هو رأى العلماء الراجح في المسألة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: ذهب جمهور الفقهاء من أصحاب المذاهب الأربعة إلى أنه لا يجوز للحائض أن تمكث في المسجد، واستدلوا على ذلك بما رواه البخاري (974) ومسلم (890) عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: (أَمَرَنَا تَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُخْرِجَ فِي الْعِيدَيْنِ الْعَوَاتِقَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ، وَأَمَرَ الْحُيَّضَ أَنْ يَعْتَزِلْنَ مُصَلَّى الْمُسْلِمِينَ) . فمنع النبي صلى الله عليه وسلم الحائض من مصلى العيد، وأمرها باعتزاله، لأن له حكم المسجد، فدل على منعها من دخول المسجد. واستدلوا بأحاديث أخرى ولكنها ضعيفة لا يصح الاحتجاج بها، منها قوله صلى الله عليه وسلم: (لا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلا جُنُبٍ) والحديث ضعفه الألباني في ضعيف أبي داود (232) . وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء (6/272) : ما حكم الشرع في حق المرأة التي تدخل المسجد وهي حائض للاستماع إلى الخطبة فقط؟ فأجابوا: لا يحل للمرأة أن تدخل المسجد وهي حائض أو نفساء. . . أما المرور فلا بأس إذا دعت إليه الحاجة وأمن تنجيسها المسجد لقوله تعالى: (وَلا جُنُباً إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) النساء/43، والحائض في معنى الجنب؛ ولأنه أمر عائشة أن تناوله حاجة من المسجد وهي حائض " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (6/272) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجوز للحائض حضور حلق الذكر في المساجد؟ فأجاب: " المرأة الحائض لا يجوز لها أن تمكث في المسجد، وأما مرورها بالمسجد فلا بأس به، بشرط أن تأمن تلويث المسجد مما يخرج منها من الدم، وإذا كان لا يجوز لها أن تبقى في المسجد، فإنه لا يحل لها أن تذهب لتستمع إلى حلق الذكر وقراءة القرآن، اللهم إلا أن يكون هناك موضع خارج المسجد يصل إليه الصوت بواسطة مكبر الصوت، فلا بأس أن تجلس فيه لاستماع الذكر، لأنه لا بأس أن تستمع المرأة إلى الذكر وقراءة القرآن كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يتكئ في حجر عائشة، فيقرأ القرآن وهي حائض، وأما أن تذهب إلى المسجد لتمكث فيه لاستماع الذكر، أو القراءة، فإن ذلك لا يجوز، ولهذا لما أُبلغ النبي عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع، أن صفية كانت حائضا قال: (أحابستنا هي؟) ظن صلى الله عليه وسلم، أنها لم تطف طواف الإفاضة فقالوا إنها قد أفاضت، وهذا يدل على أنه لا يجوز المكث في المسجد ولو للعبادة. وثبت عنه أنه أمر النساء أن يخرجن إلى مصلى العيد للصلاة والذكر، وأمر الحيض أن يعتزلن المصلى " انتهى من "فتاوى الطهارة" (ص 273) . وينظر مذاهب الفقهاء في: "المبسوط" (3/153) ، "حاشية الدسوقي" (1/173) ، "المجموع" (2/388) ، "المغني" (1/195) . ثانيا: للحائض أن تقرأ القرآن دون أن تمس المصحف، على ما هو مبين في جواب السؤال (2564) . ولها أن تقرأ من المصحف المطبوع مع التفسير، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وأما كتب التفسير فيجوز مسها؛ لأنها تعتبر تفسيرا، والآيات التي فيها أقل من التفسير الذي فيها. ويستدل لهذا بكتابة النبي صلى الله عليه وسلم الكتب للكفار، وفيها آيات من القرآن، فدل هذا على أن الحكم للأغلب والأكثر. أما إذا تساوى التفسير والقرآن، فإنه إذا اجتمع مبيح وحاظر ولم يتميز أحدهما برجحان، فإنه يغلب جانب الحظر فيعطى الحكم للقرآن. وإن كان التفسير أكثر ولو بقليل أعطي حكم التفسير " انتهى من "الشرح الممتع" (1/267) . ثالثا: ما ورد في السؤال من خشية فوات بعض المسائل والدروس على الحائض إذا امتنعت من دخول المسجد، يمكن تلافيه بتسجيل هذه الدروس، أو الاستماع إليها من خارج المسجد، إن أمكن ذلك، وينبغي أن يلحق ببعض المساجد ملحقات خاصة لا تأخذ حكم المسجد، تجعل كمكتبة أو دار للتحفيظ، تتمكن صاحبات العذر من الجلوس فيها دون حرج. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 60213 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 429 هل للحائض أن تصوم [السُّؤَالُ] ـ[هل للمرأة إذا حاضت أن تفطر في رمضان وتصوم أياماً مكان الأيام التي أفطرتها؟ .]ـ [الْجَوَابُ] لا يصح صوم الحائض ولا يجوز لها فعله فإذا حاضت أفطرت وصامت أياماً مكان الأيام التي أفطرتها بعد طهرها. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة. الحديث: 7852 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 430 الكدرة قبل الطهر تعتبر حيضا [السُّؤَالُ] ـ[إذا وجدت المرأة بعد ستة أيام من الحيض لوناً بنياً فاتحاً نوعا ما، فهل يعتبر من الحيض أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن كانت هذه الكدرة التي تراها المرأة قبل أن ترى الطهر فهي من الحيض، وإن كانت بعد رؤية الطهر فليست من الحيض، فلا تنافي الصلاة والصيام. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في رسالة "الدماء الطبيعية للنساء" (ص 19) في بيان الطوارئ على الحيض، قال: "النوع الثالث: صفرة أو كدرة، بحيث ترى الدم أصفر، كماء الجروح، أو متكدراً بين الصفرة والسواد، فهذا إن كان في أثناء الحيض أو متصلاً به قبل الطهر فهو حيض تثبت له أحكام الحيض، وإن كان بعد الطهر فليس بحيض، لقول أُمّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها: (كُنَّا لا نَعُدُّ الْكُدْرَةَ وَالصُّفْرَةَ بَعْدَ الطُّهْرِ شَيْئًا) . رواه أبو داود بسند صحيح" اهـ. وقال أيضاً في "فتاوى أركان الإسلام" (ص 258) : " القاعدة العامة: أن المرأة إذا طهرت ورأت الطهر المتيقن في الحيض، وأعني بالطهر في الحيض خروج القصة البيضاء، وهو ماء أبيض تعرفه النساء، فما بعد الطهر من كدرة أو صفرة أو نقطة أو رطوبة فهذا كله ليس بحيض، فلا يمنع من الصلاة، ولا يمنع من الصيام، ولا يمنع من جماع الرجل لزوجته، لأنه ليس بحيض. ....... ولكن يجب أن لا تتعجل حتى ترى الطهر، لأن بعض النساء إذا خف الدم عنها بادرت واغتسلت قبل أن ترى الطهر، ولهذا كان نساء الصحابة يبعثن إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بالكرسف ـ يعني القطن ـ فيه الصفرة فتقول لهن: " لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء " اهـ باختصار. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50430 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 431 إذا حاضت قبل الغروب ولو بلحظة بطل صومها ووجب عليها القضاء [السُّؤَالُ] ـ[هل لو جاءت الدورة الشهرية أثناء الصيام هل أتم اليوم صائمة أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا حاضت المرأة أثناء الصيام فسد صومها، ولو كان نزول الدم قبل المغرب بلحظة، ووجب عليها قضاؤه إن كان صومها واجباً، ويحرم عليها الاستمرار في الصيام وهي حائض. قال النووي رحمه الله في المجموع (2/386) : أَجْمَعَتْ الأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ الصَّوْمِ عَلَى الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ , وَعَلَى أَنَّهُ لا يَصِحُّ صَوْمُهَا. . . وَأَجْمَعَتْ الأُمَّةُ أَيْضًا عَلَى وُجُوبِ قَضَاءِ صَوْمِ رَمَضَانَ عَلَيْهَا , نَقَلَ الإِجْمَاعَ فِيهِ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَأَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ اهـ باختصار. وقال ابن قدامة في " المغني" (4/397) : " أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ لا يَحِلُّ لَهُمَا الصَّوْمُ , وَأَنَّهُمَا يُفْطِرَانِ رَمَضَانَ , وَيَقْضِيَانِ , وَأَنَّهُمَا إذَا صَامَتَا لَمْ يُجْزِئْهُمَا الصَّوْمُ , وَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ: (كُنَّا نَحِيضُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ , وَلا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلاةِ) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَالأَمْرُ إنَّمَا هُوَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (أَلَيْسَ إحْدَاكُنَّ إذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ , فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا) . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ سَوَاءٌ ; لأَنَّ دَمَ النِّفَاسِ هُوَ دَمُ الْحَيْضِ , وَحُكْمُهُ حُكْمُهُ. وَمَتَى وُجِدَ الْحَيْضُ فِي جُزْءٍ مِنْ النَّهَارِ فَسَدَ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ , سَوَاءٌ وُجِدَ فِي أَوَّلِهِ أَوْ فِي آخِرِهِ , وَمَتَى نَوَتْ الْحَائِضُ الصَّوْمَ , وَأَمْسَكَتْ , مَعَ عِلْمِهَا بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ , أَثِمَتْ , وَلَمْ يُجْزِئْهَا" اهـ. وقال الشيخ ابن عثيمين في رسالة "الدماء الطبيعية للنساء" (ص 28) : " وإذا حاضت وهي صائمة بطل صيامها ولو كان ذلك قبيل الغروب بلحظة، ووجب عليها قضاء ذلك اليوم إن كان فرضاً. أما إذا أحست بانتقال الحيض قبل الغروب لكن لم يخرج إلا بعد الغروب فإن صومها تام ولا يبطل على القول الصحيح" اهـ. وسئلت اللجنة الدائمة (10/155) عن امرأة صامت وقبل غروب الشمس وقبل الأذان بفترة قصيرة جاءها الحيض هل يبطل صومها؟ فأجابت: إذا كان الحيض أتاها قبل الغروب بطل الصيام وتقضيه، وإن كان بعد الغروب فالصيام صحيح ولا قضاء عليها اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50282 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 432 انقطع الحيض لكن تنزل بقعة دم لونها باهت [السُّؤَالُ] ـ[تناولت حقن لمنع الحمل فانقطع الحيض، وكل عدة أيام تنزل بقعة دم صغيرة لونها باهت، فهل تفسد صيام اليوم؟ وهل يجب الغسل؟ أم يكفي الوضوء؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أما حكم تناول حقن لمنع الحمل فقد سبق الجواب عليه في السؤال رقم (21169) وأما حكم هذه النقاط اليسيرة من الدم الباهت اللون كل عدة أيام فالظاهر أنها ليست من الحيض، فلا تمنع من الصلاة والصيام، ولا توجب الغسل، وإنما يكفي الوضوء منها. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين السؤال التالي: إذا نزل من المرأة في نهار رمضان نقط دم يسيرة، واستمر معها هذا الدم طوال شهر رمضان وهي تصوم، فهل صومها صحيح؟ فأجاب: نعم، صومها صحيح، وأما هذه النقط فليست بشيء لأنها من العروق، وقد أُثِر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: إن هذه النقط التي تكون كرعاف (نزيف) الأنف ليست بحيض، هكذا يذكر عنه رضي الله عنه. (60 سؤالا في الحيض ص6) والله أعلم وانظري سؤال رقم (25784) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50292 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 433 إذا طهرت النفساء قبل الأربعين فإنها تغتسل وتصلي وتصوم [السُّؤَالُ] ـ[لي زوجة وضعت قبل ما يقرب 15 يوم من شهر شعبان هل يجوز لها الصلاة والصوم والعمرة وتلاوة القرآن والقيام بكافة التكاليف الشرعية متى وقف دم النفاس وتأكدت من ذلك أو عليها الانتظار 40 يوما كما يقول البعض.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذهب جمهور العلماء ومنهم الأئمة الأربعة إلى أن النفاس لا حد لأقله، فمتى طهرت المرأة من النفاس وجب عليها الاغتسال وتصلي وتصوم ولو كان ذلك قبل مرور أربعين يوماً على ولادتها، " لأنه لم يرد في الشرع تحديده فيرجع فيه إلى الوجود وقد وجد قليلاً وكثيراً " قاله ابن قدامة في "المغني" (1/428) . بل نقل بعض العلماء الإجماع على ذلك، قال الترمذي رحمه الله: "و َقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى أَنَّ النُّفَسَاءَ تَدَعُ الصَّلاةَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا إِلا أَنْ تَرَى الطُّهْرَ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّهَا تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي" اهـ. وانظر "المجموع" للنووي (2/541) . وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله (15/195) هل يجوز للمرأة النفساء أن تصوم وتصلي وتحج قبل الأربعين يوماً إذا طهرت؟ فأجاب: نعم يجوز لها أن تصوم وتصلي وتحج وتعتمر ويحل لزوجها وطؤها في الأربعين إذا طهرت، فلو طهرت لعشرين يوماً اغتسلت وصلت وصامت وحلت لزوجها وما يروى عن عثمان بن أبي العاص أنه كره ذلك فهو محمول على كراهة التنزيه وهو اجتهاد منه رضي الله عنه ولا دليل عليه. والصواب أنه لا حرج في ذلك إذا طهرت قبل الأربعين يوماً فإن طهرها صحيح فإن عاد عليها الدم في الأربعين فالصحيح أنها تعتبره نفاساً في مدة الأربعين ولكن صومها الماضي في حال الطهارة وصلاتها وحجها كله صحيح لا يعاد شيء من ذلك ما دام وقع حال الطهارة اهـ. وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (5/458) : " إذا رأت المرأة النفساء الطهر قبل تمام الأربعين فإنها تغتسل وتصلي وتصوم ولزوجها جماعها" اهـ. وسئلت اللجنة الدائمة (10/155) عن امرأة ولدت قبل رمضان بسبعة أيام وطهرت وصامت رمضان. فأجابت: إذا كان الأمر كما ذكر وأن صيامها شهر رمضان في زمن الطهر فإن صيامها صحيح ولا يلزمها القضاء اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50308 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 434 ما الحكمة من تحريم الصوم على الحائض؟ [السُّؤَالُ] ـ[نريد أن نعرف الحكمة من عدم صيام المرأة مع أن الصيام لا دخل له بالنجاسة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يجب على المؤمن التسليم لحكم الله تعالى والانقياد له ولو لم يعرف الحكمة منه، بل يكفيه أنه أمر الله ورسوله، قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) الأحزاب/36. وقال: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) النور/51. ثانياً: يوقن المؤمن ويؤمن إيماناً جازماً أن الله تعالى حكيم، فلا يشرع شيئاً إلا لحكمة بالغة، فلا يأمر بشيء إلا لما فيه من المصلحة الخالصة أو الغالبة، ولا ينهى عن شيء إلا لما فيه من المفسدة الخالصة أو الغالبة، وما أحسنَ ما قاله ابن كثير رحمه الله في "البداية النهاية" (6/79) : "وجاءت شريعته (صلى الله عليه وسلم) أكمل شريعة، لم يبق معروف تعرف العقول أنه معروف إلا أمر به، ولا منكر تعرف العقول أنه منكر إلا نهى عنه، لم يأمر بشيء فقيل: ليته لم يأمر به، ولا نهى عن شيء فقيل: ليته لم ينه عنه" اهـ. لكن هذه الحكمة قد نعلمها، وقد تخفى علينا، وقد يخفى علينا أكثرها أو بعضها. ثالثاً: أجمع العلماء على تحريم الصوم على الحائض، وأنها يلزمها قضاء ما أفطرته بسبب الحيض إذا كان الصوم واجبا كصيام رمضان. وأجمعوا أيضا على أنها إذا صامت لم يصح صومها. انظر السؤال رقم (50282) . واختلف العلماء في الحكمة من عدم صحة الصوم من الحائض. فقال بعضهم: الحكمة غير معلومة لنا. قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: "وَكَوْنُ الصَّوْمِ لا يَصِحُّ مِنْهَا لا يُدْرَكُ مَعْنَاهُ , فَإِنَّ الطَّهَارَةَ لَيْسَتْ مَشْرُوطَةً فِيهَا" اهـ من "المجموع" (2/386) . وقال آخرون: بل الحكمة أن الله تعالى نهى الحائض عن الصيام وقت الحيض رحمةً بها، لأن خروج الدم يضعفها، فإذا صامت وهي حائض اجتمع عليها الضعف بسبب الحيض وبسبب الصيام، فيخرج الصوم بذلك عن حد الاعتدال، وقد يصل إلى حد الإضرار. قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (25/234) : " فَنَذْكُرُ حِكْمَةَ الْحَيْضِ وَجَرَيَانَ ذَلِكَ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ فَنَقُولُ: إنَّ الشَّرْعَ جَاءَ بِالْعَدْلِ فِي كُلِّ شَيْءٍ. وَالإِسْرَافُ فِي الْعِبَادَاتِ مِنْ الْجَوْرِ الَّذِي نَهَى عَنْهُ الشَّارِعُ وَأَمَرَ بِالاقْتِصَادِ فِي الْعِبَادَاتِ ; وَلِهَذَا أَمَرَ بِتَعْجِيلِ الْفِطْرِ وَتَأْخِيرِ السُّحُورِ وَنَهَى عَنْ الْوِصَالِ وَقَالَ: (أَفْضَلُ الصِّيَامِ وَأَعْدَلُ الصِّيَامِ صِيَامُ داود عليه السلام كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا وَلا يَفِرُّ إذَا لاقَى) فَالْعَدْلُ فِي الْعِبَادَاتِ مِنْ أَكْبَرِ مَقَاصِدِ الشَّارِعِ ; وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) المائدة/87. فَجَعَلَ تَحْرِيمَ الْحَلالِ مِنْ الاعْتِدَاءِ الْمُخَالِفِ لِلْعَدْلِ وَقَالَ تَعَالَى: (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ) فَلَمَّا كَانُوا ظَالِمِينَ عُوقِبُوا بِأَنْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الطَّيِّبَاتُ ; بِخِلَافِ الأُمَّةِ الْوَسَطِ الْعَدْلِ فَإِنَّهُ أَحَلَّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالصَّائِمُ قَدْ نُهِيَ عَنْ أَخْذِ مَا يُقَوِّيهِ وَيُغَذِّيهِ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، ونُهِيَ عَنْ إخْرَاجِ مَا يُضْعِفُهُ وَيُخْرِجُ مَادَّتَهُ الَّتِي بِهَا يَتَغَذَّى وَإِلا فَإِذَا مُكِّنَ مِنْ هَذَا ضَرَّهُ وَكَانَ مُتَعَدِّيًا فِي عِبَادَتِهِ لا عَادِلا. . . وَالْخَارِجَاتُ نَوْعَانِ: نَوْعٌ يَخْرُجُ لا يَقْدِرُ عَلَى الاحْتِرَازِ مِنْهُ أَوْ عَلَى وَجْهٍ لا يَضُرُّهُ فَهَذَا لا يُمْنَعُ مِنْهُ كَالأَخْبَثَيْنِ (البول والغائط) فَإِنَّ خُرُوجَهُمَا لا يَضُرُّهُ وَلا يُمْكِنُهُ الاحْتِرَازُ مِنْهُ أَيْضًا. وَلَوْ اسْتَدْعَى خُرُوجَهُمَا فَإِنَّ خُرُوجَهُمَا لا يَضُرُّهُ بَلْ يَنْفَعُهُ. وَكَذَلِكَ إذَا ذَرَعَهُ الْقَيْءُ (أي غلبه) لا يُمْكِنُهُ الاحْتِرَازُ مِنْهُ وَكَذَلِكَ الاحْتِلامُ فِي الْمَنَامِ لا يُمْكِنُهُ الاحْتِرَازُ مِنْهُ، وَأَمَّا إذَا استقاء فَالْقَيْءُ يُخْرِجُ مَا يَتَغَذَّى بِهِ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ. . وَكَذَلِكَ الاسْتِمْنَاءُ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الشَّهْوَةِ. . وَالدَّمُ الَّذِي يَخْرُجُ بِالْحَيْضِ فِيهِ خُرُوجُ الدَّمِ، وَالْحَائِضُ يُمْكِنُهَا أَنْ تَصُومَ فِي غَيْرِ أَوْقَاتِ الدَّمِ فِي حَالٍ لا يَخْرُجُ فِيهَا دَمُهَا فَكَانَ صَوْمُهَا فِي تِلْكَ الْحَالِ صَوْمًا مُعْتَدِلا لا يَخْرُجُ فِيهِ الدَّمُ الَّذِي يُقَوِّي الْبَدَنَ الَّذِي هُوَ مَادَّتُهُ وَصَوْمُهَا فِي الْحَيْضِ يُوجِبُ أَنْ يَخْرُجَ فِيهِ دَمُهَا الَّذِي هُوَ مَادَّتُهَا وَيُوجِبُ نُقْصَانَ بَدَنِهَا وَضِعْفَهَا وَخُرُوجَ صَوْمِهَا عَنْ الاعْتِدَالِ فَأُمِرَتْ أَنْ تَصُومَ فِي غَيْرِ أَوْقَاتِ الْحَيْضِ" اهـ باختصار. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50330 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 435 تأتيها الدورة مرتين في الشهر فهل تترك الصلاة والصيام؟ [السُّؤَالُ] ـ[أعانى من حالة مرضية فالدورة الشهرية تأتى لي مرتين في الشهر الواحد وتستمر في كل مرة من سبع إلى عشرة أيام فكيف أصوم في رمضان؟ وكيف أصلي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، فإذا وُجد دم الحيض المعروف بصفته ولونه: فتلزم المرأةَ أحكامه من تحريم الصلاة والصيام والجماع، حتى لو تكرر نزوله أكثر من مرة في الشهر، وحتى لو طالت مدته عن الأيام المعتادة في كل شهر. سُئل الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله -: عن المرأة إذا أتتها العادة الشهرية ثم طهرت واغتسلت، وبعد أن صلت تسعة أيام أتاها دم وجلست ثلاثة أيام لم تصل، ثم طهرت وصلت أحد عشر يوماً، وعادت إليها العادة الشهرية المعتادة، فهل تعيد ما صلته في تلك الأيام الثلاثة أم تعتبرها من الحيض؟ . فأجاب بقوله: الحيض متى جاء فهو حيض سواء طالت المدة بينه وبين الحيضة السابقة أم قصرت، فإذا حاضت وطهرت وبعد خمسة أيام أو ستة أو عشرة جاءتها العادة مرة ثانية: فإنها تجلس لا تصلي لأنه حيض وهكذا أبداً، كلما طهرت ثم جاء الحيض وجب عليها أن تجلس، أما إذا استمر عليها الدم دائماً أو كان لا ينقطع إلا يسيراً: فإنها تكون مستحاضة، وحينئذ لا تجلس إلا مدة عادتها فقط. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (11 / السؤال 230) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49671 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 436 إذا أخطأت المرأة في تحديد موعد الطهر فهل تأثم؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا كانت المرأة لا تنزل عليها القصة البيضاء، وإنما تنتظر انقطاع الدم، فبذلك تكون الأيام تختلف من شهر إلى آخر، هل تأثم إذا أخطأت في تحديد موعد طهارتها كأن تظن الطهر وبعد الاغتسال والصلاة وجدت أثره، أو العكس انتظرت وفاتتها صلاة ظنّاً منها أنها لم تطهر، حيث يشق عليها التحديد بدون القصة البيضاء.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تختلف العادة عند النساء من امرأة إلى أخرى، وتختلف العادة عند المرأة نفسها أيّاً كانت علامة انتهاء دورتها. فعلامة الطهر عند غالب النساء خروج القصَّة البيضاء – وهي سائل أبيض، ومنهن من تكون علامتها انقطاع الدم. وأيّاً كانت العلامة عند المرأة فلا يجوز لها أن تعجل على نفسها حتى تظهر العلامة؛ لأنه لا يحل لها الصلاة والصيام وهي حائض حتى تطهر. وقد كانت النساء يبعثن إلى عائشة بالدّرجة فيها الكرسف فيه الصفرة فتقول: لا تعجلنَ حتى ترينَ القَصَّة البيضاء. رواه البخاري معلقاً - كتاب الحيض، باب إقبال المحيض وإدباره - ومالك (130) . ومعنى الدّرجة: الوعاء التي تضع المرأة طيبها ومتاعها. الكرسف: القطن. وإذا أخطأت المرأة في تحديد وقت الطهر بناء على ظنها واجتهادها، فإنها لا تأثم، لقول الله تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) الأحزاب/5، ولقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) رواه ابن ماجة (2053) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة. غير أنها إذا ظنت أنها طهرت وصلت وصامت ثم تبيّن لها أنها لا تزال حائضاً فعلها الامتناع عن الصلاة والصيام حتى تطهر وتقضي الصيام الواجب الذي صامته في تلك الأيام لأنه تبين لها أنه لم يكن صحيحاً لأن صوم الحائض لا يصح. وإذا تركت الصلاة ظنَّاً منها أنها لم تطهر ثم تبيّن لها أنها كانت طاهراً، فعليها قضاء تلك الصلاة. سئل الشيخ ابن عثيمين (11/280) عن امرأة رأت الكدرة قبل حيضها المعتاد، فتركت الصلاة، ثم نزل الدم على عادته، فما الحكم؟ فأجاب بقوله: تقول أم عطية ـ رضي الله عنها ـ: (كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئاً) . وعلى هذا فهذه الكدرة التي سبقت الحيض لا يظهر لي أنها حيض، لاسيما إذا كانت أتت قبل العادة، ولم يكن علامات للحيض من المغص ووجع الظهر ونحو ذلك، فالأولى لها أن تعيد الصلاة التي تركتها في هذه المدة. اهـ. وسئل أيضاً: (11/275) عن امرأة أصابها الدم لمدة تسعة أيام فتركت الصلاة معتقدة أنها العادة، وبعد أيام قليلة جاءتها العادة الحقيقية فماذا تصنع هل تصلي الأيام التي تركتها أم ماذا؟ فأجاب بقوله: الأفضل أن تصلي ما تركته في الأيام الأولى، وإن لم تفعل فلا حرج وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر المرأة المستحاضة التي قالت إنها تستحاض حيضة شديدة وتدع فيها الصلاة فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم، أن تتحيض ستة أيام أو سبعة وأن تصلي بقية الشهر ولم يأمرها بإعادة ما تركته من الصلاة، وإن أعادت ما تركته من الصلاة فهو حسن لأنه قد يكون منها تفريط في عدم السؤال وإن لم تعد فليس عليها شيء. اهـ والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45885 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 437 من أسقطت بعد شهرين هل يكون دمها نفاساً؟ [السُّؤَالُ] ـ[كنت حاملاً وحدث سقوط للحمل بعد أن أتممت الشهرين، وسألت سيدة على علم شرعي هل أصوم رمضان وأصلي، فردت عليَّ: بأن نعم، تصومي، وتصلي؛ لأنه لم ينفخ فيه الروح بعد، فيعتبر كأنه استحاضة، وفعلا صمت وصليت، ولكن أخبرني طبيب آخر بأنه عليَّ الإعادة بالنسبة للصيام، فما هو الحكم الصحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما سمعته الأخت السائلة من القولين المختلفين يعود إلى الاختلاف في المسألة نفسها، والمسألة فيها خلاف، والصحيح من أقوال أهل العلم أن المرأة إذا أسقطت الجنين متخلقاً: فإنها تترك الصلاة والصيام وتكون نفساء، وإن لم يكن متخلقاً: فدمها دم فساد لا تترك الصلاة والصيام، وأقل زمن يحصل فيه التخليق واحد وثمانون يوماً. قال علماء اللجنة الدائمة: إذا كان الجنين قد تخلق , بأن ظهرت فيه أعضاؤه من يد أو رجل أو رأس حرم عليه جماعها مادام الدم نازلا إلى أربعين يوما , ويجوز أن يجامعها في فترات انقطاعه أثناء الأربعين بعد أن تغتسل , أما إذا كان لم تظهر أعضاؤه في خلقه فيجوز له أن يجامعها ولو حين نزوله , لأنه لا يعتبر دم نفاس , إنما هو دم فاسد تصلي معه وتصوم. " فتاوى اللجنة الدائمة " (5 / 422، 423) . وقال الشيخ عبد العزيز بن باز: إذا أسقطت المرأة ما تبين فيه خلق الإنسان من رأس أو يد أو رجل أو غير ذلك فهي نفساء لها أحكام النفاس فلا تصلي ولا تصوم ولا يحل لزوجها جماعها حتى تطهر أو تكمل أربعين يوما , ومتى طهرت لأقل من أربعين وجب عليها الغسل والصلاة والصوم في رمضان حل لزوجها جماعها ... أما إذا كان الخارج من المرأة لم يتبين فيه خلق الإنسان بأن كان لحمة ولا تخطيط فيه أو كان دما: فإنها بذلك تكون لها حكم المستحاضة لا حكم النفاس ولا حكم الحائض , وعليها أن تصلي وتصوم في رمضان وتحل لزوجها ... لأنها في حكم المستحاضة عند أهل العلم. " فتاوى إسلامية " (1 / 243) . وقال الشيخ ابن عثيمين: قال أهل العلم: إن خرج وقد تبيَّن فيه خلق إنسان: فإن دمها بعد خروجه يُعدُّ نفاساً، تترك فيه الصلاة والصوم ويتجنبها زوجها حتى تطهر، وإن خرج وهو غير مخلَّق: فإنه لا يعتبر دم نفاس بل هو دم فساد لا يمنعها من الصلاة ولا من الصيام ولا من غيرهما. قال أهل العلم: وأقل زمن يتبين فيه التخطيط واحد وثمانون يوماً ... " فتاوى المرأة المسلمة " (1 / 304، 305) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45564 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 438 الحكمة من تحريم إتيان الزوجة في حال الحيض والنفاس [السُّؤَالُ] ـ[ما الحكمة من تحريم إتيان الزوجة في حال الحيض والنفاس؟ إذا كان سبب التحريم هو الدم لأنه نجس فهل يجوز الوطء بمانع مثل الواقي المطاطي؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله حرّم الله عز وجل على الرجال وطء زوجاتهم في الفرج في زمن الحيض. وقد نص القرآن الكريم على علّة التحريم، وهي كون المحيض أذى قال تعالى: (وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ) البقرة / 222 والدراسات العلمية في هذا المجال كشفت لنا عن شيء من الأذى الذي أشارت إليه الآية الكريمة ولكنهم لم يصلوا إلى التعرف على جميع الأذى الذي عناه النص القرآني. يقول الدكتور محيي الدين العلبي: " يجب الامتناع عن جماع المرأة الحائض لأن جماعها يؤدي إلى اشتداد النزف الطمثي، لأن عروق الرحم تكون محتقنة وسهلة التمزّق وسريعة العطب، كما أن جدار المهبل سهل الخدش، وتصبح إمكانية حدوث الالتهابات كبيرة مما يؤدي إلى التهاب الرحم أو يحدث التهاب في عضو الرجل بسبب الخدوش التي تحصل أثناء عملية الجماع، كما أن جماع الحائض يسبب اشمئزازاً لدى الرجل وزوجه على السواء بسبب وجود الدم ورائحته، مما قد يكون له تأثير على الرجل فيصاب بالعنة (البرود الجنسي) ويقول الدكتور محمد البار متحدثاً على الأذى الذي في المحيض: يُقذف الغشاء المبطّن للرحم بأكمله أثناء الحيض.. ويكون الرحم متقرحاً نتيجة لذلك، تماماً كما يكون الجلد مسلوخاً فهو معرّض بسهولة لعدوان البكتيريا الكاسح.. ويصبح دخول الميكروبات الموجودة على سطح القضيب يشكل خطراً داهماً على الرحم. لهذا فإن إدخال القضيب إلى الفرج والمهبل في أثناء الحيض ليس إلا إدخالاً للميكروبات في وقت لا تستطيع فيه أجهزة الدفاع أن تقاوم. ويرى الدكتور البار أن الأذى لا يقتصر على ما ذكره من نمو الميكروبات في الرحم والمهبل الذي يصعب علاجه، ولكن يتعداه إلى أشياء أخرى هي: 1. امتداد الالتهابات إلى قناتي الرحم فتسدها، مما قد يؤدي إلى العقم أو إلى الحمل خارج الرحم، وهو أخطر أنواع الحمل على الإطلاق. 2. امتداد الالتهاب إلى قناة مجرى البول، فالمثانة فالحالبين فالكلى، وأمراض الجهاز البولي خطيرة ومزمنة. 3. ازدياد الميكروبات في دم الحيض وخاصة ميكروب السيلان. والمرأة الحائض كذلك تكون في حالة جسمية ونفسية لا تسمح لها بالجماع، فإن حدث فإنه يؤذيها أذى شديداً، ويصاحبه آلالام وأوجاع أثناء الحيض ـ يقول الدكتور البار ـ: 1. يصاحب الحيض آلام تختلف في شدتها من امرأة إلى أخرى، وأكثر النساء يصبن بآلام في الظهر وفي أسفل البطن، وبعض النساء تكون آلامهن فوق الاحتمال مما يستدعي استعمال الأدوية والمسكنات. 2. تصاب كثير من النساء بحالة من الكآبة والضيق أثناء الحيض وخاصة عند بدايته..كما أن حالتها العقلية والفكرية تكون في أدنى مستوى لها أثناء الحيض. 3. تصاب بعض النساء بالصداع النصفى قرب بداية الحيض، وتكون آلالام مبرحة وتصحبها زغللة في الرؤية وقيء. 4. تقل الرغبة الجنسية لدى المرأة، بل إن كثيراً من النساء يكن عازفات تماماً عن الجماع أثناء الحيض. وتكون الأجهزة التناسيلة بأكملها في حالة شبه مرضية، فالجماع في هذه الآونة ليس طبيعياً ولا يؤدي أي وظيفة، بل على العكس يؤدي إلى الكثير من الأذى. 5. تنخفض درجة حرارة المرأة أثناء الحيض درجة مئوية كاملة، ومع انخفاض درجة الحرارة يبطئ النبض وينخفض ضغط الدم فيسبب الشعور بالدوخة والفتور والكسل. ويذكر الدكتور البار أيضاً أن: الأذى لا يقتصر على الحائض في وطئها، وإنما ينتقل إلى الرجل الذي وطئها أيضاً مما قد يسبب له التهابات في الجهاز التناسلي الذي قد يسبب عقماً نتيجة هذه الالتهابات. كما أن الآلام المبرحة التي يعانيها المريض من هذه الالتهابات تفوق ما قد ينتج عن ذلك الالتهاب من عقم. إلى غير ذلك من المضار الكثيرة والتي لم يكشف عنها الآن، وإنما عبّر عنها الله عز وجل بقوله: (قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض، ولا تقربوهن حتى يطهرن) فوصفه تعالى له بأنه (أذى) أذى للزوجة، وأذى للزوج وغير ذلك من مضار كثيرة الله أعلم بها. وبهذا يتبيّن أنه ليس المنع من وطء الزوجة في زمن الحيض من أجل الدم فقط. بل لأسباب كثيرة سبق ذكرها. كما أن على المسلم أن يمتثل أمر الله عز وجل فإنه هو الخالق وهو أعلم بما يصلح العباد وما يضرهم، وهو القائل (فاعتزلوا النساء في المحيض) فحتى لو لم يتبيّن للشخص الحكمة من ذلك فإن عليه أن يسلّم لأمر الله الذي أمر أن يترك الرجل جماع أهله في هذه الفترة. انظر: الحيض والنفاس والحمل بين الفقه والطب د. عمر الأشقر. توضيح الأحكام للبسام (1/362) ومع ذلك فإنه يجوز للرجل أن يستمع بزوجته فيما دون الفرج. يراجع سؤال رقم (36740) و (36722) (36864) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 43028 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 439 لا يلزم الاستنجاء لمن به سلس بول قبل خروج الوقت [السُّؤَالُ] ـ[شخص مصاب بسلس البول، توضأ بعد دخول الوقت ثم أراد تجديد وضوئه ولم يدخل الوقت التالي، فهل عليه الاستنجاء مرة أخرى عند تجديد الوضوء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صاحب الحدث الدائم – كمن به سلس بول - إذا جدد الوضوء قبل خروج الوقت، لم يلزمه الاستنجاء عند التجديد، لأنه متوضئ حكما. وإذا خرج الوقت لزمه أن يغسل فرجه، وأن يتوضأ، ثم يصلي ما شاء من فروض ونوافل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش: " فاغسلي عنك الدم ثم صلي، ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت ". رواه البخاري (226) ومسلم (333) ولو قُدر أنه توضأ، ثم لم يخرج منه شيء حتى دخل وقت الصلاة الأخرى، لم يلزمه الوضوء، وهو على وضوئه الأول. فقول الفقهاء: يتوضأ لوقت كل صلاة، مقيد بما إذا خرج منه شيء. قال البهوتي في الروض المربع (ص 57) : ((والمستحاضة ونحوها) ممن به سلس بول أو مذي أو ريح أو جرح لا يرقأ دمه أو رعاف دائم ... (تتوضأ لـ) دخول (وقت كل صلاة) إن خرج شيء (وتصلي) ما دام الوقت (فروضا ونوافل) ، فإن لم يخرج شيء لم يجب الوضوء) انتهى. ولمعرفة المزيد عن أحكام صاحب السلس انظر السؤال رقم 22843، ورقم 39494 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39431 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 440 طهارة وصلاة من به سلس البول [السُّؤَالُ] ـ[اشعر بنزول بعض نقاط من البول سألت بالنسبة للصلاة فقيل لي توضئي لكل وقت صلاة وصلي ما شئت وإذا دخل وقت صلاة أخرى توضئي وضوءا جديدا. سؤالي هو: هل يجوز لي التوضؤ قبل دخول وقت الصلاة مثلا: للحاق بصلاة الجماعة بالمسجد؟ هل عندما أكون خارج المنزل يجوز لي أن أصلي بوضوء الصلوات التي يحين وقتها، وإن لم يجز ماذا أفعل لأطهر ملابسي الداخلية لأتوضأ وأصلي بها؟ وهل يجوز لي صلاة طويلة بوضوء واحد مثل صلاة العشاء ثم التراويح؟ جزاكم الله كل خير..]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله 1- من كان حدثه دائما مستمرا، كصاحب سلس البول والريح، يتوضأ لوقت كل صلاة، ويصلي بوضوئه ما شاء من الفروض والنوافل، حتى يدخل وقت الصلاة الأخرى. وذلك لما في الصحيحين عن عائشة قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني امرأة أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، إنما ذلك عرق وليس بحيض، فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي، ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت. رواه البخاري (226) – واللفظ له – ومسلم (333) وصاحب السلس ملحق عند أهل العلم بالمستحاضة. لكن إن علم أن البول ينقطع عنه في وقت يتسع لطهارته وصلاته لزمه تأخير الصلاة لذلك الوقت. قال الشيخ ابن عثيمين: (المصاب بسلس البول له حالان: الأولى: إذا كان مستمرّاً عنده بحيث لا يتوقف، فكلما تجمَّع شيء بالمثانة نزل: فهذا يتوضأ إذا دخل الوقت ويتحفظ بشيء على فرجه، ويصلِّي ولا يضرُّه ما خرج. الثانية: إذا كان يتوقف بعد بوله ولو بعد عشر دقائق أو ربع ساعة: فهذا ينتظر حتى يتوقف ثم يتوضأ ويصلِّي، ولو فاتته صلاة الجماعة) . " أسئلة الباب المفتوح " (س 17، لقاء 67) . وقد اختلف العلماء في طهارة المستحاضة ونحوها هل تبطل بخروج الوقت أم بدخول الوقت الآخر، وثمرة ذلك تظهر فيمن توضأت لصلاة الصبح، فهل لها أن تصلي بوضوئها هذا صلاة الضحى وصلاة العيدين أم لا؟ فمن قال: إن طهارتها تبطل بخروج الوقت، منعها من ذلك، لأنها بطلوع الشمس قد انتقضت طهارتها. ومن قال: إن طهارتها تبطل بدخول الوقت الآخر، أجاز لها أن تصلي الضحى والعيدين بوضوء الصبح لأن طهارتها باقية إلى دخول وقت الظهر. والقولان في مذهب الإمام أحمد وغيره. (الإنصاف 1/378، والموسوعة الفقهية 3/212) . والأحوط أن تتوضأ للضحى والعيدين وضوءا جديدا، وبهذا أفتى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، وانظري السؤال رقم 22843. 2- وبناء على ما سبق: ليس لك أن تتوضئي قبل الوقت لتصلي بعده، سواء كان ذلك لإدراك الجماعة أو غيرها لأن طهارتك ستنتقض بدخول الوقت الجديد. غير أننا ننبه على أن هذا الحكم متعلق باستمرار الحدث، وخروج الخارج، لكن لو قُدر أن صاحب السلس توضأ، ثم لم يخرج منه شيء حتى دخل وقت الصلاة الأخرى، لم يلزمه الوضوء، وهو على وضوئه الأول. فقول الفقهاء: يتوضأ لوقت كل صلاة، مقيد بما إذا خرج منه شيء. قال البهوتي في الروض المربع (ص 57) : ((والمستحاضة ونحوها) ممن به سلس بول أو مذي أو ريح. . . (تتوضأ لـ) دخول (وقت كل صلاة) إن خرج شيء (وتصلي) ما دام الوقت (فروضا ونوافل) ، فإن لم يخرج شيء لم يجب الوضوء) انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (يجب على المستحاضة أن تتوضأ لوقت كل صلاة إن خرج شيء، فإن لم يخرج منها شيء بقيت على وضوئها الأول) الشرح الممتع 1/438 3- وإن كنت خارج المنزل، وقد انتقضت طهارتك بدخول الوقت، وأردت الصلاة فإنه يلزمك أن تعيدي الوضوء بعد غسل المحل، وشده بما يمنع خروج الخارج قدر الإمكان. وتطهير الملابس الداخلية يكون بغسلها، وإن خصصت لصلاتك ثيابا طاهرة تحملينها معك كان أرفق بك وأيسر، وإن شق عليك غسل الملابس أو تبديلها فصلي على حالك. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: (المريض المصاب بسلس البول ولم يبرأ بمعالجته عليه أن يتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، ويغسل ما يصيب بدنه، ويجعل للصلاة ثوبا طاهرا إن لم يشق عليه ذلك، وإلا عفي عنه لقول الله تعالى (وما جعل عليكم في الدين من حرج) وقوله: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) وقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" ويحتاط لنفسه احتياطا يمنع انتشار البول في ثوبه أو جسمه أو مكان صلاته) انتهى نقلا عن فتاوى إسلامية 1/192. وإذا شق عليك الوضوء وغسل الثياب لكل صلاة فإنه يجوز لك الجمع بين صلاتي الظهر والعصر، فتصليهما بوضوء واحد في وقت إحداهما، وكذلك الجمع بين صلاتي المغرب والعشاء. سواء كنت داخل البيت أو خارجه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (24/14) : ويجمع المريض والمستحاضة اهـ. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (4/559) : يجوز الجمع للمستحاضة بين الظهرين (الظهر والعصر) والعشائين (المغرب والعشاء) لمشقة الوضوء عليها لكل صلاة اهـ. 4- ولك أن تصلي التراويح بوضوء العاء، ولو امتدت صلاة التراويح إلى ما بعد نصف الليل. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجوز للمرأة المستحاضة أن تصلي قيام الليل إذا انقضى نصف الليل بوضوء العشاء؟ فأجاب رحمه الله: (هذه المسألة محل خلاف، فذهب بعض أهل العلم إلى أنه إذا انقضى نصف الليل وجب عليها أن تجدد الوضوء، وقيل: لا يلزمها أن تجدد الوضوء، وهو الراجح) فتاوى الطهارة ص 286. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39494 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 441 ترى بقعة بنية حمراء جافة قبل العادة بأيام [السُّؤَالُ] ـ[عندي مسألة في الحيض وهي أني أجد في الأيام الثلاثة الأولى بقعا صغيرة جافة بنية أحياناً وحمراء فاتحة أحيانا وبعد ذلك أجد دما ثخينا يصحبه ألام لمدة أربعة أيام ثم أجد بعد ذلك خطوطا حمراء فاتحة لمدة يومين. السؤال: ما حكم الصيام والصلاة في الأيام الأولى والأخيرة. أرجو الاهتمام بالرد لأني لا أعلم كيف تكون عبادتي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما ترينه من الدم الثخين المصحوب بالألم مدة أربعة أيام، حيض بلا ريب، وأما البقع البنية والحمراء التي تسبق الدورة، فهذه محل تفصيل: فإن كانت متصلة بالدم، فهي من جملة الحيض، لا يحل فيها الصوم ولا الصلاة. وإن كانت منفصلة عن الدم فليست من الحيض. وكذلك ما ترينه من الخطوط الحمراء الفاتحة لمدة يومين، إن كان قبل حصول الطهر، فهو جزء من الحيض، وإن كان بعد حصول الطهر، فليس بشيء، وحكمه حكم دم الاستحاضة، لا يمنع الصوم والصلاة، لكن تتوضئين لوقت كل صلاة. والطهر إنما يحصل بإحدى علامتين: نزول القصة البيضاء، أو جفاف المحل بحيث لو احتشت بقطنة أو نحوها خرجت نظيفة لا أثر بها من دم أو صفرة أو كدرة. سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: (قبل حلول الدورة الشهرية تأتي معي مادة بنية اللون تستمر خمسة أيام، وبعد ذلك يأتي الدم الطبيعي ويستمر الدم الطبيعي لمدة ثمانية أيام بعد الأيام الخمسة الأولى. وتقول: أنا أصلي الأيام الخمسة، ولكن أنا أسأل: هل يجب علي صيام وصلاة هذه الأيام أم لا؟ أفيدوني أفادكم الله. فأجاب رحمه الله: إذا كانت الأيام الخمسة البنية منفصلة عن الدم فليست من الحيض، وعليك أن تصلي فيها وتصومي وتتوضئي لكل صلاة؛ لأنها في حكم البول، وليس لها حكم الحيض، فهي لا تمنع الصلاة ولا الصيام، ولكنها توجب الوضوء كل وقت حتى تنقطع، كدم الاستحاضة. أما إذا كانت هذه الخمسة متصلة بالحيض فهي من جملة الحيض، وتحتسب من العادة، وعليك ألا تصلي فيها ولا تصومي. وهكذا لو جاءت هذه الكدرة أو الصفرة بعد الطهر من الحيض فإنها لا تعتبر حيضاً، بل حكمها حكم الاستحاضة، وعليك أن تستنجي منها كل وقت، وتتوضئي وتصلي وتصومي، ولا تحتسب حيضا، وتحلين لزوجك؛ لقول أم عطية رضي الله عنها: " كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئا " أخرجه البخاري في صحيحه وأبو داود وهذا لفظه) انتهى من مجموع فتاوى الشيخ ابن باز 10/207 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38750 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 442 تنزل منها إفرازات وهي حامل فهل تترك الصلاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[زوجتي تنزل منها مادة قهوية وليس عليها الدورة الشهرية في بعض الأحيان هل تصوم وتصلي أم غير ذلك علما بأنها في بداية حمل لمدة شهر ونصف.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذهب كثير من أهل العلم إلى أن الحامل لا تحيض وهو مذهب الإمامين: أبي حنيفة وأحمد رحمهما الله. انظر: " المغني " (1/443) . وقد اختار هذا القول علماء اللجنة الدائمة للإفتاء. وذهب آخرون إلى أن الحامل قد تحيض وهو مذهب الإمامين مالك والشافعي رحمهما الله. انظر: " المجموع " (2/411-414) . وقد اختار هذا القول الشيخ محمد بن إبراهيم وابن عثيمين رحمهما الله. بشرط أن يكون الدم النازل على صفة دم الحيض وفي وقته. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (23400) . وعلى أيٍّ من القولين لا تكون هذه الإفرازات النازلة من زوجتك حيضاً، لأنها ليست بصفات دم الحيض وليست في وقته. فتكون زوجتك طاهراً، فتصلى وتصوم وتفعل ما يفعله الطاهرات. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38703 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 443 نزول دم يسير بعد الحيض بمدة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم نزول الدم من رحم المرأة أثناء الصيام علما بأن فترة العادة الشهرية قد انقضت لأكثر من عشرة أيام، وكانت المرأة تعاني من التهابات داخل الرحم، وأن هذا الدم ليس دم حيض حيث إنه كخيط سلك رقيق وقصير ولمرة واحدة ليوم واحد ثم انقطع؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الدم ليس بحيض، فلا يؤثر على الصيام، فلا تتركي من أجله الصلاة، وعليك أن تتوضئي لكل صلاة. سئل الشيخ ابن عثيمين: إذا نزل من المرأة في نهار رمضان نقط دم يسيرة، واستمر معها هذا الدم طوال شهر رمضان وهي تصوم، فهل صومها صحيح؟ فأجاب: نعم، صومها صحيح، وأما هذه النقط فليست بشيء لأنها من العروق، وقد أُثِر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: إن هذه النقط التي تكون كرعاف الأنف (أي نزيف الأنف) ليست بحيض، هكذا يذكر عنه رضي الله عنه. اهـ "رسالة 60 سؤالاً عن أحكام الحيض". وسئلت اللجنة الدائمة: أحيانا تأتيني العادة تسعة أيام وأحيانا عشرة وعندما أطهر وأقوم بعمل المنزل تعاودني مرة أخرى على فترات متقطعة، فهل إذا عاودتني بعد المدة المقررة لها شرعا يجوز لي الصوم والصلاة والعمرة؟ فأجابت: "مدة الحيض بالنسبة لك هي المدة التي جرت عادتك أن يأتيك فيها الحيض، وهي عشرة أيام أو تسعة، فإذا انقطع الدم بعد تسعة أو عشرة فاغتسلي وصلي وصومي وطوفي بالكعبة في حج أو عمرة أو تطوعا، ويحل لزوجك الاتصال بك، وما عاودك من الدم بعد مدة العادة من أجل مزاولة عمل أو طارئ آخر ـ فليس بدم حيض، بل دم علة وفساد، فلا يمنعك من الصلاة ولا الصوم ولا الطواف ونحوها من القربات، بل اغسليه عنك كسائر النجاسات، ثم توضئي لكل صلاة، وصلي وطوفي بالكعبة واقرئي القرآن" اهـ. "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/426) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38624 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 444 إذا طهرت الحائض قبل الفجر [السُّؤَالُ] ـ[كنت حائضاً وطهرت قبل أذان الفجر ولكن لتعبي لم أغتسل حتى أذّن الفجر، فهل أتم يومي هذا علماً بأني نويت الصوم لهذا اليوم قبل الأذان؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا طهرت الحائض قبل الفجر فإنها تنوي الصيام ويصح صومها، ولو لم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر. وهكذا الحكم للجنب إذا لم يغتسل إلا بعد طلوع الفجر. روى البخاري (1962) ومسلم (1109) عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ سَأَلَ أُمَّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ الرَّجُلِ يُصْبِحُ جُنُبًا أَيَصُومُ؟ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ غَيْرِ احْتِلامٍ ثُمَّ يَصُومُ. قال النووي رحمه الله: أَجْمَعَ أَهْل هَذِهِ الأَمْصَار عَلَى صِحَّة صَوْم الْجُنُب , سَوَاءٌ كَانَ مِنْ اِحْتِلام أَوْ جِمَاعٍ. . . وَإِذَا اِنْقَطَعَ دَم الْحَائِض وَالنُّفَسَاء فِي اللَّيْل ثُمَّ طَلَعَ الْفَجْر قَبْل اِغْتِسَالهمَا صَحَّ صَوْمهمَا , وَوَجَبَ عَلَيْهِمَا إِتْمَامه , سَوَاء تَرَكَتْ الْغُسْل عَمْدًا أَوْ سَهْوًا بِعُذْرٍ أَمْ بِغَيْرِهِ , كَالْجُنُبِ. هَذَا مَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْعُلَمَاء كَافَّة , إِلا مَا حُكِيَ عَنْ بَعْض السَّلَف مِمَّا لا نَعْلَم صَحَّ عَنْهُ أَمْ لا اهـ. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37926 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 445 حاضت بعد أسبوع من الحيضة السابقة [السُّؤَالُ] ـ[استخدم حبوب منع الحمل وحصل خطأ في مواعيد الحبوب مما أدى إلى حصول الدورة بعد أسبوع من انتهاء الدورة السابقة فهل يكون حكمها حكم الدورة الشهرية الاعتيادية؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، حكمها حكم الدورة الشهرية الاعتيادية، لأن الأصل في الدم الخارج من المرأة أنه دم حيض حتى يتبين أنه دم استحاضة. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن امرأة أتاها دم بعد تسعة أيام من الحيضة السابقة. فقال: متى جاء الحيض فهو حيض، سواء طالت المدة بينه وبين الحيضة السابقة أم قصرت، فإذا حاضت وطهرت وبعد خمسة أيام أو ستة أو عشرة جاءتها العادة مرة ثانية فإنها تجلس لا تصلي لأنه حيض، وهكذا أبداً كلما طهرت ثم جاء الحيض وجب عليها أن تجلس اهـ. فتاوى المرأة المسلمة (1/79) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37828 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 446 اليبوسة التي تحصل للمرأة أثناء عادتها [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من صامت يوماً بعد انقطاع الحيض ثم عاودها الحيض من جديد, هل تقضي اليوم أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا انقطع الحيض يوماً واحداً أو ليلة واحدة أثناء أيام حيضها فعليها أن تغتسل وتصلي الصلوات التي أدركت وقتها وهي طاهر لقول ابن عباس: " أما إذا رأت الدم البحراني فإنها لا تصلي، وإذا رأت الطهر ساعة فلتغتسل ". فتاوى اللجنة الدائمة (مجلة البحوث العلمية 12/102) والدَمٌ البَحْرَانيٌّ هو الدَّم الغليظ وقيل الكثير. لسان العرب (4/46) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37839 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 447 الكدرة التي قبل الحيض [السُّؤَالُ] ـ[إنني استخدم مانع حمل (لولب) لذلك قبل نزول الدم المعتاد بثلاث أيام تنزل كدرة فهل تفسد علي الصيام وعلي القضاء.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله: " إن كانت هذه الكدرة من مقدمات الحيض فهي حيض، ويُعرف ذلك بالأوجاع والمغص الذي يأتي الحائض عادة، أما الكدرة بعد الحيض فهي تنتظر حتى تزول لأن الكدرة المتصلة بالحيض حيض، لقول عائشة رضي الله عنها: لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء " رسالة الدماء الطبيعية 59. وعلى هذا فلو تبين لك أن هذه الكدرة من مقدمات الحيض فهي حيض وعليه اتركي الصوم والصلاة واقضي الصوم بعد الطهر. والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37840 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 448 متى يكون الدم النازل نفاساً؟ [السُّؤَالُ] ـ[امرأة أجريت لها عملية إجهاض، فهل يجوز لها أن تصوم أم يجب أن تنتظر فترة معينة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز للمرأة النفساء أن تصوم، ولا يصح صيامها، وعليها قضاء الأيام التي أفطرتها بسبب النفاس. والنفاس هو الدم النازل من المرأة بسبب الولادة. وإذا أسقطت المرأة فلا يعتبر الدم النازل منها دم نفاس إلا إذا أسقطت ما تبين فيه خلق الإنسان. والتخليق لا يبدأ في الحمل قبل ثمانين يوماً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ وَيُقَالُ لَهُ اكْتُبْ عَمَلَهُ وَرِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوح) رواه البخاري (3208) . فدل هذا الحديث على أن الإنسان يمر بعدة مراحل في الحمل: أربعين يوماً نطفة، ثم أربعين أخرى علقة، ثم أربعين ثالثة مضغة. ثم ينفخ فيه الروح بعد تمام مائة وعشرين يوماً. والتخليق يكون في مرحلة المضغة، ولا يكون قبل ذلك، لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنْ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ) الحج/5. فوصف الله تعالى المضغة بأنها مخلقة وغير مخلقة. ومعنى التخليق أن تظهر في الحمل آثار تخطيط الجسم كالرأس والأطراف ونحو ذلك. وعلى هذا. . فهذه المرأة التي أجريت لها عملية إجهاض، إن كان ذلك قبل ثمانين يوماً من الحمل فالدم النازل ليس بدم نفاس، بل هو دم استحاضة فلا يمنعها من الصلاة والصوم، وعليها أن تتوضأ لكل صلاة. وإذا كان الإجهاض بعد نفخ الروح في الجنين –أي بعد مائة وعشرين يوماً من الحمل- فالدم النازل دم نفاس قطعاً. وإذا كان الإجهاض بعد ثمانين يوماً وقبل تمام مائة وعشرين فإنها تنظر في السقط فإن ظهر فيه تخليق فالدم النازل نفاس، وإن لم يكن فيه تخليق فالدم النازل استحاضة. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في رسالة "الدماء الطبيعية للنساء" ص 40: ولا يثبت النفاس إلا إذا وضعت ما تبين فيه خلق إنسان، فلو وضعت سقطاً صغيراً لم يتبين فيه خلق إنسان فليس دمها دم نفاس، بل هو دم عرق، فيكون حكمها حكم الاستحاضة، وأقل مدة يتبين فيها خلق إنسان ثمانون يوماً من ابتداء الحمل، وغالبها تسعون يوماً اهـ والنفساء تترك الصلاة والصوم حتى تطهر فإذا طهرت من الدم اغتسلت وصلت وصامت. وإذا استمر بها الدم أكثر من أربعين يوماً، فإذا وافقت الزيادة عادتها فهي حائض، وإن لم توافق عادتها فهي مستحاضة تغتسل وتصلي وتصوم وتفعل ما يفعله الطاهرات. راجع سؤال (10488) ، (37662) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37784 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 449 السائل الذي ينزل من المرأة باستمرار لا يؤثر على الصيام [السُّؤَالُ] ـ[إذا خرج سائل شفاف كالماء (ثم أصبح لونه أبيض بعد أن جف) فهل صلاتنا وصيامنا صحيحان؟ وهل يجب الغسل؟ أرجو أن تخبرني، فهذا السائل يخرج مني كثيراً، وأجده في ملابسي الداخلية، وأغتسل مرتين أو ثلاث مرات في اليوم ليكون صيامي وصلاتي صحيحين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا السائل ينزل كثيراً من النساء. وهو طاهر ليس بنجس، ولا يجب الاغتسال منه. وإنما فقط ينقض الوضوء. وقد سئل عنه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، فأجاب: الظاهر لي بعد البحث أن السائل الخارج من المرأة إذا كان لا يخرج من المثانة وإنما يخرج من الرحم فهو طاهر. . . هذا هو حكم السائل من جهة الطهارة، فهو طاهر لا ينجس الثياب ولا البدن. وأما حكمه من جهة الوضوء فهو ناقض للوضوء، إلا أن يكون مستمراً عليها فإنه لا ينقض الوضوء، لكن على المرأة أن لا تتوضأ للصلاة إلا بعد دخول الوقت وأن تتحفظ. أما إذا كان متقطعاً وكان من عادته أن ينقطع في أوقات الصلاة فإنها تؤخر الصلاة إلى الوقت الذي ينقطع فيه ما لم تخش خروج الوقت، فإن خشيت خروج الوقت فإنها تتوضأ وتتحفظ وتصلي، ولا فرق بين القليل والكثير، لأنه كله خارج من السبيل فيكون ناقضاً قليله وكثيره اهـ مجموع فتاوى ابن عثيمين (11/284) . ومعنى (تتحفظ) أنها تجعل على الفرج خرقة أو قطنة أو نحو ذلك حتى تقلل من خروج هذا السائل، وتمنع انتشاره على الثياب والبدن. وعلى هذا. . فهذا السائل لا يجب الاغتسال منه، ولا يؤثر على الصيام، وبالنسبة للصلاة يجب الوضوء لكل صلاة بعد دخول وقتها إذا كان نزوله مستمراً. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37752 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 450 زادت أيام الحيض بسبب تركيب اللولب [السُّؤَالُ] ـ[وقت الدورة الشهرية ستة أيام قبل تركيب اللولب المانع للحمل، وبعد تركيب اللولب زادت مدة الدورة إلي تسعة أيام. فما حكم الصلاة والصيام في الأيام الزائدة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا زادت الدورة الشهرية للمرأة بعد تركيب اللولب فإن هذه الزيادة تعتبر حيضاً، فلا تصلي المرأة ولا تصوم حتى ترى الطهر. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله هذا السؤال: امرأة تسببت في نزول دم الحيض منها بالعلاج، وتركت الصلاة فهل تقضيها أم لا؟ فأجاب: لا تقضي المرأة الصلاة إذا تسببت لنزول الحيض فنزل، لأن الحيض دم متى وُجد وُجد حكمه، كما أنها لو تناولت ما يمنع الحيض ولم ينزل الحيض فإنها تصلي وتصوم لأنها ليست بحائض، فالحكم يدور مع علته، قال الله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى) البقرة/222. فمتى وُجد الأذى ثبت حكمه، ومتى لم يوجد لم يثبت حكمه اهـ فتاوى أركان الإسلام ص 254. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37656 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 451 نفساء أكملت أربعين يوما ولم تطهر فهل تصوم وتصلي؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجب على المرأة حديثة الولادة صيام رمضان علما بأنها قد أكملت أربعين يوما وما زالت في النفاس أي لم تطهر بعد؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف العلماء في أكثر مدة للنفاس، فذهب جمهور العلماء إلا أنها أربعون يوماً من الولادة. راجع سؤال (10488) . وعلى هذا. . فالمرأة التي استمر بها الدم أكثر من أربعين يوماً، إن وافق هذا الدم عادتها فتكون حائضاً، وإن لم يوافق عادتها فهو دم استحاضة فتغتسل بعد الأربعين وتصوم وتصلي وتكون طاهرة حكمها حكم الطاهرات من النساء. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37662 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 452 اعتمرت وصلت وهي حائض [السُّؤَالُ] ـ[حججت وجاءتني الدورة الشهرية قبل طواف الإفاضة فاستحييت أن أخبر أحدا ودخلت الحرم فصليت وطفت وسعيت فماذا عليّ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله: " لا يحل للمرأة إذا كانت حائضا أو نفساء أن تصلي سواء في مكة أو في بلدها أو في أي مكان لقول النبي صلى الله عليه وسلم في المرأة: " أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم ". . وقد أجمع المسلمون على أنه لا يحل لحائض أن تصوم ولا يحل لها أن تصلي، وعلى هذه المرأة التي فعلت ذلك عليك أن تتوب إلى الله وأن تستغفر مما وقع منها وأما طوافها حال الحيض فهو غير صحيح وأما سعيها فصحيح لأن القول الراجح جواز تقديم السعي على الطواف في الحج وعلى هذا فيجب عليها أن تعيد الطواف لأن طواف الإفاضة ركن من أركان الحج ولا يتم التحلل الثاني إلا به وبناء عليه فإن هذه المرأة لا يباشرها زوجها إن كانت متزوجة حتى تطوف ولا يعقد عليها النكاح إن كانت غير متزوجة حتى تطوف والله تعالى أعلم " [الْمَصْدَرُ] انتهى من رسالة 60 مسألة في الحيض الحديث: 36929 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 453 مباشرة المرأة وهي حائض أو نفساء [السُّؤَالُ] ـ[هل تجوز ملاعبة الزوجة وهي في فترة الحيض أو النفاس؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله مباشرة الرجل وملاعبته لامرأته وهي في فترة الحيض أو النفاس على ثلاثة أقسام: أَحَدهَا: أَنْ يُبَاشِرهَا بِالْجِمَاعِ فِي الْفَرْج , فَهَذَا حَرَام بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ. وبِنَصِّ الْقُرْآن الْعَزِيز قال الله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) البقرة/222. الْقِسْم الثَّانِي: الْمُبَاشَرَة فِيمَا فَوْق السُّرَّة وَتَحْت الرُّكْبَة بِالْقُبْلَةِ أَوْ الْمُعَانَقَة أَوْ اللَّمْس أَوْ غَيْر ذَلِكَ , وَهُوَ حَلال بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاء. انظر: "شرح مسلم" للنووي، و "المغني" (1/414) . الْقِسْم الثَّالِث: الْمُبَاشَرَة فِيمَا بَيْن السُّرَّة وَالرُّكْبَة فِي غَيْر الْقُبُل وَالدُّبُر , فهذا قد اختلف العلماء في جوازه. فذهب إلى تحريمه الأئمة أبو حنيفة ومالك والشافعي. وذهب إلى جوازه الإمام أحمد، واختاره بعض الحنفية والمالكية والشافعية. قال النووي: هو الأقٌوى دليلاً وَهُوَ الْمُخْتَار اهـ. واحتج القائلون بالجواز بأدلة من القرآن والسنة: أما القرآن، فاحتجوا بالآية السابقة: (فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) البقرة/222. قال ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (1/413) : المحيض هو زمان الحيض ومكانه، ومكانه هو الفرج فما دامت حائضا فوطؤها في الفرج حرام اهـ. وقال ابن قدامة في "المغني" (1/415) : فتخصيصه موضع الدم بالاعتزال دليل على إباحته فيما عداه اهـ. وأما السنة فروى مسلم (302) عَنْ أَنَسٍ أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا إِذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ فِيهِمْ لَمْ يُؤَاكِلُوهَا وَلَمْ يُجَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ فَسَأَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ. . . إِلَى آخِرِ الآيَةِ) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلا النِّكَاحَ. فَبَلَغَ ذَلِكَ الْيَهُودَ فَقَالُوا: مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ مِنْ أَمْرِنَا شَيْئًا إِلا خَالَفَنَا فِيهِ!! ومعنى (لَمْ يُجَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوت) أَيْ لَمْ يُخَالِطُوهُنَّ وَلَمْ يُسَاكِنُوهُنَّ فِي بَيْت وَاحِد اهـ. قاله النووي. وروى أبو داود (272) عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ مِنْ الْحَائِضِ شَيْئًا أَلْقَى عَلَى فَرْجِهَا ثَوْبًا. قال الحافظ: إسناده قوي اهـ. وصححه الألباني في صحيح أبي داود (242) . وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (5/395) : يحرم على الزوج أن يجامع زوجته في فرجها وهي حائض، وله أن يباشرها فيما عداه اهـ. والأولى للرجل إذا أرد أن يستمتع بامرأته وهي حائض أن يأمرها أن تلبس ثوباً تستر به ما بين السرة والركبة، ثم يباشرها فيما سوى ذلك. لما رواه البخاري (302) ومسلم (2293) عن عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَتْ إِحْدَانَا إِذَا كَانَتْ حَائِضًا فَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبَاشِرَهَا أَمَرَهَا أَنْ تَتَّزِرَ فِي فَوْرِ حَيْضَتِهَا ثُمَّ يُبَاشِرُهَا. وروى مسلم (294) عَنْ مَيْمُونَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَاشِرُ نِسَاءَهُ فَوْقَ الإِزَارِ وَهُنَّ حُيَّضٌ. (فِي فَوْر حَيْضَتهَا) أي: أَوَّله وَمُعْظَمه. قَالَه الْخَطَّابِيُّ. قال ابن القيم في "تهذيب السنن" عند شرح حديث رقم (2167) من عون المعبود: وَحَدِيث " اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلا النِّكَاحَ" ظَاهِرٌ فِي أَنَّ التَّحْرِيم إِنَّمَا وَقَعَ عَلَى مَوْضِع الْحَيْض خَاصَّة , وَهُوَ النِّكَاح , وَأَبَاحَ كُلّ مَا دُونه. وَأَحَادِيث الإِزَار لا تُنَاقِضهُ، لأَنَّ ذَلِكَ أَبْلَغ فِي اِجْتِنَاب الأَذَى , وَهُوَ أَوْلَى اهـ. بتصرف. ويحتمل أن يفرق بين أول الحيض وآخره، ويكون استحباب ستر ما بين السرة إلى الركبة خاصاً بوقت نزول الدم بكثرة وهذا يكون في أول الحيض. قال الحافظ: وَيُؤَيِّدهُ مَا رَوَاهُ اِبْن مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ حَسَن عَنْ أُمّ سَلَمَة أَيْضًا أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَّقِي سَوْرَة الدَّم ثَلاثًا ثُمَّ يُبَاشِر بَعْد ذَلِكَ. اهـ بتصرف. تنبيه: ما سبق من الأحكام تستوي فيها الحائض والنفساء. قال ابن قدامة رحمه الله بعد أن ذكر أقسام مباشرة الرجل لامراته وهي حائض، قال: والنفساء كالحائض في هذا اهـ المغني (1/419) . والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36722 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 454 لا يستطيع أن يصبر عن زوجته في فترة الحيض [السُّؤَالُ] ـ[رجل تستمر الدورة الشهرية لزوجته لمدة سبعة أيام ولا يستطيع أن يصبر لأن رغبته الجنسية قوية فماذا يفعل ليحل هذه المشكلة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سبق في إجابة السؤال رقم (36722) أن للرجل أن يستمتع بامرأته بكل أنواع الاستمتاع إلا الجماع، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما سئل عن مباشرة الحائض: (اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلا النِّكَاحَ) يعني الجماع. رواه مسلم (302) . وأيضاً: للزوج وسيلة أخرى مباحة لقضاء شهوته، وهي الاستمناء بيد زوجته. ودليل ذلك عموم قول الله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) المعارج/29-30. راجع السؤال رقم (826) . والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36740 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 455 الاستمتاع بالحائض [السُّؤَالُ] ـ[قرأتُ أنه لا يجوز لمس أعضاء المرأة التي توجد أسفل الوسط أثناء الدورة الشهرية ولا الجماع، أما ما فوق الوسط فيجوز ولا مانع من المداعبة مع الزوج في الجزء العلوي، فهل هذا صحيح؟ أرجو ذكر الدليل.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما قرأتيه ليس بصحيح، والصحيح أنه يجوز للرجل أن يستمتع بامرأته وهي حائض بكل أنواع الاستمتاع إلا الجماع. وقد سبق بيان أدلة ذلك في إجابة السؤال رقم (36722) . وقد ذهب كثير من العلماء إلى تحريم استمتاع الرجل بامرأته وهي حائض فيما بين السرة والركبة، واستدلوا على ذلك بأدلة، ولكنها لا تخلو من اعتراضات عليها. فمن ذلك: 1- ما رواه أبو داود (213) عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ؟ فَقَالَ: مَا فَوْقَ الإِزَارِ، وَالتَّعَفُّفُ عَنْ ذَلِكَ أَفْضَلُ. وهذا الحديث ضعيف، لا يثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال أبو داود: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ اهـ. وضعفه العراقي كما في "عون المعبود". وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود (36) . 2- وروى أحمد (87) عن عُمَرَ بْن الْخَطَّابِ أنه سأل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا يَصْلُحُ للرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ إِذَا كَانَتْ حَائِضًا؟ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا فَوْقَ الإِزَارِ. قال أحمد شاكر في تحقيق المسند (86) إسناده ضعيف لانقطاعه اهـ. 3- وروى أبو داود أيضاً (212) عَنْ حَرَامِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَحِلُّ لِي مِنْ امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ؟ قَالَ: لَكَ مَا فَوْقَ الإِزَارِ. وهذا الحديث اختلف العلماء فيه، فنقل ابن القيم في "تهذيب السنن" تضعيفه عن بعض الحفاظ وأقره على ذلك , وصححه الألباني في صحيح أبي داود (197) . ثم لو صح الحديث لم يكن دليلاً على تحريم الاستمتاع بالحائض فيما بين السرة والركبة، لأنه يمكن الجمع بينه وبين الأدلة الدالة على جواز ذلك بأحد أوجه الجمع الآتية: 1- أنه على سبيل الاستحباب والتنزه والابتعاد عن مكان الحيض، وليس على سبيل الوجوب. 2- أنه محمول على من لا يملك نفسه، لأنه لو مُكِّنَ من الاستمتاع بين الفخذين مثلاً ربما لا يملك نفسه فيجامع في الفرج، فيقع في الحرام، إما لقلة دينه، أو قوة شهوته، فتكون الأحاديث الدالة على الجواز فيمن يملك نفسه، والأحاديث الدالة على المنع فيمن يخشى على نفسه الوقوع في المحرم اهـ من الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين (1/416-417) بتصرف. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36864 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 456 أجري لها عملية في الرحم [السُّؤَالُ] ـ[إذا أجري للمرأة عملية جراحية في الرحم ونزل منها الدم، فهل هذا الدم يعتبر حيضا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " قد يحدث للمرأة سبب يوجب نزيف الدم من فرجها كعملية في الرحم أو فيما دونه وهذه على نوعين: النوع الأول: أن يعلم أنها لا يمكن أن تحيض بعد العملية مثل أن تكون العملية استئصال الرحم بالكلية أو سده بحيث لا ينزل منه دم، فهذه المرأة لا يثبت لها أحكام المستحاضة، وإنما حكمها حكم من ترى صفرة أو كدرة أو رطوبة بعد الطهر، فلا تترك الصلاة ولا الصيام ولا يمتنع جماعها ولا يجب غسل من هذا الدم، ولكن يلزمها عند الصلاة غسل الدم وأن تعصب على الفرج خرقة، ونحوها، لتمنع خروج الدم، ثم تتوضأ للصلاة , ولا تتوضأ لها إلا بعد دخول وقتها، إن كان لها وقت كالصلوات الخمس، وإلا فعند إرادة فعل الصلاة كالنوافل المطلقة. النوع الثاني: ألا يعلم امتناع حيضها بعد العملية بل يمكن أن تحيض، فهذه حكمها حكم المستحاضة. ويدل لما ذكر قوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش: (إنما ذلك عرق وليس بالحيضة , فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة) . فإن قوله: (فإذا أقبلت الحيضة) يفيد أن حكم المستحاضة فيمن لها حيض ممكن ذو إقبال وإدبار، أما من ليس لها حيض ممكن فدمها دم عرق بكل حال " انتهى. [الْمَصْدَرُ] "رسالة في الدماء الطبيعية للنساء" للشيخ ابن عثيمين رحمه الله. الحديث: 35829 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 457 دخول الحائض لما يلحق بالمسجد [السُّؤَالُ] ـ[عندنا مسجد يتكون من ثلاثة أدوار: الدور الأعلى مصلى للنساء، والدور الذي تحته المصلى الأصلي، والدور الذي تحته وهو عبارة عن (قبو) فيه المغاسل ومكان للمجلات والصحف الإسلامية وفصول دراسية نسائية ومكان لصلاة النساء أيضا، فهل يجوز للنساء الحُيّض دخول هذا الدور السفلي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يرجع في ذلك إلى نية من أوقف المسجد، فإن كان نوى أن يكون الدور الأسفل جزءاً من المسجد فحكمه حكم المسجد، فلا يجوز للحائض دخوله. وإن كان نوى أنه ليس من المسجد وإنما تكون فيه المغاسل وغيرها فلا يعد هذا الدور من المسجد، ولا يأخذ حكم المسجد، وعلى هذا يجوز للحائض دخوله والجلوس فيه. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: (إذا كان المبنى المذكور قد أعد مسجدا ويسمع أهل الدورين الأعلى والأسفل صوت الإمام صحت صلاة الجميع، ولم يجز للحيض الجلوس في المحل المعد للصلاة في الدور الأسفل؛ لأنه تابع للمسجد، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب) أما مرورها بالمسجد لأخذ بعض الحاجات مع التحفظ من نزول شيء من الدم فلا حرج في ذلك؛ لقوله سبحانه: (وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ) النساء / 221، ولما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر عائشة أن تناوله الحمرة (وهي السجادة) من المسجد، فقالت: إنها حائض، فقال صلى الله عليه وسلم: إن حيضتك ليست في يدك أما إن كان الدور الأسفل لم ينوه الواقف من المسجد، وإنما نواه مخزنا ومحلا لما ذكر في السؤال من الحاجات، فإنه لا يكون له حكم المسجد، ويجوز للحائض والجنب الجلوس فيه ولا بأس بالصلاة فيه في المحل الطاهر الذي لا يتبع دورات المياه كسائر المحلات الطاهرة التي ليس فيها مانع شرعي يمنع من الصلاة فيها، لكن من صلى فيه لا يتابع الإمام الذي فوقه إذا كان لا يراه ولا يرى بعض المأمومين؛ لأنه ليس تابعا للمسجد في الأرجح من قولي العلماء. مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز 10 / 221 والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 34815 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 458 صلّت وهي حائض حياءً [السُّؤَالُ] ـ[صلت وهي حائض حياءً فما حكمها وما هي كفارتها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال النووي: أجمعت الأمة على أنه يحرم على الحائض الصلاة فرضها ونفلها " المجموع (2/351) سئل عن ذلك الشيخ ابن عثيمين فأجاب: لا يحل للمرأة إذا كانت حائضاً أو نفساء أن تصلي لقول النبي صلى الله عليه وسلم في المرأة: " أليس إذا حاضت المرأة لم تصلّ ولم تصم؟ " وقد أجمع المسلمون على أنه لا يحل للحائض أن تصوم، ولا يحلّ لها أن تصلي، وعلى هذه المرأة التي فعلت ذلك أن تتوب إلى الله وأن تستغفر مما وقع منها " فتاوى المرأة المسلمة (1/285) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 33594 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 459 دخول الحائض المسجد لسماع الخطبة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للحائض أن تحضر الجمعة لتستمع للخطبة فقط؟ أرجو ذكر الدليل.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كانت ستجلس في المسجد لاستماع الخطبة فإن هذا لا يحل، لأنه لا يجوز للحائض أن تدخل المسجد إلا مروراً فقط. أما إذا كانت ستجلس في مكان ملحق بالمسجد أو قريب من المسجد فإن هذا لا بأس به، لأنها لم تدخل في المسجد حيئنذٍ. ولتفصيل الجواب في المكان الملحق بالمسجد انظر إجابة السؤال رقم (34815) لمعرفة متى يكون المكان الملحق بالمسجد حكمه حكم المسجد قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: يحرم على الحائض أن تمكث في المسجد، حتى مصلى العيد يحرم عليها أن تمكث فيه لحديث أم عطية رضي الله عنها قالت: أَمَرَنَا تَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُخْرِجَ فِي الْعِيدَيْنِ الْعَوَاتِقَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ وَأَمَرَ الْحُيَّضَ أَنْ يَعْتَزِلْنَ مُصَلَّى الْمُسْلِمِينَ. رواه البخاري (324) ومسلم (890) اهـ رسالة الدماء الطبيعية للنساء (ص 52-53) . والعَاتِق هِيَ الْجَارِيَة الْبَالِغَة. وذوات الخدور هن الأبكار. وسئلت اللجنة الدائمة (5/398) عن حكم دخول الحائض المسجد. فأجابت: لا يجوز للحائض دخول المسجد إلا مروراً إذا احتاجت إلى ذلك كالجنب لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) اهـ. وسئلت اللجنة الدائمة أيضاً (6/272) ما حكم الشرع في حق المرأة التي تدخل المسجد وهي حائض للاستماع إلى الخطبة فقط؟ فأجابت: لا يحل للمرأة أن تدخل المسجد وهي حائض أو نفساء. . . أما المرور فلا بأس إذا دعت إليه الحاجة وأُمِن تنجيسها المسجد لقوله تعالى: (ولا جنبا إلا عابري سبيل) النساء / 43. والحائض في معنى الجنب؛ ولأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر عائشة أن تناوله حاجة من المسجد وهي حائض اهـ. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 33649 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 460 استمر بها الدم بعد الولادة، وتركت الصلاة فهل تقضي ما زاد على الأربعين [السُّؤَالُ] ـ[لم أصلِّ إلا بعد ستين يوماً من ولادتي وذلك لعدم انقطاع الدم إلا بعد هذه المدة ولجهلي بأن المرأة تطهر بعد الأربعين ويجب عليها الصلاة ولم أعلم بهذا الحكم إلا بعد تسعة أشهر من ولادتي. فما الذي يجب علي عمله في العشرين يوماً التي لم أصليها؟ وإذا كان يجب علي قضاؤها ففي أي وقت أقضيها؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: اختلف العلماء في أكثر مدة النفاس. فمنهم من قال: إن أكثر مدّة للنفاس أربعون يوماً، لحديث أم سلمة رضي الله عنها: (كَانَتْ النُّفَسَاءُ تَجْلِسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا) رواه أبو داود (139) وقال الألباني حسن صحيح، وهو مذهب الجمهور، فتصلي بعد ذلك وإن استمر الدم، وتقضي ما فاتها من الصلوات ما لم يوافق الدم الذي بعد الأربعين وقت العادة المعتاد فإنه حيض راجع السؤال (10488) وقال بعض العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية - إن الأصل في الدم الخارج بسبب الولادة أنه نفاس فلا تصلي حتى ينقطع الدم –وقال: لا حدّ لأكثر النفاس. وقال بعضهم أقصاه إلى ستين يوماً وهو مذهب الشافعي رحمه الله. والأحوط لك قضاء ما فاتك بعد الأربعين من الصلوات ما لم يوافق وقت العادة المعتاد. والله أعلم. ثانياً: وأما كيفية قضاؤها، فإنه يلزمك ذلك بمجرد بلوغ هذا الحكم، فإن شق عليك لكثرة عدد الأيام فإنك تقضينها حسب استطاعتك وقدرتك، ولو كان ذلك على عدة أيام. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 31803 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 461 هل تغتسل الحائض عند المعاشرة [السُّؤَالُ] ـ[هل تغتسل الحائض عند المعاشرة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجب على الحائض الاغتسال بعد المعاشرة لأن حدثها مستمر ما دام الدم يجري فلا يرتفع حدثها إلا بانقطاع الدم ثم الاغتسال، ولا يجوز في إتيانها أن يجامعها زوجها في الفرج لقوله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) سورة البقرة 222، وله أن يستمتع بما دون ذلك لحديث أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا إِذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ فِيهِمْ لَمْ يُؤَاكِلُوهَا وَلَمْ يُجَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ فَسَأَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ إِلَى آخِرِ الآيَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلا النِّكَاحَ فَبَلَغَ ذَلِكَ الْيَهُودَ فَقَالُوا مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ مِنْ أَمْرِنَا شَيْئًا إِلا خَالَفَنَا فِيهِ. رواه مسلم 455 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2121 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 462 حكم دخول الحائض لما يلحق بالمسجد [السُّؤَالُ] ـ[في أميركا مسجد يتكون من ثلاثة أدوار: الدور الأعلى مصلى للنساء، والدور الذي تحته المصلى الأصلي، والدور الذي تحته وهو عبارة عن (قبو) فيه المغاسل ومكان للمجلات والصحف الإسلامية، وفصول دراسية نسائية ومكان لصلاة النساء أيضاً. فهل يجوز للنساء الحُيَّض دخول هذا الدور السفلي؟ كما يوجد في هذا المسجد عمود يعترض للمصلين في صفوفهم فيقسم الصف إلى شطرين فهل يقطع الصف أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان المبنى المذكور قد أُعد مسجداً ويسمع أهل الدورين الأعلى والأسفل صوت الإمام صحّت صلاة الجميع، ولَم يجُز للحُيّض الجلوس في المحل المعد للصلاة في الدور الأسفل، لأنه تابع للمسجد، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إني لا أُحل المسجد لحائض ولا جٌنٌب) . أما مرورها بالمسجد لأخذ بعض الحاجات مع التحفظ من نزول شيء من الدم فلا حرج في ذلك، لقوله سبحانه: {ولا جٌنباً إلا عابري سبيل} . ولما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه أمر عائشة أن تناوله الخمرة من المسجد، فقالت إنها حائض فقال صلى الله عليه وسلم، (إن حيضتك ليست في يدك) . أما إن كان الدور الأسفل لم ينوه الواقف من المسجد، وإنما نواه مخزناً ومحلاَّ لما ذكر في السؤال من الحاجات فإنه لا يكون له حكم المسجد، ويجوز للحائض والجنب الجلوس فيه ولا بأس بالصلاة فيه في المحل الطاهر الذي لا يتبع دورات المياه كسائر المحلات الطاهرة التي ليس فيها مانع شرعي يمنع من الصلاة فيها، لكن من صلى فيه لا يتابع الإمام الذي فوقه إذا كان لا يراه ولا يرى بعض المأمومين، لأنه ليس تابعاً للمسجد في الأرجح من قولي العلماء. أما العمود الذي يقطع الصف فلا يضر الصلاة، لكن إذا أمكن أن يكون الصف قدامه أو خلفه حتى لا يقطع الصف فهو أولى وأكمل. والله ولي التوفيق. [الْمَصْدَرُ] الشيخ ابن باز. فتاوى إسلامية 1/241-242 الحديث: 183 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 463 يجوز للنفساء أن تخرج من بيتها متى شاءت بالشروط الشرعية [السُّؤَالُ] ـ[أعيش في XXX، حيث أن للنساء هناك عادة البقاء في المنزل لفترة 40 يوما بعد الولادة، وقد سألت العديد من الناس عن تلك العادة. إلا أن أغلبهم لم يكن يعرف فيما إذا كان ذلك من السنة أم لا. إذ أني أريد اتباع تلك العادة فيما لو كانت من السنة (وأنا الآن في الشهر التاسع من الحمل وهذا حملي الرابع) ، إلا أن هناك من أخبرني بأن هذه العادة بدعة، لذا فالأفضل اجتنابها. فأرجو إن شاء الله أن تجلوا هذا الموضوع لي، إذ أنني أبحث في هذا الموضوع منذ ست سنوات تقريبا. جزاكم الله خيرا]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله .أربعون يوما هي أقصى فترة للنفساء تقعد فيها عن الصلاة والصيام مع وجود الدم وبعد ذلك تغتسل وتصلي وتعتبر نفسها مستحاضة إذا لم يتوقف نزول الدم لحديث أم سلمة رضي الله عنها قَالَتْ: " كَانَتِ النُّفَسَاءُ تَجْلِسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا.." رواه الترمذي وانظري بقية التفصيل في الموضوع تحت سؤال رقم 319. أمّا اعتقاد أنّ المرأة يجب عليها أن تجلس في بيتها أربعين يوما بعد الولادة لا تخرج فهو اعتقاد خاطئ ولا يلزم المرأة فعله، ويجوز لها أن تخرج من بيتها أثناء الأربعين إلى أيّ مكان شاءت بالشروط الشّرعية. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 1478 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 464 متى تصوم الحائض [السُّؤَالُ] ـ[عادتي الشهرية تتراوح ما بين سبعة إلى ثمانية أيام وفي بعض الأحيان في اليوم السابع لا أرى دماً ولا أرى الطهر فما الحكم من حيث الصلاة والصيام والجماع؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا تعجلي حتى تري القصة البيضاء التي يعرفها النساء وهي علامة الطهر، فتوقف الدم ليس هو الطهر وإنما ذلك برؤية علامة الطهر وانقضاء المدة. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى الشيخ ابن باز يرحمه الله. الحديث: 10052 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 465 ترى لحية زوجها غير منظمة فهل تأثم لو طالبته بإزالتها [السُّؤَالُ] ـ[زوجة ترى أن لحية زوجها غير جذابة ومنظمة، فهل لها أن تطلب منه أن يزيلها؟ وهل تأثم بذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يحرم على الرجل حلق لحيته، وتقصيرها؛ للأدلة الآمرة بإعفائها. وينظر: جواب السؤال رقم (110462) ورقم (100909) والواجب على المؤمن أن يسلّم ويذعن لأمر الله تعالى، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، وألا يكون في نفسه حرج أو ضيق من ذلك، كما قال تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) النساء/65 وقال جل وعلا: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا) الأحزاب/36 وقد أحسن الزوج بإعفائه لحيته دون مبالاة بكونها جذابة أو غير جذابة. ولا يجوز للزوجة أن تطلب منه حلقها أو تقصيرها، وتأثم بذلك؛ لأنها دعوة إلى المعصية ومخالفة الشرع. ونصيحتنا لها أن تتقبل هذا الأمر براحة نفس وانشراح صدر، وأن تعلم أن امتثال أمر الشرع فيه الخير والفلاح والنجاح، وأن من أطلق لحيته فهو متشبه بسيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم وبالأنبياء قبله، وبالصحابة والتابعين ومن بعدهم من أهل الخير والفضل، فإن حلق اللحية لم يعرف إلا في الأزمنة المتأخرة جدا. وإن مما يعينها على قبول هذا الأمر أن تعلم أن الله يبتلي عباده بما شاء من السراء والضراء كما قال: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) الأنبياء/35، فإن كانت تنفر من اللحية، أولا يعجبها مظهر زوجها بها: فلتصبر على ذلك، وهي مأجورة إن شاء الله، وحسبها أن زوجها إنما أراد طاعة ربه وامتثال أمره. غير أن نصيحتنا ـ أيضا ـ للزوج أن يعتني بالتزين لزوجته، بما أمكنه من المباحات المناسبة للرجال، فهذا من حقها عليه، كما أن من حقه عليها أن تتزين له، لقول الله تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) البقرة/228. قال ابن عباس رضي الله عنهما: " إنِّي أُحِبُّ أَنْ أَتَزَيَّنَ لِلْمَرْأَةِ , كَمَا أُحِبُّ أَنْ تَتَزَيَّنَ لِي الْمَرْأَةُ , لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَسْتَنْنظفَ حَقِّي عَلَيْهَا [أي: أستوفيه وأستقصيه] , لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} . " رواه ابن أبي شيبة (5/272) والطبري في تفسيره (4/532) . قال القرطبي رحمه الله: " قال العلماء: أما زينة الرجال فعلى تفاوت أحوالهم، فإنهم يعملون ذلك على اللبَق والوفاق، فربما كانت زينة تليق في وقت ولا تليق في وقت، وزينة تليق بالشباب، وزينة تليق بالشيوخ ولا تليق بالشباب، ألا ترى أن الشيخ والكهل إذا حف شاربه لِيق به ذلك وزانه، والشاب إذا فعل ذلك سمج ومقت؛ لأن اللحية لم توفر بعد، فإذا حف شاربه في أول ما خرج وجهه سمج، وإذا وفرت لحيته وحف شاربه زانه ذلك. وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أمرني ربي أن أعفي لحيتي وأحفي شاربي) [أخرجه ابن جرير وغيره، وحسنه الألباني] ، وكذلك في شأن الكسوة، ففي هذا كله ابتغاء الحقوق، فإنما يعمل على اللبق والوفاق عند امرأته في زينة تسرها ويعفها عن غيره من الرجال. وكذلك الكحل من الرجال: منهم من يليق به، ومنهم من لا يليق به. فأما الطيب والسواك والخلال [يعني: تنظيف الأسنان] والرمي بالدرَن وفضول الشعر والتطهير وقلم الأظفار هو بين موافق للجميع ... " انتهى. "تفسير القرطبي" (3/124) . والخلاصة: أنه لا يجوز للزوجة أن تطلب من زوجها أن يزل لحيته، لما في ذ لك من الأمر بمعصية الله، وعلى الزوج أن يتزين لامرأته بتسريح لحيته وتنظيفها وتطييبها، واستعمال ما يليق بمثله من الزينة المباحة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 141289 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 466 هل نبات أي شعر حول العانة يحصل به البلوغ [السُّؤَالُ] ـ[عندي بنت بلغت 11 سنة , لقد علمت بأن الإنبات من علامات البلوغ، فهل مجرد نبات القليل والضعيف من الشعر حول الفرج تصبح البنت مكلفة، بحيث يجب عليها الحجاب أو بنبات الكثير والخشن تصبح مكلفة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: بلوغ سن التكليف له علامات أخرى سوى نبات الشعر، ولا يشترط أن تتحقق العلامات جميعا؛ بل متى وجد في الصبي أو الصبية علامة واحدة منها، فقد صار مكلفا مسؤولا عن تصرفاته. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ويحصُلُ البلوغُ بواحدٍ مِن أمورٍ ثلاثةٍ بالنسبة للذُّكورِ وهي: 1 ـ تمامُ خمس عشرة سَنَةً. 2 ـ إنباتُ العَانةِ. 3 ـ إنزالُ المَنيِّ بشهوةٍ يقظةً أو مناماً. فإذا وُجِدَ واحدٌ مِن هذه الأمورِ الثلاثةِ صارَ الإِنسانُ بالغاً. والمرأةُ تزيدُ على ذلك بأمرٍ رابعٍ وهو الحيضُ، فإذا حاضت ولو لعشرِ سنوات فهي بالغة ". انتهى." الشرح الممتع" (4/224) . ثانيا: الشعر الذي يحصل البلوغ بنباته هو الشعر الذي ينبت حول العانة: ذكر الغلام، أو فرج البنت، وأما شعر اللحية والشارب فلا يحصل البلوغ بنباته. ثم إنه ليس كل شعر ينبت حول العانة يحصل به البلوغ، بل المعتبر فيه: أن يكون شعرا كثيفا يحتاج إلى حلقه بالموس ونحوه، وأما الشعر الخفيف الذي لا يحتاج إلى حلق، فلا يحصل به البلوغ. قال ابن قدامة رحمه الله: " وَأَمَّا الْإِنْبَاتُ فَهُوَ أَنْ يَنْبُتَ الشَّعْرُ الْخَشِنُ حَوْلَ ذَكَرِ الرَّجُلِ، أَوْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ، الَّذِي اسْتَحَقَّ أَخْذَهُ بِالْمُوسَى، وَأَمَّا الزَّغَبُ الضَّعِيفُ، فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ، فَإِنَّهُ يَثْبُتُ فِي حَقِّ الصَّغِيرِ. "المغني" (9/392) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في علامات البلوغ: " أن ينبت حول قُبُله شعر خشن ـ سواء كان ذكراً أو أنثى ـ أي: قوي صلب، احترازاً من الشعر الناعم الخفيف، فهذا يحصل حتى لابن عشر أو أقل، لكن الشعر الخشن القوي الصلب، هذا علامة البلوغ، فلو نبتت لحيته ولم تنبت عانته فليس ببالغ، فالعبرة هي نبات العانة " انتهى. "الشرح الممتع" (9/289) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 138738 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 467 هل يحضرون خادماً لتنظيف ورعاية أبيهم المقعد [السُّؤَالُ] ـ[والدي مسن مقعد يحتاج للرعاية والتنظيف، ووالدتي لا تقوى إلا على إطعامه لكبر سنها ومرضها، ونحن البنات نسكن مناطق بعيدة ونزوره شهريا أو أقل أو أكثر، والبنون في مشاغلهم. سؤالي: هل يجوز أن نجلب رجلا يخدمه وينظفه ويحممه؟؟ علما بأنه سيسكن مع زوجته التي تعمل خادمة عند أمي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَلَا الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ، وَلَا يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَلَا تُفْضِي الْمَرْأَةُ إِلَى الْمَرْأَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ) رواه مسلم (338) . وعن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قَالَ: (قُلْتُ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَوْرَاتُنَا: مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ؟ قَالَ: احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ. قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذَا كَانَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ؟ قَالَ: إِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَيَنَّهَا أَحَدٌ فَلَا يَرَيَنَّهَا. قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا؟ قَالَ: اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنْ النَّاسِ.) . رواه أبو داود (4017) وحسنه الألباني. فدل ذلك على أنه لا يجوز للرجل أن يطلع على عورة رجل مثله. قال ابن القطان الفاسي رحمه الله: " لا يحل للرجل أن ينظر إلى السوأتين من جنس الرجال، هذا ما لا شك ولا خلاف فيه ". " النظر في أحكام النظر" (258) . فإذا كان والدكم عاجزا عن القيام بشأنه، ويحتاج إلى من يخدمه، فلا حرج عليكم في استئجار رجل لخدمته، غير أنه لا يحل له أن يطلع على عورته، القبل أو الدبر، ولا أن يباشرها بيده، إذا كان من الممكن أن تتولى والدتكم هذا القدر من الخدمة، كما تتولى إطعامه. فإن لم يمكن ذلك، جاز له أن يتولى خدمته بصفة عامة، ولو استعمل حائلا عند مس العورة فهو أحسن. قال ابن نجيم الحنفي رحمه الله: " وَيَنْظُرُ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ، إلَّا الْعَوْرَةَ، وَهِيَ ما بين السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ ... قال محمد بن مُقَاتِلٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يَتَوَلَّى صَاحِبُ الْحَمَّامِ عَوْرَةَ إنْسَانٍ بيده عِنْدَ التَّنَوُّرِ، إذَا كان يَغُضُّ بَصَرَهُ. قال الْفَقِيهُ: وَهَذِهِ في حَالِ الضَّرُورَةِ لَا في غَيْرِهَا وَيَنْبَغِي لِكُلِّ إنْسَانٍ أَنْ يَتَوَلَّى عَوْرَتَهُ بِنَفْسِهِ عِنْدَ التَّنَوُّرِ". " البحر الرائق" (8/219) . والتنَوُّر: هو إزالة شعرة العانة (حول العورة) باستعمال النورة، وهي مزيل للشعر كان معروفا لديهم. وقال في "الروض المربع": " ولطبيب ونحوه: نظرُ ولمسُ ما دعت إليه حاجة ". قال في الحاشية: " كمن يلي خدمة مريض، أو مريضة، في وضوء واستنجاء وغيرهما، وكتخليصها من غرق أو حرق ونحوهما، أو حلق عانة من لا يحسن حلق عانته؛ دفعا للحاجة، وليسترْ ما عداه، لكشفه صلى الله عليه وسلم عن مؤتزر بني قريظة، وعثمان كشف عن سارق، ولم ينبت، فلم يقطعه. ". انتهى. "حاشية الروض المربع" لابن قاسم (6/236) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 135658 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 468 حكم تليين اللحية بالمواد الكيميائية [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم تليين اللحية؟ يتم ذلك عن طريق وضع بعض المواد الكيميائية ومن ثم تمرير الكاوية الساخنة عليها فتتليّن.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يحرم حلق اللحية وتقصيرها؛ للأمر الوارد بإعفائها وتركها، وينظر جواب السؤال رقم (100909) . وإذا كان التليين المذكور لا يضر بالبشرة، ولا يؤدي إلى التقصير من اللحية، وخلا من الإسراف، فلا حرج فيه. وينبغي أن يعلم أن كثرة الاهتمام بالشعر وتسريحه ودهنه أمر مذموم، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم (كَانَ يَنْهَي عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْإِرْفَاه) رواه أبو داود (4160) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (502) . قال في عون المعبود: " (كَانَ يَنْهَانَا عَنْ كَثِير مِنْ الْإِرْفَاه) : بِمَعْنَى التَّنَعُّم , وَمِنْهُ أَخَذْت الرَّفَاهِيَة وَهِيَ السَّعَة وَالدَّعَة وَالتَّنَعُّم، كَرِهَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِفْرَاط فِي التَّنَعُّم مِنْ التَّدْهِين وَالتَّرْجِيل (تسريح الشعر) عَلَى مَا هُوَ عَادَة الْأَعَاجِم وَأَمَرَ بِالْقَصْدِ فِي جَمِيع ذَلِكَ , وَلَيْسَ فِي مَعْنَاهُ الطَّهَارَة وَالنَّظَافَة , فَإِنَّ النَّظَافَة مِنْ الدِّين. قَالَ الْحَافِظ: الْقَيْد بِالْكَثِيرِ فِي الْحَدِيث إِشَارَة إِلَى أَنَّ الْوَسَط الْمُعْتَدِل مِنْ الْإِرْفَاه لَا يُذَمّ , وَبِذَلِكَ يُجْمَع بَيْن الْأَخْبَار" اِنْتَهَى فالنظافة مطلوبة، وحسن المظهر مطلوب، غير أن المبالغة في ذلك مذمومة. فينبغي للرجل أن يترفع عن ذلك، ولا يكون شغله الشاغل تسريح شعره ولحيته، والاهتمام بمظهره، ويكون قلبه فارغاً من الإيمان، أو ضعيف الإيمان ولا يبالي. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 135506 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 469 الحكمة من تجنب السواد في تغيير الشيب [السُّؤَالُ] ـ[إذا كنت أصبغ لحيتي فما الحكمة من تجنب السواد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لعل الحكمة من تجنب السواد ـ والله أعلم ـ أن السواد يحصل به التلبيس والتغيير أكثر، ففيه تشبه بالشباب، وتلبيس بأنه في دور الشباب وسن الشباب، أما الحمرة والصفرة فلا يحصل بها تلبيس، فالحمرة والصفرة يعرف بأنها شيب، وأنه قد صبغ لأجل تغيير الشيب، أما السواد فيحصل به اللبس ويحصل به التزوير، ويحصل بذلك ما لا ينبغي من التزوير على الناس. وكأنه يقول: أنا ما شبت أنا شاب، فهذا نوع من الكذب الفعلي بفعله، بخلاف الأصفر والأحمر فإنه واضح" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (2/592) . [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز فتاوى نور على الدرب الحديث: 131945 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 470 تحريم حلق اللحية والفرق بين الفرض والواجب عند الحنفية [السُّؤَالُ] ـ[كنت في نقاش مع أحد الأشخاص عن حكم حلق اللحية, فقال لي: إن حكم اللحية واجب وليس بفرض, فتارك الفرض يأثم أما تارك الواجب فلا يأثم, فقلت: إن الفرض والواجب عند أهل العلم نفس المعنى فقال: إن أبا حنيفة يفرق بين الفرض والواجب.. فأرجو التفصيل في المسألة في الفرق بين الواجب والفرض، وذكر أقوال العلماء مع الترجيح.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: اختلف الأصوليون في الفرض والواجب هل هما مترادفان أو لا؟ على قولين: فذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنهما مترادفان، وذهب الحنفية إلى التفريق بينهما، فالفرض عندهم: ما ثبت بدليل قطعي لا شبهة فيه، والواجب ما ثبت بدليل ظني أو فيه شبهة، ورتبوا على ذلك أن منكر الفرض يكفر، بخلاف منكر الواجب، لكن تارك الفرض والواجب آثم معرض للعقاب عندهم. قال في "كشف الأسرار شرح أصول البزدوي" (2/303) : " قوله: (وأما الفرض فحكمه اللزوم عِلما وتصديقا بالقلب) أي: يجب الاعتقاد بحقيته قطعا ويقينا، لكونه ثابتا بدليل مقطوع به. وهو الإسلام، أي: الاعتقاد بهذه الصفة يكون إسلاما، حتى لو تبدل بضده يكون كفرا. (وعملا بالبدن) أي: يجب إقامته بالبدن، حتى لو ترك العمل به غير مستخِفٍّ به يكون عاصيا , وفاسقا إذا كان بغير عذر , ولكنه لا يكون كافرا إلا أنه ترك ما هو من أركان الشرائع ...... ويكفر جاحده ... وأما حكم الوجوب، أي: الواجب، فلزومه عملا لا علما، أي: يجب إقامته بالبدن , ولكن لا يجب اعتقاد لزومه ; لأن دليله لا يوجب اليقين. إذا ترك العمل به فهو على ثلاثة أوجه: أما إن تركه مستخِفًّا بأخبار الآحاد بأن لا يرى العمل بها واجبا، أو تركه متأولا لها، أو تركه غير مستخِفٍّ , ولا متأول. ففي القسم الأول: يجب تضليله , وإن لم يكفر ; لأنه راد لخبر الواحد وذلك بدعة. وفي القسم الثاني: لا يجب التضليل , ولا التفسيق .... وفي القسم الأخير: يفسق , ولا يضلل ; لأن العمل به لمَّا وجب كان الأداء طاعة والترك من غير تأويل عصيانا وفسقا، هذا هو المذكور في عامة الكتب، وعليه يدل كلام شمس الأئمة رحمه الله أيضا , وهو الصحيح " انتهى باختصار. فتبين بهذا أن الواجب عند الأحناف يلزم العمل به، وأن تاركه من غير تأويل ولا استخفاف: فاسق عاص، فليس الأمر كما زعم صاحبك من أن تارك الواجب لا يأثم عند الحنفية. ثانيا: يجب إعفاء اللحية ويحرم حلقها للأدلة الصريحة الآمرة بإعفائها وتوفيرها. وينظر جواب السؤال رقم (82720) . وقد صرح الحنفية بتحريم حلق اللحية. قال في "الدر المختار مع حاشية ابن عابدين" (6/407) : " يحرم على الرجل قطع لحيته " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127742 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 471 حكم وصل شعر الشارب باللحية؟ [السُّؤَالُ] ـ[السؤال: ما حكم أن يصل الرجل شاربه مع شعر اللحية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: أولاً: السنة في الشارب قصه وتخفيفه، والأخذ منه حتى تبدو أطراف الشفة، ولا يسن حلقه كاملاً، وقد سبق بيان ذلك في السؤال رقم (103623) . ثانياً: اختلف العلماء في طرفي الشارب - السبالان - هل هما من الشارب فيقصان معه، أم من اللحية فيتركان. قال ابن حجر: " وَأَمَّا الشَّارِب فَهُوَ الشَّعْر النَّابِت عَلَى الشَّفَة الْعُلْيَا، وَاخْتُلِفَ فِي جَانِبَيْهِ وَهُمَا السِّبَالَانِ. فَقِيلَ: هُمَا مِنْ الشَّارِب وَيُشْرَع قَصّهمَا مَعَهُ. وَقِيلَ: هُمَا مِنْ جُمْلَة شَعْر اللِّحْيَة ". انتهى" فتح الباري" (10/346) . والقول بتركهما من غير قص اختاره بعض العلماء من المالكية والشافعية. ويدل عليه ما رواه الطبراني في المعجم الكبير (1 / 66) عن إسحاق بن عيسى الطباع قال: رأيت مالك بن أنس وافر الشارب فسألته عن ذلك؟ فقال: حدثني زيد بن أسلم عن عامر بن عبد الله بن الزبير أن عمر بن الخطاب كان إذا غضب فتل شاربه ونفخ. وصححه الألباني في "آداب الزفاف" صـ 137. قال النفراوي: " وَاَلَّذِي أَخَذَ بِهِ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُمَا لَيْسَا كَذَلِكَ [أي ليسا كالشارب] ، بِدَلِيلِ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَتَلَهُمَا وَلَمْ يَقُصَّهُمَا، فَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ إبْقَائِهِمَا، وَقَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: إنَّهُمَا كَالشَّارِبِ". انتهى من " الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني" (2 / 495) وقال البجيرمي: " وَلَا بَأْسَ بِإِبْقَاءِ السِّبَالَيْنِ وَهُمَا طَرَفَا الشَّارِبِ". انتهى من "تحفة الحبيب على شرح الخطيب" (5 / 261) ، ومثله في " أسنى المطالب" (1 /266) . وذهب إلى استحباب قصهما مع الشارب: الحنفية، والحنابلة، وبعض الشافعية. ينظر: "البحر الرائق شرح كنز الدقائق" (7 / 165) ، "مطالب أولي النهى" (1 / 85) ، "شرح منتهى الإرادات" (1 / 41) . قال العراقي: " اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ قَصِّ الشَّارِبِ، هَلْ يُقَصُّ طَرَفَاهُ أَيْضًا وَهُمَا الْمُسَمَّيَانِ بِالسِّبَالَيْنِ، أَمْ يُتْرَكُ السِّبَالَانِ كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ؟ فَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي إحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ: لَا بَأْسَ بِتَرْكِ سِبَالَيْهِ وَهُمَا طَرَفَا الشَّارِبِ فَعَلَ ذَلِكَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّ ذلك لَا يَسْتُرُ الْفَمَ، وَلَا يَبْقَى فيه غَمْرُ الطَّعَامِ، إذْ لَا يَصِلُ إلَيْهِ .... وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ بَقَاءَ السِّبَالِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالْأَعَاجِمِ، بَلْ بِالْمَجُوسِ وَأَهْلِ الْكِتَابِ، وَهَذَا أَوْلَى بِالصَّوَابِ." انتهى من "طرح التثريب" (2 / 77) ، وقريب منه كلام ابن نجيم في "البحر الرائق" (7 / 165) . ويستدل لهذا القول بقوله صلى الله عليه وسلم: (أَحْفُوا الشَّوَارِبَ) رواه البخاري (5892 (، ومسلم (259) . قال المناوي: " والحديث يتناول السبالين - وهما طرفاه - لدخولهما في مسماه ". انتهى " فيض القدير" (1/198) . ويستدل على ذلك أيضاً بما رواه ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ (12 /289) والبيهقي (716) عن ابْنِ عُمَرَ قَالَ: ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَجُوسَ، فَقَالَ: إنَّهُمْ يُوَفِّرُونَ سِبَالَهُمْ، وَيَحْلِقُونَ لِحَاهُمْ، فَخَالِفُوهُمْ. فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَسْتَعْرِضُ سَبَلَتَهُ فَيَجُزُّهَا، كَمَا تُجَزُّ الشَّاةُ أَوْ يُجزُّ الْبَعِيرُ. وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2834) . وبوب الإمام البخاري في صحيحه في كتاب اللباس بقوله: (بَاب قَصِّ الشَّارِبِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُحْفِي شَارِبَهُ حَتَّى يُنْظَرَ إِلَى بَيَاضِ الْجِلْدِ، وَيَأْخُذُ هَذَيْنِ، يَعْنِي: بَيْنَ الشَّارِبِ وَاللِّحْيَةِ) . وقد ذكر الكشميري أن الذي عليه عمل السلف قص السبالين؛ لأن اهتمامهم بنقل ترك عمر بن الخطاب لسباليه دليل على أن غيره لا يتركهما. ينظر: "العرف الشذي" (4/161) . والذي يظهر: أن في الأمر سعة، فمن ترك طرف الشارب موصولاً فلا حرج عليه، أسوةً بعمر بن الخطاب رضي الله عنه. ومن قصَّه فلا حرج عليه، كما كان يفعل عبد الله بن عمر. والأمر دائر بين استحباب قصه، وجواز تركه. وأما ترك الشارب، وحلق طرفيه فقط كما يفعله البعض فليس من السنة. وفي فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (5 / 275) : " ولا يجوز ترك طرفي الشارب، بل يقص الشارب كله، أو يحفيه كله، عملاً بالسنة ". [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127207 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 472 لحيته تنبت في جهة دون أخرى فهل يحلقها لتخرج متساوية؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم حلق اللحية التي تنبت في الجهة اليمنى كثيرا ولا تنبت في الجهة اليسرى إلا قليلا أي أنها غير متساوية؟ وقد قيل لي: لأنك صغير، فمع الحلاقة ستنبت.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز حلق اللحية أو الأخذ من شيء منها ولو كان ذلك لأجل نموها، أو تسويتها؛ لعدم ورود الرخصة في ذلك، مع كونه يقع لكثير من الشباب في مبدأ خروج لحاهم، فلو كان هذا مما يبيح الحلق لجاءت به رخصة، قال تعالى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) مريم/64. وانظر في تحريم حلق اللحية جواب السؤال رقم 82720. وهل يباح أخذ دواء يسارع في إنبات الجهة اليسرى؟ في ذلك تفصيل: وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن أخذ دواء لإنبات اللحية ومعالجة التفاوت الحاصل فيها، فأجاب: " إذا كان يُرْجَى نباتُه بنفسِه فلا يحاول؛ لأن هذا ليس بعيب، إذْ إن كثيراً من الشباب الذين في ابتداء نبات لِحاهُم لا تنبت اللِّحَى مستوية جميعاً، فينتظر. أما إذا كان عيباً بحيث نعلم ونيأس أنه لن ينبت بنفسِه فلا حرج أن يعالج ذلك حتى يخرج الباقي، لا سيما إن كانت مشوهة. أما إذا كانت غير مشوهة فالأفضل ألا يعالجها بشيء؛ لأني أخشى أن يكون هذا من جنس الوصل الذي لعن فيه الرسول عليه الصلاة والسلام الواصلة والمستوصلة " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (41/15) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125995 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 473 هل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقلم أظافره كل يوم جمعة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقلم أظافره كل يوم جمعة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء في تحديد يوم الجمعة لقص الأظفار، لا من قوله ولا من فعله صلى الله عليه وسلم. قال الحافظ السخاوي رحمه الله في موضوع قص الأظافر: " لم يثبت في كيفيته ولا في تعيين يوم له عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء " انتهى. "المقاصد الحسنة" (ص / 422) . وما روي في ذلك فهو ضعيف منكر أو موضوع. قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: " وفي الباب – أيضاً - من حديث ابن عباس وعائشة وأنس، أحاديث مرفوعة، ولا تصح أسانيدها " انتهى. "فتح الباري لابن رجب" (5/359) . ومن أراد أن يطلع على شيء مما روي في ذلك فلينظر: "التلخيص الحبير" (2/170) ، "السلسلة الضعيفة" للشيخ الألباني" (حديث رقم/1112، 1816، 3239) . ثانيا: ورد اعتياد قص الأظفار يوم الجمعة عن بعض الصحابة والتابعين: روى الإمام البيهقي بسنده في "السنن الكبرى" (3/244) : عن نافع: أن عبد الله بن عمر كان يقلم أظفاره ويقص شاربه في كل جمعة. وروى ابن أبي شيبة في "المصنف" (2/65) : " عن إبراهيم قال: ينقي الرجل أظفاره في كل جمعة " انتهى. وروى عبد الرزاق في "المصنف" (3/197) : " عن محمد بن إبراهيم التيمي قال: من قلم أظفاره يوم الجمعة، وقص شاربه، واستن، فقد استكمل الجمعة " انتهى. ونقل الحافظ ابن رجب في "فتح الباري" (5/359) : " عن راشد بن سعد قال: (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: من اغتسل يوم الجمعة، واستاك، وقلم أظفاره، فقد أوجب) خرجه حميد بن زنجويه " انتهى. والمقصود بـ أوجب: يعني أوجب الأجر. ثالثا: لما ورد عن السلف في هذا الباب: نص فقهاء الشافعية والحنابلة على استحباب تقليم الأظفار كل جمعة: قال الإمام النووي رحمه الله: " وقد نص الشافعي والأصحاب رحمهم الله على أنه يستحب تقليم الأظفار والأخذ من هذه الشعور يوم الجمعة " انتهى. "المجموع" (1/340) . وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " ولم يثبت أيضا في استحباب قص الظفر يوم الخميس حديث، وقد أخرجه جعفر المستغفري بسند مجهول، ورويناه في "مسلسلات التيمي" من طريقه، وأقرب ما وقفت عليه في ذلك ما أخرجه البيهقي من مرسل أبي جعفر الباقر قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب أن يأخذ من أظفاره وشاربه يوم الجمعة "، وله شاهد موصول عن أبي هريرة، لكن سنده ضعيف، أخرجه البيهقي أيضا في "الشعب". وسئل أحمد عنه فقال: يسن في يوم الجمعة قبل الزوال، وعنه يوم الخميس، وعنه يتخير، وهذا هو المعتمد: أنه يستحب كيف ما احتاج إليه. وأما ما أخرج مسلم من حديث أنس: (وقت لنا في قص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة أن لا يترك أكثر من أربعين يوما) قال القرطبي في "المفهم": ذكر الأربعين تحديد لأكثر المدة، ولا يمنع تفقد ذلك من الجمعة إلى الجمعة، والضابط في ذلك الاحتياج. وكذا قال النووي: المختار أن ذلك كله يضبط بالحاجة. وقال في "شرح المهذب": ينبغي أن يختلف ذلك باختلاف الأحوال والأشخاص، والضابط الحاجة في هذا وفي جميع الخصال المذكورة. قلت – أي: ابن حجر -: لكن لا يمنع من التفقد يوم الجمعة، فإن المبالغة في التنظف فيه مشروع والله أعلم " انتهى. "فتح الباري" (10/346) . وقال العلامة البهوتي الحنبلي رحمه الله: " (ويكون ذلك) أي: حف الشارب، وتقليم الأظافر، وكذا الاستحداد، ونتف الإبط، (يوم الجمعة، قبل الصلاة) وقيل: يوم الخميس. وقيل: يُخَيَّر " انتهى. "كشاف القناع" (1/76) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118891 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 474 حلق شعر الخصيتين والدبر [السُّؤَالُ] ـ[لدي سؤال عن حلق الشعر أسفل السرة، لست أدري إلى أي حد يجب أن يكون، هل تجب إزالة الشعر الموجود على الخصية؟ أرجو أن تلقي الضوء على هذا. ماذا عن المرأة، هل يجب أن تحلق الشعر أيضاً؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فقد عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله فأجاب بما يلي: بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، ليس من سنن الفطرة لكنه إذا كان كثيرا فإنه لا بد من إزالته حتى لا يتلوث بالخارج.. انتهى وقد ثبت في السنة المطهرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يفيد مشروعية الاستحداد، وهو حلق شعر العانة كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الفطرة خمس: ومنها الاستحداد " رواه البخاري. ووقت له النبي صلى الله عليه وسلم أربعين يوماً فلا يترك أكثر من ذلك لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: وقت لنا في قص الشارب، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط، وحلق العانة ألا يترك أكثر من أربعين يوماً " رواه البخاري 10/284 ومسلم 1/222. وذكر الفقهاء آداباً للاستحداد فنصوا على أنه يستحب أن يبدأ في حلق العانة من تحت السرة، وأن يبدأ بالجانب الأيمن، وأن يستتر، وأن يواري ما يزيله من شعر أو ظفر. والحكمة التي شرع من أجلها إزالة هذا الشعر القذر تكون متحققة في شعر الخصيتين والدبر إذا كانت تعلق بها النجاسة، لأن المقصود تمام النظافة وكمال الطهارة، والبعد عن أسباب التقذر وتعلق الوسخ والنجاسات بالبدن، فتكون الإزالة حينئذ أمرا حسناً. والنساء في حلق شعر العانة وإزالة شعر الإبطين كالرجال في الحكم، والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2602 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 475 عملت وشماً قبل الإسلام فهل هي ملعونة [السُّؤَالُ] ـ[قبل دخولي في الإسلام, قمت بعمل وشم. وقد قرأت مؤخرا بأن المرأة التي تحمل وشما هي ملعونة. فهل ينطبق ذلك علي أيضا؟ وإذا خُطبت فهل أخبر المتقدم لي بأمر الوشم مقدما, في حالة كونه لا يريد أن يرتبط "بفتاة ملعونة"؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا بد أن يعلم المسلم أن الإسلام يجبُّ ما قبله من السيئات ويمحوها بل يبدلها الله حسنات كما قال الله تبارك وتعالى: {فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} الفرقان / 70. عن عمرو بن العاص قال: ... فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلتُ: ابسط يمينك فلأبايعك، فبسط يمينه، قال: فقبضت يدي، قال: مالك يا عمرو؟ قال: قلت: أردت أن أشترط، قال: تشترط بماذا؟ قلت: أن يغفر لي، قال: أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله. رواه مسلم (121) . فدل هذا الحديث أن من أسلم يغفر له جميع السيئات التي عملها قبل الإسلام. ثانياً: ورد النهي عن النبي صلى الله عليه وسلم عن الوشم. عن أبي جحيفة رضي الله عنه قال: " لعن النبي صلى الله عليه وسلم الواشمة والمستوشمة وآكل الربا وموكله ونهى عن ثمن الكلب وكسب البغي ولعن المصورين ". رواه البخاري (5032) . فالوشم من كبائر الذنوب، ولكن إن تاب الإنسان منه تاب الله عليه. ثالثاً: توصل الطب الحديث إلى إمكانية إزالة الوشم، والدواء موجود ومتداول في الصيدليات ومعروف فيمكنك بسهولة إن شاء الله إزالته. رابعاً: إن لعن الواشمة ليس صفة لازمة بل متى تاب الإنسان منه زال الوصف عنه وبالتالي خطأ أن تقولي عن نفسك فتاة ملعونة، بل نسأل الله أن تكوني صالحة. خامساً: لاشك أن من يريد التزوج بك سوف يُقدر هذا الأمر وخصوصاً أنه قبل الإسلام، وحتى لو كان بعد الإسلام مادام أن المسلم تاب منه فلا وجه للمؤاخذة والمحاسبة بل تبدل سيئته حسنة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 9222 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 476 نصحها الأطباء بتأخير ختان الطفل لمرضه [السُّؤَالُ] ـ[عمر ابني حوالي أربع شهور فقط، وقد أجري له زراعة قلب عندما وصل عمره تسعة أسابيع ونصف ولم نقم بختانه لأن الأطباء ذكروا أن الختان قد يؤثر على حياته والآن تواجهه مشكلة أخرى وهي أن خصيتيه لم يهبطا إلى مستوى العضو التناسلي الذكري وقد استشرنا طبيب المسالك البولية وطلب منا الانتظار إلى أن يبلغ الطفل تسعة أشهر، فهل يجوز لنا الانتظار؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: إذا كانت هناك ضرورة تمنع ختان هذا الطفل في موعده الشرعي جاز تأخيرها لقول الله عز وجل {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً} [النساء 29] ، وقوله تعالى {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} [البقرة 286] ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " رواه البخاري (6858) ومسلم (1337) ، وعلى قاعدة: (الضرورات تبيح المحظورات) . والختان لا يترتب عليه ضرر عادة فيستشار الطبيب وإذا علم الطبيب الذي يمنع الختان أن السبب يؤثر تأثيراً حقيقياً فلا مانع من التوقف عن الختان إلى حين القدرة والاستطاعة. و"من مسقطات الختان ضعف المولود عن احتماله بحيث يخاف عليه من التلف ويستمر به الضعف كذلك فهذا يعذر في تركه إذ غايته أنه واجب فيسقط بالعجز عنه كسائر الواجبات. (وقال) في " شرح الهداية " فقال: يمنع منه ولهذا نظائر كثيرة منها الاغتسال بالماء البارد في حال قوة البرد والمرض، وصوم المريض الذي يخشى تلفه بصومه وإقامة الحد على المريض والحامل وغير ذلك فإن هذه الأعذار كلها تمنع إباحة الفعل كما تسقط وجوبه، والله تعالى أعلم. أ. هـ [الْمَصْدَرُ] الختان أبو بكر عبد الرزاق (ص 144) . الحديث: 6793 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 477 فوائد الختان الصحية والشرعية [السُّؤَالُ] ـ[أنا لا أدين بأي دين، ولكني أتساءل لماذا يعتبر اليهود والمسلمون الختان إلزاميا؟ يبدو لي أن المسلم ينظر إلى كل إنسان كمخلوق كامل من خلق الله، ولكن، لماذا الشك في هذا الكمال بتغيير خلق الله؟ أنا أعرف اعتبارات النظافة الصحية بالطبع، ولكني آمل حقا أن أحصل على رد من طرفكم على سؤالي. ولكم الشكر على تلطفكم بالإجابة.]ـ [الْجَوَابُ] المسلم يُنفذ أمر الله وهذا معنى الإسلام ومقتضاه، وهو الاستسلام لله وطاعة أمره، سواءٌ تبين له الحكمة منه أم لا، لأن الآمر ـ وهو الله تعالى ـ هو الخالق العليم الخبير، الذي خلق البشر ويعلم ما يُصلحهم وما يصلح لهم، والختان من ضمن الأحكام الشرعية التي يُنفذها المسلم عن طواعية وخضوع ومحبةٍ لله وطلب للأجر والثواب من عنده، وهو يجزم يقيناً بأن الله لم يأمر بشئٍ إلا وله فيه حكمة وللعبد فيه مصلحة سواءٌ علمها العبد أم لم يعلمها، ولا بأس وقد ورد السؤال من طرفك أيها السائل الحريص على معرفة الفائدة الصحية من الختان أن نذكر هنا بعض الفوائد الشرعية والصحية للختان إجابةً لطلبك، وليزداد المؤمنون إيماناً بالحكم، ويعلم غير المسلم جانباً من عظمة هذه الشريعة التي جاءت بجلب المصالح، ودرءِ المفاسد. أولاً: الفوائد الشرعية: "الختان من محاسن الشرائع التي شرعها الله سبحانه وتعالى لعباده ويُجَمِّلُ بها محاسنهم الظاهرة والباطنة فهو مكمل للفطرة التي فطرهم عليها ولهذا كان من تمام الحنيفية ملة إبراهيم، وأصل مشروعية الختان لتكميل الحنيفية فإن الله عز وجل لما عاهد إبراهيم وعده أن يجعله للناس إماماً، ووعده أن يكون أباً لشعوب كثيرة وأن يكون الأنبياء والملوك من صلبه وأن يُكثِّر نسله وأخبره أنه جاعلٌ بينه وبين نسله علامةَ العهد أن يختنوا كل مولود منهم ويكون عهدي هذا ميسماً (أي علامة) في أجسادهم. فالختان علم للدخول في ملة إبراهيم وهذا موافق لتأويل من تأول قوله تعالى: (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ) البقرة/138،على الختان، فالختان للحنفاء بمنزلة الصبغ والتعميد لعبّاد الصليب، فهم يطهرون أولادهم بزعمهم حين يصبغونهم في ماء المعمودية ويقولون:الآن صار نصرانياً، فشرع الله سبحانه وتعالى للحنفاء صبغة الحنيفية،وجعل ميسمها الختان فقال: (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ) البقرة/138. ... فجعل الله سبحانه وتعالى الختان علماً لمن يضاف إليه وإلى دينه وملته وينسب إليه بنسبة العبودية والحنيفية ... والمقصود: أن صبغة الله هي الحنيفية التي صبغت القلوب بمعرفته ومحبته والإخلاص له، وعبادته وحده لا شريك له، وصبغت الأبدان بخصال الفطرة من الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظافر،ونتف الإبط، والمضمضة،والاستنشاق، والسواك،والاستنجاء. فظهرت فطرة الله على قلوب الحنفاء وأبدانهم." تحفة المودود بأحكم المولود - ابن القيم ص 351. ولا يشترط أن يبقى الجنين على ما هو عليه عند خروجه من بطن أمه إذا كان ما يُفعل معه لمصلحة ومما أمر به الدين الحنيف ومن ذلك حلاقة شعر رأسه بعد ولادته لأن ذلك من مصلحته قال نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام: (أميطوا عنه الأذى) . وكذلك غسله مما أصابه من الدم وقطع المشيمة التي كان متصلاً بها بأمه ونحو ذلك من إجراء الأمور التي تفيده. ثانياً: الفوائد الصحية: قال الدكتور محمد علي البار (عضو الكليات الملكية للأطباء بالمملكة المتحدة ـ مستشار قسم الطب الإسلامي مركز الملك فهد للبحوث الطبية جامعة الملك عبد العزيز بجدة) في كتابه الختان: " إن ختان الأطفال المواليد (أي خلال الشهر الأول من أعمارهم) يؤدي إلى مكاسب صحية عديدة أهمها: 1- الوقاية من الالتهابات الموضعية في القضيب: الناتجة عن وجود القلفة ويسمى ضيق القلفة ويؤدي إلى حقب البول. والتهابات حشفة القضيب وهذه كلها تستدعي إجراء الختان لعلاجها، أما إذا أزمنت فإنها تعرض الطفل المصاب لأمراض عديدة في المستقبل من أخطرها سرطان القضيب. 2- التهابات المجاري البولية: أثبتت الأبحاث العديدة أن الأطفال غير المختونين يتعرضون لزيادة كبيرة في التهابات المجاري البولية.وفي بعض الدراسات بلغت النسبة 39 ضعف ما هي عليه عند الأطفال غير المختونين، وفي دراسات أُخرى كانت النسبة عشرة أضعاف، وفي دراسات أُخرى تبين أن 95 بالمائة من الأطفال الذين يعانون من التهابات المجاري البولية هم من غير المختونين بينما كانت نسبة الأطفال المختونين لا تتعدى 5 بالمائة والتهابات امجاري البولية في الأطفال خطيرة في بعض الأحيان ففي دراسة ويزويل على 88 طفلاً أصيبوا بالتهابات المجاري البولية كان لدى 36 بالمائة منهم نفس البكتريا الممرضة في الدم، وعانى ثلاثة من هؤلاء من التهاب السحايا، وأُصيب اثنان بالفشل الكلوي، ومات اثنان آخران بسبب انتشار الميكروبات الممرضة في الجسم. 3- الوقاية من سرطان القضيب: قد أجمعت الدراسات على أن سرطان القضيب يكاد يكون منعدماً لدى المختونين بينما نسبته لدى غير المختونين ليست قليلة، ففي الولايات المتحدة فإن نسبة الإصابة بسرطان القضيب لدى المختونين صفر بينما هي 2.2 من كل مائة ألف من السكان غير المختونين. وبما أن أغلبية السكان في الولايات المتحدة هم من المختونين فإن حالات السرطان هناك في حدود 750 إلى ألف حالة كل سنة ولو كان السكان غير مختونين لتضاعف العدد إلى ثلاثة آلاف حالة، وفي البلاد التي لا يُختن فيها مثل الصين ويوغندا وبورتوريكو فإن سرطان القضيب يشكل ما بين 12 إلى22 بالمائة من مجموع السرطانات التي تصيب الرجال. وهي نسبة عالية جداً. 4- الأمراض الجنسية: لقد وجد الباحثون أن الأمراض الجنسية التي تنتقل عبر الاتصال الجنسي (غالباً بسبب الزنا واللواط) تنتشر بصورة أكبر وأخطر لدى غير المختونين، وخاصة الهربس، والقرحة الرخوة والزهري، والكانديدا، والسيلان، والثآليل الجنسية. وهناك أبحاث عديدة حديثة تؤكد أن الختان يقلل من احتمال الإصابة بالإيدز بنسبة أعلى من قرنائهم من غير المختونين. ولكن ذلك لا ينفي أن المختون إذا تعرض للعدوى نتيجة اتصال جنسي بشخص مصاب بالإيدز قد يصاب بهذا المرض الخطير. وليس الختان واقياً منه، وليست هناك وسيلة حقيقة للوقاية من هذه الأمراض الجنسية العديدة سوى الابتعاد عن الزنا والخنا واللواط وغيرها من القاذورات (وبهذا نعلم حكمة الشريعة الإسلامية بتحريم الزنا واللواط ... ) . 5- وقاية الزوجة من سرطان عنق الرحم: لاحظ الباحثون أن زوجات المختونين أقل تعرضاً للإصابة بسرطان عنق الرحم من غير المختونين." انتهى نقلاً من كتاب (الختان) ص/76 للدكتور محمد البار.. والله أعلم يراجع: مقال للبروفيسور ويزويل نشرته المجلة الأمريكية لطبيب الأسرة العدد/41، سنة 1991م. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 7073 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 478 بماذا يبدأ عند تقليم الأظفار؟ [السُّؤَالُ] ـ[بأي جزء من الجسد ينبغي الابتداء عند قص الأظافر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تقليم الأظافر سنة من سنن الفطرة، كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة، ويستحب التيامن فيه، لما ثبت في صحيح البخاري (163) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَطُهُورِهِ وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ) قال النووي رحمه الله في "المجموع" (1/339) : " تقليم الأظفار مجمع على أنه سنة , وسواء فيه الرجل والمرأة واليدان والرجلان , ويستحب أن يبدأ باليد اليمنى ثم اليسرى ثم الرجل اليمنى ثم اليسرى " انتهى. وقال رحمه الله في "شرح صحيح مسلم" (3/149) : " ويستحب أن يبدأ باليدين قبل الرجلين فيبدأ بمسبحة يده اليمنى، ثم الوسطى، ثم البنصر، ثم الخنصر، ثم الإبهام، ثم يعود إلى اليسري فيبدأ بخنصرها ثم ببنصرها، إلى آخرها ثم يعود إلى الرجلين اليمنى فيبدأ بخنصرها ويختم بخنصر اليسرى. والله أعلم " انتهى. وذكر الحنابلة ترتيباً آخر بين الأصابع عند تقليم الأظفار، غير أنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم من هذا شيء. قال العراقي رحمه الله في "طرح التثريب" (2/77) : " لم يثبت في كيفية تقليم الأظفار حديث يعمل به " انتهى. وقال ابن حجر في "فتح الباري" (10/345) : "لم يثبت في ترتيب الأصابع عند القص شيء من الأحاديث .... ثم قال: وقد أنكر ابن دقيق العيد الهيئة التي ذكرها الغزالي ومن تبعه وقال: كل ذلك لا أصل له، وإحداث استحباب لا دليل عليه، وهو قبيح عندي بالعالم، ولو تخيل متخيل أن البداءة بمسبحة اليمنى من أجل شرفها فبقية الهيئة لا يتخيل فيه ذلك. نعم، البداءة بيمنى اليدين ويمنى الرجلين له أصل وهو (كان يعجبه التيامن) " انتهى باختصار. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114810 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 479 حكم دفن الأظافر وقصها بالليل والتسمية عليها [السُّؤَالُ] ـ[علمت من بعض الناس أن قص الأظافر بالليل حرام، كما علمت بأنه علينا أن نتفل على الأظافر والشعر ثلاث مرات ونقول بسم الله قبل رميها في الزبالة وذلك حتى لا يتمكن الشيطان من التقاطها واستعمالها.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله القول بأنّ قصّ الأظافر بالليل مكروه لا أصل له، بل يقصّ أظافره متى شاء في أي ساعة من ليل أو نهار. وكذلك القول بأنّه لا بدّ من التسمية ثلاثا على الأظافر والشّعر قبل رميها وإلا استعملها الشيطان لا أصل له أيضا وكذلك إيجاب دفنها لا يصحّ أيضا وقد ورد فيه حديث ضعيف جدا. فيجوز رميها في القمامة أو البلاعة أو دفنها وإذا خشي الشخص من وقوعها في أيدي السحرة فإنه يتخلص منها في مكان لا يصلون إليه فيه، والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 11993 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 480 تركيب الرموش والأظافر [السُّؤَالُ] ـ[هل تركيب الأظافر والرموش جائز أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز تركيب الرموش لأنه في حكم وصل الشعر، وتركيب الأظافر الطويلة على هيئة أظافر الوحوش هو مما جاءنا من طريق الكفار والشريعة قد جاءت بقص الأظافر لا بتطويلها فلماذا نخالف شريعتنا نسأل الله الهداية. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 22803 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 481 ما حكم إهمال سنن الفطرة، وهل يؤثر هذا على الطهارة؟ [السُّؤَالُ] ـ[يلاحظ أن بعض المصلين قد طالت أظفارهم واحتشت بالأوساخ، فهل هذا يتفق مع الدين؟ وهل يصح وضوءهم؟ وهل هناك وقت محدد لتقليم الأظفار وغيرها من سنن الفطرة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: الأظفار يجب تعهدها قبل مضي أربعين ليلة. لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت للناس في تقليم الأظفار، وحلق العانة، ونتف الإبط، وقص الشارب: ألا يُترك ذلك أكثر من أربعين ليلة، هكذا ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال أنس رضي الله عنه: ـ وهو خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ: " وُقِّتَ لَنَا فِي قَصِّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمِ الأَظْفَارِ وَنَتْفِ الإِبِطِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ أَنْ لَا نَتْرُكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً " أخرجه الإمام مسلم في الصحيح (258) ، وأخرجه الإمام أحمد (11823) ، والنسائي (14) ، وجماعة بلفظ:" وقت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا نترك الأظفار والشارب وحلق العانة ونتف الإبط أكثر من أربعين ليلة " فالواجب على النساء والرجال أن يلاحظوا هذا الأمر، فلا يُترك الظفر، ولا الشارب، ولا العانة - وهي: الشعرة-، ولا الإبط أكثر من أربعين ليلة، والوضوء صحيح لا يبطله ما قد يقع تحت الظفر من الوسخ؛ لأنه يسير يعفى عنه.ا. هـ [الْمَصْدَرُ] من مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ ابن باز رحمه الله (10 / 50) . الحديث: 26266 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 482 حكم تطويل الأظافر [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الشرع فيمن يطيل أظافره كلها أو بعضها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تطويل الأظافر مكروه إن لم يكن محرماً لأن النبي صلى الله عليه وقّت في تقليم الأظافر ألا تترك فوق أربعين يوماً. رواه مسلم في الطهارة (258) ومن الغرائب أن هؤلاء الذين يدّعون المدنية والحضارة يبقون هذه الأظافر مع أنها تحمل الأوساخ والأقذار وتوجب أن يكون الإنسان متشبهاً بالحيوان ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما أنْهَرَ الدم وذُكر اسم الله فكل ليس السن والظفر ... أما السن فعظمٌ وأما الظفر فمُدى الحبشة) رواه البخاري في الشركة (3507) ، ومسلم في الأضاحي (1968) ، يعني أنهم يتخذون الأظافر سكاكين يذبحون بها ويقطعون بها اللحم أو غير ذلك فهذا من هدي هؤلاء الذين أشبه ما يكونون بالبهائم. [الْمَصْدَرُ] كتاب الدعوة /5 الشيخ ابن عثيمين (2/79) الحديث: 21606 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 483 إزالة شعر الإبط بمساعدة الغير [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن يزيل لي شعر الإبط امرأة أخرى بمزيل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: شرع الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ولأمته سنن الفطرة، وهي ما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عشر من الفطرة: قص الشارب وإعفاء اللحية والسواك واستنشاق الماء وقص الأظفار وغسل البراجم ونتف الإبط وحلق العانة وانتقاص الماء. قال زكريا: قال مصعب: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة ". رواه مسلم (261) . انتقاص الماء: يعني الاستنجاء. وقد وقَّت النبي صلى الله عليه وسلم في بعض هذه السنن أن لا تترك أكثر من أربعين يوماً كما جاء في حديث أنس رضي الله عنه قال: " وُقَّت لنا في قص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة أن لا نترك أكثر من أربعين ليلة ". رواه مسلم (258) . ثانياً: لا يجوز للرجل أن ينظر إلى عورة الرجل أو المرأة إلى عورة المرأة. عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا تنظر المرأة إلى عورة المرأة، ولا يفضي الرجل إلى الرجل في الثوب الواحد ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد ". رواه مسلم (338) . قال النووي: فيه: تحريم نظر الرجل إلى عورة الرجل والمرأة إلى عورة المرأة، وهذا مما لا خلاف فيه، وكذا الرجل إلى عورة المرأة، والمرأة إلى عورة الرجل حرام بالإجماع، ونبَّه صلى الله عليه وسلم بنظر الرجل إلى عورة الرجل، والمرأة إلى عورة المرأة على ذلك بطريق الأولى. ويستثنى الزوجان فلكل منهما النظر إلى عورة صاحبه، وأما المحارم: فالصحيح أنه يباح نظر بعضهم إلى بعض لما فوق السرة وتحت الركبة قال وجميع ما ذكرنا من التحريم حيث لا حاجة ومع الجواز حيث لا شهوة. انظر: " فتح الباري " (9 / 339) . ثالثاً: يجوز للمرأة أن تزيل شعر إبط امرأة أخرى؛ لأن إبط المرأة بالنسبة لامرأة أخرى: ليس بعورة بشرط أن تؤمن الفتنة، وأن يؤمن جانبها بأن تصف جسد من رأت لزوجها أو غيره أو لغيرها من النساء. انظر: " تفسير ابن كثير " (3 / 258) . رابعاً: وأما استعمال المزيل دون النتف: فجائز، وقد سئلت اللجنة الدائمة: هل يجوز للرجل أن يستعمل مزيل الشَّعر في إزالة مثل شعر الإبط وشعر العانة؟ فأجابت: نعم، يجوز ذلك في إزالة شعر إبطه وعانته. " فتاوى اللجنة الدائمة " (5 / 171) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 9028 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 484 هل الإسبال وحلق اللحية وصبغها بالأسود من الكبائر [السُّؤَالُ] ـ[هل الإسبال من الكبائر؟ وهل قص اللحية وصبغها بالأسود من الكبائر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الإسبال هو مجاوزة الثوب للكعبين، وهو نوعان: الأول: ما كان مع الخيلاء، وهذا من كبائر الذنوب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا ينظر الله إلى من جر إزاره بطراً) رواه البخاري (5788) ، ومسلم (2087) . ولما روى الترمذي (1731) والنسائي (5336) وأبو داود (4117) وابن ماجه (3580) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَكَيْفَ يَصْنَعْنَ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ؟ قَالَ: (يُرْخِينَ شِبْرًا) فَقَالَتْ: (إِذًا تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ) قَالَ: (فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا لا يَزِدْنَ عَلَيْهِ) . صححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي". قال ابن حجر المكي في "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (1/259) : " الكبيرة التاسعة بعد المائة: طول الإزار أو الثوب أو الكم خيلاء " انتهى. والثاني: ما كان بدون خيلاء، وهو محرم كذلك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ما أسفل الكعبين من الإزار في النار) رواه البخاري (5787) . وهذا إثمه دون الأول، وإذا لم يكن بذاته كبيرة من الكبائر، فإنه كبيرة مع الإصرار، وهذه قاعدة عامة، وهي أن الصغيرة تصبح كبيرة بالإصرار والمداومة عليها. قال النووي رحمه لله "في شرح مسلم": " قَالَ الْعُلَمَاء رَحِمَهُمْ اللَّه: وَالإِصْرَار عَلَى الصَّغِيرَة يَجْعَلهَا كَبِيرَة. وَرُوِيَ عَنْ عُمَر وَابْن عَبَّاس وَغَيْرهمَا رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ: لا كَبِيرَة مَعَ اِسْتِغْفَارٍ، وَلا صَغِيرَة مَعَ إِصْرَار. مَعْنَاهُ: أَنَّ الْكَبِيرَة تُمْحَى بِالاسْتِغْفَارِ , وَالصَّغِيرَة تَصِير كَبِيرَة بِالإِصْرَارِ " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "النوع الثاني من الإسبال: أن يكون لغير الخيلاء، فهذا حرام، ويخشى أن يكون من الكبائر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم توعد فيه بالنار، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار) " انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (12/255) . وينظر في أدلة تحريم الإسبال جواب السؤال رقم 762. ثانيا: حلق اللحية محرم، وكذلك تقصيرها وصبغها بالسواد، للأدلة الدالة على وجوب الإعفاء، والنهي عن الصبغ بالسواد، وينظر جواب السؤال رقم 1189 ورقم 82720 ورقم 82671 والإصرار على ذلك كبيرة من كبائر الذنوب. جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/139) :" حلق اللحية حرام، لما رواه أحمد والبخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خالفوا المشركين وفروا اللحى، وأحفوا الشوارب) ولما رواه أحمد ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (جزوا الشوارب، وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس) ، والإصرار على حلقها من الكبائر فيجب نصح حالقها والإنكار عليه ... " انتهى. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يعتبر حلق اللحية من الكبائر؟ وهل يوجد حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم يبين فيه العقاب الشديد لمن حلق لحيته؟ فأجاب: " حلق اللحية من الكبائر باعتبار إصرار الحالقين، يعني أن الذين يحلقون لحاهم يصرون على ذلك، ويستمرون عليه، ويجاهرون بمخالفة السنة، فمن أجل ذلك صار حلق اللحى كبيرة من حيث الإصرار عليه، أما الأحاديث الواردة في ذلك فقد أخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنها من الفطرة، أي أن إعفاء اللحى من الفطرة، وبناء على ذلك يكون مَنْ حلقها مخالفاً لما فُطِرَ الناس عليه. ثانياً: أخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن حلق اللحية من هدي المجوس والمشركين، ونحن مأمورون بمخالفة المجوس والمشركين، بل وكل كافر لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (مَنْ تشبه بقومٍ فهو منهم) قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب "اقتضاء الصراط المستقيم": سنده جيد وأقل أحواله يقتضي التحريم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم. ثالثاً: أن النبي عليه الصلاة والسلام أمر بإعفاء اللحية وقال: (اعفوا اللحى) وفي لفظٍ: (وفروا) وفي لفظٍ: (أرخوا) وقال: (خالفوا المشركين، خالفوا المجوس) والأصل عند أكثر العلماء أن أوامر الله ورسوله للوجوب حتى يوجد ما يصرفها عن ذلك. رابعاً: أن إعفاء اللحية هدي النبي عليه الصلاة والسلام وهدي الرسل السابقين، والقارئ يقرأ قول الله تعالى عن هارون حين قال لأخيه موسى: (قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي) والعالم بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم قد بلغه أنه (عليه الصلاة والسلام كث اللحية عظيم اللحية) ولو خُيِّر لعاقل بين هدي الأنبياء والمرسلين وهدي المشركين فماذا يختار؟ إذا كان عاقلاً فسيختار هدي الأنبياء والمرسلين، ويبتعد عن هدي المجوس والمشركين، لهذا ننصح إخواننا المسلمين أن يتقوا الله، أقول: اتقوا الله، امتثلوا أمر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في إعفاء اللحية، فإن الله قال: (فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) قال الإمام أحمد: أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيءٌ من الزيغ فيهلك. فالمسألة عظيمة فنحن نخاطب جميع إخواننا المسلمين أن يتقوا الله عز وجل، وأن يتمسكوا بهدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى يؤجروا على ذلك، ويحصل لهم مع طيب المظهر باللحية التي جمَّل الله بها وجه الرجل الطيب المبطن، وطيب القلب، لأن الإنسان كلما ازداد تمسكاً بدين الله ازداد قلبه طيباً، ولنستمع إلى قول الله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) ما قال فلنكثرن ماله فلنرفهنه، قال: (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) حتى لو كان فقيراً قلبه مطمئن، راضياً بقضاء الله وقدره، فحياته طيبة، نسأل الله تعالى أن يطيب قلوبنا بذكره والإيمان به، وأن يهدي جميع المسلمين لسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم " انتهى من "فتاوى نور على الدرب". وعدّ بعض العلماء صبغ اللحية بالسواد من الكبائر، وإن لم يكن إصرار؛ لما ورد في ذلك من الوعيد. قال ابن حجر المكي في "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (1/261) : " الكبيرة الحادية عشرة بعد المائة: خضب نحو اللحية بالسواد لغير غرضٍ نحو جهاد. أخرج أبو داود والنسائي وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح الإسناد , وزعمُ ضعفه ليس في محله، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يكون قوم يخضبون في آخر الزمان بالسواد كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة) . تنبيه: عدّ هذا من الكبائر هو ظاهر ما في هذا الحديث الصحيح من هذا الوعيد الشديد وإن لم أر من عده منها " انتهى. والواجب على العبد أن يحذر المعصية مهما كان شأنها، فإن الصغائر تجتمع على المرء حتى تهلكه، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، كَقَوْمٍ نَزَلُوا فِي بَطْنِ وَادٍ، فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ، وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ، حَتَّى أَنْضَجُوا خُبْزَتَهُمْ، وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يُؤْخَذْ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكْه) . رواه أحمد (22302) من حديث سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وقال الحافظ: إسناده حسن. وروى أحمد (3803) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ لَهُنَّ مَثَلا: كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا أَرْضَ فَلاةٍ، فَحَضَرَ صَنِيعُ الْقَوْمِ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْطَلِقُ فَيَجِيءُ بِالْعُودِ، وَالرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْعُودِ، حَتَّى جَمَعُوا سَوَادًا، فَأَجَّجُوا نَارًا، وَأَنْضَجُوا مَا قَذَفُوا فِيهَا) . حسنه الألباني في صحيح الجامع (2687) . وروى ابن ماجه (4243) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا عَائِشَةُ، إِيَّاكِ وَمُحَقَّرَاتِ الأَعْمَالِ، فَإِنَّ لَهَا مِنْ اللَّهِ طَالِبًا) . صححه الألباني في صحيح ابن ماجه. قال الغزالي رحمه الله: " تواتر الصغائر عظيم التأثير في سواد القلب، وهو كتواتر قطرات الماء على الحجر، فإنه يحدث فيه حفرة لا محالة، مع لين الماء وصلابة الحجر" انتهى. ولقد أحسن من قال: لا تحقرنَّ صغيرةً إنَّ الجبالَ من الحصى. وفقنا الله وإياك للعلم النافع والعمل الصالح. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 110462 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 485 هل يقص الجنب ظفره وشعره؟ [السُّؤَالُ] ـ[الرجل إذا كان جنباً وقص ظفره أو شعره، هل عليه شيء في ذلك؟ لأنه إذا قص الجنب شعره أو ظفره فإنه تعود إليه أجزاؤه في الآخرة، فيقوم يوم القيامة وعليه جزء من الجنابة بحسب ما نقص من ذلك، فهل ذلك كذلك أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث حذيفة، ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنهما: أنه لما ذكر له الجنب قال: (المؤمن لا ينجس) . وفي صحيح الحاكم: (حياً ولا ميتاً) . وما أعلم على كراهية إزالة شعر الجنب وظفره دليلاً شرعياً، بل قد قال النبي صلى الله عليه وسلم للذي أسلم: (ألق عنك شعر الكفر واختتن) ، فأمر الذي أسلم أن يغتسل، ولم يأمره بتأخير الاختتان وإزالة الشعر عن الاغتسال، فإطلاق كلامه يقتضي جواز الأمرين. وكذلك تؤمر الحائض بالامتشاط في غسلها مع أن الامتشاط يذهب ببعض الشعر. والله أعلم" انتهى. "مجموع فتاوى ابن تيمية" (21/120، 121) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109200 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 486 حكم الختان لمن دخل في الإسلام [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الختان للمسلم الجديد ومتى يختتن؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الختان للمسلم الجديد واجب، كما أنه واجب على المسلم الأصلي، ويجب عليه الاختتان من حين أن يسلم، لكن إن اقتضت المصلحة في تأخير أمره بذلك خوفاً من فراره من الإسلام، لأن الإسلام لم يستقر في قلبه بعد فلا بأس بذلك، لأن المفسدة الحاصلة بتأخير الختان أهون من مفسدة ردته عن الإسلام بعد إسلامه" انتهى. فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. "الإجابات على أسئلة الجاليات" (1/3، 4) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106524 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 487 وقت الختان [السُّؤَالُ] ـ[متى يكون الختان؟ وقت البلوغ أم في حال الصغر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأفضل أن يكون الختان في زمن الصغر، لأنه أرفق بالصبي. وحتى ينشأ الصبي على حال الكمال. قال النووي: يستحب للولي أن يختن الصغير في صغره؛ لأنه أرفق به اهـ "المجموع" (1 / 351) . وروى البيهقي (8/324) عن جابر قال: عَقَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين، وختنهما لسبعة أيام. والحديث سنده ضعيف. انظر: إرواء الغليل (4/383) . ولذلك سئل الإمام أحمد عن وقت الختان فقال: لم أسمع في ذلك شيئاً. وقال ابن المنذر: ليس لوقت الختان خبر يُرجع إليه، ولا سنة تستعمل اهـ وأما وقت وجوبه: فذهب بعض العلماء إلى أنه لا يجب إلا بعد البلوغ، لأن التكاليف الشرعية لا تجب قبل البلوغ. قال النووي: قال أصحابنا: وقت وجوب الختان بعد البلوغ اهـ المجموع (1/351) . واختار ابن القيم رحمه الله أنه يجب قبل البلوغ، حتى يبلغ الصبي مختوناً، غير أن الوجوب هنا على الولي لا على الصبي. قال ابن القيم: وعندي أنه يجب على الولي أن يختن الصبي قبل البلوغ بحيث يبلغ مختوناً، فإن ذلك مما لا يتم الواجب إلا به. . . وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم الآباء أن يأمروا أولادهم بالصلاة لسبع وأن يضربوهم على تركها لعشر. فكيف يسوغ لهم ترك ختانهم حتى يجاوزا البلوغ اهـ وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: أما الختان فمتى شاء اختتن، لكن إذا راهق البلوغ: فينبغي أن يختن كما كانت العرب تفعل، لئلا يبلغ إلا وهو مختون. " الفتاوى الكبرى " (1 / 275) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 14624 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 488 حكم حلق الشارب [السُّؤَالُ] ـ[يطلق بعض إخوتي لحاهم ويحلقون شواربهم، ويقولون إن عمر رضي الله عنه كان يفعل ذلك، لقد قرأت بعض ردودكم الخاصة بتهذيب الشارب على الموقع، ولكن هل يجوز حلقه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف أهل العلم في السنة المستحبة في الشارب، على قولين: القول الأول: أن السنة هي الحلق بالكلية، وهو مذهب الحنفية والحنابلة. واستدلوا بظاهر الألفاظ النبوية الواردة في هذا الباب، ومنها: (أَحْفُوا الشَّوَارِبَ) البخاري (5892) ومسلم (259) ، (أَنْهِكُوا الشَّوَاربَ) البخاري (5893) ، وفي لفظ لمسلم (260) (جُزُّوا الشَّوَارب) . قال الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (4/230) : " الإحفاء أفضل من القص، وهذا مذهب أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله" انتهى. ونقل ابن عابدين في "رد المحتار" (2/550) عن المتأخرين اختيار القص، فقال: " المذهب (يعني المذهب الحنفي) عند بعض المتأخرين من مشايخنا أنه القص , قال في البدائع: وهو الصحيح " انتهى. القول الثاني: أن السنة قص الشارب، وأما حلقه فمكروه: وهو مذهب المالكية والشافعية، وشدَّد الإمام مالك رحمه الله في ذلك. واستدلوا على ذلك بما يلي: 1- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (الْفِطْرَةُ خَمْسٌ: الْخِتَانُ، وَالِاسْتِحْدَادُ، وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ، وَنَتْفُ الْآبَاطِ) رواه البخاري (5891) ومسلم (257) . 2- وعَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه قَالَ: (كَانَ شَارِبِي وَفَى – أي زاد - فَقَصَّهُ لِي – يعني النبي صلى الله عليه وسلم - عَلَى سِوَاكٍ) رواه أبو داود (188) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. وروى البيهقي في "السنن الكبرى" (1/151) بسنده عن: "عبد العزيز بن عبد الله الأويسي قال: ذكر مالك بن أنس إحفاء بعض الناس شواربهم فقال: ينبغي أن يضرب من صنع ذلك، فليس حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الإحفاء، ولكن يبدي حرف الشفتين والفم. وقال مالك بن أنس: حلق الشارب بدعة ظهرت في الناس " انتهى باختصار. وقال أبو الوليد الباجي في "المنتقى شرح الموطأ" (7/266) : " روى ابن عبد الحكم عن مالك: ليس إحفاء الشارب حلقه، وأرى أن يؤدب من حلق شاربه. وروى أشهب عن مالك: حلقُهُ مِن البدع. قال مالك رحمه الله: وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان إذا أحزَنَهُ أمرٌ فَتَل شاربه. ولو كان محلوقا ما كان فيه ما يفتل " انتهى. وانظر "التمهيد" (21/62-68) . وقال النووي في "المجموع" (1/34-341) : " ثم ضابط قص الشارب أن يقص حتى يبدو طرفُ الشفة، ولا يحفّه من أصله , هذا مذهبنا " انتهى. وفي "نهاية المحتاج" للرملي (8/148) من أئمة الشافعية: " ويكره الإحفاء " انتهى. يعني: إحفاء الشارب. وقد ورد هذا المذهب عن جماعة من السلف أيضا: فروى البيهقي في "السنن الكبرى" (1/151) بسنده: عن شرحبيل بن مسلم الخولاني قال: رأيت خمسة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقصون شواربهم ويعفون لحاهم ويصفرونها: أبو أمامة الباهلي، وعبد الله بن بسر، وعتبة بن عبد السلمي، والحجاج بن عامر الثمالي، والمقدام بن معد يكرب الكندي، كانوا يقصون شواربهم مع طرف الشفة. وأجابوا عن أدلة القول الأول بأحد جوابين: 1- أن المراد بالإحفاء والإنهاك هو قص طرف الشعر الذي على الشفة، وليس حلق أصل الشعر، بدليل الروايات التي فيها ذكر القص فقط، فهي مُبَيِّنَةٌ لأحاديث الإحفاء. قال أبو الوليد الباجي في "المنتقى شرح الموطأ" (7/266) : " روى ابن القاسم عن مالك: أن تفسير حديث النبي صلى الله عليه وسلم في إحفاء الشوارب إنما هو أن يبدو الإطار: وهو ما احمَرَّ من طرف الشفة، والإطار جوانب الفم المحدقة به " انتهى. وقال النووي في "المجموع" (1/340) : " وهذه الروايات – يعني روايات (أحفوا..أنهكوا..الشوارب) - محمولةٌ عندنا على الحف من طرف الشفة، لا مِن أصل الشعر " انتهى. 2- أن الإحفاء والإنهاك في اللغة لا يعني الإزالة الكلية، بل يعني إزالة بعضه. قال أبو الوليد الباجي في "المنتقى شرح الموطأ" (7/266) : " إنهاك الشيء لا يقتضي إزالة جميعه، وإنما يقتضي إزالة بعضه. قال صاحب "الأفعال": نهكته الحمى نهكا: أثرت فيه " انتهى. والراجح – والله أعلم – هو القول الثاني، بأن السنة هي القص وليس الحلق. قال الشيخ ابن عثيمين في "مجموع الفتاوى" (11/باب السواك وسنن الفطرة/سؤال رقم 54) : " الأفضل قص الشارب كما جاءت به السنة ... وأما حلقه فليس من السنة، وقياس بعضهم مشروعية حلقه على حلق الرأس في النسك قياس في مقابلة النص، فلا عبرة به، ولهذا قال مالك عن الحلق: إنه بدعه ظهرت في الناس، فلا ينبغي العدول عما جاءت به السنة، فإن في اتباعها الهدى والصلاح والسعادة والفلاح " انتهى باختصار. وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: ورد في عدة أحاديث: (قصوا الشارب) فهل الحلق يختلف عن القص؟ وبعض الناس يقص من أول شاربه مما يلي شفه العليا، ويترك شعر شاربه، تقريباً يقص نصف الشارب، ويترك الباقي، فهل هذا هو المعنى؟ أو ينهك الشارب أي: يحلق جميعه؟ أرجو الإفادة عن الطريقة التي يقص الشارب بها. فأجابت "دلت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على مشروعية قص الشارب، ومن ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم: (قصوا الشوارب وأعفوا اللحى؛ خالفوا المشركين) متفق على صحته، وقوله صلى الله عليه وسلم: (جزوا الشوارب وأرخوا اللحى؛ خالفوا المجوس) ، وفي بعضها: (أحفوا الشوارب) والإحفاء هو المبالغة في القص، فمن جز الشارب حتى تظهر الشفة العليا أو أحفاه فلا حرج عليه؛ لأن الأحاديث جاءت بالأمرين، ولا يجوز ترك طرفي الشارب، بل يقص الشارب كله، أو يحفيه كله؛ عملاً بالسنة" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/149) . وقد اختار الطبري والقاضي عياض جواز الأمرين: الحف والقص، ومال إليه الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (10/347) . وانظر: "الموسوعة الفقهية" (25/320) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103623 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 489 هل يجوز للرجل أن يطيل شعر رأسه؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للرجل أن يطيل شعر رأسه؟]ـ [الْجَوَابُ] هل يجوز للرجل أن يطيل شعر رأسه؟ السؤال: الحمد لله للرجل أن يطيل شعر رأسه، مع الاهتمام بتسريحه وتنظيفه والاعتناء بمنظره، في غير مبالغة ولا إسراف؛ لما روى أبو داود (4195) والنسائي (5048) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى صَبِيًّا قَدْ حُلِقَ بَعْضُ شَعْرِهِ وَتُرِكَ بَعْضُهُ فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ: (احْلِقُوهُ كُلَّهُ، أَوْ اتْرُكُوهُ كُلَّه) والحديث صححه الألباني في صحيح النسائي. وروى أبو داود (4163) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْهُ) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. قال في "عون المعبود ": " أَيْ: فَلْيُزَيِّنْهُ وَلْيُنَظِّفْهُ بِالْغَسْلِ وَالتَّدْهِين وَالتَّرْجِيل وَلَا يَتْرُكهُ مُتَفَرِّقًا، فَإِنَّ النَّظَافَة وَحُسْن الْمَنْظَر مَحْبُوب " انتهى. لكن إن كان إطالة الشعر مستهجنا بين الناس أو لا يفعله إلا طائفة نازلة بينهم، فلا ينبغي فعله. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " إطالة شعر الرأس لا بأس به، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم له شعر يقرب أحيانا إلى منكبيه، فهو على الأصل لا بأس به، ولكن مع ذلك هو خاضع للعادات والعرف، فإذا جرى العرف واستقرت العادة بأنه لا يستعمل هذا الشيء إلا طائفة معينة نازلة في عادات الناس وأعرافهم فلا ينبغي لذوي المروءة أن يستعملوا إطالة الشعر حيث إنه لدى الناس وعاداتهم وأعرافهم لا يكون إلا من ذوي المنزلة السافلة، فالمسألة إذن بالنسبة لتطويل الرجل لرأسه من باب الأشياء المباحة التي تخضع لأعراف الناس وعاداتهم، فإذا جرى بها العرف وصارت للناس كلهم شريفهم ووضيعهم فلا بأس به، أما إذا كانت لا تستعمل إلا عند أهل الضعة فلا ينبغي لذوي الشرف والجاه أن يستعملوها، ولا يَرِد على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أشرف الناس وأعظمهم جاها كان يتخذ الشعر، لأننا نري في هذه المسألة أن اتخاذ الشعر ليس من باب السنة والتعبد، وإنما هو من باب اتباع العرف والعادة " انتهى من "فتاوى نور على الدرب". وللأهمية يراجع جواب السؤال (69822) فقد نقلنا فيه كلاما لابن عبد البر رحمه الله في هذه المسألة، يحسن الوقوف عليه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103419 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 490 مصالح الختان تفوق آلامه [السُّؤَالُ] ـ[هل في الختان مصالح كبيرة حتى أقوم به لطفلي الصغير مع ما تسببه من آلام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم إنّ في الختان من المصالح في كونه من سنن المرسلين ومن سنن الفطرة وفيه كمال الطّهارة والنّظافة وهو أنفع وأصحّ في قضاء الحاجة والجماع ومنع الالتهابات وغير ذلك من المصالح ما يطغى بكثير على مفسدة الإيلام والتي تكون في الصِّغر أقلّ منها حين الِكَبر. زد على ذلك أن عددا من أهل العلم قد قال بوجوبه في حقّ الذّكور، قال ابن قدامة رحمه الله في كتابه المغني: فصل: فأما الختان فواجب على الرجال ومكرمة في حق النساء، وليس بواجب عليهن. هذا قول كثير من أهل العلم. قال أحمد: الرجل أشد، وذلك أن الرجل إذا لم يختتن فتلك الجلدة مدلاة على الكمرة ولا ينقى ما ثَمَّ. والمرأة أهون قال أبو عبد الله: وكان ابن عباس يشدد في أمره، وروي عنه أنه لا حج له ولا صلاة، يعني إذا لم يختتن، والحسن يرخص فيه، يقول: إذا أسلم لا يبالي أن لا يختتن. ويقول: أسلم الناس الأسود والأبيض لم يُفَتّش أحد منهم ولم يختتنوا. والدليل على وجوبه: أن ستر العورة واجب، فلولا أن الختان واجب لم يجز هتك حرمة المختون بالنظر إلى عورته من أجله، ولأنه من شعار المسلمين فكان واجباً، كسائر شعارهم، وإن أسلم رجل كبير فخاف على نفسه من الختان سقط عنه. لأن الغسل والوضوء وغيرهما يسقط إذا خاف على نفسه منه. فهذا أولى. وإن أمن على نفسه لزمه فعله، قال حنبل: سألت أبا عبد الله عن الذمي إذا أسلم، ترى له أن يطهر بالختان؟ قال: لا بد له من ذلك. قلت: إن كان كبيراً أو كبيرة قال: أحب إلي أن يتطهر. لأن الحديث: (اختتن إبراهيم وهو ابن ثمانين سنة) قال تعالى: (مِلَّة أَبِيكُمْ إبْرَاهِيمَ) الحج/78. انتهى ولذلك فالنّصيحة لك - أيها الأخ المسلم - في الإقدام على إجراء الختان لولدك من قِبل الخبير الماهر. قال النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْفِطْرَةُ خَمْسٌ الْخِتَانُ وَالاسْتِحْدَادُ وَقَصُّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ وَنَتْفُ الآبَاطِ. رواه البخاري 5441 والله يوفقّنا وإيّاك لكل خير. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2425 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 491 إزالة الشعر والأظافر في فترة الحيض [السُّؤَالُ] ـ[هل تأثم المرأة عند إزالة الشعر والأظافر والتخلص منهما أثناء فترة الحيض؟ وهل يجب أثناء الحيض غسلهما قبل التخلص منهما؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الإشكال الذي يطرأ عند كثير من النساء، في شأن حكم إزالة الشعر والأظافر ونحوها من سنن الفطرة أثناء فترة الحيض، ناشئٌ عن اعتقادٍ باطلٍ لدى بعضهن، بأن أجزاء الإنسان تعود إليه يوم القيامة، فإذا أزالها وعليه الحدث الأكبر من جنابة أو حيض أو نفاس، عاد إليه يوم القيامة نجسا لم تصبه الطهارة، وهذا كلام فاسد وتوهم لا محل له من الصحة. سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله – كما في "مجموع الفتاوى" (21/120-121) -: " عن الرجل إذا كان جنبا وقص ظفره أو شاربه أو مشَّطَ رأسه، هل عليه شيء في ذلك، فقد أشار بعضهم إلى هذا وقال: إذا قص الجنب شعره أو ظفره فإنه تعود إليه أجزاؤه في الآخرة، فيقوم يوم القيامة وعليه قسط من الجنابة بحسب ما نقص من ذلك، وعلى كل شعرة قسط من الجنابة، فهل ذلك كذلك أم لا؟ فأجاب رحمه الله: " قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث حذيفة ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنهما أنه لما ذكر له الجنب قال (إِنَّ المُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ) وفي صحيح الحاكم (حَيًّا وَلَا مَيتًا) وما أعلم على كراهية إزالة شعر الجنب وظفره دليلا شرعيا، بل قد قال النبي صلى الله عليه وسلم للذي أسلم: (أَلْقِ عَنكَ شَعرَ الكُفرِ وَاختَتِن) – [رواه أبو داود (356) وحسنه الألباني في "إرواء الغليل" (1/120) ]- فأمر الذي أسلم أن يغتسل، ولم يأمره بتأخير الاختتان وإزالة الشعر عن الاغتسال، فإطلاق كلامه يقتضي جواز الأمرين، وكذلك تؤمر الحائض بالامتشاط في غسلها، مع أن الامتشاط يذهب ببعض الشعر. والله أعلم " انتهى. ويشير شيخ الإسلام بذلك إلى حديث عائشة رضي الله عنها حين حاضت في حجة الوداع فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (انْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ وَدَعِي الْعُمْرَةَ) رواه البخاري (1556) ومسلم (1211) فالامتشاط غالبا ما يصاحبه تساقط بعض الشعر، ومع ذلك أذن به النبي صلى الله عليه وسلم للمحرم والحائض. يقول فقهاء الشافعية كما في "تحفة المحتاج" (4/56) : " النص على أن الحائض تأخذها " انتهى. (يعني الظفر والعانة والإبط، والمقصود نصُّ المذهب) وجاء في "فتاوى نور على الدرب" للشيخ ابن عثيمين (فتاوى الزينة والمرأة/سؤال رقم 9) : " سمعت بأن مَشط الشعر لا يجوز أثناء الحيض، ولا قص الأظافر والغسل، فهل هذا صحيح أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ليس بصحيح، فالحائض يجوز لها قص أظافرها ومشط رأسها، ويجوز أن تغتسل من الجنابة، مثل أن تحتلم وهي حائض فإنها تغتسل من الجنابة، أو يباشرها زوجها من غير وطِء فيحصل منها إنزال فتغتسل من الجنابة، فهذا القول الذي اشتهر عند بعض النساء من أنها لا تغتسل ولا تمتشط ولا تكد رأسها ولا تقلم أظفارها ليس له أصل من الشريعة فيما أعلم " انتهى. ولا يعرف القول بكراهة ذلك عن أحد من فقهاء الأمة المعتبرين، وإنما تذكره بعض كتب أهل البدع من الطوائف المخالفة لأهل السنة، كما في "شرح النيل وشفاء العليل" (1/347) لمحمد بن يوسف الإباضي. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 101285 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 492 حكم تهذيب اللحية والأخذ من العنفقة [السُّؤَالُ] ـ[مما لا شك فيه أن الشرع أمرنا بعدم حلق اللحية لكن.. هل يجب على المسلم أن لا يأخذ منها شيئاً أبداً.. أعني تخفيفها وترتيبها مع وجود الإعفاء.. بحيث تكون ليست بقصيرة إنما متوسطة في الطول، يتضح أن من له هذه اللحية أنه معفيها إعفاءً. فسؤالي بالنسبة لترتيبها وقص أطرافها من فترة إلى أخرى هل هو جائز؟ حتى وإن لم تصل إلى القبضة التي اجتهد فيها بعض العلماء؟ أمر آخر: هل الشعر الواقع تحت الشفة السفلى في المنتصف يدخل ضمن اللحية.. فأنا أخفف تلك المنطقة باستمرار لأنها تضايقني؟ الأمر الأخير..يقع في بالي أمر قد يكون غريبا.. وهو أنه من الغريب أن الأصل في اللحية أن لا تخفف أو ترتب.. لأنه مما يندر أن تكون اللحية كاملة حين خروجها عند البلوغ ومن النادر أن تكتمل مع النمو والعمر! فهل يعقل أنه من الواجب على كل مسلم في هذه الدنيا أن لا يلمس لحيته أبداً أبداً - وأقصد التخفيف والترتيب مع الإعفاء.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: دلت الأدلة الصحيحة على وجوب إعفاء اللحية وإرخائها، وهذا يقتضي عدم الأخذ من شيء منها، وقد تأكد ذلك بفعله صلى الله عليه وسلم، فإنه لم يصح عنه أنه أخذ شيئا من لحيته. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما حكم حلق اللحية أو أخذ شيء منها؟ فأجابوا: "حلق اللحية حرام، لما ورد في ذلك من الأحاديث الصحيحة الصريحة والأخبار، ولعموم النصوص الناهية عن التشبه بالكفار، فمن ذلك حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (خالفوا المشركين، وفروا اللحى، وأحفوا الشوارب) وفي رواية: (أحفوا الشوارب، وأعفوا اللحى) وفيه أحاديث أخرى بهذا المعنى. وإعفاء اللحية تركها على حالها، وتوفيرها إبقاؤها وافرة من دون أن تحلق أو تنتف أو يقص منها شيء. حكى ابن حزم الإجماع على أن قص الشارب وإعفاء اللحية فرض، واستدل بجملة أحاديث منها حديث ابن عمر رضي الله عنه السابق، وبحديث زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لم يأخذ من شاربه فليس منا) صححه الترمذي. قال في الفروع وهذه الصيغة عند أصحابنا - يعني الحنابلة - تقتضي التحريم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وقد دل الكتاب والسنة والإجماع على الأمر بمخالفة الكفار، والنهي عن مشابهتهم في الجملة؛ لأن مشابهتهم في الظاهر سببٌ لمشابهتهم في الأخلاق والأفعال المذمومة، بل وفي نفس الاعتقادات، فهي تورث محبة وموالاة في الباطن. كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر، وروى الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى) الحديث، وفي لفظ: (من تشبه بقوم فهو منهم) رواه الإمام أحمد، وَرَدَّ عمر بن الخطاب شهادة من ينتف لحييه، وقال الإمام ابن عبد البر في التمهيد: " يحرم حلق اللحية، ولا يفعله إلا المخنثون من الرجال " يعني بذلك المتشبهين بالنساء. وكان النبي صلى الله عليه وسلم كثير شعر اللحية، رواه مسلم عن جابر، وفي رواية: (كثيف اللحية) ، وفي أخرى: (كث اللحية) ، والمعنى واحد، ولا يجوز أخذ شيء منها لعموم أدلة المنع " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/133) . ثانيا: الشعر الواقع تحت الشفة السفلى وفوق الذقن، يسمى العنفقة، وفي دخوله في اللحية خلاف، والظاهر أنه ليس منها. قال في القاموس المحيط: " اللِّحْيَةُ، بالكسر شَعَرُ الخَدَّيْنِ والذَّقَنِ " انتهى. وقال في "الإنصاف" (1/134) في صفة الوضوء: " شعر غير اللحية كالحاجبين , والشارب , والعنفقة , ولحية المرأة وغير ذلك: مثل اللحية في الحكم على الصحيح من المذهب , وعليه الجمهور " انتهى. أي: مثل اللحية في وجوب غسل الخفيف منها في الوضوء، واستحباب تخليل الكثيف، وهو صريح في أن العنفقة ليست من اللحية. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: بالنسبة للشعيرات التي تحت الشفة السفلى تقصر، أم تبقى كما هي؟ فأجاب: "تسمى العنفقة وليست من اللحية، تبقى كما هي، إلا إذا تأذى منها الإنسان " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (9/16) . ثالثا: لا غرابة في الأمر بإعفاء اللحية وتركها على حالها، مع أنها قد لا تكتمل، أو قد تنتبت متفرقة، فإنها إن تركت على حالها كانت زينة وجمالا، مهما كان شكلها، كما هو مشاهد، وتهذيبها وترتيبها يذهب جمالها في أغلب الأحوال. وعلى المرء أن ينقاد لحكم الشرع، وألا يعارضه برأي أو ذوق أو عادة، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يوفرون لحاهم ويعفونها، ولم يثبت عنهم ترتيبها أو تقصيرها، وهم أكمل الأمة علما وذوقا، فلم يروا ذلك عيبا، لأن خلق الله تعالى كله حسن، وقد روى أحمد (19493) عن يعقوب بن عاصم أنه سمع الشريد يقول: أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يجر إزاره فأسرع إليه أو هرول، فقال: ارفع إزارك، واتق الله، قال: إني أحنف تصطك ركبتاي. فقال: ارفع إزارك فإن كل خلق الله عز وجل حسن، فما رؤى ذلك الرجل بعد إلا إزاره يصيب أنصاف ساقيه، أو إلى أنصاف ساقيه. قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1441) . والأحنف: هو الذي في قدميه اعوجاج. فتأمل هذا الحديث ففيه عبرة وذكرى لمن يزعم أن عدم تهذيب اللحية ينافي الجمال والحسن، بل كل خلق الله عز وجل حسن، وما على المؤمن إلا أن ينقاد لأمره تعالى، ويتبع نبيه صلى الله عليه وسلم، ويؤثر ذلك على هوى النفس. زادنا الله وإياك علما وفقها واتباعا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 100909 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 493 هل يجوز عدم حلق العانة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز عدم حلق العانة لأن زوجتي تستمتع أكثر عند الجماع؟ وما حكم ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: حلق العانة من سنن الفطرة التي حث عليها الإسلام، واتفقت عليها الشرائع، كما روى البخاري (5890) ومسلم (261) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مِنْ الْفِطْرَةِ: حَلْقُ الْعَانَةِ، وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ) . ودلت السنة على أنه لا يجوز ترك ذلك أكثر من أربعين ليلة، كما روى مسلم (258) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: (وُقِّتَ لَنَا فِي قَصِّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَنَتْفِ الْإِبِطِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ أَنْ لَا نَتْرُكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) . قال الشوكاني رحمه الله: " المختار أنه يضبط بالأربعين التي ضبط بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يجوز تجاوزها، ولا يعد مخالفا للسنة من ترك القص ونحوه بعد الطول إلى انتهاء تلك الغاية " انتهى من "نيل الأوطار" (1/143) . وعليه؛ فلك ترك حلق العانة مدة لا تتجاوز الأربعين، أما أكثر من الأربعين فلا يجوز ذلك. والواجب على المسلم تعظيم أحكام الله تعالى، قال الله تعالى: (وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) الحج/30، وقال تعالى: (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوب) الحج/32. ومن العجيب أن تستمتع المرأة بعدم نظافة زوجها، ومشابهته للحيوانات، فضلا عن مخالفة ذلك للشرع والعقل والفطرة السوية المستقيمة، فإن مما يقصد من خصال الفطرة (ومنها: الاستحداد) : نظافة البدن، ومراعاة شعور من يخالطه الإنسان، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري": "وَيَتَعَلَّق بِهَذِهِ الْخِصَال (يعني: خصال الفطرة) مَصَالِح دِينِيَّة وَدُنْيَوِيَّة، تُدْرَك بِالتَّتَبُّعِ , مِنْهَا: تَحْسِين الْهَيْئَة , وَتَنْظِيف الْبَدَن جُمْلَة وَتَفْصِيلًا , وَالِاحْتِيَاط لِلطَّهَارَتَيْنِ , وَالْإِحْسَان إِلَى الْمُخَالَط وَالْمُقَارَن بِكَفٍّ مَا يَتَأَذَّى بِهِ مِنْ رَائِحَة كَرِيهَة , وَمُخَالَفَة شِعَار الْكُفَّار مِنْ الْمَجُوس وَالْيَهُود وَالنَّصَارَى وَعُبَّاد الْأَوْثَان , وَامْتِثَال أَمْر الشَّارِع , وَالْمُحَافَظَة عَلَى مَا أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: (وَصُوَّركُمْ فَأَحْسَنَ صُوَركُمْ) لِمَا فِي الْمُحَافَظَة عَلَى هَذِهِ الْخِصَال مِنْ مُنَاسَبَة ذَلِكَ , وَكَأَنَّهُ قِيلَ قَدْ حَسُنَتْ صُوَركُمْ فَلَا تُشَوِّهُوهَا بِمَا يُقَبِّحهَا , أَوْ حَافِظُوا عَلَى مَا يَسْتَمِرّ بِهِ حُسْنهَا , وَفِي الْمُحَافَظَة عَلَيْهَا مُحَافَظَة عَلَى الْمُرُوءَة وَعَلَى التَّآلُف الْمَطْلُوب , لِأَنَّ الْإِنْسَان إِذَا بَدَا فِي الْهَيْئَة الْجَمِيلَة كَانَ أَدْعَى لِانْبِسَاطِ النَّفْس إِلَيْهِ , فَيُقْبَل قَوْله , وَيُحْمَد رَأْيه , وَالْعَكْس بِالْعَكْسِ" انتهى. فالواجب نصح هذه الزوجة، أن تعود لفطرتها السوية، وتعظم أحكام الشرع، وعليها أن توقن أن هذه الأحكام شرعها الله تعالى للمؤمنين، لينالوا بها سعادة الدنيا والآخرة، ولا يمكن أن يكون غيرها مساوياً لها أو أحسن منها، قال الله تعالى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) المائدة/50، أي: لا أحد أحسن حكما من الله تعالى. فمن ظن أن غير حكم الله أفضل من حكم الله فليراجع إيمانه. نسأل الله العافية. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 100264 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 494 لا بأس بختان الطبيبة للصبي الرضيع [السُّؤَالُ] ـ[هل يصح أن تقوم طبيبة بإجراء عملية الختان للصبيان (بعلم أو بطريق الخطأ) ؟ أرجو أن توضحوا حكم ذلك حيث أنه يقع في العديد من بلاد العالم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا بأس أن تقوم الطبيبة بختان الطفل الرضيع، والله الموفق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 11002 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 495 حلاقة شعر الساقين [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم حلاقة المرأة لشعر الساقين؟ هل هو تشبه بالكفار وماذا قال العلماء في ذلك؟ وإذا كانت المرأة تريد أن تفعله لزوجها فما الحكم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لقد سبقت الإجابة عن هذا المسألة يراجع إجابة السؤال رقم 451، 742 وخلاصة الجواب أنه يجوز إزالة شعر الساقين، وأمّا عن أقوال المذاهب الفقهية في مسألة حلاقة شعر الجسد كشعر اليدين والرجلين فقد صرّح المالكية بأنّ للمرأة إزالة كلّ ما في إزالته جمال لها، ويجب عليها إبقاء ما في إبقائه جمال لها ولذلك يحرم عليها حلق شعر رأسها. (الموسوعة الفقهية) 18/100 ويحرم على المرأة النّمص وهو حفّ شعر الوجه وأشدّه الحاجبين للوعيد الوارد في ذلك. وللتفصيل في ضوابط زينة المرأة يُراجع سؤال رقم 261 [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 832 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 496 صلاة من لم يحلق عانته [السُّؤَالُ] ـ[هل تقبل صلاة من تجاوز شعر عانته شهراً لم يحلقه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله حلق العانة - الشعر النابت حول القبل - من سنن الفطرة ولا ينبغي تركه أكثر من أربعين يوماً بدون حلق للحديث الثابت في ذلك، ولا أثر لتأخيره عن الأربعين على صحة الصلاة بل القول بذلك جهل بأحكام الشرع المطهر. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 5/126 الحديث: 1177 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 497 الختان وانتقاء الاسم للمسلم الجديد [السُّؤَالُ] ـ[أنا شاب من الدنمارك، وأنا من مدة مهتم بالإسلام، ولقد توصلت الآن لمرحلة أصبحت فيها متأكداً بكل معنى الكلمة أنني أريد أن أصبح مسلماً. وعندي أسئلة وهي كما يلي: - هل يجب أن أكون مختوناً لأصبح مسلماً (وهذا ما أقبله مسروراً) وكيف يتم ذلك {الختان} هل يفعل عن طريق الطبيب أو الإمام أو أفعله بنفسي. - إنني أحس أن تغيير اسمي عندما أصبح مسلماً هو بصدق حدث مفرح، ولكنني أحب أن أعرف ما الاسم الأنسب من الأسماء الآتية ليكون اسمي الأول الجديد: قاسم -عاصم - تيم الله - سعيد. وسأكون ممتناً إن رددت على رسالتي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحمد لله الذي هداك لهذا وما كنت لتهتدي لولا أن هداك الله، وهذا نبأ سعيد نتلقاه هذه الليلة برغبتك للانضمام إلى ديننا نسأل الله لك التوفيق للحقّ والثبات على الإسلام. وأمّا عن سؤالك الأوّل فإن كان الختان لا يسبّب لك ضررا فيمكنك إجراؤه عند من تثق بخبرته ومهارته من الجرّاحين، وإذا كان سيسبّب لك ضررا فلا عليك من عدم القيام به ولا يضرّ ذلك بإسلامك إن شاء الله. وأمّا بالنسبة لتغيير اسمك فإنّ أحبّ الأسماء إلى الله: عبد الله وعبد الرحمن كما جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه مسلم (رقم 3975) . وإذا أردت أن ننتقي لك اسما من الأسماء التي حدّدتها في القائمة فيمكنك أن تتسمى بـ: عاصم ومعناه في اللغة العربية حافظ أو صائن أو واقي نسأل الله لك حياة طيبة سعيدة في ظلال الإسلام العظيم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 1150 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 498 الختان؛ كيفيته وأحكامه [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكن أن تبين لنا ما هو الختان وما هو موضعه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لقد ألف ابن القيم رحمه الله كتاباً قيماً في أحكام المولود سماه: "تحفة المودود في أحكام المولود"، وقد عقد في هذا الكتاب باباً واسعاً تكلم فيه عن الختان وأحكامه، وهذا ملخص منه، مع بعض الزيادات عن غيره من أهل العلم. 1. معنى الختان: قال ابن القيم: الختان: اسم لفعل الخاتن، وهو مصدر كالنزال والقتال، ويسمى به موضع الختن أيضا ومنه الحديث: " إذا التقى الختانان وجب الغسل "، ويسمى في حق الأنثى خفضا يقال: ختنت الغلام ختنا، وخفضت الجارية خفضا، ويسمى في الذكر إعذارا أيضا، وغير المعذور يسمى أغلف وأقلف. " تحفة المولود " (1 / 152) . 2. الختان سنة إبراهيم والأنبياء من بعده: روى البخاري (6298) ومسلم (2370) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام بَعْدَ ثَمَانِينَ سَنَةً، وَاخْتَتَنَ بِالْقَدُومِ. و (الْقَدُوم) هو آلة النجار. وقيل: هو مكان بالشام. قال الحافظ ابن حجر: وَالرَّاجِح أَنَّ الْمُرَاد فِي الْحَدِيث الآلَة , فَقَدْ رَوَى أَبُو يَعْلَى مِنْ طَرِيق عَلِيّ بْن رَبَاح قَالَ: "أُمِرَ إِبْرَاهِيم بِالْخِتَانِ , فَاخْتَتَنَ بِقَدُّوم فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ , فَأَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ أَنْ عَجِلْت قَبْل أَنْ نَأْمُرك بِآلَتِهِ , فَقَالَ: يَا رَبّ كَرِهْت أَنْ أُؤَخِّر أَمْرك" اهـ وقال ابن القيم: والختان كان من الخصال التي ابتلى الله سبحانه بها إبراهيم خليله فأتمهن وأكملهن فجعله إماماً للناس، وقد روي أنه أول من اختتن كما تقدم، والذي في الصحيح اختتن إبراهيم وهو ابن ثمانين سنة، واستمر الختان بعده في الرسل وأتباعهم حتى في المسيح فإنه اختتن والنصارى تقر بذلك ولا تجحده كما تقر بأنه حرَّم لحم الخنزير ... " تحفة المودود " (ص 158 – 159) . هذا، وقد اختلف العلماء رحمهم الله في حكم الختان قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: وأقرب الأقوال: أنه واجب في حق الرجال، سنة في حق النساء، ووجه التفريق بينهما: أنه في حق الرجال فيه مصلحة تعود إلى شرط من شروط الصلاة وهي الطهارة، لأنه إذا بقيت هذه الجلدة: فإن البول إذا خرج من ثقب الحشفة بقي وتجمع، وصار سبباً في الاحتراق والالتهاب كلما تحرك، أو عصر هذه الجلدة خرج البول وتنجس بذلك. وأما في حق المرأة: فغاية فائدته: أنه يقلل من غلمتها، أي: شهوتها، وهذا طلب كمال، وليس من باب إزالة الأذى. " الشرح الممتع " (1 / 133، 134) . وهذا هو مذهب الإمام أحمد رحمه الله. قال ابن قدامة في المغني (1/115) : فأما الختان فواجب على الرجال، ومَكْرُمَة في حق النساء، وليس بواجب عليهن اهـ 3. موضعه: قال ابن القيم رحمه الله تعالى: قال أبو البركات في كتابه " الغاية ": ويؤخذ في ختان الرجل جلدة الحشفة، وإن اقتصر على أخذ أكثرها جاز ويستحب لخافضة الجارية أن لا تحيف، وحكي عن عمر أنه قال للخاتنة: أبقي منه إذا خفضت، وقال الخلال في " جامعه ": ذكر ما يقطع في الختان: أخبرني محمد بن الحسين أن الفضل بن زياد حدثهم قال: سئل أحمد: كم يقطع في الختانة؟ قال: حتى تبدو الحشفة. والحشفة: رأس الذكر، كما في لسان العرب (9/47) . وقال ابن الصباغ في " الشامل ": الواجب على الرجل أن يقطع الجلدة التي على الحشفة حتى تنكشف جميعها، وأما المرأة فتقطع الجلدة التي كعرف الديك في أعلى الفرج بين الشفرين وإذا قطعت يبقى أصلها كالنواة. وقال النووي رحمه الله: والصحيح المشهور أنه يجب قطع جميع ما يغطي الحشفة اهـ. المجموع (1 / 351) . وقال الجويني: القدر المستحق من النساء: ما ينطلق عليه الاسم، قال: في الحديث ما يدل على الأمر بالإقلال، قال: أَشِمِّي ولا تَنْهَكي، أي: اتركي الموضع أشم والأشم المرتفع. " تحفة المودود " (190 – 192) . والحاصل أنه في ختان الذكر تقطع جميع الجلدة التي تغطي الحشفة، وفي ختان الأنثى يُقطع جزءٌ من الجلدة التي كعرف الديك في أعلى الفرج. 4- الحكمة من مشروعية الختان أما للرجل فلأنه لا يتمكن من الطهارة من البول إلا بالختان، لأن قطرات من البول تتجمع تحت الجلدة فلا يُؤمن أن تسيل فتنجس ثيابه وبدنه. ولذلك كان عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يشدد في شأن الختان. قال الإمام أحمد: وكان ابن عباس يشدد في أمره، ورُوي عنه أنه لا حج له ولا صلاة. يعني: إذا لم يختتن اهـ المغني (1/115) . وأما حكمة الختان بالنسبة للمرأة فتعديل شهوتها حتى تكون وسطاً. وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن المرأة: هل تختتن أم لا؟ فأجاب: الحمد لله، نعم، تختتن، وختانها أن تقطع أعلى الجلدة التي عرف الديك، قال رسول الله للخافضة وهي الخاتنة: (أشمي ولا تنهكي، فإنه أبهى للوجه، وأحظى لها عند الزوج) يعني: لا تبالغي في القطع، وذلك أن المقصود بختان الرجل تطهيره من النجاسة المحتقنة في القُلْفَة، والمقصود من ختان المرأة تعديل شهوتها فإنها إذا كانت قلفاء [يعني: غير مختتنة] كانت مغتلمة شديدة الشهوة. ولهذا يقال في المشاتمة: يا بن القلفاء فإن القلفاء تتطلع إلى الرجال أكثر. ولهذا يوجد من الفواحش في نساء التتر ونساء الإفرنج ما لا يوجد في نساء المسلمين. وإذا حصلت المبالغة في الختان ضعفت الشهوة فلا يكمل مقصود الرجل، فإذا قطع من غير مبالغة حصل المقصود باعتدال. والله أعلم اهـ مجموع الفتاوى (21/114) . 5- ويجوز دفع المال للختَّان. قال ابن قدامة: ويجوز الاستئجار على الختان، والمداواة، لا نعلم فيه خلافا؛ ولأنه فعل يحتاج إليه، مأذون فيه شرعا، فجاز الاستئجار عليه، كسائر الأفعال المباحة. " المغني " (5 / 314) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 9412 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 499 لا بأس بقص الشارب أو أخذه كله [السُّؤَالُ] ـ[أقوم بتهذيب شاربي حتى يكون قصيرا لدرجة أنه لا يرى. فهل يجوز ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اتفق العلماء على مشروعية الأخذ من الشارب للأحاديث الكثيرة الواردة في هذا، كقوله صلى الله عليه وسلم: (وفروا اللحى، وأحفوا الشوارب) رواه البخاري (5442) ، وكقوله صلى الله عليه وسلم: (من لم يأخذ من شاربه فليس منا) رواه الترمذي (2685) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. قال النووي رحمه الله تعالى في "المجموع" (1/340) : "وأما قص الشارب فمتفق على أنه سنة" انتهى. ولكن وقع الخلاف بين أهل العلم في القدر الذي يؤخذ. قال الشوكاني في "نيل الأوطار" (1/148) : "وقد اختلف الناس في حد ما يقص عن الشارب، وقد ذهب كثير من السلف إلى استئصاله وحلقه، لظاهر قوله: (أحفوا) و (أنهكوا) . وهو قول الكوفيين، [ورواية عن الإمام أحمد، ويعني بالكوفيين أتباع أبي حنيفة رحمه الله] ، وذهب كثير منهم إلى منع الحلق والاستئصال، وإليه ذهب مالك [والشافعي وأحمد في رواية عنه] . وقد شدد الإمام مالك رحمه الله في حلق الشارب فعده مُثْلَةً يستحق صاحبه التأديب، وقال بأن حلقه بدعة ظهرت في الناس، ذكر هذا عنه النووي في "المجموع" وابن القيم في "زاد المعاد" وغيرهما، ولكن جمهور أهل العلم على خلاف هذا، إذ يرون أنه لا بأس بحلقه وقصه، وإن اختلفوا في الأفضل" انتهى. قال المرداوي الحنبلي في "الإنصاف" (1/121) : "ويحف شاربه أو يقص طرفه، وحفه أولى، نص عليه [يعني الإمام أحمد] " انتهى. وقد ذكر ابن القيم في "زاد المعاد" (1/171) أن الإمام أحمد رحمه الله قال: إن أحفاه فلا بأس، وإن أخذه قصاً فلا بأس. ودليل الإمام أحمد على ذلك أن الأحاديث جاءت بالأمر بـ: الإحفاء، والقص. وبهذا يعلم الأخ السائل أنه لا حرج عليه فيما فعل، وإن كان الأفضل أن يقص من الشارب بحيث يبدو طرف الشفة، ولا يزيله بالكلية، لأن هذا هو ما كان يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقص شاربه) . رواه أحمد (2733) ، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98500 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 500 حكم إزالة الشعر [السُّؤَالُ] ـ[سؤالي محيِّر ولكنني أعتقد أنه مهم. وسؤالي هو: هل يجوز للمرء أن يحلق شعر رجليه، إذا كان ينمو بشكل كبير، كما نفعل مع بعض المناطق الأخرى من الجسم؟ أنا أسأل هذا السؤال لأن معظم أصدقائي يفعلون ذلك، ولكنني لا أفعل ذلك لأنني لا أعرف الحكم. أرجو أن تجيب على سؤالي وألا تعتبره استهزاءا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله كيف سنعتبر سؤالك هزؤا وأنت تقوم بما عليك من السؤال عن أمر لا تعلم حكمه وقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله وهو أَبُو رِفَاعَةَ رضي الله عنه قال: انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَخْطُبُ قَالَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ رَجُلٌ غَرِيبٌ جَاءَ يَسْأَلُ عَنْ دِينِهِ لا يَدْرِي مَا دِينُهُ قَالَ فَأَقْبَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَرَكَ خُطْبَتَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَيَّ فَأُتِيَ بِكُرْسِيٍّ حَسِبْتُ قَوَائِمَهُ حَدِيدًا قَالَ فَقَعَدَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعَلَ يُعَلِّمُنِي مِمَّا عَلَّمَهُ اللَّهُ ثُمَّ أَتَى خُطْبَتَهُ فَأَتَمَّ آخِرَهَا *رواه مسلم رقم 876 فحقك علينا إجابة سؤالك إذا عرفناه. والجواب أنّ الشعر ينقسم إلى ثلاثة أقسام شعر مأمور بإزالته كشعر العانة والإبط وشعر مأمور بإبقائه كشعر اللحية للرجل وشعر مسكوت عنه لم يرد في إبقائه ولا في إزالته نصّ شرعي (وما كان ربك نسيا) ، فأمره على الإباحة إن شئت تركته وإن شئت أزلته ولا حرج عليك (وانظر سؤال رقم 451) والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 742 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 501 حكم الختان [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الختان؟ وما حكم ما يفعله بعض الناس من سلخ الذّكر أو منطقة العانة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أما الختان فهو من سنن الفطرة ومن شعار المسلمين لما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الفطرة خمس الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط) فبدأ صلى الله عليه وسلم بالختان وأخبر أنه من سنن الفطرة. والختان الشرعي: هو قطع القلفة الساترة لحشفة الذكر فقط، أما من يسلخ الجلد الذي يحيط بالذكر أو يسلخ الذكر كله كما في بعض البلدان المتوحشة ويزعمون جهلا منهم أن هذا هو الختان المشروع فما هو إلا تشريع من الشيطان زينه للجهال وتعذيب للمختون ومخالفة للسنة المحمدية والشريعة الإسلامية التي جاءت باليسر والسهولة والمحافظة على النفس. وهو محرم لعدة وجوه منها: 1- أن السنة وردت بقطع القلفة الساترة لحشفة الذكر فقط. 2- أن هذا تعذيب للنفس وتمثيل بها، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المثلة وعن صبر البهائم والعبث بها أو تقطيع أطرافها، فالتعذيب لبني آدم من باب أولى وهو أشد إثما. 3- أن هذا مخالف للإحسان والرفق الذي حث عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء) الحديث. 4- أن هذا قد يؤدي إلى السراية وموت المختون وذلك لا يجوز لقوله تعالى: (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) وقوله سبحانه: (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) . ولهذا نص العلماء على أنه لا يجب الختان الشرعي على الكبير إذا خيف عليه من ذلك. أما التجمع رجالا ونساء في يوم معلوم لحضور الختان وإيقاف الولد متكشفا أمامهم فهذا حرام لما فيه من كشف العورة التي أمر الدين الإسلامي بسترها ونهى عن كشفها. وهكذا الاختلاط بين الرجال والنساء بهذه المناسبة لا يجوز لما فيه من الفتنة ومخالفة الشرع المطهر. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز يرحمه الله، م/4، ص/423. الحديث: 20015 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 502 لا يجوز أن يكون الختان عائقا بين الشخص وبين الدخول في الدين [السُّؤَالُ] ـ[محامي من الأرجنتين يسأل عن حكم الاختتان للكافر والكافرة إذا أرادا الدخول في الدين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أيها السائل العزيز شكرا لك على توجيه هذا السؤال لأن مسألة الختان هي فعلا من المسائل التي تكون في عدد من الحالات عقبة في طريق بعض الذين يريدون الدخول في دين الإسلام. والمسألة أسهل مما يظنّه الكثيرون، فأما الختان فإنه من شعائر الإسلام ومن الفطرة ومن ملة إبراهيم عليه السلام وقد قال الله تعالى: (ثمّ أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اختتن إبراهيم النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمانين سنة..) رواه البخاري 6/388 ط. السلفية، فالختان على الرجل المسلم واجب إذا قدر عليه، فأما إذا لم يقدر عليه كأن خاف على نفسه التلف لو اختتن أو أخبره الطبيب الثقة أنه يحصل له نزيف قد يودي بحياته فيسقط عنه الختان حينئذ ولا يأثم بتركه. ولا يجوز بأيّ حال من الأحوال أن تُجعل مسألة الختان عائقا بين الشخص وبين دخوله في الدّين بل إنّ صحة الإسلام لا تتوقف على الختان فيصحّ دخول الشخص في دين الإسلام حتى ولو لم يختتن. أما مسألة حكم ختان الأنثى فستجد جوابها في السؤال رقم (427) . أسأل الله أن يوفقك لكلّ خير ويحفظك من كلّ شر وصلى وسلم على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 4 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 503 هل يجوز للمرأة أن تزيل شعر العانة لامرأة أخرى؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن تزيل لي صديقتي المقربة لي جدّاً شعر منطقة العانة؟ أنا أخاف جدّاً، وأنا أتضايق من هذا الشعَر، وإن أزالت لي صديقتي سيكون بيننا يمين أن لا تنطق بأي شيء تراه، فأنا بحاجة لإزالته، واستحي أن أتحدث لأمي أن تزيله لي!!]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله حلق شعر العانة من سنن الفطرة، وقد وقتت الشريعة في بقائه من غير حلق أربعين يوماً، والأصل أن يحلق كل مكلَّف شعر عانته بنفسه، إلا من كان عاجزاً عن ذلك لكبر سن، أو مرض. وما تريد الأخت السائلة فعله هو من المحرَّمات، ومن القبائح، ولا يليق بالمسلمة فعله من غير ضرورة، وكونها تخاف من إزالته ليس بعذر، فهذا الأمر لا يتطلب شجاعة وجرأة، والطرق كثيرة في إزالته، وبعض هذه الطرق سهل ويسير. ولا ينفع للإباحة أن تجعل صديقتها تُقسم على عدم إخبار أحدٍ بما تراه، ولو جاز هذا الفعل للضرورة لكانت أمها أولى بأن تحلق لها شعر عانتها. وقد وردت النصوص الصحيحة الصريحة بتحريم اطلاع الرجل على عورة الرجل، والمرأة على عورة المرأة، وقد أجمع العلماء على هذا التحريم. عَن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ وَلَا تَنْظُرُ الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ) . رواه مسلم (338) . قال ابن قدامة – رحمه الله -: فأما الرجل مع الرجل: فلكل واحد منهما النظر من صاحبه إلى ما ليس بعورة … وحكم المرأة مع المرأة حكم الرجل مع الرجل. " المغني " (7 / 80) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: فهذا ستر النساء عن الرجال، وستر الرجال عن الرجال والنساء عن النساء في العورة الخاصة كما قال صلى الله عليه وسلم: (لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا تنظر المرأة إلى عورة المرأة) ، وكما قال: (احفظ عورتك إلا عن زوجتك أو ما ملكت يمينك، قلت: فإذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: إن استطعت أن لا يرينها أحد فلا يراها، قلت: فإذا كان أحدنا خاليا؟ قال: فالله أحق أن يستحيى منه) ، (ونهى أن يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد، والمرأة إلى المرأة في ثوب واحد) ، وقال عن الأولاد: (مروهم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرِّقوا بينهم في المضاجع) ، فنهى عن النظر واللمس لعورة النظير؛ لما في ذلك من القبح، والفحش، وأما الرجال مع النساء: فلأجل شهوة النكاح، فهذان نوعان، وفي الصلاة نوع ثالث: … " مجموع الفتاوى " (22 / 113) . وقال ابن حجر – رحمه الله -: … . وهذا مما لا خلاف فيه، وكذا الرجل إلى عورة المرأة والمرأة إلى عورة الرجل حرام بالإجماع … والمرأة إلى عورة المرأة على ذلك بطريق الأولى، ويستثنى الزوجان فلكل منهما النظر إلى عورة صاحبه. " فتح الباري " (9 / 338، 339) . والخلاصة: لا يحل لك الطلب من صديقتك أن تحلق لك شعر العانة، ولا أن تمكنيها من فعل ذلك، وإن خالفتِ هذا وقعتِ – وإياها - في كبيرة من كبائر الذنوب، ولست معذورة في هذا الأمر؛ لأنه يسهل العثور على طريقة سلة لإزالة ذلك الشعر، باستعمال شيء من مزيلات الشعر المعروفة، إذا لم تتمكني من الحلق بالموسى. ويجوز هذا الفعل لضرورة العجز عن الحركة، والمرض، وذهاب العقل، وما يشبه هذه الأعذار التي لا يتمكن منها الرجل والمرأة من حلق شعر العانة. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97938 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 504 لا يلزم دفن الشعر أو الأظافر بعد قصّها [السُّؤَالُ] ـ[هل يلزم بعد قص الأظافر أو حلق الشعر أن أقوم بدفنه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يلزمك دفنه، وإن دفنته فهو حسن، وإن لم تفعل فلا حرج عليك إن شاء الله تعالى. وقد وردت أحاديث في الأمر بدفن الشعر والأظافر غير أنها لا تصح. قال البيهقي في " شعب الإيمان ": وقد روي حديث دفن الشعر والأظفار من أوجه، كلُّها ضعيفة ". انتهى " نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية " (1 / 189) . وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: " يَدفن الشعر والأظفار، وإن لم يفعل: لم نَرَ به بأساً " رواه الخلال في " الترجل " (ص 19) . وسُئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: عن حكم دفن الشعر والأظافر بعد قصها؟ فأجاب: " ذَكر أهل العلم أن دفن الشعر والأظافر أحسن وأولى، وقد أُثر ذلك عن بعض الصحابة رضي الله عنهم، وأما كون بقائه في العراء، أو إلقائه في مكان يوجب إثماً: فليس كذلك " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " (11 / جواب السؤال رقم 60) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97740 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 505 ختان الإناث ليس بواجب [السُّؤَالُ] ـ[امرأة تسأل عن حكم الختان بالنسبة للمرأة لأنها قرأت حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر المرأة كيف تفعل الختان … فهل الختان للمرأة واجب أم سنة وإذا كان واجباً ما كيفيته وما هو الجزء الذي يقطع؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال ابن قدامة رحمه الله في كتابه المغني: فأما الختان فواجب على الرجال ومكرمة في حقّ النساء وليس بواجب عليهن، هذا قول كثير من أهل العلم. قال (الإمام) أحمد: الرّجل أشدّ.. والمرأة أهون. المغني 1/70 ويكون ختان الأنثى بقطع شيء من الجلدة التي كعرف الديك فوق مخرج البول، والسنّة أن لا تُقطع كلّها بل جزء منها. الموسوعة الفقهية 19/28 ومن الحكمة أن يُتبع في ذلك المصلحة فإن كانت القطعة كبيرة أُخذ منها وإلا تُركت ولعل ذلك يختلف باختلاف خِلقة النّساء وهذا يتفاوت بين البلاد الحارّة والباردة. وقد ورد في موضوع ختان النساء حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم: " الختان سنّة للرجال، مكرمة للنساء " ولكنه مختلف في صحته: انظر سلسلة الأحاديث الضعيفة للألباني رقم 1935 وورد في كيفية الختان حديث عن أمّ عطية رضي الله عنها أنّ امرأة كانت تختن بالمدينة فقال لها النبي صلى الله عليه وسلّم: " لا تنهكي (أي لا تستأصلي وتبالغي في الختان) فإنّ ذلك أحظى للمرأة وأحبّ إلى البعل ". رواه أبو داود في كتاب الأدب من سننه وقال: هذا الحديث ضعيف. ولعلّ فيما تقدّم من كلام أهل العلم كفاية. والله تعالى أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 427 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 506 تحديد شعر العانة [السُّؤَالُ] ـ[يجب علينا كمسلمين أن نحلق شعر العانة. بالنسبة للرجل هل هو جميع الشعر بين السرة والركبة؟ (أي جميع الشعر أسفل البطن والفخذ) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الحافظ في الفتح 10/343: قال النووي: المراد بالعانة الشعر الذي فوق ذكر الرجل وحواليه وكذا الشعر الذي حوالي فرج المرأة ونقل عن أبي العباس بن سريج أنه الشعر النابت حول حلقة الدبر فتحصل من مجموع هذا استحباب حلق جميع ما على القبل والدبر وحولهما قال وذكر الحلق لكونه هو الأغلب وإلا فيجوز الإزالة بالنورة والنتف وغيرهما. وقال أبو شامة: العانة الشعر النابت على الرَكَب بفتح الراء والكاف وهو ما انحدر من البطن فكان تحت الثنية وفوق الفرج وقيل لكل فخد ركب، وقيل ظاهر الفرج وقيل الفرج بنفسه سواء كان من رجل أو امرأة قال: ويستحب إماطة الشعر عن القبل والدبر بل هو من الدبر أولى خوفاً من أن يعلق شيء من الغائط فلا يزيله المستنجي إلا بالماء ولا يتمكن من إزالته بالاستجمار قال ويقوم التنوُّر (استعمال النورة) مكان الحلق وكذلك النتف والقص وقد سئل أحمد عن أخذ العانة بالمقراض فقال أرجو أن يجزي، قيل: فالنتف؟ قال: وهل يقوى على هذا أحد؟ وقال ابن دقيق العيد قال أهل اللغة: العانة الشعر النابت على الفرج وقيل هو منبت الشعر قال: وهو المراد في الخبر وقال أبو بكر بن العربي: شعر العانة أولى الشعور بالإزالة لأنه يكثُف ويتلبد فيه الوسخ.. وقال ابن دقيق العيد: كأن الذي ذهب إلى استحباب حلق ما حول الدبر ذكره بطريق القياس. أهـ والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 5123 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 507 استخدام وسيلة لإزالة الشّعر بشكل نهائي [السُّؤَالُ] ـ[يوجد بعض الطرق في إزالة الشعر من الجسم تؤدي إلى عدم ظهوره مرة أخرى فما حكم استخدام هذه الطرق؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا بأس باستخدام أي وسيلة لإزالة الشّعر المأمور بإزالته (كشعر العانة والإبط) أو الشّعر المباح أخذه (كشعر اليدين والساقين) ما دامت هذه الوسيلة غير ضارة، ولو أدّت إلى عدم نبات الشّعر مرة أخرى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2213 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 508 حكم إزالة شعر العانة بالليزر على يد طبيبة [السُّؤَالُ] ـ[أعاني من الشعر الزائد في منطقة الإبطين والمنطقة الحساسة - فهل يجوز الكشف عند دكتورة لإزالته بالليزر؟ علماً أن الشعر غزير جدا وتأذيت بالموس والنتف مما سبب لي تشوها في البشرة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب على المرأة أن تستر عورتها عمن لا يحل له النظر إليها، وعورة المرأة بالنسبة إلى المرأة ما بين السرة إلى الركبة، في قول جمهور الفقهاء. ويجوز كشف العورة عند الحاجة، كالتداوي، ويشترط تأكد الحاجة وقوتها إذا كان الأمر يتعلق بالعورة المغلظة. وعليه فلا حرج في إزالة شعر الإبطين بالليزر، بشرط ألا يكون في ذلك ضرر. وأما إزالته من العانة على يد طبيبة، فيشترط له أن تدعو إليه حاجة ماسة، كأن يكون الشعر كثيرا، لا ينفع معه إزالته بالوسائل الأخرى من نتف وحلق، ولا يمكنك إزالته بنفسك بواسطة الليزر مع توجيه الطبيبة، لتجنب اطلاعها على العورة. قال العز ابن عبد السلام رحمه الله: " ستر العورات والسوآت واجب وهو من أفضل المروآت وأجمل العادات ولا سيما في النساء الأجنبيات , لكنه يجوز للضرورات والحاجات. أما الحاجات فكنظر كل واحد من الزوجين إلى صاحبه , ونظر الأطباء لحاجة المداواة. وأما الضرورات فكمداواة الجراحات المتلفات , ويشترط في النظر إلى السوآت لقبحها من شدة الحاجة ما لا يشترط في النظر إلى سائر العورات , وكذلك يشترط في النظر إلى سوأة النساء من الضرورة والحاجة ما لا يشترط في النظر إلى سوأة الرجال , لما في النظر إلى سوآتهن من خوف الافتتان , وكذلك ليس النظر إلى ما قارب الركبتين من الفخذين كالنظر إلى الأليتين " انتهى من "قواعد الأحكام" (1/165) باختصار. وقال الشربيني الخطيب: " (واعلم أن ما تقدم من حرمة النظر والمس هو حيث لا حاجة إليهما. وأما عند الحاجة فالنظر والمس مباحان لحجامة وعلاج ولو في فرج، للحاجة الملجئة إلى ذلك ; لأن في التحريم حينئذ حرجا " انتهى من "مغني المحتاج" (4/215) . وجعل الحنابلة من الأعذار المبيحة لكشف العورة: حلق العانة لمن لا يحسن حلقها بنفسه. كما ذكره ابن مفلح رحمه الله في الفروع (5/153) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 95891 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 509 استعمال النورة لإزالة الشعر [السُّؤَالُ] ـ[لي سؤال ما هي النورة؟ وهل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستخدمها؟ وما هي الدلائل والبراهين من السنة على ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: النورة هي مركب من الكالسيوم والزرنيخ كان يستعمل في إزالة الشعر، يدهن به المكان ثم يترك قليلاً ثم يغسل فينزل الشعر. انظر: "القاموس الفقهي" (1/363) و "زاد المعاد" (4/364) . ثانيا: وأما استعمال الرسول صلى الله عليه وسلم لها، فقد ورد ذلك في بعض الأحاديث، غير أنها كلها ضعيفة ولا تصح. فقد روى ابن ماجه (3751) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَطَّلَى بِالنُّورَةِ. والحديث ضعفه البوصيري في مصباح الزجاجة، والألباني في ضعيف سنن ابن ماجه وشعيب الأرنؤوط في تحقيق زاد المعاد. وأخرج ابن عساكر من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتنور في كل شهر ويقلم أظفاره في كل خمسة عشر يوما. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع الصغير رقم (4536) والحاصل أنه لم يصح في استعمال النبي صلى الله عليه وسلم لها حديث، لكن لا حرج في استعمالها أو استعمال غيرها مما يزيل الشعر، في غير مضرة، لكن الحلق أولى، لوروده في السنة. وإلى أفضلية الحلق ذهب جمهور الفقهاء. ينظر: "الموسوعة الفقهية" (14/83) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 88161 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 510 هل ورد حديث صحيح في ختان الإناث [السُّؤَالُ] ـ[هل يوجد دليل كحديث صحيح ينص أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أمر أو سمح لزوجاته أو بناته بالختان بأي شكل أو صفة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا نعلم حديثا فيه أمر النبي صلى الله عليه وسلم لزوجاته أو بناته بالختان، لكن ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أرشد امرأة كانت تختن بالمدينة، إلى صفة الختان المحمود، وذلك فيما روى أبو داود (5271) والطبراني في الأوسط، والبيهقي في الشعب عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الْأَنْصَارِيَّةِ أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تَخْتِنُ بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تُنْهِكِي فَإِنَّ ذَلِكَ أَحْظَى لِلْمَرْأَةِ وَأَحَبُّ إِلَى الْبَعْلِ) . والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود. وفي رواية: (أشِِمِّي ولا تنهكي) . والإشمام: أخذ اليسير في الختان، والنهك: المبالغة في القطع. ويدل عليه أيضا: عموم الأدلة الواردة في الختان، كما في البخاري (5891) ومسلم (257) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (الْفِطْرَةُ خَمْسٌ الْخِتَانُ وَالاسْتِحْدَادُ وَقَصُّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ وَنَتْفُ الآبَاطِ) ، وهذا عام في حق الرجال والنساء، إلا ما كان من خصائص الرجال، كالشارب. وفي صحيح مسلم (349) من حديث عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ وَمَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ) . وفي رواية الترمذي (109) وغيره: (إذا التقى الختانان..) وترجم عليه البخاري في صحيحه. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: الْمُرَاد بِهَذِهِ التَّثْنِيَةِ خِتَان الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ. وختان الأنثى يكون بقطع شيء من الجلدة التي كعرف الديك فوق مخرج البول، والسنّة أن لا تُقطع كلّها بل جزء منها. "الموسوعة الفقهية" (19/28) . وقد ذهب إلى وجوب ختان النساء الشافعية، والحنابلة في المشهور من المذهب، وغيرهم. وذهب كثير من أهل العلم إلى أنه ليس واجبا في حق النساء، وإنما هو سنة ومكرمة في حقهن. غير أننا ننبه هنا إلى أن له فوائد طبية، ينبغي الانتباه إليها، بغض النظر عن اختلاف العلماء في وجوبه أو استحبابه. وقد سبق الإشارة إليها في الجواب رقم (45528) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82859 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 511 سنن الفطرة في فترة الحيض [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز القيام بسنن الفطرة للنساء أثناء فترة الحيض؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا تمنع الحائض من القيام بسنن الفطرة، والتنظف والتجمل والتزين، بل الحائض في ذلك كغيرها من النساء. وإنما تمنع الحائض من الصلاة والصيام والطواف بالكعبة، ومس المصحف، ودخول المسجد والجماع. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل يجوز أن أضع الحِنّا في يدي وشعري أثناء الدورة الشهرية؟ فأجابوا: " يجوز لك ذلك؛ لأن الأصل في ذلك الجواز، ولم يثبت ما يمنع شرعا " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/403) . ثانياً: القيام بسنن الفطرة معلق بالحاجة إلى ذلك، فمن طال عليه شعره أو ظفره فيشرع له المبادرة إلى تقصيره قال النووي رحمه الله "المجموع" (1/340) : " وأما التوقيت في تقليم الأظفار فهو معتبر بطولها، فمتى طالت قلمها، ويختلف ذلك باختلاف الأشخاص والأحوال، وكذا الضابط في قص الشارب ونتف الإبط وحلق العانة" انتهى. ومعلوم أن فترة الحيض قد تتجاوز أسبوعا، والنفاس قد يصل إلى الأربعين، فكيف تؤمر بالجلوس كل هذه الفترة دون أن تقوم بهذه السنن! ثالثاً: يعتقد بعض الناس أن من عليه الحدث الأكبر لا يأخذ شيئا من شعره وأظفاره؛ وهذا اعتقاد باطل لا أصل له في شريعة الإسلام. سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن الرجل اذا كان جنبا وقص ظفره أو شاربه أو مشط رأسه، هل عليه شيء في ذلك، فقد أشار بعضهم إلى هذا وقال: إذا قص الجنب شعره أو ظفره فإنه تعود إليه أجزاؤه في الآخرة، فيقوم يوم القيامة وعليه قسط من الجنابة بحسب ما نقص من ذلك، وعلى كل شعرة قسط من الجنابة، فهل ذلك كذلك أم لا؟ فأجاب رحمه الله: " قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث حذيفة ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنهما أنه لما ذكر له الجنب قال: (إن المؤمن لا ينجس) وفي صحيح الحاكم: (حيا ولا ميتا) وما أعلم على كراهية إزالة شعر الجنب وظفره دليلا شرعيا، بل قد قال النبي صلى الله عليه وسلم للذي أسلم: (ألق عنك شعر الكفر واختتن) فأمر الذي أسلم أن يغتسل، ولم يأمره بتأخير الاختتان وإزالة الشعر عن الاغتسال، فإطلاق كلامه يقتضي جواز الأمرين، وكذلك تؤمر الحائض بالامتشاط في غسلها، مع أن الامتشاط يذهب ببعض الشعر. والله أعلم" انتهى. "مجموع الفتاوى" (21/120-121) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 75727 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 512 حدُّ اللحية وحكم حلق الشعر الذي على العنق [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن يحلق الرجل الشعر النابت على العنق تحت شحمة الأذن مباشرة، حتى لا تبرز اللحية كثيراً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اللحية هي: شعر الخدين والذقن. قال ابن منظور - ناقلاً عن ابن سيده -: " اللحية اسم يجمع من الشعر ما نبت على الخدين والذقن ". "لسان العرب" (15/243) والشعر النابت على العظمين الناتئين (البارزين) بحذاء صماخي الأذنين من اللحية – وهو ما يسميه أهل اللغة " العِذار " وهو جانبا اللحية - لا يجوز نتفه ولا حلقه. سُئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: عن المراد باللحية؟ فأجاب: حدُّ اللحية من العظمين الناتئين بحذاء صماخي الأذنين إلى آخر الوجه، ومنها الشعر النابت على الخدين. قال في القاموس المحيط ص 387 جـ 4: " اللحية: شعر الخدين والذقن ". وعلى هذا فمن قال: إن الشعر الذي على الخدين ليس من اللحية فعليه أن يثبت ذلك. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (11/السؤال رقم 49) . وسئل رحمه الله: هل العارضان من اللحية؟ - والعارضان هما الخدان. فأجاب بقوله: نعم، العارضان من اللحية؛ لأن هذا هو مقتضى اللغة التي جاء بها الشرع، قال الله تعالى: (إنا أنزلناه قرآناً عربيّاً لعلكم تعقلون) ، وقال تعالى: (هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة) ، وبهذا عُلم أن ما جاء في القرآن والسنة فالمراد به ما يدل عليه بمقتضى اللغة العربية، إلا أن يكون له مدلول شرعي فيحمل عليه، مثل: الصلاة هي في اللغة العربية الدعاء، لكنها في الشرع تلك العبادة المعلومة، فإذا ذكرت في الكتاب والسنة حُملتْ على مدلولها الشرعي إلا أن يمنع من ذلك مانع. وعلى هذا: فإن اللحية لم يجعل لها الشرع مدلولاً شرعيّاً خاصّاً فتحمل على مدلولها اللغوي، وهي في اللغة اسم للشعر النابت على اللحيين والخدين من العظم الناتئ حذاء صماخ الأذن إلى العظم المحاذي له من الجانب الآخر. قال في "القاموس": " اللِّحية: شعر الخدين والذقن "، وهكذا قال في " فتح الباري " ص 35 جـ 10 طـ السلفية: " هي اسم لما نبت على الخدين والذقن ". وبهذا تبين أن العارضين من اللحية، فعلى المؤمن أن يصبر ويصابر على طاعة الله ورسوله، وإن كان غريباً في بني جنسه فطوبى للغرباء. وليعلم أن الحق إنما يوزن بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لا يوزن بما كان عليه الناس مما خالف الكتاب والسنة، فنسأل الله تعالى أن يثبتنا وإخواننا المسلمين على الحق. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (11/السؤال رقم 50) . وأما الشعر النابت على العنق فلا يدخل في حد اللحية، وقد نص الإمام أحمد رحمه الله أنه لا بأس بأخذ ما تحت حلقه من الشعر، كما في "الإنصاف" (1/250) ، وذلك لأنه ليس من اللحية. قال الشيخ محمد السفاريني: فالمذهب المعتمد كما في " الإقناع " وغيره أنه لا يكره أخذ ما تحت حلقه. "غذاء الألباب شرح منظومة الآداب" (1/433) . وانظر السؤال (9037) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69749 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 513 ختان البنات وإنكار بعض الأطباء له [السُّؤَالُ] ـ[نسمع الآن من كثير من الأطباء إنكار عملية الختان للبنات، وأن هذا مضر بها جسديا ونفسيا، وأن الختان عادة من العادات الموروثة وليس له أصل في الشرع. فما رأيكم في هذا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ليس الختان عادة موروثة كما يدعي البعض، وإنما هو شريعة ربانية اتفق على مشروعيتها العلماء، ولم يقل عالم واحد من علماء المسلمين – فيما نعلم - بعدم مشروعية الختان. ودليلهم في هذا الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم التي تثبت مشروعيته، منها: 1- ما رواه البخاري (5889) ومسلم (257) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الْفِطْرَةُ خَمْسٌ أَوْ خَمْسٌ مِنْ الْفِطْرَةِ: الْخِتَانُ، وَالاسْتِحْدَادُ، وَنَتْفُ الإِبْطِ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ) . والحديث يشمل ختان الذكر والأنثى. 2- وروى مسلم (349) عن عائشة رضي الله عنها قالت: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ وَمَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ) . فذكر الرسول صلى الله عليه وسلم الختانين؛ أي ختان الزوج وختان الزوجة؛ فدل ذلك على أن المرأة تختتن كما يختتن الرجل. 3- وروى أبو داود (5271) عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الْأَنْصَارِيَّةِ أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تَخْتِنُ بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تُنْهِكِي، فَإِنَّ ذَلِكَ أَحْظَى لِلْمَرْأَةِ، وَأَحَبُّ إِلَى الْبَعْلِ) غير أن هذا الحديث قد اختلف العلماء فيه، فضعفه بعضهم وصححه آخرون. وصححه الألباني في صحيح أبي داود. ومشروعية الختان للإناث ثابتة بالأحاديث الصحيحة المتقدمة، وليست بهذا الحديث المختلف فيه. إلا أن العلماء قد اختلفوا في حكمه على ثلاثة أقوال: القول الأوَّل: أنه واجب على الذكر والأنثى، وهو مذهب الشافعية والحنابلة، واختاره القاضي أبو بكر بن العربي من المالكية رحمهم الله جميعاً. قال النووي رحمه الله في "المجموع" (1/367) : " الختان واجب على الرجال والنساء عندنا، وبه قال كثيرون من السلف، كذا حكاه الخطَّابيُّ، وممن أوجبه أحمد ... والمذهب الصحيح المشهور الذي نص عليه الشافعي رحمه الله وقطع به الجمهور أنه واجب على الرجال والنساء " انتهى. وانظر: "فتح الباري" (10 / 340) ، "كشاف القناع": (1 / 80) . القول الثاني: أنَّ الختان سنَّةٌ في حقِّ الذكر والأنثى، وهو مذهب الحنفية والمالكية ورواية عن أحمد. قال ابن عابدين الحنفي رحمه الله في حاشيته: (6 / 751) : " وفي كتاب الطهارة من السراج الوهاج: اعلم أن الختان سنة عندنا – أي عند الحنفية - للرجال والنساء " انتهى. وانظر: "مواهب الجليل" (3/259) . القول الثالث: أنَّ الختان واجب على الذكور، مكرمةٌ مُستحبَّةٌ للنساء، وهو قول ثالث للإمام أحمد، وإليه ذهب بعض المالكيَّة كسحنون، واختاره الموفق ابن قدامة في المغني. انظر: " التمهيد " (21 / 60) ، "المغني" (1 / 63) . وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (5/113) : " الختان من سنن الفطرة، وهو للذكور والإناث، إلا أنه واجب في الذكور، وسنة ومكرمة في حق النساء " اهـ. وبهذا يتبين أن فقهاء الإسلام اتفقوا على مشروعية الختان للرجل والمرأة، بل ذهب كثير منهم إلى أنه واجب عليهما، ولم يقل أحد منهم بعدم مشروعيته أو كراهته أو تحريمه. ثانياً: وأما إنكار بعض الأطباء للختان، ودعواهم أنه مضر جسدياً ونفسياً!! فهذا الإنكار منهم غير صحيح، ونحن – المسلمين – يكفينا ثبوت الشيء عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى نمتثله، ونوقن بفائدته وعدم ضرره، فإنه لو كان مضراً لم يشرعه الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم. وقد سبق في جواب السؤال (45528) ذكر بعض فوائد الختان الطبية للإناث، نقلاً عن بعض الأطباء. ثالثاً: نزيد هنا ذكر فتاوى لبعض العلماء المعاصرين، الذي تصدوا لهذه الحرب التي تشن على ختان الأنثى بدعوى أنه مضر صحيا بها. قال الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر السابق: " ومن هنا: اتفقت كلمة فقهاء المذاهب على أن الختان للرجال والنساء من فطرة الإسلام وشعائره، وأنه أمر محمود، ولم ينقل عن أحد من فقهاء المسلمين فيما طالعنا من كتبهم التي بين أيدينا ـ قول بمنع الختان للرجال أو النساء أو عدم جوازه أو إضراره بالأنثى، إذا هو تم على الوجه الذي علمه الرسول صلى الله عليه وسلم لأم حبيبة في الرواية المنقولة آنفاً. . . " ثم قال: " وإذ قد استبان مما تقدم أن ختان البنات ـ موضوع البحث ـ من فطرة الإسلام، وطريقته على الوجه الذي بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يصح أن يترك توجيهه وتعليمه إلى قول غيره، ولو كان طبيباً، لأن الطب علم، والعلم متطور، تتحرك نظرياته دائماً " انتهى باختصار. وفي فتوى للشيخ عطية صقر -الرئيس السابق للجنة الفتوى بالأزهر- يقول: " وبعد، فإن الصيحات التي تنادى بحُرمة ختان البنات صيحات مخالفة للشريعة؛ لأنه لم يرد نص صريح في القرآن والسنة ولا قول للفقهاء بحرمته فختانهن دائر بين الوجوب والندب، وإذا كانت القاعدة الفقهية تقول: حكم الحاكم برفع الخلاف فإنه في هذه المسألة له أن يحكم بالوجوب أو الندب، ولا يصح أن يحكم بالحرمة، حتى لا يخالف الشريعة التي هي المصدر الرئيسي للتشريع في البلاد التي ينص دستورها على أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة. ومن الجائز أن يشرِّع تحفُّظاتٍ لحسن أداء الواجب والمندوب بحيث لا تتعارض مع المقرَّرات الدينية. وكلام الأطباء وغيرهم ليس قطعيًّا، فما زالت الكشوف العلمية مفتَّحة الأبواب تتنفس كل يوم عن جديد يُغير نظرتنا إلى القديم " انتهى بتصرف يسير. وجاء في فتاوى دار الإفتاء المصرية (6/1986) : " ومن هذا يتبين مشروعية ختان الأنثى، وأنه من محاسن الفطرة وله أثر محمود في السير بها إلى الاعتدال , وأما آراء الأطباء عن مضار ختان الأنثى فإنها آراء فردية لا تستند إلى أساس علمي متفق عليه , ولم تصبح نظرية علمية مقررة , وهم معترفون بأن نسبة الإصابة بالسرطان في المختتنين من الرجال أقل منها في غير المختتنين، وبعض هؤلاء الأطباء يرمي بصراحة إلى أن يعهد بعملية الختان إلى الأطباء دون النساء الجاهلات , حتى تكون العملية سليمة مأمونة العواقب الصحية , على أن النظريات الطبية في الأمراض وطرق علاجها ليست مستقرة ولا ثابتة , بل تتغير مع الزمن واستمرار البحث , فلا يصح الاستناد إليها في استنكار الختان الذي رأي الشارع الحكيم الخبير العليم حكمته وتقويماً للفطرة الإنسانية , وقد علمتنا التجارب أن الحوادث على طول الزمن تُظهر لنا ما قد يخفى علينا من حكمة الشارع فيما شرعه لنا من أحكام , وهدانا إليه من سنن , والله يوفقنا جميعاً إلى سبل الرشاد " انتهى. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 60314 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 514 لا يوجد من يحلق لها العانة وهي في الثمانين فهل تحلقها لها الخادمة؟ [السُّؤَالُ] ـ[امرأة كبيرة في السن فوق الثمانين ضعيفة الجسم والبصر تعيش مع العاملة ومتوفى زوجها فهل يجوز أن تحلق لها العاملة شعر العانة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، يجوز للعاملة أن تحلق لها شعر العانة، للحاجة إلى ذلك، وقد نص على ذلك الفقهاء رحمهم الله. قال المرداوي رحمه الله في الإنصاف (8/22) : "من ابتلي بخدمة مريض أو مريضة في وضوء أو استنجاء أو غيرهما فحكمه حكم الطبيب في النظر والمس. نص عليه [يعني: الإمام أحمد رحمه الله] . كذا لو حلق عانةَ مَنْ لا يحسن حلق عانته. نص عليه. وقاله أبو الوفاء , وأبو يعلى الصغير " انتهى. وقال في كشاف القناع (5/13) : " وللطبيب نظر ولمس ما تدعو الحاجة إلى نظره ولمسه حتى فرجها وباطنه، لأنه موضع حاجة. . . . وليكن ذلك مع حضور محرم أو زوج، لأنه لا يأمن مع الخلوة مواقعة المحظور؛ ويستر منها ما عدا موضع الحاجة، لأنها على الأصل في التحريم. ومثله - أي: الطبيب - مَنْ يلي خدمة مريض أو مريضة في وضوء واستنجاء وغيرهما، وكتخليصها من غرق وحرق ونحوهما، وكذا لو حلق عانة من لا يحسن حلق عانته ". انتهى باختصار. ومداواة الطبيب الرجل للأنثى، مقيد بضوابط، منها: عدم وجود طبيبة ولو كافرة. وينظر جواب السؤال (5693) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50805 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 515 بلغ عشرين سنة.. ولم يختتن [السُّؤَالُ] ـ[أنا شاب عمري 20 سنة وقد عملت عملية في صغري ولذلك السبب لم أختتن، وبعد ذلك ذهبت إلى المستشفى فقال لي الطبيب إنه يجب في البداية أن أعمل عملية لوجود عيب خلقي في نفس المنطقة ثم الختان، فمرت السنين ولم أعمل العملية الأولى وبالتالي لم أختتن.. وبلغت العشرين وأنا على هذه الحال.. وأنا أصلي في المسجد فما الحكم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ختان الرجل واجب في قول كثير من أهل العلم، وهو من سنن الفطرة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الْفِطْرَةُ خَمْسٌ الْخِتَانُ وَالاسْتِحْدَادُ وَقَصُّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ وَنَتْفُ الآبَاطِ) رواه البخاري (5441) ومسلم (377) وروى البخاري (3107) ومسلم (4368) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلام وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِينَ سَنَةً) لكن صرح الفقهاء بأن الكبير إذا خاف على نفسه من الختان سقط عنه، قال ابن قدامة رحمه الله: (فصل: فأما الختان فواجب على الرجال , ومكرمة في حق النساء , وليس بواجب عليهن. هذا قول كثير من أهل العلم. قال أحمد: الرجل أشد , وذلك أن الرجل إذا لم يختتن , فتلك الجلدة مدلاة على الكمرة , ولا يُنقَّى ما ثَمَّ , والمرأة أهون. قال أبو عبد الله (يعني الإمام أحمد) : وكان ابن عباس يشدد في أمره , وروي عنه أنه لا حج له ولا صلاة , يعني: إذا لم يختتن , والحسن يرخص فيه يقول: إذا أسلم لا يبالي أن لا يختتن ويقول: أسلم الناس الأسود , والأبيض , لم يفتش أحد منهم , ولم يختتنوا. والدليل على وجوبه: أن ستر العورة واجب , فلولا أن الختان واجب لم يجز هتك حرمة المختون بالنظر إلى عورته من أجله ; ولأنه من شعار المسلمين , فكان واجبا , كسائر شعارهم. وإن أسلم رجل كبير فخاف على نفسه من الختان سقط عنه ; لأن الغسل والوضوء وغيرهما يسقط إذا خاف على نفسه منه , فهذا أولى. وإن أمن على نفسه لزمه فعله , قال حنبل: سألت أبا عبد الله عن الذمي إذا أسلم , ترى له أن يطهر بالختانة؟ قال: لا بد له من ذاك. قلت: وإن كان كبيرا أو كبيرة؟ قال: أحب إلي أن يتطهر ; لأن الحديث: " اختتن إبراهيم وهو ابن ثمانين سنة " , قال تعالى: (ملة أبيكم إبراهيم) انتهى من المغني 1/101. وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (5/113) : " الختان من سنن الفطرة، وهو للذكور والإناث، إلا أنه واجب في الذكور، وسنة ومكرمة في حق النساء " اهـ. ومع تقدم الطب أصبح الختان مأمونا غالبا، فعليك أن تبادر بالختان أداء للواجب، واقتداء بالأنبياء، وحفاظا على الفطرة، واحتياطا للعبادة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 46849 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 516 الفوائد الطبية من ختان البنات [السُّؤَالُ] ـ[أرجو أن توضح لي الفوائد الطبية من ختان البنات؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن الله تعالى كما خلق الخلق فإنه سبحانه تكفل بما يصلحهم في أمر دينهم ودنياهم فأرسل لهم الرسل وأنزل الكتب ليدل البشر على الخير ويحثهم عليه ويعرفهم الشرَّ ويحذرهم منه. ولربما أمر الشرع بأمر أو نهى عن شيء لم تظهر للناس - أو لكثير منهم - حكمة الشرع من هذا الأمر أو النهي، فحينئذ يجب أن نمتثل الأمر ونجتنب النهي ونتيقن أن في شرع الله الخير كل الخير ولو لم تظهر لنا الحكمة منه. إن الختان من سنن الفطرة كما دل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (الفطرة خمس أو خمس من الفطرة: الختان والاستحداد ونتف الإبط وتقليم الأظفار وقص الشارب) رواه البخاري (5550) ومسلم (257) . ولا شك أن سنن الفطرة كلها من الأمور التي ظهرت بعض حكمة الشرع المطهر فيها، والختان كذلك، ظهرت له الفوائد الجليلة التي تسترعي الانتباه لها ومعرفة حكمة الشرع منها. وفي جواب السؤال رقم (9412) تكلمنا عن الختان؛ كيفيته وأحكامه، وفي جواب السؤال رقم (7073) بيَّنا فوائد الختان الصحية والشرعية عند الذكور. والختان مشروع في حق الذكر والأنثى، والصحيح أن ختان الذكور واجب وأنه من شعائر الإسلام، وأن ختان النساء مستحب غير واجب. وقد جاء في السنة ما يدل على مشروعية الختان للنساء فقد كان في المدينة امرأة تختن فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تنهكي؛ فإن ذلك أحظى للمرأة وأحب إلى البعل) رواه أبو داود (5271) وصححه الشيخ الألباني في " صحيح أبي داود ". ولم يشرع الختان للإناث عبثا، بل له من الحكم والفوائد الشيء العظيم. وفي ذكر بعض هذه الفوائد يقول الدكتور حامد الغوابي: - " .... تتراكم مفرزات الشفرين الصغيرين عند القلفاء وتتزنخ ويكون لها رائحة كريهة وقد يؤدي إلى إلتهاب المهبل أو الإحليل، وقد رأيت حالات مرضية كثيرة سببها عدم إجراء الختان عند المصابات. - الختان يقلل الحساسية المفرطة للبظر الذي قد يكون شديد النمو بحيث يبلغ طوله 3 سنتيمترات عند انتصابه وهذا مزعج جدّاً للزوج، وبخاصة عند الجماع. - ومن فوائد الختان: منعه من ظهور ما يسمى بإنعاظ النساء وهو تضخم البظر بصورة مؤذية يكون معها آلام متكررة في نفس الموضع. - الختان يمنع ما يسمى " نوبة البظر "، وهو تهيج عند النساء المصابات بالضنى [مرض نسائي] . - الختان يمنع الغلمة الشديدة التي تنتج عن تهيج البظر ويرافقها تخبط بالحركة، وهو صعب المعالجة. ثم يرد الدكتور الغوابي على من يدَّعي أن ختان البنات يؤدي إلى البرود الجنسي بقوله: " إن البرود الجنسي له أسباب كثيرة، وإن هذا الإدعاء ليس مبنيّاً على إحصائيات صحيحة بين المختتنات وغير المختتنات، إلا أن يكون الختان فرعونيّاً وهو الذي يُستأصل فيه البظر بكامله، وهذا بالفعل يؤدي إلى البرود الجنسي لكنه مخالف للختان الذي أمر به نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم حين قال: (لا تنهكي) أي: لا تستأصلي، وهذه وحدها آية تنطق عن نفسها، فلم يكن الطب قد أظهر شيئا عن هذا العضو الحساس [البظر] ولا التشريح أبان عن الأعصاب التي فيه. عن مجلة " لواء الإسلام " عدد 7 و 10 من مقالة بعنوان: " ختان البنات ". وتقول الطبيبة النسائية ست البنات خالد في مقالة لها بعنوان: " ختان البنات رؤية صحية ": الختان بالنسبة لنا في عالمنا الإسلامي قبل كل شيء هو امتثال للشرع لما فيه من إصابة الفطرة والاهتداء بالسنة التي حضت على فعلها، وكلنا يعرف أبعاد شرعنا الحنيف وأن كل ما فيه لا بد أن يكون فيه الخير من جميع النواحي، ومن بينها النواحي الصحية، وإن لم تظهر فائدته في الحال فسوف تعرف في الأيام القادمة كما حدث بالنسبة لختان الذكور، وعرف العالم فوائده وصار شائعا في جميع الأمم بالرغم من معارضة بعض الطوائف له. ثم ذكرت الدكتورة بعض فوائد الختان الصحية للإناث فقالت: - ذهاب الغلمة والشبق عند النساء (وتعني شدة الشهوة والانشغال بها والإفراط فيها) . - منع الروائح الكريهة التي تنتج عن تراكم اللخن (النتن) تحت القلفة. - انخفاض معدل التهابات المجاري البولية. - انخفاض نسبة التهابات المجاري التناسلية. عن كتاب: " الختان " للدكتور محمد علي البار. وقد جاء في كتاب " العادات التي تؤثر على صحة النساء والأطفال " الذي صدر عن منظمة الصحة العالمية في عام 1979م ما يأتي: " إن الخفاض الأصلي للإناث هو استئصال لقلفة البظر وشبيه بختان الذكور ... وهذا النوع لم تذكر له أي آثار ضارة على الصحة ". والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45528 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 517 حكم صبغ الشعر باللون الأحمر والأصفر [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز صبغ شعر الرجل باللون الأحمر أو الأصفر وما الألوان الممنوعة, وبالنسبة للشباب الذين لم يشب شعرهم هل يجوز ذلك للزينة فقط لا غير وماذا عن الشاب لو استحضر نية الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم في الصبغ رغم عدم وجود الشيب هل يؤجر على ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يجوز صبغ الشعر بكل لون غير السواد، ولا فرق في ذلك بين الشيخ والشاب، ولا حرج في صبغ الشعر قبل وجود الشيب. جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (5/168) السؤال التالي: (رأيت بعض الناس يستعملون مواد تغير لون الشعر سواء تجعله أسود أو أحمر، ورأيتهم يستعملون مواد أخرى تجعل الشعر المجعد ناعما، فهل يجوز من ذلك شئ، وهل الشباب مثل الشيوخ في الحكم؟ فأجابت اللجنة: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه.. وبعد: تغيير الشعر بغير السواد لا حرج فيه، وكذلك استعمال مواد لتنعيم الشعر المجعد، والحكم للشباب والشيوخ في ذلك سواء، إذا انتفت المضرة وكانت المادة طاهرة مباحة. أما التغيير بالسواد الخالص فلا يجوز للرجال والنساء لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "غيروا هذا الشيب واجتنبوا السواد ". وبالله التوفيق) انتهى. والحديث المذكور رواه مسلم (2102) . ومما يدل أيضا على المنع من الصبغ بالسواد، ما رواه أبو داود (4212) عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يكون قوم يخضبون في آخر الزمان بالسواد كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة " والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود. ويدل على جواز الخضاب بالأحمر والأصفر ما رواه أبو داود (4211) عن ابن عباس قال: مر على النبي صلى الله عليه وسلم رجل قد خضب بالحناء فقال ما أحسن هذا. قال فمر آخر قد خضب بالحناء والكتم فقال هذا أحسن من هذا، ثم مر آخر قد خضب بالصفرة فقال هذا أحسن من هذا كل هـ" والكلام في هذا الحديث عن تغيير الشيب بلون آخر لا عن مطلق الصبغ ولو من غير شيب. والحديث قال عنه الألباني في مشكاة المصابيح: جيد. ثانياً: ينبغي التنبّه إلى القاعدة العامة في أمر الزينة وغيرها، أنه يمنع منها ما كان فيه تشبه محرّم، كالتشبه بالكفار أو الفسقة، فإنه يحرم لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (من تشبّه بقوم فهو منهم) رواه أبو داود (4031) وصححه الألباني. ولهذا يُحتاج قبل الحكم بجواز صورة من صور الصبغ المسؤول عنها إلى التأكد من كونها ليست تقليداً للكفار أو الفسقة، أو أحد من يظهرونهم للشباب باعتبارهم قدوات من المغنين واللاعبين ونحوهم. كما أنه يمنع من الصبغ بما يُعد نوعاً من التميُّع والتشبّه بالنساء لنهيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن هذا التشبّه ولعنه فاعله. (البخاري 5435) ثالثا: أما بالنسبة لصبغ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لشعره فقد اختلف في كونه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خضب شعره أم لا، قال ابن القيم رحمه الله: (واختلف الصحابة في خضابه فقال أنس: لم يخضب، وقال أبو هريرة: خضب، وقد روى حماد بن سلمة عن حميد عن أنس قال: رأيت شعر رسول الله مخضوبا، قال حماد: وأخبرني عبد الله بن محمد بن عقيل قال: رأيت شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أنس بن مالك مخضوب. وقالت طائفة: كان رسول الله مما يكثر الطيبَ قد احمر شعره فكان يُظن مخضوبا ولم يخضب. وقال أبو رِمثة: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ابن لي فقال أهذا ابنك؟ قلت نعم أشهد به فقال " لا تجني عليه ولا يجني عليك " قال ورأيت الشيب أحمر، قال الترمذي: هذا أحسن شيء روي في هذا الباب وأفسره لأن الروايات الصحيحة أن النبي لم يبلغ الشيب. قال حماد بن سلمة عن سماك بن حرب قيل لجابر بن سمرة أكان في رأس النبي شيب؟ قال: لم يكن في رأسه شيب إلا شعرات في مفرق رأسه إذا ادهن وأراهنّ الدهن) انتهى من زاد المعاد 1/169 رابعاً: أما استحضار التأسي بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصبغ مع عدم وجود شيب فقد علمت الخلاف القوي في إثبات صبغ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثم إن صبغ الشعر الوارد الأمر به في السنة ليس مقصوداً لذاته، وإنما المقصود منه تغيير الشيب، ومخالفة اليهود والنصارى في ذلك، لحديث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (غيّروا الشيب ولا تتشبهوا باليهود) رواه النسائي (4986) والترمذي (1674) وعند مسلم (3924) أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما رأى الشيب في شعر والد أبي بكر قال: (غيّروا هذا بشيء) ، وعند البخاري (5448) : (إن اليهود لا يصبغون فخالفوهم) وعلى هذا فإن الصبغ من غير وجود شيب لا يُعدّ سنة ولا تأسياً لعدم وجود مقتضيه ولعدم تحقق المصلحة الشرعية الحاصلة بصبغ الشيب. وأعلى درجاته أن يكون مباحاً ما لم يكن فيه تشبه أو ضرر صحي أو نحوه فيحرم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45191 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 518 هل يعفي لحيته مع احتمال إصابته بالأذى؟ [السُّؤَالُ] ـ[ي يتمثل في صراع داخلي، فرغبتي في أن ألتزم بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وخاصة اللحية والقميص ولكن الظروف التي نعيشها في بلدي تصعب هذا النوع من الالتزام فلو حدث أي عمل إرهابي في الحي الذي أسكن فيه سأكون أول المعتقلين، أضف إلى هذا لو تنقلت إلى أي مدينة في الداخل وأنت باللحية والقميص ستكون أول من سيوقف، وللأمانة هناك من هو في نفس حالتي وملتزم أعتقد أن قوة إيمانه سمحت له بذلك، ولهذا أخشى على نفسي وديني فهل هذا عذر شرعي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب على الرجل إعفاء لحيته ويحرم عليه حلقها؛ للأحاديث الصريحة في الأمر بإعفائها، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: (أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى) رواه البخاري (5554) ومسلم (259) . وقوله صلى الله عليه وسلم: (خالفوا المشركين، وفروا اللحى، وأحفوا الشوارب) رواه البخاري (5553) . وقوله صلى الله عليه وسلم: (جزوا الشوارب، وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس) رواه مسلم (260) . قال العلامة ابن مفلح رحمه الله: "وذكر ابن حزم الإجماع أن قص الشارب وإعفاء اللحية فرض" انتهى من "الفروع" (1 / 130) . ويحرم الإسبال في القميص وغيره، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار) رواه البخاري (5450) . وقوله صلى الله عليه وسلم: (إزرة المسلم إلى نصف الساق، ولا حرج أو لا جناح فيما بينه وبين الكعبين، ما كان أسفل من الكعبين فهو في النار، من جر إزاره بطرا لم ينظر الله إليه) رواه أحمد (11415) وأبو داود (4093) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. والواجب على المؤمن أن يتقي الله تعالى، بفعل الواجبات وترك المحرمات، وأن يبذل في ذلك وسعه واستطاعته. وكلما قوي إيمان العبد أمكنه تحمل المشاق وعدم المبالاة بها في سبيل مرضاة ربه جل وعلا. والشيطان حريص على إخافة الإنسان، وصرفه عن الاستقامة، كما قال الله سبحانه: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) آل عمران/175 فلا ينبغي الاستسلام للهواجس والأوهام. وإذا كانت هذه المخاوف التي ذكرتها حقيقة، وليست مجرد أوهام فنرجو أن تكون عذراً لترك بعض الواجبات، دفعاً للضرر المتوقع، وهو نوع من الإكراه، وقد قال الله تعالى: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ) النحل/106. وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) رواه ابن ماجة (2045) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة. ولكن ليحذر المسلم أن يكون ذلك من تزيين الشيطان له وتخويفه من أوليائه، وتكون هذه بداية سلسلة من التنازلات والتقصير في الواجبات. فلا بد من الصدق مع النفس: هل هناك ضرر حقيقي أم لا؟ وفقك الله لكل خير، وثبتك على الحق. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 40769 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 519 رمي الأظافر بعد قصها [السُّؤَالُ] ـ[هل صحيح بأن من يرمي بأظفاره بعد تقطيعها حرام وهل صحيح بأنه يجب دفنها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يشرع تقليم الأظافر، لأن إزالتها من خصال الفطرة ولا حرج في رميها ولا يجب دفنها فإن ألقاها في الزبالة أو دفنها فلا بأس بذلك. فتاوى اللجنة الدائمة 5/174 لكن إن خشي أن تصل إلى أيدي السّحرة فإنه يدفنها أو يرميها في مكان لا تصل إليه أيديهم. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 1179 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 520 هل يجب على المرأة حلق شعر العانة بعد كل حيضة [السُّؤَالُ] ـ[هل على المرأة حلق شعر العانة بعد كل حيضة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إزالة شعر العانة بنتف أو نورة أو حلق أو قص من سنن الفطرة التي حث الإسلام عليها ورغب فيها، لكنه لم يحدد ذلك بعد كل حيضة. فقد روى أحمد والبخاري ومسلم وأصحاب السنن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " خمس من الفطرة الاستحداد والختان وقص الشارب ونتف الإبط وتقليم الأظفار " وثبت عن أنس رضي الله عنه أنه قال: " وقت لنا في قص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الابط وحلق العانة ألا نترك أكثر من أربعين ليلة " رواه مسلم وابن ماجه ورواه أحمد والترمذي والنسائي وأبو داود وقالوا: " وقت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم … ". [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 5/127 الحديث: 1181 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 521 حلق شعر الإبط بشفرة الحلاقة [السُّؤَالُ] ـ[هل يصح حلق شعر الإبط بالشفرة المخصصة للحلاقة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز؛ لأن المطلوب إزالة الشعر من الإبطين بنتف أو حلق أو غيرهما؛ والنتف أفضل إذا تيسر ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الفطرة خمس: الختان وقص الشارب وقلم الظفر ونتف الابط وحلق العانة) متفق على صحته. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 5/171 الحديث: 1183 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 522 حكم ختان المرأة [السُّؤَالُ] ـ[هل ختان المرأة سنة أم عادة سيئة، قرأت في أحد المجلات أن ختان المرأة في أي شكل منه عادة سيئة ومضرة من الناحية الطبية وقد تؤدي أحياناً إلى العقم فهل هذا صحيح؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ختان الأنثى من بنات آدم سنة، وليس عادة سيئة ولا ضرر فيه إذا كان معتدلاً، أما إذا بولغ فيه فقد يحدث منه ضرر. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 5/120 الحديث: 1188 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 523 حكم إزالة شعر عانة الرجل الكبير لعجزه [السُّؤَالُ] ـ[والدي عندما كبر في السن وصار رجلاً لا يقدر على العناية بنفسه من ناحية النظافة فكنت أقوم بقص شاربه وتحليق عانته ولكنني كنت أطلع على عورته بدون قصد مني فهل علي إثم أم لا حيث أنني سمعت من يرى عورة والديه يصوم شهرين فهل هذا صحيح أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج عليك في إزالة شعر عانة والدك ما دام أنه لا يستطيع إزالته بنفسه وما سمعتيه من صيام الشهرين فغير صحيح. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 5/127 الحديث: 1193 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 524 حكم تطويل الأظافر للنساء والرجال [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم تربية الأظافر للنساء والرجال والحكمة من تحريمها إن كانت محرمة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قص الأظافر من سنن الفطرة لقول النبي صى الله عليه وسلم: (الفطرة خمس: الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الابط) رواه البخاري ومسلم وثبت في حديث آخر أن سنن الفطرة عشرة منها قص الأظافر، وعن أنس رضي الله عنه قال: (وقت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قص الشارب وقلم الظفر ونتف الإبط وحلق العانة ألا نترك ذلك أكثر من أربعين يوماً) . رواه أحمد ومسلم والنسائي واللفظ لأحمد، فمن لم يقص أظفاره فهو مخالف لسنة من سنن الفطرة، والحكمة في ذلك النظافة والنقاء مما قد يكون تحتها من الأوساخ والترفع عن التشبه بمن يفعل ذلك من الكفار وعن التشبه بذوات المخالب والأظفار من الحيوانات. فتاوى اللجنة الدائمة 5/173 وأكثر النساء اليوم يقعن في التشبه بالبهائم المفترسة بإطالة أظفارهن ثم صبغها بطلاء المناكير وهذا منظر في غاية القُبح ويُثير الاشمئزاز في نفس كلّ عاقل صاحب فطرة سليمة، وكذلك من العادات السيئة عند بعض الناس إبقاء أحد الأظفار طويلا وكلّ هذا مخالفة واضحة لسنن الفطرة، نسأل الله السلامة والعافية، والله الهادي إلى سواء السبيل. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 1195 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 525 إذا مات الرجل وهو لم يختن، فهل نختنه؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا مات الرجل وهو لم يختن، فهل نختنه أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذهب أكثر العلماء إلى أنه لا يختتن. قال النووي: لو مات غير مختون: فثلاثة أوجه: الصحيح الذي قطع به الجمهور لا يختن؛ لأن ختانه كان تكليفا وقد زال بالموت. والثاني: يختن الكبير والصغير. والثالث: يختن الكبير دون الصغير، حكاهما في البيان وهما شاذان ضعيفان. " المجموع " (1 / 352) . وقال ابن قدامة رحمه الله: فأما الختان [يعني للميت] فلا يشرع، لأنه إبانة جزء من أعضائه. وهذا قول أكثر أهل العلم. وحُكي عن بعض الناس أنه يختن. حكاه الإمام أحمد. والأول أولى لما ذكرناه اهـ المغني (3/484) . وسئلت اللجنة الدائمة عن طفل مات ولم يطهر [أي لم يختن) فهل يطهر أم لا؟ فقالت: لا يطهر لفوات زمان ختانه وهو مدة حياته. فتاوى اللجنة الدائمة (8/369) . وقال الشيخ ابن باز: وأما حلق العانة والختان فلا يشرع فعلهما في حق الميت لعدم الدليل على ذلك اهـ مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (13/114) . والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 31086 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 526 هل يجوز وضع المصاحف في مكان تحول من حمام إلى غرفة ملابس؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن نضع المصاحف وتشغيل القرآن في غرفة حولت من حمام إلى غرفة ملابس حيث أعيد ترميمها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، يجوز ذلك، ولا حرج فيه، لأن المنع من إدخال المصحف وتشغيل القرآن فيها إنما كان تعظيماً للقرآن الكريم، حيث كان هذا المكان نجساً، ومكاناً لكشف العورات، ومأوى للشياطين، فلما زالت هذه الأوصاف وصار المكان طاهراً نظيفاً، تغير الحكم تبعاً لذلك. وقد كانت أرض مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة قبورا للمشركين، فأزالها النبي صلى الله عليه وسلم وبنى مسجده مكانها. روى البخاري (1868) ومسلم (524) عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَأَمَرَ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ: (يَا بَنِي النَّجَّارِ ثَامِنُونِي. فَقَالُوا: لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَّا إِلَى اللَّهِ. فَأَمَرَ بِقُبُورِ الْمُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ، ثُمَّ بِالْخِرَبِ فَسُوِّيَتْ، وَبِالنَّخْلِ فَقُطِعَ، فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةَ الْمَسْجِدِ) . قال النووي رحمه الله: "فِيهِ: جَوَاز نَبْش الْقُبُور الدَّارِسَة , وَأَنَّهُ إِذَا أُزِيلَ تُرَابهَا الْمُخْتَلَط بِصَدِيدِهِمْ وَدِمَائِهِمْ جَازَتْ الصَّلَاة فِي تِلْكَ الْأَرْض , وَجَوَاز اِتِّخَاذ مَوْضِعهَا مَسْجِدًا إِذَا طُيِّبَتْ أَرْضه" انتهى. وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: توجد جماعة من المسلمين في مدينة عانتا في ولاية جورجيا في الولايات الأمريكية، وترغب في إقامة مسجد لأداء الصلوات الخمس والجمعة، وكانت هناك كنيسة معروضة للبيع، فهل يجوز لهم شراء هذه الكنيسة وتحويلها إلى مسجد بعد إزالة الأصلبة الموجودة، وكذلك الصور المعلقة والمنقوشة؟ فأجابت: "نعم، يجوز شراؤها وجعلها مسجدا، وتجب إزالة الصلبان والصور المعلقة والمنقوشة فيها، وكل ما يشعر بأنها كنيسة، ولا نعلم مانعا يمنع من ذلك" انتهى. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجوز تحويل دورات المياه - أعزكم الله - إلى مصلى - يعني بعد هدّها وردمها وتغييرها؟ الشيخ: لماذا لا تجوز الصلاة في المراحيض؟ السائل: لأنه مكان نجس. الشيخ: لأنه نجس، وإذا أزيل وطُهِّر، فتجوز الصلاة؟ السائل: تجوز. الشيخ: الآن الأرض إذا كانت نجسة وطهرتها بالماء، ألا تجوز الصلاة عليها؟ فالأعرابي الذي جاء وبال في المسجد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يُصَبَّ على بوله ماء، ثم طَهُر ويُصَلَّى فيه، كما أن القبور لو نُبِشَت وجُعِل مكانها مسجداً جازت الصلاة فيها. ألم تعلم أن المسجد النبوي كان فيه قبور للمشركين، ثم نُبِشَت وجعل مسجداً نبوياً، الصلاة فيه خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام؟! إذاً: الحكم يدور مع علته، الآن يوجد تطهير المياه بمواد كيماوية، كتطهير المياه النجسة، والمجاري، هذه إذا ألقي عليها المواد الكيماوية وطهُرت صارت طاهرة، ليس فيها شيء، وخذها عندك قاعدة شرعية: (الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً) " انتهى. "لقاء الباب المفتوح" (135/10) . وعلى هذا، فإذا أعيد ترميم الحمام وجعله غرفة ملابس، فقد زال حكم الحمام، فيجوز قراءة القرآن والصلاة فيه، ودخوله بالمصحف. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 139560 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 527 لا يشترط لغسل النجاسة نية عند غسلها [السُّؤَالُ] ـ[أحيانا يخرج مني مذي ثم أدخل لأستحم تنظفا وبالطبع أغسل ذكري وأنثيي ولكني لا أستحضر أثناء غسلهما أني أتطهر من خروج المذي فهل يجب إعادة غسلهما مع استحضار النية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: غسل النجاسة من البدن أو الثوب أو غيرهما لا يحتاج إلى نية، بل متى زالت النجاسة بفعل المكلف أو بغير فعله طهر المحل. وعليه؛ فلا يشترط في إزالة النجاسة من البدن نية الفعل، بل تكفي الإزالة ولو لم تستحضر النية. جاء في "الموسوعة الفقهية" (29/95) : "اتفق الفقهاء على أن التطهير من النجاسة لا يحتاج إلى نية، فليست النية بشرط في طهارة الخبث، ويطهر محل النجاسة بغسله بلا نية" انتهى. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 134495 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 528 وقعت على ثيابها نجاسة وهي بالمدرسة فكيف تصلي؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا وقع على ملابس المرأة نجاسة أثناء تواجدها في مكان عام مثل المدرسة أو المستشفى وحضرت صلاة العصر فصلت ولم تعد إلى منزلها إلا بعد صلاة المغرب، فأعادت صلاة العصر بعد صلاة المغرب، فما حكم ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا وقع على ثياب الإنسان نجاسة وهو يعلم أنها نجاسة ليس عن وسواس بل يعلم أنها نجاسة فليس له أن يصلي حتى يغسلها إذا كان عنده ماء وإذا استطاع الماء، ليس له أن يصلي حتى يغسل النجاسة، أما إن كان ظناً وليس بجزم وإنما يظن أنها نجاسة وسواساً منه فهذا لا عمل عليه وليس فيه نجاسة والأصل الطهارة. فإذا أصاب ثوب المرأة في المدرسة أو في أي مكان شيء رطب أو سقط عليها شيء فيه رطوبة فلا تحمله على النجاسة، الأصل الطهارة حتى تعلم أنه نجس، فإذا علمت ذلك يقيناً غسلته والحمد لله. فإن لم تجد ماء بأن كانت في محل لا ماء فيه ولا تستطيع الخروج وتخشى خروج الوقت صلت ولا حرج عليها في ذلك، وصلاتها صحيحة" انتهى. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (2/656، 657) الحديث: 134228 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 529 حكم الثياب التي أصابها لعاب الكلب، وحكم الثياب المغسولة معها [السُّؤَالُ] ـ[إذا لم يقم شخص باستخدام التراب لإزالة لعاب الكلب، وقاموا بوضع الملابس في غسالة الملابس مع غيرها من الملابس غير النظيفة، فهل تتنجس جميع الملابس الأخرى؟ وهل تبقي النجاسة في الغسالة نفسها إلى الآن؟ وإذا كان الأمر كذلك فهل نقوم بغسل الغسالة نفسها بالتراب ومن ثم بالماء بعد ذلك أيضاً؟ ولو لمست الملابس التي لم تغسل بالتراب سلة الملابس فهل تحتاج السلة لأن تغسل بالتراب هي الأخرى لإزالة النجاسة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يجوز اقتناء الكلب إلا إذا كان للحراسة أو الصيد، ومن اقتنى الكلب لغير ذلك: أثم، ونقص من أجره كل يوم قيراط، أو قيراطان من الحسنات. وانظر تفصيل هذا في جواب السؤال رقم: (69777) و (69840) . ثانياً: اختلف العلماء هل يجب استعمال التراب في تطهير نجاسة الكلب، أم يجزئ استعمال مواد منظفة أخرى بدلا منه؟ وقد ذكرنا اختلافهم في ذلك جواب السؤال رقم: (46314) . وقد اختار القول بإجازة استعمال الصابون ونحوه بدلاً من التراب علماء اللجنة الدائمة للإفتاء، فقد سئلوا: ما حكم لعاب الكلب إذا وقع على جسم الإنسان، وإذا وقع على الثياب؟ وما حكم الثياب التي تغسل مع تلك الثياب في غسالة واحدة وماء واحد؟ . فأجابوا: "لعاب الكلب نجس، يجب غسل ما أصابه من إناء أو ثوب لقوله صلى الله عليه وسلم: (طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ) . والثياب إذا ألقيت في الماء الطهور وغسلت حتى زال أثر النجاسة عنها طهرت جميعا من نجاسة الكلب وغيره، بشرط أن يتكرر غسلها من نجاسة الكلب سبع مرات، تكون أولاهن بالتراب أو ما يقوم مقامه كالصابون والأشنان" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز ... الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ بكر أبو زيد. "فتاوى اللجنة الدائمة" المجموعة الثانية" (4 / 196) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 133869 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 530 تريد الاحتفاظ بالكلب في بيتها كي لا يقتله القائمون على حقوق الحيوان [السُّؤَالُ] ـ[اعتنقت أختي الإسلام مؤخراً وما زال لديها كلب كبير في السن وتخشى إذا تخلصت منه أن يقتله القائمون على حقوق الحيوان في هذه البلاد لأنه كبير في السن، فهل يجوز لها أن تبقيه معها وهل تأثم بالاحتفاظ به؟ كما أنها تريد أن تفتح حضانة للأطفال وتريد أن تسميها "الرعاية الملائكية" فهل هذا الاسم مناسب وليس عليه مأخذ شرعي ولا تشبه بالنصارى؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نحمد الله أن هداها للإسلام، ونسأله تعالى أن يثبتها ويزيدها هدى. ثانياً: لا يجوز للمسلم أن يقتني الكلب من غير حاجة إلى ذلك. فعن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا إِلَّا كَلْبًا ضَارِيًا لِصَيْدٍ، أَوْ كَلْبَ مَاشِيَةٍ، فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ) متفق عليه. وروى مسلم (1575) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا لَيْسَ بِكَلْبِ صَيْدٍ وَلَا مَاشِيَةٍ وَلَا أَرْضٍ فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ قِيرَاطَانِ كُلَّ يَوْمٍ) . قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: " بهذه النصوص وغيرها يعلم أن ما وقع فيه بعض المسلمين من اقتناء الكلاب لغير مسوغ من المسوغات الثلاثة التي نص عليها النبي صلي الله عليه وسلم، وإنما يفعل ذلك تشبها بالكفار، أو لمجرد التسلية واللهو- أنه محرم، ولا يسوغ بحال " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (26/165) . وقال النووي رحمه الله: "وَأَمَّا اِقْتِنَاء الْكِلَاب فَمَذْهَبنَا أَنَّهُ يَحْرُم اِقْتِنَاء الْكَلْب بِغَيْرِ حَاجَة , وَيَجُوز اِقْتِنَاؤُهُ لِلصَّيْدِ وَلِلزَّرْعِ وَلِلْمَاشِيَةِ. والأصح: أنه يجوز اقتناء الكلب لحفظ البيوت، قِيَاسًا عَلَى الثَّلَاثَة المذكورة في الحديث، عَمَلًا بِالْعِلَّةِ الْمَفْهُومَة مِنْ الْأَحَادِيث، وَهِيَ الْحَاجَة" انتهى بتصرف. وانظر جواب السؤال رقم: (20939) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " كلب الماشية يحرسها من السباع والذئاب، وكلب الزرع من المواشي والأغنام وغيرها، وكلب الصيد ينتفع به الصائد، هذه الثلاثة التي رخص النبي صلى الله عليه وسلم فيها باقتناء الكلب فما عداها فإنه لا يجوز، وعلى هذا فالمنزل الذي يكون في وسط البلد لا حاجة أن يتخذ الكلب لحراسته، فيكون اقتناء الكلب لهذا الغرض في مثل هذه الحال محرما لا يجوز، وينتقص من أجور أصحابه كل يوم قيراط أو قيراطان، فعليهم أن يطردوا هذا الكلب وألا يقتنوه، أما لو كان هذا البيت في البر خاليا ليس حوله أحد فإنه يجوز أن يقتنى الكلب لحراسة البيت ومن فيه، وحراسة أهل البيت أبلغ في الحفاظ من حراسة المواشي والحرث " انتهى. "مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (11/181) . وأيضا: فإن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب، فعَنْ أَبِي طَلْحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ) رواه البخاري (3225) ومسلم (2106) . فعلى أختك أن تتخلص من هذا الكلب، طاعة لله ورسوله، فإذا ما قتله أحد، فلا إثم عليها في ذلك. ثالثاً: أما تسمية الحضانة بـ "الرعاية الملائكية" فلا ينبغي، وذلك للأسباب التالية: 1- فيه شبهة قوية من ناحية التشبه بالكفار الذين يصفون الملائكة بأنهم إناث، كما قال تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخرف/19. ووجه الشبهة: أن القائمين على الحضانة في العادة هم الإناث وليس الذكور؛ لأن المرأة أقدر على تربية الأطفال والصبر عليهم من الرجل. 2- التشبه بالنصارى في مثل هذه التسمية. 3- أن هذه التسمية فيها شيء من الكذب أو المبالغة، وذلك لأن الرعاية في هذه الحضانة ليست للملائكة، ولا قريبة منها. فالأولى أن يختار للحضانة اسم ليس عليه مؤاخذه شرعية. ونسأل الله تعالى لكما التوفيق والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129554 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 531 تشك في نجاسة الفُرُش التي في بيتها [السُّؤَالُ] ـ[في فترة من فترات حياتي كنت لا أهتم كثيرا بالطهارة حيث إنني كنت أدخل دورات المياه وأصاب برذاذ البول في رجلي ولا أغسله بالماء وأحيانا لا أتطهر جيدا من البول نفسه فتصبح ملابسي نجسة وبعض من أجزاء جسمي أيضا نجسة وكنت أخرج من دورات المياه وملابسي بها رطوبة وكذلك رجلي بها رذاذ البول وأجلس في كل مكان مما جعل جميع أجزاء البيت تتنجس، فكيف السبيل لتطهير المنزل؟ حيث إنني لا أرى عينا للنجاسة مع أنني متأكدة من أني جلست في جميع أجزاء البيت بالملابس النجسة، وكانت بها رطوبة نظرا لدخولي دورات المياه، علما أنني تبت إلى الله وبسبب هذه المشكلة أنا في حرج شديد ومصابة بالوسواس حيث إنني عند كل وضوء لابد أن أغسل جميع أجزاء جسمي لقناعتي بأن الأماكن التي أجلس عليها غير طاهرة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا لمس الإنسان نجاسة يابسة فإنها لا تنتقل إليه، ولا تتنجس بذلك ثيابه ولا بدنه، وإنما تنتقل النجاسة مع وجود الرطوبة. قال الشيخ ابن جبرين حفظه الله: " لا يضر لمس النجاسة اليابسة بالبدن والثوب اليابس، وهكذا لا يضر دخول الحمام اليابس حافيًا مع يَبَس القدمين، لأن النجاسة إنما تتعدى مع رطوبتها " انتهى. "فتاوى إسلامية" (1/233) . وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: " إذا لمس الإنسان نجاسة رطبة؛ فإنه يغسل ما لمسها به من جسمه؛ لانتقال النجاسة إليه، أما النجاسة اليابسة؛ فإنه لا يغسل ما لمسها به؛ لعدم انتقالها إليه " انتهى. "المنتقى من فتاوى الفوزان" (48/18) . وينبغي التنبه إلى أن مجرد وجود الرطوبة لا يعني انتقال النجاسة ولا بد، بل قد تكون الرطوبة قليلة فلا تنتقل معها النجاسة، ولهذا اشترط فقهاء الحنابلة لانتقال النجاسة بالرطوبة أن يكون معها بلل، أما إذا لم يكن معها بلل، فلا تنتقل النجاسة حتى مع وجود الرطوبة. وانظر: "كشاف القناع" (1/185) . والذي يظهر لنا أن هذه النجاسة التي سألت عنها، يسيرة جدا، ونحن في شك من انتقالها إلى الفراش، لأن الرطوبة المصاحبة لها تكون قليلة، وعلى فرض أنها انتقلت إلى الفراش فإنها ما تلبث أن تزول وتتلاشى ولا يبقى لها أثر. وقد سئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله: عن رجل دائمًا يوصي زوجته وأولاده وبناته ومن يعولهم بأنهم إذا توضأوا في دورات المياه أو المغاسل أن لا يمشوا على الفرش وبواطن أقدامهم مبتلَّة بالماء لاشتباه وجود بول في بعض الأماكن من فرش البيت عامة لم يُعرف مكانه حتى لا يلتصق البول بأقدامهم فتنقض الصلاة.. لكنهم لم يبالوا بذلك لصعوبة ذلك ولم يسمعوا وهذا أمر مهم والبيت كبير والفرش كثيرة ـ كيف الحل؟ جزاكم الله خيرًا. فأجاب: "إذا لم تكن النجاسة التي على الفرش ظاهرة واضحة فالظاهر أنها لا تؤثر فيمن وطئ عليها. أيضًا: فالعادة: مَنْ غسل قدميه بعد الوضوء ثم وطئ لأول مرة على الفراش فذلك الفراش ينشّف ما في قدميه من البلل لأول مرة، فيمكن غسل الفرش القريبة من الحمامات لتكون منشفة للأقدام بعد الوضوء، فلا يضر الوطء بعدها على الفرش المتنجسة حيث إن الأقدام قد ذهبت رطوبتها بأول وطء للفرش القريبة، ولا حاجة إلى ذلك التشدد في النهي عن الوطء على تلك الفرش المتنجسة، ويمكن أن يجعل عند أبواب الحمامات نشّافات تمتص رطوبة القدم بعد الانتهاء من الوضوء، ولا يضر بعد ذلك ما في القدم من الرطوبة الخفيفة فلا تبطل بها الصلاة ولا تنتقل بها النجاسة" انتهى. http://ibn-jebreen.com/ftawa.php?view=vmasal&subid;=12303&parent;=786 وبهذا يظهر أنه لا داعي لهذا التشدد، والوصول بالأمر إلى هذا الحد من المشقة والضيق. فهذه الفرش لا يحكم بنجاستها ما دامت النجاسة غير ظاهرة عليها، وليس لها أثر. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127871 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 532 كيف يصلي إذا لم يجد إلا ثوباً عليه نجاسة؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا تنجست ثيابي ولم يكن عندي غيرها أصلي فيها، فكيف أصلي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا تصح الصلاة في الثوب النجس، والمصلي يقدر على الصلاة في ثوب طاهر، لقول الله تعالى: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) المدثر/4. ولأن امرأة جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: إِحْدَانَا يُصِيبُ ثَوْبَهَا مِنْ دَمِ الْحَيْضَةِ كَيْفَ تَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: (تَحُتُّهُ، ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ، ثُمَّ تَنْضَحُهُ [أي تغسله] ثُمَّ تُصَلِّي فِيهِ) رواه البخاري (227) ومسلم (291) . فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بتطهير الثوب من دم الحيض قبل الصلاة فيه. ثانياً: إذا تنجس الثوب ولم يكن عنده ثوب غيره يصلي فيه، فلا يخلو من ثلاث حالات: 1- أن يمكنه غسل موضع النجاسة من الثوب والصلاة فيه، كما لو كانت النجاسة على موضع من الكم مثلاً، فيجب غسلها، والصلاة في الثوب، لاستطاعته الصلاة في ثوب طاهر، فلا عذر له إن صلى بالنجاسة. 2- أن يمكنه خلع الثياب من غير أن تنكشف عورته، كما لو كان يلبس تحته ثياباً أخرى تستر عورته، فيجب عليه خلعه، والصلاة في الثياب الطاهرة، ولهذا خلع النبي صلى الله عليه وسلم خفيه وهو في الصلاة، لما جاءه جبريل وأخبره أن فيها قذراً رواه أبو داود (650) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. 3- أن لا يجد ثياباً أخرى طاهرة يصلي فيها، ولا يمكن غسل موضع النجاسة من الثوب، فالصحيح من أقوال العلماء: أنه يصلي في الثوب النجس، ويكون معذوراً، وصلاته صحيحة ولا يلزمه إعادتها بعد ذلك. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ومن لم يجد إلا ثوباً نجساً؟ ، فقيل: يُصلي عرياناً، وقيل: يُصلي فيه ويُعيد، وقيل: يُصلي فيه ولا يُعيد، وهذا أصح أقوال العلماء؛ فإن الله لم يأمر العبد أن يُصلي الفرض مرتين إلا إذا لم يفعل الواجب الذي يقدر عليه في المرة الأولى، مثل: أن يُصلي بلا طمأنينة فعليه أن يُعيد الصلاة كما أمر النبي من صلى ولم يطمئن أن يُعيد الصلاة، وقال: (ارجع فصل؛ فإنك لم تصل) ، وكذلك من نسي الطهارة وصلى بلا وضوء فعليه أن يُعيد كما أمر النبي من توضأ وترك لمعة في قدمه لم يمسها الماء أن يُعيد الوضوء والصلاة، فأما من فعل ما أُمِرَ به بحسب قدرته فقد قال تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) " انتهى. "مجموع الفتاوى" (22/34، 35) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125879 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 533 إذا تنجست الثياب فلا بد من غسلها ولا يكفي فركها [السُّؤَالُ] ـ[السؤال: إذا تنجست الملابس الداخلية بقطرات من البول أعزكم الله، وحان وقت الصلاة؛ فهل يجوز لي فرك المنطقة المتنجسة بالماء بتحقيق الطهارة من البول، أم يجب تبديل الملابس المتنجسة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا أصاب البول الثياب، وأردت أن تصلي فيها؛ فإنه يجب عليك أن تغسلها بالماء؛ بأن تغسل محل النجاسة بالماء؛ أي: ما أصابه البول، حتى تتيقن زوال النجاسة، وتصلي فيها، ولا يلزمك أن تستبدلها بغيرها، بل متى غسلت محل النجاسة غسلاً كافيًا تُيُقِّن معه زوال النجاسة؛ فإن صلاتك فيها صحيحة إن شاء الله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من أصاب دم الحيض ثوبها أن تغسله وتصلي فيه. والله أعلم" انتهى. "المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ الفوزان" (3/25) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121447 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 534 الماء المتساقط من الأواني طاهر وليس بنجس [السُّؤَالُ] ـ[بيتنا ضيق وليس عندنا مطبخ فنضطر لنقل الماء غير النظيف الناتج من غسل الأواني فيتساقط منه على السجاد أثناء نقله لسكبه بالحمام، وليس هناك إمكانية غسل الأواني بالحمام إطلاقا، ولا إزالة السجاد للمشقة في التكرار. فما حكم الصلاة بالمنزل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الماء المتساقط من غسل الأواني طاهر وليس بنجس، فلا يضر تساقطه على السجاد، ولا حرج في الصلاة عليه حينئذ. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120123 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 535 كيفية تطهير الفرش الكبيرة والملتصقة بالأرض من نجاسة الكلب وغيره [السُّؤَالُ] ـ[كيف يتم تطهير الفرش الثابتة كالسجاد في المسجد أو السيارة من بول الكلب أو سؤره؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إذا أصابت النجاسة هذه الفرش التي لا يمكن عصرها لكبرها أو لالتصاقها بالأرض أو بالسيارة، فإن تطهيرها يكون بإزالة ما عليها من جرم النجاسة، وتنشيف ما عليها من بول، ثم صب الماء عليها، وتنشيفها، ويفعل ذلك عدة مرات، حتى يغلب على الظن زوال النجاسة. وإذا كانت النجاسة من كلب، فإنه يلزم غسل الفرش سبع مرات بالماء كما سبق، ويجعل أولها مع الصابون أو أي مزيل آخر، ولا يلزم التراب. فقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما صفة تطهير الفرش الكبيرة من النجاسة؟ وهل العصر في الغسل للنجاسة معتبر بعد إزالة عينها؟ فأجاب: "صفة غسل الفرش الكبيرة من النجاسة: أن يزيل عين النجاسة أولاً إذا كانت ذات جرم، فإن كانت جامدة أخذها، وإن كانت سائلة كالبول نشفه بإسفنج حتى ينتزعه، ثم بعد ذلك يصب الماء عليه حتى يظن أنه زال أثره، أو زالت النجاسة، وذلك يحصل في مثل البول بمرتين أو ثلاث، وأما العصر فإنه ليس بواجب إلا إذا كان يتوقف عليه زوال النجاسة، مثل أن تكون النجاسة قد دخلت في داخل هذا المغسول ولا يمكن أن ينظف داخله إلا بالعصر، فإنه لابد أن يعصر " انتهى من "فتاوى نور على الدرب". وسئل أيضاً: سمعت في برنامجكم أن الأرض تطهر من نجاسة البول إذا جفت بتأثير الشمس فهل لابد من تأثير الشمس أم مجرد الجفاف؟ وهل حكم الفرش داخل البيت كذلك سواء التصقت بالأرض أم لا؟ فأجاب: " ليس المراد بكون الأرض تطهر بالشمس والريح مجرد الجفاف، بل لابد من زوال الأثر حتى لا يبقى صورة البول أو الشيء النجس. وعلى هذا فنقول: إذا حصل بول في أرض ويبس ولكن صورة البول لازلت موجودة يعني أثر البقعة فإنها لا تطهر بذلك، لكن لو مضى عليها مدة ثم زال أثرها فإنها تطهر بهذا؛ لأن النجاسة عين يجب التخلي منها، والتنزه منها، فإذا زالت هذه العين بأي مزيل فإنها تكون طاهرة. وأما الفرش فلابد بأن تغسل الفرش التي تفرش بها الأرض، سواء كانت لاصقة بالأرض أم منفصلة، لابد أن تغسل، وغسلها: بأن يصب عليها الماء ثم ينشف بالإسفنج ثم يصب مرة ثانية وثالثة حتى يغلب على الظن أنه زال أثر النجاسة " انتهى من "فتاوى نور على الدرب". وسئل رحمه الله: يوجد نقاط تفتيش في بعض المؤسسات الكبرى يستخدم فيها الكلاب المدربة، فتدخل في مقدمة السيارة ثم تبدأ بالشم واللحس. فهل تتنجس بذلك المقاعد والأماكن التي قام الكلب بشمها أو لحسها؟ فأجاب: " أما الشم فإنه لا يضر؛ لأنه لا يخرج من الكلب ريق، وأما اللحس فيخرج فيه من الكلب ريق، وإذا أصاب ريق الكلب ثياباً أو شبهها فإنها تغسل سبع مرات، ولا نقول: إحداها بالتراب؛ لأنه ربما يضر، لكن نقول: يستعمل عن التراب صابوناً، أو شبهه من المزيل ويكفي مع الغسلات السبع " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (49/7) . ولا فرق بين بول الكلب وروثه، وبين ولعابه، عند جمهور الفقهاء، بل البول والروث أشد. الشرح الممتع (1/417) . وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (41090) . ثانياً: لا يجوز اقتناء الكلاب إلا فيما رخص فيه الشارع؛ لما روى البخاري (2145) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أَمْسَكَ كَلْبًا فَإِنَّهُ يَنْقُصُ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ عَمَلِهِ قِيرَاطٌ إِلا كَلْبَ حَرْثٍ أَوْ مَاشِيَةٍ) . وروى مسلم (2974) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا لَيْسَ بِكَلْبِ صَيْدٍ وَلا مَاشِيَةٍ وَلا أَرْضٍ فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ قِيرَاطَانِ كُلَّ يَوْمٍ) . وينظر جواب السؤال رقم (69777) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 119063 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 536 كيفية التطهر من نجاسة الخنزير [السُّؤَالُ] ـ[عندما كنت صغيرة سافرت للخارج مع أهلي وأثناء الرحلة أعطونا بسكويت يحتوي على مواد من الخنزير، عندما علمت أمي منعتنا من الأكل، حسبما أذكر فإننا لم نغسل أيدينا وأفواهنا بالماء والتراب (7مرات إحداهن بالتراب) كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أي شخص عندما يلمس الخنزير أو أي شيء من الخنزير. بعد عدة سنوات كنت خارج بلدي وأكلت الخنزير بالخطأ ولم أغسل فمي بالماء والتراب. وقعت هاتين الحالتين قبل عدة سنوات ولم يبق أثر للخنزير على فمي أو يدي ولا طعم ولا رائحة ولا لون فهل يجب أن نغسلهم الآن؟ أخشى أن لا يقبل الله صلاتنا بسبب هاتين الحالتين. أرجو التوضيح]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا إثم عليكم في أكل لحم الخنزير من غير تعمد؛ لقوله تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الأحزاب / 5. ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " رواه ابن ماجه (2043) وصححه الألباني. وينبغي الاحتياط والتحري فيما يتناوله المسلم من الأطعمة لاسيما إذا كان في دولة غير إسلامية يأكل أهلها الخبائث. أما بالنسبة لكيفية تطهير نجاسة الخنزير، فقد ذهب بعض العلماء إلى أن تغتسل سبع مرات إحداهن بالتراب قياساً على الكلب. والصحيح أن نجاسة الخنزير يكفي فيها الغسل مرة واحدة فقط، قال النووي رحمه الله في شرحه على مسلم: (وذهب أكثر العلماء إلى أن الخنزير لا يفتقر إلى غسله سبعا، وهو قول الشافعي، وهو قوي في الدليل) . وهذا ما رجحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، حيث قال في الشرح الممتع (1/495) : (والفقهاء رحمهم الله ألحقوا نجاسته بنجاسة الكلب لأنه أخبث من الكلب، فيكون أولى بالحكم منه. وهذا قياس ضعيف؛ لأن الخنزير مذكور في القرآن، وموجود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يرد إلحاقه بالكلب. فالصحيح أن نجاسته كنجاسة غيره، فتغسل كما تغسل بقية النجاسات) انتهى. انظر إجابة السؤال رقم (22713) والصحيح في غسل بقية النجاسات، أنه يكفي ما تزول به النجاسة، ولا يشترط لذلك عدد معين. ومهما كان القول في صفة التطهر من ملامسة الخنزير، فإنه لا يجب عليكم الآن غسل شيء من أبدانكم، ولا أثر لذلك على صلاتكم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20843 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 537 إرخاء المرأة لثوبها شبرا ألا يؤدي إلى اتساخ ثيابها، وكيف تصلي به؟ [السُّؤَالُ] ـ[ي يتعلق بأحد الأجوبة يقول إن النبي صلى الله عليه وسلم سمح للنساء بأن يسدلن حجابهن على الأرض حتى تتم تغطية الجسم تماماً، إذا فعلن هذا، ألن يؤدي هذا إلى تجمع الأوساخ والقاذورات الموجودة على الأرض، ثم ألا يبطل هذا الصلاة إذا صلين بهذا الحجاب المتسخ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن مجتمع الصحابة رضي الله عنهم أجمعين كان أحرص ما يكون على الحفاظ على المرأة، وصيانتها، وستر عورتها، والمرأة كلها عورة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا خرجت فالواجب أن تغطي جميع بدنها حتى أقدامها، ولهذا كانت الواحدة منهن تجعل لها ذيلاً- يعني أنها كانت تطيل ثيابها حتى يكون كالذيل خلفها - حتى لا يبدي شيئا من جسمها. قال شيخ الإسلام: وهذا كان إذا خرجن من البيوت ... وأما في نفس البيت فلم تكن تلبس ذلك. مجموع الفتاوى 22/119 وما ذكرته – وفقك الله – من اتساخ ثوبها فهذا لا قيمة له مع الحفاظ على المرأة، وقطع باب الشر والفتنة عن المجتمع. واعلم أن الأصل في النساء القرار في بيتها كما قال تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) الأحزاب / 33، فهي لا تخرج إلا لما دعت إليه الحاجة. وأما ما ذكرته من اتساخ ثوبها، وأنه ربما أصابته النجاسة، فهذا وارد، وقد حصل هذا الاستشكال في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فعن أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قالت: كنت أجر ذيلي، فأمر بالمكان القذر والمكان الطيب، فدخلت عليّ أم سلمة فسألتها عن ذلك، فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يطهره ما بعده. أخرجه الإمام أحمد (25949) ، والترمذي (143) ، وابن ماجه (531) وصححه الألباني. انظر: صحيح أبي داود (369) . انظر: المنتقى شرح الموطأ للباجي (1/65) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 22854 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 538 اقتناء الكلب ونجاسة لعابه [السُّؤَالُ] ـ[قرأت الكثير من الأحاديث عن أن ترك الكلب في البيت يذهب البركة من البيت، وأنه يحرم تركه في البيت إلا إذا كان الكلب يستعمل في الصيد. لماذا لا يجوز الاحتفاظ بالكلب في البيت كحيوان أليف؟ ولماذا يعتبر لعابه نجساً؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: أذنَ الشرع باقتناء الكلاب لغايات متعددة ومنها: الصيد، وحراسة الماشية، وحفظ الزرع، وقد قيس عليها ما هو مثلها أو أولى منها، كحفظ البيوت من اللصوص، وكاستعمالها للكشف عن المخدرات واللصوص، وما عدا ذلك فإن مقتنيه معرَّض للوعيد بأن يُنقص من أجره في كل يوم قيراط أو قيراطان من الأجر. قال الشيخ يوسف بن عبد الهادي - ناقلاً عن بعض العلماء -: "لا شك أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أذِن في كلب الصيد في أحاديثَ متعدِّدَةٍ، وأخبر أنَّ متَّخذَه للصيد لا ينقص مِن أجره، وأذِن في حديثٍ آخر: في كلبِ الماشية، وفي حديثٍ: في كلب الغنم، وفي حديثٍ: في كلب الزرع، فعُلم أنَّ العلَّة المقتضية لجواز الاتخاذ: المصلحة، والحُكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، فإذا وُجدت المصلحة: جاز الاتخاذ، حتى إنَّ بعضَ المصالح أهمُّ وأعظمُ مِن مصلحة الزرع، وبعض المصالح مساوية للتي نصَّ الشارع عليها، ولا شك أنَّ الثمار هي في معنى الزرع، والبقر في معنى الغنم، وكذلك الدجاج والأوز - لدفع الثعالب عنها - هي في معنى الغنم، ولا شك أنَّ خوفَ اللصوص على النَّفس، واتخاذه للإنذار بها والاستيقاظ لها: أعظم مصلحة من ذلك، والشارع مراعٍ للمصالح ودفع المفاسد، فحيث لم تكن فيه مصلحةٌ ففيه مفسدة" انتهى. "الإغراب في أحكام الكلاب" (ص 106 – 107) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "وعلى هذا فالمنزل الذي يكون في وسط البلد لا حاجة أنْ يتخذ الكلب لحراسته، فيكون اقتناء الكلب لهذا الغرض في مثل هذه الحال محرَّماً لا يجوز وينتقص من أجور أصحابه كل يوم قيراط أو قيراطان، فعليهم أنْ يطردوا هذا الكلب وألا يقتنوه، وأما لو كان هذا البيت في البر خالياً ليس حوله أحدٌ فإنَّه يجوز أنْ يقتني الكلب لحراسة البيت ومَن فيه، وحراسةُ أهلِ البيت أبلغُ في الحفاظ مِن حراسة المواشي والحرث" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (4/246) . ثانياً: الشرع لا يأمر إلا بما فيه مصلحة للمكلفين، ولا ينهاهم إلا عما يضرهم، غير أن هذه الحكمة علمها من علمها، وجهلها من جهلها، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإراقة الإناء الذي ولغ الكلب فيه، وما ذاك إلا لنجاسة لعابه، وقد أثبت الطب الحديث وجود أضرار متعددة في الماء الذي ولغ فيه الكلب، والمسلم الذي يتبع الأمر الشرعي ليس له إلا أن يستجيب للأمر، ويكف عن النهي، ولو لم يعلم الحكمة فيهما، ولا مانع من تلمسها، لكن لا يعلق الاستجابة على معرفته بها. وبعض هذه الأمراض تنتقل بسبب مخالفة الشرع والأكل والشرب من آنية الكلاب، وبعضها ينتقل بسبب حمل الكلاب للجراثيم التي تسبب هذه الأمراض. وعلى كل حال: فالمسلم يسمع ويطيع، والخير في الاستجابة للشرع بفعل الأوامر واجتناب النواهي. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20939 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 539 تنزل منه قطرات بول بعد قضاء الحاجة وتسبب له الوسوسة [السُّؤَالُ] ـ[أصبت منذ حوالى 3 سنوات بمرض بسيط كان من نتيجته أنني أجد في ثيابي بعد التبول - أكرمكم الله - قطرات من البول، وهي حقيقية يا شيخنا وليست من وساوس الشيطان الرجيم، فكنت أضطر إلى تغيير ملابسي بعد انقطاع البول وارتداء ملابس طاهرة للصلاة، ولكثرة الملابس الملقاة للغسيل بدا لي أن ألبس ثوبا للخلاء وثيابا للصلاة، ولكن ثوب الخلاء كنت أخرج به من الحمام وأجلس هنا وهناك في البيت، فظننت أن الأرض والمقاعد التي أجلس عليها نجسة، وكذا الموكيت (السجاد) وإذا أمسكت قلما أو كتابا أو أي شيء في البيت اعتقدتُ نجاسته، وسول لي الشيطان بالجهل ذلك، حتى مقابض الأبواب والسيارة ولعب بي ذلك العدو كما يلعب الصبي بالجوز، فأرجو أن تبين لي الأمور التالية: كيف أتطهر وأطهر ثيابي للصلاة، وهل أطهر الملابس الداخلية فقط أم غيرها، وهل يلزم وضع شاش أو قماش مع العلم أن ذلك شاق كما تعلمون؟ هل حقا ينجس ما أجلس عليه بالثياب النجسة، مع العلم أن الثياب قد تكون مبتلة بعد الاستنجاء، وإن تنجس فكيف أطهره، هذا شبه مستحيل! وقد كنت تركت الاستنجاء من البول لأيام لانقطاع الماء، وظننت أن حالتي لا ينفع فيها الاستنجاء!!!! ولكني تبت من ذلك، فماذا أفعل الآن؟! - وهل أستطيع حضور الجماعة في المسجد، - في كثير من الأحيان يكون لدي عمل أو دراسة، فأخرج من البيت في الصباح وأعود قرب المغرب، وأنا حاليا أحصر نفسي عن البول وأصلي في عملي حتى أرجع إلى البيت، ولكن هذا يشق كثيرا لا سيما في الشتاء، فماذا أفعل؟؟ - أنا حاليا عندما ينقطع البول بعد قضاء حاجتي أغير الملابس النجسة وأغتسل (نعم أغتسل!!) وألبس الملابس الطاهرة ثم أصلي أو أذهب إلى عملي أو غيره، وأنا أعرف أن ديننا دين التيسير لم يأت بمثل هذا، ولكني لا أعلم ما هو الصواب.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله 1- من الأفضل أن تجعل للصلاة ثوبا خاصا كما ذكرت، فإذا انقطع البول استنجيت، وبدلت ملابسك. والمقصود بثوب الصلاة: ما يشمل الملابس الداخلية وما يلبس فوقها مما يحتمل وصول النجاسة إليه. 2- النجاسة القليلة كقطرات البول، لا تنتقل عادة إلى الأرض والمقاعد والسجاد، بل غايتها أن تنتقل إلى السراويل وقد تنتقل إلى الثوب الخارجي، والقاعدة: "أنه لا يحكم بنجاسة شيء بمجرد الشك والظن". 3- إذا كنت خارج البيت ويشق عليك حمل ملابس خاصة للصلاة، فينبغي أن تستعمل مناديل ونحوها، لمنع وصول قطرات البول إلى ملابسك، فإذا انقطع البول أزلتها واستنجيت وتوضأت. 4- ينبغي الحذر من الوسوسة، فإنها داء إذا تمكن من الإنسان نغص عليه عيشه وأوجب همه وحزنه، وما ذكرت في سؤالك من ظنك تنجس السجاد والأرض، واغتسالك أيضا، كل ذلك يوحي بأنك مبتلى بهذه الوسوسة، فبادر بالعلاج الطبي لمسألة البول، وبادر بعلاج الوسوسة الذي حاصله: الإكثار من ذكر الله وطاعته، وعدم الالتفات للوسوسة، والإعراض عنها. نسأل الله تعالى أن يشفيك ويعافيك ويصلح بالك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114862 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 540 أدلة نجاسة الدم والإجماع عليه [السُّؤَالُ] ـ[يقول الشوكاني: النجاسات تحتوي على: 1. غائط وبول البشر ما عدا بول الصغير الذكر. 2. لعاب الكلب. 3. الروث والغائط. 4. دم الحيض. 5. لحم الخنزير. وغير هذه فهو غير نجس، حتى وإن كان قذرا في نظر الإنسان؛ لأنه لا دليل على تحريمها من القرآن والحديث ما عدا أكلها. وسؤالي هو: ما هي الأدلة على نجاسة دم الإنسان والحيوان وميتة الحيوان؟ وما هو القول الصحيح في هذا الشأن، بما أن كل الآراء يصرح أصحابها أنها مستنبطة من القرآن والحديث؟ وأيها أتبع؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الدم السائل نجس باتفاق العلماء، دل على ذلك أدلة صريحة في الكتاب والسنة، منها قوله سبحانه وتعالى: (قُل لاَّ أَجِدُ فِيمَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) الأنعام/145. قال الإمام الطبري رحمه الله: " الرجس: النجس والنتن " انتهى "جامع البيان" (8/53) . وأما الدليل من السنة الصحيحة: فعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: (جَاءَت امرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَالَت: إِحدَانَا يُصِيبُ ثَوبَهَا مِن دَمِ الحَيضَةِ كَيفَ تَصنَعُ بِهِ؟ قَالَ: تَحُتُّهُ ثُمَّ تَقرُصُهُ بِالمَاءِ ثُمَّ تَنضَحُهُ ثُمَّ تُصَلِّي فِيهِ) رواه البخاري (227) ومسلم (291) . وقد بوب عليه البخاري (باب غسل الدم) ، كما بوب عليه النووي (باب نجاسة الدم وكيفية غسله) ، والحديث وإن جاء في دم الحيض، إلا أنه لا فرق بين دم وآخر، فالدم كله جنس واحد، من أي محل خرج. وهذا الحكم لا اختلاف فيه بين العلماء من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة. سئل الإمام أحمد عن الدم وقيل له: الدم والقيح عندك سواء؟ فقال: الدم لم يختلف الناس فيه، والقيح قد اختلف الناس فيه " انتهى "شرح عمدة الفقه" لابن تيمية (1/105) . ويقول الإمام النووي رحمه الله: " الدلائل على نجاسة الدم متظاهرة، ولا أعلم فيه خلافا عن أحد من المسلمين، إلا ما حكاه صاحب الحاوي عن بعض المتكلمين أنه قال: هو طاهر، ولكن المتكلمين لا يعتد بهم في الإجماع والخلاف على المذهب الصحيح الذي عليه جمهور أهل الأصول من أصحابنا وغيرهم لا سيما في المسائل الفقهيات " انتهى "المجموع" (2/576) . وقد نقل إجماع العلماء على نجاسة الدم كله جماعة كبيرة من أهل العلم، سبق ذكر الإمام أحمد، والنووي، ومنهم ابن حزم في "مراتب الإجماع" (ص/19) ، وابن عبد البر في "التمهيد" (22/230) ، والقرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (2/210) ، وابن رشد في "بداية المجتهد" (1/79) ، وابن حجر في "فتح الباري" (1/352) وغيرهم. فالأَوْلى - في مقتضى الشرع والعقل - اتباع هذا القول الذي تواتر العلماء على نقله وتقريره، فهو قول مبني على النص الصريح للكتاب والسنة، وتقرير الشوكاني ومن تبعه في طهارة الدم قول مرجوح مخالف للدليل والإجماع، فلا ينبغي جعله مثارا للحيرة والاضطراب، كما لا يجوز الظن بأن العلماء يجمعون في مسألة ولا يكون لهم فيه دليل صحيح صريح، كما يظن بعض طلبة العلم في مسألة نجاسة الدم وغيرها من المسائل. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114018 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 541 يريد التزوج بنصرانية ويريد ما يقنعها بتحريم اقتناء الكلب في البيت [السُّؤَالُ] ـ[لماذا لا يسمح بإدخال الكلب البيت؟ أعرف أنه مذكور في الحديث، وأنا أقبله لأنني مسلم، لكن كيف أبرر لزوجتي النصرانية التي سأتزوجها؟ أريد نقاطا قوية عن السبب.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: قبل الإجابة عن هذه المسألة لا بدَّ أن تعلم أخي السائل أن نبيك محمداً صلى الله عليه وسلم قد رغَّبك بحسن اختيار الزوجة، والزوجة الصالحة يأمنها الزوج على أولاده، وبيته، وماله. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ) رواه البخاري (4802) ومسلم (1466) . وليست هذه الوصية من النبي صلى الله عليه وسلم للاختيار بين المسلمة والكتابية، بل للاختيار بين المسلمات أنفسهن، فإذا كانت ليست كل مسلمة يوصى بنكاحها: فأولى أن لا يوصى بنكاح غير المسلمة من اليهوديات والنصرانيات، ولم يكن أمر الزواج بهن يتعدى المباح، ولا شك أن الزواج بمسلمة صالحة مما يعين المسلم على طاعة ربه تعالى، ومما يساهم في إصلاح الذرية. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: "فالديِّنة تعينه على طاعة الله، وتُصلح مَن يتربى على يدها من أولاده، وتحفظه في غيبته، وتحفظ ماله، وتحفظ بيته، بخلاف غير الديِّنة فإنها قد تضره في المستقبل، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (فاظفر بذات الدين) ، فإذا اجتمع مع الدِّين جمالٌ ومالٌ وحسبٌ: فذلك نور على نور، وإلا فالذي ينبغي أن يختار الديِّنة" انتهى. " الشرح الممتع " (12 / 13) . ثانياً: الزواج بالكتابيات – اليهوديات والنصرانيات – جائز مباح من حيث الأصل، ولا ينبغي أن يُختلف فيه؛ إذ هو نص كتاب الله تعالى، ولكن يجب على المسلم الالتفات إلى شروط تلك الإباحة، والنظر في عواقب ذلك الزواج، ومن شروط التزوج بالكتابيات: أن تكون حقيقةً نصرانية أو يهودية؛ إذ يوجد في ديار الكفر الكثيرات ممن لا دين لها، أو من تكون على البوذية، أو غيرها من الديات الوثنية. والشرط الثاني: أن تكون عفيفة، ليست بزانية، ولا تصاحب الرجال الأجانب، كما أن من الشروط أن تكون الولاية على الأولاد للمسلم، وأن ينشأ عقده وفق كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. قال الله تعالى: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ) المائدة/5. ومع هذا الجواز بتلك الشروط فإن ترك التزوج بها أولى. قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: "يجوز للمسلم أن يتزوج كتابية - يهودية أو نصرانية - إذا كانت محصنة، وهي الحرة العفيفة؛ لقوله تعالى: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ... ) . وترك الزواج بها أولى وأحوط للمؤمن؛ لئلا تجره وذريته إلى دينها" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (18/314, 315) . وانظر جواب السؤال رقم: (2527) . وأما عواقب الزواج من كتابيات: فكثيرة، وقد ذكرنا طرفاً منها في أجوبة الأسئلة: (12283) و (20227) و (44695) . ثالثاً: أما بخصوص اقتناء الكلاب في البيوت وتحريم ذلك: فإنه قد وردت النصوص الصحيحة الصريحة بذلك، وأنه لا يحل اقتناؤها إلا لصيد، أو حراسة ماشية، أو زرع، والمسلم يعلم أن الشريعة لم تحرم عليه شيئاً إلا من أجل مفسدته ومضرته. وما على المسلم إلا الاستجابة لما يأمره به ربه تعالى بفعله، أو ينهاه عنه، وهو يعلم علم اليقين أنه لا تشريع إلا بحكمة بالغة، والأحكام الشرعية منها ما هو تعبدي محض، لا نعلم حكمته، ومنها ما هو معقول المعنى، ولا مانع من تلمس الحكمة في الأحكام معقولة المعنى، لكن يبقى التعبد لله بالفعل والترك هو الذي ينبغي على المسلم أن لا يغفل عنه. وينظر جواب السؤال رقم: (9603) ففيه فوائد مهمة. ونحن نجزم أن تحريم اقتناء الكلب هو في مصلحة المسلم، وأن اقتناءه فيه مضرة وسوء وشر، ومن تلك المفاسد في اقتنائه: ما يسببه من أمراض تنتقل عن طريقه، سواء من إناء شرب منه، أو في برازه الذي يلوث بيت المقتني له، وهذا ما يمكنك إخبار تلك النصرانية به إن تزوجتها. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابٍِ) رواه مسلم (279) . وقوله (طهور) يدل على تنجس الإناء بولوغ الكلب فيه، وهو ما أثبته العلم الحديث، والذي لم نشك لحظة في صدقه، وليس يطهر الإناء إلا الماء والتراب دون ما عداهما من مواد التنظيف والتطهير، وهذا ما أثبته العلم الحديث أيضاً، وهو يؤكد أن هذا الدِّين ليس هو إلا وحي أوحي به للنبي صلى الله عليه وسلم. وانظر جواب السؤال رقم: (20939) . وقد ثبت وجود أمراضٍ كثيرة تصيب الإنسان الذي يقتني الكلب، أو يلمسه، أو يقبِّله، وقد ذكرنا بعضها في جواب السؤال رقم: (69840) فانظره فهو مهم. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114030 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 542 حكم السائل الأصفر الذي ينزل على المرأة [السُّؤَالُ] ـ[إذا وصل السائل الأصفر الذي ينزل من المرأة إلى الملابس الداخلية, فهل عليها غسله, أم تتركه وتصلي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن كان المراد بالسائل الأصفر المني لكونه يميل إلى الصفرة عند المرأة فقد اختلف العلماء في طهارته والأرجح طهارته وذلك لحديث مسلم أَنَّ رَجُلًا نَزَلَ بِعَائِشَةَ فَأَصْبَحَ يَغْسِلُ ثَوْبَهُ فَقَالَتْ عَائِشَةُ إِنَّمَا كَانَ يُجْزِئُكَ إِنْ رَأَيْتَهُ أَنْ تَغْسِلَ مَكَانَهُ فَإِنْ لَمْ تَرَ نَضَحْتَ حَوْلَهُ وَلَقَدْ رَأَيْتُنِي أَفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرْكًا فَيُصَلِّي فِيه. رواه مسلم برقم 288. قال النووي في شرح مسلم (3/198) ذهب كثيرون أن المني طاهر روي ذلك عن علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وابن عمر وعائشة وداود وأحمد في أصح الروايتين وهو مذهب الشافعي وأصحاب الحديث.. انظر فتح الباري (2/332) وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث (5/381) وخروج المني بالاحتلام ونحوه لا ينجّس الملابس التي على المحتلم ولو أصابها لأن المني طاهر لكن المشروع إزالة ما أصاب الثياب من باب النظافة وإزالة الأوساخ. أهـ أما إن كان المراد بالسائل الأصفر الذي يكون في الحيض وأحياناً بعده كما ورد ذلك في حديث أم عطية كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئاً " رواه البخاري/326 فهذا مما لا خلاف فيه إنه نجس: قال الشيخ ابن عثيمين في الفتاوى (1/291) : المعروف عند أهل العلم أن كل ما يخرج من المرأة فهو نجس إلا شيئاً واحداً وهو المني فإن المني طاهر وإلا فكل شيء ذي جرم يخرج من السبيلين فإنه نجس وناقض للوضوء وبناء على هذه القاعدة يكون ما يخرج من المرأة نجساً وموجباً للوضوء هذا ما توصلت إليه بعد البحث مع بعض العلماء وبعد المراجعة ولكني مع ذلك في حرج منه لأن بعض النساء يكون معها هذه الرطوبة دائماً وإذا كانت دائماً فإن التخلص منها أن تُعامل معاملة من به سلس البول فتتوضأ للصلاة بعد دخول وقتها وتصلي ثم إني بحثت مع بعض الأطباء فتبين أن هذا السائل إن كان من المثانة فهو كما قلنا وإن كان من مخرج الولد فهو كما قلنا في الوضوء منه لكنه طاهر لا يلزم غسل ما أصابه. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 7776 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 543 بول وروث الحيوان الذي يؤكل لحمه طاهر [السُّؤَالُ] ـ[والدتي لديها طيور، وهذه الطيور تتبرز في كل مكان، على السجاد والملابس، أنا أجد هذا الأمر مقرفاً للغاية وأعتبره من النجاسة. أرجو أن تخبرني بالحكم في هذه الحالة]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إذا كانت هذه الطيور مما يجوز أكل لحمها شرعاً، كالعصافير والدجاج والبط .... إلخ فروثها طاهر، وهكذا الحكم في كل حيوان يؤكل لحمه، كالغنم والبقر والخيول ...... إلخ. وقد دل على طهارة بول وروث كل حيوان يؤكل لحمه أدلة كثيرة، منها: 1- أن الأصل في الأشياء أنها طهارة، ولم يأت دليل شرعي صحيح يدل على نجاسة هذه الأشياء. 2- أنه قد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر جماعة قدموا إلى المدينة ومرضوا أن يشربوا من أبوال الإبل وألبانها، ولو كانت أبوال الإبل نجسة لما أمرهم بشربها، لأنه لا يجوز التداوي بشيء محرم. 3- أنه قد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الصلاة في مرابض الغنم، فقال: (صلوا فيها، فإنها بركة) ، ولم يأمر من يصلي فيها باجتناب بولها وروثها، مع أن الغالب أنه سيصيبه شيء من ذلك. وهناك أدلة أخرى كثيرة، أطال البحث فيها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فانظرها في "مجموع الفتاوى" (21/542 - 586) . وقال ابن قدامة رحمه الله في المغني (2/492) : "وبول ما يؤكل لحمه وروثه طاهر ... قال مالك: لا يرى أهل العلم أبوال ما أكل لحمه وشرب لبنه نجساً .... وقال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إباحة الصلاة في مرابض الغنم، إلا الشافعي فإنه اشترط أن تكون سليمة من أبعارها وأبوالها" انتهى باختصار. وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (6/414) : "بول ما يؤكل لحمه طاهر، فإذا استعمل في البدن لحاجة فلا حرج من الصلاة به" انتهى. أما إذا كانت هذه الطيور مما لا يؤكل لحمه، كذوات المخالب من الطيور، كالصقر، فإن روثها نجس، بلا خلاف بين العلماء. انظر "المغني" (2/490) . ثانياً: إذا ثبت طهارة روث الطيور التي يؤكل لحمها، فإنه لا يجب غسلها إذا أصابت الثوب أو البدن أو السجاد، ولا حرج من الصلاة بهذا الثوب أو على تلك السجادة. وينبغي نصح الوالدة أن تجعل لهذه الطيور مكاناً خاصاً بها حتى لا تؤذي أهل البيت، لأن هذا الروث حتى وإن كان طاهراً، فإنه مما يستقذره الناس. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111786 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 544 هل تطهر النجاسة بغير الماء؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا تنجس الثوب، فهل يجب غسل هذه النجاسة بالماء، أم يكفي أن تزال بأي شيء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذهب كثير من العلماء إلى أن تطهير النجاسة لا يكون إلا بالماء، كما أن طهارة الحدث [الوضوء والاغتسال] لا تكون إلا بالماء. ومذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله: أنه يصح تطهير النجاسة بكل مائع طاهر يزيلها، وقد اختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، جاء في "الاختيارات الفقهية" (ص 23) : "وتطهر النجاسة بكل مائع طاهر يزيل، كالخل ونحوه، وهو رواية عن أحمد، اختارها ابن عقيل، ومذهب الحنفية" انتهى. وهذا القول الثاني هو الراجح. وقد سئل الشيخ محمد صالح العثيمين رحمه الله: هل تطهر النجاسة بغير الماء؟ وهل البخار الذي تغسل به الأكوات مطهر لها؟ فأجاب: "إزالة النجاسة ليست مما يتعبد به قصداً، أي أنها ليست عبادة مقصودة، وإنما إزالة النجاسة هو التَّخلي من عين خبيثة نجسة، فبأي شيء أزال النجاسة، وزالت وزال أثرها، فإنه يكون ذلك الشيء مطهراً لها، سواء كان بالماء أو بالبنزين، أو أي مزيل يكون، فمتى زالت عين النجاسة بأي شيء يكون، فإنه يعتبر ذلك مطهراً لها، حتى إنه على القول الراجح الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، لو زالت بالشمس والريح فإنه يطهر المحل، لأنها كما قلت: هي عين نجسة خبيثة، متى وجدت صار المحل متنجساً بها، ومتى زالت عاد المكان إلى أصله، أي إلى طهارته، فكل ما تزول به عين النجاسة وأثرها - إلا أنه يعفى عن اللون المعجوز عنه - فإنه يكون مطهراً لها. وبناء على ذلك نقول: إن البخار الذي تغسل به الأكوات إذا زالت به النجاسة فإنه يكون مطهراً" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (4/86) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111812 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 545 النجاسة اليابسة لا تنتقل لمن لمسها [السُّؤَالُ] ـ[إذا تبول الطفل على الفراش ثم جلست على هذا الفراش بعد ما جف، فهل تتنجس ثيابي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله النجاسة اليابسة لا تنتقل إلى من لمسها، فلا تنجس ثيابه، ولا بدنه، فمن جلس على بول جاف لم تنجس ثيابه بذلك، ولا يلزمه غسلها. وإنما تنتقل النجاسة مع الرطوبة، فإن كانت النجاسة رطبة، أو كانت يد من لمسها رطبة فإنها تنتقل بذلك. قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: "وإذا لمس الإنسان نجاسة رطبة؛ فإنه يغسل ما لمسها به من جسمه؛ لانتقال النجاسة إليه، أما النجاسة اليابسة؛ فإنه لا يغسل ما لمسها به؛ لعدم انتقالها إليه" انتهى. "المنتقى". وسئل الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين حفظه الله: هل البول الجاف لا ينجس الملابس؟ أي أنه عندما يبول طفل على الأرض ويبقى البول حتى يجف دون أن يغسل فيأتي أحد ويجلس على البول وهو جاف فهل تصيب ثيابه نجاسة؟ فأجاب: "لا يضر لمس النجاسة اليابسة بالبدن والثوب اليابس، وهكذا لا يضر دخول الحمام اليابس حافياً مع يبس القدمين لأن النجاسة إنما تتعدى مع رطوبتها" انتهى. "فتاوى المرأة المسلمة" (1/194) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111904 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 546 كيفية تطهير أدوات الذبح إذا ذبح بها الخنزير [السُّؤَالُ] ـ[اتفقنا مع جزار نصراني لنشتري منه لحماً مذبوحاً على الشريعة الإسلامية، ولكنه يستخدم أدوات الذبح هذه لذبح الخنزير فكيف يمكن أن تطهر هذه الأدوات؟ فهو قد يستخدم أدوات تقطيع حديثة كهربائية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تطهير ما أصابه دم الخنزير يكون بغسله حتى تزول آثار الدم، ولا يشترط أن يغسل سبع مرات إحداهن بالتراب كما هو الشأن في غسل نجاسة الكلب، بل يكفي في حصول الطهارة إزالة عين النجاسة بالماء أو المنظفات. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (20843) . وتطهير السكين - وكذلك الآلات المصقولة - التي لا تتشرب النجاسة يكفي فيه المسح بقطعة من القماش أو غيره. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وتطهير الأجسام الصقيلة كالسيف والمرآة ونحوها إذا تنجست بالمسح، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة، ونُقل عن أحمد مثله في السكين من دم الذبيحة" انتهى. "الاختيارات" (ص39) . وعلى هذا؛ فيمكنكم تطهير السكين التي يذبح بها، والآلات التي يقطع بها، إما بإسالة الماء عليها، وإما بمسحها حتى لا يبقى لدم الخنزير أثر عليها. فإن أمكن هذا فهو المطلوب، وإن لم يمكن فلا أثر لنجاسة السكين أو آلات التقطيع على حل الذبيحة، فالذبيحة حلال ما دامت ذبحت الذبح الشرعي، ولكن ينجس من الذبيحة الجزء الذي أصابه دم الخنزير أو آثاره، فإذا غسل اللحم بعد الذبح والتقطيع كان طاهراً. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112103 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 547 هل يلزم غسل ثياب وأواني من دخل في الإسلام؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يلزم غسل ملابس وأغراض وأواني من اعتنق الإسلام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا يجب ذلك، لأن القول الراجح أن غير المسلمين نجاستهم نجاسة معنوية، وليست حسية، لأن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ هو وأصحابه من مزادة (إناء من جلد) امرأة مشركة، ولأن الله أباح لنا نكاح نساء أهل الكتاب؛ ولابد من الملامسة، ولأن الله أباح طعام الذين أوتوا الكتاب، ولابد من ملامستهم إياه غالباً. وبناءاً على ذلك فإنه لا يجب على الرجل إذا أسلم أن يغسل ملابسه وفرشه ونحو ذلك، إلا إذا تيقن أنها أصيبت بنجاسة لم تطهر منها" انتهى. فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. "الإجابات على أسئلة الجاليات" (1/2، 3) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109197 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 548 ماذا يفعل إذا أصاب ثوبه نجاسة [السُّؤَالُ] ـ[ما هو الحكم إذا ما أصابت بعض نقاط البول السروال التحتي عند التبول العادي أو التبول بسرعة؟ 1- هل يلزم الغسل ليطهر المرء نفسه؟ 2- هل على المسلم أن يغسل السروال التحتي بأكمله، أم يلزمه تغيير السروال (كلما حدث ذلك) ، أم يكتفي بغسل الموضع الذي أصابه البول؟ 3- وكيف يصلي المسلم (الذي أصابت نقاط البول سرواله التحتي) ، وهل تكون الصلاة مقبولة لو صلى وهو على تلك الحالة؟ 4- وما هو الحكم إذا شك المسلم أنه لم يغسل بعض المواضع التي أصابها البول؟ وهل يؤثر ذلك على الصلاة، وعلى الطهارة؟ 5- هل على من صلى وهو شاك (أنه لم يغسل بعض المواضع التي أصابها البول) أن يعيد صلاته؟ وهل يجوز له قراءة القرآن ومسه وهو في تلك الحالة؟ 6- ما هي الأمور المحرمة عليه فعلها وهو في تلك الحالة؟ أرجو أن تزيل شكوكي بفتوى واضحة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يجب على المسلم أن يجتنب النجاسة ويحاول التحرز منها قدر جهده، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ أَمَا إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ لا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ " الحديث وفي رواية: " وَكَانَ الآخَرُ لا يَسْتَنْزِهُ عَنْ الْبَوْلِ أَوْ مِنْ الْبَوْلِ " رواه مسلم (الطهارة / 439) ومعنى لا يستنزه من بوله أي لا يجتنبه ولا يتحرز منه. ولذلك كان جواز البول قائما بشرط أن يأمن من تطاير رشاش بوله على ثوبه وجسمه، يراجع جواب سؤال رقم 9790. ثانيا: بالنسبة لفقرات السؤال 1- إصابة النجاسة لثوب الإنسان لا توجب عليه الغُسْل. لأن النجاسة ليست من نواقض الوضوء أو الغسل وإنما يجب الغسل للحدث الأكبر والوضوء للحدث الأصغر والنجاسة ليست حدثاً فإذا كان الإنسان طاهراً وأصاب ثوبه نجاسة فإنه لا يكون محدثاً , وإنما الواجب عليه في هذه الحالة أن يزيل النجاسة. والعبد مأمور بإزالة النجاسة عن ثيابه لقول الله عز وجل: (وثيابك فطهِّر) المدثر/ 4، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم في دم الحيض يصيب الثوب: " تحتُّه ثم تقرضه بالماء ثم تنضحه ثم تصلي فيه " رواه البخاري (الحيض / 297) ، وإذا كان ما أصابته النجاسة يمكن عصره فلا بد من عصره. 2- وإزالة النجاسة تكون بغسلها حتى يذهب أثر النجاسة فإذا أصابت النجاسة ثوباً فلا يجب عليه إلا غسل موضع النجاسة من الثوب الذي أصابته النجاسة ولا يلزمه أن يغسل غيره، ولا يجب عليه كذلك أن يبدِّل ثيابه، وإن أراد أن يبدِّل ثيابه فلا بأس في فعل ذلك. 3- أما حكم الصلاة في ثوب أصابته نجاسة، فيجب أن يُعلم أن الطهارة من النجاسة شرط لصحة الصلاة وإذا لم يتنزه من ذلك فصلاته باطلة، لأنه صلى وهو متلبس بهذه النجاسة، فإذا صلى وهو متلبس بهذه النجاسة فقد صلى على وجهٍ لم يرِدْه الله ورسوله، ولا أمر به الله ورسوله، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " - أحوال النجاسة إذا أصابت الثوب: 1- إذا جزم الإنسان بإصابة النجاسة موضعاً معيناً في الثوب، فإنه يجب أن يغسل ما أصابته النجاسة. 2- أن يغلب على الظن أنها أصابت مكاناً معيناً. 3- أن يكون عند الإنسان احتمال في مكان بقعة النجاسة، فالحالة الثانية والثالثة على الإنسان أن يتحرى فيهما، فما غلب على ظنه أنه أصابته النجاسة فإنه يغسله. انظر الشرح الممتع لابن عثيمين 2/221. - حكم يسير النجاسة: قال بعض أهل العلم: لا يعفى عن يسير النجاسة مطلقاً. وقال بعضهم: يُعفى عن يسير سائر النجاسات، وهو مذهب أبي حنيفة واختيار شيخ الإسلام لا سيما فيما يبتلى به الناس كثيراً فإن المشقة في مراعاته والتطهرمنه حاصلة والله تعالى يقول: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) الحج/78، والصحيح ما ذهب إليه أبو حنيفة وشيخ الإسلام، ومن يسير النجاسات التي يعفى عنها لمشقة التحرز منه يسير سلس البول لمن ابتلي به وتحفظ منه تحفظاً كثيراً قدر استطاعته. انظر الشرح الممتع لابن عثيمين 1/382 وأما حدُّ اليسير أن المعتبر ما اعتبره أوساط الناس أنه كثير فهو كثير وما اعتبروه قليلاً فهو قليل. وعليه فيقال: أن الأصل إذا أصاب ثوب الإنسان نقط البول فإنه يغسل ما أصاب ثوبه منه حتى يغلب على ظنه زوال النجاسة، وما بقي مما لم يغسله فيكون داخلاً في يسير النجاسة المعفو عنه كما سبق. والله أعلم - أما إذا جهل النجاسة فقد سئل الشيخ ابن باز عن ذلك فقال: إذا كان لم يعلم نجاستها إلا بعد الفراغ من الصلاة فصلاته صحيحة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا أخبره جبريل وهو في الصلاة أن في نعليه قذَراً خلعهما ولم يُعد أول الصلاة. وهكذا لو علمها (أي النجاسة) قبل الصلاة ثم نسي فصلى فيها ولم يذكر إلا بعد الصلاة، لقول الله عز وجل: (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) ، … أما إذا شك في وجود النجاسة في ثوبه وهو في الصلاة لم يجز له الانصراف منها سواء كان إماماً أو منفرداً وعليه أن يتم صلاته. فتاوى الشيخ ابن باز 12/396-397. 4- مسألة الشك في إزالة النجاسة: إذا أصابت النجاسة ثوبه فيكون هذا هو الأصل ويكون هذا الأصل متيقن فيه حتى يزول، وزواله بزوال النجاسة فإذا شك هل أزال النجاسة أم لا، فإنه يبني على اليقين، وهو أنه لم تزل النجاسة. وكذلك العكس فإن تيقن أنه طاهر ثم شك هل أصابت ثيابه نجاسة أم لا فيقال إن الأصل الطهارة لأنها هي المتيقَّنة. قال الشيخ ابن عثيمين: الإنسان بملابسه الأصل فيه أن يكون طاهراً ما لم يتيقن ورود النجاسة على بدنه أو ثيابه وهذا الأصل يشهد له قول النبي صلى الله عليه وسلم حين شكى إليه الرجل أنه يجد الشيء في صلاته ـ يعني الحدث ـ فقال: " لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً " فإذا كان الشخص لا يجزم بهذا الأمر فالأصل الطهارة، وقد يغلب على الظن تلوث الثياب بالنجاسة ولكن ما دام الشخص لم يتيقن فالأصل بقاء الطهارة. فتاوى ابن عثيمين 11/107 5- والذي لا يجوز للإنسان إذا كانت على ثيابه نجاسة هو الصلاة فقط. حتى ولو كان متطهراً من الحدث أما باقي الأفعال من قراءة القرآن وغيرها فلا تحرم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 12720 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 549 لبس قفازات من جلد الخنزير [السُّؤَالُ] ـ[أعمل في شركة حيث يستخدم العمال دائما قفازات من جلد الخنزير. على حد علمي أي شيء يؤخذ من الخنزير فهو حرام، وإذا لمسته يجب أن أغسل يدي 7 مرات بالإضافة لمرة بالتراب. في هذه الحالة ما الذي يجب أن أفعله؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سبق في إجابة السؤال رقم (1695) أن جلد الخنزير نجس ولا يطهر بالدباغ. ومجرد لمس النجاسة لا ينجّس البدن إلا مع وجود الرطوبة في النجاسة أو في البدن. قال الشيخ ابن جبرين: لا يضر لمس النجاسة اليابسة بالبدن والثوب اليابس. . . لأن النجاسة إنما تتعدى مع رطوبتها اهـ فتاوى إسلامية (1/194) . وعلى هذا لا تتنجس اليد بمجرد لبس هذه القفازات المصنوعة من جلد الخنزير، إلا إذا كانت اليد أو القفاز عليه بلل من الماء. وإذا حصل التنجس بلمس جلد الخنزير – مع وجود البلل – لزم غسل اليد، ويكفي في ذلك غسلة واحدة لأنه لم يرد الأمر بغسل النجاسة سبع مرات إحداهن بالتراب إلا في نجاسة الكلب. وذهب بعض العلماء إلى قياس الخنزير على الكلب، فأوجبوا غسل نجاسته سبع مرات إحداهن بالتراب. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (وهذا قياس ضعيف؛ لأن الخنزير مذكور في القرآن، وموجود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يرد إلحاقه بالكلب، فالصحيح أن نجاسته كنجاسة غيره، لا يغسل سبع مرات إحداها بالتراب) الشرح الممتع 1/356 وينبغي على المسلم أن يحرص على طهارة بدنه وثيابه، ويجتنب لبس هذه القفازات المصنوعة من جلد الخنزير، لما في ذلك من مباشرة النجاسة، وتعريض يده وثيابه للتنجس مما قد يؤثر على صحة صلاته، إلا إذا احتاج إلى لبس هذه القفازات كما لو لم يجد غيرها فيجوز له لبسها مع الاحتياط من تنجيسها لبدنه وثيابه، والمبادرة إلى غسل النجاسة إن حصلت حتى لا تتعدى إلى موضع آخر أو ينسى غسلها أو موضعها من ثيابه. وسيجد من الجلود الطاهرة ما يغنيه عن هذه النجسة، نسأل الله أن يوفقنا لما يحب ويرضى والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 22713 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 550 نشر الغسيل على حبال نشرت عليها ملابس نجسة [السُّؤَالُ] ـ[قرأت في كتاب (فقه السنة) أن حبال الغسيل التي توضع عليها ملابس نجسة، أنه يمكن وضع ملابس طاهرة مبتلة عليها دون غسلها، وذلك بجفاف تلك الحبال بفعل الشمس والهواء، فما هو الصواب؟.]ـ [الْجَوَابُ] هذه الحبال غالبا لا تتشرب النجاسة، وأيضا فالملابس لا توضع عليها إلا بعد الغسل، فهي طاهرة حينئذ، وأيضا فإنها تعصر بعد الغسل، فتذهب رطوبتها أو تقل، ثم لو قدر أنها تشربت شيئا من النجاسة فهي تجف سريعا، ومع الشمس والريح يذهب أثر النجاسة التي تشربتها لقلتها، وعدم الإحساس بلونها، فلا ينبغي التشدد في التحرز منها، والله الموفق. [الْمَصْدَرُ] اللؤلؤ المكين من فتاوى الشيخ ابن جبرين ص80. الحديث: 8808 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 551 جواز الاقتصار على الاستجمار بالمنديل [السُّؤَالُ] ـ[حسنا, فالطريقة الصحيحة عند قضاء الحاجة هي أن أكون جالسا. أنا أعلم ذلك. لكن أحد أصدقائي قال لي بأنه يظن أنه من المفروض علينا أن ننظف المؤخرة بعد قضاء الحاجة بالماء وليس بالمناديل الورقية "فقط". أنا أغسل يدي بعد قضاء الحاجة لكني لا أستخدم غير المناديل لتنظيف المؤخرة. فهل يوجد حكم إسلامي يقول إن علينا أن نستخدم الماء لتنظيف المخرج؟ أرجو ألا يوجد حكم بذلك, لصعوبة الأمر وكونه يسبب إزعاجا. فكل مرة أحاول فيها استخدام الماء, ولكن الماء يتدفق على المكان من حولي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الواجب على المؤمن أن يستجيب لأمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، ولو كان ذلك على خلاف هواه واختياره. قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا) الأحزاب/36. وقال: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَائِزُونَ) النور/51-52. وإذا استجاب المؤمن لأمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم فهو مأجور على أي مشقة تحصل له بسبب ذلك، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: (أجْرُكِ عَلَى قَدْرِ نَفَقَتِكِ وْنَصَبِكِ – أي تعبك -) البخاري (1787) ومسلم (1211) . وأما حكم المسألة: فلا يجب استعمال الماء لإزالة ما على المخرج من نجاسة بعد قضاء الحاجة، بل يجزئ إزالتها بالأحجار أو المنديل أو ما أشبه ذلك من الأشياء التي تزيل النجاسة، ودليل ذلك: ما رواه أحمد (23627) عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْغَائِطِ فَلْيَذْهَبْ مَعَهُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ فَلْيَسْتَطِبْ بِهَا فَإِنَّهَا تَجْزِي عَنْهُ) . صححه الألباني في الإرواء (44) . ونقل ابن قدامة رحمه الله إجماع الصحابة على جواز الاقتصار على الأحجار وأنه لا يجب استعمال الماء. المغني (1/208) . ومع جواز الاقتصار على الأحجار أو المناديل فإن الأفضل هو استعمال الماء، ودليل ذلك ما رواه البخاري (150) ومسلم (271) عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ الْخَلاءَ فَأَحْمِلُ أَنَا وَغُلامٌ نَحْوِي إِدَاوَةً مِنْ مَاءٍ فَيَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ) . والإداوة هي إناء من جلد. وروى الترمذي (19) عَنْ عَائِشَةَ أنها قَالَتْ للنساء: مُرْنَ أَزْوَاجَكُنَّ أَنْ يَسْتَطِيبُوا بِالْمَاءِ فَإِنِّي أَسْتَحْيِيهِمْ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُهُ. صححه النووي في المجموع (2/101) . قَالَ الترمذي رحمه الله بعد هذا الحديث: وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَخْتَارُونَ الاسْتِنْجَاءَ بِالْمَاءِ وَإِنْ كَانَ الاسْتِنْجَاءُ بِالْحِجَارَةِ يُجْزِئُ عِنْدَهُمْ فَإِنَّهُمْ اسْتَحَبُّوا الاسْتِنْجَاءَ بِالْمَاءِ وَرَأَوْهُ أَفْضَلَ اهـ وإذا جمع بين استعمال المناديل والماء فهو أكمل وأفضل، فيبدأ باستعمال المناديل ثم يستعمل الماء. انظر: المجموع للنووي (2/100) . والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 10257 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 552 الغسالة تغسل الملابس مرتين هل تكفي لإزالة النجاسة [السُّؤَالُ] ـ[الغسالات تدور بالثياب النجسة مرتين هل يكفي لتطهيرها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين فأجاب حفظه الله: الحكم معلق بعين النجاسة، فإذا زالت النجاسة من الثياب طهرت، وقد ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى عدم اشتراط العدد لإزالة النجاسة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد الله بن جبرين الحديث: 6725 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 553 الفرق بين المني والمذي والرطوبة [السُّؤَالُ] ـ[لا أعلم متى يكون ما يخرج من المرأة منِيّاً يوجب الغسل، ومتى يكون إفرازات عادية توجب الوضوء، وحاولت أن أعرف أكثر من مرة ولا أحد يجيبني بدقة، فأصبحت أتعامل مع جميع الإفرازات على أنها عادية لا توجب الغسل , ولا أغتسل إلا بعد الجماع. أرجو أن توضحوا لي الفرق بينهما.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: ما يخرج من المرأة قد يكون منيًّا أو مذياً أو إفرازات عادية، وهي ما تسمى بـ (الرطوبة) ، وكل واحد من هذه الثلاثة له صفات وأحكام تخصه. أما المني، فصفاته: 1. رقيق أصفر. وهذا الوصف ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن ماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة رقيق أصفر) رواه مسلم (311) . وقد يكون من المرأة أبيض عند بعض النساء. 2. رائحته كرائحة الطلع، ورائحة الطلع قريبة من رائحة العجين. 3. التلذذ بخروجه، وفتور الشهوة عقب خروجه. ولا يشترط اجتماع هذه الصفات الثلاثة، بل تكفي صفة واحدة للحكم بأنه مني. قاله النووي في المجموع (2/141) . وأما المذي: فهو ماء أبيض (شفاف) لزج يخرج عند الشهوة إما بالتفكير أو غيره. ولا يتلذذ بخروجه، ولا يعقبه فتور الشهوة. وأما الرطوبة: فهي الإفرازات التي تخرج من الرحم وهي شفافة، وقد لا تشعر المرأة بخروجها، وتختلف النساء فيها قلةً وكثرةً. وأما الفرق بين هذه الأشياء الثلاثة (المني والمذي والرطوبة) من حيث الحكم: فالمني طاهر، لا يجب غسل الثوب منه، ويجب الاغتسال بعد خروجه، سواء كان خروجه في النوم أو في اليقظة، بسبب الجماع أو الاحتلام أو غير ذلك. والمذي نجس، فيجب غسله إذا أصاب البدن، وأما الثوب إذا أصابه المذي فيكفي لتطهيره رشه بالماء، وخروج المذي ينقض الوضوء، ولا يجب الاغتسال بعد خروجه. أما الرطوبة، فهي طاهرة، لا يجب غسلها ولا غسل الثياب التي أصابتها، وهي ناقضة للوضوء، إلا إذا كانت مستمرة من المرأة، فإنها تتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، ولا يضرها خروج الرطوبة بعد ذلك. ولمزيد الفائدة تراجع أجوبة الأسئلة (2458) و (81774) و (50404) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 99507 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 554 هل تتنجس الملابس بملامسة النجاسة [السُّؤَالُ] ـ[حَمَّامات الطائرة ضيِّقةٌ وتكون في بعض الأحيان أرضيَّتُها وجدرانُها نَجِسةٌ نجاسةً ظاهرةً وفي حالة الدُّخول للوُضوء أشُكُّ في أنَّ ملابسي تنَجَّسَتْ بالمُلامسة ولكنِّي أُصلِّي وعند وصولي إلى البلد المسافَر إليه أغيِّرُ ملابسي وأعيد الصلاةَ بعد خروج وقتِها فما الحكم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لابُدَّ أنْ نتيقَّن أنَّ جدران الحمام نَجِسةٌ. ثانياً: إذا تيقَّنَّا ذلك فإنَّها لا تُنَجِّس الثوبَ بمجرَّد المُلامَسة إلاَّ إذا كان الثوب رَطْباً أو كانت الجدران رطبةً بحيث تَعْلَقُ النَّجاسةُ بالثوبِ. ثالثاً: وإذا تيقَّنَّا ذلك فإنَّه يصلِّي بالثَّوب النَّجِس وفي هذه الحالة يجب عليه إزالة عين النجاسة عن الثوب لغسلِ البقعةِ المرادِ تطهيرُها، وإذا لم يَجِدْ ثوباً طاهراً صلَّى ولا إعادةَ عليه، لقولِ الله تعالى: (فاتَّقُوا الله ما استَطعْتُم) التغابن آية 16. [الْمَصْدَرُ] إعلام المسافرين ببعض آداب وأحكام السفر وما يخص الملاحين الجويين لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ص9. الحديث: 9652 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 555 إذا جامع أهله هل تتنجس ملابسه؟ [السُّؤَالُ] ـ[أحيانا عندما أجامع زوجتي أكون بكامل ملابسي لظروف معينة تتعلق بالعائلة فسؤالي يدور حول هل ملابسي جمعيا تعتبر نجسة أم فقط التي أصابها السائل المنوي. الرجاء عدم تجاهل السؤال والإجابة عليه لحاجتي الضرورية للإجابة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذهب كثير من أهل العلم إلى القول بطهارة المني، سواء خرج باحتلام أو جماع، وذلك لأدلة كثيرة منها ما رواه مسلم في صحيحه (288) من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (وَلَقَدْ رَأَيْتُنِي أَفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرْكًا فَيُصَلِّي فِيه) . قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (3/198) : " ذهب كثيرون إلى أن المني طاهر. روي ذلك عن علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وابن عمر وعائشة وداود وأحمد في أصح الروايتين وهو مذهب الشافعي وأصحاب الحديث " انتهى. وينظر فتح الباري (2/332) . وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/381) : " خروج المني بالاحتلام ونحوه لا ينجّس الملابس التي على المحتلم ولو أصابها؛ لأن المني طاهر، لكن المشروع إزالة ما أصاب الثياب من باب النظافة وإزالة الأوساخ " انتهى. وأما المذي وهو ما يخرج عند المداعبة والتفكير في الجماع، فنجس، ويكفي في تطهيره رش الثوب بالماء؛ لما روى أبو داود في سننه (210) والترمذي (115) وابن ماجه (506) عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ: كُنْتُ أَلْقَى مِنْ الْمَذْيِ شِدَّةً وَكُنْتُ أُكْثِرُ مِنْ الِاغْتِسَالِ فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: (إِنَّمَا يُجْزِيكَ مِنْ ذَلِكَ الْوُضُوءُ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ بِمَا يُصِيبُ ثَوْبِي مِنْهُ؟ قَالَ: يَكْفِيكَ بِأَنْ تَأْخُذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَتَنْضَحَ بِهَا مِنْ ثَوْبِكَ حَيْثُ تَرَى أَنَّهُ أَصَابَهُ) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود. وانظر السؤال رقم (2458) وعليه فالجماع وخروج المني، لا يترتب عليه حصول النجاسة للثوب أو البدن وأما المذي فهو نجس، وخَفَّف الشرع في كيفية تطهيره، حيث يكفي فيه الرش بالماء ولا يجب غسله. والموضع الذي يجب رشه بالماء هو ما أصابه المذي فقط، أما سائر الثياب التي لم يصبها شيء منه فهو طاهرة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97942 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 556 هل قيء الرضيع على أمه نجس؟ [السُّؤَالُ] ـ[يحدث باستمرار أن يتقيأ ولدي على كتفي أو صدري وأنا أرضعه وأحمله، وشق علي غسل القيء كلما حدث على ثيابي فهل يجوز لي تركه والصلاة بهذه الثياب أم لا بد أن أغسله دائماً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال ابن القيم: ريق المولود ولعابه من المسائل التي تعم بها البلوى، وقد علم الشارع أن الطفل يقيء كثيراً، ولا يمكن غسل فمه، ولا يزال ريقه يسيل على من يربيه، ولم يأمر الشارع بغسل الثياب من ذلك، ولا منع من الصلاة فيها، ولا أمر بالتحرز من ريق الطفل، فقالت طائفة من الفقهاء: هذا من النجاسة التي يعفى عنها للمشقة والحاجة كطين الشوارع، والنجاسة بعد الاستجمار، ونجاسة أسفل الخف والحذاء بعد دلكهما بالأرض ... بل ريق الطفل يطهر فمه للحاجة، كما كان ريق الهرة مطهراً لفمها، ويستدل لذلك بما ورد عن أبي قتادة رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصغي الإناء إلى الهر حتى يشرب، ثم يتوضأ بفضله) . [الْمَصْدَرُ] الموسوعة الفقهية - ج/39، ص 350. الحديث: 10520 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 557 أثر خروج الدم وماء الجروح على الطهارة والصلاة [السُّؤَالُ] ـ[أنا مصاب ببثور الشباب والتي تظهر في الوجه والكتف. وهذه البثور قد تلتهب وتتورم وفي النهاية قد تنفتح ويخرج دم منها وفي بعض الأحيان سائل أصفر ينتج عن هذا الالتهاب. وقد يحدث أن هذا الدم يصيب ثيابي، فهل يجب علي استبدال هذه الملابس وغسلها إذا أردت الصلاة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الدم الخارج من غير السبيلين، مختلف فيه بين الفقهاء، هل ينقض الوضوء أو لا ينقض، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (45666) ، وان الراجح أنه لا ينقض الوضوء، وهو مذهب الإمامين مالك والشافعي رحمهما الله واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية. ثانيا: ما أصاب ثيابك من الدم أو القيح، إن كان يسيرا، فلا حرج عليك في الصلاة بها، وإن كان كثيرا لزمك غسلها أو تبديلها في قول جمهور الفقهاء. ومال بعض أهل العلم إلى أن الدم الخارج من بدن الإنسان من غير السبيلين طاهر غير نجس. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " فالذي يقول بطهارة دم الآدمي قوله قوي جدا؛ لأن النص والقياس يدلان عليه " انتهى من "الشرح الممتع" (1/443) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96272 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 558 تخرج منها قطرات بول بعد الوضوء [السُّؤَالُ] ـ[بعد بحثي في الأسئلة والأجوبة في الموقع حول نزول بعض قطرات البول على الملابس لازلت أريد السؤال عن حال صلاتي وملابسي وأنا خارج المنزل مثلا في السوق أو العمل فأنا لا أستطيع الانتظار حتى تجف القطرات وهي غالبا تنزل عند رفع رجلي لغسلها أثناء الوضوء ولا أستطيع حمل ملابس داخلية معي أينما ذهبت. ولكم جزيل الشكر.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا تيقنت من خروج بعض قطرات البول، فإنه يلزمك إعادة الوضوء وغسل ما أصابت من ثيابك، وإذا كان موضع القطرات لا يتبين لك فإنك تغسلين ما يغلب على الظن أنها أصابته حتى تجزمي بزوال النجاسة. قال في "زاد المستقنع": " وإن خفي موضع نجاسة غسل حتى يجزم بزواله ". قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه: " يعني إذا أصابت النجاسة شيئا، وخفي مكانها، وجب غسل ما أصابته حتى يتيقن زوالها. واعلم أن ما أصابته النجاسة لا يخلو من أمرين: إما أن يكون ضيقا وإما أن يكون واسعا. فإن كان واسعا فإنه يتحرى، ويغسل ما غلب على ظنه أن النجاسة أصابته؛ لأن غسل جميع المكان الواسع فيه صعوبة. وإن كان ضيقا فإنه يجب أن يغسل حتى يجزم بزوالها " انتهى من "الشرح الممتع" (1/435) . وإذا كنت تعرفين أن هذه القطرات تنزل إذا رفعت رجلك لغسلها في الوضوء، فإنك لا تفعلين ذلك، بل تغسلينها وهي على الأرض بصب الماء عليها، وإذا شككت هل خرج منك شيء أم لا فإنه لا يلزمك التحري والتثبت، والبحث عن ذلك، بل عليك الإعراض عن هذا، ووضوؤك صحيح وثيابك طاهرة. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا انتهيت من الوضوء واتجهت إلى الصلاة أحس بخروج قطرة من البول من الذكر، فماذا عليَّ؟ فأجاب: " الذي ينبغي أن يُتلهى عن هذا ويُعرض عنه، كما أمر بذلك أئمة المسلمين، ولا يلتفت إليه، ولا يذهب ينظر في ذكره، هل خرج أو لا؟ وهو بإذن الله إذا استعاذ بالله من الشيطان الرجيم وتركه يزول عنه، أما إذا تيقن يقيناً مثل الشمس فلابد أن يغسل ما أصابه البول وأن يعيد الوضوء لأن بعض الناس إذا أحس ببرودة على رأس الذكر ظن أنه نزل شيء، فإذا تأكد فكما قلت لك، وهذا الذي تقول ليس فيه سلس؛ لأن هذا ينقطع، السلس يستمر مع الإنسان، أما هذا فهو بعد الحركة يخرج نقطة أو نقطتين، هذا ليس بسلس؛ لأنه إذا خرجت نقطتان وقف، فهذا يغسل ويتوضأ مرة ثانية وهكذا يفعل دائماً وليصبر وليحتسب " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (184/15) . ويمكنك أن تضعي منديلا حتى يمنع وصول النجاسة إلى الثياب، وحينئذ لا يلزمك غسل الثياب، بل تكتفين بإزالة المنديل. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93877 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 559 هل الوسخ تحت الظفر يمنع من صحة الوضوء؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل الوسخ الذي يوجد تحت الأظافر يمنع صحة الوضوء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فالأظفار يجب تعهدها قبل مضي أربعين ليلة. لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وقَّت للناس في تقليم الأظفار، وحلق العانة ونتف الإبط وقص الشارب: ألا يُترك ذلك أكثر من أربعين ليلة هكذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم (258) فالواجب على الرجال والنساء أن يلاحظوا هذا الأمر، فلا يُترك الظفر، ولا الشارب، ولا العانة، ولا الإبط أكثر من أربعين ليلة، والوضوء صحيح لا يبطله ما قد يقع تحت الظفر من الوسخ لأنه يسير يعفى عنه. [الْمَصْدَرُ] انظر: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ ابن باز رحمه الله (10 / 50) الحديث: 27070 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 560 هل يجب غسل الفراش عند تلوّثه من أثر الجماع [السُّؤَالُ] ـ[لقد تزوجت حديثاً وأحياناً أداعب زوجتي على الفراش فيقع عليه بعض السوائل الجنسية. سؤالي هو: هل يجب أن نغير الفراش كلما حدث مثل هذا. نحن نغيره حالياً لكن المشكلة أننا نعيش في منزل عائلي يضم والدي وإخوتي وإنه لمن الشاق أن نغير الفرش باستمرار من أجل غسلها. هل يجب علينا تغيير الفرش المتسخة؟ هل يجب عليه أو عليها أن تغتسل أو تتوضأ لتصبح نظيفة ثانية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله وبعد فإذا كان هذا السائل الذي خرج بسب الملاعبة وأصاب الفراش منيّا لم يخالطه شيء من الإفرازات الأخرى فلا يجب غسل الفراش لأن المني طاهر على القول الراجح. وإن كان الذي أصاب الفراش مذياً أو غيره من الإفرازات التي تخرج من فرج الرجل أو المرأة فيجب غسل البقعة التي أصابها ذلك السائل فقط لأن هذه الإفرازات تعتبر نجسة. وأما الاغتسال فإنه يجب في حالتين: الأولى: إذا حصل الجماع بأن غيب الرجل كل الحشفة (أي رأس الذكر) في فرج المرأة ولو لم يُنزل. فيجب الغسل على الرجل والمرأة لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ وَمَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ " رواه البخاري (291) ومسلم (349) . وفي رواية لمسلم (وإن لم ينزل) الثانية: أن ينزل المني من غير جماع، فإذا أنزل الرجل أو المرأة وجب عليهما الغسل، وإذا أنزل الرجل دون المرأة أو المرأة دون الرجل وجب الغسل على من أنزل منهما لقول الله تعالى: (وإن كنتم جنباً فاطهروا) المائدة/6 فالغسل يجب بالإنزال وحده وإن لم يحصل جماع، ويجب بالجماع وحده وإن لم يحدث إنزال، ويجب بهما جميعا.وبالله التوفيق. انظر: فتاوى اللجنة الدائمة،والشيخ ابن عثيمين في كتاب فتاوى العلماء في عشرة النساء (36، 42) وفتاوى منار الإسلام (1/110) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 14521 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 561 خرج منه المذي مراراً أثناء الطواف [السُّؤَالُ] ـ[رجل اعتمر بعد زواجه وكثر معه المذي فتوضأ ليطوف فخرج معه المذي ثم توضأ مرة أخرى وخرج معه المذي فطاف وأكمل عمرته معتبر ذلك ضرورة. وقد عاد إلى بلده وجامع زوجته فما الحكم جزاكم الله كل خير.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المذي نجس عند أهل العلم وناقض للوضوء، لكن إذا استمر ولم يتوقف فحكمه حينئذ حكم سلس البول والإستحاضة لدى النساء، فعلى المسلم إذا أراد الطواف في هذه الحالة أن يشدّ على فرجه شيئا يمنع الخارج من تجاوز موضعه، ويطوف ويصلي على حسب حاله. وطوافه السابق صحيح وحكمه حكم من صلى وعليه نجاسة ناسيا لها فصلاته صحيحة وحكم الناسي هو حكم الجاهل. الشيخ عبد الكريم الخضير. فتكرر خروج المذي قد يكون بسببٍ مرضيٍّ وقد تبيّن حكمه، وقد يكون بسبب الشهوة والتفكير وملامسة النساء. فيجب على المسلم أن يحذر من ذلك أشد الحذر وهو يطوف ببيت الله، وعليه أن يجتنب أسباب خروجه ويتقي الله، والله بكل شيء عليم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 21270 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 562 سلس الريح ونقض الوضوء [السُّؤَالُ] ـ[لدي مشكلة في استمرار خروج الريح، فهل يجب أن أتوضأ لصلاة الفجر بعد القيام، وبعدها كذلك لصلاة الضحى؟ هذا أمر صعب النسبة لي لأنني أصاب بالمرض من كثرة تعرضي للماء. أرجو أن تجيب على سؤالي بأسرع وقت ممكن لأنني قلق بشأن صلاتي ولا أدري هل يقبلها الله أم لا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إذا كان استعمالك للماء يعرضك للمرض فيجوز لك أن تتيمم. سئلت اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء: ما هو حد المرض المبيح للتيمم مع وجود الماء؟ فأجابت اللجنة: هو المرض الذي يخشى منه مع استعمال الماء زيادة المرض أو تأخر برء الجرح. فتاوى اللجنة الدائمة 5 / 345 ثانياً: سلس البول وسلس الريح حكمهما حكم الاستحاضة، والبول والريح والدم الخارج من الفرج نواقض للوضوء، والله تعالى يقول: {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون} المائدة / 6، وقال تعالى: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} البقرة / 185، ولذلك رُخص لهؤلاء بأن يتوضئوا لكل صلاة بعد دخول وقتها، ويصلون على حالهم هذا وإن خرج منهم ريح أو بول أو دم أثناء الصلاة. وهذا الحكم فيمن كان حدَثه مستمراً، فإن كان متقطعاً بحيث يمكنه أداء الصلاة في وقت انقطاعه وجب عليه أن يتوضأ ويصلي في الوقت الذي ينقطع فيه الحدث. قال الشيخ ابن عثيمين: المصاب بسلس البول له حالان: الأولى: إذا كان مستمرّاً عنده بحيث لا يتوقف، فكلما تجمَّع شيء بالمثانة نزل: فهذا يتوضأ إذا دخل الوقت ويتحفظ بشيء على فرجه، ويصلِّي ولا يضرُّه ما خرج. الثانية: إذا كان يتوقف بعد بوله ولو بعد عشر دقائق أو ربع ساعة: فهذا ينتظر حتى يتوقف ثم يتوضأ ويصلِّي، ولو فاتته صلاة الجماعة. " أسئلة الباب المفتوح " (س 17، لقاء 67) . والأصل أن يكون الوضوء بعد دخول الوقت. عن عائشة قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني امرأة أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، إنما ذلك عرق وليس بحيض، فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي، ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت. رواه البخاري (226) – واللفظ له – ومسلم (333) . غير أنه في الصلوات التي يشق فيها الوضوء بعد دخول وقتها كالجمعة والعيد فيجوز له الوضوء قبل دخول وقتها بيسير سئلت اللجنة الدائمة عن رجل تخرج منه غازات باستمرار، فكيف يتوضأ ويصلي؟ فأجابت اللجنة: إذا كان حالك ما ذكر وأن الغازات مستمرة معك فعليك الوضوء لكل صلاة بعد دخول الوقت ولا يضرك ما يخرجك منك بعد ذلك. وأما الجمعة فتوضأ لها قبل دخول الخطيب في الوقت الذي يمكنك من سماع الخطبة وأداء الصلاة. فتاوى اللجنة الدائمة 5 / 412 فإن كان يشق عليك أن تتوضأ لكل صلاة وتصليها في وقتها، فإنه يجوز لك أن تجمع بين صلاتي الظهر والعصر فتصليهما في وقت إحداهما بوضوء واحد، وتجمع بين صلاتي المغرب والعشاء كذلك بوضوء واحد. وقد رخص النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة المستحاضة أن تجمع بين الصلاتين. صححه الألباني في صحيح أبي داود 284. ولك أن تصلي قيام الليل – التراويح – بوضوء العشاء. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجوز للمرأة المستحاضة أن تصلي قيام الليل إذا انقضى نصف الليل بوضوء العشاء. فأجاب: هذه المسألة محل خلاف، فذهب بعض أهل العلم إلى أنه إذا انقضى نصف الليل وجب عليها أن تجدد الوضوء، وقيل: لا يلزمها أن تجدد الوضوء، وهو الراجح. " فتاوى المرأة المسلمة " (1 / 292، 293) . وأما بالنسبة لصلاة الضحى: فإنها مؤقتة، فلا بدَّ من الوضوء لها بعد دخول وقتها وهو الممتد من طلوع الشمس بنحو ربع ساعة إلى قبيل الظهر بالمقدار نفسه. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجوز لتلك المرأة أن تصلي صلاة الضحى بوضوء الفجر؟ فأجاب: لا يصح ذلك؛ لأن صلاة الضحى مؤقتة، فلا بدَّ من الوضوء لها بعد دخول وقتها؛ لأن هذه المرأة كالمستحاضة، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم المستحاضة أن تتوضأ لكل صلاة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 22843 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 563 إذا شك هل لعق الكلب موضعاً [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان الشخص يظن أن كلبا ربما لعق موضعا ما في ثوبه، لكنه ليس متأكدا تماما، فماذا عليه أن يفعل؟ هل يجوز له أن يصلي في ذلك الثوب؟ أنا أريد حقا أن أعرف الحكم لأن ذلك يؤرقني فأنا عندي كلب في بيتي (وقد أسلمت مؤخراً) ، وأحيانا يغيب الكلب عن ناظري فلا أعلم إن كان لعق ثوبي أم لا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اقتناء الكلب حرام إلا ما استثني من كلب الزرع، أو الصيد، أو كلب الغنم، وما عدا ذلك فاقتناؤه حرام لأنه يُنقص من أجر مقتنيه في كل يوم قيراطا من الأجر، وفي رواية أخرى قيراطان. وإذا اقتني للحاجة لكونه ما أذن فيه فإذا ولغ في إناء أو غيره فإنه يجب تطهيره، بأن يُغسل سبع مرات إحداهن بالتراب وهذا إذا تيقنّا أنه ولغ فيه، أما إذا شككنا في ذلك فإنه لا يجب غسله ما لم نتأكد ذلك لأن الأصل الطهارة. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد الكريم الخضير. الحديث: 10949 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 564 هل مسّ الكلب ينجّس يد لامسه [السُّؤَالُ] ـ[هل مس الكلب حرام أم مكروه؟ سمعت من العديد من المسلمين أن الكلاب نجسة، وأن إبليس تفل عليهم. أيضاً أنه إذا لمسنا الكلب يجب أن نغسل أيدينا عدّة مرّات. لم أجد أي شيء بخصوص هذا في القرآن والحديث أو الكتب الإسلامية.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله جواب هذا السؤال من شقّين: الأول: حكم اقتناء الكلب. " يحرم على الإنسان اقتناء الكلب إلا في الأمور التي نصّ الشارع على جواز اقتنائه فيها، فإنه من اقتنى كلباً ـ إلا كلب صيد أو حرث ـ انتقص من أجره كلّ يوم قيراط أو قيراطان. فعن ابن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من اقتنى كلّباً إلا كلباً ضارياً لصيد أو كلب ماشية فإنه ينقُص من أجره كلّ يوم قيراطان) رواه البخاري (5059) ومسلم (2941) ، وفي رواية لهما (قيراط) . والقيراط: كناية عن قدر عظيم من الثواب والأجر، وإذا كان ينتقص من أجره قيراط، فإنّه يأثم بذلك، فإن فوات الأجر كحصول الإثم كلاهما يدل على التحريم، أي على ما ترتّب عليه ذلك. ونجاسة الكلاب أعظم نجاسات الحيوانات، فإن نجاسة الكلب لا تطهر إلا بسبع غسلات إحداها بالتراب. حتى الخنزير الذي نصّ عليه القرآن أنّه محرّم، وأنه رجس لا تبلغ نجاسته هذا الحدّ. فالكلب نجس خبيث، ولكن مع الأسف الشديد نجد أن بعض الناس اغتروا بالكفار الذين يألفون الخبائث فصاروا يقتنون هذه الكلاب بدون حاجة، وبدون ضرورة، ويقتنونها ويربونها، وينظفونها مع أنها لا تنظف أبداً ولو نظّفت بالبحر ما نظفت، لأن نجاستها عينيّة. فالنصيحة لهؤلاء أن يتوبوا إلى الله عز وجل ـ وأن يخرجوا الكلاب من بيوتهم. أما من احتاج إليها لصيد أو حرث أو ماشية فإنّه لا بأس بذلك لإذن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.. وأنت إذا أخرجت هذا الكلب من بيتك وطردتّه فلست مسؤولاً عنه بعد ذلك، فلا تبقه عندك ولا تؤويه. الثاني: حكم مسّ الكلب. " إن كان مسّه بدون رطوبة فإنه لا ينجّس اليد، وإن كان مسّه برطوبة فإن هذا يوجب تنجس اليد على رأي كثير من أهل العلم، ويجب غسل اليد بعده سبع مرّات إحداها بالتراب. أما الأواني فإنه إذا ولغ الكلب في الإناء (أي شرب منه) يجب غسل الإناء سبع مرّات إحداها، كما ثبت ذلك في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرّات إحداها بالتراب) ، والأحسن أن يكون التراب في الغسلة الأولى. والله أعلم. انظر مجموع فتاوى الشيخ محمد ابن عثيمين (11/246) وكتاب فتاوى إسلامية (4/447) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 13356 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 565 لديهم مصاب بالسلس ويجلس على الفرش فما حكم الصلاة عليها؟ [السُّؤَالُ] ـ[عندنا رجل مريض مصاب بمرض في قدميه ومصاب بمرض سلس البول فيلبس الحفاظات أحياناً، وأحياناً يرفض لبسها ويقول لا يوجد لدي شيء وهو يزحف على كل مفروشات المنزل ما حكم جلوسنا على كل المفروشات والسير عليها إذا كنا متوضئين والصلاة عليها.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا تيقن المريض من انقطاع الخارج، فلا حرج عليه في نزع الحفاظة، وجلوسه على الفُرش. والأصل حمل كلامه على الصدق، لكن إن تبين لكم أن الأمر بخلاف ما يقول، وأن المفروشات يصيبها شيء من بوله، فينبغي الاحتياط لأمر الصلاة، بأن يغسل الإنسان قدميه قبل أن يصلي خشية أن يكون أصابها شيء من النجاسة، ويتخذ فراشا طاهرا يصلي عليه. والأصل في هذه الفرش الطهارة، فلا يحكم بنجاسة شيء منها بمجرد الشك، لكن إذا تُحقق من وجود النجاسة، وعُلم موضعها، وكان يشق رفعها وغسلها، فيكفي في طهارتها أن يصب الماء على النجاسة، بحيث يغلبها. وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: هل إذا بال الطفل على الفرشة على مختلف سنه يكفي صب الماء وتطهر من النجاسة، نظرا إلى أن الفرشة قد تكون كبيرة وقد تكون لاصقة بالأرض، أو تكون مثبتا عليها دواليب كبيرة وسرر أو لا؟ فأجابت: "إذا كان من بال على هذه الفرشة ونحوها غلاما لم يأكل الطعام كفى في تطهيرها رش الماء عليها حتى يعم موضع النجاسة منها، ولا يجب عصرها ولا غسلها، وإن كان قد أكل الطعام أو كان جارية سواء أكلت الطعام أم لا، فلا بد لتطهيرها من الغسل، ويكفي صب الماء على موضع النجاسة، ولا يجب نزع الفرشة ولا عصرها كالنجاسة على الأرض، لما ثبت في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه: (أن أعرابيا بال في المسجد فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يصب على بوله دلو من الماء) انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/364) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 91478 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 566 يصيبه دم في ملابسه الداخلية ويشق عليه تبديلها [السُّؤَالُ] ـ[أنا عندي نزيف داخلي أي ينزل دم مع البراز أو ينزل بشكل تلقائي في ملابسي الداخلية وممكن أمضي أكثر من 12 ساعة في عملي فهل يمكنني أن أصلي وملابسي بها هذا الدم أم لا؟ مع العلم بأني في عملي ولا أستطيع تغير ملابسي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب على كل ما أراد الصلاة أن يطهّر ثوبه مما فيه من النجاسة، لقوله تعالى: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) المدثر/4، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الصلاة في الثوب الذي تحيض فيه المرأة أمر بتطهيره من النجاسة قبل الصلاة. رواه البخاري (308) ومسلم (361) ، فعليك تطهير ثيابك أو تغييرها قبل الصلاة، ويمكنك دفع مشقة ذلك بأن تجعل خرقة أو منديلاً يقلل من انتشار الدم، ثم عند الوضوء تقوم بتغيير هذه الخرقة أو المنديل وتغسل المكان الذي أصابه الدم من جسمك. فإن شق عليك ذلك أيضاً فلا حرج عليك أن تصلي بتلك الثياب قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " المريض المصاب بسلس البول ولم يبرأ بمعالجته عليه أن يتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، ويغسل ما يصيب بدنه، ويجعل للصلاة ثوبا طاهرا إن لم يشق عليه ذلك، وإلا عفي عنه لقول الله تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) وقوله: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) وقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) ويحتاط لنفسه احتياطا يمنع انتشار البول في ثوبه أو جسمه أو مكان صلاته " انتهى نقلا عن "فتاوى إسلامية" (1/192) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 87851 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 567 هل شرب أحد الصحابة دم النبي صلى الله عليه وسلم؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل صَحَّ أنه لما احتجم النبي صلى الله عليه وسلم.. أنَّ أحد الصحابة شرب الدم، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (سَرَت فِيكَ النُّبُوَّة) ؟ ذكرته إحدى الطالبات في حديثنا عن نجاسة الدم وحرمة شربه.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الدم المسفوح من المحرمات النجسة، وقد جاء الدليل من الكتاب والسنة والإجماع على ذلك. يقول الله تعالى: (قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) الأنعام/145 قال الطبري رحمه الله "جامع البيان" (8/53) : " الرجس: النجس والنتن " انتهى. أما السنة: فعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: (جَاءَت امرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَالَت: إِحدَانَا يُصِيبُ ثَوبَهَا مِن دَمِ الحَيضَةِ كَيفَ تَصنَعُ بِهِ؟ قَالَ: تَحُتُّهُ ثُمَّ تَقرُصُهُ بِالمَاءِ ثُمَّ تَنضَحُهُ ثُمَّ تُصَلِّي فِيهِ) رواه البخاري (227) ومسلم (291) وقد بوب عليه البخاري (باب غسل الدم) ، كما بوب عليه النووي (باب نجاسة الدم وكيفية غسله) وأما الإجماع: فقال النووي رحمه الله: " الدم نجس، وهو بإجماع المسلمين " انتهى. ونقله أيضا القرطبي في تفسيره (2/210) وابن رشد في بداية المجتهد (1/79) ثانيا: جاء في بعض الأحاديث أن بعض الصحابة رضي الله عنهم شربوا دم النبي صلى الله عليه وسلم، وفي بعض الروايات أنه أقرهم على ذلك، وفي بعضها أنه أنكر عليهم، ولم أجد في شيء من الروايات اللفظ المذكور في السؤال: (سرت فيك النبوة) ، ونذكر هنا هذه الأحاديث وحكم العلماء عليها: 1- عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه: (أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَحتَجِمُ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: يَا عَبدَ اللَّهِ اذهَب بِهَذَا الدَّمِ فَأَهرِقهُ حَتَّى لا يَرَاهُ أَحَدٌ. فَلَمَّا بَرَزَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَمَدَ إِلَى الدَّمِ فَشَرِبَهُ. فَقَالَ: يَا عَبدَ اللَّهِ مَا صَنَعتَ؟ قَالَ: جَعَلتُهُ فِي أَخفَى مَكَانٍ ظَنَنتُ أَنَّهُ يَخفَى عَلَى النَّاسِ. قَالَ: لَعَلَّكَ شَرِبتَهُ. قَالَ: نَعَم. قَالَ: وَلِمَ شَرِبتَ الدَّمَ؟! وَيلٌ لِلنَّاسِ مِنكَ وَوَيلٌ لَكَ مِنَ النَّاسِ) رواه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1/414) ، والبزار في مسنده (6/169) ، والحاكم في المستدرك (3/638) ، والبيهقي في السنن الكبرى (7/67) ، ولكن بلفظ: (ما تلقى أمتك منك!) ، وابن عساكر في تاريخ دمشق (28/163) جميعهم من طريق هنيد بن القاسم عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه به. وهنيد بن القاسم: ترجمته في "التاريخ الكبير" (8/249) وفي "الجرح والتعديل" (9/121) ولم يذكروا فيه جرحا ولا تعديلا، وذكره ابن حبان في "الثقات" (5/515) ولم يعرف روى عنه إلا موسى بن إسماعيل. ومثل هذا الراوي يعتبر في عداد المجاهيل، ولكن يحسن حديثه إن تابعه أو شهد له ما يقويه، وقد جاء عن بعض أهل العلم ما يدل على توثيقه وقبول حديثه: قال الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" (1/30) : " وفي إسناده الهنيد بن القاسم، ولا بأس به، لكنه ليس بالمشهور بالعلم " انتهى. وقال الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (3/366) : " ما علمت في هنيد بن القاسم جرحة " انتهى. وللحديث طريق أخرى رواها الدارقطني (1/228) ، وابن عساكر في تاريخ دمشق (28/162) من طريق: محمد بن حميد ثنا علي بن مجاهد ثنا رباح النوبي أبو محمد مولى آل الزبير عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها: أنها ذكرت قصة شرب عبد الله بن الزبير ابنها دم النبي صلى الله عليه وسلم أمام الحجاج، وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم له: لا تمسك النار. قال الحافظ ابن حجر في "تلخيص الحبير" (1/31) : " وفيه علي بن مجاهد وهو ضعيف " انتهى. وعلي بن مجاهد هذا هو الكابلي، كذبه يحي بن الضريس، ويحي بن معين، كما في الميزان، وقال فيه الحافظ في التقريب: " متروك، من التاسعة، وليس في شيوخ أحمد أضعف منه " وفيه أيضا رباح النوبي، قال الحافظ: " لينه بعضهم، ولا يُدْرَى من هو " [لسان الميزان 2/443] . وبهما أعله العظيم آبادي في التعليق المغني، قال (1/425) : (قوله: " علي بن مجاهد، حدثنا رباح النوبي "، هما ضعيفان لا يحتج بهما) . وفيه أيضا: محمد بن حميد الرازي، وهو ضعيف، كما في التقريب وغيره. كما رواه في جزء الغطريف ـ كما قال ابن حجر في الإصابة (4/93) والتلخيص الحبير (1/32)) ـ ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (28/162) : عن أبي خليفة الفضل بن الحباب نا عبد الرحمن بن المبارك نا سعد أبو عاصم مولى سليما بن علي عن كيسان مولى عبد الله بن الزبير قال أخبرني سلمان الفارسي ... وذكر القصة، وفيها قول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن الزبير: لا تمسك النار إلا قسم اليمين. فيظهر من مجموع هذه الروايات أن قصة شرب عبد الله بن الزبير دم النبي صلى الله عليه وسلم لها أصل، والله أعلم. 2- سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. عن بُرَيه بن عمر بن سفينة عن أبيه عن جده قال: (احتجم النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال لي: خذ هذا الدم فادفنه من الدواب والطير، أو قال: الناس والدواب. قال: فتغيبت به فشربته. قال: ثم سألني فأخبرته أني شربته، فضحك) رواه البخاري في التاريخ الكبير (4/209) ، وابن عدي في الكامل (2/64) ، والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/67) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (7/81) كلهم من طريق ابن أبي فديك عن بُرَيه بن عمر بن سفينة عن أبيه عن جده. قال ابن كثير في "الفصول في السيرة" (300) : " فإنه حديث ضعيف لحال بُريه هذا، واسمه إبراهيم؛ فإنه ضعيف جدا " انتهى. وقال الشيخ الألباني رحمه الله "السلسلة الضعيفة" (1074) : " وهذا سند ضعيف، وله علتان: الأولى: عمر بن سفينة، قال الذهبي في "الميزان": لا يعرف، وقال أبو زرعة: صدوق، وقال البخاري: إسناده مجهول. وأورده العقيلي في الضعفاء (282) وقال: " حديث غير محفوظ ولا يعرف إلا به " والأخرى: ابنه بُرَيه – مصغرا -، واسمه إبراهيم، أورده العقيلي أيضا (61) وقال: لا يتابع على حديثه. وقال ابن عدي في "الكامل" (2/64) : له أحاديث يسيرة غير ما ذكرت، ولم أجد للمتلكمين في الرجال لأحد منهم فيه كلاما، وأحاديثه لا يتابعه عليها الثقات، وأرجو أنه لا بأس به " وقال الذهبي في الميزان: ضعفه الدارقطني، وقال ابن حبان: لا يحل الاحتجاج به. وقال أيضا: وتفرد بُرَيه عن أبيه بمناكير " والحديث ضعفه عبد الحق الإشبيلي في "الأحكام"، وسكت عليه الحافظ ابن حجر في "التلخيص" فلم يُجِد " انتهى كلام الألباني. 3- سالم أبو هند الحجام رضي الله عنه. قال الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" (1/30) : " رواه أبو نعيم في معرفة الصحابة من حديث سالم أبي هند الحجام قال: حجمت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما فرغت شربته، فقلت: يا رسول الله شربته. فقال: ويحك يا سالم، أما علمت أن الدم حرام! لا تَعُد) وفي إسناده أبو الحجاف، وفيه مقال " انتهى. 4- غلام لبعض قريش. عن نافع أبي هرمز عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (حجم النبيَّ صلى الله عليه وسلم غلامٌ لبعض قريش، فلما فرغ من حجامته أخذ الدم، فذهب به من وراء الحائط، فنظر يمينا وشمالا، فلما لم ير أحدا تحسى دمه حتى فرغ، ثم أقبل، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه، فقال: ويحك ما صنعت بالدم؟ قلت: غيبته من وراء الحائط. قال: أين غيبته؟ قلت: يا رسول الله! نفست على دمك أن أهريقه في الأرض، فهو في بطني. قال: اذهب فقد أحرزت نفسك من النار) ذكره ابن حبان في المجروحين (3/59) في ترجمة نافع أبي هرمز وقال: روى عن عطاء نسخة موضوعة، وذكر منها هذا الحديث. 5- مالك بن سنان والد أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما. قال الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" (1/31) : " وفي الباب حديث مرسل أخرجه سعيد بن منصور (2/221) من طريق عمر بن السائب أنه بلغه أن مالكا والد أبي سعيد الخدري لما جرح النبي صلى الله عليه وسلم مص جرحه حتى أنقاه ولاح أبيض، فقيل له: مُجَّهُ. فقال: لا والله لا أمُجُّهُ أبدا. ثم أدبر فقاتل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا. فاستشهد " انتهى. الخلاصة أن أصح ما ورد في شرب الصحابة بعض دم النبي صلى الله عليه وسلم، هو ما جاء من شرب عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، على ما مر من الكلام في سنده، ولم يصح عن أحد غيره. ثالثا: فكيف يوفق العلماء بين ما تقرر من نجاسة الدم، وبين شرب عبد الله بن الزبير دم النبي صلى الله عليه وسلم الشريف؟ قالوا: ذلك من خصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم التي انفرد بها في الحكم عن سائر الأمة، وهي خصوصيات كثيرة جمعها أهل العلم في مجلدات، مثل الإمام السيوطي في كتابه "الخصائص الكبرى"، فقد نص بعض أهل العلم على طهارة دمه الشريف صلى الله عليه وسلم اعتمادا على قصة عبد الله بن الزبير. انظر الشفا (1/55) ومغني المحتاج (1/233) وتبين الحقائق (4/51) وإن كان نقل في المجموع (1/288) عن جمهور الشافعية القول بنجاسة دم النبي صلى الله عليه وسلم كسائر الدماء. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 81692 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 568 ما يترتب على نزول المذي [السُّؤَالُ] ـ[كل ما قال لي زوجي احبك أو همس لي بذلك اشعر ببلل فلست أدري هل هذا هو المني؟ وهل يستوجب الغسل؟ وهل هذا هو البلل الذي يأتي مع الشهوة ... على الرغم أن إحساسي بالفرح والنشوة عندما يقولها لي يختلف عن شعوري باللذة عند ذروة الجماع ... أفتوني يرحمكم الله لأن زوجي دائما يناديني احبك..وفى كل مرة اشعر بالبلل..فهل يتوجب على في كل مرة الغسل؟ أنا حائرة من أمري ... إذا يتوجب على الغسل في كل صلاة!!!.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الظاهر أن هذا البلل الذي تشعرين به هو المذي وليس المني الذي يوجب خروجه الاغتسال. وعلى هذا، فلا يجب عليك الاغتسال لخروجه، ولكن فقط عليك الوضوء، لأن خروج المذي ناقض للوضوء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن المذي: (فيه الوضوء) رواه البخاري ومسلم. وقد نقل ابن قدامة رحمه الله في " المغني " (1/168) إجماع العلماء على أن خروج المذي ناقض للوضوء. ثانياً: يجب التنبه إلى أن المذي نجس، فيجب غسل الموضع الذي أصابه المذي من البدن، وأما الثياب فقد خفف الشرع في تطهيرها دفعاً للمشقة، فيكفي أن تأخذي كفاً وترشيه على الموضع الذي أصابه المذي، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم لما سئل عن كيفية تطهير الثوب من المذي: (يكفيك أن تأخذ كفاً من ماء فتنضح (أي: ترش) بها ثوبك حيث تُرى (أي: تظن) أنه أصابه) رواه الترمذي (115) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي. وقد سبق بيان الفرق بين المذي والمني والأحكام المترتبة عليهما في جواب السؤال (2458) فارجعي إليه إن أردت الاستزادة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 81774 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 569 اقتناء الكلب ولمسه وتقبيله [السُّؤَالُ] ـ[الاحتفاظ بكلب يعدُّ من النجاسات، لكن إذا أبقى المسلم كلباً لمجرد حراسة البيت، وأبقاه خارجه، ووضعه في مكان في آخر المجمع، فكيف يمكنه أن يطهر نفسه؟ وما هو الحكم إذا لم يجد تراباً أو طيناً لينظف به نفسه؟ وهل يوجد هناك أية بدائل لتنظيف المسلم نفسه؟ في بعض الأحيان يقوم المذكور باصطحاب الكلب معه للجري، وهو يربت عليه، ويقبله ... إلخ.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: حرَّم الشرع المطهر على المسلم اقتناء الكلاب، وعاقب من خالف ذلك بنقصان حسناته بمقدار قيراط أو قيراطين كل يوم، وقد استثني من ذلك اقتناؤه للصيد ولحراسة الماشية ولحراسة الزرع. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (مَنِ اتَّخَذَ كَلْباً إِلاَّ كَلْبَ مَاشِيَةٍ، أوْ صَيْدٍ، أوْ زَرْعٍ، انْتُقِصَ مِنْ أجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ) رواه مسلم (1575) . وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنِ اقْتَنَى كَلْباً إِلاَّ كَلْبَ مَاشِيَةٍ، أوْ ضَارِياً نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ) رواه البخاري (5163) ومسلم (1574) . وهل يجوز اقتناء الكلب لحراسة البيوت؟ قال النووي: " اختلف في جواز اقتنائه لغير هذه الأمور الثلاثة كحفظ الدور والدروب، والراجح: جوازه قياساً على الثلاثة عملاً بالعلَّة المفهومة من الحديث وهي: الحاجة " انتهى. " شرح مسلم " (10 / 236) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وعلى هذا فالمنزل الذي يكون في وسط البلد لا حاجة أنْ يتخذ الكلب لحراسته، فيكون اقتناء الكلب لهذا الغرض في مثل هذه الحال محرماً لا يجوز وينتقص من أجور أصحابه كل يوم قيراط أو قيراطان، فعليهم أنْ يطردوا هذا الكلب وألا يقتنوه، وأما لو كان هذا البيت في البر خالياً ليس حوله أحدٌ فإنَّه يجوز أنْ يقتني الكلب لحراسة البيت ومَن فيه، وحراسةُ أهلِ البيت أبلغُ في الحفاظ مِن حراسة المواشي والحرث " انتهى. " مجموع فتاوى ابن عثيمين " (4 / 246) . وفي التوفيق بين رواية " القيراط " و " القيراطين " أقوال. قال الحافظ العيني رحمه الله: أ- يجوز أنْ يكونا في نوعين مِن الكلاب، أحدُهما أشدُّ إيذاءً. ب- وقيل: القيراطان في المدن والقرى، والقيراط في البوادي. جـ- وقيل: هما في زمانين، ذكر القيراط أولاً، ثم زاد التغليظ، فذكر القيراطين. " عمدة القاري " (12 / 158) . ثانياً: وأما قول السائل " الاحتفاظ بكلب يعدُّ من النجاسات " فهو غير صحيح على إطلاقه إذ النجاسة ليست في ذات الكلب بل في ريقه حين يشرب من إناء، فمن لمس كلباً أو لمسه كلب فإنه لا يجب عليه تطهير نفسه لا بتراب ولا بماء، فإن شرب الكلب من إناء فإنه يجب عليه إراقة الماء وغسله سبع مرات بالماء وثامنة بالتراب إن كان يريد استعماله، فإن جعله خاصّاً للكلب لم يلزمه تطهيره. فعن أبي هريرة رضي الله عنه , أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: (طُهُورُ إِنَاءِ أحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الكَلْبُ أنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولاَهُنَّ بِالتُّرَابِ) رواه مسلم (279) . وفي رواية لمسلم (280) : (إِذَا وَلَغَ الكُلْبُ في الإِنَاءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وأما الكلب فقد تنازع العلماء فيه على ثلاثة أقوال: أحدها: أنَّه طاهرٌ حتى ريقه، وهذا هو مذهب مالك. والثاني: نجس حتى شعره، وهذا هو مذهب الشافعي، وإحدى الروايتين عن أحمد. والثالث: شعره طاهر، وريقه نجسٌ، وهذا هو مذهب أبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين عنه. وهذا أصحُّ الأقوال، فإذا أصاب الثوبَ أو البدنَ رطوبةُ شعره لم ينجس بذلك " انتهى. " مجموع الفتاوى " (21 / 530) . وقال في موضعٍ آخر: " وذلك لأنَّ الأصل في الأعيان الطهارة، فلا يجوز تنجيس شيء ولا تحريمه إلا بدليلٍ , كما قال تعالى: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُّرِرْتُم إِلَيْهِ) الأنعام/119، وقال تعالى: (وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُم حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَا يَتَّقُونَ) التوبة/115 ... وإذا كان كذلك: فالنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم قال: (طُهُورُ إِنَاءِ أحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الكَلْبُ أنْ يَغْسِلَهُ سَبْعاً، أولاَهُنَّ بِالتُّرَابِ) ، وفي الحديث الآخر: (إذَا وَلَغَ الكَلْبُ … ) فأحاديثُه كلُّها ليس فيها إلا ذكر الولوغ لم يذكر سائر الأجزاء، فتنجيسها إنما هو بالقياس ... وأيضاً: فالنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم رخَّص في اقتناء كلب الصيد والماشية والحرث، ولا بد لمن اقتناه أنْ يصيبه رطوبةُ شعوره كما يصيبه رطوبةُ البغل والحمار وغير ذلك، فالقول بنجاسة شعورها والحال هذه من الحرج المرفوع عن الأمة " انتهى. " مجموع الفتاوى " (21 / 617 و 619) . والأحوط: أنه إن مس الكلب وعلى يده رطوبة , أو على الكلب رطوبة أن يغسلها سبع مرات إحداهن بالتراب , قال الشيخ ابن عثيمين: " وأما مس هذا الكلب فإن كان مسه بدون رطوبة فإنه لا ينجس اليد , وإن كان مسه برطوبة فإن هذا يوجب تنجيس اليد على رأي كثير من أهل العلم , ويجب غسل اليد بعده سبع مرات , إحداهن بالتراب " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (11/246) . ثالثاً: وأما كيفية تطهير نجاسة الكلب، فقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (41090) ، (46314) وأن الواجب غسل نجاسة الكلب سبع مرات إحداهن بالتراب، ومع وجود التراب فالواجب استعماله، ولا يجزئ غيره، أما إذا لم يجد تراباً، فلا حرج من استعمال غيره من المنظفات كالصابون. رابعاً: وما ذكره السائل من تقبيل الكلاب فهو مسبب لأمراض كثيرة، والأمراض التي تصيب الإنسان نتيجة مخالفة الشرع بتقبيل الكلاب أو الشرب من آنيتها قبل تطهيرها كثيرة , ومنها " مرض الباستريلا " وهو مرضٌ بكتيري، يوجد السبب المرضي له طبيعياً في الجهاز التنفسي العلوي للإنسان والحيوانات، وتحت ظروفٍ خاصَّةٍ يغزو هذا الجرثوم الجسم محُدِثاً المرض. ومنها " الأكياس المائية " وهو من الأمراض الطفيلية التي تصيب الأحشاء الداخلية للإنسان والحيوان، وتكون أعلى إصابة لها في الكبد والرئتين، يليها التجويف البطني، وبقية أعضاء الجسم. ويسبب هذا المرض دودة شريطية تُسَّمى (ايكاينكوس كرانيلوسيس) وهي دودة صغيرة طول البالغة منها (2 – 9) ملم، تتكون مِن ثلاث قطعٍ، ورأس، ورقبة، ويكون الرأس مزوداً بأربع ممصات. وتعيش الديدان البالغة في أمعاء المضائف النهائية، المتمثلة بالكلاب والقطط والثعالب والذئاب. وينتقل هذا المرض إلى الإنسان المولع بتربية الكلاب، حين يقبله، أو يشرب مِن إنائه. انظر كتاب: " أمراض الحيوانات الأليفة التي تصيب الإنسان " للدكتور علي إسماعيل عبيد السنافي. والخلاصة: لا يجوز اقتناء الكلاب إلا لصيد أو حراسة ماشية وزرع، ويجوز اتخاذه لحراسة الدور بشرط أن تكون خارج المدينة وبشرط عدم توفر وسيلة أخرى، ولا ينبغي للمسلم تقليد الكفار في الركض مع الكلاب، ولمس فمه وتقبيله مسبب لأمراض كثيرة. والحمد لله على هذه الشريعة الكاملة المطهرة، والتي جاءت لإصلاح دين ودنيا الناس، ولكن أكثر الناس لا يعلمون. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69840 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 570 ما الفرق بين الاستتار والتنزه في حديث المعذَّبَيْن؟ [السُّؤَالُ] ـ[ورد في صحيح البخاري حديث النبي صلى الله عليه وسلم عندما مر على قبرين وقال إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير أو كما قال صلى الله عليه وسلم , ثم قال " بلى , كان أحدهما لا يستتر من بوله وكان الآخر يمشي بالنميمة " وورد في صحيح مسلم نفس الحديث وفي رواية أخرى لمسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " وكان الآخر لا يستنزه عن البول - أو من البول -. سؤالي هو: ما الاستتار؟ وما هو التنزه؟ والفرق بينهما؟ وكيف نوفق بين الروايتين؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث رواه البخاري (216) ومسلم (292) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ أَوْ مَكَّةَ، فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، ثُمَّ قَالَ: بَلَى، كَانَ أَحَدُهُمَا لا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ، وَكَانَ الآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ، ثُمَّ دَعَا بِجَرِيدَةٍ فَكَسَرَهَا كِسْرَتَيْنِ، فَوَضَعَ عَلَى كُلِّ قَبْرٍ مِنْهُمَا كِسْرَةً. فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ قَالَ: لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ تَيْبَسَا، أَوْ إِلَى أَنْ يَيْبَسَا) . وفي رواية لمسلم (لا يَسْتَنْزِهُ عَنْ الْبَوْلِ أَوْ مِنْ الْبَوْلِ) . وفي رواية للنسائي (2068) (لا يَسْتَبْرِئُ مِنْ بَوْلِهِ) وصححها الألباني في "صحيح النسائي". قال النووي: " وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يستتر من بوله) فروى ثلاث روايات: (يستتر) بتائين , و (يستنزه) بالزاي والهاء , و (يستبرئ) بالباء والهمزة، وكلها صحيحة , ومعناها: لا يتجنبه ويتحرز منه. "شرح مسلم" (3/201) باختصار. وقال الحافظ ابن حجر: قوله: (لا يستتر) كذا في أكثر الروايات , وفي رواية ابن عساكر: (يستبرئ) ، ولمسلم وأبي داود في حديث الأعمش: (يستنزه) . فعلى رواية الأكثر معنى " الاستتار " أنه لا يجعل بينه وبين بوله سترة يعني: لا يتحفظ منه , فتوافق رواية لا يستنزه؛ لأنها من التنزه وهو الإبعاد , وقد وقع عند أبي نعيم في المستخرج من طريق وكيع عن الأعمش: (كان لا يتوقى) وهي مفسرة للمراد، وأجراه بعضهم على ظاهره فقال: معناه لا يستر عورته. . . وأما رواية " الاستبراء " فهي أبلغ في التوقي. قال ابن دقيق العيد: لو حمل الاستتار على حقيقته للزم أن مجرد كشف العورة كان سبب العذاب المذكور , وسياق الحديث يدل على أن للبول بالنسبة إلى عذاب القبر خصوصية , يشير إلى ما صححه ابن خزيمة من حديث أبي هريرة مرفوعا: (أكثر عذاب القبر من البول) أي: بسبب ترك التحرز منه، قال: ويؤيده أن لفظ " مِنْ " في هذا الحديث لما أضيف إلى البول اقتضى نسبة الاستتار الذي عدمه سبب العذاب إلى البول , بمعنى أن ابتداء سبب العذاب من البول , فلو حمل على مجرد كشف العورة زال هذا المعنى , فتعين الحمل على المجاز لتجتمع ألفاظ الحديث على معنى واحد لأن مخرجه واحد، ويؤيده أن في حديث أبي بكرة عند أحمد وابن ماجه: (أما أحدهما فيعذب في البول) ، ومثله للطبراني عن أنس. "فتح الباري" (1/318) . وقال الصنعاني: ثم أخبر أن عذاب أحدهما ; لأنه كان لا يستنزه من البول , أو لأنه لا يستتر من بوله مِن الاستتار، أي: لا يجعل بينه وبين بوله ساتراً يمنعه عن الملامسة له , أو لأنه لا يستبرئ , من الاستبراء , أو لأنه لا يتوقاه , وكلها ألفاظ واردة في الروايات , والكل مفيد لتحريم ملامسة البول وعدم التحرز منه. "سبل السلام" (1/119، 120) . والخلاصة: أن ألفاظ الروايات الصحيحة " لا يستتر " و " لا يستبرئ " و " لا يتنزه " وكلها بمعنى واحد كما سبق من كلام الأئمة والخلاف بينها في أصل الكلمة واشتقاقها اللغوي، فلفظة " لا يستتر " من الاستتار ومعناها: لا يجعل بينه وبين بوله سترة، و " لا يستبرئ " من الاستبراء وهو الصيانة والحفظ، ولفظة " لا يتنزه " من التنزه وهو الإبعاد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 59934 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 571 حكم الإفرازات التي تخرج من رحم المرأة [السُّؤَالُ] ـ[أجد فجأة على ملابسي الداخلية إفرازات شفافة لا أحس بنزولها، هل تجوز الصلاة بذلك؟ وإذا كانت لا تجوز هل يجب إعادة الوضوء وتغيير الملابس؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الكلام على هذه الإفرازات في مسألتين: الأولى: هل هي طاهرة أو نجسة؟ فمذهب أبي حنيفة وأحمد وإحدى الروايتين عن الشافعي –وصححها النووي- أنها طاهرة. واختار هذا القول الشيخ ابن عثيمين، رحم الله الجميع. قال في الشرح الممتع (1/457) : "وإذا كانت –يعني هذه الإفرازات- من مسلك الذكر فهي طاهرة، لأنها ليست من فضلات الطعام والشراب، فليست بولاً، والأصل عدم النجاسة حتى يقوم الدليل على ذلك، ولأنه لا يلزمه إذا جامع أهله أن يغسل ذكره، ولا ثيابه إذا تلوثت به، ولو كانت نجسة للزم من ذلك أن ينجس المني، لأنه يتلوث بها" اهـ. وانظر: "المجموع" (1/406) ، "المغني" (2/88) . وعلى هذا، فلا يجب غسل الثياب أو تغييرها إذا أصابتها تلك الرطوبة. المسألة الثانية: هل ينتقض الوضوء بخروج هذه الإفرازات أو لا؟ فالذي ذهب إليه أكثر العلماء أنها تنقض الوضوء. وهو الذي اختاره الشيخ ابن عثيمين، حتى قال: "الذي ينسب عني غير هذا القول غير صادق، والظاهر أنه فهم من قولي إنه طاهر أنه لا ينقض الوضوء" اهـ. مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين (11/287) . وقال أيضاً (11/285) : "أما اعتقاد بعض النساء أنه لا ينتقض الوضوء فهذا لا أعلم له أصلا إلا قول ابن حزم" اهـ. لكن. . إذا كانت هذه الرطوبة تنزل من المرأة باستمرار، فإنها تتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، ولا يضرها نزول هذه الرطوبة بعد ذلك، ولو كانت في الصلاة. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: "إذا كانت الرطوبة المذكورة مستمرة في غالب الأوقات فعلى كل واحدة ممن تجد هذه الرطوبة الوضوء لكل صلاة إذا دخل الوقت، كالمستحاضة، وكصاحب السلس في البول، أما إذا كانت الرطوبة تعرض في بعض الأحيان –وليست مستمرة- فإن حكمها حكم البول متى وُجدت انتقضت الطهاة ولو في الصلاة" اهـ. مجموع فتاوى ابن باز (10/130) . راجع السؤال رقم (37752) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50404 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 572 استعمال التراب في تطهير نجاسة الكلب [السُّؤَالُ] ـ[هل لا بد في تطهير نجاسة الكلب من الغسل بالتراب؟ أو يمكن استعمال بدائل أخرى كالصابون؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سبق في جواب السؤال (41090) بيان كيفية تطهير نجاسة الكلب، وأنه يجب أن تغسل سبعاً إحداهن بالتراب. وقد اختلف العلماء هل يجب استعمال التراب أم يجوز أن يستعمل شيئاً آخر كالصابون أو غيره من المنظفات؟ فمذهب الإمام الشافعي إلى أنه يجب استعمال التراب , ولا يجزئ استعمال غيره , لأن النبي صلى الله عليه وسلم عيَّنَه وأمر به. ومذهب الإمام أحمد أنه يجوز أن يستعمل غير التراب كالصابون ونحوه. انظر: "المجموع" (2/600) , "روضة الطالبين" (ص16) , "المغني" (1/74) , "الإنصاف" (2/248) . وجاء في "الموسوعة الفقهية" (10/139) : " إذا ولغ الكلب في إناء، فإنه كي يطهر هذا الإناء يجب غسله سبعا إحداهن بالتراب , هذا عند الحنابلة والشافعية. . . فإن جعل مكان التراب غيره من الأشنان (منظف كانوا يستعملونه قديماً) والصابون ونحوهما , أو غسله غسلة ثامنة , فالأصح أنه لا يجزئ , لأنه طهارة أمر فيها بالتراب تعبدا , ولذا لم يقم غيره مقامه. ولبعض الحنابلة: يجوز العدول عن التراب إلى غيره عند عدم التراب , أو إفساد المحل المغسول به. فأما مع وجوده وعدم الضرر فلا. وهذا قول ابن حامد " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (1/292) عن القول بأنه يجزئ عن التراب غيره , قال: " وهذا فيه نظر لما يلي: 1- أن الشارع نص على التراب , فالواجب اتباع النص. 2- أن السدر والأشنان كانت موجودة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم , ولم يشر إليهما. 3- لعل في التراب مادة تقتل الجراثيم التي تخرج من لعاب الكلب. 4- أن التراب أحد الطهورين , لأنه يقوم مقام الماء في باب التيمم إذا عدم. وقال صلى الله عليه وسلم: (وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً) . فالصحيح: أنه لا يجزئ عن استعمال التراب , لكن لو فرض عدم وجود التراب وهذا احتمال بعيد , فإن استعمال الأشنان , أو الصابون خير من عدمه " انتهى. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 46314 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 573 هل ينتقض الوضوء بخروج الرطوبة من الفرج [السُّؤَالُ] ـ[هل السائل الأبيض الذي يخرج من المرأة ينقض الوضوء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الظاهر أن السائلة تقصد بسؤالها حكم رطوبة فرج المرأة، وهذه المسألة اختلف فيها العلماء، وتحريرها في بيان مسألتين: المسألة الأولى: هل تلك الرطوبة طاهرة أم نجسة؟ القول الأول: أنها طاهرة، وهو مذهب الشافعي وأحمد. القول الثاني: أنها نجسة. والراجح هو القول الأول، لعدم الدليل على نجاسة تلك الرطوبة، قال في المغني:" لأن عائشة كانت تفرك المني من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو من جماع ... وهو يلاقي رطوبة الفرج، ولأننا لو حكمنا بنجاسة فرج المرأة لحكمنا بنجاسة منيها " ا. هـ. المسألة الثانية: هل تلك الرطوبة ناقضة للوضوء أم لا؟ اختلف العلماء في ذلك على قولين: القول الأول: أنها ناقضة للوضوء، وهذا مذهب الجمهور، واستدلوا بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر المستحاضة أن تتوضأ لكل صلاة، وتلك الرطوبة أو السوائل ملحقة بالاستحاضة، ففي صحيح البخاري عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: (جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت يا رسول الله إني امرأة أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا إنما ذلك عرق وليس بحيض فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي) قال - يعني هشام -: وقال أبي - يعني عروة بن الزبير -: (ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت) [رواه البخاري برقم 228] قال الحافظ في الفتح في زيادة الأمر بالوضوء:" وادعى بعضهم أن هذا معلق، وليس بصواب، بل هو بالإسناد المذكور عن محمد عن أبي معاوية عن هشام، وقد بين ذلك الترمذي في روايته، وادعى آخر أن قوله: ثم توضيء من كلام عروة موقوفا عليه، وفيه نظر، لأنه لو كان كلامه لقال: ثم تتوضأ بصيغة الإخبار، فلما أتى به بصيغة الأمر شاكله الأمر الذي في المرفوع وهو قوله: فاغسلي " ا. هـ[الفتح 1 / 332، وانظر 1 / 409، وانظر الإرواء 1 / 146، 224] القول الثاني: أنها غير ناقضة للوضوء، وهو قول ابن حزم. ولشيخ الإسلام ابن تيمية قولان في المسألة كالمذهبين السابقين، ففي الاختيارات، اختار عدم النقض، وفي مجموع الفتاوى اختار قول الجمهور. انظر مجموع الفتاوى (21/221) ، والاختيارات ص27. وقد فصّل الشيخ ابن عثيمين حكم المسألتين السابقتين فقال:.. الظاهر لي بعد البحث أن السائل الخارج من المرأة إذا كان لا يخرج من المثانة وإنما يخرج من الرحم فهو طاهر، ولكنه ينقض الوضوء وإن كان طاهراً، لأنه لا يشترط للناقض للوضوء أن يكون نجساً، فها هي الريح تخرج من الدبر وليس لها جرم، ومع ذلك تنقض الوضوء، وعلى هذا إذا خرج من المرأة وهي على وضوء، فإنه ينقض الوضوء وعليها تجديده، فإن كان مستمراً، فإنه لا ينقض الوضوء، ولكن لا تتوضأ للصلاة إلا إذا دخل وقتها وتصلي في هذا الوقت الذي تتوضأ فيه فروضاً ونوافل وتقرأ القرآن وتفعل ما شاءت مما يباح لها، كما قال أهل العلم نحو هذا فيمن به سلس البول. هذا هو حكم السائل من جهة الطهارة فهو طاهر، لا ينجس الثياب ولا البدن. وأما حكمه من جهة الوضوء، فهو ناقض للوضوء، إلا أن يكون مستمراً عليها، فإن كان مستمراً فإنه ينقض الوضوء، لكن على المرأة أن لا تتوضأ للصلاة إلا بعد دخول الوقت وأن تتحفظ. أما إن كان متقطعاً وكان من عادته أن ينقطع في أوقات الصلاة، فإنها تؤخر الصلاة إلى الوقت الذي ينقطع فيه ما لم تخش الوقت، فإن خشيت خروج الوقت، فإنها تتوضأ وتتلجم (تتحفظ) وتصلي. ولا فرق بين القليل والكثير، لأنه كله خارج من السبيل فيكون ناقضاً قليله وكثيره. وأما اعتقاد بعض النساء أنه لا ينقض الوضوء، فهذا لا أعلم له أصلاً إلا قولاً لابن حزم ـ رحمه الله ـ فإنه يقول: إن هذا لا ينقض الوضوء، ولكنه لم يذكر لهذا دليلاً، ولو كان له دليل من الكتاب والسنة أو أقوال الصحابة لكان حجة، وعلى المرأة أن تتقي الله وتحرص على طهارتها، فإن الصلاة لا تقبل بغير طهارة ولو صلت مائة مرة، بل إن بعض العلماء يقول: إن الذي يصلي بلا طهارة يكفر لأن هذا من باب الاستهزاء بآيات الله سبحانه وتعالى. مجموع فتاوى ابن عثيمين (1/284-286) للمزيد راجع السؤال رقم (7776) (13948) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 44980 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 574 هل القيء نجس؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا تقيأ الإنسان، فهل هذا القيء نجس وينقض الوضوء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ذهب أكثر العلماء إلى نجاسة القيء. جاء في الموسوعة الفقهية (34/87) : " اختلفت الآراء في طهارة القيء ونجاسته. فيقول الحنفية والشافعية والحنابلة بنجاسته، ولكل منهم تفصيله , وبذلك يقول المالكية في المتغير عن حال الطعام، ولو لم يشابه أحد أوصاف العذرة. واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يا عمار إنما يغسل الثوب من خمس: من الغائط , والبول , والقيء , والدم , والمني) " انتهى. واستدلوا على نجاسته أيضا: بقياسه على الغائط، لأنه قد ظهر فيه النتن والفساد. وذهب بعض العلماء كابن حزم والشوكاني إلى طهارته، لأن الأصل في الأشياء الطهارة، وليس هناك دليل صحيح على نجاسته. وقد أجابوا عن حديث عمار بأنه ضعيف. قال النووي في "المجموع" (2/549) : حديث عمار هذا رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده والدارقطني والبيهقي، قال البيهقي: هو حديث باطل لا أصل له وبين ضعفه الدارقطني والبيهقي " انتهى. وضعفه الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" (1/33) . وقال الشيخ الألباني في "تمام المنة" (ص 53) معلقاً على قول صاحب "فقه السنة" إن من النجاسات القيء: " قلت: لم يذكر المؤلف الدليل على ذلك اللهم إلا قوله: [إنه متفق على نجاسته] وهذه دعوى منقوضة فقد خالف في ذلك ابن حزم حيث صرح بطهارة قيء المسلم، وهو مذهب الإمام الشوكاني في "الدرر البهية" وصديق خان في شرحها، حيث لم يذكرا في النجاسات قيء الآدمي مطلقاً، وهو الحق، ثم ذكرا أن في نجاسته خلافاً ورجحا الطهارة بقولهما: (والأصل الطهارة فلا ينقل عنها إلا ناقل صحيح لم يعارضه ما يساويه أو يقدم عليه) وذكر نحوه الشوكاني أيضاً في السيل الجرار " انتهى. وقد سئل الشيخ سليمان العلوان عن نجاسة القيء فقال: " الصحيح أنه طاهر مطلقاً (يعني سواء كان متغيراً أم لا) ، والاستقذار والاستحالة إلى روائح كريهة لا يعني النجاسة. والأصل الجامع في هذا الباب طهارة كل الأعيان حتى يثبت الدليل على النجاسة، والقيء لم يثبت دليل على نجاسته فهو طاهر " اهـ. وانظر: "المجموع" (2/570) ، "المغني" (1/485) . ثانياً: وأما نقض الوضوء بالقيء، فالصحيح من أقوال أهل العلم أن القيء لا ينقض الوضوء، وانظر السؤال (2570) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 42929 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 575 كيفية تطهير نجاسة الكلب [السُّؤَالُ] ـ[كيف يتم تطهير نجاسة الكلب؟ وهل يجب أن يغسل سبع مرات أم تكفي مرة واحدة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله روى مسلم (279) عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، أُولاهُنَّ بِالتُّرَابِ) . وروى مسلم (280) أيضاً: عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغَفَّلِ قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الإِنَاءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ فِي التُّرَابِ) . ففي هذين الحديثين بَيَّن النبي صلى الله عليه وسلم كيفية تطهير نجاسة الكلب، وهي غسل الإناء سبع مرات، إحداهن بالتراب. وكلاهما واجب. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/73) : " لا يختلف المذهب أن نجاسة الكلب يجب غسلها سبعاً، إحداهن بالتراب، وهو قول الشافعي " انتهى. وقال النووي في "المجموع" (2/598) : " وقد اختلف العلماء في ولوغ الكلب , فمذهبنا أنه ينجس ما ولغ فيه، ويجب غسل إنائه سبع مرات إحداهن بالتراب , وبهذا قال أكثر العلماء. حكى ابن المنذر وجوب الغسل سبعا عن أبي هريرة وابن عباس وعروة بن الزبير وطاوس وعمرو بن دينار ومالك والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد وأبي ثور. قال ابن المنذر: وبه أقول " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين: " إذا كانت النجاسة على غير الأرض وهي نجاسة كلب، فإنه لا بد لتطهيرها من سبع غسلات إحداها بالتراب " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (11/245) . والأفضل أن تكون الغسلة الأولى هي التي بالتراب، فإن جعل التراب في غيرها حصل المقصود، وطهر المكان. قال النووي في "المجموع" (2/598) : " فالحاصل أنه يستحب جعل التراب في الأولى، فإن لم يفعل ففي غير السابعة أولى، فإن جعله في السابعة جاز , وقد جاء في روايات في الصحيح (سبع مرات) , وفي رواية: (سبع مرات أولاهن بالتراب) , وفي رواية: (أخراهن بدل أولاهن) , وفي رواية: (سبع مرات السابعة بتراب) , وفي رواية: (سبع مرات وعفروه الثامنة في التراب) وقد روى البيهقي وغيره هذه الروايات كلها، وفيه دليل على أن التقييد بالأولى وغيرها ليس للاشتراط , بل المراد إحداهن " انتهى. " وغسله بالتراب له عدة طرق: 1- أن يغسل بالماء ثم نذر التراب عليه. 2- أن نذر التراب عليه ثم نتبعه الماء. 3- أن نخلط التراب بالماء ثم نغسل به الإناء " قاله الشيخ ابن عثيمين في "شرح بلوغ المرام" حديث رقم (14) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 41090 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 576 السن التي يجب فيها غسل بول الغلام [السُّؤَالُ] ـ[متى يصبح بول الرضيع نجساً؟ وهل يختلف الأمر بين الصبي والفتاة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله بول الإنسان نجس، يجب التطهر منه، سواء كان صغيراً أو كبيراً، غلاماً أو جاريةً، إلا أنه خفف في بول الغلام الذي لم يأكل الطعام، فاكتفي في تطهيره بالنضح (أي: الرش) ، لما روى البخاري (223) ومسلم (287) عَنْ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ رضي الله عنها (أَنَّهَا أَتَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَجْلَسَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجْرِهِ، فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ) . وروى الترمذي (610) وابن ماجه (525) عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي بَوْلِ الْغُلَامِ الرَّضِيعِ: (يُنْضَحُ بَوْلُ الْغُلامِ، وَيُغْسَلُ بَوْلُ الْجَارِيَةِ) . قَالَ قَتَادَةُ: وَهَذَا مَا لَمْ يَطْعَمَا، فَإِذَا طَعِمَا غُسِلا جَمِيعًا. صححه الألباني في صحيح الترمذي. وهذا الحديث دليل عل التفريق بين بول الغلام الجارية، فبول الغلام يكفي فيه الرش، وبول الجارية لا بد من غسله. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والنضح: أن تُتبعه الماء دون فرك، أو عصر حتى يشمله كله. . . فإن قيل: ما الحكمة أن بول الغلام الذي لم يطعم يُنضح، ولا يغسل كبول الجارية؟ أجيب: أن الحكمة أن السنة جاءت بذلك، وكفى بها حكمة، ولهذا لما سئلت عائشة رضي الله عنها: ما بال الحائض تقضي الصوم، ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: (كان يصيبنا ذلك على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة) . ومع ذلك التمس بعض العلماء الحكمة في ذلك: فقال بعضهم: الحكمة في ذلك التيسير على المكلف، لأن العادة أن الذكر يحمل كثيرا، ويفرح به، ويحب أكثر من الأنثى، وبوله يخرج من ثقب ضيق، فإذا بال انتشر، فمع كثرة حمله، ورشاش بوله يكون فيه مشقة؛ فخفف فيه. وقالوا أيضا: غذاؤه الذي هو اللبن لطيف، ولهذا إذا كان يأكل الطعام فلا بد من غسل بوله، وقوته على تلطيف الغذاء أكبر من قوة الجارية. وظاهر كلام أصحابنا (الحنابلة) أن التفريق بين بول الغلام والجارية أمر تعبدي. وغائط هذا الصبي كغيره لا بد فيه من الغسل. وبول الجارية والغلام الذي يأكل الطعام كغيرهما، لا بد فيهما من الغسل " انتهى من "الشرح الممتع" (1/372) . وأما سن الغلام الذي يكتفى فيه بالرش، فقد سبق قول قتادة: وَهَذَا مَا لَمْ يَطْعَمَا، فَإِذَا طَعِمَا غُسِلا جَمِيعًا. والمراد بذلك أنه يشتهي الطعام ويتغذى به ويطلبه، وليس المراد أنه يأكل ما يوضع في فمه. قال ابن القيم رحمه الله: " إنما يزول حكم النضح إذا أكل الطعام وأراده واشتهاه تغذياً به " انتهى من "تحفة المودود بأحكام المولود" (ص 190) . وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: " ليس المراد امتصاصه ما يوضع في فمه وابتلاعه، بل إذا كان يريد الطعام ويتناوله ويشرئب إليه (أي: يتطلع إليه ويطلبه) ، أو يصيح أو يشير إليه، فهذا هو الذي يطلق عليه أنه يأكل الطعام) انتهى من مجموع فتاويه (2/95) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36877 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 577 استعمال المناديل والأوراق في إزالة النجاسة [السُّؤَالُ] ـ[نستعمل في بريطانيا المناديل والأوراق في الاستنجاء في الحمامات فهل يجب استعمال الماء بعد استعمال المناديل أم لا؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز استعمال المناديل والأوراق ونحوهما في الاستجمار وتجزئ إذا أنقت ونظّفت المحل من قُبُل أو دبر، والأفضل أن يكون ما يُستجمر به وتراً كثلاث أوراق أو ثلاثة أحجار ونحو ذلك، ويجب ألا ينقص عن ثلاث مسحات ولا يجب استعمال الماء بعده، ولكنه سنة. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 5/107 الحديث: 2138 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 578 إذا لعق كلب ثوب المسلم فما الحكم؟ [السُّؤَالُ] ـ[ماذا يجب أن يفعل أحدنا إذا لعق الكلب جلده أو ملابسه؟ أنا أعرف أنك ستقول أنه من المفترض أن يقوم ذلك الشخص بحك المنطقة المتأثرة بالتراب أو الطين لكن ماذا لو كان الشخص يرتدي ملابس مصنوعة من قماش أملس فاخر كالبدلة مثلا فهو إن فعل ذلك ستتسخ ملابسه أكثر فماذا لو اكتفى فقط بالغسيل المجفف في المغسلة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذهب أهل العلم إلى القول بنجاسة سؤر ولعاب الكلب، وقالوا بوجوب غسل ما يلعقه من الأواني والثياب. وقد وردت السنّة بما يفعله المسلم للتطهير إذا حصل ذلك فقد روى الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم، فليرقه، ثم ليغسله سبع مرات) . وزاد مسلم (أولاهن بالتراب) البخاري بحاشية السندي 1/44 مسلم 1/234 ومعنى ولغ: أي أدخل لسانه في الماء، وغيره، سواء شرب منه، أو لم يشرب، ومن ذلك اللعق، والحديث نص في الآنية، ولم يفرق العلماء بين الآنية وغيرها، وقال العراقي: ذكر الإناء خرج مخرج الأغلب. فيجب غسل الإناء أو الثوب سبع مرات، إحداهن بالتراب. وهو قول ابن عباس، وأبي هريرة في رواية ـ رضي الله عنهم ـ وبه أخذ ابن سيرين، وطاووس، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وأبو ثور، وغيرهم المجموع 2/586 والمغني 1/46 والمحلى 1/146 ونيل الأوطار 1/74 ولا يلزم أن تكون الغسلة الأخيرة بالتراب ولذلك فلا يرد الاعتراض الوارد في السؤال من أنّ التراب يلوّث اللباس، لأنّه سيُغسل بعدها بالماء، وبعد تجفيفه وكيّه سيعود أنظف مما كان، والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2453 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 579 رطوبة فرج المرأة المستمرة.. هل يجب الاستنجاء منها لكل صلاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[قرأت أنه يجب على من لديها إفرازات دائما شفافة والتي تعرف برطوبة فرج المرأة أن تتوضأ لكل صلاه وتصلي وتقرأ ما شاءت إلى وقت الصلاة التي تليها ولكن سؤالي الذي محيرني هل عليها الاستنجاء والتحفظ لكل صلاة أيضا أم يكفي الوضوء بدون استنجاء. أرجو الإجابة على سؤالي أخاف أن تضيع صلواتي لعدم الطهارة لهذا السبب.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله رطوبة الفرج الخارجة من الرحم - لا من المثانة - طاهرة، وتنقض الوضوء على الراجح، إلا أن تكون مستمرة، فتتوضأ لكل صلاة، ولا يلزمها الاستنجاء وإعادة التحفظ؛ لأن هذه الرطوبة طاهرة كما تقدم. وأما الرطوبة الخارجة من المثانة، أو سلس البول، فيلزم صاحبه الاستنجاء والتحفظ إذا فرط في الشد والتحفظ، وأما إذا لم يفرط فلا يلزمه غسل المحل وعصبه لكل صلاة. قال في "شرح منتهى الإرادات" (1/120) : " يلزم كل من دام حدثه من مستحاضة , ومن به سلس بول , أو مذي , أو ريح غسل المحل الملوث بالحدث , لإزالته عنه وتعصيبه أي فعل ما يمنع الخارج حسب الإمكان، من حشو بقطن , وشدّه بخرقة طاهرة.. ولا يلزمه إعادتهما أي الغسل والعصب لكل صلاة إن لم يفرّط , لأن الحدث مع غلبته وقوته لا يمكن التحرز منه ... ويتوضأ من حدث دائم لوقت كل صلاة إن خرج شيء " انتهى مختصرا. وقال في "مطالب أولي النهى" (1/236) : "ولا يلزم إعادة غسل , ولا إعادة تعصيب لكل صلاة حيث لا تفريط في الشد ; لأن الحدث مع غلبته وقوته لا يمكن التحرز منه. قالت عائشة: (اعتكفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من أزواجه , فكانت ترى الدم والطست تحتها , وهي تصلي) رواه البخاري. فإن فرّط في الشد , وخرج الدم بعد الوضوء لزمت إعادته ; لأنه حدث أمكن التحرز منه" انتهى. وأفتى الشيخ ابن باز رحمه الله بأنه إن شق على صاحب السلس غسل النجاسة وتبديل العصابة، صلى على حاله، وينظر جواب السؤال رقم (82079) . والحاصل: أن الإفرازات الطاهرة لا يلزم فيها إعادة الاستنجاء أو تغيير العصابة، وإنما الواجب هو الوضوء لوقت كل صلاة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136065 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 580 مصاب بسلس مستمر وآخر منقطع فهل يتوضأ بعد دخول الوقت أو ينتظر توقف الحدث؟ [السُّؤَالُ] ـ[أجريت لي عملية استئصال قولون وبسبب هذا الاستئصال أصبحت عملية التصريف وقضاء الحاجة عن طريق فتحة خارجية وأصبحت أتوضأ لكل صلاة. ومعي أيضا سلس البول وهذا السلس يستمر معي بعد خروجي من الحمام لفترة محدودة أحيانا يستمر معي لأكثر من ساعة وأحيانا أقل من ساعة أي أن البول لا يجف إلا بعد تمام هذه المدة. السؤال: هل أنتظر مدة جفاف البول وبعدها أتوضأ وأصلى، أم أتوضأ في أول الوقت؛ نظراً للعذر الأول ولا ألتفت إلي جفاف البول؟ وإذا دخل وقت الصلاة وكنت بحاجة ماسة إلى دخول الحمام هل أتوضأ على الفور لإدراك صلاة الجماعة في المسجد أم أنتظر حتى الجفاف وأصلى في البيت؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نسأل الله تعالى أن يشفيك ويعافيك، وما قمت به من الوضوء لكل صلاة لأجل خروج الخارج من الفتحة صواب؛ لدخول ذلك في حكم السلس. وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: عمن أجريت له عملية استئصال للمستقيم وفتحت له فتحة جانبية للبراز، فأجابت: " إذا كان الأمر كما ذكرت فوضوؤك ينتقض بما يخرج منك من الغائط إلى الكيس قليلا أو كثيرا، ويجب عليك الوضوء لكل صلاة كمن به سلسل البول وكالمستحاضة، ويعفى عنك بالنسبة لحملك الكيس في الصلاة وبه نجاسة وعن خروج البراز منك إلى الكيس وأنت في الصلاة ... " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/412) . ثانياً: ما دام البول ينقطع وقتا يتسع للطهارة والصلاة، فهذا لا يعد سلسا، ويلزمك الانتظار لانقطاعه ولو أدى ذلك لترك صلاة الجماعة، وكونك تتوضأ لكل صلاة لأجل الفتحة الجانبية، لا يعني عدم انتقاض وضوئك بالنواقض الأخرى، ومنها خروج البول على وجه لا يعدّ سلسا لانقطاعه وعدم استمراره. وينظر: "كشاف القناع" (1/88) . وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (39494) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131769 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 581 حكمة الوضوء من أكل لحم الإبل [السُّؤَالُ] ـ[حكمة الوضوء من أكل لحم الإبل السؤال: ما الحكمة من الوضوء من لحم الإبل؟]ـ [الْجَوَابُ] ما الحكمة من الوضوء من لحم الإبل؟ الجواب: الحمد لله: أولاً: قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالوضوء من لحم الإبل، ولم يُبيِّن لنا الحكمة , ونحن نعلم أن الله سبحانه حكيم عليم , لا يَشرع لعباده إلا ما فيه الخير والمصلحة لهم في الدنيا والآخرة , ولا ينهاهم إلا عما يضرهم في الدنيا والآخرة. والواجب على المسلم أن يتقبَّل أوامر الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم ويعمل بها , وإن لم يَعرف عين الحكمة , كما أن عليه أن ينتهي عما نهى الله عنه ورسوله , وإن لم يَعرف عين الحكمة ; لأنه عبدٌ مأمور بطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم , مخلوق لذلك , فعليه الامتثال والتسليم , مع الإيمان بأن الله حكيم عليم , ومتى عَرف الحكمة فذلك خير إلى خير " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (10/157) . ثانياً: من أهل العلم من ذهب إلى أن هذا الحكم تعبدي لا تُعلم علته. قال المرداوي رحمه الله: " الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْوُضُوءَ مِنْ لَحْمِ الْإِبِلِ تَعَبُّدِيٌّ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَاب ... وَقِيلَ: هُوَ مُعَلَّلُ" انتهى من " الإنصاف " (1/355) . ومن ذهب إلى أن الحكم معلَّل من العلماء، ذكر لذلك جُملةً من الحِكَم، منها: 1- أن الإبل فيها طبيعة شيطانية، فمن أكلَ منها أَورثه ذلك قوَّةً شيطانيَّةً، فشُرع الوضوء لإذهاب هذه القوة. فعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلَاةِ فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ، فَقَالَ: (لَا تُصَلُّوا فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ، فَإِنَّهَا مِنْ الشَّيَاطِينِ) رواه أبو داود (493) وصححه الألباني في " الإرواء " (176) . وفي لفظ ابن ماجه: (769) : (فَإِنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ الشَّيَاطِينِ) . وعَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَلَى ظَهْرِ كُلِّ بَعِيرٍ شَيْطَانٌ، فَإِذَا رَكِبْتُمُوهَا فَسَمُّوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ..) رواه أحمد (2667) وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (2271) . قال شيخ الإسلام رحمه الله: " أشار صلى الله عليه وسلم في الإبل إلى أنها من الشياطين، يريد والله أعلم أنها من جنس الشياطين ونوعهم، فإنَّ كلَّ عاتٍ متمرِّدٍ شيطانٌ من أي الدواب كان، كالكلب الأسود شيطان، والإبل شياطين الأنعام، كما للإنس شياطين ... فلعلَّ الإنسان إذا أكل لحم الإبل أورثته نفاراً وشماساً وحالاً شبيها بحال الشيطان، والشيطان خُلق من النار، وإنما تُطفئ النَّارُ بالماء، فأُمر بالوضوء من لحومها كسراً لتلك السَّورة، وقمعاً لتلك الحال، وهذا لأنَّ قلبَ الإنسان وخُلقه يتغير بالمطاعم التي يطعمها " انتهى من " شرح عمدة الفقه " (1/185) . وقال أيضا: " فإذا توضأ العبد من لحوم الإبل كان في ذلك من إطفاء القوة الشيطانية ما يزيل المفسدة، بخلاف من لم يتوضأ منها، فإن الفساد حاصل معه، ولهذا يقال: إن الأعراب بأكلهم لحوم الإبل مع عدم الوضوء منها صار فيهم من الحقد ما صار " انتهى من "مجموع الفتاوى" (20/523) . وقريب منه في "إعلام الموقعين عن رب العالمين" (2 /40) لابن القيم رحمه الله. 2- أن لحم الإِبل شديدُ التَّأثير على الأعصاب، فيُهَيِّجها؛ ولهذا كان الطبُّ الحديث ينهى الإِنسان العصبي من الإِكثار من لحم الإِبل، والوُضُوء يسكِّن الأعصاب ويبرِّدها، كما أمر النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم بالوُضُوء عند الغضب؛ لأجل تسكينه " انتهى من " الشرح الممتع (1/308) بتصرف. وقال الشيخ ابن عثيين رحمه الله: " وسواء كانت هذه هي الحكمة أم لا؛ فإِن الحكمة هي أمر النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، لكن إِن علمنا الحكمة فهذا فَضْلٌ من الله وزيادة علم، وإن لم نعلم فعلينا التَّسليم والانقياد " انتهى. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130871 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 582 الضحك لا ينقض الوضوء؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل الضحك ينقض الوضوء بالرغم من كون الشخص ليس في حالة صلاة ولكن في استعداد لها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا خلاف بين العلماء في أن الضحك خارج الصلاة - ولو في حال الاستعداد لها - لا ينقض الوضوء. قال بن المنذر: " أجمع أهل العلم على أن الضحك في غير الصلاة لا ينقض طهارة، ولا يوجب وضوءاً ". انتهى من " الأوسط " (1/166) . وقال النووي: " وأجمعوا على أن القهقهة خارج الصلاة لا تنقض الوضوء ". انتهى من "المجموع " (2 /61) . ثانياً: اتفق العلماء على أن الضحك في الصلاة يبطلها. قال ابن المنذر: " وأجمعوا على أن الضحك في الصلاة ينقض الصلاة ". انتهى من كتاب "الإجماع " ص3. ومراده بالضحك الذي يكون قهقهة. قال ابن قدامة: " ولا نعلم فيه مخالفاً ". انتهى من " المغني" (2/451) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " إنَّ الْقَهْقَهَةَ فِيهَا أَصْوَاتٌ عَالِيَةٌ تُنَافِي حَالَ الصَّلَاةِ، وَتُنَافِي الْخُشُوعَ الْوَاجِبَ فِي الصَّلَاةِ ... وَأَيْضًا فَإِنَّ فِيهَا مِنْ الِاسْتِخْفَافِ بِالصَّلَاةِ وَالتَّلَاعُبِ بِهَا مَا يُنَاقِضُ مَقْصُودَهَا فَأَبْطَلَتْ لِذَلِكَ ". انتهى من " مجموع الفتاوى " (22 / 617) . ثالثاً: بما سبق يظهر أن المختلَف فيه بين العلماء هو الضحك قهقهة في الصلاة، هل يبطل الوضوء أم لا؟. والقول الصحيح الذي عليه جمهور العلماء أنه لا ينقض الوضوء، لعدم وجود دليل يدل على نقضه للوضوء. قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه: (إِذَا ضَحِكَ فِي الصَّلَاةِ أَعَادَ الصَّلَاةَ، وَلَمْ يُعِدْ الْوُضُوءَ) . رواه البخاري معلقاً، والدارقطني (51) موصولاً. وقال ابن حجر: " وهو صحيح من قول جابر ". انتهى " فتح الباري " (1 /280) . وقال شيخ الإسلام: " ولم يثبت عن صحابي خلافه؛ ولأنه لا ينقض خارج الصلاة، فكذلك في الصلاة ". انتهى من " شرح العمدة" (1 /324) . وقال النووي: " لمذهبنا ومذهب جمهور العلماء أنه لا ينقض ... وهو قول جمهور التابعين فمن بعدهم. وروى البيهقي عن أبي الزِّناد قال: أدركتُ من فقهائنا الذين يُنتَهى إلى قولهم: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد، وأبا بكر بن عبد الرحمن، وخارجة بن زيد بن ثابت، وعبيد الله بن عبد الله بن عقبة، وسليمان بن يسار، ومشيخة جِلَّة سواهم، يقولون: الضحك في الصلاة ينقضها، ولا ينقض الوضوء ". وقال: " ولم يثبت في النقض بالضحك شيء أصلاً ". انتهى من " المجموع " (2/60) . والأحاديث التي رويت في نقض الضحك للوضوء ضعيفة لا يصح منها شيء. قال النووي: " كلها ضعيفةٌ واهيةٌ باتفاق أهل الحديث ". انتهى من " المجموع " (2 /61) . والخلاصة: أن الضحك لا ينقض الوضوء، سواء كان داخل الصلاة أو خارجها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129409 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 583 وجد مذيا في ثيابه بعد أن صلى صلوات [السُّؤَالُ] ـ[وجدت آثار المذي في الملابس الداخلية بعدما صليت الصبح والظهر والعصر فغيّرت ملابسي قبل صلاة المغرب فهل ما صليته باطل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: المذي ماء لزج يخرج عادة عند ثوران الشهوة، وهو نجس ناقض للوضوء، لكن نجاسته مخففة فيكفي في تطهيره غسل الفرج ورش الثوب بالماء. وينظر جواب السؤال رقم (2458) . ثانيا: صلاتك الصبح والظهر والعصر صحيحة إن شاء الله ولا يلزمك إعادتها. وذلك لسببين: 1- أنك لا تتيقن موعد خروج المذي، فهناك احتمال أن يكون خرج بعد صلاة العصر، ومع وجود هذا الاحتمال: فالأصل أن ما سبق من الصلوات كان صحيحاً، والقاعدة عند العلماء في هذا: أنه إذا وقع شك بعد الفراغ من العبادة: هل كانت صحيحة أم لا؟ فهذا الشك لا يلتفت إليه، ويبني المسلم على الأصل: وهو أن العبادة صحيحة حتى يتيقن ما يبطلها. 2- أن من صلى بالنجاسة جاهلا وجودها، أو علمها ثم نسيها، فصلاته صحيحة على الراجح، ونسبه النووي رحمه الله إلى الجمهور واختاره. المجموع (3/163) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وقوله: (أو نَسيَها) أي: نَسيَ أنَّ النَّجاسة أصابته، ولم يذكر إلا بعد سلامه فعليه الإعادة على كلام المؤلِّف؛ لإخلاله بشرط الصَّلاة؛ وهو اجتناب النجاسة، فهو كما لو صَلَّى محدثاً ناسياً حدثه. ومثل ذلك لو نسيَ أن يغسلها. والرَّاجح في هذه المسائل كلِّها: أنه لا إعادة عليه سواء نسيها، أم نسي أن يغسلها، أم جهل أنها أصابته، أم جهل أنها من النَّجاسات، أم جهل حكمها، أم جهل أنها قبل الصَّلاة، أم بعد الصلاة. والدَّليل على ذلك: القاعدة العظيمة العامة التي وضعها الله لعباده وهي قوله: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) وهذا الرَّجُل الفاعل لهذا المحرَّم كان جاهلاً أو ناسياً، وقد رفع الله المؤاخذة به، ولم يبقَ شيء يُطالب به. وهناك دليل خاصٌّ في المسألة، وهو أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صَلَّى في نعلين وفيهما قَذَرٌ؛ وأعلمه بذلك جبريل لم يستأنف الصَّلاة، وإذا لم يُبْطِل هذا أولَ الصَّلاة، فإنه لا يُبْطِلُ بقيَّة الصَّلاة " انتهى من "الشرح الممتع" (2/232) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126757 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 584 يعاني من الغازات ويشك في خروج الريح منه فكيف يصلي [السُّؤَالُ] ـ[أنا شاب أبلغ من العمر 26 سنة ومشكلتي هي أني أشعر بوجود غازات في بطني وأشعر أيضا أن عملية التبرز لا تتم بالكامل فيخرج تقريبا 90 % منه والباقي لا أستطيع إخراجه أو إنزاله فأقوم باستنجاء الدبر وغسله جيدا حتى أضمن عدم وجود نجاسات بسبب هذا الجزء الباقي من البراز ولله الحمد هذا يحدث بالفعل فدائما لا أجد آثار نجاسات في الملبس لكن المشكلة هي أنى أشعر بخروج ريح عند كل وضوء وكل صلاة تقريبا لكني لا أسمع صوتا ولا أشم ريحا .... وسألت شيوخا في هذه المسألة فقالوا: لي إذا كان الموضوع شكاً فقط فلا تعد الوضوء؛ لأن هذا من الوسواس يريد أن يفسد عليك عبادتك ويجعلها ثقيلة عليك أما إذا تيقنت فعلا بخروج ريح وجب عليك إعادة الوضوء والصلاة حتى إذا لم تسمع صوتا أو لم تشم ريحا، وأخذت عهدا على نفسي أني لن أعيد أي وضوء أو أي صلاة حتى إذا تيقنت تماما أو سمعت صوتا أو شممت ريحا حتى لا أعطى فرصة للوسواس أن يتملك منى ويجعلني دائما أشعر بعدم استقرار نفسي وقلق شديد لدرجة أني بعد أي صلاة أشعر فيها بخروج شيء من الدبر ولم أسمع لها صوتا أو لم أشم ريحا أحلف بالله ألا أعيد هذه الصلاة حتى لا أعطي فرصة للوسوسة .......... لكن مشكلتي هي:- أني خائف جدا وأشعر بقلق شديد وحيرة كبيرة جدا في أن يكون الذي خرج منى بالفعل ريحا وخصوصا أني أعاني من وجود غازات في بطني وعدم القيام بعملية التبرز بصفة سليمة فأشعر بقلق لأنني لم أقم بإعادة هذه الصلاة بل حلفت ألا أعيدها وأكون بذلك قد تركت فرضا من فروض الله - وفي نفس الوقت أيضا أخاف أن أعيد الوضوء والصلاة وبذلك أكون قد حققت غاية وهدف الشيطان لوسوستي وجعل العبادة ثقيلة علي، أنا في حيرة كبيرة وقلق شديد لأن هذا الموضوع يتكرر لي كثيرا ولا أدري ما أفعله يعتبر صحيحا أم خطأ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا توضأ الإنسان ثم شك في انتقاض وضوئه، فلا يلتفت للشك؛ لأن اليقين لا يزول بالشك. روى البخاري (137) ومسلم (361) عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وعَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلُ الَّذِي يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: (لَا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا) ، وروى مسلم (362) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئًا فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ أَخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ أَمْ لَا فَلَا يَخْرُجَنَّ مِنْ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا) . وقد أحسنت في عدم إعادة الوضوء، وينبغي أن تثبت على ذلك، فإنه خير ما تعالج به الوسوسة، واعلم أنك بذلك لا تعد مقصرا ولا مفرطا في صلاتك، بل أنت فاعل ما هو مطلوب منك شرعا. ولكن العهد الذي أخذته على نفسك -أنك لن تعيد وضوء ولا صلاة حتى إذا تيقنت خروج ريح- غير صحيح. فإذا حصل اليقين بخروج ريح فقد انتقض الوضوء، كما دل على ذلك الحديث الذي ذكرناه آنفاً. ونحن نضع بين يديك بعض فتاوى أهل العلم لتزداد يقينا وثباتا. فقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: الإنسان في معدته تنفس كثير ربما غازات ولكن وضوءه لم يتممه إلا بمشقة، مثلاً يصل إلى الوجه فيحس حساً رقيقة ويخاف في نقص الوضوء ثم يبدأ الوضوء من جديد وكذلك في الصلاة عندما يصلي فيحس كذا بدون أن يشم رائحة ما الحل لهذا؟ فأجابوا: "هذه الوسوسة من الشيطان ليفسد بها على المسلم عبادته، والواجب تركها وألا يخرج المسلم من صلاته أو يعيد وضوءه إلا إذا سمع صوتاً أو وجد ريحاً؛ لما روى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) ، والمقصود أن يتحقق خروج الحدث ومتى بقي معه أدنى شك فطهارته صحيحة" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/226) . وسئلوا أيضاً (5/256) : إذا كان الشخص متوضئاَ فسمع داخل بطنه صوت رياح ولكن هذه الرياح لم تخرج من فتحة الشرج فما الحكم هل يبقى متوضئاً أم ينتقض وضوؤه؟ فأجابوا: "إذا كان الشخص متوضئاً وسمع بداخل جوفه صوت رياح فإنه لا ينتقض وضوؤه بذلك إذا لم يخرج شيء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) رواه مسلم " انتهى. وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: أشكو من مرض مزمن في القولون , ويتسبب عن ذلك خروج روائح , وخاصة أثناء الصلاة , ولكثرة حدوث ذلك أصبحت أشك في صلاتي حتى ولو شممت رائحة من أي مصدر آخر توهمت أنها مني , فماذا أفعل أثناء الصلاة؟ وهل يجب علي أن أتوضأ حين حدوث الشك؟ وهل يجوز أن أكون إماما في حالة أن المأمومين لا يجيدون القراءة؟ فأجاب: "الأصل: بقاء الطهارة , والواجب عليك إكمال الصلاة , وعدم الالتفات إلى الوسوسة , حتى تعلم يقينا أنه خرج منك شيء بسماع الصوت أو وجود الريح التي تتحقق أنها منك ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الرجل يجد الشيء في الصلاة , قال: لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا متفق على صحته " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (10/121) . وسئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله: أحس بغازات كثيرة، فمثلاً أثناء الوضوء أشك هل خرج مني شيء أم لا ثم أعيد الوضوء مرة ومرتين تقريبًا، فهل هذا طبيعي، وما الحكم؟ فأجاب: "ما يحدث لبعض الناس من الإحساس بخروج ريح أثناء الصلاة ونحوها، الغالب أنه وهم لا حقيقة له، وفي الحديث: (لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحاً) " انتهى من "فتاوى إسلامية". وننصحك بمراجعة الطبيب في شأن هذه الغازات، فإن الله ما أنزل داء إلا أنزل له شفاء، وذلك ليستريح بالك، وتطمئن نفسك. نسأل الله تعالى أن يشفيك ويعافيك وأن يذهب عنك ما تجد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114793 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 585 تنزل عليها الإفرازات ويشق عليها الوضوء لكل صلاة إذا كانت خارج البيت [السُّؤَالُ] ـ[إذا كانت المرأة موجودة في مكان لا تستطيع الوضوء لكل صلاة وتصلي أكثر من فرض بوضوء واحد وتحافظ على وضوئها ولكنى عرفت أن الإفرازات التي تخرج من رحم المرأة تنقض الوضوء وإذا كانت مستمرة تتوضأ المرأة لكل صلاة فماذا تفعل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الإفرازات إن كانت مستمرة، فحكمها حكم الاستحاضة وسلس البول، فيلزم المرأة حينئذ أن تتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، ولا يضرها بعد ذلك نزول الإفرازات ولو كان ذلك في الصلاة. وإذا توضأت بعد دخول الوقت، ولم تنزل الإفرازات حتى دخل الوقت الثاني جاز لها أن تصلي الصلاة الثانية بوضوئها الأول. وإذا شق عليك الوضوء لكل صلاة، لكونك في مكان لا تستطيعين فيه الوضوء، فلك أن تجمعي بين صلاتي الظهر والعصر، وبين صلاتي المغرب والعشاء، فتصليهما في وقت إحداهما، فتتوضئي وضوءً واحداً وتصلي الصلاتين معاً. ثانياً: هذه الإفرازات طاهرة على الراجح، فلا يلزم غسل الملابس منها، وهذا مذهب الإمامين أبي حنيفة وأحمد وإحدى الروايتين عن الإمام الشافعي وصححها النووي. واختار هذا القول الشيخ ابن عثيمين، رحم الله الجميع. قال في الشرح الممتع (1/392) : "وإذا كانت -يعني هذه الإفرازات- من مسك الذكر فهي طاهرة، لأنها ليست من فضلات الطعام والشراب، فليست بولاً، والأصل عدم النجاسة حتى يقوم الدليل على ذلك، ولأنه لا يلزمه إذا جامع أهله أن يغسل ذكره، ولا ثيابه إذا تلوثت به، ولو كانت نجسة للزم من ذلك أن ينجس المني، لأنه يتلوث بها" انتهى.. وينظر: "المجموع" (1/406) ، "المغني" (2/88) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112759 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 586 خروج الهواء من فرج المرأة لا ينقض الوضوء [السُّؤَالُ] ـ[هل خروج الهواء من فرج المرأة ينقض الوضوء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "هذا لا ينقض الوضوء، لأنه لا يخرج من محل نجس كالريح التي تخرج من الدبر" انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. "فتاوى ابن عثيمين" (4/147) . وقد سبق ذكر فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء في ذلك، في جواب السؤال رقم (2175) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111818 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 587 إذا شك هل كان نومه مستغرقاً أم لا فهل ينتقض وضوؤه؟ [السُّؤَالُ] ـ[قرأت السؤال رقم (36889) وعرفت أن النوم المستغرق ينقض الوضوء، وأحياناً أنام في القطار أو في السيارة ويحصل عندي شك هل هذا النوم كان مستغرقاً أم لا؟ فهل ينتقض وضوئي بذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا توضأ المسلم فلا يحكم بانتقاض هذا الوضوء إلا إذا تيقن حصول ما ينقض الوضوء، أما مجرد الشك – حتى لو كان شكاً قوياً – فإنه لا ينتقض الوضوء بذلك. روى البخاري (137) ومسلم (361) أنه شُكِيَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلُ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ. فقَالَ: (لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا، أَوْ يَجِدَ رِيحًا) . قال النووي رحمه الله في "شرح صحيح مسلم": "وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (حَتَّى يَسْمَع صَوْتًا أَوْ يَجِد رِيحًا) مَعْنَاهُ: يَعْلَم وُجُود أَحَدهمَا، وَلَا يُشْتَرَط السَّمَاع وَالشَّمّ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ. وَهَذَا الْحَدِيث أَصْل مِنْ أُصُول الْإِسْلَام وَقَاعِدَة عَظِيمَة مِنْ قَوَاعِد الْفِقْه , وَهِيَ أَنَّ الْأَشْيَاء يُحْكَم بِبَقَائِهَا عَلَى أُصُولهَا حَتَّى يُتَيَقَّن خِلَاف ذَلِكَ. وَلَا يَضُرّ الشَّكّ الطَّارِئ عَلَيْهَا. فَمِنْ ذَلِكَ مَسْأَلَة الْبَاب الَّتِي وَرَدَ فِيهَا الْحَدِيث وَهِيَ أَنَّ مَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَة وَشَكَّ فِي الْحَدَث حُكِمَ بِبَقَائِهِ عَلَى الطَّهَارَة , وَلَا فَرْق بَيْن حُصُول هَذَا الشَّكّ فِي نَفْس الصَّلَاة , وَحُصُوله خَارِج الصَّلَاة. هَذَا مَذْهَبنَا وَمَذْهَب جَمَاهِير الْعُلَمَاء مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف. . قَالَ أَصْحَابنَا: وَلَا فَرْق فِي الشَّكّ بَيْن أَنْ يَسْتَوِي الِاحْتِمَالَانِ فِي وُقُوع الْحَدَث وَعَدَمه , أَوْ يَتَرَجَّح أَحَدهمَا , أَوْ يَغْلِب عَلَى ظَنّه , فَلَا وُضُوء عَلَيْهِ بِكُلِّ حَال" انتهى. فإذا حصل شك، هل كان النوم مستغرقاً أم لا؟ لم ينتقض الوضوء بذلك. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (21/394) : "النوم الذي يشك فيه: هل حصل معه ريح أم لا؟ لا ينقض الوضوء، لأن الطهارة ثابتة بيقين، فلا تزول بالشك" انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111837 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 588 خروج الريح المستمر هل يمنعها من الذهاب إلى المسجد؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل لا يحق لي الصلاة في المسجد؛ لكوني أعاني من خروج ريح ليست لها رائحة بصفة مستمرة؟ وكم مرة علي أن أتوضأ لأصلي الفرض والنوافل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: خروج الريح ناقض للوضوء؛ لما روى البخاري (135) عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ) قَالَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ: مَا الْحَدَثُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: فُسَاءٌ أَوْ ضُرَاطٌ. وخروج الريح له حالان: الأولى: أن يكون لها وقت تنقطع فيه، كما لو كانت تخرج ثم تسكن مدة تتمكنين فيها من الوضوء والصلاة في وقتها، فهنا عليك أن تتوضئي وتصلي في الوقت الذي تنقطع فيه. الثانية: أن تكون مستمرة وليس لها وقت تنقطع فيه بل يمكن أن تخرج أي وقت، فإنك تتوضئين لكل صلاة بعد دخول وقتها وتصلين بهذا الوضوء الفرض وما شئت من النفل، ولا يضرك ما خرج ولو كان ذلك أثناء الصلاة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فمن لم يمكنه حفظ الطهارة مقدار الصلاة فإنه يتوضأ ويصلي ولا يضره ما خرج منه في الصلاة، ولا ينتقض وضوؤه بذلك باتفاق الأئمة، وأكثر ما عليه أن يتوضأ لكل صلاة " انتهى من "مجموع الفتاوى" (21 / 221) . وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (5/411) : " الأصل أن خروج الريح ينقض الوضوء، لكن إذا كان يخرج من شخص باستمرار وجب عليه أن يتوضأ لكل صلاة عند إرادة الصلاة، ثم إذا خرج منه وهو في الصلاة لا يبطلها وعليه أن يستمر في صلاته حتى يتمها، تيسراً من الله تعالى لعباده ورفعاً للحرج عنهم، كما قال تعالى: (يريد الله بكم اليسر) ، وقال: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) " انتهى. ثانيا: إذا كان لهذا الخارج رائحة كريهة لم يجز حضورك للمسجد، لما فيه من الإيذاء للمصلين والملائكة. وقد روى البخاري (5452) ومسلم (564) عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا فَلْيَعْتَزِلْنَا أَوْ لِيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ) ، وفي رواية لمسلم: (مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ) . وروى مسلم (567) عن عمر رضي الله عنه قال: (إِنَّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ تَأْكُلُونَ شَجَرَتَيْنِ لَا أَرَاهُمَا إِلَّا خَبِيثَتَيْنِ هَذَا الْبَصَلَ وَالثُّومَ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا وَجَدَ رِيحَهُمَا مِنْ الرَّجُلِ فِي الْمَسْجِدِ أَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ إِلَى الْبَقِيعِ، فَمَنْ أَكَلَهُمَا فَلْيُمِتْهُمَا طَبْخًا) . فهذا يدل على وجوب تنزيه المساجد عن الروائح الكريهة، ومنع صاحبها من حضورها أو البقاء فيها. قال في "كشاف القناع" (2/365) : "ويسن أن يصان كل مسجد عن كل وسخ وقذر وقذاةِ عيْنٍ ومخاط وتقليم أظفار وقص شارب وحلق رأس ونتف إبط ; لأن المساجد لم تبن لذلك، ويسن أيضا أن يصان عن رائحة كريهة من بصل وثوم وكراث ونحوهم كفجل , وإن لم يكن فيه أحد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الناس) رواه ابن ماجه، وقال: (من أكل من هاتين الشجرتين فلا يقربن مصلانا) . وفي رواية: (فلا يقربن مساجدنا) رواه الترمذي وقال: حسن صحيح. فإن دخل المسجدَ آكلُ ذلك أي: ما له رائحة كريهة من ثوم وبصل ونحوهما قويَ استحباب إخراجه إزالة للأذى. وعلى قياسه: إخراج الريح من دبره فيه في المسجد؛ لأن فيه إيذاء بالرائحة، فيسنّ أن يصان المسجد من ذلك ويُخرج منه لأجله " انتهى بتصرف. أما إذا كان الريح ليس له رائحة كريهة، فلا مانع من دخولك المسجد وجلوسك فيه. قال الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه: "باب الحدث في المسجد" قال ابن رجب رحمه الله في "فتح الباري": "مقصوده – يعني: البخاري -: أنه يجوز تعمد إخراج الحدث في المسجد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكره، ولم ينه عنه، إنما أخبر أنه يقطع صلاة الملائكة. وقد رخص في تعمد إخراج الحدث في المسجد الحسن وعطاء وإسحاق. وقد تقدم أن النوم في المسجد جائز للضرورة بغير خلاف، ومنه نوم المعتكف لضرورة صحة اعتكافه، ولغير ضرورة عند الأكثرين، والنوم مظنة خروج الحدث، فلو منع من خروج الريح في المسجد لمنع من النوم فيه بكل حال، وهو مخالف للنصوص والإجماع" انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 110273 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 589 هل تؤثر الإفرازات على صحة الصلاة والصوم؟ [السُّؤَالُ] ـ[أعاني من إفرازات تأتيني في غير موعد الدورة الشهرية، وهذا يسبب لي شكا في مسألة صحة الصوم والصلاة. فما حكم الشرع في هذا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الإفرازات التي تأتي في غير موعد الدورة الشهرية لا تمنع من الصلاة والصوم، لقول أم عطية رضي الله عنها: (كُنَّا لَا نَعُدُّ الْكُدْرَةَ وَالصُّفْرَةَ بَعْدَ الطُّهْرِ شَيْئًا) رواه البخاري (326) وأبو داود (307) واللفظ له. وصححه الألباني في صحيح أبو داود. فإذا طهرت المرأة من الحيض، فما تراه بعد ذلك من إفرازات لا تعتبر حيضاً. وهذه الإفرازات طاهرة، فلا يلزم غسل الملابس منها، وهذا مذهب أبي حنيفة وأحمد وإحدى الروايتين عن الشافعي وصححها النووي. واختار هذا القول الشيخ ابن عثيمين، رحم الله الجميع. قال في الشرح الممتع (1/392) : "وإذا كانت -يعني هذه الإفرازات- من مسك الذكر فهي طاهرة، لأنها ليست من فضلات الطعام والشراب، فليست بولاً، والأصل عدم النجاسة حتى يقوم الدليل على ذلك، ولأنه لا يلزمه إذا جامع أهله أن يغسل ذكره، ولا ثيابه إذا تلوثت به" انتهى. وينظر: "المجموع" (1/406) ، "المغني" (2/88) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109955 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 590 يشعر بنزول شيء من البول بعد الوضوء [السُّؤَالُ] ـ[أشعر بعد أن أتوضأ بنزول شيء من البول، ونظرا لأني لم أر ذلك إلا في مرات قليلة، فإنني قمت بوضع لاصق على فتحة الفرج حتى أرى ما يخرج منه، وهذا اللاصق يمنع خروج أي شيء خارج الفرج، ولكني لم أجد - وبعد أكثر من ثلاث ساعات احتفظت فيها بوضوئي - إلا ما هو أقل من ربع قطرة من الإفرازات البسيطة جدا، فهل هذه الكمية إذا نزلت تفسد الوضوء؟ وهل وضع شريط لاصق على فتحة العضو - والتي تمنع خروج أي شيء خارج الجسم - تجعل وضوئي صحيحا لأي فترة أحافظ فيها على وضوئي من أي نواقض أخرى بخلاف هذه الكمية البسيطة؟ أريد أن أذهب للحج، ولكن هذه المشكلة تؤرقني جداً، وخصوصا أني مصاب بشلل، ولا أستطيع الذهاب للوضوء إلا بصعوبة، فهل يجوز أن أستخدم طريقة وضع شريطٍ لاصقٍ على فتحة العضو، وأصلي بوضوئي لأكثر من صلاة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الشريعة الإسلامية مبنية على التيسير، ولا يمكن أن تأتي بما يعنت الناس ويوقعهم في الحرج والمشقة، والله سبحانه وتعالى يقول: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) البقرة/185. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ) رواه البخاري (39) . والذي يظهر لنا من سؤالك أن حالتك طبيعية لا تستدعي وضع شريط لاصق ولا شيء، وإنما هي وسوسة من الشيطان ليوقعك في الحرج والمشقة ويجعلك تضيق على نفسك، حتى يبغض إليك العبادة، وتراها ثقيلة عليك. فلا يؤمر المسلم بعد الوضوء أن يفتش عن نفسه هل خرج منه شيء أم لا؟ بل عليه أن يستنجي ثم يرش على فرجه شيئاً من الماء، حتى لا يفتح على نفسه باب الوسواس، ثم يتوضأ ويصلي، ولا يلتفت لما يلقيه الشيطان في نفسه أنه خرج منه شيء. وقد سئل الحسن البصري رحمه الله عما يجده الرجل من البلة بعد الوضوء والاستنجاء فقال: (الْهُ عنه) أي: لا تشتغل به ولا تهتم به. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله "لقاء الباب المفتوح" (184/15) السؤال الآتي: إذا انتهيت من الوضوء واتجهت إلى الصلاة أحس بخروج قطرة من البول من الذكر، فماذا عليَّ؟ فأجاب: " الذي ينبغي أن يُتلهَّى عن هذا ويُعرض عنه، كما أمر بذلك أئمة المسلمين، ولا يلتفت إليه، ولا يذهب ينظر في ذكره، هل خرج أو لا؟ وهو بإذن الله إذا استعاذ بالله من الشيطان الرجيم وتركه يزول عنه، أما إذا تيقن يقيناً مثل الشمس فلا بد أن يغسل ما أصابه البول، وأن يعيد الوضوء؛ لأن بعض الناس إذا أحس ببرودة على رأس الذكر ظن أنه نزل شيء، فإذا تأكد فكما قلت لك، وهذا الذي تقول ليس فيه سلس؛ لأن هذا ينقطع، السلس يستمر مع الإنسان، أما هذا فهو بعد الحركة يخرج نقطة أو نقطتان، هذا ليس بسلس؛ لأنه إذا خرجت نقطتان وقف، فهذا يغسل ويتوضأ مرة ثانية، وهكذا يفعل دائماً، وليصبر وليحتسب " انتهى فإذا لم تتيقن خروج شيء، فإنك على وضوئك وطهارتك، ولا تفتش هل خرج شيء أم لا؟ والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109043 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 591 هل الإسبال ينقض الوضوء؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الإسبال، وهل ينقض الوضوء منه أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الإسبال في الملابس حرام، ولكنه لا ينقض الوضوء. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (24/10) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105402 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 592 لا ينتقض الوضوء بلمس النجاسة [السُّؤَالُ] ـ[إذا كانت الأم تقوم بتنظيف ولدها، ولمست النجاسة، فهل ينتقض وضوؤها بذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نواقض الوضوء معروفة، وهي مذكورة في جواب السؤال (14321) ، وليس منها لمس النجاسة. ولكن. . من مس نجاسة فإنه لا يجوز له أن يصلي حتى يغسلها. وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: ما رأي سماحتكم في أن عمل الطبيب يتطلب في بعض الأحيان رؤية عورة المريض أو مسها للفحص؟ وفي بعض الأحيان أثناء العمليات يعمل الطبيب الجراح في وسط مليء بالدم والبول فهل إعادة الوضوء واجبة في هذه الحالات أم أنه من باب الأفضلية؟ فأجاب: " لا حرج أن يمس الطبيب عورة الرجل للحاجة وينظر إليها للعلاج سواء العورة الدبر أو القبل فله النظر والمس للحاجة والضرورة، ولا بأس أن يلمس الدم إذا دعت الحاجة للمسه في الجرح لإزالته أو لمعرفة حال الجرح، ويغسل يده بعد ذلك عما أصابه، ولا ينتقض الوضوء بلمس الدم أو البول، لكن إذا مس العورة انتفض وضوءه قبلا كانت أو دبرا، أما مس الدم أو البول أو غيرهما من النجاسات فلا ينقض الوضوء ولكن يغسل ما أصابه. . . إلخ" اهـ. "مجموع فتاوى ابن باز" (6/20) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 12801 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 593 لمس الكلب ولعابه لا ينقضان الوضوء [السُّؤَالُ] ـ[هل لمس الكلب أو لعاب الكلب ينقض الوضوء]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لمس الكلب أو لعابه لا ينقض الوضوء لأن الطهارة إذا ثبتت بمقتضى دليل شرعي فلا يمكن رفعها إلا بدليل شرعي، ولا دليل في النقض من مس الكلب أو لعابه لذلك لم يذكره العلماء في نواقض الوضوء. قال ابن قدامة في المغني 1/264 بعد أن ذكر نواقض الوضوء ولم يذكر منها مس الكلب أو لعابه: فهذه جميع نواقض الطهارة ولا تنتقض بغير ذلك في قول عامة العلماء.. انتهى. ولكن لا شكّ أن لعاب الكلب نجس مستقذر ونجاسته شديدة لا تزول إلا بسبع غسلات إحداهن بالتراب، وفرْقٌ بين هذا وبين نقض الطهارة، والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 5212 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 594 تعاني من انفلات الريح ويشق عليها أن تنتظر انقطاعه وهي خارج المنزل [السُّؤَالُ] ـ[أعاني من خروج كثير للريح لكنه منقطع، وقد قرأت في موقعكم جوابا مفصلا حول الموضوع لكن بقيت لي بعض الإشكالات حتى أتمكن من الصلاة، فمن عادتي أن أحاول استفراغ الريح وانتظر حتى يتوقف وأصلي، لكني أحيانا أتعرض للحرج عندما أكون في غير بيتنا فعندما أكون ضيفة أحيانا لا أتمكن من أداء الصلاة بغير خروج الريح، لأني كما قلت سابقا من عادتي استفراغ الريح قبل الصلاة وإلا فلن أستطيع الصلاة بطهارة إلا نادرا وهذا يحدث صوتا ورائحة كريهة وهذا مما يحرجني فما الحكم إذا صليت مع خروج الريح؟ وهل هذا يعني أني لا أزور أحدا إلا عند الضرورة؟ وهل تدخل الضرورة في إجابة الوليمة (العرس) أو زيارة أخواتي في الله أو عيادة المرضى وزيارة ذوي الرحم؟ كما أني أحيانا أريد الخروج وقد يكون خروجا ضروريا أو غير ضروري وأحيانا تطول مدة انتظاري لتوقف خروج الريح أحيانا حتى أكثر من ساعة ونصف وأحيانا أقل فهل إذا صليت مع خروج الريح ثم خرجت تعد صلاتي باطلة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: نسأل الله تعالى لك الشفاء والعافية، ونشير عليك بمراجعة الأطباء، فإن لكل داء دواء. ثانيا: الذي يظهر لنا من سؤالك أنك مصابة بانفلات الريح، ولا يلزمك أن تنتظري داخل الخلاء ساعة ونصف لاستفراغ الريح، لأن في هذا مشقة بالغة لا تأتي بها الشريعة، وقد قال الله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ) البقرة /185. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الدِّينَ يُسْر) رواه البخاري (39) . وعلى هذا، فعليك أن تتوضئي لكل صلاة بعد دخول وقتها، ثم تصلي بهذا الوضوء، ولو خرجت الريح بعده أو أثناء الصلاة، وأنت معذورة في هذا. ويجوز لك الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء جمع تقديم أو تأخير حسب الأيسر لك، لأن الجمع رخصة في حق المستحاضة ومن في حكمها. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (24/14) : " ويجمع المريض والمستحاضة " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (4/559) : " يجوز الجمع للمستحاضة بين الظهرين (الظهر والعصر) والعشاءين (المغرب والعشاء) لمشقة الوضوء عليها لكل صلاة " انتهى. ولا حرج عليك في الخروج من البيت لحاجة أو ضرورة أو زيارة أخواتك ما دمت ستصلين الصلاة في وقتها، ولو مجموعةً كما سبق. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 104210 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 595 نواقض الوضوء [السُّؤَالُ] ـ[إذا غيرت ثوبي (ملابسي) فهل ينتقض وضوئي بذلك؟ وهل ورد أي تفريق حول هذا الحكم بين الرجل والمرأة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس من نواقض الضوء تغيير الثياب إذا كان الشخص على طهارة لم يأت بأي ناقض من نواقض الوضوء، والرجل والمرأة في ذلك سواء. والله أعلم ونواقض الوضوء هي: 1- الخارج من السبيلين (من بول وغائط وريح وغيرها) إلا خروج الريح من قُبل المرأة فإنه لا ينقض الوضوء. 2- خروج البول والغائط من غير مخرجهما. 3- زوال العقل، ويكون إما بزواله بالكلية، وهو رفع العقل وذلك بالجنون، أو تغطيته بسبب يوجب ذلك لمدة معيّنة كالنوم والإغماء والسكر وما أشبه ذلك. 4- مس الذَّكَر، لحديث بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من مسّ ذكره فليتوضأ) رواه أبو داود (الطهارة/154) قال الألباني في صحيح سنن أبي داود صحيح برقم (166) 5- أكل لحم الإبل، لحديث جابر بن سمرة أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: (أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم.) رواه مسلم (الحيض/539) ومما ينبغي التنبيه عليه أن مس جسم المرأة لا ينقض الوضوء سواء كان بشهوة أو بغير شهوة، إلا إذا خرج شيء نتيجة لهذا اللمس. ويراجع كتاب الشرح الممتع لابن عثيمين ج/1 ص/219-250 وفتاوى اللجنة الدائمة ج/5 ص/264. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 14321 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 596 التبرج ليس من نواقض الوضوء [السُّؤَالُ] ـ[هل التبرج يبطل الوضوء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب على المرأة المسلمة أن تلتزم بالحجاب الشرعي، وأن لا تبدي زينتها للرجال الأجانب؛ قال الله تعالى: (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ) النور /31، وقد سبق ذكر الأدلة الدالة على وجوب حجاب المرأة في جواب السؤال (21134) و (21536) ، و (11774) . وإذا تبرجت المرأة وهي على وضوء، فإن وضوئها صحيح ولا ينتقض بذلك، لكنها ارتكبت أمراً محرماً بتبرجها، وقد سبق بيان نواقض الوضوء في جواب السؤال (14321) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103755 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 597 لم تكن تعلم أن المذي ينقض الوضوء فهل تعيد الصلوات؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل تأثم المرأة في تفكيرها الجنسي قبل الزواج؟ وهل تأثم بإنزال المذي؟ لأنها تتأثر من أدنى شيء أرجو سرعة الرد فأنا قلقة، لم أكن أعلم أن هناك شيئاً اسمه مذي، ولم أكن أجدد وضوئي عند الإنزال.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا تأثم المرأة بمجرد التفكير الجنسي، ما لم يصحبه عمل أو نظر، أو يتحول إلى عزم وإرادة جازمة، وذلك لما جاء من العفو عن حديث النفس، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنفُسَهَا مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا أَوْ يَعمَلُوا بِهِ) رواه البخاري (2528) ومسلم (127) . قال النووي رحمه الله في شرح هذا الحديث: " وحديث النفس إذا لم يستقر ويستمر عليه صاحبه: فمعفو عنه باتفاق العلماء؛ لأنه لا اختيار له في وقوعه، ولا طريق له إلى الانفكاك عنه " انتهى من "الأذكار" (ص 345) . وقال: " وسبب العفو ما ذكرناه من تعذر اجتنابه، وإنما الممكن اجتناب الاستمرار عليه، فلهذا كان الاستمرار وعقد القلب حراما ". ولاشك أن الاسترسال في هذه الخواطر والأفكار، قد يفضي إلى الحرام، طلبا لتفريغ الشهوة، قيقع الإنسان في الاستمناء، أو تتبع الصور المحرمة، أو غير ذلك. ولهذا ينبغي أن تدعي التفكير في هذه الأمور، وأن تصرفي ذهنك عنها، وأن تشغلي نفسك بطاعة الله تعالى، وما ينفعك في أمور دينك ودنياك. وانظر جواب السؤال رقم (20161) ثانيا: المذي يخرج عادة عند ثوران الشهوة، وهو نجس ناقض للوضوء، لكن نجاسته مخففة فيكفي في تطهيره غسل الفرج ورشّ الثوب بالماء. وينظر جواب السؤال رقم (2458) و (99507) . وإذا خرج المذي لمجرد التفكير العابر، لم يأثم صاحبه. ثالثا: إذا كنت تجهلين أمر المذي، وكونه ناقضا للوضوء، وكنت تصلين بعض الصلوات مع وجوده، فإن صلاتك صحيحة على القول الراجح، لكونك معذورة بالجهل. وهكذا من جهل بعض نواقض الوضوء، كمن جهل أن لحم الإبل ينقض الوضوء، ثم صلى، فإن صلاته صحيحة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وعلى هذا لو ترك الطهارة الواجبة لعدم بلوغ النص، مثل: أن يأكل لحم الإبل ولا يتوضأ ثم يبلغه النص ويتبين له وجوب الوضوء، أو يصلي في أعطان الإبل ثم يبلغه ويتبين له النص: فهل عليه إعادة ما مضى؟ فيه قولان هما روايتان عن أحمد. ونظيره: أن يمس ذَكَره ويصلى، ثم يتبين له وجوب الوضوء من مس الذكر. والصحيح في جميع هذه المسائل: عدم وجوب الإعادة؛ لأن الله عفا عن الخطأ والنسيان؛ ولأنه قال: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) ، فمن لم يبلغه أمر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شيءٍ معيَّنٍ: لم يثبت حكم وجوبه عليه، ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر وعمَّاراً لما أجْنبا فلم يصلِّ عمر وصلَّى عمار بالتمرغ أن يعيد واحد منهما، وكذلك لم يأمر أبا ذر بالإعادة لما كان يجنب ويمكث أياماً لا يصلي، وكذلك لم يأمر مَن أكل من الصحابة حتى يتبين له الحبل الأبيض من الحبل الأسود بالقضاء، كما لم يأمر مَن صلى إلى بيت المقدس قبل بلوغ النسخ لهم بالقضاء. ومن هذا الباب: المستحاضة إذا مكثت مدة لا تصلي لاعتقادها عدم وجوب الصلاة عليها، ففي وجوب القضاء عليها قولان، أحدهما: لا إعادة عليها – كما نقل عن مالك وغيره -؛ لأن المستحاضة التي قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: (إني حضت حيضةً شديدةً كبيرةً منكرةً منعتني الصلاة والصيام) أمرها بما يجب في المستقبل، ولم يأمرها بقضاء صلاة الماضي " انتهى من "مجموع الفتاوى" (21 / 101) . نسأل الله لك التوفيق والسداد، والعفة والإحصان. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 102504 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 598 أكل لحم الإبل ينقض الوضوء [السُّؤَالُ] ـ[هل ينقض أكل لحم الإبل الوضوء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الصحيح: أنه يجب الوضوء من أكل لحوم الإبل صغيراً كان أو كبيراً ذكراً أو أنثى مطبوخاً أو نيئاً، وعلى هذا دلّت الأدلّة: 1- حديث جابر، سئل النبي صلى الله عليه وسلم أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم، قال: أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال:إن شئت. رواه مسلم (360) . 2- حديث البراء، سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن لحوم الإبل؟ قال: توضئوا منها، وسئل عن لحوم الغنم فقال لا يتوضاٌ. رواه أبو داود (184) الترمذي (81) وصححه الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه. وأما الذين لم يوجبوا الوضوء من لحم الإبل، فإنهم ردوا بأشياء، منها: أ. بأن هذا الحكم منسوخ، ودليلهم: حديث جابر: كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مسّت النار. رواه أبو داود (192) والنسائي (185) . وهذا الرد لا يقابل النص الخاص السابق في " صحيح مسلم ". ثم إنه ليس فيه دليل على النسخ؛ لأنهم سألوا أنتوضأ من لحوم الغنم؟ فقال: إن شئت. فلو كان هذا الحديث منسوخاً لنسخ حكم لحم الغنم ولما قال: " إن شئت ": دل على أن هذه الأحاديث لاحقة لحديث جابر. والنسخ لا بد فيه من دليل يفيد أن الناسخ مقدم في التاريخ ولا دليل. ثم إن حديث النسخ عام، وهذا خاص يخصص عموم الحديث. ثم إن سؤاله عن لحوم الغنم يبين أن العلة ليست في مس النار لأنه لو كان كذلك لتساوت لحوم الإبل ولحوم الغنم في ذلك. ب. واستدلوا بحديث: " الوضوء مما يخرج لا مما يدخل ". والرد: الحديث: رواه البيهقي (1 / 116) وضعفه، والدارقطني (ص 55) ، وهو حديث ضعيف فيه ثلاث علل، انظر تحقيقها في " السلسلة الضعيفة " (959) . وإن صح - تنزلاً -: فهو عام، وحديث إيجاب الوضوء خاص. ج. وقال بعضهم: إن المراد من قوله " توضئوا منها ": غسل اليدين والفم لما في لحم الإبل من رائحة كريهة ودسومة غليظة بخلاف لحم الغنم! والرد: أن هذا بعيد، لأن الظاهر منه هو الوضوء الشرعي لا اللغوي، وحمل الألفاظ الشرعية على معانيها الشرعية واجب. د. واستدل بعضهم بقصة لا أصل لها وخلاصتها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب ذات يوم، فخرج من أحدهم ريح، فاستحيا أن يقوم بين الناس، وكان قد أكل لحم جزور، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ستراً عليه! : من أكل لحم جزور فليتوضأ! فقام جماعة كانوا أكلوا من لحمه فتوضأوا!. والرد: قال الشيخ الألباني رحمه الله: لا أصل لها في شيء من كتب السنة ولا في غيرها من كتب الفقه والتفسير فيما علمت. " السلسة الضعيفة " (3 / 268) . والراجح في المسألة: أن الوضوء مما مست النار منسوخ. وأنه يجب الوضوء من لحوم الإبل. قال النووي: وذهب إلى انتقاض الوضوء به أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ويحيى بن يحيى وأبو بكر ابن المنذر وابن خزيمة واختاره الحافظ أبو بكر البيهقي، وحُكي عن أصحاب الحديث مطلقا وحُكي عن جماعة من الصحابة. واحتج هؤلاء بحديث جابر بن سمرة الذي رواه مسلم: قال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا حديثان حديث جابر وحديث البراء وهذا المذهب أقوى دليلا وإن كان الجمهور على خلافه. وقد أجاب الجمهور عن هذا الحديث بحديث جابر: كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار , ولكن هذا الحديث عام وحديث الوضوء من لحوم الإبل خاص والخاص مقدم على العام. " شرح مسلم " (4 / 49) . وقال به من المعاصرين: الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ ابن عثيمين والشيخ الألباني. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 7103 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 599 هل يبطل الوضوء بالانتصاب [السُّؤَالُ] ـ[هل الانتصاب يبطل الوضوء؟ أرجو إعطائي الدليل من الحديث وغيره.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سئلت اللجنة الدائمة عن مثل هذا السؤال فقالت: لا ينتقض الوضوء بانتشار الذكر إذا لم يخرج شيء منه، لأن الانتشار ليس من نواقض الوضوء. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 5/283. الحديث: 12822 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 600 يخرج منه سائل باستمرار فكيف يطوف [السُّؤَالُ] ـ[ما هو رأي الشرع في الرجل الذي ينوي الحج ويخرج منه باستمرار سائل أبيض يسيل بسرعة (ليس بمني ولا مذي) ؟ يجب أن أتوضأ لكل صلاة، وأود أن أعرف ماذا سأفعل أثناء الطواف؟ هل أتوضأ عندما أشعر بأن السائل بدأ بالخروج أثناء الطواف؟ أم يكفي أن أتوضأ قبل الطواف وأنهي الطواف بغض النظر عما يخرج؟ أرجو أن تجيب في أسرع وقت ممكن لأني ذاهب للحج قريباً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله السائل الذي يخرج من الرجل لا يخرج عن ثلاثة أحوال: 1- أن يكون منيا , وقد خرج منه بلذة إما احتلام أو جماع أو غيره , فهذا طاهر , وليس بنجس , والواجب على الإنسان في هذه الحال الغسل، لقوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) المائدة / 6. 2- أن يكون مذيا , وهو سائل رقيق أبيض لزج يخرج عند تحرك الشهوة , وهذا نجس ولكن نجاسته مخففة فيكفي فيه غسل الذكر والأنثيين , ونضح ما أصاب البدن والثوب منه , وهو ناقض للوضوء فيوجب الوضوء. انظر اللجنة الدائمة 5 / 381 3- أن يكون غير ذلك فحكمه حكم البول , فيجب غسل ما أصاب الثوب منه , وهو ناقض للوضوء , فيوجب الوضوء. انظر الشرح الممتع (1 / 280) وأما الشخص الذي يخرج منه هذا السائل باستمرار , فهذا حكمه حكم من به سلسل البول، وهو: أن يستنجي ويتحفظ منه حتى لا يصيب ثوبه , ولا يلوث الأماكن التي يرد إليها كالمساجد ونحوها , ويتوضأ لوقت كل صلاة , ثم يفعل في الوقت جميع العبادات التي تشترط لها الطهارة حتى يخرج الوقت، فعليك أن تتوضأ قبل الطواف ولا يضرك ما خرج بعد ذلك. وسئلت اللجنة الدائمة عن رجل به سلس بالبول كيف يتطهر للصلاة والطواف؟ فأجابت: إذا كان الواقع كما ذكرتم فلا حرج عليك في الصلاة والطواف ولو خرج منك بول مادام خروجه مستمراً لأنك في حكم أصحاب السلس وعليك أن تستنجي إذا دخل كل وقت ثم تتوضأ وضوء الصلاة ولا يضرك بعد ذلك ما خرج منك إلى الوقت الآخر. فتاوى اللجنة الدائمة (5 / 408) وسئلت: عن رجل دائم البول وبوله لا ينقطع فكيف يصلي؟ فأجابت: يصلي على حسب حاله ويستنجي ويتوضأ لكل صلاة إذا دخل وقتها وعليه أن يجعل على ذكره ما يمنع وصول البول إلى ثوبه وبدنه والمسجد فتاوى اللجنة الدائمة (5 / 507) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20474 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 601 هل التبرع بالدم ينقض الوضوء [السُّؤَالُ] ـ[هل يحل للمسلم التبرع بدمه؟ وإذا حدث وتبرع بدمه هل يمكنه أداء الصلاة مباشرة بعد التبرع بالدم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا وجدت الضرورة الداعية إلى هذا النقل فإنه لا حرج فيه على المريض ولا على الأطباء ولا على الشخص المتبرع وذلك لما يأتي: 1- لقوله تعالى: (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً) فدلت الآية الكريمة على فضل التسبب في إحياء النفس المحرّمة ولا شك أن الأطباء والأشخاص المتبرعين بدمائهم يعتبرون متسببين في إحياء نفس ذلك المريض المهددة بالموت في حالة تركها دون نقل الدم إليها. 2- ولقوله تعالى: (إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم) فدلت الآية على نفي الإثم عمن اضطر إلى المحرم والمريض مضطر إلى إسعافه بالدم ولا حرج على الغير في تبرعه وبذله. 3- أن قواعد الشريعة الإسلامية تقتضي جواز التبرع بالدم إذ من قواعدها أن الضرورات تبيح المحظورات وأن الضرر يزال والمشقة تجلب التيسير والمريض مضطر، ومتضرر، وقد لحقته المشقة الموجبة لهلاكه فيجوز نقل الدم إليه. (ومزيد من التفصيل حول موضوع التبرع بالدم تحت سؤال رقم 2320) وأما انتقاض الوضوء بخروج الدم فهذه المسألة مما اختلف فيه أهل العلم رحمهم الله تعالى فمن ذهب إلى نقض الوضوء استدل بحديث أبي الدرداء رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فتوضأ ". وقاس عليه الدم بجامع أنه نجس خارج من البدن. والحديث قد رواه أحمد 4/449 وأبوداود 2981 والترمذي 87 وقال: وَقَدْ رَأَى غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ التَّابِعِينَ الْوُضُوءَ مِنْ الْقَيْءِ وَالرُّعَافِ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَقَ وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَيْسَ فِي الْقَيْءِ وَالرُّعَافِ وُضُوءٌ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ. انتهى وهو رواية عن أحمد، قال البغوي: وهو قول أكثر الصحابة والتابعين. والراجح أن خروج الدم ليس بناقض للوضوء وإن كان الوضوء منه مستحباً ودليل ذلك ما يلي: 1- البراءة الأصلية، فالأصل بقاء الطهارة ما لم يثبت ضدها، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على النقض ولذا قال الإمام النووي رحمه الله: لم يثبت قط أن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب الوضوء من ذلك. قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله: الصحيح أن الدم والقيئ ونحوهما لا ينقض الوضوء قليلها وكثيرها لأنه لم يرد دليل على نقض الوضوء بها والأصل بقاء الطهارة. 2- عدم صلاحية قياس الدم على غيره لأن علة الحكم ليست واحدة. 3- أن نقض الوضوء بخروج الدم خلاف ما ثبت عن السلف من آثار ومن ذلك: صلاة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وجرحه يثعب دماً، وقال الحسن البصري رحمه الله: ما زال المسلمون يصلون في جراحاتهم. 4- أن كون النبي صلى الله عليه وسلم توضأ بعد القيئ لا يدل على الوجوب لأن القاعدة أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم المجرّد غير المقترن بما يدل على الأمر لا يدل على الوجوب، وغايته الدلالة على مشروعية التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، ولذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: استحباب الوضوء من الحجامة والقيئ ونحوهما متوجه ظاهر. فخلاصة ما تقدم: جواز التبرع بالدم، وأن المتبرع يستحب له أن يتوضأ بعد تبرعه بالدم وإذا لم يتوضأ فلا حرج عليه. والله تعالى أعلم. ينظر في مسألة التبرع: المختارات الجلية للشيخ عبد الرحمن بن سعدي 327، أحكام الأطعمة في الشريعة للدكتور عبد الله الطريقي 411 مجلة المجمع الفقهي عدد 1 ص 32، نقل الدم وأحكامه للصافي 27 أحكام الجراحة الطبية للدكتور الشنقيطي 580 وفي مسألة نقض خروج الدم للوضوء: مجموع الفتاوى 20/526 شرح عمدة الفقه لابن تيمية 1/295 المغني لابن قدامة 1/234 توضيح الأحكام للبسام 1/239 الشرح الممتع لابن عثيمين 1/221 [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2570 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 602 الفرق بين المني والمذي والرطوبة [السُّؤَالُ] ـ[لا أعلم متى يكون ما يخرج من المرأة منِيّاً يوجب الغسل، ومتى يكون إفرازات عادية توجب الوضوء، وحاولت أن أعرف أكثر من مرة ولا أحد يجيبني بدقة، فأصبحت أتعامل مع جميع الإفرازات على أنها عادية لا توجب الغسل , ولا أغتسل إلا بعد الجماع. أرجو أن توضحوا لي الفرق بينهما.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: ما يخرج من المرأة قد يكون منيًّا أو مذياً أو إفرازات عادية، وهي ما تسمى بـ (الرطوبة) ، وكل واحد من هذه الثلاثة له صفات وأحكام تخصه. أما المني، فصفاته: 1. رقيق أصفر. وهذا الوصف ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن ماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة رقيق أصفر) رواه مسلم (311) . وقد يكون من المرأة أبيض عند بعض النساء. 2. رائحته كرائحة الطلع، ورائحة الطلع قريبة من رائحة العجين. 3. التلذذ بخروجه، وفتور الشهوة عقب خروجه. ولا يشترط اجتماع هذه الصفات الثلاثة، بل تكفي صفة واحدة للحكم بأنه مني. قاله النووي في المجموع (2/141) . وأما المذي: فهو ماء أبيض (شفاف) لزج يخرج عند الشهوة إما بالتفكير أو غيره. ولا يتلذذ بخروجه، ولا يعقبه فتور الشهوة. وأما الرطوبة: فهي الإفرازات التي تخرج من الرحم وهي شفافة، وقد لا تشعر المرأة بخروجها، وتختلف النساء فيها قلةً وكثرةً. وأما الفرق بين هذه الأشياء الثلاثة (المني والمذي والرطوبة) من حيث الحكم: فالمني طاهر، لا يجب غسل الثوب منه، ويجب الاغتسال بعد خروجه، سواء كان خروجه في النوم أو في اليقظة، بسبب الجماع أو الاحتلام أو غير ذلك. والمذي نجس، فيجب غسله إذا أصاب البدن، وأما الثوب إذا أصابه المذي فيكفي لتطهيره رشه بالماء، وخروج المذي ينقض الوضوء، ولا يجب الاغتسال بعد خروجه. أما الرطوبة، فهي طاهرة، لا يجب غسلها ولا غسل الثياب التي أصابتها، وهي ناقضة للوضوء، إلا إذا كانت مستمرة من المرأة، فإنها تتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، ولا يضرها خروج الرطوبة بعد ذلك. ولمزيد الفائدة تراجع أجوبة الأسئلة (2458) و (81774) و (50404) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 99507 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 603 هل يبطل الوضوء إذا نظر الرجل إلى عورة زوجته؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يبطل الوضوء إذا نظر الرجل إلى عورة زوجته؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يبطل الوضوء بذلك، وقد سبق في إجابة السؤال: (14321) بيان نواقض الوضوء، وليس منها نظر الرجل إلى عورة نفسه أو غيره. وسئلت اللجنة الدائمة (5/270) : هل يفسد الوضوء بمجرد النظر إلى النساء والرجال العراة وهل يفسد الوضوء إذا نظر الرجل إلى عورته؟ فأجابت: " لا يفسد الوضوء بمجرد نظر المتوضئ إلى النساء والرجال العراة، ولا بمجرد النظر إلى عورة نفسه لعدم الدليل على ذلك " اهـ وسئلت ـ أيضاً ـ (5/283) : هل يستطيع المسلم أن يمس المصحف أو يصلي إذا نظر إلى عورته وهو متوضئ؟ فأجابت: " نعم، يجوز، وليس النظر إلى العورة من نواقض الوضوء ". اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49018 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 604 مس الذكر هل ينقض الوضوء [السُّؤَالُ] ـ[هل لمس الذكر ينقض الوضوء؟ وهل يكون حكم اللمس من فوق حائل مثل اللمس المباشر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله مس الذكر من غير حائل مبطل للوضوء عند كثير من أهل العلم من الصحابة فمن بعدهم من التابعين والأئمة منهم مالك والشافعي وأحمد واستدلوا على ذلك بأحاديث منها قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ) . رواه أبو داود (181) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. وذهب آخرون إلى أن مس الذكر لا ينقض الوضوء كما هو مذهب أبي حنيفة. وذهب بعض العلماء إلى التفريق بين مس الذكر بشهوة أو بدون شهوة، فينقض الوضوء إذا كان المس بشهوة، ولا ينقض بدون شهوة. وهو قول قوي جداً، قواه الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع وصرح بترجيحه في شرحه لبلوغ المرام. " والخلاصة: أن الإنسان إذا مس ذكره استحب له الوضوء مطلقاً سواء بشهوة أو بغير شهوة وإذا مسه لشهوة فالقول بالوجوب قوي جداً ". انتهى من "الشرح الممتع" (1/234) . أما المس من وراء حائل فإنه لا ينقض. قال المرداوي في "الإنصاف" (1/202) : " ظاهر قوله مس الذكر بيده أن المماسة تكون من غير حائل وهو الصحيح " وقال ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (1/228) : " لأنه مع الحائل لا يعد مساً ". والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 99468 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 605 الشك في خروج الريح [السُّؤَالُ] ـ[رجاءً أعطني معلومات مفصلة عن أحاديث خروج الريح بعد أو أثناء الوضوء وأيضاً عن فكرة أنه لا بد للإنسان أن يتوضأ بالتأكيد إذا أحس بحركة في معدته أو سمع صوت خروج الريح من فتحة الدُّبر.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا تيقن الإنسان من خروج الريح منه وجب عليه الوضوء، أما إذا كان مجرّد تحرّك الريح في البطن أو توهّم خروج الريح فلا يلتفت إليه، والدليل على أن مجرد تحرك الريح في البطن أو توهم الخروج لا ينقض الوضوء ما ثبت في المتفق عليه من حديث عبد الله بن زيد قال: (شُكِيَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلُ يَجِدُ فِي الصَّلاةِ شَيْئًا أَيَقْطَعُ الصَّلاةَ قَالَ لا حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا) رواه البخاري (1915) ومسلم (540) . قال النووي: هذا الحديث أصل في بقاء حكم الأشياء على أصولها حتى يتيقن خلاف ذلك، ولا يضر الشك الطارئ عليها ا. هـ. . وقال ابن حجر: وأخذ بهذا الحديث جمهور العلماء.أهـ والالتفات إلى هذه الشكوك قد يؤدي إلى الوسواس، فينبغي عدم الالتفات إلى ذلك إلا في حالة تحقق خروج الريح فحينئذ يجب الوضوء. قال النووي في قوله عليه الصلاة والسلام: (حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحا) ، قال: أن يعلم وجود أحدهما، ولا يُشترط السماع والشَّمّ بإجماع المسلمين. أهـ والمراد بالعلم: أي (يتيقن ذلك) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 13892 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 606 حكم طهارة من يكثر منه خروج الريح [السُّؤَالُ] ـ[ينتقض وضوئي في الصلاة، وفي قراءة القرآن بواسطة الريح، سواء بصوت أو برائحة فقط، فأعيد الوضوء كلما انتقض، ولكن هناك إحدى الأخوات في الله قالت لي: إنه ليس عليك إعادة الوضوء عدة مرات، ولكن بوضوء واحد تصلين، وإن انتقض الوضوء فعليك إعادة الوضوء مرة ثانية، وإن انتقض الوضوء ثالثة فلا يلزمك إعادة الوضوء، فهل هذا صحيح، وماذا أفعل في هذه الحال؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله وبعد: إذا انتقض وضوءكِ في الصلاة عن يقين بسماع الصوت أو بوجود الرائحة، فعليك أن تعيدي الوضوء والصلاة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" إذا فسا أحدكم في الصلاة فلينصرف وليتوضأ وليعد الصلاة " [أخرجه أبوداود (205) والترمذي (1164) ] بإسناد حسن، ولقوله صلى الله عليه وسلم: " لا تقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ " متفق على صحته (خ/ 135، م/ 225) إلا إذا كان الحدث معك دائما، فإن عليك أن تتوضئي للصلاة إذا دخل الوقت، ثم تصلي الفرض والنفل - ما دام الوقت - ولا يضرك ما خرج منك في الوقت؛ لأن هذه الحال حالة ضرورة يعفى فيها عما يخرج من صاحب الحدث الدائم إذا توضأ بعد دخول الوقت؛ لأدلة كثيرة: منها قوله سبحانه: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16 ومنها: حديث عائشة رضي الله عنها في قصة المستحاضة حيث قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: " ثم توضئي لكل صلاة " [أخرجه البخاري (228) ] أما القراءة فلا حرج عليك أن تقرئي عن ظهر قلب، وإن كنت على غير طهارة، إلا في حال الجنابة فلا تقرئي حتى تغتسلي، وليس لك مس المصحف إلا على طهارة من الحدث الأكبر والأصغر، إلا إذا كان الحدث دائما، فإنه لا حرج عليك إذا توضأت لوقت كل صلاة أن تصلي، وتقرئي من المصحف وعن ظهر قلب؛ لما تقدم في حكم الصلاة. وفق الله الجميع. ا. هـ. [الْمَصْدَرُ] من مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ ابن باز رحمه الله (10 / 120) . الحديث: 26280 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 607 يغتسل بنية رفع الحدثين ويعاني من خروج قطرة من البول بعد ذلك [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أسال عن الغسل من الجنابة , إذا كنت أعاني من خروج قطرات بعد التبول أحيانا تخرج نقطة وأحيانا مع عصر الذكر تتوقف لكن أزال أحس بخروج شيء ولا تتوقف إلا بعد ثلث ساعة , وأردت أن أغتسل من الجنابة وأنوي رفع الحدث الأصغر مع الأكبر , هل يجوز ذلك أم يجب علي الوضوء بعد الغسل بسبب مشكلة خروج البول؟ علما بأنني كنت أفعل هذا من قبل أي بعد دخول وقت الصلاة أغتسل وأنوي رفع الحدثين هل فعلي صحيح؟ وهل إذا نويت أن أغتسل من الجنابة وأثناء اغتسالي دخل وقت صلاة الظهر مثلا , هل يجوز أن أغتسل بنية رفع الحدث الأصغر أم يجب أن أتوضأ؟ أفيدونا أفادكم الله.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من اغتسل للجنابة، ونوى بغسله رفع الحدثين، الأصغر والأكبر، أجزأه ذلك، سواء كان غسله بعد دخول وقت الصلاة أو قبله. وانظر السؤال رقم (88066) . فإذا اغتسلت بنية رفع الحدثين في وقت الضحى مثلا، جاز لك أن تصلي الظهر بهذه الطهارة، إلا أن تنتقض بناقض، كخروج البول. وأما خروج قطرة من البول بعد الطهارة، فإن تيقنت من ذلك، لزمك أمران: غسل ما أصاب ثوبك أو بدنك، وإعادة الوضوء فقط، لا الغسل. وينبغي أن لا تهتم بهذا الإحساس، وأن تعرض عنه، حذرا من الوقوع في الوسوسة، وليس عليك أن تعصر ذكرك حتى يخرج ما فيه أو تفتش فيه بعد الانتهاء من قضاء الحاجة، فإن ذلك يفتح عليك باب الوساوس فعليك أن لا تلتفت لذلك قال في منح الجليل: " وما يشك في خروجه بعد الاستبراء يلهو عنه ولا يفتش عليه " اهـ. وقد جاء في الموسوعة الفقهية: (4/125) " ذكر الحنفية والشافعية والحنابلة أنه إذا فرغ من الاستنجاء بالماء استحب له أن ينضح فرجه أو سراويله بشيء من الماء، قطعاً للوسواس حتى إذا شك حمل البلل على ذلك النضح ما لم يتيقن خلافه.. ومن ظن خروج شيء بعد الاستنجاء فقد قال أحمد بن حنبل: لا تلتفت حتى تتيقن، وألْهَ عنه فإنه من الشيطان، فإنه يذهب إن شاء الله " انتهى. وروى عبد الرزاق في المصنف أن ابن عمر رضي الله عنه سئل عن ذلك فقال: إذا توضأت فانضح (أي: رش فرجك بالماء) والْهَ عنه فإنه من الشيطان. ومثل ذلك قال سليمان بن يسار، والحسن البصري، وسعيد بن المسيب. وانظر: "المدونة" (1/120) ، "إعلام الموقعين" (4/63) (1/103) وانظر السؤال رقم 93877 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96834 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 608 مصافحة أخت الزوجة هل ينقض الوضوء [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لي أن أجلس مع أخت زوجتي وهل ينتقض وضوئي بلمسها؟ أفيدونا وجزاكم الله خيراً؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يُحرم عليك أن تجلس مع أخت زوجتك أو غيرها من النساء الأجنبيات خالياً بها، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يخلون رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما) رواه البخاري 9/290، ومسلم برقم (1341) ، وأحمد في المسند (1/222و346) . فيحرم على الرجل أن يختلي بامرأة أجنبية منه، فإن أخت زوجتك أجنبية منك لأنه إذا طلقت زوجتك جاز لك أن تتزوجها، فهي ليست من محارمك، أما بالنسبة لنقض الوضوء: فإن الوضوء لا ينقض إلا بلمس المرأة بشهوة، فإذا مس الرجل امرأة بشهوة نقض وضوؤه سواء كانت المرأة أجنبية أو غيرها والمس الذي ينقض الوضوء هو مس البدن بدون حائل وهذا ما قرره أهل العلم، والله أعلم فتاوى سماحة الشيخ عبد الله بن حميد ص 48. وقد تقدم بيان تحريم مصافحة المرأة الأجنبية في السؤال رقم 2459. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 8531 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 609 أثر خروج الدم وماء الجروح على الطهارة والصلاة [السُّؤَالُ] ـ[أنا مصاب ببثور الشباب والتي تظهر في الوجه والكتف. وهذه البثور قد تلتهب وتتورم وفي النهاية قد تنفتح ويخرج دم منها وفي بعض الأحيان سائل أصفر ينتج عن هذا الالتهاب. وقد يحدث أن هذا الدم يصيب ثيابي، فهل يجب علي استبدال هذه الملابس وغسلها إذا أردت الصلاة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الدم الخارج من غير السبيلين، مختلف فيه بين الفقهاء، هل ينقض الوضوء أو لا ينقض، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (45666) ، وان الراجح أنه لا ينقض الوضوء، وهو مذهب الإمامين مالك والشافعي رحمهما الله واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية. ثانيا: ما أصاب ثيابك من الدم أو القيح، إن كان يسيرا، فلا حرج عليك في الصلاة بها، وإن كان كثيرا لزمك غسلها أو تبديلها في قول جمهور الفقهاء. ومال بعض أهل العلم إلى أن الدم الخارج من بدن الإنسان من غير السبيلين طاهر غير نجس. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " فالذي يقول بطهارة دم الآدمي قوله قوي جدا؛ لأن النص والقياس يدلان عليه " انتهى من "الشرح الممتع" (1/443) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96272 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 610 تخرج منه قطرات من البول ماذا يفعل؟ [السُّؤَالُ] ـ[أعاني من تضخم بسيط في غدة البروستاتا. وأحيانا بعد التبول، والانتظار فترة طويلة، تنزل نقاط بول عند وقوفي على القدمين. وأنا أجد حرجا من الصلاة على تلك الحالة. وأنا ليس عندي استعداد مسبق للاستحمام أو تغيير الملابس، لذلك تفوتني عدة صلوات في اليوم الواحد. فهل يمكن أن أصلي على الوقت دون الحاجة إلى القضاء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله خروج البول أو قطرات منه لا توجب غسلاً بل توجب الوضوء وغسل الموضع من البدن والثوب فقط. وحالتك هذه التي ذكرت وهي خروج قطرات من البول في بعض الأحوال إذا كانت بغير تحكُّم فحالتك داخلة في سلس البول فافعل ما يلي: أولاً: غسل الفرج بالماء. ثانياً: غسل الموضع الذي أصابه البول من الثوب، (ولا يلزم تغيير الملابس) . ثالثاً: وضع مناديل أو قطن أو نحوه على القبل حتى لا ينتشر البول. رابعاً: تتوضأ لكل صلاة، وتصلي على حالتك ما شئت من فرض أو نافلة بهذا الوضوء، ولا يضرك ما خرج بعد فعل ذلك فالله عز وجل يقول: (فاتقوا الله ما استطعتم) ، ولا تفوت الصلاة ولا تُؤخرها عن وقتها، وصلاتك صحيحة. هذا في حال السلس، لكن لو كان الخروج بعد التبول بقليل ثم ينقطع بعد ذلك، فيمكنك أن تذهب إلى الخلاء قبل الصلاة أو الأذان بربع ساعة مثلاً ثم تضع شيئاً تأمن معه التلوث بعد استنجائك، ثم بعد ذلك تستنجي وتتوضأ وتصلي، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 6656 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 611 خروج الريح باستمرار هل ينقض الوضوء؟ [السُّؤَالُ] ـ[أعاني من القولون العصبي. وبعض أعراضه هي الإحساس بالانتفاخ وخروج الغازات. ويعني ذلك أني كلما توضأت, فأنا أعيده باستمرار, وقد تصل إلى 5 مرات على الأقل بسبب خروج الغازات في أثناء الوضوء وبعده أو وأنا أصلي. وكما ترى , فأنا لا أجد ذلك في كل وقت , لكنه يتكرر معي كثيرا. وهذا يمنعني من تأدية صلاة التراويح ... الخ. ومع أنني فتاة , إلا أني أرغب في حضور صلاة الجمعة، لكني لا أستطيع حضور الجمع للأسباب التي ذكرتها آنفا. وأيضا , فإن الغازات التي تخرج مني لها رائحة كريهة جدا, وهي ليست كرائحة الغازات العادية. فما علي أن أفعل؟ أأستمر في تجديد الوضوء، هل هذا الذي عليّ فعله؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نسأل الله تعالى أن يشفي الأخت السائلة، وجزاها الله خيرا لحرصها على التفقه في الدين وعدم الخجل من ذلك من أجل أن تتبصر بأمور دينها. ثانياً: قد يتوهم المصلي أحياناً أنه قد خرج منه شيء في الصلاة، ولا يكون قد خرج منه شيء، وهذا قد يكون من وساوس الشيطان التي يريد بها إفساد الصلاة وعدم الخشوع فيها، ولا ينبغي للمصلي أن يدع صلاته إلا إذا تيقن أنه خرج منه شيء. عن عباد بن تميم عن عمه: أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل الذي يخيَّل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، فقال: لا ينفتل – أو: لا ينصرف - حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحا ". رواه البخاري (137) - واللفظ له - ومسلم (362) . وليس المراد من الحديث تعليق الحكم على سماع الصوت أو شم الرائحة، وإنما المراد حصول التيقن بخروج شيء وإن لم يسمع صوتاً أو يجد ريحاً. انظر شرح مسلم للنووي 4 / 49 فالأصل بالمصلي إذا كان متوضأً: أن وضوءه لا ينتقض بالشك، بل يجب عليه أن يتيقن الحدث أولاً، فإن تيقن أنه محدث انصرف من صلاته وتوضأ. والحدث لا يكون إلا مما يخرج من السبيلين خروجا يقينيّاً لا شك فيه ولا لبس، أما مجرد الشعور بالانتفاخ فهذا لا يعد من نواقض الوضوء حتى يخرج شيء. وهذه الغازات التي شكوتِ منها حكمها حكم المستحاضة ومن به سلس البول. (الشرح الممتع 1 / 437) ولها حالان: الأولى: أن يكون لها وقت تنقطع فيه، كما لو كانت تخرج ثم تسكت مدة تتمكنين فيها من الوضوء والصلاة في وقتها ثم تعاود الخروج، فهنا عليك أن تتوضئي وتصلي في الوقت الذي تنقطع فيه. الثانية: أن تكون مستمرة وليس لها وقت تنقطع فيه بل يمكن أن تخرج كل وقت، فإنك تتوضئين لكل صلاة بعد دخول وقتها وتصلي بهذا الوضوء ولا يضرك ما خرج ولو كان ذلك أثناء الوضوء أو الصلاة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فمن لم يمكنه حفظ الطهارة مقدار الصلاة فإنه يتوضأ ويصلي ولا يضره ما خرج منه في الصلاة، ولا ينتقض وضوءه بذلك باتفاق الأئمة وأكثر ما عليه أن يتوضأ لكل صلاة. مجموع الفتاوى 21 / 221 وقد سئلت اللجنة الدائمة عن رجل مصاب بسلس في البول يظهر بعد التبول لفترة لو انتظر انتهاء السلس لانتهت الجماعة ماذا يكون الحكم؟ فأجابت اللجنة: إذا عرف أن السلس ينتهي فلا يجوز له أن يصلي وهو معه طلباً لفضل الجماعة، وإنما عليه أن ينتظر حتى ينتهي ويستنجي بعده ويتوضأ ويصلي صلاته ولو فاتته الجماعة، وعليه أن يبادر بالاستنجاء والوضوء بعد دخول الوقت، رجاء أن يتمكن من صلاة الجماعة. وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة أيضاً: الأصل أن خروج الريح ينقض الوضوء، لكن إذا كان يخرج من شخص باستمرار وجب عليه أن يتوضأ لكل صلاة عند إرادة الصلاة، ثم إذا خرج منه وهو في الصلاة لا يبطلها وعليه أن يستمر في صلاته حتى يتمها، تيسراً من الله تعالى لعباده ورفعاً للحرج عنهم، كما قال تعالى: (يريد الله بكم اليسر) وقال: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) اللجنة الدائمة للبحوث 5 / 411 ثالثاً: وأما ذهابك للمسجد مع وجود هذه الريح: فلا يجوز فإن المساجد يجب صيانتها من كل رائحة كريهة لأن ذلك يؤذي المصلين، ويؤذي الملائكة الكرام. وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم من أكل ثوماً أو بصلاً أن يقرب المسجد، فروى البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أكل ثوماً أو بصلاً فليعزلنا أو قال: فليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته. وروى مسلم (564) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم) وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بإخراج من وجدت منه رائحة البصل أو الثوم من المسجد. روى مسلم (567) عن عمر بن الخطاب قال: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحهما من الرجل في المسجد أمر به فأخرج إلى البقيع. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 8910 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 612 حكم الجمع بين الصلاتين لمن به سلسل بول [السُّؤَالُ] ـ[فتوى الشيخ ابن عثيمين عن مسألة الشخص الذي ينزل منه قطرات بول بعد أن يكون قد دخل المرحاض واستنجى هو أن على هذا الشخص أن يستنجي، ثم عندما يدخل وقت الصلاة، فإن عليه أن يتوضأ، وسؤالي هو: إذا كان المسلم يجمع صلاته بسبب السفر ونزلت بعض القطرات منه في الفترة الفاصلة بين الصلاتين؟ أي: بعد أن يكون قد أدى صلاة الظهر، لكن قبل أن يكون قد انتهى من إقامة صلاة العصر، أو في أي وقت في أثناء صلاة الظهر، أي قبل أن يكون المذكور قد أقام للعصر، فهل عليه أن يعيد وضوءه مرة أخرى ليصلي الثانية أي العصر في هذا المثال؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان سلسل البول مستمراً لا ينقطع عنه وهو يصلي فإنه يصلي صلاة العصر بنفس الوضوء، وليس عليه أن يعيد الوضوء. أما إذا كان سلسل البول ينقطع عنه، ثم نزلت بعض القطرات في الفترة ما بين الصلاتين فإن عليه أن يعيد الوضوء. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ خالد السبت. الحديث: 14303 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 613 تَتَخَيَّل خروج الريح منها فهل ينتقض وضوؤها [السُّؤَالُ] ـ[كلما أتوضأ، أظل أشعر بشعور غير مريح في المهبل والشرج. أنا لا أخرج الريح، ولكنني أشعر بنوع من الريح داخل الأعضاء الخاصة والتي لا تخرج منها. لذلك هل أعيد وضوئي باستمرار؟ إنه شيء صعب بالنسبة لي، وكما أنه تصيبني هذه المشكلة باستمرار، فإنني أتوضأ 5 مرات قبل الصلاة. هل هذا الشعور غير المريح يبطل وضوئي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله على الإنسان أن لا ينصرف من الصلاة حتى يتيقن خروج شيء منه ولا يلتفت إلى هذه الوساوس، لأنها من الشيطان، ولذلك بوب البخاري رحمه الله بباب " لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن " وجاء فيه حديث عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلُ الَّذِي يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ. فَقَالَ: " لا يَنْفَتِلْ أَوْ لا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا " (الوضوء/134) ، فكل هذه الوساوس والتخيُّلات لا تنقض الوضوء. أما إذا تيقن الإنسان خروج شيء منه ففي هذه الحالة يبطل الوضوء، وعلى الإنسان إذا عرض له مثل هذه الوساوس أن يتشاغل عنها ويبني على أصل الطهارة، لأن تفكيره في ذلك يؤدي إلى بقاء الوسوسة. أما خروج الريح من فَرْجِ المرأة فلا ينقض الوضوء وقد سئلت اللجنة الدائمة عن خروج الريح من قُبُل المرأة في الصلاة فأجابت: هذا لا ينقض الوضوء لأنه لا يخرج من محلٍّ نجس كالريح التي تخرج من الدبر. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 5/259. الحديث: 14383 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 614 هل استعمال الكريم ينقض الوضوء [السُّؤَالُ] ـ[هل الكريم الذي نضعه في اليد أو الوجه ناقض الوضوء أم لا؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " تَدَهٌُّن المرأة بالكريم أو بغيره من الدهون لا يبطل الوضوء بل ولا يبطل الصيام أيضاً، وكذلك دهنه بالشفة لا يبطل الوضوء ولا يبطل الصيام، ولكن في الصيام إذا كان لهذه التحميرات طعم فإنها لا تستعمل على وجه ينزل طعمها إلى جوفها ". [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين ج/11 ص/201. الحديث: 21791 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 615 استخدام زيت الشعر لا ينقُضُ الوضوء [السُّؤَالُ] ـ[هل استخدام الزيت للشعر ينقض الوضوء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا ينتقض الوضوء باستخدام زيت الشعر، ونواقض الوضوء محصورة وقد ذكرناها في جواب سؤال رقم (14321) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 22040 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 616 هل الأصوات داخل البطن تبطل الوضوء [السُّؤَالُ] ـ[بخصوص نقض الوضوء فعندما يخرج من الإنسان ريح ينتقض وضوؤه وقرأت حديثاً يفيد بأنه إذا لم يسمع المرء صوتاً أو يشم رائحة فإن الوضوء لا ينتقض ويستمر في الصلاة. لكن ماذا لو سمعت صوتاً داخل البطن ولم يخرج فهل أخرج من الصلاة وأتوضأ ثانية؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لقد بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ضابط الخروج من الصلاة في الحالة التي سألت عنها، فقد جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا، فأشكل عليه: أخرج منه شيء، أم لا؟ فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا. رواه مسلم (362) . وعن عبد الله بن زيد قال: شُكِيَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يُخَيّل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، قال: لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا. متفق عليه. قال الإمام النووي في شرح مسلم (4/49) : وهذا الحديث أصل من أصول الإسلام، وقاعدة عظيمة من قواعد الفقه، وفي أن الأشياء يحكم ببقائها على أصولها حتى يتيقن خلاف ذلك، ولا يضر الشك الطارئ عليها.ا. هـ. ولا عبرة بالنجاسة قبل خروجها، وقد تصدر أصوات من بطن الإنسان نتيجة انتقال الغازات. فالمصلي إذا سمع صوتا داخل البطن، ولم يخرج منه شيء ناقض للوضوء ولم يجد دليلاً من سماع صوت أو شم رائحة فعليه أن لا يلتفت إليه، لأن الأصل بقاء طهارته، فلا يبطل وضوءه، ولا ينفتل من صلاته حتى يتقين أنه خرج منه شيء، لأن اليقين لا يزول بالشك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 11591 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 617 هل يلزم الوضوء أو الغُسْل إذا أصاب الشخص نجاسة في بدنه أو ثوبه [السُّؤَالُ] ـ[أسأل عن موضوع أشكل علي. فقد حدث أن حُشرت المناديل في مكان قضاء الحاجة مما تسبب في تعطيلها، فدفقت الماء لأزيل تلك المناديل لكني لم أنجح. وفي النهاية، قمت وأدخلت يدي اليمنى في الحفرة فغمر الماء يمناي إلى ما دون المرفق. وفي هذه الحالة، هل من الضروري أن أغتسل لأنظف نفسي، أم يكفي غسل اليد بالماء والصابون ثم الوضوء بعد ذلك؟ وهل ستقبل الصلاة على تلك الحالة؟ لقد قرأت الأسئلة والأجوبة الموجودة على موقعك، كما أني قرأت الحالات التي تستوجب الغسل، لكني أريد أن أنتهي من هذه المسألة التي أقلقتني.]ـ [الْجَوَابُ] إذا أصاب الإنسان نجاسة في بدنه أو ثوبه وهو على وضوء فإنَّ وضوءه لا يتأثَّر بذلك، لأنه لم يحصل شيء من نواقض الوضوء، ولكن غاية ما عليه أن يغسل هذه النجاسة عن بدنه أو ثوبه ويصلي بوضوئه، ولا حرج عليه في ذلك. انظر المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان ج/3 ص/23 ويراجع جواب سؤال رقم (5212) . وينبغي عليك عند إزالة النجاسة أن يكون ذلك باليد اليسرى لا باليمنى، وإذا أردت غمر يدك في ماء نجس للحاجة ـ كفتحة المجاري وفتحة المرحاض ـ مثلما هو مذكور في السؤال فلا تباشره بيدك والبس قفازاً ونحوه، فإن لم يكن لديك واحتجت لملامسة النجاسة فليكن بالشمال لا باليمين. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 13665 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 618 خروج ماء الجروح من الجسم لا ينقض الوضوء [السُّؤَالُ] ـ[يوجد في وجهي بثور وحب الشباب وأعلم أن الدم الذي يخرج من الجرح ويسيل هو نجس ويجب الوضوء منه. سؤالي هو: هل السائل الذي يشبه الماء (الصديد) ويخرج من الجرح هل هو نجس؟ وهل يجب الوضوء منه عند خروجه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لمعرفة حكم نجاسة الدم، يراجع للأهمية جواب سؤال رقم (2570) و (2176) . ثانياً: ذهب بعض العلماء إلى أن ماء الجروح إن كان قليلاً لم ينقض الوضوء. وإن كان كثيراً فإنه ينقض الوضوء. وذهب جماعة من العلماء، منهم الشافعي وفي رواية عن الإمام أحمد والفقهاء السبعة إلى أن الخارج من غير السبيلين لا ينقض الوضوء، قَلَّ أو كَثُر إلا البول والغائط. واستدلوا بما يلي: 1- أن الأصل عدم النقض، فمن ادعى خلاف الأصل فعليه الدليل. 2- أن طهارته ثبتت بمقتضى دليل شرعي، وما ثبت بمقتضى دليل شرعي فإنه لا يمكن رفعه إلا بدليل شرعي. ونحن لا نخرج عما دل عليه كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لأننا متعبدون بشرع الله لا بأهوائنا، فلا يسوغ لنا أن نلزم عباد الله بطهارة لم تجب، ولا نرفع عنهم طهارة واجبة. أهـ انظر الشرح الممتع لابن عثيمين ج/1 ص/224. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 13676 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 619 إذا تحركت الريح ولم تخرج هل ينتقض الوضوء؟ [السُّؤَالُ] ـ[أود معرفة الضابط الواضح فيما يخص انتقاض الوضوء بخروج ريح. فقد يحدث أحيانًا أن تتحرك غازات في الدبر لكنها لا تخرج إلى الخارج. هل يعتبر الوضوء قد انتقض بسبب هذا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الناقض هو خروج الريح المعتاد من الدبر، هذا الذي ينقض الوضوء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن زيد في الرجل يخيل إليه أنه أحدث في الصلاة ولم يحدث قال: (لا يخرج حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) فإذا حدث في بطنه شئ فشك هل انتقض وضوؤه أو لا فالأصل بقاء الطهارة. [الْمَصْدَرُ] الشيخ الدكتور / خالد المشيقح الحديث: 20330 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 620 إذا توضأ واستنثر خرج الدم من أنفه فهل يعيد الوضوء؟ [السُّؤَالُ] ـ[أعاني من جرح في أنفي، وعندما أتوضأ وأريد الاستنشاق والاستنثار، فإذا استنثرت خرج الدم من أنفي، فهل علي أن أعيد الوضوء؟ مع أن هذا قد شق عليّ.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله خروج الدم من الأنف لا ينقض الوضوء، على الراجح من قولي العلماء. وهو مذهب مالك والشافعي رحمهما الله، وهو المروي عن عدة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. وذهب الحنفية والحنابلة إلى أنه ينقض، ولهم تفصيل في ذلك، فالحنابلة يشترطون أن يكون الدم الخارج كثيرا، والكثرة والقلة ترجع إلى تقدير كل إنسان في نفسه. قال النووي رحمه الله: " ومذهبنا أنه لا ينتقض الوضوء بخروج شيء من غير السبيلين , كدم الحجامة والقيء والرعاف (النزيف من الأنف) سواء قل ذلك أو كثر. وبهذا قال ابن عمر وابن عباس وابن أبي أوفى وجابر وأبو هريرة وعائشة وابن المسيب وسالم بن عبد الله بن عمر والقاسم بن محمد وطاوس وعطاء ومكحول وربيعة ومالك وأبو ثور وداود. قال البغوي: وهو قول أكثر الصحابة والتابعين. وقالت طائفة: يجب الوضوء بكل ذلك , وهو مذهب أبي حنيفة والثوري والأوزاعي وأحمد وإسحاق. . . ثم اختلف هؤلاء في الفرق بين القليل والكثير" انتهى من "المجموع" (2/62) باختصار. وقد احتج القائلون بنقض الوضوء بأحاديث ضعيفة، كما قال النووي رحمه الله وغيره. وانظر السؤال رقم (45666) . ودليل القول الراجح، وهو عدم النقض، ما يلي: 1- أن الأصل عدم النقض، فمن ادعى خلاف الأصل فعليه الدليل. 2- أن طهارته ثبتت بمقتضى دليل شرعي، وما ثبت بمقتضى دليل شرعي فلا يمكن رفعه إلا بدليل شرعي. انظر: "الشرح الممتع" للشيخ ابن عثيمين (1/166) . 3- ما رواه أبو داود (198) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ، فَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْزِلا، فَقَالَ: مَنْ رَجُلٌ يَكْلَؤُنَا؟ (أي يحرسنا) . فَانْتَدَبَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَرَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: كُونَا بِفَمِ الشِّعْبِ. قَالَ: فَلَمَّا خَرَجَ الرَّجُلانِ إِلَى فَمِ الشِّعْبِ اضْطَجَعَ الْمُهَاجِرِيُّ وَقَامَ الأَنْصَارِيُّ يُصَلِّي، وَأَتَى رَجُل من المشركين، فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ فَوَضَعَهُ فِيهِ، فَنَزَعَهُ، حَتَّى رَمَاهُ بِثَلاثَةِ أَسْهُمٍ، ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ، ثُمَّ انْتَبَهَ صَاحِبُهُ، وَلَمَّا رَأَى الْمُهَاجِرِيُّ مَا بِالأَنْصَارِيِّ مِنْ الدَّمِ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! أَلا أَنْبَهْتَنِي أَوَّلَ مَا رَمَى؟ قَالَ: كُنْتَ فِي سُورَةٍ أَقْرَؤُهَا فَلَمْ أُحِبَّ أَنْ أَقْطَعَهَا. والحديث حسنه الألباني في صحيح أبي داود. وهو واضح الدلالة على أن الدم لا ينقض الوضوء ولو كان كثيرا، لأنه لو كان ينقض لخرج من الصلاة. قال النووي رحمه الله في المجموع: " وعَلم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ولم ينكره ". وقال الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه: "وقال الحسن: ما زال المسلمون يصلون في جراحاتهم. وقال طاوس ومحمد بن علي وعطاء وأهل الحجاز: ليس في الدم وضوء. وعصر ابن عمر بَثْرة فخرج منها الدم ولم يتوضأ. وبزق بن أبي أوفى دما فمضى في صلاته. وقال ابن عمر والحسن فيمن يحتجم: ليس عليه إلا غسل محاجمه " انتهى. وقال الحافظ في الفتح (1/281) : " وقد صح أن عمر صلى وجرحه ينبُع دما ". وهذا كله يدل على أن خروج الدم من غير السبيلين لا ينقض للوضوء. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 88040 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 621 مس الذكر هل ينقض الوضوء؟ [السُّؤَالُ] ـ[أعلم أن الغسل من الجنابة يجزئ عن الوضوء سواء توضأ الجنب قبل الغسل أم لم يتوضأ ولكن ماذا عن مس الذكر والإليتين أثناء الغسل؟ فهل هذا يوجب الوضوء بعد انتهاء الغسل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا اغتسل الجنب ومس ذكره أثناء الاغتسال، هل يجب عليه الوضوء أم لا؟ ينبني هذا على اختلاف العلماء في نقض الوضوء بمس الذكر، فمن رأى أنه ناقض أوجب عليه الوضوء، ومن رأى أنه غير ناقض فلا يوجب عليه الوضوء. قال في "الشرح الممتع": " واختلف العلماء رحمهم الله في مس الذكر والقبل هل ينقض الوضوء أم لا؟ على أقوال: القول الأول: وهو المذهب (أي: مذهب الإمام أحمد) أنه ينقض الوضوء، واستدلوا بما يلي: 1- حديث بسرة بنت صفوان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مس ذكره فليتوضأ) . 2- حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره؛ ليس دونها ستر فقد وجب عليه الوضوء) ، وفي رواية: (إلى فرجه) . 3- أن الإنسان قد يحصل منه تحرك شهوة عند مس الذكر، أو القبل فيخرج منه شيء وهو لا يشعر، فما كان مظنة الحدث علق الحكم به كالنوم. القول الثاني: أن مس الذكر لا ينقض الوضوء، واستدلوا بما يلي: 1 حديث طلق بن علي أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يمس ذكره في الصلاة: أعليه وضوء؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا، إنما هو بضعة منك) . 2 أن الأصل بقاء الطهارة، وعدم النقض، فلا نخرج عن هذا الأصل إلا بدليل متيقن. وحديث بسرة وأبي هريرة ضعيفان، وإذا كان فيه احتمال؛ فالأصل بقاء الوضوء. قال صلى الله عليه وسلم: (لا ينصرف حتى يسمع صوتا، أو يجد ريحا) فإذا كان هذا في السبب الموجب حسا، فكذلك السبب الموجب شرعا، فلا يمكن أن نلتفت إليه حتى يكون معلوما بيقين. القول الثالث: أنه إن مسه بشهوة انتقض الوضوء وإلا فلا، وبهذا يحصل الجمع بين حديث بسرة، وحديث طلق بن علي، وإذا أمكن الجمع وجب المصير إليه قبل الترجيح والنسخ؛ لأن الجمع فيه إعمال الدليلين، وترجيح أحدهما إلغاء للآخر. ويؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما هو بضعة منك) لأنك إذا مسست ذكرك بدون تحرك شهوة صار كأنما تمس سائر أعضائك، وحينئذ لا ينتقض الوضوء، وإذا مسسته لشهوة فإنه ينتقض؛ لأن العلة موجودة، وهي احتمال خروج شيء ناقض من غير شعور منك، فإذا مسه لشهوة وجب الوضوء، ولغير شهوة لا يجب الوضوء؛ ولأن مسه على هذا الوجه يخالف مس بقية الأعضاء. وجمع بعض العلماء بينها بأن الأمر بالوضوء في حديث بسرة للاستحباب، والنفي في حديث طلق لنفي الوجوب؛ بدليل أنه سأل عن الوجوب فقال: (أعليه) وكلمة: (على) ظاهرة في الوجوب. القول الرابع: وهو اختيار شيخ الإسلام أن الوضوء من مس الذكر مستحب مطلقا، ولو بشهوة. وإذا قلنا: إنه مستحب، فمعناه أنه مشروع وفيه أجر، واحتياط، وأما دعوى أن حديث طلق بن علي منسوخ، لأنه قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبني مسجده أول الهجرة، ولم يعد إليه بعد. فهذا غير صحيح لما يلي: 1- أنه لا يصار إلى النسخ إلا إذا تعذر الجمع، والجمع هنا ممكن. 2 - أن في حديث طلق علة لا يمكن أن تزول، وإذا ربط الحكم بعلة لا يمكن أن تزول فإن الحكم لا يمكن أن يزول؛ لأن الحكم يدور مع علته، والعلة هي قوله: (إنما هو بضعة منك) ولا يمكن في يوم من الأيام أن يكون ذكر الإنسان ليس بضعة منه، فلا يمكن النسخ. 3 - أن أهل العلم قالوا: إن التاريخ لا يعلم بتقدم إسلام الراوي، أو تقدم أخذه؛ لجواز أن يكون الراوي حدث به عن غيره. بمعنى: أنه إذا روى صحابيان حديثين ظاهرهما التعارض، وكان أحدهما متأخرا عن الآخر في الإسلام، فلا نقول: إن الذي تأخر إسلامه حديثه يكون ناسخا لمن تقدم إسلامه، لجواز أن يكون رواه عن غيره من الصحابة، أو أن النبي صلى الله عليه وسلم حدث به بعد ذلك. والخلاصة: أن الإنسان إذا مس ذكره استحب له الوضوء مطلقا، سواء بشهوة أم بغير شهوة، وإذا مسه لشهوة فالقول بالوجوب قوي جدا، لكني لا أجزم به، والاحتياط أن يتوضأ" انتهى. ثم جزم الشيخ رحمه الله في شرح "بلوغ المرام" (1/259) أن مس الذكر بشهوة ناقض للوضوء، ومسه بدون شهوة غير ناقض. وعلى هذا القول؛ فمن مس ذكره بشهوة أثناء الاغتسال من الجنابة وجب عليه الوضوء بعد انتهاء الغسل، وإذا كان مسه بلا شهوة فلا يلزمه الوضوء. ثانياً: مس الأليتين لا ينقض الوضوء، والخلاف إنما هو في مس حلقة الدبر، لأنه قد ورد حديث بسرة بنت صفوان بلفظ: (من مس فرجه فليتوضأ) رواه النسائي (444) وابن ماجه (481) وصححه الألباني في صحيح النسائي. فالخلاف في مس حلقة الدبر كالخلاف في مس الذكر. وأما ما جاور ذلك فمسه لا ينقض الوضوء، كمس الخصيتين والصفحتين. قال الإمام الشافعي رحمه الله في "الأم" (1/34) : " فإن مس أنثييه أو أليتيه أو ركبتيه ولم يمس ذكره لم يجب عليه الوضوء " انتهى. وقال النووي رحمه الله في "المجموع" (2/42) : " قال أصحابنا: والمراد بالدبر ملتقى المنفذ , أما ما وراء ذلك من باطن الأليين فلا ينقض بلا خلاف " انتهى. وقال ابن قدامة رحمه الله: " ولا ينتقض الوضوء بمس ما عدا الفرجين من سائر البدن , كالرُّفغ والأنثيين والإبط , في قول عامة أهل العلم ; لأنه لا نص في هذا ولا هو في معنى المنصوص عليه فلا يثبت الحكم فيه " انتهى باختصار من "المغني" (1/119) . والرُّفْغ: ما حول الفرج، أو أصول الفخذين من باطن. "مختار الصحاح". والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82759 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 622 تنظيف حفاظات الطفل لا ينقض الوضوء [السُّؤَالُ] ـ[هل يبطل الوضوء إذا قمت بتنظيف بول الطفل وحفاظاته؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يبطل الوضوء بتنظيف بول الطفل وحفاظته، وذلك لأن مس النجاسة لا ينقض الوضوء، لكن يجب غسل النجاسة عند إرادة الصلاة. جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء": " لا ينتقض الوضوء بغسل النجاسة على بدن المتوضئ أو غيره " انتهى. "مجلة البحوث الإسلامية" (22/62) . وفي "فتاوى الشيخ ابن باز" (10/139) : " ملامسة الأدوات الصحية وبلاط الحمام حافية كل ذلك لا ينقض الوضوء، لكن إذا كان في البلاط نجاسة ووطئتها المرأة أو الرجل فهذا لا ينقض الوضوء، لكن على كل منهما أن يغسل رجله إذا وطئها وهي رطبة، أو في رجله رطوبة. وملامسة ملابس الطفل المبتلة بالبول لا تنقض الوضوء، ولكن على من لمسها وهي رطبة أن يغسل يده، وهكذا لو كانت يابسة ويده رطبة فإنه يغسل يده " انتهى. وقال الشيخ ابن باز أيضاً (10/141) : " أما مس الدم أو البول أو غيرهما من النجاسات فلا ينقض الوضوء، ولكن يغسل ما أصابه" انتهى. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن المرأة إذا وضأت طفلها وهي طاهرة هل يجب عليها أن تتوضأ؟ فأجاب: " إذا وضأت المرأة طفلها أو طفلتها ومست الفرج فإنه لا يجب عليها الوضوء، وإنما تغسل يديها فقط، لأن مس الفرج لغير شهوة لا يجب الوضوء، ومعلوم أن المرأة التي تغسل أولادها لا يخطر ببالها الشهوة، فهي إذا وضأت الطفل أو الطفلة فإنما تغسل يديها فقط من النجاسة التي أصابتها ولا يجب عليها أن تتوضأ " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (11/203) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82517 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 623 إذا مس فرجه أثناء الغسل هل يلزمه الوضوء؟ [السُّؤَالُ] ـ[ي عن الطهارة وبالخصوص غسل الجنابة بعد غسل اليدين والفرج ثم الوضوء هل يجوز غسل الفرج مرة أخرى حينما نعم الماء على سائر البدن أم أنه سيبطل الوضوء إذا كنت أنوي الصلاة بعد الانتهاء من الغسل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله السنة أن يغسل الإنسان فرجه قبل الشروع في الغسل، كما دل عليه ما رواه البخاري (276) ومسلم (317) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَتْ مَيْمُونَةُ: (وَضَعْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُسْلًا فَسَتَرْتُهُ بِثَوْبٍ، وَصَبَّ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ صَبَّ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فَغَسَلَ فَرْجَهُ، فَضَرَبَ بِيَدِهِ الْأَرْضَ فَمَسَحَهَا، ثُمَّ غَسَلَهَا، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ، ثُمَّ صَبَّ عَلَى رَأْسِهِ وَأَفَاضَ عَلَى جَسَدِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ) . فإن مس فرجه بعد ذلك أو غسله مرة أخرى فالأحوط أن يتوضأ بعد انتهاء الغسل، لما ذهب إليه أكثر العلماء من أن مس الفرج ناقض للوضوء، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (82759) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82521 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 624 الإغماء ينقض الوضوء [السُّؤَالُ] ـ[هل الإغماء من نواقض الوضوء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، أجمع العلماء على أن الإغماء من نواقض الوضوء، ولو كان يسيراً. فمن أغمي عليه حتى زال شعوره، ولو لحظة انتقض وضوؤه. قال ابن قدامة في "المغني" (1/234) : " زوال العقل بالجنون والإغماء والسكر وما أشبهه من الأدوية المزيلة للعقل , ينقض الوضوء يسيره وكثيره إجماعا , قال ابن المنذر: أجمع العلماء على وجوب الوضوء على المغمى عليه. ولأن هؤلاء حسهم أبعد من حس النائم , بدليل أنهم لا ينتبهون بالانتباه , ففي إيجاب الوضوء على النائم تنبيه على وجوبه بما هو آكد منه " انتهى. وقال النووي في "المجموع" (2/25) : " أجمعت الأمة على انتقاض الوضوء بالجنون وبالإغماء , وقد نقل الإجماع فيه ابن المنذر وآخرون واتفق أصحابنا على أن من زال عقله بجنون أو إغماء أو مرض أو سكر بخمر أو نبيذ أو غيرهما , أو شرب دواء للحاجة أو غيرها فزال عقله انتقض وضوءه. . . قال أصحابنا: والسكر الناقض هو الذي لا يبقى معه شعور , دون أوائل النشوة , وقال أصحابنا: ولا فرق في كل ذلك بين القاعد ممكنا مقعده وغيره , ولا بين قليله وكثيره " انتهى. وسُئل الشيخ ابن عثيمين: هل ينتقض الوضوء بالإغماء؟ فأجاب: " نعم، ينتقض الوضوء بالإغماء، لأن الإغماء أشدُّ من النوم، والنوم يَنقض الوضوء إذا كان مستغرقاً، بحيث لا يدري النائم لو خرج منه شيء، أمّا النوم اليسير الذي لو أحدث النائم لأحسُّ بنفسه، فإن هذا النوم لا ينقض الوضوء، سواء من مُضطجع أو قاعد متكئ أو قاعد غير متكئ، أو أي حال من الأحوال، ما دام لو أحدث أحسَّ بنفسه، فإنه نومه لا ينقض الوضوء، فالإغماء أشد من النوم فإذا أُغمي على الإنسان، فإنه يجب عليه الوضوء " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (11/200) . وسئل الشيخ بن باز رحمه الله: ما حكم وضوء الذين يعيشون لحظات غيبوبة؟ فأجاب: " هذا فيه تفصيل: إذا كان شيء يسير لا يزيل الوعي ولا يمنع الإحساس بوجود الحدث فلا يضر، كالناعس الذي لا يستغرق في نومه، بل يسمع الحركة، فهذا لا يضره حتى يعلم أنه خرج منه شيء، هكذا إذا كانت الغيبوبة لا تمنع الإحساس، أما إن كانت الغيبوبة تمنع شعوره بالذي يخرج منه؛ كالسكران، أو المصاب بمرض أفقده شعوره حتى صار في غيبوبة - فهذا ينتقض وضوءه كالإغماء، كذلك المصابون بالصرع " انتهى. "فتاوى الشيخ ابن باز" (10/145) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 74991 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 625 إرضاع الطفل لا ينقض الوضوء [السُّؤَالُ] ـ[بعد أن انتهيت من الوضوء للصلاة وأراد الطفل الرضاعة من الثدي فهل ذلك يبطل الوضوء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لم يقل أحد من أهل العلم إن إرضاع الطفل من نواقض الوضوء، ونواقض الوضوء أشياء محصورة محددة، وقد سبق ذكرها في جواب السؤال رقم (14321) . وقد اتفق العلماء على أن الخارج من غير السبيلين إذا كان طاهرا لا يكون ناقضاً للوضوء، غير أنه اختلفوا في الخارج من البدن إذا كان نجساً، هل ينقض الوضوء أم لا؟ وقد سبق تفصيل ذلك في جواب السؤال رقم (45666) . "الموسوعة الفقهية" (17/111) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 74901 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 626 حكم إفرازات رحم المرأة [السُّؤَالُ] ـ[أنا فتاة غير متزوجة وأبلغ من العمر 24 عاماً، ومشكلتي هي أنه ينزل مني في بعض الأحيان سائل أصفر أو يميل إلى البياض لكني لا أحتاج لاستخدام الحفائظ النسائية لأنه ينزل بكمية بسيطة، والدتي تقول إن ذلك سببه ضعف الجسم أو الضغوط، وتقول: إن خالتي عانت من نفس المشكلة، وقد قرأت عن الموضوع في عدد من المجلات الطبية وهي أيضا تعزي السبب إلى الضعف، وسؤالي هو: هل يجوز لي أن أصلي في هذه الحالة؟ وإذا كان الجواب بنعم: فهل يجب عليَّ تغيير الملابس؟ وكم المدة التي أستمر فيها على وضوئي دون أن ينتقض؟ كما أريد إيضاح أن المسألة لا تأتي قبل أو بعد الدورة الشهرية.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سبق في جواب السؤال رقم (50404) حكم الإفرازات التي تخرج من رحم المرأة، وبيّنا فيه أن ما يخرج من رحم المرأة من إفرازات: أنه طاهر، وما يخرج من مجرى البول فهو نجس، وكلاهما يوجب الوضوء على المرأة. وعلى هذا، فلا حرج عليك من الصلاة بهذه الحالة، ولا يلزمك تغيير الملابس أو غسلها لأن هذه الإفرازات طاهرة. والمدة التي يمكنك البقاء فيها على طهارتك هي وقت الصلاة التي توضأت لها، فيلزمك الوضوء للصلاة بعد دخول وقتها، ويستمر وضوؤك صحيحا ولو نزل هذا السائل حتى يخرج وقت هذه الصلاة، فتتوضئي للصلاة الأخرى وهكذا ... فلا يجوز أن تصلي فريضتين بوضوء واحد، إلا إذا جمعت بينهما لسبب من أسباب الجمع. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69792 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 627 مصاب بسلس ريح فهل يلزمه الوضوء لحدث آخر لأداء النوافل؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا مصاب بانفلات في الريح، سؤالي هو: لو أنى أحدثت حدثاً غير حدثي الدائم بعد أن صليت الفريضة , هل أتوضأ مرة أخرى لصلاة النوافل كقيام الليل وغيرها؟ وماذا أنوي عند الوضوء في هذه الحالة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف العلماء في وضوء المصاب بسلس البول أو انفلات الريح، هل يلزمه الوضوء لكل فرض بعد دخول وقته، ثم يصلي به ما شاء من النوافل، أم أنه يجوز له أن يتوضأ وضوءً واحداً، ويصلي به كل صلواته ما دام لم ينقض بناقض غير السلس الملازم له؟ فذهب أبو حنيفة والشافعي وأحمد إلى أنه يتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، وذهب مالك إلى أن صاحب السلس يجوز له أن يتوضأ وضوءً واحداً، ويصلي به صلواته كلها ما دام وضوؤه لم ينقض بناقض غير ذلك السلس الملازم له. والقول الأول هو الأحوط والذي عليه الأكثر. وانظر جواب السؤال (22843) ففيه زيادة فائدة. وأما إذا أحدث المصاب بالسلس بغير الحدث الدائم، فيجب عليه إعادة الوضوء، ولا يجوز له أن يصلي فريضة أو نافلة من غير أن يتوضأ، لما رواه البخاري (6954) ومسلم (225) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ) . وقد أجمع العلماء على أن الطهارة من الحدث شرط لصحة الصلاة، لا تصح إلا به. وانظر: "المجموع" للنووي (3/139) ، و "مجموع الفتاوى" لشيخ الإسلام (22/99) . وأما ماذا تنوي في هذه الحال؟ فإنك تنوي الطهارة من أجل فعل الصلاة. مع التنبه إلى أن النية لا يشرع التلفظ بها باللسان، وإنما النية هي القصد بالقلب. وانظر السؤال: (13337) ، (14234) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65648 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 628 حكم الإفرازات التي تخرج من رحم المرأة [السُّؤَالُ] ـ[أجد فجأة على ملابسي الداخلية إفرازات شفافة لا أحس بنزولها، هل تجوز الصلاة بذلك؟ وإذا كانت لا تجوز هل يجب إعادة الوضوء وتغيير الملابس؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الكلام على هذه الإفرازات في مسألتين: الأولى: هل هي طاهرة أو نجسة؟ فمذهب أبي حنيفة وأحمد وإحدى الروايتين عن الشافعي –وصححها النووي- أنها طاهرة. واختار هذا القول الشيخ ابن عثيمين، رحم الله الجميع. قال في الشرح الممتع (1/457) : "وإذا كانت –يعني هذه الإفرازات- من مسلك الذكر فهي طاهرة، لأنها ليست من فضلات الطعام والشراب، فليست بولاً، والأصل عدم النجاسة حتى يقوم الدليل على ذلك، ولأنه لا يلزمه إذا جامع أهله أن يغسل ذكره، ولا ثيابه إذا تلوثت به، ولو كانت نجسة للزم من ذلك أن ينجس المني، لأنه يتلوث بها" اهـ. وانظر: "المجموع" (1/406) ، "المغني" (2/88) . وعلى هذا، فلا يجب غسل الثياب أو تغييرها إذا أصابتها تلك الرطوبة. المسألة الثانية: هل ينتقض الوضوء بخروج هذه الإفرازات أو لا؟ فالذي ذهب إليه أكثر العلماء أنها تنقض الوضوء. وهو الذي اختاره الشيخ ابن عثيمين، حتى قال: "الذي ينسب عني غير هذا القول غير صادق، والظاهر أنه فهم من قولي إنه طاهر أنه لا ينقض الوضوء" اهـ. مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين (11/287) . وقال أيضاً (11/285) : "أما اعتقاد بعض النساء أنه لا ينتقض الوضوء فهذا لا أعلم له أصلا إلا قول ابن حزم" اهـ. لكن. . إذا كانت هذه الرطوبة تنزل من المرأة باستمرار، فإنها تتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، ولا يضرها نزول هذه الرطوبة بعد ذلك، ولو كانت في الصلاة. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: "إذا كانت الرطوبة المذكورة مستمرة في غالب الأوقات فعلى كل واحدة ممن تجد هذه الرطوبة الوضوء لكل صلاة إذا دخل الوقت، كالمستحاضة، وكصاحب السلس في البول، أما إذا كانت الرطوبة تعرض في بعض الأحيان –وليست مستمرة- فإن حكمها حكم البول متى وُجدت انتقضت الطهاة ولو في الصلاة" اهـ. مجموع فتاوى ابن باز (10/130) . راجع السؤال رقم (37752) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50404 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 629 أحدث أثناء الغسل من الجنابة فهل يبطل غسله؟ [السُّؤَالُ] ـ[خروج الريح أثناء الغسل من الجنابة هل يبطل الغسل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله خروج الريح من نواقض الوضوء لا من نواقض الغسل، وعليه: فمن لمس فرجه أو تبول أو أخرج ريحا أثناء غسله فإنه يتم غسله، ويتوضأ بعده. والغسل إذا كان عن حدث أكبر فإنه يجزي عن الوضوء، فإذا كان على الإنسان جنابة واغتسل فإن ذلك يجزئه عن الوضوء، لقوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) المائدة/6، ولا يجب عليه أن يتوضأ بعد الغسل، إلا إذا حصل ناقض من نواقض الوضوء أثناء الغسل أو بعده، فيجب عليه أن يتوضأ للصلاة، وأما إذا لم يحدث فإن غسله من الجنابة يجزئ عن الوضوء سواء توضأ قبل الغسل أم لم يتوضأ، لكن لابد من ملاحظة المضمضة والاستنشاق، فإنه لابد منهما في الوضوء والغسل. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين بتصرف " (11 /228) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49693 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 630 لا ينتقض الوضوء بخروج الدم من البدن [السُّؤَالُ] ـ[هل ينتقض الوضوء بخروج الدم من البدن؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله خروج النجاسة من البدن لها ثلاثة أحوال: الأولى: أن تكون بولا أو غائطاً وخرجت من المخرج المعتاد، فهذا ناقض للوضوء، بأدلة الكتاب والسنة والإجماع. قال الله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) المائدة/6. وروى الترمذي (96) عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ رضي الله عنه قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا إِذَا كُنَّا سَفرًا أَنْ لا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ إِلا مِنْ جَنَابَةٍ، وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ) . صححه الألباني في صحيح الترمذي. فذكر الغائط والبول والنوم من نواقض الوضوء. الثانية: أن تكون بولا أو غائطاً وخرجت من غير المخرج المعتاد، كمن أجريت له عملية جراحية وصار يخرج منه الخارج من فتحة في بطنه – مثلاً، فهذا ناقض للوضوء لأن الأدلة السابقة تدل على نقض الوضوء بخروج البول والغائط، وعمومها يشمل خروجها من المخرج المعتاد أو غيره. الثالثة: أن تكون النجاسة الخارجة من البدن غير البول والغائط، كالدم، والقيء عند من قال بنجاسته من العلماء. فهذا مما اختلف العلماء فيه، فذهب بعضهم – كالإمام أبي حنيفة وأحمد على اختلاف بينهما في تفصيل ذلك – إلى أنه ناقض للوضوء. واستدلوا على ذلك بعدة أدلة: 1- قول النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة المستحاضة: (إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ، فتَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلاةٍ) . قالوا: فَعَلَّلَ وجوبَ الوضوءِ بأنه دم عرق، وكلُّ الدماء كذلك. 2- ما رواه الترمذي (87) عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاءَ فَأَفْطَرَ فَتَوَضَّأَ، فَلَقِيتُ ثَوْبَانَ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: صَدَقَ، أَنَا صَبَبْتُ لَهُ وَضُوءَهُ. صححه الألباني في صحيح الترمذي. وقد ذهب كثير من العلماء إلى أن خروج النجاسة من البدن لا ينقض الوضوء، واحتجوا بأن الأصل عدم نقض الوضوء، وليس هناك دليل صحيح يدل على نقض الوضوء بذلك. قال النووي رحمه الله: " وأحسن ما أعتقده في المسألة أن الأصل أن لا نقض حتى يثبت بالشرع، ولم يثبت " انتهى. وأجابوا عن أدلة من قالوا بالنقض بما يلي: أما حديث المستحاضة، فأجابوا عنه بأن النبي صلى الله عليه وسلم أراد بذلك نفي كونه دم حيض، أي ليس هذا الدم دم حيض وإنما هو دم عرق، وإذا كان كذلك فإنك لا تتركين الصلاة، بل تصلين، غير أنك تتوضأين لكل صلاة. قال النووي في "المجموع": " لو صح – يعني حديث المستحاضة- لكان معناه إعلامها أن هذا الدم ليس حيضاً، بل هو موجب للوضوء لخروجه من محل الحدث، ولم يُرِدْ أن خروج الدم - من حيث كان - يوجب الوضوء " انتهى. وأما حديث ثوبان، فأجابه عنه بعدة أجوبه: 1- أنه ضعيف. قال النووي في "المجموع" " وأما الجواب عن احتجاجهم بحديث أبي الدرداء فمن أوجه: أحسنها أنه ضعيف مضطرب , قاله البيهقي وغيره من الحفاظ " انتهى. 2- أنه –مع تقدير ثبوته وصحته- لا يدل على نقض الوضوء بخروج القيء، لأنه مجرد فعل من الرسول صلى الله عليه وسلم فيدل على استحباب الوضوء من القيء، لا على وجوبه. مع أن الاستدلال بهذا الحديث مبني على أن القيء نجس، وقد سبق في جواب السؤال (42929) ذكر اختلاف العلماء في ذلك، وأن الراجح طهارته، لأنه لا دليل على القول بنجاسته. انظر: "المجموع" (2/63-65) ، "المغني" (1/233، 234) ، (1/247- 250) ، "الشرح الممتع" (1/185- 189) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45666 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 631 هل السب ينقض الوضوء؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل السب ينقض الوضوء؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله السب ليس من نواقض الوضوء، ونواقض الوضوء أشياء محصورة، وقد سبق بيانها في جواب السؤال (14321) . لكن يستحب لمن فعل معصية أن يتوضأ، لأن الوضوء يكفر الخطايا، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد ذكر الشيرازي في "المهذب" (2/73) مع "المجموع"، وابن حزم في "المحلى" (1/241) آثاراً عن عائشة وابن مسعود وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم في الأمر بالوضوء من الكلام القبيح. قال النووي في "المجموع" (2/72) : " الصحيح أو الصواب استحباب الوضوء الشرعي من الكلام القبيح , كالغيبة والنميمة والكذب والقذف وقول الزور والفحش وأشباهها. والغرض منه تكفير الخطايا كما ثبت في الأحاديث، ولا يجب شيء من ذلك. قال ابن المنذر في كتابيه "الإشراف" و "الإجماع": أجمع العلماء على أنه لا يجب الوضوء من الكلام القبيح , كالغيبة والقذف وقول الزور وغيرها. . . واحتج الشافعي ثم ابن المنذر ثم البيهقي وأصحابنا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قال في حلفه باللات والعزى , فليقل: لا إله إلا الله , ومن قال لغيره: تعال أقامرك فليتصدق) رواه البخاري ومسلم " انتهى بتصرف. يعني: ولم يأمره بالوضوء. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الاختيارات" (ص 15) : " ويستحب الوضوء عقيب الذنب " انتهى. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 44957 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 632 القيء لا ينقض الوضوء [السُّؤَالُ] ـ[هل الاستفراغ ينقض الوضوء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذهب بعض العلماء إلى أن القيء (وهو الاستفراغ) ينقض الوضوء، منهم الإمامان أبو حنيفة وأحمد، غير أن أحمد يشترط لنقض الوضوء أن يكون القيء كثيرا فاحشاً. وذهب الإمام الشافعي إلى أن القيء لا ينقض الوضوء، وهذا هو الصحيح، لأنه ليس هناك دليل صحيح على نقض الوضوء بالقيء. انظر: "المجموع" (2/63-65) ، "المغني" (1/247- 250) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل ما يخرج من غير السبيلين ينقض الوضوء؟ فأجاب: " الخارج من غير السبيلين لا ينقض الوضوء قلَّ أو كَثُر إلا البول والغائط؛ وذلك أن الأصل عدم النقض، فمن ادّعى خلاف الأصل فعليه الدليل، وقد ثبتت طهارة الإنسان بمقتضى دليل شرعي، وما ثبت بمقتضى دليل شرعي فإنه لا يمكن رفعه إلا بدليل شرعي، ونحن لا نخرج عما دلَّ عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لأننا متعبدون بشرع الله لا بأهوائنا، فلا يسوغ لنا أن نلزم عباد الله بطهارة لم تجب ولا أن نرفع عنهم طهارة واجبة. فإنْ قال قائل: قد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فتوضأ. قلنا: هذا الحديث قد ضعًّفه أكثر أهل العلم، ثم نقول: إن هذا مجرد فعل، ومجرد الفعل لا يدل على الوجوب، لأنه خالٍ من الأمر، ثم إنه معارضٌ بحديث ـ وإن كان ضعيفاً ـ: أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وصلى ولم يتوضأ. وهذا يدل على أن وضوءه من القيء ليس للوجوب. وهذا القول هو الراجح، أن الخارج من بقيه البدن لا ينقض الوضوء وإن كَثُرَ، سواء كان قيئاً أو لعاباً أو دماً أو ماء جروح أو أي شيء آخر، إلا أن يكون بولاً أو غائطاً مثل أن يفتح لخروجهما مكان من البدن فإن الوضوء ينتقض بخروجهما منه " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (11/198) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 44633 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 633 لا ينتقض وضوء النبي صلى الله عليه وسلم بالنوم [السُّؤَالُ] ـ[ما الدليل على أن النوم يبطل الوضوء؟ وكيف يفسر قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة الفجر بعد نومه بدون وضوء في حديث قيام الليل مع ابن عباس رضي الله عنه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: أما الدليل على أن النوم ناقض للوضوء، فقد ثبت في ذلك حديث صفوان بن عسال رضي الله عنه قال: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا إِذَا كُنَّا سَفَرًا أَنْ لا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ إِلا مِنْ جَنَابَةٍ، وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ) رواه الترمذي (89) وحسنه الألباني , فذكر النوم من نواقض الوضوء. وقد سبق في جواب السؤال (36889) بيان اختلاف العلماء في نقض الوضوء بالنوم، وبيان أن الراجح: أن النوم ينقض الوضوء إذا كان مستغرقاً، أما النوم اليسير فلا ينقض الوضوء. ثانياً: وأما حديث ابن عباس الذي أشار إليه السائل فقد رواه البخاري (698) ومسلم (763) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: نِمْتُ عِنْدَ مَيْمُونَةَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَتَوَضَّأَ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، فَقُمْتُ عَلَى يَسَارِهِ، فَأَخَذَنِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ، فَصَلَّى ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ نَامَ حَتَّى نَفَخَ، وَكَانَ إِذَا نَامَ نَفَخَ، ثُمَّ أَتَاهُ الْمُؤَذِّنُ فَخَرَجَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. فقد نام النبي صلى الله عليه وسلم، وقام يصلي ولم يتوضأ، وذكر أهل العلم أن هذا الحكم (عدم نقض الوضوء بالنوم) خاص بالرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم كانت تنام عينه ولا ينام قلبه، فإذا حدث لشعر بذلك. قال النووي: "قَوْله: (ثُمَّ اِضْطَجَعَ فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ فَقَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأ) هَذَا مِنْ خَصَائِصه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ نَوْمه مُضْطَجِعًا لا يَنْقُض الْوُضُوء ; لأَنَّ عَيْنَيْهِ تَنَامَانِ وَلا يَنَام قَلْبه , فَلَوْ خَرَجَ حَدَث لأَحَسَّ بِهِ، بِخِلافِ غَيْره مِنْ النَّاس " انتهى. وقال الحافظ: " قَوْله: (فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأ) كَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنَام عَيْنه وَلا يَنَام قَلْبه فَلَوْ أَحْدَثَ لَعَلِمَ بِذَلِكَ , وَلِهَذَا كَانَ رُبَّمَا تَوَضَّأَ إِذَا قَامَ مِنْ النَّوْم وَرُبَّمَا لَمْ يَتَوَضَّأ , قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَإِنَّمَا مُنِعَ قَلْبه النَّوْم لِيَعِيَ الْوَحْي الَّذِي يَأْتِيه فِي مَنَامه " انتهى. وروى البخاري (3569) عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تَنَامُ عَيْنِي، وَلا يَنَامُ قَلْبِي) . ورواه أحمد (7369) عن أبي هريرة رضي الله عنه. وانظر: "سلسلة الأحاديث الصحيحة" للألباني (696) . وروى ابن ماجه (474) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنَامُ حَتَّى يَنْفُخَ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي وَلا يَتَوَضَّأُ. صححه الألباني في صحيح ابن ماجه. قال السندي في "حاشية ابن ماجه": " قَوْله (حَتَّى يَنْفُخ) هو الصوت الذي يُسْمَع مِنْ النَّائِم. قَوْله (فَيُصَلِّي وَلا يَتَوَضَّأ) لأَنَّهُ تَنَام عَيْنه وَلا يَنَام قَلْبه، كَمَا جَاءَ مُصَرَّحًا فِي الصِّحَاح، فَنَوْمه غَيْر نَاقِض، لأَنَّ النَّوْم إِنَّمَا يَنْقَضِ الْوُضُوء لَمَّا خِيفَ عَلَى صَاحِبه مِنْ خُرُوج شَيْء مِنْهُ وَهُوَ لا يَعْقِل، وَلا يَتَحَقَّق ذَلِكَ فِيمَنْ لا يَنَام قَلْبه، ثم قال: فلا يَنْبَغِي ذِكْر أَحَادِيث نَوْمه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْبَاب أَصْلا (يعني باب نقض الوضوء بالنوم) إِلا مَعَ بَيَان أَنَّهُ كَانَ مَخْصُوصًا بِهَذَا الْحُكْم، فَلْيُتَأَمَّلْ " انتهى باختصار. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 43355 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 634 هل يؤثر نزول الكدرة على الحج والعمرة؟ [السُّؤَالُ] ـ[كنت حاملاً في الشهر الثاني وسقط الجنين قبل ذهابي للحج بيومين، وكنت طاهرة إلا أنه في يوم التروية في الليل وجدت قليلا من الإفرازات الغامقة تشبه الإفرازات التي تكون في آخر أيام الدورة الشهرية، أي: إنها ليست دماً بل وسخ بني، إلا أني أكملت حجي، فهل حجي صحيح؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما رأيتِهِ من الإفرازات لا يؤثر على حجك ولا عمرتك، فهو ليس دم حيض ولا نفاس، بل إفرازات تسمى " الكدرة "، وحكم هذه الإفرازات أنها توجب الوضوء عند جمهور العلماء، فإذا توضأت عند طواف الإفاضة فطوافك صحيح بإجماع العلماء، فإن لم تكوني توضأت فقد اختلف العلماء: هل يصح الطواف من غير طهارة أم لا؟ وسبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (34695) ، والذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وتابعه الشيخ ابن عثيمين أنه لا يشترط. وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: " فما بعد الطهر من كدرة، أو صفرة، أو نقطة، أو رطوبة، فهذا كله ليس بحيض، فلا يمنع من الصلاة، ولا يمنع من الصيام، ولا يمنع من جماع الرجل لزوجته؛ لأنه ليس بحيض. قالت أم عطية: (كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئاً) أخرجه البخاري، وزاد أبو داود: (بعد الطهر) وسنده صحيح، وعلى هذا نقول: كل ما حدث بعد الطهر المتيقن من هذه الأشياء فإنها لا تضر المرأة ولا تمنعها من صلاتها وصيامها ومباشرة زوجها إياها، ولكن يجب أن لا تتعجل حتى ترى الطهر؛ لأن بعض النساء إذا جف الدم عنها بادرت واغتسلت قبل أن ترى الطهر، ولهذا كان نساء الصحابة يبعثن إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بالكرسف - يعني: القطن - فيه الدم فتقول لهن: لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء " انتهى. " 60 سؤالاً عن أحكام الحيض " (السؤال رقم 24) . والحاصل: أن حجك صحيح إن شاء الله تعالى، وهذه الإفرازات التي نزلت ليست حيضاً ولا نفاساً. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 42373 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 635 إذا نام وشك هل هذا النوم مستغرق أو غير مستغرق؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا نام وشك هل هذا النوم مستغرق أو لا؟ هل ينتقض الوضوء بذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا نام وشك هل هذا النوم ناقض للوضوء أم لا؟ فلا ينتقض الوضوء بذلك. قال النووي في "المجموع" (2/17) : " ولو شك أنام؟ أم نعس؟ وقد وجد أحدهما , لم ينتقض , قال الشافعي في الأم: والاحتياط أن يتوضأ. . ثم قال: لو تيقن النوم , وشك هل كان ممكنا أم لا؟ فلا وضوء عليه , هكذا صرح به صاحب البيان وآخرون , وهو الصواب " انتهى. وقول النووي رحمه الله: "هل كان ممكنا أم لا" يعني: ممكناً مقعدته من الأرض، بناء على أنه لا ينتقض وضوؤه إذا كان ممكناً مقعدته، وقد سبق في جواب السؤال (36889) أن الصحيح في نقض الوضوء بالنوم: أنه إذا كان النوم مستغرقاً نقض الوضوء، وإن كان يسيراً فلا ينقض. والدليل على أن الوضوء لا ينتقض بمجرد الشك في حصول ما ينقضه: ما رواه البخاري (137) ومسلم (361) عن وَعَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ قال: شُكِيَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلُ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلاةِ. قَالَ: (لا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا) . وروى مسلم (362) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئًا فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ أَخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ أَمْ لا؟ فَلا يَخْرُجَنَّ مِنْ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا) . قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم": " وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (حَتَّى يَسْمَع صَوْتًا أَوْ يَجِد رِيحًا) مَعْنَاهُ: يَعْلَم وُجُود أَحَدهمَا، وَلا يُشْتَرَط السَّمَاع وَالشَّمّ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ. وَهَذَا الْحَدِيث أَصْل مِنْ أُصُول الإِسْلام وَقَاعِدَة عَظِيمَة مِنْ قَوَاعِد الْفِقْه , وَهِيَ أَنَّ الأَشْيَاء يُحْكَم بِبَقَائِهَا عَلَى أُصُولهَا حَتَّى يُتَيَقَّن خِلاف ذَلِكَ. وَلا يَضُرّ الشَّكّ الطَّارِئ عَلَيْهَا. فَمِنْ ذَلِكَ: مَسْأَلَة الْبَاب الَّتِي وَرَدَ فِيهَا الْحَدِيث وَهِيَ أَنَّ مَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَة وَشَكَّ فِي الْحَدَث حُكِمَ بِبَقَائِهِ عَلَى الطَّهَارَة , وَلا فَرْق بَيْن حُصُول هَذَا الشَّكّ فِي نَفْس الصَّلاة , وَحُصُوله خَارِج الصَّلاة. هَذَا مَذْهَبنَا وَمَذْهَب جَمَاهِير الْعُلَمَاء مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف. . . قَالَ أَصْحَابنَا: وَلا فَرْق فِي الشَّكّ بَيْن أَنْ يَسْتَوِي الاحْتِمَالانِ فِي وُقُوع الْحَدَث وَعَدَمه , أَوْ يَتَرَجَّح أَحَدهمَا , أَوْ يَغْلِب عَلَى ظَنّه , فَلا وُضُوء عَلَيْهِ بِكُلِّ حَال. قَالَ أَصْحَابنَا: وَيُسْتَحَبّ لَهُ أَنْ يَتَوَضَّأ اِحْتِيَاطًا " انتهى باختصار. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39180 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 636 الإغماء ينقض الوضوء [السُّؤَالُ] ـ[هل الإغماء من نواقض الوضوء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، أجمع العلماء على أن الإغماء من نواقض الوضوء، ولو كان يسيراً. فمن أغمي عليه حتى زال شعوره، ولو لحظة انتقض وضوؤه. قال ابن قدامة في "المغني" (1/234) : " زوال العقل بالجنون والإغماء والسكر وما أشبهه من الأدوية المزيلة للعقل , ينقض الوضوء يسيره وكثيره إجماعا , قال ابن المنذر: أجمع العلماء على وجوب الوضوء على المغمى عليه. ولأن هؤلاء حسهم أبعد من حس النائم , بدليل أنهم لا ينتبهون بالانتباه , ففي إيجاب الوضوء على النائم تنبيه على وجوبه بما هو آكد منه " انتهى. وقال النووي في "المجموع" (2/25) : " أجمعت الأمة على انتقاض الوضوء بالجنون وبالإغماء , وقد نقل الإجماع فيه ابن المنذر وآخرون واتفق أصحابنا على أن من زال عقله بجنون أو إغماء أو مرض أو سكر بخمر أو نبيذ أو غيرهما , أو شرب دواء للحاجة أو غيرها فزال عقله انتقض وضوءه. . . قال أصحابنا: والسكر الناقض هو الذي لا يبقى معه شعور , دون أوائل النشوة , وقال أصحابنا: ولا فرق في كل ذلك بين القاعد ممكنا مقعده وغيره , ولا بين قليله وكثيره " انتهى. وسُئل الشيخ ابن عثيمين: هل ينتقض الوضوء بالإغماء؟ فأجاب: " نعم، ينتقض الوضوء بالإغماء، لأن الإغماء أشدُّ من النوم، و النوم يَنقض الوضوء إذا كان مستغرقاً، بحيث لا يدري النائم لو خرج منه شيء، أمّا النوم اليسير الذي لو أحدث النائم لأحسُّ بنفسه، فإن هذا النوم لا ينقض الوضوء، سواء من مُضطجع أو قاعد متكئ أو قاعد غير متكئ، أو أي حال من الأحوال، ما دام لو أحدث أحسَّ بنفسه، فإنه نومه لا ينقض الوضوء، فالإغماء أشد من النوم فإذا أُغمي على الإنسان، فإنه يجب عليه الوضوء " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (11/200) . وسئل الشيخ بن باز رحمه الله: ما حكم وضوء الذين يعيشون لحظات غيبوبة؟ فأجاب: " هذا فيه تفصيل: إذا كان شيء يسير لا يزيل الوعي ولا يمنع الإحساس بوجود الحدث فلا يضر، كالناعس الذي لا يستغرق في نومه، بل يسمع الحركة، فهذا لا يضره حتى يعلم أنه خرج منه شيء، هكذا إذا كانت الغيبوبة لا تمنع الإحساس، أما إن كانت الغيبوبة تمنع شعوره بالذي يخرج منه؛ كالسكران، أو المصاب بمرض أفقده شعوره حتى صار في غيبوبة - فهذا ينتقض وضوءه كالإغماء، كذلك المصابون بالصرع " انتهى. "فتاوى الشيخ ابن باز" (10/145) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36903 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 637 النوم ينقض الوضوء إذا كان مستغرقاً [السُّؤَالُ] ـ[ما الدليل على أن النوم ناقض للوضوء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أما الدليل على أن النوم ناقض للوضوء، فقد ثبت في ذلك حديث صفوان بن عسال رضي الله عنه في السنن، قال: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا إِذَا كُنَّا سَفَرًا أَنْ لا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ إِلا مِنْ جَنَابَةٍ، وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ) رواه الترمذي (89) وحسنه الألباني , فذكر النوم من نواقض الوضوء. وقد اختلف العلماء رحمهم الله في النَّوم هل هو ناقضٌ للوضوء أم لا على أقوالٍ، منها: القول الأول: أن النَّوم ناقضٌ مطلقاً يسيرُه وكثيره , وعلى أيِّ صفة كان، وهو قول إسحاق والمزني والحسن البصري وابن المنذر، لحديث صفوان بْنِ عَسَّالٍ رضي الله عنه المتقدم، فإنه ذكر النوم من نواقض الوضوء، ولم يقيده بحال معينة. القول الثَّاني: أنَّ النَّوم ليس بناقضٍ مطلقاً لحديث أنس بن مالك: أن الصَّحابة رضي الله عنهم (كانوا ينتظرون العِشاء على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ حتى تخفِقَ رؤوسهم ثم يُصلُّون ولا يتوضؤون) رواه مسلم (376) وفي رواية البزَّار: (يضعون جنوبهم) . وهو قول أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وسعيد بن المسيب. وهذان القولان متقابلان , كلٌّ منهما قد أخذ بطرف من الأدلة , أما جمهور العلماء فقد جمعوا بين هذه الأدلة، فقالوا: إن النوم ينقض الوضوء في حالات معينة، ولا ينقض في أخرى، وإن كانوا اختلفوا في طريقة الجمع بين الأدلة. القول الثالث: إن نام ممكنا مقعدته من الأرض لم ينتقض , وإن لم يكن ممكنا انتقض على أي هيئة كان , وهو المذهب عند الحنفية والشافعية. "المجموع" (2/14) . القول الرابع: أن النَّوم ناقضٌ للوضوء إلا النوم اليسير من القاعد والقائم , وهو المذهب عند الحنابلة. انظر: "الإنصاف" (2/20 , 25) . ووجه استثناء النوم اليسير من القاعد والقائم أن مخرج الحدث يكون مضموماً في هذه الحال فيغلب على الظن أنه لم يحدث. وقال بعضهم وهو القول الخامس: ينقض كثير النوم بكل حال دون قليله، وهو قول مالك ورواية عن أحمد. والفرق بين النوم الكثير والقليل: أن الكثير هو المستغرق الذي لا يشعر فيه الإنسان بالحدث لو أحدث , والقليل هو الذي يشعر فيه الإنسان بالحدث لو أحدث، كخروج الريح. وهذا القول هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، واختاره من علمائنا المعاصرين الشيخ ابن باز وابن عثيمين وعلماء اللجنة الدائمة ـ وهو الصَّحيح ـ , وبهذا القول تجتمع الأدلَّة، فإن حديث صفوان بن عسَّال دلَّ على أنَّ النَّوم ناقض للوضوء، وحديث أنس رضي الله عنه دلَّ على أنه غيرُ ناقض. فيُحمل حديث أنس على النوم اليسير الذي يشعر الإنسان فيه بالحدث لو أحدث، ويُحمل حديثُ صفوان على النوم المستغرق الذي لا يشعر الإنسان فيه بالحدث. ويؤيِّد هذا قوله صلى الله عليه وسلم: (العين وِكَاء السَّهِ، فإذا نامت العينان استطلق الوكاء) رواه أحمد (4/97) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (4148) . (الوِكَاء) هو الخيط الَّذِي تُشَدّ بِهِ الْقِرْبَة. (السَّهِ) أي: الدُّبُر. وَالْمَعْنَى: الْيَقَظَة وِكَاء الدُّبُر , أَيْ حَافِظَة مَا فِيهِ مِنْ الْخُرُوج، لأَنَّهُ مَا دَامَ مُسْتَيْقِظًا أَحَسَّ بِمَا يَخْرُج مِنْهُ , فَإِذَا نَامَ اِنْحَلَّ الوكاء. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: إِذَا تَيَقَّظَ أَمْسَكَ مَا فِي بَطْنه , فَإِذَا نَامَ زَالَ اِخْتِيَاره وَاسْتَرْخَتْ مَفَاصِله. اِنْتَهَى من "عون المعبود". فإذا كان الإنسانُ لم يُحكِمْ وكاءَه بحيث لو أحدث لم يحسَّ بنفسه فإن نومه ناقضٌ، وإلا فلا. انظر: "الشرح الممتع" (1/275) . قال الصنعاني في "سبل السلام" (1/97) : " والأقرب: القول بأنّ النوم ناقض لحديث صفوان. . . ولكن لفظ النوم في حديثه مطلق، وورود حديث أنس بنوم الصحابة، وأنهم كانوا لا يتوضؤون ولو غطوا غطيطاً، وبأنهم كانوا يضعون جنوبهم، وبأنهم كانوا يوقظون، والأصل جلالة قدرهم، وأنهم لا يجهلون ما ينقض الوضوء، سيما وقد حكاه أنس عن الصحابة مطلقاً، ومعلوم أن فيهم العلماء العارفين بأمور الدين خصوصاً الصلاة التي هي أعظم أركان الإسلام، ولاسيما الذين كانوا منهم ينتظرون الصلاة معه صلى الله عليه وسلم، فإنهم أعيان الصحابة، وإذا كانوا كذلك فيقيد مطلق حديث صفوان بالنوم المستغرق الذي لا يبقى معه إدراك، ويؤول ما ذكره أنس من الغطيط ووضع الجنوب والإيقاظ بعدم الاستغراق، فقد يغطّ من هو في مبادئ نومه قبل استغراقه. ووضع الجَنْب لا يستلزم الاستغراق " انتهى باختصار. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في مجموع الفتاوى عند تعداده لنواقض الوضوء: " النوم إذا كان كثيراً بحيث لا يشعر النائم لو أحدث، فأما إذا كان النوم يسيراً يشعر النائم بنفسه لو أحدث فإنه لا ينقض الوضوء، ولا فرق في ذلك أن يكون نائماً مضطجعاً أو قاعداً معتمداً أو اعداً غير معتمد، فالمهم حالة حضور القلب، فإذا كان بحيث لو أحْدث لأحسَّ بنفسه فإن وضوءه لا ينتقض، وإن كان في حال لو أحْدث لم يحسّ بنفسه، فإنه يجب عليه الوضوء، وذلك لأن النوم نفسه ليس بناقض وإنما مظنة الحدث، فإذا كان الحدثُ مُنتفياً لكون الإنسان يشعر به لو حصل منه، فإنه لا ينتقض الوضوء. والدليل على أن النوم نفسه ليس بناقض أن يسيره لا ينقض الوضوء، ولو كان ناقضاً لنقض يسيرهُ وكثيرهُ كما ينقض البولُ يسيرهُ وكثيره " انتهى. ونحوه في فتاوى ابن باز (10/144) ، قال: " النوم ينقض الوضوء إذا كان مستغرقا قد أزال الشعور؛ لما روى الصحابي الجليل صفوان بن عسال المرادي رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا مسافرين أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم) أخرجه النسائي والترمذي واللفظ له، وصححه ابن خزيمة. ولما روى معاوية رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (العين وكاء السه، فإذا نامت العينان استطلق الوكاء) رواه أحمد والطبراني، وفي سنده ضعف، لكن له شواهد تعضده، كحديث صفوان المذكور، وبذلك يكون حديثا حسنا ........ , أما النعاس فلا ينقض الوضوء، لأنه لا يذهب معه الشعور، وبذلك تجتمع الأحاديث الواردة في هذا الباب " انتهى. وقال علماء اللجنة الدائمة: " النوم المستغرق مظنة لنقض الوضوء فمن نام نوماً مستغرقاً في المسجد أو غيره وجب عليه إعادة وضوئه , سواء كان قائماً أو قاعداً أو مضطجعاً , وسواء كان في يده سبحة أم لا , أما إن كان غير مستغرق كالنعاس الذي لا يفقد معه الشعور فلا تجب عليه إعادة الوضوء لما ورد في ذلك من الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم الدالة على التفصيل المذكور " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/262) . وقالوا أيضاً: " إن النوم الخفيف الذي لا يزول معه الشعور لا ينقض الوضوء , فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤخر صلاة العشاء بعض الأحيان حتى كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تخفق رؤوسهم ثم يصلون ولا يتوضئون " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/263) . وانظر: "المجموع" (2/14-24) ، "مواهب الجليل" (1/312) ، "الشرح الممتع" (2/189-191) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36889 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 638 هل شرب الدخان ينقض الوضوء؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الشريعة في بائع الدخان بأنواعه؟ أنا أدخن وحينما أسمع المؤذن أدخل المسجد هل يجب علي أن أعيد الوضوء، أم المضمضة تكفيني وأنا أعلم بأن الدخان يسبب أمراضاً شتى؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يحرم بيع الدخان لخبثه وأضراره الكثيرة، وفاعل ذلك يعد فاسقاً، ولا يجب إعادة الوضوء من شرب الدخان، لكن يشرع له إزالة الرائحة الكريهة من فمه بما يذهبها، مع وجوب المبادرة بالتوبة إلى الله من ذلك. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى اللجنة الدائمة ج13/57. الحديث: 36301 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 639 الشك في نزول قطرة من البول على الثوب [السُّؤَالُ] ـ[يحدث أنه بعد الاستنجاء والوضوء أشعر بخروج قطرة من البول مما يدعوني للوضوء مرة أخرى وبعض الأحيان إلى مرتين علماً أنني بعد خروج البول أمكث خمس دقائق حتى أتأكد أنه انقطع البول ولكن بعد أن أنتهي من الوضوء أشعر أنه خرج مني قطرة من البول صغيرة وأنا أحاول أن أتجاوز ذلك حتى لا يكون هناك نوع من الشك أو الوسواس، ثم إذا حدث أن أصيب السروال أو الثوب بقطرة من هذا هل يلزمه أن أغسله وإذا صليت فيه هل يمنع جواز الصلاة وهل هي جائزة لأنه في بعض المرات أقوم بغسل السروال خوفاً من الشك أنه أصابه قطرة بول.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كنت قد تحققت من نزول القطرة وجب عليك الاستنجاء والوضوء منه لكل صلاة وغسل ما أصاب ملابسك منه، أما مع الشك فلا شيء عليك في ذلك وينبغي أن تُعرض عن الشكوك حتى لا تصاب بالوسوسة. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 5/106 الحديث: 1198 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 640 هل خروج الدم ينقض الوضوء [السُّؤَالُ] ـ[أرجو العلم عن الدم هل هو مبطل للصلاة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا نعلم دليلاً شرعياً يدل على أن خروج الدم من غير الفرج من نواقض الوضوء والأصل أنه ليس بناقض. والعبادات مبناها على التوقيف فلا يجوز لأحد أن يقول هذه العباداة مشروعة إلا بدليل، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى نقض الوضوء بخروج الدم الكثير عرفاً من غير الفرج، فإذا توضأ من خرج منه ذلك احتياطاً وخروجاً من الخلاف فهو حسن لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (دع ما يريبك إلى مالا يريبك) رواه النسائي 8/328 والترمذي7/221 تحفة الأحوذي والحاكم 2/13، 4/99 (وانظر السؤال رقم 2570) والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 5/261 الحديث: 2176 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 641 خروج شيء من المعدة لا ينقض الوضوء [السُّؤَالُ] ـ[المر الذي يخرج عند شرب أو أكل أي شيء وهو قليل لا يملأ الفم أو قد يصل أعلا الحلق ثم يرجع هل يقطع الوضوء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يقطع الوضوء ولا ينقضه. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 5/262 الحديث: 2177 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 642 يخرج منه المذي باستمرار دون شهوة [السُّؤَالُ] ـ[شخص صلى وبعد الصلاة وجد على فرجه مذيا وهذا يتكرر عليه كثيرا فهل يعيد الصلاة؟ وكيف تكون طهارته وصلاته، وما حكم صلاة الجماعة بالنسبة له، حيث أن خروج المذي يتكرر منه باستمرار بدون شهوة، ويحصل له ذلك أيضا بعد البول؟ وماذا يفعل بملابسه؟.]ـ [الْجَوَابُ] يعتبر هذا حدثا دائما، كسلس البول، فيلزمه الوضوء لكل صلاة، لأنه من نواقض الوضوء، لكونه خارجا من السبيل،، وإذا خرج وهو في الصلاة فلا يعيد، ولا يقطع الصلاة، لأنه يخرج بدون اختيار، ولا ينجس الملابس، وهو في الصلاة لكن بعد الصلاة عليه أن يتوضأ للوقت الثاني إن خرج منه شيء بعد الأولى، وأن يطهر ملابسه للصلاة بعدها، وأن يحاول التحفظ بلبس وقاية تحفظ الخارج، حتى لا يلوث ثيابه، (وله أن يصلي مع الجماعة كمأموم، ولا يكون إماما وهو بهذه الحال، لنقص طهارته) ، وعليه السعي في علاج نفسه، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] اللؤلؤ المكين من فتاوى الشيخ عبد الرحمن بن جبرين ص79. الحديث: 2075 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 643 توهم خروج ريح أثناء الطهارة والصلاة [السُّؤَالُ] ـ[الإنسان في معدته تنفس كثير ربما غازات ولكن وضوءه لم يتممه إلا بمشقة، مثلاً يصل إلى الوجه فيحس حساً رقيقة ويخاف في نقص الوضوء ثم يبدأ الوضوء من جديد وكذلك في الصلاة عندما يصلي فيحس كذا بدون أن يشم رائحة ما الحل لهذا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه الوسوسة من الشيطان ليفسد بها على المسلم عبادته والواجب تركها وألا يخرج المسلم من صلاته أو يعيد وضوءه إلا إذا سمع صوتاً أو وجد ريحاً لما روى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) والمقصود أن يتحقق خروج الحدث ومتى بقي معه أدنى شك فطهارته صحيحة. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 5/226 الحديث: 2163 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 644 بقاء قطرات من البول عالقة في القضيب بعد التبول [السُّؤَالُ] ـ[بعدما أتبول (أي بعد نزول الماء) الماء تبقى قطرات من البول في القضيب وأجلس حوالي ربع ساعة في الحمام كي أتنظف جيداً من البول طبعاً هذا مرهق ومتعب لي بعدها أتوضأ للصلاة وذهبت إلى عدة أطباء وأجريت تحاليل واستعملت أنواع الأدوية بخصوص القضاء على هذه الظاهرة لكن دون جدوى وبعد ما أتنظف جيداً من قطرات البول المتبقية أتوضأ وأذهب إلى الصلاة وأثناء الصلاة أحس وكأن هناك قطرات متبقية في القضيب وتريد أن تخرج إلى الخارج طبعاً هذا يسبب لي مشاكل وإحراجاً خاصة إذا صليت جماعة وبعدها أكتشف أن هناك قطرات بول متبقية قد لا تنزل بسرعة أثناء جلوسي في الحمام وأضطر إلى إعادة الصلاة أو أشك في أن صلاتي غير صحيحة الرجاء إفادتي في هذا الموضوع بالفتوى الواضحة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا توضأت فالأصل الطهارة ولا تلتفت إلى ما يعرض لك من الشكوك والوساوس، فإن ذلك من الشيطان، نعم إن تيقنت أنه خرج منك شيء بعد الوضوء بطل وضوؤك وعليك أن تتوضأ ثانية وهكذا ما تحس به في الصلاة من بقايا شيء من البول في القضيب عليك أن تتشاغل عنه وتبني على أصل الطهارة ولا حاجة إلى التفتيش بعد ذلك؛ لأن ذلك مما يسبب بقاء الوسوسة عافاك الله من ذلك. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 5/227 الحديث: 2164 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 645 خروج قطرات من البول بعد قضاء الحاجة [السُّؤَالُ] ـ[ماذا على الذي يبول وينتر ذكره ثم يخرج منه قطرات عند انتهائه من البول وقد تحدث هذه القطرات بعد انتهائه بدقيقة أو أكثر وفي بعض الأحيان عند انتهاء الوضوء وذلك بدون إرادته ماذا يفعل وماذا عليه لو تركه بعد غسله مرات؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا ينبغي النتر بعد البول، وإذا حدث أن يخرج منه قطرات بول بعد الوضوء فيجب عليه أن يعيد الوضوء ويغسل موضع النجاسة. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 5/239 الحديث: 2169 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 646 تحرك الغازات في البطن [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان الشخص متوضئاَ فسمع داخل بطنه صوت رياح ولكن هذه الرياح لم تخرج من فتحة الشرج فما الحكم هل يبقى متوضأ أم ينتقض وضوؤه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الشخص متوضئأ وسمع بداخل جوفه صوت رياح فإنه لا ينتقض وضوءه بذلك إذا لم يخرج شيء لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) رواه مسلم 1/190. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 5/256 الحديث: 2174 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 647 خروج الرّيح من قُبُل المرأة [السُّؤَالُ] ـ[هل خروج الهواء من فرج المرأة ينقض الوضوء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله خروج الهواء من القبل لا ينقض الوضوء. والله تعالى أعلم [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 5/259 الحديث: 2175 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 648 ذكر دخول الخلاء يقال قبل الدخول وليس بعده [السُّؤَالُ] ـ[هل نقول دعاء دخول الخلاء قبل الدخول أم بعد الدخول؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله السنة لمن أراد دخول الخلاء أن يأتي بالذكر المستحب قبل دخوله وليس بعد الدخول، وقد دل على ذلك عدة أحاديث، منها: عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان إذا أراد أن يدخل الخلاء قال: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث) رواه البخاري (142) . وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ هَذِهِ الْحُشُوشَ مُحْتَضَرَةٌ [أي: تحضرها الشياطين] ، فَإِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَدْخُلَ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ) رواه أحمد وأبو داود (6) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود". فقوله: (أراد) صريح في مشروعية الذكر قبل الدخول وليس بعده. ويدل على ذلك أيضاً: أن ذكر الله تعالى مكروه في مكان قضاء الحاجة، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم: (23308) . وقد نص الفقهاء رحمهم الله تعالى على هذا. قال الخطيب الشربيني رحمه الله: "ويقول ندباً عند إرادة دخوله، أو عند وصوله إلى مكان قضاء حاجته بنحو صحراء ... الخ" انتهى. "مغني المحتاج" (1/159-160) . وجاء في "منح الجليل" (1/99) من كتب المالكية: "وندب ذكرُ وِرْدٍ قبله أي دخول محل القضاء، وهو: بسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث الرجس النجس الشيطان الرجيم" انتهى. وجاء في " الموسوعة الفقهية " (8/88) : "اتفق الفقهاء على مشروعية التسمية على سبيل الندب , وذلك قبل دخول الخلاء لقضاء الحاجة" انتهى. وفي "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/93) : "من آداب الإسلام أن يذكر الإنسان ربه حينما يريد أن يدخل بيت الخلاء أو الحمَّام، بأن يقول قبل الدخول: (اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث) ، ولا يذكر الله بعد دخوله، بل يسكت عن ذكره بمجرد الدخول" انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 134284 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 649 حكم استقبال واستدبار القبلة عند قضاء الحاجة في البيوت [السُّؤَالُ] ـ[حكم استقبال واستدبار القبلة عند قضاء الحاجة في البيوت السؤال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ وَلَا بَوْلٍ، وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا .... ) الحديث. والسؤال: هناك بعض المراحيض والحمامات في البيوت والمنازل تجاه القبلة فما الحكم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الأحاديث الصحيحة في النهي عن استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة كثيرة تدل على تحريم استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة ببول أو غائط، وهذا في الصحراء أمر واضح، وهو الحق؛ لأن الأحاديث صريحة في ذلك، فلا ينبغي ولا يجوز أبداً استقبال القبلة واستدبارها في الصحراء ببول أو غائط. أما في البنيان فاختلف العلماء في ذلك أكثر، فقال بعضهم: يجوز في البناء؛ لأنه ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه في بيت حفصة قضى حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة كما رواه البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، قالوا: هذا يدل على أنه لا بأس باستقبالها واستدبارها في البناء؛ لأن الإنسان مستور بالأبنية، والأصل أنه يفعل ذلك للتشريع ويُتأسى به عليه الصلاة والسلام في أفعاله، فلما فعل ذلك دل على جوازه؛ لأنه قضى حاجته على لبنتين مستقبل الشام مستدبر الكعبة، هذا يدل على جوازه في البناء. وقال آخرون: هذا لعله خاص به صلى الله عليه وسلم لأنه فعله في البيت ولم يشتهر ولم يفعله في الصحراء فيدل على أنه خاص به، وأنه يجب على المسلمين عدم الاستقبال وعدم الاستدبار حتى في البناء، عملاً بالأحاديث العامة التي فيها التعميم وعدم التخصيص، وهذا قول أظهر أنه ينبغي عدم الاستقبال وعدم الاستدبار مطلقاً في البناء والصحراء. لكن كونه محرماً في البناء محل نظر؛ لأن الأصل عدم التخصيص به صلى الله عليه وسلم، لكن يحتمل أن يكون هذا قبل النهي، ويحتمل أنه خاص به عليه الصلاة والسلام، فلهذا لا يكون التحريم فيه مثل التحريم في الصحراء، فالأولى للمؤمن ألا يستقبل في الصحراء ولا في البناء، ولا يستدبر. لكن في البناء أسهل وأيسر، ولا سيما عند عدم تيسر ذلك لوجود المراحيض الكثيرة إلى القبلة، فحين إذن يكون الإنسان معذوراً لأمرين: الأمر الأول: وجود المراحيض التي إلى القبلة ويشق عليه الانحراف عنها. الأمر الثاني: ما عرفت من حديث ابن عمر في استقبال النبي صلى الله عليه وسلم للشام واستدباره الكعبة في قضاء حاجته في بيت حفصة، هذا يدل على الجواز، والأصل عدم التخصيص له صلى الله عليه وسلم في ذلك، فيكون الفعل جائزاً مع أن الأولى ترك ذلك في البناء، ويكون في الصحراء محرماً لعدم ما يخص ذلك، هذا هو الأقرب في هذه المسألة. والله جل وعلا أعلم" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (2/574، 575) . [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 134238 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 650 هل يدخل غرفة منفصلة داخل الحمام ليستتر عن أعين الجن؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل من الضروري دخول غرف منفصلة داخل الحمامات في بيوتنا حتى نحتجب عن أعين الجن، أم أن هذا غير ضروري؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا داعي لدخول غرفة منفصلة داخل الحمامات للاحتجاب عن أعين الجن؛ لأن الطريقة الشرعية للاحتجاب عنهم هي قول: (بسم الله) قبل دخول الحمام. ويدل على ذلك ما جاء عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (سَتْرُ مَا بَيْنَ أَعْيُنِ الْجِنِّ وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ، إِذَا دَخَلَ أَحَدُهُمْ الْخَلَاءَ أَنْ يَقُولَ: بِسْمِ اللَّهِ) رواه الترمذي (606) وصححه الألباني في "الإرواء" (50) . وعن بكر بن عبد الله المزني قال: " كان يقال: إن ستر ما بين عورات بني آدم وبين أعين الجن والشياطين، أن يقول أحدكم إذا وضع ثيابه: بسم الله ". رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (6/ 93) . فلا يحرز الإنسان نفسه من الشيطان إلا بذكر الله تعالى، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (كَذَلِكَ الْعَبْدُ لَا يُحْرِزُ نَفْسَهُ مِنْ الشَّيْطَانِ إِلَّا بِذِكْرِ اللَّه) رواه الترمذي (2863) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال (26816) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 132516 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 651 هل يجوز في الاستنجاء الاكتفاء بصب الماء بدون استخدام اليد [السُّؤَالُ] ـ[هل يجب استخدام اليد في الاستنجاء أم أن الأوراق أو خراطيم المياه تكفي في ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب بعد قضاء الحاجة هو إزالة ما على الموضع من نجاسة، سواء أزيلت بالماء أم بغيره، كالأحجار أو الأوراق أو المناديل، وإن كان استعمال الماء أفضل، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (111813) ورقم (10257) . ويجوز الاقتصار على استعمال خرطوم المياه إن كان سيزيل ما على المخرج من نجاسة بحيث لا يبقى لها أثر. ويشترط في الاستجمار، أي: استعمال الأحجار أو الأوراق أو المناديل: أن يمسح ثلاث مسحات فأكثر حتى ينقي المحل. لما روى مسلم (262) عَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه أنه قال: (نهانا نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ أَوْ بِعَظْمٍ) . ويجوز أن يستجمر بحجر واحد له جوانب، أو بمنديل كبير يمسح بأطرافه ثلاث مسحات إذا حصل إزالة النجاسة بذلك، وإلا وجب أن يزيد في عدد المسحات حتى تزول النجاسة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130400 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 652 إطالة الجلوس في الحمام والقراءة فيه [السُّؤَالُ] ـ[يمضي زوجي معظم وقته بالحمام ويمضيه في القراءة والتدخين حتى أنه يشرب وهو جالس في الحمام، وأنا خائفة بشأنه وشأني لأني تعلمت بينما كنت طفلة أن الحمام هو مسكن الجن ويجب ألا نقضي الكثير من الوقت فيه.. وأنا باحثة عن نهج إسلامي يشرح له مساوئ الأمر.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: نسأل الله لهذا الزوج الهداية للرشد والتوفيق للصواب، فإن ما ما يقوم به من قضاء معظم وقته في الحمام مما لا ينبغي أن يصدر من مسلم، فإن الحمامات إنما بنيت لقضاء الحاجة والاستحمام، لا للجلوس والقراءة والاستجمام. وفي جلوسه فيها فترة طويلة محاذير جمة، منها: أولاً: أن الحمامات في الغالب لا تخلو من النجاسات والقاذورات، وجلوسه فيه يعرضه لملابستها، والمسلم مأمور باجتناب النجاسات والتنزه عنها. ثانياً: أن أماكن قضاء الحاجة تحضرها الشياطين كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم. فعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ هَذِهِ الْحُشُوشَ مُحْتَضَرَة ٌ، فَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْخَلَاءَ فَلْيَقُلْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ) . رواه أبو داود (6) وصححه الألباني في الصحيحة (1070) . (الْحُشُوشَ) هي أماكن قضاء الحاجة. (مُحْتَضَرَةٌ) أي تحضرها الشياطين. (الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ) أي ذكران الشياطين وإناثهم. فمواضع قضاء الحاجة مواطن الشياطين، ولذلك أمرنا بالاستعاذة عند دخولها. قال الخطابي: " الشياطين تحضر تلك الأمكنة وترصدها بالأذى والفساد؛ لأنها مواضع يُهجر فيها ذكر الله، وتُكشف فيها العورات ". انتهى "معالم السنن" (1 / 22) . قال الشيخ ابن جبرين: " ومعلوم أن الشياطين تألف الأماكن المستقذرة، وتألف الأماكن النجسة، فإذا لم يتحفظ الإنسان من الشياطين عبثت به ... فأوقعته في نجاسة، أو في خبث حسي أو معنوي، والحسي يتمثل بأن يتقذر بالنجاسة ولا يبالي، وأما معنوي فبأن يوسوس ويتوهم ويقع في وساوس شيطانية تدوم معه، فلأجل ذلك أُمر بالاستعاذة وبذكر اسم الله تعالى ". انتهى من شرحه لأحاديث عمدة الأحكام (الدرس الثاني) . وقال الشيخ ابن عثيمين: " وفائدة هذه الاستعاذة: الالتجاء إلى الله عز وجل من الخبث والخبائث لأن هذا المكان خبيث، والخبيث مأوى الخبثاء فهو مأوى الشياطين، فصار من المناسب إذا أراد دخول الخلاء أن يقول: أعوذ بالله من الخبث والخبائث حتى لا يصيبه الخبث وهو الشر، ولا الخبائث وهو النفوس الشريرة ". انتهى "الشرح الممتع" (1/ 83) . ثالثاً: أن في البقاء في الحمام فترة طويلة من غير حاجة كشف للعورة من غير مبرر، ولا يجوز للرجل كشف عورته، حتى ولو كان خاليا، إلا لحاجة. عن معاوية بن حيدة قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ؟. قَالَ: احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ. فَقَالَ: الرَّجُلُ يَكُونُ مَعَ الرَّجُلِ. قَالَ: إِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَاهَا أَحَدٌ فَافْعَلْ. قُلْتُ: وَالرَّجُلُ يَكُونُ خَالِيًا. قَالَ: فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ. رواه الترمذي (2769) وأبو داود (4017) وحسنه الألباني في آداب الزفاف صـ36. رابعاً: أن العلماء قد كرهوا إطالة القعود في الخلاء لغير حاجة. قال شيخ الإسلام: " ولا يطيل المقام لغير حاجة؛ لان المقام فيه لغير حاجة مكروه؛ لأنه مُحْتَضر الشياطين وموضع إبداء العورة ". انتهى " شرح العمدة" (1/60) . وقال الفقيه ابن حجر الهيتمي: " ويكره إطالة المكث في محل قضاء الحاجة " انتهى من تحفة المحتاج (2/241) . والواجب على المسلم، واللائق بحاله، أن ينزِّه نفسه عن الخبث والنجس من الأقوال والأفعال وأن ينأى بنفسه عن أماكن هذا الخبث والنجس، بل لو كان ذلك مباحاً له، لكان ينبغي أن يمنعه طيب حاله من إلف هذه الأماكن وإطالة الجلوس فيها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129391 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 653 حكم إلقاء السلام ورده لمن دخل الحمامات العامة [السُّؤَالُ] ـ[هل من الخطأ رد السلام في الحمامات العامة بالرغم من أن الشخص قد لا يكون في هذه الحالة يقضي حاجته؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اتفق الفقهاء على كراهة إلقاء السلام على من هو في حال قضاء الحاجة، كما تكره إجابته أيضا. فعن أبي الجهم الأنصاري رضي الله عنه قال: (أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ، حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الْجِدَارِ، فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ) رواه البخاري (رقم/337) ، ومسلم (رقم/369) . وعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَجُلًا مَرَّ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبُولُ، فَسَلَّمَ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ. رواه مسلم (رقم/370) . وعَنْ الْمُهَاجِرِ بْنِ قُنْفُذٍ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَبُولُ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى تَوَضَّأَ، ثُمَّ اعْتَذَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ: (إِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا عَلَى طَهَارَةٍ) رواه أبو داود (17) وصححه ابن حجر في " نتائج الأفكار " (1/205) ، والألباني في "صحيح أبي داود". وقال ابن الهمام الحنفي رحمه الله: " أجمعوا أن المتغوط لا يلزمه الرد في الحال ولا بعده؛ لأن السلام عليه حرام , بخلاف من في الحمام إذا كان بمئزر" انتهى. " فتح القدير " (1/248) . وقال النووي رحمه الله: "قال أصحابنا: يكره السلام عليه [يعني: الذي يقضي حاجته] ، فإن سلم لم يستحق جواباً، لحديث ابن عمر والمهاجر" انتهى. "الأذكار" (ص/27) . وجاء في "الموسوعة الفقهية" (34/11) : "ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى كراهة إلقاء السلام على المتغوط , وكره ذلك الحنفية أيضا , قال ابن عابدين: ويراد به ما يعم البول , قال: وظاهره التحريم " انتهى باختصار. وبناء عليه: فمن دخل الحمامات العامة فلم يجد أحدا يتوضأ عند المغاسل فيكره له إلقاء السلام على من بداخل الغرف المعدة لقضاء الحاجة، أما إن وجد بعضهم قد أنهى حاجته، وشرع في الوضوء أو غسل اليدين في الأماكن المعدة لذلك: فلا حرج أن يسلم على هؤلاء، ويجب عليهم أن يردوا السلام. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129369 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 654 دخول الخلاء بدبلة مكتوب عليها اسم "عبد الله" [السُّؤَالُ] ـ[الدبلة التي مكتوب عليها اسم عبد الله هل يجوز الدخول بها إلى الحمام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يستحب تنزيه ما فيه ذكر الله عن الدخول به إلى الحمام - مكان قضاء الحاجة - , فإن احتاج إلى الدخول به ستره ودخل به. قال ابن قدامة رحمه الله "المغنى" (1/109) : " إذا أراد دخول الخلاء ومعه شيء فيه ذكر الله تعالى استحب وضعه ... فإن احتفظ بما معه مما فيه ذكر الله تعالى واحترز عليه من السقوط أو أدار فص الخاتم إلى باطن كفه، فلا بأس. قال أحمد: الخاتم إذا كان فيه اسم الله يجعله في باطن كفه ويدخل الخلاء، وبه قال إسحاق ورخص فيه ابن المسيب والحسن وابن سيرين " انتهى باختصار. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: ما حكم الدخول إلى الحمام بأوراق فيها اسم الله؟ فأجاب: " يجوز دخول الحمام بأوراق فيها اسم الله ما دامت في الجيب ليست ظاهرة , بل هي مخفية ومستورة " انتهى. "فتاوى من الطهارة" (ص/109) . وعلى هذا؛ فإنه يجوز لك الدخول بها لكن الكتابة على الدبلة تكون من الداخل، فهي مستورة وليست ظاهرة. ولكن ينبغي التنبه إلى أن الدبلة إن كانت من أجل الخطوبة فلا ينبغي للمسلم لبسها، لما فيها من التشبه بالنصارى، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (21441) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121141 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 655 كيف يستتر الإنسان عن أعين الجن في الخلاء [السُّؤَالُ] ـ[عندما يكون أحدنا في الحمام، فهل يكون بمفرده؟ وهل يمكن أن يتواجد الجن معه وهو في ذلك الموضع؟ وإذا كان الجواب بنعم، فما هي الخطوات التي يجب علينا اتخاذها حتى لا تخدش حشمتنا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من المعلوم أن الجن يرى الإنسان دون أن يراه الإنسان، قال تعالى: (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) الأعراف /27. ولما كانت الشياطين خبيثة – فإنها تألف الأماكن الخبيثة، قال الله تعالى: (الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات ... الآية) النور / 26، ولذلك تحضر الشياطين الأماكن التي يقضي فيها الإنسان حاجته، وتريد إتباع الأذية والضرر به. وقد بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم ماذا نفعل حتى يحمينا الله من شر الشياطين إذا دخلنا الخلاء وذلك بأن يقول المسلم قبل دخول المكان: (بسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث) وروى الترمذي برقم (606) عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا دخل أحدهم الخلاء أن يقول: بسم الله) صححه الألباني في صحيح الترمذي (496) . وروى أبو داود (6) وابن ماجة (296) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن هذه الحشوش محتضرة، فإذا أتى أحدكم الخلاء فليقل: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث) صححه الألباني في صحيح ابن ماجه (241) (الحشوش) : هي مواضع قضاء الحاجة، ومنها الكُنُف (دورات المياه) التي في البيوت. (محتضرة) أي تحضرها الشياطين لقصد إيقاع الأذى بالإنسان. (الخبث) أي الشر. (والخبائث) المراد النفوس الخبيثة وهي الشياطين ذكورهم وإناثهم، فيكون استعاذ من الشر وأصحابه. اهـ من عون المعبود فإذا قال المسلم هذا الدعاء قبل دخول الخلاء أعاذه الله من الشياطين. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: فائدة البسملة: أنها ستر. وفائدة هذه الاستعاذة: الالتجاء إلى الله عز وجل من الخبث والخبائث لأن هذا المكان خبيث، والخبيث مأوى الخبثاء فهو مأوى الشياطين فصار من المناسب إذا أراد دخول الخلاء أن يقول الله: أعوذ بالله من الخبث والخبائث حتى لا يصيبه الخبث وهو الشر، ولا الخبائث وهو النفوس الشريرة. اهـ الشرح الممتع 1/ 83 والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 26816 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 656 يشك في نجاسة ثوبه بعد التبول [السُّؤَالُ] ـ[أنا طالب في دولة أجنبية للدراسة وأقضي معظم اليوم في مكان العمل وعند احتياجي للتبول فأنا أبول واقفا لإحساسي بإمكانية إصابة مقعد الدورة بالنجاسة وكذلك لعدم قبولي نفسيا الجلوس عليها مع المحاولة قدر الاستطاعة الأمن من الإصابة برزاز البول وأنا أستعمل مناديل ورقية للاستجمار من البول، فما هو حكم قطرات البول البسيطة التي قد تسقط على السروال بعد التبول واقفا (مع أخذ الحيطة) ؟ كما أرجو توضيح هل يختلف الحكم في حالة تأكد الشخص من حدوث ذلك عنه في حالة الظن فقط؟ وهل يكفي الرش بالماء أو المسح علي ما يعتقد أنه موضع الإصابة برزاز البول؟ وهل الإكثار من الأسئلة في هذا الأمر من الوسواس؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله السنة أن يبول الإنسان قاعداً، فإذا بال قائماً، فلا حرج عليه ما دام يأمن أن لا تصيب النجاسة ثوبه وبدنه. وإذا بال الإنسان قائماً، ثم تحقق أنه قد أصاب ثوبه شيء من البول، فإنه يجب عليه أن يغسل الموضع الذي أصابته النجاسة، ولا يكفي أن يرش أو يمسح على مكان النجاسة، بل الواجب هو غسل النجاسة، فيسال الماء عليها. إذا شك الإنسان هل أصاب ثوبه شيء من البول أو لا؟ فلا يلزمه غسل الثوب، لأن الأصل طهارة الثوب حتى يتيقن الإنسان أن النجاسة قد أصابته. قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: " إذا كنت قد تحققت من نزول القطرة وجب عليك الاستنجاء والوضوء منه لكل صلاة وغسل ما أصاب ملابسك منه، أما مع الشك فلا شيء عليك في ذلك، وينبغي أن تُعرض عن الشكوك حتى لا تصاب بالوسوسة " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (5/106) . وسؤال الإنسان عما ينفعه من أمور دينه، فهذا ليس عيباً ولا وسوسة، بل هو طلب للكمال، وحرصٌ على الخير. نسأل الله أن يوفقنا وإياك لكل خير إنه ولي ذلك والقادر عليه. وللفائدة راجع جواب السؤال رقم (39684) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103846 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 657 هل التَّبَوّل قائماً مُحَرَّم [السُّؤَالُ] ـ[ما الرأي الشرعي في التبوُّل (للرجل) واقفا ً؟ لدينا مناظرة ساخِنة في هذا الموضوع. البعض يقول إنه مسموح والآخر يقول إنّه حرام مستدلين بحديث أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) في قولها: "من قال لكم إنَّ النبي (صلى الله عليه وسلم) بال واقِفاً لا تُصدقوه". لُطفاً وضِّح هذا الموضوع.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يَحْرُم تَبَوُّل الإنسان قائِماً، لكِنْ يُسَنّ له أن يَتَبَوّل قاعداً، لقول عائشة رضي الله عنها: " مَن حدّثكم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يَبُول قائما فلا تصَدِّقوه، ما كان يبول إلا قاعداً) رواه الترمذي (الطهارة/12) وقال هو أصح شيء في هذا الباب وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم 11 ولأنه استر له وأحفظ له من أن يصيبه شيء من رِشَاشِ بَوْلِه. وقد رُوْيَتْ الرّخصة في البول قائماً بشرط أن يأمن تطاير رشاش البول على بدنه وثوبه، ويأمن انكشاف عورته، عن عمر وابن عمر وزيد بن ثابت رضي الله عنهم، لما رواه البخاري ومسلم عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه أَتى سُبَاطَةَ قومٍ فبالَ قائِماً) ، ولا منافاة بينه وبين حديث عائشة رضي الله عنها، لاحتمال أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك لكَوْنِه في موضِعٍ لا يتمكَّن فيه من الجلوس، أو فعَلَه ليُبَيِّن للناس أن البول قائماً ليس بِحَرَام، وذلك لا ينافي أن الأصل ما ذكَرَتْهُ عائشة رضي الله عنها، من بَوْلِه صلى الله عليه وسلم قاعداً، وأنه سُنّة لا واجب يحرم خلافه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 5/88. الحديث: 9790 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 658 حكم البول واقفاً [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن يبول الإنسان واقفا، علما أنه لا يأتي الجسم والثوب شيء من ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] لا حرج في البول قائما،لاسيما عند الحاجة إليه، إذا كان المكان مستورا لا يرى فيه أحد عورة البائل، ولا يناله شيء من رشاش البول، لما ثبت عن حذيفة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائما) متفق على صحته، ولكن الأفضل البول عن جلوس؛ لأن هذا هو الغالب من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وأستر للعورة، وأبعد عن الإصابة بشيء من رشاش البول. [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز 6 / 352 الحديث: 14629 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 659 التبول في البانيو [السُّؤَالُ] ـ[هل التبول في البانيو أثناء الاستحمام يدخل في حديث النهي عن أن يبول الشّخص في مكان استحمامه أم لأن مجرى الماء مفتوح فلا يدخل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله فأجاب: لا، لا يدخل لأنه إذا بال فسوف يريق عليه الماء ثم يزول البول، لكن لا يستحم حتى يزيل البول بإراقة الماء عليه. سؤال: هذا التبول يحصل أثناء الاستحمام. الجواب: العادة أن التبول له مكان آخر، لكن لو قُدِّر أن الإنسان حضره التبول أثناء الاستحمام فإنه يتوقف عن الاستحمام حتى يبول ويريق عليه الماء.. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن صالح العثيمين الحديث: 4026 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 660 صلاة من يدافع الجوع أو الريح [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز حبس الريح أثناء الصلاة أو قبل الصلاة للمحافظة على الوضوء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عن عائشة قالت: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا صلاة بحضرة الطعام، ولا هو يدافعه الأخبثان ". رواه مسلم (560) . سئل الشيخ محمد الصالح العثيمين – رحمه الله -: إذا حضر العشاء والإنسان يشتهيه فهل له أن يبدأ به ولو خرج الوقت؟ . فأجاب: هذا محل خلاف، فبعض العلماء يقول يؤخر الصلاة إذا انشغل قلبه بما حضر من طعام وشراب أو غيره، ولو خرج الوقت. ولكن أكثر أهل العلم يقولون: إنه لا يعذر بحضور العَشاء في تأخير الصلاة عن وقتها، وإنما يعذر بحضور العشاء بالنسبة للجماعة، يعني: أن الإنسان يعذر بترك الجماعة إذا حضر العشاء وتعلقت نفسه به فليأكل، ثم يذهب إلى المسجد فإن أدرك الجماعة وإلا فلا حرج عليه. ولكن يجب أن لا يتخذ ذلك عادة بحيث لا يقدم عشاءه إلا وقت الصلاة؛ لأن هذا يعني أنه مصمم على ترك الجماعة، لكن إذا حدث هذا على وجه المصادفة فإنه يعذر بترك الجماعة، ويأكل حتى يشبع؛ لأنه إذا أكل لقمة أو لقمتين ربما يزداد تعلقاً به. بخلاف الرجل المضطر إلى الطعام إذا وجد طعاماً حراماً مثل الميتة، فهل نقول إذا لم تجد إلا الميتة وخفت على نفسك الهلاك أو الضرر فكل من الميتة حتى تشبع؟ أو نقول كل بقدر الضرورة؟ نقول له: كُلْ بقدر الضرورة، فإذا كان يكفيك لقمتان فلا تأكل الثالثة. وهل يلحق بالعَشاء الأشياء التي تشوش على الإنسان مثل البول والغائط والريح؟ . الجواب: نعم، يلحق به بل في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا صلاة بحضرة طعام ولا هو يدافعه الأخبثان " يعني: البول والغائط، ومثل ذلك الريح. فالقاعدة: أن كل ما أشغل الإنسان عن حضور قلبه في الصلاة وتعلقت به نفسه إن كان مطلوباً، أو قلقت منه إن كان مكروهاً: فإنه يتخلص منه قبل أن يدخل في الصلاة. ونخلص من هذا إلى فائدة: وهي أن لب الصلاة وروح الصلاة هو حضور القلب، ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإزالة كل ما يحول دون ذلك قبل أن يدخل الإنسان في صلاته. " فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (13 / السؤال " 588 ") . وسئل الشيخ – أيضاً -: إذا كان الإنسان حاقناً (والحاقن هو الذي يحبس بوله) وخشي إن قضى حاجته أن تفوته صلاة الجماعة، فهل يصلي وهو حاقن ليدرك الجماعة، أو يقضي حاجته ولو فاتته الجماعة؟ . فأجاب: يقضي حاجته ويتوضأ، ولو فاتته الجماعة؛ لأن هذا عذر، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " لا صلاة بحضرة طعام، ولا هو يدافعه الأخبثان ". " فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (13 / السؤال " 589 ") . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20958 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 661 التسمية في القلب عند الوضوء في الحمام [السُّؤَالُ] ـ[هل تجوز التسمية في القلب لأن مكان الوضوء ملتصق بالحمام ولا أريد أن أذكر فيه اسم الله بصوت مرتفع؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يكره ذكر الله تعالى في مكان قضاء الحاجة تعظيماً لاسم الله تعالى أن يذكر في هذا المكان النجس الذي هو مأوى الشياطين. قال النووي رحمه الله في كتاب الأذكار (ص 21-22) : [يكره الذكر والكلام حال قضاء الحاجة، سواء كان في الصحراء أو في البنيان، وسواء في ذلك جميع الأذكار والكلام إلا كلام الضرورة حتى قال بعض أصحابنا: إذا عطس لا يحمد الله تعالى، ولا يشمت عاطساً، ولا يرد السلام، ولا يجيب المؤذن، ويكون المُسَلِّمُ مقصراً لا يستحق جواباً، والكلام بهذا كله مكروه كراهة تنزيه ولا يحرم، فإن عطس فحمد الله تعالى بقلبه ولم يحرك لسانه فلا بأس، وكذلك يفعل حال الجماع. وروينا عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: مَرَّ رَجُلٌ بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ) رواه مسلم في صحيحه (370) . وعن المهاجر بن قنفذ رضي الله عنه قال: أَتَيتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَبُولُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى تَوَضَّأَ ثُمَّ اعْتَذَرَ إِلَيّ وقَالَ: (إِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلا عَلَى طُهْرٍ) أَوْ قَالَ: (عَلَى طَهَارَةٍ) . {حديث صحيح رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه بأسانيد صحيحة} . انتهى كلام النووي رحمه الله. وعلى هذا إذا كان مكان الوضوء داخل الحمام –الذي هو مكان قضاء الحاجة وليس معداًّ للاغتسال فقط - فقد تعارض هنا كراهة ذكر الله تعالى في هذا المكان مع مشروعية التسمية، فذهب بعض العلماء إلى أنه يسمي بقلبه من غير أن يتلفظ بها بلسانه. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (1/130) : إذا كان في الحمام، فقد قال الإمام أحمد: إذا عطس الرجل حمد الله بقلبه، فيُخَرَّج من هذه الرواية أنه يسمي بقلبه اهـ وذهب آخرون إلى تغليب مشروعية التسمية فقالوا: يتلفظ بها بلسانه ولا كراهة حينئذٍ. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: لا بأس أن يتوضأ داخل الحمام إذا دعت الحاجة إلى ذلك، ويسمي عند أول الوضوء، يقول: (بسم الله) لأن التسمية واجبة عند بعض أهل العلم، ومتأكدة عند الأكثر، فيأتي بها وتزول الكراهة لأن الكراهة تزول عند الحاجة إلى التسمية، والإنسان مأمور بالتسمية عند أول الوضوء، فيسمي ويكمل وضوؤه اهـ مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (10/28) . وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة 5 / 94: يكره أن يذكر الله تعالى نطقاً داخل الحمام الذي تقضى فيه الحاجة تنزيهاً لاسمه واحتراماً له لكن تشرع له التسمية عند بدء الوضوء لأنها واجبة مع الذكر عند جمع من أهل العلم. انتهى وإذا كان مكان الوضوء خارجا عن الحمام –ولو كان ملتصقاً به- فإنه يشرع للمتوضئ التلفظ بالتسمية ولا كراهة في هذه الحال لأنه ليس داخل الحمام. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 23308 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 662 هل يستعمل يده اليسرى أو بعضها في الاستنجاء [السُّؤَالُ] ـ[أي الأصابع أستخدم لتنظيف نفسي بعد التغوط؟ أم أستخدم اليد اليسرى بكاملها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يُمْسِكَنَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَهُوَ يَبُولُ وَلا يَتَمَسَّحْ مِنْ الْخَلاءِ بِيَمِينِهِ وَلا يَتَنَفَّسْ فِي الإِنَاءِ) رواه مسلم (الطهارة / 392) قال النووي: ولا يَسْتَعِين بِالْيَمِينِ فِي شَيْء مِنْ ذَلِكَ مِنْ الاسْتِنْجَاء. (أي سواء البول والغائط) . أهـ وعلى ذلك فيُقال إن على المرء استعمال يده اليسرى في إزالة النجاسة بأي طريقة كانت سواءً استعملها بكاملها أو استعمل بعضها والمقصود هو إزالة النجاسة عن البدن، فالأمر في ذلك واسع المهم أن يتجنَّب استعمال اليمين في إزالة القذر. والله أعلم ويراجع جواب سؤال رقم (2532) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 14053 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 663 لدخول بيت الخلاء دعاء وإن لم تدخل لقضاء الحاجة [السُّؤَالُ] ـ[عند دخول الحمام أقول الدعاء عند الدخول والخروج منه، وكذلك يفعل جميع أفراد أسرتي. فهل يقال هذا الدعاء عندما ندخل دورة المياه لمجرد ترجيل الشعر وما أشبه؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يقرر العلماء أن العلة من استحباب الاستعاذة بالله سبحانه وتعالى عند دخول الخلاء هي الالتجاء إليه سبحانه في الحماية من الشياطين التي تحضر أماكن النجاسات وكشف العورات، وقد جاء في الحديث الشريف ما يدل على ذلك. فعنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ هَذِهِ الْحُشُوشَ مُحْتَضَرَةٌ، فَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْخَلَاءَ فَلْيَقُلْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ) رواه أبو داود (6) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. الحشوش: مواضع قضاء الحاجة (دورات المياه) جاء في الموسوعة الفقهية (4/10) : " قال الحطّاب: وخصّ هذا الموضع بالاستعاذة لوجهين: الأوّل: بأنّه خلاءٌ، وللشّياطين بقدرة الله تعالى تسلّطٌ بالخلاء ما ليس لهم في الملأ. الثّاني: أنّ موضع الخلاء قذرٌ ينزّه ذكر الله تعالى فيه عن جريانه على اللّسان، فيغتنم الشّيطان عدم ذكره، لأنّ ذكر الله تعالى يطرده، فأمر بالاستعاذة قبل ذلك ليعقدها عصمةً بينه وبين الشّيطان حتّى يخرج " انتهى. ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (1/83) : " فائدة هذه الاستعاذة: الالتجاء إلى الله عز وجل من الخبث والخبائث لأن هذا المكان خبيث، والخبيث مأوى الخبثاء فهو مأوى الشياطين فصار من المناسب إذا أراد دخول الخلاء أن يقول الله: أعوذ بالله من الخبث والخبائث حتى لا يصيبه الخبث وهو الشر، ولا الخبائث وهو النفوس الشريرة " انتهى. وهذه العلة تقتضي من المسلم أن يحافظ على الاستعاذة عند كل دخول للخلاء، سواء كان بقصد قضاء الحاجة، أو كان لغير ذلك من الأمور التي يستعمل الناس اليوم لها دورات المياه من أمور النظافة المتنوعة، وبذلك يحفظ المسلم نفسه من أذى الشياطين. جاء في "المغني" (1/190) : " قال أحمد: يقول إذا دخل الخلاء: أعوذ بالله من الخبث والخبائث. وما دخلت قط المُتَوَضَّأ [يعني: مكان الوضوء] ولم أقلها إلا أصابني ما أكره " انتهى. وقد ذكر بعض الفقهاء في فروعهم ما يدل على ذلك، حيث جاء في "حاشية نهاية المحتاج" من فروع الشافعية (1/142) قال: " دخل الخلاء بطفل لقضاء حاجة الطفل، فهل يُسن له أن يقول على وجه النيابة عن الطفل أو لا يسن؟ فيه نظر، ولا يبعد أن يقول ذلك. ومن ذلك إرادة أم الطفل وضع الطفل في محل لقضاء حاجته، ومنه إجلاسه على ما يسمونه بالقَصرِيَّة في عرفهم " انتهى باختصار. وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (10/29) : هل الدعاء لمجرد دخول الحمام، أم إذا أراد الإنسان قضاء الحاجة؟ فأجاب باستحباب دعاء دخول الخلاء مطلقا، من غير تقييد بقضاء الحاجة. ومثل ذلك دعاء الخروج من الخلاء، فقد روى الترمذي (7) وحسنه عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ مِنْ الْخَلَاءِ قَالَ غُفْرَانَكَ. فقد ذكر العلماء من الحكم في توجيه الاستغفار عند الخروج من الخلاء أن ذلك لترك ذكر الله تعالى مدة لبثه في الخلاء، والمسلم يرى ذلك تقصيرا فيتداركه بالاستغفار. انظر "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (3/703) وهذه الحكمة تقع أيضا فيمن دخل الخلاء لأمر غير قضاء الحاجة، والاستغفار من ديدن المسلم اليومي، فلا حرج إن شاء الله منه بعد الخروج من الخلاء. وانظر سؤال رقم (26816) [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83393 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 664 حكم بناء المرحاض في اتجاه القبلة [السُّؤَالُ] ـ[أنا حالياً أقوم ببناء منزل وقد قيل لي إن المرحاض يجب وضعه في غير اتجاه القبلة فهل هذا صحيح؟ حتى في وجود جدار أمامه.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صح عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة. وقد ذهب جمهور العلماء (منهم مالك والشافعي وأحمد رحمهم الله) إلى أن هذا النهي إنما هو لمن كان في الفضاء بحيث لا يوجد ساتر بينه وبين القبلة، أما في البنيان فأجازوا استقبالها واستدبارها عند قضاء الحاجة. وذهب آخرون (منهم أبو حنيفة واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهما الله) إلى تحريم استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة مطلقاً، في الفضاء والبنيان. انظر "المغني" (1/107) ، "حاشية ابن عابدين" (1/554) ، "الموسوعة الفقهية" (34/5) . وما دمت في مرحلة البناء فالأحوط لك أن تبني المرحاض بحيث لا يقع عند قضاء الحاجة فيه استقبال القبلة أو استدبارها، خروجا من الخلاف. وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: عن حكم استقبال أو استدبار القبلة وقت قضاء الحاجة في المباني أو الخلاء، ثم ما حكم المباني المستعملة الآن والتي يوجد بها مراحيض تستقبل أو تستدبر القبلة ولا يمكن تعديله إلا بهدم الحمام كله أو جزء منه لإجراء التعديل، وأخيرا إذا كان يوجد لدينا مخططات ولم تنفذ بعدُ وبعض المراحيض تستقبل القبلة أو تستدبرها هل يجب تعديلها أم أنها تنفذ ولا حرج في ذلك؟ فأجابت: " أولا: الصحيح من أقوال العلماء أنه يحرم استقبال القبلة – الكعبة – واستدبارها عند قضاء الحاجة في الخلاء ببول أو غائط وأنه يجوز ذلك في البنيان وفيما إذا كان بينه وبين الكعبة ساتر قريب أمامه في استقبالها أو خلفه في استدبارها كرَحْل أو شجرة أو جبل أو نحو ذلك، وهو قول كثير من أهل العلم؛ لما ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا جلس أحدكم لحاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها) رواه أحمد ومسلم؛ ولما رواه أبو أيوب الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا) رواه البخاري ومسلم؛ ولما ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (رقيت يوما على بيت حفصة فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم على حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة) رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن. وروى أبو داود والحاكم أن مروان الأصفر قال: رأيت ابن عمر رضي الله عنهما أناخ راحلته مستقبل القبلة يبول إليها، فقلت: أبا عبد الرحمن أليس قد نُهي عن ذلك؟ قال: (إنما نُهي عن هذا في الفضاء، فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس) وسكت عنه أبو داود، وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: إسناده حسن. وروى أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة ببول فرأيته قبل أن يُقبض بعامٍ يستقبلها) . وإلى هذا ذهب كثير من أهل العلم جمعاً بين الأدلة بحمل حديث أبي هريرة ونحوه على ما إذا كان قضاء الحاجة في الفضاء بلا ساتر، وحديث جابر بن عبد الله وابن عمر رضي الله عنهم على ما إذا كان في بنيان أو مع ساتر بينه وبين القبلة. ومن هذا يعلم جواز استقبال القبلة واستدبارها في قضاء الحاجة في المباني كلها. ثانيا: إذا كان هناك مخططات لمبانٍ لم تنفذ وبها مراحيض تستقبل القبلة أو تستدبرها فالأحوط تعديلها حتى لا تكون في قضاء الحاجة بها استقبال القبلة أو استدبارها خروجا من الخلاف في ذلك، وإذا لم تعدل فلا إثم لما تقدم من الأحاديث " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/97) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69808 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 665 المصاب بالسلس هل يصلي مع الجماعة؟ [السُّؤَالُ] ـ[رجل من أهلي مصاب بمرض السلس، فهل تجب عليه الصلوات جماعةً مع الإمام أم يصلي منفردا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المصاب بسلس البول له حالان: الأولى: أن يكون الخارج مستمرا، بحيث لا ينقطع وقتا يتسع لوضوئه وصلاته، فهذا يلزمه أن يتطهر ويتحفظ بشيء يمنع انتشار البول، ويتوضأ بعد دخول وقت الصلاة، ثم يصلي مع الجماعة كسائر الناس، إلا إذا خاف تلويث المسجد فإنه لا يحل له دخوله، ويصلي في بيته جماعةً إن تيسر له، أو منفرداً. قال ابن قدامة في "المغني" (1/201) : " فأما المستحاضة , ومن به سلس البول , فلهم اللبث في المسجد والعبور إذا أمنوا تلويث المسجد ; لما روي عن عائشة أن امرأة من أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتكفت معه وهي مستحاضة , فكانت ترى الحمرة والصفرة , وربما وضعت الطست تحتها وهي تصلي. رواه البخاري. . . . فإن خاف تلويث المسجد فليس له العبور ; فإن المسجد يصان عن هذا , كما يصان عن البول فيه. ولو خشيت الحائض تلويث المسجد بالعبور فيه , لم يكن لها ذلك " انتهى باختصار. وقال النووي في "المجموع" (2/177) : " يحرم إدخال النجاسة إلى المسجد. فأما من على بدنه نجاسة أو به جرح فإن خاف تلويث المسجد حرم عليه دخوله , وإن أمن لم يحرم , ودليل هذه المسائل حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلا الْقَذَرِ، إنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ) أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم " انتهى. الثانية: أن يكون الخارج ينقطع عنه زمنا يتسع لوضوئه وصلاته، كمن علم أنه بعد قضاء حاجته بنحو ساعة – مثلاً - يتوقف عنه خروج البول، فهذا يلزمه أن يؤخر الصلاة إلى وقت انقطاع البول، ولو أدى ذلك إلى تركه الصلاة مع الجماعة. وينبغي حينئذ أن يصلي مع أهله إن تيسر له ذلك ليدرك فضل الجماعة. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة: رجل مصاب بسلس في البول، يطهر بعد التبول لفترة. لو انتظر انتهاء السلس لانتهت الجماعة ماذا يكون الحكم؟ فأجابوا: " إذا عرف أن السلس ينتهي فلا يجوز له أن يصلي وهو معه طلباً لفضل الجماعة، وإنما عليه أن ينتظر حتى ينتهي ويستنجي بعده ويتوضأ ويصلي صلاته ولو فاتته الجماعة. وعليه أن يبادر بالاستنجاء والوضوء بعد دخول الوقت، رجاء أن يتمكن من صلاة الجماعة " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/408) . وانظر السؤال (50075) ، (39494) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 66074 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 666 الاستبراء من البول لا يشرع فيه التعمق والتفتيش والنتر [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للرجل المسلم أن يفتح أو يلمس أو ينظر إلى القناة في ذكره، التي يخرج منها البول، للتأكد إن كان هناك أي شيء ينزل منه أو يكتفي بالنظر إلى ظاهره؟ ما هو الحكم إذا رأي الرجل آثار سائل غائرة في القناة، هل يكون وضوؤه وصيامه مقبولا مع ذلك، حيث إن السائل لم يصل إلى السطح الخارجي للذكر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يشرع للرجل فتح قناة الذكر والنظر فيها للتأكد من خلوها من البول، فإن هذا من التعمق والتكلف المنافي ليسر الشريعة وسماحتها، كما أنه باب إلى الوسوسة. والمشروع هو غسل رأس الذكر بعد الانتهاء من البول. ويشرع كذلك أن يرش على فرجه ماء دفعاً للوسوسة. روى ابن ماجه (464) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَضَحَ فَرْجَهُ. صححه الألباني في صحيح ابن ماجه. وجاء في "الموسوعة الفقهية" (4/125) : " ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: أَنَّهُ إذَا فَرَغَ مِنْ الاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ اسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَنْضَحَ فَرْجَهُ أَوْ سَرَاوِيلَهُ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَاءِ , قَطْعًا لِلْوَسْوَاسِ , حَتَّى إذَا شَكَّ حَمَلَ الْبَلَلَ عَلَى ذَلِكَ النَّضْحِ , مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ خِلافَهُ " انتهى. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (21/106) : " وتفتيش الذكر بإسالته وغير ذلك: كل ذلك بدعة ليس بواجب ولا مستحب عند أئمة المسلمين، بل وكذلك نتر الذكر بدعة على الصحيح لم يَشرع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكذلك سلت البول بدعة لم يشرع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. والحديث المروي في ذلك ضعيف لا أصل له، والبول يخرج بطبعه، وإذا فرغ انقطع بطبعه وهو كما قيل: كالضرع إن تركته قر، وإن حلبته در. وكلما فتح الإنسان ذكره فقد يخرج منه، ولو تركه لم يخرج منه. وقد يخيل إليه أنه خرج منه وهو وسواس، وقد يحس من يجده برداً لملاقاة رأس الذكر، فيظن أنه خرج منه شيء ولم يخرج. والبول يكون واقفا محبوسا في رأس الإحليل لا يقطر، فإذا عصر الذكر أو الفرج أو الثقب بحجر أو أصبع، أو غير ذلك، خرجت الرطوبة، فهذا أيضا بدعة، وذلك البول الواقف لا يحتاج إلى إخراج باتفاق العلماء لا بحجر ولا أصبع ولا غير ذلك، بل كلما أخرجه جاء غيره فإنه يرشح دائما، والاستجمار بالحجر كافٍ لا يحتاج إلى غسل الذكر بالماء، ويستحب لمن استنجى أن ينضح على فرجه ماء، فإذا أحس برطوبة قال: هذا من ذلك الماء " انتهى. وإذا لم يصل البول إلى الخارج، فلا حكم له، ولا تأثير له على الوضوء والصلاة. وأما الصوم فلا يضره خروج البول، ولا ينجس الإنسان به. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65521 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 667 أيها أفضل الاستنجاء أم الاستجمار [السُّؤَالُ] ـ[عند وجود الماء، هل يصح الاستجمار بالحجر أو بالمنديل، وإذا كان يصح ذلك فما الدليل؟ وأيهما أفضل الاستنجاء أو الاستجمار؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يصح الاستجمار بالحجر أو المنديل، ولو كان الماء موجودا، بلا خلاف بين العلماء. والدليل على صحة الاستجمار بالأحجار ونحوها ما رواه البخاري (159) ومسلم (237) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من توضأ فليستنثر، ومن استجمر فليوتر) ونقل ابن القيم رحمه الله في "إغاثة اللهفان" (1/151) إجماع المسلمين على جواز الاستجمار بالأحجار في زمن الشتاء والصيف. ويشترط في الاستجمار بالأحجار ونحوها: أن يمسح ثلاث مسحات فأكثر حتى ينقي المحل، وذلك لما رواه مسلم (262) عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: (نهانا النبي صلى الله عليه وسلم أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار) . والاستنجاء بالماء أفضل، لما رواه مسلم (271) والنسائي (45) واللفظ له عن أَنَس بْن مَالِكٍ رضي الله عنه قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْخَلاءَ أَحْمِلُ أَنَا وَغُلامٌ مَعِي نَحْوِي إِدَاوَةً مِنْ مَاءٍ، فَيَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ. (إِدَاوَة) إِنَاء صَغِير مِنْ جِلْد. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/206) : " وإن أراد الاقتصار على أحدهما فالماء أفضل ; لما روينا من الحديث ; ولأنه يطهر المحل , ويزيل العين والأثر , وهو أبلغ في التنظيف. وإن اقتصر على الحجر أجزأه , بغير خلاف بين أهل العلم ; لما ذكرنا من الأخبار ; ولإجماع الصحابة رضي الله عنهم " اهـ. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 59928 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 668 ما الفرق بين الاستتار والتنزه في حديث المعذَّبَيْن؟ [السُّؤَالُ] ـ[ورد في صحيح البخاري حديث النبي صلى الله عليه وسلم عندما مر على قبرين وقال إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير أو كما قال صلى الله عليه وسلم , ثم قال " بلى , كان أحدهما لا يستتر من بوله وكان الآخر يمشي بالنميمة " وورد في صحيح مسلم نفس الحديث وفي رواية أخرى لمسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " وكان الآخر لا يستنزه عن البول - أو من البول -. سؤالي هو: ما الاستتار؟ وما هو التنزه؟ والفرق بينهما؟ وكيف نوفق بين الروايتين؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث رواه البخاري (216) ومسلم (292) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ أَوْ مَكَّةَ، فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، ثُمَّ قَالَ: بَلَى، كَانَ أَحَدُهُمَا لا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ، وَكَانَ الآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ، ثُمَّ دَعَا بِجَرِيدَةٍ فَكَسَرَهَا كِسْرَتَيْنِ، فَوَضَعَ عَلَى كُلِّ قَبْرٍ مِنْهُمَا كِسْرَةً. فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ قَالَ: لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ تَيْبَسَا، أَوْ إِلَى أَنْ يَيْبَسَا) . وفي رواية لمسلم (لا يَسْتَنْزِهُ عَنْ الْبَوْلِ أَوْ مِنْ الْبَوْلِ) . وفي رواية للنسائي (2068) (لا يَسْتَبْرِئُ مِنْ بَوْلِهِ) وصححها الألباني في "صحيح النسائي". قال النووي: " وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يستتر من بوله) فروى ثلاث روايات: (يستتر) بتائين , و (يستنزه) بالزاي والهاء , و (يستبرئ) بالباء والهمزة، وكلها صحيحة , ومعناها: لا يتجنبه ويتحرز منه. "شرح مسلم" (3/201) باختصار. وقال الحافظ ابن حجر: قوله: (لا يستتر) كذا في أكثر الروايات , وفي رواية ابن عساكر: (يستبرئ) ، ولمسلم وأبي داود في حديث الأعمش: (يستنزه) . فعلى رواية الأكثر معنى " الاستتار " أنه لا يجعل بينه وبين بوله سترة يعني: لا يتحفظ منه , فتوافق رواية لا يستنزه؛ لأنها من التنزه وهو الإبعاد , وقد وقع عند أبي نعيم في المستخرج من طريق وكيع عن الأعمش: (كان لا يتوقى) وهي مفسرة للمراد، وأجراه بعضهم على ظاهره فقال: معناه لا يستر عورته. . . وأما رواية " الاستبراء " فهي أبلغ في التوقي. قال ابن دقيق العيد: لو حمل الاستتار على حقيقته للزم أن مجرد كشف العورة كان سبب العذاب المذكور , وسياق الحديث يدل على أن للبول بالنسبة إلى عذاب القبر خصوصية , يشير إلى ما صححه ابن خزيمة من حديث أبي هريرة مرفوعا: (أكثر عذاب القبر من البول) أي: بسبب ترك التحرز منه، قال: ويؤيده أن لفظ " مِنْ " في هذا الحديث لما أضيف إلى البول اقتضى نسبة الاستتار الذي عدمه سبب العذاب إلى البول , بمعنى أن ابتداء سبب العذاب من البول , فلو حمل على مجرد كشف العورة زال هذا المعنى , فتعين الحمل على المجاز لتجتمع ألفاظ الحديث على معنى واحد لأن مخرجه واحد، ويؤيده أن في حديث أبي بكرة عند أحمد وابن ماجه: (أما أحدهما فيعذب في البول) ، ومثله للطبراني عن أنس. "فتح الباري" (1/318) . وقال الصنعاني: ثم أخبر أن عذاب أحدهما ; لأنه كان لا يستنزه من البول , أو لأنه لا يستتر من بوله مِن الاستتار، أي: لا يجعل بينه وبين بوله ساتراً يمنعه عن الملامسة له , أو لأنه لا يستبرئ , من الاستبراء , أو لأنه لا يتوقاه , وكلها ألفاظ واردة في الروايات , والكل مفيد لتحريم ملامسة البول وعدم التحرز منه. "سبل السلام" (1/119، 120) . والخلاصة: أن ألفاظ الروايات الصحيحة " لا يستتر " و " لا يستبرئ " و " لا يتنزه " وكلها بمعنى واحد كما سبق من كلام الأئمة والخلاف بينها في أصل الكلمة واشتقاقها اللغوي، فلفظة " لا يستتر " من الاستتار ومعناها: لا يجعل بينه وبين بوله سترة، و " لا يستبرئ " من الاستبراء وهو الصيانة والحفظ، ولفظة " لا يتنزه " من التنزه وهو الإبعاد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 59934 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 669 حكم دخول الحمام بالمصحف أو أشرطة القرآن [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الدخول بالمصحف الحمام؟ وهل يقاس عليه الأشرطة الإسلامية المسجل عليها القرآن الكريم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الدخول بالمصحف إلى المرحاض والأماكن القذرة صرح العلماء بأنه حرام، لأن ذلك ينافي احترام كلام الله سبحانه وتعالى، إلا إذا خاف أن يسرق لو وضعه خارج المرحاض، أو خاف أن ينساه فلا حرج أن يدخل به لضرورة حفظه. أما الأشرطة فليست كالمصاحف، لأن الأشرطة ليس فيها كتابة، غاية ما هنالك أن ذبذبات معينة موجودة في الشريط إذا مرت بالجهاز المعين ظهر الصوت، فلذلك يدخل بها ولا إشكال في ذلك. فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. "لقاءات الباب المفتوح" (3/439) . وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: "أما دخول الحمام بالمصحف فلا يجوز إلا عند الضرورة، إذا كنت تخشى عليه أن يسرق فلا بأس " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (10/30) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 42061 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 670 قضت حاجتها في كأس في الحرم [السُّؤَالُ] ـ[امرأة ذهبت إلى الحرم ودخلت موقع ماء زمزم وكانت لا تستطيع تحمل البول مما اضطرها إلى البول في " كوب " وقامت بإلقائه مع الماء الذي يجري من صنابير الماء، فما الحكم في ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: قضاء الحاجة في المسجد من المحرَّمات فكيف إذا كان في المسجد الحرام؟ . عن أنس بن مالك قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه مه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تزرموه، دعوه، فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له: إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن، قال: فأمر رجلا من القوم فجاء بدلو من ماء فشنَّه عليه. رواه البخاري (217) ومسلم (285) . والصحابة رضي الله عنهم أخذتهم الغيرة وصاحوا بهذا الأعرابي، وهموا للقيام بمنعه والإنكار عليه لئلا يُتم بوله، فيؤخذ من ذلك أنه لا يجوز الإقرار على المنكر، بل الواجب المبادرة بالإنكار على فاعل المنكر، ولكن هذه المبادرة كانت ستؤدي إلى أمر أكبر ضرراً ولهذا نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم، بل زجرهم عن أن ينهوا الأعرابي ويصيحوا به. وهذا هو الأمر الأول الذي ينبغي التنبيه عليه في هذا السؤال، وهو تحريم قضاء الحاجة في المساجد، وهذا إذا كان سيبول على أرض المسجد، أما إذا كان ذلك في إناء فذهب بعض العلماء إلى جوازه إذا دعت الحاجة إلى ذلك، ومثال الحاجة أن يكون كبيراً في السن أو مريضاً لا يتحمل انحباس البول أو يشق عليه الخروج من المسجد بسبب مرض أو نحوه، وهذا هو ظاهر الحال المسئول عنها. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى": الْبَوْل فِي قَارُورَةٍ فِي الْمَسْجِدِ , مِنْهُمْ مَنْ نَهَى عَنْهُ , وَمِنْهُمْ مَنْ يُرَخِّصُ فِيهِ لِلْحَاجَةِ اهـ. ومال رحمه الله في موضع آخر إلى جوازه للحاجة فقال في "الفتاوى المصرية": وَالأَشْبَهُ أَنَّ هَذَا إذَا فُعِلَ لِلْحَاجَةِ فَقَرِيبٌ اهـ. ثانياً: إذا أراد الإنسان قضاء حاجته فإنه ينبغي أن يتخلى بحيث لا يراه أحد فيطلع على سوء ته. عن ابن عباس قال: مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال: إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبيرٍ، وإنه لكبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة، ثم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين، فغرز في كل قبرٍ واحدة، قالوا: يا رسول الله لم فعلت هذا؟ قال: لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا. رواه البخاري (213) و (5708) – واللفظ له - ومسلم (292) . ومعنى " وما يعذبان في كبير ": أي: لا يشق عليهما تركه، أو ليس بكبير عندهما. ومعنى " وإنه لكبير ": أي: هو عند الله من الكبائر. وهذا هو الأمر الثاني الذي ينبغي التنبيه عليه في هذا السؤال، وهو وجوب ستر العورة عند قضاء الحاجة، بل في كل حال، فإذا كانت الأخت قد حرصت على هذا وفعلتْه: فلا حرج عليها إن شاء الله. ثالثاً: والأمر الثالث الذي ينبغي التنبيه عليه: هو تصريف هذا البول، فلو كانت احتفظت به في شيء مأمون إلى أن تخرج به خارج الحرم، أو في مكان لا يتصل بغيره من الطاهرات: لكان أفضل وأحسن، وأما ما فعلتْه وهو وضع هذا البول في مكان تصريف ماء زمزم: فإنه قد يُخشى أن يلوِّث بعض الموجودين هناك عند الصنابير، فإذا كان الماء يذهب بحيث يؤمن تلويث الناس به: فلا حرج في هذا الفعل، وإن كان الفعل الأول هو الأصوب كما ذكرنا. والحاصل أن ما فعلته هذه المرأة جائز لحاجتها إلى ذلك مع الأخذ في الاعتبار أنه يجب عليها الاستتار عند قضاء الحاجة حتى لا تظهر عورتها، وعدم أذية الناس وتلويثهم بهذه النجاسة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39947 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 671 الوضوء والشرب والبول قائماً [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك بأس من الوضوء قائماً والشرب قائماً والبول قائماً؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يتوضأ المسلم حسبما يتيسر له قاعداً أو قائماً وله أن يشرب قائماً وقاعداً والأفضل أن يشرب قاعداً وهكذا له البول قائماً إذا دعت الحاجة إليه ولم ير عورته أحد ولم يخش من عود رشاش البول عليه، والبول جالساً أفضل؛ لأنه الغالب من فعل النبي صلى الله عليه وسلم. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 5/202 الحديث: 2181 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 672 آداب قضاء الحاجة عند المسلمين [السُّؤَالُ] ـ[هل فهمت على الأرجح من قواعد الحياء التي تدعو إليها أن الرجال يجب أن يجثموا أو ينحنوا عند التبول؟ لكني أتساءل إذا كان من الأكثر حياء عدم استخدام المبولة في غرف نوم الرجال إذا كان أحدهم مسلما وتقترب غرفته من دورة المياه. أنا أعرف أن قواعد الأدب والحياء بالنسبة للمرأة المسلمة كثيرة وشديدة التحفظ عنها بالنسبة للمرأة الغربية. وأنا لهذا السبب أحترم المرأة المسلمة كثيرا. أنا لا أحب مهاجمة المسلمين وإن بدا ذلك من سؤالي لكني فقط لا أمتلك المعرفة الكافية بآدابهم وسلوكياتهم. شكرا لك مقدما على الإجابة حفظك الله من كل سوء وأدام لك الصحة والعافية.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا بدّ أولا من شكرك أيّها السائل على حرصك على مشاعر المسلمين وسعيك لمعرفة ما يؤذيهم لتجتنبه، ويسرنا أن نعتني بتفصيل الجواب لك فيما طلبتَ وأكثر لعلّه أن ينفتح لك من خلاله ما يقودك إلى خير عظيم. إنّ من عظمة الشّريعة الإسلامية المباركة أنّها ما تركت خيرا في قليل ولا كثير إلا أمرت به ودلّت عليه ولا شرا في قليل ولا كثير إلا حذّرت منه ونهت عنه، فكانت كاملة حسنة من جميع الوجوه، وقد أثار ذلك دهشة غير المسلمين وإعجابهم بهذا الدّين حتى قال أحد المشركين لسلمان الفارسي رضي الله عنه: قَدْ عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْخِرَاءةَ فَقَالَ سَلْمَانُ أَجَلْ نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ.. الحديث، رواه الترمذي رقم 16 وقال حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَهُوَ في صحيح مسلم وغيره وقد وردت في الشريعة الإسلامية عدة آداب وأحكام في قضاء الحاجة ومنها: 1- عدم استقبال قبلة الصّلاة عند البول والغائط (وقبلة المسلمين هي الكعبة التي بناها إبراهيم عليه السلام بأمر من الله في مكة) وهذا من احترام القبلة وتعظيم شعائر الله وقد قال رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ عَلَى حَاجَتِهِ فَلا يَسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ وَلا يَسْتَدْبِرْهَا. رواه مسلم 389. 2- أن لا يمسّ ذَكَرَه بيمينه وهو يبول لقوله صلى الله عليه وسلم: " إِذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلا يَأْخُذَنَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَلا يَسْتَنْجِي بِيَمِينِهِ وَلا يَتَنَفَّسْ فِي الإِنَاءِ. " رواه البخاري 150 3- أن لا يزيل النّجاسة بيمينه بل يستخدم شماله لمباشرة النجاسة في إزالتها للحديث المتقدّم ولقوله صلى الله عليه وسلم: " إِذَا تَمَسَّحَ أَحَدُكُمْ فَلا يَتَمَسَّحْ بِيَمِينِهِ. " رواه البخاري 5199 ولما روته حفصة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْعَلُ يَمِينَهُ لأَكْلِهِ وَشُرْبِهِ وَوُضُوئِهِ وَثِيَابِهِ وَأَخْذِهِ وَعَطَائِهِ وَيَجْعَلُ شِمَالَهُ لِمَا سِوَى ذَلِكَ. رواه الإمام أحمد وهو في صحيح الجامع 4912، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا اسْتَطَابَ أَحَدُكُمْ فَلا يَسْتَطِبْ بِيَمِينِهِ، لِيَسْتَنْجِ بِشِمَالِهِ. " رواه ابن ماجة 308 وهو في صحيح الجامع 322 4- والسنّة أن يقضي حاجته جالسا وأن يدنو من الأرض لأنّه أستر وآمن من ارتداد رشاش البول عليه وتلويث بدنه وثيابه فإن أَمِن ذلك جاز البول قائما 5- أن يستتر عن أعين الناس عند قضاء الحاجة وقد كان أَحَبَّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَتِهِ هَدَفٌ أَوْ حَائِشُ نَخْلٍ (أي مرتفع من الأرض أو حائط نخل وهو البستان) . رواه مسلم 517، وإذا كان الإنسان في الفضاء وأراد قضاء حاجة ولم يجد شيئا يستره فليبتعد عمن حوله من الناس لما رواه الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَأَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجَتَهُ فَأَبْعَدَ فِي الْمَذْهَبِ رواه الترمذي 20 وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي قُرَادٍ قَالَ خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْخَلاءِ وَكَانَ إِذَا أَرَادَ الْحَاجَةَ أَبْعَدَ. رواه النسائي 16 وهو في صحيح الجامع 4651 6- أن لا يكشف العورة إلا بعد أن يدنو من الأرض لأنّه أستر لما رواه أَنَس رضي الله عنه قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ الْحَاجَةَ لَمْ يَرْفَعْ ثَوْبَهُ حَتَّى يَدْنُوَ مِنْ الأَرْضِ رواه الترمذي 14 وهو في صحيح الجامع 4652. وإذا كان في مرحاض فلا يرفع ثوبه إلا بعد إغلاق الباب وتواريه عن أعين النّاظرين، ومن هذه النقطة والتي قبلها تعلم أيّها السائل الكريم أنّ ما يفعله كثير من النّاس في بلاد الغرب وغيرها من التبوّل وقوفا في المحلات المكشوفة داخل المراحيض العامة هو أمر مناف للأدب والحياء والحشمة والأخلاق الفاضلة الكريمة وتقشعرّ منه بدن كلّ صاحب فطرة سليمة وعقل صحيح، إذ كيف يكشف الشّخص أمام النّاس عورته التي جعلها الله بين رجليه سترا لها وأمر بتغطيتها واستقرّ أمر تغطيتها عند جميع عقلاء البشر. وكذلك فإنّ من الخطأ أساسا بناء المراحيض بهذا الشّكل المُشين الذي يرى فيه مستعملوها بعضهم بعضا وهم يبولون متخلّفين في ذلك عن بعض البهائم التي من عادتها الاستتار عند التبوّل والتغوّط. 7- ومن الآداب الشّرعية عند المسلمين أذكار معيّنة يقولونها عند دخولهم الخلاء وعند خروجهم منه وهي مناسبة تمام المناسبة للحال والمكان فقد علمنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن يقول الواحد منا عند دخول الخلاء: بسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث، فيستعيذ بالله من كلّ أمر خبيث ومن كلّ شيطان وشيطانة، وعند الخروج يسأل الله المغفرة بقوله: غفرانك. 8- الاعتناء بإزالة النجاسة بعد الفراغ من قضاء الحاجة لقوله صلى الله عليه وسلم محذّرا من التساهل في التطهّر من البول: " أَكْثَرُ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْ الْبَوْلِ. " رواه ابن ماجة 342 وهو في صحيح الجامع 1202 وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ أَمَّا هَذَا فَكَانَ لا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ وَأَمَّا هَذَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ. " رواه البخاري 5592 9- أن يكون غسل النجاسة أو مسحها ثلاث مرات أو وترا بعد الثلاث بحسب ما تدعو إليه حاجة التطهير، لما جاء عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْسِلُ مَقْعَدَتَهُ ثَلاثًا قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَعَلْنَاهُ فَوَجَدْنَاهُ دَوَاءً وَطُهُورًا. رواه ابن ماجة 350 وهو في صحيح الجامع 4993، ولما رواه أبو هُرَيْرََةُ رضي الله عنه عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا اسْتَجْمَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَجْمِرْ وِتْرًا. " رواه الإمام أحمد وحسنه في صحيح الجامع 375 10- أن لا يستعمل العظم ولا الرّوث في الاستجمار (وهو إزالة النجاسة بالمسح) . وإنما يستعمل المناديل والحجارة ونحوها. لما جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِدَاوَةً لِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَبَيْنَمَا هُوَ يَتْبَعُهُ بِهَا فَقَالَ مَنْ هَذَا فَقَالَ أَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَالَ ابْغِنِي أَحْجَارًا أَسْتَنْفِضْ بِهَا وَلا تَأْتِنِي بِعَظْمٍ وَلا بِرَوْثَةٍ فَأَتَيْتُهُ بِأَحْجَارٍ أَحْمِلُهَا فِي طَرَفِ ثَوْبِي حَتَّى وَضَعْتُهَا إِلَى جَنْبِهِ ثُمَّ انْصَرَفْتُ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مَشَيْتُ فَقُلْتُ مَا بَالُ الْعَظْمِ وَالرَّوْثَةِ قَالَ هُمَا مِنْ طَعَامِ الْجِنِّ.. الحديث رواه البخاري 3571 11- أن لا يبول الإنسان في الماء الراكد. لما رواه جَابِر رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُبَالَ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ. " رواه مسلم 423 ولأنّ في ذلك تنجيسا للماء وإيذاء لمستعمليه. |12- أن لا يبول في طريق النّاس ولا في ظلّ يستظلّ به النّاس، لأنّ في ذلك إيذاء لهم، وقد روى أبو هُرَيْرَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اتَّقُوا اللاعِنَيْنِ قَالُوا وَمَا اللاعِنَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ ظِلِّهِمْ. " رواه أبو داود 23 وهو في صحيح الجامع 110 13- أن لا يسلّم على من يقضي حاجته ولا يردّ السّلام وهو في مكان قضاء الحاجة تنزيها لله أنْ يُذكر اسمه في الأماكن المستقذرة عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلًا مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَبُولُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَيْتَنِي عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا تُسَلِّمْ عَلَيَّ فَإِنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ لَمْ أَرُدَّ عَلَيْكَ. " رواه ابن ماجة 346 وهو في صحيح الجامع 575. وجمهور العلماء على كراهية الكلام في الخلاء لغير حاجة. كانت تلك طائفة من الآداب والأحكام التي وردت في شريعة الإسلام بشأن هذا الموضوع الذي يتكرر من كلّ إنسان يوميا فاعتنت به الشّريعة غاية الاعتناء وبيّنت فيه كلّ التبيين فما بالك بما هو أعظم منه، فهل تعلم أيها السائل الكريم دينا أو شريعة في العالم جاءت بمثل هذا، إنّه كاف والله في إثبات كمالها وحسنها ووجوب اتّباعها، نسأل الله لنا ولك التوفيق لكلّ خير والهداية إلى الحقّ وصلى الله على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2532 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 673 كيفية التيمم بالحجر [السُّؤَالُ] ـ[ما هي كيفية التيمم بالحجر، وكيفية مسح اليدين إن كان حجرا صغيرا (هل يستعمل الحجر الصغير كالصابون) ؟ جزاكم الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سبق في موقعنا اختيار ما ذهب إليه الحنفية والمالكية من جواز التيمم بكل ما على وجه الأرض كالأحجار، وذلك في جواب السؤال رقم: (36774) . وكيفية التيمم بالحجر: أن يضرب عليه بكفيه ضربة واحدة، ثم يمسح وجهه كله، ثم يمسح كفيه. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "كيفية التيمم: أن يضرب الأرض الطاهرة بيديه ضربة واحدة يمسح بهما جميع وجهه، ثم يمسح كفيه بعضهما ببعض" انتهى. "مجموع الفتاوى" (11/155) . وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: "ويسمي الله يقول: بسم الله، كما يسمي في الماء عند الوضوء، وإذا ضرب بهما التراب ومسح بهما وجهه وكفيه، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين، كما يفعل في الماء؛ لأن هذا يقوم مقام الماء" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (29/100) . وإذا كان الحجر صغيرا فلا بأس من تقليبه في اليدين كما يقلب الصابون، ويكون هذا التقليب بدلاً من الضرب باليد عليه، وبعد التقليب يمسح الوجه ثم الكفين. هذا؛ والأفضل هو التيمم بالتراب ـ إن تيسر ـ، لأنه الأحوط، وبه يكون التيمم صحيحاً عند جميع العلماء، وقد نص على ذلك بعض فقهاء المالكية كما في "مواهب الجليل" (1/351) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 139879 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 674 لا حرج في إمامة المتيمم بالمتوضئين [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمتيمم أن يصلي إماماً لعدم وجود من يصلي إماماً غيره؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "يجوز أن يصلي المتيمم بالمتوضئين إذا تيمم لعذر شرعي من الحدث الأصغر أو الأكبر جاز أن يؤم الذين تطهروا بالماء، لا حرج في ذلك ولا بأس، ولو وجد من يصلح للإمامة، إذا كان صالحاً للإمامة، وأمَّهم فلا بأس بذلك" انتهى. [الْمَصْدَرُ] سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (2/654) الحديث: 130879 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 675 ليس هذا البُعد عذراً في التيمم [السُّؤَالُ] ـ[إذا كنت في عمل أو سفر ثم حان وقت الصلاة ولكن بيني وبين الماء مسافة عشر دقائق أو ربع ساعة. فهل يجوز أن أتيمم أم أنتظر حتى أصل الماء؟ أفيدونا عن ذلك جزاكم الله خيراً؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "هذه المسافة تعد وتعتبر عرفاً [قريبة] ، فالواجب الذهاب إلى الماء والوضوء من الماء والغسل إذا كان عليك غسل، ولا يجوز التيمم في هذه الحالة؛ لأن مسافة عشر دقائق وربع ساعة يعتبر شيئاً قريباً ويعتبر في العرف ليس ببعيد ولا عذر في ترك الوضوء بل يلزمك سواء كنت في عمل أو في سفر أن تذهب إلى هذا الماء وأن تتوضأ الوضوء الشرعي، وإن كان عليك جنابة أن تغتسل وتصلي، وليس هذا البعد عذراً في التيمم لأنه في العرف قريب" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (2/653) . [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز فتاوى نور على الدرب الحديث: 129095 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 676 احتلم ولم يستطع الغسل فتوضأ وصلى [السُّؤَالُ] ـ[أنا شاب مقعد وأجلس على كرسي متحرك والحمد لله. قد احتلمت في ليلة قبل صلاة الفجر ولضعف جسمي وقوتي لا أستطيع أن أغتسل ولا أستطيع أن أغير ملابسي إلا عند طلوع النهار ولا أريد أن أضيع علي صلاة الفجر فتوضأت وضوئي للصلاة وصليت هل هذا جائز أم لا؟ وماذا أفعل إن لم يكن جائزاً؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: من أصابته جنابة من احتلام أو جماع، لزمه الغسل؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) النساء/43، فإن لم يستطع الغسل لعدم الماء، أو لعدم قدرته على استعماله، تيمم وصلى؛ لقوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة/6 وكذلك من احتلم وخشي من حصول مرض إن استعمل الماء البارد ولم يجد ما يسخنه به، أو كان الماء بعيدا عنه لا يمكنه الوصول إليه ولم يجد من يناوله إياه، فإنه يتيمم ويصلي. قال ابنُ قدامةَ رحمه الله في "المغني" (1/151) : " ومَن كان مريضًا لا يقدرُ على الحركةِ، ولا يجدُ من يناوله الماءَ، فهو كالعادم، لأنّه لا سبيلَ له إلى الماء ... وإن كانَ له من يناولُه الماءَ قبل خروجِ الوقتِ فهو كالواجد .... وإن خافَ خروجَ الوقتِ قبلَ مجيئِه، فقالَ ابنُ أبي موسى: له التيمم، ولا إعادةَ عليه، وهو قولُ الحسن " انتهى. وأما الوضوء فلا يجزئ عن الغسل. وكان الواجب عليك إن لم تجد من يساعدك في الاغتسال أن تغسل ما تستطيع من بدنك، كالرأس والوجه واليدين والرجلين، ثم تتيمم، وتصلي بهذا التيمم. ولمزيد الفائدة راجع جواب السؤال رقم (71202) وبناء على ذلك فيلزمك إعادة تلك الصلاة. ثانيا: المني طاهر في أصح قولي العلماء، فلا يلزمك غسل ملابسك ولا تبديلها، وراجع السؤال رقم (2458) . ونسأل الله تعالى لك العافية والمعافاة في الدين والدنيا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 101816 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 677 يعاني من مرض جلدي فهل يتيمم؟ [السُّؤَالُ] ـ[أعاني من مرض جلدي (أكزما) ، ولم يتم العلاج منه حتى أنني أصبحت أتوضأ خمس مرات في اليوم فقط، حاولت كل الوسائل ولكن دون جدوى، ماذا أفعل إذا كان الوضوء يسبب لي طفحاً جلديّاً سيئاً جدّاً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) البقرة/286. وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ... فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتُكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم ". رواه البخاري (6858) ومسلم (1337) . ومع أمر الله تعالى الواضح في وجوب الوضوء بالماء إلا أنه تعالى استثنى المريض من وجوب الوضوء بالماء وجعل له " التيمم ". قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوّاً غفوراً) المائدة/43. قال الشيخ محمد الصالح العثيمين: قوله: " أو خاف باسْتِعْمالِه، أو طَلبِهِ ضَرَرَ بَدَنِهِ ". فإذا تضرَّر بَدَنُه باستعماله الماءَ صار مريضاً، فيدخل في عموم قوله تعالى: (وإن كنتم مرضى أو على سفر) الآية المائدة/6. كما لو كان في أعضاء وُضُوئه قُروح، أو في بَدَنِه كُلِّه عند الغُسْل قُروح وخاف ضَرَر بَدَنِه فله أن يتيمَّم. " الشرح الممتع " (1 / 378، 379) ط ابن الجوزي. وإن كان يمكنه أن يجعل الماء على جلده دون أن يتأثر جلده فليفعل، ولا يتشرط أن يدلك العضو أو أن يبالغ في غسله. قال الشيخ محمد الصالح العثيمين: وكذلك لا يبالغُ في الاستنشاق إذا كانت له جيوب أنفيَّة زوائد؛ لأنَّه مع المبالغة ربما يستقرُّ الماء في هذه الزوائد ثم يتعفَّن، ويصبح له رائحة كريهة ويصابُ بمرض، أو ضرر في ذلك، فهذا يقال له: يكفي أن تستنشق حتى يكونَ الماء داخل المنخرين. " الشرح الممتع " (1 / 210) ط ابن الجوزي. وقال: وإذا كان في الإنسان جيوبٌ أنفيةٌ، ولو بالغ في الاستنشاق احتقن الماءُ بهذه الجيوب وآلمه، أو فسد الماء وأدَّى إلى صديد أو نحو ذلك: ففي هذه الحال نقول له: لا تبالغ درءاً للضَّرر عن نفسك. " الشرح الممتع " (1 / 172) ط ابن الجوزي. فإذا كان الوضوء يضر بجلدك أو يؤخر شفاءه: فعليك بالتيمم، ولا حرج عليك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20935 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 678 لا تجد في المعهد مكانا للوضوء فهل تتيمم؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا فتاة أدرس في معهد للدراسات العليا تخصص إعلاميات، وأجد مشكلة في الصلاة وبما أن المعهد بعيد أضطر إلى الخروج من البيت باكرا حوالي الساعة 12 ظهرا وأصل هناك على 13 ظهرا وفي بعض المرات يفسد وضوئي فهل بإمكاني التيمم؟ مع العلم أنه ليس هناك مكان مغطى يمكنني أن أتوضأ فيه، أم هناك حل آخر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصلاة أمرها عظيم، فلا يجوز التهاون في أدائها، بل يجب المحافظة عليها في أوقاتها، كما قال تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) النساء/103. وقال سبحانه: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) البقرة/238. ومن وجد الماء وكان قادرا على استعماله لا يجوز له أن يتيمم، وفي هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ) رواه البخاري (6954) ومسلم (225) . ولا يجوز التيمم إلا عند فقد الماء أو خشية حصول ضرر باستعماله، قال الله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْه) المائدة/6. وعلى هذا، لا يجوز لك التيمم وأنت تستطيعين استعمال الماء، ويمكنك أن تتوضئي داخل الخلاء، فإن الوضوء فيه لا بأس به، ومن يتق الله يجعل له مخرجاً. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 95112 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 679 إذا استيقظ جنبا وخاف إن اغتسل أن يخرج الوقت فهل يتيمم؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا استيقظ الرجل من نومه وهو جنب وقت إقامة صلاة الفجر، فلو اغتسل فاتته صلاة الجماعة، فهل له أن يتوضأ ويصلي في المسجد جماعة ثم إذا رجع اغتسل وصلى ركعتي الفجر، أم يغتسل ولو فاتت صلاة الجماعة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الجنب يلزمه الاغتسال من أجل الصلاة، ولا تصح صلاته بمجرد الوضوء. ويجب عليه الاغتسال ولو خشي فوت صلاة الجماعة، بل لو استيقظ متأخرا وخشي خروج الوقت إن اغتسل، فجمهور العلماء – وهو الصواب – على أنه يلزمه الاغتسال، لأنه معذور. والوقت في حقه هو وقت استيقاظه؛ لما روى الترمذي (177) والنسائي (615) وأبو داود (437) وابن ماجه (698) عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: ذَكَرُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَوْمَهُمْ عَنْ الصَّلَاةِ فَقَالَ: (إِنَّهُ لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إِنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ فَإِذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ صَلَاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا) وصححه الألباني في صحيح الترمذي وأصل الحديث في الصحيحين. وقال ابن قدامة في بيان مذهب الجمهور: " وإذا كان الماء موجودا إلا أنه إذا اشتغل بتحصيله واستعماله فات الوقت , لم يبح له التيمم , سواء كان حاضرا أو مسافرا , في قول أكثر أهل العلم منهم: الشافعي وأبو ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي وعن الأوزاعي , والثوري: له التيمم. رواه عنهما الوليد بن مسلم " انتهى من "المغني" (1/166) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ومن استيقظ آخر وقت صلاة وهو جنب وخاف إن اغتسل خرج الوقت اغتسل وصلى , ولو خرج الوقت , وكذا من نسيها " انتهى من "الاختيارات الفقهية". وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: بالنسبة لتسخين الماء إذا كان الإنسان يتكاسل أو قام متأخراً من نومه في البرية ويخشى من فوات الوقت فما الذي يفعل هل يسخن الماء أم يتيمم؟ فأجاب: "يجب عليه أن يسخن الماء ولو كان يخشى خروج الوقت، وذلك لأن النائم إذا قام من نومه فوقت الصلاة في حقه من استيقاظه وليس من دخول وقتها، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) فجعل وقتها عند الذكر بالنسبة للنسيان، وكذلك عند الاستيقاظ بالنسبة للنوم، فنحن نقول: إذا قمت مثلاً من نومك قبل طلوع الشمس بنحو خمس دقائق أو عشر دقائق إن تيممت أدركت الصلاة في الوقت وإن اغتسلت خرج الوقت، فنقول: اغتسل ولو خرج الوقت، وذلك لأن وقت الصلاة في حقك كان عند استيقاظك من النوم، وليس من طلوع الفجر، لأنك معذور به " انتهى من "فتاوى نور على الدرب". والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 94311 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 680 إذا استيقظ متأخرا والماء بارد فهل يتيمم؟ [السُّؤَالُ] ـ[رجل أصابته جنابة في حلم أي احتلام فأصبح وهو متأخر عن عمله وكان الجو ممطرا وباردا فتيمم بالصعيد الطاهر، فهل يجوز ذلك؟ علما بأنه خاف التأخر عن عمله وخاف على نفسه من المرض والتهلكة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من احتلم وأنزل المني، وجب عليه أن يغتسل من أجل الصلاة، ولا يجوز له العدول عنه إلى التيمم إلا عند فقد الماء أو خشية الضرر باستعماله؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) المائدة/6. وقوله صلى الله عليه وسلم: (الصعيد وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته، فإن ذلك خير) رواه البزار، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3861) . فمن استيقظ جنبا، وخشي الضرر باستعمال الماء لبرودة الجو، فإن أمكنه تسخين الماء، لزمه ذلك، ولو خرج الوقت؛ لأن النائم معذور، والوقت في حقه هو وقت استيقاظه، فتلزمه الصلاة وما يشترط لها من الطهارة. وإذا لم يجد ما يسخن به الماء، جاز له التيمم حينئذ. وخوف التأخر عن العمل لا يعتبر عذرا يبيح ترك الغسل والانتقال إلى التيمم. وعلى من تيمم، بلا عذر يبيح التيمم أن يعيد ما صلاه بذلك التيمم؛ لتبرأ ذمته. وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: إذا كان البرد شديدا جدا جدا والماء في الإناء كالروب وفي الإبريق يتثلج ومثلا إنسان وقع عليه حدث والماء يؤثر عليه ويعمل له مرض الحمى كيف العمل؟ فأجابت: " إذا كان الأمر كما ذكر فإنه يتيمم قال تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) لكن إذا أمكنه تسخينه بالنار وجب ذلك، ووجب عليه الغسل لقول الله عز وجل: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93865 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 681 أجرت عملية ولا تستطيع الغسل من الحيض فهل تتيمم؟ [السُّؤَالُ] ـ[عملت عملية جراحية ولدي الدورة وأريد الصلاة ماذا أعمل، هل أتيمم، وما هي طريقة التيمم من الحيض، وهل أتيمم عند كل صلاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحائض يلزمها الغسل إذا طهرت من حيضها، وأرادت الصلاة، فإن عجزت عن الغسل لعدم قدرتها على استعمال الماء، لكونها لا تستطيع النهوض من سريرها، أو كان الماء يضر بها، فإنها تتيمم. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " ولما كانت الشريعة الإسلامية مبنية على اليسر والسهولة، خفف الله سبحانه وتعالى عن أهل الأعذار عباداتهم بحسب أعذارهم ليتمكنوا من عبادته تعالى بدون حرج ولا مشقة، قال تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) وقال سبحانه: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) وقال عز وجل: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وقال عليه الصلاة والسلام: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الدين يسر) . فالمريض إذا لم يستطع التطهر بالماء بأن يتوضأ من الحدث الأصغر أو يغتسل من الحدث الأكبر لعجزه أو لخوفه من زيادة المرض أو تأخر برئه، فإنه يتيمم وهو: أن يضرب بيديه على التراب الطاهر ضربة واحدة، فيمسح وجهه بباطن أصابعه، وكفيه براحتيه، لقوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) والعاجز عن استعمال الماء حكمه حكم من لم يجد الماء، لقول الله سبحانه: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ولقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) . وقال أيضاً: " وللمريض في الطهارة عدة حالات: 1- إن كان مرضه يسيرا لا يخاف من استعمال الماء معه تلفا ولا مرضا مخوفا ولا إبطاء برء ولا زيادة ألم، أو كان ممن يمكنه استعمال الماء الدافئ ولا ضرر عليه، فهذا لا يجوز له التيمم، لأن إباحته لنفي الضرر ولا ضرر عليه؛ ولأنه واجد للماء فوجب عليه استعماله. 2- وإن كان به مرض يخاف معه تلف النفس، أو تلف عضو، أو حدوث مرض يخاف معه تلف النفس أو تلف عضو أو فوات منفعة، فهذا يجوز له التيمم، لقوله تعالى: (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) . 3- وإن كان به مرض لا يقدر معه على الحركة ولا يجد من يناوله الماء جاز له التيمم. 4- من به جروح أو قروح أو كسر أو مرض يضره استعمال الماء فأجنب، جاز له التيمم للأدلة السابقة، وإن أمكنه غسل الصحيح من جسده وجب عليه ذلك وتيمم للباقي. 5- إذا كان المريض في محل لم يجد ماء ولا ترابا ولا من يحضر له الموجود منهما، فإنه يصلي على حسب حاله وليس له تأجيل الصلاة، لقول الله سبحانه: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) " انتهى من "الفتاوى المتعلقة بالطب وأحكام المرضى" ص 26. ثانيا: صفة التيمم من الحيض، لا تختلف عن صفة التيمم من الحدث الأصغر وقد سبق ذكر صفة التيمم في كلام الشيخ ابن باز رحمه الله. وقد سبق بيانها مفصلة في جواب السؤال رقم (21074) ثالثا: التيمم كالوضوء، يرفع الحدث، على الراجح، فيجوز أن تصلي به أكثر من فرض، ولا يلزمك إعادته لكل صلاة. فإذا تيممت لصلاة الظهر مثلا، ولم ينتقض وضوؤك، جاز لك أن تصلي به العصر، وهكذا. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا تيمم الإنسان لنافلة، فهل يصلي بذلك التيمم الفريضة؟ فأجاب بقوله: " التيمم رافع للحدث، وحينئذ له أن يصلي الفريضة وإن كان يتيمم لنافلة، كما لو توضأ لنافلة جاز له أن يصلي بذلك الوضوء الفريضة، ولا يجب إعادة التيمم إذا خرج الوقت، ما لم يوجد ناقض " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (11/240) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 87711 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 682 زوجته لا تستطيع الاغتسال لمرض فهل له أن يجامعها وتتيمم؟ [السُّؤَالُ] ـ[زوجتي مصابة بمرض يُمنع المصاب به من استعمال الماء، الإصابة ستستمر مع زوجتي لمدة 3 أسابيع فهل يحرم على مباشرة زوجتي في هذه الفترة لأنها لن تستطيع الاغتسال من الجنابة أم أقضي وطرى منها وتتيمم هي للصلاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج عليك في مباشرة أهلك، ولو كان الأمر على ما ذكرت من عدم تمكنها من استعمال الماء بسبب المرض، ويكفيها التيمم إلى أن يشفيها الله فتغتسل. روى أبو داود (333) عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: كُنْتُ أَعْزُبُ عَنْ الْمَاءِ (أي يقيم في مكان بعيد عن الماء) وَمَعِي أَهْلِي فَتُصِيبُنِي الْجَنَابَةُ فَأُصَلِّي بِغَيْرِ طُهُورٍ (يعني: يتيمم ولا يغتسل) فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَ لِي بِمَاءٍ فاغتسلت، ثم قال: (إِنَّ الصَّعِيدَ الطَّيِّبَ طَهُورٌ وَإِنْ لَمْ تَجِدْ الْمَاءَ إِلَى عَشْرِ سِنِينَ) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. وقد كره بعض أهل العلم أن يجامع الرجل امرأته وليس عنده ماء يغتسل به، والصواب: عدم الكراهة، لحديث أبي ذر المتقدم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينهه عن ذلك، بل أخبره أن التيمم يكفيه إلى أن يجد الماء فيغتسل. وقال ابن قدامة رحمه الله بعد أن ذكر قول من كره ذلك: " والأولى جواز إصابتها من غير كراهة ; لأن أبا ذر قال للنبي صلى الله عليه وسلم:. . . ثم ذكر الحديث المتقدم. . وأصاب ابن عباس جارية له , وهو عادم للماء , وصلى بأصحابه وفيهم عمار , فلم ينكروه. قال إسحاق بن راهويه: هو سنة مسنونة عن النبي صلى الله عليه وسلم في أبي ذر وعمار وغيرهما " انتهى من "المغني" (1/171) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 87984 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 683 الصلاة في الطائرة مع العجز عن القيام واستقبال القبلة [السُّؤَالُ] ـ[أنا من الإمارات ذهبت للعمرة في رمضان بالطائرة وفي أثناء رجوعي إلى بلدي كان وقت الرحلة قبيل الفجر وفي وقت محدد أعلن طاقم الطائرة أنه يجب علينا الإمساك فقد دخل الفجر، فاحترت أين سأصلي فستشرق الشمس قبل الهبوط فليس هناك مكان للصلاة عدا الممرات وهذا قد يكون محرجا لي كامرأة وأيضا كنت بحاجة لدورة المياه (قد أمسكت الريح) ولكن نظراً للزحمة لم أتمكن من دخوله، وفجأة لمحت في الأفق الشفق البرتقالي فسارعت بالتكبير وأنا جالسة على مقعدي وأغلب ظني أن القبلة كانت خلفي لأننا نتجه شرقا والقبلة خلفنا غربا وكنت على وضوء؟ فهل صلاتي صحيحة أم لا وماذا علي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: القيام واستقبال القبلة في الفريضة ركنان من أركانها، لا تصح بدونهما إلا من عذر، ومن الأعذار التي ذكرها أهل العلم في هذا الباب من صلى في الطائرة وعجز عن القيام أو استقبال القبلة، إذا خشي خروج الوقت، وكانت الصلاة مما لا تجمع إلى ما قبلها أو ما بعدها. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن رجل مسافر بالطائرة ولا يعرف اتجاه القبلة علماً بأن الجميع لم يعرفوا الاتجاه فصلى ولم يعلم أهو في اتجاه القبلة في صلاته أم لا؟ فهل الصلاة في مثل هذه الحالة صحيحة؟. فأجاب: " الراكب في الطائرة إن كان يريد أن يصلي صلاة نفل فإنه يُصلي حيث كان وجهه ولا يلزمه أن يستقبل القبلة لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي على راحلته حيثما اتجهت به إذا كان في سفر، وأما الفريضة فلا بد من استقبال القبلة ولا بد من الركوع والسجود إذا أمكن وعلى هذا فإن من تمكن من هذا في الطائرة فليصل في الطائرة وإن كانت الصلاة التي حضرت وهو في الطائرة مما يُجمع إلى ما بعده كما لو حضرت صلاة الظهر فإنه يؤخرها حتى يجمعها مع العصر أو حضرت صلاة المغرب وهو في الطائرة يؤخرها حتى يجمعها مع العشاء. ويجب عليه أن يسأل المضيفين عن اتجاه القبلة إذا كان في طائرة ليس فيها علامة القبلة فإن لم يفعل فصلاته غير صحيحة " انتهى نقلا عن "مجلة الدعوة" العدد 1757 ص 45. وسئلت اللجنة الدائمة: إذا كنت مسافراً في طائرة وحان وقت الصلاة أيجوز نصلي في الطائرة أم لا؟ فأجابت: "إذا حان وقت الصلاة والطائرة مستمرة في طيرانها ويخشى فوات وقت الصلاة قبل هبوطها في أحد المطارات، فقد أجمع أهل العلم على وجوب أدائها بقدر الاستطاعة ركوعاً وسجوداً واستقبالاً للقبلة، لقوله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) التغابن/16، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم) رواه مسلم (1337) . أما إذا علم أنها ستهبط قبل خروج وقت الصلاة بقدر يكفي لأدائها، أو أن الصلاة مما يجمع مع غيره كصلاة الظهر مع العصر، وصلاة المغرب مع العشاء، أو علم أنها ستهبط قبل خروج وقت الثانية بقدر يكفي لأدائهما، فقد ذهب جمهور أهل العلم إلى جواز أدائها في الطائرة، لوجوب الأمر بأدائها بدخول وقتها حسب الاستطاعة، كما تقدم، وهو الصواب " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (8/120) . وسئلت أيضا (8/126) : هل تجوز الصلاة بالطائرة جالساً، مع القدرة على الوقوف، خجلاً؟ فأجابت: "لا يجوز أن يصلي قاعداً في الطائرة ولا غيرها إذا كان يقدر على القيام؛ لعموم قوله تعالى: (وقوموا لله قانتين) ، وحديث عمران بن حصين المخرج في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب) . زاد النسائي بإسناد صحيح: (فإن لم تستطع فمستلقياً) " انتهى. ثانياً: الطهارة شرط لصحة الصلاة، وقد صليتِ على وضوء، فصلاتك صحيحة إن شاء الله، غير أنه تكره الصلاة وهو ممسك للبول أو الغائط أو الريح، إذا كان ذلك شديدا، لأنه سيؤثر على خشوعه وحضور قلبه في الصلاة، ولكنها صحيحة إن شاء الله. وبناء على ما سبق فخلاصة الجواب: إن كان تركك للقيام واستقبال القبلة، لعجزك عنهما، فصلاتك صحيحة، وإن كان يمكنك القيام أو الاستقبال وتركت ذلك فصلاتك غير صحيحة ويلزمك إعادتها الآن. نسأل الله أن يتقبل عمرتك وأن يجزيك خيرا على حرصك وسؤالك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82536 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 684 كيفَ يتوضّأُ ويصلِّي من بِهِ شَلَلٌ نِصْفِيٌّ؟ [السُّؤَالُ] ـ[امرأةٌ مصابةٌ بشللٍ نصفي، يصعبُ عليها الوضوء. والسؤال: كيفَ تتوضأُ أو تتيمم؟ هل يُجلَبُ لها ترابٌ، أم ماذا؟ هل تتيممُ بالجدار (وليس عليه غبارٌ) ، أم ماذا تفعل؟ وكيف تكونُ صفةُ تيمُّمِها؟ وما صفةُ صلاتِها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: المريضُ الذي لا يستطيع جلب الماءِ والوضوءَ به، أو يعجزُ عن الحركةِ يُنظَرُ في حالِه: فإن كان يجدُ مَن يُحضِرُ له الماء في وقتِ الصلاة، ويساعدُه على وضوئِه، فالوضوءُ واجبٌ في حقه. وإن كان لا يجدُ من يعينُه على وضوئه، فيُشرَع له التيممُ حينئذٍٍ , ويأخذُ حكم من عدمَ الماءَ ولم يجدْه. وذلك لأنَّ اللهَ سبحانه وتعالى يقولُ: (فاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16 , وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ) رواه البخاري (7288) ومسلم (1337) . وقال ابنُ قدامةَ رحمه الله في "المغني" (1/151) : " ومَن كان مريضًا لا يقدرُ على الحركةِ، ولا يجدُ من يناوله الماءَ، فهو كالعادم، لأنّه لا سبيلَ له إلى الماء، فأشبَهَ مَن وجدَ بئرًا ليس له ما يُستقَي به منها. وإن كانَ له من يناولُه الماءَ قبل خروجِ الوقتِ فهو كالواجد؛ لأنّه بمنزلةِ من يجدُ ما يستقي به في الوقت. وإن خافَ خروجَ الوقتِ قبلَ مجيئِه، فقالَ ابنُ أبي موسى: له التيمم، ولا إعادةَ عليه. وهو قولُ الحسن؛ لأنّه عادمٌ في الوقت، فأشبَه العادمَ مطلقًا " انتهى. وقالَ المَرداوِيُّ في "الإنصاف" (1/265) : " لو عجَزَ المريضُ عن الحركةِ وعمَّن يُوَضِّيه، فحُكمُه حكمُ العادم. وإن خاف فوتَ الوقتِ إن انتظرَ من يُوَضّيه، تيمَّمَ وصلّى، ولا يعيدُ على الصحيحِ من المذهبِ " انتهى. وقال شيخُ الإسلامِ في "شرح العمدة" (1/433-434) : " فإن لم يمكِنْه (استعمالُ الماء) بأن يكونَ عاجزًا عن الحركةِ إلى الماء، وليس له من يناولُه، فهو كالعادم. وإن كان له من يناولُه في الوقتِ فهو واجدُه " انتهى. وجاءَ في "الموسوعةِ الفقهية" (14/260) : " يتيمّمُ العاجزُ الّذي لا قدرةَ له على استعمالِ الماءِ ولا يعيدُ كالمكره، والمحبوسِ، والمربوط بقربِ الماء، والخائفِ من حيوانٍ، أو إنسانٍ في السّفرِ والحضرِ، لأنّه عادمٌ للماءِ حكمًا، وقد قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (إنّ الصّعيد الطّيّب طهور المسلم وإن لم يجد الماءَ عشرَ سنينَ، فإذا وجدَ الماءَ فليمسّه بشرتَه، فإنّ ذلك خير) " انتهى. وانظر سؤال رقم (20935) . ثانيًا: إذا كانَ يستطيعُ غسلَ بعضِ أعضاءِ الوضوء، ويمنعُه مرضُه من غسلِ بقيتها، فالواجبُ عليه أن يغسلَ ما استطاعَ من أعضاءِ الوضوء، ويتيمَّمَ بدلًا عمَّا تركَه من غيرِ غسل. وقد سبق بيان ذلك في سؤال رقم (67614) . ثالثًا: أما عن صفةِ التيمم: فيقولُ الشيخُ ابنُ عثيمين في "الشرح الممتع" (1/488) : " والكيفيّةُ عندي التي توافقُ ظاهرَ السنة: أن تضربَ الأرضَ بيديك ضربةً واحدةً بلا تفريجٍ للأصابع، وتمسحَ وجهَك بكفَّيْك، ثم تمسحَ الكفينِ بعضَهما ببعض، وبذلك يَتِمُّ التيممُ " انتهى. وقد سبق بيانها بالتفصيل في سؤال رقم (21074) . رابعًا: إذا صلَّى المريضُ العاجزُ عن استعمالِ الماءِ بالتيممِ، ثم تيسَّرَ له استعمال الماء بعدَ أن فرغَ من صلاتِه، فلا تلزمُه الإعادة، وذلك لأنَّه أدّى ما وجبَ عليه، وفعل ما أُمِرَ به. قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية في "شرح العمدة" (1/425) : " لأنّ اللهَ إنما خاطبَ بصلاةٍ واحدةٍ، يفعلُها بحسبِ الإمكان، والشرطُ المعجوزُ عنه ساقطٌ بالعجز، وفي قولِه صلى الله عليه وسلم: (الصعيدُ الطيبُ طهورُ المسلم) وقولِه: (الترابُ كافيك) دليلٌ على أنّه يقومُ مقامَ الماءِ مطلقًا " انتهى. خامسًا: التيمُّمُ بالضربِ على جدارِ المنزلِ، اختلفَ فيه أهلُ العلم، تبعًا لاختلافِهم في المرادِ من قولِ اللهِ تعالى: (فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً) النساء/43، والصحيح في معنى الآية: أن المراد بالصعيد هو وجه الأرض , سواء كان تراباً أم رملاً أم حجارة. . أم غير ذلك. وعلى هذا: إذا كان الجدار غير مطليٍّ بشيء جاز التيمم منه سواء كان عليه غبار أو لا , لأنه من الصعيد , وإن كان مطلياً (بخشب أو دهان) فهذا الخشب أو الدهان ليس من الصعيد فلا يصح التيمم منه إلا إذا كان عليه غبار , لأن الغبار من الصعيد. وانظر سؤال رقم (36774) . سادسًا: أما عن صفةِ صلاةِ المريضِ العاجزِ عن الحركة: فقد جاء في "الموسوعة الفقهية" (26/208) : " يأتي المريضُ أو المصابُ بالشّللِ بأركانِ الصّلاةِ الّتي يستطيعها عند جمهور الفقهاء؛ لأنّ العاجزَ عن الفعلِ لا يكلّفُ به، فإذا عجزَ عن القيامِ يصلي قاعدًا بركوعٍ وسجود، فإن عجزَ عن ذلك صلَّى قاعدًا بالإيماء، ويجعلُ السجودَ أخفضَ من الركوع، فإن عجَزَ عن القعودِ يستلقي ويومئُ إيماءً؛ لأن سقوطَ الركنِ لمكانِ العذرِ، فيتقدرُ بقدرِ العُذر. وروى عمرانُ بنُ حصين رضي الله عنه أنه قال: مرضتُ فعادَني رسولُ الله فقال: صلِّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب، تومئُ إيماءً " انتهى. وسئلَ الشيخُ صالحُ الفوزان: لي والدٌ مريضٌ مصابٌ بشللٍ في الجهةِ اليسرى من جسمِه، حيثُ أصبحت عاطلةً تمامًا عن الحركة، فلذلك لا يستطيعُ المشيَ ولا الحركةَ ولا قضاءَ الحاجةِ في الأماكنِ المخصصةِ لذلك بنفسه، وهذا منذُ عشرِ سنوات، ولكنَّه قبلَ ثلاثةِ أو أربعةِ أشهرٍ اشتدَّ عليه هذا المرضُ أكثر، فهل يجوز له تركُ الصلاة لهذا السبب، الذي به لا يستطيعُ التطهر للصلاةِ. أم لا؟ فإن كان لا يجوزُ له ذلك فكيف العملُ في طهارتِه وفي صلاتِه؟ وماذا يعملُ بما تركه من صلواتٍ فيما مضى في فترةِ مرضه، لاعتقادِه أنه مادامَ كذلك فهو مُعفىً من الصلاة؟ فأجابَ: " المسلمُ لا تسقطُ عنه الصلاةُ مادام عقلُه ثابتًا، ولكنَّه يصلِّي على حسبِ حالِه لقولِه تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ولقولِ النبي صلى الله عليه وسلم للمريض: (صلِّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب) . فيجبُ على والدِك الذي أصيبَ بهذا الشللِ إذا كان يستطيعُ الوضوءَ بأن يوضّئَ نفسَه بيدِه الصحيحة، أو يوضئُه غيرُه ممَّن يعينُه على الوضوء، فإنه يجبُ عليه ذلك. وإذا كانَ لا يستطيعُ الوضوءَ بالماء فإنه يتيمَّم بالتراب. وإذا كانَ لا يستطيعُ أن يتيممَ بنفسِه فيُيمّمُه غيرُه، بأن يضربَ أحدَ أوليائِه أو الحاضرينَ عنده بيدَيه على التراب، ويمسحَ بهما وجهَه ويديه وينويَ هو الطهارةَ بذلك، ويصلي على حسبِ حالِه جالسًا أو على جنبِه، ويومئُ برأسِه للركوعِ والسجودِ حسبَ الاستطاعة. فإذا كان لا يستطيعُ الإيماءَ برأسِه لأجلِ الشللِ الذي فيه، فإنه يومئُ بطرفه بالركوعِ والسجود. وهكذا، فالدينُ يسرٌ وللهِ الحمدُ، لكن ليس معنى هذا أن يتركَ الصلاةَ نهائيًّا، وإنما يصليها على حسبِ حاله كما ذكرنا، ويجب عليه أن يقضيَ الصلواتِ التي تركها بحسب استطاعته " انتهى. "المنتقى من فتاوى الفوزان" (4/رقم 27) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 71202 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 685 يعاني من مرض جلدي في شفته فكيف يتوضأ [السُّؤَالُ] ـ[منذ 6 سنوات وأنا أعاني من مشاكل جلدية في شفتي. فإذا تعرضت للماء، فإنها تتشقق كثيرا، ويتغير لونها إلى الأبيض. ولذلك فإني أجد مشقة في الوضوء. فهل يجوز لي التيمم والحال ما ذكر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: نسأل الله تعالى أن يشفيك ويعافيك. ثانيا: إذا كانت شفتك تتضرر باستعمال الماء في الوضوء، فيلزمك أن تغسل ما استطعت من وجهك، مع بقية أعضاء الوضوء، ثم تتيمم بدلاً عما تركته من المضمضة وغسل الشفة وما قاربها. لقوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16. ولك أن تتيمم قبل الوضوء أو بعده. وأما ترك الوضوء بالكلية، والاكتفاء بالتيمم، فلا يجوز، بل يجب الجمع هنا بين غسل الأعضاء الصحيحة، والتيمم. وما قيل في الوضوء يقال في الغسل، فيلزمك غسل بدنك وما استطعت من وجهك، مع التيمم. قال في "زاد المستقنع": " ومن جُرح تيمم له، وغسل الباقي " انتهى. أي: من جُرح ولم يستطع غسل موضع الجرح فإنه يتيمم له، ويغسل باقي أعضائه الصحيحة. والأصل في ذلك أن من به جرح أو حرق أو علة، في عضو من أعضاء وضوئه، فله أربع مراتب: " الأولى: أن يكون مكشوفا ولا يضره الغَسل، فيجب عليه غسله. الثانية: أن يكون مكشوفا، ويضره الغَسل، دون المسح، فيلزمه المسح. الثالثة: أن يكون مكشوفا ويضره الغَسل والمسح، فهنا يتمم للجرح، مع غسل بقية أعضاء الوضوء. الرابعة: أن يكون مستورا بلزقة أو شبهها محتاج إليها، فيمسح على الساتر، ويتم وضوؤه، ولا يتيمم ". "فتاوى أركان الإسلام" للشيخ ابن عثيمين (ص 234) بتصرف. وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله عمن توضأ وبيده جرح لا يصله الماء، ونسي أن يتيمم عنه، وصلى، فأجاب: " إذا كان في موضع من مواضع الوضوء جرح لا يمكن غسله ولا مسحه؛ لأن ذلك يؤدي إلى أن هذا الجرح يزداد أو يتأخر برؤه، فالواجب على هذا الشخص هو التيمم، فمن توضأ تاركا موضع الجرح، ودخل في الصلاة وذكر في أثنائها أنه لم يتيمم، فإنه يتيمم ويستأنف الصلاة؛ لأن ما مضى من صلاته قبل التيمم غير صحيح ... " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (10/197) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 67614 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 686 التيمم بآنية من الفخار أو على حائط [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز التيمم بآنية مصنوعة بمواد من الأرض كآنية الطين أو الفخار أو على الجدران مع أنها تكون مطلية بالدهان.. إلخ.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يصح التيمم بكل ما صعد على وجه الأرض من تراب وطين وحجر ورمل وفخار؛ لقوله تعالى: (فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا) النساء/43، والصعيد: وجه الأرض. والطيب: الطاهر. فيجوز التيمم بكل ما هو من جنس الأرض، وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك، فيصح التيمم عندهما بالتراب والرمل والحصى. وجوز أبو حنيفة التيمم بالحجر الأملس والحائط المطين والخزف المصنوع من الطين الخالص. وكذا لو ضرب بيده على ثوب فارتفع غبار. "بدائع الصنائع" (1/53) ، "التاج والإكليل" (1/511) ، "الموسوعة الفقهية" (14/261) . واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه يجوز التيمم بغير التراب من أجزاء الأرض إذا لم يجد ترابا. "الاختيارات الفقهية" (ص 28) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن المريض لا يجد التراب فهل يتيمم على الجدار، وكذلك الفرش أم لا؟ فأجاب: " الجدار من الصعيد الطيب، فإذا كان الجدار مبنيا من الصعيد سواء كان حجرا أو كان مدرا – لَبِنًا من الطين -، فإنه يجوز التيمم عليه، أما إذا كان الجدار مكسوا بالأخشاب أو (بالبوية) فهذا إن كان عليه تراب – غبار – فإنه يتيمم به ولا حرج، ويكون كالذي يتمم على الأرض؛ لأن التراب من مادة الأرض. أما إذا لم يكن عليه تراب، فإنه ليس من الصعيد في شيء، فلا يتيمم عليه. وبالنسبة للفرش نقول: إن كان فيها غبار فليتيمم عليها، وإلا فلا يتيمم عليها لأنها ليست من الصعيد " انتهى من "فتاوى الطهارة" (ص 240) . والحاصل أنه يجوز التيمم بالجدار أو الآنية المصنوعة من الطين أو الفخار، ما لم تكن مطلية، فإن كانت مطلية فلا يصح التيمم إلا إذا كان عليها غبار، ويمكن للمسلم أن يجعل في الإناء تراباً أو رملا ويتيمم منه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36774 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 687 لماذا نصلي الظهر والعصر سراً؟ [السُّؤَالُ] ـ[لماذا نصلي الظهر والعصر سرا في حين أنه ورد في القرآن جليا ما يلي: قال تعالى: (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا) الآية 110 من سورة الإسراء.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختير أن الظهر والعصر يُسرّ فيهما بالقراءة لأن وقتهما في النهار، والإنسان في ذلك الوقت قد يكون منشغل البال، فتكثر عليه الواردات فيكون منشغلا بوظيفته أو تجارته أو صناعته فلو كانت القراءة جهرية لانشغل قلبه ولم ينصت لقراءة الإمام، ولم يستمع لها ولم يتفرغ بل تواردت عليه الشواغل فكان الأمر أن يقرأ لنفسه حتى تكون قراءته تجلب له التفكير والتأمل. ومن المعلوم أنه في حالة إن كانوا جماعة في الظهر أو العصر فلا يجهروا في القراءة، لأن فيه تشويشاً على بعضهم البعض، فأمر الإمام والمأموم أن يسرّوا بالقراءة. وأما في صلاة الليل فالغالب أن الإنسان يكون قد تفرغ عن الانشغال فأمر أن يجهر الإمام بالقراءة حتى يُستفاد من قراءته. أما الآية التي ذكرت فهي خاصة بصلاة الليل والتهجد فإذا كان الإنسان يصلي وحوله أناس يستمعون لقراءته وآخرون في حال نوم فلا يجهر حتى لا يؤذي النائمين، ولا يخافت فتضيع الفائدة على المستمعين، بل عليه أن يجهر قليلا بقدر ما يسمع، ولا يجهر كثيرا حتى لا يتأذى به النائمون. وكما ورد في الآية فإن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يجاهر بقراءته فيسمعه المشركون فيسبوا القرءان ومن جاء به فنهي عن الجهر به ثم أصبح يُسرّ به فتفوت الفائدة عن أهل بيته ومن يستمع إليه فأمر أن يجهر قليلا. [الْمَصْدَرُ] سماحة الشيخ ابن جبرين رحمه الله الحديث: 143056 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 688 حكم وجود الدفايات الكهربائية في المساجد أمام المصلين [السُّؤَالُ] ـ[ماحكم الصلاة في المسجد وأمام المصلين مدفأة كهربائية في المناطق الباردة]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: قال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله: " كره أكثر العلماء الصلاة إلى النار، منهم: ابن سيرين، كره الصلاة إلى تنور، وقال: هو بيت نار. وقال سفيان: يكره أن يوضع السراج في قبلة المسجد. وقال مهنا: سألت أحمد عن السراج والقنديل يكون في قبلة المسجد؟ قال: أكرهه. ونقل الفرج بن الصباح عن أحمد، قال: إذا كان التنور في قبلة لا يصلى إليه؛ كان ابن سيرين يكره أن يصلي إلى التنور. ووجه الكراهة: أن فيه تشبها بعباد النار في الصورة الظاهرة، فكره ذلك، وإن كان المصلي يصلي لله، كما كرهت الصلاة في وقت طلوع الشمس وغروبها لمشابهة سجود المصلي فيه سجود عباد الشمس لها في الصورة، وكما تكره الصلاة إلى صنم والى صورة مصورة " انتهى ملخصا. "فتح الباري" لابن رجب (3/209) . وقال الشيخ عليش المالكي رحمه الله في "فتاويه" (1/122) : " لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَتَشَبَّهَ بِأَهْلِ النَّارِ، وَلَا أَنْ يَسْتَعْمِلَ مَا هُوَ مِنْ نَوْعِ عَذَابٍ، وَلَا مَا هُوَ مِنْ مَلَابِسِ أَهْلِ الْعَذَابِ، كَخَاتَمٍ حَدِيدٍ، وَكَالزُّنَّارِ وَالْغِيَارِ وَالصَّلَاةِ إلَى النَّارِ " انتهى ملخصا. ثانيا: المدفأة الكهربائية المعروفة الآن، ذكر أهل العلم أنها تختلف عن النار التي كره السلف الصلاة إليها، فلا تأخذ حكمها، ولا تكره الصلاة إليها، لا سيما مع الحاجة إلى وضعها في هذا المكان. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: يقع مشكلة بين بعض المصلين في المساجد حول الدفايات الكهربائية ووضعها أمام المصلين هل هذا حرام أو مكروه يتنزه عنه؟ وهل الصلاة أمام النار محرمة أو مكروهة؟ فأجاب بقوله: " اختلف العلماء ورحمهم الله تعالى في الصلاة إلى النار: فمنهم من كرهها، ومنهم من لم يكرهها، والذين كرهوها عللوا ذلك بمشابهة عباد النار، والمعروف أن عبدة النار يعبدون النار ذات اللهب، أما ما ليس لهب فإن مقتضى التعليل أن لا تكره الصلاة إليها. ثم إن الناس في حاجة إلى هذه الدفايات في أيام الشتاء للتدفئة، فإن جعلوها خلفهم فاتت الفائدة منها أو قلت، وإن جعلوها عن إيمانهم أو شمائلهم لم ينتفع بها إلا القليل منهم وهم الذين يلونها، فلم يبق إلا أن تكون أمامهم ليتم انتفاعهم بها، والقاعدة المعروفة عند أهل العلم أن المكروه تبيحه الحاجة. ثم إن الدفايات في الغالب لا تكون أمام الإمام، وإنما تكون أمام المأمومين، وهذا يخفف أمرها؛ لأن الإمام هو القدوة، ولهذا كانت سترته سترة للمأموم " انتهى. "مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (12 / 340-341) وينظر: "فقه النوازل في العبادات"، للشيخ خالد المشيقح (ص46-47) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 139996 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 689 شاب يشتكي من عدم إيقاظ والده له لصلاة الفجر فماذا يفعل؟ [السُّؤَالُ] ـ[لا يوقظني أبي لصلاة الفجر وقد بلغت سن الحلم، فماذا عليَّ أن أفعل؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: في البداية - أخي السائل - نود أن نحيي فيك هذه الهمة الطيبة والحرص على أداء صلاة الفجر في المسجد، ونسأل الله سبحانه وتعالى لك الثبات، ومزيداً من التوفيق، والاستقامة. ثانياً: يجب على الوالدين أن يحثا أولادهما – ذكوراً وإناثاً - على المحافظة على الصلاة في وقتها، وأن يقوما بتشجيعهما على ذلك؛ فالأب راع في بيته ومسئول عن رعيته، والأم – كذلك - راعية، ومسئولة عن رعيتها. ولينظر جواب السؤال رقم (103420) . وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: هل يجوز أن يخرج الرجل إلى الصلاة وأولاده بالمنزل؟ . فأجاب: "يجب على المرء أن يقوم بأمر الله عز وجل في قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) ، يجب على المرء أن يأمر أهله بالصلاة، كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في قوله صلى الله عليه وسلم: (مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ) ، وكما ذكر الله تعالى عن إسماعيل أبي العرب أنه كان (وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً) . ولا يحل له – أي: الوالد - أن يُبقي أولاده نائمين دون أن يوقظهم للصلاة ويتابعهم، ولا يكفي الإيقاظ فقط، بل لابدَّ من المتابعة؛ لأنه ربما يوقظهم ثم يرجعون، فينامون" انتهى. "فتاوى إسلامية" (4/215) . وقد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على الشاب الذي ينشأ في طاعة الله؛ فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ) ، ذكر منهم: (شَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ) رواه البخاري (629) ومسلم (1031) . ومن أهم الأسباب التي تساعد على نشأة الشاب في عبادة ربه، أن يقوم أبواه أو من يتولى تربيته بتعويده على ذلك من الصغر، وتشجيعه والأخذ بيده باستمرار. وهنيئاً للوالدين مثل هذا الابن الذي يتأسف على عدم إيقاظ والده له لأداء صلاة الفجر، وكم يوجد من الآباء من هو على استعداد لبذل كل ما يملك في سبيل أن يكون ابنه صالحاً مستقيماً على طاعة الله، ونأسف أن يكون حال بعض الآباء الزهد في تشجيع أبنائه على الصلاة في وقتها، أو في المسجد جماعة. ثالثاً: إذا كان والدكَ يستيقظ للصلاة في وقتها، ويصلي في المسجد جماعة: فالأمر سهل - إن شاء الله - فتطلب منه أن يوقظك للصلاة، وأن يصطحبك معه، وتناقش معه الأمر بهدوء. وأما إذا كان لا يصلي، ويتركك نائماً من باب الشفقة عليك، فهي شفقة في غير محلها بلا شك. وعليك أن تأخذ بأسباب الاستيقاظ للصلاة , كالنوم مبكراً , ووضع المنبِّه , والعزيمة الصادقة , والطلب ممن يستيقظ للصلاة من أهلك أن ينبهك، أو عن طريق طلب التذكير بالهاتف عن طريق بعض الأصدقاء، وغير ذلك من الأسباب المعينة على الاستيقاظ للصلاة في وقتها. ويستحسن أن تطلب من إمام الحي أن يبحث هذا الموضوع في درس خاص في المسجد، أو في خطبة الجمعة؛ ليُسمع والدك الحكم الشرعي في فعله، ويتنبه إلى أهمية أمر أولاده وأهله بالصلاة وأن ذلك من الواجبات عليه التي سيسأل عنها بين يدي الله تعالى. ونسأل الله تعالى أن يزيدك من فضله وتوفيقه , وأن يشرح صدر والدك لإيقاظك للصلاة، وأن يجعلك وأهلك جميعاً من المقيمين للصلاة. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 139908 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 690 من هو الذي تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر؟ [السُّؤَالُ] ـ[في القرآن الكريم نجد الآية الكريمة: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) العنكبوت/45، بينما أجد الكثير من المصلين من يملك أسوأ الأخلاق , نجده مرتشيا، وحراميا، ولصا، وكذابا، وكل شيء من هذا القبيل , فاستغربت لهذا. أود منكم الإيضاح.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا نجد داعيا لاستغرابك أخي السائل، فالصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر هي الصلاة الحقيقية التي يقبل صاحبها إليها بقلبه وروحه ونفسه، يتذلل بها بين يدي الله، إظهارا للعبودية واعترافا بالفقر بين يديه، وهو في ذلك راغب فيما عنده عز وجل، صادق التوبة والإنابة، مخلص السريرة له سبحانه. فمن لم تقم في قلبه هذه المعاني حين يقف بين يدي الله للصلاة، لم تثمر صلاته الثمار الحقيقية المرجوة، التي من أهمها التذكير بالله والنهي عن الفحشاء والمنكر، ولم يكتب له من أجرها إلا بقدر ما حققه من معانيها ومقاصدها. يقول الله عز وجل فيها: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) العنكبوت/45 وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ فُلَانَةَ - يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا - غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا؟ قَالَ: هِيَ فِي النَّارِ. قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَإِنَّ فُلَانَةَ - يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلَاتِهَا - وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنْ الْأَقِطِ وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا؟ قَالَ: هِيَ فِي الْجَنَّةِ) رواه أحمد في "المسند" (2/440) وصححه المنذري في "الترغيب والترهيب" (3/321) ، والشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (رقم/190) قال الإمام القرطبي رحمه الله: " في الآية تأويل ثالث، وهو الذي ارتضاه المحققون، وقال به المشيخة الصوفية، وذكره المفسرون، فقيل المراد بـ (أقم الصلاة) : إدامتها، والقيام بحدودها. ثم أخبر حكما منه بأن الصلاة تنهى صاحبها وممتثلها عن الفحشاء والمنكر، وذلك لما فيها من تلاوة القرآن المشتمل على الموعظة، والصلاة تشغل كل بدن المصلي، فإذا دخل المصلي في محرابه، وخشع، وأخبت لربه، وادكر أنه واقف بين يديه، وأنه مطلع عليه ويراه: صلحت لذلك نفسه، وتذللت، وخامرها ارتقاب الله تعالى، وظهرت على جوارحه هيبتها، ولم يكد يفتر من ذلك حتى تظله صلاة أخرى يرجع بها إلى أفضل حالة. فهذا معنى هذه الأخبار؛ لأن صلاة المؤمن هكذا ينبغي أن تكون. قلت – أي القرطبي -: لا سيما وإن أشعر نفسه أن هذا ربما يكون آخر عمله، وهذا أبلغ في المقصود، وأتم في المراد، فإن الموت ليس له سن محدود، ولا زمن مخصوص، ولا مرض معلوم، وهذا مما لا خلاف فيه. وروي عن بعض السلف أنه كان إذا قام إلى الصلاة ارتعد واصفر لونه، فكُلم في ذلك فقال: إني واقف بين يدي الله تعالى، وحق لي هذا مع ملوك الدنيا، فكيف مع ملك الملوك؟! فهذه صلاة تنهى - ولا بد - عن الفحشاء والمنكر. ومن كانت صلاته دائرة حول الإجزاء، لا خشوع فيها، ولا تذكر، ولا فضائل – كصلاتنا، وليتها تجزي - فتلك تترك صاحبها من منزلته حيث كان، فإن كان على طريقة معاص تبعده من الله تعالى: تركته الصلاة يتمادى على بعده، وعلى هذا يخرج الحديث المروي عن ابن مسعود وابن عباس والحسن والأعمش قولهم: (من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم تزده من الله إلا بعدا) " انتهى. " الجامع لأحكام القرآن " (13/348) . والحديث المشار إليه في آخر كلامه: ضعفه الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة، رقم (2) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " الصلاة إذا أتى بها كما أمر نهته عن الفحشاء والمنكر، وإذا لم تنهه: دل على تضييعه لحقوقها وإن كان مطيعاً، وقد قال تعالى: (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة) مريم/59، وإضاعتها: التفريط في واجباتها وإن كان يصليها " انتهى. " مجموع الفتاوى " (22/6) وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " فإن قال قائل: كيف تكون الصلاة عوناً للإنسان؟ فالجواب: تكون عوناً إذا أتى بها على وجه كامل، وهي التي يكون فيها حضور القلب، والقيام بما يجب فيها. أما صلاة غالب الناس اليوم فهي صلاة جوارح لا صلاة قلب؛ ولهذا تجد الإنسان من حين أن يكبِّر ينفتح عليه أبواب واسعة عظيمة من الهواجس التي لا فائدة منها؛ ولذلك من حين أن يسلِّم تنجلي عنه وتذهب. لكن الصلاة الحقيقية التي يشعر الإنسان فيها أنه قائم بين يدي الله، وأنها روضة فيها من كل ثمرات العبادة: لا بد أن يَسلوَ بها عن كل همّ؛ لأنه اتصل بالله عزّ وجلّ الذي هو محبوبه، وأحب شيء إليه؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (جعلت قرة عيني في الصلاة) . أما الإنسان الذي يصلي ليتسلى بها، لكن قلبه مشغول بغيرها: فهذا لا تكون الصلاة عوناً له؛ لأنها صلاة ناقصة؛ فيفوت من آثارها بقدر ما نقص فيها، كما قال الله تعالى: (اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) العنكبوت/45، وكثير من الناس يدخل في الصلاة ويخرج منها لا يجد أن قلبه تغير من حيث الفحشاء والمنكر، هو على ما هو عليه،؛ لا لانَ قلبه لذكر، ولا تحول إلى محبة العبادة" انتهى. " تفسير سورة البقرة " (1 / 164، 165) . وينظر: " اللقاء الشهري "، للشيخ ابن عثيمين رحمه الله (1/سؤال رقم/17) . ويقول الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: " للصلاة الصحيحة تأثير في سلوك العبد وأعماله الأخرى، قال تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ) العنكبوت/45. فالذي يصلي بحضور قلبه وخشوع واستحضار لعظمة الله؛ هذا يخرج بصلاة مفيدة نافعة، تنهاه عن الفحشاء والمنكر، ويحصل بها على الفلاح. أما الذي يصلي صلاة صورية؛ من غير حضور قلب، ومن غير خشوع، قلبه في واد وجسمه في واد آخر؛ فهذا لا يحصل من صلاته على طائل " انتهى. " المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (3 / 53، 54) . وينظر: فتاوى اللجنة الدائمة (26/86) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 138805 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 691 هل يقنت قنوت النوازل في صلاة الجمعة؟ [السُّؤَالُ] ـ[ثبت عن الرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قنت شهرا يدعو على بعض القبائل عندما نزلت بأصحابه نازلة فهل كان يقنت في كل الصلوات المفروضة؟ وهل كان يقنت في صلاة الجمعة؟ وهل يجوز لنا عندما تنزل بنا نازلة أن نقنت في صلاة الجمعة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت بأصحابه شهراً على قبائل من العرب غدروا بسبعين من أصحابه رضي الله عنهم وقتلوهم. فروى البخاري (3170) ومسلم (677) عن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (أن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ شَهْرًا بَعْدَ الرُّكُوعِ يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ) . وكان صلى الله عليه وسلم يقنت في الصلوات الخمس كلها، لا يخص فرضا دون فرض، فروى أبو داود (1443) وأحمد (2741) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: (قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ إِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ، يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ، وَيُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ) صححه ابن القيم في "الزاد" (1/280) ، وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود". قال النووي رحمه الله: " الصَّحِيح فِي مَذْهَبِنَا أَنَّهَا إنْ نَزَلَتْ (يعني النازلة) قَنَتَ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ " انتهى "المجموع" (3/485) . وقال شيخ الإسلام رحمه الله: "يُشْرَعُ أَنْ يَقْنُتَ عِنْدَ النَّوَازِلِ يَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَدْعُو عَلَى الْكُفَّارِ فِي الْفَجْرِ وَفِي غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ " انتهى. "مجموع الفتاوى" (22 / 270) وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: "ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقنت في النوازل، يدعو على المعتدين من الكفار ويدعو للمستضعفين من المسلمين بالخلاص والنجاة من كيد الكافرين وأسرهم، ثم ترك ذلك ولم يخص بالقنوت فرضا دون فرض" انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (7/42) . وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: "قنوت النوازل سنة مؤكدة في جميع الصلوات , وهو الدعاء على الظالم بأن يخزيه الله ويذله ويهزم جمعه ويشتت شمله، وينصر المسلمين عليه " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (7/381) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " القنوت في النوازل مشروع في جميع الصلوات كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وليس خاصاً بصلاة الفجر والمغرب، وليس خاصاً بليلة أو يوم معين من الأسبوع، بل هو عام في كل أيام الأسبوع " انتهى. "فتاوى نور على الدرب" (160/32) . أما القنوت في صلاة الجمعة فقد اختلف العلماء في ذلك، وذهب أكثرهم إلى أنه لا يقنت، اكتفاءً بالدعاء في الخطبة، ولأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنت فيها. فعن طاوس ومكحول والنخعي أنه بدعة. وأنكره عطاء والحسن وقتادة. "مصنف عبد الرزاق" (3/194) ، "مصنف ابن أبي شيبة" (2/46) . وعن الإمام مالك رحمه الله أنه سأل ابن شهاب عن القنوت يوم الجمعة فقال: "محدث" انتهى. "الاستذكار" (2/293) . وعنه أيضا قال: "كان الناس في زمن بني أمية يقنتون في الجمعة، وما ذلك بصواب" انتهى. "الاستذكار" (2/76) . وقال المرداوي في "الإنصاف" (2/175) : " وَعَنْهُ – يعني الإمام أحمد - يَقْنُتُ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ خَلَا الْجُمُعَةِ , وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ , وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ [ابن تيمية] ، وَقِيلَ: يَقْنُتُ فِي الْجُمُعَةِ أَيْضًا اخْتَارَهُ الْقَاضِي" انتهى باختصار. وقال ابن المنذر رحمه الله: " اختلف أهل العلم في القنوت في الجمعة، فكرهت طائفة القنوت في الجمعة، وممن كان لا يقنت في صلاة الجمعة: علي بن أبي طالب، والمغيرة بن شعبة، والنعمان بن بشير، وبه قال عطاء، والزهري، وقتادة، ومالك، وسفيان الثوري، والشافعي، وإسحاق، وقال أحمد: بنو أمية كانت تقنت. وروي عن محمد بن علي، قال: القنوت في الفجر، والجمعة، والعيدين، وكل صلاة يجهر فيها بالقراءة. قال ابن المنذر: بالقول الأول أقول " انتهى. "الأوسط" (6/41-42) . وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم القنوت في صلاة الجمعة؟ فأجاب: "يقول العلماء: إن الإمام لا يقنُت في صلاة الجمعة؛ لأن الخطبة فيها دعاء للمؤمنين، فيُدعى لمن يُراد أن يُقْنَت لهم في أثناء الخطبة، هكذا قال أهل العلم. فقيل له: وإن قنت؟ فأجاب: ما دام أن العلماء قالوا: لا يقنت، فعليه أن يترك. فقيل له: وهل هو جائز؟ فأجاب: لا بأس؛ لأنه حتى لو قنت فإنه لا يعتبر عاصياً؛ لكن الأحسن أن يدعو لمن أراد القنوت لهم في أثناء الخطبة" انتهى. "لقاء الباب المفتوح" (24/15) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 138620 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 692 هل تجوز الصلاة في غرفة بها صور ذوات أرواح؟ [السُّؤَالُ] ـ[نحن نستخدم الفصل للصلاة ومؤخراً تم وضع صور إرشادية عن الأشياء الخطيرة والصور تضم صور بشر فهل يجوز الصلاة في هذه الغرفة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الأصل أن تكون صلاة الرجال جماعة في المسجد، ولكن إذا خيف من تلاعب بعض الموظفين أو تأخره عن العمل بحجة الذهاب إلى الصلاة أو الإضرار بالعمل فلا حرج حينئذ من الصلاة في مكان العمل. وانظر جواب السؤال رقم (72895) و (74978) . ثانياً: لا تجوز الصلاة في الأماكن التي بها صور لذوات الأرواح إلا للضرورة؛ لما روى البخاري (3322) ومسلم (2106) عَنْ أَبِي طَلْحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ) . وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل يجوز للمسلم أن يصلي في بيت جدرانه مستترة بصور الحيوانات الإنسانية وغيرها؟ وهل يجوز للمسلم أن يصلي بثوب صور عليه الحيوان؟ فأجابوا: "تصوير ذوات الأرواح حرام، وجعل صور ذوات الأرواح في الحيطان ونحوها حرام كذلك. والصلاة في المكان الذي فيه تلك الصور غير جائزة إلا للضرورة، وهكذا الصلاة في الملابس التي تشتمل على صور لحيوان لا تجوز، لكن لو فعله صحت مع التحريم، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه لما رأى سترا عند عائشة فيه تصاوير غضب وهتكه وقال: إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، ويقال: أحيوا ما خلقتم) " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (1 / 705) . وسئلوا أيضاً: إننا منذ سنوات في إحدى الدوائر الرسمية وقد خصص لنا إحدى صالات التوزيع في المبنى الذي نعمل فيه، نصلي فيها جماعة وقت وجودنا بالعمل، ومنذ مدة وضع في الجدار الأمامي اتجاه القبلة عدد من الصور الكبيرة لشخصيات كبيرة، وتحرجنا كثيرا من وجود هذه الصور أمامنا في الصلاة، فما رأيكم في نصب الصور في المكان المخصص لصلاة المسلمين منذ زمن، وهل نستمر في الصلاة مع وجودها؟ فأجابوا: "الصلاة صحيحة، ولا حرج عليهم إن شاء الله في ذلك إذا كانوا مضطرين للصلاة في المكان المذكور لعدم وجود مسجد قريب منهم، ولكن يجب عليهم أن يبذلوا وسعهم مع المسؤولين لإزالة الصور من هذا المكان، أو إعطائهم مكانا آخر ليس فيه صور؛ لأن الصلاة في المكان الذي فيه الصورة أمام المصلين فيه تشبه بعباد الأصنام، وقد جاءت الأحاديث الكثيرة دالة على النهي عن التشبه بأعداء الله والأمر بمخالفتهم، مع العلم بأن تعليق الصور ذوات الأرواح في الجدران أمر لا يجوز، بل هو من أسباب الغلو والشرك، ولا سيما إذا كانت من صور المعظمين " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (6 /250-251) . وعلى هذا، فالصلاة صحيحة في هذا الفصل، ولكن الواجب عليكم السعي لإزالة هذه الصور، أو على الأقل طمس معالم الوجه، فذلك يغني عن إزالتها كما سبق بيانه في جوال السؤال رقم (121395) . فإن لم تستطيعوا فحاولوا إيجاد مكان آخر للصلاة يخلو من هذه الصور، فإن لم يمكن فلا حرج عليكم من الصلاة في هذا الفصل، لأنكم مضطرون للصلاة فيه، مع أهمية نصح المسؤولين بإزالة هذه الصور. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130263 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 693 حكم دخول المسجد وعلبة الدخان مخبأة في الثوب [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم دخول المسجد وعلبة السجائر بالجيب؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله التبغ أو التنباك، وهو المعروف اليوم بـ " الدخان "، من المواد التي تسبب ضررا محققا لجسم الإنسان، وصدرت الفتاوى الكثيرة بحرمته وحرمة تعاطيه وبيعه وشرائه، وهذا مما لا شك فيه اليوم. غير أن ذلك لا يعني نجاسة هذه المادة، فليس كل حرام يعتبر نجسا، فالسم مثلا يحرم تناوله، ولكنه لو أصاب الثوب فلا يجب غسله، وتصح الصلاة به، وهكذا هو الشأن في حكم " الدخان "، يحرم تناوله، ولكن لا ينجس حامله، وتصح الصلاة به، إذ لا دليل على الحكم بنجاسته. جاء في " الموسوعة الفقهية " (10/111-112) : " صرح المالكية والشافعية بطهارة الدخان. قال " الدردير ": من الطاهر الجماد، ويشمل النبات بأنواعه، قال الصاوي: ومن ذلك الدخان. " انتهى. وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن: " رجل يصلي في المسجد في الروضة، وسقط من جيبه بكت دخان، فما حكم فعله، وهل يجوز حمل الدخان في المساجد؟ ". فأجابت: " إن كان المقصود بالسؤال عن حكم فعله: حمل الدخان إلى المسجد؛ فلا يخفى أن الدخان من الأمور المنكرة والخبيثة، وشربه محرم؛ لما فيه من الضرر البالغ على النفس والمال والمجتمع، ولانتفاء المصلحة منه. وحيث إنه خبيث فينبغي صيانة بيوت الله عنه، وحمله إليها مما يتعارض مع تعظيم بيوت الله وتكريمها، فلا يجوز. وإما إن كان المقصود بالسؤال عن حكم الفعل بالنسبة للصلاة: هل سقوط الدخان من جيب المصلي يفسد الصلاة، أويبطلها؛ فصلاة من سقط منه الدخان صحيحة ". فتاوى اللجنة الدائمة (22/183) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله السؤال الآتي: " ما حكم حمل بكت – أي علبة - الدخان إلى المسجد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أنا لا أدري هل أقول إن حمله حلال؟ إن قلت: حمله حلال، معناه شربه حلال، وإن قلت حمله حرام، فقد يظن الناس أننا إذا قلنا إن حمله حرام يعني أن الصلاة لا تصح وهو حامل له، ولكني أقول: الصلاة تصح ولو كان حاملا له، وذلك لأنه ليس بنجس، إذ ليس كل حرام يكون نجسا، وأما النجس فهو حرام، فهاتان القاعدتان ينبغي لطالب العلم أن يفهمهما: ليس كل حرام نجسا، والقاعدة الثانية كل نجس فهو حرام، فالقاعدة الأولى أنه ليس كل حرام نجسا، فإننا نرى أن السم حرام وليس بنجس، وأكل البصل لمن أراد أن يأكله ليتخلف عن الجماعة حرام، والبصل ليس بنجس، وأما أكل البصل للتشهي أو التطبب فلا بأس به، ولو أدى ذلك إلى ترك الجماعة، لأنه لم يقصد بأكله أن يتخلف عن الجماعة، نجد أن الدخان السيجارة حرام وليس بنجس. أما القاعدة الثانية وهي أن كل نجس حرام فدليلها قول الله تبارك وتعالى: (قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) فبين تبارك وتعالى أن علة التحريم كونه رجسا أي نجسا، فيستفاد من ذلك أن كل نجس فهو حرام " انتهى. " فتاوى نور على الدرب " (الصلاة/مكروهات الصلاة) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126347 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 694 إسعاف مغشي عليه أثناء صلاة الجمعة [السُّؤَالُ] ـ[أثناء صلاة الجمعة سقط أحد المصلين بالقرب مني مغشيا عليه … ..سؤالي هو: ما الذي ينبغي أن نفعله في هذه اللحظة؟ هل ننبه الآخرين ونطلب المساعدة والنجدة،،، أم ننتظر حتى نفرغ من صلاتنا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا بحسب ما أصاب هذا المصلي: فان كان يتضرر بانتظار فراغكم من الصلاة فإنكم تقطعون الصلاة لإسعافه. وإن كان لا يتضرر بانتظار فراغكم فأسعفوه بعد الصلاة. والله أعلم فتوى الشيخ عبد الله الغديان. وأنتم في مثل هذه الحال تعملون بما يغلب على ظنكم في تضرره بانتظار فراغكم أو عدم تضرره والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 11969 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 695 رجعت لها وساوس الصلاة، فلا تخشع فيها [السُّؤَالُ] ـ[كنت أعاني من وساوس الشيطان، لكن الحمد لله تخلصت منها، لكن الآن أصبحت مختلفة , أصبحت الوساوس في الصلاة , يعني أنني لا أخشع , وأستعيذ بالله، وأحاول أبعدها , لكن بدون فائدة، والمشكلة أن إيماني يقل لدرجة كبيرة , وإذا قلَّ الإيمان تقل الأعمال الصالحة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من علامات صلاح العبد وحياة القلب أن لا يزال في مراجعة تامة لأحواله، وأعماله، وخطراته، فالحساب يوم القيامة عسير، والناقد سبحانه وتعالى بصير، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. غير أننا نخطئ حين نظن أن حياة القلب أمر يسير، يمكن استجلابه في أي حين، أو يمكن تحصيله بأي سبب، ولو كان الأمر كذلك لما وجدت درجات الجنة ولا دركات النار، ولما تفاضل الناس في الإيمان، بل لصافحتنا الملائكة بالطرقات. كلنا يعلم – أختي الكريمة – مكامن الضعف في نفسه، ومواضع الزلل في قلبه، ومتى يزداد الإيمان في قلوبنا، ومتى يهن اليقين في عزائمنا، نَجِدُّ ونكبو، ونسعى ونتعثر، ونحن في ذلك كله متعلقون برحمة الله وعطفه وإحسانه، لا لفضلنا ومنزلتنا، وإنما لكرمه وجوده وواسع فضله سبحانه، وهو أقرب إلينا من حبل الوريد، يعلم ضعفنا وعجزنا، وخطأنا وجهلنا، وكل ذلك عندنا، بل جعل جميع تلك الخواطر والأحوال من آياته التي يقسم بها، فقال عز وجل: (لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) القيامة/1-2. يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله: " أما النفس اللوامة: فقال قرة بن خالد، عن الحسن البصري في هذه الآية: إن المؤمن - والله - ما نراه إلا يلوم نفسه: ما أردت بكلمتي؟ ما أردت بأكلتي؟ ما أردت بحديث نفسي؟ وإن الفاجر يمضي قُدُما ما يعاتب نفسه " انتهى باختصار. "تفسير القرآن العظيم" (8/275) . تأكدي أختي الكريمة أن الذي يظن أنه يجد الطمأنينة التامة في الدنيا، والخشوع الكامل، أو أنه لا يتعرض لوساوس الشيطان ونفثات النفس الأمارة بالسوء، فقد أخطأ ظنه، ولم يفلح في تجاوز ما يواجه من ذلك، فالخطوة الأولى في العلاج هي تقبل الأمر، واحتساب الأجر عند الله عز وجل، وبهذا تتخلص النفس من أرق كبير يسببه شعورها بالتفرد بالمعاناة، والشذوذ عن جميع الناس. ولا يعني ذلك القعود والتكاسل عن تحصيل معالي الأمور، بل طلب الخشوع من الواجبات باتفاق العلماء، لكن الذي نعنيه من ذلك الحث على المصابرة والمجاهدة في استجلاب اليقين التام، والتذلل الكامل لله عز وجل، في الصلاة وخارجها، والله سبحانه وتعالى سيكتب لكل من جاهد في سبيل ذلك الأجر العظيم عنده، قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) العنكبوت/69، وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) آل عمران/200. والمسلم الذي يؤمن بهذه الآيات الكريمات، لا يصيبه اليأس من تحصيل ما وعده الله تعالى من النجاح والفلاح، فالمهم هو سلوك الطريق الصحيح إلى الله عز وجل، وطلب أسباب الخشوع والطمأنينة، وتحمل العناء في سبيل ذلك، فإذا أصاب بعد ذلك المطلوب فهنيئا له جنة الدنيا قبل جنة الآخرة، وإلا فثوابه في الآخرة عند الله تعالى ثواب الصابرين، وإنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب. ونرجو من الأخت السائلة أن تستعين بما سبق نشره في موقعنا من نصائح مفيدة في أمر الخشوع ودرء الوساوس وعلاجها، لم نشأ أن نكررها هنا خشية الإطالة أو الإملال، وهي تحمل الأرقام الآتية: (25778) ، (39684) ، (106426) . كما ننصح بمراجعة قسم " الكتب " في موقعنا، وقراءة رسالة بعنوان (33 سببا للخشوع في الصلاة) ، ففيها أمور مفيدة إن شاء الله تعالى. ومع ذلك فلا نخلي جوابنا هنا من فائدة جديدة، ننقلها عن واحد من أكثر العلماء عناية بهذه الأبواب، وهو الإمام الغزالي رحمه الله، فنرجو قراءة هذا النص الذي ننقله عنه بمزيد عناية وتأمل. يقول رحمه الله: " لا يلهي عن الصلاة إلا الخواطر الواردة الشاغلة، فالدواء في إحضار القلب هو دفع تلك الخواطر، ولا يدفع الشيء إلا بدفع سببه .... فمن تشعبت به الهموم في أودية الدنيا لا ينحصر فكره في فن واحد، بل لا يزال يطير من جانب إلى جانب. فهذا طريقه أن يرد النفس قهرا إلى فهم ما يقرؤه في الصلاة، ويشغلها به عن غيره، ويعينه على ذلك أن يستعد له قبل التحريم، بأن يجدد على نفسه ذكر الآخرة، وموقف المناجاة، وخطر المقام بين يدي الله سبحانه، وهو المطلع، ويفرغ قلبه قبل التحريم بالصلاة عما يهمه، فلا يترك لنفسه شغلا يلتفت إليه خاطره. فإن كان لا يسكن هوائج أفكاره بهذا الدواء المسكن، فلا ينجيه إلا المسهل الذي يقمع مادة الداء من أعماق العروق، وهو أن ينظر في الأمور الصارفة الشاغلة عن إحضار القلب فيعاقب نفسه بالنزوع عن تلك الشهوات، وقطع تلك العلائق، فكل ما يشغله عن صلاته فهو ضد دنه، وجند إبليس عدوه، فإمساكه أضر عليه من إخراجه، فيتخلص منه بإخراجه، كما أنه صلى الله عليه وسلم لما لبس الخميصة التي أتاه بها أبو جهم وعليها علم وصلى بها نزعها بعد صلاته، وقال عليه الصلاة والسلام: (اذهبوا بها إلى أبي جهم فإنها ألهتني آنفا عن صلاتي، وائتوني بأنبجانية أبي جهم) ، وكان صلى الله عليه وسلم في يده خاتم، وكان على المنبر، فرماه وقال: (شغلني هذا، نظرة إليه، ونظرة إليكم) ...... ، ومن انطوى باطنه على حب الدنيا حتى مال إلى شيء منها، لا ليتزود منها، ولا ليستعين بها على الآخرة، فلا يطمعن في أن تصفو له لذة المناجاة في الصلاة، فإن من فرح بالدنيا لا يفرح بالله سبحانه وبمناجاته. وهمة الرجل مع قرة عينه، فإن كانت قرة عينه في الدنيا انصرف لا محالة إليها همه، ولكن مع هذا فلا ينبغي أن يترك المجاهدة، ورد القلب إلى الصلاة، وتقليل الأسباب الشاغلة، فهذا هو الدواء المر، ولمرارته استبشعته الطباع، وبقيت العلة مزمنة، وصار الداء عضالا.. وليته سلم لنا من الصلاة شطرها أو ثلثها من الوسواس لنكون ممن خلط عملا صالحا وآخر سيئا. وعلى الجملة فهمة الدنيا وهمة الآخرة في القلب مثل الماء الذي يصب في قدح مملوء بخلٍّ، فبقدر ما ندخل فيه من الماء يخرج منه من الخلِّ لا محالة، ولا يجتمعان " انتهى باختصار. "إحياء علوم الدين" (1/161-165) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114539 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 696 إذا اغتسل من الاحتلام استمر معه خروج المني أثناء الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[جزاكم الله خيراً لردكم على سؤالي لكني رأيت أنه يجب المزيد من التوضيح بالنسبة لموضوع رش الماء الساخن على الفرج وهو أن الاحتلام حدث وقت صلاة العصر وأنا لدي مشكلة وهي أن المني وحتى المذي يستمران معي بالخروج بعد نزولهما لمدة ليست بقصيرة وكثيراً ما يحدث لي أن ينزل أحدهما وقت الصلاة سواء كان ذلك بسبب التفكير أو الاحتلام وحتى لا تفوتني الصلاة فإني أقوم برش الماء الساخن لأخرج ما يتبقى. علماً أني لا أشعر بأي شهوة عندما أستخدم هذه الطريقة. حسناً أنا الآن سأقضي صيام ذلك اليوم الذي حدثتكم عنه بإذن الله لكن ماذا علي أن أفعل إذا استمر المني بالخروج وأنا في صلاتي؟ هل أصلي على تلك الحال؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: نشكرك على هذا التوضيح، ونسأل الله تعالى أن يجنبنا وإياك منكرات الأقوال والأعمال. ثانيا: إذا لم يكن الخارج مستمرا دائما، فإنه لا يأخذ حكم السلس، بل ينتقض الوضوء بمجرد خروجه، ولو كان ذلك في الصلاة، فيخرج من ابتلي بذلك ويتوضأ ويعيد الصلاة، ويلزمه غسل ما أصابه إن كان الخارج بولا أو مذيا لأنهما نجسان، بخلاف المني فإنه طاهر. ولكن المصلي لا يخرج من صلاته إلا إذا تحقق وتيقن من خروج شيء منه؛ لأن الأصل بقاء الطهارة، واليقين لا يزول بالشك. ومن خرج منه المني فاغتسل له، ثم عاد فخرج بلا شهوة، لم يلزمه الغسل، لكن ينتقض وضوؤه. ينظر: "الشرح الممتع" (1/337) . وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: إذا توضأت كل وقت وخرجت للمسجد ينزل مني مذي فهل لي صلاة علما أنني إذا استحميت وخرجت فهو يخرج مني بغير شهوة فهل يلزمني في كل وقت أن أستحم؟ فأجابوا: "إذا نزل ذلك منك باستمرار فهو سلس، وعليك أن تتوضأ منه لكل صلاة عند دخول الوقت، وصلاتك صحيحة ولو نزل أثناءها. وإذا كان لا يتكرر نزوله منك كثيرا وجب عليك الوضوء الشرعي منه للصلاة، وذلك بعد أن تغسل الذكر والأنثيين، وليس عليك الغسل (الاستحمام) من ذلك " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/413) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا انتهيت من الوضوء واتجهت إلى الصلاة أحس بخروج قطرة من البول من الذكر، فماذا عليَّ؟ فأجاب: "الذي ينبغي أن يُتلهى عن هذا ويُعرض عنه، كما أمر بذلك أئمة المسلمين، ولا يلتفت إليه، ولا يذهب ينظر في ذكره، هل خرج أو لا؟ وهو بإذن الله إذا استعاذ بالله من الشيطان الرجيم وتركه يزول عنه، أما إذا تيقن يقيناً مثل الشمس فلابد أن يغسل ما أصابه البول وأن يعيد الوضوء، لأن بعض الناس إذا أحس ببرودة على رأس الذكر ظن أنه نزل شيء، فإذا تأكد فكما قلت لك، وهذا الذي تقول ليس فيه سلس؛ لأن هذا ينقطع، السلس يستمر مع الإنسان، أما هذا فهو بعد الحركة يخرج نقطة أو نقطتين، هذا ليس بسلس؛ لأنه إذا خرجت نقطتان وقف، فهذا يغسل ويتوضأ مرة ثانية وهكذا يفعل دائماً وليصبر وليحتسب " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (184/15) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111800 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 697 تقلقه الوسواس والخطرات [السُّؤَالُ] ـ[عندما أصلي أو أنوي فعل أمر طيب تخطر لي أفكار شيطانية. عندما أركز في الصلاة وأحاول أن أركز على معاني الكلمات تدخل الأفكار الشيطانية إلى عقلي وتكون لي اقتراحات سيئة عن كل شيء بما في ذلك الله. أشعر بالغضب من أجل ذلك. أعلم أنه لا أحد يقبل التوبة إلا الله وحده، ولكن بسبب أفكاري أشعر أنه لا يوجد أسوأ من أن يخطر ببالي أفكار سيئة عن الله. أسأل الله المغفرة بعد الصلاة ولكني أشعر بالضيق لأني أريد أن أوقف هذه الأفكار السيئة ولكني لا أستطيع. هذه الأفكار تفقدني التمتع بالصلاة وتشعرني بأني مشؤوم. أرجو منكم نصحي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الوساوس السيئة في الصلاة وغيرها من الشيطان، وهو حريص على إضلال المسلم، وحرمانه من الخير وإبعاده عنه، وقد اشتكى أحد الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الوسواس في الصلاة فقال: إنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلَاتِي وَقِرَاءَتِي يَلْبِسُهَا عَلَيَّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خَنْزَبٌ فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْهُ وَاتْفِلْ عَلَى يَسَارِكَ ثَلاثًا قَالَ فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ عَنِّي " رواه مسلم (2203) والخشوع في الصلاة هو لبها، فصلاة بلا خشوع كجسد بلا روح، وإن مما يعين على الخشوع " شيئان: الأول: اجتهاد العبد في أن يعقل ما يقوله ويفعله، وتدبر القراءة والذكر والدعاء، واستحضار أنه مناجٍ لله تعالى كأنه يراه، فإن المصلي إذا كان قائماً فإنما يناجي ربه، والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، ثم كلما ذاق العبد حلاوة الصلاة كان انجذابه إليها أوكد، وهذا يكون بحسب قوة الإيمان – والأسباب المقوية للإيمان كثيرة – ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " حبب إلي من دنياكم النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة ". وفي حديث آخر أنه قال: " أرحنا يا بلال بالصلاة " ولم يقل أرحنا منها. الثاني: الاجتهاد في دفع ما يُشغل القلب من تفكر الإنسان فيما لا يعنيه، وتدبر الجواذب التي تجذب القلب عن مقصود الصلاة، وهذا في كل عبدٍ بحسبه، فإن كثرة الوسواس بحسب كثرة الشبهات والشهوات، وتعلق القلب بالمحبوبات التي ينصرف القلب إلى طلبها، والمكروهات التي ينصرف القلب إلى دفعها ". انتهى من مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (22/605) . وأما ما ذكرته من أن الوساوس بلغت بك مبلغاً عظيماً بحيث أصبحتَ توسوس في ذات الله بما لا يليق بالله، فإن هذا من نزغات الشيطان، وقد قال الله تعالى: (وإما ينزغنك من الشيطان نزغٌ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم) فصلت /36. وقد اشتكى بعض الصحابة من الوساوس التي تنغص عليهم، فجَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلُوهُ إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ قَالَ وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ قَالُوا نَعَمْ قَالَ ذَاكَ صَرِيحُ الإِيمَانِ " رواه مسلم (132) من حديث أبي هريرة. قال النووي في شرح هذا الحديث: " قوله صلى الله عليه وسلم: (ذَلِكَ صَرِيح الإِيمَان) مَعْنَاهُ اِسْتِعْظَامُكُمْ الْكَلام (بهذه الوساوس) هُوَ صَرِيح الإِيمَان , فَإِنَّ اِسْتِعْظَام هَذَا وَشِدَّة الْخَوْف مِنْهُ وَمِنْ النُّطْق بِهِ فَضْلا عَنْ اِعْتِقَاده إِنَّمَا يَكُون لِمَنْ اِسْتَكْمَلَ الإِيمَان اِسْتِكْمَالا مُحَقَّقًا وَانْتَفَتْ عَنْهُ الرِّيبَة وَالشُّكُوك. وَقِيلَ مَعْنَاهُ: أَنَّ الشَّيْطَان إِنَّمَا يُوَسْوِس لِمَنْ أَيِسَ مِنْ إِغْوَائِهِ فَيُنَكِّد عَلَيْهِ بِالْوَسْوَسَةِ لِعَجْزِهِ عَنْ إِغْوَائِهِ , وَأَمَّا الْكَافِر فَإِنَّهُ يَأْتِيه مِنْ حَيْثُ شَاءَ وَلا يَقْتَصِر فِي حَقّه عَلَى الْوَسْوَسَة بَلْ يَتَلَاعَب بِهِ كَيْف أَرَادَ. فَعَلَى هَذَا مَعْنَى الْحَدِيث: سَبَب الْوَسْوَسَة مَحْض الإِيمَان , أَوْ الْوَسْوَسَة عَلامَة مَحْض الإِيمَان " انتهى انظر السؤال (12315) إذاً " فكراهة ذلك وبغضه، وفرار القلب منه، هو صريح الإيمان ... والوسواس يعرض لكل من توجه إلى الله تعالى بذكر أو غيره، لابد له من ذلك، فينبغي للعبد أن يثبت ويصبر، ويلازم ما هو فيه من الذكر والصلاة، ولا يضجر فإنه بملازمة ذلك ينصرف عنه كيد الشيطان {إن كيد الشيطان كان ضعيفاً} ، كلما أراد العبد توجهاً إلى الله تعالى بقلبه جاء من الوسواس أمور أُخرى، فإن الشيطان بمنزلة قاطع الطريق، كلما أراد العبد السير إلى الله تعالى أراد قطع الطريق عليه، ولهذا قيل لبعض السلف: إن اليهود والنصارى يقولون: لا نوسوس، فقال: صدقوا، وما يصنع الشيطان بالبيت الخراب " انتهى من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (22/608) * العلاج.. 1- إذا شعرت بهذه الوساوس فقل آمنت بالله ورسوله، فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ أَحَدَكُمْ يَأْتِيهِ الشَّيْطَانُ فَيَقُولُ مَنْ خَلَقَكَ فَيَقُولُ اللَّهُ فَيَقُولُ فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقْرَأْ آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُذْهِبُ عَنْهُ " رواه أحمد (25671) وحسنه الألباني في الصحيحة 116 2- محاولة الإعراض عن التفكير في ذلك بقدر الإمكان والاشتغال بما يلهيك عنه. وختاماً نوصيك بلزوم اللجوء إلى الله في كل حال، وطلب العون منه، والتبتل إليه، وسؤاله الثبات حتى الممات، وأن يختم لك بالصالحات.. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 25778 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 698 القبة الخضراء في المدينة، تاريخها، وحكم بنائها، وبقائها [السُّؤَالُ] ـ[إذا كانت القبة الخضراء على قبر النبي صلى الله عليه وسلم من البدع والمؤدية إلى الشرك، فلماذا لا تزيلها الحكومة السعودية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: تاريخ القبة الخضراء لم تكن القبة التي على قبر النبي صلى الله عليه وسلم موجودة إلى القرن السابع، وقد أُحدث بناؤها في عهد السلطان قلاوون، وكان لونها أولاً بلون الخشب، ثم صارت باللون الأبيض، ثم اللون الأزرق، ثم اللون الأخضر، واستمرت عليه إلى الآن. قال الأستاذ علي حافظ حفظه الله: "لم تكن على الحجرة المطهرة قبة، وكان في سطح المسجد على ما يوازي الحجرة حظير من الآجر بمقدار نصف قامة تمييزاً للحجرة عن بقية سطح المسجد. والسلطان قلاوون الصالحي هو أول من أحدث على الحجرة الشريفة قبة، فقد عملها سنَة 678 هـ، مربَّعة من أسفلها، مثمنة من أعلاها بأخشاب، أقيمت على رؤوس السواري المحيطة بالحجرة، وسمَّر عليها ألواحاً من الخشب، وصفَّحها بألواح الرصاص، وجعل محل حظير الآجر حظيراً من خشب. وجددت القبة زمن الناصر حسن بن محمد قلاوون، ثم اختلت ألواح الرصاص عن موضعها، وجددت، وأحكمت أيام الأشرف شعبان بن حسين بن محمد سنة 765 هـ، وحصل بها خلل، وأصلحت زمن السلطان قايتباي سنة 881هـ. وقد احترقت المقصورة والقبة في حريق المسجد النبوي الثاني سنة 886 هـ، وفي عهد السلطان قايتباي سنة 887هـ جددت القبة، وأسست لها دعائم عظيمة في أرض المسجد النبوي، وبنيت بالآجر بارتفاع متناه، .... بعد ما تم بناء القبة بالصورة الموضحة: تشققت من أعاليها، ولما لم يُجدِ الترميم فيها: أمر السلطان قايتباي بهدم أعاليها، وأعيدت محكمة البناء بالجبس الأبيض، فتمت محكمةً، متقنةً سنة 892 هـ. وفي سنة 1253هـ صدر أمر السلطان عبد الحميد العثماني بصبغ القبة المذكورة باللون الأخضر، وهو أول من صبغ القبة بالأخضر، ثم لم يزل يجدد صبغها بالأخضر كلما احتاجت لذلك إلى يومنا هذا. وسميت بالقبة الخضراء بعد صبغها بالأخضر، وكانت تعرف بالبيضاء، والفيحاء، والزرقاء" انتهى. " فصول من تاريخ المدينة المنورة " علي حافظ (ص 127، 128) . ثانياً: حكمها وقد أنكر أهل العلم المحققين - قديماً وحديثاً – بناء تلك القبة، وتلوينها، وكل ذلك لما يعلمونه من سد الشريعة لأبواب كثيرة خشية الوقوع في الشرك. ومن هؤلاء العلماء: 1. قال الصنعاني – رحمهُ اللهُ – في " تطهير الاعتقادِ ": "فإن قلت: هذا قبرُ الرسولِ صلى اللهُ عليه وسلم قد عُمرت عليه قبةٌ عظيمةٌ انفقت فيها الأموالُ. قلتُ: هذا جهلٌ عظيمٌ بحقيقةِ الحالِ، فإن هذه القبةَ ليس بناؤها منهُ صلى اللهُ عليه وسلم، ولا من أصحابهِ، ولا من تابعيهم، ولا من تابعِ التابعين، ولا علماء الأمةِ وأئمة ملتهِ، بل هذه القبةُ المعمولةُ على قبرهِ صلى اللهُ عليه وسلم من أبنيةِ بعضِ ملوكِ مصر المتأخرين، وهو قلاوون الصالحي المعروف بالملكِ المنصورِ في سنةِ ثمانٍ وسبعين وست مئة، ذكرهُ في " تحقيقِ النصرةِ بتلخيصِ معالمِ دارِ الهجرةِ "، فهذه أمورٌ دولية لا دليليةٌ " انتهى. 2. وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هناك من يحتجون ببناء القبة الخضراء على القبر الشريف بالحرم النبوي على جواز بناء القباب على باقي القبور، كالصالحين، وغيرهم، فهل يصح هذا الاحتجاج أم ماذا يكون الرد عليهم؟ فأجابوا: " لا يصح الاحتجاج ببناء الناس قبة على قبر النبي صلى الله عليه وسلم على جواز بناء قباب على قبور الأموات، صالحين، أو غيرهم؛ لأن بناء أولئك الناس القبة على قبره صلى الله عليه وسلم حرام يأثم فاعله؛ لمخالفته ما ثبت عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ألا تدع تمثالاً إلا طمستَه، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته. وعن جابر رضي الله عنه قال: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يجصَّص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه) رواهما مسلم في صحيحه، فلا يصح أن يحتج أحد بفعل بعض الناس المحرم على جواز مثله من المحرمات؛ لأنه لا يجوز معارضة قول النبي صلى الله عليه وسلم بقول أحد من الناس أو فعله؛ لأنه المبلغ عن الله سبحانه، والواجب طاعته، والحذر من مخالفة أمره؛ لقول الله عز وجل: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) الحشر/ 7. وغيرها من الآيات الآمرة بطاعة الله وطاعة رسوله؛ ولأن بناء القبور، واتخاذ القباب عليها من وسائل الشرك بأهلها، فيجب سد الذرائع الموصلة للشرك " انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود. " فتاوى اللجنة الدائمة " (9 / 83، 84) . 3. وقال علماء اللجنة الدائمة – أيضاً -: " ليس في إقامة القبة على قبر النبي صلى الله عليه وسلم حجة لمن يتعلل بذلك في بناء قباب على قبور الأولياء والصالحين؛ لأن إقامة القبة على قبره: لم تكن بوصية منه، ولا من عمل أصحابه رضي الله عنهم، ولا من التابعين، ولا أحد من أئمة الهدى في القرون الأولى التي شهد لها النبي صلى الله عليه وسلم بالخير، إنما كان ذلك من أهل البدع، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) ، وثبت عن علي رضي الله عنه أنه قال لأبي الهياج: (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ألاَّ تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته) رواه مسلم؛ فإذا لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم بناء قبة على قبره، ولم يثبت ذلك عن أئمة الخير، بل ثبت عنه ما يبطل ذلك: لم يكن لمسلم أن يتعلق بما أحدثه المبتدعة من بناء قبة على قبر النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. " فتاوى اللجنة الدائمة " (2 / 264، 265) . 4. وقال الشيخ شمس الدين الأفغاني رحمه الله: " قال العلامة الخجندي (1379 هـ) مبيِّناً تاريخ بناء هذه القبة الخضراء المبنية على قبر النبي صلى الله عليه وسلم، محققاً أنها بدعة حدثت بأيدي بعض السلاطين، الجاهلين، الخاطئين، الغالطين، وأنها مخالفة للأحاديث الصحيحة المحكمة الصريحة؛ جهلاً بالسنَّة، وغلوّاً وتقليداً للنصارى، الضلال الحيارى: اعلم أنه إلى عام (678 هـ) لم تكن قبة على الحجرة النبوية التي فيها قبر النبي صلى الله عليه وسلم؛ وإنما عملها وبناها الملك الظاهر المنصور قلاوون الصالحي في تلك السنة - (678هـ) ، فعملت تلك القبة. قلت: إنما فعل ذلك لأنه رأى في مصر والشام كنائس النصارى المزخرفة فقلدهم جهلاً منه بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وسنته؛ كما قلدهم الوليد في زخرفة المسجد، فتنبه، كذا في " وفاء الوفاء " ... اعلم أنه لا شك أن عمل قلاوون هذا -: مخالف قطعاً للأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولكن الجهل بلاء عظيم، والغلو في المحبة والتعظيم وباء جسيم، والتقليد للأجانب داء مهلك؛ فنعوذ بالله من الجهل، ومن الغلو، ومن التقليد للأجانب" انتهى. " جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية " (3 / 1660 - 1662) . ثالثاً: سبب عدم هدمها فقد بَيَّن العلماء الحكم الشرعي في بناء القبة، وأثرها البدعي واضح على أهل البدع، فهم متعلقون بها بناءً ولوناً، ومدحهم وتعظيمهم لها نظماً ونثراً كثير جدّاً، ولم يبق إلا تنفيذ ذلك من ولاة الأمر، وليس هذا من عمل العلماء. وقد يكون المانع من هدمها درءً للفتنة، وخشيةً من أن تحدث فوضى بين عامة الناس وجهلتهم، وللأسف فإن هؤلاء العامة لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه من تعظيم تلك القبَّة إلا بقيادة علماء الضلالة وأئمة البدعة، وهؤلاء هم الذي يهيجون العامة على بلاد الحرمين الشريفين، وعلى عقيدتها، وعلى منهجها، وقد ساءتهم جدّاً أفعالٌ كثيرة موافقة للشرع عندنا، مخالفة للبدعة عندهم! . وبكل حال: فالحكم الشرعي واضح بيِّن، وعدم هدمها لا يعني أنها جائزة البناء لا هي ولا غيرها على أي قبر كان. قال الشيخ صالح العصيمي حفظه الله: " إن استمرارَ هذه القبةِ على مدى ثمانيةِ قرونٍ لا يعني أنها أصبحت جائزة، ولا يعني أن السكوتَ عنها إقرارٌ لها، أو دليلٌ على جوازها، بل يجبُ على ولاةِ المسلمين إزالتها، وإعادة الوضع إلى ما كان عليه في عهدِ النبوةِ، وإزالة القبةِ والزخارفِ والنقوشِ التي في المساجدِ، وعلى رأسها المسجدُ النبوي، ما لم يترتب على ذلك فتنةٌ أكبر منه، فإن ترتبَ عليه فتنةٌ أكبر، فلولي الأمرِ التريث مع العزمِ على استغلالِ الفرصة متى سنحت " انتهى. " بدعِ القبورِ، أنواعها، وأحكامها " (ص 253) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 110061 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 699 أسلم في وقت صلاة فهل يقضي ما قبلها؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا أسلم في وقت صلاة هل يلزمه قضاء ما قبلها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا يلزمه قضاء ما قبلها، لقول الله تعالى: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) الأنفال/38، يعني: إن ينتهوا عن كفرهم ويسلموا فإن الله تعالى يغفر لهم ما سلف من ذنوبهم، سواء كانت هذه الذنوب لترك واجب، أو لفعل محرم، ولكن يلزمه أن يصلي الصلاة التي أسلم في وقتها، وأدرك من وقتها مقدار ركعة فأكثر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) . وأما الصلاة التي قبلها فإنه لا يلزمه قضاؤها، مثل: أن يسلم بعد العصر، فإنه يلزمه صلاة العصر ولا يلزمه قضاء صلاة الظهر، لأن وقتها انتهى" انتهى. فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. "الإجابات على أسئلة الجاليات" (1/5، 6) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106512 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 700 تأخير الصلاة من أجل إجراء عملية جراحية؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز تأخير الصلاة حتى خروج وقتها كصلاة العصر مثلاً للضرورة، وذلك إذا كان الطبيب في حال إجراء العملية وتحت يده مريض لو تركه ولو لفترة قصيرة فإن في ذلك خطراً على حياته؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "على الطبيب المتخصص في إجراء العمليات أن يراعي في إجرائها الوقت الذي لا يفوت به أداء الصلاة في وقتها ويجوز في حال الضرورة الجمع بين الصلاتين جمع تقديم أو تأخير؛ كالظهر مع العصر، والمغرب مع العشاء، حسبما تدعو إليه الضرورة، أما إذا كانت لا تجمع إلى ما بعدها كالعصر والفجر، فإن أمكن أداؤها في وقتها ولو كان عن طريق النوبة لبعض العاملين، ثم يصلي الآخرون بعدهم فذلك حسن، وإن لم يمكن ذلك فلا حرج في تأخير الصلاة وقضائها بعد انتهاء العملية للضرورة، وهي تقدر بقدرها. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ.. الشيخ صالح بن فوزان الفوزان.. الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (25/44) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105455 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 701 إمامهم لا ينطق بالراء نطقا صحيحاً [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الصلاة خلف إمام يقول في تكبيرة الإحرام " الله أكبن "، بدلا من " الله أكبر "؟ مع العلم أنه ينطق بها بصورة صحيحة أحيانا، أريد إجابة مفصلة جزاكم الله خيرا. ملاحظة: وأنا لا أستطيع الذهاب لمسجد آخر؛ لأن هذا المسجد هو الوحيد في بلدي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف العلماء في أمامة الألثغ وهو الذي يبدل حرفاً بحرف، كإبدال الراء غيناً أو لاماً، أو إبدال السين ثاءً، ونحو ذلك. فذهب أكثر العلماء إلى أنه لا تصح إمامته، لأن قراءته للفاتحة غير صحيحة، فهو كالأمي الذي لا يحسن قراءة الفاتحة. وذهب آخرون إلى صحة إمامته، لأنه غير مقصر، بل هذا ما يستطيعه، وقياساً على ما لو ترك القيام عاجزا عنه وصلى جالسا، فإن ذلك لا يمنع أن يكون إماماً. جاء في الموسوعة الفقهية (35/326) : " ذهب الشّافعيّة في الجديد وأكثر الحنابلة: إلى أنّه لا يصح الاقتداء بألكن، يترك حرفاً من حروف الفاتحة أو يبدّله بغيره. وبهذا يقول الحنفيّة على المذهب، إلا أنّهم لا يحصرون الحكم في الإخلال بحرف من الفاتحة أو إبداله بغيره , بل يقولون بعدم جواز إمامة من لا يتكلّم ببعض الحروف , سواء كانت من الفاتحة أو غيرها. ويرى هؤُلاء الفقهاء أنّ الألكن إن تمكّن من إصلاح لسانه وترك الإصلاح والتّصحيح فصلاته في نفسه باطلة , فلا يجوز الاقتداء به , وإن لم يتمكّن من الإصلاح والتّصحيح: بأن كان لسانه لا يطاوعه , أو كان الوقت ضيّقاً ولم يتمكّن قبل ذلك فصلاته في نفسه صحيحة , فإن اقتدى به من هو في مثل حاله صحّ اقتداؤُه؛ لأنّه مثله فصلاته صحيحة. وقد صرّح الشّافعيّة بأنّه لو كانت اللثغة يسيرةً , بأن لم تمنع أصل مخرج الحرف وإن كان غير صافٍ لم تؤثّر , وقواعد الحنفيّة لا تأبى هذا الحكم. ويرى المالكيّة في المذهب وبعض الحنفيّة وأبو ثورٍ وعطاء وقتادة صحّة الاقتداء بالألكن , وهذا ما اختاره المزني، إلا أنّه قيّد صحّة الاقتداء به بأن لم يطاوعه لسانه , أو طاوعه ولم يمض زمن يمكن فيه التّعلم , وإلا فلا يصح الاقتداء به" انتهى باختصار. وقد اختار القول بصحة إمامة الألثغ ابن حزم الظاهري، فقال في "المحلى" (4/217) : " وأما الألثغ، والألكن، والأعجمي اللسان، واللحَّان، فصلاة من ائتم بهم جائزة، لقول الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) فلم يكلفوا إلا ما يقدرون عليه، لا ما لا يقدرون عليه، فقد أدوا صلاتهم كما أمروا، ومن أدى صلاته كما أمر فهو محسن، قال تعالى: (ما على المحسنين من سبيل) " انتهى. وهو اختيار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، حيث قال في "فتاوى نور على الدرب" (أحكام الإمامة/سؤال رقم/18) : " ويرى آخرون أنها تصح إمامته؛ لأن من صحت صلاته صحت إمامته، ولأنه قد أتى بما يجب عليه وهو تقوى الله تعالى ما استطاع، وقد قال الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ، وإذا كان العاجز عن القيام يُصلى بالمأمومين القادرين عليه فإن هذا مثله؛ لأن كلاً منهم عاجزٌ عن إتمام الركن، هذا عن القيام، وهذا عن القراءة. وهذا القول هو الصحيح، أن إمامة الألثغ تصح وإن كان يبدل حرفاً بحرف، ما دامت هذه قدرته. ولكن مع هذا ينبغي أن يُختار من يُصلى من الجماعة إنسانٌ ليس فيه عيب احتياطاً وخروجاً من الخلاف " انتهى. فعلى هذا، تصح الصلاة خلف هذا الإمام ما دام عاجزاً عن النطق الصحيح. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 104726 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 702 حكم إمامة من ينطق الضاد ظاء [السُّؤَالُ] ـ[إذا أخطأ الإمام بتغيير حرف الظاء بدل الضاد في سورة الفاتحة في الصلاة في قوله تعالى: (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) فهل علي أن أرده أو أن صلاتي تبطل؟ علماً أني أخبرته بفارق المعنى بين الظالين والضالين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ينبغي للمصلي أن يفرق بين الضاد والظاء ويخرج كلا منهما من مخرجه. لكن. . . إذا أخل به، فصلاته صحيحة على الراجح، للتقارب بين مخرجيهما، ولا يلزمك التصحيح له أثناء الصلاة؛ لأن هذا ليس من باب الخطأ العارض، بل هو راجع إلى اعتياد النطق بذلك. قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (1/143) : " والصحيح من مذاهب العلماء: أنه يغتفر الإخلال بتحرير ما بين الضاد والظاء لقرب مخرجيهما؛ وذلك أن الضاد مخرجها من أول حافة اللسان وما يليها من الأضراس، ومخرج الظاء من طرف اللسان وأطراف الثنايا العليا، ولأن كلا من الحرفين من الحروف المجهورة ومن الحروف الرخوة ومن الحروف المطبقة، فلهذا كله اغتفر استعمال أحدهما مكان الآخر لمن لا يميز ذلك والله أعلم" انتهى. وقال البهوتي في "كشاف القناع" (1/482) : "وحكم من أبدل منها أي الفاتحة حرفا بحرف , كالألثغ الذي يجعل الراء غينا ونحوه , حكم من لحن فيها لحنا يحيل المعنى، فلا يصح أن يؤم من لا يبدله إلا ضاد المغضوب والضالين إذا أبدلها بظاء فتصح إمامته بمن لا يبدلها ظاء ; لأن كلا منهما أي الضاد والظاء من أطراف اللسان , وبين الأسنان، وكذلك مخرج الصوت واحد، قاله الشيخ في شرح العمدة " انتهى بتصرف. وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (4/24) : "أولا: مخرج الضاد من إحدى حافتي اللسان اليمنى أو اليسرى بعد مخرج الياء وقبل مخرج اللام مما يلي الأضراس، وتخرج اللام من أقرب حافة اللسان إلى مقدم الفم، وصوت الضاد بين صوت الدال المفخمة والظاء المعجمة تقريبا. ثانيا: من قدر على أن يجود حرف الضاد حتى يخرجه من مخرجه الصحيح وجب عليه ذلك، ومن عجز عن تقويم لسانه في حرف الضاد أو غيره كان معذورا وصحت صلاته، ولا يصلي إماما إلا بمثله أو من دونه، لكن يغتفر في أمر الضاد والظاء ما لا يغتفر في غيرهما؛ لقرب مخرجهما وصعوبة التمييز بينهما في المنطق، كما نص عليه جمع من أهل العلم، منهم الحافظ ابن كثير في تفسير الفاتحة" انتهى. عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... عبد الرازق عفيفي ... عبد الله بن غديان ... عبد الله بن قعود. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " قوله: (أو يبدل حرفاً) أي: يُبدل حرفاً بحرفٍ، وهو الألثغ ُ، مثل: أنْ يُبدِلَ الرَّاءَ باللام، أي: يجعلَ الرَّاءَ لاماً فيقول: (الحمدُ لله لَبِّ العالمين) فهذا أُمِّيٌّ؛ لأنه أبدلَ حرفاً مِن الفاتحة بغيرِه. ويُستثنى مِن هذه المسألةِ: إبدالُ الضَّادِ ظاءً، فإنَّه معفوٌّ عنه على القولِ الرَّاجحِ، وهو المذهبُ، وذلك لخَفَاءِ الفَرْقِ بينهما، ولا سيَّما إذا كان عاميَّاً، فإنَّ العاميَّ لا يكادُ يُفرِّقُ بين الضَّادِ والظَّاءِ، فإذا قال: (غير المغظوب عليهم ولا الظالين) فقد أبدلَ الضَّادَ وجعلها ظاءً، فهذا يُعفى عنه لمشقَّةِ التَّحرُّز منه، وعُسْرِ الفَرْقِ بينهما، لا سيَّما مِن العوامِ" انتهى. من "الشرح الممتع" (4/246) . فتبين بهذا العفو عن الإخلال بتحرير ما بين الضاد والظاء، وصحة صلاة وإمامة من يفعل ذلك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 104659 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 703 هل يصلي بثياب النوم [السُّؤَالُ] ـ[هل تتنجس الملابس التي أنام بها (الأمر الذي يتبعه عدم جواز الصلاة فيها) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الأصل في الملابس أنها طاهرة، إلا إذا طرأ عليها نجاسة توجب تطهيرها. ومجرد نوم الإنسان في الثياب لا يجعلها نجسة، بل هي طاهرة حتى يتيقن أنها أصابتها نجاسة. قال الشيخ ابن عثيمين: " الإنسان بملابسه الأصل فيه أن يكون طاهراً ما لم يتيقن ورود النجاسة على بدنه أو ثيابه، وهذا الأصل يشهد له قول النبي صلى الله عليه وسلم حين شكى إليه الرجل أنه يجد الشيء في صلاته ـ يعني الحدث ـ فقال: (لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) ، فإذا كان الشخص لا يجزم بهذا الأمر فالأصل الطهارة، وقد يغلب على الظن تلوث الثياب بالنجاسة ولكن ما دام الشخص لم يتيقن فالأصل بقاء الطهارة " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (11/107) . وللفائدة راجع جواب السؤال رقم (12720) . ثانياً: يجوز للإنسان أن يصلي بثياب النوم ما دامت طاهرة ساترة للعورة، وإن كان الأحسن والأكمل للإنسان في صلاته أن يلبس ثيابا حسنة، مما يتزين ويتجمل بها، وذلك امتثالاً لأمر الله في قوله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) الأعراف/31. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن حكم الصلاة بثياب النوم وحضور الجماعات بها؟ فأجاب: " لا بأس بالصلاة بثياب النوم إذا كانت طاهرة سواء أتي بها إلى المسجد أم لم يأت بها، اللهم إلا إذا كانت تلك الثياب تلفت للنظر بحيث يعتب عليه، ويكون شهرة يتكلم به في المجالس من أجلها، فإنه ينبغي للإنسان أن يتجنب كل أمر يكون سبباً لاغتيابه بين الناس " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (12/362) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103867 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 704 هل يلزمه إيقاظ أولاده الذين بلغوا سبع سنين لصلاة الفجر [السُّؤَالُ] ـ[لدي بنت عمرها سبع سنوات وهي تصلي ولله الحمد، هل يجب علي إيقاظها لصلاة الفجر؟ مع العلم أن هذا قد نَفَّرها من الصلاة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأب راع في بيته وهو مسئول عن رعيته، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، وعليه أن يربي أبناءه وينشّئهم على أداء الواجبات وترك المحرمات، ومن ذلك: أمرهم بالصلاة إذا بلغوا سبع سنين؛ لما روى أبو داود (495) عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مُرُوا أَوْلادَكُمْ بِالصَّلاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ) صححه الألباني في صحيح أبي داود. وينبغي أن يتلطف الأب في أمر أولاده الصغار بالصلاة، وأن يشجعهم على أدائها بالثناء والهدية والمكافأة، حتى يعتادوا عليها ويحبوها. ولك أن تؤخر إيقاظ ابنتك إلى قرب طلوع الشمس، مع ترغيبها في النوم المبكر ليسهل عليها القيام. ولا حرج عليك إذا تركت إيقاظها في الأيام التي ترى أنه يشق عليها الاستيقاظ فيها، لكونها ـ مثلا ـ قد نامت متأخرة، أو لشدة البرد، ونحو ذلك. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: لي ولد عمره حوالي تسع سنوات هل أوقظه لصلاة الفجر؟ فأجاب: "نعم، إذا كان للإنسان أولاد ذكور أو إناث بلغوا عشر سنين فليوقظهم، وما دون ذلك إن أيقظهم ليصلوا في الوقت فهذا هو الأفضل، وإلا فلا إثم عليه، ولكن الاختيار أن يوقظهم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مروا أبناءكم للصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع) " انتهى من "فتاوى نور على الدرب". وسئل أيضا: ابني يبلغ من العمر ثمان سنوات، هل أوقظه لصلاة الفجر؟ وإذا لم يصل هل أنا آثم؟ فأجاب: "الظاهر أن هذا يُنظر: إذا كان مثلاً في أيام الشتاء وأيام البرد والمشقة فلا بأس أن يُترك وإذا قام، يقال له: صل. وأما إذا كان الجو معتدلاً ولا ضرر عليه في الإقامة فأقمه حتى يعتاد ويصلي مع الناس، ويوجد والحمد لله الآن صبيان صغار ما بين السابعة إلى العاشرة نراهم يأتون مع آبائهم في صلاة الفجر، فإذا اعتاد الصبي على ذلك من أول عمره صار في هذا خير كثير، أما مع المشقة فإنه لا يجب عليك أن توقظهم، لكن إذا استيقظوا مرهم بالصلاة " انتهى من "اللقاء الشهري" (40/18) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103420 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 705 حكم مرور الطفل أمام المصلي [السُّؤَالُ] ـ[ما الحكم إذا مر طفل دون الخامسة من عمره أمامنا في الصلاة، إذا قمنا بمنعه يزيد في المرور، أو يجلس موضع السجود، أو على رأس المصلى خصوصاً أقل من ثلاث سنين؟ فماذا يجب عمله مع مثل هذا الطفل أفيدونا مأجورين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الواجب رده، لعموم الأدلة الشرعية في ذلك، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس، فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه، فإن أبى فليقاتله، فإنما هو شيطان) متفق عليه. ومعنى (فليقاتله) : فليدفعه بقوة. والله ولى التوفيق" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (29/327) . لكن.. إذا كثر مرور الطفل وصار منعه يشغل المصلي عن صلاته، فإنه يتركه حينئذ ولا ينشغل بمنعه. قال الحافظ ابن حجر في"فتح الباري": "نقل ابن بطال وغيره الاتفاق على أنه لا يجوز له المشي من مكانه ليدفعه، ولا العمل الكثير في مدافعته، لأن ذلك أشد في الصلاة من المرور" انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103427 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 706 كلما أرادت الصلاة وجدت العقبات [السُّؤَالُ] ـ[أنا مقتنعة بما قلته عن تارك الصلاة كسلا. وخاصة بعد قراءتي لبعض المراجع. ولكن مشكلتي أني كلما أريد أن ابتدئ الصلاة يقف شيء ما عقبة أمامي إما مرض أو مشكلة يجب حلها بسرعة ....... فما السبب في ذلك? الشيطان?]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصلاة أمرها عظيم، وشأنها كبير، وهي أعظم فرائض الإسلام بعد الشهادتين، ولا حظ لتاركها في الإسلام كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وقد جاء في الوعيد على تركها نصوص كثيرة من الكتاب والسنة، وهي دالة على كفر تاركها، وخروجه من الإسلام، وقد سبق بيان ذلك في الجواب رقم (5208) . وما دمت مقتنعة بهذا الحكم، فما عليك إلا المسارعة والمبادرة، فإنك لا تدرين ما يكون غدا، بل لا تدرين ما يكون بعد ساعة، أو بعد لحظة. وليس هناك عذر لترك الصلاة، مهما زعم الإنسان لنفسه أنه معذور، فالصلاة عمل يسير لا يستغرق إلا دقائق معدودة، لا تزيد على عشر دقائق، تشمل الوضوء وأداء الفرض. وإنما يحتاج المرء إلى الإيمان الصادق بأن الله تعالى فرض الصلاة، ويريد من عبده أن يصلي، وسيعاقبه إذا ترك الصلاة، فإذا وُجد هذا الإيمان الصادق تحرك البدن، وانقادت الجوارح. وإن علاجك هو المبادرة، فبمجرد قراءتك لهذا الجواب ينبغي أن تقومي فتتوضئي ثم تصلي الفريضة الحاضرة، وبهذا يزول الوهم الخادع بأنك لا تستطيعين الصلاة، أو يحال بينك وبينها، ثم إذا حان وقت الصلاة التالية قمت فصليت، وهكذا لن تمضي أيام حتى تشعرين بنعمة الصلاة، ولذة الوقوف بين يدي الله. تأملي في نفسك، وفيما أعطاك الله من النعم والهبات، في شكلك وعقلك وسلامة حواسك ... إلخ، ثم تفكري: هل يليق بك جحود النعم ونكران الجميل؟! إن الإنسان حين يأتيه الإحسان من إنسان مثله، يجد رغبة قوية في نفسه لرد جميله، وشكر معروفه، ويبحث عن الكلمات والأفعال التي يكافئ بها أخاه، فهل تأملت في إحسان الله تعالى المتتابع؟ وكرمه الممتد؟ وعطائه الواسع؟ وهل شعرت بفضل الله عليك؟ وبكرمه معك؟ وبمحبته لك؟ ألا يستحق هذا منك أن تقولي: لك الحمد يا رب، ما أعظمك وما أكرمك، وما أجمل أن أكون في طاعتك وخدمتك، لك وقتي، وجهدي، وفكري، وطاقتي، وكل ذلك بعض من جودك وكرمك. والله لو تأملت ذلك لرأيت أن من حق الله عليك أن تصلي الليل والنهار، شكرا له، واعترافا بفضله. تذكري أن المعاصي حجاب بين العبد وربه، فكلما كثرت الذنوب زاد الحجاب، فحجبه عن محبة الله، والأنس به، والرغبة في لقائه، فما عليك إلا أن تتوبي إلى الله، وتندمي على جميع الزلات والهفوات، وتقلعي عن المعاصي والسيئات، لا سيما مشغلات القلب، من الغناء والموسيقى والتعلق بغير الله، فإن هذه حجب، تحول بين العبد وبين الانتفاع بالقرآن، والتلذذ بالصلاة، والأنس بطاعة الله. وأما الشيطان فهو حريص غاية الحرص أن تدعي الصلاة، وتسقطي من عين الله، ليتحقق له ما يريد من الغواية والإفساد، لكن كيده ضعيف أمام أهل الإيمان، وليس له عليهم من سلطان. (إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون) النحل/99 ولعله قد لاح لك من هذا الجواب أنك بحاجة إلى ثلاثة أمور: الأول: المبادرة لفعل الصلاة. الثاني: تقوية الإيمان، بالإكثار من الطاعات الأخرى، كالذكر والصدقة وقراءة القرآن. الثالث: الإقلاع عن المعاصي والتوبة منها، حتى لا يكون للشيطان سبيل عليك. ويضاف إلى ذلك ضرورة اللجوء إلى الله، وسؤاله تعالى الهداية والتوفيق والإعانة. ونحن نسأله سبحانه أن يشرح صدرك، ويغفر ذنبك، وينعم عليك بحلاوة الإيمان، ولذة القرآن، ونور الصلاة، إنه ولي ذلك سبحانه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 99139 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 707 حكم الصلاة في مسجد فيه قبر [السُّؤَالُ] ـ[هل تصح الصلاة في المساجد التي يوجد فيها قبور؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المساجد التي فيها قبور لا يصلى فيها، ويجب أن تنبش القبور وينقل رفاتها إلى المقابر العامة ويجعل رفات كل قبر في حفرة خاصة كسائر القبور، ولا يجوز أن يبقى في المساجد قبور، لا قبر ولي ولا غيره؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى وحذر من ذلك، ولعن اليهود والنصارى على عملهم ذلك، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:" لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد قالت عائشة رضي الله عنها يحذر ما صنعوا " أخرجه البخاري (1330) ومسلم (529) . وقال عليه الصلاة والسلام لما أخبرته أم سلمة وأم حبيبة بكنيسة في الحبشة فيها تصاوير فقال: " أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله " متفق على صحته (خ/ 427، م/ 528) . وقال عليه الصلاة والسلام: " ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك " خرجه مسلم في صحيحه (532) عن جندب بن عبد الله البجلي. فنهى عليه الصلاة والسلام عن اتخاذ القبور مساجد ولعن من فعل ذلك، وأخبر: أنهم شرار الخلق، فالواجب الحذر من ذلك. ومعلوم أن كل من صلى عند قبر فقد اتخذه مسجدا، ومن بنى عليه مسجدا فقد اتخذه مسجدا، فالواجب أن تبعد القبور عن المساجد، وألا يجعل فيها قبور؛ امتثالا لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم، وحذرا من اللعنة التي صدرت من ربنا عز وجل لمن بنى المساجد على القبور؛ لأنه إذا صلى في مسجد فيه قبور قد يزين له الشيطان دعوة الميت، أو الاستغاثة به، أو الصلاة له، أو السجود له، فيقع الشرك الأكبر، ولأن هذا من عمل اليهود والنصارى، فوجب أن نخالفهم، وأن نبتعد عن طريقهم، وعن عملهم السيئ. لكن لو كانت القبور هي القديمة ثم بني عليها المسجد، فالواجب هدمه وإزالته؛ لأنه هو المحدث، كما نص على ذلك أهل العلم؛ حسما لأسباب الشرك وسدا لذرائعه. والله ولي التوفيق. [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ ابن باز رحمه الله (10 / 246) . الحديث: 21394 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 708 أسباب سجود السهو [السُّؤَالُ] ـ[متى يشرع للمصلي أن يسجد للسهو في صلاته؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من رحمة الله بعباده، ومن محاسن هذا الدين الكامل أن شرع لعباده جبر النقص والخلل الذي يدخل عليهم في عباداتهم، ولا يستطيعون التحرز منه على الوجه التام، إما بنوافل العبادات، أو الاستغفار، أو نحو ذلك. ومما شرعه الله لعباده جبرا لنقص طرأ على صلاتهم، سجود السهو؛ غير أنه إنما شرع لجبر أمور خاصة، وليس كل شيء يجبره السهو، أو يشرع له. وقد سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى عن أسباب سجود السهو، فأجاب فضيلته بقوله: سجود السهو في الصلاة أسبابه في الجملة ثلاثة: 1- الزيادة. 2- والنقص. 3- والشك. فالزيادة: مثل أن يزيد الإنسان ركوعاً أو سجوداً، أو قياما أو قعودا ً. والنقص: مثل أن ينقص الإنسان ركنا ً، أو ينقص واجباً من واجبات الصلاة. والشك: أن يتردد كم صلى: ثلاثاً أم أربعاً، مثلاً. أما الزيادة فإن الإنسان إذا زاد الصلاة ركوعاً أو سجوداً أو قياماً أو قعوداً، متعمداً، بطلت صلاته؛ لأنه إذا زاد فقد أتى بالصلاة على غير الوجه الذي أمره به الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) [رواه مسلم 1718] . أما إذا زاد ذلك ناسياً فإن صلاته لا تبطل، ولكنه يسجد للسهو بعد السلام. ودليل ذلك حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – حين سلم النبي صلى الله عليه وسلم من الركعتين في إحدى صلاتي العشي، إما الظهر وإما العصر، فلما ذكروه أتى صلى الله عليه وسلم بما بقى من صلاته، ثم سلم، ثم سجد سجدتين بعدما سلم. [رواه البخاري 482 ومسلم 573] وحديث ابن مسعود – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم الظهر خمساً، فلما انصرف قيل له: أزيد في الصلاة؟ قال: وما ذاك؟ قالوا: صليت خمساً!! فثنى رجليه واستقبل القبلة، وسجد سجدتين [رواه البخاري 404 ومسلم 572] . وأما النقص: فإن نقص الإنسان ركناً من أركان الصلاة، فلا يخلو: إما أن يذكره قبل أن يصل إلى موضعه من الركعة الثانية؛ فحينئذ يلزمه أن يرجع فيأتي بالركن وبما بعده. وإما أن لا يذكره إلا حين يصل إلى موضعه من الركعة الثانية، وحينئذ تكون الركعة الثانية بدلاً عن التي ترك ركناً منها فيأتي بدلها بركعة، وفي هاتين الحالين يسجد بعد السلام. مثال ذلك: رجل قام حين سجد السجدة الأولى من الركعة الأولى، ولم يجلس، ولم يسجد السجدة الثانية، ولما شرع في القراءة ذكر أنه لم يسجد ولم يجلس بين السجدتين، فحينئذ يرجع ويجلس بين السجدتين، ثم يسجد، ثم يقوم فيأتي بما بقى من صلاته، ويسجد السهو بعد السلام. ومثال لمن لم يذكره إلا بعد وصوله إلى محله من الركعة الثانية: أنه قام من السجدة الأولى في الركعة الأولى، ولم يسجد السجدة الثانية، ولم يجلس بين السجدتين، ولكنه لم يذكر إلا حين جلس بين السجدتين في الركعة الثانية. ففي هذه الحال تكون الركعة الثانية هي الركعة الأولى، ويزيد ركعة في صلاته، ويسلم ثم يسجد للسهو. أما نقص الواجب: فإذا نقص واجباً وانتقل من موضعه إلى الموضع الذي يليه، مثل: أن ينسى قول: سبحان ربي الأعلى، ولم يذكر إلا بعد أن رفع من السجود، فهذا قد ترك واجباً من الواجبات الصلاة سهواً؛ فميضي في صلاته، ويسجد للسهو قبل السلام، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما ترك التشهد الأول مضى في صلاته ولم يرجع وسجد للسهو قبل السلام. وأما الشك فهو: التردد بين الزيادة والنقص، مثل: أن يتردد هل صلى ثلاثاً أو أربعاً؛ فلا يخلو من حالين: إما أن يترجح عنده أحد الطرفين: الزيادة، أو النقص، فيبني على ما ترجح عنده، ويتم عليه، ويسجد للسهو بعد السلام. وإما أن لا يترجح عنده أحد الأمرين؛ فيبنى على اليقين وهو الأقل، ويتم عليه، ويسجد للسهو قبل السلام. مثل ذلك: رجل يصلى الظهر ثم شك: هل هو في الركعة الثالثة أو الرابعة؟ وترجح عنده أنها الثالثة؛ فيأتي بركعة، ثم يسلم، ثم يسجد للسهو. ومثال ما استوى فيه الأمران: رجل يصلي الظهر فشك: هل هذه الركعة الثالثة، أو الرابعة؟ ولم يترجح عنده أنها الثالثة، أو الرابعة؛ فيبني على اليقين وهو الأقل، ويجعلها الثالثة، ثم يأتي بركعة ويسجد للسهو قبل أن يسلم. وبهذا تبين أن سجود السهو يكون قبل السلام: إذا ترك واجباً من الواجبات، أو إذا شك في عدد الركعات ولم يترجح عنده أحد الطرفين. وأنه يكون بعد السلام: إذا زاد في صلاته، أو شك وترجح عنده أحد الطرفين. [انظر: مجموع فتاوى الشيخ: 14/14-16] . والله الموفق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 12527 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 709 حكم استعمال المنديل في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[ماذا نفعل أثناء الصلاة في حال إصابتنا بالرشح؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز للمصلي في هذه الحال أن يستعمل المنديل، وقد نص العلماء رحمهم الله تعالى على جواز الحركة اليسيرة في الصلاة إذا احتاج إليها المصلي. كما في المجموع للنووي رحمه الله (4/94) . واستدلوا بأحاديث كثيرة وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم عليه وسلم، منها: ما رواه أبو داود (650) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ إِذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْقَوْمُ أَلْقَوْا نِعَالَهُمْ. فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاتَهُ قَالَ: مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَاءِ نِعَالِكُمْ؟ قَالُوا: رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ نَعْلَيْكَ فَأَلْقَيْنَا نِعَالَنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ جِبْرِيلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا أَوْ قَالَ أَذًى. وَقَالَ: إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلْيَنْظُرْ فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلَيْهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى فَلْيَمْسَحْهُ وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا. صححه الألباني في صحيح أبي داود (605) . قال الخطابي رحمه الله في معالم السنن (2/329) : فِيهِ أَنَّ الْعَمَل الْيَسِير لا يَقْطَع الصَّلاة اهـ وإذا احتاج الإنسان إلى الامتخاط في الصلاة كمن به رشح أو زكام فلا بأس أن يخرج منديلاً يمتخط به، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على جواز هذه الحركة في الصلاة، فروى مسلم (855) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ فَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: (مَا بَالُ أَحَدِكُمْ يَقُومُ مُسْتَقْبِلَ رَبِّهِ فَيَتَنَخَّعُ أَمَامَهُ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يُسْتَقْبَلَ فَيُتَنَخَّعَ فِي وَجْهِهِ؟ فَإِذَا تَنَخَّعَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَنَخَّعْ عَنْ يَسَارِهِ تَحْتَ قَدَمِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَقُلْ هَكَذَا، فَتَفَلَ فِي ثَوْبِهِ ثُمَّ مَسَحَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ) . وهل يمتخط بيده اليمنى أو اليسرى؟ الجواب: يمتخط بيده اليسرى، لأن الشرع بتخصيص اليمين بالأشياء التي تعد من باب الإكرام، وتخصيص الشمال بالأشياء التي هي من باب الأذى. روى البخاري (163) ومسلم (395) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: (كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَطُهُورِهِ وَفِي شَأْنِهِ كُلِّه) . وروى أبو داود عَنْ عَائِشَةَ أيضاً قَالَتْ: (كَانَتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْيُمْنَى لِطُهُورِهِ وَطَعَامِهِ، وَكَانَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى لِخَلائِهِ وَمَا كَانَ مِنْ أَذًى) صححه الألباني في صحيح أبي داود (26) . قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم (1/160) : هَذِهِ قَاعِدَة مُسْتَمِرَّة فِي الشَّرْع , وَهِيَ أّنَّ مَا كَانَ مِنْ بَاب التَّكْرِيم وَالتَّشْرِيف كَلُبْسِ الثَّوْب وَالسَّرَاوِيل وَالْخُفّ وَدُخُول الْمَسْجِد وَالسِّوَاك وَالاكْتِحَال , وَتَقْلِيم الأَظْفَار , وَقَصّ الشَّارِب , وَتَرْجِيل الشَّعْر وَهُوَ مَشْطُهُ – يعني: تسريح الشعر - وَنَتْف الإِبِط , وَحَلْق الرَّأْس , وَالسَّلام مِنْ الصَّلاة , وَغَسْل أَعْضَاء الطَّهَارَة , وَالْخُرُوج مِنْ الْخَلاء , وَالأَكْل وَالشُّرْب , وَالْمُصَافَحَة , وَاسْتِلام الْحَجَر الأَسْوَد , وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا هُوَ فِي مَعْنَاهُ يُسْتَحَبّ التَّيَامُن فِيهِ. وَأَمَّا مَا كَانَ بِضِدِّهِ كَدُخُولِ الْخَلاء وَالْخُرُوج مِنْ الْمَسْجِد وَالامْتِخَاط وَالاسْتِنْجَاء وَخَلْعِ الثَّوْب وَالسَّرَاوِيل وَالْخُفّ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ , فَيُسْتَحَبّ التَّيَاسُر فِيهِ , وَذَلِكَ كُلّه بِكَرَامَةِ الْيَمِين وَشَرَفهَا. وَاَللَّه أَعْلَم اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 8673 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 710 إذا خافت أن يعرف إسلامها فكيف تصلي [السُّؤَالُ] ـ[فتاة غير مسلمة تريد التعرف إلى دين الإسلام وتعلن إسلامها بينها وبين خالقها وتريد الصلاة والقيام بكل الواجبات الدينية هل تستطيع مثلا أن تصلي الظهر والعصر ولا تصلي باقي الصلوات بسبب صعوبة الوضع في المنزل]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: نسأل الله تعالى أن يوفق هذه الفتاة، وأن يهديها، وأن يشرح صدرها للإسلام، وينور قلبها بنور الإيمان، وننصحها أن تعجل بذلك، وألا تتردد، وأن تعلن إسلامها فيما بينها وبين خالقها، فتتشهد شهادة الإسلام، وتفعل ما تستطيع من شرائعه. ثانيا: يلزم المسلم أداء خمس صلوات في اليوم والليلة، ولا يجوز ترك شيء منها، مهما كان عذره، ما دام عقله معه. وإذا كانت هذه الفتاة لا تستطيع أن تصلي المغرب والعشاء والفجر خوفا من اطلاع أهلها على إسلامها، فإنها لا تدع الصلاة، ولكن يمكنها فعل ما يلي: 1- أن تجمع المغرب والعشاء تقديما أو تأخيرا، وأن تصليهما سرا. والجهر فيما يجهر فيه بالقراءة كالفجر والمغرب والعشاء سنة لا واجب، وكذلك رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام وعند تكبيرات الانتقال، ووضع اليمني على اليسرى أثناء القيام، كل ذلك من السنن. 2- أن تقتصر على فعل الأركان والواجبات، فتقتصر على قراءة الفاتحة، ولا تقرأ سورة بعدها، وتكتفي بتسبيحة في الركوع والسجود، وبهذا يمكنها أداء الصلاة في دقائق معدودة، ولا تعجز الفتاة غالبا عن إغلاق باب غرفتها عليها دقائق معدودة، كأنها تبدل ملابسها أو تصلح من شأنها، فتصلي فرضها في هذا الوقت. 3- إذا أرادت الوضوء، فإنها تتوضأ في دورة المياه، بعيداً عن العيون، كأنها تقضي حاجتها، فإن عجزت عن الوضوء جاز لها التيمم، ولو على الجدار أو فرش المنزل، وتصلي بهذا التيمم. 4- إذا فُرض أنها لا يمكن أن تختفي عن أعين أهلها دقائق تؤدي فيها الصلاة، وخشيت من اطلاعهم على إسلامها مضرة معتبرة، جاز لها أن تصلي قاعدة، وتومئ بالركوع والسجود، فإن لم يمكن ذلك صلت قاعدة، تنوي الركوع والسجود بقلبها، وتستقبل القبلة، فإن تعذر الاستقبال صلت إلى أي جهة. ولو فرض أنه لا يمكنها أداء الصلاة إلا مستلقية، فعلت ذلك، والمقصود أن الصلاة لا تسقط عن المكلف بحال. والأصل فيما ذكرنا: قوله تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة/286، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين: (صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ) رواه البخاري (1117) وأبو داود (952) . وقد ذكر الفقهاء حالات يسقط فيها استقبال القبلة والركوع والسجود، كحالة الهرب من سبع أو سيل أو التحام القتال، إذا لم يبق متسع من الوقت لفعل الصلاة بتمام أركانها. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/258) : " وجملة ذلك أنه إذا اشتد الخوف , بحيث لا يتمكن من الصلاة إلى القبلة , أو احتاج إلى المشي , أو عجز عن بعض أركان الصلاة ; إما لهرب مباحٍ من عدو , أو سيل , أو سبُع , أو حريق , أو نحو ذلك , مما لا يمكنه التخلص منه إلا بالهرب , أو المسايفة , أو التحام الحرب , والحاجة إلى الكر والفر والطعن والضرب والمطاردة , فله أن يصلي على حسب حاله , راجلا وراكبا إلى القبلة إن أمكن , أو إلى غيرها إن لم يمكن. وإذا عجز عن الركوع والسجود , أوْمأ بهما , وينحني إلى السجود أكثر من الركوع على قدر طاقته. وإن عجز عن الإيماء , سقط , وإن عجز عن القيام أو القعود أو غيرهما , سقط , وإن احتاج إلى الطعن والضرب والكر والفر , فعل ذلك. ولا يؤخر الصلاة عن وقتها ; لقول الله تعالى: {فإن خفتم فرجالا أو ركبانا} . وروى مالك , عن نافع , عن {ابن عمر , قال: فإن كان خوفا هو أشد من ذلك صلوا رجالا , قياما على أقدامهم , أو ركبانا , مستقبلي القبلة وغير مستقبليها} . قال نافع: لا أرى ابن عمر حدثه إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى. بل نص الفقهاء على ذلك في شأن الأسير ومن يخاف معرفة إسلامه، فإنه يصلي قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/140) : ". وإن هرب من العدو هربا مباحا , أو من سيل , أو سبع , أو حريق لا يمكنه التخلص منه بدون الهرب. فله أن يصلي صلاة شدة الخوف , سواء خاف على نفسه , أو ماله , أو أهله. والأسير إذا خافهم على نفسه إن صلى , والمختفي في موضع , يصليان كيفما أمكنهما. نص عليه أحمد في الأسير. ولو كان المختفي قاعدا لا يمكنه القيام , أو مضجعا لا يمكنه القعود , ولا الحركة , صلى على حسب حاله. وهذا قول محمد بن الحسن. وقال الشافعي: يصلي ويعيد. وليس بصحيح ; لأنه خائف صلى على حسب ما يمكنه , فلم تلزمه الإعادة كالهارب. ولا فرق بين الحضر والسفر في هذا ; لأن المبيح خوف الهلاك , وقد تساويا فيه. ومتى أمكن التخلص بدون ذلك , كالهارب من السيل يصعد إلى ربوة , والخائف من العدو يمكنه دخول حصن يأمن فيه صوْلة العدو , ولحوق الضرر , فيصلي فيه , ثم يخرج , لم يكن له أن يصلي صلاة شدة الخوف ; لأنها إنما أبيحت للضرورة , فاختصت بوجود الضرورة " انتهى. والحاصل أن هذه الفتاة يلزمها أداء الصلوات الخمس، ولا يجوز لها ترك شيء منها، ولكنها تؤدي الصلاة على الكيفية التي تستطيعها، ومن ذلك أن تصلي صلاة شدة الخوف إن اضطرت لذلك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 100627 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 711 حكم الصلاة في أوقات النهي [السُّؤَالُ] ـ[أحد أصدقائي دقيق جداً في أداء الصلاة وهو يصلي أحياناً حتى أثناء غروب الشمس وهو يرى أن ذلك قد يكون مكروهاً، ولكنه ليس ذنبا فقلت له أن الصلاة محرمة ساعة غروب الشمس لمخالفة الكفار فهل الصلاة ساعة الغروب أو الشروق مكروهة؟ أم أثم؟ ولماذا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يستحب التنفل بالصلاة في جميع الأوقات، إلا في أوقات النهي وهي من بعد صلاة الفجر حتى ترتفِع الشمس مقدار رُمْح، وحين يَقُوم قائم الظّهِيرة إلى أن تَزُول الشمس، وذلك في منتصف النهار قبل أن تزول الشمس بنحو خمس دقائق أو قريبا منها، ومن بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس، والمُعْتَبر صلاة كل إنسان بنفسه فإذا صلى العصر حرمت عليه الصلاة حتى تغرب الشمس. إلا في حالات خاصة فلا تحرم فيها يراجع سؤال رقم 306. والحكمة من النهي اجتناب مشابَهَةِ الكفار، الذين يسجدون للشمس إذا طلعت ترحيبا لها وفرحا، ويسجدون لها إذا غَربت وداعاً لها، والنبي صلى الله عليه وسلم حرص على سَدِّ كلِّ باب يوصل إلى الشرك، أو يكون فيه مشابَهَةً للمشركين، وأما النهي عند قيامها واستوائها في وسط السماء حتى تزول فلأنه وقت تُسجَّر فيه النار كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فينبغي الإمساك عن الصلاة في هذه الأوقات. اختصاراً من فتاوى الشيخ ابن عثيمين 1/354. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 8818 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 712 حكم حمل الأشياء المتسخة في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكن أن ُنبقي أشياء متسخة (كالمنديل أو المحفظة أو مفاتيح السيارة) في جيوبنا أثناء الصلاة؟ إذا كان الجواب لا فهل نتركهم أمامنا على الأرض أثناء الصلاة؟ أم على الجانب؟ ماذا لو أصبحت أمام شخص آخر أثناء تحركنا في صلاة الجماعة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأشياء المتسخة على نوعين إما أشياء متسخة بأمور حكم عليها الشرع بالنجاسة مثل بول الآدمي وغائطه، وإما أمور مستقذره وليست نجسة شرعا مثل المخاط والبزاق، فأما الحالة الأولى (ما حكم الشرع بنجاستها) فلا يجوز أن تحمل في الصلاة ولا أن توضع في المسجد، وأما الثاني فلا حرج في بقائها مع المصلي في جيبه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 6296 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 713 هل الأذان من الوحي أو اقتراح من صحابي [السُّؤَالُ] ـ[أعتقد أني قرأت عن أن الأذان للصلاة اقترحه شخص على النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن قال أنه لا يريد أن يستخدم الأجراس التي يستخدمها النصارى أو مثلما يفعل اليهود للنداء لصلواتهم. فالسؤال هو: كيف يتفق ذلك الحدث مع الاعتقاد بأن كل ما يأمرنا به النبي صلى الله عليه وسلم ما هو إلا وحي يوحى؟ إنني لا أحاول أن أكون مجادلاً ولكن سألت ذلك السؤال بقلب نقي أريد فيه المزيد من الفهم. وشكراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأذان يراد به في اللغة الإبلاغ وفي الشرع الإبلاغ والإعلام بدخول الوقت، وقد شرع في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة لحديث عبد الله بن زيد بن عبد ربه: لما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضرب بالناقوس وهو له كاره لموافقته النصارى طاف بي من الليل طائف وأنا نائم رجل عليه ثوبان أخضران وفي يده ناقوس يحمله قال فقلت: يا عبد الله أتبيع الناقوس؟ قال وما تصنع به؟ قال قلت: ندعو به إلى الصلاة. قال: أفلا أدلك على خيرٍ من ذلك فقلت: بلى. قال تقول: الله اكبر … . (إلى نهاية الأذان) … قال: فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت فقال: إنها لرؤيا حق إن شاء الله فقم مع بلال فألْقِ عليه ما رأيت فإنه أندى صوتاً منك قال فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به قال: فسمع ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو في بيته فخرج يجرّ رداءه يقول: والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذي أُرِي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلله الحمد. رواه أحمد (15881) والترمذي (174) وأبو داود (421) و (430) وابن ماجه (698) . يتّضح من هذا الحديث: أنّ كلمات الأذان رؤيا منام رآها صحابي جليل وأقره عليها نبينا الكريم، فهي ليست اقتراحاً كما ذكرت، بل هي رؤيا، ومن المعلوم أن الرؤيا جزء من سبعين جزءاً من النبوة لما جاء في حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الرؤيا جزء من سبعين جزءاً من النبوة " رواه أحمد (4449) . ورواه البخاري بلفظ " الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة ". رواه البخاري (6474) ومسلم (4203) و (42005) . فالرؤيا هنا كما وصفها الرسول صلى الله عليه وسلم بأنها رؤيا حق فهي من الله وليست اقتراحاً من شخص فهي نبوة بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم لها أنها رؤيا حق ولو لم يقر لها الرسول لم تكن رؤيا حق وليست من النبوة، فالذي قضى بأنّها حقّ هو النبي صلى الله عليه وسلم والذي أمر بالعمل بها هو النبي صلى الله عليه وسلم الموحى إليه من ربه. وقد رأى عمر رضي الله عنه مثل ذلك ولا ننسى أنّ عمر من الخلفاء الراشدين المهديين حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم " … فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ ". رواه الترمذي (2600) وابن ماجه (43) وأحمد (16519) . وقد وافق عمر رضي الله عنه الوحي والتشريع الإلهي مراراً كثيرة وروت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه كان يقول قد كان يكون في الأمم قبلكم محدثون فإن يكن في أمتي منهم أحد فإن عمر بن الخطاب منهم ". رواه البخاري (3282) ومسلم (2398) وعنده: قال ابن وهب تفسير " محدَّثون ": ملهمون. فإن قلت ولماذا كان ابتداء الأذان بهذه الطريقة حيث يراها صحابيان ثمّ يؤكّدها الوحي ولم تكن من الوحي مباشرة كغيرها من الأحكام فالجواب أنّ الله يشرع ما يريد كما يريد عزّ وجلّ ولعلّ فيما حدث إظهارا لفضل هذين الصحابيين وإثباتا للخير في هذه الأمة وأن منهم من يوافق الوحي وأنّ فيهم منامات صادقة تدلّ على صدقهم فإنّ أصدق الناس رؤيا أصدقهم حديثا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم. وأخيرا فإن مما هو معلوم في كتب أهل العلم في تعريف السنّة: بأنها كلّ ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم من'' قول أو فعل أو تقرير ''. فالقول والفعل واضحان وأما التقرير فهو أن يفعل أحد أمامه فعلاً فإن أقره فهو شرع لا لفعل ذلك الرجل ولكن لموافقة الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يسكت على الباطل ولا يقرّ أحداً على باطل وضلال. وقد لا يقره على ذلك وينهاه، كما فعل عليه الصلاة والسلام مع الصحابي أبي إسرائيل فيما رواه ابن عباس قال: " بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم في الشمس، فسأل عنه، قالوا: هذا أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد، ولا يستظل، ولا يتكلم، ويصوم، قال: مُرُوه فليتكلم، وليستظل، وليقعد، وليتم صومه ". رواه البخاري (6326) . فهذا النبي صلى الله عليه وسلم أقر أبا إسرائيل على نذر الصوم، وأبطل عليه باقي ما نذره، فلم يقره عليه. فيتّضح إذن أنّ الأذان صار شرعا ودينا بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم للصحابيين على ما أراهما الله في المنام وأمره لعبد الله بن زيد أن يلقيه على بلال ليؤذّن به، ولعل ما سبق من الإيضاح يكون قد أزال الإشكال وبيّن الأمر لك أيها الأخ السائل ونسأل الله لنا ولك الفقه في الدين. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 7945 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 714 هل يجوز السلام على المصلي [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمسلم أن يسلم على المسلم وهو في الصلاة أوفي حالة الذكر والدعاء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يشرع للمسلم أن يبدأ بالسلام أخاه المسلم وهو يصلي ولكنه لا يرد عليه السلام وهو في صلاته إلا بالإشارة محافظة على صلاته، لما ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قلت لبلال كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرد عليهم حين كانوا يسلمون عليه وهو في الصلاة؟ قال: يشير بيده. أخرجه أحمد 6/12، وأبوداود 1/569 برقم (927) ، والترمذي2 /204 برقم (368) والبيهقي 2/262.، رواه الخمسة. وثبت عنه أيضا عن صهيب رضي الله عنه أنه قال: (مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلمت فرد إلي إشارة) وقال: لا أعلم إلا أنه قال (إشارة بأصبعه) رواه الخمسة إلا ابن ماجه، وقال الترمذي: كلا الحديثين عندي صحيح، وثبت عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن الركعتين بعد العصر، ثم رأيته يصليهما حين صلى العصر، قالت دخل وعندي نسوة من بني حرام من الأنصار فصلاهما، فأرسلت إليه الجارية فقلت: قومي بجنبه فقولي له: تقول لك أم سلمة يا رسول الله سمعتك تنهى عن هاتين الركعتين وأراك تصليهما، فإن أشار بيده فاستأخري ففعلت الجارية فأشار بيده فاستأخرت عنه، فلما انصرف قال: (يابنت أبي أمية سألت عن الركعتين بعد العصر، فإنه أتاني أناس من بني عبد القيس فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان) رواه البخاري ومسلم. ففي هذه الأحاديث مشروعية السلام على المصلي وهو في صلاته وأنه إنما يرد السلام بالإشارة لإقرار النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ورده بالإشارة فقط. ثانيا: يشرع للمسلم أن يبدأ بالسلام من كان في حالة ذكر أو دعاء، لما ثبت عن أبي واقد الليثي رضي الله عنه أنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد والناس معه إذ أقبل ثلاثة نفر فأقبل اثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب واحد، فلما وقفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم سلما، فأما أحدهما فوجد فرجة في الحلقة فجلس فيها، وأما الآخر فجلس خلفهم، وأما الآخر فأدبر ذاهبا، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أخبركم عن النفر الثلاثة، أما أحدهم فأوى إلى الله فآواه الله، وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه) أخرجه مالك في الموطأ 2/960، وأحمد5/219، والبخاري 1/24، 122، ومسلم 4/1713 برقم (2176) ، والترمذي 5/73 برقم (2724) ، وأبويعلى 3/33 برقم (1445) . ولما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن أعرابيا دخل المسجد فصلى فلم يتم ركوعه ولا سجوده ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال "ارجع فصل فإنك لم تصل ... " الحديث. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 7/36. الحديث: 8599 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 715 الرد على التليفون أثناء الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[إنهم كانوا يصلون إحدى الصلوات في البيت وأخذ منبه التليفون يرن وأشغلهم بالرنين مدة طويلة، فهل يجوز في مثل هذه الحالة أن يتقدم المصلي أو يتأخر ويرفع سماعة التليفون ويكبر أو يرفع صوته بالقراءة ليعلم صاحب التليفون أنه يصلي قياسا على فتح الباب للطارق أو رفع الصوت له؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان المصلي بالحالة التي ذكرت وأخذ التليفون يرن جاز له أن يرفع السماعة ولو تقدم قليلا أو تأخر كذلك أو أخذ عن يمينه أو شماله بشرط أن يكون مستقبل القبلة وأن يقول (سبحان الله) تنبيهاً للمتكلم بالتليفون لما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أمامة بنت ابنته فإذا ركع وضعها وإذا قام حملها، وفي رواية مسلم: وهو يؤم الناس في المسجد. أخرجه مالك 1/170، والبخاري 1/487 في سترة المصلي، باب إذا حمل جارية صغيرةعلى عنقه، ومسلم (543) في المساجد، باب جواز حمل الصبيان، وأبوداود برقم (917 -920) والنسائي 2/45. ، ولما روى أحمد وغيره عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في البيت والباب عليه مغلق فجئت فمشى حتى فتح لي ثم رجع إلى مقامه ووصفت أن الباب في القبلة أخرجه أحمد6/31، وأبوداود (922) والنسائي 1/178، والترمذي 2/497. وما رواه البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من نابه شيء في صلاته فليسبح الرجال وليصفق النساء) . وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 7/32. الحديث: 8647 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 716 صلاة من لم يحلق عانته [السُّؤَالُ] ـ[هل تقبل صلاة من تجاوز شعر عانته شهراً لم يحلقه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله حلق العانة - الشعر النابت حول القبل - من سنن الفطرة ولا ينبغي تركه أكثر من أربعين يوماً بدون حلق للحديث الثابت في ذلك، ولا أثر لتأخيره عن الأربعين على صحة الصلاة بل القول بذلك جهل بأحكام الشرع المطهر. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 5/126 الحديث: 1177 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 717 الأذكار بين الأذان والإقامة [السُّؤَالُ] ـ[أود أن أعرف الدعاء الذي نقوله قبل الأذان وقبل الإقامة وبعد الأذان وبعد الإقامة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله 1. أما عن الدعاء قبل الأذان فليس هناك دعاء قبل الأذان - فيما أعلم - ولو خصص ذلك بقول خاص أو غير خاص في ذلك الوقت فهو بدعة منكرة ولكن إن جاء اتفاقاً وصدفة فلا بأس به. 2. أما قبل الإقامة عندما يهم المؤذن بالإقامة بالذات فهذا أيضاً لا نعلم فيه قولاً مخصوصاً ففعله مع عدم ثبوت دليل عليه بدعة منكرة. 3. أما ما بين الأذان والإقامة فالدعاء عندئذٍ مرغّب فيه ومستحب. عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة فادعوا ". رواه الترمذي (212) وأبو داود (437) وأحمد (12174) – واللفظ له – وصححه الألباني في صحيح أبي داود 489. والدعاء بعد الأذان مباشرة له صيغ مخصوصة: - منها: عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة ". رواه البخاري (589) . 4. وأما الدعاء بعد الإقامة فلا نعلم له دليلاً، وإن خصص الدعاء بشيء من غير دليل صحيح كان بدعة. 5. وأما الدعاء حين الأذان فإنه يسن لك أن تقول كما يقول المؤذن إلا عند قوله: حي على الصلاة – حي على الفلاح. فإنك تقول: لا حول ولا قوة إلا بالله. عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا قال المؤذن الله أكبر الله أكبر فقال أحدكم الله أكبر الله أكبر ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله قال أشهد أن لا إله إلا الله ثم قال أشهد أن محمدا رسول الله قال أشهد أن محمدا رسول الله ثم قال حي على الصلاة قال لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال حي على الفلاح قال لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال الله أكبر الله أكبر قال الله أكبر الله أكبر ثم قال لا إله إلا الله قال لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة ". رواه مسلم (385) . 6- أما الدعاء حين الإقامة: فبعض العلماء أجراه على العموم باعتباره أذاناً فاستحب الترديد، ولم يستحبه علماء آخرون لضعف الحديث الوارد في الترديد مع الإقامة الذي سيأتي تخريجه، ومنهم الشيخ محمد بن إبراهيم في الفتاوى (2/136) والشيخ العثيمين في الشرح الممتع (2/84) ـ ومن الخطأ قول: أقامها الله وأدامها الله عند قول المؤذن: قد قامت الصلاة لأن الحديث الوارد في ذلك ضعيف. عن أبي أمامة أو عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: " أن بلالا أخذ في الإقامة فلما أن قال قد قامت الصلاة قال النبي صلى الله عليه وسلم " أقامها الله وأدامها " وقال في سائر الإقامة كنحو حديث عمر رضي الله عنه في الأذان ". رواه أبو داود (528) . والحديث: ضعفه الحافظ ابن حجر في " التلخيص الحبير " (1 / 211) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 5666 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 718 لماذا نصلي خمس صلوات [السُّؤَالُ] ـ[قرأت في القرآن أن الإنسان يجب أن يصلي ثلاث مرات قبل الشروق وبعد الغروب ووسط النهار فلماذا نصلي 5 مرات؟ أرجو أن لا تعطي لي القصة التي تدل أنه كان المفروض 50000 صلاة ثم خفضت إلى 5 أريد إجابة مقنعة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله 1- ما جاء في السؤال من حيث عدد الصلوات خطأ، فقد كانت (50) ثم نسخت إلى (5) صلوات تخفيفاً من رب العالمين على المسلمين. 2- تنقسم الأحكام الشرعية إلى قسمين: منها ما هو معقول المعنى، ومنها ما هو تعبدي محض وحكمته تخفى علينا ولم تذكر في كتاب ولا في سنة. ومثال الأول: تحريم الخمر والميسر، وقد ذكر الله تعالى لنا حكمة تحريمها وهي: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) المائدة/91 ومثلها كثير من الأحكام. ومثال الثاني: كون صلاة الظهر عند زوال الشمس، وطواف المسلم حول الكعبة وهي عن يساره وكون نصاب الذهب ربع العشر، وكون صلاة المغرب ثلاث ركعات. ومثلها كثير من الأحكام. وما جاء في السؤال هو من القسم الثاني، وهو ما لم نعلم حكمته من الكتاب ولا من السنة، فوجب التسليم لأمر الله تعالى، وهكذا ستتكرر الأسئلة في الأحكام جميعها. فالواجب أن يقف المسلم عند ما أبهم الله حكمته ويقول كما يقول المؤمنون (سمعنا وأطعنا) وأن لا يكون كبني إسرائيل الذين قالوا (سمعنا وعصينا) والوقوف عند قوله تعالى (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون) الأنبياء/23، خير له في دينه ودنياه فهو عبد وله ربّ وليس للعبد أن يسأل الرب لم حكم؟ بل الواجب أن يمتثل لأمره سبحانه، فإن أعلمنا عملنا، وإن لم يعلمنا عملنا أيضاً. 3- في " الموسوعة الفقهية الكويتية " (1/49-51) كلام نفيس ننقله للفائدة: نقسم مسائل الفقه من حيث إدراك حكمة التشريع فيه أو عدم إدراكها إلى قسمين: أولهما: أحكام معقولة المعنى , وقد تسمى أحكاما معللة , وهي تلك الأحكام التي تدرك حكمة تشريعها , إما للتنصيص على هذه الحكمة , أو يسر استنباطها. وهذه المسائل هي الأكثر فيما شرع الله سبحانه وتعالى , وذلك كتشريع الصلاة والزكاة والصيام والحج في الجملة , وكتشريع إيجاب المهر في النكاح , والعدة في الطلاق والوفاة , ووجوب النفقة للزوجة والأولاد والأقارب , وكتشريع الطلاق عندما تتعقد الحياة الزوجية. . . إلى آلاف المسائل الفقهية. وثانيهما: أحكام تعبدية , وهي تلك الأحكام التي لا تدرك فيها المناسبة بين الفعل والحكم المرتب عليه , وذلك كعدد الصلوات وعدد الركعات وكأكثر أعمال الحج. ومن رحمة الله سبحانه وتعالى أن هذه الأحكام قليلة بالنسبة إلى الأحكام المعقولة المعنى. وتشريع هذه الأحكام التعبدية إنما يراد به اختبار العبد هل هو مؤمن حقا؟ ومما ينبغي أن يعلم في هذا المقام أن الشريعة في أصولها وفروعها لم تأت بما ترفضه العقول , ولكنها قد تأتي بما لا تدركه العقول , وشتان بين الأمرين , فالإنسان إذا اقتنع - عقليا - بأن الله موجود , وأنه حكيم , وأنه المستحق وحده للربوبية دون غيره , واقتنع - عقليا - بما شاهد من المعجزات والأدلة - بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم المبلغ عنه فإنه بذلك قد أقر لله سبحانه وتعالى بالحاكمية والربوبية , وأقر على نفسه بالعبودية , فإذا ما أُمِرَ بأمر , أو نهي عن شيء , فقال: لا أمتثل حتى أعرف الحكمة فيما أمِرْتُ به أو نهيتُ عنه , يكون قد كذب نفسه في دعوى أنه مؤمن بالله ورسوله , فإن للعقول حدا ينتهي إليه إدراكها , كما أن للحواس حدا تقف عنده لا تتجاوزه. وما مثل المتمرد على أحكام الله تعالى التعبدية إلا كمثل مريض ذهب إلى طبيب موثوق بعلمه وأمانته , فوصف له أنواعا من الأدوية , بعضها قبل الأكل وبعضها أثناءه وبعضها بعده مختلفة المقادير , فقال للطبيب: لا أتعاطى دواءك حتى تبين لي الحكمة في كون هذا قبل الطعام وهذا بعده , وهذا أثناءه , ولماذا تفاوتت الجرعات قلة وكثرة؟ فهل هذا المريض واثق - حقا - بطبيبه؟ فكذلك من يدعي الإيمان بالله ورسوله , ثم يتمرد على الأحكام التي لا يدرك حكمتها , إذ المؤمن الحق إذا أمر بأمر أو نهي عنه يقول سمعت وأطعت , ولا سيما بعد أن بينا أنه ليس هناك أحكام ترفضها العقول السليمة , فعدم العلم بالشيء ليس دليلا على نفيه , فكم من أحكام خفيت علينا حكمتها فيما مضى ثم انكشف لنا ما فيها من حكمة بالغة , فقد كان خافيا على كثير من الناس حكمة تحريم لحم الخنزير , ثم تبين لنا ما يحمله هذا الحيوان الخبيث من أمراض وصفات خبيثة أراد الله سبحانه وتعالى أن يحمي منها المجتمع الإسلامي. ومثل ذلك يقال في الأمر بغسل الإناء الذي ولغ فيه الكلب سبع مرات إحداهن بالتراب. . إلى غير ذلك من الأحكام التي تكشف الأيام عن سر تشريعها وإن كانت خافية علينا الآن. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 9603 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 719 مسلم جديد يريد أن يتعلم الدين [السُّؤَالُ] ـ[ي يتضمن أشياء كثيرة. دخلت الإسلام حديثاً جداً منذ فترة قصيرة جداً وفي البداية كنت أحافظ على كل الصلوات قدر استطاعتي (أنا لا أعلم اللغة العربية) وقال لي شخص إنني يجب فقط أن أتكلم باللغة العربية … فتوقفت عن الصلاة في نهاية الأمر … . وأنا أفكر في ربي عدة مرات كل يوم … . وأتبع تعاليم الإسلام … ولكنني لا أستطيع أن أتوقف عن بعض الأشياء التي أعلم أنها خاطئة … . ومنذ أن هداني الله فقد بدلت حياتي للأفضل كثيراً وأنا الآن أسعد حالاً مما كنت لسنوات طوال. فقد كنت أشرب الخمر حتى الثمالة كل يوم وأنا الآن تقريبا لا أشرب مطلقا وكنت أقامر بأموالي كلها والآن توقفت عن ذلك تقريبا بالكلية وعندما أفعل هذه الأشياء الخاطئة أشعر بأنها خطأ وأنني لا أريد أن أعود لسابق عهدي وأشعر أن الله يهديني بطرق لا أعرفها.. أنا لا أشعر بالذنب ولكنني أشعر لماذا أفعل هذا.. وقد سألت عدة مسلمين أعمل معهم وحتى شخص قابلته على شبكة الإنترنت سألتهم أن يعلموني الصلاة بالكيفية الصحيحة ويساعدوني في أمور أخرى.. ولكن ولأنني استرالي فهم لا يشعرون أنني جاد في إسلامي … لذا كانوا مترددين. أنا لست شخصاً جيداً على ما أعتقد.. ولكنني أفضل حالاً بكثير مما كنت عليه من قبل وبعون الله وهدايته أعلم أنني أستطيع أن أنجح … ما زال أمامي الكثير لأتعلمه … من فضلك انصحني.. هل يجب علي أن أحاول بمفردي أم أظل أطلب المساعدة من المسلمين رغم أنهم لا يبدو أنهم يريدون مساعدتي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحمد لله أولاً وأخراً.. والشكر له دائماً وأبداً.. يمنُّ على من يشاء بالهداية.. وينعم على من شاء بالسعادة.. ويُنجي عبده من الضلالة.. وينصر أولياءه إلى قيام الساعة. أيها الأخ المسلم.. هنيئاً لك على نعمة الهداية.. ونسأل الله لك الثبات حتى الممات. لقد كان إنجازاً عظيماً حين قررت أن تعتنق دين الإسلام، وأن تترك الضلال الذي نشأت عليه، وتجتنب الشرك الذي نُهيت عنه، فأهلاً بك أخاً جديداً للمسلمين، ومرحباً بك زائراً كريماً في هذا الموقع. في البداية.. نذكرك بأن الإنسان في هذه الدنيا يمرُّ بامتحان عظيم، وبلاءٍ جسيم، يحتاج معه إلى الصبر والثبات، والعزم حتى الممات، (يا أيها الإنسان إنك كادحٌ إلى ربك كدحاً فملاقيه) . ومن جملة ما ابتلى الله به عباده ما افترض عليهم من الفرائض والواجبات كالصلوات والصوم والزكاة والحج وسائر العبادات، وما نهاهم عنه من الكذب والغش والزنا واللواط وسائر المحرمات، ليرى المؤمن الصادق الذي ينفذ أمر الله فيدخله الجنة، ويرى الكاذب المنافق الذي يترك طاعة الله فيدخله الله النار. فاحرص - وفقك الله – على بذل الجهد في تعلم أمر الله لتفعله، وتعلم ما حرم الله لتجتنبه. والأوامر كثيرة، والنواهي مثلها , وتعدادها أو شرحها في مكان واحد متعذر، ولكنَّا نُحيلُك على ما ورد في موقعنا هذا من الأسئلة التي اشتملت على تعاليم الدين الحنيف، فلعلك أن تتصفحها، وتقرأ ما ورد فيها لعل الله أن ينفعك بها. وأما ما ذكرته في سؤالك من أنه يجب عليك أن تتعلم اللغة العربية، فهذا صحيح ولكن ليس كل اللغة، بل الواجب تعلم ما تحتاج إليه في أُمور دينك انظر السؤال (6524) ، وعدم معرفتك للغة العربية ليس مسوغاً لترك الصلاة لأنك تستطيع أن تتعلم ما تحتاجه في صلاتك في وقت يسير، وإلى أن تتعلمه فعليك أن تحافظ على الصلاة في وقتها، وتصلي حسب استطاعتك، و (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) . وأما كيفية الصلاة فستجد الجواب في الموقع برقم (13340) ، وانظر للفائدة (8580) و (2427) و (11040) . وختاماً ننصحك أيها الأخ بالبحث عن مركز إسلامي في بلدك، ومصاحبة المسلمين المتمسكين بدينهم، ولا تنسَ متابعة المواقع الموثوقة، والحرص على الاستفادة منها بقدر الإمكان، كما نفيدك بأننا نَسْعَدُ بخدمتك وخدمة أمثالك ممن يحرصون على ما ينفعهم، وسنقدم لكم ما نستطيع من التوجيه والإرشاد، فكن معنا على اتصال، والله يحفظك ويرعاك، والسلام. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20267 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 720 أوقات النهي عن الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[ما هي أوقات النهي عن الصلاة خلال اليوم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أوقات النهي ثلاثة على سبيل الاختصار، وخمسة على سبيل البسط وهي: من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس. ومن طلوع الشمس إلى ارتفاعها قيد رمح، ويقدر هذا الوقت باثنتي عشرة دقيقة، والاحتياط جعله ربع ساعة. وعند قيام الشمس في الظهيرة حتى تزول عن كبد السماء. ومن صلاة العصر إلى غروب الشمس. وعند شروع الشمس في الغروب إلى أن يتم ذلك. وأما على سبيل الاختصار فهي: من الفجر إلى أن ترتفع الشمس قيد رمح. وحين يقوم قائم الظهيرة إلى أن تزول. (والمعنى: ومن صلاة العصر حتى يتم غروب الشمس. وقولنا: من طلوع الفجر، يعني منع التطوع بعد أذان الفجر إلا بسنة الفجر، وهذا ما ذهب إليه الحنابلة وذهب الشافعية إلى أن النهي يتعلق بصلاة الفجر نفسها، فلا يمنع التطوع بين الأذان والإقامة، وإنما يكون المنع بعد أداء فريضة الفجر. وهذا هو الراجح، لكن لا ينبغي للإنسان بعد طلوع الفجر أن يتطوع بغير ركعتي الفجر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يصلي ركعتين خفيفتين بعد طلوع الفجر. (انظر الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين رحمه الله 4/160) . ويدل على ما سبق: ما رواه البخاري (547) ومسلم (1367) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَال: (شَهِدَ عِنْدِي رِجَالٌ مَرْضِيُّونَ وَأَرْضَاهُمْ عِنْدِي عُمَرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الصَّلاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَشْرُقَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ) . وروى البخاري (548) ومسلم (1371) عن ابْنُ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَأَخِّرُوا الصَّلاةَ حَتَّى تَرْتَفِعَ وَإِذَا غَابَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَأَخِّرُوا الصَّلاةَ حَتَّى تَغِيبَ) وروى البخاري (551) عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لا صَلاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ وَلا صَلاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ) وروى مسلم (1373) عن عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الْجُهَنِيَّ يَقُولُ: (ثَلاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 48998 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 721 هل يقتل الثعبان أو العقرب أثناء الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[إذا شرع رجل في صلاته وهذه الصلاة فرض من الأوقات الخمسة ورأى أمامه ثعبانا أو عقربا فهل يقطع صلاته ويقتل ذلك أم يتم صلاته؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم يقطع صلاته ويقتل الثعبان أو العقرب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اقتلوا الأسودين في الصلاة الحية والعقرب) . أخرجه أهل السنن وصححه ابن حبان، وإن أمكن قتلهما وهو في صلاته من دون عمل كثير عرفا فلا بأس وصلاته صحيحة. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 7/31. الحديث: 9903 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 722 إمامة الرجل غير المختون [السُّؤَالُ] ـ[إذا أسلم رجل أو أمرأة بعد أن بلغ عمرهما ثلاثين سنة أو أكثر أو أقل هل يلزمهما الختان، وهل يجوز إمامة الرجل غير المختون؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن الختان من سنن الفطرة في حق الرجال والنساء فإن تركه بعد أن كبرت سنه فلا شيء عليه، وأما إمامة غير المختون فصحيحة. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 5/117 الحديث: 2140 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 723 هل تُقبل صلاة آكل الطعام المحرم [السُّؤَالُ] ـ[هل صحيح أنه إذا أكلت طعاماً حراماً فإن صلاتك لن تقبل لمدة أربعين يوماً؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا أكلت طعاماً حراماً تسبَّبت في ردِّ دعوتك، ولذا جاء في الحديث القدسي: " وغُذِّي بالحرام، فأنَّى يُستجاب لذلك ". وهذا استبعاد لإجابة دعوته، أما صلاته المشتملة على الدعاء وغيره فهي مقبولة، بمعنى أنها مجزئة مُسقطة للطلب، فلا يُؤمر بإعادتها، وجاء فيمن شرِب المسكر لم يقبل الله له صلاة أربعين يوماً. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد الكريم الخضير الحديث: 10191 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 724 جواز الصلاة بالأحذية [السُّؤَالُ] ـ[هل تجوز الصلاة بالأحذية للضرورة أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم يجوز ذلك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلّى وهو منتعل حذاءه، ففي الصحيح من حديث أبي سعيد قال: (صلّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لابس نعليه، قال: فخلعهما، فخلع الناس نعالهم، ثم لما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا، فقال: (إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما أذى فخلعتهما، فإذا جاء أحدكم المسجد فلينظر فإذا رأى في نعليه أذى أو قذراً فليمسحهما، فطهورهما التراب) رواه أبو داود رقم (650) أو كما ورد، فالحاصل أن الصلاة بالنعلين جائزة فقد جاء الحديث: (خالفوا اليهود، صلوا في خفافكم ونعالكم) رواه أبو داود رقم (652) ، لكن الشرط أن تكون النعال طاهرة، فإذا كانت النعال فيها نجاسة أو وطئ بها أذى، فلا ينبغي أن يصلي الإنسان منتعلاً، ولا يدخل المسجد بنعليه إلا إذا تحققت سلامة النعلين من الأذى ومن النجاسة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد الله بن حميد ص 93 الحديث: 12033 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 725 فيما إذا عطس في صلاته [السُّؤَالُ] ـ[إذا عطس في الصلاة هل يستحب له أن يقول: الحمد لله؟ وإذا قاله هل يستحب لمن سمعه أن يقول له: يرحمك الله؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، يستحب له ذلك، ويستحب لسامعه الذي ليس في صلاة ونحوها أن يقول له: يرحمك الله. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 4058 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 726 حضر وقت الصلاة وهو في بيت شخص نصراني [السُّؤَالُ] ـ[أحياناً يحين وقت الصلاة وأنا في بيت أحد النصارى فآخذ سجادتي الخاصة وأصلي أمامهم، فهل صلاتي صحيحة، لكونها في بيت من بيوتهم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم تصح صلاتك، زادك الله حرصاً على طاعته، وخاصة أداء الصلوات الخمس في أوقاتها، والواجب أن تحرص على أدائها في جماعة، وتعمر بها المساجد ما استطعت إلى ذلك سبيلاً. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى اللجنة الدائمة 6/270. الحديث: 2188 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 727 الفروق بين النساء والرجال في الصلاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك اختلاف بين النساء والرجال في كيفية أداء الصلاة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأصل أنّ المرأة في جميع أحكام الدين مثل الرجل سواء بسواء لقوله صلى الله عليه وسلم: " إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ ". رواه الإمام أحمد وصححه في صحيح الجامع 1983، إلا إذا دلّ الدليل على اختصاصهنّ بشيء، ومما ذكره العلماء في هذا في موضوع الصلاة ما يلي: - ليس على المرأة أذان ولا إقامة لأن الأذان شرع له رفع الصوت والمرأة لا يجوز لها رفع صوتها، قال ابن قدامة رحمه الله: لا نعلم فيه خلافاً (1/438 المغني مع الشرح الكبير) . - كل المرأة عورة في الصلاة إلا وجهها، وذلك لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار " رواه الخمسة. وفي كعبها وقدميها خلاف. قال في المغني (2/328) . وأما سائر بدن المرأة الحُرَّة فيجب سترها في الصلاة وإن انكشفت منه شيء لم تصح صلاتها إلا أن يكون يسيراً وبهذا قال مالك والأوزاعي والشافعي. - أنَّ المرأة تجمع نفسها في الركوع والسجود بدلاً من التجافي … لأنه أستر لها. المغني (2/258) . وقال النووي قال الشافعي في المختصر ولا فرق بين الرجال والنساء في عمل الصلاة إلا أن المرأة يستحب لها أن تضم بعضها إلى بعض وأن تلصق بطنها بفخذيها في السجود كأستر ما تكون وأحب ذلك لها في الركوع وفي جميع الصلاة. انتهى (انظر المجموع (3/429) . - استحباب صلاة النساء جماعة بإمامة إحداهن لحديث: أمر النبي صلى الله عليه وسلم أمّ ورقة أن تؤم أهل دارها. وفي المسألة خلاف بين العلماء فليراجع المغني (2/202) والمجموع النووي 4/84-85 وتجهر المرأة بالقراءة إذا لم يسمعها رجال غير محارم. - يباح للنساء الخروج من البيوت للصلاة مع الرجال في المساجد وصلاتهن في بيوتهن خير لهن لقوله صلى الله عليه وسلم " لا تمنعوا النساء أن يخرجن إلى المساجد وبيوتهن خير لهن " (لمزيد من التفاصيل في هذه المسألة يُراجع سؤال رقم 983) . - وقال الإمام النووي رحمه الله في المجموع 3/455: ويخالف النساء الرجال في صلاة الجماعة في أشياء: 1- لا تتأكد في حقهن كتأكدها في حق الرجال. 2- تقف إمامتهن وسطهن. 3- تقف واحدتهن خلف الرجل لا بجنبه بخلاف الرجل. 4- إذا صلين صفوفاً مع الرجال فآخر صفوفهن أفضل من أولها وفائدة مما سبق يُعلم تحريم الاختلاط انتهى. والله الموفق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 1106 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 728 كيف كان ابتداء تشريع الصلاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[سمعت بأن المسلمين في صدر الإسلام كانوا يصلون 40 صلاة في اليوم ثم قل العدد إلى 5 صلوات لعلم الله سبحانه وتعالى بأنه يصعب على الكثير القيام بها، هل حصل هذا لأن الله يريد أن يرينا رحمته؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما سمعتَه فيما يتعلق بالصلاة غير صحيح، والصواب: أن الله تعالى فرض الصلاة أول الأمر – في ليلة المعراج بنبينا صلى الله عليه وسلم - خمسين صلاة في اليوم والليلة، ثم لم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه التخفيف حتى صارت خمس صلوات في اليوم والليلة، وقد أمضى الله أمره في الأجر لا في الأداء، فمن صلى خمس صلوات فإنه يأخذ ثواب خمسين صلاة. عن أنس بن مالك قال: كان أبو ذر يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فرج عن سقف بيتي وأنا بمكة فنزل جبريل صلى الله عليه وسلم ففرج صدري ثم غسله بماء زمزم ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا فأفرغه في صدري ثم أطبقه ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء الدنيا فلما جئت إلى السماء الدنيا قال جبريل لخازن السماء افتح قال من هذا قال هذا جبريل قال هل معك أحد قال نعم معي محمد صلى الله عليه وسلم فقال أرسل إليه قال نعم فلما فتح علونا السماء الدنيا ... ففرض الله عز وجل على أمتي خمسين صلاة فرجعت بذلك حتى مررت على موسى فقال: ما فرض الله لك على أمتك؟ قلت: فرض خمسين صلاة، قال: فارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك، فراجعت فوضع شطرها، فرجعت إلى موسى، قلت: وضع شطرها، فقال: راجع ربك فإن أمتك لا تطيق، فراجعت فوضع شطرها، فرجعت إليه، فقال: ارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك، فراجعته، فقال: هي خمس، وهي خمسون، لا يبدل القول لدي، فرجعت إلى موسى، فقال: راجع ربك، فقلت: استحييت من ربي ... رواه البخاري (342) ومسلم (163) . قال الحافظ ابن حجر: والمراد: هنَّ خمس عدداً باعتبار الفعل، وخمسون اعتدادا باعتبار الثواب. " فتح الباري " (1 / 463) . والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 26155 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 729 صلاة كبير السن الذي وصل إلى مرحلة الخرف [السُّؤَالُ] ـ[والدتي تبلغ من العمر 61 عاما تعول جدي البالغ من العمر بضعا وتسعين عاماً، بدأ منذ فترة بعيدة بفقدان عقله وبدأ يهيأ له بعض الأمور، كما أنه ليس لديه إحساس بالوقت، وعندما يقوم للصلاة ونعلمه أن هذا الوقت هو وقت الظهر مثلاً نجده يصلي المغرب أو الفجر على سبيل المثال، ينادي على أمي في منتصف الليل لتقوم له بإحضار وجبة الإفطار أو ليصلي العصر على سبيل المثال، السؤال: هل على جدي صلاة أم أنها مرفوعة عنه؟ من الممكن أن ينادي جدي على أمي تكراراً ومراراً دون أن يكون له حاجة، فتارة يسألها عن الساعة وتارة يحكي لها قصة تاريخية، ووالدتي كبيرة في السن ولا تتحمل الذهاب والإياب إلى غرفته بكثرة، فهل إذا تيقنت أمي أنه ليس لديه حاجة وأنها قامت بمتطلباته من أكل ووضوء وصلاة وما إلى ذلك هل من الممكن ألا ترد عليه دون أن تأثم بذلك؟،، وخصوصاً أنه كثير النداء في منتصف الليل.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا كان الأمر كما ذكرت، فإن جدك لا تجب عليه الصلاة؛ لاختلال عقله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ) رواه أبو داود (4403) والترمذي (1423) والنسائي (3432) وابن ماجه (2041) قَالَ أَبُو دَاوُد: رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَادَ فِيهِ: (وَالْخَرِفِ) . والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود. والخرف هو فساد العقل بسبب كبر السن، وقد ذكر في "عون المعبود" ضعف هذه الرواية التي فيها ذكر " الخرف" من حيث الإسناد، إلا أنه ذكر عن السبكي ما يفيد أن معناها صحيح، قَالَ السُّبْكِيّ: الخرف زَائِد عَلَى الثَّلَاثَة، وَهَذَا صَحِيح، وَالْمُرَاد بِهِ الشَّيْخ الْكَبِير الَّذِي زَالَ عَقْله مِنْ كِبَر؛ فَإِنَّ الشَّيْخ الْكَبِير قَدْ يَعْرِض لَهُ اِخْتِلاط عَقْل يَمْنَعهُ مِنْ التَّمْيِيز، وَيُخْرِجهُ عَنْ أَهْلِيَّة التَّكْلِيف، وَلا يُسَمَّى جُنُونًا ; لأَنَّ الْجُنُون يَقْبَل الْعِلاج وَالْخَرَف بِخِلافِ ذَلِكَ , وَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ فِي الْحَدِيث: (حَتَّى يَعْقِل) لأَنَّ الْغَالِب أَنَّهُ لا يَبْرَأ مِنْهُ إِلَى الْمَوْت , وَلَوْ بَرِئَ فِي بَعْض الأَوْقَات بِرُجُوعِ عَقْله تَعَلَّقَ بِهِ التَّكْلِيف " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله مبينا أن الخرف يرفع التكليف: " لا يجب الصوم أداءً إلا بشروط: أولها: العقل. الثاني: البلوغ. الثالث: الإسلام. الرابع: القدرة. الخامس: الإقامة. السادس: الخلو من الحيض والنفاس بالنسبة للنساء. - الأول: العقل وضده فقد العقل، سواءً بجنون أو خرف يعني: هرم، أو حادث أزال عقله وشعوره، فهذا ليس عليه شيء؛ لفقد العقل، وعلى هذا فالكبير الذي وصل إلى حد الهذرمة ليس عليه صيام ولا إطعام؛ لأنه لا عقل له، وكذلك من أغمي عليه بحادث أو غيره فإنه ليس عليه صوم ولا إطعام؛ لأنه ليس بعاقل " انتهى من "لقاء الباب المفتوح". والحاصل أن من وصل إلى مرحلة الخرف، وأصبح لا يدرك الوقت، ولا يميز بين الصلوات، فهذا لا تجب عليه الصلاة. ثانيا: إذا قامت والدتك بما يحتاجه جدك من طعام وشراب وغيره، وغلب على ظنها أن نداءه لها، ليس لحاجة، وإنما هو بسبب ما اعتراه من الكبر، فلا حرج عليها في ترك إجابته، لاسيما مع حصول المشقة بذلك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 90189 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 730 النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها [السُّؤَالُ] ـ[إذا صلى المسلم وقت طلوع الشمس أو غروبها، فإن ذلك يشابه الصلاة بين قرني الشيطان. وأن هذين الوقتين لا يجوز الصلاة فيهما. وأيضا فقد ذكر بأن الوقتين المذكورين آنفا هما الوقتان اللذان تصلي فيها الجن للشيطان.. فهل هذا حديث صحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، ورد في صحيح البخاري (581) وصحيح مسلم (831) النهي عن الصلاة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس وترتفع قيد رمح، وعن الصلاة عند زوال الشمس وقت الظهر، وعن الصلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس وأخبر صلى الله عليه وسلم أن الشمس تطلع وتغرب بين قرني شيطان وفي ذلك الوقت يسجد لها الكفار. الشيخ سعد الحميد. ولم يرد في الحديث أن الجن يصلون فيها للشياطين، بل إن الشياطين هم مردة الجن. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 12485 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 731 حكم المصافحة ورفع اليدين بالدّعاء بعد السلام من الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[بالنسبة للمصافحة بعد التسليم من صلاة الفرض، ورفع اليدين للدعاء بعد الفريضة كذلك. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيننا على طلب العلم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله كلا الأمرين الذين ذكرتهما أيها السائل الكريم لم يرد عليهما نصّ شرعي فعلينا باتّباع السنّة والبعد عن الابتداع في الدّين، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشرّ الأمور محدثاتها وكلّ محدثة بدعة وكلّ بدعة ضلالة. واعلم وفقني الله وإياك أنّ المحذور ليس في مصافحة المسلم أخاه المسلم ولا في رفع اليدين ودعاء الله عزّ وجلّ ولكنّ المحذور في توقيت هذين الأمرين بعد السّلام من الصّلاة والمواظبة على ذلك، ولذلك لو رفع يديه ودعا بين الأذان والإقامة - كما وردت السنّة باستحباب الدعاء في هذا الوقت - أو صافح من لقي من إخوانه عند دخول المسجد أو الخروج منه أو لقي أخاه بجانبه بعد غياب فصافحه فلا حرج في ذلك مطلقا. نسأل الله أن يوفقّنا لاتّباع السنّة واقتفاء أثر الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم. والله تعالى أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 1884 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 732 دفع وساوس الشيطان [السُّؤَالُ] ـ[يقرأ الإمام بعض الأحيان سورا طويلة ويحدث أن يشرد فكري من دون إرادتي فماذا ينبغي علي أن أفعله وهل يجوز لي ترديد آيات قرآنية أو أدعية دينية أم ينبغي لي الاستماع إلى قراءة الإمام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ادفع ما يعترضك في صلاتك من خواطر الدنيا ومشاغلها قدر الطاقة واستمع لقراءة الإمام الجهرية وتدبر معاني ما يقرأ لتنتفع به ويدفع عنك الهواجس ويرد عنك وساوس الشيطان واقرأ الفاتحة في السرية والجهرية وسورة أو آيات من القرآن في السرية مع تدبر واعتبار عسى أن يكف الله بذلك عنك ما يعتريك من شرود الفكر، ويشرع لك التعوذ بالله من الشيطان الرجيم عند كثرة الوسوسة. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 7/40. الحديث: 8597 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 733 هل النية شرط للجمع [السُّؤَالُ] ـ[هل النية شرط لجواز الجمع؟ فكثيراً ما يصلون المغرب بدون نية الجمع وبعد صلاة المغرب يتشاور الجماعة فيرون الجمع ثم يصلون العشاء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف العلماء، والراجح أن النية ليست بشرط عند افتتاح الصلاة الأولى، بل يجوز الجمع بعد الفراغ من الأولى إذا وجد شرطه من خوف أو مطر أو مرض. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - ج/12 ص/294. الحديث: 22308 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 734 حكم رفع الصوت بالذكر بعد الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[بعض الإخوة يرفعون أصواتهم بالذكر بعد الفراغ من الصلاة وخاصة صلاة الفجر بحجة حديث ابن عباس وغيره، بحيث يشوشون على باقي المصلين وعندما يقال لهم هذا يقولون: نحن نتبع السنة وهؤلاء لو رفعوا أصواتهم مثلنا لما سمعونا ولم نشوش عليهم فهل فعلهم صحيح؟ وهل يجبر الآخرون على رفع أصواتهم وفيهم العامي وكبير السن الذي لا يستجيب بسهولة؟ وما مقدار رفع الصوت؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: اختلف الفقهاء في رفع الصوت بالذكر بعد الصلاة، فمنهم من ذهب إلى أنه سنة، ومنهم من كره ذلك وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يداوم عليه وإنما فعله للتعليم ثم تركه. وسبب الخلاف: اختلافهم فيما رواه البخاري (805) ومسلم (583) عن أبي معبد مولى ابن عباس أن ابن عباس رضي الله عنهما أخبره أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقال ابن عباس: كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته. وفي رواية للبخاري (806) ومسلم (583) عن ابن عباس قال: (كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكبير) . فاختلفوا هل هذا يدل على المداومة أم لا؟ وهل يعارض قوله تعالى: (َاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ) الأعراف/205، أم لا يعارضه. فممن ذهب إلى رفع الصوت بالذكر بعد الصلاة: الطبري وابن حزم وشيخ الإسلام وغيرهم. وممن ذهب إلى أن ذلك كان للتعليم: الشافعي والجمهور. قال الشافعي رحمه الله: " وأختار للإمام والمأموم أن يذكر الله بعد الانصراف من الصلاة، ويخفيان الذكر إلا أن يكون إماماً يجب أن يُتعلم منه فيجهر حتى يرى أنه قد تُعلم منه، ثم يسر؛ فإن الله عز وجل يقول (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها) يعنى – والله تعالى أعلم -: الدعاء، (ولا تجهر) ترفع، (ولا تخافت) حتى لا تُسمع نفسك. وأحسب ما روى ابن الزبير من تهليل النبي صلى الله عليه وسلم، وما روى ابن عباس من تكبيره كما رويناه - قال الشافعي: وأحسبه إنما جهر قليلاً ليتعلم الناس منه؛ وذلك لأن عامة الروايات التي كتبناها مع هذا وغيرها ليس يذكر فيها بعد التسليم تهليل، ولا تكبير. وقد يذكر أنه ذكر بعد الصلاة بما وصفت ويذكر انصرافه بلا ذكر. وذكرتْ أم سلمة مكثه ولم تذكر جهراً، وأحسبه لم يمكث إلا ليذكر ذكراً غير جهر " انتهى من "الأم" (1 /127) . وقال ابن حزم رحمه الله: " ورفع الصوت بالتكبير إثر كل صلاة حسن " انتهى من "المحلى" (3 /180) . ونقل البهوتي في "كشاف القناع" (1/366) عن شيخ الإسلام ابن تيمية استحباب الجهر: " (قال الشيخ [أي ابن تيمية] : ويستحب الجهر بالتسبيح والتحميد والتكبير عقب كل صلاة ". وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله عن حكم المسألة فأجاب: " الجهر بالذكر بعد الصلوات المكتوبة سنة، دل عليها ما رواه البخاري من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وكنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته) . ورواه الإمام أحمد وأبو داود. وفي الصحيحين من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا قضى الصلاة: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له..) الحديث. ولا يُسمع القول إلا إذا جهر به القائل. وقد اختار الجهر بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وجماعة من السلف والخلف، لحديثي ابن عباس، والمغيرة رضي الله عنهم. والجهر عام في كل ذكر مشروع بعد الصلاة سواء كان تهليلا، أو تسبيحا، أو تكبيرا، أو تحميدا لعموم حديث ابن عباس، ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم التفريق بين التهليل وغيره بل جاء في حديث ابن عباس أنهم يعرفون انقضاء صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالتكبير، وبهذا يُعرف الرد على من قال لا جهر في التسبيح والتحميد والتكبير. وأما من قال: إن الجهر بذلك بدعة، فقد أخطأ فكيف يكون الشيء المعهود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بدعة؟! قال الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله: (ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من فعله وتقريره، وكان الصحابة يفعلون ذلك على عهد النبي صلى الله عليه وسلم بعد تعليمهم إياه، ويقرهم على ذلك فعلموه بتعليم الرسول صلى الله عليه وسلم إياهم، وعملوا وأقرهم على ذلك العمل بعد العلم به ولم ينكره عليهم) . وأما احتجاج منكر الجهر بقوله تعالى: (واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال) . فنقول له: إن الذي أمر أن يذكر ربه في نفسه تضرعا وخيفة هو الذي كان يجهر بالذكر خلف المكتوبة، فهل هذا المحتج أعلم بمراد الله من رسوله، أو يعتقد أن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم المراد ولكن خالفه، ثم إن الآية في ذكر أول النهار وآخره (بالغدو والآصال) وليست في الذكر المشروع خلف الصلوات، وقد حمل ابن كثير في تفسيره الجهر على الجهر البليغ. وأما احتجاج منكر الجهر أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم: (أيها الناس أربعوا على أنفسكم ... ) الحديث. فإن الذي قال: (أيها الناس أربعوا على أنفسكم) هو الذي كان يجهر بالذكر خلف الصلوات المكتوبة، فهذا له محل، وذاك له محل، وتمام المتابعة أن تستعمل النصوص كل منها في محله. ثم إن السياق في قوله: (أربعوا على أنفسكم) يدل على أنهم كانوا يرفعون رفعا بليغا يشق عليهم ويتكلفونه، ولهذا قال: (أربعوا على أنفسكم) . أي: ارفقوا بها ولا تجهدوها، وليس في الجهر بالذكر بعد الصلاة مشقة ولا إجهاد. أما من قال: إن في ذلك تشويشا. فيقال له: إن أردت أنه يشوش على من لم يكن له عادة بذلك، فإن المؤمن إذا تبين له أن هذا هو السنة زال عنه التشويش، وإن أردت أنه يشوش على المصلين، فإن المصلين إن لم يكن فيهم مسبوق يقضي ما فاته فلن يشوش عليهم رفع الصوت كما هو الواقع، لأنهم مشتركون فيه، وإن كان فيهم مسبوق يقضي، فإن كان قريبا منك بحيث تشوش عليه فلا تجهر الجهر الذي يشوش عليه لئلا تلبس عليه صلاته، وإن كان بعيدا منك فلن يحصل عليه تشوش بجهرك. وبما ذكرنا يتبين أن السنة رفع الصوت بالذكر خلف الصلوات المكتوبة، وأنه لا معارض لذلك لا بنص صحيح ولا بنظر صريح " انتهى. وقال أيضا: " لأن الأصوات إذا اختلطت تداخل بعضها في بعض فارتفع التشويش، كما تشاهد الآن في يوم الجمعة الناس يقرأون كلهم القرآن يجهرون به ويأتي المصلي ويصلي ولا يحدث له تشويش ". وقال رحمه الله: " فالمهم أن القول الراجح: أنه يسن الذكر أدبار الصلوات على الوجه المشروع، وأنه يسن الجهر به أيضا - أعني رفع الصوت - ولا يكون رفعا مزعجا فإن هذا لا ينبغي، ولهذا لما رفع الناس أصواتهم بالذكر في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام في قفولهم من خيبر قال: (أيها الناس، أربعوا على أنفسكم) ، فالمقصود بالرفع، الرفع الذي لا يكون فيه مشقة وإزعاج " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (13/247، 261) . ثانيا: قد تبين مما ذكرنا أن الأمر فيه سعة، وأن الخلاف في المسألة قديم، ولعل الراجح هو ما ذكره الشيخ رحمه الله من رفع الصوت، لكن يكون رفعا من غير إزعاج. وأما من أشرت إليهم من العوام وكبار السن، فإنه سيعتادون ذلك بعد مدة، وقد يكون من المناسب قراءة كلام الشيخ عليهم، ليعلموا السنة، ويرغبوا في تطبيقها. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 87768 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 735 بدأت الطفلة بالاختناق والأم تصلي [السُّؤَالُ] ـ[حدث أن كنت أصلي وبدأت طفلتي _ ذات الثلاث شهور ـ في الاختناق ولم يكن هناك أحد في المنزل فقطعت صلاتي لمساعدتها فهل فعلي هذا لهذه الطوارئ حرام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فعلك هذا لا حرام فيه ولا إثم عليك فيه، بل هو واجب عليك لأنه من حفظ النفس وإحيائها الذي حث عليه الشرع، قال تعالى: (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً) ، وقد روي عن عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن عبد الله وعن ناس من أصحاب رسول الله في تفسير هذه الآية: " ومن أحياها: فاستنقذها من هلكة، فكأنما أحيا الناس جميعا عند المستنقذ " تفسير الطبري 6 / 199. وإنقاذ النّفس المعصومة واجب على من قدِر عليه، وحفظ النّفس من الضرورات الخمس التي جاءت بها الشّريعة (وهي النفس والعقل والمال والدين والنسل) ، وبالنسبة للصلاة فعليك إعادتها بعد مساعدة الطفلة، والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 7698 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 736 هل الصلوات الخمس مذكورة في القرآن [السُّؤَالُ] ـ[قال تعالى: (فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون، وله الحمد في السموات والأرض وعشياً وحين تظهرون) الروم. الآيات هنا ذكرت أربع صلوات فقط، مع أن المسلمين يؤدون خمس صلوات " زائداً السنة " فلماذا لم تذكر الصلاة الخامسة؟ أنا مسلم جاد في السؤال ولا أحاول إطلاقا تخطئة القرآن.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله جاء في تفسير هذه الآية، عن ابن عباس رضي الله عنه قال: الصلوات الخمس في القرآن، فقيل له: أين؟ فقال: قال الله تعالى: (فسبحان الله حين تمسون) صلاة المغرب والعشاء، (وحين تصبحون) صلاة الفجر، (وعشياً) العصر، (وحين تُظهرون) الظهر. وقاله من المفسرين أيضاً الضحاك وسعيد بن جبير. وقال بعضهم بل الآية فيها ذكر أربع صلوات، أما العشاء فلم تذكر في الآية، وإنما ذكرت في سورة هود آية 114 وهي قوله تعالى: (وزُلفاً من الليل) . وأكثر المفسرين على القول الأول، قال النحاس رحمه الله: " أهل التفسير على أن هذه الآية: (فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون … ) في الصلوات. وقال الإمام الجصاص رحمه الله تعالى: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} . رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: " إنَّ لِلصَّلاةِ وَقْتًا كَوَقْتِ الْحَجِّ ". وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَعَطِيَّةَ: " مَفْرُوضًا ". .. وَقَوْلُهُ: {مَوْقُوتًا} مَعْنَاهُ أَنَّهُ مَفْرُوضٌ فِي أَوْقَاتٍ مَعْلُومَةٍ مُعَيَّنَةٍ , فَأَجْمَلَ ذِكْرَ الأَوْقَاتِ فِي هَذِهِ الآيَةِ وَبَيَّنَهَا فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ مِنْ الْكِتَابِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ تَحْدِيدِ أَوَائِلِهَا وَأَوَاخِرِهَا , وَبَيَّنَ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَحْدِيدَهَا وَمَقَادِيرَهَا. فَمِمَّا ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْكِتَابِ مِنْ أَوْقَاتِ الصَّلاةِ قَوْلَهُ: {أَقِمْ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} ذَكَرَ مُجَاهِدٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: {لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} قَالَ: " إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ عَنْ بَطْنِ السَّمَاءِ لِصَلاةِ الظُّهْرِ " {إلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} قَالَ: " بُدُوُّ اللَّيْلِ لِصَلاةِ الْمَغْرِبِ ". وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي دُلُوكِهَا أَنَّهُ زَوَالُهَا. .. وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفَيْ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ} , رَوَى عَمْرٌو عَنْ الْحَسَنِ فِي قوله تعالى: {طَرَفَيْ النَّهَارِ} قَالَ: " صَلاةُ الْفَجْرِ , وَالأُخْرَى (أي الطرف الآخر) الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ " {وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ} قَالَ: " الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ ". فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ قَدْ انْتَظَمَتْ الآيَةُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ. .. وَرَوَى لَيْثٌ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ أَبِي عِيَاضٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " جَمَعَتْ هَذِهِ الآيَةُ مَوَاقِيتَ الصَّلاةِ: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ} الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ {وَحِينَ تُصْبِحُونَ} الْفَجْرَ {وَعَشِيًّا} الْعَصْرَ {وَحِينَ تُظْهِرُونَ} الظُّهْرَ ". وَعَنْ الْحَسَنِ مِثْلُهُ. وَرَوَى أَبُو رَزِينٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} قَالَ: " الصَّلاةُ الْمَكْتُوبَةُ " وَقَالَ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى} . وَهَذِهِ الآيَةُ مُنْتَظِمَةٌ لأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ أَيْضًا. فَهَذِهِ الآيَاتُ كُلُّهَا فِيهَا ذِكْرُ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ.. انتهى: أحكام القرآن للجصاص باب مواقيت الصلاة ومما ينبغي أن تعلمه أيها الأخ المسلم أنّ القرآن لم يشتمل على تفصيل جميع الأحكام وإنما ذُكرت فيه أحكام كثيرة بالإضافة إلى ذكر حجيّة السنّة التي وردت فيها أحكام تفصيلية كثيرة لم تُذكر في القرآن، قال الله تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44) سورة النحل، وقال تعالى: (وَمَاءاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ) سورة الحشر 7 وقال النبي صلى الله عليه وسلم ".. أَلا إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ.. " رواه الإمام أحمد 16546 وهو حديث صحيح، فسواء وردت الأحكام في القرآن أو في السنّة فالكلّ حقّ والكلّ صحيح والمصدر واحد وهو الوحي من رب العالمين. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 1092 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 737 حكم قطع الصلاة عند حدوث أمر مهم [السُّؤَالُ] ـ[إذا كنت أصلي وجرس الباب يدق ولم يوجد في البيت غيري فماذا أفعل وإذا خرجت من الصلاة فهل علي إثم؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصلاة إن كانت نافلة فالأمر أوسع. لا مانع من قطعها لمعرفة من يدق الباب، أما الفريضة فلا يجوز قطعها إلا إذا كان هناك شيء مهم يخشى فواته وإذا أمكن التنبيه بالتسبيح في حق الرجل والتصفيق في حق المرأة حتى يعلم الذي عند الباب أنَّ صاحب البيت مشغول بالصلاة كفى ذلك عن قطع الصلاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من نابه شيء في صلاته فليسبح الرجال ولتصفق النساء " متفق عليه (خ/ 1234، م / 421) . فإذا أمكن إشعار من يدق الباب أن صاحب البيت مشغول بالصلاة بالتصفيق في حق المرأة، والتسبيح في حق الرجل في الصلاة؛ فعل ذلك واستغنى به عن القطع، وإن كان هذا لا ينفع لبعد أو عدم سماعه لذلك فلا بأس أن يقطعها للحاجة في النافلة خصوصاً، أما الفرض فإن كان الشيء مهما أو ضروريا يخشى فواته فلا بأس أيضا بالقطع ثم يعيدها من أولها والحمد لله.ا. هـ [الْمَصْدَرُ] من مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ ابن باز رحمه الله (11 / 108) . الحديث: 26230 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 738 الصلاة في الظلام [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الصلاة في الظلام حتى إنك لا تكاد ترى يديك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصلاة إذا تمت بشروطها وأركانها وواجباتها صحيحة، والنور ليس بشرط ولا ركن ولا واجب، اللهم إلا إن كان الظلام مصدر خوفٍ يشوش على المصلي ويُذهب خشوعه فإنه تكره الصلاة فيه حينئذٍ. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد الكريم الخضير. الحديث: 8378 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 739 صلى وتذكر أنه أحدث بعد الوضوء [السُّؤَالُ] ـ[توضأ رجل قبل الأذان بعشر دقائق ثم ذهب إلى الصلاة في حينها. وفي اليوم التالي تذكر أنه كان قد أحدث بعد ذلك الوضوء فماذا يفعل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يعيد الصلاة متى ذكرها بعد أن يتوضأ، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة بغير طهور) . [الْمَصْدَرُ] الشيخ سعد الحميد. الحديث: 11632 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 740 القنوت في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أسألك عن القنوت في الصلاة (رفع اليدين بعد الركوع) هل هذا الفعل من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم أو أن هذا العمل كان استثنائياً بسبب الحالة التي كانوا عليها. لو سمحت أجبني لأن أمير مسجدنا قال أن الرسول سُئل أي الصلاة أفضل فأجاب عليه الصلاة والسلام الصلاة التي فيها قنوت أطول]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله القنوت في تعريف الفقهاء هو: " اسم للدعاء في الصلاة في محل مخصوص من القيام ". وهو مشروع في صلاة الوتر بعد الركوع على الصحيح من قولي العلماء. ومشروع إذا نزلت بالمسلمين نازلة فيدعو بعد الرفع من الركوع في آخر ركعة من كل فريضة من الصلوات الخمس، حتى يكشف الله النازلة، ويرفعها عن المسلمين. انظر كتاب تصحيح الدعاء للشيخ بكر أبو زيد ص 460 وأما القنوت في صلاة الصبح دائماً في جميع الأحوال فإنه " لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خص الصبح بالقنوت، ولا أنه داوم عليه في صلاة الصبح، وإنما الذي ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قنت في النوازل بما يناسبها، فقنت في صلاة الصبح وغيرها من الصلوات يدعو على رعل وذكوان وعُصَيَّة لقتلهم القراء الذين أرسلهم النبي صلى الله عليه وسلم إليهم ليعلموهم دينهم، وثبت في صلاة الصبح وغيرها يدعو للمستضعفين من المؤمنين أن ينجيهم الله من عدوهم، ولم يداوم على ذلك، وسار على ذلك الخلفاء الراشدون من بعده، فخير (للإمام) أن يقتصر على القنوت في النوازل اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ثبت عن أبي مالك الأشجعي قال: قلت لأبي: يا أبت قد صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلف أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أفكانوا يقنتون في الفجر؟ فقال: (أي بنيّ مُحدَث) رواه الخمسة إلا أبا داود (وصححه الألباني في الإرواء 435) ، وإن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (7/47) . فإن قلت: هل هناك صيغة محددة للقنوت في صلاة الوتر؟ والقنوت في النوازل؟ فالجواب: لدعاء القنوت في صلاة الوتر صيغ واردة منها: 1- الصيغة التي علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي رضي الله عنهما، وهي: (اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لني فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، لا منجى منك إلا إليك) أخرجه أبو داود (1213) والنسائي (1725) وصححه الألباني في الإرواء 429. 2- وعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي آخِرِ وِتْرِهِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ " رواه الترمذي 1727 وصححه الألباني في الإرواء 430 وصحيح أبي داود 1282. ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت عن بعض الصحابة رضي الله عنهم في آخر قنوت الوتر، منهم: أُبي بن كعب، ومعاذ الأنصاري رضي الله عنهما. أنظر تصحيح الدعاء للشيخ بكر أبو زيد ص460 القنوت عند النوازل: وعند القنوت للنوازل يدعو بما يناسب الحال كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن قبائل من العرب غدروا بأصحابه وقتلوهم، ودعا للمستضعفين من المؤمنين بمكة أن يُنجيهم الله تعالى , وورد عن عمر أنه قنت بهذا الدعاء: (اللهم إنا نستعينك ونؤمن بك، ونتوكل عليك ونثني عليك الخير ولا نكفرك، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك الجدَّ بالكفار مُلحق، اللهم عذِّب الكفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك " رواه البيهقي 2/210 وصححه الألباني في الإرواء 2/170 وقال الألباني: (هذه الرواية) عن عمر في قنوت الفجر، والظاهر أنه في قنوت النازلة كما يُشعر به دعاؤه على الكفار. فإن قلت: هل يمكنني أن أدعو بغير ما ذُكر؟ فالجواب: نعم، يجوز ذلك، قال النووي في المجموع (3/497) : الصحيح المشهور الذي قطع به لجمهور أنه لا تتعين بها (أي بهذه الصيغة) ، بل يحصل بكل دعاء. أ. هـ وبما أنَّ الصيغة الواردة لا تتعين بذاتها، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يدع بها، فلا حرج من الزيادة عليها، قال الشيخ الألباني رحمه الله: " ولا بأس من الزيادة عليه بلعن الكفرة ومن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والدعاء للمسلمين " قيام رمضان للألباني 31. بقي معنا مسألة مهمة وهي: هل دعاء القنوت يكون قبل الركوع أم بعده؟ الجواب: " أكثر الأحاديث والذي عليه أكثر أهل العلم: أن القنوت بعد الركوع , وإن قنت قبل الركوع فلا حرج، فهو مُخير بين أن يركع إذا أكمل القراءة، فإذا رفع وقال: ربنا ولك الحمد قنت ... وبين أن يقنت إذا أتم القراءة ثم يُكبر ويركع، كل هذا جاءت به السنة "انتهى كلام الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله من الشرح الممتع 4/64. تنبيه: قول السائل (أفضل الصلاة التي فيها قنوت أطول) لعله يُشير به إلى الحديث الذي رواه مسلم (1257) عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أفضل الصلاة طول القنوت ". قال النووي: المراد بالقنوت هنا طول القيام باتفاق العلماء فيما علمت. أ. هـ فليس المراد من الحديث بالقنوت: الدعاء بعد الرفع من الركوع، وإنما المراد به طول القيام. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 20031 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 741 ماذا عن العلامة في جبهة المصلي من أثر السجود [السُّؤَالُ] ـ[عندما يصلي المسلم وتلمس جبهته الأرض تصبح سوداء من كثرة السجود، ألا يجعل ذلك نفسية المسلم أن تميل للتفاخر والرياء والرغبة في الحصول على ثناء الآخرين ومدحهم، فهل على المسلم أن يسجد ببطء وبدون إطالة أم يطيل في سجوده؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإتمام الركوع والسجود. عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " أَتِمُّوا الركوع والسجود فوالذي نفسي بيده إني لأراكم من بعد ظهري إذا ما ركعتم وإذا ما سجدتم. رواه البخاري (6268) ومسلم (425) . ومن إتمام الركوع والسجود: الاطمئنان فيهما. عن أبي هريرة أن رجلا دخل المسجد فصلَّى ورسول الله صلى الله عليه وسلم في ناحية من المسجد فجاء فسلَّم فقال: وعليك فارجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ، فرجع فصلى، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: وعليك فارجع فصل فإنك لم تصل بعدُ قال في الثالثة: فعلِّمْني يا رسول الله، قال: إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبِّر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعاً ثم ارفع حتى تطمئن قائماً ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً ثم ارفع رأسك حتى تستوي قاعداً ثم افعل ذلك في صلاتك كلها. رواه البخاري (724) ومسلم (397) . وقد جُعل عدم الإتمام للركوع والسجود مُبطِلاً للصلاة. عن أبي مسعود الأنصاري البدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تجزي صلاة لا يقيم فيها الرجل صلبه في الركوع والسجود ". رواه الترمذي (265) وقال: حسن صحيح، والنسائي (1027) وأبو داود (855) وابن ماجه (870) . قال الإمام الترمذي: والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم يرون أن يقيم الرجل صلبه في الركوع والسجود. وقال الشافعي وأحمد وإسحاق: مَن لم يُقم صلبَه في الركوع والسجود: فصلاته فاسدة لحديث النبي صلى الله عليه وسلم " لا تجزي صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود ". " سنن الترمذي " (2 / 52) . عن أبي وائل عن حذيفة رأى رجلاً لا يتمُّ ركوعه ولا سجوده فلمَّا قضى صلاته قال له حذيفة: ما صليتَ، قال: وأحسبه قال: لو مُتَّ مُتَّ على غير سنَّة محمد صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري (382) . وفي رواية أخرى (758) : عن زيد بن وهب قال: رأى حذيفةُ رجلاً لا يتم الركوع والسجود قال: ما صليتَ ولو مُتَّ مُتَّ على غير الفطرة التي فطر الله محمَّداً صلى الله عليه وسلم عليها. ولا بدَّ من تمكين الجبهة والأنف في السجود من الأرض. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أُمرت أن أسجد على سبعة أعظم على الجبهة - وأشار بيده على أنفه - واليدين والركبتين وأطراف القدمين ولا نكفت الثياب والشعر ". رواه البخاري (779) ومسلم (490) . ولا مانع من إطالة السجود خاصة إذا كان منفرداً أو في صلاة الكسوف أو قيام الليل. عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى صلاة الكسوف فقام فأطال القيام ثم ركع فأطال الركوع ثم قام فأطال القيام ثم ركع فأطال الركوع ثم رفع ثم سجد فأطال السجود ثم رفع ثم سجد فأطال السجود ثم قام فأطال القيام ثم ركع فأطال الركوع ثم رفع فأطال القيام ثم ركع فأطال الركوع ثم رفع فسجد فأطال السجود ثم رفع ثم سجد فأطال السجود ثم انصرف..". رواه البخاري (712) . وعن حذيفة قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت: يركع عند المائة ثم مضى، فقلت: يصلي بها في ركعة فمضى، فقلت: يركع بها ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح آل عمران فقرأها يقرأ مترسلا إذا مر بآية فيها تسبيح سبح وإذا مر بسؤال سأل وإذا مر بتعوذ تعوذ ثم ركع فجعل يقول سبحان ربي العظيم فكان ركوعه نحوا من قيامه ثم قال سمع الله لمن حمده ثم قام طويلا قريبا مما ركع ثم سجد فقال سبحان ربي الأعلى فكان سجوده قريبا من قيامه. رواه مسلم (772) . والسنَّة في السجود الاعتدال فيه كما جاء عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب ". رواه البخاري (788) ومسلم (493) . قال الشيخ ابن عثيمين حفظه الله: أي: اجعلوه سجوداً معتدلاً، لا تهصرون فينزل البطن على الفخذ، والفخذ على الساق ولا تمتدون أيضاً كما يفعل بعضُ النَّاس إذا سجد، يمتد حتى يقرب مِن الانبطاح، فهذا لا شكَّ أنَّه مِن البدع وليس بسنَّةٍ، فما ثبت عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة فيما نعلم أنَّ الإنسانَ يمدُّ ظهره في السجود، إنَّما مَدُّ الظهر في حال الركوع، أما السجود فإنَّه يرتفع ببطنه ولا يمده. " الشرح اممتع " (3 / 168) . فإذا جاء المصلي بما أمره به النبي صلى الله عليه وسلَّم وكان يسجد على تراب أو شيء خشن، فإنه قد تحدث له علامة على جبهته، وهذا شيء قد يورث في النفس الفخر والخيلاء كما في السؤال، لكن من كان قلبه مطمئناً بالإيمان، ولا يريد بفعله إلا ما عند الله فلا يهمه ما يقوله الناس، وأما من يتعمّد إحداث شيء في جبهته حتى يصير فيها كهيئة علامة السجود فهذا من المراءاة والكذب فويل له من عذاب يوم أليم. وأمّا عن قوله تعالى: (تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) الفتح/آية 29 فالراجح في تفسير سيماهم في وجوههم هو نور الطاعة والعبادة وليس بالضرورة أن يكون هذه العلامة من خشونة الجلد في موضع السجود قال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية: وقوله جل جلاله "سيماهم في وجوههم من أثر السجود" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما سيماهم في وجوههم يعني السمت الحسن وقال مجاهد وغير واحد يعني الخشوع والتواضع وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا علي بن محمد الطنافسي حدثنا حسين الجعفي عن زائدة عن منصور عن مجاهد "سيماهم في وجوههم من أثر السجود" قال الخشوع قلت ما كنت أراه إلا هذا الأثر في الوجه فقال ربما كان بين عيني من هو أقسى قلبا من فرعون وقال السدي الصلاة تحسن وجوههم وقال بعض السلف من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار.. وقال بعضهم إن للحسنة نورا في القلب وضياء في الوجه وسعة في الرزق ومحبة في قلوب الناس. انتهى والشاهد أن وجود هذه العلامة من خشونة الجلد وتغيّر اللون في الجبهة ليس دليلا على صلاح صاحبها وإخلاصه كما أن عدم وجودها ليس دليلا على تقصير الشخص في الصلاة وإخلاله بها بل كثيرا ما يعود ذك إلى طبيعة الجلد وحساسيته سئل الشيخ ابن عثيمين حفظه الله: هل ورد أن العلامة التي يحدثها السجود في الجبهة من علامات الصالحين؟ فأجاب: ليس هذا من علامات الصالحين، ولكن العلامة هي النور الذي يكون في الوجه، وانشراح الصدر، وحسن الخلق، وما أشبه ذلك. أما الأثر الذي يسبِّبه السجود في الوجه: فقد يظهر في وجوه من لا يصلُّون إلا الفرائض لرقة الجلد وحساسية عندهم، وقد لا تظهر في وجه من يصلي كثيراً ويطيل السجود. " فتاوى إسلامية " (1 / 484) . والخلاصة أنّك يا أخي إذا كنت مخلصا لله تبتغي وجه الله في صلاتك فلا يضرّك كلام الناس بل ربما يكون ثناؤهم عليك من عاجل البشرى في الدنيا، فطبّق السنّة ومكّن لسجودك ولا تبال بعد ذلك أمدحك الناس أم ذمّوك، نسأل الله الإخلاص والقبول. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 6834 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 742 الصلاة في الغرفة التي فيها صور [السُّؤَالُ] ـ[هل تجوز الصلاة في غرفة فيها صور؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الراجح أن الصلاة في المكان الذي فيه صور ذوات الأرواح المعلقة لا تجوز وذلك لعدة أدلة منها: حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا تصاوير) متفق عليه. وحديث عائشة رضي الله عنها قال: قَدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر وقد سترت بقرام لي على سهوة لي فيها تماثيل، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم هتكه وقال: (أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله) متفق عليه. وحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتاني جبريل فقال: أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت إلا أنه كان على الباب تماثيل، وكان في البيت ستر فيه تماثيل، وكان في البيت كلب، فمُر برأس التمثال على باب البيت فيقطع فيصير كهيئة الشجرة، ومر بالستر فلتقطع منه وسادتان منبوذتان توطئآن، ومر بالكلب فليخرج، ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم) رواه أبو داود والترمذي واحمد. ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى جواب مختصر في هذه المسألة، فقد سئل رحمه الله: هل الصلاة في البيع والكنائس جائزة مع وجود الصور أم لا؟ وهل يقال إنها بيوت الله أم لا؟ فأجاب: ليست بيوت الله وإنما بيوت الله المساجد، بل هي بيوت يُكفر فيها بالله، وإن كان قد يذكر فيها فالبيوت بمنزلة أهلها، وأهلها كفار، فهي بيوت عبادة الكفار. وأما الصلاة فيها ففيها ثلاثة أقوال للعلماء في مذهب أحمد وغيره: المنع مطلقاً، وهو قول مالك، والإذن مطلقاً وهو قول بعض أصحاب أحمد، والثالث: وهو الصحيح المأثور عن عمر بن الخطاب وغيره، وهو منصوص عن أحمد وغيره أنه إن كان فيها صور لم يصل فيها لأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل الكعبة حتى مُحي ما فيها من الصور، وكذلك قال عمر: إنّا كنا لا ندخل كنائسهم والصور فيها. وهي بمنزلة المسجد المبني على القبر، ففي الصحيحين أنه ذُكر للنبي صلى الله عليه وسلم كنيسة بأرض الحبشة، وما فيها من الحسن والتصاوير، فقال: (أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً، وصوروا فيه تلك التصاوير، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة) وأما إذا لم يكن فيها صور فقد صلى الصحابة في الكنيسة، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] المرجع: مسائل ورسائل/محمد المحمود النجدي ص28 الحديث: 6390 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 743 قطع الصلاة للضرورة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز قطع الصلاة إذا دقت صفارة الإنذار للحادث؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الحادث كبيراً ومهماً، فلا بأس من قطع الصلاة، وإذا كان الأمر بسيطاً ويمكن تداركه، فلا يجوز، فقد قال أهل العلم: يجب قطع الصلاة لإنقاذ غافل من هلكة، ومعناه لو كنت تُصلي ورأيت حية أقبلت على رجل جالس لم ينتبه لها، وهي متجهة نحوه، يجب عليك أن تقطع الصلاة وتُخبره حتى لا تلدغه، ويؤدي ذلك إلى وفاته، أو رأيت رجلاً مكفوف البصر يمشي أمامك، وأنت تُصلي، وأقبل على بئر وتخشى عليه أن يسقط فيها. فيجب عليك أن تُنبهه، وأن تنقذه من تلك الهلكة ولو أدى ذلك إلى قطع الصلاة أو حريق أو نحو ذلك. أما إذا كانت صفارة الإنذار لأمر بسيط يُمكن تداركه ولا يخشى فواته فهذا لا يجوز فيه قطع الصلاة قبل إكمالها لأنه بإمكانك تدارك هذا الحادث بدون أن يلحق أهله ضرر. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 3878 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 744 بم تُدرك الركعة؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا جاء رجلٌ ودخل الصلاة والإمام قائم من الركوع لكنه ما قال (الله أكبر) هل تعتبر له ركعة أم لا؟ ولماذا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا دخل المأموم والإمام راكع فله ثلاث حالات: 1- أن يكبر تكبيرة الإحرام وهو واقف ثم يركع والإمام راكع، ففي هذه الحالة يكون مدركاً للركعة مع الإمام. 2- أن يكبر تكبيرة الإحرام والإمام راكع، ولكنه ركع بعد رفع الإمام من الركوع، فلا يُعتبر مدركاً للركعة مع الإمام، وعليه أن يقضيها. 3- أن يركع مباشرة بدون أن يُكبر تكبيرة الإحرام، ففي هذه الحالة تبطل صلاته، لأنه ترك ركناً من أركان الصلاة وهو تكبيرة الإحرام. وقد " اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ فَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ , لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: {مَنْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ فَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ} (رواه أبو داود وصححه الألباني في إرواء الغليل (496) وقال رحمه الله ص 262: " ومما يقوي الحديث جريان عمل جماعة من الصحابة عليه: أولاً: ابن مسعود، فقد قال: " من لم يُدرك الإمام راكعاً لم يُدرك تلك الركعة " ... وسنده صحيح. ثانياً: عبد الله بن عمر، فقد قال: " إذا جئت والإمام راكع، فوضعت يديك على ركبتيك قبل أن يرفع فقد أدركت " وإسناده صحيح. ثالثاً: زيد بن ثابت، كان يقول: " من أدرك الركعة قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك الركعة ". وإسناده جيد ... " انتهى. انظر الموسوعة الفقهية الكويتية (23/133) والمغني (1/298) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 22155 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 745 يستحب قراءة سورتي الكافرون والإخلاص في سنتي الفجر والمغرب [السُّؤَالُ] ـ[هل قراءة سورتي الكافرون والإخلاص في أول النهار وآخره، أي: في ركعتي السنة في الفجر والمغرب مستحبة وسنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: نعم، يستحب قراءة سورتي "الكافرون" و "الإخلاص" في سنة الفجر وفي سنة المغرب، وقد ثبت ذلك في السنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم: فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (قَرَأَ فِي رَكعَتَي الفَجرِ "قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ " و " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ") رواه مسلم (726) . وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (رَمَقتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عِشرِينَ مَرَّةً يَقرَأُ فَي الرَّكعَتَينِ بَعدَ المَغرِبِ، وَفِي الرَّكعَتَينِ قَبلَ الفَجرِ: " قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ " و " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ") رواه النسائي (992) وقال النووي في "المجموع" (3/385) : إسناده جيد. وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (3328) والشيخ أحمد شاكر في تحقيق المسند (8/89) . قال المباركفوري في "تحفة الأحوذي" (2/418) : " أي: يقرأ في الركعة الأولى منهما " قل يا أيها الكافرون"، وفي الثانية " قل هو الله أحد " انتهى. وقد نص العلماء على استحباب قراءة هاتين السورتين في سنتي الفجر والمغرب، عملاً بهذه الأحاديث. انظر: "المغني" (1/435) ، "مغني المحتاج" (1/464) ، "الفتاوى الفقهية الكبرى" (1/192) ، الموسوعة الفقهية (27/159) . ثانيا: وأما الحكمة من قراءة هاتين السورتين، فلأنهما قد اشتملتا على أنواع التوحيد الثلاثة، فسورة "قل هو الله أحد" اشتملت على توحيد الربوبية والأسماء والصفات، فأثبتت أن الله تعالى إله واحد، ونفت عنه الولد والوالد والنظير، وهو مع هذا "الصمد" الذي اجتمعت له صفات الكمال كلها. وسورة "قل يا أيها الكافرون" تضمنت توحيد العبادة، وأن العبد لا يعبد إلا الله، ولا يشرك به في عبادته أحداً، فلذلك " كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفتتح بهما النهار في سنة الفجر، ويختم بهما في سنة المغرب، وفي السنن أنه كان يوتر بهما، فيكونان خاتمة عمل الليل كما كانا خاتمة عمل النهار " انتهى. قاله ابن القيم في "بدائع الفوائد" (1/145-146) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 85349 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 746 حكم تشمير الأكمام في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[هل يعد تشمير الأكمام من الكفت المنهي عنه في الصلاة وإذا كان من الكفت فهل يختلف حكمه لو أني دخلت في الصلاة كنت على هيئة التشمير هذه قبل أن أدخل فيها أي أني لم أفعل هذا التشمير في أثناء الصلاة أم أنهما سواء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز تشمير الأكمام بكفها أو ثنيها لئلا تقع على الأرض عند السجود في أثناء الصلاة ولا قبل الصلاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم وأن لا أكف شعرا ولا ثوبا) رواه البخاري ومسلم. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 7/38. الحديث: 11796 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 747 لماذا نصلي بلا جمع [السُّؤَالُ] ـ[لماذا نصلي بلا جمع؟ أعرف أن الرسول صلى الله عليه وسلم جمع وفصل. وفي يوم عرفات نصلي جمعاً فلماذا لا نجمع الصلوات في باقي الأيام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سؤالك هذا يجب ان تتنبّه إلى خطورته، لأنه يتوجه لجميع الأحكام الشرعية، كأن يقول القائل: لماذا نُلزم بصيام شهر كامل متتابع (شهر رمضان) ، لماذا لا تفرق أيامه على مدار العام؟ ولماذا يقيّد الحج وأداء شعائره بوقت مخصوص يزحم الناس فيه بعضهم بعضا، فلماذا لا يفرق في سائر العام؟ وهكذا في أسئلة كثيرة كلها تدل على الاعتراض على الله في حكمه. فهل علمت يا أخي أن الله تعالى قال: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) أي مفروضا في الأوقات. فافهم ما تقدم وأسأل الله أن يهديك ويصلح قلبك. الشيخ سعد الحميد. الإسلام هو الاستسلام لله تعالى وعدم الاعتراض على أحكامه وقد قال تعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) الأحزاب/36. وقد قال تعالى في أوقات الصلاة: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً) النساء/103، وقد نزل الوحي بأوقات الصلوات الخمس قولاً وفعلاً وهكذا أدَّاها صلى الله عليه وسلم في حياته ولم يجمع إلا في السفر والحرج. ونريد أن ننبهك أيضاً إلى أن هناك بعض أهل البدعة يقولون بجمع الظهر والعصر وكذلك المغرب والعشاء في حال الإقامة دون سبب فلتحذر منهم ولا تصحبهم ولا تستمع إليهم واحذرهم أن يفتنوك عن دينك. ونسأل الله لك التوفيق والسداد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 11619 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 748 ترك الصلاة سبب كل ضيق [السُّؤَالُ] ـ[أنا فتاة عمري 23 سنة، الصراحة أنا لا أصلي، وإن قمت للصلاة لا أصلي كل الفروض، والصراحة أنا أستمع للأغاني، ولكن - والله شاهد - أن هذا الموضوع يسبب لي حالة نفسية، أريد الصلاة، وأريد أن أطيع الله، وأنا أخافه، أنا أعتز بكوني مسلمة، وربي هو الله وحده لا شريك له، وأحب الحبيب المصطفى وسيرته، وأتأثر عند سماع قصصه، الحمد لله، أكرمني الله عز وجل بأن ذهبت إلى العمرة هذه السنة، وكنت فرحة لهذا، ولكني أحس أني جاحدة، أو لا فرق بيني وبين الكافرين لأني لا أصلي، حاولت كثيراً أن أداوم على الصلاة، لكن لا أدري لماذا يحدث معي هذا، مع العلم أني كنت لفترة طويلة جدّاً لا أصلي أبداً، وأحس أيضاً أني أجهل أموراً كثيرة بالدِّين، وأشعر أيضاً أن الله لن يتقبل مني أي عمل كان: صلاة أو زكاة أو عمرة أو غير ذلك من أمور الدين الإسلامي، وأن مثواي لا محالة النار، أحتاج إلى من يأخذ بيدي، ينصحني، ينتشلني من حالة الضياع التي أنا فيها، أكره كوني على هذه الحالة!! وفوق كل هذا هناك مشكلة أخرى، وهي أني أشعر أني لم أصم أياما من رمضان، وأنا لا أعاني من أي شيء، أي لا يوجد هناك مانع من الصوم!! والصراحة أني لست متأكدة إن كانت أياما من رمضان أو كانت من أيام شوال الستة، فعندنا عادة في منزلنا أن نصوم هذه الأيام الست كل سنة، فاختلطت الأمور علي، وهذه المشكلة حدثت لي في الفتره التي كنت فيها بعيدة عن الله، وأنا أعلم أنه من أفطر رمضان بدون سبب لا يقبل الله له صوما، وعليه كفارة، فماذا أفعل؟ أرجوك ساعدني وأفدني، أرجوك، أنا يائسة جدّاً، جعله الله في ميزان حسناتك إن شاء الله، وجزاك عن المسلمين جميعاً خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا بد – أختي الفاضلة – أن تُحَدِّدِي أولا مكان المشكلة ثم تنطلقي في العلاج، وإن طلبتِ منَّا المساعدة في تحديدها فسنقول لكِ: المشكلة في نفسك أنتِ وليس في شيءٍ آخر! ولن تكون المساعدة التي يقدمها لك الآخرون نافعة حتى تأخذي أنتِ بنفسكِ إلى النجاة. والمشاعر التي بثثتِيها في سؤالك تدل على أن مقومات الاستقامة والصلاح موجودةٌ فيك، فإن المؤمن هو الذي يحاسب نفسه ويعاتبها، ويبدو أنك تقومين بذلك. والمؤمن يخاف تقصيره وذنوبه، ويراها كأنها جبل يوشك أن يقع عليه، ويظهر أنك تشعرين بذلك أيضا. والمؤمن يرتفع بإسلامه وإيمانه، ويعتز بانتسابه إلى هذا الدين العظيم، ويحب نبيه الكريم محمداً صلى الله عليه وسلم، ورسالتك تنضح بذلك؟!! إذاً فكيف اجتمعت هذه الصفات مع التقصير في أعظم واجبات الدين، وهي الصلاة؟! ليس عندنا تفسير لذلك سوى سوء إدارة النفس وضعف التحكم فيها، وإلا فأداء الصلاة لا يستغرق جهدا ولا وقتا، ما هي إلا دقائق يخلو فيها المرء بربه، يناجيه بحاجته، ويبث إليه ثقل الدنيا، ويشكو إليه شوقه إليه وإلى رحمته. فإذا كانت أنفسنا لا تحتمل الالتزام بهذه الدقائق المعدودة، فلا أظننا ننجح في حياتنا أبدا، فإن قيادة النفس تحتاج إلى شيء من العزم والحزم، ونحن المسلمين لم يكلفنا ربنا فوق طاقتنا، بل لم يكلفنا ما يشق علينا، وهو سبحانه يحب أن يتوب علينا ويخفف عنا. قال سبحانه وتعالى: (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) البقرة/185 وقال سبحانه: (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. وَاللهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً. يُرِيدُ اللهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً) النساء/26-28 والصلاة رحمة فرضها الله علينا من جوده وكرمه، من حافظ عليها وقام بحق القيام بها: رأى فضل الله تعالى علينا حين كتبها علينا، وعرف أن الإنسان المحروم هو الذي حرم نفسه لذة الصلة بالله سبحانه. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الصَّلَاةُ خَيرٌ مَوضُوعٌ، فَمَنِ استَطَاعَ أَن يَستَكثِرَ فَلْيَستَكثِرْ) رواه الطبراني (1 / 84) وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " (390) . وانظري كيف عقب الله تعالى آيات فرض الطهارة للصلاة بقوله: (مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة/6. والنبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، الذي تحبينه وتحبين سيرته كان يقول: (جُعِلَت قُرَّةُ عَينِي فِي الصَّلَاةِ) رواه النسائي (3940) وحسنه الحافظ ابن حجر في " التلخيص الحبير " (3 / 116) وصححه الألباني في " صحيح النسائي ". فكيف يرضى المؤمن لنفسه أن تفوته تلك الخيرات والبركات؟. قال ابن القيم - رحمه الله -: فواأسفاه وواحسرتاه كيف ينقضي الزمان وينفذ العمر والقلب محجوب ما شم لهذا رائحة، وخرج من الدنيا كما دخل إليها، وما ذاق أطيب ما فيها، بل عاش فيها عيش البهائم، وانتقل منها انتقال المفاليس، فكانت حياته عجزاً، وموته كمداً، ومعاده حسرة وأسفاً، اللهم فلك الحمد، وإليك المشتكى، وأنت المستعان، وبك المستغاث، وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بك. " طريق الهجرتين " (ص 327) . ولا أذكر لك هذا الكلام لأزيد اليأس الذي تشعرين به، إنما كي تسعي جاهدة للتخلص منه، فهو لم يصبك إلا لعجزك عن أداء أسهل الفرائض، فعرفتِ أنكِ عن سواها أعجز. ويجب أن لا تجعلي في حياتك مجالاً لليأس في جنب الله؛ ويجب أن تعلمي أنه سبحانه يكره القنطين: (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) الحجر/56، ويحب عباده المستبشرين برحمته وفضله، ومن سعة كرمه أنه يغفر السيئات، ويصفح عن الزلات، بل قال سبحانه وتعالى: (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً. وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً) الفرقان/70-71، وقد قال بعض الحكماء: " لا يأتي بالأمل إلا العمل "، ولن يخرجك من حالة اليأس التي أوقعك الشيطان فيها إلا البدء بالعمل، ومحاولة الالتزام بالاستقامة، ولو تخللها في البداية بعض النقص. قال الله تعالى: (وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) ؛ فإن الرجاء يوجب للعبد السعي والاجتهاد فيما رجاه، والإياس: يوجب له التثاقل والتباطؤ، وأولى ما رجا العباد، فضل الله وإحسانه، ورحمته، وروحه. " إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون "؛ فإنهم ـ لكفرهم ـ يستبعدون رحمته، ورحمته بعيدة منهم، فلا تتشبهوا بالكافرين. ودل هذا على أنه بحسب إيمان العبد، يكون رجاؤه لرحمة الله وروحه." تفسير ابن سعدي. وأول ما يجب أن تبدئي به أن توجدي في نفسك همّاً كبيراً وحرصا عظيما للمحافظة على الصلاة، كما هو الهم الذي تستشعرينه لأمور الدنيا الأخرى من طعام وشراب ودراسة وزواج ونحو ذلك، فإن كل عمل يسبقه اهتمام وتفكر، وقد كان بعض السلف يجاهد نفسه على الإكثار من نوافل الصلاة مجاهدة عظيمة، حتى قال ثابت البناني رحمه الله: كَابَدتُ الصلاة [يعني: قيام الليل] عشرين سنة، واستمتعت بها عشرين سنة. ولا يكفي هذا الفكر والاهتمام حتى يقوم بموازاته فكر واهتمام بوسائل المحافظة على الصلاة، وكيف تحتالين على نفسك حتى تلتزم بما فرض الله تعالى، والإنسان يملك قدرة كبيرة في حسن اختيار الأساليب التي تعينه على ما يريد. احرصي أن تقومي مباشرة إذا سمعت صوت المؤذن بالتكبير، واستشعري أنه سبحانه أكبر من كل الدنيا التي أنت منشغلة بها، ثم اعمدي إلى محرابك لتصلي ما كتب الله لك، ولا تنسي أن تقولي الدعاء الذي علمنا إياه نبينا صلى الله عليه وسلم دبر كل صلاة: (اللهم أعِنِّي على ذِكْرِك وشُكْرِك وحُسْنِ عِبادتِك) . وقد ذكرتِ أنكم أهل بيت حريصون على صيام الست من شوال، وهذه أمارة صلاح وإحسان تعينك على أداء الصلاة في وقتها، حين ترين الوالدة والإخوة يقيمونها في وقتها، واحمدي الله تعالى على ذلك، فكم من شكاوى تأتي من أبناء يضربهم أهلهم على ترك الصلاة وخلع الحجاب، وأنت قد أكرمك الله تعالى بالأهل الذين يعينونك على تقوى الله تعالى. صاحبي الفتيات المصليات المستقيمات، واطلبي منهن العون على الصلاة، وتذكيرك بها، والتواصي عليها، وقد يكون ذلك خير معين لك. وأخيرا احذري المعاصي، فهي أساس كل داء، والمعصية تأتي بأختها وهكذا حتى تجتمع على الإنسان فتهلكه، فتثقل العبد عن صلاته، وتحرمه من نورها وبركتها، نسأل الله السلامة. قال ابن القيم - رحمه الله -: المعاصي تزرع أمثالها، وتولد بعضها بعضا، حتى يعِزَّ على العبد مفارقتُها والخروج منها، كما قال بعض السلف: إن من عقوبة السيئة السيئة بعدها، وإن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها. " الجواب الكافي " (ص 36) . ثانيا: أما سؤالك عن صيام رمضان، وأنك تشكين في تركك صيام أيام منه من غير عذر، فنقول لك: لا تلتفتي لهذه الشكوك، إذ يبدو أن الغالب على ظنك أنك أديت تلك العبادة في وقتها مع أسرتكِ، وغلبة الظن كافية لبراءة الذمة، ولا عبرة بالشك بعد ذلك. وفي " فتاوى اللجنة الدائمة " (7 / 143) : الشك بعد الانتهاء من الطواف والسعي والصلاة لا يلتفت إليه؛ لأن الظاهر سلامة العبادة. انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله -: إذا كان الشك بعد انتهاء العبادة: فإنه لا يلتفت إليه، ما لم يتيقن الأمر. " مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " (14 / السؤال رقم 746) . ثم إن ترك الصيام بغير عذر لا يوجب القضاء ولا الكفارة، وإنما يوجب التوبة والاستغفار، كما سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (50067) . أسأل الله تعالى أن يكتب لك أجرك، وأن يثبت قلبك على الحق والدين، وأن يعيذك من الشيطان الرجيم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83997 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 749 النية، والدعاء في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[بماذا يجب أن يفكر الشخص أثناء الصلاة، تسبيح الله؟ الغرض من سؤالي هو أنني أتذكر بعض الأحاديث التي تذكر بأننا يجب أن ندعو الله دائماً أثناء الصلاة، فهل هذا صحيح؟ وإذا كان صحيحاً فكيف نفعل هذا، بالقلب فقط أم بذكر شيء أثناء الصلاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله النية شرط لا بد منه لصحة الصلاة، ومعناها في الشرع: " العزم على فعل العبادة تقربا إلى الله تعالى " فاشتمل هذا التعريف على معنيين: الأول: نية العمل: وهو تمييز العبادات عن غيرها، وتمييز العبادات بعضها عن بعض، فينوي بهذه الحركات أنها الصلاة المشروعة، وينوي أنها فرض أو نفل. الثاني: نية المعمول له: وهو أن ينوي بهذه العبادة وجه الله سبحانه دون غيره. وهذه النية محلها القلب، فبمجرد أن يعزم العبد بقلبه على هذا العمل فقد نواه، ولذا لا يشرع التلفظ بالنية عند إرادة العمل، بل التلفظ بالنية من البدع المحدثة التي لم ترد في كتاب الله ولا سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ولم تنقل عن أحد من صحابته الكرام رضوان الله عليهم أجمعين. (ينظر الشرح الممتع 2/283) وللاستزادة يراجع سؤال (13337) . أما ما يجب على العبد أن يفكر فيه أثناء صلاته فهو: أن يستحضر عظمة ربه الذي شرفه بالقيام بين يديه، فيحسن الوقوف بين يديه بالخشوع والخضوع والتعظيم، ويتفكر فيما شرع له أن يقوله في كل موضع، ففي القيام يتدبر فيما يقرأه من القرآن، وفي الركوع يتفكر في معنى ما يتلوه من الأذكار، وهكذا في السجود، وغيره من المواضع. مع الحرص على الأذكار والأدعية الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في كل موضع. وأما الدعاء بمعنى سؤال الله ما تحتاجه من خير الدنيا والآخرة فهذا موضعه في السجود بعد أن تأتي بالذكر المشروع لقوله صلى الله عليه وسلم: " أَلا وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ " أخرجه مسلم (738) . وأما ما أشرت إليه من أنه ورد في بعض الأحاديث بأننا يجب أن ندعوَ الله دائما أثناء الصلاة، فلم يذكر أحد من أهل العلم المعتبرين هذا الأمر ولم يشيروا إليه، ولكن لعلك فهمت من تعريف بعض العلماء للصلاة في اللغة: بأنها الدعاء، هذا المعنى الذي ذكرته. وربما أنك سمعت كلام بعض أهل العلم أن الصلاة كلها دعاء، فهذا يقصدون به القسم الثاني من أقسام الدعاء، لأن الدعاء قسمه بعض العلماء إلى قسمين: 1 – دعاء مسألة: وهو طلب الحاجات من الله. 2 – دعاء عبادة: وهو التعبد لله بما شرع من أنواع العبادات، كالصلاة والصوم والزكاة، ومعنى هذا النوع أن هذه العبادات متضمنة للطلب من الله كأن الفاعل يقول بلسان حاله يا رب تقبل مني هذا العمل، وجازني على هذه العبادة بالمغفرة والفوز بالجنة والنجاة من النار، ونحو ذلك من المعاني، فالصلاة كلها تعتبر دعاءً بهذا المعنى. لذا فالنصيحة لجميع المسلمين أن يلتزموا في صلاتهم بتطبيق سنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم عملا بقوله " صلوا كما رأيتموني أصلي" رواه البخاري 631، وأن يتدبروا فيما يقرؤون من القرآن، وما يذكرونه من الأذكار، ليحصل المقصود الأعظم من الصلاة وهو ما بيَّنه الله بقوله: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) العنكبوت/45. وتجد مختصرا لصفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في السؤال (13340) نسأل الله للجميع التوفيق والهداية.. آمين. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 20193 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 750 عنده رعاف مستمر ويمسح أثناء الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[أعاني من حمى القش. ولذلك فإن أنفي يسيل في فصل الصيف. فهل يجوز لي أن أمسح أنفي بالمنديل وأنا أصلي؟ إن أنا لم أمسحه، فقد تسقط نقاط المادة التي تسيل من أنفي على سجادة الصلاة/فرش المسجد أو على ملابسي، وقد يتأذى الناس من رؤية السائل على السجاد.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عليك أن تمنع سقوط هذا الأذى على فرش المسجد ولو أن تضع على أنفك قماشا أو منديلا لئلا تؤذي غيرك أو تتعاهد أنفك بالمسح نسأل الله تعالى لك الشفاء العاجل. [الْمَصْدَرُ] الشيخ وليد الفريان. الحديث: 11493 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 751 متى تكون تكبيرات الانتقال في الصلاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[عندما يصلي الإمام , فمتى يكبر مثلا للركوع هل يكبر قبل أن يركع أم أثناء الركوع أم بعد الركوع؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المشروع لكل مصلٍّ (الإمام والمأموم والمنفرد) أن يكون تكبيره للركوع مقارنا لحركته، فيبدأ التكبير حال انحنائه، ويختمه قبل أن يصل إلى حد الركوع؛ فيقع تكبيره بين الركنين، القيام والركوع. وقد دلت السنة على أن التكبير يقارن الحركة المقصودة من ركوع، وسجود، وقيام منه، كما في الصحيحين عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاةِ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ، ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْد، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَهْوِي، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَسْجُدُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الصَّلاةِ كُلِّهَا حَتَّى يَقْضِيَهَا، وَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنْ الثِّنْتَيْنِ بَعْدَ الْجُلُوسِ) رواه البخاري (789) ومسلم (392) . فهذا الحديث ظاهرٌ في أن التكبير للركوع يكون أثناء انحنائه إلى الركوع، وتكبير السجود أثناء نزوله إلى السجود، وتكبير الرفع من السجود أثناء رفعه ...... وهكذا، ذكره النووي في "شرح مسلم"، وذكر أنه مذهب جمهور العلماء. ومن الفقهاء من شدد في ذلك، ورأى أنه لو بدأ المصلي التكبير وهو قائم قبل أن ينحني، أو أكمله بعد وصوله إلى الركوع أن ذلك لا يجزئه، ويكون تاركا للتكبير؛ لأنه أتى به في غير موضعه، وعلى القول بوجوب التكبير: تبطل صلاته إن تعمد ذلك، وإن فعله سهوا لزمه السجود للسهو، والصحيح أنه يعفى عن ذلك دفعاً للمشقة. قال المرداوي في "الإنصاف" (2/59) : " قال المجد وغيره: ينبغي أن يكون تكبير الخفض والرفع والنهوض ابتداؤه مع ابتداء الانتقال , وانتهاؤه مع انتهائه. فإن كمّله في جزء منه أجزأه [أي إذا أوقعه بين الركنين دون أن يبسطه ويمده] ; لأنه لا يخرج به عن محله بلا نزاع. وإن شرع فيه قبله , أو كمّله بعده , فوقع بعضه خارجا عنه , فهو كتركه ; لأنه لم يكمله في محله، فأشبه من تمم قراءته راكعا , أو أخذ في التشهد قبل قعوده. ويحتمل أن يعفى عن ذلك ; لأن التحرز منه يعسر , والسهو به يكثر , ففي الإبطال به أو السجود له مشقة. " انتهى باختصار. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " قال الفقهاء رحمهم الله: لو بدأ بالتكبير قبل أن يهوي، أو أتمه بعد أن يصل إلى الركوع؛ فإنه لا يجزئه. لأنهم يقولون: إن هذا تكبير في الانتقال فمحله ما بين الركنين، فإن أدخله في الركن الأول لم يصح، وإن أدخله في الركن الثاني لم يصح؛ لأنه مكان لا يشرع فيه هذا الذكر، فالقيام لا يشرع فيه التكبير، والركوع لا يشرع فيه التكبير، إنما التكبير بين القيام والركوع. ولا شك أن هذا القول له وجهة من النظر؛ لأن التكبير علامة على الانتقال؛ فينبغي أن يكون في حال الانتقال. ولكن القول بأنه إن كمله بعد وصول الركوع، أو بدأ به قبل الانحناء يبطل الصلاة فيه مشقة على الناس، لأنك لو تأملت أحوال الناس اليوم لوجدت كثيرا من الناس لا يعملون بهذا، فمنهم من يكبر قبل أن يتحرك بالهوي، ومنهم من يصل إلى الركوع قبل أن يكمل. والغريب أن بعض الأئمة الجهال اجتهد اجتهادا خاطئا وقال: لا أكبر حتى أصل إلى الركوع، قال: لأنني لو كبرت قبل أن أصل إلى الركوع لسابقني المأمومون، فيهوون قبل أن أصل إلى الركوع، وربما وصلوا إلى الركوع قبل أن أصل إليه، وهذا من غرائب الاجتهاد؛ أن تفسد عبادتك على قول بعض العلماء؛ لتصحيح عبادة غيرك؛ الذي ليس مأمورا بأن يسابقك، بل أمر بمتابعتك. ولهذا نقول: هذا اجتهاد في غير محله، ونسمي المجتهد هذا الاجتهاد: "جاهلا جهلا مركبا"؛ لأنه جهل، وجهل أنه جاهل. إذا؛ نقول: كبر من حين أن تهوي، واحرص على أن ينتهي قبل أن تصل إلى الركوع، ولكن لو وصلت إلى الركوع قبل أن تنتهي فلا حرج عليك. فالصواب: أنه إذا ابتدأ التكبير قبل الهوي إلى الركوع، وأتمه بعده فلا حرج، ولو ابتدأه حين الهوي، وأتمه بعد وصوله إلى الركوع فلا حرج، لكن الأفضل أن يكون فيما بين الركنين بحسب الإمكان. وهكذا يقال في: "سمع الله لمن حمده " وجميع تكبيرات الانتقال. أما لو لم يبتدئ إلا بعد الوصول إلى الركن الذي يليه، فإنه لا يعتد به " انتهى من "الشرح الممتع". والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82627 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 752 تتنفل بعد صلاة الصبح وقيل لها إن هذا خروج من الملة!! [السُّؤَالُ] ـ[كنت كثيراً ما أصلي بعد صلاة الصبح بنصف ساعة بعد قراءة القرآن أحس بأنني أريد الصلاة لله ولكن تفاجأت عندما كنت أتحدث إلى صديقتي بأنها تقول لا يجوز الصلاة بعد صلاة الفجر فهذا خروج عن الملة فهل هذا صحيح؟ وكيف وأنا أصلى لله وضحوا لي ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: من أفضل العبادات التي يقوم بها المسلم ويتقرب بها إلى الله: الصلاة، حيث قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الصلاة خير موضوع، فمن استطاع أن يستكثر فليستكثر) رواه الطبراني وحسنه الألباني في صحيح الجامع (3870) . إلا أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد نهانا عن صلاة النفل في بعض الأوقات. وتجدين تفصيل ذلك في جواب السؤال رقم (20013) ومن هذه الأوقات: من بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس وترتفع، وهو ما يقارب خمس عشرة دقيقة بعد طلوع الشمس. ففي صحيح مسلم (832) أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لعمرو بن عبسة رضي الله عنه: (صل صلاة الصبح، ثم أَقْصِرْ عَنْ الصَّلَاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَتَّى تَرْتَفِعَ) ، والصلاة التي نهي عنها في هذه الأوقات هي صلاة النافلة التي لا سبب لها، ويسميها العلماء: " النفل المطلق "، كتلك التي ورد السؤال عنها. رجل قام بعد صلاة الصبح يصلي تطوعاً لله، فهذه الصلاة منهي عنها. أما الصلاة التي لها سبب كتحية المسجد أو سنة الوضوء، أو ركعتي الطواف، ونحو ذلك فأنها تفعل متى وجد سببها، ولو كان ذلك في وقت من أوقات النهي. وانظر جواب السؤال (306) ثانياً: وأما قول صديقتك: إن الصلاة في هذا الوقت خروج من الملة، فهذا قول باطل، وهو من القول على الله بلا علم، ولا يجوز لأحد أن يقول في دين الله ما لا يعلم، قال الله سبحانه: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) الأعراف/33. فالواجب عليها أن تتوب إلى الله تعالى. فصلاة النفل في هذا الوقت منهي عنها، وفاعلها معرض للإثم، لفعله ما نهى عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لكن ذلك ليس كفرا كما زعمت صديقتك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82709 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 753 هل يصلي المسلمون الاستسقاء في بلاد الكفار [السُّؤَالُ] ـ[جالية إسلامية مقيمة في بلاد الكفار وتأخّر نزول المطر فهل يجوز لهم أن يصلوا الاستسقاء، والمطر إذا نزل سينفع الكفار أيضا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سألنا فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين فأجاب حفظه الله بقوله: الاستسقاء من المسلمين في بلاد الكفار جائز ولو كان فيها منافع للكفار. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين الحديث: 9167 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 754 الصلاة في مكان تحته مصرف للمجاري [السُّؤَالُ] ـ[رجل لديه غرفة وفيها مكتبة دينية ويوجد في المكتبة المصحف الشريف إلا أن هذه الغرفة يمر من تحتها دبل بيارة (مصرف لمياه المجاري) ، فهل تجوز الصلاة وتلاوة القرآن فيها أم لا؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا بأس بهذا مادام أنها منفصلة. فقد ذكر الإمام الموفق صاحب المغني وصاحب الشرح الكبير: أنه يجوز استعمال ما كان فوق سطح الدبل ونحوه؛ إذا كان الدبل أسفل وفوقه السطح. إنما الممنوع الصلاة على الحشوش - أي المراحيض ونحوها - أما سطوحها فكما قلنا إن الصواب جواز الصلاة عليه وقراءة القرآن، وإن كان بعض العلماء يرى عدم جواز ذلك، لكن الصواب إن شاء الله لا بأس، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد الله بن حميد ص 62. الحديث: 10111 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 755 مقدار دعاء القنوت وترتيله [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم ترتيل دعاء القنوت وتطويله لأكثر من 20 دقيقة، مع ما يتخلله من دعاء أشبه ما يكون بالكلام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: القنوت في صلاة الوتر سنة مستحبة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد جاءت بعض الأحاديث في بيان صيغة دعاء القنوت. عن الْحَسَن بْن عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ: (اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، فإِنَّكَ تَقْضِي وَلا يُقْضَى عَلَيْكَ، وَإِنَّهُ لا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، وَلا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ) . رواه أبو داود (1425) والترمذي (464) وحسنه، وصححه ابن عبد البر في "الاستذكار" (2/285) والنووي في "الأذكار" (86) . انظر سؤال رقم (14093) وفي صحيح ابن خزيمة (1100) أن الناس ـ على عهد عمر ـ: (كانوا يلعنون الكفرة في النصف ـ يعني: من رمضان ـ: " اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ولا يؤمنون بوعدك، وخالف بين كلمتهم، وألق في قلوبهم الرعب، وألق عليهم رجزك وعذابك إله الحق. " ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو للمسلمين بما استطاع من خير ثم يستغفر للمؤمنين قال: وكان يقول إذا فرغ من لعنة الكفرة وصلاته على النبي واستغفاره للمؤمنين والمؤمنات ومسألته: " اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد ونرجو رحمتك ربنا ونخاف عذابك الجد إن عذابك لمن عاديت ملحق ثم يكبر ويهوى ساجدا " قال الألباني: " إسناده صحيح ". ثانيا: مراعاة الدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أصحابه من بعده، أولى وأفضل وأعظم بركة من اختراع الأدعية المسجوعة، والأوراد المتكلفة، والتي لا يؤمن أن يكون فيها خطأ في المعنى، أو مخالفة لمقتضى الأدب مع الله تعالى في دعائه، وأسلم لصاحبها من الرياء والسمعة. قال القاضي عياض رحمه الله: " أذن الله تعالى في دعائه، وعلم الدعاء في كتابه لخليقته، وعلم النبيُّ صلى الله عليه وسلم الدعاء لأمته، واجتمعت فيه ثلاثة أشياء: العلم بالتوحيد، والعلم باللغة، والنصيحة للأمة؛ فلا ينبغي لأحد أن يعدل عن دعائه صلى الله عليه وسلم. " وقال الماوردي رحمه الله في " الحاوي الكبير " [2/200] : " والمروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أحب إلينا من غيره، وأي شيء قنت من الدعاء المأثور وغيره أجزأه عن قنوته " [نقل النصين الشيخ محمد إسماعيل المقدم في رسالته: عودوا إلى خير الهدى، ص (45-46) ] وقد أشار ابن عقيل الحنبلي رحمه الله أن الدعاء المأثور ينبغي أن يكون هو الهدي والورد الراتب، وأن الزيادة عليه هي من باب الرخصة، قال: " والمستحب عندنا: ما رواه الحسن بن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم اهدني ـ الحديث مشهور، قال: فإن ضم إليه ما روي عن عمر رضي الله عنه: اللهم إنا نستعينك، إلخ، فلا بأس. " اهـ نقله ابن مفلح في نكته على المحرر (1/89) . بل إن بعض أهل العلم شدد في أمر الزيادة على الدعاء المأثور، حتى قال العز ابن عبد السلام رحمه الله ـ كما في فتاواه (87) ـ: " ولا ينبغي أن يزاد على رسول الله صلى الله عليه وسلم في القنوت شيء ولا ينقص " [نقلا عن: عودوا إلى خير الهدى، ص (45ـ هـ 2) ] ثالثا: لا بأس بالزيادة على اللفظ المأثور في القنوت بما يناسب الحال، فإن المقام مقام دعاء، والدعاء أمره واسع، والزيادة فيه مشروعة، وفي الدعاء المأثور في عهد عمر: " ويدعو للمسلمين بما استطاع من خير ثم يستغفر للمؤمنين.. " يقول النووي رحمه الله "المجموع" (3/477-478) : " قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح: قول من قال يتعين (أي الدعاء الوارد) شاذ مردود، مخالف لجمهور الأصحاب، بل مخالف لجماهير العلماء، فقد حكى القاضي عياض اتفاقهم على أنه لا يتعين في القنوت دعاء ... وقال صاحب الحاوي: يحصل بالدعاء المأثور وغير المأثور " انتهى. وجاء في "الموسوعة الفقهية" (34/63) : " وله أن يزيد ما شاء مما يجوز به الدعاء في الصلاة " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله "الشرح الممتع" (4/52) : " ولو زاد على ذلك فلا بأس لأن المقام مقام دعاء " انتهى. رابعا: ينبغي الانتباه إلى أن الزيادة على الدعاء المأثور، وإن كانت سائغة عند جمهور العلماء، فلا يجوز أن تتخذ هديا لازما ووردا ثابتا، تهجر لأجله السنة المأثورة، وتفوت لأجله بركة اتباع الهدي، بل ولا ينبغي أن يجمع بينهما دائما ويجعلا بمنزلة واحدة؛ بل يفعل المصلي ذلك أحيانا ويتركه أحيانا، بحسب مقتضى الحال. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " لا ريب أن الأذكار والدعوات من أفضل العبادات، والعبادات مبناها على التوقيف والإتباع لا على الهوى والابتداع؛ فالأدعية والأذكار النبوية هي أفضل ما يتحراه المتحري من الذكر والدعاء وسالكها على سبيل أمان وسلامة والفوائد والنتائج التي تحصل لا يعبر عنه لسان ولا يحيط به إنسان وما سواها من الأذكار قد يكون محرما وقد يكون مكروها وقد يكون فيه شرك مما لا يهتدي إليه أكثر الناس وهي جملة يطول تفصيلها!! وليس لأحد أن يسن للناس نوعا من الأذكار والأدعية غير المسنون ويجعلها عبادة راتبة يواظب الناس عليها كما يواظبون على الصلوات الخمس ; بل هذا ابتداعُ دينٍ لم يأذن الله به ; بخلاف ما يدعو به المرء أحيانا من غير أن يجعله للناس سنة؛ فهذا إذا لم يُعْلم أنه يتضمن معنى محرما لم يجز الجزم بتحريمه ; لكن قد يكون فيه ذلك والإنسان لا يشعر به. وهذا كما أن الإنسان عند الضرورة يدعو بأدعية تفتح عليه ذلك الوقت فهذا وأمثاله قريب. وأما اتخاذ ورد غير شرعي واستنان ذكر غير شرعي: فهذا مما ينهى عنه ومع هذا ففي الأدعية الشرعية والأذكار الشرعية غاية المطالب الصحيحة ونهاية المقاصد العلية ولا يعدل عنها إلى غيرها من الأذكار المحدثة المبتدعة إلا جاهل أو مفرط أو متعد." مجموع الفتاوى (22/511) . خامسا: ما هو مقدار القنوت؟ وهل يشرع التطويل فيه أم لا؟ إذا تأملنا في حديث الحسن بن علي السابق، نجد أن الدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم له دعاء مختصر موجز، لا يكاد يستغرق الدقائق المعدودات، مما يدل على أن الأَوْلَى في دعاء القنوت هو الاختصار، والاقتصار على جوامع الدعاء. جاء في مغني المحتاج (1/369) : " قال في المجموع عن البغوي: وتكره إطالة القنوت كالتشهد الأول، وقال القاضي حسين: ولو طَوَّلَ القنوت زائدًا على العادة كُره " انتهى. بل أشار النووي رحمه الله تعالى إلى أن الجمع بين دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، ودعاء عمر رضي الله عنه، في القنوت، هو من التطويل الذي ينبغي مراعاة أحوال الناس فيه، والعلم برضاهم به. قال: " قال أصحابنا: يستحب الجمع بين قنوت عمر رضي الله عنه وبين ما سبق فإن جمع بينهما فالأصح تأخير قنوت عمر , وفي وجه يستحب تقديمه وإن اقتصر فليقتصر على الأول , وإنما يستحب الجمع بينهما إذا كان منفردا أو إمام محصورين يرضون بالتطويل والله أعلم" المجموع (3/478) . وإذا كان الجمع بين الدعاءين المذكورين، على قصرهما، نوعا من التطويل، فكيف بما يبلغ ما ذكرت في سؤالك (20) دقيقة، أو نحوها، فكيف بمن يدعو ضعف ذلك أو يزيد، مما ابتلي به كثير من الأئمة الذين لا هم لهم إلا التغني بالناس، والعياذ بالله، وقد رأى الناس من ذلك في زماننا عجبا!! والأحسن في هذا كله والله أعلم هو الاعتدال، فإن خير الأمور الوسط، وقد نهت الشريعة أن نشق على الناس، خاصة إذا اعتاد ذلك في كل ليلة. سئل الشيخ ابن عثيمين السؤال التالي "فتاوى علماء البلد الحرام" (152) : " بعض أئمة المساجد في رمضان يطيلون الدعاء، وبعضهم يُقَصّر، فما هو الصحيح؟ فأجاب رحمه الله: " الصحيح ألا يكون غلو ولا تقصير، فالإطالة التي تشق على الناس منهي عنها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لمّا بلغه أن معاذ بن جبل أطال الصلاة في قومه، غضب عليه غضبا لم يغضب في موعظة مثله قط، وقال لمعاذ بن جبل (يَا مُعَاذُ! أَفَتَّانٌ أَنتَ؟) رواه البخاري (6106) ومسلم (465) فالذي ينبغي أن يقتصر على الكلمات الواردة، أو يزيد. ولا شك في أن الإطالة شاقة على الناس وترهقهم، ولا سيما الضعفاء منهم، ومِن الناس مَن يكون وراءه أعمال، ولا يُحِبُّ أن ينصرف قبل الإمام، ويشق عليه أن يبقى مع الإمام، فنصيحتي لإخواني الأئمة أن يكونوا بَيْنَ بَيْنَ، كذلك ينبغي أن يترك الدعاء أحيانا، حتى لا يظن العامة أن الدعاء واجب " انتهى. وانظر إجابة السؤال رقم (93051) سادسا: أما ما سألت عنه من حكم ترتيل دعاء القنوت، وتحسين الصوت به، فإن بالغ في ذلك واشتغل به وجعله أكبر همه، واتخذه وسيلة لصرف وجوه الناس إليه، أو خرج به عن حد الدعاء إلى الموعظة أو كلام الناس، كما هو الحال المشار إليه في سؤالك، وكما يفعله كثير من الأئمة الذين يتلاعبون بعبادة الناس وعواطفهم، إذا كان الحال ما ذكر؛ فهو منكر يستهجنه كل من علم هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ويأباه كل ذي طبع سليم. قال الكمال بن الهمام الحنفي رحمه الله في كلامه عن المؤذنين الذين يبلغون خلف الإمام ـ في زمانه ـ: " أَمَّا خُصُوصُ هَذَا الَّذِي تَعَارَفُوهُ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ فَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ مُفْسِدٌ؛ فَإِنَّهُ غَالِبًا يَشْتَمِلُ عَلَى مَدِّ هَمْزَةِ اللَّهُ أَوْ أَكْبَرُ أَوْ بَائِهِ وَذَلِكَ مُفْسِدٌ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَمِلْ فَلِأَنَّهُمْ يُبَالِغُونَ فِي الصِّيَاحِ زِيَادَةً عَلَى حَالَةِ الْإِبْلَاغِ، وَالِاشْتِغَالِ بِتَحْرِيرَاتِ النَّغَمِ إظْهَارًا لِلصِّنَاعَةِ النَّغَمِيَّةِ لَا إقَامَةً لِلْعِبَادَةِ، ... وَهُنَا مَعْلُومٌ أَنَّ قَصْدَهُ إعْجَابُ النَّاسِ بِهِ، وَلَوْ قَالَ: اعْجَبُوا مِنْ حُسْنِ صَوْتِي وَتَحْرِيرِي فِيهِ: أَفْسَدَ، وَحُصُولُ الْحُرُوفِ لَازِمٌ مِنْ التَّلْحِينِ، وَلَا أَرَى ذَلِكَ يَصْدُرُ مِمَّنْ فَهِمَ مَعْنَى الصَّلَاةِ وَالْعِبَادَةِ!! وإذا كان هذا قوله في أحوال المؤذنين؛ فكيف بالإئمة الذين يفعلون ذلك داخل الصلاة؟!! فلا جرم استطرد بعدها، فقال: " كَمَا أرى تَحْرِيرَ النَّغَمِ فِي الدُّعَاءِ كَمَا يَفْعَلُهُ الْقُرَّاءُ فِي هَذَا الزَّمَانِ يَصْدُرُ مِمَّنْ فَهِمَ مَعْنَى الدُّعَاءِ وَالسُّؤَالِ وَمَا ذَلِكَ إلَّا نَوْعُ لَعِبٍ، فَإِنَّهُ لَوْ قُدِّرَ فِي الشَّاهِدِ سَائِلَ حَاجَةٍ مِنْ مَلِكٍ أَدَّى سُؤَالُهُ وَطَلَبُهُ تَحْرِيرَ النَّغَمِ فِيهِ مِنْ الرَّفْعِ وَالْخَفْضِ وَالتَّغْرِيبِ وَالرُّجُوعُ كَالتَّغَنِّي نُسِبَ أَلْبَتَّةَ إلَى قَصْدِ السُّخْرِيَةِ وَاللَّعِبِ، إذْ مَقَامُ طَلَبِ الْحَاجَةِ التَّضَرُّعُ لَا التَّغَنِّي!! " انتهى. فتح القدير، للكمال ابن الهمام، من فقهاء الحنفية (2/225-226) . وأما مراعاة حسن الصوت، من غير غلو، أو إخراج للكلام عن جهته في النطق العربي الفصيح، فالظاهر أنه ليس من هذا التغني المذموم الذي أشرنا إليه. وقد سئل عنه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، فأجاب جوابا مفصلا. سئل رحمه الله كما في "فتاوى البلد الحرام" (153) ما يلي: بعض أئمة المساجد يحاول ترقيق قلوب الناس، والتأثير فيهم، بتغيير نبرة صوته أحيانا، في أثناء صلاة التراويح، وفي دعاء القنوت، وقد سمعت بعض الناس يُنكر ذلك، فما قولكم حفظكم الله في هذا؟ فكان جوابه: " الذي أرى أنَّه إذا كان هذا العمل في الحدود الشرعية، بدون غلو، فإنه لا بأس به، ولا حرج فيه، ولهذا قال أبو موسى الأشعري للنبي صلى الله عليه وسلم: (لَو كُنتُ أَعلَمُ أَنَّكَ تَستَمِعُ إِلَى قِرَاءَتِي لَحَبَّرتُهُ لَكَ تَحبِيرًا) أي: حسَّنتُها وزينتها. فإذا أحسن بعض الناس صوتَه، أو أتى به على صفة ترقِّقُ القلوب، فلا أرى في ذلك بأسا، لكنَّ الغلو في هذا، لكونه لا يتعدى كلمةً في القرآن إلا فعل مثل هذا الفعل الذي ذكر في السؤال، أرى أنَّ هذا من باب الغلو، ولا ينبغي فعله، والعلم عند الله " انتهى. والله أعلم. وانطر: رسالة: دعاء القنوت، للعلامة الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد، ورسالة عودوا إلى خير الهدى، للشيخ محمد إسماعيل المقدم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 81083 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 756 هل هناك فرق بين صلاة الصبح وصلاة الفجر؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما هو الفرق بين صلاة الفجر والصبح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صلاة الفجر هي صلاة الصبح، لا فرق بينهما، وهي ركعتان مفروضتان، يبدأ وقتها من طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس. ولها سنة قبليّة، ركعتان، وتسمى سنة الفجر أو سنة الصبح، أو ركعتي الفجر. وقد ورد في السنة إطلاق "صلاة الصبح" و "صلاة الفجر" على هذه الفريضة الشريفة، ومن ذلك: ما رواه مسلم (656) عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ قَالَ: دَخَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ الْمَسْجِدَ بَعْدَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فَقَعَدَ وَحْدَهُ فَقَعَدْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ) وما رواه البخاري (556) ومسلم (608) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا أَدْرَكَ أَحَدُكُمْ سَجْدَةً مِنْ صَلاةِ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلاتَهُ، وَإِذَا أَدْرَكَ سَجْدَةً مِنْ صَلاةِ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلاتَهُ) . وأما تسميتها "صلاة الفجر " ففي نحو ما رواه مسلم (670) عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا صَلَّى الْفَجْرَ جَلَسَ فِي مُصَلاهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَسَنًا. وما رواه البخاري (891) ومسلم (880) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْجُمُعَةِ فِي صَلاةِ الْفَجْرِ الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةَ، وَهَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنْ الدَّهْرِ. وما رواه البخاري (555) ومسلم (632) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلائِكَةٌ بِالنَّهَارِ وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاةِ الْفَجْرِ وَصَلاةِ الْعَصْرِ ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ) . وراجع السؤال رقم (65941) (26763) لمعرفة وقت صلاة الفجر (الصبح) ، والسؤال رقم (65746) لمزيد الفائدة حول سنة الفجر. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 79345 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 757 حكم الصلاة في مقر العمل [السُّؤَالُ] ـ[أنا شخص أعمل في برج الفيصلية في الرياض، وحين دخول وقت الصلاة يكون هناك تسجيل عبر سماعات المبنى إيذاناً بموعدها، ولدي بعض الزملاء الذين يؤدون صلاة الظهر في مكاتبهم محتجين بعدة أسباب هي: 1- أنهم لا يسمعون أذان المسجد وإنما هذا تسجيل وليس أذاناً. 2- أنهم يؤدونها جماعة وبذلك حققوا شرط الجماعة. 3- أن البرج لا يوجد به مصلى خاص به - مع العلم بأن هناك مسجداً قريباً من الدور الأرضي- لكنهم يقولون: إن هذا المسجد ليس تابعاً للمبنى لذا فهو بعيد. سؤالي هو: ما حكم صلاتهم في مكاتبهم؟ وكيف أرد على حججهم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الأصل أن الصلاة تكون في المساجد، ولهذا بنيت، وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سمع النداء فلم يجب، فلا صلاة له إلا من عذر) رواه الترمذي (217) وابن ماجه (793) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (793) . وقال النبي عليه الصلاة والسلام لابن أم مكتوم رضي الله عنه: (أتسمع النداء؟) قال: نعم. قال: (أجب) رواه مسلم (653) . وهذا الحديث يدل على أن الواجب على من سمع النداء أن يجيب، فيصلي جماعة في المسجد. والمراد بسماع النداء: أن يسمع صوت المؤذن إذا رفع صوته بالأذان من غير مكبر للصوت. فمن كان قريباً من المسجد بحيث يسمع النداء وجبت عليه صلاة الجماعة في المسجد، ومن كان بعيداً لم يجب عليه الحضور إلى المسجد. وانظر جواب السؤال (20655) . ثانياً: أما قولهم: (إنهم يؤدونها جماعة وبذلك حققوا شرط الجماعة) . فينبغي أن يعلموا أن الواجب عليهم أمران: الأول: أن يصلوا جماعة. الثاني: أن تكون هذه الجماعة في المسجد. فلا بد من تحقيق الأمرين معاً، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال المشار إليه آنفاً. وانظر جواب السؤال (72398) وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " الأصل الصلاة في المساجد , ولا بأس أن يصلي أهل المكاتب في مكاتبهم إذا كان خروجهم إلى المسجد يؤدي إلى تعطل العمل , أو يؤدي إلى تلاعب بعض الموظفين الذين يخرجون للصلاة ويتأخرون , وإذا كان المسجد بعيداً أيضاً جاز لهم الصلاة في مكان عملهم. فالمهم: إذا كان هناك مصلحة , أو حاجة إلى أن يصلوا في مكاتبهم فلا حرج " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (15/68) . وخلاصة الجواب: أن الواجب على هؤلاء أن يصلوا في المسجد ما دام المسجد قريباً، ولا يجوز لهم أن يصلوا في مكاتبهم، إلا من عذر كما لو خيف أن يكون ذلك سببا لتفريط الموظفين ونحو ذلك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 74978 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 758 الفرق بين الزوجة الكتابية والزوجة تاركة الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[قرأت فتوى لكم لرجل مسلم امرأته مسلمة لا تصلي، قلتم له إنه يجب أن يطلقها. وأعلم أن المسلم يجوز له الزواج من كتابية، والكتابية لا تصلي. أليس هناك خلل ... ؟ !.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس في الفتوى المشار إليها خلل، وإنما جاء الخلل من إرادة السائل أن يسوي بين المرأة التي تنتسب إلى الإسلام وتترك الصلاة، والمرأة اليهودية أو النصرانية، بحجة أن كلتاهما لا تصلي! وهذه التسوية غير صحيحة لأن بينهما فرقاً، وهو أن ترك الصلاة كفر أكبر، وردة وخروج من دين الإسلام، وقد سبق بيان ذلك في كثير من الأجوبة بالموقع، منها جواب السؤال رقم (9400) ، (5208) . وبناء على هذا القول فإن المرأة التي لا تصلي تكون كافرة ومرتدة عن الإسلام. والمرتد عن الإسلام حكمه أشد من حكم اليهود أو النصارى. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " والمرتد شرٌّ من الكافر الأصلي من وجوه كثيرة " انتهى. " مجموع الفتاوى " (2 / 193) . ولذلك لا تؤكل ذبيحة المرتد، وإن كانت تؤكل ذبيحة اليهودي والنصراني، ولا يجوز للمسلم أن يتزوج مرتدة، بل إذا ارتدت زوجته انفسخ النكاح، وإن كان يجوز للمسلم أن يتزوج يهودية أو نصرانية. فأصل المسألة هو الحكم بكفر تارك الصلاة، فمن ذهب إلى ذلك منع من الزواج ممن لا تصلي، وأوجب فراقها إن تركت الصلاة، وهذا مذهب الإمام أحمد رحمه الله وأفتى به جماعة من أهل العلم، كالشيخ ابن باز رحمه الله، والشيخ ابن عثيمين رحمه الله، والشيخ صالح الفوزان حفظه الله، وهو ما سرنا عليه في الفتاوى ذات الصلة. وهكذا إذا ارتكبت المرأة أمرا مكفرا، كَسَبِّ الله تعالى أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم، وأصرت على كفرها ولم تتب، فإنه لا يحل أن تبقى زوجةً لمسلم، وكذلك الحال بالنسبة للزوج لو حُكم بردته فإنه يجب التفريق بينه وبين زوجته. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 72245 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 759 وجود قبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده مع النهي عن اتخاذ القبور مساجد [السُّؤَالُ] ـ[الحديث الشريف: (لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ... الخ) . فما القول في أن قبر الرسول عليه الصلاة والسلام موجود داخل مسجده بالمدينة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قد تكلم العلماء قديماً وحديثاً في هذه المسألة، وردوا على من استدل بوجود قبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده على جواز اتخاذ القبور مساجد، أو إدخال القبور في المساجد، وسنذكر هاهنا فتاوى لبعض علمائنا المحققين، وفيها تفصيل ما في السؤال من إشكال. 1. قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: " هنا شبهة يشبه بها عُبَّاد القبور، وهي: وجود قبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده، والجواب عن ذلك: أن الصحابة رضي الله عنهم لم يدفنوه في مسجده، وإنما دفنوه في بيت عائشة رضي الله عنها، فلما وَسَّعَ الوليد بن عبد الملك مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في آخر القرن الأول أدخل الحجرة في المسجد، وقد أساء في ذلك، وأنكر عليه بعض أهل العلم، ولكنه اعتقد أن ذلك لا بأس به من أجل التوسعة. فلا يجوز لمسلم أن يحتج بذلك على بناء المساجد على القبور، أو الدفن في المساجد؛ لأن ذلك مخالف للأحاديث الصحيحة؛ ولأن ذلك أيضا من وسائل الشرك بأصحاب القبور " انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (5/388، 389) . 2. سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله عن حكم الصلاة في مسجد فيه قبر؟ فأجاب: " الصلاة في مسجد فيه قبر على نوعين: الأول: أن يكون القبر سابقاً على المسجد، بحيث يبنى المسجد على القبر، فالواجب هجر هذا المسجد وعدم الصلاة فيه، وعلى من بناه أن يهدمه، فإن لم يفعل وجب على ولي أمر المسلمين أن يهدمه. والنوع الثاني: أن يكون المسجد سابقاً على القبر، بحيث يدفن الميت فيه بعد بناء المسجد، فالواجب نبش القبر، وإخراج الميت منه، ودفنه مع الناس. وأما المسجد فتجوز الصلاة فيه بشرط أن لا يكون القبر أمام المصلي، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة إلى القبور. أما قبر النبي صلى الله عليه وسلم الذي شمله المسجد النبوي فمن المعلوم أن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بُنِيَ قبل موته فلم يُبْنَ على القبر، ومن المعلوم أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدفن فيه، وإنما دفن في بيته المنفصل عن المسجد، وفي عهد الوليد بن عبد الملك كتب إلى أميره على المدينة وهو عمر بن عبد العزيز في سنة 88 من الهجرة أن يهدم المسجد النبوي ويضيف إليه حجر زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، فجمع عمر وجوه الناس والفقهاء وقرأ عليهم كتاب أمير المؤمنين الوليد فشق عليهم ذلك، وقالوا: تَرْكُها على حالها أدعى للعبرة، ويحكى أن سعيد بن المسيب أنكر إدخال حجرة عائشة، كأنه خشي أن يتخذ القبر مسجداً فكتب عمر بذلك إلى الوليد فأرسل الوليد إليه يأمره بالتنفيذ فلم يكن لعمر بُدٌّ من ذلك، فأنت ترى أن قبر النبي صلى الله عليه وسلم لم يوضع في المسجد، ولم يُبْنَ عليه المسجد، فلا حجة فيه لمحتج على الدفن في المساجد أو بنائها على القبور، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد "، قال ذلك وهو في سياق الموت تحذيراً لأمته مما صنع هؤلاء، ولما ذكرت له أم سلمة رضي الله عنها كنيسة رأتها في أرض الحبشة وما فيها من الصور قال: " أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح، أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجداً، أولئك شرار الخلق عند الله "، وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن مِن شرار الناس مَن تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون من القبور مساجد " أخرجه الإمام أحمد بسند جيد. والمؤمن لا يرضى أن يسلك مسلك اليهود والنصارى، ولا أن يكون من شرار الخلق. "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (12/السؤال رقم 292) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65944 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 760 أوقات الصلاة والصيام في الأماكن القطبية [السُّؤَالُ] ـ[أنا غير مسلم، وأعيش حاليا في بلد مسلم. وقد فهمت أن الصلوات الخمس وأوقات الصيام يتم تحديدها وفقا لمواعيد شروق الشمس وغروبها. وسؤالي هو: كيف يمكن للمسلم معرفة أوقات الصلوات وأوقات الصوم إذا كان يعيش قرب الدائرة القطبية حيث يكون الليل أو النهار طويلا جدا، ويتغير طوله بتغير الفصل. أشكركم (سلفا) على إجابتكم، واستمروا في هذا العمل الذي تقومون به، فقد استفدت منه في فهم بعض الأمور في الإسلام، كما ساعدني في فهم بعض القضايا التي كان يتحدث عنها الموظفون في الشركة التي أعمل بها.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نشكرك على هذا السؤال ونقدّر لك هذا الاهتمام بأوقات الصلاة في دين الإسلام وجوابا على سؤالك فإن الذين يعيشون قريبا من الدائرة القطبية ولديهم ليل مستمر أو نهار مستمر لأشهر فإنهم ينظرون في أقرب البلاد إليهم مما فيه ليل ونهار متميزان خلال الأربع والعشرين ساعة فيؤدون صلواتهم الخمس بناء على توقيت هذه البلاد. وإنّ اهتمامك بالأمر وحرصك على السؤال والمعرفة يجعلنا نطمع في اعتناقك لهذا الدين وممارسة عباداته وشعائره ونتمنى لك الخير والتوفيق والسداد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 13916 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 761 أحكام ومسائل في الصلاة على الكرسي [السُّؤَالُ] ـ[في صلاة التراويح يحتاج بعض المصلين للكرسي وقد علمنا أنه يضع أرجل الكرسي الخلفية بمحاذاة الصف هذا إذا كان جالسا على الكرسي طوال الصلاة، لكن السؤال: كيف يكون اصطفافه في الحالات التالية: 1. يجلس على الكرسي أثناء الوقوف فقط؟ 2. يجلس على الكرسي أثناء الركوع أو السجود أو التشهد؟ 3. يجلس على الكرسي في أجزاء متفرقة من الصلاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: القيام والركوع والسجود من أركان الصلاة، فمن استطاع فعلها وجب عليه فعلها على هيئتها الشرعية، ومن عجز عنها لمرضٍ أو كبر سنٍّ فله أن يجلس على الأرض أو على كرسي. قال تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) البقرة/238. وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: كانت بي بواسير فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فقال: (صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ) . رواه البخاري (1066) . قال ابن قدامة المقدسي: أجمع أهل العلم على أن من لا يطيق القيام له أن يصلي جالساً. " المغني " (1 / 443) . وقال النووي: أجمعت الأمة على أن من عجز عن القيام في الفريضة صلاها قاعداً ولا إعادة عليه، قال أصحابنا: ولا ينقص ثوابه عن ثوابه في حال القيام؛ لأنه معذور، وقد ثبت في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا) . " المجموع " (4 / 226) . وقال الشوكاني: وحديث عمران يدل على أنه يجوز لمن حصل له عذر لا يستطيع معه القيام أن يصلي قاعداً ولمن حصل له عذر لا يستطيع معه القعود أن يصلي على جنبه. " نيل الأوطار " (3 / 243) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " وَقَدْ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ إذَا عَجَزَ عَنْ بَعْضِ وَاجِبَاتِهَا كَالْقِيَامِ أَوْ الْقِرَاءَةِ أَوْ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ أَوْ سَتْرِ الْعَوْرَةِ أَوْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ سَقَطَ عَنْهُ مَا عَجَزَ عَنْهُ " انتهى من مجموع الفتاوى (8/437) . وبناءً على ذلك: فإن من صلى الفريضة جالساً وهو قادر على القيام فصلاته باطلة. ثانياً: ومما ينبغي التنبه له: أنه إذا كان معذوراً في ترك القيام فلا يبيح له عذره هذا الجلوس على الكرسي لركوعه وسجوده. وإذا كان معذوراً في ترك الركوع والسجود على هيئتهما فلا يبيح له عذره هذا عدم القيام والجلوس على الكرسي. فالقاعدة في واجبات الصلاة: أن ما استطاع المصلي فعله، وجب عليه فعله، وما عجز عن فعله سقط عنه. فمن كان عاجزاً عن القيام جاز له الجلوس على الكرسي أثناء القيام، ويأتي بالركوع والسجود على هيئتهما، فإن استطاع القيام وشقَّ عليه الركوع والسجود: فيصلي قائماً ثم يجلس على الكرسي عند الركوع والسجود، ويجعل سجوده أخفض من ركوعه. انظر السؤال: (9307) ، (36738) . قال ابن قدامة المقدسي: ومن قدر على القيام وعجز عن الركوع أو السجود: لم يسقط عنه القيام، ويصلي قائماً فيومئ بالركوع، ثم يجلس فيومئ بالسجود، وبهذا قال الشافعي … لقول الله تعالى: (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صل قائماً) ؛ ولأن القيام ركن لمن قدر عليه، فلزمه الإتيان به كالقراءة، والعجز عن غيره لا يقتضي سقوطه كما لو عجز عن القراءة. انتهى من "المغني" (1/444) باختصار. وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: الواجب على من صلى جالسا على الأرض، أو على الكرسي، أن يجعل سجوده أخفض من ركوعه، والسنة له أن يجعل يديه على ركبتيه في حال الركوع، أما في حال السجود فالواجب أن يجعلهما على الأرض إن استطاع، فإن لم يستطع جعلهما على ركبتيه، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: الجبهة - وأشار إلى أنفه - واليدين، والركبتين، وأطراف القدمين) . ومن عجز عن ذلك وصلي على الكرسي فلا حرج في ذلك، لقول الله سبحانه: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ) متفق على صحته. " فتاوى ابن باز " (12 / 245، 246) . ثالثاً: وأما وضع الكرسي في الصف فقد ذكر العلماء رحمهم الله أن العبرة فيمن صلى جالساً مساواة الصف بمقعدته، فلا يتقدم أو يتأخر عن الصف بها، لأنها الموضع الذي يستقر عليه البدن. وانظر: "أسنى المطالب" (1/222) ، "تحفة المحتاج" (2/157) ، "شرح منتهى الإرادات" (1/279) . وجاء في "الموسوعة الفقهية" (6/21) : " يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الاقْتِدَاءِ (أي اقتداء المأموم بالإمام) أَلا يَتَقَدَّمَ الْمُقْتَدِي إمَامَهُ فِي الْمَوْقِفِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) . . . وَالاعْتِبَارُ فِي التَّقَدُّمِ وَعَدَمِهِ لِلْقَائِمِ بِالْعَقِبِ , وَهُوَ مُؤْخِرُ الْقَدَمِ لا الْكَعْبِ , فَلَوْ تَسَاوَيَا فِي الْعَقِبِ وَتَقَدَّمَتْ أَصَابِعُ الْمَأْمُومِ لِطُولِ قَدَمِهِ لَمْ يَضُرَّ. . . . . وَالْعِبْرَةُ فِي التَّقَدُّمِ بِالأَلْيَةِ لِلْقَاعِدِينَ , وَبِالْجَنْبِ لِلْمُضْطَجِعِينَ " انتهى. فإن كان المصلي سيجلس على الكرسي من أول الصلاة إلى آخرها فإنه يحاذي الصف بموضع جلوسه. فإن كان سيصلي قائماً، غير أنه سيجلس على الكرسي في موضع الركوع والسجود، فقد سألنا فضيلة الشيخ عبد الرحمن البراك عن هذا فأفاد بأن العبرة بالقيام. فيحاذي الصف عند قيامه. وعلى هذا سيكون الكرسي خلف الصف، فينبغي أن يكون في موضع بحيث لا يتأذى به من خلفه من المصلين. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50684 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 762 إذا دعا في السجود بدعاء وارد في القرآن الكريم [السُّؤَالُ] ـ[أنا مسلم جديد وعلمت أنه لا يجوز تلاوة القرآن أثناء السجود. وكما تعلمون أقرب ما يكون من ربه وهو ساجد. وسؤالي عن الأدعية المقتبسة من القرآن، هل يجوز الدعاء بالأدعية القرآنية في السجود؟ أم يعد هذا من التلاوة للقرآن المنهي عنها في السجود؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن قراءة القرآن في الركوع أو السجود. روى مسلم (479) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَلا وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ – أي جدير وحقيق - أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ) . وروى مسلم (480) عن عَلِيّ بْن أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ: نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقْرَأَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا. وقد اتفق العلماء على كراهة قراءة القرآن في الركوع أو السجود. انظر: "المجموع" (3/411) ، "المغني" (2/181) . والحكمة من ذلك: قيل: لأَنَّ أَفْضَل أَرْكَان الصَّلاة الْقِيَام وَأَفْضَل الأَذْكَار الْقُرْآن , فَجَعَلَ الأَفْضَل لِلأَفْضَلِ وَنَهَى عَنْ جَعْله فِي غَيْره لِئَلا يُوهِم اِسْتِوَائِهِ مَعَ بَقِيَّة الأَذْكَار. "عون المعبود". وقيل: لأن القرآن أشرف الكلام , إذ هو كلام الله , وحالة الركوع والسجود ذل وانخفاض من العبد , فمن الأدب أن لا يقرأ كلام الله في هاتين الحالتين. "مجموع الفتاوى" (5/338) . ثانياً: إذا دعا في السجود بدعاء وارد في القرآن الكريم كقوله تعالى: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) البقرة/201، فلا بأس به إذا قصد بذلك الدعاء لا قراءة القرآن، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) رواه البخاري (1) ومسلم (1907) . قال الزركشي: " محل الكراهة ما إذا قصد بها القراءة , فإن قصد بها الدعاء والثناء فينبغي أن يكون كما لو قنت بآية من القرآن " انتهى. والقنوت بآية من القرآن جائز بلا كراهة. "تحفة المحتاج" (2/61) . قال النووي في "الأذكار" (ص 59) : " ولو قنت بآية أو آيات من القرآن العزيز وهي مشتملة على الدعاء حصل القنوت، ولكن الأفضل ما جاءت به السنة " انتهى. وهذا إذا قصد بالآية الدعاء. انظر: "الفتوحات الربانية شرح الأذكار النووية" لابن علان (2/308) . وسئل علماء اللجنة الدائمة: علمنا بأنه لا يجوز قراءة القرآن في السجود، ولكن هناك بعض الآيات تشتمل على الدعاء مثل قوله تعالى: (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا) ، فما حكم الإتيان بمثل هذه الأدعية الواردة في القرآن في حالة السجود؟ فأجابوا: " لا بأس بذلك إذا أتى بها على وجه الدعاء لا على وجه التلاوة للقرآن " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (6/443) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 46997 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 763 حكم تولي المرأة الأذان [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم تولي المرأة الأذان للرجال؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله جرى عمل المسلمين على مدار أربعة عشر قرناً من الزمان أنه لا يتولى الأذان إلا الرجال، وهذا بمفرده يكفي دليلاً على منع النساء من الأذان للرجال، ومخالفة هذا مخالفة لسبيل المؤمنين، وقد قال الله تعالى: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً) النساء/115. والأمر أوضح من أن يستدل له، لولا وجود من طمس الله على بصيرتهم، وصاروا يجادلون في أمور تعد من ثوابت هذا الدين. ويدل على ذلك من السنة: 1- ما رواه البخاري (604) ومسلم (377) عن ابْن عُمَرَ رضي الله عنهما قال: كَانَ الْمُسْلِمُونَ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ يَجْتَمِعُونَ فَيَتَحَيَّنُونَ الصَّلاةَ لَيْسَ يُنَادَى لَهَا، فَتَكَلَّمُوا يَوْمًا فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: اتَّخِذُوا نَاقُوسًا مِثْلَ نَاقُوسِ النَّصَارَى، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ بُوقًا مِثْلَ قَرْنِ الْيَهُودِ، فَقَالَ عُمَرُ: أَوَلا تَبْعَثُونَ رَجُلا يُنَادِي بِالصَّلاةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا بِلالُ، قُمْ فَنَادِ بِالصَّلاةِ) . فهذا الحديث يدل على أنه من المقرر عند الصحابة أنه لا ينادي للصلاة إلا الرجال، وأنه لا مدخل للنساء في ذلك، لقول عمر رضي الله عنه: (أَوَلا تَبْعَثُونَ رَجُلا يُنَادِي بِالصَّلاةِ) . 2- روى البخاري (684) ومسلم (421) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (مَنْ رَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ، فَإِنَّهُ إِذَا سَبَّحَ الْتُفِتَ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ) . قال الحافظ: " وَكَأَنَّ مَنْعَ اَلنِّسَاءِ مِنْ اَلتَّسْبِيحِ لأَنَّهَا مَأْمُورَة بِخَفْضِ صَوْتِهَا فِي اَلصَّلاةِ مُطْلَقًا لِمَا يُخْشَى مِنْ اَلافْتِتَانِ " انتهى. فإذا كانت المرأة منهية عن تنبيه الإمام بالقول إن أخطأ، وإنما تصفق، حتى لا ترفع صوتها بحضرة الرجال، فكيف يسمح لها بالأذان؟! وقد اتفق العلماء على عدم مشروعية أذان النساء للرجال، وهذه بعض أقوالهم في هذا: جاء في "بدائع الصنائع" (1/411) (حنفي) : " يكره أذان المرأة باتفاق الروايات ". وفي "مواهب الجليل" (2/87) (مالكي) : " فلا يصح أذان امرأة " انتهى. وقال الشافعي في الأم (1/84) : " ولا تؤذن امرأة، ولو أذنت لرجال لم يجزئ عنهم أذانها " انتهى. وفي "الإنصاف" (1/395) (حنبلي) : "لا يعتد بأذان امرأة " انتهى. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39186 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 764 متى يركع المأموم؟ عند تكبير الإمام أم بعد التكبير مباشرة أم ماذا؟ [السُّؤَالُ] ـ[نحن المأمومون متى نبدأ بالركوع؟ هل نركع عندما نسمع الإمام يقول الله أكبر أم خلالها أم بعد أن يسكت منها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المشروع في حق المأموم أن يتابع إمامه، فلا يسبقه ولا يوافقه ولا يتأخر عنه، بل يفعل الأمر عقب فعل إمامه مباشرة. وقد دل على ذلك ما رواه البخاري (378) ومسلم (417) من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وأبي هريرة رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا "وَلا تَرْكَعُوا حَتَّى يَرْكَعَ "، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا "وَلا تَسْجُدُوا حَتَّى يَسْجُدَ "، وَإِنْ صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا) وما بين القوسين من زيادات أبي داود (603) . فقوله صلى الله عليه وسلم: (َإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَلا تَرْكَعُوا حَتَّى يَرْكَعَ) ومثله في السجود، يدل على أن المأموم لا يبدأ في الانتقال إلى الركن إلا بعد وصول الإمام إليه، فلا يركع حتى يركع الإمام، ولا يسجد حتى يسجد الإمام، وقد جاء ذلك صريحاً في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قال: " سمع الله لمن حمده " لم يحن أحد منا ظهره حتى يقع النبي صلى الله عليه وسلم ساجدا، ثم نقع سجودا بعده. رواه البخاري (811) ومسلم (474) . قال النووي في " شرح مسلم ": " وفي هذا الحديث هذا الأدب من آداب الصلاة، وهو أن السنة ألا ينحني المأموم للسجود حتى يضع الإمام جبهته على الأرض " انتهى. وعلى هذا، فالمشروع للمأموم أن يتابع إمامه بعد انتقاله إلى الركن مباشرة، فالعبرة بفعل الإمام لا بتكبيره، وهذا فيمن يرى الإمام، أما من لا يراه من المأمومين، فإنه يقتدي بقوله، فيبدأ في الانتقال إلى الركن بعد انتهاء الإمام من التكبير، وانظر جواب السؤال (33790) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38634 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 765 مكانة الصلاة في الإسلام [السُّؤَالُ] ـ[أرجو أن توضح لنا مكانة الصلاة في الدين الإسلامي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن للصلاة منزلة كبيرة في الإسلام، لا تصل إليها أية عبادة أخرى ... ويدل على ذلك ما يأتي: أولاً: أنها عماد الدين الذي لا يقوم إلا به ... وفي الحديث الذي رواه معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألا أخبرك برأس الأمر كله وعموده، وذروة سنامه؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد.." رواه الترمذي 2616 وصححه الألباني في صحيح الترمذي 2110. ثانياً: تأتي منزلتها بعد الشهادتين لتكون دليلاً على صحة الاعتقاد وسلامته، وبرهاناً على صدق ما وقر في القلب، وتصديقاً له. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وحجِّ البيت، وصوم رمضان " رواه البخاري 8 ومسلم 16. وإقام الصلاة: أداؤها كاملة بأقوالها وأفعالها، في أوقاتها المعينة، كما جاء في القرآن الكريم، قال الله تعالى: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا.} أي ذات وقت محدود. ثالثاً: للصلاة مكانة خاصة من بين سائر العبادات لمكان فرضيتها ... فلم ينزل بها ملك إلى الأرض، ولكن شاء الله أن ينعم على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بالعروج إلى السماء وخاطبه ربه بفرضية الصلاة مباشرة، وهذا شيء اختصت به الصلاة من بين سائر شرائع الإسلام. فقد فرضت الصلاة ليلة المعراج قبل الهجرة بنحو ثلاث سنين. وفرضت خمسين صلاة ثم حصل التخفيف في عددها إلى خمس، وبقي ثواب الخمسين في الخمس، وهذا دليل على محبة الله لها وعظيم منزلتها. رابعاً: الصلاة يمحو الله بها الخطايا.. روى البخاري (528) ومسلم (667) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَفِي حَدِيثِ بَكْرٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ قَالُوا لا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ قَالَ فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا: " أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمساً، ما تقول ذلك يُبقي من درنه؟ قالوا: لا يُبقي من درنه شيئاً، قال: فذلك مَثَلُ الصلوات الخمس يمحو الله به الخطايا " خامساً: الصلاة هي آخر ما يُفقد من الدين، فإن ضاعت ضاع الدين كله ... عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة " رواه مسلم 82. لذا ينبغي للمسلم أن يحرص على أداء الصلاة في أوقاتها، وألا يتكاسل أو يسهو عنها، قال تعالى: {فويل للمصلين. الذين هم عن صلاتهم ساهون} وتوعدَّ الله تعالى من ضيَّع الصلاة، فقال: {فخلف من بعدهم خلفٌ أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً} . سادساً: الصلاة أول ما يُحاسب عليه العبد يوم القيامة ... فعن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنْ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ " رواه النسائي 465 والترمذي 413 وصححه الألباني في صحيح الجامع 2573 نسأل الله أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته. المراجع: كتاب الصلاة للدكتور الطيار ص 16، وتوضيح الأحكام للبسام 1/371، وتاريخ مشروعية الصلاة للبلوشي ص 31. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 33694 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 766 السنة في صلاة الفجر إطالة القراءة فيها، بما لا يشق على الناس [السُّؤَالُ] ـ[أنا طالب أدرس في أمريكا ويوجد مسجد بالجامعة التي أدرس بها. حصلت مشكلة بين الإمام والمصلين وهي الإطالة في صلاة الفجر. اشتكى لي بعض المصلين إطالة الإمام في صلاة الفجر حيث إن الصلاة في ذلك اليوم كانت مدتها 25 دقيقة إلى نصف ساعة حيث إنه قرأ أربعة أوجه من سورة إبراهيم وأربعة أوجه من سورة الكهف والإمام يريد أن يجعلها دائما هكذا لأنه يعلم أن السنة الإطالة في الفجر. علما أن معظم المصلين من الشباب لكنهم تذمروا من هذا الأمر وقال بعضهم إني لن أصلي في هذا المسجد بحجة إطالة الإمام في الصلاة. هل إطالة هذا الإمام تعتبر شاقة ومنفرة للمصلين؟ أنا أستطيع أن أقرأ وجهاً في ثلاث إلى خمس دقائق وغيري ربما يقرأ قراءة متأنية في ثمان دقائق هل هناك فرق في الإطالة بين القراءة المتأنية والقراءة السريعة؟ لأن إمام المسجد قال إن أقل ما يقرأه النبي صلى الله عليه وسلم أربع ورقات أي ثمان أوجه لكن لا نعلم كم مدتها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة الصبح بطوال المفصل. قال ابن القيم رحمه الله: " أجمع الفقهاء أن السنة في صلاة الفجر أن يقرأ بطوال المفصل " انتهى. "حاشية السنن" (3 / 77) . وطوال المفصل من سورة (ق) حتى سورة (المرسلات) . وعَنْ أَبِي بَرْزَةَ رضي الله عنه (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ مِنْ السِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ) متفق عليه. وكان - أحيانا - يؤمهم فيها بـ "الصافات" رواه أحمد (4969) ، وكان يصليها يوم الجمعة بـ " ألم تنزيل السجدة" في الركعة الأولى، وفي الثانية بـ " هل أتى على الإنسان " متفق عليه. انظر: "صفة الصلاة" للألباني رحمه الله (ص/109-111) . وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: "المشروع في صلاة الفجر إطالة القراءة، ويقرأ ما تيسر من القرآن بعد الفاتحة من غير تخصيص لسورة معينة، إلا ما ورد الدليل بتخصيصه؛ كسورة السجدة، وسورة الدهر - هل أتى على الإنسان- في صلاة الفجر يوم الجمعة" انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (5 / 340) . وسئل الشيخ ابن جبرين رحمه الله: بعض الأئمة يقرأون في جماعتهم في صلاة العشاء والفجر مقدار صفحة أو صفحتين في الركعة الأولى والثانية، ويشتكي جماعة المسجد بأن الإمام أطال في القراءة، وحجتهم أنه يوجد كبار السن وبعضهم مرضى، وكذلك يقولون: إن هذا ينفر من الصلاة في المسجد، فهل هذه تُعد إطالة، وما نصيحتكم تجاه ذلك؟ فأجاب رحمه الله: " السُنة في صلاة الفجر الإطالة؛ لأن الله سماها قرآنًا بقوله: (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) أي صلاة الفجر ـ التي تطول فيها القراءة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ فيها ما بين الستين آية إلى المائة أو نحو نصف سورة آل عمران أو ثلثها، وذلك قدر اثني عشر صفحة إلى خمسة عشر وجهًا، وكان عمر يقرأ فيها بسورة يوسف كاملة أو بسورة النحل كاملة، أي فوق ثلاثة عشر وجهًا، وثبت أنه صلى الله عليه وسلم قرأ نصف سورة "المؤمنون" في ركعة , أي نحو أربع صفحات، فعلى هذا لا يُقال لمن قرأ ثلاث صفحات في الركعتين إنه قد أطال , بل هو مختصر , ولا عذر لأحد في طلب التخفيف الذي هو خلاف السُنة، ومن كان عاجزًا لكبر سن أو مرض فله أن يُصلي وهو جالس إذا عجز عن الإتمام قائمًا، فإن صلى قائمًا وعجز جاز له القعود لمرض أو كبر سن حتى في الفريضة، فأما القادر فلا يجوز له الجلوس؛ لأن القيام ركن في الصلاة، والله أعلم " انتهى من موقع الشيخ. هذا هو الأصل في صلاة الفجر، وعلى الإمام أن يراعي حال المأمومين، فلا يطيل عليهم إطالة تنفرهم من الصلاة خلفه؛ فعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَأَتَأَخَّرُ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْفَجْرِ مِمَّا يُطِيلُ بِنَا فُلَانٌ فِيهَا. فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا رَأَيْتُهُ غَضِبَ فِي مَوْضِعٍ كَانَ أَشَدَّ غَضَبًا مِنْهُ يَوْمَئِذٍ ثُمَّ قَالَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ , فَمَنْ أَمَّ النَّاسَ فَلْيَتَجَوَّزْ؛ فَإِنَّ خَلْفَهُ الضَّعِيفَ وَالْكَبِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ) متفق عليه. فقد تكون الإطالة مناسبة في مسجد، وغير مناسبة في مسجد آخر، لاختلاف حال أهل المسجدين. وقد سئل علماء اللجنة للإفتاء: ما هو القدر المناسب لقراءة الإمام في الصلاة الجهرية، علما بأنه يوجد وراءه رجال متقدمين في السن؟ فأجابوا: "ذلك مما يختلف باختلاف أحوال المصلين بالمسجد جماعة، فليراع كل إمام حال جماعة مسجده؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أيكم أم الناس فليخفف؛ فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف وذا الحاجة) " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (6 / 391) . فما يفعله إمامكم لا نرى أنه إطالة شاقة إذا كان يفعله أحيانا، إلا إذا كان في أهل المسجد من هو مريض أو كبير أو له أعمال يتعطل عنها بسبب إطالة الصلاة. ويشكر هذا الإمام على حرصه على اتباع السنة، غير أن الأقرب إلى السنة التنوع في القراءة، فقد كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم متنوعة، فأحياناً يطيل وأحياناً يقرأ أقل من ذلك، فعَنْ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ رضي الله عنه قال: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ الْوَاقِعَةَ وَنَحْوَهَا مِنْ السُّوَرِ) ، رواه أحمد (20489) ، وصححه الألباني في "صفة الصلاة" ص 109. فلو أن الإمام قرأ سورة من طوال المفصل لكان في ذلك جمع بين السنة في القراءة في صلاة الفجر، والتخفيف على المأمومين. ولو أطال أحياناً أكثر من هذا لم ينكر عليه، ما لم يشق على الناس. وعلى هذا، فقول إمامكم: إن أقل ما كان يقرأه النبي صلى الله عليه وسلم هو ثمان أوجه. فيقال: قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ بأقل من هذا، فسور طوال المفصل كلها أقل من هذا، بل قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في الفجر بسورة (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) رواه النسائي (951) وصححه الألباني في "صحيح النسائي". فالذي ننصح به أن يقرأ من طوال المفصل، ولا بأس أن يطيل أحيانا أكثر من هذا. ثانياً: هناك فرق بين القراءة المتأنية والقراءة السريعة؛ ومن فقه الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يراعون ذلك، فالذي يقرأ قراءة بطيئة ينبغي أن يقرأ قدراً أقل ممن قراءته سريعة ..... وهكذا. فقد روى ابن أبي شيبة في "المصنف" (7754) : عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ: " دَعَا عُمَرُ الْقُرَّاءَ فِي رَمَضَانَ فَأَمَرَ أَسْرَعَهُمْ قِرَاءَةً أَنْ يَقْرَأَ ثَلاَثِينَ آيَةً، وَالْوَسَطَ خَمْسة وَعِشْرِينَ آيَةً، وَالْبَطِيءَ عِشْرِينَ آيَةً ". وروى أيضا (7761) : عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: " مَنْ أَمَّ النَّاسَ فِي رَمَضَانَ فَلْيَأْخُذْ بِهِمَ الْيُسْرَ، فَإِنْ كَانَ بَطِيءَ الْقِرَاءَةِ فَلْيَخْتِمَ الْقُرْآنَ خَتْمَةً، وَإِنْ كَانَ قِرَاءَةً بَيْنَ ذَلِكَ فَخَتْمَة وَنِصْف، فَإِنْ كَانَ سَرِيعَ الْقِرَاءَةِ فَمَرَّتَيْنِ ". والذي ينبغي للإمام أن يحرص على جمع الناس وتأليف قلوبهم، والأخذ بأيديهم إلى السنة شيئاً فشيئاً، فذلك خير من تنفيرهم. لا سيما وأنتم تعيشون في البلاد الغربية، فأنتم أحوج إلى الاجتماع والائتلاف. فعلى الإمام أن يراعي حال المأمومين خلفه بما لا يخرج عن السنة. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 138870 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 767 الصور الجائز والمحرَّم اقتناؤها، وعلاقة ذلك بدخول الملائكة لأمكنة وجودها [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن أصلي في حجرة بها زينات من العرائس، واللعب؟ وأنا لا أفهم لماذا يقول الناس إن الملائكة لا تدخل بيوتاً بها عرائس، ولعب، فهل هذا من الإسلام؟ . من فضلك بيِّن لي صحة هذا الحكم، بحديث صحيح، لو وُجد.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: من الجيد السؤال عن أحكام الشرع الله تعالى لمن لا يعلمها، ومن الجيد أيضاً: أن يكون السائل فطناً، فيسأل عن الدليل على حكم مسألته، حتى يكون متبعاً الكتاب والسنة. ثانياً: ثبت في السنَّة الصحيحة – بلا ريب – تحريم الرسم، والنحت، لذوات الأرواح، وثبت – كذلك - أن الملائكة لا تدخل بيتاً توجد فيه تلك الصور المحرمة، والمقصود بهم: ملائكة الرحمة والاستغفار. فعن أبي طلحة رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (لاَ تَدْخُلُ المَلاَئِكَةُ بَيْتاً فِيهِ كَلْبٌ، وَلاَ صُورَةٌ تَمَاثِيلُ) رواه البخاري (3053) ومسلم (2106) . وعن عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: قَالَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: (إِنَّا لاَ نَدْخُلُ بَيْتاً فِيهِ كَلْبٌ أوْ صُورَةٌ) رواه مسلم (2104) . فإذا وجدت الصور المحرَّمة في بيت: حُرم أهله وجود ملائكة الرحمة، والاستغفار، وصار البيت مأوى للشياطين. ويدخل في هذه الصور المحرمة: 1. التماثيل لذوات الأرواح، مصنعة، أم منحوتة، من أي مادة كان ذلك التصنيع، أو النحت. ويدخل فيها حلي النساء المصنع على صورة حيوان. 2. الصور الشمسية - الفوتوغرافية -، التي لا يحتاج صاحبها إليها، بل يحتفظ بها للذكرى أو لغير ذلك من الأسباب التي ليست ضرورية. 3. الصور المرسومة باليد، أو بالكمبيوتر، لذوات الأرواح. ولا يدخل في هذا الحكم [التحريم، وحرمان دخول الملائكة] الصور التي يجوز اقتناؤها، ومنها: 1. ما كان وجوده ضرورة، كصور البطاقة الشخصية، وجواز السفر، وكالصور الموجودة على الأوراق النقدية. 2. ما كان ممتهناً من الصور، كالموجود منها على السجاد، أو علب الحليب، والصلصة، وغيرها، مما مصيره القمامة. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قال الخطَّابي: والصورة التي لا تدخل الملائكة البيت الذي هي فيه ما يحرم اقتناؤه، وهو ما يكون من الصور التي فيها الروح، مما لم يقطع رأسه، أو لم يمتهن. " فتح الباري " (10 / 382) . وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: إن صور جميع الأحياء من آدمي أو حيوان محرمة، سواء كانت مجسمة، أم رسوماً، وألوانا في ورق، ونحوه، أم نسيجاً في قماش، أو صوراً شمسية، والملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة؛ لعموم الأحاديث الصحيحة التي دلت على ذلك. ويرخص فيما دعت إليه الضرورة، كصور المجرمين، والمشبوهين؛ لضبطهم، والصور التي تدخل في جوازات السفر، وحفائظ النفوس؛ لشدة الضرورة إلى ذلك، ونرجو ألا تكون هذه وأمثالها مانعة من دخول الملائكة البيت لضرورة حفظها، وحملها، والله المستعان. وهكذا الصور التي تمتهن كالتي في الفراش، والوسائد، نرجو أنها لا تمنع من دخول الملائكة، ومن الأحاديث الواردة في ذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم) رواه البخاري. وروي أيضاً عن أبي جحيفة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم (لعن آكل الربا وموكله ولعن المصور) . الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. " فتاوى اللجنة الدائمة " (1 / 720، 721) . وانظر جواب السؤال رقم (134313) . 3. لعب الأطفال. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (119056) و (20325) . ثالثا: أما حكم الصلاة في مكان فيه صور: فهو مبني على التقسيم السابق، فلا تجوز الصلاة في مكان فيه صور محرَّمة، وتجوز الصلاة في مكان فيه صور جائزة. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: أما الصلاة في الأماكن التي توجد فيها مثل هذه الصور: فإن كانت من الأشياء المباحة، كالذي يُمْتَهَن - على قول جمهور أهل العلم -: فلا بأس بها، وإن كانت من الأشياء التي غير مباحة، مثل الصور المعلقة: فإنه لا يُصلَّى في هذا المكان حتى تُنَزَّل الصور، مع أن هذه الصور المعلقة لا يجوز أن تعلَّق أبداً مهما كان المصوَّر، بعض الناس يضع صورته في برواز، ويعلقها في المجلس، أو يضع صورة والده، أحياناً يضعون صورة الوالد وهو ميت - نسأل الله العافية - وبعض الناس يضع صور اللاعبين - لاعبي الكرة! -، وللناس إرادات، وأهواء، المهم: كل الصور المعلقة لا تجوز أيّاً كان المعلَّق. " جلسات رمضانية " (رقم الدرس: 6، عام 1410 هـ) . وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: أصلي بغرفة بها صور، كصورة صديق لي معلقة على الحائط، أو صورة إنسان آخر، وقد قال لي بعض الأخوة: " إن صلاتك باطلة بسبب استقبال هذه الصور "، فماذا أفعل في المدة الماضية؟ وما حكم صلاتي؟ بارك الله فيكم. فأجاب: الصلاة صحيحة، ومَن قال إن الصلاة باطلة: فقد غلط، فالصلاة صحيحة، ولكن يكره الصلاة في هذه الحجرة إذا تيسر غيرها، وإلا فالصلاة صحيحة؛ لأنك لا تعبد الصور، إنما صليت لله، فصلاتك صحيحة. " فتاوى نور على الدرب " (ص 309، 310) . وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: هل تجوز صلاة المصلي وأمامه صورة حيوان، كالحصان - مثلاً -، معلقة على الجدار؟ . فأجاب: الصلاة صحيحة، لكن أصل تعليق الصور على الجدران: لا يجوز. الصور إنما تجوز إذا كانت ممتهنة، توطأ، وأما إذا كانت معلقة: فلا، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة) . " فتاوى نور على الدرب " (شريط: 372، وجه: ب) . ولمزيد الفائدة يراجع جواب السؤال رقم (6390) و (130263) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 137174 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 768 إذا شك في ترك ركن أو نسيه فماذا يفعل؟ [السُّؤَالُ] ـ[1- إذا شك الإنسان في نقص ركن كالسجود أو الركوع ليس متأكداً بل شاك ماذا يفعل؟ 2- وأرجو التوضيح إذا الإنسان نسي ركن ماذا يفعل بالضبط قبل سجود السهو؟ أنا قرأت كثيرا ولكن لم أفهم حتى الموجود في هذا الموقع لم تتوضح لي الصورة بشكل جيد.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من نسي ركنا من أركان الصلاة فلابد أن يأتي به لتصح صلاته، ولا يكفيه سجود السجود، ومن شك في ترك ركن لزمه أن يأتي به أيضا. وفي كيفية الإتيان بالركن الفائت تفصيل: 1- فإن ذكره قبل الوصول إلى موضعه من الركعة التالية، عاد فأتى به وأكمل صلاته، وسجد للسهو. وذلك كأن ينسى الركوع، ثم يتذكره في السجود من نفس الركعة، أو يتذكره في قراءة الركعة التالية، فيترك السجود أو القراءة ويركع، ثم يتم ركعته. وبعض الفقهاء يقولون: إذا نسي ركناً وشرع في الركعة التي تليها بطلت الركعة التي نسي منها الركن، لكن الراجح ما سبق. 2- وإن ذكر الركن المنسي بعد الوصول إلى موضعه من الركعة التالية، ألغى الركعة الناقصة، وجعل هذه محلها، وأتم صلاته. وذلك كأن ينسى الركوع من الأولى، ثم يتذكره عند ركوع الثانية، فتلغى الركعة الأولى، وتكون الثانية هي الأولى بالنسبة له. 3- وإن لم يذكر الركن إلا بعد السلام من صلاته، أتى بركعة كاملة. قال في "زاد المستقنع": " ومن ترك ركنا فذكره بعد شروعه في قراءة ركعة أخرى، بطلت التي تركه منها، وقبله يعود وجوبا، فيأتي به وبما بعده، وإن علم بعد السلام فكترك ركعة كاملة". قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه: " قوله: «فذكره بعد شروعه في قراءة ركعة أخرى بطلت التي تركه منها» بطلت: يعني صارت لغوا، وليس البطلان الذي هو ضد الصحة، لأنه لو كان البطلان الذي هو ضد الصحة؛ لوجب أن يخرج من الصلاة، ولكن المراد بالبطلان هنا: اللغو، فمعنى «بطلت» أي صارت لغوا، وتقوم التي بعدها مقامها، هذا إذا ذكره بعد شروعه في قراءة الركعة الأخرى. مثال ذلك: رجل يصلي فلما سجد السجود الأول في الركعة الأولى، قام إلى الركعة الثانية، وشرع في قراءة الفاتحة، ثم ذكر أنه لم يسجد إلا سجدة واحدة؛ فترك جلوسا وسجدة، أي: ترك ركنين، فنقول له: يحرم عليك أن ترجع؛ لأنك شرعت في ركن مقصود من الركعة التي تليها، فلا يمكن أن تتراجع عنها، لكن تلغي الركعة السابقة، وتكون الركعة التي بعدها بدلا عنها. مثال آخر: قام إلى الرابعة في الظهر، ثم ذكر أنه نسي السجدة الثانية من الركعة الثالثة، بعد أن شرع في القراءة فتلغى الثالثة، وتكون الرابعة هي الثالثة، لأنه شرع في قراءتها. وهذا ما قرره المؤلف. والقول الثاني: أنها لا تبطل الركعة التي تركه منها، إلا إذا وصل إلى محله في الركعة الثانية، وبناء على ذلك يجب عليه الرجوع ما لم يَصِلْ إلى موضعه من الركعة الثانية. ففي المثال الذي ذكرنا، لما قام إلى الثانية؛ وشرع في قراءة الفاتحة؛ ذكر أنه لم يسجد في الركعة الأولى، فنقول له: ارجع واجلس بين السجدتين، واسجد، ثم أكمل. وهذا القول هو الصحيح، وذلك لأن ما بعد الركن المتروك يقع في غير محله لاشتراط الترتيب، فكل ركن وقع بعد الركن المتروك فإنه في غير محله لاشتراط الترتيب بين الأركان، وإذا كان في غير محله فإنه لا يجوز الاستمرار فيه، بل يرجع إلى الركن الذي تركه كما لو نسي أن يغسل وجهه في الوضوء، ثم لما شرع في مسح رأسه ذكر أنه لم يغسل الوجه، فيجب عليه أن يرجع ويغسل الوجه وما بعده. فإن وصل إلى محله من الركعة الثانية، فإنه لا يرجع؛ لأن رجوعه ليس له فائدة، لأنه إذا رجع فسيرجع إلى نفس المحل، وعلى هذا؛ فتكون الركعة الثانية هي الأولى، ويكون له ركعة ملفقة من الأولى ومن الثانية. مثاله: لما قام من السجدة الأولى في الركعة الثانية وجلس؛ ذكر أنه لم يسجد في الركعة الأولى إلا سجدة واحدة، فلا يرجع إلى الركعة الأولى، ولو رجع فسيرجع إلى المكان نفسه الذي هو فيه، وهذا القول هو القول الراجح: أنه يجب الرجوع إلى الركن المتروك ما لم يصل إلى موضعه من الركعة الثانية، فإن وصل إلى موضعه من الركعة الثانية صارت الثانية هي الأولى" انتهى من "الشرح الممتع" (3371) . وقال الشيخ رحمه الله: "القسم الثاني: الشك في ترك الأركان، وأشار إليه بقوله: «وإن شك في ترك ركن فكتركه» أي: لو شك هل فعل الركن أو تركه، كان حكمه حكم من تركه. مثاله: قام إلى الركعة الثانية؛ فشك هل سجد مرتين أم مرة واحدة؟ فإن شرع في القراءة فلا يرجع، وقبل الشروع يرجع. وعلى القول الراجح: يرجع مطلقا، ما لم يصل إلى موضعه من الركعة التالية، فيرجع ويجلس، ثم يسجد، ثم يقوم، لأن الشك في ترك الركن كالترك. وكان الشك في ترك الركن كالترك؛ لأن الأصل عدم فعله، فإذا شك هل فعله، لكن إذا غلب على ظنه أنه فعله؛ فعلى القول الراجح وهو العمل بغلبة الظن يكون فاعلا له حكما ولا يرجع؛ لأننا ذكرنا إذا شك في عدد الركعات يبني على غالب ظنه، ولكن عليه سجود السهو بعد السلام " انتهى من "الشرح الممتع" (3/ 384) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136493 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 769 قطع الصلاة لدرء خطر [السُّؤَالُ] ـ[كنا نصلي جماعة بالمزرعة وأمامنا بالمزرعة مكينة رفع مياه ترفع المياه من البئر وتصبها بحوض بجوارنا وفجأة وأثناء تأديتنا للصلاة رأينا دخاناً كثيفاً يخرج من أجزاء الماكينة فإن تركناها فسوف يكون ضرر جسيم، فهل يجوز لأحد منا قطع الصلاة ليطفئها؟ أم ماذا نفعل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "نعم، إذا وقع مثل هذا الحادث فإنه يقطع الصلاة أحد الجماعة إزالة الخطر ثم يعود فيصلي معهم ما بقي والحمد لله، لأن خطر هذا الدخان كبير وقطع الصلاة للمصلحة المهمة أو لدرء خطر مثل إنقاذ حريق أو إنقاذ غريق أو دفع صائل أو ما أشبه ذلك كل هذا لا بأس به، وهذا فيه في الحقيقة إنقاذ من حرق قد يهلك الماكينة أو يتعدى ضرره إلى غير ذلك فلا حرج في قطع الصلاة ثم يعود فيبتدئ صلاته من جديد مع الإمام لما بقي أو يقضيها بعدهم إذا سلموا قبله. وإذا لم يكف واحد لإطفائها ودعت الحاجة إلى أن يقطعوا الصلاة جميعاً فلا بأس أن يتعاونوا في ذلك إذا كان الخطر عظيماً فليقطعوا الصلاة ثم يزيلوا الخطر ثم يرجعون فيصلون" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (2/805) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 134285 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 770 قطع الصلاة لنسيانه الآية [السُّؤَالُ] ـ[في إحدى المرات بعد أن دخلتُ في الصلاة وقرأت الفاتحة وعند قراءة السورة أُشكلت علي ورددتها أكثر من مرتين ولم أفلح، وأخيراً قطعت الصلاة وأعدت تكبيرة الإحرام وقرأت ثانية فهل صلاتي صحيحة؟ وماذا أفعل إذا تكرر ذلك مرة ثانية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "ما كان ينبغي لك أن تقطع الصلاة؛ فإن العمدة في القراءة الفاتحة، فإذا قرأ الإنسان الفاتحة فقد حصل الفرض وما زاد عليها فهو مستحب، هذا إذا كان مرادك بالسورة أيها السائل قراءة سورة زائدة أو آيات زائدة على الفاتحة فهي غير واجبة بل مستحبة، وإذا تركها الإنسان وركع ولم يقرأ زيادة على الفاتحة أجزأ. المقصود أنه في مثل هذا لا يقطع الصلاة، إذا كان المقصود من كلامك أنك تلبس عليك الأمر في قراءة زيادة عن الفاتحة، ولم يتيسر لك قراءة آيات ولا سورة بل اشتبه عليك الأمر فإنه ليس لك أن تقطع الصلاة، بل تركع ولا بأس ويكفيك الفاتحة والحمد لله" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (2/785) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 134235 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 771 حكم زيارة المعابد والمقابر الفرعونية وحكم الصلاة فيهما [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز زيارة المعابد، والمقابر الفرعونية، وما شابه ذلك؟ وهل لو خفت أن ينقضي وقت الصلاة: أؤديها في هذه الأماكن؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: زيارة المقابر قسمان: شرعية، وبدعية، فالشرعية: هي التي يراد منها نفع الميت بالدعاء، والاستغفار له، وهذه خاصة للمسلم. ويدخل في الزيارة الشرعية: الزيارة بقصد تذكر الموت، والآخرة , وهذه تكون عامة لقبر المسلم، والكافر. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فالزيارة الشرعية: أن يكون مقصود الزائر: الدعاء للميت، كما يقصد بالصلاة على جنازته الدعاء له؛ فالقيام على قبره: من جنس الصلاة عليه , قال الله تعالى في المنافقين: (وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُم مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ) التوبة/84، فنهى نبيَّه عن الصلاة عليهم، والقيام على قبورهم؛ لأنهم كفروا بالله، ورسوله، وماتوا وهم كافرون، فلما نهى عن هذا , وهذا؛ لأجل هذه العلة - وهي الكفر -: دلَّ ذلك على انتفاء هذا النهى عند انتفاء هذه العلة، ودلَّ تخصيصهم بالنهي على أن غيرهم يصلَّى عليه، ويقام على قبره، إذ لو كان هذا غير مشروع في حق أحد: لم يُخَصوا بالنهى , ولم يعلَّل ذلك بكفرهم , ولهذا كانت الصلاة على الموتى من المؤمنين، والقيام على قبورهم: من السنَّة المتواترة، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على موتى المسلمين، وشرع ذلك لأمته، وكان إذا دُفن الرجل من أمته: يقوم على قبره، ويقول: (سَلُوا لَهُ التَّثْبيتَ فإنَّهُ الآنَ يُسْأَلُ) رواه أبو داود وغيره، وكان يزور قبور أهل البقيع، والشهداء بـ "أُحُد"، ويعلّم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقول أحدهم: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله تعالى بكم لاحقون، ويرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنَّا بعدهم) . وفى صحيح مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إِلَى الْمَقْبُرَةِ فَقَالَ: (السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لاَحِقُونَ) ، والأحاديث في ذلك صحيحة، معروفة. فهذه الزيارة لقبور المؤمنين: مقصودها الدعاء لهم. وهذه غير الزيارة المشتركة التي تجوز في قبور الكفار، كما ثبت في صحيح مسلم، وأبي داود، والنسائي، وابن ماجه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: زَارَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَبْرَ أُمِّهِ فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ فَقَالَ: (اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأُذِنَ لِي، فَزُورُوا الْقُبُورَ، فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُم الْآَخرَةَ) ، فهذه الزيارة التي تنفع في تذكير الموت: تُشرع ولو كان المقبور كافراً، بخلاف الزيارة التي يقصد بها الدعاء للميت، فتلك لا تشرع إلا في حق المؤمنين. وأما الزيارة البدعية: فهي التي يُقصد بها أن يُطلب من الميت الحوائج، أو يطلب منه الدعاء، والشفاعة، أو يقصد الدعاء عند قبره؛ لظن القاصد أن ذلك أجوب للدعاء، فالزيارة على هذه الوجوه كلها مبتدعة لم يشرعها النبي صلى الله عليه وسلم , ولا فعلها الصحابة" انتهى. "مجموع الفتاوى" (1/165، 166) . ويجب أن يعلم أن زيارة القبور المشروعة يشترط لها أن لا يصحبها السفر إلى هذه القبور. فإن السفر من أجل زيارة القبور محرم، سواء قبور المسلمين أم قبور المشركين. قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: "لا يجوز شد الرحال لزيارة قبور الأنبياء، والصالحين، وغيرهم، بل هو بدعة، والأصل في ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم: (لاَ تُشَدُّ الرّحَالُ إلاَّ إلى ثَلاَثة مَسَاجد: المَسْجد الحَرَام وَمسْجدي هذا، والمسجد الأقصى) – رواه البخاري ومسلم -. وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عَملَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيه أَمْرُنا فَهُوَ رَدٌّ) – رواه البخاري تعليقاً، ومسلم -. وأما زيارتهم دون شد رحال: فسنَّة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (زُورُوا القبُورَ فَإنَّهَا تُذَّكرُكُم الآخرَةَ) رواه مسلم في صحيحه" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/431) . ثانياً: المقابر ليست محلاًّ للصلاة، سواءً أكانت مقابر للمسلمين – إلا ما استثناه الشرع وهو صلاة الجنازة - أو مقابر للمشركين من باب أولى. ومن أدى صلاة فرض، أو نافلة في مقبرة: فصلاته باطلة. قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: "لا تصح الصلاة في المقابر، فمَن أدى صلاة فيها: فهي باطلة، يجب عليه إعادتها؛ وذلك للأحاديث المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن اتخاذ القبور مساجد، إلا صلاة الجنازة، فلا بأس بها في المقبرة" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ بكر أبو زيد. " فتاوى اللجنة الدائمة " المجموعة الثانية (5 / 252، 253) . وينظر في ذلك جواب السؤال رقم: (13490) . ثالثاً: أما معابد المشركين: فلا يجوز قصدها للزيارة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وأما زيارة معابد الكفار مثل: الموضع المسمّى بالقمامة! أو بيت لحم، أو صهيون، أو غير ذلك، مثل كنائس النصارى: فمنهيٌّ عنها، فمَن زار مكاناً من هذه الأمكنة معتقداً أن زيارته مستحبة، والعبادة فيه أفضل من العبادة في بيته: فهو ضالٌّ، خارج عن شريعة الإسلام، يُستتاب، فإن تاب: وإلا قتل , وأما إذا دخلها الإنسان لحاجة، وعرضت له الصلاة فيها: فللعلماء فيها ثلاثة أقوال ... " انتهى. "مجموع الفتاوى" (27/14) . وقد صحَّ عن عمر رضي الله عنه قولُه: (لا تدخلوا على المشركين في كنائسهم، ومعابدهم؛ فإن السخطة تنزل عليهم) . رواه عبد الرزاق (1/411) وابن أبي شيبة (6/208) . وأما حكم الصلاة فيها: فجائز، بشرطين: أ. عدم قصد الصلاة فيها، وإنما دخلها لحاجة فعرضت لها الصلاة، كما مرَّ في كلام شيخ الإسلام رحمه الله آنفاً. ب. وبشرط عدم وجود الصور، والتماثيل. وقد بوَّب الإمام البخاري رحمه الله قي صحيحه: " باب الصَّلاَةِ فِي الْبِيعَةِ "، وقال: وَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: (إِنَّا لاَ نَدْخُلُ كَنَائِسَكُمْ مِنْ أَجْلِ التَّمَاثِيلِ الَّتِي فِيهَا الصُّوَرَ) ، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُصَلِّي فِي الْبِيعَةِ إِلاَّ بِيعَةً فِيهَا تَمَاثِيلُ. انتهى. وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: هل الصلاة في البيَع والكنائس جائزة مع وجود الصور أم لا؟ وهل يقال: إنها بيوت الله أم لا؟ . فأجاب: "ليست بيوت الله , وإنما بيوت الله: المساجد , بل هي بيوت يُكفر فيها بالله، وإن كان قد يُذكر فيها , فالبيوت بمنزلة أهلها , وأهلها كفار , فهي بيوت عبادة الكفار. وأما الصلاة فيها: ففيها ثلاثة أقوال للعلماء في مذهب أحمد، وغيره: المنع مطلقاً ; وهو قول مالك، والإذن مطلقا، وهو قول بعض أصحاب أحمد، والثالث: وهو الصحيح المأثور عن عمر بن الخطاب وغيره , وهو منصوص عن أحمد، وغيره , أنه إن كان فيها صور: لم يصلّ فيها ; لأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة – متفق عليه - , ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل الكعبة حتى مُحي ما فيها من الصور – رواه أبو داود بإسناد صحيح - , وكذلك قال عمر: إنا كنا لا ندخل كنائسهم والصور فيها" انتهى. "مجموع الفتاوى" (2/156) . رابعاً: مما هو معلوم أن هذه الأماكن الأثرية قد تكون أماكن عذاب، ولعنة , وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من قصد أماكن المعذَّبين للزيارة، أو النزهة. فعن ابن عمر رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا مَرَّ بِالْحِجْرِ قَالَ: (لَا تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ أَنْ يُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَهُمْ ثُمَّ تَقَنَّعَ بِرِدَائِهِ وَهُوَ عَلَى الرَّحْلِ) رواه البخاري (423) ومسلم (2980) . قال النووي رحمه الله: "فِيهِ: الْحَثّ عَلَى الْمُرَاقَبَة عِنْد الْمُرُور بِدِيَارِ الظَّالِمِينَ , وَمَوَاضِع الْعَذَاب ......... , فَيَنْبَغِي لِلْمَارِّ فِي مِثْل هَذِهِ الْمَوَاضِع الْمُرَاقَبَة، وَالْخَوْف، وَالْبُكَاء , وَالِاعْتِبَار بِهِمْ، وَبِمَصَارِعِهِمْ , وَأَنْ يَسْتَعِيذ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ" انتهى. "شرح مسلم" (18/111) . وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وهذا يتناول مساكن "ثمود"، وغيرهم، ممن هو كصفتهم، وإن كان السبب ورد فيهم. "فتح الباري" (6/380) . وقد أفتى العلماء المعاصرون بحرمة زيارة أماكن المعذّبين، والذين ظلموا: 1. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن حكم قصد مدائن " صالح " بالزيارة. فأجاب: "أمَّا المرور عليها: فقد مرَّ بها النبي صلى الله عليه وسلم، لكنَّه أسرع عليه الصلاة والسلام، وقنَّع رأسه، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين خشية أن يصيبكم ما أصابهم، فإن لم تكونوا باكيين فلا تدخلوا عليها) فلا يجوز للإنسان أن يذهب إلى هذه المدائن للتفرج، والنزهة، بل للاعتبار الذي يصحبه البكاء، وإلا فالسلامة في تركها، وقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (أن يصيبكم ما أصابهم) ليس مراده العذاب العام؛ لأن هذه الأمَّة - والحمد لله - لا تعذب بصفة عامة، لكن أن يصيبكم ما أصابهم من قسوة القلب، والإعراض، والتولي عن الدِّين. وحكمة ذلك: أن الناس الذين يذهبون إلى هذه البلاد على غير الوجه الذي أراد الرسول عليه الصلاة والسلام: سوف يقع في نفوسهم تعظيم هؤلاء؛ لمَا يرون من إحكام البناء، وشدته، وقوته، وإذا وقع تعظيم الكافر في قلب المؤمن: فإنه على خطر عظيم" انتهى. "لقاء الباب المفتوح" (82/السؤال رقم 2) . 2. وفي جواب السؤال رقم (87846) ذكرنا فتوى علماء اللجنة الدائمة في تحريم زيارة منازل "مديَن"، و "ثمود" لقصد الفُرجة، والاطلاع. وننبه إلى أن هناك أسباباً أخرى تمنع الذهاب إلى تلك الأماكن، حيث صارت مرتعاً خصباً للسيَّاح، وما يصاحب ذلك من تعرِّ، وتبرجٍ، وفجور، وشرب للخمور، وغير ذلك. خامساً: أما حكم الصلاة في أماكن اللعنة، والخسف، وأقوام المعذبين: فالظاهر هو المنع منها: فقد بوَّب البخاري رحمه الله – (1/166) - على حديث ابن عمر المتقدم: "بَاب الصَّلَاة فِي مَوَاضِع الْخَسْف وَالْعَذَاب، وَيُذْكَرُ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَرِهَ الصَّلَاةَ بِخَسْفِ بَابِلَ" , وهذا من دقيق استنباطه. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وَالْحَدِيث مُطَابِق لَهُ مِنْ جِهَة أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فِيهِ تَرْك النُّزُول كَمَا وَقَعَ عِنْد الْمُصَنِّف فِي " الْمَغَازِي " فِي آخِر الْحَدِيث " ثُمَّ قَنَّعَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسه وَأَسْرَعَ السَّيْر حَتَّى أَجَازَ الْوَادِي "، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَنْزِل، وَلَمْ يُصَلِّ هُنَاكَ، كَمَا صَنَعَ " عَلِيّ " فِي خَسْف " بَابِل ". "فتح الباري" (1/530) . وقد صحَّ موقوفاً عن علي رضي الله عنه النهي عن الصلاة في أرض " بابل " من أرض العراق. قال ابن رجب رحمه الله: وروى يعقوب بن شيبة، عن أبي النعيم: ثنا المغيرة بن أبي الحر الكندي: حدثني حجر بن عنبس، قال: خرجنا مع " علي " إلى "الحرورية" [الخوارج] ، فلما وقع في أرض "بابل" قلنا: "أمسيتَ يا أمير المؤمنين، الصلاة، الصلاة"، قال: "لم أكن أصلي في أرض قد خسف الله بها". وخرجه وكيع، عن مغيرة بن أبي الحر، به بنحوه. وهذا إسناد جيد ... . ثم قال: والموقوف أصح. "فتح الباري" لابن رجب (3/212) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ولا يصلَّى في مواضع الخسف، نص عليه [الإمام أحمد] في رواية عبد الله ... فإذا كان المكث في مواقع العذاب، والدخول إليها لغير حاجة منهيٌّ عنه: فالصلاة بها أولى , ولا يقال فقد استثنى ما إذا كان الرجل باكياً؛ لأن هذا الاستثناء من نفس الدخول فقط؛ فأما المكث بها، والمقام، والصلاة: فلم يأذن فيه، بدليل حديث " علي " , ولأن مواضع السخط، والعذاب، قد اكتسبت السخط بما نزل ساكنيها، وصارت الأرض ملعونة، كما صارت مساجد الأنبياء - مثل مسجد إبراهيم، ومحمد، وسليمان صلى الله عليهم - مكرَّمة لأجل مَن عبد الله فيها، وأسسها على التقوى. فعلى هذا: كل بقعة نزل عليها عذاب: لا يصلَّى فيها، مثل أرض الحِجر، وأرض بابل المذكورة، ومثل مسجد الضرار؛ لقوله تعالى: (لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدً) التوبة/108. "شرح العمدة" (3/420) . بل ذهب شيخ الإسلام رحمه الله إلى أبعد من تحريم الصلاة، وهو القول ببطلانها، ووجوب إعادتها. قال رحمه الله: فإن صلَّى: فهل تصح صلاته؟ فعلى ما ذكره طائفة من أصحابنا: تصح؛ لأنهم جعلوا هذا من القسم الذي تكره الصلاة فيه، ولا تحرم؛ لأن أحمد كره ذلك , ولأنهم لم يستثنوه من الأمكنة التي لا يجوز الصلاة فيها , ولأصحابنا في الكراهة المطلقة من أبي عبد الله وجهان: أحدهما: أنه محمول على التحريم , وهذا أشبه بكلامه , وأقيس بمذهبه؛ لأنه قد قال في الصلاة في مواضع نهي النبي صلى الله عليه وسلم عنها: " يعيد الصلاة " , وكذلك عند القاضي، والشريف أبي جعفر , وغيرهما، طرد الباب في ذلك، بأن كل بقعة نهي عن الصلاة فيها مطلقاً: لم تصح الصلاة فيها، كالأرض النجسة , وهذا ظاهر، فإن الواجب: إلحاق هذا بمواضع النهي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه، كما نهى عن الصلاة في المقبرة، ونهى الله نبيَّه أن يقوم في مسجد الضرار , ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الدخول إلى مساكن المعذبين عموماً، فإذا كان الله نهى عن الصلاة في الأماكن الملعونة خصوصاً , ونهى عن الدخول إليها خصوصاً، وعمل بذلك خلفاؤه الراشدون، وأصحابه، مع أن الأصل في النهي: التحريم، والفساد: لم يبق للعدول عن ذلك بغير موجب وجه" انتهى. "شرح العمدة" (3/421) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 133992 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 772 إصرار الإمام على زيادة ركعة [السُّؤَالُ] ـ[إذا قام الإمام بعد إتمام الصلاة وقبل السلام وهم ليأتي بركعة زائدة على الصلاة واستدرك المأمومون ذلك ونبهوه بقول: سبحان الله، ولكنه مع ذلك أصر على الوقوف للزيادة؛ فما حكم ذلك؟ وماذا يعمل المأمومون بعد قيامه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الواجب على المأمومين التنبيه والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (من نابه شيء في صلاته فليسبح الرجال ولتصفق النساء) ، فالواجب على الإمام إذا نبهوه أن يرجع إلا إذا كان يعتقد أنه مصيب وأنهم مخطئون، فإنه يعمل بصواب نفسه وباعتقاده، ويستمر حتى يكمل الصلاة باعتقاده، والذين نبهوه إن كانوا متيقنين أنه غلطان وأنه مخطئ لا يقومون معه بل يجلسون يقرءون التحيات ويصلون على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعون وينتظرونه حتى يسلموا معه؛ لأنه معذور وهم معذورون، هم معذورون باعتقادهم أنه مخطئ وهو معذور باعتقاده أنه مصيب وأنهم مخطئون، فكل منهما معذور لاجتهاده وتيقنه بزعمه صواب نفسه فإذا سلم سلموا معه. أما إن كان ما عنده يقين فالواجب أن يرجع إذا كان من نبهه اثنين فأكثر، عليه أن يرجع إذا كان ليس عنده يقين، إنما ظن، فإنه يرجع كما رجع النبي صلى الله عليه وسلم لقول ذي اليدين لما نبهه وسأل الناس وصوبوا ذا اليدين رجع النبي صلى الله عليه وسلم وأتم صلاته، ولم يعمل بقول ذي اليدين لأنه واحد، فالواحد لا يلزم الرجوع إليه، إلا إذا اعتقد الإمام أنه مصيب رجع، أما إذا كان المنبه اثنين فإنه يرجع لقولهما ويبني على قولهما ويدع ظنه، هكذا الواجب، وأما المأمومون فإنهم لا يتابعونه على الخطأ في الزيادة ولا في النقص، إن كان فيه زيادة فيجلسون حتى يسلم ويسلموا معه، وإن كان هناك نقص ولم يمتثل وجلس في الثالثة من الظهر مثلاً أو العشاء أو العصر، أو جلس في الأولى من الفجر أو الجمعة ولم يطعهم فإنهم يقومون يكملون صلاتهم ويتمونها ويخالفونه لأنه أخطأ في اعتقادهم" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (2/847) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 133585 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 773 هل بخر الفم عذر لترك الجمعة؟ [السُّؤَالُ] ـ[والدي شيخ كبير ولا يذهب لصلاة الجمعة، وهو مريض ببخر الفم ورائحته كريهة، ولا يريد أن يؤذي الناس بهذه الرائحة. فهل يجوز فعله هذا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "نعم، هذا عذر شرعي، من كان به بخر شديد الرائحة الكريهة ولم يتيسر له ما يزيله به فهو عذر، كما أن البصل والكراث عذر، والبخر قد يكون شديد الرائحة الكريهة، ويؤذي من حوله عن يمينه وشماله، فإذا كان بهذه الصورة ولا يجد دواء ولا حيلة له فهو معذور، أما إن وجد حيلة تزيله فعليه عمل ذلك حتى لا يتأخر عن صلاة الجمعة والجماعة، ولكن متى عجز عن ذلك ولم يتيسر فهو معذور أشد من عذر صاحب البصل؛ لأن صاحب البصل يستطيع أن يدع البصل والكراث أما هذا فلا يستطيع إذا عجز عن الدواء. والبخر لا شك أنه يؤذي من حوله، إذا كانت رائحته ظاهرة، وكذلك الصنان في الآباط، إذا كان شديد الصنان ولم يستطع إزالته بالصابون والدواء، إذا كان يعالجه ولا يزول، فهذا عذر أيضاً، أما إذا استطاع إزالته بالغسل والبخور والأدوية الأخرى التي تزيل أثره من الآباط فالواجب عليه فعل ذلك حتى يصلي مع المسلمين، وهكذا صاحب الدخان، يجب عليه أن يزيل أثر الدخان من فمه بكل ما يستطيع، وأن يكون قرب الصلاة لا يتعاطى هذا حتى لا يؤذي من حوله، فإذا كان هناك بقية استعمل ما يزيل بقية الرائحة بالأدوية حتى يزيل رائحته حتى لا يؤذي أحداً وهو قبيح منكر يجب تركه، ولا يجوز التجارة منه لا بيعاً ولا شراء لكن من بُلي به، فليتق الله ويستعن بالله على تركه وليحذر شره وبلاءه، وما دام يتعاطاه فليحذر أن يأتي به المسجد ورائحته ظاهرة، بل يتعاطى ما يزيل الرائحة، ويجتهد حتى يعافيه الله من شره" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (2/987) . [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز فتاوى نور على الدرب الحديث: 133501 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 774 حكم متابعة الإمام في الركعة الزائدة [السُّؤَالُ] ـ[لماذا التزم الفقهاء عدم متابعة الإمام في الركعة الزائدة؟ بينما الحديث المرفوع يثبت متابعة الإمام وعدم الاختلاف عليه في السهو، من ذلك ما رواه الشيخان في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا .... ) إلى آخره، والحديث الثاني: (لا تختلفوا على إمامكم) ، نرجو الإفادة في هذا الموضوع.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "قد تقرر بالنص والإجماع أن الصلوات المعروفة العدد ليس فيها زيادة ولا نقص، فالظهر أربع في حق المقيم غير المسافر، والعصر كذلك والعشاء كذلك، والمغرب ثلاث والفجر اثنتان والجمعة اثنتان، فهي صلاة معروفة العدد، فإذا زاد الإمام ركعة فهو إما ساهٍ وإما عامد، ولا يتصور أن أنساناً يزيدها عمداً، إلا إنسان لا يعرف الأحكام ولا يدري ما هو فيه، وإنما الواقع يكون سهواً، فإذا زاد ركعة سهواً فيه، فإن تنبه ورجع وجلس فالحمد لله، وإن لم ينتبه وأصر على الزيادة فإن الواجب على من علم بالزيادة أن لا يتابعه، لأن هذه متابعة للخطأ. ونحن مأمورون أن لا نتابع الأئمة في الخطأ، وإنما الطاعة في المعروف، فالإمام نقتدي به لكن في المعروف لا في الخطأ، فالزيادة التي يزيدها الإمام سهواً تعتبر خطأً، وزيادة في الصلوات الشرعية، فمن عرفها وعلم أنها خطأ لا يتابعه بل يجلس ولا يتابعه في الخامسة في الظهر والعصر والعشاء، ولا في الرابعة في المغرب، ولا في الثالثة في الفجر والجمعة. أما من لم يعرف أنها زائدة فإنه يتابعه عملاً بالحديث الذي ذكره السائل: (إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا ... الحديث) ، هذا يتابعه، جاهل ما درى عن الزيادة، لأن الأصل وجوب المتابعة، أما الذي عرف أنها زيادة فقد عرف أنها خطأ فلا يتابعه في الخطأ، بل يجلس، ولا أعلم في هذا خلافاً بين أهل العلم، أما من عرف أن الإمام زاد ركعة فإنه ينبهه بقول: سبحان الله، سبحان الله، فإن أجاب الإمام ورجع إلى الصواب وإلا وجب على من علم أنها زائدة أن ينتظر، وجب عليه أن يجلس ولا يتابعه في الخطأ. هذا هو المعروف عند أهل العلم وهو الموافق للأدلة الشرعية، إنما الطاعة في المعروف، فليس هناك أحد يُطاع في المعاصي أبداً ولا في الأخطاء، إذا عرفت أنه خطأ فلا تتابعه في الخطأ. أما الإمام الذي أصرّ ولم يرجع فهو بين أمرين: إن كان يعتقد صحة ما فعل وأنه مصيب وأن الذين نبهوه أخطأوا فقد أصاب وأحسن ولا بأس عليه، فإذا اعتقد أنه مصيب يكمل صلاته على نيته وعلى اعتقاده وصلاته صحيحة، والذين اعتقدوا أنه زائد صلاتهم صحيحة أيضاً ولا حرج على الجميع، وكلٌّ مأخوذ باعتقاده وما علم أنه الصحيح في نفسه. أما إن كان هو ليس عنده ضبط فقد غلط ولا يجوز له ذلك؛ لأنه أصر على الخطأ فتكون زيادته هذه زيادة وقد نبهه اثنان فأكثر من المأمومين على أنه خطأ وليس عنده ضبط فيكون عمله غير صحيح، وتكون الزيادة هذه مبطلة لصلاته لأنه تعمد زيادة ركعة غير مشروعة، ويكون زاد في الصلاة عمداً ما ليس منها فتبطل الصلاة بذلك، وأما الذين انفردوا عنه وجلسوا لاعتقادهم أنها زائدة فصلاتهم صحيحة، يقرؤون التحيات ويكملون صلاتهم ويسلمون. أما هو فإذا كان ما عنده بصيرة ولكنه أصر على الخطأ ولم يطاوع من نبهه من الجماعة إذا كانوا اثنين فأكثر فإن صلاته هو غير صحيحة، وعليه أن يعيدها من أولها لكونه استمر في الباطل والخطأ على غير هدى، وأما إذا كان مصيباً لاعتقاده أنه مصيب وأن الذين نبهوه أخطأوا فهذا مثل ما تقدم صلاته صحيحة وهو مسئول عن اعتقاده ولا حرج عليه. وبالنسبة للتسليم فإذا استمر الإمام ولم يرجع فالأفضل لهم أن ينتظروه حتى يسلموا معه، وإن سلموا أجزأ وصحت صلاتهم لأنهم معذورون باعتقادهم، ولكن إن انتظروه يكون أحسن لهم، فقد يكون معذوراً، قد يكون يعتقد صواب نفسه، فيكون معذوراً فإذا انتظروه وسلموا معه يكون هذا أفضل" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (2/848 – 850) . [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز فتاوى نور على الدرب الحديث: 132470 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 775 الصلاة في العمارة المبنية على المقبرة [السُّؤَالُ] ـ[هناك جماعة يصلون في الدور الثاني والدور الثالث من عمارة مبنية على مقبرة، فهل صلاتهم فيها جائزة فيستمرون فيها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إن كانت العمارة مستقلة وليس في محل الصلاة قبور فإن الصلاة صحيحة، إذا صلوا في الدور الأول أو الدور الثاني أو الدور الثالث، فلا بأس فالصلاة صحيحة، أما إذا كانت القبور في نفس الأدوار، في الدور الأول وصلوا في الدور الأول، فالصلاة عند القبور وبين القبور لا تصح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أَلَا وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ، أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ إِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ) ، وقال: (لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ) . ولو كان حولها قبور، ما دامت الأرض سليمة ليس فيها قبور ـ أي أرض العمارة التي بنيت عليها العمارة ـ ولكن حولها القبور أمامها أو خلفها أو عن يمينها أو عن شمالها فلا يضرها ذلك إذا كانت الأرض سليمة ليست فيها المقبرة. أما إن كانت الأرض من المقبرة واغتصبوها فالصلاة غير صحيحة ولا يصلى في العمارة لا في الدور الأول ولا في الثاني ولا في الثالث؛ لأنها تابعة للمقبرة ومغصوبة، فلا يحل لهم البقاء فيها ولا الصلاة فيها؛ بل يجب أن تزال من المقبرة لأن هذا ظلم وعدوان على المقبرة" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (2/1143) . [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز فتاوى نور على الدرب الحديث: 132415 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 776 إذا نسي الإمام بعض آيات فكيف يأتي بها ليكون قد ختم القرآن؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا نسي الإمام آية أو شيئا من القرآن أثناء صلاة التراويح، ثم تذكرها فيما بعد، فماذا يفعل؟ هل يمكن أن يكون ختم القرآن في الصلاة مع أنه لم يقرأ هذه الآية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا ينال القارئ ثواب ختم القرآن الكريم إلا إذا قرأه جميعاً، ولم يترك منه شيئاً، فلو أسقط آية ولم يقرأها لم يكن قد ختم القرآن الكريم. حتى ذكر العلماء أنه ينبغي أن يأتي بالبسملة في أول كل سورة إلا سورة براءة، ويعتني بذلك حتى يكون خاتما للقرآن. قال النووي رحمه الله: "وينبغي أن يحافظ على قراءة (بسم الله الرحمن الرحيم) في أول كل سورة سوى براءة، فإن أكثر العلماء قالوا: إنها آية، حيث كتبت في المصحف، وقد كتبت في أوائل السور سوى براءة، فإن قرأها كان مثبتاً قراءة الختمة أو السورة، وإذا أخل بالبسملة كان تاركاً بعض القرآن عند الأكثرين" انتهى. "التبيان" (صـ 61، 62) . وعلى هذا، فلابد أن يأتي القارئ بما نسيه من الآيات حتى ينال ثواب الختمة. وقد ذكر العلماء رحمهم الله طريقتين عند السلف، في الإتيان بالآية أو الآيات التي نسيها الإمام في صلاة التراويح: الأولى: أن يجمع كل هذه الآيات ويقرأها جميعاً في آخر ليلة من ليالي رمضان، وهذا كان فعل الأئمة في مكة قديماً. الثانية: أنه متى تذكر الآية التي نسيها رجع إليها [وهذا إذا كان لا يزال في القراءة في الصلاة] ثم يكمل بعدها من حيث انتهى، وهذا روي عن علي رضي الله عنه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو يذكر أن الترتيب فيما شُرع فيه الترتيب يسقط بالنسيان، قال: "ومنها: إذا نسى بعض آيات السورة في قيام رمضان، فإنه لا يعيدها، ولا يعيد ما بعدها، مع أنه لو تعمد تنكيس آيات السورة وقراءة المؤخر قبل المقدم لم يجز بالاتفاق .... سئل الإمام أحمد رحمه الله عن الإمام في شهر رمضان يدع الآيات من السورة، ترى لمن خلفه أن يقرأها؟ قال: نعم، ينبغي له أن يفعل، قد كانوا بمكة يوكلون رجلاً يكتب ما ترك الإمام من الحروف وغيرها، فإذا كان ليلة الختمة أعاده. قال الأصحاب ـ كأبي محمد (ابن قدامة) ـ: وإنما استحب ذلك لتتم الختمة، ويكمل الثواب. فقد جعل أهل مكة وأحمد وأصحابه إعادة المنسي من الآيات وحده يكمل الختمة والثواب، وإن كان قد أخل بالترتيب هنا، فإنه لم يقرأ تمام السورة، وهذا مأثور عن علي أنه نسي آية من سورة ثم أثناء القراءة قرأها، وعاد إلى موضعه ولم يشعر أحد أنه نسي إلا من كان حافظاً" انتهى. "مجموع الفتاوى" (21/410، 411) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130865 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 777 حكم من نام في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[يغلبني النعاس أحياناً في صلاة الصبح فلا أعلم ما قلت ولا ما فعلت كالقراءة والتحيات، ولكنه ليس بالنوم العميق الذي يخش ى نقض الوضوء معه، فماذا أفعل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "ما دام شعورك معك وتعقل الصلاة وأنت تتابع الإمام فصلاتك صحيحة، والأصل أنك أديت ما يفعله الإمام، هذا هو الأصل، وهو الظاهر من عملك مع الإمام حتى تعلم خلاف ذلك، فإن علمت أنك لم تقرأ الفاتحة أتيت بها ثم سلمت بعد ذلك، وإذا علمت أنك لم تقرأ التحيات مع الإمام تأتي بها ثم تسلم، وإن علمت أنك تركت الفاتحة في ركعة من الركعات فالأمر في هذا واسع؛ لأن الإمام يتحمله عنك عند سهوك وعند جهلك، وعند عدم علمك بما وقع منك، يتحمل الإمام عنك ذلك إن شاء الله" انتهى. [الْمَصْدَرُ] سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (2/1089) الحديث: 130762 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 778 هل يطيع والده في ترك بعض سنن الصلاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[يأمرني والدي، وبإلحاح، أن أترك رفع اليدين قبل الركوع وبعد الركوع؛ فهل أطيعه في ذلك، أم ماذا علي فعله؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا شك أن رفع اليدين قبل الركوع وبعده من السنن المؤكدة في الصلاة. روى البخاري (735) ومسلم (390) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلاةَ، وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ. وروى البخاري في جزء "رفع اليدين" (ص 8) عن الحسن قال: " كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كأنما أيديهم المراوح يرفعونها إذا ركعوا وإذا رفعوا رؤوسهم ". وعن حميد بن هلال قال: " كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلوا كأن أيديهم حيال آذانهم المراوح ". قال البخاري: " فلم يستثن الحسن وحميد بن هلال أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دون أحد " انتهى. وقد ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ إِلَى أَنَّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ، فَيَرْفَعُ يَدَيْهِ إِلَى حَذْوِ مَنْكِبَيْهِ كَفِعْلِهِ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الإِْحْرَامِ، لِتَضَافُرِ الأَْحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي ذَلِكَ. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الأَْوْزَاعِيُّ وَعُلَمَاءُ الْحِجَازِ وَالشَّامِ وَالْبَصْرَةِ. "الموسوعة الفقهية" (23 / 130) وإذا كان الأصل في حق المسلم أن يحافظ على هذه السنة الراتبة في أفعال الصلاة، فيرفع يديه في هذه المواضع دائما، كالذي صح عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فإن تعارض إشكالية الوالد مع ذلك يوجب بعض التأني في الأمر؛ وذلك أن بر الوالد، وطاعته ـ في غير معصية ـ واجبة، فينبغي تأليف قلبه، واستصلاح نفسه، والتلطف في تعليمه سنة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في ذلك، إن كان جاهلا به، والنقاش العلمي الهادئ معه في ذلك، إن كان عنده إلمام بالمسألة. وإلى أن يسكت الوالد عنك، إما باقتناع منه، وتوفيق من الله له بمعرفة السنة، واتباعها، فالذي ننصحك به ألا تغضب والدك، وألا توصل الأمر بينكما إلى نوع من التحدي والمكابرة والشقاق، بل عليك بالرفق معه، واللين في تعليمه ودعوته، ولو اقتضى الأمر منك ترك هذه السنة في بعض الأوقات التي تصلي فيها في حضور والدك؛ فتترك الرفع أحيانا، تأليفا لقلبه، واستصلاحا لنفسه، ويرجى لمن ترك المستحب بهذا القصد، أن يثيبه الله تعالى على ما ترك. قَالَ الإمَامُ أَحْمَدُ ـ فِي رِوَايَةِ هَارُونَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ـ فِي غُلَامٍ يَصُومُ وَأَبَوَاهُ يَنْهَيَانِهِ عَنْ الصَّوْمِ التَّطَوُّعِ: " مَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَصُومَ إذَا نَهَيَاهُ، لَا أُحِبُّ أَنْ يَنْهَاهُ يَعْنِي عَنْ التَّطَوُّعِ ". وَقَالَ ـ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ ـ فِي رَجُلٍ يَصُومُ التَّطَوُّعَ، فَسَأَلَهُ أَبَوَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا أَنْ يُفْطِرَ. قَالَ: " يُرْوَى عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: يُفْطِرُ وَلَهُ أَجْرُ الْبِرِّ وَأَجْرُ الصَّوْمِ إذَا أَفْطَرَ". وَقَالَ ـ فِي رِوَايَةِ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى ـ: إذَا أَمَرَهُ أَبَوَاهُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ؟ قَالَ: " يُدَارِيهِمَا وَيُصَلِّي ". انتهى. "الآداب الشرعية" (2/ 37) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ولو كان الإمام يرى استحباب شيء والمأمومون لا يستحبونه، فتركه لأجل الاتفاق والائتلاف: كان قد أحسن ... " انتهى. "مجموع الفتاوى" (22/268) . وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: هل يجوز ترك الجهر بالتأمين في الصلاة، وعدم رفع اليدين؟ فأجاب: " نعم، إذا كان بين أناس لا يرفعون، ولا يجهرون بالتأمين: فالأولى أن لا يفعل؛ تأليفاً لقلوبهم، حتى يدعوهم إلى الخير، وحتى يعلمهم، ويرشدهم، وحتى يتمكن من الإصلاح بينهم، فإنه متى خالفهم استنكروا هذا؛ لأنهم يرون أن هذا هو الدين، يرون أن عدم رفع اليدين فيما عدا تكبيرة الإحرام، يرون أنه هو الدين، وعاشوا عليه مع علمائهم، وهكذا عدم الجهر بالتأمين، وهو خلاف مشهور بين أهل العلم، منهم من قال يجهر، ومنهم من قال: لا يجهر بالتأمين، وقد جاء في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم رفع صوته، وفي بعضها أنه خفض صوته، وإن كان الصواب أنه يستحب الجهر بالتأمين، وهو شيء مستحب، ويكون ترك أمراً مستحبّاً، فلا يفعل مؤمن مستحبّاً يفضي إلى انشقاق، وخلاف، وفتنة، بل يترك المؤمن المستحب، والداعي إلى الله عز وجل، إذا كان يترتب على تركه مصالح أعظم، من ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك هدم الكعبة وبناءها على قواعد إبراهيم، قال: (لأن قريشا حديثو عهد بكفر) ، ولهذا تركها على حالها، ولم يغير عليه الصلاة والسلام للمصلحة العامة " انتهى. " فتاوى الشيخ ابن باز " (29 / 274، 275) . والخلاصة: أن الواجب عليك أن تسعى في استصلاح نفسك أبيك، والرفق به، ولو أدى ذلك إلى ترك رفع اليدين في الصلاة، أو نحو ذلك من ترك بعض المستحبات، خاصة ما اختلف أهل العلم في استحبابه وعدمه، فلا بأس بذلك، وبإمكانه أن يحصل شيئا مما فاته، برفع اليدين، وفعل المستحب، حيث لا يراه الوالد. والله أعلم راجع إجابة السؤال رقم: (12199) ، (111223) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130387 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 779 حكم الصلاة مع تشمير البنطلون [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أداء الصلاة بالبنطال المطوي (المكفوت) من أسفله؟ وهل ينطبق الحكم على المرأة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: جاءت الأحاديث بالنهي عن كفت الثوب في الصلاة. فروى البخاري (812) ومسلم (490) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ: عَلَى الْجَبْهَةِ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ - وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ، وَلَا نَكْفِتَ الثِّيَابَ وَالشَّعَرَ) . وكفت الثوب أو الشعر: جمعه وضمه لئلا يقع على الأرض عند السجود. قال النووي: " اِتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى النَّهْي عَنْ الصَّلَاة , وَثَوْبه مُشَمَّر أَوْ كُمّه أَوْ نَحْوه ... فَكُلّ هَذَا مَنْهِيّ عَنْهُ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاء , وَهُوَ كَرَاهَة تَنْزِيه فَلَوْ صَلَّى كَذَلِكَ فَقَدْ أَسَاءَ وَصَحَّتْ صَلَاته , وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بْن جَرِير الطَّبَرِيّ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاء، وَحَكَى اِبْن الْمُنْذِر الْإِعَادَة فِيهِ عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ" انتهى. وقال في "تحفة المنهاج" (2/161-162) : "ويكره للمصلي (كَفُّ شَعْرِهِ) بِنَحْوِ عَقْصِهِ أَوْ رَدِّهِ تَحْتَ عِمَامَتِهِ (أَوْ ثَوْبِهِ) بِنَحْوِ تَشْمِيرٍ لِكُمِّهِ أَوْ ذَيْلِهِ" انتهى. وعلى هذا؛ فطي البنطلون وتشميره مكروه في الصلاة. ثانياً: جاءت الأحاديث بالنهي عن إسبال الثياب وإطالتها أسفل الكعبين. فقد روى البخاري (5787) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ مِنْ الْإِزَارِ فَفِي النَّارِ) . وروى أبو داود (4084) عَنْ أَبِي جُرَيٍّ جَابِرِ بْنِ سُلَيْمٍ رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (وَإِيَّاكَ وَإِسْبَالَ الْإِزَارِ فَإِنَّهَا مِنْ الْمَخِيلَةِ وَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمَخِيلَةَ) صححه الألباني في "صحيح أبي داود". فلا يجوز للرجل أن يطيل ثوبه حتى ينزل أسفل من الكعبين. فإن أصَرَّ على الإسبال وأراد أن يصلي بهذا البنطلون، فإن أبقاه على حاله صلى مسبلاً، وإن شمره ليكون فوق الكعبين صَلَّى وهو كافت ثوبه، وحينئذ يتعارض عندنا نهيان: النهي عن الإسبال، والنهي عن تشمير الثوب في الصلاة، ولا شك أن حكم الإسبال أشد، فإنه كبيرة من كبائر الذنوب، وأما تشمير الثياب في الصلاة فهو مكروه، فعند التعارض يقدم الأهم، وهو اجتناب الإسبال، وحينئذ يشمر البنطلون حتى يكون فوق الكعبين. وقد سئل الشيخ عبد الرحمن السحيم: أقوم بكف بنطلوني في الصلاة كي لا أكون مسبلا، لكن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كف الثوب في الصلاة، فهل هذا يكون كفاً للبنطلون؟ وما حكم ذلك؟ فأجاب: "إذا كان البنطلون أو السروال تحت الكعبين فإنه يجب رفعه، سواء في الصلاة أو في غيرها، بل لا يجوز أن يمسّ الكعب، لقوله عليه الصلاة والسلام: (موضع الإزار إلى أنصاف الساقين والعَضَلة، فإن أبَيْتَ فأسفل، فإن أبَيْتَ فمن وراء الساق، ولا حَقّ للكعبين في الإزار) . رواه الإمام أحمد والنسائي. وكَفْت السراويل لا يدخل في النهي؛ لأن رفع الإزار عن الكعبين مطلب شرعي، بل هو واجب، والنهي عن كفّت الثوب أو الشعر نَهْي كراهة " انتهى ملخصا. ثالثاً: أما صلاة المرأة بالبنطلون المطوي: فإن المرأة تنهى عن الصلاة في البنطلون، سواء كان مطويا أو غير مطوي. فإن خالفت وصلت بالبنطلون فالصلاة في حد ذاتها صحيحة. قال النووي رحمه الله في المجموع (3/176) : " فلو ستر اللون ووصف حجم البشرة كالركبة والألية ونحوها صحت الصلاة فيه لوجود الستر، وحكي الدارمي وصاحب البيان وجها أنه لا يصح إذا وصف الحجم، وهو غلط ظاهر " انتهى. ولمزيد الفائدة راجع جواب السؤال رقم (46529) . وإذا صلت المرأة في البنطلون فإنها لا تشمره، لأنه لا حاجة إلى ذلك، لأن المطلوب منها أن تستر ظهور قدميها في الصلاة، ولأن تحريم إطالة الثوب عن الكعبين خاصاً بالرجال، ولا يشمل النساء. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130052 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 780 إذا انتهى من التشهد الأول هل يرفع يديه وهو جالس ثم يقوم أو يقوم ثم يرفع يديه؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل على المصلي رفع اليدين بعد التشهد الأول وهو جالس، أو حتى يقوم ويرفعهما؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ثبت في السنة النبوية أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إذا قام من الركعتين. فعنْ نَافِعٍ: (أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَرَفَعَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) . رواه البخاري (739) وبوَّب عليه بقوله: "باب رفع اليدين إذا قام من الركعتين" انتهى. وأخرجه أبو داود وبوَّب عليه بقوله: "باب مَن ذَكَر أنه يرفع يديه إذا قام من الثنتين" انتهى. وعن أبي حميد رضي الله عنه أنه قال في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم: (ثُمَّ إِذَا قَامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِىَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ، كَمَا كَبَّرَ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلاَةِ) رواه أبو داود (730) والترمذي (304) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود". قال النووي رحمه الله: "المشهور من نصوص الشافعي رحمه الله تعالى في كتبه , وهو المشهور في المذهب , وبه قال أكثر الأصحاب: أنه لا يرفع إلا في تكبيرة الإحرام , وفي الركوع والرفع منه. وقال آخرون من أصحابنا: يستحب الرفع إذا قام من التشهد الأول , وهذا هو الصواب. وممن قال به من أصحابنا: ابن المنذر، وأبو علي الطبري، وأبو بكر البيهقي، وصاحب التهذيب فيه، وفي شرح السنة، وغيرهم , وهو مذهب البخاري وغيره من المحدثين" انتهى. "المجموع" (3/425-426) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "يسن رفع اليدين إذا قام المصلي من التشهد الأول إلى الثالثة , وهو رواية عن الإمام أحمد , اختارها أبو البركات" انتهى. "الفتاوى الكبرى" (5/336) . فظاهر هذه الأحاديث (إذا قام من الركعتين) : أن رفع اليدين يكون بعد القيام، وهو الظاهر من كلام العلماء أيضاً. وقد اختار ذلك ورجحه الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله حيث قال: " وعلى هذا؛ فمواضع رَفْع اليدين أربعة: عند تكبيرة الإحرام، وعند الرُّكوعِ، وعند الرَّفْعِ منه، وإذا قام من التشهُّدِ الأول، ويكون الرَّفْعُ إذا استتمَّ قائماً؛ لأن لفظ حديث ابن عُمر: (وإذا قام من الرَّكعتين رَفَعَ يديه) ، ولا يَصدُق ذلك إلا إذا استتمَّ قائماً، وعلى هذا: فلا يرفع وهو جالس ثم ينهض، كما توهَّمَهُ بعضهم، ومعلوم أن كلمة (إذا قام) ليس معناها حين ينهض؛ إذ إن بينهما فرقاً" انتهى. "الشرح الممتع" (3/214) . وقد اختار علماء اللجنة الدائمة للإفتاء أن الرفع يكون مع بدء الانتقال من الجلوس إلى القيام، فقد سئلوا: "ما هو صفة تكبيرة القيام من التشهد الأول ورفع اليدين هل يرفع يديه وهو جالس ثم يكبر وينهض قائماً، أم لا يرفع يديه إلا بعد القيام، وما هو الأرجح؟ فأجابوا: "يشرع رفع اليدين في الصلاة عند القيام من التشهد الأول مع التكبير بعد البدء في الانتقال من الجلوس إلى القيام" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان. "فتاوى اللجنة الدائمة" (6/347) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128038 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 781 ما حكم قراءة الإمام في الصلوات الجهرية من أول القرآن إلى آخره بالترتيب؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم قراءة القرآن مرتبا في الصلوات الجهرية لختم القرآن، بحيث يبدأ بقراءة أول البقرة، ثم يكمل من الموضع الذي وقف عنده في الصلاة التي بعدها، وهكذا، ويختم القرآن في الصلوات الجهرية كل ستة أشهر، فهل هذا العمل جائز؟ وإن كان جائزاً: فما هو الأفضل في حق الإمام فعل ذلك أم الاقتصار على ما ورد في السنَّة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قراءة القرآن في الفريضة على ترتيب المصحف من سورة " البقرة " إلى " الناس ": جائز، إلا أن الأفضل أن لا يفعل ذلك، لأن هذا لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة، ولو كان خيراً لسبقونا إليه. فالأفضل بلا شك موافقة السنة، فيقرأ سورة كاملة في كل ركعة، أو يقسم السورة على الركعتين، وإذا قرأ أحياناً من أول السورة، أو وسطها، أو آخرها فهو جائز. وقد سئل الإمام أحمد عما ورد في السؤال فقال: "لا أعلم أحداً فعل هذا". وقال مرة أخرى: "ليس في هذا شيء، إلا أنه يروى عن عثمان أنه فعل ذلك في " المفصَّل " وحده". والمفصل من سورة ق إلى آخر سورة الناس. وقد روي عن أنس رضي الله عنه أنه قال: (كانوا يقرؤون في الفريضة من أول القرآن إلى آخره) ، ولكن قال الإمام أحمد عن هذا الحديث: إنه منكر. انظر: " بدائع الفوائد " (3 / 605) . وقول الإمام أحمد رحمه الله: " ليس في هذا شيء " أي: لم ينقل فعل ذلك في شيء من الأحاديث أو الآثار، وقد صَرَّح بهذا في قوله: " لا أعلم أحداً فعل هذا ". وقد فهم بعض الحنابلة من كلام الإمام أحمد عدم الكراهة، فنصوا عليها في كتبهم، ومنهم صاحب " كشاف القناع " الشيخ منصور البهوتي رحمه الله، حيث قال: "ولا تكره قراءة القرآن كله في الفرائض على ترتيبه. قال حرب: قلت لأحمد: الرجل يقرأ على التأليف في الصلاة: اليوم سورة وغدا التي تليها: قال: ليس في هذا شيء، إلا أنه روى عن عثمان أنه فعل ذلك في المفصَّل وحده" انتهى. " كشاف القناع " (1 / 375) . ومعلوم أن نفي الكراهة لا يعني أن هذا الفعل هو الأفضل، وإنما هو جائز من غير كراهة، إلا أن موافقة السنة أفضل بلا شك، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خير الهدي هدي محمد) . رواه مسلم (867) . وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: "أفيدك بالنسبة لسؤالك عن قراءة القرآن متتابعاً في صلوات المغرب، والعشاء، والفجر حتى تختمه: أن الأولى ترك ذلك؛ لأنه لم يُحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن خلفائه الراشدين رضي الله عنهم، وكل الخير في اتباع سيرته عليه الصلاة والسلام، وسيرة خلفائه رضي الله عنهم، وإذا تيسر لك أن تختم القرآن في التهجد: فذلك خير لك في الدنيا، والآخرة " انتهى. " فتاوى الشيخ ابن باز " (12 / 146) . وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: كثيرٌ من أئمة المساجد يقرؤون قراءة متسلسلة من البقرة، وحتى سورة الناس في غير رمضان، وقيل: إن هذا بدعة، ويحتج بعضهم بالمراجعة، وضبط الحفظ، وإسماع الجماعة آيات مباركات من القرآن الكريم قلَّ أن يسمعوها، فما رأي فضيلتكم في هذا؟ . فأجاب: "ذَكر العلماء رحمهم الله أنه ينبغي للإنسان أن يقرأ في صلاة الفجر من طوال المفصَّل، وفي صلاة المغرب من قصاره، وفي الباقي من أوساطه، والمفصَّل: أوله سورة " ق "، وآخره آخر القرآن، وطِواله: من " ق " إلى " عمَّ "، وقصاره: من " الضحى " إلى آخر القرآن، وأوساطه: من " عمَّ " إلى " الضحى "، هكذا قال أهل العلم، والذي ينبغي للإنسان أن يفعل هكذا؛ لأن من الحكمة في ذلك أن هذا المفصَّل إذا ورد على أسماع الناس حفظوه، وسهل عليهم حفظه، ولم أعلم أن أحداً من أهل العلم قال إنه ينبغي أن يقرأ من أول القرآن إلى آخره متسلسلاً ليُسمع الناس جميع القرآن، ولا يمكن أيضاً أن يُسمع الناسَ جميعَ القرآن؛ لأنه سيبقى مدة إلى أن ينتهي إلى آخر القرآن، وسيتغير الناس، يذهبون، ويجيئون، ولا يسمعون كل القرآن، وإذا لم يكن هذا من السنَّة، والعلماء ذكروا أن السنَّة القراءة في المفصل: فالأولى للإنسان أن يتَّبع ما كان عليه العلماء. والفائدة التي أشرنا إليها من أن العامَّة إذا تكررت عليهم سور المفصل حفظوها: لا تُدرك بما إذا قرأ الإنسان من أول القرآن إلى آخره، فالأولى: العدول عن هذا، وأن يقرأ كما يقرأ الناس" انتهى. " فتاوى نور على الدرب " (شريط 360، وجه أ) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127717 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 782 فضل تكبيرة الإحرام، وبم تُدرك؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل من أدرك الإمام قبل أن يركع الركعة الأولى مدركاً لتكبيرة الإحرام وفضلها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: أولا: من الأمور المستحبة والمندوبة: إدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام في صلاة الجماعة، وقد ورد في فضل ذلك جملة من النصوص والآثار. ومن ذلك: ما رواه الترمذي (241) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ صَلَّى لِلَّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي جَمَاعَةٍ يُدْرِكُ التَّكْبِيرَةَ الْأُولَى، كُتِبَتْ لَهُ بَرَاءَتَانِ: بَرَاءَةٌ مِنْ النَّارِ، وَبَرَاءَةٌ مِنْ النِّفَاقِ) . وهذا الحديث يروى موقوفا على أنس بن مالك رضي الله عنه، ومرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد رجح الترمذي والدارقطني وقفه، واختار الشيخ الألباني تحسينه مرفوعا. وللكلام حول الحديث ينظر جواب السؤال رقم (34605) . وسواء صح مرفوعا أو موقوفا فله حكم الرفع؛ لأن مثل هذا الحكم لا يقوله أنس رضي الله عنه اجتهاداً من عند نفسه، فالظاهر أنه علم ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم. وقد ورد في فضل إدراك تكبيرة الإحرام أحاديث أخرى مرفوعة ولكنها لا تخلو من ضعف. ينظر: "مجمع الزوائد" (2/123) ، "التلخيص الحبير" (2 /27) . وأما الآثار عن السلف في الحرص على إدراك تكبيرة الإحرام فكثيرة جداً، ومنها: 1- ما جاء عن مجاهد قال: سمعت رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - لا أعلمه إلا ممن شهد بدرا- قال لابنه: أدركت الصلاة معنا؟ قال: نعم قال: أدركت التكبيرة الأولى؟. قال: لا. قال: لَمَا فاتك منها خير من مئة ناقة كلها سود العين. "مصنف عبد الرزاق" (2021) . 2- قال سعيد بن المسيب: ما فاتتني التكبيرة الأولى منذ خمسين سنة. "حلية الأولياء" (2 /163) . 3- قال وكيع: كان الأعمش قريبا من سبعين سنة، لم تفته التكبيرة الأولى، واختلفت إليه قريبا من سنتين، فما رأيته يقضي ركعة. "مسند ابن الجعد" (755) . 4- وعن إبراهيم قال: إذا رأيت الرجل يتهاون في التكبيرة الأولى فاغسل يدك منه [يعني: لا خير فيه] . "حلية الأولياء" (4 /215) . 5- قال يحيى بن معين: سمعت وكيعاً، يقول: (من لم يدرك التكبيرة الأولى فلا ترج خيره) . "شعب الإيمان" للبيهقي (2652) . قال ابن حجر: " وَالْمَنْقُولُ عَنْ السَّلَفِ فِي فَضْلِ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى آثَارٌ كَثِيرَةٌ ". "التلخيص الحبير" (2 /131) . فينبغي الحرص على إدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام. ثانياً: بماذا يدرك المأموم فضل تكبيرة الإحرام؟ للعلماء في ذلك عدة أقوال: الأول: أن المأموم يدرك فضلها بحضوره تكبيرة إحرام إمامه، وتكبيره بعده دون تأخير. الثاني: أنه يدركها ما لم يشرع الإمام في الفاتحة. الثالث: يدركها إذا أدرك الإمام قبل أن ينتهي من قراءة الفاتحة، وهو قول وكيع حيث سئل عن حد التكبيرة الأولى، فقال: " ما لم يختم الإمام بفاتحة الكتاب ". "طبقات المحدثين" للأصبهاني (3/219) . الرابع: أنها تُدرك بإدرك القيام مع الإمام لأنه محل تكبيرة الإحرام. الخامس: أنها تحصل بإدراك الركوع الأول مع الإمام، وهو مذهب الحنفية. ينظر: "رد المحتار" (4/131) ، " الفتاوى الهندية " (3 /11) ، " المجموع " (4/ 206) . والقول الأول هو الأقرب، وهو مذهب جمهور العلماء من الشافعية والحنابلة وغيرهم. قال النووي: " يستحب المحافظة على إدراك التكبيرة الأولى مع الإمام، وفيما يدركها به أوجه: أصحها بأن يشهد تكبيرة الإمام ويشتغل عقبها بعقد صلاته، فإن أخر لم يدركها ... ". "روضة الطالبين وعمدة المفتين" (1 /446) . وقال ابن رجب: " ونص [الإمام] أحمد فِي رِوَايَة إِبْرَاهِيْم بْن الحارث عَلَى أَنَّهُ إذا لَمْ يدرك التكبيرة مَعَ الإمام لَمْ يدرك التكبيرة الأولى ". وقال أيضاً: " وقد قال وكيع: من أدرك آمين مع إمامه فقد أدرك معه فضلية تكبيرة الإحرام. وأنكر الإمام أحمد ذلك، وقال: لا تُدرك فضلية تكبيرة الإحرام إلا بإدراكها مع الإمام ". وقال ابن مفلح رحمه الله: " قَالَ جَمَاعَةٌ: وَفَضِيلَةُ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى لَا تَحْصُلُ إلَّا بِشُهُودِ تَحْرِيمِ الْإِمَامِ ". "الفروع" لابن مفلح (1/521 (. وقال الحجاوي: " وإدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام فضيلة، وإنما تحصل بالاشتغال بالتحرم عقب تحرم إمامه مع حضوره تكبيرة إحرامه". " الإقناع " (1 / 151) . وقال الشيخ ابن عثيمين: " السنة: إذا كبر الإمام أن تبادر وتكبر حتى تدرك فضل تكبيرة الإحرام، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا كبر فكبروا) والفاء تدل على الترتيب والتعقيب، يعني: من حين أن يكبر وينقطع صوته من الراء بقوله: (الله أكبر) فكبر أنت ولا تشتغل لا بدعاء ولا بتسوك ولا بمخاطبة من بجانبك، فإن هذا يفوت عليك إدراك فضل تكبيرة الإحرام ". "لقاء الباب المفتوح" (2/192) . وفي "الملخص الفقهي" (1/140) للشيخ صالح الفوزان: " ولا تحصل فضيلتها المنصوصة إلا بشهود تحريم الإمام ". والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126388 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 783 شخص يعاني من القولون العصبي والانتفاخ والغازات [السُّؤَالُ] ـ[أنا شخص أعاني من القولون العصبي ومن أعراضه الانتفاخ وغازات وعدم إخراج كامل للفضلات، لذلك فإني أدخل إلى الحمام قبل الأذان بربع ساعة تقريبا أو أقل، وذلك للتخلص من الفضلات ثم من الغازات وعندما أخرج من الحمام أنتظر من عشر إلى ربع ساعة لوقوف البول لأني مصاب بسلس البول علماً أني قد أدخل الحمام وأستغرق أكثر من ساعة، وذلك لاضطراب في عمل القولون والفضلات تخرج بشكل غير طبيعي، وأحيانا أستيقظ من النوم ولم يبق من الوقت ما يكفي، فإن دخلت الحمام ثم خرجت وانتظرت لانقطاع البول خرج الوقت، وإن صليت على حالي صليت مع وجود انتفاخ وغازات، وأحيانا أدخل الحمام قبل الأذان ولا أخرج إلا ولم يبق من الوقت ما يكفي، فلو انتظرت انقطاع البول خرج الوقت، وإن صليت على حالي، صليت والقطرات تنزل مني علماً أن كثيراً من صلاة الجماعة تفوتني لعلمي بأن الطهارة مقدمة على الجماعة، ولكن الذي يشكل علي هو: هل يجب علي أن أبقى هذا الوقت الطويل لإخراج الفضلات والغازات من ثم أحصل على الطهارة، وفي ذلك مشقة علي أو أصلي على حالي؟ علماً أني قد تحصل لي طهارة، لكن لا أعلم متى، وهل المقدم الطهارة أو الوقت علماً أني قد أدخل الحمام في أول الوقت، وأحيانا بسبب الاستيقاظ أدخل ولم يبق من الوقت إلا أربعين أو ثلاثين دقيقة أرجو التكرم بتوضيح الحكم في حالتي، وماذا يجب علي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحكم بالنسبة لمن ابتلي بسلس البول ونحوه ممن كان حدثه مستمرا، أنه يتوضأ لوقت كل صلاة وضوءا مستقلا عند دخول وقتها، ولو كان قد توضأ للصلاة التي قبلها قريبا؛ وذلك لما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني امرأة أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا، إنما ذلك عرق وليس بحيض، فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي، ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت) رواه البخاري (226) – واللفظ له – ومسلم (333) . وصاحب السلس ملحق عند أهل العلم بالمستحاضة، قال العيني رحمه الله في "عمدة القاري" (3/280) : "ويلحق بالمستحاضة ما في معناها كمن به سلس البول والمذي والودي ومن به جرح يسيل" انتهى. لكن إن علم أن البول ينقطع عنه في وقت يتسع لطهارته وصلاته، لزمه تأخير الصلاة لذلك الوقت. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: "المريض المصاب بسلس البول ولم يبرأ بمعالجته عليه أن يتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، ويغسل ما يصيب بدنه، ويجعل للصلاة ثوبا طاهرا إن لم يشق عليه ذلك، وإلا عفي عنه، لقول الله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) وقوله: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ) وقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) ، ويحتاط لنفسه احتياطا يمنع انتشار البول في ثوبه أو جسمه أو مكان صلاته" انتهى من "فتاوى إسلامية" (1/192) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "المصاب بسلس البول له حالان: الأولى: إذا كان مستمرّاً عنده بحيث لا يتوقف، فكلما تجمَّع شيء بالمثانة نزل: فهذا يتوضأ إذا دخل الوقت ويتحفظ بشيء على فرجه، ويصلِّي ولا يضرُّه ما خرج. الثانية: إذا كان يتوقف بعد بوله ولو بعد عشر دقائق أو ربع ساعة: فهذا ينتظر حتى يتوقف ثم يتوضأ ويصلِّي، ولو فاتته صلاة الجماعة" انتهى. "أسئلة لقاء الباب المفتوح" (س 17، لقاء 67) . وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن رجل تخرج منه غازات باستمرار، فكيف يتوضأ ويصلي؟ فأجابت: "إذا كان حالك ما ذكر وأن الغازات مستمرة معك فعليك الوضوء لكل صلاة بعد دخول الوقت ولا يضرك ما يخرجك منك بعد ذلك. وأما الجمعة فتوضأ لها قبل دخول الخطيب في الوقت الذي يمكنك من سماع الخطبة وأداء الصلاة" انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/ 412) . والذي يظهر لنا أنه لا يلزمك البقاء في قضاء الحاجة كل هذا الوقت الطويل الذي تذكره، بل تقضي حاجتك ثم تخرج وتتوضأ وتصلي، ولا يضرك ما نزل بعد الوضوء أو في الصلاة لأنك معذور. ولمعرفة المزيد عن أحكام صاحب سلس البول، راجع جواب السؤال رقم (22843) (2723) (39431) (39494) . ونسأل الله تعالى أن يرفع عنك ما أصابك ويعافيك. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126243 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 784 هل يجب على الرجل ستر عاتقه في الصلاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجب علي الرجل ستر كتفه أثناء الصلاة؟ وهل الصلاة بكتف عارٍ حلال أم حرام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اتفق الفقهاء على وجوب ستر العورة في الصلاة، وعورة الرجل ما بين سرته وركبته، وبعضهم يدخل السرة والركبة في العورة. واختلفوا في وجوب ستر العاتق، وهو ما بين الكتف والعنق، فذهب الجمهور إلى عدم الوجوب، وذهب الحنابلة إلى أنه واجب في صلاة الفرض خاصة، ولا تصح الصلاة إلا به. واستدل الجمهور بما روى البخاري (361) ومسلم (3010) عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: سَأَلْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ، فَقَالَ: خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَجِئْتُ لَيْلَةً لِبَعْضِ أَمْرِي فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي وَعَلَيَّ ثَوْبٌ وَاحِدٌ، فَاشْتَمَلْتُ بِهِ، وَصَلَّيْتُ إِلَى جَانِبِهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: مَا السُّرَى يَا جَابِرُ؟ فَأَخْبَرْتُهُ بِحَاجَتِي، فَلَمَّا فَرَغْتُ قَالَ: مَا هَذَا الِاشْتِمَالُ الَّذِي رَأَيْتُ؟ قُلْتُ: كَانَ ثَوْبٌ، يَعْنِي ضَاقَ. قَالَ: (فَإِنْ كَانَ وَاسِعًا فَالْتَحِفْ بِهِ، وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَاتَّزِرْ بِهِ) . والاشتمال: الالتفاف بالثوب. والسُّرى: السير في الليل، والمراد سؤاله عن سبب مجيئه في ذلك الوقت. واحتج الحنابلة بما روى البخاري (359) ومسلم (516) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقَيْهِ شَيْءٌ) . وحمله الجمهور على الاستحباب جمعاً بين الأدلة. قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم": " قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يُصَلِّي أَحَدكُمْ فِي الثَّوْب الْوَاحِد لَيْسَ عَلَى عَاتِقه مِنْهُ شَيْء) قَالَ الْعُلَمَاء: حِكْمَته أَنَّهُ إِذَا ائْتَزَرَ بِهِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى عَاتِقه مِنْهُ شَيْء لَمْ يُؤْمِن أَنْ تَنْكَشِف عَوْرَته بِخِلَافِ مَا إِذَا جَعَلَ بَعْضه عَلَى عَاتِقه , وَلِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَاج إِلَى إِمْسَاكه بِيَدِهِ أَوْ يَدَيْهِ فَيَشْغَل بِذَلِكَ , وَتَفُوتهُ سُنَّة وُضِعَ الْيَد الْيُمْنَى عَلَى الْبَدَن وَمَوْضِع الْيُسْرَى تَحْت صَدْره , وَرَفْعهمَا حَيْثُ شُرِعَ الرَّفْع , وَغَيْر ذَلِكَ , لِأَنَّ فِيهِ تَرْك سَتْر أَعْلَى الْبَدَن وَمَوْضِع الزِّينَة وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى: {خُذُوا زِينَتكُمْ} . ثُمَّ قَالَ مَالِك وَأَبُو حَنِيفَة وَالشَّافِعِيّ رَحِمَهُمْ اللَّه تَعَالَى وَالْجُمْهُور: هَذَا النَّهْي لِلتَّنْزِيهِ لَا لِلتَّحْرِيمِ , فَلَوْ صَلَّى فِي ثَوْب وَاحِد سَاتِر لِعَوْرَتِهِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقه مِنْهُ شَيْء صَحَّتْ صَلَاته مَعَ الْكَرَاهَة , سَوَاء قَدَرَ عَلَى شَيْء يَجْعَلهُ عَلَى عَاتِقه أَمْ لَا. وَقَالَ أَحْمَد وَبَعْض السَّلَف رَحِمَهُمْ اللَّه: لَا تَصِحّ صَلَاته إِذَا قَدَرَ عَلَى وَضْع شَيْء عَلَى عَاتِقه إِلَّا بِوَضْعِهِ؛ لِظَاهِرِ الْحَدِيث. وَعَنْ أَحْمَد بْن حَنْبَل رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى رِوَايَة أَنَّهُ تَصِحّ صَلَاته , وَلَكِنْ يَأْثَم بِتَرْكِهِ. وَحُجَّة الْجُمْهُور قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيث جَابِر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: " فَإِنْ كَانَ وَاسِعًا فَالْتَحِفْ بِهِ , وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَأْتَزِرْ بِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيّ , وَرَوَاهُ مُسْلِم فِي آخِر الْكِتَاب فِي حَدِيثه الطَّوِيل " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرح "زاد المستقنع": " والتفريق بين الفرضِ والنَّفلِ مخالفٌ لظاهرِ الحديث. ثم إن المؤلَّف يقول: «مع أحد عاتقيه» ، والحديث يدلُّ على سَتْرِ العَاتقين جميعاً، وما قاله المؤلِّفُ هو المشهور من المذهب. والقول الثاني: أنَّ سَتْرَ العاتقين سُنَّة؛ وليس بواجب؛ لا فرق بين الفرضِ والنَّفلِ؛ لحديث: (إنْ كان ضيِّقاً فاتَّزِرْ به) ، وهذا القول هو الرَّاجح، وهو مذهب الجمهور. وكونه لا بُدَّ أن يكون على العاتقين شيء من الثَّوب ليس من أجل أن العاتقين عورة، بل من أجل تمام اللباس وشدِّ الإزار؛ لأنه إذا لم تشدَّه على عاتقيك ربما ينسلخُ ويسقطُ، فيكون ستر العاتقين هنا مراداً لغيره لا مراداً لذاته " انتهى من "الشرح الممتع" (2/168) . وينظر: "المغني" (1/338) ، و "المجموع" (3/180) . والحاصل: أنه لا يجب على الرجل ستر كتفه ولا عاتقه في الصلاة، ولكن يستحب ذلك تزينا وتجملا وتعظيما للصلاة وللوقوف بين يدي ربه جل وعلا، فإن صلى عاري الكتفين أو العاتقين صحت صلاته. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125425 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 785 حكم صلاة المرأة خارج بيتها [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم صلاة المرأة خارج بيتها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "صلاة المرأة في غير بيتها تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: أن تصلي في مجامع الرجال، كصلاتها في المساجد. والقسم الثاني: أن تصلي في بيت من ذهبت إليه لزيارة أو نحوها. فأما الأول: بالنسبة لصلاتها في مجامع الرجال كالمساجد، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بَيَّن الحكم فيها بياناً شافياً، فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وبيوتهن خيرٌ لهن) فالأفضل للمرأة أن تصلي في بيتها، لا في المساجد مع الرجال إلا في صلاةٍ واحدة فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر النساء أن يخرجن إليها وهي صلاة العيدين: عيد الأضحى وعيد الفطر، وأما صلاة المرأة في بيتٍ غير بيتها كبيتٍ قصدته لزيارةٍ أو نحوها فإنه لا حرج عليها في ذلك، وصلاتها فيه كصلاتها في بيتها تماماً، أي: أنها ليست مأجورةً ولا مأثومة، بل صلاتها في البيت الذي ذهبت إليه لزيارةٍ أو نحوها كصلاتها في بيتها الذي هو سكنها" انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. "فتاوى نور على الدرب" [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 124964 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 786 هل تنال المرأة أجر صلاة الجماعة إذا ذهبت للمسجد؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا ذهبت المرأة للمسجد لصلاه التراويح أو أي فرض، فهل لها نفس أجر الرجل وأجر الجماعة، أم هذا الأجر مختص بالرجال فقط؟ مع العلم أنها تذهب بالحجاب الشرعي الكامل.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: صلاة المرأة في بيتها ولو منفردة أفضل وأعظم أجراً من صلاتها في المسجد ولو جماعة، دلت على ذلك الأحاديث الكثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم. جاء في " الموسوعة الفقهية " (8/231) : "اتفق الفقهاء على أن صلاة الرجل في المسجد جماعة أفضل من صلاته منفرداً في البيت، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الجماعة أفضل من صلاة أحدكم وحده بخمس وعشرين درجة) وفي رواية: (بسبع وعشرين درجة) - متفق عليه -. أما في حق النساء فإن صلاتهن في البيت أفضل؛ لحديث أم سلمة مرفوعاً: (خير مساجد النساء قعر بيوتهن) - رواه أحمد في " المسند " (6/297) وحسنه محققو المسند " انتهى. وانظر جواب السؤال رقم (90071) . أما فضل صلاة الجماعة في المسجد فهذا خاص بالرجال، لأنهم هم المأمورون بالخروج إليها، إلا صلاة العيد، فتضاعف للنساء أيضاً، لأنهن مأمورات بالخروج إليها، ولهذا قال ابن دقيق العيد رحمة الله: "فحيث يندب للمرأة الخروج إلى المسجد ينبغي أن تتساوى مع الرجل، لأن وصف الرجولية بالنسبة إلى ثواب الأعمال غير معتبر شرعاً" انتهى. "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" (1/193) . وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله: "وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي خرجه البخاري: (صلاة الرجل في الجماعة تضعف) وهو يدل على أن صلاة المرأة لا تضعف فِي الجماعة؛ فإن صلاتها فِي بيتها خير لها وأفضل" انتهى. " فتح الباري " (4/34) . ونحوه ما قاله الحافظ ابن حجر في شرح حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ومنهم: (رجل معلق قلبه في المساجد) ، فذهب الحافظ إلى أن هذا خاص بالرجل، لأن صلاة المرأة في بيتها أفضل من المسجد. " فتح الباري " (2/147) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " التضعيف الحاصل في صلاة الجماعة يختص بالرجال؛ لأنهم هم المدعوون إليها على سبيل الوجوب , ولهذا كان لفظ الحديث: (صلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه، خمساً وعشرين ضعفاً) . وعلى هذا؛ فإن المرأة لا تنال هذا الأجر , بل إن العلماء اختلفوا في مشروعية صلاة الجماعة للنساء منفرادت عن الرجال في المصليات التي في البيوت , أو التي في المدارس، فمنهم من قال: إنه تسن لهن الجماعة. ومنهم من قال: إنه تباح لهن الجماعة. ومنهم من قال: إنه تكره لهن الجماعة " انتهى. وانظر جواب السؤال رقم: (12093) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 122393 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 787 إمامة من يعجز عن بعض أركان الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[هل تجوز إمامة من يعجز عن فعل بعض أركان الصلاة أو شروطها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "المشهور من المذهب [يعني: مذهب الإمام أحمد] أن العاجز عن الشرط, أو الركن لا يكون إماماً للقادر. ولكن ليس في هذا دليل يطمئن إليه القلب, والراجح عندي: أنه يجوز, وأن من صحت صلاته صحت إمامته. إلا أن يقوم نص, أو إجماع خلاف ذلك, فيؤخذ بما يقتضيه النص, أو الإجماع, وقد ثبت عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال عن الإمام: (إذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون) والمصلي قاعداً عاجز عن القيام، وهو ركن في الفريضة" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (15/150) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121626 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 788 حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أثناء قراءة الإمام في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[هل تجوز الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، إذا قرأ الإمام: (يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلّموا تسليماً) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كنت خلف الإمام في الصلاة وهو يقرأ جهراً فعليك أن تنصت وتستمع لقراءته ولا تتكلم وهو يقرأ، ولو بذكر أو دعاء لقوله تعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا) . أجمعوا على أنها في الصلاة، وورد في الحديث: (إذا كبّر الإمام فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا) . فأما إن قرأ الإمام هذه الآية في خطبة جمعة أو عيد أو سمعت من يقرؤها وأنت خارج الصلاة، أو قرأت ذلك أنت فإنه يشرع ويتأكد أن تصلي على النبي صلى الله وعليه وسلم، كما تشرع في سائر الأوقات، وفيها فضل عظيم" انتهى. فضيلة الشيخ ابن جبرين حفظه الله. "فتاوى إسلامية" (1/291) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121580 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 789 استيقظ قبيل طلوع الشمس وهو جنب فهل يغتسل ولو طلعت الشمس؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل مراعاة وقت الصلاة مقدم على الطهارة، أو الطهارة مقدمة لمن استيقظ من النوم وهو جنب حيث لو اغتسل طلعت الشمس، هل يغتسل ويقضي الصلاة، أو يصلي قبل طلوع الشمس؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "يغتسل ويصلي ولو طلعت الشمس، لعموم قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ) المائدة/6، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) . وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (6/298) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121483 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 790 حكم مسح التراب عن الجبهة بعد الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[سمعنا من يقول: يكره مسح الجبهة عن التراب بعد الصلاة فهل لهذا أصل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "ليس له أصل فيما نعلم، وإنما يكره فعل ذلك قبل السلام؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في بعض صلواته أنه سلم من صلاة الصبح في ليلة مطيرة، ويُرى على وجهه أثر الماء والطين، فدل ذلك أن الأفضل عدم مسحه قبل الفراغ من الصلاة" انتهى فضيلة الشيخ ابن باز رحمه الله. "تحفة الإخوان" (ص61) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121255 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 791 هل يشرع للإمام أن ينتظر الداخل لإدراك الركعة؟ [السُّؤَالُ] ـ[بعض الأئمة ينتظر الداخل لإدراك الركعة، وبعضهم يقول: لا يشرع الانتظار؟ فما هو الصواب وفقكم الله؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " الصواب شرعية الانتظار قليلا حتى يلحق الداخل بالصف تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك " انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله. "تحفة الإخوان بأجوبة مهمة تتعلق بأركان الإسلام" (ص72) . وللفائدة ينظر جواب السؤال رقم (21963) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120972 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 792 إذا قام المسبوق قبل أن يسلم الإمام التسليمة الثانية [السُّؤَالُ] ـ[إذا قام المأموم قبل أن يشرع الإمام في التسليمة الثانية ما حكم صلاته وما الذي يلزمه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: اختلف الفقهاء في حكم التسليمة الثانية، فذهب الجمهور إلى استحبابها، وذهب الحنابلة إلى وجوبها في الفريضة، وصرحوا بأن التسليمتين من أركان الصلاة. وينظر جواب السؤال: (105297) ، (22965) . قال في "كشاف القناع" (1/388) في بيان أركان الصلاة: " الثالث عشر: (التسليمتان) لقوله صلى الله عليه وسلم: (وتحليلها التسليم) ، وقالت عائشة: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يختم صلاته بالتسليم) ... ، إلا في صلاة جنازة فيخرج منها بتسليمة واحدة، وإلا في نافلة فتجزىء تسليمة واحدة على ما اختاره جمع منهم المجد عبد السلام بن تيمية. قال في المغني والشرح: لا خلاف أنه يخرج من النفل بتسليمة واحدة " انتهى باختصار وتصرف. ثانيا: على القول باستحباب التسليمة الثانية لا حرج على المسبوق أن يقوم قبل أن يأتي بها إمامه، وأما على القول بوجوبها وركنيتها، فلا يجوز له ذلك، ويلزمه إن قام أن يرجع حتى يسلم إمامه ثم يقوم ليتم صلاته، فإن لم يرجع لم تصح صلاته فريضة، وانقلبت نفلاً. قال في "كشاف القناع" في الموضع السابق: " والتسليمتان من الصلاة كسائر الأركان، فلا يقوم المسبوق قبلهما " انتهى. وقال في "منار السبيل" (1/119) : "وإن قام المسبوق قبل تسليمة إمامه الثانية ولم يرجع انقلبت نفلاً، لتركه العود الواجب لمتابعة إمامه بلا عذر، فيخرح عن الائتمام ويبطل فرضه " انتهى. وقال في "حاشية الروض المربع" (2/277) : " لتركه الواجب بلا عذر يبيح المفارقة، ففسد فرضه بذلك، ذاكرًا أو ناسيًا، عامدًا أو جاهلاً، وهذا على القول بوجوب التسليمة الثانية في الفرض، وتقدّم. ومن لم يره لم تبطل في حقه، كالجاهل والناسي، وصحتها نفلاً مبني على أن التسليمة الثانية ليست ركنًا في النفل على المذهب " انتهى. وعلى هذا؛ فيلزم المأموم أن ينتظر حتى يسلم الإمام التسليمة الثانية، ثم يقوم ليتم صلاته، إلا إن كان يعتقد استحباب التسليمة الثانية، فلا حرج عليه أن يقوم قبل أن يأتي بها الإمام. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 119604 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 793 هل يجعل السترة تلقاء وجهه مباشرة أم ينحرف عنها قليلاً؟ [السُّؤَالُ] ـ[ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى في زاد المعاد أن من السنة في اتخاذ السترة للمصلي أنها لا تكون أمامه مباشرة، بل تكون عن يمينه، أو عن يساره، فنريد توضح ذلك وجزاكم الله خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "يريد ابن القيم رحمه الله أنك إذا اتخذت سترة في الصلاة فلا تقابلها مقابلة تامة، اجعلها عن يمينك شيئاً ما، أو عن يسارك شيئاً ما، لورود حديث بذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام، لكن الحديث الذي ورد في هذا لين، فيه شيء من الضعف، وظاهر الأدلة أن السترة تكون بين يدي المصلي تماماً، وأنه يستقبلها بدون أن تكون عن يمينه أو عن شماله، والأمر في هذا واسع؛ إن صمد إليها صمداً فلا بأس، والإنسان بعيد عن أن يجعلها كالصنم، وإن جعلها عن يمينه أو عن يساره شيئاً ما فلا بأس" انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. "لقاءات الباب المفتوح" (3/516) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118850 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 794 حكم قراءة الدعاء من الورقة أثناء الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[إنني لا أحفظ من الأدعية إلا القليل فهل يجوز أن أكتب بعض الأدعية في ورقة وأقرأها خارج الصلاة وأثناءها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا مانع أن يقرأ الإنسان الدعاء من الورقة إذا كان لا يحفظ وكتب الدعاء في ورقة وقرأه في الأوقات التي يحب أن يدعو فيها، مثل آخر الليل، أو أثناء الليل، أو غيرها من الأوقات، ولكن لو تيسر حفظ ذلك, وأن يقرأه عن حضور قلب وعن خشوع كان ذلك أكمل. أما في الصلاة فالأولى أن يكون عن ظهر قلب, وأن تكون دعوات مختصرة موجزة، ولو قرئت من ورقة في التشهد مثلا أو بين السجدتين فلا حرج في ذلك، لكن كون الداعي يحفظ الدعاء فإنه يكون أقرب إلى الخشوع، والله ولي التوفيق" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (26/136) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118096 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 795 حكم السترة، وقطع الصلاة بمرور المرأة البالغة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم السترة، وهل مرور الكلب والمرأة والحمار، يقطع الصلاة؟ وما موقفنا من كلام عائشة رضوان الله عليها عندما قالت: (أجعلتمونا كالكلاب والحمير) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "السترة سنة مؤكدة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة، وليدن منها) رواه أبو داود بإسناد جيد، وكان النبي صلى الله عليه وسلم في أسفاره إذا سافر تنقل معه العَنَزة [خشبة قصيرة] وكان يصلي إليها عليه الصلاة والسلام، فهي سنة مؤكدة وليست واجبة؛ لأنه قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى في بعض الأحيان إلى غير سترة. وأما ما يقطع الصلاة فهو الحمار والكلب الأسود والمرأة البالغة، لقوله عليه الصلاة والسلام: (يقطع صلاة المرء المسلم إذا لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرحل؛ المرأة والحمار والكلب الأسود) أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر رضي الله عنه، ورواه مسلم أيضا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بدون ذكر الأسود، والقاعدة أن المطلق يحمل على المقيد، وفي حديث ابن عباس: (المرأة الحائض) ، أي البالغة، والصواب ما دل عليه الحديث: أن هذه الثلاث تقطع [الصلاة] . وأما قول عائشة رضي الله عنها فهو من رأيها واجتهادها، قالت: (بئس ما شبهتمونا بالحمير والكلاب) ، وذكرت أنها كانت تعترض له بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، وهذا ليس بمرور؛ لأن الاعتراض لا يسمى مرورا، وقد خفيت عليها رضي الله عنها السنة في ذلك، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، فلو صلى إنسان إلى إنسان قدامه جالس أو مضطجع لم يضره ذلك، وإنما الذي يقطع هو المرور بين يدي المصلي من جانب إلى جانب، إذا كان المار واحدا من الثلاثة المذكورة بين يديه أو بينه وبين السترة، وإذا كانت المرأة صغيرة لم تبلغ أو الكلب ليس بأسود، أو مر شيء أخر كالبعير والشاة ونحوها فهذه كلها لا تقطع، لكن يشرع للمصلي ألا يدع شيئا يمر بين يديه، وإن كان لا يقطع الصلاة لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه، فإن أبى فليقاتله، فإنه شيطان) متفق على صحته" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (24/21، 22) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118153 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 796 الصلاة على السجادة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الصلاة على السجادة؟ وما هو حكم وضعها في المسجد ليصلِّى عليها الإمام؟ هل هي بدعة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصلاة على السجادة جائز من حيث الأصل. روى البخاري (379) ومسلم (513) عَنْ مَيْمُونَةَ رضي الله عنها قالت: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى الْخُمْرَةِ. والخمرة هي فراش صغير على قدر الوجه يعمل من سعف النخل يسجد عليه المصلي يتقي به حر الأرض وبردها. واختار الخطابي أن الخمرة قد تكون أكبر من ذلك واستدل بما رواه أبو داود (5247) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَتْ فَأْرَةٌ فَأَخَذَتْ تَجُرُّ الْفَتِيلَةَ فَجَاءَتْ بِهَا فَأَلْقَتْهَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْخُمْرَةِ الَّتِي كَانَ قَاعِدًا عَلَيْهَا فَأَحْرَقَتْ مِنْهَا مِثْلَ مَوْضِعِ الدِّرْهَمِ. . . الحديث. صححه الألباني في صحيح أبي داود (4369) . قال في عون المعبود: وَهَذَا صَرِيحٌ فِي إِطْلاق الْخُمْرَة عَلَى الْكَبِير {أي الفراش الكبير} . كَذَا فِي النِّهَايَة اهـ. وانظر: فتح الباري (333) . قال الشوكاني: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لا بَأْسَ بِالصَّلاةِ عَلَى السَّجَّادَةِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْخِرَقِ أَوْ الْخُوصِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ , سَوَاءٌ كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ كَانَتْ كَبِيرَةً كَالْحَصِيرِ وَالْبِسَاطِ لِمَا ثَبَتَ مِنْ صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْحَصِيرِ وَالْبِسَاطِ وَالْفَرْوَةِ اهـ. لكن قد يعرض من الأسباب ما يقتضي النهي عن الصلاة على السجادة ونحوها من أنواع الفرش. فمن ذلك: 1- إذا كانت السجادة تحتوي على صور ذوات أرواح فيحرم اقتناؤها ويجب طمس صورها. راجع سؤال رقم (12422) . 2- إذا كانت السجادة بها زخارف ونقوش تلهي المصلي وتشغله عن صلاته فالصلاة عليها مكروهة. قالت اللجنة الدائمة: . . . وأما تصوير ما ليس فيه روح من جبال وأنهار وبحار وزرع وأشجار وبيوت ونحو ذلك دون أن يظهر فيها أو حولها صور أحياء: فجائز، والصلاة عليها مكروهة لشغلها بال المصلي، وذهابها بشيء من خشوعه في صلاته، ولكنها صحيحة. " فتاوى اللجنة الدائمة " (6 / 180) . وقالت أيضاً: المساجد بيوت الله تعالى، بنيت لإقام الصلاة، ولتسبيح الله تعالى، وخشية الله. والرسوم والزخارف في فرش المساجد وجدرانها مما يشغل القلب عن ذكر الله ويُذهب بكثير من خشوع المصلين، ولذا كرهه كثير من السلف، فينبغي للمسلمين أن يجنبوا ذلك مساجدهم، محافظة على كمال عبادتهم بإبعاد المشاغل عن الأماكن التي يتقربون فيها لله رب العالمين، رجاء عظم الأجر ومزيد الثواب، أما الصلاة عليها: فصحيحة. " فتاوى اللجنة الدائمة " (6 / 181، 182) . 3- إذا كان يصلي على السجادة ترفعاً من الصلاة على الأرض روى البخاري (2036) عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: اعْتَكَفْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَشْرَ الأَوْسَطَ مِنْ رَمَضَانَ قَالَ فَخَرَجْنَا صَبِيحَةَ عِشْرِينَ. قَالَ: فَخَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَبِيحَةَ عِشْرِينَ، فَقَالَ: إِنِّي أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ وَإِنِّي نُسِّيتُهَا فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ فِي وِتْرٍ فَإِنِّي رَأَيْتُ أَنِّي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ، وَمَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْيَرْجِعْ. فَرَجَعَ النَّاسُ إِلَى الْمَسْجِدِ وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً، قَالَ: فَجَاءَتْ سَحَابَةٌ فَمَطَرَتْ وَأُقِيمَتْ الصَّلاةُ فَسَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الطِّينِ وَالْمَاءِ حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ الطِّينِ فِي أَرْنَبَتِهِ وَجَبْهَتِهِ. وفي رواية لمسلم (1167) : (وَجَبِينُهُ مُمْتَلِئًا طِينًا وَمَاءً) . ففي هذا الحديث تواضع النبي صلى الله عليه وسلم حيث سجد على الماء والطين، ولم يتكلف أن يؤتى له بشيء يسجد عليه. 4- إذا كان يصلي على السجادة ترفعاً من الصلاة على الفراش الذي فرش لعامة الناس في المسجد، أو يفعل ذلك احتياطاً منه لاحتمال أن تكون الأرض قد أصابتها نجاسة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: أما الغلاة من الموسوسين: فإنهم لا يصلُّون على الأرض، ولا على ما يفرش للعامة على الأرض، لكن على سجادة ونحوها … اهـ مجموع الفتاوى (22 / 177) . 5- إذا كان الرجل يتحرى الصلاة على السجادة لظنه أن لابد من سجادة خاصة للصلاة وأن عليه أن يصلي على أي شيء سواء كان ذلك في البيت أم في المسجد، حتى إن كثيراً من الناس لا يصلي إلا على السجادة ولو كان البيت مفروشاً. قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: الصلاة على السجادة بحيث يتحرى المصلى ذلك: فلم تكن هذه سنَّة السلف من المهاجرين والأنصار ومَن بعدهم مِن التابعين لهم بإحسان على عهد رسول الله، بل كانوا يصلون في مسجده على الأرض لا يتخذ أحدهم سجادة يختص بالصلاة عليها، وقد روي أن عبد الرحمن بن مهدى لما قدم المدينة بسط سجادة، فأمر مالك بحبسه فقيل له: إنه عبد الرحمن بن مهدى، فقال: أما علمتَ أن بسط السجادة في مسجدنا بدعة؟! اهـ مجموع الفتاوى (22 / 163) . 6- وكذلك ما هو موجود في كثير من المساجد من تخصيص الإمام بسجادة توضع له يصلي عليها، مع أن المسجد مفروش، فلماذا يتميز عن المصلين؟؟ وهذا لا ينبغي لعدم الحاجة إليها، ولأن ذلك قد يوقع في قلبه شيئاً من الترفع والتعالي على الناس. والحاصل أن فرش السجادة على السجادة بدعة ما لم يكن هناك سبب لذلك كشدة البرد أو صلابة الأرض أو نجاسة السجادة الأولى أو قذارتها وما أشبه ذلك. والله تعالى أعلم [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 27000 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 797 إسعاف مغشي عليه أثناء صلاة الجمعة [السُّؤَالُ] ـ[أثناء صلاة الجمعة سقط أحد المصلين بالقرب مني مغشيا عليه … ..سؤالي هو: ما الذي ينبغي أن نفعله في هذه اللحظة؟ هل ننبه الآخرين ونطلب المساعدة والنجدة،،، أم ننتظر حتى نفرغ من صلاتنا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا بحسب ما أصاب هذا المصلي: فان كان يتضرر بانتظار فراغكم من الصلاة فإنكم تقطعون الصلاة لإسعافه. وإن كان لا يتضرر بانتظار فراغكم فأسعفوه بعد الصلاة. والله أعلم فتوى الشيخ عبد الله الغديان. وأنتم في مثل هذه الحال تعملون بما يغلب على ظنكم في تضرره بانتظار فراغكم أو عدم تضرره والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 11969 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 798 هل يتحرك المسبوق قليلا لتحصيل السترة أو تيسير خروج المصلين؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم تأخر المسبوق عن الصف الذي يقف فيه بعد سلام الإمام إلى الصف الذي خلفه والذي لا يوجد به مصلون ليترك فرجة في الصف الذي كان يقف فيه كي يتيح للمصلين الذين أنهوا صلاتهم المرور وعدم قطع صلاة المسبوقين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا قام المسبوق ليتم صلاته، فإنه لا يلزمه الانتقال من مكانه، لأجل تحصيل سترة، ولا لأجل ما ذكرت من مرور المصلين؛ لعدم ورود ما يدل على ذلك. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: أحياناً المأموم تفوته ركعة أو ركعتان، فعندما يسلم الإمام يجد السترة بعيدة عنه بمقدار خطوتين أو ثلاثاً فهل يجوز له أن يتقدم إلى السترة؟ فأجاب: "الذي يظهر لي من صنيع الصحابة رضي الله عنهم، أن المسبوق لا يتخذ سترة، وأنه يقضي بلا سترة " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (232/30) . ولا شك أن تحصيل السترة المتعلقة بصلاة الإنسان نفسه، أولى من تيسير المرور على المصلين. والمسبوق إذا قام يتم صلاته فإنه يكون في حكم المفرد، فيمنع المار بين يديه، ولا يجوز لأحد أن يمر بين يديه، وعلى مريد الخروج أن يصبر قليلا، أو أن يبحث عن مكان يخرج منه من غير أن يؤذي المصلين ولا أن يمر بين أيديهم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 116964 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 799 يستحب الفصل بين صلاة الفريضة والنافلة بكلام أو انتقال [السُّؤَالُ] ـ[إذا صليت الفرض ثم أردت أن أتنفل فهل يستحب تغير مكان صلاة النافلة لأجل أن يشهد لي أكثر من مكان بالأرض؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، يستحب أن تفصل بين الفريضة والنافلة بكلام أو انتقال إلى مكان آخر. وأفضل الفصل: الانتقال لصلاتها في البيت، لأن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة، كما صح بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ودليل الفصل المذكور ما رواه مسلم في صحيحه (1463) عن معاوية رضي الله عنه قال: (إِذَا صَلَّيْتَ الْجُمُعَةَ فَلَا تَصِلْهَا بِصَلَاةٍ حَتَّى تَكَلَّمَ أَوْ تَخْرُجَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنَا بِذَلِكَ، أَنْ لَا تُوصَلَ صَلَاةٌ بِصَلَاةٍ حَتَّى نَتَكَلَّمَ أَوْ نَخْرُجَ) . قال النووي رحمه الله في شرحه لصحيح مسلم: " فيه دليل لما قاله أصحابنا - يعني فقهاء الشافعية - أن النافلة الراتبة وغيرها يستحب أن يتحول لها عن موضع الفريضة إلى موضع آخر، وأفضله التحول إلى البيت، وإلا فموضع آخر من المسجد أو غيره ليكثر مواضع سجوده، ولتنفصل صورة النافلة عن صورة الفريضة. وقوله (حتى نتكلم) دليل على أن الفصل بينهما يحصل بالكلام أيضا، ولكن بالانتقال أفضل لما ذكرناه. والله أعلم" انتهى. وروى أبو داود (854) وابن ماجه (1417) ـ واللفظ له ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ إِذَا صَلَّى أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ أَوْ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ، يَعْنِي: السُّبْحَةَ) أي: صلاة النافلة بعد الفريضة. وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: رحمه الله في "الفتاوى الكبرى" (2/359) " والسنة أن يفصل بين الفرض والنفل في الجمعة وغيرها، كما ثبت عنه في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم نهى أن توصل صلاة بصلاة حتى يفصل بينهما بقيام أو كلام، فلا يفعل ما يفعله كثير من الناس يصل السلام بركعتي السنة، فإن هذا ركوب لنهي النبي صلى الله عليه وسلم، وفي هذا من الحكمة التمييز بين الفرض وغير الفرض، كما يميز بين العبادة وغير العبادة، ولهذا استحب تعجيل الفطور، وتأخير السحور، والأكل يوم الفطر قبل الصلاة، ونهي عن استقبال رمضان بيوم أو يومين، فهذا كله للفصل بين المأمور به من الصيام وغير المأمور به، والفصل بين العبادة وغيرها، وهكذا تتمييز الجمعة التي أوجبها الله من غيرها" انتهى. فعلة الفصل بين الفريضة والنافلة: تمييز إحداهما عن الأخرى، وذكر بعض العلماء علة أخرى لذلك وهي: تكثير مواضع السجود لأجل أن تشهد له يوم القيامة، كما سبق في كلام النووي رحمه الله. وقال الرملي في "نهاية المحتاج" (1/552) : " ويسن أن ينتقل للنفل أو الفرض من موضع فرضه أو نفله إلى غيره تكثيراً لمواضع السجود، فإنها تشهد له، ولما فيه من إحياء البقاع بالعبادة، فإن لم ينتقل إلى موضع آخر فصل بكلام إنسان " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 116064 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 800 صلاة من في فمه رائحة كريهة [السُّؤَالُ] ـ[إذا صليت ورائحة فمي كريهة هل صلاتي صحيحة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المصلي يناجي ربه، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ فِي صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ) رواه البخاري (390) ومسلم (762) فينبغي أن يكون على أهبة الاستعداد لهذه المناجاة، فيكون بدنه نظيفا، وثوبه نقيا، ومكانه نظيفا خاليا من الروائح الكريهة، فقد قال تعالى: (يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأعراف/31. فالمصلي مأمور بالتجمل والتزين عند الصلاة. وقال صلى الله عليه وسلم: (لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلَاةٍ) رواه البخاري (838) ومسلم (370) . أما صحة الصلاة مع وجود الرائحة الكريهة فهي صحيحة لكنها مكروهة. وإذا كانت الصلاة في المسجد، وهذه الرائحة ظاهرة بحيث تؤذي المصلين والملائكة، كان ذلك محرماً، روى البخاري (806) ومسلم (870) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ يَعْنِي الثُّومَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا) . وقال صلى الله عليه وسلم: (قَالَ مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلَا يَقْرُبْ مَسَاجِدَنَا يُؤْذِينَا بِرِيحِ الثُّومِ) رواه مالك في الموطإ (27) فالنصيحة أن تعتني يتنظيف فمك، وإذا كان الأمر يقتضي علاجا أن تعالجه حتى لا تبقى في حرج وبعد عن الصلاة في الجماعة. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114370 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 801 دق جرس الباب وأنا في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[إذا كنت أصلي ودق جرس الباب ولا يوجد في البيت غيري فماذا أفعل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كانت الصلاة نافلة فالأمر فيها واسع، لا مانع من قطعها ومعرفة من يطرق الباب، أما في الفريضة فلا ينبغي التعجل إلا إذا كان هناك شيء مهم يُخشى فواته، وإذا أمكن التنبيه بالتسبيح من الرجل، أو بالتصفيق من المرأة حتى يعلم الذي عند الباب أن الذي بداخل البيت مشغول بالصلاة كفى ذلك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ، مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَقُلْ: سُبْحَانَ اللَّهِ) . فإذا أمكن إشعار الطارق بأن الرجل في الصلاة بالتسبيح، أو المرأة بالتصفيق فعل ذلك، فإن كان هذا لا ينفع للبعد وعدم سماعه فلا بأس أن يقطعها للحاجة خاصة النافلة، أما الفرض فإذا كان يخشى أن الطارق لشيء مهم فلا بأس أيضاً بالقطع ثم يعيدها من أولها. والحمد لله" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله. فتاوى علماء البلد الحرام" (154) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111831 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 802 يعمل في فندق ويريد أن يجمع بين صلاتي المغرب والعشاء [السُّؤَالُ] ـ[أنا أعمل ليلا في باريس في فندق تكثر فيه الحركة ويتعذر علي أن أصلي في الوقت , وأريد أن أعرف هل من الممكن أن أجمع بين صلاتي المغرب والعشاء في وقت صلاة المغرب؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اعلم أن المؤمن حقاً هو الذي يقدم أمر الله تعالى على كل ما سواه، وينقاد له طيبة به نفسه مطمئنة إليه، موقنة أن الخير كله في ذلك، وأن الشر كله في خلاف ذلك، فيقوم بأمر الله تعالى قدر استطاعته مستشعراً أن الله مطلع عليه مراقب له. وليس المؤمن بالمتسيب الذي لا يقف عند حدود الله. والصلاة هي أعظم أركان هذا الدين بعد التوحيد قد أوجبها الله تعالى على عباده، وحدد لها أوقاتاً تؤدى فيها في حال السعة والاختيار، ورخص في أن يقدم بعضها عن ذلك الوقت المحدد له، أو يؤخر عنه في حال الضرورة أو المشقة المعتبرة شرعاً، كالخوف والمرض والسفر والمطر ونحو ذلك، رفعاً للحرج عن عباده المؤمنين. وعلى هذا فالواجب عليك أن تجتهد في أداء كل صلاة في وقتها، وتبين لجهة عملك أن هذا الوقت الذي تؤدي فيه هذه العبادة التي أوجبها الله تعالى عليك- والتي هي أهم أعمالك في حياتك- لن يتجاوز عشر دقائق بالكثير، لا يمكنك التنازل عنه ولا التفريط فيه. فإن لم توافق جهة عملك على ذلك فعليك أن تبحث بحثاً جاداً عن عمل آخر تستطيع معه أداء ما أوجب الله تعالى عليك وإذا كنت مضطراً إلى هذا العمل، بحيث لا تجد ما تنفق به على نفسك وأهلك إن تركته، فلك أن تستمر فيه حتى تجد عملاً آخر لا يتعارض مع أداء الصلاة ولك في هذه الحال أن تجمع بين صلاتي المغرب والعشاء جمع تقديم فتصليهما معاً في وقت صلاة المغرب. على أن يكون ذلك مؤقتاً حتى تتمكن من ترك العمل. أما جعل جمع الصلاتين عادة مستمرة فهذا لا يجوز، لأنه خلاف المنقول عن الرسول صلى الله عليه وسلم من فعله، وحثه على أداء الصلوات في أوقاتها. وننبه السائل أن العمل في الفنادق في عصرنا يشتمل على محاذير كثيرة، هذا إذا كان في بلاد الإسلام فكيف لو كان في بلاد الكفر! فيكون كلامنا السابق بناءً على أن الفندق المذكور لا يشتمل على محاذير شرعية توجب عليك ترك العمل فيه، ولمعرفة ضوابط لك راجع جواب السؤال رقم (46704) . وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: إنه عرض علي العمل في فندق كمحاسب، ولحاجته إلى زيادة دخله فيرغب معرفة حكم العمل فيه، مع العلم أنه يقدم في هذا الفندق الخمر، وفيه حمامات السباحة التي يختلط فيها الرجال بالنساء وصالات الرقص الماجن. فأجابت: "لا يجوز العمل في الفنادق التي تعمل فيها المنكرات وتبيع المسكرات؛ لأن العمل فيها من التعاون على الإثم والعدوان، فعليك بالتماس العمل الحلال النزيه، وأبشر بالخير وحسن العاقبة؛ لقول الله سبحانه: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) الطلاق /2، 3. وقوله سبحانه (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) سورة الطلاق /4 وفقك الله ويسر أمرك. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... عبد الله بن غديان .... صالح الفوزان ... عبد العزيز آل الشيخ ... بكر أبو زيد "فتاوى اللجنة الدائمة" (14/432) . ولمعرفة حكم الإقامة في ديار الكفار راجع جواب السؤال رقم (12866) و (27211) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111900 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 803 المسبوق إذا قام يكمل صلاته فهو منفرد فلا يسمح لأحد أن يمر أمامه [السُّؤَالُ] ـ[معلوم أن سترة الإمام سترة للمأمومين، ولكن إذا سلم الإمام فهل تبقى السترة للمسبوقين أو لابد من وجود سترة جديدة؟ فقد لاحظت أن بعض الناس يمر أمام المسبوق ولا يفعل له شيئاً.. فما الحكم في ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا سلم الإمام وقام المسبوق لقضاء ما فاته فإنه يكون في هذا القضاء منفرداً حقيقة، وعليه أن يمنع من يمر بين يديه، لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وترك بعض الناس منع المار قد يكون عن جهل منهم بهذا، أو قد يكون عن تأويل، حيث إنهم ظنوا أنهم لما أدركوا الجماعة صاروا بعد انفرادهم عن الإمام بحكم الذين خلف الإمام، لكن لابد من منع المسبوق من يمرون بين يديه إذا قام لقضاء ما فاته" انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. فتاوى علماء البلد الحرام" (149) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111901 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 804 يعمل في فندق ويريد أن يجمع بين صلاتي المغرب والعشاء [السُّؤَالُ] ـ[أنا أعمل ليلا في باريس في فندق تكثر فيه الحركة ويتعذر علي أن أصلي في الوقت , وأريد أن أعرف هل من الممكن أن أجمع بين صلاتي المغرب والعشاء في وقت صلاة المغرب؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اعلم أن المؤمن حقاً هو الذي يقدم أمر الله تعالى على كل ما سواه، وينقاد له طيبة به نفسه مطمئنة إليه، موقنة أن الخير كله في ذلك، وأن الشر كله في خلاف ذلك، فيقوم بأمر الله تعالى قدر استطاعته مستشعراً أن الله مطلع عليه مراقب له. وليس المؤمن بالمتسيب الذي لا يقف عند حدود الله. والصلاة هي أعظم أركان هذا الدين بعد التوحيد قد أوجبها الله تعالى على عباده، وحدد لها أوقاتاً تؤدى فيها في حال السعة والاختيار، ورخص في أن يقدم بعضها عن ذلك الوقت المحدد له، أو يؤخر عنه في حال الضرورة أو المشقة المعتبرة شرعاً، كالخوف والمرض والسفر والمطر ونحو ذلك، رفعاً للحرج عن عباده المؤمنين. وعلى هذا فالواجب عليك أن تجتهد في أداء كل صلاة في وقتها، وتبين لجهة عملك أن هذا الوقت الذي تؤدي فيه هذه العبادة التي أوجبها الله تعالى عليك- والتي هي أهم أعمالك في حياتك- لن يتجاوز عشر دقائق بالكثير، لا يمكنك التنازل عنه ولا التفريط فيه. فإن لم توافق جهة عملك على ذلك فعليك أن تبحث بحثاً جاداً عن عمل آخر تستطيع معه أداء ما أوجب الله تعالى عليك وإذا كنت مضطراً إلى هذا العمل، بحيث لا تجد ما تنفق به على نفسك وأهلك إن تركته، فلك أن تستمر فيه حتى تجد عملاً آخر لا يتعارض مع أداء الصلاة ولك في هذه الحال أن تجمع بين صلاتي المغرب والعشاء جمع تقديم فتصليهما معاً في وقت صلاة المغرب. على أن يكون ذلك مؤقتاً حتى تتمكن من ترك العمل. أما جعل جمع الصلاتين عادة مستمرة فهذا لا يجوز، لأنه خلاف المنقول عن الرسول صلى الله عليه وسلم من فعله، وحثه على أداء الصلوات في أوقاتها. وننبه السائل أن العمل في الفنادق في عصرنا يشتمل على محاذير كثيرة، هذا إذا كان في بلاد الإسلام فكيف لو كان في بلاد الكفر! فيكون كلامنا السابق بناءً على أن الفندق المذكور لا يشتمل على محاذير شرعية توجب عليك ترك العمل فيه، ولمعرفة ضوابط لك راجع جواب السؤال رقم (46704) . وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: إنه عرض علي العمل في فندق كمحاسب، ولحاجته إلى زيادة دخله فيرغب معرفة حكم العمل فيه، مع العلم أنه يقدم في هذا الفندق الخمر، وفيه حمامات السباحة التي يختلط فيها الرجال بالنساء وصالات الرقص الماجن. فأجابت: "لا يجوز العمل في الفنادق التي تعمل فيها المنكرات وتبيع المسكرات؛ لأن العمل فيها من التعاون على الإثم والعدوان، فعليك بالتماس العمل الحلال النزيه، وأبشر بالخير وحسن العاقبة؛ لقول الله سبحانه: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) الطلاق /2، 3. وقوله سبحانه (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) سورة الطلاق /4 وفقك الله ويسر أمرك. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... عبد الله بن غديان .... صالح الفوزان ... عبد العزيز آل الشيخ ... بكر أبو زيد "فتاوى اللجنة الدائمة" (14/432) . ولمعرفة حكم الإقامة في ديار الكفار راجع جواب السؤال رقم (12866) و (27211) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111933 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 805 النوافل التي يجوز فعلها في وقت النهي [السُّؤَالُ] ـ[هل النهي عن الصلاة بعد صلاة الصبح وصلاة العصر عام، يشمل كل صلاة؟ أم هناك صلوات يجوز فعلها في هذا الوقت؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله روى البخاري (1197) ومسلم (827) عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ) . "قوله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة) يشمل جميع الصلوات، ولكن قد خص منه بعض الصلوات بالنص، وبعضها بالإجماع. ومن ذلك: أولا: إعادة الجماعة، مثل أن يصلي الإنسان الصبح في مسجده، ثم إذا ذهب إلى مسجد آخر فوجدهم يصلون الصبح فإنه يصلي معهم، ولا إثم عليه ولا نهي، والدليل: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الفجر ذات يوم في منى، فلما انصرف رأى رجلين لم يصليا معه، فسألهما لماذا لم تصليا؟ قالا: صلينا في رحالنا، قال: (إذا صليتما في رحالكما، ثم أتيتما مسجد الجماعة فصليا معهم) ، وهذا بعد صلاة الصبح. ثانيا: إذا طاف الإنسان بالبيت، فإن من السنة أن يصلي بعد الطواف ركعتين خلف مقام إبراهيم، فإذا طاف بعد صلاة الصبح فيصلي ركعتين للطواف. ومن أدلة ذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يا بني عبد مناف، لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت أو صلى فيه أية ساعة شاء من ليل أو نهار) . فإن بعض العلماء استدل بهذا الحديث على أنه يجوز إذا طاف أن يصلي ركعتين ولو في وقت النهي. ثالثا: إذا دخل يوم الجمعة والإمام يخطب، وكان ذلك عند زوال الشمس فإنه يجوز أن يصلي تحية المسجد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب الناس فدخل رجل فجلس فقال له: (أصليت؟ قال: لا. قال: قم فصل ركعتين، وتجوز فيهما) . رابعا: دخول المسجد: فلو أن شخصا دخل المسجد بعد صلاة الصبح، أو بعد صلاة العصر، فلا يجلس حتى يصلي ركعتين؛ لأن هذه الصلاة لها سبب. خامسا: كسوف الشمس: فلو كسفت الشمس بعد صلاة العصر، وقلنا: إن صلاة الكسوف سنة، فإنه يصلي الكسوف، أما إذا قلنا بأن صلاة الكسوف واجبة، فالأمر في هذا ظاهر؛ لأن الصلاة الواجبة ليس عنها وقت نهي إطلاقا. سادسا: إذا توضأ الإنسان: فإذا توضأ الإنسان جاز أن يصلي ركعتين في وقت النهي؛ لأن هذه الصلاة لها سبب. سابعا: صلاة الاستخارة: فلو أن إنسانا أراد أن يستخير فإنه يصلي ركعتين، ثم يدعو دعاء الاستخارة، فإذا أتاه أمر لا يحتمل التأخير فاستخار في وقت النهي فإن ذلك جائز. والخلاصة أن هذا الحديث: (لا صلاة بعد الصبح، ولا صلاة بعد العصر) مخصوص بما إذا صلى صلاة لها سبب فإنه لا نهي عنها. وهذا الذي ذكرته هو مذهب الشافعي رحمه الله وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد واختيار شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله وهو الصحيح أن ذوات الأسباب ليس عنها نهي" انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (14/344) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112114 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 806 هل تسجد على كرسي وتترك السجود على الأرض لعملها في معمل به جراثيم؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا فتاة أعمل في مجال الأبحاث الطبية ويتطلب مني عملي ارتداء ملابس خاصة، كقناع الوجه ورداء عازل يغطي جميع ملابسي التي أرتديها وارتداء القفازات المطاطية وارتداء بوت خاص، وأحيانا يداهمني وقت الصلاة وأنا أجري تجربة معينة فأقف عند نقطة معينة للصلاة وأقوم بالصلاة وأنا أرتدي هذه الملابس وأستخدم الكرسي للجلوس عليه عند السجود، فأنا لا أستطيع السجود على الأرض لوجود الجراثيم الممرضة. وهذه الغرفة خاصة فلا يدخلها أحد غيري. فهل تكون صلاتي جائزة على هذه الحالة؟ ثم أرسلنا إلى السائلة لتوضيح بعض النقاط: 1- هل يمكن وضع شيء على الأرض يقيك من الجراثيم، وتتمكنين من السجود عليه؟ نعم يمكنني استعمال بعض الأغطية التي يوفرها لنا عملي لإجراء التجارب ولكني عندما أنتهي منها يجب التخلص منها في مكان خاص بالنفايات البيولوجية، وقد أحتاج لغطائين كل يوم، ولكن أليس من المفترض أن هذه الأغطية يوفرها عملي للاستعمال لأجل التجارب وأعتقد أن استعمالها لأمر شخصي لا يجوز ولهذا لا أحب استعمالها. رغم أنني اليوم استعملتها وكنت غاية في السعادة، قد أسأل مسئولي المباشر إذا كان بإمكاني استعمالها لهذا الغرض ولكني أعلم أنه ليس بيده شيء فهذه تعتبر ممتلكات الحكومة وهو مثلي موظف. 2- هل يمكن تغطية وجهك بالقناع أو غيره، والسجود به على الأرض؟ نعم يمكن ذلك ولكني سيظل هناك خوف داخلي، وصدقا هذا والله سيقطع علي خشوعي في صلاتي، التفكير بأنه قد يصلني شيء من هذه الجراثيم. 3- ألا يوجد متسع من الوقت للخروج من هذه الغرفة لأداء الصلاة التي لا تستغرق إلا نحو خمس دقائق؟ أحيانا يكون هناك متسع من الوقت ولكني صراحة قد يكون بسبب كسلي لأنني عند دخولي إلى الغرفة يجب أن أرتدي لباساً خاصاً وعند خروجي يجب علي التخلص منه قبل الخروج، ودخولي مرة ثانية يعني أن ألبس ذلك اللباس مرة أخرى، ولكن هذه أيضا ليست مشكلة وسوف أحاول قدر الإمكان أن أؤدي صلاتي على الشكل المقبول بإذن الله، ولكن أحيانا أخرى لا يمكنني الخروج وقد أستغرق في تجربتي أربع ساعات. 4- ما مدى إمكانية الجمع بين الصلاتين، بحيث يكون لديك وقت خارج هذه الغرفة، تتمكنين فيه من أداء الظهر والعصر معا، أو المغرب والعشاء معا؟ صراحة فيه إمكانية ولكني أحب دائما وأبدا أن أصلي الصلاة في وقتها ولهذا لا أجد ضرورة لجمع الصلاة إذ بإمكاني أن أصليها في أي مكان وعندنا في المستشفى التابع للجامعة مكان للعبادة يمكنني الذهاب إليه للصلاة. فاليوم مثلا صليت الظهر في غرفة الميكروبات والعصر في مكان العبادة. 5- مدى الحاجة والاضطرار إلى هذا النوع من العمل? أنا بعملي هذا أقدم خدمة لمئات الملايين من البشر المصابين بالفيروس الذي أدرسه والذي غالبا ما يؤدي إلى موت المصاب.. فأنا أحاول الوصول لعلاج فعال له يساعد هؤلاء ويخفف آلامهم، أعرف تماما خطورة الدراسة التي أقوم بها ولكن (قل لن يصيبنا إلاّ ما كتب الله لنا) أنا لا أسعى لمنصب ولا شهرة ولا أهتم بالمادة وهذه بالنسبة لي أمور سخيفة ولكني أسعى لمرضاة الله سبحانه وتعالى بكل عمل أقوم به بإذن الله.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: نشكر لك هذا التوضيح والبيان، ونسأل الله تعالى لك المزيد من التوفيق والعون. ثانيا: الصلاة أمرها عظيم، وشأنها كبير، وهي آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين، وقد أمر الله تعالى بالمحافظة عليها وأدائها في أوقاتها، كما قال سبحانه: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) النساء/103، وقال النبي صلى الله عليه وسلم وقد سئل أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ فَقَالَ: (الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا) رواه البخاري (527) ومسلم (85) . وحذّر سبحانه من التفريط في الصلاة وتضييعها فقال: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) مريم/59. قال ابن مسعود رضي الله عنه عن الغي: واد في جهنم، بعيد القعر، خبيث الطعم. وقال تعالى: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) الماعون/ 4، 5. فالواجب أن يعتني الإنسان بصلاته، وأن يؤديها في وقتها إلا إذا وجد عذر يبيح له جمع الصلاتين. والسجود ركن من أركان الصلاة لا يجوز للقادر أن يتركه، ولا تصح صلاة من تركه بغير عذر، وكذلك الجلوس بين السجدتين، والجلوس للتشهدين وللسلام، كل ذلك من أركان الصلاة التي لا تصح بدونها. وقد تبين من كلامك وفقك الله أنه يمكنك وضع شيء على الأرض يقيك من الجراثيم، ويكفي أن يأذن لك المسئول المباشر باستعمال هذه الأغطية، وإذا كانت الحكومة توفر هذه الأغطية لعملك، فإن من مسؤوليات الحكومة أن توفر لك مكاناً آمناً تصلين فيه، لا سيما وعملك هذا من الأهمية بمكان، لتلك الحكومة ولغيرها، ولذلك لا نرى حرجاً من استعمال هذه الأغطية في الصلاة بعد إعلام المسئول المباشر بذلك. فإن تعذر الحصول على هذه الأغطية، فنرى أن تضعي القناع على وجهك، وتحسني الظن بالله وتتوكلي عليه فإنه لن يصيبك مكروه إن شاء الله إلا إذا كان خوفك من الجراثيم في هذه الحالة خوفاً حقيقاً له أساس صحيح يبنى عليه، وليس مجرد وساوس أو مبالغة في الخوف والحذر. وإذا وجدت فرصة للخروج من غرفتك لأداء الصلاة، ففي هذا خروج من الحرج كله، فلن تحتاجي إلى أغطية أو قناع، وما يلحقك من مشقة في ارتداء الملابس ونزعها، أمر ينبغي أن تصبري عليه، ولن يضيع أجرك عند الله تعالى. وإذا قُدّر انشغالك بتجربة تستغرق وقت الصلاة، جاز لك جمع الصلاة إلى ما يجوز أن تجمع إليه، تقديما أو تأخيرا، ولا يخفى عليك أن ما يجوز جمعه هو الظهر مع العصر، والمغرب مع العشاء فحسب. وصلاتك في هذه الحالة تعتبر في وقتها لأنه إذا وجد العذر الذي يبيح الجمع بين الصلاتين فإنه يجعل وقت الصلاتين وقتاً واحداً. وبهذا يتبين لك أن جميع الأمور المذكورة من استعمال الأغطية والقناع والخروج من الغرفة والجمع بين الصلاتين، كل ذلك مقدم على ترك السجود على الأرض، بل لا نرى لك – والحال ما ذكرت- جوازَ ترك السجود على الأرض؛ لعدم وجود العذر الملجئ إلى ذلك. واعلمي أن من اتقى الله تعالى وفّقه وسدده، ويسر له أمره، فإذا حرصت على أداء الصلاة كما أمرك الله، فستجدين السبيل إلى ذلك بإذنه سبحانه. ونسأل الله أن يزيدك علما وفقها وهدى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111655 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 807 اشترطوا عليه الدعاء الجماعي وعدم قبض اليدين فهل يؤمهم أم يتركهم؟ [السُّؤَالُ] ـ[عُرض عليَّ أن أكون إمام أوقات، وخطيب جمعة في البلد الذي أعيش فيه، واشترطوا عليَّ أن أدعو بالناس جهراً بعد كل صلاة، وأن لا أقبض يدي في الصلاة، مع العلم أنني الوحيد الذي أدرس العلوم الشرعية في البلد، فهل أوافق أو أرفض؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نشكر لك أخي السائل حرصك على الخير، وتطبيق السنَّة، واجتناب ما يخالفها، ونسأل الله تعالى أن يوفقك لما فيه رضاه. ثانياً: ينبغي أن نفرق بين ما أجمع أهل العلم على أنه بدعة منكرة، وما اختلف فيه أهل العلم، كوضع اليدين في حال القيام في الصلاة، أو الدعاء بعد الصلاة، أو القنوت في صلاة الفجر كل يوم ... إلخ. فيشدد في الإنكار في النوع الأول (ما أجمع العلماء على بدعيته) ، ويكون الإنكار في النوع الثاني (ما اختلف العلماء على بدعيته) بدرجة أقل، وقد لا يُنكر من الأصل، ويسكت الإنسان عنه، لقوة الخلاف فيه. وانظر جواب السؤال رقم (70491) ، لتعرف الفرق بين المسائل التي يُنكر على المخالف فيها، والتي لا ينكر عليه فيها. وينبغي أن نعلم أيضاً أن الشرع جاء بتحصيل المصالح وتكميلها ودفع المفاسد وتقليلها. فعند حصول تعارض بين تحصيل مصلحة ودفع مفسدة، فينظر إلى الأهم منهما، وتراعى بالتقديم. وعلى هذا؛ فقد جاءت السنة بوضع اليدين على الصدر في حال القيام في الصلاة، وجاءت السنة بالجهر بالذكر عقب الصلاة المفروضة، يجهر كل مصلٍّ بمفرده، ثم إن دعا بعد هذه الأذكار فإنما يدعو سراً بمفرده. فما يدعونك إليه مفسدة، ومخالف للسنة. فهل ترفض إمامتهم في الصلاة حتى لا تقع في مخالفة السنة، وترتكب هذه المفسدة؟ أو تقبل؟ الجواب على هذا أن يقال: إن كان رفضك للإمامة سيترتب عليه أن يأتي إمام هو أقدر منك على إلزام هؤلاء بالسنة وتعليمها لهم، ولا يقع في مخالفة السنة، فإنك ترفض ذلك. أما إن كان رفضك سيعني أن يأتي إمام جاهل يرتكب هذه المخالفات ويزيد عليها أضعافها، ولا يُعَلِّم الناس السنة، ولا يلتزم بها، بل قد يحارب السنة وأهلها، جهلاً منه أو اتباعاً لهواه، فلا ينبغي لك أن تتردد في قبول إمامة هؤلاء ولو ألزموك بهذه المخالفات، لأن هذا سيكون أقل مفسدة مما لو رفضت. وقد سبق أن الشرع جاء بدفع المفاسد وتقليلها، ثم إذا حصل تآلف بينك وبينهم فيما بعد، فإنك تسعى في تعليمهم السنة، والأخذ بأيديهم إليها شيئاً فشيئاً. ولتنقل لهم أقوال بعض العلماء الذين يعظمونهم في إنكار ما تريد إنكاره من البدع، على أن يكون ذلك بالتدريج حتى لا ينفر الناس منك. وهذه أقوال لبعض أهل العلم في ترك الإمام ما يرى أنه سنة مستحبة تأليفاً لقلوب المأمومين. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ولو كان الإمام يرى استحباب شيء والمأمومون لا يستحبونه فتركه لأجل الاتفاق والائتلاف: كان قد أحسن. مثال ذلك الوتر فإن للعلماء فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه لا يكون إلا بثلاث متصلة. كالمغرب: كقول من قاله من أهل العراق. والثاني: أنه لا يكون إلا ركعة مفصولة عما قبلها كقول من قال ذلك من أهل الحجاز. والثالث: أن الأمرين جائزان كما هو ظاهر مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما وهو الصحيح. وإن كان هؤلاء يختارون فصله عما قبله فلو كان الإمام يرى الفصل فاختار المأمومون أن يصلي الوتر كالمغرب فوافقهم على ذلك تأليفا لقلوبهم كان قد أحسن، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: (لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لنقضت الكعبة ولألصقتها بالأرض ولجعلت لها بابين بابا يدخل الناس منه وبابا يخرجون منه) فترك الأفضل عنده: لئلا ينفر الناس. وكذلك لو كان رجل يرى الجهر بالبسملة فأم بقوم لا يستحبونه أو بالعكس ووافقهم كان قد أحسن" انتهى. "مجموع الفتاوى" (22/268) . وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: هل يجوز ترك الجهر بالتأمين في الصلاة، وعدم رفع اليدين؟ . فأجاب: "نعم، إذا كان بين أناس لا يرفعون، ولا يجهرون بالتأمين: فالأولى أن لا يفعل؛ تأليفاً لقلوبهم، حتى يدعوهم إلى الخير، وحتى يعلمهم، ويرشدهم، وحتى يتمكن من الإصلاح بينهم، فإنه متى خالفهم استنكروا هذا؛ لأنهم يرون أن هذا هو الدين، يرون أن عدم رفع اليدين فيما عدا تكبيرة الإحرام يرون أنه هو الدين، وعاشوا عليه مع علمائهم، وهكذا عدم الجهر بالتأمين، وهو خلاف مشهور بين أهل العلم، منهم من قال يجهر، ومنهم من قال: لا يجهر بالتأمين، وقد جاء في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم رفع صوته، وفي بعضها أنه خفض صوته، وإن كان الصواب أنه يستحب الجهر بالتأمين، وهو شيء مستحب، ويكون ترك أمراً مستحبّاً، فلا يفعل مؤمن مستحبّاً يفضي إلى انشقاق، وخلاف، وفتنة، بل يترك المؤمن المستحب، والداعي إلى الله عز وجل، إذا كان يترتب على تركه مصالح أعظم، من ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك هدم الكعبة وبناءها على قواعد إبراهيم، قال: (لأن قريشا حديثو عهد بكفر) ، ولهذا تركها على حالها، ولم يغير عليه الصلاة والسلام للمصلحة العامة" اتهى. " فتاوى الشيخ ابن باز " (29 / 274، 275) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111223 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 808 حكم اتخاذ النعل سترة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم اتخاذ النعل سترة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " لا بأس بها، إلا إذا كان فيها شيء بيِّن من نجاسة أو أذى، فلا يتخذها سترة؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (نهى أن يبصق أمام وجهه) ، أما إذا كان ليس فيها أذىً أو نجاسة تشاهَد، فلا حرج أن تتخذ سترة " انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. "لقاءات الباب المفتوح" (3/522) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 108282 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 809 هل يشترط للحكم بإدراك الركعة أن يسبح قبل رفع الإمام؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا أدرك المسبوق الإمام راكعا فما المشروع له حينئذ؟ وهل يشترط للحكم بإدراكه الركعة أن يقول سبحان ربي العظيم قبل رفع الإمام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا أدرك المأموم الإمام راكعا أجزأته الركعة، ولو لم يسبح المأموم إلا بعد رفع الإمام، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) أخرجه مسلم في صحيحه. ومعلوم أن الركعة تدرك بإدراك الركوع، لما روى البخاري في صحيحه عن أبي بكرة الثقفي رضي الله عنه أنه أتى المسجد ذات يوم والنبي صلى الله عليه وسلم راكع فركع دون الصف ثم دخل في الصف فلما سلم النبي صلى الله عليه وسلم قال له صلى الله عليه وسلم: (زادك الله حرصا ولا تعد) ولم يأمره بقضاء الركعة. وإنما نهاه أن يعود إلى الركوع دون الصف، فعلى المسبوق ألا يعجل بالركوع حتى يدخل في الصف" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (11/245-246) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105425 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 810 ترصيص الصفوف في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[الكثير من الناس لا يعرفون بأنه من السنة أن نحاذي بين المناكب والأقدام ويتركون فُرجات بينهم فإلى أي حد يمكن أن نفرّج بين القدمين لنملئ الفراغ ونسد الفرجة؟ إذا أردنا أن نسوي الصف فهل ينظر أحدنا إلى يمينه ويبدأ بالتسوية أم إلى الشمال؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب على المسلمين أن يرصوا صفوفهم وأن يسدوا الفرج بينهم وذلك يكون بمحاذاة المنكب مع المنكب والقدم مع القدم. عن أنس بن مالك، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أقيموا الصفوف فإني أراكم خلف ظهري ". رواه البخاري (686) ومسلم (425) . وعن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أقيموا الصفوف وحاذوا بين المناكب وسدوا الخلل ولينوا بأيدي إخوانكم، ولا تذروا فرجات للشيطان ومن وصل صفا وصله الله ومن قطع صفا قطعه الله. . .". قال أبو داود: ومعنى ولينوا بأيدي إخوانكم أي: يكون الرجل ليناً منقاداً لأخيه إذا قدمه أو أخره ليستوي الصف. (عون المعبود) أبو داود (666) والنسائي (819) وصححه الألباني في صحيح أبي داود (620) . عن النعمان بن بشير يقول: " أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس بوجهه فقال: أقيموا صفوفكم ثلاثا والله لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم قال: فرأيت الرجل يلزق منكبه بمنكب صاحبه وركبته بركبة صاحبه وكعبه بكعبه ". رواه أبو داود (662) وصححه الألباني في صحيح أبي داود (616) . وهل ينظر الرجل عن يمينه أو يساره حتى يساوي الصف؟ السنة أن يتوسط الإمام الصف، فيقف مقابلاً منتصف الصف، فتبدأ الصفوف من خلف الإمام لا من يمين المسجد ولا من يساره كما يفعل البعض، بل من خلف الإمام، ثم يكمل الصف على اليمين واليسار معاً محافظة على السنة في توسط الإمام. وعلى هذا فمن كان على يمين الصف فإنه ينظر إلى يساره ويحاذي من على يساره، ومن كان على يسار الصف فإنه ينظر إلى يمينه ويحاذي من على يمنيه. أما الفرجة بين القدمين فإن المصلي يقف وقوفاً معتدلاً، فلا يضم قدميه ولا يزيد في المباعدة بينهما لأنه كلما زاد تباعد إلصاق المنكب بالمنكب، والتراص في الصف يكون في إلصاق القدم بالقدم والكتف بالكتف. قال الشيخ بكر أبو زيد: ومن الهيئات المضافة مجدَّداً إلى المصافة بلا مستند: ما نراه من بعض المصلين من ملاحقته مَن على يمينه إن كان في يمين الصف، ومَن على يساره إن كان في ميسرة الصف، وليِّ العقبين ليُلصق كعبيه بكعبي جاره. وهذه هيئة زائدة على الوارد، فيها إيغال في تطبيق السنة، وهي هيئة منقوضة بأمرين: الأول: أن المصافَّة هي مما يلي الإمام، فمن كان على يمين الصف: فليصافَّ على يساره مما يلي الإمام، وهكذا يتراصُّون ذات اليسار واحداً بعد واحد على سمت واحد في تقويم الصف، وسد الفُرَج، والتراص والمحاذاة بالعنق، والمنكب، والكعب، وإتمام الصف الأول فالأول. أما أن يلاحق بقدمه اليمنى – وهو في يمين الصف – مَن على يمينه، ويلف قدمه حتى يتم الإلزاق: فهذا غلط بيِّن، وتكلف ظاهر، وفهم مستحدث فيه غلو في تطبيق السنة، وتضييق ومضايقة، واشتغال بما لم يشرع، وتوسيع للفُرَج بين المتصافين. يظهر هذا إذا هوى المأموم للسجود، وتشاغل بعد القيام لمَلْأ الفراغ، وليِّ العقب للإلزاق، وتفويت لتوجيه رؤوس القدمين إلى القبلة. وفيه ملاحقة المصلي للمصلي بمكانه الذي سبق إليه، واقتطاع لمحل قدم غيره بغير حق. وكل هذا تسنُّن بما لم يشرع. " لا جديد في أحكام الصلاة " (12، 13) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 21502 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 811 حكم الحمد بعد العطاس في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان الإنسان في صلاة ثم عطس فهل يحمد الله، سواء كانت فريضة أو نافلة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "نعم، يشرع له أن يحمد الله، لأنه ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع من يحمد الله بعد عطاسه في الصلاة فلم ينكر عليه. بل قال: (لقد رأيت كذا وكذا من الملائكة كلهم يبتدرونها أيهم يكتبها) ولأن حمد الله من جنس ذكر الصلاة، وليس بمنافٍ لها" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (29/348) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103435 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 812 المرور بين يدي المصلي [السُّؤَالُ] ـ[قلت مرة للنساء في المصلى عن طريق الخطأ بأنه يمكن لنا أن نمر من أمام النساء الذين يصلين ولا ضرر في ذلك وأصبح الفتيات يعبرن من أمام من يصلي في المسجد، ثم عرفت بأن هذا لا يجوز إذا كانت الأخت تصلي منفردة ويجب أن تمنع من يمر من أمامها وأن من يمر يعتبر كالشيطان. قلت هذا لكثير من النساء اللائي كن موجودات في المسجد وأنا نادمة جداً على كلامي دون علم وطلبت المغفرة من الله، ولكنني أشعر بالندم على ما قلت فقد يطبقه الناس ويمكن أن ينشروه وأكون أنا السبب وأتحمل الذنب أنا. هل يمكن أن تخبرني بما يجب فعله في المسجد، من أين يعبر الشخص إذا أراد أن يعبر من أمام شخص يصلي منفرداً؟ وهل هذا ينطبق على المصلين في الحرم في مكة والمدينة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اعلمي -غفر الله لك- أنك ارتكبت ذنبا عظيما، ألا وهو القول على الله بغير علم، وهذا الذنب قد قرنه الله سبحانه وتعالى بالشرك، فقال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) الأعراف / 33. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من سن في الإسلام سنة حسنة فعمل بها بعده كتب له مثل أجر من عمل بها ولا ينقص من أجورهم شيء ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعمل بها بعده كتب عليه مثل وزر من عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شيء. أخرجه مسلم (1017) عن جرير بن عبد الله. فالواجب عليك التوبة إلى الله سبحانه وتعالى والاستغفار من هذا الذنب، أسأل الله أن يمن عليك بالتوبة النصوح. وأيضا عليك السعي بإبراء ذمتك بإعلام من سمعن قولك الأول بغير علم. أما ما يتعلق بالسؤال الذي ذكرتيه، فمن أراد أن يمر من أمام المصلي، فهذا لا يخلو من أحوال: 1- أن يمر بين يدي المصلي، يعني في المنطقة التي بين سجوده ووقوفه، فهذا محرم، بل هو كبيرة من الكبائر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه ". قال أبو النضر – وهو أحد الرواة -: لا أدري أقال: أربعين يوما أو شهرا أو سنة. أخرجه البخاري (510) ، ومسلم (507) عن أبي جهيم رضي الله عنه. وهنا لا فرق بين أن يكون له سترة أو لا يكون له سترة. 2- أن يمر في المنطقة التي من بعد موضع سجوده، وهذه لها حالان: الأولى: أن يكون المصلي يتخذ سترة، فهنا يجوز المرور من خلف السترة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئا، فإن لم يجد فلينصب عصا، فإن لم يكن فليخط خطا ثم لا يضره من مر بين يديه) أخرجه أحمد (3/15) ، وابن ماجه (3063) ، وابن حبان (2361) ، قال ابن حجر في البلوغ (249) : ولم يصب من زعم أنه مضطرب، بل هو حسن. وعن طلحة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل فليصل ولا يبالي من مر وراء ذلك) أخرجه مسلم (499) . الثانية: أن لا يتخذ سترة، فهنا ليس له إلا موضع سجوده، وهذا الأقرب من أقوال أهل العلم، ويجوز لمن أراد أن يجتاز أن يمر فيما يلي موضع سجوده، وذلك لأن النهي الوارد في الحديث إنما هو في المرور بين يدي المصلي، وما يلي موضع سجوده ليس بين يدي المصلي. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله بعد أن ذكر اختلاف العلماء في المسافة التي يمنع المصلي أحداً أن يمر فيها أمامه: وأقرب الأقوال: ما بين رجلين وموضع سجوده، وذلك لأن المصلي لا يستحق أكثر مما يحتاج إليه في صلاته، فليس له الحق أن يمنع الناس مما لا يحتاجه. الشرح الممتع (3 / 340) وهذا كله فيما لو كان منفردا أو إماما، أما لو كان مأموما، فإن سترة الإمام سترة لمن خلفه، قال البخاري رحمه الله: باب سترة الإمام سترة لمن خلفه. وعن ابن عباس قال: أقبلت راكبا على حمار أتان، وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بمنى إلى غير جدار، فمررت بين يدي بعض الصف، وأرسلت الأتان ترتع، فدخلت في الصف، فلم ينكر ذلك علي. أخرجه البخاري (76) ، ومسلم (504) . انظر: المغني (2/42) ، (2/46) . - والصحيح من أقوال أهل العلم أن مكة وغيرها سواء لعموم الأدلة، ولا يوجد ما يخرج مكة من هذا العموم، وهو اختيار الشيخ ابن عثيمين. انظر الشرح الممتع 3 / 342 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 26182 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 813 حكم وضع صور الرجال والنساء في منتديات الحوار [السُّؤَالُ] ـ[أنا أشرف على منتدى إسلامي وبعض الأعضاء يضعون مواضيع أو توقيعات فيها صور ذوات أرواح من نساء ورجال وحيوانات وصور كرتونية وأنا في الحقيقة أحذف كل هذه الصور ولكن أريد فتوى لكي أضعها في المنتدى وهذه الفتوى سوف تكون سببا في إصلاح نيتي وعونا لي في تحكيم أمر الله.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: تصوير ذوات الأرواح من الإنسان والطير والحيوان، ووضع ذلك في المنتديات، أو الاحتفاظ بها للذكرى، لا يجوز؛ لعموم الأدلة في تحريم التصوير، ولعن فاعله، وانظر جواب السؤال رقم (22660) ، (8954) . ولا يستثنى من ذلك إلا ما كان لضرورة أو حاجة ماسة، كصور إثبات الشخصية ونحوها. ثانيا: يدخل ضمن التصوير المحرم رسم الصور الكرتونية المتخيلة أو المشوهة لذوات الأرواح؛ لما روى مسلم (2107) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَفَرٍ وَقَدْ سَتَّرْتُ عَلَى بَابِي دُرْنُوكًا فِيهِ الْخَيْلُ ذَوَاتُ الأَجْنِحَةِ، فَأَمَرَنِي فَنَزَعْتُهُ. والدُّرنوك: هو نوع من الستائر. فدل الحديث على المنع من تصوير ذوات الأرواح ولو كان ذلك بصور خيالية غير موجودة في الواقع، لأنه لا يوجد في الواقع خيل لها أجنحة. وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/479) : " مدار التحريم في التصوير كونه تصويرا لذوات الأرواح، سواء كان نحتا، أم تلوينا في جدار أو قماش أو ورق، أم كان نسيجا، وسواء كان بريشة أم قلم أم بجهاز وسواء كان للشيء على طبيعته أم دخله الخيال فصغر أو كبر أو جمل أو شوه أو جعل خطوطا تمثل الهيكل العظمي. فمناط التحريم كون ما صور من ذوات الأرواح ولو كالصور الخيالية التي تجعل لمن يمثل القدامى من الفراعنة وقادة الحروب الصليبية وجنودها، وكصورة عيسى ومريم المقامتين في الكنائس. . إلخ، وذلك لعموم النصوص، ولما فيها من المضاهاة (يعني لخلق الله) ، ولكونها ذريعة إلى الشرك " انتهى. ثالثا: وضع صور النساء في المنتديات، عمل قبيح، لما فيه من استعمال التصوير المحرم، ولما فيه من إثارة الفتن وتهييج الشهوات، وقد أحسنت في حذف جميع الصور؛ لأن إنكار المنكر وإزالته واجب على من قدر عليه. وعلى كل مسلم أن يتقي الله تعالى، وأن يعلم أن ما يكتبه وينشره سيسأل عنه يوم القيامة، وأن لا يستهين بشيء من المحرمات، فإن معظم النار من مستصغر الشرر. نسأل الله أن يوفق الجميع لما يحب ويرضى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 102082 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 814 مسلمة جديدة يشقّ عليها قراءة سورة الفاتحة [السُّؤَالُ] ـ[أتحدث اللغة الإنجليزية (وهي لغتي الأصلية) وأحاول تعلم اللغة العربية. وقد تعلمت سورة الفاتحة بعدما أسلمت. لكن هناك بعض الحروف التي لا أستطيع نطقها وهناك حروف أنطقها خطأً. وقد قرأت في أحد كتب الفقه أن الذي يخطيء في حرف من الفاتحة تبطل صلاته. وأحاول أن أستمع لبعض القراءات المسجلة لأصحح قراءتي وما زلت أخطئ وأصبحت متوترة للغاية وأتوقف كثيراً أثناء قراءتي لتصحيح النطق بالحروف وكثيراً ما أكرر الفاتحة أكثر من مرة. ماذا يجب علي أن أفعل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله 1. قراءة سورة الفاتحة ركن في الصلاة ـ على الصحيح من أقوال العلماء ـ وتجب على الإمام والمأموم والمنفرد. فعن أبي هريرة: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج - ثلاثا - غير تمام، فقيل لأبي هريرة: إنا نكون وراء الإمام؟ فقال: اقرأ بها في نفسك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد {الحمد لله رب العالمين} : قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال {الرحمن الرحيم} : قال الله تعالى: أثنى عليَّ عبدي، وإذا قال {مالك يوم الدين} : قال: مجَّدني عبدي – وقال مرة: فوَّض إليَّ عبدي -، فإذا قال {إياك نعبد وإياك نستعين} : قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال {اهدنا الصراط المستقيم. صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ". رواه مسلم (395) . ومعنى خداج: غير تمام. ويجب على المصلي أن يأتي بها على الوجه الصحيح بلغة العرب؛ لأننا مأمورون بقراءة القرآن كما نزل. 2. من تعذر عليه الإتيان بالنطق الصحيح لعلّة في لسانه أو عجمة: وجب عليه أن يتعلم ويقوِّم نطقه بحسب المستطاع. فإن لم يستطع: سقط ذلك عنه؛ لأن الله تعالى لا يكلف الأنفس إلا ما استطاعت. قال الله تعالى: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} البقرة / 286. 3. من عجز عن قراءة الفاتحة بالكلية أو عجز عن تعلّمها أو أسلم لتوّه وحضر وقت الصلاة وليس هناك وقت كاف ليتعلّم فإنّ له فرجا ومخرجا في الحديث التالي: عن عبد الله بن أبي أوفى قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله علمني شيئا يجزئني مِن القرآن فإني لا أقرأ، فقال: قل سبحان الله، والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال: فضم عليها الرجل بيده، قال: هذا لربي فما لي؟ قال: قل: اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني وعافني قال فضم عليها بيده الأخرى وقام. رواه النسائي (924) وأبو داود (832) . والحديث: جوَّد إسنادَه المنذري في "الترغيب والترهيب" (2 /430) ، وأشار إلى تحسينه الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" (1/236) . قال ابن قدامة رحمه الله: فإن لم يحسن شيئا من القرآن، ولا أمكنه التعليم قبل خروج الوقت: لزمه أن يقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله؛ لما روى أبو داود قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني لا أستطيع أن آخذ شيئا من القرآن فعلمني ما يجزيني منه فقال قل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال: هذا لله فما لي قال: تقول: اللهم اغفر لي وارحمني وارزقني واهدني وعافني. ولا يلزمه الزيادة على الخمس الأول؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم اقتصر عليها، وإنما زاده عليها حين طلب الزيادة. انتهى فإن استطاع قراءة بعض الفاتحة دون البعض الآخر لزمه الإتيان بما استطاع منها ويلزمه تكرار ما يحسن منها بقدرها (أي ليكون مجموع ما يقرؤه سبع آيات بعدد آيات الفاتحة) وقال ابن قدامة: ويحتمل أن يجزئه التحميد والتهليل والتكبير لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " فإن كان معك قرآن فاقرأ به، وإلا فاحمد الله وهلِّلْه وكبِّره "، رواه أبو داود. " المغني " (1 / 289، 290) . وما قرأتيه من بطلان الصلاة إذا أخطأ المصلي في حرف في الفاتحة، فهذا ليس على عمومه، فليس كل خطأ في الفاتحة يبطل الصلاة بل لا تبطل إلا إذا أسقط من الفاتحة شيئاً أو غَيَّر الإعراب بما يحيل المعنى، ثم هذا الحكم وهو بطلان الصلاة إنما هو لمن استطاع أن يقرأ الفاتحة قراءة صحيحة أو استطاع أن يتعلمها ولم يفعل. أما العاجز عن ذلك فإنه يقرأها على حسب استطاعته ولا يضره ذلك إذ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، ومن القواعد التي قررها أهل العلم أنه لا واجب مع العجز. انظر المغني (2/154) وفي هذه الحالة ينبغي أن يقرأ الفاتحة بقدر استطاعته ثم يأتي معها بالتسبيح والتحميد والتكبير والتهليل ليكون ذلك عوضاً عما تركه من الفاتحة. انظر المجموع (3/375) . وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وَسُئِلَ هَلْ مَنْ يَلْحَنُ فِي الْفَاتِحَةِ تَصِحُّ صَلاتهُ أَمْ لا؟ فَأَجَابَ: أَمَّا اللَّحْنُ فِي الْفَاتِحَةِ الَّذِي لا يُحِيلُ الْمَعْنَى فَتَصِحُّ صَلَاةُ صَاحِبِهِ إمَامًا أَوْ مُنْفَرِدًا. . . وَأَمَّا اللَّحْنُ الَّذِي يُحِيلُ الْمَعْنَى: إذَا عَلِمَ صَاحِبُهُ مَعْنَاهُ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتُ عَلَيْهِمْ} وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ هَذَا ضَمِيرُ الْمُتَكَلِّمِ لا تَصِحُّ صَلاتُهُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ يُحِيلُ الْمَعْنَى وَاعْتَقَدَ أَنَّ هَذَا ضَمِيرُ الْمُخَاطَبِ فَفِيهِ نِزَاعٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ مجموع الفتاوى (22/443) . وسئل أيضاً عَمَّا إذَا نَصَبَ الْمَخْفُوضَ فِي صَلَاتِهِ؟ فَأَجَابَ: إنْ كَانَ عَالِمًا بَطَلَتْ صَلاتُهُ ; لأَنَّهُ مُتَلَاعِبٌ فِي صَلَاتِهِ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا لَمْ تَبْطُلْ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ اهـ مجموع الفتاوى (22/444) . وعليكِ - أختي المسلمة - أن تجتهدي وتحرصي بكثرة المران والتكرار وكذلك القراءة على أخت مسلمة أخرى تجيد القراءة، وأيضا كثرة سماع السّور من المقرئين المجيدين في الأشرطة والمذياع. ولا داعي للتوتر والقلق، فإنّ الله عليم ببواطن خلقه ويعلم عزّ وجلّ من الذي يبذل الأسباب ويجتهد ومن هو المفرِّط والمهمل. وهذه المشقة التي تجدينها في قراءة القرآن تزيد في حسناتك وأجرك. فعن عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ. رواه مسلم (798) . قال النووي رحمه الله: وَأَمَّا الَّذِي يَتَتَعْتَع فِيهِ فَهُوَ الَّذِي يَتَرَدَّد فِي تِلاوَته لِضَعْفِ حِفْظه فَلَهُ أَجْرَانِ: أَجْر بِالْقِرَاءَةِ , وَأَجْر بِتَتَعْتُعِهِ فِي تِلاوَته وَمَشَقَّته اهـ. ولا داعي للإعادة أكثر من مرة لأن هذا ليس من هدي النبي صلى الله عليه وسلم بل يفتح باب الوسوسة ويُنقص الصلاة ويُذهب خشوعها ويُشغل عن تدبر معاني آياتها، ويُفرح الشيطان؛ لأنه سيجعل من ذلك بابا لتعذيب المصلّي ليملّ من الصلاة في النهاية. والله تعالى رحمن رحيم، وهو أرحم بنا من أنفسنا، ولا يكلفنا ما لا نطيق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 5410 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 815 حكم الدعاء بغير العربية في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكن أن ندعو بغير العربية في الصلاة بعد التشهد والدعاء موجود في السنة؟ هل يمكن أن ندعو بدعاء يوجد في القرآن ولا يوجد في السنة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إذا كان المصلي يُحسن الدعاء باللغة العربية فلا يجوز له الدعاء بغيرها. لكن إن كان المصلِّي عاجزاً عن الدعاء بالعربية: فلا مانع من الدعاء بلغته، على أن يتعلم اللغة العربية أثناء ذلك. وأما الدعاء بغير العربية خارج الصلاة: فلا بأس به، ولا حرج فيه لاسيما إذا كان حضور قلب الداعي فيه أعظم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والدعاء يجوز بالعربية، وبغير العربية، والله سبحانه يعلم قصد الداعي ومراده، وإن لم يقوِّم لسانه، فإنَّه يعلم ضجيج الأصوات، باختلاف اللغات على تنوع الحاجات ... " مجموع الفتاوى " (22 / 488 – 489) . وانظر الجواب على السؤالين: (3471) و (11588) . ثانياً: لا مانع من الدعاء بالأدعية الواردة في القرآن حتى لو لم ترد في السنَّة، وفي كلٍّ خير وهدى ورشاد، وأكثر دعاء الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام عرفناه من القرآن، ولا شك أن أدعيتهم – عليهم الصلاة والسلام – أبلغ الأدعية وأعظمها معانٍ. قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: وينبغي للخلق أنْ يدْعوا بالأدعية الشرعيَّة التي جاء بها الكتاب والسنة؛ فإنَّ ذلك لا ريب في فضله وحُسنه وأنَّه الصراط المستقيم، وقد ذكر علماءُ الإسلام وأئمَّة الدين الأدعيةَ الشرعيَّة، وأعرضوا عن الأدعية البدعية فينبغي اتباع ذلك. " مجموع الفتاوى " (1 / 346 و 348) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20953 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 816 إذا قام الإمام إلى ركعة خامسة [السُّؤَالُ] ـ[إذا قام الإمام إلى ركعة خامسة في الصلاة ناسيا، وسبحنا له ولكنه لم يرجع، فماذا يفعل المأموم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا قام الإمام إلى ركعة خامسة ناسيا، وجب على المأمومين تنبيهه ليرجع، فإن لم يرجع ظناً منه أنه على صواب، لم يجز للمأموم الذي يعلم أنها الخامسة أن يتابع الإمام ويقوم معه، لأنه بذلك يكون قد زاد ركعة في الصلاة عالماً عامداً، وهذا مبطل للصلاة. بل يجلس المأموم ويتشهد ثم يسلم أو ينتظر الإمام ويسلم معه. وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن إمام قام إلى خامسة فسبح به فلم يلتفت لقولهم وظن أنه لم يسه فهل يقومون معه أم لا؟ فأجاب: "إن قاموا معه جاهلين لم تبطل صلاتهم، لكن مع العلم لا ينبغي لهم أن يتابعوه، بل ينتظرونه حتى يسلم بهم، أو يسلموا قبله، والانتظار أحسن" انتهى. "مجموع الفتاوى" (23/53) . وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (7/128) : " وأما المأموم الذي تيقن أن الإمام زاد ركعة - مثلا- فلا يجوز له أن يتابعه عليها، وإذا تابعه عالماً بالزيادة، وعالماً بأنه لا تجوز المتابعة بطلت صلاته. أما من لم يعلم أنها زائدة فإنه يتابعه، وكذلك من لا يعلم الحكم" انتهى. وجاء فيها أيضاً (7/132) : " من علم من المأمومين أن إمامه قام ليأتي بركعة زائدة كخامسة في الصلاة الرباعية سبح له، فإن رجع فبها، وإلا جلس وانتظر الإمام حتى يسلم بسلامه" انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98453 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 817 مرور المرأة بين يدي المصلي في المسجد الحرام [السُّؤَالُ] ـ[هل مرور المرأة في صلاة الرجل مبطلة للصلاة في المسجد الحرام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يجوز للإنسان أن يمر بين يدي المصلي، إلا أن يكون من وراء سترته، أو يمر بعيدا عنه؛ من وراء موضع سجوده – في حال عدم اتخاذه سترة- لما روى البخاري (510) ومسلم (507) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ) قَالَ أَبُو النَّضْرِ: لَا أَدْرِي، أَقَالَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَوْ سَنَةً؟ ويلزم المصلي أن يمنع من يمر بين يديه؛ لما روى البخاري (509) ومسلم (505) عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنْ النَّاسِ فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْهُ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ) . ثانياً: مرور المرأة بين يدي المصلي بينه وبين سترته، يقطع الصلاة، إذا كان المصلي إماما أو منفردا. وأما المأموم فلا؛ لأن سترة الإمام سترة له، وانظر بيان ذلك في جواب السؤال رقم (3404) . ثالثاً: استثنى جماعة من أهل العلم المسجد الحرام، فرخصوا للناس المرور فيه بين يدي المصلي، وذهبوا إلى أن مرور المرأة وغيرها بين يدي المصلي لا يقطع صلاته. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/40) : " ولا بأس أن يصلي بمكة إلى غير سترة , وروي ذلك عن ابن الزبير وعطاء ومجاهد. قال الأثرم: قيل لأحمد: الرجل يصلي بمكة , ولا يستتر بشيء؟ فقال: قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى ثم ليس بينه وبين الطُّوَّاف سترة. قال أحمد: لأن مكة ليست كغيرها , كأنّ مكة مخصوصة. وقال ابن أبي عمار: رأيت ابن الزبير جاء يصلي , والطُّوَّاف بينه وبين القبلة , تمر المرأة بين يديه , فينتظرها حتى تمر , ثم يضع جبهته في موضع قدمها. رواه حنبل في كتاب "المناسك". وقال المعتمر: قلت لطاووس: الرجل يصلي - يعني بمكة - فيمر بين يديه الرجل والمرأة؟ فإذا هو يرى أن لهذا البلد حالا ليس لغيره من البلدان , وذلك لأن الناس يكثرون بمكة لأجل قضاء نسكهم , ويزدحمون فيها , فلو مَنَع المصلي من يجتاز بين يديه لضاق على الناس" انتهى باختصار. وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: لقد وجدت حديثا مثبتا وهذا نصه: إذا كان أحدكم في صلاة، فمر أمامه حمار أو كلب أسود أو امرأة فإن صلاته باطلة إذا كان نص الحديث صحيحا فما رأيكم في الذين يصلون في الحرم الشريف وتمر النساء أمامهم وهن طائفات؟ فأجاب: "الحديث صحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يقطع صلاة المرء المسلم إذا لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرحل: المرأة والحمار والكلب الأسود) رواه الإمام مسلم في صحيحه، فإذا مر بين يدي المصلي أو بينه وبين سترته كلب أسود أو حمار أو امرأة، كل واحد يقطع صلاته. هكذا جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو الأصح من أقوال أهل العلم وفي ذلك خلاف بين أهل العلم، منهم من يؤوله على أن المراد قطع الثواب، أو قطع الكمال. ولكن الصواب أنها تقطع الصلاة وأنها تبطل بذلك. لكن ما يقع في المسجد الحرام معفو عنه عند أهل العلم؛ لأن في المسجد الحرام لا يمكن للإنسان أن يتقي ذلك بسبب الزحام ولاسيما في أيام الحج فهذا مما يعفى عنه في المسجد الحرام ويستثنى من عموم الأحاديث، فما يقع من مرور بعض النساء أو الطائفات بين يدي المصلين في المسجد الحرام لا يضرهم وصلاتهم صحيحة: النافلة والفريضة، هذا هو المعتمد عند أهل العلم " انتهى من "فتاوى الشيخ باز" (17/152) . وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل يجوز المرور بين يدي المصلي في المسجد؟ فأجابوا: يحرم المرور بين يدي المصلي، سواء اتخذ سترة أم لا، لعموم حديث: (لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه) واستثنى جماعة من الفقهاء من ذلك الصلاة بالمسجد الحرام، فرخصوا للناس في المرور بين يدي المصلي؛ لما روى كثير بن كثير بن المطلب عن أبيه عن جده قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حيال الحجر والناس يمرون بين يديه، وفي رواية عن المطلب أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من سبعه جاء حتى يحاذي الركن بينه وبين السقيفة فصلى ركعتين في حاشية المطاف وليس بينه وبين الطواف أحد. وهذا الحديث وإن كان ضعيف الإسناد غير أنه يعتضد بما ورد في ذلك من الآثار، وبعموم أدلة رفع الحرج لأن في منع المرور بين يدي المصلي بالمسجد الحرام حرجا ومشقة غالبا " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (7/82) . لكن لا ينبغي التساهل في أمر السترة، ولو مع الزحام، ما دام الأمر ممكنا. كما لا ينبغي التساهل في المرور بين يدي المصلي إلا عند الاضطرار لذلك. فقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم من يمرون أمام المصلين خاصة في الحرم من النساء والرجال ويقطعون الصلاة؟ فأجاب: "أما الرجال فإنهم لا يقطعون الصلاة، لكن الإنسان مأمور بأن يردهم، وأما النساء فالمرأة البالغة تقطع الصلاة إذا مرت بينك وبين سترتك، أو بينك وبين موضع سجودك إذا لم يكن لك سترة سواءً في الحرم أو في غير الحرم، إلا إذا كان الإنسان لم يتيسر له مكان إلا في مكان مرور الناس مثل عند الأبواب فهذا للضرورة لا تنقطع صلاته؛ لأنه لو أخذ يرد الناس لكثرت الحركة في صلاته فأبطلتها. السائل: لكن ما الحكم إذا ساروا من بعيد قليلاً؟ الشيخ: إذا ساروا من بعيد من وراء موضع سجوده فهذا لا يضر" انتهى من "لقاء الباب المفتوح (86/11) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96912 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 818 النهي عن كف الثوب والشعر في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[حديث النهي عن الكفت في الصلاة هل معناه أن لا أكفت أثناء الصلاة أم لا أدخل الصلاة أصلا وأنا كافت ملابسي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله جاء النهي عن كف الثياب في الصلاة فيما رواه البخاري (816) ومسلم (490) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ، وَلَا أَكُفَّ ثَوْبًا وَلَا شَعْرًا) والكف والكفت هو جمع الثوب لئلا يقع على الأرض عند السجود. ولا فرق بين أن يفعل ذلك أثناء الصلاة أو قبلها، فكلاهما داخل في النهي، عند جمهور العلماء. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "الفتح": " وَالْكَفْت هُوَ الضَّمّ وَهُوَ بِمَعْنَى الْكَفّ. وَالْمُرَاد أَنَّهُ لَا يَجْمَع ثِيَابه وَلَا شَعْره , وَظَاهِره يَقْتَضِي أَنَّ النَّهْي عَنْهُ فِي حَال الصَّلَاة , وَإِلَيْهِ جَنَحَ الدَّاوُدِيّ , وَتَرْجَمَ الْمُصَنِّف بَعْد قَلِيل " بَاب لَا يَكُفّ ثَوْبه فِي الصَّلَاة " وَهِيَ تُؤَيِّد ذَلِكَ , وَرَدَّهُ عِيَاض بِأَنَّهُ خِلَاف مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُور , فَإِنَّهُمْ كَرِهُوا ذَلِكَ لِلْمُصَلِّي سَوَاء فَعَلَهُ فِي الصَّلَاة أَوْ قَبْل أَنْ يَدْخُل فِيهَا , وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُفْسِد الصَّلَاة , لَكِنْ حَكَى اِبْن الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَن وُجُوب الْإِعَادَة , قِيلَ: وَالْحِكْمَة فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا رَفَعَ ثَوْبه وَشَعْره عَنْ مُبَاشَرَة الْأَرْض أَشْبَهَ الْمُتَكَبِّر " انتهى. وتبين من هذا أن علة النهي هي البعد عن التكبر، وأضاف بعضهم علة أخرى وهي أن الكفت يمنع من سجود الثوب والشعر معه. وقال زكريا الأنصاري: " ويكره للمصلي ضم شعره وثيابه في سجوده , أو غيره لغير حاجة. فمن ذلك: أن يشمّر ثوبه , أو كمه , والحكمة في النهي عنه أن يسجد معه، سواء أتعمده للصلاة أم كان قبلها لمعنى (أي: لسبب) ، وصلى على حاله. قال الزركشي: وينبغي تخصيصه في الشعر بالرجل أما في المرأة ففي الأمر بنقضها الضفائر مشقة وتغيير لهيئتها المنافية للتجميل " انتهى من "أسنى المطالب" (1/162) باختصار. وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل يعدّ تشمير الأكمام من الكفت المنهي عنه في الصلاة، وإذا كان من الكفت فهل يختلف حكمه لو أني دخلت في الصلاة كنت على هيئة التشمير هذه قبل أن أدخل فيها أي أني لم أفعل هذا التشمير في أثناء الصلاة أم أنهما سواء؟ فأجابوا: لا يجوز تشمير الأكمام بكفها أو ثنيها لئلا تقع على الأرض عند السجود، في أثناء الصلاة، ولا قبل الصلاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم وأن لا أكف شعرا ولا ثوبا) رواه البخاري ومسلم " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (7/35) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96280 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 819 هل يجوز للمرأة أن تصلي خارج المسجد بحيث يراها الرجال؟ [السُّؤَالُ] ـ[بالنسبة لصلاة المرأة عندنا في رمضان تمتلئ المساجد ولله الحمد ولذلك يقيمون لنا أماكن خارج المسجد تكون مستترة للصلاة وهناك بعض النساء ممكن أن تتخذ مكاناً خارج المكان المحدد نظرا للضيق الموجود أنا كنت إذا وجدت المكان ممتلئا أعود دون تأدية الصلاة إلى البيت لكن اليوم كنت أناقش سيدة في الأمر وقالت لي إنه لا يوجد دليل على أن هناك أمر يمنع من صلاة المرأة في هذا المكان ما دام ستخرجين وتكلمين السائق أو البائع فما المانع من أن يراك تصلين وكذلك أخبرتني بأن النساء تصلي بجانب الرجال في الحرم، للأسف لم أكن أمتلك أي حديث يثبت أن رأيها خطأ أو أنني على صواب ووعدتها أنني سآتيها بالرد الشافي بعد البحث في الغد إن شاء الرحمن أرجو أن توضحوا لي، وأيضا مسألة أن النساء تصلي بجانب الرجال بالحرم لماذا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: يجوز للمرأة أن تخرج للصلاة في المسجد مع الجماعة، سواء كان ذلك في صلاة الفرض أو التراويح، لكن صلاتها في بيتها خير لها. روى أحمد (27135) عن أُمِّ حُمَيْدٍ امْرَأَةِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ (أَنَّهَا جَاءَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُحِبُّ الصَّلَاةَ مَعَكَ. قَالَ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلَاةَ مَعِي، وَصَلَاتُكِ فِي بَيْتِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي حُجْرَتِكِ، وَصَلَاتُكِ فِي حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي دَارِكِ، وَصَلَاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ، وَصَلَاتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِي) حسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، وشعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند. ثانيا: إذا صلت المرأة في المسجد، فالأفضل لها أن تكون بعيدة عن الرجال، ولهذا جاء تفضيل صفوف النساء الخلفية على صفوفهن الأمامية، لبعدها عن الرجال، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم من الصلاة يبقى في مكانه قليلاً لا ينصرف، من أجل أن تنصرف النساء قبل أن يختلط بهن الرجال. روى مسلم (440) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا، وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا، وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا) . ثالثا: لا حرج على المرأة فيما لو صلت في مكانٍ يراها فيه الرجال، كالمسجد الحرام، أو ساحة المسجد، أو حيث احتاجت للصلاة في برّ ونحوه، بشرط أن تستر جميع بدنها، حتى وجهها وكفيها على الراجح. وذلك أن المرأة مأمورة بستر الوجه والكفين عن الأجانب، وقد سبق بيان أدلة ذلك في جواب السؤال رقم (11774) ورقم (21536) . وقد سُئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء " س: كيف تصلي المرأة إذا كان معها أجانب مثلا في المسجد الحرام؟ وكذلك في السفر إذا لم يوجد في الطريق مسجد به مصلى للحريم؟ فأجابوا: إن المرأة يجب عليها ستر جميع بدنها في الصلاة إلا الوجه والكفين لكن إذا صلت وبحضرتها رجال أجانب يرونها وجب عليها ستر جميع بدنها بما في ذلك الوجه والكفان " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (7/339) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 95577 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 820 هل تصح الصلاة بالحذاء [السُّؤَالُ] ـ[هل من الخطأ الصلاة بينما يكون الفرد مرتدياً لحذائه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من الشروط التي لابد من تحقيقها قبل الشروع في الصلاة التأكد من طهارة البدن والثياب والبقعة التي يصلي فيها المسلم من النجاسة، ومما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي في نعليه فقد سئل أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه (أَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي نَعْلَيْهِ قَالَ نَعَمْ) البخاري 386 مسلم 555، وهُوَ مَحْمُول عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا نَجَاسَة، فإن كان فيها نجاسة فلا يجوز له الصلاة بهما، وإن نسي فصلّى بهما وبهما نجاسة فعليه أن يخلعهما إذا علم أو تذكر لحديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ إِذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْقَوْمُ أَلْقَوْا نِعَالَهُمْ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاتَهُ قَالَ مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَاءِ نِعَالِكُمْ قَالُوا رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ نَعْلَيْكَ فَأَلْقَيْنَا نِعَالَنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ جِبْرِيلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا أَوْ قَالَ أَذًى وَقَالَ إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلْيَنْظُرْ فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلَيْهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى فَلْيَمْسَحْهُ وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا) أبو داود650 وصححه الألباني في صحيح أبي داود 605. وقد جاء في تعليل صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في نعليه قوله (خَالِفُوا الْيَهُود فَإِنَّهُمْ لا يُصَلُّونَ فِي نِعَالهمْ وَلا خِفَافهمْ) أبو داود 652 وصححه الألباني في صحيح أبي داود 607 فَيَكُون اِسْتِحْبَاب ذَلِكَ مِنْ جِهَة قَصْد الْمُخَالَفَة الْمَذْكُورَة. (هذا بالنسبة إلى النعال وبالنسبة إلى المسجد في ذلك الوقت، أما إذا كانت المساجد مفروشة ومهيأة، فينبغي أن ينظف المسجد عن النعال، وألا يدخل بنعليه خشية تقذير المكان) فتاوى سماحة الشيخ عبد الله ابن حميد ص81، ثم إن مفارش المسجد وقف لا يجوز إتلافه، والوسخ يعلق بها ويؤذي المصلين الساجدين عليها، ولذلك لا يدخل الإنسان بنعليه يمشي بها على سجاد المسجد لئلا يتلفه ويقذِّره. ويمكن للحريص على السنة أن يطبق هذه السنة في صلاته في بيته، أو في الصلاة في الأماكن غير المفروشة كالحدائق وعلى الشواطئ وفي البرِّ ونحو ذلك، وإذا كان هذا الفعل يسبب تشويشاً عند بعض من يجهل السنة فينبغي تعليمه سنيتها قبل تطبيقها حتى لا يستنكرها. نسأل الله أن يجعلنا من المحافظين على السنة الحريصين عليها إلى أن يجمعنا بصاحبها عليه الصلاة والسلام في جوار رب العالمين، والله الموفق. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 20258 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 821 صلاة من يدافع الجوع أو الريح [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز حبس الريح أثناء الصلاة أو قبل الصلاة للمحافظة على الوضوء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عن عائشة قالت: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا صلاة بحضرة الطعام، ولا هو يدافعه الأخبثان ". رواه مسلم (560) . سئل الشيخ محمد الصالح العثيمين – رحمه الله -: إذا حضر العشاء والإنسان يشتهيه فهل له أن يبدأ به ولو خرج الوقت؟ . فأجاب: هذا محل خلاف، فبعض العلماء يقول يؤخر الصلاة إذا انشغل قلبه بما حضر من طعام وشراب أو غيره، ولو خرج الوقت. ولكن أكثر أهل العلم يقولون: إنه لا يعذر بحضور العَشاء في تأخير الصلاة عن وقتها، وإنما يعذر بحضور العشاء بالنسبة للجماعة، يعني: أن الإنسان يعذر بترك الجماعة إذا حضر العشاء وتعلقت نفسه به فليأكل، ثم يذهب إلى المسجد فإن أدرك الجماعة وإلا فلا حرج عليه. ولكن يجب أن لا يتخذ ذلك عادة بحيث لا يقدم عشاءه إلا وقت الصلاة؛ لأن هذا يعني أنه مصمم على ترك الجماعة، لكن إذا حدث هذا على وجه المصادفة فإنه يعذر بترك الجماعة، ويأكل حتى يشبع؛ لأنه إذا أكل لقمة أو لقمتين ربما يزداد تعلقاً به. بخلاف الرجل المضطر إلى الطعام إذا وجد طعاماً حراماً مثل الميتة، فهل نقول إذا لم تجد إلا الميتة وخفت على نفسك الهلاك أو الضرر فكل من الميتة حتى تشبع؟ أو نقول كل بقدر الضرورة؟ نقول له: كُلْ بقدر الضرورة، فإذا كان يكفيك لقمتان فلا تأكل الثالثة. وهل يلحق بالعَشاء الأشياء التي تشوش على الإنسان مثل البول والغائط والريح؟ . الجواب: نعم، يلحق به بل في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا صلاة بحضرة طعام ولا هو يدافعه الأخبثان " يعني: البول والغائط، ومثل ذلك الريح. فالقاعدة: أن كل ما أشغل الإنسان عن حضور قلبه في الصلاة وتعلقت به نفسه إن كان مطلوباً، أو قلقت منه إن كان مكروهاً: فإنه يتخلص منه قبل أن يدخل في الصلاة. ونخلص من هذا إلى فائدة: وهي أن لب الصلاة وروح الصلاة هو حضور القلب، ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإزالة كل ما يحول دون ذلك قبل أن يدخل الإنسان في صلاته. " فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (13 / السؤال " 588 ") . وسئل الشيخ – أيضاً -: إذا كان الإنسان حاقناً (والحاقن هو الذي يحبس بوله) وخشي إن قضى حاجته أن تفوته صلاة الجماعة، فهل يصلي وهو حاقن ليدرك الجماعة، أو يقضي حاجته ولو فاتته الجماعة؟ . فأجاب: يقضي حاجته ويتوضأ، ولو فاتته الجماعة؛ لأن هذا عذر، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " لا صلاة بحضرة طعام، ولا هو يدافعه الأخبثان ". " فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (13 / السؤال " 589 ") . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20958 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 822 حكم تأخير صلاتي الظهر والعصر بنحو ساعة من الوقت [السُّؤَالُ] ـ[أنا أعمل في شركة أهلية عدد الموظفين فيها حوالي 50 موظفاً تحين صلاة الظهر والعصر وأنا على رأس العمل والمشكلة أن الموظفين متفقون على تثبيت صلاة الظهر عند الساعة 12:45 والعصر 3:40 صيفا وشتاء بعذر أنه أفضل لتجميع الموظفين، ومما لا يخفى عليكم أنه في بعض الأحيان يكون الفارق بين الأذان والإقامة أكثر من ساعة. وسؤالي هو ما هي مشروعية تثبيت وقت الإقامة وتأخير الصلاة لآخر وقت الجواز مع عدم وجود مانع غير انتظار الموظفين؟ كذلك هل يجوز لي ترك جماعة الشركة وأداء الصلاة في وقتها لوحدي أو الصلاة بشخص أو شخصين جماعة في وقت الصلاة وعدم تأخيرها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا حرج في تأخير صلاتي الظهر والعصر إلى نحو ساعة من الأذان. وبيان ذلك: أن وقت صلاة الظهر ممتد من زوال الشمس إلى دخول وقت العصر، فكل هذا الوقت وقت لصلاة الظهر، من غير كراهة لفعل الصلاة في أي جزء من أجزائه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وَقْتُ الظُّهْرِ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْعَصْرُ) رواه مسلم (612) . ولصلاة العصر وقتان: وقت اختيار، وهو إلى اصفرار الشمس، ووقت اضطرار، وهو إلى غروب الشمس. وذلك لقول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ) رواه مسلم (612) ، فهذا وقت الاختيار، وأما وقت الاضطرار فلقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الْعَصْرِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ) رواه مسلم (608) . ومعنى "وقت الاختيار" أنه يجوز فعل الصلاة في أي جزء من أجزاء هذا الوقت من غير كراهة. وتأخير الصلاة إلى نحو ساعة من الأذان لا يخرجها عن وقت الاختيار. ولا حرج عليك إن صليت في أول الوقت، على أن يكون ذلك جماعةً، أما إذا كنت ستصلي منفردا، فإن الأفضل الانتظار حتى تؤديها جماعة. والأفضل تعجيل الصلاة في أول وقتها، لكن إذا كان تأخيرها يناسب اجتماع الموظفين وتهيأهم لها، فلا حرج في ذلك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 84977 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 823 طلبت الطلاق من زوجها في حالة توتر فماذا عليها؟ [السُّؤَالُ] ـ[امرأة في حالة توتر طلبت من زوجها الطلاق ماذا عليها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق إلا عند وجود ما يدعو إلى ذلك، كسوء العشرة من الزوج؛ لما روى أبو داود (2226) والترمذي (1187) وابن ماجه (2055) عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّة) صححه الألباني في صحيح أبي داود. لكن إن فعلت ذلك لشدة غضب أو توتر، فعليها أن تستغفر الله تعالى. وينبغي أن تحذر المرأة من هذا الطلب، فربما غضب الزوج وطلق عنادا أو حميّة، فيكون طلبها سببا في خراب بيتها. ثم إنه لا أضر على الحياة الزوجية من شعور الزوج أو الزوجة باستغناء الطرف الآخر عنه، وتفكيره في التخلص منه. فينبغي للزوجين أن يتحليا بالصبر، وأن يستعملا الألفاظ الحسنة، كما أمر الله: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً) الإسراء/53. ثانياً: إذا غضب الإنسان فإنه ينبغي له أن يضبط تصرفاته، فلا يتكلم بكلام تحت تأثير الغضب، يندم عليه بعد ذلك، ولهذا أوصى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً فقال: (لا تغضب. فردّد ذلك مراراً، قال: لا تغضب) رواه البخاري (6116) ولمعرفة كيف يعالج الإنسان الغضب راجعي السؤال رقم (658) . وفقه الله الجميع لما يحب ويرضى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 84144 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 824 إذا صلَّت أمام الرجال فهل تصلي جالسة؟ وهل تجمع؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا كنت خارج المنزل وجاء وقت صلاة ولم أجد مكاناً مناسباً للصلاة هل أصلي واقفة أمام الرجال أم وأنا جالسة؟ وهل يجوز جمع الصلوات في هذه الحالة جمع تقديم؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأصل في المرأة أن تحرص على عدم خروجها من البيت إلا لضرورة أو حاجة، ولتعلم أن صلاتها في بيتها خير لها من الصلاة في المسجد، لذا فإنه إن اضطرت للخروج من المنزل وضاق عليها وقت الصلاة بحيث لا تتمكن من إدراك الصلاة في البيت، فلتصل في مكانٍ طاهر، ولتحرص أن يكون بمأمنٍ عن نظر الرجال الأجانب بقدر ما تستطيع. فإن لم تجد إلا مكاناً فيه رجال أجانب، فلتصل ولتستر جميع بدنها، حتى الوجه والكفين. وعليها أن تصلي قائمة وتركع وتسجد، ولا يجوز لها الصلاة وهي جالسة؛ لأن القيام ركن من أركان الصلاة لا يجوز تركه إلا إذا كان المصلي غير مستطيع للقيام. وكذلك ليس لها أن تجمع بين الصلاتين بسبب رؤية الرجال لها، وإنما تصلي كل صلاة في وقتها. وانظري أجوبة الأسئلة: (39178) و (10453) و (21803) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83760 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 825 تخيل الكعبة في الصلاة والدعاء هل هو الإحسان؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا حاولت أثناء الصلاة أو الدعاء أن أتخيل الكعبة فهل أكون قد حققت المراد من " اعبد الله كأنك تراه "؟ فإني عندما أتصور شيئاً آخر - وهذا يحدث كثيراً وليست وسوسة - أشعر أني لست في كامل خشوعي، فعندما أحاول مناجاة الله أريد أن أشعر بهذا , ولأن النظر إلى السماء مكروه في الصلاة، فأشيروا عليَّ حفظكم الله.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الإحسان هو الإتقان، ومن معانيه العظيمة في الشرع: إتقان العبادات وأدائها على الوجه الذي أمر الله تعالى به. وإن تذكُّر العابد أن الله تعالى مطلع عليه وناظر إليه: يوجب الإتقان في العبادة، ويبلغ بعبادته مبلغاً عالياً. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَارِزًا يَوْمًا لِلنَّاسِ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: مَا الْإِيمَانُ؟ قَالَ: الْإِيمَانُ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَبِلِقَائِهِ وَرُسُلِهِ وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ، قَالَ: مَا الْإِسْلَامُ؟ قَالَ: الْإِسْلَامُ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ، قَالَ: مَا الْإِحْسَانُ؟ قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ) رواه البخاري (50) ومسلم (9) . قال ابن رجب رحمه الله: " يشير إلى أن العبد يعبد الله تعالى على هذه الصفة، وهي استحضار قربه، وأنه بين يديه كأنه يراه؛ وذلك يوجب الخشية والخوف والهيبة والتعظيم.. ويوجب أيضا النصح في العبادة، وبذل الجهد في تحسينها وإتمامها وإكمالها " انتهى. جامع العلوم والحكم (1/35) . وقال أيضا: " وأصل الخشوع هو لين القلب ورقته وسكونه وخضوعه وانكساره وحرقته؛ فإذا خشع القلب تبعه خشوع جميع الجوارح والأعضاء؛ لأنها تابعة له؛ كما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَلَا َإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ) [رواه البخاري (25) ومسلم (1599) ] . فإذا خشع القلب خشع السمع والبصر والرأس والوجه، وسائر الأعضاء، وما ينشأ منها، حتى الكلام.. " ثم قال: " وأصل الخشوع الحاصل في القلب إنما هو من معرفة الله، ومعرفة عظمته وجلاله وكماله؛ فمن كان بالله أعرف، فهو له أخشع. وتتفاوت القلوب في الخشوع بحسب تفاوت معرفتها لمن خشعت له، وبحسب تفاوت مشاهدة القلوب للصفات المقتضية للخشوع؛ فمن خاشع لقوة مطالعته لقرب الرب من عبده، واطلاعه على سره وضميره، المقتضي للاستحياء من الله تعالى ومراقبته في الحركات والسكنات. ومن خاشع لمطالعته لجلال الله وعظمته وكبريائه، المقتضي لهيبته وإجلاله. ومن خاشع لمطالعته لكماله وجماله، المقتضي للاستغراق في محبته، والشوق إلى لقائه ورؤيته. ومن خاشع لمطالعة شدة بطشه وانتقامه وعقابه، المقتضي للخوف منه. وهو سبحانه جابر القلوب المنكسرة لأجله، فهو سبحانه وتعالى يتقرب من القلوب الخاشعة له، كما يتقرب ممن هو قائم يناجيه في الصلاة، وممن يعفر له وجهه في التراب بالسجود، وكما يتقرب من وفده وزوار بيته الوافدين بين يديه، المتضرعين إليه في الوقوف بعرفة، ويدنو ويباهي بهم الملائكة، وكما يتقرب عباده الداعين له، السائلين له، المستغفرين من ذنوبهم بالأسحار، ويجيب دعاءهم، ويعطيهم سؤلهم، ولا جبر لانكسار العبد أعظم من القرب والإجابة " انتهى. "الذل والانكسار للعزيز الجبار" (ضمن رسائل ابن رجب 1/290، 293) . وأما ما أشار إليه السائل من تخيله للكعبة في صلاته، فلا نعلم لذلك أصلا، ولا يظهر أن في ذلك التخيل ما يعين على الخشوع الحقيقي في الصلاة، وكم ممن يكون في صحن الكعبة، ويشاهده أمامه رأي العين، ثم هو يصلي كأنه يصلي في سوقه، لا يعرف للخشوع طعما. وحديث أبي هريرة السابق بيَّن فيه النبي صلى الله عليه وسلم الإحسان وعرَّفه بأنه " أن تعبد الله كأنك تراه " ولم يقل " كأنك ترى الكعبة ". والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83250 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 826 هل هناك فرق بين صلاة الصبح وصلاة الفجر؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما هو الفرق بين صلاة الفجر والصبح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صلاة الفجر هي صلاة الصبح، لا فرق بينهما، وهي ركعتان مفروضتان، يبدأ وقتها من طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس. ولها سنة قبليّة، ركعتان، وتسمى سنة الفجر أو سنة الصبح، أو ركعتي الفجر. وقد ورد في السنة إطلاق "صلاة الصبح" و "صلاة الفجر" على هذه الفريضة الشريفة، ومن ذلك: ما رواه مسلم (656) عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ قَالَ: دَخَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ الْمَسْجِدَ بَعْدَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فَقَعَدَ وَحْدَهُ فَقَعَدْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ) وما رواه البخاري (556) ومسلم (608) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا أَدْرَكَ أَحَدُكُمْ سَجْدَةً مِنْ صَلاةِ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلاتَهُ، وَإِذَا أَدْرَكَ سَجْدَةً مِنْ صَلاةِ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلاتَهُ) . وأما تسميتها "صلاة الفجر " ففي نحو ما رواه مسلم (670) عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا صَلَّى الْفَجْرَ جَلَسَ فِي مُصَلاهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَسَنًا. وما رواه البخاري (891) ومسلم (880) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْجُمُعَةِ فِي صَلاةِ الْفَجْرِ الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةَ، وَهَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنْ الدَّهْرِ. وما رواه البخاري (555) ومسلم (632) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلائِكَةٌ بِالنَّهَارِ وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاةِ الْفَجْرِ وَصَلاةِ الْعَصْرِ ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ) . وراجع السؤال رقم (65941) (26763) لمعرفة وقت صلاة الفجر (الصبح) ، والسؤال رقم (65746) لمزيد الفائدة حول سنة الفجر. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 79345 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 827 هل تخرج من صلاة الجماعة بسبب بكاء ولدها؟ [السُّؤَالُ] ـ[كنت في صلاة جماعة في المسجد وبكت ابنتي وأحضروها لي من خارج المسجد وهي تبكي بصوت عالٍ فاضطررت أن أقطع الصلاة. فما حكم فعلي هذا؟ وهل أثمت؟ علماً أن مصلى النساء خلف الرجال مباشرة فلا يفصل بيننا سوى حاجز، فإن استمررت في الصلاة قد يزعج بكاؤها المصلين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: اتفق العلماء على أن قطع الصلاة المفروضة عمداً من غير عذرٍ شرعي بعد الشروع فيها محرم. والأعذار الشرعية التي تبيح قطع الصلاة منها ما جاءت به السنَّة النبويَّة، ويقاس عليها ما هو مثلها أو أولى. ومن تلك الأعذار المبيحة لقطع الصلاة - فريضة كانت أو نافلة -: قتل الحية، وخوف ضياع ماله، أو إغاثة ملهوف، أو إنقاذ غريق، أو إطفاء حريق، أو تحذير غافل مما قد يضره. وقد سبق ذكر هذه الأعذار في جواب السؤال (65682) و (3878) . ثانياً: فإن بكى الطفل وتعذَّر إسكاته من قبَل أبيه أو أمه في صلاة الجماعة: فيجوز أن يقطعا الصلاة لإسكاته خشيةً أن يكون بكاؤه من ضرر أصابه؛ وخشيةً من تضييع الصلاة على أهلها بالتشويش عليهم. فإن أمكن إسكاته بحركة يسيرة مع عدم الانحراف عن جهة القبلة فتفعل المرأة ذلك وترجع لصلاتها، فيمكنها – مثلا – الرجوع للخلف لحملِه مع عدم قطعها للصلاة، فإن لم تتمكن من إسكاته إلا بقطع الصلاة بالكلية فعلت ذلك ولا حرج عليها إن شاء الله تعالى. جاء في "مطالب أولي النهى" (1/641) : " ويسن للإمام تخفيف الصلاة إذا عرض لبعض مأمومين في أثناء الصلاة ما يقتضي خروجه منها كسماع بكاء صبي , لقوله صلى الله عليه وسلم: (إني لأقوم في الصلاة وأنا أريد أن أطول فيها , فأسمع بكاء الصبي , فأتجوز فيها مخافة أن أشق على أمه) رواه أبو داود " انتهى. وسئل علماء اللجنة الدائمة: هل يجوز قطع الصلاة عندما يرى المصلي دابة مقبلة عليه مثل العقرب وخلافها من الدواب السامة؟ وكذلك عند الصلاة في الحرم هل يجوز قطع الصلاة حتى يتم اللحاق بولده أو ابنته التي كادت تضيع منه؟ فأجابوا: " إن تيسر له التخلص من العقرب ونحوها بغير قطع الصلاة فلا يقطعها، وإلا قطعها، وكذلك الحال في ولده إن تيسر له المحافظة على ولده دون قطع الصلاة فعل، وإلا قطعها " انتهى. " فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (8 / 36، 37) ولينظر جواب السؤال رقم (26230) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 75005 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 828 يعاني من كثرة التثاؤب داخل الصلاة فماذا يصنع؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا أعاني من كثرة التثاؤب في الصلاة برغم أنه خارج الصلاة لا يأتيني، أفيدوني - رعاكم الله -؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أثنى الله تعالى على عباده المؤمنين، وذكر تعالى أن من أعظم صفاتهم أنهم (فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) ، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن الشيطان يسعى لإلهاء المصلي في صلاته، وقد ابتلى الله المؤمنين بذلك، ومن طرق إلهاء الشيطان للمصلي إشغاله لفكره، ووسوسته له في صلاته، ومنها: تسلطه عليه بالتثاؤب حتى يشغله بها عن صلاته، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن التثاؤب من الشيطان، وأَمرنا أن نرد التثاؤب ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، فإذا غلبنا التثاؤب فقد أَمرنا أن نضع أيدينا على أفواهنا، وهذه هي نصوص الأحاديث مع بيان شرحها: 1. عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا تَثَاوَبَ أَحَدُكُمْ – [وفي رواية: فِي الصَّلاةِ] فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ) رواه مسلم (2995) . 2. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (التثاؤب من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع، فإن أحدكم إذا قال: " ها " ضحك الشيطان) رواه البخاري (3115) ومسلم (2994) . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " قال ابن بطال: إضافة التثاؤب إلى الشيطان بمعنى إضافة الرضا والإرادة , أي: أن الشيطان يحب أن يرى الإنسان متثائباً، لأنها حالة تتغير فيها صورته فيضحك منه، لا أن المراد أن الشيطان فعل التثاؤب. وقال ابن العربي: قد بينَّا أن كل فعل مكروه نسبه الشرع إلى الشيطان لأنه واسطته , وأن كل فعل حسن نسبه الشرع إلى المَلَك لأنه واسطته , قال: والتثاؤب من الامتلاء، وينشأ عنه التكاسل، وذلك بواسطة الشيطان , والعطاس من تقليل الغذاء، وينشأ عنه النشاط، وذلك بواسطة المَلَك. وقال النووي: أضيف التثاؤب إلى الشيطان لأنه يدعو إلى الشهوات إذ يكون عن ثقل البدن واسترخائه وامتلائه , والمراد: التحذير من السبب الذي يتولد منه ذلك، وهو التوسع في المأكل. قوله: " فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع " أي: يأخذ في أسباب رده , وليس المراد به أنه يملك دفعه، لأن الذي وقع لا يرد حقيقة , وقيل: معنى (إذا تثاءب) أي: إذا أراد أن يتثاءب ... . قال شيخنا – أي: الحافظ العراقي - في " شرح الترمذي ": أكثر روايات الصحيحين فيها إطلاق التثاؤب , ووقع في الرواية الأخرى تقييده بحالة الصلاة، فيحتمل أن يحمل المطلق على المقيد , وللشيطان غرض قوي في التشويش على المصلي في صلاته , ويحتمل أن تكون كراهته في الصلاة أشد , ولا يلزم من ذلك أن لا يكره في غير حالة الصلاة. ويؤيد كراهته مطلقا كونه من الشيطان , وبذلك صرح النووي , قال ابن العربي: ينبغي كظم التثاؤب في كل حالة , وإنما خص الصلاة لأنها أولى الأحوال بدفعه، لما فيه من الخروج عن اعتدال الهيئة واعوجاج الخلقة ... . وأما قوله في رواية مسلم: (فإن الشيطان يدخل) فيحتمل أن يراد به الدخول حقيقة , وهو وإن كان يجري من الإنسان مجرى الدم لكنه لا يتمكن منه ما دام ذاكراً لله تعالى , والمتثائب في تلك الحالة غير ذاكر فيتمكن الشيطان من الدخول فيه حقيقة. ويحتمل أن يكون أطلق الدخول وأراد التمكن منه؛ لأن من شأن من دخل في شيء أن يكون متمكنا منه. وأما الأمر بوضع اليد على الفم فيتناول ما إذا انفتح بالتثاؤب فيغطى بالكف ونحوه، وما إذا كان منطبقا حفظا له عن الانفتاح بسبب ذلك. وفي معنى وضع اليد على الفم وضع الثوب ونحوه مما يحصل ذلك المقصود , وإنما تتعين اليد إذا لم يرتد التثاؤب بدونها , ولا فرق في هذا الأمر بين المصلي وغيره , بل يتأكد في حال الصلاة كما تقدم، ويستثنى ذلك من النهي عن وضع المصلي يده على فمه. ومما يؤمر به المتثائب إذا كان في الصلاة أن يمسك عن القراءة حتى يذهب عنه لئلا يتغير نظم قراءته " انتهى. " فتح الباري " (10 / 612) . وقال النووي رحمه الله: " وسواء كان التثاؤب في الصلاة أو خارجها: يستحب وضع اليد على الفم , وإنما يكره للمصلي وضع يده على فمه في الصلاة إذا لم يكن حاجة كالتثاؤب وشبهه " انتهى. " الأذكار " (ص 346) . وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: التثاؤب هو من الشيطان، صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وينبغي للإنسان إذا تثاءب سواء في الصلاة أم خارج الصلاة ينبغي له أن يكظم تثاؤبه ما استطاع، فإن عجز: فليضع يده على فمه، سواء في الصلاة أو في خارج الصلاة. " فتاوى نور على الدرب ". ومن أراد التخلص من التثاؤب في الصلاة فعليه بالدخول فيها بجد ونشاط وعزيمة قوية، وليعلم أن الشيطان له عدو فليتخذه عدوا، وليحاول رده ما استطاع، فإن غلبه فليضع يده على فيه. سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: أنا شاب متدين أبلغ من العمر 22 عاما أعاني من مشكلة أرجو من الله ثم منكم أن تساعدوني على التخلص منها وه أنني حين أبدأ في الصلاة أبدأ في التثاؤب بغير قصد وهذه الحالة دائما تلازمني حتى عند قراءة آية الكرسي بالذات ولا أعرف سببا لذلك حيث إنني أتثاءب عشر مرات في الصلاة الواحدة أرجو إفادة؟ فأجاب: " التثاؤب من الشيطان كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وكما يتسلط الشيطان على المصلي بإلقاء الوساوس في قلبه والهواجيس التي لا زمام لها ولا فائدة منها. كذلك ربما يتسلط عليه في التثاؤب، ويتثاءب كثيرا حتى يشغله عن صلاته، فإذا وجد ذلك فليفعل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، يكظم ما استطاع، فإن لم يستطع فليضع يده على فمه حتى لا يجعل للشيطان سبيلا عليه. وليحرص على أن يقبل على الصلاة بنشاط وهمة وعزيمة صادقة، وليسأل الله سبحانه وتعالى العافية مما يحدث له في صلاته، وإذا سأل الله تعالى بصدق وفعل ما يستطيع من محاولة إزالة هذه المظاهر فإن الله سبحانه وتعالى يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) البقرة/186 " انتهى. " فتاوى نور على الدرب ". والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 72313 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 829 هل تعتبر صلاة المرأة بالمكياج جائزة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل تعتبر صلاة المرأة جائزة بعد أن توضأت ووضعت المكياج على وجهها؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا توضأت المرأة ثم وضعت المكياج على وجهها، أو لمسته بيدها، فلا يضرها ذلك، ولا يؤثر على وضوئها ولا صلاتها، ما لم يكن نجسا؛ فإن طهارة الثوب والبدن شرط لصحة الصلاة. وينبغي أن يُعلم أنه لا يجوز للمرأة أن تضع المكياج أمام الرجال الأجانب عنها؛ لأنها مأمورة بستر وجهها عنهم، ولما في وضع المكياج من الزينة والفتنة. فإن فعلت ذلك ثم صلّت به، فلها أجر صلاتها، وعليها إثم تبرجها. جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (17/129) : " لا مانع من تزين المرأة بوضع المكياج على وجهها، والكحل، وإصلاح شعر رأسها على وجهٍ لا تشبه فيه بالكافرات، ويشترط أيضا أن تستر وجهها عن الرجال الذين ليسوا محارم لها " انتهى. وجاء فيها أيضا (17/128) : " استعمال الكحل مشروع، لكن لا يجوز للمرأة أن تبدي شيئا من زينتها، سواء الكحل أو غيره لغير زوجها ومحارمها؛ لقوله تعالى: (ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن) " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 72390 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 830 القراءة من المصحف في صلاة الفرض [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الإمام الذي يقرأ من المصحف في صلاة الجماعة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا بأس بقراءة القرآن من المصحف في صلاة النفل، كقيام الليل. أما الفرض فيكره فيه ذلك لعدم الحاجة إليه غالبا، فإن احتاج فلا بأس بالقراءة من المصحف حينئذٍ. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/335) : " قال أحمد: لا بأس أن يصلي بالناس القيام وهو ينظر في المصحف. قيل له: في الفريضة؟ قال: لا , لم أسمع فيه شيئا. وقال القاضي: يكره في الفرض , ولا بأس به في التطوع إذا لم يحفظ , فإن كان حافظا كره أيضا. قال: وقد سئل أحمد عن الإمامة في المصحف في رمضان؟ فقال: إذا اضطر إلى ذلك. . . وحُكِيَ عن ابن حامد أن النفل والفرض في الجواز سواء. . . والدليل على جوازه ما روى أبو بكر الأثرم , وابن أبي داود بإسنادهما عن عائشة أنها كانت يؤمها عبد لها في المصحف. وسئل الزهري عن رجل يقرأ في رمضان في المصحف فقال: كان خيارنا يقرءون في المصاحف. . . . وأبيحت القراءة في المصحف لموضع الحاجة إلى سماع القرآن والقيام به. واختصت الكراهة بمن يحفظ لأنه يشتغل بذلك عن الخشوع في الصلاة، والنظر إلى موضع السجود لغير حاجة. وكره في الفرض على الإطلاق ; لأن العادة أنه لا يحتاج إلى ذلك فيها " انتهى بتصرف واختصار. وقال النووي رحمه الله في المجموع (4/27) : " لو قرأ القرآن من المصحف لم تبطل صلاته سواء كان يحفظه أم لا، بل يجب عليه ذلك إذا لم يحفظ الفاتحة. . . وهذا الذي ذكرناه من أن القراءة في المصحف لا تبطل الصلاة مذهبنا ومذهب مالك وأبي يوسف ومحمد وأحمد " انتهى باختصار. وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: هل يجوز للإمام في أثناء الصلوات الخمس أن يقرأ من المصحف، وخاصة صلاة الفجر لأن تطويل القراءة فيها مطلوب وذلك مخافة الغلط أو النسيان؟ فأجاب: " يجوز ذلك إذا دعت إليه الحاجة، كما تجوز القراءة من المصحف في التراويح لمن لا يحفظ القرآن، وقد كان ذكوان مولى عائشة رضي الله عنها يصلي بها في رمضان من مصحف، ذكره البخاري في صحيحه تعليقا مجزوما به، وتطويل القراءة في صلاة الفجر سنة، فإذا كان الإمام لا يحفظ المفصل ولا غيره من بقية القرآن الكريم جاز له أن يقرأ من المصحف، ويشرع له أن يشتغل بحفظ القرآن، وأن يجتهد في ذلك، أو يحفظ المفصل على الأقل حتى لا يحتاج إلى القراءة من المصحف، وأول المفصل سورة ق إلى آخر القرآن، ومن اجتهد في الحفظ يسر الله أمره، لقوله سبحانه: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) وقوله عز وجل: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) . والله ولي التوفيق " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (11/117) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65924 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 831 هل يجوز عمل مصلى تكون فيه النساء أمام الإمام؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم عمل مكان مخصص لصلاة النساء (التراويح) أمام المسجد (أي: سيكون المصلى مقدماً على الإمام يفصل بينهم جدار المسجد) وليس هناك مكان آخر لصلاة النساء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الأفضل للمرأة أن تصلي في بيتها، فعن أُمِّ حُمَيْدٍ امْرَأَةِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهَا جَاءَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُحِبُّ الصَّلاةَ مَعَكَ. قَالَ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلاةَ مَعِي، وَصَلاتُكِ فِي بَيْتِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي حُجْرَتِكِ، وَصَلاتُكِ فِي حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلاتِكِ فِي دَارِكِ، وَصَلاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ، وَصَلاتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي مَسْجِدِي. قَالَ: فَأَمَرَتْ فَبُنِيَ لَهَا مَسْجِدٌ فِي أَقْصَى شَيْءٍ مِنْ بَيْتِهَا وَأَظْلَمِهِ، فَكَانَتْ تُصَلِّي فِيهِ حَتَّى لَقِيَتْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ. رواه أحمد (26550) وصححه ابن خزيمة (1689) ، وحسَّنه الشيخ الألباني في "صحيح الترغيب" (340) . قال عبد العظيم آبادي رحمه الله: ووجه كون صلاتهن في البيوت أفضل للأمن من الفتنة، ويتأكد ذلك بعد وجود ما أحدث النساء من التبرج والزينة. "عون المعبود" (2/193) . ومع ذلك: فإذا أرادت المرأة أن تذهب إلى المسجد للصلاة فلا يجوز لأحد منعها إذا التزمت بالشروط الشرعية لخروجها، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ إِذَا اسْتَأْذَنَّكُمْ إِلَيْهَا) رواه البخاري (865) ومسلم (442) . وانظر السؤال (9232) . ثانياً: الأصل في صلاة الجماعة أن يكون المأموم خلف إمامه، وقد اختلف العلماء في حكم من صلَّى أَمام إمامه على أقوال، أصحها: الجواز للعذر. سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: هل تجزئ الصلاة قدام الإمام أو خلفه في المسجد وبينهما حائل أم لا؟ فأجاب: " أما صلاة المأموم قدَّام الإمام: ففيها ثلاثة أقوال للعلماء: أحدها: أنها تصح مطلقا , وإن قيل: إنها تكره , وهذا القول هو المشهور من مذهب مالك , والقول القديم للشافعي. والثاني: أنها لا تصح مطلقا , كمذهب أبي حنيفة , والشافعي , وأحمد في المشهور من مذهبهما. والثالث: أنها تصح مع العذر دون غيره، مثل ما إذا كان زحمة فلم يمكنه أن يصلي الجمعة أو الجنازة إلا قدام الإمام , فتكون صلاته قدام الإمام خيراً له من تركه للصلاة. وهذا قول طائفة من العلماء , وهو قولٌ في مذهب أحمد وغيره، وهو أعدل الأقوال وأرجحها؛ وذلك لأن ترك التقدم على الإمام غايته أن يكون واجبا من واجبات الصلاة في الجماعة , والواجبات كلها تسقط بالعذر، وإن كانت واجبة في أصل الصلاة , فالواجب في الجماعة أولى بالسقوط ; ولهذا يسقط عن المصلي ما يعجز عنه من القيام , والقراءة , واللباس , والطهارة , وغير ذلك. وأما الجماعة فإنه يجلس في الأوتار لمتابعة الإمام (يعني يجلس بعد الركعة الأولى والثالثة، وهذا فيمن دخل الصلاة متأخراً ركعة) , ولو فعل ذلك منفردا عمدا بطلت صلاته , وإن أدركه ساجدا أو قاعدا كبر وسجد معه , وقعد معه ; لأجل المتابعة، مع أنه لا يعتد له بذلك , ويسجد لسهو الإمام , وإن كان هو لم يسه. وأيضاً: ففي صلاة الخوف لا يستقبل القبلة , ويعمل العمل الكثير ويفارق الإمام قبل السلام , ويقضي الركعة الأولى قبل سلام الإمام , وغير ذلك مما يفعله لأجل الجماعة , ولو فعله لغير عذر بطلت صلاته ... . والمقصود هنا: أن الجماعة تفعل بحسب الإمكان , فإذا كان المأموم لا يمكنه الائتمام بإمامه إلا قدامه كان غاية [ما] في هذا أنه قد ترك الموقف لأجل الجماعة , وهذا أخف من غيره , ومثل هذا أنه منهي عن الصلاة خلف الصف وحده , فلو لم يجد من يصافه ولم يجذب أحدا يصلي معه صلى وحده خلف الصف , ولم يَدَعْ الجماعة , كما أن المرأة إذا لم تجد امرأة تصافها فإنها تقف وحدها خلف الصف , باتفاق الأئمة، وهو إنما أُمِرَ بالمصافة مع الإمكان لا عند العجز عن المصافة. " الفتاوى الكبرى " (2 / 331 – 333) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجوز تقدم المأموم على الإمام؟ فأجاب: " الصحيح أن تقدم الإمام واجب، وأنه لا يجوز أن يتقدم المأموم على إمامه، لأن معنى كلمة " إمام " أن يكون إماماً، يعني يكون قدوة، ويكون مكانه قدام المأمومين، فلا يجوز أن يصلي المأموم قدام إمامه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي قدام الصحابة رضي الله عنهم، وعلى هذا فالذين يصلون قدام الإمام ليس لهم صلاة، ويجب عليهم أن يعيدوا صلاتهم إلا أن بعض أهل العلم استثنى من ذلك ما دعت الضرورة إليه مثل أن يكون المسجد ضيقاً، وما حواليه لا يسع الناس فيصلي الناس عن اليمين واليسار والأمام والخلف لأجل الضرورة " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (13/44) . وعلى هذا؛ فإكم تجتهدون في جعل مكان النساء خلف الإمام، فإن لم يوجد مكان، ولم يمكن إلا قدام الإمام، فلا حرج فيه إن شاء الله تعالى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65685 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 832 صلاة التراويح قبل العشاء [السُّؤَالُ] ـ[صليت صلاة القيام في المسجد وبعدها نوى لصلاة الوتر ثلاث ركعات دون الشفع، وأنا كنت أتيت متأخرة ففاتني صلاة العشاء.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صلاة القيام والوتر لا تصلَّيان إلا بعد صلاة العشاء، فكان ينبغي أن تصلِّي العشاء أولاً ثم تصلي القيام والوتر بعد ذلك. قال النووي في "المجموع" (3/526) : " يدخل وقت التراويح بالفراغ من صلاة العشاء، ذكره البغوي وغيره، ويبقى إلى طلوع الفجر " انتهى. وقال في "الإنصاف" (4/166) : " وأول وقتها – يعني التراويح – بعد صلاة العشاء وسنتها على الصحيح من المذهب، وعليه الجمهور، وعليه العمل " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين: " وقتها – يعني التراويح – من بعد صلاة العشاء، إلى طلوع الفجر " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (14/210) . وعلى هذا، فماذا يفعل من أتى المسجد متأخراً وقد انصرف الإمام من صلاة العشاء وشرع في صلاة التراويح؟ الصحيح أنه يدخل مع الإمام بنية العشاء، ويقوم ليتم صلاته (أربع ركعات) بعد سلام الإمام، ثم يدخل معه فيما بقي من صلاة التراويح. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " لا بأس أن يصلي العشاء خلف من يصلي التراويح، وقد نص الإمام أحمد رحمه الله على أن الرجل إذا دخل المسجد في رمضان وهم يصلون التراويح فإنه يصلي خلف الإمام بنية العشاء، فإذا سلم الإمام من الصلاة أتى بما بقي عليه من صلاة العشاء " انتهى بتصرف من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (12/443، 445) . وانظر جواب السؤال رقم (37829) ففيه المزيد حول صلاة التراويح قبل العشاء. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65561 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 833 الحركة في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[بعض الناس إذا كان في صلاته يعبث بثيابه، أو ينظف أظافره، أو ينظر في ساعته، وغير ذلك من الأعمال، خاصة إذا كان الإمام في القراءة، وهذا كثيرا ما ينقل الشعور بالقلق والاضطراب إلى من يجاوره من المصلين، فما حكم ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذكر فضيلة الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله تعالى أن الحركة في الصلاة الأصل فيها الكراهة إلا لحاجة، ومع ذلك فإنها تنقسم إلى خمسة أقسام: القسم الأول: حركة واجبة. القسم الثاني: حركة محرمة. القسم الثالث: حركة مكروهة. القسم الرابع: حركة مستحبة. القسم الخامس: حركة مباحة. فأما الحركة الواجبة: فهي التي تتوقف عليها صحة الصلاة، مثل أن يرى في غترته نجاسة، فيجب عليه أن يتحرك لإزالتها ويخلع غترته، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو يصلي بالناس فأخبره أن في نعليه خبثاً فخلعها صلى الله عليه وسلم وهو في صلاته واستمر فيها [رواه أبو داود 650، وصححه الألباني في الإرواء 284] . ومثل أن يخبره أحد بأنه اتجه إلى غير القبلة؛ فيجب عليه أن يتحرك إلى القبلة. وأما الحركة المحرمة: فهي الحركة الكثيرة المتوالية لغير ضرورة؛ لأن مثل هذه الحركة تبطل الصلاة، وما يبطل الصلاة فإنه لا يحل فعله؛ لأنه من باب اتخاذ آيات الله هزواً. وأما الحركة المستحبة: فهي الحركة لفعل مستحب في الصلاة، كما لو تحرك من أجل استواء الصف، أو رأى فرجة أمامه في الصف المقدم فتقدم نحوها وهو في صلاته، أو تقلص الصف فتحرك لسد الخلل، أو ما أشبه ذلك من الحركات التي يحصل بها فعل مستحب في الصلاة؛ لأن ذلك من أجل إكمال الصلاة، ولهذا لما صلى ابن عباس رضي الله عنهما مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقام عن يساره أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم برأسه من ورائه فجعله عن يمينه. [متفق عليه] وأما الحركة المباحة: فهي اليسيرة لحاجة، أو الكثيرة للضرورة، أما اليسيرة لحاجة فمثلها فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جدها من أمها فإذا قام حملها، وإذا سجد وضعها [البخاري 5996 ومسلم 543] وأما الحركة الكثيرة للضرورة: فمثالها الصلاة في حال القتال؛ قال الله تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ* فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) البقرة/238-239؛ فإن من يصلي وهو يمشي لا شك أن عمله كثير ولكنه لما كان للضرورة كان مباحاً لا يبطل الصلاة. وأما الحركة المكروهة: فهي ما عدا ذلك وهو الأصل في الحركة في الصلاة، وعلى هذا نقول لمن يتحركون في الصلاة إن عملكم مكروه، منقص لصلاتكم، وهذا مشاهد عند كل أحد فتجد الفرد يعبث بساعته، أو بقلمه، أو بغترته، أو بأنفه، أو بلحيته، أو ما أشبه ذلك، وكل ذلك من القسم المكروه إلا أن يكون كثيراً متوالياً فإنه محرم مبطل للصلاة. وقد ذكر رحمه الله أيضا أن الحركة المبطلة للصلاة ليس لها عدد معين، وإنما هي الحركة التي تنافي الصلاة، بحيث إذا رؤى هذا الرجل فكأنه ليس في صلاة، هذه هي التي تبطل؛ ولهذا حدده العلماء رحمهم الله بالعرف، فقالوا: " إن الحركات إذا كثرت وتوالت فإنها تبطل الصلاة "، بدون ذكر عدد معين، وتحديد بعض العلماء إياها بثلاث حركات، يحتاج إلى دليل؛ لأن كل من حدد شيئاً بعدد معين، أو كيفية معينة، فإن عليه الدليل، وإلا صار متحكماً في شريعة الله. [مجموع فتاوى الشيخ 13/309-311] وسئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى عن رجل كثير الحركة في الصلاة: هل تبطل صلاته؟ وما الطريق للتخلص من ذلك؟ فقال رحمه الله: (السنة للمؤمن أن يقبل على صلاته ويخشع فيها بقلبه وبدنه، سواء كانت فريضة أو نافلة، لقول الله سبحانه: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُون) المؤمنون/1-2، وعليه أن يطمئن فيها، وذلك من أهم أركانها وفرائضها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم للذي أساء في صلاته ولم يطمئن فيها: (ارجع فصلِّ فإنك لم تصل) ، فعل ذلك ثلاث مرات، فقال الرجل: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاةِ فَأَسْبِغْ الْوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ، وَاقْرَأْ بِمَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا ثُمَّ ارْفَعْ رَأْسَكَ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَسْتَوِيَ وَتَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَسْتَوِيَ قَائِمًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاتِكَ كُلِّهَا) متفق عليه، وفي رواية لأبي داود قال فيها: (ثم اقرأ بأم القرآن، وبما شاء الله) . وهذا الحديث الصحيح يدل على أن المأنينة ركن في الصلاة، وفرض عظيم فيها، لا تصح بدونه، فمن نقر صلاته فلا صلاة له، والخشوع هو لب الصلاة وروحها، فالمشروع للمؤمن أن يهتم بذلك، ويحرص عليه. أما تحديد الحركات المنافية للطمأنينة وللخشوع بثلاث حركات فليس ذلك بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما ذلك كلام لبعض أهل العلم، وليس عليه دليل يعتمد. ولكن يكره العبث في الصلاة، كتحريك الأنف واللحية والملابس والاشتغال بذلك، وإذا كثر العبث أبطل الصلاة، وأما إذا كان قليلا عرفا، أو كان كثيرا ولم يتوال، فإن الصلاة لا تبطل به، ولكن يشرع للمؤمن أن يحافظ على الخشوع، ويترك العبث، قليله وكثيره، حرصا على تمام الصلاة وكمالها. ومن الأدلة على أن العمل القليل والحركات القليلة في الصلاة لا تبطلها، وهكذا العمل والحركات المتفرقة غير المتوالية، ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه فتح الباب يوما لعائشة وهو يصلي [أبو داود 922 والنسائي 3/11 والترمذي 601، وحسنه الشيخ الألباني في صحيح الترمذي 601] . وثبت عنه من حديث أبي قتادة رضي الله عنه أنه صلى ذات يوم بالناس، وهو حامل أمامة بنت ابنته زينب، فكان إذا سجد وضعها، وإذا قام حملها. [فتاوى علماء البلد الحرام 162-164] . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 12683 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 834 هل يشترط إذن صاحب العمل لصحة الصلاة؟ وهل تصح الصلاة عند رؤية غير المحارم [السُّؤَالُ] ـ[أسلمت مؤخراً ولله الحمد , وأنا أعيش في الولايات المتحدة. لقد أخبرني أحد الأشخاص بأنه إذا لم أحصل على موافقة من صاحب المنشأة أو رب العمل على أن أصلي, وصليت، فإن صلاتي تكون غير مقبولة. فهل هذا الكلام صحيح؟ كما أنني أخبرتُ أيضا أنه إذا رآني شخص غير محرم لي وأنا أصلي، فإن صلاتي تكون غير مقبولة , فهل هذا صحيح؟ فكيف إذا صليت وأنا لم أكن أعلم بأن ذلك يجعل صلاتي غير مقبولة , حيث لم أتعمد ذلك, فهل صلاتي تكون أيضا غير مقبولة عند الله؟ وقيل لي أيضاً بأن صلاتي تكون غير مقبولة إذا صليت بالقرب من شخص يستمع إلى الموسيقى أو يغني أو كان يتلفظ بألفاظ الشتم والسباب , فهل هذا صحيح؟ حيث أنني أعمل في مكتب لا يوجد فيه مكان مخصص للصلاة , وأنا لم أطلب أن يسمح لي صاحب العمل بالصلاة , كما أنهم يقولون بأنه لا يمكنني أن أصلي بالقرب من مكتبي (طاولة العمل) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نحمد الله الذي هداك للإسلام، ونسأله سبحانه أن يثبتك على الهدى والإيمان.. إنه سميع قريب. أما ما يتعلق بالصلاة، فلا يشترط لها موافقة صاحب المنشأة والعمل، ولا يلزم أن تستأذني منه، بل يجب تأديتها ولو لم يسمح هو بذلك؛ فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وأمر الله مقدم على أمر غيره.فيجب عليك أن تؤدي الصلاة في وقتها المحدد لقول الله تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) النساء /103. فإذا صليت بغير إذنه فصلاتك صحيحة ولا حرج عليك. وأما إذا رآك بعض الأشخاص من غير محارمك وأنت تصلين فلا حرج عليك في ذلك، وصلاتك صحيحة ما دمت متسترة متحجبة. والمرأة يجب عليها في الصلاة أن تستر جميع بدنها إلا وجهها وكفيها إذا كانت في بيتها أو عند محارمها، أما إذا كانت في مكان يمكن أن يطلع عليها غير محارمها؛ فيجب عليها أن تستر جميع بدنها ومن ذلك الوجه والكفين. مع التنبيه على أنه ينبغي للمرأة أن تحرص على البعد عن الأماكن المختلطة ومجتمعات الرجال خاصة في أوقات العبادة. وأما إذا وصل إلى مسامعك صوت موسيقى أو شتائم أو غيرها من الأصوات المحرمة وأنت في الصلاة، فهذا لا يؤثر على صحة صلاتك؛ ما دمت قادرة على أداء الأركان والواجبات جميعاً، لكن ينبغي أن تبتعدي عن الأماكن التي يتوقع فيها وجود مثل هذه المنكرات بقدر ما تستطيعين، خاصة عند أداء الصلاة.حتى يكون هذا أدعى للخشوع والتدبر فيما تقرئين. ولا بأس من الصلاة قرب مكتبك ما دمت قادرة على أداء أركان الصلاة وواجباتها. ونوصيك بالحرص على تعلم أحكام الدين الأساسية وخاصة الصلاة، كما نشكر لك حرصك واهتمامك. والله ولي التوفيق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 10453 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 835 من ترك تكبيرة الإحرام لم تنعقد صلاته [السُّؤَالُ] ـ[متى تقال تكبيرة الإحرام؟ وما حكم صلاة من لم يقلها بجهل من ذلك الشخص، وليس تعمدا منه؟ وماذا يجب عليه أن يفعل تجاه ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تكبيرة الإحرام ركن من أركان الصلاة لا تصح صلاة العبد، ولا يدخل فيها بدونها، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إنه لا تتم صلاة لأحد من الناس حتى يتوضأ، فيضع الوضوء مواضعه، ثم يقول: الله أكبر) قال الألباني: رواه الطبراني بإسناد صحيح. قال ابن قدامة: (وعلى هذا عوام أهل العلم في القديم والحديث) المغني 2/126 وانظر المجموع 3/175. وهي أول شيء يبدأ العبد به صلاته، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مِفْتَاحُ الصَّلاةِ الطُّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ) رواه أحمد 1009 أبو داود 618 والترمذي 238 وابن ماجة 276، وقال النووي: إسناده صحيح. وقوله صلى الله عليه وسلم: (تحريمها التكبير) أي أن التكبير يُحَرِّم على المصلي الأكل والشرب وغيرهما مما كان مباحا خارج الصلاة، أو أن الدخول في حرمة الصلاة يكون بالتكبير.انظر: المجموع، وعون المعبود. وأما متى تُقال تكبيرة الإحرام، فهي أول ما يبدأ به العبد صلاته، فيأتي بها في حال القيام، فيستقبل القبلة ثم يكبّر، ثم يدعو بدعاء الاستفتاح ثم يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم يشرع في قراءة الفاتحة. ويستحب له أن يرفع يديه عند هذه التكبيرة، يمد أصابعه، ويجعل يديه حذو منكبيه، يعني قبالتهما، وهذا الرفع سنة مؤكدة. انظر صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، للألباني. ولما كانت تكبيرة الإحرام ركنا في الصلاة، كان من تركها عمدا أو سهوا فإن صلاته لا تنعقد؛ يعني أنه لا يدخل في أحكام الصلاة. انظر المغني 2/128. وقد سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا ترك الإنسان تكبيرة الإحرام سهوا، فما الحكم؟ فأجاب رحمه الله بقوله: (إذا ترك المصلي تكبيرة الإحرام سهوا أو عمدا، لم تنعقد صلاته، لأن الصلاة لا تنعقد إلا بتكبيرة الإحرام، فلو فرض أن شخصا وقف في الصف، ثم شرع في الاستفتاح، وقرأ الفاتحة، واستمر، فإننا نقول: إن صلاته لم تنعقد أصلا، ولو صلى كل الركعات) فتاوى الشيخ 14/36. وأما من تركها، ودخل في صلاته، وهو جاهل بوجوبها، فهذا إن كان في وقت الصلاة التي دخل فيها بدون تكبيرة الإحرام فإنه يعيدها، كما أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصحابي الذي لم يكن يطمئن في صلاته، ولم يكن يحسن إلا كما صلى، أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيد الصلاة التي صلاها أمامه، وقال له: (ارجع فصل، فإنك لم تصلِّ) متفق عليه. وأما إن كان وقت الصلاة التي صلاها بدون تكبيرة الإحرام، جاهلا، قد خرج، فالذي ينبغي أن يحتاط لنفسه، فيعيد هذه الصلاة، وكذلك إن كان صلى أكثر من صلاة على هذه الصفة، فينبغي أن يحتاط لنفسه بما تبرأ به ذمته، وذلك لأن القاعدة عند كثير من أهل العلم: أن من ترك المأمور به جهلا أو نسيانا لم تبرأ ذمته إلا بفعله. انظر: القواعد والأصول الجامعة، لابن سعدي ص 78. وتكبيرة الإحرام مما أُمِر به المصلي. ثم إنه يبعد جدا لمن كان يصلي، خاصة إذا كان يعيش في بلاد المسلمين، يبعد جدا أن يجهل مثل ذلك، وأقل ما يُعَرِّفه به أن يرى المصلين من حوله يفعلون ذلك، فإنه إما أن يفعل مثل فعلهم، أو على الأقل يسأل عن هذا الذي يفعلونه، ولا يعلمه هو. والله الموفق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 52424 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 836 أوقات الصلاة والصيام في الأماكن القطبية [السُّؤَالُ] ـ[أنا غير مسلم، وأعيش حاليا في بلد مسلم. وقد فهمت أن الصلوات الخمس وأوقات الصيام يتم تحديدها وفقا لمواعيد شروق الشمس وغروبها. وسؤالي هو: كيف يمكن للمسلم معرفة أوقات الصلوات وأوقات الصوم إذا كان يعيش قرب الدائرة القطبية حيث يكون الليل أو النهار طويلا جدا، ويتغير طوله بتغير الفصل. أشكركم (سلفا) على إجابتكم، واستمروا في هذا العمل الذي تقومون به، فقد استفدت منه في فهم بعض الأمور في الإسلام، كما ساعدني في فهم بعض القضايا التي كان يتحدث عنها الموظفون في الشركة التي أعمل بها.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نشكرك على هذا السؤال ونقدّر لك هذا الاهتمام بأوقات الصلاة في دين الإسلام وجوابا على سؤالك فإن الذين يعيشون قريبا من الدائرة القطبية ولديهم ليل مستمر أو نهار مستمر لأشهر فإنهم ينظرون في أقرب البلاد إليهم مما فيه ليل ونهار متميزان خلال الأربع والعشرين ساعة فيؤدون صلواتهم الخمس بناء على توقيت هذه البلاد. وإنّ اهتمامك بالأمر وحرصك على السؤال والمعرفة يجعلنا نطمع في اعتناقك لهذا الدين وممارسة عباداته وشعائره ونتمنى لك الخير والتوفيق والسداد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 13916 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 837 ما هي المشقة التي تجيز صلاة الفريضة قاعداً؟ [السُّؤَالُ] ـ[متى يجوز للمريض أن يصلي قاعداً، لأنه يمكن أن يتحمل القيام، ولكن بمشقة شديدة جداً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سبق في إجابة السؤال (50684) أن القيام ركن في صلاة الفريضة، فلا تصح صلاة من صلى قاعداً وهو قادر على القيام، وأن هذا الركن كغيره من الواجبات يسقط مع العذر. قال النووي في المجموع (4/201) : " أَجْمَعَتْ الأُمَّةُ عَلَى أَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ فِي الْفَرِيضَةِ صَلاهَا قَاعِدًا وَلا إعَادَةَ عَلَيْهِ , قَالَ أَصْحَابُنَا: وَلا يَنْقُصُ ثَوَابُهُ عَنْ ثَوَابِهِ فِي حَالِ الْقِيَامِ , لأَنَّهُ مَعْذُورٌ , وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مَا كَانَ يَعْمَلُ صَحِيحًا مُقِيمًا) " انتهى. وضابط العذر الذي يسقط القيام، ويجيز صلاة الفريضة قاعدا: 1- أن يعجز عن القيام. 2- أن يزيد به المرض. 3- أن يتأخر به الشفاء. 4- أن يشق عليه مشقة شديدة تذهب الخشوع، فإن كانت المشقة أقل من ذلك لم يجز له القعود. روى البخاري (1117) عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلاةِ، فَقَالَ: (صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ) . قال الحافظ: " قَوْله: (فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ) اِسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ لا يَنْتَقِل الْمَرِيض إِلَى الْقُعُود إِلا بَعْد عَدَم الْقُدْرَة عَلَى الْقِيَام , وَقَدْ حَكَاهُ عِيَاض عَنْ الشَّافِعِيّ , وَعَنْ مَالِك وَأَحْمَد وَإِسْحَاق: لا يُشْتَرَط الْعَدَم بَلْ وُجُود الْمَشَقَّة , وَالْمَعْرُوف عِنْد الشَّافِعِيَّة أَنَّ الْمُرَاد بِنَفْيِ الاسْتِطَاعَة وُجُود الْمَشَقَّة الشَّدِيدَة بِالْقِيَامِ , أَوْ خَوْف زِيَادَة الْمَرَض , أَوْ الْهَلاك , وَلا يُكْتَفَى بِأَدْنَى مَشَقَّة. وَمِنْ الْمَشَقَّة الشَّدِيدَة دَوَرَان الرَّأْس فِي حَقّ رَاكِب السَّفِينَة وَخَوْف الْغَرَق لَوْ صَلَّى قَائِمًا فِيهَا. . . . وَيَدُلّ لِلْجُمْهُورِ أَيْضًا حَدِيث اِبْن عَبَّاس عِنْد الطَّبَرَانِيِّ بِلَفْظِ: (يُصَلِّي قَائِمًا , فَإِنْ نَالَتْهُ مَشَقَّة فَجَالِسًا , فَإِنْ نَالَتْهُ مَشَقَّة صَلَّى نَائِمًا) " انتهى من فتح الباري. وحديث ابن عباس الذي ذكره الحافظ، ذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" (2897) وقال: " رواه الطبراني في الأوسط وقال: لم يروه عن ابن جريج إلا حلس بن محمد الضبعي، قلت (الهيثمي) : ولم أجد من ترجمه، وبقية رجاله ثقات " انتهى. وقال ابن قدامة في المغني (1/443) : " وَإِنْ أَمْكَنَهُ الْقِيَامُ , إلا أَنَّهُ يَخْشَى زِيَادَةَ مَرَضِهِ بِهِ , أَوْ تَبَاطُؤَ بُرْئِهِ , أَوْ يَشُقُّ عَلَيْهِ مَشَقَّةً شَدِيدَةً , فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا. وَنَحْوَ هَذَا قَالَ مَالِكٌ وَإِسْحَاقُ. . . لقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) . وَتَكْلِيفُ الْقِيَامِ فِي هَذِهِ الْحَالِ حَرَجٌ , وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى جَالِسًا لَمَّا جُحِشَ (أي جُرح) شِقُّهُ الأَيْمَنُ , وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْجِزُ عَنْ الْقِيَامِ بِالْكُلِّيَّةِ ; لَكِنْ لَمَّا شَقَّ عَلَيْهِ الْقِيَامُ سَقَطَ عَنْهُ " انتهى. وقال النووي في المجموع (4/201) : " قَالَ أَصْحَابُنَا: وَلا يُشْتَرَطُ فِي الْعَجْزِ أَنْ لا يَتَأَتَّى الْقِيَامُ، وَلا يَكْفِي أَدْنَى مَشَقَّةٍ، بَلْ الْمُعْتَبَرُ الْمَشَقَّةُ الظَّاهِرَةُ , فَإِذَا خَافَ مَشَقَّةً شَدِيدَةً أَوْ زِيَادَةَ مَرَضٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ أَوْ خَافَ رَاكِبُ السَّفِينَةِ الْغَرَقَ أَوْ دَوَرَانَ الرَّأْسِ صَلَّى قَاعِدًا وَلا إعَادَةَ , وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: الَّذِي أَرَاهُ فِي ضَبْطِ الْعَجْزِ أَنْ يَلْحَقَهُ بِالْقِيَامِ مَشَقَّةٌ تُذْهِبُ خُشُوعَهُ، لأَنَّ الْخُشُوعَ مَقْصُودُ الصَّلاةِ " انتهى. وهذا الذي اختاره إمام الحرمين هو الذي رجحه الشيخ ابن عثيمين، فإنه قال: " الضابط للمشقة: ما زال به الخشوع، والخشوع هو حضور القلب والطمأنينة، فإذا كان إذا قام قلق قلقاً عظيماً ولم يطمئن وتجده يتمنى أن يصل إلى آخر الفاتحة ليركع من شدة تحمله: فهذا شق عليه القيام، فيصلي قاعداً " انتهى من "الشرح الممتع" (4/326) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50180 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 838 حكم تغطية الوجه للمرأة وهي تصلي لاحتمال مرور أجانب [السُّؤَالُ] ـ[هل يجب تغطية الوجه أثناء الصلاة في حال وجود أو توقع مرور الرجال، كما يحدث في الحرم، أم أنه لا حرج في كشف الوجه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ صالح الفوزان: المرأة في الصلاة كلها عورة فيجب عليها ستر جميع بدنها إلا وجهها إذا لم يكن عندها رجال غير محارم لها. فإذا كانت خالية أو عندها رجال من محارمها: فإنها تكشف وجهها في الصلاة. وأما إذا كانت بحضرة رجال غير محارم: فإنها تغطي وجهها في الصلاة وفي غيرها؛ لأن الوجه عورة. " فتاوى المرأة المسلمة " (1 / 315) . وانظر: جواب السؤال رقم (21803) و (1046) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45871 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 839 المسبوق منفرد فلا يسمح للمار بين يديه [السُّؤَالُ] ـ[معلوم أن سترة المأموم هي سترة إمامه، ولكن إذا سلم الإمام فهل تبقى السترة للمسبوقين أو لابد من وجود سترة جديدة، فقد لاحظت أن بعض الناس يمر أمام المسبوق ولا يفعل له شيئاً فما الحكم في ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا سلم الإمام وقام المسبوق لقضاء ما فاته فإنه يكون في هذا القضاء منفرداً حقيقة وعليه أن يمنع من يمر بين يديه لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وترك بعض الناس منع المار قد يكون عن جهل منهم بهذا، أو قد يكون عن تأويل حيث أنهم ظنوا أنهم لما أدركوا الجماعة صاروا بعد انفرادهم عن الإمام بحكم الذين خلف الإمام، لكن لابد من منع المسبوق من يمرون بين يديه إذا قام لقضاء ما فاته. [الْمَصْدَرُ] كتاب الدعوة 5 ابن عثيمين 2/92 الحديث: 21984 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 840 هل شارب الخمر لا تُقبل له صلاة أربعين يوماً؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل صحيح ما ورد عن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بأن من شرب خمراً لا تقبل صلاته لمدة أربعين يوماً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، جاءت الأحاديث الصحيحة الكثيرة في عقوبة من شرب الخمر وأنه لا تُقبل صلاته أربعين يوماً، وقد ورد هذا من حديث عمرو بن العاص، وابن عباس، وابن عمر، وابن عمرو. انظر: " السلسلة الصحيحة " (709) ، (2039) ، (2695) ، (1854) . من هذه الأحاديث ما رواه ابن ماجه (3377) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ وَسَكِرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا وَإِنْ مَاتَ دَخَلَ النَّارَ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ عَادَ فَشَرِبَ فَسَكِرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، فَإِنْ مَاتَ دَخَلَ النَّارَ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ عَادَ فَشَرِبَ فَسَكِرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، فَإِنْ مَاتَ دَخَلَ النَّارَ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ عَادَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ رَدَغَةِ الْخَبَالِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا رَدَغَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ. صححه الألباني في صحيح ابن ماجه. وليس معنى عدم قبول الصلاة أنها غير صحيحة، أو أنه يترك الصلاة، بل المعنى أنه لا يثاب عليها. فتكون فائدته من الصلاة أنه يبرئ ذمته، ولا يعاقب على تركها. قال أبو عبد الله ابن منده: " قوله " لا تقبل له صلاة " أي: لا يثاب على صلاته أربعين يوماً عقوبة لشربه الخمر، كما قالوا في المتكلم يوم الجمعة والإمام يخطب إنه يصلي الجمعة ولا جمعة له، يعنون أنه لا يعطى ثواب الجمعة عقوبة لذنبه." تعظيم قدر الصلاة " (2 / 587، 588) . انظر السؤال 20037 وقال النووي: "وَأَمَّا عَدَم قَبُول صَلاته فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لا ثَوَاب لَهُ فِيهَا وَإِنْ كَانَتْ مُجْزِئَة فِي سُقُوط الْفَرْض عَنْهُ , وَلا يَحْتَاج مَعَهَا إِلَى إِعَادَة" اهـ. ولا شك أنه يجب على شارب الخمر أن يؤدي الصلاة في أوقاتها ولو أخل بشيء من صلاته لكان مرتكباً لكبيرة عظيمة هي أشد من ارتكابه لكبيرة شرب الخمر. وهذه العقوبة على شارب الخمر إنما هي لمن لم يتب، أما من تاب وأناب إلى الله فإن الله يتوب عليه ويتقبل منه أعماله. كما في الحديث السابق: (فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ) . وكما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) رواه ابن ماجه (4250) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 27143 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 841 لماذا تقطع المرأة صلاة الرجل [السُّؤَالُ] ـ[ما الحكمة أن المرأة تقطع صلاة الرجل إذا مرت أمامه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الواجب على المسلم التسليم لأحكام الشرع، سواء فهم الحكمة منها أم لم يفهمها. ثانياً: المرأة ليست نجسة، ولكن قد التمس بعض العلماء علة لقطع المرأة للصلاة، وهي: أن المرأة تفتن الرجل. ثالثاً: قد صح الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن هذه الثلاثة تقطع الصلاة إذا مرت بين يدي المصلي إذا لم يكن له سترة، أو مرت بينه وبين سترته (راجع سؤال رقم 3404) ، فوجب التسليم لحكم الله والعمل به، ومعنى القطع: إبطال الصلاة في أصح قولي العلماء. وبالله التوفيق اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 17/12. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 12717 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 842 الصلاة أمام المرآة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم تأدية الصلاة في غرفة بها مرايا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله َمَنْ صَلّى وأمامه المرآة صَحّتْ صَلاَتُه، ولو كان مُقَابِلاً لها، وَيَرَى نَفْسَه فِيهَا، وعليه غَضُّ البَصَر وحِفْظُهُ، والذي ينبغي البعد عنها وعن كُلِّ ما يَشْغَلُ المصلي ويُلْهِيِِه في صلاته. [الْمَصْدَرُ] اللؤلؤ المكين من فتاوى الشيخ ابن جبرين /103. الحديث: 10558 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 843 أحكام تغيير النية في الصلاة بعد الشروع فيها [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز تغيير نية الصلاة بعد الشروع فيها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين: عن تغيير النية في الصلاة؟ فأجاب: " تغيير النية إما أن يكون من معيَّن لمعيَّن، أو من مطلق لمعيَّن: فهذا لا يصح، وإذا كان من معيَّن لمطلق: فلا بأس. مثال ذلك: من معيَّن لمعيَّن: أراد أن ينتقل من سنة الضحى إلى راتبة الفجر التي يريد أن يقضيها، كبَّر بنية أن يصلي ركعتي الضحى، ثم ذكر أنه لم يصل راتبة الفجر فحولها إلى راتبة الفجر: فهنا لا يصح؛ لأن راتبة الفجر ركعتان ينويهما من أول الصلاة. كذلك أيضاً رجل دخل في صلاة العصر، وفي أثناء الصلاة ذكر أنه لم يصل الظهر فنواها الظهر: هذا أيضاً لا يصح؛ لأن المعين لابد أن تكون نيته من أول الأمر. وأما من مطلق لمعيَّن: فمثل أن يكون شخص يصلي صلاة مطلقة - نوافل - ثم ذكر أنه لم يصل الفجر، أو لم يصل سنة الفجر فحوَّل هذه النية إلى صلاة الفجر أو إلى سنة الفجر: فهذا أيضاً لا يصح. أما الانتقال من معيَّن لمطلق: فمثل أن يبدأ الصلاة على أنها راتبة الفجر، وفي أثناء الصلاة تبين أنه قد صلاها: فهنا يتحول من النية الأولى إلى نية الصلاة فقط. ومثال آخر: إنسان شرع في صلاة فريضة وحده ثم حضر جماعة، فأراد أن يحول الفريضة إلى نافلة ليقتصر فيها على الركعتين (ثم يصلي الفريضة مع الجماعة) فهذا جائز؛ لأنه حوَّل من معين إلى مطلق. هذه القاعدة: من معين لمعين: لا يصح. ومن مطلق لمعين: لا يصح. من معين لمطلق: يصح " انتهى " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (12 / السؤال رقم 347) . وسئل الشيخ – أيضاً -: هل يجوز تغيير النية من معيَّن إلى معيَّن؟ فأجاب: " لا يجوز تغيير النية من معيَّن إلى معيَّن، أو من مطلق إلى معيَّن، وإنما يجوز تغيير النية من معيَّن إلى مطلق. مثال الأول: من معيَّن إلى معيَّن، تغير النية من صلاة الظهر إلى صلاة العصر، ففي هذه الحالة تبطل صلاة الظهر؛ لأنه تحول عنها، ولا تنعقد صلاة العصر؛ لأنه لم ينوها من أولها وحينئذ يلزمه قضاء الصلاتين. ومثال الثاني: من مطلق إلى معيَّن: أن يشرع في صلاة نفل مطلق ثم يحول النية إلى نفل معين فيحولها إلى الراتبة، يعنى أن رجلاً دخل في الصلاة بنية مطلقة، ثم أراد أن يحولها إلى راتبة الظهر - مثلاً - فلا تجزئه عن الراتبة، لأنه لم ينوها من أولها. ومثال الثالث: من معيَّن إلى مطلق أن ينوي راتبة المغرب ثم بدا له أن يجعلها سنَّة مطلقة فهذا صحيح لا تبطل به الصلاة؛ وذلك لأن نية الصلاة المعينة متضمنة لنية مطلق الصلاة، فإذا ألغى التعيين بقي مطلق الصلاة لكن لا يجزئه ذلك عن الراتبة لأنه تحول عنها " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (12 / السؤال رقم 348) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39689 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 844 إذا أدرك الإمام ساجدا أو جالساً [السُّؤَالُ] ـ[إذا دخلت المسجد والإمام ساجد أو جالس بين السجدتين أو في التشهد، فهل أدخل معه؟ وهل أكبر تكبيرة أخرى للسجود أو القعود بعد تكبيرة الإحرام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إذا دخل المصلي المسجد والإمام في السجود أو الجلوس أو على أي حال، دخل معه , لقوله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا جِئْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ وَنَحْنُ سُجُودٌ فَاسْجُدُوا وَلا تَعُدُّوهَا شَيْئًا , وَمَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاةَ) رواه أبو داود (893) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود. انظر السؤال (46811) . ولا تحسب له هذه الركعة؛ لأنه لم يدرك الركوع معه. ثانياً: ذكر أهل العلم رحمهم الله تعالى أن المصلي الذي أدرك إمامه ساجداً أنه يكبر تكبيرة الإحرام ثم يسجد مع إمامه من غير تكبير؛ لأنه لم يدرك محل التكبير. قال ابن قدامة في المغني (2/183) : " وإن أدرك الإمام في ركن غير الركوع لم يكبر إلا تكبيرة الافتتاح , وينحط بغير تكبير؛ لأنه لم يُعتد له به , وقد فاته محل التكبير , وإن أدركه في السجود أو التشهد الأول كبر حال قيامه مع الإمام إلى الثالثة؛ لأنه مأموم له , فيتبعه في التكبير , كمن أدرك معه من أولها ". وانظر: "المجموع شرح المهذب" (4/218) . وهذا بخلاف التكبير للركوع؛ فإنه محسوب له , وبخلاف ما إذا انتقل بعد ذلك مع الإمام من السجود أو غيره , فإنه يكبر موافقة للإمام في الانتقال إليه , وإن كان غير محسوب له , كما أفاده ابن قدامة رحمه الله. والقول الثاني: أنه ينحط معه بتكبير , فيكبر الأولى للإحرام , والثانية ليسجد بها أو يقعد، لأنه التزم متابعة الإمام وهو في القعود أو السجود , والانتقال من القيام إلى السجود يكون بالتكبير. انظر: "المجموع" (4/218) , "حاشية ابن قاسم" (2/277) , "الإنصاف" (2/225) , "السنن الكبرى" للبيهقي (2/91) . قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (4/128) : " والمشهورُ عند الفقهاءِ رحمهم الله: أنَّه ينحطُّ بلا تكبيرٍ. ولكن مع هذا نقولُ: لو كَبَّرَ الإنسانُ فلا حَرَجَ، وإن تَرَكَ فلا حَرَجَ، ونجعلُ الخِيَارَ للإنسانِ؛ لأنه ليس هناك دليلٌ واضحٌ للتَّفريقِ بين الرُّكوعِ وغيرِه، إذ مِن الجائزِ أن يقولَ قائلٌ: إنَّ القعودَ لا يلي القيامَ، لكن الذي جعلني أَقْعُدُ هو اتِّباعُ الإمامِ، فأنا الآن انتقلتُ إلى رُكْنٍ مأمور بالانتقالِ إليه، ولكن تبعاً للإمام لا باعتبارِ الأصلِ، وهذا لا شكَّ بأنه يؤيِّدُ القولَ بأنَّه يكبِّرُ، فالذي نَرى في هذه المسألةِ أنَّ الاحتياطَ أن يكبِّرَ " انتهى. ثالثاً: ولو أحرم بالصلاة وانحط ساجداً فرفع الإمام رأسه قبل أن يضع المأموم جبهته على الأرض , فالظاهر أنه يرجع معه ولا يسجد؛ لفوات محل المتابعة برفع الإمام رأسه من الأرض قبل وضع المأموم جبهته عليها , بخلاف ما إذا كان معه من أول الصلاة. ولو أدركه في السجدة الأولى فانحط ساجداً فرفع الإمام رأسه , وجلس بين السجدتين جلس معه المأموم , فإذا سجد الثانية سجد معه. والله أعلم. انظر: " أحكام حضور المساجد" (ص143-144) للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39235 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 845 هل المخاط يُبطل الصلاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمرأة أن تصلي والمخاط يخرج منها طوال اليوم؟ تحاول أن تستحم لتكون نظيفة دائماً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم يجوز ذلك بل يجب عليها أن تصلي الصلوات في أوقاتها؛ وليس ذلك بمانع يمنع من فعل الصلاة. واعلم أيها السائل الكريم أن البصاق والمخاط ليسا من نوا قض الوضوء؛ وهما طاهران، فقد رخص النبي صلى الله عليه وسلم أن يبصق المصلي في ثوبه أو تحت قدمه في الصلاة رواة البخاري (500) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 26872 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 846 هل العمل من الأعذار المبيحة لتأخير الصلاة عن وقتها؟ [السُّؤَالُ] ـ[إنني أعمل، وفي وقت لا يسمح لي بأداء صلاة الفجر وصلاة الظهر، هل يجوز لي أن أصليهما في وقت بعد العمل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يحل لمسلمٍ أن يؤخر الصلاة عن وقتها إلا من عذر، ومن الأعذار الشرعية التي تبيح قضاء الصلاة بعد خروج وقتها: النوم والنسيان، وليس القيام بأعمال الدنيا من الأعذار المبيحة لترك الصلاة أو تأخيرها عن وقتها، بل من صفات المؤمنين الصادقين أنهم لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذِكر الله وإقام الصلاة. قال الله تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآَصَالِ. رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ. لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) النور / 36 – 38. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي: فهؤلاء الرجال وإن اتجروا , وباعوا , واشتروا: فإن ذلك لا محذور فيه، لكنه لا تلهيم تلك بأن يقدموها ويؤثروها على (ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ) بل جعلوا طاعة الله وعبادته غاية مرادهم , ونهاية مقصدهم، فما حال بينهم وبينها رفضوه. ولما كان ترك الدنيا شديداً على أكثر النفوس , وحب المكاسب بأنواع التجارات محبوباً لها , ويشق عليها تركه في الغالب , وتتكلف من تقديم حق الله على ذلك: ذكر ما يدعوها إلى ذلك , - ترغيباً وترهيباً – فقال: (يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ) من شدة هوله، وإزعاجه القلوب، والأبدان , فلذلك خافوا ذلك اليوم , فسهل عليهم العمل (يعني: العمل للآخرة) , وترك ما يشغل عنه. " تفسير السعدي ". وفي فرضية الصلاة وحكم وقتها قال الله تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} النساء / 103. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي: أي: مفروضا في وقته، فدل ذلك على فرضيتها , وأن لها وقتاً لا تصح إلا به , وهو هذه الأوقات , التي قد تقررت عند المسلمين , صغيرهم , وكبيرهم , عالمهم وجاهلهم , وأخذوا ذلك عن نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم بقوله: " صلوا كما رأيتموني أصلي "، ودلَّ قوله {عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} على أن الصلاة ميزان الإيمان , وعلى حسب إيمان العبد تكون صلاته , وتتم وتكمل. " تفسير السعدي ". وقال تعالى – متوعداً من أخَّر الصلاة عن وقتها لغير عذر -: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا. إِلا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا) مريم / 59، 60. والغي: الخسران أو وادٍ في جهنم. وقال تعالى: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ. الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) الماعون / 4، 5. قال ابن كثير: عن ابن مسعود أنه قيل له إن الله يكثر ذكر الصلاة في القرآن (الذين هم عن صلاتهم ساهون) و (على صلاتهم دائمون) و (على صلاتهم يحافظون) فقال ابن مسعود: على مواقيتها، قالوا: كنا نرى ذلك إلا على الترك، قال: ذلك الكفر … وقال الأوزاعي عن إبراهيم بن يزيد أن عمر بن عبد العزيز قرأ (فخلف مِن بعدهم خلْف أضاعوا الصلاة واتَّبعوا الشهوات فسوف يلْقَوْن غيّاً) ثم قال: لم تكن إضاعتهم تركها ولكن أضاعوا الوقت. " تفسير ابن كثير " (3 / 128، 129) . فلا يحل لك تأخير الصلاة عن وقتها بعذر العمل، فإن لم يمكنك أن تصلي الصلاة في وقتها بسبب العمل فعليك ترك هذا العمل، والبحث عن عمل غيره لا يكون سبباً في تضييع الصلاة، ولا ينبغي للمسلم العاقل أن يعرِّض نفسه لوعيد ربه تبارك وتعالى، ولا أن يبيع دينه بعرَضٍ من الدنيا زائل. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36784 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 847 قراءة البسملة في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجب أن يقول بسم الله الرحمن الرحيم بعد الانتهاء من الفاتحة مباشرة قبل تلاوة السورة؟ وماذا لو بدأ من منتصف السورة ماذا يقول؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قراءة البسملة مستحبة وليست واجبة، وهي مستحبة إذا كان سيقرأ سورة من أولها. فيأتي بها المصلي قبل الفاتحة، وأما القراءة بعد الفاتحة فإن قرأ من بداية سورة أتى بها إلا سورة التوبة فإنه لا يقرأ البسملة في أولها، وإن قرأ من وسط السورة، فلا يستحب له قراءة البسملة. قالت اللجنة الدائمة: دلَّت السنَّة الثابتة أنه صلى الله عليه وسلم يقرأ البسملة في الصلاة قبل الفاتحة وقبل غيرها من السوَر، ما عدا سورة التوبة، لكنه كان لا يجهر بها في الصلاة الجهرية صلى الله عليه وسلم. " فتاوى اللجنة الدائمة " (6 / 378) . وقالت أيضاً: التسمية مشروعة في كل ركعة من الصلاة قبل الفاتحة، وقبل كل سورة سوى سورة براءة. " المرجع نفسه ". وقالت أيضاً: إذا كان سيقرأ سورة بعد الفاتحة: فيقرأ قبلها البسملة سرّاً، وإذا كان سيقرأ ما تيسر من وسط السورة أو آخرها: فلا تشرع له قراءتها. " فتاوى اللجنة الدائمة " (6 / 380) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 22186 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 848 الاستعاذة في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجب أن يقول الإنسان " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " في كل ركعة؟ أم تكفي أول ركعة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: أمر الله بالاستعاذة من الشيطان الرجيم عند تلاوة القرآن فقال تعالى: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} النحل / 98. والاستعاذة معناها: الالتجاء إلى الله من شرِّ كل ذي شرٍّ، فهي تقال لدفع الشرور عن الإنسان، فكأن المستعيذ يقول: أستجير بجناب الله من الشيطان الرجيم أن يضرني في ديني أو دنياي أو يصدني عن فعل ما أمرت به أو يحثني على فعل ما نهيت عنه. وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن الاستعاذة مستحبة وليست واجبة. المغني 2 /145 وذهب بعضهم أن الاستعاذة واجبة، واستدلوا بالآية، وأن الأمر يدل على الوجوب. وهو قول ابن حزم ومال إليه ابن كثير رحمه الله. انظر: " تفسير ابن كثير " (1 / 14) . واختارات اللجنة الدائمة أن الاستعاذة سنة. جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: الاستعاذة سنة فلا يضر تركها في الصلاة عمداً أو نسيانياً فتاوى اللجنة الدائمة 6 / 381 ثانياً: ومن صيغ الاستعاذة: 1- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. 2- أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم. 3- يزيد على الصيغة الثانية من همزه ونفخه ونفثه. ومعنى الهمز: الخنق، والنفخ: الكبر، والنفث: الشِّعر. انظر: " تفسير ابن كثير " (1 / 13) . ثالثاً: والاستعاذة تكون في الصلاة وغيرها، ويكفي أن تُقرأ في الصلاة مرة واحدة في أول ركعة، ولا يجب أن تقرأ في كل ركعة. قال ابن قدامة: وقد روى مسلم عن أبي هريرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نهض من الركعة الثانية استفتح القراءة بالحمد لله رب العالمين، ولم يسكت "، وهذا يدل على أنه لم يكن يستفتح ولا يستعيذ ... فأما الاستعاذة فاختلفت الرواية عن أحمد فيها في كل ركعة، فعنه: أنها تختص بالركعة الأولى، وهو قول عطاء، والحسن، والنخعي، والثوري؛ لحديث أبي هريرة هذا، ولأن الصلاة جملة واحدة فالقراءة فيها كلها كالقراءة الواحدة ... والرواية الثانية، يستعيذ في كل ركعة، وهو قول ابن سيرين، والشافعي، لقوله سبحانه وتعالى: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} ، فيقتضي ذلك تكرير الاستعاذة عند تكرير القراءة، ولأنها مشروعة للقراءة، فتكرر بتكررها، كما لو كانت في صلاتين. " المغني " (2 / 216) . قال ابن القيم رحمه الله: والاكتفاء باستعاذة واحدة أظهر. زاد المعاد 1 / 242 وقال الشوكاني: الأحاديث الواردة في التعوذ ليس فيها إلا أنه فعل ذلك في الركعة الأولى ... فالأحوط: الاقتصار على ما وردت به السنة، وهو الاستعاذة قبل قراءة الركعة الأولى فقط. " نيل الأوطار " (2 / 231) . رابعاً: وقد اختلف الفقهاء في مكان الاستعاذة في الصلاة، فقال قوم: تكون بعد القراءة وهو قول ضعيف. وقال ابن كثير رحمه الله: والمشهور الذي عليه الجمهور أن الاستعاذة إنما تكون قبل التلاوة لدفع الموسوس عنها. " تفسير القرآن العظيم " (1 / 13) . وقال الجصَّاص: وقول من قال: " الاستعاذة بعد الفراغ من القراءة ": شاذ، وإنما الاستعاذة قبل القراءة لنفي وساوس الشيطان عند القراءة، قال الله تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان} ، فإنما أمر الله بتقديم الاستعاذة قبل القراءة لهذه العلة. " أحكام القرآن " (3 / 283) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 9062 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 849 إذا عطس أو سمع نهيق حمار في الصلاة فهل يقول الذكر الوارد؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا عطس المصلي في صلاته فهل يقول الحمد لله، وكذلك إذا سمع نهيق الحمار فهل يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أما العطاس فقد وردت السنة بأن المصلي يحمد لله إذا عطس. وأما الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم عند سماع نهيق الحمار فلم ترد السنة بذلك. قال الشيخ ابن عثيمين: "إذا عطس المصلي فإنه يقول: الحمد لله، كما صح ذلك في قصة معاوية بن الحكم رضي الله عنه أنه دخل مع النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة فعطس رجل من القوم فقال: الحمد لله. فقال له معاوية: يرحمك الله. فرمى الناسُ معاويةَ بأبصارهم منكرين عليه ما قال، فقال: واثكل أمياه، فجعلوا يضربون على أفخاذهم يسكتونه فسكت، فلما انصرف من الصلاة دعاه النبي صلى الله عليه وسلم، قال معاوية: بأبي هو وأمي، فَوَاللَّهِ مَا كَهَرَنِي وَلا ضَرَبَنِي وَلا شَتَمَنِي، قَالَ: إِنَّ هَذِهِ الصَّلاةَ لا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ. رواه مسلم (537) وأبو داود (930) . ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على العاطس الذي حمد الله؛ فدل ذلك على أن الإنسان إذا عطس في الصلاة حمد الله لوجود السبب القاضي بالحمد، ولكن لا يكون ذلك في كل ما يوجد سببه من الأذكار في الصلاة" اهـ. "فتاوى ابن عثيمين" (13/342) . وسئل رحمه الله: هل يجوز للمصلي أن يحمد الله إذا عطس، ويتعوذ بالله إذا سمع نهيق الحمار؟ وهل هناك فرق في ذلك بين الفرض والنفل؟ فأجاب: "أما حمده إذا عطس، وتعوذه عند سماع نهيق الحمار فهو جائز على اختيار شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله، ومكروه على المشهور من مذهب الإمام أحمد، والأصح اختيار شيخ الإسلام بالنسبة لحمده عند العطاس، أما بالنسبة لتعوذه عند سماع النهيق فالأولى أن لا يتعوذ، والفرق بينهما: أن الحمد عند العطاس جاءت به السنة، ولأنه مشروع بأمر يتعلق به نفسه، بخلاف نهيق الحمار فإنه لأمر خارج، ولا ينبغي أن يشغل نفسه بسماع ما هو خارج عن الصلاة. ولا فرق فيما تقدم بين الصلاة المكتوبة والنافلة" اهـ. "فتاوى ابن عثيمين" (13/342) . والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 34523 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 850 تحرك في الصلاة لتشغيل الميكرفون [السُّؤَالُ] ـ[قمنا بالصلاة والكهرباء مقطوعة، وعند عودة الكهرباء أثناء الصلاة، تقدم أحد المصليين لتشغيل الميكروفون، وعاد إلى الصلاة مرة أخرى. هل يجوز أم لا يجوز؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ينبغي على المصلي أن يترك في صلاته الحركة الخارجة عن أعمال الصلاة، خاصة إذا لم يكن يحتاج إليها وهو في صلاته؛ فإن ذلك من تمام إقامة الصلاة التي أمرنا بها. قال الله تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) البقرة /238. قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله في تفسيره: (أي: ذليلين خاشعين) . وقال الله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) المؤمنون/1-2 وأما ما ذكرته من أن بعض المصلين تقدم لتشغيل مكبر الصوت وهو في صلاته، فإن حركته هذه لا تبطل صلاته، لكن إن كانت هناك حاجة إلى تشغيل مكبر الصوت في الصلاة، مثل أن تكون الجماعة كثيرة، ولا يبلغهم صوت الإمام، فقد أحسن بفعله ذلك. وأما إن لم يكن هناك حاجة إلى تشغيل المكبر في الصلاة، فقد فعل مكروها، لكن صلاته لا تبطل؛ لأن مثل هذا الفعل يعد من الحركة القليلة التي لا تبطل بها الصلاة. ولمعرفة أحكام الحركة في الصلاة، انظر السؤال رقم (12683) . غير أنه ينبغي هنا التنبه إلى أنه لا ينبغي استعمال مكبرات الصوت خارج المسجد، كما يفعله كثير من الناس اليوم، لما في ذلك من التشويش على المصلين في المساجد الأخرى، أو المصلين في بيوتهم من النساء وذوي الأعذار. انظر السؤال رقم (38521) . والله الموفق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 34536 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 851 إذا فسدت صلاته أو قطعها فهل يسلّم [السُّؤَالُ] ـ[إذا فسدت الصلاة أو قطع المصلي صلاة النافلة ليدخل مع الإمام في الصلاة فهل يسلم من الصلاة أم ماذا يفعل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا عرض للمصلي عارض وهو في صلاته يقتضي منه الخروج من صلاته، كمن شرع في صلاة نفل فأقيمت الصلاة فإنه في هذه الحالة يكتفي بنية قطع الصلاة، ولا يسلم، لأن محل السلام هو آخر الصلاة، لقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم) رواه أصحاب السنن إلا النسائي بسند صحيح. أما من فسدت صلاته فإنه ينصرف من صلاته بلا سلام ولا نية لأن الصلاة قد فسدت. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى الشيخ عبد العزيز آل الشيخ. مجلة البحوث الإسلامية (61/82) . الحديث: 33742 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 852 إذا لم يسجد على الأعضاء السبعة جميعها بطلت صلاته [السُّؤَالُ] ـ[يُشاهد بعض المصلين أنه في أثناء سجوده يرفع إحدى قدميه أو كليهما، فما حكم هذا الفعل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب على الساجد أن يسجد على الأعضاء السبعة التي أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالسجود عليها، وهي الوجه، ويشمل (الجبهة والأنف) ، والكفان والركبتان، وأطراف القدمين. اهـ. قال النووي: لَوْ أَخَلَّ بِعُضْوٍ مِنْهَا لَمْ تَصِحّ صَلاته. اهـ من شرح مسلم. وقال الشيخ ابن عثيمين: " لا يجوز للساجد أن يرفع شيئاً من أعضائه السبعة. لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ عَلَى الْجَبْهَةِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ) رواه البخاري (812) ومسلم (490) ، فإن رفع رجليه أو إحداهما، أو يديه أو إحداهما، أو جبهته أو أنفه أو كليهما، فإن سجوده يبطل ولا يعتد به، وإذا بطل سجوده فإن صلاته تبطل. لقاءات الباب المفتوح للشيخ ابن عثيمين (2/99) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 33761 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 853 زيادة (والشكر) بعد الرفع من الركوع [السُّؤَالُ] ـ[بعض الناس يزيد كلمة " والشكر " بعد قوله " ربنا ولك الحمد "، فما رأي فضيلتكم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ ابن عثيمين: لا شك أن التقييد بالأذكار الواردة هو الأفضل، فإذا رفع الإنسان من الركوع فليقل: ربنا ولك الحمد ولا يزد "والشكر" لعدم ورودها. والصفات الواردة في الرفع من الركوع أربع: 1- ربنا ولك الحمد. 2- ربنا لك الحمد. 3- اللهم ربنا لك الحمد. 4- اللهم ربنا ولك الحمد. فهذه الصفات الأربع تقولها لكن لا جميعاً، ولكن تقول هذه مرة وهذه مرة، ففي بعض الصلوات تقول: ربنا ولك الحمد، وفي بعض الصلوات تقول: ربنا لك الحمد، وفي بعضها: اللهم ربنا لك الحمد، وفي بعضها: اللهم ربنا ولك الحمد. وأما الشكر فليست واردة فالأولى تركها اهـ بتصرف يسير. [الْمَصْدَرُ] "فتاوى أركان الإسلام" (ص326) . الحديث: 33592 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 854 وجوب تسوية الصفوف [السُّؤَالُ] ـ[أرى بعض المصلين ممن يتأخرون عن الصف قليلاً، فما حكم ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله السنة تسوية الصفوف بل قال بعض العلماء إن تسوية الصف واجبة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى رجلاً بادياً صدره قال: (لتُسوّن صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم) البخاري في الأذان (717) وهذا وعيد ولا وعيد إلا على فعل محرم أو ترك واجب والقول بوجوب تسوية الصفوف قول قوي وقد ترجم البخاري رحمه الله على ذلك، بقوله: باب إثم من لم يتم الصفوف. البخاري في الأذان باب 75 (2/245 فتح) [الْمَصْدَرُ] كتاب الدعوة 5 ابن عثيمين 2/91 الحديث: 26786 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 855 يقيمون في مكان العمل 28 يوماً، فهل يقصرون الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[نحن جماعة نعمل في مكان بعيد عن منازلنا وأهلينا، وفي مكان خالٍ من السكان والمرافق والمساجد , والمدة التي نقضيها في العمل تساوي المدة التي نقضيها في بيوتنا , أي أننا نعمل 28 يوماً مقابل 28 يوماً كعطلة، ويتم هذا طوال السنة، كما أننا نعمل 12 ساعة يوميّاً. هل يجوز لنا قصر وجمع الصلاة مدة تواجدنا في العمل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز قصر الصلاة إلا للمسافر، والمسافر إذا نوى إقامة أكثر من أربعة أيام ليس له أن يترخص برخص السفر. وعلى هذا، فليس لكم قصر الصلاة ولا الجمع بين الصلاتين، بل يلزمكم إتمامها، وأداء كل صلاة في وقتها، لأنكم تعلمون أنكم ستقيمون في مكان العمل 28 يوماً. جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (8/95) : "المسافر الذي نوى الإقامة ببلد أكثر من أربعة أيام لا يقصر الصلاة، وإذا كانت الإقامة دون هذه المدة فإنه يقصر الصلاة" اهـ. وسئل الشيخ ابن باز رحمه لله: ما رأي سماحتكم في السفر المبيح للقصر هل هو محدد بمسافة معينة؟ وما ترون فيمن نوى إقامة في سفره أكثر من أربعة أيام هل يترخص بالقصر؟ فأجاب: " جمهور أهل العلم على أنه محدد بمسافة يوم وليلة للإبل والمشاة السير العادي وذلك يقارب 80 كيلو، لأن هذه المسافة تعتبر سفراً عرفاً بخلاف ما دونها. ويرى الجمهور أيضاً أن من عزم على الإقامة أكثر من أربعة أيام وجب عليه الإتمام والصوم في رمضان. وإذا كانت المدة أقل من ذلك فله القصر والجمع والفطر، لأن الأصل في حق المقيم هو الإتمام وإنما يشرع له القصر إذا باشر السفر " فتاوى ابن باز (12/270) . وسئلت اللجنة الدائمة عن: رجل يبعد عن أهله بسبب العمل بمسافة تبيح القصر، هل يجوز له أن يقصر الصلاة في الطريق فقط، حينما يكون يتردد بين أهله ومحل عمله؟ مع العلم أنه من أول مرة كان قد نوى إقامة شهر مثلا. فأجابت: "له أن يقصر ويجمع في الطريق، مادام أن المسافة بين مقر عمله وأهله مسافة قصر، وإذا نوى الإقامة في مقر عمله شهراً فإنه لا يترخص برخص السفر في مقر عمله، بل يصلي كل صلاة في وقتها كاملة" اهـ. " فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (8 / 94، 95) . وسئلت اللجنة الدائمة (8/109) عمن يسافر إلى بلد آخر لمدة سنتين هل يقصر الصلاة؟ فأجابت: الأصل أن المسافر بالفعل هو الذي يرخص له في قصر الرباعية؛ لقوله تعالى: (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة) ، ولقول يعلى بن أمية: قلت لعمر بن الخطاب رضي الله عنهم ا: (ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) فَقَدْ أَمِنَ النَّاسُ. فقال: عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: (هي صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته) رواه مسلم. ويعتبر في حكم المسافر بالفعل من أقام أربعة أيام بلياليها فأقل، لما ثبت من حديث جابر وابن عباس رضي الله عنهم أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدم مكة لصبح رابعة من ذي الحجة في حجة الوداع، فأقام صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اليوم الرابع والخامس والسادس والسابع، وصلى الفجر بالأبطح اليوم الثامن، فكان يقصر الصلاة في هذه الأيام، وقد أجمع النية على إقامتها كما هو معلوم، فكل من كان مسافراً ونوى أن يقيم مدة مثل المدة التي أقامها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو أقل منها قصر الصلاة، ومن نوى الإقامة أكثر من ذلك أتم الصلاة؛ لأنه ليس في حكم المسافر" اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 31926 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 856 انتظار الإمام المأمومين في أثناء الركوع [السُّؤَالُ] ـ[هل يلزم الإمام الانتظار إذا سمعهم يجرون في أثناء الركوع أو في نهاية التشهد الأخير؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأفضل عدم العجلة، الأفضل أن يتأنى الإمام على وجه لا يشق على المأمومين، لأن مراعاة المأمومين الأولين أهم، فينبغي له أن يراعيهم لكن إذا تأنى قليلاً حتى يدرك القادم الركوع أو السجود أو التشهد مع الإمام فهذا أفضل وأولى بالإمام. [الْمَصْدَرُ] فتاوى إسلامية ابن باز (1/218) الحديث: 26791 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 857 المدخنة أمام المصلين [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم وضع مدخنة البخور أمام المصلين في المسجد؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج في ذلك، ولا يدخل هذا فيما ذكره بعض الفقهاء من كراهة استقبال النار، فإن الذين قالوا بكراهة استقبال النار عللوا هذا بأنه يشبه المجوس في عبادتهم للنيران، فالمجوس لا يعبدون النار على هذا الوجه وعلى هذا فلا حرج من وضع حامل البخور أمام المصلي، ولا من وضع الدفايات الكهربائية أمام المصلي أيضاً ولاسيما إذا كانت أمام المأمومين وحدهم دون الإمام. [الْمَصْدَرُ] كتاب الدعوة /5 الشيخ ابن عثيمين 2/90 الحديث: 21846 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 858 تنبيه الإمام حتى ينتظر [السُّؤَالُ] ـ[اسمع من بعض الناس إذا دخل المسجد والإمام راكع يقولون إن الله مع الصابرين، حتى يطيل الإمام في الركعة ليركعوها، هل هذا جائز؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا لا أصل له، ولم يكن في عهد الصحابة رضي الله عنهم، ولا من هديهم، وفيه أيضاً تشويش على المصلين الذين مع الإمام، والتشويش على المصلين منهي عنه، لأنه يليهم. خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة على أصحابه وهم يصلون ويرفعون أصواتهم بالقراءة، فنهاهم عن ذلك، وقال: (لا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن) مالك في الموطأ في الصلاة (29) ، وفي حديث آخر: (لا يؤذين بعضكم بعضاً ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة) أبو داود في الصلاة (1332) ، وهذا يدل على أن كل ما يشوش على المأمومين في صلاتهم فإنه منهي عنه لما في ذلك من الإيذاء والحيلولة بين المصلين وبين صلاته. أما بالنسبة للإمام فإن الفقهاء رحمهم الله يقولون: إذا أحس الإمام بداخل في الصلاة فإنه ينبغي انتظاره، ولا سيما إذا كان في الركعة الأخيرة لأن الركعة الأخيرة بها تدرك الجماعة: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) البخاري في المواقيت (580) ، ومسلم في المساجد (607) لكن إن شق على المأمومين فلا ينتظر لأنهم أحق بالمراعاة من الداخل لسبقهم عليه. [الْمَصْدَرُ] مختارات من فتاوى الصلاة للشيخ ابن عثيمين ص 73 الحديث: 21963 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 859 أتمم ما نسيت مادام الوقت قصيراً [السُّؤَالُ] ـ[صليت الظهر وبعد ذلك تذكرت أني صليت ثلاث ركعات فقط، هل أصلي الرابعة وأسجد للسهو أو أعيد الصلاة كاملة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله متى ترك المصلي ركعة من صلاته أو أكثر، ثم تذكر وهو في مصلاه أو في المسجد بعد وقت قصير كخمس دقائق ونحوها فإنه يكمل الصلاة فيأتي بما ترك، ثم يسلم ثم يسجد للسهو ثم يسلم أيضاً، فإن لم يتذكر إلا بعد طول الفصل كنصف ساعة أو بعد الخروج من المسجد وطول المدة فإنه يعيد الصلاة كلها ويلغي الأولى لعدم الموالاة بين الركعات. [الْمَصْدَرُ] فتاوى المرأة للشيخ ابن جبرين ص 71 الحديث: 21859 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 860 معيار الإطالة والتخفيف في الصلاة السنة وليس الأهواء [السُّؤَالُ] ـ[شكا لي بعض المأمومين من أنني أطيل الوقوف بعد الرفع من الركوع لأنني أقرأ الذكر الوارد كله بعد الرفع من الركوع ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ... الخ هل هناك دعاء مختصر يقرأ بعد الرفع من الركوع حتى لا نشق على الناس؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب على الإمام وكل من أقيم على عمل من الأعمال أن يراعي جانب السنة فيه، وألا يخضع لأحد لمخالفة السنة، ولا بأس إذا دعت الضرورة والحاجة أحياناً أن يخفف كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك، أما في الأحوال الدائمة المستمرة فلزوم السنة هو مقتضى الإمامة، فكن ملازماً لفعل السنة وأخبر الناس أنهم إذا صبروا على هذا نالوا ثواب الصابرين على طاعة الله، ولو ترك التخفيف وعدمه إلى أهواء الناس لتفرقت الأمة شيعاً ولكن الوسط عند قوم تطويلاً عند آخرين، فعليك بما جاء في السنة وهي معروفة ولله الحمد. ولهذا انصح كل إمام يتولى إمامة المسلمين في المساجد أن يحرص على قراءة ما كتبه العلماء في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم مثل كتاب الصلاة لابن القيم وهو كتاب معروف، وكذلك ما ذكره رحمه الله في كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد. [الْمَصْدَرُ] كتاب الدعوة 5، ابن عثيمين 2/90 الحديث: 21965 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 861 تأخير الصلاة إلى الليل بحجة العمل [السُّؤَالُ] ـ[كثير من العمال يؤخرون صلاة الظهر والعصر إلى الليل معللين ذلك بأنهم منشغلون بأعمالهم أو أن ثيابهم نجسة أو غير نظيفة فبماذا توجهونهم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز للمسلم أو المسلمة تأخير الصلاة المفروضة عن وقتها بل يجب على كل مسلم ومسلمة من المكلفين أن يؤدوا الصلاة في وقتها حسب الطاقة. وليس العمل عذراً في تأخيرها، وهكذا نجاسة الثياب ووساختها كل ذلك ليس بعذر. وأوقات الصلاة يجب أن تستثنى من العمل، وعلى العامل وقت الصلاة أن يغسل ثيابه من النجاسة أو يبدلها بثياب طاهرة، أما الوسخ فليس مانعاً من الصلاة فيها إذا لم يكن ذلك الوسخ من النجاسات أو فيه رائحة كريهة تؤذي المصلين، فإن كان الوسخ يؤذي المصلين بنفسه أو رائحته وجب على المسلم غسله قبل الصلاة أو إبداله بغيره من الثياب النظيفة حتى يؤدي الصلاة مع الجماعة. ويجوز للمعذور شرعاً كالمريض والمسافر أن يجمع بين الظهر والعصر في وقت إحداهما، وبين المغرب والعشاء في وقت إحداهما. كما صحت بذلك السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهكذا يجوز الجمع في المطر والوحل الذي يشق على الناس [الْمَصْدَرُ] فتاوى مهمة تتعلق بالصلاة للشيخ ابن باز ص 19 الحديث: 21958 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 862 حكم أخذ المصحف من المسجد ومد الظهر جداً في أثناء السجود، والعبث في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من أخذ مصحفاً من المسجد إلى البيت خاصة إذا حصل تردد من ذلك؟ وكذلك ما حكم مد الظهر جداً في أثناء السجود؟ وما حكم رفع الصوت بالقراءة قبل الصلاة؟ وما حكم العبث باللحى والثياب في أثناء الصلاة بدون حاجة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أما أخذ المصحف من المسجد فلا يجوز لأن مصاحف المسجد تبقى في المسجد ولا تؤخذ. وأما مد الظهر جداً أثناء السجود فلا ينبغي ولكن في المسجد ينبغي أن يكون الظهر معتدلاً، لا يمدده مرة ويقعره مرة، بل يكون معتدلاً رافعاً يديه عن الأرض، ويفرج عضديه عن جنبه، ويرفع بطنه عن فخذيه أي: يعتدل في السجود بحيث لا يمده طويلاً ويقعره بل يتوسط. وأما رفع الصوت بالقراءة قبل الصلاة فإنه لا يرفع صوته إذا كان عنه أحد، بل يقرأ بينه وبين نفسه كي لا يؤذي الناس، ولا يشغل المصلين، ولا يشغل القراء، ولكن يرفع بحيث يكون خفيفاً. وأما العبث باللحى والثياب أثناء الصلاة فإنه مكروه بل السنة السكون، قال تعالى: (قد أفلح المؤمنون، الذين هم في صلاتهم خاشعون) المؤمنون/1-2، فعليه أن يخشع في صلاته، ولا يعبث لا باللحية ولا بالثوب، إنما يعفى عن الشيء اليسير للحاجة، وأما الكثير فلا يجوز إلا للضرورة. [الْمَصْدَرُ] مختار من فتاوى الصلاة للشيخ ابن عثيمين ص 14 الحديث: 21947 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 863 رفع اليدين في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[بخصوص الحديث الصحيح المتواتر عن رفع اليدين قبل وبعد الركوع في الصلاة. هذا حديث صحيح يوجد في صحيح البخاري وصحيح مسلم وسنن أبي داود. لماذا لا يقبل الأحناف بهذا الحديث؟ ما هو سبب رفضهم لهذا الحديث؟ سؤال متعلق بالموضوع: هل هذا الحديث لم يبلغ الإمام أبو حنيفة رحمه الله ذلك الوقت؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث الذي أشار إليه السائل لفظه كما رواه البخاري (735) ومسلم (390) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلاةَ، وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ. وقد عمل جمهور العلماء بهذا الحديث، فقالوا باستحباب رفع المصلي يده في هذه المواضع المذكورة في الحديث. وقد صنف الإمام البخاري رحمه الله كتابا مفردا في هذه المسألة سماه (جزء في رفع اليدين) أثبت فيه الرفع في هذين الموضعين، وأنكر إنكارا شديدا على من خالف ذلك. وروى فيه عن الحسن أنه قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون أيديهم في الصلاة إذا ركعوا وإذا رفعوا. قال البخاري ولم يستثن الحسن أحدا، ولم يثبت عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يرفع يديه اهـ انظر المجموع للنووي (3/399-406) . وأحاديث رفع اليدين لا ندري هل بلغت أبا حنيفة رحمه الله أو لم تبلغه، إلا أنها بلغت أتباعه، ولكنهم لم يعملوا بها، لأنها عارضت عندهم أحاديث وآثاراً أخرى رويت في ترك رفع اليدين فيما سوى تكبيرة الإحرام. منها: ما رواه أبو داود (749) عَنْ الْبَرَاءِ بن عازب أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى قَرِيبٍ مِنْ أُذُنَيْهِ ثُمَّ لَا يَعُودُ. ومنها: ما رواه أبو داود (748) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: أَلا أُصَلِّي بِكُمْ صَلاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَصَلَّى فَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ إِلا مَرَّةً. انظر نصب الراية للزيلعي (1/393-407) . وهذه الأحاديث ضعفها أئمة الحديث وحفاظه. فحديث البراء ضعفه سفيان بن عيينة والشافعي والحميدي شيخ البخاري وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين والدارمي والبخاري وغيرهم. وأما حديث ابن مسعود فضعفه عبد الله بن المبارك وأحمد بن حنبل والبخاري والبيهقي والدارقطني وغيرهم. وكذلك الآثار التي رووها عن بعض الصحابة في ترك الرفع كلها ضعيفة، وقد تقدم قول البخاري رحمه الله: ولم يثبت عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يرفع يديه اهـ. انظر تلخيص الحبير للحافظ ابن حجر (1/221-223) . وإذا ثبت ضعف هذه الأحاديث والآثار في ترك الرفع، فتبقى الأحاديث المثبتة للرفع لا معارض لها، ولذلك ينبغي للمؤمن أن لا يترك رفع اليدين في المواضع الواردة في السنة، وليحرص على أن تكون صلاته كصلاة النبي صلى الله عليه وسلم القائل: (صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي) رواه البخاري (631) . ولذلك قال علي بن المديني – شيخ البخاري -: حق على المسلمين أن يرفعوا أيديهم عند الركوع وعند الرفع منه. قال البخاري: وكان علي أعلم أهل زمانه اهـ. ولا يجوز لأحد بعد تبين السنة ووضوحها أن يترك العمل بها تقليدا لمن قال ذلك من العلماء، قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: أجمع العلماء على أن من استبانت له سنة النبي صلى الله عليه وسلم لم يحل له أن يدعها لقول أحد اهـ. مدارج السالكين (2/335) . (وإذا كان الرجل متبعا لأبى حنيفة أو مالك أو الشافعي أو أحمد ورأى في بعض المسائل أن مذهب غيره أقوى فاتبعه كان قد أحسن في ذلك ولم يقدح ذلك في دينه ولا عدالته بلا نزاع، بل هذا أولى بالحق وأحب إلى الله ورسوله) اهـ قاله شيخ الإسلام رحمه الله في الفتاوى (22/247) : ويُعتذر عن العلماء الذين قالوا بعدم الرفع بأنهم مجتهدون، ولهم أجر على اجتهادهم وتحريهم للحق، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَبَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ) رواه البخاري (7352) ومسلم (1716) . وانظر رفع الملام عن الأئمة الأعلام لشيخ الإسلام ابن تيمية. تنبيه: هناك موضع رابع يستحب فيه رفع اليدين في الصلاة وهو إذا قام من التشهد الأول إلى الركعة الثالثة. يراجع سؤال رقم (3267) . وفقنا الله تعالى جميعا لمعرفة الحق واتباعه. والله تعالى أعلم، وصلى وسلم على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 21439 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 864 التسليم من الصلاة واحدة أم اثنتان؟ [السُّؤَالُ] ـ[عند الانتهاء من الصلاة هل نسلم تسليمة واحدة أو تسليمتين؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ ابن باز رحمه الله: ذهب الجمهور من أهل العلم إلى أن التسليمة الواحدة كافية لأنه قد ورد في بعض الأحاديث ما يدل على ذلك، وذهب جمع من أهل العلم إلى أنه لا بد من تسليمتين لثبوت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، ولقوله: (صلوا كما رأيتموني أصلي) رواه البخاري في صحيحه. وهذا القول هو الصواب. والقول بإجزاء التسليمة الواحدة ضعيف لضعف الأحاديث الواردة في ذلك، وعدم صراحتها في المطلوب، ولو صحت لكانت شاذة لأنها قد خالفت ما هو أصح منها وأثبت وأصرح، لكن من فعل ذلك – يعني: سلم تسليمة واحدة - جاهلاً أو معتقداً لصحة الأحاديث في ذلك فصلاته صحيحة. والله ولي التوفيق اهـ. [الْمَصْدَرُ] كتاب تحفة الإخوان ص: 112. الحديث: 22965 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 865 حديث (لا صلاة لمسبل) ، وحكم صلاة المسبل [السُّؤَالُ] ـ[سمعت حديثا يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمسبل) هل المقصود بالمسبل هنا المسبل في الصلاة أم المسبل في الحياة العامة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ورد في الحديث الذي رواه أبو داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ بَيْنَمَا رَجُلٌ يُصَلِّي مُسْبِلا إِزَارَهُ إِذْ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اذْهَبْ فَتَوَضَّأْ ...... فَقَالَ: (إِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ مُسْبِلٌ إِزَارَهُ وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لا يَقْبَلُ صَلاةَ رَجُلٍ مُسْبِلٍ إِزَارَهُ) رواه أبو داود (الصلاة / 543) وضعَفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود برقم (124) . أما صحَّة الصلاة فقد سئل عن ذلك الشيخ ابن عثيمين فقال: إذا كان الثوب نازلاً عن الكعبين فإنه محرّم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أسفل الكعبين من الإزار ففي النار) . وما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في الإزار فإنه يكون في غيره. وعلى هذا يجب على الإنسان أن يرفع ثوبه وغيره من لباسه عما تحت كعبيه، وإذا صلى به وهو نازل تحت الكعبين فقد اختلف أهل العلم في صحّة صلاته: فمنهم من يرى أن صلاته صحيحة، لأن هذا الرجل قد قام بالواجب وهو ستر العورة. ومنهم من يرى أن صلاته ليست بصحيحة، وذلك لأنه سَتَرَ عورته بثوب محرّم، وجعل هؤلاء من شروط الستر أن يكون الثوب مباحاً، فالإنسان على خطر إذا صلى في ثياب مسبلة فعليه أن يتَّقي الله عز وجل وأن يرفع ثيابه حتى تكون فوق كعبيه. فتاوى الشيخ ابن عثيمين ج/12 ص/306. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 21650 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 866 كيف تصلي المرأة في الأماكن العامة [السُّؤَالُ] ـ[ي هل يجوز للمرأة أن تصلي وفي المكان رجال أجانب يرونها من أمامها ومن خلفها كما الحال عندما تكون في رحلة أو نزهة أو في المطار ويخشى خروج الوقت؟ وكيف تكون صفة صلاتها في هذه الحالة؟ جزاكم الله كل الخير.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا اضطرت المرأة إلى الصلاة في الأماكن العامة، والرجال يمرُّون عليها ويرونها فإنها تغطي جميع بدنها وتصلي في الوقت. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 21803 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 867 الأماكن التي ينهى عن الصلاة فيها [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكنكم أن تخبروني بالأماكن السبع المحرمة التي لا يجوز الصلاة فيها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لعلك تقصدين الحديث الذي رواه الترمذي (346) وابن ماجة (746) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُصَلَّى فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ: فِي الْمَزْبَلَةِ، وَالْمَجْزَرَةِ، وَالْمَقْبَرَةِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَفِي الْحَمَّامِ، وَفِي مَعَاطِنِ الْإِبِلِ، وَفَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِ اللَّهِ) غير أن هذا الحديث ضعيف. قَالَ الترمذي عقبه: "وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ إِسْنَادُهُ لَيْسَ بِذَاكَ الْقَوِيِّ". وكذا ضعفه أبو حاتم الرازي – كما في "العلل" لابنه (1/148) ، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" (1/399) ، والبوصيري في "مصباح الزجاجة" (1/95) ، والحافظ في "التلخيص" (1/531-532) ، والألباني في "الإرواء" (1/318) . وعلى هذا، لا يصح الاستدلال بهذا الحديث الضعيف على النهي عن الصلاة في هذه المواطن، إلا أن بعض هذه المواطن قد ثبت النهي عن الصلاة فيها في أحاديث أخرى صحيحة، كالحديث الذي رواه أبو داود (492) والترمذي (317) وابن ماجة (745) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إِلَّا الْمَقْبَرَةَ وَالْحَمَّامَ) . قال شيخ الإسلام رحمه الله: إسناده جيد. "اقتضاء الصراط المستقيم" (ص 332) ، وصححه الألباني في "الإرواء" (1/320) . وبعض هذه المواطن يحتاج الكلام فيها إلى شيء من التفصيل: 1- المزبلة. وهي ملقى الزبالة وهي الكناسة، وقد تكون فيها نجاسة، فينهى عن الصلاة فيها من أجل نجاستها. ثم على فرض طهارتها فهي مكان مستقذر، لا يليق أن يقف المسلم فيه بين يدي الله تعالى. 2- المجزرة. وهو الموضع الذي تذبح فيه البهائم، وذلك لتلوث المكان بالنجاسات ـ كالدم ـ والقذارات. فإذا كان في المجزرة مكان نظيف طاهر فتصح الصلاة فيه. 3- المقبرة. وهي موضع القبور، ونهي عن الصلاة فيها لئلا يتخذ ذلك ذريعة إلى عبادة القبور، أو التشبه بمن يعبد القبور. ويستثنى من ذلك: صلاة الجنازة، فإنها تصح في المقبرة، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على المرأة التي كانت تنظف المسجد بعد ما دفنت في قبرها. رواه البخاري (460) ومسلم (956) . ومما ينهى عن الصلاة فيه أيضاً: المسجد المبني على قبر، لما تواتر من لعن النبي صلى الله عليه وسلم من اتخذ القبور مساجد، ونهيه عن ذلك. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فهذه المساجد المبنية على قبور الأنبياء والصالحين والملوك وغيرهم يتعين إزالتها بهدم أو بغيره، هذا مما لا أعلم فيه خلافا بين العلماء المعروفين، وتكره الصلاة فيها من غير خلاف أعلمه، ولا تصح عندنا في ظاهر المذهب؛ لأجل النهي واللعن الوارد في ذلك، ولأحاديث أخر" انتهى. "اقتضاء الصراط" (ص 330) . 4- قارعة الطريق. وهو الطريق الذي يسلكه الناس، أما الطريق المهجور، أو جانب الطريق الذي لا يسلكه الناس فلا ينهى عن الصلاة فيه. وسبب النهي عن الصلاة في قارعة الطريق: أنه يضيق على الناس ويمنعهم من المرور، ويشغل نفسه فيحصل له تشويش يمنعه من كمال صلاته. والصلاة في قارعة الطريق مكروهة، وقد تكون حراماً إذا كان يضر الناس بمنعهم من المرور أو يعرض نفسه للضرر بالحوادث وغيرها. ويستثنى من ذلك: موضع الحاجة أو الضرورة كصلاة الجمعة أو العيد في الطريق إذا امتلأ المسجد، وعلى هذا جرى عمل المسلمين. 5- الحمام. وهو مكان الاغتسال المعروف. وقد ثبت النهي عن الصلاة في الحمام في حديث أبي سعيد المتقدم، وهو يدل على بطلان الصلاة فيه. وعلة النهي عن الصلاة فيه: أنه تأوي إليه الشياطين، وتكشف فيه العورات. وظاهر الحديث أن النهي شامل لكل ما يدخل في اسم "الحمام". فلا فرق بين المكان الذي يُغتسل فيه، أو توضع فيه الثياب. وإذا نُهي عن الصلاة في الحمام فالنهي عن الصلاة في الحُش (وهو موضع قضاء الحاجة) من باب أولى، وإنما لم يرد النهي عن الصلاة في الحش لأن كل عاقل سمع النبي صلى الله عليه وسلم ينهي عن الصلاة في الحمام علم أن الصلاة في الحش أولى بهذا النهي. ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ولم يرد في الحشوش نص خاص [يعني بالنهي عن الصلاة فيها] لأن الأمر فيها كان أظهر عند المسلمين أن يحتاج إلى دليل" انتهى. "مجموع الفتاوى" (25/240) . 6- معاطن الإبل. وهي الأماكن التي تأوي إليها (الحظيرة) ويشمل أيضاً: المكان الذي تجتمع فيه بعد صدورها من الماء. وعلة النهي: أن معاطن الإبل مأوى الشياطين، وإذا كانت الإبل موجودة فيها فإنها تشوش على المصلي وتمنعه من كمال الخشوع لأنه يخشى من أذيتها له. 7- فوق ظهر بيت الله. قال العلماء الذين نهوا عن ذلك، لأنه لا يكون مستقبل جهة القبلة وإنما يكون مستقبل لبعضها، لأن بعض الكعبة سيكون خلف ظهره. وذهب آخرون إلى صحة الصلاة فوق الكعبة، لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى داخلها عام الفتح، فالصلاة فوقها مثلها. والواقع أن الصلاة فوق ظهر الكعبة اليوم غير متيسرة. ومن الأماكن التي ينهى عن الصلاة فيها أيضاً: 8- الأرض المغصوبة. فمن غصب أرضاً حرم عليه الصلاة فيها بإجماع العلماء. قال النووي رحمه الله في "المجموع" (3/169) : " الصَّلَاةُ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ " انتهى. وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم (104429) . وانظر: "الشرح الممتع" (2/237 – 260) ، "شرح بلوغ المرام لابن عثيمين" (1/518 – 522) ، "حاشية ابن قاسم" (1/537 – 547) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 140208 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 868 انكشف جزء من بدنها في الصلاة ثم سترته في الحال [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الصلاة إذا انكشف شيء من جسد المرأة كنحرها أو شعرها أو رقبتها بدون قصد وسارعت أثناء الصلاة بستره هل تعيد الصلاة أو ماذا عليها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ستر العورة شرط لصحة الصلاة عند جمهور العلماء رحمهم الله، سواء كان ذلك في حق الرجل أو المرأة، وينظر جواب السؤال (1046) في حد عورة المرأة في الصلاة. ومما يدل على ذلك، ما روته عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار) رواه أبو داود والترمذي , وصححه الألباني في "سنن أبي داود". وقال ابن عبد البر: "احتج من قال الستر من فرائض الصلاة , بالإجماع على إفساد من ترك ثوبه وهو قادر على الاستتار به , وصلى عرياناً , قال: وهذا أجمعوا عليه كلهم " انتهى. ينظر "المغني" (1/337) . ثانياً: من صلى ساتراً لعورته إلا أنه انكشف شيء منها بغير قصد منه ثم ستر في الحال، صحت صلاته، سواء كان رجلاً أو امرأة، وسواء في ذلك العورة المخففة أو المغلظة، وسواء كان المنكشف كثيراً أم قليلاً. قال في "كشاف القناع" (1/269) : ولا تبطل الصلاة بكشف يسير من العورة بلا قصد ... ولو كان الانكشاف اليسير في زمن طويل، وكذا لا تبطل الصلاة إن انكشف من العورة شيء كثير في زمن قصير , فلو أطارت الريح سترته عن عورته , فظهر منها ما لم يُعْفَ عنه لو طال زمنه لفُحْشه ولو كان الذي انكشف كل العورة، فأعادها سريعاً بلا عمل كثير لم تبطل صلاته , لقصر مدته أشبه اليسير في الزمن الطويل، فإن احتاج في أخذ سترته لعمل كثير بطلت صلاته " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "إذا انكشف كثير وستره في زمن يسير، فإن صلاته لا تبطل، ويُتَصَوَّرُ ذلك فيما لو هبَّت ريحٌ، وهو راكع وانكشف الثَّوب، ولكن في الحال أعاده، فظاهر كلام المؤلِّف أن الصَّلاة تبطل، والصَّحيح: أنها لا تبطل؛ لأنه ستره عن قُرْب، ولم يتعمَّد الكشف، وقد قال تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16" انتهى من "الشرح الممتع" (2/75) . وعلى هذا؛ فصلاتك صحيحة، ما دام حصل الستر في الحال، فلا تلزمك الإعادة. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 135372 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 869 تركت القيام في الصلاة وهي حامل لجهلها بحكمه، ولمشقة ذلك عليها [السُّؤَالُ] ـ[زوجتي كانت حاملاً بطفلتي الأولى، قبل تسع سنوات تقريباً، وكانت تعاني في حملها معاناة شديدة، فكانت تصلي جالسة غالب الصلوات، ولكنها أحيانا كانت تستطيع القيام في الصلاة، ولكنها تفضل الصلاة جالسة؛ لجهلها بالحكم، ولعدم زيادة الألم من جهة أخرى. الآن ماذا عليها أن تفعل، هل تعيد تلك الصلوات أم ماذا عليها أن تفعل؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الواجب على المسلم أن يصلي حسب طاقته، وقدرته، فيصلي ابتداء قائماً، فإن لم يستطع فقاعداً، فإن لم يستطع فعلى جنبه؛ لقول الله عز وجل: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن / 16، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين - وقد أصابته " البواسير " -: (صَلِّ قَائِماً، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِع فَقَاعَداً، فَإِنْ لَمْ تَْستَطِع فَعَلَى جَنْبٍ) رواه البخاري (1066) . ثانياً: متى قدر المريض في أثناء صلاته الفريضة على ما كان عاجزاً عنه، من قيام، أو قعود، أو ركوع، أو سجود، أو إيماء: انتقل إليه، وبنى على ما مضى من صلاته. وإذا كان القيام يسبّب زيادة في المرض، أو تأخيراً في البرء منه: فلا بأس بالصلاة جالساً، ولكن لا تصح الصلاة جالساً مع القدرة على القيام؛ لأن القيام ركن. ويُنظر جوابا السؤالين: (9307) و (13822) . ثالثاً: يجب العلم بأنه لا يعذر بالجهل من عنده القدرة على تعلم ما هو واجب عليه من ضروريات الدين ولم يتعلمه، كالصلاة لعموم المكلفين بها، وكالزكاة لمن ملك مالاً، فإذا كان بإمكانه أن يتعلم بسؤال أهل العلم، ولم يفعل: فهو مقصر، وعليه إثم التقصير. رابعاً: إذا كان المكلّف معذوراً بجهله، فترك شرطاً من شروط صحة الصلاة، أو ترك ركناً من أركانها: فليس عليه قضاء ما خرج وقته من الصلوات، وعليه قضاء الصلاة التي يبلغه فيها العلم قبل خروج وقتها، ودليل ذلك: أ. أما في ترك الشرط جهلاً به: فهو ما وقع لعمر بن الخطاب في تركه للصلوات لما أجنب؛ ظانّاً عدم جوازه، والحديث رواه البخاري (339) ومسلم (368) . ب. وأما في ترك شيء من أركان الصلاة جهلاً بها: فهو ما وقع للصحابي الذي ترك الطمأنينة في الأركان، فحكم النبي صلى الله عليه وسلم على صلاته بالبطلان، ولم يأمره إلا بإعادة الصلاة نفسها، دون ما سبقها من صلوات. وانظر الحديث كاملاً في جوابي السؤالين: (6834) و (12683) . وانظر تفصيلاً أوفى للمسألة في جواب السؤال رقم: (45648) . والخلاصة بخصوص زوجتك: 1. ليس عليها إثم، ولا قضاء في حال صلّت جالسة بسبب تعب حملها، ومشقة القيام عليها. 3. عليها إثم الصلاة جالسة في حال استطاعت الصلاة قائمة من غير مشقة، ويرتفع عنها الإثم في حال جهلها بهذا الحكم، أو كانت تظن أنه يجوز لمن كن في مثل حالها أن يصلي جالسا، أو كانت تخشى، إن هي صلت قائمة، من زيادة الألم فوق ما تحتمله عادة. وعلى كل حال: فليس عليها قضاء ما فات من هذه الصلوات، لكن عليها أن تستغفر الله من تقصيرها، وتجتهد في استدارك ما فاتها بما استطاعت من النوافل. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 133372 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 870 الانحراف اليسير عن القبلة، وتوسط الإمام بالنسبة للصف [السُّؤَالُ] ـ[يوجد عندنا في العمل مسجدان قام ببنائهما الموظفون، وكلا المسجدين منحرف عن القبلة، وواحد منهما فيه زيادة في جهة اليسار عن المحراب بحيث الذين يصفون من جهة اليسار يصلون إلى عشرين فرداً، والذين يصفون في جهة اليمين يصلون إلى عشرة فقط، والإخوان جميعاً يعلمون عن انحراف المسجد عن القبلة، وكذلك من يؤمنا، فما حكم الصلاة في هذه المساجد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كان الانحراف يسيراً فلا يضر الانحراف اليسير، يُعفى عنه عند أهل العلم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ) ، يقوله في حق أهل المدينة ونحوهم، فهكذا في الشرق ما بين الشمال والجنوب قبلة، وهكذا في الغرب ما بين الجنوب والشمال قبلة، فالمقصود أن الانحراف اليسير والميل اليسير الذي لا يخرجه عن الجهة هذا يعفى عنه. أما إذا انحرف إلى الجهة الأخرى فهذا هو الذي لا يعفى عنه، وأما الانحراف اليسير فيعفى عنه. وتوسط الإمام هو السنة، وإذا كان المحراب غير متوسط فالمشروع أن يوسطوه وينقلوه إلى وسط المسجد لا إلى جهة أبعد من الوسط، فيكون الجماعة عنه على حد سواء فإذا كان الصف ثلاثين يكون عنه من هنا خمسة عشر وعنه من هنا خمسة عشر ويكون متوسطاً، هذا هو السنة، وهذا هو المشروع" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (2/737) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 133056 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 871 الخشوع في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[هل صحيح بأن الصلاة التي ليس فيها خشوع تام لله عز وجل لا يقبلها منا أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المطلوب من المصلي أن يخشع في صلاته، ويقبل عليها، لأن الله تعالى قال: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) المؤمنون/1، 2، فالإقبال على الصلاة والخشوع فيها من أهم المهمات وهو روحها، فينبغي العناية بالخشوع والطمأنينة في الصلاة؛ في سجوده، في ركوعه، بين السجدتين، بعد الركوع حينما يعتدل ويخشع ويطمئن، ولا يعجل. وإذا أخل بالخشوع على وجه يكون معه النقر في الصلاة وعدم الطمأنينة تبطل الصلاة. أما إذا كان يطمئن فيها، ولكن قد تعتريه بعض الهواجس وبعض النسيان هذا لا يبطل الصلاة، لكن ليس له من صلاته إلا ما عقل منها وما خشع فيه وأقبل عليه يكون له ثواب ذلك، وما فرط فيه يفوته ثوابه، فينبغي للعبد أن يُقبل على الصلاة ويطمئن فيها ويخشع فيها لله عز وجل حتى يكمل ثوابه، ولكن لا تبطل إلا إذا أخل بالطمأنينة مثل إذا ركع ركوعاً ليس فيه طمأنينة فيعجل ولا تخشع الأعضاء، والواجب أن يطمئن حتى يرجع كل فقار إلى مكانه، وحتى يتمكن من قول: سبحان ربي العظيم في الركوع ومن قول: سبحان ربي الأعلى في السجود، وحتى يتمكن من قول: ربنا ولك الحمد، إلى آخره بعد الرفع من الركوع، وحتى يتمكن بين السجدتين أن يقول: رب اغفر لي، هذا لابد منه. ولما رأي النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً لم يطمئن في صلاته، بل كان ينقرها، أمر الرجل أن يعيد وقال: (صَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ) ، والطمأنينة من أهم الخشوع، وهي خشوع واجب في الصلاة، في الركوع، في السجود، بين السجدتين، وحال الاعتدال من الركوع، هذا يقال له: طمأنينة، وتسمى خشوعاً أيضاً، لا بد من هذه الطمأنينة حتى يرجع كل فقار إلى مكانه، إذا ركع اطمأن حتى ترجع العظام إلى محلها، وكل فقار إلى مكانه، وإذا رفع اطمأن وهو واقف بعد الركوع، وإذا سجد يطمئن ويهدأ ولا يعجل حتى يعود كل فقار إلى مكانه" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (2/774) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 132081 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 872 صلت العشاء في وقت المغرب جاهلة [السُّؤَالُ] ـ[أذن المغرب واعتقدت أنه أذان العشاء الآخرة، فصليت المغرب أربعاً على هذه النية، ولما جلست مع بقية العائلة وأذن للعشاء استنكرت ذلك، فأخبروني أن العشاء لم يؤذن لها إلا الآن، هل أعيد صلاة المغرب أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كانت لم تصل المغرب وصلت العشاء قبل أن تصلي المغرب تحسب أن الأذان أذان العشاء ونسيت المغرب فإنها تعيد، تصلي المغرب ثم تعيد العشاء، لأنها صلت العشاء في غير وقتها، صلتها في وقت المغرب، فإذا كانت قد صلت المغرب بعد غروب الشمس أجزأتها المغرب، وأما العشاء فتعيدها لأنها صلتها قبل وقتها. والصلاة في غير وقتها لا تصح، لكن إذا كانت لم تصل المغرب فلابد أن تقضي المغرب ثم تصلي العشاء" انتهى. [الْمَصْدَرُ] سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (2/728) الحديث: 131632 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 873 الصلاة في الثوب الخفيف [السُّؤَالُ] ـ[هناك بعض الناس يصلون في ثوب خفيف جداً وبدون سراويل طويلة، وإنما سراويل صغيرة جداً، فهل صلاتهم صحيحة؟ وبماذا ننصحهم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كان الذي يصلي رجلاً فالواجب أن يستر ما بين السرة والركبة، وليكن عليه سراويل ساترة، أو قميص ساتر، وإذا كان ثوبه خفيفاً يبين معه الفخذ، أي لحمة الفخذ، فيعرف سوداء أو حمراء، فهذا اللباس لا يستر، ولا تصح الصلاة معه، كأنه مكشوف، أما إذا كان اللباس يستر الفخذين والعورة، ولكنه خفيف ويستر فلا يضر، أو كان عليه سراويل وافية تستر ما بين السرة والركبة فلا يضر، أو إزار ساتر. أما المرأة فيجب ستر بدنها كله في الصلاة، وأن تكون ملابسها ساترة صفيقة [سميكة] لا يرى بدنها، وإنما تكشف وجهها فقط في الصلاة، وإن كشفت الكفين فلا بأس، لكن الأفضل ستر الكفين أيضاً، ولا يجوز لها أن تصلي في أثواب خفيفة يرى منها لحمها، ويعرف هل هو أحمر أو أسود، هذا حكمه حكم العارية، لا تصح به صلاتها" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (2/736) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131483 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 874 وجد مذيا في ثيابه بعد أن صلى صلوات [السُّؤَالُ] ـ[وجدت آثار المذي في الملابس الداخلية بعدما صليت الصبح والظهر والعصر فغيّرت ملابسي قبل صلاة المغرب فهل ما صليته باطل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: المذي ماء لزج يخرج عادة عند ثوران الشهوة، وهو نجس ناقض للوضوء، لكن نجاسته مخففة فيكفي في تطهيره غسل الفرج ورش الثوب بالماء. وينظر جواب السؤال رقم (2458) . ثانيا: صلاتك الصبح والظهر والعصر صحيحة إن شاء الله ولا يلزمك إعادتها. وذلك لسببين: 1- أنك لا تتيقن موعد خروج المذي، فهناك احتمال أن يكون خرج بعد صلاة العصر، ومع وجود هذا الاحتمال: فالأصل أن ما سبق من الصلوات كان صحيحاً، والقاعدة عند العلماء في هذا: أنه إذا وقع شك بعد الفراغ من العبادة: هل كانت صحيحة أم لا؟ فهذا الشك لا يلتفت إليه، ويبني المسلم على الأصل: وهو أن العبادة صحيحة حتى يتيقن ما يبطلها. 2- أن من صلى بالنجاسة جاهلا وجودها، أو علمها ثم نسيها، فصلاته صحيحة على الراجح، ونسبه النووي رحمه الله إلى الجمهور واختاره. المجموع (3/163) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وقوله: (أو نَسيَها) أي: نَسيَ أنَّ النَّجاسة أصابته، ولم يذكر إلا بعد سلامه فعليه الإعادة على كلام المؤلِّف؛ لإخلاله بشرط الصَّلاة؛ وهو اجتناب النجاسة، فهو كما لو صَلَّى محدثاً ناسياً حدثه. ومثل ذلك لو نسيَ أن يغسلها. والرَّاجح في هذه المسائل كلِّها: أنه لا إعادة عليه سواء نسيها، أم نسي أن يغسلها، أم جهل أنها أصابته، أم جهل أنها من النَّجاسات، أم جهل حكمها، أم جهل أنها قبل الصَّلاة، أم بعد الصلاة. والدَّليل على ذلك: القاعدة العظيمة العامة التي وضعها الله لعباده وهي قوله: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) وهذا الرَّجُل الفاعل لهذا المحرَّم كان جاهلاً أو ناسياً، وقد رفع الله المؤاخذة به، ولم يبقَ شيء يُطالب به. وهناك دليل خاصٌّ في المسألة، وهو أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صَلَّى في نعلين وفيهما قَذَرٌ؛ وأعلمه بذلك جبريل لم يستأنف الصَّلاة، وإذا لم يُبْطِل هذا أولَ الصَّلاة، فإنه لا يُبْطِلُ بقيَّة الصَّلاة " انتهى من "الشرح الممتع" (2/232) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126757 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 875 ما هي حدود العورة في الصلاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما هي العورة؟ وما حدودها؟ ولو أن شخصاً شك في أن جزءاً من عورته ظهر في الصلاة فهل يفسد هذا الصلاة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: َالْعَوْرَةُ لُغَةً: الْخَلَل فِي الثَّغْرِ وَفِي غَيْرِهِ. وَفِي الْمِصْبَاحِ المنير: كُل شَيْءٍ يَسْتُرُهُ الإِْنْسَانُ أَنَفَةً وَحَيَاءً فَهُوَ عَوْرَةٌ. وعند الْفُقَهَاء: كل مَا يَحْرُمُ كَشْفُهُ مِنَ الرَّجُل وَالْمَرْأَةِ فَهُوَ عَوْرَةٌ.. وَسِتْرُ الْعَوْرَةِ فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ هُوَ: تَغْطِيَةُ الإِْنْسَانِ مَا يَقْبُحُ ظُهُورُهُ وَيُسْتَحَى مِنْهُ، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى أَوْ خُنْثَى. ينظر: الموسوعة الفقهية (24/173) . ثانيا: سَتْرُ الْعَوْرَةِ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الصَّلاَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُل مَسْجِدٍ) الأعراف/31 قَال ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: الْمُرَادُ بِالزِّينَةِ فِي الآْيَةِ: الثِّيَابُ فِي الصَّلاَةِ. رواه الطبري في "التفسير" (12/391) . وَلِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لاَ يَقْبَل اللَّهُ صَلاَةَ حَائِضٍ إِلاَّ بِخِمَارٍ) . رواه أبو داود (641) والترمذي (377) وحسنه، وصححه الألباني. قال في "المغني" (1/336) : " سَتْرَ الْعَوْرَةِ عَنْ النَّظَرِ، بِمَا لَا يَصِفُ الْبَشَرَةَ، وَاجِبٌ , وَشَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْي " انتهى. وقال ابن حجر: " ذهب الجمهور إلى أن ستر العورة من شروط الصلاة " انتهى. "فتح الباري" (1/466) . ثالثا: الواجب على المصلي ستر عورته في الصلاة بإجماع المسلمين، وعورة الرجل ما بين السرة والركبة، عند جماهير أهل العلم. ينظر: المغني (3/7) ، الاستذكار (2/197) ، فتاوى إسلامية" (1/427) . وأما المرأة: فشعرها، وجميع جسمها عورة، يجب عليها أن تسترها، ما عدا الوجه والكفين؛ فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتها باتفاق. ينظر: الإقناع في مسائل الإجماع، لابن القطان (1/121-123) ، الشرح الممتع (2/160) وما بعدها. رابعا: متى دخل في الصلاة وهو ساتر لعورته، ثم شك في أثنائها أن جزءا منها ظهر، فليطرح الشك، وليتم صلاته، لأن الأصل ستر العورة، وطروء الشك على الأصل المتيقن لا عبرة به. وقد روى البخاري (137) ومسلم (361) عن عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ قال: شُكِيَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلُ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ. فقَالَ: (لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا) . قال النووي: " هَذَا الْحَدِيث أَصْل مِنْ أُصُول الْإِسْلَام وَقَاعِدَة عَظِيمَة مِنْ قَوَاعِد الْفِقْه , وَهِيَ أَنَّ الْأَشْيَاء يُحْكَم بِبَقَائِهَا عَلَى أُصُولهَا حَتَّى يُتَيَقَّن خِلَاف ذَلِكَ. وَلَا يَضُرّ الشَّكّ الطَّارِئ عَلَيْهَا " انتهى. والواجب على المصلى أن يحترز لصلاته قبل الدخول فيها، فيلبس ما يتيقن به ستر عورته، ويدع الملابس التي يخشى منها ظهور شيء من عورته أثناء صلاته، مثل القميص (تي شيرت) القصير، ونحو ذلك من الملابس التي تنحسر عن أسفل الظهر، فيبدو شيء من عورته إذا ركع أو سجد. راجع إجابة السؤال رقم: (3075) - (107701) [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126265 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 876 كيف يصلي إذا لم يجد إلا ثوباً عليه نجاسة؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا تنجست ثيابي ولم يكن عندي غيرها أصلي فيها، فكيف أصلي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا تصح الصلاة في الثوب النجس، والمصلي يقدر على الصلاة في ثوب طاهر، لقول الله تعالى: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) المدثر/4. ولأن امرأة جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: إِحْدَانَا يُصِيبُ ثَوْبَهَا مِنْ دَمِ الْحَيْضَةِ كَيْفَ تَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: (تَحُتُّهُ، ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ، ثُمَّ تَنْضَحُهُ [أي تغسله] ثُمَّ تُصَلِّي فِيهِ) رواه البخاري (227) ومسلم (291) . فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بتطهير الثوب من دم الحيض قبل الصلاة فيه. ثانياً: إذا تنجس الثوب ولم يكن عنده ثوب غيره يصلي فيه، فلا يخلو من ثلاث حالات: 1- أن يمكنه غسل موضع النجاسة من الثوب والصلاة فيه، كما لو كانت النجاسة على موضع من الكم مثلاً، فيجب غسلها، والصلاة في الثوب، لاستطاعته الصلاة في ثوب طاهر، فلا عذر له إن صلى بالنجاسة. 2- أن يمكنه خلع الثياب من غير أن تنكشف عورته، كما لو كان يلبس تحته ثياباً أخرى تستر عورته، فيجب عليه خلعه، والصلاة في الثياب الطاهرة، ولهذا خلع النبي صلى الله عليه وسلم خفيه وهو في الصلاة، لما جاءه جبريل وأخبره أن فيها قذراً رواه أبو داود (650) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. 3- أن لا يجد ثياباً أخرى طاهرة يصلي فيها، ولا يمكن غسل موضع النجاسة من الثوب، فالصحيح من أقوال العلماء: أنه يصلي في الثوب النجس، ويكون معذوراً، وصلاته صحيحة ولا يلزمه إعادتها بعد ذلك. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ومن لم يجد إلا ثوباً نجساً؟ ، فقيل: يُصلي عرياناً، وقيل: يُصلي فيه ويُعيد، وقيل: يُصلي فيه ولا يُعيد، وهذا أصح أقوال العلماء؛ فإن الله لم يأمر العبد أن يُصلي الفرض مرتين إلا إذا لم يفعل الواجب الذي يقدر عليه في المرة الأولى، مثل: أن يُصلي بلا طمأنينة فعليه أن يُعيد الصلاة كما أمر النبي من صلى ولم يطمئن أن يُعيد الصلاة، وقال: (ارجع فصل؛ فإنك لم تصل) ، وكذلك من نسي الطهارة وصلى بلا وضوء فعليه أن يُعيد كما أمر النبي من توضأ وترك لمعة في قدمه لم يمسها الماء أن يُعيد الوضوء والصلاة، فأما من فعل ما أُمِرَ به بحسب قدرته فقد قال تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) " انتهى. "مجموع الفتاوى" (22/34، 35) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125879 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 877 هل كشف المرأة وجهها في الصلاة يدل على أنه ليس عورة؟ [السُّؤَالُ] ـ[الإسلام لا يكشف عورة في الصلاة، فإذا كانت المرأة تصلي وهي كاشفة وجهها، فهذا يدل على أن النقاب ليس واجباً، وأن وجه المرأة ليس عورة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يصح الاستدلال بكشف المرأة وجهها في الصلاة على أن الوجه ليس عورة، وبيان ذلك: أنه لم يرد في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية أن المصلي مأمور بستر عورته، ويكشف ما سواها، فلا يصح أن يقال: ما أُمر المصلي بستره فهو عورة، وما أبيح له كشفه فليس عورة. بل الأمر الوارد في القرآن الكريم في ذلك، ورد بالتزين والتجمل للصلاة، فقال تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) الأعراف/30. وأخذ الزينة يختلف عن ستر العورة، ولذلك: قد يؤمر المصلي بستر ما ليس عورة، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل أن يصلي وليس على عاتقيه شيء من الثياب، مع أن عاتق الرجل ـ وهو الكتف ـ ليس عورة باتفاق العلماء. ورأس المرأة وشعرها ليس عورة عند زوجها ومحارمها كالأب والأخ، ومع ذلك، فلا يجوز لها أن تصلي أمام زوجها أو محارمها وهي مكشوفة الرأس، بل ليس لها أن تصلي مكشوفة الرأس ولو كانت بمفردها لا يراها أحد. فعُلم من هذا: أن الاستدلال بصلاة المرأة مكشوفة الوجه على أن الوجه ليس عورة، غير صحيح؛ لأن للصلاة أحكاماً خاصة، تختلف عن أحكام ستر العورة خارج الصلاة. وقد بَيَّن ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقال: " المرأة لو صلَّت وحدها: كانت مأمورة بالاختمار، وفي غير الصلاة يجوز لها كشف رأسها في بيتها، فأخذ الزينة في الصلاة لحقِّ الله، فليس لأحدٍ أن يطوف بالبيت عرياناً ولو كان وحده بالليل، ولا يصلي عرياناً ولو كان وحده، فعُلم أن أخذ الزينة في الصلاة: لم يكن ليحتجب عن الناس، فهذا نوع، وهذا نوع، وحينئذ فقد يستر المصلِّي في الصلاة ما يجوز إبداؤه في غير الصلاة، وقد يبدي في الصلاة ما يستره عن الرجال، فالأول: مثل المنكبين، فإن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى أن يصلي الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء) فهذا لحقِّ الصلاة، ويجوز له كشف منكبيه للرجال خارج الصلاة، كذلك المرأة الحرة تختمر في الصلاة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار) ، وهي لا تختمر عند زوجها، ولا عند ذوي محارمها، فقد جاز لها إبداء الزينة الباطنة لهؤلاء، ولا يجوز لها في الصلاة أن تكشف رأسها لهؤلاء، ولا لغيرهم. وعكس ذلك: الوجه واليدان والقدمان، ليس لها أن تبدي ذلك للأجانب على أصح القولين، وأما ستر ذلك في الصلاة: فلا يجب باتفاق المسلمين، بل يجوز لها إبداؤهما [الوجه والكفان] في الصلاة عند جمهور العلماء، كأبي حنيفة، والشافعي، وغيرهما، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، وكذلك القدم يجوز إبداؤه عند أبي حنيفة .... وبالجملة: قد ثبت بالنص والإجماع أنه ليس عليها في الصلاة أن تلبس الجلباب الذي يسترها إذا كانت في بيتها، وإنما ذلك إذا خرجت، وحينئذٍ فتصلي في بيتها، وإن رئي وجهها، ويداها، وقدماها، كما كن يمشين أولاً قبل الأمر بإدناء الجلابيب عليهن، فليست العورة في الصلاة مرتبطة بعورة النظر. وقول الفقهاء في الصلاة: " باب ستر العورة " ليس هذا من ألفاظ الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا في الكتاب والسنَّة أن ما يستره المصلي فهو عورة، بل قال تعالى: (خذوا زينتكم عند كل مسجد) ، (ونهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يطوف بالبيت عرياناً) فالصلاة أولى، وسئل صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في الثوب الواحد، فقال: (أو لكلكم ثوبان؟) . وقال في الثوب الواحد: (إن كان واسعاً فالتحف به، وإن كان ضيقاً فاتزر به) ، (ونهى أن يصلي الرجل في ثوب واحد ليس على عاتقه منه شيء) ، فهذا دليل على أنه يؤمر في الصلاة بستر العورة: الفخذ، وغيره، وإن جوَّزنا للرجل النظر إلى ذلك، فإذا قلنا على أحد القولين - وهو إحدى الروايتين عن أحمد -: إن العورة السوأتان، وإن الفخذ ليست بعورة: فهذا في جواز نظر الرجل إليها، ليس هو في الصلاة، والطواف، فلا يجوز أن يصلي الرجلُ مكشوفَ الفخذين، سواء قيل هما عورة، أو لا، ولا يطوف عرياناً، بل عليه أن يصلي في ثوبٍ واحدٍ ولا بد من ذلك، إن كان ضيقاً: اتزر به، وإن كان واسعاً: التحف به؛ كما أنه لو صلَّى وحده في بيت: كان عليه تغطية ذلك، باتفاق العلماء، وأما صلاة الرجل بادي الفخذين مع القدرة على الإزار: فهذا لا يجوز، ولا ينبغي أن يكون في ذلك خلاف، ومن بنى ذلك على الروايتين في العورة - كما فعله طائفة -: فقد غلطوا، ولم يقل أحمد، ولا غيره: إن المصلي يصلي على هذه الحال، كيف وأحمد يأمره بستر المنكبين، فكيف يبيح له كشف الفخذ؟! وقد اختلف في وجوب ستر العورة إذا كان الرجل خالياً، ولم يُختلف في أنه في الصلاة لا بد من اللباس، لا تجوز الصلاة عرياناً مع قدرته على اللباس، باتفاق العلماء " انتهى باختصار. "مجموع الفتاوى" (22 / 113 - 117) . وقال ابن القيم رحمه الله: "العورة عورتان: عورة النظر، وعورة في الصلاة، فالحرَّة لها أن تصلِّي مكشوفة الوجه، والكفين، وليس لها أن تخرج في الأسواق، ومجامع الناس كذلك " انتهى. " إعلام الموقعين " (2 / 80) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121171 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 878 حكم الانحراف عن القبلة ب 30 درجة [السُّؤَالُ] ـ[نعيش والحمد لله ببلدة صغيرة بأمريكا بالقرب من مدينة نيويورك واستطعنا تجميع الأموال اللازمة لشراء كنيسة ونحولها الآن إلى مسجد، والمبنى مائل ولهذا فإن أحد الجدران يتجه نحو الشرق ويبعد عن القبلة بثلاثين درجة (نحو الشمال الشرقي) كما قال موقع: (qiblalocator.com) . وبعد قراءة إجابة السؤال رقم 101449 قررنا أن نصلى بمحاذاة الجدار لنسهل عملية الوقوف في الصف ولتجنب المشقة عندما تزداد أعداد المصلين بمرور السنين، ومع هذا فهناك قلق يساور بعض الإخوة من بطلان صلاتنا جراء ذلك، وتبعا لفهمي لإجابتكم ولإجابة مماثلة من الشيخ محمد صالح العثيمين رحمه الله (فتاوى أركان الإسلام) ، فقد اقترحتُ أن نصلي بمحاذاة الجدار، وكان اقتراحي قائماً على فكرة أن الصلاة في هذا الاتجاه لن يبطل الصلاة حتى وإن كانت الصلاة تجاه القبلة الحقيقية أفضل. وأنا أدرك أنه من الصعب الإجابة على هذه الأسئلة دون رؤية البناء أو خريطة له ولهذا فسأقدر وأتقبل أي معلومات تقدموها توضح أن الصلاة نحو الجدار يمكن أن تبطل الصلاة. وليست نيتنا أن نغضب الله لكننا ننشد سبيل اليسر إذا كان متاحاً أمامنا وفى نفس الوقت فإننا لا نريد أن نذعن لضغوط هؤلاء الأشخاص حتى وإن كانت نواياهم حسنة فهم لا يعرفون الفرق بين طلب النصيحة من شخص عادي وبين سؤال عالم عن أحد الأحكام.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نسأل الله تعالى أن يبارك في جهودكم، وأن يستعملكم في طاعته، وأن يزيدكم علماً وهدى وتوفيقاً. ثانياً: إذا كان الانحراف عن القبلة 30 درجة كما ذكرت، فصلاتكم صحيحة؛ لأن الفرض في حقكم هو استقبال الجهة، وهذا الانحراف لا يخرجكم عن استقبال الجهة. وقد نص الفقهاء على أن الانحراف اليسير لا يضر، وبَيَّنوا أن الانحراف الكثير هو الانحراف عن الجهة. قال الدردير في "الشرح الكبير" (1/227) : " والانحراف الكثير أن يُشَرِّق أو يغرّب، نصّ عليه في المدونة [يعني: الإمام مالك رحمه الله] " انتهى. وهذا في حق أهل المدينة النبوية، ومن كان في شمال أو جنوب مكة، فإنهم إن شَرَّقوا أو غَرَّبوا، فقد انحرفوا عن القبلة انحرافاً كبيراً لا تصح معه الصلاة. وأما من كان في الغرب كأهل أمريكا، فإن جهة القبلة بالنسبة إليهم هي الشرق، فإن انحرفوا عنها إلى جهة الشمال أو الجنوب، أو استدبروها، لم تصح صلاتهم. والأصل في ذلك: ما رواه الترمذي (342) وابن ماجه (1011) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (292) ، وينظر جواب السؤال رقم (7535) . ومع هذا؛ فالأولى والأفضل تعديل قبلة المسجد، أو تعديل الصفوف، بحيث يستقبل المصلون القبلة دون انحراف، وأما تسهيل عملية الوقوف في الصف واستقامته، فيمكن ذلك بوضع خطوط على الأرض يستقيم عليه المصلون. ولا ينبغي الالتفات إلى زيادة عدد المصلين مستقبلاً، فإنه عند زيادتهم، يصلون خارج المسجد أو يسعون لتوسعته، وحيث أمكن المصلين التوجه إلى القبلة من غير انحراف فهذا أكمل، مع ما فيه من تقليل للخلاف، وإزالة للشبهة. فنوصيكم بالعمل على ذلك، وجمع كلمة المسلمين، والرفق بهم، وإعانتهم على الطاعة، ومن أشرفها: الصلاة مع الجماعة. ونسأل الله أن يوفق الجميع لما يحب ويرضى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 117734 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 879 هل قبلة المسلمين في صلاتهم دائما باتجاه الشرق؟! [السُّؤَالُ] ـ[لماذا يتجه المسلمون إلى الشرق في الصلوات؟ أرجو الإجابة مع المصادر.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يتجه المسلمون في صلاتهم إلى الكعبة المشرفة بأمر الله تعالى، وهي قبلة أبيهم إبراهيم عليه السلام. وفي هذا الأمر بالتوجه للكعبة في الصلاة حِكَم بالغة. فقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما الحكمة في اتخاذ المسلمين الكعبة الشريفة قبلتهم في الصلاة؟ فأجابوا: "لا يخفى أن واجب المسلم: فعل ما استطاع من المأمورات، والكف عن جميع ما نهي عنه من المحرمات، أدرك حكمة الأمر أو النهي، أو لم يدركها، مع إيمانه بأن الله لا يأمر العباد إلا بما فيه مصلحة لهم، ولا نهاهم إلا عما فيه مضرة عليهم، وتشريعاته سبحانه جميعها لحكمة يعلمها سبحانه، يظهر منها ما شاء؛ ليزداد المؤمن بذلك إيماناً، ويستأثر سبحانه بما شاء؛ ليزداد المؤمن بتسليمه لأمر الله إيماناً كذلك. والمسلمون اتخذوا الكعبة قبلةً امتثالاً لأمر الله سبحانه في قوله: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) البقرة / 144. ولعل من الحكمة في أمر الله لهم بذلك: أنها قِبلة أبيهم إبراهيم عليه السلام، كما جاء في سبب نزول الآية المذكورة من محبة نبينا عليه الصلاة والسلام في أن يؤمر بالتوجه في صلاته إلى الكعبة بدلاً من التوجه إلى بيت المقدس، فأمره الله بذلك. وقد يكون ذلك قطعاً لاحتجاج اليهود عليهم بموافقتهم في قِبلتهم. وقد يكون لغير ذلك، والعلم عند الله سبحانه" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز , الشيخ عبد الرزاق عفيفي , الشيخ عبد الله بن غديان , الشيخ عبد الله بن قعود. " فتاوى اللجنة الدائمة " (6 / 311 , 312) . وينظر تفصيلاً أوفى في جواب السؤال رقم: (1953) . ثانياً: ليس صحيحاً أن المسلمين يتجهون في صلاتهم إلى المشرق، بل ربما كانت الكعبة لبعض المسلمين باتجاه الشرق، وربما في جهة الغرب، أو الشمال، أو الجنوب، ويختلف ذلك باختلاف موقع البلد الجغرافي بالنسبة لاتجاهه لمكة المكرمة. وأما الذين قبلتهم المشرق باستمرار: فهم طوائف من النصارى! وليسوا المسلمين. قال الله تعالى: (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آَيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ) البقرة/ 145. قال الإمام الطبري رحمه الله: وأما قوله: (وما أنتَ بتابع قِبلتهم) ، يقول: وما لك من سبيل يا محمد إلى اتّباع قبلتهم، وذلك أن اليهود تستقبل بيت المقدس بصلاتها، وأن النصارى تستقبل المشرقَ! فأنَّى يكون لك السبيل إلى اتباع قِبلتهم مع اختلاف وجوهها؟ يقول: فالزم قبلتَك التي أمِرت بالتوجه إليها، ودعْ عنك ما تقولُه اليهود والنصارى، وتدعُوك إليه من قبْلتهم واستقبالها. " تفسير الطبري " (3 / 185) . وذكر ابن قدامة في " المغني " (1 / 492) أن النصارى يستقبلون جهة المشرق، واستقبال النصارى جهة المشرق هو من تحريفهم لدينهم، ومخالفتهم للمسيح والإنجيل. قال الشيخ صالح بن الحسين الجعفري الهاشمي: "فضيحة أخرى: النصارى يصلُّون إلى مشرق الشمس، ويتّخذونها قبْلتهم، وقد كان المسيح عليه السلام طول مقامه يصلي إلى قبلة " بيت المقدس " قبلة موسى بن عمران، والأنبياء، وقال: " إني لم آتِ لأنقض التوراة، بل لأكملها، وأن السماء والأرض ليزولان، وكلمة واحدة من الناسوت لا تزول حتى يتم بأسره "، غير أن النصارى خالفوا المسيح، والأنبياء، واعتذروا في توجههم إلى المشرق: بأنه الجهة التي صلب إليها ربّهم، وقتل فيها إلههم، فيقال لهم: يا حمقى! لو كنتم أولي ألباب لَمَقَتُّم جهة الشرق، وأبغضتموها، وتَطَيَّرتم بها، ورفضتموها في أمور العادة، فضلاً عن العبادة؛ وذلك لأنها الجهة التي لم يصلِّ إليها المسيح، ولا شهدت لها الأناجيل، ولا صَلَّى إليها نبي من الأنبياء البتة، ثم إنها الجهة التي تشتت بها شملكم، وبددت كلمتكم، وفرقت جموعكم، فتعظيمكم لهذه الجهة التي هي أشأم الجهات عليكم: أمر يقتضي السخرية بكم، والإزراء عليكم، وكان الأولى بكم أن لا تتحولوا عن جهة بيت المقدس لقول الإنجيل: " إن امرأة سامرية من اليهود قالت للمسيح: يا سيد، آباؤنا سجدوا في هذا الجبل للأب فكيف تقولون أنتم إنه أورشليم؟ ، فقال لها: " أيتها المرأة، أنتم تسجدون لما لا تعلمون، ونحن نسجد لما نعلم "، فهذا المسيح يشهد أنه ليس لله قبلة يصلي إليها إلاّ بيت المقدس، الذي هو أورشليم، فأنتم أعرف، وأعلم من المسيح بما يجب لله تعالى؟ إنا لله وإنا إليه راجعون على عقولكم، لقد رميتم فيها بداهية" انتهى. " تخجيل من حرَّف التوراة والإنجيل " (2 / 591، 592) . وبهذا يتبين خطأ ما ظنه السائل من أن المسلمين يتجهون دائماً في صلاتهم إلى الشرق، وتبين أن هذا هو دين النصارى. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 115825 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 880 نسيت إزالة النجاسة من ملابسها وصلت بها [السُّؤَالُ] ـ[نزل علي بعض الإفرازات المحملة بالدماء وتطهرت منها ولكن أصاب بعض منها الملبس الملتصق بالمكان ونسيت أن أغير هذا الملبس وصليت، فما حكم هذه الصلاة صحيحة أم باطلة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صلاتك صحيحة، ولا شيء عليك؛ لأن من صلى بنجاسة لا يعلمها، أو علمها ثم نسيها، فصلاته صحيحة على الراجح، ونسبه النووي رحمه الله إلى جمهور العلماء واختاره. "المجموع" (3/163) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "فإذا نَسيَ أنَّ النَّجاسة أصابته، ولم يذكر إلا بعد سلامه فعليه الإعادة على كلام المؤلِّف؛ لإخلاله بشرط الصَّلاة، وهو اجتناب النجاسة، فهو كما لو صَلَّى محدثاً ناسياً حدثه. ومثل ذلك لو نسيَ أن يغسلها. والرَّاجح في هذه المسائل كلِّها: أنه لا إعادة عليه سواء نسيها، أم نسي أن يغسلها، أم جهل أنها أصابته، أم جهل أنها من النَّجاسات، أم جهل حكمها، أم جهل أنها قبل الصَّلاة، أم بعد الصلاة. والدَّليل على ذلك: القاعدة العظيمة العامة التي وضعها الله لعباده، وهي قوله: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) ، وهذا الرَّجُل الفاعل لهذا المحرَّم كان جاهلاً أو ناسياً، وقد رفع الله المؤاخذة به، ولم يبقَ شيء يُطالب به. وهناك دليل خاصٌّ في المسألة، وهو أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صَلَّى في نعلين وفيهما قَذَرٌ، وأعلمه بذلك جبريل لم يستأنف الصَّلاة، وإذا لم يُبْطِل هذا أولَ الصَّلاة، فإنه لا يُبْطِلُ بقيَّة الصَّلاة " انتهى من "الشرح الممتع" (2/232) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114800 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 881 قبلة المسجد تختلف عن اتجاه البوصلة [السُّؤَالُ] ـ[أنا مسلم كوري وقد اشتريت بوصلة للقبلة وعندما جربتها في المسجد وجدت أن المسجد ليس في الاتجاه الصحيح وعندما تكلمت مع البعض على سبيل الدعابة بخصوص هذا الأمر إلا أنهم أكدوا لي صحة هذه الفكرة. وقد أصبت بالارتباك فعندما أصلي مع الناس أقف كما يقفون وعندما أصلي وحدي أصلي حسب اتجاه البوصلة. فماذا أفعل؟.]ـ [الْجَوَابُ] أولا يسرنا أن يكون لنا أخ مسلم من كوريا حريصا على التفقه في دينه , وأداء العبادات بشروطها الشرعية، ونسأل الله أن يثبتك على دينه , وأن يزيدك حرصا على التفقه في الدين. وأما الجواب عن سؤالك فيختلف باختلاف مقدار الانحراف عن القبلة – هذا إذا سلمنا بدقة البوصلة - , فإن كان الانحراف كبيراً عن جهة القبلة - كأن تكون القبلة في جهة الغرب , وهم يستقبلون جهة الجنوب مثلاً – فهذا الانحراف يبطل الصلاة ويجب تغيير قبلة المسجد إلى الجهة الصحيحة. وأما إذا كان الإنحراف يسيراً بحيث يكون في نفس جهة القبلة , كأن تكون القبلة في جهة الغرب , وهم ينحرفون قليلا إلى جهة الشمال الغربي أو الجنوب الغربي , فهذا لا يؤثر وعليك استقبال هذه الجهة معهم , لأن حكم من كان بعيداً عن الكعبة أن يصيب جهتها ولا يجب عليه أن يصيب عينها. وقد روى الترمذي (344) من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما بين المشرق والمغرب قبلة ". وقال: حسن صحيح. وحسنه الألباني في تعليقه على "مشكاة المصابيح" (715) . انظر السؤال رقم (7535) ويمكنك تحديد الاتجاه الصحيح للقبلة بطريقة سهلة ميسرة عن طريق الخريطة فتمد خطاً مستقيماً من مدينتكم إلى مكة وعليه تحدد اتجاه القبلة. والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 11691 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 882 صلاتها بلباس يكشف لون البشرة عند الوقوف في ضوء الشمس [السُّؤَالُ] ـ[أنا ملتزمة وفي البيت أحرص على أن يكون لباسي مع أسرتي محتشماً ولكن الفستان الذي كنت أرتديه يظهر صفات الجسم في ضوء الشمس فقط ولكن غيره لا وكنت أصلي به ولمدة طويلة جداً تقريباً السنة ثم أخبروني أن صلاتي كانت باطلة ولا تقبل لأن الفستان هذا لا يجوز الصلاة به فكيف أقضي الصلاة الفائتة؟ وهل يجوز لي أن أخصص الوقت ما بين صلاة العصر والمغرب لقضاء هذه الصلوات لأنه الوقت الوحيد الفارغ لي من أوقاتي اليومية حالياً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب ستر العورة أثناء الصلاة، بما لا يشف عن لون الجسم. وعورة المرأة في الصلاة جميع بدنها عدا الوجه والكفين. وينظر جواب السؤال رقم (1046) . وإذا كان الثوب خفيفا يظهر من ورائه لون البشرة من بياض أو حمرة، لم يعتبر ساترا ولا تصح به الصلاة. وأما إذا كان خفيفا لكنه لا يبين لون الجلد، فلا حرج من الصلاة فيه. وكذلك لو كان لا يشف عما تحته إلا إذا كان الإنسان في مقابل الشمس، وكانت الصلاة في غير محل الشمس، فلا يضر ذلك؛ لأن الصلاة حصلت مع الستر. وهذا يدل على خفة الثوب فقط، لا على أنه شفاف يظهر لون ما تحته. قال ابن قدامة رحمه الله: " الواجب الستر بما يستر لون البشرة، فإن كان خفيفاً يبين لون الجلد من ورائه، فيُعلم بياضه أو حمرته، لم تجز الصلاة فيه، لأن الستر لا يحصل بذلك، وإن كان يستر لونها، ويصف الخلقة، جازت الصلاة، لأن هذا لا يمكن التحرز منه" انتهى من "المغني" (1/337) . وقال النووي في "المجموع" (3/176) : "قال أصحابنا: يجب الستر بما يحول بين الناظر ولون البشرة، فلا يكفي ثوب رقيق يُشاهَد من ورائه سوادُ البشرة أو بياضُها " انتهى. وصرح الشافعية بأن الثوب إن كان يشف عما تحته بواسطة الشمس أو النار فترى العورة عندئذ، ولا ترى عند عدمهما، أن ذلك لا يضر. وكذلك لا يضر كونه يرى ما تحته في حال التأمل فيه والنظر إليه من قرب. ينظر: "حاشية تحفة المحتاج" (2/112) . وعليه؛ فصلاتك الماضية صحيحة، ولا يلزمك إعادتها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112014 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 883 شروط صحة الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[ما هي شروط صحة الصلاة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الشرط في اصطلاح أهل الأصول: ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده الوجود. فشروط صحة الصلاة: هي ما يتوقف عليها صحة الصلاة، بحيث إذا اختل شرط من هذه الشروط فالصلاة غير صحيحة، وهي: الشرط الأول: دخول الوقت – وهو أهم الشروط -: فلا تصح الصلاة قبل دخول وقتها بإجماع العلماء؛ لقوله تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) النساء /103. وأوقات الصلاة ذكرها الله تعالى مجملة في كتابه، فقال تعالى: (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً) الإسراء/78، فقوله تعالى: (لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) ، أي: زوالها، وقوله (إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ) ، أي: انتصاف الليل، وهذا الوقت من نصف النهار إلى نصف الليل يشتمل على أوقات أربع صلوات: الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء. وذكرها النبي صلى الله عليه وسلم مفصلة في سنته، وسبق بيانها في جواب السؤال رقم (9940) . الشرط الثاني: ستر العورة، فمن صلى وهو كاشف لعورته، فإن صلاته لا تصح؛ لقول الله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ) الأعراف/31. قال ابن عبد البر رحمه الله: "وأجمعوا على فساد صلاة من ترك ثوبه، وهو قادر على الاستتار به وصلى عرياناً" انتهى. وللفائدة راجع جواب السؤال رقم (81281) . والعورات بالنسبة للمصلين أقسام: 1. عورة مخففة: وهي عورة الذكر من سبع سنين إلى عشر سنين، فإن عورته الفرجان فقط: القبل والدبر. 2. عورة متوسطة: وهي عورة من بلغ عشر سنين فما فوق، ما بين السرة والركبة. 3. عورة مغلظة: وهي عورة المرأة الحرة البالغة، فجميع بدنها عورة في الصلاة، إلا الوجه والكفين، واختلف العلماء في ظهور القدمين. الشرط الثالث والرابع: الطهارة، وهي نوعان: طهارة من الحدث، وطهارة من النجس. 1. الطهارة من الحدث الأكبر والأصغر، فمن صلى وهو محدث، فإن صلاته لا تصح بإجماع العلماء؛ لما روى البخاري (6954) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ) . 2. الطهارة من النجاسة، فمن صلى وعليه نجاسة عالماً بها ذاكراً لها، فإن صلاته لا تصح. ويجب على المصلي أن يجتنب النجاسة في ثلاثة مواضع: الموضع الأول: البدن، فلا يكون على بدنه شيء من النجاسة؛ ويدل عليه ما رواه مسلم (292) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: (مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ أَمَا إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ لَا يَسْتَنْزِهُ مِنْ الْبَوْلِ..) الحديث. الموضع الثاني: الثوب، ويدل عليه ما رواه البخاري (227) عَنْ أَسْمَاءَ بنت أبي بكر رضي الله عنهما قَالَتْ: (جَاءَتْ امْرَأَةٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: أَرَأَيْتَ إِحْدَانَا تَحِيضُ فِي الثَّوْبِ كَيْفَ تَصْنَعُ؟ قَالَ: تَحُتُّهُ، ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ، وَتَنْضَحُهُ، وَتُصَلِّي فِيهِ) . الموضع الثالث: المكان الذي يُصلى فيه، ويدل عليه ما رواه البخاري عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: (جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي طَائِفَةِ الْمَسْجِدِ، فَزَجَرَهُ النَّاسُ فَنَهَاهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قَضَى بَوْلَهُ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ فَأُهْرِيقَ عَلَيْهِ) . الشرط الخامس: استقبال القبلة، فمن صلى فريضة إلى غير القبلة، وهو قادر على استقبالها، فإن صلاته باطلة بإجماع العلماء؛ لقوله تعالى: (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) البقرة/144، ولقوله صلى الله عليه وسلم – في حديث المسيء صلاته -: (ثُمَّ اسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ) رواه البخاري (6667) . وللفائدة راجع جواب السؤال رقم (65853) . الشرط السادس: النية، فمن صلى بلا نية فصلاته باطلة؛ لما روى البخاري (1) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) ، فلا يقبل الله عملاً إلا بنية. والشروط الستة السابقة، إنما هي خاصة بالصلاة، ويضاف إليها الشروط العامة في كل عبادة، وهي: الإسلام، والعقل، والتمييز. فعلى هذا، تكون شروط صحة الصلاة إجمالاً تسعة: الإسلام، والعقل، والتمييز، ورفع الحدث وإزالة النجاسة، وستر العورة، ودخول الوقت، واستقبال القبلة، والنية. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 107701 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 884 حكم الصلاة في الملابس الضيقة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الصلاة بالملابس الضيقة؟ وهل يصلي بالناس من يرتديها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الملابس الضيقة يكره لبسها للرجال والنساء جميعاً، والمشروع أن تكون الملابس متوسطة، لا ضيقة تبين حجم العورة ولا واسعة، ولكن بين ذلك. أما الصلاة فهي صحيحة ـ إذا كانت ساترة ـ ولكن يكره للمؤمن تعاطي مثل هذه الألبسة الضيقة وهكذا المؤمنة، يكون اللباس متوسطاً بين الضيق والسعة.هذا هو الذي ينبغي" انتهي. "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (29/217) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103433 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 885 الجمع بين الصلاتين في الحضر [السُّؤَالُ] ـ[أنا مقيم في بريطانيا وأصلي في مسجد قريب من سكني ولكن جماعة هذا المسجد يجمعون صلاتي المغرب والعشاء في وقت المغرب، والعذر: أن الفترة التي بين صلاة العشاء والفجر قصيرة، ولا تكفي للراحة، علما بأن إمام المسجد يستدل بأن النبي عليه الصلاة والسلام من مرويات ابن عباس قد جمع الظهر والعصر، والمغرب والعشاء في المدينة وبدون عذر.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله النصوص الشرعية واضحة في وجوب أداء الصلوات الخمس في أوقاتها المحددة، وعدم جواز الجمع بين الظهر والعصر، ولا بين المغرب والعشاء، إلا لعذر كالمرض أو السفر أو المطر ونحو ذلك مما يشق معه أداء كل صلاة في وقتها، قال تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) النساء/103. أي فرضا مؤقتا في أوقات معلومة. انظر: "فتح الباري" لابن رجب الحنبلي (3/7-8) . وروى ابن أبي شيبة (2/346) عن أبي موسى الأشعري وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما أنهما قالا: (الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر) . وأما ما رواه مسلم (1/489) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعا، والمغرب والعشاء جميعا في غير خوف ولا سفر ولا مطر) فليس فيه أنه جمع بين الصلاتين من غير عذر، بل فيه: قيل لابن عباس: (ما حمله على ذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أمته) . أي: لا يوقعها في حرج وضيق، وهذا يدل على أن هناك عذراً للجمع في هذا الحديث، ولولا هذا الجمع لوقع الناس في الحرج. قال العلامة ابن باز رحمه الله في تعليقه على "فتح الباري" (2/24) : "الصواب حمل الحديث المذكور على أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلوات المذكورة لمشقة عارضة ذلك اليوم من مرض غالب أو برد شديد أو وحل ونحو ذلك، ويدل على ذلك قول ابن عباس لما سئل عن علة هذا الجمع قال: (لئلا يحرج أمته) وهو جواب عظيم سديد شاف" انتهى. وعلى هذا، فاستدلال هؤلاء بهذا الحديث، استدلال في غير موضعه، والواجب أداء كل صلاة في وقتها المحدد شرعا، فإن وجد عذر للجمع كمرض أو مطر فلا حرج من الجمع حينئذ. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 102505 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 886 الصلاة في الطائرة [السُّؤَالُ] ـ[إذا كنت مسافراً في طائرة وحان وقت الصلاة أيجوز نصلي في الطائرة أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا حان وقت الصلاة والطائرة مستمرة في طيرانها ويخشى فوات وقت الصلاة قبل هبوطها في أحد المطارات، فقد أجمع أهل العلم على وجوب أدائها بقدر الاستطاعة ركوعاً وسجوداً واستقبالاً للقبلة لقوله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) التغابن/16، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم) رواه مسلم 1337 أما إذا عُلم أنها ستهبط قبل خروج وقت الصلاة بقدر يكفي لأدائها، أو أن الصلاة مما يجمع مع غيره كصلاة الظهر مع العصر، وصلاة المغرب مع العشاء أو علم أنها ستهبط قبل خروج وقت الثانية بقدر يكفي لأدائهما، فقد ذهب جمهور أهل العلم إلى جواز أدائها في الطائرة، لوجوب الأمر بأدائها بدخول وقتها، وذهب بعض المتأخرين من المالكية إلى عدم صحتها في الطائرة لأن من شرط صحتها أن تكون الصلاة على الأرض، أو على ما هو متصل بها، كالراحلة أو السفينة مثلاً لقوله صلى الله عليه وسلم: (جُعلت ليَ الأرض مسجداً وطهوراً) رواه البخاري في التيمم (335) ، ومسلم في المساجد (521) [الْمَصْدَرُ] فتاوى إسلامية، اللجنة الدائمة 1/227 الحديث: 21874 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 887 إذا صلى لغير القبلة دون اجتهاد أو تحرٍ [السُّؤَالُ] ـ[صليت في مكان غريب وبعد انتهاء الصلاة علمت أن القبلة خطأ فهل أعيد الصلاة أم لا؟ علما بأني لم أجتهد كثيرا لمعرفة القبلة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: استقبال القبلة شرط من شروط صحة الصلاة، والواجب على كل مصل أن يتحرى جهة القبلة في صلاته، إما عن طريق العلامات أو الآلات الدالة عليها، إن كان يمكنه ذلك، أو عن طريق خبر الثقات من أهل المكان، الذين لهم معرفة بجهة القبلة. ثانيا: إذا صلى الإنسان ثم تبين له أنه كان منحرفا عن القبلة، فإن كان الانحراف قليلاً فإن هذا لا يضر ولا تبطل به الصلاة؛ لأن الواجب على من كان بعيدا عن الكعبة أن يتجه إلى جهتها، ولا يشترط في حقه أن يكون اتجاهه إلى عين الكعبة، لما رواه الترمذي (342) وابن ماجه (1011) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ) صححه الألباني في إرواء الغليل (292) . قال الصنعاني رحمه الله في سبل السلام (1/260) : " والحديث دليل على أن الواجب استقبال الجهة، لا العين في حق من تعذرت عليه العين " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وبهذا نعرف أن الأمر واسع، فلو رأينا شخصا يصلي منحرفا يسيرا عن مسامتة [أي: محاذاة] القبلة، فإن ذلك لا يضر، لأنه متجه إلى الجهة " انتهى من "الشرح الممتع" (2/273) . وأما إن كان الانحراف عن جهة الكعبة كثيرا؛ بحيث تكون صلاتك إلى غير الجهة التي فيها القبلة بأن تكون القبلة خلفه أو عن يمينه أو شماله ففيه تفصيل: 1- فإن كان الإنسان قد تحرى واجتهد، فلا يلزمه إعادة الصلاة، لأنه أدى ما عليه، لقول الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن /16. جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (6/314) : " إذا اجتهد المصلي في تحري القبلة وصلى، ثم تبين أن تحريه كان خطأ، فصلاته صحيحة " انتهى. 2- وأما إذا لم يجتهد ولم يتحرّ، فيلزمه إعادة الصلاة. قال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (2/287) : " إذا صلى بغير اجتهاد ولا تقليد، فإن أخطأ أعاد، وإن أصاب لم يُعد على الصحيح " اهـ. و" التقليد " أن يسأل ثقة عن اتجاه القبلة ويتبع قوله. وعلى هذا، فإذا كان انحرافك عن جهة القبلة كثيراً فيلزمك إعادة الصلاة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 101605 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 888 الانحراف عن القبلة بـ 45 درجة [السُّؤَالُ] ـ[نحن نصلي في مسجد من مساجد مدينة جدة لكنه ينحرف عن القبلة ما يقارب (45) درجة وقد عرفت ذلك عن طرق برنامج (قوقل إيرث) فما الحكم؟ وهل يلزم العودة إلى القبلة الصحيحة أم لا؟ علماً أن إمام المسجد يعلم بالانحراف ويرى عدم وجوب العودة ولا يريد أن يخبر المصلين بذلك تجنبا لكثرة الكلام ومحتجا بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما بين المشرق والغرب قبلة) . علما أن المسجد قد أشرف على تحديد قبلته وزارة الشؤون الإسلامية.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الانحراف عن القبلة أقل من 45 درجة، فصلاتكم صحيحة، لأن الفرض في حقكم هو استقبال الجهة، لا استقبال الكعبة ولا مكة، وهذا الانحراف لا يخرجكم عن استقبال الجهة. وقد نص الفقهاء على أن الانحراف اليسير لا يضر، وبينوا أن الانحراف الكثير هو الانحراف عن الجهة. قال الدردير في الشرح الكبير (1/227) : " والانحراف الكثير أن يشرق أو يغرّب، نصّ عليه في المدونة " انتهى. وهذا في حق أهل المدينة، ومن كان في شمال أو جنوب مكة فإنهم إن شرقوا أو غربوا، فقد انحرفوا عن القبلة. وأما من كان في الغرب كأهل جدة، فإن جهة القبلة بالنسبة إليهم هي الشرق، فإن انحرفوا عنها إلى جهة الشمال أو الجنوب، أو استدبروها، لم تصح صلاتهم. والأصل في ذلك: ما رواه الترمذي (342) وابن ماجه (1011) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ) وصححه الألباني في إرواء الغليل، وينظر: سؤال رقم (7535) . ومع هذا فالأفضل هو تعديل قبلة المسجد. وقد أحسن الإمام في عدم إخبار المصلين، منعا للاختلاف وكثرة القيل والقال. وعليكم برفع الأمر إلى المسئولين ليعيدوا النظر في جهة القبلة. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 101449 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 889 صلاة حامل النجاسة [السُّؤَالُ] ـ[أنا طالب عسكري في إحدى الكليات العسكرية، وأتعرض للحجز لمدة 5 أيام بالأسبوع ومشكلتي هي أننا، ولقلة الوقت لدينا، علي أن أقوم بالوضوء والصلاة في وقت قصير، وأعود للتدريب , والمشكلة هي أنني عندما أذهب للحمام لقضاء الحاجة وأغتسل، تبقى قطرات من البول تخرج بعد فترة قصيرة ... ، وقد قمت بالاحتفاظ بمنديل لمسح ما قد يتبقى من قطرات حتى لا تصبح ملابسي الداخلية نجسة، كي أستطيع أن أتوضأ وأتمم الصلاة. ولكن سؤالي أنني مازلت احتفظ بالمنديل الذي مسه البول في جيبي، وقد تحيرت أنني مازلت أحمل النجاسة معي، فكيف أذهب للصلاة والمنديل النجس في جيبي؟ علما بأنني لا أستطيع أن أرميه؛ لأن الحصول على منديل جديد ليس بعمل سهل لكل مرة أذهب للوضوء والصلاة. أرجو إعطائي حلا لأنني أجد صعوبة في الذهاب للحمام، ثم الانتظار قليلا لخروج القطرات ثم الذهاب مرة أخرى لمسح القطرات، ثم أفكر هل المنديل الذي في جيبي يجوز أن أصلي فيه؟ علما أني متأكد يقينا بخروج قطرات من البول بعد فترة وجيزة من الذهاب للحمام.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا كان الأمر كما ذكرت من خروج قطرات من البول بعد فترة من التبول، وأنك تضع منديلا لمنع تلوث جسمك وثيابك، فإنه يلزمك عند إرادة الوضوء أن تنزع المنديل وتستنجي، لتغسل موضع خروج البول، أو تستجمر بالمنديل، فتمسح فرجك، ويشترط ألا يقل عن ثلاث مسحات؛ لما رواه مسلم (262) عَنْ سَلْمَانَ الفارسي رضي الله عنه قَالَ: (نَهَانَا النبي صلى الله عليه وسلم أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ) . ثانيا: لا يجوز للمصلي حمل النجاسة أثناء الصلاة، ولا تصح صلاته إذا حملها، في قول جمهور أهل العلم. ينظر المغني (1/403) ، المجموع (3/157) . وبناء على ذلك فإن حملت المنديل في جيبك لم تصح صلاتك، فيلزمك تنحية هذا المنديل ووضعه بجانبك، أو داخل حذائك المنزوع، أو تجعل معك كيساً تضع فيه المنديل المستعمل. ولو قدر أنك نسيت المنديل في جيبك وفرغت من صلاتك، فلا شيء عليك، وصلاتك صحيحة، وإن تذكرته أثناء الصلاة، فبإمكانك أن تخرجه من جيبك وتضعه بجانبك، واحترز ألا تؤذي به أحداً. قال في نهاية المحتاج: " لو دار الأمر بين إلقاء النجاسة حالا لتصح صلاته لكن يلزمه إلقاؤها في المسجد لكونه فيه وبين عدم إلقائها صونا للمسجد عن التنجيس لكن تبطل صلاته , فالمتجه عندي مراعاة صحة الصلاة , وإلقاء النجاسة حالا في المسجد ثم إزالتها فورا بعد الصلاة ; لأن في ذلك الجمع بين صحة الصلاة وتطهير المسجد , لكن يغتفر إلقاؤها فيه وتأخير التطهير إلى فراغ الصلاة للضرورة فليتأمل " انتهى. ولا نظن أن إعداد المناديل التي تكفيك مدة حجزك في المعسكر شيئاً من الصعوبة عليك، إذا أنت أحسنت تقدير حاجتك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 101176 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 890 يجب على المرأة ستر بدنها في الصلاة وإن كانت وراء زوجها [السُّؤَالُ] ـ[هل يجب على زوجتي ارتداء الحجاب في الصلاة عندما نصلي سوياً (ليس معنا أي شخص أخر) ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله حال المرأة في الصلاة ولو مع زوجها يختلف عن حالها في غير الصلاة، فإن ستر العورة شرط من شروط صحة الصلاة، سواء للرجل أو المرأة، ولا تصح صلاتها بدون ذلك، فقد صح من حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار) رواه أبو داود (الصلاة/546) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (596) والمعنى: أي لا تصح صلاة المرأة البالغة، إذ الأصل في نفي القبول نفي الصحة. قال شيخ الإسلام: والمرأة لو صلّت وحدها كانت مأمورة بالاختمار،.. وحينئذ فقد يستر المصلي في الصلاة ما يجوز إبداؤه في غير الصلاة. أهـ انظر مجموع الفتاوى ج/22 ص/109 وعلى هذا فإنه يجب على المرأة ستر بدنها في الصلاة إلا الوجه والكفان، يراجع جواب سؤال رقم (1046) في عورة المرأة التي يجب سترها في الصلاة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 12612 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 891 الأفضل للمرأة سماع الأذان ثم الصلاة بعد ذلك [السُّؤَالُ] ـ[إذا أذن المؤذن بعد وقت الصلاة وأنا أصلي في نفس وقت الصلاة فهل من الأفضل أن أنتظر أم أصلي في وقت الصلاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله دخول الوقت من شروط الصلاة، ولذلك لا تصح الصلاة قبل دخول الوقت. والدليل على اشتراط دخول الوقت قول الله عز وجل: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كتَابًا مَوْقُوتًا) النساء 103، والأذان إنما هو إعلام بدخول وقت الصلاة، وإذا كان المؤذن ملتزماً بالوقت، فينبغي أن تسمع الأذان ثم تصلي بعد ذلك، أما إن كان المؤذن يتأخر في الأذان بعد الوقت فإنها تصلي ما دامت تأكدت أن الوقت قد دخل، ويجوز لهن التأخير عن أول الوقت. أهـ [الْمَصْدَرُ] انظر فتاوى المرأة المسلمة 1/330. الحديث: 11708 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 892 كيف يكون استقبال القبلة في الطائرة [السُّؤَالُ] ـ[رجل مسافر بالطائرة ولا يعرف اتجاه القبلة علماً بأن الجميع لم يعرفوا الاتجاه فصلى ولم يعلم أهو في اتجاه القبلة في صلاته أم لا؟ فهل الصلاة في مثل هذه الحالة صحيحة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الراكب في الطائرة إن كان يريد أن يصلي صلاة نفل فإنه يُصلي حيث كان وجهه ولا يلزمه أن يستقبل القبلة لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي على راحلته حيثما اتجهت به إذا كان في سفر، وأما الفريضة فلا بد من استقبال القبلة ولا بد من الركوع والسجود إذا أمكن وعلى هذا فإن من تمكن من هذا في الطائرة فليصل في الطائرة وإن كانت الصلاة التي حضرت وهو في الطائرة مما يُجمع إلى ما بعده كما لو حضرت صلاة الظهر فإنه يؤخرها حتى يجمعها مع العصر أو حضرت صلاة المغرب وهو في الطائرة يؤخرها حتى يجمعها مع العشاء. ويجب عليه أن يسأل المضيفين عن اتجاه القبلة إذا كان في طائرة ليس فيها علامة القبلة فإن لم يفعل فصلاته غير صحيحة. [الْمَصْدَرُ] فتوى فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين لمجلة الدعوة العدد 1757 ص 45. الحديث: 10945 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 893 الصلاة قاعدا لغيرعذر [السُّؤَالُ] ـ[أعمل في مبنى (موقع عمل) يوجد فيه المئات من الموظفين غيري. وحتى أتجنب تأخير الصلوات لحين وصولي لبيتي في المساء، فأنا أذهب إلى سيارتي في أوقات الراحة وأصلي داخلها وأنا جالس على مقعد السائق. أنا أنحني قليلا للركوع، وأبالغ في حني رأسي إلى الأسفل عند السجود.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن القيام في صلاة الفريضة ركن من أركان الصلاة ولا يجوز تركه إلا عند العجز عن القيام لمرض أو خوف شديد، أو ما شابه ذلك؛ فإذا تركه الشخص متعمدا بطلت صلاته، وبهذا يتضح لك عدم جواز فعلك بتأدية الصلاة قاعدا مادام أنه ليس لديك عذر شرعي، وتعتبر صلاتك جالساً غير صحيحة والدليل ما رواه البخاري (1117) وغيره؛ عن عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلاةِ، فَقَالَ: " صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ. ".انظر الشرح الممتع (3 / 401) {لمزيد من التفصيل في أحكام القيام في الصلاة يراجع السؤال رقم (13340) } فإذا تبين لك ذلك؛ فاعلم أنه لا يجوز لك أيضا تأخير الصلاة عن وقتها، بل يجب عليك أن تؤدي كل صلاة في وقتها المحدد شرعا لقول الله تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) النساء/103 فعليك بالاجتهاد في تأدية الصلاة في وقتها قائما في أي مكان مناسب بشرط أن يكون طاهرا، وهذا من يسر الشريعة فقد خص الله هذه الأمة المحمدية بجواز صلاتها في أي بقعة طاهرة لقوله صلى الله عليه وسلم: (أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاةُ فَلْيُصَلِّ وَأُحِلَّتْ لِي الْمَغَانِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً) أخرجه البخاري (335) وغيره. فإذا لم يكن بالقرب منك مسجد تستطيع أن تصلي فيه مع الجماعة جاز لك أن تصلي في أي مكان طاهر إلا بعض الواضع القليلة التي حرم الشرع الصلاة فيها كالمقبرة، والأرض المغصوبة، ونحو ذلك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 13822 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 894 صلى بغير وضوء ناسياً [السُّؤَالُ] ـ[صَلَّيتُ بغَيْر وُضوء نسياناً وبعد أنْ فرَغْتُ مِن صلاتي تذكَّرتُ ذلك فهل عليَّ إعادةُ الصلاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعمْ مَنْ صلَّى ناسياً بغير وضوء وجَبَ عليه إعادةُ الصَّلاة لقولِ الرَّسولِ صلَّى الله عليه وسلم: (لا يقبَلُ اللهُ صلاةَ أحدِكم إذا أَحْدثَ حتى يتوضَّأَ) رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في كتاب الوضوء. بخلاف مَنْ صَلَّى في ثوبٍ نَجِسٍ ناسياً فإنَّه لا إعادةَ عليه لأنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلم أتاه جبريلُ أثناءَ الصَّلاةِ وأخْبَرَه أنَّ في نَعْلَيْه قَذَراً فخلَعَهما وبَنَى على صلاتِه رواه أحمد من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في مسنده. مِمَّا يدُلُّ على أنَّ الجاهلَ بالنجاسةِ لا يُؤْمَرُ بالإعادةِ وكذلك النَّاسي. [الْمَصْدَرُ] إعلام المسافرين ببعض آداب وأحكام السفر وما يخص الملاحين الجويين لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ص 12. الحديث: 10780 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 895 الصلاة في غرفة في طرفها حمام [السُّؤَالُ] ـ[أنا أعيش في دولة غير إسلامية وأواجه مشكلة عندما يحين وقت الصلاة وأنا خارج المنزل حيث لا يوجد دائماً مساجد قريبة لأصلي فيها. لذا فأحياناً أصلي في غرفة القياس الموجودة في بعض المحلات أو في الغرف الخاصة بالأمهات لتغيير حفاظات أطفالهم وعادة ما يكون هناك دورة مياه في ركن من هذه الغرفة فهل يجوز أن أصلي في هذه الغرفة بعيداً عن دورة المياه أم أنها تعتبر مكاناً نجساً؟ هل يجوز أن أصلي في منتزه عام أو في موقف للسيارات؟ أنا لا أخجل من ديني ولا أجد حرجاً في إشهاره أمام الناس لكني أشعر بالحرج عندما يتجمهر الناس حولي وكأنهم يشاهدون عرضاً ما. كما أنني أخشى أن تكون صلاة المرأة أمام الرجال حراماً. فماذا تفعل الأخت المسلمة في مثل هذه الحالات؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله جاء النهي عن النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في بعض المواضع ومنها الحمام، فإنه لا تجوز الصلاة فيه، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام) رواه الترمذي (الصلاة/291) ، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (262) ، والحمام هو كل ما يُتّخذ لقضاء الحاجة، وكل ما كان هذا صفته فإنه لا تجوز الصلاة فيه، وهذه الغرفة التي في طرفها حمام ـ لا تعتبر كذلك ما دام يوجد بينها وبين الحمام فاصل من دار وباب ونحو ذلك ـ فعلى هذا تصح الصلاة في هذه الغرفة، لأن النهي عن الصلاة في الحمام لنجاسته غالباً. وهذه الغرفة ليست كذلك. والله أعلم. ومما يدل على صحة الصلاة في هذا المكان وغيره من الأماكن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل) رواه البخاري (التيمم/323) ، فتصح الصلاة فيه وكذلك تصح في المنتزهات ومواقف السيارات بشرط طهارة البقعة التي يُصلى فيها. وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله إذا كان الحمام في قبلة المصلي هل تصح الصلاة إليه فقال: تصح الصلاة ولا حرج في ذلك وإنما ينهى عن الصلاة في داخل الحمام. انظر فتاوى الشيخ ابن باز ج/2 ص/196. ومما ينبغي التنبيه عليه أن كشف وجه المرأة في الصلاة خاص بما إذا كانت بين النساء أو بين محارمها، أما إذا كانت تصلي في مكان يراها فيه الرجال فإنها تغطي وجهها وفي تصلي. يراجع جواب سؤال رقم 21803 ثانياً: أنت مأجورة إن شاء الله على الحرص على أداء الصلاة في وقتها، ولا شك أن هذا هو الواجب على المسلم أن يصلي الصلاة لوقتها، وعليك أن تستشعري طاعتك لله وأنت تصلي. واعتزازك بالحق وقيامك بالصلاة وعدم الخجل من إظهار العبادة قد يكون سبباً في إسلام بعض من يراك من غير المسلمين، فيكون لك مثل أجره إن شاء الله. وفقنا الله وإياك لكل خير. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 14506 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 896 يؤخرون صلاة الظهر فهل يصلي معهم أو يصلي منفرداً؟ [السُّؤَالُ] ـ[في قريتي تصلى صلاة الظهر قبل نصف ساعة من دخول وقت صلاة العصر ما هو الأفضل أن أصلي مع الجماعة أو أن أصلي في أول وقت الظهر?]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: أحب الأعمال إلى الله الصلاة على وقتها، كما صح بذلك الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مسارعا إلى أداء الصلاة في أول وقتها، وهكذا كان صحابته الكرام رضي الله عنهم، امتثالا لأمر الله تعالى: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ) البقرة/48، وقوله تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) آل عمران/133. فعليك بمناصحة أهل قريتك حتى يصلوا الصلاة في أول وقتها، كما هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم. وتأخير الصلاة إلى هذا الحد قد يؤدي إلى تضييعها. إلا إذا كان هناك عذر لهذا التأخير كشغل أو شدة حر، فلا بأس بذلك، فقد جاءت السنة بتأخير صلاة الظهر عند شدة الحر، وهو ما يسمى بـ " الإبراد " وانظر لمعرفة حكمه جواب السؤال رقم (39818) . ثانياً: أما عن المفاضلة بين الصلاة في أول وقتها منفرداً، والصلاة في آخر وقتها جماعة، فقد اختلف العلماء في ذلك. فذهب بعضهم إلى تقديم فضيلة الوقت على فضيلة الجماعة. وذهب بعضهم إلى أن تأخير الصلاة لتحصيل فضيلة الجماعة أفضل من الإتيان بها منفرداً في أول وقتها. وذهب بعضهم إلى استحباب صلاتها مرتين، لتحصيل الفضيلتين. قال الحطاب في "مواهب الجليل" (1/404) : " الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ فَذًّا (أي: منفرداً) أَفْضَلُ مِنْهَا فِي آخِرِ الْوَقْتِ فِي جَمَاعَةٍ " ثم نقل ذلك عن الإمام مالك رحمه الله. وقال النووي في المجموع (2/303) : " الَّذِي نَخْتَارُهُ أَنَّهُ يَفْعَلُ مَا أَمَرَهُ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَيُصَلِّي مَرَّتَيْنِ: مَرَّةً فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ مُنْفَرِدًا لِتَحْصِيلِ فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ , وَمَرَّةً فِي آخِرِهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ لِتَحْصِيلِ فَضِيلَتِهَا , فَإِنْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ - فَإِنْ تَيَقَّنَ حُصُولَ الْجَمَاعَةِ آخِرَ الْوَقْتِ - فَالتَّأْخِيرُ أَفْضَلُ لِتَحْصِيلِ شِعَارِهَا الظَّاهِرِ ; وَلِأَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ فِي مَذْهَبِنَا وَفَرْضُ عَيْنٍ عَلَى وَجْهٍ لَنَا , وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا , وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَطَائِفَةٍ , فَفِي تَحْصِيلِهَا خُرُوجٌ مِنْ الْخِلَافِ , وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ يَأْثَمُ بِتَأْخِيرِهَا , وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إنْ فَحُشَ التَّأْخِيرُ فَالتَّقْدِيمُ أَفْضَلُ , وَإِنْ خَفَّ فَالِانْتِظَارُ أَفْضَلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ " انتهى. وقال البهوتي في "كشاف القناع" (1/457) : " وَتُقَدَّمُ الْجَمَاعَةُ مُطْلَقًا عَلَى أَوَّلِ الْوَقْتِ ; لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ , وَأَوَّلُ الْوَقْتِ سُنَّةٌ، وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ وَاجِبٍ وَمَسْنُونٍ " انتهى. والذي يظهر من هذا –والله أعلم-: أن الالتزام بجماعة المسلمين أولى من الصلاة منفرداً لما هو معلوم من فضل الصلاة في جماعة، وحرصا على إقامة هذه الشعيرة، ولأن الصحيح من أقوال أهل العلم أن صلاة الجماعة واجبة. إلا إذا شق عليك الانتظار إلى هذا الوقت، فلا حرج عليك من الصلاة في أول الوقت منفرداً، إذا لم تجد أحدا تصلي معه في جماعة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97516 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 897 المنع من الصلاة في حال النعاس [السُّؤَالُ] ـ[قرأت في البخاري أحاديث تقول بأن على المسلم ألا يصلي وهو يشعر بالنعاس، لكني لم أكن أعرف ما هي درجة النعاس المقصودة من تلك الأحاديث. ولذلك، فقد حدث أن صليت عدة مرات وأنا أشعر بالنعاس. وكان ذلك لأني كنت متعبة جدا لدرجة أني (ظننت) إن أنا نمت فإني لن أتمكن من الاستيقاظ بعد 7 ساعات أو ما يقاربها، كما أني إن أنا نمت فإن وقت الصلاة سيخرج. فهل علي أن أعيد تلك الصلوات؟ (لأني صليت وأنا أعلم بأن المسلم لا يجوز له أن يصلي وهو يشعر بالنعاس، وأفيدكم بأن درجة النعاس لم تكن كبيرة، حيث أنه لم يكن يغلبني، فقد كنت أفهم ما أقوله) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلاةِ فَلْيَنَمْ حَتَّى يَعْلَمَ مَا يَقْرَأُ) رواه البخاري (الوضوء / 206) قال ابن حجر: قَوْله: (فَلْيَنَمْ) قَالَ الْمُهَلَّب: إِنَّمَا هَذَا فِي صَلاة اللَّيْل ; لأَنَّ الْفَرِيضَة لَيْسَتْ فِي أَوْقَات النَّوْم , وَلا فِيهَا مِنْ التَّطْوِيل مَا يُوجِب ذَلِكَ. اِنْتَهَى. وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ جَاءَ عَلَى سَبَب ; لَكِنَّ الْعِبْرَة بِعُمُومِ اللَّفْظ فَيُعْمَل بِهِ أَيْضًا فِي الْفَرَائِض إِنْ وَقَعَ مَا أَمِنَ بَقَاء الْوَقْت. قال النووي: وَهَذَا عَامّ فِي صَلاة الْفَرْض وَالنَّفْل فِي اللَّيْل وَالنَّهَار , وَهَذَا مَذْهَبنَا وَالْجُمْهُور , لَكِنْ لا يُخْرِج فَرِيضَة عَنْ وَقْتهَا , قَالَ الْقَاضِي: وَحَمَلَهُ مَالِك وَجَمَاعَة عَلَى نَفْل اللَّيْل لأَنَّهُ مَحِلّ النَّوْم غَالِبًا. وقد جاء تعليل ذلك في حديث آخر: (إذا نعس أحدكم وهو يصلي فليرقد حتى يذهب عنه النوم فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لا يدري لعله يستغفر فيسب نفسه) البخاري 212 ومسلم 786 ويُفهم منه أن درجة النعاس التي ورد فيها النص هي الدرجة التي لا يستطيع معها الإنسان أن يعي ويفهم ما يقول. والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 13627 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 898 يريد أن يصلي في المدرسة ولا يوجد مكان يصلي فيه [السُّؤَالُ] ـ[ماذا تفعل لو كنت في المدرسة حتى الساعة 4 عصراً وتريد أن تصلي الظهر ولا يوجد مكان للمسلمين ليؤدوا فيه الصلاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أنعم الله على هذه الأمة بنعم كثيرة جمَّة ومن ذلك أن الله اختص هذه الأمة بخصائص لم تكن عند الأمم السابقة، ومن هذه الخصائص أنهم يستطيعون الصلاة في أي مكان ما دام هذا المكان طاهراً غير نجس أو مكان جاء النهي عن الصلاة فيه، فقد جاء في الحديث المتفق عليه عن جابر بن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنْ الأَنْبِيَاءِ قَبْلِي نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا وَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاةُ فَلْيُصَلِّ وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ " رواه البخاري (419) ومسلم (810) . فلا شك أن هذه نعمة عظيمة وتيسير على المسلمين، فينبغي عليك الصلاة في المدرسة في أي مكان ما دام هذا المكان طاهراً. وللأهمية يراجع جواب سؤال رقم (9455) . أما الأماكن التي ورد النهي عنها، فمثل المقبرة والحمام، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام) رواه الترمذي (الصلاة/291) ، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (262) . وكذلك أيضاً ورد النهي عن الصلاة في مبارك الإبل وغيرها من الأماكن التي دلت الأدلة على تحريم الصلاة فيها. ولا شك أن أمر الصلاة من الأمور التي لا يُتهاون فيها فيجب عليك الحرص على أدائها قبل خروج وقتها وفقك الله لطاعته والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 13705 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 899 لماذا تمّ تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة [السُّؤَالُ] ـ[أودّ أن أعرف لماذا صلى المسلمون تجاه بيت المقدس أولاً ولماذا غُيّرت تجاه الكعبة؟ جزاك الله خيراً..]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة كان يستقبل بيت المقدس، وبقي على ذلك ستة - أو سبعة - عشر شهراً، كما ثبت في الصحيحين من حديث البراء بن عازب - رضي الله عنهما - قال صلّى النبي صلى الله لعيه وسلم إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً وكان يعجبه أن تكون قبلته إلى البيت … الحديث. ثم بعد ذلك أمره الله تعالى باستقبال الكعبة (البيت الحرام) وذلك في قوله تعالى: (فولِّ وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره … ) سورة البقرة 144. وأما السؤال عن حكمة ذلك فقبل الإجابة عليه لا بدّ من تذكّر ما يلي: أولاً: أننا نحن المسلمين إذا أتانا الأمر من الله وجب علينا قبوله والتسليم له - وإن لم تظهر لنا حكمته - كما قال تعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم … ) الأحزاب 36. ثانياً: أن الله سبحانه وتعالى لا يحكم بحكم إلا لحكمة عظيمة - وإن لم نعلمها - كما قال تعالى: (ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم) الممتحنة 10، وغيرها من الآيات. ثالثاً: أنّ الله سبحانه وتعالى لا ينسخ حكماً إلا إلى ما هو أفضل منه أو مثله، كما قال تبارك وتعالى: (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير) . سورة البقرة 106. إذا تبين ذلك فإن في تحويل القبلة حِكَما منها: 1- امتحان المؤمن الصادق واختباره، فالمؤمن الصادق يقبل حكم الله جل وعلا، بخلاف غيره، وقد نبّه الله على ذلك بقوله: (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله … ) البقرة 143. 2- أن هذه الأمة هي خير الأمم، كما قال تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس … ) آل عمران 110، وقال تعالى في ثنايا آيات القبلة: (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً … ) البقرة 143. والوسط: العدول الخيار. فالله عز وجل اختار لهذه الأمة الخير في كل شيء والأفضل في كلّ حكم وأمر ومن ذلك القبلة فاختار لهم قبلة إبراهيم عليه السلام. وقد روى الإمام أحمد في مسنده (6/134-135) من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في أهل الكتاب: (إنهم لا يحسدوننا على شيء كما يحسدوننا على يوم الجمعة، التي هدانا الله لها وضلوا عنها، وعلى القبلة التي هدانا الله لها وضلوا عنها، وعلى قولنا خلف الإمام آمين) ولمزيد من المعلومات حول الموضوع يُراجع كتاب بدائع الفوائد لابن القيّم رحمه الله (4/157-174) . والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 1953 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 900 حكم تأخير صلاة العصر وأذانها ساعة عن الوقت ليجتمع الموظفون [السُّؤَالُ] ـ[نحن زملاء عمل في الجبيل الصناعية (المنطقة الشرقية) نصلى الظهر والعصر في مسجد صغير داخل الشركة وليس له جماعة غيرنا. اقترح بعض الإخوة توحيد وقت الأذان والإقامة كالآتي: 1- صلاة الظهر: وقت الأذان الساعة الثانية عشرة إلا ربع , ووقت الإقامة: الساعة الثانية عشر. 2- صلاة العصر / وقت الأذان: الساعة الثالثة وخمسة وثلاثون دقيقة , ووقت الإقامة: الساعة الثالثة وخمسة وأربعون دقيقة. السبب: حتى يتمكن جميع جماعة المسجد من الصلاة مع الجماعة وهذا الوقت أنسب وقت يكون فيه الجميع قد رجعوا إلى مكاتبهم من أماكن متفرقة ومتباعدة. والسؤال: هل نكون بذالك قد حققنا معنى الحديث بما جاء عن رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم: (أحب الأعمال إلى الله الصلاة على وقتها) ؟ سؤال آخر: هل صلاة العصر الساعة الثالثة وخمسة وأربعون دقيقة غير خارجة عن وقت صلاة العصر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: السنة أن يكون الأذان في أول الوقت , لمواظبة مؤذني رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك، ولا حرج لمن أراد تأخير الصلاة عن أول وقتها أن يؤخر الأذان حتى يكون قريبا من أداء الصلاة. قال الرملي في حاشيته على "أسنى المطالب" (1/133) : " فيؤذن للصلاة إذا دخل وقتها , وهو مشروع لها إلى خروجه " انتهى. أي أن وقت الأذان ممتد من دخول وقت الصلاة إلى خروجه. وأما الأذان قبل الوقت، فلا يجوز إلا لصلاة الفجر قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/246) : " الأذان قبل الوقت في غير الفجر لا يجزئ. وهذا لا نعلم فيه خلافا , قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن من السنة أن يؤذن للصلوات بعد دخول وقتها , إلا الفجر. ولأن الأذان شرع للإعلام بالوقت , فلا يشرع قبل الوقت , لئلا يذهب مقصوده " انتهى. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن حكم تأخير الأذان عن أول الوقت؟ فأجاب: " إذا كان الإنسان في بلد فلا ينبغي أن يتأخر عن أول الوقت؛ لأن ذلك يؤدي إلى الفوضى واختلاف المؤذنين والاشتباه على الناس أيهما أصوب هذا المتقدم أو المتأخر , أما إذا كان في غير البلد فالأمر إليهم، لكن الأفضل أن يؤذنوا في أول الوقت ويصلوا؛ لأن تقديم الصلاة في أول وقتها أفضل، إلا ما شرع تأخيره، فما شرع تأخيره فإنه يؤخر فيه الأذان، ولهذا ثبت في صحيح البخاري أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان في سفر فقام المؤذن ليؤذن فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أبرد) ثم أراد أن يقوم فقال: (أبرد) ثم أراد أن يقوم فقال: (أبرد) حتى ساوى التل ظله ثم أذن، وهذا يدل على أن الأذان مشروع حيث تشرع الصلاة، فإذا كانت الصلاة مما ينبغي تأخيره كصلاة الظهر في شدة الحر، وصلاة العشاء فإنه يؤخر، هذا في غير المدن والقرى التي فيها مؤذنون، وإلا فلا ينبغي للإنسان أن يتخلف عن الوقت الذي يؤذن فيه الناس " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (12/189) . والحديث المذكور رواه البخاري (539) ومسلم (616) . وعلى هذا، فلكم أن تؤذنوا أول الوقت , ثم تقتصروا على الإقامة إذا أردتم القيام إلى الصلاة , ولكم أن تؤخروا الأذان حتى يكون قريبا من فعل الصلاة. ثانياً: وقت صلاة العصر الاختياري ينتهي باصفرار الشمس، ولا يجوز تأخير الصلاة بعد ذلك إلا لضرورة، لقول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ) رواه مسلم (612) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما. وانظر جواب السؤال رقم (9940) . والأفضل تعجيلها؛ لعموم الأحاديث في فضل الصلاة في أول وقتها، لكن إذا كان تأخيرها يناسب اجتماع الموظفين وتهيأهم لها، وكان ذلك قبل اصفرار الشمس، فلا حرج فيه. وبالرجوع إلى تقويم أم القرى وجدنا أن أقل وقت لصلاة العصر يكون في أواخر شهر نوفمبر (تشرين الثاني) وأوائل شهر ديسمبر (كانون الأول) حيث يدخل وقت صلاة العصر الساعة الثانية والنصف , وتغرب الشمس الساعة الخامسة إلا عشر دقائق تقريباً , وقد ذكرتم أنكم ستصلون العصر الساعة الثالثة وخمسة وأربعين دقيقة , وهذا يكون قبل اصفرار الشمس إن شاء الله. وعليه فلا حرج عليكم في صلاة العصر في ذلك الوقت المحدد. أما صلاة الظهر فقد وجدنا أنه في بعض أيام السنة سيدخل وقتها بعد الساعة الثانية عشرة إلا ربع وهو الوقت الذي حددتموه للأذان , ففي منتصف شهر فبراير (شباط) الميلادي سيدخل وقت الظهر الساعة الثانية عشرة إلا خمس دقائق تقريباً حسب توقيت أم القرى. ومعنى هذا أنكم ستؤذنون لصلاة الظهر قبل دخول وقتها في بعض أيام السنة , وهذا لا يجوز بإجماع العلماء كما سبق. فعليكم مراعاة ذلك في وقت أذان الظهر , ولو بتأخيره حتى يكون الساعة الثانية عشرة. ثالثاً: وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم وقد سئل: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ فَقَالَ: (الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا) رواه البخاري (527) ومسلم (85) فإنه يدل على فعل الصلاة في الوقت، وقال بعض أهل العلم: يدل على أفضلية فعلها في أول الوقت. ينظر: فتح الباري. لكن روى أبو داود (426) عَنْ أُمِّ فَرْوَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: (الصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا) صححه الألباني في صحيح أبي داود. وهذا صريح في أفضلية الصلاة أول الوقت، ويستثنى من ذلك الإبراد بالظهر لشدة الحر، وتأخير صلاة العشاء إذا لم يكن فيه مشقة على المصلين. وبالنسبة لصلاة الظهر سيكون فعلكم لها في أول وقتها على مدار السنة , حسب تقويم أم القرى. وأما صلاة العصر فهناك بعض الأيام من السنة وهي التي يقصر فيها النهار , سوف تفعلونها بعد مرور أكثر من نصف وقتها , وهذا يخرجها عن أول الوقت , وإن كان فعلها في ذلك الوقت جائزا , ما دام قبل اصفرار الشمس. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الحديث: 95288 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 901 تحديد القبلة بواسطة الشمس [السُّؤَالُ] ـ[كيف يمكن تحديد القبلة بواسطة الشمس؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله استقبال القبلة في الصلاة أمر بالغ الأهمية، إذ تتوقف عليه صحة الصلاة، ولذلك اهتم العلماء قديما وحديثا بطرق تحديد القبلة، ومنها: الشمس. فيمكن تحديد القبلة بواسطة الشمس وذلك عن طريق معرفة الجهة التي تشرق منها أو تغرب فيها، وبالتالي يمكن تحديد الجهات الأربع كلها (الشرق والغرب، الشمال والجنوب) ثم يتم تحديد اتجاه القبلة. فمن كان يعلم أن قبلته في جهة الشرق استقبل جهة الشرق، ومن كان يعلم أن قبلته في جهة الشمال جعل جهة الشرق على يمينه واستقبل جهة الشمال ...... وهكذا. ولكن هذه الطريقة لا يستفيد منها إلا من يعلم اتجاه القبلة بالنسبة له، هل تقع في المشرق أو المغرب ...... إلخ ولكنه فقط يحتاج إلى تحديد الجهات الأربع. انظر: "المغني" (2/105) وقد ذكر العلماء المعاصرون والمختصون بعلم الفلك طريقة حديثة في تحديد اتجاه القبلة بواسطة الشمس، وهو ما يعبرون عنه بـ "الاستفادة من ظاهرة تعامد الشمس على مكة المكرمة". وبيان ذلك: أن الشمس تتحرك شمال وجنوب خط الاستواء في فصلي الصيف والشتاء، ومكة تقع شمال خط الاستواء (بينه وبين مدار السرطان) . ومعنى هذا، أن الشمس ستمر بمكة مرتين كل سنة، مرة أثناء حركتها شمال خط الاستواء، والأخرى أثناء رجوعها، وعند دخول وقت صلاة الظهر حسب التوقيت المحلي لمكة تكون الشمس عمودية تماماً على مكة المكرمة، فمن ينظر إلى الشمس في هذه اللحظة يكون مستقبلاً لجهة القبلة تماما، لأن الشمس في تلك اللحظة تكون فوق مكة مباشرة. وهذان اليومان هما 28 مايو الساعة 9 صباحا والدقيقة 18 بتوقيت جرينتش، واليوم الثالي: 16 يوليو الساعة 9 صباحا والدقيقة 27 بتوقيت جرينتش. ولكن هذه الظاهرة لا يستفيد منها إلا من يرى الشمس في هذه اللحظة، أما من يكون عندهم ليل في هذا الوقت فلا يمكنهم الاستفادة منها. ولكن هناك يومان آخران تكون الشمس فيهما عمودية على المكان الذي يقابل الكعبة من الجانب الآخر من الكرة الأرضية، وهما: 28 نوفمبر الساعة 21 والدقيقة 9 بتوقيت جرينتش، ويوم 13 يناير الساعة 21 والدقيقة 9 بتوقيت جرينتش. ولكن يكون اتجاه القبلة معاكسا تماما للاتجاه الذي فيه الشمس، فيعطي الإنسان ظهره للشمس، والجهة التي أمامه هي جهة القبلة. وبهذا يمكن لجميع أهل الأرض تحديد اتجاه القبلة بدقة بواسطة الشمس. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 95241 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 902 الصلاة في غرفة النوم [السُّؤَالُ] ـ[هل صحيح أنه لا يجوز للرجل أو المرأة الصلاة في غرفة النوم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج في صلاة الرجل أو المرأة في غرفة النوم؛ لقول النبي: (وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ) رواه البخاري (335) ومسلم (521) . وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي النافلة وقيام الليل في حجرة عائشة رضي الله عنها وحجر غيرها من زوجاته رضي الله عنهن. ولا يخفى أن الرجل مأمور بالصلاة مع الجماعة، حيث يُنادى بها، لكن إن فاتته الصلاة، أو مكان معذورا في عدم الذهاب للمسجد، أو صلى النافلة في غرفة نومه فلا حرج في ذلك، ولو ترك صلاة الجماعة في المسجد بلا عذر وصلى في غرفته تلك، صحت صلاته، وأثم لترك الجماعة. والمقصود أنه لا فرق بين غرفة النوم وبين غيرها من أماكن البيت الطاهرة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 95010 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 903 الصلاة في ثوب شفاف [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الصلاة في ثياب السلك والتي تشف قليلا ما تحتها ويرى منها حجم الجسد.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الثوب شفافاً بحيث يبدو من ورائه لون البشرة، فإنه لا تصح الصلاة فيه، لعدم ستر العورة. وقد سئل عن ذلك الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله فقال: إذا كان الثوب المذكور لا يستر البشرة لكونه شفافاً أو رقيقاً: فإنه لا تصح الصلاة فيه من الرجل إلا أن يكون تحته سراويل أو إزار يستر ما بين السرة والركبة. وأما المرأة فلا تصح صلاتها في مثل هذا الثوب إلا أن يكون تحته ما يستر بدنها كله. أما السراويل القصيرة تحت الثوب المذكور فلا تكفي. وينبغي للرجل إذا صلَّى في مثل هذا الثوب أن تكون عليه فنيلة أو شيء آخر يستر المنكبين أو إحداهما لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء " متفق على صحته. " فتاوى إسلامية " (1 / 219) . أما إذا كان الثوب يستر البشرة ولا يبدو من وراءه لونها ولكنه لنعومته أو ضيقه يبين حجم الأعضاء، فإن هذا لا يمنع من صحة الصلاة فيه، ما دامت العورة مستورة. قال ابن قدامة: الواجب الستر بما يستر لون البشرة، فإن كان خفيفاً يبين لون الجلد من ورائه، فيُعلم بياضه أو حمرته، لم تجز الصلاة فيه، لأن الستر لا يحصل بذلك، وإن كان يستر لونها، ويصف الخلقة، جازت الصلاة، لأن هذا لا يمكن التحرز منه. المغني 2 / 286. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 5809 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 904 الصلاة في السيارة والطائرة [السُّؤَالُ] ـ[أنا امرأة أسكن في إحدى المدن وأذهب مع زوجي إلى مدينة أخرى لعمل ما أو بغرض أن نتمشى أو نتسوق وتدركنا صلاة المغرب أو العشاء فنذهب للبحث عن مسجد فيه مصلى نساء أحيانا لا نجد فيصلي زوجي في المسجد وأنا لا أجد مكاناً أصلي فيه والله يعلم أننا نبحث وبشكل جدي ولكن للأسف كما قلت أحيانا لا نوفق فأضطر أن أصلي في السيارة وأنا جالسة (السؤال: هل تصح صلاتي بهذه الطريقة علما أنني فعلت هكذا أكثر من مرة) أفيدوني]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عملك هذا أيتها الأخت غير صحيح، لأن القيام مع القدرة ركن من أركان الصلاة فيمكنك أن تصلي في المسجد (قسم الرجال) بعد خروج الرجال منه، فإن لم تجدي مسجداً فإنك تصلين على الأرض في أي مكان. والصلاة في السيارة أو الطائرة أو القطار أو غيرها من المراكب إذا كان المصلي لا يستطيع استقبال القبلة والصلاة قائماً لا تجوز في الفريضة إلا بشرطين: 1- أن يخشى خروج وقت الفريضة قبل وصوله، أما إن كان سينزل قبل خروج الوقت فإنه ينتظر حتى ينزل ثم يصلي. 2- ألا يستطيع النزول للصلاة على الأرض، فإن استطاع النزول وجب عليه ذلك. فإذا وجد الشرطان جاز له الصلاة في هذه المراكب والدليل على جواز الصلاة على هذه الحال عموم قوله تعالى: {لا يُكلف الله نفساً إلا وسعها} البقرة / 286 وقوله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} التغابن / 16، وقوله تعالى: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} الحج / 78. فإن قيل: إذا جاز لي الصلاة على هذه المراكب، فهل أستقبل القبلة، وهل أصلي جالساً مع القدرة على الصلاة قائماً؟ فالجواب: إن استطعت أن تستقبل القبلة في جميع الصلاة وجب فعل ذلك؛ لأنه شرط في صحة صلاة الفريضة في السفر والحضر انظر سؤال رقم (10945) . وإن كان لا يستطيع استقبال القبلة في جميع الصلاة فليتق الله ما استطاع؛ لما سبق من الأدلة. هذا في الفرض، أما النافلة فأمرها واسع، فيجوز للمسلم أن يصلي على هذه المذكورات حيثما توجهت به - ولو استطاع النزول في بعض الأوقات -؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتنفل على راحلته حيث كان وجهه، لحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يصلي التطوع وهو راكب في غير القبلة " رواه البخاري 1094، لكن الأفضل أن يستقبل القبلة عند الإحرام حيث أمكنه في صلاة النافلة حين سيره في السفر. أنظر فتاوى اللجنة الدائمة 8/124 وأما صلاة الفريضة جالساً مع القدرة على القيام فإنها لا تجوز لعموم قوله تعالى: (وقوموا لله قانتين) البقرة / 238، وحديث عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (صلِّ قائماً فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب) رواه البخاري 1117 وبالله التوفيق. فتاوى اللجنة الدائمة 8/126. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 21869 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 905 كيف أصلي على متن الطائرة ومسارها متغير؟ [السُّؤَالُ] ـ[عند السفر بالطائرة في أي اتجاه يجب علي أن أصلي واضعا بالاعتبار أن الطائرة تغير مسارها فيتغير اتجاه القبلة تبعاً وبالتالي فلا أتمكن من الصلاة مستقبلا القبلة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب عليك التوجه إلى القبلة في صلاة الفريضة لقوله تعالى: (فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره) البقرة/144-150. ويمكنك سؤال الملاحين لمعرفة اتجاه القبلة، واغتنام فرصة ثبات مسار الطائرة بعد استقرارها في الجو لتؤدي الصلاة قائماً مستقبل القبلة، فإن لم يمكن واستطعت أن تؤخر الصلاة إلى ما بعد الهبوط دون أن يخرج الوقت لتتمكن من استقبال القبلة قائماً على الأرض فافعل ذلك فإن عجزت عن ذلك خشية خروج الوقت فصلِّ على حسب حالك في الطائرة، وصلاتك صحيحة، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها. والله الموفق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 3436 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 906 كيف نحدد جهة القبلة للطلاب المسلمين في جامعة كاليفورنيا [السُّؤَالُ] ـ[إنني رئيس اتحاد الطلبة المسلمين في جامعة كاليفورنيا وبفضل الله استطعنا الحصول على مكان لنصلي فيه ولكن المشكلة هي تحديد اتجاه القبلة فهناك رأيان أحدهما إلى الجنوب الشرقي (وأنا أوافق عليه) والآخر الشمال الشرقي والمشكلة هي أنني لا أعرف تحديد اتجاه القبلة ولا أعرف ماذا أفعل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نهنئك وأصحابك على جهدكم في الحصول على المصلى ونسأل الله تعالى أن يعمره بكم وبالقائمين والركع السجود. ثانياً: من شروط صحة الصلاة أن تتجه للقبلة، ومن علم اتجاه القبلة وكان قادراً على تولية وجهه شطرها ولم يفعل: فصلاته باطلة وهو آثم لقوله تعالى: {فولِّ وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره} [سورة البقرة /144-150] . إلا أن يكون معذوراً، هذا في صلاة الفرض وأما صلاة النافلة فيباح له أن يتجه حيث شاء إذا كان راكباً في سفر وإن استطاع النزول، ولا يجوز للمتنفل أن يتجه لغير القبلة بغير عذر الركوب وعذر السفر. ثالثاً: من كان قريباً من الكعبة فعليه أن يستقبل عين الكعبة ذاتها لقوله تعالى {فولِّ وجهك شطر المسجد الحرام} [سورة البقرة / 144] . ولذلك فإن صفوف المصلين حول الكعبة دائرية وكلما ابتعدوا عنها كلما اتسعت الدائرة، وكلما اقتربوا منها ضاقت الدائرة ومن كان داخل المسجد الحرام فعليه أن يستقبل عين الكعبة ومن كان داخل مكة استقبل المسجد الحرام ومن كان خارج مكة استقبل جهة مكة، ويكتفي بالجهة لحديث: " ما بين المشرق والمغرب قبلة ". رواه الترمذي (342) وابن ماجه (1011) . والمشرق والمغرب هذا خاص بأهل المدينة ومن كان في حكمهم في الجهة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر هذا الحديث لأهل المدينة. رابعاً: بعد النظر إلى الخريطة - وهذا ما كان ينبغي عليك أن تصنعه - بأن تنظر إلى الخريطة ثم تمد خطاً ما بين كاليفورنيا ومكة ثم تنظر إلى اتجاه الخط وعليه تحدد اتجاه القبلة. (وهو ما أفتانا به شيخنا الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين وأن المصلي لا يراعي انحناء سطح الأرض وكرويتها عند تحديد القبلة بل يعيّن جهة إلى مكة بالخط المستقيم) وعند النظر إلى الخريطة نجد أن اتجاه القبلة نحو المشرق مع انحراف بسيط جداً إلى الجنوب لا يكاد يُذكر. وقبلتك أنت ما بين الجنوب والشمال فلو اتجهت ما بين الجنوب والشمال وجعلت المشرق قِبَل وجهك فلا بأس بذلك ولا داعي لقيام المشكلات الكبيرة وإثارة الفتن بين المسلمين في هذه القضية التي يسّرها الشارع بقوله ما بين المشرق والمغرب قِبلة والعلماء قد قرّروا أن الانحراف اليسير عن جهة مكة لا يضرّ فاعملوا بما هو متاح لكم وخذوا بما تيسّر من وسائل تحديد الاتّجاه وابنوا عليه. وقد سألت اللجنة الدائمة عن استعمال الآلات والعلوم الفلكية لإظهار جهة الكعبة فأجابت بما يلي: كان أهل العلم والخبرة بالجهات من المسلمين يعرفون جهة الكعبة ليلاً بالقطب الشمالي وغيره من النجوم، وبالقمر طلوعاً وغروباً، ونهاراً بالشمس طلوعاً وغروباً، وبغير ذلك من أنواع الدلالات الكونية، قبل أن يوجد ضبط الجهات بآلة ضبط يابانية أو أوربية، فلا تتعين أي آلة منهما لضبط القبلة، ولا تتوقف معرفتها عليها، لكن إذا ثبت لدى أهل الخبرة الثقات من المسلمين أن جهازا أو آلة تضبط القبلة وتبينها عيناً أو جهة لم يمنع الشرع من الاستعانة بها في ذلك وفي غيره، بل قد يجب العمل بها في معرفة القبلة إذا لم يجد من يريد الصلاة دليلاً سواها. انتهى. وفقنا الله وإياكم لكل خير وصلى الله على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 7535 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 907 صلاة المرأة بثوب واحد [السُّؤَالُ] ـ[بالنسبة لأداء الصلاة، هل من الواجب على المسلمة أن تغطي بدنها بثوبين، مثل السروال (البنطال) لنصفها السفلي وقميص لنصفها العلوي، أم هل يجوز لها أن ترتدي ثوبا واحدا يغطي سائر بدنها وفقا للتعليم الإسلامية الخاصة بالملابس.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب على المسلمة أن تغطي جميع بدنها في الصلاة سوى وجهها لأنها كلها عورة في الصلاة، ففي الحديث: " لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار ". ويجب أن يكون الساتر سابغا يغطي جميع البدن واسعا لا يبين الحجم، ويكفي أن يكون الثوب واحدا يغطي سائر البدن. وأما حكم لبس البنطال فلها أن تراجع السؤال رقم (5066 و 10436 و 21438) الشيخ عبد الكريم الخضير. ويحسن التنبيه هنا إلى أنه ليس لصلاة المرأة لباس معيّن يسمى لباس الصلاة بحيث لا يصح لها أن تصلي في غيره كما يظنه كثير من النساء في بعض المجتمعات، وإنما الحكم معلق بالستر فمتى حصل الستر صحت الصلاة. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 11073 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 908 هل يجوز أن يصلي الكافر مع المسلمين؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لغير المسلمين أن يصلوا مع المسلمين في نفس الصف؟ . أرجو ذكر الدليل للجواز وعدمه وشكراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز لغير المسلم أن يصلي لا في الصف نفسه ولا وحده، والمطلوب منه الدخول في الإسلام قبل صلاته، ثم الطهارة، ثم باقي الشروط. فهو مخاطب بالصلاة ومعاقب عليها إذا لم يُسلم ويؤدها، لكنها لا تُقبل منه إلا بالدخول في الإسلام. قال الله تعالى: (وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله) التوبة / 54، وقال: (لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين) الزمر / 65. قال الشيخ ابن عثيمين في ذكره لشروط صحة الصلاة: وهناك شروط أخرى، ... منها: الإسلام، والعقل، والتَّمييز، ... فكلُّ عبادة لا تصحُّ إلا بإسلامٍ وعقلٍ وتمييزٍ إلا الزَّكاة، فإنها تلزم المجنون والصَّغير على القول الرَّاجح، وأما صحَّة الحجِّ من الصَّبي فلورود النصِّ بذلك. " الشرح الممتع " (2 / 95) ط ابن الجوزي. وقال: فَشُروط الصَّلاة: الإسلام، والعقل، والتَّمييز، ودخول الوقت، وستر العورة، والطَّهارة من الحدث، واجتناب النَّجاسة، واستقبال القِبْلة، والنِّيَّة. " الشرح الممتع " (2 / 289) ط ابن الجوزي. وكذا باقي العبادات فإنها لا تُقبل إلا من مسلم، فالإسلام شرط لصحة العبادات ويتوقف قبولها عليه. قال ابن رشد: الشروط قسمان: شروط صحة، وشروط وجوب، فأما شروط الصحة: فلا خلاف بينهم أن من شروطه: الإسلام، إذ لا يصح حج من ليس بمسلم ... أ. هـ " بداية المجتهد " (1 / 133) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 27101 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 909 دخل مع الإمام بنيةٍ غير نيةِ إمامه [السُّؤَالُ] ـ[إذا كانت جماعة المصلين تصلي العصر، ودخل أحد المسلمين معهم الصلاة ظانا أنها صلاة الظهر، لكنه أدرك أثناء الصلاة أنها العصر، فماذا عليه أن يفعل عندما تتغير نيته في أثناء الصلاة؟ هل عليه أن يقطع صلاته حينها ويكبر للإحرام مرة أخرى؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا السائل لايخلو من أحد حالين: الحالة الأولى: أن يكون السائل قد أدى صلاة الظهر ثم دخل معهم في صلاة العصر بنية الظهر ناسيا ثم تذكر في أثناء الصلاة أن هذه صلاة العصر ففي هذه الحالة لا يصح أن يغيّر نيّته بأن ينويها عصراً بل يقطع الصلاة، ثم يكبر ويدخل مع الإمام مرّة أخرى بنّية العصر. لأن النية شرط في صحة الصلاة. والقاعدة في هذا الباب (أي في باب النية في الصلاة) أن من انتقل بنيته من صلاة معينة سواء كانت فرضا أو نفلا إلى صلاة معينة أخرى بطلت الصلاة التي هو فيها، ولم تنعقد الصلاة الأخرى، وإنما تنعقد بأن ينوي قطع الصلاة التي نواها اولاً، ثم يكبر تكبيرة الإحرام ناويا الصلاة الأخرى. والله أعلم. انظر (الشرح الممتع 2 /296) . الحالة الثانية: أن يكون لم يصل الظهر أصلاً ودخل المسجد وهم يصلون العصر: فقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: إذا كان على شخص فائتة كالظهر فذكرها وقد أقيمت صلاة العصر. فأجاب: المشروع لمن ذكر في السؤال أن يصلي مع الجماعة الحاضرة صلاة الظهر بالنية (أي بنية الظهر) ثم يصلي العصر بعد ذلك لوجوب الترتيب، ولا يسقط الترتيب خشية فوات الجماعة ... أ. هـ. وقال في موضع آخر: ولا يضر اختلاف النية بين الإمام والمأموم على الصحيح من أقوال أهل العلم ... والله أعلم. فتاوى الشيخ ابن باز رحمه الله (ج/ 12-ص /190- 191) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 12787 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 910 صلَّى وحده وبالناس وهو على جنابة فماذا يترتب عليه؟ [السُّؤَالُ] ـ[صليت وأنا على جنابة، في البداية لم أكن أعلم ثم علمت، ولكنني كنت مسلماً غير مبالٍ، صليت عدة صلوات وأنا على جنابة، وفي مرة كنت في البيت وصليت إماماً واستحييت أن أقول بأنني على جنابة، وأريد التوبة، هل أعيد الصلوات أم أصلي العديد من النوافل؟ إهمالي هو السبب وأريد أن أتوب، فماذا أفعل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ما صليتَه وأنت لم تعلم بحكم هذا الفعل: لا إثم عليك فيه، ولا قضاء لما صليتَه وأنت جنب، فالشرع عذر الجاهل سواء في تركه للواجبات أو في فعله للمحرمات إذا كان غير مقصِّر في السؤال والعلم، فإن كان مقصِّراً في طلب العلم والسؤال: فهو آثم على تقصيره هذا. قال علماء اللجنة الدائمة: لا تصح الصلاة بدون طهارة لمن كان عليه حدث أصغر أو أكبر إجماعا ً، لقول الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق ... الآية) المائدة/6 ولقوله صلى الله عليه وسلم " لا تقبل صلاة بغير طهور ". رواه مسلم (224) " فتاوى اللجنة الدائمة (6 / 259) . ثانياً: فإن كنتَ تعلم حكم الشرع في صلاة الجنب، وأنه لا يحل للجنب أن يصلي حتى يغتسل: فإنك آثم على فعلك هذا، ويجب عليك التوبة والاستغفار والندم والعزم على عدم العود لهذا الفعل، كما يجب قضاء تلك الصلوات التي صُلِّيت على تلك الحال. سئل علماء اللجنة الدائمة: أنا امرأة تزوجت منذ سبعة عشر عاما، وكنت في بداية زواجى أجهل بعض بل كل أحكام الغسل من الجنابة؛ لجهلي بالأمور المسببة للجنابة وكذلك زوجي، وهذا الجهل ينحصر منا في أن الجنابة لاتكون إلا على الزوج فقط، وكان زواجي في قبل رمضان بشهر تقريبا، وفي أواخر شهر رمضان من نفس العام علمت بالحكم، فماذا عليَّ أن أعمل بالنسبة للصلوات التي صليتها أثناء هذه الفترة، علماً بأنني أغتسل بنية النظافة وليس لرفع الحدث، واغتسالي هذا ليس دائماً أي بعد كل جماع مع العلم بأنني محافظة على الوضوء عند كل صلاة، وكل هذا يحصل بالجهل مني بالطبع كما أشرت، وكذلك ماذا علي بالنسبة لصيامي شهر رمضان المبارك؟ فأجابوا: يجب عليك قضاء الصلوات التي صليتيها بدون غسل عن الجنابة لتفريطك وعدم تفقهك في الدين، وعليك مع القضاء التوبة إلى الله من ذلك، وأما الصيام فصحيح إذا لم يكن الجماع وقع في النهار. " فتاوى اللجنة الدائمة " (6 / 269) . ثالثاً: ليس على من صلى خلفك من المأمومين إعادة الصلاة، لأن صلاتهم صحيحة، ولا علاقة لصلاتهم ببطلان صلاة إمامهم الذي صلى جنباً وهم لا يعلمون. سئل علماء اللجنة الدائمة: في الأيام القليلة السابقة عندما أردت الوضوء لصلاة المغرب، لاحظت وجود مني في إزاري، فاغتسلت وصليت المغرب ولكني لا أعلم متى حصل الاحتلام: هل قبل صلاة الفجر أم في القيلولة، والمهم أني أسأل في الأمر، فأظن أني صليت الفروض الثلاث: الفجر والظهر والعصر، وأنا على جنابة دون أن أعلم، وبالصدفة فإني صليت هذه الصلوات الثلاث إماماً بمجموعة من المصلين يصل عددهم إلى ثلاثمائة نفر، فكيف أفعل هل أقضي هذه الصلوات الثلاث، وما حكم صلاة من صلى خلفي، وهل تترتب على فعلي هذا جناية؟ أفيدونا أفادكم الله. فأجابوا: يجب عليك إعادة صلاتي الظهر والعصر بعد أن تغتسل غسل الجنابة، ويجب أن تعجل بذلك، أما من صلى وراءك هذه الصلوات فلا يجب عليهم إعادتها، فإن عمر رضي الله عنه صلى بالناس صلاة الفجر وهو جنب وقد كان ناسيا فأعاد الفجر ولم يأمر من صلى وراءه تلك الصلاة أن يعيدها، ولأنهم معذورون لكونهم لايعلمون حدثك، أما الفجر فليس عليك إعادة؛ لأن المني قد يكون من نوم الظهيرة، والأصل براءة الذمة من وجوب الإعادة إلا بيقين الحدث. " فتاوى اللجنة الدائمة " (6 / 266) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 27091 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 911 اكتشفوا أن مسجدهم ينحرف عن القبلة بمقدار 17 درجة [السُّؤَالُ] ـ[لدينا في القرية جامع بناؤه قديم وتمت الصلاة فيه لأكثر من عام، ولكن قبل فترة عندما قامت الأوقاف بالكشف على الجامع اتضح أن المسجد منحرف عن اتجاه القبلة ما يعادل 17 درجة، فانقسم أهل القرية إلى قسمين منهم من قال إنه يجب وضع خيط لتعديل اتجاه القبلة، ومنهم من قال بأن ما بين المشرق والمغرب قبلة والانحراف قليل وتصح الصلاة بدون تشويه صفوف المصلين، فما رأيكم؟ وهل يجوز الصلاة خلف الإمام ونحن منحرفون بمقدار 17 درجة؟ ثم هل يجوز هجر المسجد وهل يجوز تخطي المساجد؟ نريد الإجابة بتفصيل وبشكل قاطع لأن أهل البلدة معتمدون على الله ثم على فضيلتكم بالإفتاء القاطع، وسوف نعلق الفتوى في المسجد لحل الخلاف بين الفريقين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: استقبال القبلة شرط لصحة الصلاة؛ لقوله تعالى: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) البقرة/144. وفرض القريب من الكعبة أن يستقبل عينها، وأما البعيد عنها ففرضه أن يستقبل جهتها، عند جمهور العلماء. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني": " استقبال القبلة شرط لصحة الصلاة , ولا فرق بين الفريضة والنافلة. . . والواجب على من بَعُد من مكة طلب جهة الكعبة , دون إصابة العين. قال أحمد: ما بين المشرق والمغرب قبلة , فإن انحرف عن القبلة قليلا لم يُعِدْ , ولكن يتحرى الوسط. وبهذا قال أبو حنيفة. . . لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما بين المشرق والمغرب قبلة) رواه الترمذي " انتهى باختصار. وفي كلام الإمام أحمد رحمه الله المتقدم فائدتان: الأولى: تتعلق بصلاتكم الماضية، فهي صحيحة ولا يلزمكم إعادتها. الثانية: تتعلق بصلاتكم في المستقبل، فعليكم تعديل الصفوف، ولا ينبغي لكم تعمد الانحراف عن القبلة. وهذا هو قول جمهور العلماء، أما الإمام الشافعي رحمه الله فقد ذهب إلى أنه يجب إصابة عين الكعبة حتى على البعيد، وتبطل الصلاة عنده بمثل هذا الانحراف عن القبلة. وانظر: "المجموع" (3/208) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " استقبال القبلة يكون إما إلى عين القبلة وهي الكعبة، وإما إلى جهتها. فإن كان الإنسان قريبا من الكعبة يمكنه مشاهدتها ففرضه أن يستقبل عين الكعبة لأنها هي الأصل. وأما إذا كان بعيدا لا يمكنه مشاهدة الكعبة فإن الواجب عليه أن يستقبل الجهة، وكلما بعد الإنسان عن مكة كانت الجهة في حقه أوسع، لأن الدائرة كلما تباعدت اتسعت، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما بين المشرق والمغرب قبلة) هذا بالنسبة لأهل المدينة، وذكر أهل العلم رحمهم الله أن الانحراف اليسير في الجهة لا يضر. والجهات معروف أنها أربع: الشمال والجنوب والشرق والغرب، فإذا كان الإنسان عن الكعبة شرقا أو غربا كانت القبلة في حقه ما بين الشمال والجنوب، وإذا كان عن الكعبة شمالا أو جنوبا صارت القبلة في حقه ما بين المشرق والمغرب لأن الواجب استقبال الجهة ... " انتهى من "فقه العبادات" ص (154) . ثانياً: لا حرج في وضع خيط ونحوه ليستقيم الصف على اتجاه القبلة، وهذا أولى من الصلاة مع الانحراف. ثالثاً: الأفضل أن يصلي الإنسان في مسجد حيه أو المسجد القريب من بيته، ولا يتخطاه إلى غيره من المساجد إلا لسبب شرعي، والمرجو من القائمين على المسجد أن يقوموا بتعديل الصفوف وعدم الانحراف عن القبلة يميناً أو شمالاً، احتياطاً للصلاة، فإن بعض الأئمة كما سبق يبطل الصلاة بمثل هذا الانحراف. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى، وجمع كلمتهم على البر والتقوى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 91405 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 912 صلى ثم سمع المؤذن فهل يعيد الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أستفسر عن ثلاثة أسئلة: 1- كنا مسافرين وعلى الطريق توقفنا في مدينة وصلينا فيها الظهر والعصر وقت دخول الظهر، ولما انتهينا من الصلاة أذن المؤذن لصلاة الظهر هل علينا إعادة الصلاة أو لا؟ 2- كنا متوجهين إلى مدينة في الشمال، وبعد أن بتنا فيها ونوينا الخروج من المدينة صلينا بنية القصر والجمع ... صلينا الظهر، ولما كبرنا للعصر أذن المؤذن للصلاة الظهر فكملنا وصلينا العصر ... هل علينا إعادة صلاة الظهر والعصر أم علينا إعادة صلاة الظهر فقط مع العلم أننا الآن في بيوتنا ولسنا مسافرين. 3- دخلت المسجد لصلاة الظهر وكانت قد فاتت الصلاة فصلينا جماعة لكن لم يكبر أحد لصلاة الجماعة، فما يتوجب علي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله جواب السؤال الأول والثاني: إذا كان المؤذن أذن للظهر في وقتها، وليس متأخرا، فقد صليتم الصلاة قبل دخول الوقت، فيلزمكم إعادة الظهر والعصر. وهكذا كل من صلى ثم تبين له أن الوقت لم يدخل. قال ابن قدامة رحمه الله: " ومن صلى قبل الوقت , لم تجزئه صلاته , في قول أكثر أهل العلم , سواء فعله عمدا أو خطأ , كل الصلاة أو بعضها. وبه قال الزهري , والأوزاعي والشافعي , وأصحاب الرأي. وروي عن ابن عمر , وأبي موسى أنهما أعادا الفجر , لأنهما صلياها قبل الوقت ... " انتهى من "المغني" (2/45 ط هجر) . والأصل في المؤذن أنه لا يؤذن إلا بعد دخول الوقت، لاسيما وفي مثل حالكم لم يكن معكم ما يدل على أن المؤذن أخطأ في الوقت أو لم يتحر أوله، بل تكرر هذا الفعل منكم يدل على أنكم لم تتحروا دخول الوقت جيدا، فالواجب عليكم اعتماد المؤذن في معرفة دخول الوقت، لا سيما وأهل المكان الذي كنتم فيه يعتمدونه، ولم يظهر منهم اعتراض عليه. قال ابن قدامة رحمه الله: " وَإِذَا سَمِعَ الأَذَانَ مِنْ ثِقَةٍ عَالِمٍ بِالْوَقْتِ , فَلَهُ تَقْلِيدُهُ ; لأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لا يُؤَذِّنُ إلا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ , فَجَرَى مَجْرَى خَبَرِهِ , وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم {الْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَلَوْلا أَنَّهُ يُقَلَّدُ وَيُرْجَعُ إلَيْهِ مَا كَانَ مُؤْتَمَنًا ... ، وَلأَنَّ الآذَانَ مَشْرُوعٌ لِلإِعْلامِ بِالْوَقْتِ، فَلَوْ لَمْ يَجُزْ تَقْلِيدُ الْمُؤَذِّنِ لَمْ تَحْصُلْ الْحِكْمَةُ الَّتِي شُرِعَ الآذَانُ مِنْ أَجْلِهَا , وَلَمْ يَزَلْ النَّاسُ يَجْتَمِعُونَ فِي مَسَاجِدِهِمْ وَجَوَامِعِهِمْ فِي أَوْقَاتِ الصَّلاةِ , فَإِذَا سَمِعُوا الآذَانَ قَامُوا إلَى الصَّلاةِ , وَبَنَوْا عَلَى أَذَانِ الْمُؤَذِّنِ مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ فِي الْوَقْتِ , وَلا مُشَاهَدَةِ مَا يَعْرِفُونَهُ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ , فَكَانَ إجْمَاعًا. " انتهى من المغني (2/31) . وانظر أيضا: المجموع (3/79) . جواب السؤال الثالث: وأما سؤالك عن صلاتكم من غير تكبير، فإن كان مرادك أن الإمام لم يأت بتكبيرة الإحرام – وهذا بعيد – فلا تصح صلاته ولا صلاة من خلفه، ويلزمكم جميعا إعادة الصلاة. وإن كان المراد أنكم لم تقيموا للصلاة، أو أن الإمام لم يجهر بتكبيرة الإحرام، فالصلاة صحيحة، والحمد لله؛ لأن الإقامة ليست من أركان أو شروط صحة الصلاة، وكذلك الجهر بتكبيرة الإحرام. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 90038 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 913 الصلاة على السجاجيد التي بها صورة الكعبة أو الأماكن المقدسة [السُّؤَالُ] ـ[هل يعد وطء صورة الكعبة والأماكن المقدسة التي على سجادة الصلاة حراما؟ هناك حملة تدعو لمقاطعة شراء سجاد الصلاة التي بها رسومات للأماكن المقدسة تفاديا لوطئها بالأقدام.. ما الرأي الشرعي في هذا الأمر؟ جزاكم الله خيرا عن الإسلام والمسلمين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تصوير ما لا روح فيه من الجمادات والأشجار ونحوها، لا حرج فيه، ويدخل في ذلك تصوير الكعبة والأماكن المقدسة، إذا خلت من صور الآدميين. لكن لا ينبغي للمصلي أن يكون أمامه أو في سجادته شيء من التصاوير؛ لئلا ينشغل بها، وقد روى البخاري (373) ومسلم (556) عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي خَمِيصَةٍ لَهَا أَعْلَامٌ فَنَظَرَ إِلَى أَعْلَامِهَا نَظْرَةً فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ اذْهَبُوا بِخَمِيصَتِي هَذِهِ إِلَى أَبِي جَهْمٍ وَأْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّةِ أَبِي جَهْمٍ فَإِنَّهَا أَلْهَتْنِي آنِفًا عَنْ صَلَاتِي وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنْتُ أَنْظُرُ إِلَى عَلَمِهَا وَأَنَا فِي الصَّلَاةِ فَأَخَافُ أَنْ تَفْتِنَنِي والخميصة: ثوب مخطط من حرير أو صوف. والأعلام: نقوش وزخارف والأنبجانية: كساء غليظ لا نقوش فيه ولا تطريز. فكراهة الصلاة على هذه السجاجيد المنقوشة والمزركشة، لأجل ما يترتب عليها من شغل المصلي وإلهائه، لا لأجل ما ذكر في السؤال من امتهان الأماكن المقدسة بوطئها، فالذي يظهر أنه لا امتهان في هذا، بل هذه السجاجيد يعتني بها أصحابها، ويجعلون موطئ أقدامهم الجزءَ الخالي من الصورة غالبا. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن السجاد التي بها صور مساجد هل يصلى عليها؟ فأجاب بقوله: " الذي نرى أنه لا ينبغي أن يوضع للإمام سجاد فيه تصاوير مساجد، لأنه ربما يشوش عليه ويلفت نظره وهذا يخل بالصلاة، ولهذا لما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في خميصة لها أعلام، ونظر إلى أعلامها نظرة فلما أنصرف قال: ((اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم، وائتوني بأنبجانية أبي جهم فإنها ألهتني آنفا عن صلاتي) . متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها. فإذ قُدّر أن الإمام لا ينشغل بذلك لكونه أعمى، أو لكون هذا الأمر مرّ عليه كثيرا حتى صار لا يهتم به ولا يلتفت إليه، فإننا لا نرى بأسا أن يصلي عليها. والله الموفق " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (12/362) . وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (6/181) : " س: ما حكم الصلاة على الفرش المحتوية على الرسوم التي على شكل البناء الإسلامي كما هو موجود بالفرش الموجودة بالمساجد حاليا. وما حكم الصلاة عليها إذا كانت تحتوي على الصلبان. وهل يلزم من الحكم على الشكل بأنه صليب بأن يكون ذا طرف سفلي طويل وطرف علوي قصير مع تساوي الجانبين، أم يحكم على كل خطين متعامدين بأنه صليب. نرجو إفادتنا عن هذا الموضوع لعموم الابتلاء به والله يحفظكم ويرعاكم؟ جـ: أولاً: المساجد بيوت الله تعالى، بنيت لإقام الصلاة، ولتسبيح الله تعالى فيها بالغدو والآصال مع حضور القلب، والضراعة والخشوع، وخشية الله. والرسوم والزخارف في فرش المساجد وجدرانها مما يشغل القلب عن ذكر الله ويذهب بكثير من خشوع المصلين، ولذا كرهه كثير من السلف. فينبغي للمسلمين أن يجنبوا ذلك مساجدهم، محافظة على كمال عبادتهم بإبعاد المشاغل عن الأماكن التي يتقربون فيها لله رب العالمين رجاء عظم الأجر ومزيد الثواب، أما الصلاة عليها فصحيحة. ثانياً: الصليب شعار النصارى يضعونه في معابدهم ويعظمونه ويعتبرونه رمزاً لقضية كاذبة واعتقاد باطل هو صلب المسيح عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام، وقد أكذب الله تعالى اليهود والنصارى في ذلك فقال سبحانه وتعالى (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم) فلا يجوز للمسلمين أن يجعلوه في فرش مساجدهم أو غيرها، ولا أن يبقوا عليه بل يجب أن يتخلصوا منه بطمسه والقضاء على معالمه بعداً عن المنكر وترفعاً عن مشابهة النصارى عموماً وفي مقدساتهم خاصة، ولا فرق بين ما إذا كان الخط العمودي في الصليب أطول من الأفقي وما إذا كان مثله، ولا بين ما إذا كان الجزء الأعلى من تقاطع الخطين أقصر أو مساو للأسفل منه " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 90097 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 914 صلى بالناس وهو محدث ناسيا [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم صلاة المأمومين إذا أخبرهم الإمام بعد فراغه من الصلاة أنه كان على غير وضوء عن طريق السهو؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من أمّ قوما ثم تبين أنه كان على غير طهارة، فصلاة المأمومين صحيحة، على الراجح من قولي العلماء، وصلاة الإمام باطلة، فيلزمه إعادتها. قال ابن قدامة رحمه الله: " إذا صلى الإمام بالجماعة محدثا , أو جنبا , غير عالم بحدثه , فلم يعلم هو ولا المأمومون , حتى فرغوا من الصلاة , فصلاتهم صحيحة , وصلاة الإمام باطلة. روي ذلك عن عمر وعثمان وعلي وابن عمر رضي الله عنهم , وبه قال مالك والشافعي. روي أن عمر رضي الله عنه صلى بالناس الصبح , ثم وجد في ثوبه احتلاما , فأعاد ولم يعيدوا. وصلى عثمان رضي الله عنه بالناس صلاة الفجر , فلما أصبح وارتفع النهار فإذا هو بأثر الجنابة, فأعاد الصلاة , ولم يأمرهم أن يعيدوا. وعن علي رضي الله عنه أنه قال: إذا صلى الجنب بالقوم فأتم بهم الصلاة آمره أن يغتسل ويعيد , ولا آمرهم أن يعيدوا. وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه صلى بهم الغداة , ثم ذكر أنه صلى بغير وضوء , فأعاد ولم يعيدوا. رواه كله الأثرم " انتهى من "المغني" (1/419) بتصرف. وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن رجل صلى إماما صلاتي الظهر والعصر وهو جنب، وكان لا يعلم بجنابته. فأجابت: " يجب عليك إعادة صلاتي الظهر والعصر بعد أن تغتسل غسل الجنابة، ويجب أن تعجل بذلك، أما من صلى وراءك هذه الصلوات فلا يجب عليهم إعادتها، فإن عمر رضي الله عنه صلى بالناس صلاة الفجر وهو جنب وقد كان ناسيا فأعاد الفجر ولم يأمر من صلى وراءه تلك الصلاة أن يعيدها، ولأنهم معذورون لكونهم لا يعلمون حدثك " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (6 / 266) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 85011 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 915 إذا انحرف المأمومون عن الإمام بنحو أربعين درجة [السُّؤَالُ] ـ[نشكو في مساجدنا بانحراف كبير عن القبلة. فتجد في أغلب الأحيان أن الإمام يستقبل القبلة أو جهتها والمصلين منحرفون عنه وقد يصل هذا الانحراف إلى أربعين درجة. وإذا سألنا عن ذلك الأئمة أجابونا أنه يكفي أن يستقبل الإمام القبلة لتكون الصلاة صحيحة أو يكفي أن نصلي إلى جهة القبلة. فنرجو من سماحتكم أن تجيبوا عن هذه المسألة بشيء من التفصيل فإن هذه المسألة تقلقنا كثيرا في بلادنا وأصبحت مصدرا للفتنة. وهل يجوز أن أنحرف على الصف لأكون في نفس الاتجاه مع الإمام والقبلة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الواجب على من كان بعيدا عن الكعبة أن يستقبل جهتها، في قول جمهور العلماء. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/262) : "استقبال القبلة شرط لصحة الصلاة , ولا فرق بين الفريضة والنافلة ; لأنه شرط للصلاة , فاستوى فيه الفرض والنفل , كالطهارة، ولأن قوله تعالى: (وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره) عام فيهما جميعا. ثم إن كان معاينا للكعبة , ففرضه الصلاة إلى عينها. لا نعلم فيه خلافا. قال ابن عقيل ; إن خرج بعضه عن مسامتة (مواجهة) الكعبة لم تصح صلاته. إلى أن قال: " والواجب على سائر من بعد من مكة طلب جهة الكعبة , دون إصابة العين. قال أحمد: ما بين المشرق والمغرب قبلة , فإن انحرف عن القبلة قليلا لم يُعِدْ , ولكن يتحرى الوسط. وبهذا قال أبو حنيفة. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما بين المشرق والمغرب قبلة) . رواه الترمذي , وقال: حديث حسن صحيح. وظاهره أن جميع ما بينهما قبلة" انتهى بتصرف واختصار. وفي موطأ الإمام مالك (460) أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (ما بين المشرق والمغرب قبلة إذا تُوجِّه قِبل البيت) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "شرح العمدة" (2/539) : "وروى الأثرم عن عمر وعلي وابن عباس أنهم قالوا: (ما بين المشرق والمغرب قبلة) ، وعن عثمان أنه قال: (كيف يخطئ الرجل الصلاة وما بين المشرق والمغرب قبلة ما لم يتحر المشرق عمدا) " انتهى. ثانيا: يلزم الإمام والمأمومين استقبال جهة الكعبة، وتحري ذلك، ولا يكفي أن يتجه الإمام وحده. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: في وطننا مساجد متعددة انحرفت محاريبها إلى اليمين، وسبب ذلك أن بعض الناس ظنوا أن قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (مابين المشرق والمغرب قبلة) . وعليه فهل يكفي أن يتجه الإمام إلى جهة القبلة وحده دون المأمومين؟ فأجابوا: "الواجب على الإمام والمأموم استقبال جهة الكعبة، لقول الله سبحانه: (وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره) ولقوله صلى الله عليه وسلم: (مابين المشرق والمغرب قبلة) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. وهذا خطاب لأهل المدينة ونحوهم ممن هو في شمال الكعبة أو جنوبها، وظاهره أن جميع ما بينهما قبلة. وأما من كان عن الكعبة غربا أو شرقا فإن القبلة في حقه ما بين الشمال والجنوب، ولأنه لو كان الغرض إصابة العين على من بعد عن الكعبة لما صحت صلاة أهل الصف الطويل على خط مستو، ولا صلاة اثنين متباعدين يستقبلان قبلة واحدة، فإنه لايتأتى أن يتوجه إلى الكعبة مع طول الصف أكثر من قدر الكعبة " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (6/316) . لكن إذا استقبل الجميع جهة الكعبة، وانحرف المأمومون عن الإمام، يمينا أو شمالا، مع حصول استقبال الجهة، صح ائتمامهم به. قال ابن قدامة في "المغني" (1/267) : " فأما إن كان أحدهما يميل يميناً ويميل الآخر شمالاً مع اتفاقهما في الجهة فلا يختلف المذهب في أن لأحدهما الائتمام بصاحبه، لأن الواجب استقبال الجهة وقد اتفقا عليها" انتهى. والانحراف عن القبلة 40 درجة لا يضر باستقبال الجهة، فتصح الصلاة مع هذا الانحراف، ولكن الذي ينبغي لأهل كل مسجد أن يتحروا جهة القبلة بدقة، ويقف جميع المصلين (الإمام والمأمومون) مستقبلين الجهة، ويتحروا الوسط، كما سبق في كلام ابن قدامة رحمه الله. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 85066 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 916 حكم الصلاة في ثوب فيه صورة حيوان أو إنسان [السُّؤَالُ] ـ[ما هو حكم الصلاة بالملابس التي تحمل صور بعض الحيوانات التي هي شعارات للشركة المصنعة مثل النمر أو التمساح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا يجوز لبس ما فيه صورة حيوان أو إنسان؛ لما روى البخاري (3226) ومسلم (2106) عن أبي طَلْحَة رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا تَدْخُلُ الْمَلائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ) . انظر: "مطالب أولي النهى" (1/353) وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن حكم لبس الثياب التي فيها صورة حيوان أو إنسان؟ فأجاب: لا يجوز للإنسان أن يلبس ثيابا فيها صورة حيوان أو إنسان، ولا يجوز أيضا أن يلبس غترة أو شماغا أو ما أشبه ذلك وفيه صورة إنسان أو حيوان، وذلك لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة) . ولهذا لا نرى لأحد أن يقتني الصور للذكرى كما يقولون، وأن من عنده صور للذكرى فإن الواجب عليه أن يتلفها، سواء كان قد وضعها على الجدار، أو وضعها في ألبوم، أو في غير ذلك، لأن بقاءها يقتضي حرمان أهل البيت من دخول الملائكة بيتهم. والله أعلم " انتهى. وسئل رحمه الله: عن حكم إلباس الصبي الثياب التي فيها صور لذوات الأرواح؟ فأجاب: " يقول أهل العلم: إنه يحرم إلباس الصبي ما يحرم إلباسه الكبير، وما كان فيه صورة فإلباسه الكبير حرام، فيكون إلباسه الصغير حراما أيضا، وهو كذلك، والذي ينبغي للمسلمين أن يقاطعوا مثل هذه الثياب وهذه الأحذية حتى لا يدخل علينا أهل الشر والفساد من هذه النواحي، وهي إذا قوطعت فلن يجدوا سبيلا إلى إيصالها إلى هذه البلاد وتهوين أمرها بينهم " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (12/333) . ثانيا: تصح الصلاة في الثوب المشتمل على صورة إنسان أو حيوان، مع الإثم. وسئل علماء اللجنة الدائمة هل تجوز الصلاة في ثوب فيه صورة إنسان، أو صور حيوانات، وهل يجوز دخول بيت الخلاء بثوب فيه اسم الله؟ فأجابت: لا يجوز له أن يصلي في ملابس فيها صور ذوات الأرواح من إنسان أو طيور أو أنعام أو غيرها من ذوات الأرواح، ولا يجوز للمسلم لبسها في غير الصلاة، وتصح صلاة من صلى في ثوب فيه صور مع الإثم في حق من علم الحكم الشرعي، ولا يجوز كتابة اسم الله على الثوب، وكره دخول بيت الخلاء به إلا لحاجة لما في ذلك من امتهان اسمه تعالى " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (6/179) وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن حكم صلاة من صلى وعلى ملابسه صور ذوات أرواح منسوجة أو مطبوعة؟ فأجاب: " إذا كان جاهلا فلا شيء عليه، وإن كان عالما فإن صلاته صحيحة مع الإثم على أصح قولي العلماء رحمهم الله، ومن العلماء من يقول: صلاته تبطل، لأنه صلى في ثوب محرم عليه " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (12/360) . وبناء على ذلك فإنه يلزمك نزع صورة النمر أو التمساح من ملابسك، أو طمس صورتهما بإزالة الرأس أو تسويده بلون أو خيط ونحوه مما يخفيه، فإن صليت به مع بقاء الصورة فالصلاة صحيحة مع الإثم. وانظر جواب السؤال رقم (3332) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83154 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 917 اتجاه القبلة لمن يقيم في كندا [السُّؤَالُ] ـ[المسلمون هنا في كندا يصلون جماعة إلى الشمال الشرقي والتي تبدو أنها خاطئة لأننا من مكة شمال غربها ولكنهم سألوا متخصصين غير مسلمين عن مكان الكعبة فأخبروهم. بعض الإخوة وهم قليل جزموا على الصلاة إلى الجنوب الشرقي وهم مستمرون على ذلك ومخالفون لجماعة المسلمين فما الحكم فيهم؟ علما بأن بعض الإخوة هداهم الله عازمون على طردهم من المسجد، فما رأيكم بارك الله فيكم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الوصية لإخواننا المسلمين في كندا وغيرها أن يراعوا الأخوة الإيمانية التي عقدها الله تعالى بين المؤمنين، قال الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) الحجرات/ 10، وقال الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ) رواه البخاري (6951) ومسلم (2564) فإذا كان هناك شيء من الاختلاف في مسألة ما فالواجب هو التباحث فيها، وسؤال أهل العلم بهدف الوصول إلى الحق واتباعه، فإن الحكمة ضالة المؤمن، والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وعليهم أن يراعوا أنهم يقيمون بين أناس ينظرون إليهم على أنهم التطبيق العملي للإسلام فلا يكونون سبباً في تشويه صورة الإسلام النقيّة، أو يصدُّون عن سبيل الله بسوء أعمالهم وهم لا يشعرون. ثانياً: أجمع المسلمون على أن استقبال القبلة شرط من شروط صحة الصلاة، لقول الله تعالى: (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ) البقرة/144. وقد سبق بيان ذلك تفصيلاً في جواب السؤال (65853) . ثالثاً: أما جهة القبلة لمن كان في كندا، فإذا نظرنا إلى خريطة العالم على ورقة مستوية، فإن القبلة تظهر وكأنها في الجهة الجنوبية الشرقية، ولكن بعد مراجعة الأمر وسؤال أهل الخبرة والتخصص، وجد أن الصواب مع الإخوة الذي يستقبلون الشمال الشرقي، وسبب ذلك وقوع كندا في شمال الكرة الأرضية، مما يجعل جهة شروق الشمس بالنسبة لها مائلة كثيرا عن الشرق الجغرافي إلى جهة الجنوب، بحيث تكون مكة في الشمال الشرقي لكندا، وهذا الأمر يكون أكثر وضوحاً إذا ما نظرنا إلى خريطة العلم مرسومة على كرة مجسمة، وليست على ورقة مستوية. بل يمكن تحديد ذلك على الخريطة المستوية بسهولة: وذلك بتحديد جهة الشمال المغناطيسي (والشمال المغناطيسي هو الجهة التي تشير إليها البوصلة، وهي جهة القطب الشمال، وخطوط الطول الموجودة على الخريطة تشير إلى هذه الجهة) فلو جعلنا خطاً متعامداً على خط الطول فإن هذا الخط يحدد جهة المشرق لمن في هذه المنطقة، وإذا فعلنا ذلك على كندا، فسنجد أن مكة تقع في الشمال الشرقي لكندا، باستثناء المناطق التي تقع في الشمال الشرقي أو في أقصى الشرق من كندا، فإن قبلتها تقترب كثيراً من جهة الشرق، بل بعضها يميل قليلاً إلى جهة الجنوب. فعليكم بمناصحة إخوانكم وبيان اتجاه القبلة الصحيح لهم. ونسأل الله تعالى أن يؤلف بين قلوبكم، ويوفقكم لكل خير. رابعاً: سبق في جواب السؤال رقم (95241) بيان كيفية تحديد القبلة بواسطة الشمس، فنأمل منكم مراجعته والعمل بما فيه من أجل التحقق من جهة القبلة. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82398 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 918 الصلاة في الطائرة مع العجز عن القيام واستقبال القبلة [السُّؤَالُ] ـ[أنا من الإمارات ذهبت للعمرة في رمضان بالطائرة وفي أثناء رجوعي إلى بلدي كان وقت الرحلة قبيل الفجر وفي وقت محدد أعلن طاقم الطائرة أنه يجب علينا الإمساك فقد دخل الفجر، فاحترت أين سأصلي فستشرق الشمس قبل الهبوط فليس هناك مكان للصلاة عدا الممرات وهذا قد يكون محرجا لي كامرأة وأيضا كنت بحاجة لدورة المياه (قد أمسكت الريح) ولكن نظراً للزحمة لم أتمكن من دخوله، وفجأة لمحت في الأفق الشفق البرتقالي فسارعت بالتكبير وأنا جالسة على مقعدي وأغلب ظني أن القبلة كانت خلفي لأننا نتجه شرقا والقبلة خلفنا غربا وكنت على وضوء؟ فهل صلاتي صحيحة أم لا وماذا علي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: القيام واستقبال القبلة في الفريضة ركنان من أركانها، لا تصح بدونهما إلا من عذر، ومن الأعذار التي ذكرها أهل العلم في هذا الباب من صلى في الطائرة وعجز عن القيام أو استقبال القبلة، إذا خشي خروج الوقت، وكانت الصلاة مما لا تجمع إلى ما قبلها أو ما بعدها. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن رجل مسافر بالطائرة ولا يعرف اتجاه القبلة علماً بأن الجميع لم يعرفوا الاتجاه فصلى ولم يعلم أهو في اتجاه القبلة في صلاته أم لا؟ فهل الصلاة في مثل هذه الحالة صحيحة؟. فأجاب: " الراكب في الطائرة إن كان يريد أن يصلي صلاة نفل فإنه يُصلي حيث كان وجهه ولا يلزمه أن يستقبل القبلة لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي على راحلته حيثما اتجهت به إذا كان في سفر، وأما الفريضة فلا بد من استقبال القبلة ولا بد من الركوع والسجود إذا أمكن وعلى هذا فإن من تمكن من هذا في الطائرة فليصل في الطائرة وإن كانت الصلاة التي حضرت وهو في الطائرة مما يُجمع إلى ما بعده كما لو حضرت صلاة الظهر فإنه يؤخرها حتى يجمعها مع العصر أو حضرت صلاة المغرب وهو في الطائرة يؤخرها حتى يجمعها مع العشاء. ويجب عليه أن يسأل المضيفين عن اتجاه القبلة إذا كان في طائرة ليس فيها علامة القبلة فإن لم يفعل فصلاته غير صحيحة " انتهى نقلا عن "مجلة الدعوة" العدد 1757 ص 45. وسئلت اللجنة الدائمة: إذا كنت مسافراً في طائرة وحان وقت الصلاة أيجوز نصلي في الطائرة أم لا؟ فأجابت: "إذا حان وقت الصلاة والطائرة مستمرة في طيرانها ويخشى فوات وقت الصلاة قبل هبوطها في أحد المطارات، فقد أجمع أهل العلم على وجوب أدائها بقدر الاستطاعة ركوعاً وسجوداً واستقبالاً للقبلة، لقوله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) التغابن/16، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم) رواه مسلم (1337) . أما إذا علم أنها ستهبط قبل خروج وقت الصلاة بقدر يكفي لأدائها، أو أن الصلاة مما يجمع مع غيره كصلاة الظهر مع العصر، وصلاة المغرب مع العشاء، أو علم أنها ستهبط قبل خروج وقت الثانية بقدر يكفي لأدائهما، فقد ذهب جمهور أهل العلم إلى جواز أدائها في الطائرة، لوجوب الأمر بأدائها بدخول وقتها حسب الاستطاعة، كما تقدم، وهو الصواب " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (8/120) . وسئلت أيضا (8/126) : هل تجوز الصلاة بالطائرة جالساً، مع القدرة على الوقوف، خجلاً؟ فأجابت: "لا يجوز أن يصلي قاعداً في الطائرة ولا غيرها إذا كان يقدر على القيام؛ لعموم قوله تعالى: (وقوموا لله قانتين) ، وحديث عمران بن حصين المخرج في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب) . زاد النسائي بإسناد صحيح: (فإن لم تستطع فمستلقياً) " انتهى. ثانياً: الطهارة شرط لصحة الصلاة، وقد صليتِ على وضوء، فصلاتك صحيحة إن شاء الله، غير أنه تكره الصلاة وهو ممسك للبول أو الغائط أو الريح، إذا كان ذلك شديدا، لأنه سيؤثر على خشوعه وحضور قلبه في الصلاة، ولكنها صحيحة إن شاء الله. وبناء على ما سبق فخلاصة الجواب: إن كان تركك للقيام واستقبال القبلة، لعجزك عنهما، فصلاتك صحيحة، وإن كان يمكنك القيام أو الاستقبال وتركت ذلك فصلاتك غير صحيحة ويلزمك إعادتها الآن. نسأل الله أن يتقبل عمرتك وأن يجزيك خيرا على حرصك وسؤالك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82536 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 919 الصلاة بالثوب الأبيض من غير سراويل [السُّؤَالُ] ـ[هل لبس الثوب الأبيض من غير سروال طويل يكشف العورة؟ وما حكم من صلى خلف الإمام وهو على هذا الحال، وهو يعلم أن ستر العورة ضرورية في الصلاة؟ مع العلم أنه يوسوس كثيرا، فيصلي خلف الإمام وهو لابس الثوب الأبيض من غير سروال طويل لأنه يقول: قد يكون هذا وسواس، وإذا كان عليه إعادة الصلاة فماذا يفعل إذا لم يعلم عدد الصلوات التي صلاها وهو على هذا الحال؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من شروط صحة الصلاة التي لا تصح إلا بها: "ستر العورة"، والأصل في ذلك قول الله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ) الأعراف/31. قال السعدي في "تفسيره" (287) : " استروا عوراتكم عند الصلاة كلها، فرضها ونفلها، فإن سترها زينة للبدن، كما أن كشفها يدع البدن قبيحا مشوها. ويحتمل أن المراد بالزينة هنا ما فوق ذلك من اللباس النظيف الحسن، ففي هذا الأمر بستر العورة في الصلاة، وباستعمال التجميل فيها ونظافة السترة من الأدناس والأنجاس " انتهى. وحتى يكون الثوب ساتراً لا بد أن يحجب لون البشرة، فإن ظهر لون البشرة من تحته، فإنه لا يعد ساتراً. قال ابن قدامة في "المغني" (1/337) : " والواجب الستر بما يستر لون البشرة، فإن كان خفيفا يَبِينُ لونُ الجلد من ورائه فيعلم بياضه أو حمرته لم تجز الصلاة فيه؛ لأن الستر لا يحصل بذلك " انتهى. وقال النووي في "المجموع" (3/176) : " قال أصحابنا: يجب الستر بما يحول بين الناظر ولون البشرة، فلا يكفي ثوب رقيق يُشاهَد من ورائه سوادُ البشرة أو بياضُها " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (2/148) : " إذا كان الثوب الذي على البدن يبين تماما لون الجلد فيكون واضحا، فإن هذا ليس بساتر، أما إذا كان يبين منتهى السروال من بقية العضو فهذا ساتر " انتهى. والثوب الأبيض الذي يلبسه الناس اليوم متفاوت بحسب نوع القماش، فبعضه يستر لون البشرة، وبعضه رقيق يظهر من ورائه لونها، والضابط في تحديد الساتر من غيره هو أنه إذا كان الناظر إلى لابسه لا يستطيع تمييز لون بشرته: بياضها من حمرتها من سوادها فيعد حينئذ ساترا مجزئا، ولا حرج من الصلاة فيه ولو بغير سروال طويل. أما إذا أمكن الناظر تمييز لون بشرة لابسه، فهذا ثوب شفاف لا يعد ساترا، ولا تجزئ الصلاة فيه. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (12/سؤال رقم/167) : عن حكم الصلاة بالثياب البيضاء الشفافة، وتحتها سراويل قصيرة لا تواري إلا الجزء اليسير من الفخذ، والبشرة ظاهرة منها بوضوح تام؟ فأجاب: " إذا لبس المرء سروالاً قصيراً لا يغطي ما بين السرة والركبة، ولبس فوقه ثوباً شفافاً فإنه في الحقيقة لم يستر عورته؛ لأن الستر لابد فيه التغطية، بحيث لا يتبين لون الجلد من وراء الساتر، وقد قال الله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) ، وقال صلى الله عليه وسلم في الثوب: (إن كان ضيقاً فاتزر به، وإن كان واسعاً فالتحف به) . وأجمع العلماء على أن من صلى عرياناً وهو يقدر على ستر عورته فإن صلاته لا تصح. وعلى هؤلاء الذين أنعم الله عليهم بهذه الملابس أن يلبسوا سروالاً يستر ما بين السرة والركبة، أو يلبسوا ثوباً صفيقاً لا يشف عن العورة، لكي يقوموا بأمر الله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) " انتهى. وقال أيضا في جواب السؤال رقم (168) : " ما يفعله بعض الناس أثناء الصيف من لبس الثياب الخفيفة وتحتها سراويل قصيرة لا تصل إلى الركبة، هذا حرام، ولا تجوز الصلاة به، لأن من شرط صحة الصلاة أن يستر الإنسان ما بين سرته وركبته، فإذا كان السروال قصيراً لا يستر ما بين السرة والركبة، والثوب خفيفاً يتبين لون البشرة من ورائه، فإنه حينئذ لا يكون ساتراً لعورته التي يجب سترها، فإنه لو صلى مهما صلى تكون صلاته باطلة، وعلى هذا فعلى إخواننا إما أن يغيروا السروال إلى سروال طويل يستر ما بين السرة والركبة، أو يلبسوا ثياباً صفيقة لا تشف عن البشرة، والله الموفق " انتهى. وانظر جواب السؤال رقم (5809) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 81281 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 920 هل يشترط في السنة القبلية دخول وقت فريضتها؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل سنة الفجر تصلى بعد دخول وقت صلاة الصبح أم بعد الأذان - الذي هو قبل وقت الصلاة -؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله السنَّة القبلية للصلاة لا يدخل وقتها إلا بدخول وقت الصلاة. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/544) : " كل سنة قبل الصلاة , فوقتها من دخول وقتها إلى فعل الصلاة , وكل سنة بعدها , فوقتها من فعل الصلاة إلى خروج وقتها " انتهى. وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: دخلت المسجد في صلاة الصبح وصليت ركعتين، وعند قيامي للركعة الثانية: قام المؤذن يؤذن للصلاة، وقد نويت في صلاتي تلك أنها سنة الصبح، حيث قمت من منزلي وهو يؤذن في بعض المساجد، وعندما فرغت من صلاتي جلست أقرأ القرآن، فقال لي شخص بجانبي: قم صل سنة الصبح، فقلت له: إنني صليتها، فقال: لا يجوز ذلك إلا أن تصلي مرة أخرى حيث المؤذن أذن وأنت تصلي، أرجو إفادتي عن ذلك؟ فأجاب: " إذا كان المؤذن الذي أذن وأنت تصلي سنة الفجر قد أخَّر الأذان وصادف فعلك لها بعد طلوع الفجر: فقد أديت السنَّة ويكفي ذلك ولا حاجة أن تعيدها، أما إذا كنت تشك في ذلك ولا تعلم هل المؤذن الذي أذن وأنت في الصلاة هل أذانه بعد الصبح أو عند طلوع الفجر: فالأحوط لك والأفضل أن تعيد الركعتين، حتى تكون أديتهما بعد طلوع الفجر يقينا " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (11 / 369، 370) . وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: هل يُشترط للسنَّة الراتبة التي قبل الظهر وقبل الفجر دخول الوقت؟ فأجاب: " السنَّة الراتبة القبلية التي تكون قبل الصلاة لا بدَّ أن تكون بعد (دخول) الوقت، فلو فُرض أن الإنسان صلاها قبل الوقت ظانّاً أن الوقت قد دخل ثم تبيَّن أنه لم يدخل: فليعُدها، وتكون الأولى نفلاً مطلقاً لا راتبة " انتهى. " لقاءات الباب المفتوح " (السؤال رقم 590) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 72349 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 921 الحالات التي يسقط فيها شرط استقبال القبلة [السُّؤَالُ] ـ[ما هي الحالات التي يمكننا فيها تغيير اتجاه القبلة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لعل السائل يريد معرفة الحالات التي يسقط فيها وجوب استقبال القبلة في الصلاة، وتصح الصلاة فيها لغير القبلة. " من شروط صحة الصلاة: استقبال القبلة، ولا تصح الصلاة إلا به، لأن الله تعالى أمر به وكرر الأمر به في القرآن الكريم، قال الله تعالى: (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) البقرة/144. أي: جهته. وكان النبي عليه الصلاة والسلام أول ما قدم المدينة يصلي إلى بيت المقدس، فيجعل الكعبة خلف ظهره والشام قِبَلَ وجهه، ولكنه بعد ذلك ترقب أن الله سبحانه وتعالى يشرع له خلاف ذلك، فجعل يقلب وجهه في السماء ينتظر متى ينزل عليه جبريل بالوحي في استقبال الكعبة كما قال الله: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) البقرة/144. فأمره الله أن يستقبل شطر المسجد الحرام، أي: جهته، إلا أنه يُستثنى من ذلك ثلاث مسائل: المسألة الأولى: إذا كان عاجزاً، كمريض وجهه إلى غير القبلة ولا يستطيع أن يتوجه إلى القبلة، فإن استقبال القبلة يسقط عنه في هذه الحال لقوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم) التغابن/16. وقوله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا) البقرة/286. وقول النبي صلى الله عليه وسلم (إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ) رواه البخاري (7288) ومسلم (1337) . المسألة الثانية: إذا كان في شدة الخوف كإنسان هارب من عدو، أو هارب من سبع، أو هارب من سيل يغرقه، فهنا يصلي حيث كان وجهه، ودليله قوله تعالى: (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) البقرة/239. فإن قوله: (فَإِنْ خِفْتُمْ) عام يشمل أي خوف، وقوله: (فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) يدل على أن أي ذِكْرٍ تركه الإنسان من أجل الخوف فلا حرج عليه فيه، ومن ذلك: استقبال القبلة. ويدل عليه أيضاً ما سبق من الآيتين الكريمتين، والحديث النبوي في أن الوجوب معلق بالاستطاعة. المسألة الثالثة: في النافلة في السفر سواء كان على طائرة أو على سيارة، أو على بعير فإنه يصلي حيث كان وجهه في صلاة النفل، مثل: الوتر، وصلاة الليل، والضحى وما أشبه ذلك. والمسافر ينبغي له أن يتنفل بجميع النوافل كالمقيم تماماً إلا في الرواتب، كراتبة الظهر، والمغرب، والعشاء، فالسنة تركها. فإذا أراد أن يتنفل وهو مسافر فليتنفل حيث كان وجهه، ذلك هو الثابت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهذه ثلاث مسائل لا يجب فيها استقبال القبلة. أما الجاهل فيجب عليه أن يستقبل القبلة، لكن إذا اجتهد وتحرى ثم تبين له الخطأ بعد الاجتهاد فإنه لا إعادة عليه، ولا نقول: إنه يسقط عنه الاستقبال بل يجب عليه الاستقبال ويتحرى بقدر استطاعته، فإذا تحرى بقدر استطاعته ثم تبين له الخطأ فإنه لا يعيد صلاته، ودليل ذلك أن الصحابة الذين لم يعلموا بتحويل القبلة إلى الكعبة كانوا يصلون ذات يوم صلاة الفجر في مسجد قباء فجاءهم رجل فقال: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ، فَاسْتَقْبِلُوهَا، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّامِ فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ. رواه البخاري (403) ومسلم (526) . بعد أن كانت الكعبة وراءهم جعلوها أمامهم، فاستداروا واستمروا على صلاتهم، وهذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن إنكار له فيكون ذلك مشروعاً، يعني أن الإنسان إذا أخطأ في القبلة جاهلاً فإنه ليس عليه إعادة، ولكن إذا تبين له ولو في أثناء الصلاة وجب عليه أن يستقبل القبلة. فاستقبال القبلة شرط من شروط الصلاة لا تصح الصلاة إلا به في المواضع الثلاثة، وإلا إذا أخطأ الإنسان بعد الاجتهاد والتحري " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (12/433- 435) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65853 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 922 الصلاة بغير طهارة متعمدًا كبيرة وليست كفرًا [السُّؤَالُ] ـ[أعلم أنه لا تجوز الصلاة على الجنب، لكن إذا صلى أحدهم وهو جنب، فما حكم صلاته؟ وهو الآن يشعر في داخله بأنه محطم تمامًا، ومغتم لمعصيته، فقد قرأ في أحد الكتب أن المسلم إذا "صلى" دون وضوء، فإنه يخرج من الإسلام. وبناء على ما ذكر، كيف يتصرف المذكور؟ هل خرج بفعله ذاك من الإسلام أم لا؟ وكيف يتخلص من تلك المعصية ويتوب؟ هل عليه تجديد إيمانه (إسلامه) ؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: من المعلوم بالضرورة عند المسلمين أن الطهارة من الحدثين الأصغر والأكبر واجبة، وشرط لصحة الصلاة، وأن من صلى بغير طهارة عامدًا أو ناسيًا فصلاته باطلة، وعليه الإعادة، ثم إن كان عامدًا فقد ارتكب إثمًا كبيرًا ومعصيةً عظيمةً. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فالمسلم لا يصلي إلى غير القبلة، أو بغير وضوء أو ركوع أو سجود، ومن فعل ذلك كان مستحقا للذم والعقاب" انتهى. "منهاج السنة النبوية" (5/204) . وقد جاء الوعيد الشديد لمن فعل ذلك: فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أُمِرَ بعبد من عباد الله أن يُضرَب في قبره مائة جلدة، فلم يزل يسأل ويدعو حتى صارت جلدةً واحدةً، فجُلد جلدةً واحدةً، فامتلأ قبره عليه نارًا، فلما ارتفع عنه أفاق، قال: علام جلدتموني؟ فقيل له: إنك صليت صلاةً واحدةً بغير طهور، ومررت على مظلوم فلم تنصره) أخرجه الطحاوي في "مشكل الآثار" (4/231) وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (2774) . ثانيًا: اتفق أهل العلم على أن من صلى بغير طهارة مستحلًا ذلك، أو مستهزئاً، فقد كفر، ويستتاب، فإن تاب وإلا قتل. وأما إذا صلى بغير وضوء تهاوناً لا على وجه الاستحلال ولا الاستهزاء، فقد ذهب الإمام أبو حنيفة رحمه الله إلى أنه يكفر أيضاً، وجمهور العلماء على أنه لا يكفر، ويكون فعل كبيرة من الكبائر. يقول النووي رحمه الله: " إن كان عالما بالحدث وتحريم الصلاة مع الحدث فقد ارتكب معصيةً عظيمةً، ولا يكفر عندنا بذلك، إلا أن يستحله، وقال أبو حنيفة: يكفر لاستهزائه. دليلنا: أنه معصية فأشبهت الزنا وأشباهه " انتهى. "المجموع" (2/84) ، وبنحوه في "روضة الطالبين" (10/67) . وانظر مذهب الأحناف في: "البحر الرائق" (1/151،302) ، (5/132) ، "حاشية ابن عابدين" (3/719) . فالواجب على من صلى بغير طهارة التوبة والاستغفار، والعزم على عدم العود إلى مثل ذلك، ثم يعيد الصلاة التي صلاها بغير طهارة، والله تعالى يتوب على من تاب، ولا يجب عليه تجديد إسلامه. والله أعلم. انظر سؤال رقم (27091) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65731 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 923 كيفية الصلاة والصوم في البلاد التي نهارها دائم أو ليلها دائم [السُّؤَالُ] ـ[بالنسبة للدول التي لا يحل فيها الظلام في فصل الصيف فكيف يصلون المغرب والعشاء؟ وماذا يفعلون في شهر رمضان حيث يحل في ذلك الوقت، فكيف يصوموا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صدرت فتوى رقم (2769) من هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة في هذه المسألة بمثل ما ذكرناه، وهذا نص السؤال والجواب: الحمد لله وحده والصلاة السلام على من لا نبي بعده.. وبعد: فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة الرئيس العام من المستفتي الأمين العام لاتحاد الطلبة المسلمين بهولندا، والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء والسؤال نصه: نرجو من سماحتكم التفضل بموافاتنا بالفتوى اللازمة لكيفية تعيين أوقات صلاة المغرب والعشاء والصبح، وكذلك تعيين أول رمضان، وأول أيام عيد الفطر المبارك، ذلك أنه بالنسبة إلى حركة شروق وغروب الشمس في بلدان شمال أوربا والقريبة من القطب الشمالي تختلف عن مثيلتها في بلدان الشرق الإسلامي، والسبب في ذلك يرجع إلى وقت مغيب الشفق الأحمر والأبيض، فيلاحظ أن الشفق الأبيض في الصيف يمتد حتى يكاد يستغرق الليل كله فيصعب تحديد وقت العشاء وكذلك طلوع الصبح؟ والجواب: لقد صدر قرار هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية في بيان تحديد أوقات الصلوات، وتحديد بدء صباح كل يوم ونهايته في رمضان في بلاد مماثلة لبلادكم هذا مضمونه: بعد الاطلاع والدراسة والمناقشة قرر المجلس ما يلي: أولاً: من كان يقيم في بلاد يتمايز فيها الليل من النهار بطلوع فجر وغروب شمس إلا أن نهارها يطول جداً في الصيف ويقصر في الشتاء وجب عليه أن يصلي الصلوات الخمس في أوقاتها المعروفة شرعاً. لعموم قوله تعالى {أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا} (الإسراء / 78) وقوله تعالى: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا} (النساء / 103) ولما ثبت عن بريدة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله رجل عن وقت الصلاة فقال له: «صل معنا هذين» يعني اليومين، فلما زالت الشمس أمر بلالا فأذن، ثم أمره فأقام الظهر، ثم أمره فأقام العصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية، ثم أمره فأقام المغرب حين غابت الشمس، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق، ثم أمره فأقام الفجر حين طلع الفجر، فلما كان اليوم الثاني أمره أن يبرد بالظهر فأبرد بها، ... وصلى العصر والشمس مرتفعة، أخرها فوق الذي كان وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق، وصلى العشاء بعد ما ذهب ثلث الليل، وصلى الفجر فأسفر بها ثم قال: «أين السائل عن وقت الصلاة» فقال الرجل أنا يا رسول الله قال: «وقت صلاتكم بين ما رأيتم» رواه البخاري ومسلم. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر، ووقت العصر مالم تصفر الشمس، ووقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق، ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط، ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس فإذا طلعت الشمس فأمسك عن الصلاة فإنها تطلع بين قرني شيطان» أخرجه مسلم في صحيحه. إلى غير ذلك من الأحاديث التي وردت في تحديد أوقات الصلوات الخمس قولاً وفعلاً ولم تفرق بين طول النهار وقصره وطول الليل وقصره ما دامت أوقات الصلوات متمايزة بالعلامات التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا بالنسبة لتحديد أوقات صلاتهم، وأما بالنسبة لتحديد أوقات صيامهم شهر رمضان فعلى المكلفين أن يمسكوا كل يوم منه عن الطعام والشراب وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس في بلادهم ما دام النهار يتمايز في بلادهم من الليل وكان مجموع زمانهما أربعاً وعشرين ساعة. ويحل لهم الطعام والشراب والجماع ونحوها في ليلهم فقط وإن كان قصيراً، فإن شريعة الإسلام عامة للناس في جميع البلاد وقد قال الله تعالى: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل} . ومن عجز عن إتمام صوم يوم لطوله، أو علم بالأمارات أو التجربة أو إخبار طبيب أمين حاذق، أو غلب على ظنه أن الصوم يفضي إلى إهلاكه أو مرضه مرضاً شديداً، أو يفضي إلى زيادة مرضه أو بطء برئه أفطر ويقضي الأيام التي أفطرها في أي شهر تمكن فيه من القضاء قال تعالى: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر} ، وقال الله تعالى: {لايكلف الله نفساً إلا وسعها} ، وقال: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} . ثانياً: من كان يقيم في بلاد لا تغيب عنها الشمس صيفاً ولا تطلع فيها الشمس شتاء، أو في بلاد يستمر نهارها إلى ستة أشهر، ويستمر ليلها ستة أشهر مثلاً وجب عليهم أن يصلوا الصلوات الخمس في كل أربع وعشرين ساعة، وأن يقدروا لها أوقاتها ويحددوها معتمدين في ذلك على أقرب بلاد إليهم تتمايز فيها أوقات الصلوات المفروضة بعضها من بعض، لما ثبت في حديث الإسراء والمعراج من أن الله تعالى فض على هذه الأمة خمسين صلاة كل يوم وليلة فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه التخفيف حتى قال: «يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر فذلك خمسون صلاة ... » إلى آخره. ولما ثبت من حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد ثائر الرأس نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول حتى دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خمس صلوات في اليوم والليلة» فقال: هل علي غيرهن قال: «لا، إلا أن تطوع ... » الحديث. ولما ثبت من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع فجاء رجل من أهل البادية فقال: يا محمد أتانا رسولك فزعم أنك تزعم أن الله أرسلك قال: «صدق» إلى أن قال: وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا قال: «صدق» قال فبالذي أرسلك: آلله أمرك بهذا؟ قال: «نعم ... » الحديث. وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم حدث أصحابه عن المسيح الدجال فقيل له ما لبثه في الأرض قال: «أربعون يوماً يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم» فقيل: يا رسول الله اليوم الذي كسنة أيكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: «لا، اقدروا له» فلم يعتبر اليوم الذي كسنة يوماً واحداً يكفي فيه خمس صلوات بل أوجب فيه خمس صلوات في كل أربع وعشرين ساعة، وأمرهم أن يوزعوها على أوقاتها اعتباراً بالأبعاد الزمنية التي بين أوقاتها في اليوم العادي في بلادهم. فيجب على المسلمين في البلاد المسئول عن تحديد أوقات الصلوات فيها أن يحددوا أوقات صلاتهم معتمدين في ذلك على أقرب بلاد إليهم يتمايز فيها الليل من النهار وتعرف فيها أوقات الصلوات الخمس بعلاماتها الشرعية في كل أربع وعشرين ساعة. وكذلك يجب عليهم صيام شهر رمضان وعليهم أن يقدروا لصيامهم فيحددوا بدء شهر رمضان ونهايته وبدء الإمساك والإفطار في كل يوم منه ببدء الشهر ونهايته، وبطلوع فجر كل يوم وغروب شمسه في أقرب بلاد إليهم يتميز فيها الليل من النهار ويكون مجموعها أربعاً وعشرين ساعة لما تقدم في حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن المسيح الدجال، وإرشاده أصحابه فيه عن كيفية تحديد أوقات الصلوات فيه إذ لا فارق في ذلك بين الصوم والصلاة. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء [الْمَصْدَرُ] " فتاوى اللجنة الدائمة " (6 / 130 – 136) الحديث: 5842 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 924 ما هو الدليل على النظر إلى موضع السجود حال الركوع [السُّؤَالُ] ـ[قرأنا فتوى من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - وهي موجودة في سؤال رقم (8580) - بأن المصلِّي ينظر إلى موضع سجوده حال ركوعه، هل يوجد دليل على هذا القول؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: جاءت أحاديث في السنَّة الصحيحة فيها ذِكر هدي النبي صلى الله عليه وسلم في النظر إلى موضع السجود حال الصلاة، وهي – في عمومها – تشمل جميع أجزاء الصلاة، ولعل هذه النصوص هي أدلة علماء اللجنة الدائمة والمنقول قولهم في السؤال رقم (8580) ، ومن هذه النصوص: ما رواه ابن حبان (4 / 332) والحاكم (1 / 652) عن عائشة رضي الله عنها قالت: " دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكعبة ما خلف بصره موضع سجوده حتى خرج منها " صححه الألباني في " صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ". وفي الباب آثار عن بعض السلف ذكرها الإمام عبد الرزاق الصنعاني في " المصنف "، ومنها: 1. عن أبي قلابة قال: سألت مسلم بن يسار أين منتهى البصر في الصلاة؟ فقال: إن حيث تسجد حسن. 2. عن إبراهيم النخعي أنه كان يحب للمصلي أن لا يجاوز بصره موضع سجوده. 3. عن ابن سيرين أنه كان يحب أن يضع الرجل بصره حذاء موضع سجوده. " مصنف عبد الرزاق " (2 / 163) . وهذا الذي قاله علماء اللجنة هو قول الجمهور: أبي حنيفة والشافعي وأحمد، واستثنى بعضهم موضع التشهد فقالوا: ينظر المصلي فيه إلى السبابة، وهو استثناء صحيح له ما يؤيده من صحيح السنَّة. فعن عبد الله بن الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان إذا قعد في التشهد وضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى وأشار بالسبابة لا يجاوز بصره إشارته ". رواه أبو داود (990) والنسائي (1275) – واللفظ له - وصححه النووي في " شرح مسلم " (5 / 81) فقال: والسنَّة أن لا يجاوزه بصره إشارته، وفيه حديث صحيح في " سنن أبي داود ". وقد استدل بعض العلماء بقوله تعالى: (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) البقرة / 44 على أن المصلي ينظر أمامه لا إلى موضع سجوده، وهو قول مرجوح. قال ابن قدامة: يستحب للمصلي أن يجعل نظره إلى موضع سجوده، قال أحمد - في رواية حنبل -: الخشوع في الصلاة: أن يجعل نظره إلى موضع سجوده، وروي ذلك عن مسلم بن يسار , وقتادة. " المغني " (1 / 370) . ثانياً: وردت السنَّة الصحيحة أن الراكع يستحب له أن لا يرفع رأسه ولا يخفضه، بل يكون مستوياً مع ظهره. عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بـ " الحمد لله رب العالمين "، وكان إذا ركع لم يُشْخِص رأسَه ولم يُصوِّبْه ولكن بين ذلك. رواه مسلم (498) . قال الشيخ ابن عثيمين وهو يبين هيئة الركوع وان الراكع يستحب له أن يكون مستوياً ظهره: قال: " مستوياً ظهره ": الاستواء: يشمل استواء الظهر في المَدِّ، واستواءه في العلوِّ والنزول، يعني لا يقوِّس ظهره، ولا يهصره حتى ينزل وسطه، ولا ينزل مقدم ظهره، بل يكون ظهره مستوياً، وقد جاء ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، قالت عائشة: " كان إذا ركع لم يُشْخِصْ رأسه ولم يُصَوِّبْهُ "، لم يُشْخِصْه: يعني: لم يرفعه، ولم يُصوِّبْه: لم ينزله، ولكن بين ذلك. " الشرح الممتع " (3 / 90) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 25848 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 925 هل الصلاة في البنطلون باطلة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل الصلاة في البنطلون باطلة؟ لأنني سمعت من يقول ذلك، لأن البنطلون يحدد حجم العورة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أمر الله تعالى من أراد الصلاة أن يتخذ زينته، فقال: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأعراف/31. فالمصلي مأمور بالتزين للصلاة، لا كما يفعله كثير من المسلمين – للأسف – يصلي بثياب النوم أو ثياب المهنة، ولا يتجمل للصلاة، فإن الله تعالى جميل يجب الجمال. واعتبر العلماء أقل حد لأخذ الزينة هو ستر العورة، ولذلك نصوا على أن ستر العورة شرط من شروط صحة الصلاة، فلا تصح الصلاة مع كشف العورة. ومقتضى قولهم: " ستر العورة " أن الواجب هو ستر العورة، وأنه مهما حصل الستر صحت الصلاة، ولو كان الثوب ضيقاً يحدد العورة. وهذا ما نص عليه العلماء من المذاهب الفقهية المختلفة صراحةً. وها هي أقوالهم في ذلك: أولا: المذهب الحنفي: قال في "الدر المختار" (2/84) : " ولا يضر التصاقه وتشكله " اهـ. يعني: الثوب الذي يلبسه في الصلاة. قال ابن عابدين رحمه الله في حاشيته على "الدر المختار": " قوله: (ولا يضر التصاقه) أي: بالألية مثلا، وعبارة "شرح المنية": أما لو كان غليظا لا يرى منه لون البشرة إلا أنه التصق بالعضو وتشكل بشكله فصار شكل العضو مرئيا، فينبغي أن لا يمنع جواز الصلاة، لحصول الستر " انتهى كلام ابن عابدين. ثانيا: المذهب الشافعي: قال النووي رحمه الله في المجموع (3/176) : " فلو ستر اللون ووصف حجم البشرة كالركبة والألية ونحوها صحت الصلاة فيه لوجود الستر، وحكي الدارمي وصاحب البيان وجهاً أنه لا يصح إذا وصف الحجم، وهو غلط ظاهر " انتهى كلام النووي. ثالثاً: المذهب المالكي قال في "الفواكه الدواني" (1/216) : " (وَيُجْزِئُ الرَّجُلَ الصَّلاةُ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ) وَيُشْتَرَطُ فِيهِ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ كَوْنُهُ كَثِيفًا بِحَيْثُ لا يَصِفُ وَلا يَشِفُّ، وَإِلا كُرِهَ وَكَوْنُهُ سَاتِرًا لِجَمِيعِ جَسَدِهِ. فَإِنْ سَتَرَ الْعَوْرَةَ الْمُغَلَّظَةَ فَقَطْ أَوْ كَانَ مِمَّا يَصِفُ أَيْ يُحَدِّدُ الْعَوْرَةَ. . . كُرِهَتْ الصَّلاةُ فِيهِ مَعَ الإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ " انتهى باختصار. فذكر كراهة الصلاة في الثوب الذي يحدد العورة، لا التحريم. وذكر في "حاشية الدسوقي" أن الصلاة في الثوب الواصف للعورة المحدد لها صحيحة، ولكنها مكروهة كراهة تنزيهية، ويستحب له أن يعيد إذا كان الوقت باقياً. وقال في "بلغة السالك" (1/283) : " ولا بد أن يكون الساتر كثيفا وهو ما لا يشف في بادئ الرأي , بأن لا يشف أصلا، أو يشف بعد إمعان النظر , فإن كان يشف في بادئ النظر , فإن وجوده كالعدم (يعني كأنه يصلي عرياناً، لعدم حصول الستر) وأما ما يشف بعد إمعان النظر فيعيد معه في الوقت كالواصف للعورة المحدد لها , لأن الصلاة به كراهة تنزيه على المعتمد " انتهى بتصرف. رابعا: المذهب الحنبلي: قال البهوتي رحمه الله في "الروض المربع" (1/494) : " ولا يعتبر أن لا يصف حجم العضو، لأنه لا يمكن التحرز عنه " انتهى. قال ابن قاسم رحمه الله في حاشيته علي "الروض المربع" تعليقاً على قول البهوتي السابق: " وِفَاقاً " اهـ. يعني: للأئمة الثلاثة: وهم أبو حنيفة ومالك والشافعي رحمهم الله، أي أن مذهب الإمام أحمد في هذا موافق لمذاهب الأئمة الثلاثة. وقال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/287) : " وإن كان يستر لونها ويصف الخِلْقَة جازت الصلاة، لأن هذا لا يمكن التحرز منه " اهـ. وقال المرداوي في "الإنصاف" (1/471) : " قال المجد ابن تيمية: يكره للمرأة الشد فوق ثيابها (بأن تلبس حزاماً أو نحوه فوق الثياب) , لئلا يحكي حجم أعضائها وبدنها. قال ابن تميم وغيره: ويكره للمرأة في الصلاة شد وسطها بمنديل ومِنْطَقة (حزام) ونحوهما " انتهى بتصرف. وقال الشيخ سيد سابق رحمه الله في "فقه السنة" (1/97) : " الواجب من الثياب ما يستر العورة وإن كان الساتر ضيقا يحدد العورة " اهـ. فهذه أقوال أهل العلم في الصلاة في الثوب الضيق الذي يحدد العورة، وهي صريحة في صحة الصلاة. ولا يعني ذلك دعوة الناس إلى لبس الضيق من الثياب، بل اللباس الضيق لا ينبغي لبسه، ولا الصلاة به، لأنه ينافي الزينة المأمور بأخذها في الصلاة، إنما الكلام هنا هل تصح الصلاة به أم لا؟ وقد أفتى فضيلة الشيخ صالح الفوزان بصحة صلاة المرأة في الثوب الضيق الذي يحدد عورتها، مع حصول الإثم بلبس هذا الثوب. فقال: " الثياب الضيقة التي تصف أعضاء الجسم وتصف جسم المرأة وعجيزتها وتقاطيع أعضائها لا يجوز لبسها، والثياب الضيقة لا يجوز لبسها للرجال ولا للنساء، ولكن النساء أشدّ؛ لأن الفتنة بهن أشدّ. أما الصلاة في حد ذاتها؛ إذا صلى الإنسان وعورته مستورة بهذا اللاس؛ فصلاته في حد ذاتها صحيحة؛ لوجود ستر العورة، لكن يأثم من صلى بلباس ضيق؛ لأنه قد يخل بشيء من شرائع الصلاة لضيق اللباس، هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية: يكون مدعاة للافتتان وصرف الأنظار إليه، ولا سيما المرأة، فيجب عليها أن تستتر بثوب وافٍ واسعٍ؛ يسترها، ولا يصف شيئًا من أعضاء جسمها، ولا يلفت الأنظار إليها، ولا يكون ثوبًا خفيفًا أو شفافًا، وإنما يكون ثوبًا ساترًا يستر المرأة سترًا كاملاً " انتهى. "المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (3/454) . وقد قال بعض العلماء في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم: "نساء كاسيات عاريات ": أنهن يلبسن الضيق من الثياب. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 46529 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 926 إذا أخطأت المرأة في تحديد موعد الطهر فهل تأثم؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا كانت المرأة لا تنزل عليها القصة البيضاء، وإنما تنتظر انقطاع الدم، فبذلك تكون الأيام تختلف من شهر إلى آخر، هل تأثم إذا أخطأت في تحديد موعد طهارتها كأن تظن الطهر وبعد الاغتسال والصلاة وجدت أثره، أو العكس انتظرت وفاتتها صلاة ظنّاً منها أنها لم تطهر، حيث يشق عليها التحديد بدون القصة البيضاء.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تختلف العادة عند النساء من امرأة إلى أخرى، وتختلف العادة عند المرأة نفسها أيّاً كانت علامة انتهاء دورتها. فعلامة الطهر عند غالب النساء خروج القصَّة البيضاء – وهي سائل أبيض، ومنهن من تكون علامتها انقطاع الدم. وأيّاً كانت العلامة عند المرأة فلا يجوز لها أن تعجل على نفسها حتى تظهر العلامة؛ لأنه لا يحل لها الصلاة والصيام وهي حائض حتى تطهر. وقد كانت النساء يبعثن إلى عائشة بالدّرجة فيها الكرسف فيه الصفرة فتقول: لا تعجلنَ حتى ترينَ القَصَّة البيضاء. رواه البخاري معلقاً - كتاب الحيض، باب إقبال المحيض وإدباره - ومالك (130) . ومعنى الدّرجة: الوعاء التي تضع المرأة طيبها ومتاعها. الكرسف: القطن. وإذا أخطأت المرأة في تحديد وقت الطهر بناء على ظنها واجتهادها، فإنها لا تأثم، لقول الله تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) الأحزاب/5، ولقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) رواه ابن ماجة (2053) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة. غير أنها إذا ظنت أنها طهرت وصلت وصامت ثم تبيّن لها أنها لا تزال حائضاً فعلها الامتناع عن الصلاة والصيام حتى تطهر وتقضي الصيام الواجب الذي صامته في تلك الأيام لأنه تبين لها أنه لم يكن صحيحاً لأن صوم الحائض لا يصح. وإذا تركت الصلاة ظنَّاً منها أنها لم تطهر ثم تبيّن لها أنها كانت طاهراً، فعليها قضاء تلك الصلاة. سئل الشيخ ابن عثيمين (11/280) عن امرأة رأت الكدرة قبل حيضها المعتاد، فتركت الصلاة، ثم نزل الدم على عادته، فما الحكم؟ فأجاب بقوله: تقول أم عطية ـ رضي الله عنها ـ: (كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئاً) . وعلى هذا فهذه الكدرة التي سبقت الحيض لا يظهر لي أنها حيض، لاسيما إذا كانت أتت قبل العادة، ولم يكن علامات للحيض من المغص ووجع الظهر ونحو ذلك، فالأولى لها أن تعيد الصلاة التي تركتها في هذه المدة. اهـ. وسئل أيضاً: (11/275) عن امرأة أصابها الدم لمدة تسعة أيام فتركت الصلاة معتقدة أنها العادة، وبعد أيام قليلة جاءتها العادة الحقيقية فماذا تصنع هل تصلي الأيام التي تركتها أم ماذا؟ فأجاب بقوله: الأفضل أن تصلي ما تركته في الأيام الأولى، وإن لم تفعل فلا حرج وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر المرأة المستحاضة التي قالت إنها تستحاض حيضة شديدة وتدع فيها الصلاة فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم، أن تتحيض ستة أيام أو سبعة وأن تصلي بقية الشهر ولم يأمرها بإعادة ما تركته من الصلاة، وإن أعادت ما تركته من الصلاة فهو حسن لأنه قد يكون منها تفريط في عدم السؤال وإن لم تعد فليس عليها شيء. اهـ والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45885 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 927 يصلين إلى جهة أخرى غير القبلة مدة طويلة [السُّؤَالُ] ـ[مجموعة من النساء استأجرن شقة وسألن عن القبلة فصلين حسب الجهة التي قيل لهم عليها، ولكن تبين لهن أن القبلة خطأ فما الحكم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا كان الانحراف يسيرا فلا تأثير له على القبلة. ثانيا: من اجتهد قدر استطاعته في تحصيل القبلة سواء بالسؤال لأهل البلد والمكان الذي هو فيه بحيث يكون المسئول ظاهره الصدق أو غير ذلك فقد أدى الذي عليه فإن تبين خطؤه فيما بعد فإن صلاته صحيحة ولا تلزمه الإعادة. جاء في كتاب المغني لابن قدامة رحمه الله: (من صلى بالاجتهاد إلى جهة , ثم علم أنه قد أخطأ القبلة , لم يكن عليه إعادة، وجملته أن المجتهد إذا صلى بالاجتهاد إلى جهة , ثم بان له أنه صلى إلى غير جهة الكعبة يقينا , لم يلزمه الإعادة، وكذلك المقلد الذي صلى بتقليده. وبهذا قال مالك , وأبو حنيفة. والشافعي في أحد قوليه) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 43504 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 928 تأخير الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[ي عن وقت الصلاة، فبدايتها تكون عند الأذان لكن متى يكون آخر وقتها؟؟ وهل هناك فرق بين تأخير الصلاة وانقضاء وقتها للمصلي؟ وما عقاب الاثنين؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لمعرفة أوقات الصلوات ابتداءً وانتهاءً يُراجع السؤال (9940) أما ما سألت عنه من الفرق بين تأخير الصلاة وانقضاء وقتها فجوابه ما يلي: أما انقضاء وقت الصلاة: فهو أن يترك الصلاة حتى يخرج وقتها ولم يصل، وهذا من كبائر الذنوب، إلا لعذر شرعي كالنوم والنسيان. قال في الموسوعة الفقهية (10/8) : " اتفق الفقهاء على تحريم تأخير الصلاة حتى يخرج وقتها بلا عذر شرعي ". قال الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله: " أما الإنسان الذي يتعمد تأخيرها (أي الصلاة) إلى ما بعد الوقت، أو يضبط الساعة إلى ما بعد الوقت حتى لا يقوم في الوقت، فهذا متعمد للترك، وقد أتى منكراً عظيماً عند جميع العلماء، ولكن هل يكفر أو لا يكفر؟ فيه خلاف بين العلماء: إذا كان لم يجحد وجوبها فالجمهور يرون أنه لا يكفر بذلك كفرا أكبر. وذهب جمع من أهل العلم إلى أنه يكفر بذلك كفرا أكبر يخرجه من الملة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة " رواه الإمام مسلم في صحيحه (82) . وقوله صلى الله عليه وسلم: " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر " رواه الإمام أحمد، وأهل السنن الأربع بإسناد صحيح، ولأدلة أخرى. وهو المنقول عن الصحابة رضي الله عنهم أجمعين: لقول التابعي الجليل: عبد الله بن شقيق العقيلي: (لم يكن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون شيئا تركه كفر غير الصلاة) اهـ. وأما تأخير الصلاة فيطلق على معنيين: الأول: تأخير الصلاة حتى يخرج وقتها. وهو بمعنى انقضاء وقت الصلاة. وقد سبق بيان معناه وحكمه. الثاني: تأخير الصلاة إلى آخر وقتها. انظر: "الموسوعة الفقهية" (10/6) . والصلاة في آخر وقتها جائزة، لما رواه مسلم (614) عن أَبِي مُوسَى الأشعري عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَتَاهُ سَائِلٌ يَسْأَلُهُ عَنْ مَوَاقِيتِ الصَّلاةِ. . . فبين له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أول وقت كل صلاة وآخره ثم قال: (الْوَقْتُ بَيْنَ هَذَيْنِ) . لكن لو ترتب على تأخير الصلاة تضييع الصلاة جماعة فيصليها في آخر وقتها منفرداً، كان ذلك حراماً من أجل ترك الصلاة جماعة. ما لم يكن معذوراً في ترك الصلاة مع الجماعة. والأفضل هو فعل الصلاة في أول وقتها، إلا صلاة العشاء، وصلاة الظهر عند اشتداد الحر فالأفضل فعلهما قريباً من آخر الوقت. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "الأكمل أن تكون (الصلاة) على وقتها المطلوب شرعاً؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في جواب من سأله أي العمل أحب إلى الله عز وجل؟ قال: " الصلاة على وقتها " (رواه البخاري 527 ومسلم 85) ولم يقل (الصلاة في أول وقتها) ؛ وذلك لأن الصلوات منها ما يُسن تقديمه، ومنها ما يُسن تأخيره، فصلاة العشاء مثلاً يُسن تأخيرها إلى ثلث الليل، ولهذا لو كانت امرأة في البيت وقالت أيهما أفضل لي؟ أن أصلي صلاة العشاء من حين أذان العشاء أو أؤخرها إلى ثلث الليل؟ قلنا: الأفضل أن تؤخرها إلى ثلث الليل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم تأخر ذات ليلة حتى قالوا: يا رسول لله رقد النساء والصبيان، فخرج وصلى بهم وقال: " إن هذا لوقتها لولا أن أشق على أمتي " فالأفضل للمرأة إذا كانت في بيتها أن تؤخرها. وكذلك لو فرض أن رجالا ً محصورين، يعني رجالاً معينين في سفر فقالوا: نؤخر صلاة العشاء أم نقدم؟ فنقول الأفضل أن تؤخروا. وكذلك لو أن جماعة خرجوا في نزهة وحان وقت العشاء فهل الأفضل أن يقدموا العشاء أو يؤخروها؟ نقول: الأفضل أن يُؤخروها إلا إذا كان في ذلك مشقة. وبقية الصلوات الأفضل فيها التقديم إلا لسبب، فالفجر تُقدم، والظهر تُقدم، والعصر تُقدم، والمغرب تُقدم، إلا إذا كان هناك سبب. فمن الأسباب: إذا اشتد الحر فإن الأفضل تأخير صلاة الظهر إلى أن يبرد الوقت، يعني إلى قرب صلاة العصر؛ لأنه يبرد الوقت إذا قرب وقت العصر، فإذا اشتد الحر فإن الأفضل الإبراد لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم " رواه البخاري 537 ومسلم 615. وكان النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فقام بلال ليُؤذن فقال: " أبرد " ثم قام ليؤذن، فقال: "أبرد"، ثم قام ليؤذن، فأَذِنَ له. البخاري (629) ومسلم (616) . ومن الأسباب أيضاً أن يكون في آخر الوقت جماعة لا تحصل في أول الوقت، فهنا التأخير أفضل، كرجل أدركه الوقت وهو في البر وهو يعلم أنه سيصل إلى البلد ويدرك الجماعة في آخر الوقت فهل الأفضل أن يصلي من حين أن يُدركه الوقت أو أن يؤخر حتى يدرك الجماعة؟ نقول: إن الأفضل أن تؤخر حتى تُدرك الجماعة، بل قد نقول بوجوب التأخير هنا تحصيلاً للجماعة اهـ. "فتاوى أركان الإسلام" (ص 287) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39818 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 929 هل يجوز لها أن تصلي أمام الموظفين في الشركة؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا امرأة أعمل في شركة هل يجوز لي أن أصلي أمام الموظفين بنفس الغرفة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: يُعلم من سؤالكِ أنك تعملين في عمل مختلط مع الرجال، والاختلاط يترتب عليه مفاسد ومحاذير كثيرة لا تخفى على أهل البصائر، وراجعي السؤال رقم (1200) لمعرفة أدلة تحريم الاختلاط. وقد أفتى الثقات من أهل العلم بتحريم العمل المختلط، ومن ذلك ما جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (12/156) : " الاختلاط بين الرجال والنساء في المدارس أو غيرها من المنكرات العظيمة، والمفاسد الكبيرة في الدين والدنيا، فلا يجوز للمرأة أن تدرس أو تعمل في مكان مختلط بالرجال والنساء، ولا يجوز لوليها أن يأذن لها بذلك " انتهى. وراجعي السؤال رقم (6666) ففيه: هل تستمرّ في عمل تختلط فيه بالرجال؟ ثانيا: من ابتليت بهذا العمل المختلط، فإن أمكنها أداء الصلاة في بيتها فهو أفضل، كأن يكون رجوعها إلى بيتها قبل العصر بوقت يتسع لأداء صلاة الظهر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صَلاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا، وَصَلاتُهَا فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهَا فِي بَيْتِهَا) رواه أبو داود (570) وصححه الألباني في صحيح أبي داود؛ ولما فيه من الستر والصيانة عن نظر الرجال. وإن كان لا يمكنها إدراك الصلاة في بيتها، فإنها تختار أستر مكان في محل عملها، وتصلي صلاتها، ملتزمة بحجابها، ساترة لجميع بدنها، ولا يجوز لها أن تؤخر الصلاة حتى يخرج وقتها، قال الله تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) النساء/103. قال السعدي رحمه الله: " أي: مفروضا في وقته. فدل ذلك على فرضيتها , وأن لها وقتا , لا تصح إلا به , وهو هذه الأوقات , التي قد تقررت عند المسلمين , صغيرهم وكبيرهم , عالمهم وجاهلهم، وأخذوا ذلك عن نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم بقوله: (صلوا كما رأيتموني أصلي) " انتهى. "تفسير السعدي" (ص 204) . وقد جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (17/255) : " المرأة الحرة عورة يحرم عليها كشف وجهها وكفيها بحضرة الرجال الأجانب منها، سواء كانت في الصلاة أو في حالة الإحرام أو في غير ذلك من الحالات العادية؛ لما روت عائشة رضي الله عنها قالت: (كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْرِمَاتٌ فَإِذَا حَاذَوْا بِنَا سَدَلَتْ إِحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَاهُ) رواه أحمد وأبوداود وابن ماجه. وإذا كان هذا في حالة الإحرام المطلوب فيه كشف وجه المرأة ففي غيرها أولى؛ لعموم قوله عز وجل: (وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن) " انتهى. واعلمي أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، ومن اتقى الله تعالى جعل له من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب، فبادري بترك العمل المختلط، وابحثي عن العمل المباح الذي يبارك الله تعالى فيه. وفقنا الله وإياك لطاعته ومرضاته. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39178 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 930 هل يمكن للفتاة أن تصلي بالبنطلون؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل ممكن للفتاة الصلاة بالبنطلون؟ وما هو الزي الشرعي للصلاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الزي الشرعي للمرأة في الصلاة هو كلُ لباسٍ ساترٍِ لجميع بدنها عدا الوجه والكفين، ويكون واسعاً فضفاضاً، بحيث لا يحدد شيئاً من أعضائها. ويدل على اشتراط كون لباس المرأة ساتراً لجميع بدنها في الصلاة: حديث أم سلمة رضي الله عنها لمَّا سُئِلت عما تصلي فيه المرأة من الثياب، فقالت: (تُصَلِّي فِي الْخِمَارِ وَالدِّرْعِ السَّابِغِ الَّذِي يُغَيِّبُ ظُهُورَ قَدَمَيْهَا) رواه أبو داود (639) . وقد روي مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال الحافظ ابن حجر في "بلوغ المرام" (ص40) : وصحح الأئمة وقفه. وقال ابن تيمية: المشهور أنه موقوف على أم سلمة إلا أنه في حكم المرفوع "شرح كتاب الصلاة من العمدة" (ص 365) . وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاةَ حَائِضٍ إِلا بِخِمَارٍ) رواه أبو داود (641) والترمذي (377) وابن ماجة (655) وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (7747) . وقوله (حائض) المراد بالحائض: البالغة أي بلغت الحيض. والخمار: ما تغطي به المرأة رأسها. والدرع: قميص المرأة الذي يغطي بدنها ورجلها ويقال له: سابغ إذا طال من فوق إلى أسفل. وانظر: "عون المعبود شرح سنن أبي داود". فلا بد في اللباس أن يكون ساتراً لجميع البدن عدا الوجه، واختلف العلماء في وجوب ستر المرأة للكفين والقدمين في الصلاة: أما الكفان: فذهب الجمهور إلى عدم وجوب سترهما، وعن الإمام أحمد فيهما روايتان، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية عدم الوجوب، وقال في الإنصاف: وهو الصواب. وأما القدمان: فالجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة على وجوب سترهما، وهو الذي عليه فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء (6/178) . وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " أما المرأة فكلها عورة في الصلاة إلا وجهها واختلف العلماء في الكفين: فأوجب بعضهم سترهما، ورخص بعضهم في ظهورهما، والأمر فيهما واسع إن شاء الله، وسترهما أفضل خروجاً من خلاف العلماء في ذلك، أما القدمان: فالواجب سترهما في الصلاة عند جمهور أهل العلم " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (10/410) . وذهب الإمام أبو حنيفة والثوري والمزني إلى جواز كشف المرأة قدميها في الصلاة، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، والمرداوي في الإنصاف. وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (2/161) : " وليس هناك دليل واضح على هذه المسألة، ولهذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أن الحرة عورة إلا ما يبدو منها في بيتها وهو الوجه والكفان والقدمان. وقال: إن النساء في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كُنَّ في البيوت يَلْبَسْن القُمُص، وليس لكل امرأة ثوبان، ولهذا إذا أصاب دم الحيض الثوب غسلته وصلت فيه، فتكون القدمان والكفان غير عورة في الصلاة، لا في النظر، وبناء على أنه ليس هناك دليل تطمئن إليه النفس في هذه المسألة فأنا أقلد شيخ الإسلام فيها، وأقول: إن هذا هو الظاهر، إن لم نجزم به، لأن المرأة حتى وإن كان لها ثوب يضرب على الأرض فإنها إذا سجدت سوف يظهر باطن قدميها " انتهى. وانظر: "المغني" (1/349) ، "المجموع" (3/171) ، "بدائع الصنائع" (5/121) ، "الإنصاف" (1/452) ، "مجموع الفتاوى" لابن تيمية (22/114) . وإذا كان الثوب خفيفاً بحيث يشف عما تحته، ويظهر من ورائه لون الجلد فإنه لا يعتبر ساترا. "روضة الطالبين" للنووي (1/284) ، "المغني" (2/286) . ويدل على ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ. . . الحديث) . رواه مسلم (2128) . وقوله: (كاسيات عاريات) قال النووي في "المجموع" (4/3998) : " قيل: تلبس ثوباً رقيقاً يصف لون بدنها، وهو المختار " انتهى. وقال ابن عبد البر في التمهيد (13/204) : " وأما معنى قوله: (كاسيات عاريات) فإنه أراد اللواتي يلبسن من الثياب الشيء الخفيف الذي يصف ولا يستر، فهن كاسيات بالاسم، عاريات في الحقيقة " انتهى. ويدل على كونه واسعاً فضفاضاً: حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كساني قُبطية مما أهداه له دحية الكلبي، فكسوتها امرأتي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مالك لا تلبس القبطية؟) قلت: كسوتها امرأتي. فقال: (مرها فلتجعل تحتها غلالة إني أخاف أن تصف حجم عظامها) . رواه البيهقي في "السنن الكبرى" (2/234) وحسنه الألباني في "جلباب المرأة المسلمة" (ص 131) . والقبطية ثياب كتان بيض رقاق تعمل بمصر. "لسان العرب" (7/373) . والغلالة ثياب تلبس تحت الثياب. وعلى هذا فلا يجوز للمرأة أن تلبس ثياباً ضيقة تحدد عورتها، كالبنطلون. قال الشيخ ابن عثيمين: " حتى وإن كان واسعاً فضفاضاً، لأن تميز رِجْل عن رِجْل يكون به شيء ن عدم الستر، ثم إنه يخشى أن يكون ذلك من تشبه النساء بالرجال، لأن البنطال من ألبسة الرجال " انتهى. "مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (12/286) . أما عن صحة الصلاة، إن خالفت وصلت بهذه الثياب الضيقة، فإنها صحيحة، لأن الواجب عليها ستر العورة وقد حصل. انظر السؤال (46529) . وقال الشيخ صالح الفوزان: " الثياب الضيقة التي تصف أعضاء الجسم وتصف جسم المرأة وعجيزتها وتقاطيع أعضائها لا يجوز لبسها، والثياب الضيقة لا يجوز لبسها للرجال ولا للنساء، ولكن النساء أشدّ؛ لأن الفتنة بهن أشدّ. أما الصلاة في حد ذاتها؛ إذا صلى الإنسان وعورته مستورة بهذا اللباس؛ فصلاته في حد ذاتها صحيحة؛ لوجود ستر العورة، لكن يأثم من صلى بلباس ضيق؛ لأنه قد يخل بشيء من شرائع الصلاة لضيق اللباس، هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية: يكون مدعاة للافتتان وصرف الأنظار إليه، ولاسيما المرأة، فيجب عليها أن تستتر بثوب وافٍ واسعٍ؛ يسترها، ولا يصف شيئًا من أعضاء جسمها، ولا يلفت الأنظار إليها، ولا يكون ثوبًا خفيفًا أو شفافًا، وإنما يكون ثوبًا ساترًا يستر المرأة سترًا كاملاً " انتهى. "المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (3/454) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 32993 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 931 صلَّت وعليها جنابة نسياناً فهل تعيد الصلوات؟ [السُّؤَالُ] ـ[صليت الفجر والظهر والعصر بدون غسل من جنابة ناسية، وبعد استحمامي عند صلاة المغرب أعدت هذه الصلوات قبل أن أصلي المغرب، ثم أخبرني زوجي أن الغسل يشترط فيه النية فاغتسلت وصليت العشاء ولم أعد بقية الصلوات، فهل صلاتي للفجر وحتى المغرب صحيحة؟ وماذا يجب علي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: من صلى وهو على غير طهارة، وجب عليه التطهر وإعادة الصلاة بإجماع العلماء، ولو كان ناسياً. قال النووي في المجموع (2/78) : " أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ الصَّلاةِ عَلَى الْمُحْدِثِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا لَا تَصِحُّ مِنْهُ سَوَاءٌ إنْ كَانَ عَالِمًا بِحَدَثِهِ أَوْ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا، لَكِنَّهُ إنْ صَلَّى جَاهِلا أَوْ نَاسِيًا فَلا إثْمَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِالْحَدَثِ وَتَحْرِيمِ الصَّلاةِ مَعَ الْحَدَثِ فَقَدْ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً عَظِيمَةً " اهـ. ثانياً: لا يصح الاغتسال من الجنابة إلا بالنية، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ) رواه البخاري (1) ومسلم (1907) . والنية محلها القلب، ولا يشرع التلفظ بها باللسان. فإن كنت تذكرت أنك على جنابة قبل الاغتسال عند صلاة المغرب فاغتسلت من أجل ذلك، وأعدت الصلوات التي صليتيها وأنت جنب، فاغتسالك صحيح لوجود النية، وقد أحسنت بإعادة الصلوات، وهذا هو الواجب عليك. أما إذا كنت لم تتذكري أنك على جنابة إلا بعد الاغتسال، وكان اغتسالك من أجل التنظف أو التبرد مثلاً، فإن هذا الاغتسال لا يرفع الجنابة لعدم وجود النية، فيجب عليك إعادة الاغتسال والصلاة، وقد قمت بإعادة الاغتسال، وبقي عليك إعادة الصلاة، فتعيدين صلاة الفجر والظهر والعصر والمغرب. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 32680 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 932 ماذا ينوي المصلِّي بالسلام من الصلاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[عندما نقول "السلام عليكم ورحمة الله" فى نهاية صلاتنا فلمن نقول هذا؟ هل نقول هذا للملائكة الموجودة على يسارنا ويميننا؟ أم نقولها للناس على يسارنا ويميننا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله التسليم من الصلاة ركن من أركانها لا يحصل إنهاء الصلاة ولا التحلل منها إلا به. لما رواه أبو داود (61) والترمذي (3) عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ) . وصححه الألباني في "سنن أبي داود". وقد ذهب إلى ذلك جمهور العلماء ومنهم الأئمة: مالك والشافعي وأحمد. قال النووي رحمه الله: "مذْهَبُنَا: أَنَّهُ فَرْضٌ، رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِهِ , وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ " انتهى. "المجموع" (3/462) . وينوي المصلِّي بالسلام: الخروج من الصلاة، والسلام على الإمام، والسلام على من عن يمينه، ويساره، وعلى الحفظة. قال النووي رحمه الله: " يَنْوِي الْإِمَامُ بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامَ عَلَى مَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَعَلَى الْحَفَظَةِ , وَيَنْوِي بِالثَّانِيَةِ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَلَى يَسَارِهِ وَعَلَى الْحَفَظَةِ , وَيَنْوِي الْمَأْمُومُ بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ , وَالسَّلَامَ عَلَى الْإِمَامِ وَعَلَى الْحَفَظَةِ وَعَلَى الْمَأْمُومِينَ مِنْ نَاحِيَتِهِ فِي صَفِّهِ وَرَائِهِ وَقُدَّامِهِ , وَيَنْوِي بِالثَّانِيَةِ السَّلَامَ عَلَى الْحَفَظَةِ وَعَلَى الْمَأْمُومِينَ مِنْ نَاحِيَتِهِ , فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ قُدَّامَهُ نَوَاهُ فِي أَيِّ التَّسْلِيمَتَيْنِ شَاءَ. وَيَنْوِي الْمُنْفَرِدُ بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ , وَالسَّلَامَ عَلَى الْحَفَظَةِ , وَبِالثَّانِيَةِ السَّلَامَ عَلَى الْحَفَظَةِ , وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رَوَى سَمُرَةُ رضي الله عنه قَالَ: (أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نُسَلِّمَ عَلَى أَنْفُسِنَا وَأَنْ يُسَلِّمَ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ) ... وَإِنْ نَوَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَنْوِ مَا سِوَاهُ جَازَ ; لِأَنَّ التَّسْلِيمَ عَلَى الْحَاضِرِينَ سُنَّةٌ " انتهى. "المجموع" (3/456) . وروى مسلم (431) عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْنَا: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْجَانِبَيْنِ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَلَامَ تُومِئُونَ بِأَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ؟ (يعني مضطربة) إِنَّمَا يَكْفِي أَحَدَكُمْ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ ثُمَّ يُسَلِّمُ عَلَى أَخِيهِ مَنْ عَلَى يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ) . قال النووي رحمه الله: " قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ثُمَّ يُسَلِّم عَلَى أَخِيهِ مِنْ عَلَى يَمِينه وَشِمَاله": الْمُرَاد بِالْأَخِ الْجِنْس أَيْ إِخْوَانه الْحَاضِرِينَ عَنْ الْيَمِين وَالشِّمَال " انتهى. وقال ابن قدامة رحمه الله: "وَيَنْوِي بِسَلَامِهِ: الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ. فَإِنْ نَوَى مَعَ ذَلِكَ الرَّدَّ عَلَى الْمَلَكَيْنِ , وَعَلَى مَنْ خَلْفَهُ إنْ كَانَ إمَامًا , أَوْ عَلَى الْإِمَامِ وَمَنْ مَعَهُ إنْ كَانَ مَأْمُومًا , فَلَا بَأْسَ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ , فَقَالَ: يُسَلِّمُ فِي الصَّلَاةِ , وَيَنْوِي بِسَلَامِهِ الرَّدَّ عَلَى الْإِمَامِ" انتهى. "المغني" (1/326-327) وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " إذا قيل: على مَنْ يُسلِّم؟ فالجواب: يقولون: إذا كان معه جماعة فالسَّلام عليهم، وإذا لم يكن معه جماعة فالسَّلام على الملائكة الذين عن يمينه وشماله، يقول: السَّلامُ عليكم ورحمة الله " انتهى. "الشرح الممتع" (3 / 208) . والخلاصة: أن المصلِّي ينوي بسلامة من الصلاة ثلاثة أمور: - الخروج من الصلاة. - السلام على الملائكة الحفظة. - السلام على إخوانه المصلين. وإذا كان منفردا فإنه ينوي بالسلام الخروج من الصلاة والسلام على الحفظة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 138009 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 933 إمامهم يقول في صلاته: سمع الله ولمن حمده [السُّؤَالُ] ـ[يوجد عندنا في إحدى القرى مسجد ليس له إمام راتب، وأكثر المصلين من كبار السن، وأحيانا يتقدم إمام منهم، وأثناء الرفع من الركوع يقول: (سمع الله ولمن حمده) ، فما الحكم في (واو) التشريك هذه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يُسنُّ للمصلي حالَ الرفع من الركوع أن يقول: " سمع الله لمن حمده"، هذه هي السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم. ففي صحيح البخاري (734) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ ... ) . وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ فِي الصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يَكُونَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ حِينَ يُكَبِّرُ لِلرُّكُوعِ، وَيَفْعَلُ ذَلِكَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، وَيَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. رواه البخاري (736) . وأمَّا قول الإمام في رفعه من الركوع: (سمع الله ولمن حمده) ففيه محذوران: الأول: تغيير اللفظ الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم. الثاني: أنها تفسد المعنى. فإن قول المصلي: (سَمِعَ اللَّه لِمَنْ حَمِدَهُ) معناه: استجاب الله دعاء من حمده، كما ذكر النووي في شرحه على صحيح مسلم (4 / 193) ، وإضافة الواو أفسدت هذا المعنى. وأمَّا صلاة هذا الإمام: فالذي يظهر أنها صحيحة، لأن الغالب أنه جاهل، ويقصد أن يقول: سمع الله لمن حمده، ولكنه أخطأ في اللفظ. والواجب تنبيهه ونصحه وتبيين الأمر له. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131456 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 934 حكم الدعاء بين السجدتين [السُّؤَالُ] ـ[قرأت على موقعكم أنكم تقولون إن قول المصلى "رب اغفر لي رب أغفر لي" فرض ولكن المدرّس في مسجدنا يقول إن ذلك سنة وليس بفرض فما دليلكم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الدعاء بين السجدتين من السنن الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت عنه في ذلك عدة أحاديث. منها ما جاء عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَاجْبُرْنِي، وَاهْدِنِي، وَارْزُقْنِي) رواه الترمذي (284) وصححه الألباني. وروي هذا الحديث بألفاظ مختلفة، وفي بعضها زيادات على بعض، وحاصل ما روي في هذا الدعاء سبع كلمات: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَاجْبُرْنِي، وَاهْدِنِي، وَارْزُقْنِي، وَعَافِنِي، وَارْفَعْنِي) . ينظر: سنن الترمذي (284) ، وأبو داود (850) ، وابن ماجه (888) . قال النووي: " فالاحتياط [يعني: لإصابة السنة] والاختيار أن يجمع بين الروايات ويأتي بجميع ألفاظها وهى سبعة ". انتهى "المجموع " (3/ 437) . وكذا قال الشيخ الألباني في صفة الصلاة صـ 153. وأقل ما يقال: (رب اغفر لي) لما جاء عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ َكَانَ يَقُولُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ: (رَبِّ اغْفِرْ لِي، رَبِّ اغْفِرْ لِي) . رواه النسائي (1145) وصححه الألباني كما في صفة الصلاة (3/811) . وقد اختلف العلماء في حكم هذا الدعاء. فذهب جمهور العلماء إلى أن هذا الدعاء مستحب وليس من واجبات الصلاة. وذهب الحنابلة إلى أنه واجب لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على الدعاء بين السجدتين؛ ولأن جميع أفعال الصلاة لا تخلو من ذكر الله، وسائر هذه الأذكار واجبة، فكان حكم الذكر بين السجدتين حكمها. والواجب منه أن يقول: (رب اغفر لي) مرة واحدة، والزيادة مستحبة. وما ذهب إليه الجمهور من القول بالاستحباب قول قوي؛ لعدم وجود دليل صريح يدل على الوجوب، وهو اختيار بعض الحنابلة أيضاً. قال الحافظ ابن رجب: " وحكم هذا الذكر بين السجدتين عند أكثر أصحاب أحمد حكم التسبيح في الركوع والسجود، وأنه واجب تبطل الصلاة بتركه عمداً، ويسجد لسهوه. وروي عن أحمد أنه ليس بواجب. قال حرب: مذهب أحمد أنه إن قال جاز، وإن لم يقل جاز، والأمر عنده واسع. وكذا ذكر أبو بكر الخلال، أن هذا مذهب أحمد، وهذا قول جمهور العلماء ". انتهى " فتح الباري لابن رجب" (6 / 56) . ومثل هذا المسائل لا ينبغي أن تكون موضع نزاع وفرقة بين المسلمين، لأن كل قول منها له دليله المعتبر في الشريعة، ومن اقتنع بأحد القولين فلا حرج عليه من العمل به. وأما ما ذكرته من وجود فتوى في الموقع بأنه فرض فغير دقيق، والذي جاء فيه أن هذا الذكر واجب لا فرض، كما في جواب السؤال (65847) . والفرق بينهما أن الفرض لا يسقط عمدا ولا سهوا، بل لابد من الإتيان به. أما الواجب: فيسقط بالنسيان، ويجبر بسجود السهو، والله أعلم. وقد أشرنا إلى ذلك هناك، وأشرنا أيضا إلى أن هذه المسألة مما فيه خلاف معتبر بين العلماء: (وفي بعض هذه الأمور خلاف بين الفقهاء، فقد يكون الفعل الواجب عند أحدهم، مسنونا عند الآخر، وهذا مبسوط في كتب الفقه) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130981 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 935 إذا سلم الإمام تسليمة واحدة هل يجوز للمأموم أن يسلم تسليمتين؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل إذا سلم الإمام تسليمة واحدة؛ هل يجوز أن أسلم تسليمتين؟ علما أن المجلس العلمي للمغرب أقر بالتسليمة الواحدة في جميع المساجد]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ينبغي للإمام أن لا يقتصر على تسليمة واحدة في الصلاة، لأن التسليمة الثانية مشروعة، وفعلها أفضل، بل ذهب الإمام أحمد وبعض المالكية إلى وجوبها، وأن الصلاة لا تصح بدونها، وإن كان جمهور العلماء على أن التسليمة الثانية سنة مستحبة. وعلى قول الجمهور؛ فالاقتصار على تسليمة واحدة لا يبطل الصلاة. وإذا سلم الإمام تسليمة واحدة، فلا حرج على المأموم أن يسلم الثانية، لأن فعل ذلك أكمل وأحوط، وخروجا من خلاف من أوجبها. ومشهور مذهب الإمام مالك أن المأموم يسلم ثلاث تسليمات، كما سيأتي. قال النووي رحمه الله في "المجموع" (3/462) : "الصحيح في مذهبنا أن المستحب أن يسلم تسليمتين , وبهذا قال جمهور العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم حكاه الترمذي والقاضي أبو الطيب وآخرون عن أكثر العلماء. وحكاه ابن المنذر عن أبي بكر الصديق وعلي بن أبي طالب وابن مسعود وعمار بن ياسر ونافع بن عبد الحارث رضي الله عنهم , وعن عطاء بن أبي رباح وعلقمة والشعبي وأبي عبد الرحمن السلمي التابعين , وعن الثوري وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأصحاب الرأي. وقالت طائفة: يسلم تسليمة واحدة، قاله ابن عمر وأنس وسلمة بن الأكوع وعائشة رضي الله عنهم والحسن وابن سيرين وعمر بن عبد العزيز ومالك والأوزاعي. قال ابن المنذر: وقال عمار بن أبي عمار: كان مسجد الأنصار يسلمون فيه تسليمتين ومسجد المهاجرين يسلمون فيه تسليمة , وقال ابن المنذر: وبالأول أقول. ثم قال النووي: مذهبنا: الواجب تسليمة واحدة , ولا تجب الثانية وبه قال جمهور العلماء أو كلهم. قال ابن المنذر: أجمع العلماء على أن صلاة من اقتصر على تسليمة واحدة جائزة , وحكى الطحاوي والقاضي أبو الطيب وآخرون عن الحسن بن صالح أنه أوجب التسليمتين جميعا , وهي رواية عن أحمد وبهما قال بعض أصحاب مالك والله أعلم " انتهى باختصار. وقال ابن قدامة رحمه الله: "ويشرع أن يسلم تسليمتين عن يمينه ويساره. لما روى ابن مسعود رضي الله عنه قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسلم حتى يرى بياض خده , عن يمينه ويساره) ، وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه , ثم يسلم على أخيه من على يمينه وشماله) . رواهما مسلم. وفي لفظ لحديث ابن مسعود: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله , وعن يساره: السلام عليكم ورحمة الله) . قال الترمذي: حديث ابن مسعود حديث حسن صحيح" انتهى باختصار من "المغني" (1/323) . ومذهب الإمام مالك كما في "مواهب الجليل" (1/526) أن المأموم يسلم ثلاث تسليمات: الأولى عن يمينه للخروج من الصلاة، والثانية ينوي بها السلام على الإمام، والثالثة ينوي بها السلام على من على يساره، وقد أنكر هذا القول القاضي أبو بكر بن العربي رحمه الله، واختار أن التسليمة الثانية يقصد بها الإمام والمأمومين معا، وأن الثالثة بدعة، قال رحمه الله: " يسلم اثنتين: واحدة عن يمينه، يعتقد بها الخروج من الصلاة، والثانية عن يساره يعتقد بها الرد على الإمام والمأمومين , والتسليمة الثالثة احذروها، فإنها بدعة، لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة" انتهى من "مواهب الجليل". والحاصل: أن المستحب أن يسلم المصلي إماما كان أو مأموما تسليمتين، فإن اقتصر الإمام على تسليمة واحدة، استحب للمأموم أن يسلم تسليمتين، واحدة عن يمينه، والثانية عن يساره. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105297 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 936 حكم تغطية المرأة قدميها في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك دليل على وجوب تغطية المرأة لقديمها في الصلاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب على المرأة الحرّة المكلفة ستر جميع بدنها في الصلاة ما عدا الوجه والكفين لأنها عورة كلها، فإن صلت وقد بدا شيء من عورتها كالساق والقدم والرأس أو بعضه لم تصح صلاتها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار " رواه أحمد وأهل السنن إلا النسائي بإسناد صحيح. ولما روى أبو داود عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها سألت النبي عن المرأة تصلي في درع وخمار بغير إزار فقال: " المرأة عورة " وأما الوجه فالسنّة كشفه في الصلاة، إذا لم يكن هناك أجانب، أما القدمان فالواجب سترهما عند جمهور أهل العلم، وبعض أهل العلم يسامح في كشف القدمين، ولكن الجمهور يرون المنع، وأن الواجب سترهما ولهذا روى أبو داود عن أم سلمة - رضي الله عنها - أنها سئلت عن المرأة تصلي في خمار وقميص، قالت " لا بأس إذا كان الدرع يغطي قدميها " فستر القدمين أولى وأحوط بكل حال، أما الكفان فأمرهما أوسع إن كشفتهما فلا بأس، وإن سترتهما فلا بأس، وبعض أهل العلم يرى أن سترهما أولى والله ولي التوفيق [الْمَصْدَرُ] فتاوى المرأة المسلمة للشيخ عبد العزيز بن باز ص: 57. الحديث: 1046 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 937 الصلاة خلف إمام يتعمد قول سبحان ربي الأعلى في الركوع [السُّؤَالُ] ـ[يوجد لدينا إمام مسجد في المنطقة التي نقيم فيها يقول في الركوع سبحان ربي الأعلى، وعندما نصحه أحد الإخوة بأن هذا خطأ وأن قول سبحان ربي العظيم في الركوع واجب مستدلا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (وأما الركوع فعظموا فيه الرب) ، قال: "كلها تسابيح"، فما حكم ذلك؟ وهل الصلاة خلف هذا الرجل صحيحة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: دلت السنة الصحيحة على أن المصلي يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم، ويقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى، وهذا ثابت من فعله صلى الله عليه وسلم وأمره. فقد روى مسلم (772) عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ ثم ذكر الحديث .... وفيه: (ثُمَّ رَكَعَ , فَجَعَلَ يَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، ثُمَّ قَامَ طَوِيلًا قَرِيبًا مِمَّا رَكَعَ، ثُمَّ سَجَدَ، فَقَالَ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى) . وروى أحمد وأبو داود (869) وابن ماجه (887) عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضى الله عنه قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ. فَلَمَّا نَزَلَتْ (سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) قَالَ: اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ. حسنه الألباني في مشكاة المصابيح. وثبتت صيغ أخرى تقال في الركوع كقوله: سبوح قدوس رب الملائكة والروح، وينظر جواب السؤال (39172) . ثانيا: اختلف الفقهاء في حكم التسبيح في الركوع والسجود، فذهب الجمهور إلى أنه مستحب، وذهب أحمد وإسحاق وداود إلى وجوبه، وهو الراجح. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/297) : " والمشهور عن أحمد أن تكبير الخفض والرفع , وتسبيح الركوع والسجود , وقول: سمع الله لمن حمده , وربنا ولك الحمد , وقول: ربي اغفر لي - بين السجدتين - , والتشهد الأول , واجب. وهو قول إسحاق , وداود. لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به - وأمره للوجوب - , وفعَله. وقال: (صلوا كما رأيتموني أصلي) ، وقد روى أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تتم صلاة لأحد من الناس حتى يتوضأ إلى قوله: ثم يكبر , ثم يركع حتى تطمئن مفاصله , ثم يقول: سمع الله لمن حمده , حتى يستوي قائما ثم يقول: الله أكبر , ثم يسجد حتى يطمئن ساجدا , ثم يقول: الله أكبر. ويرفع رأسه حتى يستوي قاعدا , ثم يقول: الله أكبر. ثم يسجد حتى تطمئن مفاصله , ثم يرفع رأسه فيكبر. فإذا فعل ذلك فقد تمت صلاته) . وهذا نص في وجوب التكبير" انتهى. وهذا الحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "قول المصلِّي في ركوعه: "سبحان رَبِّي العظيم" واجب، وفي سجوده: "سبحان رَبِّي الأعلى" واجب. والدليل على هذا: أنه لما نَزَلَ قول الله تعالى: (فسبح باسم ربك العظيم) قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اجعلوها في ركوعكم" وهذا بيانٌ مِن النبي صلى الله عليه وسلم لموضع هذا التسبيح، ومِن المعلوم أن بيان الرسول صلى الله عليه وسلم للقرآن يجب علينا أن نَرْجِعَ إليه؛ لأن أعلم الخَلْقِ بكلام الله هو رسول الله، ولهذا كان تفسير القرآن بالسُّنَّة هو المرتبة الثانية، فالقرآن نُفسِّرُه أولاً بالقرآن، ويُفسَّر بعد ذلك بسُنَّة رسول الله؛ لأنها تبيِّنه مثل هذه الآية: (فسبح باسم ربك العظيم) حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اجعلوها في ركوعكم". وهذا بيان لموضع هذا التَّسبيح. وأما تسبيحة السُّجود فهي أيضاً مفسَّرة بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "اجعلوها في سجودكم" حين نَزَلَ قوله تعالى: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) " انتهى من "الشرح الممتع" (3/320) . وعلى القول بالوجوب، فإن من تعمد ترك التسبيح، أو تعمد أن يقول في الركوع: سبحان ربي الأعلى، دون أن يقول: سبحان ربي العظيم، فصلاته باطلة؛ لأنه تعمد ترك واجب، وأما على قول الجمهور، فقد ترك مستحبا وصلاته صحيحة، وهذا الإمام إن كان مقلدا لمذهب من يرى الاستحباب، فصلاته صحيحة، والصلاة خلفه جائزة، لكن ينبغي نصحه، وحثه على التزام السنة، ففي التزامها الخير والهدى والفلاح، والمصلي مأمور بأن يفعل كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته من غير زيادة ولا نقصان، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في قوله: (صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي) رواه البخاري (631) ، فلا يليق بهذا الإمام أو غيره أن يخالف سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ويعرض صلاته للبطلان. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 102700 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 938 ترك التشهد الأوسط عمداً [السُّؤَالُ] ـ[صليت وتركت جلوس الوسط متعمداً ولم أسجد للسهو واستغفرت الله بعد السلام فهل صلاتي صحيحة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صلاتك غير صحيحة؛ لأنك تركت واجبا من واجبات الصلاة عمداً وهو التشهد الأول في أصح قولي العلماء. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 7/7. الحديث: 9897 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 939 إذا صلى محدثا ناسيا وجب عليه إعادة الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[أحياناً بعد الصلاة أكتشف أنني صليت بدون وضوء. هل أتوضأ وأصلي من جديد؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم يجب عليك الوضوء وإعادة الصلاة. وقد أجمع على ذلك العلماء، لأن الطهارة شرط لصحة الصلاة. ودليل ذلك قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ) . رواه البخاري (6954) ومسلم (225) . وروى مسلم (224) عن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لا تُقْبَلُ صَلاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ) . قال النووي رحمه الله في "المجموع" (2/79) : أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ الصَّلاةِ عَلَى الْمُحْدِثِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا لا تَصِحُّ مِنْهُ سَوَاءٌ إنْ كَانَ عَالِمًا بِحَدَثِهِ أَوْ جَاهِلا أَوْ نَاسِيًا لَكِنَّهُ إنْ صَلَّى جَاهِلا أَوْ نَاسِيًا فَلا إثْمَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِالْحَدَثِ وَتَحْرِيمِ الصَّلاةِ مَعَ الْحَدَثِ فَقَدْ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً عَظِيمَةً اهـ. والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 9023 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 940 ما حكم الصلاة في الحدائق العامة علماً بأنها تسقى بمياه فيها رائحة غريبة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الصلاة في الحدائق العامة؟ علما أن هذه الحدائق تسقى بمياه تنبعث منها رائحة كريهة، ولقد فهمت أن هذه المياه مصفاة من مياه المجاري أو من آبار تتسرب إليها مياه البيارات النجسة، وهل يمنع الناس من قبل الهيئة من الصلاة في هذه الحدائق؟ أرجو إيضاح الصواب في هذه المسألة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما دامت تنبعث منها الرائحة الكريهة فالصلاة فيها غير صحيحة؛ لأن من شروط صحة الصلاة طهارة البقعة التي يصلي عليها المسلم، فإن وضع عليها حائلا صفيقا طاهرا صحت الصلاة عليه. ولا يجوز للمسلم أن يصلي في الحدائق- ولو على حائل صفيق طاهر- بل الواجب عليه أن يصلي مع إخوانه المسلمين في بيوت الله - المساجد- التي قال فيها سبحانه: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر) رواه ابن ماجة، والدارقطني، وابن حبان، والحاكم، وإسناده على شرط مسلم وسأله صلى الله عليه وسلم رجل أعمى فقال يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فهل لي رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال نعم قال: فأجب) أخرجه مسلم في صحيحه. والأحاديث في هذا المعنى كثيرة والواجب على هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن تمنع الناس من الصلاة في الحدائق، وأن تأمرهم بالصلاة في المساجد؛ عملا بقول الله عز وجل: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) ، وقوله سبحانه: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) الآية، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) رواه مسلم في صحيحه. [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى ومقالات الشيخ عبد العزيز ابن باز – رحمه الله - الجزء الخامس. الحديث: 2696 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 941 هل يؤم المتيمم المتوضئين [السُّؤَالُ] ـ[هل يؤم المتيمم المتوضئين؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال ابن حزم: وجائزٌ أن يؤمَّ المتيممُ المتوضئينَ، والمتوضئُ المتيممينَ، والماسحُ الغاسِلينَ، والغاسلُ الماسحينَ؛ لأن كلَّ واحدٍ ممن ذكرنا قد أدَّى فرضَه، وليس أحدُهما بأطهرَ من الآخر، ولا أحدُهما أتمَّ صلاةً من الآخر، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حضرت الصلاة أن يؤمَّهم أقرؤهم، ولم يخص عليه السلام غير ذلك، ولو كان ههنا واجبٌ غير ما ذكره عليه السلام لبيَّنه ولا أهمله، حاشا لله من ذلك، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف وزفر وسفيان والشافعي وداود وأحمد وإسحاق وأبي ثور، وروي ذلك عن ابن عباس وعمار بن ياسر وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم، وهو قول سعيد ابن المسيب والحسن وعطاء والزهري وحماد بن أبي سليمان. وروي المنع في ذلك عن علي بن أبي طالب، قال: لا يؤمُّ المتيممُ المتوضئين، ولا المقيَّدُ المطلَقين، وقال ربيعة: لا يؤم المتيمم من جنابة إلا من هو مثله، وبه يقول يحيى بن سعيد الأنصاري. وقال محمد بن الحسن والحسن بن حي: لا يؤمهم. وكره مالك وعبيد الله بن الحسن أن يؤمهم، فإن فعل أجزأه. وقال الأوزاعي: لا يؤمهم إلا إن كان أميراً. قال علي - أي: ابن حزم -: النهي عن ذلك أو كراهته لا دليل عليه من قرآن ولا من سنَّة ولا من إجماع ولا من قياس، وكذلك تقسيم من قسم، وبالله تعالى التوفيق. [الْمَصْدَرُ] " المحلى " (1 / 367، 368) . الحديث: 21564 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 942 حكم التسميع والتحميد في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[هل قول " سمع الله لمن حمده " و " ربنا لك الحمد " في الصلاة واجب أم سنة؟ وهل يقول المأموم " سمع الله لمن حمده "؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف العلماء في حكم التسميع (يعني قول: سمع الله لمن حمده) ، والتحميد (يعني قول: ربنا ولك الحمد) في الصلاة على قولين: القول الأول: قول الجمهور: الأحناف والمالكية والشافعية أنه سنة من سنن الصلاة وليس من واجباتها. القول الثاني: أنه من واجبات الصلاة، وهو قول الحنابلة. قال ابن قدامة في "المغني" (1/578) : " والمشهور عن أحمد أن تكبير الخفض والرفع، وتسبيح الركوع والسجود، وقول " سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد "، وقول " رب اغفر لي " بين السجدتين، والتشهد الأول – واجب، وهو قول إسحاق وداود. وعن أحمد أنه غير واجب، وهو قول أكثر الفقهاء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُعَلِّمهُ المسيء في صلاته، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة " ثم استدل ابن قدامة على الوجوب بعدة أدلة: 1- أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به، وأَمرُهُ للوجوب. 2- وفَعَلَهُ وقال: (صَلُّوا كَمَا رَأَيتُمُونِي أُصَلِّي) . 3- وقد روى أبو داود (857) عن علي بن يحيى بن خلاد عن عمه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لاَ تَتِمُّ صَلاَةٌ لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ حَتَّى يَتَوَضَّأَ.. إلى قوله.. ثُمَّ يَقُولُ " سَمِعَ اللَّهُ لِمَن حَمِدَهُ " حَتَّى يَستَوِيَ قَائِمًا) وصححه الألباني في صحيح أبي داود 4- ولأن مواضع هذه الأذكار أركان الصلاة، فكان فيها ذكر واجب كالقيام. وأما حديث المسيء في صلاته فقد ذَكَرَ في الحديث الذي رويناه تعليمَه ذلك، وهي زيادة يجب قبولها، على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُعَلِّمهُ كُلَّ الواجبات، بدليل أنه لم يُعَلِّمْهُ التشهد ولا السلام، ويحتمل أنه اقتصر على تعليمه ما رآه أساء فيه " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (3/433) : " والدليل على ذلك ما يلي: أولا: أن الرسول صلى الله عليه وسلم واظب على ذلك، فلم يَدَعْ قول " سمع الله لمن حمده " بأي حال من الأحوال. ثانيا: أنه شعار الانتقال من الركوع إلى القيام. ثالثا: قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد) فعلى هذا يكون للتحميد ثلاثة أدلة، وللتسميع دليلان فقط " انتهى. كما يستدل بعض الحنابلة على الوجوب بحديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُُّ صلى الله عليه وسلم: (يَا بُرَيْدَةُ! إِذَا رَفَعْتَ رَأْسَكَ مِنَ الرُّكُوعِ فَقُلْ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاءِ وَمِلْءَ الأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَىْءٍ بَعْدُ) رواه الدارقطني (1/339) . لكنه حديث ضعيف، نص أهل العلم على ضعفه، انظر ابن عبد الهادي في "تحقيق التعليق" (1/394) ، والعراقي في "طرح التثريب" (2/331) والشوكاني في "نيل الأوطار" (2/278) وانظر "الموسوعة الفقهية" (27/82، 92-93) . وقد سبق في جواب السؤال رقم (43574) ، اختيار القول بوجوب التسميع والتحميد، وبيان أن المنفرد يجمع بين التسميع والتحميد باتفاق العلماء، وأن الإمام يجمع بينهما أيضاً وهو مذهب الشافعية والحنابلة، وأما المأموم فإنه يقتصر على التحميد فقط ولا يشرع له التسميع، كما هو مذهب الجمهور، وقد سبق هناك ذكر الأدلة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 90094 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 943 شكّ هل كبّر تكبيرة الإحرام أم لا؟ [السُّؤَالُ] ـ[دخلت المسجد والإمام جالس في التشهد الأول، فدخلت معه في الصلاة، ولكن نسيت هل كبرت تكبيرة الإحرام أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تكبيرة الإحرام ركن من أركان الصلاة، لا تسقط بالنسيان ولا بالجهل، ولا يقوم غيرها مقامها، فمن تذكر في صلاته أنه نسي تكبيرة الإحرام، أو شك في الإتيان بها، لزمه أن يستأنف الصلاة، وأما من حدث له الشك بعد الفراغ من الصلاة، فلا يضره ذلك؛ لأن الشك بعد العبادة لا يؤثر فيها. وعليه فهذا المصلي الذي لم يدر هل كبر تكبيرة الإحرام أم لا، إن كان الشك حدث له أثناء الصلاة، لزمه الخروج منها واستئنافها من جديد، وإن كان حدث له بعد الصلاة، فلا شيء عليه وصلاته صحيحة. والدليل على أن تكبيرة الإحرام ركن من أركان الصلاة: ما رواه البخاري (757) ومسلم (397) في حديث المسيء صلاته أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ) ثم قال له: (إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاةِ فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاتِكَ كُلِّهَا) . وما رواه أبو داود (61) والترمذي (3) وابن ماجه (275) عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مِفْتَاحُ الصَّلاةِ الطُّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ) . وصححه الألباني في صحيح أبي داود. قال النووي رحمه الله: " فتكبيرة الإحرام ركن من أركان الصلاة لا تصح إلا بها. هذا مذهبنا ومذهب مالك وأحمد وجمهور السلف والخلف. وحكى ابن المنذر وأصحابنا عن الزهري أنه قال: تنعقد الصلاة بمجرد النية بلا تكبير. قال ابن المنذر: ولم يقل به غير الزهري ". ثم قال: " قد ذكرنا أن تكبيرة الإحرام لا تصح الصلاة إلا بها، فلو تركها الإمام أو المأموم سهوا أو عمدا لم تنعقد صلاته، ولا تجزئ عنها تكبيرة الركوع ولا غيرها، هذا مذهبنا وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد وداود والجمهور " اهـ. "المجموع" (3/250) . ومن شك هل كبر تكبيرة الإحرام أم لا، فإنه يعتبر نفسه لم يكبِّر. قال الشيخ ابن باز: " إذا نسي تكبيرة الإحرام أو شك في ذلك فعليه أن يكبّر في الحال، ويعمل بما أدرك بعد التكبيرة، فإذا كبّر بعد فوات الركعة الأولى من صلاة الإمام اعتبر نفسه قد فاتته الركعة الأولى، فيقضيها بعد سلام الإمام، وإذا أعاد التكبيرة في الركعة الثالثة اعتبر نفسه قد فاتته ركعتان، فيأتي بركعتين بعد السلام من الصلاة، هذا إذا كان ليس لديه وسوسة، أما إن كان موسوساً فإنه يعتبر نفسه قد كبر في أول الصلاة ولا يقضي شيئاً مراغمة للشيطان ومحاربة لوسوسته، والحمد لله " اهـ. فتاوى الشيخ ابن باز (11/275) وإذا كان الشك قد حدث بعد الانتهاء من الصلاة فإنه لا يلتفت إليه. قال ابن رجب رحمه الله: " إذا شك بعد الفراغ من الصلاة أو غيرها من العبادات في ترك ركنٍ منها، فإنه لا يلتفت إلى الشك " انتهى من "القواعد" ص 340، انظر إجابة السؤال (211) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69853 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 944 متى يجوز للإنسان أن يصلي قاعدا في الفريضة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يشترط لرخصة الجلوس أثناء الصلاة عدم القدرة التامة على القيام أو العجز التام عن القيام؟ أم يجوز أيضا الرخصة لصاحب المقدرة على القيام لكن مع احتمالية أن يتبعها أذى؟ وما هو حدود العجز المرخص معه الجلوس أثناء الصلاة وعدم القيام دون أن يترتب على ذلك ذنب أو إثم أو عقاب؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: القيام في صلاة الفرض ركن لابد منه، ولا يجوز لأحد أن يصلي قاعدا إلا عند عجزه عن القيام، أو في حال كون القيام يشق عليه مشقة شديدة، أو كان به مرض يخاف زيادته لو صلى قائما. فيدخل فيما ذكرنا: المُقْعَد الذي لا يستطيع القيام مطلقا، وكبير السن الذي يشق عليه القيام، والمريض الذي يضره القيام بزيادة المرض أو تأخر الشفاء. والأصل في ذلك ما رواه البخاري (1050) عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلَاةِ، فَقَالَ: (صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ) . قال ابن قدامة رحمه الله: " قال: (والمريض إذا كان القيام يزيد في مرضه صلى قاعدا) أجمع أهل العلم على أن من لا يطيق القيام له أن يصلي جالسا. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين: (صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب) . رواه البخاري وأبو داود والنسائي وزاد: (فإن لم تستطع فمستلقيا، لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) . وروى أنس رضي الله عنه قال: سقط رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فرس فخُدِش أو جُحش شقه الأيمن فدخلنا عليه نعوده، فحضرت الصلاة فصلى قاعدا، وصلينا خلفه قعودا. متفق عليه. وإن أمكنه القيام إلا أنه يخشى زيادة مرضه به، أو تباطؤ برئه (أي شفائه) ، أو يشق عليه مشقة شديدة، فله أن يصلي قاعدا. ونحو هذا قال مالك وإسحاق. وقال ميمون بن مهران: إذا لم يستطع أن يقوم لدُنياه , فليصل جالسا. وحكي عن أحمد نحو ذلك " أي من كان يستطيع القيام لمصالحه الدنيوية، فيلزمه أن يصلي قائما ولا يجوز له القعود. ثم قال ابن قدامة رحمه الله: " ولنا قول الله تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) . وتكليف القيام في هذه الحال حرج؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى جالسا لما جُحِش (أي جُرح) شقه الأيمن، والظاهر أنه لم يكن يعجز عن القيام بالكلية، لكن لما شق عليه القيام سقط عنه، فكذلك تسقط عن غيره ... وإن قدر على القيام، بأن يتكئ على عصى، أو يستند إلى حائط، أو يعتمد على أحد جانبيه: لزمه؛ لأنه قادر على القيام من غير ضرر، فلزمه، كما لو قدر بغير هذه الأشياء " انتهى من "المغني" (1/443) . وقال النووي رحمه الله: " أجمعت الأمة على أن من عجز عن القيام في الفريضة صلاها قاعدا ولا إعادة عليه , قال أصحابنا: ولا ينقص ثوابه عن ثوابه في حال القيام , لأنه معذور , وقد ثبت في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما) . قال أصحابنا: ولا يشترط في العجز أن لا يتأتّى القيام، ولا يكفي أدنى مشقة، بل المعتبر المشقة الظاهرة، فإذا خاف مشقة شديدة أو زيادة مرض أو نحو ذلك أو خاف راكب السفينة الغرق أو دوران الرأس صلى قاعدا ولا إعادة " انتهى من "المجموع" (4/201) . وبين الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ضابط المشقة التي تبيح ترك القيام في الفرض، وصفة الجلوس، فقال: " الضابط للمشقة: ما زال به الخشوع؛ والخشوع هو: حضور القلب والطمأنينة، فإذا كان إذا قام قلق قلقا عظيما ولم يطمئن، وتجده يتمنى أن يصل إلى آخر الفاتحة ليركع من شدة تحمله، فهذا قد شق عليه القيام فيصلي قاعدا. ومثل ذلك الخائف فإنه لا يستطيع أن يصلي قائما، كما لو كان يصلي خلف جدار وحوله عدو يرقبه، فإن قام تبين من وراء الجدار، وإن جلس اختفى بالجدار عن عدوه، فهنا نقول له: صل جالسا. ويدل لهذا قوله تعالى: (فإن خفتم فرجالا أو ركبانا) البقرة/ 239، فأسقط الله عن الخائف الركوع والسجود والقعود، فكذلك القيام إذا كان خائفا. ولكن؛ كيف يجلس؟ يجلس متربعا على أليتيه، يكف ساقيه إلى فخذيه ويسمى هذا الجلوس تربعا؛ لأن الساق والفخذ في اليمنى، والساق والفخذ في اليسرى كلها ظاهرة، لأن الافتراش تختفي فيه الساق في الفخذ، وأما التربع فتظهر كل الأعضاء الأربعة. وهل التربع واجب؟ لا، التربع سنة، فلو صلى مفترشا، فلا بأس، ولو صلى محتبيا فلا بأس؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فإن لم تستطع فقاعدا) ولم يبين كيفية قعوده. فإذا قال إنسان: هل هناك دليل على أنه يصلي متربعا؟ فالجواب: نعم؛ قالت عائشة: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي متربعا) ، ولأن التربع في الغالب أكثر طمأنينة وارتياحا من الافتراش، ومن المعلوم أن القيام يحتاج إلى قراءة طويلة أطول من قول: (رب اغفر لي وارحمني) فلذلك كان التربع فيه أولى؛ ولأجل فائدة أخرى وهي التفريق بين قعود القيام والقعود الذي في محله، لأننا لو قلنا يفترش في حال القيام لم يكن هناك فرق بين الجلوس في محله وبين الجلوس البدلي الذي يكون بدل القيام. وإذا كان في حال الركوع قال بعضهم: إنه يكون مفترشا، والصحيح: أنه يكون متربعا؛ لأن الراكع قائم قد نصب ساقيه وفخذيه، وليس فيه إلا انحناء الظهر فنقول: هذا المتربع يبقى متربعا ويركع وهو متربع، وهذا هو الصحيح في هذه المسألة " انتهى من "الشرح الممتع" (4/461) . ثانيا: أما صلاة النافلة، فيجوز القعود فيها من غير عذر، إجماعا، لكن أجر القاعد حينئذ على النصف من أجر القائم؛ لما روى مسلم (1214) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه قَالَ: حُدِّثْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (صَلاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا نِصْفُ الصَّلاةِ. قَالَ: فَأَتَيْتُهُ، فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي جَالِسًا، فَوَضَعْتُ يَدِي عَلَى رَأْسِهِ، فَقَالَ: مَا لَكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو؟! قُلْتُ: حُدِّثْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَّكَ قُلْتَ: صَلاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا عَلَى نِصْفِ الصَّلاةِ، وَأَنْتَ تُصَلِّي قَاعِدًا! قَالَ: أَجَلْ، وَلَكِنِّي لَسْتُ كَأَحَدٍ مِنْكُمْ) . قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: " معناه أن صلاة القاعد فيها نصف ثواب القائم، فيتضمن صحتها ونقصان أجرها. وهذا الحديث محمول على صلاة النفل قاعدا مع القدرة على القيام، فهذا له نصف ثواب القائم. وأما إذا صلى النفل قاعدا لعجزه عن القيام فلا ينقص ثوابه بل يكون كثوابه قائما. وأما الفرض فإن صلاه قاعدا مع قدرته على القيام لم يصح فلا يكون فيه ثواب بل يأثم به. قال أصحابنا (الشافعية) : وان استحله كفر وجرت عليه أحكام المرتدين كما لو استحل الزنى والربا أو غيره من المحرمات الشائعة التحريم. وإن صلى الفرض قاعدا لعجزه عن القيام أو مضطجعا لعجزه عن القيام والقعود، فثوابه كثوابه قائما، لم ينقص باتفاق أصحابنا، فيتعين حمل الحديث في تنصيف الثواب على من صلى النفل قاعدا مع قدرته على القيام. هذا تفصيل مذهبنا وبه قال الجمهور في تفسير هذا الحديث ". وقال: " وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (لست كأحد منكم) فهو عند أصحابنا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، فجُعلت نافلته قاعدا مع القدرة على القيام كنافلته قائما تشريفا له، كما خص بأشياء معروفة في كتب أصحابنا وغيرهم، وقد استقصيتها في أول كتاب تهذيب الأسماء واللغات " انتهى من "شرح صحيح مسلم" (6/14) . والله أعلم. وانظر جواب السؤال (50180) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 67934 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 945 أركان الصلاة وواجباتها وسننها [السُّؤَالُ] ـ[ما هي سنن الصلاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سنن الصلاة كثيرة، منها القولية، ومنها الفعلية. والمقصود بالسنن: ما عدا الأركان والواجبات. وقد أوصل بعض الفقهاء السنن القولية إلى سبع عشرة سنة، والسنن الفعلية إلى خمس وخمسين سنة. ولا تبطل الصلاة بترك شئ من السنن، ولو عمدا. بخلاف الأركان والواجبات. والفرق بين الركن والواجب: أن الركن لا يسقط عمدا ولا سهوا، بل لابد من الإتيان به. أما الواجب: فيسقط بالنسيان، ويجبر بسجود السهو. ولعل من المناسب هنا أن نذكر أركان الصلاة وواجباتها، ثم شيئاً من سننها، معتمدين في ذلك على ما في متن "دليل الطالب" وهو مختصر مشهور عند فقهاء الحنابلة: أولا: أركان الصلاة، وهي أربعة عشر ركناً، كما يلي: 1- أحدها القيام في الفرض على القادر. 2- تكبيرة الإحرام وهي الله أكبر. 3- قراءة الفاتحة. 4- الركوع، وأقله أن ينحني بحيث يمكنه مس ركبتيه بكفيه، وأكمله أن يمد ظهره مستويا ويجعل رأسه حياله. 5- الرفع منه. 6- الاعتدال قائما. 7- السجود، وأكمله تمكين جبهته وأنفه وكفيه وركبتيه وأطراف أصابع قدميه من محل سجوده. وأقله وضع جزء من كل عضو. 8- الرفع من السجود. 9- الجلوس بين السجدتين. وكيف جلس كفى، والسنة أن يجلس مفترشا على رجله اليسرى وينصب اليمنى ويوجهها إلى القبلة. 10- الطمأنينة وهي السكون في كل ركن فعلي. 11- التشهد الأخير. 12- الجلوس له وللتسليمتين. 13- التسليمتان، وهو أن يقول مرتين: السلام عليكم ورحمة الله، ويكفي في النفل تسليمة واحدة، وكذا في الجنازة. 14- ترتيب الأركان كما ذكرنا، فلو سجد مثلا قبل ركوعه عمدا بطلت، وسهواً لزمه الرجوع ليركع ثم يسجد. ثانيا: واجبات الصلاة، وهي ثمانية، كما يلي: 1- التكبير لغير الإحرام. 2- قول: سمع الله لمن حمده للإمام وللمنفرد. 3- قول: ربنا ولك الحمد. 4- قول: سبحان ربي العظيم مرة في الركوع. 5- قول: سبحان ربي الأعلى مرة في السجود. 6- قول: رب اغفر لي بين السجدتين. 7- التشهد الأول. 8- الجلوس للتشهد الأول. ثالثا: سنن الصلاة القولية، وهي إحدى عشرة سنة، كما يلي: 1- قوله بعد تكبيرة الإحرام: " سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك " ويسمى دعاء الاستفتاح. 2- التعوذ. 3- البسملة. 4- قول: آمين. 5- قراءة السورة بعد الفاتحة. 6- الجهر بالقراءة للإمام. 7- قول غير المأموم بعد التحميد: ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد. (والصحيح أنه سنة للمأمون أيضاً) . 8- ما زاد على المرة في تسبيح الركوع. أي التسبيحة الثانية والثالثة وما زاد على ذلك. 9- ما زاد على المرة في تسبيح السجود. 10- ما زاد على المرة في قوله بين السجدتين: رب اغفر لي. 11- الصلاة في التشهد الأخير على آله عليهم السلام، والبركة عليه وعليهم، والدعاء بعده. رابعا: سنن الأفعال، وتسمى الهيئات: 1- رفع اليدين مع تكبيرة الإحرام. 2- وعند الركوع. 3- وعند الرفع منه. 4- وحطهما عقب ذلك. 5- وضع اليمين على الشمال. 6- نظره إلى موضع سجوده. 7- تفرقته بين قدميه قائما. 8- قبض ركبتيه بيديه مفرجتي الأصابع في ركوعه، ومد ظهره فيه، وجعل رأسه حياله. 9- تمكين أعضاء السجود من الأرض ومباشرتها لمحل السجود سوى الركبتين فيكره. 10- مجافاة عضديه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه، وتفريقه بين ركبتيه، وإقامة قدميه، وجعل بطون أصابعهما على الأرض مفرقةً، ووضع يديه حذو منكبيه مبسوطةً مضمومةَ الأصابع. 11- الافتراش في الجلوس بين السجدتين، وفي التشهد الأول، والتورك في الثاني. 12- وضع اليدين على الفخذين مبسوطتين مضمومتي الأصابع بين السجدتين، وكذا في التشهد إلا أنه يقبض من اليمنى الخنصر والبنصر ويحلق إبهامها مع الوسطى ويشير بسبابتها عند ذكر الله. 13- التفاته يمينا وشمالا في تسليمه. وفي بعض هذه الأمور خلاف بين الفقهاء، فقد يكون الفعل الواجب عند أحدهم مسنونا عند الآخر، وهذا مبسوط في كتب الفقه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65847 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 946 هل يقول المأموم (سمع الله لمن حمده) عند رفعه من الركوع؟ [السُّؤَالُ] ـ[قرأت في إحدى الملصقات أن على الإمام والمأموم عند الانتهاء من الركوع أن يقولوا: (سمع الله لمن حمده) ثم بعد ذلك يقول المأمومون: (اللهم ربنا لك الحمد) ، وهذا بخلاف ما نشأنا عليه، أن الإمام فقط هو الذي يقول: (سمع الله لمن حمده) فيرد المأمومون عند الرفع من الركوع: (اللهم ربنا لك الحمد) . فأفتونا مأجورين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: التسميع (وهو قول " سمع الله لمن حمده ") عند الرفع من الركوع والتحميد عند الاستواء قائما (وهو قول " ربنا لك الحمد ") سنة مستحبة عند جمهور أهل العلم، وذهب الحنابلة إلى وجوبها، والصحيح القول بالوجوب. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (3/433) : والدليل على ذلك (يعني: الوجوب) ما يلي: أولا: أن الرسول صلى الله عليه وسلم واظب على ذلك، فلم يدع قول (سمع الله لمن حمده) في حال من الأحوال. ثانيا: أنه شعار الانتقال من الركوع إلى القيام. ثالثا: قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا قال سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد) " انتهى. وقد سبق ذكر التسميع والتحميد في واجبات الصلاة في سؤال رقم (65847) . ثانيا: اتفق الفقهاء على أن المنفرد يجمع بين التسميع والتحميد، فيقول: (سمع الله لمن حمده) حين يرفع من الركوع، فإذا استوى قائما قال: (ربنا ولك الحمد) . وقد نقل الاتفاق: الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/240) ، وابن عبد البر في "الاستذكار" (2/178) . وإن كان في "المغني" (1/548) ما يفيد أن هناك خلافاً في المسألة. ولكنهم اختلفوا في الإمام والمأموم ما الذي يشرع لكل منهما: أما الإمام: فذهب الحنفية والمالكية إلى أنه يُسَمِّعُ فقط، ولا يسن له أن يقول: ربنا لك الحمد. وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن الإمام يُسَمِّعُ ويَحمّد. والراجح هو القول الثاني؛ لما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَالَ سَمِعَ اللهًُ لِمَنْ حَمِدَه قَالَ: الَّلهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الحَمدُ) . رواه البخاري (795) ومسلم (392) . وقد بيَّن الحافظ ابن حجر أن استحباب تحميد الإمام مستفاد من هذا الحديث ومن غيره. انظر: "فتح الباري" (2/367) . وأما المأموم: فقد قال جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والحنابلة بأن المأموم يقتصر على التحميد فقط، ولا يقول (سمع الله لمن حمده) . وخالفهم الشافعية والظاهرية، فقالوا باستحباب التسميع والتحميد في حق المأموم، وهو اختيار الألباني في "صفة الصلاة" (135) وللتوسع في أدلتهم انظر رسالة السيوطي في "الحاوي للفتاوي" (1/35) . والراجح – والله أعلم - هو قول الجمهور. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله "لقاء الباب المفتوح" (1/320) : " المؤتم إذا قال إمامه سمع الله لمن حمده لا يقول سمع الله لمن حمده؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما جُعل الإمام لِيُؤتَمَّ به، فإذا كبَّر فكبِّروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد) . فقال (إذا كبر فكبروا) (وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد) ، ففرَّقَ النبي صلى الله عليه وسلم بين التكبير وبين التسميع، التكبير نقول كما يقول، والتسميع لا نقول كما يقول، لأن قوله (إذا قال: سمع الله لمن حمده قولوا ربنا ولك الحمد) بمنزلة قوله: إذا قال سمع الله لمن حمده فلا تقولوا سمع الله لمن حمده ولكن قولوا ربنا ولك الحمد، بدليل السياق، سياق الحديث الذي قال: (إذا كبر فكبروا) ، ومن قال مِن أهل العلم إنه يقول (سمع الله لمن حمده) ويقول (ربنا ولك الحمد) فقوله ضعيف، وليس أحدٌ يقبل قولُه على الإطلاق، ولا يُرَدُّ قولُه على الإطلاق، حتى يُعرض على الكتاب والسنة، ونحن إذا عرضناه على السنة وجدنا الأمر كما سمعت " انتهى. وانظر: "المغني" (1/548) ، "الأم" (1/136) ، "المحلى" (1/35) ، "الموسوعة الفقهية" (27/93-94) ويتبين بذلك أن المسألة فيها خلاف بين أهل العلم، فلا غرابة أن تكون بعض الملصقات قد قررت ما ذهب إليه بعض أهل العلم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 43574 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 947 رفع يده عن الأرض وهو ساجد ليحكّ جلده، هل تبطل صلاته؟ [السُّؤَالُ] ـ[لو أن أحداً رفع يده أو قدمه أثناء السجود ثم وضعها على الأرض وأتم السجود , هل ذلك يبطل صلاته؟ مثلا: يحتاج أن يحك جلده أثناء السجود فيرفع إحدى يديه هل صلاته باطلة؟ وإذا فعل ذلك ناسيا , هل صلاته باطلة ويجب الإعادة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب السجود على الأعضاء السبعة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالسجود عليها، كما روى البخاري (812) ومسلم (490) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ: عَلَى الْجَبْهَةِ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ - وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ، وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ) . قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (4/208) : "لو أخل بعضو منها لم تصح صلاته" انتهى. واستدل جمهور العلماء (منهم الأئمة: مالك والشافعي وأحمد) بهذا الحديث على أن السجود لا يصح إلا إذا كان على هذه الأعضاء جميعها، فلو سجد على ستة أعضاء منها لم يصح سجوده. وقال ابن رجب الحنبلي في "فتح الباري": "ويدل على هذا القول: هذه الأحاديث الصحيحة بالأمر بالسجود على هذه الأعضاء كلها، والأمر للوجوب" انتهى. "فتح الباري" - لابن رجب (5 / 114-115) . وعلى هذا، من رفع أحد أعضاء السجود عن الأرض جميع السجود، ولم يسجد عليه، لم تصح صلاته. وأما من رفعه وقتاً يسيراً فصلاته صحيحة إن شاء الله تعالى. وقد سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: إنسان رفع أحد أعضاء السجود هل تبطل صلاته وهو ساجد؟ فأجاب: "الظاهر أنه إن رفع في جميع السجود – أي: ما زال ساجداً وهو رافعٌ أحد الأعضاء - فسجوده باطل، وإذا بطل السجود بطلت الصلاة، وأما إذا كان رفعه لمدة يسيرة مثل أن يحك رجله بالأخرى ثم أعادها فأرجو ألا يكون عليه بأس" انتهى. "لقاءات الباب المفتوح". وقال أيضاً: "والسجود على هذه الأعضاء السبعة واجب في كل حال السجود، بمعنى أنه لا يجوز أن يرفع عضوا من أعضائه حال سجوده، لا يدا، ولا رجلا، ولا أنفا، ولا جبهة، ولا شيئا من هذه الأعضاء السبعة. فإن فعل: فإن كان في جميع حال السجود فلا شك أن سجوده لا يصح؛ لأنه نقص عضوا من الأعضاء التي يجب أن يسجد عليها. وأما إن كان في أثناء السجود، بمعنى أن رجلا حكته رجله مثلا فحكها بالرجل الأخرى فهذا محل نظر، قد يقال: إنها لا تصح صلاته لأنه ترك هذا الركن في بعض السجود. وقد يقال: إنه يجزئه لأن العبرة بالأعم والأكثر، فإذا كان الأعم والأكثر أنه ساجد على الأعضاء السبعة أجزأه، وعلى هذا فيكون الاحتياط: ألا يرفع شيئا وليصبر حتى لو أصابته حكة في يده مثلا، أو في فخذه، أو في رجله، فليصبر حتى يقوم من السجود" انتهى. "الشرح الممتع" (3/37) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 139988 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 948 الحكمة من إقامة الصلاة بكيفيتها المعروفة [السُّؤَالُ] ـ[لدي تشكك واحد لا أجد له تفسيرا مناسبا ... لماذا نصلي بتلك الكيفية من تكبير وسجود وقيام؟ أفلا يكفي أن نجلس فنقرأ القرآن وندعو الله عوضا عن ذلك؟ فلماذا صيغ الأمر بتلك الكيفية وبهذا الشكل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: اعلم – هداك الله – أن مبنى ديننا الحنيف على وجوب السمع والطاعة، وأن لا نقترح على الله، وكما أننا نثق بكلام الطبيب ولا نعارضه، بل نسمع ونطيع، وإذا قال: هذا الدواء بعد العشاء. لم نقل: لم لا يكون قبله؟ أو قال: سبع قطرات. لم نقل: لم لا تكون خمسا؟ وإنما نذعن لما يقول، ولو كان في ذلك ما نكره من مرارة الدواء أو غلاء ثمنه ونحو ذلك، وهو مع ذلك بشر لا يملك الشفاء، ويخطئ ويصيب، وقد يكون خطؤه أكثر من صوابه. فالواجب علينا أن يكون تسليمنا للشرع أشد، فإنه تنزيل من حكيم حميد، عليم خبير، (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) الأنبياء/23. إن الإيمان لا يثبت إلا بالتسليم المطلق لله ولرسوله، قال الله تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) النساء/65. وقال تعالى: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) النور/51. وقال الله عز وجل: (آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) البقرة/285. قال السعدي: " هذا التزام من المؤمنين، عام لجميع ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من الكتاب والسنة، وأنهم سمعوه سماع قبول وإذعان وانقياد " انتهى. "تفسير السعدي" (ص 961) . فمن تأمل هذه الآيات علم أن مبنى الدين على التسليم والخضوع والانقياد لله رب العالمين، وكيف لا يسلم له سبحانه في كل شيء من أمر دينه ودنياه من آمن به ربا خالقا هاديا رازقا مدبرا؟! وكيف لا يسلم لرسوله صلى الله عليه وسلم من آمن به نبيا مرسلا من عند ربه؟! ولو أن إنساناً انتهج هذا المنهج في السؤال لم يَبْعُدْ أن ينتهي به الأمر إلى الإلحاد، لأنك تقول: لماذا لم تكن الصلاة مجرد قراءة للقرآن والدعاء، فيأتي ثانٍ ويقول: وما الداعي للدعاء أفلا يكفي القرآن؟ ويأتي ثالث ويقول: لماذا الصلاة أصلاً، أفلا يكفي قول لا إله إلا الله، وقل مثل ذلك في الزكاة والصيام والحج جميع الأحكام الشرعية. فينتهي الأمر إلى إنكار الأحكام الشرعية والإلحاد. ثالثاً: فرضت الصلاة على هذه الصفة التي هي أحسن ما يكون وأكمل ما يكون حتى تتحقق العبودية لله والذل له، والتلذذ بمناجاته، فيستقبل الرجل القبلة، ويقف ذليلاً بين يدي الله مطأطأ الرأس، ثم يركع لله تذللاً له، ثم يزيد ذله لله بالسجود. وانظر وصفاً تفصيلاً لصفة الصلاة من التكبير إلى التسليم مع التدبر في أفعالها وأقوالها بما لا مزيد عليه لابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه "الصلاة". ونسأل الله تعالى أن يلهمنا رشدنا ويجعل الصلاة قرة عيوننا. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136549 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 949 لا فرق صلاة الرجل وصلاة المرأة؟ [السُّؤَالُ] ـ[يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي) والذي يُفهم من الحديث أنه لا فرق بين صلاة الرجل وصلاة المرأة، لا في القيام ولا في القعود ولا في الركوع ولا في السجود، وعلى هذا أنا أعمل منذ بلوغي سن التكليف، ولكن عندنا بعض النساء في كينيا يخاصمنني ويقلن: إن صلاتك غير صحيحة لأنهل تشبه صلاة الرجل، ويذكرن أمثلة تختلف فيها في نظرهن صلاة الرجل عن صلاة المرأة من حيث إمساك اليدين على الصدر، أو إطلاقهما أو استواء الظهر في الركوع وغير ذلك من الأمور التي لم أقتنع بها، فأرجو أن تبينوا لي هل بين صلاة الرجل وصلاة المرأة في الأداء فرق؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " الصواب: أنه ليس بين صلاة المرأة وصلاة الرجل فرق، وما ذكره بعض الفقهاء من الفرق ليس عليه دليل، والحديث الذي ذكرتيه في السؤال وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي) يعم الجميع، والتشريعات الإسلامية تعم الرجال والنساء، إلا ما قام عليه الدليل بالتخصيص؛ فالسنة أن تصلي المرأة كما يصلي الرجل في الركوع والسجود والقراءة ووضع اليدين على الصدر هذا هو الأفضل، وهكذا وضعهما على الركبتين عند الركوع وهكذا وضعهما على الأرض في السجود حيال المنكبين أو حيال الأذنين، وهكذا استواء الظهر في الركوع، وهكذا ما يُقال في الركوع والسجود بعد الرفع من الركوع وبعد الرفع من السجدة الأولى كله كالرجل سواء عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: (صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي) رواه البخاري في الصحيح. أما الإقامة والأذان فهما خارجان عن الصلاة، والإقامة والأذان للرجال خاصة، جاء بذلك النص، الرجال يقيمون ويؤذنون، أما النساء فلا إقامة ولا أذان، أما الجهر فلها أن تجهر الفجر والمغرب والعشاء، في الفجر تجهر في الركعتين، والمغرب في الركعتين الأوليين، والعشاء في الركعتين الأوليين، كما جهر الرجال" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (2/799) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131792 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 950 هل يقول في التشهد: السلام على النبي أم السلام عليك أيها النبي؟ [السُّؤَالُ] ـ[روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: إنا كنا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم نقول في التشهد: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، وبعد وفاته كنا نقول السلام على النبي ورحمة الله وبركاته، فهل هذا صحيح، وهل نقوله في التشهد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "المشروع أن يقولوا بما علَّم النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة، علمهم أن يقولوا: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) فنقول كما علمنا الرسول صلى الله عليه وسلم، علم الصحابة ولم يقل لهم إذا مت غيروا، علمهم وهم مسافرون، يذهبون في البلاد البعيدة، يقولون: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، يعني يدعون له، السلام عليك هو دعاء له، بالسلامة والرحمة والبركة، و "أيها النبي" معناها: استحضار، "أيها النبي" ما هو بمعنى أن يدعوه، يدعون له، السلام عليك يعني لك السلامة، لك العافية والرحمة والبركة من ربك، هو دعاء له صلى الله عليه وسلم، ليس يدعى هو، ولكنك تطلب الله له السلامة والرحمة، والبركة، ومن قال: السلام على النبي ورحمة الله وبركاته، فلا بأس، لكن الأفضل أن يقول: كما علم النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، هذا هو الذي علمه النبي أمته، ومات على ذلك عليه الصلاة والسلام" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (28/58) . وانظر جواب السؤال رقم (34535) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127512 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 951 كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم [السُّؤَالُ] ـ[أرجو أن تشرح لنا بالنقاط كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: استقبال الكعبة 1- إذا قمتَ أيها المسلم إلى الصلاة , فاستقبل الكعبة حيث كنت , في الفرض والنفلِ , وهو ركن من أركان الصلاة , التي لا تصح الصلاة إلا بها. 2- ويسقط الاستقبال عن المحارب في صلاة الخوف والقتال الشديد. - وعن العاجز عنه؛ كالمريض , أو من كان في السفينة , أو السيارة , أو الطائرة , إذا خشي خروج الوقت. - وعمن كان يصلي نافلة أو وتراً , وهو يسير راكباً دابة أو غيرها ويستحب له إذا أمكن أن يستقبل بها القبلة عند تكبيرة الإحرام , ثم يتجه بها حيث كانت وجهته. 3- ويجب على كل من كان مشاهدٍ للكعبة أن يستقبل عينها , وأما من كان غير مشاهداً لها فيستقبل جهتها. حكم الصلاة إلى غير الكعبة خطأً: 4- وإن صلى إلى غير القبلة؛ لغيم أو غيره بعد الاجتهاد والتحري جازت صلاته , ولا إعادة عليه. 5- وإذا جاء من يثق به - وهو يصلي - فأخبره بجهتها , فعليه أن يبادر إلى استقبالها , وصلاته صحيحةٌ. ثانياً: القيام 6- ويجب عليه أن يصلي وهو قائماً وهو ركن ٌ , إلا على: المصلي صلاة الخوف , والقتال الشديد , فيجوز له أن يصلي راكباً , والمريض العاجز عن القيام , فيصلي جالساً إن استطاع , وإلا فعلى جَنبٍ , والمتنفّل , فله أن يصلي راكباً , أو قاعداً إن شاءَ , ويركع وسجد إيماءً برأسهِ , وكذلك المريضُ , ويجعل سجوده أخفض من ركوعه. 7 - ولا يجوز للمصلي جالساً أن يضع شيئاً على الأرض مرفوعاً يسجد عليه , وإنما يجعل سجوده أخفض من ركوعه - كما ذكرنا - إذا كان لا يستطيع مباشرة أن يباشر الأرض بجبهتِهِ. الصلاة في السفينة والطائرة: 8- وتجوز صلاة الفريضة في السفينة , وكذا في الطائرة. 9- وله أن يصلي فيهما قاعداً إذا خشي على نفسه السقوط. 10- ويجوز أن يعتمد في قيامه على عمودٍ , أو عصى؛ لكبر سنه , أو ضعف بدنه. الجمع بين القيام والقعود: 11- ويجوز أن يصَلي صلاة الليل قائماً أو قاعداً بدون عذر , وأن يجمع بينهما , فيصلَّي ويقرأ جالساً , وقبيل الركوع يقوم , فيقرأ ما بقي عليه من الآيات قائماً ثم يركع ويسجد , ثم يصنع مثل ذلك في الركعة الثانية. 12- وإذا صلى قاعداً جلس متربعاً , أو أي جلسةٍ أخرى يستريح بها. الصلاة في النعال: 13- ويجوز له أن يقف حافياً , كما يجوز له أن يصلي منتعلاً. 14- والأفضل أن يصلي تارةً هكذا وتارةً هكذا , حسبما تيسر له , فلا يتكلف لبسهما للصلاة ولا خلعها , بل إن كان حافياً صلى حافياً , وإن كان منتعلاً صلى منتعلا , إلا لأمرٍ عارضٍ. 15- وإذا نزعهما فلا يضعهما عن يمينه , وإنما عن يساره , إذا لم يكن عن يساره أحدٌ يصلي , وإلا وضعهما بين رجليه ـ قلت: وفيه إيماءٌ لطيفٌ إلى أنه لا يضعهما أمامه , وهذا أدبٌ أخل به جماهير المصلين , فتراهم يصلون إلى نعالهم! - بذلك صح الأمر عن النبي صلى الله عليه وسلم. الصلاة على المنبر: 16- وتجوز صلاة الإمام على مكان مرتفع كالمنبر؛ لتعليم الناس يقوم عليه , فيكبر ويقرأ ويركع وهو عليه , ثم ينزل القهقرى حتى يتمكن من السجود على الأرض في أصل المنبر , ثم يعود إليه فيصنع في الركعة الأخرى كما صنع في الأولى. وجوب الصلاة إلى سترة والدنو منها: 17 - ويجب أن يصلي إلى سترةٍ , لا فرق في ذلك بين المسجد وغيره , ولا بين كبيره وصغيره , لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تصل إلا إلى سترةٍ , ولا تدع أحد يمر بين يديك , فإن أبى فلُتقاتله؛ فإن معه القرين) . يعني الشيطان. 18- ويجب أن يدنو منها؛ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك. 19- وكان بين موضع سجوده صلى الله عليه وسلم والجدار الذي يصلي إليه نحو ممر شاةٍ , فمن فعل ذلك فقد أتى بالدنوّ الواجب - قلت: ومنه نعلم أن ما يفعله الناس في كل المساجد التي رأيتها في سوريا وغيرها من الصلاة وسط المسجد بعيداً عن الجدار او السارية , ما هو إلا غفلة عن أمرهِ صلى الله عليه وسلم وفعله. مقدار ارتفاع السترة: 20- ويجب أن تكون السترة مرتفعة عن الأرض نحو شبر , أو شبرين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل فليصل ,ولا يبالي من مر وراء ذلك) . - المؤخرة: هي العمود الذي في آخر الرحل , والرحل , هو للجمل بمنزلة السرج للفرس. وفي الحديث إشارة إلى أن الخط على الأرض لا يجزي , والحديث المروي فيه ضعيف -. 21- ويتوجه إلى السترة مباشرةً؛ لأنه الظاهر من الأمر بالصلاة إلى سترة , وأما التحول عنها يميناً أو يساراً , بحيث أنه لا يصمُدُ إليها صَمْداً , فلم يثبت. 22- وتجوز الصلاة إلى العصا المغروزة في الأرض أو نحوها , وإلى شجرة , أو اسطوانة , وإلى امرأته المضطجعة على السرير , وهي تحت لحافها , وإلى الدابة , ولو كانت جملاً. تحريم الصلاة إلى القبور: 23- ولا تجوز الصلاة إلى القبور مطلقاً , سواءً كانت قبوراً للأنبياء أو غيرهم. تحريم المرور بين يدي المصلي ولو في المسجد الحرام: 24- ولا يجوز المرور بين يدي المصلي إذا كان بين يديه سترة , ولا فرق في ذلك بين المسجد الحرام وغيره من المساجد , فكلها سواء في عدم الجواز لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه , لكانَ أن يقف أربعين , خيراً له من أن يمر بين يديه) . يعني: المرور بينه وبين موضع سجوده.-وأما حديث صلاته صلى الله عليه وسلم في حاشية المطاف دون سترة والناس يمرون بين يديه , فلا يصح , على أنه ليس فيه أن المرور كان بينه وبين سجوده -. وجوب منع المصلي للمار بين يديه , ولو في المسجد الحرام: 25- ولا يجوز للمصلَّي إلى سترةٍ أن يدع أحداً يمر بين يديه؛ للحديث السابق: (ولا تدع أحداً يمر بين يديك ... ) , وقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا صلَّى أحدُكم إلى شيءٍ يستره من الناس , فأراد أحدٌ أن يجتازَ بين يديه , فليدفع في نحره , وليدرأ ما استطاعَ) , وفي رواية: (فليمنعه - مرتين - فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطانٌ) . المشي إلى الأمام؛ لمنع المرور: 26- ويجوز أن يتقدم خطوةً أو أكثر؛ ليمنع غيرَ مكلَّفٍ من المرور بين يديه؛ كدابةٍ أو طفل , حتى يمر من ورائه. ما يقطع الصلاة: 27- وإن من أهمية السُّترة في الصلاة , أنها تحولُ بين المصلي إليها , وبين إفساد صلاته؛ بالمرور بين يديه , بخلاف الذي لم يتخذها , فإنه يقطع صلاته إذا مرت بين يديه المرأةُ البالغةُ , وكذلك الحمار , والكلب الأسود. ثالثاُ: النية 28- ولا بد للمصلي من أن ينوي للصلاة التي قام إليها, وتعيينها بقلبه , كفرض الظهر أو العصر , أو سُّنتهما مثلا , وهو شرط أو ركنٌ , وأما التلفظ بها بلسانه فبدعة مخالفة للسنة , ولم يقل بها أحدٌ من متبوعي المقلدين من الأئمة. رابعاً: التكبيرُ 29- ثم يستفتح الصلاة بقوله (الله أكبر) وهو ركنٌ لقوله صلى الله عليه وسلم: (مفتاح الصلاة الطهور , وتحريمها التكبير , وتحليلها االتسليم) : أي: وتحريم ما حرم الله من الأفعال , وكذا تحليلها , أي تحليل ما أحل الله خارجها من الأفعال , والمراد بالتحليل والتحريم المحرَّم والمحلَّل. 30- ولا يرفع صوته بالتكبير في كل الصلوات , إلا إذا كان إماماً. 31- ويجوز تبليغ المؤذن تكبير الإمام إلى الناس , إذا وجد المقتضي لذلك , كمرض الإمام وضعف صوته , أو كثرة المصلين خلفه. 32 - ولا يكبر المأموم إلا عقب انتهاء الإمام من التكبير. رفع اليدين , وكيفيته: 33- ويرفع يديه مع التكبير , أو قبله , أو بعده , كل ذلك ثابت في السنة. 34- ويرفعهما ممدودتا الأصابع. 35- ويجعل كفيه حذوا منكبيه , وأحياناً يُبالغ في رفعهما , حتى يحاذي بهما أطراف أذنيه. - قلت: وأما مس شحمتي الأذنين بإبهاميه , فلا أصل له في السنة , بل هو عندي من دواعي الوسوسة -. وضع اليدين وكيفيته: 36- ثم يضع يده اليمنى على اليسرى عقب التكبير , وهو من سنن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام , وأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه , فلا يجوز إسدالهما. 37- ويضع اليُمنى على ظهر كفّه اليسرى , وعلى الرٌّسغِ والساعد. 38 - وتارةً يقبض باليمنى على اليسرى.: وأما ما استحسنه بعض المتأخرين من الجمع بين الوضع والقبض في آن واحد , فمما لا أصل له. محل الوضع: 39- ويضعهما على صدره فقط , الرجل والمرأةُ في ذلك سواء. - قلت: ووضعهما على غير الصدر , إما ضعيف وإما لا أصل له -. 40- ولا يجوز أن يضع يده اليمنى على خاصرته. الخشوع والنظر إلى موضع السجود: 41- وعليه أن يخشع في صلاته , وأن يتجنب كلّ ما قد يٌلهيه عنه. من زخارف ونقوش , فلا يصلي في حضرة طعامٍ يشتهيه , ولا وهو يدافعه البولُ أو الغائط. 42- وينظر في قيامه إلى موضع سجوده. 43- ولا يلتفت يميناً ولا يساراً , فإن الالتفات اختلاسٌ يختلسه الشيطان من صلاة العبد. 44- ولا يجوز أن يرفع بصره إلى السماء. دعاء الاستفتاح: 45- ثم يستفتح القراءة ببعض الأدعية الثابتة عن النبي صلى الله له وسلم , وهي كثيرة أشهرها: (سٌبحانك الله وبحمدِك , وتبارك اسمٌك وتعالى جدُّك , ولا إله غيرك) .وقد ثبت الأمر به فينبغي المحافظة عليه._ ومن شاء الاطلاع على بقية الأدعية , فليراجع (صفة الصلاة) ص 91- 95, من طبعة مكتبة المعارف في الرياض. خامساً: القراءةُ 46- ثم يستعيذ بالله تعالى. 47- والسنة أن يقول تارةً: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ من همزه , ونفخه , ونفثه) و (النفث) هنا: الشعر المذموم. 48- وتارة يقول: (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان ... ) الخ. 49- ثم يقول - سراً - في الجهرية والسرية (بسم الله الرحمن الرحيم) . قراءة الفاتحة: 50- ثم يقرأ سورة (الفاتحة) بتمامها - والبسملة منها - وهي ركنٌ , لا تصح الصلاة إلا بها , فيجب على الأعاجم حفظُها. 51- فمن لم يستطع أجزأه أن يقول: (سبحان الله , والحمد لله , ولا إله إلا الله , والله أكبر , ولا حول ولا قوة إلا بالله) . 52- والسنة في قراءتها أن يقطعها آيةً آيةً , ويقف على رأس كل آية , فيقول: (بسم الله الرحمن الرحيم) , ثم يقف , ثم يقول (الحمد لله رب العالمين) , ثم يقف ثم يقول: (الرحمن الرحيم) ثم يقف ... وهكذا إلى آخرها. وهكذا كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم كلها , يقف على رؤوس الآي , ولا يصلها بما بعدها , وإن كانت متعلقة المعنى بها. 53- ويجوز قراءتُها (مالكِ) و (ومَلِكِ) . قراءةُ المقتدي لها: 54- ويجب على المقتدي أن يقرأها وراء الإمام في السرية والجهرية أيضاً , إن لم يسمع قراءة الإمام , أو سكت هذا بعد فراغه منها سكتةً؛ ليتمكن فيها المقتدي من قراءتها! وإن كنا نرى أن هذا السكوت لم يثبت في السنة: - قلت: وقد ذكرت مستند من ذهب إليه , وما يرد عليه في سلسلة الأحاديث الضعيفة) رقم (546و547) . (ج2 / ص24. 26) طبعة دار المعارف. القراءة بعد الفاتحة: 55- ويسن أن يقرأ - بعد الفاتحة - سورة أخرى , حتى في صلاة الجنازة , أو بعض الآيات في الركعتين الأوليين. 56- ويطيل القراءة بعدها أحياناً , ويُقَصَّرُها أحيانا , لعارض سفرٍِ أو سعال , أو مرض , أو بكاء صبيًّ. 57- وتختلف القراءةُ باختلاف الصلوات , فالقراءةُ في صلاة الفجر أطول منها في سائر الصلوات الخمس , ثم الظهر , ثم العصر والعشاء , ثم المغرب غالباً. 58- والقراءة في صلاة الليل أطول من ذلك كلَّه. 59- والسنة إطالة القراءة في الركعة الأولى أكثر من الثانية. 60- وأن يجعلَ القراءةَ في الأُخريين أقصر من الأُوليين , قدر النصف. - وتفصيل هذا الفصل راجع إن شئت في (صفة الصلاة) ص 102. قراءة الفاتحة في كل ركعة: 61- وتجب قراءة الفاتحة في كلَّ ركعة. 62- ويسن الزيادة عليها في الركعتين الأخيرتين أيضاً أحياناً. 63- ولا تجوز إطالة الإمام للقراءة بأكثر مما جاء في السنة , فإنه يشقّ بذلك على من قد يكون وراءه من رجل كبير في السن أو مريض , أو امرأة لها رضيع , أو ذي حاجة. الجهر والإسرار بالقراءة: 64- ويجهر بالقراءة في صلاة الصبح والجمعة , والعيدين , والاستسقاء , والكسوف , والأوليين من صلاة المغرب والعشاء. ويسر بهما في صلاة الظهر , والعصر , وفي الثالثة من صلاة المغرب , والأُخريين من صلاة العشاء. 65- ويجوز للإمام أن يُسمعِهَم الآية أحياناً في الصلاة السرية. 66- وأما الوترُ وصلاةً الليل , فيسرُّ فيها تارةً , ويجهرُ تارةً ويتوسط في رفع الصوت. ترتيل القرآن: 67- والسنة أن يرتل القرآن ترتيلاً , لا هذّاً.., ولا عجلة , بل قراءةً مفسرةً حرفاً حرفاً , ويزين القرآن بصوته ويتغنى به في حدود الأحكام المعروفة عند أهل العلم بالتجويد , ولا يتغنَّى به على الألحان المبتدعة ولا على القوانين الموسيقية. الفتح على الإمام: 68- ويشرعُ للمقتدي أن يتقصَّدَ الفتح على الإمام إذا أُرتِجَ عليه في القراءة. سادساً: الركوع 69- فإذا فرغَ من القراءة , سكت سكتة لطيفةً بمقدار ما يترادّ إليه نَفَسُهُ. 70- ثم يرفع يديه على الوجوه المتقدمة في تكبيرة الإحرام. 71- ويكبر , وهو واجبٌ. 72- ثم يركع بقدر ما تستقر مفاصلُه , ويأخذ كلُّ عضوٍ مأخذَه , وهذا ركنٌ. كيفية الركوع: 73- ويضع يديه على رُكبتيه , ويمكّنهما من ركبتيه , ويفرّج بين أصابعه , كأنه قابضٌ على ركبتيه , وهذا كله واجبٌ. 74- ويمد ظهرَه ويبسطَه , حتى لو صب عليه الماء لاستقر , وهو واجبٌ. 75- ولا يخفض رأسَه , ولا يرفعه , ولكن يجعله مُساوياً لظهره. 76- ويُباعد مِرفقيه عن جَنبيه. 77- ويقول في رُكوعه: (سُبحان ربي العظيم) ثلاث مرات , أو أكثر ,: - وهناك أذكار أخرى تقال في هذا الركن , منها الطويل , ومنها المتوسط , ومنها القصير , تراجع في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم , ص 132, طبعة مكتبة المعارف. تسوية الأركان: 78- ومن السنة أن يسوّي بين الأركان في الطُّول , فيجعل ركوعَه وقيامه بعد الركوع , وسجودَه , وجلسته بين السجدتين قريباً من السواء. 79- ولا يجوزُ أن يقرأ َالقرآن في الركوع , ولا في السجود. الاعتدال من الركوع: 80- ثم يرفعُ صُلبَه من الركوع , وهذا ركنٌ. 81- ويقولُ في أثناء الاعتدال: (سمع الله لمن حمده) , وهذه واجب ٌ. 82- ويرفع ُ يديه عند الاعتدال على الوجوه المتقدمة. 83- ثم يقومُ معتدلاً مطمئناً , حتى يأخذَ كل عظمٍ مأخذه وهذا ركنٌ. 84- ويقول في هذا القيام: (ربَّنا ولكَ الحمدُ) (: وهناك أذكار أخرى تقال هنا , فراجع (صفة الصلاة) ,ص135) هذا واجبٌ على كل مصلّ , ولو كان مؤتماً , فإنه ورد القيام , أما التسميع فوِرْد الاعتدالِ، ولا يشرع وضع اليدين إحداهما على الأخرى في هذا القيام لعدم وروده ووانظر إن شئت البسط في الأصل (صفة صلاة النبي 1ـ استقبال القبلة) . 85- ويسوّي بين هذا القيام والركوع في الطول , كما تقدم. سابعاً: السُّجودُ 86- ثم يقولُ: (الله أكبر) وجوباً. 87- ويرفع يديه أحياناً. الخرورُ على اليدين: 88- ثم يَخِرُّ إلى السجود على يديه , يضعهما قبل ركبتيه , بهذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم , وهو الثابت عنه من فعله صلى الله عليه وسلم , ونهى عن التشبه ببروك البعير. وهو إنما يخِرُّ على رُكبتيه اللتين هما في مقدمتيه. 89- فإذا سجد - وهو ركنٌ- اعتمد على كفّيه وبسطهما. 90- ويضمُّ أصابعهما. 91- ويوجهها إلى القبلة. 92- ويجعل كفّيه حذو منكبيه. 93- وتارةً يجعلهما حذو أُذنيه. 94- ويرفع ذراعيه عن الأرض وجوباً , ولا يبسطهما بسط الكلب. 95- ويمكِّن أنفه وجبهته من الأرض ِ , وهذا ركنٌ. 96- ويمكِّن أيضاً ركُبتيه. 97- وكذا أطراف قدميه. 98- وينصبهما وهذا كله واجب ٌ. 99- ويستقبل بأطراف أصابعهما القِبلة. 100- وَيرُصُّ عَقِبيه. الاعتدال في السجود: 101- ويجب عليه أن يعتدلَ في سجوده ِ , وذلك بأن يعتمد فيه اعتماداً متساوياً على جميع أعضاء سجوده , وهي: الجبهة والأنف معاً , والكفان , والركبتان , وأطراف القدمين. 102- ومَن اعتدل في سجوده هكذا , فقد اطمأن يقيناً , والاطمئنانُ في السجود ركنٌ أيضاً. 103- ويقول فيه: (سبحان ربي الأعلى) , ثلاث مرات , أو أكثر. _ وفيه أذكار أخرى تراها في (صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم) , ص145. 104- ويُستحب أن يكثر الدعاءَ فيه؛ لأنه مظنة الإجابة. 105- ويجعل سجوده قريباً من ركوعهِ في الطول كما تقدم. 106- ويجوزُ السجودُ على الأرضِ , أو على حائل بينهما وبين الجبهة؛ من ثوبٍ أو بساطٍ , أو حصيرٍ , أو نحوه. 107- ولا يجوزُ أن يقرأَ القرآنَ وهو ساجِدٌ. الافتراش والإقعاء بين السجدتين: 108- ثم يرفع رأسه مكبراً وهذا واجبُ. 109- ويرفع يديه أحياناً. 110- ثم يجلس مطمئناً , حتى يرجع كلُّ عَظْمٍ إلى موضوعه وهو ركنٌ. 111- ويفرش رجله اليسرى فيقعد عليها , وهذا واجبٌ. 112- وينصب رجلَه اليمنى. 113- ويستقبل بأصابعها القبلة. 114- ويجوز الإقعاءُ أحياناً , وهو أن ينتصِبَ على عَقِبيه وصدور قدميه. 115- ويقول في هذه الجلسة: (اللهم اغفرْ لي , وارحمني واجبرني , وارفعني , وعافني , وارزقني) . 116- وإن شاءَ قال: (رب اغفر لي , رب اغفر لي) . 117- ويُطيل هذه الجلسة حتى تكون قريباً من سجدته. السجدة الثانية: 118- ثم يكبر وجوباً. 119- ويرفع يديه مع هذا التكبير أحياناً. 120- ويسجد السجدةَ الثانية , وهي ركنٌ أيضاً. 121- ويصنع فيها ما صنعَ في الأولى. جلسة الاستراحة: 122- فإذا رفع رأسه من السجدة الثانية , وأراد النهوض إلى الركعة الثانية كبّر وجوباً. 123- ويرفع يديه أحياناً. 124- ويستوي قبل أن ينهضَ قاعداً على رجِله اليسرى , معتدلاً , حتى يرجع كل عظم إلى موضعه. الركعة الثانية: 125- ثم ينهض معتمداً على الأرض بيديه المقبوضتين , كما يقبضهما العاجِنُ إلى الركع الثانية , وهي ركنٌ. 126- ويصنعُ فيهما كما صنعَ في الأولى. 127- إلا أنه لا يقرأ فيها دعاء الاستفتاح. 128- ويجعلها أقصر من الركعة الأولى. الجلوس للتشهد: 129- فإذا فرغ من الركعة الثانية , قَعَدَ للتشهدِ , وهو واجبٌ. 130- ويجلس مفترشاً - كما سبق - بين السجدتين. 131- لكن لا يجوز الإقعاء هنا. 132- ويضع كفَّه اليمنى على فخذهِ وركبته اليمنى , ونهاية مرفقه الأيمن على فخذه , لا يبعده عنه. 133- ويبسط كفه اليسرى على فخذه وركبته اليسرى. 134- ولا يجوز أن يجلس معتمداً على يده , وخصوصاً اليُسرى. تحريك الإصبع , والنظر إليها: 135- ويقبض أصابع كفه اليمنى كلها , ويضع إبهامه على إصبعه الوسطى تارةً. 136- وتارةً يُحلَّق بهما حلقةً. 137- ويشير بإصبعه السبابة إلى القِبلة. 138- ويرمي ببصره إليها. 139- ويحركها يدعو بها من أول التشهد إلى آخره. 140- ولا يشير بإصبع يده اليسرى. 141- ويفعل هذا كلَّه في كل تشهدٍ. صيغة التشهد والدعاء بعده: 142- والتشهد واجب , إذا نَسِيهَ سجدَ سجدتي السهو. 143- ويقرؤه سراً. 144- وصيغته: (التحيات لله , والصلوات , والطيبات , السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته , السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين , أشهد أن لا إله إلا الله , وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) وفي كتابي المذكور صيغ أخرى ثابتة وما ذكرته هنا أصح. السلام على النبي: هذا هو المشروع بعد وفاة النبي صلى الله وعليه وسلم وهو الثابت في تشهد ابن مسعود وعائشة وابن الزبير رضي الله عنهم , ومن شاء التفصيل فعليه بكتابي (صفة صلاة النبي) , ص161, طبعة مكتبة المعارف في الرياض. 145- ويصلي بعده على النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم , إنك حميد مجيد , اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد , كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم , إنك حميد مجيد) . 146- وإن شئت الاختصار , قلت: (اللهم صل على محمد , وعلى آل محمد , وبارك على محمد وعلى آل محمد , كما صليت وباركت على إبراهيم , وعلى آل إبراهيم , إنك حميد مجيد) . 147- ثم يتخير في هذا التشهد من الدعاء الوارد أعجبَه إليه؛ فيدعو الله به. الركعة الثالثة والرابعة: 148- ثم يكبر وجوباً , والسنة أن يكّبر وهو جالسٌ. 149- ويرفع يديه أحياناً. 150- ثم ينهض إلى الركعة الثالثة , وهي ركنٌ كالتي بعدها. 151- وكذلك يفعل إذا أراد القيامَ إلى الركعة الرابعة. 152- ولكنه قبلَ أن ينهض َ يستوي قاعداً إلى رجِلْهِ اليسرى معتدلاً , حتى يرجع كل عظم إلى موضعه. 153- ثم يقوم معتمداً إلى يديه وكما فعل في قيامه إلى الركعة الثانية. 154- ثم يقرأ في كلًّ من الثالثة والرابعة سورة (الفاتحة) وجوباً. 155- ويضيف إليها آية أو أكثر أحياناً. القنوت للنازلة ومحلُّه: 156- ويُسنُّ له أن يقنتَ ويدعو للمسلمين لنازلةٍ نزلت بهم. 157- ومحله إذا قال بعد الركوع: (ربنا ولك الحمد) . 158- وليس له دعاءٌ راتبٌ , وإنما يدعو فيه بما يتناسب مع النازلة. 159- ويرفع يديه في هذا الدعاء. 160- ويجهر به إذا كان إماماًً. 161- ويؤمّن عليه مَن خلفه. 162- فإذا فرغ وكبَّر وسجد. قنوت الوتر , ومحلُّه , وصيغتُه: 163- وأما القنوت في الوتر فيُشرع أحياناً. 164- ومحلُّه قبل الركوع , خلافاً لقنوت النازلة. 165- ويدعو فيه بما يأتي: (اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت , وتولني فيمن توليت , وبارك لي فيما أعطيت , وقني شر ما قضيت فإنك تقضي ولا يقضى عليك وإنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت , ولا منجا منك إلا إليك) . 166- وهذا الدعاءُ من تعليم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتجوز؛ لثبوتها عن الصحابة رضي الله عنهم. 167- ثم يركع , ويسجد السجدتين , كما تقدم. التشهد الأخير والتورك: 168- ثم يقعد للتشهد الأخير. 169- ويصنعُ فيه ما صنعَ في التشهد الأول. 170- إلا أنه يجلس فيه متوركاً يفضي بوركِهِ اليسرى تحت ساقه اليمنى. 171- وينصب قدمه اليمنى. 172- ويجوز فرشها أحياناً. 173- ويُلقم كفَّه اليسرى ركبته ويعتمد عليها. وجوبُ الصَّلاة على النبي صلى الله عله وسلم والتعوذ من أربع: 174- ويجب عليه في هذا التشهد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا في التشهد الأول بعض صيغها. 175- وأن يستعيذ بالله من أربع , يقول: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم , ومن عذاب القبر , ومن فتنة المحيا والممات , ومن شر فتنة المسيح الدجال) فتنة (المحيا) : هي ما يعرض للإنسان في حياته من الافتتان بالدنيا وشهواتها. وفتنة (الممات) , هي: فتنة القبر وسؤال الملكين، و (فتنة المسيح الدجال) : ما يظهر على يديه من الخوارق التي يَضِلُ بها كثير من الناس , ويتبعونه على دعواه الألوهية. الدعاء قبل السلام: 176- ثم يدعو لنفسه بما بدا له , مما ثبت في الكتاب والسنة , وهو كثير طيب فإن لم يكن عنده شيء منه , دعا بما تيسر له , مما ينفعه في دينه , أو دنياه. التسليمُ وأنواعُه: 177- ثم يسلم عن يمينه , وهو ركنٌ , حتى يُرى بياضُ خدَّه الأيمن. 178- وعن يساره حتى يُرى بياضُ خدَّه الأيسر. 179- ويرفع الإمامُ صوتَه بالسلامِ. 180- وهو على وُجوه ٍ: الأول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته , عن يمينه. السلام عليكم ورحمة الله , عن يساره. الثاني: مثله , دون قوله: (وبركاته) . الثالث: السلام عليكم ورحمة الله , عن يمينه. السلام عليكم , عن يساره. الرابع: يسلم تسليمةً واحدةً تلقاء وجهه , يميل به إلى يمينه قليلاً. أخي المسلم! هذا ما تيسر لي من تلخيص صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم , محاولاً بذلك أن أقربها إليك حتى تكون واضحة لديك , ماثلةً في ذهنك , وكأنك تراها بعينك. فإذا صليت نحو ما وصفت لك من صلاته صلى الله عليه وسلم , فإني أرجو من الله تعالى أن يتقبلها منك؛ لأنك بذلك تكون قد حققت فعلاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) . ثم عليك بعد ذلك أن لا تنسى الاهتمام باستحضار القلب , والخشوع فيها , فإنه هو الغاية الكبرى من وقوف العبد بين يدي الله تعالى فيها , وبقدر ما تحقق في نفسك من هذا الذي وصفت لك من الخشوع والاحتذاء بصلاته صلى الله عليه وسلم , يكون لك من الثمرة المرجوة التي أشار إليها ربنا تبارك وتعالى , بقوله: (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) . وختاماً: أسأل الله تعالى أن يتقبل منا صلاتنا , وسائر أعمالنا , ويدخر لنا ثوابها إلى يوم نلقاه: (يوم لا ينفع مالٌ ولا بنونٌ إلا من أتى الله بقلب سليم) . والحمد لله رب العالمين. [الْمَصْدَرُ] كتاب تلخيص صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها تأليف العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله. الحديث: 13340 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 952 هل تفريج القدمين في السجود هو السنة أم إلصاقهما؟ [السُّؤَالُ] ـ[أرجوكم ثم أرجوكم إن أمكنكم أن تصفوا الصلاة من البداية حتى النهاية، وبالدليل من الكتاب والسنة الصحيحة. شيء آخر، في الصلاة وأثناء السجود هل من السنة أن نضم الكعبين مع بعضهما؟ وحيث إنني قرأت في فقه الحديث للشيح ناصر الدين الألباني مستدلا من ابن خزيمة وابن ماجة، ولكنني سمعت مؤخرا أن هذه الأحاديث المتعلقة بالكعبين ليست صحيحة. ما الحق في ذلك؟ أرجو الإجابة مع الاستدلال.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: أما بيان صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالتفصيل فقد سبق شرح ذلك في موقعنا، في جواب السؤال رقم (13340) ، ولمعرفة الأدلة وتفصيل الكلام عليها بشكل أكمل يرجى مراجعة كتاب الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله، واسمه: " صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها "، فهو كتاب مفيد يكفيك إن شاء الله في ذكر الأدلة، إذ لا يتسع المقام في موقعنا لذكر جميع الأدلة، وإنما شيء إجمالي منها. ثانيا: أما وضع القدمين أثناء السجود، هل السنة المباعدة بينهما، أو رصهما وإلصاقهما؟ فقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين: القول الأول: استحباب التفريق بينهما، وهو قول جماهير أهل العلم الذين نصوا على هذه المسألة، واستدلوا بما ثبت في السنة النبوية من استحباب تفريج الركبتين والفخذين أثناء السجود، قالوا: والقدمان تبع لهما، فالأصل أن يفرج بينهما أيضا. فقد روى أبو داود (735) عن أبي حميد رضي الله عنه قال في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم: (وإذا سجد فَرَّج بين فخذيه) . قال الشوكاني رحمه الله: " قوله: (فرَّجَ بين فخذيه) أي: فرق بين فخذيه، وركبتيه، وقدميه. قال أصحاب الشافعي: يكون التفريق بين القدمين بقدر شبر" انتهى. "نيل الأوطار" (2/297) . وقال النووي رحمه الله: " قال الشافعي والأصحاب: يستحب للساجد أن يفرج بين ركبتيه وبين قدميه. قال القاضي أبو الطيب في تعليقه: قال أصحابنا: يكون بين قدميه قدر شبر " انتهى. "المجموع" (3/407) . القول الثاني: استحباب ضم القدمين، واختار هذا القول من المعاصرين الشيخ ابن عثيمين والشيخ الألباني رحمهما الله. واستدل أصحاب هذا القول بما روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: (فقدت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكان معي على فراشي، فوجدته ساجداً، راصّاً عقبيه، مستقبلاً بأطراف أصابعه القبلة، فسمعته يقول: أعوذ برضاك من سخطك، وبعفوك من عقوبتك، وبك منك، أثني عليك، لا أبلغ كل ما فيك) . أخرجه الطحاوي في "بيان مشكل الآثار" (1/104) ، وابن المنذر في "الأوسط" (رقم/1401) وابن خزيمة في صحيحه (1/328) ، وابن حبان في صحيحه (5/260) ، والحاكم في "المستدرك" (1/352) ، وعنه البيهقي في "السنن الكبرى" (2/167) . قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذا اللفظ، لا أعلم أحدا ذكر ضم العقبين في السجود غير ما في هذا الحديث. وقال الذهبي في "التلخيص": على شرطهما. قال ابن الملقن في "البدر المنير" (3/669) : إسناده صحيح. وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في "أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم" (2/736) . وقد بوب ابن خزيمة لهذا الحديث بقوله: باب ضم العقبين في السجود. وبَوَّب له البيهقي في السنن الكبرى (2/167) : باب ما جاء في ضم العقبين في السجود. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " الذي يظهر مِن السُّنَّة أن القدمين تكونان مرصوصتين، يعني: يرصُّ القدمين بعضهما ببعض، كما في "الصحيح" من حديث عائشة حين فَقَدَتِ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم، فوقعت يدُها على بطن قدميه وهما منصوبتان، وهو ساجد. واليد الواحدة لا تقع على القدمين إلا في حال التَّراصِّ. وقد جاء ذلك أيضاً في "صحيح ابن خزيمة" في حديث عائشة المتقدِّم: (أنَّ الرسولَ صلّى الله عليه وسلّم كان رَاصًّا عقبيه) . وعلى هذا فالسُّنَّةُ في القدمين هو التَّراصُّ، بخلاف الرُّكبتين واليدين " انتهى. "الشرح الممتع" (3/169) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 115567 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 953 يريد أن يتعلم التشهد [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن تُكتب لي التشهد بالعربية لأني لا أجيد التلفظ بها.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه بعض صيغ التشهد المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم 1- قال ابن مسعود رضي الله عنه: " عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ (التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ) وَهُوَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْنَا فَلَمَّا قُبِضَ قُلْنَا السَّلامُ يَعْنِي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رواه البخاري (الاستئذان/6265) . وهذا أثبت ألفاظ التشهد وأحسنها عند العلماء. ويقال هذا في التشهد الأول، ويضاف إليه في التشهد الأخير الصلاةَ على النبي عليه الصلاة والسلام، قال ابن القيم: " وشرع لأمته أن يصلوا عليه في التشهد الأخير ". الصلاة وحكم تاركها 1/284. ومن الصيغ الواردة في ذلك 2- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَالسَّلامُ كَمَا قَدْ عَلِمْتُم) رواه مسلم (الصلاة /405) . والسنة أن يدعو بعد التشهد وقبل التسليم، يراجع سؤال 5236. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 11417 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 954 حكم الجهر بالاستعاذة في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[رجل يؤم الناس وبعد تكبيرة الإحرام يجهر بالتعوذ، ثم يسمي ويقرأ، ويفعل ذلك في كل صلاة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " إذا فعل ذلك أحيانا للتعليم ونحوه فلا بأس بذلك، كما كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يجهر بدعاء الاستفتاح مدة، وكما كان ابن عمر وأبو هريرة يجهران بالاستعاذة أحيانا، وأما المداومة على الجهر بذلك فبدعة مخالفة لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين، فإنهم لم يكونوا يجهرون بذلك دائما، بل لم ينقل أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جهر بالاستعاذة، والله أعلم " انتهى. "مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية" (22/404) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 108289 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 955 هل يقبض يديه ويشير بسبابته في الجلسة بين السجدتين؟ [السُّؤَالُ] ـ[ذكر الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شريط صفة الصلاة , أن السنة في الجلسة بين السجدتين أن يرفع السبابة ويحركها عند الدعاء , أي كما في التشهد تماماً. والغريب أن هذا القول لم يقل به فيما أعلم سوى الشيخ ابن عثيمين. حتى إن هذا القول غير موجود في صفة الصلاة في كتاب الشرح الممتع. فهل أعمل بهذا القول؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه المسألة محل خلاف بين الفقهاء، فمنهم من يقول: إن المصلي يقبض يده اليمنى ويشير بسبابته في الجلسة بين السجدتين، كما يفعل في التشهد، ومنهم من يقول: بل يبسط يده ولا يقبضها. قال ابن القيم رحمه الله: " ثم كان صلى الله عليه وسلم يرفع رأسه مكبرا غير رافع يديه، ويرفع من السجود رأسه قبل يديه، ثم يجلس مفترشا، يفرش رجله اليسرى، ويجلس عليها، وينصب اليمنى. وذكر النسائي عن ابن عمر قال: (من سنة الصلاة: أن ينصب القدم اليمنى، واستقباله بأصابعها القبلة، والجلوس على اليسرى) . ولم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم في هذا الموضع جلسة غير هذه. وكان يضع يديه على فخذيه، ويجعل مِرفقه على فخذه، وطرف يده على ركبته، ويقبض ثنتين من أصابعه، ويحلق حلقةً، ثم يرفع أصبعه يدعو بها ويحركها، هكذا قال وائل بن حجر عنه ... ثم كان يقول بين السجدتين: (اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني واهدني، وارزقني) هكذا ذكره ابن عباس رضي الله عنهما عنه صلى الله عليه وسلم، وذكر حذيفة أنه كان يقول: (رب اغفر لي، رب اغفر لي) " انتهى من "زاد المعاد" (1/230) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " أما بالنسبة لليسرى: فتكون مبسوطة مضمومة الأصابع موجهة إلى القبلة، ويكون طرف المرفق عند طرف الفخذ، بمعنى: لا يفرجها، بل يضمها إلى الفخذ. أما اليمين: فإن السنة تدل على أنه يقبض منها الخنصر والبنصر، ويحلق الإبهام مع الوسطى، ويرفع السبابة، ويحركها عند الدعاء. هكذا جاء فيما رواه الإمام أحمد من حديث وائل بن حجر بسند قال فيه صاحب "الفتح الرباني": إنه جيد. وقال فيه المحشي على "زاد المعاد": إنه صحيح، وإلى هذا ذهب ابن القيم. . أما الفقهاء: فيرون أن اليد اليمنى تكون مبسوطة في الجلسة بين السجدتين كاليد اليسرى، ولكن اتباع السنة أولى، ولم يرد في السنة لا في حديث صحيح، ولا ضعيف، ولا حسن أن اليد اليمنى تكون مبسوطة على الرجل اليمنى، إنما ورد أنها تقبض، يقبض الخنصر والبنصر، ويحلق الإبهام مع الوسطى، أو تضم الوسطى أيضا، ويضم إليها الإبهام إذا جلس في الصلاة، هكذا جاء عاما، وفي بعض الألفاظ: (إذا جلس في التشهد) وكلاهما في صحيح مسلم، فنحن إذا أخذنا كلمة (إذا جلس في الصلاة) قلنا: هذا عام في جميع الجلسات. وقوله: (إذا جلس في التشهد) في بعض الألفاظ لا يدل على التخصيص؛ لأن لدينا قاعدة ذكرها الأصوليون، وممن كان يذكرها دائما الشوكاني في "نيل الأوطار" والشنقيطي في "أضواء البيان" أنه إذا ذُكر بعض أفراد العام بحكم يطابق العام، فإن ذلك لا يدل على التخصيص، إنما التخصيص أن يذكر بعض أفراد العام بحكم يخالف العام. مثال الأول: قلت لك: أكرم الطلبة، هذا عام يشمل كل طالب، ثم قلت: أكرم فلانا وهو من الطلبة، فهل يقتضي هذا ألا أكرم سواه؟ الجواب: لا، لكن يقتضي أن هناك عناية به من أجلها خصصته بالذكر. ومثال الثاني: أكرم الطلبة، ثم قلت: لا تكرم فلانا وهو من الطلبة، فهذا تخصيص؛ لأنني في الأول ذكرت فلانا بحكم يوافق العام لدخوله في العموم، وهنا ذكرته بحكم يخالف العام، ولهذا يقولون في تعريف التخصيص: تخصيص بعض أفراد العام بحكم مخالف. أو: إخراج بعض أفراد العام من الحكم. فلا بد أن يكون مخالفا، أما إذا كان موافقا فإن جمهور الأصوليين كما حكاه صاحب "أضواء البيان" يرون أنه لا يفيد التخصيص، وهو ظاهر كما في المثال الذي ذكرناه. وعلى هذا فيكون بعض ألفاظ حديث ابن عمر الذي خص القبض بالتشهد لا يقتضي التخصيص من بعض ألفاظه الدالة على العموم " انتهى من "الشرح الممتع" (3/177) . وبهذا يتبين لك دليل المسألة، وموضعها من الشرح الممتع. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 107626 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 956 كيف يجلس من لا يستطع أن يجلس جلسة الافتراش في الصلاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[كيف يجلس من لا يستطع أن يجلس جلسة الافتراش في الصلاة بحجة أن الجلسة هذه متعبة.؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يستحب للمصلي أن يجلس مفترشاً في ثلاثة مواضع من الصلاة: 1- بين السجدتين. 2- في التشهد الأول إذا كان للصلاة تشهدان. 3- في التشهد إذا كانت الصلاة بتشهد واحد، كصلاة ركعتين. والافتراش: أن ينصب قدمه اليمنى قائمة على أطراف الأصابع ويفرش رجله اليسرى ويجلس عليها. والمرأة في هذا كالرجل، لشمول الخطاب لها في قوله صلى الله عليه وسلم: (صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي) رواه البخاري (631) . وهذه الجلسة سنة من سنن الصلاة وليست واجبة، فمن فعلها فله ثوابها، ومن تركها فلا إثم عليه. جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (6/446) : "السنة أن يفترش رجله اليسرى ويجلس عليها بين السجدتين ناصباً قدمه اليمنى، وهكذا في التشهد الأول، أما التشهد الأخير، فالسنة هو التورك، وهو أن يدخل قدمه اليسرى تحت ساقه اليمنى، ويجلس على مقعدته، وهذا كله مستحب، ولو تورك المصلي في التشهد الأول وافترش في التشهد الأخير لم تبطل صلاته" انتهى. وإذا لم يستطع المصلي أن يجلس مفترشاً، لكونه ضخم الجسم، أو شعر بالألم في قدمه ... أو لغير ذلك من الأسباب فلا حرج عليه أن يجلس كما يتيسر له، لقول الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ) رواه البخاري (7288) ومسلم (1337) . وقال في "أسنى المطالب" (1/164) : "وكيف جلس في جلسات الصلاة أجزأه , لكن الأفضل أن يتورك في جلوسه الأخير ويفترش في سائر الجلسات" انتهى باختصار. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 104434 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 957 أحاديث أنس في قنوت الفجر [السُّؤَالُ] ـ[أود معرفة ما إذا كان هذا الحديث صحيحا أم ضعيفا: قال أنس بن مالك رضى الله عنه: (لم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم القنوت فى صلاة الفجر حتى توفاه الله) رواه أحمد والبزار والدارقطني والبيهقي والحاكم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث لا يصح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وله عن أنس ثلاث طرق كلها ضعيفة. الأول: 1- من طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أنس بن مالك رضي الله عنه، ولفظه: (أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَيْهِمْ ثُمَّ تَرَكَهُ، وَأَمَّا فِى الصُّبْحِ فَلَمْ يَزَلْ يَقْنُتُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا) . أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (3/110) ومن طريقه الدارقطني في "السنن" (2/39) ، وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (2/312) مختصرا، والبزار (556 – من كشف الأستار) وأحمد في "المسند" (3/162) ، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/143) والحاكم في "الأربعين" وعنه البيهقي في "السنن" (2/201) . وأبو جعفر الرازي اسمه عيسى بن ماهان الرازي، ضعفه كثير من أهل العلم. " قال أحمد بن حنبل: ليس بقوي فى الحديث. وقال يحيى بن معين: يكتب حديثه ولكنه يخطىء. وقال عمرو بن علي: فيه ضعف، وهو من أهل الصدق، سيىء الحفظ. وقال أبو زرعة: شيخ يهم كثيرا. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال ابن حبان: كان ينفرد عن المشاهير بالمناكير، لا يعجبنى الاحتجاج بحديثه إلا فيما وافق الثقات. وقال العجلي: ليس بالقوي " انتهى باختصار من تهذيب التهذيب (12/57) الثاني: من طريق إسماعيل المكي وعمرو بن عبيد عن الحسن عن أنس ولفظه: (قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان – وأحسبه قال: رابع - حتى فارقتهم) . أخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/243) والدارقطني في "السنن" (2/40) ، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/202) . وإسماعيل بن مسلم المكي وعمرو بن عبيد المعتزلي كل منهما ضعيف، لا يحتج بحديثه، وهذه أقوال العلماء فيهما: إسماعيل بن مسلم المكي: جاء في ترجمته في "تهذيب التهذيب" (1/332) : " قال أحمد بن حنبل: منكر الحديث. وقال ابن معين: ليس بشىء. وقال علي بن المديني: لا يكتب حديثه. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث مختلط، قلت له: هو أحب إليك أو عمرو بن عبيد؟ فقال: جميعا ضعيفان. وقال النسائي: متروك الحديث. وقال ابن حبان: ضعيف يروى المناكير عن المشاهير ويقلب الأسانيد " انتهى باختصار. وعمرو بن عبيد المعتزلي: متروك الحديث، وكان يكذب على الحسن، جاء في ترجمته في "تهذيب التهذيب" (8/62) : " قال ابن معين: ليس بشيء. وقال عمرو بن علي: متروك الحديث، صاحب بدعة. وقال أبو حاتم: متروك الحديث. وقال النسائى: ليس بثقة، ولا يكتب حديثه. وقال أبو داود الطيالسي عن شعبة، عن يونس بن عبيد: كان عمرو بن عبيد يكذب فى الحديث. وقال حميد: لا تأخذ عن هذا شيئا فإنه يكذب على الحسن. وقال ابن عون: عمرو يكذب على الحسن " انتهى باختصار. الثالث: من طريق دينار بن عبد الله خادم أنس عن أنس ولفظه: (ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في صلاة الصبح حتى مات) . قال الشيخ الألباني رحمه الله في "السلسلة الضعيفة" (3/386) : " أخرجه الخطيب في "كتاب القنوت" له، وشنع عليه ابن الجوزي بسببه؛ لأن دينارا هذا قال ابن حبان فيه: " يروي عن أنس آثارا موضوعة لا يحل ذكرها في الكتب إلا على سبيل القدح فيه " انتهى. وقد حكم جماعة من العلماء على هذا الحديث بأنه ضعيف، لا يصح الاحتجاج به. منهم: ابنُ الجوزي في "العلل المتناهية" (1/444) ، وابن التركماني في "تعليقه على البيهقي"، وابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (22/374) ، وابن القيم في "زاد المعاد" (1/99) ، والحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" (1/245) ، ومن المتأخرين الألباني في "السلسلة الضعيفة" (1/1238) أما حكم قنوت الفجر في غير النوازل، فقد سبق بيان حكمه في جواب السؤال رقم (20031) وأن الراجح فيه قول أبي حنيفة وأحمد، بعدم المشروعة، إذ لم يثبت من طريق صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم استمر على قنوت الفجر حتى فارق الدنيا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 101015 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 958 تحريك الأصبع في التشهد [السُّؤَالُ] ـ[رأيت بعض المصلين يحركون سباباتهم إلى الأعلى والأسفل أثناء التشهد, فهل هذا من السنة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يشير بأصبعه السبابة، ويحركها في التشهد في الصلاة. وقد اختلف أهل العلم في ذلك على أقوال: 1. أما الحنفية: فيرون رفع السبابة عند النفي في الشهادتين، يعني: عند قوله: " لا "، ويضعها عند الإثبات. 2. وأما الشافعية: فيرون رفعها عند قوله: " إلا الله ". 3. وعند المالكية: يحركها يميناً وشمالاً إلى أن يفرغ من الصلاة. 4. وعند الحنابلة: يشير بإصبعه كلما ذكر اسم الجلالة، لا يحركها. قال الشيخ الألباني رحمه الله: هذه التحديدات والكيفيات لا أصل لشيء منها في السنة، وأقربها للصواب مذهب الحنابلة لولا أنهم قيدوا التحريك عند ذكر الجلالة. " تمام المنة " (ص 223) . ثانياً: أما الأدلة في المسألة: أ. عن عبد الله بن الزبير قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد في الصلاة جعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه وفرش قدمه اليمنى ووضع يده اليسرى على ركبته اليسرى ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى وأشار بإصبعه ". رواه مسلم (579) . وفي النسائي (1270) وأبي داود (989) " كان يشير بأصبعه إذا دعا ولا يحركها ". وهذه الزيادة (ولا يحركها) ضعفها ابن القيم في زاد المعاد (1/238) وضعفها الألباني في تمام المنّة (ص218) . ب. عن وائل بن حجر قال: قلت: لأنظرن إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلي فنظرت إليه فقام فكبر ورفع يديه حتى حاذتا بأذنيه ثم وضع يده اليمنى على كفه اليسرى والرسغ والساعد فلما أراد أن يركع رفع يديه مثلها قال ووضع يديه على ركبتيه ثم لما رفع رأسه رفع يديه مثلها ثم سجد فجعل كفيه بحذاء أذنيه ثم قعد وافترش رجله اليسرى ووضع كفه اليسرى على فخذه وركبته اليسرى وجعل حد مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى ثم قبض اثنتين من أصابعه وحلق حلقة ثم رفع إصبعه فرأيته يحركها يدعو بها. رواه النسائي (889) . وصححه ابن خزيمة (1 / 354) وابن حبان (5 / 170) .وصححه الألباني في إرواء الغليل (367) وقد استدل الشيخ ابن عثيمين بهذا الحديث (يحركها يدعو بها) على أن تحريك السبابة في التشهد يكون عند كل جملة دعائية. قال رحمه الله في الشرح الممتع: دلت السنة على أنه يشير بها عند الدعاء لأن لفظ الحديث (يحركها يدعو بها) ، فكلّما دعوت حرِّكْ إشارةً إلى علو المدعو سبحانه وتعالى على هذا فنقول: السلام عليك أيها النبي ـ فيه إشارة لأن السلام خبر بمعنى الدعاء ـ السلام علينا ـ فيه إشارة ـ اللهم صلّ على محمد ـ فيه إشارة ـ اللهم بارك على محمد ـ فيه إشارة ـ أعوذ بالله من عذاب جهنّم ـ فيه إشارة ـ ومن عذاب القبر ـ إشارة ـ ومن فتنة المحيا والممات ـ إشارة ـ ومن فتنة المسيح الدجال ـ إشارة ـ وكلما دعوت تشير، إشارةً إلى علو من تدعوه سبحانه وتعالى، وهذا أقرب إلى السنّة اهـ. ثالثاً: من السنة عند الإشارة أن ينظر إلى السبابة. قال النووي: والسنة أن لا يجاوز بصره إشارته وفيه حديث صحيح في سنن أبي داود ويشير بها موجهة إلى القبلة وينوي بالإشارة التوحيد والإخلاص. " شرح مسلم " (5 / 81) . وهذا الحديث الذي أشار إليه النووي رحمه الله هو حديث عبد الله بن الزبير المتقدم ولفظه عند أبي داود (989) : (لا يجاوز بصره إشارته) . وصححه الألباني في صحيح أبي داود. رابعاً: ومن السنة أن يشير بها إلى القبلة. عن عبد الله بن عمر أنه رأى رجلا يحرك الحصا بيده وهو في الصلاة فلما انصرف قال له عبد الله لا تحرك الحصا وأنت في الصلاة فإن ذلك من الشيطان ولكن اصنع كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع قال فوضع يده اليمنى على فخذه وأشار بأصبعه التي تلي الإبهام إلى القبلة ورمى ببصره إليها ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع. رواه النسائي (1160) رواه ابن خزيمة (1 / 355) وابن حبان (5 / 273) . وصححه الألباني في صحيح النسائي. خامساً: حني الإصبع عند الإشارة جاء من حديث نمير الخزاعي عند أبي داود (991) والنسائي (1274) . لكنه حديث ضعيف. انظر: " تمام المنة " للألباني (ص 222) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 7570 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 959 إذا نسي الإمام أو المأموم قراءة الفاتحة فماذا يفعل؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما الحكم في إمام أو مأموم نسي قراءة الفاتحة في الصلاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: سبق من جواب سؤال رقم (10995) أن قراءة الفاتحة ركن من أركان الصلاة لا تصح إلا بها، وأنه يجب قراءتها على المنفرد والإمام والمأموم في الصلاة الجهرية والسرية. ثانيا: (إذا نسيها الإمام في الركعة الأولى، ولم يتذكر إلا حين قام للركعة الثانية، صارت الثانية هي الأولى في حقه، وعلى هذا فلابد أن يأتي بركعة أخرى عوضا عن الركعة التي ترك فيها الفاتحة. أما المأموم فإنه لا يتابعه في هذه الركعة، لكن يجلس للتشهد، وينظر حتى يسلم مع إمامه. أما بالنسبة للمأموم إذا تركها، فمن قال: إن المأموم ليست عليه قراءة الفاتحة، فالأمر واضح أنه ليس عليه شيء. ومن قال: إنها ركن في حقه، فهو كالإمام، فإذا تركها يأتي بعد سلام إمامه بركعة، إلا إذا جاء والإمام راكع، أو جاء والإمام قائم، ولكن ركع قبل أن يتمها، ففي هذه الحال تسقط عنه ـ أي عن المأموم ـ في الركعة الأولى. فضيلة الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ (لقاءات الباب المفتوح 51) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 13498 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 960 حكم صلاة من نسي تكبيرة الإحرام [السُّؤَالُ] ـ[إذا نسي الإنسان تكبيرة الإحرام فهل يستمر في الصلاة حتى ينتهي ثم يعيدها أو يقطعها ثم يعيدها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " إذا نسي تكبيرة الإحرام أو شك في ذلك فعليه أن يكبر في الحال، ويعمل بما أدرك بعد التكبيرة، فإذا كبر بعد فوات الركعة الأولى من صلاة الإمام اعتبر نفسه قد فاتته الركعة الأولى فيقضيها بعد سلام الإمام، وإذا أعاد التكبيرة في الركعة الثالثة اعتبر نفسه قد فاتته ركعتان فيأتي بركعتين بعد السلام من الصلاة، هذا إذا كان ليس لديه وسوسة أما إن كان موسوسا فإنه يعتبر نفسه قد كبر في أول الصلاة ولا يقضي شيئا مراغمة للشيطان ومحاربة لوسوسته والحمد لله " اهـ. [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (11/275) . الحديث: 49047 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 961 هل يقرأ المأموم الفاتحة أم يستمع لقراءة الإمام؟ [السُّؤَالُ] ـ[أمر الله سبحانه وتعالى بالاستماع والتزام الصمت والقرآن يقرأ (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) كما أن النبي صلى الله عليه وسلم حذرنا من أن الصلاة التي لا يقرأ فيها بالفاتحة تبطل. أرجو أن تخبرني ماذا أفعل دون الوقوع في ما يتعارض مع أي من هذين الأمرين إذا كان الإمام لا يترك مجالا للمأمومين لقراءة الفاتحة؟ وما هو الصحيح في المسألة؟]ـ [الْجَوَابُ] أولا: سبق في جواب السؤال رقم (10995) بيان أن قراءة الفاتحة ركن من أركان الصلاة في حق الإمام والمأموم والمنفرد. ثانياً: وأما السكتة التي يسكتها بعض الأئمة بعد قراءتهم للفاتحة، فليس سكتة طويلة يتمكن المأموم فيها من قراءة الفاتحة، وإنما هي سكتة يسيرة، يحصل بها الفصل بين قراءة الفاتحة، وقراءة السورة. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "السكتة بين قراءة الفاتحة، وقراءة سورة لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم، على ما ذهب إليه بعض الفقهاء من أن الإمام يسكت سكوتا يتمكن به المأموم من قراءة الفاتحة، وإنما هو سكوت يسير يتراد به النفس من جهة، ويفتح الباب للمأموم من جهة أخرى، حتى يشرع في القراءة ويكمل، ولو كان الإمام يقرأ، فهي سكتة يسيرة ليست طويلة " انتهى. "فتاوى أركان الإسلام" (ص323-324) . فإذا كان الإمام لا يسكت سكتة طويلة بعد قراءة الفاتحة، فإن المأموم عليه أن يقرأ الفاتحة، ولو مع قراءة الإمام السورة، لأن هذا هو الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في صلاة الفجر. روى أبو داود (823) عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، فَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: (لَعَلَّكُمْ تَقْرَءُونَ خَلْفَ إِمَامِكُمْ! قُلْنَا: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: لَا تَفْعَلُوا إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا) . وقد حسنه الترمذي وصححه البيهقي والخطابي وغيرهم، وهو نص في وجوب قراءة الفاتحة على المأموم في الصلاة الجهرية. قال الشيخ ابن باز: " فإن لم يسكت الإمام فالواجب على المأموم أن يقرأ الفاتحة ولو في حال قراءة الإمام في أصح قولي العلماء " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (11/221) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "فإن قيل: إذا كان الإمام لا يسكت فمتى يقرأ المأموم الفاتحة؟ فنقول: يقرأ الفاتحة والإمام يقرأ؛ لأن الصحابة كانوا يقرؤون مع الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: (لا تفعلوا إلا بأم القرآن؛ فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) " انتهى. "فتاوى أركان الإسلام" (ص322) . وأما قوله تعالى: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) فهذا عام مخصوص بغير الفاتحة، بمعنى أنه يجب الإنصات لقراءة الإمام القرآن في الصلاة إلا إذا كان المأموم يقرأ الفاتحة فقط، بدليل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لَا تَفْعَلُوا إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا) وكان ذلك في صلاة الفجر، وهي صلاة جهرية كما هو معلوم. فيكون المأموم مأمور بالإنصات إلا عن قراءة الفاتحة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 26746 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 962 أين ينظر المصلي حال سجوده وتشهده [السُّؤَالُ] ـ[ينظر المصلي إلى مكان سجوده حال قيامه فإلى أين ينظر حال ركوعه وسجوده وتشهده؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ينظر المصلي في حال ركوعه إلى مكان سجوده أيضاً، أما في حال التشهد فينظر إلى محل الإشارة وأما في حال سجوده فينظر إلى مقابل عينيه من الأرض. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 7/25. الحديث: 8580 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 963 صفة صلاة المرأة كصفة صلاة الرجل [السُّؤَالُ] ـ[أرجو أن تخبرني عن الطريقة الصحيحة لجلوس النساء في الصلاة، كما أرجو أن تذكر لنا الفرق في وضع الجلوس الخاص بالرجال مقارنة بالنساء.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صلاة المرأة كصلاة الرجل مثلاً بمثل في كل حالاتها في السجود والجلوس وغير ذلك، للأدلة الآتية: 1- قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (صلوا كما رأيتموني أصلي) رواه البخاري، وهذا الخطاب يشمل الرجال والنساء. قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى: كل ما تقدم من صفة صلاته صلى الله عليه وسلم يستوي فيه الرجال والنساء ولم يرد في السنة ما يقتضي استثناء النساء من بعض ذلك، بل إن عموم قوله صلى الله عليه وسلم: " صلوا كما رأيتموني أصلي " يشملهن. " صفة صلاة النبي " (ص 189) . 2- عموم قوله صلى الله عليه وسلم: " إنما النساء شقائق الرجال " رواه أبو داود (204) والترمذي (105) من حديث عائشة، والدارمي (764) من حديث أنس. قال العجلوني: قال ابن القطان: هو من طريق عائشة ضعيف، ومن طريق أنس صحيح. " كشف الخفاء " (1 / 248) . قَالَ الْخَطَّابِيُّ: فِيهِ مِنْ الْفِقْه: أنَّ الْخِطَاب إِذَا وَرَدَ بِلَفْظِ الْمُذَكَّر كَانَ خِطَابًا لِلنِّسَاءِ إِلا مَوَاضِع الْخُصُوص الَّتِي قَامَتْ أَدِلَّة التَّخْصِيص فِيهَا اهـ. وقال بعض العلماء: المرأة لا تجلس جلوس الرجل، واستدلوا على ذلك بحديثين ضعيفين. قال البيهقي: وقد روي فيه حديثان ضعيفان لا يحتج بأمثالهما أحدهما: حديث عطاء بن العجلان عن أبي نضرة العبدي عن أبي سعيد الخدري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنه كان يأمر الرجال أن يتجافوا في سجودهم، ويأمر النساء ينخفضن في سجودهن، وكان يأمر الرجال أن يفرشوا اليسرى وينصبوا اليمني في التشهد، ويأمر النساء أن يتربعن) ثم قال البيهقي: حديث منكر اهـ. والآخر: حديث أبي مطيع الحكم بن عبد الله البلخي عن عمر بن ذر عن مجاهد عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا جلست المرأة في الصلاة وضعت فخذها على فخذها الأخرى وإذا سجدت ألصقت بطنها في فخذيها كأستر ما يكون لها وإن الله تعالى ينظر إليها ويقول يا ملائكتي أشهدكم أني قد غفرت لها ". " سنن البيهقي الكبرى " (2 / 222) . وهذا الحديث ضعيف، لأنه من رواية أبي مطيع البلخي. قال ابن حجر: قال بن معين: ليس بشيء، وقال مرة: ضعيف، وقال البخاري: ضعيف صاحب رأي، وقال النسائي: ضعيف. " لسان الميزان " (2 / 334) . وقال ابن عدي: وأبو مطيع بيِّن الضعف في أحاديثه، وعامة ما يرويه لا يتابع عليه. " الكامل في ضعفاء الرجال " (2 / 214) . حديث ثالث: عن يزيد بن أبي حبيب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على امرأتين تصليان فقال: (إذا سجدتما فضمَّا بعض اللحم إلى الأرض؛ فإن المرأة ليست في ذلك كالرجل) . رواه أبو داود في " المراسيل " (ص 118) ، والبيهقي (2 / 223) والحديث: مرسل وهو من أقسام الضعيف. وقد أورد ابن أبي شيبة في المصنف (1 / 242) آثاراً عن بعض السلف في التفريق بين جلوس المرأة والرجل، والحجة في كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. ثم قد روي عن بعض السلف من التسوية بين الرجل والمرأة في صفة الصلاة. قال البخاري رحمه الله: كَانَتْ أُمُّ الدَّرْدَاءِ تَجْلِسُ فِي صَلَاتِهَا جِلْسَةَ الرَّجُلِ، وَكَانَتْ فَقِيهَةً. ذكر الحافظ في "فتح الباري" أن لأَبِي الدَّرْدَاء زَوْجَتَينِ كُلّ مِنْهُمَا أُمّ الدَّرْدَاء , فَالْكُبْرَى صَحَابِيَّة , وَالصُّغْرَى تَابِعِيَّة , واختار أن المراد هنا في كلام البخاري الصغرى. وانظر إجابة السؤال (38162) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 9276 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 964 حكم الصلاة على السرير [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن أصلي صلاة القيام على السرير؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، تجوز الصلاة على السرير ما دام ثابتاً، ويستطيع المصلي أن يمكن جبهته وأنفه عند السجود. ومن كلام أهل العلم في الصلاة على السرير: 1- قال الحطاب في "مواهب الجليل" (1/520) : " قال في التوضيح: وأما الصلاة على السرير فلا خلاف في جوازها، قاله في البيان , انتهى ". 2- وقال النووي رحمه الله في "المجموع" (3/221) : " شرط الفريضة المكتوبة أن يكون مصليا مستقبل القبلة مستقرا في جميعها .......... فلو استقبل القبلة وأتم الأركان في هودج أو سرير أو نحوهما على ظهر دابة واقفة ففي صحة فريضته وجهان: أصحهما: تصح , وبه قطع الأكثرون ; لأنه كالسفينة " انتهى. 3- وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: هل يجوز أداء الصلاة على مكان مرتفع عن الأرض كالسرير أو نحوه إذا شك الإنسان في طهارة الأرض وليس له عذر من مرض أو نحوه؟ فأجاب: "لا بأس أن يصلي الإنسان على شيء مرتفع كالسرير أو نحوه إذا كان طاهرًا وكان ثابتًا لا يحصل منه اهتزاز وخلل على المصلي، وتشويش على المصلي " انتهى من "المنتقى" (2/143) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93560 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 965 الطريقة المناسبة للدعاء في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[أود أن أعرف الطريقة المناسبة والتي طبقها النبي صلى الله عليه وسلم للدعاء أثناء الصلاة. هل هي بعد الصلاة أم بين السجدتين أم أثناء القيام أم متى؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: اعلم – رحمك الله – أن الصلاة ليس لها موضع واحد مخصوص فيه الدعاء، بل هي أماكن عدة ذكرها العلماء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم. وأيضاً فإن الدعاء بعد الصلاة سنة وله أدعية سيأتي ذكرها إن شاء الله. ولتعلم أن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وأفضل العلم والقول ما كان موافقاً لسنّته صلى الله عليه وسلم، وصيغة الرسول صلى الله عليه وسلم هي خير الصيغ؛ لأنه أعلم الناس بلغة العرب، وأفصحهم لساناً، وأقومهم بياناً، بل إن الله تعالى قد وفقه إلى اختصار المعني الكثير بالكلام القليل، وهذا يسمى جوامع الكلم. عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (بُعثتُ بجوامع الكلم) رواه البخاري (6611) ومسلم (523) . قال البخاري: وبلغني أن جوامع الكلم أن الله يجمع الأمور الكثيرة التي كانت تكتب في الكتب قبله في الأمر الواحد والأمرين أو نحو ذلك. وعليه: إذا أردت أن تدعو في صلاتك في المواضع التي يشرع ويستحب فيها الدعاء: فأفضل دعاء تأتي به هو صيغة الرسول صلى الله عليه وسلم. ثانياً: إن أعياك ذلك ولم يتيسر لك حفظ هذه الأذكار والأدعية؛ فأحسن الدعاء: ما كان بعيداً عن التكلف والتشدق في الكلام، وما كان بعيداً عن السجع بالكلام، وجعل الدعاء خالصاً موافقاً للحاجة التي تريدها بما تيسر لك وبما فتح الله عليك في ذلك. وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل: كيف تقول في الصلاة؟ قال: أتشهد، ثم أقول: " اللهمّ إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار "، أما إني لا أحسن دندنتك ودندنة معاذ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حولهما ندندن. رواه أبو داود (792) . وصححه الألباني في صحيح أبي داود. ثالثاً: وأما الدعاء بعد السلام فالثابت عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يقول إذا انصرف من الصلاة: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله. ثم يقول سائر الأذكار الواردة في هذا. راجع السؤال رقم (7646) قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه كان يرفع يديه بعد صلاة الفريضة، ولم يصح ذلك أيضاً عن أصحابه – رضي الله عنهم – فيما نعلم وما يفعله بعض الناس من رفع أيديهم بعد صلاة الفريضة بدعة لا أصل لها " اهـ. الفتاوى (1/74) . وقال ابن القيم: وأما الدعاء بعد السلام من الصلاة مستقبل القبلة أو المأمومين، فلم يكن ذلك من هديه صلى الله عليه وسلم أصلاً، ولا روي عنه بإسناد صحيح، ولا حسن، وأما تخصيص ذلك بصلاتي الفجر والعصر، فلم يفعل ذلك هو ولا أحد من خلفائه، ولا أرشد إليه أمته، وإنما هو استحسان رآه من رآه عوضاً من السنة بعدهما والله أعلم. وعامة الأدعية المتعلقة بالصلاة إنما فعلها فيها وأمر بها فيها وهذا هو اللائق بحال المصلي، فإنه مقبل على ربه، يناجيه ما دام في الصلاة، فإذا سلّم منها، انقطعت تلك المناجاة، وزال ذلك الموقف بين يديه والقرب منه، فكيف يترك سؤاله في حال مناجاته والقرب منه، والإقبال عليه، ثم يسأله إذا انصرف عنه؟! ولا ريب أن عكس هذا الحال هو الأولى بالمصلي، إلا أن هاهنا نكتة لطيفة، وهو أن المصلي إذا فرغ من صلاته،وذكر الله وهلّله وسبّحه وحمده وكبّره بالأذكار المشروعة عقيب الصلاة، استحب له أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك، ويدعو بما شاء، ويكون دعاؤه عقيب هذه العبادة الثانية، لا لكونه دبر الصلاة، فإن كل من ذكر الله، وحمده، وأثنى عليه، وصلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم استحب له الدعاء عقيب ذلك، كما في حديث فضالة بن عبيد " إذا صلّى أحدكم، فليبدأ بحمد الله والثناء عليه، ثم ليصلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم، ثمّ ليدع بما شاء "، قال الترمذي: حديث صحيح وصححه الحاكم ووافقة الذهبي. " زاد المعاد " (1 / 257، 258) . رابعاً: أما مواضع الدعاء في الصلاة فنلخصها لك بما يلي: 1. بعد تكبيرة الإحرام وقبل البدء بالفاتحة ويسمى دعاء الاستفتاح: عن أبي هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة سكت هنيهة فقلت بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما تقول في سكوتك بين التكبير والقراءة؟ قال: أقول: " اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد ". رواه البخاري (711) ومسلم (598) . 2. دعاء القنوت في صلاة الوتر: عن الحسن بن علي قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر "اللهمّ اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وقني شرما قضيت فإنك تقضي ولا يقضى عليك وإنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت ". رواه الترمذي (464) والنسائي (1745) وأبو داود (1425) وابن ماجه (1178) . والحديث: حسَّنه الترمذي وغيره. وصححه الألباني في صحيح أبي داود. 3. الدعاء بعد الرفع من الركوع عند حلول النوازل والكوارث العامة، وهو قنوت النوازل، وذلك عام في كل الصلوات المفروضة يدعو حسب الحالة والحاجة ويؤمِّن المصلي خلفه. راجع السؤال رقم (20031) 4. أثناء الركوع، كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: " سبحانك اللهمّ ربنا وبحمدك اللهمّ اغفر لي " رواه البخاري (761) ومسلم (484) من حديث عائشة. 5. في سجوده، وهو أفضل الدعاء لحديث: " أقرب ما يكون أحدكم من ربه وهو ساجد فأكثروا فيه من الدعاء " رواه مسلم (482) من حديث أبي هريرة. وهذا الموضع فيه أحاديث كثيرة لا يمكن ذكرها في هذا المكان. 6. بين السجدتين، يقول: " اللهمّ اغفر لي وارحمني واجبرني واهدني وارزقني " رواه الترمذي (284) وابن ماجه (898) من حديث ابن عباس، وهناك أدعية أخرى. وصححه الألباني في صحيح الترمذي. 7. بعد التشهد وقبل السلام، قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير فليتعوذ بالله من أربع يقول: اللهمّ إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال " رواه البخاري (1311) ومسلم (588) - واللفظ له - من حديث أبي هريرة. ثم يدعو بعد ذلك بما يشاء من خير الدنيا والآخرة. لحديث ابن مسعود " أن النبي صلى الله عليه وسلم علّمهم التشهد ثم قال في آخره ثم ليتخير من المسألة ما شاء " رواه البخاري (5876) ومسلم (402) . والأدعية التي تقال في الصلاة كثيرة، لا يمكن استيعابها في هذا الجواب، غير أن هذه إشارة إلى بعض ما ورد منها، والنصيحة للسائل – ولكل مسلم – أن يكون عنده نسخة من كتاب الأذكار للنووي رحمه الله، وهو كتاب مطوّل، فإن أراد الاختصار فعليه بكتاب " الكلم الطيّب " لشيخ الإسلام ابن تيمية وحققه الألباني. رحم الله الجميع. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 7886 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 966 هل دعاء الوتر واجب وماذا يقول إذا لم يحفظه [السُّؤَالُ] ـ[أجد صعوبة في حفظ الأدعية عن ظهر قلب مثل دعاء القنوت في الوتر. فكنت أقرأ سورة مكانه ولما عرفت أنه فرض حاولت حفظه وجعلت في أثناء الصلاة أقرأه من كتاب أتناوله من على طاولة بجانبي وأنا ما أزال متجهاً إلى القبلة فهل هذا جائز؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله 1. لا بأس أن تقرأ دعاء القنوت من ورقة أو كتيب في صلاة الوتر حتى تتمكن من حفظه ثم تترك القراءة بعد ذلك وتدعو من حفظك كما أنه يجوز قراءة القرآن مِن المصحف في صلاة النافلة لمن لا يحفظ الكثير من القرءان. سئل الشيخ ابن باز رحمه الله ما حكم قراءة القرءان من المصحف في صلاة التراويح؟ وما الدليل على ذلك من الكتاب والسنة؟ فأجاب: لا حرج في القراءة من المصحف في قيام رمضان لما في ذلك من إسماع المؤمنين جميع القرآن؛ ولأن الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة قد دلت على شرعية قراءة القرءان في الصلاة، وهي تعم قراءته من المصحف وعن ظهر قلب وقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها أمرت مولاها ذكوان أن يؤمها في قيام رمضان وكان يقرأ من المصحف ذكره البخاري رحمه الله في صحيحه معلِّقا مجزوما به. " فتاوى إسلامية " (2 / 155) . 2- لا يجب في دعاء القنوت أن يكون باللفظ الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل يجوز للمصلي أن يدعو بغيره أو يزيد عليه، بل لو قرأ آيات من القرآن الكريم وهي مشتملة على الدعاء حصل المقصود، قال النووي رحمه الله: واعلم أن القنوت لا يتعين فيه دعاء على المذهب المختار، فأي دعاء دعا به حصل القنوت ولو قنت بآية، أو آيات من القرآن العزيز وهي مشتملة على الدعاء حصل القنوت، ولكن الأفضل ما جاءت به السنة.. الأذكار النووية ص 50 3- وأما ما ذكره الأخ السائل من أنه كان يقرأ بدلاً من دعاء القنوت قرءاناً فلا شك أن هذا لا ينبغي فعله، لأن المقصود من القنوت هو الدعاء، ولذلك لو كانت هذه الآيات مشتملة على الدعاء جاز قراءتها والقنوت بها كقوله تعالى: (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذا هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) آل عمران / 8 4- وأما ما ذكره الأخ السائل من فرضية القنوت: فليس بصحيح إذ القنوت سنة، وعلى هذا لو تركه المصلي فصلاته صحيحة. سئل الشيخ ابن باز رحمه الله ما حكم قراءة دعاء القنوت في الوتر في ليالي رمضان وهل يجوز تركه؟ . فأجاب: القنوت سنة في الوتر وإذا تركه في بعض الأحيان: فلا بأس. وسئل: عمن يستمر على القنوت في الوتر كل ليلة فهل أثر هذا عن سلفنا؟. فأجاب: لا حرج في ذلك بل هو سنة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما علم الحسين بن علي رضي الله عنهما القنوت في الوتر لم يأمر بتركه بعض الأحيان ولا بالمداومة عليه فدل ذلك على جواز الأمرين، ولذا ثبت عن أبي ابن كعب رضي الله عنه حين كان يصلي بالصحابة رضي الله عنهم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يترك القنوت بعض الليالي ولعل ذلك ليعلم الناس أنه ليس بواجب. والله ولي التوفيق. " فتاوى إسلامية " (2 / 159) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 9061 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 967 بعض الأدعية الواردة في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك أسلوب للدعاء أثناء الصلاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لعل السائل يعني بذلك السؤال عن الدعاء في الصلاة. فلتعلم يا أخي أن خير الهدي هدي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأفضل الدعاء ما كان موافقاً لسنة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وينبغي للمسلم أن يحافظ على اللفظ النبوي من غير زيادة ولا نقصان ولا تبديل. فعن البراء بن عازب قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا أتيتَ مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن ثم قل: " اللهم أسلمت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك، لاملجأ ولا منجا منك إلا إليك، اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت، ونبيك الذي أرسلت ". فإن مت من ليلتك فأنت على الفطرة، واجعلهن آخر ما تتكلم به ". قال: فرددتها على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما بلغْتُ " اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت " قلت: ورسولك، قال: "لا، ونبيك الذي أرسلت ". رواه البخاري (224) ومسلم (2710) . قال في تحفة الأحوذي: " ذَكَرُوا فِي إِنْكَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَدِّهِ اللَّفْظَ أَوْجُهًا. . . قَالَ الْحَافِظُ: وَأَوْلَى مَا قِيلَ فِي الْحِكْمَةِ فِي رَدِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَنْ قَالَ الرَّسُولُ بَدَلَ النَّبِيِّ أَنَّ أَلْفَاظَ الأَذْكَارِ تَوْقيفية وَلَهَا خَصَائِصُ وَأَسْرَارٌ لا يَدْخُلُهَا الْقِيَاسُ فَتَجِبُ الْمُحَافَظَةُ عَلَى اللَّفْظِ الَّذِي وَرَدَتْ بِهِ. وَهَذَا اِخْتِيَارُ الْمَازَرِيِّ قَالَ فَيُقْتَصَرُ فِيهِ عَلَى اللَّفْظِ الْوَارِدِ بِحُرُوفِهِ وَقَدْ يَتَعَلَّقُ الْجَزَاءُ بِتِلْكَ الْحُرُوفِ وَلَعَلَّهُ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ فَيَتَعَيَّنُ أَدَاؤُهَا بِحُرُوفِهَا: اهـ. وهذه جملة من الأدعية الثابتة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التي كان يدعو بها في صلاته: 1. بعد تكبيرة الإحرام وقبل البدء بالفاتحة ويسمى دعاء الاستفتاح: عن أبي هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة سكت هنيهة فقلت بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما تقول في سكوتك بين التكبير والقراءة؟ قال: أقول: " اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد ". رواه البخاري (711) ومسلم (598) . 2. دعاء القنوت في الوتر: عن الحسن بن علي قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر "اللهمّ اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وقني شرما قضيت فإنك تقضي ولا يقضى عليك وإنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت ". رواه الترمذي (464) والنسائي (1745) وأبو داود (1425) وابن ماجه (1178) . والحديث: حسَّنه الترمذي وغيره. وصححه الألباني في إرواء الغليل (429) . 3. أثناء الركوع والسجود، كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: " سبحانك اللهمّ ربنا وبحمدك اللهمّ اغفر لي " رواه البخاري (761) ومسلم (484) من حديث عائشة. والدعاء في السجود هو أفضل الدعاء لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أقرب ما يكون أحدكم من ربه وهو ساجد فأكثروا فيه من الدعاء) . رواه مسلم (482) . 4. بين السجدتين، يقول: " اللهمّ اغفر لي وارحمني واجبرني واهدني وارزقني " رواه الترمذي (284) وابن ماجه (898) . وصححه الألباني في صحيح الترمذي. 5. بعد التشهد وقبل السلام: عن أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير فليتعوذ بالله من أربع يقول: اللهمّ إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال) رواه البخاري (1311) ومسلم (588) - واللفظ له - روى البخاري (834) ومسلم (2705) عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي. قَالَ: قُلْ: (اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي إِنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) . وقد روى مسلم (771) حديثاً جمع فيه بعض الأدعية التي كان يدعو بها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صلاته عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ قَالَ: وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ. إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ. اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ، أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا إِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ، وَاهْدِنِي لأَحْسَنِ الأَخْلاقِ لا يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إِلا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلا أَنْتَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ، أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ. وَإِذَا رَكَعَ قَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعَظْمِي وَعَصَبِي. وَإِذَا رَفَعَ قَالَ: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الأَرْضِ وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ. وَإِذَا سَجَدَ قَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ. ثُمَّ يَكُونُ مِنْ آخِرِ مَا يَقُولُ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ وَمَا أَسْرَفْتُ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 7646 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 968 أين يضع المصلي يديه بعد الرفع من الركوع [السُّؤَالُ] ـ[أود أن أعرف الجواب المفصل في مسألة وضع اليدين بعد الرفع من الركوع فقد سمعت رأيين مختلفين في هذه المسألة وأود أن أعرف أصح هذين القولين؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه المسألة من المسائل التي اختلف فيها أهل العلم رحمهم الله فمنهم من رأى أن وضع اليد اليمنى على ذراع اليسرى في القيام بعد الركوع سنة مستحبة لعموم حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أنه قال: " كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة " وقالوا: إن من نظر في عموم قوله " في الصلاة " يتبين له أن القيام بعد الركوع يشرع فيه الوضع لأن القيام يشمل ما قبل الركوع وما بعده فيضع المصلي يده اليمنى على اليسرى في القيامين جميعا. وقالوا إن اليدين في الصلاة حال الركوع تكونان على الركبتين وفي حال السجود على الأرض وفي حال الجلوس على الفخذين وفي حال القيام على الصّدر وهذا موضعهما في القيام قبل الركوع أو بعده، وأنّ حال الذلّ والأدب بين يدي الربّ ينبغي أن يكون في القيامين وأنّه أبعد عن العبث، ومن أهل العلم من رأى عدم مشروعية وضع اليمنى على اليسرى بعد القيام من الركوع واحتجوا بعدم ورود نص خاص في هذا الموضع وأن عموم القيام لا يشمله لأنه اعتدال وليس بقيام وعليه فإن المصلي يرسل يديه. وقال بعضهم إن المصلي مخير بين الوضع وعدمه لأنه لم يرد في السنة ما هو صريح في هذا، وهذا الذي قال به الإمام أحمد رحمه الله. والقول الأول هو الرّاجح إن شاء الله، وعلى كل حال فإنّ الصلاة تصح بكلا الفعلين، ولا ينبغي أن يفضي الخلاف في هذه المسألة إلى التنازع والاختلاف المذموم شرعاً أو الحكم بالبدعة لمن فعل أو بترك السنة لمن ترك فإن ذلك لا يكون إلا فيما كانت فيه النصوص صحيحة صريحة الدلالة. ينظر في المسألة: الفروع لابن مفلح 1/433 الإنصاف للمرداوي 2/63 شرح منتهى الإرادات 1/185 الشرح الممتع لابن عثيمين 3/146، وقد صنف الشيخ المحدث بديع الدين السندي رسالة خاصة في هذه المسألة أيد فيها قول من ذهب إلى سنية وضع اليمنى على اليسرى بعد الرفع من الركوع وسماها: " زيادة الخشوع بوضع اليمنى على اليسرى بعد الركوع ". وللعلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رسالة في الموضوع أيضا نصر فيها القول بوضع اليدين على الصّدر بعد الرفع من الركوع. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2427 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 969 السنة في كيفية القعود في صلاة الجالس [السُّؤَالُ] ـ[ما هي السنة في كيفية القعود في صلاة الجالس؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصحيح في هذه المسألة جواز التربع والافتراش لأنه لم يثبت في ذلك شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد وصفت عائشة رضي الله عنها كيفية صلاته جالساً ولم تذكر كيفية قعوده فدل ذلك على السعة في الأمر. وقد قال الإمام الشافعي رحمه الله (يجوز على أيّ صفة شاء المصلي. وقال الإمام ابن المنذر في الأوسط (4 / 376) ليس في صفة جلوس المصلي قاعداً سنة تتبع وإذا كان كذلك كان للمريض أن يصلي فيكون جلوسه كما سهل ذلك عليه، إن شاء صلى متربعاً وإن شاء محتبياً وإن شاء جلس كجلوسه بين السجدتين كل ذلك قد روي عن المتقدمين..) . وقد قالت طائفة من أهل العلم التربع أفضل وهذا مروي عن ابن عمر وأنس بن مالك وهو مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد. والحجة لهم ما رواه النسائي (3 / 376) وغيره من طريق أبي داود الحفري عن حفص عن حميد عن عبد الله بن شقيق عن عائشة قالت: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يُصلي متربعاً. وهذا الحديث لا يصح وقد جاء من غير وجه ليس في شيء من ذلك ذكر التربع قال النسائي رحمه الله لا أعلمُ أحداً روى هذا الحديث غيرَ أبي داود وهو ثقة ولا أحسب هذا الحديث إلا خطأ. وقال الإمام ابن المنذر في الأوسط (4 / 376) حديث حفص بن غياث قد تكلم في إسناده روى هذا الحديث جماعة عن عبد الله بن شقيق ليس فيه ذكر التربع ولا أحسب هذا الحديث يثبت مرفوعاً..) . وجاء عن عبد الله بن مسعود أنه كره الصلاة متربعاً رواه ابن أبي شيبة وابن المنذر. وعن أحمد رواية. أنه إن أطال القراءَة تربع وإلا افترش. والصحيح القول الأول وهو التخيير بين التربع والافتراش والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ: سليمان بن ناصر العلوان الحديث: 20016 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 970 أين توضع اليدين بعد الرفع من الركوع [السُّؤَالُ] ـ[ما هو موضع اليدين بعد الرفع من الركوع؟ شاهدت بعض الناس يضعونهم على الصدر والبعض يسدل يديه.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصحيح في كيفية وضع اليدين بعد الرفع من الركوع هو وضع اليمنى على ذراع اليسرى، ولا تسدل اليدان. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: الذي يظهر أنّ السنة هو وضع اليمنى على ذراع اليسرى لعموم حديث سهل بن سعد الثابت في البخاري " كان الناس يُؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة " فإنك إذا نظرت لعموم هذا الحديث " في الصلاة " ولم يقل في " القيام " تبيَّن لك أن القيام بعد الركوع يُشرع فيه الوضع؛ لأنَّه في الصلاة تكون اليدان حال الركوع على الركبتين، وفي حال السجود: على الأرض، وفي حال الجلوس: على الفخذين، وفي حال القيام – ويشمل ما قبل الركوع وما بعد الركوع -: يضع الإنسان يده اليمنى على ذراعه اليسرى. هذا هو الصحيح. " الشرح الممتع " (3 / 146) . والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 21358 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 971 لا ينبغي للمصلي أن يجعل الحذاء أمامه سترة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمصلي أن يجعل حذاءه أمامه سترة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " السترة للمصلي جائزة بكل شيء حتى لو كان سهماً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ لِصَلاتِهِ وَلَوْ بِسَهْمٍ) رواه أحمد (14916) صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2783) ، بل قال العلماء: إنه يمكن أن يستتر بالخيط وبطرف السجادة، بل جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام أن من لم يجد عصاً فليخط خطاً، كما في حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ شَيْئًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا فَلْيَنْصِبْ عَصًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عَصًا فَلْيَخُطَّ خَطًّا وَلا يَضُرُّهُ مَا مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ) . رواه الإمام أحمد، وقال ابن حجر في "بلوغ المرام ": ولم يصب من زعم أنه مضطرب، بل هو حسن اهـ. وكل هذا يدل على أن السترة لا يشترط أن تكون كبيرة، وإنما يكتفي فيها بما يدل على التستر. فالنعال لا شك أنها ذات جسم وكبيرة، إلا أني أرى أنه لا ينبغي أن يجعلها سترة له؛ لأن النعال في العرف مستقذرة، ولا ينبغي أن تكون بين يديك وأنت واقف بين يدي الله عز وجل، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم المصلي أن يتنخع بين يديه يعني يتفل النخامة بين يديه، وقال عليه الصلاة والسلام معللاً ذلك: (فإن الله تعالى قبل وجهه) رواه البخاري (406) اهـ. "فتاوى ابن عثيمين" (13/326) . وانظر إجابة السؤال رقم (40865) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 21662 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 972 من أين يبدأ الصف [السُّؤَالُ] ـ[الصف في الصلاة من أين يبدأ؟ هل يبدأ من خلف الإمام أم من أقصى اليمين؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يبدأ الصف الأول في الصلاة من خلف الإمام ممتداً إلى اليمين وإلى الشمال لا من أقصى اليمين كما في السؤال وهكذا الصف الثاني فما بعده. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة في فتاوى إسلامية 1-223 الحديث: 21879 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 973 لا يستطيع السجود على الأرض إذا صلى مع الجماعة [السُّؤَالُ] ـ[أصبت بمرض في ركبتي، فلا أستطيع أن أثنيها إلا بصعوبة، فإذا صليت مع الجماعة لم أتمكن من السجود على الأرض نظراً لضيق الصف، وحاجتي إلى حركة كثيرة، وسأضطر للسجود في الهواء، وإذا صليت منفردا في بيتي تمكنت من السجود على الأرض بكامل الأعضاء السبعة، فهل أصلي مع الجماعة في المسجد أم منفردا في البيت؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تصلي في المسجد جماعة، لأن صلاة الجماعة واجبة، ثم تسجد على حسب استطاعتك، ولو بالإيماء. ولا تعتبر في هذه الحالة تاركا للسجود. أفادنا هذه الإجابة الشيخ عبد الرحمن البراك بمعناها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 21967 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 974 السجود الشرعي [السُّؤَالُ] ـ[لقد رأينا بعض المصلين - هدانا الله وإياهم - إذا سجدوا رفعوا جباههم عن الأرض حتى تلامس الأرض أو قد لا تلامسها، وإذا نصحوا عللوا ذلك بعلل واهية (كإفساد الشماغ وغير ذلك) فما صحة صلاتهم؟ وما نصيحتكم لهم؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب عليهم في السجود أن يمكنوا جباههم من الأرض لقول أنس بن مالك رضي الله عنه " كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم في شدة الحر فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فيسجد عليه "، فأما مجرد ملامسة الجبهة مكان السجود فإنه لا يكفي، وعلى هذا لا يصح سجودهم ثم لا تصح صلاتهم لأن السجود ركن من أركان الصلاة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله مجلة الدعوة العدد 1752 ص 37 الحديث: 11040 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 975 هل الأفضل أن نقول في الصلاة سيدنا محمد؟ [السُّؤَالُ] ـ[أيهما أفضل أن نقول في التشهد في الصلاة: أشهد أن سيدنا محمداً رسول الله، واللهم صل على سيدنا محمد؟ أم نقول محمد فقط بدون سيدنا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا شك أن وصف النبي صلى الله عليه وسلم بالسيادة وصف صحيح، فهو صلى الله عليه وسلم سيدنا، بل سيد البشر أجمعين، روى مسلم (2278) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) . وروى الترمذي (3615) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ، وَبِيَدِي لِوَاءُ الْحَمْدِ وَلَا فَخْرَ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ يَوْمَئِذٍ آدَمُ فَمَنْ سِوَاهُ إِلَّا تَحْتَ لِوَائِي، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ وَلَا فَخْرَ) صححه الألباني في صحيح الترمذي. ثانياً: يجب أن يُعلم أن العبادات مبناها على الاتباع، فلا يزاد في العبادة شيء على ما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا من علامات محبة العبد لله عز وجل، قال الله تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) آل عمران /31. والاتباع أن تفعل كما فعل، وتقول كما قال، وتترك ما ترك، فلا تزيد عليه، ولا تنقص من فعله. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) رواه البخاري (2697) ومسلم (1718) . والوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد في الصلاة: (وأشهد أن محمدا عبده ورسوله) والوارد عنه في الصلاة عليه: (اللهم صل على محمد ... اللهم بارك على محمد) ولم يرد عنه قط أنه علَّمنا أن نقول (سيدنا) ، فلا يزاد على ما أمرنا به النبي صلى الله عليه وسلم، وعملنا إياه. فهذا هو الأفضل بلا شك، وكيف يكون الأفضل هو ما خالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم؟ وهو صلى الله عليه وسلم كان يقول في كل خطبة جمعة، ويعلنها على المنبر: (أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرُ الْهدي هديُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم) رواه مسلم (867) . وقد سئل الحافظ ابن حجر رحمه الله: هل الأفضل أن يقال في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (سيدنا) لأنه وصف له، أم عدم ذلك لعدم وروده في الآثار؟ فأجاب: " اتّباع الألفاظ المأثورة أرجح، ولا يُقال: لعلّه ترك ذلك تواضعاً منه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمّتُه مندوبةٌ إلى أن تقول ذلك كلما ذكر، لأنا نقول: لو كان ذلك راجحاً لجاء عن الصّحابة ثم عن التابعين، ولم نقف في شيء من الآثار عن أحد من الصحابة ولا التابعين، أنه قال ذلك مع كثرة ما ورد عنهم من ذلك. . . ثم ذكر آثارا عن بعض الصحابة والتابعين والإمام الشافعي وليس فيها لفظ (سيدنا) . . . ثم قال: والمسألة مشهورة في كتب الفقه، والغرض منها أن كل من ذكر هذه المسألة من الفقهاء قاطبة لم يقع في كلام أحد منهم (سيدنا) ، ولو كانت هذه الزيادة مندوبة ما خفيت عليهم كلهم حتى أغفلوها، والخير كله في الاتباع، والله أعلم " انتهى باختصار. نقله عنه الألباني في كتابه "صفة الصلاة" (ص 153-155) . وسئل علماء اللجنة الدائمة: هل يجوز أن نقول أثناء كلامنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيدنا محمد في غير المأثور عنه كالصلاة الإبراهيمية أو غير ذلك؟ فأجابوا: " الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في التشهد لم يرد فيها - فيما نعلم - كلمة سيدنا أي: (اللهم صل على سيدنا محمد..إلخ) وهكذا صفة الأذان والإقامة، فلا يقال فيها سيدنا، لعدم ورود ذلك في الأحاديث الصحيحة التي علَّم فيها النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه كيفية الصلاة عليه، وكيفية الأذان والإقامة، ولأن العبادات توقيفية فلا يزاد فيها ما لم يشرعه الله سبحانه وتعالى، أما الإتيان بها في غير ذلك فلا بأس، لقوله صلى الله عليه وسلم: (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر) " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (7/65) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 85116 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 976 هل يعيد المسبوق سجود السهو الذي سجده مع الإمام؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل على المسبوق إذا أخطأ إمامه وسجد للسهو بعد السلام، أو قبله أن يسجد للسهو بعد أن يكمل صلاته؟ وهل يتصور أن يسجد للسهو مرتين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا سها الإمام وسجد للسهو قبل السلام فإن على المسبوق أن يتابعه لأنه مرتبط بإمامه حتى يسلم، فإذا قضى ما فاته لزمه السجود أيضاً، لأن سجوده مع إمامه في غير محله، فإن سجود السهو لا يكون في أثناء الصلاة، وإنما كان سجوده مع إمامه تبعاً لإمامه فقط. ولكن إذا كان سهو الإمام قبل أن يدخل معه المسبوق فإنه لا يعيد السجود مرة ثانية، لأنه لم يلحقه حكم سهو إمامه فإنه كان قبل أن يدخل معه. أما إذا كان سجود الإمام بعد السلام فإن المسبوق لا يسجد معه، لأن متابعة الإمام في هذه الحال متعذرة إلا بالسلام معه، وهذا غير ممكن، لأن المسبوق لا يسلم إلا بعد انتهاء الصلاة. ولكن إذا كان سهو الإمام قبل أن يدخل معه فإنه لا سجود عليه، لأنه لم يلحقه حكم سهو إمامه، وإن كان سهوه بعد أن دخل معه سجد إذا سلم. هذا ما تقضيه الأدلة بعضها سمعية، مثل وجوب سجود المأموم تبعاً لإمامه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الإمام ليؤتم به) متفق عليه. وبعضها بالنظر الصحيح كما في تعليل الأحكام المذكورة، وانظر: "الشرح الكبير على المقنع"، و "المجموع شرح المهذب". انتهى. [الْمَصْدَرُ] "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (14/24) . الحديث: 85161 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 977 الفرق بين الركن والواجب في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[ما الفرق بين الركن والواجب في الصلاة]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الفرق بين الركن والواجب في الصلاة: أن الركن لا يسقط عمدا ولا سهوا ولا جهلاً، بل لابد من الإتيان به. أما الواجب: فيسقط بالجهل والنسيان، ويجبر بسجود السهو. وأركان الصلاة أربعة عشر ركنا، وواجباتها ثمان، وقد سبق بيانها في جواب السؤال رقم (65847) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 85229 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 978 دخل المسجد والإمام قائم [السُّؤَالُ] ـ[إذا دخلت المسجد والإمام قائم في القراءة، فهل أقول دعاء الاستفتاح أم أقرأ الفاتحة مباشرة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من دخل والإمام يقرأ الفاتحة فإنه يكبر تكبيرة الإحرام , ثم يسكت حتى يفرغ الإمام من قراءة الفاتحة؛ لأن المأموم مأمور بالاستماع والإنصات لقراءة إمامه , واستفتاحه وتعوذه يشغله عن الاستماع والإنصات المأمور به , وليس له أن ينشغل عما أُمر به بشيء. انظر: "مجموع الفتاوى" (23/280) . وهذا القول ـ أعني أنه لا يستفتح ولا يتعوذ حال جهر إمامه ـ هو أصح الأقوال في هذه المسألة ـ إن شاء الله ـ وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في "مجموع الفتاوى" (22/341) , (23/281) ؛ وذلك لقوة مأخذه؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ , فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا , وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا) رواه مسلم (404) والنسائي (921) . فإذا فرغ الإمام من الفاتحة أتى المأموم بدعاء الاستفتاح , ثم استعاذ وقرأ البسملة والفاتحة , وإذا لم يمكنه من أن يستفتح ويستعيذ ويقرأ قبل أن يبدأ الإمام بقراءة السورة فإنه لا يستفتح؛ لأن دعاء الاستفتاح سنة؛ بل يستعيذ ويقرأ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في القراءة خلف الإمام: (لا تَفْعَلُوا إِلا بِأُمِّ الْقُرْآنِ , فَإِنَّهُ لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا) رواه الترمذي (311) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. وهذا على القول بوجوب قراءة الفاتحة على المأموم في الصلاة الجهرية , والراجح وجوبها عليه؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ) رواه البخاري (756) . وهذا نفي للصحة. انظر السؤال (10995) . أما إذا دخل المسجد والإمام في الصلاة السرية فإنه يكبر تكبيرة الإحرام , ويستفتح , ويستعيذ , ثم يقرأ إذا ظن أنه يتم الفاتحة قبل أن يركع إمامه، إذا كان هناك قرينة , حيازة لفضيلة الاستفتاح والفاتحة , وإلا اشتغل بالفاتحة بعد تكبيرة الإحرام ولا يستفتح؛ لأن الاهتمام بالفرض أولى. انظر: "مغني المحتاج" (1/257) , "تلبيس إبليس" (ص 161) . وإذا ركع الإمام ترك المأموم بقية الفاتحة وركع معه؛ لأنه لم يدرك غير ما قرأه , ويكون مدركاً للركعة، كما لو أدركه في الركوع , فإن الفاتحة تسقط عنه , ولا يتخلف عن إمامه لإتمام الفاتحة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا) رواه البخاري (378) ومسلم (414) . قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " قراءة الاستفتاح سنة وقراءة الفاتحة فرض على المأموم على الصحيح من أقوال أهل العلم، فإذا خشيت أن تفوت الفاتحة فابدأ بها ومتى ركع الإمام قبل أن تكملها فاركع معه ويسقط عنك باقيها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا) متفق عليه " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (11/243-244) . والله أعلم. انظر: " أحكام حضور المساجد" (ص139-141) للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69821 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 979 إذا سلم الإمام ولم يكمل المأموم التشهد فماذا يعمل؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا كنت في التشهد وأنا لم أكمل وسلم الإمام هل على أن أسكت؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله التشهد الأخير ركن من أركان الصلاة، لا بد من الإتيان به كاملا؛ لقول ابن مسعود رضي الله عنه: (كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد السلام على الله قبل خلقه، السلام على جبرائيل وميكائيل، فعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد) رواه النسائي (1277) والدارقطني والبيهقي وصححه الحافظ ابن حجر في "الفتح" (2/312) ، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (319) . فقوله: "قبل أن يفرض علينا التشهد " صريح في أن التشهد فرض. انظر: "الشرح الممتع" (3/422) . ولهذا إذا سلم الإمام قبل أن يكمل المأموم تشهده، فإنه لا يتابعه، بل يتم تشهده أولا. قال في "كشاف القناع" (1/565) : " فلو سبق الإمامُ المأمومَ بالقراءة وركع الإمام: تبعه المأموم، وقطع القراءة لأنها في حقه مستحبة، والمتابعة واجبة، ولا تعارض بين واجب ومستحب، بخلاف التشهد إذا سبق به الإمامُ المأمومَ فلا يتابعه المأموم بل يتمه إذا سلم إمامه، ثم يسلم؛ لعموم الأمر بالتشهد " انتهى بتصرف. وأما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فقد سبق في جواب السؤال (39676) بيان اختلاف العلماء في حكمها، فمنهم من قال: إنها ركن، لا تصح الصلاة إلا بها. ومنهم من قال: إنها واجبة. ومنهم من قال: إنها سنة مستحبة. وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم من فرغ من التشهد الأخير بالاستعاذة من أربع، فقال: (إِذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنْ التَّشَهُّدِ الْآخِرِ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ: مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ) رواه مسلم (588) . وقد ذهب بعض العلماء إلى وجوب هذا الدعاء. وعلى هذا فالأحوط للمأموم ألا يسلم من الصلاة حتى يتم التشهد ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويستعيذ بالله من هذه الأربع. وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: في إحدى الصلوات سلم الإمام ولم أكمل إلا جزءاً يسيراً من التحيات، فهل أعيد صلاتي؟ فأجاب: " عليك أن تكمل التشهد ولو تأخرت بعض الشيء عن إمامك لأن التشهد الأخير ركن في أصح قولي العلماء، وفيه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. فالواجب أن تكمله ولو بعد سلام الإمام، ومنه التعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتعوذ من هذه الأربع في التشهد الأخير، ولأن بعض أهل العلم قد رأى وجوب ذلك، والله أعلم " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (11/248) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69848 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 980 السجود على الطاقية والعمامة ومع لبس القفازين [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز السجود بالطاقية إذا كانت على موضع السجود في الجبهة؟ وهل يجوز الصلاة بالقفازات؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اتفق العلماء على أن الأفضل للمصلي أن يباشر الأرض بجبهته ويديه عند السجود إلا من عذر. وقد اختلفوا في وجوب ذلك، فذهب الإمام الشافعي إلى وجوبه، وذهب جمهور العلماء إلى أنه مستحب فقط وليس واجباً. قال النووي رحمه الله مبينا مذاهب الفقهاء في ذلك: " فرع في مذاهب العلماء في السجود على كمه وذيله ويده وكور عمامته وغير ذلك مما هو متصل به، قد ذكرنا أن مذهبنا: أنه لا يصح سجوده على شيء من ذلك، وبه قال داود وأحمد في رواية. وقال مالك وأبو حنيفة والأوزاعي وإسحاق وأحمد في الرواية الأخرى: يصح، قال صاحب التهذيب: وبه قال أكثر العلماء. واحتج لهم بحديث أنس رضي الله عنه قال: (كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شدة الحر، فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض يبسط ثوبه فيسجد عليه) رواه البخاري ومسلم، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم مطير وهو يتقي الطين إذا سجد بكساء عليه يجعله دون يديه) رواه ابن حنبل في مسنده. وعن الحسن قال: " كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجدون وأيديهم في ثيابهم ويسجد الرجل على عمامته " رواه البيهقي ". وقال: " العلماء مجمعون على أن المختار مباشرة الجبهة للأرض " انتهى من "المجموع" (3/397- 400) . وقال ابن قدامة رحمه الله: " ولا تجب مباشرة المصلي بشيء من هذه الأعضاء. قال القاضي: إذا سجد على كور العمامة أو كمه أو ذيله، فالصلاة صحيحة رواية واحدة. وهذا مذهب مالك وأبي حنيفة. وممن رخص في السجود على الثوب في الحر والبرد: عطاء وطاوس والنخعي والشعبي والأوزاعي ومالك وإسحاق وأصحاب الرأي. ورخص في السجود على كور العمامة: الحسن ومكحول وعبد الرحمن بن يزيد. وسجد شريح على برنسه " انتهى من "المغني" (1/305) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا سجد المصلي وجعل عمامته وقاية بينه وبين الأرض فما حكم صلاته؟ فأجاب: " صلاة ذلك المصلي صحيحة، ولكن لا ينبغي أن يتخذ العمامة وقاية بينه وبين الأرض إلا من حاجة، مثل: أن تكون الأرض صلبة جدا، أو فيه حجارة تؤذيه، أو شوك ففي هذه الحال لا بأس أن يتقي الأرض بما هو متصل به من عمامة، أو ثوب لقول أنس بن مالك رضي الله عنه: (كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم في شدة الحر فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه) . فهذا دليل على أن الأولى أن تباشر الجبهة مكان السجود، وأنه لا بأس أن يتقي الإنسان الأرض بشيء متصل به من ثوب، أو عمامة إذا كان محتاجا لذلك لحرارة الأرض، أو لبرودتها، أو لشدتها، إلا أنه يجب أن يلاحظ أنه لابد أن يضع أنفه على الأرض في هذه الحال، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة وأشار بيده إلى أنفه، والكفين، والركبتين، وأطراف القدمين) " انتهى. "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (13/ سؤال رقم 519) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69855 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 981 متى يجوز للإنسان أن يصلي قاعدا في الفريضة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يشترط لرخصة الجلوس أثناء الصلاة عدم القدرة التامة على القيام أو العجز التام عن القيام؟ أم يجوز أيضا الرخصة لصاحب المقدرة على القيام لكن مع احتمالية أن يتبعها أذى؟ وما هو حدود العجز المرخص معه الجلوس أثناء الصلاة وعدم القيام دون أن يترتب على ذلك ذنب أو إثم أو عقاب؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: القيام في صلاة الفرض ركن لابد منه، ولا يجوز لأحد أن يصلي قاعدا إلا عند عجزه عن القيام، أو في حال كون القيام يشق عليه مشقة شديدة، أو كان به مرض يخاف زيادته لو صلى قائما. فيدخل فيما ذكرنا: المُقْعَد الذي لا يستطيع القيام مطلقا، وكبير السن الذي يشق عليه القيام، والمريض الذي يضره القيام بزيادة المرض أو تأخر الشفاء. والأصل في ذلك ما رواه البخاري (1050) عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلَاةِ، فَقَالَ: (صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ) . قال ابن قدامة رحمه الله: " قال: (والمريض إذا كان القيام يزيد في مرضه صلى قاعدا) أجمع أهل العلم على أن من لا يطيق القيام له أن يصلي جالسا. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين: (صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب) . رواه البخاري وأبو داود والنسائي وزاد: (فإن لم تستطع فمستلقيا، لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) . وروى أنس رضي الله عنه قال: سقط رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فرس فخُدِش أو جُحش شقه الأيمن فدخلنا عليه نعوده، فحضرت الصلاة فصلى قاعدا، وصلينا خلفه قعودا. متفق عليه. وإن أمكنه القيام إلا أنه يخشى زيادة مرضه به، أو تباطؤ برئه (أي شفائه) ، أو يشق عليه مشقة شديدة، فله أن يصلي قاعدا. ونحو هذا قال مالك وإسحاق. وقال ميمون بن مهران: إذا لم يستطع أن يقوم لدُنياه , فليصل جالسا. وحكي عن أحمد نحو ذلك " أي من كان يستطيع القيام لمصالحه الدنيوية، فيلزمه أن يصلي قائما ولا يجوز له القعود. ثم قال ابن قدامة رحمه الله: " ولنا قول الله تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) . وتكليف القيام في هذه الحال حرج؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى جالسا لما جُحِش (أي جُرح) شقه الأيمن، والظاهر أنه لم يكن يعجز عن القيام بالكلية، لكن لما شق عليه القيام سقط عنه، فكذلك تسقط عن غيره ... وإن قدر على القيام، بأن يتكئ على عصى، أو يستند إلى حائط، أو يعتمد على أحد جانبيه: لزمه؛ لأنه قادر على القيام من غير ضرر، فلزمه، كما لو قدر بغير هذه الأشياء " انتهى من "المغني" (1/443) . وقال النووي رحمه الله: " أجمعت الأمة على أن من عجز عن القيام في الفريضة صلاها قاعدا ولا إعادة عليه , قال أصحابنا: ولا ينقص ثوابه عن ثوابه في حال القيام , لأنه معذور , وقد ثبت في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما) . قال أصحابنا: ولا يشترط في العجز أن لا يتأتّى القيام، ولا يكفي أدنى مشقة، بل المعتبر المشقة الظاهرة، فإذا خاف مشقة شديدة أو زيادة مرض أو نحو ذلك أو خاف راكب السفينة الغرق أو دوران الرأس صلى قاعدا ولا إعادة " انتهى من "المجموع" (4/201) . وبين الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ضابط المشقة التي تبيح ترك القيام في الفرض، وصفة الجلوس، فقال: " الضابط للمشقة: ما زال به الخشوع؛ والخشوع هو: حضور القلب والطمأنينة، فإذا كان إذا قام قلق قلقا عظيما ولم يطمئن، وتجده يتمنى أن يصل إلى آخر الفاتحة ليركع من شدة تحمله، فهذا قد شق عليه القيام فيصلي قاعدا. ومثل ذلك الخائف فإنه لا يستطيع أن يصلي قائما، كما لو كان يصلي خلف جدار وحوله عدو يرقبه، فإن قام تبين من وراء الجدار، وإن جلس اختفى بالجدار عن عدوه، فهنا نقول له: صل جالسا. ويدل لهذا قوله تعالى: (فإن خفتم فرجالا أو ركبانا) البقرة/ 239، فأسقط الله عن الخائف الركوع والسجود والقعود، فكذلك القيام إذا كان خائفا. ولكن؛ كيف يجلس؟ يجلس متربعا على أليتيه، يكف ساقيه إلى فخذيه ويسمى هذا الجلوس تربعا؛ لأن الساق والفخذ في اليمنى، والساق والفخذ في اليسرى كلها ظاهرة، لأن الافتراش تختفي فيه الساق في الفخذ، وأما التربع فتظهر كل الأعضاء الأربعة. وهل التربع واجب؟ لا، التربع سنة، فلو صلى مفترشا، فلا بأس، ولو صلى محتبيا فلا بأس؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فإن لم تستطع فقاعدا) ولم يبين كيفية قعوده. فإذا قال إنسان: هل هناك دليل على أنه يصلي متربعا؟ فالجواب: نعم؛ قالت عائشة: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي متربعا) ، ولأن التربع في الغالب أكثر طمأنينة وارتياحا من الافتراش، ومن المعلوم أن القيام يحتاج إلى قراءة طويلة أطول من قول: (رب اغفر لي وارحمني) فلذلك كان التربع فيه أولى؛ ولأجل فائدة أخرى وهي التفريق بين قعود القيام والقعود الذي في محله، لأننا لو قلنا يفترش في حال القيام لم يكن هناك فرق بين الجلوس في محله وبين الجلوس البدلي الذي يكون بدل القيام. وإذا كان في حال الركوع قال بعضهم: إنه يكون مفترشا، والصحيح: أنه يكون متربعا؛ لأن الراكع قائم قد نصب ساقيه وفخذيه، وليس فيه إلا انحناء الظهر فنقول: هذا المتربع يبقى متربعا ويركع وهو متربع، وهذا هو الصحيح في هذه المسألة " انتهى من "الشرح الممتع" (4/461) . ثانيا: أما صلاة النافلة، فيجوز القعود فيها من غير عذر، إجماعا، لكن أجر القاعد حينئذ على النصف من أجر القائم؛ لما روى مسلم (1214) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه قَالَ: حُدِّثْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (صَلاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا نِصْفُ الصَّلاةِ. قَالَ: فَأَتَيْتُهُ، فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي جَالِسًا، فَوَضَعْتُ يَدِي عَلَى رَأْسِهِ، فَقَالَ: مَا لَكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو؟! قُلْتُ: حُدِّثْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَّكَ قُلْتَ: صَلاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا عَلَى نِصْفِ الصَّلاةِ، وَأَنْتَ تُصَلِّي قَاعِدًا! قَالَ: أَجَلْ، وَلَكِنِّي لَسْتُ كَأَحَدٍ مِنْكُمْ) . قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: " معناه أن صلاة القاعد فيها نصف ثواب القائم، فيتضمن صحتها ونقصان أجرها. وهذا الحديث محمول على صلاة النفل قاعدا مع القدرة على القيام، فهذا له نصف ثواب القائم. وأما إذا صلى النفل قاعدا لعجزه عن القيام فلا ينقص ثوابه بل يكون كثوابه قائما. وأما الفرض فإن صلاه قاعدا مع قدرته على القيام لم يصح فلا يكون فيه ثواب بل يأثم به. قال أصحابنا (الشافعية) : وان استحله كفر وجرت عليه أحكام المرتدين كما لو استحل الزنى والربا أو غيره من المحرمات الشائعة التحريم. وإن صلى الفرض قاعدا لعجزه عن القيام أو مضطجعا لعجزه عن القيام والقعود، فثوابه كثوابه قائما، لم ينقص باتفاق أصحابنا، فيتعين حمل الحديث في تنصيف الثواب على من صلى النفل قاعدا مع قدرته على القيام. هذا تفصيل مذهبنا وبه قال الجمهور في تفسير هذا الحديث ". وقال: " وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (لست كأحد منكم) فهو عند أصحابنا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، فجُعلت نافلته قاعدا مع القدرة على القيام كنافلته قائما تشريفا له، كما خص بأشياء معروفة في كتب أصحابنا وغيرهم، وقد استقصيتها في أول كتاب تهذيب الأسماء واللغات " انتهى من "شرح صحيح مسلم" (6/14) . والله أعلم. وانظر جواب السؤال (50180) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 67934 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 982 استشكل قضاء ركعتين لمسبوق بتشهدين [السُّؤَالُ] ـ[أنا ممن منَّ الله عليهم بالهداية في هذا الشهر الفضيل، وقد أقلعت عن العديد من العادات والطباع السيئة وبدأت الالتزام بديني الحنيف إلا أنني أواجه بعض الأمور التي أجهلها وهي من صميم الدين، فسؤالي يتعلق بالصلاة، فحسب علمي أن المصلي يقضي ما فاته من الركعات بعد تسليم الإمام، إلا أني ألاحظ أن بعض المصلين ممن فاتهم نفس عدد الركعات يقضونها بشكل مختلف كأنَّ الركعتين بتشهدين، بينما أقضيها بتشهد واحد حسب علمي، أرجو التوضيح.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نحمد الله تعالى أن هداك ووفقك لما خير دنياك وآخرتك، ونسأله تعالى أن يثيبك ويثبتك، ونعمة الهداية أعظم النعم، ولا بدَّ لك من شكرها، ومن شكرها أن تبقى على ما أنت عليه من توفيق وهداية وخير، وأن تبقى مبتعداً عن كل سوء وشر. واعلم أن العلم نور، ويمكنك أن تنظر في موقعنا هذا في بعض الأجوبة المتعلقة بالعلم لترى ما فيها من وصايا ونصائح ودلالة على كتب يمكنك الاستفادة منها. ثانياً: وما رأيتَه من بعض إخوانك المصلين من أنهم يقضون ركعتين فائتتين بتشهدين أمرٌ غير مستغرب في بعض الصور. وبيان ذلك: أن المسبوق (وهو الذي فاته بعض الصلاة مع الإمام) إذا سلم الإمام من صلاته قام المسبوق ليتم صلاته، فيكون ما أدركه مع الإمام أول صلاته، ويتم عليه الصلاة، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا أَتَيْتُمْ الصَّلاةَ فَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا) رواه البخاري (635) ومسلم (603) . فمثلاً: من فاته الركعة الأولى مع الإمام من صلاة المغرب، ودخل معه في الركعة الثانية، فإن هذه الركعة الثانية للإمام هي الأولى لهذا المسبوق، فإذا أتم الإمام الصلاة وانصرف منها، قام هذا المسبوق وأتى بالركعة الباقية من صلاته بالفاتحة فقط، وجلس للتشهد وسلم. ومن دخل مع الإمام في الركعة الثالثة من المغرب فإنها تكون الأولى له، فإذا سلم الإمام قام ليأتي بما بقي من صلاته، فيأتي بركعة بالفاتحة وسورة وتكون هذه هي الثانية من صلاته فيجلس بعدها للتشهد الأول، ثم يقوم ليأتي بالركعة الثالثة بالفاتحة فقط ثم يجلس للتشهد الأخير ويسلم. . . وهكذا. وانظر السؤال: (49037) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50658 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 983 نسي إمامهم سجدة وسلَّم فأعاد ركعة وبعضهم لم يُع د [السُّؤَالُ] ـ[في صلاة العشاء صلى بنا الإمام، ولم يكن الإمام الرسمي، وفي آخر ركعة لم يسجد السجدة الأخيرة، وسلَّم دون أن ينتبه أو يذكره أحد المصلين، وبعد دقائق جاءه أحد المصلين وذكَّره بذلك فنهض مباشرة، وقال: نعيد الركعة الأخيرة لأجل يأتي بالسجدة التي نسيها، فهل هذا صحيح؟ وإذا كان غير ذلك: فما هو الصحيح؟ وما حكم من لم يأت معهم بالسجدة الأخيرة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إذا سها الإمام في صلاته فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم المأمومين أن يذكِّروه فقال: (إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي) رواه البخاري (401) ، فكان على جماعة المسجد أن يُسَبِّحوا للإمام حتى يتنبه ويأتي بالسجدة التي نسيها. ثانياً: السجدة الأولى والثانية كلتاهما ركن من أركان الصلاة، لا تصح الصلاة إلا بهما، ومن تعمد تركهما أو ترك واحدة منهما أثم، وبطلت صلاته، ومن نسيهما أو نسي واحدة منهما: فيجب عليه إذا تذكر الإتيان بما نسيه إماماً أو مأموماً أو منفرداً، ومن لم يفعل: لم تصحَّ صلاته. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: الأركان واجبة وأوكد من الواجبات، لكن تختلف عنها في أن الأركان لا تسقط بالسَّهْوِ، والواجبات تسقط بالسَّهْوِ، ويجبرها سُجودُ السَّهْوِ، بخلاف الأركان؛ ولهذا من نسيَ رُكناً لم تصحَّ صلاته إلا به. " الشرح الممتع " (3 / 315) . وقال: والدليل على أن الأركان لا تنجبر بسجود السَّهو: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لما سَلَّم مِن ركعتين مِن صلاة الظُّهر أو العصر أتمَّها وأتى بما تَرَكَ وسَجَدَ للسَّهو، فدلَّ هذا على أنَّ الأركان لا تسقط بالسَّهو، ولا بُدَّ مِن الإِتيان بها. " الشرح الممتع " (3 / 323) . وأما ما فعله إمامكم من إعادة الركعة الأخيرة كاملة بعد تذكيره: فهو أحد القولين في المسألة وهو أن من ترك ركناً من الركعة الأخيرة ولم يعلم إلا بعد التسليم فإنه يأتي بركعة كاملة. وهو مذهب الإمام أحمد رحمه الله، وانظر المغني (1/658) . وقد اختار هذا القول الشيخ ابن باز رحمه الله، فإنه سئل عن إمام نسي السجدة الأخيرة من صلاة العصر، فقام وصلى ركعة كاملة وتشهد وسلم ثم سجد للسهو , فقال: (هذا هو المشروع، إذا نسي الإمام سجدة وسلم ثم ذكر أو نبه، يقوم ويأتي بركعة ثم يكمل ثم يسلم ثم يسجد سجود السهو بعد السلام وهو أفضل، وهكذا المنفرد حكمه حكمه. وإن سجد للسهو قبل السلام فلا بأس ولكن بعده أفضل) مجموع فتاوى ابن باز (11/277) . والقول الثاني في المسألة أنه لا يلزمه الإتيان بركعة كاملة وإنما يأتي بالركن الذي نسيه وبما بعده. وهو مذهب الإمام الشافعي رحمه الله. انظر المجموع (4/33) وقد اختاره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. وانظر شرح الممتع (3/374) . والحاصل أن صلاة الإمام، وصلاة من أكملوا معه الصلاة صحيحة. وأما من لم يتم صلاته ولم يأت بالسجدة التي تركها فصلاته غير صحيحة، والواجب عليهم إعادتها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 47627 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 984 بم تدرك الركعة؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا التحقت بالجماعة متأخراً والإمام راكع وركعت معه فهل تحتسب هذه الركعة مع أنني لم أقرأ سورة الفاتحة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من أدرك الإمام راكعا، فركع معه، حسبت له ركعة، في قول جمهور العلماء، ولو لم يقرأ الفاتحة. ويدل على ذلك ما رواه البخاري (750) عن أبي بكرة أنه: انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع فركع قبل أن يصل إلى الصف فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: " زادك الله حرصا ولا تعد ". وصح عن ابن مسعود رضي الله عنه قوله: " من لم يدرك الإمام راكعا لم يدرك تلك الركعة " أخرجه البيهقي، وصححه الألباني في إرواء الغليل 2/262 وقال ابن عمر: " من أدرك الإمام راكعا، فركع قبل أن يرفع الإمام رأسه، فقد أدرك تلك الركعة " أخرجه البيهقي وصححه الألباني في المصدر السابق 2/263 وجاء نحو ذلك عن أبي بكر الصديق وزيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير (انظر إرواء الغليل 2/264) . قال النووي رحمه الله في (المجموع 4/112) : (وهذا الذي ذكرناه من إدراك الركعة بإدراك الركوع هو الصواب الذي نص عليه الشافعي , وقاله جماهير الأصحاب وجماهير العلماء , وتظاهرت به الأحاديث وأطبق عليه الناس , وفيه وجه ضعيف مزيف أنه لا يدرك الركعة بذلك ... ) اهـ. وقال في عون المعبود (3/102) (واعلم أنه ذهب الجمهور من الأئمة إلى أن من أدرك الإمام راكعا دخل معه واعتد بتلك الركعة وإن لم يدرك شيئا من القراءة. وذهب جماعة إلى أن من أدرك الإمام راكعا لم تحسب له تلك الركعة وهو قول أبي هريرة، وحكاه البخاري في القراءة خلف الإمام عن كل من ذهب إلى وجوب القراءة خلف الإمام، واختاره ابن خزيمة والصبغي وغيرهما من محدثي الشافعية، وقواه الشيخ تقي الدين السبكي من المتأخرين ورجحه المقبلي) انتهى. والراجح هو مذهب الجمهور لما سبق من الحديث والآثار. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45494 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 985 كيف تصلى صلاة النهار الرباعية؟ [السُّؤَالُ] ـ[عن صلاة النافلة التي قبل الظهر وقبل العصر، هل تصلى بأربع ركعات وتسليمة واحدة أم كل ركعتين بتسليمة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذهب جمهور العلماء إلى أن الأفضل في نافلة الليل والنهار أن تصلى ركعتين ركعتين، بل ذهب بعض العلماء كالإمام أحمد إلى وجوب ذلك، وأنها لا تصح إذا صلاها أكثر من ركعتين بتسليم واحد، إلا الوتر لورود السنة الصحيحة بذلك. وقد استدلوا على هذا بحديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " صلاة الليل والنهار مثنى مثنى ". رواه الترمذي (597) وأبو داود (1295) والنسائي (1666) وابن ماجه (1322) . والحديث صححه الشيخ الألباني في " تمام المنَّة " (ص 240) . ومعنى (مثنى مثنى) أي: ركعتين ركعتين. كذا فسره ابن عمر رضي الله عنهما ففي صحيح مسلم عن عقبة بن حريث قال: قلت لابن عمر: ما معني مثنى مثنى؟ قال: تسلم من كل ركعتين. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين: قوله: " مثنى مثنى " يعني: اثنتين اثنتين فلا يُصلِّي أربعاً جميعاً، وإنما يُصلِّي اثنتين اثنتين، لما ثبت في " صحيح البخاري ومسلم " مِن حديث ابن عُمرَ أنَّ رَجُلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما ترى في صلاةِ اللَّيلِ؟ قال: " مَثْنى مَثْنى، فإذا خَشِيَ أحدُكم الصّبحَ صَلَّى واحدةً فأوترت له ما قد صَلَّى ". وأما " النَّهار ": فقد رواه أهل السُّنَن، واختلف العلماءُ في تصحيحه: والصَّحيح: أنَّه ثابتٌ كما صَحَّح ذلك البخاريُّ، وعلى هذا: فتكون صلاةُ الليلِ وصلاةُ النَّهارِ كلتاهما مَثْنى مَثْنى يُسَلِّمُ مِن كُلِّ اثنتين، ويُبْنَى على هذه القاعدة كُلُّ حديثٍ وَرَدَ بلفظ الأربع مِن غير أن يُصرِّحَ فيه بنفي التَّسليم، أي: أنَّه إذا جاءك حديثٌ فيه أربع؛ ولم يُصرِّحْ بنفي التَّسليم: فإنه يجب أنْ يُحملَ على أنَّه يُسَلِّمُ مِن كُلِّ رَكعتين، لأنَّ هذه هي القاعدة، والقاعدةُ تُحْمَلُ الجزئيات عليها، فقول عائشة لما سُئلت عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان: " ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة، يُصَلِّي أربعاً، فلا تسأل عن حُسنِهِنَّ وطُولِهِنَّ "، ظاهره: أنَّ الأربع بسلام واحد، ولكن يُحمل هذا الظَّاهر على القاعدة العامَّة، وهي أنَّ صلاة الليل مَثْنى مَثْنى، كما ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويُقال: إنها ذكرتْ أربعاً وحدها، ثم أربعاً وحدها؛ لأنَّه صَلَّى أربعاً ثم استراح، بدليل " ثم " التي للترتيب والمهلة. " الشرح الممتع " (4 / 76، 77) . وحديث ابن عمر بوَّب عليه ابن خزيمة - في صحيحه (2 / 214) - بقوله " باب التسليم في كل ركعتين من صلاة التطوع صلاة الليل والنهار جميعا "، وأعقبه بباب " باب ذكر الأخبار المنصوصة والدالة على خلاف قول من زعم أن تطوع النهار أربعاً لا مثنى " - وساق أدلة كثيرة على أن تطوع النهار ركعتين ركعتين -. ويحمل حديث " رحم الله من صلى قبل العصر أربعاً " على ما سبق من كونها ركعتين ركعتين. قال ابن حبان: وقوله صلى الله عليه وسلم " أربعا ": أراد به: بتسليمتين؛ لأن في خبر يعلى بن عطاء عن علي بن عبد الله الأزدي عن ابن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم " صلاة الليل والنهار مثنى مثنى ". " صحيح ابن حبان " (6 / 206) ، وقال مثل هذا - في (6 / 231) - في الأربع التي بعد صلاة الجمعة. وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " المشروع للمسلم أن يصلي النافلة مثنى مثنى ليلاً ونهاراً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم " صلاة الليل مثنى مثنى) متفق على صحته، وفي رواية صحيحة: (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى) خرجها الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (11/390) وانظر جواب السؤال رقم (1048) لمعرفة تفصيل صلوات الرواتب. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45268 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 986 صفة وضع اليدين على الصدر في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[كيف يضع المصلي يده اليمنى على اليسرى في الصلاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لوضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة صفتان: الأولى: أن يضع كفه اليمنى على كفه اليسرى والرسغ والساعد. روى أبو داود (726) والنسائي (889) عن وَائِل بْن حُجْرٍ أنه قال: قُلْتُ: لأَنْظُرَنَّ إِلَى صَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ يُصَلِّي، فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ فَقَامَ فَكَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى حَاذَتَا بِأُذُنَيْهِ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ الْيُسْرَى وَالرُّسْغِ وَالسَّاعِدِ. . . إلخ الحديث. صححه الألباني في صحيح أبي داود. قال السندي في حاشية النسائي: (ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ الْيُسْرَى وَالرُّسْغِ وَالسَّاعِدِ) " (الرُّسْغ) هُوَ مَفْصِل بَيْن الْكَفّ وَالسَّاعِد، وَالْمُرَاد أَنَّهُ وَضَعَ بِحَيْثُ صَارَ وَسَط كَفّه الْيُمْنَى عَلَى الرُّسْغ، وَيَلْزَم مِنْهُ أَنْ يَكُون بَعْضهَا عَلَى الْكَفّ الْيُسْرَى، وَالْبَعْض عَلَى السَّاعِد " انتهى. الثانية: أن يقبض بيده اليمنى على اليسرى روى النسائي (887) عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ رضي الله عنه قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ قَائِمًا فِي الصَّلاةِ قَبَضَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ. صححه الألباني في صحيح النسائي. قال الألباني رحمه الله في "صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم" (ص 68) : " وكان يضع اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد، وأمر بذلك أصحابه، وكان أحياناً يقبض باليمنى على اليسرى، وكان يضعهما على الصدر " انتهى. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 41675 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 987 يريد الأدلة على الذكر الذي يقوله في الركوع والسجود [السُّؤَالُ] ـ[ما الدليل على أنه يمكننا قول " سبحان ربي العظيم " في الركوع، و " سبحان ربي الأعلى وبحمده " في السجود؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأذكار الواردة في الركوع والسجود وردت على ثلاثة أوجه: الأول: منها ما هو مشترك، يقال في الركوع والسجود. الثاني: ومنها ما هو خاص بالركوع. الثالث: ومنها ما هو خاص بالسجود. فأما الأذكار المشتركة بينهما، فمنها: قول " سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي " عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي. رواه البخاري (761) ومسلم (484) . ومن المشترك – أيضاً -: قول " سبوح قدوس رب الملائكة والروح ". عن عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلائِكَةِ وَالرُّوحِ. رواه مسلم (487) . ومن المشترك – كذلك -: قول " سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة ". عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ قَالَ: قُمْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً فَقَامَ فَقَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، لا يَمُرُّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إِلا وَقَفَ فَسَأَلَ، وَلا يَمُرُّ بِآيَةِ عَذَابٍ إِلا وَقَفَ فَتَعَوَّذَ، قَالَ: ثُمَّ رَكَعَ بِقَدْرِ قِيَامِهِ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ: سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ، ثُمَّ سَجَدَ بِقَدْرِ قِيَامِهِ، ثُمَّ قَالَ فِي سُجُودِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ بِآلِ عِمْرَانَ ثُمَّ قَرَأَ سُورَةً سُورَةً. رواه النسائي (1132) وأبو داود (873) . والحديث: صححه الشيخ الألباني في صحيح أبي داود. ومن الأذكار الخاصة بالركوع: قول " سبحان ربي العظيم ". عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ، ثُمَّ مَضَى، فَقُلْتُ: يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ، فَمَضَى، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ بِهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ، فَقَرَأَهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا، يَقْرَأُ مُتَرَسِّلا، إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ، وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ، ثُمَّ رَكَعَ، فَجَعَلَ يَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ، فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، ثُمَّ قَامَ طَوِيلا قَرِيبًا مِمَّا رَكَعَ، ثُمَّ سَجَدَ فَقَالَ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى، فَكَانَ سُجُودُهُ قَرِيبًا مِنْ قِيَامِهِ. رواه مسلم (772) . ومن الأذكار الخاصة بالسجود قول: " سبحان ربي الأعلى ". سبق في حديث حذيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في سجوده: (سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى) . وروى أبو داود (869) عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَكَعَ قَالَ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ ثَلاثًا، وَإِذَا سَجَدَ قَالَ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى وَبِحَمْدِهِ ثَلاثًا. وهذه الزيادة: (وبحمده) قد اختلف أهل العلم في تصحيحها وتضعيفها، أما راويها أبو داود فقد قال: وهذه الزيادة نخاف أن لا تكون محفوظة، انفرد أهل مصر بإسنادها. وكان الشيخ الألباني قد صححها في " صفة الصلاة " (ص 146) ثم تراجع وضعفها في " ضعيف سنن أبي داود " (1 / 338 – 340) . وردها ابن الصلاح وغيره كما في " التلخيص الحبير " (1 / 243) . وذكر ابن قدامة في " المغني " (1 / 297) عن الإمام أحمد روايتين رواية بقبولها وأخرى بعدم قبولها، وقد وجَّه رواية عدم القبول بأن الحديث بدون الزيادة أكثر وأشهر. وَقَدْ سُئِلَ أَحْمَد بْن حَنْبَل عَنْهُ فِيمَا حَكَاهُ اِبْن الْمُنْذِر فَقَالَ: أَمَّا أَنَا فَلا أَقُول بِحَمْدِهِ. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39677 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 988 هل يوجد فرق بين الرجال والنساء في هيئة السجود؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يوجد فرق بين الرجل والمرأة في هيئة السجود؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذهب بعض العلماء إلى وجود فروق بين الرجل والمرأة في هيئة الصلاة، واستدلوا على ذلك بعدة أحاديث، غير أنها كلها ضعيفة لا يصح الاستدلال بها. انظر إجابة السؤال رقم (9276) لكن الصواب أنه لا يوجد فرق بين المرأة والرجل في هيئة الصلاة. قال الشيخ محمد بن عثيمين في معرض رده على قول الفقهاء: المرأة لا تجافي بل تضم نفسها، فإذا سجدت تجعل بطنها على فخذيها، وفخذيها على ساقيها ... لأن المرأة ينبغي لها الستر، وضمها نفسها أستر لها مما لو جافت. قال رحمه الله: والجواب على هذا من وجوه: أولاً: أن هذه العلة لا يمكن أن تقاوم عموم النصوص الدالة على أن المرأة كالرجل في الأحكام، لاسيما وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) فإن هذا الخطاب عامّ لجميع الرجال والنساء. ثانياً: ينتقض هذا فيما لو صلت وحدها، والغالب والمشروع للمرأة أن تصلي وحدها في بيتها بدون حضرة الرجال، وحينئذ لا حاجة إلى الانضمام ما دام لا يشهدها رجال. ثالثاً: أنتم تقولون إنها ترفع يديها، ورفع اليدين أقرب إلى التكشف من المجافاة، ومع ذلك تقولون يسنّ لها رفع اليدين، لأن الأصل تساوي الرجال والنساء في الأحكام. والقول الراجح: أن المرأة تصنع كما يصنع الرجال في كل شيء فترفع وتجافي، وتمد الظهر في حال الركوع، وترفع بطنها عن الفخذين، والفخذين عن الساقين في حال السجود ... وتفترش في الجلوس بين السجدتين، وفي التشهد الأول، وفي التشهد الأخير في صلاة ليس فيها إلا تشهد واحد، وتتورك في التشهد الأخير في الثلاثية والرباعية.. إذاً لا يُستثنى من هذا شيء بالنسبة للمرأة. " الشرح الممتع " 3/303،304 وقال الشيخ الألباني رحمه الله – في نهاية كتابه " صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم " -: كل ما تقدم من صفة صلاته صلى الله عليه وسلم يستوي فيه الرجال والنساء، ولم يرد في السنة ما يقتضي استثناء النساء من بعض ذلك، بل إن عموم قوله صلى الله عليه وسلم " صلوا كما رأيتموني أصلي " يشملهن. " صفة الصلاة " (ص 189) . وعلى فرض أن المرأة صلت في مكان عام قد يشاهدها فيه الرجال كالحرم المكي، أو حديقة عامة – إذا احتاجت – فإنها تحذر من كل فعل يؤدي إلى الانكشاف، وتحتاط في هذه الحال بما لا تفعله عادة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38162 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 989 لم تصل على النبي في التشهد فهل صلاتها باطلة؟ [السُّؤَالُ] ـ[امرأة صلت بالمسجد الحرام صلاة الجمعة وكانت تظن أن الجمعة أربع ركعات فقرأت في جلسة التشهد الأخير التشهد الأول وسكتت تنتظر الإمام أن يقوم ثم سلم الإمام وسلمت معه فهل تعيد صلاتها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف العلماء في حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد، فذهب الحنابلة إلى ركنية الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذهب الشافعية وهو رواية عن أحمد إلى وجوب ذلك، وقال الحنفية والمالكية بسنيتها. وليس هناك دليل صحيح وصريح على ركنية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد، كما أن حديث أبي مسعود الأنصاري وفيه: (أمرنا الله تعالى أن نصلي عليك يا رسول الله فكيف نصلي عليك؟) رواه مسلم 405، ليس فيه دليل على وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد، لأنهم سألوه عن الكيفية، ولم يسألوه عن كيفيه ذلك في الصلاة. ولهذا استدل على سنية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد بحديث أبي هريرة مرفوعا: (إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر فليتعوذ بالله من أربع من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن شر المسيح الدجال) رواه مسلم 588 وبناء على ما سبق، فغاية ما تركته هذه المرأة أن يكون واجبا على أن القول بالسنية قوي، لكن لأنها أدركت الصلاة كلها مع الإمام، فإن الإمام يتحمل عنها هذا النقص، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36610 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 990 هل نقول في التشهد " السلام عليك أيها النبي " أم " السلام على النبي "؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل صحيح أنه بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم: أن من قال في التشهد " السلام عليك أيها النبي "، أن ذلك فيه مخافة الشرك؟ وأنه علينا أن نقول " السلام على النبي "؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سئل علماء اللجنة الدائمة: عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفي بين كفيه التشهد، كما يعلمني السورة من القرآن: التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ... الخ وهو بين ظهرانينا، فلما قبض قلنا: السلام على النبي صلى الله عليه وسلم. فكثير من الناس يقولون هذه الصيغة الأخيرة ويأمرون بها. فأجابوا: صفة التشهد الذي كان يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته ويأمر أصحابه بها هي ما أخرجه الشيخان في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كفي بين كفيه كما يعلمني السورة من القرآن " التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله " وهذا هو الأصح لأن النبي صلى الله عليه وسلم علَّمه أصحابه ولم يقل " إذا مت فقولوا السلام على النبي ... ". وسئلوا – أيضاً -: في التشهد هل يقول الإنسان " السلام عليك أيها النبي " أم يقول " السلام على النبي " لأن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: " كنا نقول قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم " السلام عليك أيها النبي " وبعد موته صلى الله عليه وسلم كنا نقول " السلام على النبي "؟ . فأجابوا: الصحيح أن يقول المصلي في التشهد السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته؛ لأن هذا هو الثابت في الأحاديث، وأما ما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه في ذلك- إن صح عنه - فهو اجتهاد من فاعله لا يعارض به الأحاديث الثابتة، ولو كان الحكم يختلف بعد وفاته عنه في حياته لبينه لهم صلى الله عليه وسلم. " فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (7 / 11 - 13) . وقد بيَّن الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – المسألة أعظم توضيح، وردَّ فيه على شبهة من ادعى أن الصيغة الشرعية هي من باب نداء الغائب فقال: وقوله: " السلام عليك " هل هو خَبَرٌ أو دعاءٌ؟ يعني: هل أنت تخبر بأن الرسولَ مُسَلَّمٌ، أو تدعو بأن الله يُسلِّمُه؟ . الجواب: هو دُعاءٌ تدعو بأنَّ الله يُسلِّمُه، فهو خَبَرٌ بمعنى الدُّعاء. ثم هل هذا خطاب للرَّسول عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ كخطابِ النَّاسِ بعضهم بعضاً؟ . الجواب: لا، لو كان كذلك لبطلت الصَّلاة به؛ لأن هذه الصلاة لا يصحُّ فيها شيء من كلام الآدميين؛ ولأنَّه لو كان كذلك لجَهَرَ به الصَّحابةُ حتى يَسمعَ النبي صلى الله عليه وسلم، ولردَّ عليهم السَّلام كما كان كذلك عند ملاقاتِهم إيَّاه، ولكن كما قال شيخ الإسلام في كتاب " اقتضاء الصراط المستقيم ": لقوَّة استحضارك للرسول عليه الصَّلاةُ والسَّلام حين السَّلامِ عليه، كأنه أمامك تخاطبه. ولهذا كان الصَّحابةُ يقولون: السلام عليك، وهو لا يسمعهم، ويقولون: السلام عليك، وهم في بلد وهو في بلد آخر، ونحن نقول: السلام عليك، ونحن في بلد غير بلده، وفي عصر غير عصره. وأمّا ما وَرَدَ في " صحيح البخاري " عن عبد الله بن مسعود أنهم كانوا يقولون بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم: " السَّلامُ على النَّبيِّ ورحمة الله وبركاته " فهذا مِن اجتهاداتِه – رضي الله عنه - التي خالَفه فيها مَنْ هو أعلمُ منه؛ عُمرُ بن الخطَّاب، فإنه خَطَبَ النَّاسَ على مِنبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال في التشهُّد ِ: " السَّلامُ عليك أيُّها النبيُّ ورحمة الله " كما رواه مالك في " الموطأ " بسَنَدٍ من أصحِّ الأسانيد، وقاله عُمرُ بمحضر الصَّحابة وأقرُّوه على ذلك. ثم إن الرَّسولَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ علَّمه أمَّته، حتى إنه كان يُعَلِّم ابنَ مسعود، وكَفُّه بين كفَّيه من أجل أن يستحضر هذا اللَّفظَ، وكان يُعلِّمُهم إيَّاه كما يُعلِّمُهم السُّورة من القرآن، وهو يعلَم أنه سيموت؛ لأن الله قال له: (إنك ميت وإنهم ميتون) الزمر / 30، ولم يقلْ: بعد موتي قولوا: السَّلامُ على النَّبيِّ، بل عَلَّمَهم التشهُّدَ كما يُعلِّمُهم السُّورةَ من القرآن بلفظها، ولذلك لا يُعَوَّلُ على اجتهاد ابن مسعود، بل يُقال: " السَّلامُ عليك أيُّها النبيُّ ". " الشرح الممتع " (3 / 150، 151) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 34535 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 991 إذا لم يسجد على الأعضاء السبعة جميعها بطلت صلاته [السُّؤَالُ] ـ[يُشاهد بعض المصلين أنه في أثناء سجوده يرفع إحدى قدميه أو كليهما، فما حكم هذا الفعل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب على الساجد أن يسجد على الأعضاء السبعة التي أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالسجود عليها، وهي الوجه، ويشمل (الجبهة والأنف) ، والكفان والركبتان، وأطراف القدمين. اهـ. قال النووي: لَوْ أَخَلَّ بِعُضْوٍ مِنْهَا لَمْ تَصِحّ صَلاته. اهـ من شرح مسلم. وقال الشيخ ابن عثيمين: " لا يجوز للساجد أن يرفع شيئاً من أعضائه السبعة. لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ عَلَى الْجَبْهَةِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ) رواه البخاري (812) ومسلم (490) ، فإن رفع رجليه أو إحداهما، أو يديه أو إحداهما، أو جبهته أو أنفه أو كليهما، فإن سجوده يبطل ولا يعتد به، وإذا بطل سجوده فإن صلاته تبطل. لقاءات الباب المفتوح للشيخ ابن عثيمين (2/99) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 33761 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 992 رفع اليدين في القنوت [السُّؤَالُ] ـ[ترديد المؤمنين كلمات: حقا - نشهد - وأحيانا يا الله، بعد دعاء الإمام في القنوت هل هو جائز شرعاً وهل يجوز رفع اليدين في القنوت للفجر أو الوتر، وهل يجوز رفع اليدين والتكبير جهراً وراء الإمام في كل تكبيرة في صلاة الجنازة وكذا في التكبيرات السبع والخمس في صلاة العيدين؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يشرع التأمين على الدعاء في القنوت، وعند الثناء على الله سبحانه يكفيه السكوت وإن قال سبحانك أوسبحانه فلا بأس، ويرفع يديه في دعاء القنوت وتكبيرات الجنازة والعيدين، لأنه قد ورد ما يدل على ذلك. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 7/53. الحديث: 8594 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 993 ماذا ينوي المصلِّي بالسلام من الصلاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[عندما نقول "السلام عليكم ورحمة الله" فى نهاية صلاتنا فلمن نقول هذا؟ هل نقول هذا للملائكة الموجودة على يسارنا ويميننا؟ أم نقولها للناس على يسارنا ويميننا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله التسليم من الصلاة ركن من أركانها لا يحصل إنهاء الصلاة ولا التحلل منها إلا به. لما رواه أبو داود (61) والترمذي (3) عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ) . وصححه الألباني في "سنن أبي داود". وقد ذهب إلى ذلك جمهور العلماء ومنهم الأئمة: مالك والشافعي وأحمد. قال النووي رحمه الله: "مذْهَبُنَا: أَنَّهُ فَرْضٌ، رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِهِ , وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ " انتهى. "المجموع" (3/462) . وينوي المصلِّي بالسلام: الخروج من الصلاة، والسلام على الإمام، والسلام على من عن يمينه، ويساره، وعلى الحفظة. قال النووي رحمه الله: " يَنْوِي الْإِمَامُ بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامَ عَلَى مَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَعَلَى الْحَفَظَةِ , وَيَنْوِي بِالثَّانِيَةِ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَلَى يَسَارِهِ وَعَلَى الْحَفَظَةِ , وَيَنْوِي الْمَأْمُومُ بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ , وَالسَّلَامَ عَلَى الْإِمَامِ وَعَلَى الْحَفَظَةِ وَعَلَى الْمَأْمُومِينَ مِنْ نَاحِيَتِهِ فِي صَفِّهِ وَرَائِهِ وَقُدَّامِهِ , وَيَنْوِي بِالثَّانِيَةِ السَّلَامَ عَلَى الْحَفَظَةِ وَعَلَى الْمَأْمُومِينَ مِنْ نَاحِيَتِهِ , فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ قُدَّامَهُ نَوَاهُ فِي أَيِّ التَّسْلِيمَتَيْنِ شَاءَ. وَيَنْوِي الْمُنْفَرِدُ بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ , وَالسَّلَامَ عَلَى الْحَفَظَةِ , وَبِالثَّانِيَةِ السَّلَامَ عَلَى الْحَفَظَةِ , وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رَوَى سَمُرَةُ رضي الله عنه قَالَ: (أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نُسَلِّمَ عَلَى أَنْفُسِنَا وَأَنْ يُسَلِّمَ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ) ... وَإِنْ نَوَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَنْوِ مَا سِوَاهُ جَازَ ; لِأَنَّ التَّسْلِيمَ عَلَى الْحَاضِرِينَ سُنَّةٌ " انتهى. "المجموع" (3/456) . وروى مسلم (431) عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْنَا: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْجَانِبَيْنِ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَلَامَ تُومِئُونَ بِأَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ؟ (يعني مضطربة) إِنَّمَا يَكْفِي أَحَدَكُمْ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ ثُمَّ يُسَلِّمُ عَلَى أَخِيهِ مَنْ عَلَى يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ) . قال النووي رحمه الله: " قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ثُمَّ يُسَلِّم عَلَى أَخِيهِ مِنْ عَلَى يَمِينه وَشِمَاله": الْمُرَاد بِالْأَخِ الْجِنْس أَيْ إِخْوَانه الْحَاضِرِينَ عَنْ الْيَمِين وَالشِّمَال " انتهى. وقال ابن قدامة رحمه الله: "وَيَنْوِي بِسَلَامِهِ: الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ. فَإِنْ نَوَى مَعَ ذَلِكَ الرَّدَّ عَلَى الْمَلَكَيْنِ , وَعَلَى مَنْ خَلْفَهُ إنْ كَانَ إمَامًا , أَوْ عَلَى الْإِمَامِ وَمَنْ مَعَهُ إنْ كَانَ مَأْمُومًا , فَلَا بَأْسَ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ , فَقَالَ: يُسَلِّمُ فِي الصَّلَاةِ , وَيَنْوِي بِسَلَامِهِ الرَّدَّ عَلَى الْإِمَامِ" انتهى. "المغني" (1/326-327) وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " إذا قيل: على مَنْ يُسلِّم؟ فالجواب: يقولون: إذا كان معه جماعة فالسَّلام عليهم، وإذا لم يكن معه جماعة فالسَّلام على الملائكة الذين عن يمينه وشماله، يقول: السَّلامُ عليكم ورحمة الله " انتهى. "الشرح الممتع" (3 / 208) . والخلاصة: أن المصلِّي ينوي بسلامة من الصلاة ثلاثة أمور: - الخروج من الصلاة. - السلام على الملائكة الحفظة. - السلام على إخوانه المصلين. وإذا كان منفردا فإنه ينوي بالسلام الخروج من الصلاة والسلام على الحفظة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 138009 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 994 الدعاء أثناء قراءة القرآن [السُّؤَالُ] ـ[أنا أقرأ القرآن والحمد لله، وعندما أصل إلى صفات المؤمنين أدعو الله أن يجعلني منهم، وعندما أصل إلى صفات الكفار والمنافقين ومصيرهم أستعيذ بالله أن يجعلني منهم. فهل بعد الدعاء تلزمني البسملة من جديد، أم اتباع القراءة دون ذلك؟ وهل قطع القراءة للدعاء جائز؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "هذا يجوز، فعله النبي صلى الله عليه وسلم، فكان في تهجده بالليل عليه الصلاة والسلام إذا مر بآية وعيد تعوذ، وإذا مر بآية رحمة سأل ربه الرحمة، فلا بأس بهذا، بل هذا مستحب في التهجد بالليل، أو في صلاة النهار، أو في القراءة خارج الصلاة، كل هذا مستحب وليس عليك أن تعيد البسملة ولا التعوذ، بل تأتي بهذا الدعاء ثم تشرع في القراءة من دون حاجة إلى إعادة التعوذ ولا إعادة البسملة، وهذا كله إذا كنت تصلي وحدك في النافلة. أما إذا كنت في الفريضة فلم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يفعل هذا في الفريضة، وهكذا إذا كنت مع الإمام فإنك تنصت لإمامك ولا تدعُ بهذه الأدعية والإمام يقرأ بل تنصت وتستمع في الجهرية، أما في السرية فتقرأ الفاتحة وما تيسر معها من دون الأدعية التي يدعى بها في النافلة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يفعل هذا في الفريضة، ولعل السبب في ذلك والله أعلم التخفيف على الناس وعدم التطويل عليهم؛ لأنه لو دعا عند كل آية فيها رحمة وتعوذ عند كل آية فيها وعيد ربما طالت الصلاة، وربما شق على الناس، فكان من رحمة الله ومن إحسانه إلى عباده ومن لطفه بهم أنه لم يشرع ذلك في الفريضة حتى تكون القراءة متوالية، وحتى لا تطول القراءة على الناس، أما في النافلة أو في التهجد أو في الليل أو في صلاة الضحى أو في غير ذلك من النوافل فلا بأس فالأمر فيها واسع" انتهى. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (1/334) الحديث: 134728 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 995 هل يجوز الدعاء المطلق في الصلوات المكتوبة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز الدعاء المطلق في الفرائض - الصلوات المكتوبة -؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يستحب للمصلي – سواء كانت صلاة فريضة أم نافلة – أن يجتهد في الدعاء في الصلاة في موضعين اثنين: في السجود، وقبيل التسليم، وفي صلاة الوتر عند القنوت أيضا، فقد جاءت الأدلة الصحيحة تدل على ذلك، وذلك فيما رواه الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه (479) عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ – أي: جدير وحقيق - أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ) . وقد بين كثير من الفقهاء كالمالكية والشافعية أن الدعاء في هذين الموضعين – في السجود، وقبيل التسليم – هو من الدعاء المطلق، فلا يشترط أن يكون واردا بنصه في الكتاب والسنة، بل للمصلي أن يدعو بحاجاته الدنيوية والدينية بأي صيغة كانت، وله أن يسأل الله تعالى ما شاء من خيري الدنيا والآخرة، وإن لم يكن هذا الدعاء مأثورا في كتب السنة. والدليل عليه إطلاق الحديث السابق: (فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ) ، حيث أطلق الاجتهاد في اختيار الدعاء، ولم يشترط وروده في الكتاب والسنة. وقد سبق تقرير هذه المسألة وذكر أدلة أخرى لها في جواب السؤال رقم: (75058) ، (104907) ، (105282) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130174 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 996 إذا انتهى من التشهد الأول هل يرفع يديه وهو جالس ثم يقوم أو يقوم ثم يرفع يديه؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل على المصلي رفع اليدين بعد التشهد الأول وهو جالس، أو حتى يقوم ويرفعهما؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ثبت في السنة النبوية أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إذا قام من الركعتين. فعنْ نَافِعٍ: (أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَرَفَعَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) . رواه البخاري (739) وبوَّب عليه بقوله: "باب رفع اليدين إذا قام من الركعتين" انتهى. وأخرجه أبو داود وبوَّب عليه بقوله: "باب مَن ذَكَر أنه يرفع يديه إذا قام من الثنتين" انتهى. وعن أبي حميد رضي الله عنه أنه قال في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم: (ثُمَّ إِذَا قَامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِىَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ، كَمَا كَبَّرَ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلاَةِ) رواه أبو داود (730) والترمذي (304) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود". قال النووي رحمه الله: "المشهور من نصوص الشافعي رحمه الله تعالى في كتبه , وهو المشهور في المذهب , وبه قال أكثر الأصحاب: أنه لا يرفع إلا في تكبيرة الإحرام , وفي الركوع والرفع منه. وقال آخرون من أصحابنا: يستحب الرفع إذا قام من التشهد الأول , وهذا هو الصواب. وممن قال به من أصحابنا: ابن المنذر، وأبو علي الطبري، وأبو بكر البيهقي، وصاحب التهذيب فيه، وفي شرح السنة، وغيرهم , وهو مذهب البخاري وغيره من المحدثين" انتهى. "المجموع" (3/425-426) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "يسن رفع اليدين إذا قام المصلي من التشهد الأول إلى الثالثة , وهو رواية عن الإمام أحمد , اختارها أبو البركات" انتهى. "الفتاوى الكبرى" (5/336) . فظاهر هذه الأحاديث (إذا قام من الركعتين) : أن رفع اليدين يكون بعد القيام، وهو الظاهر من كلام العلماء أيضاً. وقد اختار ذلك ورجحه الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله حيث قال: " وعلى هذا؛ فمواضع رَفْع اليدين أربعة: عند تكبيرة الإحرام، وعند الرُّكوعِ، وعند الرَّفْعِ منه، وإذا قام من التشهُّدِ الأول، ويكون الرَّفْعُ إذا استتمَّ قائماً؛ لأن لفظ حديث ابن عُمر: (وإذا قام من الرَّكعتين رَفَعَ يديه) ، ولا يَصدُق ذلك إلا إذا استتمَّ قائماً، وعلى هذا: فلا يرفع وهو جالس ثم ينهض، كما توهَّمَهُ بعضهم، ومعلوم أن كلمة (إذا قام) ليس معناها حين ينهض؛ إذ إن بينهما فرقاً" انتهى. "الشرح الممتع" (3/214) . وقد اختار علماء اللجنة الدائمة للإفتاء أن الرفع يكون مع بدء الانتقال من الجلوس إلى القيام، فقد سئلوا: "ما هو صفة تكبيرة القيام من التشهد الأول ورفع اليدين هل يرفع يديه وهو جالس ثم يكبر وينهض قائماً، أم لا يرفع يديه إلا بعد القيام، وما هو الأرجح؟ فأجابوا: "يشرع رفع اليدين في الصلاة عند القيام من التشهد الأول مع التكبير بعد البدء في الانتقال من الجلوس إلى القيام" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان. "فتاوى اللجنة الدائمة" (6/347) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128038 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 997 يحرص على الصلاة خلف الإمام فيضيق على الناس [السُّؤَالُ] ـ[أنا طالب في الجامعة وكثيرا ما أؤذن للصلاة وقد أشغلني أن بعض الطلاب يأتي إلى المسجد وبدلاً من أن يكمل الصف الأول يجلس في وسط الصف الثاني أو قريبا منه.. وعندما أقدم لأقيم الصلاة أو يقيمها غيري أرجع فأجده مكاني وقد أفسح لي مكانا ضيقا فأصلي وأنا كاره لفعله وأنشغل بفعله في صلاتي ... لي بعض الأسئلة: هل هناك فضل يختص بمن يصلي خلف الإمام مباشرة؟ هل يجوز له فعل ذلك مع العلم أنه يدخل على من هو أولى منه في السبق إلى هذا المكان وقد يضيق على السابقين له من المصلين؟ هل يدخل تصرف هذا الشخص فيمن فعل فعله في عدم احترام النظام الذي حرص عليه ديننا الإسلامي وهو أولى منه في المراجعات في الدوائر الحكومية أن الأفضلية لمن أتى أولا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: ينبغي على كل مصلّ أن يحرص على عدم إيذاء أخيه المسلم وشغله في الصلاة كأن يضيّق عليه في المكان، أو يكثر الحركة فيشغله في صلاته ونحو ذلك. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " التورُّك في الصلاة معروف، أن تنصب اليمنى وتخرج اليسرى من الجانب الأيمن. وهذا يوجب من الإنسان أن يتجافى قليلاً، وربما يكون الصف متضايقاً والناس مزدحمين فيه فيؤذي مَن إلى جانبه. فهنا اجتمع عندنا شيئان: فعل سنة، ودفع أذى عن المسلم، فأيهما أولى: فعل السنة، أو دفع الأذى؟ الأَوْلى دفع الأذى؛ لأن أذية المؤمن ليست بالهينة. فهذه القاعدة انتبه لها: تركُ السنة لدفع الأذية خير من فعل السنة مع الأذية، فهذا المتورِّك إذا كان بتَوَرُّكِه يؤذي جاره فلا يتورَّك، وإذا علم الله من نيته أنه لولا هذا لَتَوَرَّكَ، فإن الله تعالى يثيبه " انتهى مختصرا. "لقاء الباب المفتوح" (2/38) . كما أنه ينبغي على كل مصل التغاضي عن كل ما يمكن التغاضي عنه لأخيه المسلم، وخاصة إذا صفوا للصلاة، فلا ينبغي أبدا أن توجد دواخل في النفوس من شأنها إفساد العلائق، وإشغال المصلى، وإيغار النفوس بلا داع أحيانا. فعليك يا أخي أن لا تشغل نفسك بفعل أخيك، ولعله لا يقصد إيذاءً، ولا يضمر أمرا، وإذا احتاج الأمر في نظرك إلى نصحه، فإنه ينبغي نصحه بالمعروف، فقد يفوته المسلك غير اللائق، فعليك تنبيهه وإرشاده. وتأمل قول أَبِي مَسْعُودٍ البدري رضي الله عنه: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا فِي الصَّلَاةِ وَيَقُولُ: (اسْتَوُوا وَلَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ، لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ) رواه مسلم (432) . تأمل كيف حرص النبي صلى الله عليه وسلم على عدم اختلاف القلوب وهم في الصلاة؟ ثانيا: أما قولك: هل هناك فضل يختص بمن يصلي خلف الإمام مباشرة؟ فالجواب: نعم وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى) يدل على أن القرب من الإمام أفضل من البعد عنه. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " المشروع للمسلم إذا أتى المسجد أن يتقدم إلى الصف الأول، وأن يحرص على القرب من الإمام، ومتى كمل الصف الأول، شرع للمسلم التقدم للصف الثاني وهكذا " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (12/206) . وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: أرجو توضيح فضل القرب من الإمام في الصف الأول والصلاة خلفه مباشرة. فأجاب: "يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا) معنى ذلك: أنه لو لم يمكن الحصول على الصف الأول إلا بالقرعة لفعلوها، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (تقدموا وائتموا بي وليأتم بكم من بعدكم) . فالقرب من الإمام في الصف الأول يكون به قدوة للآخرين، لأنهم يأتمون بالإمام مباشرة، ويرون الإمام مباشرة، فيأتمون به، وهذا أفضل ممن يقتدي بمن خلف الإمام من الصفوف، وأيضًا قوله صلى الله عليه وسلم: (ليليني منكم أولو الأحلام والنهى) فهذا يدل على أنه ينبغي أن يتقدم أهل الفضل وأهل العلم ليكونوا قريبين من الإمام، فيفتحون عليه إذا احتاج لمن يفتح عليه بالقراءة، أو نابه شيء في الصلاة استطاعوا أن يساعدوه، وأن يستخلف من يكمل الصلاة لو احتاج إلى الاستخلاف، فالتقدم إلى الصف الأول والقرب من الإمام فيه فضائل عظيمة، وفيه خيرات، وفيه دلالة على مبادرة الإنسان إلى الخير ورغبته فيه، وأنه من السابقين إلى فعل الخير، أما التأخر فإنه يدل على الكسل وعدم الرغبة في الخير ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله) ولأن التأخر والتكاسل من صفات المنافقين، قال تعالى: (وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ) سورة التوبة /54. أما التقدم إلى الصف الأول والقرب من الإمام فهذا دليل على الرغبة في الخير والبراءة من النفاق" انتهى. http://www.alfawzan.ws/alfawzan/library/tabid/90/Default.aspx?View=Page&PageID;=798&PageNo;=1&BookID;=31&SectionID;=1 ثالثاً: قولك هل يدخل تصرف هذا الشخص في عدم احترام النظام الذي حرص عليه ديننا الإسلامي؟ فالجواب: لعله ليس من هذا القبيل، ثم هو مبادر في الأصل إلى التبكير إلى المسجد، فلا يحتاج إلا إلى من ينصحه بالتزام الصف الأول، والجلوس خلف الإمام لو شاء، دون أن يضيق على أحد أو يزحمه. نسأل الله لنا ولكم التوفيق والهداية. [الْمَصْدَرُ] موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127326 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 998 المسبوق إذا أدرك التشهد الأول هل يرفع يديه إذا قام؟ [السُّؤَالُ] ـ[دخلت الصلاة على التشهد الأول مع الإمام، هل أرفع يدي للتكبير عند القيام من التشهد الأول؟ وسوف أجلس مع الإمام التشهد الأخير ويعتبر لي التشهد الأول، هل أرفع يدي مرة أخرى؟ مع العلم الصلاة رباعية. ولو أدركت ركعة واحدة فقط وجلست مع الإمام التشهد الأخير هل إذا قمت أرفع يدي أو أنتظر أن آتي بالتشهد الأول؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ثبت رفع اليدين في الصلاة في أربعة مواضع: عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع والرفع منه، وبعد القيام من الركعة الثانية. وقد روى البخاري (739) عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما (كَانَ إِذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَرَفَعَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) . ثانياً: ما يدركه المسبوق مع الإمام هو أول صلاته على الراجح؛ وهو مذهب الشافعي رحمه الله؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا سَمِعْتُمْ الإِقَامَةَ فَامْشُوا إِلَى الصَّلاةِ وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ وَلا تُسْرِعُوا، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا) البخاري (636) ومسلم (602) . ومعنى "أتموا": أكملوا. قال النووي رحمه الله في "المجموع" (4/118) : "قد ذكرنا أن مذهبنا أن ما أدركه المسبوق أول صلاته، وما يتداركه آخرها، وبه قال سعيد بن المسيب والحسن البصري وعطاء وعمر بن عبد العزيز ومكحول والزهري والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وإسحاق , حكاه عنهم ابن المنذر قال: وبه أقول , قال: وروي عن عمر وعلي وأبي الدرداء ولا يثبت عنهم , وهو رواية عن مالك وبه قال داود. وقال أبو حنيفة ومالك والثوري وأحمد: ما أدركه آخر صلاته، وما يتداركه أول صلاته. وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر ومجاهد وابن سيرين , واحتج لهم بقوله صلى الله عليه وسلم: (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا) رواه البخاري ومسلم. واحتج أصحابنا بقوله صلى الله عليه وسلم: (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) رواه البخاري ومسلم من طرق كثيرة. قال البيهقي: الذين رووا "فأتموا" أكثر وأحفظ وألزم لأبي هريرة الذي هو راوي الحديث , فهم أولى. قال الشيخ أبو حامد والماوردي: وإتمام الشيء لا يكون إلا بعد تقدم أوله وبقية آخره , وروى البيهقي مثل مذهبنا عن عمر بن الخطاب وعلي وأبي الدرداء وابن المسيب وحسن وعطاء وابن سيرين وأبي قلابة رضي الله عنهم. فأما رواية فاقضوا فجوابها من وجهين: أحدهما: أن رواة (فأتموا) أكثر وأحفظ. والثاني: أن القضاء محمول على الفعل لا القضاء المعروف في الاصطلاح ; لأن هذا اصطلاح متأخري الفقهاء , والعرب تطلق القضاء بمعنى الفعل , قال الله تعالى: (فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ) (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ) . قال الشيخ أبو حامد: والمراد: وما فاتكم من صلاتكم أنتم لا من صلاة الإمام، والذي فات المأموم من صلاة نفسه إنما هو آخرها , والله أعلم " انتهى. وعلى هذا؛ فلو أدركت التشهد الأول مع الإمام في الصلاة الرباعية، فإن الركعة الثالثة للإمام تكون هي الأولى بالنسبة لك، وإذا سلم الإمام قمت لإتمام صلاتك، وتكون الركعة التي قمت إليها هي الركعة الثالثة. وإذا أدركت الركعة الأخيرة مع الإمام، فإنه إذا سلم قمت للركعة الثانية. وفي كل هذه المواضع، هل ستحب لك رفع اليدين أم لا؟ أما قيامك بعد سلام الإمام إلى الركعة الثالثة لإتمام صلاتك، فلا إشكال هنا في رفع اليدين، لأن هذا من مواضع رفع اليدين، كما سبق في حديث ابن عمر. وأما ما عدا ذلك، فقد اختلف العلماء في استحباب رفع اليدين، بناءً على اختلافهم في علة رفع اليدين إذا قام من التشهد الأول إلى الركعة الثالثة. فذهب بعض العلماء إلى أن العلة هي القيام إلى الركعة الثالثة، فقال هؤلاء في المسبوق: لا يرفع يديه إلا إذا قام إلى الركعة الثالثة. وذهب آخرون إلى أن العلة هي القيام من التشهد، فقال هؤلاء في المسبوق: متى قام من التشهد فإنه يرفع يديه، ولو لم يكن قائماً إلى الركعة الثالثة، وقد اختار هذا القول الأخير الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. وانظر جواب السؤال رقم (21506) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126777 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 999 هل ينقص أجر الصلاة بغير سترة إلى النصف؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك حديث عن الصلاة من غير سترة تنقص نصف الصلاة. إذا وجد الرجاء كتابة الراوي، ومن أخرجه]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لم نقف على حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يدل على أن أجر الصلاة بغير سترة بين يدي المصلي ينقص إلى النصف، والغالب أن هذا اجتهاد رآه بعض أهل العلم، فقد وردت أحاديث كثيرة في الأمر بالسترة والصلاة إليها، والتحذير من قطع الشيطان الصلاة إذا صلى لغير سترة. عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ عن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى سُتْرَةٍ فَلْيَدْنُ مِنْهَا، لَا يَقْطَعْ الشَّيْطَانُ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ) رواه أبو داود (رقم/695) حسنه ابن عبد البر في " التمهيد " (4/195) ، وصححه النووي في " المجموع " (3/244) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ". يقول العظيم أبادي رحمه الله: " أي: لا يفوت عليه حضورها بالوسوسة والتمكن منها، واستفيد منه أن السترة تمنع استيلاء الشيطان على المصلي، وتمكنه من قلبه بالوسوسة، إما كُلًّا، أو بعضا، بحسب صدق المصلي وإقباله في صلاته على الله تعالى، وأنَّ عَدَمها يمكن الشيطان من إزلاله عما هو بصدده من الخشوع والخضوع. كذا في المرقاة " انتهى. " عون المعبود " (2/275) فلعل من قال بنقص أجر صلاة من صلى لغير سترة قصد هذه المعاني، خاصة إذا مر أحد بين يديه وقطع عليه صلاته، فيأثم المار حينئذ، ويلحق المصلي من نقص الصلاة أيضا لتقصيره. يقول ابن حجر الهيتمي رحمه الله: " الوجه حمله على أن المراد: قطع الصلاة بالمار بين يديه، وبالضرر، المذكورين في الأحاديث: قطع الخشوع، وضرر الاشتغال بالمار، بل وتمكن الشيطان منه بالوسوسة والمخادعة وإلفاته عما هو فيه حتى لا يعقل من صلاته شيئا، أو إلا أقلها، فيفوت عليه الثواب، فكل ذلك هو المشار إليه في الحديث بقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يقطع الشيطان عليه صلاته) " انتهى. " الفتاوى الفقهية الكبرى " (1/170) وبه أيضا يفسر ما رُوي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: " إذا أراد أحد أن يمر بين يديك وأنت تصلي فلا تدعه، فإنه يطرح شطر صلاتك " انتهى. " المصنف " (2/25) بسند فيه راو مبهم. وهو أيضا معنى ما قاله بعض السلف كأبي إسحاق ويحيى بن أبي كثير: أن من الجفاء أن يصلي بغير سترة. رواه ابن المنذر في " الأوسط " (رقم/2395) ، ومعناه عند عبد الرزاق في " المصنف " (2/26، باب من صلى إلى غير سترة) . وعلى كل حال فقد اتفق العلماء على صحة الصلاة إلى غير سترة، وإن كان أجر صاحبها أنقص ممن صلى إلى السترة، ولكن لم يرد ما يدل على أن هذا النقص يبلغ نصف الأجر. يقول ابن حجر الهيتمي رحمه الله: " من صلى بلا سترة مع القدرة عليها فإنه لم يجر في بطلان صلاته خلاف " انتهى. " الفتاوى الفقهية الكبرى " (1/160) والمراد اتفاق العلماء على صحة صلاته. وانظر للفائدة في حكم السترة جواب السؤال رقم: (117758) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126664 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1000 قراءة آية الكرسي والمعوذتين بعد الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[أعلم أنه يستحسن قراءة آية الكرسي والإخلاص والمعوذتين بعد الصلاة فهل تجوز قراءتها بعد الخروج من المسجد أم في المسجد أم قبل السنة أم بعدها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "تسن قراءة آية الكرسي وسورة الإخلاص والمعوذتين وتكون القراءة سرا، ويكون بعد الانتهاء من الذكر بعد السلام، والأصل في ذلك ما رواه النسائي وصححه ابن حبان عن أبي أمامة إياس بن ثعلبة الحارثي الأنصاري الخزرجي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت) وما رواه أحمد وغيره عن أبي أمامة وغيره (يقرأ سرا بعد كل صلاة آية الكرسي) وصححه في المختارة، وزاد فيه الطبراني: (وسورة الإخلاص: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) وقال ابن القيم: له طرق تدل على أن له أصلا، وما رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ بالمعوذتين دبر كل صلاة) وفي رواية أبي داود: (بالمعوذات) " انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (7/108) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام وجواب الحديث: 121608 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1001 حكم ترك التورك إذا كان يضايق من بجواره [السُّؤَالُ] ـ[التورُّك في الصلاة بالنسبة للمأموم إذا كان يضايق مَن بجانبه، أيهما أفضل: أن يتورَّك، أو أن يتركها؟ لأن كثيراً من الناس لا يستطيع أن يتورَّك إلا إذا اتكأ على مَن بجانبه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " التورُّك في الصلاة معروف، أن تنصب اليمنى وتخرج اليسرى من الجانب الأيمن. وتتورَّك: أي: أنك تضع وَرِكَكَ على الأرض، وهذا يوجب من الإنسان أن يتجافى قليلاً، وربما يكون الصف متضايقاً والناس مزدحمين فيه فيؤذي مَن إلى جانبه. فهنا اجتمع عندنا شيئان: فعل سنة، ودفع أذى عن المسلم، فأيهما أولى: فعل السنة، أو دفع الأذى؟ الأَوْلى دفع الأذى؛ لأن أذية المؤمن ليست بالهينة، أذية المؤمن ولو بالقول فضلاً عن الفعل الذي يحصل في الصلاة ويشوِّش عليه صلاته، أذية المؤمن تكون بالقول أو بالفعل، يقول الله عز وجل فيها: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) الأحزاب/58، ويقول عليه الصلاة والسلام: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جارَه) ، وخرج مرَّةً على أصحابه وهم في المسجد يصلون ويجهرون بالقراءة، فقال: (كلكم يناجي ربه، فلا يؤذِيَنَّ بعضُكم بعضاً في القراءة) ، أين هي الأذية؟! الأذية أنك إذا جهرت شوَّشتَ على الذين هم حولك فآذيتَهم ... فهذه القاعدة انتبه لها: تركُ السنة لدفع الأذية خير من فعل السنة مع الأذية، فهذا المتورِّك إذا كان بتَوَرُّكِه يؤذي جاره فلا يتورَّك، وإذا علم الله من نيته أنه لولا هذا لَتَوَرَّكَ، فإن الله تعالى يثيبه؛ لأنه يكون كمن قال فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم: (مَن مرض أو سافر كُتِب له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً) " انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. "لقاءات الباب المفتوح" (2/38) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121147 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1002 تقديم اليدين أو الركبتين في السجود [السُّؤَالُ] ـ[فيما يتعلق بالسجود في الصلاة، فلقد قرأت عن قولين مختلفين في هذه المسألة أحدهما يقول إنه من الأفضل تقديم الركبتين قبل اليدين حال السجود، ولكن في كتاب " صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم " يقول إن الأولى أن يقدم الإنسان يديه على ركبتيه في السجود، وذكر حديثاً يستدل به على ذلك ويزعم أن تقديم الركبتين على اليدين هو كفعل الجمل، ولا يرى ذلك الفعل، فما الطريقة الصحيحة في ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف العلماء في هيئة الخرور إلى السجود أهي على اليدين أم هي على الركبتين؟ فمذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه أن المصلي يقدم ركبتيه قبل يديه بل نسبه الترمذي إلى أكثر أهل العلم فقال في سننه (2/57) : والعمل عليه عند أكثر أهل العلم: يرون أن يضع الرجل ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه. واحتج القائلون بهذا القول بحديث وائل بن حجر قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد يضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه. رواه أبوداود والترمذي والنسائي وابن ماجة والدارقطني (1/345) وقال: تفرد به يزيد بن هارون عن شريك ولم يحدث به عن عاصم بن كليب غير شريك وشريك ليس بالقوي. وقال البيهقي في السنن (2/101) : إسناده ضعيف. وضعفه الألباني في المشكاة (898) وفي الإرواء (2/75) ، وصححه آخرون من أهل العلم كابن القيم رحمه الله في زاد المعاد. وممن اختار تقديم الركبتين على اليدين في النزول شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ومن العلماء المعاصرين الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ محمد بن صالح العثيمين. وذهب مالك والأوزاعي وأصحاب الحديث أن المشروع تقديم اليدين قبل الركبتين واستدلوا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه. رواه أحمد (2/381) وأبوداود والترمذي والنسائي وقال النووي في المجموع (3/421) : رواه أبو داود والنسائي بإسناد جيد.وصححه الشيخ الألباني في الإرواء (2/78) وقال: وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير محمد بن عبد الله بن الحسن وهو المعروف بالنفس الزكية العلوي وهو ثقة. وقد ذكر شيخ الإسلام كلاما نفيسا فيما يتعلق بهذه المسالة في الفتاوى (22/449) فقال: أما الصلاة بكليهما فجائزة باتفاق العلماء. إن شاء المصلي يضع ركبتيه قبل يديه، وإن شاء وضع يديه ثم ركبتيه وصلاته صحيحة في الحالتين باتفاق العلماء ولكن تنازعوا في الأفضل. انتهى. وطالب العلم يعمل بما ترجّح لديه والعاميّ يقلّد من يثق بعلمه والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2108 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1003 إذا جعل الشخص الذي أمامه سترة فقام، فهل يتحرك إلى سترة قريبة؟ [السُّؤَالُ] ـ[عندما أصلي خلف شخص آخر وأتخذه سترة، فماذا أفعل إذا ترك المكان؟ هل أتحرك للأمام أم أبقى كما كنت؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: السترة مستحبة في قول جمهور الفقهاء، وذهب بعضهم إلى وجوبها. جاء في "الموسوعة الفقهية" (24/177) : " يسن للمصلي إذا كان فذا (منفردا) ، أو إماما أن يتخذ أمامه سترة تمنع المرور بين يديه , وتمكنه من الخشوع في أفعال الصلاة , وذلك لما ورد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة , وليدن منها , ولا يدع أحدا يمر بين يديه) ، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (ليستتر أحدكم في صلاته ولو بسهم) , وهذا يشمل السفر والحضر , كما يشمل الفرض والنفل. والمقصود منها: كف بصر المصلي عما وراءها , وجمع الخاطر بربط خياله كي لا ينتشر , ومنع المار كي لا يرتكب الإثم بالمرور بين يديه. والأمر في الحديث للاستحباب لا للوجوب , قال ابن عابدين: صرح في المنية بكراهة تركها , وهي تنزيهية , والصارف للأمر عن حقيقته ما رواه أبو داود عن الفضل بن العباس رضي الله عنهما قال: (أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في بادية لنا فصلى في صحراء ليس بين يديه سترة) ، ومثله ما ذكره الحنابلة قال البهوتي: وليس ذلك بواجب لحديث ابن عباس رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في فضاء ليس بين يديه شيء) . هذا؛ ويستحب ذلك عند الحنفية والمالكية في المشهور , للإمام والمنفرد إذا ظن مرورا بين يديه , وإلا فلا تسن السترة لهما. ونقل عن مالك الأمر بها مطلقا , وبه قال ابن حبيب واختاره اللخمي. أما الشافعية فأطلقوا القول بأنها سنة , ولم يذكروا قيدا. وقال الحنابلة: تسن السترة للإمام والمنفرد ولو لم يخش مارا. أما المأموم فلا يستحب له اتخاذ السترة اتفاقا ; لأن سترة الإمام سترة لمن خلفه , أو لأن الإمام سترة له " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله بعد ذكر أدلة القولين: " وأدلَّة القائلين بأن السُّتْرة سُنَّة وهم الجمهور أقوى، وهو الأرجح، ولو لم يكن فيها إلاَّ أن الأصل براءة الذِّمَّة فلا تُشغل الذِّمَّة بواجب، ولا يحكم بالعقاب إلا بدليل واضح لكفى " انتهى من "الشرح الممتع" (3/277) . ثانيا: لا حرج في جعل الشخص المصلي أو الجالس أمامك سترة، فإن ترك المكان، ووجدت سترة قريبة كالجدار أو أحد الأعمدة، أو مصليا آخر، انتقلت إليها، وتغتفر هذه الحركة؛ لأنها لمصلحة الصلاة، فإن لم يكن هناك شيء قريب، أتممت صلاتك على حالك، ورددت المار بين يديك. جاء في "المدونة" (1/202) : " وقال مالك: إذا كان الرجل خلف الإمام وقد فاته شيء من صلاته فسلم الإمام وسارية عن يمينه أو عن يساره، فلا بأس أن يتأخر إلى السارية عن يمينه أو عن يساره إذا كان ذلك قريبا يستتر بها , قال: وكذلك إذا كانت أمامه فيتقدم إليها، ما لم يكن ذلك بعيدا , قال: وكذلك إذا كان ذلك وراءه فلا بأس أن يتقهقر إذا كان ذلك قليلا , قال: وإن كانت سارية بعيدة منه فليصل مكانه، وليدرأ ما يمر بين يديه ما استطاع " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 117758 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1004 هل يصلي المسافر السنن؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا كنت مسافرا وصليت مع الإمام في المسجد وأتممت الصلاة هل أصلي الراتبة أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المسافر يصلي ما شاء من النوافل، ولا يسن له ترك شيء من النوافل إلا السنة الراتبة القبلية والبعدية لصلاة الظهر، والسنة الراتبة لصلاتي المغرب والعشاء. أما ما عدا ذلك من السنن فإن المسافر يصليها، فقد روى مسلم (680) من حديث أبي قتادة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى راتبة الفجر في السفر. وثبت كذلك أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى الضحى ثمان ركعات في مكة يوم فتح الله عليه مكة. رواه البخاري (357) ومسلم (336) . وثبت كذلك أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى الوتر في السفر. رواه البخاري (1000) . قال الشيخ ابن عثيمين: "وأما الرواتب، فإنني تأملت ما جاءت به السنة في النوافل، وتبين لي أن راتبة الظهر، والمغرب، والعشاء لا تصلى، وما عدا ذلك من النوافل فإنه يصلى مثل سنة الفجر، وسنة الوتر، وصلاة الليل، وصلاة الضحى، وتحية المسجد حتى النفل المطلق أيضا" اهـ. مجموع فتاوى ابن عثيمين. (15/258) . وقد أنكر ابن عمر رضي الله عنهما على من صلى الراتبة في السفر، روى البخاري (1102) ومسلم (689) . عن حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، فَصَلَّى لَنَا الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَقْبَلَ وَأَقْبَلْنَا مَعَهُ حَتَّى جَاءَ رَحْلَهُ وَجَلَسَ وَجَلَسْنَا مَعَهُ، فَحَانَتْ مِنْهُ الْتِفَاتَةٌ نَحْوَ حَيْثُ صَلَّى، فَرَأَى نَاسًا قِيَامًا، فَقَالَ: مَا يَصْنَعُ هَؤُلاءِ؟ قُلْتُ: يُسَبِّحُونَ (أي يصلون النافلة) قَالَ: لَوْ كُنْتُ مُسَبِّحًا لأَتْمَمْتُ صَلاتِي، يَا ابْنَ أَخِي، إِنِّي صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، وَصَحِبْتُ أَبَا بَكْرٍ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، وَصَحِبْتُ عُمَرَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، ثُمَّ صَحِبْتُ عُثْمَانَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 48997 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1005 هل يجهر المنفرد بالقراءة؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم القراءة الجهرية للمصلي المنفرد؟ وهل يجوز أن يسر بها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه.. وبعد: الجهر بالقراءة في الصلاة الجهرية كالفجر، والأولى والثانية في المغرب والعشاء؛ سنة للإمام والمنفرد، ومن أَسَرَّ فلا حرج عليه، لكنه قد ترك السنة. وإذا رأى المنفرد أن الإسرار أخشع له فلا بأس، لأنه ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان في صلاة الليل ربما جهر وربما أسر كما ذكرت ذلك عائشة رضي الله عنها عنه عليه الصلاة والسلام، أما الإمام فالسنة له الجهر دائما اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم ولما في ذلك من نفع الجماعة لإسماعهم لكلام الله سبحانه سواء كانت الصلاة فرضا أو نفلا. والله ولي التوفيق. [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ ابن باز رحمه الله (11 / 116) . الحديث: 26268 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1006 حكم السلام على المصلي [السُّؤَالُ] ـ[هل يستحب قول السلام عليكم بصوت مرتفع عندما يدخل الشخص صالة المسجد حيث يؤدي الناس الصلاة؟ وإذا كان جائزاً، فهل ينبغي أن يقول السلام عليكم بصوت مرتفع حتى ولو كانت صلاة الجماعة قد بدأت وقد يشوش عليهم خشوعهم؟ أسأل هذا السؤال لأن عدداً قليلاً من إخواننا يقولون السلام عليكم حتى والإمام يقرأ في الصلوات الجهرية.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذهب جمهور العلماء إلى جواز السلام على المصلي إذا لم يؤد إلى تشويش أو تعريض صلاة جاهل للبطلان، لأنه قد يعتقد وجوب رد السلام باللفظ، فيرد فتبطل صلاته بذلك, وذهب الحنفية إلى كراهة ذلك. قال في "تبيين الحقائق": "وَيُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَى الْمُصَلِّي وَالْقَارِئِ وَالْجَالِسِ لِلْقَضَاءِ أَوْ لِلْبَحْثِ فِي الْفِقْهِ أَوْ لِلتَّخَلِّي، وَلَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الرَّدُّ، لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّه" انتهى. وفي "شرح الخرشي على مختصر خليل" [مالكي] (1/325) : "وَلَا يُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَى الْمُصَلِّي فِي فَرْضٍ وَلَا نَافِلَةٍ" انتهى. وقال النووي في "المجموع" (4/105) [شافعي] : " مقتضى كلام أصحابنا أنه لا يكره السلام على المصلي، وهو الذي يقتضيه الأحاديث الصحيحة" انتهى بتصرف. وقال الشيخ محمد بن عثيمين في "لقاء الباب المفتوح" (24/31) : "السلام على المصلي جائز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على الذين يسلمون عليه، إلا إذا خاف المسلم أن يشوش على المصلي فلا يسلم، أو خاف أن يتكلم بالرد، يعني: العامة أكثرهم لا يفهم، ربما إذا سلمت عليه قال: وعليك السلام، فبطلت صلاته إذا كان عالماً بأنها تبطل بذلك. فعلى كل حال نقول: السلام على المصلي غير منكر؛ لإقرار النبي صلى الله عليه وسلم عليه، إلا إذا خاف التشويش أو إبطال صلاة المسلَّم عليه فلا يسلم. أما كيف يرد؟ فلا يرد باللفظ فلا يقول: عليك السلام، وإنما يرد بالإشارة، يرفع يده حتى يعرف المسلم أنه رد عليه، ثم إن بقي المسلِّم عليه حتى يسلم وينصرف من صلاته رد عليه باللفظ، وإن ذهب لم يجب على المصلي أكثر مما ذكرت من الإشارة. وظاهر النصوص: أن الرد واجب لكنه يتعذر بالقول لأنه مبطل للصلاة" انتهى. فلا حرج من السلام على المصلي، إلا إذا كان فيه تشويش على المصلين، كالسلام والإمام يقرأ فإنه لا يسلم. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال جواب الحديث: 114225 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1007 الجهر والإسرار في نوافل الليل والنهار [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز الجهر في صلاة النفل إن كان في ذلك الخشوع أكثر من قراءة السرية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأصل هو الجهر بالقراءة في النوافل التي تؤدى ليلاً، والإسرار بالقراءة فيما يؤدى نهاراً. قال النووي رحمه الله: "أما صلاة العيد والاستسقاء والتراويح وخسوف القمر فيسن فيها الجهر بلا خلاف. وأما نوافل النهار فيسن فيها الإسرار بلا خلاف. وأما نوافل الليل غير التراويح فقال صاحب التتمة: يجهر فيها , وقال القاضي حسين وصاحب التهذيب: يتوسط بين الجهر والإسرار. وأما السنن الراتبة مع الفرائض: فيسر بها كلها باتفاق أصحابنا. ونقل القاضي عياض في شرح مسلم عن بعض السلف الجهر في سنة الصبح , وعن الجمهور الإسرار كمذهبنا" انتهى ... ثم ذكر النووي رحمه الله جملة من الأحاديث الواردة في ذلك. انظر: "المجموع" (3/357) . وقال في "كشاف القناع" (1/441) : "وكره لكل مصل جهر بقراءة نهارا في نفل غير كسوف , واستسقاء، وفي قراءة صلاة نفل ليلا يراعي المصلحة فإن كان بحضرته، أو قريبا منه، من يتأذى بجهره، أسر، وإن كان من ينتفع بجهره، جهر. قال المحب ابن نصر الله الكتاني: والأظهر أن النهار هنا من طلوع شمس لا من طلوع فجر , والليل من غروبها إلى طلوعها" انتهى بتصرف واختصار. وجاء في "الموسوعة الفقهية" (16/189) : "لا خلاف بين الفقهاء في سنّيّة الإسرار في نوافل النّهار المطلقة" انتهى. وإذا جهر المصلي بالقراءة في نافلة النهار لكون ذلك أدعى لخشوعه وانتباهه، فلا حرج عليه، غير أن السنة والأفضل: الإسرار. وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: هل يجوز رفع الصوت بالقراءة في الصلاة قليلاً بحيث لا يسمع ذلك إلا أنا ; لأنني والحال ما ذكر أكون أكثر خشوعاً؟ فأجاب: "إذا كان الإنسان يصلي لنفسه شُرع له أن يفعل ما هو أصلح لقلبه من الجهر والإسرار إذا كان في صلاة النافلة ليلا ولم يتأذ بجهره أحد. فإذا كان حوله من يتأذى بجهره كالمصلين والقراء والنوّم شرع له خفض الصوت. أما في الصلاة النهارية كصلاة الضحى والرواتب وصلاة الظهر والعصر , فإن السنة فيها الإسرار، ويشرع للإمام أن يجهر بعض الأحيان ببعض الآيات لقول أبي قتادة رضي الله عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم يسمعنا الآية أحياناً , يعني: في صلاة الظهر والعصر، والله ولي التوفيق" انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (11/126) . وانظر جواب السؤال رقم (67618) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 113891 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1008 لا تشرع الإقامة إلا للصلوات الخمس فقط [السُّؤَالُ] ـ[هل تجب الإقامة لأداء النوافل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا تشرع الإقامة إلا للصلوات الخمس فقط فليس لصلاة العيد أو الاستسقاء أو الكسوف أو النوافل إقامة. وقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (7/234) : "لا تشرع للنوافل إقامة الصلاة، وإنما الإقامة للفرائض الخمس" انتهى. وجاء فيها أيضاً (7/231) : "لا تشرع الإقامة لصلاة النافلة مطلقاً، لعدم ورودها في الشرع المطهر" انتهى. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111742 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1009 الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكره في الفريضة والنافلة [السُّؤَالُ] ـ[إذا مر الإنسان في الصلاة بآية فيها ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فهل يصلي عليه بمناسبة ذكره، أم أن الصلاة عليه ليست من أعمال الصلاة، إلا في موضعها من التشهد، فلا تفعل إلا فيه وأما في غيره فلا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " أما في الفريضة فلا يفعل ذلك؛ لعدم نقله عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأما في النافلة فلا بأس؛ لأنه كان صلى الله عليه وسلم في تهجده بالليل يقف عند كل آية فيها تسبيح فيسبح، وعند كل آية فيها تعوذ فيتعوذ، وعند كل آية فيها سؤال فيسأل، والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم من هذا الباب. والله ولي التوفيق " انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (11/201) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 108275 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1010 الدعاء في الصلاة بالزواج من رجل معين [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن أدعو في الصلاة أن أتزوج برجل محدد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية وبعض الحنابلة إلى جواز الدعاء في الصلاة بحاجات الدنيا المتنوعة، مما يُحِبُّ المُصلي أن يدعوَ به ويحتاج إليه، كأن يدعو بالزواج أو الرزق أو النجاح وغير ذلك. واستدلوا عليه بحديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم علّم الصحابة التشهد ثم قال في آخره: (ثُمَّ لْيَتَخَيَّرْ مِنَ المَسْأَلَةِ مَا شَاءَ) رواه البخاري (5876) ومسلم (402) وقد روى ابن أبي شيبة في "المصنف" (1/331) عَنْ الْحَسَنِ والشَّعْبِيِّ أَنَّهُمَا قَالَا: " اُدْعُ فِي صَلَاتِك بِمَا بَدَا لَك " انتهى. وجاء في "المدونة" (1/192) : " قَالَ مَالِكٌ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَدْعُوَ الرَّجُلُ بِجَمِيعِ حَوَائِجِهِ فِي الْمَكْتُوبَةِ، حَوَائِجِ دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ، فِي الْقِيَامِ وَالْجُلُوسِ وَالسُّجُودِ. قَالَ: وَأَخْبَرَنِي مَالِكٌ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: بَلَغَنِي عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إنِّي لَأَدْعُو اللَّهَ فِي حَوَائِجِي كُلِّهَا فِي الصَّلَاةِ حَتَّى فِي الْمِلْحِ " انتهى. وخالف في ذلك الحنفية وأكثر الحنابلة، فقالوا بعدم جواز الدعاء بأمور الدنيا في الصلاة، بل قالوا ببطلان صلاة من دعا بأي شيء من ذلك. جاء في "الإنصاف" (1/81-82) من كتب الحنابلة: " الدُّعَاءُ بِغَيْرِ مَا وَرَدَ , وَلَيْسَ مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الدُّعَاءُ بِذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ , وَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ – أي عن الإمام أحمد - يَجُوزُ الدُّعَاءُ بِحَوَائِجِ دُنْيَاهُ , وَعَنْهُ يَجُوزُ الدُّعَاءُ بِحَوَائِجِ دُنْيَاهُ وَمَلَّاذِهَا. كَقَوْلِهِ: اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي جَارِيَةً حَسْنَاءَ , وَحُلَّةً خَضْرَاءَ , وَدَابَّةً هِمْلَاجَةً , وَنَحْوَ ذَلِكَ " انتهى. وجاء في "الفتاوى الهندية (1/100) من كتب الحنفية: " وَلَوْ قَالَ: اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي فُلَانَةَ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَفْسُدُ ; لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ أَيْضًا مُسْتَعْمَلٌ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ " انتهى. وانظر "فتح القدير" (1/319) ، "نصب الراية" (1/558) وقد أخذوا ذلك عن جماعة من السلف، روى عنهم ابن أبي شيبة في "المصنف" (1/332) أنهم كانوا يستحبون الدعاء في الفريضة بما في القرآن فقط، بل روى عن عَنْ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَدْعُوَ فِي الصَّلَاةِ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا. جاء في "الموسوعة الفقهية" (20/265-266) : " قال الحنفيّة والحنابلة: يسنّ الدّعاء في التّشهّد الأخير بعد الصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم بما يشبه ألفاظ القرآن، أو بما يشبه ألفاظ السّنّة، ولا يجوز له الدّعاء بما يشبه كلام النّاس، كأن يقول: اللهمّ زوّجني فلانة، أو أعطني كذا من الذّهب والفضّة والمناصب. وأمّا المالكيّة والشّافعيّة فذهبوا إلى أنّه: يسنّ الدّعاء بعد التّشهّد وقبل السّلام بخيري الدّين والدّنيا، ولا يجوز أن يدعو بشيء محرّم أو مستحيل أو معلّق، فإن دعا بشيء من ذلك بطلت صلاته، والأفضل أن يدعو بالمأثور " انتهى. والصحيح هو قول المالكية والشافعية، وذلك لقوة ما استدلوا به، ولضعف حجة ما استدل به أصحاب القول الآخر. قال النووي رحمه الله في "المجموع" (3/454) : " مذهبنا أنه يجوز أن يدعو فيها بكل ما يجوز الدعاء به خارج الصلاة من أمور الدين والدنيا، وله – أن يقول -: اللهم ارزقني كسبا طيبا، وولدا، ودارا، وجارية حسناء يصفها، و: اللهم خلص فلانا من السجن، وأهلك فلانا، وغير ذلك، ولا يبطل صلاته شيء من ذلك عندنا. وبه قال مالك والثوري وأبو ثور وإسحق. وقال أبو حنيفة وأحمد لا يجوز الدعاء إلا بالأدعية المأثورة الموافقة للقرآن. واحتج لهم بقوله صلى الله تعالى عليه وسلم: (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) رواه مسلم. وبالقياس على رد السلام وتشميت العاطس. واحتج أصحابنا بقوله صلى الله عليه وسلم: (وأما السجود فاجتهدوا فيه من الدعاء) فأطلق الأمر بالدعاء ولم يقيده، فتناول كل ما يُسَمَّى دعاءً. ولأنه صلى الله عليه وسلم دعا في مواضع بأدعية مختلفة، فدل على أنه لا حجر فيه. وفى الصحيحين في حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في آخر التشهد: (ثم ليتخير من الدعاء ما أعجبه) و (أحب إليه) و (ما شاء) وفى روايه أبى هريرة " ثم يدعو لنفسه ما بدا له " قال النسائي وإسناده صحيح. وعن أبى هريرة أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يقول في قنوته: (اللهم أنج الوليد بن الوليد، وعياش بن أبى ربيعة، وسلمة بن هشام، والمستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلهما عليهم سنين كسني يوسف) رواه البخاري ومسلم. وفى الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم (اللهم العن رِعلاً وذَكوانَ وعُصَيَّةَ عصت الله ورسوله) وهؤلاء قبائل من العرب. والأحاديث بنحو ما ذكرناه كثيرة. والجواب عن حديثهم: أن الدعاء لا يدخل في كلام الناس. وعن التشميت ورد السلام أنهما من كلام الناس؛ لأنهما خطاب لآدمي بخلاف الدعاء. والله تعالى أعلم " انتهى. ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (3/283) : " وظاهر كلام المؤلِّف – يعني الإمام موسى الحجاوي من الحنابلة -: أنه لا يدعو بغير ما وَرَدَ، فلا يدعو بشيء مِن أمور الدُّنيا مثل أن يقول: اللَّهُمَّ اُرزقني بيتاً واسعاً، أو: اللَّهُمَّ ارزقني زوجة جميلة، أو: اللَّهُمَّ اُرزقني مالاً كثيراً، أو: اللَّهُمَّ اُرزقني سيارة مريحة، وما أشبه ذلك؛ لأن هذا يتعلَّق بأمور الدُّنيا، حتى قال بعض الفقهاء رحمهم الله: لو دعا بشيء مما يتعلَّق بأمور الدنيا بطلت صلاتُه. لكن هذا قول ضعيف بلا شَكٍّ. والصحيح: أنه لا بأس أن يدعو بشيء يتعلَّق بأمور الدُّنيا؛ وذلك لأن الدُّعاء نفسه عبادة ولو كان بأمور الدنيا، وليس للإنسان ملجأ إلا الله، وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (أقربُ ما يكون العبدُ مِن ربِّه وهو ساجد) ويقول: (أمَّا السُّجودُ فأكثروا فيه مِن الدُّعاء فَقَمِنٌ أن يُستجاب لكم) ويقول في حديث ابن مسعود لما ذَكَرَ التَّشهُّدَ: (ثم ليتخيَّر مِن الدُّعاء ما شاء) والإنسان لا يجد نفسه مقبلاً تمام الإقبال على الله إلا وهو يُصلِّي، فكيف نقول: لا تسأل الله - وأنت تُصلِّي - شيئاً تحتاجه في أمور دنياك! هذا بعيد جدًّا ... فالصَّواب بلا شَكٍّ أن يدعوَ بعد التشهُّدِ بما شاء مِن خير الدُّنيا والآخرة " انتهى. والحاصل أنه لا حرج عليك من الدعاء بتيسير الزواج من رجل معين – إذا كان من أهل الصلاح والخير – وإن كان الأولى دائما استعمال جوامع الدعاء وما أُثِرَ عنه صلى الله عليه وسلم، وانظري جواب السؤال رقم (5236) ، (6585) ، (75058) ثانيا: ثم نحن - وإن كنا أفتينا لك بجواز دعائك في صلاتك بالزواج من رجل معين - إلا أننا ننصحك – من الناحية النفسية والتربوية – ألا تبالغي في تفكيرك وحرصك على ذلك الموضوع، فالزواج قسمةٌ من الله سبحانه وتعالى، ومن رحمته سبحانه بالخلق أن وسَّع عليهم وأغناهم، فلم يقصُرِ المقسومَ برجل معين، وإنما علقه بمقوِّمات الخلق والدين، فحيث حلَّت هذه المقومات، لزم على المسلم الرضا والقبول. والمسلم المؤمن بقضاء الله وقدره يؤمن بحكمة الله في أمره وتصريفه، وأنه سبحانه قد يدفع عن العبد السوء الذي سعى إليه وأحبه وكان يدعو به، لعلمه سبحانه أن الخيرَ في غيره، يقول الله تعالى: (وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) البقرة/216 وشعار المسلم في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء الاستخارة: (وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ أَرْضِنِي) رواه البخاري (1162) فنرجو ألا يأخذ هذا الموضوع – من عقلك وقلبك - مساحة أكبر مما ينبغي، فكثيرون هم – بحمد الله – أصحاب الخلق والدين، ونسأل الله تعالى يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرزقك الرضا بما قسم لك وقدر. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105282 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1011 الدعاء في الصلاة بتيسير الصداقة مع رجل معين [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لي الدعاء في الصلاة المفروضة بأمر من أمور الدنيا، مع تحديد هذا الأمر بالاسم، كأن أقول: " اللهم اجعل فلان بن فلان صديقا لي "؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج من الدعاء بأمور الدنيا في الصلاة على الصحيح من قولي أهل العلم، وهو ما ذهب إليه المالكية والشافعية وبعض الحنابلة، كأن يسأل الله التوفيق في الدراسة أو الزواج أو يسأله تيسير عمل معين أو شفاء صديق أو قريب أو تيسير صحبة صالحة ونحو ذلك. والدليل على ذلك: حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم علّم الصحابة التشهد ثم قال في آخره: (ثُمَّ لْيَتَخَيَّرْ مِنَ المَسْأَلَةِ مَا شَاءَ) رواه البخاري (5876) ومسلم (402) . جاء في "المدونة" (1/192) : " قال مالك: ولا بأس أن يدعو الرجل بجميع حوائجه في المكتوبة، حوائج دنياه وآخرته، في القيام والجلوس والسجود " انتهى. وقال النووي في "المجموع" (3/454) : " مذهبنا أنه يجوز أن يدعو فيها (يعني: الصلاة) بكل ما يجوز الدعاء به خارج الصلاة من أمور الدين والدنيا، وله – أن يقول -: اللهم ارزقني كسبا طيبا، وولدا، ودارا، وجارية حسناء يصفها، و: اللهم خلص فلانا من السجن، وأهلك فلانا، وغير ذلك، ولا يبطل صلاته شيء من ذلك عندنا. وبه قال مالك والثوري وأبو ثور وإسحق. وقال أبو حنيفة وأحمد لا يجوز الدعاء إلا بالأدعية المأثورة الموافقة للقرآن. واحتج أصحابنا بقوله صلى الله عليه وسلم: (وأما السجود فاجتهدوا فيه من الدعاء) فأطلق الأمر بالدعاء ولم يقيده، فتناول كل ما يُسَمَّى دعاءً. وفى الصحيحين في حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في آخر التشهد: (ثم ليتخير من الدعاء ما أعجبه) و (ما أحب) و (ما شاء) وفى رواية أبى هريرة رضي الله عنه: (ثم يدعو لنفسه ما بدا له) قال النسائي: إسناده صحيح. وعن أبى هريرة رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يقول في قنوته: (اللهم أنج الوليد بن الوليد، وعياش بن أبى ربيعة، وسلمة بن هشام، والمستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلهما عليهم سنين كسني يوسف) رواه البخاري ومسلم. وفى الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم (اللهم العن رِعلاً وذَكوانَ وعُصَيَّةَ عصت الله ورسوله) وهؤلاء قبائل من العرب. والأحاديث بنحو ما ذكرناه كثيرة " انتهى بتصرف واختصار. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (3/283) : " وظاهر كلام المؤلِّف – يعني: موسى الحجاوي رحمه الله - أنه لا يدعو بغير ما وَرَدَ، فلا يدعو بشيء مِن أمور الدُّنيا مثل أن يقول: اللَّهُمَّ ارزقني بيتاً واسعاً، أو: اللَّهُمَّ ارزقني زوجة جميلة، أو: اللَّهمَّ ارزقني مالاً كثيراً، أو: اللَّهُمَّ ارزقني سيارة مريحة، وما أشبه ذلك؛ لأن هذا يتعلَّق بأمور الدُّنيا، حتى قال بعض الفقهاء رحمهم الله: لو دعا بشيء مما يتعلَّق بأمور الدنيا بطلت صلاتُه. لكن هذا قول ضعيف بلا شَكٍّ. والصحيح: أنه لا بأس أن يدعو بشيء يتعلَّق بأمور الدُّنيا؛ وذلك لأن الدُّعاء نفسه عبادة ولو كان بأمور الدنيا، وليس للإنسان ملجأ إلا الله، وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (أقربُ ما يكون العبدُ مِن ربِّه وهو ساجد) ويقول: (أمَّا السُّجودُ فأكثروا فيه مِن الدُّعاء فَقَمِنٌ أن يُستجاب لكم) ويقول في حديث ابن مسعود لما ذَكَرَ التَّشهُّدَ: (ثم ليتخيَّر مِن الدُّعاء ما شاء) والإنسان لا يجد نفسه مقبلاً تمام الإقبال على الله إلا وهو يُصلِّي، فكيف نقول: لا تسأل الله - وأنت تُصلِّي - شيئاً تحتاجه في أمور دنياك! هذا بعيد جدًّا. وقد جاء في الحديث عن الرَّسولِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: (ليسألْ أحدُكم ربَّه حاجته كلها حتى شِسْعَ نَعْلِه) وشِسْع النَّعل: يتعلَّق بأمور الدُّنيا. فالصَّواب بلا شَكٍّ أن يدعوَ بعد التشهُّدِ بما شاء مِن خير الدُّنيا والآخرة " انتهى. فيجوز أن تدعو في صلاتك المفروضة أو النافلة بتيسير صحبة الإخوان الصالحين، والأصدقاء الخيرين، ولو كان الدعاء بتعيين الأسماء. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 104907 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1012 موضع التورك في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[هل هيئة التورك موضعها في التشهد الأخير من كل صلاة، أم في الصلاة الرباعية فقط؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: التورك في الصلاة سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى البخاري عن أبي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ رضي الله عنه في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه: (وَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ قَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْأُخْرَى وَقَعَدَ عَلَى مَقْعَدَتِهِ) . والتورك له صفات ثابتة: الصفة الأولى: أن يفرش رجله اليسرى، وينصب اليمنى، ويخرجهما من الجانب الأيمن، ويجعل أليتيه على الأرض. الصفة الثانية: أن يفرش القدمين جميعاً، ويخرجهما من الجانب الأيمن، ويجعل أليتيه على الأرض. ثانياً: اختلف أهل العلم رحمهم الله في موضع التورك في الصلاة، فذهب الحنابلة: إلى أن التورك يكون في التشهد الأخير إذا كان في الصلاة تشهدان، وأما إن كانت الصلاة ذات تشهد واحد، كصلاة الفجر أو السنن التي تُصلى مثنى مثنى، فإنه يجلس مفترشاً. قال البهوتي رحمه الله في "كشاف القناع" (1/364) : " ثُمَّ يَجْلِس فِي التَّشَهُّدِ الثَّانِي مِنْ ثُلَاثِيَّةٍ، فَأَكْثَر مُتَوَرِّكًا؛ لِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ، فَإِنَّهُ وَصَفَ جُلُوسَهُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ مُفْتَرِشًا، وَفِي الثَّانِي مُتَوَرِّكًا , وَهَذَا بَيَانُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا , وَزِيَادَة يَجِبُ الْأَخْذُ بِهَا , وَالْمَصِيرُ إلَيْهَا , وَحِينَئِذٍ لَا يُسَنَّ التَّوَرُّكُ، إلَّا فِي صَلَاةٍ فِيهَا تَشَهُّدَانِ أَصْلِيَّانِ، فِي الْأَخِيرِ مِنْهُمَا " انتهى. وذهب الشافعية: إلى أن التورك مستحب في التشهد الأخير من الصلوات كلها، سواء كانت ذات تشهدين أو تشهد واحد؛ وذلك لعموم حديث أبي حميد المتقدم، وفيه: (وإذا جلس في الركعة الأخيرة) . قال ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري": "وَاسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ تَشَهُّد الصُّبْح كَالتَّشَهُّدِ الْأَخِير مِنْ غَيْره؛ لِعُمُومِ قَوْلُهُ: (فِي الرَّكْعَة الْأَخِيرَة) " انتهى. وقال النووي رحمه الله في "المجموع" (3/431) : " مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْلِسَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ مُفْتَرِشًا وَفِي الثَّانِي مُتَوَرِّكًا , فَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ جَلَسَ مُتَوَرِّكًا " انتهى. والراجح هو مذهب الحنابلة؛ وقد اختاره علماء اللجنة الدائمة للإفتاء (الشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ عبد الله بن قعود) . انظر: "فتاوى اللجنة الدائمة" (7/15) . وقال ابن قدامة رحمه الله في "المغنى" (1/318) : "جَمِيعُ جَلَسَاتِ الصَّلَاةِ لَا يُتَوَرَّكُ فِيهَا إلَّا فِي تَشَهُّدٍ ثَانٍ. لحَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ افْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى , وَنَصَبَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى) . وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَا يُسَلِّمُ فِيهِ وَمَا لَا يُسَلِّمُ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ التَّحِيَّةَ , وَكَانَ يَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَنْصِبُ الْيُمْنَى) رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَهَذَانِ يَقْضِيَانِ عَلَى كُلِّ تَشَهُّدٍ بِالِافْتِرَاشِ , إلَّا مَا خَرَجَ مِنْهُ، لِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ فِي التَّشَهُّدِ الثَّانِي , فَيَبْقَى فِيمَا عَدَاهُ عَلَى قَضِيَّةِ الْأَصْلِ , وَلِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِتَشَهُّدٍ ثَانٍ , فَلَا يَتَوَرَّكُ فِيهِ كَالْأَوَّلِ , وَهَذَا لِأَنَّ التَّشَهُّدَ الثَّانِيَ , إنَّمَا تَوَرَّكَ فِيهِ لِلْفَرْقِ بَيْنَ التَّشَهُّدَيْنِ , وَمَا لَيْسَ فِيهِ إلَّا تَشَهُّدٌ وَاحِدٌ لَا اشْتِبَاهَ فِيهِ , فَلَا حَاجَةَ إلَى الْفَرْقِ " انتهى باختصار. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "لقاء الباب المفتوح": متى يجلس المصلي جلسة التورك في الصلاة وفي أي صلاة؟ فأجاب: " التورك يكون في التشهد الأخير في كل صلاة ذات تشهدين، أي: الأخيرة من المغرب، والأخيرة من العشاء، والأخيرة من العصر، والأخيرة من الظهر، أما الصلاة الثنائية، كالفجر، وكذلك الرواتب، فإنه ليس فيها تورك، التورك إذاً في التشهد الأخير في كل صلاة فيها تشهدان " انتهى. وللفائدة راجع جواب السؤال رقم (13340) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103886 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1013 هل الاستعاذة والبسملة جزء من استفتاح الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[هل الاستعاذة والبسملة (التعوذ بالله من الشيطان ثم قول باسم الله) هما جزء من بداية الدعاء؟ وإذا كان أحد الأشخاص يصلي خلف الإمام هل يجب عليه ذكر الاستعاذة والبسملة بصوت منخفض؟ وهل يجب عليه فعل ذلك في كل ركعة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الاستعاذة والبسملة ليست من دعاء الاستفتاح الوارد وإن كانت مما تُستفتح به الصلاة، كحديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير " رواه مسلم رقم 498. أما قولهما في الركعة الثانية ففيه اختلاف عند أهل العلم، فالبسملة يُؤتى بها في كل الركعات عند قراءة الفاتحة دون الجهر بها، للخلاف في أنها آية من الفاتحة أم لا، ومن يقول من العلماء إنها ليست آية من الفاتحة يستحب قراءتها قبل الفاتحة في جميع الركعات. هذا هو الأحوط للمصلي أن يقرأ البسملة في كل ركعة دون الجهر بها. وأما الاستعاذة: فلم يختلف أهل العلم أنها ليست آية من سورة الفاتحة، ولكن أشكل عندهم قوله تعالى: (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله) . فمن نظر إلى ظاهر الآية أخذ بمشروعية الاستعاذة في كل ركعة قبل أن يقرأ الفاتحة والبسملة، وهذا مذهب الشافعية وهو الأصح عندهم. (المجموع 3/323) وقد استحب التعوذ في كل ركعة الحسن البصري وعطاء وإبراهيم النخعي. واختار هذا القول ابن حزم رحمه الله، وهذا القول رواية عن الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أنه ذكرها في " آداب المشي إلى الصلاة " واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (الإنصاف 2/74) ، وقال رحمه الله في (الإختيارات) : " ويستحب التعوذ أول كل قراءة " أ. هـ ص 50 وهذا اختيار العلامة الألباني. وذهب جمع من أهل العلم إلى أن المشروع قراءتها في الركعة الأولى فحسب دون تكرارها في بقية الركعات، وهذا هو المذهب عن الحنابلة (الإنصاف 2/73) ورجح الشوكاني قراءتها في الركعة الأولى فقط (نيل الأوطار 3/39،139-140) وكان صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله في الصلاة، فيقول: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه) رواه أبو داود، وكان أحياناً يزيد فيه فيقول: (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه) رواه أبو داود والترمذي. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2506 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1014 رفع السبابة عند التهليل بعد الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[هل رفع السبابة عند التهليل عند الانتهاء من التسبيح والحمد والتكبير ثابت؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل دبر الصلوات، سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا، وفيها ثواب عظيم وأجر كبير، ومما جاء في ذلك ما رواه مسلم (597) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ سَبَّحَ اللَّهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَحَمِدَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَكَبَّرَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ فَتْلِكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ وَقَالَ تَمَامَ الْمِائَةِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ غُفِرَتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ) . وأما رفع السبابة عند التهليل في هذا الموضع، فلم نقف على ثبوته في شيء من السنة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 100145 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1015 أقل ما يجزئ قراءته بعد الفاتحة [السُّؤَالُ] ـ[أود سؤالكم بخصوص السورة القصيرة الثانية في الصلاة.. ما أقل عدد للآيات يجوز قراءته؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قراءة سورة بعد الفاتحة في الركعتين الأوليين من الصلاة، مستحبة غير واجبة، في قول جمهور أهل العلم. قال أبو هريرة رضي الله عنه: في كل صلاة قراءة، فما أسمعَنا النبي صلى الله عليه وسلم أسمعْناكم، وما أخفى منا أخفيناه منكم، ومن قرأ بأم الكتاب فقد أجزأت عنه، ومن زاد فهو أفضل. رواه البخاري (738) وعنده (وإن زدت فهو خير) ، ومسلم (396) . قال النووي رحمه الله: " قوله: (ومن قرأ بأم الكتاب أجزأت عنه، ومن زاد فهو أفضل) : فيه دليل لوجوب الفاتحة، وأنه لا يجزئ غيرها. وفيه استحباب السورة بعدها، وهذا مجمع عليه في الصبح والجمعة والأولييْن من كل الصلوات، وهو سنة عند جميع العلماء، وحكى القاضي عياض رحمه الله تعالى عن بعض أصحاب مالك وجوب السورة، وهو شاذ مردود. " انتهى من "شرح مسلم" (4 / 105) . وأقل ما يجزئ قراءته: آية، واستحب أحمد رحمه الله أن تكون طويلة، كآية الدين وآية الكرسي. قال في "شرح المنتهى" (1/191) : " قال القاضي [أبو يعلى] وغيره: وتجزئ آية إلا أن أحمد استحب كونها طويلة , كآية الدين والكرسي " انتهى. وينبغي إذا اقتصر على آية واحدة، أن تكون آية تفيد معنى، أو حكماً بمفردها. قال البهوتي رحمه الله في " كشاف القناع " (1 / 342) : " والظاهر أنه لا تجزئ آية لا تستقل بمعنى أو حكم نحو (ثم نظر) و (مدهامتان) انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97484 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1016 مشروعية التعوذ عند قراءة آية عذاب [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من يقف عند آيات العذاب في قراءة القرآن أثناء الصلاة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يسن للمصلي أن يتعوذ بالله إذا مر بآية عذاب، وأن يسأل الرحمة إذا مر بآية رحمة، في قول جمهور أهل العلم؛ لما روى مسلم (772) عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ فَقُلْتُ يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ ثُمَّ مَضَى فَقُلْتُ يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ فَمَضَى فَقُلْتُ يَرْكَعُ بِهَا ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ) . ورواه الترمذي والنسائي بلفظ: (إذا مر بآية عذاب وقف وتعوّذ) . وروى أبو داود (873) والنسائي (عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ قَالَ قُمْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً فَقَامَ فَقَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ لَا يَمُرُّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إِلَّا وَقَفَ فَسَأَلَ وَلَا يَمُرُّ بِآيَةِ عَذَابٍ إِلَّا وَقَفَ فَتَعَوَّذَ قَالَ ثُمَّ رَكَعَ بِقَدْرِ قِيَامِهِ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ ثُمَّ سَجَدَ بِقَدْرِ قِيَامِهِ ثُمَّ قَالَ فِي سُجُودِهِ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ بِآلِ عِمْرَانَ ثُمَّ قَرَأَ سُورَةً سُورَةً) . وهذا يدل على مشروعية الوقوف عند آية العذاب والتعوذ. قال النووي رحمه الله في "المجموع" (3/562) : " قال الشافعي وأصحابنا: يسن للقارئ في الصلاة وخارجها إذا مر بآية رحمة أن يسأل الله تعالى الرحمة أو بآية عذاب أن يستعيذ به من العذاب , أو بآية تسبيح أن يسبح أو بآية مثل أن يتدبر. قال أصحابنا: ويستحب ذلك للإمام والمأموم والمنفرد ... وكل هذا يستحب لكل قارئ في صلاته أو غيرها، وسواء صلاة الفرض والنفل والمأموم والإمام والمنفرد؛ لأنه دعاء فاستووا فيه كالتأمين , ودليل هذه المسألة حديث حذيفة رضي الله عنه ... هذا تفصيل مذهبنا: وقال أبو حنيفة رحمه الله: يكره السؤال عند آية الرحمة والاستعاذة في الصلاة. وقال بمذهبنا جمهور العلماء من السلف فمن بعدهم " انتهى. وقال في "كشاف القناع" (1/384) : " (وله السؤال والتعوذ في فرض ونفل، عند آية رحمة أو عذاب) انتهى. وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " يسن لكل من قرأ في الصلاة أو غيرها إذا مر بآية رحمة أن يسأل الله تعالى من فضله , وإذا مر بآية عذاب أن يستعيذ به من النار. وإذا مر بآية تنزيه لله سبحانه نزهه فقال: سبحانه وتعالى , أو نحو ذلك , ويستحب لكل من قرأ (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) أن يقول: (بلى وأنا على ذلك من الشاهدين) , وإذا قرأ: (أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) قال: (بلى أشهد) , وإذا قرأ: (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) قال: (آمنت بالله) , وإذا قرأ: (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) قال: (لا نكذب بشيء من آيات ربنا) , وإذا قرأ: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) قال: (سبحان ربي الأعلى) , ويستحب هذا للإمام والمأموم والمنفرد؛ لأنه دعاء فهو مطلوب منهم كالتأمين , وكذلك الحكم في القراءة في غير الصلاة " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (11/75) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ما حكم من قال آمين أو أعوذ بالله من النار أو سبحان الله والإمام يقرأ في صلاة جهرية وذلك عندما يسمع المأموم آيات تستوجب التعوذ أو التسبيح أو التأمين؟ فأجاب: أما الآيات التي تستوجب التسبيح أو التعوذ أو السؤال إذا مر بها القارىء في صلاة الليل فإنه يسن له أن يفعل ما يليق، فإذا مر بآية وعيد تعوذ، وإذا مر بآية رحمة سأل. وأما إذا كان مستمعاً للإمام فإن الأفضل ألا يتشاغل بشيء غير الإنصات والاستماع، نعم إذا قدّر أن الإمام وقف عند آخر الآية وهي آية رحمة فسأل المأموم أو هي آية وعيد فتعوذ أو آية تعظيم فسبح فهذا لا بأس به، وأما إذا فعل ذلك والإمام مستمر في قراءته فأخشى أن يشغله هذا عن الاستماع إلى قراءة الإمام، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام حين سمع أصحابه يقرؤون خلفه في الصلاة الجهرية قال: (لا تفعلوا إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) " انتهى من "فتاوى نور على الدرب". ولكن من أهل العلم من خصّ استحباب ذلك بصلاة بالنافلة، لأن هذا هو الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن فعله في الفريضة جاز، وإن لم يكن سنة. ومنهم قال: يفعل ذلك في الفرض والنفل. وانظر جواب السؤال رقم (85481) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96028 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1017 مواضع رفع اليدين في الصلاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أعرف مسألة رفع اليدين في الصلاة؟ ما هي الطريقة الصحيحة في هذا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يسن للمصلي أن يرفع يديه في أربعة مواضع في الصلاة: مع تكبيرة الإحرام وعند الركوع وعند الرفع من الركوع وإذا قام من التشهد الأول، فعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله علية وسلم أنه كان: إذا دخل في الصلاة، كبر ورفع يديه، وإذا ركع رفع يديه، وإذا قال: سمع الله لمن حمده رفع يديه، وإذا قام من الركعتين رفع يديه. رواه البخاري 2/222 وأبو داود1/197. ومعنى قوله {إذا قام من الركعتين رفع يديه} : أي إذا قام من التشهد الأول ورفع اليدين يكون حذو المنكبين أو الأذنين، انظر العيني في العمدة 5/7، شرح مسلم للنووي 4/95، صفة صلاة النبي للألباني 87 والله تعالى أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 3267 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1018 ماذا يقول في التشهد في الصلاة الثنائية؟ [السُّؤَالُ] ـ[في الصلاة الثنائية ماذا يقول المصلي في التشهد هل يقول الأول أم يقول الثاني أم كلاهما معاً وبأيهما يبدأ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله في الصلاة الثنائية يقول المصلي التشهد، وهذه إحدى صيغه (التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ) البخاري (831) ومسلم (402) ثم بعد ذلك يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) البخاري (3370) ومسلم (406) . ثم يدعو بهذا الدعاء فيقول: (اللَّهُمَّ إِنَّي أعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ) البخاري (833) ومسلم (588) . ثم بعد ذلك يدعو بما أحب من خيري الدنيا والآخرة. وإذا دعا بالأدعية الواردة في السنة كان أحسن. راجع سؤال رقم 5236. والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 26889 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1019 متى يمنع الطفل من المرور أمام المصلي؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما السن الذي إذا بلغه الطفل الرضيع أو الصغير وجب علينا منعه من المرور بين يدي المصلي والسترة؟ وهل تعتبر السترة انتهكت إذا مر بينها وبين المصلي رغم بذل الجهد لمنعه؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن مما ينبغي للمسلم الحرص عليه اتخاذ السترة في الصلاة إذا كان إماماً أو منفرداً ومما ينبغي له أيضاً أن يجتهد ألا يمرّ شيء أمامه وهو يصلي لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا صلّى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان) رواه البخاري (الصلاة / 509) ومسلم (الصلاة /505) . وأما الصبي الصغير فإنه يُمنع أيضاً من المرور لعموم الأدلة ولما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: (هبطنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثنية أذاخر فحضرت الصلاة يعني فصلّى إلى جدار فاتخذه قبلة ونحن خلفه فجاءت بهمة تمرّ بين يديه فما زال يدارئها حتى لصق بطنه بالجدار ومرّت من ورائه) رواه أبو داود (807) وصححه الألباني. ففي هذا دليل على أن المنع ليس مختصّاً بالعاقل أو البالغ. أما إذا بذل المصلي جهده في منع المار بين يديه ولم يستطع منعه، فما الحكم؟ قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: (الإثم على المار أما أنت إذا كنت قد قمت بما أمرك به النبي عليه الصلاة والسلام ولم تتمكن من دفع هذا المار فإن صلاتك لا تنقص) الشرح الممتع ص: 343. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20199 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1020 هل يرفع المسبوق يديه إذا قام من التشهد ليكمل صلاته؟ [السُّؤَالُ] ـ[ذكرت في جوابك على سؤال رقم 3267 بأننا يجب أن نرفع أيدينا بعد الرفع من الركعة الثانية، إذا لحقنا بالجماعة متأخرين، فأي ركعة تُعتبر الثانية بالنسبة لنا؟ إذا لحقنا بالجماعة في الركعة الثانية فهي الثانية بالنسبة للجماعة ولكنها الأولى بالنسبة لي]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم ما يدركه المسبوق مع الإمام هو أول صلاته، وانظر السؤال رقم (23426) . ويستحب رفع اليدين إذا قام من التشهد الأول. لكن المتأخر ركعة عن الإمام هل يرفع يديه إذا قام من التشهد أم لا؟ سئل عن ذلك الشيخ ابن عثيمين رحمه الله فقال: يرفع يديه، لأن الظاهر أن رفع اليد إذا قام إلى الركعة الثالثة من أجل قيامه من التشهد، وهذا المعنى موجود فيمن دخل مع الإمام متأخراً والله اعلم. تنبيه: قول السائل: إنه يجب رفع اليدين ليس بصواب، لأن رفع اليدين سنة من سنن الصلاة وليس واجباً. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 21506 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1021 أفضلهما أكثرهما نافلة [السُّؤَالُ] ـ[في إذا كان شخص يؤدي عملاً ما ويؤدي سننا أكثر من شخص آخر يؤدي سننا أقل، هل معنى هذا أنه يوجد نور أكثر في عمل الرجل الأول؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المحافظة على أداء السنن من أسباب محبة الله للعبد، كما في الحديث الذي رواه البخاري (6502) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه ". ودل الحديث أيضا على أن المكثر من النوافل يعينه الله ويسدده ويحفظ جوارحه: سمعه وبصره ويده ورجله. قال الخطابي رحمه الله: (والمعنى: توفيق الله لعبده في الأعمال التي يباشرها بهذه الأعضاء، ... بأن يحفظ جوارحه عليه، ويعصمه عن مواقعة ما يكره الله من الإصغاء إلى اللهو بسمعه، ومن النظر إلى ما نهى الله عنه ببصره، ومن البطش فيما لا يحل له بيده، ومن السعي إلى الباطل برجله) . وقال غيره: لا يتحرك له جارحة إلا في الله ولله، فهي كلها تعمل بالحق للحق. [فتح الباري 11/352] . ومن كان هذا حاله فلا شك أن في عمله نورا وتوفيقا، يزيد بزيادة نوافله. لكن الحكم بأن عمل فلان أكثر نورا وتوفيقا من عمل غيره لكثرة نوافله، مما لا يمكن الجزم به، لأنه يتوقف على قبول الله تعالى لتلك النوافل، وهذا غيب لا يعلمه إلا الله، لكن بحسب الظاهر ينبغي للإنسان إذا خير بين عاملين أن يختار أتقاهما لله وأحرصهما على السنة رجاء أن يكون موفقا مسددا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 21565 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1022 الدعاء عقب الفرائض بدعة [السُّؤَالُ] ـ[بعض المصلين يدعون بعد الانتهاء (التسليم) من صلاة الفريضة مباشرة، ويقول غيرهم بأن [المسموح به] هو التسبيح الفاطمي فقط. وهناك من يتشدد في أن الدعاء بعد الصلاة مباشرة بدعة. وقد أحدث هذا الموضوع شيئا من التوتر في جاليتنا خاصة من يتبعون الإمام أبو حنيفة أو الشافعي. فهل يجوز لنا الدعاء بعد الصلاة؟ وهل يجوز لنا الدعاء سويا مع الإمام بعد الانتهاء من الصلاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: (ليس الدعاء بعد الفرائض بسنة إذا كان برفع الأيدي، سواء كان من الإمام وحده أو المأموم وحده، أو منهما جميعا، بل ذلك بدعة؛ لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله عنهم، أما الدعاء بدون ذلك فلا بأس به، لورود بعض الأحاديث في ذلك) . فتاوى اللجنة الدائمة 7/103 وسئلت اللجنة عن: رفع اليدين بالدعاء بعد الصلوات الخمس هل ثبت رفعها عن النبي صلى الله عليه وسلم أم لا، وإذا لم يثبت هل يجوز رفعهما بعد الصلوات الخمس أم لا؟ فأجابت: (لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما نعلم أنه رفع يديه بعد السلام من الفريضة في الدعاء، ورفعهما بعد السلام من صلاة الفريضة مخالف للسنة) فتاوى اللجنة 7/104 وأفادت اللجنة أيضا بأن: (الدعاء جهرا عقب الصلوات الخمس والسنن والرواتب أو الدعاء بعدها على الهيئة الاجتماعية على سبيل الدوام بدعة منكرة؛ لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء من ذلك ولا عن أصحابه رضي الله عنهم، ومن دعا عقب الفرائض أو سننها الراتبة على الهيئة الاجتماعية فهو مخالف في ذلك لأهل السنة والجماعة، ورميه من خالفه ولم يفعل كما فعل بأنه كافر أو ليس من أهل السنة والجماعة جهل منه وضلال وقلب للحقائق) فتاوى إسلامية 1/319 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 21976 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1023 جلسة الاستراحة سنة مستحبة [السُّؤَالُ] ـ[هل جلسة الاستراحة عند القيام من الركعة الأولى للثانية، والقيام من الثالثة للرابعة في الصلاة واجبة أو سنة مؤكدة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اتفق العلماء على أن جلوس المصلي بعد رفعه من السجدة الثانية من الركعة الأولى والثالثة وقبل نهوضه لما بعدها ليس من واجبات الصلاة، ولا من سننها المؤكدة، ثم اختلفوا بعد ذلك هل هو سنة فقط أو ليس من واجبات الصلاة أصلاً؟ أو يفعلها من احتاج إليها لضعف من كبر سن أو مرض أو ثقل بدن. فقال الشافعي وجماعة من أهل الحديث: إنها سنة وهي إحدى الروايتين عن الإمام أحمد لما رواه البخاري وغيره من أصحاب السنن عن مالك بن الحويرث أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم فإذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعداً. رواه البخاري في الأذان (818) . ولم يرها أكثر العلماء منهم أبو حنيفة ومالك وهي الرواية الأخرى عن أحمد رحمهم الله لخلو الأحاديث الأخرى عن ذكر هذه الجلسة، واحتمال أن يكون ما ذكر في حديث مالك بن الحويرث من الجلوس كان في آخر حياته عندما ثقل بدنه صلى الله عليه وسلم أو لسبب آخر. وجمعت طائفة ثالثة بين الأحاديث بحمل جلوسه صلى الله عليه وسلم على حالة الحاجة إليه، فقالت: إنها مشروعة عند الحاجة دون غيرها، والذي يظهر هو أنها مستحبة مطلقاً، وعدم ذكرها في الأحاديث الأخرى لا يدل على عدم استحبابها، بل يدل على عدم وجوبها. ويؤيد القول باستحبابها أمران: أحدهما: أن الأصل في فعل النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يفعلها تشريعاً ليُقتدي به، والأمر الثاني: في ثبوت هذه الجلسة في حديث أبي حميد الساعدي الذي رواه أحمد وأبو داود بإسناد جيد، وفيه وصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في عشرة من الصحابة رضي الله عنهم فصدقوه في ذلك. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة في فتاوى إسلامية 1/268 الحديث: 21985 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1024 حكم تغميض العينين في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم تغميض العينين في الصلاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اتفق العلماء على كراهة تغميض العينين في الصلاة لغير حاجة، فقد نص صاحب الروض على كراهته لأنه من فعل اليهود (الروض المربع 1/95) وكذلك صاحب منار السبيل والكافي وزاد لأنه مظنة النوم (منار السبيل 1/66، الكافي 1/285) ونص صاحب الإقناع على كراهيته إلا لحاجة كما لو خاف محذوراً بأن رأى أمته أو زوجته أو أجنبية عريانة (الإقناع 1/127، المغني 2/30) وكذلك صاحب المغني. فيما نص صاحب تحفة الملوك على الكراهية دون الإشارة إلى وجود الحاجة من عدمها (تحفة الملوك 1/84) وقال الكاساني: يكره لأنه خلاف السنة في أنه يشرع رمي العينين إلى موضع السجود، ولأن لكل عضو حظه من العبادة وكذلك العينان (بدائع الصنائع 1/503) . ونص صاحب مراقي الفلاح على الكراهية إلا لمصلحة وقال: ربما يكون التغميض أولى من النظر (مراقي الفلاح 1/343) . وقال الإمام العز بن عبد السلام في فتاويه بالجواز عند الحاجة إن كان ذلك أخشع للمصلي في صلاته، ونص ابن القيم في زاد المعاد على أن الإنسان إذا كان أكثر خشوعاً بتفتيح العينين فهو أولى، وإن كان أخشع له تغميض العينين لوجود ما يشغله عن الصلاة من تزويق وزخرفة فإنه لا يكره قطعاً بل القول باستحباب التغميض أقرب إلى مقاصد الشرع وأصوله من القول بالكراهة. (زاد المعاد 1/283) [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 22174 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1025 جهر المرأة بالصلاة بحضرة المحارم [السُّؤَالُ] ـ[وهل يجوز للمرأة أن تقول آمين بصوت عال إذا كانت تصلي والرجال حولها هم أهلها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله وقول المرأة آمين بصوت مرتفع، إذا كان بحضرة محارمها، ولم يكن بحضرة أجانب فإنه يجوز لأن المرأة منهية عن رفع صوتها بحضرة الأجانب خشية الفتنة، وبحضرة المحارم فهي غير منهية عن ذلك. سئل الشيخ الفوزان حفظه الله عن جهر المرأة بالصلاة فقال: يستحب لها أن تجهر في قراءة الصلاة سواء كانت فريضة أو نافلة (أي الصلاة الجهرية) ما لم يسمعها رجل أجنبي يُخشى أن يفتتن بصوتها، فإذا كانت في مكان لا يسمعها رجل أجنبي، وفي صلاة الليل فإنها تجهر بالقراءة، إلا إذا ترتب على ذلك التشويش على غيرها فإنها تُسِرُّ، أما في صلاة النهار فإنها تُسرّ بالقراءة، لأن صلاة النهار سرية.. حيث لا يستحب الجهر في صلاة النهار لمخالفة ذلك للسنة.أهـ. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 10245 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1026 تحريك السبابة في التشهد [السُّؤَالُ] ـ[ما هو الشرح التفصيلي لتحريك السبابة في التشهد وهل يوجد حديث على ذلك؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يسن الإشارة بالسبابة وتحريكها في التشهد، لما روى أحمد (18890) والنسائي عن وائل بن حجر قال: قلت لأنظرن إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلي فنظرت إليه فقام فكبر ورفع يديه حتى حاذتا بأذنيه ثم وضع يده اليمنى على كفه اليسرى والرسغ والساعد فلما أراد أن يركع رفع يديه مثلها. قال: ووضع يديه على ركبتيه ثم لما رفع رأسه رفع يديه مثلها ثم سجد فجعل كفيه بحذاء أذنيه ثم قعد وافترش رجله اليسرى ووضع كفه اليسرى على فخذه وركبته اليسرى وجعل حد مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى ثم قبض اثنتين من أصابعه وحلق حلقة ثم رفع إصبعه فرأيته يحركها يدعو بها " والحديث صححه الألباني في صحيح النسائي. وروى مسلم (580) عن عبد الله بن عمر قال: كان – أي النبي صلى الله عليه وسلم - إذا جلس في الصلاة وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى وقبض أصابعه كلها وأشار بإصبعه التي تلي الإبهام ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى ". وفي رواية له عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه ورفع إصبعه اليمنى التي تلي الإبهام فدعا بها ويده اليسرى على ركبته اليسرى باسطها عليها. وروى النسائي (1273) عن سعد قال: مر علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أدعو بأصابعي فقال أَحِّدْ أَحِّدْ وأشار بالسبابة. أي: أشر بأصبع واحدة وهي السبابة. وروى أحمد (5964) عن نافع قال كان عبد الله بن عمر إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه وأشار بإصبعه وأتبعها بصره ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهي أشد على الشيطان من الحديد يعني السبابة ". والحديث حسنه الألباني في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ص 159 وهذه الأحاديث تدل على أمرين: الأول: الإشارة بالسبابة في التشهد كله. والثاني: تحريكها حال الدعاء. وقد بين الشيخ ابن عثيمين رحمه الله جمل الدعاء الواردة في التشهد، فقال: (فكلما دعوت حرك إشارةً إلى علو المدعو سبحانه وتعالى، وعلى هذا فنقول: السلام عليك أيها النبي: فيه إشارة لأن السلام خبر بمعنى الدعاء. السلام علينا: فيه إشارة. اللهم صل على محمد: فيه إشارة. اللهم بارك على محمد: فيه إشارة. أعوذ بالله من عذاب جهنم: فيه إشارة. ومن عذاب القبر: إشارة. ومن فتنة المحيا والممات: إشارة. ومن فتنة المسيح الدجال: إشارة. وكلما دعوت تشير إلى علو من تدعوه سبحانه وتعالى، وهذا أقرب إلى السنة.) انتهى من الشرح الممتع 3/202 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 11527 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1027 مقدار المسافة التي يسقط معها الإثم للمار بين يدي المصلي [السُّؤَالُ] ـ[كم مقدار المسافة التي تكون بينك وبين المصلي حتى تستطيع المرور من أمامه؟ البعض يقول إنها لا بد أن تكون مسافة كبيرة جداً بينما يقول آخرون بأنه يمكن المرور من مسافة بَعْد ما بين يديه مباشرة. فما هو الصحيح في هذا الموضوع؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ينبغي على المسلم الحرص على اتخاذ السترة بين يديه في الصلاة وهو من السنن المؤكدة، وذهب بعض أهل العلم إلى وجوب اتخاذ السترة في الصلاة. وقد جاء الوعيد للمار بين يدي المصلي فقد ثبت في الصحيح عن أبي جُهَيْمٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ أَبُو النَّضْرِ لا أَدْرِي أَقَالَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَوْ سَنَة ً) رواه البخاري (الصلاة/480) ومسلم (الصلاة / 507) . أما ضابط المسافة للمرور إذا لم يكن هناك سترة فللعلماء في ذلك عدَّة أقوال نكتفي بذكر أقوى هذين القولين: فذهب بعض أهل العلم إلى أن المسافة ترجع إلى العرف. قال الشيخ ابن باز: ومتى بَعُدَ المُصَلِّي عَمَّا بين يدي المصلي إذا لم يلق بين يديه سترة سَلِم من الإثم، لأنه إذا بعد عنه عرفاً لا يسمى ماراً بين يديه كالذي يَمُرّ من وراء السترة. وذهب بعض أهل العلم إلى أن المسافة المعتبرة في ذلك ثلاثة أذرع من مكان قيام المصلي، أو بعد مقدار ممر شاة من مكان سجود المصلي، وهو المقدار الشرعي لمكان لسترة بين يدي المصلي، وهو قول كثير من أهل العلم. عن سهل بن سعد قال: كان بين مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الجدار ممر الشاة. رواه البخاري (474) ومسلم (508) . عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا دخل الكعبة مشى قبل وجهه حين يدخل وجعل الباب قبل ظهره فمشى حتى يكون بينه وبين الجدار الذي قبل وجهه قريبا من ثلاثة أذرع صلى يتوخى المكان الذي أخبره به بلال أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فيه. رواه البخاري (484) . [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 13700 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1028 إذا صلى نافلة الفجر والمغرب مع زوجته هل يجهر بالقراءة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل إذا كنت أصلي نافلة المغرب أو الفجر وصلت معي زوجتي، هل لي أن أجهر في الصلاة؟ أم أن نافلة الفجر والمغرب والعشاء لا جهر فيها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذكر العلماء رحمهم الله تعالى أن المشروع أن يسر المصلي في صلاة النافلة نهاراً، ويخير في صلاة الليل بين الجهر والإسرار، لثبوت الأمرين عن الرسول صلى الله عليه وسلم، غير أن الجهر أفضل. فعن أبي قتادة رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ليلة , فإذا هو بأبي بكر رضي الله عنه يصلي يخفض من صوته , ومر بعمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يصلي رافعا صوته , فلما اجتمعا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم: مررت بك يا أبا بكر وأنت تصلي تخفض من صوتك قال: قد أسمعت من ناجيت يا رسول الله , وقال لعمر: مررت بك وأنت تصلي رافعا صوتك. فقال: يا رسول الله أوقظ الوسنان وأطرد الشيطان , فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر ارفع من صوتك شيئا , وقال لعمر: اخفض من صوتك شيئا) رواه أبو داود وصححه النووي في المجموع. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل يخفض طورا، ويرفع طورا) رواه أبو داود وحسنه النووي في المجموع. وقال الكاساني في "بدائع الصنائع" (1/161) : "وأما في التطوعات فإن كان في النهار يخافت، وإن كان في الليل فهو بالخيار إن شاء خافت وإن شاء جهر , والجهر أفضل ; لأن النوافل أتباع الفرائض , والحكم في الفرائض كذلك" انتهى. وجاء في "الموسوعة الفقهية" (25/281) : "ما يستحب وما يكره في السنن الرواتب: يستحب الإسرار بالقراءة إذا كانت النافلة نهارا اعتبارا بصلاة النهار , ويتخير بين الجهر والإسرار في الصلاة الليلية إذا كان منفردا , والجهر أفضل بشرط أن لا يشوش على غيره , أما إذا كانت النافلة أو الوتر تؤدى جماعة فيجهر بها الإمام ليسمع من خلفه , ويتوسط المنفرد بالجهر" انتهى. وقال في "كشاف القناع" (1/441) : "وكره لكل مصل جهر بقراءة نهارا في نفل غير كسوف , واستسقاء، وفي قراءة صلاة نفل ليلا يراعي المصلحة فإن كان بحضرته، أو قريبا منه، من يتأذى بجهره، أسر، وإن كان من ينتفع بجهره، جهر. قال المحب ابن نصر الله الكتاني: والأظهر أن النهار هنا من طلوع شمس لا من طلوع فجر , والليل من غروبها إلى طلوعها" انتهى بتصرف واختصار. ومذهب الإمام الشافعي رحمه الله أنه يسر في السنن الرواتب كلها، سواء كانت ليلية أم نهارية. قال النووي رحمه الله: "أما صلاة العيد والاستسقاء والتراويح وخسوف القمر فيسن فيها الجهر بلا خلاف. وأما نوافل النهار فيسن فيها الإسرار بلا خلاف. وأما نوافل الليل غير التراويح فقال صاحب التتمة: يجهر فيها , وقال القاضي حسين وصاحب التهذيب: يتوسط بين الجهر والإسرار. وأما السنن الراتبة مع الفرائض: فيسر بها كلها باتفاق أصحابنا" انتهى. والذي يظهر ـ والله أعلم ـ أن المصلي نافلةً ليلاً، يخير بين الجهر والإسرار. فعلى هذا، لا حرج عليك إن صليت راتبة الفجر والمغرب والعشاء سرّاً أو جهراً. وينبغي التنبه إلى أن المداومة على صلاة هذه الرواتب جماعة ليس من السنة، ولا حرج إذا صلاها الإنسان جماعة أحياناً، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (38606) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 91325 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1029 كيف تنقذ جدها المتوفى من عاقبة أكله مال الآخرين؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا حفيدة لجد مات، وأنا أحبه ولن أنساه بالدعاء: توفي جدي والد أبي، وبعد أن مات أصبحنا نراه في أحلامنا بأحوال غريبة ومفزعة، فمرة نراه محروقا، ومرة نراه يتقلب في دورة المياه، وهكذا، وبعد البحث تبين لنا أنه قد أخذ قطعة أرض ليتيم وبنى عليها منزله، وأن هذا اليتيم لا يعلم، ولكنه قبل أن يموت استسمح منه وأعطاه ثلاثة آلاف ريال دون أن يخبره، وقد سامحه وهو لا يعلم إلى الآن، كما أن جدي هذا وأخاً له - وقد مات أيضا - لم يعطوا أخواتهم وعمتهم ورثهم، كما هو متعارف بأن المرأة لا ترث، أما أخواتهم فقد ماتوا ولهم بنات، أما عمتهم فقد ماتت ولها ابن واحد، لكن المسألة لا تقف عند هذا الحد، فقد رفض الأبناء الاعتراف بحقوق الآخرين، بحجة أنهم لن يوزعوا أراضيهم على الناس، مع أنهم لا يذهبون إلى القرية، ويسكنون في المدن، والبيوت أصبحت مهجورة، والأراضي لم تعد تزرع، ونحن الأحفاد في حيرة من أمرنا، فهذا جدنا، ونحن الذين دائما نحلم به، فأرجو إعطائي الحل والنصيحة؛ فجدي في عذاب.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: من أخطر ما يمكن أن يلقى العبدُ ربَّه به يوم القيامة أكل أموال الناس بالباطل، فهي كبيرة من الكبائر التي تهلك العبد وتثقل وزره يوم القيامة، وتفضي به إلى النار، نسأل الله السلامة والعافية. ومن أعظم الظلم والتعدي: أكل أموال المستضعفين من اليتامى والنساء، فقد خصهم الله تعالى بمزيد عناية، ومزيد تحذير من أكل أموالهم، لأن أيدي الظلمة تجد أموالهم سهلة المنال بسبب ضعفهم وعجزهم. فلما ذكر الله سبحانه وتعالى في سورة النساء نصيب أصحاب الفروض من الوارثين، حذر من تجاوز هذه القسمة الشرعية، فقال سبحانه: (وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) النساء/14. كما عد الله تعالى أكل أموال اليتامى من الكبائر. يقول الله تعالى: (وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً) النساء/2. ويقول عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) النساء/10. وغصب الأرض من كبائر الذنوب، وعقابه شديد، ويزداد العقاب شدة إذا كانت الأرض ليتيم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ ظُلْمًا فَإِنَّهُ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ) رواه البخاري (3198) ومسلم (1610) . فالعجب - والله - ممن تجده يحرص على أداء الصلوات ونوافل العبادات، ثم تجده قد شغل ذمته بحقوق الناس، وحمل على ظهره أوزارا تنوء بها الجبال يوم القيامة، فلم تردعه صلاته ولا صيامه ولا قراءته القرآن عن طمع نفسه وشحها، ولم يرحم ضعف امرأة أو صغير أو يتيم فاعتدى على حقوقهم التي كتبها الله لهم. وبعد ذلك كله نرجو النجاة لهم عند الله؟! أختنا: نسأل الله أن يجزيك خير الجزاء على حرصك الشديد لإنقاذ جدك المتوفى مما تظنينه واقعاً فيه من العذاب، ولكننا لا نملك إلا أن نذكر لك الحقيقة التي قررها الله في كتابه، وقررها نبينا صلى الله عليه وسلم، أن غصب الأرض، وأكل أموال اليتامى ظلما، والتعدي في قسمة المواريث، كل ذل من كبائر الذنوب، فإذا لم يتب الرجل منها قبل موته (ومن توبته: رد الحقوق إلى أهلها) فإذا لم يتب كان معرضا لعقاب الله تعالى، ثم إذا كان يوم القيامة أخذ أصحاب الحقوق من حسناته بقدر حقوقهم، فإن فنيت حسناته أخذ من سيئاتهم وطرحت عليه، ثم طرح في النار، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه عن المفلس. رواه مسلم (2581) . وتوبة جدك من غصب أرض اليتيم بالصورة التي ذكرت لا تكفي، بل كان الواجب عليه أن يخبره بحقيقة الأمر، ويعطيه حقه كاملا. قال الغزالي رحمه الله - في شروط التوبة من مظالم الناس -: "وعليه أن يعرفه قدر جنايته وتعرضه له، فالاستحلال المبهم لا يكفي، وربما لو عرف ذلك وكثرة تعديه عليه لم تطب نفسه بالإحلال، وادخر ذلك في القيامة ذخيرة يأخذها من حسناته أو يحمله من سيئاته " انتهى. " إحياء علوم الدين " (4 / 47) . وجدك قد انتقل من دار العمل إلى دار الجزاء، فلا تملكون له إلا أمرين: الأول: الدعاء له بأن يتجاوز الله عنه. الثاني: رد الحقوق إلى أصحابها وسؤالهم أن يعفوا عن جدك ويسامحوه، فإنَّ ردَّ الحقوقِ إليهم ـ وإن كان لا يبرئ ذمة جدك تماماـ إلا أنه ولا شك يخفف كثيرا من المظالم التي تحملها، وحيث إنك تقولين إن بعض أصحاب الحقوق قد ماتوا، فالواجب دفع حقهم إلى ورثتهم. ثانيا: وأما أعمامك فالنصيحة لهم أن يبادروا إلى رد الحقوق إلى أصحابها، فإن لم يفعلوا كانوا مغتصبين لهذه الحقوق، وسيلقون الله تعالى بهذه الكبائر إن لم يتوبوا منها، وقولهم: " إنهم لن يعطوا أراضيهم للناس " قول عجيب منهم، وهم يعلمون أنها ليست أرضهم ولا أرض أبيهم، والقول الحق الموافق للواقع هو أن يقولوا: (إننا سنستمر غاصبين لأراضي الناس) . والظن بهم وبجميع المسلمين أنهم لا يقحمون أنفسهم فيما يستوجبون به عذاب الله، فإن عذاب الله شديد، ونعيم الدنيا بأجمعها لا يساوي لحظة في نار جهنم، نسأل الله العافية. ونسأل الله أن يوفق أعمامك للتوبة النصوح. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 89609 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1030 ماذا يقرأ في جلسة التشهد الأولى؟ [السُّؤَالُ] ـ[أريد منكم بيان كيفية التشهد في الصلاة الثلاثية والرباعية، أعني هل يجب قراءة التشهد بأكمله في الركعة الثانية، وذلك بالتعليل من الكتاب والسنة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد للَّه أولا: التشهد الأول في الصلاة الثلاثية أو الرباعية واجب على الصحيح من قولي العلماء، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (65847) . وللتشهد ألفاظ متنوعة، انظر بعضها في جواب السؤال رقم (98031) . ثانيا: اختلف العلماء في مشروعية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد قراءة التشهد الأول، على قولين: القول الأول: أنه يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا قول الشافعي رحمه الله، وجعل على من تركها سجود السهود، واختار المشروعية أيضا ابن حزم في "المحلى" (2/302) يقول الشافعي في "الأم" (1/228) : " والتشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول في كل صلاة غير الصبح تشهدان: تشهد أول وتشهد آخر، إن ترك التشهد الأول والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول ساهيا لا إعادة عليه، وعليه سجدتا السهو لتركه " انتهى. وقد اختار هذا القول الشيخ عبد العزيز بن باز والألباني رحمهما الله، انظر: "مجموع فتاوى ابن باز " (11/201) و "كتاب الصلاة " للألباني (ص 145) . القول الثاني: أنه يقتصر على قراءة التشهد إلى الشهادتين، ولا يزيد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا قول جمهور الفقهاء، وقد اختار هذا القول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. جاء في "الموسوعة الفقهية" (12/39) : " يرى جمهور الفقهاء أنّ المصلّي لا يزيد على التّشهّد في القعدة الأولى بالصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم وبهذا قال النّخعيّ والثّوريّ وإسحاق. وذهب الشّافعيّة في الأظهر من الأقوال إلى استحباب الصّلاة فيها، وبه قال الشّعبيّ. وأمّا إذا جلس في آخر صلاته فلا خلاف بين الفقهاء في مشروعيّة الصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم بعد التّشهّد " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (3/225) : " لا يستحب أن تصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول، وهذا ظاهر السنة، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعلِّم ابن مسعود وابن عباس إلا هذا التشهد فقط، وقال ابن مسعود: (كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد) وذكر التشهد الأول فقط، ولم يذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول، فلو كان سنة لكان الرسول عليه الصلاة والسلام يعلمهم إياه في التشهد. وأما قولهم: (يا رسول الله! علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا؟) فهو سؤال عن الكيفية وليس فيه ذكر الموضع، وفرق بين أن يعين الموضع أو تبين الكيفية، ولهذا قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد: كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم تخفيف هذا التشهد، ثم ذكر الحديث أنه (كان كأنما يجلس على الرضف) يعني الحجارة المحماة، من شدة تعجيله، وهذا الحديث وإن كان في سنده نظر، لكن هو ظاهر السنة، أي أنه لا يزيد على هذا، وفي صحيح ابن خزيمة (أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتشهد في هذا الجلوس ولا يدعو) ، ومع ذلك لو أن أحدا من الناس صلى على النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموضع ما أنكرنا عليه، لكن لو سَأَلَنَا أيهما أحسن؟ لقلنا: الاقتصار على التشهد فقط، ولو صلى لم ينه عن هذا الشيء؛ لأنه زيادة خير، وفيه احتمال، وإن كان ضعيفا أنه يصلي عليه في هذا المكان " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 89871 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1031 متى يَشرَعُ المأموم بالتسليم عن اليمين؟ [السُّؤَالُ] ـ[عند التسليم من الصلاة، هل يسلم المأموم بعد الأولى من الإمام، ثم الثانية بعد الثانية، أم ينتظر ولا يسلم حتى ينتهي الإمام من التسليمة الثانية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأفضل للمأموم أن لا يسلم من الصلاة حتى يفرغ الإمام من التسليمة الثانية. قال النووي رحمه الله "المجموع" (3/463) : " قال البغوي: يستحب ألا يبتدئ السلام حتى يفرغ الإمام من التسليمتين، وهو ظاهر نص الشافعي في البويطي كما نقله البغوي، فإنه قال: (ومن كان خلف إمام، فإذا فرغ الإمام من سلامه سلم عن يمينه وشماله) " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (4/267) : "قال العلماء: يكره أن تسلم مع إمامك التسليمة الأولى والثانية، وأما إذا سلمت التسليمة الأولى بعد التسليمة الأولى، والتسليمة الثانية بعد التسليمة الثانية فإن هذا لا بأس به، لكن الأفضل أن لا تسلم إلا بعد التسليمتين " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 75977 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1032 هل يشترط في أدعية الصلاة أن تكون مما ثبت في السنة؟ [السُّؤَالُ] ـ[في قيام الليل عندما يطيل المصلي الركوع أو السجود هل يجب عليه أن يأتي بجميع الأذكار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم أو الدعاء بما شاء من الأدعية؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج على المصلي أن يدعو في صلاته بما شاء , مما ورد في السنة – وهو أفضل الأدعية وأجمعها , ومما لم يَرِدْ مما يجوز الدعاء به. ومن دعا بما ورد في الشرع فله ثوابٌ على اتباعه ما ورد في الشرع، وله أجرٌ على دعائه. ومن النصوص المبيحة لعموم الدعاء بما يجوز قوله صلى الله عليه وسلم: (ثم يتخيّر من المسألة ما شاء) وفي لفظ: (ثم يتخيّر من الدعاء أعجبه إليه فيدعو) رواه البخاري (835) ومسلم (402) وقد ورد هذا في الدعاء قبل التسليم من الصلاة. وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: " يشرع للمؤمن أن يدعو في صلاته في محل الدعاء سواء كانت الصلاة فريضة أو نافلة، ومحل الدعاء في الصلاة هو السجود، وبين السجدتين، وفي آخر الصلاة بعد التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وقبل التسليم، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو بين السجدتين بطلب المغفرة، وثبت أنه كان يقول بين السجدتين: (اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني وعافني) . وقال عليه الصلاة والسلام: (أما الركوع فعظِّموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقَمِن – أي: جدير وحقيق - أن يُستجاب لكم) أخرجه مسلم في صحيحه، وخرَّج مسلم أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء) . وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما علَّمه التشهد قال: (ثم ليتخير بعد من المسألة ما شاء) ، وفي لفظ: (ثم ليتخيَّر من الدعاء أعجبه إليه فيدعو) . والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وهي تدل على شرعية الدعاء في هذه المواضع بما أحبه المسلم من الدعاء سواء كان يتعلق بالآخرة أو يتعلق بمصالحه الدنيوية , بشرط ألا يكون في دعائه إثم ولا قطيعة رحم، والأفضل أن يكثر من الدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى. " فتاوى الشيخ ابن باز " (11 / 171، 172) . وقال رحمه الله أيضاً: " الدعاء في الصلاة لا بأس به سواء كان لنفسه أو لوالديه أو لغيرهما، بل هو مشروع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء) . . . ثم ذكر الأحاديث المتقدمة ثم قال: فإذا دعا في سجوده أو في آخر الصلاة لنفسه أو لوالديه أو المسلمين: فلا بأس؛ لعموم هذه الأحاديث وغيرها " انتهى. " فتاوى الشيخ ابن باز " (11 / 173، 174) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 75058 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1033 حكم الاستعاذة قبل قراءة الفاتحة في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الاستعاذة قبل قراءة القرآن في الصلاة؟ هل هي واجبة أم مستحبة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ قبل قراءة الفاتحة في الصلاة. رواه أبو داود (775) وصححه الألباني. ثانياً: اختلف العلماء في حكم الاستعاذة قبل قراءة الفاتحة في الصلاة فذهب بعضهم إلى الوجوب، وذهب إليه عطاء والثوري والأوزاعي وداود، نقله ابن حزم في "المحلى" (3/247-248) واختاره، وهو رواية عن أحمد اختارها ابن بطة كما في "الإنصاف" (2/119) ، واختار هذا القول من المتأخرين الشيخ الألباني رحمهم الله جميعا. وذهب آخرون إلى الاستحباب فقط وليس الوجوب، وهو قول جماهير أهل العلم من الصحابة والتابعين والأئمة أبي حنيفة والشافعي وأحمد في المعتمد من مذهبه. انظر: "تبيين الحقائق" (1/107) ،"المجموع" (3/280-282) ، "المغني" (1/283) ، "الفتاوى الكبرى" لابن تيمية (5/332) . واستدل القائلون بالوجوب بقوله تعالى: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) النحل/98، قالوا: وفي الآية أمر بالاستعاذة، والقاعدة أن الأمر يفيد الوجوب ما لم تأت قرينة – يعني دليل – آخر يدل على أن المقصود بالأمر الاستحباب. قال ابن حزم في "المحلى" (2/279) : " وأما قول أبي حنيفة والشافعي أن التعوذ ليس فرضا فخطأ؛ لأن الله تعالى يقول: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) ، ومن الخطأ أن يأمر الله تعالى بأمر ثم يقولَ قائل بغير برهان من قرآن ولا سنة: هذا الأمر ليس فرضا، لا سِيَّما أمره تعالى بالدعاء في أن يعيذنا من كيد الشيطان، فهذا أمر مُتَيَقَّنٌ أنه فرض؛ لأن اجتناب الشيطان والفرار منه وطلب النجاة منه لا يختلف اثنان في أنه فرض، ثم وضع الله تعالى ذلك علينا عند قراءة القرآن " انتهى. وأجاب الجمهور عن هذا الدليل بأنه قد جاءت بعض القرائن فصرفت الأمر عن الوجوب إلى الاستحباب، وهذه القرائن هي: 1- حديث المسيء صلاته: فقد عَلَّمَه النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة فقال له: (إِذَا قُمتَ إِلَى الصَّلاةِ فَكَبِّر ثُمَّ اقرَأ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ القُرآنِ ثُمَّ اركَع..إلخ) رواه البخاري ومسلم (397) ولم يذكر له الاستعاذة. قال الإمام الشافعي في "الأم" (1/208) : " وإن تركه ناسيا أو جاهلا أو عامدا لم يكن عليه إعادة ولا سجود سهو، وأكره له تركه عامدا، وأحب إذا تركه في أول ركعة أن يقوله في غيرها، وإنما منعني أن آمره أن يعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم عَلَّمَ رجلا ما يكفيه في الصلاة فقال: (كَبِّر ثُمَّ اقْرَأ) قال: ولم يُروَ عنه أنه أمره بتعوذ ولا افتتاح، فدل على أن افتتاح رسول الله صلى الله عليه وسلم اختيارٌ، وأن التعوذ مما لا يُفسِدُ الصلاةَ إن تركه " انتهى. 2- وجاء في "الموسوعة الفقهية" (4/6) : " واحتجّ الجمهور بأنّ الأمر للنّدب، وصرفه عن الوجوب إجماع السّلف على سنّيّته " انتهى. وقد اختار القول بأنه سنة مستحبة وليست واجبة علماء اللجنة الدائمة للإفتاء، والشيخ ابن عثيمين. جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (6/383) : ما حكم من نسي الاستعاذة من الشيطان الرجيم وتذكر بعد انقضاء الصلاة، أو ذكر أنه لم يقل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وهو بالصلاة؟ فأجابت: " الاستعاذة سنة، فلا يضر تركها في الصلاة عمدًا أو نسيانا " انتهى. وسئل الشيخ ابن عثيمين: هل الاستعاذة في كل ركعة أو في الأولى فقط؟ فأجاب: " الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم في الصلاة سنة. واختلف العلماء - رحمهم الله - هل يستعيذ في كل ركعة، أم في الركعة الأولى فقط، بناء على القراءة في الصلاة: هل هي قراءة واحدة، أم لكل ركعة قراءة منفردة؟ والذي يظهر لي: أن قراءة الصلاة واحدة، فتكون الاستعاذة في أول ركعة، إلا إذا حدث ما يوجب الاستعاذة، كما لو انفتح عليه باب الوساوس، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر الإنسان إذا انفتح عليه باب الوساوس أن يتفل عن يساره ثلاثاً، ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (13/110) . وسبق اختيار هذا القول في جواب السؤال رقم (65847) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 74341 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1034 أين ينظر المصلي عند ما يسلم في الصلاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[عندما يسلم المصلي بعد الإمام، هل يدير رأسه باتجاه الكتفين أم إلى أقصى نهايتي الصف؟ عندما أصلي بمفردي وأسلم فأنا أنظر إلى طرفي الكتفين، هل فعلي صحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لم يأتِ نصٌّ في السنَّة النبويَّة - فيما نعلم - في موضع نظر المصلي عندما يسلِّم، والذي ورد في " صحيح مسلم " أنه يلتفت إلى صاحبه الذي بجانبه. عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: صليتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنا إذا سلمنا قلنا بأيدينا " السلام عليكم "، " السلام عليكم "، فنظر إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (ما شأنكم تشيرون بأيديكم كأنها أذناب خيلٍ شُمُسٍ؟ إذا سلم أحدكم فليلتفت إلى صاحبه ولا يومئ بيده) رواه مسلم (431) . وخيل شمس: هي الخيل النافرة التي لا تستقر. وورد ما يدل على شدة الالتفات عن اليمين واليسار. عن عامر بن سعد عن أبيه قال: كنت أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه وعن يساره حتى أرى بياض خده. رواه مسلم (582) . وروى النسائي (1329) عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الأَيْمَنِ، وَعَنْ يَسَارِهِ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الأَيْسَرِ. صححه الألباني في صحيح النسائي. ولا يكون ذلك إلا عند شدة الالتفات، كما قال الكاساني في "بدائع الصنائع" (1/214) . فتحصل من هذه الأحاديث: أن المصلي يلتفت عن اليمين والشمال، ويكون التفاته شديداً، وإلى مَنْ على يمينه وشماله، وله أن ينظر إليه أو إلى كتفه فالأمر واسع. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69819 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1035 يقرأ خواتيم سورة البقرة في صلاة الوتر [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم المداومة على قراءة نهاية سورة البقرة في التسليمة الخامسة من صلاة التراويح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله مداومة الإمام على قراءة خواتيم سورة البقرة في التراويح أو الشفع والوتر، إن اعتقد أنه سنة، فقط أخطأ. والثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ بالأعلى والكافرون والإخلاص. لما روى أبو داود (1423) والنسائي (1736) وابن ماجه (1171) واللفظ له، عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بسبح اسم ربك الأعلى، وقل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد) . صححه الألباني في صحيح النسائي. فمن أراد اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فهذه سنته، ولا حرج إذا قرأ غير ذلك من القرآن الكريم، لكن لا يداوم على شيء معين لا يتعداه إلى غيره، فإن هذا قد يُدخل فعله ذلك في البدعة المذمومة لأنه بذلك يخص صلاة بقراءة معينة لم يخصها الرسول صلى الله عليه وسلم، ويتقرب إلى الله بما لم يشرعه، وهذا من البدع. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69902 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1036 الصلاة بثوب نصف كُم وحاسر الرأس [السُّؤَالُ] ـ[أنا أصلي في قميص نصف كم وحاسر الرأس، والمصلون في مسجدنا يعترضون على ذلك، وقد قيل لي: إنه نتيجة للملابس التي أرتديها وعدم اتباعي للسنة، فإني سأخسر بعض الثواب، ما هو اللباس اللائق للصلاة حسب سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: أمر الله تعالى المصلي أن يتجمل ويتزين للصلاة فقال: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) الأعراف/31. والتزين للصلاة أمرٌ زائد على ستر العورة، ولذلك أمرت المرأة أن تستر رأسها في الصلاة، مع أنها يجوز لها كشفها أمام المحارم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " وأما التزين للصلاة فأمرٌ زائد على ستر العورة، والأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب: فقوله سبحانه وتعالى (خذوا زينتكم عند كل مسجد) أنزله الله سبحانه لما كان المشركون يطوفون بالبيت عراة ... وكل محل للسجود فهو مسجد، وهذا يدل على أن السترة للصلاة والطواف أمر مقصوده التزين لعبادة الله، ولذلك جاء باسم الزينة لا باسم السترة ليبين أن مقصوده أن يتزين العبد لا أن يقتصر على مجرد الاستتار. وأما السنة: فقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله الصلاة حائض إلا بخمار) ... . وأما الإجماع: فقال أبو بكر بن المنذر: أجمع أهل العلم على أن على المرأة الحرة البالغة أن تخمر (أي تغطي) رأسها إذا صلت، وعلى أنها إذا صلت وجميع رأسها مكشوف أن عليها إعادة الصلاة، وكذلك حكى غيره الإجماع على اشتراط السترة في الجملة " انتهى. "شرح العمدة" (4/258، 259) باختصار. ثانياً: إذا عُلِم هذا: فإن على المصلي أن يأخذ زينته للصلاة، وتختلف هذه الزينة من بلاد إلى أخرى بحسب عرفهم، ومنه ما جاء في السؤال، وهو الصلاة في ثوب " نصف كُم " و " الصلاة حاسر الرأس " فإذا كان عرف أهل البلاد أن أكمل الزينة هو تغطية الرأس ولبس ثوب " كم طويل ": فإن الدخول في الصلاة على الهيئة الواردة في السؤال: خلاف ما أمر الله تعالى - وإن كانت الصلاة صحيحة - أما إن كان عُرف أهل البلاد في اللباس هو مثل ما جاء في السؤال، فلا حرج من الدخول في الصلاة على هذه الكيفية. وينبغي أن يُعلم أن الحكم يختلف أيضاً باختلاف الثوب نفسه، فقد يكون الثوب ذو الكم القصير جرت العادة في بعض البلاد بلبسه، والتزين به، ويذهب به الرجل – مثلاً – إلى العمل ونحو ذلك، فهذا لا بأس من الصلاة فيه، وقد يكون هذا الثوب قد جرت العادة بأنه ليس من لباس الزينة، بل يلبسه الرجل في بيته فقط، أو عند النوم فقط، فمثل هذا لا ينبغي الصلاة فيه. وهذه فتاوى أهل العلم، وفيها بيان القاعدة السابقة، وهي أن هذا الحكم تبع للعادة في كل بلد. 1. سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: إمام يصلي بالناس وليس على رأسه غطاء فما الحكم في هذا؟ فأجاب: " لا حرج في ذلك؛ لأن الرأس ليس من العورة، وإنما الواجب أن يصلي بالإزار والرداء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء) لكن إذا أخذ زينته واستكمل لباسه كان ذلك أفضل؛ لقول الله جل وعلا: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) ، أما إن كان في بلاد ليس من عادتهم تغطية الرأس، فلا بأس عليه في كشفه " انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (10/405، 406) . 2. وسئل أيضاً رحمه الله: هل يجوز الصلاة بدون عمامة؟ وهل يجوز للإمام الذي يصلي بالناس أن يصلي بدون غترة؟ وهل تجزئ الطاقية؟ فأجاب: " الصلاة بغير عمامة لا حرج فيها؛ لأن الرأس ليس بعورة، ولا يجب ستره في الصلاة، سواء كان المصلي إماماً أو منفرداً أو مأموماً، ولكن إذا لبس العمامة المعتادة كان أفضل، ولاسيما إذا صلى مع الناس؛ لقول الله عز وجل: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) وهي من الزينة. ومعلوم أن المحرمين من الذكور يصلون كاشفي الرؤوس؛ لكونهم ممنوعين من سترها حال الإحرام، فعلم بذلك أن كشف الرأس في الصلاة لا حرج فيه " انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (10/406) . 3. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وقد ورد عن ابن عمر أنه قال لمولاه نافع: " أتخرج إلى الناس حاسر الرأس؟ قال: لا، قال: فالله عز وجل أحق أن يستحيى منه "، وهو يدل على أن الأفضل ستر الرأس، ولكن إذا طبقنا هذه المسألة على قوله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) الأعراف/31، تبين لنا أن ستر الرأس أفضل في قوم يُعتبر ستر الرأس عندهم من أخذ الزينة، أما إذا كنَّا في قوم لا يُعتبر ذلك من أخذ الزينة: فإنا لا نقول: إن ستره أفضل، ولا إن كشفه أفضل، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أنه كان يصلي في العمامة " والعمامة ساترة للرأس " انتهى. "الشرح الممتع" (2/166) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 68815 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1037 ما الحكمة من الصلاة الجهرية والسرية؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك حكمة معينة في صلاة الظهر والعصر سرّاً وباقي الفروض جهراً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الجهر فيما جهر به النبي صلى الله عليه وسلم، والإسرار فيما أسرَّ به من الصلوات هو من سنن الصلاة وليس من واجباتها، والأفضل للمصلي عدم مجاوزة سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم وهديَه. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " الجهر بالقراءة في الصلاة الجهرية ليس على سبيل الوجوب بل هو على سبيل الأفضلية، فلو أن الإنسان قرأ سراً فيما يشرع فيه الجهر لم تكن صلاته باطلة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا صلاة لمن لم يقرأ بأمِّ القرآن) ولم يقيِّد هذه القراءة بكونها جهراً أو سرّاً، فإذا قرأ الإنسان ما يجب قراءته سرّاً أو جهراً: فقد أتى بالواجب، لكن الأفضل الجهر فيما يسن فيه الجهر مما هو معروف كصلاة الفجر والجمعة. ولو تعمد الإنسان وهو إمام ألا يجهر فصلاته صحيحة لكنها ناقصة. أما المنفرد إذا صلى الصلاة الجهرية: فإنه يخيَّر بين الجهر والإسرار، وينظر ما هو أنشط له وأقرب إلى الخشوع فيقوم به " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (13/73) . ثانياً: الأصل في المسلم التزام شرع الله تعالى دون تعليق فعله على معرفة العلة أو الحكمة، ولا مانع من تلمس الحكمة والسعي في طلبها بعد تنفيذه للأمر والتزامه بالهدي. انظر السؤال (20785) ، (26862) . ثالثاً: سئل علماء اللجنة الدائمة: لماذا نصلي الظهر والعصر سرّاً والمغرب والعشاء جهراً؟ فأجابوا: " نفعل ذلك اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، فنسرُّ فيما أسرَّ فيه، ونجهر فيما جهر فيه؛ لقول الله عز وجل: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) الأحزاب/21. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) رواه البخاري في صحيحه. "فتاوى اللجنة الدائمة " (6/394، 395) . وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز: لماذا شرع الجهر بالتلاوة في صلاة المغرب والعشاء والفجر دون بقية الفرائض، وما الدليل على ذلك؟ فأجاب: " الله سبحانه أعلم بحكمة شرعية الجهر في هذه المواضع، والأقرب - والله أعلم -: أن الحكمة في ذلك: أن الناس في الليل وفي صلاة الفجر أقرب إلى الاستفادة من الجهر وأقل شواغل من حالهم في صلاة الظهر والعصر " انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (11/122) . وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: ما الحكمة من الجهر بالقراءة في صلاة الجمعة؟ فأجاب: " الحكمة في الجهر بقراءتها: أولاً: من الحِكَم - والله أعلم -: تحقيق الوحدة والاجتماع على إمام واحد، فإن اجتماع الناس على إمام واحد منصتين له أبلغ في الاتحاد من كون كل واحد منهم يقرأ سرًّا بينه وبين نفسه، ولتتميم هذه الحكمة وجب اجتماع الناس كلهم في مكان واحد إلا لضرورة. والحكمة الثانية: أن تكون قراءة الإمام في الصلاة جهراً بمنزلة تكميل للخطبتين، ومن ثَمَّ كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الجمعة بما يناسب إما بـ " الجمعة والمنافقين "؛ لما في الأولى من ذكر الجمعة والحث عليها، وفي الثانية ذكر النفاق وذم أهله، وإما بـ " سبِّح " و " الغاشية "؛ لما في الأولى من ذكر ابتداء الخلق وصفة المخلوقات وذكر ابتداء الشرائع، وأما في الثانية ذكر القيامة والجزاء. والحكمة الثالثة: الفرق بين الظهر والجمعة. والحكمة الرابعة: لتشبه صلاة العيد؛ لأن الجمعة عيد الأسبوع " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (16/112) . وانظر جواب السؤال: (65877) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 67672 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1038 تطويل الركعة الثانية وتقصير الأولى [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الصلاة خلف إمام يقصر في الركعة الأولى، ويطول في الركعة الثانية؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله السنة في الصلاة تطويل الركعة الأولى، وتقصير الثانية، لما روى البخاري (759) ومسلم (685) عن أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ مِنْ صَلاةِ الظُّهْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ، يُطَوِّلُ فِي الأُولَى، وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ، وَيُسْمِعُ الآيَةَ أَحْيَانًا، وَكَانَ يَقْرَأُ فِي الْعَصْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ، وَكَانَ يُطَوِّلُ فِي الأُولَى، وَكَانَ يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى مِنْ صَلاةِ الصُّبْحِ، وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ. وبوب البخاري رحمه الله في صحيحه: (باب يطول في الركعة الأولى) وساق تحته حديث أبي قتادة (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطول في الركعة الأولى من صلاة الظهر، ويقصِّر في الثانية، ويفعل ذلك في صلاة الصبح) . قال الحافظ ابن حجر: (قوله باب يطول في الركعة الأولى) أي في جميع الصلوات، وهو ظاهر الحديث المذكور) انتهى من فتح الباري (2/305) . وقال النووي رحمه الله: (وقوله "وكان يطول الركعة الأولى ويقصر الثانية": هذا مما اختلف العلماء في العمل بظاهره، وهما وجهان لأصحابنا، أشهرهما عندهم: لا يطول، والحديث متأول على أنه طوّل بدعاء الافتتاح والتعوذ، أو لسماع دخول داخل في الصلاة ونحوه لا في القراءة. والثاني: أنه يستحب تطويل القراءة في الأولى قصداً، وهذا هو الصحيح المختار الموافق لظاهر السنة) انتهى من شرح مسلم (4/175) . وعليه؛ فإذا كان الإمام يطول الركعة الثانية على الأولى، ويلتزم ذلك ويعتاده، فهذا خلاف السنة، وينبغي نصحه وإرشاده ليوافق سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن خير الهدى محمد صلى الله عليه وسلم. لكن تطويل الأولى على الثانية، ليس واجبا ولا شرطا لصحة الصلاة، بل هو أولى وأكمل. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 66133 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1039 الحكمة من الجهر في الصلوات الليلية والإسرار في الصلوات النهارية [السُّؤَالُ] ـ[ما هي الحكمة من الجهر في صلاة المغرب والعشاء؟ وما الحكمة من الجهر في ركعتين فقط من صلاة العشاء من أربع ركعات؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: المسلم مطالب باتباع النبي صلى الله عليه وسلم والاقتداء به، سواء علم الحكمة أم لم يعلمها، قال الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) الأحزاب/21. مع الجزم بأن الشريعة مبنية على الحكم العظيمة الباهرة، لكن هذه الحكمة قد نعلمها، وقد نجهلها، وقد نعلم بعضها ونجهل بعضها الآخر. ولا حرج على الإنسان في السؤال عن الحكمة والبحث عنها؛ لما في معرفتها من زيادة العلم، وطمأنينة القلب، وانشراح الصدر. ثانياً: تلمس بعض العلماء الحكمة من الجهر بالقراءة في الصلاة الليلية، والإسرار في الصلوات النهارية، وحاصل ما ذكروه في ذلك: أن الليل وقت الهدوء والخلوة وفراغ القلب، فشرع فيه الجهر إظهاراً للذة مناجاة العبد لربه، وحتى يتوافق على القراءة القلب واللسان والأذن. وإلى هذا المعنى أشارت الآية الكريمة: (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلا * إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلا) المزمل/6، 7. قال ابن كثير (4/435) : " والغرض أن ناشئة الليل هي ساعاته وأوقاته، وكل ساعة منه تسمى ناشئة، والمقصود أن قيام الليل هو أشد مواطأة بين القلب واللسان وأجمع على التلاوة ولهذا قال تعالى: (هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلا) أي أجمع للخاطر في أداء القراءة وتفهمها من قيام النهار، لأنه وقت انتشار الناس ولغط الأصوات وأوقات المعاش " انتهى. وقال القرطبي (19/40) : " فالمعنى: أشد موافقة بين القلب والبصر والسمع واللسان، لانقطاع الأصوات والحركات " انتهى. وقال السعدي رحمه الله (ص 1058) : " (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلا) أي أقرب إلى حصول مقصود القرآن، يتواطأ عليه القلب واللسان، وتقل الشواغل، ويفهم ما يقول، ويستقيم له أمره. وهذا بخلاف النهار، فإنه لا يحصل به هذه المقاصد، ولهذا قال: (إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلا) أي: تردداً في حوائجك ومعاشك يوجب اشتغال القلب وعدم تفرغه التفرغ التام " انتهى. قال في "تحفة المحتاج": " بقي حكمة الجهر ما هي؟ ولعلها: أنها لما كان الليل محل الخلوة، ويطيب فيه السمر، شرع الجهر فيه إظهارا للذة مناجاة العبد لربه، وخص بالأوليين لنشاط المصلي فيهما، والنهار لما كان محل الشواغل والاختلاط بالناس، طلب فيه الإسرار، لعدم صلاحيته للتفرغ للمناجاة، وألحق الصبح بالصلاة الليلية لأن وقته ليس محلا للشواغل عادة كيوم الجمعة " انتهى. وقال ابن القيم رحمه الله في "إعلام الموقعين" (2/91) : " وأما التفريق بين صلاة الليل وصلاة النهار في الجهر والإسرار ففي غاية المناسبة والحكمة ; فإن الليل مظنة هدوء الأصوات وسكون الحركات وفراغ القلوب واجتماع الهمم المشتتة بالنهار , فالنهار محل السبح الطويل بالقلب والبدن , والليل محل مواطأة القلب للسان، ومواطأة اللسان للأذن ; ولهذا كانت السنة تطويل قراءة الفجر على سائر الصلوات , وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ فيها بالستين إلى المائة , وكان الصَّدَّيق يقرأ فيها بالبقرة , وعمر بالنحل وهود وبني إسرائيل ويونس ونحوها من السور ; لأن القلب أفرغ ما يكون من الشواغل حين انتباهه من النوم , فإذا كان أول ما يقرع سمعه كلام الله الذي فيه الخير كله بحذافيره صادفه خاليا من الشواغل فتمكن فيه من غير مزاحم ; وأما النهار فلما كان بضد ذلك كانت قراءة صلاته سرية إلا إذا عارض في ذلك معارض أرجح منه , كالمجامع العظام في العيدين والجمعة والاستسقاء والكسوف ; فإن الجهر حينئذ أحسن وأبلغ في تحصيل المقصود , وأنفع للجمع , وفيه من قراءة كلام الله عليهم وتبليغه في المجامع العظام ما هو من أعظم مقاصد الرسالة " انتهى. زادنا الله وإياك علما نافعا وعملا صالحا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65877 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1040 أركان الصلاة وواجباتها وسننها [السُّؤَالُ] ـ[ما هي سنن الصلاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سنن الصلاة كثيرة، منها القولية، ومنها الفعلية. والمقصود بالسنن: ما عدا الأركان والواجبات. وقد أوصل بعض الفقهاء السنن القولية إلى سبع عشرة سنة، والسنن الفعلية إلى خمس وخمسين سنة. ولا تبطل الصلاة بترك شئ من السنن، ولو عمدا. بخلاف الأركان والواجبات. والفرق بين الركن والواجب: أن الركن لا يسقط عمدا ولا سهوا، بل لابد من الإتيان به. أما الواجب: فيسقط بالنسيان، ويجبر بسجود السهو. ولعل من المناسب هنا أن نذكر أركان الصلاة وواجباتها، ثم شيئاً من سننها، معتمدين في ذلك على ما في متن "دليل الطالب" وهو مختصر مشهور عند فقهاء الحنابلة: أولا: أركان الصلاة، وهي أربعة عشر ركناً، كما يلي: 1- أحدها القيام في الفرض على القادر. 2- تكبيرة الإحرام وهي الله أكبر. 3- قراءة الفاتحة. 4- الركوع، وأقله أن ينحني بحيث يمكنه مس ركبتيه بكفيه، وأكمله أن يمد ظهره مستويا ويجعل رأسه حياله. 5- الرفع منه. 6- الاعتدال قائما. 7- السجود، وأكمله تمكين جبهته وأنفه وكفيه وركبتيه وأطراف أصابع قدميه من محل سجوده. وأقله وضع جزء من كل عضو. 8- الرفع من السجود. 9- الجلوس بين السجدتين. وكيف جلس كفى، والسنة أن يجلس مفترشا على رجله اليسرى وينصب اليمنى ويوجهها إلى القبلة. 10- الطمأنينة وهي السكون في كل ركن فعلي. 11- التشهد الأخير. 12- الجلوس له وللتسليمتين. 13- التسليمتان، وهو أن يقول مرتين: السلام عليكم ورحمة الله، ويكفي في النفل تسليمة واحدة، وكذا في الجنازة. 14- ترتيب الأركان كما ذكرنا، فلو سجد مثلا قبل ركوعه عمدا بطلت، وسهواً لزمه الرجوع ليركع ثم يسجد. ثانيا: واجبات الصلاة، وهي ثمانية، كما يلي: 1- التكبير لغير الإحرام. 2- قول: سمع الله لمن حمده للإمام وللمنفرد. 3- قول: ربنا ولك الحمد. 4- قول: سبحان ربي العظيم مرة في الركوع. 5- قول: سبحان ربي الأعلى مرة في السجود. 6- قول: رب اغفر لي بين السجدتين. 7- التشهد الأول. 8- الجلوس للتشهد الأول. ثالثا: سنن الصلاة القولية، وهي إحدى عشرة سنة، كما يلي: 1- قوله بعد تكبيرة الإحرام: " سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك " ويسمى دعاء الاستفتاح. 2- التعوذ. 3- البسملة. 4- قول: آمين. 5- قراءة السورة بعد الفاتحة. 6- الجهر بالقراءة للإمام. 7- قول غير المأموم بعد التحميد: ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد. (والصحيح أنه سنة للمأمون أيضاً) . 8- ما زاد على المرة في تسبيح الركوع. أي التسبيحة الثانية والثالثة وما زاد على ذلك. 9- ما زاد على المرة في تسبيح السجود. 10- ما زاد على المرة في قوله بين السجدتين: رب اغفر لي. 11- الصلاة في التشهد الأخير على آله عليهم السلام، والبركة عليه وعليهم، والدعاء بعده. رابعا: سنن الأفعال، وتسمى الهيئات: 1- رفع اليدين مع تكبيرة الإحرام. 2- وعند الركوع. 3- وعند الرفع منه. 4- وحطهما عقب ذلك. 5- وضع اليمين على الشمال. 6- نظره إلى موضع سجوده. 7- تفرقته بين قدميه قائما. 8- قبض ركبتيه بيديه مفرجتي الأصابع في ركوعه، ومد ظهره فيه، وجعل رأسه حياله. 9- تمكين أعضاء السجود من الأرض ومباشرتها لمحل السجود سوى الركبتين فيكره. 10- مجافاة عضديه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه، وتفريقه بين ركبتيه، وإقامة قدميه، وجعل بطون أصابعهما على الأرض مفرقةً، ووضع يديه حذو منكبيه مبسوطةً مضمومةَ الأصابع. 11- الافتراش في الجلوس بين السجدتين، وفي التشهد الأول، والتورك في الثاني. 12- وضع اليدين على الفخذين مبسوطتين مضمومتي الأصابع بين السجدتين، وكذا في التشهد إلا أنه يقبض من اليمنى الخنصر والبنصر ويحلق إبهامها مع الوسطى ويشير بسبابتها عند ذكر الله. 13- التفاته يمينا وشمالا في تسليمه. وفي بعض هذه الأمور خلاف بين الفقهاء، فقد يكون الفعل الواجب عند أحدهم مسنونا عند الآخر، وهذا مبسوط في كتب الفقه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65847 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1041 سدل اليدين عند التعب هل فيه مشابهة للرافضة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لي أن أسدل يديّ أثناء الصلاة، كما يفعل الشيعة عندما أشعر بالتعب؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: مما لا شك فيه أن السنة هي وضع المصلي يده اليمنى على اليسرى في الصلاة. عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة. قال أبو حازم: لا أعلمه إلا يُنمي ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم – أي: يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم -. رواه البخاري (707) . وعن وائل بن حُجْر رضي الله عنه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين دخل في الصلاة كبَّر حيال أذنيه ثم التحف بثوبه ثم وضع يده اليمنى على اليسرى. رواه مسلم (401) . وانظر جواب السؤال رقم (5770) لترى حقيقة دين الرافضة، وفيه سقنا الأدلة الصحيحة على وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة. وفي جواب السؤال رقم (6109) ترى الرد على من نقل عن الإمام مالك خلاف هذه السنَّة، وفيه تصريح بعض كبار المالكية في إثبات هذه السنة عن النبي صلى الله عليه وعن الإمام مالك. ثانياً: من شعر بالتعب فإن له أن يسدل يديه بقدر ما يرتاح به، ثم يعود إلى قبضهما، وقد قال الله تعالى: (لاَ يكلِّف الله نَفْساً إلا وُسْعَهَا) ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلِّي من الليل فإذا تعب جلس فإذا قرب من الركوع قام ليركع. عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في شيء من صلاة الليل جالساً حتى إذا كبر قرأ جالسا، فإذا بقي عليه من السورة ثلاثون أو أربعون آية قام فقرأهن ثم ركع. رواه البخاري (1097) ومسلم (731) . وثبت في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم صلى أياماً وهو جالس بسبب مرضه، فإذا جاز أن يترك القيام وهو ركن من أركان الصلاة بسبب المرض، فيجوز ترك السنة من أجل التعب من باب أولى، على أن يرجع للقبض بعد ذهاب ما به من تعب. قال الشافعي رحمه الله في "الأم" (1/100) : " ولو افتتح الصلاة قائما ثم عرض له عذر جلس، فإن ذهب عنه لم يجزه إلا أن يقوم " انتهى. وقال النووي في "شرح مسلم" (6/11) : " قولها: (قرأ جالسا حتى إذا بقي عليه من السورة ثلاثون أو أربعون آية قام فقرأهن ثم ركع) فيه: جواز الركعة الواحدة بعضها من قيام وبعضها من قعود , وهو مذهبنا ومذهب مالك وأبي حنيفة وعامة العلماء , وسواء قام ثم قعد , أو قعد ثم قام، ومنعه بعض السلف , وهو غلط " انتهى. وخلاصة الجواب: أنه لا حرج من سدل اليدين في الصلاة بسبب التعب، على أن يعود للقبض متى زال التعب، ولا يعد ذلك مشابهة للرافضة لأنه سيكون مؤقتا، وللعذر، وإنما يكون مشابهة لهم إذا اتخذه المصلي شعارا له بحيث لا يصلي صلاة إلا ويسدل يديه، ولا يقبضهما أبدا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65597 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1042 حكم قبض اليدين في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم قبض اليدين في الصلاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: قبض اليدين في الصلاة يعني: وضع اليد اليمنى على اليسرى في حال القيام سنة من سنن الصلاة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال بها جماهير أهل العلم. قال ابن قدامة رحمه الله: " أما وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة: فمن سنتها في قول كثير من أهل العلم , يروى ذلك عن علي وأبي هريرة والنخعي وأبي مجلز وسعيد بن جبير والثوري والشافعي وأصحاب الرأي , وحكاه ابن المنذر عن مالك " انتهى. "المغني" (1/281) . وقال علماء اللجنة الدائمة: " القبض في الصلاة وضع كف اليد اليمنى على اليد اليسرى، والسدل في الصلاة إرسال اليدين مع الجانبين، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وضع يده اليمنى على اليسرى في الصلاة حال القيام للقراءة، وحال القيام بعد الرفع من الركوع، وذلك فيما رواه أحمد ومسلم عن وائل بن حجر رضي الله عنه (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين دخل في الصلاة وكبر، ثم التحف بثوبه، ثم وضع اليمنى على اليسرى، فلما أراد أن يركع أخرج يديه ثم رفعهما وكبر فركع فلما قال سمع الله لمن حمده رفع يديه فلما سجد سجد بين كفيه) وفي رواية لأحمد وأبي داود: (ثم وضع يده اليمنى على كفه اليسرى والرسغ والساعد) ، وفيما رواه أبو حازم عن سهل بن سعد الساعدي قال: (كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة) ، وقال أبو حازم: لا أعلمه إلا ينمي – أي: رفعه وينسبه - ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم. رواه أحمد والبخاري. ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديثٍ أنه سدل يديه وأرسلهما مع جنبيه في القيام في الصلاة " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (6/365، 366) . ثانياً: وأما مكان وضعهما فعلى الصدر. روى ابن خزيمة (479) عن وائل بن حجر رضي الله عنه قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره. صححه الألباني في "تحقيق صحيح ابن خزيمة". وقال الألباني في "صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم" (ص 69) : " وضعهما على الصدر هو الذي ثبت في السنة، وخلافه إما ضعيف أو لا أصل له " انتهى. وقال السندي في حاشية ابن ماجه: " وَبِالْجُمْلَةِ فَكَمَا صَحَّ أَنَّ الْوَضْع هُوَ السُّنَّة دُون الإِرْسَال ثَبَتَ أَنَّ مَحَلّه الصَّدْر لا غَيْر، وَأَمَّا حَدِيث: (أَنَّ مِنْ السُّنَّة وَضْع الأَكُفّ عَلَى الأَكُفّ فِي الصَّلاة تَحْت السُّرَّة) فَقَدْ اِتَّفَقُوا عَلَى ضَعْفه " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين: " وهذه الصفة – أعني: وَضْع اليدين تحت السُّرَّة - هي المشروعة على المشهور مِن المذهب، وفيها حديث علي رضي الله عنه أنه قال: (مِن السُّنَّةِ وَضْعُ اليدِ اليُمنى على اليُسرى تحت السُّرَّةِ) – رواه أبو داود وضعفه النووي وابن حجر وغيرهما -. وذهب بعضُ العلماء: إلى أنه يضعها فوق السُّرة، ونصَّ الإِمام أحمد على ذلك. وذهب آخرون مِن أهل العِلم: إلى أنه يضعهما على الصَّدرِ، وهذا هو أقرب الأقوال، والوارد في ذلك فيه مقال، لكن حديث سهل بن سعد الذي في البخاري ظاهرُه يؤيِّد أنَّ الوَضْعَ يكون على الصَّدرِ، وأمثل الأحاديث الواردة على ما فيها من مقال حديث وائل بن حُجْر أن النبي صلى الله عليه وسلم: (كان يضعُهما على صدرِه) . "الشرح الممتع" (3/36، 37) . ثالثا ً: وأما صفة وضعهما: فلذلك صفتان: الأولى: أن يضع كفه اليمنى على كفه اليسرى والرسغ والساعد. الثانية: أن يقبض بيده اليمنى على اليسرى وانظر أدلة ذلك في جواب السؤال (41675) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 59957 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1043 ما هو الدليل على النظر إلى موضع السجود حال الركوع [السُّؤَالُ] ـ[قرأنا فتوى من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - وهي موجودة في سؤال رقم (8580) - بأن المصلِّي ينظر إلى موضع سجوده حال ركوعه، هل يوجد دليل على هذا القول؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: جاءت أحاديث في السنَّة الصحيحة فيها ذِكر هدي النبي صلى الله عليه وسلم في النظر إلى موضع السجود حال الصلاة، وهي – في عمومها – تشمل جميع أجزاء الصلاة، ولعل هذه النصوص هي أدلة علماء اللجنة الدائمة والمنقول قولهم في السؤال رقم (8580) ، ومن هذه النصوص: ما رواه ابن حبان (4 / 332) والحاكم (1 / 652) عن عائشة رضي الله عنها قالت: " دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكعبة ما خلف بصره موضع سجوده حتى خرج منها " صححه الألباني في " صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ". وفي الباب آثار عن بعض السلف ذكرها الإمام عبد الرزاق الصنعاني في " المصنف "، ومنها: 1. عن أبي قلابة قال: سألت مسلم بن يسار أين منتهى البصر في الصلاة؟ فقال: إن حيث تسجد حسن. 2. عن إبراهيم النخعي أنه كان يحب للمصلي أن لا يجاوز بصره موضع سجوده. 3. عن ابن سيرين أنه كان يحب أن يضع الرجل بصره حذاء موضع سجوده. " مصنف عبد الرزاق " (2 / 163) . وهذا الذي قاله علماء اللجنة هو قول الجمهور: أبي حنيفة والشافعي وأحمد، واستثنى بعضهم موضع التشهد فقالوا: ينظر المصلي فيه إلى السبابة، وهو استثناء صحيح له ما يؤيده من صحيح السنَّة. فعن عبد الله بن الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان إذا قعد في التشهد وضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى وأشار بالسبابة لا يجاوز بصره إشارته ". رواه أبو داود (990) والنسائي (1275) – واللفظ له - وصححه النووي في " شرح مسلم " (5 / 81) فقال: والسنَّة أن لا يجاوزه بصره إشارته، وفيه حديث صحيح في " سنن أبي داود ". وقد استدل بعض العلماء بقوله تعالى: (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) البقرة / 44 على أن المصلي ينظر أمامه لا إلى موضع سجوده، وهو قول مرجوح. قال ابن قدامة: يستحب للمصلي أن يجعل نظره إلى موضع سجوده، قال أحمد - في رواية حنبل -: الخشوع في الصلاة: أن يجعل نظره إلى موضع سجوده، وروي ذلك عن مسلم بن يسار , وقتادة. " المغني " (1 / 370) . ثانياً: وردت السنَّة الصحيحة أن الراكع يستحب له أن لا يرفع رأسه ولا يخفضه، بل يكون مستوياً مع ظهره. عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بـ " الحمد لله رب العالمين "، وكان إذا ركع لم يُشْخِص رأسَه ولم يُصوِّبْه ولكن بين ذلك. رواه مسلم (498) . قال الشيخ ابن عثيمين وهو يبين هيئة الركوع وان الراكع يستحب له أن يكون مستوياً ظهره: قال: " مستوياً ظهره ": الاستواء: يشمل استواء الظهر في المَدِّ، واستواءه في العلوِّ والنزول، يعني لا يقوِّس ظهره، ولا يهصره حتى ينزل وسطه، ولا ينزل مقدم ظهره، بل يكون ظهره مستوياً، وقد جاء ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، قالت عائشة: " كان إذا ركع لم يُشْخِصْ رأسه ولم يُصَوِّبْهُ "، لم يُشْخِصْه: يعني: لم يرفعه، ولم يُصوِّبْه: لم ينزله، ولكن بين ذلك. " الشرح الممتع " (3 / 90) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 25848 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1044 أسباب الفتور وعلاجه [السُّؤَالُ] ـ[ما هو الحل الأمثل للفتور في الإيمان بعد أن كان الشخص يتقي الله ثم أصابه فتور بحيث لم يعد يستطيع أن يقرأ القرآن؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله للفتور أسباب لا بدَّ قبل العلاج من الوقوف عليها ومعرفتها. ومعرفتها من طرق وعلاج الفتور. ومن هذه الأسباب: ضعف الصلة بالله تعالى، والتكاسل في الطاعة والعبادة، وصحبة ضعيفي الهمة، والانشغال بالدنيا وملذاتها، وعدم التفكر في نهاية الدنيا ويعقبه ضعف الاستعداد للقاء الله تعالى. وأما كيفية علاج المسلم لما يصيبه من فتور في الطاعة والعبادة، فيكون بعدة أمور منها: 1. توثيق الصلة بربه تعالى، وذلك عن طريق قراءة القرآن قراءة تفكر وتدبر، واستشعار عظمة الله تعالى من عظمة كتابه، والتفكر في عظيم أسمائه وصفاته وأفعاله تعالى. 2. المداومة على النوافل والاستمرار عليها، وإن كانت قليلة فمن أكثر أسباب إصابة المسلم بالفتور هو الاندفاع بالطاعة والإكثار منها في أول الطريق، ولم يكن هذا هديه صلى الله عليه وسلم ولا وصيته لأمته، فقد وصفت عائشة رضي الله عنها عمله صلى الله عليه وسلم بأنه " ديمة " أي: دائم غير منقطع، وأخبرنا صلى الله عليه وسلم بأن " أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلَّ "، فإذا أراد المسلم أن لا يصاب بالفتور فليحرص على العمل القليل الدائم فهو خير من كثير منقطع. 3. الحرص على الصحبة الصالحة النشيطة، فصاحب الهمة يزيدك نشاطا، والكسول لا يرضى بصحبة صاحب الهمة، فابحث عن صحبة لها همم تسعى للحفظ وطلب العلم والدعوة إلى الله، فمثل هؤلاء يحثونك على العبادة ويدلونك على الخير. 4. قراءة الكتب المتخصصة في سير أعلام أصحاب الهمة لتقف على نماذج صالحة في سيرك إلى الله، ومن هذه الكتب " علو الهمة " للشيخ محمد بن إسماعيل المقدم، وكتاب " صلاح الأمة في علو الهمة " للشيخ سيد عفاني. 5. ونوصيك بالدعاء، وخاصة في جوف الليل الآخر، فما خاب من لجأ إلى ربه واستعان بمولاه ليثبته على الطاعة ويعينه على حسن أدائها. ونسأل الله أن يوفقك لما فيه رضاه، وأن يهديك لأحسن الأخلاق والأقوال والأعمال. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 47565 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1045 هل يقول المأموم (سمع الله لمن حمده) عند رفعه من الركوع؟ [السُّؤَالُ] ـ[قرأت في إحدى الملصقات أن على الإمام والمأموم عند الانتهاء من الركوع أن يقولوا: (سمع الله لمن حمده) ثم بعد ذلك يقول المأمومون: (اللهم ربنا لك الحمد) ، وهذا بخلاف ما نشأنا عليه، أن الإمام فقط هو الذي يقول: (سمع الله لمن حمده) فيرد المأمومون عند الرفع من الركوع: (اللهم ربنا لك الحمد) . فأفتونا مأجورين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: التسميع (وهو قول " سمع الله لمن حمده ") عند الرفع من الركوع والتحميد عند الاستواء قائما (وهو قول " ربنا لك الحمد ") سنة مستحبة عند جمهور أهل العلم، وذهب الحنابلة إلى وجوبها، والصحيح القول بالوجوب. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (3/433) : والدليل على ذلك (يعني: الوجوب) ما يلي: أولا: أن الرسول صلى الله عليه وسلم واظب على ذلك، فلم يدع قول (سمع الله لمن حمده) في حال من الأحوال. ثانيا: أنه شعار الانتقال من الركوع إلى القيام. ثالثا: قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا قال سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد) " انتهى. وقد سبق ذكر التسميع والتحميد في واجبات الصلاة في سؤال رقم (65847) . ثانيا: اتفق الفقهاء على أن المنفرد يجمع بين التسميع والتحميد، فيقول: (سمع الله لمن حمده) حين يرفع من الركوع، فإذا استوى قائما قال: (ربنا ولك الحمد) . وقد نقل الاتفاق: الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/240) ، وابن عبد البر في "الاستذكار" (2/178) . وإن كان في "المغني" (1/548) ما يفيد أن هناك خلافاً في المسألة. ولكنهم اختلفوا في الإمام والمأموم ما الذي يشرع لكل منهما: أما الإمام: فذهب الحنفية والمالكية إلى أنه يُسَمِّعُ فقط، ولا يسن له أن يقول: ربنا لك الحمد. وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن الإمام يُسَمِّعُ ويَحمّد. والراجح هو القول الثاني؛ لما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَالَ سَمِعَ اللهًُ لِمَنْ حَمِدَه قَالَ: الَّلهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الحَمدُ) . رواه البخاري (795) ومسلم (392) . وقد بيَّن الحافظ ابن حجر أن استحباب تحميد الإمام مستفاد من هذا الحديث ومن غيره. انظر: "فتح الباري" (2/367) . وأما المأموم: فقد قال جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والحنابلة بأن المأموم يقتصر على التحميد فقط، ولا يقول (سمع الله لمن حمده) . وخالفهم الشافعية والظاهرية، فقالوا باستحباب التسميع والتحميد في حق المأموم، وهو اختيار الألباني في "صفة الصلاة" (135) وللتوسع في أدلتهم انظر رسالة السيوطي في "الحاوي للفتاوي" (1/35) . والراجح – والله أعلم - هو قول الجمهور. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله "لقاء الباب المفتوح" (1/320) : " المؤتم إذا قال إمامه سمع الله لمن حمده لا يقول سمع الله لمن حمده؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما جُعل الإمام لِيُؤتَمَّ به، فإذا كبَّر فكبِّروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد) . فقال (إذا كبر فكبروا) (وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد) ، ففرَّقَ النبي صلى الله عليه وسلم بين التكبير وبين التسميع، التكبير نقول كما يقول، والتسميع لا نقول كما يقول، لأن قوله (إذا قال: سمع الله لمن حمده قولوا ربنا ولك الحمد) بمنزلة قوله: إذا قال سمع الله لمن حمده فلا تقولوا سمع الله لمن حمده ولكن قولوا ربنا ولك الحمد، بدليل السياق، سياق الحديث الذي قال: (إذا كبر فكبروا) ، ومن قال مِن أهل العلم إنه يقول (سمع الله لمن حمده) ويقول (ربنا ولك الحمد) فقوله ضعيف، وليس أحدٌ يقبل قولُه على الإطلاق، ولا يُرَدُّ قولُه على الإطلاق، حتى يُعرض على الكتاب والسنة، ونحن إذا عرضناه على السنة وجدنا الأمر كما سمعت " انتهى. وانظر: "المغني" (1/548) ، "الأم" (1/136) ، "المحلى" (1/35) ، "الموسوعة الفقهية" (27/93-94) ويتبين بذلك أن المسألة فيها خلاف بين أهل العلم، فلا غرابة أن تكون بعض الملصقات قد قررت ما ذهب إليه بعض أهل العلم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 43574 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1046 حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد [السُّؤَالُ] ـ[يسلم الإمام بسرعة شديدة خلال صلاة التراويح، والوقت لا يكفيني إلا لإنهاء التشهد الأول، لكنه يسلم قبل أن أقول التشهد الثاني (الصلاة الإبراهيمية) . فهل يجوز أن أنهي صلاتي في هذه النقطة؟ أم أن التشهد الإبراهيمي إلزامي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: اختلف العلماء في حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد في الصلاة، على أقوال، فمنهم من قال بأنها ركن لا تصح الصلاة إلا بها، ومنهم من قال بوجوبها، والقول الثالث: أنها سنة مستحبة، وليست بواجبة. وقد رجَّح الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله القول الثالث، فقال في شرح "زاد المستقنع": قوله: " والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه " أي: في التشهُّدِ الأخير، وهذا هو الرُّكن الثاني عشر مِن أركان الصلاة. ودليل ذلك: أنَّ الصَّحابة سألوا النبي صلى الله عليه وسلم: يا رسولَ الله؛ عُلِّمْنَا كيف نُسلِّم عليك، فكيف نُصلِّي عليك؟ قال: قولوا: (اللَّهُمَّ صَلِّ على محمَّدٍ، وعلى آل محمَّدٍ) ، والأمر يقتضي الوجوب، والأصلُ في الوجوب أنَّه فَرْضٌ إذا تُرِكَ بطلت العبادة، هكذا قرَّرَ الفقهاءُ رحمهم الله دليل هذه المسألة. ولكن إذا تأملت هذا الحديث لم يتبيَّن لك منه أنَّ الصَّلاة على النبي صلى الله عليه وسلم رُكنٌ، لأنَّ الصحابة إنَّما طلبوا معرفة الكيفية؛ كيف نُصلِّي؟ فأرشدهم النبي صلى الله عليه وسلم إليها، ولهذا نقول: إن الأمر في قوله: (قولوا) ليس للوجوب، ولكن للإِرشاد والتعليم، فإنْ وُجِدَ دليل غير هذا يأمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصَّلاة فعليه الاعتماد، وإنْ لم يوجد إلا هذا فإنه لا يدلُّ على الوجوب، فضلاً عن أن يَدلَّ على أنها رُكن؛ ولهذا اُختلفَ العلماء في هذه المسألة على أقوال: القول الأول: أنها رُكنٌ، وهو المشهور مِن المذهب، فلا تصحُّ الصلاة بدونها. القول الثاني: أنها واجب، وليست برُكن، فتُجبر بسجود السَّهو عند النسيان. قالوا: لأن قوله: (قولوا: اللَّهُمَّ صَلِّ على محمَّدِ) محتمل للإِيجاب وللإِرشاد، ولا يمكن أن نجعله رُكناً لا تصحُّ الصلاة إلا به مع هذا الاحتمال. القول الثالث: أنَّ الصَّلاةَ على النبي صلى الله عليه وسلم سُنَّة، وليست بواجب ولا رُكن، وهو رواية عن الإمام أحمد، وأن الإِنسان لو تعمَّد تَرْكها فصلاتُه صحيحة؛ لأن الأدلَّة التي اُستدلَّ بها الموجبون، أو الذين جعلوها رُكناً ليست ظاهرة على ما ذهبوا إليه، والأصل براءة الذِّمة. وهذا القول أرجح الأقوال إذا لم يكن سوى هذا الدليل الذي استدلَّ به الفقهاء رحمهم الله، فإنه لا يمكن أن نبطلَ العبادة ونفسدها بدليل يحتمل أن يكون المراد به الإِيجاب، أو الإِرشاد. " الشرح الممتع " (3 / 310 – 312) . وعلى هذا القول فتصح الصلاة بدونها. ثانياً: ينبغي نصح هذا الإمام وغيره من الأئمة الذين يسرعون في صلاة التراويح سرعة مفرطة، فيمنعون من وراءهم من إتمام صلاتهم. وقد نص العلماء على أنه ينبغي للإمام أن يتأنَّى في الصلاة حتى يتمكن المأمومون من الإتيان بالواجبات وبعض السنن، وأنه يكره له الإسراع بحيث يمنع المأمومين من ذلك. قال النووي: مَعْنَى أَحَادِيث الْبَاب ظَاهِر –يعني الأحاديث التي فيها الأمر للإمام بالتخفيف- وَهُوَ الأَمْر لِلإِمَامِ بِتَخْفِيفِ الصَّلاة بِحَيْثُ لا يُخِلّ بِسُنَّتِهَا وَمَقَاصِدهَا. وجاء في الموسوعة الفقهية (14/243) : وَالْمُرَادُ بِالتَّخْفِيفِ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَدْنَى الْكَمَالِ , فَيَأْتِي بِالْوَاجِبَاتِ , وَالسُّنَنِ , وَلا يَقْتَصِرُ عَلَى الأَقَلِّ وَلا يَسْتَوْفِي الأَكْمَلَ. وقال ابن عبد البر: التَّخْفِيفُ لِكُلِّ إِمَامٍ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ مَنْدُوبٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ إِلَيْهِ إِلا أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ أَقَلُّ الْكَمَالِ , وَأَمَّا الْحَذْفُ وَالنُّقْصَانُ فَلا. . . ثم قَالَ: لا أَعْلَمُ خِلافًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي اِسْتِحْبَابِ التَّخْفِيفِ لِكُلِّ مَنْ أَمَّ قَوْمًا عَلَى مَا شَرَطْنَا مِنْ الإِتْمَامِ. وقال ابن قدامة في المغني (1/323) : وَيُسْتَحَبُّ لِلإِمَامِ أَنْ يُرَتِّلَ الْقِرَاءَةَ وَالتَّسْبِيحَ وَالتَّشَهُّدَ بِقَدْرِ مَا يَرَى أَنَّ مَنْ خَلْفَهُ مِمَّنْ يَثْقُلُ لِسَانُهُ قَدْ أَتَى عَلَيْهِ , وَأَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ , قَدْرَ مَا يَرَى أَنَّ الْكَبِيرَ وَالصَّغِيرَ وَالثَّقِيلَ قَدْ أَتَى عَلَيْهِ. فَإِنْ خَالَفَ وَأَتَى بِقَدْرِ مَا عَلَيْهِ , كُرِهَ وَأَجْزَأَهُ. وفي الموسوعة الفقهية (6/213) : وَيُكْرَهُ لَهُ الإِسْرَاعُ , بِحَيْثُ يُمْنَعُ الْمَأْمُومُ مِنْ فِعْلِ مَا يُسَنُّ لَهُ , كَتَثْلِيثِ التَّسْبِيحِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ , وَإِتْمَامِ مَا يُسَنُّ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ. وقال الشيخ ابن عثيمين في رسالة في أحكام الصيام والزكاة والتراويح: " وأما ما يفعل بعض الناس من الإسراع المفرط فإنه خلاف المشروع، فإن أدَّى إلى الإخلال بواجب أو ركن كان مبطلاً للصلاة. وكثير من الأئمة: لا يتأنَّى في صلاة التراويح وهذا خطأ منهم، فإن الإمام لا يصلي لنفسه فقط، وإنما يصلي لنفسه ولغيره، فهو كالولي يجب عليه فعل الأصلح، وقد ذكر أهل العلم أنه يكره للإمام أن يسرع سرعة تمنع المأمومين فعل ما يجب " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39676 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1047 التنويع بين أذكار الركوع والجمع بينها [السُّؤَالُ] ـ[ورد في الركوع عدة أذكار مثل (سبحان الله العظيم وبحمده - سبوح قدوس رب الملائكة والروح - اللهم لك ركعت .... ) فهل يجوز أن أجمع نوعين من أنواع الذكر في الركوع كأن أقول: " سبحان ربي العظيم (ثلاثاً) ثم سبوح قدوس رب الملائكة والروح (ثلاثا ً) ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: ورد في أذكار الركوع ما يلي: 1- قول: " سبحان ربي العظيم " لما روى مسلم (772) عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ ثم ذكر الحديث .... وفيه: (ثُمَّ رَكَعَ , فَجَعَلَ يَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ) . 2- قول: " سبحان ربي العظيم وبحمده "؛ لما روى أبو داود عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: (فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَكَعَ قَالَ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ ثَلاثًا , وَإِذَا سَجَدَ قَالَ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى وَبِحَمْدِهِ ثَلاثًا) صححه الألباني في صفة الصلاة (ص 133) . 3- قول: " سبوح قدوس رب الملائكة والروح "؛ لما روى مسلم (487) عن عائشة رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: (سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلائِكَةِ وَالرُّوحِ) . 4- قول: " سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي "؛ لما روى البخاري (794) ومسلم (484) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: (سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي) . 5- قول: " اللهم لك ركعت وبك آمنت ... الخ "؛ لما روى مسلم (771) عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا رَكَعَ قَالَ: (اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ , وَبِكَ آمَنْتُ , وَلَكَ أَسْلَمْتُ , خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعَظْمِي وَعَصَبِي) . ثانيا: ينبغي للمسلم أن يحافظ على هذه السنن الثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فيأتي بهذا أحيانا، وهذا أحيانا، وله أن يجمع بين هذه الأذكار في الركوع الواحد. قال النووي رحمه الله في "الأذكار" (ص 86) : " ولكن الأفضل أن يجمعَ بين هذه الأذكار كلها إن تمكن من ذلك بحيث لا يشقّ على غيره، ويقدّم التسبيح منها، فإن أراد الاقتصارَ فيستحبُّ التسبيح. وأدنى الكمال منه ثلاث تسبيحات، ولو اقتصر على مرّة كان فاعلاً لأصل التسبيح. ويُستحبّ إذا اقتصر على البعض أن يفعل في بعض الأوقات بعضها، وفي وقت آخر بعضاً آخر، وهكذا يفعل في الأوقات حتى يكون فاعلاً لجميعها " انتهى. وقال في "الإقناع" من كتب الحنابلة (1/119) : " ولا تكره الزيادة على قول رب اغفر لي، ولا على سبحان ربي العظيم، وسبحان ربي الأعلى، في الركوع والسجود، مما ورد " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (3/77) بعد أن ذكر جملة من أذكار الركوع، وهل يجمع بين هذه الأذكار أو يقتصر على ذكر واحد؟ قال: " هذا محل احتمال، وقد سبق أن الاستفتاحات الواردة لا تقال جميعا، إنما يقال بعضها أحيانا وبعضها أحيانا، وبينّا دليل ذلك، لكن أذكار الركوع المعروف عند عامة العلماء أنها تذكر جميعاً " انتهى. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39172 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1048 قراءة سورة بعد الفاتحة ليس واجباً [السُّؤَالُ] ـ[عندما نلحق بالجماعة في الركعة الثالثة أو الرابعة فهل يجب أن نقرأ سورة بعد الفاتحة حين نقضي الركعات الفائتة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قراءة القرءان بعد الفاتحة في الصلاة ليس بواجب لا في الفرض ولا في النافلة، ولا في الجهر، ولا في السر، ولا لمسبوق، ولا لغيره. عن عطاء قال: قال أبو هريرة: في كل صلاة قراءة، فما أسمعَنا النبي صلى الله عليه وسلم أسمعْناكم، وما أخفى منا أخفيناه منكم، ومن قرأ بأم الكتاب فقد أجزأت عنه ومن زاد فهو أفضل. رواه البخاري (738) وعنده " وإن زدت فهو خير "، ومسلم (396) . قال النووي: قوله " ومن قرأ بأم الكتاب أجزأت عنه، ومن زاد فهو أفضل ": فيه دليل لوجوب الفاتحة، وأنه لا يجزى غيرها. وفيه استحباب السورة بعدها، وهذا مجمع عليه في الصبح والجمعة والأولييْن من كل الصلوات وهو سنة عند جميع العلماء، وحكى القاضي عياض رحمه الله تعالى عن بعض أصحاب مالك وجوب السورة وهو شاذ مردود. وأما السورة في الثالثة والرابعة فاختلف العلماء هل تستحب أم لا وكره ذلك مالك رحمه الله تعالى واستحبه الشافعي رضي الله عنه في قوله الجديد دون القديم والقديم هنا أصح. " شرح مسلم " (4 / 105، 106) . وقال الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ: وقراءة السورة (بعد الفاتحة) على قول جمهور أهل العلم سنة وليست واجبة لأنه لا يجب إلا قراءة الفاتحة. " الشرح الممتع " (3 / 103) . وإذا قمت بعد تسليم الإمام لإتمام صلاتك، فإن الصحيح من أقوال أهل العلم أن ما أدركته مع الإمام هو أول صلاتك راجع سؤال رقم (23426) ، فإن كان بقي من صلاتك الركعة الثالثة والرابعة فإنك تقرأ فيهما بالفاتحة فقط، وإذا كان بقي من صلاتك الركعة الثانية وما بعدها فإنك تقرأ في الثانية بالفاتحة وسورة، وفيما بعدها بالفاتحة فقط. ويجوز للمصلي أن يقرأ سورة بعد الفاتحة في الركعة الثالثة والرابعة غير أنه يفعل ذلك أحياناً، لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم بحديث رقم (452) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 6422 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1049 السنة الراتبة فضلها ووقتها [السُّؤَالُ] ـ[هل نصلي السنة القبلية قبل دخول وقت الصلاة أم قبل إقامة الصلاة؟ إذا كانت قبل دخول الوقت فقبل كم ساعة يمكن أن أصلي؟ مثال: هل يجوز أن أصلي 4 ركعات سنة العصر القبلية قبل الأذان بثلاث ساعات؟ أم أنتظر حتى يدخل وقت العصر ثم أصلي السنة ثم الفرض؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فإن السنن الراتبة تنقسم إلى قسمين: سنن قبلية وهي ركعتان قبل الفجر، وأربع قبل الظهر. وسنن بعدية وهي ركعتان بعد الظهر وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء. وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: " مَنْ صَلَّى فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاةِ الْفَجْرِ ". رواه الترمذي رقم 380 وصححه الألباني في صحيح الجامع 6362 ووقت السنة القبلية هو من دخول وقت الصلاة إلى إقامتها. ووقت السنة البعدية هو بعد السلام من صلاة الفريضة إلى خروج وقتها. قال ابن قدامة رحمه الله: " كل سنة قبل الصلاة فوقتها من دخول وقتها إلى فعل الصلاة، وكل سنةٍ بعدها فوقتها من فعل الصلاة إلى خروج وقتها " المغني (2/544) . وعلى هذا لا يصح أن تصلي السنة القبلية قبل دخول وقت الصلاة، بل تنتظر حتى يدخل الوقت ثم تصليها. أنظر الأسئلة (1048) ، (4057) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 33779 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1050 تغطية الرأس أثناء الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[هل من السنة ارتداء قبعة أو غطاء رأس أثناء الصلاة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الله تعالى: (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد) ، فإذا كانت تغطية الرأس من أخْذ الزينة في عرف ذلك البلد شرع تغطية الرأس، وإذا لم يكن من أخذ الزينة لم يشرع، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2436 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1051 إسدال المالكية أيديهم في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[نرى بعض الأخوة المالكيين يسدلون أيديهم في الصلاة، ولكن الكثير من العلماء قالوا بأنه لا يوجد حديث ولا حتى ضعيف يدل على ما يفعلون. هل يمكن أن تشرح هذا وهل هذا فعلاً كان رأي الإمام مالك؟ وهل تجوز الصلاة هكذا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله جاء عن سهل بن سعد قال: كان الناس يؤمرون أن يضع الرجلُ اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة. رواه البخاري رقم (740) وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنا معشر الأنبياء أُمرنا أن نؤخر سحورنا ونعجل فطرنا وأن نمسك بأيماننا على شمائلنا في صلاتنا أخرجه ابن حبان في الصحيح (3/13-14) . ومن هذين الحديثين يتبين لنا خطأ من يرسل يديه، إذ وضع اليد اليمنى على اليسرى هو هدي نبينا صلى الله عليه وسلم وهدي الأنبياء قبله انظر زاد المعاد1/202 قال ابن عبد البر: لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه خلاف وهو قول الجمهور من الصحابة والتابعين وهو الذي ذكره مالك في الموطأ ولم يحك ابن المنذر وغيره عن مالك غيره،.. . انظر الفتح (2/224) ونيل والأوطار (2/201) . وذكر المالكية في رواية سنية القبض في الفرض والنفل: أنها الأظهر، لأن الناس كانوا يؤمرون في الصدر الأول انظر القوانين 65. والمشهور في كتب المتأخرين من المالكية أن وضع اليدين تحت الصدر فوق السرة مندوب للمصلي المتنفل وكذا للمفترض إن قصد بالوضع الاتباع أو لم يقصد شيئاً أما إن قصد الاعتماد والاتكاء على يديه بوضعهما كره له.. قال الباجي من كبار المالكية: " وقد يحمل قول مالك بكراهية قبض اليدين على خوفه من اعتقاد العوام أن ذلك ركن من أركان الصلاة تبطل الصلاة بتركه ". ومن يتأمل هذه المسألة يعلم علماً قاطعاً أنهم جميعاً يعترفون بأن سنة النبي صلى الله عليه وسلم هي وضع اليدين أمام المصلى لا لإرسالها بجنبه، وأن الإمام مالك ما قال بإرسالها- إن صح هذا عنه - إلا ليحارب عملاً غير مسنون وهو قصد الاعتماد أو اعتقادا فاسدا وهو ظن العامي وجوب ذلك وقيل إنّ مالك رحمه الله ضُرب لما رفض القضاء فلم يستطع وضع يديه على صدره في الصلاة فأسدلهما للألم فظنّ بعض من رآه أنها السنة ونقلها عنه، وإلا فهو رحمه الله -على التحقيق - لم يقل بالإرسال البتة وهذا غلط عليه في فهم عبارة المدونة وخلاف منصوصه المصرح به في " الموطأ " القبض وقد كشف عن هذا جمع من المالكية وغيرهم في مؤلفات مفردة تقارب ثلاثين كتاباً سوى الأبحاث التابعة في الشروح والمطولات ". ثم لو ثبت عن مالك الإرسال دون علّة فما هو الأولى بالاتّباع فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله - كما في الأحاديث المتقدمة - أم كلام الإمام مالك؟ فكل مريد للحقّ سيتّبع سنة محمد صلى الله عليه وسلم ويقدّمها على قول كلّ أحد والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 6109 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1052 هل يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم إذا دعا في سجوده [السُّؤَالُ] ـ[أعلم أنه من شروط الدعاء أن نصلي على النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأن الدعاء لا يستجاب له إذا لم نصلي على الرسول صلى الله عليه وسلم. هل هذا حكم عام؟ ماذا إذا أراد الشخص أن يدعو في السجود، هل يجب أن يصلي على الرسول صلى الله عليه وسلم أيضا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يمكن تقسيم الدعاء في الشرع إلى قسمين، قسم مطلق وقسم مقيد. أما المطلق: فهو الذي رغَّب الشرع بإنشائه من العبد، كالدعاء في ثلث الليل الآخر، والدعاء بين الأذان والإقامة، والدعاء في عرفة، وما شابه ذلك. وأما المقيد: فهو الدعاء الذي يقال عند دخول مكان أو خروج منه أو عند حدوث شيء أو ما شابه ذلك، كالدعاء عند دخول الخلاء والخروج منه، والدعاء عند هبوب الريح وغير ذلك. أما الأول وهو المطلق: فهو الذي يتأكد فيه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ويكون فيه أيضاً الثناء على الله عز وجل وقد روى فضالة بن عبيد قال: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو في صلاته لم يمجد الله تعالى ولم يصلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عَجِلَ هذا، ثم دعاه، فقال له أو لغيره: " إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه جل وعز والثناء عليه ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو بعد بما شاء ". رواه الترمذي (3477) وأبو داود (1481) . وأما مراتب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند الدعاء فقد ذكرها العلامة ابن القيم رحمه الله فقال: إحداها: أن يصلي عليه قبل الدعاء وبعد حمد الله تعالى. والمرتبة الثانية: أن يصلي عليه في أول الدعاء وأوسطه وآخره. والثالثة: أن يصلي عليه في أوله وآخره ويجعل حاجته متوسطة بينهما. " جلاء الأفهام " (ص 375) وأما الحكمة من جعل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء فقد قال شيخ الإسلام رحمه الله عن ذلك: الصلاة عليه من أعظم الوسائل التي بها يستجاب الدعاء وقد أمر الله بها، والصلاة عليه في الدعاء هو الذي دل عليه الكتاب والسنة والإجماع قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب / 56] . " مجموع الفتاوى " (1 / 347) وقال ابن القيم: وهذه المواطن التي تقدمت كلها شرعت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيها أمام الدعاء، فمفتاح الدعاء الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كما أن مفتاح الصلاة الطهور فصلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً." جلاء الأفهام " (ص 377) .. وأما النّوع المقيد من الأدعية الذي تقدّم ذكره: فليس فيه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، إلا ما جاء في بعضها كدعاء دخول المسجد وبعد الأذان كما سيأتي نصها. وقد علَّم النبي صلى الله عليه وسلم أمَّته أدعية مخصوصة مقيدة في أوقات معلومة أو بعد أفعال مخصوصة ليس فيها الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم، ومنها: - دعاء الاستخارة. عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن يقول إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر - ويسمِّيه - خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال عاجل أمري وآجله فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه وإن كنت تعلم أن هذا الأمر - ويسمِّيه - شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال في عاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم أرضني. رواه البخاري (1113) . - الدعاء عند دخول الخلاء. عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال " اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث ". رواه البخاري (5963) ومسلم (375) . - الدعاء عند هبوب الريح. عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال: " اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به ". رواه مسلم (899) . وغير ذلك من الأدعية التي علّمنا إياها ولم يُذكر في نصها الصلاة عليه صلى الله عليها وسلم فينبغي أن نأتي بها كما علمنا إياها دون زيادة ولا نقصان، ويدخل في هذا الحكم الدعاء في السجود وهو الوارد في السؤال، إذ قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أدعية في سجوده ليس في أحدها الصلاة والسلام عليه، ومنها: عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده " سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي ". رواه البخاري (874) ومسلم (484) . وعن عائشة قالت: فقدتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان وهو يقول: " اللهم أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ". رواه مسلم (486) . ولا ننسى أنّ المصلي سوف يتلو الصلاة الإبراهيمية في جلسة التشهد في صلاته التي يدعو فيها فيكون عمله غير خال من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. وأما الأدعية المخصوصة التي فيها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فمنها: - الدعاء عند دخول المسجد. عن أبي حميد وأبي أسيد قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليقل اللهم افتح لي أبواب رحمتك، فإذا خرج فليقل اللهم إني أسألك من فضلك ". رواه أبو داود (466) . والحديث: صححه الشيخ الألباني رحمه الله في " تمام المنَّة " (ص 290) . - الدعاء بعد الأذان. عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة ". رواه مسلم (384) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 4804 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1053 جلسة الاستراحة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم جلسة الاستراحة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تستحب المحافظة على جلسة الاستراحة، وهي جلسة لطيفة عقب السجدتين في كل ركعة لا يتشهد عقبها، وقد ثبت حديثها في صحيح البخاري، وثبت في سنن أبي داود والترمذي من طرق أخرى بأسانيد صحيحة، وهو الصحيح في مذهب الشافعي باتفاق المصنفين، ولا تستحب عقب سجدة التلاوة في الصلاة. انتهى كلام الإمام النووي. وجلسة الاستراحة هي: جلسة خفيفة عقب السجدة الثانية وقبل القيام، وهي سنة عند الشافعي وإسحاق وأحمد، فقد روي عن أبي قلابة رضي الله عنه قال: صلّى لنا مالك بن الحويرث صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان إذا رفع رأسه من السجدة الأخيرة في الركعة الأولى قعد ثم قام، رواه الخمسة إلا مسلماً. ولفظ البخاري: (وكان إذا رفع رأسه عن السجدة الثانية جلس واعتمد على الأرض ثم قام) . أقول: ومن الهيئات جلسة الاستراحة، يؤتى بها بعد كل سجدة ثانية يقوم عنها. فلا تسن بعد سجدة التلاوة، ولا للمصلي قاعداً، ولا في الركعة الرابعة من الظهر مثلاً، ولا في الثانية منه، إن أراد التشهد فإن أراد تركه سن له أن يأتي بها. وهي: فاصلة بين الركعتين على المعتمد ليست من الأولى ولا من الثانية. والأفضل: أن لا تزيد على قدر الطمأنينة، لأنها من السنن التي أقلها أكملها كسكتات الصلاة. [الْمَصْدَرُ] حاشية كتاب فتاوى الإمام النووي ص 47 الحديث: 3491 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1054 الدعاء في التشهد الأخير [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك أدعية يقولها المصلي في التشهد الأخير بعد التحيات والصلاة الإبراهيمية؟ وما هي؟ بعض الأئمة يُطيل في التشهد الخير والمأموم لا يدري ماذا يقول.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ [وفي رواية: إِذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنَ التَّشَهُّدِ الآخِرِ] فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ. صحيح مسلم 588 وقد ورد أيضا مع هذه الأربع الاستعاذة من المأثم والمغرم فقد روى البخاري ومسلم عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلَاةِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَفِتْنَةِ الْمَمَاتِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ مِنَ الْمَغْرَمِ فَقَالَ إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ.. البخاري 833 وقد ورد أيضا أنه علّم أبا بكر الصّديق دعاء يدعو به في صلاته كما جاء في صحيح البخاري عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي قَالَ قُلْ اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي إِنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. رقم790 وهذا الدّعاء يُمكن أن يجعله المصلي في التشهد الأخير بعد الاستعاذات السابقة. وقد ورد أيضا أن للمصلي أن يدعو بعد الاستعاذات بأيّ دعاء طيّب يريده ويسأل الله ما يشاء من خيري الدنيا والآخرة فقد جاء عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَعَذَابِ الْقَبْرِ وَفِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ شَرِّ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ ثُمَّ يَدْعُو لِنَفْسِهِ بِمَا بَدَا لَهُ * رواه النسائي 1293، والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 5236 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1055 هل حمل الطفل وفيه نجاسة أثناء الصلاة يبطل الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[هل حمل الطفل الذي به نجاسة أثناء الصلاة يبطل الصلاة والوضوء أيضا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: من شروط صحة الصلاة: اجتناب النجاسة في البدن والثوب والمكان، فمن صلى وعلى ثوبه أو بدنه نجاسة أو حمل طفلاً متنجساً أو حمل قارورة فيها نجاسة ... ، بطلت صلاته عند جمهور العلماء، ولا يبطل وضوؤه. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/403) : " لو حمل " المصلي " قارورة فيها نجاسة مسدودة , لم تصح صلاته..; لأنه حامل لنجاسة غير معفو عنها في غير معدنها , فأشبه ما لو كانت على بدنه أو ثوبه " انتهى بتصرف يسير. وينظر: "الموسوعة الفقهية" (40/99) ، "المجموع" (3/157) ، "كشاف القناع" (1/289) . ثانياً: بطلان الصلاة مقيد بما إذا حمل المصلي الصبي، وهو يعلم أن به نجاسة، أما إذا لم يعلم أو كان يعلم أن به نجاسة، إلا أنه حمله ناسياً صحت صلاته. قال النووي رحمه الله في "المجموع" (3/163) : "مذاهب العلماء فيمن صلى بنجاسة نسيها أو جهلها: ذكرنا أن الأصح في مذهبنا وجوب الإعادة وبه قال أبو قلابة وأحمد، وقال جمهور العلماء: لا إعادة عليه , حكاه ابن المنذر عن ابن عمر وابن المسيب وطاوس وعطاء وسالم بن عبد الله ومجاهد والشعبي والنخعي والزهري ويحيى الأنصاري والأوزاعي وإسحاق وأبي ثور قال ابن المنذر: وبه أقول , وهو مذهب ربيعة ومالك وهو قوي في الدليل وهو المختار " انتهى. وقال المرداوي في "الإنصاف" (1/486) : قوله: (فإن علم أنها كانت في الصلاة , لكن جهلها أو نسيها فعلى روايتين) . إحداهما: تصح. وهي الصحيحة عند أكثر المتأخرين , اختارها المصنف [يعني: ابن قدامة] ... , والشيخ تقي الدين [يعني: ابن تيمية] . الثانية: لا تصح , فيعيد , وهو المذهب " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "فإن صلى وبدنه نجس أي قد أصابته نجاسة لم يغسلها أو ثوبه نجس، أو بقعته نجسة فصلاته غير صحيحة عند جمهور العلماء، لكن لو لم يعلم بهذه النجاسة، أو علم بها ثم نسي أن يغسلها حتى تمت صلاته، فإن صلاته صحيحة ولا يلزمه أن يعيد، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه ذات يوم فخلع نعليه، فخلع الناس نعالهم، فما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم سألهم لماذا خلعوا نعالهم؟ قالوا: رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا، فقال: (إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما خبثاً) . ولو كانت الصلاة تبطل باستصحاب النجاسة حال الجهل لاستأنف النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة. إذن اجتناب النجاسة في البدن، والثوب، والبقعة شرط لصحة الصلاة، لكن إذا لم يتجنب الإنسان النجاسة جاهلاً، أو ناسياً فإن صلاته صحيحة، سواء علم بها قبل الصلاة ثم نسي أن يغلسها، أو لم يعلم بها إلا بعد الصلاة. فإن قلت: ما الفرق بين هذا وبين ما إذا صلى بغير وضوء ناسياً أو جاهلاً، حيث أَمَرْنا من صَلَّى بغير وضوء ناسياً أو جاهلاً بالإعادة، ولم نأمر الذي صلى بالنجاسة ناسياً أو جاهلاً بالإعادة؟ قلنا: الفرق بينهما: أن الوضوء أو الغسل من باب فعل المأمور، واجتناب النجاسة من باب ترك المحظور، وترك المأمور لا يعذر فيه بالجهل والنسيان بخلاف فعل المحظور" انتهى من "مجموع الفتاوى" (12/390) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136524 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1056 من أحدث في الصلاة وتوضأ فهل يبني على صلاته أو يستأنف [السُّؤَالُ] ـ[إذا انتقض وضوئي أثناء الصلاة هل أكمل الصلاة؟ وهل أكمل من حيث وقفت أو أبدأ الصلاة من أولها؟ ومتى يسلم الشخص هل بعد التسليم الأول أم بعد تسليم الإمام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: من انتقض وضوؤه في الصلاة بريح أو غيره خرج فتوضأ ثم عاد فاستأنف الصلاة من أولها على الراجح من قولي العلماء، وهو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة، خلافا للحنفية والشافعي في القديم. وهذا فيمن غلبه الحدث، وأما من تعمد الحدث، فإن صلاته تبطل بالإجماع. وحجة الجمهور في هذه المسألة: القياس. قالوا: لأن الحدث يُبطل الطهارة، فكذلك يبطل الصلاة، كحدث المتعمّد. وأما الحنفية فاحتجوا بحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو مذي فلينصرف فليتوضأ، ثم ليبن على صلاته، وهو في ذلك لا يتكلم) لكنه حديث ضعيف، رواه ابن ماجه (1221) وقال البوصيري في الزوائد: " في إسناده إسماعيل بن عياش. وقد روى عن الحجازيين وروايته عنهم ضعيفة ". وقال الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير": (1/495) : " وأعله غير واحد بأنه من رواية إسماعيل بن عياش , عن ابن جريج , ورواية إسماعيل عن الحجازيين ضعيفة , وقد خالفه الحفاظ من أصحاب ابن جريج فرووه عنه عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا " انتهى. وينظر: "التحقيق في أحاديث الخلاف" لابن الجوزي (1/83) ، "وتنقيح التحقيق" لابن عبد الهادي (1/284) . وقال النووي رحمه الله: "قد ذكرنا أن مذهبنا الصحيح الجديد: أنه لا يجوز البناء، بل يجب الاستئناف , وهو مذهب المسور بن مخرمة الصحابي رضي الله عنه. وبه قال مالك وآخرون , وهو الصحيح من مذهب أحمد. وقال أبو حنيفة وابن أبي ليلى والأوزاعي: يبني على صلاته. وحكاه ابن الصباغ وغيره عن عمر بن الخطاب وعلي وابن عمر رضي الله تعالى عنهم. ورواه البيهقي عن علي وسلمان الفارسي وابن عباس وابن عمر وابن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن وعطاء وطاوس وأبي إدريس الخولاني وسليمان بن يسار وغيرهم رضي الله تعالى عنهم , وقد ذكر المصنف مختصر دليل المذهبين , والحديث ضعيف , والصحابة رضي الله تعالى عنهم مختلفون في المسألة فيصار للقياس , والله أعلم " انتهى من "المجموع" (4/6) . وينظر: "المغني" (1/421) . وتأوّل الشافعي رحمه الله ما جاء عن بعض الصحابة في خروجهم من الصلاة للرعاف وتوضئهم ثم البناء على الصلاة، تأوله على غسل الدم لا الوضوء المعروف. قال رحمه الله: " وإنما معنى وضوئهما عندنا: غسل الدم وما أصاب من الجسد، لا وضوء الصلاة، وقد روي عن ابن مسعود أنه غسل يديه من طعام ثم مسح ببلل يديه وجهه، وقال: هذا وضوء من لم يحدث، وهذا معروف من كلام العرب، يسمى وضوءا لغسل بعض الأعضاء، لا لكمال وضوء الصلاة " نقله البيهقي في "السنن الكبرى" (1/143) . ومما يدل لمذهب الجمهور: ما روى أبو داود (205) عَنْ عَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا فَسَا أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَنْصَرِفْ فَلْيَتَوَضَّأْ، وَلْيُعِدْ الصَّلَاةَ) والحديث مختلف في صحته، وصححه ابن حبان، وحسنه غيره. وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" سؤال عن حديث: (من أحدث في صلاة فلينصرف، فإن كان في صلاة جماعة فليأخذ بأنفه ولينصرف فليتوضأ ثم ليبن على ما مضى من صلاته ما لم يتكلم) . فأجابوا: "هذا الحديث ضعفه بعض أئمة الحديث؛ ولذا فما دل عليه من أن المحدث في صلاته ينصرف ثم يتوضأ ويرجع ليكمل ما بقي من صلاته غير صحي، بل إن الحدث في أثناء الصلاة يبطلها، وعلى الشخص بعد إعادة الوضوء أن يستأنف الصلاة من أولها؛ كما دل عليه حديث علي بن طلق رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا فسا أحدكم في الصلاة فلينصرف وليتوضأ، وليعد الصلاة) رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وصححه ابن حبان " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/438) المجموعة الثانية. وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " من انتقض وضوؤه في الصلاة بريح أو رعاف كثير أو غيرهما , فإن صلاته تبطل في أصح قولي العلماء ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا فسا أحدكم في الصلاة فلينصرف، وليتوضأ، ثم ليعد الصلاة) أخرجه الإمام أحمد , وأهل السنن , كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في البلوغ. أما الحديث الذي فيه البناء على ما مضى من الصلاة فهو حديث ضعيف , كما أوضح ذلك أيضا الحافظ ابن حجر في البلوغ " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (10/159) . ثانياً: الأفضل للمأموم أن لا يسلم من الصلاة حتى يفرغ الإمام من التسليمة الثانية، وانظر جواب السؤال رقم (75977) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129666 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1057 التوفيق بين أمر المسيء صلاته بالإعادة وعدم أمر معاوية بن الحكم بها [السُّؤَالُ] ـ[كيف أجمع بين حديث معاوية عندما شمت العاطس ولم يأمره النبي بالإعادة ومعاوية لا يعلم أنها مبطلة للصلاة، وعدم أمر النبي بالإعادة دليل على صحة صلاة معاوية، وبين حديث أن النبي أمر المسيء صلاته بالإعادة وهذا يدل على بطلان صلاته ولو كان جاهلا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله حديث معاوية بن الحكم هو ما رواه مسلم (537) عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ قَالَ: بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَا ثُكْلَ أُمِّيَاهْ: مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ! فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَاللَّهِ مَا كَهَرَنِي، وَلَا ضَرَبَنِي، وَلَا شَتَمَنِي، قَالَ: (إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ) . وأما حديث المسيء صلاته فهو ما رواه البخاري (757) ومسلم (397) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَدَّ، وَقَالَ: (ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ، فَرَجَعَ يُصَلِّي كَمَا صَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ، ثَلَاثًا، فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ، فَعَلِّمْنِي، فَقَالَ: إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا) . وقد دل الحديثان على عذر الجاهل، أما حديث معاوية فلأنه لم يؤمر بالإعادة، وأما حديث المسيء صلاته فلأنه لم يؤمر بإعادة ما صلى من قبل، بل أمر بإعادة صلاة الوقت فقط. قال النووي رحمه الله في شرح حديث معاوية: " وَأَمَّا كَلَام الْجَاهِل إِذَا كَانَ قَرِيب عَهْد بِالْإِسْلَامِ فَهُوَ كَكَلَامِ النَّاسِي , فَلَا تَبْطُل الصَّلَاة بِقَلِيلِهِ لِحَدِيثِ مُعَاوِيَة بْن الْحَكَم هَذَا , الَّذِي نَحْنُ فِيهِ ; لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرهُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاة , لَكِنْ عَلَّمَهُ تَحْرِيم الْكَلَام فِيمَا يُسْتَقْبَل " انتهى. أما أمر المسيء صلاته بالإعادة، وعدم أمر معاوية بذلك، فسبب ذلك: هو التفريق بين فعل المحظور، وترك المأمور، فترك المأمور لا يسقط مع الجهل أو النسيان متى أمكن تداركه، بخلاف فعل المحظور. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الكلام على محظورات الإحرام: " والصحيح أن جميعها تسقط، وأن المعذور بجهل أو نسيان أو إكراه لا يترتب على فعله شيء إطلاقاً، لا في الجماع، ولا في الصيد، ولا في التقليم، ولا في لبس المخيط، ولا في أي شيء، وذكرنا فيما سبق الدليل من القرآن، والسنة، والنظر. وهكذا في جميع المحظورات في العبادات، لا يترتب عليها الحكم، إذا كانت مع الجهل أو النسيان، أو الإكراه؛ لعموم النصوص، ولأن الجزاء، أو الفدية، أو الكفارة إنما شرعت لفداء النفس من المخالفة أو للتكفير عن الذنب، والجاهل أو الناسي أو المكره لم يتعمد المخالفة، ولهذا لو كان ذاكراً أو عالماً أو مختاراً لم يفعل. فالشرب في رمضان نسياناً ليس فيه قضاء، والدليل حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (من نسي وهو صائم فأكل، أو شرب، فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) ، فمن لم يتعمد المخالفة، فليس عاصياً، ولا فدية عليه. وكذلك عدي بن حاتم رضي الله عنه: (لما أراد الصيام جعل عقالين أبيض وأسود؛ لقوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) البقرة/187، وكانوا يأخذون الأحكام من القرآن مباشرة، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: (إن وسادك لعريض، أن كان الخيط الأبيض والأسود تحت وسادك) ، فلم يأمره بالإعادة للجهل بالحكم. وكذلك أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: (أخبرت أنهم أفطروا في يوم غيم على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلم يأمرهم بلقضاء) ، لجهلهم بالحال. وكذلك في الصلاة، والدليل أن معاوية بن الحكم رضي الله عنه دخل مع النبي صلّى الله عليه وسلّم في الصلاة فعطس رجل، فقال: الحمد لله، قال: يرحمك الله، وهو يصلي، فرماه الناس بأبصارهم، أي ـ نظروا إليه منكرين ـ فقال: واثكل أمياه ـ رضي الله عنه ـ، فزاد الكلام كلاماً آخر، فجعلوا يضربون على أفخاذهم يسكتونه فسكت، فلما سلم دعاه الرسول صلّى الله عليه وسلّم، قال معاوية: بأبي هو وأمي، ما رأيت معلماً أحسن تعليماً منه، قال صلّى الله عليه وسلّم: (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير، وقراءة القرآن) ، ولم يأمره بالإعادة؛ لأنه جاهل. والنصوص الدالة على هذا الأصل، أعني عدم المؤاخذة مع النسيان والجهل والإكراه كثيرة، وهذا من مقتضى قوله تعالى: (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) الأنعام/ 54، وقوله في الحديث القدسي: (سبقت رحمتي غضبي) . وأما ترك الواجبات فلا يسقط بالنسيان والجهل والإكراه متى أمكن تداركه؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) فلم تسقط عنه بالنسيان، ولأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يسقط الصلاة الحاضرة بالجهل كما في حديث المسيء في صلاته، أمره بالإعادة مع أنه جاهل، لأنه ترك مأموراً، والمأمورات أمور إيجابية لا بد أن تكون، والمنهيات أمور عدمية لا بد أن لا تكون. ثم إن المأمورات يمكن تداركها بفعلها، لكن المنهيات مضت، لكن إذا كان في أثناء المنهي فيجب التدارك بقطعه، فإن قال قائل: إن قوله تعالى: (رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا) عام في ترك المأمور وفعل المحظور، فالجواب أن الأمر كذلك، فتارك المأمور جاهلاً أو ناسياً غير مؤاخذ بالترك، لكن عدم فعله إياه يقتضي إلزامه به متى زال العذر إبراءً لذمته " انتهى من "الشرح الممتع" (7/200) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 117779 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1058 إذا قرأ في الصلاة (أليس الله بأحكم الحاكمين) فهل يقول "بلى"؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يعتبر قول " بلى " في الصلاة بعد قول الله تعالى {أليس الله بأحكم الحاكمين} أو غيرها من الكلام المبطل للصلاة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: كان الكلام في الصلاة مباحاً فكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يردون السلام وهم في الصلاة، ثم نهوا عن ذلك، وأجمع العلماء على تحريم الكلام في الصلاة وبطلان صلاة من فعل ذلك عالِماً عامداً. عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنَّا نسلِّم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فيرد علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا، وقال: إن في الصلاة شغلاً. رواه البخاري (1141) ومسلم (538) . وعن زيد بن أرقم قال: كنا نتكلم في الصلاة يكلم الرجل صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة حتى نزلت وقوموا لله قانتين فأُمرنا بالسكوت ونُهينا عن الكلام. رواه البخاري (1142) ومسلم – واللفظ له - (539) . قال النووي: "قوله تعالى: وقوموا لله قانتين قيل: معناه: مطيعين، وقيل: ساكتين. قوله: " أمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام ": فيه دليل على تحريم جميع أنواع كلام الآدميين، وأجمع العلماء على أن الكلام فيها عامداً عالماً بتحريمه بغير مصلحتها وبغير إنقاذها وشبهه مبطل للصلاة" اهـ. " شرح مسلم " (5 / 27) . ثانياً: قال النووي في آداب قراءة القرآن: "فصل في آداب تدعو الحاجة إليها منها: إذا قرأ قوله تعالى: (إنَّ الله ومَلاَئِكَتِهِ يُصلونَ عَلى النَّبي) يستحب له أن يقول: صلى الله عليه وسلم تسليماً. ومنها: إذا قرأ: (أليسَ الله بَأحكمِ الحَاكِمين) (أَليسَ ذَلِكَ بقَادرٍ عَلى أنْ يُحيي الموْتَى) يُستحب أن يقول: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين، وإذا قرأ: (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُون) قال: آمنت بالله. . . وهذا كله مستحب أن يقوله القارئ في الصلاة وغيرها. اهـ باختصار. وقد وردت بعض الأحاديث بذلك بعضها صحيح وبعضها فيه ضعف. روى أبو داود (884) عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ يُصَلِّي فَوْقَ بَيْتِهِ، وَكَانَ إِذَا قَرَأَ: (أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) قَالَ: سُبْحَانَكَ فَبَلَى. فَسَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. صححه الألباني في صحيح أبي داود. وعن إسماعيل بن أمية سمعت أعرابيا يقول سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرأ منكم والتين والزيتون فانتهى إلى آخرها أليس الله بأحكم الحاكمين فليقل: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين، ومن قرأ لا أقسم بيوم القيامة فانتهى إلى أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى فليقل: بلى، ومن قرأ والمرسلات فبلغ فبأي حديث بعده يؤمنون فليقل: آمنا بالله. رواه أبو داود (887) . وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (3/397-399) : "لو قرأ القارئ: (أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) فله أن يقول: بلى، أو سبحانك فبلى، لأنه ورد فيه حديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، ونص الإمام أحمد عليه، قال الإمام أحمد: إذا قرأ: (أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) في الصلاة وغير الصلاة قال: سبحانك فبلى، في فرض ونفل. وإذا قرأ: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) فيقول: سبحانك فبلى. وإذا قرأ: (أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ) يقول: لا إله إلا الله" اهـ باختصار وتصرف. وبهذا يتبين أن هذا الكلام ليس من الكلام المحرم في الصلاة المبطل لها، وإنما يحرم في الصلاة كلام الناس كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ) رواه مسلم (537) . قال النووي: "مَعْنَاهُ: لَا يَصْلُح فِيهَا شَيْء مِنْ كَلَام النَّاس وَمُخَاطَبَاتهمْ" اهـ. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 27014 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1059 حكم السلام على المصلي [السُّؤَالُ] ـ[هل يستحب قول السلام عليكم بصوت مرتفع عندما يدخل الشخص صالة المسجد حيث يؤدي الناس الصلاة؟ وإذا كان جائزاً، فهل ينبغي أن يقول السلام عليكم بصوت مرتفع حتى ولو كانت صلاة الجماعة قد بدأت وقد يشوش عليهم خشوعهم؟ أسأل هذا السؤال لأن عدداً قليلاً من إخواننا يقولون السلام عليكم حتى والإمام يقرأ في الصلوات الجهرية.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذهب جمهور العلماء إلى جواز السلام على المصلي إذا لم يؤد إلى تشويش أو تعريض صلاة جاهل للبطلان، لأنه قد يعتقد وجوب رد السلام باللفظ، فيرد فتبطل صلاته بذلك, وذهب الحنفية إلى كراهة ذلك. قال في "تبيين الحقائق": "وَيُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَى الْمُصَلِّي وَالْقَارِئِ وَالْجَالِسِ لِلْقَضَاءِ أَوْ لِلْبَحْثِ فِي الْفِقْهِ أَوْ لِلتَّخَلِّي، وَلَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الرَّدُّ، لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّه" انتهى. وفي "شرح الخرشي على مختصر خليل" [مالكي] (1/325) : "وَلَا يُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَى الْمُصَلِّي فِي فَرْضٍ وَلَا نَافِلَةٍ" انتهى. وقال النووي في "المجموع" (4/105) [شافعي] : " مقتضى كلام أصحابنا أنه لا يكره السلام على المصلي، وهو الذي يقتضيه الأحاديث الصحيحة" انتهى بتصرف. وقال الشيخ محمد بن عثيمين في "لقاء الباب المفتوح" (24/31) : "السلام على المصلي جائز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على الذين يسلمون عليه، إلا إذا خاف المسلم أن يشوش على المصلي فلا يسلم، أو خاف أن يتكلم بالرد، يعني: العامة أكثرهم لا يفهم، ربما إذا سلمت عليه قال: وعليك السلام، فبطلت صلاته إذا كان عالماً بأنها تبطل بذلك. فعلى كل حال نقول: السلام على المصلي غير منكر؛ لإقرار النبي صلى الله عليه وسلم عليه، إلا إذا خاف التشويش أو إبطال صلاة المسلَّم عليه فلا يسلم. أما كيف يرد؟ فلا يرد باللفظ فلا يقول: عليك السلام، وإنما يرد بالإشارة، يرفع يده حتى يعرف المسلم أنه رد عليه، ثم إن بقي المسلِّم عليه حتى يسلم وينصرف من صلاته رد عليه باللفظ، وإن ذهب لم يجب على المصلي أكثر مما ذكرت من الإشارة. وظاهر النصوص: أن الرد واجب لكنه يتعذر بالقول لأنه مبطل للصلاة" انتهى. فلا حرج من السلام على المصلي، إلا إذا كان فيه تشويش على المصلين، كالسلام والإمام يقرأ فإنه لا يسلم. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال جواب الحديث: 114225 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1060 التردد في الخروج من الصلاة، هل يقطعها؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا سمع المصلي طارقاً يطرق الباب فتردد، هل يقطع الصلاة أم لا؟ فهل تبطل الصلاة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " ذهب بعض أهل العلم إلى بطلان الصلاة وإن لم يعزم على القطع، وقال بعض أهل العلم: لا تبطل الصلاة بالتردد؛ لأن الأصل بقاء النية، والتردد لا يبطلها، وهذا القول هو الصحيح، فما دام أنه لم يعزم على القطع فهو في الصلاة " انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (12/449) . وللفائدة ينظر جواب السؤال رقم (93529) في الموقع. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 108272 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1061 وضع العلكة في الفم دون مضغ أثناء الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز ترك العلكة في الفم أتناء الصلاة دون مضغها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ينبغي أن يقبل العبد على صلاته، ويخشع فيها، ويستحضر بقلبه أنه يناجي ربه، كما روى البخاري (405) ومسلم (551) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى نُخَامَةً فِي الْقِبْلَةِ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَتَّى رُئِيَ فِي وَجْهِهِ فَقَامَ فَحَكَّهُ بِيَدِهِ فَقَالَ إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ فِي صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ أَوْ إِنَّ رَبَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ فَلَا يَبْزُقَنَّ أَحَدُكُمْ قِبَلَ قِبْلَتِهِ وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمَيْهِ ثُمَّ أَخَذَ طَرَفَ رِدَائِهِ فَبَصَقَ فِيهِ ثُمَّ رَدَّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَقَالَ أَوْ يَفْعَلُ هَكَذَا. وترك العلكة في الفم، أقل ما فيه أنه ينافي الأدب في الوقوف بين يدي الله تعالى، وقد يمنع من كمال القراءة، ويشغل المصلي. فإن مضغها أو ذاب منها شيء بطلت صلاته. قال النووي رحمه الله في "المجموع" (4/23) : " قال البغوي وغيره: والمضغ وحده يبطل الصلاة وإن لم يصل شيء إلى الجوف، حتى لو مضغ علكا بطلت صلاته , فإن لم يمضغه بل وضعه في فيه , فإن كان جديدا يذوب فهو كالسكرة، فتبطل صلاته على الصحيح , وإن كان مستعملا لا يذوب لم تبطل، كما لو أمسك في فمه حصاة أو إجاصة فإنها لا تبطل قطعا " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97356 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1062 حكم صلاة المأموم إذا سلم قبل إمامه [السُّؤَالُ] ـ[إذا سلم المأموم قبل الإمام سهوا أو عمدا ما الحكم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا سلم المأموم قبل إمامه: فإن كان عمدا بلا عذر بطلت صلاته. وإن كان سهوا، لزمه أن يرجع إلى الصلاة ويسلم بعد تسليم إمامه، فإن لم يفعل بطلت صلاته. قال في "كشاف القناع" (1/465) : " وإن سلم قبله عمدا بلا عذر تبطل ; لأنه ترك فرض المتابعة متعمدا، ولا تبطل إن سلم قبل إمامه سهوا , فيعيده، أي: السلام بعد سلام إمامه ; لأنه لا يخرج من صلاته قبل إمامه، وإن لم يعده بعده بطلت صلاته ; لأنه ترك فرض المتابعة أيضا " انتهى بتصرف. وأما من تعمد السلام قبل الإمام لعذر، فلا تبطل صلاته، ويحسن هنا أن نذكر شيئا من الأعذار التي تبيح للمأموم أن ينفرد عن أمامه وأن يسلم قبله: قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " مثال العُذْر: تطويل الإمام تطويلاً زائداً على السُّنَّة، فإنه يجوز للمأموم أن ينفرد، ودليل ذلك: قصَّة الرَّجُل الذي صَلَّى مع معاذ، وكان معاذ يُصلِّي مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاءَ، ثم يرجع إلى قومه فيُصلِّي بهم تلك الصَّلاة، فدخل ذات ليلة في الصَّلاة فابتدأ سُورةً طويلة (البقرة) فانفرد رَجُلٌ وصَلَّى وحده، فلما عَلِمَ به معاذ قال: إنه قد نافق، يعني: حيث خرج عن جماعة المسلمين، ولكن الرَّجُل شكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ: (أتريدُ أنْ تكون فتَّاناً يا مُعَاذُ) ولم يوبِّخِ الرَّجُلَ، فَدلَّ هذا على جواز انفراد المأموم؛ لتطويل الإمام، لكن بشرط أن يكون تطويلاً خارجاً عن السُّنَّة؛ لا خارجاً عن العادة. ولذلك لو أمَّ رَجُلٌ جماعةً؛ وكان إمامُهم الرَّاتب يُصلِّي بهم بقراءة قصيرة ورُكوع وسُجود خفيفين؛ فصلَّى بهم هذا بقراءة ورُكوعٍ وسُجودٍ على مقتضى السُّنَّة، فإنه لا يجوز لأحد أن ينفرد؛ لأن هذا ليس بعذر. ومن الأعذار أيضا ً: أن يطرأ على الإنسان قَيْئٌ في أثناء الصَّلاة؛ لا يستطيع أن يبقى حتى يكمل الإمام؛ فيخفِّف في الصَّلاة وينصرف. ومن الأعذار أيضاً: أن يطرأ على الإنسان غازاتٌ (رياح في بطنه) يَشُقُّ عليه أن يبقى مع إمامه، فينفرد ويخفِّف وينصرف. ومن الأعذار أيضاً: أن يطرأ عليه احتباسُ البول أو الغائط، فيُحصر ببول أو غائط. لكن إذا قُدِّرَ أنه لا يستفيد من مفارقة الإمام شيئاً؛ لأن الإمام يخفِّف، ولو خفَّف أكثر من تخفيف الإمام لم تحصُل الطُّمأنينة فلا يجوز أن ينفردَ؛ لأنه لا يستفيد شيئاً بهذا الانفراد. ومن الأعذار أيضاً: أن تكون صلاة المأموم أقلَّ من صلاة الإمام، مثل: أن يُصلِّي المغرب خلف من يصلِّي العشاء على القول بالجواز؛ فإنه في هذه الحال له أن ينفرد ويقرأ التشهد ويُسَلِّمَ وينصرف، أو يدخل مع الإمام إذا كان يريد أن يجمع مع الإمام فيما بقي من صلاة العشاء، ثم يُتمُّ بعد سلامه. وهذا القولُ رواية عن الإمام أحمد رحمه الله، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو الحقُّ، ونوعُ العُذر هنا عُذر شرعيّ؛ لأنَّه لو قام مع الإمام في الرَّابعة لبطلت صلاتُه " انتهى من "الشرح الممتع" (2/311) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 95567 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1063 إذا نوى قطع النية أثناء الوضوء أو الصلاة أو الصوم [السُّؤَالُ] ـ[قال العلامة السعدي في الفتاوي السعدية ص 228 " قطع نية العبادة نوعان، نوع لا يضره شيء وذلك بعد كمال العبادة ...... والثاني: قطع نية العبادة في حال تلبسه بها ..... فهذا لا تصح عبادته ... " فهل معني ذلك أني لو أتاني هاجس لأقطع صيام الفرض أكون مفطرا؟ وماذا لو أتاني ذلك الهاجس دون أن أنوي قطع الصيام فهل ذلك وارد؟ وحكمه؟ وكذا في الوضوء ففي وسطه قد يأتيني شك بأن هناك بول مثلا فلا أجد ذلك وأحيانا أكون نويت قطع الوضوء ثم أعود لتكملة الوضوء بعد ألا أجد شيئا، فهل كان علي البدء من جديد لانقطاع النية هنا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا نوى الإنسان قطع العبادة أثناء فعله لها بطلت، ولا يستثنى من ذلك إلا الحج والعمرة، فلا يبطلان بقطع النية ولا بالتصريح بالقطع، بل يظل المحرم على إحرامه حتى يؤدي نسكه أو يتحلل بالإحصار. قال في "المغني" (1/278) : " وإن تلبس بها –أي بالصلاة- بنية صحيحة , ثم نوى قطعها , والخروج منها , بطلت. وبهذا قال الشافعي " انتهى. وقال في "زاد المستقنع" في باب الصلاة: " فإن قطعها في أثناء الصلاة أو تردد بطلت ". وقال في باب الصوم: " ومن نوى الإفطار أفطر ". لكن رجح الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه أن التردد لا يبطل الصلاة. ينظر: "الشرح الممتع" (1/486) . ومَثَّل للتردد بما لو سمع قارعا يقرع الباب، فتردد أأقطع الصلاة أو أستمر؟ وبهذا يتبين أن من عزم على قطع العبادة بطلت، لكن لو كان ذلك مجرد هاجس فلا تبطل به العبادة. وبناء على ذلك فمجرد الهاجس بقطع الصيام لا يبطل الصيام حتى تعزم وتنوي الفطر. وكذلك لو شك أثناء الوضوء في خروج البول منه، فتوقف ونظر ولم ينو القطع، ولم يجد شيئا، فلا يبطل وضوؤه. وكذلك إذا نوى قطع الوضوء بطل وضوؤه، فلا يجوز له إكماله على ما مضى، بل يتوضأ وضوءاً جديداً. قال في "الإنصاف" (1/151) : " لو أبطل النية في أثناء طهارته , بطل ما مضى منها على الصحيح من المذهب , اختاره ابن عقيل , والمجد في شرحه , وقدمه في الرعايتين , والحاويين. وقيل: لا يبطل ما مضى منها , جزم به المصنف في المغني " انتهى. وينبغي الحذر من الوسوسة، فإن الشيطان يأتي الإنسان ويخيل إليه أنه خرج منه شيء، وقد يتمادى الإنسان في ذلك فلا يكاد يفعل عبادة إلا شك فيها، مما يوقعه في حرج وضيق شديد، وللأهمية راجع السؤال رقم (62839) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93529 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1064 حكم الصلاة في الثوب المشقوق [السُّؤَالُ] ـ[إذا وجد شخص ثقب في ثوب الصلاة، ثم اكتشف أنه كان يصلي في هذا الثوب وفي وضع تبدو فيه عورته من هذا الثقب لفترة من الزمن، فهل يجب عليه أن يعيد هذه الصلوات؟ إذا كان الجواب نعم، ولا يدري هذا الشخص المدة التي حصل بها هذا، فكيف يتأكد بأنه قضى العدد الكافي من الصلوات؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اتفق أهل العلم رحمهم الله أن ستر المصلي لعورته شرط لصحة صلاته، ودليل ذلك قوله تعالى: (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد) . ويشترط في اللباس الذي يستر العورة: 1- أن لا يصف البشرة، فإن وصفها لم يجزئ لأن الستر لا يحصل بدون ذلك. 2- أن يكون طاهراً، فإن الثوب النجس لا تصح الصلاة به لحرمة حمل النجاسة في الصلاة قال تعالى: (وثيابك فطهر) ولما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتي إليه بصبي لم يأكل الطعام، فأجلسه في حجره، فبال الصبي في حجره، فدعا بماء فأتبعه إياه " فدلت مبادرة النبي صلى الله عليه وسلم لغسل الثوب من بول الصبي الذي بال في حجره على وجوب تطهير الثوب مما يصيبه من النجاسات. 3- أن يكون مباحاً ليس بمحرم، سواء كان محرماً لعينه كثوب الحرير، أو لوصفه كالثوب الذي فيه إسبال، أو لكسبه كأن يكون مغصوباً أو مسروقاً. أما بالنسبة لانكشاف العورة أثناء الصلاة فقد قال الشافعي رحمه الله: يجْزِي الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ كُلَّ وَاحِدٍ أَنْ يُصَلِّيَ مُتَوَارِيَيْ الْعَوْرَةِ , وَعَوْرَةُ الرَّجُلِ مَا وَصَفْت (أي بين السرّة والركبة) وَكُلُّ الْمَرْأَةِ عَوْرَةٌ إلا كَفَّيْهَا وَوَجْهَهَا وَظَهْرَ قَدَمَيْهَا عَوْرَةٌ فَإِذَا انْكَشَفَ مِنْ الرَّجُلِ فِي صَلاتِهِ شَيْءٌ مِمَّا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ وَمِنْ الْمَرْأَةِ فِي صَلاتِهَا شَيْءٌ مِنْ شَعْرِهَا قَلَّ , أَوْ كَثُرَ وَمِنْ جَسَدِهَا سِوَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا وَمَا يَلِي الْكَفَّ مِنْ مَوْضِعِ مِفْصَلِهَا وَلا يَعْدُوهُ , عَلِمَا أَمْ لَمْ يَعْلَمَا أَعَادَا الصَّلاةَ مَعًا إلا أَنْ يَكُونَ تَنْكَشِفُ بِرِيحٍ , أَوْ سَقْطَةٍ , ثُمَّ يُعَادُ مَكَانَهُ لا لُبْثَ فِي ذَلِكَ فَإِنْ لَبِثَ بَعْدَهَا قَدْرَ مَا يُمْكِنُهُ إذَا عَاجَلَهُ مَكَانَهُ إعَادَتُهُ أَعَادَ وَكَذَلِكَ هِيَ. انتهى: كتاب الأم للشافعي: باب كيفية لبس الثياب في الصلاة. وقال ابن قدامة رحمه الله في كتابه المغني: فَصْلٌ: فَإِنْ انْكَشَفَ مِنْ الْعَوْرَةِ يَسِيرٌ. لَمْ تَبْطُلْ صَلاتُهُ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَبْطُلُ لأَنَّهُ حُكْمٌ تَعَلَّقَ بِالْعَوْرَةِ , فَاسْتَوَى قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ , كَالنَّظَرِ. وَلَنَا: مَا رَوَى أَبُو دَاوُد , بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَيُّوبَ , عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ الْجَرْمِيِّ قَالَ: {انْطَلَقَ أَبِي وَافِدًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ , فَعَلَّمَهُمْ الصَّلاةَ , وَقَالَ: يَؤُمُّكُمْ أَقْرَؤُكُمْ. فَكُنْت أَقْرَأَهُمْ فَقَدَّمُونِي , فَكُنْت أَؤُمُّهُمْ وَعَلَيَّ بُرْدَةٌ لِي صَفْرَاءُ صَغِيرَةٌ , وَكُنْتُ إذَا سَجَدْتُ انْكَشَفَتْ عَنِّي , فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ النِّسَاءِ: وَارُوا عَنَّا عَوْرَةَ قَارِئِكُمْ. فَاشْتَرَوْا لِي قَمِيصًا عُمَانِيًّا , فَمَا فَرِحْتُ بِشَيْءٍ بَعْدَ الإِسْلامِ فَرَحِي بِهِ.} وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد , , وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا , عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ , عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ , قَالَ: {فَكُنْتُ أَؤُمُّهُمْ فِي بُرْدَةٍ مُوَصَّلَةٍ فِيهَا فَتْقٌ , فَكُنْتُ إذَا سَجَدْتُ فِيهَا خَرَجَتْ اسْتِي} . وَهَذَا يَنْتَشِرُ وَلَمْ يُنْكَرْ , وَلا بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنْكَرَهُ وَلا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ ; وَلأَنَّ مَا صَحَّتْ الصَّلاةُ مَعَ كَثِيرِهِ حَالَ الْعُذْرِ , فُرِّقَ بَيْنَ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ فِي غَيْرِ حَالِ الْعُذْرِ , كَالْمَشْيِ , وَلأَنَّ الاحْتِرَازَ مِنْ الْيَسِيرِ يَشُقُّ , فَعُفِيَ عَنْهُ كَيَسِيرِ الدَّمِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنَّ حَدَّ الْكَثِيرِ مَا فَحُشَ فِي النَّظَرِ , وَلا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْفَرْجَيْنِ وَغَيْرِهِمَا. وَالْيَسِيرُ مَا لا يَفْحُشُ , وَالْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ إلَى الْعَادَةِ , إلا أَنَّ الْمُغَلَّظَةَ يَفْحُشُ مِنْهَا مَا لا يَفْحُشُ مِنْ غَيْرِهَا , فَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي الْمَانِعِ مِنْ الصَّلاةِ. .. (و) هَذَا شَيْءٌ لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِتَقْدِيرِهِ , فَرُجِعَ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ , كَالْكَثِيرِ مِنْ الْعَمَلِ فِي الصَّلاةِ ,.. فإن كانت هذه الشقوق تظهر جزءاً كبيراً عرفاً من العورة، وكانت المدة، أو لم يمكن تغطيته لضيق الثوب مثلا، فإن الصلاة غير صحيحة لأن ستر العورة من شروط الصلاة، وإذا تخلف شرط من شروطها بغير عذر كالعجز لم تصح، فالواجب عليك أن تعيد الصلوات التي صليتها بهذا الثوب، فإن جهلت عددها بنيت على اليقين، فمثلاً إن كنت تشك هل تلك الصلوات أربع أو ثلاث أو خمس ولكنها لا تزيد على الخمس فاليقين في هذه الحالة أنها خمس، وهكذا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 3075 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1065 حكم وضع (اللبان) في الفم حال الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم وضع اللبان في أعلى سقف الفم في أثناء الصلاة وهل يبطل الصلاة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب على كل مسلم أن يعظّم الله عز وجل، ويتأدَّب معه، وإذا وقف في الصلاة بين يدي الله عز وجل، فينبغي عليه أن يقف خاشعاً قانتاً لله، بعيداً عن كل ما يفسد صلاته ويبطلها. ويشغل البال ويلهي عن الإقبال على الصلاة ويترك ما يخالف الأدب. ووضع المصلي (اللبان) في فمه في الصلاة، لا شك أنه ينافي تعظيم الله والخشوع بين يديه ويسبب حركة كثيرة في الفم. وأما حكم وضع اللبان في الفم في الصلاة. قال ابن قدامة: إذَا تَرَكَ فِي فِيهِ مَا يَذُوبُ كَالسُّكَّرِ , فَذَابَ مِنْهُ شَيْءٌ , فَابْتَلَعَهُ , أَفْسَدَ صَلاتَهُ ; لأنَّهُ أَكْلٌ. المغني ج/1 ص/400. " ويُكْرَهُ - أَيْضًا - عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَضْعُ شَيْءٍ فِي فَمِهِ لا يَمْنَعُهُ مِنْ الْقِرَاءَةِ ; لأَنَّهُ يَشْغَلُ بَالَهُ , وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنْ يَكُونَ هَذَا الشَّيْءُ لا يَذُوبُ , فَإِنْ كَانَ يَذُوبُ كَالسُّكَّرِ يَكُونُ فِي فِيهِ (أي داخل فمه) , فَإِنَّهُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ إذَا ابْتَلَعَ ذَوْبَهُ ". الموسوعة الفقهية ج/27 ص/117. وَصَرَّحُوا: بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بِفَمِهِ سُكَّرَةٌ فَذَابَتْ فَبَلَعَ ذَوْبَهَا عَمْدًا , مَعَ عِلْمِهِ بِالتَّحْرِيمِ , أَوْ تَقْصِيرِهِ فِي التَّعَلُّمِ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ. كَمَا صَرَّحُوا بِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِالْمَضْغِ إنْ كَثُرَ , وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَى جَوْفِهِ شَيْءٌ. قَالَ الْمَجْدُ: إذَا اقْتَلَعَ مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ مَا لَهُ جِرْمٌ وَابْتَلَعَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عِنْدَنَا , وَصَرَّحُوا بِأَنَّ بَلْعَ مَا ذَابَ بِفِيهِ مِنْ سُكَّرٍ وَنَحْوِهِ كَالأَكْلِ. الموسوعة الفقهية ج/27 ص/125. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 21272 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1066 هل تقطع القطةُ الصلاةَ؟ [السُّؤَالُ] ـ[لو قطعت قطة صلاتي هل علي أن أكمل الصلاة أو أقطعها وأبعد القطة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قطع الصلاة يحصل بمرور واحد من ثلاثة أشياء أمام المصلي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: " يَقْطَعُ الصَّلاةَ الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ وَالْكَلْبُ وَيَقِي ذَلِكَ مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ " رواه مسلم (511) . وفي رواية: " والكلب الأسود – قال الراوي -: قُلْتُ يَا أَبَا ذَرٍّ مَا بَالُ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْكَلْبِ الْأَحْمَرِ مِنْ الْكَلْبِ الْأَصْفَرِ قَالَ يَا ابْنَ أَخِي سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا سَأَلْتَنِي فَقَالَ الْكَلْبُ الأَسْوَدُ شَيْطَانٌ " رواه مسلم (510) . وهذا الحكم إذا مرت هذه المذكورات بين يدي المصلي الذي ليس له سترة تستره منها، فأما لو كان له سترة فمرت من ورائها فلا تقطع صلاته؛ لحديث أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي ـ يحدث ـ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِهِمْ بِالْبَطْحَاءِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ – وهي عصا أقصر من الرمح لها سِنَان - الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ تَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ " رواه البخاري (495) . وهذا الحكم خاص بالإمام أو المنفرد، أما المأموم فإن سترة إمامه سترةٌ له أنظر السؤال (3404) . وأما القطة فإنها لا تقطع الصلاة لو مرت بين يديك؛ لأن الأصل صحة الصلاة، ولا يوجد دليل يدل على أنَّ القطة تقطع الصلاة. ولكن على المصلي أن يجتهد في أن لا يمر شيء أمامه؛ فقد روى عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ هَبَطْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ثَنِيَّةِ أَذَاخِرَ فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ يَعْنِي فَصَلَّى إِلَى جِدَارٍ فَاتَّخَذَهُ قِبْلَةً وَنَحْنُ خَلْفَهُ فَجَاءَتْ بَهْمَةٌ تَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَمَا زَالَ يُدَارِئُهَا حَتَّى لَصَقَ بَطْنَهُ بِالْجِدَارِ وَمَرَّتْ مِنْ وَرَائِهِ " رواه أبو دواوود (708) وقال عنه الألباني في صحيح أبي داوود: حسن صحيح (652) . مسألة: هل القطة طاهرة أم نجسة؟ الجواب: القطة طاهرة، وبناءً عليه فلو أنها شربت من وعاء فيه ماء فإن الوعاء لا ينجس؛ لحديث كَبْشَةَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَكَانَتْ عِنْدَ ابْنِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ دَخَلَ عَلَيْهَا قَالَتْ فَسَكَبْتُ لَهُ وَضُوءًا قَالَتْ فَجَاءَتْ هِرَّةٌ تَشْرَبُ فَأَصْغَى لَهَا الإِنَاءَ حَتَّى شَرِبَتْ قَالَتْ كَبْشَةُ فَرَآنِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ فَقَالَ أَتَعْجَبِينَ يَا بِنْتَ أَخِي فَقُلْتُ نَعَمْ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ إِنَّمَا هِيَ مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ أَوْ الطَّوَّافَاتِ " رواه الترمذي (92) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 25803 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1067 حكم التبَسُّم في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[إذا ابتسم المسلم وهو يصلي، فهل يجب عليه إكمال صلاته، أم يقطعها ويصلي مرة أخرى؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ينبغي على المسلم أن يخشع في صلاته وأن يبتعد عن كل ما يذهب الخشوع لأن الخشوع هو لبُّ الصلاة وقد امتدح الله عز وجل المؤمنين بقوله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُون َالَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُون َ) المؤمنون/1-2 ولا شك أن مما يذهب الخشوع، الابتسام في الصلاة. أما حكم التبسّم في الصلاة، فَلا تَبْطُلُ الصَّلاةُ بِهِ انظر الموسوعة الفقهية ج/27 ص/124 قال ابن قدامة: قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الضَّحِكَ يُفْسِدُ الصَّلاةَ , وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ التَّبَسُّمَ لا يُفْسِدُهَا , المغني ج/1 ص/394 وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة: أَمَّا التَّبَسُّمُ فَلا يُبْطِلُ الصَّلاةَ , وَأَمَّا إذَا قَهْقَهَ فِي الصَّلاةِ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ. الفتاوى الكبرى ج/2 ص/227 قال النووي: َالتَّبَسُّمِ فِي الصَّلاةِ مَذْهَبُنَا أَنَّ التَّبَسُّمَ لا يَضُرُّ، المجموع ج/4 صم/22 قال البهوتي: (وَلا) تَبْطُلُ الصَّلاةُ (إنْ تَبَسَّمَ) فِيهَا وَهُوَ قَوْلُ الأَكْثَرِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ. كشَّاف القناع ج/1 ص/402. وإذا كانت لا تبطل الصلاة، فإنه يكمل صلاته ولا يقطعها، وينبغي عليه أن يتجنب ما يدعوه إلى ذلك. ويراجع كتاب 33 سبباً للخشوع في الصلاة في هذا الموقع. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 10419 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1068 سرد لمبطلات الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[هل عدد مبطلات الصلاة محدود؟ المرجو منكم بيانه إذا كان الأمر كذلك.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله مبطلات الصلاة معلومة، ويختلف عددها بحسب اختلاف الفقهاء في بعضها، وهي كما يلي: 1- ما أبطل الطهارة، كالحدث , وأكل لحم الإبل. 2- كشف العورة عمدا، لكن إن كُشفت من غير تعمد، وكان المكشوف من العورة يسيراً أو كان كثيراً ولكن ستره في الحال لم تبطل الصلاة. 3- الانحراف الكثير عن جهة القبلة. 4- وجود نجاسة على بدنه أو ثيابه أو في مكان صلاته، فإن علم بها أو تذكرها أثناء الصلاة فأزالها في الحال فصلاته صحيحة، وكذلك إذا لم يعلم بها إلا بعد انتهاء الصلاة، فصلاته صحيحة. 5- الحركة الكثيرة المتوالية في الصلاة لغير ضرورة. 6- ترك ركن من الأركان، كالركوع والسجود. 7- تعمد زيادة ركن فعلي، كالركوع. 8- تعمد تقديم بعض الأركان على بعض. 9- تعمد السلام قبل إتمامها. 10- تعمد تغيير المعنى في القراءة. 11- ترك واجب من واجبات الصلاة متعمدا ذاكراً، كالتشهد الأول، أما الناسي فتصح صلاته ويسجد للسهو. 12- قطع النية (بأن ينوي الخروج من الصلاة) . 13- الضحك قهقهة، أما مجرد التبسم فلا يبطل الصلاة. 14- الكلام العمد مع الذكر والعلم، أما الناسي والجاهل فلا تبطل صلاته بذلك. 15- الأكل والشرب. انظر: "دليل الطالب لنيل المطالب" الشيخ مرعي بن يوسف الحنبلي (ص 34) . و"دروس مهمة" للشيخ ابن باز. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 87749 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1069 هل تقطع الصلاة حتى لا يعلم أهلها بإسلامها؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا مسلمة جديدة وهذه هي المرة الثانية التي أصوم فيها رمضان. عائلتي لا تزال على غير الإسلام، وأنا أصلي وأصوم دون علمهم. فأنا لا أصلي في البيت إلا صلاتي الفجر والعشاء، أما بقية الصلوات فأصليها خارج المنزل (في المدرسة مثلاً أو في المركز الإسلامي أو في منزل إحدى الصديقات) . وعندما أصلي في البيت أعمد إلى إقفال باب غرفتي حتى لا يعلم أحد بأمري، علماً بأن أختي تقيم معي في الغرفة نفسها. وذات مرة، عندما كنت أهم بأداء صلاة العشاء في المنزل، قمت بإقفال الباب قبل أن أشرع في الصلاة، ولكن لسبب أو لآخر لم يقفل الباب. صليت الركعة الأولى واستويت قائمة بعد السجود وشرعت في قراءة الفاتحة، وفجأة، فتحت أختي الباب. تملكني خوف شديد ولم أكمل الصلاة وسمحت لها بالدخول. وبعد ساعات من ذلك، صليت العشاء مرة أخرى. سؤالي هو: ما حكم قطع المرء صلاته عندما يكون قد نوى أن يصلي أربع ركعات؟ وماذا كان يتوجب علي فعله في تلك اللحظة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: نهنئك على نعمة الإسلام، ونسأل الله أن يثبتك، ويعينك، ويقويَ إيمانك، كما نسأله أن يهدي جميع أهلك وإخوانك، وأن تكوني سببا في فلاحهم وصلاحهم. ثانيا: إذا كنت تخشين من إعلان إسلامك وقوعَ الضرر عليك، أو أردت تأخير هذا الإعلان حتى تنالي حظا وافرا من معرفة الإسلام، تتمكنين به من دعوة أهلك، فلا حرج عليك في ذلك، كما أنه لا حرج عليك في قطع الصلاة، إذا خفت اطلاع أحد عليك. والأصل أن المسلم إذا شرع في صلاة فريضة وجب عليه إتمامها، وحرم عليه قطعها إلا من عذر. وقد ذكر الفقهاء أعذارا تبيح قطع الصلاة. منها: الخوف على النفس من عدو أو سبع. ومنها: الخوف على المال، كما لو كان يصلي وجاء من يريد أخذ ماله، أو خاف أن تهرب دابته. ومنها: قطع الصلاة لإنقاذ إنسان من حريق أو غرق، أو خشية أن يقع أعمى في بئر. . . ونحو ذلك. انظر: "رد المحتار" (1/654) ، "المبسوط" (2/3) ، "كشاف القناع" (1/380) . فحيث خفت على نفسك إذا اطلع أحد من أهلك على صلاتك وعلم بإسلامك، فلا شيء عليك في قطع الصلاة حينئذ، ثم تصلينها بعد زوال الخطر، كما فعلت. ثالثا: عليك بالاجتهاد في تعلم أحكام الإسلام، ومصاحبة المؤمنات الخيّرات، ليكنّ عونا لك على طاعة الله، والتفكير في الطريقة المناسبة لدعوة أهلك إلى الإسلام، والحرص على ذلك أشد الحرص، فإنهم أولى الناس بإحسانك ودعوتك. وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65682 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1070 هل يجوز عمل مصلى تكون فيه النساء أمام الإمام؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم عمل مكان مخصص لصلاة النساء (التراويح) أمام المسجد (أي: سيكون المصلى مقدماً على الإمام يفصل بينهم جدار المسجد) وليس هناك مكان آخر لصلاة النساء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الأفضل للمرأة أن تصلي في بيتها، فعن أُمِّ حُمَيْدٍ امْرَأَةِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهَا جَاءَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُحِبُّ الصَّلاةَ مَعَكَ. قَالَ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلاةَ مَعِي، وَصَلاتُكِ فِي بَيْتِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي حُجْرَتِكِ، وَصَلاتُكِ فِي حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلاتِكِ فِي دَارِكِ، وَصَلاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ، وَصَلاتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي مَسْجِدِي. قَالَ: فَأَمَرَتْ فَبُنِيَ لَهَا مَسْجِدٌ فِي أَقْصَى شَيْءٍ مِنْ بَيْتِهَا وَأَظْلَمِهِ، فَكَانَتْ تُصَلِّي فِيهِ حَتَّى لَقِيَتْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ. رواه أحمد (26550) وصححه ابن خزيمة (1689) ، وحسَّنه الشيخ الألباني في "صحيح الترغيب" (340) . قال عبد العظيم آبادي رحمه الله: ووجه كون صلاتهن في البيوت أفضل للأمن من الفتنة، ويتأكد ذلك بعد وجود ما أحدث النساء من التبرج والزينة. "عون المعبود" (2/193) . ومع ذلك: فإذا أرادت المرأة أن تذهب إلى المسجد للصلاة فلا يجوز لأحد منعها إذا التزمت بالشروط الشرعية لخروجها، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ إِذَا اسْتَأْذَنَّكُمْ إِلَيْهَا) رواه البخاري (865) ومسلم (442) . وانظر السؤال (9232) . ثانياً: الأصل في صلاة الجماعة أن يكون المأموم خلف إمامه، وقد اختلف العلماء في حكم من صلَّى أَمام إمامه على أقوال، أصحها: الجواز للعذر. سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: هل تجزئ الصلاة قدام الإمام أو خلفه في المسجد وبينهما حائل أم لا؟ فأجاب: " أما صلاة المأموم قدَّام الإمام: ففيها ثلاثة أقوال للعلماء: أحدها: أنها تصح مطلقا , وإن قيل: إنها تكره , وهذا القول هو المشهور من مذهب مالك , والقول القديم للشافعي. والثاني: أنها لا تصح مطلقا , كمذهب أبي حنيفة , والشافعي , وأحمد في المشهور من مذهبهما. والثالث: أنها تصح مع العذر دون غيره، مثل ما إذا كان زحمة فلم يمكنه أن يصلي الجمعة أو الجنازة إلا قدام الإمام , فتكون صلاته قدام الإمام خيراً له من تركه للصلاة. وهذا قول طائفة من العلماء , وهو قولٌ في مذهب أحمد وغيره، وهو أعدل الأقوال وأرجحها؛ وذلك لأن ترك التقدم على الإمام غايته أن يكون واجبا من واجبات الصلاة في الجماعة , والواجبات كلها تسقط بالعذر، وإن كانت واجبة في أصل الصلاة , فالواجب في الجماعة أولى بالسقوط ; ولهذا يسقط عن المصلي ما يعجز عنه من القيام , والقراءة , واللباس , والطهارة , وغير ذلك. وأما الجماعة فإنه يجلس في الأوتار لمتابعة الإمام (يعني يجلس بعد الركعة الأولى والثالثة، وهذا فيمن دخل الصلاة متأخراً ركعة) , ولو فعل ذلك منفردا عمدا بطلت صلاته , وإن أدركه ساجدا أو قاعدا كبر وسجد معه , وقعد معه ; لأجل المتابعة، مع أنه لا يعتد له بذلك , ويسجد لسهو الإمام , وإن كان هو لم يسه. وأيضاً: ففي صلاة الخوف لا يستقبل القبلة , ويعمل العمل الكثير ويفارق الإمام قبل السلام , ويقضي الركعة الأولى قبل سلام الإمام , وغير ذلك مما يفعله لأجل الجماعة , ولو فعله لغير عذر بطلت صلاته ... . والمقصود هنا: أن الجماعة تفعل بحسب الإمكان , فإذا كان المأموم لا يمكنه الائتمام بإمامه إلا قدامه كان غاية [ما] في هذا أنه قد ترك الموقف لأجل الجماعة , وهذا أخف من غيره , ومثل هذا أنه منهي عن الصلاة خلف الصف وحده , فلو لم يجد من يصافه ولم يجذب أحدا يصلي معه صلى وحده خلف الصف , ولم يَدَعْ الجماعة , كما أن المرأة إذا لم تجد امرأة تصافها فإنها تقف وحدها خلف الصف , باتفاق الأئمة، وهو إنما أُمِرَ بالمصافة مع الإمكان لا عند العجز عن المصافة. " الفتاوى الكبرى " (2 / 331 – 333) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجوز تقدم المأموم على الإمام؟ فأجاب: " الصحيح أن تقدم الإمام واجب، وأنه لا يجوز أن يتقدم المأموم على إمامه، لأن معنى كلمة " إمام " أن يكون إماماً، يعني يكون قدوة، ويكون مكانه قدام المأمومين، فلا يجوز أن يصلي المأموم قدام إمامه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي قدام الصحابة رضي الله عنهم، وعلى هذا فالذين يصلون قدام الإمام ليس لهم صلاة، ويجب عليهم أن يعيدوا صلاتهم إلا أن بعض أهل العلم استثنى من ذلك ما دعت الضرورة إليه مثل أن يكون المسجد ضيقاً، وما حواليه لا يسع الناس فيصلي الناس عن اليمين واليسار والأمام والخلف لأجل الضرورة " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (13/44) . وعلى هذا؛ فإكم تجتهدون في جعل مكان النساء خلف الإمام، فإن لم يوجد مكان، ولم يمكن إلا قدام الإمام، فلا حرج فيه إن شاء الله تعالى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65685 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1071 نبشت قبور مقبرة وبني مكانها مسجد فهل تجوز الصلاة فيه؟ [السُّؤَالُ] ـ[أحد المساجد في مدينتنا وهو أكبرها ثبت أنه كان قد بني مكان مقبرة بعد نبش القبور وتحويلها إلى مكان آخر. المشكلة أن هناك من يقول إنه لم تتم إزالة جميع القبور أو جميع الرفات حيث جيء بجرافة لتسوية المكان بعد إزالة القبور الظاهرة وكلما وجدوا قبراً أزالوه , فما حكم الصلاة فيه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يجب على المسلمين احترام قبور أمواتهم، ولا يحل نبش قبورهم لغير ضرورة، فإن كانت هناك ضرورة فيجب عليهم دفن كل ميت في قبر جديد. وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: أسكن في قرية على حافة جبل وبجوارنا من الجهة اليمانية جبل مرتفع ومن الجهة الغربية حافة جبل، ومن الجهة الشرقية كذلك ومدرجات زراعية تحيط بنا، وعندي قطعة أرض بجوار مقبرة فعزمت على أن أبني لي بيتاً لأن بيت والدي أصبح لا يسعنا، وبعد أن حفرت في نفس الأرض وطرحنا حجر الأساس للبيت، وجدنا قبوراً، فقمنا بإخراج العظم ونقلها إلى محل آخر حيث يوجد عندنا في القرية خندق تحت جبل يوجد فيه رؤوس وأيادي وأرجل وأجزاء من أجسام بني آدم وضعت من قديم الزمان، ولا ندري هل عملنا هذا مشروع أم لا؟ أفيدونا أفادكم الله. فأجاب: "هذا العمل لا يجوز، فما دامت الأرض فيها قبور: فالواجب تركها، فهي تبع المقبرة ما دامت المقبرة بجوار الأرض المذكورة، فالواجب أن لا يتعرض لها، ولا ينبش القبور، وإذا حفر ووجد القبور يتركها، ولا يجوز للناس أن ينبشوا القبور، ويضعوا بيوتهم في محل القبور، فهذا تعد على محل الموتى وظلم للموتى لا يجوز. قد يجوز بعض الأشياء إذا دعت الضرورة إليها مثل إذا دعت الحاجة إلى شارع ينفع المسلمين، واعترضه شيء من القبور، ولا حيلة في صرف الشارع، فقد يجوز أخذ بعض المقبرة ونقل الرفات إلى محل آخر إذا كانت الضرورة دعت إلى توسعة هذا الشارع للمسلمين، ولا حيلة في صرفه عن المقبرة، أما أن يأخذ الناس من المقبرة لتوسعة بيوتهم فهذا لا يجوز" انتهى. " فتاوى نور على الدرب " (السؤال 119) . ثانياً: فإن نبشت قبور الكفار – أو تُعدي على قبور المسلمين فنُبشت – جاز بناء المسجد مكان تلك القبور، فإن بقي من القبور شيء فلا يجوز بناء المسجد عليها، وقد ثبتت الأحاديث في النهي عن بناء المساجد على القبور في الصحيحين وغيرهما، وقد بنى النبي صلى الله عليه وسلم مسجده في المدينة بعد أن نبش قبور الكفار. فإذا بني المسجد فوق قبور المسلمين: لم تجز الصلاة فيه، ويجب هدم المسجد لأن القبور سابقة عليه، فإن كانت القبور في زاوية المسجد وبني جدار فاصل بين المسجد وتلك القبور: جاز ذلك الفعل وصحت الصلاة فيه، وهذه فتاوى العلماء في هذه المسألة: سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: توجد وسط مدينتنا مقبرة قديمة أزالت البلدية أنقاضها وأقامت مكانها حيّاً سكنيّاً ومباني لذوي الدخل المحدود وبقيت منها مساحة كبيرة أقام عليها أهل البر والإحسان مسجداً ليصلي فيه سكان الحي، وبعد بناء المسجد وقع خلاف بين أهل البلد حول جواز الصلاة في هذا المسجد أو عدم جوازها وانقسموا بين مؤيد ومعارض، ما حكم هذا المسجد؟ وهل يجب هدمه أم الإبقاء عليه؟ هل الصلاة في هذا المسجد صحيحة أم لا؟ . فأجابوا: "الأرض التي بني عليها مسجد إذا كانت خالية من القبور صحت الصلاة فيها، وإلا فيجب هدم المسجد الذي بني عليها" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان. " فتاوى اللجنة الدائمة " (1 / 418، 419) . وسئل علماء اللجنة الدائمة – أيضاً -: إن مسجدنا ببلدة " بايانج بمنطقة لاناودل سور " قد تم إنشاؤه بعد زلزال مدمر ضرب المنطقة عام 1955م، حيث تحطمت جدرانه وأساساته، وقد قرر المسئولون وزعماء البلدة تعميره واتفقوا على تسوية الأرض الواقعة على الجانب الشرقي من المسجد المذكور علما بأن هذه المساحة من الأرض كانت تستخدم في السابق مقبرة لدفن الموتى، وعند تسوية هذه الأرض بواسطة الآليات الحديثة (البلدوزرات) فقد تم العثور على عدد كبير من عظام رفات الأموات حيث تمت إعادة دفنها ونقل بعض منها إلى الجزء الغربي من المسجد ولكن بداخل سور نفس المسجد الحالي. 1- فهل من الجائز إقامة صلاة الجمعة والجماعة بداخل هذا المسجد؟ . 2- إذا كان الجواب بالنفي: فهل من الممكن معالجة الأمر بإقامة حاجز أو حائط فاصل داخل الجانب الغربي لهذا المسجد حيث تم نقل عظام رفات الموتى. فأجابوا: "إذا كان المسجد الحالي لم يعمر على أرض فيها قبور: فالواجب نبش القبور التي وضعت في جهته الغربية ونقل رفاتها إلى أرض المقابر، وإن كانت من المسلمين: فتنتقل إلى قبور المسلمين، وإن كانت قبور كفار: نقلت إلى مقابر الكفار، على أن يوضع رفات كل ميت مسلم في حفرة واحدة يسوى ظاهرها كبقية القبور حتى لا يمتهن، فإن تعذر نقل الرفات من غربي المسجد: فلا مانع من فصلها بجدار يفصلها عن بقية المسجد. أما إن كانت أصل أرض المسجد فيها قبور: فالواجب التماس أرض أخرى سليمة يقع عليها المسجد، وتبقى أرض المسجد الأولى مقبرة كأصلها" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان. " فتاوى اللجنة الدائمة " (1 / 419 – 421) . وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: "وإذا كان في المسجد قبر: وجب أن ينبش وينقل ما فيه من عظام - إن وجدت - إلى مقبرة البلد فيحفر لها وتدفن في المقبرة؛ لأنه لا يجوز شرعاً وضع قبور في المساجد ولا بناء المساجد عليها؛ لأن ذلك من وسائل الشرك والفتنة بالمقبور، كما قد وقع ذلك في أكثر بلاد المسلمين من أزمان طويلة بأسباب الغلو في أصحاب القبور، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بنبش القبور التي كانت في محل مسجده عليه الصلاة والسلام ... فهذه الأحاديث وما جاء في معناها كلها تدل على تحريم البناء على القبور، واتخاذ المساجد عليها، والصلاة فيها وإليها وتجصيصها ونحو ذلك من أسباب الشرك بأربابها ... وذكر أهل العلم أن القبر إذا وضع في مسجد وجب نبشه وإبعاده عن المسجد، وإن كان المسجد هو الذي حدث أخيرا بعد وجود القبر وجب هدم المسجد وإزالته؛ لأنه هو الذي حصل ببنائه المنكر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حذر من بناء المساجد على القبور ولعن اليهود والنصارى على ذلك، ونهى أمته عن مشابهتهم، وقال لعلي رضي الله عنه: (لا تدع صورة إلا طمستها ولا قبراً مشرفاً إلا سوَّيته) " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (6 / 337، 338) . وعلى هذا فينظر في المكان الذي بني عليه المسجد، إن كان تحت أرضية المسجد قبور، فلا تجوز الصلاة فيه، وإن لم يكن تحته قبور جازت الصلاة فيه. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 60003 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1072 حكم الصلاة وهو يدافعه الأخبثان [السُّؤَالُ] ـ[في بعض الأحيان يدافعني الغائط قبل الصلاة وأصلي ولكن لا يدافعني أثناء الصلاة فهل تقبل صلاتي؟ وفي بعض الأحيان يجري العكس فهل تقبل صلاتي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز للمصلي أن يدخل في الصلاة وهو يدافع الغائط أو البول لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة بحضرة الطعام ولا وهو يدافعه الأخبثان) أخرجه مسلم في صحيحه، والحكمة في ذلك والله أعلم أن ذلك يمنع الخشوع في الصلاة، لكن لو صلى وهو كذلك فإن صلاته صحيحة لكنها ناقصة غير كاملة للحديث المذكور ولا إعادة عليه. وأما إذا دخلت في الصلاة وأنت غير مدافع للأخبثين وإنما حصلت المدافعة أثناء الصلاة فإن الصلاة صحيحة ولا كراهة إذا لم تمنعك هذه المدافعة من إتمام الصلاة. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 7/28. الحديث: 8603 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1073 كيف يقال بكفر تارك الصلاة والنجاشي قد روي أنه لم يكن يصلي [السُّؤَالُ] ـ[أجد على موقعكم أنكم تفضلون الرأي القائل بأن من يترك الصلاة فهو كافر.. ورغم هذا فهناك رواية تقول بأن النجاشي لم يكن يصلي، وقد جاء في رواية مسلم عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مات اليوم عبد لله صالح أصحمة.. فقام فأمنا وصلى عليه" وأهل السنة يجمعون على حقيقة أن النجاشي من أهل الجنة، فكيف نوفق بين الأمرين من تركه للصلاة برأي العلماء القائل بأن من ترك الصلاة فهو الكفر بعينه ... ]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: دلت الأدلة الصحيحة على أن تارك الصلاة كافر، وهذا هو المنقول عن الصحابة والتابعين وجمهور السلف، بل حكاه غير واحد إجماعا عن الصحابة رضي الله عنهم، وينظر جواب السؤال رقم (5208) ورقم (83165) . ودل الدليل الصحيح على أن النجاشي رحمه الله قد آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم، وآوى أصحابه ومنعهم، وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم حين بلغه موته. فقد روى البخاري (3877) ومسلم (952) عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ مَاتَ النَّجَاشِيُّ: (مَاتَ الْيَوْمَ رَجُلٌ صَالِحٌ فَقُومُوا فَصَلُّوا عَلَى أَخِيكُمْ أَصْحَمَةَ) . ثانياً: الذي يظهر من مجموع ما صح في شأن النجاشي رحمه الله أنه كان عزيزا منيعا، وأنه منع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم المهاجرين عنده، وهذا ينافي ما قيل من أنه كان لا يصلي أو لا يظهر إيمانه خوفا من قومه. فقد روى أحمد (1742) في قصة النجاشي مع جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، من حديث أم سلمة رضي الله عنها، وفيه: (فَقَالَ لَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: نَقُولُ فِيهِ (يعني المسيح عيسى بن مريم عليه السلام) الَّذِي جَاءَ بِهِ نَبِيُّنَا، هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَرُوحُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ. قَالَتْ: فَضَرَبَ النَّجَاشِيُّ يَدَهُ إِلَى الْأَرْضِ فَأَخَذَ مِنْهَا عُودًا، ثُمَّ قَالَ: مَا عَدَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ مَا قُلْتَ هَذَا الْعُودَ، فَتَنَاخَرَتْ بَطَارِقَتُهُ حَوْلَهُ حِينَ قَالَ مَا قَالَ، فَقَالَ: وَإِنْ نَخَرْتُمْ وَاللَّهِ، اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ سُيُومٌ بِأَرْضِي، وَالسُّيُومُ الْآمِنُونَ، مَنْ سَبَّكُمْ غُرِّمَ، ثُمَّ مَنْ سَبَّكُمْ غُرِّمَ، فَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي دَبْرًا ذَهَبًا، وَأَنِّي آذَيْتُ رَجُلًا مِنْكُمْ، وَالدَّبْرُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ الْجَبَلُ، رُدُّوا عَلَيْهِمَا هَدَايَاهُمَا فَلَا حَاجَةَ لَنَا بِهَا [يعني عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة، وكانت قريش قد أرسلتهما بهدايا إلى النجاشي ليرد معهما أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم] ، فَوَاللَّهِ مَا أَخَذَ اللَّهُ مِنِّي الرِّشْوَةَ حِينَ رَدَّ عَلَيَّ مُلْكِي، فَآخُذَ الرِّشْوَةَ فِيهِ، وَمَا أَطَاعَ النَّاسَ فِيَّ فَأُطِيعَهُمْ فِيهِ، قَالَتْ: فَخَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ مَقْبُوحَيْنِ مَرْدُودًا عَلَيْهِمَا مَا جَاءَا بِهِ وَأَقَمْنَا عِنْدَهُ بِخَيْرِ دَارٍ مَعَ خَيْرِ جَارٍ. قَالَتْ: فَوَاللَّهِ إِنَّا عَلَى ذَلِكَ إِذْ نَزَلَ بِهِ يَعْنِي مَنْ يُنَازِعُهُ فِي مُلْكِهِ، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْنَا حُزْنًا قَطُّ كَانَ أَشَدَّ مِنْ حُزْنٍ حَزِنَّاهُ عِنْدَ ذَلِكَ تَخَوُّفًا أَنْ يَظْهَرَ ذَلِكَ عَلَى النَّجَاشِيِّ فَيَأْتِيَ رَجُلٌ لَا يَعْرِفُ مِنْ حَقِّنَا مَا كَانَ النَّجَاشِيُّ يَعْرِفُ مِنْهُ، قَالَتْ: وَسَارَ النَّجَاشِيُّ وَبَيْنَهُمَا عُرْضُ النِّيلِ، قَالَتْ: فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ رَجُلٌ يَخْرُجُ حَتَّى يَحْضُرَ وَقْعَةَ الْقَوْمِ ثُمَّ يَأْتِيَنَا بِالْخَبَرِ؟ قَالَتْ: فَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ: أَنَا، قَالَتْ: وَكَانَ مِنْ أَحْدَثِ الْقَوْمِ سِنًّا. قَالَتْ: فَنَفَخُوا لَهُ قِرْبَةً فَجَعَلَهَا فِي صَدْرِهِ ثُمَّ سَبَحَ عَلَيْهَا حَتَّى خَرَجَ إِلَى نَاحِيَةِ النِّيلِ الَّتِي بِهَا مُلْتَقَى الْقَوْمِ، ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى حَضَرَهُمْ، قَالَتْ: وَدَعَوْنَا اللَّهَ لِلنَّجَاشِيِّ بِالظُّهُورِ عَلَى عَدُوِّهِ وَالتَّمْكِينِ لَهُ فِي بِلَادِهِ، وَاسْتَوْسَقَ عَلَيْهِ أَمْرُ الْحَبَشَةِ، فَكُنَّا عِنْدَهُ فِي خَيْرِ مَنْزِلٍ حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِمَكَّةَ) والحديث حسنه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند برقم (1740) ، وصححه الألباني في تعليقه على فقه السيرة، ص 115 وهذا صريح في حصول التمكين للنجاشي في بلده، فما الذي يمنعه من أداء الصلاة. على أنه لو كان مغلوبا من قومه لم يسلّم القول بتركه للصلاة؛ لأن الصلاة يمكن إخفاؤها، ولم يزل المستضعفون ممن آمن من النصارى وغيرهم يحافظون على صلاتهم ويخفونها عن قومهم، والنجاشي أولى بذلك رحمه الله. ومما يؤكد ما ذكرنا من قوة النجاشي ومنعته، ما أخبر به عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النجاشي منع الخراج الذي كان يدفعه لهرقل بعدما أسلم. قال ابن القيم رحمه الله في بيان قدوم عمرو بن العاص على ملك عمان بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام: "فسألنى: أين كان إسلامك؟ قلت: عند النجاشي، وأخبرته أن النجاشي قد أسلم، قال: فكيف صنع قومه بملكه؟ فقلت: أقروه واتبعوه، قال: والأساقفة والرهبان تبعوه؟ قلت: نعم. قال: انظر يا عمرو ما تقول، إنه ليس من خصلة في رجل أفضح له من الكذب، قلت: ما كذبت، وما نستحله في ديننا، ثم قال: ما أرى هرقل علم بإسلام النجاشي، قلت: بلى. قال: بأي شيء علمت ذلك؟ قلت: كان النجاشي يخرج له خرجا، فلما أسلم وصدق بمحمد صلى الله عليه وسلم، قال: لا والله، لو سألني درهما واحدا ما أعطيته، فبلغ هرقل قوله، فقال له يناق أخوه: أتدع عبدك لا يخرج لك خرجا، ويدين دينا محدثا؟ قال هرقل: رجل رغب في دين فاختاره لنفسه ما أصنع به؟ والله لولا الضن بملكي لصنعت كما صنع، قال: انظر ما تقول يا عمرو، قلت: والله صدقتك " انتهى من "زاد المعاد" (3 / 694) . وينظر: عيون الأثر لابن سيد الناس (2/ 335) . ثالثاً: القول بأن النجاشي رحمه الله كان لا يصلي الصلوات، حكاه شيخ الإسلام ابن تيمية بصيغة التضعيف، ولم ينسبه إلى أحد، وتأوله على أن ذلك لعدم تمكنه من مخالفة قومه. قال رحمه الله: " وكذلك النجاشي هو وإن كان ملك النصارى فلم يطعه قومه في الدخول في الإسلام، بل إنما دخل معه نفر منهم، ولهذا لما مات لم يكن هناك أحد يصلي عليه، فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، خرج بالمسلمين إلى المصلى فصفهم صفوفا وصلى عليه، وأخبرهم بموته يوم مات، وقال: إن أخا لكم صالحا من أهل الحبشة مات، وكثير من شرائع الإسلام أو أكثرها لم يكن دخل فيها لعجزه عن ذلك، فلم يهاجر ولم يجاهد ولا حج البيت، بل قد روي أنه لم يصل الصلوات الخمس ولا يصوم شهر رمضان ولا يؤدي الزكاة الشرعية، لأن ذلك كان يظهر عند قومه فينكرونه عليه، وهو لا يمكنه مخالفتهم " انتهى من "مجموع الفتاوى" (19 / 217) . وهذا معارض لما تقدم، وعلى فرض صحته فهو محمول على ترك الصلاة لعذر، لا على تركها مطلقا. ولا يظهر لنا صحة هذا القول، وهو قول لم يُعز لأحد من العلماء، وهو معارض لما ثبت في مسند أحمد وغيره كما تقدم، بل معارض لما نقله شيخ الإسلام رحمه الله في موضع آخر حيث قال: " وقد ذكر عن عطاء وقتادة أن النجاشي كان يصلي إلى بيت المقدس إلى أن مات، وقد مات بعد نسخ القبلة بسنين متعددة، فلما صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم بقي في أنفس الناس لأنه كان يصلي إلى غير الكعبة، حتى أنزل الله هذه الآية [يعني قوله تعالى: (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) ] . وهذا والله أعلم بأنه قد كان بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم يصلي إلى بيت المقدس فصلى إليه، ولهذا لم يصل إلى المشرق الذي هو قبلة النصارى، ثم لم يبلغه خبر النسخ لبعد البلاد، فعُذر بها كما عذر أهل قباء وغيرهم، فإن القبلة لما حُولت لم يبلغ الخبر إلى من بمكة من المسلمين ومن كان بأرض الحبشة من المهاجرين مثل جعفر وأصحابه، ومن كان قد أسلم ممن هو بعيد عن المدينة إلى مدة طويلة أو قصيرة " انتهى من "شرح عمدة الفقه" (4/ 548) . والحاصل: أن ما صح من الأحاديث يدل على إيمان النجاشي وصلاحه وتمكنه في قومه، وهذا يبعد معه القول بأنه كان لا يصلي، وعلى فرض عدم صلاته فيكون ذلك لعدم تمكنه أو لعدم بلوغه تفاصيل ما أمر به، فهذا عذر يمنع من التكفير، وبالجملة فقضايا الأعيان لا تُعارض بها النصوص الصحيحة الثابتة في تكفير تارك الصلاة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 138563 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1074 إذا كان الزوجان عند عقد النكاح لا يصليان، فهل يلزمهما تجديد العقد؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا عقد عاقد النكاح وهو لا يصلي، وأيضا الزوج والزوجة وأبو الزوجة والشاهدان أيضاً لا يصلون، وأيضا عاقد النكاح لم يعقد صيغة العقد بطريقة صحيحة بل بلغة غير العربية ولم يذكر الشهادتين وكلمة النكاح في صيغة العقد، ما حكم هذا الزواج؟ هل هذا الزواج يعتبر مشروعاً أم لا؟ وإذا تابوا عن ترك الصلاة وصلوا، فهل يعقد العقد من جديد، أم العقد القديم يعتبر مشروعاً؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تارك الصلاة إن تركها جاحدا لوجوبها، فهو كافر بإجماع العلماء، وإن تركها تهاونا وتكاسلا، فهو كافر على الصحيح من قولي العلماء، وينظر جواب السؤال رقم (5208) ، ورقم (2182) . وإذا كان الزوج والزوجة عند عقد النكاح تاركين للصلاة، فإنهما إذا تابا وصليا، بقيا على نكاحهما؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أبقى على أنكحة الكفار، ولم يأمرهم بتجديدها بعد إسلامهم، كما لم يأمر الصحابة من عاد إلى الإسلام من المرتدين بتجديد النكاح. قال ابن قدامة رحمه الله: " أنكحة الكفار صحيحة، يُقَرّون عليها إذا أسلموا.. ولا ينظر إلى صفة عقدهم وكيفيته ولا يعتبر له شروط أنكحة المسلمين من الولي، والشهود، وصيغة الإيجاب والقبول، وأشباه ذلك بلا خلاف بين المسلمين. قال ابن عبد البر: أجمع العلماء على أن الزوجين إذا أسلما معا في حال واحدة، أن لهما المقام على نكاحهما ما لم يكن بينهما نسب ولا رضاع. وقد أسلم خلق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلم نساؤهم وأُقِرّوا على أنكحتهم، ولم يسألهم رسول الله عن شروط النكاح ولا كيفيته، وهذا أمر علم بالتواتر والضرورة، فكان يقينا " انتهى من "المغني" (10/5) . وقال في "مطالب أولي النهى" (5/13) : " تنبيه: إذا تزوج المرتدُ كافرةً مرتدةً أو غيرها، أو تزوجت المرتدةُ كافراً , ثم أسلم الزوجان , فالذي ينبغي أن يقال هنا: أنا نقرهما على نكاحهما كالحربي إذا نكح نكاحا فاسدا , ثم أسلما , فإن المعنى واحد , وقد عاد المرتدون إلى الإسلام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه: فلم يؤمروا باستئناف أنكحتهم , وهذا جيد في القياس , قاله الشيخ تقي الدين [يعني: شيخ الإسلام ابن تيمية] " انتهى. وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: أفيدكم أنني قد كنت لا أصلي إلا نادرا، وقد تزوجت في تلك الفترة من حياتي، وأنا اليوم والحمد لله أصلي، وقد حججت وتبت إلى الله، ولكن لا أدري ما حكم عقد النكاح، هل هو جائز أم لا، وماذا أفعل إذا كان غير جائز؟ علما أن لي من هذه الزوجة 5 أطفال. فأجابوا: "إن كانت الزوجة حين العقد مثلك لا تصلي أو تصلي تارة وتترك أخرى فالنكاح صحيح، ولا يلزم تجديده؛ لكونكما مستويين في الحكم المتعلق بترك الصلاة وهو: الكفر. أما إن كانت المرأة حين عقد الزواج محافظة على الصلاة، فالواجب تجديد العقد في أصح قولي العلماء، إذا كان كل واحد منكما يرغب في الآخر، مع لزوم التوبة من ترك الصلاة والاستقامة عليها. أما الأولاد الذين ولدوا قبل تجديد العقد فهم شرعيون، لاحقون بآبائهم من أجل شبهة النكاح. ونسأل الله لكما الصلاح والتوفيق لكل خير. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (18/290) . وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " أما إذا كانا لا يصليان جميعا حين العقد ثم هداهما الله واستقاما على الصلاة، فإن النكاح صحيح، كما لو أسلم غيرهما من الكفار، فإن نكاحهما لا يجدد إذا لم يكن هناك مانع شرعي من بقاء النكاح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر الكفار الذين أسلموا في عام الفتح وغيره بتجديد أنكحتهم " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (10/291) . وعلى هذا؛ فإذا تاب الزوجان من ترك الصلاة، وصليا فلا يحتاجان إلى إعادة عقد النكاح، بل هما على عقدهما الأول. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118752 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1075 نصرانية قريبة من الدخول في الإسلام متزوجة من تارك صلاة، فما حكم عقدهما؟ [السُّؤَالُ] ـ[هناك امرأة نصرانية، تعيش في " كندا "، متزوجة من رجل مسلم، كانت ترغب أن تتعرف على الإسلام، وتتعلم أكثر عن قرب، وأن تعتنقه يوماً ما، إلا أنها أحبطت، وخاب ظنها لما رأت من زوجها تهاونه في الصلاة، حتى وصل الأمر إلى أن ترك الصلاة كليّاً لشهور حتى الآن، وبعد أن تم طرده من العمل أصبح يجلس في المنزل، وزوجته هي التي تعمل، وتنفق على شؤون البيت، أما هو فيجلس إلى الكمبيوتر، ويحادث النساء، ومشاهدة مشاهد إباحية على النت، هذا ما زاد الطين بلة، حينما علمت الزوجة بذلك بواسطة برنامج للتجسس , فما نصيحتكم التي تقدمونها لهما؟ أعلم أن تارك الصلاة مختلف بين العلماء بتكفيره، فأرجو أن توضحوا لنا المسألة على كلا المذهبين، وبارك الله فيكم، وأرجو إن كان في مقدوركم أن تكون الإجابة بالعربية والإنجليزية، وجزاكم الله خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: اتفق العلماء على أن تارك الصلاة جحوداً لفرضيتها أنه كافر مخلد في نار جهنم إن مات على هذا الجحود، واختلفوا فيمن تركها لا جحوداً لفرضيتها، بل تكاسلاً وتهاوناً، فقال جمهورهم إنه يستتاب، فإن تاب وإلا قُتل حدّاً، وقال آخرون: إنه يعزر، ويُسجن حتى يصلي. فصارت الأقوال في المسألة ثلاثة: القول الأول: وهو كفر من ترك الصلاة، من غير تفريق بين جحود، أو تكاسل، وهو قول عامة الصحابة، لا يُعرف بينهم مخالف، وممن قال به: الإمام أحمد رحمه الله في أصح الروايتين، وابن المبارك، وإسحاق بن راهويه، ومنصور الفقيه من الشافعية، ويروى أيضاً عن أبي الطيب بن سلمة من الشافعية. القول الثاني: أن التارك للصلاة تكاسلاً وتهاوناً لا جحوداً: هو فاسق من فسَّاق المسلمين، وليس بكافر، لكنه يستتاب – على خلاف بينهم في تحديد المدة -، فإن تاب وصلَّى وإلا قتلَ حدّاً! كالزاني المحصن، لكنه يقتل بالسيف، وهذا هو مذهب مالك وأصحابه، وهو مذهب الشافعي، وجمهور أصحابه. وقتل مثل هذا حدّاً فيه وقفة تأمل، وقد ذكرنا خطأ هذا القول في جواب السؤال رقم (6035) . القول الثالث: وهو أن تارك الصلاة عمداً، تكاسلاً، وتهاوناً، مع إقراره بوجوبها: لا يكفر، ولا يقتل، بل يعزر، ويحبس، حتى يصلي. وهو قول الإمام أبي حنيفة رحمه الله، وأصحابه، وجماعة من أهل الكوفة، وسفيان الثوري، والمزني صاحب الشافعي، وهو أضعف الأقوال. وقد بني على الخلاف في حكم تارك الصلاة: أحكام عملية كثيرة، منها: توريثه، والتوريث منه، وغسله ودفنه في مقابر المسلمين، والصلاة عليه، وحكم ذبحه وصيده، وحكم بقاء الزوجية، وغير ذلك من الأحكام. فمن قال بكفر تارك الصلاة – ولو من غير جحود -: فإنه يطبق عليه كافة أحكام المرتدين، فلا يرث، ولا يورث، ولا يغسَّل، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يصلى عليه، ولا تحل ذبيحته، ويفسخ عقد نكاح الزوجية. ومن حكم بعدم كفره: فإنه لا يطبق عليه الأحكام السابقة، بل يجعله فاسقاً من فساق المسلمين، مرتكباً لكبيرة من كبائر الذنوب، لكن جمهورهم يستتيبه، فإن لم يصل: قتل حدّاً! ومثل هذا – عندهم - لو تزوج نصرانية أو يهودية: فإنه يُحكم بصحة عقدهما، ويكون العقد زواج مسلم بكتابية. والراجح من القولين: هو الأول؛ لظاهر الأدلة من الكتاب، والسنَّة؛ ولإجماع الصحابة رضي الله عنهم على ذلك. وهو الذي يفتي به المشايخ: محمد بن إبراهيم، وعبد العزيز بن باز، ومحمد بن صالح العثيمين، وعلماء اللجنة الدائمة، وغيرهم من المحققين، على خلاف في الحد الذي يعتبر عنده تارك الصلاة تاركا مستحقا لهذا الحكم. وعليه: فإن العقد بين ذلك الرجل وتلك المرأة عقد بين مرتد ونصرانية – إن كانت لا تزال على دينها -، وهي أهون منه؛ لأنها كتابية، وهو مرتد عن دينه. وانظر أجوبة الأسئلة: (2182) و (5208) و (33007) و (10094) . ثانياً: والمرأة المسئول عنها إن كانت قد أسلمت: فإنه لا يحل لها البقاء مع ذلك التارك للصلاة، وقد سبق تفصيل الحكم فيه. وأما إن كانت لا تزال على كفرها: فإنه ليس ثمة أحكام تتعلق بزواجها منه، فهما ليسا مسلميْن، وليس أحدهما مسلماً حتى يكون حكم من الشرع على عقدهما. وإننا ننصحها بترك ذلك الرجل، والتزوج من رجل مسلم على الحقيقة، فهو بتركه للصلاة لا يعد مسلماً، وليس من أخلاق المسلمين ما يفعله من منكرات ومعاصٍ، ثم إنه ـ فيما يبدو لنا من السؤال ـ ناقص المروءة والشهامة؛ إذ يرضى لامرأته أن تخرج للعمل، وتتحمل أعباء المعيشة، وهو جالس في بيته؛ والله إن فعله لدناءة لو كان يجلس لقراءة القرآن والصلاة، وامرأته تخرج للعمل وتعوله، فكيف نقول فيه وهو يجلس للمعاصي والمنكرات. وكلمتنا إلى هذه الزوجة: يا أمة الله، لا تنظري إلى الدين باعتبار أهله، أو باعتبار واحد منهم، لكن انظري إلى ما فيه من حق وخير، وصدق وبر، وأما الناس فإن كان زوجك بالحال التي وصفت، ففي أهل الإسلا من يقوم بآدابه وأحكامه وأخلاقه غير هذا الرجل، وما زال في الناس، من المسلمين وغيرهم، من فيه الصدق والبر والمروءة، وفيهم من حرم ذلك، غير أنه ما زالت أخلاق المسلم، إذا قام بحق دينه، أعلى وأبر وأطهر من أخلاق غيرهم، وتأملي تجدي مصداق ذلك، واعملي أن أكثر من حولك من المسلمين إنما هم أهل دنيا وطمع، خالفوا أحكام دينهم في النهي عن الإقامة في بلاد الكفار، حبا في الدنيا وطمعا فيها؛ فماذا تنتظرين من أخلاقهم؛ والقليل منهم من يحافظ على أمر دينه، أو يقيم هناك لحاجة تبيح له ذلك. يا أمة الله، أسرعي، ولا تتأخري عن ربك، ولا تجعلي الناس وأخلاقهم حاجزا بينك وبين النور من ربك، فكل نفس بما كسبت رهينة، والحساب يوم القيامة: فردا فردا، ولا تحمل نفس حمل غيرها من النفوس: لها ما كسبت، وعليها ما اكتسبت، فهيا إلى النور الذي أبصرت شعاعه، واحذري أن تتأخري طويلا، فيدهمك الظلام، ويغيبك عنك الشعاع. ومتى كانت هناك كف سوداء تحجب عنك الضياء، فأبعديها عن عينيك، مهما كانت، وسيري إلى ربك، على صراطه المستقيم. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 115985 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1076 حكم مجالسة من لا يصلي وينكر الحجاب ويسخر منه ويسخر من عائشة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم مجالسة مَن لا يصلي، ولا يصوم، وينكر الحجاب، ويقول: إنها خاصة فقط بنساء النبي صلى الله عليه وسلم، ويسخر منه، وفي مرة سمعته يسخر من السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وخاصة إذا كان من صلة الأرحام؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إن هذه الأفعال التي تسأل عن مجالسة صاحبها هي: كفرٌ، وردة، ونعجب من انتسابه للإسلام وهو على هذه الحال، فترك الصلاة كفر أكبر، ثبت ذلك بالكتاب، والسنَّة، وإجماع الصحابة رضي الله عنهم. والحجاب للنساء: إن كان يقصد به غطاء الوجه " النقاب " ونحوه، فثمة خلاف بين العلماء فيه، والأصح أنه على واجب على النساء جميعاً، وليس هو خاصّاً بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم. قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان – حفظه الله -: وأما بالنسبة للنقاب: فتغطية الوجه واجبة، على الصحيح من قولي العلماء، وهو الذي تؤيده الأدلة الصحيحة؛ لقوله تعالى: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) النور/ 31؛ ولقوله تعالى في نساء النبي صلى الله عليه وسلم: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) الأحزاب/ 53. وكون الخطاب ورد في نساء النبي صلى الله عليه وسلم لا يمنع أن يتناول الحكم غيرهن مِن نساء المسلمين؛ وذلك لأنه علل ذلك بعلة عامة، وهي قوله: (ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) الأحزاب/ 53. فالعلة عامة، لنساء النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهن، ولغيرهن مِن النساء، والطهارة مطلوبة للجميع؛ لقوله تعالى في الآية الأخرى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ) الأحزاب/ 59. " المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (4 / 242، 243، السؤال رقم 250) . ولمزيد تفصيل: ينظر جواب السؤال رقم: (11774) . وأما إن كان يقصد بالحجاب غطاء الرأس: فليس في وجوبه خلاف بين أهل العلم، وإنكاره للنوعين، وسخريته بهما: ردة عن الدِّين؛ لأن الخمار وإن لم يكن واجباً عند بعض أهل العلم: فهو متفق على مشروعيته، وأنه من دين الله، فإنكاره والسخرية به كفر مخرج عن الملة. وليس ثمة مجال لهذا الزنديق أن يسخر من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، إلا أن يطفح ما في قلبه من النفاق والزندقة، ويظهر على فلتات لسانه، فعائشة أم المؤمنين، وزوج النبي صلى الله عليه وسلم، والمبرأة من الله في آيات تتلى إلى يوم القيامة، فمن سخر منها فإنما يسخر من زوجها، وهو النبي صلى الله عليه وسلم، ومن نفى أن تكون أمّاً للمؤمنين فهو يخرج نفسه من دائرتهم، وليس يضرها شيئا. ثانياً: إذا كان هذا هو حال هذا القريب: فليعلم أنه فاعل لما يوجب ردته، وأن عليه التوبة، والرجوع إلى دينه، وأنه إن لقي الله بهذا: لقيه على غير الإسلام. وأما الواجب عليكم – بعد نصحه -: فهو أن تهجروا مجالسه، وتحذروا منه، إلا أن يكون من يريد الجلوس معه على قدر من العلم ليرد عليه كفره، وليحذر مجالسيه من شرِّه، وتكون صلته غير واجبة، بل لا يجوز ابتداؤه بالسلام. قال تعالى: (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ) القصص/ 55. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -: (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ) من جاهل خاطبهم به، (قَالُوا) مقالة عباد الرحمن أولي الألباب: (لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ) أي: كُلٌّ سَيُجازَى بعمله الذي عمله وحده، ليس عليه من وزر غيره شيء، ولزم من ذلك: أنهم يتبرءون مما عليه الجاهلون، من اللغو، والباطل، والكلام الذي لا فائدة فيه. (سَلامٌ عَلَيْكُمْ) أي: لا تسمعون منَّا إلا الخير، ولا نخاطبكم بمقتضى جهلكم، فإنكم وإن رضيتم لأنفسكم هذا المرتع اللئيم: فإننا ننزه أنفسنا عنه، ونصونها عن الخوض فيه، (لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ) من كل وجه. " تفسير السعدي " (ص 620) . سئل علماء اللجنة الدائمة: هل يجوز أن أجالس تارك الصلاة؟ . فأجابوا: مَن ترك الصلاة متعمِّداً جاحداً لوجوبها: فهو كافر باتفاق العلماء، وإن تركها تهاوناً وكسلاً: فهو كافر، على الصحيح من أقوال أهل العلم، وبناءً على ذلك: لا تجوز مجالسة هؤلاء، بل يجب هجرهم، ومقاطعتهم، وذلك بعد البيان لهم أن تركها كفر، إذا كان مثلهم يجهل ذلك، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) ، وصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أيضاً أنه قال: (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) أخرجه مسلم في صحيحه، وهذا يعم الجاحد لوجوبها، والتارك لها كسلاً. الشيخ عبد العزيز بن باز , الشيخ عبد الرزاق عفيفي , الشيخ عبد الله بن غديان. " فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 374 , 375) . وسئل علماء اللجنة الدائمة: هل يجوز إلقاء السلام على تارك الصلاة؟ . فأجابوا: أما تارك الصلاة جحداً: فكافر بالإجماع، وتاركها كسلاً، غيرَ جحد لوجوبها: فكافر، على القول الصحيح من أقوال العلماء، فلا يجوز إلقاء السلام عليه، ولا رد السلام عليه إذا سلَّم؛ لأنه يعتبر مرتداً عن الإسلام. الشيخ عبد العزيز بن باز , الشيخ عبد الرزاق عفيفي , الشيخ عبد الله بن غديان , الشيخ عبد الله بن قعود. " فتاوى اللجنة الدائمة " (24 / 141 , 142) . وقال علماء اللجنة الدائمة: ومَن استهزأ بدين الإسلام، أو بالسنَّة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كإعفاء اللحية، وتقصير الثوب إلى الكعبين، أو إلى نصف الساقين، وهو يعلم ثبوت ذلك: فهو كافر، ومن سخِر من المسلم، واستهزأ به، من أجل تمسكه بالإسلام: فهو كافر؛ لقول الله عز وجل: (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ. لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) التوبة 65 , 66. الشيخ عبد العزيز بن باز , الشيخ عبد الرزاق عفيفي , الشيخ عبد الله بن غديان , الشيخ عبد الله بن قعود. " فتاوى اللجنة الدائمة " (2 / 43 , 44) . وقال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -: والواجب: هجر تارك الصلاة، ومقاطعته، وعدم إجابة دعوته، حتى يتوب إلى الله من ذلك، مع وجوب مناصحته، ودعوته إلى الحق، وتحذيره من العقوبات المترتبة على ترك الصلاة في الدنيا والآخرة؛ لعله يتوب، فيتوب الله عليه. " فتاوى الشيخ ابن باز " (10 / 266) . وسئل الشيخ صالح بن فوزان الفوزان – حفظه الله -: هل يجوز لي أن أجالس وأشارك في المأكل والمشرب تارك الصلاة المصر على تركها؟ . فأجاب: لا يجوز لك أن تجالسه وتشاركه في المأكل والمشرب، إلا إذا كنت تقوم بنصيحته، والإنكار عليه، وترجو أن يهديه الله على يديك، فإذا كنت تقوم بهذا معه: وجب عليك أن تقوم به معه؛ لأن هذا من إنكار المنكر، والدعوة إلى الله تعالى، لعل الله أن يهديه على يديك. أما إذا كنت تشاركه، وتجالسه، وتأكل وتشرب معه من غير إنكار، وهو مقيم على ترك الصلاة، أو مقيم على شيء من الكبائر: فإنه لا يجوز لك أن تخالطه، وقد لعن اللهُ بني إسرائيل على مثل هذا، قال تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ، كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ) المائدة/ 78، 79. وجاء في تفسير الآية أن أحدهم كان يرى الآخر على المعصية فينهاه عن ذلك، ثم يلقاه في اليوم الآخر وهو مقيم على معصية: فلا ينهاه، ويخالطه، ويكون أكيله، وشريبه، وقعيده، فلما رأى الله منهم ذلك: ضرب قلوب بعضهم ببعض، ولعنهم على لسان أنبيائهم. وحذرنا نبي الله صلى الله عليه وسلم من أن نفعل مثل هذا الفعل؛ لئلا يصيبنا ما أصابهم من العقوبة. " المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (2 / 246، السؤال رقم 215) . وانظر جوابي السؤالين:: (4420) و (47425) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 115156 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1077 كيف يصبر نفسه على الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[أنا مسلم أعمل في السعودية، متزوج، عمري الآن (30) عاما، كنت من المحافظين على الصلاة، وتكاسلت عنها من عدة سنوات، أصلي الجُمع ورمضان، وأيام أصلي كاملا، وأتكاسل، أنا خائف جدا، أحب أن أعرف ما توبتي، وكيف أُصَبِّرُ نفسي على الصلاة، وأنا والله أحب الصلاة، وكنت أرتاح راحة عظيمة خاصة في صلاة الفجر.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا نكتمك القول – أخانا السائل – أننا نحتار في مثل هذا السؤال، لا؛ لأن موضوعه جديد أو غريب، ولكن لأننا نقرأ في جُمَلِهِ وكلماته مِن صادق الأماني ما نرجو أن يتبعها صادقُ العزيمة والإرادة. ولعلك تدرك أن كلماتٍ قليلةً منا لا تملك أن تغير حالك الذي تشكو إلى الحال التي تتطلع إليه، ولكنا نرجو أن تراجع أسباب الإرادة والعزيمة في نفسك، لتنظر إن كنت – ما زلت – تملك القرار أم أنك لست كذلك. ونصدقك القول والنصيحة – أخانا الكريم – ولو أقسمنا لبررنا بالقسم، أن الأمر أخطر وأكبر من أن تسعه كلمات سؤالك، أو عبارات جوابنا، أو نصيحة ناصح، ولا موعظة واعظ، فهو يتعلق بالحقيقة التي يغفل الإنسان عنها، حقيقة ما وراء هذا الوجود المشاهد، وحقيقة الجنة والنار التي أعدت لأهل الدنيا، تنزلهم فيها أعمالهم، وتتحكم فيها أعمارهم، وكل إنسان مَجزِيٌّ بعمله، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر. أي شيء ينتظر المتكاسل عن الصلاة؟! هل ينتظر تلك " اللحظة الفاصلة " التي يظن أنها تهدى إليه كرامة ربانية خالصة؟ أو ينتظر الموت الذي له مع بني آدم في كل يوم ميعاد؟ المكارم والمعالي لا تأتي بالتسويف ولا بالتأجيل، وإذا كانت خمس صلوات لا تستغرق من يوم المرء وليلته أكثر من ساعة تُعجِز شابا مسلما، وتكون له سبب همٍّ وغمٍّ وضيق، فكيف هي الحياة إذن بعد ذلك؟! وأي نصح ووعظ يمكن أن يجدي فيه؟!! لو تأمل أحدنا بالطفل الصغير الذي يصر على الحبو الشديد كي يصل إلى حاجته التي يريد، أو تأمل أحدنا في إصرار جميع الدواب التي خلقها الله تعالى على تحصيل معاشها رغم كل المصاعب والأخطار. بل لو تأمل أحدنا أحوال كثير من الكفار، كيف يحرصون على إقامة دينهم ودنياهم، ويبذلون في سبيل ذلك الكثير من التضحيات، وهم على باطلهم وضلالهم. لو تأملنا في ذلك جميعا، ثم قارنَّا ما نستخلصه بصلوات خمس لا يملك بعض شبابنا أن يؤديها في أوقاتها، لكان لذلك التأمل أثر كبير في قلوبنا التي علاها الصدأ والرين. ولا نرى الخطوة الأولى في سبيل تجاوز هذا الواقع الأليم إلا المبادرة – وعلى الفور – لأداء الصلاة الحاضرة، والاستعانة بالله عز وجل، وصدق اللجوء إليه أن يثبتنا جميعا على طاعته، وننصحك هنا – إذا أردت العون على المحافظة على الصلوات – أن تحرص على أداء الصلاة في أول وقتها، فالإنسان الذي يقدم الأهم في وقته ينجزه وينجح فيه، فإن أخره بدأت تعرض له العوائق والشواغل، حتى لا يكاد يشعر بأهمية العمل الذي هو أولى الأولويات. تذكَّر أخانا الكريم أن الله تعالى أنعم عليك بنعم لا تعد ولا تحصى، وسلب هذه النعم عن بشر كثير، أفلا يستحق ربك منك الحمد والشكور؟! هل صغرت في عينك نعمة الهداية إلى الإسلام، لنلقى الله عز وجل يوم القيامة مسلمين موحدين فننجو من النار يوما من الدهر؟! ولو استمرت النفس في طغيانها وشقاقها، فلتأخذها إلى المقابر، لتتأمل حالها بعد بضع سنين، حبيسة تلك الحفرة الضيقة، رهينة ما كسبت في دنياها، وقدمت لأخراها، فلا نظنها ستشك حينئذ أن الصلاة ستكون نورا ونجاة وبرهانا في الدنيا والآخرة. يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ. وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ. لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ. لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) الحشر/18-21. وما دامت نفسك تغلبك، وما دمت تضل ـ وحدك ـ في الطريق، فاصحب معك في سفرك إلى ربك رفيقا، هاديا للطريق، أمينا: قال الله تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) الكهف /28. قال الشيخ السعدي – رحمه الله -: " ففيها الأمر بصحبة الأخيار، ومجاهدة النفس على صحبتهم، ومخالطتهم وإن كانوا فقراء فإن في صحبتهم من الفوائد، ما لا يحصى. (وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ) أي: لا تجاوزهم بصرك، وترفع عنهم نظرك، (تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) ، فإن هذا ضار غير نافع، وقاطع عن المصالح الدينية، فإن ذلك يوجب تعلق القلب بالدنيا، فتصير الأفكار والهواجس فيها، وتزول من القلب الرغبة في الآخرة، فإن زينة الدنيا تروق للناظر، وتسحر العقل، فيغفل القلب عن ذكر الله، ويقبل على اللذات والشهوات، فيضيع وقته، وينفرط أمره، فيخسر الخسارة الأبدية، والندامة السرمدية، ولهذا قال: (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا) غفل عن الله، فعاقبه بأن أغفله عن ذكره، (وَاتَّبَعَ هَوَاهُ) أي: صار تبعا لهواه، حيث ما اشتهت نفسه فعله، وسعى في إدراكه، ولو كان فيه هلاكه وخسرانه، فهو قد اتخذ إلهه هواه، كما قال تعالى: (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم) الآية، (وَكَانَ أَمْرُهُ) أي: مصالح دينه ودنياه، (فُرُطًا) أي: ضائعة معطلة، فهذا قد نهى الله عن طاعته، لأن طاعته تدعو إلى الاقتداء به، ولأنه لا يدعو إلا لما هو متصف به. ودلت الآية: على أن الذي ينبغي أن يطاع، ويكون إماما للناس، من امتلأ قلبه بمحبة الله، وفاض ذلك على لسانه، فلهج بذكر الله، واتبع مراضي ربه، فقدمها على هواه، فحفظ بذلك ما حفظ من وقته، وصلحت أحواله، واستقامت أفعاله، ودعا الناس إلى ما من الله به عليه، فحقيق بذلك، أن يتبع ويجعل إماما، والصبر المذكور في هذه الآية، هو الصبر على طاعة الله، الذي هو أعلى أنواع الصبر، وبتمامه تتم باقي الأقسام. وفي الآية: استحباب الذكر والدعاء والعبادة طرفي النهار؛ لأن الله مدحهم بفعله، وكل فعل مدح الله فاعله، دل ذلك على أن الله يحبه، وإذا كان يحبه، فإنه يأمر به، ويرغب فيه " انتهى. " تفسير السعدي " (475) . ونرجو أن يحرص السائل الكريم على مراجعة الأجوبة السابقة المتعلقة بهذا الموضوع، والتي هي تحت الأرقام الآتية: (83997) ، (98682) ، (99139) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114994 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1078 إذا ترك صلاة الفجر عمدا هل يترتب عليه شيء؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا شاب ولله الحمد عقدت عقد الزواج، ولم أبن بزوجتي، والحمد لله حريص على أداء الصلاة في أوقاتها، السؤال هو أنني أصبحت يوما لصلاة الفجر، فوجدت نفسي محتلما، فأكملت نومي ولم أصل حتى خرج وقت الصبح وطلعت الشمس، فاغتسلت، وصليت، فهل بذلك أكون قد تركت الصلاة متعمدا، وخرجت من الملة، وما حكم عقدي بزوجتي هل ما زالت زوجتي، أم أصبحت طالقا، إذا ترتب على تركي لصلاة (الفجر فقط) الخروج من الملة؛ لأني قرأت أن بعض العلماء من السلف كالإمام أحمد رحمه الله والخلف قالوا أن ترك صلاة واحدة يخرج من الملة، ومنهم الشيخ ابن باز رحمه الله. أرجو الإفادة لحالتي لحساسية الموضوع، ولشكي في عقد زواجي. وجزاكم الله كل خير.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نسأل الله تعالى أن يثبتنا وإياك على طاعته، وأن يجعل صلاتنا وعبادتنا خالصة لوجهه الكريم. ونشكر لك حرصك وورعك وخوفك من أمر هو في دين الله عظيم، والمسلم دائم الحذر والمراقبة والمراجعة، يخشى أن يعذبه الله بذنبه، فيحرص على التوبة والإنابة والاستغفار. ونذكرك أخانا السائل أن المسلم الذي ينام عن الصلاة عن غير قصد بعد أن اتخذ الأسباب العادية للاستيقاظ، ولكن لم تفلح هذه الأسباب في إيقاظه، فهذا لا إثم ولا حرج عليه. أما الذي يستيقط ويعي ما حوله، ويعلم أن وقت الصلاة قد دخل، ثم يتعمد استكمال النوم ناويا الاستمرار حتى خروج وقتها فقد وقع في إثم عظيم وذنب كبير يقتضي المسارعة إلى التوبة والندم، ويكفيه إثما وخطرا أن العلماء قد اختلفوا في كفره على قولين. فقد اختلف أهل العلم – من القائلين بتكفير تارك الصلاة - في صفة الترك الذي يستوجب الكفر: فقال بعضهم: هو مطلق الترك، فلو ترك صلاة واحدة متعمدا من غير عذر حتى خرج وقتها كفر، وهو قول إسحاق بن راهويه وغيره، واختيار اللجنة الدائمة، والشيخ عبد العزيز بن باز رحمهم الله من المعاصرين. انظر: "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/41) ، و"مجموع فتاوى ابن باز" (29/179) وقال بعض أهل العلم: إن الذي ينطبق عليه حكم الكفر، هو الذي يترك الصلاة تركا مطلقا، وأما من يصلي حينا، ويترك الصلاة حينا، فهذا لا يكفر الكفر المخرج من الملة، وإن كان مع قد أتى بابا عظيما من أبواب الإثم. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " إن كثيراً من الناس، بل أكثرهم، في كثير من الأمصار، لا يكونون محافظين على الصلوات الخمس، ولا هم تاركيها بالجملة، بل يصلون أحياناً، ويدعون أحياناً، فهؤلاء فيهم إيمان ونفاق، وتجري عليهم أحكام الإسلام الظاهرة في المواريث ونحوها من الأحكام " انتهى. "مجموع الفتاوى" (7/617) . على أن الذي لا خلاف فيه بين أهل العلم، أن من ترك صلاة واحدة، الفجر أو ما سواها، حتى يخرج وقتها، فقد أتى بابا عظيما من الإثم، أعظم من السرقة وشرب الخمر والزنا، فإما هو فاسق من شر فساق أهل الملة، حتى يتوب ويرجع عن ترك صلاته، أو هو كافر، كما ذهب إليه كثير من أهل العلم، بل هو المحكي عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فالنصيحة للأخ السائل ولجميع إخواننا المسلمين أن نتسابق في الحرص على أداء الصلوات، وعدم التهاون في تركها، فهي عمود الدين، مَن ضَيَّعها فهو لما سواها أضيَع، فإذا قَصَّر المسلم في أداء هذا الواجب في بعض المرات فعليه أن يتوب إلى الله تعالى ويستغفره، ويكثر من النوافل مع القضاء، وليس عليه أن يجدد عقد زواجه، فهو عقد صحيح باق إن شاء الله تعالى، لا ينقضه ترك صلاة واحدة على الصحيح من أقوال أهل العلم. وانظر جواب السؤال رقم: (10914) ، (52923) ، (83165) وأما عقدك بقاؤك مع زوجتك، وعقدك عليها، فهو صحيح، ولا تحتاج إلى عقد جديد، إن شاء الله. أما على مذهب من يرى أن تارك الصلاة لا يكفر، فهو واضح. وأما على مذهب من يرى كفر من ترك صلاة واحدة وردته؛ فإن المرتد لا تبين منه امرأته إلا إذا انقضت عدتها، وهو في ردته. جاء في الموسوعة الفقهية: " قال الشّافعيّة: إذا ارتدّ أحد الزّوجين المسلمين فلا تقع الفرقة بينهما حتّى تمضي عدّة الزّوجة قبل أن يتوب ويرجع إلى الإسلام، فإذا انقضت بانت منه، وبينونتها منه فسخ لا طلاق، وإن عاد إلى الإسلام قبل انقضائها فهي امرأته" وهذا القول هو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد. قال المرداوي: وهو المذهب، وهو الصحيح. انظر: الإنصاف (8/215-216) ، تصحيح الفروع (249-250) . قال شيخ الإسلام رحمه الله: " الدوام أقوى من الابتداء؛ ألا ترى أن العدة والردة تمنع ابتداء عقد النكاح دون دوامه ". الصارم المسلول (1/273) . بل اختار شيخ الإسلام رحمه الله بقاء النكاح ما لم تنكح زوجا غيره، [يعني: ولو بعد انقضاء العدة] ؛ فإن كان الزوج هو المرتد، فالأمر إليها، ولا حكم له عليها، ولا حق عليه، لأن الشارع لم يستفصل، وهو مصلحة محضة، وكذا إن كانت الزوجة هي التي ارتدت، وليس له حبسها، وأنها متى أسلمت فهي امرأته، إن اختار. انظر: الفروع لبن مفلح (5/246-250) ، الإنصاف للمرداوي (8/213، 216) . قال الشيخ ابن باز رحمه الله، في امرأة زوجها لا يصلي، ويفعل المحرمات: " وتمتنعين من أن يقربك بجماع وغيره، حتى يتوب إلى الله وحتى يدع عمله السيئ، ولا سيما ترك الصلاة، فإذا تاب إلى الله وصلى، فلا مانع ". مجموع فتاوى ومقالات الشيخ عبد العزيز بن باز (10/255-256) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114426 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1079 حديث موضوع في الوعيد على من ترك الصلوات الخمس [السُّؤَالُ] ـ[ما صحة نسبة هذا الحديث للرسول صلى الله عليه وسلم: (من ترك صلاة الصبح فليس في وجهه نور، ومن ترك صلاة الظهر فليس في رزقه بركة، ومن ترك صلاة العصر فليس في جسمه قوة، ومن ترك صلاة المغرب فليس في أولاده ثمرة، ومن ترك صلاة العشاء فليس في نومه راحة) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سئلت "اللجنة الدائمة" (المجموعة الثانية 3/259) عن هذا الحديث وأحاديث أخرى، فأجابت عليها بقولها: " هذه الأحاديث لم تُعزَ إلى كتاب من كتب السنة، ولا نعلم لها أصلا بعد البحث عنها، فالواجب منع توزيعها ونشرها " انتهى. كما سئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في برنامج نور على الدرب في تاريخ 20/محرم/1427هـ (الدقيقة 17-19 من الشريط) عن هذا الحديث فقال: " هذا لا أصل له فيما أعلم، وجاء الوعيد فيمن ترك الصلاة من القرآن ومن السنة النبوية الصحيحة، فيُكتَفى بما جاء، من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (بَينَ العَبدِ وَبَينَ الكُفرِ تَركُ الصَّلاةِ) رواه مسلم، وقوله صلى الله عليه وسلم: (العَهدُ الذِي بَينَنَا وَبَينَهُمُ الصَّلاةُ، فَمَن تَرَكَهَا فَقَد كَفَرَ) رواه أهل السنن. والله عز وجل يقول عن المجرمين: (مَا سَلَكَكُمْ فِيْ سَقَرَ، قَالُوْا لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلِّينَ) السبب الأول الذي أوردهم سقر هو أنهم تركوا الصلاة، فترك الصلاة كفر والعياذ بالله، مخرج من الملة، سواء تركها جاحدا لوجوبها أو تركها معترفا بوجوبها، إلا من تركها ناسيا أو نائما.. وأما هذا الذي ذكره السائل فلا أعرف له أصلا، وكذلك ما يوزع من بعض النشرات (مَن ترك الصلاة عوقب بخمس عشرة عقوبة) لا أصل له " انتهى. فعلى هذا لا يجوز نشر هذا الحديث، ولا نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بل الواجب التحذير منه، وبيان أنه لا أصل له في كتب أهل السنة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112176 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1080 تأمر الناس بالصلاة وهي لا تصلي إلا أمامهم فقط! [السُّؤَالُ] ـ[أنا معلمة وأحرص على تعليم طالباتي الصلاة ولكني لا أصلي إلا أمام الناس مع يقيني بأهمية الصلاة وكذلك دائماً أقول للخادمة إذا دخل وقت الصلاة اتركي العمل، واذهبي صلِّي، وأنا لا أصلي! وأتكاسل فبماذا تنصحني]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا نستطيع توصيف حالتك بما يطابق واقعها، لكننا نأمل أن لا يستمر حالك كما هو الآن، ونرى أن عندكِ خيراً عظيماً، ولا بدَّ لك من تنميته واستثماره؛ لئلا تضيع حياتك فتلقي ربك تعالى ولم تصلحي من شأنك وحالك. وخير ما ننصحك به في إهمالك للصلاة هو كتاب الله تعالى وسنَّة نبيه صلى الله عليه وسلم، فتنبهي لما سنذكره من الآيات والأحاديث وكلام أهل العلم لتعلمي عِظم الإثم الذي يلحقك ويثقل كاهلك. واعلمي أن ترك الصلاة كفر مخرج من الإسلام، فكيف ترضين لنفسك أن تكوني في سلك أولئك الذين استحقوا غضب الله تعالى وسخطه؟ واحذري من تزيين الشيطان لفعلك بأن تركك للصلاة ليس جحوداً، إذ لا فرق بين من يتركها كسلاً أو يتركها جحوداً، فكلاهما تارك وجاحد، والجحود ليس بالقلب فقط، بل هو بالقلب والجوارح، وليس ترك الصلاة معصية يُستغفر من تركها ويُتاب من عدم أدائها، بل يلزم من تركها الدخول في الإسلام بالشهادتين، أو تجديد إسلامه بأداء الصلاة، ومن أذكار الصلاة الواجبة: الشهادتان. سئل علماء اللجنة الدائمة: الذي كان يصلي ثم يترك الصلاة لشهر أو شهرين أو أكثر، ثم يهديه الله تعالى إلى سبيل الهدى والحق- هل عليه القضاء أم لا؟ . فأجابوا: مَن ترك الصلاة لشهر، أو شهرين، أو أقل، أو أكثر: فعليه أن يجدد إسلامه، وأن يتوب إلى الله توبةً نصوحاً، ويندم على ما فات؛ لأن ترك الصلاة بالكلية كفر أكبر، ويشرع له أن يكثر من نوافل الطاعات، والتضرع بين يدي الله سبحانه، لعل الله أن يعفو عنه، ويتجاوز عما سلف، وأن يقبل توبته، فالتوبة تجب ما قبلها، ولا يلزمه القضاء. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد. " فتاوى اللجنة الدائمة " (5 / 44) المجموعة الثانية. وقال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان – حفظه الله -: الصلاة ركن من أركان الإسلام، بل هي آكدُ أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي عمود الإسلام، وهي الفارقة بين المؤمن والكافر، كما قال صلى الله عليه وسلم: (بين العبد وبينَ الكُفرِ والشِّركِ: تركُ الصلاة) . والمرأة التي لا تصلِّي: إن كانت لا ترى وجوب الصلاة عليها: فهي كافرة بإجماع أهل العلم، وإن كانت ترى وجوبها وتركتها تكاسُلاً: فإنها تكفر على الصحيح من قولي العلماء. فعلى هذا لا يصحُّ للمسلم أن يتزوَّجها، وإذا كان قد تزوَّجها: فلا يجوز له إمساكها؛ لقوله تعالى: (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ) الممتحنة/ 10، وقوله تعالى: (وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ) البقرة/ 221. " المنتقى من فتاوى الفوزان " (1 / 102، السؤال 53) . وقد تكلمنا على تارك الصلاة وحكمه في أجوبة عديدة، وبإمكانك الاطلاع على تفاصيلها في قسم تارك الصلاة، من التصنيف الموضوعي. ثانياً: قد وقعتِ في أمرٍ آخر جلل، وهو ترك العمل بما تنصحين به غيرك! وكان الواجب عليك الالتفات لنفسك لإنقاذها من النار، ومن سخط العزيز القهَّار. قال الله تبارك وتعالى: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) البقرة/44. قال ابن كثير – رحمه الله –: قال ابن جريج: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ) أهل الكتاب، والمنافقون، كانوا يأمرون الناس بالصوم، والصلاة، وَيَدَعُونَ العملَ بما يأمرون به الناس، فعيَّرهم الله بذلك، فمن أمر بخير: فليكن أشد الناس فيه مسارعة. " تفسير ابن كثير " (1 / 246) . وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله –: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ) أي: بالإيمان، والخير، (وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) أي: تتركونها عن أمرها بذلك، والحال: (وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) وأسمى العقل عقلاً؛ لأنه يعقل به ما ينفعه من الخير، وينعقل به عما يضره؛ وذلك أن العقل يحث صاحبه أن يكون أول فاعل لما يأمر به، وأول تارك لما ينهى عنه، فمَن أمر غيره بالخير ولم يفعله، أو نهاه عن الشر فلم يتركه: دل على عدم عقله، وجهله، خصوصا إذا كان عالِماً بذلك، قد قامت عليه الحجة. وهذه الآية وإن كانت نزلت في سبب بني إسرائيل: فهي عامة لكل أحد؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) ، وليس في الآية أن الإنسان إذا لم يقم بما أمر به أنه يترك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر؛ لأنها دلت على التوبيخ بالنسبة إلى الواجبين، وإلا فمن المعلوم أن على الإنسان واجبين: أمر غيره، ونهيه، وأمر نفسه، ونهيها، فترك أحدهما لا يكون رخصة في ترك الآخر، فإن الكمال أن يقوم الإنسان بالواجبين، والنقص الكامل أن يتركهما، وأما قيامه بأحدهما دون الآخر: فليس في رتبة الأول، وهو دون الأخير، وأيضاً فإن النفوس مجبولة على عدم الانقياد لمن يخالف قولُه فعلَه، فاقتداؤهم بالأفعال أبلغ من اقتدائهم بالأقوال المجردة. " تفسير السعدي " (ص 51) . وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ: أَيْ فُلَانُ، مَا شَأْنُكَ؟ أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنْ الْمُنْكَرِ؟ قَالَ: كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ) . رواه البخاري (3094) ومسلم (2989) . (فتندلق) : تخرج وتنصب بسرعة، (أقتابه) : جمع قتب، وهي الأمعاء والأحشاء، (برحاه) : حجر الطاحون التي يديرها. والذي نوصيك به هو الاستمرار بنصح الناس في أمر الصلاة، مع الاهتمام بإقامتها من قبَلك، وأدائها في وقتها، بصدق وإخلاص. سئل علماء اللجنة الدائمة: أضطر أحيانا إلى إمامة أهل قريتي، وأكثر الأحيان أخطب الجمعة من كتاب خطابة، ولي - والحمد لله - مكانة في قلوب الناس، ومع ذلك يتغلب عليَّ شيطاني وأتبع هوى نفسي، وأشعر بضيق عندما أرتكب أي معصية؛ لأنني أعرف الخطأ، ورغم ذلك أقع فيه، وآمر الناس بالبعد عن الخطيئة، وأنا أفعلها، وأنا أعرف جيِّداً قول الله تعالى: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) . فأجابوا: نوصيك بالاستمرار في وعظ أهل قريتك، والاستزادة من العلم الشرعي ما أمكنك ذلك، والبعد عن المعاصي، ومجاهدة النفس على ذلك، والحرص على أن يطابق قولُك عملَك ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، والله سبحانه يقول: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) العنكبوت/ 69، مع التوبة النصوح مما سبق. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد. " فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 269، 270) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112164 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1081 يصوم رمضان ثم يترك الصلاة بعد رمضان [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان الإنسان حريصاً على صيام رمضان والصلاة في رمضان فقط ولكن يتخلى عن الصلاة بمجرد انتهاء رمضان فهل له صيام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصلاة ركن من أركان الإسلام، وهي أهم الأركان بعد الشهادتين وهي من فروض الأعيان، ومن تركها جاحداً لوجوبها أو تركها تهاوناً وكسلاً فقد كفر، أما الذين يصومون رمضان ويصلون في رمضان فقط فهذا مخادعةً لله، فبئس القوم الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان، فلا يصح لهم صيام مع تركهم الصلاة في غير رمضان، بل هم كفار بذلك كفراً أكبر، وإن لم يجحدوا وجوب الصلاة في أصح قولي العلماء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) رواه الإمام أحمد (22428) والترمذي (2621) والنسائي (431) وابن ماجه (1079) بإسناد صحيح عن بريدة الأسلمي رضي الله عنه، وقوله صلى الله عليه وسلم: (رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله) رواه الإمام الترمذي (2616) بإسناد صحيح عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، وقوله صلى الله عليه وسلم: (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة) رواه الإمام مسلم في صحيحه (82) عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (10/140) . الحديث: 12675 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1082 هل تحج وتتصدق عن أمها التي كانت لا تصلي؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للابنة أن تحج وتتصدق عن أمها المتوفية علماً بأن الأم في حياتها لم تكن تصلي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "من ترك الصلاة جحداً لوجوبها كفر بالإجماع، ومن تركها تهاوناً وكسلاً كفر على الراجح من قولي العلماء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلَاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ) مع أدلة أخرى من الكتاب والسنة في ذلك؛ وعلى ذلك لا يجوز الحج ولا التصدق عمن مات وهو لا يصلي، كما لا يحج ولا يتصدق عن جميع الكفرة. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/113) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109302 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1083 هل من يصلي الجمعة فقط ليس بكافر؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل صحيح أن من يصلي الجمعة ليس بكافر حيث كنت قد قرأت للشيخ ابن عثيمين رحمه الله فقال: من يصلي الجمعة ليس كافرا، لأنه لم يتركها مطلقا، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال "ترك الصلاة" وليست "ترك صلاة" فهل ورد عن ابن عثيمين وابن تيمية ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف القائلون بكفر تارك الصلاة، في الحد الذي يوجب تركه الكفر، فذهب أكثرهم إلى أنه يكفر بترك فريضة واحدة، أو فريضتين. وذهب بعضهم إلى أن تارك الصلاة لا يكفر إلا إذا تركها مطلقا. والقول الأول حكاه إسحاق بن راهويه رحمه الله عن الصحابة والتابعين. قال الإمام محمد بن نصر المروزي رحمه الله: "سمعت إسحاق يقول: قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تارك الصلاة كافر، وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا: أن تارك الصلاة عمدا من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر. وذهاب الوقت أن يؤخر الظهر إلى غروب الشمس، والمغرب إلى طلوع الفجر. وإنما جعل آخر أوقات الصلوات ما وصفنا لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين بعرفة والمزدلفة وفي السفر، فصلى إحداهما في وقت الأخرى، فلما جعل النبي صلى الله عليه وسلم الأولى منهما وقتا للأخرى في حال، والأخرى وقتا للأولى في حال، صار وقتاهما وقتا واحدا في حال العذر، كما أُمرت الحائض إذا طهرت قبل غروب الشمس أن تصلى الظهر والعصر، وإذا طهرت آخر الليل أن تصلى المغرب والعشاء" انتهى من "تعظيم قدر الصلاة" (2/929) . ونقل محمد بن نصر رحمه الله عن الإمام أحمد قوله: "لا يكفر أحد بذنب إلا تارك الصلاة عمدا. فإن ترك صلاةً إلى أن يدخل وقت صلاة أخرى يستتاب ثلاثا". ونقل عن ابن المبارك قوله: "من ترك الصلاة متعمدا من غير علة، حتى أدخل وقتا في وقت فهو كافر". "تعظيم قدر الصلاة" (2/927) . وقال ابن حزم رحمه الله: "روينا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومعاذ بن جبل، وابن مسعود، وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم، وعن ابن المبارك، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه رحمة الله عليهم، وعن تمام سبعة عشر رجلا من الصحابة، رضي الله عنهم، أن من ترك صلاة فرضٍ عامدا ذاكرا حتى يخرج وقتها، فإنه كافر ومرتد، وبهذا يقول عبد الله بن الماجشون صاحب مالك، وبه يقول عبد الملك بن حبيب الأندلسي وغيره" انتهى من "الفصل في الملل والأهواء والنحل" (3/128) . وقال رحمه الله: "وقد جاء عن عمر، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاذ بن جبل، وأبي هريرة، وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم أن من ترك صلاة فرض واحدة متعمدا حتى يخرج وقتها فهو كافر مرتد" انتهى من "المحلى" (2/15) . وبهذا القول أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء، وعلى رأسها الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله. "فتاوى اللجنة" (6/40،50) . وأما القول الثاني: وهو عدم تكفير تارك الصلاة إلا إذا تركها مطلقا، فهذا ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، مع حكمه بالكفر على من ترك بعض الصلوات ودعاه إمام أو نائبه إلى الصلاة فلم يصل. ويرى كذلك رحمه الله أن هذا الذي يصلي ويترك، إذا عزم في قلبه على الترك بالكلية، كفر باطنا، أي فيما بينه وبين الله تعالى. ينظر: "مجموع الفتاوى" (22/49) ، (7/615) ، و"شرح العمدة" (2/94) . وإلى هذا القول ذهب الشيخ ابن عثيمين رحمه الله حيث قال: "والذي يظهر من الأدلة: أنه لا يكفر إلا بترك الصلاة دائما؛ بمعنى أنه وَطَّن نفسه على ترك الصلاة؛ فلا يصلي ظهرا، ولا عصرا، ولا مغربا، ولا عشاء، ولا فجرا، فهذا هو الذي يكفر. فإن كان يصلي فرضا أو فرضين فإنه لا يكفر؛ لأن هذا لا يصدق عليه أنه ترك الصلاة؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) ، ولم يقل: (ترك صلاة) " انتهى من "الشرح الممتع" (2/26) . وأما حكم من يصلي الجمعة فقط، ولا يصلي غيرها، فلم نجد ذلك مكتوباً للشيخ ابن عثيمين رحمه الله، لكننا كنا قد سألناه هذا السؤال مشافهة، وأجابنا بقوله: "الظاهر أنه يكفر" وذلك لأن فعل صلاة واحدة من خمس وثلاثين صلاة كل أسبوع قليل جداً، فلا يقال لمن فعل ذلك إنه يصلي، بل هو تارك للصلاة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109220 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1084 كان يصلي ويترك خلال أربعة أشهر فهل يلزمه القضاء [السُّؤَالُ] ـ[شخص كان محافظا على الصلاة وحصل عليه حادث وفقد الذاكرة فترة من الزمن ثم رجعت إليه مرة أخرى، وأصبح يترك الصلاة تهاونا وكسلا، ثم عاد مرة أخرى يصلي بعض الفروض ويترك البعض، وله الآن على هذه الحالة أربعة شهور، فهل عليه إعادة تلك الفروض التي كان لا يصليها خلال الأربعة أشهر أم يكتفي بالتوبة فقط؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من ترك الصلاة متعمدا فقد ارتكب إثما عظيما، وذنبا كبيرا، ولو كان تركه لبعض الصلوات، بل تأخير الصلاة عن وقتها كبيرة من كبائر الذنوب؛ لقوله تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) مريم/59. قال ابن مسعود عن الغي: واد في جهنم، بعيد القعر، خبيث الطعم. وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) رواه البخاري (553) . وقال: (لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا وَإِنْ قُطِّعْتَ وَحُرِّقْتَ، وَلَا تَتْرُكْ صَلَاةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا، فَمَنْ تَرَكَهَا مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ، وَلَا تَشْرَبِ الْخَمْرَ فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ) رواه ابن ماجه (4034) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه. وقد جاء عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم أن من ترك صلاة واحدة متعمدا حتى خرج وقتها أنه كافر. قال ابن حزم رحمه الله: " فروينا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومعاذ بن جبل، وابن مسعود، وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم، وعن ابن المبارك، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه رحمة الله عليهم، وعن تمام سبعة عشر رجلا من الصحابة، رضي الله عنهم، أن من ترك صلاة فرضٍ عامدا ذاكرا حتى يخرج وقتها، فإنه كافر ومرتد، وبهذا يقول عبد الله بن الماجشون صاحب مالك، وبه يقول عبد الملك بن حبيب الأندلسي وغيره ". انتهى من "الفصل في الملل والأهواء والنحل" (3/128) . وبهذا القول أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء، وعلى رأسها الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله. "فتاوى اللجنة" (6/40، 50) . وقد اختلف أهل العلم هل يلزم من ترك الصلاة متعمداً بدون عذر قضاء ما ترك أم لا؟ فالجمهور على أنه يلزمه القضاء، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يلزمه القضاء، ولا يصح منه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "الاختيارات" (34) : "وتارك الصلاة عمدا لا يشرع له قضاؤها، ولا تصح منه، بل يكثر من التطوع، وهو قول طائفة من السلف" انتهى. وهذا هو القول الراجح، وممن رجحه من المعاصرين الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله. قال الشيخ ابن عثيمين: " فالراجح: أنه لا يلزمه القضاء؛ لأنه لا يستفيد به شيئاً، إذ إنه لن يقبل منه، فإن القاعدة أن كل عبادة مؤقتة بوقت معين فإنها إذا أخرت عن ذلك الوقت المعين بلا عذر لم تقبل من صاحبها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) ولأنه مِن تعدي حدود الله عز وجل، وتعدي حدود الله تعالى ظلم، والظالم لا يقبل منه، قال الله تعالى: (وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّلِمُونَ) ؛ ولأنه لو قدم هذه العبادة على وقتها - أي: فعلها قبل دخول الوقت - لم تقبل منه، فكذلك إذا فعلها بعده لم تقبل منه، إلا أن يكون معذوراً " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (19 / السؤال رقم 45) . وينظر: "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (10/329، 330) ، "الشرح الممتع" (2/89) . وعليه؛ فالواجب على هذا الشخص أن يتوب إلى الله تعالى، وأن يحافظ على الصلوات في أوقاتها، وينبغي أن يكثر من النوافل والأعمال الصالحة، قال الله تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82، ولا يلزمه قضاء ما تركه، ونسأل الله تعالى أن يتقبل توبته، وأن يغفر ذنبه، ويصلح حاله. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105849 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1085 حكم صيام من لا يصلي إلا في رمضان [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم صيام من لا يصلي إلا في رمضان بل ربما صام ولم يصل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "كل من حُكِمَ بكفره بطلت أعماله، قال تعالى: (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) وقال تعالى: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) . وذهب جمع من أهل العلم إلى أنه لا يكفر كفرا أكبر إذا كان مقرا بالوجوب، ولكنه يكون كافرا كفرا أصغر، ويكون عمله هذا أقبح وأشنع من عمل الزاني والسارق ونحو ذلك، ومع هذا يصح صيامه وحجه عندهم إذا أداها على وجه شرعي، ولكن تكون جريمته عدم المحافظة على الصلاة، وهو على خطر عظيم من وقوعه في الشرك الأكبر عند جمع من أهل العلم، وحكى بعضهم قول الأكثرين أنه لا يكفر الكفر الأكبر إن تركها تكاسلا وتهاونا، وإنما يكون بذلك قد أتى كفرا أصغر، وجريمة عظيمة، ومنكرا شنيعا أعظم من الزنا والسرقة والعقوق وأعظم من شرب الخمر نسأل الله السلامة. ولكن الصواب والصحيح من قولي العلماء: أنه يكفر كفرا أكبر، نسأل الله العافية، لما تقدم من الأدلة الشرعية، فمن صام وهو لم يصل فلا صيام له، ولا حج له" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (15/179) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105362 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1086 هل يجوز لهم الانتفاع بمال والدهم مع تركه للصلاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[والدي لا يصلي هداه الله، ولا يصلي إلا إذا كان في العمل - أتوقع ذلك - أو مع الناس بشكل عام لئلا يحرج، أما هو بنفسه فلا تعني له الصلاة شيئا، وقد تمت مناصحته من إمام وجماعة المسجد فصلى عدة أسابيع ثم تركها، وكان في السابق يصلي الجمعة فقط، والآن تركها أيضا. سؤالي: هل تعتبر الأموال التي ينفقها علينا حراما وسحتا أم هي حلال؟ وهل ندخل نحن أبناؤه في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (أي جسد نبت من السحت فالنار أولى به) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: ترك الصلاة من أعظم الكبائر والموبقات، بل ذلك كفر في الصحيح من قولي العلماء، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم (5208) و (2182) . ويترتب على تكفير تارك الصلاة أحكام كثيرة في حياته وبعد موته، فلا تحل ذبيحته، ولا يصح أن يكون وليا أو شاهدا في النكاح، وإذا مات لم يغسل ولم يصل عليه ولم يدفن مع المسلمين. وينبغي أن تستمروا في دعوته ونصحه وتذكيره، لعله يتوب ويرجع، وينظر جواب السؤال رقم (47425) . ثانيا: الأموال التي ينفقها عليكم لا تعتبر حراما ولا سحتا، ما دام يكسبها بطريق مباح، كوظيفة أو تجارة ونحو ذلك، والمقصود بحديث: (كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به) رواه الطبراني، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4519) : المال المأخوذ بطريق محرم كالسرقة والغش ونحو ذلك. نسأل الله لكم التوفيق والسداد ولوالدكم الهداية والتوبة الصادقة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105103 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1087 هل تصح عمرتها وهي تاركة للصلاة [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أعتمر وزوجتي لا تصلي هل هذه العمرة صحيحة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تارك الصلاة إن كان جاحدا لوجوبها، فهو كافر بالإجماع، وإن كان تركُه لها تكاسلا وتهاونا مع الإقرار بالوجوب، فقد اختلف العلماء في حكمه، والصحيح أنه كافر أيضا؛ لأدلة كثيرة من الكتاب والسنة سبق بيان بعضها في جواب السؤال رقم (5208) . وعليه؛ فإن أدت زوجتك العمرة وهي تاركة للصلاة، لم تصح عمرتها، وهكذا لا يصح صومها ولا حجها ولا زكاتها ولا شيء من عبادتها إذا استمرت على ترك الصلاة. والواجب عليك أن تأمرها بالصلاة وتعينها عليها وترغبها فيها وتحذرها من عاقبة تركها، قال الله تعالى: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) طه/132 وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم/6. وإذا استمرت الزوجة على ترك الصلاة لم يحل لك البقاء معها؛ لأنه لا يجوز إبقاء المسلم على كافرة تحته؛ لقوله تعالى: (وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ) الممتحنة/10. وأما عمرتك أنت فصحيحة ولا علاقة لها ببطلان عمرة الزوجة. وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: ما حكم من حج وهو تارك للصلاة سواء كان عامدا أو متهاونا؟ وهل تجزئه عن حجة الإسلام؟ فأجاب: "من حج وهو تارك للصلاة فإن كان عن جحد لوجوبها كفر إجماعا ولا يصح حجه، أما إن كان تركها تساهلا وتهاونا فهذا فيه خلاف بين أهل العلم، منهم من يرى صحة حجه، ومنهم من لا يرى صحة حجه، والصواب: أنه لا يصح حجه أيضا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) ، وقوله صلى الله عليه وسلم: (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) ، وهذا يعم من جحد وجوبها، ويعم من تركها تهاونا، والله ولي التوفيق " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (16/374) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "هذا الذي لا يصلي وهو يصوم لا ينفعه صومه، لأن من شرط صحة الصيام: الإسلام، وتارك الصلاة ليس بمسلم فلا ينفعه صوم ولا زكاة، ولا حج، بل ولا يجوز له دخول المسجد الحرام وحرم مكة ما دام على تركه الصلاة، لأنه - والعياذ بالله - مرتد خارج عن الإسلام ويترتب على ترك الصلاة إضافة لما ذكرنا من عدم قبول أعماله الصالحة يترتب عليه إنه إن كان ذا زوجة فإن زوجته ينفسخ نكاحها منه، وكذلك لا يجوز لأحد أن يزوجه ما دام لا يصلي، وإذا مات فإنه لا يجوز أن يغسل، أو يكفن، أو يصلى عليه، أو يدفن في مقابر المسلمين. . . ثم إن تارك الصلاة إذا مات على ذلك فإنه يدخل النار - والعياذ بالله - ويخلد فيها كما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن من لم يحافظ عليهن - أي الصلوات الخمس - لم تكن له نوراً ولا برهاناً، ولا نجاةً يوم القيامة وحشر مع فرعون، وهامان، وقارون، وأبي بن خلف) . فالمسألة خطيرة في ترك الصلاة، ولكنه للأسف الشديد أن كثيراً من المسلمين اليوم يتهاونون بالصلاة فيتركونها عمداً بدون عذر شرعي ثم يتصدقون وينفقون ويحجون وهذه كلها وكل الأعمال لا تقبل مع الكفر، قال الله تعالى: (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ) " انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (12/62) . وانظر جواب السؤال رقم (72245) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 104295 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1088 لا يصلي، ويشكون في أنه يعمل بالدعارة؟!! [السُّؤَالُ] ـ[اكتشفت أن زوج أختي يكسب ماله عن طريق الحرام، فهو يُحضر فتيات من بلده إلى دولة خليجية ليعملوا هناك بالحرام، حتى إنه يمارس الحرام معهن، وهو اعترف لزوج أختي الثانية بذلك، أخبرتُ والدي ولكنه لم يصدق تعليلا بأن ذلك مستحيل، فهو إنسان جيد، وعلَّل بأن زوج أختي الثاني غيور، لذلك يلفق الأكاذيب، ولكني - والله أعلم - أصدقه لأنه دائما غائب عن البيت، وخاصة مساء، حتى إن أختي أخبرتني ببعض الأشياء، وأنها تشك بخيانته لها، لكنه يعود ليلفق الكذب، وتصدقه، هي حامل الآن، وعندها طفلة، ولم أخبرها بما سمعت عنه، أرجوك أريد معرفة واجبي نحو أختي، فهي من وقت الذي تزوجته من سنتين تقريبا وهي مريضة نفسيّاً، وهو إنسان لا يصلي، ولا يخشى الله، والله أعلم. أرجوك دلني ماذا يجب عليَّ فعله، هل يجب أن أخبرها بما سمعت، أم علي كتم الموضوع؟ فأنا أدعو الله دائما أن يهديه. إن أكثر ما يقلقني أن يصاب بمرض خطير، وينقله لها، وكذلك أخشى على أطفالها من الضياع.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الذي ننصحك بفعله ـ أختنا الكريمة ـ في هذه المشكلة أمور ثلاثة: التأكد من فعل زوج أختك، والنصح له إن ثبت ما فعله من منكرات، والسعي في فسخ النكاح إن أصرَّ على فعله، سواء فعل الفاحشة أم ترك الصلاة. أما الأمر الأول: فليُعلم أن الأصل في المسلم البراءة، ولا يجوز اتهامه بما ليس فيه، وإلا تعرَّض المتهِّم للإثم، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) الأحزاب/ 58. ويجب التأكد من صحة خبر المخبِر قبل أن يبني عليه السامع حكماً، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) الحجرات/ 6. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله –: وهذا أيضاً من الآداب التي على أولي الألباب التأدب بها واستعمالها، وهو أنه إذا أخبرهم فاسق بخبر أن يتثبتوا في خبره، ولا يأخذوه مجرداً؛ فإن في ذلك خطراً كبيراً، ووقوعاً في الإثم، فإن خبره إذا جُعل بمنزلة خبر الصادق العدل: حكم بموجب ذلك ومقتضاه، فحصل من تلف النفوس والأموال بغير حق بسبب ذلك الخبر ما يكون سبباً للندامة، بل الواجب عند خبر الفاسق التثبت والتبيُّن، فإن دلت الدلائل والقرائن على صدقه: عمل به وصدق، وإن دلت على كذبه: كذِّب، ولم يعمل به، ففيه دليل على أن خبر الصادق مقبول، وخبر الكاذب مردود، وخبر الفاسق متوقف فيه كما ذكرنا. " تفسير السعدي " (ص 799) . فالأصل عدم الاتهام، والأصل البراءة، وقد يكون الكذب ممن زعم أنه اعترف له، ولا يُستبعد هذا، فإن تبين صدق المخبِر، وصحة واقع حاله: فإننا ننتقل إلى: الأمر الثاني: وهو: النصح والوعظ. عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الدِّينُ النَّصِيحَةُ، قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: لِلَّهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ) رواه مسلم (55) . وعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ. رواه البخاري (501) ومسلم (56) . وعلى أن تكون النصيحة بالتي هي أحسن لتقويم المعوج، وتصحيح مساره. قال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ْضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) النحل/ 125. وأولى ما تنصحونه به هو الصلاة، فلا بدَّ أن يعلم أن ترك الصلاة كفر مخرج من ملة الإسلام، وأنه إن مات وهو تارك للصلاة مات ميتة جاهلية، ومات على الردة، ثم يُنصح بعد ذلك بترك أفعاله المحرمة من الفواحش والمنكرات مع تلك الخادمات، فعلاً للفاحشة معهن، والإعانة في استقدامهن لغيره، بل إن استقدام الخادمات أصلا ولو للعمل فيه مفاسد كثيرة، وقد تقدم الكلام عن الخادمات وحكم إحضارهن من بلادهن، والمحاذير التي يقع فيها أهل البيوت التي تعمل فيها الخادمات، وذلك عند الجواب على السؤال رقم (26282) . فإن تبين صدق القول فيه، ولم يستجب للنصح وأصرَّ على ترك الصلاة وفعل المنكرات: فإن ما عليكم فعله هو: الأمر الثالث: وهو التفريق بينه وبين زوجته بفسخ النكاح؛ لأن تارك الصلاة مرتد، ويفسخ عقده على المسلمة؛ ولأنه لا يحل للعفيفة البقاء على عقد نكاحها مع زانٍ فاجر، وترك الصلاة موجب لفسخ النكاح، وأما فعله للمنكرات فليس بموجب للفسخ، لكن رضاها بأفعاله يجعلها شريكة له فيها، ومثله لا يؤتمن على ابنة ولا على زوجة، ولا يؤمن – كذلك – أن يتسبب في انتقال الأمراض المهلكة المعدية لها. قال لشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: ترك الصلاة كفر مخرج عن الملة، وإذا كان له زوجة: انفسخ نكاحه منها، ولا تحل ذبيحته، ولا يقبل منه صوم، ولا صدقة، ولا يجوز أن يذهب إلى مكة فيدخل الحرم، وإذا مات فإنه لا يجوز أن يغسل، ولا يكفَّن، ولا يُصلَّى عليه، ولا يُدفن مع المسلمين، وإنما يُخرج به إلى البر، ويحفر له حفرة يُرمس فيها، ومن مات له قريب وهو يعلم أنه لا يصلي: فإنه لا يَحل له أن يخدع الناس ويأتي به إليهم ليصلوا عليه؛ لأن الصلاة على الكافر محرَّمة؛ لقوله تعالى: (وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) التوبة/ 113؛ ولأن الله يقول: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) التوبة/ 84. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (12 / السؤال رقم 26 وانظر أجوبة الأسئلة: (10094) و (2182) و (5208) . غير أننا نعود ونذكرك أيتها السائلة الكريمة بعدم التسرع في الحديث بمثل ذلك عنه، أو نقله لأختك، وتكدير عيشها، وتخريب بيتها، من دون بينة شرعية، ولتكن غيرتنا على انتهاك حرمات الله أشد من خوفنا من انتقال الأمراض، أو أنفتنا من " الخيانة الزوجية "، واجتهدي في الدعاء له بالهداية، ولأختك بصلاح الحال، وأن يحفظها وذريتها من شره، ومن شر كل ذي شر. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103291 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1089 ترك الصلاة بسبب معاناته من وسواسه بسلس البول [السُّؤَالُ] ـ[مشكلتي في الصلاة، أنا للأسف أهملت صلواتي، وتقريباً لي سبعة أشهر لم أصلِّ! مع علمي بعظم هذه المعصية، وأنا أذكر إخواني دائما بالصلاة، وأحذر من التهاون فيها، وبكل أسف أنا لا أصلي! أنا لست منافقاً أبدا، وأنا والله أتمنى أني أستطيع أن أصلي وأنا أكون كباقي الناس، لكن والله أنا ما تهاونت فيها إلا بسبب الوساوس القهرية في الوضوء والغسل وقد يكون هذا الأمر هيناً، لكن المصيبة التي كرهتني في كل شيء هي " سلس البول " , وهو ليس سلساً مستمراً بل هو مجرد إحساس بعد قضاء الحاجة بخروج نقاط من البول، وكم وكم قرأت من استشارات لكن قد يكون الأمر سهلاً عند من يفتيك لأنه لم يعان مما يعانيه غيره، وأنا والله العظيم لولا هذه المشكلة ما كنت فرطت في صلواتي , وأنا كنت سابقا لا ألتفت لها وكنت أسمع من البعض يقول إنه لا يجب عليك أن تلتفت لها، وأن تستنجي، ثم تتوضأ ولا عليك من أي شي يخرج منك بعد ذلك , كنت على هذا طيلة حياتي , لكن بعد أن بدأت أبحث في المواقع الدينية وأسال وجدت أنني كنت مخطئاً. أنا عندي عدة أسئلة وأتمنى تريحوني من هذا العذاب لأن أعظم البلاء أن يبتلي الإنسان في دينه وأنا ابتليت في أنني لا أستطيع أن أصلي. سؤالي: الآن هل أُعتبر أنا كافراً كفراً يُخرج من الملة بسبب إهمالي لصلواتي طيلة السبعة شهور؟ وماذا يجب عليَّ أن أفعل؟ وكيف أجدد إيماني؟ وهل يجب أن أتلفظ بالشهادتين؟ أريد منكم التوضيح بشكل مفصل. السؤال الآخر: ماذا أفعل بخصوص سلس البول (هل يجب عند قضاء الحاجة أن أنتظر فترة قد تصل إلى نصف ساعة في دورة المياه لكي أتأكد أنني لا أحس بخروج شيء، ثم أتحفظ بقماش ومعاناة تثبيت القماش أو غيره على العضو ثم أبدأ الوضوء وتبدأ معاناة الوسواس بل أيضا تنتظرني معاناة الوسواس في الصلاة وإعادتها) ، أنا أعلم أن الدين يسر ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وأنا لا أعلم ماذا أفعل في مصيبتي هذه. بارك الله فيكم، لا تحيلوني لأي استشارات أخرى، وأغيثوني، أغاثكم الله.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: سبحان الله، كيف تمكَّن الشيطان من الكيد لك، والإيقاع بك! فتختار ترك الصلاة بالكلية! تختار الردة! تختار حبوط الأعمال جميعها! نعم، ترك الصلاة كفر مخرج من الملة، ولا يُعذر المسلم بترك الصلاة في أي ظرف أو حال كان فيه، ففي الحرب يصلي، وفي المرض يصلي، وفي السجن يصلي، ولا يُعذر بترك الصلاة إن فقد الماء والتراب، ولا يعذر إن جهل القبلة، ولا يعذر في تركها إن لم يكن عنده ثياب يستر عورته بها. وقد شرع الله تعالى لكل من ذكرنا أحكاماً تتناسب مع حاله وظرفه، من الجمع بين الصلاتين، وسقوط شرط الطهارة، واستقبال القبلة، وستر العورة، والصلاة جالساً أو مضطجعاً، بل والصلاة بالنية في حال عدم قدرته على الحركة! وكل ذلك يدل على عظم هذه الفريضة، وعظم شأنها في شرع الله تعالى. ومما يدل على عظيم شأنها: أن الله تعالى فرضها على المسلمين في السماء ليلة المعراج من غير واسطة بينه تعالى ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم. فالحذر الحذر، وإياك أن تهون ما عظمه ربك عز وجل، وإياك أن ترضى لنفسك الدخول في عصابة العاصين المرتدين، فالحكم واضح بيِّن، وليس لك عذر عند الله تعالى البتة، فلم يبق لك إلا المسارعة إلى الصلاة – وتغنيك الصلاة عن التلفظ بالشهادتين - ولتعوض ما فات من عمرك بالاستغفار والطاعات، ولتصدق في توبتك، واحذر أن تموت وأنت تارك للصلاة وإلا حبط عملك الصالح، ولقيتَ الله كافراً مرتدّاً. وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: كيف يقضي من فاتته صلاة يومين بسبب مرض؟ ومتى يكون القضاء؟ فأجاب: "هذا المريض إما أن يكون قد غاب عقله – أي: أغمي عليه -: فهذا لا قضاء عليه؛ لأنه مغمى عليه، فاقد العقل، وليس كالنائم الذي إذا أيقظته استيقظ، وأما إذا كان عقله معه: فلا يحل له أن يؤخر الصلاة، يصلي على حسب حاله، ولو بالنية، حتى لو – فرضنا - أنه لا يستطيع أن يتحرك: فعليه أن ينوي بقلبه التكبير والقراءة والركوع والسجود، لكن بعض المرضى لضيق أنفسهم، وكونهم في حرج: تجده إذا قيل له: صلِّ: قال: إذا عافاني الله صليت! هذا غلط، خطر عظيم جدّاً، لو مات على هذا يخشى أن يكون كافراً، ولهذا يجب على الممرضين الذين يمرضون أقاربهم إذا قالوا هذا أن يحذروهم، يقول: صلِّ ولو بالنية، ما دام العقل ثابتاً هل يمكن أن يفقد الإنسان النية؟ لا يمكن أن يفقدها، ولا لسانه .... ، أو كما يفعل بعض المرضى تكون ثيابه متنجسة ويقول: لا أستطيع أن ألبس ثوباً طاهراً، ولا أغسل النجاسة، أنتظر حتى يعافيني الله وأتطهر: نقول: هذا أيضاً حرام، صلِّ ولو بالثوب النجس؛ لأن الله يقول: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/ 16. بقدر ما يستطيع، إن قدر على الطهارة: تطهر، وإن لم يقدر: فإنها تسقط عنه" انتهى. " لقاءات الباب المفتوح " (163 / السؤال رقم 9) . ثانياً: وأما حكم ما تركته من صلوات: فليس عليك قضاؤها وتكفيك التوبة والمحافظة على الصلاة. ثالثاً: الذي تعاني منه أنت سببه، فلست مريضاً بسلس البول، فأنت من جعل الخيال حقيقة، وجعل الوهَم واقعاً، فمجرد الإحساس بوجود نقاط بول تخرج منك – كما تقول – ليس لها حكم البول الخارج بالقطع والجزم، فلا تلتفت لهذا الوهم، ولا تبني حكما على ذلك الخيال، وإذا استجبت لهذا ارتحت، وإذا استسلمت له جاءك الوسواس القهري، وجعل حياتك نكداً. وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: بعدما أنتهي من الوضوء أشعر بأنه يخرج مني نقاط من البول , فهل يجب عليَّ إعادة الوضوء , علماً أنني كلما أعدت الوضوء حصل نفس الشعور , فماذا أفعل؟ . فأجاب: "هذا الشعور عند السائل بعد الوضوء يعتبر من وساوس الشيطان , فلا يلزمه أن يعيد الوضوء , بل المشروع له: أن يُعرض عن ذلك , وأن يعتبر وضوءه صحيحاً لم ينتقض ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الرجل يجِد الشيء في الصلاة , قال: (لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) متفق على صحته. ولأن الشيطان حريص على إفساد عبادات المسلم من الصلاة والوضوء وغيرهما , فتجب محاربته، وعدم الخضوع لوساوسه , مع التعوذ بالله من نزغاته ومكائده" انتهى. " فتاوى الشيخ ابن باز " (10 / 124) . وليس لك أن تنتظر فترة من الزمان في الحمام لتنتظر خروج شيء، وليس لك أن تمشي أو تقفز أو تعصر فرجك، فكل ذلك وما يشبهه من تلبيس إبليس، وإنما يوسوس بذلك للناس ليصرفهم عن الطاعة، وليقذف في قلوبهم الحزن، فإياك أن تستجيب لوسوسته، وكل ما عليك فعله إنما هو التبول ثم الاستنجاء بعده، ثم نضح الفرج والثياب بقليل من الماء لتذهب به كيد الشيطان وتتخلص من وسوسته، والبول ينقطع بطبعه إذا فرغ الإنسان منه، ولو أنه انتظر عدم نزول شيء جديد منه، أو راح يعصره لينشفه لم ينته، فإنه كلما عصره استمر في النزول! سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: عن الاستنجاء هل يحتاج الى أن يقوم الرجل ويمشي ويتنحنح يستجمر بالأحجار وغيرها بعد كل قليل في ذهابه ومجيئه لظنه أنه خرج منه شيء؟ فهل فَعَل هذا السلف رضي الله عنهم أو هو بدعة أو هو مباح؟ فأجاب: "الحمد لله، التنحنح بعد البول، والمشي، والصعود في السلم، والتعلق في الحبل، وتفتيش الذَّكَر بإسالته، وغير ذلك: كل ذلك بدعة، ليس بواجب، ولا مستحب عند أئمة المسلمين، بل وكذلك نتْر الذَّكَر بدعة على الصحيح، لم يشرع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، والبول يخرج بطبْعه، وإذا فرغ: انقطع بطبعه، وهو كما قيل: كالضرع، إن تركته: قرَّ، وإن حلبتَه: درَّ. وكلما فتح الانسان ذكَره: فقد يخرج منه، ولو تركه: لم يخرج منه، وقد يخيل إليه أنه خرج منه، وهو وسواس، وقد يحس من يجده برداً لملاقاة رأس الذكر فيظن أنه خرج منه شيء، ولم يخرج. والبول يكون واقفاً محبوساً في رأس الذكرلا يقطر، فاذا عُصر الذكَر أو الفرج أو الثقب بحجر أو أصبع أو غير ذلك: خرجت الرطوبة، فهذا أيضا بدعة، وذلك البول الواقف لا يحتاج الى إخراج، باتفاق العلماء، لا بحجَر، ولا أصبع، ولا غير ذلك، بل كلما أخرجه جاء غيره؛ فإنه يرشح دائماً. والاستجمار بالحجر كافٍ لا يحتاج الى غسل الذكر بالماء، ويستحب لمن استنجى أن ينضح على فرجه ماء، فإذا أحس برطوبته قال: هذا من ذلك الماء. وأما مَن به سلس البول، وهو أن يجري بغير اختياره لا ينقطع: فهذا يتخذ حفاظاً يمنعه، فإن كان البول ينقطع مقدار ما يتطهر ويصلي وإلا صلى وإن جرى البول، كالمستحاضة تتوضأ لكل صلاة، والله أعلم" انتهى. " مجموع الفتاوى " (21 / 106، 107) . وفي جواب شيخ الإسلام تفصيل لحالتك، والجواب عليها، فعليك التأمل في كلام أهل العلم، وإظهار الاحترام والتقدير لهم، فهم نجوم يهتدي بهم من ضلَّ طريقه، فما عندك إنما هو وهم وخيال لا ينبغي لك الالتفات له، ولا الاهتمام به، وليس لك أن تنتظر خروج شيء من البول بعد انتهائك من التبول، وليس عليك أن تتحفظ بقماش أو غيره. والذي يظهر لنا أنك لست مريضاً بسلس البول، وإنما أنت استسلمت لوسوسة الشيطان فتمكن منك. فاسأل ربك تعالى العون والتأييد والتثبيت، وتوكل على الله تعالى في صرف الشيطان وكيده، فإنه (لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) النحل/99. وانظر للفائدة أجوبة الأسئلة: (2723) و (11449) و (1174) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103005 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1090 يأمرهم والدهم بالصلاة والتمسك بتعاليم الإسلام ولا يصلي [السُّؤَالُ] ـ[يعرف والدي كل الأمور الواجب فعلها كي يصبح الواحد مسلما، وهو يأمرنا دائما أن نفعل ما يأمرنا الله بفعله، ويدلنا على الطريق الصحيحة ويبينها لنا. والدي يحب الله، وهو يأمرنا أن نصلي ونصوم وأن نفعل الأمور التي ترضي الله عنا، ولم يسبق له أن ذكر الإسلام بسوء مطلقا. وهو يريد من الجميع أن يكونوا مسلمين. غير أنه لا يفعل تلك الأمور، فهو لا يصلي ولا يصوم ولا يفعل أي شيء من ذلك القبيل.. فماذا تقول في ذلك؟ وماذا علينا أن نفعل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يجوز لوالدك أن يترك الصلاة، لأن ترك الصلاة كفر، يراجع للأهمية جواب سؤال رقم (2182) و (10094) . ثانياً: يجب أن يحذر والدك من مغبة فعله هذا، وهو أن يأمر بالمعروف ولا يأتيه، وينهى عن المنكر ويأتيه، فقد جاء الوعيد الشديد فيمن كان هذا حاله. عن أسامة بن زيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يُؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى فيجتمع إليه أهل النار فيقولون يا فلان ما لك ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فيقول بلى قد كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه". رواه البخاري (3027) ومسلم (5305) . أقتاب بطنه: أمعاؤه وأحشاؤه. ثالثاً: والواجب عليكم تجاه هذا الأب الاجتهاد في دعوته وإرشاده إلى وجوب أداء الصلاة، وذلك بالحكمة والموعظة الحسنة، فإن حرصكم على هداية والدكم من أعظم البِر به، وعليكم الصبر على ذلك، والاجتهاد في الدعاء له بالهداية. وتذكر قصة إبراهيم عليه السلام مع أبيه وهو يدعوه 'إلى الشرك، وكيف كان رد إبراهيم عليه وتلطفه في الخطاب معه. وكذا قصة أبي هريرة مع أمه وحرصه على دعوة أمه وهدايتها ولعلها أن تكون دافعاً لكم على الاجتهاد في دعوة أبيكم. عن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الْإِسْلَامِ وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فَدَعَوْتُهَا يَوْمًا فَأَسْمَعَتْنِي فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَكْرَهُ. فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَبْكِي. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الإِسْلامِ فَتَأْبَى عَلَيَّ فَدَعَوْتُهَا الْيَوْمَ فَأَسْمَعَتْنِي فِيكَ مَا أَكْرَهُ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَهْدِيَ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ اهْدِ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ فَخَرَجْتُ مُسْتَبْشِرًا بِدَعْوَةِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا جِئْتُ فَصِرْتُ إِلَى الْبَابِ فَإِذَا هُوَ مُجَافٌ فَسَمِعَتْ أُمِّي خَشْفَ قَدَمَيَّ فَقَالَتْ مَكَانَكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ وَسَمِعْتُ خَضْخَضَةَ الْمَاءِ قَالَ فَاغْتَسَلَتْ وَلَبِسَتْ دِرْعَهَا وَعَجِلَتْ عَنْ خِمَارِهَا فَفَتَحَتْ الْبَابَ ثُمَّ قَالَتْ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ قَالَ فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ وَأَنَا أَبْكِي مِنْ الْفَرَحِ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَبْشِرْ قَدْ اسْتَجَابَ اللَّهُ دَعْوَتَكَ وَهَدَى أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ خَيْرًا قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُحَبِّبَنِي أَنَا وَأُمِّي إِلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَيُحَبِّبَهُمْ إِلَيْنَا قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ حَبِّبْ عُبَيْدَكَ هَذَا يَعْنِي أَبَا هُرَيْرَةَ وَأُمَّهُ إِلَى عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ وَحَبِّبْ إِلَيْهِمْ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا خُلِقَ مُؤْمِنٌ يَسْمَعُ بِي وَلا يَرَانِي إِلا أَحَبَّنِي. رواه مسلم (فضائل الصحابة / 4546) . وفَّق الله الجميع لما يحبّه ويرضاه. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 13708 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1091 حكم مصادقة العصاة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للرجل المتمسك بالإسلام أن يتحدث إلى شخص مسلم بالاسم يشرب الكحول ولا يصلي، وأن تنشأ بينهما مودة وصداقة ويتخذه مساعدا له؟ ما هو الحكم في اتخاذ أمثال هؤلاء (الذين لا يمارسون شعائر الدين وهم يخالفون أوامر الله) أصدقاء ومساعدين؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المعاصي على نوعين: النوع الأول: معاص مكفرة، وهي التي تؤدي بالإنسان إلى الخروج من الملة والعياذ بالله، وصاحب هذه المعاصي كافر خارج من الملة متى توفرت فيه الشروط وانتفت الموانع، كمن يشرك بالله، أو يترك الصلاة تركاً كاملاً، ونحو ذلك. النوع الثاني: معاص غير مكفرة، وهي التي لا تخرج الإنسان من الملة، لكن يوصف فاعلها بأنه فاسق، ومؤمن ناقص الإيمان، كالزنا وشرب الخمر ونحو ذلك، ما لم يستحلها، فإن استحل الحرام خرج من الملة، إذا انطبقت عليه شروط التكفير وانتفت موانعه، فعقيدة أهل السنة والجماعة وإجماع السلف على عدم تكفير صاحب الكبيرة ما لم يستحلها، وراجع لذلك إجابة السؤال رقم (9924) . إذا علم هذا، فمصاحبة الناس ينبني حكمها على ما سبق. فلا يجوز اتخاذ الكافرين أولياء، أو مخالطتهم مع الأنس بهم أو السكن معهم واتخاذهم أصدقاء وخلان، أو محبتهم، أو تقديمهم على المؤمنين أو مودتهم ونحو ذلك، وقد قال الله تعالى: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) المجادلة/22، لكن يجب العدل معهم وعدم ظلمهم والاعتداء عليهم بغير وجه شرعي، ويجوز التعامل معهم بالبيع والشراء والقرض ونحو ذلك، فقد صح أنه صلى الله عليه وسلم استعار من صفوان بن أمية سلاحاً، وصح أنه اشترى من اليهود طعاماً. أما عصاة المؤمنين، فتجب محبتهم بقدر ما معهم من إيمان، ويجب بغضهم بقدر ما معهم من فسق ومعصية، أما اتخاذهم أصدقاء، فهذا مما يخالف قول النبي صلى الله عليه وسلم (إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَة ً) رواه مسلم برقم (2628) ، فصديق السوء يورد الإنسان المهالك، ويضره أكثر مما ينفعه، وفرق بين أن أوالي ذلك الشخص، وأحبه لأن معه وصف الإيمان، وبين أن أصاحبه فآخذ منه ويأخذ مني. لكن إن كان القصد من الجلوس مع ذلك الشخص تأليف قلبه بغرض الدعوة إلى الله تعالى، وإرشاده إلى طريق الهداية، فهذا من الأعمال الفاضلة، كما قال تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً) فصلت/33، لكن بشرط ألا يؤثر ذلك عليك، فتضر نفسك من حيث تريد أن تنفعها. وبناء على ما سبق، فإن الشخص المسؤول عنه، إن كان تاركا للصلاة بالكلّية، فهو كافر، لأن القول الراجح من أقوال أهل العلم، وهو قول السلف، أن تارك الصلاة كافر كفرا أكبر، مخرجا من الملة، وراجع لأدلة ذلك، الأسئلة التالية (2182، 5208، 6035، 33007، 10094) ، وعليه فلا تجوز مودته، ولا موالاته، بل يدعى إلى التوبة إلى الله عز وجل، والالتزام بالصلاة، وقد قال تعالى: (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين) التوبة/11 واعلم أن مصاحبة الأخيار مما أوصى به ربنا جل وعلا، ونبينا صلى الله عليه وسلم، كما سبق في الحديث المتقدم، وكما قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) التوبة /119، وقال تعالى (واصبر نفسك مع الذي يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه) الكهف/28، والله أعلم للمزيد راجع فتاوى الشيخ ابن عثيمين (3 / 31) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 11266 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1092 ضعف إيمانه بعد استقامته، وترك الصلاة لعدة أيام [السُّؤَالُ] ـ[كان عندي مشكلة، وفي نفس الوقت سؤال عن فتوى: أنا وبفضل الله علي التزمت منذ أشهر، ولكن بعد مرور الوقت بدأت أضعف، ولا أعرف السبب، وبدأت الهمة تنقص تدريجيا لدرجة أني جاءت علي فترات تركت فيها الصلاة وأصبحت عزيمتي ضعيفة، ولكن والحمد لله حاولت ألا أقع في المعاصي، غير أني أضعت كثيرا من الصلوات وذلك أثناء فترة التزامي، إما أن أكون نائما أو في الخارج، وبعد مرور الوقت من التزامي تركت الصلاة لأيام ... ، فماذا افعل وأشعر أحيانا أن لدي عقدة في موضوع الصلاة، حيث أضيع الصلوات كثيرا، وأشعر أنني لن أشفي من تلك العقدة؛ فما الحل لها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ينبغي لك أخي السائل أن تقدر نعمة الله عليك بأن وفقك للتوبة والالتزام بدينك، قبل فجأة الموت فتعظم شكره سبحانه وتعالى على هذه النعمة، وهذا سيستدعي منك مزيداً من الاجتهاد في الطاعة. فقد روى البخاري (4836) ومسلم (2819) عن المغيرة بن شعبة قال: قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ فَقِيلَ لَهُ: غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ: (أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا) فكيف ترضى لنفسك أن تقابل الجميل بالقبيح، وتعود من إلى أول الطريق بعد ما قطعت فيه شوطا، بل يا ليتك تعود إلى أول الطريق المستقيم، لقد انحرفت، واعوججت عن الطريق بعد ما من الله عليك بالاستقامة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله من مثل هذا. ففي صحيح مسلم (1343) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَافَرَ يَتَعَوَّذُ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ، وَالْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْنِ، وَدَعْوَةِ الْمَظْلُومِ وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ) . وفي رواية النسائي (5498) وغيره: (وَالْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْرِ) . ولقد ضرب الله تعالى في كتابه الكريم لمن عاد إلى سوء الحال، وهدم ما بناه، وانتكس في طريق الهداية، مثلا يبين سوء حاله، وما اختاره لنفسه، ويحذر عباده من ذلك الصنيع من أفعال الحمقى: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) النحل 91-92 قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله: " وهذا يشمل جميع ما عاهد العبد عليه ربه من العبادات والنذور والأيمان التي عقدها، إذا كان الوفاء بها برا، ويشمل أيضا ما تعاقد عليه هو وغيره كالعهود بين المتعاقدين.. {وَلا تَكُونُوا} في نقضكم للعهود بأسوأ الأمثال وأقبحها وأدلها على سفه متعاطيها، وذلك {كَالَّتِي} تغزل غزلا قويا فإذا استحكم وتم ما أريد منه نقضته فجعلته {أَنْكَاثًا} فتعبت على الغزل ثم على النقض، ولم تستفد سوى الخيبة والعناء وسفاهة العقل ونقص الرأي، فكذلك من نقض ما عاهد عليه فهو ظالم جاهل سفيه ناقص الدين والمروءة. " انتهى. ص (447) . فسارع بالتوبة من الحالة التي أنت عليها وبادر بذلك، فإن ترك الصلاة من أعظم الذنوب التي عُصِي الله عز وجل بها، وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم تركها كفراً، فقال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر.) رواه الترمذي (2545) وأحمد وغيرهما وصححه الألباني. فالعجب كيف يقول الأخ السائل: حاولت ألا أقع في المعاصي، ثم يذكر أنه أضاع كثيراً من الصلوات؛ فما هو تصوره للمعاصي إذاً؟!! إن ترك الصلاة هو أعظم ذنبا وخطرا، من كل ذنب حاولت أن تمنع نفسك من، سوى الشرك بالله تعالى. فالبِدارَ البدارَ بالتوبة والندم على ما فات، قبل أن تأتي لحظة يندم فيها الإنسان ولا ينفعه الندم. وأما قولك: " إن لديك عقدة في موضوع الصلاة، وتشعر بأنك لن تشفى من تلك العقدة "، فإن هذا من تزيين الشيطان وتسويله وتخويفه، وأنت الذي أعنت عدوك على نفسك، وتركته يعقد على قلبك تلك العقدة من الأوهام والكسل، وضعف الهمة والعزيمة على الخير؛ فبادر بحلها بطاعة الله تعالى، والحفاظ على الوضوء، والمسارعة إلى الصلوات في أول وقتها. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ مَكَانَهَا عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ فَإِنْ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقَدُهُ كُلُّهَا فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ) رواه البخاري (3269) ومسلم (776) قال ابن عبد البر رحمه الله: " في هذا الحديث أن الشيطان ينوم المرء ويزيده ثقلا وكسلا، بسعيه وما أعطي من الوسوسة والقدرة على الإغواء والتضليل وتزيين الباطل والعون عليه، إلا عباد الله المخلصين. وفي هذا الحديث دليل على أن ذكر الله يطرد به الشيطان، وكذلك الوضوء والصلاة.. " انتهى. التهميد (19/45) . وقال ابن القيم رحمه الله: " ولا ريب أن الصلاة نفسها فيها من حفظ صحة البدن وإذابة أخلاطه وفضلاته ما هو من أنفع شيء له، سوى ما فيها من حفظ صحة الإيمان وسعادة الدنيا والآخرة. وكذلك قيام الليل من أنفع أسباب حفظ الصحة، ومن أمنع الأمور لكثير من الأمراض المزمنة، ومن أنشط شئ للبدن والروح والقلب، كما في الصحيحين.. " وذكر الحديث. زدا المعاد (4/225) . فلا تضعف يا عبد الله أمام عدوك، ولا تمكنه من نفسك، واستعن بالله ولا تعجز، كما أمرك نبيك صلى الله عليه وسلم، واعلم أن: (كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً) النساء: 76 واعلم أن الصلوات المفروضة يسيرة لا يجد المسلم عناءاً في أدائها والمحافظة عليها. وأما ما ذكرته من فتور الهمة، فقد يكون سببه نوع الجلساء الذين تجالسهم، فاحرص قدر الاستطاعة على حضور مجالس الذكر والعلم ومصاحبة الأخيار، فإن العبادات تسهل على النفس إذا رأى الإنسان من يقتدي به فيها ويعينه عليها، والإنسان معرض لا محالة لحالات يزيد فيها نشاطه ورغبته في الخير، ولحالات أخرى تقل فيها تلك الرغبة، ولكن لا يجوز أن تؤدي به تلك الحال إلى ترك الفرائض، أو ارتكاب المحرمات، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةً وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ فَمَنْ كَانَتْ شِرَّتُهُ إِلَى سُنَّتِي فَقَدْ أَفْلَحَ وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ) رواه أحمد (6725) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2151) . ولذا فالنصيحة لك أيها الأخ الكريم أن تجعل لنفسك برنامجاً ثابتاً لا تنقص عنه؛ مشتملاً على الفرائض والمؤكدات من النوافل، فإن زدت في بعض الأحيان فذاك خير إلى خير، وإذا نقصت فلا تنقص عن الفرائض. وأما ما فاتك من الصلوات فيما مضى، فما كان قد فاتك بسبب النوم، فلا إثم عليك فيه ويجب عليك قضاؤه، وأما ما فاتك من غير عذر، أي تكاسلت عن أدائه حتى خرج الوقت، فإن عليك التوبة، ولا ينفعك ـ حينئذ ـ القضاء، والواجب عليك أن تكثر من النوافل والاستغفار، لعل الله أن يتجاوز عنك. وقد بينا كلام أهل العلم في جواب السؤال رقم (7969) فارجع إليه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98682 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1093 زوجته لا تصلي وتعصيه في كثير من الأمور فما حكمها؟ وكيف يتصرف معها؟ [السُّؤَالُ] ـ[لي زوجة تعصيني كثيراً في الأمور: في تربية الأولاد، والتعليم، وفي علاقات الأقارب، وفي كثير من جوانب الحياة الزوجية، فماذا أفعل معها؟ طلبت منها الصلاة وقراءة القرآن، فلم تستجب! وأرجو الدعاء لها بالهداية]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إن البيوت السعيدة هي تلك البيوت التي تُبنى على التفاهم، وتقوم على الحب، ويكتمل بنيانها بالمودة والرحمة بين الزوجين، ولا يتم شيء من هذا دون قيام الزوجين بالواجبات المنوطة بهما، ومن ذلك: وجوب نفقة الزوج على زوجته وأولاده، ووجوب طاعة الزوجة لزوجها، وإذا أرادت الزوجة سلب حق القوامة من الزوج، أو أرادت النشوز والترفع عن طاعته: فإنها تهدم بيتها بيدها، وتشرد أولادها بسوء فعالها. فعلى الزوجات عموماً أن يعلمن أن طاعة أزواجهن واجب شرعي عليهنَّ، وعلى الزوج أن يُحسن استعمال قوامته على زوجته وأهل بيته، بإرشادهم لما فيه صلاحهم وسعادتهم. قالَ تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِم) النساء/34. ولتتأمل الزوجات هذه الأحاديث: 1. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا) . رواه الترمذي (1159) وحسَّنه، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ". 2. عن أَبَي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ثَلَاثَةٌ لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ آذَانَهُمُ: الْعَبْدُ الْآبِقُ حَتَّى يَرْجِعَ، وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ، وَإِمَامُ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ) . رواه الترمذي (360) وحسَّنه. 3. عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا تُؤْذِي امْرَأَةٌ زَوْجَهَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا قَالَتْ زَوْجَتُهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ لَا تُؤْذِيهِ قَاتَلَكِ اللَّهُ فَإِنَّمَا هُوَ عِنْدَكَ دَخِيلٌ يُوشِكُ أَنْ يُفَارِقَكِ إِلَيْنَا) . رواه الترمذي (1174) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ". 4. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَلَا تَأْذَنَ فِي بَيْتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ) . رواه البخاري (4899) ومسلم (1026) . قال الشيخ الألباني - رحمه الله - معلِّقاً على هذا الحديث -: فإذا وجب على المرأة أن تطيع زوجها في قضاء شهوته منها: فبالأولى أن يجب عليها طاعته فيما هو أهم من ذلك، مما فيه تربية أولادهما، وصلاح أسرتهما، ونحو ذلك من الحقوق والواجبات. وقال الحافظ في " الفتح ": " وفي الحديث أن حق الزوج آكد على المرأة من التطوع بالخير؛ لأن حقه واجب، والقيام بالواجب مقدم على القيام بالتطوع ". " آداب الزفاف " (ص 210) . ثانياً: على الزوج أن يبحث عن أسباب نشوز زوجته، وبمعرفة الأسباب يمكنه علاج مرضها، والوصول بها إلى بر الأمان، لتأمن من سخط الله وعذابه، ومن هذه الأسباب: الزوج! نعم، فقد تكون أنت من أسباب نشوزها، إما بسبب معاصٍ عندك، كما قال بعض السلف: " إني لأرى آثار معصيتي في دابتي وزوجتي "، وذلك بسوء خلقها وترفعها عن طاعته، أو يكون الزوج سيء الأخلاق مع زوجته، فتكون تصرفاتها ردة فعل لأخلاقه معها. ومن هذه الأسباب: أهلها أو أقرباؤها أو جيرانها أو صديقاتها، ممن يساهمون مع إبليس في حملته للإيقاع بين الزوجين والتفريق بينهما. وإن كان السبب منها نفسها – لضعف إيمانها، وجهلها بأحكام الشرع -: فليذكرها بالله تعالى، وليساهم في تقوية إيمانها، وليعلمها ما تجهله من حقوق الزوج عليها، فإن لم ينفع: فليضربها ضرباً غير مبرِّح، فإن لم ينفع معها: فليهجرها في الفراش. فإن استنفد جهده ولم تستجب لداعي الخير منه أو من غيره: فالسبيل أن يطلقها طلقة واحدة؛ فقد يكون في هذه الطلقة ما يذكرها وينبهها، فإن استمرت على غيها وعصيانها: فلا خير فيها، ولعل الله أن يبدله خيراً منها. وأصل هذا التدرج في الإصلاح: هو قوله تعالى: (وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) النساء/34. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -: (وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ) أي: ارتفاعهن عن طاعة أزواجهن بأن تعصيه بالقول أو الفعل فإنه يؤدبها بالأسهل فالأسهل. (فَعِظُوهُنَّ) أي: ببيان حكم الله في طاعة الزوج ومعصيته والترغيب في الطاعة، والترهيب من معصيته، فإن انتهت فذلك المطلوب، وإلا فيهجرها الزوج في المضجع، بأن لا يضاجعها، ولا يجامعها بمقدار ما يحصل به المقصود، وإلا ضربها ضربًا غير مبرح، فإن حصل المقصود بواحد من هذه الأمور وأطعنكم: (فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا) أي: فقد حصل لكم ما تحبون فاتركوا معاتبتها على الأمور الماضية، والتنقيب عن العيوب التي يضر ذكرها ويحدث بسببه الشر. " تفسير السعدي " (ص 142) . وعلى كل حال: فالزوج أدرى الناس بزوجته، فإن كان يعلم من أسباب نشوزها ما يمكنه أن يعالجه: فليفعل، فإن لم ينفع بها: فليجعل غيره من أهله أو أهلها من يقوم بهذه المهمة، فقد يكون أثر غيره عليها أقوى من أثره. ثالثاً: وكلامنا السابق يعم كل زوج يعاني من نشوز زوجته، ويدخل فيه الزوجة المسئول عن حالها، لكن بعد أن تكون من المصليات، أما وهي لا تصلي: فلا ينطبق ما ذكرناه عليها؛ لأن الكلام معها سيكون له وضع مختلف؛ لأن بتركها للصلاة تكون من الكافرات، ولا يحل له قربانها، ولا جماعها، إلا أن تصلي. قال تعالى: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) التوبة/من الآية 11. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلَاةِ) . رواه مسلم (116) . وقال: (إِنَّ الْعَهْدَ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلَاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ) . رواه الترمذي (2621) وصححه، والنسائي (463) وابن ماجه (1079) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ". لذا فيجب عليك أخي السائل أن تبدأ بهذا الأمر المهم، وأن تحاول بما يتيسر لك من طرق أن تذكرها بحكم الصلاة، وأن تركها كفر أكبر، وأن عقدك عليها سيكون مفسوخاً لو استمرت على هذه المعصية العظيمة، فإن استجابت: فالحمد لله، واسلك معها ما ذكرناه لك آنفاً، وإن لم تستجب: فلا تسع في علاج نشوزها، ولا تسأل عن تقصيرها في تربية أولادك؛ لأنه لا يحل لك البقاء معها على عقد الزوجية، وحذِّرها قبل فسخ نكاحها – وقد يكون الفسخ بتطليقك لها؛ لأن أكثر المحاكم لا يعتبر ترك الصلاة موجباً لفسخ النكاح! – وأعطها فرصة أخيرة؛ فلعل الله أن يهديها ويشرح صدرها للحق. وانظر جواب السؤال رقم (47425) ففيه بيان الطريقة المثلى لدعوة تارك الصلاة. وانظر جوابي السؤالين: (12828) و (91963) . ونسأل الله أن يهديها ويوفقها لإقامة الصلاة، وأن يهدي قلبها لكل خير، وأن يسدد سمعها وبصرها وجوارحها، وأن يرزقها شكر نعمه تعالى عليها. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98624 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1094 عاشوا تحت الحكم الشيوعي ولم يدروا ما صلاة ولا صيام فهل عليهم قضاء؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا مسلمة من بلغاريا، وكنَّا تحت الحكم الشيوعي، ولم نكن نعرف أي شيء عن الإسلام، بل إن كثيراً من العبادات كانت ممنوعة، وأنا لم أعرف أي شيء عن الإسلام حتى بلغت 20 سنة، وبعد ذلك التزمت بشرع الله. سؤالي لكم: هل عليَّ قضاء ما فاتني من صلاة وصيام؟ وجزاكم الله خيراً]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا ً: نحمد الله تعالى أن خلصكم من الحكم الشيوعي الظالم الفاجر , بعد أن استمر في قمعه للمسلمين أكثر من أربعين سنة , عمل خلالها على هدم المساجد وتحويل بعضها إلى متاحف , واستولى على المدارس الإسلامية، وعمل على تغيير أسماء المسلمين , وطمس الهوية الإسلامية. لكن.. يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون. فها هو الحكم الشيوعي بجبروته وطغيانه قد زال عام 1989م , وفرح بذلك المسلمون فرحاً شديداً , وعادوا إلى مساجدهم القديمة يرممونها ويصلحون من شأنها , ورجعوا إلى تعليم أطفالهم القرآن، وعاد حجاب النساء المسلمات إلى الظهور في الشوارع والطرقات. ونسأل الله تعالى أن يرد المسلمين إلى دينهم رداً جميلاً , وأن ينصرهم ويعزهم ويكبت عدوهم. ثانياً: لقد نشأ جيل من المسلمين في بلغاريا تحت وطأة الحكم الشيوعي لا يعلمون شيئاً عن الإسلام , غير أنهم مسلمون , إذ حال الحكم الشيوعي بينهم وبين تعلم الإسلام , بل كان يمنع حتى دخول القرآن الكريم , والكتب الإسلامية إلى بلغاريا. وهؤلاء الذين لا يعرفون شيئاً عن أحكام الإسلام وعبادته وفروضه لا يلزمهم قضاء شيء من تلك العبادات، فإن المسلم إذا لم يتمكن من العلم الشرعي , ولم تبلغه الأحكام الشرعية فإنه لا يلزمه شيء , لقول الله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة/286. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "لا خلاف بين المسلمين أن من كان في دار الكفر وقد آمن وهو عاجز عن الهجرة لا يجب عليه من الشرائع ما يعجز عنها , بل الوجوب بحسب الإمكان , وكذلك ما لم يعلم حكمه , فلو لم يعلم أن الصلاة واجبة عليه , وبقي مدة لم يصلِّ , لم يجب عليه القضاء في أظهر قولي العلماء , وهذا مذهب أبي حنيفة وأهل الظاهر وهو أحد الوجهين في مذهب أحمد. وكذلك سائر الواجبات من صوم شهر رمضان , وأداء الزكاة , وغير ذلك. ولو لم يعلم تحريم الخمر فشربها لم يحد باتفاق المسلمين , وإنما اختلفوا في قضاء الصلوات ... وأصل هذا كله: أن الشرائع هل تلزم من لم يعلمها أم لا تلزم أحدا إلا بعد العلم؟ والصواب في هذا: أن الحكم لا يثبت إلا مع التمكن من العلم , وأنه لا يُقضَى ما لم يعلم وجوبه , فقد ثبت في الصحيح أن من الصحابة من أكل بعد طلوع الفجر في رمضان حتى تبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود , ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء , ومنهم من كان يمكث جنبا مدة لا يصلي , ولم يكن يعلم جواز الصلاة بالتيمم كأبي ذر وعمر بن الخطاب وعمار لما أجنب , ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أحدا منهم بالقضاء. ولا شك أن خلقا من المسلمين بمكة والبوادي صاروا يصلون إلى بيت المقدس حتى بلغهم النسخ ولم يؤمروا بالإعادة. ومثل هذا كثير. وهذا يطابق الأصل الذي عليه السلف والجمهور: أن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها , فالوجوب مشروط بالقدرة، والعقوبة لا تكون إلا على ترك مأمور , أو فعل محظور , بعد قيام الحجة" انتهى باختصار. "مجموع الفتاوى" (19/225) . وعلى هذا، لا يلزمكم قضاء شيء من العبادات التي لم تعلموا بوجوبها. والنصيحة لكم أن تُقبلوا على تعلّم الأحكام الشرعية، والتفقه في الدين، والحرص كل الحرص على تعلم الإسلام والعمل به، وتربية جيل مسلم، حتى تكونوا على قدر التحدِّيات التي تواجه المسلمين عموماً، وفي بلادكم خاصة. ونسأل الله تعالى أن يعزّ الإسلام والمسلمين. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97501 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1095 والده يجحد وجوب الصلاة ويسب الصحابة فما حكمه وكيف يتعامل معه؟ [السُّؤَالُ] ـ[الحمد لله الذي هدانا وأنعم علينا بنعمة الإسلام، أنا بدأت بالالتزام منذ أشهر قليلة، وأبي يحاربني في ذلك، أبي لا يصلي؛ لأنه لا يعترف أن الصلاة فرض، بل ويسب بعض الصحابة، ويتكلم عن السيدة عائشة، ويتكلم بالسوء عن الصالحين أمثال شيخ الإسلام ابن تيمية، ويشكك في أي حديث شريف، ويتحيز كثيراً للشيعة، ويعاملني أنا وأمي وإخوتي معاملة سيئة، بل ويهين أمي، ولا يدع أخي الصغير يذهب إلى المسجد بحجة المذاكرة، ويمنعني أن أتحدث إلى إخوتي في أمور الدين، ولا يحب أن ينصحه أحد، ولا يطيق سماع القرآن، ولا سماع البرامج الدينية، ويتهمها بالتضليل، وكلما يراني أشاهد برنامجاً دينيّاً يغيِّر القناة. فما هو حكمه في الشرع؟ وكيف أستطيع التعامل معه؟ مع العلم أنه أنا والحمد لله أعامله معاملة طيبة، وأدعو له، ولكنه يهينني، ويقول لإخوتي إنني إرهابي، ويشجعهم على سماع الأغاني، وعدم مشاهدة البرامج الدينية، وعلى عدم سماع كلامي. أرجو الرد على سؤالي، وجزاكم الله خيراً]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نسأل الله تعالى أن يُعظم أجرك في مصيبتك، ونسأله تعالى أن يهدي والدك قبل أن يأتيه أجله. أما حكم والدك: فقد أتى بأفعال وأقوال يوجب بعضها كفره وخروجه من الملة، فكيف بها مجتمعة؟! ومن ذلك: تركه للصلاة حتى لو كان كسلاً، وجحده لفرضيتها، وهذان أمران يكفرانه، ويخرجانه من ملة الإسلام، أما الأول: فعلى الصحيح من أقوال أهل العلم في حال تركها كسلاً، وأما الثاني فبالاتفاق، ولكن لا خلاف في أن تارك الصلاة إن تركها جحوداً لفرضيتها أنه كافر خارج من ملة الإسلام. قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله -: أجمع العلماء على أن تارك الصلاة، الجاحد لوجوبها كافر، وأنه يقتل كفراً ما لم يتب. " أضواء البيان " (4 / 335) . ووالدك لم يترك الصلاة كسلاً، بل تركها جحوداً لفرضيتها، وإنه لو كان تركها كسلاً لكفر: فكيف وقد تركها جحوداً لها؟! . وأما سبُّه لبعض الصحابة: فالظاهر أنه لا يستثني في سبه إلا بعض الصحابة! لا أنه يسبُّ بعضهم، والذي ظهر لنا من سؤالك أن والدك معتقد لمذهب الرافضة الخبيث، والذي يَحكم على الصحابة بالردة إلا عدداً قليلاً منهم، وهذا موجب لكفرهم؛ ومن لم يحكم بكفرهم من العلماء: فإنه يحكم بسجنهم حتى التوبة أو الموت. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: سب الصحابة على ثلاثة أقسام: الأول: أن يسبهم بما يقتضي كفر أكثرهم، أو أن عامتهم فسقوا: فهذا كفر؛ لأنه تكذيب لله ورسوله بالثناء عليهم والترضي عنهم، بل من شك في كفر مثل هذا: فإن كفره متعين؛ لأن مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب أو السنة كفار، أو فساق. الثاني: أن يسبهم باللعن والتقبيح، ففي كفره قولان لأهل العلم، وعلى القول بأنه لا يكفر: يجب أن يجلد ويحبس حتى يموت أو يرجع عما قال. الثالث: أن يسبهم بما لا يقدح في دينهم، كالجبن والبخل: فلا يكفر، ولكن يعزر بما يردعه عن ذلك، ذكر معنى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب " الصارم المسلول " ونقل عن أحمد في (ص 573) قوله: " لا يجوز لأحد أن يذكر شيئاً من مساوئهم، ولا يطعن على أحد منهم بعيب أو نقص، فمن فعل ذلك: أُدب، فإن تاب، وإلا جلد في الحبس حتى يموت أو يرجع ". " فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (5 / 83، 84) . ومن لوازم الطعن في الصحابة رضي الله عنهم: الطعن في النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الإسلام، وفي رب العباد سبحانه وتعالى. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: إن سب الصحابة رضي الله عنهم ليس جرحاً في الصحابة رضي اله عنهم فقط، بل هو قدح في الصحابة، وفي النبي صلى الله عليه وسلم، وفي شريعة الله، وفي ذات الله عز وجل: - أما كونه قدحاً في الصحابة: فواضح. - وأما كونه قدحاً في رسول الله صلى الله عليه وسلم: فحيث كان أصحابه، وأمناؤه، وخلفاؤه على أمته من شرار الخلق. وفيه قدح في رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجه آخر، وهو تكذيبه فيما أخبر به من فضائلهم ومناقبهم. - وأما كونه قدحاً في شريعة الله: فلأن الواسطة بيننا وبين رسول الله صلي الله عليه وسلم في نقل الشريعة: هم الصحابة، فإذا سقطت عدالتهم: لم يبق ثقة فيما نقلوه من الشريعة. - وأما كونه قدحاً في الله سبحانه: فحيث بعث نبيه صلى الله عليه وسلم في شرار الخلق، واختارهم لصحبته، وحمل شريعته ونقلها لأمت‍هـ. فانظر ماذا يترتب من الطوام الكبرى على سب الصحابة رضي الله عنهم. ونحن نتبرأ من طريقة هؤلاء الروافض الذين يسبون الصحابة ويبغضونهم، ونعتقد أن محبتهم فرض، وأن الكف عن مساوئهم فرض، وقلوبنا - ولله الحمد - مملوءة من محبتهم؛ لما كانوا عليه من الإيمان، والتقوى، ونشر العلم، ونصرة النبي صلى الله عليه وسلم. ومن طريقة النواصب الذين يؤذون أهل البيت بقول، أو عمل. مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين - (8 / 616) . ولذا فلا عجب أن يحكم علماء الإسلام بالزندقة على كل من ينتقص من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن حجر الهيتمي – حمه الله -: قال إمام عصره أبو زرعة الرازي - من أجلِّ شيوخ مسلم -: إذا رأيتَ الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله: فاعلم أنه زنديق؛ وذلك أن الرسول حق، والقرآن حق، وما جاء به حق، وإنما أدى إلينا ذلك كله الصحابة، فمن جرحهم إنما أراد إبطال الكتاب والسنة، فيكون الجرح به ألصق، والحكم عليه بالزندقة والضلالة والكذب والفساد هو الأقوم الأحق. " الصواعق المحرقة " (2 / 608) . وكذلك يقال في قذف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنه كفر وردة. وانظر تفصيل ذلك في جواب السؤال رقم (954) . ومن لم يسلم منه صحابة النبي صلى الله عليه فلن يسلم منه أئمة الهدى من بعدهم كالتابعين ومن تبعهم كشيخ الإسلام ابن تيمية، وبسبهم على الصحابة وطعنهم في دينهم فإنهم يحكمون على أنفسهم أنهم على دينٍ غير ديننا. ثانياً: أما عن كيفية التعامل مع والدك: فلا بدَّ لك من سلوك طرق شتى في بيان الحق له، والسعي الحثيث في هدايته، ولا تيأس ولا تمل من هذا، فهو باعتقاده وأقواله وأفعاله قد خرج من الإسلام خروجاً كليّاً، وعليك تدارك الأمر بما تراه نافعاً له، ونوجهك إلى أمورٍ، منها: 1. وجوب التبرؤ من اعتقاده وأقواله وأفعاله. 2. التلطف في إيصال الحق له. 3. تنويع طريق الدعوة وبيان الحق، فالمناظرات التي جرت بين أهل السنة وبين الرافضة كانت قاصمة ظهر لهم، فيمكنك الاستعانة بها، لتقنعه برؤيتها وسماعها، وكذا يوجد من الأشرطة السمعية والكتب ما يكفي لدعوة هؤلاء المنتقصين من الصحابة، وما يُرد به على شبهاتهم. 4. السعي نحو عدم تأثير والدك على أمك وأشقائك، حتى لا تتوسع دائرة الكفر والردة. 5. الدفاع عن نفسك بأخلاقك وسلوكك الحسن معه ومع أهل بيتك. 6. عدم اليأس من هدايته، والاستمرار في دعوته، عن طريقك مباشرة، وعن طريق غيرك ممن يعرفهم ويثق بهم من أهل السنَّة. 7. مداومة الدعاء له، واختيار الأوقات الفاضلة كثلث الليل الآخر، والأحوال الفاضلة كالسجود في الصلاة. سئل علماء اللجنة الدائمة: كيف نعامل الرجل الذي يسب الأصحاب الثلاثة؟ . فأجابوا: صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم خير هذه الأمة، وقد أثنى الله عليهم في كتابه، قال الله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) ، وقال تعالى: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) ، إلى غير هذا من الآيات التي أثنى الله فيها على الصحابة، ووعدهم بدخول الجنة، وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي من هؤلاء السابقين، وممن بايع تحت الشجرة فقد بايع النبي صلى الله عليه وسلم نفسه لعثمان، فكانت شهادة له، وثقة منه به، وكانت أقوى من بيعة غيره للنبي صلى الله عليه وسلم، في أحاديث كثيرة إجمالاً وتفصيلاً، وخاصة أبا بكر وعثمان وعليًّا، وبشَّر هؤلاء بالجنة في جماعة آخرين من الصحابة، وحذَّر من سبهم فقال: (لا تسبُّوا أصحابي، فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبًا ما أدرك مُدّ أحدهم ولا نصيفه) رواه مسلم في صحيحه من طريق أبي هريرة وأبي سعيد الخدري، - ورواه البخاري من حديث أبي هريرة -. فمن سبَّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو شتمهم، وخاصة الثلاثة: أبا بكر وعمر وعثمان المسؤول عنهم: فقد خالف كتاب الله وسنة رسوله وعارضهما بمذمته إياهم، وكان محروماً من المغفرة التي وعدها الله مَن تابعهم واستغفر لهم ودعا الله ألا يجعل في قلبه غلا على المؤمنين. ومِن أجل ذمّه لهؤلاء الثلاثة وأمثالهم: يجب نصحه، وتنبيهه لفضلهم، وتعريفه بدرجاتهم وما لهم من قَدم صدق في الإسلام، فإن تاب: فهو من إخواننا في الدين، وإن تمادى في سبهم: وجب الأخذ على يده، مع مراعاة السياسة الشرعية في الإنكار بقدر الإمكان، ومن عجز عن الإنكار بلسانه ويده: فبقلبه، وهذا هو أضعف الإيمان، كما ثبت في الحديث الصحيح. " فتاوى إسلامية " (1 / 12) . ونسأل الله أن يوفقك في مسعاك، وأن يثبتك على الحق، وأن يهدي والدك. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 95588 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1096 مقاطعة تارك الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[أيها الشيخ المحترم سؤالي هو إذا كان قريب شخص لا يؤدي صلاته أو صلاتها وبالتالي فقد خرج أو خرجت من حظيرة الإسلام فهل يجوز أن نحييهم أو يجب أن نتجاهلهم تماما. جزاك الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ترك الصلاة هو هدم لأهم ركن من أركان الإسلام العملية، فالصلاة عمود الدين وركنه الأساس ولا يجوز التهاون مع تارك الصلاة بأي حال ويبدأ ذووه بنصحه وتوجيهه ثم بهجره والإعراض عنه وترك السلام عليه، وعدم مؤاكلته والجلوس معه وإشعاره بعظم ذنبه لعله يرجع إلى ربه ويتوب، وموقف العلماء من تارك الصلاة يتلخص في قولين: الأول: القول بكفره وهو مروي عن عمر وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم، وبه قال الحسن والشعبي والأوزاعي وابن المبارك ومحمد بن الحسن ورواية عن أحمد واستدلوا بقوله عليه الصلاة والسلام (بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة) رواه مسلم وأحمد وأبو داود وابن ماجه الثاني: لا يكفر، وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي واستدلوا بحديث عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خمس صلوات كتبهن الله على العبد في اليوم والليلة، فمن جاء بهن لم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن كان على الله عهداً أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد، إن شاء عذبه، وإن شاء أدخله الجنة) (أخرجه الدارمي 1531 ومالك في الموطأ 248 وأحمد 21690) هذا وكلا الفريقين متفقون على أنه إن لم يرجع عن ترك الصلاة يستتاب ثلاثاً، فإن أبى وإلا فالقتل مصيره. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 4420 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1097 حكم تأخير العشاء إلى صباح اليوم التالي [السُّؤَالُ] ـ[في هذا الوقت من السنة يكون العشاء الساعة 10:25 ولدي مدرسة في اليوم التالي ولا يًسمح لي بالبقاء مستيقظاً حتى ذلك الوقت، وأود أن أعرف هل هو حرام أن أصلي صباح الغد؟ والداي سيسمحان لي أن أبقى مستيقظاً حتى ذلك الوقت إذا كان تأخير صلاة العشاء حتى صباح الغد محرم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز تأخير صلاة العشاء عن وقتها وكذلك بقية الصلوات ومن صلاها في غير وقتها فهو آثم ومرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب لقول الله تعالى: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً) وقوله تعالى: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين) . فعليك أن تصلي في الوقت دون تأخير، وناصح والديك في مسألة وقت الصلاة وأخبرهما أنه لا بد من بقائك مستيقظاً لأداء الصلاة واستعن بنوم القيلولة في النهار لتعينك على انتظار الصلاة، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النوم قبل العشاء حتى لا تفوت صلاة العشاء، ولو أجبراك على النوم فلا تطعهما ولو أدى إلى أن تتظاهر بالنوم حتى يأتي وقت الصلاة وتصلي، وفقك الله وأعانك وثبتك على الصراط المستقيم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 5448 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1098 أحكام تارك الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[صرحت الأحاديث الصحاح بكون تارك الصلاة كافراً وإذا أخذنا بظاهر الحديث وجب منع تارك الصلاة عمداً من جميع حقوقه في الإرث، وتخصيص مقابر خاصة بهم وعدم الصلاة والسلام عليهم، بحيث إنه لا أمن وسلام على كافر، ولا ننسى أنه لو قمنا بإحصاء المصلين من بين الرجال المؤمنين وغير المؤمنين قد لا يتعدى 6% والنساء أقل من ذلك، فما رأي الشرع فيما سبق وما حكم إلقاء السلام أو رده على تارك الصلاة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف العلماء في تارك الصلاة عمداً من المسلمين إذا لم يجحد وجوبها فقال بعضهم هو كافر كفراً يخرج من ملة الإسلام ويعتبر مرتداً ويستتاب ثلاثة أيام فإن تاب فيها؛ وإلا قتل لردته، فلا يصلى عليه صلاة الجنازة ولا يدفن في مقابر المسلمين ولا يسلم عليه حياً أو ميتاً ولا يرد عليه السلام ولا يستغفر له ولا يترحم عليه ولا يرث ولا يورث ماله بل يجعل ماله فيئا في بيت مال المسلمين، سواء كثر تاركو الصلاة عمداً أم قّلوا، فالحكم لا يختلف بكثرتهم وقلتهم. وهذا القول هو الأصح والأرجح في الدليل لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر " أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح، وقوله صلى الله عليه وسلم: " بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة " أخرجه الإمام مسلم في صحيحه مع أحاديث أخرى في ذلك. وقال جمهور العلماء إن جحد وجوبها فهو كافر مرتد عن دين الإسلام وحكمه كما تقدم تفصيله في القول الأول، وإن لم يجحد وجوبها لكنه تركها كسلاً مثلاً فهو مرتكب كبيرة غير أنه لا يخرج بها من ملة الإسلام وتجب استتابته ثلاثة أيام فإن تاب فالحمد لله وإلا قتل حداً لا كفراً، وعلى هذا يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدعى له بالمغفرة والرحمة ويدفن في مقابر المسلمين ويرث ويورث، وبالجملة تجري عليه أحكام المسلمين العصاة حياً وميتاً. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى اللجنة الدائمة 6/49 الحديث: 2182 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1099 هل يحج عن تارك الصلاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[الحج عن الغير هل يغفر ذنوب الذي لم يحج وبخاصة ذنب ترك الصلاة. سواء كان الذي لم يحج أوصى بذلك أو لم يوص. وهل يغفر ذنب الذي يحج عن ننفسه وبخاصة ذنب ترك الصلاة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: قولك (خاصة ذنب ترك الصلاة) مرتين فهو تركيز منك على أن الصلاة تركها ذنبه عظيم عند الله وهو كذلك، وقد اختلف العلماء في كفر تارك الصلاة والصحيح أنه كافر مرتد عن الإسلام والدليل على ذلك: 1- عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ". رواه الترمذي (2545) والنسائي (459) وابن ماجة (1069) وصححه الألباني في صحيح الترمذي (2113) . 2- وعن أبي سفيان قال: سمعت جابراً يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ". رواه مسلم (116) . وقد أجمع الصحابة على تكفير تارك الصلاة، وقال به من العلماء من بعدهم: عبد الله بن شقيق، وإبراهيم النخعي، وإسحاق بن راهويه، وأحمد بن حنبل، وعبد الله بن المبارك، والحكم بن عتيبة … وغيرهم. والصلاة أول ما يسأل عنه المرء يوم القيامة، فإن صلحت: صلح عمله كله، وإن فسدت: فسد عمله كله. فتارك الصلاة لا ينتفع من أعماله بشيء، بل أعماله كلها باطلة، قال الله تعالى عن الكفار: (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً) الفرقان / 22، وقال تعالى: (ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك) الزمر / 65 وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله) رواه البخاري 553 وعلى هذا إذا حج تارك الصلاة وهو مصر على تركها لم يصح منه الحج وبالأحرى لا يكفر عنه ذنب ترك الصلاة، وكذلك من مات مصراً على ترك الصلاة لا ينتفع من الأعمال الصالحة التي تفعل عنه بعد موته بشيء، ولا يجوز لأحد علم أنه مات مصراً على ترك الصلاة أن يدعو له بالمغفرة والرحمة أو يحج عنه لأنه كافر مشرك، والله تعالى يقول: (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم) التوبة / 113 أما إذا تاب تارك الصلاة وحافظ عليها وندم على ما فعل ورجع إلى الإسلام فإن الله يغفر له جميع ذنوبه الماضية. قال تعالى: (قل للذين كفروا أن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) الأنفال / 38 (أن ينتهوا) يعني عن كفرهم وذلك بالإسلام لله وحده لا شريك له. تفسير السعدي وقال النبي صلى الله عليه وسلم (الإسلام يهدم ما كان قبله) رواه مسلم (121) يعني من الذنوب. والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 9400 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1100 توبة تارك الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[كنت ردحا من عمري لا أصلي وقد تبت إلى الله في هذه السنين المتأخرة وانتظمت في أداء الصلاة، فما الحكم فيما مضى من عمري بلا صلاة]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اذكر نعمة الله عليك بأن ردّك إلى الإسلام بعد أن كنت تاركا للصلاة، فواظب على الصلاة في أوقاتها وأكثر من النوافل لتكون عوضا عما فاتك من الفرائض كما جاء في الحديث الصحيح عَنْ حُرَيْثِ بْنِ قَبِيصَةَ قَالَ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَقُلْتُ اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي جَلِيسًا صَالِحًا قَالَ فَجَلَسْتُ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَقُلْتُ إِنِّي سَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنِي جَلِيسًا صَالِحًا فَحَدِّثْنِي بِحَدِيثٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَنْفَعَنِي بِهِ فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلاتُهُ فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ فَإِنِ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنَ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ رواه الترمذي رقم 413 وهو في صحيح الجامع 2020 ورواه أبو داود عَنْ أَنَسِ بْنِ حَكِيمٍ الضَّبِّيِّ أنه أَتَى الْمَدِينَةَ فَلَقِيَ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ فَنَسَبَنِي فَانْتَسَبْتُ لَهُ فَقَالَ يَا فَتَى أَلا أُحَدِّثُكَ حَدِيثًا قَالَ قُلْتُ بَلَى رَحِمَكَ اللَّهُ قَالَ يُونُسُ وَأَحْسَبُهُ ذَكَرَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ النَّاسُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الصَّلاةُ قَالَ يَقُولُ رَبُّنَا جَلَّ وَعَزَّ لِمَلائِكَتِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ انْظُرُوا فِي صَلاةِ عَبْدِي أَتَمَّهَا أَمْ نَقَصَهَا فَإِنْ كَانَتْ تَامَّةً كُتِبَتْ لَهُ تَامَّةً وَإِنْ كَانَ انْتَقَصَ مِنْهَا شَيْئًا قَالَ انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَإِنْ كَانَ لَهُ تَطَوُّعٌ قَالَ أَتِمُّوا لِعَبْدِي فَرِيضَتَهُ مِنْ تَطَوُّعِهِ ثُمَّ تُؤْخَذُ الأَعْمَالُ عَلَى ذَاكُمْ. صحيح الجامع 2571 ولمزيد من التفصيل في توبة تارك الصلاة راجع جواب السؤال رقم (2182) [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 610 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1101 الأكل عند من لا يصلي ويبيع الخمر [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان صديقي يبيع الخمر في متجره، في الحقيقة الخمر هو الشيء الأساسي الذي يبيعه في هذا المتجر، كما أنه لا يصلي، فهل يجوز أن نأكل في بيته؟ .]ـ [الْجَوَابُ] لا يجوز للمرأة المسلمة أن تصادق رجلاً أجنبياً عنها، ومن لا يصلي فليس بمسلم للحديث: (بين الرجل والكفر ترك الصلاة) وإذا كان مصدر ماله حراماً فلا تأكلوا عنده فهذا رجل أجنبي عنك كافر بتركه للصلاة، ومصدر ماله حرام، فما الخيرة في صحبته، والأكل من طعامه، فاتقي الله وابتعدي عنه فوراً، نسأل الله السلام والعافية. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 6030 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1102 كيف يبقى مسلماً من وصل إلى القتل ويصر على ترك الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[عزيزي الشيخ زادك الله علماً: الحكم على تارك الصلاة له آراء مختلفة عند أهل العلم. بعد قراءة فتاوى الأئمة المعروفين من السلف كالإمام أحمد والذي يبدو أنه الأصح بناء على الدليل أن ترك الصلاة كفر ويخرج فاعله عن ملة الإسلام، مع هذا فهناك الرأي المخالف والذي لم أفهمه، فالإمام الشافعي ومالك وآخرون قالوا " يُقتل ولكنه ليس بكافر " وبهذا فهو يُدفن في مقابر المسلمين، ولكن إذا تم قتل شخص لتركه الصلاة وأُعطي الفرصة للتوبة فكيف يُعتبر مسلماً؟ هو فضّل الموت على الصلاة إذا الواجب أنه كافر فأرجو التوضيح. جزاك الله خيرا والسلام.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحقيقة أن هذا الإشكال الذي ذكره السائل قوي، لكنه ليس له تخريج معتبر عند من يقول بعدم كفره، ولذلك جعل شيخ الإسلام رحمه الله هذا الإيراد من الفروع الفاسدة عند الفقهاء المتأخرين، وهو ما لا يعرفه الصحابة رضي الله عنهم، فإنه - كما ذكر السائل - يمتنع أن يعرض السيف على أحد ممن ترك الصلاة فيختار الموت على الصلاة وفي قلبه مثقال ذرة من إسلام، وهذا الإيراد لا يرد على قول من قال بكفر تارك الصلاة، ولنقرأ كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لينجلي الموضوع ويزول الإشكال. قال رحمه الله: وأما من اعتقد وجوبها مع إصراره على الترك؛ فقد ذكر عليه المفرِّعون مِن الفقهاء فروعاً: أحدها: هذا، فقيل عند جمهورهم مالك والشافعي وأحمد. وإذا صبر حتى يقتل فهل يقتل كافرا مرتدا أو فاسقا كفساق المسلمين؟ على قولين مشهورين حكيا روايتين عن أحمد. وهذه الفروع لم تنقل عن الصحابة! وهي فروع فاسدة!! . فإن كان مقرّاً بالصلا ة فى الباطن معتقداً لوجوبها: يمتنع أن يُصرَّ على تركها حتى يقتل وهو لا يصلي، هذا لا يعرف من بني آدم وعاداتهم! ولهذا لم يقع هذا قط فى الإسلام، ولا يعرف أن أحداً يعتقد وجوبها ويقال له: إن لم تصلِّ وإلا قتلناك وهو يصر على تركها مع إقراره بالوجوب، فهذا لم يقع قط فى الإسلام. ومتى امتنع الرجل من الصلاة حتى يقتل لم يكن فى الباطن مقرّاً بوجوبها ولا ملتزماً بفعلها وهذا كافرٌ بإتفاق المسلمين كما استفاضت الآثار عن الصحابة بكفر هذا، ودلت عليه النصوص الصحيحة كقوله صلى الله عليه وسلم " ليس بين العبد وبين الكفر إلا ترك الصلاة " رواه مسلم، وقوله " العهد الذى بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر "، وقول عبد الله بن شقيق: " كان أصحاب محمَّدٍ لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة "، فمن كان مصرّاً على تركها حتى يموت لا يسجد لله سجدة قط: فهذا لا يكون قط مسلما مقرّاً بوجوبها فإن اعتقاد الوجوب واعتقاد أن تاركها يستحق القتل: هذا داعٍ تامٍّ إلى فعلها، والداعي مع القدرة: يوجب وجود المقدور، فإذا كان قادراً ولم يفعل قط: عُلم أن الداعي في حقِّه لم يوجد .... أ. هـ " مجموع الفتاوى " (22 / 47-49) . ونرجو من السائل أن يراجع سؤال رقم 2182 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 6035 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1103 حكم من يقرأ القران ولا يصلي [السُّؤَالُ] ـ[إذا كنت أقرأ القرآن كل يوم وأنا لا أصلي، وسمعت كلام الناس يقولون إنه تحرم قراءة القرآن على من لا يصلي، فتركت قراءة القرآن، فهل يصح هذا؟ افيدونا وجزاكم الله خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصلاة أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بين العبد وبين الكفر والشرك ترك الصلاة) رواه الترمذي رقم (2766) وصحيح ابن ماجه (1078) وصححه الألباني. وسميت الصلاة صلاة لأنها صلة بين العبد وبين ربه، فمن لا يصلي، لا يقبل منه زكاة ولا صوم ولا حج ولا جهاد ولا أمر بمعروف ولا نهي عن منكر ولا قراءة قرآن ولا صلة رحم بل جميع أعماله مردودة عليه إذا كان لا يصلي. وقد ذهب أهل العلم ومنهم الإمام أحمد على أن من ترك الصلاة يقتل كفراً، فلا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين ولا يرثه أقاربه المسلمون. فلا يجوز أن تترك الصلاة فإنك لا تدري متى يفاجئك الأجل. كيف ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في آخر حياته، بل في مرضه الذي توفي فيه: (الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم، الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم) أخرجه الإمام أحمد (3/117) ، وابن ماجه رقم 0 2697) وابن حبان (1220) وصححه الألباني في الإرواء رقم (2178) . فالصلاة هي عمود الإسلام، قال الإمام أحمد: حظك من الإسلام على قدر حظك من الصلاة، فالذي نحبه لك أن تواظب على الصلاة، وتؤديها في أوقاتها مع المسلمين في مساجدهم، فحرام عليك أن تترك الصلاة، فإنه من تركها يكفر على تفصيل مذكور في كتب أهل العلم، وقيل: يقتل حداً كما هو معلوم، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الإمام عبد الله بن حميد ص 86. الحديث: 10094 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1104 هل تجالس مسلمة لا تصلي وتأكل معها [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمسلمة أن تجالس وتسامر مسلمة لا تصلي إطلاقاً في مناسبات إسلامية أو حفل زواج تمت دعوتها إليه؟ هل يجوز أن نأكل ونشرب من نفس الكأس أو الطبق الذي استعملته؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من كان تاركا للصلاة بالكلية فهو كافر وليس بمسلم كما بسط ذلك في إجابة السؤال رقم (5208) . وعليه فهذه المرأة المذكورة في السؤال ليست بمسلمة , وعليه فالواجب هجرها وعدم مجالستها , إلا إذا كان ذلك لأجل حثها على التوبة والإنابة إلى الله بأداء الصلوات والمحافظة عليها. وفي فتوى للجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: (من ترك الصلاة متعمدا جاحدا لوجوبها فهو كافر باتفاق العلماء , وإن تركها تهاونا وكسلا فهو كافر على الصحيح من أقوال أهل العلم , وبناء على ذلك لا تجوز مجالسة هؤلاء بل يجب هجرهم ومقاطعتهم وذلك بعد البيان لهم أن تركها كفر إذا كان مثلهم يجهل ذلك , وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ". وهذا يعم الجاحد لوجوبها والتارك لها كسلا , وبالله التوفيق , وصلى الله على نبينا محمد وآله) ا. هـ من " فتاوى إسلامية " للمسند (1/373) . وأما الأكل والشرب من نفس الإناء الذي استعملته فحكمه حكم أواني الكفار , وأواني الكفار يجوز للمسلم استعمالها إذا علم أنهم لا يضعون فيها شيئا من المحرمات كالخمر والخنزير , فقد ثبت في الصحيحين البخاري برقم (344) ، ومسلم برقم (682) من حديث عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه استعملوا ماء من مزادة امرأة مشركة. وأما إذا تقين أو غلب على ظنه استخدامهم لها في شيء من المحرمات فالواجب عليه أن يغسلها قبل استعمالها , لما ثبت في الصحيحين البخاري (5496) ، ومسلم (1930) من حديث أبي ثعلبة الخشني قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله , إنا بأرض قوم من أهل الكتاب , نأكل في آنيتهم؟ .... إلى أن قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أما ما ذكرت أنكم بأرض قوم من أهل الكتاب , تأكلون في آنيتهم , فإن وجدتم غير آنيتهم فلا تأكلوا فيها , وإن لم تجدوا فاغسلوها ثم كلوا فيها ". واللفظ لمسلم. للمزيد يراجع فتح الباري لابن حجر: (1/453) , والشرح الممتع لابن عثيمين (1/67_69) . والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20471 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1105 نصيحة مهمل الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[عندي صديق يحب الصلاة كما يقول لي، ولكنه لا يؤدي الصلاة بشكل دائم، بل أحياناً يتركها لفترة طويلة ولا يستمع لنصحي، فماذا علي أن أفعل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان صاحبك سليما صحيح العقل فإنّ كلّ ما ذكرته عنه هو عبث واستخفاف منه بالصلاة فإنه لو كان صادقا لصلاها، وادعاؤه محبة الصلاة غير صحيح إذ لو كان صحيحا لقام إليها وهذا المتكاسل المفرّط يتوجه عليه الوعيد المذكور في قوله تعالى " فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا " ويكون كافرا بالترك الكلي للصلاة لقوله صلى الله عليه وسلم: " العهد لذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر " رواه الترمذي رقم 2621 وهو حديث صحيح، وقال صلى الله عليه وسلم: " بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ". رواه مسلم رقم 82. وهذا الرّجل لا تُؤكل ذبيحته ولا يجوز أن يتزوج مسلمة ولا أن يرث من قريب مسلم ولا يدخل حرم مكة وإذا مات لا يُغسّل ولا يكفّن ولا تصلى عليه صلاة الجنازة ولا يورث وماله فيء للمسلمين. وعليك بالاجتهاد في نصحه وتذكيره بخطر جريمته وعقاب الله تعالى فإن أعرض بعد إقامة الحجّة عليه فليس عليك بأس في مفارقته وأن تلتمس غيره ممن يتقبّل لتقضي معه الوقت في دعوته إلى الله تعالى. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 266 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1106 يعود إلى النوم إذا استيقظ دون أن يصلي [السُّؤَالُ] ـ[حدث في مرات قليلة أن استيقظت من نومي وقت صلاة الفجر تماما أو قبل ذلك بقليل وعدت إلى النوم مرة أخرى. وكنت في مرتين أعي أنني استيقظت وقت صلاة الفجر إلا أني عدت ونمت. ثم سمعت بأن الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله قال بأن من يفعل ذلك الفعل يكون كافرا (مرتدا) ، فهل هذا صحيح؟ وما هو الرأي الصحيح في هذه المسألة وفقا لأهل السنة والجماعة؟ (وإذا كان ذلك صحيح [الكفر أو الارتداد] ، فماذا أفعل؟ سؤال آخر: إذا فاتتني صلاة العصر (خرج وقتها ولم أصليها) ، فهل أكفر بذلك (مع أني ما أزال أصلي الصلوات الخمس المفروضة يوميا) ؟ أنا أعلم أني أفقد جميع أعمالي الصالحة في اليوم وفقا لرواية في صحيح البخاري، لكني أطرح سؤالي أعلاه عليك، وأنا أظنك على الحق وعلى طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم. وجزاك الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله 1- إذا كنت استيقظت وقت صلاة الفجر ثم غلبتك نفسك فنمت وفي نيتك وعزمك أنك ستستيقظ بعد قليل _ قبل خروج الوقت _ ولكنك لم تستيقظ إلا بعد خروج الوقت، فقم بأداء الصلاة مباشرة، وكن حازما في المرّات القادمة، فلا تجعل الشيطان يتلاعب بك، ونسأل الله لك المغفرة. 2- أما إذا كنت عازما على أن لا تؤدي الصلاة إلا بعد خروج وقتها _ أو كنت مترددا في ذلك _ فهذا الفعل هو الذي يكفر به صاحبه عند بعض أهل العلم. فإذا كان صدر منك مثل هذا الفعل فتُب إلى الله من الآن، واعقد العزم على أن لا تعود، وصلّ الصلوات التي فاتتك إن كنت تعرف عددها، والله يتوب على من تاب، وهذه كفارة ذلك. والكلام عن صلاة العصر كالكلام عن صلاة الصبح تماما. [الْمَصْدَرُ] الشيخ سعد الحميد الحديث: 10914 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1107 يسمع النداء ولا يجيب [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من يسمع الأذان بل والإقامة والصلاة ولا يأتي للصلاة؟ وحكم من يصلي صلاة الجمعة فقط؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الذي يسمع النداء ولا يجيب لا صلاة له إلا إذا كان معذورا والمقصود أن صلاته ناقصة وأنه آثم بتخلفه عن صلاة الجماعة وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه (وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق) رواه مسلم (654) ، وعدم إجابة المؤذن ضعف في الإيمان ونقص في الدين وتفريط في الأجر وهجر لبيوت الله. وأما حكم من يصلي الجمعة فقط فقد ذهب بعض العلماء إلى كفر من لا يصلي إلا الجمعة فقط لأنه في حكم تارك الصلاة بالكلية لأنه لا يصلي إلا صلاة واحدة من خمس وثلاثين صلاة في الأسبوع فهو كالتارك بالكلية وممن قال بهذا الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله، وقال بعض العلماء بعدم كفره لكنه يكون مرتكباً لجريمة عظيمة أشد من الربا والزنا والسرقة وشرب الخمر وغيرها. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 10292 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1108 يعاني من أخلاق زوجته وتقصيرها في دينها [السُّؤَالُ] ـ[اعتنقت الإسلام منذ سنتين تقريبا، وتزوجت منذ ذلك الوقت، وقد تزوجت صغيراً لعلمي بأن الإسلام يحرم المواعدة، وللأسف لم أكن أعلم بمسؤوليات كلٍّ من الزوجين في الزواج، والمشكلة الآن أن زوجتي - وهي حامل بطفلنا الأول - نادراً ما تصلي، وتسخر من حبي للملابس الإسلامية قائلة: إنه ينبغي أن ألبس تلك الملابس عندما أكون في بلد إسلامي وليس في الغرب، وتحثني على ارتداء الملابس الغربية، والاندماج في المجتمع الأمريكي، وهي تضايق الأخوات اللاتي يرتدين الملابس المحتشمة، وخاصة النقاب، وكلما حاولت أن أحثها على الصلاة تقول: إن الصلاة بينها وبين الله، وتغضب مني بشدة، وكل ذلك يزيد من ألمي، ولكن أكثر ما يؤلمني هو أن زوجتي ليست جاهلة بالدين، فقد كانت في وقت من الأوقات ترتدي النقاب، وتحفظ نصف القرآن مع التفسير أيضاً. أرجو من فضيلة الشيخ النصح والمشورة، وجزاك الله خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يجب أن تعلم أخي السائل حرمة الإقامة في بلاد الكفر، وأن تعلم ما تسببه الإقامة من تأثير سيء على دين وأخلاق وأفكار من يعيش بين أولئك الكفرة، والذين تفسخت مجتمعاتهم، وتخلت عن الأخلاق الفاضلة، وانظر لحال زوجتك كيف صارت بعد أن كانت مستقيمة تطلب العلم وتحفظ من القرآن، وانظر لسلوكها كيف تريدك أن تلبس، وكيف تنكر على الأخوات المستقيمات عفافهن ولباسهن الشرعي؛ وما ذاك إلا من تأثرها بتلك البيئة. ومن نفيس كلام الشيخ العثيمين - رحمه الله – بعد أن بيَّن حرمة الإقامة بين أظهر الكفار -: وكيف تطيب نفس مؤمن أن يسكن في بلاد كفار تعلن فيها شعائر الكفر ويكون الحكم فيها لغير الله ورسوله، وهو يشاهد ذلك بعينه ويسمعه بأذنيه ويرضى به، بل ينتسب إلى تلك البلاد، ويسكن فيها بأهله وأولاده، ويطمئن إليها كما يطمئن إلى بلاد المسلمين، مع ما في ذلك من الخطر العظيم عليه وعلى أهله وأولاده في دينهم وأخلاقهم. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (3 / 30) . وانظر في تفصيل هذه المسألة: جوابي السؤالين (14235) و (3225) . ثانياً: وأما كونها لا تصلِّي إلا نادراً فهي في حكم التاركة للصلاة، وتارك الصلاة من الكفار، وغضبها منك بعد نصحها بالصلاة يدل على استهانتها بهذه الشعيرة العظيمة، ويدل على إصرارها على تركها، وعليه: فلا يحل لك البقاء معها، وعليك أن تفارقها إن بقيت مصرة على ترك الصلاة ولم ينفع فيها الوعظ والتذكير والهجر والتأديب. سئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: عمن له زوجة لا تصلي هل يجب عليه أن يأمرها بالصلاة وإذا لم تفعل هل يجب عليه أن يفارقها أم لا؟ . فأجاب: نعم، عليه أن يأمرها بالصلاة، ويجب عليه ذلك، بل يجب عليه أن يأمر بذلك كل من يقدر على أمره به إذا لم يقم غيره بذلك، وقد قال تعالى: (وأْمُر أهلك بالصلاة واصطبر عليها) الآية، وقال تعالى: (يا أيها الذي آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة) الآية، وقال عليه الصلاة والسلام (علِّموهم وأدبوهم) – [لا يصح مرفوعاً، وروي عن علي بن أبي طالب]- وينبغي مع ذلك الأمر أن يحضها على ذلك بالرغبة، كما يحضها على ما يحتاج إليها، فإن أصرت على ترك الصلاة: فعليه أن يطلقها، وذلك واجب في الصحيح، وتارك الصلاة مستحق للعقوبة حتى يصلي باتفاق المسلمين، بل إذا لم يصل قتل، وهو يقتل كافراً مرتداً، على قولين مشهورين، والله أعلم. " مجموع الفتاوى " (32 / 276، 277) . وقال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -: [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 91963 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1109 تاب من ترك الصلاة والصيام فهل يلزمه القضاء [السُّؤَالُ] ـ[كنت بعيداً عن الدين ولا أعرف عن الإسلام إلا أني ولدت لأبوين مسلمين، أقمت علاقة مع فتاة لمدة عامين، وبعد ذلك منَّ الله علي وعرفت طريق الالتزام وأسأل الله أن يجعلني وإياكم من العالمين العاملين بأحكام شرعنا الحنيف. وأنا الآن تائب من ذنوبي جميعاً بإذن الله تعالى عازماً على عدم الرجوع إليها مطلقاً. الذي أود أن أستفسر عنه منكم هو أنني علمت أن من شروط التوبة الندم والعزم على عدم الرجوع إلى الإثم ورد مظالم الناس إليهم، فماذا أفعل بخصوص صلاتي وصيامي الذي انقضى قبل التزامي؟ وما المفروض أن أقوم به لأصلح ما أفسدته مع هذه الفتاة مع العلم أنها إلى الآن لم تتزوج وباقية على عدم التزامها الديني؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: نحمد الله تعالى أن من عليك بالهداية والاستقامة، ونسأله سبحانه أن يزيدك علما وهدى. ونذكرك بشكر الله تعالى على هذه النعمة العظيمة، فإن الشكر يزيد النعم، قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) إبراهيم/7. ثانيا: ما ذكرت من شروط التوبة صحيح، وأما قضاء العبادات المتروكة من صلاة وصيام، ففيه قولان لأهل العلم، فمنهم من يلزم بقضائها، وهو مذهب الجمهور. ومن العلماء من لا يلزم تارك الصلاة بقضاء ما تركه من الصلاة، بناء على القول بكفره، فتكون التوبة حينئذ إسلاما يهدم ما قبله من الذنوب. ومن العلماء من لا يرى القضاء على تارك الصلاة عمدا، سواء قيل بكفره أولا، لأن النص إنما جاء في المعذور الذي نام عن الصلاة أو نسيها. والذي دلت عليه الأدلة الصحيحة هو كفر تارك الصلاة، سواء تركها كسلا أو جحودا، وانظر أدلة ذلك في الجواب رقم (5208) . وإلزام التائب بقضاء ما فات، فيه تعسير للتوبة، وتنفير منها، لكن ينبغي للتائب أن يكثر من الأعمال الصالحة، لقوله تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82. وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: لقد سافرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية لغرض الدراسة وأمضيت هناك خمس سنوات تركت فيها الصلاة والصيام، وقد هداني الله واستقمت والحمد لله، فكيف أقضي تلك الصلاة والصيام؟ فأجابت: " إذا كان الواقع كما ذكرت من التوبة وسلوكك طريق الهدى فليس عليك قضاء ما تركته عمداً من الصلاة والصيام، لأن ترك الصلاة كفر أكبر، وردة عن الإسلام، وإن لم يجحد التارك وجوبها في أصح قولي العلماء، والمرتد إذا أسلم لا يؤمر بقضاء ما ترك من الصلاة والصيام في ردته، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الإسلام يهدم ما كان قبله، والتوبة تهدم ما كان قبلها) ، وعليك أن تحافظ مستقبلاً على أداء الصلاة جماعة في وقتها مع المسلمين في المساجد، وأداء صيام رمضان، ويشرع لك الإكثار من الأعمال الصالحة ونوافل العبادة من صلاة وصيام وصلة رحم وصدقات وغير ذلك من أعمال الخير حسب الاستطاعة، لقول الله تعالى: (وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى) . ونسأل الله لنا ولك الثبات على الحق والتوفيق إلى أقوم طريق " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (6/41) . وراجع السؤال رقم (610) . ثالثا: أما الفتاة، فينبغي أن تقطع كل علاقة بها، حتى لا يجد الشيطان سبيلا لاستدراجك إلى إعادة العلاقة معها، وإن وجدت من النساء الصالحات من يمكنها دعوتها فحسن. نسأل الله لك مزيدا من التوفيق والثبات. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 91411 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1110 يترك الصلاة يوما أو يومين أو أكثر [السُّؤَالُ] ـ[في بعض الأحيان يغويني الشيطان بفعل ما يسمى بالاستمناء مما يؤدي بي إلى ترك الصلوات الخمس يوما أو يومين أو أكثر أو أقل حسب الظروف. فماذا يجب علي؟ رد ما علي من فروض؟ أم يمكنني القيام بالنوافل للتكفير عن ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عليك المسارعة لترك تلك العادة القبيحة؛ التي تخل بالكرامة؛ والمروءة؛ وقد سبق في جواب السؤال (329) بيان أدلة تحريمها. كما يلزمك التوبة من ترك الصلوات , فإن تركها كبيرة من كبائر الذنوب عظيمة. بل يرى كثير من أهل العلم أن ذلك كفر. وتتضمن التوبة: الإقلاع عن المعصية , والندم على ما فعل، والعزم على أن لا تعود إلى ذلك الفعل المحرم. وأكثر من صلاة النوافل , لتعويض ما فاتك من الصلوات، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ النَّاسُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَعْمَالِهِمْ الصَّلاةُ قَالَ يَقُولُ رَبُّنَا جَلَّ وَعَزَّ لِمَلائِكَتِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ انْظُرُوا فِي صَلاةِ عَبْدِي أَتَمَّهَا أَمْ نَقَصَهَا فَإِنْ كَانَتْ تَامَّةً كُتِبَتْ لَهُ تَامَّةً وَإِنْ كَانَ انْتَقَصَ مِنْهَا شَيْئًا قَالَ انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَإِنْ كَانَ لَهُ تَطَوُّعٌ قَالَ أَتِمُّوا لِعَبْدِي فَرِيضَتَهُ مِنْ تَطَوُّعِهِ ثُمَّ تُؤْخَذُ الأَعْمَالُ عَلَى ذَاكُمْ) رواه أبو داود (864) . نسأل الله لنا ولك وللمسلمين العفو, والعافية, والثبات في الأمر. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 90143 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1111 كان يترك بعض الصلوات فهل يلزمه تجديد عقد النكاح [السُّؤَالُ] ـ[نحن في مجتمع يتهاون كثيراً في مسألة الصلاة، نشأت أصلي والحمد لله، ولكني لا أهتم إن صليت الظهر مثلاً في وقته أو قضاء مع العصر مثلاً، كما أنني تركت بعض الصلوات على مدار حياتي وزوجتي كذلك، وبعد الزواج استمر هذا الموضوع في بداية الأمر ثم عزمنا على أن نتوب إلى الله، ونحن الآن والحمد لله نحافظ على الصلاة في وقتها، ما يؤرقني ويشعرني بأن هذا العمل غير مثاب عليه هو قول بعض العلماء أمثال الشيخ ابن عثيمين وابن باز رحمهما الله بأن تارك الصلاة تكاسلاً وتهاوناً فهو كافر مرتد، واستندوا إلى ذلك بأدلة من القرآن والسنة، ومع أن هناك علماء أمثال الشيخ الألباني رحمه الله يقول إنه كفر دون كفر، ومع إحساسي بأن هذا الرأي صحيح، إلا أنني أخاف أن أكون على خطأ، وأريد أن آخذ برأي الشيخ ابن عثيمين حتى أقطع الشك في نفسي ولكن هذا الأمر يتطلب عدة أمور بعضها أقدر عليها والبعض الآخر لا وهي: 1- أغتسل أنا وزوجتي اغتسال الدخول في الإسلام وأن ننطق بالشهادتين، وهذا أمر مقدور عليه 2- نحتاج إلى تجديد عقد الزوجية، لأنه يعتبر عقداً باطلاً. والسؤال هنا: كيف يتم هذا التجديد؟ وهل أنا بحاجة إلى ولي للزوجة وشهود؟ وكيف أقول لوالد زوجتي هذا الأمر وكيف أحضر الشهود للتجديد؟ إن هذا الأمر وقعه صعب جداً على والد الزوجة وربما يرفض هذه الفكرة أو يغضب طيلة حياته، وبالتالي فلن أستطيع أن أجدد العقد وتصبح المشكلة أصعب وأصعب، كما أنني لا أستطيع أن أتحقق إن كان الشهود مداومين على الصلاة من ساعة بلوغهم إلى يومهم هذا، وهل لو أخذت برأي الشيخ الألباني رحمه الله أعتبر مقصراً، وهل علي قضاء الفوائت السابقة والتي لم أعلم عددها، أم أكثر من السنن والنوافل، وكيف أقضيها، فهل من الممكن أن أصلي عصر هذا اليوم على سبيل المثال، ثم أصلي الفجر والظهر والعصر لأيام سابقة أم أصلي كل فرض فائت في وقته. أفيدوني جزاكم الله خيرا فإنني في حيرة شديدة تكاد تفتك بي، ولا أريد أعمالي الصالحة أن تذهب هباء، أو أن أموت كافراً والعياذ بالله.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الخلاف في حكم تارك الصلاة كسلا، خلاف معتبر عند أهل العلم، والذي تدل عليه الأدلة الصحيحة هو القول بكفره، وانظر شيئا من هذه الأدلة في الجواب رقم (5208) . ثانيا: إذا تاب تارك الصلاة، وصلَّى، عاد إلى الإسلام، ولا يحتاج أن يعيد الشهادتين. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فأما من يترك الصلاة بعض الأوقات لا يقضيها ولا ينوي قضاءها أو يخل ببعض فرائضها ولا يقضيها ولا ينوي قضاءها فمقتضى ما ذكره كثير من أصحابنا أنه يكفر بذلك، ....... ثم إذا صلى الأخرى صار مؤمنا كما دل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (من ترك صلاة العصر متعمدا حبط عمله) وقوله صلى الله عليه وسلم: (من ترك الصلاة عمدا فقد برئت منه الذمة) " انتهى. وقال أيضا: " وإذا صلى بعد الامتناع عاد بذلك إلى الإسلام من الردة، وصحت صلاته وإن كان الكافر الأصلي لا تصح صلاته قبل الشهادتين؛ لأن هذا كفره بترك الفعل، فإذا فعله عاد إلى الإسلام، كما أن من كُفره بترك الإقرار إذا أتى بالإقرار عاد إلى الإسلام. فإن قيل: فالمرتد غير هذا لا يصح إسلامه حتى يأتي بالشهادتين كيف ما كانت ردته، قيل: ذلك لأنه جاحد فلا بد أن يأتي بأصل كلمة الإقرار التي تتضمن جميع التصديق والاعتراف، وهذا معترف فيكفيه الفعل " انتهى. وعليه فقولك: " وبهذا أظل كافراً ولا يقبل الله مني عملاً " غير صحيح، بل توبتك إلى الله تعالى، وأداؤك للصلاة، يرفع عنك الكفر، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له. ثالثا: لا يلزمكما تجديد عقد النكاح إلا إذا كان العقد قد تم وأنتما أو أحدكما لا يصلي، فيلزم لتجديده حينئذ. أما إذا حصل ترك الصلاة بعد العقد فلا يلزمك تجديده، وذلك لأنه إذا ارتد أحد الزوجين ثم رجع إلى الإسلام في فترة العدة، فهما على نكاحهما الأول، ولا يحتاجان إلى إعادة العقد، بل ذهب بعض العلماء إلى أنهما على نكاحهما الأول ولو رجع إلى الإسلام بعد انقضاء العدة، ما داما تراضيا على الرجوع، وهذا القول الثاني هو الصحيح، وانظر بيان ذلك في جواب السؤال رقم (21690) . وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم بقاء المرأة المتزوجة من زوج لا يصلي وله أولاد منها؟ فأجاب: " إذا تزوجت امرأة بزوج لا يصلي مع الجماعة ولا في بيته فإن النكاح ليس بصحيح، لأن تارك الصلاة كافر، كما دل على ذلك الكتاب العزيز والسنة المطهرة وأقوال الصحابة، كما قال عبد الله بن شقيق: " كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة ". والكافر لا تحل له المرأة المسلمة لقوله تعالى:: (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنّ) الممتحنة/10. وإذا حدث له ترك الصلاة بعد عقد النكاح فإن النكاح ينفسخ إلا أن يتوب ويرجع إلى الإسلام. وبعض العلماء يقيد ذلك بانقضاء العدة، فإذا انقضت العدة لم يحل له الرجوع إذا أسلم إلا بعقد جديد. وعلى المرأة أن تفارقه ولا تمكنه من نفسها حتى يتوب ويصلي ولو كان معها أولاد منه؛ لأن الأولاد في هذه الحال لا حضانة لأبيهم فيهم) انتهى من فتاوى أركان الإسلام ص 279. هذا إذا كان الترك للصلاة تركا كليا، وأما إن كان تركا لبعض الصلوات، فمن أهل العلم من لا يكفّر به، كما هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن عثيمين رحمه الله، ومنهم من يكفّر بترك الفريضة الواحدة عمدا حتى يخرج وقتها ووقت الصلاة التي تجمع إليها، كأن يؤخر الظهر حتى تغرب الشمس، لكن هذا التارك للفريضة إن عاد وصلى، قبل انقضاء العدة، عاد إلى الإسلام، واستمر على نكاحه. ولا يفهم من سؤالك أن أحدا منكما ترك الصلاة مدة طويلة تستغرق زمن العدة، بل غاية الأمر هو ترك بعض الأوقات، ثم العودة إلى الصلاة، وهذا يعني بقاء عقد النكاح كما سبق. فالذي يظهر لنا من سؤالك أنه لا يلزمك تجديد عقد النكاح وإعادته. أولا: لأن ترككما للصلاة لم يكن تركا مطلقا، بل كان تركا لبعض الصلوات، وهذا لا يكون كفرا عند كثير من أهل العلم، حتى يترك الصلاة مطلقا. ثانيا: لأن هذا الترك لبعض الصلوات ـ على فرض أنه كفر ـ يكون وقتا يسيرا لا تنقضي فيه العدة، فبالرجوع إلى الصلاة قبل انقضاء العدة لا يفسخ عقد النكاح ويبقى صحيحا كما كان قبل ترك الصلاة. رابعا: من ترك الصلاة، ثم تاب من ذلك، لم يلزمه قضاء ما فات من الصلوات، على القول الراجح، لكن ينبغي أن يكثر من النوافل والحسنات، لقوله تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82 وانظر بيان ذلك في جواب السؤال رقم (91411) . نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد والرشاد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 89722 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1112 كان يستمني ويصلي من غير اغتسال فهل يلزمه القضاء [السُّؤَالُ] ـ[كنت أمارس الاستمناء منذ البلوغ ولا أعرف أنه حرام وكنت أصلى ولا أغتسل، والآن تبت ولله الحمد، سؤالي: هل أقضي الصلوات التي فاتتني مع كل فريضة أم أصليها في أي وقت؟ وهل أصليها بالترتيب أي أن أبدأ أولا بصلاة الصبح ثم الظهر وهكذا؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تعمد الصلاة على غير طهارة منكر عظيم، وفاعل ذلك في حكم تارك الصلاة، لأنه ترك ما لا تصح إلا به. قال ابن القيم رحمه الله: " وحكم ترك الوضوء والغسل من الجنابة واستقبال القبلة وستر العورة حكم تارك الصلاة، وكذلك حكم ترك القيام للقادر عليه هو كترك الصلاة، وكذلك ترك الركوع والسجود " انتهى من "الصلاة وحكم تاركها" ص 42. والذي يظهر من سؤالك أنك كنت تترك الاغتسال من الجنابة جهلاً بوجوبه، وقد اختلف العلماء فيمن فعل ذلك هل يجب عليه أن يعيد الصلاة أم لا؟ وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (9446) و (45648) . وإذا كان لم يخطر ببالك وجوب الاغتسال بعد الاستمناء، فنرجو ألا يكون عليك قضاء ما سبق من الصلوات، ولكن عليك بالتوبة والاستقامة والإكثار من الأعمال الصالحة، قال تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 89935 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1113 دفن تارك الصلاة مع المسلمين [السُّؤَالُ] ـ[في بلادنا يدفن المسلمون في مقابر خاصة بهم، ولكن كل من يطلق عليه اسم مسلم يدفن فيها وأكثرهم ممن لا يصلي ولا يقيم حدود الدين، فما العمل عند زيارة تلك القبور التي لا يميز فيها المسلمون حقاً وغير المسلمين؟ وماذا علي إذا مت ودفنت مع أناس لا يصلون، هل أوصي بأن أدفن مع أناس يصلون، أم ماذا نفعل؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الواجب أن يخصص للمسلمين مقابر، ولا يدفن فيها غيرهم، والذي لا يصلي ويموت وهو تارك للصلاة لا يدفن في مقابر المسلمين؛ لأن تارك الصلاة جحداً لوجوبها كافر بالإجماع، وتاركها كسلاً كافر على الراجح من قولي العلماء، ويشرع للمسلم أن يوصي بأن يدفن في مقابر المسلمين إذا كان في البلد مقابر لغير المسلمين؛ خشية أن يدفن مع غير المسلمين. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 9/9. الحديث: 7864 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1114 اشتراط التسمية لحل الذبيحة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم عدم التسمية على الأضحية خاصة أن الذابح لا يصلي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تارك الصلاة لا تحل ذبيحته، سواء سمى عليها أو لم يسم، وانظر السؤال رقم (70278) . وأما التسمية على الذبيحة فمختلف فيها بين الفقهاء، على ثلاثة أقوال: الأول: أنها مستحبة فقط، وهو مذهب الشافعي. الثاني: أنها شرط في حل الذبيحة، لكن إن تركها سهوا أبيحت، وهذا مذهب الحنفية والمالكية والحنابلة. الثالث: أنها شرط، ولا تسقط بحال، لا سهوا ولا عمدا ولا جهلا، وهذا مذهب الظاهرية ورواية عن مالك وأحمد، وقول جماعة من السلف، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وهو الصحيح ". وقال: " واستدل هؤلاء بعموم قوله تعالى: (وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ) الأنعام/ 121، وبأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أنهر الدم وذُكر اسم الله عليه فكُل) فشرط لحل الأكل التسمية، ومعلوم أنه إذا فقد الشرط فقد المشروط، فإذا فقدت التسمية فإنه يفقد الحل، كسائر الشروط. ولهذا لو أن إنسانا صلى وهو ناسٍ أن يتوضأ، وجبت عليه إعادة الصلاة، وكذلك لو صلى وهو جاهل أنه أحدث بحيث يظن أن الريح لا تنقض الوضوء، أو أن لحم الإبل لا ينقض الوضوء مثلا، فعليه الإعادة، لأن الشرط لا يصح المشروط بدونه، وكما أنه لو ذبحها ولم ينهر الدم، ناسيا أو جاهلا، فإنها لا تحل، فكذلك إذا ترك التسمية؛ لأن الحديث واحد " انتهى من "الشرح الممتع" (6/358) . وينظر: العناية شرح الهداية (9/489) ، الفواكه الدواني (1/382) ، المجموع (8/387) ، المغني (9/309) . وعلى هذا فلا يذبح الأضحية وغيرها إلا من كان من أهل الصلاة، ويشترط أن يسمي عند الذبح، فيقول: بسم الله. ويستحب أن يكبر، فيقول: بسم الله، والله أكبر. وقد روى البخاري (5558) ومسلم (1966) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: (ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ فَرَأَيْتُهُ وَاضِعًا قَدَمَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا يُسَمِّي وَيُكَبِّرُ فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 85669 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1115 ترك الصلاة سبب كل ضيق [السُّؤَالُ] ـ[أنا فتاة عمري 23 سنة، الصراحة أنا لا أصلي، وإن قمت للصلاة لا أصلي كل الفروض، والصراحة أنا أستمع للأغاني، ولكن - والله شاهد - أن هذا الموضوع يسبب لي حالة نفسية، أريد الصلاة، وأريد أن أطيع الله، وأنا أخافه، أنا أعتز بكوني مسلمة، وربي هو الله وحده لا شريك له، وأحب الحبيب المصطفى وسيرته، وأتأثر عند سماع قصصه، الحمد لله، أكرمني الله عز وجل بأن ذهبت إلى العمرة هذه السنة، وكنت فرحة لهذا، ولكني أحس أني جاحدة، أو لا فرق بيني وبين الكافرين لأني لا أصلي، حاولت كثيراً أن أداوم على الصلاة، لكن لا أدري لماذا يحدث معي هذا، مع العلم أني كنت لفترة طويلة جدّاً لا أصلي أبداً، وأحس أيضاً أني أجهل أموراً كثيرة بالدِّين، وأشعر أيضاً أن الله لن يتقبل مني أي عمل كان: صلاة أو زكاة أو عمرة أو غير ذلك من أمور الدين الإسلامي، وأن مثواي لا محالة النار، أحتاج إلى من يأخذ بيدي، ينصحني، ينتشلني من حالة الضياع التي أنا فيها، أكره كوني على هذه الحالة!! وفوق كل هذا هناك مشكلة أخرى، وهي أني أشعر أني لم أصم أياما من رمضان، وأنا لا أعاني من أي شيء، أي لا يوجد هناك مانع من الصوم!! والصراحة أني لست متأكدة إن كانت أياما من رمضان أو كانت من أيام شوال الستة، فعندنا عادة في منزلنا أن نصوم هذه الأيام الست كل سنة، فاختلطت الأمور علي، وهذه المشكلة حدثت لي في الفتره التي كنت فيها بعيدة عن الله، وأنا أعلم أنه من أفطر رمضان بدون سبب لا يقبل الله له صوما، وعليه كفارة، فماذا أفعل؟ أرجوك ساعدني وأفدني، أرجوك، أنا يائسة جدّاً، جعله الله في ميزان حسناتك إن شاء الله، وجزاك عن المسلمين جميعاً خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا بد – أختي الفاضلة – أن تُحَدِّدِي أولا مكان المشكلة ثم تنطلقي في العلاج، وإن طلبتِ منَّا المساعدة في تحديدها فسنقول لكِ: المشكلة في نفسك أنتِ وليس في شيءٍ آخر! ولن تكون المساعدة التي يقدمها لك الآخرون نافعة حتى تأخذي أنتِ بنفسكِ إلى النجاة. والمشاعر التي بثثتِيها في سؤالك تدل على أن مقومات الاستقامة والصلاح موجودةٌ فيك، فإن المؤمن هو الذي يحاسب نفسه ويعاتبها، ويبدو أنك تقومين بذلك. والمؤمن يخاف تقصيره وذنوبه، ويراها كأنها جبل يوشك أن يقع عليه، ويظهر أنك تشعرين بذلك أيضا. والمؤمن يرتفع بإسلامه وإيمانه، ويعتز بانتسابه إلى هذا الدين العظيم، ويحب نبيه الكريم محمداً صلى الله عليه وسلم، ورسالتك تنضح بذلك؟!! إذاً فكيف اجتمعت هذه الصفات مع التقصير في أعظم واجبات الدين، وهي الصلاة؟! ليس عندنا تفسير لذلك سوى سوء إدارة النفس وضعف التحكم فيها، وإلا فأداء الصلاة لا يستغرق جهدا ولا وقتا، ما هي إلا دقائق يخلو فيها المرء بربه، يناجيه بحاجته، ويبث إليه ثقل الدنيا، ويشكو إليه شوقه إليه وإلى رحمته. فإذا كانت أنفسنا لا تحتمل الالتزام بهذه الدقائق المعدودة، فلا أظننا ننجح في حياتنا أبدا، فإن قيادة النفس تحتاج إلى شيء من العزم والحزم، ونحن المسلمين لم يكلفنا ربنا فوق طاقتنا، بل لم يكلفنا ما يشق علينا، وهو سبحانه يحب أن يتوب علينا ويخفف عنا. قال سبحانه وتعالى: (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) البقرة/185 وقال سبحانه: (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. وَاللهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً. يُرِيدُ اللهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً) النساء/26-28 والصلاة رحمة فرضها الله علينا من جوده وكرمه، من حافظ عليها وقام بحق القيام بها: رأى فضل الله تعالى علينا حين كتبها علينا، وعرف أن الإنسان المحروم هو الذي حرم نفسه لذة الصلة بالله سبحانه. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الصَّلَاةُ خَيرٌ مَوضُوعٌ، فَمَنِ استَطَاعَ أَن يَستَكثِرَ فَلْيَستَكثِرْ) رواه الطبراني (1 / 84) وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " (390) . وانظري كيف عقب الله تعالى آيات فرض الطهارة للصلاة بقوله: (مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة/6. والنبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، الذي تحبينه وتحبين سيرته كان يقول: (جُعِلَت قُرَّةُ عَينِي فِي الصَّلَاةِ) رواه النسائي (3940) وحسنه الحافظ ابن حجر في " التلخيص الحبير " (3 / 116) وصححه الألباني في " صحيح النسائي ". فكيف يرضى المؤمن لنفسه أن تفوته تلك الخيرات والبركات؟. قال ابن القيم - رحمه الله -: فواأسفاه وواحسرتاه كيف ينقضي الزمان وينفذ العمر والقلب محجوب ما شم لهذا رائحة، وخرج من الدنيا كما دخل إليها، وما ذاق أطيب ما فيها، بل عاش فيها عيش البهائم، وانتقل منها انتقال المفاليس، فكانت حياته عجزاً، وموته كمداً، ومعاده حسرة وأسفاً، اللهم فلك الحمد، وإليك المشتكى، وأنت المستعان، وبك المستغاث، وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بك. " طريق الهجرتين " (ص 327) . ولا أذكر لك هذا الكلام لأزيد اليأس الذي تشعرين به، إنما كي تسعي جاهدة للتخلص منه، فهو لم يصبك إلا لعجزك عن أداء أسهل الفرائض، فعرفتِ أنكِ عن سواها أعجز. ويجب أن لا تجعلي في حياتك مجالاً لليأس في جنب الله؛ ويجب أن تعلمي أنه سبحانه يكره القنطين: (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) الحجر/56، ويحب عباده المستبشرين برحمته وفضله، ومن سعة كرمه أنه يغفر السيئات، ويصفح عن الزلات، بل قال سبحانه وتعالى: (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً. وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً) الفرقان/70-71، وقد قال بعض الحكماء: " لا يأتي بالأمل إلا العمل "، ولن يخرجك من حالة اليأس التي أوقعك الشيطان فيها إلا البدء بالعمل، ومحاولة الالتزام بالاستقامة، ولو تخللها في البداية بعض النقص. قال الله تعالى: (وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) ؛ فإن الرجاء يوجب للعبد السعي والاجتهاد فيما رجاه، والإياس: يوجب له التثاقل والتباطؤ، وأولى ما رجا العباد، فضل الله وإحسانه، ورحمته، وروحه. " إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون "؛ فإنهم ـ لكفرهم ـ يستبعدون رحمته، ورحمته بعيدة منهم، فلا تتشبهوا بالكافرين. ودل هذا على أنه بحسب إيمان العبد، يكون رجاؤه لرحمة الله وروحه." تفسير ابن سعدي. وأول ما يجب أن تبدئي به أن توجدي في نفسك همّاً كبيراً وحرصا عظيما للمحافظة على الصلاة، كما هو الهم الذي تستشعرينه لأمور الدنيا الأخرى من طعام وشراب ودراسة وزواج ونحو ذلك، فإن كل عمل يسبقه اهتمام وتفكر، وقد كان بعض السلف يجاهد نفسه على الإكثار من نوافل الصلاة مجاهدة عظيمة، حتى قال ثابت البناني رحمه الله: كَابَدتُ الصلاة [يعني: قيام الليل] عشرين سنة، واستمتعت بها عشرين سنة. ولا يكفي هذا الفكر والاهتمام حتى يقوم بموازاته فكر واهتمام بوسائل المحافظة على الصلاة، وكيف تحتالين على نفسك حتى تلتزم بما فرض الله تعالى، والإنسان يملك قدرة كبيرة في حسن اختيار الأساليب التي تعينه على ما يريد. احرصي أن تقومي مباشرة إذا سمعت صوت المؤذن بالتكبير، واستشعري أنه سبحانه أكبر من كل الدنيا التي أنت منشغلة بها، ثم اعمدي إلى محرابك لتصلي ما كتب الله لك، ولا تنسي أن تقولي الدعاء الذي علمنا إياه نبينا صلى الله عليه وسلم دبر كل صلاة: (اللهم أعِنِّي على ذِكْرِك وشُكْرِك وحُسْنِ عِبادتِك) . وقد ذكرتِ أنكم أهل بيت حريصون على صيام الست من شوال، وهذه أمارة صلاح وإحسان تعينك على أداء الصلاة في وقتها، حين ترين الوالدة والإخوة يقيمونها في وقتها، واحمدي الله تعالى على ذلك، فكم من شكاوى تأتي من أبناء يضربهم أهلهم على ترك الصلاة وخلع الحجاب، وأنت قد أكرمك الله تعالى بالأهل الذين يعينونك على تقوى الله تعالى. صاحبي الفتيات المصليات المستقيمات، واطلبي منهن العون على الصلاة، وتذكيرك بها، والتواصي عليها، وقد يكون ذلك خير معين لك. وأخيرا احذري المعاصي، فهي أساس كل داء، والمعصية تأتي بأختها وهكذا حتى تجتمع على الإنسان فتهلكه، فتثقل العبد عن صلاته، وتحرمه من نورها وبركتها، نسأل الله السلامة. قال ابن القيم - رحمه الله -: المعاصي تزرع أمثالها، وتولد بعضها بعضا، حتى يعِزَّ على العبد مفارقتُها والخروج منها، كما قال بعض السلف: إن من عقوبة السيئة السيئة بعدها، وإن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها. " الجواب الكافي " (ص 36) . ثانيا: أما سؤالك عن صيام رمضان، وأنك تشكين في تركك صيام أيام منه من غير عذر، فنقول لك: لا تلتفتي لهذه الشكوك، إذ يبدو أن الغالب على ظنك أنك أديت تلك العبادة في وقتها مع أسرتكِ، وغلبة الظن كافية لبراءة الذمة، ولا عبرة بالشك بعد ذلك. وفي " فتاوى اللجنة الدائمة " (7 / 143) : الشك بعد الانتهاء من الطواف والسعي والصلاة لا يلتفت إليه؛ لأن الظاهر سلامة العبادة. انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله -: إذا كان الشك بعد انتهاء العبادة: فإنه لا يلتفت إليه، ما لم يتيقن الأمر. " مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " (14 / السؤال رقم 746) . ثم إن ترك الصيام بغير عذر لا يوجب القضاء ولا الكفارة، وإنما يوجب التوبة والاستغفار، كما سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (50067) . أسأل الله تعالى أن يكتب لك أجرك، وأن يثبت قلبك على الحق والدين، وأن يعيذك من الشيطان الرجيم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83997 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1116 متى يكون تاركا للصلاة وما حكمه؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل تارك الصلاة تمامًا يعد من غير المسلمين؟ هل الذي يصلي عيد الفطر وعيد الأضحى وأحيانا الجمعة أو أحيانا واحدة من الصلوات الخمس يندرج أيضًا في حكم "من لا يصلي تمامًا" وبالتالي يعد من غير المسلمين؟ كيف نفسر كلمة "لا يصلي تمامًا"؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: تارك الصلاة الذي لا يصليها مطلقا، كافر، سواء تركها كسلا أو جحودا، في أصح قولي العلماء؛ لأدلة كثيرة، سبق ذكر بعضها في الجواب رقم (5208) ثانيا: إذا كان الإنسان غير تارك للصلاة مطلقا، بل يصلي أحيانا ويترك أحياناً أخرى، فقد اختلف القائلون بكفر تارك الصلاة فيه، فمنهم من قال: يكفر بترك فريضة واحدة عمدا، حتى يخرج وقتها، فمن تعمد ترك صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، كفر، ومن تعمد ترك صلاة الظهر حتى غربت الشمس كفر، لأن الظهر تجمع مع العصر، فصار وقتاهما وقتا واحدا عند العذر، وكذلك المغرب والعشاء، فمن تعمد ترك صلاة المغرب حتى خرج وقت صلاة العشاء، كفر. ومنهم من قال: لا يكفر حتى يتركها دائما. قال الإمام محمد بن نصر المروزي رحمه الله: " سمعت إسحاق يقول: قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تارك الصلاة كافر، وكذلك كان رأى أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا أن تارك الصلاة عمدا من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر. وذهاب الوقت أن يؤخر الظهر إلى غروب الشمس والمغرب إلى طلوع الفجر. وإنما جعل آخر أوقات الصلوات ما وصفنا لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين بعرفة والمزدلفة، وفي السفر، فصلى إحداهما في وقت الأخرى، فلما جعل النبي صلى الله عليه وسلم الأولى منهما وقتا للأخرى في حال، والأخرى وقتا للأولى في حال، صار وقتاهما وقتا واحدا في حال العذر، كما أُمرت الحائض إذا طهرت قبل غروب الشمس أن تصلى الظهر والعصر وإذا طهرت آخر الليل أن تصلى المغرب والعشاء) انتهى من "تعظيم قدر الصلاة " (2/929) . وقال ابن حزم رحمه الله: " روينا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومعاذ بن جبل، وابن مسعود، وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم، وعن ابن المبارك، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه رحمة الله عليهم، وعن تمام سبعة عشر رجلا من الصحابة، رضي الله عنهم، أن من ترك صلاة فرضٍ عامدا ذاكرا حتى يخرج وقتها، فإنه كافر ومرتد، وبهذا يقول عبد الله بن الماجشون صاحب مالك، وبه يقول عبد الملك بن حبيب الأندلسي وغيره". انتهى من "الفصل في الملل والأهواء والنحل" (3/128) . وقال رحمه الله: "وقد جاء عن عمر، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاذ بن جبل، وأبي هريرة، وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم أن من ترك صلاة فرض واحدة متعمدا حتى يخرج وقتها فهو كافر مرتد " انتهى من "المحلى " (2/15) . وبهذا القول أفتت اللجنة الدائمة، برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله. "فتاوى اللجنة " (6/40،50) . وممن أفتى بأنه لا يكفر تارك الصلاة إلا إذا تركها مطلقا أو دائما: الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، فقد سئل عن الإنسان الذي يصلي أحيانا ويترك أحيانا أخرى فهل يكفر؟ فأجاب: " الذي يظهر لي أنه لا يكفر إلا بالترك المطلق بحيث لا يصلي أبداً، وأما من يصلي أحيانا فإنه لا يكفر لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) ولم يقل ترك صلاة، بل قال: " ترك الصلاة "، وهذا يقتضي أن يكون الترك المطلق، وكذلك قال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها ـ أي الصلاة ـ فقد كفر) وبناء على هذا نقول: إن الذي يصلي أحيانا ويدع أحيانا ليس بكافر " انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين " (12/55) . لكنه سئل عن الذي يصلي صلاة الجمعة فقط؟ فأجاب: " لا يصلي إلا الجمعة فقط؟ لماذا لا يصلي إلا الجمعة؟ السائل: عادته. الجواب: عادة, إذاً: هذا الرجل لا أعتقد أن صلاته عبادة , ولهذا يصلي الجمعة عادة لأنه يلبس ويتزين ويتطيب ويذهب , وإن كنت أنا أرى أنه لا يكفر إلا من ترك الصلاة نهائياً أشك في إسلام هذا الرجل , لأن هذا الرجل إنما اتخذ صلاة الجمعة عيداً فقط؛ يتجمل ويذهب للناس وهو متطيب ومتجمل فقط , فأنا أشك في كون هذا باقياً على الإسلام. أما على ما رآه شيخنا عبد العزيز فهو كافر , وانتهى أمره " انتهى من "لقاء الباب المفتوح". والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83165 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1117 بعض أحكام الردة والمرتدين [السُّؤَالُ] ـ[أنا مسرور لأني وصلت إلى موقعك هذا، وقد ولدت مسلماً وتلقيت الكثير من التعليم الإسلامي بعد بلوغي، وأحاول استيعاب وفهم أمور ديني. وقد قرأت في بعض إجابتك المتعلقة بموضوع الردة أن عقوبة المرتد القتل، لكني قرأت في أحد المواقع في الانترنت أن المرتد الذي يقتل هو الذي يتخذ موقفاً محارباً للدين. وأنا أميل إلى الرأي الثاني أكثر. والسبب في ذلك أن لي اصدقاء ولدوا من عائلات إسلامية ويتسمون بأسماء إسلامية لكن بعضهم لا يعرف كيف يتوضأ وكيف يصلي ولكنهم يعرفون الشهادتين. فهل يمكن أن نعتبر هؤلاء مرتدين ونقتلهم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: على المسلم أن لا يميل إلى قول دون قول لمجرد موافقة القول لهواه أو لعقله، بل لا بد أن يأخذ الحكم بدليله من الكتاب والسنة، ولا بد أن يقدِّم نصوص الشريعة وأحكامها على كل شيء مما عداها. ثانيا: الردة والخروج من الإسلام قد تكون بالقلب أو اللسان أو العمل. فقد تكون الردة بالقلب كتكذيب الله تعالى، أو اعتقاد وجود خالق مع الله عز وجل، أو بغض الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم. وقد تكون الردة قولاً باللسان كسبِّ الله تعالى أو رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقد تقع الردة بعمل ظاهر من أعمال الجوارح كالسجود للصنم، أو إهانة المصحف، أو ترك الصلاة. والمرتد شرٌّ من الكافر الأصلي. قال شيخ الإسلام ابن تيمية – في الرد على الاتحادية الباطنية -: "ومعلوم أن التتار الكفار خير من هؤلاء فإن هؤلاء مرتدون عن الإسلام من أقبح أهل الردة، والمرتد شرٌّ من الكافر الأصلي من وجوه كثيرة" اهـ. مجموع الفتاوى " (2 / 193) . ثالثاً: ليس كل مسلم وقع في الكفر يكون كافرا مرتداً، فهناك أعذار قد يعذر بها المسلم ولا يحكم بكفره، منها: الجهل، والتأويل، والإكراه، الخطأ. أما الأول: فهو أن يكون الرجل جاهلاً لحكم الله تعالى، بسبب بعده عن ديار الإسلام كالذي ينشأ في البادية أو في ديار الكفر أو أن يكون حديث عهد بجاهلية، وقد يدخل في هؤلاء كثير من المسلمين الذين يعيشون في مجتمعات يغلب فيها الجهل، ويقل العلم، وهم الذي استشكل السائل الحكم بتكفيرهم وقتلهم. والثاني: هو أن يفسر الرجل حكم الله تعالى على غير مراد الشرع، كمن قلد أهل البدع فيما تأولوه كالمرجئة والمعتزلة والخوارج ونحوهم. والثالث: كما لو تسلط ظالم بعذابه على رجل من المسلمين فلا يخلي سبيله حتى يصرح بالكفر بلسانه ليدفع عنه العذاب، ويكون قلبه مطمئناً بالإيمان. والرابع: ما يسبق على اللسان من لفظ الكفر دون قصد له. وليس كل واحدٍ ممن جهل الوضوء والصلاة يمكن أن يكون معذوراً وهو يرى المسلمين يقومون بالصلاة ويؤدونها، ثم هو يقرأ ويسمع آيات الصلاة، فما الذي يمنعه من أدائها أو السؤال عن كيفيتها وشروطها؟ . رابعاً: المرتد لا يقتل مباشرة بعد وقوعه في الردة، لا سيما إذا كانت ردته بسبب شبهة حصلت له، بل يستتاب ويعرض عليه الرجوع إلى الإسلام وتزال شبهته إن كان عنده شبهة فإن أصر على الكفر بعد ذلك قتل. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (9/18) : المرتد لا يُقْتَلُ حَتَّى يُسْتَتَابَ ثَلاثًا. هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ ; مِنْهُمْ عُمَرُ , وَعَلِيٌّ , وَعَطَاءٌ , وَالنَّخَعِيُّ , وَمَالِكٌ , وَالثَّوْرِيُّ , وَالأَوْزَاعِيُّ , وَإِسْحَاقُ , وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. . . . لأَنَّ الرِّدَّةَ إنَّمَا تَكُونُ لِشُبْهَةٍ , وَلا تَزُولُ فِي الْحَالِ , فَوَجَبَ أَنْ يُنْتَظَرَ مُدَّةً يَرْتَئِي فِيهَا , وَأَوْلَى ذَلِكَ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ اهـ. وقد دلت السنة الصحيحة على وجوب قتل المرتد. روى البخاري (6922) عن ابْن عَبَّاسٍ قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ) . وروى البخاري (6484) ومسلم (1676) عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة) . وعموم هذه الأحاديث يدل على وجب قتل المرتد سواء كان محاربا أو غير محارب. والقول بأن المرتد الذي يقتل هو المحارب للدين فقط مخالف لهذه الأحاديث، وقد جعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السبب في قتله هو ردته لا محاربته للدين. ولا شك أن بعض أنواع الردة أقبح من بعض، وأن ردة المحارب أقبح من ردة غيره، ولذلك فرّق بعض العلماء بينهما، فلم يوجب استتابة المحارب ولا قبول توبته، بل يقتل ولو تاب، وأما غير المحارب فتقبل توبته ولا يقتل. وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. قال رحمه الله: الردة على قسمين: ردة مجردة، وردة مغلظة شرع القتل على خصوصها، وكلتاهما قد قام الدليل على وجوب قتل صاحبها؛ والأدلة الدالة على سقوط القتل بالتوبة لا تعمّ القسمين، بل إنما تدل على القسم الأول أي: الردة المجردة -، كما يظهر ذلك لمن تأمل الأدلة على قبول توبة المرتد، فيبقى القسم الثاني – أي: الردة المغلظة - وقد قام الدليل على وجوب قتل صاحبه، ولم يأت نص ولا إجماع بسقوط القتل عنه، والقياس متعذر مع وجود الفرق الجلي، فانقطع الإلحاق، والذي يحقق هذه الطريقة أنه لم يأت في كتاب ولا سنة ولا إجماع أن كل من ارتد بأي قول أو أي فعل كان فإنه يسقط عنه القتل إذا تاب بعد القدرة عليه، بل الكتاب والسنة والإجماع قد فرّق بين أنواع المرتدين .... " الصارم المسلول " (3 / 696) . والحلاّج من أشهر الزنادقة الذين تمّ قتلهم دون استتابة، قال القاضي عياض: وأجمع فقهاء بغداد أيام المقتدر من المالكية على قتل الحلاج وصلبه لدعواه الإلهية والقول بالحلول، وقوله: " أنا الحق " مع تمسكه في الظاهر بالشريعة، ولم يقبلوا توبته. " الشفا بتعريف حقوق المصطفى " (2 / 1091) . وعليه: فيتبين خطأ ما قاله الأخ السائل من كون المرتد لا يقتل إلا إن كان محارباً للدين، والتفريق الذي ذكرناه عن شيخ الإسلام ابن تيمية لعله أن يزيل الإشكال ويوضح المراد. والمحاربة للدين ليست قاصرة على محاربة السلاح فقط، بل المحاربة تكون باللسان كسب الإسلام أو النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوالطعن في القرآن ونحو ذلك. بل قد تكون المحاربة باللسان أشد من المحاربة بالسلاح في بعض الصور. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: المحاربة نوعان: محاربة باليد، ومحاربة باللسان، والمحاربة باللسان في باب الدين قد تكون أنكى من المحاربة باليد - كما تقدم تقريره في المسألة الاولى -، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يَقتل من كان يحاربه باللسان مع استبقائه بعض من حاربه باليد، خصوصاً محاربة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد موته؛ فإنها إنما تمكن باللسان، وكذلك الإفساد قد يكون باليد، وقد يكون باللسان، وما يفسده اللسان من الأديان أضعاف ما تفسده اليد، كما أن ما يصلحه اللسان من الأديان أضعاف ما تصلحه اليد، فثبت أن محاربة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم باللسان أشد، والسعي في الأرض لفساد الدين باللسان أوكد. " الصارم المسلول " (3 / 735) . خامساً: وأما ترك الصلاة: فالصحيح أن تاركها كافر مرتد. راجع السؤال (5208) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 14231 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1118 لا يتذكر عدد الصلوات ولا أيام الصيام الواجبة في ذمته فماذا يفعل؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان المسلم لا يتذكر أعداد الصلوات وأيام الصيام التي فاتته، فكيف يباشر قضاءها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الصلوات الفائتة لا تخلو من ثلاث حالات: الأولى: أن يكون ترك الصلاة لعذر كالنوم أو النسيان، ففي هذه الحالة يجب قضاؤها , لقوله صلى الله عليه وسلم: (من نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها) رواه البخاري (572) ومسلم (684) – واللفظ له -. ويصليها مرتبة كما وجبت عليه، الأولى فالأولى؛ لحديث جابر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم جاء يوم الخندق بعد ما غربت الشمس فجعل يسب كفار قريش قال: يا رسول الله ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: والله ما صليتها، فقمنا إلى بطحان فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها فصلَّى العصر بعد ما غربت الشمس , ثم صلى بعدها المغرب. رواه البخاري (571) ومسلم (631) . الحالة الثانية: أن يكون ترك الصلاة لعذر لا يكون معه إدراك , كالغيبوبة، ففي هذه الحالة تسقط الصلاة عنه، ولا يجب عليه قضاؤها. سئل علماء اللجنة الدائمة: وقع عليّ حادث سيارة ورقدت في المستشفى ثلاثة شهور ولم أع نفسي ولم أصل كل هذه المدة، هل تسقط عني أم أعيد كل الصلاة الماضية؟ فأجابوا: " تسقط عنك الصلاة في المدة المذكورة ما دمت لا تعقل في تلك المدة " انتهى. وسئلوا – أيضاً -: إذا أغمي على إنسان لمدة شهر ولم يصل طوال هذه الفترة، وأفاق بعده فكيف يعيد الصلوات الفائتة؟ فأجابوا: " لا يقض ما تركه من الصلوات في هذه المدة، لأنه في حكم المجنون والحال ما ذكر , والمجنون مرفوع عنه القلم " انتهى. " فتاوى اللجنة الدائمة " (6/21) . الحالة الثالثة: أن يكون ترك الصلاة عمداً من غير عذر، فهذا لا يخلو من حالين: إما أن يكون جاحداً لها غير معترف بوجوبها، فهذا لا خلاف في كفره , وأنه ليس من الإسلام في شيء، فعليه أن يدخل في الإسلام ثم يعمل بأركانه وواجباته , ولا يجب عليه قضاء ما ترك من الصلاة حال كفره. والثانية: أن يكون تركه للصلاة تهاونا وكسلا فهذا لا يصح منه قضاؤها , لأنه لم يكن له عذر حين تركها، وقد أوجبها الله عليه في زمن معلوم وبتوقيت محدود، قال سبحانه: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) النساء/103، أي: لها وقت محدد، ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) رواه البخاري (2697) ومسلم (1718) . وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: لم أصلِّ إلا بعد ما بلغت الرابعة والعشرين من عمري، وصرت الآن أصلي مع كل فرض فرضاً آخر، فهل يجوز لي ذلك؟ وهل أداوم على هذا، أم إن عليَّ حقوقاً أخرى؟ فأجاب: " الذي يترك الصلاة عمداً ليس عليه قضاء على الصحيح، وإنما عليه التوبة إلى الله عز وجل؛ لأن الصلاة عمود الإسلام، وتركها أعظم الجرائم، بل تركها عمداً كفر أكبر في أصح قولي العلماء؛ لما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح عن بريدة رضي الله عنه؛ ولقوله عليه الصلاة والسلام: (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وفي الباب أحاديث أخرى تدل على ذلك. فالواجب عليك يا أخي التوبة إلى الله التوبة الصادقة، وذلك بالندم على ما مضى منك، والإقلاع من ترك الصلاة، والعزم الصادق على أن لا تعود إلى ذلك، وليس عليك أن تقضي لا مع كل صلاة ولا في غير ذلك، بل عليك التوبة فقط، والحمد لله، من تاب تاب الله عليه، يقول الله سبحانه: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) . فعليك أن تصدُق في التوبة، وأن تحاسب نفسك، وأن تجتهد بالمحافظة على الصلاة في أوقاتها في الجماعة، وأن تستغفر الله عما جرى منك، وتكثر من العمل الصالح، وأبشر بالخير، يقول الله سبحانه: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) ، ولما ذكر الشرك والقتل والزنا في سورة الفرقان قال جل وعلا بعد ذلك: (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا. إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) . نسأل الله لنا ولك التوفيق، وصحة التوبة، والاستقامة على الخير " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (10 / 329، 330) . ثانياً: وأما قضاء الصيام؛ فإن كان تركك للصيام في الوقت الذي كنت فيه تاركاً للصلاة , فلا يجب عليك قضاء تلك الأيام التي أفطرتها , لأن تارك الصلاة كافر كفراً أكبر مخرج من الملة – كما سبق - والكافر إذا أسلم لا يلزمه أن يقضي ما تركه من العبادات حال كفره. أما إن كان تركك للصيام في وقت كنت تصلي فيه , فلا يخلو الأمر من احتمالين: الأول: أنك لم تنو الصيام من الليل , بل عزمت على الفطر , فهذا لا يصح منك قضاؤه , لأنك تركت فعل العبادة في الوقت المحدد لها شرعا من غير عذر. الثاني: أن تكون بدأت في صيام اليوم ثم أفطرت فيه , فهذا يجب عليك قضاؤه , لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر المجامع في نهار رمضان بالكفارة قال له: (صم يوماً مكانه) رواه أبو داود (2393) , وابن ماجه (1671) , وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (940) . وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى عن حكم الفطر في نهار رمضان بدون عذر؟ فأجاب: " الفطر في نهار رمضان بدون عذر من أكبر الكبائر، ويكون به الإنسان فاسقاً، ويجب عليه أن يتوب إلى الله، وأن يقضي ذلك اليوم الذي أفطره، يعني لو أنه صام وفي أثناء اليوم أفطر بدون عذر فعليه الإثم، وأن يقضي ذلك اليوم الذي أفطره؛ لأنه لما شرع فيه التزم به ودخل فيه على أنه فرض فيلزمه قضاؤه كالنذر، أما لو ترك الصوم من الأصل متعمداً بلا عذر: فالراجح: أنه لا يلزمه القضاء؛ لأنه لا يستفيد به شيئاً، إذ إنه لن يقبل منه، فإن القاعدة أن كل عبادة مؤقتة بوقت معين فإنها إذا أخرت عن ذلك الوقت المعين بلا عذر لم تقبل من صاحبها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) ولأنه مِن تعدي حدود الله عز وجل، وتعدي حدود الله تعالى ظلم، والظالم لا يقبل منه، قال الله تعالى: (وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ?للَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ ?لظَّلِمُونَ) ؛ ولأنه لو قدم هذه العبادة على وقتها - أي: فعلها قبل دخول الوقت - لم تقبل منه، فكذلك إذا فعلها بعده لم تقبل منه إلا أن يكون معذوراً " انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (19 / السؤال رقم 45) . والواجب عليه أن يتوب توبة صادقة من كل الذنوب، وأن يحافظ على الواجبات، ويترك المنكرات، ويكثر من النوافل والقربات. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 72216 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1119 الفرق بين الزوجة الكتابية والزوجة تاركة الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[قرأت فتوى لكم لرجل مسلم امرأته مسلمة لا تصلي، قلتم له إنه يجب أن يطلقها. وأعلم أن المسلم يجوز له الزواج من كتابية، والكتابية لا تصلي. أليس هناك خلل ... ؟ !.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس في الفتوى المشار إليها خلل، وإنما جاء الخلل من إرادة السائل أن يسوي بين المرأة التي تنتسب إلى الإسلام وتترك الصلاة، والمرأة اليهودية أو النصرانية، بحجة أن كلتاهما لا تصلي! وهذه التسوية غير صحيحة لأن بينهما فرقاً، وهو أن ترك الصلاة كفر أكبر، وردة وخروج من دين الإسلام، وقد سبق بيان ذلك في كثير من الأجوبة بالموقع، منها جواب السؤال رقم (9400) ، (5208) . وبناء على هذا القول فإن المرأة التي لا تصلي تكون كافرة ومرتدة عن الإسلام. والمرتد عن الإسلام حكمه أشد من حكم اليهود أو النصارى. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " والمرتد شرٌّ من الكافر الأصلي من وجوه كثيرة " انتهى. " مجموع الفتاوى " (2 / 193) . ولذلك لا تؤكل ذبيحة المرتد، وإن كانت تؤكل ذبيحة اليهودي والنصراني، ولا يجوز للمسلم أن يتزوج مرتدة، بل إذا ارتدت زوجته انفسخ النكاح، وإن كان يجوز للمسلم أن يتزوج يهودية أو نصرانية. فأصل المسألة هو الحكم بكفر تارك الصلاة، فمن ذهب إلى ذلك منع من الزواج ممن لا تصلي، وأوجب فراقها إن تركت الصلاة، وهذا مذهب الإمام أحمد رحمه الله وأفتى به جماعة من أهل العلم، كالشيخ ابن باز رحمه الله، والشيخ ابن عثيمين رحمه الله، والشيخ صالح الفوزان حفظه الله، وهو ما سرنا عليه في الفتاوى ذات الصلة. وهكذا إذا ارتكبت المرأة أمرا مكفرا، كَسَبِّ الله تعالى أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم، وأصرت على كفرها ولم تتب، فإنه لا يحل أن تبقى زوجةً لمسلم، وكذلك الحال بالنسبة للزوج لو حُكم بردته فإنه يجب التفريق بينه وبين زوجته. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 72245 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1120 هل تؤكل ذبيحة تارك الصلاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[أود أن أسال كيف نفعل لو كان أخي لا يصلى وهو في الشرع يعتبر كافراً، فهل نأكل مما يذبح أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب عليكم نصح أخيكم بالمحافظة على الصلاة، وأعلموه بحكم الله تعالى في تاركها، وامنعوه من مباشرة الذبح لكم، وليعلم سبب هذا المنع، وهو أن تارك الصلاة يعتبر كافراً، فلا تحل ذبيحته، فلعل معرفته الحكم تؤثر فيه، ويرجع إلى دينه ويقيم الصلاة، وهذا خير له في دينه ودنياه، وعاجله وآجله. سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: هل يجوز الأكل من ذبائح تارك الصلاة عمداً - علما أنه إذا أخبر بذلك احتج بأنه كان ينطق بالشهادة، كيف العمل إذا لم يوجد أي جزار يصلي؟ فأجاب: " الذي لا يصلي لا تؤكل ذبيحته، هذا هو الصواب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بين الرجل والشرك والكفر ترك الصلاة) أخرجه مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما، وقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن الأربع بإسناد صحيح من حديث بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه، وقوله صلى الله عليه وسلم: (رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة) أخرجه الإمام أحمد والترمذي بإسناد صحيح عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، فكل شيء سقط عموده لا يستقيم ولا يبقى، ومتى سقط العمود سقط ما عليه. وبذلك يعلم أن الذي لا يصلي لا دين له، ولا تؤكل ذبيحته، وإذا كنت في بلد ليس فيها جزار مسلم فاذبح لنفسك، واستعمل يدك فيما ينفعك، أو التمس جزارا مسلما ولو في بيته حتى يذبح لك، وهذا بحمد الله ميسر فليس لك أن تتساهل في الأمر. وعليك أن تنصح هذا الرجل بأن يتقي الله وأن يصلي، وقوله: " إنه يكتفي بالشهادتين " غلط عظيم، فالشهادتان لا بد معهما من حقهما؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله) متفق على صحته. فذكر الصلاة والزكاة مع الشهادتين، وفي اللفظ الآخر: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله الله، فإذا قالوا لا إله إلا الله عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله) والصلاة من حقها، والزكاة من حقها. فالواجب على المؤمن أن يتقي الله، والواجب على كل من ينتسب إلى الإسلام أن يتقي الله ويصلي الصلوات الخمس ويحافظ عليها، وهي عمود الإسلام، وهي الركن الأعظم من أركان الإسلام بعد الشهادتين، من ضيعها ضيع دينه، ومن تركها خرج عن دينه، نسأل الله العافية. هذا هو الحق والصواب، وقال بعض أهل العلم: إنه لا يكون كافرا كفرا أكبر، بل يكون كفره كفرا أصغر، ويكون عاصيا معصية عظيمة، أعظم من الزنا، وأعظم من السرقة، وأعظم من شرب الخمر، ولا يكون كافرا كفرا أكبر إلا إذا جحد وجوبها، هكذا قال جمع من أهل العلم، ولكن الصواب ما دل عليه قول الرسول صلى الله عليه وسلم، أن مثل هذا يكون كافرا كفرا أكبر كما تقدم من الأحاديث في ذلك؛ لأنه ضيع عمود الإسلام وهو الصلاة. فلا ينبغي التساهل بهذا الأمر، وقال عبد الله بن شقيق العقيلي التابعي الجليل رحمه الله: لم يكن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يرون شيئا تركه كفر إلا الصلاة. فذكر إجماع الصحابة على أن تارك الصلاة عندهم كافر، نسأل الله العافية. فالواجب الحذر، والواجب المحافظة على هذه الفريضة العظيمة، وعدم التساهل مع من تركها، فلا تؤكل ذبيحته، ولا يدعى لوليمة، ولا تجاب دعوته؛ بل يهجر حتى يتوب إلى الله وحتى يصلي، نسأل الله الهداية للجميع " انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (10/274– 276) . وانظر جواب السؤال رقم (1553) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 70278 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1121 هل يصلون الجنازة على تارك الصلاة خشية الفتنة من تركها؟ [السُّؤَالُ] ـ[قرية معظم سكانها لا يصلون، متمسكون ببعض التقاليد الإسلامية، وقد يكون من بينهم من هو كافر، ونحن جماعة ملتزمة وندعوهم إلى الله، ولنا أمل في هدايتهم، ونحن لا نصلي صلاة الجنازة إلا على المصلين، وهذا يحدث فتنة إن لم نصل على غير المصلين. هل يجوز الصلاة على الجميع في سبيل الدعوة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله حكم الصلاة على تارك الصلاة مبني على اختلاف العلماء في حكمه هل هو مسلم عاصٍ أم كافر؟ والذي تدل عليه ظواهر النصوص وإجماع الصحابة رضي الله عنهم: أن تارك الصلاة كافر كفراً أكبر، وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال رقم (10061) ، وفي جواب السؤال رقم (70278) : أن الذي لا يصلي لا تؤكل ذبيحته، وفي جواب السؤالين (37820) و (49698) : أن تارك الصلاة لا يقبل منه عمل، لا زكاة، ولا صيام، ولا حج ولا شيء، وفي جواب السؤال رقم (7864) : أن الواجب أن يخصص للمسلمين مقابر، ولا يدفن فيها غيرهم، والذي لا يصلي ويموت وهو تارك للصلاة لا يدفن في مقابر المسلمين. وفي الوقت نفسه لا نستطيع إنكار وجود قول آخر في المسألة، ولا حرج على من تبناه معتقداً صحته. فإذا كنتم ترون كفر تارك الصلاة فلا تصلوا على أحدٍ ممن مات وهو تارك لها، ولتصبروا على ما تلقونه من أذى من السفهاء. وإن كنتم لا ترون كفر تارك الصلاة: فلا بأس من صلاتكم على من مات وهو تارك للصلاة، مع أن الأفضل هو عدم الصلاة عليه عقوبة له، وزجراً لغيره عن هذه المعصية الكبيرة. ولعل ترككم الصلاة على هذا وأمثاله يكون دافعا للناس لإقامة الصلاة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 67113 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1122 هل يجوز لزوجة تارك الصلاة إخراج زكاة الفطر عنها وعن أولادها؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل تقبل زكاة الفطر من تارك الصلاة؟ وهل يجوز لزوجته إخراجها من غير علمه لها ولأولادها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تارك الصلاة إن كان جاحدا لها فهو كافر باتفاق العلماء. وإن كان مقرا لها، لكنه يتركها كسلا وتهاونا، فهو كافر أيضا على الصحيح من قولي العلماء، لأدلة معلومة مشهورة، سبق ذكر شيء منها في جواب السؤال رقم (2182) . وعلى هذا القول، فلا يصح من تارك الصلاة زكاة ولا صوم ولا حج، ولا يجوز للمرأة المسلمة أن تمكنه من نفسها حتى يتوب ويصلي. وعلى الزوجة أن تخرج زكاة الفطر عن نفسها. وإن أخرجت عن أولادها فحسن. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "زكاة الفطر واجبة وفريضة، وهي كغيرها من الواجبات، يخاطب كل إنسان بنفسه، فأنت أيها الإنسان مخاطب تخرج الزكاة عن نفسك، ولو كان لك أب أو أخ، وكذلك الزوجة مخاطبة أن تخرج الزكاة عن نفسها، ولو كان لها زوج" انتهى. "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (18/261) . وعلى هذا، فإنك تخرجين زكاة الفطر عن نفسك، أما الأولاد، فإذا كانوا صغاراً؛ فإنك تخرجين عنهم الزكاة، ولا حرج أن يكون ذلك بدون علم الأب. وإن كانوا كباراً بالغين فإنهم يخرجونها عن أنفسهم إن كان لديهم أموال. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65739 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1123 يشق عليه القيام للصلوات نظراً لظروف عمله وثقَل نومه [السُّؤَالُ] ـ[مواعيد عملي تحتم عليَّ أن أعمل طوال الليل وأن أنام بالنهار ويصعب عليَّ أن أقوم بالصلوات الأربعة الأخرى، نظراً للتعب في العمل فإني لا أستطيع القيام أثناء النوم والقيام بالصلاة ثم أنام مرة أخرى ولسبب آخر وهو أن " نومي ثقيل " وعندما أنام لا يستطيع أحد أن يوقظني من النوم، حتى لو أني نويت القيام للصلاة أثناء النوم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: كان بعض الصحابة رضي الله عنهم يعملون الأعمال الشاقة كالزراعة والرعي وجمع الحطب ونحو ذلك ولم يكونوا من المفرطين في صلاتهم، بل كانوا محافظين عليها ليس في وقتها وحسب بل وفي جماعة، وحافظوا على العبادة وطلب العلم، ولم تأت الرخصة لهم في ترك الصلاة من أجل العمل. ولذلك فالواجب على أهل الأعمال وغيرهم أداء الصلوات في أوقاتها. وقد أثنى الله تعالى على المؤمنين بأنهم لا تشغلهم أعمالهم عن طاعة الله تعالى، فقال: (رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) النور/37-38. ثانياً: والنائم معذور وقت نومه، فإذا استيقظ وجب عليه أداء الصلاة بعد استيقاظه. فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: (مَن نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها) رواه البخاري (572) ومسلم (684) . قال الشوكاني رحمه الله: " الحديث يدل على أن النائم ليس بمكلف حال نومه وهو إجماع ... وظاهر الحديث أنه لا تفريط في النوم سواء كان قبل دخول وقت الصلاة أو بعده قبل تضيقه وقيل: إنه إذا تعمد النوم قبل تضيق الوقت واتخذ ذلك ذريعة إلى ترك الصلاة لغلبة ظنه أنه لا يستيقظ إلا وقد خرج الوقت كان آثما , والظاهر أنه لا إثم عليه بالنظر إلى النوم ; لأنه فعله في وقت يباح فعله فيه فيشمله الحديث , وأما إذا نظر إلى التسبب به للترك فلا إشكال في العصيان بذلك " انتهى. " نيل الأوطار " (2 / 33، 34) . ثالثاً: والواجب على النائم قبل نومه أن يحرص على الاستيقاظ في وقت الصلاة، وأن يأخذ بالأسباب التي تعينه على أداء الصلاة في وقتها، فإن فعل ولم يستيقظ فهو معذور لأنه أدى الذي عليه و (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) ، وقد حصل هذا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره. فعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: سرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فقال بعض القوم: لو عَرَّست بنا يا رسول الله (أي: نزلت بنا آخر الليل حتى نستريح) ، قال: أخاف أن تناموا عن الصلاة، قال بلال: أنا أوقظكم، فاضطجعوا وأسند بلال ظهره إلى راحلته فغلبته عيناه فنام، فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم وقد طلع حاجب الشمس، فقال: يا بلال أين ما قلت؟ قال: ما ألقيت علي نومة مثلها قط، قال: إن الله قبض أرواحكم حين شاء وردها عليكم حين شاء، يا بلال قم فأذن بالناس بالصلاة، فتوضأ فلما ارتفعت الشمس وابياضت قام فصلى. رواه البخاري (570) ومسلم (681) وعنده: (احفظوا علينا صلاتنا) . فالنبي صلى الله عليه وسلم قد أخذ بأسباب الاستيقاظ بجعله بلالاً لينبههم لصلاتهم، إلا أنه غلبته عيناه، فنام ونام القوم معه حتى طلعت الشمس ولم يكونوا مفرطين، ولذلك قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه ليس في القوم تفريط) . وأما من سهر في عمل أو غيره ولم يأخذ بأسباب الاستيقاظ فصلَّى بعد الوقت: فيعتبر تاركاً للصلاة متعمداً، وهو غير معذور بنومه. وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: عمن يسهر ولا يستطيع أن يصلي الفجر إلا بعد خروج الوقت فهل تقبل منه؟ وحكم بقية الصلوات التي يصليها في الوقت؟ فأجاب: " أما صلاة الفجر التي يؤخرها عن وقتها وهو قادر على أن يصليها في الوقت لأن بإمكانه أن ينام مبكراً فإن صلاته هذه لا تقبل منه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) رواه مسلم، والذي يؤخر الصلاة عن وقتها عمداً بلا عذر: قد عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله فيكون مردوداً عليه. لكن قد يقول: إنني أنام، وقد قال النبي صلي الله عليه وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك) . فنقول: إذا كان بإمكانه أن ينام مبكراً ليستيقظ مبكراً، أو يجعل عنده ساعة تنبهه، أو يوصي من ينبهه: فإن تأخيره الصلاة، وعدم قيامه يعتبر تعمداً لتأخير الصلاة عن وقتها، فلا تقبل منه " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (12 / السؤال رقم 14) . رابعاً: وقد يكون الرجل ثقيل النوم، فهذا على حالين: الحال الأولى: أن يكون ثقل نومه بسبب سهره في العمل أو في طلب العلم أو قيام الليل: فمثل هذا لا يجوز له أن يتسبب في تضييع الصلاة عن وقتها من أجل ما سبق، ويجب عليه أن يبحث عن عمل آخر لا يسبب له تضييع الصلوات، ما لا يجوز له الاشتغال بالنوافل أو حتى طلب العلم – وهو واجب في أصله – على حساب تضييع الصلوات، وترك الصلاة هنا يعتبر تعمداً؛ لأنه يستطيع تغيير العمل، ويستطيع ترك السهر. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: " الواجب على الإخوة الذين يخرجون إلى الرحلات أن يشكروا الله تعالى على هذه النعمة حيث جعلهم في رخاء ويسر من العيش، وفي أمن وأمان من الخوف، ويقوموا بما أوجب الله عليهم من الصلاة في أوقاتها، سواء صلاة الفجر أم غيرها، ولا يحل لهم أن يؤخروا صلاة الفجر عن وقتها بحجة أنهم نائمون، لأن هذا النوم لا يعذرون فيه غالباً لكونهم يستطيعون أن يكون لهم منبهات تنبههم للصلاة في وقتها، ويستطيعون أن يناموا مبكرين حتى يقوموا نشيطين " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (12 / السؤال رقم 14) . وأما الحال الثانية: أن يكون ثقل النوم طبعاً في الرجل، وليس له تعلق بسهر أو عمل، وقد عرف هذا عن بعض الأقوام والأشخاص، فإن كان كذلك: فهو معذور إن كان قد أخذ بالأسباب ولم يستيقظ. فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ونحن عنده فقالت: يا رسول الله إن زوجي صفوان بن المعطل لا يصلي صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، قال: وصفوان عنده، قال: فسأله عما قالت، فقال: يا رسول الله إنا أهل بيت قد عرف لنا ذاك لا نكاد نستيقظ حتى تطلع الشمس قال: (فإذا استيقظت فصلِّ) . رواه أبو داود (2459) وصححه الشيخ الألباني في " إرواء الغليل " (7 / 65) . والخلاصة: أن الذي يظهر من حالك أن ثقل نومك له تعلق بالسهر، والسهر كان بسبب العمل وعليه: فلا يجوز لك البقاء في عملك هذا؛ لأنه يؤدي بك إلى ترك أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، فابحث عن عمل غيره يعوضك الله خيراً منه. وسترى التغير الطيب في دينك وجسمك ونفسيتك، أما الدين: فإن أداء الصلوات في أوقاتها من أعظم الواجبات، وتركه من أعظم المحرمات، وأما جسمك: فإن علماء الطب قد ذكروا مضار كثيرة لمن يعمل بالليل، وأن نوم النهار لا يعطي الجسم الراحة التي تحصل له من نوم الليل، وكل ما سبق يؤثر على نفسيتك تأثيراً سلبيّاً. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65605 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1124 زنى بامرأة وتزوجت بغيره ويريد الزاني الزواج منها [السُّؤَالُ] ـ[اتصل بي أحد الاخوة من نفس مدينتي المسلمة وهو على علاقة بإحدى قريباتي (لقد أخبرني الآن ولم يكن لدي علم من قبل) ويدعي أنهما ارتكبا الزنا وأنها ربما تكون في انتظار ابنه قريبا. كان يفترض أن يتزوج بها في أقرب وقت. مؤخرا تزوجت شخصا آخر وهي الآن هنا. الأخ الذي اتصل بي ذهل عندما عاد من رحلة عمل وعلم بالأمر. يريدني أن أسمح له بالاتصال بها وأود أن أنصحه بأن ينساها وأن يتوب إلى الله حيث أنها كانت تعبث معه خلال السنتين الماضيتين. لقد عبثت معي أيضا ولكن الله هداني. لا أظن أن أحدا ممن ذكرتهم يطبق الشريعة أو يصلي أيضا. ما هي المسؤولية الواجبة علي من ناحية إسلامية؟ وهل علي أن أستشير أحدا آخر؟ أرجوك أيها الشيخ انصحني فأنا لا أعلم ما يجب علي فعله.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سؤالك أيها المسلم يحتوي على معضلات وليس معضلة واحدة فحسب، وإليك بيانها: 1- ترك الصلاة من قبل صديقك وقريبتك اللذان ينتسبان إلى الإسلام، وهذا العمل كفر أنظر للضرورة السؤال (5208) و (2182) ، بل إنك تقول بأنهم لا يُطبقون الشريعة الإسلامية وهذه رزية فوق رزية، وكفر على كفر نعوذ بالله من ذلك. 2- الوقوع في الزنا والمعلوم تحريمه بالضرورة من دين الإسلام، بل هو محرم حتى في الأديان السماوية الأخرى. 3- زواج المرأة الزانية وهي حامل من الزنا. 4- طلب الزاني الزواج من الزانية بعد زواجها من غيره. فبأي رزية نبدأ، وعلى أي سؤالٍ نجيب فلا حول ولا قوة إلا بالله. فلنبدأ بالأهم فالأهم: 1- الكفر بترك الصلاة وسائر شعائر الدين.. مما لا شك فيه أن الكفر موجب لدخول النار قال تعالى عن المشركين في جوابهم عن سبب دخولهم النار {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47) } المدثر. قال ابن كثير في تفسير هذا المقطع: " {لم نك من المصلين} أي ما عبدنا ربنا. {ولم نك نطعم المسكين} أي: ولا أحسنا إلى خلقه من جنسنا. {وكنا نخوض مع الخائضين} أي نتكلم فيما لا نعلم وقال قتادة: كلما غوى غاوٍ غوينا معه. {وكنا نكذب بيوم الدين} قال ابن جرير: قالوا: وكنا نكذب بيوم المجازاة والثواب والعذاب, ولا نصدق بثواب ولا عقاب ولا حساب. {حتى أتانا اليقين} يعني الموت كقوله تعالى " واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ". أما بالنسبة لك أيها السائل فالواجب عليك نصحهم وإقامة الحجة عليهم وأن تبين لهم أنَّ ماهم عليه هدم لعمود الدين والركن الركين من أركان الإسلام، فعليهم المبادرة بالتوبة من ترك الصلاة وسائر شعائر الإسلام، ولا يجوز لك التهاون مع تارك الصلاة بأي حال وتبدأ بنصحه وتوجيهه ثم بهجره والإعراض عنه وترك السلام عليه، وعدم مؤاكلته والجلوس معه إذا كان ذلك يفيده، وإشعاره بعظم ذنبه لعله يرجع إلى ربه ويتوب. 2- الوقوع في الزنا ذنبٌ عظيم قال الله تعالى: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) الإسراء/32، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ولا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ) رواه البخاري رقم (2475) . وهو من كبائر الذنوب، ومرتكبه متوعد بعقاب أليم فقد جاء في الحديث العظيم - حديث المعراج - والذي فيه: ( ... فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ قَالَ فَأَحْسِبُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ قَالَ فَاطَّلَعْنَا فِيهِ فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا قَالَ قُلْتُ لَهُمَا مَا هَؤُلاءِ ... قَالَ قَالا لِي أَمَا إِنَّا سَنُخْبِرُكَ ... َأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ الْعُرَاةُ الَّذِينَ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ فَإِنَّهُمْ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي) رواه البخاري في باب إثم الزناة رقم (7047) راجع للأهمية سؤال (11195) . 3- وأما المسألة الثالثة وهي زواج الزانية وهي حامل فاعلم أنه " لا يجوز الزواج من الزانية حتى تتوب ... وإذا أراد رجلٌ أن يتزوجها وجب عليه أن يستبرأها بحيضة قبل أن يعقد عليها النكاح وإن تبين حملها لم يجز له العقد عليها إلا بعد أن تضع حملها ... " انتهى من فتوى للشيخ محمد بن ابراهيم –رحمه الله - انظر الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة 2/ 584 وبناءً عليه فإن زواج هذه المرأة وهي حامل من الزنى زواجٌ باطل، ويجب على من تزوجها أن يُفارقها حالاً، وإلا فهو زانٍ يُقام عليه حد الزنى. ثم إذا فارقها ووضعت حملها وصار رحمها بريئاً، وتابت توبةً صادقة فيجوز له أن يتزوجها بعد توبته هو أيضاً. 4- وأما الرجل الأول – الزاني – فيجب عليه أن يتوب إلى الله تعالى ولا يجوز له أن يتزوجها مطلقاً لأمرين: أولاً: لأنهما زانيان، ونكاح الزناة محرم على المؤمنين.أنظر سؤال (11195) . ثانياً: لارتباطها برجل آخر غيره. فعليه أن يصرف النظر عنها البتة، وأن يتوب إلى الله من عظيم جرمه ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. اللهم اهد ضال المسلمين، وردنا إليك رداً جميلاً يا أرحم الراحمين والحمد لله رب العالمين. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 22448 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1125 هل من يصلي الجمعة فقط ليس بكافر؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل صحيح من يصلي الجمعة ليس بكافر حيث كنت قرأت للشيخ ابن عثيمين رحمه الله فقال: من يصلي الجمعة ليس كافرا، لأنه لم يتركها مطلقا، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (الصلاة) وليست (صلاة) فهل ورد عن ابن عثيمين وابن تيمية ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف القائلون بكفر تارك الصلاة، في الحد الذي يوجب تركه الكفر، فذهب أكثرهم إلى أنه يكفر بترك فريضة واحدة، أو فريضتين. وذهب بعضهم إلى أن تارك الصلاة لا يكفر إلا إذا تركها مطلقا. والقول الأول حكاه إسحاق بن راهويه رحمه الله عن الصحابة والتابعين. قال الإمام محمد بن نصر المروزي رحمه الله: "سمعت إسحاق يقول: قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تارك الصلاة كافر، وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، أن تارك الصلاة عمدا من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر. وذهاب الوقت أن يؤخر الظهر إلى غروب الشمس، والمغرب إلى طلوع الفجر. وإنما جعل آخر أوقات الصلوات ما وصفنا لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين بعرفة والمزدلفة وفي السفر، فصلى إحداهما في وقت الأخرى، فلما جعل النبي صلى الله عليه وسلم الأولى منهما وقتا للأخرى في حال، والأخرى وقتا للأولى في حال، صار وقتاهما وقتا واحدا في حال العذر، كما أُمرت الحائض إذا طهرت قبل غروب الشمس أن تصلى الظهر والعصر، وإذا طهرت آخر الليل أن تصلى المغرب والعشاء" انتهى من "تعظيم قدر الصلاة" (2/929) . ونقل محمد بن نصر رحمه الله عن الإمام أحمد أنه قال: "لا يكفر أحد بذنب إلا تارك الصلاة عمدا. فإن ترك صلاة إلى أن يدخل وقت صلاة أخرى يستتاب ثلاثا" انتهى. ونقل عن ابن المبارك أنه قال: "من ترك الصلاة متعمدا من غير علة، حتى أدخل وقتا في وقت فهو كافر" انتهى. "تعظيم قدر الصلاة" (2/927) . وقال ابن حزم رحمه الله: "روينا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومعاذ بن جبل، وابن مسعود، وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم، وعن ابن المبارك، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه رحمة الله عليهم، وعن تمام سبعة عشر رجلا من الصحابة، رضي الله عنهم، أن من ترك صلاة فرضٍ عامدا ذاكرا حتى يخرج وقتها، فإنه كافر ومرتد، وبهذا يقول عبد الله بن الماجشون صاحب مالك، وبه يقول عبد الملك بن حبيب الأندلسي وغيره". انتهى من "الفصل في الملل والأهواء والنحل" (3/128) . وقال رحمه الله: "وقد جاء عن عمر، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاذ بن جبل، وأبي هريرة، وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم أن من ترك صلاة فرض واحدة متعمدا حتى يخرج وقتها فهو كافر مرتد" انتهى من "المحلى" (2/15) . وبهذا القول أفتى علماء اللجنة الدائمة للإفتاء، وعلى رأسهم الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله. "فتاوى اللجنة الدائمة" (6/40،50) . وقد استدل بعض أهل العلم لهذا المذهب بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله) رواه البخاري (528) لأن حبوط العمل لا يكون إلا بالكفر، ولما سبق نقله عن الصحابة الذين رووا هذه الأحاديث. وأما القول الثاني: وهو عدم تكفير تارك الصلاة إلا إذا تركها مطلقا، فهذا ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، مع حكمه بالكفر على من ترك بعض الصلاة ودعاه الحاكم إلى الصلاة فلم يصل. ويرى كذلك رحمه الله أن هذا الذي يصلي ويترك، إذا عزم في قلبه على الترك بالكلية، كفر باطنا، أي فيما بينه وبين الله تعالى. ينظر: "مجموع الفتاوى" (22/49) ، (7/615) و"شرح العمدة" (2/94) . وإلى هذا القول ذهب الشيخ ابن عثيمين رحمه الله حيث قال: "والذي يظهر من الأدلة: أنه لا يكفر إلا بترك الصلاة دائما؛ بمعنى أنه وطن نفسه على ترك الصلاة؛ فلا يصلي ظهرا، ولا عصرا، ولا مغربا، ولا عشاء، ولا فجرا، فهذا هو الذي يكفر. فإن كان يصلي فرضا أو فرضين فإنه لا يكفر؛ لأن هذا لا يصدق عليه أنه ترك الصلاة؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) ، ولم يقل: (ترك صلاة) " انتهى من "الشرح الممتع" (2/26) . ولم نقف على كلام مكتوب له رحمه الله فيمن يصلي الجمعة فقط، لكن كنا سألناه عن ذلك مشافهة، فأجاب بأن الظاهر أنه يكفر، لأن صلاة الجمعة صلاة واحدة من خمس وثلاثين صلاة في الأسبوع، فلا يمتنع إطلاق تارك الصلاة على من يصلي الجمعة فقط، فيكون كافراً. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 52923 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1126 كيف تنصح مقصراً في الصلاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[كيف لي أن أدعو أحداً إلى الصلاة، مع أنه يعرف أنها واجبة، ولكنه يتركها أحياناً؟ وأريد أن تعطيني بعض الجمل البسيطة والمتعلقة في هذا السؤال، وبعض الجمل التي فيها ترهيب وترغيب.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يمكنك تذكير هذا الشخص ونصحه من خلال بيان حكم ترك الصلاة، وحكم ترك الصلاة جماعة في المسجد، وبيان حال السلف مع الصلاة. أما حكم ترك الصلاة: فقد سبق في عدة أجوبة أن تاركها كافرٌ خارج من الإسلام، وأنه لا يُقبل منه عمل يوم القيامة، وأنه يجب فسخ عقد نكاحه مع زوجته إن كانت مصلية، كما أنه يجب أن يعلم هذا التارك أنه لا تؤكل ذبيحته، ولا يغسَّل ولا يصلَّى عليه ولا يُدفن في مقابر المسلمين. عن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رؤياه التي رآها فقال: " إنه أتاني الليلة آتيان وإنهما قالا لي انطلق وإني انطلقت معهما، وإنا أتينا على رجل مضطجع وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه فيتهدهد الحجر هاهنا فيتبع الحجر ويأخذه فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان ثم يعود عليه يفعل به مثل ما فعل المرة الأولى، قال: قلت لهما: سبحان الله! ما هذا؟ قال: قالا لي: انطلق، قال: فانطلقنا ... وفي آخر الحديث قال صلى الله عليه وسلم: " قالا لي: أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة ". رواه البخاري (6640) . قال محمد بن نصر المروزي: سمعت إسحاق – أي: ابن راهويه - يقول: صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أن تارك الصلاة كافر، وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم أن تارك الصلاة عمداً من غير عذرٍ حتى يذهب وقتها كافر، وذهاب الوقت أن يؤخر الظهر إلى غروب الشمس والمغرب إلى طلوع الفجر. " تعظيم قدر الصلاة " (2 / 929) . وانظر في حكم تارك الصلاة: أجوبة الأسئلة: (7864) و (5208) و (2182) . وأما صلاة الجماعة في المسجد: فكما أن الصلاة فرقٌ بين المسلم والكافر فإن الصلاة في جماعة علامة بين المؤمن والمنافق، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يعدُّون المتخلف عن صلاة الجماعة منافقاً معلوم النفاق. سئل الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله -: أنا شاب غير متزوج أؤدي الصلاة لكن بصفة غير مستمرة أي ليس كل وقت بوقته، وأحيانًا تفوتني صلاة يوم كامل وأؤديها كلها سويًّا، فما هو حكم الشرع في ذلك؟ . فأجاب: يجب على المسلم المحافظة على أداء الصلاة في أوقاتها مع جماعة المسلمين، ولا يجوز إخراج الصلاة عن وقتها، قال تعالى: {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} [النساء / 103] أي: مفروضة في أوقات معينة تؤدى فيها، وفي الأثر: " إن لله عملاً بالليل لا يقبله بالنهار، وعملاً بالنهار لا يقبله بالليل "، وإخراج الصلاة عن وقتها إضاعة لها، قال تعالى: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا. إِلا مَن تَابَ} [مريم / 59، 60] والجمع بين الصلاتين لا يجوز، إلا لعذر شرعي في وقت إحداهما، كالظهر مع العصر والمغرب مع العشاء، أما جمع الصلوات ليوم كامل فهذا لا يجوز ولا تصح الصلاة بهذه الكيفية. " المنتقى من فتاوى الفوازن " (5 / 56، 57) . وتجد أدلة وجوب صلاة الجماعة في أجوبة الأسئلة: (120) و (8918) . وأما حال السلف مع صلاة الجماعة في المسجد: فحال عظيم يدل على مدى اهتمامهم بها، وحرصهم على أدائهم حتى مع كونهم معذورين في أدائها. قال وكيع بن الجراح عن الأعمش سليمان بن مهران: كان الأعمش قريباً من سبعين سنة لم تفته التكبيرة الأولى. وقال محمد بن المبارك الصوري: كان سعيد بن عبد العزيز التنوخي إذا فاتته صلاة الجماعة بكى. وروي عن محمد بن خفيف أنه كان به وجع الخاصرة فكان إذا أصابه أقعده عن الحركة فكان إذا نودي بالصلاة يُحمل على ظهر رجل، فقيل له: لو خففت على نفسك؟ قال: إذا سمعتم " حي على الصلاة " ولم تروني في الصف فاطلبوني في المقبرة. وسمع عامر بن عبد الله بن الزبير المؤذن وهو يجود بنفسه فقال: خذوا بيدي، فقيل: إنك عليل، قال: أسمع داعي الله فلا أجيبه؟ فأخذوا بيده فدخل مع الإمام في المغرب فركع ركعة ثم مات. وانظر لمزيد فائدة: جواب السؤال رقم: (47123) فهو مهم. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50591 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1127 لا يصلي ويقيم مع عشيقته ويريد أن يتوب ويتزوجها؟ [السُّؤَالُ] ـ[شخص مسلم فرنسي ولكنه لا يصلي ولا يصوم ويقيم مع عشيقته المسيحية يرغب في التوبة والصيام، ولكنه يتحجج بوجود هذه المرأة معه، هل يجوز له أن يتزوجها الآن مع العلم بأن غداً هو أول أيام رمضان؟ وإذا جاز ذلك فكيف هو السبيل والإجراء الشرعي المتبع؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ليعلم هذا الشخص وغيره أن ترك الصلاة كفر مخرج من الملَّة، والإسلام لا يرضى لأحدٍ من أتباعه أن لا يصلي ولا يصوم ويقيم مع عشيقته. فالواجب عليكم أن تنصحوه وتبينوا له حقيقة الإسلام، وأنه استسلام لأحكام الشرع، والمسلم ينبغي أن يكون قدوة للآخرين لاسيما في تلك البلاد، وهو لا يمثل نفسه بل يمثل الإسلام الذي دخله والتزمه، فالواجب عليه ترك ما هو فيه من معاصٍ، والالتزام بأحكام الشرع وبخاصة الصلاة، التي هي الفاصل بين الإسلام والكفر. ثانياً: وقد سَرَّنا كثيراً أنه يريد التوبة فما الذي يحول بينه وبين التوبة؟ والله تعالى يفرح بتوبة عبده المؤمن، وإذا أقبل العبد على الله أقبل الله عليه، وغفر ذنبه , فعليه المبادرة بالتوبة، وعدم تسويفها، أو تعليقها بحصول أشياء خشية أن يموت ولم يتب، فيلقى ربه بذنوبه ومعاصيه، وقد يلقاه بالكفر. وبيِّنوا له أن الله تعالى يبدِّل السيئات حسنات لمن تاب، قال الله تعالى: (إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الفرقان/70. فعليه المبادرة بترك كل ما هو عليه مما يغضب الله تعالى من ترك الصلاة والإقامة مع عشيقته. وانظر أجوبة الأسئلة: (624) و (13990) و (34905) و (22912) . ثالثاً: إذا تاب وأناب إلى الله: فليعلم أنه لا يجوز له الزواج من تلك العشيقة، لا لأنها نصرانية، بل لأنها " زانية " – على حسب وصفه وكلامه -، ومن شروط نكاح الكتابية – اليهودية أو النصرانية – أن تكون محصنة، أي: عفيفة غير زانية ولا لها عشيق، قال الله تعالى: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ) النساء/5. فاشترط الله تعالى لنكاحها أن تكون عفيفة، ولا يجوز لمسلم أن ينكح كتابية وهي ليست كذلك، بل لو كانت مسلمة لكنها زانية ما جاز لمسلم عفيف أن يتزوجها، قال تعالى: (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) النور/3. وانظر تفصيل هذه المسألة في جواب السؤال رقم (11195) و (2527) . فإذا أراد أن يتزوجها فلا بد أن يكون ذلك بعد توبته ورجوعه للإسلام بأداء الصلاة، وبعد توبتهما معاً من الزنى. هذا إذا أراد أن يتزوجها. وواجب النصيحة يحتم علينا أن ندله على خير ما نعلم مما يصلح دينه ودنياه، وهو أن يتوب إلى الله تعالى توبة صادقة، ويبادر إلى ترك هذه المرأة دون تردد ولا تسويف، وأن يبحث عن غيرها من المسلمات المحصنات المؤمنات، فهو إن تاب إلى الله عز وجل أحوج ما يكون إلى من تفهم دينها وتقف بجانبه وتحثه على طاعة الرحمن بعد ذلك الضياع، وأما تلك المرأة فإنها لو تابت من الزنى فلن تكون عوناً له على طاعة الله عز وجل، ولن تكون أمينة على بيته وماله وعرضه، ولن تصلح لتربية أبنائه وبناته، فلا نريد له بهذه النصيحة إلا الخير، وليستعمل عقله، ويبتعد عن العاطفة ليعلم أن هذا هو الصواب. ولو قَلَّب نظره يميناً وشمالاً لرأى كثيراً من إخوانه المسلمين الذين تزوجوا من غير المسلمات قد ساءت أحوالهم، وندموا على ذلك، وتمنوا أنهم لم يتزوجوا من غير مسلمة. وانظر جواب السؤال رقم (20227) و (45645) فهما مهمان. والله الموفق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50508 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1128 لا يقبل الصيام مع تضييع الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز الصيام بدون صلاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تارك الصلاة لا يقبل منه عمل، لا زكاة ولا صيام ولا حج ولا شيء. روى البخاري (520) عن بُرَيْدَة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَرَكَ صَلاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) . ومعنى "حبط عمله" أي: بَطَلَ ولم ينتفع به. فهذا الحديث يدل على أن تارك الصلاة لا يقبل اللهُ منه عملاً، فلا ينتفعُ تاركُ الصلاةِ من عمله بشيء، ولا يَصْعَدُ له إلى الله عملٌ. قال ابن القيم رحمه الله تعالى في معنى هذا الحديث في كتابه الصلاة (ص/65) : " والذي يظهر في الحديث؛ أن الترك نوعان: تركٌ كليٌّ لا يصليها أبداً، فهذا يحبط العملُ جميعُه، وتركٌ معينٌ في يومٍ معينٍ، فهذا يحبط عملُ ذلك اليومِ، فالحبوطُ العامُّ في مقابلةِ التركِ العامِّ، والحبوطُ المعينُ في مقابلةِ التركِ المعينِ " اهـ. وسئل الشيخ ابن عثيمين في فتاوى الصيام (ص87) عن حكم صيام تارك الصلاة؟ فأجاب: تارك الصلاة صومه ليس بصحيح ولا مقبول منه؛ لأن تارك الصلاة كافر مرتد، لقوله تعالى: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) التوبة/11. ولقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلاةِ) رواه مسلم (82) . ولقوله صلى الله عليه وسلم: (الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ) رواه الترمذي (2621) . صححه الألباني في صحيح الترمذي. ولأن هذا قول عامة الصحابة إن لم يكن إجماعا منهم، قال عبد الله بن شقيق رحمه الله وهو من التابعين المشهورين: كان أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة، وعلى هذا فإذا صام الإنسان وهو لا يصلي فصومه مردود غير مقبول، ولا نافع له عند الله يوم القيامة، ونحن نقول له: صل ثم صم، أما أن تصوم ولا تصلي فصومك مردود عليك لأن الكافر لا تقبل منه العبادة اهـ. وسئلت اللجنة الدائمة (10/140) إذا كان الإنسان حريصا على صيام رمضان والصلاة في رمضان فقط، ولكن يتخلى عن الصلاة بمجرد انتهاء رمضان فهل له صيام؟ فأجابت: الصلاة ركن من أركان الإسلام، وهي أهم الأركان بعد الشهادتين وهي من فروض الأعيان، ومن تركها جاحدا لوجوبها أو تركها تهاونا وكسلا فقد كفر، وأما الذين يصومون رمضان ويصلون في رمضان فقط فهذا مخادعة لله، فبئس القوم الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان، فلا يصح لهم صيام مع تركهم الصلاة في غير رمضان، بل هم كفار بذلك كفرا أكبر وإن لم يجحدوا وجوب الصلاة في أصح قولي العلماء اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49698 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1129 حكم عقد نكاح من كان لا يصلي ثم هداه الله [السُّؤَالُ] ـ[زوجي لايصلي منذ أن تزوجنا حيث مضى على زواجنا ثلاث سنوات. وبعد الزواج بوقت قصير أقنعته بذلك واقتنع. فهل هذا الزواج باطل … لأنه في وقت النكاح لم يكن يصلي … ..... ماذا أفعل الآن؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله عن حكم عقد نكاح من لم يكن يصلي ثم هداه الله فقال: إذا كانت الزوجة لا تصلي مثل الزوج حين العقد فالعقد صحيح، أما إن كانت تصلي فالواجب تجديد النكاح، لأنه لا يجوز للمسلمة أن تُنكح لكافر لقول الله عز وجل: (ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا) والمعنى لا تزوجوهم المسلمات حتى يسلموا، ولقوله سبحانه في سورة الممتحنة: (فإن علمتوهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لاهن حل لهم ولا هم يحلون لهن) .... [الْمَصْدَرُ] فتاوى إسلامية 3/242-243 الحديث: 12467 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1130 الطريقة المثلى لدعوة تارك الصلاة والتعامل مع المبتدع [السُّؤَالُ] ـ[ما هي الطريقة المثلى لدعوة تارك الصلاة؟ ماذا عن المبتدع؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: ينبغي النظر في حال المدعو لأداء الصلاة أو غيرها من العبادات، ومراعاة ما يلائمها من أساليب الترغيب، أو الترهيب، وإن كان الأصل العام في الشرع أن يجمع بينهما، ثم إنه من الأهمية بمكان مراعاة أحوال المدعو في إقباله أو إدباره، وتأثره بالموعظة أو انصرافه عنها. ثانيا: الطريقة المثلى لدعوة تارك الصلاة تتلخص فيما يلي: 1- تذكيره بفرضية الصلاة وأنها أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين 2- إعلامه ببعض فضائل الصلاة؛ فهي خير ما فرضه الله على عباده، وخير ما يتقرب به العبد إلى ربه، وهي أول ما يحاسب عليه العبد من أمر دينه، والصلوات الخمس كفارة لما بينهن، ما لم تغش الكبائر، وسجدة واحدة يرفع العبد بها درجة، ويحط عنه بها خطيئة..، إلى آخر ما ورد في فضائل الصلاة؛ فإن هذا من شأنه أن تسمح بها نفسه، إن شاء الله، ولعلها تصير قرة عينه، كما كانت قرة عين النبي، صلى الله عليه وسلم. 3- إعلامه بما ورد في شأن تاركها من الوعيد الشديد، واختلاف العلماء في كفره وردته، وأن الإسلام لا يتيح لتارك الصلاة فرصة في العيش طليقا بين الناس، إذ الواجب في شأنه أن يدعى للصلاة، فإن أصر على الترك، قتل مرتدا في مذهب أحمد ومن وافقه من السلف، أو قتل حدا في مذهب مالك والشافعي، أو حبس وسجن في مذهب أبي حنيفة، أما أن يترك حرا طليقا، فلا قائل بذلك من أهل العلم، فيقال لتارك الصلاة: هل ترضى أن يختلف العلماء في شأنك، بين الكفر والقتل والحبس؟! 4- تذكيره بلقاء الله تعالى والموت والقبر، وما يحدث لتارك الصلاة من سوء الخاتمة وعذاب القبر. 5- بيان أن تأخير الصلاة عن وقتها كبيرة من الكبائر؛ (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً) مريم/59، قال ابن مسعود عن الغي: واد في جهنم، بعيد القعر، خبيث الطعم، وقال تعالى: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) الماعون/4، 5) . 6- بيان ما يترتب على القول بكفره من أمور عظيمة، كبطلان نكاحه، وحرمة بقائه ومعاشرته لزوجته، وكونه لا يغسّل ولا يصلى عليه بعد وفاته. ومن النصوص الدالة على كفر تارك الصلاة قوله صلى الله عليه وسلم: " إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة " رواه مسلم (82) ، وقوله: " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر" رواه الترمذي (2621) والنسائي (463) وابن ماجه (1079) . 7- إهداؤه بعض الكتيبات والأشرطة التي تتناول موضوع الصلاة وعقوبة تاركها والمتهاون فيها. 8- هجره وزجره في حال إصراره على ترك الصلاة. وأما المبتدع، فيختلف التعامل معه حسب نوع بدعته ودرجتها، والواجب نصحه ودعوته إلى الله، وإقامة الحجة عليه، وإزالة شبهته، فإن أصر على بدعته هُجر وزجر إذا غلب على الظن أن ذلك ينفعه، وينبغي التثبت أولا في الحكم على شخصٍ ما بأنه مبتدع، والرجوع في ذلك إلى أهل العلم، والتفريق بين البدعة وصاحبها، فربما كان معذورا بجهل أو تأويل. وانظر تفصيل ذلك في (حقيقة البدعة وأحكامها لسعيد بن ناصر الغامدي) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 47425 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1131 يتكاسل أحيانا عن الصلاة فما العلاج؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا شاب مسلم بمؤمن بالله ورسله وكتبه والحمد لله ولكن بعض الوقت أكون متكاسلا عن الصلاة. أريد حلا أو طريقة لا تجعلني أتكاسل مع العلم أنني أريد ذلك ولكن مكر الشيطان شديد..]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من آمن بالله ورسله وكتبه حقا، وآمن بفرض الصلاة وأنها أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، لم يُتصور منه ترك الصلاة أو التهاون في أدائها، بل لن يجد حياته ولا أنسه ولا راحته إلا في أداء هذه الشعيرة العظيمة والمحافظة عليها. وكلما زاد إيمان العبد زاد اهتمامه بما فرض الله عليه، وذلك من إيمانه أيضا، ولهذا فإن الطريقة التي تجعلك من المحافظين على الصلاة تتلخص فيما يلي: أولا: أن تؤمن إيمانا راسخا بفرضيتها وأنها أعظم أركان الإسلام، وأن تعلم أن تاركها متوعد بالوعيد الشديد، كافر خارج عن الإسلام، في أصح قولي العلماء؛ لأدلة كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم: " إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة " رواه مسلم (82) . وقوله: " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر" رواه الترمذي (2621) والنسائي (463) وابن ماجه (1079) . وصححه الألباني في صحيح الترمذي ثانيا: أن تعلم أن تأخيرها عن وقتها كبيرة من كبائر الذنوب؛ لقوله تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً) مريم/59 قال ابن مسعود عن الغي: واد في جهنم، بعيد القعر، خبيث الطعم. وقوله تعالى (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) الماعون/4، 5. ثالثا: أن تحرص على أداء الصلوات في جماعة المسجد، لا تفرط في واحدة منها، مدركا أن الصلاة في الجامعة واجبة في أصح قولي العلماء، لأدلة كثيرة، منها قوله صلى الله عليه وسلم: " من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر " رواه ابن ماجه (793) والدارقطني والحاكم وصححه، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه. وروى مسلم (653) عن أبي هريرة قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى فقال يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له فيصلي في بيته فرخص له فلما ولى دعاه فقال هل تسمع النداء بالصلاة؟ فقال نعم قال: فأجب ". إلى غير ذلك من الأدلة، وانظر السؤال رقم (40113) رابعا: أن ترجو بالمحافظة عليها دخولك في السبعة الذين يظلهم الله في ظله، فإن منهم " وشاب نشأ في عبادة ربه " ومنهم " رجل قلبه معلق في المساجد " البخاري (660) ومسلم (1031) خامسا: أن تحتسب الأجر الكبير المترتب على أدائها لاسيما مع الجماعة، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسا وعشرين ضعفا، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة وحط عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه اللهم صل عليه اللهم ارحمه ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة " البخاري (647) ومسلم (649) . وروى مسلم (232) عن عثمان بن عفان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من توضأ للصلاة فأسبغ الوضوء، ثم مشى إلى الصلاة المكتوبة فصلاها مع الناس أو مع الجماعة أو في المسجد غفر الله له ذنوبه ". سادسا: أن تقرأ عن فضل الصلاة، وإثم تضييعها والتكاسل في أدائها، وننصحك في هذا الخصوص بقراءة كتاب " الصلاة لماذا؟ " للشيخ محمد بن إسماعيل المقدم، وسماع محاضرة: " لماذا لا تصلي؟ " للشيخ محمد حسين يعقوب، ففي ذلك نفع كبير لك إن شاء الله. سابعاً: تخيّر الأصدقاء الصالحين الذين يهتمون بالصلوات ويرعونها حقها، والابتعاد عن ضدهم، فإن القرين بالمقارن يقتدي. ثامناً: البعد عن الذنوب والمعاصي في جميع جوانب حياتك والتقيّد بالأحكام الشرعية فيما يتعلق بعلاقتك بغيرك لاسيما علاقتك بالنساء، إذ المعاصي من أكثر ما يزهد العبد عن الطاعات ويقوي سطوة الشيطان عليه. نسأل الله أن يجعلنا وإياك من عباده الصالحين، وأصفيائه المقربين. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 47123 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1132 أخر الصلاة عن وقتها بلا عذر، فهل يلزمه الاغتسال؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يتطلب تأخير الصلاة بدون عذر الغسل وذلك لأنه كما ورد في الموقع يخرج من الملة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إن الصلاة عماد الدين.. وعنوان الفالحين.. وسعادة الصالحين.. كتبها الله على المؤمنين: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) النساء/103 (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ* فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ*وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) المؤمنون/1-8 وهي أول ما يُحاسب عليها العبد يوم الدين. قال عليه الصلاة والسلام: (إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ) رواه الترمذي (413) وأبو داود (864) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. والصلاة يمحو الله بها الخطايا والسيئات، ويرفع الدرجات، وهي آخر ما يضيع من الدين، فإن ضاعت ضاع الدين كله. انظر السؤال (33694) أخي المسلم حافظ على صلاتك قبل مماتك ... وصل قبل أن يُصلى عليك.. فإن كنت محافظاً عليها فاستمر.. وإن كنت متهاوناً فيها فتب واستغفر قبل فوات الأوان.. فمن تاب تاب الله عليه.. ومن أقبل على الله أقبل الله إليه. يقول الله في الحديث القدسي: (وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً) رواه البخاري (7405) ومسلم (2675) فتب إلى الله توبة نصوحاً.. عسى الله أن يتوب عليك.. ثانياً: التهاون بالصلاة، وتأخيرها عن وقتها من غير عذر من الكبائر. راجع السؤال (47123) . بل ذهب بعض العلماء إلى تكفير من ترك صلاة واحدة من غير عذر حتى خرج وقتها. راجع السؤال (39818) . وعلى هذا القول تنبني إجابة سؤالك، وهو أمر من ترك صلاة بغير عذر حتى خرج وقتها بالاغتسال. فإن اغتسال الكافر إذا أسلم مشروع، ومثله المرتد إذا رجع إلى الإسلام. قال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع (1/202) : "إذا أسلم الكافر وجب عليه الغُسْل سواء كان أصليًّا، أو مرتدًّا. فالأصليُّ: من كان من أول حياته على غَيْر دِينِ الإسلام كاليهوديِّ والنَّصرانيِّ، والبوذيِّ، وما أشبه ذلك. والمرتَدُّ: من كان على دين الإسلام ثم ارتدَّ عنه ـ نسأل الله السَّلامة ـ كَمَنْ ترك الصَّلاة، أو اعتقد أنَّ وشريكاً، أو دعا النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أن يُغِيثَه من الشِّدَّةِ، أو دعا غيره أن يُغِيثهَ في أمرٍ لا يمكن فيه الغَوْثُ. والدَّليل على وجوب الغُسْل بذلك: 1ـ حديث قَيس بن عاصم أنَّه لمَّا أسلم أَمَره النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أنَّ يغتسل بماء ٍوسِدْر. رواه الترمذي (605) ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي. والأَصْلُ في الأمر الوُجوب. 2ـ أنه طَهَّر باطنه من نَجَسِ الشِّرْك، فَمِنَ الحِكْمة أن يُطَهِّرَ ظاهره بالغُسْل. وقال بعض العلماء: لا يَجِب الغُسْل بذلك، واستدلَّ على ذلك بأنه لم يَرِدْ عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أمر عامٌّ مثل: مَنْ أسلم فَلْيَغْتَسِل، كما قال: "من جاء مِنْكُم الجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِل" وما أكثر الصَّحابة الذين أسلموا، ولمْ يُنْقَل أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أمرهم بالغُسْلِ أو قال من أسلم فليغتسل، ولو كان واجباً لكان مشهوراً لحاجة النَّاس إليه. وقد نقول: إنَّ القول الأوَّل أقوى وهو وُجوب الغُسْل، لأنَّ أمْرَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ واحداً مِنَ الأمَّة بحُكمٍ ليس هناك معنى معقول لتخصيصه به أمْرٌ للأمة جميعاً، إذ لا معنى لتخصيصه به. وأمْرُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لواحد لا يعني عدم أمْرِ غيره به. وأما عدم النَّقل عن كلِّ واحد من الصَّحابة أنه اغتسل بعد إسلامه، فنقول: عدم النَّقل، ليس نقلاً للعدم؛ لأنَّ الأصلَ العملُ بما أمر به النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، ولا يلزم أن يُنقلَ العمل به من كلِّ واحد" اهـ. وقال ابن قدامة في المغني: إذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ , سَوَاءٌ كَانَ أَصْلِيًّا , أَوْ مُرْتَدًّا. . . وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَابْنِ الْمُنْذِرِ" اهـ. وجاء في "الموسوعة الفقهية" (31/206) : "ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إلَى أَنَّ إسْلامَ الْكَافِرِ مُوجِبٌ لِلْغُسْلِ , فَإِذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَغْتَسِلَ. . . وَلَمْ يُفَرِّقُوا فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْكَافِرِ الأَصْلِيِّ وَالْمُرْتَدِّ , فَيَجِبُ الْغُسْلُ عَلَى الْمُرْتَدِّ أَيْضًا إذَا أَسْلَمَ" اهـ. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 46562 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1133 إذا أخطأت المرأة في تحديد موعد الطهر فهل تأثم؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا كانت المرأة لا تنزل عليها القصة البيضاء، وإنما تنتظر انقطاع الدم، فبذلك تكون الأيام تختلف من شهر إلى آخر، هل تأثم إذا أخطأت في تحديد موعد طهارتها كأن تظن الطهر وبعد الاغتسال والصلاة وجدت أثره، أو العكس انتظرت وفاتتها صلاة ظنّاً منها أنها لم تطهر، حيث يشق عليها التحديد بدون القصة البيضاء.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تختلف العادة عند النساء من امرأة إلى أخرى، وتختلف العادة عند المرأة نفسها أيّاً كانت علامة انتهاء دورتها. فعلامة الطهر عند غالب النساء خروج القصَّة البيضاء – وهي سائل أبيض، ومنهن من تكون علامتها انقطاع الدم. وأيّاً كانت العلامة عند المرأة فلا يجوز لها أن تعجل على نفسها حتى تظهر العلامة؛ لأنه لا يحل لها الصلاة والصيام وهي حائض حتى تطهر. وقد كانت النساء يبعثن إلى عائشة بالدّرجة فيها الكرسف فيه الصفرة فتقول: لا تعجلنَ حتى ترينَ القَصَّة البيضاء. رواه البخاري معلقاً - كتاب الحيض، باب إقبال المحيض وإدباره - ومالك (130) . ومعنى الدّرجة: الوعاء التي تضع المرأة طيبها ومتاعها. الكرسف: القطن. وإذا أخطأت المرأة في تحديد وقت الطهر بناء على ظنها واجتهادها، فإنها لا تأثم، لقول الله تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) الأحزاب/5، ولقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) رواه ابن ماجة (2053) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة. غير أنها إذا ظنت أنها طهرت وصلت وصامت ثم تبيّن لها أنها لا تزال حائضاً فعلها الامتناع عن الصلاة والصيام حتى تطهر وتقضي الصيام الواجب الذي صامته في تلك الأيام لأنه تبين لها أنه لم يكن صحيحاً لأن صوم الحائض لا يصح. وإذا تركت الصلاة ظنَّاً منها أنها لم تطهر ثم تبيّن لها أنها كانت طاهراً، فعليها قضاء تلك الصلاة. سئل الشيخ ابن عثيمين (11/280) عن امرأة رأت الكدرة قبل حيضها المعتاد، فتركت الصلاة، ثم نزل الدم على عادته، فما الحكم؟ فأجاب بقوله: تقول أم عطية ـ رضي الله عنها ـ: (كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئاً) . وعلى هذا فهذه الكدرة التي سبقت الحيض لا يظهر لي أنها حيض، لاسيما إذا كانت أتت قبل العادة، ولم يكن علامات للحيض من المغص ووجع الظهر ونحو ذلك، فالأولى لها أن تعيد الصلاة التي تركتها في هذه المدة. اهـ. وسئل أيضاً: (11/275) عن امرأة أصابها الدم لمدة تسعة أيام فتركت الصلاة معتقدة أنها العادة، وبعد أيام قليلة جاءتها العادة الحقيقية فماذا تصنع هل تصلي الأيام التي تركتها أم ماذا؟ فأجاب بقوله: الأفضل أن تصلي ما تركته في الأيام الأولى، وإن لم تفعل فلا حرج وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر المرأة المستحاضة التي قالت إنها تستحاض حيضة شديدة وتدع فيها الصلاة فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم، أن تتحيض ستة أيام أو سبعة وأن تصلي بقية الشهر ولم يأمرها بإعادة ما تركته من الصلاة، وإن أعادت ما تركته من الصلاة فهو حسن لأنه قد يكون منها تفريط في عدم السؤال وإن لم تعد فليس عليها شيء. اهـ والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45885 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1134 نسيت أن تغتسل من الجنابة حتى غربت الشمس [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الإسلام في امرأة نسيت أن تتطهر من الجنابة في يوم من أيام شهر رمضان؟ مع ملاحظه أن الجماع قد حدث قبل أذان الفجر لكنها نسيت أن تتطهر قبل المغرب.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا أصبح الصائم جنبا من احتلام أو جماع فلا شيء عليه، طالما أن الجماع قد حصل قبل أذان الفجر، ويدل لذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (كان يدركه الفجر في رمضان وهو جنب من غير حلم - أي احتلام - فيغتسل ويصوم) رواه البخاري (1926) ، ومسلم (1109) من حديث عائشة - رضي الله عنها -] . وعلى هذا فصيامك ذلك اليوم صحيح، لكن كان الواجب عليك المبادرة إلى الاغتسال، لأن عليك صلوات لا بد أن تُصَلِّى في وقتها ولا يجوز تأخيرها. والصلاة في الإسلام شأنها عظيم، فهي أعظم وآكد من الصيام والزكاة والحجّ وسائر العبادات، فينبغي أن يكون اهتمام المسلم بها على قدر منزلتها. ولذلك فإن المتكاسل عن أداء الصلاة على خطر عظيم، حتى ذهب بعض أهل العلم إلى تكفير من ترك صلاة واحدة من غير عذر حتى خرج وقتها. وورد في الترهيب من ترك الصلاة قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ تَرَكَ صَلاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) رواه البخاري (553) وانظري لمعرفة شرحه السؤال رقم: (49698) فعلى السائلة أن تتوب إلى الله من تركها الصلاة وتكاسلها عن أدائها في وقتها، والله تعالى يتوب على من تاب، ويغفر لمن رجع إليه وأناب. والله تعالى أعلم. وانظري للمزيد من الفائدة السؤال رقم (21806) ، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 43307 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1135 عمل الصالحات مع التهاون بالصلوات [السُّؤَالُ] ـ[كنت في سنوات ماضية غير منتظمة في أداء الصلاة فأصلي لأيام ثم أنقطع لأيام وأعود ثانية وكنت أكثر من الصدقات ابتغاء مرضاة الله وأصل رحمي ولا أبتغي غير وجه الله فهل ما قمت به مردود علي لعدم إتمام صلاتي أم قد يتقبله الله إن شاء سبحانه وتعالى.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله التهاون في فعل الصلاة جرم عظيم، وتفريط بالغ في هذه الشعيرة التي هي آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين، وقد توعد الله المتهاونين في أمر الصلاة المضيعين لها عن أوقاتها، بقوله:) فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً) مريم /59، 60 وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى تكفير من ترك صلاة واحدة حتى خرج وقتها بلا عذر، فالواجب عليك هو التوبة إلى الله تعالى من هذا الذنب العظيم، والمحافظة على أداء الصلوات في أوقاتها، مع الإكثار من النوافل رجاء أن يعفو الله عنك وأن يتقبل منك. جاء في فتاوى اللجنة الدائمة 6/50 السؤال: قبل أربع سنوات كنا في رحلة ترفيهية وأثناء هذه الرحلة تركت صلاة (إما صلاة الظهر أو العصر) لا أتذكر الآن، علماً بأنني تركتها تهاوناً وتكاسلاً مني، وأنا الآن نادم على ما ارتكبته من ذنب فأستغفر الله من كل ذنب وخطيئة، فماذا يجب علي وهل علي كفارة؟ فأجابت اللجنة الدائمة: عليك أن تتوب إلى الله توبة صادقة ولا قضاء عليك، لأن ترك الصلاة المفروضة عمداً كفر أكبر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر» وقوله صلى الله عليه وسلم: " بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة " أخرجه مسلم في صحيحه ولا كفارة في ذلك سوى التوبة النصوح. انتهى ثانياً: الكافر لا ينفعه عند الله ما عمله من أعمال صالحة، إلا إذا أسلم فإنه ينتفع بعمله الصالح ويكتب له ثوابه كما هو ظاهر ما في الصحيحين عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ أَشْيَاءَ كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ عَتَاقَةٍ وَصِلَةِ رَحِمٍ فَهَلْ فِيهَا مِنْ أَجْرٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَسْلَمْتَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ خَيْرٍ" رواه البخاري 1436 ومسلم 123. أتحنث: أي أتعبد قال النووي رحمه الله: ذَهَبَ اِبْن بَطَّالٍ وَغَيْره مِنْ الْمُحَقِّقِينَ إِلَى أَنَّ الْحَدِيث عَلَى ظَاهِره , وَأَنَّهُ إِذَا أَسْلَمَ الْكَافِر وَمَاتَ عَلَى الإِسْلَام يُثَاب عَلَى مَا فَعَلَهُ مِنْ الْخَيْر فِي حَال الْكُفْر , وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ. قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا أَسْلَمَ الْكَافِر فَحَسُنَ إِسْلامُهُ كَتَبَ اللَّه تَعَالَى لَهُ كُلّ حَسَنَة زَلَفهَا , وَمَحَا عَنْهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْف , وَالسَّيِّئَة بِمِثْلِهَا إِلا أَنْ يَتَجَاوَز اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى) ذَكَرَهُ الدَّارَ قُطْنِيُّ فِي غَرِيب حَدِيث مَالِك , وَرَوَاهُ عَنْهُ مِنْ تِسْع طُرُق , وَثَبَتَ فِيهَا كُلّهَا أَنَّ الْكَافِر إِذَا حَسُنَ إِسْلامه يُكْتَب لَهُ فِي الإِسْلام كُلّ حَسَنَة عَمِلَهَا فِي الشِّرْك. قَالَ اِبْن بَطَّال رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى بَعْد ذِكْره الْحَدِيث: وَلِلَّهِ تَعَالَى أَنْ يَتَفَضَّل عَلَى عِبَاده بِمَا شَاءَ لا اِعْتِرَاض لِأَحَدٍ عَلَيْهِ قَالَ: وَهُوَ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَكِيمِ بْن حِزَام رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: " أَسْلَمْت عَلَى مَا أَسْلَفْت مِنْ خَيْر ". وَاَللَّه أَعْلَم. وَأَمَّا قَوْل الْفُقَهَاء: (لا يَصِحّ مِنْ الْكَافِر عِبَادَة , وَلَوْ أَسْلَمَ لَمْ يُعْتَدّ بِهَا) : فَمُرَادهمْ أَنَّهُ لا يُعْتَدّ لَهُ بِهَا فِي أَحْكَام الدُّنْيَا , وَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّض لِثَوَابِ الآخِرَة. فَإِنْ أَقْدَمَ قَائِل عَلَى التَّصْرِيح بِأَنَّهُ إِذَا أَسْلَمَ لا يُثَاب عَلَيْهَا فِي الآخِرَة رُدَّ قَوْله بِهَذِهِ السُّنَّة الصَّحِيحَة اهـ. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 40111 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1136 لا تصلي الصلوات في وقتها بسبب العمل فهل تترك الصوم [السُّؤَالُ] ـ[مسلمة تعيش في بلد غير مسلم، ولا تستطيع أن تصلي كل صلاة في وقتها بسبب العمل، فهل تصوم أم تفطر؟ لأن الصلاة أهم من الصوم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يجوز لمسلمٍ الإقامة في بلاد الكفر والسفر إليها من غير ضرورة تحوجه إلى ذلك، ويتحتم هذا المنع في حال عدم قدرته على القيام بشعائر الدين فيه، ومن أعظم شعائر الدين: الصلاة، فإذا كان الإنسان من أهل تلك البلاد، أو وفد إليها ثم عجز عن إظهار شعائر دينه فالواجب عليه أن يخرج من ديار الكفر إلى ديار المسلمين، ليتمكن من إظهار شعائر دينه، وليعلم أنه غير معذور ببقائه في تلك الديار إلا إن كان مستضعفاً لا يستطيع الهجرة بدينه من تلك البلاد إلى حيث يستطيع إظهار دينه. قال ابن قدامة المقدسي: ... فالناس في الهجرة على ثلاثة أضرب: أحدها: من تجب عليه , وهو من يقدر عليها , ولا يمكنه إظهار دينه , ولا تمكنه إقامة واجبات دينه مع المقام بين الكفار , فهذا تجب عليه الهجرة ; لقول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً) النساء/97، وهذا وعيد شديد يدل على الوجوب؛ ولأن القيام بواجب دينه واجب على من قدر عليه , والهجرة من ضرورة الواجب وتتمته , وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. الثاني: من لا هجرة عليه، وهو من يعجز عنها , إما لمرض , أو إكراه على الإقامة , أو ضعف ; من النساء والولدان وشبههم , فهذا لا هجرة عليه ; لقول الله تعالى: (إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً) النساء/98-99، ولا توصف باستحباب ; لأنها غير مقدور عليها. والثالث: من تستحب له , ولا تجب عليه، وهو من يقدر عليها , لكنه يتمكن من إظهار دينه , وإقامته في دار الكفر , فتستحب له , ليتمكن من جهادهم , وتكثير المسلمين , ومعونتهم , ويتخلص من تكثير الكفار , ومخالطتهم , ورؤية المنكر بينهم، ولا تجب عليه ; لإمكان إقامة واجب دينه بدون الهجرة. " المغني " (9 / 237، 238) . ولما كان أكثر الناس إنما تحمله على الإقامة في بلاد الكفر حرصه على الدنيا، وشحّه بما فيها من كثرة في المال أو عز وجاه، أو أهل وإخوان، قال تعالى بعد ما أخبر عن حال الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم، قال: (وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً) النساء/100 قال الشيخ السعدي رحمه الله: " هذا في بيان الحث على الهجرة والترغيب وبيان ما فيها من المصالح، فوعد الصادق في وعده، أن من هاجر في سبيله ابتغاء مرضاته أنه يجد مراغما في الأرض وسعة. فالمراغم مشتمل على مصالح الدين والسعة على مصالح الدنيا، وذلك أن كثيرا من الناس يتوهم أن في الهجرة شتاتا بعد الألفة، وفقرا بعد الغنى، وذلا بعد العز، وشدة بعد الرخاء، والأمر ليس كذلك. فإن المؤمن ما دام بين أظهر المشركين فدينه في غاية النقص، لا في العبادات القاصرة عليه، كالصلاة ونحوها، ولا في العبادات المتعدية، كالجهاد بالقول والفعل وتوابع ذلك، لعدم تمكنه من ذلك، وهو بصدد أن يفتن عن دينه، خصوصا إن كان مستضعفاً، فإذا هاجر في سبيل الله تمكن من إقامة دين الله وجهاد أعداء الله، ومراغمتهم، فإن المراغمة: اسم جامع لكل ما يحصل به إغاظة لأعداء الله من قول وفعل وكذلك ما يحصل له سعة في رزقه، وقد وقع كما أخبر الله تعالى، واعتبر ذلك بالصحابة رضي الله عنهم فإنهم لما هاجروا في سبيل الله وتركوا ديارهم وأولادهم وأموالهم لله كمل بذلك إيمانهم وحصل لهم من الإيمان التام والجهاد العظيم والنصر لدين الله ما كانوا به أئمة لمن بعدهم وكذلك حصل لهم ما يترتب على ذلك من الفتوحات والغنائم ما كانوا به أغنى الناس وهكذا كل من فعل فعلهم يحصل له ما حصل لهم إلى يوم القيامة " اهـ. ثانياً: لا يحل لمسلمٍ أن يؤخر الصلاة عن وقتها إلا من عذر، ومن الأعذار الشرعية التي تبيح التأخير: النوم والنسيان، ولم يكن القيام بأعمال الدنيا من الأعذار المبيحة لترك الصلاة أو تأخيرها عن وقتها، بل من صفات المؤمنين الصادقين أنهم لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذِكر الله وإقام الصلاة. قال الله تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآَصَالِ. رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ. لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) النور/36–38. وحذر الله تعالى عباده من الانشغال بأموالهم وأولادهم عن طاعته وذكره، وذكر لهم أن من فعل ذلك فهم الخاسرون حقاً، لا كما يظن من يفرط في دينه من أجل عمله ودنياه وشحّه بالربح العاجل. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) المنافقون/9 وهل للخاسرين على الحقيقة مصير، إلا مصير أئمة الكفر، الذين أضاعوا الدين شُحَّاً بدنياهم. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ ذَكَرَ الصَّلاةَ يَوْمًا فَقَالَ: (مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ، وَلا بُرْهَانٌ، وَلا نَجَاةٌ، وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ) رواه أحمد (6540) وصححه الألباني في مشكاة المصابيح قال ابن القيم رحمه الله: " وإنما خص هؤلاء الأربعة بالذكر لأنهم من رؤوس الكفرة، وفيه نكتة بديعة، وهو: أن تارك المحافظة على الصلاة؛ إما أن يشغله ماله، أو ملكه، أو رياسته، أو تجارته، فمن شغله عنها ماله فهو مع قارون، ومن شغله عنها ملكه فهو مع فرعون، ومن شغله عنها رياسة ووزارة فهو مع هامان، ومن شغله عنها تجارته فهو مع أبي بن خلف " اهـ. الصلاة وحكم تاركها (1/63) وأما داهية الدواهي فهي التفكير في الفطر وترك الصيام، تبعاً لترك الصلاة. وصدق الله العظيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) النور/21، فانظري يا أمة الله كيف جرَّك الشيطان إلى هدم عمود الدين، وركنه الثاني بعد الشهادتين، وهو الصلاة، ثم يجرك اللّعين بغروره إلى هدم ركن آخر، فثالث، فرابع، ولا حول ولا قوة إلا بالله. أيها الأخت السائلة، إن سؤالك، بل إن مسئوليتك الواجبة عليه هي أن تبحثي عن الطريق لبناء ما هدمتيه من دينك بترك صلاتك، لا أن تسألي عن هدم ما هو قائم عندك من الأركان، فأي شرع، بل أي عقل يقول ذلك. قال الله تعالى: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُون * وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) النحل/91-92 قال الشيخ السعدي رحمه الله: وهذا يشمل جميع ما عاهد العبد عليه ربه من العبادات، والنذور، والأيمان التي عقدها، إذا كان الوفاء بها برا ... " ثم قال بعد كلام له: (ولا تكونوا: في نقضكم للعهود بأسوأ الأمثال وأقبحها وأدلها على صفة متعاطيها، وذلك كالتي تغزل غزلاً قوياً، فإذا استحكم وتم ما أريد منه، نقضت غزلها من بعد قوة، فجعلته أنكاثا، فتعبت على الغزل، ثم على النقض، ولم تستفد سوى الخيبة والعناء وسفاهة العقل ونقص الرأي، فكذلك من نقض ما عاهد عليه فهو ظالم جاهل سفيه ناقص الدين والمروءة " اهـ. ونعم، الصلاة كما قلت أهم من الصوم، وهي خير ما فرضه الله على عباده من الأعمال، ولأجل ذلك نقول لك: صلِّي، يا أمة الله، واثبتي على صومك، وليس غير. قد يضيق بك عملك، قد تخسرين عمله من أصله، قد ... ، وقد ... لكن ليس إلا دينك، دينك دينك، لحمك ودمك. والله يوفقنا وإياك إلى ما يحبه ويرضاه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38158 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1137 صاحب العمل يمنعه من الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[صاحب العمل يمنعني من الصلاة في العمل أربع فرائض من الظهر إلى العشاء وهو وقت العمل. فما الحكم في هذه الحالة؟ هل أصلي بعد العمل جميع الصلوات.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تأخير الصلاة عن وقتها من غير عذر يبيح ذلك من كبائر الذنوب، قال الله تعالى: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) الماعون/4-5. سئل سعد بن أبي وقاص عن السهو عن الصلاة أهو تركها؟ فقال: لا، ولكن تأخيرها عن وقتها. وقال ابن عباس: (الذين هم عن صلاتهم ساهون) هم الذين يؤخرونها عن وقتها. انظر تفسير الطبري (12/706) . وليس العمل عذراً في ترك الصلاة حتى يخرج وقتها، قال الله تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (36) رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ) النور/36-37. قال السعدي: فهؤلاء الرجال وإن اتجروا وباعوا واشتروا فإنهم لا يلهيهم ذلك عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، بل جعلوا طاعة الله وعبادته غاية مرادهم، ونهاية مقصدهم، فما حال بينهم وبينها رفضوه اهـ بتصرف. وعلى هذا إما أن تطلب من صاحب العمل أن يجعل لك من الوقت ما تصلي فيه الصلاة في وقتها، وإما أن تترك هذا العمل الذي يحول بينك وبين الصلاة، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه. أنظر السؤال 34617 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38106 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1138 هل يجوز الصلاة عن تارك الصلاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان هناك شخص في العائلة لا يصلي ونصحته بالصلاة ولكنه لم يفعل، فهل يمكن أن أصلي عنه؟ لأنني أعلم بأنه لن يصلي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصلاة من أركان الإسلام، ولا يصح أداؤها إلا من المكلَّف بها، وتركها كفرٌ مخرج من الملَّة يراجع السؤال رقم (2182) ، ولا يجوز لكم أن تؤدها عن غيركم ممن لا يصلي، وهذا الحكم مجمعٌ عليه لا خلاف بين العلماء فيه. قال ابن قدامة: " العبادات البدنية المحضة كالصلاة والصيام والطهارة من الحدث لا يجوز التوكيل فيها لأنها تتعلق ببدن من هي عليه فلا يقوم غيرُه مقامه فيها إلا أن الصيام المنذور يُفعل عن الميت وليس ذلك بتوكيل؛ لأنه لم يوكل في ذلك ولا وكل فيه غيره.. " انتهى من المغني (5/207) وعليكم مدوامة النصيحة لهذا التارك وترغيبه وترهيبه فلعل الله أن يشرح صدره بكلمة نافعة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 22828 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1139 نطق الشهادة ولم يقم الفروض [السُّؤَالُ] ـ[ما الحكم في رجل قال: أشهد ألا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ولم يصل، ولم يقم بشيء من الفرائض، وأنه لم يضره،، ويدخل الجنة، وأنه قد حرم جسمه على النار؟ وآخر يقول: أطلب حاجتي من الله ومنك: فهل هذا باطل أم لا؟ وهل يجوز هذا القول أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن من لم يعتقد وجوب الصلوات الخمس، والزكاة المفروضة، وصيام شهر رمضان، وحج البيت العتيق، ولا يحرم ما حرم الله ورسوله من الفواحش، والظلم، والشرك والإفك، فهو كافر مرتد، يستتاب، فإن تاب وإلا قُتل باتفاق أئمة المسلمين، ولا يغني عنه التكلم بالشهادتين. وإن قال: أنا أقر بوجوب ذلك عليّ، وأعلم أنه فرض، وأن من تركه كان مستحقاً لذم الله وعقابه،، لكني لا أفعل ذلك، فهذا - أيضا - مستحق للعقوبة في الدنيا والآخرة باتفاق المسلمين، ويجب أن يصلي الصلوات الخمس باتفاق العلماء. وأكثر العلماء يقولون يؤمر بالصلاة، فإن لم يصل وإلا قتل. فإذا أصر على الجحود حتى قُتل كان كافراً باتفاق الأئمة، لا يغسل؛ ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين. ومن قال: إن كل من تكلم بالشهادتين، ولم يؤد الفرائض، ولم يجتنب المحارم، يدخل الجنة، ولا يعذب أحد منهم بالنار، فهو كافر مرتد. يجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قُتل؛ بل الذين يتكلمون بالشهادة أصناف؛ منهم منافقون في الدرك الأسفل من النار، كما قال تعالى: " إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيراً، إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين " النساء: 145-146، وقال تعالى: " إن المنافيق يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى " النساء: 142، وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " تلك صلاة المنافق؛ يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان قام فنقر أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلاً " مسلم (622/195) ، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الذي يؤخر الصلاة وينقرها منافق، فكيف بمن لا يصلي؟!! وقد قال تعالى: " فويل للمصلين، الذين هم عن صلاتهم ساهون، الذين هم يراءون " الماعون: 4-6 قال العلماء: الساهون عنها: الذين يؤخرونها عن وقتها، والذين يفرطون في واجباتها. فإذا كان هؤلاء المصلون الويل لهم فكيف بمن لا يصلي؟! وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه يعرف أمته بأنهم غرٌّ محجَّلون من آثار الوضوء " مسلم في الطهارة (249/39) ، وإنما تكون الغرة والتحجيل لمن توضأ وصلى، فابيض وجهه بالوضوء، وابيضت يداه ورجلاه بالوضوء، فصلى أغر محجلا. فمن لم يتوضأ ولم يصل لم يكن أغرا محجلا، فلا يكون عليه سيما المسلمين التي هي الرنك - هو شعار للملوك والأمراء الأتراك والمماليك بمصر - للنبي صلى الله عليه وسلم، مثل الرنك الذي يعرف به المقدم أصحابه، ولا يكن هذا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم. وثبت في الصحيح: أن النار تأكل من ابن آدم كل شيء إلا آثار السجود (البخاري رقم 806) . فمن لم يكن من أهل السجود للواحد المعبود، الغفور الودود، ذو العرش المجيد أكلته النار. وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ليس بين العبد وبين الشرك إلا ترك الصلاة " مسلم (82/134) ، وقال: " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر " الترمذي (2621) ، وقال: " أول ما يحاسب عليه العبد من عمله الصلاة " (أبو داود برقم 864 - والترمذي 413) . ولا ينبغي للعبد أن يقول: ما شاء الله وشاء فلان، وما لي إلا الله وفلان، وأطلب حاجتي من الله ومن فلان، كما في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا تقولوا: ما شاء الله وشاء محمد، ولكن قولوا: ما شاء الله ثم شاء محمد " ابن ماجه (2118) ، وقال له رجل: ما شاء الله وشئت، فقال: " أجعلتني ندا لله؟ بل ما شاء الله وحده " أحمد 1/214. والله أعلم، وصلى الله على محمد. [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى ابن تيمية 18/67 الحديث: 9558 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1140 غاب عقلها بسبب المسكر فتركت بعض الصلوات، فما الحكم [السُّؤَالُ] ـ[أرجو أن تفتيني في أمري. فقد شربت حتى فقدت وعيي، فأخرت المغرب والعشاء والفجر، لكني صليتها قضاءً قبل ظهر اليوم التالي. وقد قرأت أن ذلك يجعلني أكفر، وأنا أدعو الله أن يغفر لي، وأني لن أتوقف عن الإيمان به، وسأستمر في سؤاله أن يغفر لي شربي للمسكر. وسؤالي: إن كنت قد كفرت بفعلي، فهل يعني ذلك بطلان زواجي وأن علي إعادته، أم أنه كالطلاق ثلاثا، وأنه لا يمكننا أن نرجع إلى بعضنا مرة أخرى. أسأل الله أن يسامحني، فأنا أشعر بالأسف الشديد لما قمت به.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نسأل الله أن يتقبل توبتك وأن يجعلها توبة نصوحا صادقة (والله يحب التوابين) . وأما تركك لهذه الصلوات ـ على الحال التي ذكرتها ـ فإنك لا تكفرين بذلك ـ إن شاء الله ـ، حيث لم يحدث هذا بتعمد منك، وإن كنت قد تسببت فيه بشربك المسكر وهذا ذنب عظيم، لعل الله يكفره عنك بالتوبة النصوح. وبناء على ذلك؛ فأنت ولله الحمد ما زلت مسلمة، ولم يطرأ شيء على زواجك تحتاجين معه إلى إعادته أو غير ذلك. وعليك بعد التوبة النصوح بالمحافظة على الصلوات في وقتها، والحذر من تضييعها بتركها أو بتأخيرها عن وقتها، واحرصي على القيام بحق زوجك وأولادك، والعودة الصادقة إلى الله تعالى بالانخلاع من صغير الذنوب وكبيرها. نسأل الله أن يمن علينا وعلى إخواننا المسلمين بالهداية والسداد، إنه سميع مجيب.. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 23355 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1141 ترك الصلاة كسلاً [السُّؤَالُ] ـ[إذا لم أصلي بسبب الكسل فقط فهل أعتبر كافرا أم مسلماً عاصي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الإمام أحمد بتكفير تارك الصلاة كسلاً وهو القول الراجح والأدلة تدل عليه من كتاب الله وسنة رسوله وأقوال السلف والنظر الصحيح الشرح الممتع على زاد المستنقع 2/26 والمتأمل لنصوص الكتاب والسنة يجد أنها دلت على كفر تارك الصلاة الكفر الأكبر المخرج من الملة، فمن أدلة القرآن: قول الله تعالى: " فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين " التوبة / 11 ووجه الدلالة في هذه الآية أن الله تعالى اشترط لثبوت بيننا وبين المشركين ثلاثة شروط: أن يتوبوا من الشرك وان يقيموا الصلاة وأن يؤتوا الزكاة فإن تابوا من الشرك ولم يقيموا الصلاة ولم يؤتوا الزكاة فليسوا باخوة لنا، وإن أقاموا الصلاة ولم يؤتوا الزكاة فليسوا باخوة لنا، والأخوة في الدين لا تنتفي إلا حين يخرج المرء من الدين بالكلية فلا تنتفي بالفسوق والكفر دون الكفر. وقال تعالى أيضا: " فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا " ووجه الدلالة: أن الله قال في المضيعين للصلاة المتبعين للشهوات: (إلا من تاب وآمن) فدل على أنهم حين إضاعتهم للصلاة واتباع الشهوات غير مؤمنين. وأما دلالة السنة على كفر تارك الصلاة فقوله صلى الله عليه وسلم: " إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة " رواه مسلم في كتاب الإيمان عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم. وعن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر " رواه احمد وابو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. والمراد بالكفر هنا الكفر المخرج عن الملة لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الصلاة فصلا بين المؤمنين والكافرين ومن المعلوم أن ملة الكفر غير ملة الإسلام فمن لم يأت بهذا العهد فهو من الكافرين. وفيه من حديث عوف بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ويصلون عليكم وتصلون عليهم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم ". قيل يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف قال: " لا ما أقاموا فيكم الصلاة " ففي هذا الحديث دليل على منابذة الولاة وقتالهم بالسيف إذا لم يقيموا الصلاة ولا تجوز منازعة الولاة وقتالهم إلا إذا أتوا كفرا صريحا عندنا فيه برهان من الله تعالى، لقول عبادة بن الصامت رضي الله عنه: " دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه فكان فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله قال: إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان " متفق عليه، وعلى هذا فيكون تركهم للصلاة الذي علق عليه النبي صلى الله عليه وسلم منابذتهم وقتالهم بالسيف كفرا بواحا عندنا فيه من الله برهان. فإن قال قائل: ألا يجوز أن تحمل النصوص الدالة على كفر تارك الصلاة على من تركها جاحدا لوجوبها؟ قلنا: لا يجوز ذلك لأن فيه محذورين: الأول: إلغاء الوصف الذي اعتبره الشارع وعلق الحكم به فإن الشارع علق الحكم بالكفر على الترك دون الجحود ورتب الأخوة في الدين على إقام الصلاة دون الإقرار بوجوبها لم يقل الله تعالى: فإن تابوا وأقروا بوجوب الصلاة، ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم بين الرجل وبين الشرك والكفر جحد وجوب الصلاة. أو العهد الذي بيننا وبينهم الإقرار بوجوب الصلاة فمن جحد وجوبها فقد كفر. ولو كان هذا مراد الله تعالى ورسوله لكان العدول عنه خلاف البيان الذي جاء به القرآن، قال الله تعالى: " ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء " النحل / 89، وقال تعالى مخاطبا نبيه: وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم " النحل / 44. المحذور الثاني: اعتبار وصف لم يجعله الشارع مناطا للحكم فإن جحود وجوب الصلوات الخمس موجب لكفر من لا يعذر بجهله فيه سواء صلى أم ترك، فلو صلى شخص الصلوات الخمس وأتى بكل ما يعتبر لها من شروط وأركان وواجبات ومستحبات لكنه جاحد لوجوبها بدون عذر له فيه لكان كافرا مع أنه لم يتركها. فتبين بذلك أن حمل النصوص على من ترك الصلاة جاحدا لوجوبها غير صحيح، والصحيح أن تارك الصلاة كافر كفرا مخرجا من الملة كما جاء ذلك صريحا فيما رواه ابن أبي حاتم في سننه عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تشركوا بالله شيئا ولا تتركوا الصلاة عمدا فمن تركها عمدا متعمدا فقد خرج من الملة ". وأيضا فإننا لو حملناه على ترك الجحود لم يكن لتخصيص الصلاة في النصوص فائدة فإن هذا الحكم عام في الزكاة والصيام والحج فمن ترك منها واحدا جحدا لوجوه كفر إن كان غير معذور بجهل. وكما أن كفر تارك الصلاة مقتضى الدليل السمعي الأثري فهو مقتضى الدليل العقلي النظري فكيف يكون عند الشخص إيمان مع تركه للصلاة التي هي عمود الدين وجاء في الترغيب في فعلها ما يقتضي لكل عاقل مؤمن أن يقوم بها ويبادر إلى فعلها وجاء من الوعيد على تركها ما يقتضي لكل عاقل مؤمن أن يحذر من تركها وإضاعتها؟ فتركها مع قيام هذا المقتضى لا يبقى إيمانا مع الترك. فإن قال قائل: ألا يحتمل أن يراد بالكفر في تارك الصلاة كفر النعمة لا كفر الملة أو أن المراد به كفر دون الكفر الأكبر فيكون كقوله صلى الله عليه وسلم: " اثنتان بالناس هما بهما كفر، الطعن في النسب والنياحة على الميت "، وقوله: " سباب المسلم فسوق وقتاله كفر ". ونحو ذلك؟ قلنا هذا الاحتمال والتنظير له لا يصح لوجوه: الأول أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الصلاة حدا فاصلا بين الكفر والإيمان وبين المؤمنين والكفار يميز المحدود ويخرجه من غيره. فالمحدودان متغايران لا يدخل أحدهما في الآخر. الثاني: أن الصلاة ركن من أركان الإسلام فوصف تاركها بالكفر يقتضي أنه الكفر المخرج من الإسلام لأنه هدم ركنا من أركان الإسلام بخلاف إطلاق الكفر على من فعل فعلا من أفعال الكفر. الثالث: أن هناك نصوصا أخرى دلت على كفر تارك الصلاة كفرا مخرجا من الملة فيجب حمل الكفر على ما دلت عليه لتتلاءم النصوص وتتفق. الرابع: أن التعبير بالكفر مختلف ففي ترك الصلاة قال: " بين الرجل وبين الشرك والكفر " فعبر بأل الدالة على أن المراد بالكفر حقيقة الكفر بخلاف كلمة: كفر - منكّرا - أو كلمة: كَفَرَ بلفظ الفعل فإنه دال على أن هذا من الكفر أو أنه كفر في هذه الفعلة وليس هو الكفر المطلق المخرج عن الإسلام. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب (اقتضاء الصراط المستقيم) ص70 طبعة السنة المحمدية على قول الرسول صلى الله عليه وسلم: اثنتان في الناس هما بهما كفر ". قال: فقوله هما بهما كفر أي هاتان الخصلتان هما كفر قائم بالناس فنفس الخصلتين كفر حيث كانتا من أعمال الكفر وهما قائمتان بالناس لكن ليس كل من قام به شعبة من شعب الكفر يصير بها كافرا الكفر المطلق حتى تقوم به حقيقة الكفر، كما أنه ليس كل من قام به شعبة من شعب الإيمان يصير بها مؤمنا حتى يقوم به أصل الإيمان وحقيقته. وفرق بين الكفر المعرف باللام كما في قوله صلى الله عليه وسلم: " ليس بين العبد وبين الكفر أو الشرك إلا ترك الصلاة " وبين كفر منكر في الإثبات. انتهى كلامه رحمه الله. فإذا تبين أن تارك الصلاة بلا عذر كافر كفرا مخرجا من الملة بمقتضى هذه الأدلة كان الصواب فيما ذهب إليه الإمام أحمد وهو أحد قولي الشافعي كما ذكره ابن كثير في تفسير قوله تعالى: " فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلوات واتبعوا الشهوات " مريم الآية 59 وذكر ابن القيم في كتاب الصلاة أنه أحد الوجهين في مذهب الشافعي وأن الطحاوي نقله عن الشافعي نفسه. وعلى هذا قول جمهور الصحابة بل حكى غير واحد إجماعهم عليه، قال عبد الله بن شقيق كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة. رواه الترمذي والحاكم وصححه على شرطهما. وقال اسحاق بن راهويه الإمام المعروف صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن تارك الصلاة كافر وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا أن تارك الصلاة عمدا من غير عذر حتى يخرج وقتها كافر، وذكر ابن حزم أنه جاء عن عمر وعبد الرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة وقال لا نعلم لهؤلاء مخالفا من الصحابة. نقله عنه المنذري في الترغيب والترهيب وزاد من الصحابة: عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وجابر بن عبد الله وأبي الدرداء رضي الله عنهم. قال: ومن غير الصحابة أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وعبد الله بن المبارك والنخعي والحكم بن عتيبة وأيوب السختياني وأبو داود الطيالسي وأبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وغيرهم أهـ. والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] المرجع: رسالة في حكم تارك الصلاة للشيخ محمد بن صالح العثيمين الحديث: 5208 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1142 لم يُصَلِّ العصر ودخل المسجد والإمام يصلي المغرب [السُّؤَالُ] ـ[دخلت المسجد وكانت صلاة المغرب قائمة وأنا لم أصل العصر بعد، فهل أصلي العصر بعد صلاة المغرب، أم أصلي المغرب أولاً، أم أصلي العصر ثم أصلي المغرب، أم أدخل مع الإمام وهو يصلي المغرب فأكمل رابعة وتكفيني عن العصر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "من كان عليه العصر وحضر وقت صلاة المغرب فإنه يصلي معهم المغرب، ويكملها برابعة بنية العصر، ثم يصلي المغرب بعد ذلك وهو معذور على الصحيح، وإنما زاد رابعة لأن العصر أربع، فإذا سلم الإمام قام وكمل كالمسبوق وتجزئه، وليس له أن يقدم المغرب عليها، لأن الترتيب واجب فيصلي العصر ثم المغرب ثم العشاء، هذا هو اللازم، كما فرضها الله سبحانه وتعالى. ولما فاتت النبي صلى الله عليه وسلم الصلوات يوم الأحزاب حتى غابت الشمس بدأ بالعصر فصلاه ثم صلى المغرب، وفي رواية أنه فاتته الظهر والعصر والمغرب، فصلى الظهر، ثم العصر، ثم صلى المغرب، عليه الصلاة والسلام بعد ما غابت الشمس. والمقصود أنه يرتب، فيصلي معهم المغرب بنية العصر، فإذا سلم الإمام قام وصلى الرابعة وأجزأته، ثم يصلي المغرب في وقتها، أما إن أمكنه أن يصلي العصر قبل ذلك يعني جاء قبل أن تقام الصلاة، فإنه يبدأ بالعصر فيصليها ثم يصلي معهم المغرب" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (2/721) . [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 133145 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1143 صلى صلوات بغير طهارة صحيحة فكيف يقضيها؟ [السُّؤَالُ] ـ[كنت مصاباً بمرض احتقان البروستاتا، وكان يسبب لي نزول قطرات من البول بعد التبول حتى بعد التطهر، فكنت أتوضأ وبعد الوضوء لا يزال البول يخرج وينجس ملابسي وأذهب أصلي مع الجماعة، الآن أنا شفيت من هذا المرض لكن قرأت في الفتاوى أن لا يصلي حتى يتأكد من طهارة الثوب وإن فاتته الجماعة، وأيضا: الوضوء لكل صلاة لمن لديه السلس ... وأنا الآن أصلي مع كل فرض صلاة إعادة حتى أتم إن شاء الله ما كنت أصليه على نجاسة، فهل عملي صحيح؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: نزول قطرات البول يكون على حالتين: الأولى: أن يكون ذلك مستمرا، بحيث لا ينقطع وقتا يتسع للوضوء والصلاة، فهذا يسمى سلس البول، ويلزم صاحبه أن يتطهر ويتحفظ بشيء يمنع انتشار البول، ويتوضأ بعد دخول وقت الصلاة، ثم يصلي مع الجماعة كسائر الناس، إلا إذا خاف تلويث المسجد، فإنه لا يحل له دخوله، ويصلي في بيته جماعةً إن تيسر له، أو منفرداً. الثانية: أن يكون الخارج ينقطع عنه زمنا يتسع لوضوئه وصلاته، كمن علم أنه بعد قضاء حاجته بنحو ساعة – مثلاً - يتوقف عنه خروج البول، فهذا يلزمه أن يؤخر الصلاة إلى وقت انقطاع البول، ولو أدى ذلك إلى تركه الصلاة مع الجماعة. وينبغي حينئذ أن يصلي مع أهله إن تيسر له ذلك ليدرك فضل الجماعة. ثانيا: إذا كنت قد صليت صلوات بغير الطهارة المعتبرة، على النحو المذكور في الحالتين السابقتين، وكان ذلك جهلا منك بالواجب حينئذ، فيرى بعض أهل العلم أنه لا يلزمك القضاء. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وعلى هذا لو ترك الطهارة الواجبة لعدم بلوغ النص، مثل: أن يأكل لحم الإبل ولا يتوضأ ثم يبلغه النص ويتبين له وجوب الوضوء، أو يصلي في أعطان الإبل ثم يبلغه ويتبين له النص: فهل عليه إعادة ما مضى؟ فيه قولان هما روايتان عن أحمد. ونظيره: أن يمس ذَكَره ويصلى، ثم يتبين له وجوب الوضوء من مس الذكر. والصحيح في جميع هذه المسائل: عدم وجوب الإعادة؛ لأن الله عفا عن الخطأ والنسيان، ولأنه قال: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) ، فمن لم يبلغه أمر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شيءٍ معيَّنٍ: لم يثبت حكم وجوبه عليه، ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر وعمَّاراً لما أجْنبا فلم يُصَلِّ عمر وصلَّى عمار بالتمرغ أن يعيد واحد منهما، وكذلك لم يأمر أبا ذر بالإعادة لما كان يجنب ويمكث أياماً لا يصلي، وكذلك لم يأمر مَن أكل من الصحابة حتى يتبين له الحبل الأبيض من الحبل الأسود بالقضاء، كما لم يأمر مَن صلى إلى بيت المقدس قبل بلوغ النسخ لهم بالقضاء. ومن هذا الباب: المستحاضة إذا مكثت مدة لا تصلي لاعتقادها عدم وجوب الصلاة عليها، ففي وجوب القضاء عليها قولان، أحدهما: لا إعادة عليها - كما نقل عن مالك وغيره –؛ لأن المستحاضة التي قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: (إني حضت حيضةً شديدةً كبيرةً منكرةً منعتني الصلاة والصيام) أمرها بما يجب في المستقبل، ولم يأمرها بقضاء صلاة الماضي " انتهى من "مجموع الفتاوى" (21/101) . وبناء على هذا القول فلا يلزمك القضاء، وعليك أن تكثر من صلاة النافلة فإنها تكمل النقص الحاصل في الفريضة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 119755 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1144 لم يكن يغتسل من الجنابة جهلا فهل يقضي الصلوات [السُّؤَالُ] ـ[عندما كنت في الصف الأول متوسط حدثني أحد أقاربي عن المذي وقال لي إنه هو الذي يخرج عند الشهوة وعندما وصلت إلي الصف الثالث متوسط أخذت درسا عن المذي وكيفية التطهر منه وبعدها كلما أكون جنبا أغسل ذكري وأتوضأ للصلاة جهلا مني أنه المني ولما علمت حكمه تقريبا بعد ثلاث سنوات حزنت على الصلوات التي كنت أصليها فهل يجب علي الإعادة بسبب أني فهمت خطأ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الفرق بين المذي والمني معروف، وينظر بيانه في جواب السؤال رقم (2458) والواجب على المسلم أن يتعلم ما يلزم لصحة عقيدته وعبادته ومعاملته. ومن صلى صلوات كثيرة بغير طهارة صحيحة، جهلا منه بوجوب الطهارة، لم تلزمه الإعادة على الراجح. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وعلى هذا لو ترك الطهارة الواجبة لعدم بلوغ النص، مثل: أن يأكل لحم الإبل ولا يتوضأ ثم يبلغه النص ويتبين له وجوب الوضوء، أو يصلي في أعطان الإبل ثم يبلغه ويتبين له النص: فهل عليه إعادة ما مضى؟ فيه قولان هما روايتان عن أحمد. ونظيره: أن يمس ذَكَره ويصلى، ثم يتبين له وجوب الوضوء من مس الذكر. والصحيح في جميع هذه المسائل: عدم وجوب الإعادة؛ لأن الله عفا عن الخطأ والنسيان؛ ولأنه قال: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) ، فمن لم يبلغه أمر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شيءٍ معيَّنٍ: لم يثبت حكم وجوبه عليه، ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر وعمَّاراً لما أجْنبا فلم يصلِّ عمر وصلَّى عمار بالتمرغ أن يعيد واحد منهما، وكذلك لم يأمر أبا ذر بالإعادة لما كان يجنب ويمكث أياماً لا يصلي، وكذلك لم يأمر مَن أكل من الصحابة حتى يتبين له الحبل الأبيض من الحبل الأسود بالقضاء، كما لم يأمر مَن صلى إلى بيت المقدس قبل بلوغ النسخ لهم بالقضاء. ومن هذا الباب: المستحاضة إذا مكثت مدة لا تصلي لاعتقادها عدم وجوب الصلاة عليها، ففي وجوب القضاء عليها قولان، أحدهما: لا إعادة عليها – كما نقل عن مالك وغيره -؛ لأن المستحاضة التي قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: (إني حضت حيضةً شديدةً كبيرةً منكرةً منعتني الصلاة والصيام) أمرها بما يجب في المستقبل، ولم يأمرها بقضاء صلاة الماضي " انتهى من "مجموع الفتاوى" (21 / 101) . وينظر جواب السؤال رقم (45648) . وينبغي أن تكثر من النوافل، فإن النوافل تكمل الناقص الحاصل في الفريضة، وأقبل على تعلم العلم النافع، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ) رواه البخاري (71) ومسلم (1037) . وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 115532 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1145 قضاء سنة الظهر القبلية [السُّؤَالُ] ـ[إذا جاء الشخص إلى المسجد لصلاة الظهر، ولم يستطع صلاة سنة الظهر القبلية أربع ركعات، فهل يمكنه صلاتها بعد تأدية الفرض، ثم يصلي سنة الظهر البعدية ركعتين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: يستحب قضاء السنن الراتبة إذا فاتت على الصحيح من أقوال أهل العلم، وهو مذهب الشافعية والمشهور عند الحنابلة، خلافا للحنفية والمالكية، لحديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين بعد العصر، فسئل عنها فقال: (يَا بِنْتَ أَبِى أُمَيَّةَ، سَأَلْتِ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَإِنَّهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ فَشَغَلُونِي عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ، فَهُمَا هَاتَانِ) رواه البخاري (1233) ومسلم (834) يقول الإمام النووي رحمه الله: " الصحيح عندنا استحباب قضاء النوافل الراتبة، وبه قال محمد، والمزني، وأحمد في رواية عنه، وقال أبو حنيفة ومالك وأبو يوسف في أشهر الرواية عنهما لا يقضي، دليلنا هذه الأحاديث الصحيحة " انتهى. "المجموع" (4/43) ويقول المرداوي الحنبلي رحمه الله: " قوله: (ومن فاته شيء من هذه السنن سن له قضاؤها) : هذا المذهب والمشهور عند الأصحاب. ونصره المجد في شرحه، واختاره الشيخ تقي الدين – يعني ابن تيمية – " انتهى باختصار. "الإنصاف" (2/187) ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " قضاء السنة الراتبة سنة إذا فاتت، والدليل على هذا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما نام عن صلاة الفجر ولم يستيقظ إلا بعد طلوع الشمس صلى سنة الفجر أولاً، ثم صلى بعدها الفجر " انتهى. "لقاءات الباب المفتوح" (لقاء رقم/74، سؤال رقم/18) ، وانظر: "الموسوعة الفقهية" (25/284) ثانيا: إذا أراد أن يقضي سنة الظهر القبلية بعد أن أدى فريضة الظهر، هل يصلي السنة القبلية أولا ثم السنة البعدية، أم العكس؟ الأظهر أن الأمر واسع، سواء صلى القبلية أم البعدية، إذ المهم هو الإتيان بها، تقدمت أو تأخرت. قال الشيخ ابن عثيمين: " قال أهل العلم: إذا فاتتك الركعتان قبل الظهر فصلهما بعد الصلاة، لأن فعلهما قبل الصلاة تعذر، وهذا يقع دائما بأن يأتي الإنسان إلى المسجد فيجدهم قد أقاموا الصلاة، ففي هذه الحال يقضيها بعد صلاة الظهر. لكن يصلي الراتبة التي بعد الظهر قبل الراتبة التي قبلها. إنسان جاء والناس يصلون فلم يتمكن من سنة الظهر إذا صلى الظهر يصلي ركعتين بنية الراتبة البعدية ثم بعد ذلك يقضي الراتبة القبلية، هكذا روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث رواه ابن ماجه". فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (2/225) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114233 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1146 كيفية ترتيب الصلوات المقضية [السُّؤَالُ] ـ[كيفية ترتيب الصلوات المقضية]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب الترتيب في قضاء الفوائت، في مذهب جمهور أهل العلم. قال ابن قدامة رحمه الله (المغني 1/352) : (وجملة ذلك أن الترتيب واجب في قضاء الفوائت. نص عليه أحمد في مواضع ... ونحوه عن النخعي , والزهري , وربيعة , ويحيى الأنصاري , ومالك , والليث , وأبي حنيفة , وإسحاق. وقال الشافعي: لا يجب ; لأن قضاء الفريضة فائتة , فلا يجب الترتيب فيه , كالصيام ... إذا ثبت هذا , فإنه يجب الترتيب فيها وإن كثرت , وقد نص عليه أحمد. وقال مالك , وأبو حنيفة: لا يجب الترتيب في أكثر من صلاة يوم وليلة ; ولأن اعتباره فيما زاد على ذلك يشق , ويفضي إلى الدخول في التكرار , فسقط , كالترتيب في قضاء صيام رمضان) اهـ. فتحصل من ذلك أن الترتيب واجب عند الجمهور من الحنفية والمالكية والحنابلة، إلا أن الحنفية والمالكية لا يوجبونه إذا زادت الفوائت على صلوات يوم وليلة. وصفة الترتيب أن يأتي بما فاته على نسق الصلاة المعروف، فمن فاتته الظهر والعصر مثلا، صلى الظهر أولا، ثم صلى العصر. لكن يسقط الترتيب بالنسيان وبالجهل وبخشية خروج وقت اختيار الصلاة الحاضرة، وبخشية بخوف فوت صلاة الجماعة، على الراجح. فمن كان عليه صلاتان، ظهر وعصر مثلا، فبدأ بقضاء العصر قبل الظهر ناسيا، أو جاهلا وجوب الترتيب، صحت صلاته. وإن خشي لو بدأ بالقضاء أن يخرج الوقت الاختياري لصلاة العصر، صلى العصر أولا، ثم صلى ما عليه. وكذلك لو دخل المسجد، فهل يصلي مع الجماعة الصلاة الحاضرة، أم يقضي ما عليه أولا؟ ذهب أحمد في رواية اختارها شيخ الإسلام إلى أن الترتيب يسقط بخوف فوت الجماعة. لكن للإنسان في هذه الحالة أن يدخل مع الجماعة بنية الصلاة الفائتة، كمن عليه الظهر، وجاء المسجد وهم يصلون العصر، فله أن يصلي مع الجماعة بنية الظهر، ولا يضر اختلاف نيته عن نية إمامه، ثم يصلي العصر بعد ذلك. انظر الشرح الممتع 2/138- 144 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49019 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1147 كيف يقضي ما فاته من الصلاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[كيف يقضي الإنسان ما فاته من صلاة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: جعل الله تعالى للعبادات وقتاً تختص به لحكمة أرادها قد نعلم بعضها، ويخفى علينا بعضها، وبكل حال فنحن مأمورون بها ولا يجوز تعديها إلا لعذر يسمح به الشرع. والذي فاتته الصلاة لا يخلو من حالين: الأولى: أن تكون فاتته لعذر، كالنوم والنسيان، فهذا لا إثم عليه، ويجب عليه قضاؤها متى استيقظ أو تذكر. فعن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك) رواه البخاري (572) ومسلم (684) وفيه زيادة: (أو نام عنها) . ولمسلم (684) : (إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها، فإن الله عز وجل يقول: (أقم الصلاة لذكري) طه/14) . الحال الثانية: أن تفوته الصلاة بلا عذر، بل يتركها حتى يخرج وقتها كسلاً وتهاوناً، فهذا آثم باتفاق المسلمين، مرتكب كبيرة من الكبائر. ولا يصح منه قضاؤها في أصح قولي العلماء، وإنما عليه التوبة والندم والعزم على عدم فعل ذلك مرة أخرى، وليكثر من الأعمال الصالحة وصلاة التطوع. قال ابن حزم: "وأما من تعمد ترك الصلاة حتى خرج وقتها فهذا لا يقدر على قضائها أبداً، فليكثر من فعل الخير وصلاة التطوع، ليثقل ميزانه يوم القيامة، وليتب وليستغفر الله عز وجل" انتهى. " المحلى " (2 / 235) . وهو قول عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وسعد بن أبي وقاص وسلمان وابن مسعود والقاسم بن محمد بن أبي بكر وبديل العقيلي ومحمد بن سيرين ومطرف بن عبد الله وعمر بن عبد العزيز، وقال به داود الظاهري وابن حزم، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية والشوكاني، ورجحه من المعاصرين: الألباني وابن باز وابن عثيمين وغيرهم. واستدلوا بما يأتي: 1 - قوله تعالى: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً) لنساء/103. فقالوا: الصلاة وقتت بوقت لا يجوز الخروج عنه إلا بدليل. 2 – قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك) . فقوله: (فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك) ، أي: إذا تباطأ عن أدائها بعد ذكرها فإنها ليس لها كفارة، فكيف بمن تركها عمداً دون نسيان ولا نوم، فهذا من باب أولى ليس له كفارة، ولا ينفعه قضاؤها. 3- لأن الله تعالى جعل لكل صلاة فرض وقتاً محدود الطرفين، فكما أنه لا تصح قبل الوقت، فكذلك لا تصح بعده. " المحلى " (2 / 235) . 4- قال ابن حزم: "وأيضاً: فإن القضاء إيجاب شرع، والشرع لا يجوز لغير الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فنسأل من أوجب على العامد قضاء ما تعمد تركه من الصلاة أخبرنا عن هذه الصلاة التي تأمره بفعلها أهي التي أمره الله تعالى بها أم هي غيرها، فإن قالوا: هي هي، قلنا لهم: فالعامد لتركها ليس عاصيا؛ لأنه قد فعل ما أمره الله تعالى ولا إثم على قولكم ولا ملامة على من تعمد ترك الصلاة حتى يخرج وقتها وهذا لا يقوله مسلم، وإن قالوا: ليست هي التي أمره الله تعالى بها، قلنا: صدقتم، وفي هذا كفاية، إذ أقروا بأنهم أمروه بما لم يأمره به الله تعالى" انتهى. " المحلى " (2 / 236) . واستدل من أوجب عليه القضاء بالقياس على الناسي والنائم، فقالوا، إذا كان الناسي يجب عليه القضاء فالعامد من باب أولى. وأجيب بأن هذا قياس مع الفارق، فإن العامد آثم، وليس كذلك الناسي، فكيف يقاس العاصي على غير العاصي؟ قال الشوكاني رحمه الله: "وقال ابن تيمية: والمنازعون لهم- يعني: القائلين بالقضاء - ليس لهم حجة قط يرد إليها عند التنازع، وأكثرهم يقولون: لا يجب القضاء إلا بأمر جديد وليس معهم هنا أمر، ونحن لا ننازع في وجوب القضاء فقط، بل ننازع في قبول القضاء منه وصحة الصلاة في غير وقتها، وأطال البحث في ذلك، واختار ما ذكره داود ومن معه، والأمر كما ذكره أني لم أقف مع البحث الشديد للموجبين القضاء على العامد على دليل ينفق (أي: يقبل) في سوق المناظرة، ويصلح للتعويل عليه في هذا الأصل العظيم" انتهى. " نيل الأوطار " (2 / 26) . فالراجح ـ والله أعلم ـ أن العامد لا يقضي الصلاة، وإنما يجب عليه الاستغفار والتوبة. وقد أطال ابن القيم رحمه الله البحث في هذه المسألة ومناقشة أدلة الفريقين في كتابه القيم "الصلاة" (ص 67- 109) فليراجع. فائدة: قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والذين أمروه بالقضاء من العلماء لا يقولون إنه بمجرد القضاء يسقط عنه الإثم، بل يقولون بالقضاء يخف عنه الإثم، وأما إثم التفويت وتأخير الصلاة عن وقتها فهو كسائر الذنوب التي تحتاج إما إلى توبة وإما إلى حسنات ماحية، وإما غير ذلك مما يسقط به العقاب" انتهى. " منهاج السنة " (5 / 233) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111783 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1148 فقد الوعي بسبب حادث سيارة فهل يقضي ما فاته من رمضان [السُّؤَالُ] ـ[يوجد رجل صار عليه حادث اصطدام سيارة ووقع في درك الموت وأخذ مدة طويلة منها شهر رمضان المبارك وهو في غيبوبة الخطر لا يعرف شيئاً وبعد مدة منحه الخالق الكريم العظيم الشفاء، واكتملت صحته فماذا عليه من قضاء الصوم والصلاة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الواقع كما ذكرت من أن الرجل غاب عقله مدة طويلة لا يعي شيئا فيها من تأثر الصدمة - ومن هذه المدة شهر رمضان - فليس عليه قضاء ما مضى من الصوم والصلاة أيام غيبوبة عقله في أصح قولي العلماء لكونه غير مكلف بهما تلك المدة. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (6/18) الحديث: 22204 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1149 فقد الوعي ثلاثة أيام فهل يقضي [السُّؤَالُ] ـ[وضعوا له منوما في المستشفى لئلا يشعر بالألم، فبقي فاقد الوعي ثلاثة أيام، إذا أفاق هل يقضي الصلاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سألت هذا السؤال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله فأجاب: إذا كان ثلاثة أيام فأقل يقضي قياسا على النائم، وأكثر لا يقضي قياسا على المجنون. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد العزيز بن باز يرحمه الله الحديث: 10229 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1150 صلاة المغمى عليه والمريض الذي ترك الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[والدي صدمته في رجله سيارة ودخل المستشفى، ومكث سبعة عشر يوماً وهو ما صلى فلما أفاق يسأل ويريد أن يقضيها أفيدونا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان عقله معه في مدة الترك فإنه يقضيها على حسب استطاعته قائماً أو جالساً أو على جنب أو مستلقياً يرتبها بالنية والعمل فيصلي صلوات اليوم الأول منها على حسب ترتيبها يبدأ من أول فرض تركه فالذي بعده وهكذا ثم اليوم الثاني ثم الثالث حتى تنتهي، أما إذا كان قد اختل عقله حينذاك فلا قضاء عليه. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (6/17) الحديث: 10352 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1151 قضاء الصلاة في أوقات النهي [السُّؤَالُ] ـ[بعض الناس قال لي: إنه لا يمكن أن نصلي القضاء بعد صلاة العصر مباشرة، أرجو أن تساعدني بأن تذكر لي جواباً مفصلاً بخصوص هذه المقولة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: هناك بعض الأوقات نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فيها، وهي: 1- من بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس وترتفع بمقدار رمح. أي: 15 دقيقة تقريباً. الشرح الممتع (4/162) . 2- وقت استواء الشمس في وسط السماء، وهو وقت قصير قبل دخول وقت صلاة الظهر، يقارب ربع ساعة أو ثلث ساعة. فتاوى الشيخ ابن باز (11/286) . وذهب بعض العلماء إلى أنه أقصر من هذا، قال ابن قاسم رحمه الله: إنه وقت لطيف لا يتسع لصلاةٍ، ولكن يمكن إيقاع تكبيرة الإحرام فيه اهـ حاشية ابن قاسم على الروض المربع (2/245) . 3- بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس. فهذه الأوقات وردت أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم تنهى عن الصلاة فيها، من هذه الأحاديث: 1- روى البخاري (586) ، ومسلم (728) عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا صَلَاةَ بَعْدَ صَلاةِ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَلا صَلاةَ بَعْدَ صَلاةِ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ) . 2- وروى مسلم (832) عَنْ عَمْرو بْنِ عَبَسَةَ السُّلَمِيُّ رضي الله عنه قال: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي عَمَّا عَلَّمَكَ اللَّهُ وَأَجْهَلُهُ، أَخْبِرْنِي عَنْ الصَّلاةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (صَلِّ صَلاةَ الصُّبْحِ ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَتَّى تَرْتَفِعَ. . . ثُمَّ صَلِّ فَإِنَّ الصَّلاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ – وهو وقت كون الشمس في وسط السماء- ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلاةِ فَإِنَّها حِينَئِذٍ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ فَإِذَا أَقْبَلَ الْفَيْءُ – وهو أول وقت صلاة الظهر - فَصَلِّ فَإِنَّ الصَّلاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ الْعَصْرَ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلاةِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ. . .) . ثانياً: المراد بقضاء الصلاة هو فعل الصلاة بعد خروج وقتها. والصلاة المقضية إما أن تكون فريضة وإما أن تكون نافلة. أما الفريضة: فالواجب على المسلم أن يحافظ على الصلاة في وقتها الذي حدده الله تعالى لها. قال الله تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) النساء /103. أي: لها وقت محدد. وتأخير الصلاة حتى يخرج وقتها بدون عذر حرام، وهو من كبائر الذنوب. فإن حصل للمسلم عذر كالنوم والنسيان ولم يتمكن من فعل الصلاة في وقتها، فإنه يجب عليه إذا زال العذر أن يقضي الصلاة، ولو كان ذلك في وقت من أوقات النهي. وهو قول جمهور العلماء. انظر: المغني (2/515) . ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَامَ عَنْ صَلاةً أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا) رواه البخاري (597) ومسلم (684) . وأما النافلة: فاختلف العلماء في قضائها وقت النهي، والصحيح أنها تُقضى، وهو مذهب الشافعي رحمه الله، وانظر المجموع (4/170) . واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في الفتاوى (23/127) . ودل على ذلك عدة أحاديث: منها: ما رواه البخاري (1233) ومسلم (834) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ فَسَأَلَتْهُ عَنْهُمَا فَقَالَ: (إِنَّهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ فَشَغَلُونِي عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ فَهُمَا هَاتَانِ) . ومنها: ما رواه ابن ماجه (1154) عَنْ قَيْسِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يُصَلِّي بَعْدَ صَلاةِ الصُّبْحِ رَكْعَتَيْنِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَصَلاةَ الصُّبْحِ مَرَّتَيْنِ؟ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: إِنِّي لَمْ أَكُنْ صَلَّيْتُ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا، فَصَلَّيْتُهُمَا. قَالَ: فَسَكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. صححه الألباني في صحيح ابن ماجه (948) . قال ابن قدامة رحمه الله: وسكوت النبي صلى الله عليه وسلم يدل على الجواز اهـ المغني (2/532) . والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 20013 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1152 هل يصلي الصلاة الحاضرة أو الفائتة [السُّؤَالُ] ـ[إذا فاتت الصلاة لعذر مثل النوم فهل نصلي الصلاة الفائتة أو لا أم الصلاة الحالية إذا كانت الحالية قد مضى عليها مدة أي بعد صلاة الجماعة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ينبغي على المسلم المحافظة على أداء الصلاة في وقتها، وقد امتدح الله عز وجل المؤمنين فقال: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) المعارج/34 فإذا حصل للإنسان عذر وفاتته صلاة فإن عليه أن يقضيها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَسِيَ صَلاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا) رواه مسلم (المساجد ومواضع الصلاة / 1103) فإذا فاتتك صلاة فإنك " تصلِّيها أولاً ثم تُصلي الصلاة الحاضرة ولا يجوز التأخير. وقد شاع عند الناس أن الإنسان إذا فاته فرض فإنه يقضيه مع الفرض الموافق له من اليوم الثاني، فمثلاً لو أنه لم يصل الفجر يوماً فإنه لا يصليه إلا مع الفجر في اليوم الثاني، وهذا غلط وهو مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم القولي والفعلي: أما القولي: فقد ثبت عنه أنه قال: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) ولم يَقل فليصلها من اليوم الثاني إذا جاء وقتها، بل قال: (فليصلها إذا ذكرها) وأما الفعلي: فحين فاتته الصلوات في يوم من أيام الخندق صلاها قبل الصلاة الحاضرة فدل هذا على أن الإنسان يصلي الفائتة ثم يصلي الحاضرة، لكن لو نسي فقدَّم الحاضرة على الفائتة أو كان جاهلاً لا يعلم فإنَّ صلاته صحيحة لأن هذا عذر له ". انظر فتاوى الشيخ ابن عثيمين ج/12 ص/222 وحديث الصلاة يوم الخندق فقد روى النسائي عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ شَغَلَنَا الْمُشْرِكُونَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ عَنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ..َ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلالًا فَأَقَامَ لِصَلاةِ الظُّهْرِ فَصَلاهَا ثُمَّ أَقَامَ لِلْعَصْرِ فَصَلاهَا ثُمَّ أَذَّنَ لِلْمَغْرِبِ فَصَلاهَا كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا..) (الأذان/655) وصححه الألباني في صحيح النسائي برقم (638) ويدل فعله صلى الله عليه وسلم على وجوب ترتيب الصلوات الفائتة. فأما إذا لم يتبقَّ من وقت الصلاة الحالية إلا ما يكفي لأدائها فقط فيبدأ بالصلاة الحالية ثم التي قبلها. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 21616 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1153 كفارة ترك الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[ما هي الكفارة؟ وما هو الثمن الذي يجب دفعه للركعة أو لأوقات الصلاة ككفارة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من ترك صلاة أو أكثر من الصلوات المفروضة دون عذر فعليه أن يتوب إلى الله توبة صادقة ولا قضاء عليه ولا كفارة لأن ترك الصلاة المفروضة عمدا كفر أكبر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) أخرجه أحمد (22428) ، والترمذي (2621) ، والنسائي (462) وقوله: (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) رواه مسلم (242) ، ولا كفارة في ذلك سوى التوبة النصوح. (انظر فتاوى اللجنة الدائمة 6/50) كما أن الصلاة عبادة مؤقتة بوقت محدد ومن ترك عبادة مؤقتة حتى خرج وقتها دون عذر كالصلاة والصيام ثم تاب فإنه لا يقضي ما ترك لأن العبادة المؤقتة محدودة من قبل الشارع بحد أول الوقت وآخره. (فتاوى الشيخ ابن عثيمين 1/322) أما إن كان ترك الصلاة لعذر كالنوم والنسيان فكفارته أن يصليها متى ذكرها ولا كفارة لها سوى ذلك، كما قال عليه الصلاة والسلام: (من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك) البخاري (572) ومسلم (1564) . والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20340 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1154 قضاء المسلم الجديد للفروض الإسلامية [السُّؤَالُ] ـ[دخل رجل الإسلام وعمره أربعون سنة هل يقضي ما فاته من الصلاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يقضي من أسلم ما فاته من الصلاة والصيام والزكاة أيام كفره، لقوله تعالى: (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) سورة الأنفال/38. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الإسلام يجب ما قبله) رواه مسلم في صحيحه/121، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر أحداً ممن أسلم بقضاء ما فاته من شعائر الإسلام أيام كفره ولإجماع أهل العلم بذلك. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 6/400. الحديث: 2195 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1155 حكم قضاء الصلاة الفائتة [السُّؤَالُ] ـ[أسلمت حديثا، وعندي مجموعة أسئلة أرغب في الحصول على أجوبتها، وأظن أنك ستجد في بعضها شيئاً من الغباء الشديد. ماذا أقول عندما أصلي؟ والداي على البوذية، ووالدي هو الوحيد في العائلة الذي يعلم بأمر إسلامي، وأفراد العائلة أحيانا يدعونني لتناول الطعام معهم، لكني لا آكل لحم الخنزير، أو أي طعام يحتوي على أمور محرمة أعرفها، لكني أسأل عن الدجاج وأنواع اللحوم الأخرى كالسمك مثلا، والتي لم يذبحها مسلم، أهي محرمة؟ وهل أكون قد وقعت في معصية (لأكلي من تلك الأطعمة) ؟ كيف أتوب إلى الله سبحانه وتعالى من المعاصي التي وقعت فيها؟ وكيف أحصل على غفرانه عن المعاصي اليومية التي وقعت فيها؟ إذا فاتتني صلاة الصبح، أو الظهر، أو أي فرض من الفروض الخمسة، فهل أكون قد وقعت في معصية، وكيف يُغفر لي؟ كيف أتعلم القراءة والذكر أثناء الصلاة، وأتعلم أيضا قراءة القرآن بالعربية؟ على الأقل الكلمات الأساسية التي يجب أن تقال خلال الصلاة. جميع الأطعمة البحرية، أحلال هي أم حرام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نشكر لك ثقتك بموقعنا، ونسأل الله أن نكون عند حسن الظن، وأن يمنَّ عليك بالتوفيق والرشاد، كما نشكر لك مبادرتك في تعلم ما جهلته، وهذا هو الواجب على كل مسلم، والمرء لا يولد عالماً، وكما قال صلى الله عليه وسلم: (إنما العلم بالتعلم) حسنه ابن حجر في فتح الباري، ولا تظن بأن السؤال عما تجهله يُعتبر غباءً، بل هو أمر مطلوب يُحمد عليه الإنسان. ثانياً: بالنسبة للأسئلة المتعلقة بالصلاة فتجد في السؤال رقم (13340) إجابة مفصلة عن صفة الصلاة وما يقال فيها من أذكار. ثالثاً: وأما ما يتعلق بالقراءة في الصلاة باللغة العربية أو غيرها فتجد في السؤال رقم (3471) إجابة وافية بإذن الله عن هذا الأمر. ونوصيك بالحرص الشديد على تعلم اللغة العربية على الأقل فيما يتعلق بسورة الفاتحة وأركان وواجبات الصلاة وذلك متيسر، إما بالأخذ عن مسلم يحفظها ويحسن قراءتها، أو دخول مواقع في الشبكة تحتوي على تسجيل صوتي للقرآن الكريم، والاستماع إليها، وحفظها من هناك. رابعاً: بالنسبة لتفويت الصلاة فإنه لا يخلو من حالين: الأولى: أن تفوت الصلاة من غير قصد منك بل لعذر شرعي كنسيان أو نوم مع حرصك الشديد في الأصل على أدائها في وقتها، ففي هذه الحال تكون معذورا ويجب عليك قضاؤها بمجرد ذكرك لها والدليل على ذلك ما ورد في صحيح مسلم (681) في قصة نوم الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن صلاة الفجر فَجَعَلَ الصحابة بَعْضُهم يَهْمِسُ إِلَى بَعْض:"ٍ مَا كَفَّارَةُ مَا صَنَعْنَا بِتَفْرِيطِنَا فِي صَلاتِنَا " فقَالَ رسول الله: " أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلاةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الصَّلاةِ الأُخْرَى فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلْيُصَلِّهَا حِينَ يَنْتَبِهُ لَهَا ". وليس معنى ذلك أن الإنسان ينام متعمداً عن الصلاة حتى تفوته ثم يعتذر بالنوم أو يفرط في السبل التي تعينه على القيام لها ثم يعتذر بذلك، بل عليه أن يبذل كل ما يستطيعه من أسباب كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الحادثة فإنه أوكل شخصا بالبقاء مستيقظا ليوقظهم للصلاة لكنه غلبه النعاس فلم يوقظهم، فهذه الحال هي التي يُعذر فيها الإنسان. الثانية: أن تفوته الصلاة عامداً متعمدا فهذه معصية عظيمة وجُرم خطير حتى أن بعض العلماء يفتي بكفر فاعل ذلك، (كما في مجموع فتاوى ومقالات سماحة الشيخ ابن باز (10/ 374) . فهذا يجب عليه التوبة الصادقة النصوح، بإجماع أهل العلم، وأما قضاؤها فقد اختلف أهل العلم هل تقبل منه لو قضاها بعد ذلك أو لا تقبل؟ فأكثر العلماء على أنه يقضيها وتصح منه مع الإثم {يعني إذا لم يتب – والله أعلم -} كما نقله عنهم الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع (2 / 89) والذي رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – أنها لا تصحّ، بل ولا يشرع له قضاؤها. قال رحمه الله في الاختيارات (34) : " وتارك الصلاة عمدا لا يشرع له قضاؤها، ولا تصح منه، بل يكثر من التطوع، وهو قول طائفة من السلف." وممن رجح هذا القول من المعاصرين الشيخ ابن عثمين رحمه الله في الموضع السابق واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) متفق عليه. فيجب عليك أن تحذر من هذا الأمر أشد الحذر وأن تحرص على أداء الصلاة في أوقاتها كما قال تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) النساء / 103. أما بالنسبة للتوبة فتجد إجابة مفصلة في السؤال رقم (14289) من هذا الموقع. وأما ما يتعلق بالذبائح التي يذبحها غير المسلمين فتجد إجابة ذلك في السؤال رقم (10339) . وما سألت عنه من أطعمة بحرية فهي حلال في الأصل كلها لقوله تعالى: (أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعاً لكم) المائدة / 96. نسأل الله أن يوفقك لتعلم العربية والتفقه في الدين، والتزوّد من الصالحات، إنه ولي ذلك والقادر عليه. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 13664 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1156 لم تكن تعلم أن المذي ينقض الوضوء فهل تعيد الصلوات؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل تأثم المرأة في تفكيرها الجنسي قبل الزواج؟ وهل تأثم بإنزال المذي؟ لأنها تتأثر من أدنى شيء أرجو سرعة الرد فأنا قلقة، لم أكن أعلم أن هناك شيئاً اسمه مذي، ولم أكن أجدد وضوئي عند الإنزال.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا تأثم المرأة بمجرد التفكير الجنسي، ما لم يصحبه عمل أو نظر، أو يتحول إلى عزم وإرادة جازمة، وذلك لما جاء من العفو عن حديث النفس، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنفُسَهَا مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا أَوْ يَعمَلُوا بِهِ) رواه البخاري (2528) ومسلم (127) . قال النووي رحمه الله في شرح هذا الحديث: " وحديث النفس إذا لم يستقر ويستمر عليه صاحبه: فمعفو عنه باتفاق العلماء؛ لأنه لا اختيار له في وقوعه، ولا طريق له إلى الانفكاك عنه " انتهى من "الأذكار" (ص 345) . وقال: " وسبب العفو ما ذكرناه من تعذر اجتنابه، وإنما الممكن اجتناب الاستمرار عليه، فلهذا كان الاستمرار وعقد القلب حراما ". ولاشك أن الاسترسال في هذه الخواطر والأفكار، قد يفضي إلى الحرام، طلبا لتفريغ الشهوة، قيقع الإنسان في الاستمناء، أو تتبع الصور المحرمة، أو غير ذلك. ولهذا ينبغي أن تدعي التفكير في هذه الأمور، وأن تصرفي ذهنك عنها، وأن تشغلي نفسك بطاعة الله تعالى، وما ينفعك في أمور دينك ودنياك. وانظر جواب السؤال رقم (20161) ثانيا: المذي يخرج عادة عند ثوران الشهوة، وهو نجس ناقض للوضوء، لكن نجاسته مخففة فيكفي في تطهيره غسل الفرج ورشّ الثوب بالماء. وينظر جواب السؤال رقم (2458) و (99507) . وإذا خرج المذي لمجرد التفكير العابر، لم يأثم صاحبه. ثالثا: إذا كنت تجهلين أمر المذي، وكونه ناقضا للوضوء، وكنت تصلين بعض الصلوات مع وجوده، فإن صلاتك صحيحة على القول الراجح، لكونك معذورة بالجهل. وهكذا من جهل بعض نواقض الوضوء، كمن جهل أن لحم الإبل ينقض الوضوء، ثم صلى، فإن صلاته صحيحة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وعلى هذا لو ترك الطهارة الواجبة لعدم بلوغ النص، مثل: أن يأكل لحم الإبل ولا يتوضأ ثم يبلغه النص ويتبين له وجوب الوضوء، أو يصلي في أعطان الإبل ثم يبلغه ويتبين له النص: فهل عليه إعادة ما مضى؟ فيه قولان هما روايتان عن أحمد. ونظيره: أن يمس ذَكَره ويصلى، ثم يتبين له وجوب الوضوء من مس الذكر. والصحيح في جميع هذه المسائل: عدم وجوب الإعادة؛ لأن الله عفا عن الخطأ والنسيان؛ ولأنه قال: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) ، فمن لم يبلغه أمر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شيءٍ معيَّنٍ: لم يثبت حكم وجوبه عليه، ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر وعمَّاراً لما أجْنبا فلم يصلِّ عمر وصلَّى عمار بالتمرغ أن يعيد واحد منهما، وكذلك لم يأمر أبا ذر بالإعادة لما كان يجنب ويمكث أياماً لا يصلي، وكذلك لم يأمر مَن أكل من الصحابة حتى يتبين له الحبل الأبيض من الحبل الأسود بالقضاء، كما لم يأمر مَن صلى إلى بيت المقدس قبل بلوغ النسخ لهم بالقضاء. ومن هذا الباب: المستحاضة إذا مكثت مدة لا تصلي لاعتقادها عدم وجوب الصلاة عليها، ففي وجوب القضاء عليها قولان، أحدهما: لا إعادة عليها – كما نقل عن مالك وغيره -؛ لأن المستحاضة التي قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: (إني حضت حيضةً شديدةً كبيرةً منكرةً منعتني الصلاة والصيام) أمرها بما يجب في المستقبل، ولم يأمرها بقضاء صلاة الماضي " انتهى من "مجموع الفتاوى" (21 / 101) . نسأل الله لك التوفيق والسداد، والعفة والإحصان. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 102504 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1157 فاتتها صلوات في الماضي ماذا تفعل؟ [السُّؤَالُ] ـ[خالتي (عمتي) طلبت مني أن أسألك هذا السؤال: في الماضي فاتها صلوات فرض والآن تريد أن تعرف ماذا تقول الشريعة عن صلاتها التي فاتتها في الماضي سأقدر لكم إجابتكم عن السؤال بارك الله فيك وجزاك خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يبدو واضحا في السؤال ما إذا كانت عمتك / أو خالتك قد فاتتها الصلاة بعذر كنوم أو نسيان أو فقد للوعي ونحوه من الأعذار أو كان فوات الصلوات قد حصل عمدا بلا عذر، وعلى أية حال إن كان فواتها لعذر وجب عليها قضاء تلك الفوائت مع التوبة من التأخير. أما إن كان تركها للصلاة دون عذر، إما جحدا لوجوب الصلاة أو تهاونا بشأنها وتكاسلا للقيام إليها، فإن الراجح من أقوال أهل العلم أن تارك الصلاة جحدا لوجوبها أو تكاسلا وتهاونا، لا سبيل له إلى قضائها، فإنّ لله عملا بالليل لا يقبله بالنهار وعملا بالنهار لا يقبله بالليل (يُنظر كتاب: أريد أن اتوب ولكن) ويكون تارك الصلاة عمدا كافرا إذا تركها بالكلية فإذا تاب وصلى رجع إلى الإسلام ولا يُؤمر بقضاء ما تركه ولكنه يُنصح بالاستكثار من النوافل والإسلام يجب ما قبله. وقد سئل فضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله السؤال التالي: (إنني امرأة مسلمة والحمد لله وقد كنت قبل وقت لا أصلي ولا أعرف أي شيء عن أمور الدين. وأما الآن والحمد لله فقد هداني الله وبدات بالصلاة والصوم وقراءة القرآن الكريم والتسبيح، وقد ختمت القرآن الكريم للمرة العاشرة، فهل يغفر الله لي ما قدمت وأخرت وأسررت وأعلنت في حياتي. وما أفعل أكثر من هذا حتى يغفر الله لي؟ الجواب: التوبة تجب ما قبلها، فما دمت أنك والحمد لله قد تبت توبة صحيحة وأديت ما أوجب الله عليك وتجنبت ما حرم الله عليك فالتوبة يغفر الله بها ما سبق، قال الله سبحانه وتعالى: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا) . حتى الشرك من (وقع فيه فتاب) منه تاب الله عليه، كما قال تعالى: (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الإسلام يجب ما قبله والتوبة تجب ما قبلها) رواه احمد 4/204. فإذا كنت تبت توبة صحيحة وأديت ما أوجب الله عليك وتجنبت ما حرم الله عليك فإن ذلك يكفي إن شاء الله لمغفرة ما سبق، ولكن عليك بإحسان العمل في المستقبل وملازمة التوبة والقيام بما أوجب الله عليك من أمور الإسلام) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 7969 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1158 قضاء النفل [السُّؤَالُ] ـ[متى يقال عن النفل لا يقضى هل لأنه سنة فات محلها إذا علمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقضي بعض النوافل بعد فوات وقتها كالوتر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله النفل المقّيد بسبب لا يقضى إذا فات سببه مثال ذلك لو أن الشمس كسفت وكان الإنسان نائماً وعلم بعد النوم أنها كسفت فلا يصلي لأنها سنة فات محلها، وكذلك لو دخل المسجد وأقام فيه طويلاً بناءً على أنه ليس على وضوء ثم ذكر أنه على وضوء فقام ليصلي تحية المسجد فلا يصليها لأنها سنة فات محلها، والضابط في هذا أن كل نفل قيد بسبب فإنه لا يقضى كالوتر لكن الوتر كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يقضيه وتراً، بل يصلي من الضحى اثنتي عشرة ركعة لأن أكثر وتره إحدى عشرة ركعة فيقضي أكثر الوتر عليه الصلاة والسلام لكنه يشفعه لأن الإيثار فات محله. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين لمجلة الدعوة العدد 1756 ص 37 الحديث: 10771 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1159 كان يصلي ثلاث سنوات دون غسل الجنابة [السُّؤَالُ] ـ[عندما بلغت واحتلمت لم أكن أعرف بأن الغسل لا بد منه فبقيت على ذلك مدة تصل إلى ثلاث سنوات وبعدها علمت بوجوب الغسل فسؤالي هو ماذا علي أن أفعل من أجل الصلوات التي كنت أصليها في هذه الفترة هل علي قضاؤها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله متى وجدت في ثوبك المني يجب عليك أن تغتسل حتى ولو لم تذكر احتلاماً، فالمسلم إذا استيقظ من نومه ووجد في ثوبه أو فخذه أو في مكان نومه بللاً يعني أثر مني فيجب عليه أن يغتسل ولو لم يذكر احتلاماً في نومه فهذا لا بد منه لأنه موجب الغسل وهو خروج المني ذكر احتلاماً في منامه أم لم يذكر، أما لو ذكر احتلاماً في منامه ولكنه لم يخرج منه شيء كما لو قلت أنا احتلمت في النوم كأن واقعت امرأة ولكن بعد أن استيقظت لم تجد أثر مني لا في ثوبك ولا في ملابسك ولا في بدنك ولا في منامك فهل يجب الغسل؟ فهذا ليس فيه غسل ما دام أنه لم يوجد مني حتى ولو احتلمت إنما الغسل يترتب على وجود المني. أما أنك تقول إنك لمدة ثلاث سنوات تصلي بدون غسل من الجنابة فالواجب عليك وعلى أمثالك أن تسأل، قال تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) النحل/43 ومالك عذر عند الله، فإن الله سبحانه وتعالى أعطاك الصحة والعافية وأعطاك العقل وأمرك أن تسأل، ولا يجوز لك أن تعبد الله على جهل وضلال فإن عبادة الله على الجهل والضلال هي طريقة النصارى، ألم تقرأ سورة الفاتحة كل يوم في صلاتك (اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) الفاتحة /6-7، فالمغضوب عليهم هم اليهود معهم علم ولم يعملوا به، والضالين هم النصارى يعبدون الله على جهل وضلال، فكذلك المسلم إذا عبد الله على جهل وضلال فإنه من الضالين، قال بعض العلماء: من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود ومن فسد من عبادنا ففيه شبه من النصارى، وأنت عليك بتقوى الله ومراقبته والإكثار من النوافل، وبعض العلماء يوجب عليك أن تقضي هذه الثلاث سنين لكن ما دام أنه صدر عن جهل وعددها كثير فأرجو ألا حرج عليك إن شاء الله وتكثر من النوافل وإن أمكن قضاؤها فهو المتعين بكل حال وإن شئت تكثر من النوافل كما ذكره جمع من أهل العلم والمسألة خلافية بينهم، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد الله بن حميد ص 64 الحديث: 9446 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1160 عاشوا تحت الحكم الشيوعي ولم يدروا ما صلاة ولا صيام فهل عليهم قضاء؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا مسلمة من بلغاريا، وكنَّا تحت الحكم الشيوعي، ولم نكن نعرف أي شيء عن الإسلام، بل إن كثيراً من العبادات كانت ممنوعة، وأنا لم أعرف أي شيء عن الإسلام حتى بلغت 20 سنة، وبعد ذلك التزمت بشرع الله. سؤالي لكم: هل عليَّ قضاء ما فاتني من صلاة وصيام؟ وجزاكم الله خيراً]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا ً: نحمد الله تعالى أن خلصكم من الحكم الشيوعي الظالم الفاجر , بعد أن استمر في قمعه للمسلمين أكثر من أربعين سنة , عمل خلالها على هدم المساجد وتحويل بعضها إلى متاحف , واستولى على المدارس الإسلامية، وعمل على تغيير أسماء المسلمين , وطمس الهوية الإسلامية. لكن.. يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون. فها هو الحكم الشيوعي بجبروته وطغيانه قد زال عام 1989م , وفرح بذلك المسلمون فرحاً شديداً , وعادوا إلى مساجدهم القديمة يرممونها ويصلحون من شأنها , ورجعوا إلى تعليم أطفالهم القرآن، وعاد حجاب النساء المسلمات إلى الظهور في الشوارع والطرقات. ونسأل الله تعالى أن يرد المسلمين إلى دينهم رداً جميلاً , وأن ينصرهم ويعزهم ويكبت عدوهم. ثانياً: لقد نشأ جيل من المسلمين في بلغاريا تحت وطأة الحكم الشيوعي لا يعلمون شيئاً عن الإسلام , غير أنهم مسلمون , إذ حال الحكم الشيوعي بينهم وبين تعلم الإسلام , بل كان يمنع حتى دخول القرآن الكريم , والكتب الإسلامية إلى بلغاريا. وهؤلاء الذين لا يعرفون شيئاً عن أحكام الإسلام وعبادته وفروضه لا يلزمهم قضاء شيء من تلك العبادات، فإن المسلم إذا لم يتمكن من العلم الشرعي , ولم تبلغه الأحكام الشرعية فإنه لا يلزمه شيء , لقول الله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة/286. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "لا خلاف بين المسلمين أن من كان في دار الكفر وقد آمن وهو عاجز عن الهجرة لا يجب عليه من الشرائع ما يعجز عنها , بل الوجوب بحسب الإمكان , وكذلك ما لم يعلم حكمه , فلو لم يعلم أن الصلاة واجبة عليه , وبقي مدة لم يصلِّ , لم يجب عليه القضاء في أظهر قولي العلماء , وهذا مذهب أبي حنيفة وأهل الظاهر وهو أحد الوجهين في مذهب أحمد. وكذلك سائر الواجبات من صوم شهر رمضان , وأداء الزكاة , وغير ذلك. ولو لم يعلم تحريم الخمر فشربها لم يحد باتفاق المسلمين , وإنما اختلفوا في قضاء الصلوات ... وأصل هذا كله: أن الشرائع هل تلزم من لم يعلمها أم لا تلزم أحدا إلا بعد العلم؟ والصواب في هذا: أن الحكم لا يثبت إلا مع التمكن من العلم , وأنه لا يُقضَى ما لم يعلم وجوبه , فقد ثبت في الصحيح أن من الصحابة من أكل بعد طلوع الفجر في رمضان حتى تبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود , ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء , ومنهم من كان يمكث جنبا مدة لا يصلي , ولم يكن يعلم جواز الصلاة بالتيمم كأبي ذر وعمر بن الخطاب وعمار لما أجنب , ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أحدا منهم بالقضاء. ولا شك أن خلقا من المسلمين بمكة والبوادي صاروا يصلون إلى بيت المقدس حتى بلغهم النسخ ولم يؤمروا بالإعادة. ومثل هذا كثير. وهذا يطابق الأصل الذي عليه السلف والجمهور: أن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها , فالوجوب مشروط بالقدرة، والعقوبة لا تكون إلا على ترك مأمور , أو فعل محظور , بعد قيام الحجة" انتهى باختصار. "مجموع الفتاوى" (19/225) . وعلى هذا، لا يلزمكم قضاء شيء من العبادات التي لم تعلموا بوجوبها. والنصيحة لكم أن تُقبلوا على تعلّم الأحكام الشرعية، والتفقه في الدين، والحرص كل الحرص على تعلم الإسلام والعمل به، وتربية جيل مسلم، حتى تكونوا على قدر التحدِّيات التي تواجه المسلمين عموماً، وفي بلادكم خاصة. ونسأل الله تعالى أن يعزّ الإسلام والمسلمين. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97501 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1161 استحباب الجماعة في قضاء الفوائت [السُّؤَالُ] ـ[هل تقضى الصلاة الفائتة جماعة أم منفردة؟ علما أننا خرجنا إلى البر في يوم من الأيام ولم نستيقظ لصلاة الفجر وقمنا بعد شروق الشمس فقضينا الصلاة منفردين لخروج وقتها هل هذا العمل صحيح.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تشرع الجماعة في قضاء الفوائت، لما روى البخاري (595) ومسلم (681) والنسائي (846) واللفظ له عن أَبِي قَتَادَةَ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ قَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ لَوْ عَرَّسْتَ بِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِنِّي أَخَافُ أَنْ تَنَامُوا عَنْ الصَّلَاةِ قَالَ بِلَالٌ أَنَا أَحْفَظُكُمْ فَاضْطَجَعُوا فَنَامُوا وَأَسْنَدَ بِلَالٌ ظَهْرَهُ إِلَى رَاحِلَتِهِ فَاسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَقَالَ يَا بِلَالُ أَيْنَ مَا قُلْتَ قَالَ مَا أُلْقِيَتْ عَلَيَّ نَوْمَةٌ مِثْلُهَا قَطُّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَبَضَ أَرْوَاحَكُمْ حِينَ شَاءَ فَرَدَّهَا حِينَ شَاءَ قُمْ يَا بِلَالُ فَآذِنْ النَّاسَ بِالصَّلَاةِ فَقَامَ بِلَالٌ فَأَذَّنَ فَتَوَضَّئُوا يَعْنِي حِينَ ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى بِهِمْ. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/356) : " ويستحب قضاء الفوائت في جماعة ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق فاتته أربع صلوات فقضاهن في جماعة , وحديث أبي قتادة وغيره , حين قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق عن صلاة الفجر هو وأصحابه , فصلى بهم جماعة " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ويُستفاد من حديث أبي قتادة أيضاً: أنه تُشرع فيها - أي: في المقضيَّة - الجماعةُ إذا كانوا جَمْعاً، لأن القضاء يحكي الأداء، فكما أنهم لو صلَّوها في الوقت صلَّوها جماعة، فإذا قَضَوها فإنهم يصلُّونها جماعة، وهذا أيضاً جاءت به السُّنَّة في حديث أبي هريرة، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بلالاً فأذَّن ثم صلَّى ركعتي الفجر، ثم صَلَّى بهم الفجرَ جماعة " انتهى من "الشرح الممتع" (2/140) . وعليه فكان الأولى لكم أن تؤذنوا للصلاة، وأن تصلوا السنة فرادى، ثم تقيموا للصلاة وتصلوها جماعة.، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96871 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1162 من انتظم في الصلاة بعد الأربعين ماذا يفعل فيما مضى [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم قضاء صلوات بالنسبة للمفرط، نحن العجم فينا كثير ممن يصلي مرة، ومرة لا يصلي، وحتى يبلغ عمر الواحد ثلاثين سنة أو دون ذلك لكن بعد الثلاثين أو الأربعين يبدأون بالانتظام في أداء الصلوات، فهل الذين فرطوا في أدائها يجب عليهم قضاؤها وكذلك صوم رمضان؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الشخص الذي هذه حالته يكون كافراً كفراً أكبر في أصح قولي العلماء إذا لم يجحد وجوبها، أما إن جحد وجوبها فإنه يكفر بإجماع العلماء، فإذا تاب وصلى الصلوات المفروضة وصام رمضان واستمر على ذلك حكم بإسلامه، وما مضى قبل ذلك من ترك الصلاة والصيام عمداً لا يقضيه، لقوله صلى الله عليه وسلم: " الإسلام يهدم ما كان قبله والتوبة تهدم ما كان قبلها "، ولأن الصحابة رضي الله عنهم لما قاتلوا أهل الردة في زمن الصديق رضي الله عنه لم يأمروا من رجع إلى الإسلام منهم بقضاء الصوم ولا الصلاة، وهم أعلم الناس بشرع الله بعد الرسل عليهم الصلاة والسلام. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى اللجنة الدائمة 6/47. الحديث: 2199 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1163 إذا ذكر صلاة فائتة أثناء الحاضرة أو بعد الفراغ منها [السُّؤَالُ] ـ[بالنسبة لقضاء الصلوات الفائتة، على سبيل المثال لو كنت أنهيت صلاة المغرب لهذا اليوم وتذكرت أني صليت صلاة الفجر باطلة في أحد أيام الأسبوع الماضي، أعني أني ربما أحدثت في صلاة الفجر تلك، لكني ظننت أنه مجرد وسواس لكني تبينت بعد ذلك أني أحدثت فعلاً، أو أن وضوئي كان ناقصاً، كوني تذكرت وجود مادة لها جرم كانت على قدمي أثناء وضوئي لتلك الصلاة ولم أزلها! فهل يجوز أن أعيدها مباشرة بعد أدائي لمغرب هذا اليوم ثم أعيد صلاة المغرب مرة ثانية لأن صلاة الفجر تأتي قبل المغرب؟ أم إنه يكفي أن أعيد الصلاة الفائتة دون إعادة الصلاة الحاضرة لأن صلاة الفجر تلك لم تكن في نفس اليوم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا صليت الصلاة الحاضرة، ثم تذكرت فائتة من نفس اليوم أو من يوم مضى، فإنك تصليها، ولا تعيد الحاضرة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَهَا لَا كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ (وَأَقِمْ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي)) رواه البخاري (597) ومسلم (684) . قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: " قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ نَسِيَ صَلَاة فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا لَا كَفَّارَة لَهَا إِلَّا ذَلِكَ) مَعْنَاهُ: لَا يُجْزِئهُ إِلَّا الصَّلَاة مِثْلهَا وَلَا يَلْزَمهُ مَعَ ذَلِكَ شَيْء آخَر " انتهى. وعليه ففي الصورة المسئول عنها، يلزمك أن تصلي الفجر فور تذكرها، ولا تعيد المغرب. لكن من ذكر الفائتة أثناء صلاته الحاضرة، فهل يتمها أم يقطعها؟ فيه خلاف بين الفقهاء، فذهب أبو حنيفة ومالك إلى أن الحاضرة تبطل، فيصلي الفائتة أولا ثم يصلي الحاضرة. وذهب الشافعية إلى أنه يتم الحاضرة، ثم يقضي الفائتة، ويستحب له إعادة الحاضرة. وذهب أحمد إلى أنه يتم الحاضرة، ثم يقضي الفائتة، ثم يعيد الحاضرة وجوبا. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (30788) ، وبينَّا هناك أن إعادة الصلاة الحاضرة أولى وأحوط. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96463 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1164 لم يستطع الصلاة قبل موته فهل يصلى عنه؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما هو حكم من مات في مرض ولم يستطع الصلاة لمدة شهر ونصف وفارق بعدها الحياة ولم يستطع الصلاة فيها نظراً لظروف مرضه الشديدة التي حالت دون الصلاة فهل يصح الصلاة عنه من خلال أهله أم لا وإن لم يصح هل هناك كفارة أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الصلاة أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، ولا تسقط عن أحد ما دام عقله معه، فمن استطاع أن يصلي قائما لزمه ذلك، وإلا صلى قاعدا، أو على جنب، أو يومئ إيماء، حسب استطاعته، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين: (صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ) رواه البخاري (1117) . ومن صلى جالسا فإنه يومئ بالركوع والسجود، ويجعل السجود أخفض من الركوع. فإن عجز عن تحريك رأسه، فهل يومئ بعينه، أم تسقط عنه الصلاة، أم تسقط عنه الأفعال فقط دون الأقوال؟ الراجح: الثالث. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والراجح من هذه الأقوال الثلاثة: أنه تسقط عنه الأفعال فقط، لأنها هي التي كان عاجزا عنها، وأما الأقوال فإنها لا تسقط عنه؛ لأنه قادر عليها، وقد قال الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16، فنقول: كَبِّرْ واقرأ، وانو الركوع فكبر وسبح تسبيح الركوع، ثم انو القيام وقل: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، إلى آخره، ثم انو السجود فكبر وسبح تسبيح السجود، لأن هذا مقتضى القواعد الشرعية (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) فإن عجز عن القول والفعل بحيث يكون الرجل مشلولا ولا يتكلم فماذا يصنع؟ الجواب: تسقط عنه الأقوال والأفعال، وتبقى النية، فينوي أنه في صلاة، وينوي القراءة، وينوي الركوع والسجود والقيام والقعود، هذا هو الراجح؛ لأن الصلاة أقوال وأفعال بنية، فإذا سقطت أقوالها وأفعالها بالعجز عنها بقيت النية، ولأن قولنا لهذا المريض: لا صلاة عليك قد يكون سببا لنسيانه الله، لأنه إذا مر عليه يوم وليلة وهو لم يصل فربما ينسى الله عز وجل، فكوننا نشعره بأن عليه صلاة لابد أن يقوم بها ولو بنية، خير من أن نقول: إنه لا صلاة عليه ". انتهى من "الشرح الممتع" (4/469) . وبناء على ذلك، فالمسئول عنه إن وصل إلى مرحلة لا يمكنه فيها أداء الصلاة بوجه من الوجوه السابقة، فهو معذور، ولا شيء عليه. وسواء كان معذورا أو غير معذور، فإن من ترك شيئاً من الصلوات المكتوبة لا يصلي عنه أحد، وبهذا قال الأئمة الأربعة (أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد) رحمهم الله تعالى. انظر: "الموسوعة الفقهية" (2/334) وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: توفيت والدتي بعد أن عانت من المرض رحمها الله كل معاناة، ومكثت عشرة أيام بدون صلاة، أوقات تنتابها غيبوبة، وأوقات تفيق، ولم تصل هذه الأيام. فهل أصلي عنها، أم ماذا أفعل لها؟ وهل تجوز الصلاة على روح الميت؟ فأجابوا: " لا يجوز أن تقضى الصلاة عن الميت؛ سواء تركتها بعذر أو بغير عذر، ولا أن يصلى بنية أن يكون ثواب الصلاة للميت؛ لأن الشرع لم يرد بذلك، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) أخرجه مسلم في صحيحه " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/65) وجاء فيها أيضا (25/257) : " إذا كان والدك حين مرضه يغيب وعيه ولا يعقل شيئا فإن الصلاة تسقط عنه، وهو ليس مكلفا في هذه الحالة؛ لأن مناط التكليف بالصلاة العقل، وقد زال عنه، أما إن كان لا يزول عنه وعيه ولا عقله، ولكن ترك الصلاة جهلا منه أنها تجب على مثله قدر استطاعته، فلعل الله أن يعفو عنه ويعذره بجهله ذلك، وعدم من يبين له الحكم الشرعي حتى مات - رحمه الله وعفا عنه، وفي كلتا الحالتين لا يجوز لك أن تصلي عن والدك شيئا من الصلوات؛ لأنه لا يصلي أحد عن أحد، والأصل أن الصلاة لا تدخلها النيابة، أما حجك وعمرتك عن والدك فذلك من البر به والإحسان إليه، وأن تتصدق عنه بين الحين والآخر، وأن تدعو له وتستغفر له وتصل رحمه وأصدقاءه وتحسن إليهم، فإن ذلك من البر بوالدك بعد موته، ولك الأجر والثواب الجزيل إن شاء الله على ما تبذله في سبيل ذلك " انتهى. والحاصل أن هذا الميت لا يصلى عنه، وليس هناك كفارة لما تركه من الصلوات، وينبغي الدعاء له، والصدقة عنه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 95220 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1165 أدركت من وقت الصلاة قدر التحريم [السُّؤَالُ] ـ[أنا امرأة جاءني الحيض بعد أن غربت الشمس بدقائق، فهل ألزم بقضاء صلاة المغرب، إذا طهرت من الحيض؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف العلماء رحمهم الله، فيمن جاءه المانع – أي: الذي يمنع من الصلاة -، كالجنون والحيض بعد دخول وقت الصلاة، هل يلزمه قضاء تلك الصلاة بعد زوال المانع؟ على أقوال: القول الأول: أن من أدرك من وقت الصلاة قدر تكبيرة الإحرام، ثم جاءه المانع، فإنه يلزمه قضاء تلك الصلاة إذا زال المانع. قال البهوتي رحمه الله في "كشاف القناع" (1/260) : " وَمَنْ أَدْرَكَ مِنْ أَوَّلِ وَقْتِ مَكْتُوبَةٍ قَدْرَ تَكْبِيرَةٍ ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ مَانِعٌ مِنْ جُنُونٍ أَوْ حَيْضٍ وَنَحْوِهِ كَنِفَاسٍ، ثُمَّ زَالَ الْمَانِعُ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهَا ; لَزِمَهُ قَضَاءُ الصَّلَاةِ الَّتِي أَدْرَكَ التَّكْبِيرَةَ مِنْ وَقْتِهَا فَقَطْ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ تَجِبُ بِدُخُولِ أَوَّلِ الْوَقْتِ عَلَى المكلف " انتهى. القول الثاني: أنه إذا مضى زمن يمكن فيه فعل الفريضة، ثم حصل المانع من جنون أو حيض، فإنه يلزمه قضاء تلك الصلاة إذا زال المانع، وإذا كان الوقت الذي أدركه أقل مما يمكن فيه فعل الفريضة فلا يجب قضاؤها. وانظر "المجموع" (3/50،72-73) القول الثالث: أنه لا يلزم قضاء الصَّلاة، إلا إذا أدرك من وقتها ما يكفي لصلاة ركعة كاملة؛ لما روى البخاري (580) ومسلم (954) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ) . وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "فتاوى نور على الدرب" عن: امرأة دخل عليها وقت صلاة الظهر فانشغلت ببعض أمورها، وقبل خروج الوقت همت بالصلاة إلا أنها حاضت فهل تصلي إذا طهرت؟ فأجاب: " الصحيح أن المرأة إذا طهرت وقد أدركت من الوقت مقدار ركعة وجب عليها أن تقضي الصلاة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) ، وهذه أدركت من وقتها ركعة فيجب عليها أن تقضي الصلاة " انتهى. فيجب على من أدركت من الصلاة قدر ركعة، ثم جاءها الحيض أن تقضي تلك الصلاة إذا طهرت من الحيض. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93632 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1166 قضاء الصلاة بعد العصر [السُّؤَالُ] ـ[ما هو الحكم في صلاة القضاء بعد صلاة العصر مباشرة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من فاتته صلاة مفروضة لنوم أو نسيان فإنه يجب عليه قضاؤها متى ذكرها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك) البخاري (572) ومسلم (1564) . وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى سنة الظهر بعد صلاة العصر. رواه البخاري (4370) ومسلم (834) قال النووي: وهذا صريح في قضاء السنة الفائتة، فالفريضة المقضية أولى. فإذا نام المسلم عن صلاة أو نسيها ولم يتذكرها إلا بعد صلاة العصر وجب عليه أن يصليها في ذلك الوقت. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20338 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1167 كيف يقضي الصلوات الفائتة؟ [السُّؤَالُ] ـ[كم ركعة يجب أن نصلي إذا خرج وقت الصلاة (للقضاء) ؟ البعض يقول بأننا يجب أن نصلي نفس عدد ركعات الفرض الفائت، وهذا ما أفعله في الوقت الحالي إذا لم يكن لدي وقت أصلي فيه وخرج وقت الصلاة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يجوز للمسلم أن يؤخر الصلاة حتى يخرج وقتها من غير عذر. قال الله تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) النساء /103. أي ذات وقت محدد. والعذر الذي يبيح تأخير الصلاة عن وقتها كالنوم والنسيان، فعن أنس بن مالك قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: (مَن نسي صلاةً أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها) . رواه مسلم (684) . وأما العمل والدراسة ونحو ذلك فليس عذراً يبيح تأخير الصلاة عن وقتها، وقد مدح الله تعالى أقواماً بقوله: (رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ) النور /37. ثانياً: من ترك الصلاة حتى خرج وقتها بدون عذر، فقد أتى معصية وهي من كبائر الذنوب والواجب عليه التوبة إلى الله تعالى والعزم على المحافظة على أداء الصلاة في وقتها. ولا ينفعه قضاؤها بعد الوقت وقد ضيعها بدون عذر، وليكثر من النوافل، لعلها تجبر النقص الحاصل في الفرائض. وأما من أخَّر الصلاة حتى خرج وقتها بعذر كالنوم أو النسيان فعليه أداء الصلاة متى زال العذر، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ نَسِيَ صَلاةً فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا لا كَفَّارَةَ لَهَا إِلا ذَلِكَ) رواه مسلم. ويصليها كما كان يصليها في وقتها من غير زيادة ولا نقص أو تغيير في صفتها وهيئتها. ففي حديث أبي قتادة في صحيح مسلم (681) في قصة نوم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه عن صلاة الفجر في السفر حتى طلعت الشمس، قال أبو قتادة: (ثُمَّ أَذَّنَ بِلالٌ بِالصَّلاةِ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى الْغَدَاةَ فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ كُلَّ يَوْمٍ) . قال النووي: قَوْله: (كَمَا كَانَ يَصْنَع كُلّ يَوْم) فِيهِ: إِشَارَة إِلَى أَنَّ صِفَة قَضَاء الْفَائِتَة كَصِفَةِ أَدَائِهَا اهـ. والقاعدة عند العلماء: "أن القضاء يحكي الأداء" أي أن قضاء العبادة كأدائها. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20882 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1168 أجريت لها عملية وصلت صلوات بغير طهارة وبدون استقبال للقبلة [السُّؤَالُ] ـ[أجريت لي عملية بعد صلاة المغرب وبقي تأثير البنج إلي فجر اليوم التالي بمعنى أني لم أصلي العشاء والفجر وعندما استيقظت من البنج صليتها من غير طهارة ولا حتى استقبال للقبلة ولم ألبس الخمار وذلك بسبب الحالة الصحية حيث إنني لم أستطع حتى الحركة إلى الجانب الآخر وعلى هذه الحال إلى العشاء صليتها جميعها بنفس الطريقة فأرغب من فضيلتكم إفتائي في هذا الأمر هل أعيد الصلاة أم لا؟ وإذا كانت الإجابة بإعادتها فما هي كيفية إعادتها بمعنى هل أصلي فجر اليوم ثم أصلي صلاة الفجر مرة أخرى بنية الفجر التي لم أصلها وهكذا بقية الصلوات أم كيف؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا أفاق المريض من البنج وجب عليه قضاء الصلوات التي تركها بسبب ذلك. ثانيا: المريض إذا لم يستطع أن يتوضأ، ولم يجد من يوضئه، فإنه يتيمم، ولو على الجدار أو الفراش إن كان عليها تراب، أو يحمل معه ترابا يتيمم به، فإن لم يمكنه التيمم صلى على حاله. وكذلك الحال بالنسبة لاستقبال القبلة وستر العورة (لبس الخمار) ، فإن استطاع شيئا من ذلك وجب عليه الإتيان به، وما يعجز عنه ولا يستطيعه فإنه يسقط عنه ولا يكلف به، لقول الله تعالى: (لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا) سورة البقرة/286. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: المريض الذي لا يجد التراب هل يتيمم على الجدار وكذلك الفراش أم لا؟ فأجاب: " الجدار من الصعيد الطيب. فإذا كان الجدار مبنيا من الصعيد سواء كان حجرا أو كان مدرا – لَبِنًا من الطين -، فإنه يجوز التيمم عليه، أما إذا كان الجدار مكسوا بالأخشاب أو (بالبوية) فهذا إن كان عليه تراب – غبار – فإنه يتيمم به ولا حرج، ويكون كالذي يتمم على الأرض؛ لأن التراب من مادة الأرض، أما إذا لم يكن عليه تراب، فإنه ليس من الصعيد في شيء، فلا يتيمم عليه. وبالنسبة للفرش نقول: إن كان فيها غبار فليتيمم عليها، وإلا فلا يتيمم عليها لأنها ليست من الصعيد " انتهى من "فتاوى الطهارة" (ص 240) . وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: إني طريح الفراش ولا أقوى على الحركة فكيف أقوم بعملية الطهارة لأداء الصلاة وكيف أصلي؟ فأجابت: " أولا: بالنسبة للطهارة يجب على المسلم أن يتطهر بالماء فإن عجز عن استعماله لمرض أو غيره تيمم بتراب طاهر، فإن عجز عن ذلك سقطت الطهارة وصلى حسب حاله، قال تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ، وقال جل ذكره: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) ، أما ما يتعلق بالخارج من البول والغائط فيكفي فيه الاستجمار بحجر أو مناديل طاهرة يمسح بها محل الخارج ثلاث مرات أو أكثر حتى ينقي المحل. ثانيا: بالنسبة للصلاة فإن الواجب على المريض الصلاة قائما، فإن لم يستطع صلى قاعدا، فإن لم يستطع فعلى جنب، لما ثبت عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب) . وقوله جل وعلا: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) " انتهى من "الفتاوى المتعلقة بالطب وأحكام المرضى" ص 78. ثالثا: إذا كنتِ قد صليت كما ذكرت، من غير وضوء ولا تيمم، وبدون استقبال القبلة، وبدون لبس الخمار لعجزك عن ذلك، وعدم وجود من يوضؤك، أو ييممك، ومن يوجهك للقبلة، فصلاتك صحيحة ولا يلزمك إعادتها. وإن كان يمكنك التيمم، أو الوضوء بمساعدة غيرك، لكنك فرطت في طلب المساعدة، فقد قصرت في تحصيل الطهارة التي هي شرط لصحة الصلاة، وعليك إعادة ما صليته من غير طهارة أو استقبال للقبلة. رابعا: الإعادة تلزم على الفور، حسب الاستطاعة، فحيث علمت بوجوب الإعادة، فإنك تشريعين في صلاة ما فاتك، وترتبين الأوقات بالنية، فتصلين العشاء، عن اليوم الأول، ثم الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء عن اليوم الثاني. والمقصود أنك تقومين بذلك في مجلس واحد إن استطعت، سواء كان ذلك في الصباح أو الظهر أو أي وقت من اليوم علمت فيه حكم الإعادة. ولا يجوز تأخير الصلوات، وقضاؤها مفرقة مع الأوقات، كما يظن بعض الناس. وإذا كان قضاؤها في مجلس واحد فيه مشقة عليك فإنك تصلين ما تستطيعيه، ثم ترتاحين، ثم تكملين قضاء ما فاتك من الصلاة. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن مريض أجرى عملية جراحية ففاتته عدة فروض من الصلوات، فهل يصليها مجتمعة بعد شفائه؟ أم يصليها كل وقت مع وقته كالظهر مع الظهر وهكذا؟ فأجاب: " عليه أن يصليها جميعا في آن واحد، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما فاتته صلاة العصر في غزوة الخندق صلاها قبل المغرب، وعلى الإنسان إذا فاتته بعض فروض الصلاة أن يصليها جميعا ولا يؤخرها " انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (12/222) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 87760 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1169 قضت ما فاتها من الصلوات في صغرها وتريد أن تستمر في القضاء [السُّؤَالُ] ـ[أمي لم تصل بعض السنين في الصغر، وعندما سمعت من أحد المشايخ أنه يجب قضاء الصلاة الفائتة، ندمت وتابت وعاهدت الله أن تقضي الصلوات الفائتة ما دامت على قيد الحياة. وفعلا أوفت بعهدها وقضت كل السنوات التي لم تصل فيها وأنهتها لكنها تقول لنا يجب أن أبقى أصلي لأنني قلت حين عاهدت ربي (ما دمت على قيد الحياة) وأنا ما زلت على قيد الحياة حيث إنها تصلى الفرائض وليس النوافل مع أنها تعلم أنها أدت جميع ما فاتها. فهل فعلها هذا صحيح؟ وهل هذا يعتبر نذرا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذهب جمهور الفقهاء إلى أن من ترك الصلاة زمنا بعد البلوغ، لزمه قضاء ما ترك، فإن لم يعلم عدد الصلوات فإنه يصلي ما يغلب على ظنه أنه القدر الذي تركه. وينبغي أن يُعلم أن ما تركته من الصلوات في حال صغرها قبل البلوغ لا يلزمها قضاؤه، لأنها لم تكن مكلَّفة في ذلك الوقت. وذهب بعض أهل العلم إلى أن من ترك الصلاة عامدا، فلا يلزمه قضاؤها، وإنما تلزمه التوبة وإحسان العمل في المستقبل. وانظر جواب السؤال رقم (7969) و (72216) وعلى كل فإن والدتك يشرع في حقها أن تكثر من الاستغفار والتوبة وأداء النوافل، رجاء أن يتقبل الله منها توبتها، وقد قال الله تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82. وأما قولها: إنها عاهدت الله أن تقضي الصلوات الفائتة ما دامت على قيد الحياة، فهذا نذر أن تقضي ما فاتها من الصلاة، وقد قامت بذلك، ووفَّت بذلك النذر، فلا يلزمها أن تستمر في قضاء صلوات قد قضتها بالفعل، لأن الصلاة إنما تقضى مرة واحدة فقط. وأما قولها: ما دمت على قيد الحياة، فالذي يظهر أن معنى هذه العبارة أنها ستفي بنذرها ما دامت حيّة، ولن تترك قضاء الصلاة بسبب مرض أو شغل أو غير ذلك من الأسباب التي قد تشغلها عن الصلاة. وإذا أرادات أن تستمر في الصلاة، فهو عمل طيب رغَّب فيه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: (الصلاة خير موضوع، فمن استطاع أن يستكثر فليسكثر) رواه الطبراني في صحيح الجامع (3870) ، على أن يكون ذلك بنيّة النافلة لا نية القضاء. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82326 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1170 ظنت أنها نفساء فتركت الصوم والصلاة [السُّؤَالُ] ـ[مرت أربعون يوما تقريبا على نزول جنين من بطني ولم يتعدَّ الشهرين والنصف ووافق ذلك شهر رمضان ثم تركت الصلاة والصوم ولم يكن لي علم بالأمور الشرعية، وعلمت بعدها أنني لا أعتبر نفساء، فهل أقضي ما فاتني من الصلاة والصوم؟ وأنا الآن حائرة ولا أدري ما أفعل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا أسقطت المرأة فلا يعتبر الدم النازل منها دم نفاس إلا إذا أسقطت ما تبين فيه خلق الإنسان، من رأس أو يد أو رجل أو غير ذلك. والتخليق لا يبدأ في الحمل قبل ثمانين يوماً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ وَيُقَالُ لَهُ: اكْتُبْ عَمَلَهُ وَرِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوح) رواه البخاري (3208) . فدل هذا الحديث على أن الإنسان يمر بعدة مراحل في الحمل: أربعين يوماً نطفة، ثم أربعين أخرى علقة، ثم أربعين ثالثة مضغة. ثم ينفخ فيه الروح بعد تمام مائة وعشرين يوماً. والتخليق يكون في مرحلة المضغة، ولا يكون قبل ذلك، لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنْ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ) الحج/5. فعُلم من هذه الآية: أن المضغة قد تكون مخلقة وقد تكون غير مخلقة. قال ابن قدامة رحمه الله: "إذا رأت المرأة الدم بعد وضع شيء يتبين فيه خلق الإنسان , فهو نفاس. نص عليه [أي: الإمام أحمد] وإن رأته بعد إلقاء نطفة أو علقة , فليس بنفاس" انتهى من "المغني" (1/211) . وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: "إذا أسقطت المرأة ما تبين فيه خلق الإنسان من رأس أو يد أو رجل أو غير ذلك فهي نفساء، لها أحكام النفاس، فلا تصلي ولا تصوم ولا يحل لزوجها جماعها حتى تطهر أو تكمل أربعين يوما. . . أما إذا كان الخارج من المرأة لم يتبين فيه خلق الإنسان بأن كان لحمة ولا تخطيط فيه أو كان دما: فإنها بذلك تكون لها حكم المستحاضة لا حكم النفاس، لا حكم الحائض , وعليها أن تصلي وتصوم في رمضان وتحل لزوجها ... لأنها في حكم المستحاضة عند أهل العلم" انتهى من "فتاوى إسلامية " (1 / 243) . وقال الشيخ ابن عثيمين: "قال أهل العلم: إن خرج وقد تبيَّن فيه خلق إنسان: فإن دمها بعد خروجه يُعدُّ نفاساً، تترك فيه الصلاة والصوم ويتجنبها زوجها حتى تطهر، وإن خرج وهو غير مخلَّق: فإنه لا يعتبر دم نفاس بل هو دم فساد لا يمنعها من الصلاة ولا من الصيام ولا من غيرهما. قال أهل العلم: وأقل زمن يتبين فيه التخطيط واحد وثمانون يوما". "فتاوى المرأة المسلمة" (1/304، 305) . وعلى هذا؛ فالدم الذي نزل عليك ليس دم نفاس؛ لأن الجنين نزل قبل تمام ثمانين يوما، وكان عليك أن تصلي وتصومي في تلك الفترة؛ إلا إن جاءك الحيض. ثانيا: يجب عليك قضاء الصيام، وهذا لا إشكال فيه، سواء قلنا إنك كنت طاهرة، أو كنت نفساء، لأن من ترك الصيام لعذر (كمرض أو حيض أو سفر) فالواجب عليه القضاء، وأنت تركتيه لعذر، وهو ظنك أنك نفساء. أما قضاء الصلاة، فالظاهر أنه لا يلزمك القضاء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر المستحاضة التي تركت الصلاة أثناء نزول الدم بالقضاء، وإنما أرشدها إلى ما تصنع في المستقبل. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "المستحاضة إذا مكثت مدة لا تصلي لاعتقادها عدم وجوب الصلاة عليها، ففي وجوب القضاء عليها قولان، أحدهما: لا إعادة عليها - كما نقل عن مالك وغيره –؛ لأن المستحاضة التي قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: (إني حضت حيضةً شديدةً كبيرةً منكرةً منعتني الصلاة والصيام) أمرها بما يجب في المستقبل، ولم يأمرها بقضاء صلاة الماضي " انتهى من "مجموع الفتاوى" (22/102) وينظر جواب السؤال رقم (45648) . والحاصل: أنه يلزمك قضاء الصوم، وأما الصلاة فإن سهل عليك قضاؤها فافعلي، وإلا فنرجو أن يعفو الله عنك، ونوصيك بالحرص على طلب العلم والتفقه الدين. نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 81586 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1171 كان يصلي من غير طهارة [السُّؤَالُ] ـ[عند بلوغي كنت أصلي دون غسل مع علمي بالحكم إلا أني كنت صغير السن وأتكاسل عن الغسل، واستمريت على هذه الحال مدة 4 سنوات، ثم بعد أن كبرت تنبهت إلى ذلك.. أنا الآن في حيرة من أمري وأحس دائما بالذنب، فهل علي قضاء صلاة 4 سنوات أم تكفي التوبة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصلاة من غير طهارة من كبائر الذنوب، ومن الأسباب التي يعذب عليها العاصي في قبره. روى الطحاوي في "مشكل الآثار" عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أُمر بعبد من عباد الله أن يضرب في قبره مائة جلدة، فلم يزل يسأل الله ويدعوه حتى صارت واحدة، فامتلأ قبره عليه ناراً، فلما ارتفع عنه أفاق فقال: علام جلدتموني؟ قالوا: إنك صليت صلاة بغير طهور، ومررت على مظلوم فلم تنصره. حسنه الألباني في صحيح الترغيب (2234) . وإحساسك بالذنب وندمك على ذلك: توبة، لكن هل من توبتك قضاء تلك الصلوات أم لا؟ هذا مما اختلف فيه أهل العلم، والذي يظهر أنه لا يجب عليه قضاؤها، لأن الصلاة عبادة مؤقتة، فإذا ترك العبد فعلها في وقتها المحدد لها شرعا لم تصح لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) رواه البخاري (2697) ومسلم (1718) ، وصلاتك بغير طهارة بمنزلة تركك للصلاة، لأن الصلاة بغير طهارة لا تصح، فوجودها كعدمها. وقد سبق بيان اختلاف العلماء في حكم من ترك الصلاة حتى وقت خروجها بلا عذر هل يلزمه قضاؤها أم لا؟ في جواب السؤال رقم (13664) . وعلى هذا، فالواجب عليك: التوبة من هذا الذنب العظيم، والعزم على عدم العودة إليه، وعليك بالإكثار من النوافل فـ (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "الاختيارات" (ص 34) : " وتارك الصلاة عمدا لا يشرع له قضاؤها، ولا تصح منه، بل يكثر من التطوع، وهو قول طائفة من السلف " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 78409 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1172 هل تقضى صلاة الضحى إذا خرج وقتها؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل إذا فاتتني صلاة الضحى بعد الساعة الثانية عشرة ظهرا أقضيها حتى ولو بعد صلاة الظهر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: وقت الصلاة الضحى من ارتفاع الشمس قدر رمح، وذلك بمضي ربع ساعة أو ثلث ساعة بعد طلوعها، إلى قبيل الزوال (والزوال هو دخول وقت صلاة الظهر) ، وقبيل الزوال ما بين عشر دقائق إلى خمس دقائق فقط، أي قبل دخول وقت النهي " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله" (14/306) . قال ابن مفلح رحمه الله: " ووقتها من خروج وقت النهي إلى الزوال , والمراد والله أعلم قبيل الزوال؛ للنهي " انتهى من "الفروع" (1/567) . ثانيا: اختلف أهل العلم في قضاء صلاة الضحى إذا فات وقتها، فذهب بعضهم إلى أنها تقضى، وهو الصحيح عند الشافعية، وقال به بعض الحنابلة، وذهب آخرون إلى عدم قضائها، وهو قول الشافعي القديم، ومذهب الحنفية والمالكية. قال النووي رحمه الله في "المجموع" (3/532) : " قال أصحابنا: النوافل قسمان (أحدهما) غير مؤقت وإنما يفعل لعارض كالكسوف والاستسقاء وتحية المسجد , فهذا إذا فات لا يقضى (الثاني) مؤقت كالعيد والضحى والرواتب مع الفرائض كسنة الظهر وغيرها، فهذه فيها ثلاثة أقوال: الصحيح منها أنها يستحب قضاؤها , قال القاضي أبو الطيب وغيره: هذا القول هو المنصوص في الجديد. والثاني: لا تقضى وهو نصه في القديم، وبه قال أبو حنيفة. والثالث: ما استقلّ كالعيد والضحى قُضي، وما لا يستقل كالرواتب مع الفرائض فلا يقضى , وإذا [كانت] تقضى فالصحيح أنها تقضى أبدا. وحكى بعض أصحابنا قولاً ضعيفا أنه يقضي فائت النهار ما لم تغرب شمسه , وفائت الليل ما لم يطلع فجره , وعلى هذا تقضى سنة الفجر ما دام النهار باقيا ... وهذا الخلاف كله ضعيف والصحيح استحباب قضاء الجميع أبدا , ودليله قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) وحديث أبي قتادة رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم فاته الصبح في السفر حتى طلعت الشمس فتوضأ ثم صلى سجدتين ثم أقيمت الصلاة فصلى الغداة) رواه مسلم، والمراد بالسجدتين صلاة السنة الراتبة التي قبل الفجر. وحديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين بعد العصر فسألته عن ذلك فقال: (إنه أتاني ناس من عبد القيس بالإسلام من قومهم فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان الركعتان بعد العصر) رواه البخاري ومسلم، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لم يصل ركعتي الفجر حتى تطلع الشمس فليصلهما) رواه البيهقي بإسناد جيد , وعن أبى سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من نام عن وتره أو نسيه فليصل إذا ذكره) رواه أبو داود بإسناد حسن ... وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان إذا فاتته الصلاة من الليل من وجع أو غيره صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة) رواه مسلم ... وفي المسألة أحاديث كثيرة غير ما ذكرتها وفي هذا أبلغ كفاية , وبالله التوفيق " انتهى باختصار وتصرف يسير. وقال المرداوي في "الإنصاف" (2/191) : " وقال الشيخ عبد القادر: له فعلها بعد الزوال , وإن أخرها حتى صلى الظهر قضاها ندبا – يعني استحباباً - " انتهى. وصرح الحنفية بأن السنن إذا فاتت لا يقضى منها إلا سنة الفجر إذا فاتت مع الفرض، فإنها تقضى إلى الزوال. "الفتاوى الهندية" (1/112) . وإلى هذا ذهبت المالكية أيضا، فلا يقضى عندهم نفل سوى ركعتي الفجر، تقضى إلى الزوال، سواء كان معها الصبح أم لا. "بلغة السالك" (1/408) . وينظر: "الموسوعة الفقهية الكويتة" (34/37) . واختار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله القول بأن صلاة الضحى لا تقضى إذا فات وقتها، فقد سئل رحمه الله: إذا فاتت سنة الضحى هل تقضى أم لا؟ فأجاب: " الضحى إذا فات محلها فاتت؛ لأن سنة الضحى مقيدة بهذا، لكن الرواتب لما كانت تابعة للمكتوبات صارت تقضى وكذلك الوتر لما ثبت في السنة (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إذا غلبه النوم، أو المرض في الليل صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة) . فالوتر يقضى أيضا " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (14/305) . والأمر في ذلك واسع، والحمد لله. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 72828 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1173 لا يتذكر عدد الصلوات ولا أيام الصيام الواجبة في ذمته فماذا يفعل؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان المسلم لا يتذكر أعداد الصلوات وأيام الصيام التي فاتته، فكيف يباشر قضاءها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الصلوات الفائتة لا تخلو من ثلاث حالات: الأولى: أن يكون ترك الصلاة لعذر كالنوم أو النسيان، ففي هذه الحالة يجب قضاؤها , لقوله صلى الله عليه وسلم: (من نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها) رواه البخاري (572) ومسلم (684) – واللفظ له -. ويصليها مرتبة كما وجبت عليه، الأولى فالأولى؛ لحديث جابر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم جاء يوم الخندق بعد ما غربت الشمس فجعل يسب كفار قريش قال: يا رسول الله ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: والله ما صليتها، فقمنا إلى بطحان فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها فصلَّى العصر بعد ما غربت الشمس , ثم صلى بعدها المغرب. رواه البخاري (571) ومسلم (631) . الحالة الثانية: أن يكون ترك الصلاة لعذر لا يكون معه إدراك , كالغيبوبة، ففي هذه الحالة تسقط الصلاة عنه، ولا يجب عليه قضاؤها. سئل علماء اللجنة الدائمة: وقع عليّ حادث سيارة ورقدت في المستشفى ثلاثة شهور ولم أع نفسي ولم أصل كل هذه المدة، هل تسقط عني أم أعيد كل الصلاة الماضية؟ فأجابوا: " تسقط عنك الصلاة في المدة المذكورة ما دمت لا تعقل في تلك المدة " انتهى. وسئلوا – أيضاً -: إذا أغمي على إنسان لمدة شهر ولم يصل طوال هذه الفترة، وأفاق بعده فكيف يعيد الصلوات الفائتة؟ فأجابوا: " لا يقض ما تركه من الصلوات في هذه المدة، لأنه في حكم المجنون والحال ما ذكر , والمجنون مرفوع عنه القلم " انتهى. " فتاوى اللجنة الدائمة " (6/21) . الحالة الثالثة: أن يكون ترك الصلاة عمداً من غير عذر، فهذا لا يخلو من حالين: إما أن يكون جاحداً لها غير معترف بوجوبها، فهذا لا خلاف في كفره , وأنه ليس من الإسلام في شيء، فعليه أن يدخل في الإسلام ثم يعمل بأركانه وواجباته , ولا يجب عليه قضاء ما ترك من الصلاة حال كفره. والثانية: أن يكون تركه للصلاة تهاونا وكسلا فهذا لا يصح منه قضاؤها , لأنه لم يكن له عذر حين تركها، وقد أوجبها الله عليه في زمن معلوم وبتوقيت محدود، قال سبحانه: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) النساء/103، أي: لها وقت محدد، ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) رواه البخاري (2697) ومسلم (1718) . وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: لم أصلِّ إلا بعد ما بلغت الرابعة والعشرين من عمري، وصرت الآن أصلي مع كل فرض فرضاً آخر، فهل يجوز لي ذلك؟ وهل أداوم على هذا، أم إن عليَّ حقوقاً أخرى؟ فأجاب: " الذي يترك الصلاة عمداً ليس عليه قضاء على الصحيح، وإنما عليه التوبة إلى الله عز وجل؛ لأن الصلاة عمود الإسلام، وتركها أعظم الجرائم، بل تركها عمداً كفر أكبر في أصح قولي العلماء؛ لما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح عن بريدة رضي الله عنه؛ ولقوله عليه الصلاة والسلام: (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وفي الباب أحاديث أخرى تدل على ذلك. فالواجب عليك يا أخي التوبة إلى الله التوبة الصادقة، وذلك بالندم على ما مضى منك، والإقلاع من ترك الصلاة، والعزم الصادق على أن لا تعود إلى ذلك، وليس عليك أن تقضي لا مع كل صلاة ولا في غير ذلك، بل عليك التوبة فقط، والحمد لله، من تاب تاب الله عليه، يقول الله سبحانه: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) . فعليك أن تصدُق في التوبة، وأن تحاسب نفسك، وأن تجتهد بالمحافظة على الصلاة في أوقاتها في الجماعة، وأن تستغفر الله عما جرى منك، وتكثر من العمل الصالح، وأبشر بالخير، يقول الله سبحانه: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) ، ولما ذكر الشرك والقتل والزنا في سورة الفرقان قال جل وعلا بعد ذلك: (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا. إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) . نسأل الله لنا ولك التوفيق، وصحة التوبة، والاستقامة على الخير " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (10 / 329، 330) . ثانياً: وأما قضاء الصيام؛ فإن كان تركك للصيام في الوقت الذي كنت فيه تاركاً للصلاة , فلا يجب عليك قضاء تلك الأيام التي أفطرتها , لأن تارك الصلاة كافر كفراً أكبر مخرج من الملة – كما سبق - والكافر إذا أسلم لا يلزمه أن يقضي ما تركه من العبادات حال كفره. أما إن كان تركك للصيام في وقت كنت تصلي فيه , فلا يخلو الأمر من احتمالين: الأول: أنك لم تنو الصيام من الليل , بل عزمت على الفطر , فهذا لا يصح منك قضاؤه , لأنك تركت فعل العبادة في الوقت المحدد لها شرعا من غير عذر. الثاني: أن تكون بدأت في صيام اليوم ثم أفطرت فيه , فهذا يجب عليك قضاؤه , لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر المجامع في نهار رمضان بالكفارة قال له: (صم يوماً مكانه) رواه أبو داود (2393) , وابن ماجه (1671) , وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (940) . وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى عن حكم الفطر في نهار رمضان بدون عذر؟ فأجاب: " الفطر في نهار رمضان بدون عذر من أكبر الكبائر، ويكون به الإنسان فاسقاً، ويجب عليه أن يتوب إلى الله، وأن يقضي ذلك اليوم الذي أفطره، يعني لو أنه صام وفي أثناء اليوم أفطر بدون عذر فعليه الإثم، وأن يقضي ذلك اليوم الذي أفطره؛ لأنه لما شرع فيه التزم به ودخل فيه على أنه فرض فيلزمه قضاؤه كالنذر، أما لو ترك الصوم من الأصل متعمداً بلا عذر: فالراجح: أنه لا يلزمه القضاء؛ لأنه لا يستفيد به شيئاً، إذ إنه لن يقبل منه، فإن القاعدة أن كل عبادة مؤقتة بوقت معين فإنها إذا أخرت عن ذلك الوقت المعين بلا عذر لم تقبل من صاحبها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) ولأنه مِن تعدي حدود الله عز وجل، وتعدي حدود الله تعالى ظلم، والظالم لا يقبل منه، قال الله تعالى: (وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ?للَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ ?لظَّلِمُونَ) ؛ ولأنه لو قدم هذه العبادة على وقتها - أي: فعلها قبل دخول الوقت - لم تقبل منه، فكذلك إذا فعلها بعده لم تقبل منه إلا أن يكون معذوراً " انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (19 / السؤال رقم 45) . والواجب عليه أن يتوب توبة صادقة من كل الذنوب، وأن يحافظ على الواجبات، ويترك المنكرات، ويكثر من النوافل والقربات. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 72216 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1174 تفوته أوقات الصلوات في رمضان بسبب النوم فماذا عليه؟ [السُّؤَالُ] ـ[في موسم الصيام أشعر بتعب بحيث إنني إذا نمت يفوتني فرضان أو أكثر وأشعر بالذنب , وسؤالي هو: إذا نمت عن صلاة الظهر والعصر حتى أتى وقت المغرب وأخاف خروج وقت المغرب فماذا أفعل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تضييع الصلوات عن وقتها أمر عظيم، وقد توعدَّ الله تعالى على ذلك بوعيد شديد فقال: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) مريم/59. ومعنى (غَيّاً) : قال ابن عباس رضي الله عنهما: خسرانا، وقال قتادة: شرّاً، وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: واد في جهنم بعيد القعر خبيث الطعم. انظر " تفسير ابن كثير " (3 / 172) . وقيل لابن مسعود رضي الله عنه: إن الله تعالى يكثر من ذكر الصلاة في القرآن: (الذين هم على صلاتهم دائمون) ، و (الذين هم على صلاتهم يحافظون) ، و (ويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون) ؛ قال: ذلك – أي: ذلك الوعيد - على مواقيتها؛ قالوا: ما كنا نرى يا أبا عبد الرحمن إلا على تركها؟ قال: تركها كفر. " تعظيم قدر الصلاة " للمروزي (2 / 5) وقال محققه سنده حسن. وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم النوم عن الصلاة المكتوبة ضمن الأسباب التي يعذب بها الإنسان في قبره، وانظر جواب السؤال رقم (46068) لتقف على هول هذا العذاب وشدته، نسأل الله تعالى العافية. وإليك هذه الموعظة من هذا الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، يتكلم في كلمات معدودات عن حكم صلاة الجماعة، وحال تاركها، وأجر الذاهب إليها، وحال من علت همته وهو معذور ليذهب للجماعة وليقام في الصف. قَالَ: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ، فَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَنَ الْهُدَى، وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ] هذا يقوله فيمن صلى الصلاة في وقتها، غير أنه ترك الجماعة في المسجد، وصلاها في بيته، فكيف يكون حال من تركها حتى خرج وقتها بالكلية! [، ثم قال: وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ إِلا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً، وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً، وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ) رواه مسلم (654) . ولا يليق بالمسلم أن لا يعرف الصيام إلا في شهر رمضان، فإن في العام أياماً فاضلة استحب فيها الصيام كيوم عرفة، وعاشوراء، وفي كل أسبوع يستحب صيام الاثنين والخميس، وفي كل شهر يستحب صيام ثلاثة أيام منه، فلو أنك عوَّدت نفسك على الصيام طيلة العام لم تره حملاً ثقيلاً يجعلك تنام النهار كلَّه وتضيع الصلوات. ويجب عليك أن تأخذ بالأسباب التي توقظك للصلاة، ولا يجوز لك تعمد ترك الصلاة بعذر النوم وأنت تستطيع الاستيقاظ في أوقات الصلوات. وينبغي أن تنظر في سبب تعبك في الصيام، فإن كان تعبك بسبب العمل: فعليك أن توازن بين العمل والصيام، وإذا لم تكن مضطرا للعمل، ولم تستطع القيام بالصيام والصلاة وسائر العبادات مع العمل، فإنك تأخذ إجازة من العمل خلال شهر الصيام. وانظر جواب السؤال رقم (65803) , (43772) ، وإن كان بسبب السهر: فيحرم عليك هذا السهر الذي يسبب لك ترك الصلوات حتى يخرج وقتها. ويجب عليك أن توصي من حولك من أهلك وزوجتك وأولادك بأن يوقظوك للصلاة، ويجب عليهم أن يعينوك على طاعة الله تعالى وأداء الصلوات في أوقاتها. وإن كنتَ أخذت بالأسباب ولم تستيقظ لتعب شديد أو مرض فخرج وقتان للصلاة فإنك تقضي ما فاتك من الصلاة بترتيبها المعهود فتصلي الظهر ثم العصر ..... وهكذا إلا أن تخشى خروج وقت الثانية فإنك تبدأ بها، فلو استيقظت قبل غروب الشمس ولم تكن صليت الظهر والعصر، وضاق وقت العصر حتى كادت الشمس تغيب فابدأ بالعصر، ثم صلِّ الظهر بعدها، فالمغرب. ونسأل الله تعالى أن يعينك على طاعته وحسن عبادته، وأن يعلي همتك في الخير. ونرجو منك النظر في جواب السؤالين (38158) و (47123) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 66900 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1175 صلاة الوتر بعد أذان الفجر [السُّؤَالُ] ـ[ما الحكم فيما إذا نوى المرء أن يصلي صلاة الوتر لكنه نام عنها أو لم ينتبه للوقت وهو يتناول طعام السحور؟ هل له أن يصلي الوتر حتى بعد أذان الفجر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ينتهي وقت صلاة الوتر بطلوع الفجر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صَلاة اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ الصُّبْحَ صَلَّى وَاحِدَةً فَأَوْتَرَتْ لَهُ مَا صَلَّى) رواه البخاري (472) . وروى مسلم (754) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَوْتِرُوا قَبْلَ أَنْ تُصْبِحُوا) . " فإذا أذن الفجر ولم يوتر الإنسان أَخَّره إلى الضحى بعد أن ترتفع الشمس فيصلي ما تيسر، يصلي ثنتين أو أربع أو أكثر، ثنتين ثنتين، فإذا كانت عادته ثلاثا ولم يصلها في الليل، صلاها الضحى أربعا بتسليمتين، فإذا كانت عادته خمسا ولم يتيسر له فعلها في الليل لمرض أو نوم أو غير ذلك صلاها الضحى ستا بثلاث تسليمات، وهكذا، لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يفعل ذلك، كان يوتر بإحدى عشرة، فإذا شغله مرض أو نوم صلاها من النهار ثنتي عشرة ركعة. هكذا قالت عائشة رضي الله عنها فيما رواه الشيخان البخاري ومسلم عنها، وهذا هو المشروع للأمة اقتداء به عليه الصلاة والسلام. "مجموع فتاوى ابن باز" (11/300) . وسئل الشيخ ابن باز أيضاً: صلاة الوتر نهايتها هل هي عند ابتداء الأذان، أذان الفجر أم نهاية الأذان وإذا نام عنها هل تقضى وكيف؟ فأجاب: " المشروع لكل مؤمن ومؤمنة الإيتار في كل ليلة ووقته ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر لما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى) وروى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي أنه قال: (أوتروا قبل أن تصبحوا) وخرج الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وصححه الحاكم عن خارجة بن حذافة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم. قلنا: يا رسول الله ما هي؟ قال: الوتر، ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر) والأحاديث في هذا الباب كثيرة، وهي دالة على أن الوتر ينتهي بطلوع الفجر، وإذا لم يعلم المصلي طلوع الفجر اعتمد على المؤذن المعروف بتحري الوقت، فإذا أذن المؤذن الذي يتحرى وقت الفجر فاته الوتر، أما من أذن قبل الفجر فإنه لا يفوت بأذانه الوتر ولا يحرم به على الصائم الأكل والشرب، ولا يدخل به وقت صلاة الفجر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم) متفق على صحته. وكان ابن أم مكتوم رجلا أعمى لا ينادي حتى يقال له أصبحت أصبحت. وبما ذكرنا يتضح أن وقت الوتر ينتهي بأول الأذان إذا كان المؤذن يتحرى الصبح في أذانه، لكن إذا أذن المؤذن والمسلم في الركعة الأخيرة أكملها لعدم اليقين بطلوع الفجر بمجرد الأذان، ولا حرج في ذلك إن شاء الله. ومن فاته الوتر شرع له أن يصلي عادته من النهار لكن يشفعها بركعة، فإذا كانت عادته ثلاثا صلى أربعا، وإذا كانت عادته خمسا صلى ستا، وهكذا يسلم من كل اثنتين، لما ثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فاته وتره من الليل لمرض أو نوم صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة) وكانت عادته صلى الله عليه وسلم الغالبة الإيتار بإحدى عشرة ركعة، فإذا شغل عنها بمرض أو نوم صلى ثنتي عشرة ركعة، كما قالت عائشة رضي الله عنها، يسلم من كل اثنتين لما ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله كم يصلي من الليل عشر ركعات يسلم من كل اثنتين ويوتر بواحدة) متفق على صحته؛ ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى) رواه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وأصله في الصحيحين بلفظ: (صلاة الليل مثنى مثنى) كما تقدم في أول هذا الجواب، والله ولي التوفيق " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (11/305-308) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: أحرص على الوتر في وقته الفاضل قبل طلوع الفجر؛ ولكن أحياناً لا أستطيع فعله قبل طلوع الفجر، فهل يجوز لي الوتر بعد طلوع الفجر؟ فأجاب: " إذا طلع الفجر وأنت لم توتر فلا توتر، ولكن صل في النهار أربع ركعات إن كنت توتر بثلاث، وست ركعات إن كنت توتر بخمس وهكذا. لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فاتته صلاة الليل صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (14/114) . وقد جاء عن جماعة من الصحابة أنه لا حرج في صلاة الوتر بعد أذان الفجر إلى إقامة الصلاة، منهم: ابن مسعود، رواه النسائي (1667) وصححه الألباني في صحيح النسائي، وابن عباس، رواه مالك في "الموطأ" (255) ، وعبادة بن الصامت، رواه مالك في "الموطأ" أيضاً (257) رضي الله عنهم أجمعين. وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عمن نام عن صلاة الوتر؟ فأاب: " يصلي ما بين طلوع الفجر وصلاة الصبح، كما فعل ذلك عبد الله بن عمر وعائشة وغيرهما. وقد روى أبو داود في سننه عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من نام عن وتره أو نسيه فليصله إذا أصبح أو ذكر) . واختلفت الرواية عن أحمد هل يقضي شفعه معه؟ والصحيح أنه يقضي شفعه معه. وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، فإن ذلك وقتها) . وهذا يعم الفرض وقيام الليل والوتر والسنن الراتبة " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (2/240) . فإذا فعل المسلم أي واحد من الأمرين فلا حرج عليه إن شاء الله تعالى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65692 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1176 لم يكن يعلم بوجوب غسل الجنابة فهل يعيد الصلوات؟ [السُّؤَالُ] ـ[لم أكن أعلم بوجوب الغسل من الجنابة للصلاة، فهل عليَّ إعادة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب على كل مسلم ومسلمة تعلم الأحكام الشرعية وخاصة المتعلقة بما قد كلفه الله به ويستطيع القيام به، فمن ملك المال وجب عليه تعلم أحكام الزكاة، ومن عمل في التجارة وجب عليه تعلم أحكام البيع والشراء، وعلى الجميع تعلم الاعتقاد الصحيح وما يلزم كل مكلف القيام به، وأحكام الطهارة والصلاة، وقد يسَّر الله تعالى طرق طلب العلم، فلم يعد للكثيرين حجة في عدم العلم إلا التقصير. وبخصوص المسألة المعيّنة: وهي عدم العلم بوجوب الغسل من الجنابة، وأنك قد صلَّيت صلوات كثيرة وأنت على هذه الحال: فقد ذهب أهل العلم إلى أن ذلك يعتبر عذراً، فلا يجب عليك قضاؤها ولكن عليك الاغتسال وإعادة الصلاة التي بلغك الحكم وأنت في وقتها. واستدلوا على ذلك بعدة أدلة: 1. عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فدخل رجل فصلى فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد وقال: ارجع فصل فإنك لم تصل فرجع يصلي كما صلى ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ارجع فصل فإنك لم تصل ثلاثا فقال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلمني، فقال: إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تعتدل قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا وافعل ذلك في صلاتك كلها. رواه البخاري (724) ومسلم (367) . فلم يأمره النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقضاء ما مضى من الصلوات وإنما أمره بقضاء الصلاة الحاضرة فقط. 2. عن عبد الرحمن بن أبزى قال: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال: إني أجنبت فلم أصب الماء، فقال عمار بن ياسر لعمر بن الخطاب: أما تذكر أنا كنا في سفر أنا وأنت فأما أنت فلم تصل وأما أنا فتمعكت (أي: تمرغت في التراب) فصليت فذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما كان يكفيك هكذا فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بكفيه الأرض ونفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه وكفيه. رواه البخاري (331) ومسلم (368) . فقد ترك عمر بن الخطاب رضي الله عنه الصلاة لعدم علمه بوجوب التيمم لمن فقد الماء، وخالف عمار بن ياسر رضي الله عنه طريقة التيمم لعدم علمه بصفة التيمم الصحيحة، ولم يأمرهما النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء ما تركاه من الصلوات. قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: ... وعلى هذا لو ترك الطهارة الواجبة لعدم بلوغ النص، مثل: أن يأكل لحم الإبل ولا يتوضأ ثم يبلغه النص ويتبين له وجوب الوضوء، أو يصلي في أعطان الإبل ثم يبلغه ويتبين له النص: فهل عليه إعادة ما مضى؟ فيه قولان هما روايتان عن أحمد. ونظيره: أن يمس ذَكَره ويصلى، ثم يتبين له وجوب الوضوء من مس الذكر. والصحيح في جميع هذه المسائل: عدم وجوب الإعادة؛ لأن الله عفا عن الخطأ والنسيان؛ ولأنه قال {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} ، فمن لم يبلغه أمر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شيءٍ معيَّنٍ: لم يثبت حكم وجوبه عليه، ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر وعمَّاراً لما أجْنبا فلم يصلِّ عمر وصلَّى عمار بالتمرغ أن يعيد واحد منهما، وكذلك لم يأمر أبا ذر بالإعادة لما كان يجنب ويمكث أياماً لا يصلي، وكذلك لم يأمر مَن أكل من الصحابة حتى يتبين له الحبل الأبيض من الحبل الأسود بالقضاء، كما لم يأمر مَن صلى إلى بيت المقدس قبل بلوغ النسخ لهم بالقضاء. ومن هذا الباب: المستحاضة إذا مكثت مدة لا تصلي لاعتقادها عدم وجوب الصلاة عليها، ففي وجوب القضاء عليها قولان، أحدهما: لا إعادة عليها - كما نقل عن مالك وغيره –؛ لأن المستحاضة التي قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: " إني حضت حيضةً شديدةً كبيرةً منكرةً منعتني الصلاة والصيام " أمرها بما يجب في المستقبل، ولم يأمرها بقضاء صلاة الماضي. وقد ثبت عندي بالنقل المتواتر أن في النساء والرجال بالبوادي وغير البوادي مَن يبلغ ولا يعلم أن الصلاة عليه واجبة، بل إذا قيل للمرأة: صلِّي، تقول: حتى أكبر وأصير عجوزة! ظانَّة أنه لا يخاطَب بالصلاة إلا المرأة الكبيرة كالعجوز ونحوها، وفي أتباع الشيوخ (أي من الصوفية) طوائف كثيرون لا يعلمون أن الصلاة واجبة عليهم، فهؤلاء لا يجب عليهم في الصحيح قضاء الصلوات سواء قيل: كانوا كفَّاراً أو كانوا معذورين بالجهل ... " مجموع الفتاوى " (21 / 101، 102) . وانظر جواب السؤال رقم (21806) . ويمكن أن يُقال هنا إن السائل إذا كان في مكان تتوافر فيه أسباب التعلم وفرّط ولم يتعلم فإن عليه قضاء الصلوات التي صلاها بغير غُسل من الجنابة ما لم يكن كبيراً جداً، فيسقط قضاؤها حينئذ للحرج لقوله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الحج/78 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45648 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1177 صلاة المغرب خلف من يصلي العشاء [السُّؤَالُ] ـ[رجعت من السفر ولم أكن صليت المغرب، ودخلت المسجد فوجدتهم يصلون العشاء، فهل أصلي العشاء معهم أم أصلي المغرب منفردا ثم أصلي العشاء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله بل تدخل مع الإمام في الصلاة بنية صلاة المغرب، ثم تجلس في الركعة الثالثة وتتشهد، وتسلم، ثم تدخل مع الإمام فيما بقي من صلاة العشاء، أو تنتظر في التشهد حتى يتم الإمام صلاته وتسلم معه، ثم تصلي العشاء. وهذا مذهب الإمام الشافعي رحمه الله، وأحد القولين عن الإمام أحمد، وذكر المرداوي في "الإنصاف" (4/413) أنه اختارها جماعة من أصحاب الإمام أحمد منهم شيخ الإسلام ابن تيمية، وجده المجد ابن تيمية. قال النووي رحمه الله في "المجموع" (4/143) : " ولو نوى الصبح خلف مصلي الظهر وتمت صلاة المأموم، فإن شاء انتظر في التشهد حتى يفرغ الإمام , ويسلم معه , وهذا أفضل , وإن شاء نوى مفارقته وسلم , و (لا) تبطل صلاته هنا بالمفارقة بلا خلاف، لتعذر المتابعة , وكذا فيما أشبهها من الصور " انتهى. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: تأخر المصلون عن صلاة المغرب، فوجدوا أن الإمام قام إلى صلاة العشاء، فهل يصلون المغرب جماعة أم يدخلون مع الإمام؟ وكيف يكون حالهم في الصلاة؟ فأجاب: " الصحيح أن الإنسان إذا جاء والإمام في صلاة العشاء، سواء كان معه جماعة أم لم يكن، فإنه يدخل مع الإمام بنية المغرب، ولا يضر أن تختلف نية الإمام والمأموم لعموم قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) . فإن دخلوا معه في الركعة الثانية سلموا معه، لأنهم يكونون صلوا ثلاثاً، ولا يضر أن يكون جلسوا في الركعة الأولى، وإن دخلوا معه في أول ركعة، فإذا قام إلى الرابعة جلسوا وتشهدوا وسلموا، ثم دخلوا معه فيما بقي من صلاة العشاء. القول الثاني في المسألة: أن يدخلوا معه بنية العشاء، ويصلوا بعده المغرب ويسقط الترتيب هنا مراعاةً للجماعة. القول الثالث: أن يصلوا وحدهم صلاة المغرب، ثم يدخلوا معه فيما بقي من صلاة العشاء، والقولان الأخيران فيهما محذور، أما الأول فمحذوره فوات الترتيب حيث قدم صلاة العشاء على صلاة المغرب، وأما الثاني فمحذوره إقامة جماعتين في مسجد واحد وفي آن واحد، وهذا تفريق للأمة. أما القول الأول الذي ذكرنا أنه الصحيح، فربما قال قائل إن فيه محذوراً وهو تسليم هؤلاء قبل أن يسلم إمامهم، وهذا في الحقيقة ليس فيه محذور، فقد ورد انفراد المأموم عن الإمام في مواضع من السُّنَّة، منها: صلاة الخوف، فإن الإمام يصلي بهم ركعة ثم يتمون لأنفسهم وينصرفون. ومنها: قصة الرجل الذي دخل مع معاذ بن جبل رضي الله عنه، فلما بدأ بسورة البقرة أو سورة نحوها انفصل عنه ولم يكمل معه. ومنها: أن العلماء قالوا: لو أن الإنسان أثناء الصلاة وهو مأموم ثارت عليه الريح (الغازات) أو احتاج إلى نقض الوضوء ببول أو غائط، فإنه لا بأس أن ينوي الانفراد ويكمل صلاته وينصرف، فهذا يدل على أن الانفراد لحاجة لا يعتبر محذوراً " انتهى. "لقاءات الباب المفتوح" (3/425) . وسئل الشيخ ابن باز: دخلت المسجد وصلاة العشاء قائمة، وقبل الدخول في الصلاة تذكرت أنني لم أصل المغرب، فهل أصلي المغرب ثم أدرك ما أدرك من العشاء مع الجماعة، أم أصلي مع الجماعة ثم أصلي المغرب بعد ذلك؟ فأجاب: " إذا دخلت المسجد وصلاة العشاء مقامة، ثم تذكرت أنك لم تصل المغرب، فادخل مع الجماعة بنية صلاة المغرب، وإذا قام الإمام إلى الركعة الرابعة فاجلس أنت في الثالثة واقرأ التشهد الأخير - أعني التحيات والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم - والدعاء بعدها وانتظر الإمام حتى يسلم ثم تسلم معه، ولا يضر اختلاف النية بين الإمام والمأموم على الصحيح من أقوال أهل العلم، وإن صليت المغرب وحدك ثم دخلت مع الجماعة فيما أدركت من صلاة العشاء فلا بأس " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (12/189) . وسئلت اللجنة الدائمة: ما هو العمل عندما ينسى الرجل صلاة الفجر مثلاً، ولا يتذكر إلا عندما أقيمت صلاة الظهر، أو نسي صلاة الظهر ولم يتذكر إلا عندما دخل وقت صلاة العصر، هل يدخل مع الإمام بنية الفرض الفائت أم بنية الوقت الحاضر، ويقضي بعد ذلك الوقت الفائت؟ فأجابت: " يصلي الصلاة التي نسيها وراء الإمام، ولا يضره اختلاف نيته عن نية الإمام على الصحيح من قولي العلماء " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (7/407) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 40598 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1178 هل العمل من الأعذار المبيحة لتأخير الصلاة عن وقتها؟ [السُّؤَالُ] ـ[إنني أعمل، وفي وقت لا يسمح لي بأداء صلاة الفجر وصلاة الظهر، هل يجوز لي أن أصليهما في وقت بعد العمل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يحل لمسلمٍ أن يؤخر الصلاة عن وقتها إلا من عذر، ومن الأعذار الشرعية التي تبيح قضاء الصلاة بعد خروج وقتها: النوم والنسيان، وليس القيام بأعمال الدنيا من الأعذار المبيحة لترك الصلاة أو تأخيرها عن وقتها، بل من صفات المؤمنين الصادقين أنهم لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذِكر الله وإقام الصلاة. قال الله تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآَصَالِ. رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ. لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) النور / 36 – 38. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي: فهؤلاء الرجال وإن اتجروا , وباعوا , واشتروا: فإن ذلك لا محذور فيه، لكنه لا تلهيم تلك بأن يقدموها ويؤثروها على (ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ) بل جعلوا طاعة الله وعبادته غاية مرادهم , ونهاية مقصدهم، فما حال بينهم وبينها رفضوه. ولما كان ترك الدنيا شديداً على أكثر النفوس , وحب المكاسب بأنواع التجارات محبوباً لها , ويشق عليها تركه في الغالب , وتتكلف من تقديم حق الله على ذلك: ذكر ما يدعوها إلى ذلك , - ترغيباً وترهيباً – فقال: (يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ) من شدة هوله، وإزعاجه القلوب، والأبدان , فلذلك خافوا ذلك اليوم , فسهل عليهم العمل (يعني: العمل للآخرة) , وترك ما يشغل عنه. " تفسير السعدي ". وفي فرضية الصلاة وحكم وقتها قال الله تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} النساء / 103. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي: أي: مفروضا في وقته، فدل ذلك على فرضيتها , وأن لها وقتاً لا تصح إلا به , وهو هذه الأوقات , التي قد تقررت عند المسلمين , صغيرهم , وكبيرهم , عالمهم وجاهلهم , وأخذوا ذلك عن نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم بقوله: " صلوا كما رأيتموني أصلي "، ودلَّ قوله {عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} على أن الصلاة ميزان الإيمان , وعلى حسب إيمان العبد تكون صلاته , وتتم وتكمل. " تفسير السعدي ". وقال تعالى – متوعداً من أخَّر الصلاة عن وقتها لغير عذر -: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا. إِلا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا) مريم / 59، 60. والغي: الخسران أو وادٍ في جهنم. وقال تعالى: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ. الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) الماعون / 4، 5. قال ابن كثير: عن ابن مسعود أنه قيل له إن الله يكثر ذكر الصلاة في القرآن (الذين هم عن صلاتهم ساهون) و (على صلاتهم دائمون) و (على صلاتهم يحافظون) فقال ابن مسعود: على مواقيتها، قالوا: كنا نرى ذلك إلا على الترك، قال: ذلك الكفر … وقال الأوزاعي عن إبراهيم بن يزيد أن عمر بن عبد العزيز قرأ (فخلف مِن بعدهم خلْف أضاعوا الصلاة واتَّبعوا الشهوات فسوف يلْقَوْن غيّاً) ثم قال: لم تكن إضاعتهم تركها ولكن أضاعوا الوقت. " تفسير ابن كثير " (3 / 128، 129) . فلا يحل لك تأخير الصلاة عن وقتها بعذر العمل، فإن لم يمكنك أن تصلي الصلاة في وقتها بسبب العمل فعليك ترك هذا العمل، والبحث عن عمل غيره لا يكون سبباً في تضييع الصلاة، ولا ينبغي للمسلم العاقل أن يعرِّض نفسه لوعيد ربه تبارك وتعالى، ولا أن يبيع دينه بعرَضٍ من الدنيا زائل. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36784 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1179 تذكر أنه لم يصل الصبح وهو في صلاة الظهر [السُّؤَالُ] ـ[صليت الظهر وكانت قد فاتتني ثلاث ركعات وبعد أن أتممت ركعتين تذكرت أني لم أصل الفجر-كنت مريضًا-، ثم قطعت الصلاة بعد الركعة الثانية ونويتها فجرًا وبعد ذلك صليت الظهر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سيكون الجواب على هذا السؤال من خلال ثلاث نقاط: أولاً: حكم الترتيب بين الصلوات الفائتة ذهب الأئمة الثلاثة أبو حنيفة ومالك وأحمد إلى أنه يجب الترتيب بين الصلوات الفائتة عند قضائها، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فاتته بعض الصلوات يوم الخندق قضاها مرتبة. روى البخاري (641) ومسلم (631) عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْعَصْرَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ. وروى البخاري (631) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي) . المغني (2/336) . ثانياً: إذا نسي الترتيب فهل يسقط؟ فالجواب: نعم، يسقط وجوب الترتيب بالنسيان، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) رواه ابن ماجه (2043) . وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (1662) . وهو مذهب الإمامين أبي حنيفة وأحمد رحمه الله. انظر فتح القدير (1/424) والمغني (2/340) ، والشرح الممتع (2/139) . ومن نسي الصلاة حتى دخل وقت الصلاة الثانية، ثم ذكرها فله ثلاثة أحوال: 1- أن يتذكر الصلاة الفائتة قبل أن يبدأ في الصلاة الحاضرة، فيجب عليه حينئذٍ أن يبدأ بالصلاة الفائتة، ثم يُصلي الصلاة الحاضرة. 2- أن يصلي الصلاة الحاضرة ويتمها ثم يتذكر أن عليه صلاة فائتة لم يصلها، فإن الصلاة الحاضرة صحيحة ويصلي الصلاة الفائتة فقط. وهو معذور في عدم الترتيب بالنسيان. 3- أن يتذكر أثناء الصلاة الحاضرة أنه لم يصلِّ الصلاة السابقة (الفائتة) فإنه يتم الحاضرة وتكون نفلاً، ثم يصلي الفائتة، ثم يعيد بعدها الحاضرة محافظة على الترتيب. وهذا مذهب الإمام أحمد رحمه الله. وانظر المغني (2/336-340) . وهو قول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. روى مالك في الموطأ (408) عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: مَنْ نَسِيَ صَلاةً فَلَمْ يَذْكُرْهَا إِلا وَهُوَ مَعَ الإِمَامِ، فَإِذَا سَلَّمَ الإِمَامُ فَلْيُصَلِّ الصَّلاةَ الَّتِي نَسِيَ ثُمَّ لِيُصَلِّ بَعْدَهَا الأُخْرَى. وقال شيخ الإسلام رحمه الله: (ومتى ذكر الفائتة في أثناء الصلاة كان كما لو ذكر قبل الشروع فيها، ولو لم يذكر الفائتة حتى فرغت الحاضرة فإن الحاضرة تجزئة عند جمهور العلماء كأبي حنيفة والشافعي وأحمد. . .) اهـ الفتاوى الكبرى (1/112) . وكونه يتم الصلاة التي هو فيها على سبيل الاستحباب لا الوجوب، فإذا قطعها ثم صلى الصلاة الفائتة ثم الحاضرة بعدها كان ذلك جائزاً. قَالَ مُهَنَّا: قُلْت لِأَحْمَدَ: إنِّي كُنْتُ فِي صَلاةِ الْعَتَمَةِ [أي العشاء] , فَذَكَرْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ صَلَّيْتُ الْمَغْرِبَ , فَصَلَّيْتُ الْعَتَمَةَ , ثُمَّ أَعَدْتُ الْمَغْرِبَ وَالْعَتَمَةَ؟ قَالَ: أَصَبْتَ. فَقُلْتُ: أَلَيْسَ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ أَخْرُجَ حِينَ ذَكَرْتُهَا؟ قَالَ: بَلَى. قُلْتُ: فَكَيْفَ أَصَبْتُ؟ قَالَ: كُلٌّ جَائِزٌ. المغني 2/339. وذهب بعض العلماء إلى أنه يتم الصلاة (الحاضرة) التي هو فيها ثم يصلي الفائتة، ولا يلزمه إعادة الحاضرة مرة أخرى، وهو مذهب الشافعي كما في المجموع (3/70) واختاره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. مجموع فتاوى ابن عثيمين 12/221. والقول الأول أحوط. ثالثاً: قول السائل إنه لم يصل الصبح لأنه كان مريضاً هذا العمل غير صحيح؛ لأن المرض ليس عذرا لترك الصلاة حتى يخرج وقتها، بل الواجب على المسلم أن يصلي الصلاة في وقتها، ثم إذا كان مريضا فإنه يصلي على حسب استطاعته إذ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها. فإذا عجز عن القيام صلى قاعدا، فإن عجز عن القعود صلى على جنب، وإن عجز عن الوضوء تيمم، وإذا كان على بدنه نجاسة وعجز عن إزلتها صلى على حالته التي هو عليها وهكذا، ولا يجوز له تأخير الصلاة عن وقتها بسبب عجزه عن الطهارة أو إزالة النجاسة، بل يصلي على حسب استطاعته ويفعل من واجبات الصلاة ما يستطيعه ويسقط عنه ما لا يستطيعه. وانظر رسالة (أحكام صلاة المريض وطهارته) للشيخ ابن باز. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 30788 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1180 يختلفون في مواقيت الصلاة، فمن يتبع؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا مقيم في هولندا ويوجد مسجدان في القرية التي أنا فيها وكل مسجد يعطي أوقات للأذان تختلف عن الآخر، بالإضافة إلى التواقيت التي نجدها في الإنترنت فأي واحدة نتبع؟ علما أن الفرق بينهم دقائق كثيرة، ونحن مقبلون على شهر رمضان إن شاء الله، وأن وقت صلاة الفجر والمغرب مختلف بينهم، فما رأيكم ماذا نفعل؟ أي واحد منهم نتبع؟ علماً أن المساجد أحدهما يديره أتراك والآخر يديره مغاربة، أو أتبع أوقات الإنترنت؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله مواقيت الصلاة قد بينتها النصوص الشرعية بياناً واضحاً، فهي منوطة بأمور تعتمد على المشاهدة، ويدركها كل إنسان بشيء من النظر والتأمل. فوقت الفجر يدخل بطلوع الفجر الصادق الذي ينتشر ضوءه قي الأفق عرضاً، يميناً ويساراً. ووقت الظهر يكون بميل الشمس عن وسط السماء. ووقت العصر يبدأ بمصير ظل كل شيء مثله (أي طوله) بعد الظل الذي زالت عليه الشمس. ووقت المغرب يدخل بغياب كامل قرص الشمس عن وجه الأرض. قال النووي: " والاعتبار سقوط قرصها بكماله،. . . ولا نظر بعد تكامل الغروب إلى بقاء شعاعها، بل يدخل وقتها مع بقائه ". انتهى " المجموع " (3/33) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وحينئذ يفطر الصائم ويزول وقت النهي، ولا أثر لما يبقى في الأفق من الحمرة الشديدة في شيء من الأحكام".. "شرح العمدة" (4/169) . ووقت العشاء يكون بغياب الشفق الأحمر من الأفق. وللاستزادة في معرفة مواقيت الصلاة ينظر جواب السؤال (9940) . فعليك بالاجتهاد والنظر في هذه العلامات والسير وفقها، وإن شق عليك هذا الأمر فلا حرج عليك من تقليد أحد المساجد ممن تثق بدين وأمانة القائمين عليه. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 139757 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1181 وقت صلاة العشاء في المناطق التي لا يغيب فيها الشفق إلا متأخراً [السُّؤَالُ] ـ[نحن طلاب سعوديون، مبتعثون للدراسة في بريطانيا، وبالتحديد: في مدينة " Birmingham " , وتواجهنا في مثل هذه الأيام - ومع بداية فصل الصيف - مشكلة " طول الفترة بين دخول المغرب، ودخول العشاء ". وفي كل عام تثار ضجة بين المسلمين فيما يفعلون، فبعض المساجد تصلي العشاء بعد 90 دقيقة من دخول المغرب، والبعض ينتظر غياب حمرة الشفق لمدة تصل إلى 3 ساعات أحياناً!! مما يوقع الناس في حرج، خصوصاً مع قصر الليل. نحن المسلمون في سكن الكلية في مثل هذه الأيام نصلي العشاء في جماعتين، الأولى: تصلي بعد 90 دقيقة , وتعتمد على ما يلي: أ. أن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله قد ذكر في إحدى خطبه أن أقصى مدة بين دخول المغرب والعشاء هي ساعة واثنين وثلاثين دقيقة. ب. بناء على فتوى من أحد المشايخ المشهورين في المملكة. ج. أن الشفق لا يغيب طوال الليل في بعض الأجزاء، وبعض الفصول من السنَة. د. أن بعض المساجد، والمراكز الإسلامية تعتمد نظام الـ 90 دقيقة. هـ. أن الحرمين الشريفين تعتمد هذا النظام. أما الجماعة الأخرى: فتصلي متأخرة، بناء على ما يلي: أ. فتوى اللجنة الدائمة، بأن تصلى كل صلاة بتوقيتها الشرعي، حسب علامتها الشرعية (إذا تميز الليل من النهار) . ب. فتوى من شيخ آخر مشهور، في السعودية، أكد فيها أن نظام الـ 90 دقيقة اجتهاد خاطئ. ج. أن بعض المساجد، والمراكز الإسلامية، تفعل هذا. د. التقويم المعتمد من " رابطة العالم الإسلامي ". وفي حقيقة الأمر - يا فضيلة الشيخ - أن تقويم " الرابطة " يوقعنا في حرج، ومشقة، في بعض فصول السنَة. نحن نعتمد في تقاويم الصلاة على الموقع التالي: www.islamicfinder.org والذي يوفر جميع التقاويم، وطرق الحساب المعروفة، بالإضافة إلى إمكانية التعديل الشخصي. ونظراً لأننا لم نجد في الإنترنت، ولا غيره، بحثاً مؤصَّلاً في هذه المسألة، ولا فتوى واضحة: فإننا - يا فضيلة الشيخ - ننتظر منكم البحث الكافي، والجواب الشافي، الذي نسأل الله أن يوحد به القلوب، ويجمعها على الحق، في هذه المسألة. وجزاكم الله خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: من شروط صحة الصلاة المتفق عليها بين أهل العلم: دخول وقت الصلاة، قال تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) النساء/ 103. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: أي: مفروضاً في وقته، فدلَّ ذلك على فرضيتها، وأن لها وقتاً لا تصح إلا به، وهو هذه الأوقات التي قد تقررت عند المسلمين، صغيرهم، وكبيرهم، عالمهم، وجاهلهم. " تفسير السعدي " (ص 198) . ثانياً: أول وقت صلاة المغرب: مغيب قرص الشمس في الأفق , وآخره – وبه يدخل وقت العشاء -: مغيب الشفق الأحمر. فعنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (وَقْتُ صَلاَةِ الْمَغْرِبِ إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ مَا لَمْ يَسْقُطِ الشَّفَقُ، وَوَقْتُ صَلاَةِ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ) رواه مسلم (612) . وهذه المواقيت المحددة في الشرع إنما تكون في البلاد التي فيها الليل والنهار في أربع وعشرين ساعة، ولا عبرة بطول النهار وقصَر الليل في هذه الحال، إلا أن يكون وقت العشاء لا يتسع لأداء الصلاة، فإن لم يتسع: فكأنه لا وقت لها، ويقدَّر بأقرب البلاد إليه مما فيه ليل ونهار يتسعان لأداء الصلوات الخمس. ومسألتكم هذه مما عُني بها العلماء، وتداولوها بينهم بالبحث، والفتوى، وقد ألَّف بعضهم رسالة مستقلة فيها بعنوان " وقت صلاة العشاء ووقت الإمساك في المناطق التي لا يغيب فيها الشفق إلا متأخرًا ويطلع الفجر مبكراً " وهي لرئيس مركز البحوث الإسلامية في إستانبول، الدكتور " طيار آلتي قولاج "، وقد اختلف العلماء في هذه المسألة إلى ثلاثة أقوال: القول الأول: الأخذ برخصة الجمع بين المغرب والعشاء؛ لوجود المشقة التي لا تقل عن المطر، وغيره من أعذار الجمع. والقول الثاني: تقدير وقت صلاة العشاء، ودعا بعضهم إلى جعل الاعتبار في هذا: مكة المكرمة، وممن قال بهذا القول صاحب الرسالة آنفة الذِّكر. والقول الثالث: الالتزام بالأوقات الشرعية للعشاء، وهي مغيب الشفق، ما دام الوقت يتسع لأداء الصلاة. وهذا القول الأخير هو الذي نراه راجحاً، وهو الذي تدل عليه النصوص النبوية، وبه يفتي هيئة كبار العلماء، واللجنة الدائمة للإفتاء، والشيخان: العثيمين، وابن باز، وغيرهم من أهل العلم. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: وهذه المواقيت المحددة: إنما تكون في مكان يتخلله الليل والنهار في أربع وعشرين ساعة، سواء تساوى الليل والنهار، أم زاد أحدهما على الآخر زيادة قليلة أو كثيرة. أما المكان الذي لا يتخلله الليل والنهار في أربع وعشرين ساعة: فلا يخلو: إما أن يكون ذلك مطرداً في سائر العام، أو في أيام قليلة منه. فإن كان في أيام قليلة منه، مثل أن يكون المكان يتخلله الليل والنهار في أربع عشرين ساعة طيلة فصول السنة، لكن في بعض الفصول يكون فيه أربعاً وعشرين ساعة أو أكثر والنهار كذلك: ففي هذه الحالة إما أن يكون في الأفق ظاهرة حية يمكن بها تحديد الوقت، كابتداء زيادة النور مثلاً، أو انطماسه بالكلية، فيعلَّق الحكم بتلك الظاهرة، وإما أن لا يكون فيه ذلك فتقدر أوقات الصلاة بقدرها في آخر يوم قبل استمرار الليل في الأربع والعشرين ساعة أو النهار ... . إما إذا كان المكان لا يتخلله الليل والنهار في أربع وعشرين ساعة طيلة العام في الفصول كلها: فإنه يحدد لأوقات الصلاة بقدرها؛ لما رواه مسلم من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم ذكر الدجال الذي يكون في آخر الزمان فسألوه عن لبثه في الأرض فقال: (أربعون يوماً، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم) ، قالوا: يا رسول الله فذلك اليوم كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: (لا، اقدروا له قدره) . ... فإذا ثبت أن المكان الذي لا يتخلله الليل والنهار يقدر له قدره فماذا نقدره؟ ... يرى بعض العلماء: أنه يقدر بالزمن المعتدل، فيقدر الليل باثنتي عشرة ساعة، وكذلك النهار؛ لأنه لما تعذر اعتبار هذا المكان بنفسه اعتبر بالمكان المتوسط، كالمستحاضة التي ليس لها عادة ولا تمييز. ويرى آخرون: أنه يقدَّر بأقرب البلاد إلى هذا المكان، مما يحدث فيه ليل ونهار في أثناء العام؛ لأنه لما تعذر اعتباره بنفسه: اعتُبر بأقرب الأماكن شبهاً به، وهو أقرب البلاد إليه التي يتخللها الليل والنهار في أربع وعشرين ساعة. وهذا القول أرجح؛ لأنه أقوى تعليلاً، وأقرب إلي الواقع. "مجموع فتاوى الشيخ العثيمين" (12/197، 198) . وهو قول هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، وأيدته اللجنة الدائمة للإفتاء، وقد نقلنا فتواهم في جواب السؤال رقم: (5842) وفيها قولهم: " ... إلى غير ذلك من الأحاديث التي وردت في تحديد أوقات الصلوات الخمس، قولاً، وفعلاً، ولم تفرِّق بين طول النهار، وقصره، وطول الليل وقصره، ما دامت أوقات الصلوات متمايزة بالعلامات التي بيَّنها رسول الله صلى الله عليه وسلم" انتهى. وبالنظر في حال البلاد التي تدرسون فيها: نجد أن فيها ليلاً ونهاراً في أربع وعشرين ساعة، وقصَر وقت العشاء ليس بالقدر الذي لا يتسع لأداء الصلاة فيه، وعليه: فالمتعين في حقكم: أداء الصلوات في أوقاتها الشرعية. ثالثاً: إذا كان وقت العشاء يتأخر كثيراً بحيث يكون في أداء الصلاة في وقتها مشقة، فلا حرج حينئذ من الجمع بين صلاتي المغرب والعشاء جمع تقديم. وفي جواب السؤال رقم: (5709) نقلنا عن الشيخ العثيمين رحمه الله قوله: "وإن كان الشفق يغيب قبل الفجر بوقت طويل يتسع لصلاة العشاء: فإنه يلزمهم الانتظار حتى يغيب، إلا أن يشق عليهم الانتظار، فحينئذ يجوز لهم جمع العشاء إلى المغرب جمع تقديم؛ دفعاً للحرج، والمشقة ... " انتهى. وقد جاء في قرار "المجمع الفقهي الإسلامي" التابع لرابطة العالم الإسلامي: "تداول أعضاء المجلس في موضوع مواقيت الصلاة، والصيام في البلاد ذات خطوط العرض العالية، واستمعوا إلى الدراسات الشرعية، والفلكية، المقدمة من بعض الأعضاء، والعروض التوضيحية للجوانب الفنية ذات الصلة التي تمت التوصية بها في الدورة الحادية عشرة للمجلس، وقرر ما يلي: " ... ثالثاً: تقسم المناطق ذات الدرجات العالية إلى ثلاثة أقسام: المنطقة الأولى: وهي التي تقع ما بين خطي العرض (45ْ) درجة و (48ْ) درجة، شمالاً وجنوباً، وتتميز فيه العلامات الظاهرة للأوقات في أربع وعشرين ساعة، طالت الأوقات، أو قصرت. المنطقة الثانية: وتقع ما بين خطي عرض (48ْ) درجة و (66ْ) درجة شمالاً وجنوباً، وتنعدم فيها بعض العلامات الفلكية للأوقات في عدد من أيام السنة، كأن لا يغيب الشفق الذي به يبتدئ العشاء، وتمتد نهاية وقت المغرب حتى يتداخل مع الفجر. المنطقة الثالثة: وتقع فوق خط عرض (66ْ) درجة شمالاً وجنوباً إلى القطبين، وتنعدم فيها العلامات الظاهرة للأوقات في فترة طويلة من السنة نهاراً، أو ليلاً. رابعاً: والحكم في المنطقة الأولى: أن يلتزم أهلها في الصلاة بأوقاتها الشرعية، وفي الصوم بوقته الشرعي من تبيّن الفجر الصادق إلى غروب الشمس؛ عملاً بالنصوص الشرعية في أوقات الصلاة، والصوم، ومن عجز عن صيام يوم، أو إتمامه لطول الوقت: أفطر، وقضى في الأيام المناسبة ... " انتهى. وهذه الحالة هي التي وقع السؤال عنها كما هو بَيَّن. وفي قرار لاحق للمجمع الفقهي الإسلامي أكَّد على القرار السابق، ورخَّص لمن يجد مشقة في أداء صلاة العشاء أن يجمعها مع المغرب، وقد نصَّ على عدم جعل هذا ديدناً عامّاً، بل يكون فقط لأصحاب الأعذار، فقد جاء في ذلك القرار: "أما إذا كانت تظهر علامات أوقات الصلاة، لكن يتأخر غياب الشفق الذي يدخل به وقت صلاة العشاء كثيراً: فيرى " المجمع " وجوب أداء صلاة العشاء في وقتها المحدد شرعاً، لكن مَن كان يشق عليه الانتظار وأداؤها في وقتها - كالطلاب، والموظفين، والعمَّال أيام أعمالهم -: فله الجمع؛ عملاً بالنصوص الواردة في رفع الحرج عن هذه الأمة، ومن ذلك ما جاء في صحيح مسلم وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء بالمدينة، من غير خوف ولا مطر) ، فسئل ابن عباس عن ذلك فقال: (أراد ألا يُحرج أمته) . على ألا يكون الجمع أصلاً لجميع الناس في تلك البلاد، طيلة هذه الفترة؛ لأن ذلك من شأنه تحويل رخصة الجمع إلى عزيمة ... وأما الضابط لهذه المشقة: فمرده إلى العُرف، وهو مما يختلف باختلاف الأشخاص، والأماكن والأحوال" انتهى من " الدورة التاسعة عشر " المنعقدة بمقر رابطة العالم الإسلامي، بمكة المكرمة، في الفترة من 22 - 27 شوال 1428هـ، الموافق 3 - 8 نوفمبر2007 م، القرار الثاني. رابعاً: أما تقدير الوقت بين المغرب والعشاء بساعة واثنتين وثلاثين دقيقة: فلم نجده عن الشيخ العثيمين، ولا غيره، وقد ذكرنا فيما سبق كلام الشيخ رحمه الله ولم يذكر هذا القول ولا رجحه. ولعله حصل خطأ من الناقل عن الشيخ، وأن الشيخ رحمه الله أراد الوقت بين المغرب والعشاء عادة وغالبا في البلاد المتوسطة، أو في السعودية تحديداً، وهو الأقرب. أ. ومن كلامه رحمه الله: "وقت العشاء لا يختص بالأذان في الحقيقة؛ لأن وقت العشاء أحياناً في بعض السنة، وفي بعض الفصول: يكون بين غروب الشمس ودخول وقت العشاء ساعة وربع ساعة، وأحياناً ساعة وثلث الساعة، وأحياناً ساعة وخمساً وعشرين دقيقة، وأحياناً ساعة وثلاثين دقيقة، يختلف، لا يمكن أن يُضبط في جميع الفصول". " جلسات رمضانية ". ب. وقال – رحمه الله – أيضاً -: وقت المغرب من غروب الشمس إلى مغيب الشفق الأحمر، فتارة يكون ساعة ونصف، بين المغرب والعشاء، وتارة ساعة وثلث وتارة ساعة، وسبع عشرة دقيقة، يختلف. "مجموع فتاوى الشيخ العثيمين" (7/338) . والخلاصة: 1- في البلاد التي يوجد بها ليل ونهار في أربع وعشرين ساعة: يجب الالتزام بالصلوات في أوقاتها الشرعية، ولو طال الليل، أو قصر. 2- في البلاد التي لا يكون فيها ليل ونهار في أربع وعشرين ساعة: يُلتزم في صلواتها بأقرب مكان إليهم يوجد فيه ليل ونهار. 3- في البلاد التي يتصل بها الشفق إلى الفجر، أو يغيب ولا يتسع الوقت لصلاة العشاء: يُلتزم بأقرب مكان إليهم يوجد فيه متسع من الوقت لصلاتها. 4- يجوز لأهل الأعذار الجمع بين صلاتي المغرب والعشاء إن تعذر عليهم انتظار وقت العشاء. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 135415 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1182 تأخير صلاة الظهر والعصر إلى آخر وقتها بسبب العمل [السُّؤَالُ] ـ[إنني ملتزمة بدوام رسمي في دائرتين من الساعة السابعة والنصف صباحاً حتى حدود الخامسة عصراً، ولذلك أصلي صلاة الظهر في حدود الواحدة والنصف ظهراً أو الثانية أو الثانية والنصف، فهل تصح هذه الصلاة؟ مع العلم أن هذه الصلاة تكون ضمن الدوام الثاني في الدائرة الثانية، وليس لدي وقت ولا مكان أصليها في وقتها في الدائرة الأولى، أما صلاة العصر فأصليها عندما أعود إلى المنزل، فهل هذه الصلاة صحيحة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " لا حرج في ذلك، والصلاة صحيحة، ولكن الواجب عليها أن تحذر التساهل حتى يخرج وقت الظهر؛ فإن الصلاة في الثانية والنصف تكون قرب خروج الوقت، فينبغي أن تقدمي صلاة الظهر قبل هذا حتى تحتاطي لدينك ولصلاتك، فإذا حضرت الصلاة صليت في الدائرة الأولى واجتهدت في المكان المناسب حتى تصلي صلاة الظهر في أول وقتها، هذا هو الأفضل. فإن لم يتيسر فلا حرج أن تصليها في الدائرة الثانية أو في البيت قبل خروج الوقت، ولو في آخر الوقت، لكن لا يجوز أبداً أن تؤخر إلى خروج الوقت، بل يجب أن تقدم قبل العصر. وقت العصر كذلك تراعي في صلاتها قبل أن تصفرّ الشمس، يجب أن يُراعي المؤمن أداء صلاة العصر قبل أن تصفرّ الشمس في أيّ مكان كان، ولا يجوز تأخير العصر إلى أن تصفرّ الشمس، بل لابد أن تفعل والشمس حية واضحة بيضاء ليس فيها اصفرار في أي دائرة كان، وفي الحضر أو في سفر، لأن حق الله يجب أن يقدم على حق المخلوقين، والصلاة مستثناة من هذه الأعمال، لابد من فعلها في أوقاتها، وإن كان الإنسان في هذه الأعمال فإنه يجب أن يتحرى الوقت المناسب حتى يصلي الصلاة في وقتها مؤدياً حق الله محافظاً عليه، ومبتعداً عن كل ما يسبب إضاعة حق الله " انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (2/729) . [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 134028 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1183 أسئلة حول مواقيت الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[ما هو وقت صلاة العشاء، متى يبدأ ومتى ينتهي؟ وهل لصلاة العشاء وقت اضطرار؟ وما معنى وقت الاضطرار؛ هل هو وقت الصلاة الخاص لمن كان له عذر مثل المرض؟ فقد سمعت عن وقت الاضطرار من إحدى الأخوات لكن لم أفهمه. وقد حذرتنا من تأخير صلاة العشاء إلى ذلك الوقت، وذكرت أن كثيراً من الأخوات تؤخر صلاة العشاء حتى يخرج وقتها، أو تصليها في وقت الاضطرار وهي لا تعلم. وأخيراً: كيف أبدأ بحساب ساعات الليل، هل من غروب الشمس، أم من أذان العشاء؟ وهل هناك فرق بين (جوف الليل) و (ثلث الليل) أم هما واحد؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: الجواب: أولاً: يبدأ وقت العشاء من خروج وقت المغرب، وهو مغيب الشفق الأحمر عند جمهور العلماء. قال ابن المنذر: " وأجمع أهل العلم إلا من شذ عنهم على أن أول وقت العشاء الآخرة إذا غاب الشفق ". انتهى " الأوسط " (3 / 262) . والشفق هو حُمْرة تظهر في الأفق حين تغرب الشمس، وتستمر من الغروب إلى قُبَيْلِ العشاء. وأما آخر وقت العشاء الاختياري: فينتهي عند منتصف الليل. لما رواه الإمام مسلم في صحيحه (612) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (فَإِذَا صَلَّيْتُمْ الْعِشَاءَ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ) . وفي لفظ: (وَوَقْتُ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ الْأَوْسَطِ) . قال النووي: " مَعْنَاهُ: وَقْت لِأَدَائِهَا اِخْتِيَارًا ". انتهى "شرح صحيح مسلم " (5/111) . وما بعد نصف الليل إلى طلوع الفجر هو وقت العشاء الاضطراري. واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية، والشيخ ابن باز رحمه الله، واللجنة الدائمة للإفتاء. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " وأما وقت الإدراك والضرورة فيمتد إلى طلوع الفجر الثاني؛ لما روى يحيى بن آدم عن ابن عباس قال: (لا يفوت وقت الظهر حتى يدخل وقت العصر، ولا يفوت وقت العصر حتى يدخل وقت المغرب، ولا يفوت وقت المغرب إلى العشاء، ولا يفوت وقت العشاء إلى الفجر) ... ولم ينقل عن صحابي خلافه، بل وافقهم التابعون على إن العشاء تجب بالطهر قبل الفجر، مع قوله في حديث أبي قتادة لما ناموا: (أما أنه لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الْأُخْرَى) ... فانه يقتضي امتداد كل صلاة إلى وقت التي تليها وإنما استثنى منه الفجر لظهور وقتها … وتأخير الصلاة إلى هذا الوقت لغير عذر لا يجوز ". انتهى " شرح العمدة" (4/179) . وفي فتاوى اللجنة الدائمة (6 /113) : " ووقت العشاء من غيبوبة الشفق الأحمر إلى نصف الليل، وهذا وقت الاختيار لها، ووقت الاضطرار من نصف الليل إلى طلوع الفجر ". وقال الشيخ ابن باز: " فإذا غاب الشفق - وهو: الحمرة في جهة المغرب - انتهى وقت المغرب، ودخل وقت العشاء إلى نصف الليل، وما بعد نصف الليل وقت ضرورة لوقت العشاء، فلا يجوز التأخير لما بعد نصف الليل. ولكن ما بين غروب الشفق إلى نصف الليل كله وقت اختياري للعشاء، فلو صلاها بعد نصف الليل أداها في الوقت، لكن يأثم؛ لأنه أخرها إلى وقت الضرورة ". انتهى "فتاوى ابن باز" (10/384) . ومن أهل العلم من رأى أن وقت صلاة العشاء نتهي بنصف الليل , وأنها بعد ذلك تكون قضاء، وهو قول قوي، فيه احتياط لأمر العبادة، لا سيما مع قوة أدلته. وقد ذهب إليه بعض الشافعية، واختاره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. ينظر: الشرح الممتع (2/ 53) ، وهو أحوط للعبادة. ثانياً: تحديد نصف الليل يكون بحساب الوقت من مغيب الشمس إلى طلوع الفجر، فنصف ما بينهما هو آخر وقت العشاء الاختياري، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (67911) . ثالثاً: الفرق بين وقت الاختيار ووقت الضرورة: أن وقت الاختيار: هو الوقت الذي يجوز للإنسان أن يؤخر الصلاة إليه من غير كراهة. وأما وقت الاضطرار: فهو الوقت الذي لا يجوز تأخير الصلاة إليه إلا لأصحاب الأعذار فقط، كالمجنون، والمغمى عليه، والحائض، والنائم، والناسي، والصبي الذي بلغ، والكافر إذا أسلم. قال الحافظ ابن رجب: " فإن قول من قال: آخر وقتها ثلث الليل أو نصفه، إنما أراد وقت الاختيار. وقالوا: يبقى وقت الضرورة ممتداً إلى طلوع الفجر، فلو استيقظ نائم، أو أفاق مغمى عليه، أو طهرت حائض، أو بلغ صبي، أو أسلم كافر بعد نصف الليل، لزمهم صلاة العشاء ". انتهى " فتح الباري " (3/208) . والله أعلم. رابعاً: جوف الليل مغاير لثلث الليل، لأن المقصود بجوف الليل: وسطه. وأما " جوف الليل الآخر" فهو الثلث الأخير منه. قال الحافظ ابن رجب: " جوف الليل إذا أُطلق فالمراد به: وسطه، وإن قيل: جوف الليل الآخر، فالمراد به وسط النصف الثاني، وهو السدس الخامس من أسداس الليل، وهو الوقت الذي ورد فيه النزول الإلهي " انتهى "جامع العلوم والحكم" صـ 273. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 132950 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1184 ما هي الصلاة الوسطى؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما هي بداية اليوم هل الفجر أم المغرب؟ وما هي الصلاة الوسطى؟ إذا كانت صلاة العصر فالفجر هو بداية اليوم. أرجو التفصيل.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تحديد الصلاة الوسطى الواردة في قوله تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) البقرة/238، من المسائل الخلافية المشهورة بين العلماء، والتي تنوعت فيها الأقوال إلى نحو عشرين قولا – كما عدها الحافظ ابن حجر رحمه الله في " فتح الباري " (8/197) -، وألف فيها الحافظ عبد المؤمن الدمياطي رحمه الله كتابا بعنوان " كشف المُغَطَّى في تبيين الصلاة الوسطى " وأقوى هذه الأقوال قولان: القول الأول: أنها صلاة الصبح. "وهو قول أبي أمامة، وأنس، وجابر، وأبي العالية، وعبيد بن عمير، وعطاء، وعكرمة، ومجاهد، وغيرهم، وهو أحد قولي ابن عمر وابن عباس. وهو قول مالك والشافعي فيما نص عليه في "الأم" " انتهى من " فتح الباري " (8/196) باختصار. القول الثاني: أنها صلاة العصر. وهذا قول أكثر أهل العلم، وهو القول الصحيح المعتمد، لدلالة السنة الصحيحة عليه. "وهو قول علي بن أبي طالب، فقد روى الترمذي والنسائي من طريق زر بن حبيش قال: قلنا لعبيدة: سل عليا عن الصلاة الوسطى. فسأله فقال: كنا نرى أنها الصبح، حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم الأحزاب: (شَغَلُونَا عَنْ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى، صَلَاةِ الْعَصْرِ) . وهذه الرواية نص في أن كونها العصر من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وأن شبهة من قال إنها الصبح قوية، لكن كونها العصر هو المعتمد. وبه قال ابن مسعود وأبو هريرة، وهو الصحيح من مذهب أبي حنيفة، وقول أحمد، والذي صار إليه معظم الشافعية لصحة الحديث فيه. قال الترمذي: هو قول أكثر علماء الصحابة. وقال الماوردي: هو قول جمهور التابعين. وقال ابن عبد البر: هو قول أكثر أهل الأثر. وبه قال من المالكية ابن حبيب وابن العربي وابن عطية" انتهى من " فتح الباري " (8/196) . وقال النووي رحمه الله: "الذي تقتضيه الأحاديث الصحيحة أنها العصر، وهو المختار" انتهى. " المجموع " (3/61) . وقد ذكر الحافظ الدمياطي بعض الخصائص والفضائل التي اختصت بها صلاة العصر: "فمنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غلظ المصيبة في فوتها بذهاب الأهل والمال في قوله صلى الله عليه وسلم: (من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهل وماله) . ومنها: حبوط عمل تاركها. ومنها: أنها كانت أحب إليهم من أنفسهم وآبائهم وأبنائهم وأهليهم وأموالهم. ومنها: أنها أول صلاة شرعت فيها صلاة الخوف. ومنها: أنها أول صلاة توجه فيها النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة. ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: (ورجل أقام سلعة بعد العصر فحلف بالله.. الحديث) . وقد عظم الله الأيمان التي يحلف بها العباد بعد صلاة العصر. ومنها: أن سليمان عليه الصلاة والسلام أتلف مالاً عظيماً من الخيل لما شغله عرضها عن صلاة العصر إلى أن غابت الشمس. ومنها: ما جاء في قوله تعالى: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ) . ومنها: أنها وسطى في الوجوب، لأن أول الصلوات وجوبا كانت الفجر، وآخرها العشاء، فكانت العصر هي الوسطى في الوجوب" انتهى. " كشف المغطى " (ص/126-132) . أما السؤال عن بداية اليوم، هل هو الليل أم النهار؟ فالجواب: أن الليل يسبق النهار، فإذا غربت الشمس فقد دخلت ليلة اليوم التالي، ولهذا إذا رؤي هلال رمضان صلى الناس التراويح لأن هذه الليلة من رمضان، وإذا رأوا هلال العيد لم يصلوا التراويح لأنها من شوال. غير أن ذلك لا يستلزم ترجيح القول بأن صلاة الفجر هي الصلاة الوسطى، لأن المراد بـ "الوسطى" الفضلى، مؤنث "أفضل" وليس المراد: المتوسطة بين شيئين. انظر: "التحرير والتنوير" (15/253) ، "تفسير سورة البقرة" لابن عثيمين (2/178) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129636 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1185 الفرق بين تأخير الصلاة وإخراجها عن وقتها [السُّؤَالُ] ـ[في صحيح مسلم، طلب الصحابة رضوان الله عليهم الإذن بقتال الأئمة الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها، فقال صلى الله عليه وسلم "لا ما داموا يقيمون الصلاة " فكيف نفهم معنى تأخير الصلاة عن وقتها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله وبعد: فجزاك الله على حرصك على فهم ما يتعلق بأمور دينك خاصة الصلاة، ونسأل الله أن يعينك على القيام بهذه الأمانة العظيمة ـ أمانة إمامة الناس في صلاتهم ـ وأما ما سألت عنه ففيه عدة أمور: الأول:الذي ورد في صحيح مسلم هو: طلب الصحابة الإذن بقتال الأئمة الذين يبدلون ويغيرون حتى أنهم يأتون بأشياء جديدة ينكرها الصحابة رضوان الله عليهم، ولاشك أن تأخير الصلاة عن وقتها نوع من هذا التغيير. فلم يأذن لهم ما دام الإمام مقيما للصلاة. وورد أيضا في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه سيكون هناك أئمة يؤخرون الصلاة عن وقتها فأمر الصحابة بأن يصلوا الصلاة لوقتها ويجعلوا صلاتهم معهم نافلة وهذه بعض ألفاظ الأحاديث. أولا: الأحاديث الدالة على النهي عن قتال الأئمة الذين يغيرون ويبدلون مالم يتركوا الصلاة: عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " سَتَكُونُ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ فَمَنْ عَرَفَ بَرِئَ وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ قَالُوا أَفَلا نُقَاتِلُهُمْ قَالَ لا مَا صَلَّوْا " صحيح مسلم برقم (1854) وعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " خِيَارُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نُنَابِذُهُمْ بِالسَّيْفِ فَقَالَ لَا مَا أَقَامُوا فِيكُمْ الصَّلَاةَ وَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْ وُلَاتِكُمْ شَيْئًا تَكْرَهُونَهُ فَاكْرَهُوا عَمَلَهُ وَلَا تَنْزِعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ " ثانيا: الأحاديث الدالة على أن الأئمة سيأخرون الصلاة عن وقتها ومع هذا أمر بالصلاة معهم، ولم يأمر بقتالهم: عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ: " كَيْفَ أَنْتَ إِذَا كَانَتْ عَلَيْكَ أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا أَوْ يُمِيتُونَ الصَّلاةَ عَنْ وَقْتِهَا قَالَ قُلْتُ فَمَا تَأْمُرُنِي قَالَ صَلِّ الصَّلاةَ لِوَقْتِهَا فَإِنْ أَدْرَكْتَهَا مَعَهُمْ فَصَلِّ فَإِنَّهَا لَكَ نَافِلَةٌ " الثاني: أن المراد بالأئمة في الحديث هم الأمراء كما هو واضح في حديث أم سلمة وأبي ذر رضي الله عنهما. الثالث: وهو محل السؤال: معنى تأخير الصلاة عن وقتها:- فالمقصود به في الحديث؛ تأخيرها عن وقتها المختار، قال الإمام النووي رحمه الله في شرحه لصحيح مسلم: "قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كَيْف أَنْتَ إِذَا كَانَتْ عَلَيْك أُمَرَاء يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاة عَنْ وَقْتهَا أَوْ يُمِيتُونَ الصَّلاة عَنْ وَقْتهَا؟ قَالَ: قُلْت: فَمَا تَأْمُرنِي؟ قَالَ: صَلِّ الصَّلاة لِوَقْتِهَا فَإِنْ أَدْرَكْتهَا مَعَهُمْ فَصَلِّ فَإِنَّهَا لَك نَافِلَة) , وَفِي رِوَايَة: (صَلُّوا الصَّلاة لِوَقْتِهَا وَاجْعَلُوا صَلاتكُمْ مَعَهُ نَافِلَة) مَعْنَى يُمِيتُونَ الصَّلَاة: يُؤَخِّرُونَهَا ; فَيَجْعَلُونَهَا كَالْمَيِّتِ الَّذِي خَرَجَتْ رُوحه , وَالْمُرَاد بِتَأْخِيرِهَا عَنْ وَقْتهَا , أَيْ عَنْ وَقْتهَا الْمُخْتَار لا عَنْ جَمِيع وَقْتهَا , فَإِنَّ الْمَنْقُول عَنْ الأُمَرَاء الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ إِنَّمَا هُوَ تَأْخِيرهَا عَنْ وَقْتهَا الْمُخْتَار , وَلَمْ يُؤَخِّرهَا أَحَد مِنْهُمْ عَنْ جَمِيع وَقْتهَا , فَوَجَبَ حَمْل هَذِهِ الأَخْبَار عَلَى مَا هُوَ الْوَاقِع. إ. هـ. (شرح صحيح مسلم 5 / 147 وما بعدها) وبهذا يتضح لديك وفقك الله أن هناك فرقا بين إقامة الصلاة وبين تأخيرها فليس المراد في الأحاديث تأخيرها عن وقتها حتى يخرج ثم يصلونها، وإنما المراد تأخيرها عن الوقت المختار كما لو أخر العصر حتى اصفرت الشمس، أو المغرب حتى كاد يغرب الشفق الأحمر ونحو ذلك؛ والمقصود بعدم إقامتها:عدم أدائها بالكلية وبهذا تأتلف الأحاديث وتتفق. والله الموفق،،، [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 13496 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1186 أوقات الصلوات متقاربة في الشمال هل يجوز الجمع [السُّؤَالُ] ـ[أود أن أعرف الخيارات للمسلم في صلاة الجماعة في الحالات التالية:- وقت المغرب 10مساءاً وقت العشاء 11:15 ووقت الفجر 1:50 لكي أوضح سؤالي فأنا أريد أن أعرف الفتوى في الخيارات التي يمكن للمسلم أن يتخذها عندما يكون وقت صلاة المغرب والعشاء والفجر قريبين جداً من بعضهم فهل يجوز للمسلم أن يصلي المغرب والعشاء جمعاً وإذا كان الجواب نعم فما هو الدليل من القرآن والسنة؟.]ـ [الْجَوَابُ] وقت صلاة المغرب يمتد من غروب الشمس إلى مغيب الشفق الأحمر ووقت صلاة العشاء من مغيب الشفق الأحمر إلى نصف الليل ووقت صلاة الفجر من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس، ودليل ذلك حديث عبد الله بن عمرو بن العاص في صحيح مسلم وفيه ما ذكر، فما دامت أوقات الصلاة متميزة عن بعضها فلا بد من أداء كل صلاة في وقتها، ولو تقاربت أوقاتها، والصبر على ذلك نوع من الجهاد والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 5709 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1187 حاضت بعد وقت صلاة الظهر فهل تقضيها إذا طهرت؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا جائتني الدورة الشهرية بعد دخول وقت الصلاة (مثلا الظهر) بمدة زمنية تكفى للصلاة ولكنى لم أكن قد صليت، فمتى يكون على قضاؤها؟ عندما أغتسل حتى لو كان عند صلاة العشاء أم عند أول ظهر قادم يأتي؟ وهل إذا تطهرت عند العشاء هل أصلى المغرب والعشاء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا جاءتك الدورة بعد دخول وقت الصلاة بما يكفي لصلاة ركعة وجب عليك قضاؤها إذا طهرت، وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: عن المرأة إذا حاضت وقد أدركت من وقت الصلاة مقدار ركعة فهل تجب عليها تلك الصلاة؟ فأجاب: "المرأة إذا حاضت بعد دخول وقت الصلاة فإنه يجب عليها إذا طهرت أن تقضي تلك الصلاة التي حاضت في وقتها إذا لم تصلها قبل أن يأتيها الحيض، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) . فإذا أدركت المرأة من وقت الصلاة مقدار ركعة ثم حاضت قبل أن تصلي فإنها إذا طهرت لزمها القضاء" انتهى. ووقت القضاء يكون بعد زوال العذر مباشرة، فإذا طهرت من الحيض فإنك تغتسلين وتصلين الصلاة التي كانت عليك، ولو كان ذلك في غير وقتها، ولا تنتظري وقتها من الغد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك) رواه البخاري (597) ومسلم (684) . ثانيا: إذا طهرت المرأة قبل انقضاء وقت الصلاة وجبت عليها تلك الصلاة والتي تجمع معها عند جمهور العلماء. فمثلا: من طهرت قبل غروب الشمس وجب عليها الظهر والعصر معا، فقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (6/161) ما يلي: "إذا طهرت المرأة من الحيض أو النفاس قبل خروج وقت الصلاة الضروري لزمتها تلك الصلاة وما يجمع إليها قبلها، فمن طهرت قبل غروب الشمس لزمتها صلاة العصر والظهر، ومن طهرت قبل طلوع الفجر الثاني لزمتها صلاة العشاء والمغرب، ومن طهرت قبل طلوع الشمس لزمتها صلاة الفجر" انتهى. وقد ذكرنا اختلاف العلماء في ذلك في جواب السؤال رقم (82106) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111522 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1188 الصلاة قبل الوقت [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن نصلي العشاء قبل أن ننام بدلاً من أن نصليها في وقتها المحدد؟ أرجو ذكر الدليل وشكراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فقد قال الله تعالى: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا} أي موقتاً بوقت، وقد تقدم بيان أوقات الصلوات الخمس بياناً مفصلاً في السؤال (9940) . " والصلاة لا تصح قبل الوقت بإجماع المسلمين، فإن صلى قبل الوقت: - فإن كان متعمداً فصلاته باطلة، ولا يسلم من الإثم. - وإن كان غير متعمد لظنه أن الوقت قد دخل، فليس بآثم، وتعتبر صلاته نفلاً، ولكن عليه الإعادة لأن من شروط الصلاة الوقت " انتهى كلام الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله من الشرح الممتع (2/88) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20788 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1189 أوقات النهي عن صلاة التطوع [السُّؤَالُ] ـ[قرأت في أحد الأسئلة المطروحة لديكم عن الأوقات المنهي عنها للصلاة، هل يمكنك أن تحدد لي الأوقات بالساعات، لكي تطمئن نفسي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ضبط أوقات النهي عن صلاة التطوع يختلف باختلاف البلاد، وباختلاف الفصول، ولذلك فإننا لا نستطيع أن نضع تحديدا لهذه الأوقات بالساعات لجميع البلاد وفي جميع الفصول، لكننا نضع هنا القاعدة العامة التي تُسَهِّلُ على كل مسلم معرفة هذه الأوقات، فنقول: أوقات النهي عن الصلاة ثلاثة: 1- من طلوع الفجر إلى ما بعد شروق الشمس بربع ساعة تقريباً، ويمكنك معرفة وقت شروق الشمس من خلال التقويم المعد في كل بلد. 2- قبل دخول وقت صلاة الظهر بنحو ربع ساعة إلى أن يدخل وقت الظهر. 3- إذا صليت العصر – ولو بعد ساعة من دخول وقته - حتى يغيب قرص الشمس تماما، فبداية النهي: من أداء صلاة العصر، وليس من بداية وقتها، لأن المسلم قد يؤدي صلاة العصر بعد دخول وقتها بفترة، فحينئذ للمسلم التطوع بالصلاة ما دام لم يصل العصر، حتى ولو دخل وقتها. قال ابن قدامة في "المغني" (1/429) : " لا نعلم في هذا خلافا عند من يمنع الصلاة بعد العصر " انتهى. والدليل على هذه الأوقات جاء في أحاديث عدة، مِن أظهرها وأجمعها الحديث الطويل الذي يرويه الإمام مسلم في صحيحه (832) عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (صَلِّ صَلَاةَ الصُّبْحِ ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلَاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَتَّى تَرْتَفِعَ، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ، ثُمَّ صَلِّ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ حِينَئِذٍ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ، فَإِذَا أَقْبَلَ الْفَيْءُ فَصَلِّ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ الْعَصْرَ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلَاةِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَإِنَّهَا تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ) وننبه على أن الممنوع هو صلاة التطوع المحضة في هذه الأوقات، أما الصلاة التي لها سبب كتحية المسجد أو الركعتين بعد الوضوء وركعتي الطواف .... إلخ فإنها تصلى في أي وقت على الصحيح من قولي أهل العلم. وانظر جواب السؤال رقم: (20013) ، (82709) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109254 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1190 وقت الفجر وخطأ بعض التقاويم [السُّؤَالُ] ـ[قرأت في جريدة مقالاً يتحدث أن مصر تؤذن للفجر قبل ميعاده بـ 30 دقيقة واستند الكاتب على بعض الحسابات الفلكية التي لا أفهم فيها مثل أننا نحسب الفجر على 19.5 درجة وليس على 17.5 درجة. كل الذي أرجوه أن أعرف هل فعلاً مصر تؤذن للفجر قبل ميعاده أم لا، وإذا كانت الإجابة غير متوفرة فأرجو أن ترشدوني أي طريق أسلك.. علم الفلك أم ماذا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اعلم أن وقت صلاة الفجر يبدأ من طلوع الفجر الثاني، وهو البياض المعترض في الأفق يمينا ويسارا، ويمتد الوقت إلى طلوع الشمس. وأما الفجر الأول فهو الفجر الكاذب، وهو البياض المستطيل في السماء من أعلى الأفق إلى أسفل كالعمود، ويقع قبل الفجر الصادق بنحو عشرين دقيقة، تزيد وتنقص باختلاف فصول السنة. ومعلوم أن الأحكام تترتب على وجود الفجر الصادق لا الكاذب. وقد جاء في بيان الفجرين أحاديث كثيرة، منها: قوله صلى الله عليه وسلم: " الفجر فجران، فجر يحرم فيه الطعام، وتحل فيه الصلاة، وفجر تحرم فيه الصلاة (أي صلاة الفجر) ويحل فيه الطعام " رواه الحاكم والبيهقي من حديث ابن عباس، وصححه الألباني في صحيح الجامع 4279. وقوله صلى الله عليه وسلم: " الفجر فجران: فأما الفجر الذي يكون كذنب السرحان فلا يُحل الصلاة ولا يُحرم الطعام، وأما الفجر الذي يذهب مستطيلاً في الأفق فإنه يُحل الصلاة ويُحرم الطعام " رواه الحاكم والبيهقي من حديث جابر، وصححه الألباني في صحيح الجامع 4278. وفي رواية " الفجر فجران، فجر يقال له: ذنب السرحان، وهو الكاذب يذهب طولا، ولا يذهب عرضا، والفجر الآخر يذهب عرضا، ولا يذهب طولا " وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم 2002 وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يمنعنكم من سحوركم أذان بلال، ولاالفجر المستطيل، ولكن الفجر المستطير في الأفق) رواه أبو داود والترمذي وحسنه، وصححه الألباني في صحيح الترمذي برقم 568 ومن هذا البيان النبوي يُعلم أن تحديد وقت الصلاة ينبني على المشاهدة، لا على الحساب الفلكي، ولا على التقاويم التي لا يُدرى حال واضعيها ومنزلتهم في الأمانة والعلم، لا سيما مع ثبوت مخالفتها للوقت الصحيح. وهذا الخطأ ليس في مصر وحدها، بل قد تبين أن معظم التقاويم الموجودة لم تضبط الفجر على وقته الصحيح، وإنما ضبطته على الفجر الكاذب، وفي هذا تعريض لصلاة المسلمين للبطلان، لا سيما من يصلي في بيته بعد سماع الأذان مباشرة. وقد قام جماعة من العلماء والباحثين في المملكة العربية السعودية والشام ومصر والسودان بتحري وقت الفجر الصادق، وتبين لهم خطأ التقاويم الموجودة اليوم. قال الشيخ الألباني رحمه الله: (وقد رأيت ذلك بنفسي مراراً من داري في جبل هملان جنوب شرق عمان، ومكنني ذلك من التأكد من صحة ما ذكره بعض الغيورين على تصحيح عبادة المسلمين أن أذان الفجر في بعض البلاد العربية يُرفع قبل الفجر الصادق بزمن يتراوح بين العشرين والثلاثين دقيقة، أي قبل الفجر الكاذب أيضا، وكثيراً ما سمعت إقامة صلاة الفجر من بعض المساجد مع طلوع الفجر الصادق، وهم يؤذنون قبل وقتها، وقد يستعجلون بأداء الفريضة قبل وقتها في شهر رمضان) انتهى من السلسلة الصحيحة (5/52) . وإذا عُلم هذا فالواجب على أهل كل بلد أن ينتدبوا جماعة من أهل العلم الثقات، لتحري وقت الفجر، وإعلام الناس به، وتحذيرهم من اتباع التقويم إن ثبت خطؤه. وينبغي على الأخ السائل وعلى جميع المسلمين في هذه البلاد التي بينت خطأ التقويم فيها ألا يصلوا الفجر حتى يتيقنوا أو يغلب على ظنهم طلوع الفجر، وإن استطاعوا تأخير الأذان لهذا الوقت لزمهم ذلك، كما يجب عليهم بيان هذا الحكم لنسائهم وبناتهم حذراً من إيقاع الصلاة في غير وقتها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 26763 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1191 اختلاف وقت الفجر والمغرب بين الدمام والبحرين [السُّؤَالُ] ـ[هذا السؤال متعلق برمضان في البحرين أنا من أهل الدمام والمعروف لدينا أن الأذان في البحرين لا يختلف عن الأذان في الدمام لاقترابهما ولكن في هذه السنة سمعت أن أذان الفجر في البحرين يكون بعد أذان الفجر في الدمام، أما أذان المغرب في البحرين فيكون قبل أذان المغرب في الدمام، فأعتقد والله أعلم أن هناك خطأ في التقويم وإذا كان هناك خطأ مثلاً في البحرين فهل معنى ذلك أنهم يتسحرون في رمضان بعد دخول الفجر أو يفطرون قبل الغروب؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله وقت صلاة الفجر يبدأ من طلوع الفجر الثاني، وهو البياض المعترض في الأفق يمينا ويسارا، وهذا هو الفجر الصادق، وأما الفجر الكاذب، فهو البياض المستطيل في السماء من أعلى الأفق إلى أسفل كالعمود، ويقع قبل الفجر الصادق بنحو عشرين دقيقة، تزيد وتنقص باختلاف فصول السنة. وأما وقت المغرب فيبدأ بغروب الشمس، ولا حرج في الاعتماد على التقاويم، ما لم يتبين خطؤها. وبالرجوع إلى تقويم أم القرى، تبين أن وقت الفجر في يوم 5 رمضان 1428 الموافق 16/9/2007، هو في المنامة: الساعة 01: 4، ووقت المغرب: 42: 5 بينما وقت الفجر في الدمام هو: 03: 4، ووقت المغرب: 44: 5 وهكذا في جميع أيام الشهر، يتقدم وقت الفجر والمغرب في البحرين عن وقتهما في الدمام، بدقائق يسيرة. ولعلك تراجع الجهة القائمة على التقويم في البحرين، لمعرفة التقويم المعتمد وصحة ما سمعته عن تأخر وقت الفجر هذه السنة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106319 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1192 أهل مسجده يصلون الفجر قبل وقتها الصحيح فهل يصلي معهم؟ [السُّؤَالُ] ـ[نواجه مشكلة في صلاة الصبح، واضطرب الناس، ماذا يفعلون؟ وأصبحنا نصلي الصبح ونخرج من المسجد في الليل! فهل يلزم حضور هذه الجماعة في صلاة الصبح؟ أم أنني أصلي في البيت بعد دخول الوقت؟ أرجوك أن تجيبني فقد اضطربت.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: وقت صلاة الفجر يبدأ من طلوع الفجر الثاني (الفجر الصادق) ، وهو البياض المعترض في الأفق يمينا ويسارا، ويمتد الوقت إلى طلوع الشمس. وقد بينا في جواب السؤال رقم (26763) الخطأ الذي يقع فيه كثير من الناس من الاعتماد على التقاويم في ضبط وقت الفجر، وأن أكثر هذه التقاويم لا يضبط الوقت الصحيح للفجر الصادق، وهذا ما صرح به غير واحد من أهل العلم. وقد اختلف العلماء المعاصرون في قدر هذا الخطأ، فمنهم من ذهب إلى أنه لا يتعدى خمس دقائق، ومنهم من ذهب إلى أنه نحو ثلاثين دقيقة. ونحن لا ندري ما هو الحال في بلدك، لكن على أهل كل بلد أن ينتدبوا جماعة من أهل العلم الثقات، لتحري وقت الفجر، وإعلام الناس به، وتحذيرهم من اتباع التقويم إن ثبت خطؤه. وليس لأحد أن يدعي أن الصلاة واقعة قبل دخول الوقت إلا ببينة، خاصة وأن إدراك الفجر يصعب جدا داخل المدن والبلاد المأهولة، نظراً لاختلاط بياض الفجر، بأنوار المدينة. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن جماعة لا يعرفون وقت الفجر ويصلون بخبر من يثقون به ولكن بعضهم لديه شك؟ فأجاب: "ما داموا واثقين منه، ويعرفون أن هذا الرجل عنده علم بدخول الوقت فلا شيء عليهم؛ لأنهم لم يتبينوا أنهم صلوا قبل الوقت، فإذا لم يتبينوا وأخذوا بقول هذا الرجل الذي يثقون به، فلا حرج، لكن ينبغي للإنسان أن يحتاط ما دام شاكاً، فلا يصلي حتى يغلب على ظنه أو يتيقن، وعليه أن ينبه الجماعة على ذلك، يشير عليهم ويقول: انتظروا خمس دقائق أو عشر دقائق ولا يضرهم ذلك؛ لأن انتظار الإنسان عشر دقائق أو ربع ساعة خير من كونه يتقدم بدقيقة واحدة " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" ج 12 سؤال رقم 146. ثانياً: عليك أن تنصح أهل المسجد بأن يؤخروا الصلاة حتى يغلب على ظنهم دخول الوقت، فإن استجابوا فالحمد لله. وإن أصروا على ما هم عليه - وكنت ترى أنهم يصلون قبل دخول وقت الصلاة - فابحث عن مسجد آخر يتأخر في إقامة الصلاة، فإن لم تجد فإننا ننصحك بأن تصلي معهم في المسجد، حتى لا يكون تركك لصلاة الفجر في المسجد مدعاة لسوء الظن بك، وأنك تنام عن الصلاة، وحتى لا تحرم نفسك ثواب السعي إلى المساجد، وحتى لا تتكاسل عن أداء الصلاة فيما بعد، ثم ترجع إلى البيت فتعيد الصلاة مع أهلك في جماعة بعد دخول الوقت، وبهذا نصح الشيخ الألباني رحمه الله، فقد سئل: هل تنصح بأداء فريضة الفجر في المسجد أم في البيت؟ [وذلك بسبب أن أهل المسجد يقيمون الصلاة قبل طلوع الفجر] . فأجاب: "أنصح بالأمرين معاً، وهو: أن يذهب إلى المسجد، فإن صلوا فريضة قبل الوقت، فتكون له نافلة، ثم يعود إلى البيت فيصلي الفريضة في الوقت، وبخاصة يصليها مع أهله. لكن هناك ما هو أوجب، إلا أن هذا الواجب لا يستطيعه كل إنسان، وهو: تنبيه أهل المسجد على هذا الموضوع الخطير. . . " انتهى. "سلسلة الهدى والنور" الشريط (767) ، دقيقة (32) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103186 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1193 من لم يجد الماء؛ فهل الأفضل أن يؤخر الصلاة أم يصليها في أول الوقت؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل الأفضل للإنسان إذا لم يجد الماء أن يؤخر الصلاة إلى آخر الوقت، رجاء وجود الماء، أو يتيمم ويصلي في أول الوقت؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله وبعد: هذا فيه تفصيل: فيترجح تأخير الصلاة إلى آخر الوقت في حالين: الأول: إذا علم وجود الماء، فالأفضل أن يؤخر الصلاة ولا يقال بالوجوب، لأن علمه بذلك ليس أمراً مؤكداً، لأنه قد يتخلف المعلوم. الثاني: إذا ترجح عنده وجود الماء، فيؤخر الصلاة، لأن في ذلك محافظة على شرط من شروط الصلاة، وهو الطهارة بالماء، وفي الصلاة في أول الوقت محافظة على فضيلة فقط، وعلى هذا يكون التأخير والطهارة بالماء أفضل. ثانياً: يترجح تقديم الصلاة في أول وقتها في ثلاث حالات: الأولى: إذا علم أنه لن يجد الماء. الثانية: إذا ترجح عنده أنه لن يجد الماء. الثالثة: إذا تردد فلم يترجح عنده شيء.ا. هـ [الْمَصْدَرُ] من مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله (11 / 242) . الحديث: 26270 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1194 كيف يعرف أوقات الصلاة وهو في الطائرة؟ [السُّؤَالُ] ـ[رجل سيسافر بالطائرة من الدمام إلى اليابان في رحلة جوية تستمر لمدة 12 ساعة إن شاء الله فكيف يقوم بتحديد أوقات الصلوات وهو في الجو؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المسافر بالطائرة، يصلي إذا دخل وقت الصلاة، وهذا يمكن معرفته بالمشاهدة بالنسبة لوقت المغرب والعشاء والفجر، فإذا غربت الشمس فقد دخل وقت المغرب، وإذا غاب الشفق الأحمر فقد دخل وقت العشاء، وإذا طلع الفجر فقد دخل وقت الفجر. وأما الظهر والعصر، فيمكنك أداؤهما بالاجتهاد والتحري، فإذا عرفت وقتهما في البلد التي تطير فوقها، فإنك تؤخر الصلاة عن ذلك مدة، ثم تصلي؛ لأن الوقت في العلو والطيران ليس كالوقت على الأرض. ولك أن تجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء جمع تقديم أو تأخير حسب الأيسر لك. كما يمكنك سؤال قائد الطائرة، فقد يكون لديه من الأجهزة ما يمكّنه من تحديد أوقات الصلوات في الجو. ولمعرفة أوقات الصلوات – على الأرض - في أكثر بلدان العالم، مع بيان خطوط الطول والعرض واتجاه القبلة، يمكنك زيارة موقع وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية: http://prayer.al-islam.com/default.asp?l=Arb وطباعة أوقات الصلوات في البلاد التي ستزورها، والتي ستمر عليها في رحلتك أيضا. واعلم أن من خفي عليه الوقت، فاجتهد قدر وسعه، وصلى، فصلاته صحيحة، إلا إذا تبين له أنه صلى قبل الوقت، فيعيد، وأما إذا لم يتبين له شيء، فلا شيء عليه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 102449 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1195 هل يوقظ أهله لصلاة الفجر رغم إرهاقهم وتعبهم؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن أوقظ زوجتي لصلاة الفجر علما أنها ترضع ابنتها الصغيرة في الليل فتكون في بعض الأحيان مرهقة جداً؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصلاة أمرها عظيم، وشأنها كبير، وقد جاء الأمر بالمحافظة عليها في أوقاتها، والترغيب في ذلك، والتحذير من التهاون فيه، ما هو معلوم مشهور، كقوله تعالى، (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) النساء/103، وقوله: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) البقرة/238، وقول النبي صلى الله عليه وسلم وقد سئل أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ فَقَالَ: (الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا) رواه البخاري (527) ومسلم (85) . وينبغي الحذر من تضييعها وتأخيرها عن وقتها؛ لقوله تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) مريم/59. ولا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها إلا لعذر يبيح جمع الصلاتين تقديما أو تأخيرا، ومعلوم أن صلاة الفجر لا تجمع إلى شيء قبلها أو بعدها، فيجب أداؤها في وقتها، مهما كان الإنسان مريضا أو متعبا، ما دام عقله معه. فيصلي الصلاة قائما، فإن لم يستطع فقاعدا فإن لم يستطع فعلى جنب. وعلى النائم أن يتخذ الأسباب التي تعينه على الاستيقاظ، كعدم السهر، وضبط المنبه، والاستعانة بمن يوقظه. والزوج مأمور برعاية أهله، ووقايتهم من النار، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم/6. وعليه فينبغي أن تحرص على إيقاظ أهلك، وتشجيعها وإعانتها على أمر الصلاة، ولك أن تؤخر إيقاظها إلى قرب آخر الوقت. ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والعون والسداد والرشاد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 101853 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1196 كيف يتمكن الطبيب الجراح من الصلاة مع تقارب أوقاتها في الشتاء؟ [السُّؤَالُ] ـ[لقد قرأت إجابتكم بخصوص الصلاة أثناء إجراء جراحة أو بعدها وأنا أعمل طبيبة ويكون النهار قصيرا جدا بكندا أثناء فصل الشتاء حتى إنه يحين وقت صلاة المغرب الساعة 5 مساء ولذلك فإن الوقت بين الصلوات قصير جدا ولا أعلم كيف يوفق الجراح عمله مع هذا الوقت القصير ولذلك فأنا أعتقد أنه من الأفضل أداء الصلاة قضاء، فما رأيكم في ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب أداء الصلوات في مواقيتها كما أمر الله تعالى، ولا يجوز تأخيرها إلا لعذر يبيح الجمع بين الصلاتين، قال الله تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) النساء/103 أي: لها وقت محدد. والتهاون في الصلاة وتأخيرها عن وقتها بدون عذر كبيرة من كبائر الذنوب؛ لقوله تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) مريم/59. قال ابن مسعود رضي الله عنه عن الغي: واد في جهنم، بعيد القعر، خبيث الطعم. وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) رواه البخاري (553) . وأما الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، تقديما أو تأخيرا، فإنه يجوز لأعذار بَيَّنها أهل العلم، ومنها: رفع الحرج والمشقة، وهذا يصلح فيما ذكرت هنا، فالطبيب إذا خشي أن يتأخر في العملية فيخرج منها وقد انتهى وقت صلاة العشاء مثلا، فإنه يجمع بين المغرب والعشاء جمع تقديم، فيصليهما في وقت المغرب، وإذا كان سيدخل العملية قبل وقت المغرب، ويخرج قبل انتهاء وقت العشاء فإنه يؤخر المغرب ويجمعها جمع تأخير مع العشاء، بعد خروجه من العملية. وهكذا في صلاتي الظهر والعصر. ودليل ذلك ما روى مسلم (705) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ، فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ. فقيل لِابْنِ عَبَّاسٍ: لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ؟ قَالَ: كَيْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ. فحيث وجد الحرج والمشقة، جاز الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، وأما الفجر فلا تجمع إلى شيء قبلها ولا بعدها. والصلاة شأنها عظيم، وأمرها خطير، وهي أول ما يحاسب عليه العبد، فيجب المحافظة عليها، والعناية بأمرها. نسأل الله لك التوفيق والسداد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 101446 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1197 وقت صلاة العشاء [السُّؤَالُ] ـ[البعض يقول أنه يمكن صلاة العشاء حتى أذان الفجر بينما يقول آخرون أنها ينتهي وقتها عند صلاة التهجد والبعض الآخر يقول أنه تحسب الساعات من أذان العشاء حتى أذان الفجر ونقسم على اثنين لتحديد آخر وقت العشاء فما هو الحكم في ذلك؟ علماً بأن تأخير الصلاة عن وقتها غير مستحب وإنما نريد أن نستفيد من معرفة الحكم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب أن تكون صلاة العشاء قبل نِصْفِ اللَّيل، ولا يجوز تأخيرها إلى نصف الليل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وَقْتُ العِشاء إلى نصف الليل) رواه مسلم (المساجد ومواضع الصلاة/964) ، فعليك أن تُصَلِّيها قبل نصف الليل على حساب دورات الفَلَكْ، فإنّ الليل يَزِيد ويَنْقُص، والضَابط هو نصف الليل بالساعات، فإذا كان الليل عشر ساعات، لم يَجُزْ أنْ تُؤَخرها إلى نهاية الساعة الخامسة، وأفضل ما يكون أن تكون في ثلث الليل الأول، ومن صلاها في أول الوقت فلا بأس لكن إذا أُخِّرت بعض الوقت فهو الأفضل، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يَسْتَحِبُّ أن يُؤَخِّر صلاة العشاء بعض الوقت ومن صلاها أول الوقت، بعد غروب الشفق - وهو الحُمْرَة التي في الأُفُقِ الطولي - فلا بأس، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] مجموعة فتاوى الشيخ عبد العزيز ابن باز 10/386 الحديث: 10125 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1198 بين وقت الفجر في التقويم وطلوع الشمس ساعة ونصف. هل يصح هذا؟ [السُّؤَالُ] ـ[السؤال يرحمكم الله عن موعد صلاة الفجر , متى يبدأ؟ عندنا في مصر يوجد فرق بين موعد الصلاة في النتيجة وموعد الشروق بما لا يقل عن ساعة ونصف. فهل هذا صحيح.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله وقت صلاة الفجر من طلوع الفجر إلى أن تطلع الشمس، فمتى صلّى في هذا الوقت فقد أدّى الصلاة في وقتها، ومن أخّرها متعمداً حتى طلعت الشمس فقد أتى ذنباً عظيماً. وبعض أهل العلم يرى أنه يصير كمن تركها فيجب الحذر من تأخير الصلاة عن وقتها. ومقدار ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس قريبٌ من ساعة ونصف كما هو مبيّنٌ في التقويم، وقد صار التقويم هو الوسيلة للناس في معرفة مواقيت الصلاة بالساعة والدقيقة، فينبغي العناية بذلك لأن الصلوات الخمس عمود الإسلام، فيجب على المسلم أن يحافظ عليها في أوقاتها كما قال تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) ، وقال تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى) ، والصلاة الوسطى هي صلاة العصر. [الْمَصْدَرُ] كتبه: فضيلة الشيخ عبد الرحمن البراك. الحديث: 8048 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1199 عمل المرأة طبيبة في مكان مختلط [السُّؤَالُ] ـ[أود معرفة ما إذا كان يجوز للمرأة ممارسة الطب في هذا البلد أي كندا، لأنه ليس هناك مكان منفصل للنساء في هذا المجتمع، أم أنه من الأفضل لها أن تقيم بالمنزل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز للمرأة أن تعمل في مكان مختلط، لما يترتب على الاختلاط من مفاسد ومحاذير، وقد سبق بيان ذلك في الجواب رقم (1200) ورقم (60221) وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (15/71) : " يجوز للمرأة العمل في تطبيب النساء، ولا يجوز لها الاختلاط بالرجال في مكان العمل " انتهى. فإن أمكنها تجنب الاختلاط المحرم بالرجال أثناء العمل، ويكون لها مكانها الخاص بها، فلا حرج عليها إن شاء الله تعالى. ولها أن تعمل طبيبة في عيادة خاصة، أو في مستشفى لا اختلاط فيه، أو في مركز إسلامي تعالج فيه أخواتها المسلمات، فإن لم تجد ذلك، فلتتق الله تعالى، ولتقبل على طاعتها وعبادتها وتربية أبنائها والقرار في بيتها، فذلك خير لها. ومن اتقى الله تعالى رزقه من حيث لا يحتسب، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه. نسأل الله لك التوفيق والسداد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97410 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1200 بم يدرك الوقت؟ [السُّؤَالُ] ـ[استيقظت من النوم وصليت الظهر وأنا في الركعة الثانية أذن المؤذن لصلاة العصر فما حكم صلاتي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: اتفق الفقهاء على أن من أدرك ركعة من الصلاة قبل خروج وقتها، فقد أدرك الصلاة، واختلفوا فيما إذا أدرك أقل من ركعة، هل يكون مدركا للوقت أو لا؟ فذهب جماعة منهم إلى أنه يدرك الوقت بتكبيرة الإحرام، فمن كبر للإحرام قبل خروج الوقت فقد أدرك الصلاة، وتكون أداء لا قضاء، وهذا مذهب الحنفية والحنابلة. وذهب آخرون إلى أنه لا يكون مدركا للوقت إلا إذا أتى بركعة كاملة، وهذا مذهب المالكية والشافعية، وهو الراجح؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ) رواه البخاري (580) ومسلم (607) . وقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الصُّبْحِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ) رواه البخاري (579) ومسلم (608) . واحتج الأولون بما روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أدرك سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته , وإذا أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته) متفق عليه وللنسائي: (فقد أدركها) ; ولأن الإدراك إذا تعلق به حكم في الصلاة استوى فيه الركعة وما دونها , كإدراك الجماعة , وإدراك المسافر صلاة المقيم , ولفظ الحديث الأول يدل بمفهومه , والمنطوق أولى منه. وينظر: المنتقى للباجي (1/10) ، تحفة المحتاج (1/434) ، المغني (1/228) ، الإنصاف (1/439) . قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والقول الثاني: أنها لا تُدرك الصَّلاة إلا بإدراك ركعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أدرك ركعةً من الصَّلاة فقد أدركَ الصَّلاةَ) ، وهذا القول هو الصَّحيح، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية؛ لأن الحديث ظاهر فيه، فهو جملة شرطيَّة (مَنْ أدرك ركعةً فقد أدرك ... ) ، مفهومه: من أدرك دون ركعة فإنه لم يُدركْ ... ويَنْبَني على هذا أيضاً إدراكات أخرى مثل إدراك الجماعة: هل تُدرك الجماعة بركعة، أو تُدرك بتكبيرة الإحرام؟ والصَّحيح: أنها لا تُدرك إلا بركعة، كما أن الجمعة لا تدرك إلا بركعة بالاتفاق، فكذلك الجماعة لا تدرك إلا بركعة " انتهى من "الشرح الممتع" (2/121) . وحيث إنك صليت الركعة من الأولى من الظهر، قبل أن يؤذن للعصر، فقد أدركت الصلاة في وقتها. ثانيا: النائم معذور وقت نومه، فإذا استيقظ وجب عليه أداء الصلاة بعد استيقاظه، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: (مَن نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها) رواه البخاري (572) ومسلم (684) . وقال صلى الله عليه وسلم: (أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ، إِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلْيُصَلِّهَا حِينَ يَنْتَبِهُ لَهَا) رواه مسلم (681) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96836 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1201 أوقات الصلوات [السُّؤَالُ] ـ[يجتمع لدينا وقت صلاة العصر ومحاضرة في الكلية والدكتور نصراني لا يعطينا فرصة للصلاة، ونصليها إذا خرجنا أي إذا بقي على صلاة المغرب ساعة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صلاتكم لها في أول وقتها أفضل، وصلاتكم لها في الوقت الذي ذكرتم صحيحة واقعة في وقتها، ولا يجوز تأخيرها إلى أن تصْفّر الشمس، للحديث الصحيح الوارد في ذلك من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا صليتم الفجر فإنه وقت إلى أن يطلع قرن الشمس الأول، فإذا صليتم الظهر فإنه وقت إلى أن يحضر العصر، فإذا صليتم العصر فإنه وقت إلى أن تصفر الشمس، فإذا صليتم المغرب فإنه وقت إلى أن يسقط الشفق، فإذا صليتم العشاء فإنه وقت إلى نصف الليل ". صحيح مسلم 5/109. فتاوى اللجنة الدائمة 6/121. وعن الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ دَخَلْنَا عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ بَعْدَ الظُّهْرِ فَقَامَ يُصَلِّي الْعَصْرَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلاتِهِ ذَكَرْنَا تَعْجِيلَ الصَّلاةِ أَوْ ذَكَرَهَا فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ تِلْكَ صَلاةُ الْمُنَافِقِينَ تِلْكَ صَلاةُ الْمُنَافِقِينَ تِلْكَ صَلاةُ الْمُنَافِقِينَ يَجْلِسُ أَحَدُهُمْ حَتَّى إِذَا اصْفَرَّتْ الشَّمْسُ فَكَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ أَوْ عَلَى قَرْنَيْ الشَّيْطَانِ قَامَ فَنَقَرَ أَرْبَعًا لا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهَا إِلا قَلِيلا. رواه أبو داود 350، والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2183 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1202 مواقيت الصلوات الخمس [السُّؤَالُ] ـ[متى يخرج وقت صلاة العصر وتحديداً بالساعة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " فإن الله تعالى فرض على عباده خمس صلوات في اليوم والليلة مؤقتة بأوقات اقتضتها حكمة الله تعالى ليكون العبد على صلة بربه تعالى في هذه الصلوات مدة هذه الأوقات كلها فهي للقلب بمنزلة الماء للشجرة تُسقى به وقتاً فوقت، لا دفعة واحدة ثم ينقطع عنها. ومن الحكمة في تفريق هذه الصلوات في تلك الأوقات أن لا يحصل الملل والثقل على العبد إذا أداها كلها في وقت واحد، فتبارك الله تعالى أحكم الحاكمين "مقدمة رسالة أحكام مواقيت الصلاة للشيخ محمد ابن عثيمن رحمه الله. وأوقات الصلوات ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: " وَقْتُ الظُّهْرِ إِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ وَكَانَ ظِلُّ الرَّجُلِ كَطُولِهِ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْعَصْرُ وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ وَوَقْتُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ وَوَقْتُ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ الأَوْسَطِ وَوَقْتُ صَلاةِ الصُّبْحِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَأَمْسِكْ عَنْ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ " رواه مسلم (612) . ففي هذا الحديث بيان لأوقات الصلوات الخمس، وأما تحديد الأوقات بالساعة، فإنه يختلف من بلد إلى بلد وسنتناول كل وقت على حدة: أولاً: وقت الظهر: قال عليه الصلاة والسلام: " وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر " فحدد النبي صلى الله عليه وسلم وقت الظهر ابتداءً وانتهاءً: أما بداية وقت الظهر: فهو من زوال الشمس – والمقصود زوالها عن وسط السماء إلى جهة الغرب. تطبيق عملي لمعرفة الزوال (بداية وقت الظهر) : ضع شيئاً شاخصاً (عموداً) في مكان مكشوف فإذا طلعت الشمس من المشرق سيكون ظل هذا الشاخص نحو المغرب وكلما ارتفعت الشمس نقص الظل، فما دام ينقص فالشمس لم تزل، وسيستمر الظل في التناقص حتى يقف عند حدٍ معين ثم يبدأ يزيد نحو المشرق، فإذا زاد أدنى زيادة فقد زالت الشمس، وحينئذٍ يكون وقت الظهر قد دخل. علامة الزوال بالساعة: اقسم ما بين طلوع الشمس إلى غروبها نصفين فهذا هو وقت الزوال، فإذا قدرنا أن الشمس تطلع في الساعة السادسة وتغيب في الساعة السادسة، فالزوال:الساعة الثانية عشرة، وإذا كانت تخرج في الساعة السابعة، وتغيب في الساعة السابعة، فالزوال الساعة الواحدة وهكذا. انظر الشرح الممتع (2/96) وأما نهاية وقت الظهر: فهو إلى أن يصير ظل كل شيء مثله (أي طوله) بعد الظل الذي زالت عليه الشمس. تطبيق عملي لمعرفة نهاية وقت الظهر: لنرجع إلى الشاخص (العمود) الذي وضعناه قبل قليل، ولنفرض أن طوله (متر واحد) ستلاحظ أن الظل قبل الزوال يتناقص شيئاً فشيئاً إلى أن يقف عند نقطة معينة (قم بوضع إشارة عند هذه النقطة) ثم يبدأ في الزيادة وعندها يدخل وقت الظهر، ثم يستمر الظل في الزيادة نحو المشرق إلى أن يصير طول الظل يساوي طول الشاخص (العمود) ، أي أن طول الظل سيكون (متراً واحداً ابتداءً من النقطة التي وضعت عندها الإشارة، وأما الظل الذي قبل الإشارة فلا يُحسب وهو ما يُسمى بفيء الزوال) وهنا يكون قد انتهى وقت الظهر ودخل وقت العصر بعده مباشرة. ثانياً: وقت العصر: قال عليه الصلاة والسلام: " ووقت العصر ما لم تصفر الشمس ". قد عرفنا بأن ابتداء وقت العصر يكون بانتهاء وقت الظهر (أي عند مصير ظل كل شيء مثله) . وأما نهاية وقت العصر فله وقتان: 1) وقت اختيار: وهو من أول وقت العصر إلى اصفرار الشمس لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " وقت العصر ما لم تصفر الشمس " أي ما لم تكن صفراء، وتحديده بالساعة يختلف باختلاف الفصول. 2) وقت اضطرار: وهو من اصفرار الشمس إلى غروب الشمس. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر " أخرجه البخاري (579) ومسلم (608) . مسألة: ما معنى وقت الضرورة؟ معنى الضرورة: أنه لو اشتغل الإنسان عن العصر بشغل لابد منه كتضميد جرح – وهو يستطيع أن يصلي قبل اصفرار الشمس ولكن بمشقة – وصلى قبيل الغروب فقد صلى في الوقت ولا يأثم؛ لأن هذا وقت ضرورة، فإذا اضطر الإنسان للتأخير فلا حرج مادام قبل غروب الشمس. ثالثاً: وقت المغرب: قال عليه الصلاة والسلام: " وَوَقْتُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ ". أي أن وقت المغرب يدخل مباشرة من خروج وقت العصر وهو غروب الشمس إلى مغيب الشفق الأحمر. فإذا غابت الحمرة من السماء خرج وقت المغرب ودخل وقت العشاء، وتحديده بالساعة يختلف باختلاف الفصول، فمتى رأيت الحمرة قد زالت في الأفق فهذا دليل على أن وقت المغرب قد انقضى. رابعاً: وقت العشاء: قال عليه الصلاة والسلام: " وَوَقْتُ صَلاةِ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ الأَوْسَطِ ". فوقت العشاء يبدأ من خروج وقت المغرب مباشرة (أي من مغيب الحمرة في السماء) إلى نصف الليل. مسألة: كيف نحسب نصف الليل؟ الجواب: إذا أردت حساب نصف الليل فاحسب الوقت من مغيب الشمس إلى طلوع الفجر، فنصف ما بينهما هو آخر وقت العشاء (وهو نصف الليل) . فلو أن الشمس تغيب الساعة الخامسة، والفجر يؤذن الساعة الخامسة فمنتصف الليل هو الساعة الحادية عشرة مساءً، ولو أن الشمس تغيب الساعة الخامسة والفجر يطلع الساعة السادسة، فمنتصف الليل الساعة الحادية عشرة والنصف وهكذا. خامساً: وقت الفجر: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " وَوَقْتُ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَأَمْسِكْ عَنْ الصَّلاةِ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ ". يبدأ وقت الفجر من طلوع الفجر الثاني، وينتهي بطلوع الشمس. والفجر الثاني هو البياض المعترض في الأفق من جهة المشرق ويمتد من الشمال إلى الجنوب، وأما الفجر الأول فإنه يخرج قبل الفجر الثاني بساعة تقريباً وبينهما فروق: 1) الفجر الأول ممتد لا معترض، أي يمتد طولاً من الشرق إلى الغرب، والثاني معترض من الشمال إلى الجنوب. 2) أن الفجر الأول يُظلم، أي: يكون هذا النور لمدة قصيرة ثم يُظلم، والفجر الثاني: لا يظلم بل يزداد نوراً وإضاءة. 3) أن الفجر الثاني متصل بالأفق ليس بينه وبين الأفق ظلمة، والفجر الأول منقطع عن الأفق بينه وبين الأفق ظلمة. أنظر الشرح الممتع (2/107) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 9940 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1203 تأخير صلاة الفجر عن وقتها [السُّؤَالُ] ـ[أنا دائماً أصلي الفجر الساعة السابعة صباحاً، فهل أؤدي سنة الفجر أم لا؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كنت تصلي الصبح قبل طلوع الشمس فالسنّة في حقك أن تؤدّي راتبة الفجر ركعتين، وكذلك إذا فاتتك الفجر فلم تستيقظ إلا بعد طلوع الشمس فصلّ السنّة ثم الفريضة. أما إذا كنت تؤخّر صلاة الفجر دائما إلى ما بعد طلوع الشمس فهذه مصيبة المصائب ففي هذه الحالة قبل أن تسأل عن صلاة السنّة يجب أن تقف مع نفسك وقفة طويلة وتسألها عما ستقول بين يدي الله يوم القيامة إذا حاسبك على تضييع صلاة الفجر!! راجع جواب سؤال رقم (266) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 631 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1204 سؤال من الصين عن وقت الإفطار [السُّؤَالُ] ـ[أنا طالب أدرس في الصين , والمدينة التي أقيم فيها تحيط بها الجبال من جهة الغرب , والجالية المسلمة هنا يعتمدون في إفطارهم على التوقيت المأخوذ من مواقع الإنترنت، لكن بالنسبة لي فأنا أراقب قرص الشمس , فأفطر حين يغيب قرص الشمس خلف الجبل وأصلي المغرب تحقيقا لسنَّة تعجيل الفطر والمغرب , ومخالفة اليهود، فهل عملي هذا صحيح؟ وهل يجب عليَّ أن أفترض أنه يتوجب عليَّ الصعود إلى مكان عال جدّاً مساوٍ لارتفاع الجبل لأراقب قرص الشمس؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز الاعتماد على التقاويم التي تبين أحكام الصلوات ما لم يثبت خطؤها، وقد ثبت خطأ كثير منها – إن لم نقل كلها – في صلاة الفجر، وبعضها في صلاة العشاء، وأما صلاة المغرب فالخطأ فيها يسير؛ لأنه يسهل على عامة الناس معرفة صوابها، واكتشاف الخطأ فيها، بمراقبة الشمس بأنفسهم. وعلى كل حال: فإن علامة غروب الشمس الذي به يفطر الصائم، ويدخل به وقت صلاة المغرب هي: غياب قرص الشمس في الأفق غياباً حقيقيّاً، وليس غيابها وراء جبل، أو عمارة. وقد نصَّ الصحابة رضي الله عنهم على وقت الغروب بذكرهم غياب الشمس في الحجاب، وتنوعت ألفاظهم في ذلك، فبعضهم يقول " غابت الشمس "، وآخر يقول " توارت بالحجاب "، وثالث يقول " وجبت الشمس "، وكلها ألفاظ تدل على معنى واحد، وهو الغياب الكلي لقرص الشمس. ولا يلزمك أن تصعد على الجبل أو على مكان مرتفع، بل المراد غروب الشمس بالنسبة للمكان الذي أنت فيه، وذلك بسقوطها في الأفق، أما مجرد اختفائها خلف الجبل فلا يعتبر ذلك غروباً. ونظرا لأنك لا تستطيع رؤية الشمس وقت الغروب بسبب الجبال، فيمكن معرفة وقت الغروب بعلامة أخرى ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي إقبال الظلام من جهة المشرق. روى البخاري (1954) ومسلم (1100) عن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا (جهة المشرق) وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا (جهة المغرب) وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ) . قال النووي: " قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَقْبَلَ اللَّيْل وَأَدْبَرَ النَّهَار وَغَرَبَتْ الشَّمْس) قَالَ الْعُلَمَاء: كُلّ وَاحِد مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَة يَتَضَمَّن الْآخَرَيْنِ وَيُلَازِمُهُمَا , وَإِنَّمَا جَمَعَ بَيْنَهَا ; لِأَنَّهُ قَدْ يَكُون فِي وَادٍ وَنَحْوه بِحَيْثُ لَا يُشَاهِد غُرُوب الشَّمْس , فَيَعْتَمِد إِقْبَال الظَّلَّام وَإِدْبَار الضِّيَاء. وَاَللَّه أَعْلَم " انتهى. فإن لم يمكن هذا أيضا فلا حرج من الاعتماد على التقاويم لأنها تفيد على الأقل غلبة الظن بدخول وقت الصلاة، ما لم يثبت أنها خطأ. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93148 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1205 وقت الفجر الصادق [السُّؤَالُ] ـ[ما هي الطرق التي أستطيع بها معرفة الفجر الصادق؟ أجتهد صباحاً في تحري الفجر الصادق , وذلك لمعرفة وقت الصلاة والإمساك، وذلك لي ولأصدقائي، لأني أقيم في الصين , والمسلمون هنا يعتمدون التوقيت من الإنترنت , لكنه غير دقيق، وبناء عليه فهم يصلون الفجر قبل دخول الوقت، ولكن فيما لو لم أستطع ضبط التوقيت بشكل صحيح (لأني أقربه إلى حين ذهاب العتمة وظهور الضوء) ، فهل عليَّ إثم في ذلك؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نسأل الله أن يجزيك خير الجزاء على تحريك الحق والصواب في عبادتك، ونسأله تعالى أن يوفقك ويزيدك من فضله على حبك للعلم وحرصك على التعلم. واعلم أن الفجر فجران: فجر كاذب لا يدخل معه وقت صلاة الفجر، ولا يمنع من الطعام والشراب والجماع لمن أراد الصوم، وفجر صادق، وهو الذي يدخل معه وقت صلاة الفجر، ويمنع من الطعام والشراب والجماع في الصيام، وهو المقصود بقوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) البقرة/187. وقد صرَّح النبي صلى الله عليه وسلم بالفرق بينهما في أحاديث كثيرة، بعضها في التفريق بينهما من حيث الأوصاف، وبعضها الآخر من حيث التفريق بينهما في الأحكام، وبعضها جمعت بين الأوصاف والأحكام. انظر هذه الأحاديث في جواب السؤال رقم (26763) . وقد جاء التفريق واضحاً بين الفجرين في كلام الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم من أئمة العلم. قال ابن كثير رحمه الله: "وقال عبد الرزاق: أخبرنا ابن جريج عن عطاء قال: سمعت ابن عباس يقول: هما فجران، فأما الذي يسطع في السماء: فليس يُحِلّ ولا يحرِّم شيئاً، ولكن الفجر الذي يستبين على رؤوس الجبال هو الذي يحرّم الشراب. قال عطاء: فأما إذا سطع سطوعاً في السماء - وسطوعه أن يذهب في السماء طولاً -: فإنه لا يحرم به شراب لصيام ولا صلاة، ولا يفوت به حج، ولكن إذا انتشر على رؤوس الجبال: حرم الشراب للصيَّام، وفات الحج. وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس وعطاء، وهكذا رُوي عن غير واحد من السلف رحمهم الله". " تفسير ابن كثير " (1 / 516) وقال ابن قدامة رحمه الله: "وجملته: أن وقت الصبح يدخل بطلوع الفجر الثاني إجماعاً، وقد دلَّت عليه أخبار المواقيت، وهو البياض المستطير المنتشر في الأفق، ويسمَّى " الفجر الصادق "؛ لأنَّه صدقك عن الصبح وبيَّنه لك، والصبح ما جمع بياضاً وحمْرة، ومنه سمِّي الرجل الذي في لونه بياض وحمرة: "أصبح" فأما الفجر الأول: فهو البياض المستدق صعداً من غير اعتراض فلا يتعلق به حكم، ويسمَّى " الفجر الكاذب " ثم لا يزال وقت الاختيار إلى أن يسفر النهار. " المغني " (1 / 232) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "وذكر العلماء أن بينه - أي: الفجر الكاذب - وبين الثاني ثلاثة فروق: الفرق الأول: أن الفجر الأول ممتد لا معترض، أي: ممتد طولاً من الشرق إلى الغرب، والثاني: معترض من الشمال إلى الجنوب. الفرق الثاني: أن الفجر الأول يظلم، أي: يكون هذا النور لمدة قصيرة ثم يظلم، والفجر الثاني: لا يظلم بل يزداد نوراً وإضاءة. الفرق الثالث: أن الفجر الثاني متصل بالأفق ليس بينه وبين الأفق ظلمة، والفجر الأول منقطع عن الأفق بينه وبين الأفق ظلمة. وهل يترتب على الفجر الأول شيء؟ لا يترتب عليه شيء من الأمور الشرعيَّة أبداً، لا إمساك في صوم، ولا حل صلاة فجر، فالأحكام مرتبة على الفجر الثاني" انتهى. " الشرح الممتع " (2 / 107، 108) . ثانياً: وأما ما يوجد في التقاويم فإنه ليس مصدر ثقة في معرفة وقت صلاة الفجر، فقد ثبت خطأ هذه التقاويم. فالواجب عليكم عدم اعتماد التقاويم في معرفة صلاة الفجر، وعليكم تحري الوقت الصحيح بما ذكرناه لك من فروق بين الفجر الكاذب والصادق، وإذا لم تستطع النظر في كل يوم في السماء: فإنه يمكنك وضع وقت احتياطي بعد أذان التقويم، وبلادنا يختلف فيها هذا الوقت من بلد لآخر، ومن فصل لآخر، فيمكنك اعتماد وقت " نصف ساعة " مثلاً لتصلي فيه الفجر، على أن تحتاط في الإمساك عن الطعام والشراب قبل ذلك. ويمكنكم وضع تقويم صحيح لتعتمده الأجيال بعدكم بعد أن تتحروا الفجر الصادق خلال عام كامل، وفي أوقات متفرقة، عسى أن يكتب لكم أجر تصحيح عبادات المسلمين. وعلى هذا، فإذا أمكنكم متابعة وقت الفجر بأنفسكم، فإنكم تعملون بذلك في الصلاة والصيام، وإن لم يمكن، فإنكم لا تصلون حتى يغلب على ظنكم دخول وقت الصلاة. وأما في الصيام فلكم أن تأكلوا وتشربوا حتى تتيقنوا طلوع الفجر، لقوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ) البقرة/187. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " فما دام لم يتيقن أن الفجر قد طلع فله الأكل ولو كان شاكاً حتى يتيقن" انتهى. "فتاوى الصيام" (ص299) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93160 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1206 ما هو الأمر المعتبر في دخول وقت الفجر في شمال بريطانيا [السُّؤَالُ] ـ[إنني أعرض على سماحتكم موضوع مشكلة صلاة العشاء والفجر في مقاطعة نيوكاسل ببريطانيا، يجد المسلمون هنا في بريطانيا نيوكاسل معاناة شديدة في تحديد الوقت بالنسبة لصلاة الفجر والعشاء وكذلك في بداية وقت الإمساك، لأن الضوء يصل إلى سطح الأرض قبل شروقها ويستمر بعد غروبها لفترة طويلة تمتد في بعض الأحيان بطول الليل كاملاً، وقد قسم علماء الفلك هنا هذه الفترة في بداية ظهور الضوء حتى شروق الشمس، وفي غروبها حتى اختفاء ضوءها إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: تصل كثافة الضوء لدرجة تمكن الفرد بمزاولة أي عمل من الأعمال. القسم الثاني: الضوء يكون بدرجة لا يتمكن الفرد فيه من مزاولة الأعمال التي تحتاج إلى ضوء. القسم الثالث: الظلام التام. فالسؤال هو: كيف يمكن تحديد بداية الوقت لصلاة الفجر وصلاة العشاء والإمساك على ضوء الأوقات المعطاة في هذا التقسيم (التقسيم الفلكي) ؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا عبرة في تحديد أوقات الصلوات بالتقسيم الفلكي وإنما العبرة في دخول وقت الفجر بظهور ضوء مستعرض في الأفق شرقاً إذا اتضح وتميز، وينتهي وقته بطلوع الشمس، ويبدأ وقت المغرب بغروب قرص الشمس ولا عبرة في ذلك ببقاء الضوء بعد غروب قرصها، ويبدأ وقت العشاء بمغيب الشفق الأحمر الذي يظهر بعد غروب الشمس إذا اتضح وتميز. ويبدأ الإمساك عن المفطرات بدخول وقت الفجر الذي سبق بيانه وينتهي بغروب قرص الشمس نفسه ولو بقي بعد غروبه شيء من ضوئها. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى اللجنة الدائمة 6/143 الحديث: 2196 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1207 لا يتمكن من أداء الصلاة في وقتها بسبب العمل، فماذا يفعل؟ [السُّؤَالُ] ـ[أعيش في أستراليا وأعمل في مطعم وجبات سريعة وأغلب المبيعات من لحوم الدجاج، أعمل 3 أيام في الأسبوع وأعمل في كل يوم 3 - 4 ساعات متواصلة دون توقف - (أي شخص يعمل لمدة تقل عن 5 ساعات لا يحصل على فترة راحة) - بسبب قصر النهار واختلاف مواعيد الصلاة فيحصل أن يأتي وقت لا أستطيع فيه الصلاة إلا أن أجمع صلاة العصر مع المغرب مثلاً قبل بدأ الدوام أو بعده، حالياً لا تفوتني أي صلاة لأن وقت عملي لا يتعارض مع أوقات الصلوات. أرجو أن تساعدني لأن هذا الأمر يحزنني، وشكراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: سبق في إجابة السؤال رقم (21958) أنه لا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها بسبب العمل، وقد قال الله سبحانه وتعالى: (رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) النور37 /-38. فيجب عليك تنظيم وقت العمل بما لا يتعارض مع أداء الصلاة في وقتها، والاتفاق مع الإدارة على ذلك وإيجاد الحلول المناسبة , ولو كان فيها بعض المشقة عليك، كزيادة ساعات العمل مثلاً. واعلم أن ما يحصل في قلبك من زيادة الإيمان بسبب أداء الصلاة في أوقاتها والمحافظة عليها سيعوضك عما تجده من مشقة في سبيل ذلك، بل ستنقلب تلك المشقة لذة ـ إن شاء الله ـ لأنك تحملتها في سبيل الله وابتغاء رضوانه. ثانياً: مما يُحمد عليه السائل حزنه إذا ضاعت منه الصلاة وصلاها في غير وقتها، وهكذا ينبغي أن يكون المؤمن، يحزن إذا فاته شيء من الأعمال الصالحة، ولكن الواجب أن يكون هذا الحزن دافعاً إلى تصحيح العمل، واجتناب التقصير فيه، أما وجود الحزن في القلب مع استمرار تضييع الصلاة وإساءة العمل فإن هذا لا ينبغي. ثالثاً: قولك "بأنك تجمع بين صلاتي العصر والمغرب قبل بدء الدوام أو بعده". لتعلم يا أخي أن الجمع بين الصلوات ورد في الشرع بين صلاتي الظهر والعصر وبين صلاتي المغرب والعشاء، هذا الجمع الذي وردت به الشريعة، أما الجمع بين صلاتي العصر والمغرب فلم ترد به الشريعة، ولا يصح، ولم يقل به أحد من العلماء. وعلى هذا فما وقع من الجمع بين صلاتي العصر والمغرب بعد غروب الشمس فالواجب عليك التوبة إلى الله من تأخير صلاة العصر عن وقتها، والعزم على عدم العودة إلى مثل ذلك. وما وقع من الجمع بين صلاتي العصر والمغرب قبل دخول وقت صلاة المغرب وهو (غروب الشمس) فلتعلم أن الصلاة قبل وقتها لا تصح، فصلاتك المغرب لا تصح، وعلى هذا فعليك أن تحصي عدد المرات التي صليت فيها صلاة المغرب قبل دخول وقتها وتجتهد في معرفة العدد، وتحتاط لنفسك ودينك، فعند الشك تأخذ بالعدد الأكثر، ثم تعيد هذه الصلوات وتبادر إلى ذلك بقدر استطاعتك. رابعاً: عليك أن تسعى جاهداً في حل هذه المشكلة والأمر لن يستغرق أكثر من عشر دقائق فيمكنك الاتفاق مع الإدارة أن تعوض هذه الدقائق قبل الدوام أو بعده، وقد لا يتصور أنك لا يمكنك الاستئذان من العمل لمدة عشر دقائق، فإنك لو أردت الذهاب إلى الحمام فإنهم لن يمنعوك من ذلك، مع أن هذا قد يستغرق هذه الدقائق أو أكثر، وقد يكون في بلدكم قوانين تحفظ للأقليات الحق في ممارسة شعائر دينها، وتلزم أصحاب الأعمال باحترام دين من يعمل عندهم، قد يكون عندكم مثل هذه القوانين التي تستطيع بها أن تطالب بحقك. فإن ضاقت بك السبل، ولم يمكن حل هذه المشكلة مع الإدارة فعليك أن تبحث عن عمل آخر لا يتعارض مع إقامتك للصلاة، فإن لم تجد وكنت تتضرر بترك هذا العمل فإنه يُرجى أن تكون هذه حاجة تبيح لك الجمع بين الصلوات ولا حرج عليك في ذلك إن شاء الله تعالى. فلك أن تجمع بين صلاتي الظهر والعصر إما جمع تقديم وإما جمع تأخير، أو تجمع بين صلاتي المغرب والعشاء إما جمع تقديم وإما جمع تأخير، حسب الأيسر والأسهل لك. وجمع التقديم أن تصلي الصلاتين المجموعتين في وقت الأولى منهما. وجمع التأخير أن تصلي الصلاتين المجموعتين في وقت الأخرى منهما. نسأل الله تعالى أن يوفقنا إلى الفقه في الدين وحسن القول والعمل، وأن ييسر لك أمرك. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20712 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1208 تعاني من عدم الاستيقاظ لصلاة الفجر [السُّؤَالُ] ـ[أردت أن أسالك عن حكم تأخير صلاة الفجر إلى الصباح، فكثيراً ما تفوتني رغم أنني أطلب من أختي إيقاظي، وأقوم بوضع المنبه لكن بلا فائدة!! معظم الأحيان أستيقظ لأغلق المنبه وأعود للنوم دون إدراك مني، لأجد الصبح قد طلع؛ فهل علي شيء؟ أرجو منك أن تدلني على طريقة أتبعها لأنني أشعر بالخزي من كثرة استغفاري لربي، والقول بأنني لن أعود إلى هذا الذنب العظيم، فأجد نفسي في نفس الدوامة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله النوم عن صلاة الفجر، قد يكون عن تفريط وتقصير، وقد يكون ناتجا عن ثقل النوم الذي هو طبيعة لبعض الناس، والغالب هو الأول. فإن كثيرا من الناس يفرطون في السهر، أو لا يهتمون بضبط ساعة الإيقاظ، وإن ضبطوها لم تجد شيئا، لحاجة الإنسان إلى النوم بعد السهر الطويل. وقد سبق تفصيل الكلام على هذه المسألة، وبيان النائم المعذور من غير المعذور، في جواب السؤال رقم (65605) والذي نوصيك به النوم المبكر، فهذا خير وسيلة للاستيقاظ، وبدونه يبقى الأمر عسيرا، غالبا، ثم الاستعانة بالمنبه، والتواصي مع الأهل، والتعاون على ذلك، وقبل ذلك كله سؤال الله تعالى التوفيق والهداية لذلك، والمحافظة على الوضوء والذكر قبل النوم، وتطهير البيت من الصور وغيرها مما يمنع دخول الملائكة. وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 85110 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1209 إذا طهرت الحائض قبل الفجر صلت المغرب والعشاء [السُّؤَالُ] ـ[عند الطهور من الحيض وأغتسل مثلا بالليل كيف أصلي؟ هل أصلي العشاء فقط أم العشاء والمغرب أم اليوم كاملا؟ مع العلم أني لا أرى القصة البيضاء بل أترك يوما لمعرفة أن الدم توقف عني؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا طهرت الحائض بعد دخول وقت العشاء فإنه يلزمها أن تصلي العشاء لأنها أدركت وقتها، وكذلك يلزمها أن تصلي المغرب؛ لأنها تُجمع مع العشاء عند وجود العذر. وكذلك إذا طهرت بعد دخول وقت العصر فإنها تصلي الظهر والعصر، هذا ما أفتى به بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وبه قال جمهور العلماء. وأما إذا طهرت بعد الصبح أو بعد الظهر أو بعد المغرب فإنه لا تصلي إلا صلاة واحدة، وهي الصلاة التي طهرت في وقتها: (الصبح أو الظهر أو المغرب) ؛ لأن هذه الصلوات لا تُجمع إلى شيء قبلها. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/238) : "إذا طهرت الحائض قبل أن تغيب الشمس صلت الظهر فالعصر. وإذا طهرت قبل أن يطلع الفجر صلت المغرب وعشاء الآخرة، روي هذا القول عن عبد الرحمن بن عوف وابن عباس وطاوس ومجاهد والنخعي والزهري وربيعة ومالك والليث والشافعي وإسحاق وأبي ثور. قال الإمام أحمد: عامة التابعين يقولون بهذا القول إلا الحسن وحده قال: لا تجب إلا الصلاة التي طهرت في وقتها وحدها. وهو قول الثوري , وأصحاب الرأي ; لأن وقت الأولى خرج في حال عذرها , فلم تجب كما لو لم يدرك من وقت الثانية شيئا. وحكي عن مالك أنه إذا أدرك قدر خمس ركعات من وقت الثانية , وجبت الأولى ; لأن قدر الركعة الأولى من الخمس وقت للصلاة الأولى في حال العذر , فوجبت بإدراكه , كما لو أدرك ذلك من وقتها المختار , بخلاف ما لو أدرك دون ذلك. ولنا ما روى الأثرم , وابن المنذر , وغيرهما , بإسنادهم عن عبد الرحمن بن عوف , وعبد الله بن عباس , أنهما قالا في الحائض تطهر قبل طلوع الفجر بركعة: تصلي المغرب والعشاء , فإذا طهرت قبل أن تغرب الشمس , صلت الظهر والعصر جميعا؛ ولأن وقت الثانية وقت للأولى حال العذر , فإذا أدركه المعذور لزمه فرضها , كما يلزمه فرض الثانية" انتهى بتصرف. وقال في متن زاد المستقنع: " ومن صار أهلا لوجوبها قبل خروج وقتها: لزمته وما يجمع إليها قبلها " انتهى. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع": " مثال ذلك: إذا أدرك من وقت صلاة العصر قدر ركعة أو قدر التحريمة لزمته صلاة العصر، ولزمته صلاة الظهر أيضا، وإن أدرك ذلك من وقت صلاة العشاء لزمته صلاة العشاء وصلاة المغرب أيضا، وإن أدرك ذلك من وقت صلاة الفجر لا يلزمه إلا الفجر؛ لأنها لا تجمع إلى ما قبلها. فإن قيل: ما وجه وجوب صلاة الظهر في المثال الأول؛ وصلاة المغرب في المثال الثاني؟ فالجواب: الأثر، والنظر. أما الأثر: فإنه روي ذلك عن ابن عباس وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم. وأما النظر: فلأن وقت الصلاة الثانية وقت للأولى عند العذر الذي يبيح الجمع، فلما كان وقتا لها عند العذر صار إدراك جزء منه كإدراك جزء من الوقتين جميعا، وهذا هو المشهور من المذهب. وقال بعض أهل العلم: إنه لا يلزمه إلا الصلاة التي أدرك وقتها فقط، فأما ما قبلها فلا يلزمه " انتهى، ورجح الشيخ رحمه الله هذا القول الأخير. والأحوط هو العمل بقول جمهور العلماء، فتصلي الصلاتين معاً، ولا يلزمها أن تصلي صلوات اليوم كاملاً، وإن اقتصرت على الصلاة التي أدركت وقتها فقط، فنرجو ألا يكون عليها حرج. ثانيا: تطهر المرأة من حيضها بإحدى علامتين: القصة البيضاء، أو حصول الجفاف التام، بحيث لو احتشت بقطنة خرجت نظيفة ليس عليها أثر من حمرة أو صفرة، على ما بيناه في جواب السؤال رقم 5595. فكونك تجلسين يوما دون صلاة، لعدم رؤيتك للقصة البيضاء، عمل لا يصح؛ لاحتمال أن تكوني قد طهرت بالجفوف، فالواجب عليك مراعاة هذه العلامة في الطهر. قال النووي رحمه الله: " علامة انقطاع الحيض ووجود الطهر: أن ينقطع خروج الدم وخروج الصفرة والكدرة , فإذا انقطع طهرت سواء خرجت بعده رطوبة بيضاء أم لا " انتهى من "المجموع" (2/562) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82106 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1210 صلاة وصوم المسجون الذي لا يعلم شيئا عن الوقت [السُّؤَالُ] ـ[كيف يصلي المسجون في غرفة مظلمة تحت الأرض، وهو مقيد، ولا يعلم شيئا عن أوقات الصلاة، ولا عن وقت دخول شهر رمضان؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد للَّه أولا: نسأل الله تعالى أن يمن على جميع أسرى المسلمين بفرجه القريب، وأن يهبهم من فضله الصبر والسلوان، ويملأ قلوبهم بالطمأنينة واليقين، وأن ييسر للمسلمين سبيل رشد يُعزُّ فيه أولياؤُه، ويُذل فيه أعداؤه. ثانيا: قرر أهل العلم أن الصلاة والصيام لا يسقطان عن الأسير والمسجون، وأن الواجب عليه أن يتحرى الوقت ويجتهد في ذلك، فإذا غلب ظنه دخول وقت الصلاة، صَلَّى، وإذا غلب على ظنه دخول شهر رمضان، صام، ويمكنه الاستدلال على الوقت بملاحظة أوقات الطعام، أو سؤال أهل السجن ونحو ذلك. وإذا اجتهد وتحرى الوقت الصحيح للصلاة أو للصيام فإن عبادته تقع صحيحة مجزئة، سواء تبين له بعد ذلك أنها وقعت في الوقت، أو بعده، أو لم يتبين له شيء، لقول الله تعالى: (لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) البقرة/286، وقوله سبحانه وتعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا) الطلاق/7. وإذا علم أنه صام أيام العيد وجب عليه قضاؤها، لأن صيام يوم العيد لا يصح. أما إذا علم بعد ذلك أنه صلى أو صام قبل الوقت، وجب عليه إعادة الصيام والصلاة. جاء في "الموسوعة الفقهية" (28/84-85) : " ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ من اشتبهت عليه الشّهور لا يسقط عنه صوم رمضان، بل يجب لبقاء التّكليف وتوجّه الخطاب. وإن اجتهد وصام فلا يخلو الأمر من خمسة أحوال: الحال الأولى: استمرار الإشكال وعدم انكشافه له، بحيث لا يعلم أنّ صومه صادف رمضان أو تقدّم أو تأخّر، فهذا يجزئه صومه ولا إعادة عليه لأنّه بذل وسعه، ولا يكلّف بغير ذلك. الحال الثّانية: أن يوافق صوم المحبوس شهر رمضان، فيجزيه ذلك. الحال الثّالثة: إذا وافق صوم المحبوس ما بعد رمضان فيجزيه عند جماهير الفقهاء. الحال الرّابعة: وهي وجهان: الوجه الأوّل: إذا وافق صومه ما قبل رمضان، وتبيّن له ذلك قبل مجيء رمضان، لزمه صومه إذا جاء بلا خلاف، لتمكّنه منه في وقته. الوجه الثّاني: إذا وافق صومه ما قبل رمضان، ولم يتبيّن له ذلك إلاّ بعد انقضائه، ففي إجزائه قولان: القول الأوّل: لا يجزيه عن رمضان بل يجب عليه قضاؤه، وهذا مذهب المالكيّة والحنابلة، والمعتمد عند الشّافعيّة. القول الثّاني: يجزئه عن رمضان، كما لو اشتبه على الحجّاج يوم عرفة فوقفوا قبله، وهو قول بعض الشّافعيّة. الحال الخامسة: أن يوافق صوم المحبوس بعض رمضان دون بعض، فما وافق رمضان أو بعده أجزأه، وما وافق قبله لم يجزئه" انتهى. وانظر "المجموع" (3/72-73) ، "المغني" (3/96) والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 81421 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1211 العمل بالتقويم في معرفة أوقات الصلوات [السُّؤَالُ] ـ[قرأت في الموقع عن أوقات الصلوات ولكن نظرا لعدم معرفتي بالوقت إلا من الساعة فإنه يصعب علي معرفته بالسماء فهل هناك طرق أعرف بها وقت زوال الشمس .... وغيره أو المدة بالساعات للصلوات من بعد الأذان في الصيف والشتاء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سبق أن ذكرنا مواقيت الصلاة مفصلة، مع بيان الطريقة العملية لمعرفة وقت الزوال، بمراعاة الظل، وباعتبار ساعات النهار، وكذلك معرفة منتصف الليل وطريقة حسابه، في جواب السؤال رقم (9940) . وهي طرق سهلة يمكن لكل أحد أن يستفيد منها، عند الحاجة إليها، وقد يسر الله على المسلمين بوجود التقاويم المتداولة التي تبين أوقات الصلوات مفصلة، يوما بيوم، صيفا وشتاء، مراعية اختلاف المدن في البلد الواحد، مع انتشار المساجد وارتفاع الأصوات بالأذان الذي هو إعلام بالوقت، فلله الحمد والمنة، ولو كُلِّف كل إنسان أن ينظر كل يوم في الأفق ليحدد ابتداء وقت الفجر، أو يتأمل في الظل وطوله وقصره ليعرف وقت الظهر والعصر، لكان في ذلك مشقة وحرج، وهما منفيان في هذه الشريعة المطهرة. قال الشيخ عبد الرحمن البراك حفظه الله: " ومقدار ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس قريبٌ من ساعة ونصف كما هو مبيّنٌ في التقويم، وقد صار التقويم هو الوسيلة للناس في معرفة مواقيت الصلاة بالساعة والدقيقة، فينبغي العناية بذلك لأن الصلوات الخمس عمود الإسلام، فيجب على المسلم أن يحافظ عليها في أوقاتها كما قال تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) المعارج/34، وقال تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) البقرة/238، والصلاة الوسطى هي صلاة العصر " انتهى. وانظر جواب السؤال رقم (8048) ومع أهمية التقاويم وفائدتها، إلا أنها عمل بشري يعتريه ما يعتري أعمال البشر من الخطأ والسهو، لكنها في الغالب الأعم منضبطة في تحديد الوقت، إلا ما وقع من الخطأ في بعضها في تحديد وقت الفجر، كما هو مبين في جواب السؤال رقم (26763) نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 71367 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1212 الحد المسموح به في تأخير الصلوات بالنسبة للمرأة [السُّؤَالُ] ـ[هل تعتبر المرأة المسلمة التي تصلي في البيت مذنبة أو آثمة إذا صلت صلاة الظهر قبل أذان العصر بنصف أو ربع ساعة أو إذا صلت صلاة العصر قبل أذان المغرب بنصف أو ربع ساعة أو أيضا إذا صلت صلاة العشاء قبل أذان الفجر بنصف ساعة. وإذا كانت الإجابة أنه لا يجوز ذلك فما هي أقصى الحدود المسموح بها لتأخير الصلاة دون أن يكون هناك ذنب أو إثم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها، لقوله تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) النساء/103، وقوله: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) مريم/59. وقد بَيَّنَ الشرعُ مواقيت الصلاة، كما في الحديث الذي رواه مسلم (612) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (وَقْتُ الظُّهْرِ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْعَصْرُ، وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ، وَوَقْتُ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَسْقُطْ ثَوْرُ الشَّفَقِ، وَوَقْتُ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، وَوَقْتُ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ) . وقد سبق في جواب السؤال (9940) بيان مواقيت الصلوات الخمس على التفصيل. ونكتفي هنا بذكر آخر وقت كل صلاة. فآخر وقت صلاة الظهر دخول وقت صلاة العصر. وآخر وقت صلاة العصر اصفرار الشمس، ويمتد وقتها في حق المضطر كالمريض ونحوه إلى أن تغرب الشمس. وآخر وقت صلاة المغرب مغيب الشفق الأحمر من السماء، وهو أول وقت صلاة العشاء. وآخر وقت صلاة العشاء نصف الليل، ولا يمتد إلى طلوع الفجر. وآخر وقت صلاة الفجر طلوع الشمس. فيجوز أداء الصلاة في أي وقت من وقتها، سواء من أوله أو وسطه أو آخره، ولا يجوز تأخير أي صلاة من هذه الصلوات عن آخر وقتها بلا عذر قهري كالنوم والنسيان. وبناء على ذلك فصلاتك الظهر قبل دخول وقت العصر بنصف ساعة أو بربع ساعة، صحيحة، ولا حرج عليك في ذلك. وأما صلاة العصر فيلزمك أداؤها قبل اصفرار الشمس، وتحديد هذا بالساعات يختلف من فصل لآخر، والظاهر أن قبل المغرب بربع ساعة ونحوها تكون الشمس قد اصفرت، فيكون قد خرج وقت صلاة العصر. ولا يجوز لك أن تؤخري العشاء إلى ما قبل الفجر بنصف ساعة؛ لأن وقت العشاء إلى نصف الليل كما سبق في الحديث، وإذا أردتِ حساب نصف الليل فاحسبي الوقت من مغيب الشمس إلى طلوع الفجر، فنصف ما بينهما هو آخر وقت العشاء (وهو نصف الليل) . فلو أن الشمس تغيب الساعة الخامسة، والفجر يؤذن الساعة الخامسة فمنتصف الليل هو الساعة الحادية عشرة مساءً. والأفضل التعجيل بأداء الصلاة في أول وقتها؛ لما روى البخاري (496) ومسلم (122) عن عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا. قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ. قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 67911 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1213 تأخير صلاة الفجر قرب شروق الشمس [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم تأخير إقامة صلاة الفجر حتى قرب الشروق وليس في وقتها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الصلوات الخمس لها وقت محدد: أوله وآخره، يجب أداء الصلاة فيه، قال الله تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) النساء/103. " أي مفروضاً في وقته. فدل ذلك على فرضيتها وأن لها وقتاً لا تصح إلا به، وهو هذه الأوقات التي قد تقررت عند المسلمين صغيرهم وكبيرهم، عالمهم وجاهلهم، وأخذوا ذلك عن نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم بقوله: (صلوا كما رأيتموني أصلي) " انتهى من تفسير السعدي (ص 204) . وتأخير الصلاة عن وقتها من غير عذر من الكبائر، وقد توعد الله تعالى عليه بقوله: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) الماعون/4، 5. قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: الذين يؤخرونها عن أوقاتها. انظر تفسير القرطبي (20/211) . ثانياً: وقد سبق في جواب السؤال (9940) بيان أوقات الصلوات الخمس. ووقت صلاة الفجر من طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وَوَقْتُ صَلاةِ الصُّبْحِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ) . رواه مسلم (612) . فإذا صلاها في هذا الوقت فقد صلاها في وقتها، وعلى هذا، فما جاء في السؤال من أن الصلاة قرب الشروق لا تكون في وقتها ليس صحيحاً، بل وقت صلاة الصبح ممتد إلى شروق الشمس. ثانياً: قد يكون السائل أراد الإشارة إلى بعض الناس الذين يؤخرون صلاة الفجر حتى يتيقنوا أو يغلب على ظنهم دخول وقتها، وذلك نظراً لما قيل من خطأ التقاويم الموجودة الآن في تحديد وقت صلاة الفجر. غير أن هذا الخطأ لا يصل إلى هذا الحد، بل قدره بعض العلماء بـ (20) إلى (30) دقيقة. راجع السؤال (26763) . ثالثاً: كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه يصلي الفجر قبل ظهور ضوء النهار، وقد دل على ذلك عدة أحاديث. 1- روى البخاري (560) ومسلم (646) عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الصُّبْحَ بِغَلَسٍ. 2- وروى البخاري (872) ومسلم (645) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي الصُّبْحَ بِغَلَسٍ فَيَنْصَرِفْنَ نِسَاءُ الْمُؤْمِنِينَ لا يُعْرَفْنَ مِنْ الْغَلَسِ أَوْ لا يَعْرِفُ بَعْضُهُنَّ بَعْضًا. " الغَلَس: ظلمة آخر الليل، كما في القاموس، وهو أول الفجر " انتهى من "سبل السلام". وقال النووي: " قَوْله: (مَا يُعْرَفْنَ مِنْ الْغَلَس) هُوَ بَقَايَا ظَلام اللَّيْل. قَالَ الدَّاوُدِيّ: مَعْنَاهُ مَا يُعْرَفْنَ أَنِسَاء هُنَّ أَمْ رِجَال " انتهى من شرح مسلم للنووي. 3- وروى ابن ماجه (671) عن مُغِيث بْن سُمَيٍّ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ الصُّبْحَ بِغَلَسٍ، فَلَمَّا سَلَّمَ أَقْبَلْتُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ الصَّلاةُ! قَالَ: هَذِهِ صَلاتُنَا كَانَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَلَمَّا طُعِنَ عُمَرُ أَسْفَرَ بِهَا عُثْمَانُ. صححه الألباني في صحيح ابن ماجه. فهذه الأحاديث تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الصبح في أول وقتها. وقال ابن قدامة في "المغني" (1/540) : " وَأَمَّا صَلاةُ الصُّبْحِ فَالتَّغْلِيسُ بِهَا أَفْضَلُ , وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي مُوسَى وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ " انتهى. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65941 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1214 هل يفطر في المعهد أم يؤخر الإفطار والصلاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا أدرس الآن، وتكون بعض الأيام شاقةً، وأمضي وقتًا طويلًا في المعهد. وأتساءل: هل يجوز أن أفطر، وأن أصلي المغرب في المعهد، أم أؤخره حتى أصل للبيت؟ أنا أنهي دراستي قبل دقائق من المغرب، وأصل بيتي بعد ذلك بنصف ساعة. إن أنا صليت في المعهد، فسأفقد وسيلة المواصلات إلى بيتي، وسأتأخر نتيجة لذلك عن البيت. فبماذا تنصحوني والحال ما ذكر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المبادرة إلى أداء الصلاة في أول وقتها من أفضل الأعمال عند الله سبحانه وتعالى. فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا. قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ. قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. رواه البخاري (527) ومسلم (85) قال النووي رحمه الله: " وفي هذا الحديث: الحث على المحافظة على الصلاة في وقتها , ويمكن أن يؤخذ منه استحبابها في أول الوقت ; لكونه احتياطًا لها , ومبادرةً إلى تحصيلها في وقتها " انتهى. "شرح مسلم" (2/265) . وعَنْ أُمِّ فَرْوَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الصَّلاةُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا. رواه أبو داود (426) وصححه الألباني. وقال الإمام أحمد رحمه الله: " أول الوقت أعجب إِلَيَّ إلا في صلاتين، صلاة العشاء وصلاة الظهر يبرد بها في الحر " انتهى. "المغني" (1/398) . كما أن المبادرة إلى تعجيل الفطور مستحبة أيضًا، وقد جاء في ذلك عدة أحاديث منها: ما رواه البخاري (1957) ومسلم (1098) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ) . وانظر جواب السؤال رقم (50019) ، (13999) . وبهذا يتبين لك – أخي السائل – أن المستحب والمندوب في حقك المبادرة إلى الإفطار وصلاة المغرب في المعهد. ولكن ذلك يبقى في دائرة المندوب، فإن شق عليك، وخشيت أن تنقطع عنك المواصلات أو تتأخر في الوصول للبيت، فلا حرج عليك إذا أخرت الصلاة لتؤديها في المنزل، بشرط أن يغلب على ظنك الوصول قبل أذان العشاء، ويمكنك أن تفطر على تمرات تحملها معك في طريقك. أما إذا كان سؤالك عن الإفطار في رمضان بسبب مشقة العمل، فقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (43772) . وفقك الله لما يحب ويرضى، وشكر الله لك هذا الحرص على طاعته. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65711 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1215 المقصود بدخول الوقت وبدايته في أوقات الصلوات [السُّؤَالُ] ـ[أنا فتاة ينزل مني إفرازات دائماً، كنت أصلي وأقرأ القرآن حتى تأتي صلاة الفرض التالية، ثم قرأت فتوى تقول إنه تستطيع المرأة أن تقرأ القرآن وتصلي النوافل ولكن يكون هذا من بداية الوقت حتى دخول الوقت، نحن نعرف أن دخول الوقت يكون عندما يؤذن الأذان لكن متى يكون بداية الوقت هل قبل الأذان بربع ساعة أم أقل؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: نزول الإفرازات بشكل مستمر، يُعْطَى حكم الحدث الدائم، فهو كالاستحاضة وسلس البول والريح، وعلى من تصيبها هذه الإفرازات أن تتوضأ لوقت كل صلاة، ثم تصلي ما شاءت من النوافل، ولها أن تمس المصحف بوضوئها هذا، إلى أن يدخل وقت الصلاة التالية. أما قراءة القرآن من غير مس للمصحف، فلا يشترط لها الوضوء، فللمحدث حدثا أصغر أن يقرأ القرآن عن ظهر غيب، أو أن يقرأه من المصحف بحائل، كالقفاز ونحوه. ويراجع حكم الإفرازات في السؤال رقم (50404) . ثانيا: قولنا: بداية الوقت، لا يختلف عن قولنا: دخول الوقت، والمراد به: الوقت الذي يؤذن فيه للصلاة، حسب تقويم كل بلد. وقد حدد الشارع بداية وقت كل صلاة ونهايته، وتجدين هذا مفصلا في السؤال رقم (9940) . فإذا كان وقت العصر مثلا في الساعة الثالثة بعد الظهر، فإن صاحبة الإفرازات، إذا توضأت وصلت الظهر، لها أن تمس المصحف، وتطوف بالكعبة، وتصلي ما شاءت من النوافل إلى الساعة الثالثة حين يؤذنُ المؤذن لصلاة العصر، بشرط ألا ينتقض وضوؤها في تلك الفترة بناقض غير الإفرازات، كخروج البول، وغير ذلك من النواقض المعروفة؛ لأنها إنما عفي لها عن الإفرازات فقط، لاستمرارها، ومشقة التحرز منها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 60412 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1216 تأخير صلاة العشاء في رمضان [السُّؤَالُ] ـ[إمام مسجدنا يؤخر صلاة العشاء نحو ساعة في شهر رمضان. هل يجوز هذا؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله وقت صلاة العشاء يمتد من غياب الشفق الأحمر الذي يكون في السماء بعد غروب الشمس إلى نصف الليل. والأفضل في صلاة العشاء تأخيرها ما لم يشق على الناس لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل، أو نصفه " رواه الترمذي 167 ففي هذا الحديث دليل على استحباب تأخير العشاء ما لم يشق على المأمومين فإن شقت على المأمومين فتُعجل. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: " أعتم النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة حتى ذهب عامة الليل حتى نام أهل المسجد، ثم خرج فصلى فقال: إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي " أخرجه مسلم 638. وعن جابر رضي الله عنهما لما ذكر مواقيت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم قال: " والعشاء أحياناً يؤخرها، وأحياناً يعجل، إذا رآهم اجتمعوا عجل، وإذا رآهم أبطأوا أخر " أخرجه البخاري 1/141 ومسلم 646. أنظر معرفة أوقات العبادات للدكتور خالد المشيقح 1/291 وقد اعتاد الناس في بعض البلاد تأخير صلاة العشاء في رمضان نصف ساعة أو نحواً من هذا عن أول وقتها، حتى يفطر الناس على مهل ويستعدوا لصلاة العشاء والتراويح. وهذا العمل لا بأس به، بشرط ألا يؤخر الإمام الصلاة إلى حد يشق على المأمومين كما سبق. والأولى في هذا الرجوع إلى أهل المسجد، والاتفاق معهم على وقت الصلاة، فهم أعلم بما يناسبهم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38270 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1217 هل يجوز للمؤذن أن يؤذن وهو جالس؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز رفع الآذان في مسجد أو مصلى وأنا جالس أو مرتميا على ظهري؟ وهلا استندت لدليل من القرآن والسنة على ذلك ... ]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله السنة أن يؤذن المؤذن قائما، كما كان يفعل مؤذنو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما سار عليه المسلمون إلى يومنا هذا، وانعقد عليه إجماع الكافة، فإن أذن قاعدا أو مضجعا لغير عذر، صح أذانه مع الكراهة. قال ابن قدامة رحمه الله: ": وينبغي أن يؤذن قائما , قال ابن المنذر: أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم , أن السنة أن يؤذن قائما. وفي حديث أبي قتادة الذي رويناه , أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال: (قم فأذن) . وكان مؤذنو رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذنون قياما. وإن كان له عذر فلا بأس أن يؤذن قاعدا. قال الحسن العبدي: رأيت أبا زيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت رجله أصيبت في سبيل الله , يؤذن قاعدا. رواه الأثرم. فإن أذن قاعدا لغير عذر: فقد كرهه أهل العلم , ويصح ; فإنه ليس بآكد من الخطبة , وتصح من القاعد " انتهى من "المغني" (1/ 253) . وحديث أبي قتادة بهذا اللفظ رواه البخاري (595) . وقال النووي رحمه الله: " السنة أن يؤذن قائما مستقبل القبلة..، فلو أذن قاعدا أو مضطجعا أو إلى غير القبلة: كُرِه، وصح أذانه ; لأن المقصود الإعلام، وقد حصل ". انتهى من "المجموع" (3/ 114) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 142863 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1218 إذا صلوا في البيت اكتفوا بأذان المسجد وأقاموا الصلاة فقط [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان الإنسان في جماعة وسمع الأذان، فهل يجب عليه أن يؤذن أو يكفيه الأذان الذي سمعه من مؤذن آخر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كان الإنسان في جماعة وسمع الأذان في أي مسجد فإن الواجب عليه وعلى الجماعة أن يجيبوا الأذان وأن يتوجهوا إلى المسجد، ولا يصلوا في محلهم، ولا حاجة إلى أذان ولا إلى غيره، بل يتوجهون إلى المسجد الذي سمعوا أذانه قريباً منهم حيث يمكنهم الوصول إليه والصلاة معهم. إذا كان الأذان بالصوت الطبيعي فإن الغالب أن يكون المسجد قريباً، أما إذا كان بمكبر فقد يكون بعيداً ووصلهم الصوت من بعد. فالحاصل: أن الواجب عليهم التوجه إلى المسجد إذا أمكن. أما إن كان بعيداً لا يتيسر الوصول إليه إلا بعد فوات الصلاة لبعده، ولأن الصوت سمعوه بواسطة المكبر وهو يأتي من بعيد فإنهم يكتفون بهذا الأذان، وتكفي الإقامة؛ لأن المقصود سماع الأذان ووجود ما يدعو الناس إلى الصلاة ويعلمهم بالوقت وقد حصل. المقصود: أنه تكفيه الإقامة إذا كان ما تيسر له أن يصلي مع الناس لمرض أو لكونه حارساً أو ما أشبه ذلك، فيكفيه الأذان، ويقيم، أي يأتي بالإقامة فقط، أما إذا كان في محل قريب بحيث يستطيع الوصول إلى محل الأذان ويصلي مع الناس فالواجب على هؤلاء المستمعين للأذان أن يجيبوا، للحديث: (مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يُجِبْ فَلَا صَلَاةَ لَهُ إِلَّا مِنْ عُذْرٍ) هكذا قال النبي عليه الصلاة والسلام. فالواجب على من سمع الأذان أن يجيب المؤذن، ويتوجه للمسجد أو محل إقامة الجماعة حتى يكثروا السواد، وحتى يحصل الاجتماع على طاعة الله عز وجل، وحتى يحصل الامتثال لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بحضور الجماعة، لكن إذا كان هناك مانع من مرض أو خوف أو كونه حارساً لمال عنده لا يستطيع التوجه، أو لأن المكان بعيد وسمعوا الصوت من بعيد بواسطة المكبر ولا يستطيعون الوصول إليه إلا إذا فاتتهم الصلاة، فيصلون في مكانهم ويكتفون بالأذان، فإن أذنوا فلا بأس، وإن أذنوا أذاناً ثانياً فلا حرج لأنه خير بلا شك لا سيما مع البعد، وإن اكتفوا بالأذان فإنه كاف، وعليهم أن يقيموا فقط، أي على هؤلاء المتخلفين لمرض أو لخوف أو ما أشبه ذلك أن يقيموا الصلاة ويكتفوا بالأذان" انتهى. [الْمَصْدَرُ] سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (2/291، 292) الحديث: 134109 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1219 حكم الأذان وهو يلبس النعلين [السُّؤَالُ] ـ[حكم الأذان وهو يلبس النعلين السؤال: هل الأذان والرجل لابس حذاءه مكروه أم حرام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الأذان والإنسان لابس النعلين ليس فيه بأس، لا مكروه ولا حرام، بل جائز ولا بأس به، بل تصلي في النعلين فكيف الأذان؟! والرسول صلى الله عليه وسلم صَلَّى في نعليه، فإذا كان أجاز الصلاة في النعلين فالأذان من باب أولى. فالحاصل: أنه لا حرج في ذلك" انتهى. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (2/689) الحديث: 134068 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1220 حكم زيادة (في الجنة) في الدعاء الذي بعد الأذان [السُّؤَالُ] ـ[ (وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته في الجنة) . ما حكم هذه الزيادة: "في الجنة"؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "زيادة "في الجنة" ما لها أصل وينتهي الدعاء بقول: (وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد) . ومن المناسب هنا أن نذكر أنه يستحب أيضاً عند الشهادتين أن يقول: رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً، فإذا قال المؤذن: "أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله" يقول المستمع مثله، ثم يقول عند ذلك: " رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً" ـ عليه الصلاة والسلام ـ لأنه ورد في الحديث الصحيح عن سعد بن أبي وقاص في صحيح مسلم (أن من قال ذلك غفر له ذنبه) فيستحب أن يقال هذا عند الشهادتين" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (2/694، 695) . [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز فتاوى نور على الدرب الحديث: 132114 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1221 نسي بعض ألفاظ إقامة الصلاة، فهل يعيد الإقامة؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما الحكم فيمن أقام الصلاة وأخطأ في الإقامة. مثلاً: كأن ينسى حي على الصلاة حي على الفلاح، مع العلم أن المصلين يعلمون أنه أخطأ فهل يطلبون منه أن يعيد الإقامة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من ترك شيئاً من كلمات الأذان أو الإقامة نسياناً فإن كان الوقت يسيراً فإنه يأتي بما نسيه ثم يكمل بعده، وإن كان الزمن طويلاً فإنه يعيد الأذان أو الإقامة من أوله. وإذا أعاد الأذان أو الإقامة في الحالتين فلا حرج عليه. قال النووي رحمه الله: "لو ترك بعض كلماته [الأذان] أتى بالمتروك وما بعده، ولو استأنف كان أولى" انتهى. "المجموع" (3/121) . وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما الحكم إذا نسي المؤذن (الصلاة خير من النوم) في أذان الفجر؟ فأجابوا: "إذا نسي المؤذن كلمة من الأذان، ثم ذكر في حال الأذان فإنه يأتي بالكلمة المنسية وما بعدها من كلمات الأذان، وإن لم يذكر إلا في وقت متأخر فإنه يعيد الأذان كاملا، إذا لم يكن حوله مؤذن غيره يسقط بأذانه فرض الكفاية". انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (5 /61) . وسئل الشيخ ابن جبرين: إذا نسي المؤذن قول (الصلاة خير من النوم) في أذان الفجر هل يعيد الأذان؟ فأجاب: "متى ذكر قريبًا أتى بالتثويب الذي هو: (الصلاة خير من النوم) وإذا لم يَذَّكَّر إلا بعد ما طال الوقت: سقطت؛ لأنها من السنن، ولا يعيد لأجلها الأذان كله" انتهى من موقع الشيخ. فكان ينبغي لأهل المسجد أن ينبهوا المؤذن على خطئه حتى يصحح ألفاظ الإقامة، فإذا لم يفعلوا واستمر المؤذن على هذا الخطأ، فالصلاة صحيحة، ونرجو ألا يلحقهم بذلك إثم، لأن الإقامة سنة عند كثير من العلماء، ومن قال منهم بوجوبها ـ كالإمام أحمد ـ فهي عنده فرض كفاية، وتحصل هذه الكفاية بوجود مسجد آخر في الحي نفسه يؤذن ويقيم الصلاة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131320 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1222 حكم إقامة الصلاة عبر مكبر الصوت [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز إعلان إقامة الصلاة في مكبر الصوت، أو تكون خاصة للموجودين داخل المسجد فقط؟ وهل هناك في السنة ما يدل على منع رفع الصوت بإقامة الصلاة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج من إعلان إقامة الصلاة في مكبر الصوت، وقد جاء في السنة وبعض الآثار ما يُستفاد منه جواز ذلك. 1- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا سَمِعْتُمْ الْإِقَامَةَ فَامْشُوا إِلَى الصَّلَاةِ وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ) رواه البخاري (636) ومسلم (602) . فهذا الحديث يدل على أن الإقامة كانت تسمع من خارج المسجد في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم. 2- وروى أبو داود (510) والنسائي (668) عَنْ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: (كَانَ الْأَذَانُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَثْنَى مَثْنَى، وَالْإِقَامَةُ مَرَّةً مَرَّةً، إِلَّا أَنَّكَ إِذَا قُلْتَ: قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، قَالَهَا مَرَّتَيْنِ، فَإِذَا سَمِعْنَا قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ تَوَضَّأْنَا ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى الصَّلَاةِ) وصححه الألباني في صحيح النسائي، وهو دليل على سماع الإقامة من خارج المسجد. قال السندي في حاشيته على سنن النسائي: "قوله: (فَإِذَا سَمِعْنَا قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ تَوَضَّأْنَا ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى الصَّلَاةِ) لعل مراده أن بعضهم كان أحياناً يؤخرون الخروج إلى الإقامة اعتماداً على تطويل قراءته صلى الله عليه وسلم" انتهى. 3- روى مالك في الموطأ (158) عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما (سَمِعَ الْإِقَامَةَ وَهُوَ بِالْبَقِيعِ فَأَسْرَعَ الْمَشْيَ إِلَى الْمَسْجِدِ) ، فهذا يدل على ما دل عليه الأحاديث السابقة أنهم كانوا يسمعون الإقامة وهم خارج المسجد. والمسجد النبوي قد تمت توسعته عدم مرات، وأضيفت إليه الساحات حوله، وقد قيل: كان بين المسجد النبوي في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والبقيع نحو 500 متراً تقريباً، وهي مسافة ليست بالقصيرة. وقد ذكر بعض العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن إقامة الصلاة إعلان بالقيام إلى الصلاة للحاضرين في المسجد ولمن هم خارج المسجد أيضاً. فقال رحمه الله كما في "شرح العمدة": "والسنة أن يكون الأذان والإقامة في موضع واحد، فإذا أذن في مكان استحب أن يقيم فيه، لا في الموضع الذي يصلي فيه، لما احتج به الإمام أحمد رحمه الله عن بلال رضي الله عنه أنه قال: (يا رسول الله، لا تسبقني بآمين) رواه أحمد وأبو داود , وقاله إسحق بن راهويه. وكذلك أبو هريرة وغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا لأئمتهم، ولو كانت الإقامة موضع الصلاة لم يخشوا إن يسبقوا بآمين، فعلم أن الإقامة كانت حيث يسمعها الغائبون عن المسجد، إما موضع الأذان أو قريبا منه .... ولأن الإقامة أحد الندائين فاستحب إسماعها للغائبين كالأذان. ولأن المقصود بها الإعلام بفعل الصلاة لمنتظرها في المسجد وغيره. فإن شقت الإقامة قريبا من موضع الأذان بأن يكون الأذان في المنارة أو في موضع بعيد من المسجد فإنه يقيم في غيره بحيث يعلم الغائبين أيضا" انتهى. ومثله أيضا ذكره ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/249) . حديث: (لا تسبقني بآمين) الذي ذكره شيخ الإسلام، ضعفه البيهقي في "السنن الكبرى" (2/23) ، والنووي في "الخلاصة" (1/382) ، وابن رجب في "فتح الباري" (4/489) ، والألباني في "ضعيف أبي داود". وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "ثم إنه قد شكي إلينا شيء أقل من ذلك ضررا وهو إقامة الصلاة من على المئذنة بمكبر الصوت، فقالوا: إن أولادنا ينتظروه حتى يسمعوا الإقامة ثم يقومون ويتوضئون ويذهبون بسرعة، ربما يفوتهم شيء من الصلاة أو كل الصلاة، وربما يؤدون الوضوء من غير إسباغ، شكوا ذلك من أجل القول بمنع نقل الإقامة من على المئذنة، ولكن في نفسي من هذا شيء، لأن سماع الإقامة من المسجد أمر وارد في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا) وهذا يدل على أنه لا حرج من أن تسمع الإقامة من خارج المسجد" انتهى. "فتاوى نور على الدرب". والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128726 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1223 من فاته سماع بعض جُمَل الأذان فلا يشرع له قولها [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان المؤذن يؤذن ولم أسمعه إلا في نهاية الأذان - مثلاً - وهو يقول " حي على الفلاح " – مثلاً -، فهل أبدأ وأقول من بداية الأذان بشكل سريع ثم أكمل مع المؤذن، أم هذا غير صحيح؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الذي يظهر لنا أن من فاته شيء من الأذان فلم يسمعه: أنه لا يقوله، وأن له أن يجيب المؤذن من حيث سمع، دون ما فاته؛ لأن ظاهر الحديث أن إجابة المؤذن معلقة بسماعه، وهذا القول هو الصحيح، خلافاً لمن قال بجواز ذلك. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ) . رواه مسلم (384) . قال النووي: مَن رأى المؤذن، وعلِم أنه يؤذن، ولم يسمعه، لبُعد، أو صمم: الظاهر أنه لا تُشرع له المتابعة؛ لأن المتابعة معلقة بالسماع، والحديث مصرح باشتراطه، وقياساً على تشميت العاطس، فإنه لا يشرع لمن يسمع تحميده. " المجموع " (3 / 127) . وسئل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ – رحمه الله -: إِذا لم يسمع إِلا بعض الأَذان، أَو رأَى المؤذن ولا سمعه: فهل يجيبه؟ . فأجاب: إِذا أَدرك بعض الأَذان: فالمرجح عند كثير من الأَصحاب أَنه يبدأُ بأَوله حتى يدركه، والقول الآخر: أَنه لا يجيب إِلا ما سمع، وأَنه يفوت لفوات محله، ولعل هذا أَرجح، والظاهر أَن هذا تقرير شيخنا الشيخ سعد – أي: الشيخ سعد بن عتيق رحمه الله -. ومَن قال إِنه يبدأُ بأَوله: فإِن أَقام دليلا ترجح قوله، وإِلا فظاهر (إِذا سَمِعْتمْ) يتعلق بما سمع، وإِن صار مانع. ثم هنا مسأَلة: إِذا كان يرى المؤذن، ولا يسمع صوته، أَو يسمع الصوت ولا يفهم ما يقول: فقيل: يجيب في الأَخيرة خصوصاً؛ لعموم (إِذَا سَمِعْتمْ) ، ومنهم من يقول: لا يجيب، وهو أَولى؛ وذلك أَنه لا يهتدي إِلى أَن يقول مثل ما يقول وهو لا يسمع، إِلا أَنه يعلم أَنه يؤذن. " فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم " (2 / 134، 135) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126661 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1224 الأدلة على استحباب الأذانين لصلاة الفجر [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك أدلة على أن للفجر أذانين؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم؛ جاءت عدة أحاديث تثبت أن للفجر أذانين. أحدهما: قبل دخول وقت الصلاة. والحكمة منه: تنبيه الناس على قرب طلوع الفجر، فيستيقظ النائم، ويصلي الوتر من لم يكن صلاه، ويتسحر من يريد الصيام. والثاني: بعد دخول الوقت (طلوع الفجر) . والحكمة منه: إعلام الناس بدخول وقت الصلاة. وهذه بعض الأحاديث الواردة في ذلك: 1- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لاَ يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ أَذَانُ بِلاَلٍ مِنْ سَحُورِهِ، فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، لِيَرْجِعَ قَائِمُكُمْ، وَلِيُنَبِّهَ نَائِمَكُمْ، وَلَيْسَ أَنْ يَقُولَ الْفَجْرُ أَوِ الصُّبْحُ) رواه البخاري (621) ومسلم (1093) . 2- وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: (إِنَّ بِلاَلاً يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ) . قَالَ الْقَاسِمُ بن محمد راوي الحديث عن عائشة رضي الله عنها: (وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ أَذَانِهِمَا إِلاَّ أَنْ يَرْقَى ذَا وَيَنْزِلَ ذَا) رواه البخاري (623) ومسلم (1092) . ففي هذه الأحاديث دلالة صريحة على مشروعية الأذان الأول قبل الفجر، واعتياد ذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن قدامة رحمه الله بعد ذكر حديث عائشة السابق: " وهذا يدل على دوام ذلك منه – يعني الأذان الأول من بلال رضي الله عنه - , والنبي صلى الله عليه وسلم أقره عليه , ولم ينهه عنه , فثبت جوازه " انتهى. " المغني " (1/246) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " الأذان الذي يكون في آخر الليل ليس للفجر، ولكنه لإيقاظ النُّوَّمِ؛ من أجل أن يتأهَّبوا لصلاة الفجر، ويختموا صلاة الليل بالوتر، ولإرجاع القائمين الذين يريدون الصِّيام" انتهى. " الشرح الممتع " (2/76) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125513 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1225 الأذان للصلاة المقضية [السُّؤَالُ] ـ[هل يجب الأذان للصلاة المقضية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ."إذا كان الإنسان في بلد قد أذن فيه للصلاة، كما لو نام جماعة في البلد ولم يستيقظوا إلا بعد طلوع الشمس، فلا يجب عليهم الأذان، اكتفاءً بالأذان العام في البلد؛ لأن الأذان العام في البلد حصل به الكفاية، وسقطت به الفريضة. أما إذا كان في مكان لم يؤذن فيه فالأذان واجب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما نام عن صلاة الفجر في سفره ولم يستيقظ إلا بعد طلوع الشمس أمر بلالاً أن يؤذن وأن يقيم، وهذا يدل على وجوبه، ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم) . فإنه يشمل حضورها بعد الوقت وفي الوقت" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (12/163) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125475 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1226 لابد من الترتيب بين ألفاظ الأذان [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من قدم (حي على الفلاح) على (حي على الصلاة) في الأذان مع الدليل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "يجب عليه إذا قدم (حي على الفلاح) على (حي على الصلاة) أن يعيد (حي على الفلاح) بعد (حي على الصلاة) لأنه يشترط في الأذان الترتيب، فإن الأذان ورد على هذه الصفة مرتباً، فإذا نكسه الإنسان فقد عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) " انتهى. "فتاوى الطهارة والصلاة" للشيخ ابن عثيمين (ص63) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121579 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1227 كيف يلتفت المؤذن في الحيعلتين؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يلتفت المؤذن يميناً لـ (حي على الصلاة) في المرة الأولى، وشمالاً للمرة الثانية، ويميناً لـ (حي على الفلاح) في المرة الأولى وشمالاً للمرة الثانية، أو يلتفت يميناً لحي على الصلاة، وشمالاً لـ (حي على الفلاح) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "قيل: إنه يلتفت يميناً لـ (حي على الصلاة) في المرتين جميعاً، وشمالاً لـ (حي على الفلاح) للمرتين جميعاً. وقال بعضهم: يلتفت يميناً لـ (حي على الصلاة) في المرة الأولى، وشمالاً للمرة الثانية، و (حي على الفلاح) يميناً للمرة الأولى وشمالاً للمرة الثانية ليعطي كل جهة حظها من (حي على الصلاة) و (حي على الفلاح) ، ولكن المشهور وهو ظاهر السنة أنه يلتفت يميناً لـ (حي على الصلاة) في المرتين جميعاً، وشمالاً لـ (حي على الفلاح) في المرتين جميعاً، ولكن يلتفت في كل الجملة، وما يفعله بعض المؤذنين أنه يقول: "حي على" ثم يلتفت، لا أصل له" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (12/175) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120107 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1228 الذكر الوارد بعد إجابة المؤذن [السُّؤَالُ] ـ[ورد في الحديث أن الإنسان يقول عند متابعته للمؤذن: " رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً " فمتى يقول هذا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "ظاهر الحديث أن المؤذن إذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، وأجبته، تقول بعد ذلك: رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً، لأن الحديث جاء فيه: (من قال حين يسمع النداء: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً) ، وفي رواية: (من قال: وأنا أشهد) وفي قوله: (وأنا أشهد) دليل على أنه يقولها عقب قول المؤذن: "أشهد أن لا إله إلا الله"، لأن الواو حرف عطف، فيعطف قوله على قول المؤذن" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (12/194) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120012 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1229 هل على النساء أذان وإقامة؟ [السُّؤَالُ] ـ[أرجوك أخبرني هل هو فرض "أو واجب " على النساء أن يقمن بالأذان والإقامة قبل أن يصلين سواء فرداً أو في جماعةٍ مع أخوات أخريات؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: هل تشرع للمرأة إقامة الصلاة إذا أمّت النساء؟ فأجابت: لا تشرع في حقهن إقامة للصلاة سواء صلين منفردات أم صلت بهن إحداهن كما لا يشرع لهن أذان. فتاوى اللجنة الدائمة 6 / 84 وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: هل يجوز للمرأة فعل الأذان والإقامة للصلاة أم لا؟ فأجاب الشيخ رحمه الله: لا يشرع للمرأة أن تؤذن أو تقيم في صلاتها، إنما هذا من شأن الرجال، أما النساء فلا يشرع لهن أذان ولا إقامة، بل يصلين بلا أذان ولا إقامة مجموع فتاوى ومقالات متنوعة 10 / 356 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20225 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1230 لا حرج في الخروج من المسجد بعد الأذان للصلاة في مسجد آخر [السُّؤَالُ] ـ[توضح الشريعة أنه لا يجوز مغادرة المسجد بعد النداء للأذان وقبل الصلاة، إلا في حال وجود عذر مقبول، كالحاجة للمغادرة لإتمام الوضوء، لكن هل يجوز مغادرة أحد المساجد بعد الأذان لأداء الصلاة في مسجد آخر حيث يتمتع المسجد الآخر بجماعة أكبر أو قارئ أفضل ووجود من ترغب في رؤيتهم بعد الصلاة؟ وفي حالتي فإن هناك مسجداً صغيراً يعطى به درس من بعد صلاة المغرب وحتى صلاة العشاء، لكن هناك مسجد آخر توجد به جماعة أكبر بصلاة العشاء ويوجد بنفس المدينة على بعد بضعة أميال، كما يوجد به أحياناً قراء أفضل، بالإضافة إلى أنه يوجد به بعض الإخوة الآخرين الذين أود رؤيتهم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يحرم الخروج من المسجد بعد الأذان إلا لعذر؛ لما روى مسلم (655) عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ: كُنَّا قُعُودًا فِي الْمَسْجِدِ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْمَسْجِدِ يَمْشِي، فَأَتْبَعَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ بَصَرَهُ حَتَّى خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: (أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) . ورواه الترمذي وقال عقبه: " وَعَلَى هَذَا الْعَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، أَنْ لَا يَخْرُجَ أَحَدٌ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْأَذَانِ إِلَّا مِنْ عُذْرٍ أَنْ يَكُونَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، أَوْ أَمْرٍ لَا بُدَّ مِنْهُ " انتهى. ورواه أحمد (10946) بزيادة: (ثُمَّ قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كُنْتُمْ فِي الْمَسْجِدِ فَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ فَلَا يَخْرُجْ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُصَلِّيَ) وصححه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند. ومن الأعذار المبيحة للخروج: أن يخرج ليتوضأ إذا كان محل الوضوء خارج المسجد، أو يخرج بنية العودة، كما لو خرج ليوقظ أهله مثلا ثم يعود، وكذلك الخروج للصلاة في مسجد آخر إذا علم أنه سيدرك الجماعة فيه. قال في "غاية المنتهى": " وحرم خروج من مسجد بعد أذان , وقبل صلاةٍ بلا عذر , أو نية رجوع ... ويتجه جواز الخروج لو خرج بعد الأذان لكن ليصلي جماعة بمسجد آخر، لا سيما مع فضل إمامه " انتهى من "الغاية مع مطالب أولي النهى" (1/304) . وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله في الفتاوى (2/104) : " تحريم الخروج من المسجد فيه تفصيل: إِن كان بلا داعي ولا غرض له صحيح حرم، وذلك أَن صورته صورة من ينصرف عن المسجد لا يصلي. أَما إِذا كان يريد الصلاة في مسجد آخر أَو له عذر أَو ناويًا الرجوع والوقت متسع فلا يحرم " انتهى. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم وضوء الرجل في مسجد ويصلي في مسجد آخر؟ فأجاب: "إذا كانت الميضأة خارج المسجد فلا حرج أن يتوضأ في هذه الميضأة ويصلي في مسجد آخر، اللهم إلا إذا كان هذا المسجد قد أقيمت فيه الصلاة فالأَولى أن يصلي فيه، وأما إذا كانت الميضأة داخل المسجد فإنه لا يجوز الخروج من المسجد بعد الأذان إلا لسبب؛ لأن أبا هريرة رأى رجلاً خرج من المسجد بعد الأذان فقال: (أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم) ، فإن كان هناك سبب مثل أن يريد الذهاب إلى المسجد الآخر لحضور مجلس العلم أو لضرورة فلا حرج عليه أن يخرج ولو كانت الميضأة داخل المسجد " انتهى. وسئل رحمه الله: أرى بعض الإخوة يقعدون في المسجد للدرس، وعندما يشرع الأذان يخرجون، حيث إنني قرأت بأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الخروج عند الأذان، فما حكم ذلك؟ فأجاب: "في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه رأى رجلاً خرج بعد الأذان فقال: (أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم) . قال أهل العلم: يحرم الخروج من المسجد بعد الأذان إلا لعذر، ولكن الحديث هذا ليس فيه صراحة بأن الرجل خرج ليصلي في مسجد آخر، فقد يكون خرج لئلا يصلي، والذي نرى أنه إذا خرج ليصلي في مسجد آخر يعلم أنه يدركه فلا حرج عليه، لكن لا ينبغي أن يفعل لئلا يقتدي به من يخرج ولا يصلي " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (9/38) . وبهذا تعلم أنه يجوز لك الخروج من المسجد بعد الأذان لتصلي في مسجد آخر إمامه أقرأ، أو تلتقي فيه ببعض إخوانك، إذا علمت أن خروجك إليه ستدرك معه الجماعة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 116955 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1231 حكم الأذان والإقامة للمرأة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجب على المرأة أن تقيم الصلاة وتؤذن مفردة في المنزل أو بجماعة النساء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجب عليها ذلك، ولا يشرع لها. على الصحيح من أقوال العلماء؛ لأن ذلك لم يعهد إسناده إليها، ولا توليها إياه زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا في زمن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم. وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] يُنظر: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (6 / 82، 83) . الحديث: 26332 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1232 أيهما أفضل الإمامة أم الأذان؟ [السُّؤَالُ] ـ[أيها أفضل: الإمامة في الصلاة أم الأذان والإقامة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف أهل العلم في المفاضلة بين الإمامة والأذان، فاختار بعضهم تفضيل الإمامة لأنها مقام النبي صلى الله عليه وسلم، واختار بعضهم تفضيل الأذان لأن الأحاديث الواردة في فضله أعظم. جاء في "الموسوعة الفقهية" (32/157-158) : " اختلف الفقهاء في أنه هل الأذان أفضل أم الإمامة؟ فذهب الحنفية في المعتمد وهو المشهور عند المالكية , وهو قول عند بعض أصحاب الشافعي , ورواية عند أحمد , إلى أن الإمامة أفضل من الأذان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم تولاها بنفسه , وكذلك خلفاؤه الراشدون , ولم يتولوا الأذان , وهم لا يختارون إلا الأفضل , ولأن الإمامة يختار لها من هو أكمل حالا وأفضل. وذهب الشافعية والحنابلة في الراجح عندهما , وهو قول عند الحنفية والمالكية إلى أن الأذان أفضل من الإمامة , لقوله تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِل صَالِحًا) فصلت/33، قالت عائشة رضي الله عنها: نزلت في المؤذنين. ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا) أخرجه البخاري ومسلم. وقوله صلى الله عليه وسلم: (المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة) أخرجه مسلم. ولقوله صلى الله عليه وسلم: (الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن , اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين) أخرجه الترمذي. والأمانة أعلى وأحسن من الضمان , والمغفرة أعلى من الإرشاد , قالوا: كون النبي صلى الله عليه وسلم لم يقم بمهمة الأذان ولا خلفاؤه الراشدون يعود السبب فيه لضيق وقتهم عنه , لانشغالهم بمصالح المسلمين التي لا يقوم بها غيرهم , فلم يتفرغوا للأذان , ومراعاة أوقاته , قال الموَّاق: إنما ترك النبي صلى الله عليه وسلم الأذان لأنه لو قال حي على الصلاة , ولم يعجلوا لحقتهم العقوبة , لقوله تعالى: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) النور/63 وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لولا الخلافة لأذَّنتُ. وفي قول عند الحنفية والشافعية والمالكية أنهما سواء في الفضل. وفي قول آخر عند كل من المالكية والشافعية أنه إن علم من نفسه القيام بحقوق الإمامة وجميع خصالها فهي أفضل , وإلا فالأذان أفضل " انتهى. انظر: "حاشية ابن عابدين" (1/260، 370) ، "مواهب الجليل" (1/422) ، "المجموع" للنووي (3/78) ، "كشاف القناع" (1/231) ، "المغني" لابن قدامة (1/403) وقد رجح بعض مشايخنا المعاصرين القول بتفضيل الأذان على الإمامة. فقد سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: أيهما أفضل الأذان أم الإمامة؟ فأجاب: "هذه المسألة محل خلاف بين أهل العلم، والصحيح أن الأذان أفضل من الإمامة، لورود الأحاديث الدالة على فضله، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا) . وكقوله صلى الله عليه وسلم: (المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة) . فإن قال قائل: الإمامة ربطت بأوصاف شرعية مثل: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) ، ومعلوم أن الأقرأ أفضل، فقرنها بأقرأ يدل على أفضليتها. فالجواب: أننا لا نقول لا أفضلية في الإمامة، بل الإمامة ولاية شرعية ذات فضل، ولكننا نقول: إن الأذان أفضل من الإمامة لما فيه من إعلان ذكر الله تعالى، وتنبيه الناس على سبيل العموم، ولأن الأذان أشق من الإمامة، وإنما لم يؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون؛ لأنهم اشتغلوا بأهم من المهم، لأن الإمام يتعلق به جميع الناس فلو تفرغ لمراقبة الوقت لانشغل عن مهمات المسلمين" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (12/سؤال رقم/78) . ولكننا ننبه إلى أن الواجب دائما هو إخلاص العمل وإتقانه، فهو الميزان الحقيقي للمفاضلة، فرُبَّ عملٍ مفضول يرتفع به صاحبه عند الله تعالى درجات في الجنة، ورب عمل فاضل يذهب هباء على صاحبه بسبب ريائه وعدم إخلاصه لله. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112669 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1233 هل يؤذن إذا أراد أن يصلي منفرداً في المسجد؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا فاتتني صلاة الجماعة وأنا في المسجد، هل أقوم بالأذان أم بالإقامة فقط؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اتفق أهل العلم على أنه لا حرج على من دخل المسجد وصلى منفرداً ألا يؤذن ولا يقيم، اكتفاءً بأذان المؤذن في المسجد وإقامته. قال الإمام الشافعي رحمه الله في "الأم" (1/106) : "لم أعلم مخالفا في أنه إذا جاء المسجد وقد خرج الإمام من الصلاة كان له أن يصلي بلا أذان ولا إقامة" انتهى. والمستحب له أن يقيم الصلاة، والأكمل أن يؤذن ويقيم، فإن الأذان والإقامة ذكر لله تعالى، وإلى هذا المعنى أشار قتادة رحمه الله بقوله: لا يأتيك من شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله إلا خير. وقد ثبت عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه دخل المسجد وقد صلوا، فأمر رجلاً فأذن وأقام. رواه البخاري تعليقاً، وابن أبي شيبة في "المصنف" (1/250) . وصححه الألباني في "تمام المنة" (ص 150) . وقال سعيد بن المسيب في القوم ينتهون إلى المسجد وقد صلي فيه، قال: يؤذنون ويقيمون. وهذا مذهب الإمام الشافعي رحمه الله. انظر: "مغني المحتاج" (1/318) ، والنووي في "المجموع" (3/93) . وقال ابن قدامه في "المغني" (2/74) : "والأفضل لكل مصلٍّ أن يؤذن ويقيم، إلا إن كان يصلي قضاءً أو في غير وقت الأذان لم يجهر به" انتهى. يعني: حتى لا يلبس على الناس بأذانه. وقال أيضاً (2/79) : "ومن دخل مسجدا قد صلي فيه , فإن شاء أذن وأقام. نص عليه أحمد ... وإن شاء صلى من غير أذان ولا إقامة ; فإن عروة قال: إذا انتهيت إلى مسجد قد صلى فيه ناس أذنوا وأقاموا , فإن أذانهم وإقامتهم تجزئ عمن جاء بعدهم. وهذا قول الحسن , والشعبي , والنخعي , إلا أن الحسن , قال: كان أحب إليهم أن يقيم. وإذا أذن فالمستحب أن يخفي ذلك ولا يجهر به ; ليغر الناس بالأذان في غير محله " انتهى. وانظر جواب السؤال رقم: (5660) ، (6130) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112527 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1234 حكم الترديد خلف من يقيم الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[هل يستحب الترديد خلف المؤذن إذا أقام الصلاة، ثم أصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وأدعو بالدعاء الوارد بعد الأذان: اللهم رب هذه الدعوة التامة ....... ؟]ـ [الْجَوَابُ] ذهب جمهور العلماء إلى أن الإقامة تأخذ حكم الأذان في استحباب الترديد خلف المقيم، ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم الدعاء: اللهم رب هذه الدعوة التامة ........ إلخ. وهو قول الشافعية والحنابلة، وجمهور الحنفية، وقال به من العلماء المعاصرين: علماء اللجنة الدائمة للإفتاء، والشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ الألباني رحمهم الله. جاء في "الموسوعة الفقهية" (18/250) : "وكذلك بالنّسبة للمقيم فقد صرّح الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة أن يستحبّ أن يقول في الإقامة: مثل ما يقول في الأذان" انتهى. وجاء في "الدر المختار" (1 /431) (حنفي) : "ويجيب الإقامة ندباً، إجماعاً كالأذان، ويقول عند: " قد قامت الصلاة ": أقامها الله وأدامها، وقيل: لا يجيبها، وبه جزم الشُّمُنِّي" انتهى. قال الشيرازي الشافعي رحمه الله: "ويستحب لمن سمع الإقامة أن يقول مثل ما يقول" انتهى. وشرحه النووي رحمه الله بقوله: واتفق أصحابنا علي استحباب متابعته في الإقامة كما قال المصنف، إلا الوجه الشاذ الذي قدمناه عن " البسيط ". " المجموع " (3 / 122، 123) . وقال ابن قدامة رحمه الله (حنبلي) : "ويستحب أن يقول في الإقامة مثل ما يقول" انتهى. "المغني" (1/474) . وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: "السنَّة أن المستمع للإقامة يقول كما يقول المقيم؛ لأنها أذان ثان، فتجاب كما يجاب الأذان، ويقول المستمع عند قول المقيم: " حي على الصلاة، حي على الفلاح ": لا حول ولا قوة إلا بالله، ويقول عند قوله: " قد قامت الصلاة " مثل قوله، ولا يقول: " أقامها الله وأدامها "؛ لأن الحديث في ذلك ضعيف، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول) ، وهذا يعم الأذان والإقامة؛ لأن كلا منهما يسمى أذاناً. ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد قول المقيم " لا إله إلا الله " ويقول: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة ... إلخ كما يقول بعد الأذان، ولا نعلم دليلا يصح يدل على استحباب ذكر شيء من الأدعية بين انتهاء الإقامة وقبل تكبيرة الإحرام سوى ما ذكر" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود. " فتاوى اللجنة الدائمة " (6 / 89، 90) . وذهب بعض الأحناف إلى أن الترديد خلف المؤذن ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء، خاص بالأذان، ولا يستحب ذلك في الإقامة، واختاره من المعاصرين: الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. واستدل جمهور العلماء على الترديد خلف المقيم بقوله صلى الله عليه وسلم: (بين كل أذانين صلاة) متفق عليه. والمراد بذلك: الأذان والإقامة. قالوا: فإذا سميت الإقامة أذاناً، دخلت في قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول) ، فيشملها ما يشمل الأذان، من الترديد خلفه، ومن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، ومن الدعاء بعده. لكن.. قد يقال: إن الإقامة سميت أذاناً على سبيل التغليب، كما قيل " الأسودان " للتمر والماء، و " القمران " للشمس والقمر، و " العُمَران " لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وهذا التغليب يكون إذا جمع اللفظان في لفظ واحد، فإذا جُمع الشمس والقمر في لفظ واحد قلنا: القمران، لكن إذا قيل: القمر. لم يطلق على الشمس. فهكذا "الأذانان" يطلق على الأذان والإقامة، أما "الأذان" فقط فلا يطلق على الإقامة. واستدلوا أيضاً بحديث رواه أبو داود (528) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال مثل ما يقول بلال في الإقامة، إلا قول "قد قامت الصلاة" قال: أقامها الله وأدامها. إلا أنه حديث ضعيف، ضعفه النووي والحافظ ابن حجر، والألباني، وغيرهم. وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال رقم (111820) . وبين الأذان والإقامة فروق كثيرة تمنع قياس الإقامة على الأذان، وإعطائها حكم الأذان في كل شيء. وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله عن المتابعة في الإقامة. فأجاب: "المتابعة في الإقامة فيها حديث أخرجه أبو داود، لكنه ضعيف لا تقوم به الحجة، والراجح: أنه لا يُتابع" انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " (12 / السؤال رقم 129) . وسئل – أيضاً -: هل ورد الذكر بعد إقامة الصلاة كقوله: (اللهم رب هذه الدعوة التامة) ، أو قوله: (أقامها الله وأدامها) أم هل السكوت أفضل من ذلك؟ . فأجاب: "جواب هذا السؤال ينبني على صحة الحديث الوارد في ذلك، فمن صحح الحديث قال: إنه يجيب المقيم كما يجيب المؤذن، ويدعو، ويقول في الإقامة: " أقاماها الله وأدامها "، ويدعو بعد انتهاء الإقامة بما يدعو به بعد انتهاء الأذان؛ لكن الحديث ضعيف، والقول الراجح: أنه لا يقول شيئاً، ولا يتابع المقيم، ولا يدعو بدعاء الأذان" انتهى. " لقاءات الباب المفتوح " (219 / السؤال رقم 1) . وعلى كل حال؛ فالمسألة من مسائل الاجتهاد، والأدلة فيها محتملة، وكل إنسان يعمل بما وصل إليه علمه، وإن كنا نختار أن الترديد خلف المؤذن خاص بالأذان فقط. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111791 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1235 قول: "أقامها الله وأدامها" عند قول المقيم: "قد قامت الصلاة" [السُّؤَالُ] ـ[ذا قال المؤذن: "قد قامت الصلاة" أسمع بعض الناس يقولون: أقامها الله وأدامها، فهل هذا القول سنة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف العلماء في استحباب الترديد خلف من يقيم الصلاة وسبق بيان هذا في جواب السؤال رقم (111791) . وعلى القول بأنه يستحب الترديد خلف المقيم كالأذان، فإنه يقول: قد قامت الصلاة، ولا يقول: أقامها الله وأدامها. لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن نقول مثل ما يقول المؤذن، ولم يرد استثناء صحيح في ذلك إلا عند قول المؤذن: "حي على الصلاة"، "حي على الفلاح"، فإننا نقول: "لا حول ولا قوة إلا بالله". وأما الحديث الذي رواه أبو داود (528) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه أَوْ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ بِلَالًا أَخَذَ فِي الْإِقَامَةِ، فَلَمَّا أَنْ قَالَ: " قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ "، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَقَامَهَا اللَّهُ وَأَدَامَهَا) . فهو حديث ضعيف لا يصح. قال الألباني رحمه الله: وهذا إسناد واهٍ: محمد بن ثابت وهو العبدي: ضعيف، ومثله: شهر بن حوشب، والرجل الذي بينهما مجهول. " إرواء الغليل " (241) . وضعفه النووي في " المجموع " (3 / 122) والحافظ ابن حجر في " التلخيص الحبير " (1 / 211) . وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: "السنَّة أن المستمع للإقامة يقول كما يقول المقيم؛ لأنها أذان ثان، فتجاب كما يجاب الأذان، ويقول المستمع عند قول المقيم: " حي على الصلاة، حي على الفلاح ": لا حول ولا قوة إلا بالله، ويقول عند قوله: " قد قامت الصلاة " مثل قوله، ولا يقول: " أقامها الله وأدامها "؛ لأن الحديث في ذلك ضعيف، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول) ، وهذا يعم الأذان والإقامة؛ لأن كلا منهما يسمى أذاناً. ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد قول المقيم " لا إله إلا الله " ويقول: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة ... إلخ كما يقول بعد الأذان، ولا نعلم دليلا يصح يدل على استحباب ذكر شيء من الأدعية بين انتهاء الإقامة وقبل تكبيرة الإحرام سوى ما ذكر" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود. " فتاوى اللجنة الدائمة " (6 / 89، 90) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111820 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1236 هل تشرع الإقامة مثنى مثنى؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك مانع شرعي من أن تكون الإقامة للصلاة مثل كيفية الأذان مع إضافة (قد قامت الصلاة) مرتين، أي: أن تكون الإقامة بهذه الكيفية: (الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله) وهل هذه الطريقة من مذهب الإمام أبي حنيفة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ثبتت إقامة الصلاة بألفاظ متنوعة عن النبي صلى الله عليه وسلم، منها: إفراد ألفاظها، ما عدا التكبير في أولها وآخرها، يكون مرتين، وقول قد قامت الصلاة، يكون مرتين أيضاً، فيكون عدد كلماتها (11) كلمة، وهذا هو مذهب الشافعية والحنابلة، وهو قول المالكية إلا أنهم يفردون أيضا (قد قامت الصلاة) . انظر: "المغني" (2/59) ، "المدونة" (1/179) وهذه هي إقامة بلال مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم. ففي حديث عبد الله بن زيد في الأذان: (قَالَ: ثُمَّ استَأخَرَ عَنِّي غَيرَ بَعِيدٍ ثُمَّ قَالَ: ثُمَّ تَقُولُ إِذَا أَقَمتَ الصَّلَاةَ: اللَّهُ أَكبَرُ اللَّهُ أَكبَرُ، أَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الفَلَاحِ، قَد قَامَتِ الصَّلَاةُ، قَد قَامَتِ الصَّلَاةُ، اللَّهُ أَكبَرُ اللَّهُ أَكبَرُ، لَا إِلَه إِلَّا اللَّهُ. فَلَمَّا أَصبَحتُ أَتَيتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَأَخبَرتُهُ بِمَا رَأَيتُ، فَقَالَ: إِنَّهَا لَرُؤيَا حَقٍّ إِن شَاءَ اللَّهُ) رواه أبو داود (499) وقال الألباني: حسن صحيح. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (أُمِرَ بِلَالٌ أَن يَشفَعَ الأَذَانَ وَأَن يُوتِرَ الإِقَامَةَ إِلَّا الإِقَامَة) رواه البخاري (605) ومسلم (378) . وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (إِنَّمَا كَانَ الأَذَانُ عَلَى عَهدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَرَّتَينِ مَرَّتَينِ، وَالإِقَامَةُ مَرَّةً مَرَّةً، غَيرَ أَنَّه يَقُولُ: قَد قَامَتِ الصَّلَاةُ قَد قَامَتِ الصَّلَاةُ) رواه أبو داود (510) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود. ومنها: أن تكون ألفاظ الإقامة كألفاظ الأذان تماماً، ويزيد عليها قد قامت الصلاة مرتين فتكون كلماتها سبع عشرة كلمة، وهذا مذهب الحنفية وقولٌ للشافعية. انظر: "المبسوط" (1/219) . وهذه إقامة أبي محذورة رضي الله عنه، التي علمه إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فعن أبي محذورة رضي الله عنه: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ الْإِقَامَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) رواه أبو داود (502) والترمذي (192) وصححه الألباني. وكل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو سنة، ينبغي العمل به، فلا حرج أن يقيم المؤذن بإقامة بلال أو إقامة أبي محذورة، رضي الله عنهما، وإن كان الأكمل أن يفعل هذه تارة، وهذه تارة أخرى، حتى يكون قد عمل بالسنة كلها. قال شيخ الإسلام ابن تيمية بعد أن الأحاديث التي فيها جواز الإقامة بهاتين الصيغتين: "وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالصَّوَابُ مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ، وَهُوَ تَسْوِيغُ كُلِّ مَا ثَبَتَ فِي ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، لَا يَكْرَهُونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، إذْ تَنَوُّعُ صِفَةِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ كَتَنَوُّعِ صِفَةِ الْقِرَاءَاتِ وَالتَّشَهُّدَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَكْرَهَ مَا سَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأُمَّتِهِ. وَأَمَّا مَنْ بَلَغَ بِهِ الْحَالُ إلَى الِاخْتِلَافِ وَالتَّفَرُّقِ حَتَّى يُوَالِيَ وَيُعَادِيَ وَيُقَاتِلَ عَلَى مِثْلِ هَذَا وَنَحْوِهِ، مِمَّا سَوَّغَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَهَؤُلَاءِ مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دَيْنَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا. وَمِنْ تَمَامِ السُّنَّةِ فِي مِثْلِ هَذَا: أَنْ يُفْعَلَ هَذَا تَارَةً وَهَذَا تَارَةً، وَهَذَا فِي مَكَانٍ وَهَذَا فِي مَكَانٍ ; لِأَنَّ هَجْرَ مَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ وَمُلَازِمَةَ غَيْرِهِ قَدْ يُفْضِي إلَى أَنْ يَجْعَلَ السُّنَّةَ بِدْعَةً، وَالْمُسْتَحَبَّ وَاجِبًا، وَيُفْضِيَ ذَلِكَ إلَى التَّفَرُّقِ وَالِاخْتِلَافِ إذا فَعَلَ آخَرُونَ الْوَجْهَ الْآخَرَ. فَيَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يُرَاعِيَ الْقَوَاعِدَ الْكُلِّيَّةَ الَّتِي فِيهَا الِاعْتِصَامُ بِالسُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ لَا سِيَّمَا فِي مِثْلِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ " انتهى باختصار. "مجموع الفتاوى" (21/66) . وقال أيضاً: "لَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَتَّخِذَ قَوْلَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ شِعَارًا يُوجِبُ اتِّبَاعَهُ، وَيَنْهَى عَنْ غَيْرِهِ مِمَّا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ ; بَلْ كُلُّ مَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ فَهُوَ وَاسِعٌ: مِثْلُ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَة. . . فَمَنْ شَفَعَ الْإِقَامَةَ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَمَنْ أَفْرَدَهَا فَقَدْ أَحْسَنَ، وَمَنْ أَوْجَبَ هَذَا دُونَ هَذَا فَهُوَ مُخْطِئٌ ضَالٌّ، وَمَنْ وَالَى مَنْ يَفْعَلُ هَذَا دُونَ هَذَا بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ فَهُوَ مُخْطِئٌ ضَالٌّ" انتهى باختصار. "مجموع الفتاوى" (22/46) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111893 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1237 حكم الأذان بعد دخول الوقت بمدة [السُّؤَالُ] ـ[يقول بعض الناس: إذا لم تؤذن أول الوقت فلا داعي للأذان؛ لأن الأذان للإعلام بدخول وقت الصلاة. فما رأيكم في ذلك؟ وهل يشرع الأذان للمنفرد في البرية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا لم يؤذن المؤذن في أول الوقت لم يشرع له أن يؤذن بعد ذلك، إذا كان في المكان مؤذنون سواه قد حصل بهم المطلوب، وإن كان التأخير يسيرا فلا بأس بتأذينه. أما إذا لم يكن في البلد سواه فإنه يلزمه التأذين ولو تأخر بعض الوقت؛ لأن الأذان في هذه الحال فرض كفاية، ولم يقم به غيره، فوجب عليه؛ لكونه المسؤول عن ذلك؛ ولأن الناس ينتظرونه في الغالب. أما المسافر فيشرع له الأذان وإن كان وحده؛ لما ثبت في الصحيح عن أبي سعيد رضي الله عنه أنه قال لرجل: (إذا كنت في غنمك وباديتك فارفع صوتك بالنداء فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة) ورفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولعموم الأحاديث الأخرى في شرعية الأذان وفائدته" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (10/237) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112030 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1238 حكم الأذان والإقامة للمنفرد [السُّؤَالُ] ـ[أصلي الفروض أحيانا بمفردي؛ نظرا لعدم وجود مسجد بالقرب مني، فهل يلزمني الأذان والإقامة لكل صلاة أم يجوز أن أصلي دون أذان أو دون إقامة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "السنة: أن تؤذن وتقيم؛ أما الوجوب ففيه خلاف بين أهل العلم، ولكن الأولى بك والأحوط لك أن تؤذن وتقيم؛ لعموم الأدلة، ولكن يلزمك أن تصلي في الجماعة متى أمكنك ذلك. فإذا وجدت جماعة أو سمعت النداء في مسجد بقربك وجب عليك أن تجيب المؤذن، وأن تحضر مع الجماعة، فإن لم تسمع النداء ولم يكن بقربك مسجد فالسنة أن تؤذن أنت وتقيم" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (10/238) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112033 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1239 ماذا نقول عندما يقول المؤذن " الصلاة خير من النوم"؟ [السُّؤَالُ] ـ[بماذا يجاب المؤذن عندما يقول: "الصلاة خير من النوم"؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "يجيبه بمثل ما قال، فيقول: " الصلاة خير من النوم " لأن المؤذن إذا قال " الله أكبر " قال المجيب: " الله أكبر "، وإذا قال: " أشهد أن لا إله إلا الله " قال: " أشهد أن لا إله إلا الله "، وإذا قال: " أشهد أن محمداً رسول الله " قال: " أشهد أن محمداً رسول الله "، ثم يقول المجيب بعد الشهادتين: " رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً "، فإذا قال: " حي على الصلاة " قال المجيب: " لا حول ولا قوة إلا بالله " وهكذا حي على الفلاح فإذا قال: " الله أكبر " قال " الله أكبر "، وإذا قال: " لا إله إلا الله "، قال: " لا إله إلا الله "، وإذا قال: " الصلاة خير من النوم " قال المجيب: " الصلاة خير من النوم ". وقيل: يقول: " صدقت وبَرِرْت ". ... وقيل: يقول: " لا حول ولا قوة إلا بالله ". والصحيح الأول، والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول المؤذن) . وهذا لم يستثن منه في السنة إلا حي على الصلاة، وحي على الفلاح، فيقال: لا حول ولا قوة إلا بالله، فيكون العموم باقياً فيما عدا هاتين الجملتين. فإذا قال قائل: أليس قول " الصلاة خير من النوم " صدقاً؟ قلنا: بلى، وقول " الله أكبر " صدق، وقول " لا إله إلا الله " صدق، فهل تقول إذا قال: "الله أكبر": صدقت وبررت؟ ما تقول هذا، إذاً إذا قال: " الصلاة خير من النوم " فقل كما يقول، هكذا عموم أمر النبي صلى الله عليه وسلم" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (12/195) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112098 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1240 إذا سمع الإنسان مؤذناً ثم سمع آخر فأيهما يجيب؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا سمع الإنسان مؤذناً ثم سمع آخر فهل يجيب؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "يجيب الأول، ويجيب الثاني، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول المؤذن) . ولكن لو صلى ثم سمع مؤذناً بعد الصلاة فظاهر الحديث أنه يجيب لعمومه. وقال بعض العلماء: إنه لا يجيب لأنه غير مدعو بهذا الأذان فلا يتابعه، ولا يمكن أن يؤذن آخر بعد أن تؤدى الصلاة، فيحمل الحديث على المعهود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأنه لا تكرار في الأذان، ولكن لو أخذ أحد بعموم الحديث وقال: إنه ذِكْرٌ وما دام الحديث عاماً فلا مانع من أن أذكر الله عز وجل فهو على خير" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (12/193، 194) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 108374 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1241 حكم الأذان لمن صلى في غير المسجد [السُّؤَالُ] ـ[نحن نعمل في مصانع البتر وكيماويات والبترول نصلي جماعة في مصلى خاص داخل غرفة التحكم والمراقبة، علما أن المسجد يبعد 100 متر تقريبا من مبنى الغرفة، وبحكم طبيعة عملنا لا نستطيع ترك المصنع من دون مراقبة، لذلك نضطر أحيانا إلى تأخير أداء الصلاة إلى ما بعد صلاة المسجد بدقائق معدودة ننتظر أن يأتي من صلى بالمسجد؛ لينوب عنا ونقوم بالصلاة خاصة في حالات الطوارئ. السؤال: هل يجب علينا الأذان أم نكتفي بالإقامة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: صلاة الجماعة واجبة في المسجد، لكن إذا كان في حضور الإنسان إلى المسجد تضييع للمصلحة العامة، أو كان في حضوره حصول لبعض الأضرار، -كما في حالتكم – فإنه لا حرج عليه من الصلاة جماعة في مكان عمله. وللفائدة راجع جواب السؤال رقم: (82395) . ثانياً: الأذان والإقامة فرضا كفاية؛ لحديث (إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم) . رواه البخاري (602) ومسلم (674) . وينبني على كون الأذان فرض كفاية أنه إذا أذن من يسمعه أهل المكان، فقد حصلت الكفاية، فلا يجب حينئذ الأذان على كل جماعة. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (2/46) : "إذا كان الإنسان في بلد قد أُذِّنَ فيه للصَّلاة، كما لو نام جماعة في غرفة، ولم يستيقظوا إلا بعد طلوع الشمس، فلا يجب عليهم الأذان؛ لأنَّ الأذان العام في البلد حصل به الكفاية وسقطت به الفريضةُ، لكن عليهم الإقامة" انتهى. فعلى هذا؛ لا يلزمكم الأذان؛ وأذان المسجد القريب منكم يكفيكم، أما الإقامة، فإنكم تقيمون الصلاة؛ لأن في ذلك إعلاماً للحاضرين. والأفضل لكم أن تؤذنوا؛ حتى تنالوا ثواب القيام بهذه العبادة، وقد روى ابن أبي شيبة عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أنه دخل المسجد بعد انتهاء الناس من الصلاة، فأمر بعض من معه فأذن وأقام، ثم تقدم أنس رضي الله عنه وصلى بهم. صححه الألباني في "إرواء الغليل" (2/318) . وإن اقتصرتم على الإقامة فلا حرج. وللفائدة راجع جواب السؤال رقم (10078) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106053 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1242 قول أقامها الله وأدامها عند إقامة الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[سمعت بعض الناس إذا قال المؤذن في إقامة الصلاة: (قد قامت الصلاة) ، يقولون عند ذلك: (أقامها الله وأدامها) فهل هذا صحيح؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأصل في العبادات التوقيف، وألا يعبد الله إلا بما شرع، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال حينما سمع الإقامة: أقامها الله وأدامها، ولكن روى أبو داود في سننه ذلك من طريق ضعيف، قال: حدثنا سليمان بن داود العتكي حدثنا محمد بن ثابت، حدثني رجل من أهل الشام، عن شهر بن حوشب، عن أبي أمامة أو بعض من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أن بلالاً أخذ في الإقامة، فلما قال: قد قامت الصلاة، قال صلى الله عليه وسلم: (أقامها الله وأدامها) وسبب ضعفه أن في سنده رجلاً مبهماً، والمبهم لا يحتج به، وبذلك يتبين أن قول: (أقامها الله وأدامها) عند قول المقيم: (قد قامت الصلاة) غير مشروع؛ لعدم ثبوته عنه صلى الله عليه وسلم، وإنما الأفضل أن يقول من سمع الإقامة مثل قول المقيم، لأنها أذان، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول) . وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (24/215) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105357 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1243 هل صحيح أن الأذان للغافلين؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما رأيكم في هذه المقولة " الأذان للغافلين "؟ وهل هي مما قاله العلماء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فهذه المقالة لا نعرفها منسوبة إلى أحد من أهل العلم، فإن كان المقصود بها أن الذاكرين لله تعالى لا يغفلون عن مراقبة أوقات الصلوات، فلا يحتاجون لتنبيه المؤذن لهم، إن كان المقصود ذلك فهذا صحيح في غالب الأحيان، فقد كان بعض السلف يبادرون إلى المساجد قبل الأذان، فلا يؤذن المؤذن إلا وهم في المسجد، ومنهم من مضى غالب عمره على ذلك، "ففي سير أعلام النبلاء" للذهبي رحمه الله (4/221) عن سعيد بن المسيب رحمه الله قال: " ما أذن المؤذن منذ ثلاثين سنة إلا وأنا في المسجد " قال الذهبي: إسناده ثابت. وفي السير أيضا (5/ 240) : عن ربيعة بن يزيد رحمه الله قال: " ما أذن المؤذن لصلاة الظهر منذ أربعين سنة إلا وأنا في المسجد، إلا أن أكون مريضا أو مسافرا ". ولكن من المعلوم أنه ما من أحد إلا ويعرض له ما يشغله، أو قد يكون في أول الوقت نائما، فشرع الله الأذان لإعلام الناس بالصلاة، ولا يُذَم مَنْ إذا سمع الأذان أجابه، وقام إلى صلاته وإن كان مشغولا قبله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتكلم عن الأذان الأول للفجر قال: (لا يمنعن أحدكم أو أحدا منكم أذان بلال من سحوره، فإنه يؤذن أو ينادي بليل ليرجع قائمكم، ولينبه نائمكم) رواه البخاري ومسلم. ويظهر لنا – والله أعلم – أن إطلاق هذه الكلمة غير صحيح، ولهذا لم نجدها لأحد من العلماء. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 104487 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1244 منعتهم الدولة من إظهار الأذان بالمكبِّرات فكيف يتصرفون؟ [السُّؤَالُ] ـ[أولاً: أود أن أشكركم على الأدلة التي قدمتموها لي عن الموسيقى، بارك الله فيكم جميعاً فأنتم تقومون بعمل عظيم. أود أن أطرح عليكم سؤالاً خاصّاً بالأذان، فأنا حقيقة من " موريشيوس "، وقد ثارت مشكلة خاصة بالأذان منذ أسابيع قليلة، وما حدث تحديداً أن قام أحدهم برفع دعوى قضائية ضد مسجد بـ " موريشيوس "، وذلك ببساطة لأن صوت الأذان يزعجه مساء عند صلاة العشاء، ولذلك فقد أصدرت المحكمة حكماً بمنع استخدام مكبرات الصوت عند الأذان مما خلق فوضى عارمة وقلقاً وتوتراً في جميع أرجاء " موريشيوس "، والآن فإن جميع رجال الإفتاء والعلماء يجتمعون لإيجاد حل لتلك المشكلة، حتى إن البعض يوجه تحذيراً للحكومة بالقول " لا تقتربوا من أذاننا "، أود - فقط - معرفة ما إذا كان من الضروري إثارة مثل هذه المشكلة الكبيرة بسبب هذا الأمر، وفى حقيقة الأمر: فإن الأدلة التي قدمتموها عن الموسيقى أقنعتني بحرمة الموسيقى تماماً، ولهذا فأنا أشعر أنه من الممكن أن تقدموا لي أيضا دليلاً قاطعاً بخصوص الأذان، مع الأخذ في الاعتبار أننا نعيش بـ " مريشيوس "، وعليكم أن تدركوا أنها بلد متعددة الثقافات، وبناء على هذا: فهل يجب علينا أن نناضل من أجل الأذان أم يمكن أن نقبل بهذا الوضع؛ فإن تلك المشكلة يمكن أن تؤدى إلى نشوب حرب بالبلاد؛ فإن الأمر أصبح شديد الخطورة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: موريشيوس جزر صغيرة بوسط المحيط الهندي، تبعد عن ملاجاش (مدغشقر) بحوالي 500 ميلاً، منعزلة، لا يعرف عنها إلا القليل بسبب صغر مساحتها وبعدها، توجد إلى الشرق من مدغشقر، اكتشفها العرب قبل وصول الأوروبيين إليها بعدة قرون، تقع في جنوبها الغربي جزيرة ريونيون، ورغم هذا البعد والانعزال وصلها الإسلام في سنة 923 هـ - 1510 م، وظلت بريطانيا تحتل الجزيرة حتى نالت استقلالها في سنة 1388هـ - 1968 م.وعدد سكانها في عام 2002 م: 1,189,825 نسمة. ونسبة المسلمين فيها 20 % أي أن عددهم 215 ألفاً، و55 % هندوس، و20 % نصارى. انتهى ملخصاً من موسوعة " ويكيبيديا ". ثانياً: سبق في جواب السؤال رقم (10078) أن الأذان فرض كفاية، ونقلنا هناك عن علماء اللجنة الدائمة للإفتاء أنه لو أذَّن مسجد واحد في الحي وسمعه جميع أهل الحي أنه يجزئ عن المساجد الأخرى، وأن الأولى أن تؤذن المساجد جميعها، لكن من غير وجوب. ثالثاً: للأذان حِكَم متعددة: قال النووي رحمه الله: "ذكر العلماء في حكمة الأذان أربعة أشياء: إظهار شعار الإسلام وكلمة التوحيد، والإعلام بدخول وقت الصلاة، وبمكانها، والدعاء إلى الجماعة" انتهى. " شرح مسلم " (4 / 77) . وإذا عرفتم الحِكَم الجليلة في تشريع الأذان: فإن هذا يدفعكم لمحاولة نقض حكم المحكمة، على أن تسلكوا الطرق الحكيمة والمناسبة لذلك، مع ضرورة تجنب الصدام مع الدولة، أو إحداث فتنة مع المخالفين من أهل الأديان، فضلا عن الفتنة مع المسلمين، والذي ننصحكم بعمله هو ما يلي: 1. الاستمرار بإقامة شعيرة الأذان داخل المسجد، وتجنب إظهاره بالمكبرات. 2. بيان حكم الأذان لإخوانكم المسلمين، وأنه يسعكم ترك الجهر به، وأخبروهم أن شعيرة الأذان قائمة، والمنع إنما هو من إظهار الصوت وتكبيره، لا من إقامته. 3. رفع دعوى مضادة لنقض الحكم الجائر الصادر من تلك المحكمة. 4. إذا لم تنجحوا في الدعوى: فقدِّموا دعوى أخرى تطلبون فيها رفع الأذان في الأوقات الأخرى التي لا تسبب – حسب زعم ذلك المجرم الذي رفع قضيته عليكم – إزعاجاً للناس، ولا تضيعوا هذه الفرصة من أيديكم، ويمكنكم – إن شاء الله – الحصول على الإذن بإقامة الأذان في بعض الأوقات، فلا تتخلوا عن ذلك، ولو لوقت واحد. 5. إذا لم تنجحوا في شيء مما ذكرناه لكم: فلا تيأسوا، واستمروا في المحاولات، وأنتم مكرهون على ترك الجهر بالأذان، ولن تأثموا بذلك. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: "ثم لو فُرض أنهم مُنعوا من رفع الأذان: فهؤلاء مكرهون، فإذا كانوا مكرهين: فهو كالذي يترك الواجبات إكراهاً" انتهى. " لقاءات الباب المفتوح " (166 / سؤال رقم 15) . ونسأل الله تعالى أن يوفقكم لخدمة الإسلام، وأن يجمع شملكم، وأن ينفع بكم الإسلام والمسلمين. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103438 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1245 الأذان والإقامة للمنفرد [السُّؤَالُ] ـ[هل تؤذن وتقيم إذا كنت تصلي بمفردك؟ أسلمت قبل فترة قصيرة وأقرأ كتباً عن الصلاة ولكنها لا تذكر شيئاً عن هذا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يستحبّ للمنفرد الأذان والإقامة لعموم الأدلّة الدالة على ذلك. قال الشيخ منصور البهوتي رحمه الله: (وَيُسَنَّانِ) أَيْ الأَذَانُ وَالإِقَامَةُ (لِمُنْفَرِدٍ) لِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ مَرْفُوعًا {يَعْجَبُ رَبُّكَ مِنْ رَاعِي غَنَمٍ فِي رَأْسِ الشَّظِيَّةِ لِلْجَبَلِ يُؤَذِّنُ لِلصَّلاةِ وَيُصَلِّي , فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: اُنْظُرُوا إلَى عَبْدِي هَذَا يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ الصَّلاةَ , يَخَافُ مِنِّي. أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْت لِعَبْدِي وَأَدْخَلْته الْجَنَّةَ} رَوَاهُ النَّسَائِيُّ. (وَ) يُسَنَّانِ أَيْضًا (سَفَرًا) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِمَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ وَلِابْنِ عَمٍّ لَهُ {إذَا سَافَرْتُمَا فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا , وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.. مطالب أولي النهى ج1 باب الأذان ويُكره له ترك الأذان والإقامة، قال الشافعي رحمه الله تعالى: فَإِنْ تَرَكَ رَجُلٌ الأَذَانَ وَالإِقَامَةَ مُنْفَرِدًا , أَوْ فِي جَمَاعَةٍ كَرِهْت ذَلِكَ لَهُ وَلَيْسَتْ عَلَيْهِ إعَادَةُ مَا صَلَّى بِلا أَذَانٍ وَلا إقَامَةٍ. [الْمَصْدَرُ] كتاب الأم للشافعي: جماع الأذان: باب الأذان والإقامة للجمع بين الصلاتين. الحديث: 5660 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1246 الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند إقامة الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[عند إقامة الصلاة يقول المؤذن: اللهم صلى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، تم يشرع في إقامة الصلاة: (الله أكبر، الله أكبر) ، فهل هذا سنة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب على من أراد أن يؤدي عبادة أن يتعلم أحكامها وكيفيتها من سنة النبي صلى الله عليه وسلم حتى لا يعبد الله على جهل، فإن الله تبارك وتعالى لا يعبد إلا بما شرع. ومن تعبد لله تعالى بعبادة لم يشرعها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فهي مردودة عليه غير مقبولة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) رواه مسلم (1718) . ومن البدع التي أدخلت في إقامة الصلاة ما ذكره السائل من صلاة المؤذن على النبي صلى الله عليه وسلم قبل إقامة الصلاة. فإن هذا الفعل بدعة لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه. وقد نص على كونها بدعة الشيخ جمال الدين القاسمي رحمه الله في كتابه " إصلاح المساجد من البدع والعوائد " ص (134) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 22646 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1247 عمله يقتضي منه فتح جهاز الأذان الموحَّد وفيه قرآن قبله وصلاة على النبي بعده [السُّؤَالُ] ـ[يسأل أحد الإخوة المؤذنين العاملين في وزارة الأوقاف فيقول: أنا مؤذن وخادم مسجد، كُلِّفنا قبل مدة مِن الزمن بالأذان الموحد عن طريق الإذاعة، وقد كلِّفنا كذلك بتشغيل قراءة للقرآن الكريم قبل الأذان، وكذلك أيضا الجهر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان. السؤال: هل أنا آثم بالقيام بهذه الأعمال، علماً بأني مكلف رسميّاً بها , وإذا لم أقم بذلك فسوف يلحقني الضرر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الأذان من آلة التسجيل، أو من المذياع، أو من مكان واحد وإرساله عن طريق الأجهزة إلى باقي المساجد: بدعة محدثة، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (48990) . ثانياً: قراءة القرآن والتسبيحات والأذكار قبل الأذان للصلوات الخمس: بدعة محدثة أيضاً. سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما حكم الإسلام في قراءة القرآن يوم الجمعة قبل صلاة الظهر بمكبرات الصوت، إذا قلت هذا أمر غير وارد يقول لك: تريد أن تمنع قراءة القرآن؟ وما رأيكم في الابتهالات الدينية تسبق أذان الفجر بقليل بمكبرات الصوت إذا قلت: هذا أمر ليس له دليل: يقول لك: هذا عمل خير، يوقظ الناس لصلاة الفجر. فأجابوا: " لا نعلم دليلاً يدل على وقوع ذلك في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا نعلم أحداً من الصحابة عمل به، وكذلك الابتهالات التي تسبق الأذان للفجر بمكبرات الصوت، فكانت بدعة، وكل بدعة ضلالة، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) " انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. " فتاوى اللجنة الدائمة " (2 / 495، 496) . ثالثاً: الجهر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان من المؤذن: بدعة محدثة أيضاً؛ لأن الأذان عبادة، لا يحل الزيادة على ألفاظه، ولا النقصان منها، وهي تبدأ بقول المؤذن: " الله أكبر، الله أكبر "، وتنتهي بقوله: " لا إله إلا الله "، وكل ما أضيف إلى الأذان قبله أو بعده: فمحدث، وبدعة. وقد خلط هؤلاء الأذان بما قبله وما بعده من القرآن والأذكار حتى ضيعوا الأذان، فجعلوه وسط تلك الجمل والمحدثات، وكذا تسببوا في إزعاج الناس وقطع نومهم وعبادتهم. قال ابن الجوزي – رحمه الله – في ذِكر أوجه تلبيس الشيطان على المؤذنين -: " ومنه: أنهم يخلطون أذان الفجر بالتذكير والتسبيح والمواعظ، ويجعلون الأذان وسطاً، فيختلط، وقد كره العلماء كل ما يضاف إلى الأذان، وقد رأينا مَن يقوم بالليل كثيراً على المنارة، فيعظ، ويذكِّر، ومنهم من يقرأ سوراً مِن القرآن بصوت مرتفع، فيمنع الناس من نومهم، ويخلط على المتهجدين قراءتهم، وكل ذلك من المنكرات " انتهى. " تلبيس إبليس " (ص 157) . وقال المقريزي – رحمه الله – في بيان تاريخ هذه البدعة وحكمها – وأنها حدثت في سنة 791هـ، سمع بعض الفقراء الخلاطين سلامَ المؤذنين على رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة الجمعة (وهي شيء محدث أيضاً) ، وقد استحسن ذلك طائفة من إخوانه فقال لهم: أتحبون أن يكون هذا السلام في كل أذان؟ قالوا: نعم، فبات تلك الليلة، وأصبح متواجداً يزعم أنه رأى رسول الله في منامه وأنه أمره أن يذهب إلى المحتسب ويبلغه عنه أن يأمر المؤذنين بالسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل أذان، فمضى إلى محتسب القاهرة، وهو يومئذ نجم الدين محمد الطنبدي، وكان شيخاً جهولاً، سيء السيرة في الحسبة والقضاء، متهافتاً على الدرهم ولو قاده إلى البلاء، لا يحتشم من أخذ الرشوة، ولا يراعي في مؤمن إلاًّ ولا ذمة، وجهالاته شائعة، وقبائح أفعاله ذائعة، وقال له: رسول الله يأمرك أن تتقدم لسائر المؤذنين بأن يزيدوا في كل أذان قولهم " الصلاة والسلام عليك يا رسول الله " كما يفعل في كل ليالي الجمع، فأَعجب الجاهلَ هذا القول، وجهل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأمر بعد وفاته إلا بما يوافق ما شرعه الله على لسانه في حياته، وقد نهى الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز عن الزيادة في شرعه حيث يقول: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إياكم ومحدثات الأمور) ، فأمر بذلك في شعبان من السنة المذكورة، وتمَّت هذه البدعة، واستمرت إلى يومنا هذا في جميع ديار مصر، وبلاد الشام، وصارت العامة وأهل الجهالة ترى أن ذلك من جملة الأذان الذي لا يحل تركه، وأدَّى ذلك إلى أن زاد بعض أهل الإلحاد في الأذان ببعض القرى السلام بعد الأذان على شخص من المعتقدين الذين ماتوا، فلا حول ولا قوة إلا بالله، وإنا لله وإنا إليه راجعون " انتهى من الخطط المقريزية " (2 / 172) ، وانظر " الإبداع في مضار الابتداع " للشيخ علي محفوظ (ص 172 - 174) . وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: ما يفعله بعض الناس عندنا في الأردن! وبعض البلدان الأخرى من قول المؤذن عد الأذان: " اللهم صل على سيدنا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين " , فهل في ذلك شيء؟ وما حكمه؟ . فأجاب: " هذا المقام فيه تفصيل: فإن كان المؤذن يقول ذلك بخفض صوت: فذلك مشروع للمؤذن وغيره ممن يجيب المؤذن ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإن مَن صلى عليَّ واحدة صلَّى الله عليه بها عشراً، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة) خرَّجه مسلم في صحيحه , وروى البخاري في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محموداً الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة) . أما إن كان المؤذن يقول ذلك برفع صوت كالأذان: فذلك بدعة ; لأنه يوهم أنه من الأذان , والزيادة في الأذان لا تجوز ; لأن آخر الأذان كلمة " لا إله إلا الله " , فلا يجوز الزيادة على ذلك , ولو كان ذلك خيراً لسبق إليه السلف الصالح، بل لعلَّمه النبي صلى الله عليه وسلم أمَّته، وشرعه لهم , وقد قال عليه الصلاة والسلام: (مَن عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) أخرجه مسلم في صحيحه , وأصله في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها. وأسأل الله سبحانه أن يزيدنا وإياكم وسائر إخواننا من الفقه في دينه , وأن يمنَّ علينا جميعا بالثبات عليه , إنه سميع قريب " انتهى. " فتاوى الشيخ ابن باز " (1 / 439، 440) و (10 / 362، 363) . وفي " فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء " (6/101-103) : " يُشرع بعد الأذان للمؤذن وغيره أن يصلِّي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يقول: " اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة ... " ... لكن يقولها المؤذن وغيره بصوت هادئ، ولا يرفع صوته بذلك، لعدم نقل الجهر به، كما تقدم " انتهى. رابعاً: وإذا تبيَّن بدعية الأذان الموحد، وبدعية التسبيح والذِّكر وقراءة القرآن قبل الأذان، وبدعية الجهر بالصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم: يتبين الحكم في العمل على قيام المؤذن بهذه الأفعال، وهو عدم جواز ذلك، وإن رأى المؤذن أن هذا الأمر مؤقت، وأنه في سبيله للإلغاء والإبطال، أو تيسر له الانتقال لوظيفة إمام، أو وظيفة إدارية: فيمكنه البقاء إلى ذلك الحين، وإن استمر الأمر واستقر: فلا وجه للبقاء في تلك الوظيفة التي تساهم في انتشار تلك البدع والمحدثات. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 102824 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1248 حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قبل الإقامة أو بعدها [السُّؤَالُ] ـ[ماذا أقول عند النداء لقيام صلاة الفرض في المسجد؟ وهل هذا الموضع من مواضع الصلاة على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هناك مسألتان مهمتان في أبواب " الأذان والإقامة " لا بد من بيانهما والتفريق بينهما: المسألة الأولى: هل يستحب لمن أراد أن يقيم الصلاة أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يشرع في الإقامة؟ قال بذلك بعض متأخري فقهاء الشافعية، فقرره زين الدين بن عبد العزيز المليباري (ت987هـ) في كتابه "فتح المعين" (1/280) ونسبه للنووي في شرح الوسيط. وجاء في "إعانة الطالبين" (1/280) للسيد البكري الدمياطي (ت بعد 1302هـ) قوله: " وتسن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قبلهما: أي الأذان والإقامة " انتهى. ولكن نقل الشيخ علي الشبرامُلَّسي (ت1087هـ) من فقهاء الشافعية في حاشيته على "نهاية المحتاج" (1/432) عن بعضهم نفي نسبة القول للنووي، وأنه سبق قلم وقع في شرح الوسيط، والصحيح "بعد الإقامة" وليس "قبل الإقامة". ويمكن أن يستدل لهذا القول بحديث يرويه الطبراني في "المعجم الأوسط" (8/372) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان بلال إذا أراد أن يقيم الصلاة قال: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، الصلاة رحمك الله) لكن في سنده راو اسمه عبد الله بن محمد بن المغيرة ضعيف جدا، يروي المنكرات والموضوعات، جاء في ترجمته في "لسان الميزان" (3/332) : " قال أبو حاتم: ليس بقوي. وقال ابن يونس: منكر الحديث. وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه. قال النسائي: روى عن الثوري ومالك بن مغول أحاديث كانا أتقى لله من أن يحدثا بها. ذكره العقيلي في الضعفاء فقال: يحدث بما لا أصل له " انتهى. لذلك حكم الشيخ الألباني رحمه الله على حديثه هذا بالكذب والوضع – كما في "السلسلة الضعيفة" (891) – ثم قال: " وهذا الحديث كأنه الأصل لتلك البدعة الفاشية التي رأيناها في حلب وإدلب وغيرها من بلاد الشمال، وهي الصلاة والسلام على النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم جهرا قبيل الإقامة، وهي كالبدعة الأخرى، وهي الجهر بها عقب الأذان كما بينه العلماء المحققون. على أن الظاهر من الحديث - لو صح - أن بلالا كان يدخل على النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وهو في حجرته ليخبره بأنه يريد أن يقيم حتى يخرج عليه الصلاة والسلام فيقيم بلال، أو لعله لا يسمع الإقامة فيخبر بها " انتهى. فالصحيح أنه لا يستحب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قبل الإقامة – كما جرت به العادة في بعض البلاد – لعدم ثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه، وهي إلى البدعة أقرب منها إلى السنة. وقد أنكر المحققون من الشافعية هذا الفعل أيضا: سئل ابن حجر الهيتمي في "الفتاوى الفقهية الكبرى" (1/129) : " هل نص أحد على استحباب الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم أول الإقامة؟ فأجاب: لم أر من قال بندب الصلاة والسلام أول الإقامة، وإنما الذي ذكره أئمتنا أنهما سنتان عقب الإقامة كالأذان، ثم بعدهما: اللهم رب هذه الدعوة التامة ... (ثم ذكر الآثار السابقة عن الحسن البصري وغيره) " انتهى. وقال أيضا في (1/131) : " لم نر في شيء منها – يعني الأحاديث - التعرض للصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم - قبل الأذان، ولا إلى محمد رسول الله بعده، ولم نر أيضا في كلام أئمتنا تعرضا لذلك أيضا، فحينئذ كل واحد من هذين ليس بسنة في محله المذكور فيه، فمن أتى بواحد منهما في ذلك معتقدا سنيته في ذلك المحل المخصوص نُهي عنه ومنع منه؛ لأنه تشريع بغير دليل، ومن شرَّع بلا دليل يزجر عن ذلك ويُنهى عنه " انتهى. وانظر ما سبق حول ذلك في جواب السؤال رقم (22646) المسألة الثانية: هل يستحب للمقيم نفسِه ولِمَن يسمع الإقامة أن يصليَ على النبي صلى الله عليه وسلم عقب الفراغ منها؟ ذهب إلى استحباب ذلك جماهير أهل العلم، مستدلين بحديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ) رواه مسلم (384) يقول ابن رجب في "فتح الباري" (3/457) : " وقوله: " إذا سمعتم المؤذن " يدخل فيه الأذان والإقامة؛ لأن كلا منهما نداء إلى الصلاة، صدر من المؤذن " انتهى. قالوا: وقد ورد ذلك من صريح قول بعض الصحابة والتابعين: روى ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (حديث رقم/105) عن أبي هريرة، رضي الله عنه: أنه كان يقول إذا سمع المؤذن يقيم: اللهم رب هذه الدعوة التامة، وهذه الصلاة القائمة، صل على محمد، وآته سؤله يوم القيامة. وروى عبد الرزاق في "المصنف" (1/496) عن أيوب وجابر الجعفي قالا: " من قال عند الاقامة: اللهم! رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، أعط سيدنا محمدا الوسيلة، وارفع له الدرجات، حقت له الشفاعة على النبي صلى الله عليه وسلم " وروى الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم" (60) عن يوسف بن أسباط قال: " بلغني أنّ الرجل المسلم إذا أقيمت الصلاة فلم يقل: اللهم ربّ هذه الدعوة المستمعة المستجاب لها، صلِّ على محمد وعلى آل محمد، وزوجنا من الحور العين، قلن حور العين: ما كان أزهدك فينا " انتهى. ولذلك عقد ابن القيم رحمه الله في "جلاء الأفهام" (372-373) فصلا قال فيه: " الموطن السادس من مواطن الصلاة عليه: الصلاة عليه بعد إجابة المؤذن، وعند الاقامة " ثم ذكر حديث عبد الله بن عمرو وبعض الآثار السابقة، وذكر أيضا من رواية الحسن بن عرفة بسنده إلى الحسن البصري قال: " إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة، قال: اللهم رب هذه الدعوة الصادقة والصلاة القائمة، صل على محمد عبدك ورسولك , وأبلغه درجة الوسيلة في الجنة , دخل في شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم " وروى نحوه ابن أبي شيبة في "المصنف" (7/124) عن الحكم والحسن البصري. وفي "فتاوى اللجنة الدائمة" (6/89-90) : " السنة أن المستمع للإقامة يقول كما يقول المقيم؛ لأنها أذان ثان، فتجاب كما يجاب الأذان، ويقول المستمع عند قول المقيم: (حي على الصلاة، حي على الفلاح) لا حول ولا قوة إلا بالله، ويقول عند قوله: (قد قامت الصلاة) مثل قوله، ولا يقول: أقامها الله وأدامها؛ لأن الحديث في ذلك ضعيف، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول) وهذا يعم الأذان والإقامة؛ لأن كلا منهما يسمى أذانا. ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد قول المقيم (لا إله إلا الله) ويقول: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة ... إلخ كما يقول بعد الأذان. ولا نعلم دليلا يصح يدل على استحباب ذكر شيء من الأدعية بين انتهاء الإقامة وقبل تكبيرة الإحرام سوى ما ذكر " انتهى. وفي "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (10/347) : " وأما بعد الفراغ من الذكر من الأذان أو الإقامة، فلا أحفظ شيئا في هذا، إلا أنه صلى الله عليه وسلم شرع للناس أن يجيبوا المؤذن والمقيم، ويقولوا بعد الأذان والإقامة وبعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته) رواه البخاري في صحيحه " انتهى. وانظر "مغني المحتاج" (1/329) ، "حاشية الجمل" (1/309) ، "الموسوعة الفقهية" (6/14) ، "الثمر المستطاب" (214-215) والقول الثاني: أنه لا تستحب إجابة المقيم، وبه جزم بعض الأحناف، كما في رد المحتار (2/71) ، وبعض الماليكة أيضا. قال الشيخ زروق: " ولا يحكي الإقامة " اهـ انظر: مواهب الجليل 2/132. اواختاره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. قال: " المتابعة في الإقامة فيها حديث أخرجه أبو داود، لكنه ضعيف لا تقوم به الحجة، والراجح أنه لا يتابع " انتهى. مجموع فتاوى الشيخ (12/169) ، وانظر الشرح الممتع (1/318) ط مصر. وأما حديث: " بين كل أذنين صلاة "، فإنما سميت الإقامة أذانا من باب التغليب، ولم نقف على تسميتها أذانا بمفردها. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " وَتَوَارَدَ الشُّرَّاح عَلَى أَنَّ هَذَا مِنْ بَاب التَّغْلِيب كَقَوْلِهِمْ الْقَمَرَيْنِ لِلشَّمْسِ وَالْقَمَر ... ". وقال الشيخ بكر أبو زيد، حفظه الله: " لا يعرف حديث صحيح صريح في أن من سمع المؤذن يقيم الصلاة يجيبه، كما ثبت ذلك لمن سمع المؤذن، ودخول إجابة المؤذن في عموم أحاديث إجابة الأذان لا يسلم به، لأن التعليم المفصل من النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطبق إلا على إجابة المؤذن في الأذان " انتهى. تصحيح الدعاء (394) . وانظر: أحكام الأذان والنداء والإقامة تأليف: سامي بن فراج الحازمي (441-443) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 101856 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1249 أيهما أَوْلى وأفضل: الاشتغال بإجابة الأذان أم تعجيل الإفطار؟ [السُّؤَالُ] ـ[يقال: إنه يجب الاستماع للأذان. لكن ما هو حكم من يفطر عند سماع أذان المغرب؟ هل يعفى بسبب تناوله طعام الإفطار؟ وما هو حكم نفس الأمر عند التسحر عند أذان الفجر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف العلماء في حكم إجابة المؤذن ومتابعته في كلمات الأذان والصحيح - هو قول جمهور العلماء -: أن متابعته مستحبة غير واجبة. وهو قول المالكية والشافعية والحنابلة. قال النووي رحمه الله في "المجموع" (3/127) : " مذهبنا أن المتابعة سنة ليست بواجبة، وبه قال جمهور العلماء، وحكى الطحاوي خلافا لبعض السلف في إيجابها " انتهى. وفي "المغني" (1/256) عن الإمام أحمد أنه قال: " وإن لم يقل كقوله فلا بأس " انتهى بتصرف. ويدل على ذلك " قول النبي عليه الصلاة والسلام لمالك بن الحويرث ومن معه: (إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم) . فهذا يدل على أن المتابعة لا تجب، ووجه الدلالة: أن المقام مقام تعليم، وتدعو الحاجة إلى بيان كل ما يحتاج إليه، وهؤلاء وَفْدٌ قد لا يكون عندهم علم بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في متابعة الأذان، فلما ترك النبي صلى الله عليه وسلم التنبيه على ذلك مع دعاء الحاجة إليه، وكون هؤلاء وفدًا لبثوا عنده عشرين يوما ثم غادروا - يدل على أن الإجابة ليست بواجبة، وهذا هو الأقرب والأرجح " انتهى من الشرح الممتع (2/75) . وروى مالك في "الموطأ" (1/103) عن ابن شهاب عن ثعلبة بن أبي مالك القرظي أنه أخبره: (أنهم كانوا في زمان عمر بن الخطاب يُصَلُّون يوم الجمعة حتى يخرج عمر، فإذا خرج عمر وجلس على المنبر وأذن المؤذنون قال ثعلبة: جلسنا نتحدث. فإذا سكت المؤذنون وقام عمر يخطب أنصتنا فلم يتكلم منا أحد. قال ابن شهاب: " فخروج الإمام يقطع الصلاة وكلامه يقطع الكلام ". قال الشيخ الألباني رحمه الله في "تمام المنة" (340) : " في هذا الأثر دليل على عدم وجوب إجابة المؤذن، لجريان العمل في عهد عمر على التحدث في أثناء الأذان، وسكوت عمر عليه، وكثيرا ما سئلت عن الدليل الصارف للأمر بإجابة المؤذن عن الوجوب؟ فأجبت بهذا " انتهى. بناء على ما سبق، فلا إثم على من ترك إجابة المؤذن ولم يتابعه، سواء كان تركه لانشغاله بطعام أو غيره، غير أنه يفوته بذلك الأجر العظيم عند الله تعالى. فقد روى مسلم (385) عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ. فَقَالَ أَحَدُكُمْ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ. ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ. قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ. ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ. قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ. ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ. قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ. ثُمَّ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مِنْ قَلْبِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ) وليس هناك تعارض بين تعجيل الفطر والترديد خلف المؤذن، فيستطيع الصائم أن يبادر بالفطر بعد غروب الشمس مباشرة، وفي الوقت نفسه يردد خلف المؤذن، فيكون قد جمع بين الفضيلتين: فضيلة المبادرة بالفطر، وفضيلة الترديد خلف المؤذن. ولم يزل الناس قديماً وحديثاً يتكلمون على طعامهم، ولا يرون الطعام شاغلاً لهم عن الكلام، مع التنبيه أن تعجيل الفطر يحصل بأي شيء يأكله الصائم ولو كان شيئاً يسيراً، كتمرة أو شربة ماء، وليس معناه أن يأكل حتى يشبع. وكذلك يقال أيضاً إذا أذن الفجر وهو يأكل السحور، فيمكن الجمع بين الأمرين بلا مشقة ظاهرة. غير أنه إذا كان المؤذن يؤذن للفجر بعد دخول الوقت، فيجب الكف عن الأكل والشرب عند سماع أذانه. وانظر جواب السؤال رقم (66202) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 101582 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1250 التلحين والتمطيط في الأذان [السُّؤَالُ] ـ[ما الحكم في التغني بالآذان والتمطيط في أحرف العلة؟ إن الحديث الذي يتناول حرمة الغناء يتضمن أيضا أخذ المال (عليه) . هل التغني بالأذان حرام بعينه أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز التغني بالأذان والتطريب به، وليس هو كحرمة الغناء، بل هو متردد بين الكراهة والتحريم إلا أن يغيِّر المعنى فيحرم. 1. قال زين الدين العراقي: والمستحب أن يترسل في الأذان، … ويكره التمطيط وهو التمديد [والتغني] وهو التطريب، لما روي أن رجلا قال لابن عمر " إني لأحبك في الله قال: وأنا أبغضك في الله إنك تبغي في أذانك " قال حماد يعني التطريب. 2. قال ولي الدين العراقي: قال الشاشي في " المعتمد ": الصواب أن يكون صوته بتحزين وترقيق ليس فيه جفاء كلام الأعراب ولا لين كلام المتماوتين … قال صاحب " الحاوي ": البغي تفخيم الكلام والتشادق فيه، قال: ويكره تلحين الأذان؛ لأنه يخرجه عن الإفهام ولأن السلف تجافوه، وإنما أُحدث بعدهم. " طرح التثريب " (3 / 118 - 120) . 3. قال ابن الحاج: فصل في النهي عن الأذان بالألحان وليحذر في نفسه أن يؤذن بالألحان وينهى غيره عما أحدثوا فيه مما يشبه الغناء، وهذا ما لم يكن في جماعة يطربون تطريبا يشبه الغناء حتى لا يعلم ما يقولونه من ألفاظ الأذان إلا أصوات ترتفع وتنخفض وهي بدعة مستهجنة قريبة العهد بالحدوث أحدثها بعض الأمراء بمدرسة بناها ثم سرى ذلك منها إلى غيرها وهذا الأذان هو المعمول به في الشام في هذا الزمان وهي بدعة قبيحة إذ إن الأذان إنما المقصود به النداء إلى الصلاة فلا بد من تفهيم ألفاظه للسامع، وهذا الأذان لا يفهم منه شيء لما دخل ألفاظه من شبه الهنوك والتغني، وقد ورد في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " … وقال الإمام أبو طالب المكي رحمه الله في كتابه ومما أحدثوه التلحين في الأذان وهو من البغي فيه والاعتداء، قال رجل من المؤذنين لابن عمر: إني لأحبك في الله، فقال له: لكني أبغضك في الله، فقال: ولم يا أبا عبد الرحمن؟ قال: لأنك تبغي في أذانك، وتأخذ عليه أجرة، وكان أبو بكر الآجري رحمه الله يقول خرجت من بغداد ولم يحل لي المقام بها قد ابتدعوا في كل شيء حتى في قراءة القرآن وفي الأذان يعني الإجارة والتلحين انتهى. " المدخل " (2 / 245، 246) . 4. قال في " المدونة ": ويكره التطريب في الأذان، قال في " الطراز ": والتطريب: تقطيع الصوت وترعيده، وأصله خفة تصيب المرء من شدة الفرح أو من شدة التحزين، وهو من الاضطراب أو الطربة، قال في " العتبية ": التطريب في الأذان منكر، قال ابن حبيب: وكذلك التحزين من غير تطريب ولا ينبغي إمالة حروفه والتغني فيه، والسنة فيه أن يكون محدراً معلنا يرفع به الصوت انتهى، وقال ابن فرحون: والتطريب: مد المقصور، وقصر الممدود، وسمع عبد الله بن عمر رجلا يُطرِّب في أذانه، فقال: لو كان عمر حيّاً فكَّ لحييك انتهى، وقال ابن ناجي: يكره التطريب؛ لأنه ينافي الخشوع والوقار، وينحو إلى الغناء، والكراهة في التطريب على بابها إن لم تتفاحش وإلا فالتحريم، وألحق ابن حبيب التحزين بالتطريب، نقله أبو محمد. … فتحصل من هذا أنه يستحب في المؤذن أن يكون حسن الصوت، ومرتفع الصوت، وأن يُرجع صوته، ويكره الصوت الغليظ الفظيع، والتطريب والتحزين إن لم يتفاحش وإلا حرم. " مواهب الجليل " لحطاب (1 / 437، 438) . 5. قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: ثم التمديد الزائد عن المطلوب في الأذان ما ينبغي، فإن أحال المعنى: فإنه يبطل الأذان، حروف المد إذا أعطيت أكثر من اللازم: فلا ينبغي، حتى الحركات إذا مدَّت: إن أحالت المعنى: لم يصح وإلا كره ". " فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم " (2 / 125) . 6. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: الملحن: المطرَّب به، أي: يؤذن على سبيل التطريب به كأنما يجر ألفاظ أغنية: فإنه يُجزئ لكنه يكره. الملحون: هو الذي يقع فيه اللحن، أي: مخالفة القواعد العربيَّة، ولكن اللحن ينقسم إلى قسمين: قسم لا يصح معه الأذان، وهو الذي يتغير به المعنى. وقسم يصح به الأذان مع الكراهة، وهو الذي لا يتغير به المعنى، فلو قال المؤذن " الله أكبار " لا يصح؛ لأنه يحيل المعنى، فإن " أكبار " جمع كَبَر، كأسباب جمع سبب وهو " الطبل ". " الشرح الممتع " (2 / 62، 63) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 10523 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1251 ليس للنوافل أذان ولا إقامة [السُّؤَالُ] ـ[صلاة التطوع كصلاة الضحى وصلاة الليل، هل لها من أذان وإقامة أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا ليس لها أذان ولا إقامة بل إذا توضأت تُصلي ما تيسر لك كصلاة الضحى أو بعد الظهر وآخر الليل أو في أي وقت كان غير أوقات النهي، فهذه تُصلي بدون أذان ولا إقامة، لأن رسول الله صلى الله إذا قام يصلي لم ينقل أنه كان يؤذن أو يقيم، إنما الأذان والإقامة مخصوصان في الفرائض فقط، أما التراويح والوتر وصلاة التطوع فليس لها أذان ولا إقامة، كما قرره أهل العلم، وكما هي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنة خلفائه الراشدين. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] من كتاب سماحة الشيخ عبد الله بن حميد ص 114 الحديث: 9360 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1252 هل الأذان من الوحي أو اقتراح من صحابي [السُّؤَالُ] ـ[أعتقد أني قرأت عن أن الأذان للصلاة اقترحه شخص على النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن قال أنه لا يريد أن يستخدم الأجراس التي يستخدمها النصارى أو مثلما يفعل اليهود للنداء لصلواتهم. فالسؤال هو: كيف يتفق ذلك الحدث مع الاعتقاد بأن كل ما يأمرنا به النبي صلى الله عليه وسلم ما هو إلا وحي يوحى؟ إنني لا أحاول أن أكون مجادلاً ولكن سألت ذلك السؤال بقلب نقي أريد فيه المزيد من الفهم. وشكراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأذان يراد به في اللغة الإبلاغ وفي الشرع الإبلاغ والإعلام بدخول الوقت، وقد شرع في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة لحديث عبد الله بن زيد بن عبد ربه: لما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضرب بالناقوس وهو له كاره لموافقته النصارى طاف بي من الليل طائف وأنا نائم رجل عليه ثوبان أخضران وفي يده ناقوس يحمله قال فقلت: يا عبد الله أتبيع الناقوس؟ قال وما تصنع به؟ قال قلت: ندعو به إلى الصلاة. قال: أفلا أدلك على خيرٍ من ذلك فقلت: بلى. قال تقول: الله اكبر … . (إلى نهاية الأذان) … قال: فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت فقال: إنها لرؤيا حق إن شاء الله فقم مع بلال فألْقِ عليه ما رأيت فإنه أندى صوتاً منك قال فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به قال: فسمع ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو في بيته فخرج يجرّ رداءه يقول: والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذي أُرِي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلله الحمد. رواه أحمد (15881) والترمذي (174) وأبو داود (421) و (430) وابن ماجه (698) . يتّضح من هذا الحديث: أنّ كلمات الأذان رؤيا منام رآها صحابي جليل وأقره عليها نبينا الكريم، فهي ليست اقتراحاً كما ذكرت، بل هي رؤيا، ومن المعلوم أن الرؤيا جزء من سبعين جزءاً من النبوة لما جاء في حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الرؤيا جزء من سبعين جزءاً من النبوة " رواه أحمد (4449) . ورواه البخاري بلفظ " الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة ". رواه البخاري (6474) ومسلم (4203) و (42005) . فالرؤيا هنا كما وصفها الرسول صلى الله عليه وسلم بأنها رؤيا حق فهي من الله وليست اقتراحاً من شخص فهي نبوة بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم لها أنها رؤيا حق ولو لم يقر لها الرسول لم تكن رؤيا حق وليست من النبوة، فالذي قضى بأنّها حقّ هو النبي صلى الله عليه وسلم والذي أمر بالعمل بها هو النبي صلى الله عليه وسلم الموحى إليه من ربه. وقد رأى عمر رضي الله عنه مثل ذلك ولا ننسى أنّ عمر من الخلفاء الراشدين المهديين حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم " … فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ ". رواه الترمذي (2600) وابن ماجه (43) وأحمد (16519) . وقد وافق عمر رضي الله عنه الوحي والتشريع الإلهي مراراً كثيرة وروت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه كان يقول قد كان يكون في الأمم قبلكم محدثون فإن يكن في أمتي منهم أحد فإن عمر بن الخطاب منهم ". رواه البخاري (3282) ومسلم (2398) وعنده: قال ابن وهب تفسير " محدَّثون ": ملهمون. فإن قلت ولماذا كان ابتداء الأذان بهذه الطريقة حيث يراها صحابيان ثمّ يؤكّدها الوحي ولم تكن من الوحي مباشرة كغيرها من الأحكام فالجواب أنّ الله يشرع ما يريد كما يريد عزّ وجلّ ولعلّ فيما حدث إظهارا لفضل هذين الصحابيين وإثباتا للخير في هذه الأمة وأن منهم من يوافق الوحي وأنّ فيهم منامات صادقة تدلّ على صدقهم فإنّ أصدق الناس رؤيا أصدقهم حديثا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم. وأخيرا فإن مما هو معلوم في كتب أهل العلم في تعريف السنّة: بأنها كلّ ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم من'' قول أو فعل أو تقرير ''. فالقول والفعل واضحان وأما التقرير فهو أن يفعل أحد أمامه فعلاً فإن أقره فهو شرع لا لفعل ذلك الرجل ولكن لموافقة الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يسكت على الباطل ولا يقرّ أحداً على باطل وضلال. وقد لا يقره على ذلك وينهاه، كما فعل عليه الصلاة والسلام مع الصحابي أبي إسرائيل فيما رواه ابن عباس قال: " بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم في الشمس، فسأل عنه، قالوا: هذا أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد، ولا يستظل، ولا يتكلم، ويصوم، قال: مُرُوه فليتكلم، وليستظل، وليقعد، وليتم صومه ". رواه البخاري (6326) . فهذا النبي صلى الله عليه وسلم أقر أبا إسرائيل على نذر الصوم، وأبطل عليه باقي ما نذره، فلم يقره عليه. فيتّضح إذن أنّ الأذان صار شرعا ودينا بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم للصحابيين على ما أراهما الله في المنام وأمره لعبد الله بن زيد أن يلقيه على بلال ليؤذّن به، ولعل ما سبق من الإيضاح يكون قد أزال الإشكال وبيّن الأمر لك أيها الأخ السائل ونسأل الله لنا ولك الفقه في الدين. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 7945 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1253 الترديد مع المؤذن أثناء الوضوء والطواف [السُّؤَالُ] ـ[عن المتوضئ إذا سمع الأذانَ هل تسنُّ له الإجابة حينئذٍ أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سُئل ابن حجر الهيتمي السؤال السابق فأجاب بقوله: أما حال الوضوء فيجيب؛ لأن المتوضئ إنما يسن له السكوت عن غير الذكر، وأذكار الأعضاء في ندبها خلاف بل الأصح عدم ندبها كما قاله النووي؛ لأن أحاديثها لا تخلو عن كذاب أو متهم بالكذب، (أي لم تصح أذكار خاصة أثناء غسل اعضاء الوضوء) . وأما الإجابة: فمندوبةٌ اتفاقاً، ولذا قالوا بندبها للطائف مع أنَّ له أذكاراً مطلوبةٌ اتفاقاً، فالمتوضئ أولى. وأما بعد فراغ الوضوء بأن وافق فراغ وضوئه فراغ المؤذن، فيأتي بذكر الوضوء كما أفتى به البلقيني مقدِّماً له على الذكر عقب الأذان؛ لأنه للعبادة التي فرغ منها ثم يذكر الأذان. قال: وحسن أن يأتي بشهادتي الوضوء ثم بدعاء الأذان لتعلقه بالنبي صلى الله عليه وسلم، ثم بالدعاء لنفسه. [الْمَصْدَرُ] " الفتاوى الفقهية الكبرى " (1 / 61) . الحديث: 21655 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1254 الأذكار بين الأذان والإقامة [السُّؤَالُ] ـ[أود أن أعرف الدعاء الذي نقوله قبل الأذان وقبل الإقامة وبعد الأذان وبعد الإقامة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله 1. أما عن الدعاء قبل الأذان فليس هناك دعاء قبل الأذان - فيما أعلم - ولو خصص ذلك بقول خاص أو غير خاص في ذلك الوقت فهو بدعة منكرة ولكن إن جاء اتفاقاً وصدفة فلا بأس به. 2. أما قبل الإقامة عندما يهم المؤذن بالإقامة بالذات فهذا أيضاً لا نعلم فيه قولاً مخصوصاً ففعله مع عدم ثبوت دليل عليه بدعة منكرة. 3. أما ما بين الأذان والإقامة فالدعاء عندئذٍ مرغّب فيه ومستحب. عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة فادعوا ". رواه الترمذي (212) وأبو داود (437) وأحمد (12174) – واللفظ له – وصححه الألباني في صحيح أبي داود 489. والدعاء بعد الأذان مباشرة له صيغ مخصوصة: - منها: عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة ". رواه البخاري (589) . 4. وأما الدعاء بعد الإقامة فلا نعلم له دليلاً، وإن خصص الدعاء بشيء من غير دليل صحيح كان بدعة. 5. وأما الدعاء حين الأذان فإنه يسن لك أن تقول كما يقول المؤذن إلا عند قوله: حي على الصلاة – حي على الفلاح. فإنك تقول: لا حول ولا قوة إلا بالله. عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا قال المؤذن الله أكبر الله أكبر فقال أحدكم الله أكبر الله أكبر ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله قال أشهد أن لا إله إلا الله ثم قال أشهد أن محمدا رسول الله قال أشهد أن محمدا رسول الله ثم قال حي على الصلاة قال لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال حي على الفلاح قال لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال الله أكبر الله أكبر قال الله أكبر الله أكبر ثم قال لا إله إلا الله قال لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة ". رواه مسلم (385) . 6- أما الدعاء حين الإقامة: فبعض العلماء أجراه على العموم باعتباره أذاناً فاستحب الترديد، ولم يستحبه علماء آخرون لضعف الحديث الوارد في الترديد مع الإقامة الذي سيأتي تخريجه، ومنهم الشيخ محمد بن إبراهيم في الفتاوى (2/136) والشيخ العثيمين في الشرح الممتع (2/84) ـ ومن الخطأ قول: أقامها الله وأدامها الله عند قول المؤذن: قد قامت الصلاة لأن الحديث الوارد في ذلك ضعيف. عن أبي أمامة أو عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: " أن بلالا أخذ في الإقامة فلما أن قال قد قامت الصلاة قال النبي صلى الله عليه وسلم " أقامها الله وأدامها " وقال في سائر الإقامة كنحو حديث عمر رضي الله عنه في الأذان ". رواه أبو داود (528) . والحديث: ضعفه الحافظ ابن حجر في " التلخيص الحبير " (1 / 211) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 5666 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1255 حكم الأذان [السُّؤَالُ] ـ[هل الأذان واجب؟ نحن طلبة كلية ونصلي في مصلى فهل يجب أن نؤذن قبل الصلاة ونحن نسمع الأذان من مساجد أخرى؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الأذان لغةً: الإعلام، قال الله تعالى: {وأذن في الناس بالحج} الحج / 27، أي: أعلمهم به. وشرعاً: التعبد لله بالإعلام بوقت الصلاة المفروضة، بألفاظ معلومة مأثورة، على صفة مخصوصة. ثانياً: اتفق الفقهاء على أن الأذان من خصائص الإسلام وشعائره الظاهرة. ولكنهم اختلفوا في حكمه، فقيل: إنه فرض كفاية: وهو مذهب الإمام أحمد واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، ومن المعاصرين: الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. وقيل: إنه سنة مؤكدة. والصواب من القولين أنه فرض كفاية، فإذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين. ودليل ذلك من السنة: عن مالك بن الحويرث قال أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن شببة متقاربون فأقمنا عنده عشرين ليلة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيما رفيقا فظن أنا قد اشتقنا إلى أهلنا فسألنا عمن تركناه من أهلنا فأخبرناه، فقال: ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا عندهم وعلموهم ومروهم، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم. رواه البخاري (602) ومسلم (674) . وفي رواية للبخاري (604) : " إذا أنتما خرجتما فأذنا ثم أقيما ثم ليؤمكما أكبركما ". وفي رواية للترمذي (205) والنسائي (634) : عن مالك بن الحويرث قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وابن عم لي فقال: " إذا سافرتما فأذِّنا وأقيما وليؤمكما أكبركما ". صححه الألباني في " إرواء الغليل " (1 / 230) . فهذا الحديث دليل على أن الأذان فرض على الكفاية لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يؤذن من الجماعة واحد فقط، ولم يأمر الجماعة كلها بالأذان. انظر: توضيح الإحكام (1/424) . قال النووي: فيه: أن الأذان والجماعة مشروعان للمسافرين، وفيه: الحث على المحافظة على الأذان في الحضر والسفر. " شرح مسلم " (5 / 175) . قال علماء اللجنة الدائمة: الأذان فرض كفاية في البلد وهكذا الإقامة، وإذا دخل في الصلاة بدون أذان ولا إقامة نسياناً أو جهلاً أو لغير ذلك فصلاته صحيحة. فتاوى الجنة الدائمة (6/54) . وقال الشيخ ابن عثيمين: والدليل على فرضيتهما – أي: الأذان والإقامة -: أمْر النبي صلى الله عليه وسلم بهما في عدة أحاديث، وملازمته لهما في الحضر والسفر، ولأنه لا يتم العلم بالوقت إلا بهما غالباً، ولتعين المصلحة بهما؛ لأنهما من شعائر الإسلام الظاهرة. " الشرح الممتع " (2 / 38) . وينبني على كون الأذان فرض كفاية أنه إذا أذن في البلد من يسمعها فقد حصلت الكفاية فلا يجب حينئذ الأذان على كل جماعة، وإن كان الأولى والأفضل ألا يترك الأذان ولو كان المصلي منفرداً. وقد سئلت اللجنة الدائمة: هل من الواجب الأذان في جميع المساجد بمكبرات الصوت في حي واحد مع العلم أن المسجد الواحد يسمعه جميع المسلمين؟ وهل يكفي الأذان في مسجد واحد من مساجد الحي؟ الجواب: الأذان فرض كفاية فإذا أذن مؤذن في الحي وأسمع سكانه أجزأهم، ويشرع لأهل كل مسجد أن يؤذنوا لعموم الأدلة. وعلى هذا فالأفضل لكم أن تؤذنوا، وإن كان ذلك غير واجب عليكم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 10078 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1256 هل يؤذّن ويجهر بالقراءة إذا صلى وحده [السُّؤَالُ] ـ[هل يجب رفع الصوت في الصلاة الجهرية إذا صليت منفرداً؟ وماذا عن الأذان والإقامة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله جاء في فتاوى اللجنة الدائمة والبحوث 6/392 ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر بالقراءة في ركعتي الصبح وفي الأولين من صلاة المغرب وصلاة العشاء فكان الجهر في ذلك سنة والمشروع في حق أمته أن تقتدي به لقوله تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً} ولما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " صلوا كما رأيتموني أصلي " وإن أسرّ في موضع الجهر كان تاركاً للسنة ولا تبطل صلاته بذلك. انتهى فعلى المسلم أن يجهر بالقراءة في صلاة الفجر وفي الركعتين الأوليين من صلاة المغرب والعشاء ولو صلى وحده لأن هذه هي السنّة. (ولا يجهر بالقراءة في صلاة الظهر والعصر، ويجهر بقراءته في الركعتين الأوليين من المغرب والعشاء وفي فريضة الصبح، ويسر في الركعة الثالثة من المغرب وفي الركعتين الأخيرتين من صلاة العشاء، وهذا الإسرار والجهر في القراءة في موضعه مستحب في حق المنفرد عند الإمام الشافعي وغيره، وقال الحنابلة: للمنفرد الخيار في الجهر في موضعه، فإن شاء جهر وإن شاء خافت) . المفصل لأحكام المرأة د/عبد الكريم زيدان ص 220 أما الشطر الثاني من السؤال فقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة والبحوث 6/56 يجوز أن يصلي المنفرد بدون أذان، لكن إن كان في بادية أو مزرعة نائية ونحو ذلك شُرع في حقه أن يؤذن ولو كان سيصلي وحده، كما تشرع له الإقامة مطلقا، لعموم الأدلة ولقول أبي سعيد الخدري رضي الله عنه لعبد الله الأنصاري " إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة " قال أبو سعيد سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه البخاري 1/151 وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 6130 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1257 الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الإقامة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز الصلاة على الرسول الصلاة الإبراهيمية بعد إقامة المؤذن للصلاة؟ وهل هذا الموضع من مواضع الصلاة على الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم؟ وهل ذكر ابن القيم هذا الموضع في ذكره مواضع الصلاة على رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذهب جمهور العلماء إلى استحباب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الإقامة كما تستحب بعد الأذان، كما يستحبون الترديد خلف المقيم، ثم الدعاء: اللهم رب هذه الدعوة التامة ....... إلخ. وهو قول جمهور الحنفية، وقول الشافعية والحنابلة، وقال به من العلماء المعاصرين: علماء اللجنة الدائمة للإفتاء، والشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ الألباني رحمهم الله. وقد ذكر ابن القيم رحمه الله هذا الموضع [بعد الإقامة] من مواضع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في كتابه " جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام " (ص 441 – 445) . وذهب بعض الأحناف إلى أن الترديد خلف المؤذن ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء، خاص بالأذان، ولا يستحب ذلك في الإقامة، واختاره من المعاصرين: الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم: (111791) ، وأن المسألة من مسائل الاجتهاد، وإن كنا نختار أن الترديد خلف المؤذن ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم الدعاء: اللهم رب هذه الدعوة التامة ...... إلخ خاص بالأذان. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98517 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1258 متى كان ابتداء الأذان [السُّؤَالُ] ـ[السؤال سمعت أنّ الأذان الإسلامي بالصلاة معروف منذ أيام إبراهيم الخليل عليه السلام لأنّ الله قال في كتابه وأذّن في النّاس بالحج، فهل هذا الكلام صحيح.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لقد قال بعض الناس ذلك فعلا بل قال بعضهم إن الأذان معروف عند الأنبياء منذ أن نزل آدم على الأرض وقال بعضهم هو معروف عن نبي الله إبراهيم حيث قال له ربه {وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر} [الحج/26] . وهذا الكلام غريب غير صحيح. والصحيح: أن الأذان شرع في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة وليس في مكة وليس في الإسراء كما ورد بذلك بعض الأحاديث الضعيفة. يقول ابن حجر: ومن أغرب ما وقع في بدء الأذان ما رواه أبو الشيخ بسند فيه مجهول عن عبد الله بن الزبير قال: أخذ الأذان من أذان إبراهيم {وأذن في الناس بالحج} [الحج / 26] قال فأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم. " الفتح " (2 / 280) . أما أذان آدم فهو أيضا ضعيف قال ابن حجر رحمه الله: وما رواه أبو نعيم في الحلية بسند فيه مجاهيل أن جبريل نادى بالأذان لآدم حين أهبط من الجنة. " الفتح " (2 /280) . وقد دلّت الأدلّة الصحيحة على أنّ ابتداء مشروعية الأذان كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة وفي ذلك أدلّة: عن نَافِعٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ كَانَ الْمُسْلِمُونَ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ يَجْتَمِعُونَ فَيَتَحَيَّنُونَ الصَّلاةَ لَيْسَ يُنَادَى لَهَا فَتَكَلَّمُوا يَوْمًا فِي ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ اتَّخِذُوا نَاقُوسًا مِثْلَ نَاقُوسِ النَّصَارَى وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ بُوقًا مِثْلَ قَرْنِ الْيَهُودِ فَقَالَ عُمَرُ أَوَلا تَبْعَثُونَ رَجُلا يُنَادِي بِالصَّلاةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا بِلالُ قُمْ فَنَادِ بِالصَّلاةِ رواه البخاري 569 وعَنْ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عُمُومَةٍ لَهُ مِنْ الأَنْصَارِ قَالَ اهْتَمَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلصَّلاةِ كَيْفَ يَجْمَعُ النَّاسَ لَهَا فَقِيلَ لَهُ انْصِبْ رَايَةً عِنْدَ حُضُورِ الصَّلاةِ فَإِذَا رَأَوْهَا آذَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِكَ قَالَ فَذُكِرَ لَهُ الْقُنْعُ يَعْنِي الشَّبُّورَ وَقَالَ زِيَادٌ شَبُّورُ الْيَهُودِ فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِكَ وَقَالَ هُوَ مِنْ أَمْرِ الْيَهُودِ قَالَ فَذُكِرَ لَهُ النَّاقُوسُ فَقَالَ هُوَ مِنْ أَمْرِ النَّصَارَى فَانْصَرَفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ وَهُوَ مُهْتَمٌّ لِهَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُرِيَ الأَذَانَ فِي مَنَامِهِ قَالَ فَغَدَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَبَيْنَ نَائِمٍ وَيَقْظَانَ إِذْ أَتَانِي آتٍ فَأَرَانِي الأَذَانَ قَالَ وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدْ رَآهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَكَتَمَهُ عِشْرِينَ يَوْمًا قَالَ ثُمَّ أَخْبَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تُخْبِرَنِي فَقَالَ سَبَقَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ فَاسْتَحْيَيْتُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا بِلالُ قُمْ فَانْظُرْ مَا يَأْمُرُكَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ فَافْعَلْهُ قَالَ فَأَذَّنَ بِلالٌ رواه أبو داود رحمه الله في سننه 420 وفي رواية عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ قَالَ لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاقُوسِ يُعْمَلُ لِيُضْرَبَ بِهِ لِلنَّاسِ لِجَمْعِ الصَّلاةِ طَافَ بِي وَأَنَا نَائِمٌ رَجُلٌ يَحْمِلُ نَاقُوسًا فِي يَدِهِ فَقُلْتُ يَا عَبْدَ اللَّهِ أَتَبِيعُ النَّاقُوسَ قَالَ وَمَا تَصْنَعُ بِهِ فَقُلْتُ نَدْعُو بِهِ إِلَى الصَّلاةِ قَالَ أَفَلَا أَدُلُّكَ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ فَقُلْتُ لَهُ بَلَى قَالَ فَقَالَ تَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ قَالَ ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ قَالَ وَتَقُولُ إِذَا أَقَمْتَ الصَّلاةَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ حَيَّ عَلى الصَّلاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ قَدْ قَامَتْ الصلاةُ قَدْ قَامَتْ الصَّلاةُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا رَأَيْتُ فَقَالَ إِنَّهَا لَرُؤْيَا حَقٌّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَقُمْ مَعَ بِلالٍ فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْتَ فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ فَقُمْتُ مَعَ بِلالٍ فَجَعَلْتُ أُلْقِيهِ عَلَيْهِ وَيُؤَذِّنُ بِهِ قَالَ فَسَمِعَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ وَيَقُولُ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ مَا رَأَى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ. رواه أبو داود 499 فهذه الأحاديث تدلّ على أن ابتداء مشروعية الأذان كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وعدَّ هذا واحد من ميزات هذه الأمّة التي فضّلها الله على سائر الأمم، والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 9476 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1259 حكم الأذان عن طريق المذياع ونحوه [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الأذان بالراديو، يعني: إذا أتى وقت الأذان نقوم بتشغيل المسجل أو الراديو على تسجيل للأذان أو صوت مؤذن يؤدي الأذان؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأذان من آلة التسجيل، أو من المذياع، أو من مكان واحد وإرساله عن طريق الأجهزة إلى باقي المساجد: فبدعة محدثة. سئل علماء اللجنة الدائمة: هل الأذان سنة للصلوات المفروضة، وما حكمه بآلة التسجيل إن كان المؤذنون لا يتقنونه؟ . فأجابوا: الأذان فرض كفاية بالإضافة إلى كونه إعلاماً بدخول وقت الصلاة ودعوة إليها، فلا يكفي عن إنشائه عند دخول وقت الصلاة إعلانه مما سجل به من قبل، وعلى المسلمين في كل جهة تقام فيها الصلاة أن يعيِّنوا من بينهم من يحسن أداءه عند دخول وقت الصلاة. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان. وسئلوا: قد سمعت من بعض الناس في الدول الإسلامية أنهم يسجلون بالشريط المذياع أذان الحرمين الشريفين ويضعون المذياع أمام المكبر ويؤذن بدل المؤذن، فهل تجوز الصلاة؟ مع ورود الدليل من الكتاب والسنة، ومع تعليق بسيط؟ . فأجابوا: إنه لا يكفي في الأذان المشروع للصلوات المفروضة أن يؤذن من الشريط المسجل عليه الأذان، بل الواجب أن يؤذن المؤذن للصلاة بنفسه؛ لما ثبت من أمره عليه الصلاة والسلام بالأذان، والأصل في الأمر الوجوب. " فتاوى اللجنة الدائمة " (6 / 66، 67) . وقد قرر " مجلس المجمع الفقهي الإِسلامي برابطة العالم الإسلامي "، الدورة التاسعة – في مكة المكرمة - من يوم السبت لعام 1406هـ ما يلي: إن الاكتفاء بإذاعة الأذان في المساجد عند دخول وقت الصلاة بواسطة آلة التسجيل، ونحوها: لا يجزئ، ولا يجوز في أداء هذه العبادة، ولا يحصل به الأذان المشروع، وأنه يجب على المسلمين مباشرة الأذان لكل وقتٍ من أوقات الصلوات، في كلّ مسجدٍ، على ما توارثه المسلمون من عهد نبيّنا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى الآن. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 48990 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1260 حكم أذان الجنب وهل له أن يدخل المسجد ليؤذن؟ [السُّؤَالُ] ـ[شخص أذن لصلاة الفجر وهو جنب وقد نسي هذا المؤذن الجنابة إلى حين انتهائه من الآذان فعاد الأخ للمنزل واغتسل وعاد وأقام الصلاة وهو طاهر فما الحكم هنا؟ ونحن نعلم تحريم دخول المسجد ونحن جنب.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تستحب الطهارة في الأذان ولا تجب، وقد ورد فيها حديث: (لَا يُؤَذِّنُ إلَّا مُتَوَضِّئٌ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ (147) وقد روي هذا الحديث مرفوعاً (من قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وموقوفاً (من قول أبي هريرة) وكلاهما ضعيف لا يصح. انظر: "تمام المنة" ص (154) قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/ 248) : " الْمُسْتَحَبُّ لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يَكُونَ مُتَطَهِّرًا مِنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَالْجَنَابَةِ جَمِيعًا " انتهى. واستدل بالحديث السابق. وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل يجوز الأذان على غير وضوء وما حكم أذان الجنب؟ فأجابوا: " يصح أذان المحدث حدثا أصغر أو أكبر، لكن الأفضل أن يكون متطهرا من الحدثين جميعا " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (6/67) والجنب ممنوع من المكث في المسجد، لكن إن احتاج لذلك للأذان أو لغيره، توضأ ودخل. قال في "كشاف القناع" (1/148) : " ويحرم على الجنب اللبث في المسجد لقوله تعالى: (ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا) ، إلا أن يتوضأ، لما روى سعيد بن منصور عن عطاء بن يسار قال: رأيت رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يجلسون في المسجد وهم مجنبون إذا توضئوا وضوء الصلاة. قال في "المبدع": إسناده صحيح، ولأن الوضوء يخفف حدثه فيزول بعض ما يمنعه. قال الشيخ تقي الدين (شيخ الإسلام ابن تيمية) : وحينئذ فيجوز أن ينام في المسجد حيث ينام غيره " انتهى بتصرف. وانظر: "الشرح الممتع" (2/57) وإن كان المؤذن قد دخل المسجد ناسيا جنابته، فلا شيء عليه، لأنه معذور بنسيانه، قال الله تعالى: (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) وقد روى مسلم (126) عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الله تعالى قال: (قد فعلت) . أي أن الله تعالى قد تجاوز عن الناسي والمخطئ. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97437 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1261 هل لإقامة الصلاة وقت محدد؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما هو وقت إقامة الصلاة بعد الأذان؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس لإقامة الصلاة وقت محدد، لكن يراعى في ذلك ما يلي: 1- إذا كان الإنسان منفردا، أو كانت المرأة تصلي في بيتها، فإن الأفضل تعجيل الصلاة في أول وقتها إلا العشاء والظهر عند اشتداد الحر، فتصلي السنة القبلية ثم تصلي الفريضة، وذلك لما روى البخاري (527) ومسلم (85) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا. قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ. قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة [يعني: صلاة الظهر] فإن شدة الحر من فيح جهنم) رواه البخاري (537) ومسلم (615) . ولما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل، أو نصفه) رواه الترمذي (167) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. 2- أما جماعة المسجد، فينبغي أن يكون هناك وقت بين الأذان والإقامة يكفي للتطهر، والذهاب إلى المسجد، وصلاة الراتبة. قال الشيخ سيد سابق رحمه الله في "فقه السنة" (1/100) : "يطلب الفصل بين الأذان والإقامة بوقت يسع التأهب للصلاة وحضورها، لأن الأذان إنما شرع لهذا. وإلا ضاعت الفائدة منه، والأحاديث الواردة في هذا المعنى كلها ضعيفة. وقد ترجم البخاري: باب "كم بين الأذان والإقامة"، ولكن لم يثبت التقدير. قال ابن بطال: لا حد لذلك غير تمكن دخول الوقت واجتماع المصلين" انتهى. وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري" (2/126) تعليقاً على قول الإمام البخاري: كم بين الأذان والإقامة: قال: "وَلَعَلَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى مَا رُوِيَ عَنْ جَابِر أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِبِلَالٍ: (اِجْعَلْ بَيْنَ أَذَانِك وَإِقَامَتك قَدْرَ مَا يَفْرُغ الْآكِلُ مِنْ أَكْلِهِ، وَالشَّارِب مِنْ شُرْبِهِ، وَالْمُعْتَصِر إِذَا دَخَلَ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم لَكِنْ إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ , وَلَهُ شَاهِد مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة وَمِنْ حَدِيث سَلْمَانَ أَخْرَجَهُمَا أَبُو الشَّيْخ وَمِنْ حَدِيث أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَخْرَجَهُ عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد فِي زِيَادَات الْمُسْنَد وَكُلُّهَا وَاهِيَةٌ , فَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّ التَّقْدِير بِذَلِكَ لَمْ يَثْبُت" انتهى. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحدد وقتاً بين الأذان والإقامة؟ فأجاب: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الصلاة في أول الوقت إلا العشاء الآخرة، فإنه كان ينظر إلى اجتماع الناس إذا رآهم اجتمعوا عجَّل، وإذا رآهم أبطؤوا أخَّر، وكان يبقى في البيت حتى يأتيه المؤذن فيعلمه بحضور الصلاة، وربما خرج إليها بدون إعلام. فالسنة تعجيل جميع الصلوات إلا العشاء وإلا الظهر عند اشتداد الحر، ولكن الصلوات التي لها نوافل راتبة كالفجر والظهر ينبغي للإنسان أن يراعي حال الناس بحيث يتمكنون من الوضوء بعد الأذان ومن صلاة هذه الراتبة" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ محمد صالح العثيمين" (12/190) . وإن اتفق جماعة المسجد على إقامة الصلاة في وقت محدد، أو كان ذلك بتوجيه مسئولي الأوقاف، منعا للاختلاف، فلا بأس، وينبغي التقيد به. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97009 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1262 مشروعية الأذان [السُّؤَالُ] ـ[ما هي مشروعية الأذان؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأذان معناه في اللغة: الإعلام > وفي الشرع: الإعلام بوقت الصلاة. مجموع الفتاوى (22 / 72) وقد شرع الأذان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة على أثر رؤيا لأحد الصحابة. فعن عبد الله بن زيد بن عبد ربه: لما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضرب بالناقوس وهو له كاره لموافقته النصارى طاف بي من الليل طائف وأنا نائم رجل عليه ثوبان أخضران وفي يده ناقوس يحمله قال فقلت: يا عبد الله أتبيع الناقوس؟ قال وما تصنع به؟ قال قلت: ندعو به إلى الصلاة. قال: أفلا أدلك على خيرٍ من ذلك فقلت: بلى. قال تقول: الله أكبر … . (إلى نهاية الأذان) … قال: فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت فقال: إنها لرؤيا حق إن شاء الله فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فإنه أندى صوتاً منك قال فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به قال: فسمع ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو في بيته فخرج يجر رداءه يقول: والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذي أري. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلله الحمد. رواه الترمذي (189) وأبو داود (499) وابن ماجه (706) . والحديث: صححه ابن خزيمة (1 / 189) وابن حبان (4 / 572) والألباني في " تمام المنة " (ص 145) . والأذان فرض كفاية، فيجب على أهل كل بلد أن يكون فيهم من يؤذن حتى يحصل إعلام الناس بوقت الصلاة. قال علماء اللجنة الدائمة: الأذان فرض كفاية في البلد وهكذا الإقامة، وعند إرادة الصلاة يقيم قبل أن يدخل فيها، وإذا دخل في الصلاة بدون أذان ولا إقامة نسياناً أو جهلاً أو لغير ذلك: فصلاته صحيحة، وكذلك إذا ترك جملة " الصلاة خير من النوم " في أذان الفجر فصلاته صحيحة ولو كان الوقت باقياً. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. " فتاوى اللجنة الدائمة " (6 / 54) . وقد ورد في فضل الأذان أحاديث كثيرة، منها ما رواه البخاري (609) عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 21517 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1263 كم أذانا للفجر [السُّؤَالُ] ـ[كم أذانا لصلاة الفجر؟ وإذا كان المسلمون في المنطقة كلهم مجتمعون في المسجد هل يبقى لقول " الصلاة خير من النوم" فائدة؟ لقد سمعت أن فعل ذلك بدعة. في النهاية هل هناك حديث يتعلق بهذا الأمر؟ أرجو أن ترسل لي شيئا حول الموضوع.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله كان يُؤذَّن لصلاة الفجر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أذانان الأول قبيل طلوع الفجر ليرجع القائم وينتبه النائم والثاني عند دخول الوقت إشعارا بدخوله ودعوة للناس إلى الصلاة وغير ذلك من فوائد الأذان، وجمهور العلماء على أنّ عبارة " الصلاة خير من النّوم " تُقال في الأذان الثاني، فعلى المؤذّن أن يحرص عليها ويقولها حتى ولو كان الناس في المسجد فإنّ فيها فوائد قد تغيب عن البال وفيها تذكير للناس بهذه الحقيقة: أنّ "الصلاة خير من النّوم " لهذا اليوم ولما بعد هذا اليوم ويستفيد المسلمون حتى لو كانوا حاضرين في المسجد مزيدا من الأجر بترديدها وراء المؤذّن لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا سمعتم المؤذّن فقولوا مثلما يقول ". حديث صحيح، وقد يستفيد منها النساء والصبيان القريبين من المسجد بل وربّما الجنّ المسلمون من عباد الله وربما يكون هناك في المسجد من نعس أو نام جالسا فتنبغي المحافظة على هذه السنّة وعدم تركها. وفقنا الله وإياكم لاتبّاع السنّة والحرص عليها. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 209 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1264 استخدام الطبول للنداء للصلاة [السُّؤَالُ] ـ[تستخدم في بعض المساجد في الفلبين وغيرها الطبول لنداء الناس للصلاة ثم يؤذن بعد ذلك، فهل يجوز ذلك في الإسلام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الطبول ونحوها من آلات اللهو، فلا يجوز استعمالها في إعلام الناس عند دخول وقت الصلاة، أو قرب دخول وقتها، بل ذلك بدعة محرمة، والواجب أن يكتفى بالأذان الشرعي، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " رواه البخاري ومسلم. وقال العرباض بن سارية رضي الله عنه: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: " أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد حبشي، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة " رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح. فتاوى اللجنة الدائمة. ولنتذكّر حديث أَبِي عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عُمُومَةٍ لَهُ مِنْ الأَنْصَارِ قَالَ اهْتَمَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلصَّلاةِ كَيْفَ يَجْمَعُ النَّاسَ لَهَا فَقِيلَ لَهُ انْصِبْ رَايَةً عِنْدَ حُضُورِ الصَّلاةِ فَإِذَا رَأَوْهَا آذَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِكَ قَالَ فَذُكِرَ لَهُ الْقُنْعُ يَعْنِي الشَّبُّورَ (البوق) .. فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِكَ وَقَالَ هُوَ مِنْ أَمْرِ الْيَهُودِ قَالَ فَذُكِرَ لَهُ النَّاقُوسُ فَقَالَ هُوَ مِنْ أَمْرِ النَّصَارَى فَانْصَرَفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ وَهُوَ مُهْتَمٌّ لِهَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُرِيَ الأَذَانَ فِي مَنَامِهِ قَالَ فَغَدَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ.. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا بِلالُ قُمْ فَانْظُرْ مَا يَأْمُرُكَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ فَافْعَلْهُ قَالَ فَأَذَّنَ بِلالٌ.. رواه أبو داود 420 وهو حديث صحيح، فهذا النبي صلى الله عليه وسلم رفض البوق والناقوس فكيف يرضى المسلمون بالطّبل وقد أغناهم الله بالأذان. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2184 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1265 حكم الأذان والإقامة بغير طهارة [السُّؤَالُ] ـ[هل يصح الأذان والإقامة بغير وضوء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فيصح الأذان والإقامة بدون طهارة، والأفضل أن يكون المؤذن والمقيم على طهارة، وهكذا الصلاة صحيحة،ولو كان المؤذن والمقيم على غير طهارة، وإذا كان المؤذن والمقيم صلى على غير طهارة لزمه الإعادة كغيره من الناس. والله الموفق.ا. هـ [الْمَصْدَرُ] من مجموع ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ ابن باز رحمه الله (10 / 338) . الحديث: 20411 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1266 صفة الأذان [السُّؤَالُ] ـ[" كيف يكبر الشخص قبل صلاة الجماعة " (يقصد الأذان) ، ما هي الكلمات التي يقولها؟ هل يقول كل شيء مرتين في الأذان أم يكفي واحدة. اختلط علي الأمر بهذا الشأن.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم صيَغ متعددة للأذان، ويسن العمل بها جميعاً على وجوهها المتعددة الواردة إحياء للسنَّة وقطعاً للنزاع والخلاف الذي قد يُحدثه من لا علم عنده أو من يتعصب لمذهبه. قال الشيخ ابن عثيمين: كل ما جاءت به السنة من صفات الأذان فإنه جائز، بل الذي ينبغي أن يُؤذَّن بهذا تارة وبهذا تارة إن لم يحصل تشويش وفتنة. فعند مالك: سبع عشر جملة بالتكبير مرتين في أوله مع الترجيع – وهو أن يقول الشهادتين سرّاً في نفسه ثم يقولها جهراً -. وعند الشافعي: تسع عشر جملة بالتكبير في أوله أربعاً مع الترجيع. وكل هذا مما جاءت به السنَّة، فإذا أذَّنتَ بهذا مرة وبهذا مرة كان أولى، والقاعدة: " أن العبادات الواردة على وجوه متنوعة ينبغي للإنسان أن يفعلها على هذه الوجوه ". " الشرع الممتع " (2 / 51، 52) . ومذهب الإمام أحمد وأبي حنيفة: أن الأذان خمس عشر جملة وهو أذان بلال رضي الله عنه دليل مذهب مالك والشافعي: عن أبي محذورة أن نبي الله صلى الله عليه وسلم علَّمه هذا الأذان: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمَّداً رسول الله أشهد أن محمَّداً رسول الله، ثم يعود فيقول أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمَّداً رسول الله أشهد أن محمَّداً رسول الله، حي على الصلاة مرتين، حي على الفلاح مرتين، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله. رواه مسلم (379) . فهذا الحديث دليل لمذهب مالك والشافعي، لأنه قد ورد التكبير في أوله على وجهين: مرتين كما هو مذهب مالك، وأربعاً كما هو مذهب الشافعي. قال النووي رحمه الله: هَكَذَا وَقَعَ هَذَا الْحَدِيث فِي صَحِيح مُسْلِم فِي أَكْثَر الأُصُول فِي أَوَّله اللَّه أَكْبَر مَرَّتَيْنِ فَقَطْ , وَوَقَعَ فِي غَيْر مُسْلِم اللَّه أَكْبَر اللَّه أَكْبَر اللَّه أَكْبَر اللَّه أَكْبَر أَرْبَع مَرَّات. قَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه: وَوَقَعَ فِي بَعْض طُرُق الْفَارِسِيّ فِي صَحِيح مُسْلِم أَرْبَع مَرَّات. . . وَبِالتَّرْبِيعِ قَالَ الشَّافِعِيّ وَأَبُو حَنِيفَة وَأَحْمَد وَجُمْهُور الْعُلَمَاء , وَبِالتَّثْنِيَةِ قَالَ مَالِك , وَاحْتُجَّ بِهَذَا الْحَدِيث اهـ وأما دليل أبي حنيفة وأحمد: عن عبد الله بن زيد قال: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناقوس يُعمل ليُضرب به للناس لجمع الصلاة طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوساً في يده فقلت: يا عبد الله أتبيع الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ فقلت: ندعو به إلى الصلاة، قال: أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ فقلت له: بلى، قال: فقال: تقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمَّداً رسول الله أشهد أن محمَّداً رسول الله، حي على الصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاح حي على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، قال: ثم استأخر عني غير بعيد، ثم قال: وتقول إذا أقمت الصلاة: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمَّداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله. فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت فقال: إنها لرؤيا حق إن شاء الله فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به فإنه أندى صوتا منك، فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به قال: فسمع ذلك عمر بن الخطاب وهو في بيته فخرج يجر رداءه ويقول والذي بعثك بالحق يا رسول الله لقد رأيت مثل ما رأى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلله الحمد. رواه أبو داود (499) . وصححه ابن خزيمة (1 / 191) وابن حبان (4 / 572) ، ونقل الترمذي تصحيحه عن الإمام البخاري كما في " سنن البيهقي " (1 / 390) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وإذا كان كذلك فالصواب مذهب أهل الحديث ومن وافقهم وهو تسويغ كل ما ثبت في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يكرهون شيئا من ذلك إذ تنوع صفة الأذان والإقامة كتنوع صفة القراءات والتشهدات ونحو ذلك. وليس لأحد أن يكره ما سنَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته، وأما من بلغ به الحال إلى الاختلاف والتفرق حتى يوالي ويعادي ويقاتل على مثل هذا ونحوه، مما سوغه الله تعالى كما يفعله بعض أهل المشرق فهؤلاء من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا، … ومن تمام السنة في مثل هذا: أن يفعل هذا تارة وهذا تارة وهذا في مكان وهذا في مكان؛ لأن هجر ما وردت به السنة وملازمة غيره قد يفضي إلى أن يجعل السنة بدعة والمستحب واجبا ويفضي ذلك إلى التفرق والاختلاف إذا فعل آخرون الوجه اآخر، فيجب على المسلم أن يراعي القواعد الكلية التي فيها الاعتصام بالسنة والجماعة لا سيما في مثل صلاة الجماعة … والترجيع في الأذان اختيار مالك والشافعي: لكن مالكا يرى التكبير مرتين والشافعي يراه أربعاً، وتركه اختيار أبي حنيفة، وأما أحمد فعنده كلاهما سنة وتركه أحب إليه؛ لأنه أذان بلال. والإقامة يختار إفرادها مالك والشافعي وأحمد وهو مع ذلك يقول: إن تثنيتها سنة والثلاثة: أبو حنيفة والشافعي وأحمد يختارون تكرير لفظ الإقامة دون مالك، والله أعلم.) " مجموع الفتاوى " (22 / 66 – 69) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 21376 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1267 استعمال مكبرات الصوت في الأذان هل هو بدعة؟ [السُّؤَالُ] ـ[الذي أفهمه من عبارة "البدعة" هو الأمور المستحدثة في الدين. وعليه، فكيف تصنف رفع الأذان باستخدام مكبرات الصوت؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لمعرفة معنى البدعة وضابطها راجع السؤال (7277) و (10843) . وأما الأذان بواسطة مكبرات الصوت فلا حرج فيه لأنه وسيلة لإيصال الأذان إلى السامعين والوسائل لها أحكام المقاصد، فرفع المؤذن صوته وتبليغه للناس أمرٌ مقصودٌ مطلوب، وما كان وسيلة إلى هذا المقصد فهو مطلوبٌ أيضاً. " فكما أن استعمال الأسلحة القوية العصرية والعناية بها داخل في قوله تعالى: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) , واستعمال الوقايات والتحصينات عن الأسلحة الفتاكة داخلٌ في قوله تعالى: (وخذوا حذركم) ، والقدرة على المراكب البحرية والجوية والهوائية داخل في قوله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) ، وجميع ذلك وغيره داخل في الأوامر بأخذ جميع وسائل القوة والجهاد، فكذلك إيصال الأصوات والمقالات النافعة إلى الأمكنة البعيدة من برقياتٍ وتليفونات وغيرها داخلٌ في أمر الله ورسوله بتبليغ الحقِّ إلى الخلق، فإن إيصال الحقِّ والكلام النافع بالوسائل المتنوعة من نعم الله، وترقية الصنائع والمخترعات لتحصيل المصالح الدينية والدنيوية من الجهاد في سبيل الله." انتهى من خطبةٍ للشيخ بن سعدي حين وضع مكبِّر الصوت في المسجد واستنكره بعض الناس. (مجموعة مؤلفات ابن سعدي ج6 ص51) . وكذلك استعمال شبكة الإنترنت لإيصال العلم النافع ودعوة الناس إلى الإسلام هو من الأمور المفيدة جداً التي تُحقق معاني شرعية عظيمة. نسأل الله أن يعيننا على طاعته، وصلى الله على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 23443 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1268 صيغة الإقامة [السُّؤَالُ] ـ[أنا من بنقلاديش حيث نردد جمل إقامة الصلاة مرتين مرتين كما نفعل في الأذان. لكني وجدت أن إقامة الصلاة في أغلب البلدان العربية تكون بقول الجمل مرة واحدة دون ترديد. ما هو الدليل الصحيح الوارد في إقامة الصلاة بهذه الصفة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله وردت إقامة الصلاة بصيغ متعددة عن النبي صلى الله عليه وسلم. الصيغة الأولى (إحدى عشرة جملة) : اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ودليل هذه الصيغة ما رواه أحمد (15881) وأبو داود (499) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ قَالَ: لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاقُوسِ يُعْمَلُ لِيُضْرَبَ بِهِ لِلنَّاسِ لِجَمْعِ الصَّلَاةِ، طَافَ بِي وَأَنَا نَائِمٌ رَجُلٌ يَحْمِلُ نَاقُوسًا فِي يَدِهِ، فَقُلْتُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، أَتَبِيعُ النَّاقُوسَ؟ قَالَ: وَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ فَقُلْتُ: نَدْعُو بِهِ إِلَى الصَّلَاةِ. قَالَ: أَفَلَا أَدُلُّكَ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ؟ فَقُلْتُ لَهُ: بَلَى. قَالَ: تَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. قَالَ: ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ قَالَ: وَتَقُولُ إِذَا أَقَمْتَ الصَّلَاةَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتْ الصَّلاةُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا رَأَيْتُ، فَقَالَ: إِنَّهَا لَرُؤْيَا حَقٌّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْتَ فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ، فَقُمْتُ مَعَ بِلَالٍ فَجَعَلْتُ أُلْقِيهِ عَلَيْهِ وَيُؤَذِّنُ بِهِ قَالَ: فَسَمِعَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ وَيَقُولُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ مَا رَأَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَلِلَّهِ الْحَمْدُ. صححه الألباني في صحيح أبي داود (469) . واختار هذه الصيغة جمهور العلماء، منهم الأئمة مالك والشافعي وأحمد رحمهم الله، إلا أن مالكاً رحمه الله قال: يقول قد قامت الصلاة مرة واحد. الصيغة الثانية (سبع عشرة جملة) : اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ قَدْ قَامَتْ الصَّلاةُ، قَدْ قَامَتْ الصَّلاةُ اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ودليل هذه الصيغة ما رواه أبو داود (502) والترمذي (192) والنسائي (632) وابن ماجه (709) عن أَبِي مَحْذُورَةَ قَالَ: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَذَانَ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً، وَالْإِقَامَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً، الْأَذَانُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. ثُمَّ قَالَ: ارْجِعْ فَامْدُدْ صَوْتَكَ ثُمَّ قُلْ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَالْإِقَامَةُ سَبْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. صححه الألباني في صحيح أبي داود (474) . واختار هذه الصيغة الإمام أبو حنيفة رحمه الله. فهاتان الصيغتان ثابتان عن النبي صلى الله عليه وسلم، فمن فعل واحدة منهما فقد أصاب السنة. وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: هل يجوز أن تكون الإقامة بعدد ألفاظ الأذان؟ فقال: يجوز ذلك، بل ذلك نوع من أنواع السنة في الأذان لأن ذلك قد ثبت في الصحيح، من حديث أبي محذورة رضي الله عنه لمّا علمه النبي صلى الله عليه وسلم الأذان والإقامة في المسجد الحرام حين الفتح. ويجوز إيتار الإقامة إلا لفظ الإقامة والتكبير، كما كان بلال رضي الله عنه يفعل ذلك في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وبحضرته وتعليمه، كما في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: (كان بلال يشفع الأذان ويوتر الإقامة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (10/366) . (إيتار الإقامة) أي ذكر ألفاظ الإقامة مفردة مرة واحدة. غير أن الأفضل في العبادات الواردة على صفات متنوعة أن المسلم لا يلتزم صفة معينة ويهجر باقي الصفات، بل السنة أن يفعل كل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فمرة يقيم بإقامة بلال رضي الله عنه، وأخرى بإقامة أبي محذورة رضي الله عنه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الصواب مذهب أهل الحديث، ومن وافقهم، وهو تسويغ كل ما ثبت في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، لا يكرهون شيئا من ذلك، إذ تنوع صفة الأذان والإقامة، كتنوع صفة القراءات والتشهدات، ونحو ذلك، وليس لأحد أن يكره ما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته. . . ومن تمام السنة في مثل هذا: أن يفعل هذا تارة، وهذا تارة، وهذا في مكان، وهذا في مكان؛ لأن هجر ما وردت به السنة، وملازمة غيره، قد يفضي إلى أن يجعل السنة بدعة، والمستحب واجبا ويفضي ذلك إلى التفرق والاختلاف، إذا فعل آخرون الوجه الآخر اهـ. " الفتاوى الكبرى " (2 / 43، 44) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 10458 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1269 هل يُجاب الأذان المسجل؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم ترديد الأذان ودعاء الأذان بعد الأذان المسجل.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان هذا الأذان المسجل يذاع في وقت الصلاة شرعت إجابته. وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: هل تجوز مجاوبة الأذان الصادر من جهاز المذياع؟ فأجاب: " إذا كان في وقت الصلاة فإنها تشرع الإجابة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل الله لي الوسيلة حلت له الشفاعة) أخرجه مسلم في صحيحه، وقال عليه الصلاة والسلام: (من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمدا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة) رواه البخاري في صحيحه، وزاد البيهقي رحمه الله بإسناد حسن بعد قوله: (الذي وعدته) : (إنك لا تخلف الميعاد) " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (10/363) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 87667 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1270 أجر المؤذن والمقيم [السُّؤَالُ] ـ[ما هو أجر المؤذن والمقيم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ورد في السنة المطهرة ما يدل على أن المؤذن له فضل لم يرد لغيره مثله، ومن ذلك: 1- عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري عن أبيه أنه أخبره أن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه قال له: إني أراك تحب الغنم والبادية فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة. قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري (584) . 2- عن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة) رواه مسلم (387) . قال النووي رحمه الله: " قيل: معناه أكثر الناس تشوفاً إلى رحمة الله تعالى؛ لأن المتشوف يطيل عنقه إلى ما يتطلع إليه، فمعناه: كثرة ما يرونه من الثواب، وقال النضر بن شميل: إذا ألجم الناسَ العرقُ يوم القيامة طالت أعناقهم لئلا ينالهم ذلك الكرب والعرق، وقيل: معناه أنهم سادة ورؤساء، والعرب تصف السادة بطول العنق، وقيل: معناه أكثر أتباعا، وقال ابن الأعرابي: معناه أكثر الناس أعمالا، قال القاضي عياض وغيره: ورواه بعضهم " إعناقاً " بكسر الهمزة أي: إسراعاً إلى الجنة " انتهى. والعَنَق نوع من السير سريع. " شرح مسلم " (4 / 91، 92) . 3- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا) . رواه البخاري (590) ومسلم (437) . ومعنى الحديث: أن الناس لو يعلمون ما في الأذان والصف الأول من الثواب العظيم والأجر الجزيل ثم لم يجدوا طريقا للقيام بالأذان والوقوف في الصف الأول إلا القرعة لفعلوها واقترعوا من أجل تحصيل فضلهما. 4- عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله وملائكته يصلون على الصف المقدم، والمؤذنُ يغفر له بمد صوته، ويصدقه من سمعه من رطب ويابس، وله مثل أجر من صلى معه) رواه النسائي (646) وصححه المنذري والألباني كما في " صحيح الترغيب " (235) . وأما فضل الإقامة فقد تشملها الأحاديث السابقة في فضل الأذان، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سمى الإقامة أذاناً، وذلك في قوله: (بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلاةٌ) رواه البخاري (598) ومسلم (838) . قال الحافظ: " قَوْله: (بَيْنَ كُلّ أَذَانَيْنِ) أَيْ أَذَان وَإِقَامَة " انتهى. وقد ورد حديث خاص في فضل الإقامة: عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَن أذَّن ثنتي عشرة سنة وجبت له الجنة، وكتب له بتأذينه في كل يوم ستون حسنة، ولكل إقامة ثلاثون حسنة) رواه ابن ماجه (728) وصححه المنذري والألباني كما في " صحيح الترغيب " (248) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 70472 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1271 ما حكم الأذانين والإقامتين عند الجمع بين الصلاتين؟ [السُّؤَالُ] ـ[ ما حكم الأذانين والإقامتين عند الجمع بين الصلاتين؟. ]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف العلماء في الأذان والإقامة للصلاتين المجموعتين، والصحيح من تلك الأقوال أنه يؤذَّن أذان واحد للصلاتين، ويقام إقامتان، لكل صلاة إقامة. وهذا قول الحنفية والحنابلة , وهو المعتمد عند الشافعية , وهو قول بعض المالكية. انظر: "الموسوعة الفقهية" (2/370) . والدليل على ذلك: ما ثبت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، حيث صلَّى الظهر والعصر في عرفة جمع تقديم بأذان واحد وإقامتين، وصلَّى المغرب والعشاء في مزدلفة جمع تأخير بأذان واحد وإقامتين – أيضاً -. عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه في وصف حجة الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ثم أذَّن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئا ... حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين) رواه مسلم (1218) . وسئل علماء اللجنة الدائمة: يقول بعض الفقهاء: تصلَّى صلاة المغرب والعشاء جمعاً في المطر بأذانين، فما حكم ذلك؟ فأجابوا: " السنَّة أن الشخص يجمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، إذا وُجد مسوغُ ذلك؛ كالسفر والمرض والمطر في الحضر، هذا هو الذي تدل عليه السنة الصحيحة الصريحة، لفعل النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (8/142) . وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: " فإذا جمع الإنسانُ أذَّن للأُولى، وأقام لكلِّ فريضة، هذا إن لم يكن في البلد، أما إذا كان في البلد: فإنَّ أذان البلد يكفي؛ وحينئذ يُقيم لكلِّ فريضة. دليل ذلك: ما ثبت في " صحيح مسلم " من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أذَّن في عَرفة، ثم أقام فصَلَّى الظُّهر، ثم أقام فصلَّى العصر، وكذلك في مُزدَلِفَة حيث أذَّن وأقام فصَلَّى المغرب، ثم أقام فَصَلَّى العشاء " انتهى. "الشرح الممتع" (2/78، 79) . وأما حكم الأذان والإقامة فهما فرض كفاية، فيكفي عن الجماعة أن يؤذن ويقيم أحدهم، ولا يطلب ذلك من كل واحد من الجماعة، وقد سبق في كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أنهم إذا كانوا في بلد قد أذن فيه المأذنون في المساجد كفاهم ذلك، وأقاموا لكل صلاة. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: " والدَّليل على فرضيتهما – أي: الأذان والإقامة -: أَمْرُ النبي صلى الله عليه وسلم بهما في عِدَّة أحاديث؛ وملازمته لهما في الحضر والسَّفر؛ ولأنه لا يتمُّ العلم بالوقت إلا بهما غالباً، ولتعيُّن المصلحة بهما؛ لأنَّهما من شعائر الإسلام الظَّاهرة ... . وهما واجبان على المقيمين والمسافرين، ودليله: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لمالك بن الحويرث وصحبِه: (إذا حضرت الصَّلاةُ فليؤذِّن لكم أحدُكُم) متفق عليه، وهم وافدون على الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام مسافرون إلى أهليهم، فقد أمر الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام أن يُؤذِّن لهم أحدُهم؛ ولأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يَدَعِ الأذان ولا الإقامة حَضَراً ولا سَفَراً، فكان يُؤذِّن في أسفاره ويأمر بلالاً أن يُؤذِّنَ. فالصَّواب: وجوبُه على المقيمين والمسافرين ... فيؤذن لكل صلاة من الصلوات الخمس، ما لم تُجمع الصَّلاة؛ فإنه يكفي للصَّلاتين أذان واحد، ولكن لا بُدَّ من الإقامة لكلِّ واحدة منهما. "الشرح الممتع" (2/42– 46) باختصار وتصرف يسير. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 70298 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1272 انقطع التيار الكهربائي ثم أُصِلح، فهل يعيد الأذان؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا أذَّن المؤذن بدون مكبِّر الصوت، لانقطاع التيار الكهربائي ثم بعد أذانه مباشرة جاء التيار، فهل يعيد الأذان في مكبر الصوت أم يكتفي بأذانه الأول؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المقصود من الأذان إعلام الناس بالصلاة، فإذا كانت هناك مساجد أخرى قد أذنت وسمع الناس أذانها، فقد حصل المقصود من الأذان فلا يعيد. وإذا كانت انقطاع التيار الكهربائي عاماً بحيث لم يسمع الناس الأذان، فإنه يعيد. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين عن ذلك، فأجاب: " يكفي أذانه الأول، ولا حاجة للإعادة، لأن هناك مساجد أخرى حوله قد سمع الناس التأذين منها، أما لو كان مسجداً منفرداً ليس هناك غيره فهنا يعيد، حتى يعلم الناس بدخول وقت الصلاة " انتهى. فضيلة الشيخ ابن عثيمين. "لقاءات الباب المفتوح" (3/53) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69852 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1273 هل يفطر المؤذن أولاً أم يؤذن؟ [السُّؤَالُ] ـ[متى يفطر المؤذن؟ قبل الأذان؟ أم بعده؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأصل في الإفطار للصائم أن يكون بعد غروب الشمس وإقبال الليل؛ لقوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) البقرة/187. قال الطبري: " وأما قوله: (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) فإنه تعالى ذِكْره حدَّ الصوم بأن آخر وقته إقبال الليل، كما حدّ الإفطار وإباحة الأكل والشرب والجماع وأول الصوم بمجيء أول النهار وأول إدبار آخر الليل، فدل بذلك على أن لا صوم بالليل، كما لا فطر بالنهار في أيام الصوم " انتهى. " تفسير الطبري " (3 / 532) . والسنَّة تعجيل الفطر لمن كان صائماً. فعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزال الناس بخير ما عجَّلوا الفطر) رواه البخاري (1856) ومسلم (1098) . قال ابن عبد البر رحمه الله: " من السنة تعجيل الفطر وتأخير السحور، والتعجيل إنما يكون بعد الاستيقان بمغيب الشمس، ولا يجوز لأحد أن يفطر وهو شاكٌ هل غابت الشمس أم لا؟ لأن الفرض إذا لزم بيقين، لم يخرج عنه إلا بيقين " انتهى. " التمهيد " (21 / 97، 98) . وقال النووي رحمه الله: " فيه الحث على تعجيل الفطر بعد تحقق غروب الشمس , ومعناه: لا يزال أمر الأمة منتظماً وهم بخير ما داموا محافظين على هذه السنَّة " انتهى. " شرح مسلم " (7 / 208) . وأما المؤذن فإذا كان هناك من ينتظر أذانه ليفطر عليه فإنه ينبغي له أن يبادر بالأذان حتى لا يكون سبباً في تأخير الناس إفطارهم , وفي ذلك مخالفة للسنة. إلا إذا كان فطره على شيء يسير (كشربة ماء) لن يترتب عليه تأخير الأذان، فلا بأس. وإذا كان المؤذن لا ينتظر أذانه أحد , كما لو كان يؤذن لنفسه (كرجل في الصحراء بمفرده) , أو يؤذن لجماعة حاضرين قريبين منه (كِجماعة مسافرين) فلا حرج عليه من الفطر قبل الأذان , لأن أصحابه سيفطرون معه ولو لم يؤذن، ولن ينتظروا أذانه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 66605 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1274 حكم التغني بالأذان [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز التغني بالأذان؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يكره التغني بالأذان بحيث يكون على سبيل التطريب والتمديد الزائد في الحروف، ما لم يغير المعنى، فإن غير المعنى صار حراماً لا يصح معه الأذان. روى ابن أبي شيبة (259) أَنَّ مُؤَذِّنًا أَذَّنَ فَطَرَّبَ فِي أَذَانِهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَذِّنْ أَذَانًا سَمْحًا وَإِلا فَاعْتَزِلْنَا. ومعنى: " أَذَانًا سَمْحًا" أي: مِنْ غَيْرِ تَطْرِيبٍ وَلا لَحْنٍ. يُقَال أَسْمَحَ وَسَمَّحَ وَسَامَحَ إذَا سَاهَلَ فِي الأَمْرِ. انظر: "المغرب" في لغة الفقه، لأبي المكارم المطرزي الحنفي (ص 234) . وجاء في "المدونة" (1/159) . " وَكَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ التَّطْرِيبَ فِي الأَذَانِ كَرَاهِيَةً شَدِيدَةً " اهـ. وقال الإمام الشافعي في "الأم" (1/107) . " أُحِبُّ تَرْتِيلَ الأَذَانِ وَتَبَيُّنَهُ بِغَيْرِ تَمْطِيطٍ وَلا تَغَنٍّ فِي الْكَلامِ وَلا عَجَلَةٍ " اهـ. وجاء في الموسوعة الفقهية (6/12) . " وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ التَّمْطِيطَ وَالتَّغَنِّيَ وَالتَّطْرِيبَ بِزِيَادَةِ حَرَكَةٍ أَوْ حَرْفٍ أَوْ مَدٍّ أَوْ غَيْرِهَا فِي الأَوَائِلِ وَالأَوَاخِرِ مَكْرُوهٌ , لِمُنَافَاةِ الْخُشُوعِ وَالْوَقَارِ. أَمَّا إذَا تَفَاحَشَ التَّغَنِّي وَالتَّطْرِيبُ بِحَيْثُ يُخِلُّ بِالْمَعْنَى فَإِنَّهُ يَحْرُمُ بِدُونِ خِلافٍ فِي ذَلِكَ. لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلا قَالَ لابْنِ عُمَرَ: إنِّي لأُحِبُّك فِي اللَّهِ. قَالَ: وَأَنَا أَبْغَضُك فِي اللَّهِ , إنَّك تَتَغَنَّى فِي أَذَانِك. قَالَ: حَمَّادٌ يَعْنِي التَّطْرِيبَ " اهـ. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن الأذان الملحن: (أي يؤذن على سبيل التطريب به كأنما يجر ألفاظ أغنية فإنه يجزئ لكنه يكره) . وقال: (ولكن اللحن - وهو الخطأ المخالف للقواعد العربية - ينقسم إلى قسمين: قسم لا يصح معه الأذان، وهو الذي يتغير به المعنى. وقسم يصح به الأذان مع الكراهة، وهو الذي لا يتغير به المعنى. فلو قال المؤذن: " الله أكبار" فهذا لا يصح؛ لأنه يحيل المعنى، فإن أكبار جمع كَبَر، كأسباب جمع سبب، وهو الطبل) انتهى من الشرح الممتع 2/62. وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: (ثم التمديد الزائد عن المطلوب في الأذان ما ينبغي، فإن أحال المعنى فإنه يبطل الأذان. حروف المد إذا أعطيت أكثر من اللازم فلا ينبغي، حتى الحركات إذا مدت إن أحالت المعنى لم يصح وإلا كره) انتهى من فتاوى الشيخ 2/125 والحاصل أن التغني بالأذان مكروه، وقد يؤدي إلى بطلانه إن حصل تغيير للمعنى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 47682 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1275 متى يقال " الصلاة خير من النوم " في الأذان الأول أم الثاني؟ [السُّؤَالُ] ـ[قد كشف أحد المشايخ عما يقال إنه حقيقة مذهلة أن لفظة " الصلاة خير من النوم " في أذان الفجر بدعة؛ لأن بلالاً كان يورد هذه اللفظة في أذان التهجد، غير أن ابن مكتوم كان ينادي لأذان الفجر ولم يكن يذكرها. والدليل الثاني: أنه بمعنى هذه الكلمات فالمرء يحاول أن يقارن النوم بصلاة الفجر، وهذا مما لا يجب، فإذا كان مدرسي على حق فلماذا يعمل بذلك في مكة والمدينة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ورد التثويب في أذان الفجر وهو قول: " الصلاة خير من النوم " في عدد من الأحاديث الصحيحة، وقد ذُكر في بعضها التثويب في الأذان الأول مجملاً دون بيان ما هو المقصود بالأذان الأول، هل هو الأذان الذي يكون قبل الفجر أم أنه هو أذان الفجر ذاته، ومن هذه الأحاديث: 1- عن أبي محذورة رضي الله عنه قال: كنت أؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم , وكنت أقول في أذان الفجر الأول: " حي على الفلاح، الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله ". رواه أبو داود (500) والنسائي (647) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ". 2- وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كان في الأذان الأول بعد الفلاح: الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم) . قال الشيخ الألباني رحمه الله: أخرجه الطحاوي (1 / 82) بسند حسن كما قال الحافظ في " التلخيص " (3 / 169) . " الثمر المستطاب " (ص 131) . وعلى هذه الأحاديث اعتمد من قال: إن التثويب في أذان الفجر يكون في الأذان الأول الذي يكون في آخر الليل، والصحيح أنه يكون في الأذان الذي يكون بعد دخول وقت الصلاة. وذلك لأمور: أ. أن لفظة " الأول " تعني الأول بالنسبة للإقامة، وتكون الإقامة هي الأذان الثاني، وقد ورد في السنة الصحيحة تسمية الإقامة أذاناً، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: (بين كل أذانين صلاة) رواه البخاري (598) ومسلم (838) . وجاء في صحيح مسلم (739) تسمية الأذان الذي يكون بعد دخول الوقت بالأذان الأول، وذلك فيما حدثته عائشة رضي الله عنها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: (كان ينام أول الليل ويحيي آخره، ثم إن كانت له حاجة إلى أهله قضى حاجته ثم ينام فإذا كان عند النداء الأول قالت: وثب فأفاض عليه الماء، وإن لم يكن جنبا توضأ وضوء الرجل للصلاة ثم صلى الركعتين) . والمقصود بالركعتين: سنة الفجر الراتبة. قاله النووي في "شرح مسلم". ب. جاء التصريح في بعض الأحاديث الصحيحة أن هذا التثويب يقال في " أذان صلاة الصبح " و " أذان الفجر " و " وصلاة الغداة " وهي ألفاظ تدل على أن التثويب يكون بعد دخول وقت الصلاة والآذان الذي يكون آخر الليل يكون قبل دخول وقت الصلاة، ومن هذه الأحاديث: 1- عن أبي محذورة رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله علِّمني سنة الأذان، قال: فمسح مقدم رأسي وقال: تقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر ... فإن كان صلاة الصبح قلت: الصلاة خير من النوم , الصلاة خير من النوم. وفي رواية أخرى نحو هذا الخبر وفيه: (الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم في الأولى من الصبح) . رواه أبو داود (501) والنسائي (633) وصححه الشيخ الألباني في " صحيح أبي داود ". وفي رواية أخرى عند أبي داود (504) من حديث أبي محذورة رضي الله عنه: (وكان يقول في الفجر الصلاة خير من النوم) وصححها الشيخ الألباني في " صحيح أبي داود ". 2- عن أنس رضي الله عنه قال: من السنة إذا قال المؤذن في أذان الفجر: حي على الفلاح قال: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم (مرتين) . قال الشيخ الألباني رحمه الله: أخرجه الدارقطني (90) وابن خزيمة في " صحيحه " والبيهقي في " سننه " (1 / 423) ، وقال: " إسناده صحيح ". ثم أخرجه الدارقطني والطحاوي أيضا (1 / 82) من طريق هشيم عن ابن عون به بلفظ: (كان التثويب في صلاة الغداة إذا قال المؤذن: حي على الفلاح قال: الصلاة خير من النوم) (مرتين) ، وهذا اللفظ رواه ابن السكن وصححه كما في " التلخيص " (3 / 148) . " الثمر المستطاب " (ص 132) . ففي هذه الأحاديث: أن التثويب يكون في أذان صلاة الصبح. والأذان الذي يكون للصلاة هو الذي يكون بعد دخول الوقت، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم) متفق عليه. وأما الأذان الذي يكون في آخر الليل فليس أذاناً لصلاة الصبح , وإنما هو (ليرجع القائم ويوقظ النائم) كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين. وبهذا يتبين أن التثويب في الأذان الذي يكون بعد دخول وقت الصلاة ليس بدعة بل هو السنة. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة: ما المانع من الإتيان بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم في التثويب في الأذان الأول للفجر كما جاء في سنن النسائي وابن خزيمة والبيهقي؟ فأجابوا: " نعم، ينبغي الإتيان بالتثويب في الأذان الأول للفجر امتثالا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وواضح من الحديث أنه الأذان الذي يكون عند طوع الفجر الصادق، وسمي أولاً بالنسبة للإقامة، فإنها أذان شرعاً، كما في حديث: (بين كل أذانين صلاة) ، وليس المراد بالأذان الأول ما ينادى به قبل ظهور الفجر الصادق؛ فإنه شرع ليلاً ليستيقظ النائم، وليرجع القائم، وليس أذاناً للإعلام بالفجر، ومن تدبر أحاديث التثويب لم يفهم منها إلا أن التثويب في أذان الإعلام بوقت الفجر لا الأذان الذي يكون ليلا قبيل الفجر " انتهى. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. " فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (6 / 63) . وانظر تفصيلاً علميّاً في الرد على من قال إن التثويب يكون في الأذان الذي قبل دخول وقت الصلاة للشيخ العثيمين رحمه الله في كتاب "الشرح الممتع" (2 / 61 – 64) . وأما قول مدرسك: إنه بهذا يقارن المرء بين النوم وصلاة الفجر! فهذا ليس بصحيح , لأن هذا اللفظ هو خبر بأن الصلاة خير من النوم , وفي ذلك حث للنائم أن يترك النوم ويقوم إلى ما هو خير. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45518 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1276 حكم تولي المرأة الأذان [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم تولي المرأة الأذان للرجال؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله جرى عمل المسلمين على مدار أربعة عشر قرناً من الزمان أنه لا يتولى الأذان إلا الرجال، وهذا بمفرده يكفي دليلاً على منع النساء من الأذان للرجال، ومخالفة هذا مخالفة لسبيل المؤمنين، وقد قال الله تعالى: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً) النساء/115. والأمر أوضح من أن يستدل له، لولا وجود من طمس الله على بصيرتهم، وصاروا يجادلون في أمور تعد من ثوابت هذا الدين. ويدل على ذلك من السنة: 1- ما رواه البخاري (604) ومسلم (377) عن ابْن عُمَرَ رضي الله عنهما قال: كَانَ الْمُسْلِمُونَ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ يَجْتَمِعُونَ فَيَتَحَيَّنُونَ الصَّلاةَ لَيْسَ يُنَادَى لَهَا، فَتَكَلَّمُوا يَوْمًا فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: اتَّخِذُوا نَاقُوسًا مِثْلَ نَاقُوسِ النَّصَارَى، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ بُوقًا مِثْلَ قَرْنِ الْيَهُودِ، فَقَالَ عُمَرُ: أَوَلا تَبْعَثُونَ رَجُلا يُنَادِي بِالصَّلاةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا بِلالُ، قُمْ فَنَادِ بِالصَّلاةِ) . فهذا الحديث يدل على أنه من المقرر عند الصحابة أنه لا ينادي للصلاة إلا الرجال، وأنه لا مدخل للنساء في ذلك، لقول عمر رضي الله عنه: (أَوَلا تَبْعَثُونَ رَجُلا يُنَادِي بِالصَّلاةِ) . 2- روى البخاري (684) ومسلم (421) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (مَنْ رَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ، فَإِنَّهُ إِذَا سَبَّحَ الْتُفِتَ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ) . قال الحافظ: " وَكَأَنَّ مَنْعَ اَلنِّسَاءِ مِنْ اَلتَّسْبِيحِ لأَنَّهَا مَأْمُورَة بِخَفْضِ صَوْتِهَا فِي اَلصَّلاةِ مُطْلَقًا لِمَا يُخْشَى مِنْ اَلافْتِتَانِ " انتهى. فإذا كانت المرأة منهية عن تنبيه الإمام بالقول إن أخطأ، وإنما تصفق، حتى لا ترفع صوتها بحضرة الرجال، فكيف يسمح لها بالأذان؟! وقد اتفق العلماء على عدم مشروعية أذان النساء للرجال، وهذه بعض أقوالهم في هذا: جاء في "بدائع الصنائع" (1/411) (حنفي) : " يكره أذان المرأة باتفاق الروايات ". وفي "مواهب الجليل" (2/87) (مالكي) : " فلا يصح أذان امرأة " انتهى. وقال الشافعي في الأم (1/84) : " ولا تؤذن امرأة، ولو أذنت لرجال لم يجزئ عنهم أذانها " انتهى. وفي "الإنصاف" (1/395) (حنبلي) : "لا يعتد بأذان امرأة " انتهى. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39186 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1277 معنى الخيط الأبيض والخيط الأسود في آية الصيام [السُّؤَالُ] ـ[قال تعالى: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) هل هذا يعني بأننا يجب أن نمسك حتى تبدأ الشمس بالشروق؟ ولماذا نمسك عند أذان الفجر وهو قبل الشروق بحوالي ساعة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المراد بالخيط الأسود في الآية الكريمة هو الليل، والخيط الأبيض هو الفجر، وليس طلوع الشمس. وسمي الفجر خيطاً أبيض لأن أول ما يبدو من الفجر في السماء ضوءٌ كالخيط في الأفق، يمتد يميناً وشمالاً من الشمال إلى الجنوب، ثم لا يزال يزداد حتى ينتشر في السماء كلها. انظر فتح الباري شرح حديث رقم: (1917) وروى البخاري (1916) ومسلم (1090) عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ) عَمَدْتُ إِلَى عِقَالٍ أَسْوَدَ وَإِلَى عِقَالٍ أَبْيَضَ فَجَعَلْتُهُمَا تَحْتَ وِسَادَتِي فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ فِي اللَّيْلِ فَلَا يَسْتَبِينُ لِي فَغَدَوْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ: إِنَّمَا ذَلِكَ سَوَادُ اللَّيْلِ، وَبَيَاضُ النَّهَارِ. قال النووي رحمه الله: قَالَ أَبُو عُبَيْد: الْخَيْط الأَبْيَض: الْفَجْر الصَّادِق , وَالْخَيْط الأَسْوَد: اللَّيْل اهـ والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37790 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1278 الاجتماع في المسجد، والأكل والحديث فيه، في أيام العيد [السُّؤَالُ] ـ[ألفنا في مسجد حينا كلما حل عيد الفطر أو الأضحى أن يجتمع الرجال في المسجد لشرب الشاي وأكل الحلوى، مع ما يصاحب ذلك من حديث في مختلف المواضيع، فما حكم ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: يشرع للمسلمين أن يظهروا الفرح بالعيد الشرعي، وأن يجتمعوا لذلك، ولا مانع من أن يكون ذلك في المسجد. روى البخاري (5236) ومسلم (892) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: (رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْحَبَشَةِ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا الَّتِي أَسْأَمُ، فَاقْدُرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ الْحَرِيصَةِ عَلَى اللَّهْوِ) . وفي رواية للبخاري (950) ومسلم (892) أن ذلك (َكَانَ يَوْمَ عِيدٍ يَلْعَبُ السُّودَانُ بِالدَّرَقِ وَالْحِرَابِ) . ولا بأس ـ أيضا ـ أن يصحب ذلك الاجتماع بعض ما يناسب ذلك من الطعام أو الشراب. قال الزركشي رحمه الله: " يجوز أكل الخبر والفاكهة والبطيخ وغير ذلك في المسجد. وقد روى ابن ماجة عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي قال: كنا نأكل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد الخبز واللحم. [رواه ابن ماجة في سننه (3300) وصححه الألباني] .. وينبغي أن يبسط شيئا، ويحترز خوفا من التلوث. ولئلا يتناثر شيء من الطعام، فتجتمع عليه الهوام. هذا إذا لم يكن له رائحة كريهة، فإن كانت، كالثوم والبصل والكرات ونحوه، فيكره أكله فيه، ويمنع آكله من المسجد حتى يذهب ريحه.. " انتهى. "إعلام الساجد ب أحكام المساجد" (329) . وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " ولا بأس بالنوم والأكل في المسجد للمعتكف وغيره؛ لأحاديث وآثار وردت في ذلك، ولما ثبت من حال أهل الصفة، مع مراعاة الحرص على نظافة المسجد والحذر من أسباب توسيخه من فضول الطعام أو غيرها؛ لما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «عرضت علي أجور أمتي،حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد» رواه أبو داود والترمذي وصححه ابن خزيمة، ولحديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم «أمر ببناء المساجد في الدور وأن تنظف وتطيب» . رواه الخمسة إلا النسائي وسنده جيد. والدور: هي الحارات والقبائل القاطنة في المدن. " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (15/439) . وينظر: فتاوى اللجنة الدائمة (6/290) . ثانيا: يجوز الكلام المباح في المسجد، ولو كان ذلك من أمر الدنيا، ما لم يترتب عليه تشويش على المصلين. روى مسلم في صحيحه (670) عن جابر بن سمرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْحَ أَوْ الْغَدَاةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ قَامَ، وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فَيَضْحَكُونَ وَيَتَبَسَّمُ. قال النووي رحمه الله: " يجوز التحدث بالحديث المباح في المسجد، وبأمور الدنيا وغيرها من المباحات، وإن حصل فيه ضحك ونحوه، ما دام مباحا؛ لحديث جابر بن سمرة.. " انتهى. "المجموع شرح المهذب" (2/177) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " الكلام في المسجد ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: أن يكون فيه تشويش على المصلين والقارئين والدارسين، فهذا لا يجوز، وليس لأحد أن يفعل ما يشوش على المصلين والقارئين والدارسين. القسم الثاني: أن لا يكون فيه تشويش على أحد، فهذا إن كان في أمور الخير فهو خير. وإن كان في أمور الدنيا: فإن منه ما هو ممنوع، ومنه ما هو جائز؛ فمن الممنوع البيع والشراء والإجارة، فلا يجوز للإنسان أن يبيع أو يشتري في المسجد، أو يستأجر أو يؤجر في المسجد، وكذلك إنشاد الضالة فإن الرسول عليه الصلاة والسلام قال (إذا سمعتم من ينشد الضالة فقولوا لا ردها الله عليك فإن المساجد لم تبن لهذا) . ومن الجائز: أن يتحدث الناس في أمور الدنيا بالحديث الصدق الذي ليس فيه شيء محرم ". "فتاوى نور على الدرب". وأما حديث: (الكلام في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب) ، فليس له أصل عن النبي صلى الله عليه وسلم. ينظر: "السلسلة الضعيفة" للشيخ الألباني رحمه الله. رقم (4) . والخلاصة: أنه لا بأس باجتماعكم هذا، لكن مع الاحتراز عن تلويث المسجد بشيء من الأطعمة والأشربة، والاحتراز أيضا من التشويش على من يصلي أو يقرأ القرآن أو نحو ذلك من العبادات، إن وجد أحد يفعل ذلك في وقت اجتماعكم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 141553 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1279 هل يجوز هدم المسجد القديم لتجديده للمصلحة، ولو عارض الواقف؟ [السُّؤَالُ] ـ[لدينا في القرية مسجد بناؤه شعبي (غير مسلح) قام ببنائه متبرع بناءا مجردا ثم أكملنا نحن النوافذ والأبواب والتكييف والمنارة وحرم المسجد ودورات المياه. .. والآن أتى متبرع عن طريق جهة خيرية لبناء مسجد حديث ومجهز ونظيف ... إلا أن المتبرع الأول عارض هدم المسجد الذي بناه، ويقول إن المسجد يبقى ولن يسمح بإعادة بناء للمسجد. فهل يحق له ذلك؟ ثم ما العمل إذا كان أهل القرية جميعا لا يريدون بقاء هذا المسجد وهو ليس من سكان هذه القرية.؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز هدم المسجد القديم وتجديده إذا كان في تجديده مصلحة، كتوسعة، أو بنائه بناءً حديثاً بعد أن كان مبنياً بناءً شعبياً. وينبغي أن يكون ذلك بعد موافقة المسؤولين في الأوقاف، حتى يتم التجديد بصورة صحيحة، دون إحداث شغب أو خلاف. وإذا كان الواقف الأول يعترض على ذلك لأنه يظن أن أجره سوف ينقطع، فليس الأمر كذلك؛ قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: "لا مانع من هدم المسجد القديم وتعميره على الطراز الحديث؛ لما في ذلك من المصلحة العامة لأهل القرية وغيرهم، وأما الذين بنوا الأول فأجرهم كامل ولا ينقطع بتجديده" انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (6 / 232-233) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: نحن جماعة مسجد بُني منذ خمس عشرة سنة، من البلك والخشب، وقد خرج إلينا مندوب الأوقاف قبل ثلاث سنين، وقرر أن المسجد لا يصلح للصلاة فيه، فلما أراد جماعة المسجد أن يبحثوا لهم عن فاعل خير يبني لهم المسجد اعترض عليهم معترض وقال: لا يجوز أن تهدموا المسجد وتزيدوا في مساحته؛ لأنه وقف وصاحبه قد مات، فأشكل هذا على بعض جماعة المسجد، فنرجو منكم جزاكم الله خيراً أن تبينوا لنا: هل يجوز لنا أن نهدم هذا المسجد ونبنيه من جديد، علماً بأن ورثة الواقف ليس لديهم القدرة والاستطاعة على بنائه؟ فأجاب: "هذه المساجد لها ناظر منصوب من قبل الدولة، وهم مدراء الأوقاف، فالمرجع في ذلك إلى مدراء الأوقاف، إذا قرروا أن هذا المسجد لا بد أن يهدم فليهدم، وأجر صاحبه الذي أوقفه أولاً على الله عز وجل، وقد قال الله تبارك وتعالى: (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) النساء/100، فهذا الذي بناه الأول بناه على أنه سيبقى، فله ما نوى، وأما أن نحصر الناس في هذا المسجد الذي لا يصلح أن يكون مسجداً؛ لأنه وقَّفه فلان فهذا ليس بوارد، وللجماعة أن يهدموه وأن يبنوه على الوجه الذي يريح الناس، وأن يوسعوه، ولكن لا بد من أخذ إذن الأوقاف في ذلك، أو إذن القائمين على المساجد في هذا " انتهى. "اللقاء الشهري" (1/493) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 138304 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1280 الإعلان عن دعوة النكاح فى المسجد [السُّؤَالُ] ـ[فى بلدنا كانت الدعوة للزواج تتم بدعوة كل فرد من أفراد القرية والقرى المجاورة، بدعوة الفرد من بيته، فإذا لم يدع من بيته لا يعتبر خلاف ذلك دعوة. ولقد اتسعت القرية اتساعا كبيرا، واتسعت بذلك القرى المجاورة، وسكن الناس أطراف وأعالي الجبال، مما جعلت دعوة الفرد من بيته صعبة جدا، وتعب الناس كثيرا، واجتمع الناس على الإعلان عن الدعوة للزواج في المسجد. فهل هذا مباح أم حرام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: ينبغي أن تنزه المساجد عن الإعلانات المتعلقة بأمور الدنيا، ومنها الإخبار بوليمة النكاح أو الدعوة إليها، لأن المساجد لم تبن لهذا، وإنما بنيت لإقامة الشعائر وتعليم العلم ونشر الخير. روى مسلم في صحيحه (568) عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَقُلْ لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْكَ، فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا) . وفي صحيح مسلم أيضا (569) عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَجُلاً نَشَدَ فِى الْمَسْجِدِ فَقَالَ: مَنْ دَعَا إِلَى الْجَمَلِ الأَحْمَرِ؟ فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: (لاَ وَجَدْتَ؛ إِنَّمَا بُنِيَتِ الْمَسَاجِدُ لِمَا بُنِيَتْ لَهُ) . لكن يجوز الإعلان عن الأمور الدنيوية خارج المسجد، ولو بوضع ورقة على جداره من الخارج. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم وضع بعض الإعلانات في المسجد؟ كالإعلان عن حملة للحج أو للعمرة، أو الإعلان عن وجود محاضرات أو دروس علم؟ فأجاب رحمه الله: " أما ما كان إعلانا عن طاعة فلا بأس به؛ لأن الطاعة مما يقرب إلى الله، والمساجد بنيت لطاعة الله سبحانه وتعالى. وأما ما كان لأمور الدنيا، فإنه لا يجوز، ولكن يعلن عنه على جدار المسجد من الخارج. فالحملات - حملات الحج - أمر دنيوي، فلا نرى أن نعلن عنها في الداخل. وحلق الذكر - كدورات العلم - خيرٌ محض، فلا بأس أن يعلن عنها في داخل المسجد؛ لأنها خير " انتهى باختصار من "شرح منظومة القواعد الفقهية" (ص/52) . وقال أيضا رحمه الله: " لا يجوز أن تعلق الإعلانات للحج والعمرة داخل المسجد؛ لأن غالب الذين يأخذون هذه الرحلات يقصدون الكسب المالي، فيكون هذا نوعاً من التجارة، لكن بدلاً من أن تكون في المسجد تكون عند باب المسجد من الخارج " انتهى من "لقاءات الباب المفتوح" (لقاء رقم 151، سؤال رقم 10) . وقال الشيخ ابن باز رحمه الله في نشد الضالة: " وأما كتابة ذلك في ورقة فهذا إذا كان في الجدار الخارجي للمسجد فلا بأس " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (30/ 9) . وعليه: فيمكن كتابة دعوة النكاح على ورقة توضع على جدار المسجد من الخارج، أو توزع الدعوة على المصلين خارجه. هذا مع أننا نرى أنه بالإمكان التغلب على تلك الصعوبة بالاتصالات الهاتفية، أو رسائل الجوال، ونحو ذلك. ومع هذا الاتساع المذكور لا يظهر أن الداعي يريد دعوة الناس جميعا، بل من شاء أن يخصه بدعوته، ولم يستطع الوصول إليه شخصيا، فبإمكانه أن يتصل به في الهاتف، أو يرسل له رسالة، أو نحو ذلك. ثانيا: ذهب جمهور الفقهاء إلى استحباب عقد النكاح في المسجد، واستدلوا لذلك بحديث: (أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف) رواه الترمذي (1089) لكنه ضعيف كما قال الألباني في ضعيف الترمذي، وقد حسّن رحمه الله جملة: (أعلنوا النكاح) كما في "آداب الزفاف" ص 111 وينظر: سؤال رقم (87898) ولا يجوز أن يعتقد أن إجراء النكاح في المسجد سنة، لعدم ثبوت ما يدل على السنية، لكنه أمر مباح، فلو أجروا عقد النكاح في المسجد، ثم انتقلوا إلى محل العرس لحضور الوليمة، تحقق بذلك إعلان النكاح، وعرف الداعي إليه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 138263 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1281 المصليات التي في البيوت أو الشركات لا تأخذ حكم المسجد [السُّؤَالُ] ـ[أنا أعمل بالسعودية وعندي سكن مخصص للعمال به حوالي 50 عامل وبه مصَلَّي تقام فيه 4 صلوات من الخمس، لأن الفرض الخامس يكون في وقت الدوام، ويصليه العمال بالخارج. السؤال: أريد استغلال مكان المصلي لإنشاء غرف إضافية بالسكن، وقبل ذلك طبعا سأقوم بتجهيز مكان آخر كمصلَّى بالعلم أن المكان الجديد داخل السكن أيضاً ولا يبعد عن المكان القديم إلا 15 متر فقط، فهل هناك حرمة من عمل المصلى غرف؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المصليات التي تتخذ في البيوت أو في بعض المؤسسات والشركات ويقصد بها صلاة أهل المكان فقط، ولا يقصد بها أنها مسجد عام مفتوح لجميع المسلمين، لا تأخذ حكم المسجد. وقد كان عمل الناس قديماً أن الرجل يتخذ موضعاً في داره للصلاة يسمى "مصلى البيت" أو "مسجد البيت" ولم يكن لهذا المسجد أحكام المساجد المعروفة. فقد روى البخاري (425) ومسلم (33) عن عتبان بن مالك رضي الله عنه أنه لما عمي وشق عليه الذهاب إلى المسجد في أيام المطر والسيول طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتي إلى داره ليصلي في موضع يتخذه عتبان مصلى، فلبى النبي صلى الله عليه وسلم طلبه. قال الحافظ ابن حجر: "من فوائد الحديث: أن اتخاذ مكان في البيت للصلاة لا يستلزم وقفيته ولو أطلق عليه اسم المسجد" انتهى. وذكر ابن قدامة في "المغني" (4/464) أن مسجد البيت " لا تثبت له أحكام المسجد الحقيقية" انتهى. وجاء في "الموسوعة الفقهية" (2/121) : "مسجد البيت ليس بمسجد حقيقةً ولا حكماً، فيجوز تبديله، ونوم الجنب فيه" انتهى. وعلى هذا، فهذا المصلى الموجود في البيت لا يأخذ حكم المسجد، ولا حرج من تحويله إلى غرف للسكن. وينبغي التنبيه إلى أن صلاة الجماعة واجبة في المسجد، ولا يجوز صلاتها في البيت ـ ولو كانت جماعة ـ إلا من عذر كالمرض أو بُعد المسجد ... ونحو ذلك. ولمزيد الفائدة يراجع جواب السؤال رقم (72895) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136661 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1282 حكم صلاة الذين يصفون آخر المسجد، تاركين الصف مع الجماعة خلف الإمام. [السُّؤَالُ] ـ[هناك مسجد بجوار عملي أصلي فيه مع الجماعة، وهو مسجد كبير ويتسع لحوالي ألف مصلى، ولكني لاحظت أن هناك مجموعة من الرجال يصفون صفا في نهاية المسجد ويتركون مسافة كبيرة جدا بينهم وبين الصفوف المتراصة خلف الإمام، وهذه المسافة قد تكفي لعشرة صفوف في بعض الصلوات، وبعد ذلك صرت أصلي في مسجد آخر خوفا من أن تبطل صلاتي، ونريد من فضيلتكم توضيح الحكم في فعل هؤلاء المصلين، وحكم صلاة الجماعة في ذلك المسجد، والنصح لي بكيفية تغيير هذا الوضع إن كان مخالفا؟ مع العلم أني كلمت الإمام المسؤول عن المسجد وقال لي: (لا فائدة من نصحهم فقد نصحناهم عدة مرات) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله السنة للمصلين أن يتراصوا ويقاربوا الصفوف. روى أبو داود (667) والنسائي (815) عن أنس رضي الله عنه أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (رَاصُّوا صُفُوفَكُمْ، وَقَارِبُوا بَيْنَهَا، وَحَاذُوا بِالْأَعْنَاقِ) صححه الألباني في "صحيح أبي داود". قال السندي رحمه الله: " قَوْله (رَاصُّوا صُفُوفكُمْ) بِانْضِمَامِ بَعْضكُمْ إِلَى بَعْض عَلَى السَّوَاء (وَقَارِبُوا بَيْنَهَا) أَيْ: اِجْعَلُوا مَا بَيْن صَفَّيْنِ مِنْ الْفَصْل قَلِيلًا، بِحَيْثُ يَقْرَب بَعْض الصُّفُوف إِلَى بَعْض" انتهى. وقال المناوي رحمه الله: " (وقاربوا بينها) بحيث لا يسع بين كل صفين صف آخر حتى لا يقدر الشيطان أن يمر بين أيديكم" انتهى. "فيض القدير" (4 / 7) . والأفضل للمسلمين عموماً ـ في الصلاة وغيرها ـ أنهم إذا اجتمعوا أن يتقاربوا بأبدانهم، حتى يكون ذلك سبباً لحصول الألفة والمحبة بينهم وتقويتها. فعن أبي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيّ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّاسُ إِذَا نَزَلُوا مَنْزِلًا تَفَرَّقُوا فِي الشِّعَابِ وَالْأَوْدِيَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ تَفَرُّقَكُمْ فِي هَذِهِ الشِّعَابِ وَالْأَوْدِيَةِ إِنَّمَا ذَلِكُمْ مِنْ الشَّيْطَانِ) فَلَمْ يَنْزِلْ بَعْدَ ذَلِكَ مَنْزِلًا إِلَّا انْضَمَّ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، حَتَّى يُقَالَ لَوْ بُسِطَ عَلَيْهِمْ ثَوْبٌ لَعَمَّهُمْ. رواه أبو داود (2628) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود". فما يفعله هؤلاء من تركهم الصفوف الأولى، وصلاتهم في آخر المسجد: مخالف للسنة، وسبب من أسباب حصول النزاع والتفرق بين أهل المسجد. وأما صحة الصلاة فصلاتهم صحيحة، ما داموا يصلون داخل المسجد، ويقفون صفاً، ولا يقف أحدهم منفرداً خلف الصفوف. فقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم الصلاة التي نصليها في فناء المسجد؟ علما بأن الفناء في المسجد تابع له؟ فأجاب: "الصلاة في فناء المسجد إن كان جميع المصلين صلوا فيه فلا إشكال في جوازها، وأما إذا كان المصلون يصلون في داخل المسقوف وهؤلاء صاروا في خارج فيقال: خالفتم السنة؛ لأن السنة أن تتقارب الصفوف بعضها من بعض، وأن لا يصلوا في مكان والإمام يصلي في مكان آخر، لكن صلاتهم على كل تقدير صحيحة" انتهى. "فتاوى نور على الدرب" (192/10) . وصلاة الجماعة في هذا المسجد صحيحة، وينبغي لكم ولإمام المسجد أن تستمروا في نصح هؤلاء وحثهم على اتباع السنة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136623 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1283 حكم تخصيص مكان في البيت للصلاة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم تخصيص مكان في البيت للعبادة والصلاة فيه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج من تخصيص مكان في البيت للعبادة والصلاة فيه، وقد جاء في السنة ما يدل على جواز ذلك. فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ قَالَ: سَمِعْتُ خَالَتِي مَيْمُونَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تقول: (أَنَّهَا كَانَتْ تَكُونُ حَائِضًا لَا تُصَلِّي، وَهِيَ مُفْتَرِشَةٌ بِحِذَاءِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى خُمْرَتِهِ، إِذَا سَجَدَ أَصَابَنِي بَعْضُ ثَوْبِهِ) رواه البخاري (333) . قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: "والظاهر: أن مراد ميمونة في هذا الحديث مسجد بيت النَّبيّ صلى الله عليه وسلم الذي كانَ يصلي فيهِ من بيته؛ لأن ميمونة لا تفترش إلا بحذاء هذا المسجد، ولم تُرِد - والله أعلم - مسجد المدينة" انتهى. "فتح الباري" (1/550) . وعَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيِّ: (أَنَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ كَانَ يَؤُمُّ قَوْمَهُ وَهُوَ أَعْمَى، وَأَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّهَا تَكُونُ الظُّلْمَةُ وَالسَّيْلُ، وَأَنَا رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ، فَصَلِّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي بَيْتِي مَكَانًا أَتَّخِذُهُ مُصَلَّى، فَجَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ؟ فَأَشَارَ إِلَى مَكَانٍ مِنْ الْبَيْتِ، فَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رواه البخاري (667) ، ومسلم (33) . قال النووي رحمه الله: "وفيه: أنه لا بأس بملازمة الصلاة في موضع معين من البيت، وإنما جاء في الحديث النهي عن إيطان موضع من المسجد للخوف من الرياء ونحوه" انتهى. "شرح مسلم" (5/161) . قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: " مساجد البيوت هي أماكن الصلاة منها، وقد كان من عادة السلف أن يتخذوا في بيوتهم أماكن معدة للصلاة فيها. وهذه المساجد لا يثبت لها شيء من أحكام المساجد المسبلة – أي المتخذة وقفاً -، فلا يجب صيانتها عن نجاسة، ولا جنابة، ولا حيض. هذا مذهب أصحابنا وأكثر الفقهاء. وأما إقامة الجماعة للصلوات في مساجد البيوت فلا يحصل بها فضيلة الصلاة في المساجد، وإنما حكم ذلك حكم من صلى في بيته جماعة وترك المسجد. وبكل حال؛ فينبغي أن تحترم هذه البقاع المعدة للصلاة من البيوت، وتنظف وتطهر. قال الثوري في المساجد التي تبنى في البيوت: ترفع ولا تشرف، وتفرغ للصلاة، ولا تجعل فيها شيئا " انتهى باختصار. "فتح الباري" لابن رجب (2/377-380) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136585 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1284 هل يصلي في الصفوف الخلفية وراء الإمام، أم في الصفوف الأمامية من الطابق العلوي؟ [السُّؤَالُ] ـ[أحيانا أتأخر عن صلاة الجمعة، فلا أجد مكاناً في المسجد إلا في الصفوف الخلفية، فأصعد إلى الطابق العلوي لأجد مكاناً في صفوف متقدمة بدون أذية للمصلين، فهل الأولى الصلاة في الطابق السفلي حيث الإمام ولو في صفوف متأخرة أم الصعود إلى الطابق العلوي في صفوف متقدمة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصلاة في الصفوف المتأخرة من الطابق السفلي الذي فيه الإمام أفضل من الصلاة في الصفوف المتقدمة من الطابق العلوي؛ لأن الصلاة خلف الإمام هي الأصل، ولا يلجأ الناس إلى الصلاة بالطابق العلوي إلا عند ضيق المسجد وعدم كفايته للمصلين. وأيضا: فإن القرب من الإمام أفضل، والصلاة بالطابق السفلي أقرب إلى الإمام منها بالطابق العلوي. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: سمعنا أن الصلاة في الطابق السفلي من المسجد الحرام أفضل من الصلاة في الطابق العلوي، فهل هذا صحيح من حيث العلو على الإمام؟ فأجاب بقوله: " الطابق السفلي قد يكون أفضل من حيث قربه من الإمام؛ لأنه بلا شك أقرب إلى الإمام، والصف الأول أفضل لأنه أقرب من الإمام. وأما من حيث علو المأموم على الإمام فهذه المسألة فيها خلاف، مع أن كثيراً من أهل العلم يقيد هذه المسألة بما إذا صلى الإمام وحده بالأسفل وصلى بقية الجماعة كلهم فوقه فهذه هي التي تكره، وأما إذا كان مع الإمام أحد فإنه لا كراهة في علو المأموم على الإمام، والآن معروف في الحرم أن غالب المصلين يصلون في الأسفل، فعلى هذا فالذين يصلون فوق ليس في صلاتهم كراهة بل ذلك جائز، ولكن كما قلت الأسفل أقرب إلى الإمام فيكون أولى " انتهى. "مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (13/19-20) وقد تكون الصلاة في الطابق العلوي أفضل إذا كانت أقرب إلى الخشوع، لما قد يتأذى به المصلى في الصفوف الخلفية خلف الإمام من الزحام أو شدة الحر. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: أيهما أفضل الصلاة في الدور العلوي أم في الدور الأرضي من المسجد؟ فأجاب: " الصلاة في الأسفل أفضل من الصلاة في الأعلى؛ لأنها أقرب إلى الإمام، والدنو من الإمام أفضل من البعد عنه، لكن إذا اقترن بالصلاة في الأعلى نشاط الإنسان فنشط، ويرى أنه يخشع أكثر فإن هذا أفضل، وذلك لأن المحافظة على الفضيلة المتعلقة بالعبادة أولى من المحافظة على الفضيلة المتعلقة بمكانها، هكذا قال العلماء، وضربوا لذلك مثلاً بالرَّمَل في طواف القدوم أو الدنو من الكعبة، لو قال قائل: أنا إن دنوت من الكعبة لم يحصل لي الرَّمَل، وإن أبعدت عن الكعبة حصل لي الرَّمَل فأيهما أفضل، أن أدنو من الكعبة، أو أن أبتعد وأرمل، فأيهما أفضل؟ يقول العلماء: الأفضل أن تبتعد وترمل؛ لأن الفضيلة المتعلقة بذات العبادة أولى بالمحافظة من الفضيلة المتعلقة بمكانها " انتهى. "مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (13/ 14) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136256 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1285 هل يجوز لهم السماح للكفار بالاحتفال بأعيادهم في ساحة المسجد؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم دخول غير المسلمين لساحة المسجد، حيث إن بالمسجد ساحة خارجة عن المسجد المعد للصلاة , وهذه الساحة تابعة للمسجد، إذ إن هناك باباً موحداً بينهما , وهذه الساحة مجهزة بكراسي، وطاولات، يتم استغلالها عند الحاجة. ودخول غير المسلمين لها يكون موسميّاً، عندما يكون لهم تجمعات بسبب أحد أعيادهم، فيتم استغلال هذا التواجد لهم , ويتم تجهيز أطباق للغداء , ويتم تقديمها في هذه الساحة , ومدخول هذا اليوم يذهب لخزانة المسجد، لتجهيزه، وما شابه. وما حكم هذا العمل؟ وهل يعتبر بمثابة مشاركتهم في عيدهم؟ مع أن نيتنا تكون مخالفة بحيث يكون هدفنا هو جمع مبالغ من المال لصالح المسجد ونيتنا - إن شاء الله - هذا العام ستكون أسمى بحيث نود استغلال تواجدهم، وتعريفهم بالإسلام. وهل في دخولهم لهذه الساحة حرج مع العلم أن إقامتي في أحد البلدان الغربية؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إذا كانت هذه الساحة عند إنشائها قد نويتم أنها ليست جزءاً من المسجد، بل هي للاحتفالات أو الاجتماعات والندوات، فلا تأخذ حكم المسجد، فيجوز للكافر دخولها. أما إذا كانت هذه الساحة أعدت على أنها جزء من المسجد، يستفاد منها في هذه الاحتفالات، والصلاة عند الحاجة إليها، فهي جزء من المسجد، فلها حكم المسجد. وكذلك يكون لها حكم المسجد إذا لم تنوا عند إنشائها شيئاً معيناً، وكانت داخلة في بناء المسجد، أو كان هناك سور يحيط بها وبالمسجد. قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: "ما كان داخل سور المسجد: فهو من المسجد، وله حكم المسجد، فرحبة المسجد: من المسجد، ومكتبة المسجد: من المسجد، إذا كان كلٌّ منهما داخل سور المسجد" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد. " فتاوى اللجنة الدائمة " المجموعة الثانية (5 / 234) . وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم (103136) . ودخول الكافر إلى المسجد لا يجوز إلا إذا كان هناك حاجة أو مصلحة من دخوله، كما لو دخل لسماع محاضرة، أو شرب الماء ونحو ذلك، كما سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (2192) و (9444) . وإذا كان الكافر سيدخل المسجد مرتكباً بعض المنكرات كالاختلاط المستهتر بين الرجال والنساء، أو دخول النساء المتبرجات فلا ينبغي التوقف في تحريم هذا. فإذا كانت هذه الساحة لها حكم المسجد فلا يجوز دخول الكفار إليها للاحتفال بعيدهم، لأنه ليس في ذلك مصلحة شرعية. ولا يجوز تأجيرها لهم، أو لغيرهم، لأن المسجد لا يُبنى لذلك، وإنما يبنى لذكر الله وإقامة الصلاة. وهذا سبب ثانٍ لمنع تأجير المكان لهؤلاء. وقد سئل ابن القاسم رحمه الله: أرأيت إن بنى رجل مسجداً، فأكراه (يعني: أجَّره) ممن يصلي فيه؟ قال: لا يصلح هذا في رأيي، لأن المساجد لا تبنى للكراء. المدونة (3/434) . ثانياً: هناك سبب ثالث يقتضي منع هؤلاء من الدخول إلى هذه الساحة ـ سواء كانت من المسجد أم لا ـ وهو أن دخولهم إنما هو للاحتفال بعيدهم، وأعياد المشركين أعياد باطلة، لا يجوز للمسلم أن يشاركهم فيها، ولا أن يعينهم عليها، لقول الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2. وروى البيهقي (19334) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (اجتنبوا أعداء الله في عيدهم) . وقد فَسَّر بعض السلف قوله تعالى في صفات عباد الرحمن: (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ) الفرقان/72، قالوا: هي أعياد المشركين. وانظر تفسير ابن كثير (3/435) . ولا شك أن أعياد المشركين من الزور والباطل الذي أمرنا بعدم حضوره، فالآية عامة في عدم شهود الزور الذي يشمل كل قول أو فعل محرم، ومنه: أعياد المشركين. "تفسير السعدي" ص 686. وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم (11427) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 135001 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1286 هل يجوز لهم بيع المسجد لمن يحتمل اتخاذه كنيسة؟ [السُّؤَالُ] ـ[نحن نعيش في أحد المدن الأمريكية، ومنذ ما يزيد على 30 عاماً اشترى المسلمون كنيسة، وعدلوها لتصبح مسجداً , الآن نظراً لقدم البناية، وصغر مساحة المسجد: نريد بيعه، واستخدام قيمته في تكملة بناء مسجد أكبر في حي مجاور , المعضلة: أنه يغلب على ظننا أنه سيشتريه منَّا بعض النصارى، ثم يجعلونه كنيسة، وخاصة أصحاب كنيسة مجاورة للمسجد، يصدر منها أحياناً أصوات موسيقى عالية تسمع من داخل المسجد , ما هو حكم بيع المسجد لمن يرغب في جعله كنيسة؟ وهل فِعْل ذلك يعدُّ مِن معاونتهم على ما هم فيه من الشرك، والضلال؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: اتفق العلماء على حرمة بيع المسجد الذي لم تتعطل منافعه، ولم يهجره أهله، وأن من فعل ذلك فهو آثم، ولا يتملكه من اشتراه. واختلفوا في حكم بيع المسجد الذي تعطلت منافعه، أو هجره أهله: فذهب بعضهم إلى أنه يجوز بيع المسجد إذا كان ذلك هو حاله، وإذا بيع: فيصرف ثمنه إلى مسجد آخر، وإن كان قريباً من الأول فهو أفضل. وهذا قول أبي حنيفة، وصاحبه أبي يوسف، وهو رواية عن الإمام أحمد، وهو الذي عليه مذهب الحنابلة. وذهب آخرون إلى أنه لا يصح بيع الوقف بحال عموماً، والمسجد لا يكون إلا وقفاً، وعليه: فلا يصح عندهم بيعه، وإن تعطلت منافعه، وهجره المصلون. وهو رواية أخرى عن أبي حنيفة، وهي المذهب عند الحنفية، وهو مذهب مالك، والشافعي، ورواية عن الإمام أحمد. والقول بالجواز هو الأصح من القولين. وانظر المسألة بتفصيلها، وترجيحها في جواب السؤال رقم: (103236) . ثانياً: إذا تقرر جواز بيع مسجد القديم ذاك: فهل يجوز لكم بيعه لمن يتخذه كنيسة، أو لإقامة محل يُعصى فيه الله تعالى، كخمارة، أو مؤسسة ربوية؟ والجواب: قطعاً لا يجوز؛ فالوسائل لها حكم الغايات، فالوسيلة إلى فعل المعصية تكون معصية، والوسيلة إلى فعل الطاعة تكون طاعة، ولذلك حرم بيع السلاح وقت الفتنة، وحرم بيع العنب لمن يعصره خمراً، ويقال هنا: يحرم بيع أرض للنصارى بقصد بنائها كنيسة، أو لليهود بقصد بنائها بيعة، ونحو ذلك، كما يحرم تأجيرهم دوراً لإقامة شعائر الكفر فيها. وفي " الموسوعة الفقهية " (38 / 157، 158) : نصَّ جمهور الفقهاء على أنّه يمنع المسلم من بيع أرضٍ أو دارٍ لتتّخذ كنيسةً: قال الحنفيّة: إن اشتروا دوراً في مصرٍ من أمصار المسلمين فأرادوا أن يتّخذوا داراً منها كنيسةً، أو بيعةً، أو بيت نارٍ في ذلك لصلواتهم: منعوا عن ذلك. وقال المالكيّة: يمنع - أي: يحرم - بيع أرضٍ لتتّخذ كنيسةً، وأجبر المشتري من غير فسخٍ للبيع على إخراجه من ملكه، ببيع، أو نحوه. روى الخلال عن المروذيّ أنّ أبا عبد الله سئل عن رجلٍ باع داره من ذمّيٍّ وفيها محاريب فاستعظم ذلك، وقال: نصراني؟! لا تباع، يضرب فيها النّاقوس وينصب فيها الصلبان؟ وقال: لا تباع من الكافر، وشدّد في ذلك. وعن أبي الحارث أنّ أبا عبد الله سئل عن الرّجل يبيع داره وقد جاء نصراني فأرغبه وزاده في ثمن الدّار , ترى أن يبيع منه وهو نصراني، أو يهودي، أو مجوسي , قال: لا أرى له ذلك , قال: ولا أرى أن يبيع داره من كافرٍ يكفر فيها بالله تعالى. إذا اشترى أو استأجر ذمّي داراً على أنّه سيتّخذها كنيسةً: فالجمهور على أنّ الإجارة فاسدة , أمّا إذا استأجرها للسكنى، ثمّ اتّخذها معبداً: فالإجارة صحيحة , ولكن للمسلمين عامّةً منعه حسبةً. انتهى ثالثاً: المشتري من الكفار لا ندري ما يصنع بهذا المسجد إن اشتراه، فمتى يكون البيع له محرَّماً؟. والجواب: أنه يكون محرَّماً في حال العلم باتخاذه له كنيسة، بتصريه، أو بقرائن قوية، أو بغلبة الظن الراجحة، وما عدا ذلك: فلا يحرم بيعه له. قال أحمد الصاوي – رحمه الله -: ويمنع أيضاً بيع التوراة، والإنجيل لهم؛ لأنها مبدَّلة، ففيه إعانة لهم على ضلالهم، وكما يُمنع بيع ما ذُكر لهم: يُمنع الهبة، والتصدق، وتمضي الهبة، والصدقة، ويجبرون على إخراجها من ملكهم كالبيع. تنبيه: كذلك يُمنع بيع كل شيءٍ عُلم أن المشتري قصد به أمراً لا يجوز؛ كبيع جارية لأهل الفساد، أو مملوك، أو بيع أرض لتتخذ كنيسة، أو خمارة، أو خشبة لتتخذ صليباً، أو عنباً لمن يعصره خمراً، أو نحاساً لمن يتخذه ناقوساً، أو آلة حرب للحربيين، وكذا كل ما فيه قوة لأهل الحرب. " بلغة السالك " (3 / 8) . وقال ابن قدامة – رحمه الله -: إذا ثبت هذا: فإنما يحرم البيع، ويبطل إذا علم البائع قصْد المشتري ذلك، إما بقوله، وإما بقرائن مختصة به تدل على ذلك، فأما إن كان الأمر محتملاً مثل أن يشتريها مَن لا يُعلم حالُه، أو من يَعمل الخل والخمر معاًً، ولم يلفظ بما يدل على إرادة الخمر: فالبيع جائز، وإذا ثبت التحريم: فالبيع باطل، ويحتمل أن يصح، وهو مذهب الشافعي ... ولنا: أنه عقد على عين لمعصية الله بها فلم يصح، كإجارة الأمَة للزنا، والغناء ... . " المغني " (4 / 306) . والخلاصة: أنه لا يحل لكم بيع المسجد إذا لم تتعطل منافعه، وأمكن الانتفاع به، ويحل لكم بيعه إن تعطلت منافعه، وصار مهجوراً من أهله، والنصيحة لكم: عدم بيعه، وإبقاؤه وقفاً، وجعله مكتبة، أو مؤسسة خيرية، في حال تعطله عنه الانتفاع به في الصلاة. وإن لم يتيسر لكم هذا، وتعين عليكم بيعه: فيجوز لكم بيعه لنصراني وغيره، إلا إذا علمتم، أو غلب على ظنكم أنه سيحوله كنيسة ونحوها من دور الكفر: فلا يجوز لكم ذلك البيع، وعليكم تحري من يشتريه لاستخدام مباح، فإن جهلتم حال المشتري، ولم تعلموا نيته: فالبيع له جائز، والاحتياط: التورع بالتحري عن نيته. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 134297 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1287 بناء المسجد بشكل سداسي أو رباعي [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن يكون المسجد على شكل رباعي أو سداسي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "ما نعلم شيئاً في أن يكون رباعياً أو سداسياً، المهم أن يكون على هيئة المساجد الواضحة، في مقدمته محرابه، وبالشكل الذي يناسب الصفوف، فلا يكون فيها اعوجاج، ولا يكون فيها مضايقات للصفوف، فتكون كاملة ومستقيمة. أما أشكال البناء فأمرها واسع، ولا نعلم في شكل البناء شيئاً خاصاً، لكن يُراد من هذا أن تكون البناية واسعة للمصلين، والصفوف تكون منتظمة مستقيمة على سمت واحد، بحيث إذا رآه الناس أو دخله الناس عرفوا أنه مسجد، فتكون بناية المسجد واضحة على عرف البلاد وطريقة البلاد التي فيها المساجد" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (2/716) . وقد استحب بعض العلماء أن يكون بناء المسجد على شكل مربع أو مستطيل، ويكون جدار المسجد الأمامي إلى جهة القبلة، حتى يكون الصف الأول موازياً له، فتسهل تسوية الصفوف، أما إذا كانت الصفوف مائلة عن جدار المسجد، فالغالب أنها يحصل بها اعوجاج، إلا أنه قد تم التغلب على هذه المشكلة الآن، بوضع خط في الأرض تستقيم عليه الصفوف، أو فرش المسجد بسجاجيد أو موكيت فيه هذا الخط بلون مخالف للون السجاد. وانظر جواب السؤال رقم (93615) . قال في "شرح مختصر خليل" (1/294) : "يكره بناء مسجد غير مربع، لعدم تسوية الصفوف فيه، ولهذا اختلف في الصلاة فيه بالكراهة والجواز ... ومثل غير المربع: ما إذا كان مربعاً لكن قبلته في بعض زواياه" انتهى. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 133226 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1288 التحدث في المساجد بأمور الدنيا [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم التحدث في المسجد؟ مثل أن أرى صديقاً أو قريباً لي في المسجد قبل الصلاة أو بعدها فأسلم عليه، وأسأله عن حاله، وعن صحته، وأدعوه للزيارة، وغير ذلك من الكلام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "التحدث في المساجد إذا كان في أمور الدنيا والتحدث بين الإخوان والأصحاب في أمور ديناهم إذا كان قليلاً فلا حرج فيه إن شاء الله، أما إذا كان كثيراً فإنه يكره، فيكره أن تتخذ المساجد محلاً لأحاديث الدنيا، فإنها بنيت لذكر الله وقراءة القرآن والصلوات الخمس وغير هذا من وجوه الخير كالتنفل والاعتكاف وحلقات العلم. أما اتخاذها للسواليف في أمور الدنيا فيكره ذلك، لكن الشيء القليل الذي تدعو له الحاجة عند السلام على أخيه الذي اجتمع به وسؤاله عن حاله وأولاده أو أشياء تتعلق بهذا أو بأمور الدنيا لكن بصفة غير طويلة بل بصفة قليلة فلا بأس بذلك" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (2/706) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 132977 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1289 اصطحاب الأولاد إلى المسجد [السُّؤَالُ] ـ[نسمع دائماً عند صلاة المغرب والعشاء صريخاً وضجيجاً من الأطفال في بيت الله الحرام، فهل هذا يجوز في هذا المكان، أو في أي مسجد من المساجد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا حرج في ذلك، لأن من طبيعة الطفل أنه يحدث منه هذا الشيء، وكان الأطفال في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يسمعهم النبي صلى الله عليه وسلم ويسمع صراخهم، ولم يمنع أمهاتهم من الحضور، بل ذلك جائز، ومن طبيعة الطفل أنه يحصل منه بعض الصراخ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أنه يسمع ذلك، ولم يمنع، بل كان صلى الله عليه وسلم يقوم في الصلاة وينشط لها فيسمع بكاء الصبي فيخفف لئلا تفتتن أمه، فهذا يدل على أنه أقرهن على ذلك وراعاهن في الصلاة أيضاً، عليه الصلاة والسلام. ولأن منع الأطفال معناه منع الأمهات من الحضور، وقد يكون حضورهن فيه فائدة للتأسي بالإمام في الصلاة، والطمأنينة فبها، ومعرفتها كما ينبغي، أو لتسمع فائدة من الإمام من العلم. فالحاصل أن حضورها إلى المسجد مع التستر والتحجب وعدم الطيب فيه فوائد، فإن كانت لا تأتي إلا بتبرج وإظهار محاسنها أو بالطيب فلا يجوز لها ذلك، فصلاتها في بيتها أولى، وبكل حال فصلاتها في بيتها أولى وأفضل إلا إذا كان خروجها تستفيد منه فائدة واضحة، كنشاط في قيام رمضان، وكسماع العلم والفائدة، أو التأسي بالإمام في صلاته والطمأنينة فيها إذا كانت تجهل كيفية الصلاة كما ينبغي، فتستفيد صفة الصلاة والطمأنينة فيها، وتستفيد سماع المواعظ والذكر، وهذا قد يجعل خروجها أولى لأجل المصلحة، وإلا فالأصل أن الصلاة في بيتها خير. أما خروجها متبرجة بالملابس الحسنة الفاتنة، أو إبراز بعض محاسنها، وإظهار الطيب الذي قد يسبب الفتن لمن تمر عليهم فكل هذا لا يجوز، ويجب عليها أن تبقى في بيتها ولا تخرج بهذه الأحوال التي تفتن الناس وتضر الناس. أما الطفل فلا بأس بوجوده معها ولكن تتحفظ منه وتجعله في محل محفوظ حتى لا يقذر المسجد ويؤذي المصلين، وإذا دعت الحاجة إلى حمله عند الحاجة ليسكت فلا بأس، فقد حمل النبي صلى الله عليه وسلم أمامة بنت زينب، حملها وهو يصلي بالناس، عليه الصلاة والسلام. فالحاصل: أن وجود الأطفال في المسجد وحملهن حتى في الصلاة لا حرج فيه عند الحاجة، لكن ينبغي أن يراعى في ذلك سلامة الطفل من النجاسات حتى لا ينجس أمه" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (2/714، 715) . [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 132895 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1290 حكم بيع أدوات كهربائية لمسجد فيه ضريح [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم بيع أدوات كهربائية كالسلك والبلاستيك، لمن سيقوم بتركيبها بمسجد، فيه ضريح بجانبه، يفصله عنه جدار فقط، وما واجبي تجاه هذا المشتري؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: إذا كان يشتري هذه الأمور لإنارة الضريح الموجود داخل المسجد أو خارجه، فلا يجوز لك بيعه شيئاً من هذه الأغراض، ولا إعانته بأي وجه من وجوه الإعانة، لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2. وإيقاد السرج والأنوار على القبور من البدع المحدثة المحرمة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وإسراج المصابيح على القبور مما لم أعلم فيه خلافاً أنه معصية لله ورسوله" انتهى "مجموع الفتاوى" (31/45) . وقال ابن حجر الهيتمي في "الزواجر" (1/134) : "صرح أصحابنا بحرمة السراج على القبر وإن قلَّ، حيث لم ينتفع به مقيم ولا زائر، وعللوه بالإسراف وإضاعة المال، والتشبه بالمجوس، فلا يبعد في هذا أن يكون كبيرة" انتهى. وينظر: " أحكام الجنائز " للشيخ الألباني صـ 232. وكذلك الحكم إذا كان يشتريها للمسجد والضريح في داخله، لأنه لا يجتمع في دين الإسلام مسجد وقبر أبداً. فإن كان القبر هو السابق، بأن بُني المسجد على القبر، ففي هذه الحالة يجب هدم هذا المسجد وهجره وعدم الصلاة فيه، ولا يجوز بيع شيء يساعد على بقاء هذا المسجد. قال شيخ الإسلام: " فهذه المساجد المبنية على قبور الأنبياء والصالحين والملوك وغيرهم يتعين إزالتها بهدم أو بغيره، هذا مما لا أعلم فيه خلافا بين العلماء المعروفين، وتكره الصلاة فيها من غير خلاف أعلمه، ولا تصح عندنا في ظاهر المذهب؛ لأجل النهي واللعن الوارد في ذلك ". انتهى " اقتضاء الصراط المستقيم " (1/ 330) . وإن كان المسجد هو السابق، بحيث دُفن الميت فيه بعد بناء المسجد، فالواجب نبش القبر، وإخراج الميت منه، ودفنه مع الناس. وفي هذه الحالة أيضاً لا ينبغي معاونة من يريد تركيب هذه الأغراض في المسجد، لأن هذا فيه إقرار هذا المنكر، بل ومعاونة من يأتي إلى المسجد هو يريد التبرك بالضريح أو الاستغاثة به ونحو ذلك. وأما إذا كان الضريح بجانب المسجد، ويفصل بينهما جدار، بحيث لا يكون للضريح مدخل أو نافذة من المسجد، فهو كبقية المساجد. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وان كان المسجد منفصلاً عن القبر، فحكمه حكم سائر مساجد المسلمين" مجموع الفتاوى (31/12) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 132881 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1291 هل يستحب إبرام عقد الزواج في المسجد؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن يكون الزواج أو العقد داخل المسجد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذهب جمهور أهل العلم إلى أن عقد النكاح في المسجد مستحب؛ لحديث استدلوا به، ولمعنى قالوا بوجوده. في " الموسوعة الفقهية " (37 / 214) : استحب جمهور الفقهاء عقد النكاح في المسجد؛ للبركة، ولأجل شهرته، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف) . انتهى أما الحديث: فقد رواه الترمذي (1089) ، وهو حديث ضعيف، ضعفه الترمذي، وابن حجر، والألباني، وغيرهم. وأما المعنى: فهو قولهم بأن عقد النكاح في المسجد بركة، لكن يُشْكِل على ذلك أنه لو كان الأمر كذلك لحرص النبي صلى الله عليه وسلم على عقد الأنكحة لنفسه في المسجد، ولحرص على تبيين ذلك لأصحابه. وعليه، فالأظهر هنا أن يقال: أن إنشاء عقد الزواج في المسجد جائز من حيث الأصل، لا سيما إن كان ذلك في بعض الأحيان، أو كان أبعد لهم عن المنكر، مما لو عقد في مكان آخر. وأما التزام ذلك في كل عقد، أو اعتقاد أن له فضلاً خاصاً: فهو بدعة، ينبغي التنبيه عليها، ونهي الناس عن فعله على هذا الوجه. وإن كان أثناء العقد وُجد اختلاط بين الرجال والنساء، أو حصل استعمال للمعازف: صار عقده في المسجد أشد حرمة من عقده خارجه؛ لما في ذلك من التعدي على حرمة بيت الله. ودليل مشروعية عقد النكاح في المسجد، من حيث الأصل: حديث الواهبة نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، والذي رواه البخاري ومسلم، حيث ثبت أنه زوجها لأحد أصحابه في المسجد، ولا يُحفظ أنه كرر ذلك في عقدٍ غيره. 1. سئل علماء اللجنة الدائمة: أرجو من فضيلتكم التكرم بتوضيح حكم الشرع في إقامة عقد القران في المسجد، مع العلم أن العقد سوف يكون مقروناً بالالتزام بالتعاليم الإسلامية، وهي عدم الاختلاط بين الرجال والنساء، أو اصطحاب المعازف. فأجابوا: إذا كان الواقع ما ذكر: فلا بأس بإجراء عقد النكاح في المسجد. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. " فتاوى اللجنة الدائمة " (18 / 110) . 2. وسئلوا: هل المواظبة على عقد عقود الزواج في المساجد يعتبر من السنَّة المستحبة، أم يعتبر من البدع؟ . فأجابوا: الأمر في إبرام عقد النكاح في المساجد وغيرها: واسع شرعاً، ولم يثبت فيما نعلم دليل يدل على أن إيقاعها في المساجد خاصة سنَّة، فالتزام إبرامها في المساجد: بدعة. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان. " فتاوى اللجنة الدائمة " (18 / 110، 111) . 3. وقالوا: ليس من السنَّة عقد النكاح بالمساجد، والمداومة على عقد النكاح داخل المسجد واعتقاده من السنَّة: بدعة من البدع؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) . وإن كان يحضر حفلة عقد النكاح نساء متبرجات، وأطفال يؤذون في المسجد: منع عقد ذلك النكاح في المسجد؛ لما في ذلك من المفسدة. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان. " فتاوى اللجنة الدائمة " (18 / 111، 112) . 4. وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: استحباب عقد النكاح في المسجد لا أعلم له أصلاً، ولا دليلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن إذا صادف أن الزوج والولي موجودان في المسجد وعقد: فلا بأس؛ لأن هذا ليس من جنس البيع والشراء، ومن المعلوم أن البيع والشراء في المسجد حرام، لكن عقد النكاح ليس من البيع والشراء، فإذا عقد في المسجد: فلا بأس، أما استحباب ذلك بحيث نقول: اخرجوا من البيت إلى المسجد، أو تواعدوا في المسجد ليعقد فيه: فهذا يحتاج إلى دليل، ولا أعلم لذلك دليلاً. " لقاء الباب المفتوح " (167 / السؤال رقم 12) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 132420 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1292 نشد الضالة بمكبر الصوت الخاص بالمسجد وتعليق ورقة بها في المسجد [السُّؤَالُ] ـ[يوجد في مسجد قريتنا مكبر للصوت، فهل يجوز استعماله في السؤال عن ضالة ثمينة أو مهمة كأن يُسأل بواسطته عن طفل مفقود ونحوه؟ وهل يدخل ذلك في عموم الحديث الذي معناه: (من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد فليقل: لا ردها الله عليك) ؟ وهل يلحق بذلك الورقة تعلق على باب المسجد أو جداره وتفيد السؤال عن ضالته دون التحدث بذلك مشافهة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "أما نشد الضوال عن طريق مكبر الصوت في المسجد فلا يجوز سواء قصد أهل المسجد أو القرية ما دام في المسجد، فلا يجوز، لعموم الحديث وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَقُلْ: لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْكَ) ، وهذا حديث صحيح رواه مسلم في الصحيح، ولأن المساجد ما بنيت لهذا، وهكذا الحديث: (إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا: لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ) ؛ فالمساجد لم تُبن لنشد الضوال أو البيع والشراء، وإنما بنيت لعبادة الله وطاعته بالصلاة والذكر وحلقات العلم ونحو ذلك. أما إذا كان المكبر خارج المسجد في بيت أو في محل خارج المسجد، فهذا أمر معلوم ولا حرج في ذلك أن ينشد الضالة ويطلب من المسلمين أن يفيدوه عن حاجته. وأما كتابة ورقة وتعلق في المسجد فهذا إذا كان في الجدار الخارجي فلا بأس أو على الباب الخارجي فلا بأس، أما من الداخل فلا ينبغي لأن هذا يشبه الكلام، ولأنه قد يشغل الناس بمراجعة الورقة وقراءتها. فالذي يظهر لنا: أنه لا يجوز، لأن تعليق أوراق في المسجد معناه نشد الضوال، ولكن إذا كتب على الجدار الخارجي من ظهر المسجد أو على الباب وتكون خارج المسجد فلا بأس بهذا " انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (2/709) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131823 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1293 وجود صناديق الأحذية بين صفوف المصلين [السُّؤَالُ] ـ[توجد في بعض المساجد صناديق تحتوي على الأحذية تتخلل الصفوف، فما حكم الصلاة إلى هذه الصناديق؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا حرج في ذلك، الصناديق التي أمام الصف لا حرج فيها، إذا كان فيها نعال أو فيها غير ذلك كمصاحف أو كتب، ولو فرض أن فيها نجاسات فإنها لا تضر المصلي لأنها في مكانها وليست تحت المصلين" انتهى. [الْمَصْدَرُ] سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (2/716) الحديث: 131735 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1294 الكلام في المسجد بأمور الدنيا والضحك [السُّؤَالُ] ـ[هناك أشخاص بما فيهم مؤذن المسجد يتحدثون في المسجد بغير أمور الدين، وأحياناً يكحكحون بصوت مسموع يؤذي المصلين، وعند نصحي أخذوا يجاهرون، هل هذا جائز أم لا؟ وماذا يترتب على ذلك وفقكم الله؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا ريب أن المساجد لم تبن للقيل والقال وأحاديث الدنيا والسوالف الباطلة والقهقهة ونحو هذا، وإنما بنيت لذكر الله والصلاة، وقراءة القرآن وبيان العلم، فالذين يجلسون في المساجد الواجب عليهم أن يتأدبوا بالآداب الشرعية ويتباعدوا عما يخالف ما بنيت له المساجد، لكن إذا كان التحدث قليلاً في أمور الدنيا فلا كراهة في القليل، أما إذا كان كثيراً فيكره، أقل أحواله الكراهة، وهكذا إذا قهقه إذا كان قليلاً أو تبسم فلا بأس. وقد كان الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يتحدثون مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد في أمور الجاهلية وربما ضحكوا وتبسم عليه الصلاة والسلام، فالضحك إذا كان لأمر شرعي أو لأمر تعجب منه من أمور الجاهلية أو ما أشبه ذلك من الأشياء التي توجب الضحك في غير لعب وفي غير امتهان المساجد، بل لأمر عارض في الأحاديث التي تعرض بين الناس في التاريخ ونحو هذا لا بأس به، أما أن يتخذ المسجد موضعاً للقيل والقال والسوالف والقهقهة ونحو ذلك فلا، وأقل أحواله الكراهة. أما الشيء العارض فلا بأس به، قهقهة عارضة عند مرور شيء يتعجب منه في التاريخ أو غيره، أو التحدث بينهم بما يدعو إلى الضحك، فهذا لا حرج فيه إذا كان قليلاً. أما إذا كنت نصحتهم وأخذوا يجاهرون فهذا من جهلهم، وهذا غلط، بل الواجب أن يشكروه ويدعو له ويقولون أحسنت، ونحو ذلك ولا يقابلونه بالإساءة، ولكن الجهل قد يوقع أهله في أشياء من الشر بسبب قلة بصيرته" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (2/705) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131729 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1295 لا ينبغي طرد الأطفال من الصفوف الأولى [السُّؤَالُ] ـ[ما رأي فضيلتكم في صلاة الصبي المميز في الصف الأول: لأن كثيراً من الناس يطردونهم إلى الصفوف الأخيرة مما يسبب اجتماعهم وجلبتهم في المسجد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "ينبغي أن يشجّع الصبي على الصلاة وألا يُنفّر منها، فإذا تقدم الصف الأول، وهكذا إذا تقدم إلى الصف الثاني، ولا ينبغي تجميعهم في محل واحد؛ لأن هذا أولاً: ينفرهم من التقدم إلى الصلاة، وثانياً: يسبب لعبهم وإشغالهم للمصلين، فلا ينبغي لأهل المسجد أن يفعلوا ذلك؛ بل ينبغي لأهل المسجد أن يلاحظوا تفريقهم في الصفوف حتى يبعد بعضهم عن بعض لئلا يعبثوا ويؤذوا المصلين، ومن سبق منهم إلى الصف الأول فإنه يُقر؛ لأنه سبق إلى شيء ما سبقه إليه غيره فهو أحق به، والله المستعان" انتهى. [الْمَصْدَرُ] سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (2/921) الحديث: 131680 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1296 الصلاة في مسجد يتم ترميمه والصرف عليه بمال حرام [السُّؤَالُ] ـ[الصلاة في مسجد يتم ترميمه والصرف عليه بمال حرام هناك مساحة في مقدمة المسجد تابعة لأملاك المسجد مؤجرة لبنك غير إسلامي يتعامل مع الربا. ويقوم المسجد بالاستفادة من أموال الإجارة في أعمال الترميم وغيرها من الأمور في تطوير المسجد. فهل يجوز الصلاة في هذا المسجد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: تأجير المحل أو البيت لمن يتخذه للمعصية، لا يجوز، ومن ذلك تأجير المبنى للبنك الربوي؛ لأنه من الإعانة الواضحة على الإثم والعدوان، لأن صاحب المبنى يعلم أن البنك قد استأجر هذا المكان ليتعامل فيه معاملات محرمة، كالربا وغيره. قال البهوتي في "شرح منتهى الإرادات": (2/358) : " ولا تصح إجارة دار لتعمل كنيسة أو بيعة أو صومعة راهب أو لبيع خمر أو القمار ونحوه. سواء شرط ذلك في العقد أو علم بقرينة ; لأنه فِعلٌ محرمٌ فلم تجز الإجارة عليه " انتهى باختصار. وانظر جواب السؤال رقم (22870) . فعلى القائمين على المسجد أن يتخلصوا من هذا العقد المحرم، وأن يؤجروا المساحة لجهة تستعملها في المباح، ولا ندري كيف طابت أنفسهم بجعل محل الربا المتوعَّد أهله بالحرب من الله ورسوله ملاصقا ومجاورا لبيت الله؟ ثانياً: تجوز الصلاة في هذا المسجد، وإثم التعامل مع البنك على من فعل ذلك، وينبغي السعي في إقناع القائمين عليه بتجنيب المسجد هذا المال الخبيث الناتج عن التأجير للبنك الربوي، فإن أصروا، فالإثم عليهم، والصلاة صحيحة. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما حكم الصلاة في المسجد الذي بني ابتغاء وجه الله تعالى، وقد خلط مال بنائه بمال ربا؟ ما حكم الصلاة في المسجد الذي بني من التبرعات ومنها مال مسروق؟ فأجابوا: " تجوز الصلاة في كل منهما وإثم كل من المرابي والسارق على نفسه. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان. "فتاوى اللجنة الدائمة" (6/241) . وينظر جواب السؤال رقم (75410) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131427 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1297 هل يؤجر على الجلوس في المسجد بعد الصلاة دون ذكر أو انتظار صلاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[كثيراً بعد انتهائي من أداء صلاة الجماعة وانتهائي من الأذكار والسنن بعد الصلاة فإني أجلس في المسجد لأنه يحقق لي الراحة والطمأنينة. هل في جلوسي هذا (غير المقترن بأداء ذكر أو عبادة) ثواب لي؟ أم أنه كجلوسي في أي مكان عام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا فرغ المصلي من صلاته وجلس في مصلاه الذي صلى فيه فإن الملائكة تستغفر له، كما جاء في الحديث الذي رواه البخاري (445) ومسلم (649) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ، مَا لَمْ يُحْدِثْ، تَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ) . وفي رواية لهما: (مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ، مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ) . وظاهره: أن هذا الفضل لمن جلس ولم يُحْدث ولم يؤذ بغيبة ونحوها، سواء انشغل بذكر أو لا، وفضل الله واسع، وكرمه عظيم، فيرجى لك هذا الثواب إن شاء الله تعالى، وإن انشغلت بالذكر أو بقراءة القرآن فهذا أكمل وأفضل. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131269 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1298 يحرم دفن الموتى في المساجد [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم دفن الموتى في المساجد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الدفن في المساجد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، ونهى عن اتخاذ المساجد على القبور، ولعن من اتخذ ذلك وهو في سياق الموت يحذّر أُمَّته، ويذكر صلى الله عليه وسلم أن هذا من فعل اليهود والنصارى، ولأن هذا وسيلة إلى الشرك بالله عز وجل، لأن إقامة المساجد على القبور ودفن الموتى فيها وسيلة إلى الشرك بالله عز وجل في أصحاب هذه القبور، فيعتقد الناس أن أصحاب هذه القبور المدفونين في المساجد ينفعون أو يضرون، أو أن لهم خاصية تستوجب أن يُتَقَرَّب إليهم بالطاعات من دون الله سبحانه وتعالى. فيجب على المسلمين أن يحذروا من هذه الظاهرة الخطيرة، وأن تكون المساجد خالية من القبور، مؤسسة على التوحيد والعقيدة الصحيحة، قال الله تعالى: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً) الجن/18. فيجب أن تكون المساجد لله سبحانه وتعالى خالية من مظاهر الشرك، تُؤَدَّى فيها عبادة الله وحده لا شريك له. هذا هو واجب المسلمين. والله الموفق" انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله "فتاوى العقيدة" (صـ 26) . ولمزيد الفائدة ينظر جواب السؤال رقم (120214) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130887 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1299 مسجدان متقاربان والثاني منهما قليل المصلين أو معدومه ففي أي المسجدين يصلي؟ [السُّؤَالُ] ـ[نحن في منطقتنا يوجد مسجدان متقاربان، أحدهما يمتلأ عادة بالمصلين، أما الآخر: فيكون خالٍ من المصلين حتى إنَّه في بعض الأحيان لا يفتح المسجد أحيانا، ففي هذه الحالة أيهما أفضل: الصلاة في المسجد الممتلئ، أم إعمار المسجد الآخر؟ . وثانياً: - بارك الله فيك - الإمام الذي في المسجد الممتلئ لا يراعي السنَّة، فهو مسبل، ولا يراعي السنَّة، أما المسجد الآخر: فإمامه نوعاً ما ملتزم ما استطاع بالسنَّة. فنرجو منكم توضيح في أي المساجد الصلاة تكون فيه أفضل.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: انتشار المساجد، وكثرتها، ولو في الحي الواحد: علامة خير، وهو مما يشجع الناس على أداء الصلاة في بيوت الله، لكننا ففي الوقت نفسه ننبه على أمورٍ: 1. أن لا يكون بناء المساجد بتقارب شديد، لئلا يؤدي ذلك إلى تفريق جماعة المسلمين، وقد يكون في بنائها شيء من الإسراف، والمباهاة، وقد يغلق بعضها في بعض الصلوات لعدم وجود من يصلي فيه. 2. أن لا يصلَّى الجمعة فيهما، بل يصلى في المسجد الكبير منهما؛ ليجتمع المصلون في مسجد واحد. 3. بناء المساجد في المناطق التي تخلو من مساجد بالكلية أولى من بنائها في أماكن يوجد فيها من المساجد ما يكفي المصلين. ثانياً: بما أن الحال هو ما ذكرتَ: فإننا نرى أن تكون الصلاة في المسجد الأول؛ لأمور: 1. أن اجتماع المصلين في مسجد واحد من شأنه أن يحقق الألفة بينهم، ويزيد في ترابطهم، فيُعرف مريضهم فيُعاد، وفقيرهم فيُعان، وميتهم فيُصلَّى عليه، ويُعزى أهله. 2. أن المسجد الذي يصلي فيه أهل الحي جميعهم يعين على تعليمهم، ووعظهم، بخلاف تشتتهم في أكثر من مكان، فإذا جاء العالم ليُعلِّم، والواعظ ليعظ، ويكون الناس قد اجتمعوا في صعيد واحد: فإن الخير والنفع والفائدة تصل لجميعهم. 3. كلما زاد عدد المصلين في الجماعة: كان أحب إلى الله. فعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَإِنَّ صَلَاةَ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ وَحْدَهُ، وَصَلَاتُهُ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ، وَمَا كَثُرَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى) رواه أبو داود (554) والنسائي (843) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: "لو قدِّر أن هناك مسجدين، أحدهما أكثرُ جماعة مِن الآخر: فالأفضلُ أن يذهبَ إلى الأكثرِ جماعة؛ لأنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (صَلاةُ الرَّجُلِ مع الرَّجُلِ أزكى مِن صلاتِهِ وحدَهُ، ... ) . وهذا عامٌّ، فإذا وُجِدَ مسجدان: أحدُهما أكثرُ جماعة مِن الآخرِ: فالأفضلُ أن تُصلِّيَ في الذي هو أكثر جماعة" انتهى. "الشرح الممتع على زاد المستقنع" (4/150، 151) . وقال الشيخ أيضاً: "الأفضل لغير أهل الثَّغر أنْ يصلِّي في المسجدِ الذي تُقام فيه الجماعةُ إذا حضر، ولا تُقام إذا لم يحضر، مثال ذلك: إذا كان هناك مسجدٌ قائمٌ يصلِّي فيه الناسُ، لكن فيه رَجُلٌ إن حَضَرَ وصار إماماً: أُقيمت الجماعةُ، وإنْ لم يحضُرْ: تفرَّقَ الناسُ: فالأفضلُ لهذا الرَّجُلِ أنْ يصلِّيَ في هذا المسجدِ مِن أجلِ عِمارته؛ لأنَّه لو لم يحضُرْ لتعطَّلَ المسجدُ، وتعطيلُ المساجدِ لا ينبغي، فصلاةُ هذا الرَّجُِ في هذا المسجدِ: أفضلُ مِن صلاتِهِ في مسجدٍ أكثرَ جماعةٍ. لكن ينبغي أن يقيَّد هذا بشرطٍ، وهو أن لا يكون المسجدُ قريباً مِن المسجدِ الأكثرِ جماعةً، فقد يُقال: إنَّ الأفضلَ أن يجتمعَ المسلمون في مسجدٍ واحدٍ، وأنَّ هذا أَولى مِن التفرُّق، فإذا قُدِّرَ أن هذا مسجدٌ قديمٌ ينتابه خمسةٌ، أو عشرةٌ من الناسِ، وحولَه مسجدٌ يجتمعُ فيه جمعٌ كثيرٌ، ولا يشقُّ على أهلِ المسجدِ القديمِ أنْ يتقدَّموا إلى المسجدِ الآخرِ، فرُبَّما يُقال: إنَّ الأفضلَ أن ينضمُّوا إلى المسجدِ الآخر، وأن يجتمعوا فيه؛ لأنَّه كلَّما كَثُرَ الجمعُ: كان أفضل" انتهى. "الشرح الممتع على زاد المستنقع" (4/150) . وعليكم بمناصحة هذا الإمام لعل الله يهديه ويوفقه لاتباع السنة والحرص عليها. وأخيراً.. كان يسعنا أن نفتيكم بالصلاة في المسجد الأقل عدداً من المصلين إذا كان أهل المسجد الآخر معروفين بكراهة السنة ومحاربتها ومحاربة أهلها، وقد قمتم معهم بواجب النصيحة ولكن بلا فائدة. ففي هذه الحالة: صلاتكم في هذا المسجد يقيمون فيه السنة وتعلمونها الناس أفضل بلا شك. ولكن ما دام الأمر لم يصل إلى هذا الحد فنرى أن تجتمعوا في مسجد واحد. ونسأل الله لكم التوفيق والهداية والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130708 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1300 غضب من أهل المسجد فأنشأ مسجداً بجانبه [السُّؤَالُ] ـ[نحن نعيش في مدينة صغيرة في " الولايات المتحدة الأمريكية "، عدد المسلمين فيها حوالي 5000 مسلم، والذين يداومون على حضور صلاة الجمعة حوالي 30، وعلى صلاة العشاء والفجر حوالي عشرة، سؤالي عن مشكلة حصلت بين إمام المسجد وعضو فعَّال في المجتمع، كلهم عرب، نتج عنها خروج هذا العضو عن الجماعة، وقام بشراء مبنى مجاور للمسجد لا يبعد إلا دقيقتين على الأقدام، وجعله مسجداً آخر، وأصبح يرغِّب الناس في الصلاة بالمسجد الجديد عن طريق تجهيز الولائم، والنشاطات المختلفة، فانقسم الناس، وأصبح يقام في نفس الشارع جماعتان، ووصل الحد إلى أن أصبح هناك صلاتا عيد في نفس الشارع , فهل يعتبر فعله هذا بدعة وتفريقاً بين المجتمع؟ وما نصيحتكم لهذا الأخ؟ وهل يجوز لنا الصلاة معهم في المسجد الجديد، أو هذا يعتبر عوناً لهم على زيادة الفرقة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله جاء الإسلام بالأمر بالاجتماع والائتلاف، ونهى عن الفرقة والاختلاف، وإذا كان تفرق المسلمين في بلادهم منكَراً: فإنه أشد نكارة إن كان بين ظهراني الكفار، ففيه إظهار الإسلام بصورة سلبيَّة، وإظهار المسلمين أنهم أصحاب أهواء شخصية، وليسوا أصحاب رسالة خالدة. وحرصاً على اجتماع المسلمين في صلاتهم، فقد منع العلماء تعدد الجمعة في مدينة واحدة، إلا لحاجة إلى ذلك: كضيق المسجد، أو تباعد أطراف المدينة. وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: ما حكم إقامة الجمعة في موضعين، أو أكثر، من المدينة، أو الحارة، مع بيان الدليل الشافي؟ . فأجاب: "اعلم وفقك الله أن الذي عليه جمهور أهل العلم: تحريم تعدد الجمعة في قرية واحدة، إلا من حاجة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقيم في مدينته المنورة مدة حياته صلى الله عليه وسلم سوى جمعة واحدة، وهكذا في عهد خلفائه الراشدين، أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، رضي الله عنهم أجمعين، وهكذا في سائر الأمصار الإسلامية في صدر الإسلام، وما ذلك إلا لأن الجماعة مرغَّب فيها من جهة الشرع المطهر؛ لما في اجتماع المسلمين في مكان واحد حال إقامة الجمعة، والعيد، من التعاون على البرِّ، والتقوى، وإقامة شعائر الإسلام، ولما في ذلك – أيضاً - من الائتلاف بينهم، والمودة، والتعارف، والتفقه في الإسلام، وتأسي بعضهم ببعض في الخير، ولما في ذلك – أيضاً - من زيادة الفضل، والأجر، بكثرة الجماعة، وإغاظة أعداء الإسلام من المنافقين، وغيرهم، باتحاد الكلمة، وعدم الفُرقة. وقد وردت النصوص الكثيرة في الكتاب والسنَّة في الحث على الاجتماع، والائتلاف، والتحذير من الفُرقة، والاختلاف، فمِن ذلك قول الله عز وجل: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) ، وقوله سبحانه: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (إن الله يرضى لكم ثلاثا ويسخط لكم ثلاثا يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم) – رواه مسلم (1715) -. ومما تقدم يتضح لكم: أن الواجب هو اجتماع أهل المدينة، أو القرية، على جمعة واحدة، كما يجتمعون على صلاة عيد واحدة حيث أمكن ذلك، من دون مشقة؛ للأدلة المتقدمة، والأسباب السالفة، والمصلحة الكبرى في الاجتماع. أما إن دعت الحاجة الشديدة إلى إقامة جمعتين، أو أكثر، في البلد، أو الحارة الكبيرة: فلا بأس بذلك، في أصح قولي العلماء، وذلك مثل: أن تكون البلد متباعدة الأطراف، ويشق على أهلها أن يجتمعوا في مسجدٍ واحدٍ: فلا بأس أن يقيموا الجمعة في مسجدين، أو أكثر، على حسب الحاجة، وهكذا لو كانت الحارة واسعة لا يمكن اجتماع أهلها في مسجدٍ واحدٍ: فلا بأس أن يُقام فيها جمعتان، كالقرية، ولهذا لما بُنيت " بغداد "، وكانت واسعة الأرجاء: أقيم فيها جمعتان، إحداهما: في الجانب الشرقي، والثانية: في الجانب الغربي، وذلك في وسط القرن الثاني، بحضرة العلماء المشهورين، ولم ينكروا ذلك؛ لدعاء الحاجة إليه، ولمَّا قيل لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين خلافته: إن في الكوفة ضعَفة يشق عليهم الخروج إلى الصحراء لحضور صلاة العيد أمَر مَن يقيم لهم صلاة العيد بالبلد، وصلَّى رضي الل عنه بجمهور الناس في الصحراء. فإذا جاز ذلك في العيد للحاجة: فالجمعة مثله؛ بجامع المشقة، والحاجة، والرفق بالمسلمين، وقد نصَّ الكثير من العلماء على جواز تعدد الجمعة عند الحاجة" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (2/351) . فإذا كان هذا في تعدد الجمعة، فلا شك أن منع إقامة جماعتين متجاورتين في شارع واحد أشد منعاً. وقد نص العلماء على تحريم بناء مسجد بجوار مسجد آخر إذا كان ذلك سيضر المسجد القديم ويؤدي إلى تفرقة أهله. فقد سئل الإمام أحمد: كم يستحب أن يكون بين المسجدين إذا أرادوا أن يبنوا إلى جانبه مسجداً؟ قال: لا يُبنى مسجد يراد به الضرار لمسجد إلى جنبه , فإن كثر الناس حتى يضيق عليهم فلا بأس أن يُبنى وإن قرب من ذلك. فإن لم يقصد الإضرار ولم تكن هناك حاجة إلى بناء مسجد آخر، ففي جواز بنائه روايتان عن الإمام أحمد، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أنه لا يُبنى، ويجب هدمه إذا بُني. وقال المرداوي في "تصحيح الفروع": "وما اختاره شيخ الإسلام هو الصواب". انظر: "الفروع" (2/38) . فالنصيحة لكم جميعاً أن تعملوا على جمع الكلمة وإزالة ما حصل من عداوة وبغضاء بين أهل المسجد، وتجتمعوا جميعاً على الصلاة في المسجد الذي بني أولاً. وتكون كلمتكم واحدة. ونسأل الله أن يصلح أحوالكم، ويهدي قلوبكم، وأن يجمع كلمتكم على الحق والهدى. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129677 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1301 لم يثبت أن علياً رضي الله عنه ولد في الكعبة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمرأة أن تضع مولودة في المسجد؟ وهل صحيح أن سيدنا علي بن أبي طالب قد ولد في الكعبة؟ وإذا كان صحيحا فالمرأة أثناء الوضع لا تكون على طهور، فكيف تدخل المسجد وهو بيت من بيوت الله وهي نفساء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يجوز للحائض والنفساء أن تبقى في المسجد. جاء في "الموسوعة الفقهية" (20/243) "لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ دُخُول الْمَسْجِدِ، وَالْمُكْثُ فِيهِ وَلَوْ بِوُضُوءٍ" انتهى. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (60213) و (33649) . ثانيا: أما خبر ولادة علي بن أبي طالب رضي الله عنه في الكعبة: فقد قال الحاكم أبو عبد الله في "المستدرك" (5/206) : " تواترت الأخبار أن فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في جوف الكعبة " انتهى. فتعقبه ابن الملقن رحمه الله فقال: "حَكِيم بن حزام رضي الله عنه ولد فِي جَوف الْكَعْبَة، وَلَا يعرف أحد ولد فِيهَا غَيره، وَأما مَا رُوِيَ عَن عَلّي رَضي اللهُ عَنهُ أَنه ولد فِيهَا فضعيف، وَخَالف الْحَاكِم فِي ذَلِكَ فَقَالَ فِي «الْمُسْتَدْرك» فِي تَرْجَمَة عَلّي أَن الْأَخْبَار تَوَاتَرَتْ بذلك" انتهى. "البدر المنير" (6/489) . وقد سئل د. الشريف حاتم بن عارف العوني (عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى) : هل صحيح أن سيدنا علياً رضي الله عنه وُلِد داخل الكعبة؟ وإذا كان الجواب نعم فهل في هذا ميزة له رضي الله عنه؟ فأجاب: " لم يرد حديثٌ صحيحٌ بذلك، ولم يرد بذلك شيءٌ في المصادر الموثوقة من مصادر السنة؛ إلا ما جاء في كلامٍ لأبي عبد الله الحاكم النيسابوري، وما ورد في مناقب علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) لابن المغازلي. أما الحاكم فأورد ما جاء عن بعض نسّابي قريشٍ، من أن حكيم بن حِزام رضي الله عنه وُلد في جوف الكعبة، فلم يُنكر ذلك، لكنه لما أورد قول مصعب بن عبد الله الزُّبيري عن حكيم: " وأمه فاختة بنت زهير بن أسد بن عبد العزى، وكانت ولدت حكيمًا في الكعبة، وهي حامل، فضربها المخاض وهي في جوف الكعبة، فولدت فيها، فحُمِلت في نِطْعٍ، وغُسل ما كان تحتها من الثياب عند حوض زمزم. قال مصعب: ولم يُولد قبلَه، ولا بعده، في الكعبة أحدٌ". فتعقّبه الحاكم قائلًا: " وَهِمَ مصعبٌ في الحرف الأخير، فقد تواترت الأخبار: أن فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في جوف الكعبة ". وأما ما جاء عند ابن المغازلي، فإنه أسند خبرًا فيه قصة مولد علي (رضي الله عنه) في جوف الكعبة (مناقب علي رقم 3) ؛ لكن إسناده شديد الضعف، لتتابع المجهولين في إسناده، مع نكارة القصة التي تفرّدوا بها. وهذا أحد أكبر عيوب كتاب ابن المغازلي في المناقب، حتى قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن كتابه هذا: "قد جمع في كتابه من الأحاديث الموضوعات ما لا يخفى أنه كذبٌ على من له أدنى معرفةٍ بالحديث". كما في منهاج السنة النبوية (7/15) . فأما قول الحاكم: " فقد تواترت الأخبار: أن فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في جوف الكعبة "، فـ (المتواتر) عند الحاكم ليس هو المتواتر عند الأصوليين، والذي يعنون به الخبر الذي يفيد العلم اليقيني الضروري لكثرة المخبرين به. كما نبّه على ذلك البلقيني في محاسن الاصطلاح (453) ، والعراقي في التقييد والإيضاح (1/776) . فلا يتجاوز كلام الحاكم أن يكون إخبارًا عن أن هذا الأمر في زمنه كان من الأمور المشهورة بين الناس، ولا يدل على أكثر من ذلك؛ لما بيّنّاه من أن المتواتر عنده ليس هو المتواتر عند الأصوليين. وإذا تبيّنَ ذلك: فإن مجرّد الشهرة في زمن الحاكم المتوفَّى سنة (405هـ) ، لا تُغني شيئًا؛ خاصةً إذا خالفت مقالةً لمن هو أقرب زمنًا منه من زمن الحادثة التي اشتهرت في زمنه، وهو مصعب الزبيري المتوفَّى سنة (236هـ) ، وهو علّامةٌ في نسب قريشٍ وأخبارها، حيث نفى أن يكون أحدٌ قد وُلد في جوف الكعبة غير حكيم بن حزامٍ كما سبق. أما سبب شهرة هذا الأمر في زمن الحاكم: فهو لأنه مما تدّعيه الشيعةُ لعلي رضي الله عنه، وهو عندهم يكاد يكون من المسلّمات، دون أن يكون لديهم برهانٌ صحيحٌ عليه. حتى قال شاعرهم (وهو السيد الحميري، كما في ديوانه 64:) عن فاطمة بنت أسد أمِّ علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) : ولدتْهُ في حرم الإله وأمنِه والبيتِ حيثُ فناؤه والمسجدُ بيضاءُ طاهرةُ الثيابِ كريمةٌ طابت وطاب وليدُها والمولدُ وتناقلت ذلك المصادرُ الشيعيةُ، كأمالي الشيخ الصدوق وأمالي الطوسي وغيرها. وفي الإمام الحاكم تشيّعٌ يسير، نص عليه أهل العلم. فلعل مصدره هو شهرة هذا الخبر في زمنه بين عموم الناس، والناس أخذوها من الشيعة ومن مثل هذه الأخبار غير المعتمدة " انتهى. http://www.alalbayt.com/index.php?option=com_content&task;=view&id;=3449&Itemid;=87%20-%2035k فتبين بذلك أن خبر ولادة علي رضي الله عنه بالكعبة لا يصح. وعلى فرض صحة ثبوت ذلك، فلا يستفاد منه حكم شرعي، لأن ولادته رضي الله عنه كانت قبل النبوة، يعني في الجاهلية، قال الحافظ ابن حجر في "الإصابة" (4/564) : " ولد قبل البعثة بعشر سنين على الصحيح " انتهى. ونحن مخاطبون بشريعة الإسلام، فلا حجة فيما كان قبل البعثة. وقد أمرنا الله تعالى بتعظيم المساجد في قوله: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) . قال السعدي رحمه الله: " (أَذِنَ) أي: أمر ووحي (أَنْ تُرْفَعَ) يدخل في رفعها: بناؤها وكنسها وتنظيفها من النجاسة والأذى، وصونها من المجانين والصبيان الذين لا يحترزون عند النجاسة، وعن الكافر وأن تصان من اللغو ورفع الأصوات فيها" انتهى. "تفسير السعدي" (ص 663) . فيجب تنزيه المساجد عن كشف العورات والدم الحاصل بسبب الولادة. وعلى فرض، أن امرأة أخذها الطلق وهي في المسجد ولم نستطع نقلها إلى مكان آخر، فهذه حالة ضرورة لا يستفاد منها جواز هذا العمل. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128699 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1302 وجود المصاحف خلف صفوف المصلين [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم وضع المصاحف على الحامل بين الصفوف خلف ظهور المصلين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا نعلم بأسا في ذلك للضرورة" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز " (24/390) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128582 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1303 هل تجلس الحائض في المسجد الذي لا تقام فيه الجمعة؟ [السُّؤَالُ] ـ[في وقت الغداء أمكث في المسجد بحكم العمل فهل يجوز المكث أثناء فترة الحيض؟ على العلم أنه بدون صومعة ولا تقام به صلاة الجمعة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يحرم على الحائض أن تمكث في المسجد؛ لما روى البخاري (974) ومسلم (890) عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها قَالَتْ: (أَمَرَنَا - تَعْنِي: النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نُخْرِجَ فِي الْعِيدَيْنِ الْعَوَاتِقَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ، وَأَمَرَ الْحُيَّضَ أَنْ يَعْتَزِلْنَ مُصَلَّى الْمُسْلِمِينَ) ، فمنع النبي صلى الله عليه وسلم الحائض من مصلى العيد، وأمرها باعتزاله، لأن له حكم المسجد، فدل على منعها من دخول المسجد، وإلى هذا ذهب جمهور أهل العلم. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (33649) ، (60213) . ولا فرق بين المسجد الذي تقام فيه الجمعة والذي لا تقام فيه، ولا بين ما له صومعة وما كان بدونها، فالعبرة بكونه مسجداً، أي: مكاناً موقوفاً للصلاة. وأما مصليات العمل والمدارس التي لم تخرج عن ملك صاحبها ولم توقف لتكون مسجداً، فلا تأخذ حكم المسجد، فيجوز للحائض دخولها والمكث فيها. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل يأخذ المصلى في السكن الجامعي حكم المسجد من حيث أداء تحية المسجد وأذكار الدخول والخروج؟ فأجابوا: "المصلى الذي في السكن الجامعي أو في غيره لا يأخذ حكم المسجد من كل وجه" انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/170) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن مُصلَّى المدرسة المعد لصلاة الظهر فقط، هل يجوز للحائض دخوله؟ فأجاب: "المصلى في المدارس ليس في حكم المسجد، بل هو مصلى، وليس كل مكان تقام فيه الصلاة يعتبر مسجداً، فالمسجد هو: ما أعد للصلاة على سبيل العموم وهيئ وبني. وأما مجرد أن يتخذ مكاناً يصلى فيه فهذا لا يجعله مسجداً. وعلى هذا؛ فيجوز للمرأة الحائض أن تدخل مصلى المدرسة وتمكث فيه" انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (22/27) . والحاصل: أنه لا يجوز لك الجلوس في المسجد حال الحيض، ويجوز ذلك في المصلى الذي لا يأخذ حكم المسجد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128576 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1304 حكم تزيين المساجد وحكم كتابة الأدعية والآيات على جدرانها [السُّؤَالُ] ـ[نحن الآن في طور بناء وترميم المسجد الذي في حيِّنا، هنا في أمريكا، وقد عرض علينا بعض المحسنين أن يتكفلوا بتزيين الجدران الداخلية للمسجد ببعض الآيات القرآنية، والتشكيلات الدينية، والتي ستكون - بإذن الله - بعيدة عن أعين المصلِّين، بحيث لا تشغلهم ـ أو تلهيهم عن الصلاة، كما أن هذا " النحت " سيكون عبارة عن بعض الأدعية، والآيات، التي تعين مَن لا يحفظ مثل هذه الأدعية والآيات أن يقرأها مباشرة من الجدار، إضافة أنها ستضفي رونقاً خاصّاً للمسجد، بحيث يتعرف بعض الزوار من غير المسلمين على مدى اهتمام المسلمين بأماكن العبادة، علاوة على ذلك: فإن لها نكهة خاصة من شأنها أن تربط أبناءنا بنمط " البناء الإسلامي "، لا سيما أنهم يعيشون هنا، ولا يعلمون شيئاً عن ثقافتهم المعمارية. فما الحكم في هذا الشأن؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: عمارة المساجد وبناؤها، وتعظيمها وصيانتها، من العبادات العظيمة، والقربات الجليلة عند الله. وليس من عمارتها المطلوبة كتابة الآيات، والأحاديث، والأدعية على الجدران، لأن المقصود بالكتابة هو الزينة المتباهى بها، والتي تشغل المصلين في صلاتهم، والتي تجعل المساجد متاحف، وأماكن للسياحة، كما يحدث – للأسف – في كثير من البلدان، وليس هذا الأمر مما يفتخر به المسلمون، وإنما فعله من ركن إلى الدنيا، وأراد منافسة الكفار في بنائهم، أو مباهاة غيره من الحكام، وإنما عمارة المساجد عندنا: إقامة الصلاة فيها، والاعتكاف، والتعليم، وذِكر الله، وليس هو تشييدها بأنواع الحجارة، ولا طليها بمختلف الألوان، ولا تزويقها بأشكال من الخطوط تُرسَم فيها الآيات، وتُكتب فيها الأحاديث والأدعية. ثانياً: تعليق الآيات القرآنية على جدران البيوت، أو المساجد: بدعة مكروهة. " سئل الإمام مالك عن المساجد، هل يُكره أن يكتب في قبلتها بالصبغ مثل آية الكرسي وقل هو الله أحد والمعوذتين ونحوها فقال: " أكره أن يكتب في قبلة المسجد شيء من القرآن والتزويق وقال إن ذلك يشغل المصلي وكذلك ينبغي له أن يغير ما أحدثوه من إلصاق العمد في جدار القبلة وفي الأعمدة أو ما يلصقونه أو يكتبونه في الجدران والأعمدة وكذلك يغير ما يعلقونه من خرق كسوة الكعبة في المحراب وغيره فإن ذلك كله من البدع لأنه لم يكن من فعل من مضى" انتهى من كتاب "المدخل" لابن الحاج (2/215) فالقرآن لم ينزله الله تعالى من أجل أن يكون زينةً للجدران. قال الإمام النووي رحمه الله: " لا تجوز كتابة القرآن بشيء نجس وتكره كتابته على الجدران عندنا " انتهى من "التبيان في آداب حملة القرآن" ص (110) وقال ابن الهمام الحنفي: " تُكْرَهُ كِتَابَةُ الْقُرْآنِ وَأَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الدَّرَاهِمِ وَالْمَحَارِيبِ وَالْجُدْرَانِ وَمَا يُفْرَشُ " انتهى من "فتح القدير" (1/310) . ونص عليه السفاريني الحنبلي في غذاء الألباب (2/211) . وسئل فضيلة الشيخ ابن العثيمين - رحمه الله -: ما حكم كتابة الآيات والأحاديث على جدران المساجد؟ . فأجاب: هذه تشوِّش على النَّاس، أما كتابة الآيات على الجدران سواءً في المساجد، أو غيرها: فإنها من البدع، لم يوجد عن الصحابة أنهم كانوا ينقشون جدرانهم بالآيات، ثم إن اتخاذ الآيات نقوشاً في الجدران: فيه شيء من إهانة كلام الله، ولذلك نجد بعضهم يكتب الآيات وكأنها قصور، أو مآذن، أو مساجد، أو ما أشبه ذلك، يكيف الكتابة حتى تكون كأنها قصر، ولا شك أن هذا عبث بكتاب الله عز وجل، ثم لو قدِّر أنها كُتبت بكتابة عربية مفهومة: فإن ذلك ليس من هدي السلف، وما الفائدة من كتابتها على الجدار؟ يقول بعض الناس: يكون تذكيراً للناس، فنقول: التذكير يكون بالقول، لا بكتابة الآيات، ثم إنه أحياناً يكتب على الجدار: (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) الحجرات/ 12، وتجد الذين تحت الآية هذه يغتابون الناس، فيكون كالمستهزئ بآيات الله. إذاً: كتابة الآيات في المساجد، وعلى جدران البيوت كلها: من البدع، التي لم تكن معهودة في عهد السلف. أما كتابة الأحاديث: ففي المساجد إذا كانت في القبلة: لا شك أنها توجب التشويش، وقد يكون هناك نظرة، ولو من بعض المأمومين إليها في الصلاة، وقد كره العلماء رحمهم الله أن يكتب الإنسانُ في قبلة المسجد شيئاً، أما في البيت: فلا بأس أن يَكتب حديثاً يكون فيه فائدة، مثل كفارة المجلس: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليه) هذا فيها تذكير. " لقاء الباب المفتوح " (197 / السؤال رقم 8) . وسئل الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله -: ما حكمُ تعليقِ الآيات القرآنية على الجدران؟ . فأجاب: يجبُ تعظيمُ القرآنِ الكريمِ، وتلاوته، وتدبُّره، والعمل به، أما تعليقه على الجدران: فهو من العبث، وقد يؤدي ذلك إلى امتهانه. وأيضاً: قد يتَّخذُ ذلك من باب تجميل الجدران بالديكورات، والرسومات، والكتابات، فيُجعل القرآن ضمن ذلك، وقد يُكتب على شكل نقوش يُقصد منها المناظرُ فقط. وعلى كل حال: فالقرآن يجب أن يُصان عن هذا العبث، وما كان السَّلف يعملون هذا، والقرآن لم ينزل ليُكتب على الجدران، وإنما أنزل ليُكتب في القلوب، ويظهر أثره على الأعمال والتصرُّفات. " المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (2 / 77) . وينظر تفصيل نافع في جواب السؤال رقم: (254) ورقم (97497) . ثالثاً: وأما كتابة الأحاديث والأدعية على جدران المسجد: فالأحوط تركه؛ لأنه لا يراد به – عادة وغالباً – إلا الزينة، وإذا كان المراد به الفائدة للناس لحفظها والتذكير بألفاظها: فيجوز إذا التزمت الشروط التالية: 1. عدم جعل الأحاديث والأدعية مكتوبة على الجدران رسماً؛ لأنها لا تزال، فلا يستفاد من مكانها إن حفظها المصلون، بل تكتب على ورق حائط، يسهل تعليقه ونزعه، وخاصة فيما يحتاجه المسلمون من معرفة ما يُكتب في مناسباتهم الموسمية. 2. أن لا تكون في قبلة المصلين؛ حتى لا تشغلهم في صلاتهم. 3. أن لا تستعمل الزينة في الكتابة بما تفقد الحديث والدعاء هيبته. 4. تجنب كتابتها بشكل غير مقروء، أو جعلها على شكل طائر، أو رجل ساجد، وما يشبهه. 5. أن تغيَّر باستمرار، بحسب حاجة الناس، لإزالة جهل، أو تذكير بفضل، أو تثبيت حفظ. رابعاً: وأما تزيين جدران المساجد: فقد اختلف فيه أهل العلم، والراجح: هو المنع منه، خاصة إن كانت الزينة من أموال الوقف، أو كانت مُلهية للمصلين، ومشوشة عليهم في صلاتهم، أو بُذلت أموال طائلة في سبيل ذلك. عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَبَاهَى النَّاسُ فِى الْمَسَاجِدِ) . رواه أبو داود (449) والنسائي (689) وابن ماجه (739) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ". وروى البخاري (1 / 171) عن أَنَس بنِ مالِك: " يَتَبَاهَوْنَ بِهَا، ثُمَّ لاَ يَعْمُرُونَهَا إِلاَّ قَلِيلاً ". والأثر وصله ابن أبي شيبة في " المصنف " (1 / 309) ، وفيه رجل مجهول. قال بدر الدين العيني – رحمه الله -: قوله " يتباهَون " بفتح الهاء من المباهاة، وهي المفاخرة، والمعنى: أنهم يزخرفون المساجد، ويزينونها، ثم يقعدون فيها، ويتمارون، ويتباهون، ولا يشتغلون بالذِّكْر، وقراءة القرآن، والصلاة. قوله " بها "، أي: بالمساجد، والسياق يدل عليه. " عمدة القاري " (4 / 205) . روى البخاري (1 / 171) عن ابْن عَبَّاسٍ قولَه: " لَتُزَخْرِفُنَّهَا، كَمَا زَخْرَفَتِ الْيَهُودُ، وَالنَّصَارَى ". وهذا الأثر وصله ابن أبي شيبة في " المصنف " (1 / 309) وغيره، وصححه الألباني في تحقيق " إصلاح المساجد من البدع والعوائد " لجمال الدين القاسمي (94) ، وفي " صحيح أبي داود " الكامل (2 / 347) . قال البغوي – رحمه الله -: وقول ابن عباس: لتزخرفنَّها كما زخرفت اليهود والنصارى، معناه: أن اليهود والنصارى إنما زخرفوا المساجد عندما حرفوا وبدلوا أمر دينهم، وأنتم تصيرون إلى مثل حالهم، وسيصير أمركم إلى المراءاة بالمساجد، والمباهاة بتشييدها، وتزيينها. " شرح السنة " (2 / 350) . وفي " الموسوعة الفقهية " (11 / 275) : يحرُم تزيين المساجد بنقشها، وتزويقها بمال الوقف، عند الحنفية، والحنابلة، وصرَّح الحنابلة بوجوب ضمان الوقف الذي صرف فيه؛ لأنه لا مصلحة فيه، وظاهر كلام الشافعية: منع صرف مال الوقف في ذلك، ولو وقف الواقف ذلك عليهما - النقش، والتزويق -: لم يصح في القول الأصح عندهم، أما إذا كان النقش والتزويق من مال الناقش: فيُكره – اتفاقاً - في الجملة إذا كان يُلهي المصلي، كما إذا كان في المحراب، وجدار القبلة. انتهى سئل علماء اللجنة الدائمة: عن مشروع يتبنى " زخرفة المساجد "؟ . فأجابوا: هذا العمل غير مشروع؛ للأحاديث الصحيحة في النهي عن زخرفة المساجد، ولأن في ذلك إشغالاً للمصلين عن صلاتهم بالنظر، والتفكر في تلك الزخارف، والنقوش. الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد. " فتاوى اللجنة الدائمة " المجموعة الثانية (5 / 191) . وقد جُمعت مسألتا كتابة الآيات، وزخرفة المساجد في فتوى واحدة من فتاوى اللجنة الدائمة: قالوا: لا يجوز زخرفة المساجد، ولا كتابة الآيات القرآنية على جدرانها؛ لما في ذلك من تعريض القرآن للامتهان، ولما فيه من زخرفة المساجد المنهي عنها، وإشغال المصلين عن صلاتهم بالنظر في تلك الكتابات والنقوش. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد. " فتاوى اللجنة الدائمة " المجموعة الثانية (5 / 190) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127987 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1305 هل يؤخر الصبي عن الصف الأول إذا تقدم إليه؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا تقدم صبي صغير إلى الصف الأول في الصلاة، فهل يجوز أن نؤخره ليصلي مكانه رجل كبير؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أهل العلم والفضل أن يتقدموا إلى الصلاة، ويكونوا قريبين منه صلى الله عليه وسلم، فقال: (لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ) . رواه مسلم (432) . غير أن هذا الحديث ليس نهياً لغيرهم عن التقدم، وإنما هو حث لأولي الأحلام والنهى بالتقدم إلى الصلاة، حتى يكونوا خلف الإمام، وفي الصفوف الأولى، فإن تكاسلوا وتأخروا عن الحضور إلى الصلاة، فمن سبق إلى الصف الأول أو خلف الإمام فهو أحق به، ولو كان صبياً صغيراً. قال ابن حجر الهيتمي في "الفتاوى" (1/229) : " الصِّبْيَانَ مَتَى سَبَقُوا الْبَالِغِينَ إلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ لَمْ يَجُزْ لَهُمْ إخْرَاجُهُمْ " انتهى. وذكر المرداوي في "الإنصاف" (2/41) : أن المجد ابن تيمية اختار أن الصبي لا يُؤخر عن مكانه الذي سبق إليه، قال: وهو الصواب. وقال الشيخ ابن باز: " الأصح أنهم - أي الصبيان - إذا تقدموا لا يجوز تأخيرهم، فإذا سبقوا إلى الصف الأول أو إلى الصف الثاني فلا يقيمهم من جاء بعدهم، لأنهم سبقوا إلى حق لم يسبق إليه غيرهم فلم يجز تأخيرهم لعموم الأحاديث في ذلك، لأن في تأخيرهم تنفيراً لهم من الصلاة، ومن المسابقة إليها فلا يليق ذلك. لكن لو اجتمع الناس بأن جاءوا مجتمعين في سفر أو لسبب، فإنه يصف الرجال أولاً، ثم الصبيان ثانياً، ثم النساء بعدهم إذا صادف ذلك وهم مجتمعون، أما أن يؤخذوا من الصفوف ويزالوا ويصف مكانهم الكبار الذين جاءوا بعدهم فلا يجوز ذلك. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (ليلني منكم أولوا الأحلام والنهى) ، فالمراد به التحريض على المسارعة إلى الصلاة من ذوي الأحلام والنهى وأن يكونوا في مقدم الناس، وليس معناه تأخير من سبقهم من أجلهم " انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (12/400) . وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (3/4) : " إنَّ الصبيان إذا تقدَّموا إلى مكان، فهم أحقُّ به مِن غيرهم؛ لعموم الأدلَّة على أنَّ مَن سبقَ إلى ما لم يسبق إليه أحدٌ فهو أحقُّ به، والمساجدُ بيوتُ الله، يستوي فيها عباد الله، فإذا تقدَّم الصبيُّ إلى الصفِّ الأول ـ مثلاً ـ وجَلَسَ فليكنْ في مكانِه، ولأننا لو قلنا بإزاحة الصِّبيان عن المكان الفاضل، وجعلناهم في مكان واحد أدى ذلك إلى لَعبِهم؛ لأنَّهم ينفردون بالصَّفِّ " انتهى. وقال الشيخ أيضا: " يجوز أن يكون الصبيان في الصف ولو قطعوا الصف؛ لأنهم بشر ليسوا حجراً وليسوا أعمدة , فهم لا يقطعون الصفوف , ولا يجوز لأحد أن يبعدهم من مكانهم - أيضاً - حتى ولو كانوا خلف الإمام مباشرة في الصف الأول، فإنه لا يحل لأحد أن يبعدهم من مكانهم " انتهى. "لقاء الباب المفتوح" (106/24) . فعلى ما تقدم: فأولى الناس بالصف الأول ولو كان خلف الإمام مباشرة من سبق إليه، ولو كان صبيا، ولو كان مفضولاً، ولا يجوز حينئذ تأخيره. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127781 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1306 الكلام في المسجد في أمور الدنيا [السُّؤَالُ] ـ[الكلام في المسجد في أمور الدنيا هل فيه إثم أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الكلام في المسجد ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: أن يكون فيه تشويش على المصلين والقارئين والدارسين، فهذا لا يجوز، وليس لأحد أن يفعل ما يشوش على المصلين والقارئين والدارسين. والقسم الثاني: أن لا يكون فيه تشويش على أحد، فهذا إن كان في أمور الخير فهو خير، وإن كان في أمور الدنيا فإن منه ما هو ممنوع، ومنه ما هو جائز، فمن الممنوع: البيع والشراء والإجارة، فلا يجوز للإنسان أن يبيع أو يشتري في المسجد، أو يستأجر أو يؤجر في المسجد، وكذلك إنشاد الضالة، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (إذا سمعتم من ينشد الضالة فقولوا: لا ردها الله عليك، فإن المساجد لم تبن لهذا) . ومن الجائز: أن يتحدث الناس في أمور الدنيا بالحديث الصدق، الذي ليس فيه شيء محرم" انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. "فتاوى نور على الدرب" [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127068 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1307 حكم بناء مسجد قريبا من مقبرة لغير المسلمين [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن نبني أو نشتري مسجدا بالقرب من مقبرة لغير المسلمين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: من الأحكام الشرعية التي قصد بها قطع دابر الفتنة، وسد ذرائع الشرك، وإغلاق أبواب الغلو: النهي عن اتخاذ القبور مساجد، أو الصلاة إليها، أو اتخاذ المقبرة مكانا للصلاة. ولا فرق في ذلك بين قبور المسلمين، أو قبور المشركين؛ بل قبور المسلمين، والصالحين منهم، أولى بالابتعاد عنها؛ لأنها مظنة الشرك والفتنة بها. روى البخاري (436) ومسلم (531) أَنَّ عَائِشَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهم، قَالَا: لَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَإِذَا اغْتَمَّ بِهَا كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ وَهُوَ كَذَلِكَ: (لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ؛ يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا) . وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إِلَّا الْمَقْبَرَةَ وَالْحَمَّامَ) . رواه الإمام أحمد (11379) وأبو داود (492) والترمذي (317) ، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وجوّد شيخ الإسلام ابن تيمية إسناده، كما في اقتضاء الصراط (232) ، وصححه أيضا: الشيخ الألباني، ومحققو المسند. لكن رجح الدارقطني، والترمذي إرساله. والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، معلومة. قال ابن القيم رحمه الله تعالى، في فوائد غزوة تبوك، وما فيها من ذكر مسجد الضرار الذي نهى الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم، عن الصلاة فيه: " ومنها: أن الوقف لا يصح على غير برٍّ ولا قُربة، كما لم يصحَّ وقفُ هذا المسجد [يعني: مسجد الضرار] . وعلى هذا: فيُهدم المسجد إذا بُني على قبر، كما يُنبش الميتُ إذا دُفِنَ في المسجد. نص على ذلك الإمام أحمد وغيرُه. فلا يجتمع فى دين الإسلام مسجدٌ وقبر، بل أيُّهما طرأ على الآخر. منع منه، وكان الحكم لِلسابق، فلو وُضِعا معاً، لم يجز، ولا يصح هذا الوقف ولا يجوز، ولا تَصِحُّ الصلاة فى هذا المسجد؛ لنهى رسولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك، ولعنه مَن اتخذ القبر مسجداً، أو أوقد عليه سراجاً. فهذا دينُ الإسلام الذى بعث الله به رسوله ونبيه، وغربتُه بينَ الناس كما ترى!! " انتهى. "زاد المعاد في هدي خير العباد" (3/572) . أما إذا كانت القبور أو المقبرة قريبة من المكان الذي يراد بناء المسجد فيه: فلا بأس ببناء المسجد بشروط ثلاثة: 1- ألا يقصد ببناء المسجد تعظيم تلك القبور أو التبرك بها. 2- ألا تكون القبور في قبلة المسجد. لحديث أبي مرثد الغنوي رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لَا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ وَلَا تُصَلُّوا إِلَيْهَا) رواه مسلم (رقم/972) . 3- أن يفصل المسجد عنها فصلا محكما، بحيث لا تدخل هذه القبور في شيء من ساحات المسجد أو فنائه، وبحيث يظهر للعيان ظهورا بينا أن المسجد منفصل عن المقبرة تماما، بنحو طريق، أو شارع، أو خلاء واسع، أو غير ذلك. " قال أبو بكر الأثرم: سمعت أبا عبد الله - يعني: أحمد بن حنبل رحمه الله - يُسأل عن الصلاة في المقبرة؟ فكره الصلاة في المقبرة. فقيل له: المسجد يكون بين القبور، أيصلي فيه؟ فكره ذَلِكَ. قيل لَهُ: إنه مسجد وبينه وبين القبور حاجز؟ فكره أن يصلى فيه الفرض، ورخص أن يصلى فيه على الجنائز. وذكر حديث أبي مرثد الغنوي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تصلوا إلى القبور) ، وقال: إسناد جيد " انتهى. " فتح الباري " لابن رجب (2/398) . وانظر جواب السؤال رقم: (7875) ، (13490) . والحاصل: أنه لا مانع من بناء المسجد في منطقة قريبة من مقابر المشركين ـ أو المسلمين ـ بشرط ألا يكون المسجد في حيز المقبرة، وهي منطقة المقابر، بل منفصل عنها انفصالا بينا، بطريق أو نحوه. لكن متى تيسر لكم مكان آخر، بعيد عن منطقة المقبرة، فهو أولى وأحوط، خشية من أن يصل امتداد المقبرة ـ مع الوقت ـ إلى حدود المسجد. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126907 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1308 هل تضعيف الصلاة خاص بمسجد الكعبة أم يعم الحرم كله؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل الصلاة في مساجد مكة المكرمة داخل حدود الحرم تضاعف لمائة ألف صلاة أم أن هذا خاص بمسجد الكعبة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ثبت تضعيف أجر الصلاة في المسجد الحرام فيما رواه أحمد وابن ماجه (1406) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ) . والحديث صححه المنذري والبوصيري، وقال الألباني: " سند صحيح على شرط الشيخين " انتهى من "إرواء الغليل" (4/146) . وقد اختلف الفقهاء في المراد بالمسجد الحرام هنا على أقوال، أشهرها قولان: الأول: اختصاص ذلك بمسجد الكعبة. وإلى هذا ذهب جماعة من العلماء منهم النووي والمحب الطبري، وابن مفلح، وابن حجر الهيتمي واختاره ابن عثيمين رحمهم الله. والثاني: أنه يشمل الحرم كله، وقد نسب هذا القول إلى الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية، واختاره ابن القيم رحمه الله، وبه أفتت اللجنة الدائمة والشيخ ابن باز رحمه الله. جاء في "الموسوعة الفقهية (27/239) : " ذهب الحنفية في المشهور والمالكية والشافعية إلى أن المضاعفة تعم جميع حرم مكة، فقد ورد من حديث عطاء بن أبي رباح قال: بينما ابن الزبير يخطبنا إذ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام تفضل بمائة، قال عطاء: فكأنه مائة ألف، قال: قلت: يا أبا محمد، هذا الفضل الذي يذكر في المسجد الحرام وحده أو في الحرم؟ قال: بل في الحرم، فإن الحرم كله مسجد) .... وقال الزركشي: يتحصل في المراد بالمسجد الحرام الذي تضاعف فيه الصلاة سبعة أقوال: الأول: أنه المكان الذي يحرم على الجنب الإقامة فيه. الثاني: أنه مكة. الثالث: أنه الحرم كله إلى الحدود الفارقة بين الحل والحرم، قاله عطاء وقد سبق مثله عن الماوردي وغيره، وقال الروياني: فضل الحرم على سائر البقاع فرخص في الصلاة فيه في جميع الأوقات لفضيلة البقعة وحيازة الثواب المضاعف، وقال الزركشي: وهذا فيه تصريح بهذا القول. الرابع: أنه الكعبة، قال الزركشي وهو أبعدها. الخامس: أنه الكعبة والمسجد حولها، وهو الذي قاله النووي في استقبال القبلة. السادس: أنه جميع الحرم وعرفة، قاله ابن حزم. السابع: أنه الكعبة وما في الحجر من البيت، وهو قول صاحب البيان من أصحاب الشافعية. وحكى المحب الطبري خلاف الفقهاء في مكان المضاعفة بالنسبة إلى الصلاة، ورجح أن المضاعفة تختص بمسجد الجماعة " انتهى باختصار. وقال ابن القيم في "زاد المعاد" (3/303) في الكلام على قصة الحديبية: " وروى الإمام أحمد في هذه القصة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يُصلِّي في الحرم، وهو مضطرب [أي: مقيم] في الحِل، وفى هذا كالدّلالة على أن مضاعفةَ الصلاة بمكة تتعلق بجميع الحرم لا يخصُّ بها المسجد الذي هو مكانُ الطواف، وأن قوله: (صَلاَةٌ في المَسْجِدِ الحَرَام أَفْضَلُ مِنْ مِائة صَلاةٍ في مسجدي) ، كقوله تعالى: (فَلا يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ) التوبة/128، وقوله تعالى: (سُبْحَانَ الذي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) الإسراء/1، وكان الإسراء مِن بيت أُم هانئ " انتهى. ولكن أجيب عن هذا الاستدلال بجوابين: الأول: أن الحديث ضعيف، والثاني: إن صح الحديث فإنه يدل على أن الصلاة في الحرم أفضل، ولكن لا يدل على أنها خير من مائة ألف صلاة. قال ابن مفلح رحمه الله: " وظاهر كلامهم في المسجد الحرام أنه نفس المسجد , ومع هذا فالحرم أفضل من الحل , فالصلاة فيه أفضل , ولهذا ذكر في المنتقى قصة الحديبية من رواية أحمد والبخاري , ثم ذكر رواية انفرد بها أحمد , قال: وفيه (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الحرم , وهو مضطرب في الحل) وهذه الرواية من رواية ابن إسحاق عن الزهري وابن إسحاق مدلس " انتهى من "الفروع" (1/600) . وقال في "الآداب الشرعية" (3/429) : " وهذه المضاعفة تختص بالمسجد على ظاهر الخبر، وقول العلماء من أصحابنا وغيرهم " انتهى. وينظر: المجموع (3/197) ، تحفة المحتاج (3/466) ، فتاوى اللجنة الدائمة (6/223) ، فتاوى الشيخ ابن باز (4/130) . والراجح هو القول الأول، وهو اختصاص المضاعفة بالمسجد الذي فيه الكعبة؛ لما روى مسلم (1396) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ امْرَأَةً اشْتَكَتْ شَكْوَى فَقَالَتْ: إِنْ شَفَانِي اللَّهُ لَأَخْرُجَنَّ فَلَأُصَلِّيَنَّ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَبَرَأَتْ ثُمَّ تَجَهَّزَتْ تُرِيدُ الْخُرُوجَ فَجَاءَتْ مَيْمُونَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُسَلِّمُ عَلَيْهَا فَأَخْبَرَتْهَا ذَلِكَ، فَقَالَتْ: اجْلِسِي فَكُلِي مَا صَنَعْتِ، وَصَلِّي فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (صَلَاةٌ فِيهِ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْمَسَاجِدِ إِلَّا مَسْجِدَ الْكَعْبَةِ) . وروى مسلم (1397) عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّمَا يُسَافَرُ إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِ الْكَعْبَةِ وَمَسْجِدِي وَمَسْجِدِ إِيلِيَاءَ) . وهذا نص في أن المراد بالمسجد الحرام في هذين الحديثين: المسجد الذي فيه الكعبة، لا عموم مكة أو الحرم. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل مساجد مكة فيها من الأجر كما في المسجد الحرام؟ فأجاب: " قول السائل: هل مساجد مكة فيها من الأجر كما في المسجد الحرام جوابه: لا ليست مساجد مكة كالمسجد الحرام في الأجر، بل المضاعفة إنما تكون في المسجد الحرام نفسه، القديم والزيادة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا مسجد الكعبة) . أخرجه مسلم. فخص الحكم بمسجد الكعبة، ومسجد الكعبة واحد، وكما أن التفضيل خاص بمسجد الرسول عليه الصلاة والسلام فهو خاص بالمسجد الحرام أيضاً، ويدل لهذا أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى) . ومعلوم أننا لو شددنا الرحال إلى مسجد من مساجد مكة غير المسجد الحرام لم يكن هذا مشروعاً بل كان منهياً عنه، فما يشد الرحل إليه هو الذي فيه المضاعفة، لكن الصلاة في مساجد مكة بل في الحرم كله أفضل من الصلاة في الحل، ودليل ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما نزل الحديبية، والحديبية بعضها في الحل وبعضها في الحرم كان يصلي في الحرم مع أنه نازل في الحل، وهذا يدل على أن الصلاة في الحرم أفضل، لكن لا يدل على حصول التضعيف الخاص في مسجد الكعبة. فإن قيل: كيف تجيب عن قول الله تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) وقد أسرى به من مكة من بيت أم هاني؟ فالجواب: "أنه ثبت في صحيح البخاري أنه أسرى به صلى الله عليه وسلم من الحِجْر، قال: (بينا أنا نائم في الحِجْر أتاني آت. . .) إلخ الحديث، والحِجْر في المسجد الحرام، وعلى هذا فيكون الحديث الذي فيه أنه أسري به صلى الله عليه وسلم من بيت أم هاني - إن صحت الرواية - يراد ابتداء الإسراء، ونهايته من الحِجر، كأنه نُبِّه وهو في بيت أم هاني، ثم قام فنام في الحجر فأسرى به من الحجر " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (12/395) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 124812 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1309 هل يصح الاعتكاف في المصليات والمراكز الإسلامية؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز الاعتكاف في المصليات أو المراكز الإسلامية (يصلون فيها الصلوات الخمس والجمعة) أم يجوز في المساجد فقط؟ جزاكم الله خير.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يصح الاعتكاف إلا في المساجد، لقول الله تعالى: (وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) سورة البقرة/187. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "وَوَجَدَ الدَّلَالَة مِنْ الْآيَة أَنَّهُ لَوْ صَحَّ فِي غَيْر الْمَسْجِد لَمْ يَخْتَصَّ تَحْرِيم الْمُبَاشَرَةِ بِهِ , لِأَنَّ الْجِمَاع مُنَافٍ لِلِاعْتِكَافِ بِالْإِجْمَاعِ , فَعُلِمَ مِنْ ذِكْرِ الْمَسَاجِدِ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَكُون إِلَّا فِيهَا. وَنَقَلَ اِبْن الْمُنْذِر الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُبَاشَرَةِ فِي الْآيَة الْجِمَاعُ , وَرَوَى الطَّبَرِيُّ وَغَيْره مِنْ طَرِيق قَتَادَةَ فِي سَبَب نُزُولِ الْآيَةِ: كَانُوا إِذَا اِعْتَكَفُوا فَخَرَجَ رَجُلٌ لِحَاجَتِهِ فَلَقِيَ اِمْرَأَتَهُ جَامَعَهَا إِنْ شَاءَ فَنَزَلَتْ" انتهى. وقال ابن قدامة رحمه الله في المغني (3/65) : " لَا يَجُوزُ الِاعْتِكَافُ إلَّا فِي مَسْجِدٍ تُقَامُ الْجَمَاعَةُ فِيهِ؛ ... وَلَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ إذَا كَانَ الْمُعْتَكِفُ رَجُلًا. لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا , وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: (وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) " انتهى باختصار. وقال النووي في "المجموع" (6/505) : " لا يَصِحُّ الاعْتِكَافُ مِنْ الرَّجُلِ وَلا مِنْ الْمَرْأَةِ إلا فِي الْمَسْجِدِ , وَلا يَصِحُّ فِي مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَرْأَةِ وَلا مَسْجِدِ بَيْتِ الرَّجُلِ وَهُوَ الْمُعْتَزَلُ الْمُهَيَّأُ لِلصَّلاةِ " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين: " الاعتكاف الشرعي لابد أن يكون في المساجد لقوله تعالى: (وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) " انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (8/176) وانظر جواب السؤال رقم (48985) وبناء على هذا، فلا يصح الاعتكاف في المصليات أو المراكز الإسلامية. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 124291 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1310 حكم تسمية المسجد باسم أهل الحديث [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز تسمية مسجد من المساجد باسم " أهل الحديث "؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله توسع جمهور أهل العلم في تسمية المساجد، فأجازوا تسميتها بكل ما يميزها عن غيرها من أسماء الأنبياء، والعلماء، والصالحين، وأسماء من بناها، وأسماء البلدان التي تقع فيها، أو القبائل التي تسكن عندها، ونحو ذلك، مستدلين عليه بما ورد في صحيح البخاري (رقم/420) من تسمية أحد المساجد بـ " مسجد بني زريق "، وقد سبق تقرير ذلك في جواب السؤال رقم: (71301) وننقل هنا من فتاوى اللجنة الدائمة (المجموعة الثانية 5/280-284) فتوى مطولة تتعلق بهذا الموضوع: " أولا: المساجد قد حصل بالتتبع وجود تسميتها على الوجوه الآتية، وهي: 1- إضافة المسجد إلى من بناه، وهذا مِن إضافة أعمال البر إلى أربابها، وهي إضافة حقيقية للتمييز، وهذه تسميته جائزة، ومنها: مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ويقال: مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. 2- إضافة المسجد إلى من يصلِّي فيه [يعني: القبيلة، أو الجماعة، أو الحي الذي يعتاد الصلاة فيه] ، أو إلى المحلة، وهي إضافة حقيقية للتمييز، فهي جائزة، ومنها: مسجد قباء، ومسجد بني زريق كما في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما في حديث المسابقة إلى مسجد بني زريق ومسجد السوق، كما ترجم البخاري رحمه الله بقوله: (باب العلماء في مسجد السوق) . 3- إضافة المسجد إلى وصف تميز به، مثل: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، كما في قوله تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) ، وفي السنة ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه متعددة: (لا تعمل المطي إلا لثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا) ، ومنه: (المسجد الكبير) وقد وقع تسمية بعض المساجد التي على الطريق بين مكة والمدينة باسم (المسجد الأكبر) كما في (صحيح البخاري) ومثله يقال: (الجامع الكبير) . ثانيا: تسمية المسجد باسم غير حقيقي لكي يتميز ويعرف به، وهي ظاهرة منتشرة في عصرنا لكثرة بناء المساجد وانتشارها ولله الحمد في بلاد المسلمين في المدينة وفي القرية، بل في الحي الواحد، فيحصل تسمية المسجد باسم يتميز به، واختيار إضافته إلى أحد وجوه الأمة وخيارها من الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم من التابعين لهم بإحسان، مثل: مسجد أبي بكر رضي الله عنه، مسجد عمر رضي الله عنه، وهكذا للتعريض، فهذه التسمية لا يظهر بها بأس، لا سيما وقد عرف من هدي النبي صلى الله عليه وسلم تسميته سلاحه، وأثاثه، ودوابه، وملابسه، كما بينها ابن القيم رحمه الله تعالى في أول كتاب (زاد المعاد) . ثالثا: تسمية المسجد باسم من أسماء الله سبحانه وتعالى، مثل: مسجد الرحمن، مسجد القدوس، مسجد السلام، ومعلوم أن الله سبحانه قال وقوله الفصل: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) ، فالمساجد جميعها لله تعالى بدون تخصيص، فتسمية مسجد باسم من أسماء الله ليكتسب العلمية على المسجد أمر محدث، لم يكن عليه من مضى، فالأولى تركه، والله الهادي إلى سواء السبيل " انتهى النقل عن فتاوى اللجنة الدائمة. وانظر كتاب " أحكام المساجد " (2/86) لإبراهيم الخضيري. وبناء على ما سبق فالأصل أنه لا حرج في تسمية المسجد باسم " مسجد أهل الحديث "، فهي نسبة إلى وصف شرعي مقبول، وما زال هذا الاسم عند أهل العلم محل ثناء وذكر بالخير، فتسمية المسجد به أمر سائغ لا بأس به، إن شاء الله تعالى. وهذا الحكم إنما هو من حيث الأصل والعموم، لكن قبل تطبيقه على حال مسجدكم، ينبغي النظر في واقع بلادكم؛ فإن كان الانتساب إلى أهل الحديث، والتسمي باسمهم، أو تسمية مسجدكم باسم " أهل الحديث "، إن كان ذلك كله يترتب عليه تفريق لجماعة المسلمين، أو إلقاء البغضاء في قلوبهم، أو إحياء العصبيات الجاهلية، ووقوع الفتن والإحن بين المسلمين: فينبغي ترك هذه التسمية، بل ترك ما هو أعلى منها من المباحات والمستحبات إذا ترتب عليها شيء من هذه المفاسد، وأقصى ما في تسمية مسجدكم بهذا أن يكون أمرا مباحا تركتموه، وأمامكم من الأسماء الشرعية المباحة، مما يجمع ولا يفرق، ويؤلف ولا ينفر، ما فيه غنية عن ذلك. ولقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم المناداة بالأسماء الشرعية إذا كان باعثها التعصب لغير الحق. عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (غَزَوْنَا مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ ثَابَ مَعَهُ نَاسٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ حَتَّى كَثُرُوا، وَكَانَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلٌ لَعَّابٌ فَكَسَعَ أَنْصَارِيًّا، فَغَضِبَ الأَنْصَارِيُّ غَضَبًا شَدِيدًا، حَتَّى تَدَاعَوْا، وَقَالَ الأَنْصَارِي: يَا لَلأَنْصَارِ. وَقَالَ الْمُهَاجِرِي: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ. فَخَرَجَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَا بَالُ دَعْوَى أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ. ثُمَّ قَالَ: مَا شَأْنُهُمْ. فَأُخْبِرَ بِكَسْعَةِ الْمُهَاجِرِي الأَنْصَارِيَّ. قَالَ: فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: دَعُوهَا فَإِنَّهَا خَبِيثَةٌ) رواه البخاري (3518) ، ومسلم (4682) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فهذان الاسمان ـ المهاجرون والأنصار ـ اسمان شرعيان جاء بهما الكتاب والسنة، وسماهما الله بهما، كما سمانا المسلمين من قبل وفي هذا؛ وانتساب الرجل إلى المهاجرين والأنصار انتساب حسن محمود عند الله وعند رسوله، ليس من المباح الذي يقصد به التعريف فقط، كالانتساب إلى القبائل والأمصار، ولا من المكروه أو المحرم كالانتساب إلى ما يفضي إلى بدعة أو معصية أخرى؛ ثم مع هذا لما دعا كل واحد منهما طائفةً منتصرا بها: أنكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وسماها دعوى الجاهلية، حتى قيل له: إن الداعي بها إنما هما غلامان، لم يصدر ذلك من الجماعة؛ فأمر بمنع الظالم وإعانة المظلوم ". اقتضاء الصراط المستقيم (71) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 124196 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1311 هل صلاة الجنازة في الحرم المكي يضاعف ثوابها؟ [السُّؤَالُ] ـ[ماذا عن أجر صلاة الجنازة في الحرم هل يكون مضاعفا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة. وانظر: "إرواء الغليل" (1129) . واختلف العلماء في هذا التضعيف: هل يختص بالصلوات المكتوبة أو يشمل غيرها؟ قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم": " وَاعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبنَا أَنَّهُ لَا يَخْتَصّ هَذَا التَّفْضِيل بِالصَّلَاةِ فِي هَذَيْنِ الْمَسْجِدَيْنِ بِالْفَرِيضَةِ , بَلْ يَعُمّ الْفَرْض وَالنَّفْل جَمِيعًا، وَبِهِ قَالَ مُطَرَّف مِنْ أَصْحَاب مَالِك , وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: يَخْتَصّ بِالْفَرْضِ , وَهَذَا مُخَالِف إِطْلَاق هَذِهِ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة. وَاَللَّه أَعْلَم " انتهى. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل صلاة الجنازة في الحرم المكي تضاعف مثل بقية الصلوات في أجر القيراط؟ فأجاب: "هذا فيه خلاف بين العلماء، بعض العلماء يقول: الذي يضاعف في المسجد الحرام هو الصلوات الخمس فقط وغيرها لا يضاعف، والذي يظهر من الحديث العموم، وتكون الصلاة على الجنازة داخلة في العموم تضاعف في المسجد الحرام. والله أعلم " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (116/11) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 122224 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1312 حكم الصلاة في مساجد الصوفية [السُّؤَالُ] ـ[في الحي الذي أسكن فيه يوجد مسجد وتوجد زاوية تابعة لطريقة صوفية، هل تجوز الصلاة في هذه الزاوية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا تصل مع هؤلاء الصوفية في زاويتهم، واحذر صحبتهم والاختلاط بهم، لئلا يصيبك ما أصابهم، وتحر الصلاة في مسجد جماعة يتحرون السنة ويحرصون عليها. وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (3/18) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121576 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1313 حكم منع المتسولين على أبواب المساجد ونهرهم [السُّؤَالُ] ـ[يجلس كثير من المشوهين والسائلين في الحرم الشريف بمكة المكرمة يمدون أيديهم للحجاج والزوار والمعتمرين، وقد سمعت أنه لا يجوز التصدق في المساجد، والسؤال هنا: هل يجوز إعطاء هؤلاء من الصدقات وهم في داخل الحرم، وهل تجوز الصدقة في الحرمين الشريفين خاصة وفي المساجد عامة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "أجاب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن حكم السؤال في المسجد بما نصه: (أصل السؤال محرم في المسجد وخارج المسجد إلا لضرورة، فإن كان به ضرورة وسأل في المسجد ولم يؤذ أحدا؛ بتخطيه رقاب الناس، ولا غير تخطيه، ولم يكذب فيما يرويه ويذكر من حاله، ولم يجهر جهرا يضر الناس مثل أن يسأل والخطيب يخطب، أو وهم يستمعون علما يشغلهم به ونحو ذلك جاز. والله أعلم) . أما الصدقة في المسجد فلا بأس بها، روى مسلم في صحيحه عن جرير قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النهار، قال: فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار أو العباء، متقلدي السيوف، عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر، فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج فأمر بلالا فأذن وأقام فصلى ثم خطب فقال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) النساء/1، والآية التي في الحشر: (اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ) الحشر/18، (تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمرة ... -حتى قال: ولو بشق تمرة، قال: فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها، بل قد عجزت، قال: ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل كأنه مذهبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سن في الإسلام سنة حسنة، فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء) . وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان. "فتاوى اللجنة الدائمة" (6/290) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121228 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1314 بنى مسجدا وأوصى أن يدفن فيه [السُّؤَالُ] ـ[رجل بنى مسجداً، وأوصى أن يدفن فيه فدفن، فما العمل الآن؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه الوصية باطلة، مخالفة للشرع، فلا يجتمع في الإسلام مسجد وقبر أبداً، والحكم للسابق منهما، وطالما أن المسجد هو الذي بني أولاً، فيجب نبش القبر وإخراجه من المسجد، ويدفن الميت مع المسلمين في المقابر. قال ابن القيم رحمه الله تعالى: " يهدم المسجد إذا بني على قبر، كما ينبش الميت إذا دفن في المسجد، نص على ذلك الإمام أحمد وغيره، فلا يجتمع في دين الإسلام مسجد وقبر، بل أيهما طرأ على الآخر منع منه، وكان الحكم للسابق، فلو وضعا معاً لم يجز، ولا يصح هذا الوقف ولا يجوز، ولا تصح الصلاة في هذا المسجد؛ لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ولعنه من اتخذ القبر مسجدا، أو أوقد عليه سراجاً، فهذا دين الإسلام الذي بعث الله به رسوله ونبيه وغربته بين الناس كما ترى " انتهى. "زاد المعاد" (3/572) . وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله مثل هذا السؤال، فأجاب: " هذه الوصية أعني الوصية أن يدفن في المسجد غير صحيحة؛ لأن المساجد ليست مقابر، ولا يجوز الدفن في المسجد، وتنفيذ هذه الوصية محرم، والواجب الآن نبش هذا القبر وإخراجه إلى مقابر المسلمين " انتهى. "فتاوى ابن عثيمين" (2/233) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120214 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1315 هل قبر يحيى عليه السلام في الجامع الأموي [السُّؤَالُ] ـ[رأيت في أحد البرامج الوثائقية عن الجامع الأموي، ورأيت فيه ضريحاً للنبي يحيى، ومقامات كثيرة للصحابة، وبعض زوجات النبي، ومشهد رأس الحسين. سؤالي: ما حكم مثل هذا؟ خصوصاً وأن بعض الناس يجلسون عندها، وربما كان لهم دعاء واستغاثه بهم، وهل هذه القبور والأضرحة حقيقية؟ أعني هل النبي يحيى ـ مثلاً ـ هو هنا أم هو كذب وتدليس.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا يجوز بناء المساجد على القبور، ولا جعل القبور في المساجد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا) رواه البخاري (4444) ومسلم (531) من حديث عائشة رضي الله عنها. وقوله: (إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا كَانَ فِيهِمْ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا وَصَوَّرُوا فِيهِ تِيكَ الصُّوَرَ أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه البخاري (3873) ومسلم (528) من حديث عَائِشَةَ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالْحَبَشَةِ فِيهَا تَصَاوِيرُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك. وقوله حين بعث عليا رضي الله عنه: (أَنْ لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ) رواه مسلم (969) . وما روى مسلم (970) عَنْ جَابِرٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ) . وروى أحمد (3844) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِِنَّ مِنْ شِرَارِ النَّاسِ مَنْ تُدْرِكُهُ السَّاعَةُ وَهُمْ أَحْيَاءٌ وَمَنْ يَتَّخِذُ الْقُبُورَ مَسَاجِدَ) والحديث حسنه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند. فهذه الأحاديث تدل دلالة واضحة على تحريم بناء المساجد على القبور، ولهذا لا يظن بأحد من الصحابة أنه أوصى بأن يدفن في مسجد، أو أقر دفن ميت في مسجد، لمصادمة ذلك للنصوص المعلومة المشهورة. ثانيا: ما يشاع عند العامة من وجود قبور لبعض الصحابة، أو لغيرهم، في بعض المساجد، أكثره غير ثابت، وما ثبت منه فلا حجة فيه؛ لأن هذه المساجد إنما بنيت في عصور متأخرة، وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " أما هذه المشاهد المشهورة فمنها ما هو كذب قطعا: مثل المشهد الذي بظاهر دمشق المضاف إلى " أبي بن كعب ". والمشهد الذي بظاهرها المضاف إلى " أويس القرني " والمشهد الذي بمصر المضاف إلى " الحسين " رضي الله عنه ; إلى غير ذلك من المشاهد التي يطول ذكرها بالشام والعراق ومصر وسائر الأمصار، حتى قال طائفة من العلماء منهم عبد العزيز الكناني: كل هذه القبور المضافة إلى الأنبياء لا يصح شيء منها إلا قبر النبي صلى الله عليه وسلم. وقد أثبت غيره أيضا قبر الخليل عليه السلام. وأما " مشهد علي " فعامة العلماء على أنه ليس قبره ; بل قد قيل: إنه قبر المغيرة بن شعبة؛ وذلك أنه إنما أظهر بعد نحو ثلاثمائة سنة من موت علي في إمارة بني بويه ... وجمهور أهل المعرفة يقولون: إن عليا إنما دفن في قصر الإمارة بالكوفة أو قريبا منه ... وكذلك " قبر معاوية " الذي بظاهر دمشق قد قيل: إنه ليس قبر معاوية وإن قبره بحائط مسجد دمشق الذي يقال إنه " قبر هود ". وأصل ذلك أن عامة أمر هذه القبور والمشاهد مضطرب مختلق لا يكاد يوقف منه على العلم إلا في قليل منها بعد بحث شديد. وهذا لأن معرفتها وبناء المساجد عليها ليس من شريعة الإسلام، ولا ذلك من حكم الذكر الذي تكفل الله بحفظه حيث قال: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر /9] ; بل قد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عما يفعله المبتدعون عندها، مثل قوله الذي رواه مسلم في صحيحه عن جندب بن عبد الله قال: {سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول: إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك} وقال: {لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد} . وقد اتفق أئمة الإسلام على أنه لا يشرع بناء هذه المشاهد على القبور ولا يشرع اتخاذها مساجد، ولا يشرع الصلاة عندها، ولا يشرع قصدها لأجل التعبد عندها بصلاة أو اعتكاف أو استغاثة أو ابتهال أو نحو ذلك، كرهوا الصلاة عندها ; ثم إن كثيرا منهم قال: إن الصلاة عندها باطلة لأجل نهي النبي صلى الله عليه وسلم عنها ... " انتهى من "مجموع الفتاوى" (27/447) . وقال ـ أيضا ـ عما يُزْعَم من وجود رأس الحسين في مصر أو الشام: " ومنها " مشهد الرأس " الذي بالقاهرة؛ فإن المصنفين في قتل الحسين اتفقوا على أن الرأس ليس بمصر، ويعلمون أن هذا كذب. وأصله أنه نقل من مشهد بعسقلان، وذاك المشهد بني قبل هذا بنحو من ستين سنة في أواخر المائة الخامسة، وهذا بني في أثناء المائة السادسة بعد مقتل الحسين بنحو من خمسمائة عام، والقاهرة بنيت بعد مقتل الحسين بنحو ثلاثمائة عام، قد بَيَّن كذب هذا المشهد: ابنُ دحية في " العلم المشهور " وأن الرأس دفن بالمدينة كما ذكره الزبير بن بكار ... ". انتهى. "مجموع الفتاوى" (27/491) . ثالثا: ليس هناك مستند صحيح يدل على أن يحيى عليه السلام مدفون في الجامع الأموي، فضلا عن القول بأن الصحابة رأوا قبره وتركوه في المسجد، كما يدعيه البعض. قال الشيخ الألباني رحمه الله: " ونحن نقطع ببطلان قولهم، وأن أحدا من الصحابة والتابعين لم ير قبرا ظاهرا في مسجد بني أمية أو غيره، بل غاية ما جاء فيه بعض الروايات عن زيد بن أرقم بن واقد: أنهم في أثناء العمليات وجدوا مغارة فيها صندوق فيه سفط (وعاء كامل) وفي السفط رأس يحيى بن زكريا عليهما السلام مكتوب عليه: هذا رأي يحيى عليه السلام فأمر به الوليد فرد إلى المكان وقال: اجعلوا العمود الذي فوقه مغيرا من الأعمدة، فجعل عليه عمود مسبك بسفط الرأس. رواه أبو الحسن الربعي في فضائل الشام (33) ومن طريقه ابن عساكر في تاريخه (ج 2 ق 9 / 10) وإسناده ضعيف جدا، فيه إبراهيم بن هشام الغساني كذبه أبو حاتم وأبو زرعة وقال الذهبي " متروك ". ومع هذا فإننا نقطع أنه لم يكن في المسجد صورة قبر، حتى أواخر القرن الثاني؛ لِما أخرجه الربعي وابن عساكر، عن الوليد بن مسلم أنه سئل: أين بلغك رأس يحى بن زكريا؟ قال: بلغني أنه ثَم؛ وأشار بيده إلى العمود المسفط الرابع من الركن الشرقي، فهذا يدل على أنه لم يكن هناك قبر في عهد الوليد بن مسلم، وقد توفي سنة أربع وتسعين ومائة. وأما كون ذلك الرأس هو رأس يحى عليه السلام فلا يمكن إثباته، ولذلك اختلف المؤرخون اختلافا كثيرا، وجمهورهم على أن رأس يحيى عليه السلام مدفون في مسجد حلب ليس في مسجد دمشق، كما حققه شيخنا في الإجازة العلامة محمد راغب الطباخ في بحث له نشره في مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق (ج 1 ص 41-1482) تحت عنوان " رأس يحيى ورأس زكريا " فليراجعه من شاء. ونحن لا يهمنا من الوجهة الشرعية ثبوت هذا أو ذاك، سواء عندنا أكان الرأس الكريم في هذا المسجد أو ذاك، بل لو تيقنا عدم وجوده في كل من المسجدين، فوجود صورة القبر فيهما كاف في المخالفة؛ لأن أحكام الشريعة المطهرة إنما تبنى على الظاهر لا الباطن كما هو معروف، وسيأتي ما يشهد لهذا من كلام بعض العلماء، وأشد ما تكون المخالفة إذا كان القبر في قبلة المسجد، كما هو الحال في مسجد حلب، ولا منكِر لذلك من علمائها ". انتهى. من "تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد" ص 63 رابعا: ما يفعل عند هذه القبور من دعاء لها، واستغاثة بها، وطواف حولها، كل ذلك من الشرك الذي حرمه الله؛ لأنه صرف للعبادة لغير الله، فليس لأحد أن يدعو أو يستغيث بميت، سواء وقف عند قبره أو بعيدا عنه، بل الدعاء لله وحده، فهو الرب المغيث المجيب المنعم المتفضل سبحانه. ومن شاهد هذه المنكرات عند الأضرحة المذكورة علم حكمة الشريعة وكمالها في التحذير من بناء المساجد على القبور، لما يترتب على ذلك من الفتنة بها، حتى تعبد من دون الله عز وجل. نسأل الله تعالى أن يرد ضال المسلمين إلى الهدى والحق ردا جميلا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 119178 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1316 حكم المبيت في المسجد وتدريس الأطفال وإطعامهم فيه؟ [السُّؤَالُ] ـ[أعيش في بلد أوروبي، وأقوم بطلب العلم الشرعي، وأدرس لأطفال المسلمين في المسجد، وأقيم حالياً في المسجد، والمسجد مسجل عند الحكومة على أنه جمعية إسلامية تقوم بنشاطات مختلفة منها الصلاة، وعند الباب الرئيس للمسجد حمام، وعند هذا الباب ممر يتفرع منه مدخلان، واحد لغرفة للنساء يصلين بها الجمعة، والثاني للمسجد، ووفي آخر المسجد زاوية وهي عبارة عن مطبخ مفتوح على المسجد. ما هي ضوابط إقامتي بالمسجد؟ وأنا أستخدم جهاز كمبيوتر خاص بالمسجد في تعلم القرآن عبر البالتوك، كما أستخدم مكتبة المسجد لطلب العلم وتحضير الخطب. وهل يلزمني صلاة تحية المسجد كلما ذهبت للعمل، أو كلما دخلت الحمام، أو كلما خرجت من المسجد لأداء حاجة سريعة؟ نحن نستخدم مطبخ المسجد لعمل طعام عند عمل إفطار جماعي في رمضان، ولعمل شاي وطعام للضيوف، أو لنفسي، فهل يجوز ذلك؟ وهل يجوز لي الأكل بهذا المطبخ؟ سؤال آخر: بالمسجد جهاز عرض (البروجيكتر) نستخدمه لتعليم الأطفال أمور دينهم، حيث إن هذه الأجهزة تساعد كثيراً في إيصال المعلومات لهم، وبالمكتبة سبورة نستخدمها بالتعليم أيضاً، ونقدم للأطفال البسكويت والعصير حتى نشجعهم على الحضور إلى المسجد، فنقدم لهم ذلك في المسجد، فهل يجوز ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا حرج في إقامتك في إحدى الغرف المتصلة بالمسجد، وفي تعليم الأطفال واستخدام الكمبيوتر والبروجكتر والسبورة وغيرها من الوسائل التي تعين على التعلم. ولا حرج أيضا في تقديم البسكويت والعصائر للأولاد في المسجد، مع تربيتهم على صيانته من الأذى والحرص على نظافته. ثانياً: إذا خرج الإنسان من المسجد وفي نيته الرجوع قريبا، فلا يصلي تحية المسجد. فقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: دخلتُ المسجد وصليتُ ركعتين تحية المسجد وخرجتُ بنية الرجوع، فإذا رجعتُ هل يلزمني أن أصلي ركعتين؟ فأجاب: "إذا خرج الإنسان من المسجد بنية الرجوع فإن رجع عن قرب فإنه لا يصلي تحية المسجد، مثل لو خرج للوضوء ورجع، أو خرج يأتي بكتاب من البيت ورجع، أو خرج يكلم إنساناً ورجع، هذا لا يصلي؛ لأن الوقت قصير، أما إذا طال الوقت فليصل ركعتين، كلنا إذا صلينا الظهر نخرج من المسجد بنية الرجوع إلى صلاة العصر، فهل نقول إذا رجعنا لصلاة العصر: لا نصلي؟ لا. نصلي. المهم أنه إذا كان لشغل يرجع به قريباً، فهذا لا يصلي اكتفاء بالأول. والدليل أن الرسول عليه الصلاة والسلام أذن للمعتكف أن يخرج للحاجة إلى بيته ثم يرجع، فدل هذا على أن الخروج اليسير لا يعتبر خروجاً من المسجد، فكأن هذا الذي خرج من المسجد وهو بنية الرجوع عن قرب، كأنه لم يخرج منه " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (125/30) . ثالثاً: إذا كانت الغرف المتصلة بالمسجد قد أعدت لتكون مسجدا، أي نواها باني المسجد أن تكون جزءا من المسجد الذي يصلى فيه، فلها أحكام المسجد، فيتأكد صلاة تحية المسجد عند دخولها، وتمنع الحائض والنفساء من المكث فيها. وأما إن كانت قد نويت لتكون ملاحق للتعليم أو لعقد الاجتماعات، لا لتكون محلا للصلاة، فلا تأخذ حكم المسجد حينئذ. وإذا جهلت نية باني المسجد، فالأصل أن ما كان داخل سور المسجد، وله باب على المسجد، فله حكم المسجد. هذا هو محصل كلام أهل العلم في الغرف والملاحق الموجودة بالمساجد، مع مراعاة اختلاف الحال الآن عما كان شائعا في زمن الفقهاء المتقدمين،. وقد ذكرنا فتاوى أهل العلم في ذلك في جواب السؤال رقم (118685) رابعاً: لا حرج في استعمال المطبخ لعمل الإفطار الجماعي في رمضان، أو أن يصنع فيه شاي أو طعام للضيوف. وأما أن يصنع فيه الطعام على الدوام، فلا، لما يترتب عليه من امتلاء المسجد برائحة الطعام، مما ينافي صيانة المسجد واحترامه، إلا أن يقام حائط يفصل المطبخ عن المسجد، وهذا في حال كون المطبخ لم يعد ليكون جزءا من المسجد كما سبق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118843 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1317 هل غرفة الإمام أو المكتبة لها حكم المسجد وتصلى فيها تحية المسجد؟ [السُّؤَالُ] ـ[أقيم في غرفة بالمسجد، فهل علي كلما دخلت الغرفة أن أصلي تحية المسجد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كانت الغرفة المتصلة بالمسجد قد أعدت لتكون مسجدا، أي نواها باني المسجد أن تكون جزءا من المسجد الذي يُصلى فيه، فلها أحكام المسجد، فيتأكد صلاة تحية المسجد عند دخولها، وتمنع الحائض والنفساء من المكث فيها. وأما إن كانت قد نويت لتكون ملاحق للتعليم أو لعقد الاجتماعات، أو سكنا للإمام أو المؤذن، لا لتكون محلا للصلاة، فلا تأخذ حكم المسجد حينئذ. وإذا جهلت نية باني المسجد، فالأصل أن ما كان داخل سور المسجد، وله باب على المسجد، فله حكم المسجد. هذا هو محصل كلام أهل العلم في الغرف والملاحق الموجودة بالمساجد، مع مراعاة اختلاف الحال الآن عما كان شائعا في زمن الفقهاء المتقدمين. وهذه فتاوى بعض أهل العلم في ذلك: 1- سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: في أميركا مسجد يتكون من ثلاثة أدوار: الدور الأعلى مصلى للنساء , والدور الذي تحته المصلى الأصلي , والدور الذي تحته وهو عبارة عن (قبو) فيه المغاسل ومكان للمجلات والصحف الإسلامية وفصول دراسية نسائية ومكان لصلاة النساء أيضا , فهل يجوز للنساء الحيض دخول هذا الدور السفلي؟ فأجاب: "إذا كان المبنى المذكور قد أعد مسجدا ويسمع أهل الدورين الأعلى والأسفل صوت الإمام صحت صلاة الجميع , ولم يجز للحيض الجلوس في المحل المعد للصلاة في الدور الأسفل ; لأنه تابع للمسجد ... أما إن كان الدور الأسفل لم ينوه الواقف من المسجد , وإنما نواه مخزنا ومحلا لما ذكر في السؤال من الحاجات , فإنه لا يكون له حكم المسجد , ويجوز للحائض والجنب الجلوس فيه ولا بأس بالصلاة فيه في المحل الطاهر الذي لا يتبع دورات المياه كسائر المحلات الطاهرة التي ليس فيها مانع شرعي يمنع من الصلاة فيها , لكن من صلى فيه لا يتابع الإمام الذي فوقه إذا كان لا يراه ولا يرى بعض المأمومين; لأنه ليس تابعا للمسجد في الأرجح من قولي العلماء " انتهى باختصار من "فتاوى الشيخ ابن باز" (10/221) . 2- وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: الغرفة التي بداخل المسجد هل يجوز الاعتكاف فيها؟ فأجاب: "هذه فيها احتمال، من نظر إلى مطلق كلام الفقهاء قال: إنها من المسجد، لأنه يقول الحجرة والغرفة التي يحيط بها جدار المسجد من المسجد، ومن نظر إلى أنها بنيت لا على أنها من المسجد وأنها حجرة للإمام فهي كبيوت الرسول عليه الصلاة والسلام، فبيوت الرسول أبوابهن إلى المسجد ومع ذلك هو بيت، ما يخرج الرسول عليه الصلاة والسلام إليه [أي في الاعتكاف] فالاحتياط أن المعتكف لا يكون فيها، ولكن عرف الناس عندنا الآن أن الحجر التي في المساجد تعتبر من المسجد" انتهى من "شرح الكافي". 3- وسئل رحمه الله: ما حكم تحية المسجد بالنسبة للداخل إلى مكتبة المسجد في الحالات التالية: 1- إذا كان باب المكتبة داخل المسجد. 2- إذا كان باب المكتبة خارج المسجد. 3- إذا كان للمكتبة بابان أحدهما داخله والآخر خارجه؟ فأجاب: "في الحال الأولى وهي: ما إذا كان باب المكتبة داخل المسجد تكون المكتبة من المسجد فلها حكمه، فتشرع تحية المسجد لمن دخلها، ولا يحل للجنب المكث فيها إلا بوضوء، ويصح الاعتكاف فيها، ويحرم فيها البيع والشراء، وهكذا بقية أحكام المسجد المعروفة. وفي الحال الثانية وهي: ما إذا كان بابها خارج المسجد، وليس لها باب على المسجد، لا تكون من المسجد فلا يثبت لها أحكام المساجد، فليس لها تحية مسجد، ولا يصح الاعتكاف فيها، ولا يحرم فيها البيع والشراء، لأنها ليست من المسجد لانفصالها عنه. وفي الحال الثالثة وهي: ما إذا كان لها بابان، أحدهما: داخل المسجد. والثاني: خارجه، إن كان سور المسجد محيطاً بها فهي من المسجد فتثبت لها أحكام المسجد، وإن كان غير محيط بها بل لها سور مستقل فليس لها حكم المسجد فلا تثبت لها أحكامه؛ لأنها منفصلة عن المسجد، ولهذا لم تكن بيوت النبي صلى الله عليه وسلم من مسجده، مع أن لها أبواباً على المسجد؛ لأنها منفصلة عنه " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (14/351) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118685 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1318 جواز طرد المؤذي للمصلين في صلاتهم بأقواله وأفعاله من المسجد [السُّؤَالُ] ـ[يأتي إلينا رجل يصلي وهو مواظب على جميع الصلوات ودائما يذكر الله، ولكن بعد فترة من الزمن قد أصابه نوع من النسيان، أو مرض آخر لا نعرفه، بدأ برفع صوته أثناء الصلوات، وهذا منذ ما يقارب السنَة، فينزعج منه المصلون، والكثيرون أصبحوا يوبخونه، وفي الحقيقة لم يعد هناك تركيز، ولا خشوع في الصلاة، إلى أن طرده أحد المصلين من المسجد، وأنذره على أن لا يعود مرة أخرى، وهو يبلغ من العمر ما يقارب الستين، وهو غير مؤذي، ولا يتكلم مع أحد إلا للسلام، وقد آلمني طرده من المسجد. لا أدري هل الأفضل له أن يصلي في بيته كي لا يفقد المصلون خشوعهم ويأتي عليه بإثم، مع أنه لا يعي بما يفعله؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يجب على المسلمين أن يراعوا رفعة بيوت الله تعالى، وتطهيرها من الأقوال والأفعال غير اللائقة بتلك البيوت، قال الله تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ. رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) النور/36، 37. قال ابن كثير رحمه الله: " (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ) أي: أمر الله تعالى برفعها، أي: بتطهيرها من الدنس، واللغو، والأفعال والأقوال التي لا تليق فيها، كما قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في هذه الآية الكريمة: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ) قال: نهى الله سبحانه عن اللغو فيها " انتهى. "تفسير ابن كثير" (6/62) . ثانياً: لا يحل لأحدٍ أن يجهر بالقرآن أو الذِّكر فيشوش على غيره من المصلين. فعَنْ أَبِى سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِدِ فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ فَكَشَفَ السِّتْرَ وَقَالَ: (أَلاَ إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ، فَلاَ يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَلاَ يَرْفَعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِى الْقِرَاءَةِ) ، أَوْ قَالَ: (فِي الصَّلاَةِ) رواه أبو داود (1332) ، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود". فمن يشوش على الناس صلاتهم برفع صوته: فهي أذية لهم، وعلى الناس تنبيهه وزجره، فإن لم يرتدع: جاز طرده من المسجد، وإن كان مريضاً أو مجنوناً: فيُخاطب وليُّه بمنعه من دخول المسجد، فإن لم يستجب الولي، أو ذلك المؤذي: جاز طرده من المسجد؛ صيانةً لبيوت الله من العبث فيها؛ وحفاظاً على صلاة الناس وعبادتهم، وطرد هذا أولى من طرد المؤذي للناس برائحة البصل والثوم. فعن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قال: (إِنَّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ تَأْكُلُونَ شَجَرَتَيْنِ لاَ أَرَاهُمَا إِلاَّ خَبِيثَتَيْنِ، هَذَا الْبَصَلَ وَالثُّومَ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا وَجَدَ رِيحَهُمَا مِنَ الرَّجُلِ فِي الْمَسْجِدِ أَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ إِلَى الْبَقِيعِ، فَمَنْ أَكَلَهُمَا فَلْيُمِتْهُمَا طَبْخًا) رواه مسلم (567) . قال القرطبي رحمه الله: " قال العلماء: وإذا كانت العلة في إخراجه من المسجد أنه يُتأذى به: ففي القياس: أنَّ كلَّ من تأذى به جيرانه في المسجد بأن يكون ذرب اللسان [سليط اللسان] ، سفيهاً عليهم، أو كان ذا رائحة قبيحة، أو عاهة مؤذية كالجذام، وشبهه، وكل ما يتأذى به الناس: كان لهم إخراجه، ما كانت العلة موجودة حتى تزول. قال أبو عمر بن عبد البر: وقد شاهدتُ شيخنا أبا عمر أحمد بن عبد الملك بن هشام رحمه الله أفتى في رجل شكاه جيرانه، واتفقوا عليه أنه يؤذيهم في المسجد بلسانه، ويده، فشُوور فيه، فأفتى بإخراجه من المسجد، وإبعاده عنه، وألا يشاهِد معهم الصلاة، إذ لا سبيل مع جنونه واستطالته إلى السلامة منه، فذاكرتُه يوماً أمره، وطالبته بالدليل فيما أفتى به من ذلك، وراجعته فيه القول، فاستدل بحديث " الثُوْم "، وقال: هو عندي أكثر أذى من أكل الثوم، وصاحبه يُمنع من شهود الجماعة في المسجد " انتهى من "تفسير القرطبي" (12/267، 268) باختصار. وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: يوجد في قريتنا شاب مختل العقل، ويقلد الناس في كل شيء، ويحضر للجامع عند كل صلاة ويصف مع الناس للصلاة، ولكنه يركع قبل الإمام، ويسجد أيضاً كما يشاء، وكل أفعاله تخالف أفعال المصلين لدرجة أننا تضايقنا منه، هل يجوز لنا أن نمنعه من الحضور للمسجد؟ . فأجاب: " هذا الرجل المختل العقل: لا شك أن حضوره إلى المسجد على هذا الوجه الذي ذكره السائل موجب لانشغال المصلين به، ولهذا أوجه النصيحة إلى وليِّه أن يمنعه من الحضور إلى المسجد؛ لما في ذلك من أذية المصلين، وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي رآه يتخطى رقاب الناس وهو يخطب الناس يوم الجمعة، فقطع النبي صلى الله عليه وسلم خطبته وقال له: (اجلس فقد آذيت) : فإنَّ ما ذكره السائل عن هذا الرجل أشد إيذاءً من تخطي الرقاب؛ لأن متخطي الرقاب غاية ما يكون منه أن يشغل الناس عن استماع الخطبة، أما هذا فإنه يشغل الناس عن الخشوع في الصلاة، وحضور القلب فيها، فأكرر النصيحة لوليه أن يمنعه من حضور المسجد تفادياً لإيذائه، وإذا كان وليه لا يسمع ما أقول: فإني أقول لكم أنتم أهل المسجد: اتصلوا بوليِّه، واطلبوا منه منعه، فإن وافق على ذلك: فهو المطلوب، وإن لم يوافق: فاتصلوا بالجهات المسؤولة عن المساجد لمنعه، فإن لم يكن هناك مسؤول عن المساجد: فلكم أن تمنعوه، وليكن هذا بواسطة الإمام، أو المؤذن؛ لأنهما أقرب مسؤول عن المسجد؛ ولئلا تحصل الفوضى والنزاع بينكم وبين وليه؛ لأنه إذا كان الأمر قد أتى من إمام المسجد أو مؤذنه: كان أهون على الناس" انتهى. "فتاوى نور على الدرب" (شريط 209، وجه: ب) . فعلى هذا؛ يجوز لكم منع ذلك المؤذي من دخول المسجد، إن لم يكف عن إيذاء المصلين برفع صوته والتشويش عليهم. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118451 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1319 إذا جعل الشخص الذي أمامه سترة فقام، فهل يتحرك إلى سترة قريبة؟ [السُّؤَالُ] ـ[عندما أصلي خلف شخص آخر وأتخذه سترة، فماذا أفعل إذا ترك المكان؟ هل أتحرك للأمام أم أبقى كما كنت؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: السترة مستحبة في قول جمهور الفقهاء، وذهب بعضهم إلى وجوبها. جاء في "الموسوعة الفقهية" (24/177) : " يسن للمصلي إذا كان فذا (منفردا) ، أو إماما أن يتخذ أمامه سترة تمنع المرور بين يديه , وتمكنه من الخشوع في أفعال الصلاة , وذلك لما ورد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة , وليدن منها , ولا يدع أحدا يمر بين يديه) ، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (ليستتر أحدكم في صلاته ولو بسهم) , وهذا يشمل السفر والحضر , كما يشمل الفرض والنفل. والمقصود منها: كف بصر المصلي عما وراءها , وجمع الخاطر بربط خياله كي لا ينتشر , ومنع المار كي لا يرتكب الإثم بالمرور بين يديه. والأمر في الحديث للاستحباب لا للوجوب , قال ابن عابدين: صرح في المنية بكراهة تركها , وهي تنزيهية , والصارف للأمر عن حقيقته ما رواه أبو داود عن الفضل بن العباس رضي الله عنهما قال: (أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في بادية لنا فصلى في صحراء ليس بين يديه سترة) ، ومثله ما ذكره الحنابلة قال البهوتي: وليس ذلك بواجب لحديث ابن عباس رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في فضاء ليس بين يديه شيء) . هذا؛ ويستحب ذلك عند الحنفية والمالكية في المشهور , للإمام والمنفرد إذا ظن مرورا بين يديه , وإلا فلا تسن السترة لهما. ونقل عن مالك الأمر بها مطلقا , وبه قال ابن حبيب واختاره اللخمي. أما الشافعية فأطلقوا القول بأنها سنة , ولم يذكروا قيدا. وقال الحنابلة: تسن السترة للإمام والمنفرد ولو لم يخش مارا. أما المأموم فلا يستحب له اتخاذ السترة اتفاقا ; لأن سترة الإمام سترة لمن خلفه , أو لأن الإمام سترة له " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله بعد ذكر أدلة القولين: " وأدلَّة القائلين بأن السُّتْرة سُنَّة وهم الجمهور أقوى، وهو الأرجح، ولو لم يكن فيها إلاَّ أن الأصل براءة الذِّمَّة فلا تُشغل الذِّمَّة بواجب، ولا يحكم بالعقاب إلا بدليل واضح لكفى " انتهى من "الشرح الممتع" (3/277) . ثانيا: لا حرج في جعل الشخص المصلي أو الجالس أمامك سترة، فإن ترك المكان، ووجدت سترة قريبة كالجدار أو أحد الأعمدة، أو مصليا آخر، انتقلت إليها، وتغتفر هذه الحركة؛ لأنها لمصلحة الصلاة، فإن لم يكن هناك شيء قريب، أتممت صلاتك على حالك، ورددت المار بين يديك. جاء في "المدونة" (1/202) : " وقال مالك: إذا كان الرجل خلف الإمام وقد فاته شيء من صلاته فسلم الإمام وسارية عن يمينه أو عن يساره، فلا بأس أن يتأخر إلى السارية عن يمينه أو عن يساره إذا كان ذلك قريبا يستتر بها , قال: وكذلك إذا كانت أمامه فيتقدم إليها، ما لم يكن ذلك بعيدا , قال: وكذلك إذا كان ذلك وراءه فلا بأس أن يتقهقر إذا كان ذلك قليلا , قال: وإن كانت سارية بعيدة منه فليصل مكانه، وليدرأ ما يمر بين يديه ما استطاع " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 117758 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1320 لا حرج في الخروج من المسجد بعد الأذان للصلاة في مسجد آخر [السُّؤَالُ] ـ[توضح الشريعة أنه لا يجوز مغادرة المسجد بعد النداء للأذان وقبل الصلاة، إلا في حال وجود عذر مقبول، كالحاجة للمغادرة لإتمام الوضوء، لكن هل يجوز مغادرة أحد المساجد بعد الأذان لأداء الصلاة في مسجد آخر حيث يتمتع المسجد الآخر بجماعة أكبر أو قارئ أفضل ووجود من ترغب في رؤيتهم بعد الصلاة؟ وفي حالتي فإن هناك مسجداً صغيراً يعطى به درس من بعد صلاة المغرب وحتى صلاة العشاء، لكن هناك مسجد آخر توجد به جماعة أكبر بصلاة العشاء ويوجد بنفس المدينة على بعد بضعة أميال، كما يوجد به أحياناً قراء أفضل، بالإضافة إلى أنه يوجد به بعض الإخوة الآخرين الذين أود رؤيتهم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يحرم الخروج من المسجد بعد الأذان إلا لعذر؛ لما روى مسلم (655) عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ: كُنَّا قُعُودًا فِي الْمَسْجِدِ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْمَسْجِدِ يَمْشِي، فَأَتْبَعَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ بَصَرَهُ حَتَّى خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: (أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) . ورواه الترمذي وقال عقبه: " وَعَلَى هَذَا الْعَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، أَنْ لَا يَخْرُجَ أَحَدٌ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْأَذَانِ إِلَّا مِنْ عُذْرٍ أَنْ يَكُونَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، أَوْ أَمْرٍ لَا بُدَّ مِنْهُ " انتهى. ورواه أحمد (10946) بزيادة: (ثُمَّ قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كُنْتُمْ فِي الْمَسْجِدِ فَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ فَلَا يَخْرُجْ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُصَلِّيَ) وصححه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند. ومن الأعذار المبيحة للخروج: أن يخرج ليتوضأ إذا كان محل الوضوء خارج المسجد، أو يخرج بنية العودة، كما لو خرج ليوقظ أهله مثلا ثم يعود، وكذلك الخروج للصلاة في مسجد آخر إذا علم أنه سيدرك الجماعة فيه. قال في "غاية المنتهى": " وحرم خروج من مسجد بعد أذان , وقبل صلاةٍ بلا عذر , أو نية رجوع ... ويتجه جواز الخروج لو خرج بعد الأذان لكن ليصلي جماعة بمسجد آخر، لا سيما مع فضل إمامه " انتهى من "الغاية مع مطالب أولي النهى" (1/304) . وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله في الفتاوى (2/104) : " تحريم الخروج من المسجد فيه تفصيل: إِن كان بلا داعي ولا غرض له صحيح حرم، وذلك أَن صورته صورة من ينصرف عن المسجد لا يصلي. أَما إِذا كان يريد الصلاة في مسجد آخر أَو له عذر أَو ناويًا الرجوع والوقت متسع فلا يحرم " انتهى. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم وضوء الرجل في مسجد ويصلي في مسجد آخر؟ فأجاب: "إذا كانت الميضأة خارج المسجد فلا حرج أن يتوضأ في هذه الميضأة ويصلي في مسجد آخر، اللهم إلا إذا كان هذا المسجد قد أقيمت فيه الصلاة فالأَولى أن يصلي فيه، وأما إذا كانت الميضأة داخل المسجد فإنه لا يجوز الخروج من المسجد بعد الأذان إلا لسبب؛ لأن أبا هريرة رأى رجلاً خرج من المسجد بعد الأذان فقال: (أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم) ، فإن كان هناك سبب مثل أن يريد الذهاب إلى المسجد الآخر لحضور مجلس العلم أو لضرورة فلا حرج عليه أن يخرج ولو كانت الميضأة داخل المسجد " انتهى. وسئل رحمه الله: أرى بعض الإخوة يقعدون في المسجد للدرس، وعندما يشرع الأذان يخرجون، حيث إنني قرأت بأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الخروج عند الأذان، فما حكم ذلك؟ فأجاب: "في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه رأى رجلاً خرج بعد الأذان فقال: (أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم) . قال أهل العلم: يحرم الخروج من المسجد بعد الأذان إلا لعذر، ولكن الحديث هذا ليس فيه صراحة بأن الرجل خرج ليصلي في مسجد آخر، فقد يكون خرج لئلا يصلي، والذي نرى أنه إذا خرج ليصلي في مسجد آخر يعلم أنه يدركه فلا حرج عليه، لكن لا ينبغي أن يفعل لئلا يقتدي به من يخرج ولا يصلي " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (9/38) . وبهذا تعلم أنه يجوز لك الخروج من المسجد بعد الأذان لتصلي في مسجد آخر إمامه أقرأ، أو تلتقي فيه ببعض إخوانك، إذا علمت أن خروجك إليه ستدرك معه الجماعة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 116955 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1321 هل يعطى من أموال المسجد لإصلاح بيت الإمام [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز إعطاء إمام المسجد من الأموال التي ترد إلى المسجد، علما أن هناك لجنة مسئولة عن الصرف وهل الإمام يعتبر من لواحق المسجد، علما أنه يستلم راتبا من الوقف، لكنه لا يكفيه وهذه الأموال التي ستعطى إليه لغرض تصليح إنارة بيته الموجود في بناية المسجد وتصليح جدران منزله وهكذا]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إن كانت الأموال الوارد إلى المسجد من أموال الزكاة أو الصدقة، وكان الإمام ممن يستحق الزكاة أو الصدقة، جاز إعطاؤه كغيره من المستحقين. ثانيا: إن كانت الأموال موقوفة على المسجد، أو متبرعا بها للمسجد، فإنها تصرف حسب شرط الواقف والمتبرع،، فإن أراد شمولها للمسجد وما يلحق به كبيت الإمام والمؤذن، صرف من ذلك فيما يحتاجانه من إصلاح. وإن أراد قصرها على المسجد، قصرت على المسجد، لكن إن فاض المال عن مصلحة المسجد، وكان الإمام محتاجا، جاز إعطاؤه منه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " يجوز أن يُعطى الإمام والمؤذن من مثل هذا الوقف الفائض رزق مثلهما ... بل إذا كانا فقيرين وليس لما زاد مصرفٌ معروف جاز أن يصرف إليهما منه تمام كفايتهما ". وقال: " ولهذا كان الصحيح في الوقف هو هذا القول وأن يُتصدق بما فضل من كسوته، كما كان عمر بن الخطاب يتصدق كل عام بكسوة الكعبة يقسمها بين الحجاج. وإذا كان كذلك فمن المعلوم أن صرف الفاضل إلى إمامه ومؤذنه مع الاستحقاق أولى من الصرف إلى غيرهما، وتقدير الواقف لا يمنع استحقاق الزيادة بسبب آخر، كما لا يمنع استحقاق غير مسجده " انتهى من "مجموع الفتاوى" (31/17) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 115946 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1322 حضور الصبي غير المميز إلى المسجد [السُّؤَالُ] ـ[قرأت أنه لا حرج على الصبي فوق السابعة أن يصطف كباقي المصلين في الجماعة..فما حكم من دون السابعة..هل يبطل الصلاة؟ كذا إن مر أمام المصلين في غير الجماعة هل يبطل الصلاة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا حرج على الصبي المميز أن يصف مع الجماعة، بل ينبغي تعويده ذلك وتشجيعه عليه، وتمكينه من الصف الأول وغيره إذا سَبق إليه. والتمييز لا يختص بسن السابعة، فقد يكون الطفل ذكيا نابها وهو في السادسة أو الخامسة، فيعقل الصلاة، ويلتزم بآداب المسجد. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " التمييز يكون غالباً في سبع سنين، ولكن قد يميز الصبي وعمره خمس سنين، قال محمود بن الربيع رضي الله عنه: عقلت مَجَّة مجّها الرسول صلى الله عليه وسلم في وجهي وأنا ابن خمس سنين. فبعض الصغار يكون ذكياً يميز وهو صغير، وبعضهم يبلغ ثماني سنين وما يميز " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (13/37) . وقد سئل الإمام مالك رحمه الله عن الصبيان يؤتى بهم إلى المساجد؟ فقال: "إن كان لا يعبث لصغره، ويُكَفُ إذا نُهي فلا أرى بهذا بأسا، وإن كان يعبث لصغره فلا أرى أن يؤتى به إلى المسجد " انتهى من المدونة (1/195) . فمن كان دون التمييز فلا ينبغي إحضاره، إلا عند الاضطرار أو الحاجة، كأن تتغيب أمه عن البيت ولا يمكن للأب تركه في البيت بمفرده، ونحو ذلك. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم إحضار الصبيان الذين هم دون التمييز ممن يُلَبَّسُّون الحفائظ التي ربما يكون أو غالب ما يكون فيها النجاسة؟ وإذا حضروا هل يُطْرَدون أم لا؟ فأجاب: "إحضار الصبيان للمساجد لا بأس به ما لم يكن منهم أذية، فإن كان منهم أذية فإنهم يُمنعون؛ ولكن كيفية منعهم أن نتصل بأولياء أمورهم، ونقول: أطفالكم يشوِّشون علينا، يؤذوننا وما أشبه ذلك، ولقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يدخل في صلاته يريد أن يطيل فيها، فيسمع بكاء الصبي فيتجوَّز في صلاته مخافة أن تفتتن الأم، وهذا يدل على أن الصبيان موجودون في المساجد؛ لكن كما قلنا: إذا حصل منهم أذية فإنهم يُمنعون عن طريق أولياء أمورهم؛ لئلا يحصل فتنة؛ لأنك لو طردت صبياً له سبع سنوات يؤذي في المسجد، وضربته سيقوم عليك أبوه؛ لأن الناس الآن غالبهم ليس عندهم عدل ولا إنصاف، ويتكلم معك وربما يحصل عداوة وبغضاء. فعلاج المسألة هو: أن نمنعهم عن طريق آبائهم حتى لا يحصل في ذلك فتنة. أما مسألة إحضاره فليس الأفضل إحضاره؛ لكن قد تُضْطَر الأم إلى إحضاره؛ لأنه ليس في البيت أحد وهي تحب أن تحضر الدرس، وتحب أن تحضر قيام رمضان وما أشبه ذلك. على كل حال: إذا كان في إحضاره أذية أو كان أبوه -مثلاً- يتشوش في صلاته بناء على محافظته على الولد فلا يأتي به، ثم إذا كان صغيراً عليه الحفائظ فلن يستفيد من الحضور، أما من كان عمره سبع سنوات فأكثر ممن أُمِرْنا أن نأمرهم بالصلاة، فهم يستفيدون من حضور المساجد؛ لكن لا تستطيع أن تحكم على كل أحد، قد تكون أم الولد ليست موجودة، ميتة، أو ذهبت إلى شغل لابد منه، وليس في البيت أحد فهو الآن بين أمرين: إما أن يترك صلاة الجماعة ويقعد مع صبيه، وإما أن يأتي به، فيُرَجِّح، يَنْظُر الأرجح " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (125/8) . ثانيا: قد يحتاج الأب أن يجعل ابنه الصغير غير المميز بجانبه في الصف، حتى لا يخرج من المسجد، أو يعبث بشيء في المسجد فيتلفه أو يضر نفسه، أو يشغل المصلين. وقد سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: ما حكم مصافة الطفل غير المميز في الصف وعمره أقل من خمس سنوات؟ وإذا كان لا يجوز فهل يعتبر قاطعا للصف؟ وإذا كان قاطعا للصف هل على الإمام أن يؤخره إلى مؤخرة المسجد؟ أفيدونا حفظكم الله حيث إن ذلك يكثر عندنا في المساجد؟ فأجاب: "تضمن هذا السؤال مسألتين: المسألة الأولى: مصافة هذا الصبي الذي لا يميز وجوابها أن مصافته لا تصح؛ لأن صلاته لا تصح ومن لا تصح صلاته لا تصح مصافته، وعلى هذا فلو كان رجلان تقدم أحدهما ليكون إماما وتأخر الثاني مع هذا الطفل الذي لم يميز فإنه يعتبر مصليا منفردا لا تصح صلاته ويجب عليه أن يصف مع الإمام. أما المسألة الثانية: فهو قطع الصف، فلا يعتبر وقوف هذا الطفل قاطعا للصف؛ لأن مسافته قصيرة فلا يكون قاطعا للصف، لكن ينبغي لأولياء الأمور ألا يأتوا بمثل هذا الطفل الصغير لأنه يشغل المصلين، فإما أن يعبث حال وجوده في الصف فيشغل من حوله، وإما ألا يعبث ولكن يشغل ولي أمره. نعم، إن دعت الضرورة إلى ذلك مثل ألا يكون في البيت أحد مع هذا الطفل الصغير أو ليس معه إلا أطفال لا يعتمد الإنسان على حفظهم له ويخشى وليه أن يعبث هذا الطفل بنار أو غيرها، فهذه ضرورة لا بأس أن يحضره ولكن عليه أن يكف أذاه عن المصلين " انتهى من "فتاوى نور على الدرب". ثالثا: مرور الصبي غير المميز بين يدي المصلي في المسجد أو غيره لا يقطع الصلاة، وإنما يقطع الصلاة مرور المرأة والكلب والحمار؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (يَقْطَعُ الصَّلاةَ الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ) رواه مسلم (511) . وفي رواية: (والكلب الأسود) قال الراوي: قُلْتُ: يَا أَبَا ذَرٍّ، مَا بَالُ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْكَلْبِ الْأَحْمَرِ مِنْ الْكَلْبِ الْأَصْفَرِ؟ قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا سَأَلْتَنِي فَقَالَ: (الْكَلْبُ الأَسْوَدُ شَيْطَانٌ) . وينظر جواب السؤال رقم (25803) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112973 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1323 هل تمنع النساء من دخول المساجد بأطفالهن؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز منع النساء من الدخول إلى المسجد ومعهن أطفالهن في صلاة التراويح؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا تُمنع النساء من إتيان المساجد بأطفالهن في رمضان، فقد دلت السنة على إتيان النساء المساجد ومعهن أطفالهن زمن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لحديث: (إِنِّي لَأَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَا أُرِيدُ إِطَالَتَهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِيهَا مَّخَافْةِ أَنْ أَشُقّ عَلَى أُمّه) ومن ذلك: (حمل النبي صلى الله عليه وسلم أمامة في صلاة الفريضة وهو يؤم الناس في المسجد) . لكن عليهن الحرص على صيانة المسجد من النجاسة بالتحرز في حق الأطفال في نومهم وغير ذلك" انتهى. سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله. "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم" (4/214) . وانظر فتوى الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في ذلك في جواب السؤال رقم (11605) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111902 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1324 تعليق الإعلانات في المساجد [السُّؤَالُ] ـ[نعيش في بلد أوروبي وتواجهنا مشكلة الحصول على لحم حلال، مذبوح على الشريعة الإسلامية، وقد اتفقنا مع جزار نصراني على أن يذبح لنا على الشريعة الإسلامية، بهدف توفير اللحم الحلال لإخواننا المسلمين وسمينا المشروع: "اللحم الحلال". فهل يجوز الإعلان للإخوة المسلمين عن هذا الأمر – توفر لحوم حلال - بعد صلاة الجمعة، ومناقشة مثل هذه الأمور معهم، وجمع المال منهم من أجل ذلك؟ حيث إن هذا الوقت - بعد الجمعة - هو ربما الوقت الوحيد الذي يمكن أن يجتمع فيه المسلمون، ولا يوجد مكان آخر غير المسجد لنجتمع فيه، فمن الصعب إيجاد مكان آخر للاجتماع، فهل يشرع لنا ذلك؟ وهل نستطيع وضع ملصق إعلان على الباب الخارجي للمسجد كبديل للإعلان داخل المسجد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الإعلان في المساجد، إن كان عن طاعة فلا حرج فيه أن يكون داخل المسجد، وإن كان عن أمر دنيوي، كالأمور التجارية الربحية، فلا يجوز أن يكون داخل المسجد، ولا حرج من الإعلان عنه خارج أبواب المسجد أو على جدرانه الخارجية. جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة": " لا يجوز أن تتخذ المساجد ولا ساحاتها ولا أسوارها ميدانا لعرض الإعلانات التجارية، سواء كانت هذه الإعلانات مقصودة أو جاءت تبعا في النشرات واللوحات الدينية الخيرية؛ لأن المساجد إنما بنيت لعبادة الله تعالى من صلاة وذكر وتعلم العلم وتعليمه وقراءة القرآن ونحو ذلك، فالواجب تنزيه المساجد عما لا يليق بها من أمور التجارة، ومن ذلك الإعلانات التجارية الدعائية، سواء كانت مقصودة أو تابعة لغيرها في النشرات الدينية الخيرية، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك) وعرض الإعلانات التجارية من التجارة " انتهى. "فتاوى اللجنة" (المجموعة الثانية 5/270) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم وضع بعض الإعلانات في المسجد؟ كالإعلان عن حملة للحج أو للعمرة، أو الإعلان عن وجود محاضرات أو دروس علم؟ فأجاب رحمه الله: "أما ما كان إعلانا عن طاعة فلا بأس به؛ لأن الطاعة مما يقرب إلى الله، والمساجد بنيت لطاعة الله سبحانه وتعالى. وأما ما كان لأمور الدنيا، فإنه لا يجوز، ولكن يعلن عنه على جدار المسجد من الخارج. فالحملات - حملات الحج - أمر دنيوي، فلا نرى أن نعلن عنها في الداخل. وحلق الذكر - كدورات العلم - خيرٌ محض، فلا بأس أن يعلن عنها في داخل المسجد؛ لأنها خير " انتهى باختصار. "شرح منظومة القواعد الفقهية" (ص/52) . وقال أيضا رحمه الله: " لا يجوز أن تعلق الإعلانات للحج والعمرة داخل المسجد؛ لأن غالب الذين يأخذون هذه الرحلات يقصدون الكسب المالي، فيكون هذا نوعاً من التجارة، لكن بدلاً من أن تكون في المسجد تكون عند باب المسجد من الخارج " انتهى. "لقاءات الباب المفتوح" (لقاء رقم 151، سؤال رقم 10) . وسئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله: تقوم بعض الدوائر الحكومية والشركات والمؤسسات بإلصاق إعلاناتها على أبواب المساجد من الخارج، وفيها إعلان عن بيع بعض الأدوات القديمة والمستعملة لديهم، وتفعل ذلك أيضًا بعض حملات الحج والعمرة في الإعلان عن خدماتها، وأحيانًا تفتح هذه الأبواب فتكون الإعلانات داخل المسجد، فما الحكم في ذلك؟ فأجاب رحمه الله: " لا يجوز جعل هذه الإعلانات في لوحات المسجد الداخلة فيه، ولا في الأبواب التي إذا فُتحت كانت الدعايات والإعلانات في داخل المسجد، وأما إلصاق هذه الإعلانات على الحيطان الخارجية فلا مانع من ذلك، سيما إذا كان فيها شيء من الأعمال الخيرية، أو كانت تلك الشركات والمؤسسات والحملات ممن يُساعد على الخير، ويُساهم في الجمعيات الخيرية ومدارس التحفيظ، فلهم أن يُمكنوا من جعل إعلاناتهم على حيطان المسجد الخارجة " انتهى. نقلا عن هذا الرابط: http://ibn-jebreen.com/ftawa.php?view=vmasal&subid;=3418&parent;=786 وبناء على ما سبق، فإن كان مشروع "اللحم الحلال" مشروعاً ربحيا تجاريا فلا يجوز الإعلان عنه داخل المسجد. أما إذا كان المشروع خيريا، ولا يقصد به الربح والتجارة، وإنما يقصد منه إعانة المسلمين بتوفير اللحم الحلال لهم، فلا حرج من الإعلان عنه داخل المسجد. ويقتصر في الإعلان على قول: يتوفر هذا الأسبوع لحم حلال، فمن أراد فليرجع إلى مكتب فلان أو الأخ فلان (خارج المسجد) . أما الاجتماع من أجل ذلك في المسجد وجمع الأموال فهذا يحول المسجد إلى ما يشبه السوق، وهذا يتنافى مع تعظيم المسجد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112044 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1325 حكم إدخال الكتب التي تحتوي على صور إلى المساجد [السُّؤَالُ] ـ[من المعروف خاصة في الابتدائي والثانوي والمتوسط وبعض الجامعات أنه يكون عندهم بعض الكتب التي تحوي الصور، فما حكم إدخال هذه الكتب إلى المسجد من أجل المذاكرة فيها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "أما الصور الظاهرة البارزة كالتي تكون على الغلاف -مثلاً- فإنه لا يجوز أن يدخل بها المسجد؛ لأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة، وإذا كانت الملائكة تتأذى من ريح البصل والكراث فتتأذى من هذه الصورة التي تمنعها -أي: تمنع الملائكة من دخول المسجد- أما إذا كانت خفية وليست مقصودة بذاتها فأرجو ألا يكون بذلك بأس؛ لأنها خفية داخل الكتاب، وأيضاً هي غير مقصودة، وإن رأى الإنسان أن يفعل ما هو الأكمل والأفضل فليطمس على وجهها فإذا طمس على وجهها زال ما بها" انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. "لقاءات الباب المفتوح" (1/470، 471) [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112046 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1326 هل يجوز إخراج المبتدعة من المساجد [السُّؤَالُ] ـ[هناك أناس في مسجدنا يقومون بالمسجد من أذان وصلاة وخطبة، ولكن يقومون بكثير من البدع، وقد نصحناهم أكثر من مرة ولكنهم لم يتركوا ذلك. هل يجوز إخراجهم من المسجد بالقوة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز أن يُطرد المسلم عن بيوت اللَّه، ولو كان مبتدعاً، فهي بيوت مبنية لإقامة ذكر الله وعبادته، والمبتدع مشكور على طاعته، مأجور على كل خير يعمله لوجه الله تعالى، مع ترتب الإثم على بدعته، فلا يجوز لأحد أن يحجزه عن عبادة الله وطاعته، بل ينبغي إعانته عليها، وحثه على حضور جماعة المسلمين، لعله يسمع السنَّة من أهل العلم، فيرتدع عن الإحداث في الدين. وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أذن بدخول المسجد من قِبَل بعض المشركين، كما في قصة ثمامة بن أثال رضي الله عنه، حيث أمر النبي صلى الله عليه وسلم بربطه إلى سارية من سواري المسجد، وذلك قبل أن يسلم، حتى أَسلَمَ في اليوم الثالث، وقال للنبي صلى الله عليه وسلم: (أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، يَا مُحَمَّدُ! وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ، فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ إِلَيَّ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيَّ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ إِلَيَّ) رواه البخاري (462) ومسلم (1764) . فانظر كيف كان بقاؤه في المسجد سبباً في هدايته وإسلامه رضي الله عنه؛ فكيف بالمسلمين الذي يقومون بعمارة المسجد، بالأذان والخطابة، وغير ذلك، كما ورد في السؤال؟! ولمَّا تخلَّف كعب بن مالك عن شهود تبوك مع النبي صلى الله عليه وسلم أمر بهَجرِهِ ومنع الناس من الحديث معه، حتى أمره بترك زوجته، إلا أنه صلى الله عليه وسلم لم يمنعه من حضور جماعة المسلمين، وشهود صلاتهم. يقول رضي الله عنه: (وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ كَلَامِنَا أَيُّهَا الثَّلَاثَةُ مِنْ بَيْنِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ، قَالَ: فَاجْتَنَبَنَا النَّاسُ وَتَغَيَّرُوا لَنَا حَتَّى تَنَكَّرَتْ لِي فِي نَفْسِيَ الْأَرْضُ، فَمَا هِيَ بِالْأَرْضِ الَّتِي أَعْرِفُ، فَلَبِثْنَا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً، فَأَمَّا صَاحِبَايَ فَاسْتَكَانَا وَقَعَدَا فِي بُيُوتِهِمَا يَبْكِيَانِ، وَأَمَّا أَنَا فَكُنْتُ أَشَبَّ الْقَوْمِ وَأَجْلَدَهُمْ فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَشْهَدُ الصَّلَاةَ وَأَطُوفُ فِي الْأَسْوَاقِ وَلَا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ، وَآتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَأَقُولُ فِي نَفْسِي هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلَامِ أَمْ لَا، ثُمَّ أُصَلِّي قَرِيبًا مِنْهُ وَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ، فَإِذَا أَقْبَلْتُ عَلَى صَلَاتِي نَظَرَ إِلَيَّ، وَإِذَا الْتَفَتُّ نَحْوَهُ أَعْرَضَ عَنِّي) رواه البخاري (2757) ومسلم (2769) . ولما ظهرت الخوارج ببدعتهم، وفرقوا جماعة المسلمين بفكرتهم، وأحدثوا ما أحدثوا لم يأمر أحدٌ من الصحابة بإخراجهم من المساجد وطردهم عنها، لأنها بيوتٌ أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، فلا ينبغي لأحد أن يمنع ما أذن الله به. قال علي بن أبي طالب في الخوارج: (لهم علينا ثلاث: ألا نبدأهم بقتال ما لم يقاتلونا، وألا نمنعهم مساجد الله أن يذكروا فيه اسمه، وألا نحرمهم من الفيء ما دامت أيديهم مع أيدينا) . رواه ابن أبي شيبة في " المصنف " (7 / 562) بإسناد حسن. والذي يشرع في حقكم أن تحسنوا إليهم في بيت الله، وأن تجتهدوا في بيان السنة لهم بكل سبيل، وإذا أمكنكم منعهم من إقامة بدعتهم، بعد سؤال أهل العلم، والتحقق من أن هذا العمل المعين هو بدعة؛ فلكم أن تمنعوهم ـ فقط ـ عن هذه البدعة، لا أن تمنعوهم من المسجد بالكلية، شريطة ألا يترتب على منعهم هذا فتنة بين المسلمين، أو مفسدة هي أكبر من هذه البدعة التي تريدون منعها. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وعلى هذا إذا كان الشخص أو الطائفة جامعين بين معروف ومنكر، بحيث لا يفرقون بينهما ; بل إما أن يفعلوهما جميعا ; أو يتركوها جميعا: لم يجز أن يؤمروا بمعروف ولا أن ينهوا من منكر ; [بل] ينظر: فإن كان المعروف أكثر أمر به ; وإن استلزم ما هو دونه من المنكر. ولم ينه عن منكر يستلزم تفويت معروف أعظم منه ; بل يكون النهي حينئذ من باب الصد عن سبيل الله، والسعي في زوال طاعته وطاعة رسوله، وزوال فعل الحسنات. وإن كان المنكر أغلب نُهي عنه ; وإن استلزم فوات ما هو دونه من المعروف. ويكون الأمر بذلك المعروف المستلزم للمنكر الزائد عليه، أمرا بمنكر، وسعيا في معصية الله ورسوله. وإن تكافأ المعروف والمنكر المتلازمان لم يؤمر بهما ولم ينه عنهما. فتارة يصلح الأمر ; وتارة يصلح النهي ; وتارة لا يصلح لا أمر ولا نهي، حيث كان المعروف والمنكر متلازمين ; وذلك في الأمور المعينة الواقعة. وأما من جهة النوع فيؤمر بالمعروف مطلقا، وينهى عن المنكر مطلقا. وفي الفاعل الواحد، والطائفة الواحدة، يؤمر بمعروفها، وينهى عن منكرها، ويحمد محمودها، ويذم مذمومها ; بحيث لا يتضمن الأمر بمعروف فوات أكثر منه، أو حصول منكر فوقه، ولا يتضمن النهي عن المنكر حصول أنكر منه، أو فوات معروف أرجح منه. وإذا اشتبه الأمر استبان المؤمن حتى يتبين له الحق ; فلا يقدم على الطاعة إلا بعلم ونية ". انتهى، من " مجموع الفتاوى" (28/129-130) ، وأيضا: "الاستقامة" (2/217-218) . وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: عندنا في العمل شيعة، هل يجوز أن نرد عليهم السلام، ونراهم في المسجد كذلك يصلون على أوراق، فهل يجوز طردهم من المسجد؟ . فأجاب: أقول: عاملهم بما يعاملونك به، إذا سلموا فرد عليهم السلام، ولا يحسن أن يطردوا من المسجد، بل ربما يكون بعضهم من العامة الذين لا يعرفون شيئاً وقد ضللهم علماؤهم؛ فيمكنكم أنتم باللباقة والدعوة بالتي هي أحسن أن تؤثروا عليهم، واستعمال العنف بين الناس أمر غير وارد، والله سبحانه وتعالى يحب الرفق في الأمر كله، فأنتم الآن لو تصادمتم معهم وقلتم: لا تسجدوا على ورق، لا تسجدوا على حجر وما أشبه ذلك، لو كان الأمر ينتهي إلى هذا ثم ينتهون لكان الأمر طيِّباً، لكن سوف يزيدون، وسوف تكون العداوة والبغضاء بينكم أشد، فالذي أرى أن الواجب أولاً نصحهم، لاسيما العوام، والنصح ليس معناه أن تهاجم مذهبهم وملتهم الفاسدة الباطلة، لا، النصح أن تبين لهم الحق وتبين لهم السنة، ثم بعد ذلك إذا تبينت لهم السنة، فأنا أجزم جزماً، إن كان عندهم إيمان حقيقة، أن يرجعوا إليها وأن يدعوا باطلهم، فإن حصل هذا فهو الأكمل والأحسن، وإن لم يحصل فأنتم عاملوهم بما يعاملونكم به، وأما طردهم من المسجد فليس إليكم. " لقاءات الباب المفتوح " (لقاء رقم 80، سؤال رقم 4) . وأخيراً: ننبهكم إلى أنه ليس كل من فعل بدعة يكون مبتدعاً، كما أن بعض ما ترونه بدعة لا يكون كذلك على التحقيق، ولا يجوز جعل هذه المسائل مرجعها لصغار طلبة العلم، أو المتحمسين للسنَّة، فهؤلاء أنفسهم يحتاجون لتوجيه وعناية ونصح، فمثلاً: قد يرون أن قبض اليد على الصدر بعد الركوع بدعة! فهل يحكمون على من فعلها بأنه مبتدع؟! وهل يريدون طرد مثل هؤلاء؟ وهل يعرفون من يفعل ذلك – أي: القبض بعد الركوع – من أئمتنا وعلمائنا؟! . فنحن نشكر لهؤلاء الإخوة غيرتهم على السنَّة، لكننا لا نريد أن يدفعهم حماسهم هذا للحكم على الناس، ولا لطردهم من بيوت الله تعالى، وكم عانينا من تصنيف الناس، فهل سينتقل التصنيف إلى بيوت الله؟! نرجو أن لا يكون ذلك، ونرجو منهم التعقل والسؤال – كما فعلوا هنا -، وها هي فتاوى العلماء واضحة بيِّنة حتى في المبتدعة الغلاظ كالشيعة، مع عدم إغفال جانب دعوتهم وحثهم على السنَّة بالتي هي أحسن. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112062 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1327 القبة الخضراء في المدينة، تاريخها، وحكم بنائها، وبقائها [السُّؤَالُ] ـ[إذا كانت القبة الخضراء على قبر النبي صلى الله عليه وسلم من البدع والمؤدية إلى الشرك، فلماذا لا تزيلها الحكومة السعودية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: تاريخ القبة الخضراء لم تكن القبة التي على قبر النبي صلى الله عليه وسلم موجودة إلى القرن السابع، وقد أُحدث بناؤها في عهد السلطان قلاوون، وكان لونها أولاً بلون الخشب، ثم صارت باللون الأبيض، ثم اللون الأزرق، ثم اللون الأخضر، واستمرت عليه إلى الآن. قال الأستاذ علي حافظ حفظه الله: "لم تكن على الحجرة المطهرة قبة، وكان في سطح المسجد على ما يوازي الحجرة حظير من الآجر بمقدار نصف قامة تمييزاً للحجرة عن بقية سطح المسجد. والسلطان قلاوون الصالحي هو أول من أحدث على الحجرة الشريفة قبة، فقد عملها سنَة 678 هـ، مربَّعة من أسفلها، مثمنة من أعلاها بأخشاب، أقيمت على رؤوس السواري المحيطة بالحجرة، وسمَّر عليها ألواحاً من الخشب، وصفَّحها بألواح الرصاص، وجعل محل حظير الآجر حظيراً من خشب. وجددت القبة زمن الناصر حسن بن محمد قلاوون، ثم اختلت ألواح الرصاص عن موضعها، وجددت، وأحكمت أيام الأشرف شعبان بن حسين بن محمد سنة 765 هـ، وحصل بها خلل، وأصلحت زمن السلطان قايتباي سنة 881هـ. وقد احترقت المقصورة والقبة في حريق المسجد النبوي الثاني سنة 886 هـ، وفي عهد السلطان قايتباي سنة 887هـ جددت القبة، وأسست لها دعائم عظيمة في أرض المسجد النبوي، وبنيت بالآجر بارتفاع متناه، .... بعد ما تم بناء القبة بالصورة الموضحة: تشققت من أعاليها، ولما لم يُجدِ الترميم فيها: أمر السلطان قايتباي بهدم أعاليها، وأعيدت محكمة البناء بالجبس الأبيض، فتمت محكمةً، متقنةً سنة 892 هـ. وفي سنة 1253هـ صدر أمر السلطان عبد الحميد العثماني بصبغ القبة المذكورة باللون الأخضر، وهو أول من صبغ القبة بالأخضر، ثم لم يزل يجدد صبغها بالأخضر كلما احتاجت لذلك إلى يومنا هذا. وسميت بالقبة الخضراء بعد صبغها بالأخضر، وكانت تعرف بالبيضاء، والفيحاء، والزرقاء" انتهى. " فصول من تاريخ المدينة المنورة " علي حافظ (ص 127، 128) . ثانياً: حكمها وقد أنكر أهل العلم المحققين - قديماً وحديثاً – بناء تلك القبة، وتلوينها، وكل ذلك لما يعلمونه من سد الشريعة لأبواب كثيرة خشية الوقوع في الشرك. ومن هؤلاء العلماء: 1. قال الصنعاني – رحمهُ اللهُ – في " تطهير الاعتقادِ ": "فإن قلت: هذا قبرُ الرسولِ صلى اللهُ عليه وسلم قد عُمرت عليه قبةٌ عظيمةٌ انفقت فيها الأموالُ. قلتُ: هذا جهلٌ عظيمٌ بحقيقةِ الحالِ، فإن هذه القبةَ ليس بناؤها منهُ صلى اللهُ عليه وسلم، ولا من أصحابهِ، ولا من تابعيهم، ولا من تابعِ التابعين، ولا علماء الأمةِ وأئمة ملتهِ، بل هذه القبةُ المعمولةُ على قبرهِ صلى اللهُ عليه وسلم من أبنيةِ بعضِ ملوكِ مصر المتأخرين، وهو قلاوون الصالحي المعروف بالملكِ المنصورِ في سنةِ ثمانٍ وسبعين وست مئة، ذكرهُ في " تحقيقِ النصرةِ بتلخيصِ معالمِ دارِ الهجرةِ "، فهذه أمورٌ دولية لا دليليةٌ " انتهى. 2. وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هناك من يحتجون ببناء القبة الخضراء على القبر الشريف بالحرم النبوي على جواز بناء القباب على باقي القبور، كالصالحين، وغيرهم، فهل يصح هذا الاحتجاج أم ماذا يكون الرد عليهم؟ فأجابوا: " لا يصح الاحتجاج ببناء الناس قبة على قبر النبي صلى الله عليه وسلم على جواز بناء قباب على قبور الأموات، صالحين، أو غيرهم؛ لأن بناء أولئك الناس القبة على قبره صلى الله عليه وسلم حرام يأثم فاعله؛ لمخالفته ما ثبت عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ألا تدع تمثالاً إلا طمستَه، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته. وعن جابر رضي الله عنه قال: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يجصَّص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه) رواهما مسلم في صحيحه، فلا يصح أن يحتج أحد بفعل بعض الناس المحرم على جواز مثله من المحرمات؛ لأنه لا يجوز معارضة قول النبي صلى الله عليه وسلم بقول أحد من الناس أو فعله؛ لأنه المبلغ عن الله سبحانه، والواجب طاعته، والحذر من مخالفة أمره؛ لقول الله عز وجل: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) الحشر/ 7. وغيرها من الآيات الآمرة بطاعة الله وطاعة رسوله؛ ولأن بناء القبور، واتخاذ القباب عليها من وسائل الشرك بأهلها، فيجب سد الذرائع الموصلة للشرك " انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود. " فتاوى اللجنة الدائمة " (9 / 83، 84) . 3. وقال علماء اللجنة الدائمة – أيضاً -: " ليس في إقامة القبة على قبر النبي صلى الله عليه وسلم حجة لمن يتعلل بذلك في بناء قباب على قبور الأولياء والصالحين؛ لأن إقامة القبة على قبره: لم تكن بوصية منه، ولا من عمل أصحابه رضي الله عنهم، ولا من التابعين، ولا أحد من أئمة الهدى في القرون الأولى التي شهد لها النبي صلى الله عليه وسلم بالخير، إنما كان ذلك من أهل البدع، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) ، وثبت عن علي رضي الله عنه أنه قال لأبي الهياج: (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ألاَّ تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته) رواه مسلم؛ فإذا لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم بناء قبة على قبره، ولم يثبت ذلك عن أئمة الخير، بل ثبت عنه ما يبطل ذلك: لم يكن لمسلم أن يتعلق بما أحدثه المبتدعة من بناء قبة على قبر النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. " فتاوى اللجنة الدائمة " (2 / 264، 265) . 4. وقال الشيخ شمس الدين الأفغاني رحمه الله: " قال العلامة الخجندي (1379 هـ) مبيِّناً تاريخ بناء هذه القبة الخضراء المبنية على قبر النبي صلى الله عليه وسلم، محققاً أنها بدعة حدثت بأيدي بعض السلاطين، الجاهلين، الخاطئين، الغالطين، وأنها مخالفة للأحاديث الصحيحة المحكمة الصريحة؛ جهلاً بالسنَّة، وغلوّاً وتقليداً للنصارى، الضلال الحيارى: اعلم أنه إلى عام (678 هـ) لم تكن قبة على الحجرة النبوية التي فيها قبر النبي صلى الله عليه وسلم؛ وإنما عملها وبناها الملك الظاهر المنصور قلاوون الصالحي في تلك السنة - (678هـ) ، فعملت تلك القبة. قلت: إنما فعل ذلك لأنه رأى في مصر والشام كنائس النصارى المزخرفة فقلدهم جهلاً منه بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وسنته؛ كما قلدهم الوليد في زخرفة المسجد، فتنبه، كذا في " وفاء الوفاء " ... اعلم أنه لا شك أن عمل قلاوون هذا -: مخالف قطعاً للأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولكن الجهل بلاء عظيم، والغلو في المحبة والتعظيم وباء جسيم، والتقليد للأجانب داء مهلك؛ فنعوذ بالله من الجهل، ومن الغلو، ومن التقليد للأجانب" انتهى. " جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية " (3 / 1660 - 1662) . ثالثاً: سبب عدم هدمها فقد بَيَّن العلماء الحكم الشرعي في بناء القبة، وأثرها البدعي واضح على أهل البدع، فهم متعلقون بها بناءً ولوناً، ومدحهم وتعظيمهم لها نظماً ونثراً كثير جدّاً، ولم يبق إلا تنفيذ ذلك من ولاة الأمر، وليس هذا من عمل العلماء. وقد يكون المانع من هدمها درءً للفتنة، وخشيةً من أن تحدث فوضى بين عامة الناس وجهلتهم، وللأسف فإن هؤلاء العامة لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه من تعظيم تلك القبَّة إلا بقيادة علماء الضلالة وأئمة البدعة، وهؤلاء هم الذي يهيجون العامة على بلاد الحرمين الشريفين، وعلى عقيدتها، وعلى منهجها، وقد ساءتهم جدّاً أفعالٌ كثيرة موافقة للشرع عندنا، مخالفة للبدعة عندهم! . وبكل حال: فالحكم الشرعي واضح بيِّن، وعدم هدمها لا يعني أنها جائزة البناء لا هي ولا غيرها على أي قبر كان. قال الشيخ صالح العصيمي حفظه الله: " إن استمرارَ هذه القبةِ على مدى ثمانيةِ قرونٍ لا يعني أنها أصبحت جائزة، ولا يعني أن السكوتَ عنها إقرارٌ لها، أو دليلٌ على جوازها، بل يجبُ على ولاةِ المسلمين إزالتها، وإعادة الوضع إلى ما كان عليه في عهدِ النبوةِ، وإزالة القبةِ والزخارفِ والنقوشِ التي في المساجدِ، وعلى رأسها المسجدُ النبوي، ما لم يترتب على ذلك فتنةٌ أكبر منه، فإن ترتبَ عليه فتنةٌ أكبر، فلولي الأمرِ التريث مع العزمِ على استغلالِ الفرصة متى سنحت " انتهى. " بدعِ القبورِ، أنواعها، وأحكامها " (ص 253) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 110061 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1328 لا يجوز اصطحاب الخادمة الكافرة إلى الحرم [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم استصحاب الخادمة الكافرة وإدخالها إلى الحرم وما العمل إذا قدم بها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "كيف يذهب بامرأة كافرة إلى المسجد الحرام، والله عز وجل يقول: (فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) التوبة/23. هذا حرام عليه، وإذا قدر أنه اضطر لهذا يقول لها: أسلمي، فإن أسلمت فهذا هو المطلوب، وإن لم تسلم إما أن يبقى معها، وإما أن يرسلها إلى أهلها. وأما أن يأتي بها إلى مكة فهذا لا يجوز، أولاً: معصية لله عز وجل. ثانياً: امتهان الحرم، فيرجع هو وإياها أو يردها هي إلى بلدها" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/433) . وللفائدة راجع جواب السؤال رقم (2192) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109184 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1329 هل يستحب استعمال السواك عند دخول المسجد؟ [السُّؤَالُ] ـ[أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعمل السواك عند دخوله البيت. فهل يؤخذ من ذلك استحباب السواك عند دخول المسجد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قد قال ذلك بعض العلماء، والصحيح أنه لا يستحب استعمال السواك عند دخول المسجد، لأن ذلك لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كان ذلك مشروعاً لفعله الرسول صلى الله عليه وسلم ورَغَّب أمته في فعله. واتباع النبي صلى الله عليه وسلم هو أن نفعل ما فعل، ونترك ما ترك، فكما أننا لا نترك ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم من العبادات، فكذلك لا نفعل ما تركه. قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: "ولدينا قاعدة مهمة وهي: كما أن الفعل سنة، فالترك مع وجود سبب الفعل سنة، مع أنه تَرْكٌ وليس بفعل، ولهذا أمثلة منها: سنية السواك عند دخول المسجد. فبعض العلماء قال: يسن له أن يتسوك عند دخول المسجد، وبنى ذلك على (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل بيته بدأ بالسواك) فقاسوا: دخول المسجد على دخول البيت، وقالوا: إذا كان الإنسان يتسوك إذا دخل بيته من أجل أن يقابل أهله بطهارة فم، فكذلك إذا دخل المسجد من أجل أن يناجي ربه بطهارة فم، فنقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل المسجد ولم يرو عنه أنه كان إذا دخل المسجد بدأ بالسواك، ولو كان سنة لفعله النبي صلى الله عليه وسلم، فالسنة أن لا يتسوك إذا دخل المسجد بناء على أن سبب سواكه دخول المسجد، أما لو كان إذا دخل المسجد سيصلي ركعتين فوراً، وأراد أن يتسوك من أجل الصلاة، لا من أجل دخول المسجد فإن هذا مشروع" انتهى. "الشرح الممتع" (4/362) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109203 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1330 هل يجوز للكافر دخول المسجد لسماع محاضرة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للكافر دخول المسجد لحضور محاضرة أو درس فيه تعليم ودعوة إلى الإسلام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "نعم، يجوز هذا – إذا أمنا من أن يعتدي هذا الكافر بتلويث المسجد، لأن هذا الدخول لمصلحته، ولا يضر المسجد شيئاً، فكما أنه يجوز للكافر أن يدخل المسجد، ويمكث فيه لإصلاح شيء في المسجد، لأن ذلك من مصلحة المسجد، يجوز كذلك أن يدخل لسماع المحاضرات التي ربما تكون سبباً لهدايته، وقد ربط النبي صلى الله عليه وسلم ثمامة بن أثال في المسجد" انتهى. فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. "الإجابات على أسئلة الجاليات" (1/21، 22) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109207 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1331 الجلوس في المسجد والأرجل إلى القبلة [السُّؤَالُ] ـ[ما هو حكم الذي يضع رجليه ويوجهها إلى القبلة في المسجد؟ وهل يجوز الأكل والنوم في المسجد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " لا حرج على المسلم أن يمد رجليه أو رجله إلى القبلة، سواء كان بالمسجد أم في غيره، ولا حرج عليه أن يأكل بالمسجد أو ينام به إذا احتاج إلى ذلك، وينبغي له أن يحافظ على نظافة المسجد، وإذا احتلم وهو نائم به أسرع بالخروج منه حين يستيقظ ليغتسل من الجنابة. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (6/295) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 108273 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1332 تحية المسجد الحرام [السُّؤَالُ] ـ[ما أقوال المذاهب الأربعة في تحية المسجد الحرام , هل هي الطواف أم صلاة ركعتين؟ وما الراجح؟ وما صحة حديث: (تحية البيت الطواف) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يخلو حال الداخل إلى المسجد الحرام من حالين: الأول: أن يدخله بقصد الطواف، سواء كان للحج أو العمرة أو تطوعاً: فهذا أول ما يبدأ به الطواف، ولا يشرع له البدء بركعتي تحية المسجد قبل الطواف، إذ لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أحد من أصحابه، وهذا ما عليه جمهور الفقهاء، ولم يخالف في ذلك إلا أفراد، منهم ابن عقيل من الحنابلة – كما نقله عنه ابن تيمية في "شرح عمدة الفقه" -. ويستثنى من ذلك ما إذا منع مانعٌ كالزحام الشديد عن البدء بالطواف، فيصلي ركعتين تحية المسجد، وينتظر حتى ينجلي الزحام ليشرع في الطواف. الثاني: أن يدخله بقصد الصلاة أو الجلوس أو حضور حلق العلم أو الذكر أو قراءة القرآن أو غيرها من العبادات: فيستحب له أن يصلي ركعتي تحية المسجد؛ لعموم حديث أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) أخرجه البخاري (1167) ومسلم (714) وأما ما يرويه الناس من حديث (تحية البيت الطواف) فليس له أصل في كتب السنة، ولم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد أصلا، فلا يجوز نسبته إليه. قال الشيخ الألباني في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (رقم/1012) : " لا أعلم له أصلا وإن اشتهر على الألسنة، وأورده صاحب " الهداية " من الحنفية بلفظ: (من أتى البيت فليحيه بالطواف) ، وقد أشار الحافظ الزيلعي في تخريجه إلى أنه لا أصل له، بقوله (2/51) : " غريب جدا "، وأفصح عن ذلك الحافظ ابن حجر، فقال في "الدراية" (ص192) : " لم أجده ". قلت – أي الشيخ الألباني -: ولا أعلم في السنة القولية أو العملية ما يشهد لمعناه، بل إن عموم الأدلة الواردة في الصلاة قبل الجلوس في المسجد تشمل المسجد الحرام أيضا، والقول بأن تحيته الطواف مخالف للعموم المشار إليه، فلا يقبل إلا بعد ثبوته، وهيهات، لا سيما وقد ثبت بالتجربة أنه لا يمكن للداخل إلى المسجد الحرام الطواف كلما دخل المسجد في أيام المواسم، فالحمد لله الذي جعل في الأمر سعة، (وما جعل عليكم في الدين من حرج) . وإن مما ينبغي التنبه له أن هذا الحكم إنما هو بالنسبة لغير المحرم، وإلا فالسنة في حقه أن يبدأ بالطواف ثم بالركعتين بعده، انظر: بدع الحج والعمرة في رسالتي " مناسك الحج والعمرة " رقم البدعة (37) " انتهى. وقال الحطاب المالكي في "مواهب الجليل شرح مختصر خليل" (2/375) : " من دخل مسجد مكة فتحية المسجد الحرام في حقه الطواف بالبيت , وهذا في حق القادم المحرم، فإنه يطلب منه أنه إذا دخل المسجد الحرام البداءة بطواف القدوم - إن كان محرما بحج أو قران -، وبطواف العمرة - إن كان محرما بعمرة -، وبطواف الإفاضة - إذا دخله بعد الرجوع من عرفة - , ولا يطلب منه الركوع (أي: الصلاة) عند دخوله. وكذلك غير القادم - إذا دخل المسجد الحرام ونيته أن يطوف عند دخوله - فتحية المسجد في حقه الطواف , ولا يطلب منه حينئذ الركوع. وأما غير القادم إذا دخل المسجد الحرام ونيته الصلاة في المسجد أو مشاهدة البيت الشريف , ولم يكن نيته الطواف، فإنه يصلي ركعتين ... قال ابن رشد: الطواف بالبيت صلاة , فإذا دخله يريد الطواف بدأ بالطواف , وإن دخله لا يريد الطواف في وقت تنفل بدأ بالركعتين " انتهى باختصار. وجاء في "الموسوعة الفقهية" (10/306) : " ذهب جمهور الفقهاء إلى أن تحية المسجد الحرام الطواف للقادم لمكة , سواء كان تاجرا أو حاجا أو غيرهما , لقول عائشة رضي الله عنها عنها: (إن النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة توضأ , ثم طاف بالبيت) وركعتا تحية المسجد الحرام تجزئ عنهما الركعتان بعد الطواف. وأما المكي الذي لم يؤمر بطواف، ولم يدخله لأجل الطواف، بل للصلاة أو لقراءة القرآن أو للعلم، فتحية المسجد الحرام في حقه الصلاة، كتحية سائر المساجد" انتهى باختصار. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن: هل تحية المسجد الحرام صلاة ركعتين أو الطواف؟ فأجاب: "المسجد الحرام كغيره من المساجد من دخل ليصلي، أو ليستمع الذكر، أو ما أشبه ذلك من الإرادات فإنه يصلي ركعتين كغيره من المساجد، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ) رواه البخاري (1167) أما إذا دخل ليطوف كإنسان معتمر دخل ليطوف طواف العمرة، أو ليطوف تطوعاً فهنا يغني الطواف عن ركعتي تحية المسجد؛ لأنه إذا طاف فسوف يصلي ركعتين بعد الطواف" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/286) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106318 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1333 حكم تعليق الإعلانات في المساجد [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الإعلان في المساجد عن مسابقات أو محاضرات أو ندوات شرعية، ويكون برعاية الشركة الفلانية، أو المدارسة الأهلية الفلانية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " المساجد جعلت للعبادة، ونهي عن البيع والشراء والتكسب فيها، فلا يجوز أن تستغل المساجد لأن تكون وسيلة للدعاية عن الشركات أو المدارس أو غيرها. أما الإعلان عن المحاضرات والندوات الدينية، فلا بأس، بشرط ألا يكون في ذلك دعاية لجهة معينة أو شركة أو مؤسسة أو غيرها " انتهى. "من فتاوى الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ" (مجلة الدعوة /43) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105374 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1334 هل يتركون مكاناً في الصف الأول للمتأخرين عن الصلاة؟ وشيء من أحكام الصفوف [السُّؤَالُ] ـ[نحن مجموعة من الطلبة المغتربين بدولة غير إسلامية، ونحن نجتمع يوم الجمعة لأداء صلاة الجمعة، وأحياناً قليلة بعض الصلوات الأخرى، المكان الذي نصلي فيه هو عبارة عن شقة مؤجرة كمشروع للأطعمة الحلال، ومكان لصلاة الجمعة أساساً، وقد قمت بنصح الإخوة بإتمام الصف الأول، وتسوية الصفوف في الصلاة، ولكن بعد فترة بسيطة طلب أحد الأشخاص أن نترك فرجة في الصف الأول نظراً لأن الباب في المقدمة، وإذا حضر أحدٌ متأخراً فسيجد صعوبة في المرور للخلف مع تعليقه بأننا يجب ألا نركز على تلك الأمور الصغيرة - حسب تعبيره - ونهتم أساسا بالخشوع في الصلاة، كما يسأل لما لا نجعل الإسلام بسيطا؟ وضرب أمثلة لذلك مثل أن بعض العلماء يحرِّم ارتداء النساء للبنطلونات، والتي في رأيه الشخصي ليس بها شيء! كما علق أحد الإخوة قائلا: إن الإسلام ليس بهذا الضيق، المهم هو: أنه لا يحدث هذا الزحام البسيط إلا في صلاة الجمعة؛ نظرا لحضور الأغلبية فيها، فهل يجب ألا نكمل الصف الأول، وأن نترك فرجة دائمة في الصفوف لاحتمال وصول أحد الإخوة متأخراً؟ كما أرجو منكم التعليق على كل ما ورد في السؤال.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يجب أن يُعلم أن الأحكام الشرعية لا تؤخذ بمجرد الرأي والهوى والاستحسان، وإنما تؤخذ من الأدلة الشرعية: الكتاب والسنة وإجماع العلماء، والقياس الصحيح، وأقوال الصحابة رضي الله عنهم، ويسترشد في ذلك ويستعان بأقوال الأئمة وعلماء الأمة، كالأئمة الأربعة وغيرهم. وقول صاحبك: "إن لبس النساء للبنطلون في رأيه الشخصي ليس فيه شيء". فرأيه الشخصي ليس دليلا من أدلة الأحكام الشرعية، ولا يجوز لأحد أن يتكلم في دين الله إلا بعلم، فلا يتكلم في الأحكام الشرعية إلا من عنده علم بها، ويكون هذا العلم مبنيا على الأدلة الشرعية الصحيحة. وقد سبق في جواب السؤال (60131) بيان حكم لبس النساء للبنطلون. ثانياً: لا يجوز وصف شيء شرعه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بأنه – صغير- فإن هذا يعد استهانة بالسنة والشرع، وذلك أمر خطير على الإيمان. فكل ما شرعه الله فهو عظيم، قال الله تعالى: (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) الحج/32، وقال تعالى: (وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) الحج/30. ثالثاً: الأصل أن تكون صفوف الصلاة تامة، ومتراصة، ومتقاربة، فلا يُبدأ بالصف الثاني مع وجود نقص في الصف الأول، وهكذا في الثاني بالنسبة للثالث، ويجب التراص في الصفوف، وهكذا هي صفوف الملائكة عند ربها. فعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا. فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ قَالَ: يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الْأُوَلَ، وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ) . رواه مسلم (430) . وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَتِمُّوا الصَّفَّ الْمُقَدَّمَ، ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ، فَمَا كَانَ مِنْ نَقْصٍ فَلْيَكُنْ فِي الصَّفِّ الْمُؤَخَّرِ) . رواه أبو داود (671) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ". قال الشيخ عبد العظيم آبادي رحمه الله: "دل الحديث على جعل النقصان في الصف الأخير" انتهى. "عون المعبود" (2 / 260) . قال النووي رحمه الله: وفيه الأمر بإتمام الصفوف الأول، والتراص في الصفوف، ومعنى إتمام الصفوف الأول: أن يتم الأول، ولا يشرع في الثاني حتى يتم الأول، ولا في الثالث حتى يتم الثاني، ولا في الرابع حتى يتم الثالث، وهكذا إلى آخرها. " شرح مسلم " (4 / 115) . وقال الصنعاني رحمه الله بعد أن ذكر الأحاديث الدالة على وجوب تسوية الصفوف: وهذه الأحاديث والوعيد الذي فيها دالة على وجوب ذلك، وهو مما تساهل فيه الناس، كما تساهلوا فيما يفيده حديث أنس عنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم (أتموا الصف المقدم، ثم الذي يليه، فما كان من نقص فليكن في الصف المؤخر) أخرجه أبو داود، فإنك ترى الناس في المسجد يقومون للجماعة وهم لا يملؤون الصف الأول لو قاموا فيه , فإذا أُقيمت الصلاة: يتفرقون صفوفًا على اثنين، وعلى ثلاثة، ونحوه. " سبل السلام " (2 / 29) . رابعاً: سبق في جواب السؤال (11199) أن من صلَّى خلف الصف وحده مع وجود فرجة في الصف الذي أمامه: فإن صلاته باطلة، لذا فليكن هذا في البال عند من يريد ترك فرجة في الصف المتقدم عنه. خامساً: بعض الناس قد يجعل فرجة في الصفوف الأولى ليمكِّن المتأخرين من الصلاة فيها ظانين أنه لا يجوز لأولئك المتأخرين المشي بين الصفوف، والمرور أمامهم، ومن المعلوم أن سترة الإمام سترة لمن خلفه، فلا يؤثر على المصلين المؤتمين مرور أحد أمامهم في الجماعة، حتى لو كان مما تبطل الصلاة بمروره. وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: هل المرور بين صفوف المصلين يقطع الصلاة أو ينقص من أجر المصلي؟ . فأجاب: لا يضر، إذا مر بين يدي الصفوف؛ لأن سترة الإمام سترة لهم، وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم عبدَ الله بن عباس رضي الله عنهما حين مرَّ بين يدي بعض الصف، وهم يصلون في مِنى. "مجموع فتاوى الشيخ العثيمين" (13 / جواب السؤال رقم 421) . وإذا كان مرور المتأخر سيؤدي إلى التشويش على المصلين وإشغالهم وتحريكهم، فالذي يظهر لنا أنه لا بأس بجعل طريق خاص ضيق بجانب الصفوف يمتد إلى آخر المسجد، يمر فيه من يأتي متأخراً حتى يقف في الصف الأخير، فهو أفضل من ترك فرجة في الصف نفسه، فيُجمع بذلك بين تسوية الصفوف، وإتمامها، وحتى لا يحدث المتأخر تشويشاً على المصلين وإشغالاً لهم إذا حاول المرور من بينهم. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 104780 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1335 الصلاة في مسجد بني بقرض ربوي [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الصلاة في مسجد اشتُرِيَ بقرضٍ ربويٍ؟ وكيف نتخلص من الربا وقد عمت البلوى بها في بلدان أوربا؟ مع العلم أن القائمين على أمر المسجد لم يقصدوا ذلك وقد خُدعوا من طرف بنك يدّعي بأنه مموّل من بنك إسلامي، وبعد إمضاء العقد اكتشفوا أنهم قد تورّطوا وخُدعوا وأنّ المخادِعين الآن هم في السجن بسبب كذبهم وحيلهم واختلاس الأموال.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج في الصلاة في هذا المسجد، ولو اشتري بقرض ربوي، والإثم على من تعامل بالربا. وإذا كان القائمون على المسجد لم يقصدوا التعامل بالربا، فلا إثم عليهم. وينبغي أن يعلم أن الربا محرم بجميع بصوره، فلا يجوز الاقتراض بالربا ولو كان لبناء مسجد. وينظر جواب السؤال رقم (10234) . ومن اقترض بالربا، واشترى بذلك بيتا أو متاعا، جاز له الانتفاع به، ويلزمه التوبة إلى الله تعالى من التعامل بالربا. وينظر جواب السؤال رقم (22905) ورقم (75410) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 104636 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1336 حكم مذاكرة المواد الدراسية في المسجد [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لي أن أحفظ بعض المواد الدراسية كالرياضيات والعلوم الفيزيائية إضافة إلى المواد الأخرى كالتربية الإسلامية، وإنجاز تمارينها في المسجد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج في دراسة ومراجعة المواد الدراسية من رياضيات وعلوم فيزيائية وغيرها في المسجد، بل هذا مما يرجى فيه الخير لك، لأدائك الصلاة مع الجماعة، وتحصيلك أجر انتظار الصلاة والبقاء بعدها، وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي الْجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَفِي سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ، فَإِذَا صَلَّى لَمْ تَزَلْ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، وَلَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلَاةَ) رواه البخاري (647) ومسلم (649) . وقال صلى الله عليه وسلم: (أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَغْدُوَ كُلَّ يَوْمٍ إِلَى بُطْحَانَ أَوْ إِلَى الْعَقِيقِ فَيَأْتِيَ مِنْهُ بِنَاقَتَيْنِ كَوْمَاوَيْنِ فِي غَيْرِ إِثْمٍ وَلَا قَطْعِ رَحِمٍ؟ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نُحِبُّ ذَلِكَ. قَالَ: أَفَلَا يَغْدُو أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَيَعْلَمُ أَوْ يَقْرَأُ آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرٌ لَهُ مِنْ نَاقَتَيْنِ؟ وَثَلَاثٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلَاثٍ، وَأَرْبَعٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَرْبَعٍ، وَمِنْ أَعْدَادِهِنَّ مِنْ الْإِبِلِ) رواه مسلم (803) . وبطحان: موضع بقرب المدينة. والعقيق: واد مشهور بالمدينة. والكوماء من الإبل: العظيمة السنام. فاحرص على اغتنام وجودك في المسجد، واقرأ ما تيسر لك من كتاب الله تعالى، وصل ما استطعت من النوافل، لتجتمع لك الفضائل، وتنال الدرجات، وتحظى بالتوفيق. نسأل الله أن يزيدك علما وهدى وتقى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 104459 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1337 حكم الصلاة في مسجد به قبر داخل حجرة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الصلاة بمسجد يضم حجرة على يساره، بها قبران، وتفتح هذه الحجرة لاستخراج بعض لوازمه كالمنبر مثلاً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " المساجد التي فيها قبور لا يصلى فيها، ويجب أن تنبش القبور وينقل رفاتها إلى المقابر العامة، ويجعل رفات كل قبر في حفرة خاصة كسائر القبور، ولا يجوز أن يبقى في المساجد قبور، لا قبر ولي ولا غيره؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى وحذر من ذلك، ولعن اليهود والنصارى على عملهم ذلك، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. قالت عائشة رضي الله عنها: يحذر ما صنعوا) أخرجه البخاري (1330) ومسلم (529) . وقال عليه الصلاة والسلام لما أخبرته أم سلمة وأم حبيبة بكنيسة في الحبشة فيها تصاوير، فقال: (أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا، وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله) متفق على صحته. وقال عليه الصلاة والسلام: (ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك) خرجه مسلم في صحيحه (532) عن جندب بن عبد الله البجلي. فنهى عليه الصلاة والسلام عن اتخاذ القبور مساجد، ولعن من فعل ذلك، وأخبر: أنهم شرار الخلق، فالواجب الحذر من ذلك. ومعلوم أن كل من صلى عند قبر فقد اتخذه مسجدا، ومن بنى عليه مسجدا فقد اتخذه مسجدا، فالواجب أن تبعد القبور عن المساجد، وألا يجعل فيها قبور؛ امتثالا لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم، وحذرا من اللعنة التي صدرت من ربنا عز وجل لمن بنى المساجد على القبور؛ لأنه إذا صلى في مسجد فيه قبور قد يزين له الشيطان دعوة الميت، أو الاستغاثة به، أو الصلاة له، أو السجود له، فيقع الشرك الأكبر، ولأن هذا من عمل اليهود والنصارى، فوجب أن نخالفهم، وأن نبتعد عن طريقهم، وعن عملهم السيئ. لكن لو كانت القبور هي القديمة ثم بني عليها المسجد، فالواجب هدمه وإزالته؛ لأنه هو المحدث، كما نص على ذلك أهل العلم؛ حسماً لأسباب الشرك وسداً لذرائعه. والله ولي التوفيق " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز رحمه الله" (10/246) . وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: قام أهل بلدتنا بهدم مسجد لكي يعيدوا بناءه وكان هذا المسجد مقاما على قبر، وبعد أن بدءوا البناء ارتفع هذا البناء على القبر، ولم يضعوه خارج المسجد، فما حكم التبرع لهذا المسجد؟ وهل تجوز الصلاة فيه بعد بنائه على القبر؟ مع العلم بأن القبر في حجرة وبابها في المسجد. فأجابت: "إذا كان الواقع ما ذكر فلا يجوز التبرع لبناء هذا المسجد، ولا المشاركة في بنائه، ولا تجوز الصلاة فيه، بل يجب هدمه" انتهى. عبد العزيز بن عبد الله بن باز. عبد الرزاق عفيفي. عبد الله بن غديان. عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/411) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 104330 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1338 هل للحائض أن تجلس في طرف المسجد بقرب الباب لسماع الدرس؟ [السُّؤَالُ] ـ[قرأت في الموقع عن مكث الحائض في المسجد ولكن عندما نقول لأخواتنا ذلك الرأي يردون بأن أحد المشايخ الثقات أفتى بأنه يجوز للحائض أن تمكث في المسجد واستدل في فتواه على ما يقولون لي فأنا لم أسمعه بنفسي ما معناه المرأة التي كانت تقم المسجد أي التي كانت تقيم في المسجد أي أنها كانت عندما تأتيها الحيض لا تخرج من المسجد وهذا يدل على جواز مكث الحائض في المسجد فما الحكم في هذا الكلام؟ وكذلك ما حكم جلوس المرأة الحائض بجوار الباب في أطراف المسجد حيث إن ذلك يفعله كثير من النساء التي تقتنع بعدم جواز مكث الحائض المسجد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: يحرم على الحائض أن تمكث في المسجد؛ لما روى البخاري (974) ومسلم (890) عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها قَالَتْ: (أَمَرَنَا تَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُخْرِجَ فِي الْعِيدَيْنِ الْعَوَاتِقَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ، وَأَمَرَ الْحُيَّضَ أَنْ يَعْتَزِلْنَ مُصَلَّى الْمُسْلِمِينَ) ، فمنع النبي صلى الله عليه وسلم الحائض من مصلى العيد، وأمرها باعتزاله، لأن له حكم المسجد، فدل على منعها من دخول المسجد. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (33649) ، (60213) . ثانياً: أما ما ذكرتِ من أن هناك من نقل لك قولاً آخر في المسألة، وهو أنه يجوز للحائض أن تمكث في المسجد، فهذا قول لبعض أهل العلم، لكن الراجح ما ذكرناه من المنع، وهو قول المذاهب الأربعة، وعليه فتوى كثير من أهل العلم كالشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله، والشيخ صالح الفوزان حفظه الله، واللجنة الدائمة للإفتاء. والمرأة التي كانت تقمّ المسجد، لا يجزم أحد بأنها كانت تمكث في المسجد حال حيضها، ومعنى (تقمّ) : تكنس وتنظف، لا بمعنى أنها تقيم. ثالثا: للحائض أن تجلس خارج المسجد ولو بجوار الباب، وليس لها أن تجلس داخله بعيدا أو قريبا من الباب، سواء كان في مقدمته، أو في أطرافه؛ لأن الجميع داخل في حد المسجد. ويجوز لها أن تمكث في ساحة المسجد أو رحبته غير المحوطة؛ لأنها لا تأخذ حكم المسجد. سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: هل الحائض يمكن أن تحضر الدرس في الجامع؟ فأجاب: " لا بأس أن تحضر الحائض والنفساء عند باب المسجد لسماع الدروس والمواعظ , لكن لا يجوز جلوسها في المسجد ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب) " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (10/220) . وسئل الشيخ محمد المختار الشنقيطي حفظه الله: هل يجوز للمرأة إذا جاءتها الحيضة أن تحضر الدرس وتجلس عند الدرج أو عند موضع الأحذية -أكرمكم الله- وهي عند مصلى النساء. أي: داخل الباب من جهة المصلى أو من جهة المسجد؟ فأجاب: " المرأة الحائض لا تدخل إلى المسجد إذا كانت حال حيضها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: (ناوليني الخُمرة [نوع من الفراش] ، فقالت: إني حائض، قال: إن حيضتك ليست في يدك) ، فدل على أن الأصل عدم دخول الحائض، بدليل أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لما قال لها: (ناوليني الخُمرة؛ قالت: إني حائض) ، فامتنعت من الدخول واعتذرت بكونها حائضاً، فدل على أن هذا كان معمولاً به في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، لأنها لا تنشئ الأحكام من عندها، وقد قال لها عليه الصلاة والسلام ذلك صريحاً في قوله: (اصنعي ما يصنع الحاج، غير أن لا تطوفي بالبيت) حينما حاضت في حجة الوداع، فالذي على المرأة أن تلتزم به: أن لا تدخل مسجداً إذا كانت حائضة والله يأجرها ويكتب ثوابها ... وفي هذه الحالة تجلس خارج المسجد عند باب المسجد وتسمع، لكن لا تدخل، ولها أن تدني رأسها وتصغي " انتهى مختصرا من "شرح زاد المستقنع". وقال في "مطالب أولي النهى" (2/234) : " ومن المسجد ظهره، أي: سطحه , ومنه: رحبته المحوطة (الساحة) قال القاضي: إن كان عليها حائط وباب , فهي كالمسجد؛ لأنها معه , وتابعة له , وإن لم تكن محوطة , لم يثبت لها حكم المسجد " انتهى باختصار. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103136 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1339 مهر الحور العين [السُّؤَالُ] ـ[هل صحيح أن الحصى والفتات الموجود في المسجد هو عبارة عن مهر للحور العين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لم يرد تعيين مهر الحور العين في حديث صحيح، وكل ما ورد فيه فهو إما ضعيف جدا أو موضوع، ومجموع ما ورد في ذلك عن ستة من الصحابة: 1- عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا قال: (كم من حوراء عيناء ما كان مهرها إلا قبضة من حنطة أو تمر) رواه العقيلي (1/42) وعنه ابن الجوزي في "الموضوعات" (3/253) وابن حبان في "المجروحين" (1/98) قال ابن الجوزي: " المتهم به أبان. قال أبو حاتم بن حبان: أبان بن المحبر يأتي عن الثقات بما ليس من أحاديثهم حتى لا يشك المتبحر في هذه الصناعة أنه كان يعملها، لا تجوز الرواية عنه إلا على سبيل الاعتبار، وهو الذى روى عن نافع هذا الحديث وهو باطل، وقال الدارقطني: أبان متروك " انتهى. وقال ابن أبي حاتم في "العلل" (رقم/641) : " قال أبِي: هذا حدِيثٌ باطِلٌ، وأبانٌ هذا مجهُولٌ ضعِيفُ الحدِيثِ " انتهى. وقال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (رقم/571) : موضوع. 2- ويروى عن أبي هريرة أيضا حديث: (مهر الحور قبضات التمر وفلق الخبز) رواه ابن عدي في "الكامل" (5/25) وابن الجوزي في "الموضوعات" (3/253) وقال: " المتهم به عمر بن صبح. قال ابن حبان: كان يضع الحديث عن الثقات، لا يحل كتب حديثه إلا على التعجب " انتهى. 3- ومما اشتهر أيضا بين الناس مما لا يصح، حديث أنس: (كنس المساجد مهور الحور العين) رواه الديلمي في "مسند الفردوس" (برقم/4896) وابن الجوزي في "الموضوعات" (3/253) وقال: " فيه مجاهيل. وعبد الواحد ليس بثقة. قاله يحيى. وقال البخاري والفلاس والنسائي: متروك الحديث " انتهى. وحكم عليه الشيخ الألباني بالوضع في "السلسلة الضعيفة" (برقم/4147) 4- ويحكى عن علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (يا علي! أعط الحور العين مهورهن: إماطة الأذى عن الطريق، وإخراج القمامة من المسجد، فذلك مهر الحور العين) أخرجه الديلمى في "مسند الفردوس" (رقم/8335) وابن شاهين في "الترغيب في فضائل الأعمال" (رقم/553) وعزاه في "كنز العمال" (16/229) لابن النجار. وفي إسناد ابن شاهين: المعافى بن مطهر، ومورع بن جبير لم أقف لهما على ترجمة، إلا شيئا يسيرا عند ابن ماكولا في "الإكمال" (7/263) 5- وجاء أيضا عن أبي أمامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قبضات التمر للمساكين مهور الحين العين) أخرجه الديلمى في "الفردوس" (برقم/4645) وابن الجوزي في "الموضوعات" (3/253) وعزاه السيوطي في "جامع الأحاديث" (برقم/15093) إلى الدارقطني في "الأفراد" قال ابن الجوزي: " تفرد به طلحة عن الوضين. قال السعدي: الوضين واهى الحديث. قال النسائي: وطلحة متروك. وقال ابن حبان: لا تحل الرواية عنه " انتهى. وحكم عليه الشيخ الألباني بالوضع في "السلسلة الضعيفة" (رقم/6197) 6- ويروى عن أبي قرصافة واسمه " جندرة " حديث في مهر الحور العين: (إخراج القمامة من المسجد مهور الحور العين) أخرجه الطبرانى (3/19) وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (5 /110) وأبو بكر الشافعى فى الفوائد (2/23/2) وابن منده فى "المعرفة" (2/259 برقم/6340) وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" (4/144) لأبي بكر الشافعي في رباعياته. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (2/113) : " في إسناده مجاهيل " انتهى. وقال الشيخ الألباني "السلسلة الضعيفة" (رقم1675) : " وهذا إسناد مظلم، مَن دون أبي قرصافة ليس لهم ذكر في شيء من كتب الرجال، حاشا محمد بن الحسن بن قتيبة، فإنه حافظ ثقة ثبت " انتهى. والحاصل أنه لم يصح حديث في تعيين مهر الحور العين، ولذلك قال ابن الجوزي رحمه الله في "الموضوعات" (3/254) : " هذا حديث لا يصح من جميع جهاته " انتهى. ثانيا: مهر الحور العين الحقيقي هو كل عمل صالح يقرب إلى الله تعالى، ويكون سببا في دخول الجنة. يقول القرطبي رحمه الله في "التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة" (ص/556) : " باب ما جاء أن الأعمال الصالحة مهور الحور العين. أورد فيه بعض الأحاديث السابقة ثم قال: وقال محمد بن النعمان المقري: كنت قاعدا عند الجلا المقرى بمكة في المسجد الحرام، إذ مر بنا شيخ طويل نحيل الجسم عليه أطمار خلقة، فقام إليه الجلا ووقف معه ساعة ثم انصرف إلينا فقال: هل تعرفون من هذا الشيخ؟ فقلنا: لا. فقال: ابتاع من الله حوراء بأربعة آلاف ختمة، فلما أكملها رآها في المنام في حليها وحللها فقال: من أنت؟ فقالت: أنا الحور التي ابتعتني من الله تعالى بأربعة آلاف ختمة هذا الثمن فما نحلتي أنا منك؟ قال: ألف ختمة قال الجلا: فهو يعمل فيها بعد. وروى عن سحنون أنه قال: كان بمصر رجل يقال له سعيد، وكانت له أم من المتعبدات، وكانت إذا قام من الليل يصلي تقوم والدته خلفه، فإذا غلب عليه النوم ونعس تناديه والدته: " يا سعيد! إنه لا ينام من يخاف النار، ويخطب الحور الحسان " فيقوم مرعوبا. ويروى عن ثابت أنه قال: كان أبي من القوامين لله في سواد الليل قال: رأيت ذات ليلة في منامي امرأة لا تشبه النساء فقلت لها: من أنت؟ فقالت حوراء أمة الله فقلت لها: زوجيني نفسك. فقالت: اخطبني من عند ربي وأمهرني. فقلت: وما مهرك؟ فقالت: طول التهجد. وأنشدوا: يا خاطب الحور في خدرها وطالبا ذلك على قدرها انهض بجد لا تكن وانيا وجاهد النفس على صبرها وقم إذا الليل بدا وجهه ... وصم نهارا فهو من مهرها وقال مالك بن دينار: كان لي أحزاب أقرؤها كل ليلة، فنمت ذات ليلة، فإذا أنا في المنام بجارية ذات حسن وجمال، وبيدها رقعة فقالت: أتحسن أن تقرأ؟ فقلت: نعم فدفعت إلي الرقعة فإذا فيها مكتوب هذه الأبيات: لهاك النوم عن طلب الأماني وعن تلك الأوانس في الجنان تعيش مخلدا لا موت فيها وتلهو في الخيام مع الحسان تنبه من منامك إن خيرا ... من النوم التهجد بالقران " انتهى باختصار. وبنحوه في كلام ابن رجب في رسالته "اختيار الأولى" (ص/12) وفي "لطائف المعارف" (ص/159) وانظر سؤال رقم (10053) عن الحور العين. وأما تنظيف المساجد فهو أمر مندوب إليه، وجاءت فيه أدلة كثيرة في الحث عليه وبيان فضله، وسبق في موقعنا ذكر شيء منها في جواب السؤال رقم: (20160) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 102757 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1340 كيف يتصرفون مع إمامهم الذي يعصي الله في المسجد؟ وما حكم صلاتهم خلفه؟ [السُّؤَالُ] ـ[لقد علمنا أن إمام مسجدنا يفسد في المسجد بعد كثير من الشكاوى، باستماعه للأغاني ومعاكسة النساء في الطرقات، وإغلاق مسجد النساء عليه وهو بداخله، ولقد توجه إليه شاب ملتزم (المؤذن) وسأله: هل ما يقال عنك صحيح؟ فأجاب الإمام بافتخار: إنها عشيقتي، ومن لم يعجبه حالي: فلا يصلي ورائي، فتوجه بعض الرجال إلى أبيه يشكونه حال ابنه، فكان جواب أبيه أنه قال: إنه لا يسمع لكلامي، وليس باستطاعتي أن أعمل شيئا، وقال: أنا أسأل الله أن يأتي مسجدنا هذا إمام صالح. وأرجو منكم أن تقدموا لنا نصيحة نعمل بها إن شاء الله.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إن صحَّ ما نقله المؤذن عن ذلك الإمام الفاجر فهو على خطر عظيم، ويُخشى عليه من الردة، أو سوء الخاتمة، ووجه ذلك: 1. أنه اتخذ بيت الله تعالى مكاناً لفجوره، وقبح أفعاله، وقد أمر الله تعالى بتعظيم بيوته وتطهيرها، وجعلها الله تعالى للصلاة والدعاء والاعتكاف، فأن تتخذ مكاناً للفجور مع النساء فهذا غاية في القبح، ولم يفعله المنافقون في مسجدهم مسجد الضرار! قال تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ) النور/ 36، والبيوت في الآية هي: المساجد. قال ابن كثير رحمه الله: " أمَر الله برفعها، أي: بتطهيرها من الدنَس، واللغو، والأفعال والأقوال التي لا تليق فيها..وقال قتادة: هي هذه المساجد، أمر الله سبحانه ببنائها، ورفعها، وأمر بعمارتها، وتطهيرها ... وقد وردت أحاديث كثيرة في بناء المساجد، واحترامها، وتوقيرها، وتطييبها، وتبخيرها " انتهى " تفسير ابن كثير " (6 / 62) . 2. والأمر الآخر: افتخاره بالمعصية وتبجحه بها، والمعلوم أن فعل المعصية بالخفاء مع الخوف من الله ليس كفعلها مجاهرة، مع التبجح بها والافتخار. وانظر جواب السؤال رقم (9562) ففيه بيان وعيد الذي يتباهى ويتفاخر بمعصيته. ثانياً: الواجب عليكم بذل النصح له، والأخذ على يده، فيذهب إليه بعض أهل العلم وكبار السن فيبذلون له النصح، ويبينون له خطر فعله، وأنه قدوة لا يصلح أن يصدر منه هذا، وأن الناس تتأثر بإمام المسجد فينظرون لأفعاله على أنها تطبيق لما يقرأ من القرآن على أن يكون ذلك باللطف والحكمة. فعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الدِّينُ النَّصِيحَةُ، قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: لِلَّهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَامَّتِهِمْ) رواه مسلم (55) . فإن استجاب لهذا النصح وترك ما هو عليه من الفجور وسماع المنكرات: فنعم الفعل فعله، ولكم الأجر على ذلك، أما إن رد عليكم نصحكم، واستمر في غيه وانحرافه: فتنتقلون للخطوة الثانية: 1. التقدم بشكوى إلى الجهات المسئولة، على أن تكون موقعة من جميع المصلين بالمسجد، ويُرجى أن يتخذ المسئولون الإجراء المناسب له من إنذاره، أو فصله من وظيفته. 2. منعه من الإمامة، إن أمكنكم ذلك ولم يترتب عليه مفسدة، أو منازعات بين المصلين. وقد منع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً أن يصلي إماماً بقومه من أجل أنه أمّ جماعة فبصق في القبلة. وقال له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّكَ آذَيْتَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) رواه أبو داود (481) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود. والمنكرات التي يفعلها إمامكم أعظم من البصق في القبلة وهو يصلي. 3. فإن لم يمكن ذلك فإنكم تتركون الصلاة خلفه إنكاراً عليه، فإن لم يتيسر لكم مسجد آخر تصلون فيه: فلا حرج عليكم من الصلاة خلفه، وإثمه على نفسه، والصلاة وراء الفاسق الفاجر جائزة، وصحيحة، وهي خير من صلاة المرء وحده، ولا يجوز ترك الجمعة والجماعة بحجة فسق الإمام وفجوره. قال شيخ الإسلام رحمه الله: " وأما الصلاة خلف أهل الأهواء والبدع، وخلف أهل الفجور: ففيه نزاع مشهور، وتفصيل لكن أوسط الأقوال في هؤلاء: أن تقديم الواحد من هؤلاء في الإمامة: لا يجوز مع القدرة على غيره، فإن من كان مظهراً للفجور أو البدع: يجب الإنكار عليه، ونهيه عن ذلك، وأقل مراتب الإنكار: هجره؛ لينتهي عن فجوره، وبدعته، ولهذا فرَّق جمهور الأئمة بين الداعية وغير الداعية؛ فإن الداعية أظهر المنكر فاستحق الإنكار عليه، بخلاف الساكت فإنه بمنزلة من أسرَّ بالذنب، فهذا لا ينكر عليه في الظاهر، فإن الخطيئة إذا خفيت: لم تضر إلا صاحبها، ولكن إذا أعلنت فلم تُنكر: ضرَّت العامة " انتهى " مجموع الفتاوى " (23 / 342) . وقال رحمه الله: " الأئمة متفقون على كراهة الصلاة خلف الفاسق، لكن اختلفوا في صحتها، فقيل: لا تصح، كقول مالك وأحمد في إحدى الروايتين عنهما، وقيل: بل تصح، كقول أبى حنيفة والشافعي، والرواية الأخرى عنهما، ولم يتنازعوا أنه لا ينبغي توليته " انتهى " مجموع الفتاوى " (23 / 358) . وانظر جواب السؤال رقم (47884) . ثالثاً: وليعلَم هذا الإمام أن إثمه ليس كإثم غيره، فهو على علم ومعرفة بالأحكام الشرعية، وهو يقوم بالإمامة التي هي وظيفة الأنبياء والخلفاء والعلماء. وقد جاء الوعيد للإمام بعدم قبول صلاته إن كان من يصلِّي وراءه يكرهونه لفسقه أو بدعته. فعن أَبَي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ثَلَاثَةٌ لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ آذَانَهُمْ: الْعَبْدُ الْآبِقُ حَتَّى يَرْجِعَ، وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ، وَإِمَامُ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ) . رواه الترمذي (360) ، وحسَّنه، وحسَّنه الألباني في " صحيح الترمذي ". قال الشوكاني رحمه الله: " وظاهر الأحاديث الواردة في وعيد من أمَّ قوما وهم له كارهون: أن صلاته غير مقبولة " انتهى " السيل الجرار " (1 / 255) . فليحذر هذا الإمام من مغبة أفعاله ومعاصيه، ونسأل الله تعالى له الهداية. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 99216 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1341 الصلاة جماعة في البيت حكمها وأجرها بالنسبة لجماعة المسجد [السُّؤَالُ] ـ[هل ثواب صلاة الجماعة الثانية، أو الثالثة بالمسجد يعادل ثواب 25 أو 27 صلاة مع الإمام فى صلاة الجماعة الأولى؟ وهل يعادل ثواب الصلاة مع 5 إلى 10 أشخاص بالعمل أو المدرسة ثواب من يصلي بالمسجد؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: وجوب صلاة الجماعة وهذا ما تدل عليه الأدلة الشرعية من القرآن والسنَّة، وإذا كان الله تعالى قد أوجب الصلاة جماعة في أرض القتال: فأولى أن تكون واجبة في حال الإقامة والأمن. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (120) و (8918) . ثانياً: وجوب صلاة الجماعة في المساجد لا في أماكن العمل والدراسة وهذا في حال أن يكون المسلم من المكلفين، الرجال، القادرين، والذين يمكنهم سماع الأذان من غير مكبرات للصوت.. ويدل على ذلك: أن النبيُّ صلى الله عليه وسلم هَمَّ بتحريق البيوت على من يصلي في بيته – وقد يكونون يصلون جماعة -. فعَن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( ... وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلاةِ فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لا يَشْهَدُونَ الصَّلاةَ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ) . رواه البخاري (657) ومسلم (651) - واللفظ له -. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (72398) . ولذا فإنه لا مقارنة بين جماعة البيت وجماعة المسجد، والأجور والفضائل إنما هي لجماعة المسجد، فمن ترك جماعة المسجد واختار جماعة البيت أو العمل: لم يحصِّل أجر جماعة المسجد، وهذا إن سلِم من الإثم أصلاً. ثالثاً: الذي له عذر يمنعه من حضور صلاة الجماعة في المسجد له أجر الجماعة وإن صلاها في بيته وقد يُعذر المسلم فيرخّص له في ترك صلاة الجماعة في المسجد كأن يكون بعيداً لا يصل له صوت الأذان في وضعه الطبيعي، أو يكون مريضاً، أو خائفاً، وإذا كان الأمر كذلك: فعليه أن يصلي جماعة مع أهل بيته ممن لا تجب عليهم الجماعة، أو مع من هم مثله من المعذورين، وهنا يصح التفاضل بين جماعة المسجد وبين جماعة هؤلاء من حيث العدد فمن كانت جماعته أكثر كان أحب إلى الله – وسيأتي نص الحديث في " رابعاً " -، لكن ليس هناك مجال للمقارنة بين الأجور الأخرى، مثل الخطوات التي يخطوها المصلي للمسجد، والتبكير لحضور الصلاة، وإعداد الله له نزلا في الجنة كلما غدا أو راح، وغير ذلك، فمثل هذه الأجور يحرمها من يصلي في بيته، إلا أن يكون من المحافظين على الصلاة في المسجد فأقعده المرض أو العذر، فهذا يكتب له من الأجر مثل ما كان يعمل، كما صحَّ ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: المعذورَ يُكتبُ له أجرُ الجماعةِ كاملاً إذا كان مِن عادتِه أن يصلِّي مع الجماعةِ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مَرِضَ العبدُ أو سافرَ كُتِبَ له مثلُ ما كان يعملُ صحيحاً مقيماً) . "الشرح الممتع" (4 / 323) . ومن لم يتيسر له أحد يصلي معه: فليصل وحده، والصلاة كلما كثر عدد أفرادها: كان ذلك أحب إلى الله. رابعاً: إن تعمد التأخر عن الجماعة الأولى أَثم، وصلاته جماعة خير من صلاته منفرداً، لكن ليس له ثواب الجماعة الأولى فمن تأخر بغير عذرٍ وقصد أن يصلي جماعة ثانية أو ثالثة – كما يحصل في مساجد الأسواق -: فهؤلاء يأثمون على تعمد تفويتهم الجماعة الأولى، ويحرمون من أجورها ولو صلوا جماعة بعدد أكبر من الجماعة الأولى. قالَ الشيخ ابن العثيمين رحمه الله: " وأما قول القائل: إنهم إذا صلوا في المسجد ولو بعد الجماعة الأولى: فإن لهم أجر سبعٍِ وعشرين درجة: فهذا ليس بصحيح؛ فأجر سبعٍ وعشرين درجة لا يكون إلا في الجماعة الأولى فقط، أما الثانية: فلا شك أن الصلاة في جماعة أفضل من الصلاة على وجه الانفراد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في رجل دخل وقد فاتته الصلاة: (مَنْ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا فَيُصَلِّيَ مَعَهُ؟) فقام أحد القوم فصلى معه؛ ولأنه عليه الصلاة والسلام قال: (صََلَاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ، وَمَا كَانُوا أَكْثَرَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) ، لكن كون الجماعة الثانية تنال أجر الجماعة الأولى: فهذا ليس بصحيح، وإلا لكان كل الناس يذهبون إلى المسجد متى شاءوا، ويصلون جماعة ويقولون: أخذنا أجر سبع وعشرين درجة، فهذا لا أعلم أحداً قال به، أي: أن الصلاة الثانية كصلاة الأولى في الحصول على أجر سبع وعشرين درجة، فلا أعلم أحداً قال بهذا " " لقاء الباب المفتوح " (44 / السؤال رقم 10) . وأما من تأخر عن الصلاة بعذر ووصل المسجد وقد انتهت الصلاة: فيكتب له أجر الجماعة ولو صلى وحده. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَلَ: (مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ خَرَجَ عَامِدًا إِلَى الْمَسْجِدِ فَوَجَدَ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مِثْلَ أَجْرِ مَنْ صَلاَّهَا وَحَضَرَهَا وَلَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا) . رواه أبو داود (564) – واللفظ له - والنسائي (855) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ". وفي " عون المعبود " (2 / 192) : " وهذا إذا لم يكن التأخير ناشئاً عن التقصير " انتهى. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98739 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1342 لم لا تكون المساجد فيها اختلاط النساء بالرجال مثل الطواف؟! [السُّؤَالُ] ـ[لماذا لا يجوز للنساء الصلاة مع الرجال فى المسجد بينما يعبد الله فى مكة كل من الرجال والنساء جنبا إلى جنب؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: هذا الإشكال مبني على خطأ في معرفة حكم الشرع في اختلاط الرجال والنساء في الطواف، فالأخ السائل يعتقد أن الشريعة تبيح اختلاط الرجال بالنساء " جنباً إلى جنب " في الطواف! وهو يستشكل عدم وجود هذا في الصلاة، ومعنى كلامه أنه يريد صفوف النساء والرجال متداخلة، فيتراص الرجال والنساء في صفوف الصلاة الكعب بالكعب، والمنكب بالمنكب! وهذا لا يمكن تصور وجوده في الشريعة المحكمة التي تغلق أبواب الفتنة، وتسد على الشيطان طرقه في الغواية. وحتى يزول أصل الخلل لا بدَّ من توضيح مسألة طواف النساء والرجال حكماً وواقعاً. أما حكماً: فهو أن يكون طواف النساء خلف الرجال وحدهن، أو في الليل حيث لا يكون أحد في الطواف من الرجال. وأما الواقع: فهو مخالف للشرع، وما نراه من اختلاط الرجال بالنساء بالصورة الموجودة اليوم مرفوض في الشرع، ولا يزال العلماء ينكرونه، ويحاولون إصلاحه، ولصعوبة الأمر فإن كثيراً من المحاولات لم تنجح، بسبب جهل الناس وعدم تعاونهم، وبسبب الازدحام الشديد، وعدم القدرة على ضبط الناس في الطواف. وقد حاول بعض الحكام الأمويين الفصل التام بين الرجال والنساء في الطواف، واستدل عليه بالفعل الموجود في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وبيَّن أهل العلم أنه لا يلزم من الإذن لهن بالطواف مع الرجال أن يكون اختلاط ومماسة! ومما يدل على هذا الذي ذكرناه: 1. ما رواه البخاري (1539) عن ابْن جُرَيْجٍ قال: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ إِذْ مَنَعَ ابْنُ هِشَامٍ النِّسَاءَ الطَّوَافَ مَعَ الرِّجَال قَال: كَيْفَ يَمْنَعُهُنَّ وَقَدْ طَافَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مَعَ الرِّجَال؟ قُلتُ: أَبَعْدَ الحِجَابِ أَوْ قَبْلُ؟ قَال: إِي لعَمْرِي لقَدْ أَدْرَكْتُهُ بَعْدَ الحِجَابِ، قُلتُ: كَيْفَ يُخَالطْنَ الرِّجَال؟ قَال: لمْ يَكُنَّ يُخَالطْنَ، كَانَتْ عَائِشَةُ رَضِي الله عَنْهَا تَطُوفُ حَجْرَةً مِنَ الرِّجَال لا تُخَالطُهُمْ، فَقَالتِ امْرَأَةٌ: انْطَلقِي نَسْتَلمْ يَا أُمَّ المُؤْمِنِينَ – أي: الحجر الأسود - قَالتِ: انْطَلقِي عَنْكِ وَأَبَتْ، يَخْرُجْنَ مُتَنَكِّرَاتٍ بِالليْل فَيَطُفْنَ مَعَ الرِّجَال، وَلكِنَّهُنَّ كُنَّ إِذَا دَخَلنَ البَيْتَ قُمْنَ حَتَّى يَدْخُلنَ وَأُخْرِجَ الرِّجَالُ. حَجرة من الرجال: بعيدة عنهم. قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -: وظاهر هذا أن ابن هشام أول من منع ذلك، لكن روى الفاكهي من طريق زائدة عن إبراهيم النخعي قال: نهى عمر أن يطوف الرجال مع النساء، قال فرأى رجلا معهن فضربه بالدِّرة، وهذا إن صح لم يعارض الأول؛ لأن ابن هشام منعهن أن يطفن حين يطوف الرجال مطلقاً، فلهذا أنكر عليه عطاء، واحتج بصنيع عائشة، وصنيعها شبيه بهذا المنقول عن عمر. قال الفاكهي: ويُذكر عن ابن عيينة أن أول من فرَّق بين الرجال والنساء في الطواف: خالد بن عبد الله القسري. ا. هـ. وهذا إن ثبت فلعله منَعَ ذلك وقتاً، ثم تركه؛ فإنه كان أمير مكة في زمن عبد الملك بن مروان، وذلك قبل ابن هشام بمدة طويلة. " فتح الباري " (3 / 480) . فهذا إنكارٌ لواقع الطواف الذي تختلط فيه النساء بالرجال، ولم يكن ليرضَ أحدٌ بذلك من الولاة فضلاً عن العلماء. قال ابن جُماعة - رحمه الله -: ومن أكبر المنكرات: ما يفعله جهلة العوام في الطواف من مزاحمة الرجال بأزواجهم سافرات عن وجههن، وربما كان ذلك في الليل، وبأيديهم الشموع متقدة ... . إلى أن قال: " نسأل الله أن يلهم ولي الأمر إزالة المنكرات ". وقال ابن حجر الهيتمي - بعد أن نقل كلامه -: فتأمله تجده صريحاً في وجوب المنع حتى من الطواف عند ارتكابهن دواعي الفتنة. " الفتاوى الفقهية " (1 / 201، 202) . وقد علَّق الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله - على هذا الحديث من صحيح البخاري بقوله: طواف النساء مع الرجال لا بأس به، ولا يمكن منعه خصوصاً في أوقاتنا هذه؛ لأن كل امرأة مع محرمها، ولو مُنع النساء من الاختلاط مع الرجال: لضاعت النساء، وحصل من الشر أكثر، ولكن لو جُعلن كما تفعل عائشة حَجرة، يعني: بعيدات عن الرجال: لكان هذا طيباً، وكانوا هنا يفعلونه في الأيام التي ليس فيها زحام شديد، يجعلون النساء على الجانب، وهو عمل طيب، وأما أن تُمنع النساء ويقال لهن: لا تطفن إلا في الليل مثلاً: فهذا صعب، وفي وقتنا هذا الأمر أصعب، لو قلنا: الرجال وحدهم والنساء وحدهن: لحصل فتنة كبيرة، كل إنسان يستطيع أن يصيد المرأة بدون من يعارضه، ولكن على الإنسان أن يتقي الله عز وجل ويتجنب زحام النساء بقدر المستطاع، وعلى المرأة أيضاً أن تنتبه لأولئك الفجار الذين يتصيدون النساء في المطاف - والعياذ بالله - وتجد الرجل يلتصق بها من أول الطواف إلى آخر الطواف - نسأل الله العافية - وكم ضُبط من قضية. انتهى من " شرح صحيح البخاري " كتاب الحج، بَاب طَوَافِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَال، الشريط السابع، الوجه الثاني. 2. عَنْ أُمِّ سَلمَةَ رَضِي الله عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَالتْ شَكَوْتُ إِلى رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَنِّي أَشْتَكِي فَقَال طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ فَطُفْتُ وَرَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ حِينَئِذٍ يُصَلي إِلى جَنْبِ البَيْتِ وَهُوَ يَقْرَأُ وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ. رواه البخاري (452) ومسلم (1276) . قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -: أمَرها أن تطوف من وراء الناس ليكون أستر لها، ولا تقطع صفوفهم أيضاً، ولا يتأذون بدابتها. " فتح الباري " (3 / 481) . وقال الشيخ سليمان الباجي المالكي – رحمه الله -: وأما طواف النساء من وراء الرجال فهو للحديث الذي ذكرناه (طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَة) ولم يكن لأجل البعير ... وأما المرأة فإن مِن سنَّتها أن تطوف وراء الرجال ; لأنها عبادة لها تعلق بالبيت، فكان مِن سنَّة النِّساء أن يكنَّ وراء الرجال، كالصلاة. " المنتقى شرح الموطأ " (2 / 295) . وقال علماء اللجنة الدائمة - ردّاً على من قال بجواز الاختلاط قياساً على الاختلاط في الطواف -: أما قياس ذلك على الطواف بالبيت الحرام: فهو قياس مع الفارق؛ فإن النساء كن يطفن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مِن وراء الرجال متسترات، لا يداخلنهم ولا يختلطن بهم.. . الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود، الشيخ عبد الله بن غديان. " فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 164، 165) . ثانياً: أما صلاة النساء مع الرجال في المسجد: فإن لها ضوابط وأحكاماً تؤدي كلها إلى حفظ الأعراض، وتساهم في بناء المجتمعات على معالي الأخلاق، ومن هذه الضوابط والأحكام: 1. أن يكون للنساء باب للدخول منه إلى المسجد غير باب الرجال. عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَوْ تَرَكْنَا هَذَا الْبَابَ لِلنِّسَاءِ) قَالَ نَافِعٌ: فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ ابْنُ عُمَرَ حَتَّى مَاتَ. رواه أبو داود (462) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ". وفي " عون المعبود " (2 / 92) : (لو تركنا هذا الباب) : أي باب المسجد الذي أشار النبي صلى الله عليه وسلم. (للنساء) : لكان خيراً، وأحسن؛ لئلا تختلط النساء بالرجال في الدخول والخروج من المسجد، والحديث فيه دليل أن النساء لا يختلطن في المساجد مع الرجال، بل يعتزلن في جانب المسجد، ويصلين هناك بالاقتداء مع الإمام , فكان عبد الله بن عمر أشد اتباعا للسنة , فلم يدخل من الباب الذي جعل للنساء حتى مات. انتهى 2. جعل النساء في صفوف خاصة خلف الرجال، حتى لو كانت امرأة واحدة. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ لَهُ فَأَكَلَ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ قُومُوا فَلِأُصَلِّ لَكُمْ قَالَ أَنَسٌ فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدْ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَفْتُ وَالْيَتِيمَ وَرَاءَهُ وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ. رواه البخاري (373) ومسلم (658) . قال النووي – رحمه الله -: وفيه: أن المرأة تقف خلف الرجال , وأنها إذا لم يكن معها امرأة أخرى: تقف وحدها متأخرة. " شرح مسلم " (5 / 163) . 3. الترغيب في الصفوف الخلفية للنساء والترغيب في الصفوف الأولى للرجال. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا) . رواه مسلم (440) . قال النووي – رحمه الله -: وإنما فضل آخر صفوف النساء الحاضرات مع الرجال لبعدهن من مخالطة الرجال، ورؤيتهم، وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم، وسماع كلامهم، ونحو ذلك , وذم أول صفوفهن لعكس ذلك. " شرح مسلم " (4 / 159، 160) . 4. جعل صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد، ولو كان المسجد الحرام. عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خَيْرُ مَسَاجِدِ النِّسَاءِ قَعْرُ بُيُوتِهِنَّ) . رواه أحمد (26002) وحسَّنه الشيخ الألباني في " صحيح الترغيب " (341) . 5. انتظار الرجال بعد الصلاة قليلاً، وإسراع خروج النساء قليلاً. عن أُمّ سَلَمَة زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ النِّسَاءَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنَّ إِذَا سَلَّمْنَ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ قُمْنَ، وَثَبَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ صَلَّى مِنْ الرِّجَالِ مَا شَاءَ اللَّهُ، فَإِذَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ الرِّجَالُ. رواه البخاري (828) . وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَلَّمَ قامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي تَسْلِيمَهُ وَمَكَثَ يَسِيراً قَبْلَ أَنْ يَقُومَ ". قَالَ ابْنُ شِهَابٍ (وهو الزهري) : فَأُرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مُكْثَهُ لِكَيْ يَنْفُذَ النِّسَاءُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ مَنِ انْصَرَفَ مِنَ الْقَوْمِ. رواه البخاري (802) . قال بدر الدين العيني – رحمه الله -: فيه: خروج النساء إلى المساجد، وسبقهن بالانصراف، والاختلاط بهن مظنة الفساد، ويمكث الإمام في مصلاه والحالة هذه. " عمدة القاري " (6 / 122) . قال السندي – رحمه الله – في بيان سبب مكثه صلى الله عليه وسلم بعد السلام -: أي: ليتبعه الرجال في ذلك، حتى تنصرف النساء إلى البيوت، فلا يحصل اجتماع الطائفتين في الطريق. " حاشية سنن ابن ماجه " (حديث 932) . 6. الحفاظ على الحجاب والستر في القدوم للمسجد والانصراف منه. عن عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنَّ نِسَاءُ الْمُؤْمِنَاتِ يَشْهَدْنَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْفَجْرِ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ (أي: متسترات بثوب يغطي جسدهن كله) . رواه البخاري (553) ومسلم (645) . وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: فإنَّ النساء كنَّ يطفن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من وراء الرجال متسترات، لا يداخلنهم، ولا يختلطن بهم، وكذا حالهن مع الرجال في مصلى العيد، فإنهن كنَّ يخرجن متسترات، ويجلسن خلف الرجال في المصلى، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب الرجال خطبة العيد انصرف إلى النساء، فذكَّرهن ووعظهن، فلم يكن اختلاط بين الرجال والنساء، وكذا الحال في حضورهن الصلوات في المساجد، كنَّ يخرجن متلفعات بمروطهن، ويصلين خلف الرجال، لا تخالط صفوفهن صفوف الرجال. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود، الشيخ عبد الله بن غديان. " فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 164، 165) . ونرجو أن نكون بذلك قد أزلنا الخلل الذي يستدل به بعض الناس على جواز اختلاط الرجال بالنساء الاختلاط المستهتر، ظناً منهم أن الشرع يبيح ذلك الاختلاط في الطواف فهذا الواقع مخالف للشرع، نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98313 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1343 زخرفة المساجد والإسراف في بناء المآذن والقباب [السُّؤَالُ] ـ[علمت أنه من الصدقة الجارية بناء مسجد، فأريد من فضيلتكم بعض التوضيحات والتوجيهات عن هذا الأمر فيما يخص التالي: صفة المسجد الصحيحة والشرعية، المئذنة والقبة اللتان نراهما حديثا في بناء المساجد، هل هما لازمتان لبناء المسجد، وخاصة أن تكاليف بنائهما في بلدي قد تصل إلى 15000 دينار ليبيي، ثم ما يخص حاجيات المسجد، من رخام وأبواب عالية الجودة وزجاج ومفروشات عالية الجودة والإنارة المضاعفة، ومثل هذه الأمور التي اعتدنا أن نراها في المساجد، كل هذا وما يشابهه ما حكم الشرع فيه، وكيف يكون بناء المسجد بصورة شرعية كاملة، أحتاج من فضيلتكم التوضيح التام لهذا الأمر. وجزاكم الله كل الخير على المجهود المميز لكم في هذا الموقع، الذي هو خياري الأول والأفضل عندي في كل الأحيان والأحوال، للخير العامر فيه والغيث النافع من العلم الذي أجده فيه!! سدد الله خطاكم في كل ما يحب ويرضى.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: نشكر لك ـ أيها الأخ الكريم ـ حسن ظنك بإخوانك في الموقع، وتواصلك معنا، ونسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه من العلم النافع والعمل الصالح. ثانيا: بناء المساجد وإعمارها وتهيئتها للمصلين، من أعمال البر والخير التي رتب عليها الشارع ثوابا عظيما، وهي من الصدقة الجارية التي يمتد ثوابها وأجرها حتى بعد موت الإنسان. قال الله تعالى: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) التوبة/18 وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ بَنَى مَسْجِدًا بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ) رواه البخاري (450) ومسلم (533) من حديث عثمان رضي الله عنه. وروى ابن ماجه (738) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ، أوْ أَصْغَرَ، بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ) صححه الألباني. والقطا طائر معروف، ومَفحص القطاة بفتح الميم: موضعها الذي تجثم فيه، وتبيض، وخصصت القطاة بهذا لأنها لا تبيض في شجر ولا على رأس جبل، إنما تجعل مجثمها على بسيط الأرض دون سائر الطيور، فلذلك شبه به المسجد. ينظر: حياة الحيوان للدميري. قال أهل العلم: وهذا مذكور للمبالغة، أي ولو كان المسجد بالغا في الصغر إلى هذا الحد. ثالثا: لا حرج في بناء القبة على المسجد لغرض الإضاءة والتهوية، وكذلك بناء المئذنة لأجل بلُوغ صوتِ المؤذن إلى أقصى حدٍ مُمكن، أو لِيُعرف المسجد منْ بُعد فُيقصد من قِبَلِِ المصلِّين؛ لأن الوسائل لها أحكام المقاصد، لكن ينبغي الاقتصار على ما يحقق الغرض، من غير إسراف، فيكفي في المئذنة بناء مستقيم مرتفع، بلا زخارف أو زينة، وإن بني المسجد بدونها فلا حرج. سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل يجوز بناء القبب في المساجد إذا كانت لغرض الإضاءة والتهوية؟ فأجابوا:: لا نعلم حرجا في ذلك إذا كان الأمر كما ذكر في السؤال " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (6/246) وجاء فيها أيضا (6/254) : " يعترض بعض الناس على إنشاء المآذن أصلا ويعتبر ذلك مخالفا للسنة وتبذيرا للمال، ويرد عليه فريق آخر بأن المآذن أصبحت معلما يشهر المسجد ويدل عليه في وسط البنايات المزدحمة المرتفعة، وهي تحجب الرؤية من بعيد، والمسجد بمئذنته السامقة يشعر الكثيرين بأن المسلمين ما زالوا بخير أمام التحديات الكثيرة التي يواجهونها. ج: لا حرج في إقامة المآذن في المساجد، بل ذلك مستحب لما فيه من تبليغ صوت المؤذن للمدعوين إلى الصلاة، ويدل على ذلك أذان بلال في عهد النبي صلى الله عليه وسلم على أسطح بعض على أسطح بعض البيوت المجاورة لمسجده، مع إجماع علماء المسلمين على ذلك " انتهى. ثالثا: ينبغي ترك الإسراف والمغالاة في الفرش والأبواب ونحوها، فإن الله تعالى لا يحب المسرفين. وبوب البخاري في صحيحه: " باب بنيان المسجد، وقال أبو سعيد: كان سقف المسجد من جريد النخل – يعني مسجد النبي صلى الله عليه وسلم-، وأمر عمر ببناء المسجد وقال: َأِكنّ الناسَ من المطر، وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس، وقال أنس: يتباهون بها ثم لا يعمرونها إلا قليلا، وقال ابن عباس: لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى " انتهى. وروى أبو داود (448) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا أُمِرْتُ بِتَشْيِيدِ الْمَسَاجِدِ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَتُزَخْرِفُنَّهَا كَمَا زَخْرَفَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى. والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود. قال الخطابي رحمه الله: التشييد: رفع البناء وتطويله. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97497 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1344 مرور المرأة بين يدي المصلي في المسجد الحرام [السُّؤَالُ] ـ[هل مرور المرأة في صلاة الرجل مبطلة للصلاة في المسجد الحرام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يجوز للإنسان أن يمر بين يدي المصلي، إلا أن يكون من وراء سترته، أو يمر بعيدا عنه؛ من وراء موضع سجوده – في حال عدم اتخاذه سترة- لما روى البخاري (510) ومسلم (507) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ) قَالَ أَبُو النَّضْرِ: لَا أَدْرِي، أَقَالَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَوْ سَنَةً؟ ويلزم المصلي أن يمنع من يمر بين يديه؛ لما روى البخاري (509) ومسلم (505) عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنْ النَّاسِ فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْهُ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ) . ثانياً: مرور المرأة بين يدي المصلي بينه وبين سترته، يقطع الصلاة، إذا كان المصلي إماما أو منفردا. وأما المأموم فلا؛ لأن سترة الإمام سترة له، وانظر بيان ذلك في جواب السؤال رقم (3404) . ثالثاً: استثنى جماعة من أهل العلم المسجد الحرام، فرخصوا للناس المرور فيه بين يدي المصلي، وذهبوا إلى أن مرور المرأة وغيرها بين يدي المصلي لا يقطع صلاته. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/40) : " ولا بأس أن يصلي بمكة إلى غير سترة , وروي ذلك عن ابن الزبير وعطاء ومجاهد. قال الأثرم: قيل لأحمد: الرجل يصلي بمكة , ولا يستتر بشيء؟ فقال: قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى ثم ليس بينه وبين الطُّوَّاف سترة. قال أحمد: لأن مكة ليست كغيرها , كأنّ مكة مخصوصة. وقال ابن أبي عمار: رأيت ابن الزبير جاء يصلي , والطُّوَّاف بينه وبين القبلة , تمر المرأة بين يديه , فينتظرها حتى تمر , ثم يضع جبهته في موضع قدمها. رواه حنبل في كتاب "المناسك". وقال المعتمر: قلت لطاووس: الرجل يصلي - يعني بمكة - فيمر بين يديه الرجل والمرأة؟ فإذا هو يرى أن لهذا البلد حالا ليس لغيره من البلدان , وذلك لأن الناس يكثرون بمكة لأجل قضاء نسكهم , ويزدحمون فيها , فلو مَنَع المصلي من يجتاز بين يديه لضاق على الناس" انتهى باختصار. وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: لقد وجدت حديثا مثبتا وهذا نصه: إذا كان أحدكم في صلاة، فمر أمامه حمار أو كلب أسود أو امرأة فإن صلاته باطلة إذا كان نص الحديث صحيحا فما رأيكم في الذين يصلون في الحرم الشريف وتمر النساء أمامهم وهن طائفات؟ فأجاب: "الحديث صحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يقطع صلاة المرء المسلم إذا لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرحل: المرأة والحمار والكلب الأسود) رواه الإمام مسلم في صحيحه، فإذا مر بين يدي المصلي أو بينه وبين سترته كلب أسود أو حمار أو امرأة، كل واحد يقطع صلاته. هكذا جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو الأصح من أقوال أهل العلم وفي ذلك خلاف بين أهل العلم، منهم من يؤوله على أن المراد قطع الثواب، أو قطع الكمال. ولكن الصواب أنها تقطع الصلاة وأنها تبطل بذلك. لكن ما يقع في المسجد الحرام معفو عنه عند أهل العلم؛ لأن في المسجد الحرام لا يمكن للإنسان أن يتقي ذلك بسبب الزحام ولاسيما في أيام الحج فهذا مما يعفى عنه في المسجد الحرام ويستثنى من عموم الأحاديث، فما يقع من مرور بعض النساء أو الطائفات بين يدي المصلين في المسجد الحرام لا يضرهم وصلاتهم صحيحة: النافلة والفريضة، هذا هو المعتمد عند أهل العلم " انتهى من "فتاوى الشيخ باز" (17/152) . وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل يجوز المرور بين يدي المصلي في المسجد؟ فأجابوا: يحرم المرور بين يدي المصلي، سواء اتخذ سترة أم لا، لعموم حديث: (لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه) واستثنى جماعة من الفقهاء من ذلك الصلاة بالمسجد الحرام، فرخصوا للناس في المرور بين يدي المصلي؛ لما روى كثير بن كثير بن المطلب عن أبيه عن جده قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حيال الحجر والناس يمرون بين يديه، وفي رواية عن المطلب أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من سبعه جاء حتى يحاذي الركن بينه وبين السقيفة فصلى ركعتين في حاشية المطاف وليس بينه وبين الطواف أحد. وهذا الحديث وإن كان ضعيف الإسناد غير أنه يعتضد بما ورد في ذلك من الآثار، وبعموم أدلة رفع الحرج لأن في منع المرور بين يدي المصلي بالمسجد الحرام حرجا ومشقة غالبا " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (7/82) . لكن لا ينبغي التساهل في أمر السترة، ولو مع الزحام، ما دام الأمر ممكنا. كما لا ينبغي التساهل في المرور بين يدي المصلي إلا عند الاضطرار لذلك. فقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم من يمرون أمام المصلين خاصة في الحرم من النساء والرجال ويقطعون الصلاة؟ فأجاب: "أما الرجال فإنهم لا يقطعون الصلاة، لكن الإنسان مأمور بأن يردهم، وأما النساء فالمرأة البالغة تقطع الصلاة إذا مرت بينك وبين سترتك، أو بينك وبين موضع سجودك إذا لم يكن لك سترة سواءً في الحرم أو في غير الحرم، إلا إذا كان الإنسان لم يتيسر له مكان إلا في مكان مرور الناس مثل عند الأبواب فهذا للضرورة لا تنقطع صلاته؛ لأنه لو أخذ يرد الناس لكثرت الحركة في صلاته فأبطلتها. السائل: لكن ما الحكم إذا ساروا من بعيد قليلاً؟ الشيخ: إذا ساروا من بعيد من وراء موضع سجوده فهذا لا يضر" انتهى من "لقاء الباب المفتوح (86/11) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96912 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1345 حكم الأكل من ثمار الأشجار المغروسة في المسجد أو حديقته [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز قطف الثمار من حديقة المسجد مقابل وضع مبلغ من المال في خزينة المسجد مقابل ذلك؟ وشكرا]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: جمهور الفقهاء على كراهة غرس الأشجار في المسجد، ومنهم من ذهب إلى التحريم، ومنهم من قيد التحريم بما إذا ضيق على المصلين. وعلة الكراهة أن المسجد لم يبن لهذا , وإنما بني لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن ; ولأن الشجرة تؤذي المسجد , وتمنع المصلين من الصلاة في موضعها , ويسقط ورقها في المسجد وثمرها , وتسقط عليها العصافير والطيور فتبول في المسجد , وربما اجتمع الصبيان في المسجد لأجلها ورموها بالحجارة ليسقط ثمرها. ومنهم من جعل علة الكراهة الشبه بِبِيَع اليهود. قال ابن قدامة رحمه الله: " ولا يجوز أن يغرس في المسجد شجرة. نص عليه أحمد , وقال: إن كانت غرست النخلة بعد أن صار مسجدا , فهذه غرست بغير حق , فلا أحب الأكل منها , ولو قلعها الإمام لجاز ; وذلك لأن المسجد لم يبن لهذا , وإنما بني لذكر الله والصلاة وقراءة القران , ولأن الشجرة تؤذي المسجد وتمنع المصلين من الصلاة في موضعها , ويسقط ورقها في المسجد وثمرها , وتسقط عليها العصافير والطير فتبول في المسجد , وربما اجتمع الصبيان في المسجد من أجلها , ورموها بالحجارة ليسقط ثمرها) " انتهى من المغني (5/370) . وفي الفتاوى الهندية (1/110) : " ويكره غرس الشجر في المسجد ; لأنه تشبه بالبيعة وتشغل مكان الصلاة، إلا أن يكون فيه منفعة للمسجد بأن كانت الأرض نزة لا تستقر أساطينها فيغرس فيه الشجر ليقل النز. كذا في فتاوى قاضي خان " انتهى. وقال ابن الهمام رحمه الله: " ولا يجوز غرس الأشجار فيه إلا إن كان ذا نزٍّ والأسطوانات لا تستقر به، فيجوز لتشرب ذلك الماء فيحصل بها النفع " انتهى من "فتح القدير" (1/421) . وقال زكريا الأنصاري رحمه الله: " (و) يكره (حفر بئر وغرس شجر فيه) بل إن حصل بذلك ضرر حرم (فيزيله الإمام) لئلا يضيق على المصلين هذا , وقد قال الأذرعي في غرس الشجرة في المسجد الصحيح تحريمه لما فيه من تحجير موضع الصلاة , والتضييق وجلب النجاسات من ذرق الطيور , ونقل عن جماعة قطع العراقيين بمنع الزرع , والغرس فيه " انتهى من "أسنى المطالب" (1/186) . وفي شرح الخرشي على خليل (7/48) : " فائدة: صرح جماعة بمنع الغرس والزرع في المسجد وقالوا لا يجوز الحفر فيه ولا الدفن فيه قالوا: ولعل من يذكر الكراهة أراد كراهة التحريم " انتهى. فتبين بهذا أن الفقهاء بين قائل بالتحريم وقائل بالكراهة، وهذا فيما إذا غرس في المسجد بعد بنائه، وأما إن كانت الأرض بها شيء من الشجر، وبني المسجد عليها فلا حرج. قال ابن قدامة في الموضع السابق: " فأما إن كانت النخلة في أرض , فجعلها صاحبها مسجدا والنخلة فيها فلا بأس " انتهى. والذي يظهر أنه لا حرج أيضا فيما إذا كانت الأشجار في حديقة متصلة بالمسجد، بحيث لا تضيق على المصلين، ولا يتأذى المسجد بورقها. ثانيا: أما الأكل من ثمار هذه الأشجار ففيه تفصيل: 1- إن كان الواقف قد وقف الشجر مع المسجد، وحدد مصرف الوقف، بأن جعله للمساكين، أو للأئمة أو الطلبة أو للمسجد، مثلا، عُمل بتحديده. وما وقف للمسجد، يباع ويصرف في مصالحه. 2- وإن لم يكن حدد الجهة التي يصرف فيها الوقف، ففي ذلك خلاف، فقيل حكمه حكم الوقف منقطع الجهة، فيكون لورثة الواقف، موقوفا عليهم، وقيل يجوز لمساكين المسجد، وقيل يصرف في مصلحة المسجد. 3- ما غرس في المسجد، ولم يوقف معه، وحكمنا بكراهته أو تحريمه: إن كان غرس للمسجد، فلا يؤخذ منه إلا بعوض يصرف في مصالح المسجد، وإن غرس مسبّلا، أو لم يعلم قصد غارسه، جاز الأكل منه بلا عوض، والأولى عدم الأكل منه، ومن أكل ودفع العوض ليصرف في عمارة المسجد، فلا حرج عليه. وهذا بعض ما قاله الفقهاء في هذه المسألة: قال ابن قدامة في الموضع السابق: " فأما إن قال صاحبها: هذه وقف على المسجد فينبغي أن يباع ثمرها , ويصرف إليه ". وقال السفاريني رحمه الله: " مطلب: حكم أكل تمر شجر المسجد: وفي الفروع والإنصاف والإقناع والمنتهى والغاية وغيرها: فإن لم تقلع فثمرتها لمساكين المسجد. قال في الإنصاف: قال الحارثي: وهو المذهب. قال: والأقرب حله لغيرهم من المساكين أيضا. وقال الإمام أحمد رضي الله عنه: لا أحب الأكل منها. وإن غرست قبل بنائه ووقفت معه , فإن عين مصرفها عمل به , وإلا فكمنقطع، يعني تصرف على ورثة الواقف نسباً، غنيهم وفقيرهم، وقفاً عليهم على قدر إرثهم، فيستحقونه كالميراث ويقع الحجب بينهم. فإن لم يكن له أقارب فللفقراء والمساكين وقفا عليهم. وقال الموفق: يجوز الأكل منها , وهو منصوص الإمام رضي الله عنه في رواية أبي طالب. وقدمه في المستوعب والرعاية الصغرى. وقال جماعة من الأصحاب: تصرف في مصالحه , وإن استغنى عنه فلجاره أكل ثمره. نص عليه وجزم به في الفائق , والمذهب الأول أنها إذا لم يعين مصرفها كالوقف المنقطع. جزم به في الإقناع والمنتهى والغاية. " (2/317) . وفي حاشية البجيرمي (3/103) : " ويكره غرس الشجر في المسجد كما في الروضة. قلت: وهو محمول على ما إذا لم يضر بالمسجد أو بالمصلين , ولم يقصد بها نفسه، وإلا حرم , فإن غرس قُلع. والقالع له الإمام أو نائبه دون الآحاد، سواء حرم غرسه أو كره؛ لأن له إزالة المكروه. نعم ما غرس ليكون للمسجد ولا ضرر فيه لا يجوز قطعه لأنه ملك المسجد ; قاله القاضي , وينبغي تقييده بما إذا كان له ثمر ينتفع به المسجد وإلا قلع. والجاري على القواعد وجوب رعاية الأصلح من الإبقاء أو القلع. وثمرة ما استحق القلع وغيره إن غرس للمسجد لم يجز أكلها إلا بعوض يصرفه في مصالحه. وإن كان مسبّلا للأكل، أو جهل قصد الغارس جاز من غير عوض , ومثلها ثمرة ما في المقبرة المسبلة وكجهل قصده ما إذا لم يكن له قصد , ومثله ما إذا نبتت فيه بنفسها) انتهى. وقال ابن قدامة: " قال أبو الخطاب: عندي أن المسجد إذا احتاج إلى ثمن ثمرة الشجرة , بيعت , وصرف ثمنها في عمارته. قال: وقول أحمد يأكلها الجيران. محمول على أنهم يعمرونه " انتهى. وعليه فإن كانت الحديقة المسئول عنها، قد وُقفت ثمارها على جهة معينة، فلا يجوز الأكل منها إلا لأهل تلك الجهة. وإن كانت مسبّلة، جاز الأكل منها بلا عوض. وإن كانت موقوفة أو مغروسة لصالح المسجد، فإنها تباع وتصرف في مصالحه، ومن أخذ منها بمقابل يضعه في خزينة المسجد، فقد أصاب. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96101 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1346 هل تقام جماعة مستقلة للنساء مع جماعة الرجال؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكن إقامة أكثر من صلاة جماعة في مسجد واحد في نفس الوقت؟ ففي مسجد الجامعة لا يتم استخدام ميكروفون والنساء لا يسمعن الإمام فهل يمكنهن إقامة جماعة أخرى بإمام منهن؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأصل أنه لا يشرع إقامة جماعتين في مسجد في وقت واحد، لما في ذلك من تفريق المسلمين، وتشويش بعضهم على بعض، لكن إذا وجد عذر، كعدم سماع النساء صوت الإمام فلا حرج من إقامة جماعة خاصة بالنساء تصلي بهن إحداهن، مع وجود جماعة الرجال، ولكن يشترط لذلك ألا يحصل تشويش من الجماعتين بعضهما على بعض. وقد ثبت عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما أنهما فعلا ذلك في صلاة التراويح في المسجد، حيث جعلا إماماً للرجال، وآخر للنساء. قال الألباني رحمه الله في رسالة "قيام رمضان": " ويشرع للنساء حضورها – يعني صلاة التراويح -. . . بل يجوز أن يُجْعَلَ لهن إمام خاص بهن، غير إمام الرجال، فقد ثبت أن عمر رضي الله عنه لما جمع الناس على القيام، جعل على الرجال أُبَيَّ بن كعب، وعلى النساء سليمان بن أبي حثمة. وعن عرفجة الثقفي قال: (كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يأمر الناس بقيام شهر رمضان ويجعل للرجال إماماً وللنساء إماماً، قال: فكنت أنا إمام النساء) . قلت (الألباني) : وهذا محله عندي إذا كان المسجد واسعاً، لئلا يشوش أحدهما على الآخر " انتهى. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 94877 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1347 الجلوس في المسجد ومشاهدة التلفاز فيه [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمصلي أن يجلس داخل المسجد وجهاز التلفاز مشغل.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الجلوس في المسجد انتظارا للصلاة، أو انشغالا بالعبادة، عمل مشروع يثاب عليه صاحبه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ كَانَ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَتْ تَحْبِسُهُ (أي: ما دام منتظرا للصلاة) وَتُصَلِّي عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ) رواه البخاري (477) ومسلم (649) . وأما مشاهدة التلفاز في المسجد، فإن كان ما فيه برنامج نافع ومفيد وخالٍ من المنكرات، فنرجو ألا يكون هناك حرج من مشاهدته. أما إذا كان البرنامج فيه شيء من المحرمات كالنساء المتبرجات أو الموسيقى .... أو غير ذلك، فالواجب إخراج هذا الجهاز من المسجد، فإن المساجد أشرف الأماكن وأحبها إلى الله ويجب تطهيرها من القذارة الحسية (النجاسة والأوساخ) ويجب كذلك تطهيرها من القذارة المعنوية (المعاصي) . قال تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ) النور/36. أي: أمر الله أن تعظم، ومن تعظيمها تطهيرها من المعاصي. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلَا الْقَذَرِ إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ) رواه مسلم (285) . فالمساجد إنما بنيت لطاعة الله تعالى، فيجب تعظيمها وإبعاد المعاصي عنها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93809 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1348 وضع خطوط في المسجد لتسوية الصفوف [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم وضع شريط لاصق أو التعليم بالقلم لرسم خطوط مستقيمة لتسوية الصفوف في الصلاة، فإني أتعرض دوما للفوضى ورفع الأصوات في المسجد احتجاجا على تأخر الإمام (المتحدث) في تسويته للصفوف، ونرجو أن تنقلوا لنا أقوال أهل العلم وخاصة المعاصرين منهم في جواز أو تحريم ذلك، وما العمل في مثل هذه الحال لإخماد الفتنة لأني في مسجد به جماعة متمسكة بقول الشيخ الألباني وتلاميذه في التحريم، ومنهم من يتمسك بقول الشيخ ابن عثيمين في الجواز، وما فتوى هيئة كبار العلماء في هذه المسألة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأمر بتسوية الصفوف وارد في أحاديث كثيرة مشهورة، منها قوله صلى الله عليه وسلم: (سَوُّوا صُفُوفَكُمْ فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ) رواه البخاري (723) ومسلم (433) من حديث أنس رضي الله عنه. ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: (لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ) رواه البخاري (717) ومسلم (436) من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه. وقد ذهب بعض أهل العلم إلى القول بوجوب تسوية الصفوف؛ " لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى رجلا باديا صدره قال: (عباد الله، لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم) ، وهذا وعيد، ولا وعيد إلا على فعل محرم أو ترك واجب. والقول بوجوب تسوية الصفوف قول قوي" انتهى من "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" ج13 سؤال رقم 375. وينبغي للإمام أن يأمر الناس بالتسوية، وأن يتعاهدهم في ذلك. وأما وضع خط على الحصير أو السجاد للمساعدة في تسوية الصف، فلا حرج فيه، وليس هو من البدع. وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: ما حكم عمل خط على الحصير أو السجاد بالمسجد نظرا إلى أن القبلة منحرفة قليلا بقصد انتظام الصف؟ فأجابت: "لا بأس بذلك، وإن صلوا في مثل ذلك بلا خط فلا بأس؛ لأن الميل اليسير لا أثر له" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز. والشيخ عبد الرزاق عفيفي. "فتاوى اللجنة الدائمة" (6/315) . وسئل الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله: عن حكم رسم خطوط المساجد لتستوي الصفوف عليها. فأجاب: "إذا كان الناس لا تستقيم صفوفهم إلا بذلك فلا بأس، أو كان المسجد قد بني منحرفا عن القبلة ولا تستقيم الصفوف فيه إلا برسم خطوط فلا بأس بذلك إن شاء الله " انتهى من "فتاوى ورسائل الشيخ عبد الرزاق عفيفي" ص 412. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " البدعة هي التعبد لله عز وجل بغير ما شرع. وعلى هذا فالبدع لا تدخل في غير العبادات، بل ما أُحدث من أمور الدنيا ينظر فيه هل هو حلال أم حرام، ولا يقال إنه بدعة. فالبدعة الشرعية هي أن يتعبد الإنسان لله تعالى بغير ما شرع يعني الذي يسمى بدعة شرعاً، وأما البدعة في الدنيا فإنها وإن سميت بدعةً حسب اللغة العربية فإنها ليست بدعةً دينية بمعنى أنه لا يحكم عليها بالتحريم ولا بالتحليل ولا بالوجوب ولا بالاستحباب إلا إذا اقتضت الأدلة الشرعية ذلك. وعلى هذا فما أحدثه الناس اليوم من الأشياء المقربة إلى تحقيق العبادة لا نقول إنها بدعة وإن كانت ليست موجودة، من ذلك مكبّر الصوت. مكبر الصوت ليس موجوداً في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لكنه حدث أخيراً إلا أن فيه مصلحة دينية يبلغ للناس صلاة الإمام وقراءة الإمام والخطبة، وكذلك في اجتماعات المحاضرات فهو من هذه الناحية خير ومصلحة للعباد، فيكون خيراً، ويكون شراؤه للمسجد لهذا الغرض من الأمور المشروعة التي يثاب عليها فاعلها. ومن ذلك ما حدث أخيراً في مساجدنا من الفرش التي فيها خطوط من أجل إقامة الصفوف وتسويتها فإن هذا وإن كان حادثاً ولكنه وسيلةٌ لأمرٍ مشروع، فيكون جائزاً أو مشروعاً لغيره، ولا يخفى على الناس ما كان الأئمة الحريصون على تسوية الصفوف يعانونه قبل هذه الخطوط، فكانوا يعانون مشاكل إذا تقدم أحد ثم قالوا له تأخر. تأخرَ أكثر ثم قالوا له تقدم. تقدم أكثر يحصل تعب. الآن والحمد لله يقول الإمام: سووا صفوفكم على الخطوط، توسطوا منها، فيحصل انضباطٌ تام في إقامة الصف. هذا بدعة من حيث العمل والإيجاد، لكنه ليس بدعة من حيث الشرع؛ لأنه وسيلة لأمرٍ مطلوبٍ شرعاً " انتهى من "فتاوى نور على الدرب". هذا وينبغي لمن لم يقنع بهذا الكلام، وأصر على قوله ببدعية الخط في المسجد، أن يبين رأيه للإمام، من باب النصيحة، ثم يمسك عن إثارة الخلاف داخل المسجد، لأن الإمام في حال وضعه للخطوط، يكون قد أخذ بقول معتبر، فلا وجه للإنكار عليه، بل هذا القول هو الصواب كما سبق. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93615 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1349 الجامعة تعطيهم مكاناً للصلاة لهم ولغيرهم من الكفار [السُّؤَالُ] ـ[أنا عضو في الجمعية الإسلامية في جامعة كنقستون. وفي محاولاتنا للحصول على غرفة دائمة للصلاة، فقد اقترح المسؤولون أن نحصل على غرفة تخصص لصلاة جميع الأديان. وحسب ما أعلم، فإن ذلك لا يمكن القبول به أبدا. لكن، أرجو أن تقدم لنا فتوى (تتضمن استشهادات من القرآن والسنة) حول الموضوع لنقدمه للمسؤولين على الجامعة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ينبغي أن تكون مطالبتكم بإيجاد مسجد تثبت له أحكام المسجد، وتقيمون الصلاة جماعة، ويكون مركزا لنشاط دعوي تقومون به، وفي هذه الحال لا يجوز أن تقام في هذا المسجد شعيرة من شعائر الكفر لقوله تعالى: (وأنّ المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا) . وقد نهى النبي عليه الصلاة والسلام أن تنشد الضالة في المسجد، وعن البيع والشراء فيه، ونهى عليه الصلاة والسلام عن الصلاة إلى القبور لقوله عليه الصلاة والسلام: " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ". وأما إذا لم يُسمح لكم بذلك، وإنما سمحوا لكم في مكان عام ولغيركم، فهذا تجوز الصلاة فيه كما لو أدركتكم الصلاة وأنتم في حديقة، أو على طريق، أو في طائرة أو في مطار من مطارات الدول. لكن احرصوا على أن يكون المكان خاليا من المنكرات، وبالأخص إذا كان هناك أصنام منصوبة، أو صور معظمة ومعلقة، فكلما أمكنكم الابتعاد عن ذلك المكان فافعلوا. [الْمَصْدَرُ] الشيخ سعد الحميد. الحديث: 11365 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1350 ما مقدار المسافة التي توجب الصلاة في المسجد؟ [السُّؤَالُ] ـ[أعلم أنه يجب على الرجال أن يؤدوا الصلوات الخمس في المسجد، ولكن إذا كان شخص يعيش بعيداً عن المسجد، ما هي المسافة التي يجوز له عندها عدم الذهاب للمسجد عند كل صلاة؟ مثال: إذا كان الذهاب يستغرق 20 دقيقة تقريباً، وهذا هو المسجد الوحيد في المدينة، فهل يجوز لي أن أصلي في البيت؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يجب على الرجال حضور صلاة الجماعة في المسجد، والتخلف عن صلاة الجماعة من علامات النفاق. انظر السؤال رقم (120) . وكلما كان البيت أبعد زاد الأجر وعظمت المثوبة. فعن أبي موسى قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أعظم الناس أجرا في الصلاة أبعدهم فأبعدهم ممشى) . رواه البخاري (623) ومسلم (622) . ثانياً: تجب صلاة الجماعة على القريب من المسجد دون البعيد. وقد وردت السنة بتحديد القريب من المسجد بـ (من يسمع النداء) . والمراد: من يسمع الأذان المرفوع من المسجد بصوت المؤذن من غير مكبر للصوت، مع رفع المؤذن صوته، وسكون الرياح والضوضاء ونحو ذلك مما يؤثر على السماع. روى مسلم (653) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ أَعْمَى، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّه ِ، إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى الْمَسْجِدِ، فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ، فَرَخَّصَ لَهُ، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ، فَقَالَ: هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلاةِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَجِبْ. وروى ابن ماجه (793) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَأْتِهِ فَلَا صَلاةَ لَهُ إِلا مِنْ عُذْرٍ) . صححه الألباني في صحيح الجامع (637) . قال النووي رحمه الله في "المجموع" (4/353) : الاعتبار في سماع النداء: أن يقف المؤذن في طرف البلد والأصوات هادئة والريح ساكنة، وهو مستمع فإذا سمع لزمه، وإن لم يسمع لم يلزمه اهـ. وقد سئلت اللجنة الدائمة: إذا سمعت المؤذن من مسافة تقدَّر بثمانمائة متر فهل أصلي في مكاني أو أذهب إلى هذا المسجد الذي أذن فيه؟ فأجابت: عليك أن تحضر إلى هذا المسجد تصلي فيه مع الجماعة، أو أي مسجد آخر أيسر لك منه، مادمت قادراً على ذلك. . . ثم استدلت اللجنة بالحديثين السابق ذكرهما. وسئلت اللجنة أيضا عن رجل يسكن بالدور الثامن ويبعد عنه المسجد حوالي 500 متر، هل يجوز له إقامة الصلوات جماعة بأفراد أسرته بالمنزل؟ فأجابت: صلاة الجماعة في المسجد واجبة، فعليك أن تغشى المساجد لتصلي الفريضة فيها مع المسلمين، وليس لك أن تترخص بصلاتها مع أهلك في البيت من أجل هذه المسافة اهـ. "فتاوى اللجنة الدائمة" (8/59) . وسئل الشيخ ابن عثيمين: هل يوجد تحديد للمسافة من بيته إلى المسجد؟ فأجاب: المسافة ليس فيها تحديد شرعي، وإنما يحدد ذلك العرف أو سماع النداء على تقدير أنه بغير (الميكرفون) . "أسئلة الباب المفتوح" (سؤال رقم 700) . وقال الشيخ ابن باز: الواجب على من سمع النداء بالصوت المعتاد من غير مكبّر أن يجيب إلى الصلاة في الجماعة في المسجد الذي ينادى بها فيه. . . أما من كان بعيداً عن المسجد لا يسمع النداء إلا بالمكبّر فإنه لا يلزمه الحضور إلى المسجد وله أن يصلي ومن معه في جماعة مستقلة. . . فإن تجشموا المشقة وحضروا مع الجماعة في المساجد التي لا يسمعون منها النداء إلا بالمكبر بسبب بعدهم عنها كان ذلك أعظم لأجرهم اهـ. مجموع فتاوى الشيخ ابن باز رحمه الله (12/58) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20655 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1351 هل يصح إغلاق المسجد إذا كان يدخله السكارى [السُّؤَالُ] ـ[أنا إمام مسجد مؤقت في مدينة في إحدى الولايات الأميريكية حتى يتوفر عندنا المال لنوظف عالم. اعتاد الناس أن يتركوا المسجد مفتوحاً 24 ساعة، كل يوم أذهب لصلاة الفجر أجد ناس مشردين نائمين في المسجد وقد شغلوا جهاز التكييف إلى أقصى حد (نحن ندفع الآلاف من الدولارات للكهرباء) كغيرنا من غير المسلمين، وجدنا زجاجات الخمر وقبل عدة أيام وجدنا شخص مخمور نائم في حمامات المسجد واتصلنا بالشرطة ليأخذوه. اقترحت أن نغلق المسجد من الداخل والبوابة الخارجية بعد صلاة العشاء (بساعة أو ساعتين) حتى الفجر ونعطي مفاتيح لأكثر الناس الذين يأتون لصلاة الفجر والعشاء وبعض الطلاب الذين يأتون للدراسة في المساء، اشترينا قفلاً ومفاتيح وبدأنا بقفل الباب يومياً، اعترض البعض على الفكرة وقالوا بأننا يجب أن نغلق الباب الداخلي ونترك البوابة الخارجية مفتوحة لأن بيت الله يجب أن يبقى مفتوحاً 24 ساعة يومياً، وإذا أتى شخص ما ليلاً بعد العشاء وأراد الصلاة فلن يستطيع الصلاة. أرجوأن تعطيني رأيك بأسرع وقت ممكن لأنه يوجد بعض الأشخاص يستفيدون من بقاء المسجد مفتوحاً ويريدون أن يخلقوا الفتنة في المسجد.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأصل أن يبقى المسجد مفتوحا غير مغلق، ليتمكن المسلم من الصلاة فيه في أي وقت، وقد كانت الكلاب تغدو وتروح في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في عهده كما في صحيح البخاري، لكن إذا ترتب على ذلك مفسدة من مزاولة منكرات داخل المسجد فينبغي أن يُغلق صيانة له، ولأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح وكذلك إذا خشي على أمواله من فرش وآلات وغير ذلك. [الْمَصْدَرُ] الشيخ: عبد الكريم الخضير. الحديث: 21414 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1352 ما هي الحكمة من إدخال قبر الرسول صلى الله عليه وسلم في المسجد [السُّؤَالُ] ـ[من المعلوم أنه لا يجوز دفن الأموات في المسجد، وأيما مسجد فيه قبر لا تجوز الصلاة فيه، فما الحكمة من إدخال قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وبعض صحابته في المسجد النبوي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) متفق على صحته البخاري في الجنائز (330) ومسلم في المساجد (529) ، وثبت عن عائشة رضي الله عنها أن أم سلمة وأم حبيبة ذكرتا لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتاها بأرض الحبشة وما فيها من صور فقال صلى الله عليه وسلم: (أولئك قوم إذا مات فيهم العبد الصالح أو الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله) متفق عليه: البخاري في الصلاة (434) ، ومسلم في المساجد (528) ، وروى مسلم في صحيحه عن جندب بن عبد الله البجلي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله تعالى قد اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ألا وإنّ من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك) مسلم في الجنائز (970) . وروى مسلم أيضاً عن جابر رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُجصص القبر وأن يُقعد عليه وأن يُبنى عليه) مسلم في الجنائز (970) ، فهذه الأحاديث الصحيحة وما جاء في معناها كلها تدل على تحريم اتخاذ المساجد على القبور، ولَعْنُ من فعل ذلك، كما تدل على تحريم البناء على القبور واتخاذ القباب عليها وتجصيصها لأن ذلك من أسباب الشرك بها، وعبادة سكانها من دون الله كما قد وقع ذلك قديماً وحديثاً فالواجب على المسلمين أينما كانوا أن يحذروا مما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه، وألا يغتروا بما فعله كثير من الناس، فإن الحق هو ضالة المؤمن متى وجدها أخذها، والحق يُعرف بالدليل من الكتاب والسنة لا بآراء الناس وأعمالهم، والرسول محمد صلى الله عليه وسلم وصاحباه رضي الله عنهما لم يُدفنوا في المسجد وإنما دفنوا في بيت عائشة، ولكن لما وُسع المسجد في عهد الوليد بن عبد الملك أدخل الحجرة في المسجد في آخر القرن الأول، ولا يعتبر عمله هنا في حكم الدفن في المسجد لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبيه لم ينقلوا إلى أرض المسجد، وإنما أدخلت الحجرة التي هم بها في المسجد من أجل التوسعة، فلا يكون في ذلك حجة لأحد على جواز البناء على القبور أو اتخاذ المساجد عليها، أو الدفن فيها لما ذكرته آنفاً من الأحاديث الصحيحة المانعة من ذلك، وعمل الوليد ليس فيه حجة على ما يخالف السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ولي التوفيق. [الْمَصْدَرُ] الشيخ ابن باز مجموع فتاوى ومقالات متنوعة ج/4 ص 337 الحديث: 21960 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1353 حكم الذهاب إلى المساجد البعيدة للصلاة خلف القارئ الجيد [السُّؤَالُ] ـ[يوجد في مدينتنا قارئ جيد يخشع في صلاته ويأتي إليه الناس من مدن بعيدة، فما الحكم في مجيء هؤلاء وهل صحيح أنهم وقعوا في النهي الوارد في الحديث: (لا تشدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد مسجد الحرام ومسجد الأقصى ومسجدي) البخاري في فضل الصلاة (1197) . نرجو الإفادة والتوجيه.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا نعلم حرجاً في ذلك، بل ذلك داخل في الرحلة لطلب العلم والتفقه في القرآن الكريم واستماعه من حسن الصوت به، وليس السفر لذلك من شد الرحال المنهي عنه وقد ارتحل موسى عليه الصلاة والسلام رحلة عظيمة إلى الخضر عليه السلام في مجمع البحرين لطلب العلم، ولم يزل أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم يرتحلون من إقليم إلى إقليم ومن بلاد إلى بلاد لطلب العلم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة) مسلم في الذكر والدعاء (2699) [الْمَصْدَرُ] الشيخ ابن باز في مجلة البحوث عند رقم 42 ص 137 الحديث: 21877 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1354 فضل تنظيف المسجد [السُّؤَالُ] ـ[ما هو أجر تنظيف وترتيب المسجد؟ والاهتمام بالإمام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الاعتناء بالمسجد وترتيب ما فيه من فرش ونحوها أمر محمود مرغب فيه، وفاعله مثاب عند الله على هذا العمل الصالح. وقد أمر الله تعالى بتعظيم المساجد في قوله: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ) النور/36-37. قال السيوطي: في هذه الآية الأمر بتعظيم المساجد وتنزيهها عن اللغو والقاذورات اهـ. من تفسير القاسمي (12/214) . ومما يدل على فضل من اعتنى بذلك ما في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن رجلاً أسود أو امرأة سوداء كان يقم المسجد فمات فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عنه فقالوا مات قال أفلا كنتم آذنتموني به؟ دلوني على قبره أو قال قبرها فأتى قبرها فصلى عليها" رواه البخاري 458، ومسلم 956. ومعنى يقم: أي ينظف وما رواه أبو داود (455) والترمذي (594) وابن ماجة (759) من حديث عائشة قالت: " أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدُّور وأن تنظف وتطيب ". وصححه الألباني في صحيح الترمذي برقم 487 ومعنى الدُّور: أي الأحياء والقبائل. وقد عد النبي صلى الله عليه وسلم البزاق في المسجد خطيئة وأخبر أن كفارتها دفنها، ففي الصحيحين من حديث أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " البزاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها " رواه البخاري 415، ومسلم 552. وروى النسائي (728) وابن ماجة (762) عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في قبلة المسجد فغضب حتى احمر وجهه، فجاءته امرأة من الأنصار فحكتها وجعلت مكانها خلوقا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما أحسن هذا " والحديث صححه الألباني في صحيحي النسائي وابن ماجة. وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أزال ذلك بنفسه كما في الصحيحين من حديث عائشة قالت "رأى في جدار القبلة مخاطا أو بصاقا أو نخامة فحكها " رواه البخاري 407 ومسلم 549. وروي في فضل ذلك أحاديث ضعيفة نذكرها لبيان ضعفها، وفيما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم كفاية، فروى أبو داود (461) والترمذي (2916) حديث " عرضت علي أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد " والحديث ضعفه الألباني في ضعيف الترمذي. وروى ابن ماجة (757) حديث " من أخرج أذى من المسجد بنى الله له بيتا في الجنة " والحديث ضعفه الألباني في ضعيف ابن ماجة. وأما الاهتمام بالإمام فقد قال الإمام مسلم في مقدمة صحيحه: " فَلا يُقَصَّرُ بِالرَّجُلِ الْعَالِي الْقَدْرِ عَنْ دَرَجَتِهِ، وَلا يُرْفَعُ مُتَّضِعُ الْقَدْرِ فِي الْعِلْمِ فَوْقَ مَنْزِلَتِهِ، وَيُعْطَى كُلُّ ذِي حَقٍّ فِيهِ حَقَّهُ، وَيُنَزَّلُ مَنْزِلَتَهُ، وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُنَزِّلَ النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ" اهـ. فإذا كان الإمام من أهل الفضل والعلم والصلاح فمحبته والاهتمام به يدخل في عموم محبة الصالحين وإكرامهم، وهذا عمل صالح. لكن يجب التنبه إلى أنه لا يجوز أن يصل الأمر إلى التبرك بشخص الإمام أو ذاته أو التمسح به كما يفعل البعض، فإن هذا لم يكن من هدي المسلمين الأوائل مع أئمتهم وعلمائهم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 21538 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1355 تنظيف المسجد [السُّؤَالُ] ـ[أرجو أن تخبرني بالأجر الذي يحصل عليه الشخص إذا قام بترتيب و تنظيف المسجد. ]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تنظيف المسجد لم يرد فيه فضل خاص، غير أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتنظيف المسجد وتطييبه، فعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَتَّخِذَ الْمَسَاجِدَ فِي دِيَارِنَا وَأَمَرَنَا أَنْ نُنَظِّفَهَا " رواه أحمد في مسنده (19671) وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (278) . وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ (أي الأحياء) وَأَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ ". رواه الترمذي (594) وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (279) . فهذان الحديثان اشتملا على أمر نبوي، وامتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم يؤجر عليه فاعله. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا أَسْوَدَ أَوْ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَ يَقُمُّ الْمَسْجِدَ (أي ينظفه) فَمَاتَ فَسَأَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ فَقَالُوا مَاتَ قَالَ أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي بِهِ دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ أَوْ قَالَ قَبْرِهَا فَأَتَى قَبْرَهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا " رواه البخاري (458) ومسلم (956) . قال ابن حجر في فتح الباري: "وَفِي الْحَدِيثِ فَضْلُ تَنْظِيفِ الْمَسْجِدِ , وَالسُّؤَالِ عَنْ الْخَادِمِ وَالصَّدِيقِ إِذَا غَابَ " انتهى. ثم إن المسلم يكفيه لفعل الطاعة أن يعلم أنها أمر الله ورسوله، وهذا من كمال إسلامه، ولا بأس أن يسأل عن الحكمة أو الثواب ليطمئن قلبه. تنبيه: ورد في فضل تنظيف المسجد حديث ضعيف وهو: " كنس المساجد مهور الحور العين " (السلسلة الضعيفة 4147) فيُكتفى بما تقدم مما صح. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 20160 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1356 النهي عن الخروج من المسجد بعد الأذان هل يشمل المرأة [السُّؤَالُ] ـ[حديث النهي عن الخروج من المسجد بعد الأذان، هل يشمل المرأة إذا كانت في المسجد؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب رحمه الله: لا يشملها، لأن المرأة لا تجب عليها الجماعة (أصلا) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن صالح العثيمين الحديث: 10008 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1357 حكم استئجار الكنائس لصلاة الجمعة فيها [السُّؤَالُ] ـ[لا يجد المسلمون في العديد من ولايات أمريكا أماكن مناسبة لأداء صلاة الجمعة ما عدا بعض الكنائس المؤجرة رخيصاً أو مجاناً، فأثار بعض الطلاب النقاش حول صحة أداء الصلاة في الكنائس معتمدين على ما روي عن ابن عمر حول منع الصلاة في الكنائس ومعابد اليهود والمقابر وأماكن الذبح لغير الله، وبناء على هذا الرأي فقد امتنع بعض المسلمين عن الحضور لصلاة الجمعة، فضلاً نرجو إفادتنا بالحكم الصحيح في هذه الحالة حتى نستطيع تجاوز الخلافات بين المسلمين في هذا المجتمع، وجزاكم الله خيراً]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا تيسر وجود غير الكنائس ليُصلى فيها لم تجز الصلاة في الكنائس ونحوها، لأنها معبد للكافرين يعبدون فيه غير الله، ولما فيها من التماثيل والصور، (وأما إذا لم يتيسّر غيرها جازت الصلاة فيها) للضرورة، قال عمر رضي الله عنه: " إنا لا ندخل كنائسكم من أجل التماثيل التي فيها والصور " وكان ابن عباس رضي الله عنهما يصلي في البيعة إلا بيعة فيها التماثيل والصور. أخرجهما البخاري 1/112 [الْمَصْدَرُ] من فتاوى اللجنة الدائمة 6/268 الحديث: 2189 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1358 صلى في مسجد ثم علم أن به قبورا وأضرحة [السُّؤَالُ] ـ[صليت في مسجد للصوفية، وكان الإمام صوفيا وبعد الانتهاء من الصلاة فيه علمت أنه يوجد في المسجد قبور وأضرحة، وعليها قبة؛ فهل أعيد الصلاة؟ وهل علي إثم إذا كنت أعلم أن هذا المسجد وإمامه صوفي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا تجوز الصلاة في مسجد بني على قبر، أو وضع فيه قبر؛ للأحاديث الواردة في لعن من اتخذ القبور مساجد. ولا تصح الصلاة في هذا المسجد، على الراجح من كلام أهل العلم، وعليه فيلزمك إعادة الصلاة. سئل الشيخ ابن باز رحمه الله ما نصه: " هل تصح الصلاة في المساجد التي يوجد فيها قبور؟ فأجاب: المساجد التي فيها قبور لا يصلى فيها، ويجب أن تنبش القبور وينقل رفاتها إلى المقابر العامة، يجعل رفات كل قبر في حفرة خاصة كسائر القبور، ولا يجوز أن يبقى في المساجد قبور، لا قبر ولي ولا غيره؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى وحذر من ذلك، ولعن اليهود والنصارى على عملهم ذلك، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) قالت عائشة رضي الله عنها: (يُحذّر ما صنعوا) متفق عليه. وقال عليه الصلاة والسلام لما أخبرته أم سلمة وأم حبيبة بكنيسة في الحبشة فيها تصاوير فقال: (أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله) متفق على صحته، وقال عليه الصلاة والسلام: (ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك) خرجه مسلم في صحيحه، عن جندب بن عبد الله البجلي. فنهى عن اتخاذ القبور مساجد عليه الصلاة والسلام ولعن من فعل ذلك، وأخبر: أنهم شرار الخلق، فالواجب الحذر من ذلك. ومعلوم أن كل من صلى عند قبر فقد اتخذه مسجداً، ومن بنى عليه مسجداً فقد اتخذه مسجداً، فالواجب أن تبعد القبور عن المساجد، وألا يجعل فيها قبور؛ امتثالاً لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم، وحذراً من اللعنة التي صدرت من ربنا عز وجل لمن بنى المساجد على القبور؛ لأنه إذا صلى في مسجد فيه قبور قد يزين له الشيطان دعوة الميت، أو الاستغاثة به، أو الصلاة له، أو السجود له، فيقع الشرك الأكبر، ولأن هذا من عمل اليهود والنصارى، فوجب أن نخالفهم، وأن نبتعد عن طريقهم، وعن عملهم السيئ. لكن لو كانت القبور هي القديمة ثم بني عليها المسجد فالواجب هدمه وإزالته؛ لأنه هو المحدث، كما نص على ذلك أهل العلم؛ حسماً لأسباب الشرك وسدا لذرائعه. هنا شبهة يشبه بها عباد القبور، وهي وجود قبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده. والجواب عن ذلك: أن الصحابة رضي الله عنهم لم يدفنوه في مسجده، وإنما دفنوه في بيت عائشة رضي الله عنها، فلما وسع الوليد بن عبد الملك مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في آخر القرن الأول أدخل الحجرة في المسجد، وقد أساء في ذلك، وأنكر عليه بعض أهل العلم، ولكنه اعتقد أن ذلك لا بأس به من أجل التوسعة. ­فلا يجوز لمسلم أن يحتج بذلك على بناء المساجد على القبور، أو الدفن في المساجد؛ لأن ذلك مخالف للأحاديث الصحيحة؛ ولأن ذلك أيضاً من وسائل الشرك بأصحاب القبور، والله ولي التوفيق " انتهى من "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" (5/388) . ومما يدل على عدم صحة الصلاة في المسجد الذي به قبر، ما روى الترمذي (317) وأبو داود (492) وابن ماجه (745) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إِلَّا الْمَقْبَرَةَ وَالْحَمَّامَ) والحديث صححه ابن خزيمة وابن حبان والألباني، وينظر: صحيح سنن الترمذي. قال في زاد المستقنع: " ولا تصح الصلاة في مقبرة ". قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه: " قوله: «ولا تصح الصلاة في مقبرة» نفي الصحة يقتضي الفساد؛ لأن كل عبادة إما أن تكون صحيحة، وإما أن تكون فاسدة، ولا واسطة بينهما، فهما نقيضان شرعا، فإذا انتفت الصحة ثبت الفساد. وقوله: «الصلاة» يعم كل ما يسمى صلاة، سواء كانت فريضة أم نافلة، وسواء كانت الصلاة ذات ركوع وسجود أم لم تكن؛ لأنه قال: «الصلاة» وعليه فيشمل صلاة الجنازة فلا تصح في المقبرة. لكن قد دلت الأدلة على استثناء صلاة الجنازة، كما سنذكره إن شاء الله، وعلى هذا؛ فالمراد بالصلاة ما سوى صلاة الجنازة ... فإذا قال قائل: ما الدليل على عدم صحة الصلاة في المقبرة؟ . قلنا: الدليل: أولا: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام» ، وهذا استثناء، والاستثناء معيار العموم. ثانيا: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» والمساجد هنا قد تكون أعم من البناء؛ لأنه قد يراد به المكان الذي يبنى، وقد يراد به المكان الذي يتخذ مسجدا وإن لم يبن؛ لأن المساجد جمع مسجد، والمسجد مكان السجود، فيكون هذا أعم من البناء. ثالثا: تعليل؛ وهو أن الصلاة في المقبرة قد تتخذ ذريعة إلى عبادة القبور، أو إلى التشبه بمن يعبد القبور، ولهذا لما كان الكفار يسجدون للشمس عد طلوعها وغروبها، نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عند طلوعها وغروبها؛ لئلا يتخذ ذريعة إلى أن تعبد الشمس من دون الله، أو إلى أن يتشبه بالكفار. وأما من علل ذلك بأن علة النهي عن الصلاة في المقبرة خشية أن تكون المقبرة نجسة، فهذا تعليل عليل، بل ميت لم تحل فيه الروح " انتهى من "الشرح الممتع" (2/237) . وسئل رحمه الله: " عن حكم الصلاة في مسجد في قبلته قبر؟ فأجاب بقوله: لا يجوز أن يوضع في المسجد قبر، لا في قبلته ولا خلف المصلين، ولا عن أيمانهم، ولا عن شمائلهم، وإذا دفن أحد في المسجد ولو كان هو المؤسس له فإنه يجب أن ينبش هذا القبر وأن يدفن مع الناس، أما إذا كان القبر سابقا على المسجد وبني المسجد عليه، فإنه يجب أن يهدم المسجد وأن يبعد عن القبر، لأن فتنة القبور في المساجد عظيمة جدا فربما يدعو إلى عبادة هذا المقبور ولو بعد زمن بعيد، وربما يدعو إلى الغلو فيه، وإلى التبرك به وهذا خطر عظيم على المسلمين، لكن إن كان القبر سابقا وجب أن يهدم المسجد ويغير مكانه، وإن كان المسجد هو الأول فإنه يجب أن يخرج هذا الميت من قبره ويدفن مع المسلمين، والصلاة إلى القبر محرمة ولا تصح الصلاة إلى القبر لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تصلوا إلى القبور) . والله المستعان " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (12/374) . ثانيا: الصلاة خلف الصوفي فيها تفصيل: فإن كان متلبسا ببدعة شركية كدعاء غير الله، أو اعتقاده أن الأولياء يعلمون الغيب، أو يتصرفون في الكون، فلا تصح الصلاة خلفه. وإن كانت بدعته غير شركية، صحت الصلاة خلفه. جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (7/353) : " وأما الصلاة خلف المبتدعة: فإن كانت بدعتهم شركية كدعائهم غير الله ونذرهم لغير الله واعتقادهم في مشايخهم ما لا يكون إلا لله من كمال العلم، أو العلم بالمغيبات، أو التأثير في الكونيات، فلا تصح الصلاة خلفهم. وإن كانت بدعتهم غير شركية؛ كالذكر بما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكن مع الاجتماع والترنحات، فالصلاة وراءهم صحيحة، إلا أنه ينبغي للمسلم أن يتحرى لصلاته إماما غير مبتدع؛ ليكون ذلك أعظم لأجره وأبعد عن المنكر " انتهى. وانظر السؤال رقم (4983) للوقوف على شيء من انحراف المتصوفة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 89961 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1359 حكم عقد النكاح في المسجد والمداومة على افتتاحه بالقرآن والموعظة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم المداومة علي إقامة الأفراح في المساجد مع تخصيص هيئه لها كقراءة القرآن في المقدمة ثم يأتي آخر بإلقاء كلمة ثم يأتي العقد مؤخرا؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: ذهب جمهور الفقهاء إلى استحباب عقد النكاح في المسجد، واستدلوا لذلك بحديث: (أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف) رواه الترمذي (1089) لكنه ضعيف –إلا الإعلان- كما قال الألباني في ضعيف الترمذي. قال في مجمع الأنهر (1/317) : " ويستحب مباشرة عقد النكاح في المسجد، وكونه في يوم الجمعة، واختلفوا في كراهة الزفاف فيه، والمختار: لا يكره إذا لم يشتمل على مفسدة دينية " انتهى. وقال الخرشي في شرح خليل (7/71) : " يعني أنه يجوز عقد النكاح أي: مجرد إيجاب وقبول، بل هو مستحب " انتهى. وقال في "نهاية المحتاج" (6/185) : " ويسن أن يتزوج في شوال، وأن يدخل فيه، وأن يعقد في المسجد، وأن يكون مع جمعٍ وأول النهار " انتهى. وقال في "كشاف القناع" (2/368) : " ويباح فيه عقد النكاح , بل يستحب كما ذكره بعض الأصحاب " انتهى. ثانيا: يشترط لعقد النكاح في المسجد ألا يترتب على ذلك امتهان للمسجد، ولا فعل شيء من المنكرات فيه، كضرب الدف، وينبغي ألا تنشد فيه الأناشيد، ويكتفى بالعقد، وإن قرئ القرآن أو تحدث متحدث، فلا بأس. ولا ينبغي المداومة على ذلك؛ لأنه لم يرد دليل على قراءة القرآن في حفلات النكاح، ولا غيرها، وقد عده بعض أهل العلم من البدع. سئل الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله عن حكم قراءة القرآن جهرا في المحافل والمجامع كحفلات الزواج هل هذا ابتداع؟ فأجاب: " هذا من البدع جعل افتتاح المجالس رسميا بتلاوة القرآن، حيث لم يرد فيه نص، فلا يتخذ عادة، ويجوز فعله أحيانا، وأنا اختلفت مع هيئة كبار العلماء عندما افتتحوا بتلاوة القرآن الكريم. قلت: هذا بدعة، ما حصل هذا من الرسول صلى الله عليه وسلم ومجالسه كثيرة، وهو الإمام المقتدى به. أما إذا كانت موعظة مشتملة على آيات من القرآن فما عليه حرج " انتهى من "فتاوى ورسائل الشيخ عبد الرزاق عفيفي" ص 621 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 87898 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1360 وضع خطوط في المسجد لتسوية الصفوف [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم وضع خطوط في المسجد حتى يسهل على المصلين أن يستقيموا في قيامهم.. سمعت أنها بدعة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأمر بتسوية الصفوف وارد في أحاديث كثيرة مشهورة، منها قوله صلى الله عليه وسلم: (سَوُّوا صُفُوفَكُمْ , فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ) رواه البخاري (723) ومسلم (433) من حديث أنس رضي الله عنه. ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: (لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ) رواه البخاري (717) ومسلم (436) من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه. وقد ذهب بعض أهل العلم إلى القول بوجوب تسوية الصفوف؛ " لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى رجلا باديا صدره قال: (عباد الله , لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم) ، وهذا وعيد، ولا وعيد إلا على فعل محرم أو ترك واجب. والقول بوجوب تسوية الصفوف قول قوي " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (13/سؤال 375) وينبغي للإمام أن يأمر الناس بالتسوية، وأن يتعاهدهم في ذلك. وأما وضع خط على الحصير أو السجاد للمساعدة في تسوية الصف، فلا حرج فيه، وليس هو من البدع. سئل علماء اللجنة الدائمة: ما حكم عمل خط على الحصير أو السجاد بالمسجد نظرا إلى أن القبلة منحرفة قليلا بقصد انتظام الصف؟ فأجابوا: " لا بأس بذلك، وإن صلوا في مثل ذلك بلا خط فلا بأس؛ لأن الميل اليسير لا أثر له " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (8/15) وسئل الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله: عن حكم رسم خطوط المساجد لتستوي الصفوف عليها. فأجاب: " إذا كان الناس لا تستقيم صفوفهم إلا بذلك فلا بأس، أو كان المسجد قد بني منحرفا عن القبلة ولا تستقيم الصفوف فيه إلا برسم خطوط فلا بأس بذلك إن شاء الله " انتهى من "فتاوى ورسائل الشيخ عبد الرزاق عفيفي" (ص 412) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82358 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1361 هل يمنع الأطفال من القدوم إلى المسجد [السُّؤَالُ] ـ[هل نمنع الأطفال من المجيء للمسجد في التراويح مع الأمهات لكثرة الإفساد والإزعاج؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سألت الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله هذا السؤال فأجاب: يُتركون كما جاء في الأحاديث، (ويسع الآخرين ما وسع الأولين) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد العزيز بن باز يرحمه الله الحديث: 11605 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1362 بماذا يجاب قول المؤذن (الصلاة خير من النوم) ؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما الذي يقال بعد قول المؤذن (الصلاة خير من النوم) ؟ مع الدليل , وجزاكم الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يستحب لمن يسمع الأذان أن يقول مثل ما يقول، إلا في (حي على الصلاة) وفي (حي على الفلاح) فإن المستحب حينئذ أن يقول (لا حول ولا قوة إلا بالله) . والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا سَمِعتُمُ المُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثلَ مَا يَقُولُ) رواه البخاري (611) ومسلم (318) يقول ابن قدامة رحمه الله "المغني" (1/591) : " لا أعلم خلافا بين أهل العلم في استحباب ذلك " انتهى. ومن ذلك: إذا قال المؤذن لصلاة الفجر (الصلاة خير من النوم) ، فإنه يستحب لسامعه أن يتابعه بمثلها فيقول (الصلاة خير من النوم) . يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله "الشرح الممتع" (2/84) : " الصحيح أن يقال مثل ما يقول (الصلاة خير من النوم) ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول) رواه البخاري (611) ومسلم (318) وقد ذهب إلى ذلك بعض الفقهاء المالكية. انظر "الموسوعة الفقهية" (2/372) أما ما يستحبه بعض الفقهاء أن يقول (صدقت وبررت) ، فلا دليل عليه، وهو مخالف لعموم الحديث السابق (فقولوا مثل ما يقول) ، والأصل في العبادات المنع حتى يثبت الدليل. يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله "التلخيص الحبير" (1/378) : " لا أصل لما ذكره في (الصلاة خير من النوم) " انتهى. ويقول الصنعاني رحمه الله "سبل السلام" (1/190) : " وقيل: يقول في جواب التثويب (صدقت وبررت) ، وهذا استحسان من قائله، وإلا فليس فيه سنة تعتمد " انتهى. ويقول الشيخ محمد بن إبراهيم "مجموع الفتاوى" (2/رقم 448) : " قوله صلى الله عليه وسلم (فَقُوْلُوْا مِثلمَا يَقُوْلُ) يدل على أَنه يقول: الصلاة خير من النوم. أَما (صَدَقتَ وَبَررْتَ) فإِنما جاءت في حديث ضعيف. ولهذا يختار من يختار أن يقول: الصلاة خير من النوم، فالصحيح - والله أَعلم - أَنه لا يجيب بصدقت وبررت، وأَسمع بعض الناس يجمع بينهما، يقول الصلاة خير من النوم، صدقت وبررت، ولكن ليس على أَصل، بل الأَولى النظر في الأَدلة " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 81427 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1363 هل صلاة النساء بجوار الرجال مع الفاصل صحيحة؟ [السُّؤَالُ] ـ[يوجد في بلدنا مسجد يصلي فيه النساء بجوار الرجال لكن يفصل بينهما جدار فهل هذا العمل صحيح أو لابد أن يصلي النساء خلف الرجال؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا صلت المرأة بمحاذاة الرجل وكان بينهما حائل من جدار أو فرجة يمكن أن يقوم فيها مصلٍ، فالصلاة صحيحة عند عامة أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة. وإنما وقع الخلاف بينهم فيما إذا صلت إلى جنبه بلا حائل، فذهب الحنفية إلى أنها تُبطل صلاة ثلاثة من الرجال، واحد عن يمينها، وآخر عن يسارها، وثالث خلفها، بشروط ذكروها، وحاصلها: أن تكون المرأة مشتهاة، وهي من بلغت سبع سنين، أو كانت تصلح للجماع، على خلاف في المذهب، وأن تدخل مع الرجل في صلاة مطلقة أي لها ركوع وسجود، ويشتركان في التحريمة والأداء، وأن يكون الإمام قد نوى إمامتها أو إمامة النساء بصفة عامة، في تفاصيل أخر، تعرف بالرجوع إلى كتبهم. ينظر: "المبسوط" (1/183) ، "بدائع الصنائع" (1/239) ، "تبيين الحقائق" (1/136- 139) . قال النووي رحمه الله تعالى مبينا الخلاف في المسألة وملخصا مذهب الحنفية: " إذا صلى الرجل وبجنبه امرأة لم تبطل صلاته ولا صلاتها سواء كان إماما أو مأموما، هذا مذهبنا وبه قال مالك والأكثرون , وقال أبو حنيفة: إن لم تكن المرأة في صلاة أو كانت في صلاة غير مشاركة له في صلاته صحت صلاته وصلاتها , فإن كانت في صلاة يشاركها فيها - ولا تكون مشاركة له عند أبي حنيفة إلا إذا نوى الإمام إمامة النساء - فإذا شاركته فإن وقفت بجنب رجل بطلت صلاة من إلى جنبيْها , ولا تبطل صلاتها ولا صلاة من يلي الذي يليها ; لأن بينه وبينها حاجزا , وإن كانت في صف بين يديه (يعني: أمامه) بطلت صلاة من يحاذيها من ورائها , ولم تبطل صلاة من يحاذي محاذيها ; لأن دونه حاجزا، فإن صف نساء خلف الإمام وخلفهن صف رجال بطلت صلاة الصف الذي يليهن , قال: وكان القياس أن لا تبطل صلاة من وراء هذا الصف من الصفوف بسبب الحاجز , ولكن نقول تبطل صفوف الرجال وراءه , ولو كانت مائة صف استحسانا , فإن وقفت بجنب الإمام بطلت صلاة الإمام ; لأنها إلى جنبه ومذهبه أنها إذا بطلت صلاة الإمام بطلت صلاة المأمومين أيضا , وتبطل [صلاتها] أيضا ; لأنها من جملة المأمومين. وهذا المذهب ضعيف الحجة، ظاهر التحكم والتمسك بتفصيل لا أصل له , وعمدتنا أن الأصل أن الصلاة صحيحة حتى يرد دليل صحيح شرعي في البطلان , وليس لهم ذلك ... وقاس أصحابنا على وقوفها في صلاة الجنازة فإنها لا تبطل عندهم , والله أعلم بالصواب وله الحمد والنعمة والمنة , وبه التوفيق والهداية والعصمة" انتهى من المجموع (3/331) باختصار يسير. أما مع وجود الحائل فقد اتفق الأحناف مع الجمهور على أنه لا تبطل صلاة واحد منهما، كما في "تبيين الحقائق" (1/138) ثانيا: لا شك أن السنة أن تكون صفوف النساء خلف الرجال، كما كان الحال على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد روى البخاري (380) ومسلم (658) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ لَهُ فَأَكَلَ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ قُومُوا فَلِأُصَلِّ لَكُمْ قَالَ أَنَسٌ: فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدْ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَفَفْتُ وَالْيَتِيمَ وَرَاءَهُ، وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا، فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ) . قال الحافظ في الفتح: " وَفِي هَذَا الْحَدِيث مِنْ الْفَوَائِد: ... َتَأْخِير النِّسَاء عَنْ صُفُوف الرِّجَال , وَقِيَام الْمَرْأَة صَفًّا وَحْدهَا إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا اِمْرَأَة غَيْرهَا " انتهى. لكن إذا حصل ما ذكرتَ من كونهن يحاذين الرجال، فالصلاة صحيحة والحمد لله. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 79122 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1364 حكم بناء المسجد أو ملحقاته من مالٍ حرام [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن يُبنى مسجد أو (ملحقات مسجد) في ساحة الحي السكني الملاصق للمسجد، ليستخدم في أغراض متعددة، كصلاة الجماعة في رمضان، وصلاة العيدين، وما إلى ذلك، من تبرعاتٍ مصدرُها محرم، مع أن إدارة المسجد على علمٍ بذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المال الحرام إما أن يكون محرما لعينه، وإما أن يكون محرماً لكسبه. فالمحرم لعينه كالمال المغصوب والمسروق، فهذا لا يحل لأحد الانتفاع به وهو يعلم أنه مسروق من فلان، بل يحب رده إلى صاحبه. وطريقة التوبة من غصب هذا المال: أن يرد إلى صاحبه، ولا يجزئ الغاصب التبرع به لبناء مسجد وهو يقدر على رده إلى صاحبه. لكن إن تعذر رده إلى صاحبه، (كالمال الذي تغتصبه بعض الحكومات الظالمة من الناس) فلا حرج في إنفاقه في مصالح المسلمين العامة، ومنها بناء المساجد. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "السياسة الشرعية" (ص 35) : " إذا كانت الأموال قد أخذت بغير حق وقد تعذر ردها إلى أصحابها ككثير من الأموال السلطانية (أي التي غصبها السلطان) ; فالإعانة على صرف هذه الأموال في مصالح المسلمين كسداد الثغور ونفقة المقاتلة ونحو ذلك: من الإعانة على البر والتقوى ; إذ الواجب على السلطان في هذه الأموال - إذا لم يمكن معرفة أصحابها وردها عليهم ولا على ورثتهم - أن يصرفها - مع التوبة إن كان هو الظالم - إلى مصالح المسلمين. هذا هو قول جمهور العلماء كمالك وأبي حنيفة وأحمد وهو منقول عن غير واحد من الصحابة وعلى ذلك دلت الأدلة الشرعية. . . وإن كان غيره قد أخذها فعليه هو أن يفعل بها ذلك " انتهى. وأما المحرم لكسبه فهو الذي اكتسبه الإنسان بطريق محرم كبيع الخمر، أو التعامل بالربا، أو أجرة الغناء والزنا ونحو ذلك، فهذا المال حرام على من اكتسبه فقط، أما إذا أخذه منه شخص آخر بطريق مباح فلا حرج في ذلك، كما لو تبرع به لبناء مسجد، أو دفعه أجرة لعامل عنده، أو أنفق منه على زوجته وأولاده، فلا يحرم على هؤلاء الانتفاع به، وإنما يحرم على من اكتسبه بطريق محرم فقط. وطريقة التوبة من هذا المال المحرم: التخلص منه، وإنفاقه في وجوه البر ومنها بناء المساجد. قال النووي رحمه الله في "المجموع" (9/330) : " قال الغزالي: إذا كان معه مال حرام وأراد التوبة والبراءة منه - فإن كان له مالك معين - وجب صرفه إليه أو إلى وكيله , فإن كان ميتا وجب دفعه إلى وارثه , وإن كان لمالك لا يعرفه ويئس من معرفته فينبغي أن يصرفه في مصالح المسلمين العامة , كالقناطر والربط والمساجد، ونحو ذلك مما يشترك المسلمون فيه , وإلا فيتصدق به على فقير أو فقراء. . . وهذا الذي قاله الغزالي ذكره آخرون من الأصحاب , وهو كما قالوه , لأنه لا يجوز إتلاف هذا المال ورميه في البحر , فلم يبق إلا صرفه في مصالح المسلمين , والله سبحانه وتعالى أعلم " انتهى. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن حكم الصلاة في مسجد بني من مال حرام؟ فأجاب: " الصلاة فيه جائزة ولا حرج فيها؛ لأن الذي بناه من مال حرام ربما يكون أراد في بنائه أن يتخلص من المال الحرام الذي اكتسبه، وحينئذٍ يكون بناؤه لهذا المسجد حلالاً إذا قصد به التخلص من المال الحرام، وإن كان التخلص من المال الحرام لا يتعين ببناء المساجد، بل إذا بذله الإنسان في مشروع خيري حصلت به البراءة " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (12/ سؤال رقم 304) وانظر "الشرح الممتع" (4/344) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 75410 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1365 حكم شراء مسجد بقرض ربوي [السُّؤَالُ] ـ[نحن جماعة مغاربة مسلمون, مقيمون بألمانيا، ولدينا مكان استأجرناه للصلاة فيه لجميع الأوقات والجمعات والأعياد, ولكثرة المصلين فيه - والحمد لله - منعتنا الحكومة الألمانية من الصلاة فيه, لأنه ضيق وفي مكان غير مناسب, وأردنا الآن شراء مكان كبير خارج البلد, ووافقت لنا السلطة الألمانية على شرائه, ثمن المكان 3 مليون مارك ونصف, ويوجد لدينا مليون مارك ونصف فقط. هل يجوز لنا أن نقترض من البنك المبلغ الباقي لشراء هذا المكان بالربا, وهل يعتبر هذا من الضرورات؟ وإن تم شراؤه بالربا هل تجوز الصلاة فيه إلى أن يوجد أماكن أخرى في هذه البلدة للصلاة؟ أفتونا مأجورين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز لكم الاقتراض بالربا, لأن الله حرم الربا وشدد الوعيد على المرابين, ولعن النبي صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه. ولا يباح الربا بأي حال من الأحوال, ولا تشتروا هذا المكان الذي أشرتم إليه إلا إذا كان عندكم إمكانية مالية بدون اللجوء إلى الربا, وصلوا على حسب استطاعتكم, مجتمعين أو متفرقين إلى جماعات في أمكنة متعددة. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 13/290. الحديث: 10234 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1366 حكم تسمية المسجد باسم شخص معين [السُّؤَالُ] ـ[لمعروف أن تسمية المساجد بأسماء الأشخاص غير محبب ويعتبر مكروهاً ما رأيك في ذلك؟ وإن كان صحيحاً ما رأيك في تسمية مسجد السيدة زينب باسمها , ومسجد الحسين , ومسجد أحمد الرفاعي باسمه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما ذكرت من أن تسمية المساجد بأسماء الأشخاص مكروه قد قال به بعض العلماء , إلا أن جمهور العلماء على جواز ذلك بلا كراهة. قال الإمام البخاري رحمه الله: " بَاب هَلْ يُقَال مَسْجِد بَنِي فُلان " ثم أورد حديث ابْنِ عُمَرَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي قَدْ أُضْمِرَتْ مِنْ الْحَفْيَاءِ إلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ , وَسَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي لَمْ تُضْمَرْ مِنْ الثَّنِيَّةِ إلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ , وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فِيمَنْ سَابَقَ بِهَا) . قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": " يُسْتَفَاد مِنْهُ جَوَازُ إِضَافَة الْمَسَاجِد إِلَى بَانِيهَا أَوْ الْمُصَلِّي فِيهَا , وَيَلْتَحِق بِهِ جَوَاز إِضَافَة أَعْمَال الْبِرّ إِلَى أَرْبَابهَا , وَإِنَّمَا أَوْرَدَ الْمُصَنِّف (الإمام البخاري) التَّرْجَمَة بِلَفْظِ الاسْتِفْهَام لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ فِيهِ اِحْتِمَالا إِذْ يُحْتَمَل أَنْ يَكُون ذَلِكَ قَدْ عَلِمَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ تَكُون هَذِهِ الإِضَافَة وَقَعَتْ فِي زَمَنه , وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون ذَلِكَ مِمَّا حَدَثَ بَعْده , وَالأَوَّل أَظْهَر وَالْجُمْهُور عَلَى الْجَوَاز , وَالْمُخَالِف فِي ذَلِكَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ فِيمَا رَوَاهُ اِبْن أَبِي شَيْبَة عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَه أَنْ يَقُول مَسْجِد بَنِي فُلان وَيَقُول مُصَلَّى بَنِي فُلان لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ) . وَجَوَابه: أَنَّ الإِضَافَة فِي مِثْل هَذَا إِضَافَة تَمْيِيز لا مِلْك " انتهى. وقال ابن العربي في "أحكام القرآن" (4/277) : " المساجد وإن كانت لله ملكا وتشريفا، فإنها قد نسبت إلى غيره تعريفا , فيقال: مسجد فلان " انتهى. وقال النووي في "المجموع" (2/208) : " ولا بأس أن يقال مسجد فلان، ومسجد بني فلان على سبيل التعريف " انتهى. وعلى هذا؛ فلا حرج من تسمية المسجد باسم شخص معين لكونه هو الذي بناه أو يصلي فيه , وكذلك لا حرج من إطلاق اسم أحد علماء المسلمين أو أعلامهم على المسجد من باب التعريف فقط , لكن لا ينبغي: أن يسمى المسجد باسم من عُرِفَ بالبدعة، لآن في ذلك تعظيماً له، وإغراء للعوام أن يسلكوا طريقته. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 71301 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1367 أول مسجد بناه النبي صلى الله عليه وسلم [السُّؤَالُ] ـ[ما هي مساحة أول مسجد بناه النبي محمد صلى الله عليه وسلم؟ وهل كان به محراب؟ مع ذكر الدليل.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: أول مسجد بناه النبي صلى الله عليه وسلم هو مسجد قباء في المدينة النبوية. قال ابن القيم في "زاد المعاد" (3/58) وهو يذكر دخول الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة: " وكبَّر المسلمون فرحا بقدومه وخرجوا للقائه .... فسار حتى نزل بقباء في بني عمرو بن عوف، فأقام فيهم أربع عشرة ليلة، وأسس مسجد قباء، وهو أول مسجد أسس بعد النبوة " انتهى بتصرف. وقال العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: " ومن حيث الأولية النسبية: فالمسجد الحرام أول بيت وضع للناس، ومسجد قباء أول مسجد بناه المسلمون، والمسجد الحرام بناه الخليل، ومسجد قباء بناه خاتم المرسلين، والمسجد الحرام كان مكانه باختيار من الله وشبيه به مكان مسجد قباء " انتهى. " أضواء البيان " (8 / 326) . ولا نعلم عن مساحته حين بنائه شيئاً، وهو يقع جنوبي المدينة، لكن ببناء حديث ليس فيه من معالم البناء الأول شيء. وقد اهتم المسلمون بمسجد قباء خلال العصور الماضية فجدده عثمان بن عفان رضي الله عنه، ثم عمر بن عبد العزيز. . . وتتابع الخلفاء على توسيعه وتجديد بنائه، حتى كانت التوسعة الأخيرة في عام 1406 هـ. وقد بلغت مساحة المصلى وحده 5035 متراً مربعاً، وبلغت المساحة التي يشغلها مبنى المسجد مع مرافق الخدمة التابعة له 13500 متر مربع. ثانياً: قد وردت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم تبين فضل الصلاة في مسجد قباء: روى البخاري (1193) ومسلم (1399) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ كُلَّ سَبْتٍ مَاشِيًا وَرَاكِبًا. وفي رواية لمسلم: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ رَاكِبًا وَمَاشِيًا فَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ) . وروى الترمذي (324) عن أُسَيْد بْن ظُهَيْرٍ الْأَنْصَارِيَّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ كَعُمْرَةٍ) . صححه الألباني في صحيح الترمذي. وروى النسائي (699) عن سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ خَرَجَ حَتَّى يَأْتِيَ هَذَا الْمَسْجِدَ مَسْجِدَ قُبَاءَ فَصَلَّى فِيهِ كَانَ لَهُ عَدْلَ عُمْرَةٍ) صححه الألباني في صحيح النسائي. ثالثاً: وأما المحراب، فلم يكن به محراب أول ما بُني، وقد ذكر العلماء أن بناء المحاريب في المساجد بدأ في القرن الثاني. وانظر لمعرفة حكم هذه المحاريب جواب السؤال رقم (68827) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 70467 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1368 الذهاب إلى المسجد ماشياً [السُّؤَالُ] ـ[هل الذهاب إلى المسجد راكبا له ثواب الماشي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اعلم أنه قد ورد الأجر العظيم في المشي إلى المسجد , وأن أعظم المصلين أجراً أبعدهم منزلاً. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ , قَالَ: إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ , وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ , وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ , فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ , فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ) رواه مسلم (251) . وعنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ أَعْظَمَ النَّاسِ أَجْرًا فِي الصَّلاةِ أَبْعَدُهُمْ إِلَيْهَا مَمْشًى فَأَبْعَدُهُمْ) رواه مسلم (662) . فهذا الحديث وما قبله دليل على فضل المنزل البعيد عن المسجد؛ لحصول كثرة الخُطَا الذي من ثمرته حصول الثواب , وكثرتها تكون ببعد الدار , كما تكون بكثرة التردد إلى المسجد. وعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَجُلٌ لا أَعْلَمُ رَجُلًا أَبْعَدَ مِنْ الْمَسْجِدِ مِنْهُ وَكَانَ لا تُخْطِئُهُ صَلاةٌ , فَقِيلَ لَهُ أَوْ قُلْتُ لَهُ: لَوْ اشْتَرَيْتَ حِمَارًا تَرْكَبُهُ فِي الظَّلْمَاءِ وَفِي الرَّمْضَاءِ؟ قَالَ مَا يَسُرُّنِي أَنَّ مَنْزِلِي إِلَى جَنْبِ الْمَسْجِدِ , إِنِّي أُرِيدُ أَنْ يُكْتَبَ لِي مَمْشَايَ إِلَى الْمَسْجِدِ , وَرُجُوعِي إِذَا رَجَعْتُ إِلَى أَهْلِي , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قَدْ جَمَعَ اللَّهُ لَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ) رواه مسلم (663) . فانظر أخي المسلم إلى هذا الثواب العظيم من الرب الكريم , حيث دل الحديث على إثبات الأجر في الخطا في الرجوع من الصلاة كما في الذهاب إليها , ولهذا آثر هذا الصحابي رضي الله عنه المشي على قدميه مع بعد داره عن المسجد. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ مَشَى إِلَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ لِيَقْضِيَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ كَانَتْ خَطْوَتَاهُ إِحْدَاهُمَا تَحُطُّ خَطِيئَةً , وَالأُخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً) رواه مسلم (666) . وعَنْ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (بَشِّرْ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه أبو داود (561) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. قال في دليل الفاتحين (3/558-559) : " الظُّلَم: جمع ظلمة، وهي تعم ظلمة العشاء والفجر. وفي الحديث: فضل المشي إلى الصلاة سواء كان المشي طويلاً أو قصيراً , وفضل المشي إليها للجماعات في ظلم الليل " انتهى. وهذا الفضل ثابت ـ إن شاء الله ـ لمن صلى العشاء والفجر مع الجماعة , ولو كانت الطرق مضاءة. لأن هاتين الصلاتين في ظلمة الليل. فهذه الأحاديث وغيرها فيها حث للمسلم على أن يجتهد في إتيان المسجد ماشياً لا راكباً ولو كانت داره بعيدة , ما لم تكن مشقة أو عذر ككبر ونحوه , وألا يعوَّد نفسه ركوب السيارة , إذا كان المسجد تصله القدم بلا مشقة. ومع هذه الفضائل العظيمة في المشي إلى المسجد من محو الخطايا ورفع الدرجات والأجر العظيم والنور التام يوم القيامة؛ فإن هناك فوائد أخرى عظيمة تعود على البدن: إن المشي إلى المسجد هو رياضة بحد ذاته , وفوائده لا تحصى؛ وله دور كبير في تقوية الجسم وتنشيطه بإذن الله تعالى؛ ليكون أهلاً لمقاومة الأمراض والآفات. إن السعي إلى بيوت الله كل يوم في أوقات معلومة متقطعة يكفي لتمرين العضلات وتنشيط الأوصال وتحسين حالة الجسم , كما أن المشي إلى المساجد يساهم في الوقاية من الأمراض التي يسببها الخمول وكثرة الجلوس وعلى رأسها السمن؛ لأن المشي يعمل على إذابة الشحوم والدهون. كما أن المشي علاج لأمراض القلب حيث إنه يعطي القلب ـ بإذن الله ـ القدرة على العمل وتحمل الجهود , حيث تكون الدورة الدموية أكثر انتظاماً. كما أن المشي إلى المسجد علاج للتعب الذهني والتفكير الطويل؛ إذ إنه يعيد العقل إلى حالته الطبيعية , ويساعد على الاسترخاء العصبي والعضلي. وبالجملة ففي المشي إلى بيوت الله تعالى من الفوائد الصحية الشيء الكثير مما أبان عنه الطب الحديث , وهي فوائد عاجلة ينعم الله تعالى بها على عبده المؤمن في الدنيا حيث لبى النداء وأجاب داعي الله , وهناك الأجر العظيم والنور التام في الدار الآخرة إن شاء الله. انظر: " أحكام حضور المساجد" (60-62) لفضيلة الشيخ عبد الله الفوزان. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 70216 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1369 الصلاة بالنعال في المسجد المفروش بالسجاد [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الصلاة في النعال في مسجد الجامعة، بحجة أن الحذاء يصعب فكه وربطه مع ضيق الوقت؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصلاة بالنعال من الأمور المباحة، بل أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم مخالفةً لليهود، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يصلون بنعالهم، وقد أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن ينظروا فيها خشية أن يكون فيها قذر، وقد خلع النبي صلى الله عليه وسلم نعله في الصلاة لإخبار جبريل له بوجود أذى فيه، فخلع الصحابة نعالهم، وكل هذه الأحاديث صحيحة، وستأتي في فتوى علماء اللجنة الدائمة بنصها وتخريجها. ولا شك أن مساجدهم لم تكن مفروشة بالسجاد بل بالرمل والحصباء، فكانت لا تتأثر بدخولها بالنعال، أما المساجد اليوم وقد فرشت بالسجاد فدخولها بالنعال قد يؤدي إلى تراكم الأوساخ في المسجد، وقد يتهاون البعض فيدخلون المساجد بأحذيتهم وعليها قاذورات أو نجاسة. ولو أنه سمح لكل مصل أن يصلي بنعاله على السجاد لاحتجنا إلى مجموعات من العمال لتقوم بتنظيف المسجد بعد كل صلاة ولا نقول في كل يوم، ولا نظن أن من يقبل بهذا يرضى أن يصلي على سجاد مليء بالغبار والأتربة، فضلاً عن غير ذلك من القاذورات أو النجاسات إذا تهاون الناس. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة: حصل خلاف في حكم دخول المساجد بالأحذية والصلاة فيها، فما حكم الشرع في ذلك؟ فأجابوا: " مِن هدي الرسول صلى الله عليه وسلم دخول المسجد بالنعل والصلاة فيها؛ فروى أبو داود في سننه بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره فلما رأى ذلك القوم ألقوا نعالهم، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قال: (ما حملكم على إلقائكم نعالكم؟) قالوا: رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن جبريل عليه السلام أتاني فأخبرني أن فيهما قذراً) ، وقال: (إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر، فإن رأى في نعليه قذراً أو أذى فليمسحه وليصل فيهما) وروى أبو داود أيضا عن يعلى بن شداد بن أوس عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم) ، وروى أبو داود أيضا عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي حافياً ومنتعلاً) ، وأخرجه ابن ماجه. لكن بعد أن فرشت المساجد بالفرش الفاخرة - في الغالب - ينبغي لمن دخل المسجد أن يخلع نعليه رعاية لنظافة الفرش، ومنعاً لتأذي المصلين بما قد يصيب الفرش مما في أسفل الأحذية من قاذورات وإن كانت طاهرة. "فتاوى اللجنة الدائمة" (6/213، 214) . وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: ما حكم الصلاة في النعال؟ فأجاب: " حكمها الاستحباب بعد التأكد من نظافتها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في نعليه، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (إن اليهود والنصارى لا يصلون في خفافهم ولا في نعالهم فخالفوهم) ومن صلى حافيا فلا بأس؛ لأنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي في بعض الأحيان حافيا لا نعل عليه. وإذا كان المسجد مفروشا فإن الأولى خلعها؛ حذراً من توسيخ الفرش، وتنفير المسلمين من السجود عليها " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" وقال الشيخ الألباني رحمه الله: "وقد نصحت إخواننا السلفيين أن لا يتشددوا في هذه المسألة - أي الصلاة بالنعال في المساجد - لما هناك من فارق بين المساجد اليوم المفروشة بالسجاد الفاخر، وبين ما كان عليه المسجد النبوي في زمنه الأول، وقد قرنت لهم ذلك بِمَثَلٍ من السنة في قصة أخرى: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر من بادره البصاق أو المخاط وهو يصلي أن يبصق عن يساره أو تحت قدميه، وهذا أمر واضح أن هذا يتماشى مع كون الأرض - أرض المسجد التي سيضطر للبصاق فيها - من الرمل أو الحصباء، فاليوم المصلَّى مسجد مفروش بالسجاد، فهل يقولون إنه يجوز أن يبصق على السجاد؟! فهذه كتلك " انتهى. وهذا الذي قاله الشيخ الألباني رحمه الله قد قاله من قبل الإمام أحمد رحمه الله. فقد نقل ابن رجب رحمه الله في "فتح الباري" عن بكر بن محمد قال: قلت لأبي عبد الله - يعني: الإمام أحمد بن حنبل -: ما ترى في الرجل يبزق في المسجد ثم يدلكه برجله؟ قال: هذا ليس هو في كل الحديث. قال: والمساجد قد طرح فيها بواري ليس كما كانت. قال: فأعجب إلي إذا أراد أن يبزق وهو يصلي أن يبزق عن يساره إذا كان البزاق يقع في غير المسجد، يقع خارجاً، وإذا كان في مسجد ولا يمكنه أن يقع بزاقه خارجاً أن يجعله في ثوبه " انتهى. البواري: الحصير المنسوج. كما في "القاموس المحيط". فذكر رحمه الله أن البزاق في المسجد ودلكه بالرِّجْل إنما كان لما كانت المساجد غير مفروشة. وإذا كان خلع النعال فيه صعوبة، مثل ما يلبسه العسكريون فيجوز لهم الصلاة بحذائهم بشرط التأكد من نظافته. سئل علماء اللجنة الدائمة: ما حكم دخول المسجد بالحذاء (البسطار) خاصة وأن العسكريين تطلب عملهم لبس الحذاء دائماً، علماً بأن المساجد مفروشة؟ فأجابوا: " يجوز دخول المسجد بالحذاء والصلاة به إذا كان طاهراً، مع مراعاة العناية به عند دخول المسجد حتى لا يكون به أذى " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (6/215، 216) . وعلى هذا فالأولى عدم الصلاة في المساجد بالنعال الآن، إلا لمن عليه مشقة من خلع نعليه، فيصلي بهما بعد التأكد من نظافتهما، وعدم أذية من بجانبه، وإذا كان هذا سيؤدي إلى نوع من الاختلاف والبغضاء والتنفير فالأولى أن يخلع نعليه حرصاً على حصول الألفة بين المسلمين، وعدم ما يسبب العداوة والبغضاء، ويمكن للمسلم أن يؤدي السنة، ويمتثل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة في نعليه، حيث لا يترتب على ذلك مفسدة، كما لو صلاها في بيته، أو إذا صلى على أرض غير مفروشة ونحو ذلك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69793 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1370 حكم تركيب أجهزة صدى الصوت في المساجد [السُّؤَالُ] ـ[انتشر في المساجد في السنوات الأخيرة تركيب جهاز يسمى جهاز ترديد الصدى يضاف إلى مكبر الصوت لتضخيمه وترديد صداه في جنبات المسجد فما حكم تركيب هذا الجهاز؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " إذا كان لا يحصل من جهاز ترديد الصدى إلا تحسين الصوت داخل المسجد فلا بأس به؛ أما إذا كان يحصل منه ترديد الحروف فحرام؛ لأنه يلزم منه زيادة حرف أو حرفين في التلاوة , فيغير كلام الله تعالى عما أنزل عليه , قال في كتاب "الإقناع": " وكره أحمد قراءة الألحان وقال: وهي بدعة. فإن حصل معها تغيير نظم القرآن وجعل الحركات حروفاً حرم " انتهى كلامه. وأما إذا كان الصوت يخرج عن المسجد من فوق المنارة فإن كان ليس حوله مساجد يشوش عليهم أو مساكن يتأذى أهلها بالصوت فأرجو أن لا يكون بذلك حرج , وأما إذا كان حوله مساجد يشوش عليهم أو مساكن يتأذى أهلها بالصوت فلا يرفعه من فوق المنارة لما في ذلك من أذية الآخرين والتشويش عليهم , وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قَالَ: اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ فَكَشَفَ السِّتْرَ وَقَالَ: (أَلا إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ فَلا يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَلا يَرْفَعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ أَوْ قَالَ فِي الصَّلاةِ) أخرجه أبو داود، ونحوه عن البياضي فروة بن عمرو رواه مالك في الموطأ , قال ابن عبد البر: حديث البياضي وأبي سعيد ثابتان صحيحان. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ليس لأحد أن يجهر بالقراءة بحيث يؤذي غيره كالمصلين " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (15/160) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 68826 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1371 حكم المحراب الذي في المساجد [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم بناء المحراب في قبلة المسجد؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المحراب الذي يصلي فيه الإمام في المسجد لم يكن موجودا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم , ولا في القرن الأول، وإنما ظهر في القرن الثاني وتتابع المسلمون على بنائه في مساجدهم لما فيه من المصلحة، كدلالة الداخل إلى المسجد على جهة القبلة. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة: المحراب في المسجد، هل كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأجابوا: " لم يزل المسلمون يعملون المحاريب في المساجد في القرون المفضلة وما بعدها؛ لما في ذلك من المصلحة العامة للمسلمين، ومن ذلك بيان القبلة، وإيضاح أن المكان مسجد " انتهى. " فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (6 / 252، 253) . وذهب بعض العلماء إلى أن اتخاذ هذه المحاريب بدعة، ويُنهى عنها، واستدلوا بما رواه الطبراني والبيهقي في سننه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اتقوا هذه المذابح) . يعني: المحاريب. صححه الألباني في صحيح الجامع (120) . ولكن يجاب عن هذا الاستدلال بأن المحاريب في هذا الحديث ليست هي المحاريب التي في المساجد، وإنما المراد بذلك صدور المجالس، فهذا نهي من النبي صلى الله عليه وسلم عن التصدر في المجلس، لما يُخشى منه من حصول الرياء أو شيء من العجب في صاحبه. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد": قلت: المحاريب صدور المجالس. انتهى. وقال ابن الأثير في "النهاية": المحْرابُ: المَوْضع العَالي المُشْرِفُ، وهُو صَدْر المَجْلس أيضاً، ومنه سُمّي محْراب المسْجد، وهو صَدْرُه وأشْرَف مَوْضِع فيه. انتهى. وقال المناوي في "فيض القدير": أي: تجنبوا تحري صدور المجالس يعني التنافس فيها، ووقع للمصنف (يعني السيوطي) أنه جعل هذا نهياً عن اتخاذ المحاريب في المساجد والوقوف فيها وقال: خفي على قوم كون المحراب بالمسجد بدعة وظنوا أنه كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن في زمنه ولا في زمن أحد من خلفائه بل حدث في المئة الثانية مع ثبوت النهي عن اتخاذه. . . ثم قال المناوي: أقول: وهذا بناء منه على ما فهمه من لفظ الحديث أن مراده بالمحراب ليس إلا ما هو المتعارف في المسجد الآن، ولا كذلك، فإن الإمام الشهير المعروف بابن الأثير قد نص على أن المراد بالمحاريب في الحديث صدور المجالس. . . واقتفاه في ذلك جمع جازمين به ولم يحكوا خلافه منهم الحافظ الهيتمي وغيره. . . انتهى. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن موسى الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال أمتي بخير ما لم يتخذوا في مساجدهم مذابح كمذابح النصارى) . وهذا الحديث إن صح، فالمراد بهذا النهي إذا اتخذت محاريب كمحاريب النصارى، فإما إن كانت ليست كمحاريب النصارى فلا يُنهى عنها. وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: عن حكم اتخاذ المحاريب في المساجد؟ وما الجواب عما روي من النهي عن مذابح كمذابح النصارى؟ فأجاب: " اختلف العلماء رحمهم الله في اتخاذ المحراب هل هو سنة، أو مستحب، أو مباح؟ والذي أرى أن اتخاذ المحاريب مباح، وهذا هو المشهور من المذهب، ولو قيل باستحبابه لغيره لما فيه من المصالح الكثيرة، ومنها تعليم الجاهل القبلة: لكان حسناً. وأما ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: " النهي عن مذابح كمذابح النصارى " أي: المحاريب: فهذا النهي وارد على ما إذا اتخذت محاريب كمحاريب النصارى، أما إذا اتخذت محاريب متميزة للمسلمين فإن هذا لا ينهى عنه " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (12 / السؤال رقم 326) . وسئل – أيضاً -: عدَّ بعض أهل العلم المحاريب في المساجد من البدع ومن التشبه بالكافرين، فهل هذا القول صحيح؟ فأجاب: " هذا القول - فيما أرى - غير صحيح؛ وذلك لأن الذين يتخذونه إنما يتخذونه علامة على القبلة، ودليلاً على جهتها. وما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ مذابح كمذابح النصارى: فإن المراد به أن نتخذ محاريب كمحاريب النصارى، فإذا تميزت عنها زال الشبه " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (12 / السؤال رقم 327) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 68827 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1372 هل يأخذ أجر الصف الأول ولو لم يكن في المسجد إلا صف واحد؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل الأفضل أن أذهب إلى مسجد به عدد كبير من المصلين حتى إن كان بعيداً؟ وهل آخذ ثواب "الصف الأول" إذا كان المسجد الذي أصلي فيه به صف واحد فقط؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: قد دلت الأدلة على أن أجر صلاة الجماعة يزداد بكثرة عدد المصلين، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (38194) . وخطواتك إلى المسجد – مهما بعُد – مكتوب لك أجرها عند الله، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (وَكُلُّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ) رواه البخاري (2989) ومسلم (1009) . وروى مسلم (665) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: خَلَتْ الْبِقَاعُ حَوْلَ الْمَسْجِدِ فَأَرَادَ بَنُو سَلِمَةَ أَنْ يَنْتَقِلُوا إِلَى قُرْبِ الْمَسْجِدِ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُمْ: (إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَنْتَقِلُوا قُرْبَ الْمَسْجِدِ) قَالُوا نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَرَدْنَا ذَلِكَ. فَقَالَ: (يَا بَنِي سَلِمَةَ دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ) . قال النووي رحمه الله: " معناه الزموا دياركم فإنكم إذا لزمتموها كتبت آثارُكم وخطاكم الكثيرة إلى المسجد. وبنو سلِمة، قبيلة معروفة من الأنصار رضي الله عنهم " انتهى من "شرح مسلم" (5/169) . وينبغي أن يُعلم أن المفاضلة بين الصلاة في مسجد ومسجد، تدخل فيها أمور أخرى غير كثرة العدد وكثرة الخطى، كالتزام الإمام والمأمومين بالسنة، وحرصهم على إقامة الصلاة كما أمر الله تعالى، من الخشوع والطمأنينة وتسوية الصفوف وغير ذلك مما يتمم الصلاة ويكملها. وقد يكون في بعض المساجد حلقات للتعليم أو تحفيظ كتاب الله تعالى، فينبغي أن يكون للإنسان حظ من ذلك، وألا يفرط فيه ولو كان المسجد أقل عددا. والفقه أن يوازن الإنسان بين مراتب الأعمال، وأن يعرف الفاضل من المفضول، وأن يجتهد في تحصيل الأجر والثواب ما أمكنه. ثانيا: جاء في فضل الصف الأول أحاديث، منها ما رواه البخاري (615) ومسلم (437) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاسْتَهَمُوا) . ومعنى (استهموا) : أي اقترعوا، ويدل عليه رواية مسلم (439) : (لَوْ تَعْلَمُونَ أَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ لَكَانَتْ قُرْعَةً) . وروى أبو داود (664) والنسائي (811) عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَلَّلُ الصُّفُوفَ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلَى نَاحِيَةٍ، يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا وَصُدُورَنَا، وَيَقُولُ: (لا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ) وَكَانَ يَقُولُ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصُّفُوفِ الْمُتَقَدِّمَةِ) . صححه الألباني في صحيح النسائي. ورواه ابن ماجه (997) بلفظ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصَّفِّ الأَوَّلِ) . والصف الأول: المراد به ما يلي الإمام مطلقا، سواء تخلله شيء كمقصورة أو لا. وقيل: هو أول صف تام يلي الإمام، وقيل: المراد به من سبق إلى الصلاة ولو صلى آخر الصفوف. قال النووي رحمه الله: " القول الأول هو الصحيح المختار، وبه صرح المحققون، والقولان الآخران غلط صريح " انتهى نقلا عن "فتح الباري" (2/244) . ولا فرق بين أن يكون في المسجد صف واحد أو صفوف، فما يلي الإمام هو الصف الأول، الموعود أهله بذلك الفضل، إن شاء الله، لعموم الأحاديث. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 67797 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1373 حكم حجز المكان في الصف الأول والابتعاد عنه فترة طويلة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز الاعتكاف في المسجد النبوي في الصف الأول وحجز المكان عند الذهاب للنوم في مؤخرة المسجد ثم العودة للمكان في الصف الأول؟ وهل يجوز النوم في الصف الأول حين لا يكون وقت صلاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز لمن كان بالمسجد أن يضع سجادة ونحوها مكانه، وينام في آخر المسجد، ثم يعود إلى مكانه، ولو كان ذلك في الصف الأول، ما لم تُقَم الصلاة، فإن أقيمت الصلاة ولم يحضر فلا حق له في المكان، وترفع سجادته. وكذلك لو خرج من المسجد لعذر، كذهابه للوضوء، ثم عاد فهو أحق بمكانه. وإذا انتهى عذره ثم تهاون في الرجوع وتأخر، فلا حق له. ودليل هذه المسألة ما رواه مسلم (2179) عن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ) . قال ابن قدامة في "المغني" (2/101) : " إٍذا جلس في مكان , ثم بدت له حاجة , أو احتاج إلى الوضوء , فله الخروج. . . . فإذا قام من مجلسه , ثم رجع إليه فهو أحق به , لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ) " انتهى باختصار. وقال في "مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى " (1/786) : " والعائد قريبا من قيامه لعارضٍ لَحِقَه كتطهرٍ أحق بمكانه الذي كان سبق إليه من كل أحد. فلو جلس فيه أحد , فله إقامته. . . وقيده في "الوجيز" بما إذا عاد ولم يتشاغل بغيره " انتهى باختصار. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (5/135) : وهو يقرر تحريم حجز المكان في المسجد والخروج منه ـ قال: " والصحيح في هذه المسألة أن الحجز والخروج من المسجد لا يجوز، وأن للإنسان أن يرفع المصلَّى المفروش؛ لأن القاعدة: (ما كان وضعه بغير حق فرفعه حق) ، لكن لو خيفت المفسدة برفعه من عداوة أو بغضاء، أو ما أشبه ذلك، فلا يُرفع، لأن درأ المفاسد أولى من جلب المصالح، وإذا علم الله من نيتك أنه لولا هذا المصلى المفروش لكنت في مكانه، فإن الله قد يثيبك ثواب المتقدمين؛ لأنك إنما تركت هذا المكان المتقدم من أجل العذر. وقوله: "ما لم تحضر الصلاة" أي: فإن حضرت الصلاة بإقامتها فلنا رفعه؛ لأنه في هذه الحال لا حرمة له، ولأننا لو أبقيناه لكان في الصف فرجة، وهذا خلاف السنة. ويستثنى من القول الراجح من تحريم وضع المصلَّى؛ ما إذا كان الإنسان في المسجد، فله أن يضع مصلَّى بالصف الأول، أو أي شيء يدل على الحجز، ثم يذهب في أطراف المسجد لينام، أو لأجل أن يقرأ قرآناً، أو يراجع كتاباً، فهنا له الحق؛ لأنه ما زال في المسجد، لكن إذا اتصلت الصفوف لزمه الرجوع إلى مكانه؛ لئلا يتخطى رقاب الناس. وكذلك يستثنى أيضاً ما ذكره المؤلف: بقوله: "ومن قام من موضعه لعارِضٍ لَحِقَه، ثم عاد إليه قريباً فهو أحق به"، فإذا حجز الإنسان المكان، وخرج من المسجد لعارض لحقه، ثم عاد إليه فهو أحق به، والعارض الذي يلحقه مثل أن يحتاج للوضوء، أو أصيب بأي شيء اضطره إلى الخروج، فإنه يخرج، وإذا عاد فهو أحق به. ولكن المؤلف اشترط فقال: "ثم عاد إليه قريباً" فظاهر كلام المؤلف أنه لو تأخر طويلاً فليس أحق به، فلغيره أن يجلس فيه. وقال بعض العلماء: بل هو أحق، ولو عاد بعد مدة طويلة إذا كان العذر باقياً، وهذا القول أصح؛ لأن استمرار العذر كابتدائه، فإنه إذا جاز أن يخرج من المسجد، ويُبقي المصلَّى إذا حصل له عذر، فكذلك إذا استمر به العذر، لكن من المعلوم أنه لو أقيمت الصلاة، ولم يزل غائباً فإنه يرفع. قال في "الروض": (ولم يقيده الأكثر بالعود قريباً) أي: أكثر أصحاب الإمام أحمد لم يقيدوه بالعود قريباً، كما هو ظاهر الحديث. ولكن الذي ذكرناه قول وسط، وهو: أنه إذا عاد بعد مدة طويلة بناء على استمرار العذر فهو أحق به، أما إن انتهى العذر، ولكنه تهاون وتأخر، فلا يكون أحق به ". انتهى باختصار انتهى من "الشرح الممتع" (5/135) . ولا حرج على المعتكف وغيره لو نام في الصف الأول، فيما بين الصلوات، ما لم يكن في ذلك أذى أو تضييق على غيره، فالأولى حينئذ أن يتنحى عن الصفوف الأولى. والأحسن أن يتجنب النوم في الصفوف الأولى مرعاةً للناس، فإنهم يستهجنون هذا الفعل، ويستقبحونه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 66279 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1374 حكم مد المصلين أرجلهم باتجاه المصاحف [السُّؤَالُ] ـ[يقوم بعض المصلين بمد أرجلهم بعد الصلاة لإراحتها، ولكن غالبا يكون أمامهم مصاحف، وكنت قد سمعت فتوى لابن تيمية بهذا الخصوص، ولكن لا أتذكرها. هلا أسعفتمونا بها وذكرتم حكم هذا العمل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " أجمع العلماء على وجوب صيانة المصحف واحترامه " "المجموع" للنووي (2/84) . ومد الرجل إلى المصحف فيه نوع من إساءة الأدب. لذلك ذهب جماعة من العلماء إلى كراهة هذا الفعل، ومنهم من ذهب إلى تحريمه. قال في "البحر الرائق" (2/36) – وهو من كتب المذهب الحنفي -: " يكره أن يمد رجليه في النوم وغيره إلى المصحف أو كتب الفقه إلا أن تكون على مكان مرتفع عن المحاذاة " انتهى باختصار. وقال في "الإقناع" (1/62) – وهو من كتب المذهب الحنبلي - " ويكره مد الرجلين إلى جهته (أي: المصحف) وفي معناه: استدباره وتخطيه " انتهى. وقال ابن مفلح في "الأداب الشرعية" (2/285) : " ويكره توسد المصحف. . . واختار ابن حمدان التحريم وقطع به في المغني , وكذا سائر كتب العلم إن كان فيها قرآن، وإلا كره فقط. ويقرب من ذلك: مد الرجلين إلى شيء من ذلك. وقال الحنفية: يكره، لما فيه من أسماء الله تعالى، وإساءة الأدب " انتهى باختصار. وذهب بعض الشافعية أيضاً إلى التحريم، كما في "تحفة المحتاج" (1/155) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: توضع المصاحف في المساجد على حوامل، فبعض الناس يجلس ويمد رجليه، وقد تصادف أن تكون إلى جهة هذه الحوامل، وتكون قريبة منها، أو تحتها، فإذا كان الجالس لا يقصد إهانة المصحف، فهل يلزمه كف رجليه عن هذه المصاحف؟ أو يغير مكان المصاحف؟ وهل ننكر على من فعل ذلك؟ فأجاب: " لا شك أن تعظيم كتاب الله عز وجل من كمال الإيمان، وكمال تعظيم الإنسان لربه تبارك وتعالى. ومد الرجل إلى المصحف أو إلى الحوامل التي فيها المصاحف أو الجلوس على كرسي أو ماصة (طاولة) تحتها مصحف ينافي كمال التعظيم لكلام الله عز وجل، ولهذا قال أهل العلم: إنه يكره للإنسان أن يمد رجله إلى المصحف؛ هذا مع سلامة النية والقصد، أما لو أراد الإنسان إهانة كلام الله فإنه كفر؛ لأن القرآن الكريم كلام الله تعالى. وإذا رأيتم أحداً قد مد رجليه إلى المصحف سواء كان على حامل أو على الأرض، أو رأيتم أحداً جالساً على شيء وتحته مصحف فأزيلوا المصحف عن أمام رجليه، أو عن الكرسي الذي هو جالس عليه، أو قولوا له: لا تمد رجليك إلى المصحف، احترم كلام الله عز وجل. والدليل: ما ذكرتُه من أن ذلك ينافي كمال التعظيم لكلام الله، ولهذا لو أن رجلا محترماً عندك أمامك ما استطعت أن تمد رجليك إليه تعظيماً له، فكتاب الله أولى بالتعظيم " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" المجلد الثالث. وأما عن فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية في ذلك، فقد بحثنا عنها ولم نجدها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 66200 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1375 وجود قبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده مع النهي عن اتخاذ القبور مساجد [السُّؤَالُ] ـ[الحديث الشريف: (لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ... الخ) . فما القول في أن قبر الرسول عليه الصلاة والسلام موجود داخل مسجده بالمدينة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قد تكلم العلماء قديماً وحديثاً في هذه المسألة، وردوا على من استدل بوجود قبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده على جواز اتخاذ القبور مساجد، أو إدخال القبور في المساجد، وسنذكر هاهنا فتاوى لبعض علمائنا المحققين، وفيها تفصيل ما في السؤال من إشكال. 1. قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: " هنا شبهة يشبه بها عُبَّاد القبور، وهي: وجود قبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده، والجواب عن ذلك: أن الصحابة رضي الله عنهم لم يدفنوه في مسجده، وإنما دفنوه في بيت عائشة رضي الله عنها، فلما وَسَّعَ الوليد بن عبد الملك مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في آخر القرن الأول أدخل الحجرة في المسجد، وقد أساء في ذلك، وأنكر عليه بعض أهل العلم، ولكنه اعتقد أن ذلك لا بأس به من أجل التوسعة. فلا يجوز لمسلم أن يحتج بذلك على بناء المساجد على القبور، أو الدفن في المساجد؛ لأن ذلك مخالف للأحاديث الصحيحة؛ ولأن ذلك أيضا من وسائل الشرك بأصحاب القبور " انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (5/388، 389) . 2. سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله عن حكم الصلاة في مسجد فيه قبر؟ فأجاب: " الصلاة في مسجد فيه قبر على نوعين: الأول: أن يكون القبر سابقاً على المسجد، بحيث يبنى المسجد على القبر، فالواجب هجر هذا المسجد وعدم الصلاة فيه، وعلى من بناه أن يهدمه، فإن لم يفعل وجب على ولي أمر المسلمين أن يهدمه. والنوع الثاني: أن يكون المسجد سابقاً على القبر، بحيث يدفن الميت فيه بعد بناء المسجد، فالواجب نبش القبر، وإخراج الميت منه، ودفنه مع الناس. وأما المسجد فتجوز الصلاة فيه بشرط أن لا يكون القبر أمام المصلي، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة إلى القبور. أما قبر النبي صلى الله عليه وسلم الذي شمله المسجد النبوي فمن المعلوم أن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بُنِيَ قبل موته فلم يُبْنَ على القبر، ومن المعلوم أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدفن فيه، وإنما دفن في بيته المنفصل عن المسجد، وفي عهد الوليد بن عبد الملك كتب إلى أميره على المدينة وهو عمر بن عبد العزيز في سنة 88 من الهجرة أن يهدم المسجد النبوي ويضيف إليه حجر زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، فجمع عمر وجوه الناس والفقهاء وقرأ عليهم كتاب أمير المؤمنين الوليد فشق عليهم ذلك، وقالوا: تَرْكُها على حالها أدعى للعبرة، ويحكى أن سعيد بن المسيب أنكر إدخال حجرة عائشة، كأنه خشي أن يتخذ القبر مسجداً فكتب عمر بذلك إلى الوليد فأرسل الوليد إليه يأمره بالتنفيذ فلم يكن لعمر بُدٌّ من ذلك، فأنت ترى أن قبر النبي صلى الله عليه وسلم لم يوضع في المسجد، ولم يُبْنَ عليه المسجد، فلا حجة فيه لمحتج على الدفن في المساجد أو بنائها على القبور، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد "، قال ذلك وهو في سياق الموت تحذيراً لأمته مما صنع هؤلاء، ولما ذكرت له أم سلمة رضي الله عنها كنيسة رأتها في أرض الحبشة وما فيها من الصور قال: " أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح، أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجداً، أولئك شرار الخلق عند الله "، وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن مِن شرار الناس مَن تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون من القبور مساجد " أخرجه الإمام أحمد بسند جيد. والمؤمن لا يرضى أن يسلك مسلك اليهود والنصارى، ولا أن يكون من شرار الخلق. "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (12/السؤال رقم 292) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65944 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1376 هل يجوز عمل مصلى تكون فيه النساء أمام الإمام؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم عمل مكان مخصص لصلاة النساء (التراويح) أمام المسجد (أي: سيكون المصلى مقدماً على الإمام يفصل بينهم جدار المسجد) وليس هناك مكان آخر لصلاة النساء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الأفضل للمرأة أن تصلي في بيتها، فعن أُمِّ حُمَيْدٍ امْرَأَةِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهَا جَاءَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُحِبُّ الصَّلاةَ مَعَكَ. قَالَ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلاةَ مَعِي، وَصَلاتُكِ فِي بَيْتِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي حُجْرَتِكِ، وَصَلاتُكِ فِي حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلاتِكِ فِي دَارِكِ، وَصَلاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ، وَصَلاتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي مَسْجِدِي. قَالَ: فَأَمَرَتْ فَبُنِيَ لَهَا مَسْجِدٌ فِي أَقْصَى شَيْءٍ مِنْ بَيْتِهَا وَأَظْلَمِهِ، فَكَانَتْ تُصَلِّي فِيهِ حَتَّى لَقِيَتْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ. رواه أحمد (26550) وصححه ابن خزيمة (1689) ، وحسَّنه الشيخ الألباني في "صحيح الترغيب" (340) . قال عبد العظيم آبادي رحمه الله: ووجه كون صلاتهن في البيوت أفضل للأمن من الفتنة، ويتأكد ذلك بعد وجود ما أحدث النساء من التبرج والزينة. "عون المعبود" (2/193) . ومع ذلك: فإذا أرادت المرأة أن تذهب إلى المسجد للصلاة فلا يجوز لأحد منعها إذا التزمت بالشروط الشرعية لخروجها، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ إِذَا اسْتَأْذَنَّكُمْ إِلَيْهَا) رواه البخاري (865) ومسلم (442) . وانظر السؤال (9232) . ثانياً: الأصل في صلاة الجماعة أن يكون المأموم خلف إمامه، وقد اختلف العلماء في حكم من صلَّى أَمام إمامه على أقوال، أصحها: الجواز للعذر. سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: هل تجزئ الصلاة قدام الإمام أو خلفه في المسجد وبينهما حائل أم لا؟ فأجاب: " أما صلاة المأموم قدَّام الإمام: ففيها ثلاثة أقوال للعلماء: أحدها: أنها تصح مطلقا , وإن قيل: إنها تكره , وهذا القول هو المشهور من مذهب مالك , والقول القديم للشافعي. والثاني: أنها لا تصح مطلقا , كمذهب أبي حنيفة , والشافعي , وأحمد في المشهور من مذهبهما. والثالث: أنها تصح مع العذر دون غيره، مثل ما إذا كان زحمة فلم يمكنه أن يصلي الجمعة أو الجنازة إلا قدام الإمام , فتكون صلاته قدام الإمام خيراً له من تركه للصلاة. وهذا قول طائفة من العلماء , وهو قولٌ في مذهب أحمد وغيره، وهو أعدل الأقوال وأرجحها؛ وذلك لأن ترك التقدم على الإمام غايته أن يكون واجبا من واجبات الصلاة في الجماعة , والواجبات كلها تسقط بالعذر، وإن كانت واجبة في أصل الصلاة , فالواجب في الجماعة أولى بالسقوط ; ولهذا يسقط عن المصلي ما يعجز عنه من القيام , والقراءة , واللباس , والطهارة , وغير ذلك. وأما الجماعة فإنه يجلس في الأوتار لمتابعة الإمام (يعني يجلس بعد الركعة الأولى والثالثة، وهذا فيمن دخل الصلاة متأخراً ركعة) , ولو فعل ذلك منفردا عمدا بطلت صلاته , وإن أدركه ساجدا أو قاعدا كبر وسجد معه , وقعد معه ; لأجل المتابعة، مع أنه لا يعتد له بذلك , ويسجد لسهو الإمام , وإن كان هو لم يسه. وأيضاً: ففي صلاة الخوف لا يستقبل القبلة , ويعمل العمل الكثير ويفارق الإمام قبل السلام , ويقضي الركعة الأولى قبل سلام الإمام , وغير ذلك مما يفعله لأجل الجماعة , ولو فعله لغير عذر بطلت صلاته ... . والمقصود هنا: أن الجماعة تفعل بحسب الإمكان , فإذا كان المأموم لا يمكنه الائتمام بإمامه إلا قدامه كان غاية [ما] في هذا أنه قد ترك الموقف لأجل الجماعة , وهذا أخف من غيره , ومثل هذا أنه منهي عن الصلاة خلف الصف وحده , فلو لم يجد من يصافه ولم يجذب أحدا يصلي معه صلى وحده خلف الصف , ولم يَدَعْ الجماعة , كما أن المرأة إذا لم تجد امرأة تصافها فإنها تقف وحدها خلف الصف , باتفاق الأئمة، وهو إنما أُمِرَ بالمصافة مع الإمكان لا عند العجز عن المصافة. " الفتاوى الكبرى " (2 / 331 – 333) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجوز تقدم المأموم على الإمام؟ فأجاب: " الصحيح أن تقدم الإمام واجب، وأنه لا يجوز أن يتقدم المأموم على إمامه، لأن معنى كلمة " إمام " أن يكون إماماً، يعني يكون قدوة، ويكون مكانه قدام المأمومين، فلا يجوز أن يصلي المأموم قدام إمامه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي قدام الصحابة رضي الله عنهم، وعلى هذا فالذين يصلون قدام الإمام ليس لهم صلاة، ويجب عليهم أن يعيدوا صلاتهم إلا أن بعض أهل العلم استثنى من ذلك ما دعت الضرورة إليه مثل أن يكون المسجد ضيقاً، وما حواليه لا يسع الناس فيصلي الناس عن اليمين واليسار والأمام والخلف لأجل الضرورة " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (13/44) . وعلى هذا؛ فإكم تجتهدون في جعل مكان النساء خلف الإمام، فإن لم يوجد مكان، ولم يمكن إلا قدام الإمام، فلا حرج فيه إن شاء الله تعالى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65685 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1377 هل أجر ترميم المساجد مثل أجر بنائها [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم ترميم المساجد وهل أجر الترميم مثل أجر البناء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرض هذا السؤال على الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله فقال: ترميم المساجد على ثلاثة أقسام: الأول: ترميم كمالي، لا حاجة إليه فهذا أخشى أن يكون المرمم إلى الإثم أقرب منه إلى السلامة؛ لأنه إذا كان لا حاجة إليه وإنما المقصود منه تجميل المسجد صار فيه إضاعة للمال بلا فائدة والمال الذي تنفقه على هذا الترميم أنفقه في مساجد أُخرى ينتفع الناس بها. الثاني: ترميم دعت الحاجة إليه دون الضرورة، مثل أن يكون البلاط قد تقشع، أو التلييس قد تقشع ولكن المسجد قائم فهذا يُؤجر عليه الإنسان؛ لأن فيه تنظيفاً للمسجد وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور وأن تنظف وتُطيب. الثالث: ترميم دعت إليه الضرورة كتصدع الجدران في مساجد الطين، وتصدع الجسور في مساجد المسلح، وما أشبه ذلك فهذا يُعطى حكم بنائها لأن ترميمها ضروري. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. الحديث: 10172 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1378 هل يجوز إعارة الكتب التي بالمساجد؟ [السُّؤَالُ] ـ[الكتب الموجودة في مكتبات المساجد، هل يجوز إعارتها، التصرف بها، من يستعملها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الوقف من الصدقات الجارية التي يؤجر عليها أصحابها، وهو مما يلحق المؤمن أجره في قبره. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته: علماً علَّمه ونشره، وولداً صالحاً تركه، ومصحفاً ورَّثه، أو مسجداً بناه، أو بيتاً لابن السبيل بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته يلحقه من بعد موته) رواه ابن ماجه (242) ، وحسَّنه الألباني في "صحيح الترغيب" (77) . ثانياً: وأما إعارة هذه الكتب , فيرجع الأمر في ذلك إلى ما اشترطه الواقف لها (صاحبها المتبرع بها) إن كان أَذِنَ بإعارتها لمن يستفيد منها ثم يعيدها , أو لم يشترط ذلك لكن جرى العرف بإعارة الكتب الموقوفة على المساجد , ففي هاتين الحالتين لا بأس بإعارتها. وعلى المسئول عنها أن يوثِّق هذه الاستعارة بكتابة اسم المستعير وتحديد تاريخ الاستعارة وإرجاع الكتاب. ويجب على من استعار كتاباً أن يحافظ عليه من التمزيق والإساءة والكتابة عليه، ويجب الالتزام بتاريخ الإرجاع ليعطي الفرصة لغيره بأن يستفيد منه، فيزداد أجر الواقف له. أما إذا اشترط عدم إعارتها , أو لم يشترط شيئاً , ولم يكن العرف المعمول به إعارتها , فلا يجوز إعارتها لأحد , ومن أراد الاستفادة منها قرأها في المسجد. ثالثاً: وأما التصرف بها فالواجب على المسئول عنها (ناظر الوقف) أن يعمل بما اشترطه الواقف لها , من حيث إعارتها أو عدم إعارتها , وغير ذلك من الشروط. ولا يجوز له أن يمكن منها أطفالاً صغاراً أو من عُرِفَ بالإهمال وعدم المحافظة عليها , لأن ذلك تضييع للأمانة المسئول عنها. وانظر تفصيلاً نافعاً في أحكام الوقف جواب السؤال رقم: (13720) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 60329 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1379 نبشت قبور مقبرة وبني مكانها مسجد فهل تجوز الصلاة فيه؟ [السُّؤَالُ] ـ[أحد المساجد في مدينتنا وهو أكبرها ثبت أنه كان قد بني مكان مقبرة بعد نبش القبور وتحويلها إلى مكان آخر. المشكلة أن هناك من يقول إنه لم تتم إزالة جميع القبور أو جميع الرفات حيث جيء بجرافة لتسوية المكان بعد إزالة القبور الظاهرة وكلما وجدوا قبراً أزالوه , فما حكم الصلاة فيه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يجب على المسلمين احترام قبور أمواتهم، ولا يحل نبش قبورهم لغير ضرورة، فإن كانت هناك ضرورة فيجب عليهم دفن كل ميت في قبر جديد. وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: أسكن في قرية على حافة جبل وبجوارنا من الجهة اليمانية جبل مرتفع ومن الجهة الغربية حافة جبل، ومن الجهة الشرقية كذلك ومدرجات زراعية تحيط بنا، وعندي قطعة أرض بجوار مقبرة فعزمت على أن أبني لي بيتاً لأن بيت والدي أصبح لا يسعنا، وبعد أن حفرت في نفس الأرض وطرحنا حجر الأساس للبيت، وجدنا قبوراً، فقمنا بإخراج العظم ونقلها إلى محل آخر حيث يوجد عندنا في القرية خندق تحت جبل يوجد فيه رؤوس وأيادي وأرجل وأجزاء من أجسام بني آدم وضعت من قديم الزمان، ولا ندري هل عملنا هذا مشروع أم لا؟ أفيدونا أفادكم الله. فأجاب: "هذا العمل لا يجوز، فما دامت الأرض فيها قبور: فالواجب تركها، فهي تبع المقبرة ما دامت المقبرة بجوار الأرض المذكورة، فالواجب أن لا يتعرض لها، ولا ينبش القبور، وإذا حفر ووجد القبور يتركها، ولا يجوز للناس أن ينبشوا القبور، ويضعوا بيوتهم في محل القبور، فهذا تعد على محل الموتى وظلم للموتى لا يجوز. قد يجوز بعض الأشياء إذا دعت الضرورة إليها مثل إذا دعت الحاجة إلى شارع ينفع المسلمين، واعترضه شيء من القبور، ولا حيلة في صرف الشارع، فقد يجوز أخذ بعض المقبرة ونقل الرفات إلى محل آخر إذا كانت الضرورة دعت إلى توسعة هذا الشارع للمسلمين، ولا حيلة في صرفه عن المقبرة، أما أن يأخذ الناس من المقبرة لتوسعة بيوتهم فهذا لا يجوز" انتهى. " فتاوى نور على الدرب " (السؤال 119) . ثانياً: فإن نبشت قبور الكفار – أو تُعدي على قبور المسلمين فنُبشت – جاز بناء المسجد مكان تلك القبور، فإن بقي من القبور شيء فلا يجوز بناء المسجد عليها، وقد ثبتت الأحاديث في النهي عن بناء المساجد على القبور في الصحيحين وغيرهما، وقد بنى النبي صلى الله عليه وسلم مسجده في المدينة بعد أن نبش قبور الكفار. فإذا بني المسجد فوق قبور المسلمين: لم تجز الصلاة فيه، ويجب هدم المسجد لأن القبور سابقة عليه، فإن كانت القبور في زاوية المسجد وبني جدار فاصل بين المسجد وتلك القبور: جاز ذلك الفعل وصحت الصلاة فيه، وهذه فتاوى العلماء في هذه المسألة: سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: توجد وسط مدينتنا مقبرة قديمة أزالت البلدية أنقاضها وأقامت مكانها حيّاً سكنيّاً ومباني لذوي الدخل المحدود وبقيت منها مساحة كبيرة أقام عليها أهل البر والإحسان مسجداً ليصلي فيه سكان الحي، وبعد بناء المسجد وقع خلاف بين أهل البلد حول جواز الصلاة في هذا المسجد أو عدم جوازها وانقسموا بين مؤيد ومعارض، ما حكم هذا المسجد؟ وهل يجب هدمه أم الإبقاء عليه؟ هل الصلاة في هذا المسجد صحيحة أم لا؟ . فأجابوا: "الأرض التي بني عليها مسجد إذا كانت خالية من القبور صحت الصلاة فيها، وإلا فيجب هدم المسجد الذي بني عليها" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان. " فتاوى اللجنة الدائمة " (1 / 418، 419) . وسئل علماء اللجنة الدائمة – أيضاً -: إن مسجدنا ببلدة " بايانج بمنطقة لاناودل سور " قد تم إنشاؤه بعد زلزال مدمر ضرب المنطقة عام 1955م، حيث تحطمت جدرانه وأساساته، وقد قرر المسئولون وزعماء البلدة تعميره واتفقوا على تسوية الأرض الواقعة على الجانب الشرقي من المسجد المذكور علما بأن هذه المساحة من الأرض كانت تستخدم في السابق مقبرة لدفن الموتى، وعند تسوية هذه الأرض بواسطة الآليات الحديثة (البلدوزرات) فقد تم العثور على عدد كبير من عظام رفات الأموات حيث تمت إعادة دفنها ونقل بعض منها إلى الجزء الغربي من المسجد ولكن بداخل سور نفس المسجد الحالي. 1- فهل من الجائز إقامة صلاة الجمعة والجماعة بداخل هذا المسجد؟ . 2- إذا كان الجواب بالنفي: فهل من الممكن معالجة الأمر بإقامة حاجز أو حائط فاصل داخل الجانب الغربي لهذا المسجد حيث تم نقل عظام رفات الموتى. فأجابوا: "إذا كان المسجد الحالي لم يعمر على أرض فيها قبور: فالواجب نبش القبور التي وضعت في جهته الغربية ونقل رفاتها إلى أرض المقابر، وإن كانت من المسلمين: فتنتقل إلى قبور المسلمين، وإن كانت قبور كفار: نقلت إلى مقابر الكفار، على أن يوضع رفات كل ميت مسلم في حفرة واحدة يسوى ظاهرها كبقية القبور حتى لا يمتهن، فإن تعذر نقل الرفات من غربي المسجد: فلا مانع من فصلها بجدار يفصلها عن بقية المسجد. أما إن كانت أصل أرض المسجد فيها قبور: فالواجب التماس أرض أخرى سليمة يقع عليها المسجد، وتبقى أرض المسجد الأولى مقبرة كأصلها" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان. " فتاوى اللجنة الدائمة " (1 / 419 – 421) . وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: "وإذا كان في المسجد قبر: وجب أن ينبش وينقل ما فيه من عظام - إن وجدت - إلى مقبرة البلد فيحفر لها وتدفن في المقبرة؛ لأنه لا يجوز شرعاً وضع قبور في المساجد ولا بناء المساجد عليها؛ لأن ذلك من وسائل الشرك والفتنة بالمقبور، كما قد وقع ذلك في أكثر بلاد المسلمين من أزمان طويلة بأسباب الغلو في أصحاب القبور، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بنبش القبور التي كانت في محل مسجده عليه الصلاة والسلام ... فهذه الأحاديث وما جاء في معناها كلها تدل على تحريم البناء على القبور، واتخاذ المساجد عليها، والصلاة فيها وإليها وتجصيصها ونحو ذلك من أسباب الشرك بأربابها ... وذكر أهل العلم أن القبر إذا وضع في مسجد وجب نبشه وإبعاده عن المسجد، وإن كان المسجد هو الذي حدث أخيرا بعد وجود القبر وجب هدم المسجد وإزالته؛ لأنه هو الذي حصل ببنائه المنكر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حذر من بناء المساجد على القبور ولعن اليهود والنصارى على ذلك، ونهى أمته عن مشابهتهم، وقال لعلي رضي الله عنه: (لا تدع صورة إلا طمستها ولا قبراً مشرفاً إلا سوَّيته) " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (6 / 337، 338) . وعلى هذا فينظر في المكان الذي بني عليه المسجد، إن كان تحت أرضية المسجد قبور، فلا تجوز الصلاة فيه، وإن لم يكن تحته قبور جازت الصلاة فيه. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 60003 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1380 الاستماع إلى برنامج نور على الدرب في المسجد [السُّؤَالُ] ـ[هل يصح أن نستمع إلى برنامج (نور على الدرب) في المسجد بدلاً من الاستماع إلى أحاديث بعض المصلين الفارغة، ومنعاً للأحاديث الدنيوية في المساجد؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله في الاستماع إلى هذا البرنامج خير عظيم، وفيه مصالح جمة، وقد يسر الله للمسلمين هذا البرنامج؛ ليستفيدوا منه فهو بمثابة حلقات علمية يستفيد منها الرجال والنساء، وهم في بيوتهم ومجالسهم، وعلى أسرتهم، فهو من نعم الله العظيمة، ومن حجة الله القائمة على الناس يصل إليهم في بيوتهم وفي سياراتهم وفي طائراتهم وفي كل مكان. فأنا أوصي وأنصح كل مسلم وكل مسلمة أن يستفيد من هذا البرنامج، وأن يسأل عما أشكل عليه من طريق هذا البرنامج. ولا بأس بفتح الراديو في المسجد لسماع هذا البرنامج، ولسماع العلم من غير هذا البرنامج في الأوقات المناسبة التي يتفق الجماعة عليها، فإذا جاءت أصوات الموسيقى أو شيء لا يرتضى وجب قفله. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/8 ص/365. الحديث: 10092 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1381 حكم شرب الدخان وإتيان المسجد [السُّؤَالُ] ـ[ورد في الحديث الصحيح النهي عن قرب المسجد لمن أكل ثوما أو بصلا أو كراثا. فهل يلحق بذلك ما له رائحة كريهة وهو محرم كالدخان؟ وهل معنى ذلك أن من تناول هذه الأشياء معذور بالتخلف عن الجماعة بحيث لا يأثم بتخلفه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ثبت عن رسول الله صلى الله عيه وسلم أنه قال: (من أكل ثوماً أو بصلاً فلا يقربن مسجدنا وليصل في بيته) وثبت عنه صلى الله عيه وسلم أنه قال: (إن الملائكة لتتأذى مما يتأذى منه بنو الإنسان) وكل ما له رائحة كريهة حكمه كحكم الثوم والبصل، كشارب الدخان ومن له رائحة كريهة في إبطه أو غيرهما مما يؤذي جليسه. فإنه يكره له أن يصلي مع الجماعة. وينهى عن ذلك حتى يستعمل ما يزيل هذه الرائحة ويجب عليه أن يفعل ذلك مع الاستطاعة حتى يؤدي ما أوجب الله عليه من الصلاة في الجماعة، أما التدخين فهو محرم مطلقاً ويجب عليه تركه في جميع الأوقات لما فيه من المضار الكثيرة في الدين والبدن والمال. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز يرحمه الله. الحديث: 11286 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1382 خلاف في المسجد حول تطويل الصلاة وتقصيرها [السُّؤَالُ] ـ[لدينا مسجد في المركز الإسلامي، وقد وقع خلاف بين المصلين حول تطويل الصلاة وتقصيرها، أرجو إفادتي بما جاء في الشرع حول هذا الموضوع؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (صلى معاذ بأصحابه العشاء فطوّل عليهم , فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتريد أن تكون يا معاذ فتاناً، إذا أممت الناس فاقرأ بالشمس وضحاها، وسبح اسم ربك الأعلى، واقرأ باسم ربك، والليل إذا يغشى) متفق عليه، واللفظ لمسلم. قال الحافظ: من سلك طريق النبي صلى الله عليه وسلم في الإيجاز والإتمام لا يُشتكى منه تطويل، وصفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم معلومة، وعليه فالتخفيف المأمور به أمر نسبي يرجع إلى ما فعله صلى الله عليه وسلم وواظب عليه وأمر به، لا إلى شهوة المأمومين، ففي الصحيحين عن أنس قال: (ما صليت خلف إمام قط أخف صلاة ولا أتم صلاة من النبي صلى الله عليه وسلم) قال في المبدع: وقد حزروا صلاته صلى الله عليه وسلم فكان سجوده قدر ما يقول سبحان ربي الأعلى عشر مرات وركوعه كذلك، وقال: صلوا كما رأيتموني أصلي. قال شيخ الإسلام: ليس له أن يزيد على قدر المشروع، وينبغي أن يفعل غالباً ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله غالباً، ويزيد وينقص للمصلحة كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يزيد للمصلحة. قال ابن عبد البر: التخفيف للأئمة أمر مجمع عليه لا خلاف في استحبابه على ما اشترط من الإتمام. وقد دل حديث جابر السابق على أن القراءة بهذا السور المذكورة وأمثالها في القدر من الوسط في الصلاة، والمشروع أن يكون الركوع والسجود مناسباً للقراءة. والله أعلم من كتاب توضيح الأحكام من بلوغ المرام لـ عبد الله بن عبد الرحمن البسام ص 253. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 11483 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1383 هل يمنع المتسولين في المسجد؟ [السُّؤَالُ] ـ[بعض المتسولين يسألون الناس في المساجد، وبعض الأئمة يمنعونهم من السؤال، فهل لديهم دليل على منعهم، وهل يجوز إعطاؤهم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " لا أعلم بأسا في ذلك، ولا أعلم حجة لمن منعه، لكن إذا كان السائلون يتخطون رقاب الناس، ويمشون بين الصفوف، فينبغي منعهم؛ لما في عملهم هذا من إيذاء المصلين، وهكذا وقت خطبة الجمعة، يجب أن يمنعوا لوجوب الإنصات عليهم وعلى غيرهم من المصلين، ولأن سؤالهم في هذه الحال يشغل غيرهم عن استماع الخطبة " انتهى. [الْمَصْدَرُ] " فتاوى ابن باز " (14/320) . الحديث: 46241 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1384 حكم الاقتداء بالإمام من خارج المسجد أو الصلاة خلف المذياع [السُّؤَالُ] ـ[شاهدنا في شهر رمضان عبر التلفاز أن بعض الأشخاص يصلون التراويح مع إمام الحرم وهم في مساكنهم المجاور للحرم، فما حكم ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من أراد أن يصلي في مسجد جماعة فلا بد أن يسعى إلى المسجد، فإذا اقتدى بالإمام من بيته فلا جماعة له، ولو كان يرى الإمام أو المأمومين، وقد فصَّل الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – في هذه المسألة تفصيلاً حسناً. قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – في شرحه كتاب زاد المستقنع: قوله: " وكذا خارجه إن رأى الإِمام أو المأمومين ". أي: وكذا يصحُّ اقتداءُ المأمومِ بالإِمامِ إذا كان خارجَ المسجدِ بشرطِ أنْ يَرى الإِمامَ أو المأمومين، وظاهرُ كلام المؤلِّفِ: أنَّه لا يُشترط اتِّصالُ الصُّفوفِ، فلو فُرِضَ أنَّ شخصاً جاراً للمسجد، ويرى الإِمامَ أو المأمومين مِن شُبَّاكه، وصَلَّى في بيتِه، ومعه أحدٌ يزيل فَذِّيَّتَه (أي يخرجه من كونه منفرداً) فإنه يَصِحُّ اقتداؤه بهذا الإِمامِ؛ لأنه يسمعُ التكبيرَ ويرى الإِمامَ أو المأمومين. وظاهرُ كلامِ المؤلِّفِ: أنَّه لا بُدَّ أن يرى الإِمامَ أو المأمومين في جميع الصَّلاةِ؛ لئلا يفوته الاقتداءُ، والمذهبُ: يكفي أنْ يراهم ولو في بعضِ الصَّلاةِ. إذاً؛ إذا كان خارجَ المسجدِ فيُشترطُ لذلك شرطان: الشرطُ الأول: سماعُ التكبيرِ. الشرطُ الثاني: رؤيةُ الإِمامِ أو المأمومين، إما في كُلِّ الصَّلاةِ على ظاهرِ كلامِ المؤلِّفِ، أو في بعضِ الصَّلاةِ على المذهبِ. وظاهرُ كلامِهِ: أنَّه لا يُشترط اتِّصال الصُّفوفِ فيما إذا كان المأمومُ خارجَ المسجدِ، وهو المذهب. والقول الثاني - وهو الذي مشى عليه صاحبُ " المقنع " -: أنَّه لا بُدَّ مِن اتِّصالِ الصُّفوفِ، وأنَّه لا يَصِحُّ اقتداءُ مَن كان خارجَ المسجدِ إلا إذا كانت الصُّفوفُ متَّصلةً؛ لأنَّ الواجبَ في الجماعةِ أن تكون مجتمعةً في الأفعالِ وهي متابعة المأمومِ للإِمام والمكان، وإلا لقلنا: يَصِحُّ أن يكون إمامٌ ومأمومٌ واحد في المسجد، ومأمومان في حجرة بينها وبين المسجد مسافة، ومأمومان آخران في حجرة بينه وبين المسجدِ مسافة، ومأمومان آخران بينهما وبين المسجد مسافة في حجرة ثالثة، ولا شَكَّ أنَّ هذا توزيعٌ للجماعةِ، ولاسيَّما على قولِ مَن يقول: إنَّه يجب أن تُصلَّى الجماعةُ في المساجد. فالصَّوابُ في هذه المسألة: أنَّه لا بُدَّ في اقتداءِ مَن كان خارجَ المسجدِ مِن اتِّصالِ الصُّفوفِ، فإنْ لم تكن متَّصِلة: فإنَّ الصَّلاة لا تَصِحُّ. مثال ذلك: يوجد حولَ الحَرَمِ عَماراتٌ، فيها شُقق يُصلِّي فيها الناسُ، وهم يَرَون الإِمامَ أو المأمومين، إما في الصَّلاةِ كلِّها؛ أو في بعضِها، فعلى كلامِ المؤلِّفِ: تكون الصَّلاةُ صحيحةً، ونقول لهم: إذا سمعتم الإِقامة فلكم أنْ تبقوا في مكانِكم وتصلُّوا مع الإِمام ولا تأتوا إلى المسجدِ الحرام. وعلى القول الثاني: لا تَصِحُّ الصَّلاةُ؛ لأنَّ الصفوفَ غيرُ متَّصلةٍ، وهذا القولُ هو الصَّحيحُ، وبه يندفع ما أفتى به بعضُ المعاصرين مِن أنَّه يجوز الاقتداءُ بالإِمامِ خلفَ " المِذياعِ "، وكَتَبَ في ذلك رسالةً سمَّاها: " الإقناع بصحَّةِ صلاةِ المأمومِ خلفَ المِذياع "، ويلزمُ على هذا القول أن لا نصلِّيَ الجمعةَ في الجوامع بل نقتدي بإمام المسجدِ الحرامِ؛ لأنَّ الجماعةَ فيه أكثرُ فيكون أفضلَ، مع أنَّ الذي يصلِّي خلفَ " المِذياع " لا يرى فيه المأموم ولا الإِمامَ، فإذا جاء " التلفاز " الذي ينقل الصَّلاة مباشرة يكون مِن بابِ أَولى. ولكن هذا القولُ لا شَكَّ أنَّه قولٌ باطلٌ؛ لأنه يؤدِّي إلى إبطالِ صلاةِ الجماعةِ أو الجُمعة، وليس فيه اتِّصالَ الصُّفوفِ، وهو بعيدٌ مِن مقصودِ الشَّارعِ بصلاةِ الجمعةِ والجماعةِ. ... والذي يصلِّي خلفَ " المِذياع " يصلِّي خلفَ إمامٍ ليس بين يديه بل بينهما مسافات كبيرة، وهو فتح باب للشر؛ لأنَّ المتهاون في صلاةِ الجُمُعة يستطيع أن يقولَ: ما دامتِ الصَّلاةُ تَصِحُّ خلفَ " المِذياع " و " التلفاز "، فأنا أريدُ أن أصلِّيَ في بيتي، ومعيَ ابني أو أخي، أو ما أشبه ذلك نكون صفَّاً. فالرَّاجح: أنه لا يَصِحُّ اقتداءُ المأمومِ خارجَ المسجد إلا إذا اتَّصلتِ الصُّفوف، فلا بُدَّ له مِن شرطين: 1. أن يَسمعَ التكبيرَ. 2. اتِّصال الصُّفوف. أما اشتراطُ الرُّؤيةِ: ففيه نظر، فما دام يَسمعُ التَّكبير والصُّفوف متَّصلة: فالاقتداء صحيح، وعلى هذا؛ إذا امتلأ المسجدُ واتَّصلتِ الصُّفوف وصَلَّى النَّاسُ بالأسواقِ وعلى عتبة الدَّكاكين: فلا بأس به. " الشرح الممتع " (4 / 297 – 300) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45611 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1385 نبذة عن تاريخ المسجد الحرام في مكة [السُّؤَالُ] ـ[مطلوب مني بحث عن تاريخ المسجد الحرام، أرجو مساعدتي في ذلك.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يقع المسجد الحرام في مكة وهي مدينة في جزيرة العرب ترتفع عن سطح البحر بنحو 330متراً ويرجع تاريخ عمارتها إلى عهد إبراهيم الخليل وابنه إسماعيل عليهما السلام، وفيها ولد نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم وفيها مهبط الوحي أول ما نزل، ومنها شع نور الإسلام وبها المسجد الحرام وهو أول مسجد وضع للناس في الأرض لقوله تعالى: {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين} (آل عمران: 96) وثبت في صحيح مسلم عن أبي ذر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أول مسجد وضع في الأرض قال: المسجد الحرام قلت: ثم أي قال: المسجد الأقصى قلت: كم بينهما قال: أربعون عاماً. وتقع الكعبة - وهي قبلة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها - وسط المسجد الحرام تقريباً ويبلغ ارتفاعها خمسة عشر متراً وهي على شكل حجرة كبيرة مربعة البناء على وجه التقريب وقد بناها إبراهيم الخليل عليه السلام بأمر من الله تعالى: قال عز وجل: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) سورة الحج، ومعنى بوأنا: أي أرشده إليه وسلّمه له وأذن له في بنائه: تفسير ابن كثير، وقال تعالى: {وإذا يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل} البقرة:127. وعن وهب بن منبه قال:.. بناها إبراهيم عليه السلام ثم العمالقة ثم جرهم ثم قصي بن كلاب وأما بنيان قريش له فمشهور.. وجعلوا يبنونها بحجارة الوادي تحملها قريش على رقابها فرفعوها في السماء عشرين ذراعاً..، وكان بين بنيان الكعبة وبين ما أنزل عليه خمس سنين وبين مخرجه وبنائها خمس عشرة سنة ذكره عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله بن عثمان عن أبي الطفيل وذكر عن معمر عن الزهري: حتى إذا بنوها وبلغوا موضع الركن اختصمت قريش في الركن أي القبائل تريد رفعه؟ حتى شجر بينهم فقالوا تعالوا نحكّم أول من يطلع علينا من هذه السكة فاصطلحوا على ذلك فطلع عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غلام عليه وشاح نمرة فحكّموه فأمر بالركن فوضع في ثوب ثم أمر سيد كل قبيلة فأعطاه ناحية من الثوب ثم ارتقى هو فرفعوا إليه الركن، فكان هو يضعه صلى الله عليه وسلم. تاريخ مكة للأزرقي (1/161-164) وروى مسلم (2374) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْجَدْرِ أَمِنْ الْبَيْتِ هُوَ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ فَلِمَ لَمْ يُدْخِلُوهُ فِي الْبَيْتِ قَالَ إِنَّ قَوْمَكِ قَصَّرَتْ بِهِمْ النَّفَقَةُ قُلْتُ فَمَا شَأْنُ بَابِهِ مُرْتَفِعًا قَالَ فَعَلَ ذَلِكِ قَوْمُكِ لِيُدْخِلُوا مَنْ شَاءُوا وَيَمْنَعُوا مَنْ شَاءُوا وَلَوْلا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَخَافُ أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ لَنَظَرْتُ أَنْ أُدْخِلَ الْجَدْرَ فِي الْبَيْتِ وَأَنْ أُلْزِقَ بَابَهُ بِالأَرْضِ. وقد تعرضت الكعبة قبل الإسلام (في عام ولادة النبي صلى الله عليه وسلم) للغزو من قبل أبرهة الحبشي وذلك عندما بنى القُليس وهي الكنيسة التي أراد أن يصرف إليها حج العرب فخرج بجيش ومعهم الفيل فلما وصلوا إلى مكة أرسل الله عليهم طيراً أبابيل مع كل طائر منها ثلاثة أحجار يحملها، حجر في منقاره وحجرين في رجليه أمثال الحمص والعدس لا تصيب منهم أحداً إلا هلك ففني الجيش وهلكوا بأمر الله عزّ وجلّ. وقد ذكر الله تعالى هذه الحادثة في كتابه فقال عزّ وجلّ: {ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل، ألم يجعل كيدهم في تضليل وأرسل عليهم طيراً أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول} انظر السيرة النبوية لابن هشام (1/44-58) . ولم يكن هناك سور يحيط بمسجد الكعبة حتى صارت الحاجة تدعو إلى ذلك، قال ياقوت الحموي في "معجم البلدان" (5/146) . ما يحيط بالكعبة كان أول من بناه عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولم يكن له في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر جدار يحيط به وذاك أن الناس ضيّقوا على الكعبة وألصقوا دورهم بها فقال عمر: إن الكعبة بيت الله ولا بد للبيت من فناء وإنكم دخلتم عليها ولم تدخل عليكم، فاشترى تلك الدور وهدمها وزادها فيه وهدم على قوم من جيران المسجد أبوا أن يبيعوا ووضع لهم الأثمان حتى أخذوها بعد، واتخذ للمسجد جداراً دون القامة فكانت المصابيح توضع عليه، ثم كان عثمان فاشترى دوراً أُخَر وأغلى في ثمنها.. ويقال إن عثمان أول من اتخذ الأروقة حين وَسّع المسجد.. فلما كان ابن الزبير زاد في إتقانه لا في سعته وجعل فيه عَمَداً من الرخام وزاد في أبوابه وحسنها فلما كان عبد الملك بن مروان زاد في ارتفاع حائط المسجد وحمل إليه السواري من مصر في البحر إلى جدة واحتملت من جدة على العجل إلى مكة وأمر الحجّاج بن يوسف فكساها ولما ولي الوليد بن عبد الملك زاد في حليتها وصرف في ميزابها وسقفها.. فلما ولي المنصور وابنه المهدي زاد أيضاً في إتقان المسجد وتحسين هيئته. وهكذا وفي المسجد من الآثار الدينية مقام إبراهيم وهو الحَجَر الذي كان يقف عليه إبراهيم الخليل عليه السلام أثناء بناء الكعبة. وكذلك بئر زمزم وهي نبع من الماء أخرجه الله تعالى لهاجر وولدها إسماعيل عليه السلام لما عطش، ولا يُنسى أيضا الحجر الأسود والركن اليماني وهما ياقوتتان من يواقيت الجنة. كما روى الترمذي وأحمد عن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرٍو قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ الرُّكْنَ وَالْمَقَامَ يَاقُوتَتَانِ مِنْ يَاقُوتِ الْجَنَّةِ طَمَسَ اللَّهُ نُورَهُمَا وَلَوْ لَمْ يَطْمِسْ نُورَهُمَا لأَضَاءَتَا مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ " سنن الترمذي 804 ويجاور المسجد الحرام جبلي الصفا والمروة، ومن خصائص المسجد الحرام أنّه المسجد الوحيد الذي يُحجّ إليه في الأرض، قال الله تعالى: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158) سورة البقرة، ومن خصائصه أنَ الله جعله آمنا والصلاة فيه بمائة ألف صلاة، قال الله تعالى: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) سورة البقرة، وقال تعالى: (فِيهِ ءايَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ ءامِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97) سورة آل عمران. انظر "أخبار مكة" للأزرقي وأخبار مكة للفاكهي. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 3748 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1386 مشكلات في مجلس إدارة أحد المساجد [السُّؤَالُ] ـ[عندنا مصلى صغير (داخل أحد المنازل) في مدينتنا. وأيضا, فإننا نملك قطعة أرض ومبلغا من المال جُمع خلال عدة سنوات لأجل بناء مسجد جديد. كما توجد لجنة للمسجد يتم انتخابها سنويا, بالإضافة إلى مجلس للأمناء يتكون من 5 أشخاص دائمي العضوية. وأعضاء هذا المجلس تم تعيينهم قبل 6-8 سنوات, عندما كان هناك عدد قليل من المسلمين في المدينة. وقد استُبدل بعض أعضاء هذا المجلس الذين تركوا المدينة بآخرين دون أن يتم انتخابهم, ويظهر أنهم أعطوا هذه الوظائف لأشخاص من اختيارهم هم. ومنذ ذلك الحين , أصبح مجلس الأمناء هذا يتحكم فعليا في المصلى. فقد وضعوا قوانين له حسب أهوائهم. مثلا, فإنهم لا يسمحون بالتصويت إلا لأعضاء اللجنة الذين أقاموا في هذه المدينة فترة تزيد على 3 سنوات, وبهذه الطريقة, فإن الأشخاص الذين يسمح لهم فقط يمكنهم التنافس والتصويت في الانتخابات. ونتج عن ذلك أن الناس أصبحوا يرون نفس الوجوه لسنوات عدة. ومنذ عام, وبسبب الضغوط, فقد سمحوا للجميع بالتصويت, وبهذه الطريقة، تم انتخاب لجنة جديدة. وبعد هذه الانتخابات ظهر أن المال الذي جُمع لبناء المسجد الجديد وُضع في حساب توفير يُدر فوائد (ربوية) . وقد أنكر أعضاء مجلس الأمناء (الذين لا يداوم على حضور الصلوات في المصلى منهم إلا 1 أو 2, لسوء الحظ) , وهم الذين يديرون هذا الحساب, أنكروا أنهم يأخذون الفوائد على هذا الحساب. وبعد ذلك, أقر أحد الأعضاء, وهو العضو النشيط من بينهم, وهو شخص غني وصاحب نفوذ في المدينة, بأنهم أقدموا على وضع المال في ذلك الحساب بسبب الفتوى الصادرة عن الأزهر بجواز أخذ الربا من البنوك الأمريكية.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نرى والحال هذه الحرص على استغلال هذا المال، والاتجار به حنى يكون فيه أرباح مباحة، يتم بعد ذلك عمارة المسجد من رأس المال والأرباح. ثم إذا استطاعوا أن يجعلوا القائمين على هذا المشروع من الأخيار الموثوقين بذلوا ما يستطيعونه من جهد في ذلك. كذلك يحرصون على أن يبادروا بعمارة المسجد ويقومون فيه بما يلزمهم من الأعمال، وإذا لم يكن لهم استطاعة في الانتخاب ولا في التصويت، لهم أن يمشوا مع غيرهم ويوافقوا على ما ليس فيه ضرر، أما إذا كان بعض المنتخبين لا يصلح ان يكون من ضمن اللجنة الشرعية التي تدير الأمور فإن على الآخرين أن يعلنوا عدم موافقتهم ويذكروا الأسباب التي يطعنون بها في أولئك الأشخاص الذين يُظن عليهم أنهم ليسوا أهلا للانتخاب ولا للتصويت حتى يكون القائمون على هذه المشاريع الخيرية من الموثوقين والمؤتمنين. وأما الربا فما أخذوه فيتحملون تبعته وأنتم بريئون منهم وما أخذوه من تلك الفوائد الربوية. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد الله الجبرين الحديث: 10682 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1387 إذا لم يكف المبلغ المجموع لبناء المسجد [السُّؤَالُ] ـ[يوجد لدينا تبرع بمبلغ (20000 ريال) ، لبناء مسجد وهذا المبلغ لا يكفي لبناء مسجد فهل يجوز تحويل المبلغ إلى مشاريع أخرى أو يكون مساهمة بجزء من بناء أو ترميم مسجد قائم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عليكم أن تلتمسوا مسجداً يكفيه هذا المبلغ ولو خارج المملكة فإن لم يوجد فلكم المساهمة به في بناء مسجد كشراء أرضه أو بعض مواد البناء أو أجرة العمال أو نحو ذلك ويحصل به الأجر لصاحبه والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الفتاوى الجبرينية في الأعمال الدعوية لفضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين ص 20. الحديث: 10533 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1388 قضت حاجتها في كأس في الحرم [السُّؤَالُ] ـ[امرأة ذهبت إلى الحرم ودخلت موقع ماء زمزم وكانت لا تستطيع تحمل البول مما اضطرها إلى البول في " كوب " وقامت بإلقائه مع الماء الذي يجري من صنابير الماء، فما الحكم في ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: قضاء الحاجة في المسجد من المحرَّمات فكيف إذا كان في المسجد الحرام؟ . عن أنس بن مالك قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه مه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تزرموه، دعوه، فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له: إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن، قال: فأمر رجلا من القوم فجاء بدلو من ماء فشنَّه عليه. رواه البخاري (217) ومسلم (285) . والصحابة رضي الله عنهم أخذتهم الغيرة وصاحوا بهذا الأعرابي، وهموا للقيام بمنعه والإنكار عليه لئلا يُتم بوله، فيؤخذ من ذلك أنه لا يجوز الإقرار على المنكر، بل الواجب المبادرة بالإنكار على فاعل المنكر، ولكن هذه المبادرة كانت ستؤدي إلى أمر أكبر ضرراً ولهذا نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم، بل زجرهم عن أن ينهوا الأعرابي ويصيحوا به. وهذا هو الأمر الأول الذي ينبغي التنبيه عليه في هذا السؤال، وهو تحريم قضاء الحاجة في المساجد، وهذا إذا كان سيبول على أرض المسجد، أما إذا كان ذلك في إناء فذهب بعض العلماء إلى جوازه إذا دعت الحاجة إلى ذلك، ومثال الحاجة أن يكون كبيراً في السن أو مريضاً لا يتحمل انحباس البول أو يشق عليه الخروج من المسجد بسبب مرض أو نحوه، وهذا هو ظاهر الحال المسئول عنها. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى": الْبَوْل فِي قَارُورَةٍ فِي الْمَسْجِدِ , مِنْهُمْ مَنْ نَهَى عَنْهُ , وَمِنْهُمْ مَنْ يُرَخِّصُ فِيهِ لِلْحَاجَةِ اهـ. ومال رحمه الله في موضع آخر إلى جوازه للحاجة فقال في "الفتاوى المصرية": وَالأَشْبَهُ أَنَّ هَذَا إذَا فُعِلَ لِلْحَاجَةِ فَقَرِيبٌ اهـ. ثانياً: إذا أراد الإنسان قضاء حاجته فإنه ينبغي أن يتخلى بحيث لا يراه أحد فيطلع على سوء ته. عن ابن عباس قال: مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال: إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبيرٍ، وإنه لكبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة، ثم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين، فغرز في كل قبرٍ واحدة، قالوا: يا رسول الله لم فعلت هذا؟ قال: لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا. رواه البخاري (213) و (5708) – واللفظ له - ومسلم (292) . ومعنى " وما يعذبان في كبير ": أي: لا يشق عليهما تركه، أو ليس بكبير عندهما. ومعنى " وإنه لكبير ": أي: هو عند الله من الكبائر. وهذا هو الأمر الثاني الذي ينبغي التنبيه عليه في هذا السؤال، وهو وجوب ستر العورة عند قضاء الحاجة، بل في كل حال، فإذا كانت الأخت قد حرصت على هذا وفعلتْه: فلا حرج عليها إن شاء الله. ثالثاً: والأمر الثالث الذي ينبغي التنبيه عليه: هو تصريف هذا البول، فلو كانت احتفظت به في شيء مأمون إلى أن تخرج به خارج الحرم، أو في مكان لا يتصل بغيره من الطاهرات: لكان أفضل وأحسن، وأما ما فعلتْه وهو وضع هذا البول في مكان تصريف ماء زمزم: فإنه قد يُخشى أن يلوِّث بعض الموجودين هناك عند الصنابير، فإذا كان الماء يذهب بحيث يؤمن تلويث الناس به: فلا حرج في هذا الفعل، وإن كان الفعل الأول هو الأصوب كما ذكرنا. والحاصل أن ما فعلته هذه المرأة جائز لحاجتها إلى ذلك مع الأخذ في الاعتبار أنه يجب عليها الاستتار عند قضاء الحاجة حتى لا تظهر عورتها، وعدم أذية الناس وتلويثهم بهذه النجاسة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39947 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1389 شحن الجوال من كهرباء الحرم [السُّؤَالُ] ـ[رأيت إحدى النساء في المسجد الحرم المكي تشحن جوالها من كهرباء الحرم هل فعلها جائز؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأحوط للمسلم أن لا يفعل ذلك، وأن يسلك سبيل الورع، وقد قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لا يَرِيبُكَ) رواه الترمذي (2518) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. وعليه أنه يقوم بشحن جواله في منزله قبل ذهابه إلى الحرم حتى يستغني بذلك عن استعمال كهرباء الحرم. لكن إذا احتاج المسلم إلى ذلك فإنه يُرجى أن لا يكون عليه في ذلك حرج إن شاء الله تعالى إذا كان المسؤولون عن الحرم لا يمنعون ذلك، وليقتصر على ما يحتاج إليه فقط ولا يزيد، حتى لا يمنع أحداً من إخوانه المسلمين من شحن جوالاتهم، وقد يكونون محتاجين إلى ذلك مثل حاجته أو أشد. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 40241 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1390 الصلاة في المصليات [السُّؤَالُ] ـ[لدينا في السكن الجامعي عمائر، توجد بها مصليات، وقد يوجد في كل طابق أكثر من مصلى، ويجتمع بعض الطلاب في هذه المصليات، ويقيمون الصلاة ويصلون جماعة، مع العلم أن المسجد قريب منهم وبالإمكان الصلاة فيه. فهل إقامة الصلوات في هذه المصليات جائز، مع وجود المسجد وقربه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تجب صلاة الجماعة في المسجد كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وهمّ بأن يُحرق بيوت أقوام يتخلفون عن الصلاة معه لأجل تخلفهم ولم يعذرهم بإقامة الجماعة في بيوتهم مع وجود ذكور وإناث تقوم بهم الجماعة، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: " حافظوا عليهن حيث يُنادى بهن " ولم يُرخص صلى الله عليه وسلم للأعمى أن يصلي جماعة في بيته بل أمره أن يأتي إلى المسجد ما دام يسمع النداء. فصلاة الجماعة في المسجد إذاً واجبة ومأمور بها، ولو كان يكفي إقامة الجماعة في أي مكان آخر لسمح للأعمى وغيره أن يقيموا الجماعة في بيتوهم مع أولادهم ونسائهم، ولكنه عليه الصلاة والسلام لم يأذن بذلك. فالواجب على الطلاب أن يعمدوا إلى بيوت الله، والتي لها الفضل الخاص من أجر المشي ذهاباً وعودة، وفضل الدخول والخروج وما فيهما من الذكر، وغير ذلك من الفضائل ولا يتكاسلوا فيتركوا الاجتماع في المسجد، قال تعالى: (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والأصال) سورة النور، ثم إن في الصلاة في المصليات تفريق لجماعة المسلمين المصلين، وهذا خلاف ما أرادته الشريعة بجمع أهل الحي في مسجد واحد، وجمع أهل الأحياء في جامع واحد مرة في الأسبوع، وجمع أهل البلد كلهم في مصلى واحد في صلاة العيد، وجمع المسلمين ذوي العدد العظيم من أقطار الأرض في الحج، والاجتماع له فوائد كثيرة لا تخفى. ومن الفروق بين المصلى والمسجد أن المسجد وقف إلى قيام الساعة، وأما المصلى فيمكن تغيير مكانه أو بيعه وشراؤه وتوريثه وهكذا، بخلاف المسجد الذي أوقف ليبقى مسجداً ما بقيت الدنيا، ففيه فضل خاص زائد على المصليات، وكذلك فإنه يشرع للمسجد تحية بخلاف باقي الأماكن. فإذا وجد المسجد القريب وجب إتيان الصلاة، وأما إذا كان المسجد بعيداً لا يُسمع آذان المؤذن من البعد فيجوز حينئذ الصلاة في المصليات. وينبغي على الدعاة إلى الله أن يكونوا حكماء فيحثوا الصلاب على الصلاة في المسجد ولا يُنفرهم من صلاة الجماعة بالكلية فإن بعض الجهلة إذا رأى شدة بعض الدعاة عليه يترك الصلاة كلها، فينبغي مراعاة ذلك والدعوة بالحسنى. وفق الله الجميع لما يُحب ويرضى، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحيه وسلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 10268 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1391 حكم صلاة النساء في المسجد وهن لا يرين الإمام ولا المأمومين [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم صلاة النساء في المساجد التي لا يرين فيها الإمام ولا المأمومين وإنما يسمعن الصوت فقط؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز للمرأة وللرجل أيضا أن يصلي مع الجماعة في المسجد وإن لم ير الإمام ولا المأمومين إذا أمكن الاقتداء , فإذا كان الصوت يبلغ النساء في مكانهن من المسجد ويمكنهن أن يقتدين بالإمام فإنه يصح أن يصلين الجماعة مع الإمام؛ لأن المكان واحد , والاقتداء ممكن سواء كان عن طريق مكبر الصوت , أو عن طريق مباشر بصوت الإمام نفسه , أو بصوت المبلغ عنه , ولا يضر إذا كن لا يرين الإمام ولا المأمومين , وإنما اشترط بعض العلماء رؤية الإمام أو المأمومين فيما إذا كان الذي يصلي خارج المسجد , فإن الفقهاء يقولون يصح اقتداء المأموم الذي خارج المسجد إن رأى الإمام أو المأمومين , على أن القول الراجح عندي أنه لا يصح للمأموم أن يقتدي بالإمام في غير المسجد وإن رأى الإمام أو المأمومين إذا كان في المسجد مكان يمكنه أن يصلي فيه , وذلك لأن المقصود بالجماعة الاتفاق في المكان وفي الأفعال , أما لو امتلأ المسجد وصار من كان خارج المسجد يصلي مع الإمام ويمكنه المتابعة فإن الراجح جواز متابعته للإمام وائتمامه به سواء رأى الإمام أم لم يره إذا كانت الصفوف متصلة " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (15/213) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36855 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1392 بناء القبة والمئذنة للمسجد [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم بناء قبة ومئذنة على المسجد؟ هل هناك حديث بخصوصها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله بناء القِباب على المساجد مُحدث وإِِسراف فلا يجوز بناؤها، وأمَّا المآذن التي يُحتاج إليها منْ أجل بلُوغ صوتِ المؤذن إلى أقصى حدٍ مُمكن، أو لِيُعرف المسجد منْ بُعد لُِيقصد من قِبَلِِ المصلِّين فالوسائل لها أحكامُ المَقاصِد فبِناؤها حينئذٍ مشروع. [الْمَصْدَرُ] كتبه: الخضير الحديث: 9601 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1393 مشكلة مسجد يُزعم أنه بني على أرض وقف لمسجد آخر [السُّؤَالُ] ـ[لدينا مسجد بنته إحدى المؤسسات الخيرية على أرض اشترتها من شخص والمشكلة هنا أن بعض كبار السن يقول إن هذه الأرض التي بنى عليها المسجد هي وقف على مسجد آخر. ونحب أن نعلمكم بالآتي: 1. أن الشخص الذي باع هذه الأرض على المؤسسة لديه وثائق معتمدة من قبَل المحكمة. 2. أن القائمين على وقف المسجد الذي يقال إن هذه الأرض له إلى الآن لم يطالبوا بهذه الأرض علما أن المسجد له أكثر من سنة منذ بداية تأسسيه. 3. أن كبار السن ليس لديهم أية وثائق تدل على أن هذه الأرض وقف على ذلك المسجد وإنما. 4. أن المؤسسة الخيرية التي بنت المسجد مستعدة لشراء الأرض من جديد إذا ثبت من قبل المحكمة أنها وقف لهذا المسجد. 5. أن المسجد الذي بني على هذه الأرض جامع لا يوجد في هذه القرية إلا مسجد آخر وهو تابع للصوفية مليء بالبدع ولا تقام فيه جمعة. 6. أن هذا المسجد ولله الحمد قائم على السنة. والسؤال هنا: ما حكم الصلاة في هذا المسجد؟ وما هو رأيكم في أولئك الذين يحذرون الناس من الصلاة في هذا المسجد بحجة أنه بني على أرض مشبوهة.أفيدونا أثابكم الله تعالى.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصلاة في المسجد صحيحة، ولا التفات إلى ما يقوله بعض كبار السن عندكم من غير بيِّنة، وبناء على ما ذكرته تكون الوثائق التي عند من باعكم الأرض من البينات على صحة تملك صاحب الأرض لها إلا أن يتبيَّن غير ذلك، وعليه فكلام بعض كبار السن لا يقدم ولا يؤخر، لاسيما أن من هم قائمون على وقف تلك الأرض موجودون ولم يطالبوا بها. فاستمِروا في الصلاة في المسجد، ولا تلتفتوا إلى كلامٍ يُلقى بلا بيِّنة شرعيَّة، وعلى من يحذِّر من الصلاة فيه أن يتقي الله ربَّه، ولا يردِّد كلام غيره ما دام يخالف الحقائق والبينات، وعليه أن يثبت كلامه ببينة شرعيَّة وإلا فلا يحل له ترك الصلاة في المسجد فضلاً عن تنفيره ومنعه من صلاة غيره فيه. وقولكم في السؤال (أن المؤسسة الخيرية مستعدة لشراء الأرض إن ثبت أنها وقف) ، فالوقف لا يجوز بيعه، لكن إذا كان المسجد الموقوف عليه هذه الأرض غير محتاج إليها ومستغن عنها، جاز بذلها لمن يبني عليها مسجداً، وهو ما قد تم بالفعل، هذا إذا ثبت أنها وقف. وفقكم الله لما فيه رضاه، ونسأله تعالى أن يتقبل منكم صالح أعمالكم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 34504 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1394 زيارة المسجد الأقصى في فلسطين [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لمن هو خارج فلسطين أن يسافر للصلاة في المسجد الأقصى؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله زيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه سنة إذا تيسر ذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا والمسجد الأقصى) متفق على صحته. والله الموفق. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. ص / 214. الحديث: 9423 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1395 حكم دخول الكفار المساجد [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز السماح للنصارى أو اليهود أو غيرهم من الكفار دخول المساجد لزيارتها، حيث أن بعض الدول الإسلامية تنظم مثل هذه الزيارات لبعض الشخصيات التي تزورها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج في دخول الكافر المسجد إذا كان لغرض شرعي وأمر مباح، كأن يسمع الموعظة، أو يشرب الماء، ونحو ذلك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أنزل بعض الوفود الكافرة في مسجده صلى الله عليه وسلم، ليشاهدوا المصلين ويسمعوا قراءته صلى الله عليه وسلم وخطبه،، وليدعوهم إلى الله من قريب، ولأنه صلى الله عليه وسلم ربط ثمامة بن أثال الحنفي في المسجد لما أتي به إليه أسيراً فهداه الله وأسلم. والله ولي التوفيق. انتهى. كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/8ص / 356 وأما دخول الوفود السياحية للفرجة ومعهم نساء بلباس متهتك مصطحبين لكاميرات التصوير ويدخلون المساجد دون احترام ولا توقير فهذا منكر شنيع لا يجوز السماح به. والله المستعان. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 9444 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1396 عرض الأشرطة المرئية التي بها صلبان في المسجد [السُّؤَالُ] ـ[لدينا في المركز الإسلامي أشرطة مرئية، ومن خلال البرنامج الثقافي في المسجد نود عرض شريط فيديو عبارة عن مسرحية تتحدث عن تاريخ القدس، وهي خالية من الموسيقى وتعرض التاريخ من وجهة شرعية، يلبس أحد أفراد المسرحية الصليب على أنه قسيس. فهل هناك من حرج في عرض الشريط على المسلمين خاصة وأنه سوف يربط الشباب هنا والأطفال والكبار في قضية مهمة من قضايا المسلمين المعاصرة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فإن المساجد بنيت لعمارتها بذكر الله وإقام الصلاة، وتعليم العلوم الشرعية، وقد أذن الله أن ترفع أي تعظم، ومن تعظيمها صيانتها عن كل ما ينافي حرمتها من اللغو، واللهو، وأنواع الباطل قولا وعملا. وعرض المسرحيات في المسجد وإن كان لها صبغة شرعية لا يليق بحرمة المسجد لأن هذه الأفلام تقوم على التمثيل والتصوير وهما محوران لسائر برامج اللهو على اختلاف أنواعه وأهدافه. فكان ينبغي للمسلمين الإستغناء عنهما بالتعليم وهو ممكن وميسور بدونهما، ولا يكاد التمثيل أن يخلو من شيء من المنكر قلَّ أو كثر. وأما التمثيل فالشبهة منه أظهر، وإذا كان لابد لعرض هذه الأفلام ففي غير المسجد صيانة لحرمته وتجنيباً له عما يمت إلى اللهو بصلة. [الْمَصْدَرُ] فضيلة الشيخ عبد الرحمن البراك. الحديث: 9440 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1397 جوالات تعلن الباطل والمحرم [السُّؤَالُ] ـ[ما رأي فضيلتكم فيما يُسمع من نغمات الجوال المزعجة بصوت الموسيقى والحرص عليها وتناقلها حتى أصبحت تُسمع في المساجد؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله وضع نغمات الجوال على الأصوات الموسيقية منكر ومحرم ويزاد شناعةً وقبحاً وتحريماً ونكارةً عندما يكون في بيوت الله وهي المساجد لأن في ذلك إعلاناً للباطل والمحرم في هذا المكان الفاضل فيكون إثم صاحبه أشد ووزره أعظم ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نصّ على تحريم المعازف وهي التي تصدر الأصوات الموسيقية وهذه الجوالات مسجل فيها هذه الأصوات تذاع منها وتتكرر في كل مكالمة تأتي إلى صاحب الجوال وليت شعري ماذا سيكتب في صحائف هؤلاء الذين تعزف جوالاتهم بالموسيقى في بيوت الله أثناء الصلاة فيشوشون على أنفسهم وعلى غيرهم ويجعلون صوت الباطل ومزمار الشيطان يرتفع في بيوت الله. ألا يتقي هؤلاء ربهم ويتوبون إليه ويقلعون عما هم فيه ويغيرون هذا المنكر خصوصاً وأن البديل المباح موجود من الأصوات الأخرى العادية غير الموسيقية في اختيارات أجراس الهاتف. ومما ينبه عليه أن جرس الهاتف وإن كان على صوت مباح فإنه ينبغي أن يكتم ويغلق قبل دخول المسجد منعاً للتشويش على عباد الله المصلين. والله المستعان وإليه المشتكى ولا حول ولا قوة إلا بالله. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 34217 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1398 حكم الساحة التابعة للمسجد [السُّؤَالُ] ـ[هل توابع المسجد كالفناء والساحة والمكتبة وبيت الوضوء لها حكم المسجد؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله جاء في الموسوعة الفقهية (5/225) : " أَمَّا رَحْبَةُ الْمَسْجِدِ , وَهِيَ سَاحَتُهُ الَّتِي زِيدَتْ بِالْقُرْبِ مِنْ الْمَسْجِدِ لِتَوْسِعَتِهِ , وَكَانَتْ مُحَجَّرًا عَلَيْهَا , فَاَلَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلامِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْمَسْجِدِ , وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ عِنْدَهُمْ أَنَّهَا مِنْ الْمَسْجِدِ , وَجَمَعَ أَبُو يَعْلَى بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّ الرَّحْبَةَ الْمَحُوطَةَ وَعَلَيْهَا بَابٌ هِيَ مِنْ الْمَسْجِدِ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إلَى أَنَّ رَحْبَةَ الْمَسْجِدِ مِنْ الْمَسْجِدِ , فَلَوْ اعْتَكَفَ فِيهَا صَحَّ اعْتِكَافُهُ..اهـ قال الشيخ عبد العزيز آل الشيخ: " ما كان حائط المسجد شاملاً ومُدخلاً له في المسجد فهو من المسجد، وما كان خارج محيط المسجد فهو خارج المسجد. اهـ مجلة البحوث الإسلامية (59/81) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 33748 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1399 دخول الحائض المسجد لسماع الخطبة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للحائض أن تحضر الجمعة لتستمع للخطبة فقط؟ أرجو ذكر الدليل.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كانت ستجلس في المسجد لاستماع الخطبة فإن هذا لا يحل، لأنه لا يجوز للحائض أن تدخل المسجد إلا مروراً فقط. أما إذا كانت ستجلس في مكان ملحق بالمسجد أو قريب من المسجد فإن هذا لا بأس به، لأنها لم تدخل في المسجد حيئنذٍ. ولتفصيل الجواب في المكان الملحق بالمسجد انظر إجابة السؤال رقم (34815) لمعرفة متى يكون المكان الملحق بالمسجد حكمه حكم المسجد قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: يحرم على الحائض أن تمكث في المسجد، حتى مصلى العيد يحرم عليها أن تمكث فيه لحديث أم عطية رضي الله عنها قالت: أَمَرَنَا تَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُخْرِجَ فِي الْعِيدَيْنِ الْعَوَاتِقَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ وَأَمَرَ الْحُيَّضَ أَنْ يَعْتَزِلْنَ مُصَلَّى الْمُسْلِمِينَ. رواه البخاري (324) ومسلم (890) اهـ رسالة الدماء الطبيعية للنساء (ص 52-53) . والعَاتِق هِيَ الْجَارِيَة الْبَالِغَة. وذوات الخدور هن الأبكار. وسئلت اللجنة الدائمة (5/398) عن حكم دخول الحائض المسجد. فأجابت: لا يجوز للحائض دخول المسجد إلا مروراً إذا احتاجت إلى ذلك كالجنب لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) اهـ. وسئلت اللجنة الدائمة أيضاً (6/272) ما حكم الشرع في حق المرأة التي تدخل المسجد وهي حائض للاستماع إلى الخطبة فقط؟ فأجابت: لا يحل للمرأة أن تدخل المسجد وهي حائض أو نفساء. . . أما المرور فلا بأس إذا دعت إليه الحاجة وأُمِن تنجيسها المسجد لقوله تعالى: (ولا جنبا إلا عابري سبيل) النساء / 43. والحائض في معنى الجنب؛ ولأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر عائشة أن تناوله حاجة من المسجد وهي حائض اهـ. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 33649 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1400 هل هناك نص يحدد تحية المسجد بثلاثة الصفوف الأولى من المسجد؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك نص يحدد تحية المسجد بثلاثة الصفوف الأولى من المسجد؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا نعلم لهذا الكلام أصلاً، وتحية المسجد تُصلى في أي مكان في المسجد، ولا تخص ذلك بالصفوف الثلاثة الأولى. والأمر سهل فحيثما تيسر للمسلم الصلاة في أي مكان من المسجد فليصل. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 32732 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1401 حكم دخول الحائض لما يلحق بالمسجد [السُّؤَالُ] ـ[في أميركا مسجد يتكون من ثلاثة أدوار: الدور الأعلى مصلى للنساء، والدور الذي تحته المصلى الأصلي، والدور الذي تحته وهو عبارة عن (قبو) فيه المغاسل ومكان للمجلات والصحف الإسلامية، وفصول دراسية نسائية ومكان لصلاة النساء أيضاً. فهل يجوز للنساء الحُيَّض دخول هذا الدور السفلي؟ كما يوجد في هذا المسجد عمود يعترض للمصلين في صفوفهم فيقسم الصف إلى شطرين فهل يقطع الصف أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان المبنى المذكور قد أُعد مسجداً ويسمع أهل الدورين الأعلى والأسفل صوت الإمام صحّت صلاة الجميع، ولَم يجُز للحُيّض الجلوس في المحل المعد للصلاة في الدور الأسفل، لأنه تابع للمسجد، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إني لا أُحل المسجد لحائض ولا جٌنٌب) . أما مرورها بالمسجد لأخذ بعض الحاجات مع التحفظ من نزول شيء من الدم فلا حرج في ذلك، لقوله سبحانه: {ولا جٌنباً إلا عابري سبيل} . ولما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه أمر عائشة أن تناوله الخمرة من المسجد، فقالت إنها حائض فقال صلى الله عليه وسلم، (إن حيضتك ليست في يدك) . أما إن كان الدور الأسفل لم ينوه الواقف من المسجد، وإنما نواه مخزناً ومحلاَّ لما ذكر في السؤال من الحاجات فإنه لا يكون له حكم المسجد، ويجوز للحائض والجنب الجلوس فيه ولا بأس بالصلاة فيه في المحل الطاهر الذي لا يتبع دورات المياه كسائر المحلات الطاهرة التي ليس فيها مانع شرعي يمنع من الصلاة فيها، لكن من صلى فيه لا يتابع الإمام الذي فوقه إذا كان لا يراه ولا يرى بعض المأمومين، لأنه ليس تابعاً للمسجد في الأرجح من قولي العلماء. أما العمود الذي يقطع الصف فلا يضر الصلاة، لكن إذا أمكن أن يكون الصف قدامه أو خلفه حتى لا يقطع الصف فهو أولى وأكمل. والله ولي التوفيق. [الْمَصْدَرُ] الشيخ ابن باز. فتاوى إسلامية 1/241-242 الحديث: 183 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1402 الإعلان عن إفطار جماعي في المسجد لمن صام [السُّؤَالُ] ـ[أعلن في أحد المساجد أنه يوجد إفطار لكل من يريد الصيام في كل يوم خميس فما حكم ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين حفظه الله فكان جوابه كما يلي: الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، هذا الإعلان لا بأس به لأنه إعلان فيه دعوة للخير وليس المقصود به بيعا ولا شراء، المحرم أن يعلن عن البيع وشراء أو تأجير واستئجار مما لم تبن المساجد من أجله وأما الدعوة إلى الخير وإطعام الطعام والصدقة فلا بأس به. وأمّا بالنسبة لكونه هل هو اجتماع غير مشروع على العبادة، (فإنهم في الحقيقة) لم يعلنوا عن الصيام الجماعي وإنما أعلنوا عن الإفطار فقط فلا بأس به.. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن صالح العثيمين الحديث: 3468 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1403 هل يجوز إسكات الشّحاذ داخل المسجد [السُّؤَالُ] ـ[ما هو الموقف من الشحاذين على أبواب المسجد؟ هل نعطيهم أم لا؟ وهل للإمام أن يُسْكت من يقوم ويسأل بعد الصلاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله: أما الشحاذين عند أبواب المساجد من الخارج فلا بأس إذا كانوا صادقين، أما داخل المسجد فيُنهون عن هذا ويقال لهم: اخرج عند الباب. سؤال: هل يُعتبر الإمام الذي يُخرجهم مخالفا لقوله تعالى: " وأما السائل فلا تنهر "؟ جواب: هو ما نهره وإنما أمره بتغيير المكان. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الحديث: 5154 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1404 حكم افتتاح المساجد بالحفلات والاجتماع لذلك [السُّؤَالُ] ـ[إذا بُني عندنا مسجد جديد وأريد ابتداء الصلاة فيه دُعي الناس من البلدان المجاورة فيجتمعون لهذا الذي يسمونه افتتاح المسجد، فما حكم إتيانهم لهذا الغرض؟ وهل حديث: (لا تُشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ... ) يدل على تحريم ذلك؟ وإذا كان جائزاً فما الدليل على ذلك؟ وهل حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم دعاه بعض الصحابة ليصلي ناحية من بيته ليتخذها مصلّى ... يدل على جوازه؟ وكذلك هل يدل عليه مفهوم ما جاء في قصة مسجد الضّرار بحيث لم يوجه ربنا نهيه إلى مجرد عزمه على الذهاب، وإنما نهاه لأن المسجد لم يُبن إلا ضراراً وكفراً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله افتتاح المساجد يكون بالصلاة فيها وعمارتها بذكر الله، من تلاوة قرآن والتسبيح والتحميد والتهليل وتعليم العلوم الشرعية ووسائلها ونحو ذلك مما فيه رفع شأنها، قال الله تعالى: (في بيوت أذن الله أن ترفع ويُذكر فيها اسمه، يسبح له فيها بالغدو والآصال، رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإتياء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيها القلوب والأبصار، ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب) بهذا ونحوه من النصائح والمواعظ والمشورة كان يعمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتبعه في هذا الخلفاء الراشدون وسائر صحابته وأئمة الهدى من بعده رضي الله عنهم ورحمهم، والخير كل الخير في الاهتداء بهديهم في الوقوف عندما قاموا به في افتتاح المساجد، وعمارتها بما عمروها به من العبادات وما في معناها من شعائر الإسلام ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم، ولا عمن اتبعه من أئمة الهدى أنهم افتتحوا مسجداً بالاحتفال وبالدعوة إلى مثل ما يدعوا إليه الناس اليوم، من الاجتماع من البلاد عند تمام بنائه للإشادة به، ولو كان ذلك مما يُحمد لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، أسبق الناس إليه ولسنّه لأمته ولتبعه عليه خلفاؤه الراشدون وأئمة الهدى من بعده، ولو حصل ذلك لنُقل. وعلى هذا فلا ينبغي مثل هذه الاحتفالات، ولا يُستجاب للدعوة إليها ولا يُتعاون على إقامتها بدفع مال أو غيره، فإنّ الخير في اتباع من سلف، والشر في ابتداع من خلف، وليس في دعوة بعض الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته ليصلي في مكان منه ركعتين كي يتخذه صاحبه مصلى يصلي فيه ما قدر له من النوافل دليل على ما عُرف اليوم من الاحتفال لافتتاح المسجد، فإنه لم يدعه إلى احتفال بل لصلاة ولم يسافر لأجل تلك الصلاة، ثم السفر إلى ذلك الاحتفال أو للصلاة في ذلك المسجد داخل في عموم النهي عن شد الرحال إلى غير تلك المساجد الثلاثة المعروفة، فينبغي العدول عن تلك العادة المُحدثة، والاكتفاء في شؤون المساجد وغيرها بما كان عليه العمل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأتباعه أئمة الهدى رحمهم الله. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة من كتاب فتاوى إسلامية 1/18. الحديث: 14393 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1405 إذا سبق الصبيان من هم أكبر منهم إلى الصف الأول فهم أولى به [السُّؤَالُ] ـ[بعض الأولاد يبكرون يوم الجمعة ويأتي أناس أكبر منهم ويقيمونهم ويجلسون مكانهم ويحتجون بقوله صلى الله عليه وسلم: (ليلني منكم أولوا الأحلام والنهى) ، فهل هذا جائز؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا يقوله بعض أهل العلم ويرى أن الأولى بالصبيان أن يصفوا وراء الرجال، ولكن هذا القول فيه نظر، والأصح أنهم إذا تقدموا لا يجوز تأخيرهم، فإذا سبقوا إلى الصف الأول أو إلى الصف الثاني فلا يقيمهم من جاء بعدهم، لأنهم سبقوا إلى حق لم يسبق إليه غيرهم فلم يجز تأخيرهم لعموم الأحاديث في ذلك، لأن في تأخيرهم تنفيراً لهم من الصلاة، ومن المسابقة إليها فلا يليق ذلك. لكن لو اجتمع الناس بأن جاءوا مجتمعين في سفر أو لسبب، فإنه يصف الرجال أولاً، ثم الصبيان ثانياً، ثم النساء بعدهم إذا صادف ذلك وهم مجتمعون، أما أن يؤخذوا من الصفوف ويزالوا ويصف مكانهم الكبار الذين جاءوا بعدهم فلا يجوز ذلك لما ذكرنا. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (ليلني منكم أولوا الأحلام والنهى) ، فالمراد به التحريض على المسارعة إلى الصلاة من ذوي الأحلام والنهى وأن يكونوا في مقدم الناس، وليس معناه تأخير من سبقهم من أجلهم، لأن ذلك مخالف للأدلة الشرعية التي ذكرنا. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - ج/12 ص/399. الحديث: 22355 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1406 ما العمل إذا لم تعد هناك حاجة لبعض أثاث المسجد [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز نقل الوقف على المسجد، مثل الدولاب إذا ضاق على المسجد وإذا لم يكن للمسجد حاجة إليه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، يجوز نقل الوقف إذا كان ذلك أصلح، فإذا استُغْني عن شيء بالمسجد، كفراش أو دولاب أو غيره، نقلناه إلى مسجد آخر بعينه إذا أمكن، وإن لم يمكن قمنا ببيع هذه الأشياء وأنفقنا ثمنها على المسجد. أما إذا كان (هذا الأثاث من دائرة الأوقاف) ، فإن (دائرة) الأوقاف هي التي تتصرف في ذلك وتفعل ما هو أصلح. [الْمَصْدَرُ] لقاء الباب المفتوح لابن عثيمين /168 الحديث: 1743 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1407 هل يجوز بيع المسجد إذا لم يعد هناك مسلمون حوله [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم بيع المسجد إذا انتقل المسلمون عن المنطقة التي هو فيها وخيف تلفه أو الاستيلاء عليه؟ فكثيراً ما يشتري المسلمون منزلاً ويحولونه مسجداً فإذا انتقلت غالبية المسلمين من المنطقة لظروف العمل هجر المسجد أو أهمل، وقد يستولي عليه آخرون. وممن الممكن بيعه وأن يستبدل به مسجد يؤسس في مكان فيه مسلمون، فما حكم هذا البيع أو الاستبدال؟ وإذا لم تتيسر فرصة استبدال مسجد آخر به فما أقرب الوجوه التي يجوز صرف ثمن المسجد فيها؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز بيع المسجد الذي تعطل الانتفاع به، أو هجر المسلمون المكان الذي هو فيه أو خيف استيلاء الكفار عليه، على أن يُشترى بثمنه مكان آخر يتخذ مسجداً. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] قرارات مجمع الفقه الإسلامي ص 44 الحديث: 1828 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1408 هل تجوز الصلاة في المسجد المبني بالربا [السُّؤَالُ] ـ[تم بناء مركز إسلامي في منطقتي. وقد اشترى المسلمون الممتلكات عن طريق أخذ قرض كبير بفوائد ربوية. وقد بني المسجد باستخدام هذه الفوائد. هل هو حرام على الطالب المسلم أن يصلي أو يمارس الأنشطة في هذا المسجد؟ أو يجب عليه الذهاب إلى المساجد الأخرى في المنطقة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تجوز الصلاة في هذا المسجد ويجب على من اقترض بالربا التوبة إلى الله. والله الموفق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 1885 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1409 هل يجوز الاحتياط في بناء المسجد بإجراء عقود محرّمة [السُّؤَالُ] ـ[أولا أود أن أشكر كل من شارك في هذا البرنامج المفيد، والذي سوف يساعد الناس على اتباع منهج أهل السنة والجماعة، فجزاكم الله خيرا. سؤالي هو: نحن على وشك البدء في بناء مسجد في مدينة (أو ولاية) كروسز. ولكي نضمن أن المقاول سوف يتم بناء المسجد يجب أن نعمل شيئين: 1- نشتري سندات تغطي مشكلة عدم استمرار المقاول في عمله. 2- نقوم بالتأمين على المسجد، والذي سوف يحمي المسجد من أي ضرر يقوم به المقاول بعد الانتهاء، أو من الحوادث المقصودة أو غير المقصودة مثل الحرائق وغيرها. وسؤالي هو هل هذا النوع من الحماية حلال؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: جزاك الله خيرا على ثنائك وتشجيعك ثانيا: شراء السندات عملية ربوية محرّمة، والدّخول في عقود التأمين الشائع ميسر محرّم أيضا، فاستعينوا بالله وتوكّلوا على الله وانتقوا المقاول المعروف بأمانته في العمل واكتبوا شروط العقد بعد دراسة واستشارة متأنيّة ولعلكم تجدون في النّظام والمحاكم لديكم من يُنصفكم عند حدوث أيّ مكروه نسأل الله السلامة والإعانة لكم، واذكروا قول الله تعالى: (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ. فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) سورة التوبة. وصلى الله على نبينا محمد [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 1888 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1410 المساجد التي تبنيها دولة كافرة للمسلمين فيها [السُّؤَالُ] ـ[نحن مسلمون نعيش في دولة كافرة، وتقوم الحكومة حالياً بإنشاء بعض المساجد في أماكن المسلمين فيها، فهل يجوز لنا الاعتراف بهذه المساجد دون أن نبني بأيدينا مع قدرتنا على بنائها، وإن كانت سقوفها من أوراق الأشجار، علماً بان الحكومة في الوقت الحاضر تحرص على إرضاء المسلمين حتى ينتهي المسلمون عن مخالفة الحكومة، ويلاحظ أن هذه المساعدات لا يعرف مصدرها هل هي من الحكومة حقيقة أو من إخواننا المسلمين خارج البلاد، نأمل أن تتفضلوا بالإجابة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من المعلوم أن الحقوق على اختلاف أنواعها مالية وبدنية ومعنوية متبادلة بين الحكومات وشعوبها ومن تحت رعايتها، فإذا كان الواقع كما ذكرتم من أن الحكومة التي أنتم تحت رعايتها نصراية، وأنها قامت بإنشاء مساجد في الأحياء الإسلامية فإنما تقوم بما عليها من الحقوق الواجبة لرعاياها، وتحقق لهم الرغبات وتيسر لهم المرافق العامة دينية ودنيوية مقابل ما يؤدونه لها من حقوق وما تكسبه من ورائهم من أنواع المصالح والمنافع، وعلى هذا فلا غضاضة عليكم أن تقبلوا ما أنشأته لكم من المساجد قياماً بما عليها من واجب نحوكم، دون أن يكون لها في ذلك منّة عليكم أو يد تطلب جزاءها أو التعويض عنها، بل ينبغي لكم أن تقبلوا تلك المساجد وتطالبوا بأمثالها وبإنشاء مدارس إسلامية دون أن يثنيكم عن عزمكم في استيفاء حقوقكم دينية ودنيوية ما تقدمت به إليكم من مصالح مادية أو معنوية. وعليكم معشر المسلمين أن تتعاونوا فيما بينكم في إنشاء مرافق أخرى من مساجد ومدارس إسلامية وغير ذلك مما تحتاجون إليه، مع العناية بأن تكون الولاية والإشراف على المساجد والمدارس ونحوها التي تبنيها لكم الحكومة: للمسلمين لا لغيرهم، حتى لا يحدثوا فيها ما يخالف الشرع؛ عملاً بقوله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى) وأما الأموال التي بذلت من الحكومة فلا يشترط أن تعلموا مصدرها؛ لعدم الدليل على ما يقتضي ذلك. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى اللجنة الدائمة 6/262 الحديث: 2190 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1411 شراء أماكن للهو وتحويلها إلى مساجد [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز شراء محلات الخمر والرقص واستعمالها مساجد ومعابد؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم يجوز شرؤاها واتخاذها مساجد؛ لأن في ذلك استعمالها فيما هو خير مما كانت متخذة له ومستعملة فيه، والخبث ليس وصفاً لازماً لهذه الأماكن لذاتها، وإنما عرض لها من أجل ما اتخذت له، فإذا استعملت في الخير واتخذت له ذهب خبثها وصارت مواضع خير. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى اللجنة الدائمة 6/233. الحديث: 2193 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1412 شراء الكنيسة لتكون مسجداً [السُّؤَالُ] ـ[توجد جماعة من المسلمين في مدينة في ولاية جورجيا في الولايات الأمريكية، وترغب في إقامة مسجد لأداء الصلوات الخمس والجمعة، وكانت هناك كنيسة معروضة للبيع، فهل يجوز لهم شراء هذه الكنيسة وتحويلها إلى مسجد بعد إزالة الأصلبة الموجودة، وكذلك الصور المعلقة والمنقوشة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم يجوز شراؤها وجعلها مسجداً وتجب إزالة الصلبان والصور المعلقة والمنقوشة فيها، وكل ما يشعر بأنها كنيسة، ولا نعلم مانعاً يمنع من ذلك. من فتاوى اللجنة الدائمة 6/267. ومن الأدلة على جواز تحويل معابد الشرك والكفر إلى مساجد الحديث التالي: عن طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ خَرَجْنَا وَفْدًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعْنَاهُ وَصَلَّيْنَا مَعَهُ وَأَخْبَرْنَاهُ أَنَّ بِأَرْضِنَا بِيعَةً لَنَا (البيعة: معبد النصارى أو اليهود) فَاسْتَوْهَبْنَاهُ مِنْ فَضْلِ طَهُورِهِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ وَتَمَضْمَضَ ثُمَّ صَبَّهُ فِي إِدَاوَةٍ وَأَمَرَنَا فَقَالَ اخْرُجُوا فَإِذَا أَتَيْتُمْ أَرْضَكُمْ فَاكْسِرُوا بِيعَتَكُمْ وَانْضَحُوا مَكَانَهَا بِهَذَا الْمَاءِ وَاتَّخِذُوهَا مَسْجِدًا قُلْنَا إِنَّ الْبَلَدَ بَعِيدٌ وَالْحَرَّ شَدِيدٌ وَالْمَاءَ يَنْشُفُ فَقَالَ مُدُّوهُ مِنْ الْمَاءِ فَإِنَّهُ لا يَزِيدُهُ إِلاّ طِيبًا فَخَرَجْنَا حَتَّى قَدِمْنَا بَلَدَنَا فَكَسَرْنَا بِيعَتَنَا ثُمَّ نَضَحْنَا مَكَانَهَا وَاتَّخَذْنَاهَا مَسْجِدًا فَنَادَيْنَا فِيهِ بِالْأَذَانِ قَالَ وَالرَّاهِبُ رَجُلٌ مِنْ طَيِّئٍ فَلَمَّا سَمِعَ الأَذَانَ قَالَ دَعْوَةُ حَقٍّ ثُمَّ اسْتَقْبَلَ تَلْعَةً مِنْ تِلاعِنَا (تلعة " بفتح فسكون مسيل الماء من أعلى الوادي وأيضا ما انحدر من الأرض) فَلَمْ نَرَهُ بَعْدُ. " رواه النسائي 694. ولا يلزم هدم البنيان من أساسه ما دام يمكن الاستفادة من سقوفه وحيطانه وما شابه ذلك ويمكن عمل التعديلات المعمارية اللازمة لجعل صفوف البنيان جهة الكعبة بعد إزالة كل مظاهر الشرك والمحرمات والله تعالى الموفّق وهو أعلم وأحكم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2194 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1413 غضب بعض كبار السن ممن يسبقهم إلى مكان في المسجد [السُّؤَالُ] ـ[بعض كبار السن عندما يحضرون إلى المسجد ويجدون أحداً جالساً في المكان الذي اعتادوا الصلاة فيه يغضبون فما حكم ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز لهم ذلك، والسابق أحق منهم، وليس لهم الغضب وليس لهم الحق في هذا. [الْمَصْدَرُ] فتاوى إسلامية ابن باز /517 الحديث: 3079 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1414 اختلفوا على إبقاء الستارة بين الرجال والنساء في المسجد [السُّؤَالُ] ـ[يوجد في أحد المساجد ستارة بين الرجال والنساء فحصل خلاف في أهمية هذه الستارة فرأى بعضهم أنه لا حاجة لها وأنه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن هناك ستارة وأصر الآخرون على وجودها فحصل خلاف نتيجة ذلك ربما يؤدي بالذين يرون بعدم وجودها إلى ترك الصلاة في المسجد علماً أنه يحدث هناك شيء من الاختلاط أو النظر عند الانصراف لطبيعة دين الموجودين من الرجال فهل نصر على إبقاء الستارة ولو ترك الصلاة من ترك أو نزيل الستارة ولو حصل ما حصل من النظر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أجابنا فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين على هذا السؤال بقوله: الستارة تبقى وكونها لم توجد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إما لعدم السبب المقتضي لها وإما لوجود المانع، أما الأول فلأن الصحابة رضي الله عنهم عندهم من الإيمان بالله ما يمنعهم من النظر إلى النساء، وأما المانع فلأن حال الصحابة كما نعلم لا سيما قبل الفتوح حال عسر لا يستطيعون أن يضعوا ستارة تحول بينهم وبين النساء، وإذا خلصنا إلى هذا رأينا أيهما أبعد عن الفتنة أن توجد الستارة أو لا توجد؟ ، كلٌ يقول الأبعد عن الفتنة وجود الستارة، وإذا كان كذلك فكلما كان أبعد عن الفتنة فهو أولى وإذا قلت: لو أصررنا على هذا لتخلّف الذين يقولون بإزالتها، فالجواب أنهم إذا تخلفوا فهم الذين جنوا على أنفسهم لأنهم لا يعذرون بترك الجماعة لوجود هذه الستارة إذ أن وجودها ليس معصية حتى يقولوا أننا لن نحضر لنشاهد المعصية فيكونون إذا تخلفوا آثمين بتركهم الجماعة. انتهى [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن صالح العثيمين الحديث: 4019 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1415 المكان المستأجر للصلاة هل يأخذ حكم المسجد [السُّؤَالُ] ـ[عندنا محل مستأجر اتخذناه كمصلى نصلي فيه الفروض الخمس ويوم الجمعة. هذا المكان لا يملكه مسلمون فهو بالأحرى مستأجر. هل هذا المكان يأخذ أحكام المسجد أم لا. على سبيل المثال هل يلزمنا أداء تحية المسجد كل مرة ندخل. هل يجوز للمرأة أن تدخله في فترة حيضها وهكذا. وأمر آخر وهو أننا نبيع بعض الكتابات من بعض الدكاكين على السلمين لتسديد جزء من الإيجار. هذا يحدث عادة في المصلى حيث يتم الإعلان عنها بعد صلاة الجمعة ويأتي المسلمون لشرائها. ما حكم هذا؟ هل يعتبر هذا تجارة لا تجوز في هذا المكان؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله فأجاب: هذا ليس له حكم المسجد، هذا مصلى بدليل أنه مملوك للغير وأن مالكه له أن يبيعه، فهو مصلى وليس مسجدا فلا تثبت له أحكام المسجد. سؤال: هل يسمح فيه ببيع الكتيبات والإعلانات التجارية، أم أن ذلك لا يليق حتى بالمصلى؟ الجواب: أرى أنه لا يليق حتى بالمصلى، لأن هذا يلهي عن ذكر الله، ويوجب التشويش على من يصلي فيه. سؤال: وأما حضور الحائض فيه فلا بأس؟ جواب: نعم، أما مكث الحائض فيه فلا بأس. سؤال: ولا تشرع تحية المسجد؟ الجواب: ولا تشرع، لكن له أن يصلي سنة عادية. سؤال: يعني بين كل أذانين صلاة؟ الجواب: نعم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن صالح العثيمين الحديث: 4399 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1416 الكلام في المسجد في أمور الدنيا [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لنا أن نتكلم في أمور الدنيا في المسجد وقت الأذان؟ هل يجوز لنا السلام والمصافحة وقت الأذان؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أخرج الحاكم في المستدرك 4/359 بسنده إلى أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يأتي على الناس زمان يتحلقون في مساجدهم وليس همتهم إلا الدنيا، ليس لله فيهم حاجة فلا تجالسوهم، هذا حديث صحيح ولم يخرجاه. قال: الذهبي في التلخيص:صحيح. وهذا الحديث نص في كراهية هذا الفعل المذموم لأن المساجد لم يؤمر ببنائها لهذا، وإنما أمر برفعها لتعمر بذكره سبحانه وتعالى وتؤدى فيها الصلوات والطاعات والقُرُبات كالاعتكاف وأنواع الذّكر كحلق القرآن والعلم، وفي المقابل جاءت أحاديث تأمر بترديد الأذان بعد المؤذن استحبابا وندبا، مشيرة ومرشدة إلى ما يفعل عند سماع الأذان فيزهد قوم في ذلك ولا يعلمون كم فاتهم من الأجور وكم لزمهم من المؤاخذة على ذلك فأي قلوب يحملون؟! يسمعون ذكر الله ثم عنه يعرضون ولا يؤثر في قلوبهم فيخشعون فيحملهم على الإنصات؟ ومن هذه الأحاديث ما رواه الإمام مسلم في صحيحه برقم 384، بسنده إلى عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا عليّ، فإنّه من صلى عليّ صلاة صلى الله عليه بها عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة ". أما السلام والمصافحة فلا بأس بهما لأنهما من الطاعات ولا تعارض بينهما وبين إجابة المؤذن فيُمكن أن يردّ السلام ويُصافح ويجيب المؤذّن. وينبغي على المسلم أن يحذر من الإتيان بأيّ فعل فيه إيذاء لعمّار المساجد ومن ذلك التشويش على قارئ القرآن أو المصلي أو الذاكر لله في المسجد، ومن السيئات التشويش على أهل المسجد بالكلام في أمور الدنيا لأن في ذلك إيذاء لهم وإشغال للمسلمين عن أداء طاعتهم لله على الوجه الصحيح، والتشويش ممنوع ولو كان بالقرآن فكيف بغيره: أخرج أحمد بن شعيب النسائي في السنن الكبرى 5/32 تحت عنوان: ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم لا يجهر بعضكم على بعض في القرآن، وذلك بسنده إلى أبي حازم التمار عن البياضي " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على الناس وهم يصلون وقد علت أصواتهم بالقراءة فقال: إن المصلي يناجي ربه فلينظر ماذا يناجيه به، ولا يجهر بعضكم على بعض في القرآن ". وعَنْ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ رحمه الله أَنَّهُ قَالَ: الْكَلامُ فِي الْمَسْجِدِ لَغْوٌ إلا لِمُصَلٍّ أَوْ ذَاكِرِ رَبِّهِ أَوْ سَائِلِ خَيْرٍ أَوْ مُعْطِيه. مصنف عبد الرزاق ج:8 باب كلام عكرمة، والله تعالى أعلم وصلى الله على سيدنا محمد والحمد لله رب العالمين. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 4448 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1417 حكم نقل مال مسجد لآخر [السُّؤَالُ] ـ[يوجد مسجد في الولايات المتحدة الأمريكية جمع له مال وبني، وبقي من المال كثير، ويوجد في منطقة أخرى مسجد وحوله جالية إسلامية كبيرة ويتطلب بناء مكتبة ومدرسة وبعض الملاحق ويريد بعض القائمين عليه أخذ شيء من المال الموجود عند القائمين على المسجد الأول، نرجو الإفادة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان المسجد الأول الذي جمع له المال قد كمل واستغنى عن المال فإن الفاضل عن المال يصرف لتعمير مساجد أخرى مع ما يضاف إليها من مكتبات ودورات مياه ونحو ذلك كما نص على ذلك أهل العلم في كتاب الوقف، ولأنه من جنس المسجد الذي تبرع له ومعلوم أن المتبرعين إنما قصدوا المساهمة في تعمير بيت من بيوت الله فما فضل عنه يصرف في مثله فإن لم يوجد مسجد محتاج صرف الفاضل في المصالح العامة للمسلمين كالمدارس والأربطة والصدقات على الفقراء ونحو ذلك والله ولي التوفيق. [الْمَصْدَرُ] الشيخ ابن باز رحمه الله فتاوى إسلامية 3/24-25 الحديث: 4571 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1418 بيع مسجد لشراء مسجد في موقع أفضل [السُّؤَالُ] ـ[قبل عدة سنوات اشترينا بيتا وحولناه إلى مسجد والأمور كانت تسير على ما يرام والآن وجدنا بيتا آخر والكثير من الأخوة قالوا بأنه أفضل وموقعه أفضل، فهل يجوز لنا في هذه الحالة أن نبيع المسجد السابق لكي نتمكن من أن نشتري المسجد الذي نفضله؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا هذا السؤال على الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب بقوله الحمد لله نعم هو جائز ولكن بشرط موافقة الجيران، وإذا وافق جيران المسجد المسلمين الذين يصلون فلا بأس لأنه قد يكون المسجد الآخر بعيداً عنهم، ويكون هذا المسجد ملكاً حراً. سؤال: إذا كان المسلمون في هذا البلد متفرقين وبعيدين عن بعضهم البعض فيؤخذ رأي من منهم. الجواب: يؤخذ رأي القريبين منهم إلى المسجد بحيث لا يبعد عن أحد منهم فيتضرر من بعد المسجد عنه سؤال: إذا كان المسجد الآخر أو الجديد يفيد عدداً أكبر من المسلمين فما العمل؟ الجواب: أرى أن يُترك المسجد القديم ويبنى آخر جديد في المكان الآخر، فإذا لم يستطاع بناء الآخر بسبب قلة المال فأرى أن يُترك القديم على ما هو عليه لكي لا يتضرر جيرانه ببعدهم عن المسجد الجديد. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن صالح العثيمين الحديث: 4830 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1419 حكم استئجار الكنائس لإقامة الصلاة فيها [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم استئجار الكنائس أماكن لإقامة الصلوات الخمس أو صلاة الجمعة والعيدين، مع وجود التماثيل وما تحتويه الكنائس عادة، علماً بأن الكنائس - في الغالب - أرخص الأماكن التي يمكن استئجارها من النصارى وبعضها تقدمه الجامعات أو الهيئات الخيرية للاستفادة منه في هذه المناسبات دون مقابل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ينبغي على المسلمين السعي ما أمكنهم لبناء دور العبادة الخاصة بهم وأن تُبنى وفق الشّريعة الإسلامية بناء جيدا دون إسراف ولا تزويق فإذا لم يتمكن المسلمون من بناء مساجد لهم واحتاجوا إلى مكان يصلّون فيه ولم يجدوا إلا كنيسة فإنّ " استئجار الكنائس للصلاة لا مانع منه شرعاً عند الحاجة، وتُجتنب الصلاة إلى التماثيل والصور وتستر بحائل إذا كانت باتجاه القبلة." [الْمَصْدَرُ] مجمع الفقه الإسلامي ص47. الحديث: 1833 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1420 بناء المساجد في مكان لا يتوقع بقاء المسلمين فيه بصفة دائمة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز بناء مسجد أو تحويل بناء إلى مسجد في منطقة أو مدينة يتوقع خلوها من المسلمين بعد حين؟ حيث أنه في أمريكا يقيم الطلاب المسلمون مسجداً في منطقة معينة، فإذا تخرجوا وعادوا إلى بلادهم يبقى المسجد مهجوراً أو شبه مهجور؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يُبنى أو يحول بناء إلى مسجد لما في ذلك من المصلحة العامة للمسلمين الموجودين، ولما في ذلك من إظهار شعائر الإسلام، ولما يرجى بسب ذلك من كثرة المسلمين ودخول بعض أهل البلد في الإسلام. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2191 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1421 دخول غير المسلم المسجد [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم دخول غير المسلمين المساجد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يحرم على المسلمين أن يمكنوا أي كافر من دخول المسجد الحرام وما حوله من الحرم كله؛ لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا) سورة التوبة 28، أما غيره من المساجد فقال بعض الفقهاء يجوز لعدم وجود ما يدل على منعه، وقال بعضهم لا يجوز قياساً على المسجد الحرام. والصواب جوازه لمصلحة شرعية أو لحاجة تدعو إلى ذلك: لسماع ما قد يدعوه للدخول في الإسلام، أو حاجته إلى الشرب من ماء في المسجد أو نحو ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ربط ثمامة بن أثال الحنفي في المسجد قبل أن يسلم، وأنزل وفد ثقيف ووفد نصارى نجران قبل أن يسلموا في المسجد؛ لما في ذلك من الفوائد الكثيرة، وهي: سماعهم خطب النبي صلى الله عليه وسلم ومواعظه، ومشاهدتهم المصلين والقراء وغير ذلك من الفوائد العظيمة التي تحصل لمن لازم المسجد. من فتاوى اللجنة الدائمة 6/276. فإذا طلب بعض الكفار أن يدخلوا المسجد ليروا كيف يصلي المسلمون وليس بهم ما يُقذّر المسجد أو يكونوا من النساء المتبرجات وما شابه ذلك من الموانع فلا بأس أن ندخلهم ويجلسون خلف المسلمين يشهدون صلاتهم وننبّه من نخشى أن ينهرهم من المسلمين وهو لا يدري بحالهم، والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2192 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1422 تكبير المجتمعين في المسجد إذا سمعوا خبرا سارا [السُّؤَالُ] ـ[هل هي من البدعة رفع الصوت بالتكبير والتسبيح في كل مرة نسمع بها خبرا مفرحا في المسجد لتكون المباركة جماعية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى شيئا يعجبه قال: " الله أكبر اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة " رواه أحمد. فيجوز حينئذ أن يكبر المرء إذا رأى ما يفرحه ويعجبه ويرفع صوته بذلك من غير مبالغة، أما التكبير الجماعي بحيث يبدءون وينتهون جميعا فغير مشروع لعدم ورود ما يدل على ذلك، لكن إذا كبر شخص وكبر آخر وكبر آخر فتوافقوا من غير اتفاق سابق فهذا غير منهي عنه. وكذلك يُمكن أن يسجدوا للشكر إذا كان أمرا هاما، والله الموفق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 3751 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1423 الصلاة في مسجد يلاصقه قبر من جهة القبلة [السُّؤَالُ] ـ[يوجد في قريتنا مسجد وأمامه قبر، وبينهما جدار، ولكن يوجد منافذ في هذا الجدار تطل على القبر، والقبر يوجد في قبلة المسجد، فهل تجوز الصلاة في هذا المسجد؟ حيث أن هناك من يقول بأنها تجوز، والبعض الآخر يقول لا تجوز، نرجو القول الفصل في هذا الموضوع الهام؟ .]ـ [الْجَوَابُ] لا يجوز أن يصلى في هذا المسجد المجاور للقبر، سيما إذا كان القبر في قبلة المصلين، وبينهم وبينه جدار فيه نوافذ تطل على القبر، ولو لم يخطر ببالهم تعظيم القبر، فقد ورد النهي عن الصلاة في المقبرة، ورأى عمر رجلاً يصلي عند قبر فنهاه، وقال القبر القبر رواه البيهقي (2/435) وعلقه البخاري في صحيحه (1/523 فتح) ووصله عبد الرزاق (1/404 رقم 1581) . فعلى هذا يلزم نقل المسجد إلى موضع آخر، أو التسوير على القبر بسور خاص حاجز بينه وبين جدار المسجد، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] من كتاب اللؤلؤ المكين من فتاوى ابن جبرين ص 24. الحديث: 7875 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1424 انتقل أهل الحيّ عن المسجد فماذا يفعل الإمام [السُّؤَالُ] ـ[إمام مسجد انتقل أهل مسجده عنه، ولا يصلي معه إلا شخص أو يصلي وحده فهل يستمر في الصلاة في المسجد لوحده أم ينتقل إلى جماعة مسجد آخر، وما مدى استحقاقه للراتب؟ .]ـ [الْجَوَابُ] عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله بقوله: أرى أن يبقى، ولا بد أن يكون معه واحد آخر. فإذا لم يكن معه أحد يذهب لمسجد آخر يصلي فيه مع الجماعة، أما بالنسبة للراتب فلابد أن يُبلغ المسؤولين وأن يأذنوا له. انتهى، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن صالح العثيمين الحديث: 8815 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1425 المشي بالنعال في المسجد [السُّؤَالُ] ـ[هل صحيح أن الإمام محمد بن عبد الوهاب قد قال إن المشي بالنعال في المسجد أمر مشروع وإن زيارة القبور محرمة؟ أفيدونا وجزاكم الله خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من أين لك هذا؟ نقول لك إن هذا بهتان عظيم. فالإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - رجل من أهل العلم، ولم يقل هذا القول، بل يحث الناس كما هو موجود في مؤلفاته على أن المصلي عليه أن يقبل على الله، وأن يخشع في صلاته عملاً بقوله تعالى: (قد أفلح المؤمنون - الذين هم في صلاتهم خاشعون) المؤمنون/1-2، لأن المصلي ينبغي أن يعظم عظمة من قام بين يديه، ويتهيأ لحرمته، فلا يكثر الحركة، كما في الأثر: (لو خشع قلبه لخشعت جوارحه) والبعض يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن الحافظ ابن رجب الحنبلي قال: لم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم هذا القول ولم يصح عنه أنه قال: (لو خشع قلبه لخشعت جوارحه) ، وإن كان المعنى صحيحاً، إنما هذا من قول بعض السلف. فهذا الذي يقوله محمد بن عبد الوهاب. أما المشي بالنعال في المساجد ويقول أنه مشروع، فهذا ليس بصحيح، فلم يقل محمد بن عبد الوهاب إن المشي بالنعال مشروع، بل يقول كما جاءت به الأحاديث، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا جاء أحدكم المسجد فلينظر في نعليه، فإن رأى فيهما أذى أو قذراً فليمسحهما فطهورهما التراب) ، هذا بالنسبة إلى النعال وبالنسبة إلى المسجد في ذلك الوقت، أما إذا كانت المساجد مفروشة ومهيأة، فينبغي أن ينظف المسجد عن النعال، وألا يدخل بنعليه خشية تقذير المكان وإزالة شيء من الأوساخ المتعلقة بالنعلين، وقد أشار إلى هذا بعض أهل العلم وهو بعض ما يقوله الشيخ محمد بن عبد الوهاب، فإنه لا يقول بمشروعية دخول المسجد بالنعال. أما بالنسبة إلى أنه يحرم زيارة القبور، فهذا أبداً لا يقوله، بل الإمام محمد بن عبد الوهاب يعمل بالأحاديث، والحديث يقول: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، فإنها تذكر الآخرة) رواه مسلم رقم (977) ، وكذلك هو يقول - رحمه الله - ينبغي للزائر إذا زار المقبرة أن يتأدب بالآداب الشرعية، وأن يدعو بما علّم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، وأنك إذا دخلت المقبرة تقول: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم) صحيح مسلم رقم (974و975) . هذا ما جاءت به الأحاديث، ومحمد بن عبد الوهاب يقرر هذا في كتبه، وإنما يقول: لا ينبغي شد الرحال إلى القبور، فهذا قول ابن عبد الوهاب عملاً بحديث أبي سعيد في الصحيحين وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاث مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى) رواه البخاري 2/50، ومسلم (827) والنسائي (1/277-278) . قال: هذا الحديث يدل على أنه لا يجوز شد الرحال لزيارة القبور، أما إذا زرتها مثلاُ في بلدك أو لا تحتاج إلى شد رحل فلا بأس، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يزور المقابر، مقابر البقيع، ويزور قبور الشهداء ويأتيهم ويدعو لهم، صلوات الله وسلامه عليه، فهذا أمر معلوم، وإنما الممنوع هو شد الرحال إلى القبور، فهذا هو الذي لا ينبغي فعله، عملاً بحديث أبي سعيد، ولهذا المعنى ذهب القاضي عياض المالكي فإنه قال: لا يجوز شد الرحال إلى القبور. وكذلك فقد ذهب إليه ابن رجب الحنبلي، وابن عقيل، وابن بطة، وجمع من أهل العلم، إلا أن الذي قيل لك كله ليس بصحيح كما أوضحنا لك، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد الله بن حميد ص 81. الحديث: 9631 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1426 ح كم صلاة من سجد للسهو سجدة واحدة [السُّؤَالُ] ـ[صلينا صلاة المغرب وسها الإمام في التشهد الأول (حيث هم أن يقوم إلى الركعة الثالثة من غير التشهد ثم جلس ليكمل التشهد الأول. معنى هم: تحرك قليلاً ولم يقف، ومن ثم سجد للسهو قبل السلام ولكنه سجد سجدة واحدة وبعد الصلاة تناقشانا أن للسهو سجدتين وليس سجدة ثم لم ندر ما نفعل؟ وتفرقنا من غير أن نسجد السجدة الثانية للسهو. فماذا علينا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: من سها في التشهد الأول لا يخلو من حالين: الحال الأُولى: أن يذكره بعد أن ينهض، أي: بعد أن تفارق فخذاه ساقيه، وقبل أن يستتمَّ قائماً، ففي هذه الحال يجلس ويتشهَّد، ويتم صلاته، ويسجد للسَّهو. الحال الثانية: أن يذكره بعد أن يستتمَّ قائماً، سواء شرع في القراءة أم لا، فهنا لا يرجع؛ لأنه انفصل عن التشهُّدِ تماماً، حيث وَصَلَ إلى الرُّكن الذي يليه. وانظر: "الشرح الممتع" للشيخ ابن عثيمين رحمه الله (3/131) . ثانياً: كان الواجب على الإمام أن يسجد سجدتين للسهو لا سجدة واحدة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ ثُمَّ لِيُسَلِّمْ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ) رواه البخاري (401) ومسلم (572) . فسجود السهو سجدتان، وليس سجدة واحدة. ثالثاً: إذا سجد المصلي سجدة واحدة للسهو جاهلاً لم يلزمه شيء، وصلاته وصلاة من خلفه صحيحة، وحكمه حكم من نسي سجود السهو. وينظر جواب السؤال رقم (257) فيمن نسي التشهد الأول ولم يسجد للسهو. وجاء في "دقائق أولي النهى" (1/217) "ومن ترك شيئاً من الواجبات (يعني: واجبات الصلاة) .... جاهلاً حكمه , بأن لم يخطر بباله أن عالماً قال بوجوبه , فهو كالساهي , فيسجد للسهو إن علم قبل فوات محله , وإلا فلا , وصلاته صحيحة " انتهى بتصرف واختصار. وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء (6/10) : " إذا كان تركه سجود السهو عمداً فصلاته باطلة وعليه إعادتها، وإن كان تركه سهواً أو جهلاً، فلا إعادة عليه وصلاته صحيحة " انتهى. وينبه الإمام على ما وقع فيه من الخطأ، حتى لا يقع فيه مرة أخرى. رابعاً: كان ينبغي على المأمومين أن يأتوا بالسجدة الثانية، وإن لم يسجدها إمامهم؛ لدخول النقص على صلاتهم. قال النووي رحمه الله تعالى في "المجموع " (4/65) : "ولو لم يسجد الإمام للسهو إلا سجدة سجد المأموم أخرى حملاً له على أنه نسيها، ولو ترك الإمام السجود لسهوه عامداً أو ساهياً سجد المأموم هذا هو الصحيح المنصوص؛ لأنه لما سها دخل النقص على صلاة المأموم لسهوه، فإذا لم يجبر الإمام صلاته جبر المأموم صلاته" انتهى باختصار وتصرف يسير. وقال أيضاً في (4/66) : " إذا سها الإمام فلم يسجد فقد ذكرنا أن الصحيح في مذهبنا أن المأموم يسجد , وبه قال مالك والأوزاعي والليث وأبو ثور , ورواية عن أحمد وحكاه ابن المنذر عن ابن سيرين , والحكم وقتادة , وقال عطاء والحسن والنخعي والقاسم وحماد بن أبي سليمان والثوري وأبو حنيفة والمزني وأحمد في رواية عنه: لا يسجد " انتهى. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 134518 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1427 إذا سلم المأموم قبل الإمام [السُّؤَالُ] ـ[إذا سلم بعض المأمومين تسليمة واحدة عن اليمين قبل الإمام سهواً، هل تبطل صلاته؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا تبطل صلاته، لكنه يسلم بعده ثانية" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (2/936) . [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز فتاوى نور على الدرب الحديث: 132471 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1428 ينتابه ضيق وحزن على عدم التركيز في الصلاة، فهل يعيدها؟ [السُّؤَالُ] ـ[بعد الصلاة ينتابني ضيق وحزن شديد على عدم تركيزي التام أو إتمام الخشوع في الصلاة.. فهل علي إعادة هذه الصلاة؟ وإن كان ذلك الأمر متكرراً فبماذا تنصحوني؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا قصر المسلم في طاعة الله تعالى ولم يؤدها كما ينبغي وحزن لذلك فهو علامة على إيمانه وصدقه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذَلِكُمْ الْمُؤْمِنُ) رواه الترمذي (2165) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. ونفس المؤمن تلومه على تقصيره في طاعة الله تعالى. قال الله عز وجل: (لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) القيامة/1-2. قال ابن القيم رحمه الله: "النفس اللوامة نوعان: لوامة ملومة، وهي النفس الجاهلة الظالمة التي يلومها الله وملائكته. ولوامة غير ملومة، وهي التي لا تزال تلوم صاحبها على تقصيره في طاعة الله مع بذله جهده، فهذه غير ملومة" انتهى. "الروح" (ص226) . ثم ينبني على ذلك: أنه يجتهد في إكمال العبادة وإتمامها. وليحذر المسلم من الوقوع في أحد أمرين كليهما مذموم: التشدد في لوم نفسه حتى يصل إلى حد الضجر والضيق من غير عمل صالح، أو التساهل وعدم إصلاح العمل، وخير الأمور الوسط. فأول العلاج التنبه إلى أصل الداء. يتلو ذلك انبعاث الهمة من نفس العبد على مقارعة العدو، والإصرار على مخالفته، والحرص على كل ما يقوي جانب الطاعة، ويضعف جانب المعصية. ثم حسن الإقبال على الله تعالى بالعمل الصالح، والانشغال بالذكر الذي يخنس به الشيطان ، وعدم الملل والتضجر من كثرة المحاولات. ثم التركيز في الصلاة، في القراءة، والأذكار، والأدعية، والدخول فيها كأنها آخر صلاة له مما يساعد بقوة على الخشوع والاطمئنان، وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أحد أصحابه فقال: (إِذَا قُمْتَ فِي صَلَاتِكَ فَصَلِّ صَلَاةَ مُوَدِّع) رواه ابن ماجه (4171) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه. وقال ابن القيم رحمه الله: "وإنما يقوى العبد على حضوره في الصلاة واشتغاله فيها بربه عز وجل إذا قهر شهوته وهواه، وإلا فقلب قد قهرته الشهوة وأسره الهوى ووجد الشيطان فيه مقعدا تمكن فيه كيف يخلص من الوساوس والأفكار؟ والقلوب ثلاثة: قلب خال من الإيمان وجميع الخير فذلك قلب مظلم قد استراح الشيطان من إلقاء الوساوس إليه؛ لأنه قد اتخذه بيتا ووطنا وتحكم فيه بما يريد وتمكن منه غاية التمكن. القلب الثاني: قلب قد استنار بنور الإيمان وأوقد فيه مصباحه، لكن عليه ظلمة الشهوات فللشيطان هنالك إقبال وإدبار ومجالات ومطامع، فالحرب دول وسجال. القلب الثالث: قلب محشو بالإيمان قد استنار بنور الإيمان وانقشعت عنه حجب الشهوات وأقلعت عنه تلك الظلمات، فلنوره في صدره إشراق، ولذلك الإشراق إيقاد لو دنا منه الوسواس احترق به، فهو كالسماء التي حرست بالنجوم فلو دنا منها الشيطان يتخطاها رجم فاحترق، وليست السماء بأعظم حرمة من المؤمن، وحراسة الله تعالى له أتم من حراسة السماء. والسماء متعبد الملائكة ومستقر الوحي وفيها أنوار الطاعات، وقلب المؤمن مسْتَقَر التوحيد والمحبة والمعرفة والإيمان وفيه أنوارها، فهو حقيق أن يحرس ويحفظ من كيد العدو فلا ينال منه شيئا إلا خطفه. فقلب خلا من الخير كله وهو قلب الكافر والمنافق فذلك بيت الشيطان قد أحرزه لنفسه واستوطنه. وقلب قد امتلأ من جلال الله عز وجل وعظمته ومحبته ومراقبته والحياء منه فأي شيطان يجترئ على هذا القلب؟ وقلب فيه توحيد الله تعالى ومعرفته ومحبته والإيمان به والتصديق بوعده ووعيده وفيه شهوات النفس وأخلاقها ودواعي الهوى والطبع. وقلب بين هذين الداعيين: فمرة يميل بقلبه داعي الإيمان والمعرفة والمحبة لله تعالى وإراداته وحده، ومرة يميل بقلبه داعي الشيطان والهوى والطباع، فهذا القلب للشيطان فيه مطمع وله منه منازلات ووقائع، ويعطي الله النصر من يشاء (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) وهذا لا يتمكن الشيطان منه إلا بما عنده من سلاحه، فيدخل إليه الشيطان فيجد سلاحه عنده فيأخذه ويقاتله، فإن أسلحته هي الشهوات والشبهات والخيالات والأماني الكاذبة وهي في القلب فيدخل الشيطان فيجدها عتيدة، فيأخذها ويصول بها على القلب، فإن كان عند العبد عدة عتيدة من الإيمان تقاوم تلك العدة وتزيد عليها انتصف من الشيطان، وإلا فالدولة لعدوه عليه، ولا حول ولا قوة إلا بالله. فإذا أذن العبد لعدوه وفتح له باب بيته وأدخله عليه ومكنه من السلاح يقاتله به فهو الملوم " انتهى مختصرا. "الوابل الصيب" (ص40) . أما إعادة الصلاة، فلا إعادة عليك، والإعادة في مثل تلك الحال قد تفتح باب الوسوسة على الإنسان فلا يصلي صلاة إلا ويعيدها عدة مرات. والمطلوب من المسلم أن يجتهد في الخشوع في صلاته وإتقانها وإحسانها، والأمر يحتاج إلى شدة مجاهدة وصبر. قال ثابت البناني رحمه الله: "كابدت الصلاة عشرين سنة، وتنعمت بها عشرين سنة" انتهى. "سير أعلام النبلاء" (5/224) . وانظر للاستزادة: جواب السؤال: (114539) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129871 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1429 إذا اجتمع أكثر من سبب لسجود السهو فهل يسجد قبل السلام أو بعده [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أسأل عن الذي يزيد شيئا في صلاته سهوا وفي نفس الصلاة ينسى شيئا، فهل يسجد سجدتين قبل التحية وبعد التحية أم ماذا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله في محل سجود السهو، هل هو قبل السلام أو بعده، خلاف بين أهل العلم، والأظهر من أقوالهم: أن الزيادة في الصلاة سهوا تقتضي السجود بعد السلام، والنقص يقتضي السجود قبل السلام، وأما عند الشك ففيه تفصيل: فإذا ترجح عنده أحد الاحتمالين فإنه يسجد بعد السلام، وإن لم يترجح عنده أحد الاحتمالين فإنه يسجد قبل السلام. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (12527) . وإذا اجتمع سببان، أحدهما يقتضي أن يكون السجود قبل السلام، كنسيان التشهد الأول، والثاني يقتضي أن يكون السجود بعد السلام، كزيادة سجود أو ركعة سهوا، فإنه يكفيه سجود واحد للسهو، والأظهر أنه قبل السلام، لا سيما إن كان إماما، تسهيلا على المصلين ومنعا من الاضطراب الذي يحصل للمسبوق منهم إذا قام بعد السلام مباشرة. قال ابن قدامة رحمه الله: "إذا سها سهوين , أو أكثر من جنس , كفاه سجدتان للجميع، لا نعلم أحدا خالف فيه. وإن كان السهو من جنسين , فكذلك. حكاه ابن المنذر قولا لأحمد , وهو قول أكثر أهل العلم منهم النخعي , والثوري , ومالك والليث , والشافعي وأصحاب الرأي ... لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا نسي أحدكم , فليسجد سجدتين) وهذا يتناول السهو في موضعين، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم سها فسلم , وتكلم بعد صلاته فسجد لهما سجودا واحدا. ولأن السجود أُخِّرَ إلى آخر الصلاة , ليجمع السهو كله وإلا فَعَلَه عقيب سببه. ولأنه شرع للجبر فجبر نقص الصلاة , وإن كثر , بدليل السهو مرات من جنس واحد , وإذا انجبرت لم يحتج إلى جابر آخر ... إذا ثبت هذا فإن معنى الجنسين أن يكون أحدهما. قبل السلام , والآخر بعده ; لأن محليهما مختلفان , وكذلك سبباهما وأحكامهما ... فعلى هذا إذا اجتمعا , سجد لهما قبل السلام ; لأنه أسبق وآكد , ولأن الذي قبل السلام قد وجب لوجوب سببه , ولم يوجد قبله ما يمنع وجوبه , ولا يقوم مقامه , فلزمه الإتيان به , كما لو لم يكن عليه سهو آخر , وإذا سجد له , سقط الثاني ; لإغناء الأول عنه , وقيامه مقامه " انتهى من "المغني" (1/387) باختصار. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "إذا اجتمع سببان، أحدهما: يقتضي أن يكون السجود قبل السلام، والثاني: يقتضي أن يكون السجود بعد السلام. فقيل: يعتبر ما هو أكثر، مثل لو سلم قبل تمام صلاته وركع في إحدى الركعات ركوعين، وترك التشهد الأول، فهنا عندنا سببان يقتضيان أن يكون السجود بعد السلام، وهما زيادة الركوع والسلام قبل التمام، وعندنا سبب واحد يقتضي السجود قبل السلام، وهو ترك التشهد الأول، فيكون السجود بعد السلام. مثال آخر: رجل ركع في ركعة ركوعين، وترك قول: (سبحان ربي العظيم) في الركوع، وقول: (سبحان ربي الأعلى) في السجود، فهنا اجتمع سببان للسجود قبل السلام، وهما ترك التسبيح في الركوع وفي السجود، وسبب واحد يقتضي أن يكون السجود بعد السلام، وهو زيادة الركوع، فالسجود قبل السلام. والمذهب يغلّب ما قبل السلام مطلقا؛ لأن ما قبل السلام جابره واجب، ومحله قبل أن يسلّم، فكانت المبادرة بجبر الصلاة قبل إتمامها أولى من تأخير الجابر" انتهى من "الشرح الممتع" (3/398) . وسئل رحمه الله: إذا اجتمع في الصلاة أكثر من سهو، وسبب أحدهما قبل السلام والآخر بعد السلام، فأين موضع السجود والحال هذه؟ فأجاب: "هذه المسألة تنبني على أن نعرف ما هو السجود -أي: سجود السهو- الذي يكون بعد السلام؟ كل ما كان سببه الزيادة، مثل: أن يسجد ثلاث مرات، أو يقوم إلى خامسة ثم يذكر فيرجع، هذا يكون بعد السلام، ويكون قبل السلام إذا ترك واجباً من واجبات الصلاة، مثل: أن يقوم عن التشهد الأول، أو ينسى أن يقول: سبحان ربي الأعلى في السجود، أو سبحان ربي العظيم في الركوع، فهذا يكون قبل السلام، فإذا اجتمع سهوان أحدهما يكون سجوده قبل السلام والثاني يكون سجوده بعد السلام فأيهما نقدم؟ قال العلماء: يقدم ما كان قبل السلام، من أجل أن ينصرف من صلاته وقد تمت، فهذا رجل مثلاً نسي التشهد الأول في الركعتين الأوليين، وجلس للتشهد الأول في الركعة الثالثة ظناً منه أنها هي الثانية، ثم ذكر فقام وأتم، فلدينا الآن سهوان، أحدهما: أنه نسي التشهد الأول، والثاني: أنه تشهد في غير موضع التشهد، فهنا نقول: اسجد قبل السلام" انتهى من "اللقاء الشهري" (28/11) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129835 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1430 نسي التشهد الأخير وسلم [السُّؤَالُ] ـ[ما الحكم في صلاة رجل جلس للتشهد الأخير ونسى لفظ التشهد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: التشهد الأخير والجلوس له ركنان من أركان الصلاة لا تصح بدونهما. قال في "زاد المستقنع" في بيان أركان الصلاة: " والتشهد الأخير وجلسته ". قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه: " قوله: «والتشهد الأخير» هذا هو الركن العاشر من أركان الصلاة. ودليل ذلك: حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد: السلام على الله من عباده، السلام على جبرائيل وميكائيل، السلام على فلان وفلان) [رواه الدارقطني بإسناد صحيح] . والشاهد من هذا الحديث قوله: (قبل أن يفرض علينا التشهد) . فإن قال قائل: يرد علينا التشهد الأول: فإنه من التشهد، ومع ذلك تركه النبي صلى الله عليه وسلم وجبره بسجود السهو، وهذا حكم الواجبات، أفلا يكون التشهد الأخير مثله؟ فالجواب: لا، لأن الأصل أن التشهدين كلاهما فرض، وخرج التشهد الأول بالسنة، حيث إن الرسول صلى الله عليه وسلم جبره لما تركه بسجود السهو، فيبقى التشهد الأخير على فرضيته ركنا. قوله: "وجلسته" هذا هو الركن الحادي عشر من أركان الصلاة أي: أن جلسة التشهد الأخير ركن، فلو فرض أنه قام من السجود قائما وقرأ التشهد فإنه لا يجزئه، لأنه ترك ركنا وهو الجلسة، فلا بد أن يجلس، وأن يكون التشهد أيضا في الجلسة لقوله: "وجلسته" فأضاف الجلسة إلى التشهد؛ ليفهم منه أن التشهد لابد أن يكون في نفس الجلسة " انتهى من "الشرح الممتع" (3/309) . ثانيا: القاعدة فيمن نسي ركنا من أركان الصلاة أنه يلزمه الإتيان به وإلا لم تصح صلاته. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " الأركان واجبة وأوكد من الواجبات، لكن تختلف عنها في أن الأركان لا تسقط بالسَّهْوِ، والواجبات تسقط بالسَّهْوِ، ويجبرها سُجودُ السَّهْوِ، بخلاف الأركان؛ ولهذا من نسيَ رُكناً لم تصحَّ صلاته إلا به ". وقال: " والدليل على أن الأركان لا تنجبر بسجود السَّهو: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لما سَلَّم مِن ركعتين مِن صلاة الظُّهر أو العصر أتمَّها وأتى بما تَرَكَ وسَجَدَ للسَّهو، فدلَّ هذا على أنَّ الأركان لا تسقط بالسَّهو، ولا بُدَّ مِن الإِتيان بها " انتهى من "الشرح الممتع" (3 /315، 323) . وعليه؛ فمن نسي التشهد الأخير وسلم، فإن لم يطل الفصل عاد فجلس وتشهد ثم سلم، ثم يسجد للسهو ثم يسلم مرة أخرى، وإن طال الفصل أعاد الصلاة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125897 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1431 هل يسترشد بمن يصلي بجانبه إذا شك بعدد الركعات [السُّؤَالُ] ـ[يحدث عندما أكون مسبوقا في الصلاة أن أسهو وأنسى كم من الركعات أدركت وكم بقي لأقضي واتسائل عندما أكون متأكدا أن الأشخاص الثلاثة وربما أكثر الذي بعدي قد انتظموا في الصف معي في نفس الوقت .... وسؤالي هل من المشروع أن اقتدي بهم من ناحية الركعات المتبقية خاصة انه من الصعوبة أن يتفق عدد من الأشخاص على السهو والنسيان.؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله في حال الشك في عدد الركعات يبني الإنسان على اليقين، فيعتمد الأقل من عدد الركعات، وإن بنى على غالب الظن، أي بما يترجح لديه ولو بالنظر إلى من بجواره فلا بأس، على أن يسجد للسهو في الحالتين. [الْمَصْدَرُ] الشيخ: عبد الكريم الخضير. الحديث: 23424 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1432 نسي فقال: "الله أكبر" بدلاً عن "سمع الله لمن حمده" [السُّؤَالُ] ـ[رجل قال: "الله أكبر" عوض: "سمع الله لمن حمده" في الرفع من الركوع فماذا عليه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قول الإمام والمنفرد: سمع الله لمن حمده، واجب من واجبات الصلاة، على الراجح، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم (43574) . فمن نسي ذلك ولم يقل شيئا، أو قال عوضا عن ذلك: الله أكبر، وتذكر في صلاته، فإنه يسجد للسهو سجدتين قبل أن يسلم. والقاعدة: "أن من نسي واجبا، أو أتى بقول مشروع – كالتكبير - في غير موضعه فإنه يسجد للسهو". قال في "دليل الطالب": " ويجب [أي سجود السهو] إذا زاد ركوعاً أو سجوداً أو قياماً أو قعوداً ولو قدْر جلسة الاستراحة، أو سلم قبل إتمامها، أو لحن لحناً يحيل المعنى، أو ترك واجباً" انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 115115 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1433 هل يعتد المسبوق بالركعة الزائدة مع الإمام؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا دخل المسبوق مع الإمام في الركعة الثانية من الصلاة، ونسي الإمام وأتى بركعة زائدة، فماذا يفعل المسبوق، هل يسلم مع الإمام أم يقوم بعد سلام الإمام ويأتي بركعة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله بل يسلم مع الإمام، لأن صلاته قد تمّت، وأما بالنسبة للإمام فهو معذور في هذه الزيادة. سئل الشيخ ابن عثيمين: إذا صلى الإمام خمساً سهواً فما حكم صلاته وصلاة من خلفه؟ وهل يعتد المسبوق بتلك الركعة الزائدة؟ فأجاب: إذا صلى الإمام خمساً سهواً فإن صلاته صحيحة، وصلاة من اتبعه في ذلك ساهياً أو جاهلاً صحيحة أيضاً. أما من علم بالزيادة فإنه إذا قام الإمام إلى الزائدة وجب عليه أن يجلس ويسلم، لأنه في هذه الحالة يعتقد أن صلاة إمامه باطلة إلا إذا كان يخشى أن إمامه قام إلى الزائدة لأنه أخل بقراءة الفاتحة (مثلاً) في إحدى الركعتين فحينئذ ينتظر ولا يسلم. وأما بالنسبة للمسبوق الذي دخل مع الإمام في الثانية فما بعدها فإن هذه الركعة الزائدة تحسب له , فإذا دخل مع الإمام في الثانية مثلاً سلم مع الإمام الذي زاد ركعة، وإن دخل في الثالثة أتى بركعة بعد سلام الإمام من الزائدة، وذلك لأننا لو قلنا بأن المسبوق لا يعتد بالزائدة للزم من ذلك أن يزيد ركعة عمداً، وهذا موجب لبطلان الصلاة، أما الإمام فهو معذور بالزيادة، لأنه كان ناسياً فلا تبطل صلاته.اهـ مجموع فتاوى ابن عثيمين (14/20) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49046 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1434 إذا نسي سنة من سنن الصلاة هل يسجد للسهو [السُّؤَالُ] ـ[س1: شخص يصلي وهو في الصلاة نسي قول آمين عند نهاية قراءة الفاتحة، فماذا يجب عليه؟ س2: ماذا على الشخص الذي ينسى البسملة عند قراءة القرآن في الصلاة. فماذا عليه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله البسملة عند قراءة الفاتحة أو السورة في الصلاة، من سنن الصلاة، وكذلك قول آمين، فمن نسي شيئا من ذلك فلا يلزمه سجود للسهو، ويستحب له أن يسجد، فإن لم يسجد فلا شيء عليه، وصلاته صحيحة. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " إذا تَرَكَ الإِنسان شيئاً من الأقوال أو الأفعال المستحبَّة نسياناً، وكان من عادته أن يفعله فإنه يُشرع أن يسجد جَبْراً لهذا النقص الذي هو نَقْصُ كمال، لا نقص واجب؛ لعموم قوله في الحديث: (لكلِّ سهو سجدتان) ، وفي صحيح مسلم: (إذا نسيَ أحدُكم، فَلْيَسْجُدْ سَجدتين) فإن هذا عام، أما إذا تَرَكَ سُنَّة ليس من عادته أن يفعلها، فهذا لا يُسَنُّ له السُّجود، لأنه لم يطرأ على باله أن يفعلها " انتهى من "الشرح الممتع" (3/333) . ولمعرفة أركان الصلاة وواجباتها وسننها، ينظر جواب السؤال رقم (65847) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112077 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1435 سلم قبل تمام الصلاة سهوا وشرع في صلاة أخرى [السُّؤَالُ] ـ[سلَّمت سهواً بعد الركعة الثانية من الرباعية ثم كبَّرت مباشرة للراتبة وحينها أدركت أنني لم أتم الفريضة, في ذلك الوقت نويت الفريضة التي لم أتمها والنافلة التي بعدها صلاتَي تطوع وأعدت الفريضة والراتبة. ما هو الحل في مثل تلكم الحالة فيما لو تكررت مستقبلاً؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من نسي وسلّم قبل تمام صلاته ثم ذكر قريبا فإنه يعود فيتم صلاته ويسجد للسهو؛ لما روى البخاري (1227) ومسلم (573) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ أَوْ الْعَصْرَ فَسَلَّمَ (يعني من ركعتين) ، فَقَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ: الصَّلَاةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَقَصَتْ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: أَحَقٌّ مَا يَقُولُ؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ. وإن شرع في صلاة النافلة، ثم تذكر أنه لم يتم الفريضة قطع النافلة، وأتم فريضته وسجد للسهو. قال ابن قدامة في "المغني" (1/373) : "من سلم قبل إتمام صلاته ساهيا ثم علم قبل طولِ الفصل ونقضِ وضوئه , فعليه أن يأتي بما بقي , ثم يتشهد ويسلم , ثم يسجد سجدتي السهو ... فإن طال الفصل , أو انتقض وضوؤه استأنف الصلاة (أي أعادها من جديد) ....... فإن لم يذكر حتى شرع في صلاة أخرى، نظرت فإن كان ما عمل في الثانية قليلا , ولم يطل الفصل , عاد إلى الأولى فأتمها. وإن طال بطلت الأولى. وهذا مذهب الشافعي " انتهى. وقال في "كشاف القناع" (1/400) : " وإن لم يذكر من سلّم قبل إتمام صلاته حتى شرع في صلاةٍ غيرها قطعها مع قرب الفصل، وعاد إلى الأولى فأتمها؛ لتحصل له الموالاة بين أركانها، ثم سجد للسهو " انتهى. وطول الفصل وقصره ليس له حد معين، فيرجع فيه إلى العرف والعادة. وأما جعل الفريضة الأولى (الناقصة) تطوعا، فهذا لا يصح؛ لأن الأعمال بالنيات، وقد صليتها بنية الفرض، وخرجت منها كذلك. وحيث إنك أعدت الفريضة بعد ذلك، فقد أديت ما عليك، وكان الأولى لك: أن تقطعي النافلة وتعودي إلى الفريضة فتكمليها ثم تسجدي سجدتي السهو بعد التسليم من الصلاة ثم تصلي النافلة بعد ذلك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 104107 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1436 أسباب سجود السهو [السُّؤَالُ] ـ[متى يشرع للمصلي أن يسجد للسهو في صلاته؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من رحمة الله بعباده، ومن محاسن هذا الدين الكامل أن شرع لعباده جبر النقص والخلل الذي يدخل عليهم في عباداتهم، ولا يستطيعون التحرز منه على الوجه التام، إما بنوافل العبادات، أو الاستغفار، أو نحو ذلك. ومما شرعه الله لعباده جبرا لنقص طرأ على صلاتهم، سجود السهو؛ غير أنه إنما شرع لجبر أمور خاصة، وليس كل شيء يجبره السهو، أو يشرع له. وقد سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى عن أسباب سجود السهو، فأجاب فضيلته بقوله: سجود السهو في الصلاة أسبابه في الجملة ثلاثة: 1- الزيادة. 2- والنقص. 3- والشك. فالزيادة: مثل أن يزيد الإنسان ركوعاً أو سجوداً، أو قياما أو قعودا ً. والنقص: مثل أن ينقص الإنسان ركنا ً، أو ينقص واجباً من واجبات الصلاة. والشك: أن يتردد كم صلى: ثلاثاً أم أربعاً، مثلاً. أما الزيادة فإن الإنسان إذا زاد الصلاة ركوعاً أو سجوداً أو قياماً أو قعوداً، متعمداً، بطلت صلاته؛ لأنه إذا زاد فقد أتى بالصلاة على غير الوجه الذي أمره به الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) [رواه مسلم 1718] . أما إذا زاد ذلك ناسياً فإن صلاته لا تبطل، ولكنه يسجد للسهو بعد السلام. ودليل ذلك حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – حين سلم النبي صلى الله عليه وسلم من الركعتين في إحدى صلاتي العشي، إما الظهر وإما العصر، فلما ذكروه أتى صلى الله عليه وسلم بما بقى من صلاته، ثم سلم، ثم سجد سجدتين بعدما سلم. [رواه البخاري 482 ومسلم 573] وحديث ابن مسعود – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم الظهر خمساً، فلما انصرف قيل له: أزيد في الصلاة؟ قال: وما ذاك؟ قالوا: صليت خمساً!! فثنى رجليه واستقبل القبلة، وسجد سجدتين [رواه البخاري 404 ومسلم 572] . وأما النقص: فإن نقص الإنسان ركناً من أركان الصلاة، فلا يخلو: إما أن يذكره قبل أن يصل إلى موضعه من الركعة الثانية؛ فحينئذ يلزمه أن يرجع فيأتي بالركن وبما بعده. وإما أن لا يذكره إلا حين يصل إلى موضعه من الركعة الثانية، وحينئذ تكون الركعة الثانية بدلاً عن التي ترك ركناً منها فيأتي بدلها بركعة، وفي هاتين الحالين يسجد بعد السلام. مثال ذلك: رجل قام حين سجد السجدة الأولى من الركعة الأولى، ولم يجلس، ولم يسجد السجدة الثانية، ولما شرع في القراءة ذكر أنه لم يسجد ولم يجلس بين السجدتين، فحينئذ يرجع ويجلس بين السجدتين، ثم يسجد، ثم يقوم فيأتي بما بقى من صلاته، ويسجد السهو بعد السلام. ومثال لمن لم يذكره إلا بعد وصوله إلى محله من الركعة الثانية: أنه قام من السجدة الأولى في الركعة الأولى، ولم يسجد السجدة الثانية، ولم يجلس بين السجدتين، ولكنه لم يذكر إلا حين جلس بين السجدتين في الركعة الثانية. ففي هذه الحال تكون الركعة الثانية هي الركعة الأولى، ويزيد ركعة في صلاته، ويسلم ثم يسجد للسهو. أما نقص الواجب: فإذا نقص واجباً وانتقل من موضعه إلى الموضع الذي يليه، مثل: أن ينسى قول: سبحان ربي الأعلى، ولم يذكر إلا بعد أن رفع من السجود، فهذا قد ترك واجباً من الواجبات الصلاة سهواً؛ فميضي في صلاته، ويسجد للسهو قبل السلام، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما ترك التشهد الأول مضى في صلاته ولم يرجع وسجد للسهو قبل السلام. وأما الشك فهو: التردد بين الزيادة والنقص، مثل: أن يتردد هل صلى ثلاثاً أو أربعاً؛ فلا يخلو من حالين: إما أن يترجح عنده أحد الطرفين: الزيادة، أو النقص، فيبني على ما ترجح عنده، ويتم عليه، ويسجد للسهو بعد السلام. وإما أن لا يترجح عنده أحد الأمرين؛ فيبنى على اليقين وهو الأقل، ويتم عليه، ويسجد للسهو قبل السلام. مثل ذلك: رجل يصلى الظهر ثم شك: هل هو في الركعة الثالثة أو الرابعة؟ وترجح عنده أنها الثالثة؛ فيأتي بركعة، ثم يسلم، ثم يسجد للسهو. ومثال ما استوى فيه الأمران: رجل يصلي الظهر فشك: هل هذه الركعة الثالثة، أو الرابعة؟ ولم يترجح عنده أنها الثالثة، أو الرابعة؛ فيبني على اليقين وهو الأقل، ويجعلها الثالثة، ثم يأتي بركعة ويسجد للسهو قبل أن يسلم. وبهذا تبين أن سجود السهو يكون قبل السلام: إذا ترك واجباً من الواجبات، أو إذا شك في عدد الركعات ولم يترجح عنده أحد الطرفين. وأنه يكون بعد السلام: إذا زاد في صلاته، أو شك وترجح عنده أحد الطرفين. [انظر: مجموع فتاوى الشيخ: 14/14-16] . والله الموفق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 12527 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1437 جلس بعد الثالثة قليلا ونبهه المأمومون فهل يسجد للسهو؟ [السُّؤَالُ] ـ[إمام يصلي بالناس صلاة رباعية، فإذا به بعد الرفع من السجدة الثانية في الركعة الثالثة يجلس جلوس التشهد ظنا منه أنها الرابعة، فسبح المأمومون سريعا فقام إلى الرابعة فورا بعد أن جلس قدرا يسيرا يساوي جلسة الاستراحة أو أزيد قليلا، ولكن المأمومين في هذه الحالة كانوا قد سبقوا الإمام في القيام للرابعة حيث إنهم لم يعتادوا من إمامهم الجلوس للاستراحة، وكان الإمام في ذلك الوقت - الذي يجهل فيه سبق المأمومين له - قد قرر ألا يسجد للسهو في آخر الصلاة اعتمادا منه على أن الجلوس تم بين الثالثة والرابعة التي يجوز فيها الجلوس للاستراحة. فما حكم صلاة الإمام والمأمومين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الأمر كما ذكرت فلا شيء على المأمومين في قيامهم قبل الإمام، ظنا منهم أن الإمام كبر قائما للرابعة. وأما الإمام فكان عليه أن يسجد للسهو لأنه جلس بنية التشهد لا بنية الاستراحة. قال في "كشاف القناع" (1/395) : " فمتى زاد المصلي فعلا من جنس الصلاة: قياما أو قعودا , أو ركوعا أو سجودا عمدا بطلت صلاته إجماعا، لأنه يخل بنظم الصلاة، ويغير هيئتها ... وإن زاد ذلك سهوا، ولو كان الجلوس الذي زاده في غير موضعه قدر جلسة الاستراحة. عقب ركعةٍ، بأن جلس عقبها للتشهد , سواء قلنا باستحباب جلسة الاستراحة أو لم نقل به؛ لأنه لم يُردْها بجلوسه، إنما أراد التشهد سهوا سجد له وجوبا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود رضي الله عنه (فإذا زاد الرجل أو نقص في صلاته فليسجد سجدتين) (رواه مسلم) " انتهى بتصرف. لكن إذا لم يسجد الإمام للسهو، ظنا منه أنه لا يلزمه السجود، أو نسيانا منه للسجود، فصلاته صحيحة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 99303 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1438 سجد السجدة الأولى من سجود السهو ثم تذكر أنه لم يقع منه سهو [السُّؤَالُ] ـ[سجد السجدة الأولى للسهو ثم تذكر أنه لم يفعل شيئا يستلزم السهو، فهل يسجد الثانية أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سألت هذا السؤال شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: فتوقف. ثم أجاب: الأقرب أنه يسجد سجدة ثانية فقط لئلا يفتح باب التساؤل والتسبيح. (أي إذا كان إماما) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد العزيز بن باز يرحمه الله الحديث: 10230 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1439 هل يوجد تشهد بعد سجدتي السهو [السُّؤَالُ] ـ[هل من الواجب أن أكرر التشهد بعد سجدة السهو؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا تشهد بعد سجود السهو لأن الرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفعله كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة (أنظر سؤال رقم 211) ولو فعله لبيّنه أصحابه ونقلوه، وقد قال عليه الصلاة والسلام: صلوا كما رأيتموني أصلي. قال الشيخ الموفق بن قدامة: .. وقال ابن سيرين، وابن المنذر (عن سجدتي السهو) : فيهما تسليم بغير تشهد. قال ابن المنذر: التسليم فيهما ثابت من غير وجهٍ، وفي ثبوت التشهد نظر. المغني (2 / 431، 432) . ومن فوائد حديث ذي اليدين قال النووي: ومنها: إثبات سجود السهو. وأنه سجدتان، وأنه يكبر لكل واحدة منهما، وأنهما على هيئة سجود الصلاة لأنه أطلق السجود فلو خالف المعتاد لبينه، وأنه يسلم من سجود السهو، وأنه لا تشهد له، وأن سجود السهو في الزيادة يكون بعد السلام. " شرح مسلم " (5 / 71) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 7895 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1440 ما حكم السهو في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم السهو في الصلاة من حيث الشرود الذهني بغير إرادة الإنسان؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ينبغي للمصلي إذا حضر وقت الصلاة أن يتخلى عن كل شيء من أعمال الدنيا وشواغلها حتى يتجه ذهنه وتفكيره إلى عبادة ربه قدر الطاقة، فإذا تطهر ووقف في الصلاة وقف خاشعا تاليا لكتاب ربه أو مستمعا له متدبرا لمعانيه ولما يقوله من أذكار في صلاته ولا يستسلم للشيطان ووساوسه بل عندما يعرض له يقبل على صلاته ويتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، لما روي عن أبي العلاء بن الشخير أن عثمان قال: يا رسول الله حال الشيطان بيني وبين صلاتي وبين قراءتي، قال: (ذاك شيطان يقال له خنزب، فإذا أنت حسسته فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثا) قال ففعلت ذاك فأذهبه الله عز وجل عني أخرجه أحمد 4/216، ومسلم 4/1728 -1729، وعبد الرزاق 2/85، 499 برقم (2582، 4220) وابن أبي شيبة 7/419، 10/353، وابن السني في عمل اليوم والليلة ص 272 برقم (577) . وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 7/40. الحديث: 8646 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1441 إذا قام الإمام إلى ركعة خامسة [السُّؤَالُ] ـ[إذا قام الإمام إلى ركعة خامسة في الصلاة ناسيا، وسبحنا له ولكنه لم يرجع، فماذا يفعل المأموم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا قام الإمام إلى ركعة خامسة ناسيا، وجب على المأمومين تنبيهه ليرجع، فإن لم يرجع ظناً منه أنه على صواب، لم يجز للمأموم الذي يعلم أنها الخامسة أن يتابع الإمام ويقوم معه، لأنه بذلك يكون قد زاد ركعة في الصلاة عالماً عامداً، وهذا مبطل للصلاة. بل يجلس المأموم ويتشهد ثم يسلم أو ينتظر الإمام ويسلم معه. وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن إمام قام إلى خامسة فسبح به فلم يلتفت لقولهم وظن أنه لم يسه فهل يقومون معه أم لا؟ فأجاب: "إن قاموا معه جاهلين لم تبطل صلاتهم، لكن مع العلم لا ينبغي لهم أن يتابعوه، بل ينتظرونه حتى يسلم بهم، أو يسلموا قبله، والانتظار أحسن" انتهى. "مجموع الفتاوى" (23/53) . وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (7/128) : " وأما المأموم الذي تيقن أن الإمام زاد ركعة - مثلا- فلا يجوز له أن يتابعه عليها، وإذا تابعه عالماً بالزيادة، وعالماً بأنه لا تجوز المتابعة بطلت صلاته. أما من لم يعلم أنها زائدة فإنه يتابعه، وكذلك من لا يعلم الحكم" انتهى. وجاء فيها أيضاً (7/132) : " من علم من المأمومين أن إمامه قام ليأتي بركعة زائدة كخامسة في الصلاة الرباعية سبح له، فإن رجع فبها، وإلا جلس وانتظر الإمام حتى يسلم بسلامه" انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98453 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1442 ترك سجود السهو دفعاً للوسوسة [السُّؤَالُ] ـ[دائماً يحصل له في الصلاة شك فيبني على اليقين أو يبني على الراجح وهذا يتكرر معه كثيراً فهل يترك سجود السهو دفعاً للوسوسة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضت السؤال التالي على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله بقوله: لا يلتفت لهذا الشك ولا يسجد له، لأن الشكوك الكثيرة تؤدي إلى الوسواس. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن صالح العثيمين الحديث: 10271 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1443 سجود السهو عند الشكّ في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[السؤال عن الشك في عدد الركعات التي يصليها الشخص. كيف يجب أن نصححها، بعضهم يقول تسلم مرة واحدة ثم تسجد للسهو. وآخرون يقولون تنهي صلاتك أولا ثم تسجد للسهو. وهذا الموضوع جد محير، نرجو شرح ذلك.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب سجود السهو عند الزيادة أو النقص أو الشكّ في أركان الصلاة وواجباتها أو عدد الركعات والسؤال وقع عن الشكّ في عدد ركعات الصلاة والجواب عنه كما يلي: أولا: تعريف الشك: هو التردد بين الأمرين المحتملين. ثانيا: من شكّ (1) بعد السلام فلا يلتفت إلى هذا الشكّ كمن صلى الظهر وأتمّها ثمّ شكّ بعد الانتهاء من الصلاة: أصلاّها ثلاثا أم أربعا فلا يلتفت إلى هذا الشكّ إلا بدليل ويقين وإلا كان فتحا لباب الوسوسة والزيادة في العبادة. ثالثا: من شكّ أثناء الصلاة فإنه لا يخلو من حالتين: الأولى: أن يمكنه التحرّي والترجيح بغلبة الظنّ فيعمل بما غلب على ظنّه ويسجد للسهو بعد السلام والدليل: ما رواه ابن مسعود رضي الله عنه أنّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلّى فزاد أو نقص (كما شكّ أحد الرواة) فَلَمَّا سَلَّمَ قِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحَدَثَ فِي الصَّلاةِ شَيْءٌ قَالَ وَمَا ذَاكَ قَالُوا صَلَّيْتَ كَذَا وَكَذَا فَثَنَى رِجْلَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ فَلَمَّا أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ قَالَ إِنَّهُ لَوْ حَدَثَ فِي الصَّلاةِ شَيْءٌ لَنَبَّأْتُكُمْ بِهِ وَلَكِنْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي وَإِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ ثُمَّ لِيُسَلِّمْ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ * رواه البخاري: فتح 401 الثانية: أن لا يغلب على ظنّه أحد الأمرين فيبني على الأقلّ ويسجد قبل السلام كمن صلى الظّهر وشكّ أثناء صلاته أصلاّها ثلاثا أم أربعا ولم يترجّح لديه شيء، فإنّه يبني على الأقلّ وهو الثلاث ويأتي بركعة ثم يجلس للتشهد ويسجد للسهو قبل أن يسلّم، والدليل على ذلك ما رواه أَبو سَعِيدٍ الْخُدْرِي رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا شَفَعْنَ لَهُ صَلاتَهُ وَإِنْ كَانَ صَلَّى إِتْمَامًا لأَرْبَعٍ كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ ". رواه مسلم في صحيحه رقم 571 ومعنى ترغيما للشيطان أي: إغاظة له وإذلالا وردّه خاسئا عن مراده بالتلبيس على المصلّي. النووي على صحيح مسلم 5/60 [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 211 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1444 متابعة المأموم للإمام في سجود السهو [السُّؤَالُ] ـ[في الصلاة الرباعية مثلا, عندما يقوم الإمام سهوا للركعة الخامسة. معلوم أن من علم سهو الإمام وجب عليه ألا يقوم معه بل عليه انتظاره حتى يسلم معه. سؤالي..هل من لم يقم مع الإمام للركعة الخامسة وأنتظر حتى سلم معه هل يسجد معه سجدة السهو؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إذا قام الإمام إلى ركعة خامسة ناسياً، وجب على المأمومين تنبيهه، فإن لم يرجع، جلس المأموم وتشهد، ثم له أن يُسلِّم ويفارق الإمام، أو ينتظره في التشهد ليسلم معه. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (98453) ثانياً: أجمع العلماء على أن المأموم الذي أدرك الركعة الأولى من الصلاة مع الإمام وسوف يسلم معه من الصلاة، أجمعوا على أنه يجب عليه أن يتابع الإمام في سجود السهو، سواء سجد الإمام قبل التسليم من الصلاة أم بعده، وسواء سها الإمام بمفرده أو سها معه المأموم. وقد دل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه.. وإذا سجد فاسجدوا) متفق عليه، فإن عمومه يشمل سجود السهو، فإذا سجد الإمام وجب على المأموم أن يتابعه في السجود. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني": " وَإِذَا سَهَا الْإِمَامُ، فَعَلَى الْمَأْمُومِ مُتَابَعَتُهُ فِي السُّجُودِ سَوَاءٌ سَهَا مَعَهُ، أَوْ انْفَرَدَ الْإِمَامُ بِالسَّهْوِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى ذَلِكَ. وَذَكَرَ إِسْحَاقُ أَنَّهُ إجْمَاعُ أَهْلِ الْعِلْمِ، سَوَاءٌ كَانَ السُّجُودُ قَبْلَ السَّلَامِ، أَوْ بَعْدَهُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا) " انتهى. فعلى هذا، يجب على المأموم في الصورة المسئول عنها متابعة الإمام في سجود السهو. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 95795 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1445 إذا لم يأت بسجود السهو الواجب [السُّؤَالُ] ـ[وإذا لم يسجد لسجود السهو في الواجب فماذا عليه إن كان بمفرده أو مع الإمام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا تعمد المصلي ترك سجود السهو الواجب، بطلت صلاته، كتعمد ترك أي واجب من واجباتها. وأما إذا نسي السجود للسهو، فإن تذكر بعد السلام أتى به، إلا إذا طال الفصل أو خرج من المسجد، فلا شيء عليه، وصلاته صحيحة. فقد سئل الشيخ ابن عثيمين: عن رجل نسي التشهد الأول فعلم أنه يجب عليه سجود سهو قبل السلام ولكنه نسي وسلم فما الحكم؟ فأجاب: "إن ذكر في زمن قريب سجد، وإن طال الفصل سقط، مثل أن لا يذكر إلا بعد مدة طويلة، فلو خرج من المسجد فإنه لا يرجع إلى المسجد ويسقط عنه" انتهى. "فتاوى ابن عثمين" (14/50) . وإذا نسي الإمام سجود السهو فلا ينفرد المأموم بسجود السهو، بل يسلم مع الإمام ثم يذكره بعد السلام بسجود السهو، فيسجد الإمام ويسجد معه المأموم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 95410 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1446 نسي الإمام وقام للثالثة في صلاة التراويح ثم جلس [السُّؤَالُ] ـ[إذا نسي الإمام في التراويح الجلوس للتشهد في الركعة الثانية وقام ولم يقرأ الفاتحة وجلس مرة أخرى سريعاً للتشهد بعد ثوان قليلة. فماذا عليه وماذا على المأموم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عليهم جميعاً سجود السهو لهذا العمل الزائد وهو القيام لركعة ثالثة. [الْمَصْدَرُ] كتبه الشيخ عبد الكريم الخضير الحديث: 8413 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1447 هل سجود السهو يقضى [السُّؤَالُ] ـ[إذا توجب عليك أن تسجد سجود السهو في الصلاة، ثم نسيت فلم تسجد، هل تعتبر صلاتك باطلة، وهل هناك طريقة لإصلاح الصلاة بعد الانتهاء منها، أم يجب إعادة الصلاة كلها؟ وماذا وتذكرت ذلك وأنت تصلي سُنة هل يجب عليك أن تقطع صلاتك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الإمام المرداوي رحمه الله في الإنصاف 2/154: اشترط المصنف - ابن قدامة - لقضاء السجود شرطين: أحدهما: أن يكون في المسجد. والثاني: أن لا يطول الفصل. وهو المذهب. نص عليه وعن الإمام أحمد: يسجد مع قِصَر الفصْل، ولو خرج من المسجد. وعنه أيضا: يسجد ولو طال الفصل أو تكلّم أو خرج من المسجد وهو اختيار شيخ الإسلام كما في الاختيارات الفقهية (ص94) . وجاء في الروض المربع شرح زاد المستقنع 2/461: (وإن نسيه) أي نسي سجود السهو الذي محله قبل السلام (وسلم) ثم ذكر (سجد) وجوبا (إن قرُب زمنه) .. فإذا سلّم - وإن طال فصْلٌ عرفا أو أحدث أو خرج من المسجد - لم يسجد وصحت صلاته. وجاء في الشرح الممتع للشيخ محمد بن صالح العثيمين 3/537: قوله: "وإن نسيه وسلم سجد إن قرب زمنه " - أي: السجود الذي قبل السلام وسلّم - سجد إن قرب زمنه فإن بَعُد سقط وصلاته صحيحة. مثاله: رجل نسي التشهد الأول فيجب عليه سجود السهو ومحله قبل السلام لكن نسي وسلم فإن ذكر في زمن قريب سجد وإن طال الفصل سقط: مثل لو لم يتذكر إلا بعد مدة طويلة، ولهذا قال " سجد إن قرب زمنه " فإن خرج من المسجد فإنه لا يرجع إلى المسجد فيسقط عنه، بخلاف ما إذا سلم قبل إتمام الصلاة فإنه يرجع ويكمل وذلك لأنه في المسألة الثانية ترك ركنا فلا بد أن يأتي به وهذا ترك واجبا يسقط بالسهو. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: بل يسجد ولو طال الزمن لأن هذا جابر للنقص الذي حصل فمتى ذكره جبره. ولكن الأقرب: ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله أنه إذا طال الفصل فإنه يسقط وذلك لأنه إما واجب للصلاة وإما واجب فيها فهو ملتصق بها وليس صلاة مستقلة حتى نقول إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها. رواه البخاري (597) ومسلم (684) من حديث أنس. بل تابِعٌ لغيره فإن ذكره في وقت قريب وإلا سقط. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 257 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1448 إذا قام الإمام لركعة زائدة فماذا على المأموم؟ [السُّؤَالُ] ـ[في صلاة الجماعة سها الإمام ولم يعرف عدد الركعات التي صلاها وصلى الظهر خمس ركعات وتم تنبيهه من المأمومين ولكنه أصر وذلك على يقين منه بأنه على صواب فماذا نفعل نحن المأمومين؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا جزم الإمام بصواب نفسه، فلم يلتفت لتنبيه المأمومين، وأتم صلاته، وكان قد صلى خمس ركعات، فصلاته صحيحة ولا شيء عليه، ثم إذا تبين له الحال بعد السلام، سجد سجدتين للسهو وسلّم. ثانيا: إذا علم المأموم بأن إمامه قام لركعة زائدة، وجب عليه تنبيهه، فإن لم يرجع، لم يجز له متابعته، بل يفارقه، فيجلس ويأتي بالتشهد الأخير ويسلم، فإن تابعه عالما بأن هذه الركعة هي الخامسة بطلت صلاته، وأما من تابعه جاهلا أو ناسيا، فصلاته صحيحة. قال في "شرح منتهى الإرادات" (1/223) : " ومن سها فنبهه ثقتان لزمه الرجوع ما لم يتيقن صوابَ نفسه فلا يجوز رجوعه. . " ثم ذكر أنه إن قام إلى خامسة لم يجز للمأموم متابعته لأنه " يعتقد خطأه , وأن ما قام إليه ليس من صلاته. فإن تبعه جاهلا , أو ناسيا , أو فارقه: صحت له (أي الصلاة) , ويلزم من علم الحال مفارقته، ويسلم المفارق لإمامه بعد قيامه إلى الزائدة , وتنبيهه وإبائه الرجوع , إذا أتم التشهد الأخير " انتهى. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا صلى الإمام خمسا سهوا فما حكم صلاته وصلاة من خلفه؟ وهل يعتد المسبوق بتلك الركعة الزائدة؟ فأجاب: " إذا صلى الإمام خمسا سهوا فإن صلاته صحيحة، وصلاة من اتبعه في ذلك ساهيا أو جاهلا صحيحة أيضا. وأما من علم بالزيادة فإنه إذا قام الإمام إلى الزائدة وجب عليه أن يجلس ويسلم، لأنه في هذه الحالة يعتقد أن صلاة إمامه باطلة إلا إذا كان يخشى أن إمامه قام إلى الزائدة، لأنه أخل بقراءة الفاتحة (مثلا) في إحدى الركعات فحينئذ ينتظر ولا يسلم (أي ينتظر حتى يسلم مع الإمام) . وأما بالنسبة للمسبوق الذي دخل مع الإمام في الثانية فما بعدها فإن هذه الركعة الزائدة تحسب له، فإذا دخل مع الإمام في الثانية مثلا سلم مع الإمام الذي زاد ركعة، وإن دخل في الثالثة أتى بركعة بعد سلام الإمام من الزائدة، وذلك لأننا لو قلنا بأن المسبوق لا يعتد بالزائدة للزم من ذلك أن يزيد ركعة عمدا، وهذا موجب لبطلان الصلاة، أما الإمام فهو معذور بالزيادة، لأنه كان ناسيا فلا تبطل صلاته " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (14/19) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 87853 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1449 هل يعيد المسبوق سجود السهو الذي سجده مع الإمام؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل على المسبوق إذا أخطأ إمامه وسجد للسهو بعد السلام، أو قبله أن يسجد للسهو بعد أن يكمل صلاته؟ وهل يتصور أن يسجد للسهو مرتين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا سها الإمام وسجد للسهو قبل السلام فإن على المسبوق أن يتابعه لأنه مرتبط بإمامه حتى يسلم، فإذا قضى ما فاته لزمه السجود أيضاً، لأن سجوده مع إمامه في غير محله، فإن سجود السهو لا يكون في أثناء الصلاة، وإنما كان سجوده مع إمامه تبعاً لإمامه فقط. ولكن إذا كان سهو الإمام قبل أن يدخل معه المسبوق فإنه لا يعيد السجود مرة ثانية، لأنه لم يلحقه حكم سهو إمامه فإنه كان قبل أن يدخل معه. أما إذا كان سجود الإمام بعد السلام فإن المسبوق لا يسجد معه، لأن متابعة الإمام في هذه الحال متعذرة إلا بالسلام معه، وهذا غير ممكن، لأن المسبوق لا يسلم إلا بعد انتهاء الصلاة. ولكن إذا كان سهو الإمام قبل أن يدخل معه فإنه لا سجود عليه، لأنه لم يلحقه حكم سهو إمامه، وإن كان سهوه بعد أن دخل معه سجد إذا سلم. هذا ما تقضيه الأدلة بعضها سمعية، مثل وجوب سجود المأموم تبعاً لإمامه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الإمام ليؤتم به) متفق عليه. وبعضها بالنظر الصحيح كما في تعليل الأحكام المذكورة، وانظر: "الشرح الكبير على المقنع"، و "المجموع شرح المهذب". انتهى. [الْمَصْدَرُ] "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (14/24) . الحديث: 85161 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1450 مسافر ونسي وقام إلى ركعة ثالثة [السُّؤَالُ] ـ[رجل مسافر قام إلى ثالثة في الصلاة التي نوى قصرها فهل يلزمه الرجوع في الحال أو له أن يكمل؟ وماذا عليه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأفضل له أن يرجع، لأنه دخل الصلاة على أنه يريد أن يصلي ركعتين، فليصل ركعتين ولا يزيد عليهما، وعليه أن يسجد للسهو بعد السلام، وإن استمر فأتم الصلاة فلا حرج عليه. [الْمَصْدَرُ] "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (14/32) . الحديث: 85176 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1451 سجد الإمام للتلاوة ولم يعلم المأموم فركع [السُّؤَالُ] ـ[إذا سجد الإمام للتلاوة فظن المأموم أن الإمام ركع فركع فما الحكم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا سجد الإمام للتلاوة فظن المأموم أنه ركع ثم ركع بناء على أن الإمام قد ركع، فلا يخلو من حالين: إحداهما: أن يعلم بأن الإمام ساجد وهو راكع، ففي هذه الحالة يجب عليه أن يسجد اتباعاً لإمامه. الحال الثانية: أن لا يشعر أن الإمام ساجد إلا بعد أن يقوم من السجدة، وحينئذ نقول للمأموم الذي ركع: ارفع الآن وتابع الإمام واركع مع إمامك واستمر، وسجود التلاوة سقط عنك حينئذ، لأن سجود التلاوة ليس ركناً في الصلاة حتى يحتاج أن تأتي به بعد إمامك، وإنما يجب عليك متابعة للإمام. والمتابعة هنا قد فاتت، فهي سنة قد فات محلها، وتستمر في صلاتك" انتهى. [الْمَصْدَرُ] "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (14/24) . الحديث: 85206 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1452 الفرق بين الركن والواجب في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[ما الفرق بين الركن والواجب في الصلاة]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الفرق بين الركن والواجب في الصلاة: أن الركن لا يسقط عمدا ولا سهوا ولا جهلاً، بل لابد من الإتيان به. أما الواجب: فيسقط بالجهل والنسيان، ويجبر بسجود السهو. وأركان الصلاة أربعة عشر ركنا، وواجباتها ثمان، وقد سبق بيانها في جواب السؤال رقم (65847) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 85229 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1453 مسبوق نسي وسلَّم مع الإمام، فهل يسجد للسهو بعد أن يأتي بما عليه؟ [السُّؤَالُ] ـ[فاتتني الركعة الأولى من العصر، وعندما سلم الإمام سلمت معه بالغلط، فهل يجب سجود السهو بعد أن آتي بهذه الركعة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، عليك أن تسجد للسهو بعد أن تتم صلاتك، وذلك لأن المأموم إذا سها لا سجود عليه إلا إذا كان مسبوقاً. قال النووي رحمه الله تعالى في "المجموع" (4/63) : " إذا سها خلف الإمام تحمل الإمام سهوه، ولا يسجد واحد منهما بلا خلاف، قال الشيخ أبو حامد: وبهذا قال جميع العلماء إلا مكحولا، فإنه قال: يسجد المأموم لسهو نفسه " انتهى. والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما جُعِل الإمام ليؤتمّ به، فلا تختلفوا عليه) رواه البخاري (722) ومسلم (414) وسجود المأموم للسهو فيه مخالفة للإمام. أما إذا كان مسبوقاً فإنه يسجد للسهو إذا أتمّ صلاته، لأنه سيتمها منفرداً، فلا يكون في سجوده مخالفة للإمام. ثانيا: قال النووي رحمه الله "المجموع" (4/64) : " ولو كان مسبوقا فسها بعد سلام الإمام، لم يتحمل عنه الإمام؛ لانقطاع القدوة " انتهى. وجاء في الموسوعة الفقهية (8/206) : " إذا سلم المسبوق بعد سلام الإمام سهوا، بنى على صلاته ويسجد للسهو " انتهى. وقال الشيخ السعدي رحمه الله ": " إذا كان مسبوقا وسها بما يقضيه فإن عليه السجود للسهو " انتهى. " فتاوى السعدي" (157) وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (14/رقم698) : " إذا سها المأموم في صلاته وكان مسبوقا وجب عليه أن يسجد للسهو إذا كان سهوه مما يوجب السجود " انتهى. ومن ذلك ما إذا سلم المسبوق بعد سلام إمامه سهوا، فإن الواجب عليه أن يقوم فيأتي بما عليه، ثم يسجد للسهو. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 81966 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1454 محل سجود السهو، وماذا يقول فيه؟ [السُّؤَالُ] ـ[أود السؤال عن كيفية سجود السهو في حالة النقص أو الزيادة في الصلاة، وعندما يكون سجود السهو بعد التسليم، هل يعيد المصلي التشهد أم لا؟ وهل يقول في سجود السهو (سبحان ربي الأعلى) ثلاثا؟ أم هناك أذكار أخرى تقال في سجود السهو؟ وهل إذا نسي المصلي التشهد الأول وجب عليه سجود السهو أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: في محل سجود السهو، هل هو قبل السلام أو بعده، خلاف كبير بين أهل العلم، والأظهر من أقوالهم: أن الزيادة في الصلاة سهوا تقتضي السجود بعد السلام، والنقص يقتضي السجود قبل السلام، وأما عند الشك ففيه تفصيل: فإذا ترجح عنده أحد الاحتمالين فإنه يسجد بعد السلام، وإن لم يترجح عنده أحد الاحتمالين فإنه يسجد قبل السلام، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (12527) . ثانيا: جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (7/8) : " التشهد الأول في الصلاة واجب من واجباتها في أصح قولي العلماء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله ويقول: (صلوا كما رأيتموني أصلي) ، ولما تركه سهوا سجد للسهو، فمن تركه عمدا بطلت صلاته، ومن تركه سهوا جبره بسجود السهو قبل السلام " انتهى. ثالثا: لا يشرع إعادة التشهد بعد سجود السهو سواء كان السجود قبل السلام أم بعده، وقد سبق بيان ذلك في سؤال رقم (7895) . رابعا: سجود السهو يؤدى كما يؤدى سجود الصلاة، فيسجد على سبعة أعظم كسجود الصلاة، ويذكر الله بالذكر المعروف (سبحان ربي الأعلى) ، ويقول بين السجدتين (رب اغفر لي رب اغفر لي) ، وليس هناك ذكر خاص بسجود السهو، هذا ما يقرره أهل العلم. يقول المرداوي في "الإنصاف" (2/159) : " سجود السهو وما يقول فيه وبعد الرفع منه كسجود الصلاة " انتهى. وقال الرملي في "نهاية المحتاج" (2/88) : " وكيفيتهما (يعني سجدتي السهو) كسجود الصلاة في واجباته ومندوباته كوضع الجبهة والطمأنينة والافتراش في الجلوس بينهما " انتهى باختصار. وبعض الفقهاء يستحب أن يقول في سجود السهو (سبحان من لا يسهو ولا ينام) ، ولكن لا دليل عليه، فالمشروع هو الاقتصار على ما يذكر في سجود الصلاة، ولا يعتاد ذكرا غيره. وقد سبق نقل أقوال أخرى لأهل العلم في سؤال رقم (39399) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 77430 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1455 أحوال المأموم مع سجود السهو [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم اتباع الإمام في حالة سجود السهو؟ وما حكم سجود السهو إذا كنت مأموما؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب على المأموم أن يتبع إمامه في سجود السهو إذا كان قد أدرك معه جميع الركعات، أي لم يكن مسبوقا، وذلك لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ , فَلا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ , فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا , وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ , وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا) رواه البخاري (722) ومسلم (414) . أما المسبوق، وهو من فاتته ركعة فأكثر، فإنه يتابع إمامه إذا سجد قبل السلام، ولا يتابعه إذا سجد بعد السلام لتعذر ذلك؛ إذ المسبوق لا يمكن أن يسلم مع إمامه، ولكن عليه أن يقضي ما فاته ويسلم، ثم يسجد للسهو ويسلم. هذا من حيث الإجمال، وأما من حيث التفصيل: فيمكن تلخيص أحوال المأموم مع سجود السهو فيما يلي: 1- إذا أدرك المأموم جميع الصلاة مع إمامه، فسها الإمام وسجد للسهو، فإنه يلزمه متابعته، سواء كان السجود قبل السلام أو بعده. 2- إذا كان المأموم مسبوقا، وسها الإمام في الجزء الذي أدركه المأموم: ففيه تفصيل: فإن سجد الإمام قبل السلام سجد معه المأموم ثم أتم صلاته، ثم سجد للسهو مرة أخرى؛ لأن سجوده الأول مع إمامه كان في غير موضعه، فإن سجود السهو لا يكون في أثناء الصلاة، بل يكون في آخر الصلاة , وإنما كان سجوده مع إمامه تبعا لإمامه فقط. وإن سجد الإمام بعد السلام، لم يسجد المسبوق معه، بل يقوم ويتم صلاته ويسلم، ثم يسجد للسهو ويسلم. 3- إذا كان المأموم مسبوقا، وسها الإمام في الجزء الذي لم يدركه المأموم، كما لو سها في الركعة الأولى، والمأموم دخل في الركعة الثانية: فإن سجد الإمام قبل السلام، تابعه المأموم، ثم أتم صلاته، ولا يلزمه السجود مرة أخرى لأنه لم يلحقه حكم سهو إمامه. وإن سجد الإمام بعد السلام: لم يتابعه المأموم، ولم يلزمه السجود في نهاية الصلاة أيضا؛ لأنه لم يلحقه حكم سهو إمامه، لأن السهو وقع قبل أن يلتحق بإمامه في الصلاة. وهذه الحالات كلها فيما إذا كان السهو من الإمام، وأما سهو المأموم نفسه فله أحوال أيضا: 4- إذا سها المأموم في صلاته، ولم يكن مسبوقا، أي أدرك جميع الركعات مع إمامه، كما لو نسي أن يقول: سبحان ربي العظيم في الركوع، فإنه لا سجود عليه؛ لأن الإمام يتحمله عنه، لكن لو فرض أن المأموم سها سهوا تبطل معه إحدى الركعات كما لو ترك قراءة الفاتحة نسيانا، فهنا لابد أن يقوم إذا سلم الإمام ويأتي بالركعة التي بطلت من أجل السهو، ثم يتشهد ويسلم ويسجد بعد السلام. 5- إذا سها المأموم في صلاته، وكان مسبوقا، فإنه يسجد للسهو، سواء كان سهوه في حال كونه مع الإمام، أو بعد القيام لقضاء ما فاته؛ لأنه إذا سجد لم يحصل منه مخالفة لإمامه حيث إن الإمام قد انتهى من صلاته. انظر: "رسالة في أحكام سجود السهو" للشيخ ابن عثيمين رحمه الله. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 72290 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1456 نسي إمامهم سجدة وسلَّم فأعاد ركعة وبعضهم لم يُعد [السُّؤَالُ] ـ[في صلاة العشاء صلى بنا الإمام، ولم يكن الإمام الرسمي، وفي آخر ركعة لم يسجد السجدة الأخيرة، وسلَّم دون أن ينتبه أو يذكره أحد المصلين، وبعد دقائق جاءه أحد المصلين وذكَّره بذلك فنهض مباشرة، وقال: نعيد الركعة الأخيرة لأجل يأتي بالسجدة التي نسيها، فهل هذا صحيح؟ وإذا كان غير ذلك: فما هو الصحيح؟ وما حكم من لم يأت معهم بالسجدة الأخيرة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إذا سها الإمام في صلاته فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم المأمومين أن يذكِّروه فقال: (إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي) رواه البخاري (401) ، فكان على جماعة المسجد أن يُسَبِّحوا للإمام حتى يتنبه ويأتي بالسجدة التي نسيها. ثانياً: السجدة الأولى والثانية كلتاهما ركن من أركان الصلاة، لا تصح الصلاة إلا بهما، ومن تعمد تركهما أو ترك واحدة منهما أثم، وبطلت صلاته، ومن نسيهما أو نسي واحدة منهما: فيجب عليه إذا تذكر الإتيان بما نسيه إماماً أو مأموماً أو منفرداً، ومن لم يفعل: لم تصحَّ صلاته. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: الأركان واجبة وأوكد من الواجبات، لكن تختلف عنها في أن الأركان لا تسقط بالسَّهْوِ، والواجبات تسقط بالسَّهْوِ، ويجبرها سُجودُ السَّهْوِ، بخلاف الأركان؛ ولهذا من نسيَ رُكناً لم تصحَّ صلاته إلا به. " الشرح الممتع " (3 / 315) . وقال: والدليل على أن الأركان لا تنجبر بسجود السَّهو: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لما سَلَّم مِن ركعتين مِن صلاة الظُّهر أو العصر أتمَّها وأتى بما تَرَكَ وسَجَدَ للسَّهو، فدلَّ هذا على أنَّ الأركان لا تسقط بالسَّهو، ولا بُدَّ مِن الإِتيان بها. " الشرح الممتع " (3 / 323) . وأما ما فعله إمامكم من إعادة الركعة الأخيرة كاملة بعد تذكيره: فهو أحد القولين في المسألة وهو أن من ترك ركناً من الركعة الأخيرة ولم يعلم إلا بعد التسليم فإنه يأتي بركعة كاملة. وهو مذهب الإمام أحمد رحمه الله، وانظر المغني (1/658) . وقد اختار هذا القول الشيخ ابن باز رحمه الله، فإنه سئل عن إمام نسي السجدة الأخيرة من صلاة العصر، فقام وصلى ركعة كاملة وتشهد وسلم ثم سجد للسهو , فقال: (هذا هو المشروع، إذا نسي الإمام سجدة وسلم ثم ذكر أو نبه، يقوم ويأتي بركعة ثم يكمل ثم يسلم ثم يسجد سجود السهو بعد السلام وهو أفضل، وهكذا المنفرد حكمه حكمه. وإن سجد للسهو قبل السلام فلا بأس ولكن بعده أفضل) مجموع فتاوى ابن باز (11/277) . والقول الثاني في المسألة أنه لا يلزمه الإتيان بركعة كاملة وإنما يأتي بالركن الذي نسيه وبما بعده. وهو مذهب الإمام الشافعي رحمه الله. انظر المجموع (4/33) وقد اختاره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. وانظر شرح الممتع (3/374) . والحاصل أن صلاة الإمام، وصلاة من أكملوا معه الصلاة صحيحة. وأما من لم يتم صلاته ولم يأت بالسجدة التي تركها فصلاته غير صحيحة، والواجب عليهم إعادتها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 47627 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1457 هل يسجد المصلي للسهو في صلاة النافلة [السُّؤَالُ] ـ[هل يصح سجود السهو في الصلاة المستحبة كصلاة النافلة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يشرع سجود السهو في الصلاة النافلة كمشروعيته في الصلاة المكتوبة سواء بسواء عندما يوجد سببه. وإليه ذهب جمهور أهل العلم قديماً وحديثاً، لعموم قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين) رواه مسلم (402) ولأن جبر الصلاة وإرغام الشيطان يحتاج إليه في النفل كما يحتاج إليه في الفريضة. وذهب جماعة، منهم ابن سيرين وقتادة وعطاء وجماعة من أصحاب الشافعي إلى أن التطوع لا سجود فيه. والراجح ما ذهب إليه الجمهور. قال البخاري رحمه الله في صحيحه: باب السهو في الفرض والتطوع، وسجد ابن عباس رضي الله عنهما سجدتين بعد وتره. قال الحافظ في الفتح عن أثر ابن عباس، رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح. اهـ. ووجه الاستدلال بفعل ابن عباس أن الوتر غير واجب وسجد ابن عباس فيه للسهو، مما يدل على أن سجود السهو يكون في الفرض والنفل. وقال الشيخ ابن عثيمين: سجود السهو سجدتان، ويكون في الفرض والنفل إذا وجد سببه. اهـ. مجموع فتاوى ابن عثيمين (14/68) انظر كتاب سجود السهو في ضوء الكتاب والسنة المطهّرة. للشيخ عبد الله الطيّار. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45456 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1458 إذا سجد للسهو بعد السلام، فهل يتشهد ويسلم؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا كنت سأسجد للسهو بعد التسليم من الصلاة، فهل أقرأ التشهد وأسلم مرة أخرى؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من سجد للسهو بعد السلام فإنه يلزمه أن يسلم مرة ً أخرى، أما التشهد فإنه لا يتشهد مرة أخرى. روى البخاري (482) ومسلم (573) عن مُحَمَّد بْن سِيرِينَ أنه قال: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى صَلاتَيْ الْعَشِيِّ إِمَّا الظُّهْرَ وَإِمَّا الْعَصْرَ، فَسَلَّمَ فِي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَتَى جِذْعًا فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ فَاسْتَنَدَ إِلَيْهَا مُغْضَبًا، وَفِي الْقَوْمِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرَ فَهَابَا أَنْ يَتَكَلَّمَا، وَخَرَجَ سَرَعَانُ النَّاسِ فقالوا: قُصِرَتْ الصَّلاةُ. فَقَامَ ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَقُصِرَتْ الصَّلاةُ أَمْ نَسِيتَ؟ فَنَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمِينًا وَشِمَالا فَقَالَ: مَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ؟ قَالُوا: صَدَقَ، لَمْ تُصَلِّ إِلا رَكْعَتَيْنِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ كَبَّرَ فَرَفَعَ، ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ، ثُمَّ كَبَّرَ وَرَفَعَ، قَالَ محمد بن سيرين: وَأُخْبِرْتُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: وَسَلَّمَ. وروى مسلم (574) عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْعَصْرَ، فَسَلَّمَ فِي ثَلاثِ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ دَخَلَ مَنْزِلَهُ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ الْخِرْبَاقُ، وَكَانَ فِي يَدَيْهِ طُولٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَذَكَرَ لَهُ صَنِيعَهُ، وَخَرَجَ غَضْبَانَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى النَّاسِ، فَقَالَ: أَصَدَقَ هَذَا؟ قَالُوا: نَعَمْ. فَصَلَّى رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ. وقال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله: " إذا كان السجود بعد السلام، فإنه يجب له السلام فيسجد سجدتين ثم يسلم. وأما هل يجب له التشهد؟ في هذا خلاف بين العلماء، والراجح أنه لا يجب له التشهد" اهـ. (فتاوى ابن عثيمين (14/74) . وسئلت اللجنة الدائمة: هل يتشهد بعد سجود السهو أم لا، سواء سجد للسهو قبل السلام أم بعده؟ فأجابت: لا يشرع التشهد بعد سجود السهو إذا كان قبل السلام بلا ريب، أما السجود بعد السلام ففيه خلاف بين أهل العلم، والأرجح عدم شرعيته لعدم ذكره في الأحاديث الصحيحة اهـ. فتاوى اللجنة الدائمة (7/148) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45076 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1459 ماذا يقول في سجدتي السهو وبينهما؟ [السُّؤَالُ] ـ[ماذا نقول في سجدتي السهو وما بينهما؟ وهل نقول مثلما نقول في صلاة الفريضة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لم يرد – فيما نعلم – تخصيص سجدتي السهو بذكر معين، وعلى هذا يكون حكمهما حكم سجود الصلاة، فيقال فيهما ما يقال في سجود الصلاة، نحو (سبحان ربي الأعلى) والدعاء، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ) رواه مسلم (482) . انظر السؤال رقم (7886) ، (39677) . ويقال بينهما ما يقال بين سجدتي الصلاة، نحو (رب اغفر لي) . انظر السؤال (13340) . قال النووي في "المجموع" (4/72) : " سُجُودُ السَّهْوِ سَجْدَتَانِ بَيْنَهُمَا جَلْسَةٌ , وَيُسَنُّ فِي هَيْئَتِهَا الافْتِرَاشُ، وَيَتَوَرَّكُ بَعْدَهُمَا إلَى أَنْ يُسَلِّمَ , وَصِفَةُ السَّجْدَتَيْنِ فِي الْهَيْئَةِ وَالذِّكْرِ صِفَةُ سَجَدَاتِ الصَّلاةِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ " انتهى. وقال في " الشرح الكبير" (4/96) : " ويقول في سجود السهو ما يقول في سجود صلب الصلاة، قياساً عليه " انتهى. وقال في "أسنى المطالب" (1/195) : " سُجُودُ السَّهْوِ سَجْدَتَانِ. . . وَكَيْفِيَّتُهَا كَسَجْدَتَيْ الصَّلاةِ، يَجْلِسُ مُفْتَرِشًا بَيْنَهُمَا، وَيَأْتِي بِذِكْرِ السُّجُودِ لِلصَّلاةِ فِيهِمَا " انتهى. وقال في "مغني المحتاج" (1/439) : " وكيفيتهما كسجود الصلاة في واجباته ومندوباته، كوضع الجبهة والطمأنينة. . . ويأتي بذكر سجود الصلاة فيهما. . . قال الأذرعي وسكتوا عن الذكر بينهما. والظاهر أنه كالذكر بين سجدتي صلب الصلاة " انتهى باختصار. وجاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (6/443) : " يقول الساجد في سجود السهو والتلاوة مثل ما يقول في سجوده في صلاته: " سبحان ربي الأعلى " والواجب في ذلك مرة واحدة، وأدنى الكمال ثلاث مرات، ويستحب الدعاء في السجود بما يسر الله من الأدعية الشرعية المهمة " انتهى. وذكر بعض العلماء أنه يستحب أن يقال فيهما: " سُبْحَانَ مَنْ لا يَنَامُ وَلا يَسْهُو ". قال الحافظ ابن حجر في "التلخيص" (2/12) : لم أجد له أصلاً. انتهى. والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39399 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1460 مسبوقٌ تركَ التشهدَ الأولَ ناسيًا [السُّؤَالُ] ـ[أدركتُ الركعةَ الأخيرةَ من صلاةِ العصر، فقمتُ للركعةِ الثانية، ولم أجلس للتشهد، اعتقدت أني أدركتُ الركعةَ الثالثةَ مع الجماعة، فلما جلستُ للتشهدِ الأخير تذكرت، فسجدتُ سجدَتَي السهوِ ثم سَلّمت. هل صلاتي صحيحة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله في هذا السؤال مسألتان: المسألةُ الأولى: هل يسجدُ المسبوقُ للسهوِ إذا سها في صلاتِه؟ قال البهوتيُّ في "شرح منتهى الإرادات" (1/232) : " يسجدُ أيضًا لسهوِه (أَي المسبوق) : - فيما أدركَه معه (أي مع إمامه) ، ولو فارقه لعذر. - ويسجدُ مسبوق أيضًا إذا سها فيما انفردَ به، وهو ما يقضيه بعدَ سلامِ إمامِه، ولو كان سجدَ معه لسهوه؛ لأنَّه صارَ منفردًا فلم يتحمّل عنه سجودَه " انتهى. وقالَ الشيخُ ابنُ باز رحمه الله: " أما المسبوقُ فإنه يسجدُ للسّهوِ إذا سها مع إمامِه، أو فيما انفردَ به بعد إكمالِه الصلاة " انتهى "فتاوى ابن باز" (11/268) . وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (7/151) : " إذا سها المأمومُ في قضاءِ ما فاتَه، أو شكّ في الصلاةِ، فإنه يبني على اليقين - وهو الأقلُّ - ويكملُ صلاتَه، ثم يسجدُ للسهو " انتهى. المسألةُ الثانية: في مَحَلِّ سجودِ السهو، هل يكونُ قبلَ السلام أم بعده؟ جاءت السنة بأن من نسى التشهد الأول فإنه ليسجد للسهو قبل التسليم. روى البخاري (1224) ومسلم (570) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ مِنْ بَعْضِ الصَّلَوَاتِ ثُمَّ قَامَ فَلَمْ يَجْلِسْ، فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، فَلَمَّا قَضَى صَلاتَهُ وَنَظَرْنَا تَسْلِيمَهُ كَبَّرَ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ، قَبْلَ التَّسْلِيمِ، ثُمَّ سَلَّم َ. وهذا الحديث يدل على أن صلاة من نسى التشهد الأول صحيحة , وأنه يسجد سجدتي السهو قبل التسليم من الصلاة. وقد سبقَ في جواب لسؤال رقم (12527) نقلُ قول الشيخِ ابنِ عثيمين رحمه الله: " وبهذا يتبيَّنُ أن سجودَ السهوِ يكونُ قبلَ السلامِ إذا ترك واجبًا من الواجبات، أو إذا شكَّ في عددِ الركعاتِ ولم يترجّحْ عنده أحدُ الطرفين. وأنّه يكونُ بعدَ السلامِ إذا زادَ في صلاته، أو شكّ وترجَّحَ عنده أحدُ الطرفين " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (14/14-16) . وعلى هذا , فقد أحسنت صُنعًا حين سجدت للسهوِ قبلَ السلام، وصلاتك صحيحةٌ إن شاء الله تعالى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 35909 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1461 هل يسجد للسهو عن كل سرحان [السُّؤَالُ] ـ[هل للعبد أن يسجد سجود السهو في كل صلاة، بحجة أنه قد أصابه قليل من السرحان؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سبق بيان الأسباب التي يشرع لها سجود السهو في الصلاة، وأنها إما أن تكون زيادة في الصلاة، أو نقصا، أو شكا في صلاته؛ بحيث لم يدر كم صلى. [12527] . وما ذكر في السؤال من السجود للسهو لأجل ما أصاب المصلي من السرحان [يعني: الذهول في الصلاة وشرود الذهن] فهذا ليس من الأسباب التي يشرع لها سجود السهو. قال الشيخ البهوتي رحمه الله: (يشرع [يعني: السجود] للسهو بوجود شيء من أسبابه، وهي زيادة، ونقص، وشك ... سوى صلاة جنازة ... ، وسوى حديث نفس، لعدم إمكان الاحتراز منه، وهو معفو عنه.) [كشاف القناع 2/ 465] وقد سئلت اللجنة الدائمة: عندما أكبر تكبيرة الإحرام، وأشرع في قراءة الفاتحة دائما ما أسهو ويسرح بالي خارج المسجد حتى انتهائي من الصلاة.. فأجابت: (صلاتك صحيحة إذا كنت قد أديت فرائض الصلاة وواجباتها، ونصيحتنا إليك أن تدافع الشيطان عن نفسك ما استطعت، وبكل قوة، حتى تذهب عنك هذه الوساوس، وتبطل كيد الشيطان. ومما يساعدك على ذلك اللجأ إلى الله والاستعاذة به من الشيطان في أول القراءة وفي نفسك دائما، وتدبر معاني القرآن تدبرا يرشدك إلى عظمة الله، والتكبير والتهليل والتسبيح والتحميد، وأن تتذكر أنك بين يدي الله، وأنك تناجيه في صلاتك، وأن من الواجب عليك الأدب معه، وحضور القلب في مناجاته ودعائه، مع رجاء أن يدفع الله عنك الهواجس ويسلمك من كيد الشيطان، عسى الله أن يوفقك للإقبال عليه والإعراض عن الشيطان.) [فتاوى اللجنة: 7/156] وانظر أيضا: [7/36] . وقد سئل سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى عن امرأة كثيرة التفكير وشرود الذهن في الصلاة، فهل تعيد صلاتها؟ فقال رحمه الله: (الوساوس من الشيطان، والواجب عليك العناية بصلاتك والإقبال عليها والطمأنينة فيها، حتى تؤديها على بصيرة. وقد قال الله سبحانه: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) ، ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا لا يتم صلاته ولا يطمئن فيها أمره بالإعادة وقال له: (إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها) متفق عليه. وإذا تذكرت أنك في الصلاة قائمة بين يدي الله تناجينه سبحانه، فإن ذلك يدعو إلى خشوعك في الصلاة وإقبالك عليها وبعد الشيطان عنك وسلامتك من وساوسه. وإذا كثر عليك الوسواس في الصلاة فانفثي عن يسارك ثلاث مرات، وتعوذي بالله من الشيطان الرجيم ثلاث مرات، فإنه يزول عنك إن شاء الله. وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه بذلك لما قال له: (يا رسول الله إن الشيطان لبس علي صلاتي) [انظر: صحيح مسلم 2203] . وليس عليك أن تعيدي الصلاة بسبب الوسواس؛ بل عليك أن تسجدي للسهو إذا فعلت ما يوجب ذلك، مثل ترك التشهد الأول سهوا، ومثل ترك التسبيح في الركوع والسجود سهوا. وإذا شككت هل صليت ثلاثا أو أربعا في الظهر مثلا، فاجعليها ثلاثا وكملي الصلاة، واسجدي للسهو سجدتين قبل السلام. وإذا شككت في المغرب هل صليت اثنتين أم ثلاثا فاجعليها اثنتين وكملي الصلاة، ثم اسجدي للسهو سجدتين قبل السلام لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك، والله ولي التوفيق.) [فتاوى الشيخ 11/260] وسئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا غلبت الهواجس على المصلي فما حكم صلاته؟ وما طريق الخلاص منه؟ فأجاب: (الحكم في هذه الحالة أن الإنسان إذا غلب على صلاته الهواجس في أمور الدنيا، أو في أمور الدين، كمن كان طالب علم وصار ينشغل إذا دخل في الصلاة بالتدبر في مسائل العلم، إذا غلب هذا على أكثر الصلاة، فإن أكثر أهل العلم يرون أن الصلاة صحيحة، وأنها لا تبطل بهذه الوساوس، لكنها ناقصة جداً، فقد ينصرف الإنسان من صلاته، ولم يكتب له إلا نصفها، أو ربعها، أو عشرها أو أقل [كما في صحيح المسند 18400 وأبي داود 796] أما ذمته فتبرأ بذلك ولو كثر، لكن ينبغي للإنسان أن يكون حاضر القلب في صلاته؛ لأن ذلك هو الخشوع، والخشوع هو لب الصلاة وروحها. ودواء ذلك أن يفعل الإنسان ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم بأن يتفل عن يساره ثلاثاً، ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، فإذا فعل ذلك أذهبه الله. وإذا كان مأموماً في الصف، فإن التفل لا يمكنه، لأن الناس عن يساره، ولكن يقتصر على الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، فإذا فعل ذلك وكرره أذهب الله ذلك عنه. والله الموفق. [فتاوى الشيخ 14/88] . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 34570 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1462 ما يقال في سجود السهو والتلاوة [السُّؤَالُ] ـ[ماذا يقول المصلي عندما يسجد للسهو في صلاته؟ وماذا يقول المصلي عندما يسجد لسجدة القرآن الكريم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يقول الساجد في سجود السهو والتلاوة مثل ما يقول في سجوده في صلاته: " سبحان ربي الأعلى " والواجب في ذلك مرة واحدة، وأدنى الكمال ثلاث مرات، ويستحب الدعاء في السجود بما يسر الله من الأدعية الشرعية المهمة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم» فقمن أي: جدير وقوله صلى الله عليه وسلم: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء» رواهما مسلم في صحيحه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي» متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها، وكان صلى الله عليه وسلم يقول أيضا في الركوع والسجود: «سبوح قدوس رب الملائكة والروح» أخرجه مسلم في صحيحه. وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 6/443 الحديث: 34689 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1463 الشك في عدد الركعات [السُّؤَالُ] ـ[أحياناً أخطئ في صلاتي ولا أعرف عدد الركعات أو أشياء من هذا القبيل. هل أقطع الصلاة وأبدأ من جديد أم أستمر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سئِل فضيلة الشيخ محمد العثيمين هذا السؤال فقال: الصحيح أن الصلاة لا تبطُل، لأن الشكَّ يأتي على الإنسان كثيراً بغير اختيارِهِ، وقد بَيَّنَ النبي صلى الله عليه وسلم حكم من شَكَّ في الصلاة، وأنَّ الشكَّ على قسمين: القسم الأول: أن يَشُكَّ الإنسان في عدد الركعات مع كونه يرجِّحُ أحد الطرفين، ففي هذه الحالة يَبْنِي الإنسان على ما ترجَّحَ عنده فيُتِمَّ الصلاة عليه، ويسلِّم، ويسجد للسهو بعد السلام. القسم الثاني: أن يَشُكَّ الإنسان في عدد الركعات، ولم يترجح عنده أحد الطرفين، ففي هذا القسم يَبْنِي على الأقل لأنه مُتَيَقَّنٌ والزَّائِدُ مشْكُوكٌ فيه، فيُتِمَّ على الأقل، ويسجُد للسَّهو سجدتين قبل السلام، ولا تبطل صلاته بذلك. [الْمَصْدَرُ] فتاوى الشيخ محمد العثيمين 1/425. الحديث: 33624 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1464 هل يصلى السنن الرواتب عند الجمع بين الصلاتين في الحضر؟ [السُّؤَالُ] ـ[لو جمع مقيم صلاتين فهل يجب أن يصلي الفرض فقط أم هل يجوز صلاة السنة المؤكدة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا جمع المقيم بين الصلاتين لعذر كالمطر أو المرض أو غير ذلك من الأعذار فله أن يصلي السنة الراتبة، ولا يجب عليه ذلك لأنها سنة وليست واجبة، فإن جمع بين الظهر والعصر صلى راتبة الظهر القبلية، ثم يجمع بين الصلاتين، ثم يصلي راتبة الظهر البعدية بعد صلاة العصر. وإن جمع بين المغرب والعشاء، صلى بعدهما راتبة المغرب ثم راتبة العشاء. قال النووي رحمه الله في "روضة الطالبين" (1 / 402) . "في جمع العشاء والمغرب يصلي الفريضتين ثم سنة المغرب ثم سنة العشاء ثم الوتر. وأما في الظهر: فالصواب الذي قاله المحققون أنه يصلي سنة الظهر التي قبلها ثم يصلي الظهر ثم العصر ثم سنة الظهر التي بعدها ثم سنة العصر" انتهى. وقال زكريا الأنصاري رحمه الله في "أسنى المطالب" (1/245) : "وَإِنْ جَمَعَ تَقْدِيمًا بَلْ أو تَأْخِيرًا في الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ صلى سُنَّةَ الظُّهْرِ التي قَبْلَهَا ثُمَّ الْفَرِيضَتَيْنِ الظُّهْرَ ثُمَّ الْعَصْرَ ثُمَّ بَاقِيَ السُّنَنِ مُرَتَّبَةً أَيْ سُنَّةَ الظُّهْرِ التي بَعْدَهَا ثُمَّ سُنَّةَ الْعَصْرِ. وفي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ يُصَلِّي الْفَرِيضَتَيْنِ ثُمَّ السُّنَنَ مُرَتَّبَةً سُنَّةَ الْمَغْرِبِ ثُمَّ سُنَّةَ الْعِشَاءِ ثُمَّ الْوِتْرَ" انتهى. وقال ابن قدامة رحمه الله: " وَإِذَا جَمَعَ فِي وَقْتِ الْأُولَى , فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ سُنَّةَ الثَّانِيَةِ مِنْهُمَا , وَيُوتِرُ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الثَّانِيَةِ ; لِأَنَّ سُنَّتَهَا تَابِعَةٌ لَهَا , فَيَتْبَعُهَا فِي فِعْلِهَا وَوَقْتِهَا , وَالْوِتْرُ وَقْتُهُ مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ , وَقَدْ صَلَّى الْعِشَاءَ فَدَخَلَ وَقْتُهُ " انتهى. "المغني" (2 / 61-62) . وقال في الإنصاف (2 / 344) : " يُصَلِّي سُنَّةَ الظُّهْرِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، قَالَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ " انتهى. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل تؤدى السنن الراتبة القبلية والبعدية في حالة الجمع بين الصلاتين كالظهر والعصر والمغرب والعشاء، وإذا كانت تؤدى فكيفية تأدية هذه الراتبة هل تكون بعد الصلوات أو قبلها؟ فأجاب: "إنسان مريض أو جمع الناس من أجل المطر فأخر الظهر إلى العصر يصلي الراتبة أولاً أربع ركعات، ثم إذا فرغ من صلاة العصر صلى الراتبة البعدية التي للظهر. يجمع بين المغرب والعشاء ثم إذا فرغ صلى راتبة المغرب أولاً ثم راتبة العشاء" انتهى. "لقاء الباب المفتوح" (147 / 15) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 137720 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1465 ماذا يصنع مسافر أراد صلاة العشاء خلف من يصلي المغرب؟ [السُّؤَالُ] ـ[صليتُ المغرب، ثم قمتُ لكي أصلي العشاء معها قصراً، فصليتُ مع جماعة متأخرة تصلي المغرب، فصليتُ معهم العشاء قصراً، مع أنهم مقيمون، حيث دخلت معهم في الصلاة في الركعة الثانية، ثم جلسنا بعدها للتشهد الأول، ثم أتينا بركعة أخرى، ثم سلَّم الإمام، وسلمتُ معه، هل صلاتي صحيحة أم أعيدها؟ وهل إذا أعدت الصلاة أصليها ركعتين، أو أربع؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا صلى المسافر خلف إمام مقيم: فعليه أن يُتم صلاته معه، إذا اتفقت الصلاتان، ولا يجوز له أن يقتصر على صلاة ركعتين. وينظر في ذلك جواب السؤال رقم: (21996) . أما إذا اختلفت الصلاتان ـ كما في السؤال ـ فالمأموم مخير بين أن يقتصر على صلاة ركعتين، وبين أن يتم صلاته أربعاً بعد سلام الإمام. وقد سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: عن رجل مسافر دخل المسجد , ووجد جماعة يصلون المغرب , وهو قد صلَّى المغرب , فصلَّى معهم بنية العشاء , ولما قام الإمام للركعة الثالثة: جلس، وتشهد، وسلم، فما حكم ذلك؟ . فأجاب: "إذا دخل رجل مسافر قد صلَّى المغرب , فوجدهم يصلون المغرب , فدخل معهم بنية صلاة العشاء: فمِن العلماء من قال: " لا يصح دخوله؛ لاختلاف الصلاتين نية، وعملاً "، ومنهم من قال: " يصح ذلك " , فإذا قام الإمام للثالثة: أكمل الداخل التشهد، وسلَّم من ركعتين , وهذا هو الصحيح، وله أن يقوم معه في الثالثة، ويتم العشاء أربعاً" انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " (15 / 357) . وعلى هذا، فما فعله السائل، وهو اقتصاره على صلاة ركعتين، صحيح وليس عليه إعادة هذه الصلاة. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136938 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1466 يدرس في الجامعة ويمنع من أداء صلاة الجمعة [السُّؤَالُ] ـ[نحن ندرس في جامعة حكومية، بسبب ضغوطات سياسية تمنع إدارة الجامعة الطلبة من ممارسة نشاطات دينية ومن أهمها أداء الصلوات وخاصة صلاة الجمعة، ولا بد أن نكون متواجدين في الجامعة أو في قاعة الدراسة، فهل تسقط عنا صلاة الجمعة؟ إذا كان الجواب لا، فماذا نفعل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صلاة الجمعة من آكد الصلوات المفروضة التي يجب المحافظة عليها والاهتمام بها، وهي شعيرة من شعائر الإسلام الظاهرة، ولهذا جاء الوعيد الشديد في تركها، كما روى مسلم (865) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهم أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَلَى أَعْوَادِ مِنْبَرِهِ: (لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمْ الْجُمُعَاتِ أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنْ الْغَافِلِينَ) . وروى أبو داود (1052) والنسائي (1369) والترمذي (500) وابن ماجه (1125) عَنْ أَبِي الْجَعْدِ الضَّمْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ جُمَعٍ تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. والدراسة في الجامعة الحكومية إن ترتب عليها تضييع هذه الصلاة لم يجز الدخول فيها، إلا إن اضطر الإنسان لذلك، كأن يجبر على الدراسة، أو يتوقف عليها الحصول على الوظيفة التي يتعيش منها، فيجوز حينئذ، ويسعى في التغيب يوم الجمعة ليدرك الصلاة فإن لم يستطع فهو معذور في ترك الجمعة، وقد نص الفقهاء على أن من أعذار ترك الجمعة خوف الإنسان على نفسه أو على ماله أو على معيشة يحتاج لها. قال في "كشاف القناع" (1/495) : "ويعذر في ترك الجمعة والجماعة من يدافع الأخبثين البول والغائط ... أو خائف من ضرر في ماله، أو في معيشة يحتاجها , أو أَطلق الماء على زرعه أو بستانه , يخاف إن تركه فسد، أو كان مستحفَظا على شيء يخاف عليه الضياع إن ذهب وتركه , كناطور بستان (الحارس) ونحوه ; لأن المشقة اللاحقة بذلك أكثر من بل الثياب بالمطر الذي هو عذر بالاتفاق" انتهى بتصرف. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 134691 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1467 يزور أقاربه ولا يتمكن من حضور الجماعة لبعد المسجد، فهل يقطع صلته بهم [السُّؤَالُ] ـ[اقتربت عطلة الصيف وقد اعتدنا زيارة الأقارب في هذه الفترة لكن معظم الأقارب يسكنون في منطقة بعيدة عن المسجد (أقرب مسجد حوالي سبعة أميال) فإذا زرناهم لا نصلي في المسجد إلا الجمعة (لبعده) فهل أزورهم وأترك الجماعة أم أقطع صلتهم من أجل الجماعة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: صلاة الجماعة واجبة على الرجل المكلف المستطيع في المسجد إذا كان يسمع النداء، ويدل على وجوبها أدلة كثيرة منها ما رواه مسلم (653) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: (أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ أَعْمَى، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّه ِ، إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى الْمَسْجِدِ، فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ، فَرَخَّصَ لَهُ، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ، فَقَالَ: هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلاةِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَجِبْ) . وينظر جواب السؤال رقم (120) . والمقصود بسماع النداء: أن يسمع الإنسان الأذان بالصوت المعتاد من غير مكبرٍ للصوت، مع رفع المؤذن صوته، وسكون الرياح والضوضاء ونحو ذلك مما يؤثر على السماع. قال النووي رحمه الله في "المجموع" (4/353) : "الاعتبار في سماع النداء: أن يقف المؤذن في طرف البلد والأصوات هادئة والريح ساكنة، وهو مستمع فإذا سمع لزمه، وإن لم يسمع لم يلزمه" انتهى. وعليه؛ فإن كنت ممن لا يسمع النداء لبعد المسافة، فأنت معذور في عدم حضورك لصلاة الجماعة، ولا إثم عليك، وحينئذ فإنك تزور أقاربك وتقيم عندهم، وتصلي جماعة في البيت، وأنت معذور في هذا؛ ولا يجوز قطع صلتهم بسبب بعدهم عن المسجد. ثم ليعلم السائل أنه متى ما صلى في بيته.. وهو معذور بالتخلف عن الجماعة، أن له أجر صلاة الجماعة كما لو صلى في المسجد؛ لحديث عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) رواه البخاري (1) ومسلم (1907) ، ولحديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ... إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَاماً مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ؟ قَالَ: وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ، حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ) رواه البخاري (4423) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 134578 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1468 تركت القيام في الصلاة وهي حامل لجهلها بحكمه، ولمشقة ذلك عليها [السُّؤَالُ] ـ[زوجتي كانت حاملاً بطفلتي الأولى، قبل تسع سنوات تقريباً، وكانت تعاني في حملها معاناة شديدة، فكانت تصلي جالسة غالب الصلوات، ولكنها أحيانا كانت تستطيع القيام في الصلاة، ولكنها تفضل الصلاة جالسة؛ لجهلها بالحكم، ولعدم زيادة الألم من جهة أخرى. الآن ماذا عليها أن تفعل، هل تعيد تلك الصلوات أم ماذا عليها أن تفعل؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الواجب على المسلم أن يصلي حسب طاقته، وقدرته، فيصلي ابتداء قائماً، فإن لم يستطع فقاعداً، فإن لم يستطع فعلى جنبه؛ لقول الله عز وجل: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن / 16، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين - وقد أصابته " البواسير " -: (صَلِّ قَائِماً، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِع فَقَاعَداً، فَإِنْ لَمْ تَْستَطِع فَعَلَى جَنْبٍ) رواه البخاري (1066) . ثانياً: متى قدر المريض في أثناء صلاته الفريضة على ما كان عاجزاً عنه، من قيام، أو قعود، أو ركوع، أو سجود، أو إيماء: انتقل إليه، وبنى على ما مضى من صلاته. وإذا كان القيام يسبّب زيادة في المرض، أو تأخيراً في البرء منه: فلا بأس بالصلاة جالساً، ولكن لا تصح الصلاة جالساً مع القدرة على القيام؛ لأن القيام ركن. ويُنظر جوابا السؤالين: (9307) و (13822) . ثالثاً: يجب العلم بأنه لا يعذر بالجهل من عنده القدرة على تعلم ما هو واجب عليه من ضروريات الدين ولم يتعلمه، كالصلاة لعموم المكلفين بها، وكالزكاة لمن ملك مالاً، فإذا كان بإمكانه أن يتعلم بسؤال أهل العلم، ولم يفعل: فهو مقصر، وعليه إثم التقصير. رابعاً: إذا كان المكلّف معذوراً بجهله، فترك شرطاً من شروط صحة الصلاة، أو ترك ركناً من أركانها: فليس عليه قضاء ما خرج وقته من الصلوات، وعليه قضاء الصلاة التي يبلغه فيها العلم قبل خروج وقتها، ودليل ذلك: أ. أما في ترك الشرط جهلاً به: فهو ما وقع لعمر بن الخطاب في تركه للصلوات لما أجنب؛ ظانّاً عدم جوازه، والحديث رواه البخاري (339) ومسلم (368) . ب. وأما في ترك شيء من أركان الصلاة جهلاً بها: فهو ما وقع للصحابي الذي ترك الطمأنينة في الأركان، فحكم النبي صلى الله عليه وسلم على صلاته بالبطلان، ولم يأمره إلا بإعادة الصلاة نفسها، دون ما سبقها من صلوات. وانظر الحديث كاملاً في جوابي السؤالين: (6834) و (12683) . وانظر تفصيلاً أوفى للمسألة في جواب السؤال رقم: (45648) . والخلاصة بخصوص زوجتك: 1. ليس عليها إثم، ولا قضاء في حال صلّت جالسة بسبب تعب حملها، ومشقة القيام عليها. 3. عليها إثم الصلاة جالسة في حال استطاعت الصلاة قائمة من غير مشقة، ويرتفع عنها الإثم في حال جهلها بهذا الحكم، أو كانت تظن أنه يجوز لمن كن في مثل حالها أن يصلي جالسا، أو كانت تخشى، إن هي صلت قائمة، من زيادة الألم فوق ما تحتمله عادة. وعلى كل حال: فليس عليها قضاء ما فات من هذه الصلوات، لكن عليها أن تستغفر الله من تقصيرها، وتجتهد في استدارك ما فاتها بما استطاعت من النوافل. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 133372 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1469 حكم الطبيب الذي يفوت الصلاة بسبب انشغاله بالعمليات [السُّؤَالُ] ـ[طبيب يعمل بالعمليات الطارئة مما يؤدي أحياناً إلى انشغاله عن الصلاة حتى خروج الوقت، فماذا يصنع وقد قيل له: إنه في تلك الحالة عليه أن يؤدي الصلاة بأي طريقة، فما هي هذه الطريقة وفقكم الله؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الواجب على المسلم أن يصلي الصلاة في وقتها، ولا ينشغل عنها بشيء، اللهم إلا أن يكون شيئاً من الضرورات التي لا حيلة له فيها، مثل إنقاذ غريق من الغرق، إنقاذ أهل البيت من حريق، صد هجوم عدو يخشى منه، فهذا لا بأس أن تؤخر الصلاة لأجله ولو خرج وقتها، أما الأمور العادية التي لا خطر فيها لا يجوز تأخير الصلاة من أجلها. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم لما حاصر أهلُ مكة المدينةَ يوم الأحزاب أَخَّر صلاة الظهر والعصر إلى بعد المغرب، وفي رواية أخرى: (صلاة العصر إلى بعد المغرب) من شغله بالقتال، وثبت أن الصحابة لما حاصروا تستر وانفلق الفجر والقتال قائم والناس على الأسوار وعلى الأبواب أجلوا صلاة الفجر حتى فُتح لهم ثم صلوها ضحى لئلا يفوت الفتح، ولئلا يتراجع الكفار، فإذا كان مثل هذا جاز التأخير، فإذا وقع حريق، وكان فيه أناس من المسلمين فإنه يجوز لك أن تنشغل بإنقاذهم، ولو قدر أن فاتتك الصلاة في وقتها؛ لأن إنقاذ النفوس المسلمة المعصومة له أهمية عظيمة، ولأن هذا الخطر قد لا يُستدرك إلا لو أخر الصلاة، فتفوته المصلحة فجاز التأخير، فكما يؤخر الإنسان في الجمع للمرض والسفر، فجواز تأخيرها عن وقتها أو تأخير العصر عن وقتها أو الفجر عن وقته لإنقاذ غريق أو حريق أو نحو ذلك" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (2/758) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 132911 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1470 دخل في الصلاة بنية القصر، ثم غَيَّر نيته إلى الإتمام [السُّؤَالُ] ـ[دخلت صلاة الظهر مع جماعة مسافرة بنية القصر ثم تذكرت أن شروط قصر الصلاة لا تنطبق علي فغيرت النية من القصر إلى إتمام الصلاة ,فهل فعلي هذا صحيح؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا غَيَّر المصلي نيته من قصر الصلاة إلى إتمامها لأنه تبين له أنه ليس له أن يقصر، فصلاته صحيحة ولا شيء عليه. قال النووي رحمه الله: "قَالَ أَصْحَابُنَا: وَإِذَا صَارَ مُقِيمًا أَتَمَّ صَلَاتَهُ أَرْبَعًا وَلَا يَلْزَمُهُ نِيَّةُ الْإِتْمَامِ , وَإِنْ كَانَ لَمْ يَنْوِ إلَّا رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ قَطَعَتْ حُكْمَ الرُّخْصَةِ بِتَعْيِينِ الْإِتْمَامِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ. قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَالْإِتْمَامُ مُنْدَرِجٌ فِي نِيَّةِ الْقَصْرِ , فَكَأَنَّهُ قَالَ: نَوَيْت الْقَصْرَ مَا لَمْ يَعْرِضْ مَا يُوجِبُ الْإِتْمَامَ" انتهى. "المجموع" (4/230) . وقال أيضا (4/232) : "لَوْ نَوَى الْقَصْرَ فِي الْإِحْرَامِ ثُمَّ تَرَدَّدَ فِي الْقَصْرِ وَالْإِتْمَامِ أَوْ شَكَّ فِيهِ ثُمَّ جَزَمَ بِهِ أَوْ تَذَكَّرَهُ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ" انتهى. وقال ابن قدامة في "المغني" (2/64) : "وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْإِمَامَ مُسَافِرٌ ; لِرُؤْيَةِ حِلْيَةِ الْمُسَافِرِينَ عَلَيْهِ وَآثَارِ السَّفَرِ , فَلَهُ أَنْ يَنْوِيَ الْقَصْرَ , فَإِنْ قَصَرَ إمَامُهُ قَصَرَ مَعَهُ , وَإِنْ أَتَمَّ لَزِمَهُ مُتَابَعَتُهُ , وَإِنْ نَوَى الْإِتْمَامَ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ , سَوَاءٌ قَصَرَ إمَامُهُ , أَوْ أَتَمَّ , اعْتِبَارًا بِالنِّيَّةِ" انتهى. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجوز تغيير النية في الصلاة إذا كان في السفر من القصر إلى الإتمام إذا شك في قربه من المدينة التي هو مقيم فيها؟ فأجاب: "الأصل في صلاة السفر القصر، ولهذا لا يحتاج إلى نية، أي: إذا دخلتَ الصلاة الرباعية وأنت مسافر وإن لم تنوِ القصر فأقصر؛ لأن الأصل في صلاة السفر القصر، كما ثبت في صحيح البخاري وغيره أنه (أول ما فُرِضَت الصلاة ركعتين، فأُقِرَّت صلاة السفر، وزِيْدَ في صلاة الحَضَر) . ولهذا كان القول الراجح: أن صلاة القصر لا تحتاج إلى نية في السفر" انتهى. "لقاء الباب المفتوح" (3/42) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 132051 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1471 حكم تأخير الشرطيّ الصّلاة عند أداء مهمّة القبض على شخص [السُّؤَالُ] ـ[أعمل في الشرطة في بريطانيا، وسؤالي يتعلق بأداء الصلاة أثناء أداء العمل، ففي ببعض الأحيان أكون في مهمة القبض على شخص ما، ويصادف ذلك وقت صلاة العصر على سبيل المثال، وقس على ذلك بقية الصلوات فما العمل في مثل هذه الحالات؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ينبغي أن يُعلم أنّ الله تعالى فرض هذه الصّلوات في أوقات محدّدة لا يجوز تأخيرها عنها، فقال تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) [النساء: 103] . فالصّلاة من الواجبات المؤقّتة التي تشتمل على واجبين: 1- واجب الأداء. 2- وواجب الأداء في الوقت. فعلى المسلم أن يحرص كلّ الحرص، وأن يبذل كلّ ما يستطيع لأداء الصلاة في وقتها؛ لأنّ الله سبحانه قد توعّد الذين يؤخّرونها عن وقتها بقوله: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ) . سورة الماعون /4-5. وللصلوات أوقات فضيلة واختيار، وأوقات ضرورة، فوقت الاختيار للعصر مثلاً أن يصير ظلّ كلّ شيء مثليه بعد ظل الزّوال، وهو الذي يحدث إذا زالت الشمس، وهو المذكور في الحديث: (وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ) رواه مسلم (612) ووقت الضرورة إلى غروب الشّمس، وصلاة العشاء يمتد وقتها المختار إلى نصف الليل، وما بعد ذلك فهو وقت ضرورة؛ والمراد بوقت الضرورة أنه يجوز تأخيرها إليه في حال العذر والضرورة، وأما من كان في سعة، ولا مشقة عليه في صلاتها قبله: فيحرم عليه أن يؤخرها إلى ذلك الوقت. وباقي الصلوات: الفجر، والظهر، والمغرب: يستحب فعلها في أول وقتها، ويمتد وقتها إلى طلوع الشمس، بالنسبة لصلاة الفجر، وإلى الصلاة الأخرى، بالنسبة للظهر والمغرب. ينظر: "كشاف القناع" (1/253) . وبناء على ذلك: فإن أمكنك أن تصلي الصلاة في أول وقتها، فهو الأفضل والأكمل لك دائما، وإن تعذر عليك بسبب شغلك، أو أمر طارئ حدث لك، فأخرتها إلى آخر وقتها، أو إلى وقت الضرورة، على ما سبق، صحت صلاتك، ولا إثم عليك. وعليك أن تحتال لذلك بما تقدر عليه، كما قال الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن /16؛ وإذا أمكنك أن تختار نوبات العمل التي لا تعيقك عن أداء الصلاة: فهو الواجب عليك، وإن كنت في نوبة عمل في وقت الصلاة، وأمكنك أن توكل أحد زملائك، من غير المسلمين، أن ينوب عنك إلى أن تصلي: فافعل. فإن تعذر عليك ذلك كله، لظرف طارئ، أو عمل له خصوصية، كالذي ذكرته في سؤالك: جاز لك الجمع بين الصّلاتين صوريّاً – بأن تصلّي الأولى في آخر وقتها، والثّانية في أوّل وقتها -، أو في وقت إحداهما ما لم تتّخذ ذلك عادة في قول كثير من أهل العلم، وهو قول بعض المالكيّة، وبعض الشّافعيّة، ورواية عند الحنابلة، وبعض الظّاهريّة، وبعض أهل الحديث، وهو قول ابن سيرين، وربيعة، وابن شبرمة. أمّا التي لا يمكن الجمع بينهما كالعصر والمغرب، أو الفجر مع العشاء أو الظّهر، فعليك أن تؤدّيها في وقتها الاختياريّ أو الضّروريّ. ينظر: الأوسط (2/433) ، والمنتقى (1/253) ، والاستذكار (6/32) ، والمجموع (4/263) ، والمغني (3/137) ، والاختيارات الفقهيّة لابن تيمية (ص70) . فإن لم يمكنك هذا الجمع الصوري، وخرج وقت المغرب ـ مثلا ـ قبل أن تصلي العشاء، أو خرج وقت الظهر قبل أن تصلي العصر: جاز لك أن تجمع بين كل صلاتين: الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، جمعا حقيقيا، كما يجمع المسافر بينهما؛ إما جمع تقديم في وقت الظهر، أو جمع تأخير في وقت العصر، حسب ما يقتضيه الظرف الطارئ. لحديث ابن عبّاس - رضي الله عنهما - قَالَ: (صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلّى الله عليه وسلّم - الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا بِالْمَدِينَةِ فِى غَيْرِ خَوْفٍ وَلاَ سَفَرٍ) . قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ: فَسَأَلْتُ سَعِيدًا لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ كَمَا سَأَلْتَنِي، فَقَالَ: أَرَادَ أَنْ لاَ يُحْرِجَ أَحَدًا مِنْ أُمَّتِهِ. أخرجه مسلم في صحيحه برقم (705) . وفي رواية عنه: (أَنَّهُ صَلَّى بِالْبَصْرَةِ الْأُولَى وَالْعَصْرَ لَيْسَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ لَيْسَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ؛ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ شُغْلٍ، وَزَعَمَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ الْأُولَى وَالْعَصْرَ ثَمَانِ سَجَدَاتٍ لَيْسَ بَيْنَهُمَا شَيْء) . أخرجها النسائيّ برقم (589) ، وأحمد في المسند (1/251) ، والطيالسيّ في مسنده برقم (2843) ، والطّبرانيّ في الكبير برقم (12916) . صحّحها أحمد شاكر في تعليقه على المسند برقم (2269) ، والألبانيّ في صحيح سنن النسائيّ برقم (575) ، وفي إرواء الغليل برقم (579) . ففيه دليل على أنّ الجمع لم يكن لمطر ولا مرض، ولكن كان ابن عبّاس في أمر مهمّ من أمور المسلمين، يخطبهم فيما يحتاجون إلى معرفته، ورأى أنّه إن قطعه ونزل فاتت مصلحته، فكان ذلك عنده من الحاجات التي يجوز فيها الجمع. ينظر: مجموع الفتاوى (24/76) ، وفتح الباري (2/31) . وقال الشيخ أحمد شاكر في تعليقاته على سنن التّرمذيّ (2/358) : (وهذا هو الصّحيح الذي يؤخذ من الحديث، وأمّا التّأويل بالمرض أو العذر أو غيره، فإنّه تكلّف لا دليل عليه، وفي الأخذ بهذا رفع كثير من الحرج عن أناس قد تضطرّهم أعمالهم، أو ظروف قاهرة إلى الجمع بين الصّلاتين، ويتأثّمون من ذلك ويتحرّجون، ففي هذا ترفيه لهم، وإعانة على الطّاعة، ما لم تتّخذه عادة) . والجمع بين الصلاتين إنّما شرع لرفع الحرج والمشقّة عن الأمّة، فيجوز الجمع في هذه الحالة؛ لوجود العلّة. قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (24/77) : (فالأحاديث كلّها تدلّ على أنّه جمع في الوقت الواحد؛ لرفع الحرج عن أمّته، فيباح الجمع إذا كان في تركه حرج قد رفعه الله عن الأمّة) . وينظر: الشرح الممتع (4/391) ، ومجموع فتاوى ابن عثيمين (15/383) . وينظر للمسألة: فتاوى اللّجنة الدّائمة (25/44) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131308 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1472 هل تجب الصلاة على كبير السن لا يعقل الصلاة إلا إذا صلى أمامه أحد [السُّؤَالُ] ـ[رجل طاعن في السن لا يعقل الصلاة إلا إذا صلى أحد أمامه فإنه يتذكرها فيقوم ويصلي، ويتذكر بالقراءة القراءة، وبالتكبير التكبير، وهكذا.. فهل يؤمر بالصلاة أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] سألت الشيخ عبد الرحمن البراك عن هذه المسألة، فأجاب: بأنه لا يؤمر بالصلاة، وهو يشبه الطفل الذي إذا رأى أباه يصلي قام بجانبه، فليس عنده من التمييز والإدراك ما يكفي لبقاء التكليف عليه. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 130754 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1473 هل يجوز له أن يؤخر الصلاة عن وقتها بسبب قيامه بالغسيل الكلوي؟ [السُّؤَالُ] ـ[إني رجل مصاب بفشل كلوي، وأقوم بغسيل ثلاث مرات في الأسبوع. هل تجوز الصلاة على مكينة الغسيل بدون الوضوء، وإذا كان لا يجوز فإنه يأتي وقت الظهر والعصر ونحن على مكينة الغسيل، وبعض الأحيان نكون مرهقين من الغسيل فنجلس نرتاح قليلاً حتى وقت صلاة المغرب فنصليها جميعاً، فهل يصح ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الواجب على المريض أداء الصلاة في وقتها قبل إجراء الغسيل أو بعده إن تمكن من ذلك، إذ لا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها ولا أداؤها قبل دخول وقتها، فإن كان الغسيل يستغرق بقية وقت الصلاة بحيث لو أخرها بعد الغسيل خرج وقتها، فإنه يصليها في أول وقتها إن أمكن وما يجمع معها إن لم يمكن أن يصلي الصلاة الثانية في وقتها، أو يشق عليه أداؤها بعد الغسيل، فيجمع الظهر مع العصر جمع تقديم [في] وقت الظهر، وكذلك يجمع المغرب مع العشاء جمع تقديم. أما إن كان الغسيل قبل دخول وقت الصلاة أو في أوله ولا يتمكن فيه من أداء الصلاة فإنه يؤخرها بعد الغسيل فيصليها مع ما بعدها إن كانت تجمع معها، فيصلي الظهر مع العصر جمع تأخير، ويصلي المغرب مع العشاء جمع تأخير؛ لأنه في حكم المريض، فإن دعت الضرورة إلى إجراء الغسيل قبل التمكن من أدائها في وقتها ولا ينتهي الغسيل إلا بعد خروج وقتها وليست ممن تجمع إلى ما بعدها، كمن أجرى الغسيل بعد دخول وقت العصر أو قبل دخول الفجر فإنه يجوز له أن يؤخرها، فيقضيها بعد الغسيل، ولو بعد خروج وقتها للضرورة؛ لقول الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16، وقوله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) البقرة/286، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما شغل يوم الأحزاب بقتال المشركين عن صلاة العصر أخرها إلى ما بعد المغرب ثم صلى المغرب بعدها. وبالله التوفيق، وصلى الله علي نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ.. الشيخ عبد الله بن غديان.. الشيخ صالح الفوزان.. الشيخ بكر أبو زيد. "فتاوى اللجنة الدائمة. المجموعة الثانية" (9/107 – 109) . [الْمَصْدَرُ] "فتاوى اللجنة الدائمة. المجموعة الثانية" (9/107 – 109) الحديث: 130415 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1474 الجمع بين الصلاتين لأجل حضور المحاضرات [السُّؤَالُ] ـ[أنا موجود في بريطانيا لغرض الدراسة وعندي مشكلة الصلاة حيث يجب علي الجمع بين صلاتي الظهر والعصر لعدم وجود وقت لصلاة العصر ولا أستطيع آخذ فرصة لصلاة العصر , مع العلم أني لا أقصر؟ ولو صح الجمع فهل تكون الصلاة قصرا أو أربع ركعات لكل صلاة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الصلاة أمرها عظيم، وشأنها كبير، وقد جاء الأمر بالمحافظة عليها في أوقاتها، والترغيب في ذلك، والتحذير من التهاون فيه، ما هو معلوم مشهور، كقوله تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) النساء/103، وقول النبي صلى الله عليه وسلم وقد سئل أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ فَقَالَ: (الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا) رواه البخاري (527) ومسلم (85) . وجاء في المحافظة على صلاة العصر خاصة قوله تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) البقرة/238، والصلاة الوسطى هي صلاة العصر كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) رواه البخاري (553) . وإذا تقرر هذا فينبغي أن تبذل الأسباب وتبحث عن الوسائل التي تتمكن بها من أداء هذه الفريضة العظيمة في وقتها، كاختيار وقت المحاضرة الذي لا يتعارض مع أداء الصلاة، أو الاستئذان من المحاضر للخروج لأدائها في أي مكان طاهر، ومعلوم أن فعل الصلاة لا يستغرق إلا دقائق معدودة. وينبغي الحذر من عدم الخروج للصلاة حياءً، أو ضعفاً، أو لعدم الرغبة في إظهار أنك مسلم، وقد قرر أهل العلم أن المقيم في بلاد الكفر إذا لم يستطع إظهار دينه وجبت عليه الهجرة إلى بلاد المسلمين ولا يحل له البقاء إلا أن يكون عاجزا عن الهجرة؛ لقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا) النساء/97- 99. ثانيا: إذا بذلت الأسباب ولم تتمكن من أداء الصلاة في وقتها، فلا حرج عليك في جمعها مع صلاة الظهر، لما روى مسلم (705) عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: (جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ، فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ. قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ؟ قَالَ كَيْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ) . أي: لا يدخل عليهم الحرج والمشقة. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا دخلت الطالبة الحصة الدراسية مع دخول وقت الظهر وتستمر الحصة لمدة ساعتين فكيف تصنع؟ فأجاب: "إن الساعتين لا يخرج بهما وقت الظهر، فإن وقت الظهر يمتد من زوال الشمس إلى دخول وقت العصر، وهذا زمن يزيد على الساعتين، فبالإمكان أن تصلي صلاة الظهر إذا انتهت الحصة لأنه سيبقى معها زمن، هذا إذا لم يتيسر أن تصلي أثناء وقت الحصة، فإن تيسر فهو أحوط، وإذا قُدِّر أن الحصة لا تخرج إلا بدخول وقت العصر، وكان يلحقها ضرر أو مشقة في الخروج عن الدرس ففي هذه الحال يجوز لها أن تجمع بين الظهر والعصر، فتؤخر الظهر إلى العصر لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (جمع النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر) ، فقيل له في ذلك. فقال رضي الله عنه: (أراد - يعني: النبي صلى الله عليه وسلم - أن لا يحرج أمته) . فدل هذا الكلام من ابن عباس رضي الله عنهما على أن ما فيه حرج ومشقة على الإنسان يحل له أن يجمع الصلاتين اللتين يجمع بعضهما إلى بعض في وقت إحداهما، وهذا داخل في تيسير الله عز وجل لهذه الأمة دينه وأساس هذا قوله تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) ، وقوله تعالى: (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج) وقوله: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) . وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الدين يسر) إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة الدالة على يسر هذه الشريعة " انتهى من " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (12/216) . ثالثا: يلزمك أداء الصلاة تامة غير مقصورة؛ لأن من نوى الإقامة في بلد أكثر من أربعة أيام فهو في حكم المقيم، عند جمهور الفقهاء، وراجع السؤال رقم (105443) . ولا تلازم بين الجمع والقصر، فقد يجتمعان كما في السفر، وقد يجمع الإنسان في الحضر لمرض أو استحاضة أو لخوف على نفسه أو ماله، أو لمطر شديد ونحو ذلك من الأعذار المبيحة للجمع، مع انتفاء القصر؛ لأن القصر لا يكون إلا في السفر. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130302 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1475 هل البرد الشديد من الأعذار الشرعية لترك الجماعة؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من يعيش في بلدة باردة جداً ويخشى على نفسه المرض إذا خرج لصلاة الفجر فصلى في البيت، هل صلاته صحيحة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صلاة الجماعة واجبة في المسجد على الرجال القادرين؛ للأدلة الكثيرة الدالة على ذلك، وقد ذكرنا بعضها في جواب السؤال: رقم (120) ، ورقم (8918) . وقد دلت السنة على أنه لا حرج على من صلى في بيته وترك الجماعة في المسجد إذا كان ذلك بعذر. روى ابن ماجة (793) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَأْتِهِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ إِلَّا مِنْ عُذْرٍ) وصححه الألباني في "الإرواء" (2/337) . والبرد إذا كان لا يمكن اتقاؤه بكثرة الملابس أو المدافئ أو الذهاب إلى المسجد في السيارة.. ونحو ذلك وخشي الرجل إن خرج إلى الصلاة أن يصاب بمرض، فهو عذر لترك الجماعة في المسجد، أما إذا كان يمكن اتقاؤه ولا يخشى حصول مرض، فليس بعذر. وقد روى البخاري (632) ومسلم (697) عن نَافِع قَالَ: (أَذَّنَ ابْنُ عُمَرَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ بِضَجْنَانَ - جبل بين مكة والمدينة - ثُمَّ قَالَ: صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ. فَأَخْبَرَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ ثُمَّ يَقُولُ عَلَى إِثْرِهِ: أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ أَوْ الْمَطِيرَةِ فِي السَّفَرِ) . قال الحافظ رحمه الله: " وَفِي صَحِيح أَبِي عَوَانَةَ: (لَيْلَةٌ بَارِدَةٌ أَوْ ذَاتُ مَطَرٍ أَوْ ذَاتُ رِيحٍ) وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْ الثَّلَاثَة عُذْرٌ فِي التَّأَخُّر عَنْ الْجَمَاعَة , وَنَقَلَ اِبْن بَطَّالٍ فِيهِ الْإِجْمَاع , لَكِنَّ الْمَعْرُوفَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّة أَنَّ الرِّيح عُذْرٌ فِي اللَّيْل فَقَطْ , وَظَاهِر الْحَدِيث اِخْتِصَاص الثَّلَاثَة بِاللَّيْلِ , لَكِنْ فِي السُّنَن مِنْ طَرِيق اِبْن إِسْحَاقَ عَنْ نَافِع فِي هَذَا الْحَدِيث: (فِي اللَّيْلَة الْمَطِيرَة وَالْغَدَاة الْقَرَّة [الباردة] ) , وَفِيهَا بِإِسْنَادٍ صَحِيح مِنْ حَدِيث أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ أَبِيهِ: (أَنَّهُمْ مُطِرُوا يَوْمًا فَرَخَّصَ لَهُمْ) وَلَمْ أَرَ فِي شَيْء مِنْ الْأَحَادِيث التَّرَخُّص بِعُذْرِ الرِّيح فِي النَّهَار صَرِيحًا , لَكِنَّ الْقِيَاس يَقْتَضِي إِلْحَاقَهُ. قَوْله: (فِي السَّفَر) ظَاهِره اِخْتِصَاص ذَلِكَ بِالسَّفَرِ , وَرِوَايَة مَالِك عَنْ نَافِع الْآتِيَة فِي أَبْوَاب صَلَاة الْجَمَاعَة مُطْلَقَةٌ , وَبِهَا أَخَذَ الْجُمْهُور , لَكِنَّ قَاعِدَةَ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ تَقْتَضِي أَنْ يَخْتَصَّ ذَلِكَ بِالْمُسَافِرِ مُطْلَقًا , وَيُلْحَق بِهِ مَنْ تَلْحَقُهُ بِذَلِكَ مَشَقَّة فِي الْحَضَر دُونَ مَنْ لَا تَلْحَقهُ، وَاَللَّه أَعْلَم " انتهى. وقال أبو إسحاق الشيرازي في "المهذب" (1/176) : " وتسقط الجماعة بالعذر وهو أشياء ... ومنها: أن يخاف ضررا في نفسه أو ماله أو مرضا يشق معه القصد " انتهى. وقال النووي في "المجموع" (4/99) وهو يتكلم عن الأعذار المبيحة لترك الجماعة: " الْبَرْدُ الشَّدِيدُ عُذْرٌ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ , وَشِدَّةُ الْحَرِّ عُذْرٌ فِي الظُّهْرِ , وَالثَّلْجُ عُذْرٌ إنْ بَلَّ الثَّوْبَ " انتهى. وجاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (27/186) : " والْبَرْدُ الشَّدِيدُ لَيْلاً أَوْ نَهَارًا، وَكَذَلِكَ الْحَرُّ الشَّدِيدُ، من الأَْعْذَار العامة الَّتِي تُبِيحُ التَّخَلُّفَ عَنْ صَلاَةِ الْجَمَاعَةِ. وَالْمُرَادُ: الْبَرْدُ أَوِ لْحَرُّ الَّذِي يَخْرُجُ عَمَّا أَلِفَهُ النَّاسُ، أَوْ أَلِفَهُ أَصْحَابُ الْمَنَاطِقِ الْحَارَّةِ أَوِ الْبَارِدَةِ " انتهى. وجاء فيها أيضاً (8/57-58) : " وَفِي صَلاَةِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ: أَجَازَ الْفُقَهَاءُ فِي الْبَرْدِ الشَّدِيدِ التَّخَلُّفَ عَنْ صَلاَةِ الْجُمُعَةِ، وَعَنْ صَلاَةِ الْجَمَاعَةِ نَهَارًا أَوْ لَيْلاً " انتهى. للاستزادة: راجع جواب السؤال: (70507) ، (98739) ، (109209) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127876 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1476 هل يجمعون المغرب والعشاء في الجامعة حرصا على الجماعة؟ [السُّؤَالُ] ـ[نحن مجموعة من الطلبة ندرس في بريطانيا وننتهي من الدراسة قبيل أذان المغرب وننتظر في الكلية حتى موعد الصلاة ثم نصلي المغرب جماعة ثم يتوجه كل منا إلى مقر سكنه وإذا دخل وقت صلاة العشاء يصلي كل منا لوحده.. فهل نصلي المغرب والعشاء جماعة في الكلية حتى ندرك فضل الجماعة ويعين كل منا الآخر في المحافظة على الصلاة أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب أداء الصلوات في مواقيتها كما أمر الله، قال سبحانه: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) النساء/103. أي فرضا مؤقتا في أوقات معلومة. ولا يجوز الجمع بين الصلاتين إلا لعذر يقتضي ذلك كالسفر أو المطر أو المرض، وليس ما ذكرت من تحصيل الجماعة عذرا يبيح الجمع. وقد روى ابن أبي شيبة (2/346) عن أبي موسى الأشعري وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما أنهما قالا: (الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر) . وعليه؛ فتصلون المغرب في وقتها، ثم إذا دخل العشاء صلى من كان قريبا من المسجد في المسجد، وصلى من كان بعيدا عنه مع إخوانه إن وجدوا، وإلا صلى منفردا، وهو معذور في ذلك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126518 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1477 ماذا يفعل من شق عليه تطويل الإمام في السجود أو غيره؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان يشق عليَّ تطويل الإمام في السجود، فماذا أفعل؟ هل أسجد مع الإمام ثم أرفع قبله؟ أم أتأخر عنه في السجود؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " إذا كان لا يستطيع السجود، من حين يكبر الإمام حتى يرفع، فإنه يسجد مع الإمام، فإن شق عليه السجود، فيرفع قدر ما يقدر قربه من الأرض، ولا يكون هذا مفارقاً إمامه، فإن كان لا يقدر السجود على الأرض، فيسجد قدر ما يستطيع من الأرض" انتهى. سماحة الشيخ محمد بن ابراهيم رحمه الله. "الدرر السنية" (4/421) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118860 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1478 دوامه في الليل ويشق عليه أداء العصر في وقتها فهل يجمعها إلى الظهر؟ [السُّؤَالُ] ـ[أعمل بمستشفى من الساعة الثامنة والنصف مساء إلى الساعة الثامنة والنصف صباحاً، وأنام بعد أداء الظهر، وأستيقظ الثامنة مساء للذهاب إلى العمل، فهل يجوز جمع صلاتي الظهر مع العصر تقديماً، والمغرب مع العشاء تأخيراً؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأصل هو فعل الصلاة في وقتها كما أمر الله تعالى بقوله: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) النساء/103، ويحرم تضييعها وتأخيرها عن وقتها؛ لقوله تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) مريم/59. قال ابن مسعود عن الغي: واد في جهنم، بعيد القعر، خبيث الطعم. وأما الجمع بين الظهر والعصر أو بين المغرب والعشاء، فإنه يكون لأعذار بينها العلماء، منها السفر والمرض، والخوف، والمطر. وجعل منها بعضهم: رفع الحرج والمشقة، فحيث حصلت المشقة جاز الجمع، اعتمادا على ما روى مسلم (705) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: (جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، بِالْمَدِينَةِ فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ. قيل لِابْنِ عَبَّاسٍ: لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ؟ قَالَ: كَيْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ) . لكن هذا إن فُعل فإنه يُفعل أحيانا ولا يداوم عليه. قال الشوكاني رحمه الله في "نيل الأوطار" (3/264) : " وقد استدل بهذا الحديث القائلون بجواز الجمع مطلقا بشرط أن لا يتخذ ذلك خُلقا وعادة. قال في الفتح: وممن قال به ابن سيرين وربيعة وابن المنذر والقفال الكبير وحكاه الخطابي عن جماعة من أصحاب الحديث " انتهى. ولا يخفى عليك أن الصلاة آكد الفرائض، وهي رأس مال المسلم في هذه الحياة، فجدير به أن يحافظ عليها، وأن ينظم شؤونه لأجلها، وأن يختار العمل الذي لا يعيقه عن أدائها مع الجماعة، ولهذا نوصيك بتقوى الله تعالى، والحرص على أداء الصلاة في وقتها، ولو أنك نمت بعد رجوعك من العمل، واستيقظت للظهر، ثم نمت أيضا إلى صلاة العصر، لتيسر لك فعل الصلاة في وقتها، وكثير من الناس لديهم عمل مثل عملك، لكن لم يمنعهم ذلك من المحافظة على الصلوات في أوقاتها، والأمر يرجع إلى قوة العزيمة، وصدق الإرادة، وزيادة الخوف من الله تعالى. والحاصل أنك تجتهد في فعل الصلاة في وقتها، وتعزم على ذلك، وتهيء الأسباب له، فإن قدر أنك نمت عن الصلاة فأنت معذور، ولا تلجأ إلى الجمع إلا عند وجود العذر البين من مرض أو سفر، أو في حال وجود التعب الشديد الذي يغلب على الظن معه أنك لا تتمكن من القيام للصلاة، بشرط أن يفعل ذلك في أقل الأحوال. ونسأل الله تعالى أن يوفقك ويعينك ويجعل الصلاة قرة عينك وراحة نفسك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118386 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1479 حكم سجود من صلى جالساً على وسادة ونحوها [السُّؤَالُ] ـ[امرأة تعاني من ألم في المفاصل، وتصلي وهي جالسة، هل يجب عليها عند السجود أن تضع شيئاً تسجد عليه مثل وسادة أو غيرها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين: (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب) . فإذا كانت هذه المرأة لا تستطيع القيام، قلنا لها: صلي جالسة، وتكون في حال القيام متربعة، كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم تومئ بالركوع وهي متربعة، ثم إن استطاعت السجود سجدت وإلا أومأت برأسها أكثر من إيماء الركوع. وليس في السنة أن تضع وسادة أو شيئاً تسجد عليه، بل هذا إلى الكراهة أقرب؛ لأنه من التنطع والتشدد في دين الله، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون) " انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (13/135) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118123 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1480 حكم الجمع بين الصلاتين لأجل المحاضرات في الخارج [السُّؤَالُ] ـ[لدي قريب يدرس في دولة المجر ويسأل بالنسبة للصلاة كيف تكون؟ حيث إن لديه محاضرات من الساعة الثامنة صباحاً إلى الساعة السادسة مساء وأوقات الصلوات من الظهر إلى العشاء تتداخل مع المحاضرات فكيف يصلي؟ وهل يجوز له الجمع والقصر أو الجمع فقط؟ أرجو التوضيح، فإنه يعاني من صعوبة في أداء الصلاة في وقتها.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الصلاة أمرها عظيم، وشأنها كبير، وقد جاء الأمر بالمحافظة عليها في أوقاتها، والترغيب في ذلك، والتحذير من التهاون فيه، ما هو معلوم مشهور، كقوله تعالى، (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) النساء/103، وقول النبي صلى الله عليه وسلم وقد سئل أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ فَقَالَ: (الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا) رواه البخاري (527) ومسلم (85) . وجاء في المحافظة على صلاة العصر خاصة قوله تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) البقرة/238، والصلاة الوسطى هي صلاة العصر كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) رواه البخاري (553) . وإذا تقرر هذا فينبغي أن يبذل السائل الأسباب ويبحث عن الوسائل التي يتمكن بها من أداء هذه الفريضة العظيمة في وقتها، كاختيار وقت المحاضرة الذي لا يتعارض مع أداء الصلاة، والاستئذان من المحاضر للخروج لأدائها في أي مكان طاهر، ومعلوم أن فعل الصلاة لا يستغرق إلا دقائق معدودة. وينبغي الحذر من ترك الخروج للصلاة حياء، أو ضعفا، أو لعدم الرغبة في إظهار أنه مسلم، وقد قرر أهل العلم أن المقيم في بلاد الكفر إذا لم يستطع إظهار دينه وجبت عليه الهجرة، ولم يحل له البقاء، إلا أن يكون عاجزا عن الهجرة؛ لقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا. إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا. فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا) النساء/97-99. ثانيا: إذا بذل الأسباب ولم يتمكن من أداء الصلاة في وقتها، فلا حرج عليه من الجمع بين الصلاتين، فيجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء؛ لما روى مسلم (705) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: (جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ. فقيل لِابْنِ عَبَّاسٍ: لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ؟ قَالَ: كَيْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ) . أي: لا يدخل عليهم الحرج والمشقة. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا دخلت الطالبة الحصة الدراسية مع دخول وقت الظهر وتستمر الحصة لمدة ساعتين فكيف تصنع؟ فأجاب: "إن الساعتين لا يخرج بهما وقت الظهر، فإن وقت الظهر يمتد من زوال الشمس إلى دخول وقت العصر، وهذا زمن يزيد على الساعتين، فبالإمكان أن تصلي صلاة الظهر إذا انتهت الحصة؛ لأنه سيبقى معها زمن، هذا إذا لم يتيسر أن تصلي أثناء وقت الحصة، فإن تيسر فهو أحوط، وإذا قدر أن الحصة لا تخرج إلا بدخول وقت العصر، وكان يلحقها ضرر أو مشقة في الخروج عن الدرس، ففي هذه الحال يجوز لها أن تجمع بين الظهر والعصر فتؤخر الظهر إلى العصر؛ لحديث بن عباس رضي الله عنهما قال: (جمع النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر، فقيل له في ذلك. فقال رضي الله عنه: أراد - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - أن لا يحرج أمته) ، فدل هذا الكلام من ابن عباس رضي الله عنهما على أن ما فيه حرج ومشقة على الإنسان يحل له أن يجمع الصلاتين اللتين يجمع بعضهما إلى بعض في وقت إحداهما، وهذا داخل في تيسير الله عز وجل لهذه الأمة دينه، وأساس هذا قوله تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) ، وقوله تعالى: (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج) ، وقوله تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الدين يسر) إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة الدالة على يسر هذه الشريعة " انتهى من " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (12/216) . ثالثا: ويلزمه أداء الصلاة تامة غير مقصورة؛ لأن من نوى الإقامة في بلد أكثر من أربعة أيام فهو في حكم المقيم، عند جمهور الفقهاء. ولا تلازم بين الجمع والقصر، فقد يجتمعان كما في السفر، وقد يجمع الإنسان في الحضر لمرض أو استحاضة أو لخوف على نفسه أو ماله، أو لمطر شديد ونحو ذلك من الأعذار المبيحة للجمع، مع انتفاء القصر؛ لأن القصر لا يكون إلا في السفر. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 110904 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1481 خروج الريح المستمر هل يمنعها من الذهاب إلى المسجد؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل لا يحق لي الصلاة في المسجد؛ لكوني أعاني من خروج ريح ليست لها رائحة بصفة مستمرة؟ وكم مرة علي أن أتوضأ لأصلي الفرض والنوافل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: خروج الريح ناقض للوضوء؛ لما روى البخاري (135) عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ) قَالَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ: مَا الْحَدَثُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: فُسَاءٌ أَوْ ضُرَاطٌ. وخروج الريح له حالان: الأولى: أن يكون لها وقت تنقطع فيه، كما لو كانت تخرج ثم تسكن مدة تتمكنين فيها من الوضوء والصلاة في وقتها، فهنا عليك أن تتوضئي وتصلي في الوقت الذي تنقطع فيه. الثانية: أن تكون مستمرة وليس لها وقت تنقطع فيه بل يمكن أن تخرج أي وقت، فإنك تتوضئين لكل صلاة بعد دخول وقتها وتصلين بهذا الوضوء الفرض وما شئت من النفل، ولا يضرك ما خرج ولو كان ذلك أثناء الصلاة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فمن لم يمكنه حفظ الطهارة مقدار الصلاة فإنه يتوضأ ويصلي ولا يضره ما خرج منه في الصلاة، ولا ينتقض وضوؤه بذلك باتفاق الأئمة، وأكثر ما عليه أن يتوضأ لكل صلاة " انتهى من "مجموع الفتاوى" (21 / 221) . وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (5/411) : " الأصل أن خروج الريح ينقض الوضوء، لكن إذا كان يخرج من شخص باستمرار وجب عليه أن يتوضأ لكل صلاة عند إرادة الصلاة، ثم إذا خرج منه وهو في الصلاة لا يبطلها وعليه أن يستمر في صلاته حتى يتمها، تيسراً من الله تعالى لعباده ورفعاً للحرج عنهم، كما قال تعالى: (يريد الله بكم اليسر) ، وقال: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) " انتهى. ثانيا: إذا كان لهذا الخارج رائحة كريهة لم يجز حضورك للمسجد، لما فيه من الإيذاء للمصلين والملائكة. وقد روى البخاري (5452) ومسلم (564) عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا فَلْيَعْتَزِلْنَا أَوْ لِيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ) ، وفي رواية لمسلم: (مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ) . وروى مسلم (567) عن عمر رضي الله عنه قال: (إِنَّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ تَأْكُلُونَ شَجَرَتَيْنِ لَا أَرَاهُمَا إِلَّا خَبِيثَتَيْنِ هَذَا الْبَصَلَ وَالثُّومَ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا وَجَدَ رِيحَهُمَا مِنْ الرَّجُلِ فِي الْمَسْجِدِ أَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ إِلَى الْبَقِيعِ، فَمَنْ أَكَلَهُمَا فَلْيُمِتْهُمَا طَبْخًا) . فهذا يدل على وجوب تنزيه المساجد عن الروائح الكريهة، ومنع صاحبها من حضورها أو البقاء فيها. قال في "كشاف القناع" (2/365) : "ويسن أن يصان كل مسجد عن كل وسخ وقذر وقذاةِ عيْنٍ ومخاط وتقليم أظفار وقص شارب وحلق رأس ونتف إبط ; لأن المساجد لم تبن لذلك، ويسن أيضا أن يصان عن رائحة كريهة من بصل وثوم وكراث ونحوهم كفجل , وإن لم يكن فيه أحد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الناس) رواه ابن ماجه، وقال: (من أكل من هاتين الشجرتين فلا يقربن مصلانا) . وفي رواية: (فلا يقربن مساجدنا) رواه الترمذي وقال: حسن صحيح. فإن دخل المسجدَ آكلُ ذلك أي: ما له رائحة كريهة من ثوم وبصل ونحوهما قويَ استحباب إخراجه إزالة للأذى. وعلى قياسه: إخراج الريح من دبره فيه في المسجد؛ لأن فيه إيذاء بالرائحة، فيسنّ أن يصان المسجد من ذلك ويُخرج منه لأجله " انتهى بتصرف. أما إذا كان الريح ليس له رائحة كريهة، فلا مانع من دخولك المسجد وجلوسك فيه. قال الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه: "باب الحدث في المسجد" قال ابن رجب رحمه الله في "فتح الباري": "مقصوده – يعني: البخاري -: أنه يجوز تعمد إخراج الحدث في المسجد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكره، ولم ينه عنه، إنما أخبر أنه يقطع صلاة الملائكة. وقد رخص في تعمد إخراج الحدث في المسجد الحسن وعطاء وإسحاق. وقد تقدم أن النوم في المسجد جائز للضرورة بغير خلاف، ومنه نوم المعتكف لضرورة صحة اعتكافه، ولغير ضرورة عند الأكثرين، والنوم مظنة خروج الحدث، فلو منع من خروج الريح في المسجد لمنع من النوم فيه بكل حال، وهو مخالف للنصوص والإجماع" انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 110273 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1482 إذا قضى صلاة سفر في حضر فهل يقصرها أم يتمها؟ [السُّؤَالُ] ـ[حين أسافر إلى مكان آخر وتفوتني الصلاة، وهي صلاة مقصورة، فهل أقضي الصلاة كاملة أم مقصورة عندما أعود لبلدي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من فاتته الصلاة في السفر، وقضاها في الحضر، فإنه يقضيها مقصورة كما لو صلاها في السفر، على الراجح؛ لأن القضاء بحسب الأداء، وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعي في مذهبه القديم. وينظر: "الموسوعة الفقهية" (27/281) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (4/367) : " رجل وصل إلى بلده ثم ذكر أنه لم يصل الظهر في السفر، فيلزمه أن يصلي أربعاً، لأنها صلاة وجبت عليه في الحضر فلزمه الإِتمام، ولأن القصر من رخص السفر وقد زال السفر فيلزمه الإِتمام. هذا هو المذهب، ولكن القول الراجح خلافه، وأنه إذا ذكر صلاة سفر في حضر صلاها قصراً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) أي: فليصلها كما هي، وهذا الرجل ذكر أنه لم يصل الظهر وهي ركعتان في حقه، فلا يلزمه الإِتمام " انتهى. وقال في (4/383) : " وعلى هذا فللمسألة أربع صور: 1 _ ذكر صلاة سفر في سفر، يقصر. 2 _ ذكر صلاة حضر في حضر، يتم. 3 _ ذكر صلاة سفر في حضر، يقصر على الصحيح. 4 _ ذكر صلاة حضر في سفر، يتم " انتهى. وينبغي التنبه على أن الصلاة شأنها عظيم، وأنه لا يجوز تأخيرها عن وقتها إلا في حال الجمْع، وأن من نام عن صلاة أو نسيها فإنه يصليها إذا استيقظ أو تذكرها، وليس له أن يؤخرها، قال الله تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) النساء/103، وقال: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) البقرة/238، وقال سبحانه: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً) مريم/59. قال ابن مسعود عن الغي: واد في جهنم، بعيد القعر، خبيث الطعم. وقال تعالى: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) الماعون/ 4، 5 وقال النبي صلى الله عليه وسلم وقد سئل: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ فَقَالَ: (الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا) رواه البخاري (527) ومسلم (85) . وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) رواه البخاري (553) . وقال صلى الله عليه وسلم: (لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا وَإِنْ قُطِّعْتَ وَحُرِّقْتَ، وَلَا تَتْرُكْ صَلَاةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا، فَمَنْ تَرَكَهَا مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ، وَلَا تَشْرَبْ الْخَمْرَ، فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ) رواه ابن ماجه (4034) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه. نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109538 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1483 يجوز للمستحاضة وصاحب السلس أن يجمع بين الصلاتين [السُّؤَالُ] ـ[مصاب بسلس بول، فهل يجوز لي أن أجمع بين الصلاتين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب على المستحاضة ومن به سلس البول أن يتحفظ من النجاسة حتى لا تنتشر، فيجعل قطعة قماش أو حفاظة تمنع انتشار النجاسة إلى بدنه وثيابه ويلزمه عند كل صلاة أن يغسل بدنه من النجاسة، ويغير القماش أو الحفاظة. ويجب عليه أن يتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، ويصلي بهذا الوضوء صلاة الفرض وما شاء من النوافل. وتخفيفاً عنه أجاز له الشرع أن يجمع بين صلاتي الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، فقد رخص الرسول صلى الله عليه وسلم للمستحاضة أن تجمع بين الصلاتين. رواه أحمد وأبو داود والترمذي. وحسنه الألباني في "إرواء الغليل" (205) . وصاحب السلس مثلها. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ويجمع المريض والمستحاضة" انتهى. "مجموع فتاوى ابن تيمية" (24/14) . وقال أيضاً: "ويجمع من لا يمكنه إكمال الطهارة في الوقتين إلا بحرج، كالمستحاضة، وأمثال ذلك من الصور" انتهى من "مجموع فتاوى ابن تيمية" (24/84) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "يجوز الجمع للمستحاضة بين الظهرين (الظهر والعصر) والعشاءين (المغرب والعشاء) لمشقة الوضوء عليها لكل صلاة" انتهى. "الشرح الممتع" (4/559) . وعلى هذا؛ فيجوز لك الجمع بين صلاتي الظهر والعصر، والمغرب والعشاء. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109191 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1484 هل يترك الصلاة في المسجد خوفاً على نفسه؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يعذر الإنسان في ترك صلاة الجمعة والجماعات، إذا كان في بلده فتن، ويخشى على نفسه إذا ذهب إلى المسجد أن يقتل أو يسجن أو يضرب، فهل تلك الأسباب تكون أعذاراً له في ترك الجمع والجماعة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين، ويجنبنا وإياهم مواطن الفتن والمحن، وأن يجمع كلمتهم على الحق، وينصرهم على أعدائهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه. صلاة الجماعة واجبة في المسجد على الرجال القادرين؛ لأدلة كثيرة، سبق بيانها في جواب السؤال رقم (120) ورقم (8918) . ووجوب صلاة الجماعة والجمعة مشروط بما إذا لم يكن على الإنسان ضرر في نفسه أو ماله أو أهله؛ لقوله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الحج/78، وقال تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) البقرة/185. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/366) : " وَيُعْذَرُ فِي ترك الجماعة والجمعة الْخَائِفُ ; لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: (الْعُذْرُ: خَوْفٌ أَوْ مَرَضٌ) . وَالْخَوْفُ , ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: خَوْفٌ عَلَى النَّفْسِ , وَخَوْفٌ عَلَى الْمَالِ , وَخَوْفٌ عَلَى الْأَهْلِ " انتهى. فإذا خاف الإنسان على نفسه من القتل، أو أن يؤخذ ويُسجن ظلماً، فهذا يعتبر معذوراً في تركه لصلاة الجماعة والجمعة، ويصليها في بيته؛ حفاظاً على نفسه. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109209 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1485 هل نجمع العشاء والتراويح مع المغرب في رمضان إذا نزل المطر [السُّؤَالُ] ـ[إذا نزل المطر وقت المغرب في رمضان فهل نترك الجمع بين المغرب والعشاء أو نجمع المغرب مع العشاء ونؤخر التراويح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا هذا السؤال على سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله فأجاب: الأمر واسع إن شاء الله، والجمع (في هذه الحالة) قد يفوت به مصالح كثيرة للناس. انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 11643 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1486 كيف يتوضأ ويصلي المريض المركب له كيس للبول؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الطهارة والصلاة لمريض راقد في سريره؛ بسبب عملية أو غيره ومركب له أجهزة على يديه، وكيس للبول حتى لا يتحرك من السرير ويذهب للحمام، وهذا الكيس قد يبقى يوم ويفرغ عند امتلائه ثم يركب له مرة أخرى؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تجب الصلاة على المسلم على أية حال كان عليها ما دام عقله باقياً، فإذا كان الإنسان مريضاً، وقدر على الصلاة قائماً، فإنه يصلى قائماً، فإن لم يستطع صلى قاعداً، فإن لم يستطع صلى على جنبه، فإن لم يستطع صلى مستلقياً؛ لما روى البخاري (1066) عن عمران بن حصين قال: كانت بي بواسير، فسألت الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: (صلِّ قائماً، فإن لم تستطيع فقاعداً، فإن لم تستطيع فعلى جنب) ، وكذا الحكم بالنسبة للطهارة، فإذا قدر على الوضوء بالماء توضأ، فإذا لم يستطع، فإنه يتيمم بالتراب. وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله عن المريض المركب له كيس بول كيف يصلي وكيف يتوضأ؟ فأجاب: " يصلي على حسب حاله، مثل صاحب السلس ومثل المرأة المستحاضة، يصلي المريض إذا دخل الوقت على حسب حاله، ويتيمم إذا كان لا يستطيع استعمال الماء، فإن كان يستطيع ذلك وجب عليه الوضوء بالماء؛ لقول الله عزل وجل: (فاتقوا الله ما استطعتم) ، والخارج بعد ذلك لا يضره، لكن لا يتوضأ إلا بعد دخول الوقت، ويصلي ولو خرج الخارج ما دام في الوقت، ولو كان البول يخرج من ذكره، وهكذا، المستحاضة تصلي في الوقت، ولو خرج منها الدم مدة طويلة، فإنها تصلي على حسب حالها، لكن لا يتوضأ من حَدَثُه دائماً إلا إذا دخل الوقت؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمستحاضة: (توضئي لوقت كل صلاة) ، فيصلي صاحب السلس والمستحاضة والمريض المسئول عنه في الوقت جميع الصلوات من فرض ونفل، ويقرأ القرآن من المصحف، ويطوف بالكعبة من كان بمكة مادام في الوقت، فإذا خرج الوقت أمسك عن ذلك حتى يتوضأ للوقت الذي دخل " انتهى. "الفتاوى المتعلقة بالطب وأحكام المرضى" (ص: 34) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106751 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1487 عنده التهابات في الحلق لها رائحة كريهة، فهل يعذر في ترك الجماعة؟ [السُّؤَالُ] ـ[لقد أصبت قبل عام بالتهاب حاد في الجيوب الأنفية مما نتج عنه خروج إفراز خلف الحلق نتن الرائحة بين حين وآخر مما جعلني في حرج كبير وأنا أصلي في المسجد حيث إنني أقوم بكتم نفسي من تكبيرة الإحرام وحتى الانتهاء من الصلاة لكي لا أؤذي المصلين وهذا العمل يتعبني حقيقة. كما أنني مصاب بالرهاب الاجتماعي وأقوم بأداء الصلاة في مساجد تبعد عن مسجد الحي كمساجد على الطرقات السريعة أو مساجد في محطات البنزين. السؤال: ما حكم الصلاة في المنزل والحال كما ذكرت لكم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لقد ذكرت سببين تريد ترك الصلاة في الجماعة لأجلهما. أما السبب الأول: فهو الرائحة الكريهة التي تخرج من فمك بحيث تؤذي من حولك من المصلين، وهذه عذر في سقوط وجوب صلاة الجماعة في المسجد، بل لا يحل المجيء إلى المسجد وإيذاء الملائكة والمصلين بهذه الرائحة. قال الرحيباني في "مطالب أولي النهى " (1/699) : "وكره حضور مسجد وجماعته لآكل نحو بصل أو فجل أو كراث , وكل ما له رائحة كريهة , حتى يذهب ريحه، وكذا نحو من به بخر وصُنان , وجزار له رائحة منتنة , ويستحب إخراجهم دفعا للأذى " انتهى بتصرف. و"البَخَر" هو الرائحة الكريهة التي تخرج من بعض الناس. و"الصُّنان" هو رائحة الإبط الكريهة. وقال في "أسنى المطالب" (1/215) : " ويؤخذ مما ذكر أنه يُعذر بالبَخَر والصُّنَان المستحكم بطريق الأولى " انتهى. وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين: "إذا كان فيه بَخَرٌ: أي: رائحةٌ منتنةٌ في الفَمِ، أو في الأنفِ أو غيرهما تؤذي المصلِّين، فإنَّه لا يحضرُ دفعاً لأذيَّتِه" انتهى. " الشرح الممتع " (4 / 323) . وقد نُهي آكل البصل والثوم عن حضور المسجد، لما لهما من رائحة كريهة. روى مسلم (564) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ) . وإذا كان من عادة هذا المريض أن يصلي في المسجد جماعة: فإنه يكتب له أجرها ولو صلى في بيته. قال الشيخ ابن عثيمين:" المعذورَ يُكتبُ له أجرُ الجماعةِ كاملاً إذا كان مِن عادتِه أن يصلِّي مع الجماعةِ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مَرِضَ العبدُ أو سافرَ كُتِبَ له مثلُ ما كان يعملُ صحيحاً مقيماً) " انتهى. " الشرح الممتع " (4 / 323) ، وانظر جواب السؤال رقم (8910) . وأما السبب الثاني: الرهاب الاجتماعي الذي يصيبك عند الاختلاط بالناس في المسجد وغيره، فهذا المرض لا يعد من الأعذار التي تبيح لك التخلف عن الجماعة، إذ لا ضرورة لذلك، كما أنه خوف مظنون غير مقطوع به، كما أنه مفض إلى ما هو أسوأ منه من الأمراض النفسية المختلفة كما قرر ذلك أهل التخصص، وهذا ما تأباه الشريعة ولا تقره بحال. بل عليك مراجعة الطبيب للتداوي من هذا المرض، وألا تستسلم له. ونسأل الله تعالى لك العافية والمعافاة في الدنيا والآخرة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106442 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1488 مصاب بسلس البول ويشق عليه تغير الثياب لكل صلاة [السُّؤَالُ] ـ[والدي مريض ومصاب بسلس البول، ولا يستطيع الوضوء، فل يجب علينا أن نغسل عنه النجاسة ونغير ثيابه عند كل صلاة، مع العلم هذا يكون صعباً علينا جدا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كان البول لا يستمسك مع والدك، أو كان لا يستطيع أن يغير ملابسه النجسة، فإنه يصلي حسب الاستطاعة، ويعفى عما أصابه من النجاسة، ويتيمم لكل صلاة، أما إن استطاع غسل النجاسة بنفسه أو بغيره من ثوبه أو إبداله بثوب طاهر وقت الصلاة فإنه يلزمه ذلك، لقول الله عز وجل: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (10/173) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106474 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1489 هل يُعذر في ترك الجماعة عند نزول المطر؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم ترك الجماعة عند نزول المطر؟ هل هناك فرق في شدة المطر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صلاة الجماعة في المسجد واجبة على الرجال القادرين، على الصحيح من قولي العلماء؛ لأدلة كثيرة، سبق بيانها في جواب السؤال رقم (120) ورقم (8918) . وصلاة الجماعة مع وجوبها، فإنها تسقط في أحوال ذكرها أهل العلم، ومن تلك الأحوال: نزول المطر الذي يبل الثياب، لقول الله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الحج/78، وقوله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) البقرة/185. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/366) : " وَيُعْذَرُ فِي تَرْكِ الجمعة والجماعة بِالْمَطَرِ الَّذِي يَبُلُّ الثِّيَابَ , وَالْوَحْلِ الَّذِي يَتَأَذَّى بِهِ فِي نَفْسِهِ وَثِيَابِهِ ; قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ: إذَا قُلْت: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَلَا تَقُلْ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، وَقُلْ: صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ. قَالَ: فَكَأَنَّ النَّاسَ اسْتَنْكَرُوا ذَلِكَ , فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَتَعْجَبُونَ مِنْ ذَلِكَ؟ لَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي (يعني الرسول صلى الله عليه وسلم) , إنَّ الْجُمُعَةَ عَزْمَةٌ , وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُخْرِجَكُمْ فَتَمْشُوا فِي الطِّينِ وَالدَّحَضِ " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (4/317) : " قوله: (أو أذى بمطر أو وحل) وهذا نوعٌ عاشرٌ مِن أعذارِ تَرْكِ الجُمُعةِ والجماعةِ، فإذا خافَ الأذى بمطرٍ أو وَحْلٍ، أي: إذا كانت السَّماءُ تمطرُ، وإذا خَرَجَ للجُمُعةِ أو الجماعةِ تأذَّى بالمطرِ فهو معذورٌ. والأذيَّة بالمطرِ أن يتأذَّى في بَلِّ ثيابه أو ببرودة الجَوِّ، أو ما أشبه ذلك، وكذلك لو خاف التأذِّي بوَحْلٍ، وكان النَّاسُ في الأول يعانون مِن الوحلِ؛ لأن الأسواقَ طين فإذا نزل عليها المطر حصل فيها الوَحْلُ والزَّلَقُ، فيتعبُ الإِنسانُ في الحضور إلى المسجدِ، فإذا حصلَ هذا فهو معذورٌ، وأما في وقتنا الحاضرِ فإن الوَحْلَ لا يحصُل به تأذٍّ؛ لأنَّ الأسواقَ مزفَّتة، وليس فيها طين، وغاية ما هنالك أن تجدَ في بعض المواضع المنخفضة مطراً متجمِّعاً، وهذا لا يتأذَّى به الإِنسانُ لا بثيابه ولا بقدميه، فالعُذرُ في مثل هذه الحال إنما يكون بنزولِ المطرِ فإذا توقَّفَ المطرُ فلا عُذر، لكن في بعض القُرى التي لم تُزفَّت يكون العُذرُ موجوداً، ولهذا كان منادي الرَّسولِ صلّى الله عليه وسلّم ينادي في الليلةِ الباردةِ أو المطيرة: (ألا صَلُّوا في الرِّحالِ) . وفُهِمَ مِن قوله: (أو أذًى بمطرٍ) أنه إذا لم يتأذَّ به بأن كان مطراً خفيفاً، فإنَّه لا عُذر له، بل يجب عليه الحضورُ، وما أصابه مِن المشقَّةِ اليسيرةِ، فإنه يُثابُ عليها " انتهى بتصرف يسير. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الحديث: 106287 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1490 تركت الصلاة وهي مريضة لأنها كانت ممنوعة من الحركة [السُّؤَالُ] ـ[قريبة لي لم تصل وهي في المستشفى لأنها أجرت عملية في الرحم وكانت ممنوعة من الحركة عن السرير بسبب ما كان على جسدها من أجهزة، ماذا تفعل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قريبتك التي لم تصل بعد إجراء العملية، قد أخطأت خطأ كبيرا، فإن الصلاة لا يجوز تركها بحال ما دام عقل الإنسان معه، وكان عليها أن تصلي مستلقية على ظهرها، ولو بلا وضوء أو تيمم أو استقبال للقبلة، كما سبق. ولربما وجدت من يوضئها أو ييممها لو أرادت ذلك. والواجب عليها الآن أن تقضي ما فاتها من الصلوات، مع التوبة والاستغفار، والعزم على عدم العود لذلك. ويلزمها قضاء تلك الصلوات على الفور، حسب الاستطاعة، فتشرع في صلاة ما فاتها بمجرد بلوغها الحكم، وترتب الأوقات بالنية، فتصلي الفجر ثم الظهر ثم العصر ثم المغرب ثم العشاء عن اليوم الأول، ثم عن اليوم الثاني، ولا يجوز تأخير قضاء هذه الصلوات. فإن شق عليها صلاتها متتابعة في وقت واحد، فلتصل ما تستطيع ثم تستريح ساعة أو ساعتين ثم تكمل ما عليها من الصلوات. . وهكذا حتى تقضي جميع ما عليها. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن مريض أجرى عملية جراحية ففاتته عدة فروض من الصلوات، فهل يصليها مجتمعة بعد شفائه؟ أم يصليها كل وقت مع وقته كالظهر مع الظهر وهكذا؟ فأجاب: " عليه أن يصليها جميعا في آن واحد، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما فاتته صلاة العصر في غزوة الخندق صلاها قبل المغرب، وعلى الإنسان إذا فاتته بعض فروض الصلاة أن يصليها جميعا ولا يؤخرها" انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (12/222) . ووفقنا الله وإياكم للطاعة والإنابة، ورزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105340 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1491 كيف يتطهر المريض ويصلي؟ [السُّؤَالُ] ـ[كيف يتطهر المريض ويصلي؟ أرجو بيان ذلك بالتفصيل.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "أولاً: طهارة المريض: 1- يجب على المريض ما يجب على الصحيح من الطهارة بالماء من الحدثين الأصغر والأكبر، فيتوضأ من الأصغر ويغتسل من الأكبر. 2- ولابد قبل الوضوء من الاستنجاء بالماء، أو الاستجمار بالحجارة أو ما يقوم مقامها في حق من بال أو أتى الغائط. ولابد في الاستجمار من ثلاثة أحجار طاهرة، ولا يجوز الاستجمار بالروث والعظام والطعام وكل ما له حرمة، والأفضل أن يستجمر بالحجارة وما أشبهها؛ كالمناديل ونحو ذلك، ثم يتبعها الماء، لأن الحجارة تزيل عين النجاسة، والماء يطهر المحل، فيكون أبلغ. والإنسان مخير بين الاستنجاء بالماء أو الاستجمار بالحجارة وما أشبهها، وإن أراد الاقتصار على أحدهما فالماء أفضل؛ لأنه يطهر المحل، ويزيل العين والأثر، وهو أبلغ في التنظيف. وإن اقتصر على الحجر أجزأه ثلاثة أحجار إذا نقى بهن المحل، فإن لم تكف زاد رابعاً وخامساً حتى ينقي المحل، والأفضل أن يقطع على وتر. ولا يجوز الاستجمار باليد اليمنى، وإن كان أقطع اليسرى أو بها كسر أو مرض ونحوهما استجمر بيمينه للحاجة، ولا حرج في ذلك. 3- إذا لم يستطع المريض الوضوء بالماء لعجزه أو لخوفه زيادة المرض أو تأخر برئه فإنه يتيمم. والتيمم هو: أن يضرب بيديه على التراب الطاهر ضربة واحدة فيمسح وجهه بباطن أصابعه وكفيه براحتيه. ويجوز أن يتيمم على كل شيء طاهر له غبار، ولو كان على غير الأرض، كأن يتطاير الغبار مثلاً على جدار أو نحوه فيجوز أن يتيمم عليه، وإن بقى على طهارته من التيمم الأول صلى به كالوضوء، ولو عدة صلوات، ولا يلزمه تجديد تيممه؛ لأنه بدل الماء، والبدل له حكم المبدل. ويبطل التيمم بكل ما يُبْطِل الوضوء، وبالقدرة على استعمال الماء أو وجوده إن كان معدوماً. 4- إذا كان المرض يسيراً لا يخاف من استعمال الماء معه تلفاً ولا مرضاً مخوفاً ولا إبطاء برء ولا زيادة ألم ولا شيئاً فاحشاً، وذلك كصداع ووجع ضرس ونحوها، أو ممن يمكنه استعمال الماء الدافئ ولا ضرر عليه – فهذا لا يجوز له التيمم؛ لأن إباحته هنا لنفي الضرر، ولا ضرر عليه، ولأنه واجد للماء، فوجب عليه استعماله. 5- إذا شق على المريض أن يتوضأ أو يتيمم بنفسه وضأه أو يممه غيره وأجزأه ذلك. 6- من به جروح أو قروح أو كسر أو مرض يضره منه استعمال الماء فأجنب – جاز له التيمم، وإن أمكنه غسل الصحيح من جسده وجب عليه ذلك وتيمم للباقي. 7- من به جرح في أحد أعضاء الطهارة فإنه يغسله بالماء، فإن شق عليه غَسْلُه أو كان يتضرر به مسحه بالماء حال غسل العضو الذي به الجرح حسب الترتيب، فإن شق عليه مَسْحُه أو كان يتضرر به تيمم عنه وأجزأه. 8- صاحب الجبيرة: وهو من كان في بعض أعضائه كسر مشدود وعليه خرقة أو نحوها، فإنه يمسح عليها بالماء، وتكفيه، ولو لم يضعها على طهارة. 9- يجب على المريض إذا أراد أن يصلي أن يجتهد في طهارة بدنه وثيابه ومكان صلاته من النجاسات، فإن لم يستطع صلى على حاله ولا حرج عليه. 10- إذا كان المريض مصاباً بسلس البول، ولم يبرأ بمعالجته فعليه أن يستنجي ويتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، ويغسل ما يصيب بدنه وثوبه، أو يجعل للصلاة ثوباً طاهراً إن لم يشق عليه جعل الثوب الطاهر للصلاة، وإلا عفي عنه، ويحتاط لنفسه احتياطاً يمنع انتشار البول في ثوبه أو جسمه أو مكان صلاته بوضع حافظ على رأس الذكر. ثانياً: صلاة المريض: 1- يجب على المريض أن يصلي قائماً قدر استطاعته. 2- من لا يستطيع القيام صلى جالساً والأفضل أن يكون متربعاً في كل القيام. 3- فإن عجز عن الصلاة جالساً صلى على جنبه مستقبل القبلة بوجهه، والمستحب أن يكون على جنبه الأيمن. 4- فإن عجز عن الصلاة على جنبه صلى مستلقياً ورجلاه إلى القبلة. 5- ومن قدر على القيام وعجز عن الركوع أو السجود لم يسقط عنه القيام، بل يصلي قائماً فيومئ بالركوع، ثم يجلس ويومئ بالسجود. 6- وإن كان بعينه مرض فقال طبيب ثقة: إن صليت مستلقياً أمكن مداواتك وإلا فلا، فله أن يصلي مستلقياً. 7- من عجز عن الركوع والسجود أومأ بهما، ويجعل السجود أخفض من الركوع. 8- ومن عجز عن السجود وحده ركع وأومأ بالسجود. 9- ومن لم يمكنه أن يحني ظهره حنى رقبته، وإن كان ظهره متقوساً فصار كأنه راكع فمتى أراد الركوع زاد في انحنائه قليلاً، ويقرب وجهه إلى الأرض في السجود أكثر ما أمكنه ذلك. 10- فإن كان لا يستطيع الإيماء برأسه فيكبر ويقرأ وينوي بقلبه القيام والركوع والرفع منه والسجود والرفع منه والجلسة بين السجدتين والجلوس للتشهد، ويأتي بالأذكار الواردة، أما ما يفعله بعض المرضى من الإشارة بالإصبع فلا أصل له. 11- ومتى قدر المريض في أثناء صلاته على ما كان عاجزاً عنه من قيام أو قعود أو ركوع أو سجود أو إيماء انتقل إليه وبنى على ما مضى من صلاته. 12- وإذا نام المريض أو غيره عن صلاة أو نسيها وجب عليه أن يصليها حال استيقاظه من النوم أو حال ذكره لها، ولا يجوز له تركها إلى دخول وقت مثلها ليصليها فيه. 13- لا يجوز ترك الصلاة بأي حال من الأحوال، بل يجب على المكلف أن يحرص على الصلاة في جميع أحواله، وفي صحته ومرضه؛ لأنها عمود الإسلام وأعظم الفرائض بعد الشهادتين، فلا يجوز لمسلم ترك الصلاة المفروضة حتى يفوت وقتها، ولو كان مريضاً، ما دام عقله ثابتاً بل عليه أن يؤديها في وقتها حسب استطاعته على ما ذكر من تفصيل، وأما ما يفعله بعض المرضى من تأخير الصلاة حتى يشفى من مرضه فهو أمر لا يجوز، ولا أصل له في الشرع المطهر. 14- وإن شق على المريض فعل كل صلاة في وقتها فله الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء جمع تقديم أو جمع تأخير، حسبما تيسر له، إن شاء قدم العصر مع الظهر، وإن شاء أخر الظهر مع العصر، وإن شاء قدم العشاء مع المغرب، وإن شاء أخر المغرب مع العشاء. أما الفجر فلا تجمع لما قبلها ولا لما بعدها؛ لأن وقتها منفصل عما قبلها وعما بعدها. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم". الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ بكر أبو زيد. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (24/405) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105356 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1492 لم يستطع الوضوء والتيمم في المستشفى فصلى على حاله [السُّؤَالُ] ـ[ذهبت للمستشفى ومكثت هناك ثلاثة أيام لم أستطع فيها الوضوء للصلاة أحضرت حجرا وتيممت ولكن صلاة الفجر لم أستطع التيمم وأنا في الأصل مقعد حركيا لا أستطيع الحركة إلا بمساعدة وأحببت ألا أضيع علي صلاة الفجر فتخيلت نفسي أتيمم وصليت الفجر، وأيضا لم أكن مستقبل القبلة، هل عملي هذا جائز أم لا؟ وهل علي قضاء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المريض إذا لم يستطع أن يتوضأ، ولم يجد من يوضئه، فإنه يتيمم، ولو على الجدار أو الفراش إن كان عليه غبار، أو يحمل معه ترابا في إناء أو كيس يتيمم به، فإن لم يمكنه التيمم صلى على حاله. وكذلك الحال بالنسبة لاستقبال القبلة، فإن استطاع ذلك لزمه، وإن عجز عنه صلى على حاله، لقول الله تعالى: (لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا) البقرة/286. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: المريض الذي لا يجد التراب هل يتيمم على الجدار وكذلك الفراش أم لا؟ فأجاب: " الجدار من الصعيد الطيب. فإذا كان الجدار مبنيا من الصعيد سواء كان حجرا أو كان مدرا – لَبِنًا من الطين -، فإنه يجوز التيمم عليه، أما إذا كان الجدار مكسوا بالأخشاب أو (بالبوية) فهذا إن كان عليه تراب – غبار – فإنه يتيمم به ولا حرج، ويكون كالذي يتمم على الأرض؛ لأن التراب من مادة الأرض، أما إذا لم يكن عليه تراب، فإنه ليس من الصعيد في شيء، فلا يتيمم عليه. وبالنسبة للفرش نقول: إن كان فيها غبار فليتيمم عليها، وإلا فلا يتيمم عليها لأنها ليست من الصعيد" انتهى من "فتاوى الطهارة" (ص 240) . وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: إني طريح الفراش ولا أقوى على الحركة فكيف أقوم بعملية الطهارة لأداء الصلاة وكيف أصلي؟ فأجابت: "أولا: بالنسبة للطهارة يجب على المسلم أن يتطهر بالماء، فإن عجز عن استعماله لمرض أو غيره تيمم بتراب طاهر، فإن عجز عن ذلك سقطت الطهارة وصلى حسب حاله، قال تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ، وقال جل ذكره: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) ، أما ما يتعلق بالخارج من البول والغائط فيكفي فيه الاستجمار بحجر أو مناديل طاهرة يمسح بها محل الخارج ثلاث مرات أو أكثر حتى ينقي المحل. ثانيا: بالنسبة للصلاة فإن الواجب على المريض الصلاة قائما، فإن لم يستطع صلى قاعدا، فإن لم يستطع فعلى جنب، لما ثبت عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب. وقوله جل وعلا: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم) " انتهى من "الفتاوى المتعلقة بالطب وأحكام المرضى" ص 78. فإذا كنتِ قد صليت الفجر، من غير وضوء ولا تيمم، وبدون استقبال القبلة، لعجزك عن ذلك، وعدم وجود من يوضؤك، أو ييممك، ومن يوجهك للقبلة، فصلاتك صحيحة ولا يلزمك إعادتها، كما لا يلزمك تخيل التيمم، بل هذا لا يشرع ولا يفيد. وإن كان يمكنك التيمم، أو الوضوء أو الاستقبال بمساعدة غيرك، لكنك فرطت في طلب المساعدة، فقد قصرت في تحصيل الطهارة التي هي شرط لصحة الصلاة، وعليك إعادة ما صليته من غير طهارة أو استقبال للقبلة. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 104172 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1493 يدرس في الخارج ويخشى أن ينسى الصلاة فهل يجوز له الجمع [السُّؤَالُ] ـ[أنا طالب أدرس ببريطانيا ومدة الدراسة هي 5 سنوات هل يجوز لي أن أجمع بين صلاتي الظهر والعصر وصلاتي المغرب والعشاء طول فترة غربتي في بريطانيا تفاديا للنسيان أو عدم وجودي في المنزل؟ مع العلم أنه لا يوجد لدينا أذان للتذكير بالصلاة ?]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز الجمع بين الظهر والعصر أو بين المغرب والعشاء لهذا الأمر الذي ذكرت، وهو خشية النسيان أو وجودك خارج المنزل، فإن الصلاة أمرها عظيم، وينبغي أن يكون قلب المؤمن معلقا بها، فكيف ينساها؟! حتى لو لم يكن هناك أذان، على أنه وجد من الوسائل الحديثة ما يذكر بأوقات الصلاة، كبعض أنواع الساعات، والهواتف المحمولة، ولو قدّر أن نسي الإنسان صلاة، فإنه يصليها إذا ذكرها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَهَا لَا كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ (وَأَقِمْ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي)) رواه البخاري (597) ومسلم (684) . ولا إشكال في دخول الصلاة عليك وأنت خارج المنزل، فإن الصلاة تؤدى في كل مكان طاهر؛ لقول النبي: (وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ) رواه البخاري (335) ومسلم (521) . فلا حرج أن تصلي في الحديقة أو فناء الجامعة، أو في أي مكان طاهر. وينبغي أن تكون عنايتك بالصلاة فوق كل عناية، فإن الصلاة عمود الإسلام، وأعظم أركانه بعد الشهادتين، وقد أمر الله بالحفاظ عليها، وتوعد من تهاون في أدائها، قال سبحانه: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) النساء/103، وقال: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) البقرة/238، وقال سبحانه: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً) مريم/59. قال ابن مسعود عن الغي: واد في جهنم، بعيد القعر، خبيث الطعم. وقال تعالى: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) الماعون/ 4، 5 وقال النبي صلى الله عليه وسلم وقد سئل: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ فَقَالَ: (الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا) رواه البخاري (527) ومسلم (85) . وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) رواه البخاري (553) . وإذا كانت الدراسة في الخارج ستؤدي بك إلى تضييع الصلاة والتهاون فيها، فلا خير في هذه الدراسة، بل شرط جواز الإقامة في الخارج أن يتمكن الإنسان من إظهار دينه، وهذا يعني تمسكه به في نفسه أولا. نسأل الله أن يحفظ عليك دينك وإيمانك، وأن يزيدك علما وهدى وتقى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103045 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1494 يغلبه النوم فتفوته صلاة الجماعة [السُّؤَالُ] ـ[تأخرت عن صلاة العصر جماعةً لأيام متتالية، وأنا أحاول جاهداً ألا أنام، ولكن قبل الصلاة بساعة أو أقل يغلبني النوم، تبت إلى الله من هذا، ونذرت ألا أنام قبل العصر لكي لا تفوتني الصلاة جماعة، ولا أعلم لأني بعد هذا النذر أيضاً نمت قبل العصر. ما الحكم؟ هل يلزمني الوفاء بهذا النذر؟ وما الحكم في الأيام التي نمت فيها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نسأل الله تعالى أن يأجرك على حرصك على الصلاة جماعة، واجتهادك في المحافظة عليها، ونسأله سبحانه أن يوفقك لكل خير. ولتعلم أخي الكريم أنك تعامل ربا كريما رؤوفا رحيما، أرحم بعباده منهم بأنفسهم، وهو سبحانه مُطَّلِعٌ على قلبك، وخبيرٌ بما في صدرك، فإن رأى منك صدق النية كتب لك الأجر تاما، وعفا عن كل زلل وتقصير. وقد جاءت الشريعة بعذر النائم، إذا فاتته صلاة الجماعة، أو فاته وقت الصلاة بالكلية، ما دام قد أخذ بالأسباب واجتهد في إدراك الصلاة جماعة، فإذا غلبه النومُ بعد ذلك بشيءٍ خارجٍ عن قدرته، من غير تقصير ولا إهمال، كان العفو من الله تعالى، فهو سبحانه لا يكلف نفسا إلا وسعها. وقد روى البخاري (570) ومسلم (681) عن أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان مع بعض أصحابه في سفر، فنزل في آخر الليل (فَوَضَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ: احْفَظُوا عَلَيْنَا صَلَاتَنَا. فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالشَّمْسُ فِي ظَهْرِهِ، قَالَ أبو قتادة: فَقُمْنَا فَزِعِينَ. ثُمَّ قَالَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ارْكَبُوا. فَرَكِبْنَا فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ نَزَلَ، ثُمَّ دَعَا بِمِيضَأَةٍ كَانَتْ مَعِي فِيهَا شَيْءٌ مَنْ مَاءٍ، قَالَ: فَتَوَضَّأَ مِنْهَا وُضُوءًا دُونَ وُضُوءٍ، ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى الْغَدَاةَ، فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ كُلَّ يَوْمٍ. قَالَ: وَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَكِبْنَا مَعَهُ، قَالَ: فَجَعَلَ بَعْضُنَا يَهْمِسُ إِلَى بَعْضٍ مَا كَفَّارَةُ مَا صَنَعْنَا بِتَفْرِيطِنَا فِي صَلَاتِنَا؟ فقَالَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا لَكُمْ فِيَّ أُسْوَةٌ؟! ثُمَّ قَالَ: أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ، إِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلْيُصَلِّهَا حِينَ يَنْتَبِهُ لَهَا، فَإِذَا كَانَ الْغَدُ فَلْيُصَلِّهَا عِنْدَ وَقْتِهَا..إلى آخر الحديث) فتأمل في قول النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (احفظوا علينا صلاتنا) لتعلم فيه الدليل على وجوب اتخاذ الأسباب لأداء الصلاة في وقتها، والقيام بالجماعة، غير أن التعب والإرهاق الذي أصابهم بسبب السفر حال دون أن يستيقظوا في وقت الفجر، فما راعهم إلا والشمس قد طلعت، فكان لهم العذر حينئذ. قال النووي في "شرح مسلم" (5/186) : " فيه دليل لما أجمع عليه العلماء أن النائم ليس بمكلف " انتهى. جاء في "الموسوعة الفقهية" (7/187) : " يفهم من هذا الحديث أنّه إذا غلب على ظنّه أنّه لو نام تفوته الصّلاة يُكلِّف أحداً بإيقاظه " انتهى. والخلاصة: أن النوم قبل الصلاة إن كان لحاجة مع حرص على الاستيقاظ وتكليف من يقوم بذلك من الأهل أو ضبط الأجهزة المنبهة لا حرج فيه، ولا يأثم المسلم إن فاتته صلاة الجماعة أو فاته وقت الصلاة. ثانياً: وأما النذر الذي نذرته فقد كان الواجب عليك الوفاء به، وحيث إنك لم تفعل، فعليك كفارة يمين، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ) رواه مسلم (1645) وليس عليك إلا كفارة واحدة، ولو تعددت الأيام التي نمت فيها قبل العصر، لأن النذر (اليمين) قد انحل بحصول المخالفة ولم يِبْق منعقداً. وكفارة اليمين هي: تحرير رقبة أو إطعام عشرة مساكين من أوسط طعامك، أو كسوتهم، فإذا لم تستطع القيام بواحدة، من هذه الخصال الثلاثة فعليك صيام ثلاثة أيام. وانظر جواب السؤال رقم (45676) . .والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 99471 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1495 حامل تشعر بالغثيان دائماً كيف تصلي؟ [السُّؤَالُ] ـ[لدي بعض الأسئلة المتعلقة بالحمل والصلاة. عندما تحمل المرأة، خصوصا عندما تكون في الفترة الأولى من الحمل، فإنه من المعتاد أن تشعر بالمرض. أنا في أشهر حملي الأولى وأشعر بالغثيان طوال يومي. ما هو الحكم في صلاة المرأة وهي تجد ذلك؟ هل يجوز لها أن تجمع بين الصلوات؟ هل يجوز لها أن تجلس أثناء الصلاة (إذا شعرت بالمزيد من الغثيان وهي واقفة) ؟ عندما أصلي واقفة حاليا، فأنا أصلي بسرعة مخافة أن أشعر بالمرض، وهذا يتسبب في عدم تركيزي في الصلاة بشكل صحيح.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يجوز للمسلم أن يترك الصلاة بأي حال، لكن من كان مريضاً فله أن يصلي على الحال الذي يستطيعه، فيصلي قائماً فإن لم يستطع فقاعداً، فإن لم يستطع فعلى جنبه. والدليل: 1- عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صلِّ قائماً فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب " رواه البخاري (1117) . 2- وعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمريض صلى على وسادة، فرمى بها وقال: " صلِّ على الأرض إن استطعت، وإلا فأومِ إيماءً، واجعل سجودك أخفض من ركوعك " رواه البيهقي بسندٍ قوي (4359) ولكن صحح أبو حاتمٍ وقفه. وصححه الألباني في الصحيحه (323) راجع السؤال رقم (7522) ثانياً: قولك " أشعر بالغثيان عند الحمل " هذا لايمنع من أداء الصلاة، ولو صليت مع الإحساس بالغثيان فإن هذا لايُبطل الصلاة. ثالثاً: قولك " هل يجوز لها أن تجمع بين الصلوات؟ نعم. إذا كانت تجد مشقة بأداء كل صلاة في وقتها. ومن أمثلة المشقة: السفر، والمرض، والمطر، والوحل، والريح الشديدة الباردة ... وأما قصر الصلاة فلا يجوز إلا في السفر فقط. وهذه المرأة التي تشعر بالغثيان وتصلي فهي مأجورة إن شاء الله على مجاهدة نفسها على الصلاة وهي في هذه الحال الشديدة، وما يصيبها من الوهم وتعب الحمل هو من مكفرات الذنوب أيضاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلا وَصَبٍ وَلا هَمٍّ وَلا حُزْنٍ وَلا أَذًى وَلا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ) رواه البخاري (المرضى/5210) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. والله اعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 11878 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1496 يمتد عمله إلى الفجر فهل يجمع بين الظهر والعصر [السُّؤَالُ] ـ[أنا موظف شركة أرامكوا السعودية وأعمل في نظام النوبات وفي منطقة حرض ونظام عملي 12 ساعة يوميا لمدة سبعة أيام من الساعة السادسة مساء إلى الساعة السادسة صباحا وأواجه معاناة في أداء صلاة الظهر والعصر في وقتها مع الجماعة. فهل يجوز لنا أن نجمع بين صلاة الظهر والعصر؟ مع العلم أني أسكن في مدينة جدة وآتي إلى حرض للعمل فقط ثم أعود إلى جدة في نهاية الأسبوع، أعمل جاهدا على أن أستيقظ لأداء الصلاة في وقتها ولكن أكثر الأوقات تفوتني الصلاة مع الجماعة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الواجب على أهل الأعمال وغيرهم أداء الصلوات في أوقاتها؛ لقوله تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) النساء/103، وقد أثنى الله تعالى على المؤمنين بأنهم لا تشغلهم أعمالهم عن طاعة الله تعالى، فقال: (رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) النور/37-38. فالواجب عليك أن تحرص على الاستيقاظ في وقت الصلاة، وأن تأخذ بالأسباب التي تعين على ذلك، فإذا قدّر أنك نمت في بعض المرات وفاتتك صلاة الجماعة، مع حرصك على الاستيقاظ وبذلت الأسباب لذلك، فلا شيء عليك. ثانيا: من سافر إلى بلد ونوى الإقامة فيه أكثر من أربعة أيام، كان في حكم المقيم، ولزمه إتمام الصلاة، ولم يجز له الجمع بين الصلاتين لأجل السفر، لكن الجمع لا يختص بالسفر، بل يباح لأعذار أخرى كالمرض والمطر والمشقة. وقد سبق ذلك في جواب السؤال رقم (38079) . وعلى هذا، فإذا غلب على ظنك أنك لا تستطيع الاستيقاظ لصلاة الظهر، وأن ذلك يشق عليك، فلا حرج إن شاء الله تعالى من تأخير صلاة الظهر حتى تجمعها مع صلاة العصر جمع تأخير، على أن يكون ذلك عند حصول المشقة فقط، ولا يكون أمرا مستمرا سواء وجدت المشقة أم لا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98647 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1497 كيفية صلاة الموجودين من الوحدات العسكرية في الخطوط الأمامية [السُّؤَالُ] ـ[كيف يصلي الجنود المسلمون إذا كانوا في جبهات القتال يراقبون الأعداء مثل الجنود المسلمون في باكستان الذين يرابطون أمام جنود الهندوس الكافرون في مقاطعة كشمير؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان المذكورون في محل إقامتهم لم يسافروا فعليهم صلاة الجمعة وإتمام الصلاة الرباعية أربعاً، أما إن كانوا مسافرين إلى محل المرابطة فليس عليهم جمعة ولهم القصر والجمع، لأن مدتهم لا يدرى متى تنتهي، وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - ج/12 ص/311. الحديث: 13997 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1498 الجمع بين الظهر والعصر لأجل المناورات العسكرية [السُّؤَالُ] ـ[نعمل في القطاع العسكري (القوات المسلحة) ونقوم من فترة إلى أخرى بإجراء ما يعرف بالمناورات الحربية التي غرضها التدريب البحت، ونظراً لأن طبيعة تلك المناورات الحربية تقوم على مشابهة المعركة الحقيقية من حيث استخدام الذخيرة الحية وما يعرف في العرف العسكري بالتكتيك الحربي ومن حيث التوقيتات المسماة بساعة الصفر والتي يراد بها بدء العملية الحربية والتي يكون فيها الجنود قد اتخذوا مواقعهم حسب الخطة سواء على الأرض أو داخل الآليات الحربية وبعدها لا يسمح لأحد بمغادرة موقعه تماما كما في الحرب مهما كانت الظروف، ويتخلل العملية رماية بالذخيرة الحية قد تطول لمدة طويلة من الوقت وكأنهم في مجابهة عدو حقيقي، الجدير بالذكر أن ما سبق من تلك العمليات بتفصيلها المذكور يتعارض في كثير من الأحيان مع وقت الصلاة لفرض أو فرضين وربما أكثر، والمشكلة التي تواجهنا دائما في أثناء القيام بالمناورة الحربية عدم القدرة على أداء الصلاة في وقتها جماعة فمثلا: عملية مناورة بدأت الساعة 11,00صباحا واستمرت إلى ما قبيل غروب الشمس وتخللها فرضا الظهر والعصر لكن لا أحد يستطيع التوقف أثناء الرماية لأداء كل صلاة في وقتها فالسؤال هنا: هل يجوز الجمع في مثل هذه الحالة علما أنه قد يترتب على التوقف لأداء كل صلاة في وقتها فشل التمرين من الناحية التقييمية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز الجمع بين الظهر والعصر تقديما أو تأخيرا في مثل هذه الحالة؛ " لأن الجمع رخصة كل ما احتاج الإنسان إليه فإنه يجمع، ولهذا ثبت في الصحيح من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم جمع في المدينة من غير خوف ولا مطر قيل له: ما أراد بذلك؟ قال: أن لا يحرج أمته. أي أن لا يلحقها حرج إذا صلت كل صلاة في وقتها " انتهى من "فتاوى نور على الدرب" للشيخ ابن عثيمين رحمه الله. وعليكم مناصحة المسئولين عن هذه التدريبات أن يختار لها الوقت الذي لا يتعارض مع الصلاة، بحيث يمكن الجنود أن يجمعوا بين صلاتي الظهر والعصر إما جمع تقديم أو تأخير. ورضي الله عن عمر بن الخطاب فقد كتب إلى ولاته على البلدان (إن أهم أمركم عندي الصلاة، فمن حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيّعها فهو لما سواها أضيع) رواه مالك في الموطأ (6) والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97837 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1499 الجمع بين الصلاتين للمرض [السُّؤَالُ] ـ[مريض مصاب بسرطان المعدة، وترك في جسمه فتحة عند البطن يخرج منها العصارات والفضلات ـ أكرمكم الله ـ يسأل إن كان يجوز له أن يجمع الصلاتين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، يجوز له الجمع بين الصلاتين، فيجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، تقديماً أو تأخيراً حسب الأيسر له، فإن المشقة الحاصلة بسبب المرض من الأعذار المبيحة للجمع بين الصلاتين، وقد رخص النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة المستحاضة وهي التي ينزل منها الدم في غير أيام عادتها، رخص لها أن تجمع بين الصلاتين. رواه أبو داود (287) والترمذي (128) وحسنه الألباني في "صحيح الترمذي". والاستحاضة نوع مرض واحتج الإمام أحمد على جواز الجمع بين الصلاتين للمريض بأن المرض أشد من السفر، واحتجم بعد الغروب ثم تعشى ثم جمع بين صلاتي المغرب والعشاء. اهـ " كشاف القناع" (2/5) تنبيه: ويجب التنبه إلى أن المريض الذي جاز له الجمع بين الصلاتين فإنه يصلي كل صلاة تامة من غير قصر، فإن القصر لا يجوز إلا للمسافر، فما يظنه بعض الناس من أنه إذا جمع بين الصلاتين وهو في بلده بسبب المرض فإنه يقصر أيضاً، فهذا الظن ليس بصحيح. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " والقصر سببه السفر خاصة، لا يجوز في غير السفر. وأما الجمع فسببه الحاجة والعذر، فإذا احتاج إليه جمع في السفر القصير والطويل، وكذلك الجمع للمطر ونحوه، وللمرض ونحوه، ولغير ذلك من الأسباب؛ فإن المقصود به رفع الحرج عن الأمة " انتهى من " مجموع الفتاوى " (22/293) . ونسأل الله تعالى أن يشفي مرضى المسلمين، وأن يرزقهم الصبر والرضا ويخلف لهم خيراً. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97844 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1500 لديه امتحان يستغرق وقت العصر والمغرب فكيف يصلي؟ [السُّؤَالُ] ـ[أستعد لحضور امتحان هام يستمر من الساعة الثانية حتى الساعة السادسة. المشكلة أن العصر يؤذن في الثانية والنصف والمغرب في الخامسة. الامتحان عبارة عن أجزاء لكل جزء وقت محدد وتوجد فترة راحة عشرة دقائق لكن لا أظن أن مكان الامتحان به مكان للصلاة حيث إن الامتحان يتم في إحدى السفارات الأجنبية. علما بأنني سأذهب - بإذن الله - إلى هذا المكان لأول مرة يوم الامتحان. أفيدوني أفادكم الله - ولا تنسونا من صالح الدعاء.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الأمر كما ذكرت، فإن هذه الدقائق العشر تكفي لصلاتك، ولا يشترط أن يوجد مكان مخصص للصلاة، بل صل في أي مكان طاهر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ) رواه البخاري (335) ومسلم (521) . وإذا كان عليك مشقة في الصلاة في هذه الدقائق بسبب انشغالك بالاختبار، أو ضيق الوقت فيجوز لك الجمع بين الصلاتين، فتجمع العصر مع الظهر تقديما، والمغرب مع العشاء تأخيرا. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: أحياناً يصادف وقت دوام المدرسة قبل موعد الصلاة أي في الساعة الثانية عشر ظهراً والرابعة والنصف عصراً ولا أستطيع الصلاة في المدرسة لعدم وجود المكان المناسب للصلاة ولذلك أضطر لأن أجمع عدة فروض في آنٍ واحد تتعدى أحياناً ثلاثة فروض فما حكم صلاتي أرشدوني جزاكم الله خيراً؟ فأجاب: " أما الجمع بين الصلاتين اللتين يجمع بينهما فلا بأس به في هذه الحال لأنه حاجة فلها مثلاً أن تجمع بين الظهر والعصر أو بين المغرب والعشاء، وأما الجمع بين العصر والمغرب مثلاً فإنه لا يجوز إذ لا يجوز إخراج الصلاة عن وقتها بأي حالٍ من الأحوال وعليها في هذه الحال إذا خافت أن يخرج وقت الصلاة الحاضرة التي لا تجمع لما بعدها عليها أن تصليها على أي حالٍ كانت، وإذا كانت مثلاً تذهب إلى المدرسة في وقت صلاة العصر ولا تتمكن من صلاة العصر هناك فلتجمع العصر إلى الظهر جمع تقديم وتذهب إلى المدرسة وقد أدت الواجب عليها. والخلاصة أنه لا يجوز للمرأة ولا لغير المرأة أن تجمع بين صلاتين لا يجوز الجمع بينهما، وإنما الجمع بين الصلاتين اللتين يجوز الجمع بينهما كالجمع بين الظهر والعصر إما تقديماً وإما تأخيراً والجمع بين المغرب والعشاء إما تقديماً وإما تأخيراً حسبما تكون الحاجة داعية إليه " انتهى من "فتاوى نور الدرب". ونسأل الله تعالى أن يوفقك إلى كل خير. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97455 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1501 يصعب عليه أداء الصلوات لأن عمله شاق [السُّؤَالُ] ـ[هل ترى بكفر الشخص الذي يصلي مرة أو مرتين أو ثلاث مرات يوميا؟ إن تأدية الصلوات خمس مرات يوميا ليس سهلا على الناس العاديين , كما قال النبي موسى عليه السلام في قصة المعراج بأنه سيكون صعبا على أمة نبينا صلى الله عليه وسلم الوفاء بهذا الأمر. لكنه مع ذلك قال إننا من أمته. ونحن نعتقد ببنود الإيمان. لكننا لا نحصل على رواتب لصلاتنا كما يحصل الأئمة أو أخذ مقابل لأنهم علماء يقومون بالبحث الإسلامي. نحن لدينا عائلات وأطفال نقوم على رعايتهم , ونكدح 12 ساعة يوميا في أنشطة منهكة بدنيا وذهنيا لنكسب لقمة العيش , وعليه فإنه من الصعب الوفاء بجميع الصلوات نتيجة للتعب. فهل لا تزال تعتبرنا كفارا , مع أننا نؤدي بعض الصلوات وندفع الزكاة ونصوم في رمضان ونعتقد ببنود الإيمان؟ إن الأمر مهم جدا بالنسبة لي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله وبعد ... فلقد فرض الله على عباده في اليوم خمس صلوات في كل يومٍ وليلة، وأمر بالمحافظة عليها وإقامتها، وأثنى على المحافظين عليها، والمقيمين لها، قال تعالى: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين) . وقال تعالى: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين) . وقال تعالى: (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون) إلى قوله تعالى: (والذين هم على صلواتهم يحافظون) . فعليك أيها الأخ الكريم أن تهتم بإقامة الصلاة، وبالمحافظة عليها، والخشوع فيها، وتأخذ بالأسباب المعينة على ذلك لتكون من المفلحين، ولا تشغل نفسك بالتفكير في حكم من يترك صلاة أو صلاتين، وهل يكفر أو لا يكفر. فإن من ترك صلاةً متعمداً يُعرِّض نفسه لعذاب الله، والمؤمن العاقل لا يُقدم على ما يعلم أنه سببٌ للعقاب حتى ولو لم يكن كفراً. والصلوات الخمس وسائر الطاعات، واجتناب المحرمات لا يتحقق القيام بها إلا بالصبر وهي مكروهة بمقتضى الطبع لأنها تحول بين الإنسان وبعض شهواته، قال عليه الصلاة والسلام: " الجنة حُفَّت بالمكاره ". وأمْر الصلاة في الإسلام عظيم، ولذلك لا تسقط عن المكلف ما دام حياً، وعقله معه، ولكنه سبحانه يسَّر على عباده في فرض هذه الصلاة فأباح الجمع والقصر في السفر، وأباح الجمع في الحضر إذا كان في تركه حرجٌ ومشقَّة. وأباح للمريض أن يُصلي بحسب استطاعته قائماً أو قاعداً أو على جنبه. وبهذا يُعلم أن الاشتغال بالرزق لا يكون عذراً في ترك الصلاة، لكن إذا حصلت مشقَّة غير عادية أباح الجمع بين الظهر والعصر في وقت أحدهما، والمغرب والعشاء في وقت أحدهما. وقد أمر الله بترك البيع من أجل صلاة الجمعة، وأثنى على الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله. فاحرص أيها الأخ الكريم على أداء الصلوات الخمس في وقتها ومع الجماعة، قال عليه الصلاة والسلام: " صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين ضعفاً ". واعلم أن المحافظة على الصلوات الخمس من أعظم الأسباب للفوز برحمة الله ورضوانه وجنته، وهذا هو المطلب الأعلى، ومع ذلك هي سببٌ لتيسير الرزق كما قال تعالى: (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لانسألك رزقاً نحن نرزقك والعاقبة للتقوى) . فالمسلم لا يطلب من الناس أجراً على عبادته لربه، بل يصلي لله، ويصوم لله، ويحج لله، ويرجو ثواب الله. فقولك أيها الأخ السائل: أننا لا نحصل على رواتب على صلاتنا كما يحصل الأئمة. هذا خطأ في تصورك فإنه لا يجوز للإمام أن يأخذ مرتبا على فعل الصلاة، ولكن الأئمة أو المؤذنين يأخذون المرتبات على الوظيفة التي تتطلب منه الحضور في كل وقت (لكي يتفرغوا لأداء مهمتهم في الإمامة والخطابة والفتيا والقضاء) . والأفضل للمسلم أن يقوم بوظيفة الإمام أو المؤذن تطوعاً واحتساباّ لثواب الله. وقولك أيها الأخ الكريم: ونحن لدينا عائلات، وأطفال .... . لا يصلح عذراً في ترك بعض الصلوات، فإنه لا بد أن تفرغ شيئاً من وقتك لأدائها وهو قدْرٌ يسير، فكل صلاة لا تستغرق في أدائها، والاستعداد لها أكثر من ربع ساعة. وإذا تركت بعض الصلوات اشتغالاً في طلب الرزق فإننا لا نجزم بأنك كافر لكن نجزم بأنك عاصٍ معصية كبيرة. وقد سبق في أول الجواب أنه يجوز مع المشقة غير العادية أن تجمع بين الظهر والعصر في وقت أحدهما، كما نذكر أنه لا بد من أداء صلاة الفجر في وقتها، ووقتها من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس. أعاننا الله وإياك على طاعته. [الْمَصْدَرُ] فضيلة الشيخ عبد الرحمن البراك. الحديث: 9561 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1502 تفوته صلاة العصر لزحام المواصلات فهل يصليها في الباص؟ [السُّؤَالُ] ـ[كيف نصلي العصر أثناء ازدحام المرور في مدينة القاهرة ونحن لم نكن على وضوء ونكون في سيارة الميكروباص أو سيارة ملاكي فلا نقدر أن نترك السيارة في وسط الطريق لنصلي علي جنب الطريق وليس بجوارنا مسجد ثم صلاة العصر كانت الساعة 3 وعلى ما نصل إلى البيت يكون المغرب قد أذن.. فما هو الحل في هذا الموقف؟ .. وأيضا نفس الأمر مشابه في سفر الطالب للجامعة أنا أصلي الفجر في المسجد ثم أنطلق للمعهد فأصلي الظهر بعد وقته بفترة بسبب المحاضرات وقد يكون وقته مضى.. ثم أركب القطار لأرجع لبلدي لكن العصر يؤذن على محطة القطار فأركب القطار لأرجع لبلدي , وقد أصل بعد غروب الشمس , وهذا الموقف يتكرر 3 أيام في الأسبوع , وللعلم المسافة من بيتي وبلدي للجامعة أو المعهد حوالي 60 كم..]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب أداء الصلاة في مواقيتها كما أمر الله تعالى بقوله: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) البقرة/238، وقال: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) النساء/103، وينبغي الحذر من تضييعها وتأخيرها عن وقتها؛ لقوله تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) مريم/59. وقد جاء في شأن صلاة العصر خاصة قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) رواه البخاري (553) . ومن علم أن الصلاة قد تفوته أثناء تنقله بسبب زحام المواصلات، فعليه أن يحتاط لصلاته، وأن يؤديها قبل الركوب، أو يعجل بالركوب ليتمكن من أداء الصلاة فور نزوله. ومن تأمل أحوال الناس وجد كثيراً منهم لا يهتم بأمر الصلاة، ولا يحتاط لها، وقد يُؤَذَّن للصلاة، فيمضي ليلحق بإحدى المركبات دون أن يصلي، فيخرج عليه الوقت، وقد يتمكن من أدائها فور نزوله، فيؤخرها حتى يصل إلى بيته فتفوته، وهذا كله تفريط وتضييع لأمر هذه العبادة العظيمة. لكن لو قُدّر أن الإنسان ركب سيارة قبل دخول الوقت، ولم يمكنه إيقافها لأداء الصلاة، وغلب على ظنه أن الصلاة ستفوته إن أخرها إلى نزوله، فإن كانت الصلاة مما تجمع إلى ما بعدها، كالظهر مع العصر، أو المغرب مع العشاء، أخرها لوقت الثانية، ولو لم يكن مسافرا؛ لأن الجمع يجوز عند الحاجة ولو في الحضر. وإن كانت الصلاة لا تجمع مع ما بعدها، كالعصر مع المغرب، فإنه يصليها راكبا، ويومئ بالركوع والسجود، فإن لم يكن على وضوء تيمم، ولا يجوز له تأخير الصلاة حتى يخرج وقتها. وينبغي أن يحرص المسلم على أن يكون على طهارة في جميع الأحوال. وكذلك إذا كنت تخشى من فوات وقت صلاة العصر بسبب ركوبك القطار , فإنك تجمعها جمع تقديم مع الظهر. وقد ذكرت في سؤالك أنك تصلي صلاة الظهر أحياناً بعد وقتها بسبب المحاضرات , وهذا لا بأس به إذا احتجت إلى ذلك , ولكنك في هذه الحال تنوي جمعها مع صلاة العصر جمع تأخير. وقد ذكرت أن المسافة بين بلدك والجامعة حوالي 60 كلم , وهذا لا يؤثر على جواز الجمع بين الصلاتين عن الحاجة إلى ذلك لأن الجمع بين الصلاتين جائز في الحضر وفي السفر , إذا وجدت مشقة في فعل كل صلاة في وقتها. وقد دل على جواز الجمع بين الصلاتين في الحضر , ما رواه مسلم عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، بِالْمَدِينَةِ فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ. قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا أَرَادَ إِلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا نويت السفر وصليت الظهر في مكان إقامتي فهل يجوز لي تقديم العصر وجمعه مع الظهر إذا خشيت أن تفوتني صلاة العصر؟ خصوصاً وأن السيارة ليست ملكاً لي وقد لا تقف في الطريق إلا بعد الغروب؟ وهل يجوز أن أصلي وأنا جالس في السيارة وهي سائرة في طريقها؟ فأجاب: " لا بأس أن تجمع في هذه الحال لأن الجمع رخصة , كلما احتاج الإنسان إليه فإنه يجمع , ولهذا ثبت في الصحيح من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم جمع في المدينة من غير خوف ولا مطر. قيل له: ما أراد بذلك؟ قال: أن لا يحرج أمته. أي: أن لا يلحقها حرج إذا صلت كل صلاة في وقتها , فإذا كنت تعرف أن هذه السيارة ليست بيدك , وأنها قد لا تتوقف إذا سارت من بعد الظهر إلى بعد الغروب فإنه يجوز لك أن تجمع الظهر إلى العصر وأنت في منزلك , ولكن تصليها في هذه الحال أربعاً , لا تصليها ركعتين , لأنك لم تبدأ السفر الآن " انتهى من "فتاوى نور على الدرب". وسئل رحمه الله أيضاً عن فتاة تقول بأنها طالبة وأحياناً يصادف وقت دوام المدرسة قبل موعد الصلاة أي في الساعة الثانية عشر ظهراً والرابعة والنصف عصراً ولا أستطيع الصلاة في المدرسة لعدم وجود المكان المناسب للصلاة , ولذلك أضطر لأن أجمع عدة فروض في آنٍ واحد , تتعدى أحياناً ثلاثة فروض , فما حكم صلاتي أرشدوني جزاكم الله خيراً؟ فأجاب: " أما الجمع بين الصلاتين اللتين يجمع بينهما فلا بأس به في هذه الحال لأنه حاجة , فلها مثلاً أن تجمع بين الظهر والعصر , أو بين المغرب والعشاء، وأما الجمع بين العصر والمغرب مثلاً فإنه لا يجوز , إذ لا يجوز إخراج الصلاة عن وقتها بأي حالٍ من الأحوال , وعليها في هذه الحال إذا خافت أن يخرج وقت الصلاة الحاضرة التي لا تجمع لما بعدها عليها أن تصليها على أي حالٍ كانت، وإذا كانت مثلاً تذهب إلى المدرسة في وقت صلاة العصر ولا تتمكن من صلاة العصر هناك فلتجمع العصر إلى الظهر جمع تقديم وتذهب إلى المدرسة وقد أدت الواجب عليها. والخلاصة: أنه لا يجوز للمرأة ولا لغير المرأة أن تجمع بين صلاتين لا يجوز الجمع بينهما، وإنما الجمع بين الصلاتين اللتين يجوز الجمع بينهما كالجمع بين الظهر والعصر إما تقديماً وإما تأخيراً , والجمع بين المغرب والعشاء إما تقديماً وإما تأخيراً , حسبما تكون الحاجة داعية إليه " انتهى من "فتاوى نور الدرب". والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96229 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1503 خروج الريح باستمرار هل ينقض الوضوء؟ [السُّؤَالُ] ـ[أعاني من القولون العصبي. وبعض أعراضه هي الإحساس بالانتفاخ وخروج الغازات. ويعني ذلك أني كلما توضأت, فأنا أعيده باستمرار, وقد تصل إلى 5 مرات على الأقل بسبب خروج الغازات في أثناء الوضوء وبعده أو وأنا أصلي. وكما ترى , فأنا لا أجد ذلك في كل وقت , لكنه يتكرر معي كثيرا. وهذا يمنعني من تأدية صلاة التراويح ... الخ. ومع أنني فتاة , إلا أني أرغب في حضور صلاة الجمعة، لكني لا أستطيع حضور الجمع للأسباب التي ذكرتها آنفا. وأيضا , فإن الغازات التي تخرج مني لها رائحة كريهة جدا, وهي ليست كرائحة الغازات العادية. فما علي أن أفعل؟ أأستمر في تجديد الوضوء، هل هذا الذي عليّ فعله؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نسأل الله تعالى أن يشفي الأخت السائلة، وجزاها الله خيرا لحرصها على التفقه في الدين وعدم الخجل من ذلك من أجل أن تتبصر بأمور دينها. ثانياً: قد يتوهم المصلي أحياناً أنه قد خرج منه شيء في الصلاة، ولا يكون قد خرج منه شيء، وهذا قد يكون من وساوس الشيطان التي يريد بها إفساد الصلاة وعدم الخشوع فيها، ولا ينبغي للمصلي أن يدع صلاته إلا إذا تيقن أنه خرج منه شيء. عن عباد بن تميم عن عمه: أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل الذي يخيَّل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، فقال: لا ينفتل – أو: لا ينصرف - حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحا ". رواه البخاري (137) - واللفظ له - ومسلم (362) . وليس المراد من الحديث تعليق الحكم على سماع الصوت أو شم الرائحة، وإنما المراد حصول التيقن بخروج شيء وإن لم يسمع صوتاً أو يجد ريحاً. انظر شرح مسلم للنووي 4 / 49 فالأصل بالمصلي إذا كان متوضأً: أن وضوءه لا ينتقض بالشك، بل يجب عليه أن يتيقن الحدث أولاً، فإن تيقن أنه محدث انصرف من صلاته وتوضأ. والحدث لا يكون إلا مما يخرج من السبيلين خروجا يقينيّاً لا شك فيه ولا لبس، أما مجرد الشعور بالانتفاخ فهذا لا يعد من نواقض الوضوء حتى يخرج شيء. وهذه الغازات التي شكوتِ منها حكمها حكم المستحاضة ومن به سلس البول. (الشرح الممتع 1 / 437) ولها حالان: الأولى: أن يكون لها وقت تنقطع فيه، كما لو كانت تخرج ثم تسكت مدة تتمكنين فيها من الوضوء والصلاة في وقتها ثم تعاود الخروج، فهنا عليك أن تتوضئي وتصلي في الوقت الذي تنقطع فيه. الثانية: أن تكون مستمرة وليس لها وقت تنقطع فيه بل يمكن أن تخرج كل وقت، فإنك تتوضئين لكل صلاة بعد دخول وقتها وتصلي بهذا الوضوء ولا يضرك ما خرج ولو كان ذلك أثناء الوضوء أو الصلاة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فمن لم يمكنه حفظ الطهارة مقدار الصلاة فإنه يتوضأ ويصلي ولا يضره ما خرج منه في الصلاة، ولا ينتقض وضوءه بذلك باتفاق الأئمة وأكثر ما عليه أن يتوضأ لكل صلاة. مجموع الفتاوى 21 / 221 وقد سئلت اللجنة الدائمة عن رجل مصاب بسلس في البول يظهر بعد التبول لفترة لو انتظر انتهاء السلس لانتهت الجماعة ماذا يكون الحكم؟ فأجابت اللجنة: إذا عرف أن السلس ينتهي فلا يجوز له أن يصلي وهو معه طلباً لفضل الجماعة، وإنما عليه أن ينتظر حتى ينتهي ويستنجي بعده ويتوضأ ويصلي صلاته ولو فاتته الجماعة، وعليه أن يبادر بالاستنجاء والوضوء بعد دخول الوقت، رجاء أن يتمكن من صلاة الجماعة. وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة أيضاً: الأصل أن خروج الريح ينقض الوضوء، لكن إذا كان يخرج من شخص باستمرار وجب عليه أن يتوضأ لكل صلاة عند إرادة الصلاة، ثم إذا خرج منه وهو في الصلاة لا يبطلها وعليه أن يستمر في صلاته حتى يتمها، تيسراً من الله تعالى لعباده ورفعاً للحرج عنهم، كما قال تعالى: (يريد الله بكم اليسر) وقال: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) اللجنة الدائمة للبحوث 5 / 411 ثالثاً: وأما ذهابك للمسجد مع وجود هذه الريح: فلا يجوز فإن المساجد يجب صيانتها من كل رائحة كريهة لأن ذلك يؤذي المصلين، ويؤذي الملائكة الكرام. وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم من أكل ثوماً أو بصلاً أن يقرب المسجد، فروى البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أكل ثوماً أو بصلاً فليعزلنا أو قال: فليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته. وروى مسلم (564) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم) وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بإخراج من وجدت منه رائحة البصل أو الثوم من المسجد. روى مسلم (567) عن عمر بن الخطاب قال: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحهما من الرجل في المسجد أمر به فأخرج إلى البقيع. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 8910 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1504 طهارة وصلاة من ابتلي بالبواسير [السُّؤَالُ] ـ[لدى بواسير فماذا يجب أن أفعل لتكون صلاتي صحيحة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: البواسير جمع باسور – ويقال له أيضاً ناسور، وناصور -، وهو عبارة عن تمدد الأوردة الدموية في فتحة الشرج، وهي داخلية وخارجية، فما كان التمدد في أوردة الجزء الخارجي فهو باسور خارجي، وما كان من تمدد في الأوردة في الجزء الداخلي من فتحة الشرج: فهو باسور داخلي. قال النووي رحمه الله: وأما الناصور: ففيه ثلاث لغات: إحداها: هذه، والثانية: ناسور بالسين، والثالثة باسور بالباء والسين. " المجموع " (2 / 541) . ثانياً: وفيما يتعلق بالطهارة: فإن كان الباسور خارجيّاً: فلا ينقض الوضوء، وهو يشبه حكم الدمامل، وعليه تنظيف ثيابه وبدنه، فإن شق ذلك عليه فلا يلزمه غسل الثياب ولا تبديلها دفعاً للحرج والمشقة. وما كان داخليّاً ويسيل للخارج: فإن كان متقطعاً فهو ناقض للوضوء،، وإن كان مستمرّاً فيتوضأ – على قول جمهور العلماء – بعد دخول الوقت، ويكون حكمه حكم سلس البول، والمستحاضة. سئل يحيى بن سعيد الأنصاري عن الرجل يكون به الباسور لا يزال يَطلع منه فيرده بيده , قال: إذا كان ذلك لازماً في كل حين: لم يكن عليه إلا غسل يده، فإن كثر ذلك عليه وتتابع: لم نر عليه غسل يده، وكأن ذلك بلاء نزل عليه فيعذر به بمنزلة القرحة. " المدونة " (ص 121) . وروى ابن أبي شيبة في " المصنف " (1 / 164) عن الشعبي أنه سئل عن رجل به الناصور، فقال: يصلي وإن سال من قرنه إلى قدمه. وقال النووي رحمه الله: ولا يجب الوضوء في مسألة الجرح، ولا في مسألة الناسور إلا أن يكون في داخل مقعدته بحيث ينقض الوضوء. " المجموع " (2 / 541) . ثالثاً: وفيما يتعلق بالصلاة: فإن كان يستطيع القيام في الصلاة: فلا يسعه إلا هذا؛ لأن القيام في صلاة الفريضة ركن بلا خلاف، فإن عجز بسبب مرضه: صلَّى جالساً، فإن لم يستطع صلَّى على جنب، وهذا الذي قاله نبينا صلى الله عليه وسلم للصحابي عمران بن حُصين، وكان من المبتلين بالبواسير. فعن عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلاةِ، فَقَالَ: (صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ) رواه البخاري (1066) . وليُعلم أنه إن صلَّى جالساً أو على جنب فله الأجر كاملاً، ولا ينقص من أجر صلاته بسبب ذلك شيء.. فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحاً) رواه البخاري (2834) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 94402 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1505 لا يتمكن من أداء الصلاة في وقتها بسبب العمل، فماذا يفعل؟ [السُّؤَالُ] ـ[أعيش في أستراليا وأعمل في مطعم وجبات سريعة وأغلب المبيعات من لحوم الدجاج، أعمل 3 أيام في الأسبوع وأعمل في كل يوم 3 - 4 ساعات متواصلة دون توقف - (أي شخص يعمل لمدة تقل عن 5 ساعات لا يحصل على فترة راحة) - بسبب قصر النهار واختلاف مواعيد الصلاة فيحصل أن يأتي وقت لا أستطيع فيه الصلاة إلا أن أجمع صلاة العصر مع المغرب مثلاً قبل بدأ الدوام أو بعده، حالياً لا تفوتني أي صلاة لأن وقت عملي لا يتعارض مع أوقات الصلوات. أرجو أن تساعدني لأن هذا الأمر يحزنني، وشكراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: سبق في إجابة السؤال رقم (21958) أنه لا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها بسبب العمل، وقد قال الله سبحانه وتعالى: (رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) النور37 /-38. فيجب عليك تنظيم وقت العمل بما لا يتعارض مع أداء الصلاة في وقتها، والاتفاق مع الإدارة على ذلك وإيجاد الحلول المناسبة , ولو كان فيها بعض المشقة عليك، كزيادة ساعات العمل مثلاً. واعلم أن ما يحصل في قلبك من زيادة الإيمان بسبب أداء الصلاة في أوقاتها والمحافظة عليها سيعوضك عما تجده من مشقة في سبيل ذلك، بل ستنقلب تلك المشقة لذة ـ إن شاء الله ـ لأنك تحملتها في سبيل الله وابتغاء رضوانه. ثانياً: مما يُحمد عليه السائل حزنه إذا ضاعت منه الصلاة وصلاها في غير وقتها، وهكذا ينبغي أن يكون المؤمن، يحزن إذا فاته شيء من الأعمال الصالحة، ولكن الواجب أن يكون هذا الحزن دافعاً إلى تصحيح العمل، واجتناب التقصير فيه، أما وجود الحزن في القلب مع استمرار تضييع الصلاة وإساءة العمل فإن هذا لا ينبغي. ثالثاً: قولك "بأنك تجمع بين صلاتي العصر والمغرب قبل بدء الدوام أو بعده". لتعلم يا أخي أن الجمع بين الصلوات ورد في الشرع بين صلاتي الظهر والعصر وبين صلاتي المغرب والعشاء، هذا الجمع الذي وردت به الشريعة، أما الجمع بين صلاتي العصر والمغرب فلم ترد به الشريعة، ولا يصح، ولم يقل به أحد من العلماء. وعلى هذا فما وقع من الجمع بين صلاتي العصر والمغرب بعد غروب الشمس فالواجب عليك التوبة إلى الله من تأخير صلاة العصر عن وقتها، والعزم على عدم العودة إلى مثل ذلك. وما وقع من الجمع بين صلاتي العصر والمغرب قبل دخول وقت صلاة المغرب وهو (غروب الشمس) فلتعلم أن الصلاة قبل وقتها لا تصح، فصلاتك المغرب لا تصح، وعلى هذا فعليك أن تحصي عدد المرات التي صليت فيها صلاة المغرب قبل دخول وقتها وتجتهد في معرفة العدد، وتحتاط لنفسك ودينك، فعند الشك تأخذ بالعدد الأكثر، ثم تعيد هذه الصلوات وتبادر إلى ذلك بقدر استطاعتك. رابعاً: عليك أن تسعى جاهداً في حل هذه المشكلة والأمر لن يستغرق أكثر من عشر دقائق فيمكنك الاتفاق مع الإدارة أن تعوض هذه الدقائق قبل الدوام أو بعده، وقد لا يتصور أنك لا يمكنك الاستئذان من العمل لمدة عشر دقائق، فإنك لو أردت الذهاب إلى الحمام فإنهم لن يمنعوك من ذلك، مع أن هذا قد يستغرق هذه الدقائق أو أكثر، وقد يكون في بلدكم قوانين تحفظ للأقليات الحق في ممارسة شعائر دينها، وتلزم أصحاب الأعمال باحترام دين من يعمل عندهم، قد يكون عندكم مثل هذه القوانين التي تستطيع بها أن تطالب بحقك. فإن ضاقت بك السبل، ولم يمكن حل هذه المشكلة مع الإدارة فعليك أن تبحث عن عمل آخر لا يتعارض مع إقامتك للصلاة، فإن لم تجد وكنت تتضرر بترك هذا العمل فإنه يُرجى أن تكون هذه حاجة تبيح لك الجمع بين الصلوات ولا حرج عليك في ذلك إن شاء الله تعالى. فلك أن تجمع بين صلاتي الظهر والعصر إما جمع تقديم وإما جمع تأخير، أو تجمع بين صلاتي المغرب والعشاء إما جمع تقديم وإما جمع تأخير، حسب الأيسر والأسهل لك. وجمع التقديم أن تصلي الصلاتين المجموعتين في وقت الأولى منهما. وجمع التأخير أن تصلي الصلاتين المجموعتين في وقت الأخرى منهما. نسأل الله تعالى أن يوفقنا إلى الفقه في الدين وحسن القول والعمل، وأن ييسر لك أمرك. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20712 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1506 كيف يقضي الصلوات الفائتة؟ [السُّؤَالُ] ـ[كم ركعة يجب أن نصلي إذا خرج وقت الصلاة (للقضاء) ؟ البعض يقول بأننا يجب أن نصلي نفس عدد ركعات الفرض الفائت، وهذا ما أفعله في الوقت الحالي إذا لم يكن لدي وقت أصلي فيه وخرج وقت الصلاة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يجوز للمسلم أن يؤخر الصلاة حتى يخرج وقتها من غير عذر. قال الله تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) النساء /103. أي ذات وقت محدد. والعذر الذي يبيح تأخير الصلاة عن وقتها كالنوم والنسيان، فعن أنس بن مالك قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: (مَن نسي صلاةً أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها) . رواه مسلم (684) . وأما العمل والدراسة ونحو ذلك فليس عذراً يبيح تأخير الصلاة عن وقتها، وقد مدح الله تعالى أقواماً بقوله: (رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ) النور /37. ثانياً: من ترك الصلاة حتى خرج وقتها بدون عذر، فقد أتى معصية وهي من كبائر الذنوب والواجب عليه التوبة إلى الله تعالى والعزم على المحافظة على أداء الصلاة في وقتها. ولا ينفعه قضاؤها بعد الوقت وقد ضيعها بدون عذر، وليكثر من النوافل، لعلها تجبر النقص الحاصل في الفرائض. وأما من أخَّر الصلاة حتى خرج وقتها بعذر كالنوم أو النسيان فعليه أداء الصلاة متى زال العذر، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ نَسِيَ صَلاةً فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا لا كَفَّارَةَ لَهَا إِلا ذَلِكَ) رواه مسلم. ويصليها كما كان يصليها في وقتها من غير زيادة ولا نقص أو تغيير في صفتها وهيئتها. ففي حديث أبي قتادة في صحيح مسلم (681) في قصة نوم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه عن صلاة الفجر في السفر حتى طلعت الشمس، قال أبو قتادة: (ثُمَّ أَذَّنَ بِلالٌ بِالصَّلاةِ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى الْغَدَاةَ فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ كُلَّ يَوْمٍ) . قال النووي: قَوْله: (كَمَا كَانَ يَصْنَع كُلّ يَوْم) فِيهِ: إِشَارَة إِلَى أَنَّ صِفَة قَضَاء الْفَائِتَة كَصِفَةِ أَدَائِهَا اهـ. والقاعدة عند العلماء: "أن القضاء يحكي الأداء" أي أن قضاء العبادة كأدائها. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20882 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1507 لا تستطيع الركوع والسجود للصلاة [السُّؤَالُ] ـ[سؤالي عن الصلاة: فإن ظهري يؤلمني نتيجة حادث منذ فترة جعلني لا أستطيع الانحناء في الركوع والسجود فكيف يمكنني الصلاة علماً بأنني أشعر بالذنب لذلك مع أنه قد تم نصحي بألا أنحني حتى لا يزيد ألمي انصحونا جزاكم الله خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] عن عمران بن حصين قال:" كانت بي بواسير فسألت الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: صلِّ قائماً فإن لم تستطيع فقاعداً فإن لم تستطيع فعلى جنب " صحيح البخاري (1066) . البواسير:-جمع باسور وهو ورم في باطن المقعدة. وأنت يا أخي إذا استطعت القيام فلا تقعد إلا أن يشق عليك ذلك، فإن جلست مع المشقة الكبيرة فالأجر مكتمل. لحديث أبي موسى الأشعري: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل صحيحاً مقيماً " رواه البخاري (2834) . وأما الركوع والسجود فإنما يسقطان عنك لعدم المقدرة على الإتيان بهما بلحوق المشقة المؤذية. فعليك أن تحاول الانحناء عند الركوع ما استطعت وكذا السجود بحيث يكون سجودك أخفض من ركوعك وتومئ إيماء، وذلك لحديث " صلِّ على الأرض فإن استطعت وإلا فأومئ إيماءاً واجعل سجودك أخفض من ركوعك " قال الشيخ الألباني: رواه الطبراني والبراز وابن السماك في حديثه [67 /2] والبيهقي وسنده صحيح كما بينته في الصحيحة (323) . " صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم " (ص 79) . قال ابن قدامة في متن العمدة " فإن عجز عن الركوع والسجود أومأ إيماءاً. " العمدة شرح العدة " (ص 126) . فإن لم تستطع حتى الانحناء فصلِّ على حسب حالك ويكون ركوعك وسجودك بالنية إذا وصلت إلى موضعهما مع قراءة الأذكار فيهما، ولا يكلف الله نفسا إلا وُسعها وما جعل عليكم في الدين من حرج والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 7522 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1508 طفلها يشغلها في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[أحاول دائما تأدية الصلاة في وقتها، لي طفل عمره 18 شهر وأحياناً لا يكون حولي من يرعاه حين أصلي، المشكلة أنني كلما أديت الصلاة قريباً منه فإنه يجلس أمامي ويشوش علي صلاتي. سؤالي هو:هل صلاتي غير مقبولة عندما يفعل هذا؟ هل من الأفضل تأخير الصلاة عن وقتها وربما خرج الوقت ثم أصليها قضاءاً؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب على المسلم أن يصلي الصلاة في وقتها ولا يجوز له إخراجها عن وقتها لغير عذر لقول الله تعالى: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) أي: فرضا مؤقتا لا يتقدم ولا يتأخر، والوقت آكد شروط الصلاة فلو عجز المرء عن بعض الشروط فإنه يؤدي الصلاة حسب استطاعته في وقتها ولا يؤخرها. ومما يدل على اهتمام الشريعة بوقت الصلاة؛ أن المسلم إذا لم يجد الماء فإنه يتيمم ويصلي وإن كان متيقناً أنه سيجد الماء بعد خروج الوقت. أما كون الطفل يمر أمام أمه وهي تصلي فإن هذا لا يفسد الصلاة ولا يبطلها وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم حمل بنتا وهو يصلي يرفعها إذا قام ويضعها إذا سجد، كما جاء عند البخاري ومسلم عن أبي قتادة الأنصاري: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي العاص بن ربيعة بن عبد شمس فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها " رواه البخاري برقم 486 ومسلم برقم 844 وكذلك ثبت أنه ركب على ظهره صلى الله عليه وسلم صبي وأتم صلاته، وهذا ما رواه عبد الله بن شداد عن أبيه قال: " خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشاء وهو حامل حسنا أو حسينا فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه ثم كبر للصلاة فصلى فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها قال أبي فرفعت رأسي وإذا الصبي على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد فرجعت إلى سجودي فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال الناس يا رسول الله إنك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر أو أنه يوحى إليك قال كل ذلك لم يكن ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته " رواه النسائي برقم 1192 وقد صححه الألباني رحمه الله في صحيح سنن النسائي 1/246. فلو حملت ولدك في الصلاة ووضعتيه فلا يضرك، وحافظي على الصلاة في وقتها، وفقنا الله وإياك لكل خير. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 5485 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1509 صلاة المريض إذا عجز عن إزالة النجاسة [السُّؤَالُ] ـ[رجل ثقل في المرض وعجز عن القيام والقعود، وعن إزالة النجاسة، فهل تلزمه الصلاة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يلزمه أن يصلي مضطجعاً، ويومئ بالركوع والسجود، ويحترز من النجاسة بحسب الإمكان. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى الإمام النووي ص 58. الحديث: 3495 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1510 الذين يصلّون على الكراسي في المساجد [السُّؤَالُ] ـ[كثيرا ما نجد في بعض المساجد كراسي موضوعة لبعض المصلين يصلون عليها مع الإمام الفريضة أو صلاة التراويح فما حكم صلاة هؤلاء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله القيام في الصلاة ركن، ومن لم يقم واقفاً في صلاته مع بداية التكبير إلى نهاية التسليم من غير عذر شرعي: فصلاته باطلة، قال الله تعالى {وقوموا لله قانتين} [سورة البقرة / 238] . وكون القيام ركنا هو في صلاة الفرض خاصة، أما صلاة النفل فليس القيام بها واجباً والقعود جائز، ومن قعد فله نصف أجر القائم. وأما دليل أن ذلك خاص بالفرض حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " صل قائماً " البخاري (1066) . وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي النافلة على الراحلة، فإذا أراد صلاة الفريضة نزل عن راحلته - البخاري (955) ومسلم (700) - وذلك للقيام بركن القيام، والاتجاه للقبلة. وإن صلى قاعدا مع قدرته على القيام - في النافلة -: فله نصف أجر القائم لحديث عبد الله بن عمرو أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم " حُدِّثت يا رسول الله أنك قلت صلاة الرجل قاعداً على نصف الصلاة وأنت تصلي قاعداً قال: أجل ولكني لست كأحد منكم ". جزء من حديث رواه مسلم (735) . قال النووي معلقاً على هذا الحديث: وهذا الحديث محمول على صلاة النفل قاعداً مع القدرة على القيام فهذا له نصف ثواب القائم وأما إذا صلى النفل قاعداً لعجزه عن القيام فلا ينقص ثوابه بل يكون كثوابه قائماً وأما الفرض فإن الصلاة قاعداً مع قدرته على القيام لم يصح فلا يكون فيه ثواب بل يأثم به. " شرح مسلم " 6/258. وبذا نقول لأصحاب الكراسيّ الذين يتركون القيام - في صلاة الفريضة - لا يحل لكم الجلوس على كراسيّكم ما استطعتم القيام إلا أن يشق عليكم مشقة تلحق بها الأذية، أما المشقة اليسيرة فليست عذراً. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 9307 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1511 طبيب جراح ترك النصرانية ويتساءل كيف يصلي أثناء العملية لو أسلم [السُّؤَالُ] ـ[أنا حاليا غير مسلم ولكنني أبحث في الدين الإسلامي ولدي سؤال عن الصلوات الخمس وتأثيرها على حياة الشخص، أعرف أنها تستغرق دقائق لتأديتها ويجب أن تكون في أوقات محددة وهي واجبة على كل شخص. أعمل الآن كجراح وإذا كان شخص يعمل جراحاً يجب أن يركز في عمله لأن حياة الآخرين بين يديه، وربما يكون وقت الجراحة يستغرق أكثر من الوقت بين الصلاتين فماذا يفعل الشخص في تلك الحالة؟ الذي يبدو لي أن متطلبات الإسلام ومتطلبات العمل والمهنة لا تتفقان وتتعارضان. لا أدري ماذا يقول المخلصون من المسلمين وأصحاب العلم عن هذا التفكير وكيف يمكن التوفيق بين حياة إسلامية وحياة عملية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قبل الإجابة لا بدّ أن نقدّر لك أيها السائل اهتمامك بدين الإسلام وسعيك لمعرفة الحقّ وأنّك تركت دينا باطلا وهو النّصرانية لتبحث عن الدّين الصحيح وهذا موقف نبيل يدلّ على تجرّدك من التقليد الأعمى والانعتاق من أسْر العادات وما نشأت عليه وقد قال ربنا تبارك وتعالى ينعى على من يقلّد بالباطل: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ ءابَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ ءابَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ (170) سورة البقرة، ووصف الله قوما من النصارى لما عرفوا بدين الإسلام وسمعوا الوحي الذي أنزله الله على نبيه صلى الله عليه فاتّبعوا الحقّ وانقادوا له فقال الله عنهم: (وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا ءامَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84) سورة المائدة، ويجب أن نشكر لك أيضا فهمك لأهمية الصلوات الخمس ووجوبها في أوقاتها، ونحن نحبّ أن نؤكّد على حقيقة مهمة في دين الإسلام وهي أنّ الذي أنزله وشرع أحكامه ورضيه لعباده هو الله عزّ وجلّ الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء وهو علام الغيوب يعلم ما كان ويكون وما سيكون ويعلم قبل أن يخلق السماوات والأرض أنّه سيكون هناك وقت يتطور فيه الطبّ عند البشر وأنّ أطباءهم سيجرون العمليات الجراحية الطويلة كعمليات القلب المفتوح وعمليات زراعة الأعضاء كالكبد وعمليات سرطان المريء وعمليات إصابات حوادث السيارات المعقّدة وغيرها، ولذلك فإن الشريعة التي أنزلها صالحة لكلّ زمان ومكان لا تتعارض مع تقدّم علميّ ولا واجب عمليّ، وقبل الشّروع في الإجابة المفّصلة عما أُشكل عليك نورد الملاحظات التالية: - أن مثل هذه العمليات عادة ما يقوم بها فريق جراحي يتضمّن جراحين مساعدين مع الجراحين الأساسيين بحيث يُمكن التناوب عند الحاجة. - أنّ بعض العمليات يقوم فيها الأطباء المشاركون بأدوار مختلفة وموزّعة بحسب تخصّصاتهم وليس يحصل دائما أن يستمر واحد في العملية الطويلة من أولها إلى آخرها فترى واحدا يشقّ والآخر طبيب قلب والثالث متخصص في جراحة الأوعية الدموية ثم يأتي الأول ليخيط الجرح في النهاية وفي بعض العمليات قد لا يتعدى دور الطبيب المتخصص نصف وقت العملية ككل. - إنّ العمليات التي تستغرق ساعات طويلة جدا كعشر ساعات فما فوق هي عمليات نادرة أو قليلة العدد وليست كثيرة. - وأما بالنسبة للإجابة المفصّلة عن كيفية أداء الطبيب الجراح للصلاة فهي كما يلي: (1) الأصل أن تُصلى كل صلاة في وقتها، قال الله تعالى: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) . (2) إذا كانت العملية طويلة فيحاول الطبيب أن يبدأ العملية بعد الصلاة في أول وقت الصلاة الأولى إلى ما قبل نهاية وقت الصلاة التي بعدها، ليتمكّن من أداء كل صلاة في وقتها. (3) ينبغي ما أمكن ترتيب جداول العمليات بحيث لا يأتي وقت صلاتين معا كأن تبدأ العملية الطويلة في الصّباح الباكر وتستمر إلى ما قبل صلاة العصر بحيث يصلي الظّهر في وقتها فيتوفّر لديه ساعات عدّة لعمل متواصل، فلو بدأ مثلا العملية في الساعة الثامنة صباحا وانتهى في الساعة الثانية بعد الظّهر فيكون لديه ستّ ساعات عمل متواصلة لو أراد. (4) إذا كان يمكن أن يذهب للصلاة في وقتها أثناء العملية ويُكمل العمل غيره من أعضاء الفريق الجراحي ثم يتبادلون الأدوار فعلوا ذلك. ونحن نتساءل لو أنّ الطبيب حضره قضاء الحاجة أثناء العملية ماذا يفعل؟ إن ترتيبات العمليات الجراحية تُشير إلى إمكانية مراعاة هذا، بل قد علمنا أن بعض الجراحين يرتاح قليلا أو يأكل في وقت العملية الطويلة ويتابع غيره فمراعاة الصلاة من باب أولى. (5) إذا لم يمكن ما تقدّم فلا حرج في الجمع بين الصلاتين للحاجة كالجمع بين صلاتي الظّهر والعصر فيصلّيهما جمع تأخير في وقت صلاة العصر. (6) وفي الحالات النادرة جدا لو استمرت العملية وقتا طويلا جدا يتجاوز وقت الصلاتين المجموعتين كأن تبدأ قبل الظّهر وتنتهي بعد المغرب ولم يمكنه الخروج لأداء اللاة فإنّه يصلي على حسب حاله، نعم يصلي أثناء العملية فيكبّر تكبيرة الافتتاح ويقرأ القرآن ويومئ عند الركوع والسجود ما أمكنه جاعلا سجوده أخفض من ركوعه كحال المقاتل في جبهة القتال عند الالتحام بالأعداء في المعارك الطويلة أو في حالات المطاردة أو الفرار من العدو يصلي على حسب حاله ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها والحمد لله الذي لم يجعل علينا في الدين من حرج. وهذه الأحكام أدلتها ثابتة وأقوال العلماء فيها وفي حالاتها معروفة ومبثوثة في كتب الفقه الإسلامي مما يدلّ بجلاء على مرونة هذه الشريعة الإسلامية المباركة واستيعابها لكافّة المستجدّات والتطورّات في عالم البشر في القديم والحديث وليس ذلك بغريب، أليست تنزيلا من حكيم حميد وعليم خبير. وختاما ندعوك أيها السائل اللبيب إلى المسارعة بالدخول في دين الإسلام الذي يكفل السعادة لمن اتّبعه في الدنيا والآخرة ويقدّم الحلول لسائر المشكلات ونحن على استعداد لتقديم ما يلزم من الإيضاحات، والله الموفّق والهادي إلى سواء السبيل. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 4426 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1512 هل يجوز جمع التقديم في البلاد التي يتأخر فيها وقت العشاء؟ [السُّؤَالُ] ـ[لي ابن عمره 12سنة ونصف سؤالي هو: هل يجوز له أن يقدم صلاة العشاء بحيث يصليها بعد صلاة المغرب مباشرة وذلك لأنه يستيقظ في الصباح مبكرا ليدرك صلاة الفجر قبل الشروق ثم يذهب إلى المدرسة وبعد بضعة أشهر من الآن سيكون وقت صلاة الفجر مبكرا جدا في حين تكون صلاة العشاء متأخرة بالنسبة له لأنه يدرس حيث تصل إلى الساعة 11:45.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأصل أن تصلى كل صلاة في وقتها المحدد لها شرعاً، لقول الله تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) النساء/103. أي: لها وقت محدد، والجمع بين الصلاتين لا يجوز إلا إذا كان هناك عذرا كالسفر والمطر والمشقة، فإذا كان وقت صلاة العشاء متأخراً ووقت الفجر مبكراً بحيث تحصل المشقة من فعل صلاة العشاء في وقتها فلا حرج حينئذ من جمعها مع صلاة المغرب جمع تقديم. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن بلاد يتأخر فيها مغيب الشفق الأحمر الذي به يدخل وقت العشاء ويشق عليهم انتظاره؟ فأجاب بقوله: " إن كان الشفق لا يغيب حتى يطلع الفجر، أو يغيب في زمن لا يتسع لصلاة العشاء قبل طلوع الفجر فهؤلاء في حكم من لا وقت للعشاء عندهم فيقدرون وقته بأقرب البلاد إليهم ممن لهم وقت عشاء معتبر، وقيل: يعتبر بوقته في مكة، لأنها أم القرى. وإن كان الشفق يغيب قبل الفجر بوقت طويل يتسع لصلاة العشاء فإنه يلزمهم الانتظار حتى يغيب إلا أن يشق عليهم الانتظار، فحينئذ يجوز لهم جمع العشاء إلى المغرب جمع تقديم دفعا للحرج والمشقة لقوله تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) ، ولقوله: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) . وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء في المدينة من غير خوف ولا مطر) قالوا: ما أراد إلى ذلك؟ قال: (أراد أن لا يحرج أمته) ، أي: لا يلحقها الحرج بترك الجمع. وفق الله الجميع لما فيه الخير والصلاح " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (12/206) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 89695 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1513 يترك صلاة الجماعة خشية تأخر شفاء قدمه [السُّؤَالُ] ـ[أنا شاب والحمد لله أحافظ على صلاة الجماعة، لكن أحيانا عندما أصاب في قدمي وأضع على قدمي ضمادا، لا أذهب إلى الصلاة؛ خوفا من تفاقم الإصابة من خلال السير على الأقدام ذهابا ًوعودة، فأصلي في المنزل؛ لأنه إذا تفاقمت ستزيد فترة الراحة وعدم الذهاب للمسجد.. فما حكم ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نبارك لك حرصك على صلاة الجماعة، ونسأل الله تعالى أن يثبتنا وإياك على طاعته، وأن يتقبل منا ومنك. نعم، المرض من أعذار التخلف عن صلاة الجماعة. جاء في "الموسوعة الفقهية" (27/187) : " وهو المرض الذي يشق معه الإتيان إلى المسجد لصلاة الجماعة. قال ابن المنذر: لا أعلم خلافا بين أهل العلم أن للمريض أن يتخلف عن الجماعات من أجل المرض، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لمّا مرض تخلف عن المسجد، وقال: مُرُوا أبا بكر فليصل بالناس " انتهى. وقد نص الفقهاء رحمهم الله على أن المريض إذا خشي أن يتأخر شفاؤه فإنه يُعذر ويُخَفَّفُ عليه في العبادة، سواء كانت صلاة أو صياما أو طهارة ونحو ذلك. انظر: "الإنصاف" (2/305) و "الموسوعة الفقهية" (14/258) . والمعتبر في ذلك كلام الطبيب الثقة، أو معرفة ذلك بالتجربة والخبرة. فإذا كان كثرة المشي يؤخر الشفاء فلا حرج عليك في ترك صلاة الجماعة في المسجد، وبما أنك محافظ عليها فسيكون لك ثواب الجماعة إن شاء الله تعالى، لحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل صحيحاً مقيماً) رواه البخاري (2834) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82278 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1514 مصابة بمرض نفسي، فكيف تصوم وتصلي؟ [السُّؤَالُ] ـ[ابنتي مصابه بمرض نفسي مزمن (وهو الاضطراب الوجداني) وفى رمضان الماضي لم تصم رمضان لأنها قد انتكست وصار وعيها ليس معها صرت أعانى منها أشهرا طويلة فماذا أفعل؟ السؤال الثاني: البنت إذا نامت لا أستطيع إيقاظها لأي صلاة حتى تصحو هي للمشقة التي أعانى منها هل على الأم إثم؟ والبنت عمرها 23 سنة ولها في المرض 4 سنوات تعاني وهي تصيبها انتكاسة مرتين في السنة، دعواتكم لها بالشفاء.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: نسأل الله تعالى أن يشفي ابنتك ويعافيها ويصلح حالها. ثانيا: إذا كان هذا المرض شديدا بحيث أفقدها وعيها خلال شهر رمضان، فإنه لا يلزمها قضاء ولا كفارة؛ لأنها لم تكن مكلفة بالصوم حينئذ. وأما إذا كان المرض مجرد اكتئاب فقط، ووعيها معها، فلها حالتان: الأولى: أن يكون مرضها يرجى شفاؤه حسب تقرير الأطباء، فالواجب عليها قضاء ما فاتها، حين يزول عنها المرض. والثانية: أن يكون مرضها لا يرجى شفاؤه، فلا يجب عليها الصيام، وإنما تطعم عن كل يوم مسكينا. وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله ما نصه: مريض أدرك بعض شهر رمضان ثم أصابه فقدان للوعي ولا يزال هل يقضي عنه أبناؤه؟ فأجاب: "ليس عليه القضاء إذا أصابه ما يذهب عقله أو ما يسمى بالإغماء، فإنه إذا استرد وعيه لا قضاء عليه، فمثله مثل المجنون والمعتوه لا قضاء عليه، إلا إذا كانت الإغماءة مدة يسيرة كاليوم أو اليومين أو الثلاثة على الأكثر، فلا بأس بالقضاء احتياطا، وأما إذا طالت المدة فهو كالمعتوه لا قضاء عليه، وإذا رد الله عقله يبتدئ العمل " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (15/209) . ثالثا: إذا كانت ابنتك لا تستيقظ لأداء الصلاة في وقتها، ولا تستطيعين إيقاظها، فلا حرج عليك إن شاء الله تعالى، ويجب عليها إذا استيقظت أن تقضي ما فاتها من الصلوات، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَسِيَ صَلاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا) رواه مسلم (684) . وإن كان أداؤها لكل صلاة في وقتها يشق عليها، فإن لها أن تجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، تقديما أو تأخيرا حسب الأيسر لها. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " والقصر سببه السفر خاصة، لا يجوز في غير السفر. وأما الجمع فسببه الحاجة والعذر، فإذا احتاج إليه جمع في السفر القصير والطويل، وكذلك الجمع للمطر ونحوه، وللمرض ونحوه، ولغير ذلك من الأسباب؛ فإن المقصود به رفع الحرج عن الأمة " انتهى من " مجموع الفتاوى " (22 / 293) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 72212 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1515 كيفَ يتوضّأُ ويصلِّي من بِهِ شَلَلٌ نِصْفِيٌّ؟ [السُّؤَالُ] ـ[امرأةٌ مصابةٌ بشللٍ نصفي، يصعبُ عليها الوضوء. والسؤال: كيفَ تتوضأُ أو تتيمم؟ هل يُجلَبُ لها ترابٌ، أم ماذا؟ هل تتيممُ بالجدار (وليس عليه غبارٌ) ، أم ماذا تفعل؟ وكيف تكونُ صفةُ تيمُّمِها؟ وما صفةُ صلاتِها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: المريضُ الذي لا يستطيع جلب الماءِ والوضوءَ به، أو يعجزُ عن الحركةِ يُنظَرُ في حالِه: فإن كان يجدُ مَن يُحضِرُ له الماء في وقتِ الصلاة، ويساعدُه على وضوئِه، فالوضوءُ واجبٌ في حقه. وإن كان لا يجدُ من يعينُه على وضوئه، فيُشرَع له التيممُ حينئذٍٍ , ويأخذُ حكم من عدمَ الماءَ ولم يجدْه. وذلك لأنَّ اللهَ سبحانه وتعالى يقولُ: (فاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16 , وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ) رواه البخاري (7288) ومسلم (1337) . وقال ابنُ قدامةَ رحمه الله في "المغني" (1/151) : " ومَن كان مريضًا لا يقدرُ على الحركةِ، ولا يجدُ من يناوله الماءَ، فهو كالعادم، لأنّه لا سبيلَ له إلى الماء، فأشبَهَ مَن وجدَ بئرًا ليس له ما يُستقَي به منها. وإن كانَ له من يناولُه الماءَ قبل خروجِ الوقتِ فهو كالواجد؛ لأنّه بمنزلةِ من يجدُ ما يستقي به في الوقت. وإن خافَ خروجَ الوقتِ قبلَ مجيئِه، فقالَ ابنُ أبي موسى: له التيمم، ولا إعادةَ عليه. وهو قولُ الحسن؛ لأنّه عادمٌ في الوقت، فأشبَه العادمَ مطلقًا " انتهى. وقالَ المَرداوِيُّ في "الإنصاف" (1/265) : " لو عجَزَ المريضُ عن الحركةِ وعمَّن يُوَضِّيه، فحُكمُه حكمُ العادم. وإن خاف فوتَ الوقتِ إن انتظرَ من يُوَضّيه، تيمَّمَ وصلّى، ولا يعيدُ على الصحيحِ من المذهبِ " انتهى. وقال شيخُ الإسلامِ في "شرح العمدة" (1/433-434) : " فإن لم يمكِنْه (استعمالُ الماء) بأن يكونَ عاجزًا عن الحركةِ إلى الماء، وليس له من يناولُه، فهو كالعادم. وإن كان له من يناولُه في الوقتِ فهو واجدُه " انتهى. وجاءَ في "الموسوعةِ الفقهية" (14/260) : " يتيمّمُ العاجزُ الّذي لا قدرةَ له على استعمالِ الماءِ ولا يعيدُ كالمكره، والمحبوسِ، والمربوط بقربِ الماء، والخائفِ من حيوانٍ، أو إنسانٍ في السّفرِ والحضرِ، لأنّه عادمٌ للماءِ حكمًا، وقد قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (إنّ الصّعيد الطّيّب طهور المسلم وإن لم يجد الماءَ عشرَ سنينَ، فإذا وجدَ الماءَ فليمسّه بشرتَه، فإنّ ذلك خير) " انتهى. وانظر سؤال رقم (20935) . ثانيًا: إذا كانَ يستطيعُ غسلَ بعضِ أعضاءِ الوضوء، ويمنعُه مرضُه من غسلِ بقيتها، فالواجبُ عليه أن يغسلَ ما استطاعَ من أعضاءِ الوضوء، ويتيمَّمَ بدلًا عمَّا تركَه من غيرِ غسل. وقد سبق بيان ذلك في سؤال رقم (67614) . ثالثًا: أما عن صفةِ التيمم: فيقولُ الشيخُ ابنُ عثيمين في "الشرح الممتع" (1/488) : " والكيفيّةُ عندي التي توافقُ ظاهرَ السنة: أن تضربَ الأرضَ بيديك ضربةً واحدةً بلا تفريجٍ للأصابع، وتمسحَ وجهَك بكفَّيْك، ثم تمسحَ الكفينِ بعضَهما ببعض، وبذلك يَتِمُّ التيممُ " انتهى. وقد سبق بيانها بالتفصيل في سؤال رقم (21074) . رابعًا: إذا صلَّى المريضُ العاجزُ عن استعمالِ الماءِ بالتيممِ، ثم تيسَّرَ له استعمال الماء بعدَ أن فرغَ من صلاتِه، فلا تلزمُه الإعادة، وذلك لأنَّه أدّى ما وجبَ عليه، وفعل ما أُمِرَ به. قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية في "شرح العمدة" (1/425) : " لأنّ اللهَ إنما خاطبَ بصلاةٍ واحدةٍ، يفعلُها بحسبِ الإمكان، والشرطُ المعجوزُ عنه ساقطٌ بالعجز، وفي قولِه صلى الله عليه وسلم: (الصعيدُ الطيبُ طهورُ المسلم) وقولِه: (الترابُ كافيك) دليلٌ على أنّه يقومُ مقامَ الماءِ مطلقًا " انتهى. خامسًا: التيمُّمُ بالضربِ على جدارِ المنزلِ، اختلفَ فيه أهلُ العلم، تبعًا لاختلافِهم في المرادِ من قولِ اللهِ تعالى: (فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً) النساء/43، والصحيح في معنى الآية: أن المراد بالصعيد هو وجه الأرض , سواء كان تراباً أم رملاً أم حجارة. . أم غير ذلك. وعلى هذا: إذا كان الجدار غير مطليٍّ بشيء جاز التيمم منه سواء كان عليه غبار أو لا , لأنه من الصعيد , وإن كان مطلياً (بخشب أو دهان) فهذا الخشب أو الدهان ليس من الصعيد فلا يصح التيمم منه إلا إذا كان عليه غبار , لأن الغبار من الصعيد. وانظر سؤال رقم (36774) . سادسًا: أما عن صفةِ صلاةِ المريضِ العاجزِ عن الحركة: فقد جاء في "الموسوعة الفقهية" (26/208) : " يأتي المريضُ أو المصابُ بالشّللِ بأركانِ الصّلاةِ الّتي يستطيعها عند جمهور الفقهاء؛ لأنّ العاجزَ عن الفعلِ لا يكلّفُ به، فإذا عجزَ عن القيامِ يصلي قاعدًا بركوعٍ وسجود، فإن عجزَ عن ذلك صلَّى قاعدًا بالإيماء، ويجعلُ السجودَ أخفضَ من الركوع، فإن عجَزَ عن القعودِ يستلقي ويومئُ إيماءً؛ لأن سقوطَ الركنِ لمكانِ العذرِ، فيتقدرُ بقدرِ العُذر. وروى عمرانُ بنُ حصين رضي الله عنه أنه قال: مرضتُ فعادَني رسولُ الله فقال: صلِّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب، تومئُ إيماءً " انتهى. وسئلَ الشيخُ صالحُ الفوزان: لي والدٌ مريضٌ مصابٌ بشللٍ في الجهةِ اليسرى من جسمِه، حيثُ أصبحت عاطلةً تمامًا عن الحركة، فلذلك لا يستطيعُ المشيَ ولا الحركةَ ولا قضاءَ الحاجةِ في الأماكنِ المخصصةِ لذلك بنفسه، وهذا منذُ عشرِ سنوات، ولكنَّه قبلَ ثلاثةِ أو أربعةِ أشهرٍ اشتدَّ عليه هذا المرضُ أكثر، فهل يجوز له تركُ الصلاة لهذا السبب، الذي به لا يستطيعُ التطهر للصلاةِ. أم لا؟ فإن كان لا يجوزُ له ذلك فكيف العملُ في طهارتِه وفي صلاتِه؟ وماذا يعملُ بما تركه من صلواتٍ فيما مضى في فترةِ مرضه، لاعتقادِه أنه مادامَ كذلك فهو مُعفىً من الصلاة؟ فأجابَ: " المسلمُ لا تسقطُ عنه الصلاةُ مادام عقلُه ثابتًا، ولكنَّه يصلِّي على حسبِ حالِه لقولِه تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ولقولِ النبي صلى الله عليه وسلم للمريض: (صلِّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب) . فيجبُ على والدِك الذي أصيبَ بهذا الشللِ إذا كان يستطيعُ الوضوءَ بأن يوضّئَ نفسَه بيدِه الصحيحة، أو يوضئُه غيرُه ممَّن يعينُه على الوضوء، فإنه يجبُ عليه ذلك. وإذا كانَ لا يستطيعُ الوضوءَ بالماء فإنه يتيمَّم بالتراب. وإذا كانَ لا يستطيعُ أن يتيممَ بنفسِه فيُيمّمُه غيرُه، بأن يضربَ أحدَ أوليائِه أو الحاضرينَ عنده بيدَيه على التراب، ويمسحَ بهما وجهَه ويديه وينويَ هو الطهارةَ بذلك، ويصلي على حسبِ حالِه جالسًا أو على جنبِه، ويومئُ برأسِه للركوعِ والسجودِ حسبَ الاستطاعة. فإذا كان لا يستطيعُ الإيماءَ برأسِه لأجلِ الشللِ الذي فيه، فإنه يومئُ بطرفه بالركوعِ والسجود. وهكذا، فالدينُ يسرٌ وللهِ الحمدُ، لكن ليس معنى هذا أن يتركَ الصلاةَ نهائيًّا، وإنما يصليها على حسبِ حاله كما ذكرنا، ويجب عليه أن يقضيَ الصلواتِ التي تركها بحسب استطاعته " انتهى. "المنتقى من فتاوى الفوزان" (4/رقم 27) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 71202 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1516 ما حكم الأذانين والإقامتين عند الجمع بين الصلاتين؟ [السُّؤَالُ] ـ[ ما حكم الأذانين والإقامتين عند الجمع بين الصلاتين؟. ]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف العلماء في الأذان والإقامة للصلاتين المجموعتين، والصحيح من تلك الأقوال أنه يؤذَّن أذان واحد للصلاتين، ويقام إقامتان، لكل صلاة إقامة. وهذا قول الحنفية والحنابلة , وهو المعتمد عند الشافعية , وهو قول بعض المالكية. انظر: "الموسوعة الفقهية" (2/370) . والدليل على ذلك: ما ثبت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، حيث صلَّى الظهر والعصر في عرفة جمع تقديم بأذان واحد وإقامتين، وصلَّى المغرب والعشاء في مزدلفة جمع تأخير بأذان واحد وإقامتين – أيضاً -. عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه في وصف حجة الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ثم أذَّن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئا ... حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين) رواه مسلم (1218) . وسئل علماء اللجنة الدائمة: يقول بعض الفقهاء: تصلَّى صلاة المغرب والعشاء جمعاً في المطر بأذانين، فما حكم ذلك؟ فأجابوا: " السنَّة أن الشخص يجمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، إذا وُجد مسوغُ ذلك؛ كالسفر والمرض والمطر في الحضر، هذا هو الذي تدل عليه السنة الصحيحة الصريحة، لفعل النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (8/142) . وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: " فإذا جمع الإنسانُ أذَّن للأُولى، وأقام لكلِّ فريضة، هذا إن لم يكن في البلد، أما إذا كان في البلد: فإنَّ أذان البلد يكفي؛ وحينئذ يُقيم لكلِّ فريضة. دليل ذلك: ما ثبت في " صحيح مسلم " من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أذَّن في عَرفة، ثم أقام فصَلَّى الظُّهر، ثم أقام فصلَّى العصر، وكذلك في مُزدَلِفَة حيث أذَّن وأقام فصَلَّى المغرب، ثم أقام فَصَلَّى العشاء " انتهى. "الشرح الممتع" (2/78، 79) . وأما حكم الأذان والإقامة فهما فرض كفاية، فيكفي عن الجماعة أن يؤذن ويقيم أحدهم، ولا يطلب ذلك من كل واحد من الجماعة، وقد سبق في كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أنهم إذا كانوا في بلد قد أذن فيه المأذنون في المساجد كفاهم ذلك، وأقاموا لكل صلاة. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: " والدَّليل على فرضيتهما – أي: الأذان والإقامة -: أَمْرُ النبي صلى الله عليه وسلم بهما في عِدَّة أحاديث؛ وملازمته لهما في الحضر والسَّفر؛ ولأنه لا يتمُّ العلم بالوقت إلا بهما غالباً، ولتعيُّن المصلحة بهما؛ لأنَّهما من شعائر الإسلام الظَّاهرة ... . وهما واجبان على المقيمين والمسافرين، ودليله: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لمالك بن الحويرث وصحبِه: (إذا حضرت الصَّلاةُ فليؤذِّن لكم أحدُكُم) متفق عليه، وهم وافدون على الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام مسافرون إلى أهليهم، فقد أمر الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام أن يُؤذِّن لهم أحدُهم؛ ولأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يَدَعِ الأذان ولا الإقامة حَضَراً ولا سَفَراً، فكان يُؤذِّن في أسفاره ويأمر بلالاً أن يُؤذِّنَ. فالصَّواب: وجوبُه على المقيمين والمسافرين ... فيؤذن لكل صلاة من الصلوات الخمس، ما لم تُجمع الصَّلاة؛ فإنه يكفي للصَّلاتين أذان واحد، ولكن لا بُدَّ من الإقامة لكلِّ واحدة منهما. "الشرح الممتع" (2/42– 46) باختصار وتصرف يسير. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 70298 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1517 يشق عليه القيام للصلوات نظراً لظروف عمله وثقَل نومه [السُّؤَالُ] ـ[مواعيد عملي تحتم عليَّ أن أعمل طوال الليل وأن أنام بالنهار ويصعب عليَّ أن أقوم بالصلوات الأربعة الأخرى، نظراً للتعب في العمل فإني لا أستطيع القيام أثناء النوم والقيام بالصلاة ثم أنام مرة أخرى ولسبب آخر وهو أن " نومي ثقيل " وعندما أنام لا يستطيع أحد أن يوقظني من النوم، حتى لو أني نويت القيام للصلاة أثناء النوم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: كان بعض الصحابة رضي الله عنهم يعملون الأعمال الشاقة كالزراعة والرعي وجمع الحطب ونحو ذلك ولم يكونوا من المفرطين في صلاتهم، بل كانوا محافظين عليها ليس في وقتها وحسب بل وفي جماعة، وحافظوا على العبادة وطلب العلم، ولم تأت الرخصة لهم في ترك الصلاة من أجل العمل. ولذلك فالواجب على أهل الأعمال وغيرهم أداء الصلوات في أوقاتها. وقد أثنى الله تعالى على المؤمنين بأنهم لا تشغلهم أعمالهم عن طاعة الله تعالى، فقال: (رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) النور/37-38. ثانياً: والنائم معذور وقت نومه، فإذا استيقظ وجب عليه أداء الصلاة بعد استيقاظه. فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: (مَن نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها) رواه البخاري (572) ومسلم (684) . قال الشوكاني رحمه الله: " الحديث يدل على أن النائم ليس بمكلف حال نومه وهو إجماع ... وظاهر الحديث أنه لا تفريط في النوم سواء كان قبل دخول وقت الصلاة أو بعده قبل تضيقه وقيل: إنه إذا تعمد النوم قبل تضيق الوقت واتخذ ذلك ذريعة إلى ترك الصلاة لغلبة ظنه أنه لا يستيقظ إلا وقد خرج الوقت كان آثما , والظاهر أنه لا إثم عليه بالنظر إلى النوم ; لأنه فعله في وقت يباح فعله فيه فيشمله الحديث , وأما إذا نظر إلى التسبب به للترك فلا إشكال في العصيان بذلك " انتهى. " نيل الأوطار " (2 / 33، 34) . ثالثاً: والواجب على النائم قبل نومه أن يحرص على الاستيقاظ في وقت الصلاة، وأن يأخذ بالأسباب التي تعينه على أداء الصلاة في وقتها، فإن فعل ولم يستيقظ فهو معذور لأنه أدى الذي عليه و (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) ، وقد حصل هذا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره. فعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: سرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فقال بعض القوم: لو عَرَّست بنا يا رسول الله (أي: نزلت بنا آخر الليل حتى نستريح) ، قال: أخاف أن تناموا عن الصلاة، قال بلال: أنا أوقظكم، فاضطجعوا وأسند بلال ظهره إلى راحلته فغلبته عيناه فنام، فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم وقد طلع حاجب الشمس، فقال: يا بلال أين ما قلت؟ قال: ما ألقيت علي نومة مثلها قط، قال: إن الله قبض أرواحكم حين شاء وردها عليكم حين شاء، يا بلال قم فأذن بالناس بالصلاة، فتوضأ فلما ارتفعت الشمس وابياضت قام فصلى. رواه البخاري (570) ومسلم (681) وعنده: (احفظوا علينا صلاتنا) . فالنبي صلى الله عليه وسلم قد أخذ بأسباب الاستيقاظ بجعله بلالاً لينبههم لصلاتهم، إلا أنه غلبته عيناه، فنام ونام القوم معه حتى طلعت الشمس ولم يكونوا مفرطين، ولذلك قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه ليس في القوم تفريط) . وأما من سهر في عمل أو غيره ولم يأخذ بأسباب الاستيقاظ فصلَّى بعد الوقت: فيعتبر تاركاً للصلاة متعمداً، وهو غير معذور بنومه. وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: عمن يسهر ولا يستطيع أن يصلي الفجر إلا بعد خروج الوقت فهل تقبل منه؟ وحكم بقية الصلوات التي يصليها في الوقت؟ فأجاب: " أما صلاة الفجر التي يؤخرها عن وقتها وهو قادر على أن يصليها في الوقت لأن بإمكانه أن ينام مبكراً فإن صلاته هذه لا تقبل منه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) رواه مسلم، والذي يؤخر الصلاة عن وقتها عمداً بلا عذر: قد عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله فيكون مردوداً عليه. لكن قد يقول: إنني أنام، وقد قال النبي صلي الله عليه وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك) . فنقول: إذا كان بإمكانه أن ينام مبكراً ليستيقظ مبكراً، أو يجعل عنده ساعة تنبهه، أو يوصي من ينبهه: فإن تأخيره الصلاة، وعدم قيامه يعتبر تعمداً لتأخير الصلاة عن وقتها، فلا تقبل منه " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (12 / السؤال رقم 14) . رابعاً: وقد يكون الرجل ثقيل النوم، فهذا على حالين: الحال الأولى: أن يكون ثقل نومه بسبب سهره في العمل أو في طلب العلم أو قيام الليل: فمثل هذا لا يجوز له أن يتسبب في تضييع الصلاة عن وقتها من أجل ما سبق، ويجب عليه أن يبحث عن عمل آخر لا يسبب له تضييع الصلوات، ما لا يجوز له الاشتغال بالنوافل أو حتى طلب العلم – وهو واجب في أصله – على حساب تضييع الصلوات، وترك الصلاة هنا يعتبر تعمداً؛ لأنه يستطيع تغيير العمل، ويستطيع ترك السهر. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: " الواجب على الإخوة الذين يخرجون إلى الرحلات أن يشكروا الله تعالى على هذه النعمة حيث جعلهم في رخاء ويسر من العيش، وفي أمن وأمان من الخوف، ويقوموا بما أوجب الله عليهم من الصلاة في أوقاتها، سواء صلاة الفجر أم غيرها، ولا يحل لهم أن يؤخروا صلاة الفجر عن وقتها بحجة أنهم نائمون، لأن هذا النوم لا يعذرون فيه غالباً لكونهم يستطيعون أن يكون لهم منبهات تنبههم للصلاة في وقتها، ويستطيعون أن يناموا مبكرين حتى يقوموا نشيطين " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (12 / السؤال رقم 14) . وأما الحال الثانية: أن يكون ثقل النوم طبعاً في الرجل، وليس له تعلق بسهر أو عمل، وقد عرف هذا عن بعض الأقوام والأشخاص، فإن كان كذلك: فهو معذور إن كان قد أخذ بالأسباب ولم يستيقظ. فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ونحن عنده فقالت: يا رسول الله إن زوجي صفوان بن المعطل لا يصلي صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، قال: وصفوان عنده، قال: فسأله عما قالت، فقال: يا رسول الله إنا أهل بيت قد عرف لنا ذاك لا نكاد نستيقظ حتى تطلع الشمس قال: (فإذا استيقظت فصلِّ) . رواه أبو داود (2459) وصححه الشيخ الألباني في " إرواء الغليل " (7 / 65) . والخلاصة: أن الذي يظهر من حالك أن ثقل نومك له تعلق بالسهر، والسهر كان بسبب العمل وعليه: فلا يجوز لك البقاء في عملك هذا؛ لأنه يؤدي بك إلى ترك أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، فابحث عن عمل غيره يعوضك الله خيراً منه. وسترى التغير الطيب في دينك وجسمك ونفسيتك، أما الدين: فإن أداء الصلوات في أوقاتها من أعظم الواجبات، وتركه من أعظم المحرمات، وأما جسمك: فإن علماء الطب قد ذكروا مضار كثيرة لمن يعمل بالليل، وأن نوم النهار لا يعطي الجسم الراحة التي تحصل له من نوم الليل، وكل ما سبق يؤثر على نفسيتك تأثيراً سلبيّاً. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65605 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1518 حكم صلاة الجماعة للمريض ولمن لا يتحكم بالنجاسة [السُّؤَالُ] ـ[لي زميل عمل عملية استئصال فتحة الشرج - تغيير مجرى فتحة الشرج وفتح فتحة من الجنب - لوجود ورم، سؤالي هو: الفتحة الجديدة لا يتحكم في الإخراج أو الريح هل يجوز له الصلاة في المسجد أو في البيت؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نسأل الله تعالى أن يعافيه وأن يشفيه، كما نسأله تعالى أن يلهمه الصبر ويؤجره على ما ابتلاه به. وهذه الحالة المرضية لا يستطيع المريض فيها أن يتحكم بإخراج الغائط، بل يخرج الغائط عبر فتحة الشرج المصطنعة على هيئة سلس مستمر، وحكمه حكم من به سلس دائم. وعليه: فيجوز لمن ابتلي بهذا أن يجمع بين الصلاتين إن شقَّ عليه أداء كل صلاة في وقتها. قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: والصواب أن الجمع لا يختص بالسفر الطويل بل يجمع للمطر ويجمع للمرض كما جاءت بذلك السنة في جمع المستحاضة فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بالجمع في حديثين. " الفتاوى الكبرى " (1 / 49) . وقال علماء اللجنة الدائمة في حكم امرأة لا تتحكم بالبول من مرض أصابها: إذا كان الأمر كما ذكر: فإنها تصلِّي على حسب حالها، ولا مانع من جمعها الظهر والعصر في وقت أحدهما، وهكذا المغرب والعشاء؛ لعموم أدلة يسر الشريعة على أن يكون وضوؤها للظهر والعصر بعد دخول الوقت، وهكذا المغرب والعشاء يكون وضوؤها لهما بعد دخول الوقت. " فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (8 / 85) . ثانياً: ولا تسقط الجماعة في المسجد عن مثل هذا المريض إلا أن يكون في ذهابه تلويث للمسجد أو ظهور ريح كريهة من الفتحة الجديدة؛ لما في ذلك من أذية المصلين. - أما الرائحة الكريهة: فخروجها من الإنسان عذر له في سقوط وجوب صلاة الجماعة، بل لا يحل له المجيء إلى المسجد وإيذاء الملائكة والمصلين بهذه الرائحة. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين: إذا كان فيه بَخَرٌ: أي: رائحةٌ منتنةٌ في الفَمِ، أو في الأنفِ أو غيرهما تؤذي المصلِّين، فإنَّه لا يحضرُ دفعاً لأذيَّتِه. " الشرح الممتع " (4 / 323) . وقد نُهي آكل البصل والثوم عن حضور جماعة المسجد لما لهما من رائحة كريهة، ويلحق بذلك أيضاً: رائحة الدخان والسجائر الخبيثة المحرمة روى مسلم (564) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ) . وإذا كان من عادة هذا المريض أن يصلي في المسجد جماعة: فإنه يكتب له أجرها ولو صلى في بيته. قال الشيخ ابن عثيمين: المعذورَ يُكتبُ له أجرُ الجماعةِ كاملاً إذا كان مِن عادتِه أن يصلِّي مع الجماعةِ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا مَرِضَ العبدُ أو سافرَ كُتِبَ له مثلُ ما كان يعملُ صحيحاً مقيماً ". " الشرح الممتع " (4 / 323) . وأما تلويث المسجد بالنجاسات فهو محرَّم، وقد أمرنا بتنظيف المساجد وتطييبها. روى البخاري (221) ومسلم (284) عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي طَائِفَةِ الْمَسْجِدِ فَزَجَرَهُ النَّاسُ فَنَهَاهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا قَضَى بَوْلَهُ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ فَأُهْرِيقَ عَلَيْهِ) وفي رواية لمسلم (285) : (ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلا الْقَذَرِ، إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالصَّلاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ) . قال النووي في شرح صحيح مسلم: "يَحْرُم إِدْخَال النَّجَاسَة إِلَى الْمَسْجِد , وَأَمَّا مَنْ عَلَى بَدَنه نَجَاسَة فَإِنْ خَافَ تَنْجِيس الْمَسْجِد لَمْ يَجُزْ لَهُ الدُّخُول , فَإِنْ أَمِنَ ذَلِكَ جَازَ" اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50075 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1519 الجمع بين المغرب والعشاء بسبب حظر التجول [السُّؤَالُ] ـ[نحن في العراق عندنا في بلدتنا حظر للتجوال يبدأ الساعة العاشرة مساء، وإمام مسجدنا قليل الفقه، أصبح يجمع صلاة المغرب والعشاء معا، فيصلي المغرب ثلاث ركعات ثم بعدها يجمع العشاء أربع ركعات بعد صلاة المغرب، ثم بعد ذلك يؤذن لصلاة العشاء في وقت صلاة العشاء. فهل عمله هذا موافق للكتاب والسنة أم ماذا؟ وما هي صيغة صلاة الخوف الشرعية؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نعم، يجوز في حالتكم هذه الجمع بين صلاتي المغرب والعشاء، وقد ثبت في السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يجمع بين الصلاتين بسبب المطر، فقد روى مسلم (705) عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلا مَطَرٍ. قُلْتُ لابْنِ عَبَّاسٍ: لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ؟ قَالَ: كَيْ لا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ. فنفيُ ابن عباس رضي الله عنه الخوف والمطر، دليل على أنهما من أسباب الجمع بين الصلاتين. قال شيخ الإسلام: " يجوز الجمع بين العشاءين للمطر والريح الشديدة الباردة والوحل الشديد. وهذا أصح قولي العلماء وهو ظاهر مذهب أحمد ومالك وغيرهما " انتهى. وقال أيضاً: " يجوز الجمع للوحل الشديد والريح الشديدة الباردة في الليلة الظلماء ونحو ذلك وإن لم يكن المطر نازلا في أصح قولي العلماء، وذلك أولى من أن يصلوا في بيوتهم، بل ترك الجمع مع الصلاة في البيوت بدعة مخالفة للسنة، إذ السنة أن تصلى الصلوات الخمس في المساجد جماعة، وذلك أولى من الصلاة في البيوت باتفاق المسلمين. والصلاة جمعاً في المساجد أولى من الصلاة في البيوت مفرقة باتفاق الأئمة الذين يجوزون الجمع: كمالك والشافعي وأحمد " انتهى. "مجموع الفتاوى" (24/30) . وحالتكم هذه أولى من الجمع بسبب المطر بلا شك. ثانياً: وهذا الجمع إنما هو لمن كان من أهل الجماعة، أما المريض الذي يصلي في بيته، أو المرأة التي تصلي في بيتها فلا يجوز لهما الجمع. قال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (4/288) : " أما إذا كان يصلي في بيته لمرض وهو لا يحضر المسجد لا يجوز له أن يجمع، لأنه لا يستفيد شيئاً، أو كانت امرأة فإنه لا يجوز لها الجمع من أجل المطر، لأنها لا تستفيد بالجمع شيئاً، فهي ليست من أهل الجماعة " انتهى. وانظر جواب السؤال (31172) . ثالثاً: وأما أذانه العشاء بعد ذلك في وقتها فلا حرج فيه، حتى يعلم من يصلي في بيته كالنساء والمرضى بدخول وقت صلاة العشاء. رابعاًَ: وصفك إمام مسجدكم بأنه قليل الفقه من أجل أنه يجمع بين صلاتي المغرب والعشاء خطأ ظاهر، بعد ما تبين أن فعله هذا صحيح بدلالة ما سبق. فكان عليك أن تتمهل، ولا تتسرع في إنكار الشيء إلا إذا تبين لك أنه منكر، ولا تنسب أخاك إلى الجهل من غير بينة. خامساً: وأما صفة صلاة الخوف فلها عدة صفات على حسب حال الخوف، وكون العدو في جهة القبلة أم في غيرها، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (36896) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39176 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1520 صفة صلاة الخوف [السُّؤَالُ] ـ[ما هي صفة صلاة الخوف؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: صلاة الخوف مشروعة بقول الله تعالى: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً) النساء/102. وقد صلاها النبي صلى الله عليه وسلم عدة مرات بأصحابه بصفات مختلفة. قال الإمام أحمد: ثبت في صلاة الخوف ستة أحاديث أو سبعة أيهما فعل المرء جاز. وقال ابن القيم: " أُصُولُهَا سِتّ صِفَات , وَأبَلَغَهَا بَعْضهمْ أَكْثَر , وَهَؤُلاءِ كُلَّمَا رَأَوْا اِخْتِلاف اَلرُّوَاةُ فِي قِصَّةٍ جَعَلُوا ذَلِكَ وَجْهًا مِنْ فِعْلِ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ اِخْتِلاف اَلرُّوَاةِ " انتهى. قال الحافظ: وَهَذَا هُوَ اَلْمُعْتَمَدُ. وصفة صلاة الخوف تختلف باختلاف شدة الخوف، وباختلاف مكان العدو، هل هو في اتجاه القبلة أم في جهة أخرى؟ وعلى الإمام أن يختار من الصفات ما هو أنسب للحال، ومحققاً المصلحة، وهي الاحتياط للصلاة، مع كمال التحفظ والاحتراس من العدو، حتى لا يهجموا على المسلمين بغتة وهو يصلون. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: " صَلاة الْخَوْف أَنْوَاع صَلاهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَيَّام مُخْتَلِفَة، وَأَشْكَال مُتَبَايِنَة، يَتَحَرَّى فِي كُلّهَا مَا هُوَ أَحْوَط لِلصَّلاةِ، وَأَبْلَغ فِي الْحِرَاسَة " انتهى نقلاً من شرح مسلم للنووي. ثانياً: أول مشروعيتها عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمًا مِنْ جُهَيْنَةَ، فَقَاتَلُونَا قِتَالا شَدِيدًا، فَلَمَّا صَلَّيْنَا الظُّهْرَ قَالَ الْمُشْرِكُونَ: لَوْ مِلْنَا عَلَيْهِمْ مَيْلَةً لاقْتَطَعْنَاهُمْ، فَأَخْبَرَ جِبْرِيلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَقَالُوا: إِنَّهُ سَتَأْتِيهِمْ صَلاةٌ هِيَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ الأَوْلادِ، فَلَمَّا حَضَرَتْ الْعَصْرُ قَالَ: صَفَّنَا صَفَّيْنِ، وَالْمُشْرِكُونَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ. . . ثم ذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى بهم صلاة الخوف. رواه مسلم (840) . ثالثاً: نكتفي هنا ببيان بعض هذه الصفات: الصفة الأولى: إذا كان العدو في غير اتجاه القبلة، " فيقسم قائد الجيش جيشه إلى طائفتين، طائفة تصلّي معه، وطائفة أمام العدو، لئلا يهجم على المسلمين، فيصلّي بالطائفة الأولى ركعة، ثم إذا قام إلى الثانية أتموا لأنفسهم أي: نووا الانفراد وأتموا لأنفسهم، والإِمام لا يزال قائماً، ثم إذا أتموا لأنفسهم ذهبوا ووقفوا مكان الطائفة الثانية أمام العدو، وجاءت الطائفة الثانية ودخلت مع الإِمام في الركعة الثانية، وفي هذه الحال يطيل الإِمام الركعة الثانية أكثر من الأولى لتدركه الطائفة الثانية، فتدخل الطائفة الثانية مع الإِمام فيصلّي بهم الركعة التي بقيت، ثم يجلس للتشهد، فإذا جلس للتشهد قامت هذه الطائفة من السجود رأساً وأكملت الركعة التي بقيت وأدركت الإِمام في التشهد فيسلم بهم. وهذه الصفة موافقة لظاهر القرآن، قال الله تعالى: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا – أي: أتموا الصلاة - فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى - وهي التي أمام العدو - لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُم) " الشرح الممتع (4/298) بتصرف يسير. روى البخاري (413) ومسلم (842) عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ عَمَّنْ شَهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ صَلَّى صَلاةَ الْخَوْفِ: (أَنَّ طَائِفَةً صَفَّتْ مَعَهُ، وَطَائِفَةٌ وِجَاهَ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى بِالَّتِي مَعَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا، وَأَتَمُّوا لأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ انْصَرَفُوا فَصَفُّوا وِجَاهَ الْعَدُوِّ، وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الأُخْرَى فَصَلَّى بِهِمْ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ مِنْ صَلاتِهِ، ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا، وَأَتَمُّوا لأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ) قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي صَلاةِ الْخَوْفِ. الصفة الثانية: " إذا كان العدو في جهة القبلة، فإن الإِمام يصفهم صفين ويبتدئ بهم الصلاة جميعاً، ويركع بهم جميعاً ويرفع بهم جميعاً، فإذا سجد سجد معه الصف الأول فقط ويبقى الصف الثاني قائماً يحرس، فإذا قام قام معه الصف الأول ثم سجد الصف المؤخر، فإذا قاموا تقدم الصف المؤخر وتأخر الصف المقدم، ثم صلّى بهم الركعة الثانية قام بهم جميعاً وركع بهم جميعاً، فإذا سجد سجد معه الصف المقدم الذي كان في الركعة الأولى هو المؤخر، فإذا جلس للتشهد سجد الصف المؤخر، فإذا جلسوا للتشهد سلم الإِمام بهم جميعاً، وهذه لا يمكن أن تكون إلا إذا كان العدو في جهة القبلة " الشرح الممتع (4/300) . روى مسلم (840) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْخَوْفِ، فَصَفَّنَا صَفَّيْنِ: صَفٌّ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْعَدُوُّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، فَكَبَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَبَّرْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ رَكَعَ وَرَكَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَرَفَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ، وَقَامَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ فِي نَحْرِ الْعَدُوِّ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السُّجُودَ وَقَامَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ انْحَدَرَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ بِالسُّجُودِ وَقَامُوا، ثُمَّ تَقَدَّمَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ وَتَأَخَّرَ الصَّفُّ الْمُقَدَّمُ، ثُمَّ رَكَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَكَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَرَفَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ الَّذِي كَانَ مُؤَخَّرًا فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى، وَقَامَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ فِي نُحُورِ الْعَدُوِّ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السُّجُودَ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ انْحَدَرَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ بِالسُّجُودِ، فَسَجَدُوا، ثُمَّ سَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَلَّمْنَا جَمِيعًا) . الصفة الثالثة: إذا كان الخوف شديداً، ولم يمكن للإمام أن يصف المسلمين ويصلي بهم جماعة، وهذا يكون عند تلاحم الصفين، ونشوب القتال. ففي هذه الحال يصلي كل مسلم بمفرده، وهو يقاتل، ماشيا على قدميه، أو راكباً، مستقبل القبلة أو غير مستقبلها، وينحني عند الركوع والسجود، ويجعل السجود أخفض من الركوع. قال الله تعالى: (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً) البقرة/239. قال السعدي (ص 107) : " (رِجَالاً) أي: على أرجلكم، (أَوْ رُكْبَاناً) على الخيل والإبل وسائر المركوبات، وفي هذه الحال لا يلزمه الاستقبال (يعني: استقبال القبلة) ، فهذه صلاة المعذور بالخوف " انتهى. روى البخاري (943) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: (وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَلْيُصَلُّوا قِيَامًا وَرُكْبَانًا) . قال الحافظ: " (وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ: إِنْ كَانَ اَلْعَدُوّ , وَالْمَعْنَى أَنَّ اَلْخَوْفَ إِذَا اِشْتَدَّ وَالْعَدْوّ إِذَا كَثُرَ فَخِيفَ مِنْ اَلانْقِسَامِ لِذَلِكَ جَازَتْ اَلصَّلاةُ حِينَئِذٍ بِحَسَبَ اَلإِمْكَان , وَجَازَ تَرْكُ مُرَاعَاة مَا لا يُقْدَرُ عَلَيْهِ مِنْ اَلأَرْكَانِ , فَيَنْتَقِلُ عَنْ اَلْقِيَامِ إِلَى اَلرُّكُوعِ , وَعَنْ اَلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ إِلَى اَلإِيمَاءِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ , وَبِهَذَا قَالَ اَلْجُمْهُور " انتهى. وروى اَلطَّبَرِيّ عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ: (إِذَا اِخْتَلَطُوا - يَعْنِي فِي اَلْقِتَالِ - فَإِنَّمَا هُوَ اَلذِّكْرُ وَإِشَارَة اَلرَّأْسِ) . وروى البخاري (4535) عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. . . ذكر صفة صلاة الخوف، ثم قال: (فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ هُوَ أَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ صَلَّوْا رِجَالًا قِيَامًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ، أَوْ رُكْبَانًا مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ أَوْ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا) قَالَ نَافِعٌ: لا أُرَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ذَكَرَ ذَلِكَ إِلا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال الحافظ: " وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي قَوْلِهِ " فَإِنْ كَانَ خَوْف أَشَدّ مِنْ ذَلِكَ " هَلْ هُوَ مَرْفُوعٌ أَوْ مَوْقُوفٌ عَلَى اِبْن عُمَر , وَالرَّاجِح رَفْعه " انتهى. وقال في المنتقى شرح الموطأ: " (فَإِنْ كَانَ خَوْفًا هُوَ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ) يَعْنِي: خَوْفًا لا يُمْكِنُ مَعَهُ الْمُقَامُ فِي مَوْضِعٍ، وَلا إقَامَةَ صَفٍّ، صَلَّوْا رِجَالا؛ قِيَامًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّ الْخَوْفَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: ضَرْبٌ يُمْكِنُ فِيهِ الاسْتِقْرَارُ وَإِقَامَةُ الصَّفِّ لَكِنْ يَخَافُ مِنْ ظُهُورِ الْعَدُوِّ بِالاشْتِغَالِ بِالصَّلاةِ. . . وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ الْخَوْفِ: فَهَذَا أَنْ لا يُمْكِنَ مَعَهُ اسْتِقْرَارٌ، وَلا إقَامَةُ صَفٍّ، مِثْلُ الْمُنْهَزِمِ (الهارب من العدو) الْمَطْلُوبِ فَهَذَا يُصَلِّي كَيْفَ أَمْكَنَهُ، رَاجِلا أَوْ رَاكِبًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا) " انتهى باختصار. رابعاً: قال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (4/300) : " ولكن إذا قال قائل: لو فرض أن الصفات الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن تطبيقها في الوقت الحاضر؛ لأن الوسائل الحربية والأسلحة اختلفت؟ فنقول: إذا دعت الضرورة إلى الصلاة في وقت يخاف فيه من العدو، فإنهم يصلّون صلاة أقرب ما تكون إلى الصفات الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كانت الصفات الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم لا تتأتى، لقول الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16 " انتهى. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36896 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1521 حامل ولا تستطيع الركوع ولا السجود [السُّؤَالُ] ـ[أنا امرأة حامل ولا أستطيع أن أتم السجود بشكل جيد لأن الوضع غير مريح أبداً، فهل أجلس وأصلي وأنا جالسة مع أنني أستطيع القيام في أغلب الصلاة؟ ما هي الطريقة المثلى للصلاة في وضع الجلوس هل على كرسي أم على الأرض؟ هل أقف في مواضع الوقوف وأجلس على الكرسي في مواضع السجود والهبوط؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله القاعدة في صلاة المريض أنه يجب عليه الإتيان بما يستطيعه من أركان الصلاة وواجباتها، ويسقط عنه ما لا يستطيعه. وقد دل على ذلك أدلة كثيرة من الكتاب والسنة. قال الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16. وقال: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا) البقرة/286. وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ) رواه البخاري (7288) ومسلم (1337) . وعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلاةِ، فَقَالَ: صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ. رواه البخاري (1117) . وعلى هذا فإذا كنت تستطيعين الصلاة وأنت قائمة وجب عليك القيام، ثم إذا عجزت عن القيام أو شق عليك مشقة شديدة فإنك تجلسين في الصلاة. ويجوز الجلوس على الكرسي أو على الأرض حسب ما تستطيعين ويتيسر لك. غير أن الأفضل أن يكون الجلوس على الأرض، لأن السنة أن يجلس الإنسان متربعاً في موضع القيام والركوع، وهذا لا يتيسر على الكرسي قال الشيخ ابن عثيمين: فإن كان لا يستطيع القيام صلى جالساً والأفضل أن يكون متربعاً في موضع القيام والركوع اهـ رسالة " طهارة المريض وصلاته ". وهذا التربع ليس واجباً، فله أن يجلس كيفما يشاء لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا) ولم يبين كيفية قعوده. انظر: "الشرح الممتع" (4/462) . وإذا كان يشق عليك السجود والركوع فإنك تومئين بهما (أي: تحنين ظهرك) وتجعلين السجود أخفض من الركوع. وإذا كنت تستطيعين القيام فيكون الإيماء للركوع وأنت قائمة، وللسجود وأنت جالسة، لأن القيام أقرب إلى الركوع من الجلوس، والجلوس أقرب إلى السجود من القيام. قال الشيخ ابن باز: ومن قدر على القيام وعجز عن الركوع أو السجود لم يسقط عنه القيام، بل يصلي قائماً فيومئ بالركوع (يعني وهو قائم) ، ثم يجلس ويومئ بالسجود. . . ويجعل السجود أخفض من الركوع، وإن عجز عن السجود وحده ركع وأومأ بالسجود. . . ومتى قدر المريض في أثناء الصلاة على ما كان عاجزاً عنه من قيام أو قعود أو ركوع أو سجود انتقل إليه وبنى على ما مضى من صلاته اهـ من رسالة "أحكام صلاة المريض وطهارته". وقال الشيخ ابن عثيمين: فمن لم يقدر على الركوع أومأ به قائماً، ومن لم يقدر على السجود أومأ به جالساً اهـ الشرح الممتع (4/475) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36738 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1522 جمع الصلاة بسبب المطر [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز جمع صلاة الظهر مع العصر والمغرب مع العشاء في المطر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " يرخص في الجمع بين المغرب والعشاء جمع تقديم بأذان واحد وإقامة لكل منهما، من أجل المطر الذي يبل الثياب، ويحصل معه مشقة، من تكرار الذهاب إلى المسجد لصلاة العشاء، على الصحيح من قولي العلماء. وكذا يجوز الجمع بينهما جمع تقديم للوحل الشديد، على الصحيح من أقوال العلماء، دفعاً للحرج والمشقة، قال الله تعالى: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} الحج / 87، وقال: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} البقرة / 286. وقد جمع أبان بن عثمان رضي الله عنهما بين المغرب والعشاء في الليلة المطيرة، ومعه جماعة من كبار علماء التابعين، ولم يعرف لهم مخالف، فكان إجماعاً. ذكر ذلك ابن قدامة في المغني. ويرخص للمريض مرضاً شديداً أن يجمع بين الظهر والعصر في وقت إحداهما، حسب ما يتيسر له، وكذلك يجمع بين المغرب والعشاء؛ دفعاً للحرج عنه " فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء (8/135) فإن قيل: هل نجمع الصلاة – من أجل المطر – في المسجد أم في البيت؟ فالجواب: " المشروع أن يجمع أهل المسجد إذا وجد مسوغ للجمع كالمطر؛ كسباً لثواب الجماعة، ورفقاً بالناس، وبهذا جاءت الأحاديث الصحيحة. أما جمع جماعة في بيت واحد من أجل العذر المذكور فلا يجوز؛ لعدم وروده في الشرع المطهر، وعدم وجود العذر المسبب للجمع " فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء (8/134) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 31172 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1523 ماذا يصنع مسافر أراد صلاة العشاء خلف من يصلي المغرب؟ [السُّؤَالُ] ـ[صليتُ المغرب، ثم قمتُ لكي أصلي العشاء معها قصراً، فصليتُ مع جماعة متأخرة تصلي المغرب، فصليتُ معهم العشاء قصراً، مع أنهم مقيمون، حيث دخلت معهم في الصلاة في الركعة الثانية، ثم جلسنا بعدها للتشهد الأول، ثم أتينا بركعة أخرى، ثم سلَّم الإمام، وسلمتُ معه، هل صلاتي صحيحة أم أعيدها؟ وهل إذا أعدت الصلاة أصليها ركعتين، أو أربع؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا صلى المسافر خلف إمام مقيم: فعليه أن يُتم صلاته معه، إذا اتفقت الصلاتان، ولا يجوز له أن يقتصر على صلاة ركعتين. وينظر في ذلك جواب السؤال رقم: (21996) . أما إذا اختلفت الصلاتان ـ كما في السؤال ـ فالمأموم مخير بين أن يقتصر على صلاة ركعتين، وبين أن يتم صلاته أربعاً بعد سلام الإمام. وقد سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: عن رجل مسافر دخل المسجد , ووجد جماعة يصلون المغرب , وهو قد صلَّى المغرب , فصلَّى معهم بنية العشاء , ولما قام الإمام للركعة الثالثة: جلس، وتشهد، وسلم، فما حكم ذلك؟ . فأجاب: "إذا دخل رجل مسافر قد صلَّى المغرب , فوجدهم يصلون المغرب , فدخل معهم بنية صلاة العشاء: فمِن العلماء من قال: " لا يصح دخوله؛ لاختلاف الصلاتين نية، وعملاً "، ومنهم من قال: " يصح ذلك " , فإذا قام الإمام للثالثة: أكمل الداخل التشهد، وسلَّم من ركعتين , وهذا هو الصحيح، وله أن يقوم معه في الثالثة، ويتم العشاء أربعاً" انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " (15 / 357) . وعلى هذا، فما فعله السائل، وهو اقتصاره على صلاة ركعتين، صحيح وليس عليه إعادة هذه الصلاة. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136938 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1524 دخل في الصلاة بنية القصر، ثم غَيَّر نيته إلى الإتمام [السُّؤَالُ] ـ[دخلت صلاة الظهر مع جماعة مسافرة بنية القصر ثم تذكرت أن شروط قصر الصلاة لا تنطبق علي فغيرت النية من القصر إلى إتمام الصلاة ,فهل فعلي هذا صحيح؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا غَيَّر المصلي نيته من قصر الصلاة إلى إتمامها لأنه تبين له أنه ليس له أن يقصر، فصلاته صحيحة ولا شيء عليه. قال النووي رحمه الله: "قَالَ أَصْحَابُنَا: وَإِذَا صَارَ مُقِيمًا أَتَمَّ صَلَاتَهُ أَرْبَعًا وَلَا يَلْزَمُهُ نِيَّةُ الْإِتْمَامِ , وَإِنْ كَانَ لَمْ يَنْوِ إلَّا رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ قَطَعَتْ حُكْمَ الرُّخْصَةِ بِتَعْيِينِ الْإِتْمَامِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ. قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَالْإِتْمَامُ مُنْدَرِجٌ فِي نِيَّةِ الْقَصْرِ , فَكَأَنَّهُ قَالَ: نَوَيْت الْقَصْرَ مَا لَمْ يَعْرِضْ مَا يُوجِبُ الْإِتْمَامَ" انتهى. "المجموع" (4/230) . وقال أيضا (4/232) : "لَوْ نَوَى الْقَصْرَ فِي الْإِحْرَامِ ثُمَّ تَرَدَّدَ فِي الْقَصْرِ وَالْإِتْمَامِ أَوْ شَكَّ فِيهِ ثُمَّ جَزَمَ بِهِ أَوْ تَذَكَّرَهُ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ" انتهى. وقال ابن قدامة في "المغني" (2/64) : "وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْإِمَامَ مُسَافِرٌ ; لِرُؤْيَةِ حِلْيَةِ الْمُسَافِرِينَ عَلَيْهِ وَآثَارِ السَّفَرِ , فَلَهُ أَنْ يَنْوِيَ الْقَصْرَ , فَإِنْ قَصَرَ إمَامُهُ قَصَرَ مَعَهُ , وَإِنْ أَتَمَّ لَزِمَهُ مُتَابَعَتُهُ , وَإِنْ نَوَى الْإِتْمَامَ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ , سَوَاءٌ قَصَرَ إمَامُهُ , أَوْ أَتَمَّ , اعْتِبَارًا بِالنِّيَّةِ" انتهى. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجوز تغيير النية في الصلاة إذا كان في السفر من القصر إلى الإتمام إذا شك في قربه من المدينة التي هو مقيم فيها؟ فأجاب: "الأصل في صلاة السفر القصر، ولهذا لا يحتاج إلى نية، أي: إذا دخلتَ الصلاة الرباعية وأنت مسافر وإن لم تنوِ القصر فأقصر؛ لأن الأصل في صلاة السفر القصر، كما ثبت في صحيح البخاري وغيره أنه (أول ما فُرِضَت الصلاة ركعتين، فأُقِرَّت صلاة السفر، وزِيْدَ في صلاة الحَضَر) . ولهذا كان القول الراجح: أن صلاة القصر لا تحتاج إلى نية في السفر" انتهى. "لقاء الباب المفتوح" (3/42) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 132051 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1525 الجمع بين الظهر والعصر يوم الجمعة، وحكم الجمع دون قصر [السُّؤَالُ] ـ[1- ما حكم جمع الظهر والعصر للمسافر يوم الجمعة؟ علماً أن المسجد على الطريق ولا تقام فيه صلاة الجمعة. 2- ما حكم جمع الظهر والعصر للمسافر بدون قصر لإدراكه جماعتين وكلاهما تصلي الظهر بدون قصر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: أولاً: لا حرج على المسافر من الجمع بين الظهر والعصر في يوم الجمعة، ولا يلزمه أداء صلاة الجمعة في الطريق. قال شيخ الإسلام: " الصواب ما عليه سلف الأمة وجماهيرها من الأئمة الأربعة وغيرهم، من أن المسافر لا يصلي جمعة ". انتهى " مجموع الفتاوى" (17 / 480) . وقال الشيخ ابن باز: " المسافر ليس عليه جمعة، وإنما يصلي ظهراً، ولا بأس أن يجمع بين الظهر والعصر. أما إذا صلى المسافر مع الناس الجمعة في أي بلد فإنه لا يجمع إليها العصر، بل عليه أن يصلي العصر في وقتها " انتهى. " مجموع الفتاوى" (30 / 215) . ثانياً: لا ارتباط بين الجمع والقصر، فيجوز للمسافر أن يجمع بين الصلاتين من غير قصر، كما يجوز له القصر من غير جمع. وقد سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: هل يجوز للمسافر أن يجمع بدون القصر، أو يقصر بدون جمع؟ فأجابت: " يجوز له الجمع بدون قصر، والقصر بدون جمع، والقصر في حقه أفضل من الإتمام؛ لأن الله تعالى يُحب أن تُؤتى رخصه كما يحب أن تُؤتى عزائمه، كما أن الجمع له في حال مسيره في السفر أفضل له؛ لما ذُكر، ولأنه صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك " انتهى. " فتاوى اللجنة الدائمة " (8 /206) . وعلى هذا، فلا حرج من جمع المسافر بين صلاتي الظهر والعصر من غير قصر. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131480 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1526 إذا كانت تزور زوجها في بلده أياما فهل تقصر أو تتم؟ [السُّؤَالُ] ـ[لو أن رجلاً وامرأته يعيش كل منهما في ولاية أخرى بسبب ظروف العمل والدراسة، وتقوم الزوجة بزيارته لعدة أيام بين فترة وأخرى، فهل يجب عليها أن تصلي جمعاً وقصراً كحكم المسافر، أم أن بيت زوجها هو بيتها؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كانت إقامتها في ولايتها، ولا تزور زوجها إلا أياما معدودة، فلا يعتبر بيت زوجها وطنا لها، بل هو كغيره من الأماكن التي تسافر إليها، فإن كان بين الولايتين مسافة قصر وهي 80 كيلو تقريبا، قصرت الصلاة أثناء السفر، وإن عزمت على الإقامة عند زوجها أكثر من أربعة أيام، أتمت الصلاة من حين دخولها ولايته؛ لأنها في حكم المقيمة حينئذ، وإن نوت أربعة أيام فأقل، قصرت الصلاة. وحيث جاز القصر جاز الجمع، وجاز أيضاً لأسباب أخرى كالمرض والحرج والمشقة. ولكن هناك فرق بين القصر والجمع، فالقصر سنة مؤكدة للمسافر لا ينبغي تركها، أما الجمع فهو جائز، فله أن يجمع، وله أن يصلي كل صلاة في وقتها. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: أنا شخص أسكن في القصيم، ثم أذهب أحياناً إلى الرياض لزيارة الأهل، ولي غرفة هناك، وأجلس عندهم يومين أو ثلاثة أيام، فهل يحق لي أن أقصر الصلاة إذا صليت منفرداً؟ وهل حكمي حكم المسافر؟ فأجاب: " نعم، حكمك حكم المسافر؛ لأن وطنك هو القصيم، وزيارتك لأهلك زيارة المسافر، ولهذا قصر النبي صلى الله عليه وسلم في مكة وكان في السابق ساكناً فيها، وله فيها دور، لكنه لما هاجر صارت المدينة وطنه، فأنت إذا ذهبت إلى أهلك فأنت مسافر " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (58/23) . وسئل أيضا: إذا سافر شخص من عند أهله وعنده نية عدم الرجوع إلى بلده، وأقام في بلد بعيد عن بلدهم في نية الاستقرار، ثم رجع إلى أهله زيارة هل يعتبر نفسه مسافراً أم لا؟ فأجاب: "إذا خرج الإنسان عن وطنه الأول بنية الاستقرار في البلد الثاني فإنه إذا رجع إلى وطنه الأول يكون مسافراً، ما دام على نيته الأولى، والدليل على ذلك: أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان وطنه الأول مكة ولما فتح مكة قصر وفي حجة الوداع قصر. السائل: يا شيخ وإن كان في نفس هذا البلد - بلده الأول - زوجته وأولاده؟ الشيخ: إي: نعم. حتى وإن كان زوجته وأولاده فيه " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (82/23) . وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (121637) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130010 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1527 يسافر إلى المدرسة يومياً 120 كيلو متر، فهل يجمع ويقصر؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا معلم في منطقة نائية تبعد عن المنزل 120 كيلو تقريباً، وأخرج من المدرسة مع صلاة الظهر أو قبله بقليل أو بعده بقليل، وأصل إلى المنزل قبل وقت صلاة العصر بساعة أو أكثر من ذلك. السؤال الأول: هل يجوز لي قصر صلاة الظهر؟ السؤال الثاني: هل يجوز لي الجمع الظهر مع العصر جمع تقديم؟ السؤال الثالث: هل يجوز أن أصلي بعد دخول المدينة بأقل من كيلو تقريبا أو لابد من خارج حدود المدينة في حالة القصر أو في حالة الجمع؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يعتبر هذا سفراً، فإن السفر ما لا يقطع إلا بمشقة، والسفر قطعة من العذاب، فالذي يرجع في يومه لا يسمى هذا مسافراً، الذي يذهب ويرجع في يومه ولو في ساعتين أو عشر ساعات فيرجع إلى بيته لا يسمى مسافراً، فليس لك أن تترخص لا في الجمع ولا في القصر، فإذا صليت الظهر في السفر فإنك تصليها أربعاً، وإذا صليتها في المدرسة فإنك تصليها تامة. وأما العصر فإنك تؤخرها إلى أن تصل إلى أهلك فتصليها تامة في وقتها مع الجماعة، ولا يجوز لك أن تسمع المؤذن فلا تجيب، لأن في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر) . سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله. وسئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: نحن جماعة من المدرسين تبعد المدرسة ما يزيد على مائة وخمسين كيلو عن البلدة التي نسكن فيها، ونحن نتردد يومياً إلى المدرسة، وقد اختلفنا في حكم القصر والجمع بالنسبة لصلاة الظهر والعصر، فهل يحق لنا في هذه المسافة القصر والجمع ونحن نتردد يومياً إلى المدرسة أم لا؟ فأجاب: " الاحتياط ألا يقصروا ولا يجمعوا؛ لأن مثل هذا لا يعد عند الناس سفراً، وإن كان سفراً عند بعض العلماء، فالذي أرى لهم: ألا يجمعوا ولا يقصروا. إلا لو فرض أنهم إذا وصلوا إلى أهليهم متعبين ويخشون إن ناموا ألا يقوموا إلا عند الغروب، أو يخشون إن بقوا حتى يؤذن العصر أن يصلوا العصر وهم في شدة النعاس، فهنا نقول: اجمعوا؛ لأن الجمع أوسع من القصر، لا حرج أن يجمعوا، وإذا وصلوا إلى بلدهم ينامون إلى الغروب، أما القصر فأرى أن الاحتياط ألا يقصروا؛ لأن هذا لا يسمى سفراً في عرف الناس الآن " انتهى من "اللقاء الشهري" (60/11) . وعلى هذا، فالأحوط لكم عدم قصر الصلاة. أما الجمع، فلكم الجمع إذا كان هناك مشقة في أداء كل صلاة في وقتها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129660 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1528 مسافر وأدركته الجمعة فهل يصليها ظهرا قصرا وجمعا مع العصر؟ [السُّؤَالُ] ـ[رجل مسافر على طريق وحانت صلاة الجمعة فهل يصليها ظهرا قصرا وجمعا مع العصر؟ أم يصليها من غير جمع؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تسقط الجمعة عن المسافر، فيصلي الظهر ركعتين قصرا، وإن شاء جمعها مع العصر تقديما أو تأخيرا، بحسب ما يحتاج إليه، والأولى عدم الجمع إلا إذا احتاج إليه، بأن يكون عليه مشقة في أداء كل صلاة في وقتها. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "المسافر لا جمعة عليه، ودليل ذلك: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم في أسفاره لم يكن يصلي الجمعة، مع أن معه الجمع الغفير، وإنما يصلي ظهراً مقصورة" انتهى. "الشرح الممتع" (5/10) . وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: هَلْ الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ أَفْضَلُ أَمْ الْقَصْرُ؟ فَأَجَابَ: "بَلْ فِعْلُ كُلِّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا أَفْضَلُ إذَا لَمْ يَكُنْ بِهِ حَاجَةٌ إلَى الْجَمْعِ، فَإِنَّ غَالِبَ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي كَانَ يُصَلِّيهَا فِي السَّفَرِ إنَّمَا يُصَلِّيهَا فِي أَوْقَاتِهَا. وَإِنَّمَا كَانَ الْجَمْعُ مِنْهُ مَرَّاتٍ قَلِيلَةً" انتهى. "مجموع الفتاوى" (24/19) . وقال أيضا رحمه الله: "وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْجَمْعَ لَيْسَ مِنْ سُنَّةِ السَّفَرِ كَالْقَصْرِ؛ بَلْ يُفْعَلُ لِلْحَاجَةِ سَوَاءٌ كَانَ فِي السَّفَرِ أَوْ الْحَضَرِ" انتهى. "مجموع الفتاوى" (24/64) . وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: "من شرع الله له القصر وهو المسافر جاز له الجمع ولكن ليس بينهما تلازم، فله أن يقصر ولا يجمع. وترك الجمع أفضل إذا كان المسافر نازلا غير ظاعن كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في منى في حجة الوداع، فإنه قصر ولم يجمع وقد جمع بين القصر والجمع في غزوة تبوك، فدل على التوسعة في ذلك. وكان صلى الله عليه وسلم يقصر ويجمع إذا كان على ظهر سير غير مستقر في مكان " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (12/289) . والغالب أن المسافر وهو على الطريق يحتاج إلى الجمع، لكونه أيسر له، حتى لا يتكرر نزوله من أجل الصلاة، مما يشق عليه ويؤخره عن سفره. وعلى هذا، فيجوز لك أن تصلي الظهر ركعتين، وتجمع معها صلاة العصر جمع تقديم أو تأخير حسب الأيسر لك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129367 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1529 له بيتان في مدينتين فهل يقصر إذا سافر إلى أحدها؟ [السُّؤَالُ] ـ[حكم القصر في الصلاة؛ إذا كان شخص له بيتان في بلدين مختلفين داخل قطر واحد، ومقيم فيهما معا ويسافر من حين إلى آخر، فهل إذا سافر إلى أحدهما يجب القصر في الصلاة أم يجوز له أن يتم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كان الواقع كما ذكر من اتخاذ كل من البيتين محل إقامة له فلا يجوز له أن يترخص برخص السفر من قصر الصلاة وغيره، وهو نازل في أي بلد من البلدين، وله أن يترخص بذلك وهو مسافر بين البلدين، إذا كانت المسافة بين البلدين مسافة قصر وهي ثمانون كيلا تقريبا. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (8/148) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121637 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1530 طالب يدرس في مدينة ويقيم في أخرى، فهل يقصر الصلاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[طالب يسافر إلى الرياض للدراسة في الجامعة، فيذهب مساء الجمعة ويرجع إلى أهله وإلى بلده عصر الاثنين، فهل يطبق حكم المسافر من ناحية قصر الصلوات وجمعها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "هو مسافر لا شك؛ لأنه لم يتخذ بلد الدراسة وطناً، ولم ينوِ فيه الإقامة المطلقة، بل إقامته لغرض؛ لكنه إذا كان في بلد تقام فيه الجماعة فيجب عليه أن يحضر الجماعة، وأما ما اشتهر عند بعض العوام أن المسافر لا جماعة عليه ولا جمعة فهذا لا أصل له، بل إن الجماعة واجبة على المسافر ولو كان في القتال، قال الله تعالى: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ) النساء/102، والجمعة واجبة على كل مَن سمع النداء، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) الجمعة/9؛ لكن إذا فاتتك الصلاة وأنت هناك، أو كنت في مكان بعيد عن المساجد؛ فإنك تصلي الرباعية ركعتين" انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. "لقاءات الباب المفتوح" (1/294) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121610 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1531 مسافر أراد أن يجمع بين صلاتين ويغلب على ظنه إدراك الثانية منهما في بلده [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من أراد أن يجمع في السفر بين صلاتين جمع تقديم، مع العلم بأنه يغلب على ظنه أن يدرك الأخرى في بلده؟ وما يترتب عليه إذا وصل أثناء أداء الصلاة بالمساجد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "ما دام الإنسان مسافراً فله أن يجمع حتى لو كان سيقدم إلى بلده قبل دخول وقت الفريضة الثانية، لكنه في هذه الحالة الأفضل ألا يجمع؛ لأن الجمع إنما يكون للحاجة، وهذا الرجل الذي علم أنه سوف يقدم قبل أن يدخل وقت الثانية لا حاجة له في الجمع، لكن مع ذلك لو فعل فلا بأس. وإذا قدم والوقت لم يدخل فقد أبرأ ذمته وليس عليه صلاة؛ لأنه أداها جمعاً مع الأولى" انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. "لقاءات الباب المفتوح" (1/203) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121118 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1532 حكم جمع المسافر الصلاة في آخر يوم [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمسلم إذا كان مسافراً سفراً طويلاً أن يجمع الصلاة في آخر يوم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا منكر عظيم لم يقل به أحد من أهل العلم وإنما يجوز للمسافر أن يجمع بين الظهر والعصر فقط في وقت إحداهما قبل أن تصفر الشمس، وبين المغرب والعشاء في وقت إحداهما، قبل منتصف الليل، أما الفجر فلا تجمع إلى غيرها، بل تصلى في وقتها دائماً في السفر والحضر قبل طلوع الشمس، والله الموفق. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - ج/12 ص/296. الحديث: 22255 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1533 المسافر يتم الصلاة إذا نوى الإقامة أكثر من 4 أيام [السُّؤَالُ] ـ[أنا جزائري قدمت إلى بريطانيا منذ حوالي ثلاث سنوات وأنا أقصر الصلاة بعد أن سمعت فتوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ومفادها أن القصر ليس له حد زمني. وأنا اعتبر نفسي في حالة انتظار متى أصبح الوضع في بلادي آمنا رجعت فأريد منكم فتوى صريحة تنطبق على حالي وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فتوى الشيخ - رحمه الله - بأن المسافر يترخص فيقصر ويجمع ويفطر ما دام الوصف (السفر) باقيا لإطلاق النصوص وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية من قبله. لكن جمهور العلماء على أن المسافر له أن يترخص برخص السفر ما لم ينو الإقامة أربعة أيام فأكثر وهو أحوط، وبه كان يفتي سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله -. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد الكريم الخضير. الحديث: 21091 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1534 من سافر إلى بلد له فيها قريب مسافة قصر فيعتبر مسافراً [السُّؤَالُ] ـ[إذا سافر شخص من بلد إلى بلد آخر، وفي طريقه مر على بلد يوجد فيه بعض أقربائه فجلس عندهم يومين، فهل يعتبر مسافراً أو مقيماً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا يعتبر مسافراً، ما دام في غير وطنه، ولو كان فيه قريب له كأخ أو أخت أو غيرهما، لكن لا يصلي وحده بل يصلي مع الجماعة، ويتم معهم أربعاً لوجوب الصلاة مع الجماعة، أما إذا كان معه شخص آخر أو أكثر فلهم أن يصلوا قصراً، ولهم أن يصلوا مع جماعة البلد ويتموا. أما إن نوى الإقامة أكثر من أربعة أيام فإن عليه أن يتم الصلاة الرباعية سواء كان المسافر واحداً أو كانوا جماعة. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - ج/12 ص/299. الحديث: 22328 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1535 يجب على المسافر إتمام الصلاة إذا صلى خلف إمام يتم [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لمن صلى وهو مسافر خلف إمام يتم صلاته هل يجوز له أن يقصر صلاته بمعنى يصلي معه ركعتين فإذا قام الإمام سلم وانصرف؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الْمُسَافِر مَتَى ائْتَمَّ بِمُقِيمٍ , لَزِمَهُ الإِتْمَامُ , سَوَاءٌ أَدْرَكَ جَمِيعَ الصَّلاةِ أَوْ رَكْعَةً , أَوْ أَقَلَّ. قَالَ الأَثْرَمُ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (يعني الإمام أحمد) عَنْ الْمُسَافِرِ , يَدْخُلُ فِي تَشَهُّدِ الْمُقِيمِينَ؟ قَالَ: يُصَلِّي أَرْبَعًا. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ , وَابْنِ عَبَّاسٍ , وَجَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وأبو حنيفة. والدليل على ذلك: 1- قول النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ) رواه البخاري (722) ومسلم (414) . وَمُفَارَقَةُ إمَامِهِ اخْتِلافٌ عَلَيْهِ. 2- مَا رواه أحمد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ , أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: مَا بَالُ الْمُسَافِرِ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فِي حَالِ الانْفِرَادِ , وَأَرْبَعًا إذَا ائْتَمَّ بِمُقِيمٍ؟ فَقَالَ: تِلْكَ السُّنَّةُ. وَقَوْلُهُ: "السُّنَّةُ" يَنْصَرِفُ إلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. صححه الألباني في "إرواء الغليل" (571) . 3- وَلِأَنَّهُ فِعْلُ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قَالَ نَافِعٌ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا صَلَّى مَعَ الإِمَامِ صَلاهَا أَرْبَعًا , وَإِذَا صَلَّى وَحْدَهُ صَلاهَا رَكْعَتَيْنِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. انتهى من "المغني" (3/143) باختصار وتصرف. وقال الشيخ ابن عثيمين: "الواجب على المسافر إذا صلّى خلف الإمام المقيم أن يتمّ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الإمام ليؤتمّ به) . ولأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يصلّون خلف أمير المؤمنين عثمان بن عفّان في الحج في منى فكان يصلي بهم أربعاً فيصلّون معه أربعاً. وكذلك لو دخل والإمام في آخر ركعتين فعليه بعد أن يسلِّم الإمام أن يقوم فيأتي بما بقي فيتمّ أربعاً لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (ما أدركتم فصلّوا وما فاتكم فأتمّوا) رواه البخاري (635) ومسلم (603) ولأن المأموم في هذه الحال ارتبطت صلاته بالإمام فلزم أن يتابعه حتى فيما فاته. وأما من فعل ذلك فيما سبق، فكان يصلّي ركعتين خلف إمام مقيم، فإنه يجب عليه إعادة ما صلاّه من الصلوات الرباعية ولا يُشترط أن تكون متتابعة، وعليه أن يتحرّى عدد الصلوات التي صلاّها ويجتهد في ذلك ويعيدها" اهـ. لقاء الباب المفتوح ص/40-41. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 21996 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1536 متى يكون السفَر سفَراً [السُّؤَالُ] ـ[متى يكون السفَر سفَراً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يرى بعض العلماء رحمهم الله أنَّ السفر مُقيَّدٌ بالمسافة وهي بين "81" إلى " 83" كيلو، ويرى بعضهم أنَّ السفر بالعُرْف، فما جرَت العادة بأنَّه سفَر فهو سفر وإنْ قَرُب وما لم تَجْرِ العادة بأنَّه سفرٌ أي لا يُسمِّيه النَّاس سفَراً فليس بسفر، وهذا الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو أصحُّ من حيثُ الدَّليل، لكنَّه صعبٌ من حيثُ التطبيقُ إذْ إنَّ بعضَ النَّاس قد يرى هذا سفراً والآخَر لا يراه سفراً، لكن تحديد المسافة أضبَطُ وأبْيَنُ للناس، ومتى ما اجتمع أنْ يكون هذا السفر سفراً بالمسافة وبالعرف فلا إشكال وإذا اختلفَت المسافة والعُرْف فيَعمل الإنسان بالأحْوط. [الْمَصْدَرُ] إعلام المسافرين ببعض آداب وأحكام السفر وما يخص الملاحين الجويين لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ص5. الحديث: 9644 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1537 الصلاة في الطائرة وهو على جنابة [السُّؤَالُ] ـ[يَحدُث أثناء الرَّحلات الطويلة أنْ ينامَ بعضُ المسافرين على مقاعدهم فيَحْتَلِِمُ أحدُهم أو يصعدُ الرَّاكب إلى الطائرة وهو ناسٍ جَنَابتَه أو أنْ تطْهُرَ المرأةُ مِن حيْضِها أو نِفاسِها مع دخول وقت صلاةِ الفجرِ، علماً أنَّ وصول الطائرة إلى البلد الآخَر لا يكونُ إلاّ بعد خروج الوقت، وأنظمةُ السلامةِ في الطائرة تمنَعُ الاغتسالَ في حَمَّام الطائرة منعاً باتاً لعدم أهلِيَّتها لذلك، فما العملُ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان يُمكن أنْ يتيمَّم على فراش الطائرة تيمَّمَ، وإذا لم يُمكن بأنْ كان خالياً مِن الغُبار فإنَّه يصلِّي ولو على غَيْر طُهْر، فإذا قَدِرَ بعد هذا على الطُّهْر تَطَهَّر. [الْمَصْدَرُ] إعلام المسافرين ببعض آداب وأحكام السفر وما يخص الملاحين الجويين لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ص10. الحديث: 9726 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1538 حكم جمع صلاة العصر مع صلاة الجمعة [السُّؤَالُ] ـ[سافرت إلى مكة المكرمة لأداء العمرة وأدركتني صلاة الجمعة وأنا بالقرب من إحدى المدن على الطريق وصليت الجمعة مع المسلمين في الجامع وبعد أداء الصلاة وحيث إني مسافر أقمت وصليت العصر فهل عملي هذا جائز؟ أفتونا مأجورين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس هناك دليل فيما نعلم يدل على جواز جمع العصر مع الجمعة، ولم ينقل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه رضي الله عنهم، فالواجب ترك ذلك، وعلى من فعل ذلك أن يعيد صلاة العصر إذا دخل وقتها، وفق الله الجميع. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - ج/12 ص/300. الحديث: 22265 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1539 اكتشف عدم دخول وقت الصلاة وهو في سفر [السُّؤَالُ] ـ[رجل مسافر وصلى العصر خلال السفر وعندما وصل إلى نهاية الرحلة اكتشف أن وقت العصر لم يدخل بعد، فهل يجب عليه أن يصلي العصر ثانية؟ حصل الكثير من هذه القصص فأرجو أن تلقي بعض الضوء على هذا الموضوع. جزاك الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان قد صلى العصر في وقت الظهر جمع تقديم، فلا يجب عليه أن يصلي العصر ثانية، لأنه حينما جمع العصر إلى الظهر كان في حالة تبيح الجمع، وهو لم يجزم حينما جمع أنه سيصل قبل العصر، ولو جزم حينما جمع العصر إلى الظهر أنه سيصل قبل العصر فإنه يجوز له الجمع أيضاً كما أفتى به جمع من أهل العلم. وتشبه هذه الصورة صورة أخرى وهي أن الإنسان إذا فقد الماء وصلى بالتيمم في الوقت ثم وجد الماء قبل خروج الوقت فإنه لا تجب عليه الإعادة. وكذلك فإن وقت الظهر في حق المسافر هو وقت للظهر والعصر ووقت العصر هو وقت للعصر والظهر. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 5975 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1540 عمله ببلد وسكنه بآخر أين يترخص؟ [السُّؤَالُ] ـ[طيَّار عملُه في المملكة وإقامته بها وعنده منْزل في بلدٍ آخرَ حيث تعيش زوجته وأولاده ويسافر إليهم من وقت إلى آخر فكيف تكون صلاته هناك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الاحتياطُ أنْ لا يترخَّص برُخَص السَّفر لا في المملكة ولا في بلده وكأنّ له وطنيْن وحينئذٍ نقول له لا تترخَّصْ لا في مقرِّ عملك ولا في مقرِّ سكن أهلك. [الْمَصْدَرُ] إعلام المسافرين ببعض آداب وأحكام السفر وما يخص الملاحين الجويين لفضيلة الشيخ ابن عثيمين ص7. الحديث: 12561 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1541 هل يقصر الصلاة قبل الخروج من البلد [السُّؤَالُ] ـ[رجل خرج من بيته مسافراً وأدركته صلاة العصر قبل أن يخرج من البنيان أو المنطقة التي هو فيها، هل يقصر أم يتم الصلاة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا أدركت المسافر الصلاة وهو في بلده فإن صلاها في بلده فإنه لا يقصر لأنه لم يخرج، وإن خرج وفي أثناء الطريق صلاها فإنه يصليها ركعتين وإن كان قد أذّن وهو في البلد، يعني العبرة بفعل الصلاة، كما أنه لو دخل عليك الوقت وأنت في السفر ووصلت بلدك قبل أن تصلي، فإنك تصليها أربعاً، إذاً القاعدة أن الاعتبار بأداء الصلاة، إن أديتها في سفر فاقصر، وإن أديتها في الحضر فأتم. [الْمَصْدَرُ] لقاء الباب المفتوح لابن عثيمين /148 الحديث: 2295 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1542 الموالاة بين الصلاتين عند الجمع [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الموالاة بين الصلاتين، إذ قد يتأخرون مدة تعتبر فصلاً بين الصلاتين ويجمعون فما الحكم في ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب في جمع التقديم الموالاة بين الصلاتين ولا بأس بالفصل اليسير عرفاً لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) رواه البخاري (كتاب الأذان/631) ، والصواب أن النية ليست بشرط، أما جمع التأخير فالأمر فيه واسع، لأن الثانية تفعل في وقتها، ولكن الأفضل هو الموالاة بينهما تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك. والله ولي التوفيق. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - ج/12 ص/295. الحديث: 22102 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1543 عمله يبعد عن مدينته 150 كيلو فهل يرخص له في القصر والجمع [السُّؤَالُ] ـ[أنا موظف في شركة في مدينة رابغ شمال جدة 150 كيلو، ونحن نسكن في مدينة جدة، ويوميا يقلنا باص موظفي الشركة واستفساري هو: هل علينا أن نجمع صلاة الظهر مع العصر بعد أن نخرج من العمران؟ وإذا كان عند أحد الموظفين سكن خاص في مدينة رابغ هل يقصر ويجمع؟ علما بأنه لا يجلس فيه إلا للضرورة. وهل نصلي الظهر أربع ركعات ونصلي العصر ركعتين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذهب جمهور الفقهاء إلى تحديد السفر بالمسافة، وذهب بعض أهل العلم إلى أن المرجع في ذلك هو العرف، فما عدّه الناس سفرا فهو سفر، وما لم يعدوه في عرفهم سفرا فليس بسفر. وتقدّر المسافة على قول الجمهور بثمانين كيلو مترا تقريبا. جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (8/99) : " السفر الذي يشرع فيه الترخيص برخص السفر هو ما اعتبر سفراً عرفاً، ومقداره على سبيل التقريب مسافة ثمانين كيلو متراً، فمن سافر لقطع هذه المسافة فأكثر فله أن يترخص برخص السفر من المسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليهن، والجمع والقصر، والفطر في رمضان " انتهى. وعلى هذا فلكم أن تجمعوا بين الظهر والعصر، وأن تقصروا الظهر، وكذلك العصر إذا صليتموها في رابغ أو في طريق عودتكم إلى جدة قبل دخولها. والموظف الذي له سكن خاص لكنه لا يقيم فيه، ولا يأتيه إلا للضرورة، هو في حكم المسافر أيضا، فله أن يترخص برخص السفر. والجمع للمسافر ليس واجبا، ولكنه رخصة، إن شاء جمع، وإن شاء صلى كل صلاة في وقتها. هذا كله على تقدير السفر بالمسافة، وأما على العرف، فعرف كثير من الناس اليوم أن هذا ليس سفرا، ولهذا أفتى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في حق الموظف الذي يذهب يوميا نحوا من 150 كيلو أن الأحوط في حقه أن يتم الصلاة. فقد سئل رحمه الله: نحن جماعة من المدرسين تبعد المدرسة ما يزيد على مائة وخمسين كيلو عن البلدة التي نسكن فيها، ونحن نتردد يومياً إلى المدرسة، وقد اختلفنا في حكم القصر والجمع بالنسبة لصلاة الظهر والعصر، فهل يحق لنا في هذه المسافة القصر والجمع ونحن نتردد يومياً إلى المدرسة أم لا؟ فأجاب: " الاحتياط ألا يقصروا ولا يجمعوا؛ لأن مثل هذا لا يعد عند الناس سفراً، وإن كان سفراً عند بعض العلماء، فالذي أرى لهم: ألا يجمعوا ولا يقصروا. إلا لو فرض أنهم إذا وصلوا إلى أهليهم متعبين ويخشون إن ناموا ألا يقوموا إلا عند الغروب، أو يخشون إن بقوا حتى يؤذن العصر أن يصلوا العصر وهم في شدة النعاس، فهنا نقول: اجمعوا؛ لأن الجمع أوسع من القصر، لا حرج أن يجمعوا، وإذا وصلوا إلى بلدهم ينامون إلى الغروب، أما القصر فأرى أن الاحتياط ألا يقصروا؛ لأن هذا لا يسمى سفراً في عرف الناس الآن " انتهى من "اللقاء الشهري" (60/11) . وعلى هذا، فالأحوط لكم عدم قصر الصلاة. أما الجمع، فلكم الجمع إذا كان هناك مشقة في أداء كل صلاة في وقتها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 113653 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1544 قصر الصلاة للمسافر سنة مؤكدة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمسافر أن يتم الصلاة؟ فيصليها أربع ركعات؟]ـ [الْجَوَابُ] قصر الصلاة للمسافر سنة مؤكدة لا ينبغي تركها، باتفاق الأئمة، إلا ما يُحكى عن الشافعي في أحد قوليه: أن الإتمام أفضل، ولكن الصحيح من مذهبه: أن القصر أفضل. وانظر: "المجموع" للنووي (4/218- 223) . ويدل على تفضيل القصر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قصر الصلاة في جميع أسفاره، ولم يصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه أتم الصلاة وهو مسافر قط. قال أنس بن مالك رضي الله عنه: (خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ فَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ) رواه البخاري (1081) ومسلم (724) . وقال ابن عمر رضي الله عنهما: (صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ لَا يَزِيدُ فِي السَّفَرِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ كَذَلِكَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ) رواه البخاري (1102) وسلم (689) . يعني في أول خلافة عثمان، وإلا فعثمان رضي الله عنه كان يتم في آخر خلافته. ولما بلغ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن عثمان بن عفان رضي الله عنه صلى بمنى أربع ركعات قال: (إنا لله وإنا إليه راجعون، صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، وَصَلَّيْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، وَصَلَّيْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ) رواه البخاري (1084) ومسلم (695) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ويكره إتمام الصلاة في السفر، قال أحمد: لا يعجبني، ونقل عن أحمد إذا صلى أربعاً أنه توقف في الإجزاء، ولم يثبت أن أحداً من الصحابة كان يتم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم في السفر، وحديث عائشة في مخالفة ذلك لا تقوم به الحجة" انتهى من "الاختيارات" (ص 32) . وقال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" (1/464) : "وكان صلى الله عليه وسلم يقصر الرباعية، فيصليها ركعتين من حين يخرج مسافراً إلى أن يرجع إلى المدينة، ولم يثبت عنه أنه أتم الرباعية في سفره البتة. وأما حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصر في السفر ويتم، ويفطر ويصوم، فلا يصح، وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: هو كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. انتهى. وقد رُوي: كان يقصر وتُتم، ويفطر وتصوم. قال شيخنا ابن تيمية: وهذا باطل، ما كانت أم المؤمنين لتخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم وجميع أصحابه، فتصلي خلاف صلاتهم" انتهى. بل ذهب بعض الأئمة كالإمام أبي حنيفة وابن حزم رحمهما الله إلى أن قصر الصلاة للمسافر واجب، ولا يجوز له إتمامها. والراجح هو قول جمهور العلماء، أن القصر سنة مستحبة وليس واجباً، ويدل لذلك أن عثمان وعائشة رضي الله عنهما، قد أتما الصلاة في السفر، ولو كان القصر واجباً لما أتما، وقد تابع الصحابة عثمان رضي الله عنهم على إتمام الصلاة بمنى، ولو كان الإتمام حراماً، لم يتابعوه في ذلك. قال الإمام الشافعي رحمه الله: "لو كان فرض المسافر ركعتين لما أتم عثمان ولا عائشة ولا ابن مسعود، ولم يجز أن يتمها مسافر مع مقيم" انتهى من "الأم" (1/159) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (4/358- 362) : "وقال بعض أهل العلم: إن الإتمام مكروه، لأن ذلك خلاف هدي النبي صلى الله عليه وسلم المستمر الدائم، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم ما أتم أبداً في سفر، وقال: (صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي) وهذا القول اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهذا قول قوي، بل لعله أقوى الأقوال. وقال بعض أهل العلم: أن القصر واجب، وأن من أتم فهو آثم ... والذي يترجح لي - وليس ترجحاً كبيراً - هو أن الإتمام مكروه، وليس بحرام، وأن من أتم فإنه لا يكون عاصياً، هذا من الناحية النظرية. وأما من الناحية العملية فهل يليق بالإنسان أن يفعل شيئاً يُخشى أن يكون عاصياً فيه؟ فلا ينبغي من الناحية المسلكية والتربوية، بل افعل ما يكون هو السنة، فإن ذلك أصلح لقلبك، حتى وإن كان يجوز لك خلافة " انتهى باختصار. وعلى هذا؛ فالأفضل للمسافر أن يقصر الصلاة، ولكن ... ليس له أن يترك صلاة الجماعة من أجل القصر، بل يجب عليه أن يصلي جماعة، فإن كان الإمام مقيماً أتم الصلاة معه، وإن كان مسافراً، قصر معه الصلاة. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (26186) و (40299) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111894 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1545 هل يجوز للمسافر أن يجمع بين الصلاتين أحيانا، ولا يجمع أحياناً؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمسافر أن يجمع بين الصلاتين أحيانا، ولا يجمع أحياناً؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله دلت السنة النبوية على جواز الجمع بين الصلاتين للمسافر فقد روى مسلم (705) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ، فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ. [وفي رواية: وَلَا سَفَرٍ] قيل لِابْنِ عَبَّاسٍ: لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ؟ قَالَ: كَيْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ) . فنفي ابن عباس لهذه الأشياء الثلاثة - السفر والخوف والمطر - دليل على أنها أسباب معروفة للجمع بين الصلاتين، ومراد ابن عباس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين لسبب غير هذه الأسباب. فيجوز للمسافر أن يجمع بين الصلاتين، أو يصلي كل صلاة في وقتها، كما يشاء، غير أن الأفضل للمسافر أن لا يجمع بين الصلاتين إلا إذا كان عليه مشقة من أداء الصلاة في وقتها. لهذا لم يجمع النبي صلى الله عليه وسلم في كل أسفاره، بل جمع أحياناً، وأحياناً أخرى لم يجمع. وقد ذهب بعض العلماء إلى أنه لا يجوز الجمع للمسافر إلا إذا كان سائراً على الطريق، أما إذا كان نازلاً في مكان ومستقر فيه، فلا يجوز له الجمع. والصحيح جواز الجمع للمسافر سواء كان سائراً أم نازلاً، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين في غزوة تبوك وهو نازل. رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (164) . وقد ذكر الشيخ ابن عثيمين رحمه الله بعض الأحاديث الدالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين في السفر وهو نازل، ثم قال: "وظاهر هذه الأحاديث أنه كان يجمع بين الصلاتين وهو نازل، فإما يكون ذلك لبيان الجواز، أو أن ثمة حاجة إلى الجمع، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجمع في حجته حين كان نازلاً بمنى. وعلى هذا فنقول: الأفضل للمسافر النازل أن لا يجمع، وإن جمع فلا بأس، إلا أن يكون في حاجة إلى الجمع، إما لشدة تعبه ليستريح، أو لمشقة طلب الماء عليه لكل وقت، ونحو ذلك، فإن الأفضل له الجمع، واتباع الرخصة " انتهى من رسالة "مواقيت الصلاة". وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: "المسافر المقيم (يعني: النازل في مكان) مخير إن شاء جمع جمع تأخير وإن شاء جمع جمع تقديم، والأفضل له أن يصلي كل صلاة في وقتها كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في منى في حجة الوداع، فإنه كان يصلي كل صلاة في وقتها، لأنه مقيم فإن دعت الحاجة إلى الجمع فلا حرج؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في غزوة تبوك وهو مقيم" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (12/281، 282) . وعلى هذا، فالمسافر مخير بين الجمع بين الصلاتين أو فعل كل صلاة في وقتها، والأفضل له أن لا يجمع إلا إذا كان عليه مشقة في فعل كل صلاة في وقتها. لكن.. ينبغي التنبيه إلى أن صلاة الجماعة واجبة على المسافر فلا يجوز أن يجمع ويصلي منفرداً. وانظر جواب السؤال (40299) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111916 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1546 السفر إلى البلاد الأجنبية من أجل النزهة والسياحة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم السفر إلى البلاد الأجنبية الغربية لمدة أسبوعين أو ثلاثة من أجل النزهة والسياحة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله السفر إلى بلاد الكفار لمجرد النزهة لا يجوز عند جمع من أهل العلم؛ لما فيه من التعرض للمنكرات والفتن، مع عدم وجود الضرورة أو الحاجة لذلك. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " السفر إلى بلاد الكفار محرم إلا بثلاثة شروط: الأول: أن يكون عند الإنسان علمٌ يدفع به الشبهات. والثاني: أن يكون عنده دين يحميه من الشهوات. والثالث: أن يكون محتاجاً إلى ذلك ... أن يحتاج إلى ذلك، إما لعلم لا يوجد له نظير في المملكة، أو ذهب لمرضٍ يتداوى، أو لتجارة لا بد منها، وأما إذا لم يكن له حاجة فلا يذهب، وكم من أناسٍ يذهبون إلى الخارج باسم التمشي والنزهة فتفسد أخلاقهم وتنحل عقائدهم -والعياذ بالله- ويرجعون ممسوخين، ولا شك أن هذا لا يحل للمسلم أن يتعرض له لما فيه من الشر والفساد " انتهى من "اللقاء الشهري" رقم 6. وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: "وأما السفر إلى بلاد الكفر والبلاد الإباحية فلا يجوز لما فيه من الفتن والشرور ومخالطة الكفار ومشاهدة المنكرات وتأثر القلب بذلك، إلا في حدود ضيقة حددها أهل العلم وهي: 1- العلاج الذي يضطر إليه ولا يجده في بلاد المسلمين. 2- التجارة التي تستدعي سفره. 3- تعلم العلوم التي يحتاج إليها المسلمون ولا توجد في بلادهم. 4- القيام بالدعوة إلى الله عز وجل ونشر الإسلام. ويشترط في كل الأحوال أن يكون قادراً على إظهار دينه، ومعتزاً بعقيدته، مبتعداً عن مواطن الفتن. وأما السفر لمجرد النزهة، أو الاستجمام فهو محرم شديد التحريم " انتهى. وقال أيضا: " ومن مظاهر موالاة الكفار: السفر إلى بلادهم لغرض النزهة ومتعة النفس. والسفر إلى بلاد الكفار محرم إلا عند الضرورة، كالعلاج والتجارة والتعليم للتخصصات النافعة التي لا يمكن الحصول عليها إلا بالسفر إليهم، فيجوز بقدر الحاجة، وإذا انتهت الحاجة وجب الرجوع إلى بلاد المسلمين. ويشترط كذلك لجواز هذا السفر أن يكون مظهراً لدينه، معتزاً بإسلامه، مبتعداً عن مواطن الشر؛ حذِراً من دسائس الأعداء ومكائدهم، وكذلك يجوز السفر أو يجب إلى بلادهم إذا كان لأجل الدعوة إلى الله ونشر الإسلام " انتهى من "مجلة البحوث الإسلامية" (25/118) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111934 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1547 يسافر للدراسة ويرجع في نهاية الأسبوع فهل يقصر الصلاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[أسافر من مدينتي إلى مدينة أخرى لحضور برنامج تدريبي كجزء من إكمال دراستي، ويستغرق هذا التدريب 6 أشهر، 5 أيام في الأسبوع، أعود بعدها إلى مدينتي لقضاء الإجازة الأسبوعية، وقد كنت أقصر الصلاة طوال الشهرين الماضيين، فهل أكمل قصر الصلاة باقي المدة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كانت المسافة بين مدينتك والمدينة التي ستسافر إليها تبلغ 80 كيلو فأكثر، فإنك تقصر الصلاة في سفرك إليها، وأثناء عودتك منها. وإذا وصلت المدينة وفي نيتك أن تقيم فيها أكثر من أربعة أيام فإنك تتم الصلاة من لحظة دخولك عند جمهور العلماء. قال ابن قدامة رحمه الله: " (وإذا نوى المسافر الإقامة في بلد أكثر من إحدى وعشرين صلاة: أتم) المشهور عن أحمد رحمه الله أن المدة التي تلزم المسافر الإتمام بنية الإقامة فيها، هي ما كان أكثر من إحدى وعشرين صلاة. رواه الأثرم والمروذي وغيرهما، وعنه (يعني الإمام أحمد) : أنه إذا نوى إقامة أربعة أيام أتم، وإن نوى دونها قصر، وهذا قول مالك والشافعي وأبي ثور " انتهى من "المغني" (2/65) . وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (8/99) : " السفر الذي يشرع فيه الترخيص برخص السفر هو ما اعتبر سفراً عرفاً، ومقداره على سبيل التقريب مسافة ثمانين كيلو متراً، فمن سافر لقطع هذه المسافة فأكثر فله أن يترخص برخص السفر من المسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليهن، والجمع والقصر، والفطر في رمضان. وهذا المسافر إذا نوى الإقامة ببلد أكثر من أربعة أيام فإنه لا يترخص برخص السفر، وإذا نوى الإقامة أربعة أيام فما دونها فإنه يترخص برخص السفر. والمسافر الذي يقيم ببلد ولكنه لا يدري متى تنقضي حاجته ولم يحدد زمناً معيناً للإقامة فإنه يترخص برخص السفر ولو طالت المدة، ولا فرق بين السفر في البر والبحر " انتهى. وجاء فيها أيضاً (8/109) : " الأصل أن المسافر بالفعل هو الذي يرخص له في قصر الرباعية؛ لقوله تعالى: (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة) الآية، ولقول يعلى بن أمية: قلت لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما: (ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) فقال: عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (هي صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته) رواه مسلم. ويعتبر في حكم المسافر بالفعل من أقام أربعة أيام بلياليها فأقل، لما ثبت من حديث جابر وابن عباس رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم مكة لصبح رابعة من ذي الحجة في حجة الوداع، فأقام صلى الله عليه وسلم اليوم الرابع والخامس والسادس والسابع، وصلى الفجر بالأبطح اليوم الثامن، فكان يقصر الصلاة في هذه الأيام، وقد أجمع النية على إقامتها كما هو معلوم، فكل من كان مسافراً ونوى أن يقيم مدة مثل المدة التي أقامها النبي صلى الله عليه وسلم أو أقل منها قصر الصلاة، ومن نوى الإقامة أكثر من ذلك أتم الصلاة؛ لأنه ليس في حكم المسافر. أما من أقام في سفره أكثر من أربعة أيام ولم يُجمع النية على الإقامة، بل عزم على أنه متى قضيت حاجته رجع؛ كمن يقيم بمكان الجهاد للعدو، أو حبسه سلطان أو مرض مثلاً، وفي نيته أنه إذا انتهى من جهاده بنصر أو صلح أو تخلص مما حبسه من مرض أو قوة عدو أو سلطان أو وجود آبق أو بيع بضاعة أو نحو ذلك - فإنه يعتبر مسافراً، وله قصر الصلاة الرباعية، ولو طالت المدة؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أقام بمكة عام الفتح تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة، وأقام بتبوك عشرين يوماً لجهاد النصارى، وهو يصلي بأصحابه صلاة قصر، لكونه لم يجمع نية الإقامة بل كان على نية السفر إذا قضيت حاجته " انتهى. وعلى هذا؛ فما دمت تنوي الإقامة أكثر من أربعة أيام فإنك تتم الصلاة إذا وصلت إلى تلك المدينة، أما أثناء سفرك في الطريق ذهاباً وإياباً فإنك تقصر الصلاة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 110486 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1548 يعسكرون في الشرائع فترة الحج ويسألون عن الجمع والقصر وصلاة الجمعة [السُّؤَالُ] ـ[نحن من أفرد القوات المسلحة، ونشارك في مهمة الحج سنوياً، ونقيم في منطقة الشرايع مدة المشاركة ما يقارب شهراً، ونكون على شكل مجموعات تتناوب حراسة في مكان بعيد عن المعسكر، والبقية الذين ليس لديهم مناوبة متواجدون في الخيام، ومستعدون لأي طارئ. لذا نأمل منكم إفادتنا عن كيفية أداء الصلاة بالنسبة للمتواجدين في السكن، هل نجمع ونقصر أم لا؟ وكذلك بعض المعسكرات لديهم مساجد ويرغبون في إقامة صلاة الجمعة، هل تجب في حقهم صلاة الجمعة؟ وإذا كان بجانبنا حي تقام فيه صلاة الجمعة هل نصلي نعهم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "ما دام أنكم مجمعون الإقامة في الشرائع أكثر من أربعة أيام فإنكم تصلون الصلاة تامة بدون قصر ولا جمع؛ لأنكم في حكم المقيمين، وإن نويتم إقامة أربعة أيام فأقل، أو لم تنووا إقامة مدة معينة فإنكم في حكم المسافرين، ولكم أن تقصروا الصلاة الرباعية وأن تجمعوا. أما الجمعة فعليكم أن تصلوها في المساجد القريبة منكم التي تقام فيها الجمعة. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/140- 142) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109310 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1549 أخَّر صلاة الظهر وهو مسافر، ثم جمعها مع العصر بعد رجوعه [السُّؤَالُ] ـ[مسافر وصل إلى بلدته بعد صلاة العصر بحوالي ساعة، وأخر صلاة الظهر أثناء سفره ليصليها جمعاً مع العصر إذا وصل لبلده، فكيف يصليها وقد وصل لبلده؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الجمع بين الصلاتين من الرخص التي رخص الشرع فيها للمسافر، لما في السفر من المشقة التي تجلب التيسير، فيجمع بين صلاتي الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، جمع تقديم أو تأخير حسب الأيسر له. فلا حرج من تأخير صلاة الظهر ليجمعها جمع تأخير مع صلاة العصر إذا رجع إلى بلده. لأن شرط جواز جمع التأخير أن يستمر العذر (وهو السفر هنا) حتى يدخل وقت الصلاة الثانية، كما وقع في حالتك. قال ابن قدامة رحمه الله في المغني (3/140) : "إن جمع بينهما في وقت الثانية اعتبر بقاء العذر إلى حين دخول وقتها , فإن زال في وقت الأولى , كالمريض يبرأ , والمسافر يقدم , والمطر ينقطع , لم يبح الجمع ; لزوال سببه. وإن استمر إلى حين دخول وقت الثانية , جمع , وإن زال العذر ; لأنهما صارتا واجبتين في ذمته , ولا بد له من فعلهما" انتهى. هذا من حيث الجمع، أما من حيث القصر، فإنه يصلي كلاًّ من الظهر والعصر أربعاً، تماماً بلا قصر، لأن القصر سببه السفر، وقد رجع إلى بلده، ويصلي صلاة مقيم. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: إذا كنتُ على سفر وفي حكم الجمع، وأدركتني صلاة الظهر ثم أخرتها إلى صلاة العصر، ولكنني وصلت محلي قبل العصر، فهل أصلي الظهر قصراً والعصر كاملاً؛ لأنني وصلت محلي قبل دخول وقت العصر أم ماذا أفعل؟ فأجابوا: "تصلي الظهر أربعاً؛ لأنك وصلت إلى بلدك في وقته قبل أن تصلي صلاة الظهر، فصرت في حكم المقيم ثم تصلي العصر مع الناس" انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (8/151) . وسئل الشيخ محمد بن عثيمين عن مثل ذلك فقال: "العبرة بفعل الصلاة، فإن فعلتها في الحضر فأتم، وإن فعلتها في السفر فأقصر، سواء دخل عليك الوقت في هذا المكان أو قبل " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (15/428) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 108505 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1550 مسافرون إلى بلد أوربي وعددهم 15 فهل يقيمون الجمعة؟ [السُّؤَالُ] ـ[نحن مسافرون إلى بلد أوربي للنزهة والنقاهة لمدة 5 أسابيع محددة سلفاً (مقيمين في فندق والإقامة والترحال غاية في الراحة ولله الحمد) والمدينة التي نقيم بها ليس فيها مسجد، فما حكم الجمع والقصر لصلاة الفريضة؟ وهل علينا صلاة الجمعة؟ علماً بأن العدد يسمح بذلك (أكثر من 15 شخص) وفينا من يستطيع أن يخطب للجمعة حيث إنه مرت جمعتان ولم نصلهما بحجة أنه لا جمعة لمسافر.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: سبق في جواب السؤال رقم (111934) بيان حكم السفر إلى البلاد غير الإسلامية من أجل السياحة والنزهة. ثانياً: إذا نوى المسافر الإقامة في بلد أكثر من أربعة أيام فإنه يكون في حكم المقيم فيلزمه إتمام الصلاة من لحظة دخوله البلد، كما تلزمه الجمعة حيث ينادى بها. قال ابن قدامة رحمه الله: "المشهور عن أحمد رحمه الله أن المدة التي تلزم المسافر الإتمام بنية الإقامة فيها، هي ما كان أكثر من إحدى وعشرين صلاة. رواه الأثرم والمروذي وغيرهما، وعنه: أنه إذا نوى إقامة أربعة أيام أتم، وإن نوى دونها قصر، وهذا قول مالك والشافعي وأبي ثور " انتهى من "المغني" (2/65) . وجاء في فتاوى اللجنة (8/99) : " السفر الذي يشرع فيه الترخيص برخص السفر هو ما اعتبر سفراً عرفاً، ومقداره على سبيل التقريب مسافة ثمانين كيلو متراً، فمن سافر لقطع هذه المسافة فأكثر فله أن يترخص برخص السفر من المسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليهن، والجمع والقصر، والفطر في رمضان، وهذا المسافر إذا نوى الإقامة ببلد أكثر من أربعة أيام فإنه لا يترخص برخص السفر، وإذا نوى الإقامة أربعة أيام فما دونها فإنه يترخص برخص السفر، والمسافر الذي يقيم ببلد ولكنه لا يدري متى تنقضي حاجته ولم يحدد زمناً معيناً للإقامة فإنه يترخص برخص السفر ولو طالت المدة، ولا فرق بين السفر في البر والبحر " انتهى. بهذا يعلم أنه يلزمكم إتمام الصلاة، ولا يجوز لكم القصر. وأما الجمع فإنه لا يختص بالسفر، بل يشرع لأعذار أخرى، كالمطر، والمرض، والمشقة، وينظر جواب السؤال رقم (39176) . والأصل أن تصلى الصلوات في أوقاتها، فإن وجد ما يبيح الجمع، جاز الجمع. ثالثاً: إذا لم يكن في المدينة التي ستقيمون فيها مستوطنون تجب عليهم الجمعة فلا جمعة عليكم، وينظر تفصيل ذلك في جواب السؤال رقم (11556) . والمسافر ذا نوى إقامة تمنع القصر وجبت عليه الجمعة تبعاً لغيره لا استقلالاً، فإن وُجد مستوطنون ممن تلزمهم الجمعة، وجب على هذا المسافر أن يصليها معهم. وينظر: "المغني" (3/218) ، "الإنصاف" (5/169) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106921 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1551 المسافة التي تبيح القصر [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكن القصر عندما أعرف بأني أتأخر في العودة؟ هل مسافة السفر هي 80 كم (ذهاباً ورجوعاً) أو مسافة ذهاب فقط كي يجوز لي القصر والجمع؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله السفر الذي يشرع فيه الترخص برخص السفر هو ما اعتبر سفراً عرفاً، ومقداره على سبيل التقريب مسافة ثمانين كيلو متراً، فمن سافر – ذهابا - لقطع هذه المسافة فأكثر فله أن يترخص برخص السفر من المسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليهن، والجمع والقصر، والفطر في رمضان. وهذا المسافر إذا وصل إلى البلد التي سافر إليها ونوى الإقامة فيها أكثر من أربعة أيام فإنه لا يترخص برخص السفر، وإذا نوى الإقامة أربعة أيام فما دونها فإنه يترخص برخص السفر. والمسافر الذي يقيم ببلد ولكنه لا يدري متى تنقضي حاجته ولم يحدد زمناً معيناً للإقامة فإنه يترخص برخص السفر ولو طالت المدة. والحاصل: أنه يشترط أن لا تقل مسافة الذهاب عن 80 كيلو، حتى يباح لك القصر، وإذا كانت مدة إقامتك أكثر من أربعة أيام فإنك تتمين الصلاة. أما الجمع بين الصلاتين (الظهر والعصر) و (المغرب والعشاء) فإنه يجوز للمسافر، ويجوز للمقيم أيضاً إذا شق عليه أن يصلي كل صلاة في وقتها، بسبب مرض أو عمل مهم لا يمكن تأخيره، كالطلب في الاختبار، والطبيب في العملية الجراحية ونحو ذلك. ولمزيد من الفائدة يراجع جواب السؤال رقم (97844) و (97455) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105844 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1552 مسافر صلى جمع تقديم ثم عاد إلى بلده قبل دخول وقت الثانية [السُّؤَالُ] ـ[عندما أكون في السفر أصلى الظهر والعصر أو المغرب والعشاء جمع تقديم وقصراً، ولكن يتصادف أحياناً أن أعود إلى بلدي قبل أذان الوقت الثاني، أو بعده بقليل، فهل أعيد الفرض مرة أخرى أم أنه في الحالتين يسقط بأدائه جمع تقديم وقصراً في السفر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من رخص الصلاة المتعلقة بالسفر الجمع بين صلاتي الظهر والعصر، وبين صلاتي المغرب والعشاء جمع تقديم أو تأخير. ولم يواظب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الجمع في كل أسفاره، بل كان يجمع أحياناً، وأحياناً أخرى لا يجمع، ويصلي كل صلاة في وقتها. ولذلك قال العلماء: الأفضل للمسافر أن لا يجمع إلا إذا احتاج إليه بأن شق عليه فعل كل صلاة في وقتها، وإن كانت رخصة الجمع ثابتة لكل مسافر. انظر: "المغني" (3/131) ، "الشرح الممتع" (4/550-553) . وإذا ثبت السفر جاز الترخص بالجمع، ولو علم أنه سيعود إلى بلده قبل خروج وقت الصلاة الثانية، أو قبل دخول وقتها، لأن الأدلة إنما دلت على جواز الجمع للمسافر، فما دام الإنسان مسافراً فله الجمع. وقد ذكر النووي رحمه الله في "المجموع" (4/180) اختلاف العلماء على قولين فيما إذا جمع بين الصلاتين جمع تقديم وهو مسافر ثم أقام، فهل يبطل الجمع ويلزمه إعادة الصلاة الثانية في وقتها أو لا؟ ثم قال النووي رحمه الله: أصح القولين أنه لا يبطل الجمع، كما لو قصر ثم أقام اهـ بتصرف يسير. وقال الموفق ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (3/140) : "وَإِنْ أَتَمَّ الصَّلاتَيْنِ فِي وَقْتِ الأُولَى , ثُمَّ زَالَ الْعُذْرُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهُمَا قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الثَّانِيَةِ , أَجْزَأَتْهُ , وَلَمْ تَلْزَمْهُ الثَّانِيَةُ فِي وَقْتِهَا ; لأَنَّ الصَّلَاةَ وَقَعَتْ صَحِيحَةً مُجْزِيَةً عَنْ مَا فِي ذِمَّتِهِ , وَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُ مِنْهَا , فَلَمْ تَشْتَغِلْ الذِّمَّةُ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ. وَلأَنَّهُ أَدَّى فَرْضَهُ حَالَ الْعُذْرِ , فَلَمْ يَبْطُلْ بِزَوَالِهِ بَعْدَ ذَلِكَ , كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الصَّلاةِ" اهـ. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن مسافر جمع بين صلاتي الظهر والعصر جمع تقديم، وهو يعلم أنه سيصل إلى مكان إقامته قبل صلاة العصر فهل هذا جائز؟ فأجاب: نعم. هذا جائز، لكن إن كان يعلم أو يغلب على ظنه أنه سيصل قبل صلاة العصر، فالأفضل أن لا يجمع لأنه ليس هناك حاجة للجمع. اهـ. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (15/422) . وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن المسألة نفسها، فأجابت: " ... ولو جمعت في سفرك العشاء مع المغرب وقصرتها فلا بأس، ولو وصلت في وقت العشاء " اهـ. "فتاوى اللجنة الدائمة" (8/152) . والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 22387 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1553 الفرق بين الجمع والقصر [السُّؤَالُ] ـ[ما الفرق بين الجمع والقصر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الفروق بين الجمع والقصر كثيرة، منها: أولا: التعريف. القصر معناه: أن تصير الصلاة الرباعية ركعتين في السفر. أما الجمع: فهو أن يجمع المصلي بين صلاتي الظهر والعصر، أو بين المغرب والعشاء، في وقت الأولى منهما ويسمى "جمع تقديم"، أو في وقت الثانية ويسمى "جمع تأخير". ثانيا: الحكم الشرعي. اتفق العلماء على أن قصر الصلاة أفضل للمسافر من إكمالها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قصر في جميع أسفاره، ولم يصح عنه أنه أتم في السفر. قال ابن عمر رضي الله عنهما: (صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَكَانَ لاَ يَزِيدُ فِى السَّفَرِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ كَذَلِكَ رضى الله عنهم) رواه البخاري (1102) . بل ذهب الحنفية إلى وجوب قصر الصلاة للمسافر، والصحيح قول الجمهور: أن القصر سنة مؤكدة، وأنه أفضل من إتمام الصلاة. انظر: "الإجماع" لابن المنذر (27) ، "المغني" (1/382) ، "الموسوعة الفقهية" (27/274) أما الجمع بين الصلاتين فلم يجمع العلماء على جوازه إلا للحاج في عرفة ومزدلفة، وأنكر بعض العلماء جواز الجمع في غير هذين الموضعين. والصحيح ما ذهب إليه جمهور العلماء من جواز الجمع إذا وجد العذر، لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في غير عرفة ومزدلفة. ثالثا: الأسباب المبيحة للجمع والقصر. الأسباب المبيحة للجمع بين الصلاتين أوسع من أسباب القصر، فالجمع جائز لكل مسافر، وللمقيم إذا كان عليه مشقة في أداء كل صلاة في وقتها، كالمريض، أو إذا كان هناك مطر، أو المشغول بعمل يتعذر تأجيله، كالطالب في امتحانه، والطبيب الذي يجري عملية جراحية ونحو ذلك. أما القصر فلا يجوز إلا في السفر. قال شيخ الإسلام ابن تيمية – كما في "مجموع الفتاوى" (22/293) : " والقصر سببه السفر خاصة، لا يجوز في غير السفر، وأما الجمع فسببه الحاجة والعذر، فإذا احتاج إليه جمع في السفر القصير والطويل، وكذلك الجمع للمطر ونحوه، وللمرض ونحوه، ولغير ذلك من الأسباب، فإن المقصود به رفع الحرج عن الأمة " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين في "اللقاء الشهري" (60/11) : " الجمع أوسع من القصر" انتهى. يعني: أن أسبابه أكثر. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105109 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1554 لا تسافر المرأة إلا مع محرم ولو كان السفر قصيرا [السُّؤَالُ] ـ[أعرف أنه لا يجوز سفر المرأة بدون محرم , أود الاستفسار عن ماذا يقصد بكلمة سفر؟ إذا كان يقاس بالمسافة فمن أين تقاس هذه المسافة هل من بداية طريق السفر (منطقة ليس بها عمار) أم من أين؟ أيضا أود أن أعرف إذا كان لأبي مزرعة على طريق مصر الإسماعيلية ويحب أن نذهب له من حين إلى آخر وهى تبعد حوالي ساعة وربع كحد أقصى من البيت فهل هذا يعتبر سفرا أم لا؟ مع العلم أن معظم الطريق مليء بالمدن الجديدة والمدارس والشركات والأراضي الزراعية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله دلت السنة الصحيحة الصريحة على أنه لا يجوز للمرأة أن تسافر إلا مع ذي محرم، وهذا السفر لا يحدد بمسافة معينة، كما هو الحال في قصر الصلاة والفطر في الصوم، بل كل ما سمي سفرا، طويلا كان أو قصيرا، تمنع المرأة منه إلا مع وجود المحرم. لما روى البخاري (1729) ومسلم (2391) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ) . وقد اتفق الفقهاء على تحريم سفر المرأة دون محرم؛ إلا في مسائل مستثناة، منها سفرها للحج الواجب، فمنهم من أجاز سفرها له مع الرفقة المأمونة، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " قال البغوي: لم يختلفوا في أنه ليس للمرأة السفر في غير الفرض إلا مع زوج أو محرم إلا كافرة أسلمت في دار الحرب أو أسيرة تخلصت. وزاد غيره: أو امرأة انقطعت من الرفقة فوجدها رجل مأمون فإنه يجوز له أن يصحبها حتى يبلغها الرفقة " انتهى من "فتح الباري" (4/76) . وقال النووي رحمه الله في "شرح صحيح مسلم" مبينا أن السفر هنا لا يتقيد بمسافة معينة: "فالحاصل: أن كل ما يسمى سفرا تنهى عنه المرأة بغير زوج أو محرم، سواء كان ثلاثة أيام أو يومين أو يوما أو غير ذلك؛ لحديث ابن عباس الذي رواه مسلم: (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) وهذا يتناول جميع ما يسمى سفرا والله أعلم " انتهى كلام النووي بتصرف. وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (17/339) : " يحرم على المرأة السفر بدون محرم مطلقا، سواء قصرت المسافة أم طالت " انتهى. وعليه؛ فإذا كان الذهاب من مدينتك إلى هذا المكان يعد سفراً في عرف الناس، لم يجز لك الذهاب إليه بدون محرم، وإن كان لا يعد سفراً في العرف فلا حرج عليك من الذهاب إليه بدون محرم. وكون الطريق مليئا بالمدن والمدارس والأراضي الزراعية، لا يغير من هذا الحكم. ثانيا: أما بالنسبة لقصر الصلاة والفطر في السفر، وتقدير المسح على الخفين بثلاثة أيام بلياليهن، فالجمهور على أن السفر هنا مقدر بالمسافة، وهي نحو 80 كيلو مترا، وتبدأ المسافة من نهاية عمران البلد. وينظر: تحفة المحتاج (2/370) ، الموسوعة الفقهية (27/270) . وبعض أهل العلم لا يقدر السفر بالمسافة، وإنما يرجعه إلى العرف. وينظر جواب السؤال رقم (38079) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 101520 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1555 المسافر له أن يصلي صلاة السفر إذا فارق عامر البلد [السُّؤَالُ] ـ[ما الحكم إذا سافر شخص بعد دخول وقت الظهر وبعد أن سار ما يقرب من عشرة كيلومترات وقف ليصلي، هل يتم أم يقصر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الذي عليه جمهور أهل العلم أن للمسافر أن يصلي صلاة السفر إذا فارق البلد لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يقصر في أسفاره إلا إذا غادر المدينة، فيصلي ركعتين لأن العبرة بوقت الفعل، فإذا أذن المؤذن للظهر أو للعصر وخرج المسافر وجاوز عامر البلد شرع له أن يقصر الصلاة الرباعية فالعبرة بوقت الفعل لا بوقت الخروج من البلد، لأنه وقت الفعل مسافر. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - ج/12 ص/298. الحديث: 22249 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1556 مسائل في القصر والجمع للمسافر [السُّؤَالُ] ـ[أنا أسكن مدينة الجبيل التي تبعد أكثر من 80 كلم عن مدينة الدمام. عندما أحتاج إلي قضاء حاجياتي من السوق أو زيارة الأهل والأصدقاء أسافر إلى الدمام وغالبا ما أرجع إلى الجبيل في نفس اليوم. أسئلتي منصبة في حال وجودي في الدمام وهي كما يلي: هل يجوز الجمع والقصر في صلاتي الظهر والعصر في أي وقت بينهما وهل يجوز تأخير الجمع والقصر إلى فترة ما بعد صلاة العصر وإلى متى؟ هل يجوز الجمع والقصر في صلاتي المغرب والعشاء في أي وقت بينهما وهل يجوز تأخير الجمع والقصر إلى فترة ما بعد صلاة العشاء وإلى متى؟ عندما أجمع وأقصر إحدى الصلاتين في وقت صلاة الأولى وبعدها يتسنى لي الوصول إلي الجبيل قبل دخول أو عند دخول وقت صلاة الثانية ... هل يجب علي تأدية الصلاة التي دخل وقتها مرة أخرى أو أعتبر أني قد صليتها مسبقا؟ في حالة تأخير صلاة القصر والجمع إلى فترة صلاة الثانية ... هل يجوز أن أؤدي الصلاة في منطقة قريبة من منطقة الجبيل (محطة على الطريق قريبة جدا من الجبيل باعتبار أني لازلت على سفر) ؟ عندما أنوي الجمع والقصر في طريق العودة إلى الجبيل .... وحدث أني نسيت التوقف والصلاة على الطريق وأني لم أتذكر الصلاة إلا في البيت في الجبيل .... هل أصليهما جمعا وقصرا أو أصلي كل صلاة على حده مثل صلاة القضاء؟ عندما أنوي الجمع والقصر وأصلي خلف إمام في أحد المساجد في الدمام ... هل يجوز أن أرتب دخولي في الصلاة إلى ما بعد التشهد ألأول للإمام وأدخل بنيه القصر وأسلم مع الإمام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: ذهب جمهور الفقهاء إلى تحديد السفر بالمسافة، وذهب بعض أهل العلم إلى أن المرجع هو العرف، فما عدّه الناس سفرا فهو سفر، وما لم يعدوه في عرفهم سفرا فليس بسفر. وتقدّر المسافة على قول الجمهور بثمانين كيلو مترا تقريبا. جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (8/99) : " السفر الذي يشرع فيه الترخيص برخص السفر هو ما اعتبر سفراً عرفاً، ومقداره على سبيل التقريب مسافة ثمانين كيلو متراً، فمن سافر لقطع هذه المسافة فأكثر فله أن يترخص برخص السفر من المسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليهن، والجمع والقصر، والفطر في رمضان " انتهى. وأفتى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في حق الموظف الذي يذهب يوميا نحوا من 150 كيلا أن الأحوط في حقه أن يتم الصلاة. فقد سئل رحمه الله: نحن جماعة من المدرسين تبعد المدرسة ما يزيد على مائة وخمسين كيلو عن البلدة التي نسكن فيها، ونحن نتردد يومياً إلى المدرسة، وقد اختلفنا في حكم القصر والجمع بالنسبة لصلاة الظهر والعصر، فهل يحق لنا في هذه المسافة القصر والجمع ونحن نتردد يومياً إلى المدرسة أم لا؟ فأجاب: " الاحتياط ألا يقصروا ولا يجمعوا؛ لأن مثل هذا لا يعد عند الناس سفراً، وإن كان سفراً عند بعض العلماء، فالذي أرى لهم: ألا يجمعوا ولا يقصروا. إلا لو فرض أنهم إذا وصلوا إلى أهليهم متعبين ويخشون إن ناموا ألا يقوموا إلا عند الغروب، أو يخشون إن بقوا حتى يؤذن العصر أن يصلوا العصر وهم في شدة النعاس، فهنا نقول: اجمعوا؛ لأن الجمع أوسع من القصر، لا حرج أن يجمعوا، وإذا وصلوا إلى بلدهم ينامون إلى الغروب، أما القصر فأرى أن الاحتياط ألا يقصروا؛ لأن هذا لا يسمى سفراً في عرف الناس الآن " انتهى من "اللقاء الشهري" (60/11) . ثانيا: بناء على قول الجمهور في تحديد السفر بالمسافة، فإنه يجوز لك أن تقصر الظهر والعصر والعشاء في الدمام، إذا صليت بمفردك أو مع جماعة مسافرين. لكن ينبغي أن تعلم أن صلاة الجماعة واجبة على الرجل القادر، حاضرا كان أو مسافرا، فحيث سمعت النداء لزمك حضور الجماعة، وحينئذ تصلي الصلاة تامة إذا كان الإمام مقيما. ثالثا: أما الجمع بين الصلاتين في البلد الذي سافرت إليه وهو الدمام، فهو جائز على القول بأنك مسافر، ولكن الأولى أن لا تجمع بين الصلاتين إلا إذا شق عليك فعل كل صلاة في وقتها. ويجوز لك أن تجمع بين الصلاتين جمع تقديم أو تأخير حسب الأيسر لك. رابعا: وقت صلاة العصر إلى اصفرار الشمس، ووقت صلاة العشاء إلى منتصف الليل؛ لما روى مسلم (612) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (وَقْتُ الظُّهْرِ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْعَصْرُ، وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ، وَوَقْتُ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَسْقُطْ ثَوْرُ الشَّفَقِ، وَوَقْتُ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، وَوَقْتُ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ) . وقد سبق في جواب السؤال (9940) بيان مواقيت الصلوات الخمس على التفصيل. وعليه فإذا جمعت الظهر والعصر تأخيرا، وجب أن يكون ذلك قبل اصفرار الشمس. وإذا جمعت المغرب والعشاء تأخيرا، وجب أن يكون ذلك قبل منتصف الليل. خامسا: إذا جمعت بين الصلاتين في وقت الأولى منهما، ثم عدت إلى الجبيل قبل دخول وقت الصلاة الثانية، لم يلزمك إعادة الصلاة الثانية. ويجوز للمسافر أن يجمع جمع تقديم، مع علمه أنه سيصل بلده قبل دخول وقت الصلاة الثانية. لكن سق أن الأفضل في حقك عدم الجمع، وخاصة في هذه الحالة التي سترجع فيها قبل دخول وقت الثانية، ما لم توجد مشقة من مرض أو تعب ونحوه. سادسا: في حالة جمع التأخير، يجوز أن تؤدي الصلاة في منطقة قريبة من منطقة الجبيل، قبل دخول بنيان المدينة، سواء صليت في محطة أو على الطريق، لأن حكم السفر يمتد إلى دخول عمران المدينة. سابعا: إذا أراد المسافر الجمع، لكنه وصل إلى بلده دون أن يصلي، فإن وصل في وقت الأولى، صلى الأولى فقط، تامة ثم صلى الثانية، تامة، بعد دخول وقتها. وإن وصل في وقت الثانية، صلى الأولى قصرا (على ما رجحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله) ، وصلى الثانية تامة، اعتبارا بحال فعل الصلاة. وينظر: "الشرح الممتع" (4/370) ثامنا: يلزم المسافر أن يصلي الجماعة حيث ينادى بها، كما سبق، فإذا دخل المسجد شرع في الصلاة خلف الإمام، وليس له أن يتأخر إلى التشهد ألأول؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا سَمِعْتُمْ الإِقَامَةَ فَامْشُوا إِلَى الصَّلاةِ وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ وَلا تُسْرِعُوا فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا) البخاري (636) ومسلم (602) . والمسافر إذا صلى خلف مقيم يتم الصلاة، وجب عليه أن يتم الصلاة أربعاً، سواء أدرك من صلاة الإمام ركعتين أو أكثر أو أقل. وانظر جواب السؤال رقم (40299) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98574 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1557 متى يصلي الوتر في حالة جمع العشاء مع المغرب [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم تأدية الوتر خلال (وقت) العشاء أثناء السفر، وقصر صلوات الفريضة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا السؤال من شقين: الشق الأول: قصر الصلاة في السفر: " السفر سبب مبيح لقصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين، بل إنه ـ أي السفر ـ سبب يقتضي قصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين إما وجوباً وإما ندباً على خلاف في ذلك. والصحيح أن القصر مندوب وليس بواجب، وإن كان من النصوص ما ظاهره الوجوب، ولكن هناك نصوص أخرى تدل على أنه ليس بواجب "..أ. هـ. " والرباعية هي الظهر والعصر والعشاء، ودليل ذلك كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وإجماع الأمة. أما في القرآن فقال الله تعالى: (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) والدليل فعل النبي صلى الله عليه وسلم: (فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر صلى ركعتين، ولم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى أربعاً في سفر قط، بل في كل أسفاره الطويلة والقصيرة كان يصلي ركعتين) وأما إجماع المسلمين: فهذا أمر معلوم بالضرورة، كما قال ابن عمر: (صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبوبكر وعمر وعثمان فكانوا لا يزيدون على ركعتين في السفر) والمسلمون مجمعون على هذا." الشق الثاني: صلاة الوتر في حالة جمع العشاء مع المغرب جمع تقديم. " وللمسافر أن يوتر بعد صلاة العشاء المجموعة مع المغرب جمع تقديم "، يراجع فتاوى الشيخ ابن عثيمين ج/1 ص/412، والشرح الممتع ج/4 ص/502 وفتاوى اللجنة الدائمة ج/8 ص/144. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 21756 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1558 المسافر إذا دخل عليه الظهر قبل دخول بلده هل له القصر والجمع؟ [السُّؤَالُ] ـ[نحن مجموعة شباب مدرسين تبعد المدرسة عن مكان إقامتنا أكثر من مائة كيلو ونحن راجعون من المدرسة يدخل وقت صلاة الظهر فنصليها في قرية تبعد عن إقامتنا أكثر من عشرين كيلو فهل يصح لنا الجمع والقصر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: ذهب جمهور الفقهاء إلى تحديد السفر بالمسافة، وذهب بعض أهل العلم إلى أن المرجع هو العرف، فما عدّه الناس سفرا فهو سفر، وما لم يعدوه في عرفهم سفرا فليس بسفر. وتقدر المسافة على قول الجمهور بثمانين كيلو مترا تقريبا. جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (8/99) : " السفر الذي يشرع فيه الترخيص برخص السفر هو ما اعتبر سفراً عرفاً، ومقداره على سبيل التقريب مسافة ثمانين كيلو متراً، فمن سافر لقطع هذه المسافة فأكثر فله أن يترخص برخص السفر من المسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليهن، والجمع والقصر، والفطر في رمضان، وهذا المسافر إذا نوى الإقامة ببلد أكثر من أربعة أيام فإنه لا يترخص برخص السفر، وإذا نوى الإقامة أربعة أيام فما دونها فإنه يترخص برخص السفر، والمسافر الذي يقيم ببلد ولكنه لا يدري متى تنقضي حاجته ولم يحدد زمناً معيناً للإقامة فإنه يترخص برخص السفر ولو طالت المدة، ولا فرق بين السفر في البر والبحر " انتهى وأفتى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في حق الموظف الذي يذهب يوميا نحوا من 150 كيلا أن الأحوط في حقه أن يتم الصلاة. فقد سئل رحمه الله: نحن جماعة من المدرسين تبعد المدرسة ما يزيد على مائة وخمسين كيلو عن البلدة التي نسكن فيها، ونحن نتردد يومياً إلى المدرسة، وقد اختلفنا في حكم القصر والجمع بالنسبة لصلاة الظهر والعصر، فهل يحق لنا في هذه المسافة القصر والجمع ونحن نتردد يومياً إلى المدرسة أم لا؟ فأجاب: " الاحتياط ألا يقصروا ولا يجمعوا؛ لأن مثل هذا لا يعد عند الناس سفراً، وإن كان سفراً عند بعض العلماء، فالذي أرى لهم: ألا يجمعوا ولا يقصروا. إلا لو فرض أنهم إذا وصلوا إلى أهليهم متعبين ويخشون إن ناموا ألا يقوموا إلا عند الغروب، أو يخشون إن بقوا حتى يؤذن العصر أن يصلوا العصر وهم في شدة النعاس، فهنا نقول: اجمعوا؛ لأن الجمع أوسع من القصر، لا حرج أن يجمعوا، وإذا وصلوا إلى بلدهم ينامون إلى الغروب، أما القصر فأرى أن الاحتياط ألا يقصروا؛ لأن هذا لا يسمى سفراً في عرف الناس الآن " انتهى من "اللقاء الشهري" (60/11) . ثانيا: بناء على قول الجمهور في تحديد السفر بالمسافة، فإنه إذا دخل عليكم وقت صلاة الظهر، قبل وصولكم إلى بلدكم، فلكم أن تصلوها قصرا، وأن تجمعوا بينها وبين صلاة العصر، مع قصر العصر أيضا، ولو مع الجزم أو غلبة الظن بأنكم ستدخلون البلد قبل دخول وقت العصر، وذلك لعموم الأدلة الدالة على مشروعية القصر والجمع في السفر. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: رجل مسافر وحان وقت صلاة المغرب هل يجمع ويقصر علماً أنه سوف يدخل وقت العشاء في البلد الذي أراد أن يسافر إليه، هل يجوز له أن يجمع ويقصر، أم يصلي المغرب في وقتها ويؤخر العشاء ويصلي مع الجماعة؟ فأجاب: " لو أن إنساناً سافر وهو يعرف أنه سيصل إلى البلد قبل وقت العشاء فهل له أن يجمع العشاء مع المغرب في حال السفر، أو نقول: انتظر حتى تصل إلى البلد؟ فالجواب: له أن يجمع العشاء إلى المغرب؛ أولاً: لأنه في سفر وقد دخل وقت المغرب ووقت المغرب، والعشاء واحد في الحالة التي يجوز فيها الجمع. ثانياً: أن الإنسان قد يقدر أنه سوف يصل قبل وقت العشاء ولا يصل، قد تتعطل السيارة، أو يحصل أي سبب يمنع من الوصول إلى البلد قبل الوقت. لكن نقول: الأولى ما دمت تعرف أنك سوف تصل إلى البلد قبل وقت الثانية، الأولى لك ألا تجمع. ولو أخر المغرب حتى يصل إلى البلد فلا بأس، لكنه إذا وصل إلى البلد ووقت المغرب باق فإنه لا يجوز له أن يؤخره، بل يجب عليه أن يصليها في وقتها؛ لأن سبب الجمع هو السفر وقد انتهى، ثم إنه في هذه الحالة أنت قلت: يجمع ويقصر، وهو لا يقصر أبداً على كل حال؛ لأن القصر سببه السفر، فمتى انتهى السفر انتهى القصر " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (100/21) . والحاصل: أنه على قول من حدَّد السفر بالمسافة لكم أن تقصروا وتجمعوا. وأما على قول من يجعل الأمر راجعاً إلى العرف، فليس لكم أن تقصروا لأنكم لا تعدّون عند الناس مسافرين. وأما الجمع بين الصلاتين، فإن كان عليكم مشقة بفعل كل صلاة في وقتها جاز لكم الجمع، ومع عدم المشقة فلا يجوز الجمع والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96098 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1559 مسافر صلى العشاء خلف مقيم يصلي التراويح فهل يقصر أو يتم؟ [السُّؤَالُ] ـ[رجل مسافر لم يصل العشاء, دخل المسجد والإمام يصلي التراويح وهو في الركعة الأولى, دخل المسافر في الصلاة مع الإمام بنية العشاء. عندما يسلم الإمام بعد ركعتين, هل يتم المسافر بناء على حكم الإمام لأنه مقيم أو يسلم على أنه مسافر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصحيح من أقوال العلماء أنه يسلم مع الإمام، لأنه وافق السنة فقصر الصلاة، ولم يخالف إمامه، حيث إن إمامه صلى ركعتين. وإنما يؤمر المسافر بالإتمام أربعاً إذا كان الإمام سيصلي أربعاً، حتى لا يقع في مخالفته. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: دخلت المسجد الحرام لصلاة العشاء ووجدته يصلي التراويح, فهل أصلي التراويح بنية العشاء، أم أصلي العشاء؟ فأجاب: "إذا دخل الإنسان إلى المسجد والناس يصلون صلاة التراويح وهو لم يصلِ صلاة العشاء فإنه يدخل معهم بنية العشاء, ثم إن كان مسافراً وقد دخل مع الإمام في الركعة الأولى سلم مع الإمام, لأن المسافر يصلي ركعتين، وإن كان مقيماً فإنه إذا سلم الإمام فإنه يأتي بما بقي عليه من الركعات الأربع. وقد يقول قائل: كيف أصلي فريضة خلف نافلة؟ نقول: نعم, صل فريضة خلف نافلة, فإن هذا وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان معاذ بن جبل رضي الله عنه يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء، ثم يذهب إلى قومه فيصلي بهم نفس الصلاة, فتكون له نافلة ولهم فريضة. حتى وإن كان معه أحد الأفضل ألا ينفردوا عن المسلمين , الأفضل أن يصلوا مع المسلمين وينووا الفريضة " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (117/30) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93808 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1560 إذا صلى العشاء جمع تقديم مع المغرب فله أن يوتر بعدها مباشرة [السُّؤَالُ] ـ[إذا جمعت بين صلاتي المغرب والعشاء جمع تقديم بسبب السفر، فمتى أصلى صلاة الوتر؟ هل أصليها بعد العشاء مباشرة أم أنتظر حتى يدخل وقت صلاة العشاء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لك أن تصليها بعد صلاة العشاء مباشرة. جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (8/144) يشرع الجمع بين الصلاتين للمسافر والمريض وللمقيم في الليلة المطيرة، وله أن يوتر بعد صلاة العشاء المجموعة جمع تقديم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 48978 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1561 عمله على بعد 40 ميلاً، فهل يقصر الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[أقطع مسافة 40 ميلا تقريبا بالسيارة للذهاب إلى عملي خلال أيام العمل الأسبوعية (من الأثنين إلى الجمعة) ، وأغادر المناطق المحيطة بمدينتي. وأعود إلى بيتي يوميا في المساء. فهل يجوز أن أقصر الصلوات في العمل وإن كنت أسافر كل يوم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا سافر الإنسان عن بلده مسافة 100 كم، أو ما يقاربها، فإنه يعمل بأحكام السفر من القصر، والفطر والجمع بين الصلاتين، والمسح على الخفين ثلاثة أيام، لأنّ هذه المسافة تعتبر مسافة سفرٍ، وهكذا لو سافر 80 كم أو ما يقارب ذلك فإنها تعتبر مسافة قصر عند جمهور أهل العلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - من كتاب فتاوى إسلامية 1/400. الحديث: 10993 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1562 صلاة المسافر خلف المقيم [السُّؤَالُ] ـ[رجل مسافر وصل إلى البلد الذي سافر إليه وأراد أن يُصلي مع إمام مقيم فهل تصح صلاته؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا مانع من كون المسافر يصلي خلف المقيم سواء اختلفت هيئة الصلاة أم لا. واختلاف النية غير مؤثر غير أن المسافر إذا أدرك مع الإمام دون الركعة فإنه يصلي قصراً. مثال ذلك: مسافر أدرك مع الإمام التشهد الأخير من صلاة الظهر فحينئذٍ يصلي الظهر ركعتين، فهذه صلاته إذا لم يدرك ركعة فأكثر. وأما إذا أدرك من صلاة المقيم ركعة فأكثر فإنه يُتم وجوباً وهذا مذهب أكثر أهل العلم وهو مروي عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما. وفي صحيح مسلم (688) عن موسى بن سلمة الهذلي قال سألت ابن عباس كيف أصلي إذا كنت بمكة إذا لم أُصل مع الإمام فقال ركعتين سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم. وفي صحيح مسلم (694) من طريق نافع قال كان ابن عمر إذا صلى مع الإمام صلى أربعاً وإذا صلاّها وحده صلى ركعتين. وروى البيهقي في السنن من طريق سليمان التميمي عن أبي مجلز قال قلت لابن عمر: المسافر يدرك ركعتين من صلاة القوم يعني المقيمين أتجزيه الركعتان أو يصلي بصلاتهم؟ قال فضحك وقال يصلي بصلاتهم. وإذا اختلفت هيئة الصلاة كأن يصلي المسافر صلاة المغرب خلف مقيم يصلي العشاء فإنه حينئذٍ يجلس بعد الثالثة. وهل يكمل صلاته وينصرف أم ينتظر الإمام حتى يتم صلاته ويتشهد معه ويسلم؟ لكل من هذين القولين احتمال والأقرب في نظري الاحتمال الثاني وهو الانتظار. وإذا كان العكس كأن يصلي المسافر صلاة العشاء خلف مقيم يصلي المغرب، فالذي يظهر لي في هذه المسألة أنه يصلي ركعتين ويجلس حتى يتم الإمام صلاته ويتشهد ويسلم معه والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ ناصر بن سليمان العلوان الحديث: 26186 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1563 الجمع بين الصلاتين قبل السفر [السُّؤَالُ] ـ[إذا أردت السفر بالطائرة وكان وقت الإقلاع قبل دخول وقت صلاة العصر وسوف تهبط الطائرة في مطار آخر ووقت إقلاع الرحلة الثانية بعد الوصول مباشرة. فهل يجوز أن أجمع وأقصر صلاة العصر مع صلاة الظهر في مدينتي؟ وما الحكم إذا فعلت ذلك؟ وما هو العمل الصحيح؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز للمقيم أن يجمع بين الصلاتين إن كان هناك حرج من أداء الصلاة الثانية في وقتها، والجمع أوسع من القصر، فلا قصر إلا لمسافر، والجمع يجوز للمسافر والمقيم حيث يوجد الحرج من أداء الصلاة الثانية سواء في وقتها أو في جماعة. وعليه: فيجوز لك أن تقدم العصر فتصليها مع الظهر في مدينتك إن غلب على ظنك أنك لن تقدر على أدائها في وقتها بسبب سفرك. وإذا كان المطار خارج قريتك أو مدينتك فإنك تقصر الصلاة كذلك، وإن كنت من سكان المطار فتتم من غير قصر. قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله -: مسألة: إذا كان في القصيم إذا خرج الإنسان إلى المطار هل يقصر في المطار؟ الجواب: نعم يقصر؛ لأنه فارق عامر قريته، فجميع القرى التي حول المطار منفصلة عنه، أما من كان من سكان المطار: فإنه لا يقصر في المطار؛ لأنه لم يفارق عامر قريته. " الشرح الممتع " (4 / 514) . عن ابن عباس قال: صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعا بالمدينة في غير خوف ولا سفر، قال أبو الزبير: فسألت سعيداً – أي: ابن جبير - لم فعل ذلك؟ فقال: سألت ابن عباس كما سألتني فقال: أراد أن لا يحرج أحداً من أمَّته. رواه مسلم (705) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والقصر سببه السفر خاصة لا يجوز في غير السفر وأما الجمع فسببه الحاجة والعذر فإذا احتاج إليه جمع في السفر القصير والطويل وكذلك الجمع للمطر ونحوه وللمرض ونحوه ولغير ذلك من الأسباب فإن المقصود به رفع الحرج عن الأمة. " مجموع الفتاوى " (22 / 293) طبعة مجمع الملك فهد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20017 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1564 يقصر المسافر الصلاة ولو لم يجد مشقة [السُّؤَالُ] ـ[ما المعتبر في القصر وجود المشقة أو وجود السفر نفسه؟؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المعتبر في قصر الصلاة هو السفر سواء وجدت المشقة أم لا. وقد عَلَّق الله تعالى ورسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحكم (وهو قصر الصلاة) على السفر، قال الله تعالى: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوّاً مُبِيناً) النساء/101. وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (صَلاةُ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ) رواه النسائي (1420) وصححه الألباني في صحيح النسائي. وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَضَعَ عَنْ الْمُسَافِرِ شَطْرَ الصَّلاةِ) . رواه النسائي (2275) . حسنه الألباني في صحيح النسائي. ويدل على ذلك أيضاً: أنه لا يجوز للمقيم (غير المسافر) أن يقصر الصلاة ولو كان عليه مشقة في إتمامها، مما يدل على أن الحكم إنما علق على السفر لا على المشقة. سئلت اللجنة الدائمة: إذا سافر الإنسان في الطائرة مسافة بعيدة، ولكنه يقطعها في ظرف ساعتين أو أقل من ذلك فهل هذا المسافر يقصر الصلاة ويفطر في رمضان أم لا؟ وكذلك الإنسان يسافر في السيارة حوالي مائتي ميل أو أكثر في ظرف ساعتين ونصف مثلا، وفي المساء يعود إلى بيته، ويقصر الصلاة، فهل هذا القصر جائز، أم لا يجوز إلا إذا كانت مشقة وتعب في السفر؟ فأجابت: "قصر الصلاة في مثل ما ذكر من المسافة سنة، والفطر في مثلها مرخص فيه للمسافر، سواء قطعها في زمن كثير أم قليل، ساعة أو أقل أو أكثر، وسواء نالته مشقة أم لا؛ لأن الشأن في السفر المشقة، ولو لم تحصل بالفعل، وذلك من فضل الله ورحمته سبحانه بعباده" اهـ. فتاوى اللجنة الدائمة (8/127) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 48979 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1565 مسافر ونسي وقام إلى ركعة ثالثة [السُّؤَالُ] ـ[رجل مسافر قام إلى ثالثة في الصلاة التي نوى قصرها فهل يلزمه الرجوع في الحال أو له أن يكمل؟ وماذا عليه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأفضل له أن يرجع، لأنه دخل الصلاة على أنه يريد أن يصلي ركعتين، فليصل ركعتين ولا يزيد عليهما، وعليه أن يسجد للسهو بعد السلام، وإن استمر فأتم الصلاة فلا حرج عليه. [الْمَصْدَرُ] "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (14/32) . الحديث: 85176 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1566 يذهبون إلى الجامعة في مدينة أخرى فهل يقصرون الصلاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[نحن طلاب في الجامعة ولكن ليس في المدينة التي فيها الجامعة (في المدينة الأخرى) هل يجوز لنا أن نقصر صلاتنا؟ كالمسافر. ونذهب إلى مدينتنا كل أسبوع أو أسبوعين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا كنتم في مدينتكم أو رجعتم إليها من الجامعة فإنكم تتمون الصلاة؛ لأن هذا هو وطنكم الأصلي. ثانيا: إذا كان بين مدينتكم، وبين المدينة التي فيها الجامعة، مسافة قصر، وهي 80 كيلومتر، تقريباً، فإنكم تقصرون الصلاة أثناء سفركم إليها. ثالثا: إذا وصلتم المدينة التي فيها الجامعة، فإن نويتم البقاء فيها أكثر من أربعة أيام، فإنكم تتمون الصلاة من لحظة دخولكم إليها. وإن نويتم الإقامة فيها أربعة أيام أو أقل، أو ترددتم في المدة، فإنكم حينئذ في حكم المسافر، تقصرون الصلاة الرباعية - الظهر والعصر والعشاء - ركعتين، إلا إن صليتم خلف مقيم فتتمون معه الصلاة، ويلزمكم حضور الصلاة مع جماعة المسجد. وراجع جواب الأسئلة (38079) ، (21091) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 84028 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1567 علموا أن الصلاة ستفوتهم في الطائرة فصلوا قبل الوقت بدقائق [السُّؤَالُ] ـ[كنت في سفر طويل وتوقفنا في مطار أوربي وكان وقت إقلاع الطائرة هو وقت صلاة الظهر كما في مواقيت الصلاة في تلك المدينة وقبل أن ندخل الطائرة - قبل الإقلاع بعشر دقائق - صلينا مع بعض الإخوان الظهر والعصر، انتقدنا أحد الإخوة وأخبرنا أن الأجدر بنا الصلاة في الطائرة بعد التأكد من دخول الوقت، هل صلاتنا صحيحة علما بأن الطائرة لا يوجد بها مكان ملائم للصلاة وسيكون وصولنا لبلدنا ليلا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: يجوز للمسافر أن يجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء جمع تقديم أو تأخير حسب الأيسر له، ومعنى جمع التقديم أن يصلي الصلاتين في وقت الأولى منهما، ومعنى جمع التأخير أن يصليهما في وقت الثانية. ثانياً: للصلوات الخمس مواقيت محددة ابتداءً وانتهاءً، كما قال تعالى: (إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا) النساء /103، أي لها وقت محدد، فلا يجوز المسلم أن يصلي صلاةً قبل دخول وقتها، فإن فعل ذلك لم تصح بإجماع المسلمين. وعلى هذا، فيلزمكم أن تعيدوا صلاتي الظهر والعصر؛ لأنكم صليتموها قبل وقتها. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن حكم الصلاة قبل وقتها؟ فأجاب: " الصلاة قبل وقتها لا تجزيء حتى ولو كانت قبل الوقت بدقيقة واحدة، فلو كبر الإنسان للإحرام قبل الوقت فإنها لا تصح الصلاة، لأن الله تعالى يقول: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) أي مؤقتة محددة، فلا تصح الصلاة قبل وقتها ويجب إعادة تلك الصلاة التي صليت قبل وقتها والله الموفق" انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (12/216) . وقال – أيضاً -: " والصلاة لا تصح قبل الوقت بإجماع المسلمين، فإن صلى قبل الوقت، فإن كان متعمدا فصلاته باطلة، ولا يسلم من الإثم. وإن كان غير متعمد لظنه أن الوقت قد دخل، فليس بآثم، وصلاته نفل، ولكن عليه الإعادة؛ لأن من شروط الصلاة دخول الوقت " انتهى من "الشرح الممتع". ثالثاً: إذا دخل وقت الصلاة، وعلم المسافر بالطائرة أنه لن يهبط إلا بعد خروج الوقت – كما في حالتكم -، فإنه يصلي في الطائرة لزوما، ولا يحل له أن يؤخر الصلاة عن وقتها. وصلاته في الطائرة تكون بحسب الاستطاعة، قياما وركوعا وسجودا واستقبالا للقبلة. والأولى لمن كان في مثل حالكم أن يبدأ بالصلاة في الطائرة فور دخول الوقت قبل تحركها؛ ليكون ذلك أخشع لصلاته وأتم، وقد يتمكن حينئذ من القيام والركوع والسجود واستقبال القبلة. وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (8/120) : " س: إذا كنت مسافراً في طائرة وحان وقت الصلاة أيجوز نصلي في الطائرة أم لا؟ ج: إذا حان وقت الصلاة والطائرة مستمرة في طيرانها ويخشى فوات وقت الصلاة قبل هبوطها في أحد المطارات، فقد أجمع أهل العلم على وجوب أدائها بقدر الاستطاعة ركوعاً وسجوداً واستقبالاً للقبلة لقوله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) التغابن/16، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم) رواه مسلم (1337) . أما إذا علم أنها ستهبط قبل خروج وقت الصلاة بقدر يكفي لأدائها، أو أن الصلاة مما يجمع مع غيره كصلاة الظهر مع العصر، وصلاة المغرب مع العشاء، أو علم أنها ستهبط قبل خروج وقت الثانية بقدر يكفي لأدائهما، فقد ذهب جمهور أهل العلم إلى جواز أدائها في الطائرة، لوجوب الأمر بأدائها بدخول وقتها حسب الاستطاعة، كما تقدم، وهو الصواب " انتهى. وجاء فيها أيضا (8/126) : " س: هل تجوز الصلاة بالطائرة جالساً، مع القدرة على الوقوف، خجلاً؟ ج: لا يجوز أن يصلي قاعداً في الطائرة ولا غيرها إذا كان يقدر على القيام؛ لعموم قوله تعالى: (وقوموا لله قانتين) ، وحديث عمران بن حصين في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب) . زاد النسائي بإسناد صحيح: (فإن لم تستطع فمستلقياً) " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83689 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1568 كيف يصلي المسافر؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا مسافر إلى الخارج لشهر وأريد معرفة أسهل طريقة لأداء الصلاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا كنت عازما على البقاء في البلد الذي ستسافر إليه أكثر من أربعة أيام، فإنك تكون في حكم المقيم من لحظة دخولك إليه، فيلزمك ما يلزم المقيم من إتمام الصلاة ولا يجوز لك قصرها. فتقصر الصلاة أثناء الرحلة، فإذا وصلت البلد أتممت الصلاة لأنك في حكم المقيم. جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (8/99) : " السفر الذي يشرع فيه الترخيص برخص السفر هو ما اعتبر سفراً عرفاً، ومقداره على سبيل التقريب مسافة ثمانين كيلو متراً، فمن سافر لقطع هذه المسافة فأكثر فله أن يترخص برخص السفر من المسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليهن، والجمع والقصر، والفطر في رمضان. وهذا المسافر إذا نوى الإقامة ببلد أكثر من أربعة أيام فإنه لا يترخص برخص السفر، وإذا نوى الإقامة أربعة أيام فما دونها فإنه يترخص برخص السفر. والمسافر الذي يقيم ببلد ولكنه لا يدري متى تنقضي حاجته ولم يحدد زمناً معيناً للإقامة فإنه يترخص برخص السفر ولو طالت المدة، ولا فرق بين السفر في البر والبحر " انتهى. ثانيا: أما جمع الصلاة، فيجوز للمسافر أن يجمع بين صلاتي الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، جمع تقديم أو تأخير حسب الأيسر له، والأفضل أنه لا يفعل ذلك إلا إذا كان عليه مشقة في فعل كل صلاة في وقتها. وعلى هذا، فلك أن تجمع بين الصلاتين أثناء الرحلة، فإذا وصلت إلى البلد الذي تنوي الإقامة به شهراً فإنك تصلي كل صلاة في وقتها. وانظر جواب السؤال رقم (49885) . ثالثا: اعلم أن صلاة الجماعة واجبة على المسافر كغيره، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (40299) ، فاحرص على الصلاة جماعة في المسجد. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82658 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1569 حكم قصر الصلاة في السفر [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمرء أن يصلي أحيانا كالمقيم، فيصلي كما لو كان في بيته لا يجمع ولا يقصر وأحيانا يجمع ويقصر الصلاة أم عليه أن يلزم رأيا واحد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أما قصر الصلاة للمسافر فهو سنة مؤكدة، لا ينبغي له تركها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قصر الصلاة في جميع أسفاره، ولم يثبت عنه أنه أتم في السفر. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (111894) . لكن.. صلاة الجماعة واجبة على المسافر كما هي واجبة على المقيم، فليس له أن يترك الجماعة من أجل أن يصلي قصراً، بل يصلي مع الجماعة، فإن كان الإمام مقيماً يتم الصلاة أتم خلفه. ثانياً: أما الجمع بين الصلاتين للمسافر، فهو جائز، والأفضل أن لا يجمع إلا إذا كان في فعل كل صلاة في وقتها مشقة. وعلى هذا؛ فليس حكم القصر والجمع للمسافر واحداً، فالقصر سنة مؤكدة لكل مسافر، أما الجمع فهو جائز وليس سنة، ويكون سنة مستحبة إذا كان في تركه مشقة. ويدل لذلك من السنة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قصر في جميع أسفاره، مما يدل على أن السنة للمسافر القصر، وأما الجمع، فثبت عنه صلى الله عليه وسلم الجمع في السفر، وثبت عنه عدم الجمع أيضاً، مما يدل على أن الجمع ليس سنة مستحبة لكل مسافر. وخلاصة الجواب: أن المسافر ليس مخيراً في القصر وعدمه، بل يتأكد له قصر الصلاة، إلا إذا صلى خلف إمام يتم الصلاة فإنه يتم خلفه. وأما الجمع، فالمسافر مخير فيه، إما أن يجمع، وإما أن لا يجمع، أو يجمع أحياناً ولا يجمع أحياناً، وهو جائزٌ غير مستحب، ويكون الجمع في حق المسافر مستحباً إذا احتاج إليه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82751 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1570 الصلاة في الطائرة مع العجز عن القيام واستقبال القبلة [السُّؤَالُ] ـ[أنا من الإمارات ذهبت للعمرة في رمضان بالطائرة وفي أثناء رجوعي إلى بلدي كان وقت الرحلة قبيل الفجر وفي وقت محدد أعلن طاقم الطائرة أنه يجب علينا الإمساك فقد دخل الفجر، فاحترت أين سأصلي فستشرق الشمس قبل الهبوط فليس هناك مكان للصلاة عدا الممرات وهذا قد يكون محرجا لي كامرأة وأيضا كنت بحاجة لدورة المياه (قد أمسكت الريح) ولكن نظراً للزحمة لم أتمكن من دخوله، وفجأة لمحت في الأفق الشفق البرتقالي فسارعت بالتكبير وأنا جالسة على مقعدي وأغلب ظني أن القبلة كانت خلفي لأننا نتجه شرقا والقبلة خلفنا غربا وكنت على وضوء؟ فهل صلاتي صحيحة أم لا وماذا علي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: القيام واستقبال القبلة في الفريضة ركنان من أركانها، لا تصح بدونهما إلا من عذر، ومن الأعذار التي ذكرها أهل العلم في هذا الباب من صلى في الطائرة وعجز عن القيام أو استقبال القبلة، إذا خشي خروج الوقت، وكانت الصلاة مما لا تجمع إلى ما قبلها أو ما بعدها. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن رجل مسافر بالطائرة ولا يعرف اتجاه القبلة علماً بأن الجميع لم يعرفوا الاتجاه فصلى ولم يعلم أهو في اتجاه القبلة في صلاته أم لا؟ فهل الصلاة في مثل هذه الحالة صحيحة؟. فأجاب: " الراكب في الطائرة إن كان يريد أن يصلي صلاة نفل فإنه يُصلي حيث كان وجهه ولا يلزمه أن يستقبل القبلة لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي على راحلته حيثما اتجهت به إذا كان في سفر، وأما الفريضة فلا بد من استقبال القبلة ولا بد من الركوع والسجود إذا أمكن وعلى هذا فإن من تمكن من هذا في الطائرة فليصل في الطائرة وإن كانت الصلاة التي حضرت وهو في الطائرة مما يُجمع إلى ما بعده كما لو حضرت صلاة الظهر فإنه يؤخرها حتى يجمعها مع العصر أو حضرت صلاة المغرب وهو في الطائرة يؤخرها حتى يجمعها مع العشاء. ويجب عليه أن يسأل المضيفين عن اتجاه القبلة إذا كان في طائرة ليس فيها علامة القبلة فإن لم يفعل فصلاته غير صحيحة " انتهى نقلا عن "مجلة الدعوة" العدد 1757 ص 45. وسئلت اللجنة الدائمة: إذا كنت مسافراً في طائرة وحان وقت الصلاة أيجوز نصلي في الطائرة أم لا؟ فأجابت: "إذا حان وقت الصلاة والطائرة مستمرة في طيرانها ويخشى فوات وقت الصلاة قبل هبوطها في أحد المطارات، فقد أجمع أهل العلم على وجوب أدائها بقدر الاستطاعة ركوعاً وسجوداً واستقبالاً للقبلة، لقوله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) التغابن/16، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم) رواه مسلم (1337) . أما إذا علم أنها ستهبط قبل خروج وقت الصلاة بقدر يكفي لأدائها، أو أن الصلاة مما يجمع مع غيره كصلاة الظهر مع العصر، وصلاة المغرب مع العشاء، أو علم أنها ستهبط قبل خروج وقت الثانية بقدر يكفي لأدائهما، فقد ذهب جمهور أهل العلم إلى جواز أدائها في الطائرة، لوجوب الأمر بأدائها بدخول وقتها حسب الاستطاعة، كما تقدم، وهو الصواب " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (8/120) . وسئلت أيضا (8/126) : هل تجوز الصلاة بالطائرة جالساً، مع القدرة على الوقوف، خجلاً؟ فأجابت: "لا يجوز أن يصلي قاعداً في الطائرة ولا غيرها إذا كان يقدر على القيام؛ لعموم قوله تعالى: (وقوموا لله قانتين) ، وحديث عمران بن حصين المخرج في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب) . زاد النسائي بإسناد صحيح: (فإن لم تستطع فمستلقياً) " انتهى. ثانياً: الطهارة شرط لصحة الصلاة، وقد صليتِ على وضوء، فصلاتك صحيحة إن شاء الله، غير أنه تكره الصلاة وهو ممسك للبول أو الغائط أو الريح، إذا كان ذلك شديدا، لأنه سيؤثر على خشوعه وحضور قلبه في الصلاة، ولكنها صحيحة إن شاء الله. وبناء على ما سبق فخلاصة الجواب: إن كان تركك للقيام واستقبال القبلة، لعجزك عنهما، فصلاتك صحيحة، وإن كان يمكنك القيام أو الاستقبال وتركت ذلك فصلاتك غير صحيحة ويلزمك إعادتها الآن. نسأل الله أن يتقبل عمرتك وأن يجزيك خيرا على حرصك وسؤالك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82536 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1571 صلاة التراويح للمسافر [السُّؤَالُ] ـ[لما كان لشعائر شهر رمضان خصوصية لكل مسلم والنشاط في العبادات من السمات الظاهرة عليه , أريد أن أسأل عن أداء صلاة التراويح لمن هو في حكم المسافر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صلاة التراويح في رمضان هي من قيام الليل، الذي مدح الله أهله بقوله: (كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) الذاريات/17، وقد قام النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان وغيره، ولم يترك قيام الليل حضرا ولا سفرا. قال ابن القيم رحمه الله: "ولم يكن صلى الله عليه وسلم يدع قيام الليل حضرا ولا سفرا، وكان إذا غلبه نوم أو وجع صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة" انتهى من "زاد المعاد" (1/311) . وقد روى البخاري (945) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ يُومِئُ إِيمَاءً، صَلَاةَ اللَّيْلِ، إِلَّا الْفَرَائِضَ، وَيُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ) . وروى البخاري (1034) عن سَالِم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُصَلِّي عَلَى دَابَّتِهِ مِنْ اللَّيْلِ وَهُوَ مُسَافِرٌ، مَا يُبَالِي حَيْثُ مَا كَانَ وَجْهُهُ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: (وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَبِّحُ عَلَى الرَّاحِلَةِ قِبَلَ أَيِّ وَجْهٍ تَوَجَّهَ، وَيُوتِرُ عَلَيْهَا، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَةَ) . والذي يتركه المسافر من النوافل إنما هو: راتبة الظهر القبلية والبعدية وراتبة المغرب وراتبة العشاء فقط، أما ما عدا ذلك من الرواتب وسائر النوافل فهي مشروعة للمسافر والمقيم. روى مسلم في صحيحه (1112) عن حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، فَصَلَّى لَنَا الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَقْبَلَ وَأَقْبَلْنَا مَعَهُ حَتَّى جَاءَ رَحْلَهُ، وَجَلَسَ وَجَلَسْنَا مَعَهُ فَحَانَتْ مِنْهُ الْتِفَاتَةٌ نَحْوَ حَيْثُ صَلَّى، فَرَأَى نَاسًا قِيَامًا، فَقَالَ مَا يَصْنَعُ هَؤُلَاءِ؟ قُلْتُ: يُسَبِّحُونَ (أي: يصلون الراتبة) قَالَ: لَوْ كُنْتُ مُسَبِّحًا لَأَتْمَمْتُ صَلَاتِي، يَا ابْنَ أَخِي، إِنِّي صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ، فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، وَصَحِبْتُ أَبَا بَكْرٍ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، وَصَحِبْتُ عُمَرَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، ثُمَّ صَحِبْتُ عُثْمَانَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) . وَقَوْله: (وَلَوْ كُنْت مُسَبِّحًا لَأَتْمَمْت) مَعْنَاهُ: لَوْ اِخْتَرْت التَّنَفُّل لَكَانَ إِتْمَام فَرِيضَتِي أَرْبَعًا أَحَبّ إِلَيَّ , وَلَكِنِّي لَا أَرَى وَاحِدًا مِنْهُمَا , بَلْ السُّنَّة الْقَصْر وَتَرْك السنة الراتبة. وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما رأيكم في المسافرين هل الأفضل لهم أن يصلوا التراويح في رمضان أم لا؟ (وهم يقصرون الصلاة) . فأجابوا: "قيام رمضان سنة، سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا أخذها عنه الصحابة رضوان الله عليهم وعملوا بها، واستمرت إلى يومنا هذا، وقد ثبت في الصحيحين من حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم صلاها ليالي فصلوها معه، ثم تأخر وصلى في بيته باقي الشهر، وقال: (إني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها) ، وفي البخاري أن عمر جمع الناس على أبي بن كعب فصلى بهم التراويح، وثبت في الصحيحين من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه سأل عائشة رضي الله عنها: كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: (ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة) وكان صلى الله عليه وسلم يسافر في رمضان، ومن ذلك سفره صلى الله عليه وسلم لفتح مكة، فقد خرج صلى الله عليه وسلم لعشر مضين من رمضان في سنة ثمان من الهجرة، قال ابن القيم: (ولم يكن صلى الله عليه وسلم يدع قيام الليل حضراً ولا سفراً، وكان إذا غلبه نوم أو وجع صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة) وبذلك يتبين أنهم إذا صلوها في سفر فقد أصابوا السنة" انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (7/206) . والحاصل: أن صلاة التراويح تستحب للمسافر كما تستحب للمقيم؛ لمواظبته صلى الله عليه وسلم على قيام الليل في السفر والحضر. نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياك لطاعته ومرضاته. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 79593 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1572 هل يقصر ويأكل قبل مغادرته بيته مسافراً؟ [السُّؤَالُ] ـ[لو كنت سأسافر في رحلة لمكان يبعد 100 ميل أو أكثر، فكم ركعة سنصلي قبل وبعد السفر؟ أعتقد أنها ركعتان قبل وبعد الرحلة (أليس كذلك؟) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لم يأتِ في السنَّة النبوية تحديد لمسافة السفر، وقد اختلف العلماء في تحديدها اختلافاً كبيراً، والصحيح: أن مرجع ذلك إلى عرف كل بلد، فما تعارف الناس على أنه سفر فهو السفر الذي يكون فيه الفطر والقصر، وهذا القول قد اختاره جماعة من المحققين , منهم ابن قدامة المقدسي وشيخ الإسلام ابن تيمية، وانظر في هذا أجوبة الأسئلة: (10993) و (38079) . ثانياً: المسافر لا يترخص بأحكام السفر إلا إذا خرج من بلده وجاوزها، ويظل يترخص بتلك الرخص ما دام مسافراً حتى يرجع إلى بلده. فلا يجوز له أن يقصر الصلاة إلا أن يتجاوز بنيان بلده أو عامر قريته، ولا يحل له القصر وهو في بيته أو بلده. واختلف العلماء في الفطر، فجوَّز بعضهم له الفطر إذا عزم على السفر عزماً مؤكداً وجهز راحلته، ومنع منه الجمهور فلم يجوزوا الفطر إلا حيث جاز له القصر وهو مجاوزة البنيان، وهذا القول هو الأقوى والأحوط. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " هل يشترط أن يفارق قريته إذا عزم على السفر وارتحل، فهل له أن يفطر؟ الجواب: في هذا أيضاً قولان عن السلف. ذهب بعض أهل العلم إلى جواز الفطر إذا تأهب للسفر ولم يبق عليه إلا أن يركب، وذكروا ذلك عن أنس رضي الله عنه أنه كان يفعله، وإذا تأملت الآية – أي: قوله تعالى (وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر) - وجدتَ أنه لا يصح هذا؛ لأنه إلى الآن لم يكن على سفر، فهو الآن مقيم وحاضر. وعليه: فلا يجوز له أن يفطر إلا إذا غادر بيوت القرية. . . أما قبل الخروج: فلا؛ لأنه لم يتحقق السفر. فالصحيح: أنه لا يفطر حتى يفارق القرية، ولذلك لا يجوز أن يقصر الصلاة حتى يخرج من البلد، فكذلك لا يجوز أن يفطر حتى يخرج من البلد " انتهى. " الشرح الممتع " (6 / 346) . وعليه: فلا يجوز لمن عزم على السفر أن يقصر في بيته؛ لأن القصر من أحكام السفر ورخصه، وهو في بيته ليس مسافراً، وهذا قول جمهور العلماء، وفي المسألة أقوال شاذة مثل قول من قال بجواز القصر وهو في بيته، وقول من قال إنه لا يقصر إذا سافر في النهار إلا أن يدخل الليل، وقول ثالث وهو أنه يجوز له القصر إذا جاوز حيطان داره. قال النووي رحمه الله: " مذهبنا أنه إذا فارق بنيان البلد قصر , ولا يقصر قبل مفارقتها وإن فارق منزله وبهذا قال مالك وأبو حنيفة وأحمد وجماهير العلماء , وحكى ابن المنذر عن الحارث بن أبي ربيعة أنه أراد سفرا فصلى بهم ركعتين في منزله , وفيهم الأسود بن يزيد وغير واحد من أصحاب ابن مسعود , قال: وروينا معناه عن عطاء وسليمان بن موسى، قال: وقال مجاهد: لا يقصر المسافر نهارا حتى يدخل الليل , قال ابن المنذر: لا نعلم أحدا وافقه، وحكى القاضي أبو الطيب وغيره عن مجاهد أنه قال: إن خرج بالنهار لم يقصر حتى يدخل الليل , وإن خرج بالليل لم يقصر حتى يدخل النهار , وعن عطاء أنه قال: إذا جاوز حيطان داره فله القصر , فهذان المذهبان فاسدان , فمذهب مجاهد منابذ للأحاديث الصحيحة في قصر النبي صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة حين خرج من المدينة , ومذهب عطاء وموافقيه منابذ لاسم السفر " انتهى. "المجموع" (4 / 228) . ويجوز للمسافر الجمع بين الصلاتين قبل السفر إذا كان سيشق عليه أداء الصلاة الثانية وهو في طريق سفره، أما القصر فلا. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وليس للقصر أو الإقامة مدة معينة على القول الصحيح ما دمتم عازمين على الرجوع إلى أوطانكم , أما إن نويتم الإقامة المطلقة: فقد انقطع حكم السفر في حقكم. وتبدأ أحكام السفر إذا فارق المسافر وطنه وخرج من عامر قريته أو مدينته، ولا يحل لكم أن تجمعوا بين الصلاتين حتى تغادروا البلد إلا أن تخافوا أن لا يتيسر لكم صلاة الثانية أثناء سفركم " انتهى. " مجموع فتاوى ابن عثيمين " (15 / 346) . وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: " وإذا دخل وقت الظهر وأنت لم تبدأ السفر: فإنه يجب عليك أن تصلي صلاة الظهر تمامًا من غير قصر. وأما صلاة العصر: فإن كان سفرك ينتهي وقت العصر؛ فإنك تصلي العصر تامة في وقتها إذا وصلت، أما إذا كان السفر يستمر من الظهر إلى بعد غروب الشمس بحيث يخرج وقت العصر وأنت في السفر، ولا يمكنك النزول لما ذكرت من أن صاحب السيارة لا يوافق على التوقف: فلا مانع من الجمع في هذه الحالة؛ لأن هذه حالة عذر تبيح الجمع، ولكن مع الإتمام. إذا صليت العصر مع الظهر جمع تقديم وأنت في بيتك، وتريد السفر بعدها: فإنك تصلي الظهر والعصر تمامًا كل واحدة أربع ركعات، ولا بأس بالجمع؛ لأن الجمع يباح في هذه الحالة، أما القصر: فإنه لم يبدأ وقته؛ لأن القصر إنما يجوز بعد مفارقة البنيان الذي هو موطن إقامتك " انتهى. " المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (3 / 62) . وقال حفظه الله: " أحكام السفر تبدأ بالخروج من البلد، إذا خرج الإنسان من بلد إقامته؛ بأن فارق عامر البلد؛ أي: فارق البنيان؛ فإنها تبدأ أحكام السفر في حقه؛ من قصر الصلاة والفطر في رمضان وغير ذلك من أحكام السفر، أما من كان داخل البنيان: فإنه لا تبدأ في حقه أحكام السفر، وإذا وجبت عليه الصلاة وهو في داخل البنيان: فإنه يصليها تمامًا وفي وقتها؛ كالحاضرين؛ لأنه لم يبدأ السفر في حقه، حتى ولو انتقل من حارة إلى حارة في طريقه إلى السفر؛ فإن هذا لا يعتبر مسافراً، حتى يخرج من جميع البنيان ومن عامر البلد " انتهى. " المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (3 / 62، 63) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69816 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1573 سافروا عشرين يوما يقصرون الصلاة فهل يلزمهم القضاء؟ [السُّؤَالُ] ـ[في عطلة الصيف سافرنا إلى للسياحة لمدة 20 يوماً تقريباً وفي طول هذه المدة كنا نقصر الصلاة لأن الصحابة رضوان الله عليهم في سفرهم للنزهة ولمدة 6 أشهر وهم يقصرون، فهل هذا الكلام صحيح؟ وهل علينا قضاء الأيام الفائتة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: ذهب جمهور العلماء إلى أن المسافر له أن يترخص برخص السفر ما لم ينو الإقامة في البلد الذي ذهب إليه أربعة أيام فأكثر، سواء سافر للعمل أو العلاج أو النزهة أو غير ذلك. وانظر جواب السؤال رقم (21091) . قال ابن قدامة رحمه الله: " المشهور عن أحمد رحمه الله أن المدة التي يلزم المسافر الإتمام بنية الإقامة فيها، هي ما كان أكثر من إحدى وعشرين صلاة. وعنه: أنه إذا نوى إقامة أربعة أيام أتم، وإن نوى دونها قصر، وهذا قول مالك والشافعي " انتهى من "المغني" (2/65) . وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (8/109) : " الأصل أن المسافر بالفعل هو الذي يرخص له في قصر الرباعية؛ لقوله تعالى: (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة) الآية، ولقول يعلى بن أمية: قلت لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما: (ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) فقال: عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (هي صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته) رواه مسلم. ويعتبر في حكم المسافر بالفعل من أقام أربعة أيام بلياليها فأقل، لما ثبت من حديث جابر وابن عباس رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم مكة لصبح رابعة من ذي الحجة في حجة الوداع، فأقام صلى الله عليه وسلم اليوم الرابع والخامس والسادس والسابع، وصلى الفجر بالأبطح اليوم الثامن، فكان يقصر الصلاة في هذه الأيام، وقد أجمع النية على إقامتها كما هو معلوم، فكل من كان مسافراً ونوى أن يقيم مدة مثل المدة التي أقامها النبي صلى الله عليه وسلم أو أقل منها قصر الصلاة، ومن نوى الإقامة أكثر من ذلك أتم الصلاة؛ لأنه ليس في حكم المسافر. أما من أقام في سفره أكثر من أربعة أيام ولم يُجمع النية على الإقامة، بل عزم على أنه متى قضيت حاجته رجع؛ كمن يقيم بمكان الجهاد للعدو، أو حبسه سلطان أو مرض مثلاً، وفي نيته أنه إذا انتهى من جهاده بنصر أو صلح أو تخلص مما حبسه من مرض أو قوة عدو أو سلطان أو بيع بضاعة أو نحو ذلك - فإنه يعتبر مسافراً، وله قصر الصلاة الرباعية، ولو طالت المدة؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أقام بمكة عام الفتح تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة، وأقام بتبوك عشرين يوماً لجهاد النصارى، وهو يصلي بأصحابه صلاة قصر، لكونه لم يجمع نية الإقامة بل كان على نية السفر إذا قضيت حاجته " انتهى. ثانيا: الصحابة رضي الله عنهم لم يخرجوا للنزهة ستة أشهر كما ورد في السؤال، ولكن كان سفرهم للجهاد في سبيل الله وطلب العلم وطلب الرزق الحلال، ونحو ذلك من مصالح الدين والدنيا. منهم ابن عمر رضي الله عنه أقام بأذربيجان ستة أشهر، حال الثلج بينه وبين الدخول، فكان يقصر الصلاة. ثالثا: لا يلزمكم قضاء الصلوات التي قصرتموها، في تلك المدة؛ لشبهة السفر، وقد سئلت اللجنة الدائمة عن مبتعث من قبل السعودية إلى ألمانيا، له قرابة السنة والنصف، وكان يقصر الصلاة، فأجابت: " لا قضاء عليك من الصلوات التي قصرتها، أو أخرتها عن وقتها، أو جمعتها مع غيرها؛ لشبهة السفر. أما مستقبلا فالواجب عليك أن تصلي أربعا في الرباعية وتصلي كل صلاة في وقتها؛ لأنه ليس لك حكم السفر، بسبب عزمك على إقامة تمنع ذلك، وهي العزم على إقامة مدة أكثر من أربعة أيام، وعليك أن تصلي مع الجماعة إذا تيسر ذلك، ولا تصل وحدك ". انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (8/155) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 60358 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1574 هل يأخذ أحكام المسافر من نوى الإقامة 3 أيام؟ [السُّؤَالُ] ـ[سأسافر إلى العمرة وذلك لمدة محددة (3أيام) ، فهل ينطبق عليَّ أحكام المسافر بجواز قصر الصلاة أثناء إقامتي في مكة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف العلماء في المدة التي إذا أقامها المسافر في بلد فله أن يقصر، يقول الشيخ ابن عثيمين: وهذه المسألة من مسائل الخلاف التي كثرت فيها الأقوال فزادت على عشرين قولاً لأهل العلم، وسبب ذلك أنه ليس فيها دليل فاصل يقطع النزاع، فلهذا اضطربت فيها أقوال أهل العلم، فأقوال المذاهب المتبوعة هي: أولاً: مذهب الحنابلة رحمهم الله أنه إذا نوى إقامة أكثر من أربعة أيام انقطع حكم السفر في حقه ولزمه الإِتمام. ثانياً: مذهب الشافعي ومالك: إذا نوى إقامة أربعة أيام فأكثر فإنه يلزمه الإِتمام، لكن لا يحسب منها يوم الدخول، ويوم الخروج وعلى هذا تكون الأيام ستة، يوم الدخول، ويوم الخروج، وأربعة أيام بينها. ثالثاً: مذهب أبي حنيفة: إذا نوى إقامة أكثر من خمسة عشر يوماً أتم، وإن نوى دونها قصر. اهـ. الشرح الممتع (4/545) فتبين أن أقوال المذاهب المتبوعة متفقة على جواز قصر الصلاة لمن نوى الإقامة ثلاثة أيام فأقل. وانظر المجموع (3/171) ، بداية المجتهد (1/168) يقول الحافظ ابن حجر في شرحه لحديث العلاء بن الحضرمي عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (ثلاث للمهاجر بعد الصَّدَر) رواه البخاري (3933) ومسلم (1352) (بعد الصَّدَر أي بعد الرجوع من منى، وفقه هذا الحديث أن الإقامة بمكة كانت حراما على من هاجر منها قبل الفتح لكن أبيح لمن قصدها منهم بحج أو عمرة أن يقيم بعد قضاء نسكه ثلاثة أيام لا يزيد عليها، ويستنبط من ذلك أن إقامة ثلاثة أيام لا تخرج صاحبها عن حكم المسافر) . اهـ فتح الباري (7/267) فإذا كانت إقامتك لا تزيد على ثلاثة أيام فلك أن تترخص برخص السفر عند المذاهب الأربعة. والله أعلم وانظر سؤال رقم (21091) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50312 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1575 مسافر والجمع بين الصلاتين أسهل له [السُّؤَالُ] ـ[أنا أعمل في القاهرة وأقيم في طنطا (المسافة هي 86 كيلوا متر) وفي رمضان أعمل الآتي عندما أصلي الظهر بعدها أنوي صلاة العصر قصرا - وذلك لأني عندما أخرج من الشغل يكون العصر علي وشك الأذان، وأكون مستعجلاً جدا لكي ألحق القطار. فهل يجوز لي الجمع والقصر كما أفعل؟ أم أنتظر حتى أصلي العصر ثم أعود إلى بلدي وهذا سوف يؤخرني، فأصل مع غروب الشمس، وفيه مشقة شديدة علي لأنني لن أتمكن من الراحة لاسيما وأنا أريد أن أصلي التراويح. وهل يجوز أن أصلي في القطار وأنا جالس؟. `]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يجوز الجمع بين صلاتي الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء للمسافر وقد دل على ذلك أحاديث كثيرة منها: 1- ما رواه البخاري (1108) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: انَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْمَعُ بَيْنَ صَلاةِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي السَّفَرِ. 2- وروى أحمد (3278) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ فِي السَّفَرِ. قال الشيخ أحمد شاكر (3288) : إسناده صحيح اهـ. 3- وفي صحيح مسلم (706) عَنْ مُعَاذٍ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فَكَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا. والمسافر له حالان: الأولى أن يكون سائرا، أي: يكون مسافرا على الطريق. الثاني: أن يكون نازلا، بمعنى أن لا يكون سائراً على الطريق، فإما أن يكون وصل البلد التي سافر إليها، أو نزل أثناء السفر بالطريق ومكث في هذا المكان مدة. والجمع جائز لكل مسافر سواء كان نازلا أم مسافرا. لكن هل الأفضل للمسافر الجمع أم الأفضل أن يصلي كل صلاة في وقتها؟ قال الشيخ ابن عثيمين في رسالته في مواقيت الصلاة (ص 26) : " الأفضل للمسافر النازل أن لا يجمع، وإن جمع فلا بأس إلا أن يكون في حاجة إلى الجمع إما لشدة تعبه ليستريح، أو لمشقة طلب الماء عليه لكل وقت ونحو ذلك، فإن الأفضل له الجمع واتباع الرخصة. وأما المسافر السائر فالأفضل له الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء ـ حسب الأيسر له ـ إما جمع تقديم، يقدم الثانية في وقت الأولى، وإما جمع تأخير يؤخر الأولى إلى وقت الثانية " اهـ. وعلى هذا فالأفضل لك الأخذ بالرخصة، فتجمع بين صلاتي الظهر والعصر جمع تقديم لأن هذا هو الأسهل لك، وكان رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يُخَيَّر بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ. رواه البخاري (3560) ومسلم (2327) . وعليك في هذه الحال أن تحرص على أداء صلاة العصر جماعة، فتنظر من يصلي معك. ثانياً: وأما صلاتك العصر في القطار وأنت جالس فهي جائزة عند جمهور العلماء إذا كنت لا تستطيع الصلاة وأنت قائم. جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (8/120) : " إذا حان وقت الصلاة والطائرة مستمرة في طيرانها ويخشى فوت وقت الصلاة قبل هبوطها في أحد المطارات فقد أجمع أهل العلم على وجوب أدائها بقدر الاستطاعة ركوعاً وسجوداً واستقبالاً للقبلة لقوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16. ولقوله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ) متفق عليه. أما إذا علم أنها ستهبط قبل خروج وقت الصلاة بقدر يكفي لأدائها أو أن الصلاة مما يجمع مع غيره كصلاة الظهر مع العصر وصلاة المغرب مع العشاء، وعلم أنها ستهبط قبل خروج وقت الثانية بقدر يكفي لأدائهما فقد ذهب جمهور أهل العلم إلى جواز أدائها في الطائرة لوجوب الأمر بأدائها بدخول وقتها حسب الاستطاعة كما تقدم وهو الصواب " اهـ. وجاء فيها أيضاً (8/126) : " لا يجوز أن يصلي قاعداً في الطائرة ولا غيرها إذا كان يقدر على القيام لعموم قوله تعالى: (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) البقرة/238. وحديث عمران بن حصين الذي رواه البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ) زاد النسائي بسند صحيح (فإن لم تستطع فمستلقياً) " اهـ. وذهب بعض أهل العلم إلى أن الصلاة في الطائرة ومثلها القطار والسيارة غير جائزة إذا كان لا يتمكن من أداء الصلاة كما يؤديها على الأرض إلا إذا خشي خروج وقتها. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "فتاوى أركان الإسلام" (ص 380) : " تجب الصلاة في الطائرة إذا جهل وقتها، لكن إذا كان لا يتمكن من أداء الصلاة في الطائرة كما يؤديها على الأرض فلا يصلي الفريضة في الطائرة إذا كان يمكن هبوط الطائرة قبل خروج وقت الصلاة، أو خروج وقت التي بعدها مما يجمع إليها. فمثلا لو أقلعت الطائرة من جدة قبيل غروب الشمس وغابت الشمس وهو في الجو فإنه لا يصلي المغرب حتى تهبط الطائرة في المطار وينزل منها فإن خاف خروج وقتها نوى جمعها إلى العشاء جمع تأخير وصلاهما إذا نزل فإن استمرت الطائرة حتى خاف أن يخرج وقت العشاء وذلك عند منتصف الليل فإنه يصليهما قبل أن يخرج الوقت في الطائرة " اهـ. وعلى هذا فالأحوط لك أن لا تصلي العصر في القطار، بل تجمعها مع الظهر جمع تقديم كما سبق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49885 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1576 هل يجمع ويقصر مَن سافر وأقام يوماً واحداً؟ [السُّؤَالُ] ـ[ذهبت مع والدي إلى سفر وأقمنا يوماً واحداً ثم رجعنا، هل في هذا اليوم نجمع ونقصر أم نقصر من دون الجمع؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: اختلف أهل العلم – رحمهم الله – في المدة التي إن أقام فيها قصر صلاته وإن زاد عليها أتم على أقوال كثيرة، والمذاهب الأربعة على أنه إذا كانت إقامة المسافر لا تزيد على ثلاثة أيام فله أن يترخص برخص السفر. قال ابن رشد: وأما اختلافهم في الزمان الذي يجوز للمسافر إذا قام فيه في بلد أن يقصر: فاختلاف كثير، حكى فيه أبو عمر – أي: ابن عبد البر - نحواً من أحد عشر قولاً، إلا أن الأشهر منها هو ما عليه فقهاء الأمصار ولهم في ذلك ثلاثة أقوال: أحدها: مذهب مالك والشافعي أنه إذا أزمع المسافر على إقامة أربعة أيام أتم. والثاني: مذهب أبي حنيفة وسفيان الثوري أنه إذا أزمع على إقامة خمسة عشر يوماً أتم. والثالث: مذهب أحمد وداود أنه إذا أزمع على أكثر من أربعة أيام أتم. وسبب الخلاف: أنه أمر مسكوت عنه في الشرع والقياس على التحديد ضعيف عند الجميع، ولذلك رام هؤلاء كلهم أن يستدلوا لمذهبهم من الأحوال التي نقلت عنه عليه الصلاة والسلام أنه أقام فيها مقصراً، أو أنه جعل لها حكم المسافر. " بداية المجتهد " (1 / 122، 123) . وعلى هذا، فالصورة المسئول عنها وهي إقامة المسافر يوماً واحداً لم يقع فيها خلاف بين الأئمة أنه يقصر الصلاة. ثانياً: أما الجمع: فإن كان سائراً على الطريق: فالأفضل له أن يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء إما جمع تقديم وإما جمع تأخير حسب الأيسر له. وإن كان نازلاً (كمن وصل إلى البلد الذي سافر إليه، أو نزل بالطريق عدة ساعات ليستريح) : فالأفضل أن لا يجمع، وإن جمع فلا بأس لصحة الأمرين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: وقوله: " في سفر قصر " ظاهر كلامه أنه يجوز الجمع للمسافر سواء كان نازلاً أم سائراً، وهذه المسألة فيها خلاف بين العلماء. فمنهم من يقول: إنه لا يجوز الجمع للمسافر إلا إذا كان سائراً لا إذا كان نازلاً. واستدل بحديث ابن عمر: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين المغرب والعشاء إذا جَدَّ به السير " يعني: إذا كان سائراً. وبأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجمع بين الصلاتين في منى في حجة الوداع؛ لأنه كان نازلاً، وإلا فلا شك أنه في سفر؛ لأنه يقصر الصلاة ... . والقول الثاني: أنه يجوز الجمع للمسافر، سواء كان نازلاً أم سائراً. واستدلوا لذلك بما يلي: 1. أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في غزوة تبوك وهو نازل. 2. ظاهر حديث أبي جحيفة الثابت في الصحيحين: " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان نازلاً في الأبطح في حجة الوداع، وأنه خرج ذات يوم وعليه حلة حمراء فأمَّ الناس فصلّى الظهر ركعتين والعصر ركعتين " قالوا: فظاهر هذا أنهما كانتا مجموعتين. 3. عموم حديث ابن عباس أن الرسول صلى الله عليه وسلم: " جمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في المدينة من غير خوف ولا مطر ". 4. أنه إذا جاز الجمع للمطر ونحوه: فجوازه للسفر من باب أولى. 5. أن المسافر يشق عليه أن يفرد كل صلاة في وقتها، إما للعناء، أو قلة الماء، أو غير ذلك. والصحيح: أن الجمع للمسافر جائز، لكنه في حق السائر مستحب، وفي حق النازل جائز غير مستحب، إن جمع فلا بأس، وإن ترك فهو أفضل. " الشرح الممتع " (4 / 387 – 390) . وانظر جواب السؤال رقم: (50312) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 47643 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1577 المسافر هل يصلي مع الجماعة أربعا أم يصلي وحده ركعتين؟ [السُّؤَالُ] ـ[كنت مسافرا ثم وأنا بالرحلة نزلت لأصلي المغرب والعشاء جمعا وقصرا بأحد المساجد وبعد أن صليت المغرب وهممت بصلاة العشاء وجدت صلاة الجماعة للعشاء بالمسجد تقام فهل أصلي مع الجماعة 4ركعات أم أصلي منفردا حسب نيتي ركعتين وأكمل السفر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صلاة الجماعة واجبة على الرجال في الحضر والسفر، فإن وجدتَ جماعة مسافرين فصل معهم العشاء قصرا، وإلا فصل مع الجماعة المقيمين أربعا. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (ولا تسقط صلاة الجماعة عن المسافر؛ لأن الله تعالى أمر بها في حال القتال فقال: (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك) النساء /102. وعلى هذا فإذا كان المسافر في بلد غير بلده وجب عليه أن يحضر الجماعة في المسجد إذا سمع النداء إلا أن يكون بعيدا أو يخاف فوت رفقته , لعموم الأدلة الدالة على وجوب صلاة الجماعة على من سمع النداء أو الإقامة) انتهى من مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين، المجلد الخامس عشر، سؤال رقم 1085 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45815 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1578 المسافة التي يشرع فيها القصر والجمع [السُّؤَالُ] ـ[ي عن صلاة السفر والجمع والقصر.. حيث إنني أعمل في مدينة أخري تبعد عن مدينتي بحوالي 35 كيلومترا. فهل يرخص لي في الجمع أو القصر أو كلاهما لأنني قد غادرت عامر المدينة التي أسكن بها؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذهب جمهور العلماء إلى تحديد المسافة التي يقصر فيها المسافر، وذهب بعضهم إلى عدم التحديد وجعل مرد ذلك إلى العرف، فما تعارف الناس على أنه سفر، شرعت فيه الرخصة من القصر والفطر. وتقدر المسافة على قول الجمهور بثمانين كيلو مترا تقريبا. جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (8/99) : (السفر الذي يشرع فيه الترخيص برخص السفر هو ما اعتبر سفراً عرفاً، ومقداره على سبيل التقريب مسافة ثمانين كيلو متراً، فمن سافر لقطع هذه المسافة فأكثر فله أن يترخص برخص السفر من المسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليهن، والجمع والقصر، والفطر في رمضان، وهذا المسافر إذا نوى الإقامة ببلد أكثر من أربعة أيام فإنه لا يترخص برخص السفر، وإذا نوى الإقامة أربعة أيام فما دونها فإنه يترخص برخص السفر، والمسافر الذي يقيم ببلد ولكنه لا يدري متى تنقضي حاجته ولم يحدد زمناً معيناً للإقامة فإنه يترخص برخص السفر ولو طالت المدة، ولا فرق بين السفر في البر والبحر) انتهى. وبهذا يُعلم أنه ليس لك أن تقصر الصلاة في المسافة المذكورة، لأنها لا تبلغ مسافة السفر. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 44555 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1579 هل يصلي المسافر قصرا في بيته أم جماعة في المسجد؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا أقمت ببلد إقامة مؤقتة أثناء سفري فهل الأفضل أن أقصر الصلاة في بيتي أو أصليها جماعة في المسجد تامة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صلاة الجماعة واجبة لا يجوز لمسلم تركها إلا لعذر، وقد سبق ذكر الأدلة على ذلك من الكتاب والسنة. راجع السؤال رقم (8918) . وعلى هذا، فعليك أداء الصلاة جماعة في المسجد، وإذا كان الإمام مقيماً (غير مسافر) فإنك تصلي معه الصلاة تامة غير مقصورة. سئل الشيخ ابن باز: إذا سافر الإنسان إلى جدة مثلا، فهل يحق له أن يصلي ويقصر أم لا بد أن يصلي مع الجماعة في المسجد؟ فأجاب: "إذا كان المسافر في الطريق فلا بأس، أما إذا وصل البلد فلا يصلي وحده، بل عليه أن يصلي مع الناس ويتم، أما في الطريق إذا كان وحده وحضرت الصلاة فلا بأس أن يصلي في السفر وحده ويقصر الرباعية اثنتين" اهـ. مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبد العزيز بن باز (12/297) وسئل الشيخ ابن عثيمين متى وكيف تكون صلاة المسافر؟ فأجاب: "صلاة المسافر ركعتان من حين أن يخرج من بلده إلى أن يرجع إليه , لقول عائشة رضي الله عنها: (الصلاة أول ما فرضت ركعتين , فأقرت صلاة السفر , وأتمت صلاة الحضر) . رواه البخاري (1090) ومسلم (685) وفي رواية (وزيد في صلاة الحضر) . وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة فصلى ركعتين، ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة) رواه البخاري (1081) ومسلم (693) لكن إذا صلى مع إمام يتم صلى أربعاً سواء أدرك الصلاة من أولها, أم فاته شيء منها لعموم قول النبي صلي الله عليه وسلم: (إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة , وعليكم السكينة والوقار, ولا تسرعوا, فما أدركتم فصلوا , وما فاتكم فأتموا) . رواه البخاري (636) مسلم (602) . فعموم قوله: (ما أدركتم فصلوا , وما فاتكم فأتموا) يشمل المسافرين الذين يصلون وراء الإمام الذي يصلي أربعاً وغيرهم. وسئل ابن عباس رضي الله عنهما ما بال المسافر يصلي ركعتين إذا انفرد , وأربعاً إذا ائتم بمقيم؟! فقال: تلك السنة. رواه مسلم (688) وأحمد (1865) ولا تسقط صلاة الجماعة عن المسافر؛ لأن الله تعالى أمر بها في حال القتال فقال: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ) النساء/102. وعلى هذا فإذا كان المسافر في بلد غير بلده وجب عليه أن يحضر الجماعة في المسجد إذا سمع النداء إلا أن يكون بعيداً أو يخاف فوت رفقته, لعموم الأدلة الدالة على وجوب صلاة الجماعة على من سمع النداء أو الإقامة " اهـ. مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين (15/252) وسئل أيضاً: إذا كنت في سفر وسمعت النداء للصلاة فهل يجب علي أن أصلي في المسجد , ولو صليت في مكان إقامتي فهل في ذلك شيء؟ إذا كانت مدة السفر أكثر من أربعة أيام متواصلة فهل أقصر الصلاة أم أتمها؟ فأجاب قائلاً: إذا سمعت الأذان وأنت في محل الإقامة وجب عليك أن تحضر إلى المسجد , لأن النبي صلي الله عليه وسلم قال للرجل الذي استأذنه في ترك الجماعة: (أتسمع النداء؟ قال: نعم، قال: فأجب) رواه مسلم (653) . وقال عليه الصلاة والسلام: (من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر) رواه الترمذي (217) . وصححه الألباني في صحيح الترمذي. وليس هناك دليل يدل على تخصيص المسافر من هذا الحكم إلا إذا كان في ذهابك للمسجد تفويت مصلحة لك في السفر مثل أن تكون محتاجاً إلى الراحة والنوم فتريد أن تصلي في مقر إقامتك من أجل أن تنام , أو كنت تخشى إذا ذهبت إلى المسجد أن يتأخر الإمام في الإقامة وأنت تريد أن تسافر وتخشى من فوات الرحلة عليك , وما أشبه ذلك. مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين (15/422) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 40299 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1580 حد السفر الذي يبيح الفطر والقصر [السُّؤَالُ] ـ[ما هو الحد الأدنى في السفر الذي يجوز معه الإفطار؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذهب جمهور العلماء إلى أن المسافة التي تقصر فيها الصلاة ويفطر فيها الصائم ثمانية وأربعون ميلاً. قال ابن قدامة في المغني: مَذْهَبُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (يعني الإمام أحمد) أَنَّ الْقَصْرَ لا يَجُوزُ فِي أَقَلِّ مِنْ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا , وَالْفَرْسَخُ: ثَلاثَةُ أَمْيَالٍ , فَيَكُونُ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ مِيلا. وَقَدْ قَدَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ , فَقَالَ: مِنْ عُسْفَانَ إلَى مَكَّةَ، وَمِنْ الطَّائِفِ إلَى مَكَّةَ، وَمِنْ جُدَّةَ إلَى مَكَّةَ. فَعَلَى هَذَا تَكُونُ مَسَافَةُ الْقَصْرِ يَوْمَيْنِ قَاصِدَيْنِ. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ , وَاللَّيْثُ , وَالشَّافِعِيُّ اهـ. وتقدير ذلك بالكيلو متر نحو ثمانين كيلو متر تقريباً. قال الشيخ ابن باز في "مجموع الفتاوى" (12/267) في تقدير السفر: " الذي عليه جمهور أهل العلم أن ذلك يقدر بنحو ثمانين كيلو تقريبا بالنسبة لمن يسير في السيارة، وهكذا الطائرات، وفي السفن والبواخر، هذه المسافة أو ما يقاربها تسمى سفرا، وتعتبر سفرا في العرف فإنه المعروف بين المسلمين، فإذا سافر الإنسان على الإبل، أو على قدميه، أو على السيارات، أو على الطائرات، أو المراكب البحرية، هذه المسافة أو أكثر منها فهو مسافر " اهـ. وسئلت اللجنة الدائمة (8/90) : عن مسافة القصر، وهل لسائق الأجرة الذي يذهب أكثر من ثلاثمائة كيلو متر أن يصلي الصلاة قصر ا؟ فأجابت: مقدار المسافة المبيحة للقصر ثمانون كيلو متر تقريبا على رأي جمهور العلماء، ويجوز لسائق سيارة الأجرة أو غيره أن يصليها قصرا؛ إذا كان يريد قطع المسافة التي ذكرناها في أول الجواب أو أكثر منها اهـ. وذهب بعض العلماء إلى أن السفر لا يحدد بمسافة معينة، بل المرجع في ذلك إلى العرف، فما عده الناس في العرف سفراً فهو السفر الذي تترتب عليه الأحكام الشرعية كالجمع بين الصلاتين والقصر والفطر للمسافر. قال شيخ الإسلام في الفتاوى (24/106) : وَالْحُجَّةُ مَعَ مَنْ جَعَلَ الْقَصْرَ وَالْفِطْرَ مَشْرُوعًا فِي جِنْسِ السَّفَرِ وَلَمْ يَخُصَّ سَفَرًا مِنْ سَفَرٍ. وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ اهـ. وسئل الشيخ ابن عثيمين في فتاوى أركان الإسلام (ص381) عن مقدار المسافة التي يقصر فيها المسافر الصلاة وهل يجوز الجمع دون قصر؟ فأجاب: المسافة التي تقصر فيها الصلاة حددها بعض العلماء بنحو ثلاثة وثمانين كيلو مترا، وحددها بعض العلماء بما جرى به العرف أنه سفر وإن لم يبلغ ثمانين كيلو مترا، وما قال الناس عنه: إنه ليس بسفر، فليس بسفر ولو بلغ مائة كيلو متر. وهذا الأخير هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وذلك لأن الله تعالى لم يحدد مسافة معينة لجواز القصر وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم لم يحدد مسافة معينة. وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ مَسِيرَةَ ثَلاثَةِ أَمْيَالٍ أَوْ ثَلاثَةِ فَرَاسِخَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ. رواه مسلم (691) . وقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أقرب إلى الصواب. ولا حرج عند اختلاف العرف فيه أن يأخذ الإنسان بالقول بالتحديد؛ لأنه قال به بعض الأئمة والعلماء المجتهدين، فلا بأس به إن شاء الله تعالى، أما مادام الأمر منضبطا فالرجوع إلى العرف هو الصواب اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38079 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1581 متابعة الإمام في مندوبات الصلاة فعلاً وتركاً [السُّؤَالُ] ـ[ما الذي يجب أن يقوم به المؤتم إذا كان الإمام نفسه لا يقوم ببعض السنن المثبتة في الصلاة، كرفع اليدين قبل الركوع، وبعده، فهل يجب اتباع الإمام أم اتباع السنة؟ أنا في حيرة شديدة، فأرجو أن تطلعوني على الإجابة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ينبغي للمأموم أن يفعل ما يراه سنة، سواء فعله الإمام أم لا، إلا إذا كان فعل المأموم له سيؤدي إلى الإخلال بمتابعة الإمام، فيتأخر عنه أو يسبقه، فعليه في هذه الحالة ترك ما يرى أنه سنة، من أجل متابعة الإمام. فما سأل عنه السائل (رفع اليدين قبل الركوع وبعده) لا يؤدي إلى الإخلال بالمتابعة، فينبغي للمأموم فعله. ومثال ما يؤدي إلى الإخلال بالمتابعة، إذا كان المأموم يرى استحباب جلسة الاستراحة والإمام لا يراها، فينبغي للمأموم تركها. وقد بينا ذلك في جواب السؤال رقم (34458) . قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "الشيء الذي لا يقتضي التَّأخُّر عن الإمام ولا التَّقدُّم عليه فهذا يأخذ المأموم بما يراه، مثاله: لو كان الإمام لا يرى رفع اليدين عند التَّكبير للرُّكوع والرَّفع منه والقيام من التَّشهد الأوَّل، والمأموم يرى أن ذلك مستحبٌّ، فإنه يفعل ذلك؛ لأنه لا يستلزم تأخراً عن الإمام ولا تقدُّماً عليه، ولهذا قال الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم: (إذا كَبَّر فكبِّروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا) والفاء تدلُّ على التَّرتيب والتَّعقيب، وكذلك أيضاً: لو كان الإمام يَتورَّكُ في كلِّ تشهُّد يعقبه سَلام حتى في الثُّنائيَّة، والمأموم لا يرى أنه يَتورَّك إلا في تشهُّد ثانٍ فيما يُشرع فيه تشهُّدان، فإنه هنا له ألا يتورَّك مع إمامه في الثُّنائيَّة؛ لأن هذا لا يؤدِّي إلى تخلُّف ولا سبق" انتهى. "الشرح الممتع" (2/319-320) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136385 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1582 حكم الصلاة على سطح المسجد مع وجود فراغ في صحن المسجد [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الصلاة في سطح الحرم إذا كان صحن الحرم غير مزدحم بالمصلين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الصلاة صحيحة، ما دام المأموم داخل المسجد، يرى إمامه أو من وراءه , أو يسمع تكبيراته، ويمكن الاقتداء به. قال النووي رحمه الله: "للإمام والمأموم في المكان ثلاثة أحوال: أحدها: أن يكونا في مسجد فيصح الاقتداء , سواء قربت المسافة بينهما أم بعدت لكبر المسجد , وسواء اتحد البناء أم اختلف كصحن المسجد وصُفَّتِه وسرداب فيه , مع سطحه وساحته والمنارة التي هي من المسجد تصح الصلاة في كل هذه الصور وما أشبهها إذا عَلم صلاة الإمام، ولم يتقدم عليه , سواء كان أعلى منه أو أسفل، ولا خلاف في هذا. ونقل أصحابنا فيه إجماع المسلمين ... إلخ" انتهى من "المجموع" (4/195) . وقال في "الإنصاف" (2/293) : " ... فإن كان المأموم في المسجد. فلا يشترط اتصال الصفوف بلا خلاف , قاله الآمدي , وحكاه المجد إجماعاً" انتهى. ثانياً: الأفضل في هذه الحال أن يقرب المأموم من إمامه للأحاديث الواردة في هذا الباب: منها: حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم: (رَأَى فِي أَصْحَابِهِ تَأَخُّرًا، فَقَالَ لَهُمْ: تَقَدَّمُوا فَأْتَمُّوا بِي، وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ، لَا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمْ اللَّهُ) مسلم (438) . ومنها: حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (..أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ قَالَ: يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الْأُوَلَ، وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ) رواه مسلم (430) . ومنها: عن أنس رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (قَالَ أَتِمُّوا الصَّفَّ الْمُقَدَّمَ ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ، فَمَا كَانَ مِنْ نَقْصٍ فَلْيَكُنْ فِي الصَّفِّ الْمُؤَخَّرِ) رواه أبو داود (671) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. لكن لو أن المأموم يتضرر أو لا يحصل له خشوع في صلاته، إذا صلى في صحن المسجد؛ لحر الشمس أو نزول المطر … فلا حرج عليه أن يصلي في مكان يستره مما يتأذى به، سواء كان في قبو المسجد أو في الدور الثاني، ولو أدى ذلك لعدم اتصال الصفوف. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم الصلاة في الدور الثاني في سطح المسجد مع وجود سعة في الدور الأول سواء في المسجد الحرام أو في غيره من المساجد؟ فأجاب: "الصلاة في الدور الثاني من المسجد جائزة إذا كان معه أحد في مكانه يعني لم ينفرد بالصف وحده، لكن الأفضل أن يكون مع الناس في مكانهم؛ لأنه إذا كان مع الناس في مكانهم كان أقرب للإمام، وما كان أقرب إلى الإمام فهو أفضل" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (13/25) . وقال أيضاً: "لكن قل لي: أيهما أفضل: أن يصلي في الطبقة التي فيها الإمام -لأن ذلك أقرب للإمام- أو أن يصلي في السطح؟ هنا نقول: إذا كان صلاته في السطح أخشع له وأحضر لقلبه وأبعد عن التشويش فهو أفضل؛ لأن الفضل المتعلق بذات العبادة أولى بمراعاة الفضل المتعلق بمكان العبادة" انتهى من لقاء "الباب المفتوح". والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 135401 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1583 معنى: (يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله) [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى (الأقرأ لكتاب الله) في الحديث الذي فيه صفات الإمام الذي يصلي بالناس؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله روى مسلم (2373) عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا وفي رواية فَأَكْبَرُهُمْ سِنًّا، وَلَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ، وَلَا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ) . هذا الحديث هو الأصل الذي بنى عليه العلماء القول فيمن هو الأحق بالإمامة. وقد ذكر الحديث أن الأسباب المرجِّحة في الإمامة خمسة: (الأقرأ لكتاب الله، ثم الأعلم بالسنة، ثم الأسبق إلى الهجرة، ثم الأسبق إلى الإسلام، ثم الأكبر سنا) . فالوصف الأول هو: الأقرأ لكتاب الله. والأقرأ يشمل معنيين: الأول: الأكثر قرآنا. ويدل على ذلك ما رواه البخاري (692) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: (لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الْأَوَّلُونَ الْعُصْبَةَ -مَوْضِعٌ بِقُبَاءٍ - قَبْلَ مَقْدَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، كَانَ يَؤُمُّهُمْ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَكَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا) . وفي رواية: (وَفِيهِمْ عُمَرُ، وَأَبُو سَلَمَةَ، وَزَيْدٌ، وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ) . فقوله: (وَكَانَ أَكْثَرهمْ قُرْآنًا) إِشَارَة إِلَى سَبَب تَقْدِيمهمْ لَهُ، مَعَ أن منهم من هو أفضل منه. وروى البخاري (4302) عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ رضي الله عنه أن أباه أتى من عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال لقومه: جِئْتُكُمْ وَاللَّهِ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقًّا، فَقَالَ: (صَلُّوا صَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا، وَصَلُّوا صَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا، فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا) . قال عمرو: فَنَظَرُوا فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَكْثَرَ قُرْآنًا مِنِّي، فَقَدَّمُونِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، وَأَنَا ابْنُ سِتٍّ أَوْ سَبْعِ سِنِينَ. فهذا دليل صريح على أن الأكثر حفظاً للقرآن هو المقدم في الإمامة. المعنى الثاني الذي يشمله (الأقرأ) : الأحسن قراءة، وهو الذي تكون قراءتُه تامَّةً يقيم الحروف ويأتي بها على أكملِ وجهٍ ولا يسقط منها شيئاً. "شرح بلوغ المرام" للعثيمين (2/267) . الشرح الممتع (4 /82) . ومن هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم: (أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ ... وَأَقْرَؤُهُمْ أُبَيٌّ) . رواه الترمذي (3790) وصححه الألباني. (وَأَقْرَؤُهُمْ) أَيْ: أَحسنهم قِرَاءَة. وروى البخاري (5005) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ عُمَرُ: (أُبَيٌّ أَقْرَؤُنَا) . أي: أحسننا قراءة. وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (8/ 347) : "معنى أقرؤكم: أحسنكم تلاوة، وترتيلا للقرآن، ويراد به أيضا: أكثركم قرآنا" انتهى. فإن تساويا في قدر ما يحفظ كل واحد منهما وكان أحدهما أحسن قراءة من الآخر، فهو أولى، لأنه أقرأ، فيدخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) . المغني (3/14) . ولو استويا في جودة القراءة قُدِّم أكثرهما قرآنا. "الإنصاف" (2 / 244) . وإذا اجتمع شخصان يحسنان قراءة القرآن الكريم، أحدهما أكثر قرآناً، والآخر أجود قراءةً، فمن يقدم؟ ظاهر السنة: أن الأكثر حفظاً للقرآن مقدم، قال ابن رجب: "وأكثر الأحاديث تدل على اعتبار كثرة القرآن" انتهى من "فتح الباري" لابن رجب. ويدل على ذلك حديث عمرو بن سلمة، وفيه: (وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا) . وحديث سالم مولى حذيفة، وفيه: (وَكَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا) . والحكمة من تقديم الأقرأ في الإمامة: أنه "لَا صَلَاة إِلَّا بِقِرَاءَةٍ، إِذَا كَانَتْ الْقِرَاءَة مِنْ ضَرُورَة الصَّلَاة، وَكَانَتْ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانهَا صَارَتْ مُقَدَّمَة فِي التَّرْتِيب عَلَى الْأَشْيَاء الْخَارِجَة عَنْهَا" انتهى من عون المعبود. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 134279 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1584 السؤال ببركة فلان ـ أحد الصالحين ـ [السُّؤَالُ] ـ[فضيلة الشيخ لنا إمام مسجد يقول: إنه يجوز للإنسان أن يسأل الله ببركة فلان، كأن يقول: اغفر لي يا رب ببركة فلان ـ أي أحد الصالحين مثلاً ـ فهل هذا نوع من الشرك؟ علماً بأنه في نفس الوقت لا يصرح بها شفهياً إلا إذا سألناه، كما أن هذا الإمام يكتب الحجاب والبخورات للناس كطرق علاج فهل نصلي خلفه أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "هذا ليس من الشرك، ولكنه من وسائل الشرك، وهو التوسل ببركة فلان، أو بحق فلان، أو جاه فلان، أو ذات فلان، هذا من وسائل الشرك، وليس من الشرك، بل هو بدعة عند جمهور أهل العلم، لأن التوسل عبادة لابد لها من توقيف، ولابد لها من بيان من الله عز وجل، أو من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله سبحانه بَيَّن لنا وهكذا الرسول صلى الله عليه وسلم بَيَّن لنا وسائل العبادة، وأن المشروع أن نتوسل إلى الله في دعائنا إياه بأسمائه، كما قال سبحانه: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) الأعراف/180، وهكذا صفاته سبحانه وتعالى، وهكذا التوسل بالتوحيد: اللهم إني أسألك بأنني أشهد أن لا إله إلا أنت، كما جاء في الحديث. وهكذا التوسل بالأعمال الصالحات، فيتوسل المؤمن بإيمانه بالله ورسله، وبمحبته لله ورسوله، وبره بوالديه، وبأدائه الأمانة، وبعفته عن الفواحش، وبمحافظته على الصلوات، إلى غير ذلك. وفي هذا الباب: قصة أهل الغار، الثابتة في الحديث الذي رواه الشيخان: البخاري ومسلم في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن ثلاثة من الناس فيمن كان قبلنا، آواهم المبيت، وفي رواية: (المطر) ، إلى غار فدخلوا فيه، فانحدرت عليهم صخرة سدت عليهم الغار، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنهم فيما بينهم قالوا: لن ينجيكم من هذا الأمر إلا أن تسألوا الله بصالح أعمالكم، فقام أحدهم فسأل ربه ببره لوالديه، فانفرجت الصخرة بعض الشيء، وقام الثاني وسأل الله بعفته عن الفاحشة عن الزنا، فانفرجت الصخرة بعض الشيء، وقام الثالث وتوسل إلى الله بأدائه الأمانة، فانفرجت الصخرة وخرجوا) . وهذا دليل على أن التوسل بالأعمال الصالحات وسيلة شرعية. وهكذا التوسل بأسماء الله وصفاته كما تقدم، وهكذا التوسل بتوحيده والإخلاص له، أما التوسل بجاه فلان، أو ببركة فلان، أو بحق فلان، فهذا لا أصل له، ولا يجوز، بل هو من البدع، ولكن ليس من الشرك. والصلاة خلف الإمام الذي يقول هذا صحيحة. لكن ينبغي أن يعلَّم ويوجه إلى الخير، فإن عرف الحق وامتثل له وتاب إلى الله من ذلك وإلا فالواجب أن يبدل بغيره، والواجب على المسؤولين أن يلتمسوا إماماً أصلح منه للمسجد حتى لا يَغُرَّ الناس. وهكذا إذا كان يتعاطى كتب (الحجب) وهي التمائم، فهذا أيضاً منكر، والرسول صلى الله عليه وسلم أمر بقطع التمائم وقال: (من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا أودع الله له) وأخبر أنها شرك، فلا يجوز كتابة التمائم لا من العظام، ولا من الخرز، ولا من الطلاسم، ولا من غير ذلك. واختلف العلماء فيما إذا كانت التمائم من القرآن على قولين: أحدهما: الجواز، والثاني: المنع، والصواب: المنع، فلا يجوز اتخاذ التمائم والحُجُب حتى ولو من القرآن في أصح قولي العلماء، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن التمائم، وأطلق وعَمَّم، فلا يجوز استثناء شيء من ذلك، ولأن تعليق التمائم من القرآن وسيلة إلى تعليق غيرها، فينفتح الباب، ويقع الشرك، وسد الذرائع أمر معلوم من الشريعة، وأصل من أصولها، ولأن تعليقها قد يفضي إلى امتهان الآيات القرآنية، فوجب منع ذلك. وأما البخور فشيء آخر، فقد تُعالج بعض الأمراض بالخور، ولكن بعض من يدعي الطب قد يتظاهر بأشياء وعنده أشياء أخرى، قد يتظاهر بالتمائم أو بالبخور وهو يتعاطى خدمة الجن، وسؤال الجن، ودعوى علم الغيب بواسطة الجن، ومثل هذا خطره عظيم، فالواجب أن ينكر على هذا، وإن يوجه إلى الخير، وأن يُعلَّم حتى يستفيد، وحتى ينتبه لهذا الخطر، فإن استقام وتاب إلى الله وسار على الطريق السوي وإلا فالواجب إبداله بغيره من أئمة المسلمين الذين عندهم العناية بأمر الله، وعندهم صلاح العقيدة، وسلامة الدين ـ والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (1/298 – 300) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجوب الحديث: 133637 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1585 يرى أنه أقرأ القوم، فهل يطلب منهم أن يؤمهم؟ [السُّؤَالُ] ـ[أصلي في مسجد لأهل السنة، وهناك من يتناوبون على الإمامة باتفاق بين أهل المسجد، وهم من أهل الفضل وعلى درجة من العلم ولكن قراءتهم ليست جيدة إلى حد ما، فيها لحن ولكن ليس جليا، مع حفظهم للقرآن كاملا، فهل أطلب منهم أن يقدموني للإمامة على أني على درجة كافية من تجويد القرآن ولكني لا أحفظه كله؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله روى مسلم (673) عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِنا، وَلَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ، وَلَا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ) . 134279 وقد تقدم في جواب السؤال رقم (134279) شرح معنى: "الأقرأ لكتاب الله" وأن المراد بذلك: الأكثر حفظاً، والأحسن تلاوة، والمراد من حسن التلاوة أن يقرأ قراءة صحيحة. وَبَّينَّا أيضاً أنه إذا اجتمع شخصان أحدهما أكثر حفظاً للقرآن، والثاني أحسن قراءة، فإنه يقدم الأكثر حفظاً. وعلى هذا، نرى أنه ليس من حقك أن تطلب من هؤلاء أن تؤمهم في الصلاة، وذلك لسببين: 1- أن فيهم من هو أكثر منك حفظاً للقرآن، وكون بعضهم يلحن ما سميته "لحناً خفياً" لا يؤثر على استحقاقه الإمامة، لأن اللحن الخفي لا يعني أن القراءة غير صحيحة، فما دامت القراءة ليس فيها تغيير لحرف بحرف، أو تغيير لتشكيل الكلمات، فهي قراءة صحيحة. وإنما يتعلق اللحن الخفي بإتقان المدود والغنن ونحوها، كما هو معلوم عند المشتغلين بعلم "التجويد". 2- أن الإمام الراتب أحق بالإمامة من غيره حتى لو كان غيره أقرأ منه. ففي الحديث السابق يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وَلَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ) . قال ابن قدامة رحمه الله: "وإمام المسجد الراتب فيه بمنزلة صاحب البيت، لا يجوز لأحد أن يؤم فيه بغير إذنه لذلك" انتهى. "الكافي" (1/186) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "الإمام كلما كان أقرأ لكتاب الله وأفقه في دين الله كان أولى من غيره، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة) إلا إذا كان الإنسان في مسجد له إمام راتب فإن الإمام الراتب أحق من غيره" انتهى. "فتاوى نور على الدرب" (182 / 6) . فإذا تعارف أهل المسجد على أنه يصلي بهم فلان، فهو الإمام الراتب، وهو أحق بالإمامة من غيره. ثم النصيحة لك ـ وأنت في بداية الشباب ـ أن تقبل على تعلم العلم النافع، وتجتهد في العمل به، ويُخشى أن تكون رغبتك في الإمامة من باب حب التصدر، أو فيها شيء من الإعجاب بالنفس. فعليك الاهتمام بنفسك وتزكيتها بالعلم النافع والعمل الصالح، ودع عنك طلب الإمامة والتطلع لها. ونسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 132985 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1586 استخلاف الإمام من فاتته ركعات ليصلي بالجماعة [السُّؤَالُ] ـ[ذهبت إلى المسجد لصلاة العشاء فوجدت الجماعة قد سبقوني بركعتين، وبعد أن كبرت للدخول في الصلاة حصل للإمام عذر جعله يقطع الصلاة ويضعني إماماً مكانه، فماذا أفعل في هذه الحالة وأنا مسبوق بركعتين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "يصلي الركعتين المكملتين لصلاة الجماعة ويجلس للتشهد، فإذا تشهد التشهد الأول له والأفضل أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويشير لهم أن يجلسوا حتى يفرغ ويسلم بهم جميعاً ويشير لهم حتى يجلسوا ولا يتابعوه، فإذا قضى الركعتين اللتين عليه سلم بهم جميعاً؛ لأنه معذور في هذه الحالة، وهم معذورون فهو يقوم حتى يكمل صلاته وهم ينتظرونه لأنه قام لعذر فيسلم بهم جميعاً هذا هو المشروع، ولو أنه استخلف إنساناً لم يفته شيء لكان أولى، لكن ما دام استخلفه فإن الصلاة صحيحة والحمد لله" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (2/962) . [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز فتاوى نور على الدرب الحديث: 132320 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1587 الائتمام بالمسبوق إذا قام يتم صلاته بعد سلام الإمام [السُّؤَالُ] ـ[إذا وجدت الإمام قد سلم ولا يزال بعض المأمومين ممن فاتته بعض الركعات مع الإمام يقضيها فهل يجوز لي أن أصلي خلفه مؤتماً به لجماعة ثانية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الأمر في هذا واسع، إن صليت وحدك فهو أحوط وأولى خروجاً من خلاف العلماء، وإن كان معك جماعة فالأولى والأفضل أن تصلوا جميعاً، ولا تصلوا مع المسبوق، وإن صليت مع المسبوق وجعلته إماماً لك فلا حرج في ذلك على الصحيح، والصلاة صحيحة إن شاء الله، لكن الأفضل والأولى لك أن تصلي وحدك لأن كثيراً من أهل العلم لا يرون إمامة المسبوق الذي قام ليقضي ما عليه، فإن صليت معه فلا حرج كما لو دخلت مع إنسان يصلي وحده وجعلته إماماً لك وصليت معه، فإنه لا حرج في ذلك والجماعة مطلوبة" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (2/964) . [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز فتاوى نور على الدرب الحديث: 132308 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1588 لا حرج في إمامة المتيمم بالمتوضئين [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمتيمم أن يصلي إماماً لعدم وجود من يصلي إماماً غيره؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "يجوز أن يصلي المتيمم بالمتوضئين إذا تيمم لعذر شرعي من الحدث الأصغر أو الأكبر جاز أن يؤم الذين تطهروا بالماء، لا حرج في ذلك ولا بأس، ولو وجد من يصلح للإمامة، إذا كان صالحاً للإمامة، وأمَّهم فلا بأس بذلك" انتهى. [الْمَصْدَرُ] سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (2/654) الحديث: 130879 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1589 هل الأفضل أن يؤم الناس للتروايح أو يصلي مأموماً في المسجد الحرام [السُّؤَالُ] ـ[أنا شاب من سكان مكة وأحفظ 10 أجزاء من القرآن فأيهما أفضل أصلي التراويح في المسجد الحرام أم الإمامة بالناس؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: أولاً: إذا كان الإنسان قائماً على مسجد، ومكلفاً بإمامة المصلين فيه من الجهات المسئولة أو القائمين على المسجد، ويتقاضى على ذلك مكافأة شهرية، لزمه القيام بواجب الإمامة كما ينبغي، ولا يجوز له الإخلال بها، ولا التخلّف عنها إلا لعذر غالب. وليس له ترك المسجد القائم عليه، للصلاة في مسجد آخر، ولو كان المسجد الحرام، اللهم إلا أن يقيم مقامه الكفء الذي يرضى عنه أهل المسجد، وتوافق عليه الجهات المسئولة عن المسجد. قال الشيخ ابن عثيمين: " إذا كان الإنسان موظفاً، أو كان إماماً في مسجد فإنه لا يدع الوظيفة، أو يدع الإمامة ويذهب إلى الصلاة في المسجد الحرام، لأن الصلاة في المسجد الحرام سنة، وأما القيام بالواجب الوظيفي فإنه واجب، ولا يمكن أن يترك الواجب من أجل فعل السنة. وقد بلغني أن بعض الأئمة يتركون مساجدهم ويذهبون إلى مكة من أجل الاعتكاف في المسجد الحرام، أو من أجل صلاة التراويح، وهذا خطأ؛ لأن القيام بالواجب واجب، والذهاب إلى مكة لإقامة التراويح أو الاعتكاف ليس بواجب ". انتهى من " مجموع الفتاوى والرسائل" (14/241) . ثانياً: أما إذا كان الإنسان متطوعاً بالإمامة، ويوجد من يقوم مقامه في هذا الأمر، فالأفضل له أن يصلي في المسجد الحرام لعظم أجر الصلاة فيه. وليس لمن كان مقيماً في مكة أن يزهد في هذا الفضل، بناء على أن فضل الصلاة في المسجد الحرام يشمل جميع مساجد الحرم. قال الشيخ ابن باز: " الصلاة في المسجد الحرام الذي قرب الكعبة أفضل من وجوه: لكثرة الجمع، ولقربه من الكعبة ومشاهدتها، وللاحتياط في ذلك، واليقين بأنه تضاعف له الصلاة إذا قبلها الله منه، بخلاف من كان في المساجد الأخرى، فإن في ذلك خلافا بين العلماء ".. انتهى "مجموع الفتاوى" ابن باز (30 /78) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129405 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1590 هل من السنة أن يصلي المؤذن خلف الإمام مباشرة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل من السنة أن يقف المؤذن خلف الإمام مباشرة (100%) ؟ أرجو إفادتي حتى نسلم من الأخذ والرد في المسجد.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس في موقف المؤذن خلف الإمام سنة معينة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، والوارد في ذلك فقط هو استحباب قرب أولي الأحلام والنهى من الإمام، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (لِيَلِنِي مِنكُم أُولُو الأَحلَامِ وَالنُّهَى) رواه مسلم (432) . ولكن لا مانع من ترك مكان خلف الإمام يقف فيه المؤذن حين يفرغ من إقامة الصلاة، ليجد مكاناً مناسباً يصلي فيه دون أن يقطع الصفوف، ولا بأس أن يكون هذا المكان مائلاً قليلاً عن موقع الإمام يميناً أو يساراً. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128454 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1591 يكره للإمام تخصيص نفسه بالدعاء المشترك دون المأمومين [السُّؤَالُ] ـ[هل دعاء الإمام لنفسه في صلاة الجماعة يعتبر خيانة للمأمومين، وهل ذلك جائز، أم إنه يجب أن يدعو للمأمومين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الدعاء الذي يشترك فيه الإمام والمأمومون في صلاة الجماعة؛ يعني: أن الإمام يدعو، ويؤمن المأمومون، هو الذي يكره فيه للإمام أن يخص نفسه بالدعاء دون المأمومين، وذلك لما جاء عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ثَلَاثٌ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَهُنَّ: لَا يَؤُمُّ رَجُلٌ قَوْمًا فَيَخُصُّ نَفْسَهُ بِالدُّعَاءِ دُونَهُمْ، فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ خَانَهُمْ. وَلَا يَنْظُرُ فِي قَعْرِ بَيْتٍ قَبْلَ أَنْ يَسْتَأْذِنَ، فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ دَخَلَ. وَلَا يُصَلِّي وَهُوَ حَقِنٌ حَتَّى يَتَخَفَّفَ) . رواه أبو داود (رقم/90) والترمذي (357) وقال حديث ثوبان حديث حسن. وقد ضعف هذا الحديث ابن خزيمة، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وغيرهم. انظر: ضعيف أبي داود، للشيخ الألباني (12، 13) . وعلى تقدير ثبوت الحديث، فالمراد به ما ذكرناه أولا: أن يخص نفسه في دعاء يشاركه المأمومون فيه. سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لرجل يؤمُّ قوما فيخص نفسه بالدعاء دونهم فإن فعل فقد خانهم) هل يستحب للإمام أنه كلما دعا الله عز وجل أن يشرك المأمومين؟ وهل صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يخص نفسه بدعائه في صلاته دونهم؟ فكيف الجمع بين هذين؟ فأجاب: " ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب. اللهم نقني من خطاياي كما يُنَقَّى الثوب الأبيض من الدنس. اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد) فهذا حديث صحيح صريح في أنه دعا لنفسه خاصة وكان إماما، وكذلك حديث علي في الاستفتاح الذي أوله: (وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض - فيه - فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها فإنه لا يصرف عني سيئها إلا أنت) وكذلك ثبت في الصحيح أنه كان يقول بعد رفع رأسه من الركوع بعد قوله: (لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت) وجميع هذه الأحاديث المأثورة في دعائه بعد التشهد مِن فعله ومِن أمره لم يُنقَل فيها إلا لفظ الإفراد، كقوله: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال) . وكذا دعاؤه بين السجدتين وهو في السنن من حديث حذيفة، ومن حديث ابن عباس، وكلاهما كان النبي صلى الله عليه وسلم فيه إماما، أحدهما بحذيفة، والآخر بابن عباس. وحديث حذيفة: (رب اغفر لي، رب اغفر لي) ، وحديث ابن عباس فيه: (اغفر لي، وارحمني، واهدني، وعافني، وارزقني) ونحو هذا. فهذه الأحاديث التي في الصحاح والسنن تدل على أن الإمام يدعو في هذه الأمكنة بصيغة الإفراد. وكذلك اتفق العلماء على مثل ذلك، حيث يرون أنه يشرع مثل هذه الأدعية. وإذا عرف ذلك تبين أن الحديث المذكور - إن صح -: فالمراد به الدعاء الذي يؤمِّنُ عليه المأموم: كدعاء القنوت، فإن المأموم إذا أمَّنَ كان داعيا، قال الله تعالى لموسى وهارون: (قد أجيبت دعوتكما) ، وكان أحدهما يدعو والآخر يؤمِّنُ. وإذا كان المأموم مؤمِّنًا على دعاء الإمام، فيدعو صيغة الجمع كما في دعاء الفاتحة في قوله: (اهدنا الصراط المستقيم) ، فإن المأموم إنما أمَّن لاعتقاده أن الإمام يدعو لهما جميعا، فإن لم يفعل فقد خانَ الإمامُ المأمومَ. فأما المواضع التي يدعو فيها كل إنسان لنفسه، كالاستفتاح، وما بعد التشهد، ونحو ذلك، فكما أن المأموم يدعو لنفسه، فالإمام يدعو لنفسه " انتهى باختصار. " مجموع الفتاوى " (23/116-118) ويقول العراقي رحمه الله: " من أدب الدعاء أنَّ مَن دعا بمجلس جماعةٍ لا يخص نفسه بالدعاء مِن بينهم، أو لا يخص نفسه وبعضَهم دون جميعهم، ويتأكد استيعاب الحاضرين على إمام الجماعة، فلا يخص نفسه دون المأمومين، لما روى أبو داود، والترمذي من حديث ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤم رجل قوما فيخص نفسه بدعوة دونهم، فإن فعل فقد خانهم) قال الترمذي: حديث حسن. والظاهر أن هذا محمول على ما لا يشاركه فيه المأمومون، كدعاء القنوت ونحوه، فأما ما يدعو كل أحد به كقوله بين السجدتين: (اللهم اغفر لي، وارحمني، واهدني) فإن كلا من المأمومين يدعو بذلك، فلا حرج حينئذ في الإفراد، إلا أنه يحتمل أن بعض المأمومين يترك ذلك نسيانا أو لعدم العلم باستحبابه، فينبغي حينئذ أن يجمع الضمير لذلك " انتهى باختصار. " طرح التثريب " (2/136-137) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126348 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1592 إمام يضيع صلاة الفجر ومتهم في قضايا مالية [السُّؤَالُ] ـ[إمام مسجدنا يتصرف بشكل سيء وأريد أن أعرف الحكم في هذا الأمر. يقوم هذا الرجل بمعارضة خطة تدريس جديدة التي من شأنها أن ترتقي بالمسجد. ويقال ـ أيضا ـ: إنه يمارس السحر. علاوة على ذلك , فهو يضيّع صلاة الفجر كثيراً كثيرا , ويقوم باستخدام الهاتف خلال الحصص الدراسية. وأيضا هذا الإمام تم طرده من ثلاثة مساجد أخرى لسلوكه السيئ ولقضايا مالية. فما حكمه وحكم الصلاة خلفه؟ وهل يجب طرده؟ وهل تأثم لجنة المسجد إذا أبقته؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ينبغي أن يختار للإمامة من عرف بالصلاح والاستقامة والحرص على نفع الناس؛ لأن الإمامة منصب شريف، والعامل فيها قائم مقام الأنبياء والخلفاء والعلماء، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا) رواه مسلم (673) . فاختار صلى الله عليه وسلم للإمامة الأفضل والأكمل. والإمام إن كان على ما ذكرت من التقصير والتهمة فينبغي أن لا يولى الإمامة ابتداء، وأن يعزل منها بعد توليها إن لم يترتب على عزله مفسدة أكبر. وقد روى أبو داود (481) أَنَّ رَجُلا أَمَّ قَوْمًا فَبَصَقَ فِي الْقِبْلَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ فَرَغَ: (لا يُصَلِّي لَكُمْ، فَأَرَادَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُصَلِّيَ لَهُمْ فَمَنَعُوهُ، وَأَخْبَرُوهُ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: نَعَمْ، وَحَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّكَ آذَيْتَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) والحديث حسنه الألباني في صحيح أبي داود. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " الأئمة متفقون على كراهة الصلاة خلف الفاسق، لكن اختلفوا في صحتها، فقيل: لا تصح، كقول مالك وأحمد في إحدى الروايتين عنهما، وقيل: بل تصح، كقول أبى حنيفة والشافعي، والرواية الأخرى عنهما، ولم يتنازعوا أنه لا ينبغي توليته " انتهى من "مجموع الفتاوى" (23/358) . وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " فإذا أمكن للإنسان أن لا يقدم مظهراً للمنكر في الإمامة وجب عليه ذلك. لكن إذا ولاه غيره، ولم يُمكنه صرفه عن الإمامة، أو كان لا يتمكن من صرفه عن الإمامة إلا بشر أعظم ضرراً من ضرر ما أظهر من المنكر: فلا يجوز دفع الفساد القليل بالفساد الكثير، ولا دفع أخف الضررين بحصول أعظمهما، فإن الشرائع جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها بحسب الإمكان " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (9/377) . وأما الصلاة خلفه فصحيحة ولو كان فاسقا، على الراجح من قولي العلماء، وينظر جواب السؤال رقم (13465) . أما إذا ثبت ما يقال عنه: إنه يعمل السحر: فهذا لا يجوز أن يُجعل إماما، ولا أن يُصلَّى خلفه. والخلاصة: أنه ينبغي بذل النصح لمثل هذا الرجل، أولا، وتذكيره بأنه قدوة لغيره، وأنه يقبح منه ما لا يقبح من غيره، وأن عليه البعد عن مواطن التهم، والاجتهاد في أداء عمله، والقيام بالأمانة التي أنيطت به. ثم على اللجنة القائمة على أمر المسجد أن تعزله عن الإمامة، ما دام ذلك في إمكانها، وأن تولي من هو أصلح لذلك المنصب منه، وأبعد عن مواطن التهم، وأدعى إلى ائتلاف القلوب. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126085 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1593 حكموا على إمامهم الذي توسل بحق النبي أنه مشرك! وتركوا الصلاة وراءه وأحدثوا لغطاً [السُّؤَالُ] ـ[في إحدى ليالي العشر تقدم بنا لصلاة الوتر أحد نواب إمام المسجد، وهو رجل عامي، غير متمكن في العلم الشرعي، لكن فيه خير، نحسبه كذلك، ولا نزكي على الله أحداً، فعندما كان يقنت سأل الله عز وجل بحق محمد، فحصل لغط في تلك الليلة من قبَل بعض الشباب، وصنفوا الرجل بأنه مشرك! ولا يجوز لرواد المسجد أن يصلوا خلفه إذا تقدم بهم هذا الإمام، وبناءً على هذه الفتوى فقد طبقت على أرض الواقع في الليلة التالية لليلة تلك المشكلة، حيث انتظر بعض الشباب - وهم قلة قليلة مقارنة برواد المسجد - دخول ذلكم الإمام لصلاة الوتر إلى مؤخرة المسجد للقيام بجماعة أخرى تؤدى فيها صلاة الوتر، وبعد صلاتهم هذه حصل في المسجد خلاف، وانقسام، فهل هذا الفعل صحيح؟ وهل يصنف الإمام بأنه مشرك بسبب الدعاء بلفظة " بحق محمد "؟ وإذا أخطأ إمام بمثل هذا الأمر هل يشرع للناس أن ينشقوا عنه ويُحدثوا جماعة أخرى تصلي بنفس وقت صلاة الإمام؟ وما هي نصيحتكم لمن شملهم السؤال – الإمام، والمنشقون، بقية المأمومين -؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ما فعله هؤلاء الذين حكموا على الإمام أنه مشرك، لأنه سأل الله تعالى بحق محمد صلى الله عليه وسلم: فعل منكر، وليس يعني هذا أن الإمام أصاب في قوله، بل هو مخطئ، وواقع في بدعة، لكن ما فعله أولئك منكر أيضاً، وهم لم يصفوا فعله بأنه شرك، بل تعدى ذلك إلى الحكم عليه بأنه مشرك، ورتبوا على ذلك عدم الصلاة خلفه، والواجب عليهم التمهل في إطلاق الأحكام، والرجوع لأهل العلم، وعدم الجرأة في تكفير الناس. والتوسل المشروع أنواع، وقد ذكرناها في جواب السؤال رقم: (979) ، والسؤال بجاه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وحقه، وجاه الصالحين وحقهم: ليس شركاً، وأعلى ما يقال فيه أنه وسيلة إلى الشرك، لا أنه شرك بذاته. قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -: أما إذا توسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: اللهم إني أسألك بجاه محمد، أو بحق محمد: فهذا بدعة، عند جمهور أهل العلم، نقص في الإيمان، ولا يكون مشركاً، ولا يكون كافراً، بل هو مسلم، ولكن يكون هذا نقصاً في الإيمان، وضعفاً بالإيمان، مثل بقية المعاصي التي لا تخرج عن الدين ; لأن الدعاء، ووسائل الدعاء: توقيفية، ولم يرد في الشرع ما يدل على التوسل بجاه محمد صلى الله عليه وسلم، بل هذا مما أحدثه الناس، فالتوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم، أو بجاه الأنبياء، أو بحق النبي، أو بحق الأنبياء، أو بجاه فلان، أو بجاه علي، أو بجاه أهل البيت: كل هذا من البدع , والواجب ترك ذلك، لكن ليس بشرك، وإنما هو من وسائل الشرك، فلا يكون صاحبه مشركاً، ولكن أتى بدعة تنقص الإيمان، وتضعف الإيمان، عند جمهور أهل العلم. " فتاوى الشيخ ابن باز " (7 / 129، 130) . وقال – رحمه الله -: فلا يقول الإنسان: اللهم اغفر لي بحق فلان، أو بحق محمد، أو بحق الصالحين، أو بحق الأنبياء، أو بجاه الأنبياء، أو بحرمة الأنبياء، أو ببركة الأنبياء، أو ببركة الصالحين، أو ببركة علي، أو ببركة الصديق، أو ببركة عمر، أو بحق الصحابة، أو حق فلان، كل هذا لا يجوز، هذا خلاف المشروع، وبدعة، وهو ليس بشرك، لكنه بدعة، لم يرد في الأسئلة التي دعا بها النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك أصحابه رضي الله عنهم. وإنما يتوسل بما شرعه الله من أسماء الله، وصفاته، ومن توحيده، والإخلاص له، ومن الأعمال الصالحات، هذه هي الوسائل ... . " فتاوى نور على الدرب " (1 / 356) . وبه يتبين أن ما قام به أولئك الذين حكموا على الإمام بأنه مشرك: أنهم وقعوا في الخطأ، من جهة الشرع، ومن جهة الإمام، فالواجب عليهم التوبة من فعلهم، والندم على حكمهم، وعدم العود لمثل هذا الفعل، مع طلب السماح من الإمام. ثانياً: الصلاة خلف أهل البدع – وإمامكم إن استمر على توسله فيكون منهم -: جائزة، إن كانت بدعتهم غير مكفِّرة، ومع جواز الصلاة خلف الإمام المبتدع، فإنه يجوز ترك الصلاة وراءه للصلاة في مسجد آخر زجرا له إن كان سينتهي عن بدعته بمثل ذلك، ولا يجوز ترك الصلاة وراءه وعمل صلاة في وقت الجماعة الأولى، ولا ترك الصلاة وراءه والصلاة في البيت، بل شرط ترك الصلاة وراءه: نفع ذلك الهجر له، وإقامة الصلاة في مسجد سنِّي. وقد ذكرنا هذه المسألة بتفصيل في جواب السؤالين: (20885) و (40147) . ثالثاً: النصيحة للإمام أن يتقي الله تعالى ربَّه في اعتقاده، وعبادته، وأن يدع ما عليه أهل البدع، وأن يلتزم طريق أهل السنَّة والجماعة. والنصيحة لأولئك المنشقين: أن يتوبوا من جرأتهم على الفتوى، وعلى الحكم على الإمام بأنه مشرك، وأن يعتذروا منه، وأن يرجعوا لمسجدهم ليقيموا الصلاة خلف إمامهم، ولا يحل لهم الصلاة معه في الوقت نفسه في جماعة أخرى، وليتحلوا بالأخلاق الفاضلة، وليتدرجوا في دعوة الناس إلى الحق، فإن الحق ثقيل، وغريب في كثير من ديار المسلمين. نسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقّاً، ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً، ويرزقنا اجتنابه. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125339 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1594 صوته فيه خشوع، وهو يقنت الفجر يوم الجمعة، فهل أصلي خلفه التراويح؟ [السُّؤَالُ] ـ[عندنا في المنطقة إمام، أكرمه الله بصوت عذب، تقشعر له الأبدان، لكن هذا الإمام لديه عادة أقرب ما تكون إلى الابتداع وهي القنوت في فجر كل جمعة! فما حكم الصلاة خلفه ولو كانت نافلة كقيام ليل رمضان؟ مع العلم بوجود مساجد كثيرة - ولله الحمد - لكن أئمتها صوتهم عادي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: اختلف العلماء في حكم القنوت في صلاة الفجر كل يوم، فذهب بعضهم إلى أنه سنة، وذهب آخرون إلى أنه بدعة مكروهة. وهذا القول الثاني هو الصحيح، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (20031) . وبهذا يظهر أن ما يفعله هذا الإمام شيء محدَث لا أصل له. فينبغي نصحه بأن يعيد النظر فيما يفعله، وأن عليه أن يأخذ بأحد القولين السابقين: إما القنوت في الفجر كل يوم، وإما ترك القنوت، حسب ما يظهر له من الأدلة. ثانياً: أما صلاة التراويح خلفه، فلا مانع من ذلك، لأن قنوته في الفجر لا علاقة له بصلاة التراويح، ثم إن الذي يظهر أنه يقنت في فجر الجمعة متأولاً، ظناً منه أن في هذا فضيلة خاصة. وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: ما حكم تتبع المساجد طلبا لحسن صوت الإمام؛ لما ينتج عن ذلك من الخشوع، وحضور القلب؟ . فأجاب: "الأظهر - والله أعلم -: أنه لا حرج في ذلك، إذا كان المقصود أن يستعين بذلك على الخشوع في صلاته، ويرتاح في صلاته، ويطمئن قلبه؛ لأنه ما كل صوت يريح، فإذا كان قصده من الذهاب إلى صوت فلان، أو فلان: الرغبة في الخير، وكمال الخشوع في صلاته: فلا حرج في ذلك، بل قد يُشكر على هذا، ويؤجر على حسب نيته، والإنسان قد يخشع خلف إمام، ولا يخشع خلف إمام؛ بسبب الفرق بين القراءتين، والصلاتين، فإذا كان قَصَدَ بذهابه إلى المسجد البعيد أن يستمع لقراءته لحسن صوته، وليستفيد من ذلك، وليخشع في صلاته، لا لمجرد الهوى، والتجول، بل لقصد الفائدة، والعلم، وقصد الخشوع في الصلاة: فلا حرج في ذلك، وقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (أعظم الناس أجرا في الصلاة أبعدهم فأبعدهم ممشى) فإذا كان قصده أيضا زيادة الخطوات: فهذا أيضا مقصد صالح" انتهى. " فتاوى الشيخ ابن باز " (11 / 328، 329) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 122701 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1595 إمامة من يعجز عن بعض أركان الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[هل تجوز إمامة من يعجز عن فعل بعض أركان الصلاة أو شروطها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "المشهور من المذهب [يعني: مذهب الإمام أحمد] أن العاجز عن الشرط, أو الركن لا يكون إماماً للقادر. ولكن ليس في هذا دليل يطمئن إليه القلب, والراجح عندي: أنه يجوز, وأن من صحت صلاته صحت إمامته. إلا أن يقوم نص, أو إجماع خلاف ذلك, فيؤخذ بما يقتضيه النص, أو الإجماع, وقد ثبت عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال عن الإمام: (إذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون) والمصلي قاعداً عاجز عن القيام، وهو ركن في الفريضة" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (15/150) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121626 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1596 إمامة الأعرج الأكثر حفظاً [السُّؤَالُ] ـ[إذا وجد رجل أحسن من غيره للإمامة، ولكنه أعرج لا يستطيع أن يثني رجليه، فهل يقدم على غيره في الإمامة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الرجل الذي تذكر أنه أحسن من غيره للإمامة، وإنما هو أعرج لا يستطيع أن يثني رجليه بالسجود ولا بالقعود، فلا يضر ذلك، بل هو أولى من غيره بالإمامة إذا كان أحسن من غيره وأقرأ، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم، (يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ) . والنقص الذي فيه لا يخل بإمامته، لأنه لم يترك واجباً عليه في صلاته" انتهى. فضيلة الشيخ السعدي رحمه الله. "الفتاوى السعدية" (ص167) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121552 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1597 حكم الفتح على الإمام، ومتى يفتح؟ [السُّؤَالُ] ـ[متى يفتح على الإمام؟ وهل يرد عليه إن غير في الحركات كأن رفع المنصوب أو نصب المرفوع؟ وماذا يفعل المأموم إذا علم أن الإمام سوف يرتبك إذا رد عليه؟ وهل يرد عليه إذا زاد أو نقص شيئاً قليلاً كزيادة الواو أو ما شابهه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا أخطأ الإمام في القراءة على وجه يخل بالمعنى فالواجب أن يرد عليه سواء في الفاتحة أو غيرها, وإذا كان لا يخل بالمعنى فإن الأفضل أن يرد عليه, ولا يجب" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (15/180) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121302 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1598 ماذا يفعل المأموم إذا قرأ آية فيها سجدة؟ [السُّؤَالُ] ـ[ماذا أفعل إذا قرأت سورة فيها سجدة، وأنا أصلي خلف الإمام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " لا تسجد؛ لأن متابعة الإمام واجبة، وسجود التلاوة سنة، وفي حال كون الإنسان مأموماً لا يجوز له أن يسجد، فإن سجد متعمداً مع علمه بأن ذلك لا يجوز بطلت صلاته " انتهى. الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. "فتاوى إسلامية" (1/290) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120670 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1599 حكم سبق المأموم لإمامه في التأمين [السُّؤَالُ] ـ[الفضل الذي ورد في الحديث لمن وافق إمامه في التأمين حتى يوافق تأمين الملائكة، هل مَنْ سبق إمامه يدخل في هذا الفضل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " من سبق إمامه في هذا فإنه لا يدخل في هذا الفضل؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال: (فمن وافق) لكن لو فرض أن الإمام تأخر فحينئذٍ لا حرج على المأموم أن يؤمن " انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. "لقاءات الباب المفتوح" (1/162) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120669 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1600 ماذا يفعل من شق عليه تطويل الإمام في السجود أو غيره؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان يشق عليَّ تطويل الإمام في السجود، فماذا أفعل؟ هل أسجد مع الإمام ثم أرفع قبله؟ أم أتأخر عنه في السجود؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " إذا كان لا يستطيع السجود، من حين يكبر الإمام حتى يرفع، فإنه يسجد مع الإمام، فإن شق عليه السجود، فيرفع قدر ما يقدر قربه من الأرض، ولا يكون هذا مفارقاً إمامه، فإن كان لا يقدر السجود على الأرض، فيسجد قدر ما يستطيع من الأرض" انتهى. سماحة الشيخ محمد بن ابراهيم رحمه الله. "الدرر السنية" (4/421) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118860 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1601 هل يؤمن المصلي في السرية؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا انتهى الإنسان من الفاتحة في الصلاة السرية هل يؤمن أم لا؟ وهل يجهر بالتأمين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا انتهى من الفاتحة يقول: آمين في الصلاة السرية والجهرية، لكن لا يجهر بها في الصلاة السرية، ويجهر بها في الصلاة الجهرية" انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. "لقاءات الباب المفتوح" (3/488) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118853 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1602 حكم الصلاة خلف الشيعي [السُّؤَالُ] ـ[هل لنا أن نصلي خلف الشيعي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ينبغي أن يُعرف عقيدة الشيعة حتى يُعرف حكم الصلاة خلفه. ولمعرفة عقيدتهم يراجع للأهمية جواب سؤال رقم (4569) . أما الصلاة خلف من هذا حاله فقال الشيخ ابن باز رحمه الله: لا تجوز الصلاة خلف جميع المشركين، ومنهم من يستغيث بغير الله ويطلب منه المدد، لأن الاستغاثة بغير الله من الأموات والأصنام والجن وغير ذلك من الشرك بالله سبحانه.. فتاوى الشيخ ابن باز ج/2 ص/396 وقال: كل إمام عُلم أنه يغلو في آل البيت فإنه لا يُصلى خلفه، ومن لم يُعرف بذلك أو غيرهم من المسلمين فإنه يصلى خلفه. فتاوى الشيخ ابن باز م/12 ص/107 [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 20093 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1603 حكم الإمامة للمصلين والرأس مكشوف [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للإمام أن يصلي بالناس ورأسه مكشوف؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم يجوز أن يصلي مكشوف الرأس، إلا أن الأحسن أن يغطيه، لأنه أكمل في المروءة، وأن يستر عاتقيه على مذهب الإمام أحمد لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء) رواه البخاري 1/498 ومسلم رقم 516، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد الله بن حميد ص 77 الحديث: 8890 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1604 يمتنع عن الإمامة وتعليم القرآن لأنه يقع في بعض المعاصي [السُّؤَالُ] ـ[في قريتنا 5 مساجد والسادس قيد الإنشاء ولا يوجد فيها كلها إمام فبعضها فيه مؤذن والباقي ليس فيها وفي يوم الجمعة يأتينا خطيب قد لا يتقن الفاتحة وهو مخصص من وزارة الأوقاف. وفي غير الجمعة يصلي بنا المؤذن ويقرأ الفاتحة جيدا وباقي السور يغير في بعض الحركات والأحكام والحروف أحيانا.وعندنا شاب يتقن القراءة حتى إنه يعلم القرآن أحيانا ويحاول حفظه ويطلب العلم أحيانا لكنه يرتكب المعاصي كالنظر إلى النساء وغيرها ويترك أحيانا قراءة القرآن ومطالعة كتب العلم والأحاديث ولا يقبل بأن يؤم الناس وأن يعلم القرآن بسبب ارتكابه للمعاصي ولأنه أعزب ولأن أخته تدير البلدية (في بلادنا يقل من يغطي وجهه من النساء ويكثر الاختلاط بين الأقارب) وهو كما يقول يشك في الإخلاص حتى إنه ترك الزواج لأن أقاربه يجلسون ونساءهم مع بعض دون تغطية الوجوه ويخاف أن لا يستطيع منع زوجته من الجلوس معهم.ما الحل جزاكم الله خيرا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: ينبغي أن يقدم للإمامة الأقرأ لكتاب الله، العالم بالسنة المطبق لها؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا) رواه مسلم (673) ، وقوله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا كَانُوا ثَلاثَةً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَحَدُهُمْ وَأَحَقُّهُمْ بِالإِمَامَةِ أَقْرَؤُهُمْ) رواه مسلم (672) . فإن لم يوجد، فيقدم الأمثل فالأمثل. ثانيا: من كان يخطئ في قراءة الفاتحة بإسقاط بعض الحروف، أو تغيير معنى الآيات: فصلاته باطلة؛ لأن الفاتحة ركن من أركان الصلاة، ويجب عليه أن يصحح قراءته، وأن يتعلم قراءة الفاتحة على الصواب؛ إلا أن يعجز عن تعلم ذلك، بعد اجتهاده فيه، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها. لكنه إن كان إماماً فلا يصلي وراءه إلا من كان مثله أو دونه في إقامة الفاتحة. وينظر جواب السؤال رقم (70270) . ثالثا: ينبغي نصح هذا الشاب المتقن لقراءة القرآن بتقوى الله تعالى، والبعد عن المعاصي، والإقبال على نفع الناس تعليما وإقراء، ولا يضره كون أخته تكشف وجهها أو تعمل عملا مختلطا، فإنه لا تزر وازرة وزر أخرى. وليعلم أن الوقوع في المعاصي لا يمنع من الإمامة، ومن سائر أبواب الخير الأخرى، وأن الشيطان قد يصرف الإنسان عن الخير بهذه الحجة وهي وقوعه في المعاصي. فعليه أن يبادر بفعل الخير، وأن يجتنب الشر ما أمكن، وليعقد العزم على ذلك، وليخلص نيته لله تعالى، ولا يلتفت لوسوسة الشيطان، وإن كان قادرا على الزواج فليتزوج، وليختر من النساء: المستقيمةَ الصالحةَ الحريصةَ على الحجاب والعفة، وسيجدها بإذن الله. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 113142 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1605 أيهما أفضل الإمامة أم الأذان؟ [السُّؤَالُ] ـ[أيها أفضل: الإمامة في الصلاة أم الأذان والإقامة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف أهل العلم في المفاضلة بين الإمامة والأذان، فاختار بعضهم تفضيل الإمامة لأنها مقام النبي صلى الله عليه وسلم، واختار بعضهم تفضيل الأذان لأن الأحاديث الواردة في فضله أعظم. جاء في "الموسوعة الفقهية" (32/157-158) : " اختلف الفقهاء في أنه هل الأذان أفضل أم الإمامة؟ فذهب الحنفية في المعتمد وهو المشهور عند المالكية , وهو قول عند بعض أصحاب الشافعي , ورواية عند أحمد , إلى أن الإمامة أفضل من الأذان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم تولاها بنفسه , وكذلك خلفاؤه الراشدون , ولم يتولوا الأذان , وهم لا يختارون إلا الأفضل , ولأن الإمامة يختار لها من هو أكمل حالا وأفضل. وذهب الشافعية والحنابلة في الراجح عندهما , وهو قول عند الحنفية والمالكية إلى أن الأذان أفضل من الإمامة , لقوله تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِل صَالِحًا) فصلت/33، قالت عائشة رضي الله عنها: نزلت في المؤذنين. ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا) أخرجه البخاري ومسلم. وقوله صلى الله عليه وسلم: (المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة) أخرجه مسلم. ولقوله صلى الله عليه وسلم: (الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن , اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين) أخرجه الترمذي. والأمانة أعلى وأحسن من الضمان , والمغفرة أعلى من الإرشاد , قالوا: كون النبي صلى الله عليه وسلم لم يقم بمهمة الأذان ولا خلفاؤه الراشدون يعود السبب فيه لضيق وقتهم عنه , لانشغالهم بمصالح المسلمين التي لا يقوم بها غيرهم , فلم يتفرغوا للأذان , ومراعاة أوقاته , قال الموَّاق: إنما ترك النبي صلى الله عليه وسلم الأذان لأنه لو قال حي على الصلاة , ولم يعجلوا لحقتهم العقوبة , لقوله تعالى: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) النور/63 وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لولا الخلافة لأذَّنتُ. وفي قول عند الحنفية والشافعية والمالكية أنهما سواء في الفضل. وفي قول آخر عند كل من المالكية والشافعية أنه إن علم من نفسه القيام بحقوق الإمامة وجميع خصالها فهي أفضل , وإلا فالأذان أفضل " انتهى. انظر: "حاشية ابن عابدين" (1/260، 370) ، "مواهب الجليل" (1/422) ، "المجموع" للنووي (3/78) ، "كشاف القناع" (1/231) ، "المغني" لابن قدامة (1/403) وقد رجح بعض مشايخنا المعاصرين القول بتفضيل الأذان على الإمامة. فقد سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: أيهما أفضل الأذان أم الإمامة؟ فأجاب: "هذه المسألة محل خلاف بين أهل العلم، والصحيح أن الأذان أفضل من الإمامة، لورود الأحاديث الدالة على فضله، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا) . وكقوله صلى الله عليه وسلم: (المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة) . فإن قال قائل: الإمامة ربطت بأوصاف شرعية مثل: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) ، ومعلوم أن الأقرأ أفضل، فقرنها بأقرأ يدل على أفضليتها. فالجواب: أننا لا نقول لا أفضلية في الإمامة، بل الإمامة ولاية شرعية ذات فضل، ولكننا نقول: إن الأذان أفضل من الإمامة لما فيه من إعلان ذكر الله تعالى، وتنبيه الناس على سبيل العموم، ولأن الأذان أشق من الإمامة، وإنما لم يؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون؛ لأنهم اشتغلوا بأهم من المهم، لأن الإمام يتعلق به جميع الناس فلو تفرغ لمراقبة الوقت لانشغل عن مهمات المسلمين" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (12/سؤال رقم/78) . ولكننا ننبه إلى أن الواجب دائما هو إخلاص العمل وإتقانه، فهو الميزان الحقيقي للمفاضلة، فرُبَّ عملٍ مفضول يرتفع به صاحبه عند الله تعالى درجات في الجنة، ورب عمل فاضل يذهب هباء على صاحبه بسبب ريائه وعدم إخلاصه لله. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112669 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1606 إذا كان الإمام يقنت في الفجر سرا فهل يقنت أم يسكت [السُّؤَالُ] ـ[الإمام الذي يصلى بنا الفجر في الركعة الثانية بعد قراءة الفاتحة وسورة يصمت دقائق، فهل هناك شيء وارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا؟ وهل يجوز أن أدعو فيها؟ لأنه يفعل هذا في كل صلاة، أم أبقى صامتاً في هذا الوقت؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما يفعله الإمام قبل الركوع من الركعة الثانية هو القنوت، وإسراره به جار على مذهب المالكية، فقد استحبوا أن يكون القنوت في الصبح سرا، وهو أحد الوجهين عند الشافعية. وأصل القنوت في الفجر محل خلاف بين العلماء، فمنهم من رأى مشروعيته كالمالكية والشافعية، ومنهم من لم ير ذلك كالحنفية والحنابلة. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/449) : " ولا يسن القنوت في الصبح , ولا غيرها من الصلوات , سوى الوتر. وبهذا قال الثوري , وأبو حنيفة. وروي عن ابن عباس , وابن عمر , وابن مسعود , وأبي الدرداء. وقال مالك , وابن أبي ليلى , والحسن بن صالح , والشافعي: يسن القنوت في صلاة الصبح , في جميع الزمان ; لأن أنسا قال: {ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا} . رواه الإمام أحمد , في " المسند " , وكان عمر يقنت في الصبح بمحضر من الصحابة وغيرهم. ولنا ما روي , {أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهرا , يدعو على حي من أحياء العرب , ثم تركه} . رواه مسلم. وروى أبو هريرة , وأبو مسعود , عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك. وعن {أبي مالك قال: قلت لأبي: يا أبت , إنك قد صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر , وعمر , وعثمان , وعلي هاهنا بالكوفة نحوا من خمس سنين , أكانوا يقنتون؟ قال: أي بني محدث} . قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم. وقال إبراهيم النخعي: أول من قنت في صلاة الغداة علي , وذلك أنه كان رجلا محاربا يدعو على أعدائه. وروى سعيد في " سننه " عن هشيم , عن عروة الهمذاني , عن الشعبي قال: لما قنت علي في صلاة الصبح , أنكر ذلك الناس. فقال علي: إنما استنصرنا على عدونا هذا. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: {إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يقنت في صلاة الفجر , إلا إذا دعا لقوم , أو دعا على قوم} . رواه سعيد , وحديث أنس يحتمل أنه أراد طول القيام , فإنه يسمى قنوتا. وقنوت عمر يحتمل أنه كان في أوقات النوازل ; فإن أكثر الروايات عنه أنه لم يكن يقنت , وروى ذلك عنه جماعة , فدل على أن قنوته كان في وقت نازلة " انتهى. وينظر: الموسوعة الفقهية (34/58) . ومع أن الراجح عدم القنوت في الفجر إلا في النوازل؛ لكن لا حرج في الصلاة خلف من يقنت فيه، والتأمين على دعائه. والشافعية يقولون بجواز الائتمام في صلاة الظهر والعصر بمن يصلي الصبح والمغرب، قالوا: " ولا تضر متابعة الإمام في القنوت في الصبح، والجلوس الأخير في المغرب، كالمسبوق، وله فراقه..، والمتابعة أفضل من مفارقته، كما في المجموع. فإن قيل: كيف يجوز للمأموم متابعة الإمام في القنوت، مع أنه ليس مشروعا للمأموم..؟ أجيب بأن ذلك اغتفر لأجل متابعة الإمام ... ) مغني المحتاج، للشربيني (1/254) . وقال شيخ الإسلام رحمه الله: " إذا اقتدى المأموم بمن يقنت في الفجر أو الوتر قنت معه، سواء قنت قبل الركوع أو بعده , وإن كان لا يقنت لم يقنت معه. ولو كان الإمام يرى استحباب شيء والمأمومون لا يستحبونه فتركه لأجل الاتفاق والائتلاف كان قد أحسن " انتهى. مجموع الفتاوى (22/268) . وينظر: سؤال رقم (20031) و (5459) و (59925) . ولا فرق فيما ذكرناه من متابعة الإمام بين أن يجهر الإمام بالقنوت أو يسر،؛ فإذا جهر الإمام أمَّن المأموم على دعائه، وإن كان يسر بدعائه، كما ورد في السؤال، فإن المأموم يقنت في نفسه، حتى يفرغ إمامه. وقد ذكر ابن مفلح في "الفروع" (1/542) رواية عن الإمام أحمد أنه إن لم يسمع الإمام: دعا، وهذا وإن كان في قنوت الوتر، فقد نص على أن المؤتم بمن يقنت في الصبح، فيه روايتان: إحداهما السكوت، والأخرى: متابعته كالوتر، وذكر المرداوي في تصحيحه: أن الصحيح أنه يتابعه: فيؤمن ويدعو اهـ ولذلك صرح الشيخ ابن قاسم رحمه الله في حاشية الروض بالمتابعة هنا، فإنه علق على قول الروض (ومن ائتم بقانت في فجر: تابع الإمام وأمن..) ، بقوله (2/199) : " أي: تابع الإمام في دعائه، لحديث " إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه "، ونحوه، وأمن المأموم على دعاء إمامه إن سمع القنوت، وإن لم يسمع دعا " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112016 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1607 هل يجوز أن يكون المؤذن هو الإمام؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمؤذن بعد أن يقيم الصلاة أن يكون إماماً للمصلين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "نعم؛ يجوز أن يتولى الأذان والإمامة واحد، فإذا كان المؤذن أقرأ من غيره صلى بمن حضره إماماً، وكذا إذا غاب الإمام الراتب وأنابه، كما يجوز أن يتعين بوظيفة الإمام الراتب" انتهى. فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين. "فتاوى إسلامية" (1/252) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112072 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1608 إمامة الصبي للمرأة وإمامة المرأة للصبي [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لابني البالغ من العمر 7 سنين أن يكون إماماً لي في الصلاة؟ وهل يجوز أن أؤمه في الصلاة لأني والدته؟ ملاحظة: لقد تعلم الصلاة عن طريق محاكاتي ومتابعتي وأنا أصلي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تصح إمامة الصبي الذي يعقل الصلاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) رواه مسلم (المساجد ومواضع الصلاة /1078) ولما ثبت في صحيح البخاري عن عمرو بن سلمة الجرمي قال: قدم أبي من عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إذا حضرت الصلاة فليؤمكم أكثركم قرآنا , قال فنظروا فلم يجدوا أحداً أكثر مني قرآنا فقدموني وأنا ابن ست أو سبع سنين) (المغازي/3963) ، انظر: فتاوى اللجنة الدائمة (7/389-390) ووجه الدلالة من الحديث: (أن هؤلاء الصحابة قدموا عمرو بن سلمة وكان عمره ست سنين، أو سبع سنين) , فدل على جواز إمامة الصبي المميز إذ لو كان غير جائز لنزل الوحي بإنكار ذلك. (أحكام الإمامة والائتمام في الصلاة لعبد المحسن المنيف) . فإذا كان ابنك يقوم بشروط الصلاة وأركانها وواجباتها فلا بأس أن يؤمّك. أما إمامة المرأة للصبي فلا تجوز لأنه في حكم الرجل، وإنما الجائز أن تؤم المرأة النساء لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أمَّ ورقة بنت عبد الله بن نوفل أن تؤُمَّ أهل دارها يعني النساء " رواه أبو داود (الصلاة / إمامة النساء/500) وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود 553. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 9933 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1609 حكم الصلاة خلف المنفرد [السُّؤَالُ] ـ[إذا دخل المسلم في الصلاة منفرداً، وجاء شخص آخر، هل يصح أن يدخل هذا الشخص معه في صلاته؟ أم يبعده لأنه صلى منفرداً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا بأس بذلك في أصح قولي العلماء، وإن كان في المسألة خلاف، لكن الصواب جوازه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قام يصلي في الليل منفرداً، فجاء ابن عباس فصلى معه، ففي هذه الحالة صار الرسول صلى الله عليه وسلم إماماً وابن عباس مأموماً، فالرسول صلى الله عليه وسلم انتقل من نية الانفراد إلى نية الإمامة، فدلّ ذلك على جوازه، وهذا الأمر في النفل وفي الفريضة سواء، إلا ما دلَّ الدليل على تخصيصه، وهذا القول أصح من القول الآخر، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وأيضاً فهو رواية عن الإمام أحمد وهو الراجح إن شاء الله. [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الإمام عبد الله بن حميد ص 93. الحديث: 9182 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1610 من أين يحسب الصف الأول إذا صلى قوم بجوار الإمام؟ [السُّؤَالُ] ـ[لدينا مصلى في مدرستنا ولكنه لا يكفي لجميع الطلاب، ويقف بعض الطلاب في صف موازٍ للإمام، فهل الصف الموازي للإمام هو الصف الأول مع أنه يحدث كل يوم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " الصف الأول هو الذي خلف الإمام، فأول صف يلي الإمام هو الصف الأول، والذين يصفون عن يمينه وشماله لا يكون لهم ثواب الصف الأول؛ لأن هذا الموقف – يعني: موقف المأموم عن اليمين وعن الشمال - هو من الأمور الجائزة وليس من الأمور المستحبة، فموقف المأموم وراء الإمام هو السنة بلا شك، فإذا اضطروا إلى أن يقف أحد عن يمينه أو شماله فلهم أن يقفوا، ولكن لا يعد ذلك الصف الأول. السائل: مع أن هذا يحدث كل يوم طيلة السنة؟ الشيخ: لا يوجد مانع على كل حال، الأمر جائز ولله الحمد، ووقوف هؤلاء عن يمينه وشماله خير من كونهم ينتظرون حتى تفرغ الطائفة الأولى" انتهى. الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. "لقاءات الباب المفتوح" (1/571) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 108337 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1611 بدعية التبليغ خلف الإمام بلا حاجة [السُّؤَالُ] ـ[التبليغ خلف الإمام هل هو مستحب أم بدعة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله التبليغ خلف الإمام معناه: أن أحد المأمومين يرفع صوته بالتكبير حتى يسمعه المأمومون، وهذا التبليغ إنما يُفعل ويكون مشروعاً إذا كان صوت الإمام لا يصل إلى جميع المأمومين، إما بسبب مرض الإمام، أو بسبب اتساع المسجد، أو غير ذلك من الأسباب. أما إذا فُعل من غير حاجة إلى ذلك كان بدعة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " التبليغ خلف الإمام لغير حاجة بدعة غير مستحبة باتفاق الأئمة، وإنما يجهر بالتكبير الإمام، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه يفعلون، ولم يكن أحد يبلغ خلف النبي صلى الله عليه وسلم، لكن لما مرض النبي صلى الله عليه وسلم ضعف صوته، فكان أبو بكر رضي الله عنه يسمع بالتكبير، وقد اختلف العلماء: هل تبطل صلاة المبلغ؟ على قولين في مذهب مالك، وأحمد وغيرهما " انتهى. "مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية" (23/403) . وقال أيضا (23/402، 403) : " لا يشرع الجهر بالتكبير خلف الإمام لغير حاجة: باتفاق الأئمة، فإن بلالا لم يكن يبلغ خلف النبي صلى الله عليه وسلم هو ولا غيره، ولم يكن يبلغ خلف الخلفاء الراشدين، لكن لما مرض النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالناس مرة وصوته ضعيف، وكان أبو بكر يصلي إلى جنبه يسمع الناس التكبير، فاستدل العلماء بذلك على أنه يشرع التكبير عند الحاجة: مثل ضعف صوته، فأما بدون ذلك فاتفقوا على أنه مكروه غير مشروع، وتنازعوا في بطلان صلاة من يفعله على قولين، والنزاع في الصحة معروف في مذهب مالك وأحمد وغيرهما. غير أنه مكروه باتفاق المذاهب كلها، والله أعلم " انتهى. وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: " فإذا احتيج إلى التبليغ لسعة المسجد وكثرة الجماعة أو لضعف صوت الإمام لمرض أو غيره، فإنه يقوم بعض الجماعة بالتبليغ، أما إذا كان الصوت واضحا للجميع ولا يخفى على أحد في الأطراف، بل علم أن الجميع يسمعه فليس هناك حاجة للتبليغ ولا يشرع " انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (12/154) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 108279 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1612 دخل المسجد بعد انتهاء الصلاة، فهل يأتم بأحد المسبوقين؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا أدرك مع الإمام بعض الصلاة وقام ليأتي بما فاته، فائتم به آخرون، هل يجوز أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " إذا أدرك مع الإمام بعضاً، وقام يأتي بما فاته، فائتم به آخرون، جاز ذلك في أظهر قولي العلماء " انتهى. "مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية" (23/382) . وسئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله عن: رجل فاتته بعض الركعات مع الإمام، فدخل رجل آخر قد فاتته الصلاة وجعل من هذا الذي يقضي إماما له فهل هذا جائز؟ فأجاب: " الصواب أنه لا حرج في ذلك، حرصا على تحصيل الجماعة " انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (12/149) . وللفائدة ينظر جواب السؤال رقم (21765) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 108284 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1613 حكم الجهر بالاستعاذة في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[رجل يؤم الناس وبعد تكبيرة الإحرام يجهر بالتعوذ، ثم يسمي ويقرأ، ويفعل ذلك في كل صلاة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " إذا فعل ذلك أحيانا للتعليم ونحوه فلا بأس بذلك، كما كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يجهر بدعاء الاستفتاح مدة، وكما كان ابن عمر وأبو هريرة يجهران بالاستعاذة أحيانا، وأما المداومة على الجهر بذلك فبدعة مخالفة لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين، فإنهم لم يكونوا يجهرون بذلك دائما، بل لم ينقل أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جهر بالاستعاذة، والله أعلم " انتهى. "مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية" (22/404) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 108289 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1614 هل يصلي خلف من لا يعيد غسل كفيه مع اليدين في الوضوء؟ [السُّؤَالُ] ـ[بعض الناس يقتصرون في الوضوء على غسل الأيدي من الرسغ إلى المرفق، ولا يغسلونها من الكف، وأحياناً يتقدم بنا رجل ليصلي إماماً وعند شعور قوي أنه لم يغسل يده غسلاً صحيحاً. وأحياناً أكون شاكاً فهل أصلي خلفه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: سبق في جواب السؤال رقم (103694) أن الواجب هو غسل اليد من أطراف الأصابع إلى المرفقين، وأن غسلهما من الرسغ لا يصح به الوضوء، وأن هذا مذهب جمهور العلماء، خلافاً للأحناف فإنهم قالوا بصحة وضوء من فعل ذلك. ثانياً: تصح الصلاة خلف الحنفي الذي يقتصر على غسل الكفين أولاً، ولا يعيد غسلهما مع الذراعين، لأنها مسألة خلافية، والعامي معذور في تقليد من قلده من أهل العلم. وتصح الصلاة خلف من لا تعلم حاله ولا تدري هل يغسل يديه غسلا صحيحا أم لا، ولا ينبغي الشك في عبادة المسلم، بل ينبغي حمله على الأصل وهو السلامة والبراءة. وينبغي أن تبين هذه المسألة لإخوانك بالحكمة والموعظة الحسنة، فإن أصروا على رأيهم، وتمسكوا بالمذهب الحنفي أو بقول من يفتيهم، فدع الجدال معهم، ولا تتحرج من الصلاة خلفهم، فما زال الأئمة يصلون خلف بعضهم البعض مع اختلافهم في الفروع، ولهذا صححوا الصلاة خلف من لا يرى نقض الوضوء بأكل لحم الإبل، أو مس ذكر، ونحوه مما وقع فيه الخلاف. قال ابن قدامة في "المغني" (2/11) : " فأما المخالفون في الفروع كأصحاب أبي حنيفة , ومالك , والشافعي , فالصلاة خلفهم صحيحة غير مكروهة. نص عليه أحمد ; لأن الصحابة والتابعين , ومن بعدهم لم يزل بعضهم يأتم ببعض , مع اختلافهم في الفروع , فكان ذلك إجماعا , ولأن المخالف إما أن يكون مصيبا في اجتهاده , فله أجران: أجر لاجتهاده، وأجر لإصابته , أو مخطئا فله أجر على اجتهاده , ولا إثم عليه في الخطأ , لأنه محطوط عنه. فإن علم أنه يترك ركنا أو شرطا يعتقده المأموم دون الإمام , فظاهر كلام أحمد صحة الائتمام به. قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يُسأل عن رجل صلى بقوم , وعليه جلود الثعالب , فقال: إن كان يلبسه وهو يتأول: (أيما إهاب دبغ فقد طهر) . يصلى خلفه. قيل له: أفتراه أنت جائزا؟ قال: لا , نحن لا نراه جائزا، ولكن إذا كان هو يتأول فلا بأس أن يصلى خلفه " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106431 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1615 حكم الصلاة خلف من يكتب التمائم ولا يحب الملتزمين [السُّؤَالُ] ـ[عندنا إمام يكتب التمائم ولا يصلي الفجر ولا العشاء بنا أي في جماعة مع العلم أن عمره 83سنة ولكنه بصحة جيدة مع الإضافة أنه يكره مقصري الثوب والمربين للحى فهل تجوز الصلاة وراءه؟ إن كان لا فهل يجوز لي أن أصلي منفردا وهو يصلي جماعة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز أن يولى الفاسق إمامة المسلمين في الصلاة، وقد منع الرسول صلى الله عليه وسلم رجلاً أن يصلي بقومه لأنه بصق في اتجاه القبلة، وقال له: (إنك آذيت الله ورسوله) رواه أبو داود (481) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود. لكن إذا كان هذا هو الإمام الراتب، وكان حاله ما ذكرت من كتابة التمائم، فالصلاة خلفه محل تفصيل، جاء بيانه في فتاوى اللجنة الدائمة، حيث سئلت: هل يجوز الصلاة خلف إمام يعقد التمائم للناس؟ فأجابت: " تجوز الصلاة خلف الذي يكتب التمائم من القرآن والأدعية المشروعة، ولا ينبغي له أن يكتبها، لأنه لا يجوز تعليقها، وأما إذا كانت التمائم تشتمل على أمور شركية فلا يصلى خلف الذي يكتبها، ويجب أن يبين له أن هذا شرك" انتهى. انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (3/65) . ثانيا: وأما كونه لا يحضر الجماعة في الفجر والعشاء، أو يحلق لحيته، أو يسبل ثوبه، ويكره من يعفي لحيته ويقصر ثوبه، فهذه ذنوب ومعاصٍ لا تمنع من الصلاة خلفه على الراجح. قال النووي رحمه الله في "المجموع" (4/151) : " صَلاةُ ابْنِ عُمَرَ خَلْفَ الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ ثَابِتَةٌ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ , وَغَيْرُهُ فِي الصَّحِيحِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الصَّلاةِ وَرَاءَ الْفُسَّاقِ وَالأَئِمَّةِ الْجَائِرِينَ. قَالَ أَصْحَابُنَا: الصَّلاةُ وَرَاءَ الْفَاسِقِ صَحِيحَةٌ لَيْسَتْ مُحَرَّمَةً، لَكِنَّهَا مَكْرُوهَةٌ، وَكَذَا تُكْرَهُ وَرَاءَ الْمُبْتَدِعِ الَّذِي لا يَكْفُرُ بِبِدْعَتِهِ، وَتَصِحُّ، فَإِنْ كَفَرَ بِبِدْعَتِهِ فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لا تَصِحُّ الصَّلاةُ وَرَاءَهُ كَسَائِرِ الْكُفَّارِ، وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى كَرَاهَةِ الصَّلاةِ خَلْفَ الْفَاسِقِ وَالْمُبْتَدِعِ، فَإِنْ فَعَلَهَا صَحَّتْ " انتهى. وقال شيخ الإسلام رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (23/375) : "الأَئِمَّة مُتَّفِقُونَ عَلَى كَرَاهَةِ الصَّلاةِ خَلْفَ الْفَاسِقِ لَكِنْ اخْتَلَفُوا فِي صِحَّتِهَا: فَقِيلَ لا تَصِحُّ، كَقَوْلِ مَالِكٍ وَأَحْمَد فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُمَا. وَقِيلَ: بَلْ تَصِحُّ، كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَالرِّوَايَةُ الأُخْرَى عَنْهُمَا، وَلَمْ يَتَنَازَعُوا أَنَّهُ لا يَنْبَغِي تَوْلِيَتُهُ " انتهى. وانظر: " الشرح الممتع " (4/304-308) ، وجواب السؤال رقم (46557) . ثالثاً: لأهل العلم تفصيل فيما يجب فعله مع الإمام الفاسق، جاء في فتاوى اللجنة الدائمة ما يلي: "وعلى هذا؛ إن كان إماما لمسجد ولم ينتصح وجب عزله إن تيسر ذلك ولم تحدث فتنة، وإلا وجب الصلاة وراء غيره من أهل الصلاح على من تيسر له ذلك، زجرا له وإنكارا عليه، إن لم يترتب على ذلك فتنة. وإن لم تتيسر الصلاة وراء غيره شرعت الصلاة وراءه، تحقيقا لمصلحة الجماعة. وإن خيف من الصلاة وراء غيره حدوث فتنة صُلي وراءه درءا للفتنة وارتكابا لأخف الضررين" انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (7/370) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106040 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1616 حكم إمامة من ينطق الضاد ظاء [السُّؤَالُ] ـ[إذا أخطأ الإمام بتغيير حرف الظاء بدل الضاد في سورة الفاتحة في الصلاة في قوله تعالى: (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) فهل علي أن أرده أو أن صلاتي تبطل؟ علماً أني أخبرته بفارق المعنى بين الظالين والضالين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ينبغي للمصلي أن يفرق بين الضاد والظاء ويخرج كلا منهما من مخرجه. لكن. . . إذا أخل به، فصلاته صحيحة على الراجح، للتقارب بين مخرجيهما، ولا يلزمك التصحيح له أثناء الصلاة؛ لأن هذا ليس من باب الخطأ العارض، بل هو راجع إلى اعتياد النطق بذلك. قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (1/143) : " والصحيح من مذاهب العلماء: أنه يغتفر الإخلال بتحرير ما بين الضاد والظاء لقرب مخرجيهما؛ وذلك أن الضاد مخرجها من أول حافة اللسان وما يليها من الأضراس، ومخرج الظاء من طرف اللسان وأطراف الثنايا العليا، ولأن كلا من الحرفين من الحروف المجهورة ومن الحروف الرخوة ومن الحروف المطبقة، فلهذا كله اغتفر استعمال أحدهما مكان الآخر لمن لا يميز ذلك والله أعلم" انتهى. وقال البهوتي في "كشاف القناع" (1/482) : "وحكم من أبدل منها أي الفاتحة حرفا بحرف , كالألثغ الذي يجعل الراء غينا ونحوه , حكم من لحن فيها لحنا يحيل المعنى، فلا يصح أن يؤم من لا يبدله إلا ضاد المغضوب والضالين إذا أبدلها بظاء فتصح إمامته بمن لا يبدلها ظاء ; لأن كلا منهما أي الضاد والظاء من أطراف اللسان , وبين الأسنان، وكذلك مخرج الصوت واحد، قاله الشيخ في شرح العمدة " انتهى بتصرف. وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (4/24) : "أولا: مخرج الضاد من إحدى حافتي اللسان اليمنى أو اليسرى بعد مخرج الياء وقبل مخرج اللام مما يلي الأضراس، وتخرج اللام من أقرب حافة اللسان إلى مقدم الفم، وصوت الضاد بين صوت الدال المفخمة والظاء المعجمة تقريبا. ثانيا: من قدر على أن يجود حرف الضاد حتى يخرجه من مخرجه الصحيح وجب عليه ذلك، ومن عجز عن تقويم لسانه في حرف الضاد أو غيره كان معذورا وصحت صلاته، ولا يصلي إماما إلا بمثله أو من دونه، لكن يغتفر في أمر الضاد والظاء ما لا يغتفر في غيرهما؛ لقرب مخرجهما وصعوبة التمييز بينهما في المنطق، كما نص عليه جمع من أهل العلم، منهم الحافظ ابن كثير في تفسير الفاتحة" انتهى. عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... عبد الرازق عفيفي ... عبد الله بن غديان ... عبد الله بن قعود. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " قوله: (أو يبدل حرفاً) أي: يُبدل حرفاً بحرفٍ، وهو الألثغ ُ، مثل: أنْ يُبدِلَ الرَّاءَ باللام، أي: يجعلَ الرَّاءَ لاماً فيقول: (الحمدُ لله لَبِّ العالمين) فهذا أُمِّيٌّ؛ لأنه أبدلَ حرفاً مِن الفاتحة بغيرِه. ويُستثنى مِن هذه المسألةِ: إبدالُ الضَّادِ ظاءً، فإنَّه معفوٌّ عنه على القولِ الرَّاجحِ، وهو المذهبُ، وذلك لخَفَاءِ الفَرْقِ بينهما، ولا سيَّما إذا كان عاميَّاً، فإنَّ العاميَّ لا يكادُ يُفرِّقُ بين الضَّادِ والظَّاءِ، فإذا قال: (غير المغظوب عليهم ولا الظالين) فقد أبدلَ الضَّادَ وجعلها ظاءً، فهذا يُعفى عنه لمشقَّةِ التَّحرُّز منه، وعُسْرِ الفَرْقِ بينهما، لا سيَّما مِن العوامِ" انتهى. من "الشرح الممتع" (4/246) . فتبين بهذا العفو عن الإخلال بتحرير ما بين الضاد والظاء، وصحة صلاة وإمامة من يفعل ذلك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 104659 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1617 الصلاة خلف من يكتب التمائم [السُّؤَالُ] ـ[هل تجوز الصلاة خلف إمام يكتب التمائم التي يعتقد بعض الناس أنها تنجي من السحر والعين؟ إذا كانت لا تجوز فما العمل؟ مع العلم أننا نسكن في قرية لا تحتوي إلا على مسجد واحد، الذي يؤمه هذا الإمام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا يجوز تعليق التمائم ولو كانت من القرآن الكريم؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَلَا أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدَعَةً فَلَا وَدَعَ اللَّهُ لَهُ) رواه أحمد (17440) وحسنه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند. وقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ) رواه أحمد والحاكم، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم 6394 والتمائم إذا كانت من القرآن، فهي مما اختلف فيه العلماء، والراجح المنع؛ لعموم الأدلة، وسدا للذريعة، ولما في ذلك من الامتهان غالبا، إذا هذه التميمة ينام بها صاحبها، ويدخل بها الخلاء، ونحو ذلك. جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/212) : " اتفق العلماء على تحريم لبس التمائم إذا كانت من غير القرآن، واختلفوا إذا كانت من القرآن، فمنهم من أجاز لبسها ومنهم من منعها، والقول بالنهي أرجح لعموم الأحاديث ولسدِّ الذريعة " انتهى. وينظر: سؤال رقم (10543) ورقم (20349) . ثانيا: إذا كانت التمائم التي يكتبها هذا الإمام مشتملة على أمور شركية، كسؤال غير الله تعالى من الجن أو الملائكة أو الصالحين، أو كان هذا الإمام ممن يمارس هذا النوع من الشرك، أو يدعي علم الغيب، فلا تجوز الصلاة خلفه، وأما إن خلت من الشرك، وكان هو من أهل التوحيد، فالصلاة خلفه صحيحة، ويجب نصحه بكل حال؛ لأن التمائم محرمة بجميع أنواعها كما سبق. سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن الصلاة خلف من يكتب التمائم للناس فأجابت: " تجوز الصلاة خلف الذي يكتب التمائم من القرآن والأدعية المشروعة، ولا ينبغي له أن يكتبها لأنه لا يجوز تعليقها، وأما إذا كانت التمائم تشتمل على أمور شركية، فلا يصلى خلف الذي يكتبها، ويجب أن يبين له أن هذا شرك، والذي يجب عليه البيان هو الذي يعلمها " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (3/65) . وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله عن الصلاة خلف من يكتب التمائم، فأجاب: " وأما ما ذكرتم من كتابته التمائم فالتمائم فيها تفصيل: فإن كانت هذه التمائم فيها ألفاظ شركية ودعاء لغير الله عز وجل وأسماء مجهولة فهذه لا تجوز كتابتها ولا استعمالها بإجماع أهل العلم، لأنها شرك، وهذا لا يصلى خلفه، أما إذا كانت هذه التمائم مكتوبة من القرآن الكريم ومن الأدعية المباحة والأدعية الواردة، فهذه محل خلاف بين أهل العلم، منهم من أجازها ومنهم من منعها والمنع أحوط؛ لأنه في فتح الباب لكتابتها وتعليقها وسيلة إلى التمائم المحرمة، ولأنه في كتابة القرآن الكريم على صفة تمائم وحروز في ذلك تعريض لإهانته ودخول المواضع التي لا يجوز دخوله بها، لكن لا بأس بالصلاة خلف من يكتبها. فالحاصل أن كتابة التمائم إن كانت بألفاظ شركية أو بأسماء مجهولة أو بدعاء لغير الله أو استنجاد بالشياطين والمخلوقين والجن، فهذه ألفاظ شركية وكاتبها والذي يستعملها ويعلم ما فيها يكون مشركًا، أما إذا كانت من القرآن الكريم فالأحوط تجنبها وتركها وعدم استعمالها " انتهى من "المنتقى من فتاوى الفوزان". وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: " هل تجوز الصلاة خلف إمام مشعوذ ودجال، علما بأن منهم من يجيد قراءة القرآن؟ وجهونا جزاكم الله خيرا. فأجاب: إذا كان الإمام مشعوذا يدعي علم الغيب أو يقوم بخرافات ومنكرات، فلا يجوز أن يتخذ إماما ولا يصلى خلفه؛ لأن من ادعى علم الغيب فهو كافر نسأل الله العافية , يقول جل وعلا: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) [النمل/65] وهكذا من يتعاطى السحر حكمه حكم الكفار لقول الله تعالى: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ) الآية من سورة البقرة/102. أما إذا كان عنده شيء من المعاصي وليس عنده شيء من أعمال الكفر كالسحر ودعوى علم الغيب ولكن عنده شيء من المعاصي فالصلاة خلفه صحيحة، والأفضل التماس غيره من أهل العدالة والاستقامة احتياطا للدين وخروجا من خلاف العلماء القائلين بعدم جواز الصلاة خلفه. أما العصاة فلا ينبغي أن يتخذوا أئمة، لكن متى وُجدوا أئمة صحت الصلاة خلفهم لأنهم قد يبتلى بهم الناس وقد تدعو الحاجة للصلاة خلفهم. أما من يدعو غير الله أو يستنجد بالموتى ويستغيث بهم ويطلبهم المدد فهذا لا يصلى خلفه؛ لأنه يكون بهذا الأمر من جملة الكفار لأن هذا هو عمل المشركين الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم في مكة وغيرها. ونسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين وأن يمنحهم الفقه في الدين وأن يولي عليهم خيارهم إنه سميع قريب " انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (9/278) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 104111 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1618 هل تصلي خلف زوجها الحليق والمسبل [السُّؤَالُ] ـ[هل الأفضل أن تصلي المرأة وحدها أو وراء زوجها الحليق والمسبل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين فأجاب حفظه الله: نرى أن الأفضل لها أن تصلي وحدها والأصل منع الفاسق أن يكون إماما وتكره الصلاة خلفه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد الله بن جبرين الحديث: 9634 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1619 قراءة الفاتحة وراء من يسرع في صلاته [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان الإمام يقرأ ويصلى بسرعة، وبعض المأمومين لا يستطيعون قراءة الفاتحة، فهل لهم أن يتأخروا عن الإمام؛ حتى يتسنى لهم قراءة الفاتحة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: قراءة الفاتحة ركن من أركان الصلاة في حق الإمام والمأموم والمنفرد، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (10995) . والفاتحة لا تسقط عن المأموم، إلا في موضعين: الأول: إذا أدرك المأموم الإمام راكعا، فإنه يركع معه، وتحسب له الركعة وإن لم يكن قرأ الفاتحة. الثاني: إذا دخل مع الإمام في الصلاة قبيل الركوع ولم يتمكن من إتمام الفاتحة، فإنه يركع معه ولا يتم الفاتحة، وتحسب له هذه الركعة. وللفائدة راجع جواب السؤال رقم (74999) . ثانياً: لا يجوز للإمام أن يسرع في الصلاة بحيث لا يتمكن المأمومون من الإتيان بأركان الصلاة وواجباتها، والواجب نصح هذا الإمام أن يتمهل في قراءته بحيث يتمكن من خلفه من المصلين من إتمام صلاتهم. فإن لم يستجب الإمام للنصح واستمر في هذا الإسراع الذي يُخل بالصلاة، وعلم المأموم أنه لن يتمكن من إتمام الأركان، وجب على المأموم مفارقة الإمام ويكمل منفرداً. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "من دخل مع الإمام في أول الصلاة وعرف من الإمام أنه لا يتأنى في صلاته، وأنه لا يمكنه متابعة الإمام، إلا بالإخلال بأركان الصلاة ففي هذه الحال يجب عليه أن يفارق الإمام، وأن يكمل الصلاة وحده؛ لأن المتابعة هنا متعذرة إلا بترك الأركان، وترك الأركان مبطل للصلاة" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثمين" (13/117) . أما إذا كان تأخر المأموم بسبب إسراع الإمام القراءة في ركعة من الصلاة، أو تأخَّر المأموم في القراءة، فإنه لا يركع حتى يتم الفاتحة ولو رفع الإمام من الركوع، ثم يتابع الإمام فيما بعد ذلك. فقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما الحكم في رجل صلى مع جماعة صلاة رباعية من أول الصلاة فلما سلم الإمام قام هذا الرجل وأتى بركعة خامسة فلما سأله الإمام قال: إنني في الركعة الثالثة لم أتمكن من قراءة الفاتحة فأتيت بهذه الركعة بدلاً عنها؟ "هذا صحيح، وخير من ذلك أنه لما قام وركع الإمام قبل أن يكمل قراءة الفاتحة أن يكمل الفاتحة ويتابع الإمام ولو رفع الإمام من الركوع" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثمين" (13/134) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103750 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1620 أخطأ الإمام في النية فقطع الصلاة وكبر للإحرام ولا يعلم المأمومون بحاله [السُّؤَالُ] ـ[كنت أصلي إماما بالناس صلاة الظهر، ولكني عند تكبيرة الإحرام نويت صلاة العصر سهوا مني، وبعد أن كبرت تكبيرة الإحرام تذكرت أني سأصلي الظهر وليس العصر، ولكن كان من يصلي خلفي كبروا تكبيرة الإحرام وكان عددهم كبيرا، فتحيرت فيما أفعل، فنويت قطع الصلاة في نفسي، ثم كبرت للإحرام مرة أخرى بنية صلاة الظهر إماما بالمصلين، وأكملت الصلاة بالمأمومين، فما حكم صلاتي، وما حكم صلاة المأمومين خلفي؟ وماذا يجب على الإمام إذا حدث له موقف كهذا فالسهو لا يسلم منه أحد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صلاتك صحيحة، وصلاة المأمومين كذلك؛ لعدم علمهم بحال إمامهم، واعتقادهم صحة صلاته، كمن صلى خلف إمام تبين أنه محدث. ولا يضر كونك قطعت صلاتك ثم عدت إماما لهم، فإنه إذا بطلت صلاة الإمام، جاز للمأمومين أن يتموا صلاتهم فرادى، أو أن يقدموا من يصلي بهم. كما يجوز للإمام الراتب إذا تأخر عن الصلاة حتى قَدَّم الناس من يصلي بهم أن يتقدم ليؤم الناس ويتأخر الإمام الذي كان بدأ بهم الصلاة ويصير مأموماً، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين صلى أبو بكر بالناس، فقد روى البخاري (368) ومسلم (418) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: (أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ فِي مَرَضِهِ فَكَانَ يُصَلِّي بِهِمْ. قَالَ عُرْوَةُ: فَوَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفْسِهِ خِفَّةً، فَخَرَجَ فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ يَؤُمُّ النَّاسَ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ اسْتَأْخَرَ فَأَشَارَ إِلَيْهِ أَنْ كَمَا أَنْتَ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِذَاءَ أَبِي بَكْرٍ إِلَى جَنْبِهِ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ) . وإذا علم الإمام أنه لم ينو الصلاة المفروضة، فإنه يقطع صلاته، ويُعلم المأمومين بذلك، ليستأنف بهم الصلاة من جديد، ولا يتحرج من هذا، فإن النسيان يعتري بني آدم، وقد نسي أفضل الخلق صلى الله عليه وسلم في صلاته، وإذا خشي حدوث تشويش على المصلين فلا حرج عليه في هذه الحال أن يقدم أحداً من المأمومين ليتم الصلاة بالناس، ويرجع هو ويصير مأموماً، ويبتدئ الصلاة من جديد خلف هذا الإمام. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103492 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1621 الصلاة خلف من لا يحسن تكبيرة الإحرام [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز الصلاة وراء الإمام الذي لا يحسن تكبيرة الإحرام "الله أكبر"؟ وهل صلاتي صحيحة وراءه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تكبيرة الإحرام هي قول الإنسان: "الله أكبر" في أول صلاته، وهي ركن من أركان الصلاة، لا تصح بدونها. والخطأ الذي يقع في هذا التكبير نوعان: خطأ يغير المعنى، كمن يمد الهمزة، فيقول: آلله أكبر، فيصبح المعنى استفهاما، أو من يمد الباء فيقول: الله أكبار، وأكبار جمع كَبَر وهو الطبل، فلا تصح تكبيرة الإحرام مع هذا الخطأ، وإذا لم تصح تكبيرة الإحرام، لم تصح الصلاة. والثاني: خطأ لا يغير المعنى، كما لو نصب لفظ الجلالة، فقال: اللهَ أكبر، أو بالغ في مد الألف من لفظ الجلالة. وكذلك لو قال: الله وكبر، فهذا لا يغير المعنى، ولا يفسد به التكبير، فتصح معه الصلاة. قال النووي رحمه الله في "المجموع" (3/253) : " ويجب الاحتراز في التكبير عن زيادة تغير المعنى، فإن قال: الله أكبر، بمد همزة الله أو بهمزتين , أو قال: الله أكبار، لم يصح تكبيره" انتهى باختصار. وقال ابن مفلح في "الفروع" (1/409) : " ولا تنعقد إن مد همزة الله , أو أكبر , أو قال " أكبار " ولا يضر لو خلل الألف بين اللام والهاء , وحذفها أولى , لأنه يكره تمطيطه " انتهى. وقال الحطاب في "مواهب الجليل" (1/514) : " قال صاحب الطراز: لا يجزئ إشباع فتحة الباء حتى تصير أكبار بالألف وإن الأكبار جمع كبر والكبر الطبل , ولو أسقط حرفا واحدا لم يجزه , انتهى. وقال ابن جزي في القوانين من قال: الله أكبار بالمد , لم يجزه , وإن قال: الله وكبر , بإبدال الهمزة واوا أجزأه , انتهى. وقال في الذخيرة: وأما قول العامي: الله وكبر , فله مدخل في الجواز ; لأن الهمزة إذا وليت ضمة جاز أن تقلب واوا " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " الثاني من الأركان: تكبيرة الإحرام، لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته: (إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر) . ولابد أن يقول: "الله أكبر" فلا يجزي أن يقول: الله أجل، أو الله أعظم، وما أشبه ذلك، ولا يصح التكبير بمد همزة "ال" فلا يقول: "آلله أكبر" لأنها تنقلب حينئذ استفهاماً، ولا يصح أن يمد الباء فيقول: "أكبار" لأنه حينئذ تكون جمعاً للكبر، والكبر هو الطبل ... هكذا قال أهل العلم. وأما ما يقوله بعض الناس "الله وكبر" فيجعل الهمزة واواً، فهذا له مساغ في اللغة العربية، فلا تبطل به الصلاة " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (13/343) . والواجب نصح من وقع في هذا الخطأ – المفسد للصلاة-، وتعليمه النطق الصحيح، وإعلامه بأنه لو قدر على تصحيح النطق فلم يفعل لم تصح صلاته. ولا يصح أن يكون هذا إماما بمن ينطق بالتكبير نطقاً صحيحاً. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103381 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1622 هل وقع أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل في صلاةٍ وهو جنب ناسيا؟ [السُّؤَالُ] ـ[نريد جوابا شافيا عن هذا الحديث: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى الصلاة، فلما كبر انصرف وأومأ إليهم أن كما كنتم. ثم خرج فاغتسل، ثم جاء ورأسه يقطر فصلى بهم. فلما صلى قال: (إني كنت جنبا فنسيت أن أغتسل) رواه أحمد.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: رُويت هذه الحادثة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في كتب السنة، وحاصلها أن الناس حين أتموا صفوفهم للصلاة وراءه صلى الله عليه وسلم، وقام منهم مقام المصلي بهم، تذكَّر أنه كان جنبا، فأشار إليهم ليبقوا في أماكنهم، وانصرف واغتسل وأتاهم ورأسه يقطر ماء. ولكن وقع اختلاف في الروايات: هل كَبَّر النبي صلى الله عليه وسلم ثم تذكَّر أنه جنب، أم تذكر قبل تكبيرة الإحرام؟ ومحصل الروايات فيها على الأوجه الآتية: 1- لفظ صريح في أنه تذكر الجنابة قبل الشروع في الصلاة: يروي هذا اللفظ عبد الله بن وهب عن يونس عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة رضي الله عنه، كما هو في صحيح مسلم (605) ، وهذا لفظه: (أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَقُمْنَا فَعَدَّلْنَا الصُّفُوفَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا قَامَ فِي مُصَلَّاهُ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ، ذَكَرَ فَانْصَرَفَ، وَقَالَ لَنَا: مَكَانَكُمْ، فَلَمْ نَزَلْ قِيَامًا نَنْتَظِرُهُ حَتَّى خَرَجَ إِلَيْنَا وَقَدْ اغْتَسَلَ، يَنْطُفُ رَأْسُهُ مَاءً، فَكَبَّرَ فَصَلَّى بِنَا) . وصالح بن كيسان عن الزهري – كما عند البخاري (639) – بلفظ: (حَتَّى إِذَا قَامَ فِي مُصَلاَهُ انْتَظَرْنَا أَنْ يُكَبِّرَ، انْصَرَفَ، قَالَ: عَلَى مَكَانِكُمْ، فَمَكَثْنَا عَلَى هَيْئَتِنَا حَتَّى خَرَجَ إِلَيْنَا يَنْطِفُ رَأْسُهُ مَاءً،وَقَدْ اغْتَسَلَ) . 2- لفظ صريح في أنه كبر ودخل في الصلاة ثم تذكر أنه جنب: وهذا يرويه أسامة بن زيد عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبي هريرة رضى الله عنه – كما عند ابن ماجه في "السنن" (1220) والدارقطني (1/361) والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/397) – ولفظه: (خرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الصَّلَاةِ وَكَبَّرَ، ثُمَّ أَشَارَ إِلَيْهِمْ، فَمَكَثُوا، ثُمَّ انْطَلَقَ فَاغْتَسَلَ، وَكَانَ رَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً، فَصَلَّى بِهِمْ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: إِنِّي خَرَجْتُ إِلَيْكُمْ جُنُبًا، وَإِنِّي نَسِيتُ حَتَّى قُمْتُ فِي الصَّلَاةِ) . غير أن هذه الطريق فيها ضعف من قبل أسامة بن زيد الليثي، أبو زيد المدني، جاء في ترجمته في "تهذيب التهذيب" (1/209) : " تركه يحيى بن سعيد بآخره، قال أحمد: ليس بشيء. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال ابن حبان: يخطئ وهو مستقيم الأمر صحيح الكتاب " انتهى بتصرف واختصار. ولم يرد توثيقه إلا عن يحيى بن معين، مع أن في رواية أخرى عنه أنه قال فيه: أنكروا عليه أحاديث. وجاء هذا اللفظ أيضا من طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ (كَبَّرَ بِهِمْ فِي صَلاةِ الصُّبْحِ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِمْ، ثُمَّ انْطَلَقَ، فَرَجَعَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ، فَصَلَّى بِهِمْ، فَقَالَ: إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنِّي كُنْتُ جُنُبًا فَنَسِيتُ) رواه الطبراني في "الأوسط" (5/317) وفي "الصغير" (2/74) وقال: لم يروه عن ابن عون إلا الحسن بن عبد الرحمن تفرد به أبو الربيع الحارثي. ورواه البيهقي أيضا (2/398) ، ولكنَّ وصلَ هذه الرواية خطأ، والصواب: عن محمد بن سيرين عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لدليلين اثنين: الأول: مخالفة الثقات من أصحاب ابن عون رواية الحسن بن عبد الرحمن. فقد قال البيهقي: " ورواه إسماعيل بن علية وغيره عن ابن عون عن محمد عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، وهو المحفوظ " انتهى. الثاني: متابعة آخرين لابن عون بروايته مرسلا: قال أبو داود (233) : " وَرَوَاهُ أَيُّوبُ وَابْنُ عَوْنٍ وَهِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ مُرْسَلاً عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم " انتهى. وقال البيهقي في "معرفة السنن والآثار" (1306) : " وكذلك رواه أيوب، وهشام عن محمد، مرسلا، ورواه الحسن بن عبد الرحمن الحارثي عن ابن عون، عن محمد، عن أبي هريرة، مسندا، والأول أصح " انتهى. وقد جاءت بعض الشواهد في أحاديث أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم تذكر الجنابة بعد أن كبر ودخل في الصلاة: 1- عَنْ الحسن عن أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ أَنْ مَكَانَكُمْ ثُمَّ جَاءَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ فَصَلَّى بِهِمْ) . رواه أبو داود (233) وأحمد (5/41) وابن خزيمة (3/62) وابن حبان (6/5) ، والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/94) والطحاوي في "بيان مشكل الآثار" (2/86) وفي بعض ألفاظه: (وكبَّر) قال ابن رجب في "فتح الباري" (3/599) : " وحديث الحسن عن أبي بكرة في معنى المرسل؛ لأن الحسن لم يسمع من أبي بكرة عند الإمام أحمد والأكثرين من المتقدمين " انتهى. 2- عن أنس بن مالك قال: (دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى صَلاَتِهِ، فَكَبَّرَ وَكَبَّرْنَا مَعَهُ، ثُمَّ أَشَارَ إِلَى الْقَوْمِ: كَمَا أَنْتُمْ. فَلَمْ نَزَلْ قِيَامًا حَتَّى أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدِ اغْتَسَلَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً) . رواه الدارقطني (1/362) والطبراني في "الأوسط" (4/92) والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/399) من طريق معاذ العنبري عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس به. وقد روي هذا الحديث مرسلا عن قتادة عن بكر بن عبد الله المزني. 3- عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ: (صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَانْصَرَفَ، ثُمَّ جَاءَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً، فَصَلَّى بِنَا، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي صَلَّيْتُ بِكُمْ آنِفًا وَأَنَا جُنُبٌ، فَمَنْ أَصَابَهُ مِثْلُ الَّذِي أَصَابَنِي أَوْ وَجَدَ رِزًّا فِي بَطْنِهِ فَلْيَصْنَعْ مِثْلَ مَا صَنَعْتُ) رواه أحمد (1/99) والطبراني (6/272) والبزار (890) وفي إسناده ابن لهيعة، وفيه ضعف. قال الطبراني في "الأوسط" (6/272) : لا يروى هذا الحديث عن علي إلا بهذا الإسناد، تفرد به ابن لهيعة. 4- عن عطاء بن يسار: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَبَّرَ فِي صَلاَةٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ، ثُمَّ أَشَارَ إِلَيْهِمْ بِيَدِهِ أَنِ امْكُثُوا، فَذَهَبَ، ثُمَّ رَجَعَ وَعَلَى جِلْدِهِ أَثَرُ الْمَاءِ) رواه مالك في الموطأ (1/48/رقم 110) بسند صحيح إلى عطاء وهو من التابعين. قال البيهقي في "السنن الكبرى" (2/398) : " ورواية أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أصح من رواية ابن ثوبان عنه، إلا أن مع رواية ابن ثوبان عنه رواية أبي بكرة مسندة، ورواية عطاء بن يسار وابن سيرين مرسلة، وروي أيضا عن أنس بن مالك " انتهى. والخلاصة: أنه لما اجتمعت هذه الطرق الكثيرة على الرواية التي فيها إثبات تكبير النبي صلى الله عليه وسلم ودخوله في الصلاة قبل تذكره الجنابة، وخاصة المراسيل الصحيحة عن ابن سيرين وبكر المزني وعطاء بن يسار، كل ذلك يدل على صحة الحادثة ووقوعها، وأنه لا تعارض بينها وبين رواية أبي هريرة لها بأن ذلك كان قبل التكبير، إذ يمكن تكرار الحادثة، ووقوعها مرة هكذا ومرة هكذا، وبهذا يمكن توجيه اختلاف الروايات. قال أبو حاتم ابن حبان في "صحيحه" (6/7) : " هذان فعلان في موضعين متباينين، خرج صلى الله عليه وسلم مرة فكبر ثم ذكر أنه جنب فانصرف فاغتسل ثم جاء فاستأنف بهم الصلاة. وجاء مرة أخرى فلما وقف ليكبر ذكر أنه جنب قبل أن يكبر، فذهب فاغتسل ثم رجع فأقام بهم الصلاة. من غير أن يكون بين الخبرين تضاد ولا تهاتر " انتهى. وقال النووي في "شرح مسلم" (5/103) : " ويحتمل أنهما قضيتان، وهو الأظهر " انتهى. وليس فيه أي إشكال والحمد لله، فالنبي صلى الله عليه وسلم بشر، ينسى كما ينسى الناس، وقد سهى في صلاته مرات عديدة، ولم ينكر أحد من أهل العلم ذلك، غير أنهم قالوا إنه معصوم عن نسيان شيء من الوحي نسيانا تاما بحيث يترتب عليه ضياعه. ثانيا: أما عن فقه الحديث وما يستنبط منه: ففيه دليل على أنه إذا صلى الإمام بالناس على غير طهارة نسيانا، فإن صلاة المأمومين لا تتأثر، وتبقى على صحتها وإجزائها، وأن الإمام هو الذي يؤمر بالإعادة فقط، دون المأمومين. وجهُ ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم رجع فاغتسل ثم جاء فكبر لصلاته، والناس وراءه على صفوفهم وفي صلاتهم، لم يأمرهم أن يعيدوا معه التكبير. قال ابن رجب في "فتح الباري" (3/600-602) : " وليس في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم بنى على ما مضى من تكبيرة الإحرام وهو ناس لجنابته، فلم يبق إلا أحد وجهين: أحدهما: أن يكون صلى الله عليه وسلم لما رجع كبر للإحرام، وكبر الناس معه. والثاني: أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم استأنف تكبيرة الإحرام، وبنى الناس خلفه على تكبيرهم الماضي. وهذا هو الذي أشار إليه الشافعي، وجعله عمدة على صحة صلاة المتطهر خلف إمام صلى محدثاً ناسياً لحدثه. قال ابن عبد البر: وقد وافق الشافعي على ذلك بعض أصحاب مالك. وعن الإمام أحمد في ابتداء المأمومين وإتمامهم الصلاة إذا اقتدوا بمن نسي حدثه، ثم علم به في أثناء صلاته – روايتان. وروي عن الحسن، أنهم يتمون صلاتهم. ومذهب الشافعي: لا فرق بين أن يكون الإمام ناسياً لحدثه أو ذاكراً له إذا لم يعلم المأموم، أنه لا إعادة على المأموم. وهو قول ابن نافع من المالكية، وحكاه ابن عبد البر عن جمهور فقهاء الأمصار وأهل الحديث. وعن مالك وأحمد: على الماموم الإعادة. وقال حماد وأبو حنيفة وأصحابه وسفيان الثوري- في أشهر الروايتين عنه -: يعيد المأموم وإن كان الإمام ناسياً ولم يذكر حتى فرغ من صلاته " انتهى باختصار. وفي موقعنا مجموعة من الإجابات التي تبين صحة صلاة المأموم إذا تبين حدث الإمام، وأن الإعادة إنما هي على الإمام فقط دون المأمومين: (27091) ، (85011) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103303 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1623 يقرأ السورة بعد الفاتحة بصوت منخفض ليقرأ المأموم الفاتحة [السُّؤَالُ] ـ[بعد الفاتحة في صلاة الجمعة يقرأ الإمام جزءاً من السورة التى بعد الفاتحة بصوت منخفض ليتمكن من يرى بوجوب الفاتحة من المأمومين من قراءتها، ثم يجهر الإمام ببقية السورة فهل هذه بدعة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، فأجاب حفظه الله: نعم (هذه) بدعة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن صالح العثيمين الحديث: 12044 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1624 حكم الصلاة خلف من يدعي قراءة الكف والفنجان [السُّؤَالُ] ـ[هل تجوز الصلاة وراء مشعوذ؟ علما أنني متأكد أنه يدعي قراءة الكف والفنجان. وأنه يؤم الناس عندما يغيب الإمام الراتب. وليس هناك غيره ممن يحفظ القرآن.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا تجوز الصلاة خلف من يدعي علم الغيب عن طريق قراءة الفنجان أو الكف أو غير ذلك، لأن ادعاء علم الغيب كفر. وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: هل تجوز الصلاة خلف إمام مشعوذ ودجال علما بأن منهم من يجيد قراءة القرآن؟ فأجاب: " إذا كان الإمام مشعوذا يدعي علم الغيب أو يقوم بخرافات ومنكرات فلا يجوز أن يتخذ إماما ولا يصلى خلفه؛ لأن من ادعى علم الغيب فهو كافر، نسأل الله العافية , يقول جل وعلا: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) النمل/65، وهكذا من يتعاطى السحر حكمه حكم الكفار، لقول الله تعالى: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ) البقرة/102. أما إذا كان عنده شيء من المعاصي وليس عنده شيء من أعمال الكفر كالسحر ودعوى علم الغيب ولكن عنده شيء من المعاصي فالصلاة خلفه صحيحة، والأفضل التماس غيره من أهل العدالة والاستقامة، احتياطاً للدين، وخروجاً من خلاف العلماء القائلين بعدم جواز الصلاة خلفه. أما العصاة فلا ينبغي أن يتخذوا أئمة، لكن متى وُجدوا أئمة صحت الصلاة خلفهم لأنهم قد يبتلى بهم الناس وقد تدعو الحاجة للصلاة خلفهم. أما من يدعو غير الله أو يستنجد بالموتى ويستغيث بهم ويطلب منهم المدد فهذا لا يصلى خلفه؛ لأنه يكون بهذا الأمر من جملة الكفار، لأن هذا هو عمل المشركين الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم في مكة وغيرها. ونسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين، وأن يمنحهم الفقه في الدين، وأن يولي عليهم خيارهم، إنه سميع قريب " انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (9/278) . وهذا المسئول عنه ينبغي نصحه وبيان الحق له، كما ينبغي تنبيه الإمام الراتب إلى حاله، ليمنعه من الإمامة في حال غيابه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 102711 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1625 إمامة المسبوق [السُّؤَالُ] ـ[دخل رجل المسجد بعد تسليم الإمام والمصلين، ولكنه وجد مسبوقا يتم صلاته، فوقف بجانبه ليجعل المسبوق إماما له لينال ثواب الجماعة، فهل يجوز له ذلك أم لا، وهل الصلاة التي أداها هذا الرجل مع المسبوق صحيحة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -: " إذا دخل المسبوق المسجد وقد صلى الناس ووجد مسبوقاً يصلي، شُرِعَ له أن يصلي معه ويكون عن يمين المسبوق حرصاً على فضل الجماعة، وينوي المسبوق الإمامة ولا حرج في ذلك في أصح قولي العلماء، وهكذا لو وجد إنساناً يصلي وحده بعد ما سلم الإمام شُرِعَ له أن يصلي معه، ويكون عن يمينه تحصيلاً لفضل الجماعة، وإذا سلم المسبوق أو الذي يصلي وحده قام هذا الداخل فكمل ما عليه؛ لعموم الأدلة الدالة على فضل الجماعة، ولما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه لما رأى رجلاً دخل المسجد بعد انتهاء الصلاة قال: " ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه " (رواه أبو داوود 574) . [الْمَصْدَرُ] أنظر مجموع الفتاوى (12/148) ط دار القاسم. الحديث: 21765 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1626 إمام يصلي بالمسلمين وهم له كارهون ويعلم ذلك [السُّؤَالُ] ـ[إمام يصلي بالمسلمين وهم له كارهون، مع العلم أنه يعلم بذلك كيف يتم التعامل مع هذا الموقف؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " يكره أن يؤم الرجل قوماً أكثرهم يكرهه بحق، بأن تكون كراهتهم لها مبرر من نقص في دينه لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم: العبد الآبق حتى يرجع، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وإمام قوم وهم له كارهون) رواه الترمذي وحسنه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إنْ كَانُوا يَكْرَهُونَ هَذَا الإِمَامَ لأَمْرٍ فِي دِينِهِ: مِثْلَ كَذِبِهِ أَوْ ظُلْمِهِ , أَوْ جَهْلِهِ , أَوْ بِدْعَتِهِ , وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَيُحِبُّونَ الآخَرَ لأَنَّهُ أَصْلَحُ فِي دِينِهِ مِنْهُ. مِثْلَ أَنْ يَكُونَ أَصْدَقَ وَأَعْلَمَ وَأَدْيَنَ , فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُوَلَّى عَلَيْهِمْ هَذَا الإِمَامُ الَّذِي يُحِبُّونَهُ , وَلَيْسَ لِذَلِكَ الإِمَامِ الَّذِي يَكْرَهُونَهُ أَنْ يَؤُمَّهُمْ. كَمَا فِي الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: (ثَلاثَةٌ لا تُجَاوِزُ صَلاتُهُمْ آذَانَهُمْ: رَجُلٌ أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ , وَرَجُلٌ لا يَأْتِي الصَّلاةَ إلا دِبَارًا , وَرَجُلٌ اعْتَبَدَ مُحَرَّرًا) وقال أيضاً: إِذَا كَانَ بَيْنَ الإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ مُعَادَاةٌ مِنْ جِنْسِ مُعَادَاةِ أَهْلِ الأَهْوَاءِ أَوْ الْمَذَاهِبِ لَمْ يَنْبَغِ أَنْ يَؤُمَّهُمْ بِالصَّلاةِ جَمَاعَةً ; لأَنَّهَا لا تَتِمُّ إلا بِالائْتِلافِ , وَلِهَذَا قَالَ صلى الله عليه وسلم: (لا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ) اهـ أما إذا كان الإمام ذا دين وسنة، وكرهوه لذلك، لم تكره الإمامة في حقه وإنما العتب على من كرهه. وعلى كل، فينبغي الائتلاف بين الإمام والمأمومين، والتعاون على البر والتقوى، وترك التشاحن والتباغض تبعاً للأهواء والأغراض الشيطانية، فيجب على الإمام أن يراعي حق المأمومين، ولا يشق عليهم، ويحترم شعورهم، ويجب على المأمومين أن يراعوا حق الإمام، ويحترموه، وبالجملة، فينبغي لكل منهما أن يتحمل ما يواجهه من الآخر من بعض الانتقادات التي لا تخل بالدين والمروءة، والإنسان معرض للنقص " انظر كتاب المخلص الفقهي (1/155-156) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 13766 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1627 هل يصلى خلف من يسخر من سنة رفع اليدين عند الركوع [السُّؤَالُ] ـ[في بلدتنا يؤمنا إمام وهو الخطيب ليوم الجمعة (ليس إماما راتبا) ويرفض الصلاة معنا في المسجد جماعة بعلّة أنّه يصلي بأهله جماعة مع العلم أنّ المسجد يبعد عن منزله قرابة 350 متر. كما أنّ له عدّة أخطاء في العقيدة والأحاديث, ويتطاول على المصلّين الملتزمين بالسخرية أثناء إلقاء خطبة الجمعة كقوله مثلا إنّ رفع اليدين أثناء الصلاة غير موجودة، ولقد شبّهها بطريقة نشّ الذباب، خاصة أنّنا نعلم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلّي بالرفع (رواه البخاري 735 ومسلم 390) . نرجو من سماحتكم أن تبينوا لنا ما حكم الدين في هذا الإمام وهل تجوز الصلاة وراءه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: صلاة الجماعة في المسجد واجبة على الرجل القادر إذا سمع النداء، في أصح قولي العلماء، كما هو مبين في جواب السؤال رقم (120) ورقم (8918) . والخلاف في هذه المسألة بين أهل العلم مشهور معلوم، وقد يكون هذا الخطيب معتمدا على القول الآخر في المسألة، ولهذا ينبغي نصحه وبيان الصواب له، بالحكمة والموعظة الحسنة. وصلاة الرجل بأهله لا يبرر له ترك الجماعة في المسجد التي هي من شعار أهل الإسلام، وفيها من الأجر العظيم والثواب الكبير ما لا يليق بخطيب وداعية أن يتركه. ثانيا: رفع اليدين في الصلاة عند الركوع والرفع منه، وبعد القيام من التشهد الأول، كل ذلك ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم عليه وسلم بأصح الأسانيد، وهو مذهب جماعة لا تحصى من أهل العلم، كالشافعي وأحمد وإسحاق وغيرهم، بل هو رواية عن مالك عمل بها كثير من أصحابه. وانظر أدلة ذلك في جواب السؤال رقم (21439) فمن سخر من هذه السنة، وشبَّهها بنش الذباب، فهو على خطر عظيم؛ لأنها سخرية من أمر فعله النبي صلى الله عليه وسلم وواظب عليه. والله تعالى يقول: (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) التوبة/65-66. وأي فرق بين الرفع عند الركوع، والرفع عند الإحرام بالصلاة؟! ولهذا قال الإمام الشافعي رحمه الله وقد سئل عن معنى الرفع في هذا الموضع: " معناه: تعظيم لله، واتباع لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ومعنى الرفع في الأولى معنى الرفع الذي خالفتم فيه النبي صلى الله عليه وسلم عند الركوع وعند رفع الرأس من الركوع، ثم خالفتم فيه روايتكم عن النبي صلى الله عليه وسلم وابن عمر معا، ويروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر رجلا أو أربعة عشر رجلا، وروي عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه، ومن تركه فقد ترك السنة " انتهى. نقله ابن القيم في "إعلام الموقعين" (2/288) وهو في "الأم" (7/266) . وقال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" (1/209) : " وروى رفع اليدين عنه في هذه المواطن الثلاثة نحو من ثلاثين نفسا، واتفق على روايتها العشرة، ولم يثبت عنه خلاف ذلك البتة، بل كان ذلك هديه دائما إلى أن فارق الدنيا " انتهى. ثالثا: بناء على ما سبق، ينبغي نصح هذا الخطيب، وتحذيره من السخرية بشيء من السنة، فإن استجاب فالحمد لله، وإن أصر على ذلك، تُركت الصلاة خلفه، وصليت الجمعة خلف غيره. وأما ما أشرت إليه من أخطائه العقدية، فأنت لم تبين هذه الأخطاء ليتم الحكم عليها. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 101277 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1628 ردَّ المأموم على الإمام إذا أخطأ في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمأموم الذي يقف خلف الإمام (في صلاة الفريضة) أن يصحح له إذا أخطأ في قراءته أو نسي آية في وسط السورة التي يقرأ منها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه المسألة تسمى مسألة الفتح على الإمام. والفتح على الإمام قسمان: فتح واجب وهو الفتح على الإمام فيما يبطل الصلاة تعمده، فلو لحن لحناً يحيل المعنى في الفاتحة لوجب الفتح عليه لأن اللحن المحيل للمعنى في الفاتحة مبطل للصلاة. وكذلك لو أسقط آية في الفاتحة لوجب الفتح عليه لأن الصلاة تبطل بذلك، أما الفتح المستحب فهو فيما يفوّت كمالاً، فلو نسي أن يقرأ الإمام سورة مع الفاتحة فالتنبيه هنا سنة. والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكِّروني) رواه البخاري (الصلاة/401) فأمر بتذكيره، وحين قرأ ذات مرة فلبست عليه القراءة قال لأبي بن كعب: " ما منعك " أي ما منعك أن تفتح عليَّ، وهذا يدل على أن الفتح على الإمام أمر مطلوب. انظر الشرح الممتع لابن عثيمين ج/3 ص/346-347 [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 14278 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1629 الأحق بالإمامة [السُّؤَالُ] ـ[لا يوجد في مسجدنا إمام راتب، فمن نقدم من الناس ليصبح إمامنا في الصلاة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله وردت أحاديث صحيحة كثيرة تبين للمسلمين من هو الأولى بإمامتهم في الصلاة ومن هو الأحق بها ومن ذلك ما روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (إِذَا كَانُوا ثَلاثَةً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَحَدُهُمْ وَأَحَقُّهُمْ بِالإِمَامَةِ أَقْرَؤُهُمْ) رواه مسلم برقم 1077 وقال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ وَأَقْدَمُهُمْ قِرَاءةً فَإِنْ كَانَتْ قِرَاءَتُهُمْ سَوَاءً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَكْبَرُهُمْ سِنًّا..". رواه مسلم 1079 وخلاصة ما دلت عليه هذه الأحاديث أن الأحق بالإمامة: هو الأقرأ لكتاب الله العالم بفقه صلاته. ولقد كان الأقرأ مقدّماً في عصر الصحابة، لأنهم كانوا يتعلمون القراءة الصحيحة للآيات ويتعلمون ما فيها من العلم والعمل، فجمعوا بين العلم والعمل ولم يكتفوا بالحفظ فقط كما هو الحال في زماننا هذا فكم حافظ للقرآن أو لبعضه متقن لتلاوته، حسن الصوت به ولكنه لا يعلم من فقه صلاته شيئاً. فإن استووا في القراءة فأعلمهم بالسنة، فإن استووا فالأقدم هجرة، فإن استووا أو لم يكن هناك هجرة فالأكبر سناً، كما دلّ عليه حديث مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ قَالَ أَتَيْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفِيقًا فَلَمَّا ظَنَّ أَنَّا قَدْ اشْتَهَيْنَا أَهْلَنَا أَوْ قَدْ اشْتَقْنَا سَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا بَعْدَنَا فَأَخْبَرْنَاهُ قَالَ ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ فَأَقِيمُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ وَذَكَرَ أَشْيَاءَ أَحْفَظُهَا أَوْ لا أَحْفَظُهَا وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ رواه البخاري برقم 6705 فلما تساووا في القراءة والعلم والهجرة أمرهم بتقديم الأكبر سناً، فإن استووا في ذلك فالأتقى لقوله تعالى: (إن أكرمكم عند الله اتقاكم) سورة الحجرات، فإن استووا في الكلّ يُقرع بينهم إن تشاحّوا، وليس حملة الدكتوراه هم الذين يُقدّمون ولا الأطول إقامة في بلاد الكفّار وإنّما يقدّم الأحفظ للقرآن الأفقه بأحكام الصلاة، ولا يصح للمسلمين أن يتنازعوا على الإمامة بأهوائهم الشخصية وإنما عليهم أن يقدّموا من قدّمه الشّرع، والله المسئول أن يُصلح أحوال المسملين. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 1875 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1630 الصلاة خلف الإمام العاجز [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للإمام أن يصلي بالناس وهو جالس على كرسي؟ أقصد انه يصلي على الصورة التالية: يكبر للإحرام وهو قائم ويستمر في قيامه، ثم يركع ويدعو، ثم يرفع من الركوع، ثم يكبر ويسجد (منحنيا) وهو جالس على الكرسي، ثم يعتدل قاعدا على الكرسي للجلسة، ثم يسجد، وبعد ذلك يكبر للركعة التالية. وهل تضيع البركة على من يأتم به (وهو يصلي على تلك الحالة) ، مع أنهم يؤدون الصلاة بكامل حركاتها (يصلون على الصورة الطبيعية) ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز للإمام أن يصلي بالناس على الصورة المذكورة في السؤال، كما يجوز له كذلك أن يؤمَّ الناس وهو قاعد. وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد. وحال المصلين خلفه يختلف باختلاف حاله. الحالة الأولى: إذا ابتدأ الإمام الصلاة قاعداً صلى من خلفه قعوداً. والأدلة على الحالة الأولى: 1- عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ شَاكٍ فَصَلَّى جَالِسًا وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنْ اجْلِسُوا فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا " رواه البخاري (الأذان/657) 2- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكِبَ فَرَسًا فَصُرِعَ عَنْهُ فَجُحِشَ شِقُّهُ الْأَيْمَنُ فَصَلَّى صَلَاةً مِنْ الصَّلَوَاتِ وَهُوَ قَاعِدٌ فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ قُعُودًا فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ وَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ " رواه البخاري (الأذان/648) . الحالة الثانية: إذا ابتدأ الإمام الصلاة قائما ثم طرأ عليه ما جعله عاجزاً عن القيام، أكمل من خلفه الصلاة قياماً. الدليل على هذه الحالة: عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: " ثَقُلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَصَلَّى النَّاسُ قُلْنَا لا هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ قَالَ ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ قَالَتْ فَفَعَلْنَا فَاغْتَسَلَ فَذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَلَّى النَّاسُ قُلْنَا لا هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ قَالَتْ فَقَعَدَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ أَصَلَّى النَّاسُ قُلْنَا لا هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ فَقَعَدَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ أَصَلَّى النَّاسُ فَقُلْنَا لا هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالنَّاسُ عُكُوفٌ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُونَ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَام لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ الآخِرَةِ فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ بِأَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ فَأَتَاهُ الرَّسُولُ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُصَلِّيَ بِالنَّاسِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ رَجُلًا رَقِيقًا يَا عُمَرُ صَلِّ بِالنَّاسِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ أَنْتَ أَحَقُّ بِذَلِكَ فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ تِلْكَ الْأَيَّامَ ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا الْعَبَّاسُ لِصَلاةِ الظُّهْرِ وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ ذَهَبَ لِيَتَأَخَّرَ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ لا يَتَأَخَّرَ قَالَ أَجْلِسَانِي إِلَى جَنْبِهِ فَأَجْلَسَاهُ إِلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ فَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي وَهُوَ يَأْتَمُّ بِصَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ بِصَلاةِ أَبِي بَكْرٍ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاعد " رواه البخاري (الأذان/655) وجه الدلالة من الحديث: أن أبا بكر ابتدأ بهم الصلاة قائماً ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بهم من حيث انتهى أبو بكر فصلى قاعداًَ، والصحابة صلوا خلفه قياماً فدل على أن الإمام إذا ابتدأ الصلاة قائما ثم عجز عن القيام بعد ذلك صلى من خلفه قياماً. وليس في ذلك نقص للصلاة ولا ضياع لبركتها إن شاء الله. والله أعلم يراجع كتاب أحكام الإمامة والائتمام في الصلاة للمنيف ص 112-116 وكتاب فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر ج2 ص 174. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 11465 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1631 إذا كان الأحفظ للقرآن أشعري العقيدة فهل يقدّم للإمامة [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان الأشعري أحفظ فهل يقدم في الإمامة أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان لا يدعوا إلى بدعته ولا يعاند إذا بان له الحق فلا بأس أن يتقدم، وإلا فغيره أولى منه وإن كان دونه في الحفظ. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 4025 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1632 حكم الصلاة خلف شارب الدخان والشيشة [السُّؤَالُ] ـ[نحن نعمل ست حصص يومياُ ونصلي بعدها الظهر ويتقدمنا للإمامة في الصلاة أئمة منهم من يشرب الدخان ومن يشرب الشيشة، ومنهم من هو مخنفس (مربي شعره) ، ما الحكم في تقدمهم؟ وهل تجوز الصلاة وراء هؤلاء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم تصح الصلاة لكن الأولى أن يتقدم للصلاة بكم من هو أقرؤكم لكتاب الله، وأفقهكم في الدين، فهذا هو الأولى، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " يقوم القوم أقرؤهم لكتاب الله" (رواه مسلم برقم 673) ، ومعنى أقرأ هو الذي يقرأ القرآن، ويعمل بمعانيه، ولو كان يقرأه ولا يعمل بمعانيه فلا خير فيه، أما إذا أم القوم رجل وبين المأمومين من هو أقرأ منه فلا ينبغي ذلك. وقد ذكر ذلك في الحديث. وذكر الإمام أحمد في كتابه (رسالة السنية) : " من أم قوما ومنهم من هو خير منه، لم يزالوا في سفال أي هبوط وانحطاط "، فالأولى أن يؤمكم أتقاكم وأفقهكم وأعلمكم بكتاب الله. لكن لو فرضنا أن هذا الشارب للدخان أو الذي حلق لحيته أو الذي شرب الشيشة أو الذي تخنفس تقدم وصلى بكم فنقول: الصلاة صحيحة، ولا يلزم إعادتها لأنه مسلم، ولكنها ناقصة، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد الله بن حميد ص 127 الحديث: 9596 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1633 حكم صلاة من يصلي فرضا خلف من يصلي نافلة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم صلاة من يصلي الفرض خلف من يصلي نافلة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ عبد العزيز بن باز: " الحكم في ذلك الصحة؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره أنه صلى بطائفة من أصحابه صلاة الخوف ركعتين، ثم صلى بالطائفة الأخرى ركعتين، فالصلاة الثانية له نافلة، وهكذا ثبت في الصحيحين عن معاذ رضي الله عنه: أنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء فرضه ثم يذهب فيصلي بجماعته فرضهم فهي لهم فريضة وهي له نافلة (أنظر صحيح البخاري 701 وصحيح مسلم 465) ". مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز ابن باز (12/178) . وهذا القول هو مذهب الإمام الشافعي، ورواية عن الإمام أحمد اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية، والشيخ محمد ابن ابراهيم، والشيخ محمد ابن عثيمين، رحم الله الجميع. انظر الشرح الممتع (4/358) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 21764 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1634 الصلاة خلف موظف في بنك ربوي [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لنا أن نصلي خلف رجل يعمل في بنك يتعامل بالربا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سئلت اللجنة الدائمة عن مثل هذا السؤال فأجابت: إن العمل في البنك الربوي حرام، ومرتكبه عاصٍ لله سبحانه وتعالى، لكن الصلاة خلفه صحيحة، لأنه مسلم، تصح صلاته في نفسه إن استوفى شروطها، وما فرض الله فيها، في أصح قولي العلماء، وإن تيسر أن يصلي وراء غيره من أهل الصلاح والتقوى فهو أولى. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 7/376. الحديث: 12285 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1635 الإمام حسن الصوت ينشط المصلين [السُّؤَالُ] ـ[نشرف على عدد كبير من الطلبة في مقر سكنهم، وقد عملنا لهم برنامجاً خاصاً بالتوعية يتضمن دعوة أحد أئمة المساجد في البلد ممن عرفوا بحسن الصوت ليصلي بهم الفجر، حرصاً على التأثير فيهم بالقرآن، علماً بأن إمام المسجد الراتب موافق على هذا العمل، فما الحكم الشرعي في ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الذي أرى أنه لا بأس في ذلك ولا حرج فيه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم استمع إلى قراءة أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وأعجبته وقال له: (لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود، قال: أوسمعت ذلك يا رسول الله؟ قال: (نعم) ، قال: لو علمت أنك تسمع لحبرته لك تحبيراً) مسلم مختصر في صلاة المسافرين (793) . فإذا كان هذا الإمام حسن الصوت مجيداً للقراءة ويحصل به تنشيط لهؤلاء الطلبة فإنه لا بأس بذلك، لاسيما وأن الإمام الراتب قد أذن بذلك، والإمام الراتب يشكر على أذنه مراعاة للمصلحة. [الْمَصْدَرُ] كتاب الدعوة 5 للشيخ ابن عثيمين (2/107) . الحديث: 26154 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1636 إذا لم ينو الإمام أن يؤم ثم جاء قوم فأمهم [السُّؤَالُ] ـ[إذا جاء بعض الناس ونوى الصلاة جماعة خلف شخص يصلي صلاة فريضة منفرداً مؤتمين به، هل يجوز ذلك والإمام لم ينو الجماعة؟ الرجاء إفادتي عن حكم ذلك مع إيراد الدليل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز للمصلي المنفرد أن ينوي الإمامة في الصلاة، فيصلي إماماً بمن دخل معه في الصلاة، والدليل على ذلك ما رواه البخاري (667) ومسلم (763) عن ابن عباس قال بت ليلةً عند خالتي ميمونة بنت الحارث فقلت لها إذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأيقظيني (لقيام الليل) فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمت إلى جنبه الأيسر فأخذ بيدي فجعلني من شقه الأيمن فجعلت إذا أغفيت يأخذ بشحمة أذني قال فصلى إحدى عشرة ركعة ثم احتبى حتى إني لأسمع نفسه راقدا فلما تبين له الفجر صلى ركعتين خفيفتين. رواه البخاري (667) ومسلم (763) . فالرسول صلى الله عليه وسلم بدأ صلاته منفرداً ثم لما دخل معه ابن عباس في الصلاة صلى به إماماً. وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله هذا السؤال: إذا دخلتُ المسجد بعد انتهاء الجماعة من الصلاة وأقمتُ الصلاة وكبرتُ تكبيرة الإحرام وجاء من بعدي رجل ودخل معي في صلاتي وأنا لم أنو بذلك، هل تصح صلاته أم لا؟ الجواب: الصواب أن المشروع لك أن تنوي الإمامة حين دخول واحد أو أكثر في الصلاة، لأن الجماعة مطلوبة وفيها فضل عظيم، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن ذلك إنما يصح في النافلة، والصواب أنه يصح في الفرض والنفل، لأن الأصل أنهما سواء في الأحكام إلا ما خصه الدليل، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي في الليل وحده في بيت ميمونة خالة ابن عباس رضي الله عنهم جميعاً، فقام ابن عباس فتوضأ، وصف عن يسار النبي صلى الله عليه وسلم فأداره النبي صلى الله عن يمينه وصلى به، متفق عليه. وروى مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي وحده، فجاء جابر وجبار فصفا عن يمينه وشماله فجعلهما خلفه وصلى بهما، وهذان الحديثان يدلان على ما ذكرنا، كما يدلان على أن الواحد يكون على يمين الإمام، والاثنين فأكثر يكونان خلفه. مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز 12/151. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 3189 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1637 كيف يتصرفون مع إمامهم الذي يعصي الله في المسجد؟ وما حكم صلاتهم خلفه؟ [السُّؤَالُ] ـ[لقد علمنا أن إمام مسجدنا يفسد في المسجد بعد كثير من الشكاوى، باستماعه للأغاني ومعاكسة النساء في الطرقات، وإغلاق مسجد النساء عليه وهو بداخله، ولقد توجه إليه شاب ملتزم (المؤذن) وسأله: هل ما يقال عنك صحيح؟ فأجاب الإمام بافتخار: إنها عشيقتي، ومن لم يعجبه حالي: فلا يصلي ورائي، فتوجه بعض الرجال إلى أبيه يشكونه حال ابنه، فكان جواب أبيه أنه قال: إنه لا يسمع لكلامي، وليس باستطاعتي أن أعمل شيئا، وقال: أنا أسأل الله أن يأتي مسجدنا هذا إمام صالح. وأرجو منكم أن تقدموا لنا نصيحة نعمل بها إن شاء الله.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إن صحَّ ما نقله المؤذن عن ذلك الإمام الفاجر فهو على خطر عظيم، ويُخشى عليه من الردة، أو سوء الخاتمة، ووجه ذلك: 1. أنه اتخذ بيت الله تعالى مكاناً لفجوره، وقبح أفعاله، وقد أمر الله تعالى بتعظيم بيوته وتطهيرها، وجعلها الله تعالى للصلاة والدعاء والاعتكاف، فأن تتخذ مكاناً للفجور مع النساء فهذا غاية في القبح، ولم يفعله المنافقون في مسجدهم مسجد الضرار! قال تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ) النور/ 36، والبيوت في الآية هي: المساجد. قال ابن كثير رحمه الله: " أمَر الله برفعها، أي: بتطهيرها من الدنَس، واللغو، والأفعال والأقوال التي لا تليق فيها..وقال قتادة: هي هذه المساجد، أمر الله سبحانه ببنائها، ورفعها، وأمر بعمارتها، وتطهيرها ... وقد وردت أحاديث كثيرة في بناء المساجد، واحترامها، وتوقيرها، وتطييبها، وتبخيرها " انتهى " تفسير ابن كثير " (6 / 62) . 2. والأمر الآخر: افتخاره بالمعصية وتبجحه بها، والمعلوم أن فعل المعصية بالخفاء مع الخوف من الله ليس كفعلها مجاهرة، مع التبجح بها والافتخار. وانظر جواب السؤال رقم (9562) ففيه بيان وعيد الذي يتباهى ويتفاخر بمعصيته. ثانياً: الواجب عليكم بذل النصح له، والأخذ على يده، فيذهب إليه بعض أهل العلم وكبار السن فيبذلون له النصح، ويبينون له خطر فعله، وأنه قدوة لا يصلح أن يصدر منه هذا، وأن الناس تتأثر بإمام المسجد فينظرون لأفعاله على أنها تطبيق لما يقرأ من القرآن على أن يكون ذلك باللطف والحكمة. فعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الدِّينُ النَّصِيحَةُ، قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: لِلَّهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَامَّتِهِمْ) رواه مسلم (55) . فإن استجاب لهذا النصح وترك ما هو عليه من الفجور وسماع المنكرات: فنعم الفعل فعله، ولكم الأجر على ذلك، أما إن رد عليكم نصحكم، واستمر في غيه وانحرافه: فتنتقلون للخطوة الثانية: 1. التقدم بشكوى إلى الجهات المسئولة، على أن تكون موقعة من جميع المصلين بالمسجد، ويُرجى أن يتخذ المسئولون الإجراء المناسب له من إنذاره، أو فصله من وظيفته. 2. منعه من الإمامة، إن أمكنكم ذلك ولم يترتب عليه مفسدة، أو منازعات بين المصلين. وقد منع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً أن يصلي إماماً بقومه من أجل أنه أمّ جماعة فبصق في القبلة. وقال له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّكَ آذَيْتَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) رواه أبو داود (481) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود. والمنكرات التي يفعلها إمامكم أعظم من البصق في القبلة وهو يصلي. 3. فإن لم يمكن ذلك فإنكم تتركون الصلاة خلفه إنكاراً عليه، فإن لم يتيسر لكم مسجد آخر تصلون فيه: فلا حرج عليكم من الصلاة خلفه، وإثمه على نفسه، والصلاة وراء الفاسق الفاجر جائزة، وصحيحة، وهي خير من صلاة المرء وحده، ولا يجوز ترك الجمعة والجماعة بحجة فسق الإمام وفجوره. قال شيخ الإسلام رحمه الله: " وأما الصلاة خلف أهل الأهواء والبدع، وخلف أهل الفجور: ففيه نزاع مشهور، وتفصيل لكن أوسط الأقوال في هؤلاء: أن تقديم الواحد من هؤلاء في الإمامة: لا يجوز مع القدرة على غيره، فإن من كان مظهراً للفجور أو البدع: يجب الإنكار عليه، ونهيه عن ذلك، وأقل مراتب الإنكار: هجره؛ لينتهي عن فجوره، وبدعته، ولهذا فرَّق جمهور الأئمة بين الداعية وغير الداعية؛ فإن الداعية أظهر المنكر فاستحق الإنكار عليه، بخلاف الساكت فإنه بمنزلة من أسرَّ بالذنب، فهذا لا ينكر عليه في الظاهر، فإن الخطيئة إذا خفيت: لم تضر إلا صاحبها، ولكن إذا أعلنت فلم تُنكر: ضرَّت العامة " انتهى " مجموع الفتاوى " (23 / 342) . وقال رحمه الله: " الأئمة متفقون على كراهة الصلاة خلف الفاسق، لكن اختلفوا في صحتها، فقيل: لا تصح، كقول مالك وأحمد في إحدى الروايتين عنهما، وقيل: بل تصح، كقول أبى حنيفة والشافعي، والرواية الأخرى عنهما، ولم يتنازعوا أنه لا ينبغي توليته " انتهى " مجموع الفتاوى " (23 / 358) . وانظر جواب السؤال رقم (47884) . ثالثاً: وليعلَم هذا الإمام أن إثمه ليس كإثم غيره، فهو على علم ومعرفة بالأحكام الشرعية، وهو يقوم بالإمامة التي هي وظيفة الأنبياء والخلفاء والعلماء. وقد جاء الوعيد للإمام بعدم قبول صلاته إن كان من يصلِّي وراءه يكرهونه لفسقه أو بدعته. فعن أَبَي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ثَلَاثَةٌ لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ آذَانَهُمْ: الْعَبْدُ الْآبِقُ حَتَّى يَرْجِعَ، وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ، وَإِمَامُ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ) . رواه الترمذي (360) ، وحسَّنه، وحسَّنه الألباني في " صحيح الترمذي ". قال الشوكاني رحمه الله: " وظاهر الأحاديث الواردة في وعيد من أمَّ قوما وهم له كارهون: أن صلاته غير مقبولة " انتهى " السيل الجرار " (1 / 255) . فليحذر هذا الإمام من مغبة أفعاله ومعاصيه، ونسأل الله تعالى له الهداية. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 99216 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1638 إمامة الفاسق [السُّؤَالُ] ـ[أحيانا يقوم أخي الأكبر بإمامتي في الصلاة، إذا كنا سويا. وفارق السن بيني وبينه 18 سنة. لكنه يتخلف عن تأدية بعض الصلوات المفروضة بسبب العمل، وهو يستمع للموسيقى. فهل يجوز لي أن أصلي خلفه؟ أم أن لي الحق في أن أطلب أن أتقدم للصلاة، إذا كنا نريد أن نصلي سويا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب في الصلاة المفروضة تأديتها في المسجد جماعة وإذا كان المسجد قريباً فيجيب المؤذِّن إذا قال حيَّ على الصلاة ويعمد إلى بيت الله، وأما الصلاة خلف الفاسق فالراجح أنها تصح خلفه ولو كان ظاهره الفسق والأدلة على ذلك: 1- عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله.. الحديث) صحيح مسلم (المساجد ومواضع الصلاة/673) 2- أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يصلون خلف الحجاج والحجاج معروف بالفسق 3- الدليل النظري: كل من صحت صلاته صحت إمامته ولا دليل على التفريق بين صحة الصلاة وصحة الإمامة ... الشرح الممتع لابن عثيمين 4/307 وهناك قول آخر لبعض الفقهاء أن الصلاة خلف الفاسق لا تصح، ولم يصح دليل لأصحاب هذا القول. ولا شك أن الأفضل أن تقوم بالصلاة بدلاً من أخيك، خاصة إذا كانت تتوفر فيك شروط أفضلية الإمامة التي جاءت في الحديث: (يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً ... ) رواه مسلم، وكذلك إذا كنت مستقيما، لأن المستقيم صلاته أتم وأكمل وأتقن وأخشع وأتبع للسنة: وقد سئلت اللجنة الدائمة عن رجل يحفظ القرآن ولكن حليق وآخر أقل منه حفظا وله لحية فأجابت: يقدم للإمامة في الصلاة من كان له لحية مع حفظه القليل على من يحلق لحيته مع حفظه للقرآن. انظر فتاوى اللجنة الدائمة 7/375 فتاوى مشابهة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 11433 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1639 لا تجوز الصلاة خلف إمام مشعوذ ودجال [السُّؤَالُ] ـ[هل تجوز الصلاة خلف إمام مشعوذ ودجال علماً بأن منهم من يجيد قراءة القرآن؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الإمام مشعوذاً يدعي علم الغيب أو يقوم بخرافات ومنكرات فلا يجوز أن يتخذ إماماً ولا يصلى خلفه لأن من ادعى علم الغيب فهو كافر نسأل الله العافية، يقول جل وعلا: (قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله) النمل/65، وهكذا من يتعاطى السحر حكمه حكم الكفار لقول الله تعالى: (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر) البقرة/102، أما إذا كان عنده شيء من المعاصي وليس عنده شيء من أعمال الكفر كالسحر ودعوى علم الغيب ولكن عنده شيء من المعاصي فالصلاة خلفه صحيحة والأفضل التماس غيره من أهل العدالة والاستقامة احتياطاً للدين وخروجاً من خلاف العلماء القائلين بعدم جواز الصلاة خلفه. أما العصاة فلا ينبغي أن يتخذوا أئمة لكن متى وجدوا أئمة صحت الصلاة خلفهم لأنهم قد يبتلى بهم الناس وقد تدعو الحاجة للصلاة خلفهم، أما من يدعو غير الله أو يستنجد بالموتى ويستغيث بهم ويطلبهم المدد فهذا لا يصلي خلفه، لأنه يكون بهذا الأمر من جملة الكفار لأن هذا هو عمل المشركين الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم في مكة وغيرها. ونسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين وأن يمنحهم الفقه في الدين وأن يولي عليهم خيارهم إنه سميع قريب. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/9 ص/278. الحديث: 9346 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1640 هل يشترط أن يكون الإمام واحدا وأن يكون هو الخطيب [السُّؤَالُ] ـ[لقد عشت في الولايات المتحدة حوالي سبع سنوات وقد قضيت جميع تلك السنوات في لاس فيجاس. وفي كل جمعة كان يقدم الخطبة إمام مختلف. سؤالي هو في حي يبلغ تعداد سكانه 6000 نسمة وربما أكثر، فهل من المناسب أن يكون للمسجد إمام مختلف كل جمعة أم يجب على المسجد أن يوظف إماما ثابتا، خاصة إذا كان المسجد قادرا على توظيف إمام ثابت؟ إذا كان الإمام ثابتا فلن يحتاج المرء للذهاب إلى أماكن بعيدة من أجل الحصول على إجابات على ما يكون لديه من استفسارات. جزاكم الله خيرا على ما تقدمونه من خدمة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله 1. إذا كان المسجد يُمكن أن يقوم به إمام واحد وليس من المساجد الضخمة التي تحتاج إلى تعاون أكثر من إمام أو كان هناك شخص متفرّغ للإمامة وكانت لديكم القدرة المالية على سدّ حاجته أو وُجد من يتبرّع لأداء المهمة فإنّ تثبيت إمام واحد وخطيب للمسجد فيه فوائد عديدة منها: أ. الخطيب الثابت أقدر على التعرف على مشكلات الناس، وبالتالي المشاركة في حلها، وأن يكون مرجع أهل المسجد وقائدهم، والناس إذا علموا برجوعه جمعة أخرى حثهم ذلك على طرح ما عندهم من مسائل ومشكلات. ب. ومن الفوائد كذلك التي تعود على الناس سماعهم لأشياء مفيدة يحتاج الكلام عليها إلى سلسلة من الخطب كتفسير سورة الفاتحة - مثلاً - أو علامات الساعة أو الغزوات أو تعليم الصلاة، وهذه السلسلة لا يقوم بها في الغالب إلا إمام واحد بخلاف الخطباء متجددين. ت. ومنها: سماع الناس لأشياء جديدة في كل أسبوع، فالخطيب الثابت لا يعيد المواضيع التي سبق وأن خطب عنها قريبا لئلا يملّ الناس، بل يجدّد لهم الموضوعات في كل أسبوع، بخلاف الخطباء المتغيرين، فقد يسمع الناس منهم مواضيع متشابهة متكررة، وهو ما يضيع عليهم وقتاً يمكن الاستفادة منه أكثر. ث. وكون الخطيب هو الإمام نفسه أحسن لأنّه تجتمع عنده الأمور ومشكلات أهل مسجده وقد يحدث في خلال الأسبوع من الحوادث لأهل الحيّ وجماعة المسجد ما يستدعي أن يعلّق عليه أو يتكلم حوله في خطبة الجمعة. ج. ومنها: موافقة هدي النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده حيث كان هو الإمام والخطيب الثابت. 2. وينبغي الانتباه البالغ والاهتمام الشديد بأن يكون الإمام مِن أهل السنة وعلى منهجهم في الاعتقاد، وهو الذي ينفعكم في دينكم، ومن عداه من أهل البدع فهو ضار بكم، ومضلل لكم. 3. ويضاف إلى كونه على عقيدة سليمة أن يكون صاحب علم تسمعون منه شيئاً نافعاً في الدروس والخطب. 4. ولا مانع من تكوين لجنة فيها بعض طلبة العلم لاختيار إمام وخطيب، فالناس إذا كان ميزانهم العاطفة لن يستطيعوا التمييز بين النافع والضار. 5. هذا، ولا يلزم أن يكون الإنسان موفّقا في الإمامة والخطابة معاً، فكم من قارئ مشهور جاهل بأحكام الشرع، وكم من خطيب مفوَّه لا يتقن أحكام سجود السهو، وكم من طالب علم لا يحسن الخطابة ومواجهة الناس. فإذا دعت الحاجة إلى أن يكون الإمام غير الخطيب فلا بأس بذلك وكذلك إذا كانت أحوال الجالية المسلمة لا تسمح بأن يتفرّغ شخص واحد للقيام بمهمات الإمامة والخطابة لظروف الدراسة والعمل فلا مانع من أن يتناوب مجموعة من المؤهلين فيهم على الإمامة والخطابة وأن يُعمل جدول دقيق لذلك حتى لا تضيع المسئوليات ويحدث فراغ يخلّ برسالة المسجد، نسأل الله أن يوفقنا وإياكم للخير وصلى الله على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 7231 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1641 تطويل السجدة الأخيرة عمل غير مشروع [السُّؤَالُ] ـ[أحد المصلين يحب أن يطيل في السجدة الأخيرة لدرجة أنه في بعض الأوقات يسلم الإمام قبل أن يقوم هذا الرجل من سجوده. وحجته في ذلك أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قال بأنه علينا أن نتقن الصلاة (أو ربما الدعاء) في السجدة الأخيرة. ما هو الحكم بالنسبة لصلاته؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز للمأموم أن يتقدم على الإمام، فتحرم مسابقة الإمام، وكذلك التأخر عنه تأخرا بينا بحيث يفوته الركن الذي يليه، لقوله عليه الصلاة والسلام: " إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا "، فالعطف بالفاء يقتضي المبادرة بالمتابعة، كما هو معروف مما تفيده الفاء من العطف والتعقيب. الشيخ عبد الكريم الخضير. وإتقان الصلاة لا ينافي متابعة الإمام ما دام الإمام يطمئن بالصلاة وتخصيص السجدة الأخيرة بالتطويل من دون بقية سجدات الصلاة ليس عليه دليل ولا يجوز الابتداع في الدين والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 9856 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1642 الصلاة خلف من يعقد التمائم [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز الصلاة خلف إمام يعقد التمائم للناس، ثم إذا نزل القحط يأمر الناس بشراء كبش أو بقرة لتذبح ويأكلها الصبيان عند القحط من أجل أن ينزل المطر، وهل تجوز الصلاة خلف إمام يفعل النذر والذبح لغير الله تعالى؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: تجوز الصلاة خلف الذي يكتب التمائم من القرآن والأدعية المشروعة ولا ينبغي له أن يكتبها لأنه لا يجوز تعليقها، وأما إذا كانت التمائم تشتمل على أمور شركية فلا يصلى خلف الذي يكتبها ويجب أن يبين له أن هذا شرك والذي يجب عليه البيان هو الذي يعلمها. والنذر لغير الله شرك، والذبح لغير الله شرك، لقول الله سبحانه: " وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه " وقال تعالى: " قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له " الآية، وقوله صلى الله عليه وسلم: " لعن الله من ذبح لغير الله " والنذر داخل في قوله تعالى: " ونسكي ". ثانيا: لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بشراء كبش أو بقرة لتذبح ويأكلها الصبيان عند القحط من أجل أن ينزل المطر، وإنما المشروع في ذلك صلاة الاستسقاء والدعاء والاستغفار والصدقة على الفقراء بل ذلك بدعة لا أساس لها في الشرع المطهر، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ". وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 3/65 الحديث: 12000 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1643 الإقتداء بالإمام من وراء باب المسجد [السُّؤَالُ] ـ[طبيعة وضع المصلى الذي نصلي فيه أنه إذا امتلأ نغلق الأبواب، ويصلي بعض الناس خارج المصلى، ويتابعون الإمام عن طريق مكبرات الصوت، فهل تصح صلاتهم وهم خارج المسجد؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: (احتجز رسول الله صلى الله عليه وسلم حُجرة مخصفة (أي منسوجة من سعف النخل وهو الحصير) فصلى فيها فتتبع إليه الرجال، وجاءوا يصلون بصلاته) الحديث وفيه: (أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة) متفق عليه. وهذا الحديث يدل على جواز اقتداء المأموم ولو كان الإمام في حجرة لا يراه المأموم، أو كان أحدهما في السطح والآخر في المكان الأسفل، فالعبرة بإمكان الاقتداء إذا كانا جميعاً بالمسجد، فجواز هذا محل اتفاق بين الأئمة. وكذلك فإن الحديث دليل على أن الحائل بين الإمام والمأمومين غير مانع من صحة الصلاة والاقتداء، وقال النووي: يشترط لصحة الاقتداء علم المأموم بانتقال الإمام، سواء صليا في المسجد أو في غيره أو أحدهما فيه والآخر في غيره بالإجماع ا. هـ. وإن كان أحدهما خارج المسجد ورأى الإمام أو المأمومين، ولو لم تتصل الصفوف صحت لانتفاء المفسد ووجود المقتضي للصحة، وهو الرؤية وإمكان الاقتداء. وفي الإنصاف: المرجع في اتصال الصفوق إلى العرف على الصحيح من المذهب. قال في المغني: فلا يقدر بشيء وهو مذهب مالك والشافعي، لأنه لا حد في ذلك لأنه لا يمنع الاقتداء، فإن المؤثر في ذلك ما يمنع الرؤية أو سماع الصوت، واشترط النووي أن لا تطول المسافة في غير المسجد، وهو قول جمهور العلماء. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] من كتاب توضيح الأحكام من بلوغ المرام لـ عبد الله بن عبد الرحمن البسام ص 251. الحديث: 9310 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1644 يجوز للإمام أن يؤذن ويقيم ويصلي [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للإمام أن يؤذن ويقيم الصلاة ويؤم بالمصلين في نفس الوقت، أم يجب أن يؤذن ويقيم شخص آخر بينما يؤم هو؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم لا بأس. يجوز للإمام أن يُؤذن ويقيم ويؤم المصلين في نفس الوقت، لأن كل هذه الأعمال أعمال طاعة وقربة، فلا شيء في ذلك، بل هذا من أجلّ الطاعات وأعظم القربات، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد الله بن حميد ص 87. الحديث: 8975 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1645 كيف تقف المرأة إذا صلت مع زوجها جماعة [السُّؤَالُ] ـ[تزوجت منذ فترة قريبة والحمد لله، وأرجو أن تخبرني ما إذا كان يمكن للمسلم أن يصلي مع زوجته جماعة، وكيف يكون ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز للرجل أن يؤُمَّ زوجته في الصلاة، وتصفَُّّ المرأة خلف الرجل، إذ لا يجوز لها أن تصُفَّ معه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى بأنس واليتيم جعل أم سُليْم خلفهما، وهي أمُّ أنس. ومما يدل على ذلك أيضا ما جاء عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِهِ وَبِأُمِّهِ أَوْ خَالَتِهِ قَالَ فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ وَأَقَامَ الْمَرْأَةَ خَلْفَنَا) رواه مسلم (المساجد ومواضع الصلاة/1056) قال الكاساني: إذا كان مع الإمام امرأة أقامها خلفه. وقال ابن رشد الحفيد: ولا خلاف في أن المرأة الواحدة تصلي خلف الإمام وأنها إذا كانت مع الرجل صلى الرجل إلى جانب الإمام والمرأة خلفه. انظر كتاب أحكام الإمامة والائتمام للمنيف ص/319-320 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 13757 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1646 أتُهِم الإمام باللحن بالقراءة فما صحة الصلاوات الماضية [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم صحة إمامة شخص أأتم بإمام أكثر من سنتين في السرية والجهرية ثم اتهمه -من كان يصلى خلفه -ببطلان إمامته له وللناس. علما أن هذا الأخير كلف بالإمامة من طرف لجنة فتوى محلية مع العلم أن اللجنة قد صلت خلف الإمام المتهم بفقدان الأهلية والمتمثل في العبد الضعيف. وهده اللجنة مكونة من أئمة دائما مكلفين بالنظر في الفتاوى. 1- ما حكم إمامة الشخص المتهم ببطلان الإمامة بحجة اللحن المزعومة. 2- ما حكم صلاة وإمامة الشخص الذي أأتم به أكثر من سنتين في السرية والجهرية - حيث يعرف اللحن من القارىء - ثم اتهمه بالبطلان. 3- ما حكم إمامة هذا الأخير وكذا إمامة الأئمة الدين أأتموا به ثم فصلوه بحجة اللحن وعدم الأهلية.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله 1- الإمام الذي يلحن في الفاتحة لحناً يُخلّ بالمعنى لا تصح إمامته، وما عداها الصلاة صحيحة ما لم يرتكب محظوراً في قراءته بأن يحرّف في القرآن، أو يزيد أو ينقص منه متعمداً فمثل هذا صلاته باطلة. 2- صلاة من ائتم به صحيحة إن شاء الله مالم يعلم بُطلان صلاته. 3- صلاة الذين اتهموه ثم فصلوه إن كانوا يعتقدون بطلان صلاته فصلاتهم باطلة وإلا فلا. [الْمَصْدَرُ] الشيخ: عبد الكريم الخضير. الحديث: 27049 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1647 الإمام يعاني من مشكلة في النطق [السُّؤَالُ] ـ[يعاني إمام مسجدنا من مشاكل في نطق العديد من الكلمات العربية عند قراءته للقرآن. وقد أخبرتُ بأنه إذا كان الإمام لا يحسن قراءة القرآن أو النطق بالكلمات العربية مثلك أو أحسن منك، فإنك لا يجوز لك أن تصلي خلفه مخافة أن تبطل صلاتك. وعندما سمعت بهذا، توقفت عن الصلاة خلف هذا الإمام لكني لم أخبره بأي شيء في ذلك الخصوص. أرجو أن توضح لي الحكم في هذا الموضوع.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الإمام لا يستطيع النطق ببعض الكلمات لعجمته مثلا، أو لكنة فإنه تصح إمامته بمثله، فإذا لم يوجد من ينطق الكلمات نطقا سليما فإن إمامته صحيحة، وتجزيء الصلاة خلفه، وإذا وجد من يحسن النطق بجميع الكلمات فإنه حينئذ لا تصح إمامة مثل هذا الإمام المذكور في السؤال. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد الكريم الخضير. الحديث: 10982 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1648 انضمام الداخل للمسجد إلى المسبوق الذي قام ليأتي بما عليه [السُّؤَالُ] ـ[هل تجوز الصلاة مع الشخص الذي يأتي متأخرا عن الإمام بركعة أو بركعتين ثم إذا قام ليتم صلاته بعد انتهاء الإمام أن يصلي معه شخص آخر يكون متأخرا عن الصلاة بحيث يكون إماما.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم يجوز للمتأخر ومن فاتته الصلاة أن يأتمّ بمن يقضي ما فاته من الصلاة مع الإمام الأول، ولا يلزم نية الإئتمام بالنسبة للإمام. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد الكريم الخضير. الحديث: 21009 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1649 الصلاة خلف من يلحن القراءة ويبتدع بعد الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[في مقر عملنا يؤمنا في الصلاة إمام من دولة أخرى، أثناء قراءته يمد كل كلمة تقريباً ويرتل بطريقة تشبه الغناء، يقول بأن أستاذه علَّمه هذا، بعض الأحيان لا نستطيع الصلاة خلفه لأن صوته بالقراءة يرتفع بألحان مختلفة. هل تجوز القراءة بهذه الطريقة بحيث يكون مرتفعاً جدّاً وبألحان مختلفة؟ ما هو الحكم في تلاوة القرآن في الصلوات الجهرية؟ بعد كل صلاة يضع كفيه على جبينه ويقول يا حي يا قيوم سبع مرات، فسألناه لماذا يفعل هذا فقال بأن العلماء قالوا بأن العقل يستنير بهذا الفعل بعد كل صلاة وأن هذا موجود في صحيح مسلم ولكننا لم نجد هذا. أرجو أن تجيب على أسئلتنا وتخبرنا بما يجب أن نفعله إن كان ما يفعله غير صحيح وكيف نصححه؟ لا يوافق على أي شيء نقوله ويقول بأنه تعلم هذا حسب تعاليم الإسلام وأن كل ما يفعله صحيح، فلا نستطيع أن نفعل شيء.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: تحسين الصوت بالقراءة أمرٌ جيد وطيب ولا حرج فيه بل هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم. فعن البراء رضي الله عنه قال: سمعت النَّبي صلى الله عليه وسلم يقرأ {والتين والزيتون} في العشاء، وما سمعتُ أحداً أحسن صوتاً منه - أو قراءة -. رواه البخاري (735) ومسلم (464) . وقد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على قراءة أبي موسى الأشعري وهو صاحب الصوت الندي الشجي، لكن هذا التحسين المرغب به للصوت ينبغي أن لا يُخرج الكلام عن موضعه، وينبغي أن لا يشابه بقراءته ألحان الفسقة من المغنين. عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي موسى " لو رأيتَني وأنا أستمع لقراءتك البارحة لقد أوتيتَ مزماراً من مزامير آل داود ". رواه البخاري (4761) ومسلم – واللفظ له - (793) . قال النووي: قال القاضي: أجمع العلماء على استحباب تحسين الصوت بالقراءة وترتيلها، قال أبو عبيد: والأحاديث الواردة في ذلك محمولة على التحزين والتشويق، قال: واختلفوا في القراءة بالألحان فكرهها مالك والجمهور لخروجها عما جاء القرآن له من الخشوع والتفهم، وأباحهما أبو حنيفة وجماعة من السلف للأحاديث؛ ولأن ذلك سبب للرقة وإثارة الخشية وإقبال النفوس على استماعه. قلت: قال الشافعي في موضع: أكره القراءة بالألحان، وقال في موضع: لا أكرهها، قال أصحابنا: ليس له فيها خلاف، وإنما هو اختلاف حالين، فحيث كرهها أراد إذا مطط وأخرج الكلام عن موضعه بزيادة أو نقص أو مد غير ممدود وإدغام ما لا يجوز ونحو ذلك، وحيث أباحها أراد إذا لم يكن فيها تغير لموضوع الكلام، والله أعلم. " شرح مسلم " (6 / 80) . ثانياً: أما فعل إمامكم بعد الصلاة من " وضع كفيه على جبينه ويقول: يا حي يا قيوم سبع مرات ": فهذا ليس له أصل من الشرع وليس هو في " صحيح مسلم " ولا في غيره من كتب السنَّة الصحيحة، وهي بدعة منكرة عليكم مناصحته بتركها وتبيين حكم الشرع في الذِّكر البدعي. أما الصلاة خلف هذا الإمام: فجائزة، لكن من الأفضل أن تبحثوا لكم عن إمامٍ يقيم السنَّة ويعلمكم إياها؛ لأنه يُخشى أن يغترَّ به بعض المصلِّين فيقلده وينشر بدعته، وقبل هذا لا تتركوا نصيحته وإرشاده للسنَّة الصحيحة في الذِّكر خاصَّة وفي العبادة عامة، فإن أصرَّ على بدعته فلا مانع من العمل على منعه من إمامة الصلاة. وقد قال علماء اللجنة الدائمة: وأما الصلاة خلف المبتدعة: فإن كانت بدعتهم شركية كدعائهم غير الله ونذرهم لغير الله واعتقادهم في مشايخهم ما لا يكون إلا لله من كمال العلم أو العلم بالمغيبات أو التأثير في الكونيات: فلا تصح الصلاة خلفهم، وإن كانت بدعتهم غير شركية؛ كالذكر بما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن مع الاجتماع والترنحات: فالصلاة وراءهم صحيحة، إلا أنه ينبغي للمسلم أن يتحرى لصلاته إماماً غير مبتدع؛ ليكون ذلك أعظم لأجره وأبعد عن المنكر. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. " فتاوى اللجنة الدائمة " (7 / 353) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 26152 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1650 حكم إمامة المرأة للرجال [السُّؤَالُ] ـ[هل يحق للمرأة في الإسلام أن تكون إمامة في مسجد؟ وما هي الشروط لتصبح المرأة إماماً، مع جزيل الشكر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز أن المرأة تؤم الرجال في الصلاة فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أخروا النساء حيث أخرهن الله) رواه عبد الرزاق في مصنفه (5115) موقوفاً على ابن مسعود بأطول من هذا، وإسناده صحيح ولم يثبت رفعه. ثم الإمامة في المسجد ولاية، والولاية لا تصح إلا للرجال: (ما أفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة) رواه البخاري (13/45،46) كما قال عليه الصلاة والسلام، لأن المرأة مسألة مستثناة عند الحنابلة وهو قول ضعيف وهو أن المرأة تؤم الرجال في التراويح إذا كانت قارئة مجيدة وغيرها من الرجال أميّ، تكون خلفهم وهم أمامها، لكن هذا لا دليل عليه والحاصل أن المرأة لا يجوز أن تؤم الرجال. نعم تؤم النساء مثلها لا بأس لو أمَّت النساء فهذا لا مانع فيه كما في خبر أم ورقة لبعض محارمها أما الرجال الأجانب أو الولاية العامة مثل إمامتها للمسجد فلا. [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد الله بن حميد ص 130 الحديث: 9783 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1651 إمامة المرأة للرجل إذا كانت أحفظ منه للقرآن [السُّؤَالُ] ـ[إذا كانت الزوجة تحفظ من القرآن أكثر من الزوج فمن يؤم في الصلاة؟ الذي يحفظ أكثر؟ أم الرجل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال ابن حزم رحمه الله في كتابه المحلى بالآثار: 317 - مَسْأَلَةٌ:.. وَلا يَجُوزُ أَنْ تَؤُمَّ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ وَلا الرِّجَالَ , وَهَذَا مَا لا خِلافَ فِيهِ , وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّصَّ قَدْ جَاءَ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَقْطَعُ صَلاةَ الرَّجُلِ إذَا فَاتَتْ أَمَامَهُ. عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى , مَعَ قَوْلِهِ عليه السلام {الامَامُ جُنَّةٌ} وَحُكْمُهُ عليه السلام بِأَنْ تَكُونَ وَرَاءَ الرَّجُلِ وَلا بُدَّ فِي الصَّلاةِ , وَأَنَّ الامَامَ يَقِفُ أَمَامَ الْمَأْمُومِينَ لابُدَّ أَوْ مَعَ الْمَأْمُومِ فِي صَفٍّ وَاحِدٍ عَلَى مَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَوَاضِعِهِ - وَمِنْ هَذِهِ النُّصُوصِ يَثْبُتُ بُطْلانُ إمَامَةِ الْمَرْأَةِ لِلرَّجُلِ , وَلِلرِّجَالِ يَقِينًا. المحلى ج2 صلاة الجماعة وقال علي بن سليمان المر داوي الحنبلي رحمه الله: قَوْلُهُ (وَلا تَصِحُّ إمَامَةُ الْمَرْأَةِ لِلرَّجُلِ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا.. كتاب الإنصاف ج2 باب صلاة الجماعة والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 3760 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1652 هل يستخلف الإمام أحدا إذا بطلت صلاته [السُّؤَالُ] ـ[إذا حصل عارض للإمام هل يجوز لأحد المأمومين أن يؤم المصلين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا حدث للإمام حدث وانصرف من الصلاة، فله أن يقول لبعض المأمومين: يا فلان تقدم أتم بهم الصلاة، فإن لم يفعل، فللمأمومين أن يقدموا أحدهم يتم بهم، أو أن يكملوا الصلاة فرادى. [الْمَصْدَرُ] لقاء الباب المفتوح لابن عثيمين 54/93 الحديث: 3475 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1653 مسبوقان هل يكون أحدهما إماماً؟ [السُّؤَالُ] ـ[لدينا مصلى في شركتنا ونصلي به يومياً ونصلي به الجمعة، وقد لاحظت أنه إذا جاء بعض الأخوة متأخرين عن الجماعة ولحقوا بالإمام ثم سلم الإمام ونهضوا لإكمال ما فاتهم، يحصل أن أحد الأخوة يقرر أن يأتم بالشخص الذي على يساره (متأخر أيضاً) ، ويصبح هذا إماماً له. فهل هذا التصرف صحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه هي مسألة " إتمام المسبوق بمسبوق آخر أثناء الصلاة " وفيها خلاف بين العلماء ما بين مجيزٍ ومانع، وقد رجح الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله الجواز، وإليك نص كلامه قال رحمه الله: " لو دخل اثنان مسبوقان، فقال أحدُهما للآخر: إذا سلَّم الإمامُ فأنا إمامُك؛ فقال: لا بأس، فلما سلَّمَ الإمامُ صار أحد الاثنين إماماً للآخر، فقد انتقل هذا الشَّخص من ائتمام إلى إمامة، وانتقل الثَّاني من إمامة شخص إلى إمامة شخص آخر. (فقد قال بعض العلماء) : بأن هذا جائز؛ وأنه لا بأس أن يتَّفق اثنان دخلا وهما مسبوقان ببعض الصَّلاة على أن يكون أحدُهما إماماً للآخر، وقالوا: إن الانتقال من إمام إلى إمام آخر قد ثبتت به السُّنَّة كما في قضيَّةِ أبي بكر مع الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلامُ (حيث أمَّ أبو بكر بالناس في قصة مرض النبي صلى الله عليه وسلم ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم أثناء الصلاة فلما رآه أبو بكر تأخر ليتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فأتم النبيُّ صلى الله عليه وسلم الصلاة. رواه البخاري 687 ومسلم 418، فحصل في هذه القصة انتقالان: الأول: انتقال أبي بكر من الإمامة إلى الإتمام. الثاني: انتقال الصحابة من الإئتمام بأبي بكر إلى الإئتمام بالنبي صلى الله عليه وسلم) (وقيل) : إن هذا لا يجوز؛ لأن هذا تضمَّن انتقالاً من إمام إلى إمام، وانتقالاً من إئتمام إلى إمامة بلا عُذر، ولا يمكن أن ينتقل من الأدنى إلى الأعلى، فكون الإنسان إماماً أعلى من كونه مأموماً. قالوا: ولأنَّ هذا لم يكن معروفاً في عهد السَّلف، فلم يكن الصَّحابة إذا فاتهم شيءٌ من الصَّلاة يتَّفقون أن يتقدَّم بهم أحدُهم؛ ليكون إماماً لهم، ولو كان هذا من الخير لسبقونا إليه. لكن القائلين بجوازه لا يقولون إنه مطلوب من المسبوقين أن يتَّفِقَا على أن يكون أحدهما إماماً، بل يقولون: هذا إذا فُعل فهو جائز، وفرق بين أن يُقال: إنه جائز وبين أن يُقال بأنه مستحبٌّ ومشروع، فلا نقول بمشروعيَّته ولا نندب النَّاس إذا دخلوا وقد فاتهم شيء من الصَّلاة؛ أن يقول أحدُهم: إني إمامُكم، لكن لو فعلوا ذلك فلا نقول: إن صلاتَكم باطلة، وهذا القول أصحُّ، أي: أنه جائز، ولكن لا ينبغي؛ لأن ذلك لم يكن معروفاً عند السَّلف، وما لم يكن معروفاً عند السَّلف فإن الأفضل تركه؛ لأننا نعلم أنهم أسبق منَّا إلى الخير، ولو كان خيراً لسبقونا إليه. " الشرح الممتع " (2 / 316، 317) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20271 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1654 بر الوالد المنكر للحديث [السُّؤَالُ] ـ[أعيش في أسرة غير متدينة تضطهدني وتسخر مني وأنا متمسك بالسنة ولله الحمد ووالدي يعتقد بأن الأحاديث التي تشرح أمورا في القرآن كالصلاة يجب اتّباعها والأحاديث التي تذكر أمورا ليست في القرآن كتحريم مصافحة المرأة الأجنبية لا يجب اتباعها وعنده اعتقادات أخرى وأنا أعلم أن بر الوالدين واجب، هل يجوز لي أن أصلي وراء أبي وإذا كان الجواب بالنفي فهل يجوز أن أتظاهر أني أصلي معه كي لا أغضبه ثم أعيد الصلاة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إنّ الوضع الذي تعيش فيه أيها الأخ السائل هو وضع صعب فعلا، وليس بالهيّن على المؤمن أن يعيش مع أب عنده ضلالات وانحرافات عن المنهج الصحيح منهج أهل السنّة والجماعة ولكن المسلم يحتسب الأجر في الصّبر على مثل هذا الأب والتلطّف في نصحه وتبصيره بالحقّ بالوسائل المناسبة التي لا تُشعر الأب بتعالي ولده عليه ولا بانتقاصه له وإنما يشعر الأب بأنها نصيحة ابن معترف بالأبوة موقّر ومشفق كما حصل لإبراهيم عليه السلام في دعوته لأبيه، قال الله تعالى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (41) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (42) يَاأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنْ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43) يَاأَبَتِ لَا تَعْبُدْ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَانِ عَصِيًّا (44) يَاأَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنْ الرَّحْمَانِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45) قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَاإِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46) قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47) سورة مريم فقد استعمل إبراهيم عليه السلام نداء الأبوة في أرقّ ألفاظه فقال: يا أبت، ولم يقل له أنا عالم وأنت جاهل بل قال إنّي قد جاءني من العلم ما لم يأتك وأظهر شفقته على أبيه وحرصه على سلامته بقوله: يا أبت إني أخاف أن يمسّك عذاب من الرحمن ولما رفض أبوه الحقّ وتهدّده بالرّجم ما زاد إبراهيم على أن قال لأبيه بكلّ أدب سلام عليك ووعده أن يستغفر له هكذا فلتكن دعوة الأبناء الصالحين لآبائهم الضالين. واعلم بأنّ مسألة إنكار السنّة أو شيء منها أمر خطير جدا - ولعلّنا نذكر شيئا من التفصيل في الموضوع في موضع آخر - ولكن نقول باختصار هنا إذا كانت بدعة أبيك تخرجه عن الإسلام كإنكار السنّة نهائيا وقد أقيمت الحجّة عليه ورفض الحقّ فلا تصحّ صلاتك خلفه حينئذ لكفره، وأما إذا كانت بدعة أبيك لا تصل إلى الكفر كعدم التزامه - عن تقصير وتفريط - بحكم قد جاءت به السنّة فيجوز لك أن تصلي وراءه حينئذ وصلاتك صحيحة. والله تعالى أعلم. إضافة: وردنا من الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين في خصوص هذا السؤال ما يلي: الإنكار قد يكون إنكار تأويل وقد يكون إنكار جحد فإذا كان إنكار جحد بمعنى أنّه يقول: نعم أنا أعلم أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم قال هذا لكن أنا أنكر ذلك ولا أقبله فإن كان هذا فهو كافر مرتدّ عن الإسلام ولا تجوز الصلاة خلفه. وإن كان إنكاره إنكار تأويل فيُنظر إن كان التأويل محتملا مما تسوّغه اللغة ويعلم مصادر الشريعة ومواردها فهذا لا يكفر ويكون من جملة المبتدعين إذا كان قوله بدعيا فيصلى خلفه إلا إذا كان في ترك الصلاة خلفه مصلحة بحيث يرتدع ويفكّر في الأمر مرة ثانية فلا يُصلّى خلفه. حال هذا الأب أنه يقر ببعض أقسام السنة وهو ما كان موافقاً للقرآن شارحاً له. في الوقت الذي ينكر القسم الآخر وهو ما كان زائداً على القرآن. ومثل هذا يُعد من البدع العظيمة التي توعد الشارع عليها كما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام: " لا أُلفين أحدكم متكئاً على أريكة … " الحديث. فهي بدعة كبيرة يخشى على صاحبها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 245 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1655 أين تقف إمامة النساء في صلاة الجماعة، وأفضلية الصلاة في البيت للمرأة [السُّؤَالُ] ـ[بالرغم من أن صلاة المرأة تكون أفضل في بيتها، فهل تحصل على نفس الأجر كالرجل في صلاة الجماعة اذا أدت الصلاة في البيت أو المسجد؟ وهل تحصل ايضا على أجر 27 درجة إذا أدت الصلاة بمفردها في البيت؟ وماهو الدليل على أن المرأة تؤم باقي المصليات في الصلاة، بحيث تقف في نفس الصف وليس أمام المأمومين كالرجال؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا السؤال من شقّين: الأول: وهو أفضلية صلاة المرأة في بيتها: قال الشيخ ابن عثيمين: " السنة تدل على أن الأفضل للمرأة أن تصليّ في بيتها في أي مكان كانت سواء في مكّة أو غيرها، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وبيوتهن خير لهن) ، يقول ذلك وهو في المدينة مع أن المسجد النبوي الصلاة فيه زيادة فضل، ولأن صلاة المرأة في بيتها أستر لها وأبعد عن الفتنة وكانت في بيتها أولى وأحسن ". انظر الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة،ج/1 ص/207، ويراجع سؤال رقم (3457) ، وتضعيف الصلاة في الجماعة خاص بالرجال، وقد قال عليه الصلاة والسلام للمرأة قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلَاةَ مَعِي ... وَصَلَاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ..) الحديث رواه أحمد (مسند باقي الأنصار/25842) وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم 337 الشق الثاني: الدليل على أن المرأة إذا أمت النساء تقف وسطهن: قال ابن قدامة: كذلك سنّ لإمامة النساء القيام وسطهن في كل حال، لأنهن عورات. المغني ج/1ص/347 وقال النووي: السنة أن تقف إمامة النساء وسطهن، لما روي أن عائشة وأم سلمة أمّتا نساءً فقامتا وسطهنّ. المجموع شرح المهذّب ج/4 ص/192 و" إذا صلى النساء جماعة فإن إمامتهن تقف وسطهن، لأن ذلك أستر، والمرأة مطلوب منها الستر بقدر المستطاع، ومن المعلوم أن وقوف المرأة بين النساء أستر من كونها تقف بين أيديهن، والحجة في ذلك ما روي عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما: (أنهما إذا أمّتا النساء وقفتا في صفِّهن) ، وهذا فعل صحابية، والأصح أنه حجة لما لم يخالفه نصّ، والمرأة مع كونها مع المرأة الواحدة كوقوف الرجل مع الرجل الواحد ". انظر الشرح الممتع لابن عثيمين ج/4 ص/387. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 12451 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1656 إمامة من لا يُحسن الركوع [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان هناك أخ تجويده للقرآن أحسن من بقيه الإخوة ولكنه لا يحسن الركوع فهل يجوز أن يكون إماما؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أحق الناس بالإمامة أقرؤهم لكتاب الله، وأعلمهم بفقه صلاته، وأحرصهم على صحة صلاته، ومن ذلك إقامة أركانها وواجباتها على الوجه المطلوب، وأما من لا يُحسن الصلاة أو ركناً من أركانها كالركوع ففيه تفصيل: - إن كان عجزه عن القيام أو الركوع أو السجود لعذر كمرض ونحوه ففيه خلاف بين العلماء والراجح أن إمامته تصح لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ". وهو مذهب الشافعي رحمه الله، كما في المجموع (4/264) واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما نقله عنه في الإنصاف (4/374) . - أما إن كان السبب هو الجهل، أو الإصرار فيبين له خطأه، فإن استجاب وإلا فإنه لا يجوز له أن يؤم المصلين، ولو كان حافظاً للقرآن، لأنَّ صلاته باطلة لتركه القيام بركن من أركان الصلاة. أنظر السؤال (1875) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 13360 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1657 إمام له معاصٍ خفية هل يستمر في الإمامة [السُّؤَالُ] ـ[شاب إمام لأحد المساجد، وهو - كما يقول - محبوب عند جماعة المسجد، ويعلم في قرارة نفسه أنه مقصّر وعنده بعض المعاصي ولا يستحق الإمامة، ولا يستحق هذه المحبة والتقدير من الناس، يخشى على نفسه إذا بقي إماماً للمسجد من النفاق والرياء، فهل يبقى في المسجد؟ وهل يستمر في إمامة الناس، أو يترك الإمامة خشية الرياء والنفاق؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن هذا الشاب الذي وصفت بأنه محبوب عند قومه، ولكن عنده إسراف فيما بينه وبين ربه، أقول: إن هذا الذي حباه الله به من الإمامة ومحبة قومه له توجب أن ينزع عن الإسراف على نفسه، وأن يحسن العبادة وأن يشكر الله عز وجل، لأن كون الإنسان محبوباً عند قومه وهو إمام لهم نعمة من الله كبيرة، قال تعالى: (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً) إلى أن قال: (واجعلنا للمتقين إماماً) ، والمصلون من المتقين وإمامهم داخل في قوله: (واجعلنا للمتقين إماماً) ، فليحمد الله على هذه النعمة، ولينزع عن الإسراف على نفسه، وليجعل هذا من الأسباب التي تعينه على طاعة الله، وليتق الله في مكانه. وكونه يقول: أخشى الرياء، فهذه وسوسة يلقيها الشيطان في قلب الإنسان كلما أراد أن يعمل طاعة، يدخل عليه الشيطان ويقول: أنت مراء، فيجب عليه أن يطرح هذا ويعرض عنه ويستعين بالله عز وجل فهو دائماً يردد في الصلاة: (إياك نعبد وإياك نستعين) . [الْمَصْدَرُ] لقاء الباب المفتوح لابن عثيمين 53/77 الحديث: 449 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1658 هل تصح إمامة الفاسق؟ [السُّؤَالُ] ـ[أعمل في بنك في إحدى الدول وعادة نصلي العصر والمغرب في جماعة، يطلب مني المصلين (المصلون) بأن أكون الإمام، أنا شخص عادي يا سيدي وأشعر بأنني لا أستحق أن أكون الإمام لوجود من هم أكبر مني ويصلون خلفي، وبالحقيقة فبمجرد تجمعنا للصلاة يستحي كل شخص منا أن يكون الإمام ودائما تنتهي بأن أكون أنا الإمام. أعلم بأنه خلال 25 سنة اقترفت من الذنوب ما لا حصر له ولكني أؤمن بشيء واحد وهو أن الله يقول إنه من الأفضل أن نصلي في جماعة من أن نصلى فرادى وهذا هو السبب الوحيد الذي يجعلني أقبل بالإمامة. وأود أن أذكر بأني شخص حليق.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه مسألة الصلاة خلف الفاسق، والفاسق: هو من خرج عن طاعة الله بارتكاب كبيرة من كبائر الذنوب، أو بالإصرار على صغيرة، وبحسب ما جاء في سؤالك فإنك مرتكب لبعض كبائر الذنوب وهي: العمل في بنك وحلق اللحية، وهما من الكبائر في ميزان الشرع. أما بالنسبة للعمل في البنك: عن جَابِر قَالَ: " لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ " رواه مسلم (1598) . وعن سمرة بن جندب قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَأَخْرَجَانِي إِلَى أَرْضٍ مُقَدَّسَةٍ فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ مِنْ دَمٍ فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ وَعَلَى وَسَطِ النَّهَرِ رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ الَّذِي فِي النَّهَرِ فَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَخْرُجَ رَمَى الرَّجُلُ بِحَجَرٍ فِي فِيهِ فَرَدَّهُ حَيْثُ كَانَ فَجَعَلَ كُلَّمَا جَاءَ لِيَخْرُجَ رَمَى فِي فِيهِ بِحَجَرٍ فَيَرْجِعُ كَمَا كَانَ فَقُلْتُ مَا هَذَا فَقَالَ الَّذِي رَأَيْتَهُ فِي النَّهَرِ آكِلُ الرِّبَا " رواه البخاري (2085) . وانظر السؤال رقم (21113) و (21166) . وأما بالنسبة لحلق اللحية: فعن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خالفوا المشركين، احفوا الشوارب وأوفوا اللحى". رواه البخاري (5892) ومسلم (601) . قال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى: واللحية هي ما ثبت على الخدين والذقن كما أوضح ذلك صاحب القاموس، فالواجب ترك الشعر النابت على الخدين والذقن وعدم حلقه أو قصه. أصلح الله حال المسلمين جميعاً. فتاوى إسلامية (2/325) . وقال الشيخ ابن عثيمين حفظه الله تعالى: وحد اللحية كما ذكره أهل اللغة هي شعر الوجه واللحيين والخدين، بمعنى أن كل ما على الخدين وعلى اللحيين والذقن فهو من اللحية، وأخذ شيء منها داخل في المعصية أيضاً لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "وفروا اللحى" و "أوفوا اللحى"، وهذا يدل على أنه لا يجوز أحذ شيء منها، لكن المعاصي تتفاوت؛ فالحلق أعظم من أخذ شيء منها لأنه أعظم وأبين مخالفة من أخذ شيء منها. فتاوى هامة (ص 36) . وانظر السؤال رقم (8196) . وأما بالنسبة للصلاة خلف من كان مظهراً لفسقه فقد اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين: القول الأول: لا تصح الصلاة خلف الفاسق. وهو مذهب أحمد ومالك في إحدى الروايتين عنهما. قال الشيخ مصطفى الرحيباني: (فصل) (ولا تصح إمامة فاسق مطلقا) أي: سواء كان فسقه بالاعتقاد أو الأفعال المحرمة، ولو كان مستوراً لقوله تعالى: {أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون} ... " مطالب أولي النهى " (1 / 653) . قال شيخ الإسلام رحمه الله: الأئمة متفقون على كراهة الصلاة خلف الفاسق لكن اختلفوا في صحتها فقيل: لا تصح، كقول مالك وأحمد في إحدى الروايتين عنهما، وقيل: بل تصح كقول أبي حنيفة والشافعي والرواية الأخرى عنهما، ولم يتنازعوا أنه لا ينبغي توليته. " مجموع الفتاوى " (23 / 358) . القول الثاني: تصح الصلاة خلف الفاسق، ولو كان ظاهر الفسق، وهذا القول هو الصحيح وهو اختيار الشيخ محمد ابن عثيمين - رحمه الله - والدليل على هذا القول: أولاً: عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله " رواه مسلم (673) . ثانياً: خصوص قوله صلى الله عليه وسلم في أئمة الجور الذين يصلون الصلاة لغير وقتها: " صلِّ الصلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم فصلِّ فإنها لك نافلة " رواه مسلم (648) . وعند البخاري: " يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطأوا فلكم وعليهم " رواه البخاري (694) . ثالثاً: أن الصحابة ومنهم ابن عمر " كانوا يُصلون خلف الحجاج " وابن عمر من أشد الناس تحرياً لاتباع السنة واحتياطاً لها، والحجاج معروف بأنه من أفسق عباد الله. ويقال أيضاً: كل من صحة صلاته صحة إمامته، ولا دليل على التفريق بين صحة الصلاة وصحة الإمامة، لأنه إذا كان يفعل معصية فمعصيته لنفسه، وهذا دليل نظري. " انظر الشرح الممتع لابن عثيمين (4/304) . واعلم بأن الإمامة في الصلاة أجرها عظيم، وشرفها جسيم، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن الأقرأ (أي الأحفظ) للقرآن هو الذي يُقدم في الصلاة (انظر السؤال 1875) ، وعليه فإن كان غيرك أقرأ للقرآن منك فإنه يقدم، فإن لم يكن إلا أنت فلا بأس بأن تؤم المصلين حتى لو كنت مذنباً لما تقدم من الأدلة. وختاماً ننصحك أيها الأخ المسلم بأن تتقي الله، وأن تبتعد عن محاربته بالمعصية، فبادر بالتوبة إلى الله قبل أن ينزل بك الموت فتندم ولا ينفعك الندم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 13465 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1659 من أحق الناس بالإمامة في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[من أحق الناس بالإمامة في الصلاة؟ حبذا لو احتوى الجواب على أدلة من القرآن والأحاديث. السؤال الثاني: أثناء قول الأذكار، هل يجوز قول "إلا الله"؟ وماذا يعني هذا الذكر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: أحق الناس بالإمامة هو العالم بأحكام الصلاة والحافظ لكتاب الله. عن أبي مسعود الأنصاري قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنَّة ". رواه الإمام مسلم (1530) . وليس المراد بـ " الأقرأ " الأحسن قراءة بل المراد به الحافظ لكتاب الله، ومما يدل عليه حديث عمرو بن سلمة قال: … فكنتُ أحفظ ذلك الكلام – أي: القرآن – وكأنما يقر في صدري، … فلمَّا كانت وقعة أهل الفتح بادر كل قوم بإسلامهم وبدر أبي قومي بإسلامهم فلما قدم قال: جئتكم والله من عند النَّبي صلى الله عليه وسلم حقا فقال صلوا صلاة كذا في حين كذا وصلوا صلاة كذا في حين كذا فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكثركم قرآنا، فنظروا، فلم يكن أحد أكثر قرآناً منِّي لما كنت أتلقى من الركبان فقدموني بين أيديهم وأنا ابن ست أو سبع سنين. رواه البخاري (4051) . وإنما قلنا إنه لا بدَّ أن يكون على علم بأحكام الصلاة؛ لأنه قد يطرأ عليه طارئ مثل نقض الوضوء أو نقص ركعة فلا يحسن التصرف، فيقع في أخطاء ويوقع غيره في نقص صلاتهم أو بطلانها. والحديث السابق: استدل به بعض العلماء على تقديم الأفقه: قال النووي: وقال مالك والشافعي وأصحابهما: الأفقه مقدم على الأقرأ؛ لأن الذي يحتاج إليه من القراءة مضبوط والذي يحتاج إليه من الفقه غير مضبوط، وقد يعرض في الصلاة أمر لا يقدر على مراعاة الصواب فيه إلا كامل الفقه قالوا ولهذا قدم النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه في الصلاة على الباقين مع أنه نص صلى الله عليه وسلم على أن غيره أقرأ منه، وأجابوا عن الحديث بأن الأقرأ من الصحابة كان هو الأفقه، لكن في قوله: " فإن كانوا في القراءة سواء، فأعلمهم بالسنَّة " دليل على تقديم الأقرأ مطلقاً. شرح مسلم (5/ 177) . فالنووي وإن خالف إمامه الشافعي في الاستدلال بالحديث، لكن كلامهم له اعتباره على أساس أنه ليس بين الصحابة من يحسن القراءة وهو جاهل بأحكام الشرع كما هو الحال في كثير من أهل زماننا. وقال ابن قدامة: وإن كان أحدهما أفقه في أحكام الصلاة والآخر أفقه في غير الصلاة: قُدِّم الأفقه في الصلاة. " المغني " (2 / 19) . وقالت اللجنة الدائمة: ... فإذا علم ذلك، فلا تصح إمامة الجاهل إلا بمن هو مثله مع عدم وجود من يصلح للإمامة. " فتاوى إسلامية " (1/ 264) . ثانياً: لم نفهم ما هو المراد من السؤال، ولفظة " إلا الله " ليست ذكراً وحده، ولم يأتِ في الشرع في أي ذِكرٍ من الأذكار وحده، بل جاء مع غيره مثل " لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير " وغيره من الأذكار الكثيرة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20219 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1660 مسابقة الإمام في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[نشاهد بعض الناس لدينا في المسجد يتحركون في الصلاة بناء على توقع حركة الإمام وليس بعد الإمام وأحياناً يسبقون الإمام فما حكم هذا العمل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر كبروا فكبروا، ولا تكبروا حتى يكبر، وإذا ركع فاركعوا ولا تركعوا حتى يركع، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا ولا تسجدوا حتى يسجد، وإذا صلى قائماً فصلوا قياماً، وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعين) رواه أبو داود، وهذا لفظه، وأصله في الصحيحين. يستفاد من الحديث وجوب متابعة الإمام، وأنه القدوة في تنقلات الصلاة وسائر أعمالها وأقوالها، فلا يجوز الاختلاف عليه، وأن الأفضل أن تكون تنقلات المأموم تأتي بعد تنقلات الإمام، فتكون عقبه فلا تخلف في الانتقال من ركن على ركن، ذلك أنه عطف بين تنقلات الإمام وتنقلات المأموم بالفاء الدالة على الترتيب والتعقيب. كما يستفاد من الحديث أن مسابقة الإمام محرمة، وإذا وقعت عمداً بطلت صلاته، وأن التخلف عنه كمسابقته لا تجوز. وقوله: (إنما جُعل الإمام ليؤتم به) الائتمام هو الاقتداء والاتباع، ومن شأن التابع أن لا يسابق متبوعه ولا يوافقه، بل يأتي على أثره. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] من كتاب توضيح الأحكام من بلوغ المرام لـ عبد الله بن عبد الرحمن البسام ص 144. الحديث: 9843 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1661 هل يخلو بامرأة ليصلي بها إماماً؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز الاختلاء بامرأة للصلاة بها إماما؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز للرجل أن يخلو بامرأة أجنبية عنه. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يخلونَّ رجل بامرأةٍ إلا ومعها ذو محرَم) رواه البخاري (5233) ومسلم (1341) . وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ) رواه أحمد (178) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1813) . وهذه الأحاديث عامة، تدل على تحريم خلوة الرجل بالمرأة في أي حال ولو كان ذلك من أجل الصلاة، وقد نص على تحريم ذلك أهل العلم. قال النووي في "المجموع" (4/174) : " قال أصحابنا: إذا أمَّ الرجل بامرأته أو محرم له , وخلا بها جاز بلا كراهة ; لأنه يباح له الخلوة بها في غير الصلاة , وإن أمَّ بأجنبية وخلا بها حرم ذلك عليه وعليها , للأحاديث الصحيحة التي سأذكرها إن شاء الله تعالى. . ثم ذكر نحو الأحاديث المتقدمة " انتهى. وجاء في الموسوعة الفقهية" (19/267) : "وقد اتفق الفقهاء على أن الخلوة بالأجنبية محرمة. وقالوا: لا يخلون رجل بامرأة ليست منه بمحرم , ولا زوجة , بل أجنبية ; لأن الشيطان يوسوس لهما في الخلوة بفعل ما لا يحل , قال صلى الله عليه وسلم: (لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان) . وقالوا: إن أمَّ بأجنبية وخلا بها , حرم ذلك عليه وعليها " انتهى. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 94019 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1662 ما يدركه المسبوق مع الإمام هو أول صلاته [السُّؤَالُ] ـ[إذا فاتني ركعة جهرية في صلاة الجماعة.. أقضيها سراً أم جهراً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصحيح من أقوال أهل العلم أن ما يدركه المسبوق مع الإمام هو أول صلاته، وهو مذهب الشافعي رحمه الله، انظر المجموع للنووي (4/420) ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا سَمِعْتُمْ الإِقَامَةَ فَامْشُوا إِلَى الصَّلاةِ وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ وَلا تُسْرِعُوا فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا) البخاري (636) ومسلم (602) . ومعنى أتموا: أكملوا. كما في فتح الباري (2 /118) ، وهذا معناه أن ما أدركه المسبوق مع الإمام هو أول صلاته. فعلى هذا لو أدرك المسبوق مع الإمام الركعة الثانية من صلاة المغرب فهذه الركعة تكون هي الثانية للإمام والأولى لهذا المأموم، ثم الثالثة للإمام تكون هي الثانية للمأموم، فإذا سلم الإمام قام هذا المسبوق ليتم صلاته فتكون هذه هي الركعة الثالثة له، فيقرأ فيها بالفاتحة سراً. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 23426 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1663 الصلاة خلف إمام صوفي [السُّؤَالُ] ـ[عندنا إمام صوفي، فهل تصح الصلاة خلفه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما يختص به الصوفية من الأعمال أو الأقوال أو الاعتقادات، وليس له أصل في كتاب الله أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، منه ما هو بدع مكفرة، ومنه ما هو بدع غير مكفِّرة، فإن كان الإمام من أصحاب البدع الكفرية: فلا يصلَّى وراءه ولا كرامة، وإن كان من أهل البدع غير المكفرة: فيجوز الصلاة وراءه، وغيره من أهل السنَّة أولى ولا شك. سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -: إذا حضرت بقرية وكان إمامها من الصوفية، ولا يقبض يده في الصلاة، ولا يدلي بركبتيه قبل يديه إلى السجود، فهل تجوز صلاتي معه؟ . فأجاب: إذا كان معروفاً بالتوحيد ليس مشركاً، وإنما عنده شيء من الجهل أو التصوف، ولكنه موحد مسلم يعبد الله وحده، ولا يعبد المشايخ، ولا غيرهم من المخلوقات كالشيخ عبد القادر وغيره: فمجرد كونه لا يضم يديه في الصلاة: لا يمنع من الصلاة خلفه؛ لأن هذا أمر مسنون، وليس بواجب، وهو جعل كفه اليمنى على كفه اليسرى ورسغه وساعده على صدره حال القيام في الصلاة، فمن أرسلها فلا حرج عليه وصلاته صحيحة، ... . " فتاوى الشيخ ابن باز " (12 / 120، 121) . وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – أيضاً -: ما حكم الصلاة خلف من يذهب إلى قبور الصالحين للتبرك بها وتلاوة القرآن في الموالد وغيرها بأجر على ذلك؟ . فأجاب: هذا فيه تفصيل: إن كان مجرد الاحتفال بالموالد من دون شرك: فهذا مبتدع، فينبغي أن لا يكون إماماً؛ لما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) - رواه أبو داود (3991) - والاحتفال بالموالد من البدع، أما إذا كان يدعو الأموات ويستغيث بهم، أو بالجن، أو غيرهم من المخلوقات فيقول: " يا رسول الله انصرني "، أو " اشف مريضي "، أو يقول: " يا سيدي الحسين "، أو " يا سيدي البدوي "، أو غيرهم من الأموات، أو الجمادات كالأصنام، المدد المدد: فهذا مشرك شركا أكبر، لا يصلى خلفه، ولا تصح إمامته - نسأل الله العافية -. أما إذا كان يرتكب بدعة كأن يحضر المولد ولكن لا يأتي بالشرك، أو يقرأ القرآن عند القبور، أو يصلي عندها، ولا يأتي بشرك: فهذا يكون قد ابتدع في الدين، فيعلَّم، ويوجَّه إلى الخير وصلاته صحيحة إذا لم يفعلها عند القبور، أما الصلاة في المقبرة: فلا تصح؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) متفق عليه. " فتاوى الشيخ ابن باز " (9 / 373، 374) و (12 / 108، 109) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93150 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1664 إذا زاد ركعة على وتر الإمام ليكمل بعد ذلك [السُّؤَالُ] ـ[بعض الناس إذا صلى مع الإمام الوتر وسلم الإمام قام وأتى بركعة ليكون وتره آخر الليل فما حكم هذا العمل؟ وهل يعتبر انصراف مع الإمام؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا نعلم في هذا بأساً نص عليه العلماء ولا حرج فيه حتى يكون وتره في آخر الليل. ويصدق عليه أنه قام مع الإمام حتى ينصرف لأنه قام معه حتى انصراف الإمام وزاد ركعة لمصلحة شرعية حتى يكون وتره آخر الليل فلا بأس بهذا ولا يخرج به عن كونه ما قام مع الإمام بل هو قام مع الإمام حتى انصرف لكنه لم ينصرف معه بل تأخر قليلاً. [الْمَصْدَرُ] من كتاب الجواب الصحيح من أحكام صلاة الليل والتراويح للشيخ عبد العزيز بن باز ص 41هـ الحديث: 3453 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1665 حكم إمامة شارب الدخان [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للإمام أن يصلي بالناس وهو يشرب الدخان؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله شارب الدخان لا ينبغي أن يُصلى خلفه إذا وجد من هو أفضل منه، فإذا لم يوجد افضل منه أو جئت وصليت خلفه وهو يشرب الدخان فالصلاة صحيحة إن شاء الله، فقد ذكر جمهور أهل العلم أن الصلاة خلف الفاسق صحيحة وان من صلى خلفه لا يؤمر بإعادة، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (صلوا خلف من قال لا إله إلا الله) رواه أبو نعيم (1/320) ، والدارقطني 2/56، والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد الله بن حميد ص 127. الحديث: 11412 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1666 إمامة الرجل غير المختون [السُّؤَالُ] ـ[إذا أسلم رجل أو أمرأة بعد أن بلغ عمرهما ثلاثين سنة أو أكثر أو أقل هل يلزمهما الختان، وهل يجوز إمامة الرجل غير المختون؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن الختان من سنن الفطرة في حق الرجال والنساء فإن تركه بعد أن كبرت سنه فلا شيء عليه، وأما إمامة غير المختون فصحيحة. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 5/117 الحديث: 2140 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1667 مكانة إمامة المصلين في الإسلام [السُّؤَالُ] ـ[هل من المناسب أن يكون الإمام مدفوع الراتب مديراً للمسجد في نفس الوقت؟ بمعنى آخر تعارض في الاهتمامات، الرجاء الشرح.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا مانع من كون الإمام مديراً للمسجد في نفس الوقت، ولو كان يتقاضى مرتباً شهريّاً؛ وإمام المسجد هو المسؤول عن المسجد، وليس دوره مقتصراً فقط على الإمامة، لأن الإمام في المسجد كالسلطان في سلطانه، إلا إذا كان لا يُحسن تدبير المسجد أو كان منشغلاً لا يمكن القيام بجميع المهمات فلا مانع من أن يتولى رجلٌ آخر إدارة المسجد بعد موافقة الإمام. أو يوزع بعض المهمات على بعض المصلّين. مكانة الإمامة في الإسلام: اعلم وفقك الله أن " الإمامة نظام إلهي يُرشدنا الله سبحانه وتعالى فيه عمليّاً إلى مقاصد سنيَّة، وأهداف ساميَة من حسن الطاعة والاقتداء بالقادة في مواطن الجهاد، ولهذا كانت سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر خلفائه الراشدين، ومن سلك سبيلهم من ولاة الأمور في الدولة الأمويَّة والعباسيَّة أن الأمير يكون إماماً في الصلاة والجهاد، فلقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث أميراً على حرب كان هو الذي يتولى إمامة الصلاة، وكذلك إذا استعمل رجلاً نائباً على مدينة، كما استعمل عتاب بن أُسيد رضي الله عنه على مكة وعثمان بن أبي العاص رضي الله عنه على الطائف وعلياً ومعاذاً وأبا موسى رضي الله عنهم على اليمن وعمرو بن حزم رضي الله عنه على نجران، وكان نائبه صلى الله عليه وسلم هو الذي يصلي بهم ويقيم فيهم الحدود وكذلك خلفاؤه بعده ومن بعدهم من الأمويين وبعض العباسيين وذلك لأن أهم أمر الدين الصلاة والجهاد. وأما دور الإمام في المجتمع فلا شك أنه دور هام، كيف لا وهو يقوم بإمامتهم في الصلاة التي هي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين فالإمام هو القائد والمأمومون تابعون له والإمام يقوم بالتوجيه والإرشاد لجماعته بما يلقي من دروس ومواعظ فلقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون يجعلون من المسجد مؤتمراً يجمعون فيه المسلمين ليحصل التشاور بينهم في أمور دينهم وشئون دنياهم فيعلِّمون النَّاس التوحيد والفقه ومكارم الأخلاق مع أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر ". انظر كتاب " أحكام الإمامة والائتمام في الصلاة " للمنيف (ص 64) . والإمام يتفقد الغائبين، ويزور المرضى، ويسعى في حاجات من يصلي معه من المسلمين ويُعلم جاهلهم، وينبه غافلهم، وينصح مسيئهم، ويُصلح ذات بينهم، ويقرب بعضهم من بعض ويسعى في أسباب المودة والمحبة بينهم، ويحاول إصلاح الخلل الإجتماعي فيهم من الشقاق العائلي، ومنازعات الجيران ونحو ذلك، وفي الجملة فإن دور الإمام عظيم عليه أن يقدّره حق قدره، وعلى الجماعة أن يعينوه في تحقيق المصالح الشرعية ودفع المفاسد والأضرار، والله الموفق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 13474 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1668 صلى في مسجد ثم علم أن به قبورا وأضرحة [السُّؤَالُ] ـ[صليت في مسجد للصوفية، وكان الإمام صوفيا وبعد الانتهاء من الصلاة فيه علمت أنه يوجد في المسجد قبور وأضرحة، وعليها قبة؛ فهل أعيد الصلاة؟ وهل علي إثم إذا كنت أعلم أن هذا المسجد وإمامه صوفي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا تجوز الصلاة في مسجد بني على قبر، أو وضع فيه قبر؛ للأحاديث الواردة في لعن من اتخذ القبور مساجد. ولا تصح الصلاة في هذا المسجد، على الراجح من كلام أهل العلم، وعليه فيلزمك إعادة الصلاة. سئل الشيخ ابن باز رحمه الله ما نصه: " هل تصح الصلاة في المساجد التي يوجد فيها قبور؟ فأجاب: المساجد التي فيها قبور لا يصلى فيها، ويجب أن تنبش القبور وينقل رفاتها إلى المقابر العامة، يجعل رفات كل قبر في حفرة خاصة كسائر القبور، ولا يجوز أن يبقى في المساجد قبور، لا قبر ولي ولا غيره؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى وحذر من ذلك، ولعن اليهود والنصارى على عملهم ذلك، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) قالت عائشة رضي الله عنها: (يُحذّر ما صنعوا) متفق عليه. وقال عليه الصلاة والسلام لما أخبرته أم سلمة وأم حبيبة بكنيسة في الحبشة فيها تصاوير فقال: (أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله) متفق على صحته، وقال عليه الصلاة والسلام: (ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك) خرجه مسلم في صحيحه، عن جندب بن عبد الله البجلي. فنهى عن اتخاذ القبور مساجد عليه الصلاة والسلام ولعن من فعل ذلك، وأخبر: أنهم شرار الخلق، فالواجب الحذر من ذلك. ومعلوم أن كل من صلى عند قبر فقد اتخذه مسجداً، ومن بنى عليه مسجداً فقد اتخذه مسجداً، فالواجب أن تبعد القبور عن المساجد، وألا يجعل فيها قبور؛ امتثالاً لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم، وحذراً من اللعنة التي صدرت من ربنا عز وجل لمن بنى المساجد على القبور؛ لأنه إذا صلى في مسجد فيه قبور قد يزين له الشيطان دعوة الميت، أو الاستغاثة به، أو الصلاة له، أو السجود له، فيقع الشرك الأكبر، ولأن هذا من عمل اليهود والنصارى، فوجب أن نخالفهم، وأن نبتعد عن طريقهم، وعن عملهم السيئ. لكن لو كانت القبور هي القديمة ثم بني عليها المسجد فالواجب هدمه وإزالته؛ لأنه هو المحدث، كما نص على ذلك أهل العلم؛ حسماً لأسباب الشرك وسدا لذرائعه. هنا شبهة يشبه بها عباد القبور، وهي وجود قبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده. والجواب عن ذلك: أن الصحابة رضي الله عنهم لم يدفنوه في مسجده، وإنما دفنوه في بيت عائشة رضي الله عنها، فلما وسع الوليد بن عبد الملك مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في آخر القرن الأول أدخل الحجرة في المسجد، وقد أساء في ذلك، وأنكر عليه بعض أهل العلم، ولكنه اعتقد أن ذلك لا بأس به من أجل التوسعة. ­فلا يجوز لمسلم أن يحتج بذلك على بناء المساجد على القبور، أو الدفن في المساجد؛ لأن ذلك مخالف للأحاديث الصحيحة؛ ولأن ذلك أيضاً من وسائل الشرك بأصحاب القبور، والله ولي التوفيق " انتهى من "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" (5/388) . ومما يدل على عدم صحة الصلاة في المسجد الذي به قبر، ما روى الترمذي (317) وأبو داود (492) وابن ماجه (745) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إِلَّا الْمَقْبَرَةَ وَالْحَمَّامَ) والحديث صححه ابن خزيمة وابن حبان والألباني، وينظر: صحيح سنن الترمذي. قال في زاد المستقنع: " ولا تصح الصلاة في مقبرة ". قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه: " قوله: «ولا تصح الصلاة في مقبرة» نفي الصحة يقتضي الفساد؛ لأن كل عبادة إما أن تكون صحيحة، وإما أن تكون فاسدة، ولا واسطة بينهما، فهما نقيضان شرعا، فإذا انتفت الصحة ثبت الفساد. وقوله: «الصلاة» يعم كل ما يسمى صلاة، سواء كانت فريضة أم نافلة، وسواء كانت الصلاة ذات ركوع وسجود أم لم تكن؛ لأنه قال: «الصلاة» وعليه فيشمل صلاة الجنازة فلا تصح في المقبرة. لكن قد دلت الأدلة على استثناء صلاة الجنازة، كما سنذكره إن شاء الله، وعلى هذا؛ فالمراد بالصلاة ما سوى صلاة الجنازة ... فإذا قال قائل: ما الدليل على عدم صحة الصلاة في المقبرة؟ . قلنا: الدليل: أولا: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام» ، وهذا استثناء، والاستثناء معيار العموم. ثانيا: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» والمساجد هنا قد تكون أعم من البناء؛ لأنه قد يراد به المكان الذي يبنى، وقد يراد به المكان الذي يتخذ مسجدا وإن لم يبن؛ لأن المساجد جمع مسجد، والمسجد مكان السجود، فيكون هذا أعم من البناء. ثالثا: تعليل؛ وهو أن الصلاة في المقبرة قد تتخذ ذريعة إلى عبادة القبور، أو إلى التشبه بمن يعبد القبور، ولهذا لما كان الكفار يسجدون للشمس عد طلوعها وغروبها، نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عند طلوعها وغروبها؛ لئلا يتخذ ذريعة إلى أن تعبد الشمس من دون الله، أو إلى أن يتشبه بالكفار. وأما من علل ذلك بأن علة النهي عن الصلاة في المقبرة خشية أن تكون المقبرة نجسة، فهذا تعليل عليل، بل ميت لم تحل فيه الروح " انتهى من "الشرح الممتع" (2/237) . وسئل رحمه الله: " عن حكم الصلاة في مسجد في قبلته قبر؟ فأجاب بقوله: لا يجوز أن يوضع في المسجد قبر، لا في قبلته ولا خلف المصلين، ولا عن أيمانهم، ولا عن شمائلهم، وإذا دفن أحد في المسجد ولو كان هو المؤسس له فإنه يجب أن ينبش هذا القبر وأن يدفن مع الناس، أما إذا كان القبر سابقا على المسجد وبني المسجد عليه، فإنه يجب أن يهدم المسجد وأن يبعد عن القبر، لأن فتنة القبور في المساجد عظيمة جدا فربما يدعو إلى عبادة هذا المقبور ولو بعد زمن بعيد، وربما يدعو إلى الغلو فيه، وإلى التبرك به وهذا خطر عظيم على المسلمين، لكن إن كان القبر سابقا وجب أن يهدم المسجد ويغير مكانه، وإن كان المسجد هو الأول فإنه يجب أن يخرج هذا الميت من قبره ويدفن مع المسلمين، والصلاة إلى القبر محرمة ولا تصح الصلاة إلى القبر لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تصلوا إلى القبور) . والله المستعان " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (12/374) . ثانيا: الصلاة خلف الصوفي فيها تفصيل: فإن كان متلبسا ببدعة شركية كدعاء غير الله، أو اعتقاده أن الأولياء يعلمون الغيب، أو يتصرفون في الكون، فلا تصح الصلاة خلفه. وإن كانت بدعته غير شركية، صحت الصلاة خلفه. جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (7/353) : " وأما الصلاة خلف المبتدعة: فإن كانت بدعتهم شركية كدعائهم غير الله ونذرهم لغير الله واعتقادهم في مشايخهم ما لا يكون إلا لله من كمال العلم، أو العلم بالمغيبات، أو التأثير في الكونيات، فلا تصح الصلاة خلفهم. وإن كانت بدعتهم غير شركية؛ كالذكر بما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكن مع الاجتماع والترنحات، فالصلاة وراءهم صحيحة، إلا أنه ينبغي للمسلم أن يتحرى لصلاته إماما غير مبتدع؛ ليكون ذلك أعظم لأجره وأبعد عن المنكر " انتهى. وانظر السؤال رقم (4983) للوقوف على شيء من انحراف المتصوفة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 89961 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1669 هل يصلى خلف من يقول إنه لا يجب تغطية شعر المرأة؟ [السُّؤَالُ] ـ[نحن في أمريكا ويوجد شخص من جماعة المسجد له مكانته بين المسلمين. هذا الرجل قال في المسجد للمسلمين بأن أمريكا دار إسلام أكثر من بلاد الحرمين، وقال ردا على صحيفة سألته بعدما أسلمت إحدى الأمريكيات والتزمت بالحجاب بأن الله فرض على الرجال والنساء الحشمة, ولكن بعض المسلمين يقول بأن المرأة يجب أن تغطي رأسها. وهو لا يرى بتغطية الرأس. السؤال: هل ما يقوله هذا الرجل حق أم باطل بالأدلة , حيث إن كثيرا من المسلمات هنا اعتمدن على كلامه بعدم واجبية تغطية الرأس، وإذا أصر على ما يقول هل الصلاة خلفه تجوز؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: قول الرجل المسئول عنه: إن أمريكا دار إسلام أكثر من بلاد الحرمين، قول باطل، وبطلانه لا يحتاج إلى دليل؛ إذ ليس هناك عاقل فضلا عن عالم يقول إن أمريكا دار إسلام، بل وأمريكا نفسها لا تدعي ذلك! ثانيا: تغطية رأس المرأة واجب باتفاق أهل العلم؛ للأدلة الكثيرة المستفيضة التي فيها الأمر بالحجاب، ومن أصرحها قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) الأحزاب/59. وهذا دليل على وجوب ستر الوجه أيضا؛ لأن الجلباب يُدنى من على الرأس حتى يستر الوجه والصدر. وقد بينا أدلة وجوب ستر الوجه، في جواب السؤال رقم (11774) ، وهي دالة على وجوب تغطية الرأس من باب أولى. والعلماء مختلفون في تغطية الوجه، لكنهم لا يختلفون في أنه يجب على المرأة أن تغطي رأسها وشعرها عن الرجال الأجانب. قال الإمام أبو بكر الجصاص في تفسيره "أحكام القرآن" (3/485) مفسرا قوله تعالى: (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) النور/60: " لا خلاف في أن شعر العجوز عورة لا يجوز للأجنبي النظر إليه كشعر الشابة , وأنها إن صلت مكشوفة الرأس كانت كالشابة في فساد صلاتها " انتهى. ويقال لهذا المتعالم وأمثاله: الحجاب أو الحشمة التي تذهبون إليها: ما مستندها، وما حدودها، وأين ذكرها الله تعالى في كتابه أو رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته؟ فإن ذكر آيات الحجاب، طولب بمعرفة تفسيرها والوقوف عند ذلك. وإن أعرض عن آيات الحجاب، وتعامى عنها، ذُكرت له، ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حَيَّ عن بينة. ثالثا: الذي يجب أن يكون عليه المسلمون هو تعظيم الكتاب والسنة، والوقوف عند حدودهما، والسعي في تعلم أحكامهما، وعدم الاستجابة والأخذ عن كل ناعق، لا سيما في هذه الأزمنة التي كثر فيها المجترئون على الشريعة، المتحدثون بغير هدى. وعلى أخواتنا المسلمات أن يتقين الله تعالى، وأن تكون قدوتهن عائشة وفاطمة وخديجة والجيل الأول من الصحابيات الفضليات، اللاتي سارعن إلى تغطية جميع أبدانهن حين نزلت آيات الحجاب، وخرجن، لا يُعرفن من السواد، ولا يظهر منهم وجه فضلا عن شعر. رابعا: ينبغي مناصحة هذا المتكلم، وإيقافه على حكم الحجاب وصفته من الكتاب والسنة وبيان أهل العلم، فإن استجاب فالحمد لله، وهذا ما نرجوه له، وإن أصر على موقفه، فلا يُمكَّن من تعليم المسلمين أو وعظهم، ولا يمكن من الإمامة، ولا يصلى خلفه، بل يهجر ويترك حتى يرجع إلى الحق. نسأله سبحانه أن يهدي ضال المسلمين، وأن يثبتنا على دينه حتى نلقاه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 87735 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1670 حكم إمامة المدين في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لمن عليه الدين أن يؤم بالناس في الصلاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، يجوز لمن عليه دين أن يؤم الناس في الصلاة، إذا كان صالحا للإمامة؛ لعدم الدليل على منع أو كراهة إمامة المدين، إلا إذا كان مدينا مماطلا، يستطيع سداد الدين، لكنه يؤخره ويتهرب ويراوغ، فإنه محكوم بفسقه، وفي إمامة الفاسق خلاف. والدليل على تحريم المطل: قوله صلى الله عليه وسلم: (لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ) رواه النسائي (4689) وأبوداود (3628) وابن ماجه (2427) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود. واللي: هو الامتناع والمماطلة في سداد الدين، والمقصود بحل عرضه: أن يقال: مطلني فلان، أو يا ظالم يا معتدي، وعقوبته: حبسه. ولقوله صلى الله عليه وسلم: (مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ) رواه البخاري (2287) ومسلم (1564) . قال الشوكاني رحمه الله: " وقد اختلف هل المطل مع الغنى كبيرة أم لا؟ وقد ذهب الجمهور إلى أنه موجب للفسق واختلفوا هل يفسق بمرة أو يشترط التكرار؟ وهل يعتبر الطلب من المستحق أم لا؟ " انتهى من "نيل الأوطار" (5/282) . وممن عده من الكبائر: ابن حجر الهيتمي في "الزواجر عن اقتراف الكبائر " (1/414) . ومن الفقهاء من نص على أن المماطل ترد شهادته، كما في "الشرح الكبير على متن خليل" (4/181) ثانيا: سبق في جواب السؤال رقم (13465) بيان اختلاف العلماء في صحة إمامة الفاسق، غير أنهم اتفقوا على كراهة الصلاة خلفه. قال شيخ الإسلام رحمه الله: " الأئمة متفقون على كراهة الصلاة خلف الفاسق، لكن اختلفوا في صحتها فقيل: لا تصح، كقول مالك وأحمد في إحدى الروايتين عنهما. وقيل: بل تصح كقول أبي حنيفة والشافعي والرواية الأخرى عنهما، ولم يتنازعوا أنه لا ينبغي توليته " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (2/309) . والحاصل: أن الرجل إذا كان فقيراً ليس عنده ما يقضي به الدَّين فلا يقدح ذلك في دينه ولا عدالته ولا يصح أن يكون ذلك سبباً لمنعه من الإمامة في الصلاة. أما إذا كان قادراً على سداد الدَّين ولكنه يؤخر سداده بلا عذر ويماطل فإنه لا ينبغي أن يتولى إمامة المسلمين في الصلاة. وانظر جواب السؤال رقم (47884) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83887 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1671 إذا صلى بعض المأمومين خارج المسجد وانقطع التيار الكهربائي [السُّؤَالُ] ـ[أتيت إلى المسجد متأخرا لصلاة العشاء، ولم يكن داخل المسجد مكان للصلاة فصلينا خارج المسجد، وفي الركعة الأخيرة انقطع التيار الكهربائي وانقطع صوت الميكروفون عنا ولم نسمع الإمام، ماذا نفعل في هذه الحالة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان بعض المأمومين خارج المسجد، وتعذر اقتداؤهم بالإمام لانقطاع التيار الكهربائي، فإن المشروع في هذه الحال أن يقوم أحد المأمومين القريبين من باب المسجد بالجهر بالتكبير حتى يسمع من بخَارج المسجد، ويمكنهم متابعة الإمام في الصلاة، فإن لم يفعل فإنهم يخيرون بين أحد أمرين: إما أن يتموا صلاتهم فرادى، وإما أن يقدموا أحدهم يتم بهم الصلاة جماعة، وهذا هو الأولى، حتى لا يقع المصلون في الاضطراب والارتباك الحاصل بسبب انقطاع صوت الإمام. وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: صلى جماعة في قبو مسجد (الطابق الأرضي) صلاة الجمعة، وأثناء الصلاة انقطع التيار الكهربائي، وأصبح المأمومون لا يسمعون الإمام، فتقدم أحد المأمومين وأكمل بهم الصلاة. فما حكم صلاة هؤلاء علما أنه أكمل بهم الصلاة على أنها جمعة؟ وما الحكم فيما لو لم يتقدم أحد، هل يكمل كل فرد منهم صلاته وحده؟ وإذا كان يجوز ذلك هل يكملها على أنها ظهر أو على أنها جمعة، حيث إنه استمع إلى الخطيب وافتتح الصلاة مع الإمام وصلى معه ركعة؟ فأجاب: إذا كان الواقع هو ما ذكره السائل، فصلاة الجميع صحيحة؛ لأن من أدرك ركعة من الجمعة فقد أدرك الجمعة كما جاء بذلك الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولو لم يتقدم لهم أحد فصلى كل واحد بنفسه الركعة الأخيرة أجزأه ذلك، كالمسبوق بركعة يصلي مع الإمام ما أدرك ثم يقضي الركعة الثانية لنفسه؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) " انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (12/331) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83009 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1672 إذا أحدث الإمام أو تذكر الحدث في الصلاة جاز له الاستخلاف [السُّؤَالُ] ـ[إمام صلى بالناس وأثناء الصلاة تذكر أنه لم يكن متوضئاً أصلاً، فقطع الصلاة واستخلف أحد المصلين، وكان قد صلى بهم ركعة فجاء هذا الخليفة وبنى على صلاة الإمام، ثم ذهب الإمام وتوضأ وأعاد الصلاة، فهل تصرف هذا الإمام صحيح علماً بأنه مقلد للمذهب الشافعي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما قام به الإمام من الخروج من الصلاة واستخلاف أحد المأمومين، وبناء الخليفة على صلاة الإمام، كل ذلك عمل صحيح. والقول بجواز الاستخلاف في هذه الحالة هو قول جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية، ورواية عن الإمام أحمد. قال النووي رحمه الله: " قال أصحابنا: إذا خرج الإمام عن الصلاة بحدثٍ تعمّده أو سبَقه أو نسيه أو بسبب آخر , أو بلا سبب ففي جواز الاستخلاف قولان مشهوران: الصحيح الجديد: جوازه للحديث الصحيح، وقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " ذهب ليصلح بين بني عمرو بن عوف وصلى أبو بكر بالناس فحضر النبي صلى الله عليه وسلم وهو في أثناء الصلاة فاستأخر أبو بكر واستخلف النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى باختصار من المجموع" (4/138) . وقال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع (4/243) : " إذا ذكر الإمام في أثناء الصلاة أنه محدث وجب عليه الانصراف ويستخلف من يكمل بهم الصلاة، لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما طعنه أبو لؤلؤة المجوسي بعد أن شرع في صلاة الصبح تناول عمر يد عبد الرحمن بن عوف فقدمه، فصلى بهم صلاة خفيفة (رواه البخاري) . وهذا بحضرة الصحابة رضي الله عنهم، فإن لم يفعل وانصرف – أي: لم يستخلف – فللمأمومين الخيار بين أن يقدموا واحداً منهم يكمل بهم الصلاة، أو يتموها فرادى " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83110 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1673 متى تكون تكبيرات الانتقال في الصلاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[عندما يصلي الإمام , فمتى يكبر مثلا للركوع هل يكبر قبل أن يركع أم أثناء الركوع أم بعد الركوع؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المشروع لكل مصلٍّ (الإمام والمأموم والمنفرد) أن يكون تكبيره للركوع مقارنا لحركته، فيبدأ التكبير حال انحنائه، ويختمه قبل أن يصل إلى حد الركوع؛ فيقع تكبيره بين الركنين، القيام والركوع. وقد دلت السنة على أن التكبير يقارن الحركة المقصودة من ركوع، وسجود، وقيام منه، كما في الصحيحين عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاةِ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ، ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْد، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَهْوِي، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَسْجُدُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الصَّلاةِ كُلِّهَا حَتَّى يَقْضِيَهَا، وَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنْ الثِّنْتَيْنِ بَعْدَ الْجُلُوسِ) رواه البخاري (789) ومسلم (392) . فهذا الحديث ظاهرٌ في أن التكبير للركوع يكون أثناء انحنائه إلى الركوع، وتكبير السجود أثناء نزوله إلى السجود، وتكبير الرفع من السجود أثناء رفعه ...... وهكذا، ذكره النووي في "شرح مسلم"، وذكر أنه مذهب جمهور العلماء. ومن الفقهاء من شدد في ذلك، ورأى أنه لو بدأ المصلي التكبير وهو قائم قبل أن ينحني، أو أكمله بعد وصوله إلى الركوع أن ذلك لا يجزئه، ويكون تاركا للتكبير؛ لأنه أتى به في غير موضعه، وعلى القول بوجوب التكبير: تبطل صلاته إن تعمد ذلك، وإن فعله سهوا لزمه السجود للسهو، والصحيح أنه يعفى عن ذلك دفعاً للمشقة. قال المرداوي في "الإنصاف" (2/59) : " قال المجد وغيره: ينبغي أن يكون تكبير الخفض والرفع والنهوض ابتداؤه مع ابتداء الانتقال , وانتهاؤه مع انتهائه. فإن كمّله في جزء منه أجزأه [أي إذا أوقعه بين الركنين دون أن يبسطه ويمده] ; لأنه لا يخرج به عن محله بلا نزاع. وإن شرع فيه قبله , أو كمّله بعده , فوقع بعضه خارجا عنه , فهو كتركه ; لأنه لم يكمله في محله، فأشبه من تمم قراءته راكعا , أو أخذ في التشهد قبل قعوده. ويحتمل أن يعفى عن ذلك ; لأن التحرز منه يعسر , والسهو به يكثر , ففي الإبطال به أو السجود له مشقة. " انتهى باختصار. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " قال الفقهاء رحمهم الله: لو بدأ بالتكبير قبل أن يهوي، أو أتمه بعد أن يصل إلى الركوع؛ فإنه لا يجزئه. لأنهم يقولون: إن هذا تكبير في الانتقال فمحله ما بين الركنين، فإن أدخله في الركن الأول لم يصح، وإن أدخله في الركن الثاني لم يصح؛ لأنه مكان لا يشرع فيه هذا الذكر، فالقيام لا يشرع فيه التكبير، والركوع لا يشرع فيه التكبير، إنما التكبير بين القيام والركوع. ولا شك أن هذا القول له وجهة من النظر؛ لأن التكبير علامة على الانتقال؛ فينبغي أن يكون في حال الانتقال. ولكن القول بأنه إن كمله بعد وصول الركوع، أو بدأ به قبل الانحناء يبطل الصلاة فيه مشقة على الناس، لأنك لو تأملت أحوال الناس اليوم لوجدت كثيرا من الناس لا يعملون بهذا، فمنهم من يكبر قبل أن يتحرك بالهوي، ومنهم من يصل إلى الركوع قبل أن يكمل. والغريب أن بعض الأئمة الجهال اجتهد اجتهادا خاطئا وقال: لا أكبر حتى أصل إلى الركوع، قال: لأنني لو كبرت قبل أن أصل إلى الركوع لسابقني المأمومون، فيهوون قبل أن أصل إلى الركوع، وربما وصلوا إلى الركوع قبل أن أصل إليه، وهذا من غرائب الاجتهاد؛ أن تفسد عبادتك على قول بعض العلماء؛ لتصحيح عبادة غيرك؛ الذي ليس مأمورا بأن يسابقك، بل أمر بمتابعتك. ولهذا نقول: هذا اجتهاد في غير محله، ونسمي المجتهد هذا الاجتهاد: "جاهلا جهلا مركبا"؛ لأنه جهل، وجهل أنه جاهل. إذا؛ نقول: كبر من حين أن تهوي، واحرص على أن ينتهي قبل أن تصل إلى الركوع، ولكن لو وصلت إلى الركوع قبل أن تنتهي فلا حرج عليك. فالصواب: أنه إذا ابتدأ التكبير قبل الهوي إلى الركوع، وأتمه بعده فلا حرج، ولو ابتدأه حين الهوي، وأتمه بعد وصوله إلى الركوع فلا حرج، لكن الأفضل أن يكون فيما بين الركنين بحسب الإمكان. وهكذا يقال في: "سمع الله لمن حمده " وجميع تكبيرات الانتقال. أما لو لم يبتدئ إلا بعد الوصول إلى الركن الذي يليه، فإنه لا يعتد به " انتهى من "الشرح الممتع". والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82627 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1674 مسبوق نسي وسلَّم مع الإمام، فهل يسجد للسهو بعد أن يأتي بما عليه؟ [السُّؤَالُ] ـ[فاتتني الركعة الأولى من العصر، وعندما سلم الإمام سلمت معه بالغلط، فهل يجب سجود السهو بعد أن آتي بهذه الركعة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، عليك أن تسجد للسهو بعد أن تتم صلاتك، وذلك لأن المأموم إذا سها لا سجود عليه إلا إذا كان مسبوقاً. قال النووي رحمه الله تعالى في "المجموع" (4/63) : " إذا سها خلف الإمام تحمل الإمام سهوه، ولا يسجد واحد منهما بلا خلاف، قال الشيخ أبو حامد: وبهذا قال جميع العلماء إلا مكحولا، فإنه قال: يسجد المأموم لسهو نفسه " انتهى. والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما جُعِل الإمام ليؤتمّ به، فلا تختلفوا عليه) رواه البخاري (722) ومسلم (414) وسجود المأموم للسهو فيه مخالفة للإمام. أما إذا كان مسبوقاً فإنه يسجد للسهو إذا أتمّ صلاته، لأنه سيتمها منفرداً، فلا يكون في سجوده مخالفة للإمام. ثانيا: قال النووي رحمه الله "المجموع" (4/64) : " ولو كان مسبوقا فسها بعد سلام الإمام، لم يتحمل عنه الإمام؛ لانقطاع القدوة " انتهى. وجاء في الموسوعة الفقهية (8/206) : " إذا سلم المسبوق بعد سلام الإمام سهوا، بنى على صلاته ويسجد للسهو " انتهى. وقال الشيخ السعدي رحمه الله ": " إذا كان مسبوقا وسها بما يقضيه فإن عليه السجود للسهو " انتهى. " فتاوى السعدي" (157) وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (14/رقم698) : " إذا سها المأموم في صلاته وكان مسبوقا وجب عليه أن يسجد للسهو إذا كان سهوه مما يوجب السجود " انتهى. ومن ذلك ما إذا سلم المسبوق بعد سلام إمامه سهوا، فإن الواجب عليه أن يقوم فيأتي بما عليه، ثم يسجد للسهو. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 81966 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1675 استخلاف الإمام غيره أثناء الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز استبدال الإمام بإمام آخر أثناء الصلاة، ابتداء من الركعة الثانية، حيث إن الإمام الأول لم يستطع إكمال الصلاة، أو قراءة القرآن من شدة البكاء، وخاف الإطالة على المأمومين، وقد كانوا على سفر وعلى عجلة من أمرهم جميعا، فَوَلَّى مِن المأمومين مَن ينوب عنه في الإمامة أثناء الصلاة، واستبدل كلٌّ منهم مكانه بمكان الآخر، وأكملوا الصلاة على ذلك، فإن لم يكن تصرفهم هذا جائزا فماذا على الإمام؟ وماذا على المأمومين؟ وماذا على الإمام المستبدل؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا طرأ على الإمام عذر يمنعه من إتمام صلاته أو من البقاء في الإمامة، فإن له أن يستخلف أحد المأمومين ليتم الصلاة بالجماعة خلفه، هذا هو مذهب جماهير أهل العلم. قال النووي رحمه الله في "المجموع" (4/142) : " حكاه ابن المنذر عن عمر بن الخطاب وعلي وعلقمة وعطاء والحسن البصري والنخعي والثوري ومالك وأصحاب الرأي وأحمد، ولم يصرح بحكاية منع الاستخلاف عن أحد " انتهى. واستدلوا بأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما طعن وهو في الصلاة أخذ بيد عبد الرحمن بن عوف، فقدمه، فأَتَمَّ بالناس الصلاة. رواه البخاري (3700) . وكان ذلك بمحضر من الصحابة وغيرهم، ولم ينكر، فكان إجماعا. انظر: "الموسوعة الفقهية" (3/252) . ثانياً: عَجْزُ الإمام عن إتمام الصلاة بالناس أو القيام بأحد أركان الصلاة يعتبر من الأعذار التي تجيز له أن يستخلف غيره فيتم صلاة الجماعة. قال أبو الوليد الباجي في "المنتقى شرح الموطأ" (1/290) : " وأما تأخر الإمام لعذر فلا خلاف في جواز ذلك، والأعذار على وجهين: منها: ما يوجب للإمام كونه مأموما، وذلك إذا عجز عن شيء من فروض الصلاة، فإنه يتأخر ويقدم رجلا من القوم يتم بهم الصلاة ويأتم هو به " انتهى. ومن ذلك لو غلب البكاء على الإمام فما يعود يقدر أن يتم ركن القراءة بالفاتحة، فيستخلف أحد المأمومين حينئذ. قال ابن قدامة في "المغني" (1/944) : " إن عجز عن إتمام الفاتحة فله أن يستخلف من يصلي بهم؛ لأنه عذر، فجاز أن يستخلف لأجله، كما لو سبقه حدث، وكذلك لو عجز في أثناء الصلاة عن ركن فإنه يستخلف من يتم بهم الصلاة " انتهى. أما إذا كان الإمام قد أتم قراءة الفاتحة، ثم غلبه البكاء أثناء القراءة بعد الفاتحة، فإنه حينئذ يقطع قراءته ويركع ولا شيء عليه. فعن عبد الله بن السائب رضي الله عنه قال: (صَلَّى لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى الّلهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الصُّبحَ بِمَكَّةَ، فَاستَفتَحَ سُورَةَ المُؤمِنِينَ، حَتَّى جَاءَ ذِكرُ مُوسَى وَهَارُونَ، أَخَذَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ سَعلَةٌ فَرَكَعَ) رواه مسلم (455) . قال النووي "شرح مسلم" (4/177) : " وفي هذا الحديث جواز قطع القراءة ولا كراهة فيه إن كان القطع لعذر " انتهى. ولا يجوز له أن يستخلف حينئذ؛ إذ يمكنه إتمام الصلاة بالناس مقتصرا على أركانها، ولا داعي لمعاناة القراءة أثناء البكاء، فإن قراءة ما زاد على الفاتحة ليس بواجب. وقد نقل في "مواهب الجليل" (2/136) عن المازري أنه قال: " لا يستخلف لِحَصرِ قراءة بعض السورة " انتهى. (أي: إذا امتنعت عليه القراءة) . ويوصَى في مثل هذه الأحوال أن يحاول ضبط نفسه قدر الإمكان، حتى لا يشق على المصلين، فإن البكاء يسترسل ويطول، ولذلك بعض المفاسد. وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (11/342) : ما رأي سماحتكم في ظاهرة ارتفاع الأصوات بالبكاء؟ فأجاب: " لقد نصحت كثيرا ممن اتصل بي بالحذر من هذا الشيء، وأنه لا ينبغي؛ لأن هذا يؤذي الناس ويشق عليهم ويشوش على المصلين وعلى القارئ، فالذي ينبغي للمؤمن أن يحرص على أن لا يسمع صوته بالبكاء، وليحذر من الرياء، فإن الشيطان قد يجره إلى الرياء، فينبغي له أن لا يؤذي أحدا بصوته، ولا يشوِّش عليهم، ومعلوم أن بعض الناس ليس ذلك باختياره، بل يغلب عليه من غير قصد، وهذا معفو عنه إذا كان بغير اختياره، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه إذا قرأ يكون لصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء) ، وجاء في قصة أبي بكر رضي الله عنه أنه (كان إذا قرأ لا يُسمِع الناس من البكاء) ، وجاء عن عمر رضي الله عنه (أنه كان يُسمَعُ نشيجُه من وراء الصفوف) ، ولكن هذا ليس معناه أنه يتعمد رفع صوته بالبكاء، وإنما شيء يغلب عليه من خشية الله عز وجل، فإذا غلبه البكاء من غير قصد فلا حرج عليه في ذلك " انتهى. ثالثاً: تبين مما سبق أنه إن كان إمامكم قد أتم قراءة الفاتحة، فقد أخطأ حيث استخلف غيره، فلا يَعُد إلى مثل ذلك، أما حكم صلاتكم وصلاته فهي صحيحة إن شاء الله، ولا يؤمر أحد بالإعادة، لعدم العلم بالحكم الشرعي. وأما إن كان الإمام غلبه البكاء عن قراءة الفاتحة، فما فعله من استخلاف غيره صواب مشروع. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 77065 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1676 متى يَشرَعُ المأموم بالتسليم عن اليمين؟ [السُّؤَالُ] ـ[عند التسليم من الصلاة، هل يسلم المأموم بعد الأولى من الإمام، ثم الثانية بعد الثانية، أم ينتظر ولا يسلم حتى ينتهي الإمام من التسليمة الثانية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأفضل للمأموم أن لا يسلم من الصلاة حتى يفرغ الإمام من التسليمة الثانية. قال النووي رحمه الله "المجموع" (3/463) : " قال البغوي: يستحب ألا يبتدئ السلام حتى يفرغ الإمام من التسليمتين، وهو ظاهر نص الشافعي في البويطي كما نقله البغوي، فإنه قال: (ومن كان خلف إمام، فإذا فرغ الإمام من سلامه سلم عن يمينه وشماله) " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (4/267) : "قال العلماء: يكره أن تسلم مع إمامك التسليمة الأولى والثانية، وأما إذا سلمت التسليمة الأولى بعد التسليمة الأولى، والتسليمة الثانية بعد التسليمة الثانية فإن هذا لا بأس به، لكن الأفضل أن لا تسلم إلا بعد التسليمتين " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 75977 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1677 المراد من حديث: من زار قوما فلا يؤمهم [السُّؤَالُ] ـ[نهى النبي صلى الله عليه وسلم الضيف من إمامة المقيمين في الصلاة، بل يؤمهم أحدهم (المرجع حديث رواه مالك بن الحويرث في الترمذي وأبي داود. هذا الحديث (هو "نص" حسبما يظهر لي) لا يعمل به في مساجدنا عندما يحضر أحد ضيوف الخطباء. فالخطيب يطلب من الضيف أن يؤم الناس في الصلاة، ويفعل الضيف ذلك. وتأييدا لهذا العمل، يستشهد الخطباء بالحديث الذي فيه أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أم الصلوات في مكة يوم الفتح مع أنه كان زائرا. أرجو أن تبين لي الحكم للفائدة العليمة وكي ترشد الآخرين حيال الموضوع.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله حديث مالك بن الحويرث المشار إليه، رواه الترمذي (356) وأبو داود (596) عَنْ أَبِي عَطِيَّةَ قَالَ: كَانَ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ يَأْتِينَا فِي مُصَلانَا يَتَحَدَّثُ فَحَضَرَتْ الصَّلاةُ يَوْمًا فَقُلْنَا لَهُ: تَقَدَّمْ. فَقَالَ: لِيَتَقَدَّمْ بَعْضُكُمْ حَتَّى أُحَدِّثَكُمْ لِمَ لا أَتَقَدَّمُ , سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ زَارَ قَوْمًا فَلا يَؤُمَّهُمْ , وَلْيَؤُمَّهُمْ رَجُلٌ مِنْهُمْ) . قَالَ أَبُو عِيسَى الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ، قَالُوا: صَاحِبُ الْمَنْزِلِ أَحَقُّ بِالإِمَامَةِ مِنْ الزَّائِرِ. وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِذَا أَذِنَ لَهُ فَلا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ. وقَالَ إِسْحَقُ بِحَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ وَشَدَّدَ فِي أَنْ لا يُصَلِّيَ أَحَدٌ بِصَاحِبِ الْمَنْزِلِ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ صَاحِبُ الْمَنْزِلِ، قَالَ وَكَذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ لا يُصَلِّي بِهِمْ فِي الْمَسْجِدِ إِذَا زَارَهُمْ، يَقُولُ: لِيُصَلِّ بِهِمْ رَجُلٌ مِنْهُمْ) انتهى من سنن الترمذي. والحديث قال عنه الألباني رحمه الله: صحيح دون قصة مالك. "صحيح سنن الترمذي". وقد ثبت في السنة ما يدل على جواز أن يؤم الزائرُ صاحبَ البيت، إذا كان ذلك بإذنه، وهو ما رواه مسلم (673) عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَلا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ , وَلا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلا بِإِذْنِهِ) . قال النووي رحمه الله في شرحه: " قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَلا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانه) مَعْنَاهُ: مَا ذَكَرَهُ أَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ: أَنَّ صَاحِب الْبَيْت وَالْمَجْلِس وَإِمَام الْمَسْجِد أَحَقّ مِنْ غَيْره، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْغَيْر أَفْقَه وَأَقْرَأ وَأَوْرَع وَأَفْضَل مِنْهُ. وَصَاحِب الْمَكَان أَحَقّ فَإِنْ شَاءَ تَقَدَّمَ، وَإِنْ شَاءَ قَدَّمَ مَنْ يُرِيدهُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الَّذِي يُقَدِّمهُ مَفْضُولا بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَاقِي الْحَاضِرِينَ؛ لأَنَّهُ سُلْطَانه فَيَتَصَرَّف فِيهِ كَيْف شَاءَ. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَلا يَقْعُد فِي بَيْته عَلَى تَكْرِمَته إِلا بِإِذْنِهِ) قَالَ الْعُلَمَاء: التَّكْرِمَة الْفِرَاش وَنَحْوه مِمَّا يُبْسَط لِصَاحِبِ الْمَنْزِل وَيُخَصّ بِهِ " انتهى باختصار. وقال الشوكاني رحمه الله في شرح حديث مالك بن الحويرث: " وأكثر أهل العلم أنه لا بأس بإمامة الزائر بإذن رب المكان؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي مسعود رضي الله عنه: (إلا بإذنه) " انتهى من "نيل الأوطار" (3/170) . ويدل أيضا على جواز إمامة الزائر لصاحب المنزل: ما رواه البخاري (424) ومسلم (33) عَنْ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ فِي مَنْزِلِهِ فَقَالَ: (أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ لَكَ مِنْ بَيْتِكَ؟ قَالَ: فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى مَكَانٍ , فَكَبَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَفْنَا خَلْفَهُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ) . ويدل على جواز إمامة المسافر للمقيمين: ما رواه الترمذي (545) عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ: سُئِلَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ عَنْ صَلاةِ الْمُسَافِرِ , فَقَالَ: حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ , وَحَجَجْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ , وَمَعَ عُمَرَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ , وَمَعَ عُثْمَانَ سِتَّ سِنِينَ مِنْ خِلافَتِهِ أَوْ ثَمَانِيَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ) والحديث قال عنه الألباني رحمه الله: صحيح لغيره. وروى مالك في الموطأ (349) أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه كَانَ إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ , ثُمَّ يَقُولُ: (يَا أَهْلَ مَكَّةَ , أَتِمُّو صَلاتَكُمْ , فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ) . وقد رواه أبو داود (1229) مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم , لكن بسند ضعيف , ضعفه الألباني في ضعيف أبي داود. لكن يغني عنه حديث عمران بن الحصين المتقدم , فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في سفره للحج ركعتين , وكان أهل مكة يصلون خلفه بمكة ويتمون صلاتهم أربعا بلا شك. قال الشوكاني رحمه الله: " وأثر عمر رجال إسناده أئمة ثقات " انتهى من "نيل الأوطار" (3/177) . والحاصل من مجموع الأحاديث: أن صاحب البيت وإمام المسجد أحق بالإمامة من غيره، وأنه إن أذن للمسافر أو للضيف بالصلاة، فله ذلك. وسئل الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: ما الجمع بين حديث: (لا يؤمنّ الرجل الرجل في سلطانه إلا بإذنه، ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه) وبين حديث: (من زار قوماً فلا يؤمهم) ؟ فأجاب: " يحمل على إمامتهم بغير إذنهم. أو يُجمع بأن الأولى له أن يدع وإن أذن له. وكلمة " بإذنه" دالة على الجواز " انتهى. "فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم" (2/285) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 72234 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1678 هل يصلي خلف من يجهل عقيدته وفي الولاية متصوفة وشيعة؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا لا أصلي الجمعة مع الجماعة حيث إنني مبتعث لدولة أجنبية المسلمون في هذه الولاية قلة وفيهم الشيعة والمتصوفون , وأنا لا أعلم عن حال الإمام إن كان مسلما سنيا أو لا , فما حكم تركي للصلاة معهم؟ مع العلم بأن المسجد بعيد ولا أسمع الأذان.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: صلاة الجماعة واجبة على من سمع الأذان، فإذا كان بيتك بعيداً عن المسجد بحيث لا تسمع الأذان إذا رفع المؤذن صوته من غير مكبر للصوت، مع سكون الرياح والضوضاء ونحو ذلك مما يؤثر على السماع فلا يجب عليك حضور صلاة الجماعة في المسجد. وقد سبق بيان هذا في السؤال رقم (21969) ، والسؤال رقم (20655) . وأما صلاة الجمعة فقد أجمع العلماء على أنها واجبة على كل من كان في المدينة من الرجال، سواء سمع النداء أو لا، ومهما تباعدت أطراف المدينة. وانظر بيان هذا في جواب السؤال: (39054) . ثانياً: ما دام الإمام مسلما في الظاهر، فلا يجوز ترك الجمعة والجماعة خلفه لاحتمال كونه شيعيا أو صوفيا، إلا أن تمكن إقامة الجمعة والجماعة – من غير فتنة - خلف غيره ممن هو معروف بالاستقامة وصحة المنهج، فالصلاة خلف هذا أولى وأفضل. والأصل إحسان الظن بالمسلم، وعدم القدح في دينه ومنهجه بغير قادح معلوم، كما أن القول الراجح صحة الصلاة خلف كل من حكمنا بإسلامه، ما لم يقع في أمور مكفرة، كاعتقاد تحريف القرآن الكريم، أو تكفير أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أو دعاء الأموات والاستغاثة بهم، فهذا لا يصلى خلفه. سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن الصلاة خلف المرازقة وعن بدعتهم؟ فأجاب: " يجوز للرجل أن يصلى الصلوات الخمس والجمعة وغير ذلك خلف من لم يعلم منه بدعة ولا فسقا باتفاق الأئمة الأربعة وغيرهم من أئمة المسلمين، وليس من شرط الائتمام أن يعلم المأموم اعتقاد إمامه، ولا أن يمتحنه فيقول: ماذا تعتقد؟ بل يصلى خلف مستور الحال، ولو صلى خلف من يعلم أنه فاسق أو مبتدع ففي صحة صلاته قولان مشهوران في مذهب أحمد ومالك، ومذهبُ الشافعي وأبى حنيفة الصحة. ... ولو علم المأموم أن الإمام مبتدع يدعو إلى بدعته، أو فاسق ظاهر الفسق، وهو الإمام الراتب الذي لا تمكن الصلاة إلا خلفه كإمام الجمعة والعيدين، والإمام في صلاة الحج بعرفة ونحو ذلك، فان المأموم يصلي خلفه عند عامة السلف والخلف، وهو مذهب أحمد والشافعي وأبى حنيفة وغيرهم. ولهذا قالوا في العقائد: إنه يصلى الجمعة والعيد خلف كل إمام برا كان أو فاجرا، وكذلك إذا لم يكن في القرية إلا إمام واحد فإنها تصلى خلفه الجماعات، فإن الصلاة في جماعة خير من صلاة الرجل وحده وإن كان الإمام فاسقا، هذا مذهب جماهير العلماء، أحمد بن حنبل والشافعى وغيرهما، بل الجماعة واجبة على الأعيان في ظاهر مذهب أحمد. ومن ترك الجمعة والجماعة خلف الإمام الفاجر فهو مبتدع عند الإمام أحمد وغيره من أئمة السنة ... والصحيح أنه يصليها ولا يعيدها، فإن الصحابة كانوا يصلون الجمعة والجماعة خلف الأئمة الفجار، ولا يعيدون، كما كان ابن عمر يصلى خلف الحجاج، وابن مسعود وغيره يصلون خلف الوليد بن عقبة، وكان يشرب الخمر ... والفاسق والمبتدع صلاته في نفسه صحيحة فإذا صلى المأموم خلفه لم تبطل صلاته، لكن إنما كَرِهَ مَنْ كَرِهَ الصلاة خلفه لأن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر واجب، ومن ذلك أن من أظهر بدعة أو فجورا لا يُرتّب إماما للمسلمين، فإنه يستحق التعزير حتى يتوب، فإذا أمكن هجره حتى يتوب كان حسنا، وإذا كان بعض الناس إذا ترك الصلاة خلفه، وصلى خلف غيره أثّر ذلك حتى يتوب أو يعزل أو ينتهي الناس عن مثل ذنبه، فمثل هذا إذا ترك الصلاة خلفه كان فيه مصلحة، ولم يفت المأموم جمعة ولا جماعة، وأما إذا كان ترك الصلاة يفوّت المأموم الجمعة والجماعة فهنا لا يَترك الصلاة خلفهم إلا مبتدع مخالف للصحابة رضي الله عنهم " انتهى من "مجموع الفتاوى" (23/351- 356) . وسئل علماء اللجنة الدائمة: ما حكم أكل اللحوم عندما يكون الذابح مجهول العقيدة والصلاة وراءه؟ فأجابوا: " إذا كان المسلم ظاهرا، مجهول الحال بالنسبة لعقيدته، ولم يعلم عنه انحراف في عقيدته صحت الصلاة وراءه وأكلت ذبيحته " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (7/365) . وجاء فيها أيضا (7/353) : " وأما الصلاة خلف المبتدعة: فإن كانت بدعتهم شركية كدعائهم غير الله ونذرهم لغير الله واعتقادهم في مشايخهم ما لا يكون إلا لله من كمال العلم، أو العلم بالمغيبات، أو التأثير في الكونيات، فلا تصح الصلاة خلفهم. وإن كانت بدعتهم غير شركية؛ كالذكر بما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكن مع الاجتماع والترنحات، فالصلاة وراءهم صحيحة، إلا أنه ينبغي للمسلم أن يتحرى لصلاته إماما غير مبتدع؛ ليكون ذلك أعظم لأجره وأبعد عن المنكر " انتهى. وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: ما حكم المقيم في بلد أهله متمسكون بالبدعة، هل يصح له أن يصلي معهم صلاة الجمعة والجماعة، أو يصلي وحده، أو تسقط عنه الجمعة؟ وإذا كان أهل السنة ببلد أقل من اثني عشر فهل تصح لهم الجمعة أم لا؟ فأجاب: " إنّ إقامة صلاة الجمعة واجبة خلف كل إمام بر أو فاجر، فإذا كان الإمام في الجمعة لا تخرجه بدعته عن الإسلام فإنه يصلى خلفه، قال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله في عقيدته المشهورة: " ونرى الصلاة خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة وعلى من مات منهم " انتهى ... " ثم نقل كلام شيخ الإسلام السابق، إلى أن قال: " وأما السؤال الثاني: فجوابه أن يقال: هذه المسألة فيها خلاف مشهور بين أهل العلم، والصواب في ذلك: جواز إقامة الجمعة بثلاثة فأكثر إذا كانوا مستوطنين في قرية لا تقام فيها الجمعة، أما اشتراط أربعين أو اثني عشر أو أقل أو أكثر لإقامة الجمعة فليس عليه دليل يعتمد عليه فيما نعلم، وإنما الواجب أن تقام في جماعة وأقلها ثلاثة وهو قول جماعة من أهل العلم، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو الصواب كما تقدم " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (4/303) . هذا وينبغي أن تتعاون مع الجالية الموجودة في هذه البلاد، لدعوتهم إلى الله تعالى، وتصحيح عقائدهم، وإرشاد ضالهم، بالحكمة بالموعظة الحسنة، والسعي لأن تكون إمامة الصلاة في أفضلهم وأتقاهم. نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 72441 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1679 كان يُصَلِّي نافلةً، فصلّى خلفَه آخرون، فقلبَ نِيَّتَه إلى فريضةٍ [السُّؤَالُ] ـ[صلى أحد زملائي تحية المسجد بعد أن انتهت الصلاة المفروضة، وهو لم يصلها لكي ينتظر زملاءه أن يفرغوا من الوضوء ويصلوا جماعةً، وأتى أشخاصٌ آخرون صلوا وراءه ظنًّا منهم أنه يصلي المفروضة، فنوى أن يصلي المفروضة وهو في الركعة الأولى. فهل صلاته صحيحةٌ؟ وصلاة الأشخاص الآخرين؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يصح تغيير النية من نفل إلى فرض؛ لأن الواجب في صلاة الفريضة أن تكون النية مقارنة لتكبيرة الإحرام , أو قبلها بزمن يسير. قال النوويُّ رحمه الله "المجموع" (4/183-184) : " قال الماوَرْدِيُّ: نقلُ الصلاةِ إلى صلاةٍ أقسامٌ: أحدُها: نقلُ فرضٍ إلى فرض: فلا يحصلُ واحدٌ منهما. الثاني: نقلُ نفلٍ راتبٍ إلى نفلٍ راتبٍ: كَوِتْرٍ إلى سنةِ الفجر، فلا يحصلُ واحدٌ منهما. الثالث: نقلُ نفلٍ إلى فرضٍ: فلا يحصل واحدٌ منهما. . . إلخ " انتهى. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن رجلٍ دخل في صلاة ثم تذكر أنه لم يصلِّ العشاء , فقلب النية إلى صلاة العشاء، فهل يصح ذلك؟ فأجاب: " لا يصح. . لأن العبادة المعينة لابد أن ينويها من أولها قبل أن يدخل فيها , لأنه لو نوى من أثنائها لزم أن يكون الجزء السابق على النية الجديدة خاليان من نية الصلاة التي انتقل إليها وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات , وإنما لكل امرئ ما نوى) . . . وعلى السائل أن يعيد صلاة العشاء " انتهى باختصار. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (12/443) . وانظر جواب السؤال رقم (39689) . ثانياً: وأما حكم صلاة المأمومين , فهي صحيحة إن شاء الله تعالى , لأن صلاة الإمام وإن كانت لا تصح فريضة , إلا أنها تكون نافلة , لأنه قلب نيته جهلاً، وظناً منه أن ذلك جائز , فيكون شبيهاً ممن دخل في الفريضة قبل وقتها وهو يظن دخول الوقت؟ فإنها تكون نفلاً , وقد سبق في جواب السؤال (21764) أن صلاة المفترض خلف المتنقل صحيحة. وعلى فرض أن صلاة الإمام تبطل بذلك , فلا يلزم من بطلان صلاة الإمام بطلان صلاة المأمومين. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل تبطل صلاة المأموم ببطلان صلاة الإمام؟ فأجاب: " لا تبطل صلاة المأموم ببطلان صلاة الإمام، لأن صلاة المأموم صحيحه، والأصل بقاء الصحة، ولا يمكن أن تبطل إلا بدليل صحيح، فالإمام بطلت صلاته بمقتضى الدليل الصحيح، ولكن المأموم دخل بأمر الله فلا يمكن أن تفسد صلاته إلا بأمر الله، والقاعدة: (أن من دخل في عبادة حسب ما أُمر به، فإننا لا نبطلها إلا بدليل) . ويستثنى من ذلك ما يقوم به مقام المأموم مثل السترة، فالسترة للإمام ستره لمن خلفه، فإذا مرت امرأة بين الإمام وسترته بطلت صلاة الإمام وبطلت صلاة المأموم، لأن هذه السترة مشتركة، ولهذا لا نأمر المأموم أن يتخذ سترة، بل لو اتخذ سترة لعد متنطعاً مبتدعاً " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (12/450) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 71177 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1680 انقطعت الكهرباء أثناء صلاة الجمعة ولم يتمكنوا من متابعة الإمام [السُّؤَالُ] ـ[كنا في صلاة الجمعة، والمسجد عندنا مكون من عدة طوابق، وفي الركعة الأولى انقطعت الكهرباء فلم يتمكن المأمومون الذين يصلون في الطابق الثاني والثالث من متابعة الإمام، فصلوها ظهرا، فهل ما فعلوه صحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان ذلك قد وقع قبل الركوع في الركعة الأولى، فما فعلوه صحيح، وإذا وقع ذلك بعد الركوع مع الإمام فكان الواجب عليهم أن يتموها جمعة، ركعتين. وقد سئل الشيخ عبد العزيز آل الشيخ عن مثل هذه الواقعة فقال: "من أدرك ركعة من الجمعة ثم عرض عارض كانقطاع الكهرباء ونحوه، فإنه يتمها جمعة منفرداً بمعنى أنه يصلي الركعة الثانية ثم يسلم؛ لما في الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاةَ) . والركعة إنما تدرك بالركوع، ومن لم يدرك الركوع مع الإمام فإنه غير مدرك للركعة، وعلى هذا فإذا كان من ذكروا في السؤال لم يدركوا مع الإمام إلا تكبيرة الإحرام فقط فإنهم يصلونها ظهرا ً" اهـ. "مجلة البحوث الإسلامية" (61/83) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 71231 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1681 هل تصح الصلاة خلف من يلحن في القرآن؟ [السُّؤَالُ] ـ[إمام المسجد الذي أصلي فيه يخطئ في قراءة الفاتحة، فينصب المرفوع، ويكسر المرفوع، مما يغير معنى الآية، فهل تصح الصلاة وراءه؟ يوجد عندنا في المسجد بدع منكرة بعد الصلاة مثل ترديد " يا لطيف " 100 مرة، بصفة جماعية.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من كان إماماً أو مأموماً يخطئ في قراءة الفاتحة بما يغيِّر معنى الآيات: فصلاته باطلة؛ لأن الفاتحة ركن من أركان الصلاة، ويجب عليه أن يصحح قراءته، وأن يتعلم قراءة الفاتحة على الصواب؛ إلا أن يعجز عن تعلم ذلك، بعد اجتهاده فيه، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها. لكنه إن كان إماماً فلا يصلي وراءه إلا من كان مثله أو دونه في إقامة الفاتحة. قال النووي رحمه الله: " وتكره إمامة من يلحن في القراءة؛ ثم ينظر: إن كان لحنا لا يغير المعنى، كرفع الهاء من الحمد لله، صحت صلاته وصلاة من اقتدى به، وإن كان يغير، كضم تاء أنعمت عليهم أو كسرها، تبطله، كقوله الصراط المستقين؛ فإن كان يطاوعه لسانه ويمكنه التعلم لزمه ذلك، فإن قصر وضاق الوقت صلى وقضى، ولا يجوز الاقتداء به. وإن لم يطاوعه لسانه، أو لم يمض ما يمكن التعلم فيه، فإن كان في الفاتحة فصلاة مثله خلفه صحيحة، وصلاة صحيح اللسان خلفه صلاة قارئ خلف أمي [يعني أنها لا تصح] ، وإن كان في غير الفاتحة صحت صلاته وصلاة من خلفه " انتهى من روضة الطالبين (1/350) وقال ابن قدامة رحمه الله: " (وإن) (أم أمي أميا وقارئا) (أعاد القارئ وحده) . الأمي من لا يحسن الفاتحة أو بعضها , أو يخل بحرف منها , وإن كان يحسن غيرها , فلا يجوز لمن يحسنها أن يأتم به , ويصح لمثله أن يأتم به.. " ثم قال: " ومن ترك حرفا من حروف الفاتحة ; لعجزه عنه , أو أبدله بغيره , كالألثغ الذي يجعل الراء غينا , والأرت الذي يدغم حرفا في حرف , أو يلحن لحنا يحيل المعنى , كالذي يكسر الكاف من إياك , أو يضم التاء من أنعمت , ولا يقدر على إصلاحه , فهو كالأمي , لا يصح أن يأتم به قارئ. ويجوز لكل واحد منهم أن يؤم مثله ; لأنهما أميان , فجاز لأحدهما الائتمام بالآخر , كاللذين لا يحسنان شيئا. وإن كان يقدر على إصلاح شيء من ذلك فلم يفعل , لم تصح صلاته , ولا صلاة من يأتم به. " وقال أيضا: " تكره إمامة اللحان , الذي لا يحيل المعنى , نص عليه أحمد. وتصح صلاته بمن لا يلحن ; لأنه أتى بفرض القراءة , فإن أحال المعنى في غير الفاتحة , لم يمنع صحة الصلاة , ولا الائتمام به , إلا أن يتعمده , فتبطل صلاتهما ... وأما إن كان لا يغيِّر بخطئه معنى الآيات: فيجوز الصلاة وراءه مع وجوب تعلمه للقراءة، وأما إن كان خطؤه في غير الفاتحة: فهو منقص من الصلاة وليس مبطلا لها، والصلاة خلف المتقن للقراءة أولى منه ولا شك، ولا يجوز لولاة الأمر تولية مثل هؤلاء الجهلة الصلاة بالناس، وإلا كانوا شركاء معهم بالإثم." انظر: المغني (3/29-32 ط هجر) . وقال علماء اللجنة الدائمة: ... أما إذا كان يخطئ: فإن كان خطؤه لحناً لا يغيِّر المعنى: فالصلاة وراء من لا يلحن أولى إذا تيسر، وإن كان لحنه في الفاتحة يغيِّر المعنى: فالصلاة وراءه باطلة، وذلك من أجل لحنه لا لعماه؛ كقراءة (إيَّاكَ نَعْبُدُ) بكسر الكاف، أو (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِم) بضم التاء أو كسرها، وإن كان يخطئ لضعف حفظه: كان غيره ممن هو أحفظ أولى بالإمامة منه. " فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (2 / 527) . وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -: إمام يلحن في القرآن، وأحياناً يزيد وينقص في أحرف الآيات القرآنية، ما حكم الصلاة خلفه؟ . فأجاب: إذا كان لحنه لا يحيل المعنى: فلا حرج في الصلاة خلفه مثل نصب (رَبِّ) أو رفعها في (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الفاتحة/2، وهكذا نصب (الرَّحمنِ) أو رفعه، ونحو ذلك، أما إذا كان يحيل المعنى: فلا يصلى خلفه إذا لم ينتفع بالتعليم والفتح عليه، مثل أن يقرأ (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) بكسر الكاف، ومثل أن يقرأ (أَنْعَمْتَ) بكسر التاء أو ضمها، فإن قبِل التعليم وأصلح قراءته بالفتح عليه: صحت صلاته وقراءته، والمشروع في جميع الأحوال للمسلم أن يعلم أخاه في الصلاة وخارجها؛ لأن المسلم أخو المسلم يرشده إذا غلط ويعلمه إذا جهل ويفتح عليه إذا ارتج عليه القرآن. " مجموع فتاوى ابن باز " (12 / 98، 99) . ثانيا: أما بخصوص ترديد " يا لطيف " مائة مرة: فلا يشك أنها بدعة لو قالها المسلم وحده؛ لأنها جملة غير مفيدة، فهو نداء لله تعالى لكن ماذا بعدُ؟ هل هو يطلب من ربه شيئاً؟ هل يريد الثناء عليه بعدها؟ لا شيء من ذلك، وإذا ذُكرت جماعة كانت بدعة أخرى. وانظر كلام العلماء في هذا في جوابي السؤالين: (22457) و (26867) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 70270 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1682 حكم الصلاة خلف من يشرب الدخان [السُّؤَالُ] ـ[هل تصح الصلاة خلف إمام يشرب الدخان، علماً بأنه توجد مساجد أخرى لكن تجتمع الأئمة على الاشتراك في التدخين -؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله شرب الدخان حرام، ولا شك في ذلك عند العلماء، وهو ضار ولا شك في ذلك عند الأطباء والعقلاء، وارتكاب هذا الفعل من إمام مسجد: يعد من المجاهرة بالمعصية، وبعض أهل العلم يمنع من الصلاة خلفه، إلا أن الصواب جواز ذلك، مع التنبيه أن غيره من أهل العدالة أولى. سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -: ما حكم شرب الدخان، وحكم إمامة من يجاهر بذلك؟ . فأجاب: قد دلت الأدلة الشرعية على أن شرب الدخان من الأمور المحرمة شرعاً؛ وذلك لما اشتمل عليه من الخبث والأضرار الكثيرة، والله سبحانه لم يبح لعباده من المطاعم والمشارب إلا ما كان طيباً نافعاً، أما ما كان ضارّاً لهم في دينهم أو دنياهم أو مغيراً لعقولهم: فإن الله سبحانه قد حرمه عليهم، وهو عز وجل أرحم بهم من أنفسهم، وهو الحكيم العليم في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره، فلا يحرم شيئاً عبثاً، ولا يخلق شيئاً باطلاً، ولا يأمر بشيءٍ ليس للعباد فيه فائدة؛ لأنه سبحانه أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، وهو العالم بما يصلح العباد وينفعهم في العاجل والآجل، كما قال سبحانه: (إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) الأنعام/83، وقال عز وجل: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا) الإنسان/30.والآيات في هذا المعنى كثيرة. ومن الدلائل القرآنية على تحريم شرب الدخان قوله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم في سورة المائدة: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ) المائدة/4، وقال في سورة الأعراف في وصف نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: (يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) الأعراف/157 الآية. فأوضح سبحانه في هاتين الآيتين الكريمتين أنه سبحانه لم يحل لعباده إلا الطيبات؛ وهي الأطعمة والأشربة النافعة، أما الأطعمة والأشربة الضارة كالمسكرات والمخدرات وسائر الأطعمة والأشربة الضارة في الدين أو البدن أو العقل: فهي من الخبائث المحرمة، وقد أجمع الأطباء وغيرهم من العارفين بالدخان وأضراره أن الدخان من المشارب الضارة ضررا كبيرا، وذكروا أنه سبب لكثير من الأمراض كالسرطان وموت السكتة وغير ذلك، فما كان بهذه المثابة فلا شك في تحريمه ووجوب الحذر منه، فلا ينبغي للعاقل أن يغتر بكثرة من يشربه، فقد قال الله تعالى في كتابه المبين: (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ) الأنعام/116، وقال عز وجل: (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا) الفرقان/44. أما إمامة شارب الدخان وغيره من العصاة في الصلاة: فلا ينبغي أن يتخذ مثله إماماً، بل المشروع أن يختار للإمامة الأخيار من المسلمين المعروفين بالدين والاستقامة؛ لأن الإمامة شأنها عظيم؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلما) الحديث، رواه مسلم في صحيحه، وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لمالك بن الحويرث وأصحابه: (إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم) . لكن اختلف العلماء رحمهم الله هل تصح إمامة العاصي والصلاة خلفه، فقال بعضهم: لا تصح الصلاة خلفه؛ لضعف دينه ونقص إيمانه، وقال آخرون من أهل العلم: تصح إمامته والصلاة خلفه؛ لأنه مسلم قد صحت صلاته في نفسه فتصح صلاة من خلفه؛ ولأن كثيراً من الصحابة صلوا خلف بعض الأمراء المعروفين بالظلم والفسق، ومنهم ابن عمر رضي الله عنهما قد صلى خلف الحجاج وهو من أظلم الناس، وهذا هو القول الراجح، وهو صحة إمامته والصلاة خلفه، لكن لا ينبغي أن يتخذ إماما مع القدرة على إمامة غيره من أهل الخير والصلاح. " فتاوى الشيخ ابن باز " (12 / 123 – 127) . وسئل الشيخ – رحمه الله – أيضاً -: ما حكم الصلاة خلف العاصي كحالق اللحية وشارب الدخان؟ . فأجاب: اختلف العلماء في هذه المسألة: فذهب بعضهم إلى عدم صحة الصلاة خلف العاصي؛ لضعف إيمانه وأمانته، وذهب جمع كبير من أهل العلم إلى صحتها، ولكن لا ينبغي لولاة الأمر أن يجعلوا العصاة أئمة للناس مع وجود غيرهم، وهذا هو الصواب؛ لأنه مسلم يعلم أن الصلاة واجبة عليه ويؤديها على هذا الأساس فصحت صلاة من خلفه، والحجة في ذلك ما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الصلاة خلف الأمراء الفسقة: (يصلون لكم فإن أحسنوا فلكم ولهم وإن أساءوا فلكم وعليهم) – رواه البخاري الأذان (662) -، وجاء عنه عليه الصلاة والسلام أحاديث أخرى ترشد إلى هذا المعنى، وصلى بعض الصحابة خلف الحجاج وهو من أفسق الناس؛ ولأن الجماعة مطلوبة في الصلاة، فينبغي للمؤمن أن يحرص عليها، وأن يحافظ عليها ولو كان الإمام فاسقاً، لكن إذا أمكنه أن يصلي خلف إمام عدل: فهو أولى، وأفضل، وأحوط للدين. " فتاوى الشيخ ابن باز " (6 / 400) . وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: الصلاة تصح خلف المدخن , وصلاة المدخن صحيحة , ومن صحت صلاته: صحت إمامته؛ لأن المقصود أن يكون إماما لك، وهذا يكون بصحة الصلاة , ولهذا لو وجدت شخصاً يشرب الدخان , أو حالق اللحية , أو يتعامل بالربا , أو ما شابه ذلك: فلا حرج عليك أن تصلي معه، وصلاتك صحيحة. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (15 / السؤال رقم 1003) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 70305 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1683 هل يصلون خلف من يقنت في الفجر [السُّؤَالُ] ـ[نحن دولة إسلامية في جنوب آسيا. الحكومة تأمر الأئمة أن يقلدوا الشافعية في صلواتهم هل نصلي وراء هؤلاء المقلدين، علما أنهم يقنتون في الفجر باعتقاد أن القنوت في الفجر من السنة لذا يسجدون سجدة السهو إذا نسوا القنوت في الفجر.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ليس من السنة المداومة على القنوت في صلاة الفجر، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (20031) ورقم (5459) . ثانياً: صلاتكم خلف من يقنت في الفجر صحيحة، وإن وُجد من لا يقنت على الدوام فالصلاة خلفه أولى، محافظةً على السنة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن بعض المسائل الاجتهادية التي يختلف فيها العلماء، كالقنوت في الفجر والوتر ونحو ذلك، قال: " اتفق العلماء على أنه إذا فعل كلاًّ من الأمرين كانت عبادته صحيحة، ولا إثم عليه، لكن يتنازعون في الأفضل وفيما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله، ومسألة القنوت في الفجر والوتر والجهر بالبسملة وصفة الاستعاذة ونحوها من هذا الباب، فإنهم متفقون على أن من جهر بالبسملة صحت صلاته، ومن خَافَتَ (أي: أسَرَّ بها) صحت صلاته، وعلى أن من قنت في الفجر صحت صلاته، ومن لم يقنت فيها صحت صلاته، وكذلك القنوت في الوتر " اهـ. وقال أيضا (23/115) : " وقد تبين بما ذكرناه أن القنوت يكون عند النوازل. . . ومن قال إنه من أبعاض (أجزاء) الصلاة التي يجبر بسجود السهو، فإنه بنى ذلك على أنه سنة يسن المداومة عليه، بمنزلة التشهد الأول ونحوه، وقد تبين أن الأمر ليس كذلك، فليس بسنة راتبة، ولا يسجد له، لكن من اعتقد ذلك متأولاً في ذلك، له تأويله، كسائر موارد الاجتهاد، ولهذا ينبغي للمأموم أن يتبع إمامه فيما يسوغ فيه الاجتهاد، فإذا قنت قنت معه، وإن ترك القنوت لم يقنت، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما جعل الإمام ليؤتم به) . وقال: (لا تختلفوا على أئمتكم) ، وثبت عنه في الصحيح أنه قال: (يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطأوا فلكم وعليهم) اهـ. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عندنا إمام يقنت في صلاة الفجر بصفة دائمة فهل نتابعه؟ وهل نؤمن على دعائه؟ فأجاب: " من صلى خلف إمام يقنت في صلاة الفجر فليتابع الإمام في القنوت في صلاة الفجر، ويؤمن على دعائه بالخير، وقد نص على ذلك الإمام أحمد رحمه الله تعالى " اهـ. مجموع فتاوى ابن عثيمين (14/177) . وسئلت اللجنة الدائمة ما نصه: هل تجوز الصلاة خلف إمام يسدل في صلاته ويقنت دائما في الركعة الأخيرة من صلاة الصبح؟ فأجابت: وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة سنة، والسدل خلاف السنة، والقنوت دائما في الركعة الأخيرة من صلاة الصبح كما يفعل بعض المالكية والشافعية خلاف السنة؛ لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وإنما كان يقنت في النوازل، وكان يقنت في صلاة الوتر. فإذا كان الإمام يسدل في صلاته ويديم القنوت في صلاة الصبح على ما ذكر في السؤال نصحه أهل العلم وأرشدوه إلى العمل بالسنة، فإن استجاب فالحمد لله، وإن أبى وسهلت صلاة الجماعة وراء غيره صُلِّيَ خلف غيره محافظةً على السنة، وإن لم يسهل ذلك صُلِّيَ وراءه حرصاً على الجماعة، والصلاةُ صحيحةٌ على كل حال. اهـ فتاوى اللجنة الدائمة 7/366 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 59925 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1684 حكم إمامة الألثغ [السُّؤَالُ] ـ[إمامنا ينطق الطاء ضاداً. فما حكم إمامته؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الذي يبدل حرفا بحرف، يسمى (الألثغ) . وله أحوال: الأولى: أن تكون لثغته يسيرة، بحيث ينطق بأصل الحرف، ولكنه يخل بكماله، فهذه اللثغة لا تضر، وله أن يصلي إماما. قال في "تحفة المنهاج" (2/285) : " لا تَضُرُّ لُثْغَةٌ يَسِيرَةٌ بِأَنْ لَمْ تَمْنَعْ أَصْلَ مَخْرَجِهِ , وَإِنْ كَانَ غَيْرَ صَافٍ " انتهى. ونقل المرداوي في "الإنصاف" (2/271) عن الْآمِدِيّ قوله: " يَسِيرُ ذَلِكَ – يعني اللُثْغَةٌ - لا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ , وَيَمْنَعُ كَثِيرُهُ " انتهى. الثانية: أن تكون لثغته شديدة، بحيث يبدل حرفاً بحرف، ويستطيع تصحيح نطقه ولكنه لم يفعل، فهذا لا تصح صلاته ولا إمامته، إن كان هذا الحرف في الفاتحة. قال النووي في المجموع (4/359) : " تَجِبُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلاةِ بِجَمِيعِ حُرُوفِهَا وَتَشْدِيدَاتِهَا. . . فَلَوْ أَسْقَطَ حَرْفًا مِنْهَا أَوْ خَفَّفَ مُشَدَّدًا أَوْ أَبْدَلَ حَرْفًا بِحَرْفٍ مَعَ صِحَّةِ لِسَانِهِ لَمْ تَصِحَّ قِرَاءَتُهُ " انتهى. وقال أيضاً (4/166) : " وَالأَلْثَغُ إنْ كَانَ تَمَكَّنَ مِنْ التَّعَلُّمِ فَصَلَاتُهُ فِي نَفْسِهِ بَاطِلَةٌ , فَلا يَجُوزُ الاقْتِدَاءُ بِهِ بِلا خِلافٍ " اهـ. قال ابن قدامة في "المغني" (2/15) : " وَمَنْ تَرَكَ حَرْفًا مِنْ حُرُوفِ الْفَاتِحَةِ ; لِعَجْزِهِ عَنْهُ , أَوْ أَبْدَلَهُ بِغَيْرِهِ , كَالأَلْثَغِ الَّذِي يَجْعَلُ الرَّاءَ غَيْنًا. . . إِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى إصْلَاحِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَفْعَلْ , لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ , وَلا صَلاةُ مَنْ يَأْتَمُّ بِهِ " انتهى باختصار. الثالثة: أن تكون لثغته شديدة، بحيث يبدل حرفاً بحرف، ولكنه لا يستطيع تصحيح نطقه، فهذا تصح صلاته باتفاق العلماء. قال النووي في المجموع (4/166) : " وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ الأَلْثَغُ مِنْ التَّعَلُّمِ بِأَنْ كَانَ لِسَانُهُ لا يُطَاوِعُهُ أَوْ كَانَ الْوَقْتُ ضَيِّقًا , وَلَمْ يَتَمَكَّنْ قَبْلَ ذَلِكَ ; فَصَلاتُهُ فِي نَفْسِهِ صَحِيحَةٌ " انتهى بتصرف يسير. واختلف العلماء هل تصح إمامته أو لا؟ فذهب كثير من العلماء أو أكثرهم إلى أنها لا تصح، وذهب آخرون إلى أنها تصح. ونقل النووي في "المجموع" (4/166) أنه اختار الصحة الْمُزَنِيّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ , وَهُوَ مَذْهَبُ عَطَاءٍ وَقَتَادَةَ. ونقل في "حاشية ابن عابدين" (1/582) عن بعض علماء المذهب الحنفي اختيارهم صحة إمامة الألثغ. واحتج هؤلاء بأدلة، منها: 1- قوله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا) البقرة/286. فإذا كان عاجزا عن النطق الصحيح فإنه لا يكلف إلا بما يستطيعه. 2- القياس على العجز عن القيام، فكما أن القيام ركن لا تصح صلاة الفريضة إلا به، ويسقط بالعجز عنه، وتصح إمامة العاجز عنه، فكذلك إمامة الألثغ لأنه عاجز عن النطق الصحيح. انظر: "المجموع" (4/166) . قال ابن حزم في المحلى (3/134) : " وَأَمَّا الأَلْثَغُ , وَالأَلْكَنُ (هو الَّذِي لا تَتَبَيَّنُ قِرَاءَتُهُ) , وَالأَعْجَمِيُّ اللِّسَانِ (هو الَّذِي لا يُفَرِّقُ بَيْنَ الضَّادِ وَالظَّاءِ وَالسِّينِ وَالصَّادِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ) وَاللَّحَّانُ (هو كثير الخطأ في الإعراب) فَصَلاةُ مَنْ ائْتَمَّ بِهِمْ جَائِزَةٌ. لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَهَا) فَلَمْ يُكَلَّفُوا إلا مَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ , لا مَا لا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ , فَقَدْ أَدَّوْا صَلاتَهُمْ كَمَا أُمِرُوا , وَمَنْ أَدَّى صَلاتَهُ كَمَا أُمِرَ فَهُوَ مُحْسِنٌ. قَالَ تَعَالَى: (مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) " انتهى. سئل الشيخ ابن عثيمين: لقد سمعت أحدهم يقول بأن المرء الألثغ لا تصح له الإمامة بالناس أي لا تصح الصلاة خلفه لأن به عيباً، فهل هذا صحيح أم لا وفقكم الله؟ فأجاب: " هذا صحيح عند بعض أهل العلم، يرون أن الألثغ إذا كانت لثغته بإبدال الحروف بعضها ببعض، مثل أن يبدل الراء فيجعلها غيناً أو يجعلها لاماً أو ما أشبه ذلك فإن بعض أهل العلم يرون أنها لا تصح إمامته، لأنه بمنزلة الأمي الذي لا تصح إمامته إلا بمثله، ويرى آخرون أنها تصح إمامته لأن من صحت صلاته صحت إمامته، ولأنه قد أتى بما يجب عليه وهو تقوى الله تعالى ما استطاع، وقد قال الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وإذا كان العاجز عن القيام يُصلي بالمأمومين القادرين عليه، فإن هذا مثله، لأن كلاً منهم عاجزٌ عن إتمام الركن، هذا عن القيام، وهذا عن القراءة، وهذا القول هو الصحيح، أن إمامة الألثغ تصح، وإن كان يبدل حرفاً بحرف، ما دامت هذه قدرته، ولكن مع هذا ينبغي أن يُختار من يُصلي من الجماعة إنسانٌ ليس فيه عيب، احتياطً، وخروجاً من الخلاف ". "فتاوى نور على الدرب" وانظر: "الشرح الممتع" (4/248، 249) . ثانياً: بالنسبة لما ذَكره السائل من إبدال الطاء ضادا، فإن كان يبدلها ضادا حقيقة، فقد سبق بيان حكمه. وإن كان هذا الإبدال قد يبدو بعيداً، فيحتمل أن هذا الإمام ينطق بالطاء ولكنه يقترب بها شيئا ما من الضاد، فتكون اللثغة يسيرة، فلا تضر. ويحتمل أن يكون ذلك تشددا من السائل في غير موضعه. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50536 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1685 حكم الصلاة خلف الفاسق [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الصلاة وراء إمام مارسوا عليه اللواط في طفولته وفي شبابه وبرضاه , علما بأنه حسن الصوت ويحفظ القرآن الكريم كاملا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إن كان هذا الإمام قد تاب إلى الله تعالى، وصلح حاله، فلا حرج في جعله إماما للمصلين، والصلاة خلفه، وليس لأحد أن يعيره أو يعاقبه على ذنب تاب منه، قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا) الزمر/53. يعني لمن تاب. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) رواه ابن ماجة (4250) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجة. وإن كان لا يزال على هذا المنكر العظيم، وجب نصحه ووعظه وتخويفه بالله، فإن لم يتب وجب السعي في منعه من الإمامة واستبداله بإمام عدل مستقيم في دينه، حريص على خصال التقوى، وقد منع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً بصق في اتجاه القبلة وهو يصلي، منعه أن يصلي إماماً بقومه وقال له: (إنك آذيت الله ورسوله) رواه أبو داود (481) ، وحسنه الشيخ الألباني في صحيح سنن أبو داود، فكيف بمن يأتي هذا المنكر العظيم، فإنه أجدر وأحق أن يمنع من الإمامة!! ولأن تقديمه للإمامة تعظيم له، والفاسق ليس أهلاً لهذا التعظيم. والإمام يقتدي به الناس في الغالب ويتعلمون منه، ويقبلون توجيهاته وإرشاداته، فكلما كان عدلاً مستقيماً كان أقرب إلى انتفاع الناس به وقبولهم لكلامه. وإذا كان فاسقاً لم يقبل الناس منه، بل ربما يكون سبباً لفتنة بعضهم، والعياذ بالله. ثانياً: وأما صحة الصلاة خلف الفاسق، فقد اختلف الأئمة في ذلك، والذي ذهب إليه جمهور العلماء: صحة الصلاة خلفه مع كراهيتها. قال النووي في "المجموع" (4/151) : " صَلاةُ ابْنِ عُمَرَ خَلْفَ الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ ثَابِتَةٌ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ , وَغَيْرُهُ فِي الصَّحِيحِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الصَّلاةِ وَرَاءَ الْفُسَّاقِ وَالأَئِمَّةِ الْجَائِرِينَ. قَالَ أَصْحَابُنَا: الصَّلاةُ وَرَاءَ الْفَاسِقِ صَحِيحَةٌ لَيْسَتْ مُحَرَّمَةً , لَكِنَّهَا مَكْرُوهَةٌ , وَكَذَا تُكْرَهُ وَرَاءَ الْمُبْتَدِعِ الَّذِي لا يَكْفُرُ بِبِدْعَتِهِ , وَتَصِحُّ , فَإِنْ كَفَرَ بِبِدْعَتِهِ فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لا تَصِحُّ الصَّلاةُ وَرَاءَهُ كَسَائِرِ الْكُفَّارِ , وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى كَرَاهَةِ الصَّلاةِ خَلْفَ الْفَاسِقِ وَالْمُبْتَدِعِ , فَإِنْ فَعَلَهَا صَحَّتْ " اهـ. وقال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (23/341) : "فَإِذَا كَانَ الرَّجُلانِ مِنْ أَهْلِ الدِّيَانَةِ فَأَيُّهُمَا كَانَ أَعْلَمَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَجَبَ تَقْدِيمُهُ عَلَى الآخَرِ مُتَعَيِّنًا، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا فَاجِرًا، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِالْكَذِبِ وَالْخِيَانَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ الْفُسُوقِ، وَالآخَرُ مُؤْمِنًا مِنْ أَهْلِ التَّقْوَى، فَهَذَا الثَّانِي أَوْلَى بِالإِمَامَةِ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِهَا، وَإِنْ كَانَ الأَوَّلُ أَقْرَأَ وَأَعْلَمَ فَإِنَّ الصَّلاةَ خَلْفَ الْفَاسِقِ مَنْهِيٌّ عَنْهَا نَهْيَ تَحْرِيمٍ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ وَنَهْيَ تَنْزِيهٍ عِنْدَ بَعْضِهِمْ. . . . وَلا يَجُوزُ تَوْلِيَةُ الْفَاسِقِ مَعَ إمْكَانِ تَوْلِيَةِ الْبَرِّ " اهـ. وقال أيضاً (23/375) : " لا يَجُوزُ أَنْ يُوَلَّى فِي الإِمَامَةِ بِالنَّاسِ مَنْ يَأْكُلُ الْحَشِيشَةَ أَوْ يَفْعَلُ مِنْ الْمُنْكَرَاتِ الْمُحَرَّمَةِ مَعَ إمْكَانِ تَوْلِيَةِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ. . . . (و) الأَئِمَّة مُتَّفِقُونَ عَلَى كَرَاهَةِ الصَّلاةِ خَلْفَ الْفَاسِقِ لَكِنْ اخْتَلَفُوا فِي صِحَّتِهَا: فَقِيلَ لا تَصِحُّ. كَقَوْلِ مَالِكٍ وَأَحْمَد فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُمَا. وَقِيلَ: بَلْ تَصِحُّ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَالرِّوَايَةُ الأُخْرَى عَنْهُمَا وَلَمْ يَتَنَازَعُوا أَنَّهُ لا يَنْبَغِي تَوْلِيَتُهُ " اهـ. وانظر: " الشرح الممتع " (4/304-308) . ثالثاً: ولأهل العلم تفصيل فيما يجب فعله مع الإمام الفاسق، جاء في فتاوى اللجنة الدائمة ما يلي: (وعلى هذا إن كان إماما لمسجد ولم ينتصح وجب عزله إن تيسر ذلك ولم تحدث فتنة، وإلا وجب الصلاة وراء غيره من أهل الصلاح على من تيسر له ذلك، زجرا له وإنكارا عليه، إن لم يترتب على ذلك فتنة. وإن لم تتيسر الصلاة وراء غيره شرعت الصلاة وراءه، تحقيقا لمصلحة الجماعة. وإن خيف من الصلاة وراء غيره حدوث فتنة صُلي وراءه درءا للفتنة وارتكابا لأخف الضررين) انتهى من فتاوى اللجنة الدائمة 7/370. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 47884 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1686 إمامة من يرتكب بعض المعاصي [السُّؤَالُ] ـ[إمام مسجدنا يحلق جزءًا من لحيته تاركًا شريطًا رفيعًا على وجهه فقط وهو من حفاظ القرآن. لكن كثير ممن يصلون وراءه يبدون أفضل منه في اتباعهم للدين، إلا أنهم ليسوا من حفظة القرآن. أولاً: هل بدعة هذا الإمام ـ بحلقه معظم لحيته ـ تبطل صلاته وبالتالي صلاة من يصلون خلفه؟ ثانيًا: لو كانت صلاته صحيحة، هل ينبغي لنا الاجتهاد في استبداله بإمام حتى لو كان الإمام الجديد من غير الحافظين؟ لدينا العديد من المشاكل في مسجدنا بسبب هذه المسألة، فبعضنا يقول يجب ألا نصلي وراء مثل هذا الإمام بينما يؤكد آخرون أنه يجب أن نصلي وراءه.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: حلق اللحية أو بعضها معصية من المعاصي، ولا يجوز ارتكابها، وصلاة من يفعل شيئاً من المعاصي كحلق اللحية ونحو ذلك صحيحة إذا أدّاها كما شرع الله بإجماع أهل العلم، وهكذا صلاة من خلفه إذا كان إماماً في أصحّ قولي العلماء. "تحفة الإخوان" (ص 114) للشيخ عبد العزيز بن باز. ويدل لصحة إمامته صلاة الصحابة رضي الله عنهم خلف أئمة الجور والظلم، فقد صلى عبد الله بن عمر وأنس بن مالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم خلف الحَجَّاج الثقفي، قال الشافعي: وكفى به – يعني الحجاج - فاسقاً. وإذا ثبت هذا فلا عبرة بقول من يقول: يجب ألا نصلي وراء هذا الإمام. بل تجب الصلاة خلفه فيما إذا ترتب على عدم الصلاة خلفه مفسدة أو فرقة أو نزاع، والخلاف شر. قال الشيخ ابن باز – رحمه الله -: " وأما إذا كان ترك الصلاة خلفه يفوت المأموم الجمعة والجماعات فهذا لا يترك الصلاة خلفه إلا مبتدع مخالف للصحابة رضي الله عنهم، وكذلك إذا كان الإمام قد رتّبه ولاة الأمور وليس في ترك الصلاة خلفه مصلحة شرعية فهذا لا يترك الصلاة خلفه، بل الصلاة خلفه أفضل ". مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (9/377) وقال النووي رحمه الله -في إمامة من أمّ قوماً وهم له كارهون-: " قال أصحابنا: وإنما تُكره إمامته إذا كرهوه لمعنى مذموم شرعاً كوالٍ ظالم، وكمن تغلّب على إمامة الصلاة ولا يستحقها، أو لا يتصون من النجاسات ... فإن لم يكن شيء من ذلك فلا كراهة ... " ثم قال: " وحيث قلنا بالكراهة، فهي مختصة بالإمام، أما المأمومون الذين يكرهونه فلا يكره لهم الصلاة وراءه " اهـ. المجموع (4/172-173) . ثانياً: وأما استبداله، فإن تمكنتم من استبداله بغيره ممن هو أعظم ديناً وتمسكاً به ولم يترتب على ذلك مفسدة أكبر فهذا هو الأولى، وإلا كان بقاؤه أولى. والدليل على منع الإمام المعلن بالمعصية من الإمامة ما رواه أبو داود (481) أَنَّ رَجُلا أَمَّ قَوْمًا فَبَصَقَ فِي الْقِبْلَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ فَرَغَ: لا يُصَلِّي لَكُمْ، فَأَرَادَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُصَلِّيَ لَهُمْ فَمَنَعُوهُ، وَأَخْبَرُوهُ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: نَعَمْ، وَحَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّكَ آذَيْتَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. حسنه الألباني في صحيح أبي داود. وهذا ما لم يترتب على منعه مفسدة أعظم، فإن كان كذلك، فإنكم تصلون خلفه، ولا يجوز ترك صلاة الجماعة من أجل فسق الإمام، كما سبق. وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " فإذا أمكن للإنسان أن لا يقدم مظهراً للمنكر في الإمامة وجب عليه ذلك. لكن إذا ولاه غيره ولم يُمكنه صرفه عن الإمامة أو كان لا يتمكن من صرفه عن الإمامة إلا بشر أعظم ضرراً من ضرر ما أظهر من المنكر فلا يجوز دفع الفساد القليل بالفساد الكثير، ولا دفع أخف الضررين بحصول أعظمهما، فإن الشرائع جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها بحسب الإمكان ". مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (9/377) راجع السؤال (13465) والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 46557 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1687 حكم قول الإمام للمأمومين " صلوا صلاة مودع " [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم قول الإمام قبل تكبيرة الإحرام " وجهوا قلوبكم إلى الله "، وأيضاً " صلوا صلاة مودَع "؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: من السنَّة أن يسوِّي الإمام الصفوف بنفسه، وأن يأمر المأمومين بتسوية الصفوف، وقد تنوعت العبارات الواردة في السنَّة، وكلها تأمر المأمومين بتسوية الصفوف، وتحذرهم من مخالفة ذلك، ومما ورد: " أقيموا صفوفكم وتراصوا "، " سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة "، " سووا صفوفكم فإن تسوية الصف من تمام الصلاة "، " أقيموا الصف في الصلاة فإن إقامة الصف من حسن الصلاة "، " استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم "، " أقيموا الصفوف وحاذوا بين المناكب وسدوا الخَلل "، وغير ذلك من الألفاظ. ولا حاجة لشيء من هذه الألفاظ وغيرها إذا كان الإمام قد رأى الصفَّ مستوياً. قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله -: لكن لو التفت – يعني الإمام – ووجد الصف مستقيماً متراصاً، والناس متساوون في أماكنهم، فالظاهر أنه لا يقول لهم استووا، لأنه أمر قد حصل إلا أن يريد اثبتوا على ذلك؛ لأن هذه الكلمات لها معناها، ليست كلمات تقال هكذا بلا فائدة ... " أسئلة الباب المفتوح " (رقم 62) . ولا نعلم في السنة الصحيحة شيئاً يأمر الإمام به المصلين فيما يتعلق بصلاتهم من حيث الخشوع وتوجيه القلوب إلى الله والصلاة كأنها صلاة مودِّع وما أشبه هذا، فمداومة الإمام على ذلك يُخشى أن يدخل في باب البدعة، ولا بأس أن يقول مثل هذا التذكير لكن أحياناً دون الاستمرار عليه والالتزام به في كل صلاة. ولفظة " وجهوا قلوبكم إلى الله " لم نجد لها أصلاً، وأما لفظة " صلِّ صلاة مودِّع " فقد صحَّت عن النبي صلى الله عليه وسلم لكنها وصية عامة، ولا تعلق لها بما يقوله الإمام قبل تكبيرة الإحرام. عن أبي أيوب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا قمت في صلاتك فصلِّ صلاة مودع، ولا تكلم بكلام تعتذر منه واجمع الإياس مما في أيدي الناس ". رواه ابن ماجه (4171) . وصححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (401) . وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صل صلاة مودع كأنك تراه فإن كنت لا تراه فإنه يراك وأيس مما في أيدي الناس تعش غنيا وإياك وما يعتذر منه ". رواه البيهقي في " الزهد الكبير " (2 / 210) . وهو صحيح بشواهده كما قاله الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (1914) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45622 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1688 إمامهم ألثغ، وبعض المأمومين يخفي أنه أقرأ [السُّؤَالُ] ـ[إمامنا يبدل بعض الحروف ببعض، وفينا من يحسن القراءة ويحفظ جزءاً كبيراً من القرآن. فما حكم إمامة الموصوف؟ وما حكم المأموم الأحسن حفظا وقراءة عند عدم الإفصاح عن إجادته وحفظه للقرآن؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: سبق في جواب السؤال (50536) أن العلماء اختلفوا في حكم إمامة الألثغ (وهو من يبدل بعض الحروف ببعض) ، وأن الصحيح صحة إمامته، لكن الأولى أن يقدم من يقرأ قراءة صحيحة. قال الشيخ محمد الصالح العثيمين: إذا صَلَّى أُمِّيٌّ لا يَعرفُ الفاتحةَ بأُمِّيٍّ مثله (والمراد بالأمي هنا من لا يحسن قراءة الفاتحة) : فصلاتُه صحيحةٌ لمساواتِه له في النَّقْصِ، ولو صَلَّى أُمِّيٌّ بقارئ (والمراد بالقارئ من يحسن قراءة الفاتحة) : فإنَّه لا يَصحُّ، وهذا هو المذهبُ. وتعليل ذلك: أنَّ المأمومَ أعلى حالاً مِن الإِمامِ، فكيف يأتمُّ الأعلى بالأدنى. والقول الثاني - وهو رواية عن أحمد -: أنه يَصحُّ أن يكون الأُمِّيُّ إماماً للقارئ، لكن ينبغي أنْ نتجنَّبَها؛ لأنَّ فيها شيئاً مِن المخالفةِ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (يَؤمُّ القومَ أقرؤهم لكتابِ اللهِ) ومراعاةً للخِلافِ. " وإن قدر على إصلاحه لم تصح صلاته " أي: إنْ قَدِرَ الأُمِّيُّ على إصلاح اللَّحنِ الذي يُحيلُ المعنى ولم يُصلِحْهُ: فإنَّ صلاتَه لا تَصِحُّ، وإن لم يَقْدِرْ: فصلاتُه صحيحةٌ دون إمامتِه إلا بمثلِه. ولكن الصحيحُ: أنَّها تصحُّ إمامتُه في هذه الحالِ؛ لأنَّه معذورٌ لعجزِه عن إقامةِ الفاتحةِ، وقد قال الله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) وقال: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) ، ويوجد في بعضِ الباديةِ مَن لا يستطيعُ أنْ ينطِقَ بالفاتحة على وَجْهٍ صحيحٍ، فرُبَّما تسمعُه يقرأ " أَهدنا " ولا يمكن أنْ يقرأَ إلا ما كان قد اعتادَه، والعاجزُ عن إصلاح اللَّحنِ: صلاتُه صحيحةٌ، وأما مَن كان قادراً: فصلاتُه غيرُ صحيحةٍ، إذا كان يُحيلُ المعنى. " الشرح الممتع " (4 / 248، 249) . ولا ينبغي تقديم من لا يحسن القراءة ولو كان حافظاً، بل الذي يقدَّم في الإمامة هو من يحسن القراءة وذلك بإخراج الحروف من مخارجها، ويكون مع ذلك على علم بفقه أحكام الصلاة. قال الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله: قوله: " الأولى بالإِمامة الأقرأ العالم فقه صلاته " هل المرادُ بالأقرأ الأجودُ قِراءة ً، وهو الذي تكون قراءتُه تامَّةً، يُخرِجُ الحروفَ مِن مخارِجِها، ويأتي بها على أكملِ وجهٍ، أو المرادُ بالأقرأ الأكثرُ قراءةً؟ الجواب: المراد: الأجودُ قِراءةً، أي: الذي يقرؤه قراءةً مجوَّدةً، وليس المراد التجويد الذي يُعرف الآن بما فيه مِن الغنَّةِ والمدَّاتِ ونحوها، فليس بشرطٍ أن يتغنَّى بالقرآن، وأن يحسِّنَ به صوتَه، وإن كان الأحسنُ صوتاً أَولى، لكنه ليس بشرط. وقوله: " العالم فقه صلاته " أي: الذي يعلم فِقْهَ الصَّلاةِ، بحيث لو طرأَ عليه عارضٌ في صلاتِهِ مِن سهوٍ أو غيرِه تمكَّنَ مِن تطبيقِهِ على الأحكامِ الشرعيَّةِ. . . وهذا في ابتداء الإمامة، أي: لو حَضَرَ جماعةٌ، وأرادوا أن يقدِّموا أحدَهم، أما إذا كان للمسجدِ إمامٌ راتبٌ فهو أَولى بكلِّ حالٍ ما دام لا يوجدُ فيه مانعٌ يمنعُ إمامتَه. " الشرح الممتع " (4 / 205، 206) باختصار. ثانيا: لا ينبغي لمن يحسن القراءة أن يخفي نفسه، ويقدم من لا يحسن القراءة، فإن في ذلك مخالفة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ. . . الحديث) رواه مسلم (673) . قَوْلُهُ: (يَؤُمُّ الْقَوْمَ) قَالَ الطِّيبِيُّ: بِمَعْنَى الأَمْرِ، أَيْ: لِيَؤُمَّهُمْ. وقال الحافظ في " الفتح": وَلا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّ تَقْدِيم الأَقْرَأ إِنَّمَا هُوَ حَيْثُ يَكُون عَارِفًا بِمَا يَتَعَيَّن مَعْرِفَتُهُ مِنْ أَحْوَال الصَّلاة , فَأَمَّا إِذَا كَانَ جَاهِلا بِذَلِكَ فَلا يُقَدَّمُ اِتِّفَاقًا. انتهى. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 43737 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1689 هل يقول المأموم (سمع الله لمن حمده) عند رفعه من الركوع؟ [السُّؤَالُ] ـ[قرأت في إحدى الملصقات أن على الإمام والمأموم عند الانتهاء من الركوع أن يقولوا: (سمع الله لمن حمده) ثم بعد ذلك يقول المأمومون: (اللهم ربنا لك الحمد) ، وهذا بخلاف ما نشأنا عليه، أن الإمام فقط هو الذي يقول: (سمع الله لمن حمده) فيرد المأمومون عند الرفع من الركوع: (اللهم ربنا لك الحمد) . فأفتونا مأجورين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: التسميع (وهو قول " سمع الله لمن حمده ") عند الرفع من الركوع والتحميد عند الاستواء قائما (وهو قول " ربنا لك الحمد ") سنة مستحبة عند جمهور أهل العلم، وذهب الحنابلة إلى وجوبها، والصحيح القول بالوجوب. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (3/433) : والدليل على ذلك (يعني: الوجوب) ما يلي: أولا: أن الرسول صلى الله عليه وسلم واظب على ذلك، فلم يدع قول (سمع الله لمن حمده) في حال من الأحوال. ثانيا: أنه شعار الانتقال من الركوع إلى القيام. ثالثا: قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا قال سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد) " انتهى. وقد سبق ذكر التسميع والتحميد في واجبات الصلاة في سؤال رقم (65847) . ثانيا: اتفق الفقهاء على أن المنفرد يجمع بين التسميع والتحميد، فيقول: (سمع الله لمن حمده) حين يرفع من الركوع، فإذا استوى قائما قال: (ربنا ولك الحمد) . وقد نقل الاتفاق: الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/240) ، وابن عبد البر في "الاستذكار" (2/178) . وإن كان في "المغني" (1/548) ما يفيد أن هناك خلافاً في المسألة. ولكنهم اختلفوا في الإمام والمأموم ما الذي يشرع لكل منهما: أما الإمام: فذهب الحنفية والمالكية إلى أنه يُسَمِّعُ فقط، ولا يسن له أن يقول: ربنا لك الحمد. وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن الإمام يُسَمِّعُ ويَحمّد. والراجح هو القول الثاني؛ لما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَالَ سَمِعَ اللهًُ لِمَنْ حَمِدَه قَالَ: الَّلهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الحَمدُ) . رواه البخاري (795) ومسلم (392) . وقد بيَّن الحافظ ابن حجر أن استحباب تحميد الإمام مستفاد من هذا الحديث ومن غيره. انظر: "فتح الباري" (2/367) . وأما المأموم: فقد قال جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والحنابلة بأن المأموم يقتصر على التحميد فقط، ولا يقول (سمع الله لمن حمده) . وخالفهم الشافعية والظاهرية، فقالوا باستحباب التسميع والتحميد في حق المأموم، وهو اختيار الألباني في "صفة الصلاة" (135) وللتوسع في أدلتهم انظر رسالة السيوطي في "الحاوي للفتاوي" (1/35) . والراجح – والله أعلم - هو قول الجمهور. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله "لقاء الباب المفتوح" (1/320) : " المؤتم إذا قال إمامه سمع الله لمن حمده لا يقول سمع الله لمن حمده؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما جُعل الإمام لِيُؤتَمَّ به، فإذا كبَّر فكبِّروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد) . فقال (إذا كبر فكبروا) (وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد) ، ففرَّقَ النبي صلى الله عليه وسلم بين التكبير وبين التسميع، التكبير نقول كما يقول، والتسميع لا نقول كما يقول، لأن قوله (إذا قال: سمع الله لمن حمده قولوا ربنا ولك الحمد) بمنزلة قوله: إذا قال سمع الله لمن حمده فلا تقولوا سمع الله لمن حمده ولكن قولوا ربنا ولك الحمد، بدليل السياق، سياق الحديث الذي قال: (إذا كبر فكبروا) ، ومن قال مِن أهل العلم إنه يقول (سمع الله لمن حمده) ويقول (ربنا ولك الحمد) فقوله ضعيف، وليس أحدٌ يقبل قولُه على الإطلاق، ولا يُرَدُّ قولُه على الإطلاق، حتى يُعرض على الكتاب والسنة، ونحن إذا عرضناه على السنة وجدنا الأمر كما سمعت " انتهى. وانظر: "المغني" (1/548) ، "الأم" (1/136) ، "المحلى" (1/35) ، "الموسوعة الفقهية" (27/93-94) ويتبين بذلك أن المسألة فيها خلاف بين أهل العلم، فلا غرابة أن تكون بعض الملصقات قد قررت ما ذهب إليه بعض أهل العلم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 43574 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1690 الصلاة خلف الإباضية وأهل البدع [السُّؤَالُ] ـ[ما هو رأيكم في فرقة الإباضية وهل صحيح أن ابن باز (رحمه الله) قد كفر هذه الفرقة فنحن هنا في مسجد في أمريكا ويوجد به فرق مختلفة منهم الزيدية والشيعة أيضا فهل نسمح لأحد منهم بالإمامة والصلاة خلفه أم تكون لأهل السنة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الإباضية إحدى الفرق الضالة، كما جاء في فتوى اللجنة الدائمة رقم 6935، ونصها: السؤال: هل تعتبر فرقة الإباضية من الفرق الضالة من فرق الخوارج وهل يجوز الصلاة خلفهم؟ فكان جواب اللجنة كما يلي: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه.. وبعد: فرقة الإباضية من الفرق الضالة لما فيهم من البغي والعدوان والخروج على عثمان بن عفان وعلي رضي الله عنهما، ولا تجوز الصلاة خلفهم. وبالله التوفيق. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء للمزيد عن الإباضية راجع سؤال رقم (11529) ولم نقف على تكفير الشيخ ابن باز رحمه الله لهذه الفرقة. وانظر حكم الصلاة خلف الشيعة، في جواب السؤال رقم 20093 ولا يجوز تمكين أهل البدع المكفِّرة من إمامة الصلاة، لعدم صحة الصلاة خلفهم عند جمع من أهل العلم، ولكونهم أهلا للهجر والزجر لا للإمامة والتقديم، ولما يترتب على تقديمهم للصلاة من اغترار الجاهل بهم. والبدع المكفرة: كبدعة القول بخلق القرآن، ونفي رؤية المؤمنين لربهم في الجنة، والقول بتكفير مرتكب الكبيرة أو تخليده في النار، وتكفير أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، أو القول بتحريف القرآن، أو ادعاء أن الأئمة يعلمون الغيب، أو الاستغاثة بالأموات، وغير ذلك من صور الكفر والشرك. وهذا بخلاف صاحب البدعة غير المكفرة، فإن الصلاة خلفه صحيحة. جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (7/364) السؤال التالي: هل تجوز الصلاة خلف الإمام المبتدع؟ جواب اللجنة: من وجد إماما غير مبتدع فليصل وراءه دون المبتدع، ومن لم يجد سوى المبتدع نصحه عسى أن يتخلى عن بدعته، فإن لم يقبل وكانت بدعته شركية كمن يستغيث بالأموات أو يدعوهم من دون الله أو يذبح لهم فلا يصلى وراءه لأنه كافر وصلاته باطلة ولا يصح أن يجعل إماما وإن كانت بدعته غير مكفرة كالتلفظ بالنية صحت صلاته وصلاة من خلفه. وبالله التوفيق. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 40147 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1691 حكم إمامة المرأة للرجال [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم إمامة المرأة للرجال في صلاة الجمعة وغيرها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: قد خص الله تعالى الرجال ببعض الفضائل والأحكام، وكذلك خص النساء ببعض الفضائل والأحكام، فلا يجوز لأحد من الرجال أن يتمنى ما خصت به النساء، ولا يجوز لأحد من النساء أن يتمنى ما فضل به الرجال، فإن هذا التمني اعتراض على الله تعالى في تشريعه وحكمه. قال الله تعالى: (وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) النساء/32. قال السعدي رحمه الله: " ينهى تعالى المؤمنين عن أن يتمنى بعضهم ما فضل الله به غيره , من الأمور الممكنة وغير الممكنة. فلا تتمنى النساء خصائص الرجال التي بها فضلهم على النساء , ولا صاحب الفقر والنقص حالة الغني والكامل تمنيا مجردا , لأن هذا هو الحسد بعينه. . . ولأنه يقتضي السخط على قدر الله " انتهى. فمما خص الله تعالى به الرجال، أن العبادات التي تحتاج إلى قوة كالجهاد، أو ولاية كالإمامة. . . إلخ تختص بالرجال، ولا مدخل للنساء بها. وقد دل على ذلك أدلة كثيرة، منها: 1- قال الله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) النساء/34. قَالَ الشَّافِعِيُّ في الأم (1/191) : " وَإِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ بِرِجَالٍ وَنِسَاءٍ وَصِبْيَانٍ ذُكُورٍ فَصَلاةُ النِّسَاءِ مُجْزِئَةٌ وَصَلاةُ الرِّجَالِ وَالصِّبْيَانِ الذُّكُورِ غَيْرُ مُجْزِئَةٍ ; لأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ الرِّجَالَ قَوَّامِينَ عَلَى النِّسَاءِ وَقَصَرَهُنَّ عَنْ أَنْ يَكُنَّ أَوْلِيَاءَ، وَلا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ امْرَأَةٌ إمَامَ رَجُلٍ فِي صَلاةٍ بِحَالٍ أَبَدًا " انتهى. وقال السعدي رحمه الله: " فتفضيل الرجال على النساء , من وجوه متعددة: من كون الولايات مختصة بالرجال , والنبوة والرسالة , واختصاصهم بكثير من العبادات , كالجهاد , والأعياد , والجمع. وبما خصهم الله به , من العقل والرزانة والصبر والجلد الذي ليس للنساء مثله " انتهى. 2- وقال تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) البقرة/228. قال السعدي رحمه الله: " وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ " أي: رفعة ورياسة , وزيادة حق عليها , كما قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) . ومنصب النبوة والقضاء , والإمامة الصغرى والكبرى , وسائر الولايات مختص بالرجال " انتهى. 3- روى البخاري (4425) عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً) . فهذا الحديث دليل على أن الولايات العامة لا يجوز للمرأة أن تتولاها، والإمامة من الولايات العامة. 4- روى أبو داود (576) وأحمد (5445) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ) صححه الألباني في سنن أبي داود. قال في عون المعبود: " (وَبُيُوتهنَّ خَيْر لَهُنَّ) : أَيْ صَلاتهنَّ فِي بُيُوتهنَّ خَيْر لَهُنَّ مِنْ صَلاتهنَّ فِي الْمَسَاجِد لَوْ عَلِمْنَ ذَلِكَ , لَكِنَّهُنَّ لَمْ يَعْلَمْنَ فَيَسْأَلْنَ الْخُرُوج إِلَى الْمَسَاجِد وَيَعْتَقِدْنَ أَنَّ أَجْرهنَّ فِي الْمَسَاجِد أَكْثَر. وَوَجْه كَوْن صَلاتهنَّ فِي الْبُيُوت أَفْضَل الأَمْن مِنْ الْفِتْنَة , وَيَتَأَكَّد ذَلِكَ بَعْد وُجُود مَا أَحْدَثَ النِّسَاء مِنْ التَّبَرُّج وَالزِّينَة " انتهى. 5- روى مسلم (440) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا، وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا، وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا) . قال النووي: " أَمَّا صُفُوف الرِّجَال فَهِيَ عَلَى عُمُومهَا فَخَيْرهَا أَوَّلهَا أَبَدًا وَشَرّهَا آخِرهَا أَبَدًا أَمَّا صُفُوف النِّسَاء فَالْمُرَاد بِالْحَدِيثِ صُفُوف النِّسَاء اللَّوَاتِي يُصَلِّينَ مَعَ الرِّجَال , وَأَمَّا إِذَا صَلَّيْنَ مُتَمَيِّزَات لا مَعَ الرِّجَال فَهُنَّ كَالرِّجَالِ خَيْر صُفُوفهنَّ أَوَّلهَا وَشَرّهَا آخِرهَا , وَالْمُرَاد بِشَرِّ الصُّفُوف فِي الرِّجَال النِّسَاء أَقَلّهَا ثَوَابًا وَفَضْلا وَأَبْعَدهَا مِنْ مَطْلُوب الشَّرْع , وَخَيْرهَا بِعَكْسِهِ , وَإِنَّمَا فَضَّلَ آخِر صُفُوف النِّسَاء الْحَاضِرَات مَعَ الِّجَال لِبُعْدِهِنَّ مِنْ مُخَالَطَة الرِّجَال وَرُؤْيَتهمْ وَتَعَلُّق الْقَلْب بِهِمْ عِنْد رُؤْيَة حَرَكَاتهمْ وَسَمَاع كَلامهمْ وَنَحْو ذَلِكَ , وَذَمَّ أَوَّلَ صُفُوفهنَّ لِعَكْسِ ذَلِكَ. وَاَللَّه أَعْلَم " انتهى. فإذا كانت المرأة مأمورة بالصلاة في بيتها، والبعد عن الرجال، وشر صفوف النساء أولها، لأنها تكون أقرب إلى الرجال، فكيف يليق بحكمة الشرع أن يبيح للمرأة أن تصلي إماما بالرجال، وهو يأمرها أن تبتعد عن الرجال؟!! 6- روى البخاري (684) ومسلم (421) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (مَنْ رَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ، فَإِنَّهُ إِذَا سَبَّحَ الْتُفِتَ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ) . قال الحافظ: " وَكَأَنَّ مَنْعَ اَلنِّسَاءِ مِنْ اَلتَّسْبِيحِ لأَنَّهَا مَأْمُورَة بِخَفْضِ صَوْتِهَا فِي اَلصَّلاةِ مُطْلَقًا لِمَا يُخْشَى مِنْ اَلافْتِتَانِ " انتهى. فإذا كانت المرأة منهية عن تنبيه الإمام بالقول إن أخطأ، وإنما تصفق، حتى لا ترفع صوتها بحضرة الرجال، فكيف تصلي بهم وتخطب بهم؟! 7- روى مسلم (658) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّه صلى خلف الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه جدته ويتيم، فقال: (فَصَفَفْتُ أَنَا وَالْيَتِيمُ وَرَاءَهُ، وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا) . قال الحافظ: " فِيهِ أَنَّ الْمَرْأَةَ لا تَصُفُّ مَعَ الرِّجَالِ , وَأَصْلُهُ مَا يُخْشَى مِنْ الافْتِتَانِ بِهَا " انتهى. فإذا كانت المرأة تقف منفردةً خلف الصف، ولا تقف مع الرجال في صفهم، فكيف تتقدمهم وتصلي بهم إماما؟! قال في عون المعبود: "وَفِيهِ دَلِيل أَنَّ إِمَامَة الْمَرْأَة لِلرِّجَالِ غَيْر جَائِزَة، لأَنَّهَا لَمَّا مُنعت عَنْ مُسَاوَاتهمْ مِنْ مَقَام الصَّفّ كَانَتْ مِنْ أَنْ تَتَقَدَّمهُمْ أَبْعَد " انتهى. بتصرف يسير. 8- عمل المسلمين على مدار أربعة عشر قرنا من الزمان، على أن المرأة لا تتولى الصلاة بالرجال. بدائع الصنائع (2/289) . فمن خالف هذا فقد اتبع غير سبيل المؤمنين، والله تعالى يقول: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً) النساء/115. وهذه طائفة من أقوال العلماء: جاء في "الموسوعة القفقهية" (6/205) : " يُشْتَرَطُ لإِمَامَةِ الرِّجَالِ أَنْ يَكُونَ الإِمَامُ ذَكَرًا , فَلا تَصِحُّ إمَامَةُ الْمَرْأَةِ لِلرِّجَالِ , وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ " انتهى. قال ابن حزم في "مراتب الإجماع" (ص 27) : " واتفقوا على أن المرأة لا تؤم الرجال وهم يعلمون أنها امرأة، فإن فعلوا فصلاتهم باطلة بإجماع " انتهى. وقال في "المحلى" (2/167) : " وَلا يَجُوزُ أَنْ تَؤُمَّ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ وَلا الرِّجَالَ , وَهَذَا مَا لا خِلَافَ فِيهِ , وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّصَّ قَدْ جَاءَ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَقْطَعُ صَلاةَ الرَّجُلِ إذَا فَاتَتْ أَمَامَهُ. . . وَحُكْمُهُ عليه السلام بِأَنْ تَكُونَ وَرَاءَ الرَّجُلِ وَلا بُدَّ فِي الصَّلاةِ , وَأَنَّ الإِمَامَ يَقِفُ أَمَامَ الْمَأْمُومِينَ لا بُدَّ أَوْ مَعَ الْمَأْمُومِ فِي صَفٍّ وَاحِدٍ. . . وَمِنْ هَذِهِ النُّصُوصِ يَثْبُتُ بُطْلانُ إمَامَةِ الْمَرْأَةِ لِلرَّجُلِ وَلِلرِّجَالِ يَقِينًا " انتهى. وقال النووي في المجموع (4/152) : " وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لا تَجُوزُ صَلاةُ رَجُلٍ بَالِغٍ وَلا صَبِيٍّ خَلْفَ امْرَأَةٍ. . . وَسَوَاءٌ فِي مَنْعِ إمَامَةِ الْمَرْأَةِ لِلرِّجَالِ صَلاةُ الْفَرْضِ وَالتَّرَاوِيحِ , وَسَائِرُ النَّوَافِلِ , هَذَا مَذْهَبُنَا , وَمَذْهَبُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ - رحمهم الله , وَحَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ التَّابِعِينَ , وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَسُفْيَانَ وَأَحْمَدَ وَدَاوُد ..... ثُمَّ إذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ بِالرَّجُلِ أَوْ الرِّجَالِ فَإِنَّمَا تَبْطُلُ صَلاةُ الرِّجَالِ , وَأَمَّا صَلاتُهَا وَصَلاةُ مَنْ وَرَاءَهَا مِنْ النِّسَاءِ فَصَحِيحَةٌ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ إلا إذَا صَلَّتْ بِهِمْ الْجُمُعَةَ فَإِنَّ فِيهَا وَجْهَيْنِ: (أَصَحُّهُمَا) لا تَنْعَقِدُ صَلاتُهَا (وَالثَّانِي) : تَنْعَقِدُ ظُهْرًا وَتُجْزِئُهَا , وَهُوَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ , وَلَيْسَ بِشَيْءٍ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وفي "الإنصاف" (2/265) : " قَوْلُهُ (وَلا تَصِحُّ إمَامَةُ الْمَرْأَةِ لِلرَّجُلِ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا – يعني مذهب الإمام أحمد - قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ " انتهى. ومذهب المالكية في هذا أشد المذاهب، فإنهم يمنعون إمامة المرأة حتى للنساء، ويجعلون الذكورة شرطاً في الإمامة مطلقاً. ففي "الفواكه الدواني" (1/204) : "وَاعْلَمْ أَنَّ لإِمَامَةَ لَهَا شُرُوطُ صِحَّةٍ وَشُرُوطُ كَمَالٍ , فَشُرُوطُ صِحَّتِهَا ثَلاثَةَ عَشَرَ أَوَّلُهَا الذُّكُورَةُ الْمُحَقَّقَةُ فَلا تَصِحُّ إمَامَةُ الْمَرْأَةِ وَلا الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ , وَتَبْطُلُ صَلاةُ الْمَأْمُومِ دُونَ الأُنْثَى الَّتِي صَلَّتْ إمَامًا" انتهى. وسئل الشيخ ابن باز عن رجل صلى صلاة العصر مأموماً خلف امرأته , فأجاب: " لا يجوز أن تؤم المرأة الرجل ولا تصح صلاته خلفها لأدلة كثيرة وعلى المذكور أن يعيد صلاته " "مجموع فتاوى ابن باز" (12/130) . ثانياً: أما تعويل من زعم ذلك على ما روي من أن أم ورقة قد أذن لها النبي صلى الله عليه وسلم في إمامة أهل بيتها. رواه أبو داود (591) . فقالوا: إنها كانت تؤم أهل دارها بما فيهم الرجال والصبيان، فقد أجاب العلماء عن هذا بعدة أجوبة: 1- أن الحديث ضعيف. قال الحافظ في "التلخيص" (ص 121) : " وفي إسناده عبد الرحمن بن خلاد وفيه جهالة " انتهى. وقال في "المنتقى شرح الموطأ": " هذا الحديث مما لا يجب أن يعول عليه " انتهى. 2- إن صح الحديث فالمراد: أنها كانت تؤم نساء أهل دارها. 3- أن ذلك خاص بأم ورقة، لا يشرع ذلك لأحد غيرها. 4- أن بعض العلماء استدل به على جواز إمامة المرأة للرجل، ولكن عند الضرورة، ومعنى الضرورة ألا يوجد رجل يحسن قراءة الفاتحة. "حاشية ابن قاسم" (2/313) . وانظر: "المغني" (3 /33) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39188 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1692 متى يركع المأموم؟ عند تكبير الإمام أم بعد التكبير مباشرة أم ماذا؟ [السُّؤَالُ] ـ[نحن المأمومون متى نبدأ بالركوع؟ هل نركع عندما نسمع الإمام يقول الله أكبر أم خلالها أم بعد أن يسكت منها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المشروع في حق المأموم أن يتابع إمامه، فلا يسبقه ولا يوافقه ولا يتأخر عنه، بل يفعل الأمر عقب فعل إمامه مباشرة. وقد دل على ذلك ما رواه البخاري (378) ومسلم (417) من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وأبي هريرة رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا "وَلا تَرْكَعُوا حَتَّى يَرْكَعَ "، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا "وَلا تَسْجُدُوا حَتَّى يَسْجُدَ "، وَإِنْ صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا) وما بين القوسين من زيادات أبي داود (603) . فقوله صلى الله عليه وسلم: (َإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَلا تَرْكَعُوا حَتَّى يَرْكَعَ) ومثله في السجود، يدل على أن المأموم لا يبدأ في الانتقال إلى الركن إلا بعد وصول الإمام إليه، فلا يركع حتى يركع الإمام، ولا يسجد حتى يسجد الإمام، وقد جاء ذلك صريحاً في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قال: " سمع الله لمن حمده " لم يحن أحد منا ظهره حتى يقع النبي صلى الله عليه وسلم ساجدا، ثم نقع سجودا بعده. رواه البخاري (811) ومسلم (474) . قال النووي في " شرح مسلم ": " وفي هذا الحديث هذا الأدب من آداب الصلاة، وهو أن السنة ألا ينحني المأموم للسجود حتى يضع الإمام جبهته على الأرض " انتهى. وعلى هذا، فالمشروع للمأموم أن يتابع إمامه بعد انتقاله إلى الركن مباشرة، فالعبرة بفعل الإمام لا بتكبيره، وهذا فيمن يرى الإمام، أما من لا يراه من المأمومين، فإنه يقتدي بقوله، فيبدأ في الانتقال إلى الركن بعد انتهاء الإمام من التكبير، وانظر جواب السؤال (33790) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38634 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1693 إذا كان الإمام لا يجلس للاستراحة فهل يجلسها المأموم؟ [السُّؤَالُ] ـ[إننا نصلي وراء أئمة لا يفعلون جلسة الاستراحة في الصلاة وحتى إذا أتيت لهم بكتب تحث عليها فلن يفعلوها، هل عندما أصلي وراءهم أفعلها رغم عدم فعلهم أم أنني أتبع الإمام في عدم فعلها؟ علما أن هذا سيجعلني لن أفعلها كما قلت لأنهم لن يفعلوها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: جلسة الاستراحة سنة من سنن الصلاة، وقد سبق في إجابة السؤال رقم (21985) بيان ذلك. ثانياً: أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المأموم بمتابعة الإمام، روى البخاري (688) ومسلم (412) عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ شَاكٍ (أي مريض) فَصَلَّى جَالِسًا، وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنْ اجْلِسُوا، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا. ومعنى المتابعة: أن يشرع المأموم في أفعال الصلاة فور فراغ الإمام مما كان فيه. انظر سؤال رقم (33790) انظر: "حاشية ابن قاسم" (2/285) ، "الشرح الممتع" (4/269) . ثالثاً: إذا كان الإمام لا يجلس للاستراحة، فقد اختلف العلماء هل الأفضل للمأموم أن يجلس للاستراحة أم لا؟ وسبب الخلاف في المسألة هو: هل جلوس المأموم في هذه الحال وتأخره عن الإمام ينافي المتابعة التي أمر بها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم لا؟ فذهب بعض العلماء إلى أن المأموم يجلس للاستراحة ولو لم يجلسها الإمام، وتأخر المأموم في هذه الحال يسير لا يضر. قال النووي في "المجموع" (4/240) : وَإِنْ تَرَكَ الإِمَامُ جلْسَةَ الاسْتِرَاحَةِ أَتَى بِهَا الْمَأْمُومُ , قَالَ أَصْحَابُنَا (يعني الشافعية) : لأَنَّ الْمُخَالَفَةَ فِيهَا يَسِيرَةٌ اهـ. وذهب آخرون إلى أن المأموم لا يجلسها. سئل شيخ الإسلام كما في "الفتاوى الكبرى" (1/135) عن رجل يصلي مأموما ويجلس بين الركعات جلسة الاستراحة ولم يفعل ذلك الإمام فهل يجوز ذلك له؟ فأجاب: جلسة الاستراحة قد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم جلسها لكن تردد العلماء هل فعل ذلك من كبر السن للحاجة أو فعل ذلك لأنه من سنة الصلاة؟ فمن قال بالثاني استحبها، كقول الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين، ومن قال بالأول لم يستحبها إلا عند الحاجة كقول أبي حنيفة ومالك وأحمد في الرواية الأخرى. ومن فعلها لم ينكر عليه وإن كان مأموما، لكون التأخر بمقدارها ليس هو من التخلف المنهى عنه عند من يقول باستحبابها. وهل هذا إلا فعل في محل اجتهاد؟ فإنه قد تعارض فعل هذه السنة عنده والمبادرة إلى موافقة الإمام، فإن ذلك أولى من التخلف لكنه يسير، فصار مثلما إذا قام من التشهد الأول قبل أن يكمله المأموم، والمأموم يرى أنه مستحب، أو مثل أن يسلم وقد بقي عليه يسير من الدعاء هل يسلم أو يتمه؟ ومثل هذه المسائل هي من مسائل الاجتهاد والأقوى أن متابعة الإمام أولى من التخلف لفعل مستحب والله أعلم اهـ. وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (3/192) : مسألة: إذا كان الإنسان مأموماً فهل يُسن له أن يجلس إذا كان يرى هذا الجلوس سنة أو متابعة الإمام أفضل؟ الجواب: أن متابعة الإمام أفضل، ولهذا يترك الواجب وهو التشهد الأول، ويفعل الزائد كما لو أدرك الإمام في الركعة الثانية فإنه سوف يتشهد في أول ركعة فيأتي بتشهد زائد من أجل متابعة الإمام، بل يترك الإنسان الركن من أجل متابعة الإمام، فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً) فيترك ركن القيام وركن الركوع، فيجلس في موضع القيام، ويومئ في موضع الركوع، كل هذا من أجل متابعة الإمام. فإن قال قائل: هذه الجلسة يسيرة لا يحصل بها تخلف عن الإمام. فالجواب: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا ركع فاركعوا وإذا سجد فاسجدوا وإذا كبّر فكبروا) فأتى بالفاء الدالة على الترتيب والتعقيب بدون مهلة، وهذا يدل على أن الأفضل في حق المأموم ألا يتأخر عن الإمام ولو يسيراً، بل يبادر بالمتابعة، فلا يوافق، ولا يسابق، ولا يتأخر، وهذا هو حقيقة الائتمام اهـ. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 34458 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1694 قراءة غير الفاتحة خلف الإمام في الصلاة الجهرية [السُّؤَالُ] ـ[هل تجوز القراءة خلف إمامي؟ وما حكمها إذا قرأت خلفه بغير الفاتحة، هل تبطل الصلاة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز للمأموم أن يقرأ خلف إمامه في الصلاة الجهرية غير الفاتحة، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم (66742) . ومن فعل ذلك جاهلا فلا شيء عليه، والواجب ألا يعود إليه مستقبلا؛ لمخالفته قوله تعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) الأعراف/204، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تَفْعَلُوا إِلا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، فَإِنَّهُ لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا) رواه أبو داود (823) وصححه الألباني في "صحيح الترمذي. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136053 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1695 لا تحفظ كثيراً من القرآن، فكيف تصلي؟ [السُّؤَالُ] ـ[لا تحفظ كثيراً من القرآن، فكيف تصلي؟ السؤال: إنني امرأة لا أحفظ كثيراً من القرآن لأقرأ به في الصلاة، فما حكم الشرع في صلاتي؟ حيث إنني لم أتعلم فكيف أؤدي صلاتي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "يكفيك أيتها الأخت في الله أن تقرئي الفاتحة: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) إلى آخرها وإن تيسر معها زيادة بعض السور القصيرة مثل: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) ، و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) ، و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) أو غير هذه السور أو بعض من الآيات فهذا خير إلى خير في الركعة الأولى والثانية من الظهر والعصر والمغرب والعشاء وفي الفجر أيضاً. أما الثالثة من المغرب والثالثة والرابعة من الظهر والعصر والعشاء فيكفيك فيه الفاتحة ولا يلزمك شيء أكثر من هذا، فالفاتحة هي الركن اللازم وما زاد فهو مستحب، والحمد لله" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (2/786) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 132687 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1696 نسي قراءة سورة بعد الفاتحة في الركعة الثانية [السُّؤَالُ] ـ[صليت الظهر بمفردي وفي الركعة الثانية لم أقرأ سوى الفاتحة ناسياً، ولم أقرأ بعدها سورة من القرآن الكريم، وتذكرت قبل السلام فسجدت سجدتين للسهو، فهل علي حرج في هذا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " ليس عليك حرج، ولا يجب عليك سجود السهو، لأن قراءة السور ليست واجبة، وإنما المهم قراءة الفاتحة، أما قراءة السور بعدها أو آيات بعدها فهو مستحب فقط، فإذا تركه الإنسان لم يجب عليه سجود السهو، وإن سجد فلا بأس والحمد لله، فصلاتك صحيحة ولا حرج عليك " انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (2/786) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 132460 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1697 لا تحفظ إلا الفاتحة وسورة الإخلاص تقرأهما كل صلاة [السُّؤَالُ] ـ[مشكلتي أنني أمية ولا أعرف القراءة ولا الكتابة، وأني أصلي الصلاة في أوقاتها ولكني لا أعرف غير سورة الحمد و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) وأعيد هاتين السورتين في كل صلاة، فهل ذلك مجزئ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "نعم، هذا مجزئ، ونسأل الله لك المزيد من التوفيق والثبات على الحق، والفاتحة تكفي وحدها لأنها أم القرآن، ولأنها ركن الصلاة، فلما يسر الله لك معها سورة (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) وهي سورة عظيمة سورة الإخلاص، وهي تعدل ثلث القرآن، فهذه نعمة من الله عظيمة، فيكفيك ذلك، ولو كررتها في الصلوات وفي غير ذلك فهذه نعمة عظيمة، فأكثري من قراءتها خارج الصلاة ولك بكل حرف حسنة، الحسنة بعشر أمثالها، وهذا خير عظيم. وإن تيسر لك من يقرئك بعض السور القصيرة من أخواتك أو جاراتك أو زوجك أو بعض محارمك فهذا خير عظيم، مثل: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) ، (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) ، (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ) ، (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) ، (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) ، (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) ، وغيرها من قصار المفصل فهذا خير" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (2/784) . [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز فتاوى نور على الدرب الحديث: 132073 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1698 ماذا يفعل المأموم إذا أطال الإمام السكوت بعد الفاتحة؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا فرغ المأموم من قراءة الفاتحة في الصلاة الجهرية، ولم يشرع الإمام في القراءة بعد الفاتحة، فماذا يصنع المأموم في مثل هذه الحال؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " الجواب على ذلك أننا نقول للإمام أولاً: لا ينبغي لك أن تسكت هذا السكوت الطويل بين قراءة الفاتحة وقراءة ما بعدها , والمشروع للإمام أن يسكت سكتة لطيفة بين الفاتحة والسورة التي بعدها ليتميز بذلك القراءة المفروضة والقراءة المستحبة , والمأموم يشرع في هذه السكتة اللطيفة بقراءة الفاتحة ويتم قراءة الفاتحة ولو كان الإمام يقرأ , وأما السكوت الطويل من الإمام فإن ذلك خلاف السنة , ثم على فرض أن الإمام كان يفعل ذلك ويسكت هذا السكوت الطويل فإن المأموم إذا قرأ الفاتحة وأتمها يقرأ بعدها سورة حتى يشرع الإمام في قراءة السورة التي بعد الفاتحة وحينئذ يسكت؛ لأنه لا يجوز للمأموم أن يقرأ والإمام يقرأ إلا قراءة الفاتحة فقط " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (15/109) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121546 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1699 حكم تقسيم سورة السجدة على ركعتي الفجر يوم الجمعة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الإمام الذي يقسم سورة السجدة على الركعتين في صلاة الفجر يوم الجمعة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "حكمه أنه خالف السنة، فليرشد إلى فعل السنة والصلاة صحيحة، والحمد لله، لكن لو قرأ في بعض الأحيان غير السورتين ليعلم الجماعة أن قراءتهما ليست واجبة في كل جمعة فلا حرج في ذلك. والله ولي التوفيق" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (12/399) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121363 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1700 حكم المداومة على قراءة السجدة والإنسان فجر الجمعة [السُّؤَالُ] ـ[هل تجوز المداومة على قراءة سورتي السجدة والإنسان في صلاة الصبح من كل يوم جمعة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " تشرع قراءة سورة السجدة وسورة الدهر في صلاة فجر يوم الجمعة، ولا بأس بالمداومة على ذلك، لكنْ إنْ خشي أن يظن بعض الناس وجوب المداومة عليهما شرع له ترك قراءتها في بعض الأحيان " انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. "فتاوى إسلامية" (1/417) . وللفائدة ينظر جواب السؤال رقم (20436) ، ورقم (118895) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121175 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1701 حكم مخالفة ترتيب السور في القراءة في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[صلى رجل إماما بجماعة فقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة سورة (تبت) ، ثم قرأ في الركعة الثانية سورة (الفيل) وذلك في صلاة العشاء، فما رأيكم جزاكم الله خير الجزاء، حيث إنني سمعت أنه لا يجوز قراءة سورة بعد سورة أقدم منها في القرآن؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " إذا كان الأمر كما ذُكر فليس في ذلك شيء، ولكن الأولى أن تكون السورة التي في الركعة الثانية بعد السورة التي في الركعة الأولى حسب ترتيب المصحف. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (4/16) . وللفائدة ينظر جواب السؤال رقم (7198) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121139 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1702 المقصود في صلاة فجر الجمعة قراءة سورة السجدة وليست سجدة التلاوة [السُّؤَالُ] ـ[هل المطلوب في صلاة فجر الجمعة أن يقرأ المصلى سورة السجدة، أو المطلوب أن يسجد للتلاوة، بحيث يقرأ سورة أخرى فيها سجدة للتلاوة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " بل المقصود قراءة السورتين: (الم. تنزيل) و: (هل أتى على الإنسان) ؛ لما فيهما من ذكر خلق آدم، وقيام الساعة، وما يتبع ذلك، فإنه كان يوم الجمعة، وليس المقصود السجدة، فلو قصد الرجل قراءة سورة سجدة أخرى كره ذلك. والنبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ السورتين كلتيهما، فالسنة قراءتهما بكمالهما، ولا ينبغي المداومة على ذلك لئلا يظن الجاهل أن ذلك واجب، بل يقرأ أحيانا غيرهما من القرآن " انتهى. "مجموع فتاوى شيخ الإسلام بن تيمية" (24/206) . وقال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" (1/375) : " وكان صلى الله عليه وسلم يقرأ في فجره بسورتي (آلم تنزيل) و (هل أتى على الإنسان) ويظن كثير ممن لا علم عنده أن المراد تخصيص هذه الصلاة بسجدة زائدة ويسمونها سجدة الجمعة، وإذا لم يقرأ أحدهم هذه السورة استحب قراءة سورة أخرى فيها سجدة، ولهذا كره من كره من الأئمة المداومة على قراءة هذه السورة في فجر الجمعة، دفعاً لتوهم الجاهلين، وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: إنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هاتين السورتين في فجر الجمعة لأنهما تضمنتا ما كان ويكون في يومها، فإنهما اشتملتا على خلق آدم، وعلى ذكر المعاد، وحشر العباد، وذلك يكون يوم الجمعة، فكان في قراءتهما في هذا اليوم تذكير للأمة بما كان فيه ويكون، والسجدة جاءت تبعا ليست مقصودة حتى يقصد المصلي قراءتها حيث اتفقت " انتهى. وللفائدة ينظر جواب السؤال رقم (20436) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118895 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1703 هل يؤمن المصلي في السرية؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا انتهى الإنسان من الفاتحة في الصلاة السرية هل يؤمن أم لا؟ وهل يجهر بالتأمين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا انتهى من الفاتحة يقول: آمين في الصلاة السرية والجهرية، لكن لا يجهر بها في الصلاة السرية، ويجهر بها في الصلاة الجهرية" انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. "لقاءات الباب المفتوح" (3/488) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118853 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1704 حديث من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة [السُّؤَالُ] ـ[هل حديث: (من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ورد هذا الحديث عن ثمانية من الصحابة: أشهرها وأكثرها طرقا حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه. وورد أيضا عن عبد الله بن عمر، وأبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود، وأنس، وعلي بن أبي طالب، رضي الله عنهم جميعا. وورد عن الشعبي مرسلاً. وعامة أهل العلم على تضعيف هذا الحديث من جميع طرقه التي أوردها الحافظ الدارقطني في "السنن" (كتاب الصلاة/باب ذكر قوله صلى الله عليه وسلم من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة واختلاف الروايات) (1/323) ، وضعفها كلها هناك. وكذلك فعل الإمام البيهقي في جزء خاص سماه: "القراءة خلف الإمام"، وفي "السنن الكبرى" (2/159) (كتاب الصلاة/ باب من قال لا يقرأ خلف الإمام على الإطلاق) قال الإمام البخاري رحمه الله: " هذا خبر لم يثبت عند أهل العلم من أهل الحجاز، وأهل العراق، وغيرهم؛ لإرساله وانقطاعه " انتهى. "خير الكلام في القراءة خلف الإمام" (ص/9) مكتبة الإيمان – الطبعة الثانية – 1405هـ. وقال المجد ابن تيمية رحمه الله: " وقد روي مسندا من طرق كلها ضعاف، والصحيح أنه مرسل " انتهى. "منتقى الأخبار" (رقم/700) وقال ابن الجوزي رحمه الله: " لهذا الحديث طرق: عن جابر، وعن علي، وابن عمر، وابن عباس، وعمران بن حصين: ليس فيها ما يثبت " انتهى. "العلل المتناهية" (1/428) وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله: " روي هذا الحديث من طرق، ولا يصح شيء منها عن النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى. "تفسير القرآن العظيم" (1/109) وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " لكنه حديث ضعيف عند الحفاظ، وقد استوعب طرقه وعلله الدارقطني وغيره " انتهى. "فتح الباري" (2/242) وقال أيضا رحمه الله: " حديث: (من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة) مشهورٌ من حديث جابر رضي الله عنه، وله طرق عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، وكلها معلولة " انتهى. "تلخيص الحبير" (1/232) وقال النووي رحمه الله: " ضعيف " انتهى. "الخلاصة" (1/377) وقد نص على ضعفه أيضا كثير من أصحاب الرأي أتباع أبي حنيفة، وإن قالوا بمضمونه بسقوط القراءة عن المأموم مطلقا. جاء في "معرفة السنن والآثار" (رقم/953) للبيهقي قال: " أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت سلمة بن محمد الفقيه، يقول: سألت أبا موسى الرازي الحافظ عن الحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان له إمام، فقراءة الإمام له قراءة) ؟ فقال: لم يصح فيه عندنا عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء، إنما اعتمد مشايخنا فيه الروايات عن علي، وعبد الله بن مسعود، والصحابة. قال أبو عبد الله – هو الحاكم صاحب المستدرك -: أعجبني هذا لمَّا سمعته، فإن أبا موسى أحفظ من رأينا من أصحاب الرأي على أديم الأرض " انتهى. وللتوسع في تخريج الحديث ينظر: "نصب الراية" للزيلعي (2/6) ، "إرواء الغليل" للشيخ الألباني (2/268) وأما حكم قراءة المأموم خلف الإمام، فهي من مسائل الخلاف بين أهل العلم؛ وقد سبق في موقعنا بيان أن الصحيح وجوب قراءة صلاة الفاتحة على الجميع: الإمام والمأموم والمنفرد، وفي جميع الصلوات أيضا: السرية والجهرية. فيرجى مراجعة ذلك في جواب السؤال رقم: (10995) ، (74999) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 115569 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1705 الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكره في الفريضة والنافلة [السُّؤَالُ] ـ[إذا مر الإنسان في الصلاة بآية فيها ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فهل يصلي عليه بمناسبة ذكره، أم أن الصلاة عليه ليست من أعمال الصلاة، إلا في موضعها من التشهد، فلا تفعل إلا فيه وأما في غيره فلا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " أما في الفريضة فلا يفعل ذلك؛ لعدم نقله عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأما في النافلة فلا بأس؛ لأنه كان صلى الله عليه وسلم في تهجده بالليل يقف عند كل آية فيها تسبيح فيسبح، وعند كل آية فيها تعوذ فيتعوذ، وعند كل آية فيها سؤال فيسأل، والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم من هذا الباب. والله ولي التوفيق " انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (11/201) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 108275 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1706 دخل الصلاة قبيل الركوع ولم يكمل الفاتحة [السُّؤَالُ] ـ[إذا أدرك المصلي الجماعة وكان الإمام يقرأ القرآن بعد الفاتحة في صلاة جهرية كالمغرب مثلا فهل يقرأ هو الفاتحة أم لا يقرأ؛ لقوله تعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا) المائدة/204 , وإذا أدرك الإمام واقفاً فقرأ الحمد لله رب العالمين فقط ثم كبر الإمام فهل يركع هو الآخر أم يتم القراءة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "قراءة الفاتحة في الصلاة واجبة على الإمام والمنفرد والمأموم , في سرية أو جهرية؛ لعموم أدلة قراءة الفاتحة في الصلاة، ومن جاء إلى الجماعة وكبر مع الإمام لزمه قراءتها , فإن ركع الإمام قبل إكماله لها وجبت عليه متابعته , وأجزأته تلك الركعة، كما أن من أدرك الإمام في الركوع إدراكا كاملاً أجزأته تلك الركعة التي أدرك الإمام في ركوعها , وذلك على الصحيح من قولي العلماء , وسقطت عنه الفاتحة , لعدم تمكنه من قراءتها، لحديث أبي بكرة المشهور المخرج في صحيح البخاري. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى. "اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (6/387) . ولمزيد الفائدة راجع جواب السؤال (74999) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105448 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1707 يقرأ السورة بعد الفاتحة بصوت منخفض ليقرأ المأموم الفاتحة [السُّؤَالُ] ـ[بعد الفاتحة في صلاة الجمعة يقرأ الإمام جزءاً من السورة التى بعد الفاتحة بصوت منخفض ليتمكن من يرى بوجوب الفاتحة من المأمومين من قراءتها، ثم يجهر الإمام ببقية السورة فهل هذه بدعة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، فأجاب حفظه الله: نعم (هذه) بدعة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن صالح العثيمين الحديث: 12044 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1708 حكم قراءة سورة قبل الفاتحة في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[هل تجوز صلاة المرء إذا تلى سورة ما قبل الفاتحة؟ أرجو التوضيح]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تصح صلاة من قرأ سورة قبل الفاتحة إذا قرأ الفاتحة بعدها ولكن هذا الفعل غير مشروع وفاعله مسيء والواجب أن يقرأ الفاتحة أولاً ثم يأتي بما تيسر من القرآن بعدها لقوله صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) وهو لما صلّى صلى الله عليه وسلم قرأ في صلاته الفاتحة أولاً لم يخالف ذلك الترتيب ولا في أي صلاة من الصلوات الكثيرة التي صلاها في حياتها فالواجب اتباع السنة. والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 5451 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1709 السنة في قراءة سورتي السجدة والإنسان كاملتين في فجر يوم الجمعة [السُّؤَالُ] ـ[يوجد بعض أئمة المساجد يقرؤون في صلاة فجر يوم الجمعة بسورة الإنسان في الركعة الأولى والثانية، وبعضهم يقرأ سورة السجدة في الركعة الأولى والثانية، وبعضهم يقرأ نصف سورة السجدة في الركعة الأولى، ونصف سورة الإنسان في الركعة الثانية، فهل عملهم هذا صحيح؟ وهل نقول لهم بأن عملهم هذا بدعة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا نقول إن عملهم بدعة، لكننا نقول إن عملهم تلاعب بالسنة، إذا كانوا صادقين في اتباع الرسول عليه الصلاة والسلام فليفعلوا ما فعل، ولهذا وصف ابن القيم ـ رحمه الله ـ أمثال هؤلاء بالأئمة الجهال فنحن نقول: إذا كان لديك قوة على أن تقرأ (الم. تنزيل) السجدة في الركعة الأولى و (هل أتى) في الركعة الثانية فافعل، وإن لم يكن لديك قوة فاقرأ سورة أخرى لئلا تشطر السنة وتلعب بها، فالسنة محفوظة كان الرسول عليه الصلاة والسلام في فجر يوم الجمعة يقرأ في الركعة الأولى: (ألم. تنزيل) السجدة، وفي الركعة الثانية: (هل أتى على الإنسان) ، فإما أن تفعل ما فعله الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وإما أن تقرأ سوراً أخرى، أما أن تشطر ما فعله الرسول وتقسم ما فعله الرسول فهذا خلاف السنة ولا شك أنه تلاعب بالسنة، فافعل هدي نبيك محمد عليه الصلاة والسلام، وكن شجاعاً؛ لأن بعض الأئمة يقول: إذا قرأت: (ألم. تنزيل) السجدة في الركعة الأولى و (هل أتى على الإنسان) في الركعة الثانية قالوا: لماذا تطول علينا؟ والرسول صلى الله عليه وسلم غضب على معاذ ـ رضي الله عنه ـ وعاتبه. لكن نقول: كل ما فعله الرسول فهو تخفيف، حتى لو قرأ: (ألم. تنزيل) . و (هل أتى على الإنسان) . ولهذا قال أنس بن مالك رضي الله عنه: «ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم صلاة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم» . [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى ابن عثيمين (16/173) . الحديث: 20436 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1710 قراءة سورة قبل الفاتحة مخالفة للهدي النبوي [السُّؤَالُ] ـ[هل تجوز قراءة سورة من القرآن قبل الفاتحة في الصلاة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا تجوز قراءة سورة قبل الفاتحة في الصلاة وإنما يقرأ قبل الفاتحة الاستفتاح والتعوذ والبسملة. ومن قرأ سورة قبل الفاتحة يكون قد خالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم القائل: (صلوا كما رأيتموني أصلي) ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يقرأ قبل الفاتحة سورة من القرآن وإنما يقرأ دعاء الاستفتاح مثل قوله صلى الله عليه وسلم: " وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين اللهم أنت الملك..الخ وأنظر صفة صلاة النبي 59-97 [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 5248 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1711 يقتصر على قراءة الآيات التي تعلمها [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أثناء التلاوة أن نتلو ما تيسر لنا من إحدى السور؟ فعلى سبيل المثال أنت لا تعرف إلا ثلاث آيات من إحدى السور، لأنك مازلت في مرحلة تعلمها؛ فهل يجوز قراءة الثلاث آيات التى تعرفها لاغير، حتى تتم تعلم السورة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: قراءة القرآن من أعظم الأعمال والقربات، التي يؤجر عليها المسلم، وقد جاء في فضل ذلك نصوص كثيرة، منها قوله صلى الله عليه وسلم: (اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه) رواه مسلم (804) ، والبخاري معلَّقاً. وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول {الم} حرف، ولكن ألِف حرف، ولام حرف، وميم حرف) رواه الترمذي (2910) وقال: حسن صحيح. وصححه الألباني في صحيح الترمذي. ثانياً: يجوز للإنسان أن يقرأ ما تيسر له من القرآن مما تعلمه – على حسب طاقته -. عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام البررة، ومثل الذي يقرأ وهو يتعاهده وهو عليه شديد، فله أجران ". ما رواه البخاري (4937) . دل الحديث على أن من يشق عليه قراءة القرآن، فهو مأجور على قراءته، وهذا كله حث على قراءة القرآن، وعدم هجر القرآن. فلا حرج أن يقرأ الإنسان الآيات التي تعلمها، سواء كن ثلاث آيات أو أكثر أو أقل. وإذا كان يستطيع القراءة، لكنه لم يحفظ إلا آيات قليلة، فهذا يُنصح بأن يجعل له قراءتين: قراءة للحفظ، وقراءة من المصحف ينال بها ثواب التلاوة، فيجمع بين الأمرين: الحفظ والتلاوة. نسأل الله أن يمنّ علينا وعليك بحفظ كتابه، وقراءته آناء الليل وأطراف النهار؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98309 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1712 من لا يعرف يقرأ ولا يكتب كيف يصلي؟ [السُّؤَالُ] ـ[امرأة لا تعرف القراءة ولا الكتابة وتريد الصلاة فكيف تفعل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اعلم وفقك الله أن هذا الدين دين يسر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة) أخرجه البخاري في صحيحه برقم (39) . والإنسان إذا لم يكن يقرأ ولا يكتب، فالواجب أن يتعلم ما يقوله في صلاته وكيفية الصلاة، وكونه لا يقرأ ولا يكتب لا يمنع من ذلك؛ لأن هذا أمر سهل والحمد لله، فهؤلاء الصحابة رضوان الله عليهم أكثرهم لم يكن يقرأ ولا يكتب، ومع ذلك كانوا يحسنون كيف يصلون. ولكن إذا قال قائل: ربما يكون الإنسان أسلم حديثا، فإنه إذا أراد أن يتعلم ما يقوله في صلاته فإنه يحتاج إلى وقت وكذلك لو عجز عن حفظ الفاتحة، فكيف يصلي؟ فالجواب: أنه يصلي، فإذا وصل إلى موضع القراءة فإنه يسبح الله، ويحمده، ويكبره، ويهلله، أي يقول: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر ولا إله إلا الله. والدليل على ذلك الحديث الصحيح عن رفاعة بن رافع - في حديث المسيء في صلاته - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: (فإن كان معك قرآن فاقرأ وإلا فاحمد الله وكبره وهلله) أخرجه الترمذي في جامعه برقم (302) وحسنه، وأخرجه أبو داود في سننه برقم (858) ، وصححه الألباني انظر صحيح أبي داود برقم (767) . والله أعلم. انظر: سبل السلام 1/255-256. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 22900 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1713 تقليد الأصوات في صلاة التراويح [السُّؤَالُ] ـ[بعض أئمة المساجد في صلاة التراويح يقلدون قراءة غيرهم وذلك لتحسين أصواتهم بالقرآن، فهل هذا عمل مشروع وجائز.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تحسين الصوت بالقرآن أمر مشروع أمر به النبي صلى الله عليه وسلم واستمع النبي صلى الله عليه وسلم إلى قراءة أبي موسى الأشعري وأعجبته قراءته حتى قال له: (لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود) مسلم في صلاة المسافرين (793) . وعلى هذا فإذا قلد إمام المسجد شخصاً حسن الصوت والقراءة من أجل أن يحسن صوته وقراءته لكتاب الله عز وجل فإن هذا أمر مشروع لذاته ومشروع لغيره أيضاً لأن فيه تنشيطاً للمصلين خلفه، وسبباً لحضور قلوبهم واستماعهم وإنصاتهم للقراءة وفضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم. [الْمَصْدَرُ] كتاب الدعوة 5 ابن عثيمين 2/201 الحديث: 26196 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1714 حكم القراءة من المصحف في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[هل تجوز القراءة من المصحف في صلاة التراويح وصلاة الكسوف أو لا؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج في القراءة من المصحف في قيام رمضان، لما في ذلك من إسماع المأمومين جميع القرآن، ولأن الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة قد دلت على شرعية قراءة القرآن في الصلاة، وهي تعم قراءته من المصحف وعن ظهر قلب، وقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها أمرت مولاها ذكوان أن يؤمها في قيام رمضان، وكان يقرأ من المصحف، ذكره البخاري رحمه الله في صحيحه معلقاً مجزوماً به. [الْمَصْدَرُ] فتاوى إسلامية م2 - الشيخ ابن باز رحمه الله الحديث: 1255 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1715 الدعاء في الصلاة بغير العربية [السُّؤَالُ] ـ[أنا لا أتحدث العربية وأريد أن أدعو حين الصلاة، مثلا في صلاة التهجد حينما يكون السجود طويلا هل يجوز لي أن أدعو بلغتي حتى أتعلم العربية؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم يجوز أن يدعي بغير العربية لمن لا يستطيع أن يتكلم بها لكن على المسلم أن يتعلم من العربية ما يصحح عبادته. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد الكريم الخضير الحديث: 4337 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1716 فوجئوا أنّ إمامهم يقرأ الفاتحة باللغة الإنجليزية [السُّؤَالُ] ـ[كيف نتصرف إذا تقدم أحد الموجودين لإمامة الصلاة, وبدأ في قراءة سورة الفاتحة باللغة الإنجليزية؟ هل يقطع المأمومون الصلاة, أم يستمرون في الصلاة خلفه؟.]ـ [الْجَوَابُ] تسبحون له فإن انتبه وإلا انفردتم أنتم وصليتم ولا يجوز لكم الاستمرار في الصلاة خلفه، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 10017 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1717 قراءة الفاتحة في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[ي يتعلق بالطريقة الصحيحة لتأدية صلاة الفريضة خلف الإمام، وبالتحديد قراءة سورة الفاتحة. 1- هل يجب علينا أن نقرأ سورة الفاتحة بصوت منخفض والإمام يقرأ بها جهرا خلال الركعتين الأوليتين من صلوات الفريضة؟ 2- هل يجب علينا أن نقرأ سورة الفاتحة في نفس الحالة لكن في الركعة الثالثة أو الركعة الرابعة، أي في الركعات التي يُسرّ فيها الإمام بالقراءة؟ لقد أثير هذا السؤال نتيجة لأن جماعة الحي السكني ترغب في تصحيح طريقة صلاتنا. وأهل الحي على رأيين، أحدهما هو: إذا كان الإمام يصلي فإن علينا أن نستمع فقط سواء أكان يقرأ جهرا (الركعتين الأولى والثانية) أو سرا (في الثالثة والرابعة) ؛ أما أصحاب الرأي الآخر فقالوا بأن الصلاة لا تقبل بدون قراءة سورة الفاتحة، سواء أقرأ بها الإمام جهرا أم سرا. أرجو أن تبين لنا الصواب وتزودنا بأكبر عدد ممكن من الدلائل..]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قراءة الفاتحة ركن من أركان الصلاة في كل ركعة في حق الإمام والمنفرد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا صَلاة لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ) رواه البخاري (الأذان/714) ، أما قراءة الفاتحة للمأموم خلف الإمام في الصلاة الجهرية فللعلماء فيها قولان: القول الأول: أنها واجبة، والدليل عليها عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) ولمّا علّم النبي صلى الله عليه وسلم المُسِيء صلاته، أمره بقراءة الفاتحة. وصحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرؤها في كل ركعة، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: " وَقَدْ ثَبَتَ الإِذْنُ بِقِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ الْفَاتِحَةَ فِي الْجَهْرِيَّةِ بِغَيْرِ قَيْد , وَذَلِكَ فِيمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ فِي " جُزْء الْقِرَاءَة " وَاَلتِّرْمِذِيّ وَابْن حِبَّانَ وَغَيْرُهُمَا مِنْ رِوَايَة مَكْحُول عَنْ مَحْمُود بْن الرَّبِيع عَنْ عُبَادَة " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَقُلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ فِي الْفَجْرِ , فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: لَعَلَّكُمْ تَقْرَءُونَ خَلْفَ إِمَامِكُمْ؟ قُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ: فَلَا تَفْعَلُوا إِلا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ , فَإِنَّهُ لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا " ا. هـ. القول الثاني: أن قراءة الإمام قراءة للمأموم، والدليل على ذلك قول الله تعالى: (وإذا قُرِئ القرآن فاستمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون) الأعراف /204، قال ابن حجر: " وَاسْتَدَلَّ مَنْ أَسْقَطَهَا عَنْهُ فِي الْجَهْرِيَّةِ كَالْمَالِكِيَّةِ بِحَدِيث (وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا) وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِم مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِي. والذين يقولون بوجوبها، فإنهم يقولون إنها تُقرأ بعد أن يفرغ الإمام من قراءة الفاتحة، وقبل أن يَشْرَع في قراءة السورة الأخرى، أو أنها تُقرأ في سَكَتَاتِ الإمام قال ابن حجر: " يُنْصِتُ إِذَا قَرَأَ الإِمَام وَيَقْرَأُ إِذَا سَكَتَ " إ. هـ. قال الشيخ ابن باز: المقصود بسكتات الإمام أي سكتة تحصل من الإمام في الفاتحة أو بعدها، أو في السورة التي بعدها، فإن لم يسكت الإمام فالواجب على المأموم أن يقرأ الفاتحة ولو في حال قراءة الإمام في أصح قولي العلماء. انظر فتاوى الشيخ ابن باز ج/11 ص/221 وقد سئلت اللجنة الدائمة عن مثل هذا السؤال فأجابت: الصحيح من أقوال أهل العلم وجوب قراءة الفاتحة في الصلاة على المنفرد والإمام والمأموم في الصلاة الجهرية والسرية لصحة الأدلة الدالة على ذلك وخصوصها، وأما قول الله تعالى: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون) فعام، وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وإذا قرأ فأنصتوا) عام في الفاتحة وغيرها. فيخصصان بحديث: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) جمعا بين الأدلة الثابتة، وأما حديث: (من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة) فضعيف، ولا يصح ما يقال من أن تأمين المأمومين على قراءة الإمام الفاتحة يقوم مقام قراءتهم الفاتحة، ولا ينبغي أن تجعلوا خلاف العلماء في هذه القضية وسيلة إلى البغضاء والتفرق والتدابر، وإنما عليكم بمزيد من الدراسة والاطّلاع والتباحث العلمي. وإذا كان بعضكم يقلّد عالماً يقول بوجوب قراءة الفاتحة على المأموم في الصلاة الجهرية وآخرون يقلدون عالماً يقول بوجوب الإنصات للإمام في الجهرية والاكتفاء بقراءة الإمام للفاتحة فلا بأس بذلك، ولا داعي أن يشنِّع هؤلاء على هؤلاء ولا أن يتباغضوا لأجل هذ. وعليهم أن تتسع صدورهم للخلاف بين أهل العلم، وتتسع أذهانهم لأسباب الخلاف بين العلماء، واسألوا الله الهداية لما اختلف فيه من الحق إنه سميع مجيب، وصلى الله على نبينا محمد [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 10995 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1718 تصحيح قراءة الإمام في غير الفاتحة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجب على المأمومين تصحيح الإمام إن أخطأ في القراءة بعد قراءة الفاتحة ولم يتغير معنى الآيات؟ كأن يقول المؤمنين بدلاً من المتقين في الآية الثانية من سورة البقرة؟ ماذا نفعل إذا رفض الإمام تصحيح الخطأ مع أنه يعلم أنه أخطأ ويحسب أنه ليس من الضروري تصحيح الخطأ؟ هل تكون صلاتنا باطلة إن تغير المعنى ولم نصحح خطأ الإمام؟ وهل يمكن تصحيح أخطاء التلاوة في خطبة الجمعة؟ ماذا عن الخطأ في شرح الآيات كأن يقول الكافر في الجنة والمؤمن في النار؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا أخطأ الإمام في القراءة – في غير الفاتحة – خطأً لا يتغير به المعنى فلا يجب عليكم تصحيح خطئه، وهذه أمور لا يسلم منها إمام، ولكن يستحسن تنبيهه عقب الصلاة، لأن ذلك يفيده في حفظه. وإذا رفض الإمام تصحيح الخطأ مع علمه بأنه أخطأ فهنا حالتان: - إن كان خطأً يختل به المعنى، وعلم أنه خطأ ولم يصحح خطأه بعد تنبيهه، فيجب عليكم إعادة الصلاة، ولكن ما الذي يدريكم أنه علم، وأصرّ على خطئه؟ إما إذا كان خطأً لا يختل به المعنى فلا تجب عليكم الإعادة، وعليكم نصح الإمام بالرفق واللين، وبيان أنه ليس عيباً أن ينسى الإمام شيئا من الآيات، فأفضل خلق الله محمد صلى الله عليه وسلم قد نسي، وذكّره من كان وراءه من الصحابة كما في الحديث. الشيخ سعد الحميد. أما التصحيح في خطبة الجمعة فهو من حالات الحاجة التي يجوز الكلام فيها مثل أن يخطيء الخطيب في آية خطأً يحيل المعنى مثل أن يسقط جملة من الآية أو ما أشبه ذلك، وعليه فلا يُعتبر هذا المصحح داخلاً في النهي عن الحديث في أثناء الخطبة. راجع الشرح الممتع 5/140. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 8686 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1719 استحباب قراءة سورة كاملة بعد الفاتحة في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[بعد قراءة سورة الفاتحة في كل ركعة، هل يجوز أن نقرأ جزءاً من سورة كبيرة بدلاً من أن نقرأ سورة كاملة؟ وبهذا نتم قراءة بعض السور الطويلة خلال الصلاة كلها بدلاً من قراءة العديد من السور القصيرة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، يجوز أن تقرأ في الصلاة جزءاً من سورة كبيرة، بدلاً من أن تقرأ سورة قصيرة كاملة. ولكن الأفضل أن تقرأ سورة كاملة في كل ركعة سورة. وهذا هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم في الغالب، فقد روى البخاري (762) ومسلم (451) عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ سُورَةٍ – يعني: يقرأ سورة في كل ركعة-) . فهذا الحديث يدل على (أن قراءة سورة قصيرة بكمالها أفضل من قراءة قدرها من طويلة) اهـ شرح مسلم للنووي (4/174) . لأن قول أبي قتادة: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ) يدل على مداومة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، أو أن ذلك كان أغلب فعله. فتح الباري (2/244) . وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءة بعض السورة في الركعة، فقد روى مسلم (727) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا ... ) البقرة/136. وَالَّتِي فِي آلِ عِمْرَانَ (تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ) آل عمران/64. فهذا الحديث يدل على جواز قراءة بعض سورة في الركعة. نيل الأوطار 2/255. وقال ابن القيم رحمه الله: وكان من هديه صلى الله عليه وسلم قراءة السورة كاملة، وربما قرأها في الركعتين، وربما قرأ أول السورة، وأما قراءة أواخر السور وأوساطها فلم يحفظ عنه. وأما قراءة السورتين في ركعة فكان يفعله في النافلة، وأما في الفرض فلم يحفظ عنه. وأما حديث ابن مسعود رضي الله عنه: (إني لأعرف النظائر التي كان رسول الله يقرن بينهن السورتين في الركعة الرحمن والنجم في ركعة، واقتربت والحاقة في ركعة، والطور والذاريات في ركعة، وإذا وقعت ون في ركعة. . الحديث فهذا حكاية فعل لم يعين محله هل كان في الفرض أو في النفل؟ وهو محتمِلٌ. وأما قراءة سورة واحدة في ركعتين معا فقلما كان يفعله. وقد ذكر أبو داود عن رجل من جهنية أنه سمع رسول الله يقرأ في الصبح (إذا زلزلت) في الركعتين كلتيهما، قال: فلا أدري أنسي رسول الله أم قرأ ذلك عمدا؟ اهـ زاد المعاد (1/214-215) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: لا بأس أن يقرأ الإنسان آيةً من سورةٍ في الفريضة وفي النافلة. وربما يُستدل له أيضاً بعموم قوله تعالى: (فاقرأوا ما تيسر منه) المزمل/20. لكن السنة والأفضل أن يقرأ سورة، والأكمل أن تكون في كل ركعة، فإن شق فلا حرج أن يقسم السورة بين الركعتين اهـ الشرح الممتع (3/104) . وفقنا الله تعالى جميعاً إلى العلم النافع والعمل الصالح. والله تعالى أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 20043 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1720 ماذا يفعل غير العربي بأذكار الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[دخلت في الإسلام ولله الحمد ولكني لا أعرف اللغة العربية فماذا أفعل بالنسبة لأذكار الصلاة وقراءة القرآن فيها.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ الأَعْجَمِيَّ إنْ كَانَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ فَإِنَّهُ لا يُجْزِئُهُ التَّكْبِيرُ بِغَيْرِهَا مِنْ اللُّغَاتِ، وَالدَّلِيلُ أَنَّ النُّصُوصَ أَمَرَتْ بِذَلِكَ اللَّفْظِ، وَهُوَ عَرَبِيٌّ، وَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَعْدِلْ عَنْهَا. أَمَّا إنْ كَانَ الأَعْجَمِيُّ لا يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ، وَلَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَى النُّطْقِ بِهَا، فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ التَّكْبِيرُ بِلُغَتِهِ بَعْدَ تَرْجَمَةِ مَعَانِيهَا بِالْعَرَبِيَّةِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، أَيًّا كَانَتْ تِلْكَ اللُّغَةُ، لأَنَّ التَّكْبِيرَ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى، وَذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى يَحْصُلُ بِكُلِّ لِسَانٍ، فَاللُّغَةُ غَيْرُ الْعَرَبِيَّةِ بَدِيلٌ لِذَلِكَ. وَيَلْزَمُهُ تَعَلُّمُ ذَلِكَ.. وَعَلَى هَذَا الْخِلافِ جَمِيعُ أَذْكَارِ الصَّلاةِ مِنْ التَّشَهُّدِ وَالْقُنُوتِ وَالدُّعَاءِ وَتَسْبِيحَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. أَمَّا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، فَالْجُمْهُورُ عَلَى عَدَمِ جَوَازِهَا بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ.. وَدَلِيلُ عَدَمِ الْجَوَازِ قوله تعالى: {إنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} ، وَلأَنَّ الْقُرْآنَ مُعْجِزٌ لَفْظُهُ وَمَعْنَاهُ، فَإِذَا غُيِّرَ خَرَجَ عَنْ نَظْمِهِ، فَلَمْ يَكُنْ قُرْآنًا وَإِنَّمَا يَكُونُ تَفْسِيرًا لَهُ. الموسوعة الفقهية ج5: أعجمي قال ابن قدامة رحمه الله: فَصْلٌ: وَلا تُجْزِئُهُ الْقِرَاءةُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ، وَلا إبْدَالُ لَفْظِهَا بِلَفْظٍ عَرَبِيٍّ، سَوَاءٌ أَحْسَنَ قِرَاءَتَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ أَوْ لَمْ يُحْسِنْ. (لـ) قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا} . وقوله تعالى: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} . وَلأَنَّ الْقُرْآنَ مُعْجِزَةٌ ; لَفْظَهُ، وَمَعْنَاهُ، فَإِذَا غُيِّرَ خَرَجَ عَنْ نَظْمِهِ، فَلَمْ يَكُنْ قُرْآنًا وَلا مِثْلَهُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ تَفْسِيرًا لَهُ، وَلَوْ كَانَ تَفْسِيرُهُ مِثْلَهُ لَمَا عَجَزُوا عَنْهُ لَمَّا تَحَدَّاهُمْ بِالإِتْيَانِ بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ. فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ الْقِرَاءةَ بِالْعَرَبِيَّةِ، لَزِمَهُ التَّعَلُّمُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، لَمْ تَصِحَّ صَلاتُهُ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ أَوْ خَشِيَ فَوَاتَ الْوَقْتِ، وَعَرَفَ مِنْ الْفَاتِحَةِ آيَةً , كَرَّرَهَا سَبْعًا. .. وَكَذَلِكَ إنْ أَحْسَنَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، كَرَّرَهُ بِقَدْرِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَأْتِيَ بِبَقِيَّةِ الآيِ مِنْ غَيْرِهَا.. فَأَمَّا إنْ عَرَفَ بَعْضَ آيَةٍ، لَمْ يَلْزَمْهُ تَكْرَارُهَا، وَعَدَلَ إلَى غَيْرِهَا ; لأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ الَّذِي لا يُحْسِنُ الْقُرْآنَ أَنْ يَقُولَ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ) وَغَيْرَهَا. وَهِيَ بَعْضُ آيَةٍ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِتَكْرَارِهَا. وَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ شَيْئًا مِنْهَا، وَكَانَ يَحْفَظُ غَيْرَهَا مِنْ الْقُرْآنِ، قَرَأَ مِنْهُ بِقَدْرِهَا إنْ قَدَرَ , لا يُجْزِئُهُ غَيْرُهُ ; لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد، عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: {إذَا قُمْت إلَى الصَّلاةِ، فَإِنْ كَانَ مَعَك قُرْآنٌ فَاقْرَأْ بِهِ , وَإِلا فَاحْمَدْ اللَّهَ، وَهَلِّلْهُ، وَكَبِّرْهُ} وَلأَنَّهُ مِنْ جِنْسِهَا، فَكَانَ أَوْلَى. وَيَجِبُ أَنْ يَقْرَأَ بِعَدَدِ آيَاتِهَا. .. فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ، وَلا أَمْكَنَهُ التَّعَلُّمُ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، لَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلا إلَهَ إلا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلا بِاَللَّهِ ; لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد، قَالَ {جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إنِّي لا أَسْتَطِيعُ أَنْ آخُذَ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ، فَعَلِّمْنِي مَا يُجْزِئُنِي مِنْهُ. فَقَالَ: قُلْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلا إلَهَ إلا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلا بِاَللَّهِ..) والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 3471 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1721 يستحب قراءة سورتي الكافرون والإخلاص في سنتي الفجر والمغرب [السُّؤَالُ] ـ[هل قراءة سورتي الكافرون والإخلاص في أول النهار وآخره، أي: في ركعتي السنة في الفجر والمغرب مستحبة وسنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: نعم، يستحب قراءة سورتي "الكافرون" و "الإخلاص" في سنة الفجر وفي سنة المغرب، وقد ثبت ذلك في السنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم: فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (قَرَأَ فِي رَكعَتَي الفَجرِ "قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ " و " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ") رواه مسلم (726) . وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (رَمَقتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عِشرِينَ مَرَّةً يَقرَأُ فَي الرَّكعَتَينِ بَعدَ المَغرِبِ، وَفِي الرَّكعَتَينِ قَبلَ الفَجرِ: " قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ " و " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ") رواه النسائي (992) وقال النووي في "المجموع" (3/385) : إسناده جيد. وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (3328) والشيخ أحمد شاكر في تحقيق المسند (8/89) . قال المباركفوري في "تحفة الأحوذي" (2/418) : " أي: يقرأ في الركعة الأولى منهما " قل يا أيها الكافرون"، وفي الثانية " قل هو الله أحد " انتهى. وقد نص العلماء على استحباب قراءة هاتين السورتين في سنتي الفجر والمغرب، عملاً بهذه الأحاديث. انظر: "المغني" (1/435) ، "مغني المحتاج" (1/464) ، "الفتاوى الفقهية الكبرى" (1/192) ، الموسوعة الفقهية (27/159) . ثانيا: وأما الحكمة من قراءة هاتين السورتين، فلأنهما قد اشتملتا على أنواع التوحيد الثلاثة، فسورة "قل هو الله أحد" اشتملت على توحيد الربوبية والأسماء والصفات، فأثبتت أن الله تعالى إله واحد، ونفت عنه الولد والوالد والنظير، وهو مع هذا "الصمد" الذي اجتمعت له صفات الكمال كلها. وسورة "قل يا أيها الكافرون" تضمنت توحيد العبادة، وأن العبد لا يعبد إلا الله، ولا يشرك به في عبادته أحداً، فلذلك " كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفتتح بهما النهار في سنة الفجر، ويختم بهما في سنة المغرب، وفي السنن أنه كان يوتر بهما، فيكونان خاتمة عمل الليل كما كانا خاتمة عمل النهار " انتهى. قاله ابن القيم في "بدائع الفوائد" (1/145-146) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 85349 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1722 تسقط الفاتحة عن المأموم في موضعين؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا دخلت المسجد والإمام راكع وركعت معه، فهل تحسب لي الركعة؟ مع أني لم أقرأ الفاتحة. وإذا دخلت معه قبل الركوع ثم كبر ولم أتمكن من قراءة الفاتحة، فماذا أفعل؟ هل أركع معه ولا أكمل الفاتحة، أو أكمل الفاتحة ثم أركع؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سبق في جواب السؤال (10995) أن قراءة الفاتحة ركن في الصلاة في حق كل مصلٍّ: الإمام والمأموم والمنفرد، في الصلاة الجهرية والسرية. والدليل على ذلك ما رواه البخاري (756) عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ) . انظر: "المجموع" (3/283- 285) . ولا تسقط الفاتحة عن المأموم إلا في موضعين: الأول: إذا أدرك الإمام راكعا، فإنه يركع معه، وتحسب له الركعة وإن كان لم يقرأ الفاتحة. ويدل على ذلك: حديث أبي بكرة رضي الله عنه أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ رَاكِعٌ فَرَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الصَّفِّ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلا تَعُدْ) رواه البخاري (783) . ووجه الدلالة: أنه لو لم يكن إدراك الركوع مجزئاً لإدراك الركعة مع الإمام لأمره النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء تلك الركعة التي لم يدرك القراءة فيها , ولم ينقل عنه ذلك , فدل على أن من أدرك الركوع فقد أدرك الركعة. انظر: "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (230) . الموضع الثاني الذي تسقط فيه الفاتحة عن المأموم: إذا دخل مع الإمام في الصلاة قبيل الركوع ولم يتمكن من إتمام الفاتحة، فإنه يركع معه ولا يتم الفاتحة، وتحسب له هذه الركعة. قال الشيرازي رحمه الله في "المهذب": " وإن أدركه في القيام وخشي أن تفوته القراءة ترك دعاء الاستفتاح واشتغل بالقراءة ; لأنها فرض فلا يشتغل عنه بالنفل , فإن قرأ بعض الفاتحة فركع الإمام ففيه وجهان: أحدهما: يركع ويترك القراءة ; لأن متابعة الإمام آكد ; ولهذا لو أدركه راكعا سقط عنه فرض القراءة. الثاني: يلزمه أن يتم الفاتحة ; لأنه لزمه بعض القراءة فلزمه إتمامها " انتهى. "المجموع" (4/109) . وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله إذا دخلت في الصلاة قبيل الركوع بقليل، فهل أشرع في قراءة الفاتحة أو أقرأ دعاء الاستفتاح؟ وإذا ركع الإمام قبل إتمام الفاتحة فماذا أفعل؟ فأجاب: " قراءة الاستفتاح سنة وقراءة الفاتحة فرض على المأموم على الصحيح من أقوال أهل العلم، فإذا خشيت أن تفوت الفاتحة فابدأ بها ومتى ركع الإمام قبل أن تكملها فاركع معه ويسقط عنك باقيها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا) متفق عليه " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (11/243-244) . وسئلت اللجنة الدائمة: إذا أدرك المصلي الجماعة وكان الإمام يقرأ القرآن بعد الفاتحة في صلاة جهرية كالمغرب مثلا فهل يقرأ هو الفاتحة أم لا يقرأ؛ وإذا أدرك الإمام واقفاً فقرأ الحمد لله رب العالمين فقط ثم كبر الإمام فهل يركع هو الآخر أم يتم القراءة؟ فأجابت: " قراءة الفاتحة في الصلاة واجبة على الإمام والمنفرد والمأموم , في سرية أو جهرية؛ لعموم أدلة قراءة الفاتحة في الصلاة، ومن جاء إلى الجماعة وكبر مع الإمام لزمه قراءتها , فإن ركع الإمام قبل إكماله لها وجبت عليه متابعته , وأجزأته تلك الركعة، كما أن من أدرك الإمام في الركوع إدراكا كاملاً أجزأته تلك الركعة التي أدرك الإمام في ركوعها , وذلك على الصحيح من قولي العلماء , وسقطت عنه الفاتحة , لعدم تمكنه من قراءتها، لحديث أبي بكرة المشهور المخرج في صحيح البخاري " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة " (6/387) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن مأموم دخل الصلاة بعد انتهاء تكبير الإمام للإحرام وقراءته للفاتحة , ثم شرع في القراءة ولكن ركع الإمام فهل يركع المأموم أو يكمل قراءة الفاتحة؟ فأجاب: " إذا دخل المأموم والإمام يريد أن يركع , ولم يتمكن المأموم من قراءة الفاتحة , إن كان لم يبق عليه إلا آية أو نحوها بحيث يمكنه أن يكملها ويلحق الإمام في الركوع فهذا حسن , وإن كان بقي عليه كثير بحيث إذا قرأ لم يدرك الإمام في الركوع فإنه يركع مع الإمام وإن لم يكمل الفاتحة " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (15/106) . وانظر: "الشرح الممتع" (3/242- 248) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 74999 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1723 هل يشترط في قراءة القرآن والأذكار تحريك اللسان؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل عندما نريد أن نقول واحداً من الأذكار يجب أن نحرك الفم؟ مثلا: عندما نريد دخول الحمام ونذكر الأذكار، هل نحرك الفم أم نكتفي بالقول في العقل؟ وكذلك عند النوم وأذكار الصباح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ذِكر الله تعالى من أشرف أعمال المسلم، ولا يقتصر الذِّكر على اللسان، بل يكون الذِّكر بالقلب واللسان والجوارح. قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله: وإذا أطلق ذكر الله: شمل كل ما يقرِّب العبدَ إلى الله من عقيدة، أو فكر، أو عمل قلبي، أو عمل بدني، أو ثناء على الله، أو تعلم علم نافع وتعليمه، ونحو ذلك، فكله ذكر لله تعالى. " الرياض النضرة " (ص 245) . وقال الشيخ ابن عثيمين: وذكر الله يكون بالقلب، وباللسان، وبالجوارح، فالأصل: ذِكر القلب كما قال صلى الله عليه وسلم: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله؛ وإذا فسدت فسد الجسد كله؛ ألا وهي القلب) رواه البخاري ومسلم، فالمدار على ذكر القلب؛ لقوله تعالى: (ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه) الكهف/ 28؛ وذكر الله باللسان أو بالجوارح بدون ذكر القلب قاصر جدّاً، كجسد بلا روح. وصفة الذِّكر بالقلب: التفكر في آيات الله، ومحبته، وتعظيمه، والإنابة إليه، والخوف منه، والتوكل عليه، وما إلى ذلك من أعمال القلوب. وأما ذكر الله باللسان: فهو النطق بكل قول يقرب إلى الله؛ وأعلاه قول: " لا إله إلا الله ". وأما ذكر الله بالجوارح: فبكل فعل يقرب إلى الله كالقيام في الصلاة، والركوع، والسجود، والجهاد، والزكاة، كلها ذكر لله؛ لأنك عندما تفعلها تكون طائعاً لله؛ وحينئذٍ تكون ذاكراً لله بهذا الفعل؛ ولهذا قال الله تعالى: (وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر) العنكبوت/45؛ قال بعض العلماء: أي: لما تضمنته من ذكر الله أكبر؛ وهذا أحد القولين في هذه الآية. " تفسير سورة البقرة " (2 / 167، 168) . ثانياً: والأذكار التي تقال باللسان كقراءة القرآن والتسبيح والتحميد والتهليل، وأذكار الصباح والمساء والنوم ودخول الخلاء. . . وغيرها لا بد فيها من تحريك اللسان، ولا يعد الإنسان قد قالها إلا إذا حرك بها لسانه. نقل ابن رشد في "البيان والتحصيل" (1/490) عن الإمام مالك رحمه الله أنه سئل عن الذي يقرأ في الصلاة، لا يُسْمِعُ أحداً ولا نفسَه، ولا يحرك به لساناً. فقال: " ليست هذه قراءة، وإنما القراءة ما حرك له اللسان " انتهى. وقال الكاساني في "بدائع الصنائع" (4/118) : " القراءة لا تكون إلا بتحريك اللسان بالحروف، ألا ترى أن المصلي القادر على القراءة إذا لم يحرك لسانه بالحروف لا تجوز صلاته. وكذا لو حلف لا يقرأ سورة من القرآن فنظر فيها وفهمها ولم يحرك لسانه لم يحنث " انتهى. يعني لأنه لم يقرأ، وإنما نظر فقط. ويدل على ذلك أيضاً: أن العلماء منعوا الجنب من قراءة القرآن باللسان، وأجازوا له أن ينظر في المصحف، ويقرأ القرآن بالقلب دون حركة اللسان. مما يدل على الفرق بين الأمرين، وأن عدم تحريك اللسان لا يعد قراءة. انظر المجموع (2/187- 189) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجب تحريك اللسان بالقرآن في الصلاة؟ أو يكفي بالقلب؟ فأجاب: " القراءة لابد أن تكون باللسان، فإذا قرأ الإنسان بقلبه في الصلاة فإن ذلك لا يجزئه، وكذلك أيضاً سائر الأذكار، لا تجزئ بالقلب، بل لابد أن يحرك الإنسان بها لسانه وشفتيه؛ لأنها أقوال، ولا تتحقق إلا بتحريك اللسان والشفتين " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (13/156) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 70577 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1724 هل تصح الصلاة خلف من يلحن في القرآن؟ [السُّؤَالُ] ـ[إمام المسجد الذي أصلي فيه يخطئ في قراءة الفاتحة، فينصب المرفوع، ويكسر المرفوع، مما يغير معنى الآية، فهل تصح الصلاة وراءه؟ يوجد عندنا في المسجد بدع منكرة بعد الصلاة مثل ترديد " يا لطيف " 100 مرة، بصفة جماعية.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من كان إماماً أو مأموماً يخطئ في قراءة الفاتحة بما يغيِّر معنى الآيات: فصلاته باطلة؛ لأن الفاتحة ركن من أركان الصلاة، ويجب عليه أن يصحح قراءته، وأن يتعلم قراءة الفاتحة على الصواب؛ إلا أن يعجز عن تعلم ذلك، بعد اجتهاده فيه، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها. لكنه إن كان إماماً فلا يصلي وراءه إلا من كان مثله أو دونه في إقامة الفاتحة. قال النووي رحمه الله: " وتكره إمامة من يلحن في القراءة؛ ثم ينظر: إن كان لحنا لا يغير المعنى، كرفع الهاء من الحمد لله، صحت صلاته وصلاة من اقتدى به، وإن كان يغير، كضم تاء أنعمت عليهم أو كسرها، تبطله، كقوله الصراط المستقين؛ فإن كان يطاوعه لسانه ويمكنه التعلم لزمه ذلك، فإن قصر وضاق الوقت صلى وقضى، ولا يجوز الاقتداء به. وإن لم يطاوعه لسانه، أو لم يمض ما يمكن التعلم فيه، فإن كان في الفاتحة فصلاة مثله خلفه صحيحة، وصلاة صحيح اللسان خلفه صلاة قارئ خلف أمي [يعني أنها لا تصح] ، وإن كان في غير الفاتحة صحت صلاته وصلاة من خلفه " انتهى من روضة الطالبين (1/350) وقال ابن قدامة رحمه الله: " (وإن) (أم أمي أميا وقارئا) (أعاد القارئ وحده) . الأمي من لا يحسن الفاتحة أو بعضها , أو يخل بحرف منها , وإن كان يحسن غيرها , فلا يجوز لمن يحسنها أن يأتم به , ويصح لمثله أن يأتم به.. " ثم قال: " ومن ترك حرفا من حروف الفاتحة ; لعجزه عنه , أو أبدله بغيره , كالألثغ الذي يجعل الراء غينا , والأرت الذي يدغم حرفا في حرف , أو يلحن لحنا يحيل المعنى , كالذي يكسر الكاف من إياك , أو يضم التاء من أنعمت , ولا يقدر على إصلاحه , فهو كالأمي , لا يصح أن يأتم به قارئ. ويجوز لكل واحد منهم أن يؤم مثله ; لأنهما أميان , فجاز لأحدهما الائتمام بالآخر , كاللذين لا يحسنان شيئا. وإن كان يقدر على إصلاح شيء من ذلك فلم يفعل , لم تصح صلاته , ولا صلاة من يأتم به. " وقال أيضا: " تكره إمامة اللحان , الذي لا يحيل المعنى , نص عليه أحمد. وتصح صلاته بمن لا يلحن ; لأنه أتى بفرض القراءة , فإن أحال المعنى في غير الفاتحة , لم يمنع صحة الصلاة , ولا الائتمام به , إلا أن يتعمده , فتبطل صلاتهما ... وأما إن كان لا يغيِّر بخطئه معنى الآيات: فيجوز الصلاة وراءه مع وجوب تعلمه للقراءة، وأما إن كان خطؤه في غير الفاتحة: فهو منقص من الصلاة وليس مبطلا لها، والصلاة خلف المتقن للقراءة أولى منه ولا شك، ولا يجوز لولاة الأمر تولية مثل هؤلاء الجهلة الصلاة بالناس، وإلا كانوا شركاء معهم بالإثم." انظر: المغني (3/29-32 ط هجر) . وقال علماء اللجنة الدائمة: ... أما إذا كان يخطئ: فإن كان خطؤه لحناً لا يغيِّر المعنى: فالصلاة وراء من لا يلحن أولى إذا تيسر، وإن كان لحنه في الفاتحة يغيِّر المعنى: فالصلاة وراءه باطلة، وذلك من أجل لحنه لا لعماه؛ كقراءة (إيَّاكَ نَعْبُدُ) بكسر الكاف، أو (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِم) بضم التاء أو كسرها، وإن كان يخطئ لضعف حفظه: كان غيره ممن هو أحفظ أولى بالإمامة منه. " فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (2 / 527) . وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -: إمام يلحن في القرآن، وأحياناً يزيد وينقص في أحرف الآيات القرآنية، ما حكم الصلاة خلفه؟ . فأجاب: إذا كان لحنه لا يحيل المعنى: فلا حرج في الصلاة خلفه مثل نصب (رَبِّ) أو رفعها في (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الفاتحة/2، وهكذا نصب (الرَّحمنِ) أو رفعه، ونحو ذلك، أما إذا كان يحيل المعنى: فلا يصلى خلفه إذا لم ينتفع بالتعليم والفتح عليه، مثل أن يقرأ (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) بكسر الكاف، ومثل أن يقرأ (أَنْعَمْتَ) بكسر التاء أو ضمها، فإن قبِل التعليم وأصلح قراءته بالفتح عليه: صحت صلاته وقراءته، والمشروع في جميع الأحوال للمسلم أن يعلم أخاه في الصلاة وخارجها؛ لأن المسلم أخو المسلم يرشده إذا غلط ويعلمه إذا جهل ويفتح عليه إذا ارتج عليه القرآن. " مجموع فتاوى ابن باز " (12 / 98، 99) . ثانيا: أما بخصوص ترديد " يا لطيف " مائة مرة: فلا يشك أنها بدعة لو قالها المسلم وحده؛ لأنها جملة غير مفيدة، فهو نداء لله تعالى لكن ماذا بعدُ؟ هل هو يطلب من ربه شيئاً؟ هل يريد الثناء عليه بعدها؟ لا شيء من ذلك، وإذا ذُكرت جماعة كانت بدعة أخرى. وانظر كلام العلماء في هذا في جوابي السؤالين: (22457) و (26867) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 70270 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1725 إذا أطال الإمام القراءة في الصلاة السرية فماذا يفعل المأموم؟ [السُّؤَالُ] ـ[عندما تكون الصلاة سرية هل يسكت المأموم عندما ينتهي من قراءة الفاتحة وسورة في الركعتين الأولى والثانية وعندما ينتهي من الفاتحة في الركعتين الثالثة والرابعة إن لم يسكت فماذا يقرأ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: المشروع للمصلي في الصلاة السرية أن يقرأ الفاتحة وما تيسر من القرآن، في الركعتين الأوليين، سواء كان إماما أو مأموما؛ لما روى ابن ماجه (843) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: (كُنَّا نَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ خَلْفَ الإِمَامِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ , وَفِي الأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ) والحديث صححه الألباني في صحيح ابن ماجه. وللمصلي –إماما أو مأموما- أن يقرأ في الركعتين الأوليين أكثر من سورة بعد الفاتحة؛ لما روى البخاري (775) ومسلم (822) عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (لَقَدْ عَرَفْتُ النَّظَائِرَ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرُنُ بَيْنَهُنَّ , فَذَكَرَ عِشْرِينَ سُورَةً مِنْ الْمُفَصَّلِ سُورَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ) . ومن ذلك: جمعه صلى الله عليه وسلم بين الرحمن والنجم في ركعة. والقمر والحاقة. والطور والذاريات. والواقعة والقلم. "صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم" للألباني (ص 104) . ويدل على جواز قراءة سورتين بعد الفاتحة أيضاً ما رواه البخاري في بَاب الْجَمْعِ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ فِي الرَّكْعَةِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: كَانَ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ يَؤُمُّهُمْ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ وَكَانَ كُلَّمَا افْتَتَحَ سُورَةً يَقْرَأُ بِهَا لَهُمْ فِي الصَّلاةِ مِمَّا يَقْرَأُ بِهِ افْتَتَحَ بِـ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا ثُمَّ يَقْرَأُ سُورَةً أُخْرَى مَعَهَا وَكَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فَكَلَّمَهُ أَصْحَابُهُ فَقَالُوا: إِنَّكَ تَفْتَتِحُ بِهَذِهِ السُّورَةِ ثُمَّ لا تَرَى أَنَّهَا تُجْزِئُكَ حَتَّى تَقْرَأَ بِأُخْرَى , فَإِمَّا تَقْرَأُ بِهَا , وَإِمَّا أَنْ تَدَعَهَا وَتَقْرَأَ بِأُخْرَى , فَقَالَ: مَا أَنَا بِتَارِكِهَا , إِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ أَؤُمَّكُمْ بِذَلِكَ فَعَلْتُ , وَإِنْ كَرِهْتُمْ تَرَكْتُكُمْ , وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْ أَفْضَلِهِمْ , وَكَرِهُوا أَنْ يَؤُمَّهُمْ غَيْرُهُ , فَلَمَّا أَتَاهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ فَقَالَ: (يَا فُلانُ , مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَفْعَلَ مَا يَأْمُرُكَ بِهِ أَصْحَابُكَ؟ وَمَا يَحْمِلُكَ عَلَى لُزُومِ هَذِهِ السُّورَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ؟ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّهَا. فَقَالَ: حُبُّكَ إِيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ) . وينظر: "فتاوى اللجنة الدائمة" (6/403) . ثانيا: أما الركعتان الأخيرتان، فالأصل أن يُقتصر فيهما على الفاتحة، لما روى مسلم (451) عن أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ , وَيُسْمِعُنَا الآيَةَ أَحْيَانًا , وَيَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ) . هذا هو الأصل، ويجوز أن يقرأ المصلي سورة بعد الفاتحة في الركعتين الأخيرتين أحيانا؛ لما روى مسلم (452) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ ثَلاثِينَ آيَةً , وَفِي الأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً , أَوْ قَالَ نِصْفَ ذَلِكَ , وَفِي الْعَصْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ قِرَاءَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً , وَفِي الأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ نِصْفِ ذَلِكَ) . قال الشيخ الألباني رحمه الله: " وفي الحديث دليل على أن الزيادة على الفاتحة في الركعتين الأخيرتين سنة، وعليه جمع من الصحابة، منهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وهو قول الإمام الشافعي سواء كان ذلك في الظهر أو غيرها، وأخذ به من علمائنا المتأخرين أبو الحسنات اللكنوي ... " انتهى من "صفة الصلاة" (ص 113) . وسئل الشيخ ابن عثيمين: إذا فرغ المصلي في الصلاة السرية من قراءة الفاتحة وسورة والإمام لم يركع فهل يسكت؟ فأجاب: " لا يسكت المأموم إذا فرغ من قراءة الفاتحة وسورة قبل أن يركع الإمام , بل يقرأ حتى يركع الإمام، حتى لو كان في الركعتين اللتين بعد التشهد الأول وانتهى من الفاتحة ولم يركع الإمام فإنه يقرأ سورة أخرى حتى يركع الإمام؛ لأنه ليس في الصلاة سكوت إلا في حال استماع المأموم لقراءة إمامه " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (15/108) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69846 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1726 هل يجوز قراءة سورتين في كل ركعة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمصلي قراءة سورتين في كل ركعة في صلاة الجماعة أو المفردة؟ علما بأنني أحب أن أقرأ السورة الثانية في كل ركعة سورة الصمد.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا حرج على المصلي أن يقرأ بعد الفاتحة سورتين أو ثلاثاً، سواء كان إماماً أم مأموماً، إلا أن الإمام يفعل ذلك أحياناً لبيان الجواز، ودون أن يطيل على المصلين، كما يجوز هذا الفعل في الفريضة والنافلة. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءة سورتين بعد الفاتحة في كثير من الصلوات، وسميت هذه السور بـ " النظائر " وقد جاء في الأحاديث الصحيحة ذِكرها وبيانها. عن عمرو بن مرة قال: سمعت أبا وائل قال: جاء رجل إلى ابن مسعود فقال: قرأتُ المفصَّل الليلة في ركعة، فقال: هَذًّا كهذِّ الشعر؟ لقد عرفت النظائر التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرن بينهن، فذكر عشرين سورة من المفصَّل سورتين في كل ركعة. رواه البخاري (742) ومسلم (822) . وبوَّب عليه البخاري بقوله: باب الجمع بين السورتين في الركعة. والمفصَّل: من سورة " ق " إلى " الناس ". والهذّ: سرعة القراءة. وعن علقمة والأسود قالا: أتى ابنَ مسعود رجلٌ فقال: إني أقرأ المفصل في ركعة، فقال: أهذّاً كهذ الشعر ونثرا كنثر الدقل؟ لكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ النظائر السورتين في ركعة: النجم والرحمن في ركعة، واقتربت والحاقة في ركعة، والطور والذاريات في ركعة، وإذا وقعت ونون في ركعة، وسأل سائل والنازعات في ركعة، وويل للمطففين وعبس في ركعة، والمدثر والمزمل في ركعة، وهل أتى ولا أقسم بيوم القيامة في ركعة، وعم يتساءلون والمرسلات في ركعة، والدخان وإذا الشمس كورت في ركعة. رواه أبو داود (1396) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود". والدقل: رديء التمر. وقد قرأ النبي صلى الله عليه وسلم في ركعة واحدة في قيام الليل " البقرة والنساء وآل عمران " كما نقله عنه حذيفة رضي الله، وقد رواه عنه مسلم (772) . قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ويجوز للإنسان أن يقرأ بعد الفاتحة سورتين، أو ثلاثاً، وله أن يقتصر على سورة واحدة، أو يقسم السورة إلى نصفين، وكل ذلك جائز لعموم قوله تعالى: (فاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) المزمل/20، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن) . "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (13/السؤال رقم 500) . وقال الشيخ الألباني رحمه الله: وكان صلى الله عليه وسلم - أحياناً - يجمع في الركعة الواحدة بين السورتين أو أكثر. "صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم" (ص 103– 105) وذكر الشيخ رحمه الله الأحاديث التي ورد فيها ذلك وخرّجها، فلتنظر في الموضع المحال إليه. ثانياً: وأما قراءة سورة " الإخلاص " بعد كل قراءة في كل ركعة فقد ثبت ذلك عن أحد الصحابة وأقره عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وهو من أدلة أصل السؤال وهو قراءة سورتين في كل ركعة. عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على سريَّة وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بـ (قل هو الله أحد) فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: سلوه لأي شيء يصنع ذلك، فسألوه فقال: لأنها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأ بها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أخبروه أن الله يحبه. رواه البخاري (6940) ومسلم (813) . وهذا الحديث: يدل على جواز هذا الفعل، وأما الاستحباب فلا يستحب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله، ولم يداوم عليه، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69915 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1727 هل يكرر السورة نفسها في الصلاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[لا أحفظ الكثير من سور القرآن لأني لا أزال أتعلم، فهل يجوز أن أعيد قراءة نفس السور في صلاة التراويح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج في إعادة قراءة نفس السورة في صلاة التراويح، أو غيرها من الصلوات، فيقرأ سورة في الركعة الأولى، ثم يعيد السورة نفسها في الركعة الثانية. ودليل ذلك عموم قول الله تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) المزمل/20. وروى أبو داود (816) عَنْ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجُهَنِيِّ أَنَّ رَجُلا مِنْ جُهَيْنَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ: (إِذَا زُلْزِلَتْ الأَرْضُ) فِي الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا. فَلا أَدْرِي أَنَسِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ قَرَأَ ذَلِكَ عَمْدًا؟ حسنه الألباني في صحيح أبي داود. قال عبد العظيم آبادي: تردد الصحابي في أن إعادة النبي صلى الله عليه وسلم للسورة هل كان نسيانا لكون المعتاد من قراءته أن يقرأ في الركعة الثانية غير ما قرأ به في الأولى فلا يكون مشروعا لأمته أو فعله عمد البيان الجواز؟ فتكون الإعادة مترددة بين المشروعية وعدمها وإذا دار الأمر بين أن يكون مشروعا أو غير مشروع فحمل فعله صلى الله عليه وسلم على المشروعية أولى لأن الأصل في أفعاله التشريع والنسيان على خلاف الأصل. " عون المعبود " (3 / 23) . بل لا حرج أن يكرر السورة نفسها أو الآية نفسها في الركعة الواحدة. روى النسائي (1010) وابن ماجه (1350) عن أَبي ذَرٍّ رضي الله عنه قال: قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِآيَةٍ حَتَّى أَصْبَحَ يُرَدِّدُهَا، وَالآيَةُ: (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) حسنه الألباني في صحيح النسائي. وروى البخاري (5014) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَجُلا سَمِعَ رَجُلا يَقْرَأُ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) يُرَدِّدُهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، وَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ) . وفي رواية: (أَنَّ رَجُلا قَامَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ مِنْ السَّحَرِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ لا يَزِيدُ عَلَيْهَا) . فأقره الرسول صلى الله عليه وسلم على تكرار السورة نفسها. قال الحافظ: " الْقَارِئ هُوَ قَتَادَةُ بْن النُّعْمَان , أَخْرَجَ أَحْمَد مِنْ طَرِيق أَبِي الْهَيْثَم عَنْ أَبِي سَعِيد قَالَ: (بَاتَ قَتَادَةُ بْن النُّعْمَان يَقْرَأ مِنْ اللَّيْل كُلّه قُلْ هُوَ اللَّه أَحَد لا يَزِيد عَلَيْهَا) الْحَدِيث. . . وَقَدْ أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيق إِسْحَاق بْن الطَّبَّاع عَنْ مَالِك فِي هَذَا الْحَدِيث بِلَفْظِ: (إِنَّ لِي جَارًا يَقُوم بِاللَّيْلِ فَمَا يَقْرَأ إِلا بـ قُلْ هُوَ اللَّه أَحَد) " انتهى. ونسأل الله أن يوفقك لحفظ كتابه، والعمل بما فيه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65562 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1728 قراءة البسملة في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجب أن يقول بسم الله الرحمن الرحيم بعد الانتهاء من الفاتحة مباشرة قبل تلاوة السورة؟ وماذا لو بدأ من منتصف السورة ماذا يقول؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قراءة البسملة مستحبة وليست واجبة، وهي مستحبة إذا كان سيقرأ سورة من أولها. فيأتي بها المصلي قبل الفاتحة، وأما القراءة بعد الفاتحة فإن قرأ من بداية سورة أتى بها إلا سورة التوبة فإنه لا يقرأ البسملة في أولها، وإن قرأ من وسط السورة، فلا يستحب له قراءة البسملة. قالت اللجنة الدائمة: دلَّت السنَّة الثابتة أنه صلى الله عليه وسلم يقرأ البسملة في الصلاة قبل الفاتحة وقبل غيرها من السوَر، ما عدا سورة التوبة، لكنه كان لا يجهر بها في الصلاة الجهرية صلى الله عليه وسلم. " فتاوى اللجنة الدائمة " (6 / 378) . وقالت أيضاً: التسمية مشروعة في كل ركعة من الصلاة قبل الفاتحة، وقبل كل سورة سوى سورة براءة. " المرجع نفسه ". وقالت أيضاً: إذا كان سيقرأ سورة بعد الفاتحة: فيقرأ قبلها البسملة سرّاً، وإذا كان سيقرأ ما تيسر من وسط السورة أو آخرها: فلا تشرع له قراءتها. " فتاوى اللجنة الدائمة " (6 / 380) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 22186 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1729 اقتدى بإمامه في التراويح ليصلي العشاء ثم اقتدى به ثانية في الركعتين الأخريين [السُّؤَالُ] ـ[فاتتني صلاة العشاء، والإمام بدأ يصلي التراويح، فدخلت مع الإمام بنية العشاء، وصلَّى الإمام ركعتين، ثم سلم، وأنا بقيت جالساً، ولم أسلم، وعندما قام للصلاة قمتُ معه، وأكملت صلاة العشاء معه، هل طريقة صلاتي هذه صحيحة؟ وإذا كانت غير صحيحة ماذا عليَّ فعله؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف العلماء في حكم صلاة المفترض خلف إمام متنفل، وقد ذكرنا شيئاً من أقوال العلماء في هذه المسألة في جواب السؤال رقم (79136) . وذهب إلى جواز ذلك الإمام الشافعي وابن المنذر – وهو رواية عن أحمد - رحمهم الله، واختاره علماء اللجنة الدائمة، والشيخ ابن باز، ونقلنا عنهم جواز المسألة الواردة في السؤال، وهو صلاة العشاء خلف من يصلي التراويح، وأن على المأموم أن يُكمل صلاته وحده بعد سلام الإمام. أما ما فعله السائل من كونه جلس بعد سلام الإمام، حتى ائتم به في ركعتين أخريين من التراويح: ففيه القولان فيمن ابتدأ صلاته منفرداً هل له الاقتداء بإمام جماعة؟ فمِن العلماء مَن قال بالمنع منه، ومنهم من قال بالصحة. وقد توقف الشيخ العثيمين في حكم هذا الفعل، فقال – بعد أن بيَّن جواز صلاة المفترض خلف المتنفل، ومنه: جواز صلاة العشاء خلف من يصلي التراويح – قال: "إنما الذي أتوقف فيه: هو انتظارهم الإمام حتى يدخل في التسليمة الثانية [يعني الركعتين الأخريين] ، ويتمون الصلاة معه: فإن هذا أتوقف فيه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (فما أدركتم فصلُّوا وما فاتكم فأتموا) فإن ظاهره: أن الإنسان يتم ما فاته مع إمامه وحده، يعني: ما ينتظر حتى يشرع الإمام في التسليمة الثانية، وإنما نقول: إذا سلَّم الإمام في الصلاة التي أدركتَه فيها: فأتِمَّ، ولا تنتظر حتى يدخل في صلاةٍ أخرى" انتهى. "فتاوى نور على الدرب" (شريط رقم 15، وجه ب) . وقد رجح النووي رحمه الله جواز ذلك حيث قال: ولو صلَّى العشاء خلف التراويح: جاز، فإذا سلَّم الإمام: قام إلى ركعتيه الباقيتين، والأولى أن يتمها منفرداً، فلو قام الإمام إلى أخريين من التراويح، فنوى الاقتداء به ثانياً في ركعتيه: ففي جوازه القولان فيمن أحرم منفرداً ثم نوى الاقتداء، والأصح: الصحة" انتهى. "المجموع شرح المهذب" (4/270) . فعلى هذا، فالصلاة صحيحة وليس عليك إعادتها، غير أن الأفضل ـ فيما بعد ـ أن تكمل صلاتك وحدك، ولا تعيد الدخول مع الإمام مرة أخرى. فليس على الأخ السائل إعادة الصلاة، ولا إعادة ركعتين، وما فعله من صلاة العشاء خلف إمام التراويح صحيح، لكننا نرى أن الأولى أنه يتم ما بقي عليه من صلاته وحده، ولو اقتدى بالركعتين الأخريين مع الإمام مرة أخرى: جاز. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 141250 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1730 هل يجوز له إتمام الشراء وهو يسمع النداء بالصلاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[أحيانا عندما أكون في السوق وأكون في محل وقد اخترت البضاعة وأكون قد وصلت المحاسبة وقد أذن فهل يجوز لي إتمام البيع أو يحرم ذلك؟ كذلك أحيانا نكون في السيارة ويكون المؤذن قد أذن فنقف عند بقالة ويطلب أخي من البقالة شيئا فهل هذا يدخل تحت التحريم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان ذلك في أذان صلاة الجمعة الذي يكون بعد صعود الخطيب المنبر، فيحرم البيع والشراء حينئذ، لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) الجمعة/9. قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: "قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) معناه: ترك الاشتغال بالتجارة والتوجه لسماع الخطبة وأداء صلاة الجمعة في المسجد مع الإمام، وهذا يعني: تحريم البيع والشراء بعد الأذان الثاني الذي هو عند جلوس الخطيب على المنبر حتى تنتهي الصلاة، إلا لضرورة تدعو إلى الشراء؛ كماء للطهارة أو ثوب يستر به عورته للصلاة" انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (13 / 101-102) وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "إن البيع بعد نداء الجمعة الثاني حرام وباطل أيضا، وعليه فلا يترتب عليه آثار البيع، فلا يجوز للمشتري التصرف في المبيع؛ لأنه لم يملكه، ولا للبائع أن يتصرف في الثمن المعين؛ لأنه لم يملكه، وهذه مسألة خطيرة؛ لأن بعض الناس ربما يتبايعون بعد نداء الجمعة الثاني ثم يأخذونه على أنه ملك لهم " انتهى. "الشرح الممتع" (8/52) . فلا يجوز البيع والشراء بعد الأذان الثاني للجمعة، لأن الواجب السعي إلى المسجد لسماع الخطبة والصلاة، والبيع يشغل عن ذلك. أما إذا كان ذلك في سائر الصلوات (الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء) فلا حرج من ذلك، بشرط ألا يشغل عن صلاة الجماعة، ويكون سبباً في تضييعها. وقد قال الله تعالى: (رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) النور/37. "فهؤلاء الرجال، وإن اتجروا، وباعوا، واشتروا، فإن ذلك لا محذور فيه. لكنه لا تلهيهم تلك، بأن يقدموها ويؤثروها على ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، بل جعلوا طاعة الله وعبادته غاية مرادهم، ونهاية مقصدهم، فما حال بينهم وبينها رفضوه" انتهى من "تفسير السعدي" (ص/ 569) . وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: هل يحرم البيع أثناء الأذان وبعده، وكيف الحال في يوم الجمعة؟ فأجاب: "قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) فلا يجوز البيع والشراء ولا الإجارة ولا المساقاة ولا غير ذلك، بل يجب أن يتفرغ العباد لصلاة الجمعة، ويبادر لصلاة الجمعة، ولا يتشاغل بشيء آخر. أما الأوقات الأخرى فقد تلحق بالجمعة وقد لا تلحق، فالأحوط له أن لا يفعل شيئاً بعد الأذان، بعد أذان بعد الظهر أو العصر أو المغرب؛ لأنه قد يشغله عن الجماعة، فالأحوط له أن يحذر ذلك إلا أن يكون شيئاً يسيراً ما يشغل فلعله لا حرج فيه؛ لأن الله - جل وعلا - إنما جاء عنه النص في مسألة الجمعة؛ لأن أمرها عظيم، ويجب حضورها، وتفوت بفواتها، فأمرها أعظم، وهي فرض الأسبوع. فالمقصود: أن الجمعة لا يقاس عليها غيرها، لكن إذا هجر هذا الشيء وابتعد عنه لئلا يشغله عن الجماعة كان هذا أولى. وبكل حال ... إذا كان بيعه قد يشغله عن أداء الصلاة في الجماعة حُرم، لكن في بعض الأحيان تكون الصلاة متأخرة، إذا تأخر الإمام، ويمكن للإنسان في طريقه أن يشتري سلعة ويبيعها، قد لا يضر حضوره الصلاة. وكونه يبتعد عن هذا الشيء، ويستأنس بما جاء في الجمعة يكون هذا أحوط حتى يتشبه بالجمعة في الحذر" انتهى. (من فتاوى نور على الدرب) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 140662 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1731 حكم استعمال مكبرات الصوت في إقامة الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[أنا أعيش في إحدى الدول العربية وقد أصدرت وزارة الشؤون الدينية والأوقاف قرارا يقضي بإقامة الصلاة داخل المسجد دون أن يسمعها الناس الذين هم خارج المسجد وهم يقولون بأن الصحابة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم أقروا بهذا الشيء.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: استعمال مكبرات الصوت في الصلوات الخمس وكذا صلاة التراويح ليس مشروعا، إلا بالقدر الذي يسمع أهل المسجد، دون أن يرتفع الصوت خارجا فيشوش على بقية المساجد، وعلى من في البيوت من أصحاب الأعذار كالمرضى وغيرهم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ليس لأحد أن يجهر بالقراءة بحيث يؤذي غيره كالمصلين" انتهى. "مجموع الفتاوى" (23/61) . وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (38521) . ثانياً: أما إقامة الصلاة، فقد دلت السنة الصحيحة، أنها كانت تسمع من خارج المسجد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سبق بيان الأدلة على ذلك في جواب السؤال رقم (128726) ، وذكرنا فيه كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن إقامة الصلاة تكون للحاضرين في المسجد، وللغائبين أيضاً كالأذان. فعلى هذا، إذا كان المقصود من منع "إقامة الصلاة" في مكبرات الصوت "الصلاة نفسها"، فهو قرار صحيح، على أننا نهيب بالمسؤولين ألا يكون هذا المنع خاصاًّ بأهل القرآن والصلاة فقط، ثم يسمح لأهل المجون والفسق والخلاعة بإعلان فسقهم ومجونهم على مسامع الناس من غير رادع يردعهم، أو مانع يمنعهم. وإذا كان المقصود هو منع الإقامة المعروفة؛ فظاهر السنة تدل على خلاف هذا، كما في جواب السؤال المحال عليه سابقا. وقولهم: "إن الصحابة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم أقروا بهذا الشيء": لا يظهر لنا صحته بكل حال، لأنه إذا كان المقصود بذلك فعل الصلاة نفسها، فلم تكن المسألة موجودة في زمانهم لعدم وجود مكبرات الصوت، فلم يكن هناك إعلان بالصلاة، أو تشويش بها على أهل البيوت والأعذار والمساجد الأخرى، وإن كان المقصود الإقامة نفسها، ففعل الصحابة يدل على أن الإقامة كانت تعلن خارج المسجد ويسمعها من هو خارج المسجد كالأذان. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 139466 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1732 حكم صلاة الذين يصفون آخر المسجد، تاركين الصف مع الجماعة خلف الإمام. [السُّؤَالُ] ـ[هناك مسجد بجوار عملي أصلي فيه مع الجماعة، وهو مسجد كبير ويتسع لحوالي ألف مصلى، ولكني لاحظت أن هناك مجموعة من الرجال يصفون صفا في نهاية المسجد ويتركون مسافة كبيرة جدا بينهم وبين الصفوف المتراصة خلف الإمام، وهذه المسافة قد تكفي لعشرة صفوف في بعض الصلوات، وبعد ذلك صرت أصلي في مسجد آخر خوفا من أن تبطل صلاتي، ونريد من فضيلتكم توضيح الحكم في فعل هؤلاء المصلين، وحكم صلاة الجماعة في ذلك المسجد، والنصح لي بكيفية تغيير هذا الوضع إن كان مخالفا؟ مع العلم أني كلمت الإمام المسؤول عن المسجد وقال لي: (لا فائدة من نصحهم فقد نصحناهم عدة مرات) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله السنة للمصلين أن يتراصوا ويقاربوا الصفوف. روى أبو داود (667) والنسائي (815) عن أنس رضي الله عنه أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (رَاصُّوا صُفُوفَكُمْ، وَقَارِبُوا بَيْنَهَا، وَحَاذُوا بِالْأَعْنَاقِ) صححه الألباني في "صحيح أبي داود". قال السندي رحمه الله: " قَوْله (رَاصُّوا صُفُوفكُمْ) بِانْضِمَامِ بَعْضكُمْ إِلَى بَعْض عَلَى السَّوَاء (وَقَارِبُوا بَيْنَهَا) أَيْ: اِجْعَلُوا مَا بَيْن صَفَّيْنِ مِنْ الْفَصْل قَلِيلًا، بِحَيْثُ يَقْرَب بَعْض الصُّفُوف إِلَى بَعْض" انتهى. وقال المناوي رحمه الله: " (وقاربوا بينها) بحيث لا يسع بين كل صفين صف آخر حتى لا يقدر الشيطان أن يمر بين أيديكم" انتهى. "فيض القدير" (4 / 7) . والأفضل للمسلمين عموماً ـ في الصلاة وغيرها ـ أنهم إذا اجتمعوا أن يتقاربوا بأبدانهم، حتى يكون ذلك سبباً لحصول الألفة والمحبة بينهم وتقويتها. فعن أبي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيّ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّاسُ إِذَا نَزَلُوا مَنْزِلًا تَفَرَّقُوا فِي الشِّعَابِ وَالْأَوْدِيَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ تَفَرُّقَكُمْ فِي هَذِهِ الشِّعَابِ وَالْأَوْدِيَةِ إِنَّمَا ذَلِكُمْ مِنْ الشَّيْطَانِ) فَلَمْ يَنْزِلْ بَعْدَ ذَلِكَ مَنْزِلًا إِلَّا انْضَمَّ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، حَتَّى يُقَالَ لَوْ بُسِطَ عَلَيْهِمْ ثَوْبٌ لَعَمَّهُمْ. رواه أبو داود (2628) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود". فما يفعله هؤلاء من تركهم الصفوف الأولى، وصلاتهم في آخر المسجد: مخالف للسنة، وسبب من أسباب حصول النزاع والتفرق بين أهل المسجد. وأما صحة الصلاة فصلاتهم صحيحة، ما داموا يصلون داخل المسجد، ويقفون صفاً، ولا يقف أحدهم منفرداً خلف الصفوف. فقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم الصلاة التي نصليها في فناء المسجد؟ علما بأن الفناء في المسجد تابع له؟ فأجاب: "الصلاة في فناء المسجد إن كان جميع المصلين صلوا فيه فلا إشكال في جوازها، وأما إذا كان المصلون يصلون في داخل المسقوف وهؤلاء صاروا في خارج فيقال: خالفتم السنة؛ لأن السنة أن تتقارب الصفوف بعضها من بعض، وأن لا يصلوا في مكان والإمام يصلي في مكان آخر، لكن صلاتهم على كل تقدير صحيحة" انتهى. "فتاوى نور على الدرب" (192/10) . وصلاة الجماعة في هذا المسجد صحيحة، وينبغي لكم ولإمام المسجد أن تستمروا في نصح هؤلاء وحثهم على اتباع السنة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136623 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1733 حكم تخصيص مكان في البيت للصلاة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم تخصيص مكان في البيت للعبادة والصلاة فيه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج من تخصيص مكان في البيت للعبادة والصلاة فيه، وقد جاء في السنة ما يدل على جواز ذلك. فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ قَالَ: سَمِعْتُ خَالَتِي مَيْمُونَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تقول: (أَنَّهَا كَانَتْ تَكُونُ حَائِضًا لَا تُصَلِّي، وَهِيَ مُفْتَرِشَةٌ بِحِذَاءِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى خُمْرَتِهِ، إِذَا سَجَدَ أَصَابَنِي بَعْضُ ثَوْبِهِ) رواه البخاري (333) . قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: "والظاهر: أن مراد ميمونة في هذا الحديث مسجد بيت النَّبيّ صلى الله عليه وسلم الذي كانَ يصلي فيهِ من بيته؛ لأن ميمونة لا تفترش إلا بحذاء هذا المسجد، ولم تُرِد - والله أعلم - مسجد المدينة" انتهى. "فتح الباري" (1/550) . وعَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيِّ: (أَنَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ كَانَ يَؤُمُّ قَوْمَهُ وَهُوَ أَعْمَى، وَأَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّهَا تَكُونُ الظُّلْمَةُ وَالسَّيْلُ، وَأَنَا رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ، فَصَلِّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي بَيْتِي مَكَانًا أَتَّخِذُهُ مُصَلَّى، فَجَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ؟ فَأَشَارَ إِلَى مَكَانٍ مِنْ الْبَيْتِ، فَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رواه البخاري (667) ، ومسلم (33) . قال النووي رحمه الله: "وفيه: أنه لا بأس بملازمة الصلاة في موضع معين من البيت، وإنما جاء في الحديث النهي عن إيطان موضع من المسجد للخوف من الرياء ونحوه" انتهى. "شرح مسلم" (5/161) . قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: " مساجد البيوت هي أماكن الصلاة منها، وقد كان من عادة السلف أن يتخذوا في بيوتهم أماكن معدة للصلاة فيها. وهذه المساجد لا يثبت لها شيء من أحكام المساجد المسبلة – أي المتخذة وقفاً -، فلا يجب صيانتها عن نجاسة، ولا جنابة، ولا حيض. هذا مذهب أصحابنا وأكثر الفقهاء. وأما إقامة الجماعة للصلوات في مساجد البيوت فلا يحصل بها فضيلة الصلاة في المساجد، وإنما حكم ذلك حكم من صلى في بيته جماعة وترك المسجد. وبكل حال؛ فينبغي أن تحترم هذه البقاع المعدة للصلاة من البيوت، وتنظف وتطهر. قال الثوري في المساجد التي تبنى في البيوت: ترفع ولا تشرف، وتفرغ للصلاة، ولا تجعل فيها شيئا " انتهى باختصار. "فتح الباري" لابن رجب (2/377-380) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136585 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1734 متابعة الإمام في مندوبات الصلاة فعلاً وتركاً [السُّؤَالُ] ـ[ما الذي يجب أن يقوم به المؤتم إذا كان الإمام نفسه لا يقوم ببعض السنن المثبتة في الصلاة، كرفع اليدين قبل الركوع، وبعده، فهل يجب اتباع الإمام أم اتباع السنة؟ أنا في حيرة شديدة، فأرجو أن تطلعوني على الإجابة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ينبغي للمأموم أن يفعل ما يراه سنة، سواء فعله الإمام أم لا، إلا إذا كان فعل المأموم له سيؤدي إلى الإخلال بمتابعة الإمام، فيتأخر عنه أو يسبقه، فعليه في هذه الحالة ترك ما يرى أنه سنة، من أجل متابعة الإمام. فما سأل عنه السائل (رفع اليدين قبل الركوع وبعده) لا يؤدي إلى الإخلال بالمتابعة، فينبغي للمأموم فعله. ومثال ما يؤدي إلى الإخلال بالمتابعة، إذا كان المأموم يرى استحباب جلسة الاستراحة والإمام لا يراها، فينبغي للمأموم تركها. وقد بينا ذلك في جواب السؤال رقم (34458) . قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "الشيء الذي لا يقتضي التَّأخُّر عن الإمام ولا التَّقدُّم عليه فهذا يأخذ المأموم بما يراه، مثاله: لو كان الإمام لا يرى رفع اليدين عند التَّكبير للرُّكوع والرَّفع منه والقيام من التَّشهد الأوَّل، والمأموم يرى أن ذلك مستحبٌّ، فإنه يفعل ذلك؛ لأنه لا يستلزم تأخراً عن الإمام ولا تقدُّماً عليه، ولهذا قال الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم: (إذا كَبَّر فكبِّروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا) والفاء تدلُّ على التَّرتيب والتَّعقيب، وكذلك أيضاً: لو كان الإمام يَتورَّكُ في كلِّ تشهُّد يعقبه سَلام حتى في الثُّنائيَّة، والمأموم لا يرى أنه يَتورَّك إلا في تشهُّد ثانٍ فيما يُشرع فيه تشهُّدان، فإنه هنا له ألا يتورَّك مع إمامه في الثُّنائيَّة؛ لأن هذا لا يؤدِّي إلى تخلُّف ولا سبق" انتهى. "الشرح الممتع" (2/319-320) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136385 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1735 هل يصلي في الصفوف الخلفية وراء الإمام، أم في الصفوف الأمامية من الطابق العلوي؟ [السُّؤَالُ] ـ[أحيانا أتأخر عن صلاة الجمعة، فلا أجد مكاناً في المسجد إلا في الصفوف الخلفية، فأصعد إلى الطابق العلوي لأجد مكاناً في صفوف متقدمة بدون أذية للمصلين، فهل الأولى الصلاة في الطابق السفلي حيث الإمام ولو في صفوف متأخرة أم الصعود إلى الطابق العلوي في صفوف متقدمة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصلاة في الصفوف المتأخرة من الطابق السفلي الذي فيه الإمام أفضل من الصلاة في الصفوف المتقدمة من الطابق العلوي؛ لأن الصلاة خلف الإمام هي الأصل، ولا يلجأ الناس إلى الصلاة بالطابق العلوي إلا عند ضيق المسجد وعدم كفايته للمصلين. وأيضا: فإن القرب من الإمام أفضل، والصلاة بالطابق السفلي أقرب إلى الإمام منها بالطابق العلوي. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: سمعنا أن الصلاة في الطابق السفلي من المسجد الحرام أفضل من الصلاة في الطابق العلوي، فهل هذا صحيح من حيث العلو على الإمام؟ فأجاب بقوله: " الطابق السفلي قد يكون أفضل من حيث قربه من الإمام؛ لأنه بلا شك أقرب إلى الإمام، والصف الأول أفضل لأنه أقرب من الإمام. وأما من حيث علو المأموم على الإمام فهذه المسألة فيها خلاف، مع أن كثيراً من أهل العلم يقيد هذه المسألة بما إذا صلى الإمام وحده بالأسفل وصلى بقية الجماعة كلهم فوقه فهذه هي التي تكره، وأما إذا كان مع الإمام أحد فإنه لا كراهة في علو المأموم على الإمام، والآن معروف في الحرم أن غالب المصلين يصلون في الأسفل، فعلى هذا فالذين يصلون فوق ليس في صلاتهم كراهة بل ذلك جائز، ولكن كما قلت الأسفل أقرب إلى الإمام فيكون أولى " انتهى. "مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (13/19-20) وقد تكون الصلاة في الطابق العلوي أفضل إذا كانت أقرب إلى الخشوع، لما قد يتأذى به المصلى في الصفوف الخلفية خلف الإمام من الزحام أو شدة الحر. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: أيهما أفضل الصلاة في الدور العلوي أم في الدور الأرضي من المسجد؟ فأجاب: " الصلاة في الأسفل أفضل من الصلاة في الأعلى؛ لأنها أقرب إلى الإمام، والدنو من الإمام أفضل من البعد عنه، لكن إذا اقترن بالصلاة في الأعلى نشاط الإنسان فنشط، ويرى أنه يخشع أكثر فإن هذا أفضل، وذلك لأن المحافظة على الفضيلة المتعلقة بالعبادة أولى من المحافظة على الفضيلة المتعلقة بمكانها، هكذا قال العلماء، وضربوا لذلك مثلاً بالرَّمَل في طواف القدوم أو الدنو من الكعبة، لو قال قائل: أنا إن دنوت من الكعبة لم يحصل لي الرَّمَل، وإن أبعدت عن الكعبة حصل لي الرَّمَل فأيهما أفضل، أن أدنو من الكعبة، أو أن أبتعد وأرمل، فأيهما أفضل؟ يقول العلماء: الأفضل أن تبتعد وترمل؛ لأن الفضيلة المتعلقة بذات العبادة أولى بالمحافظة من الفضيلة المتعلقة بمكانها " انتهى. "مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (13/ 14) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136256 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1736 قراءة غير الفاتحة خلف الإمام في الصلاة الجهرية [السُّؤَالُ] ـ[هل تجوز القراءة خلف إمامي؟ وما حكمها إذا قرأت خلفه بغير الفاتحة، هل تبطل الصلاة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز للمأموم أن يقرأ خلف إمامه في الصلاة الجهرية غير الفاتحة، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم (66742) . ومن فعل ذلك جاهلا فلا شيء عليه، والواجب ألا يعود إليه مستقبلا؛ لمخالفته قوله تعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) الأعراف/204، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تَفْعَلُوا إِلا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، فَإِنَّهُ لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا) رواه أبو داود (823) وصححه الألباني في "صحيح الترمذي. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136053 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1737 حكم الصف بين سواري المسجد [السُّؤَالُ] ـ[في الصفوف التي تتواجد بينها الأعمدة في المسجد أثناء صلاة الجماعة، هل يجوز بعد العمود أن أقف لوحدي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ورد النهي عن الصف بين سواري المسجد (وهي الأعمدة) ؛ لأنها تقطع الصفوف. فقد روى ابن ماجة (1002) عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: (كُنَّا نُنْهَى أَنْ نَصُفَّ بَيْنَ السَّوَارِي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُطْرَدُ عَنْهَا طَرْدًا) صححه الألباني في "صحيح ابن ماجة". وروى الترمذي (229) عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ مَحْمُودٍ قَالَ: صَلَّيْنَا خَلْفَ أَمِيرٍ مِنْ الْأُمَرَاءِ، فَاضْطَرَّنَا النَّاسُ فَصَلَّيْنَا بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ، فَلَمَّا صَلَّيْنَا قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: (كُنَّا نَتَّقِي هَذَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وصححه الألباني في "صحيح الترمذي". قال ابن مفلح رحمه الله: " وَيُكْرَهُ لِلْمَأْمُومِ الْوُقُوفُ بَيْنَ السَّوَارِي , قَالَ أَحْمَدُ: لِأَنَّهَا تَقْطَعُ الصَّفّ " انتهى. "الفروع" (2/39) . إلا إذا كانت هناك حاجة للصف بين السواري، لكثرة المصلين، وضيق المسجد، فلا كراهة حينئذ. قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: "يكره الوقوف بين السواري إذا قطعن الصفوف، إلا في حالة ضيق المسجد وكثرة المصلين" انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/295) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "الصف بين السواري جائز إذا ضاق المسجد، حكاه بعض العلماء إجماعاً، وأما عند السعة ففيه خلاف، والصحيح: أنه منهي عنه؛ لأنه يؤدي إلى انقطاع الصف، لا سيما مع عرض السارية" انتهى. فمتى ضاق المسجد بأهله، وكثر عدد المصلين، فلا مانع من الصف بين السواري. وعليه: فإذا جئت إلى المسجد، وقد وقف الناس في الصف، ولم تجد مكاناً في الصف إلا بعد العمود فلا حرج في ذلك، وليس هذا من الصلاة خلف الصف منفردا، لأنك لم تقف خلف الصف، وإنما وقفت في الصف مع المصلين ولكن قُطع الصف بالعمود للحاجة إلى ذلك. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 135898 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1738 يمتنعون من صلاة الجماعة بحجة أن الإمام يتقاضى على الإمامة أجرا! [السُّؤَالُ] ـ[لا يقوم أصدقائي بأداء صلاة الجماعة، لأن الإمام يتقاضى أجرا، ويقولون: إن كل غرضه تحصيل المال. فهل ما يفعلونه صحيح؟ وهل يجب على كل إمام يصلي بالناس أن يتقاضى راتبه من الحكومة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: صلاة الجماعة فرض واجب على الرجال القادرين، ولا يتخلف عنها لغير عذر إلا آثم منحرف عن طريق الهدى. فروى مسلم (654) عن ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ: " مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ، فَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَنَ الْهُدَى وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ ". وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ أَعْمَى فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى الْمَسْجِدِ فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ، فَرَخَّصَ لَهُ، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ، فَقَالَ: هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلاةِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَجِبْ. رواه مسلم (653) وأبو داود (552) ولفظه: (لا أَجِدُ لَكَ رُخْصَةً) قال ابن المنذر: " فإذا كان الأعمى لا رخصة له: فالبصير أولى أن لا تكون له رخصة " انتهى. " الأوسط " (4 / 134) . وينظر: "المغني" (2 / 3) . وينظر لأدلة وجوب صلاة الجماعة إجابة السؤال رقم: (8918) . ثانيا: إذا كان الإمام يأخذ راتبا من الحكومة، سواء كان رزقا من بيت المال، أو وقفا هو من أهله، أو غير ذلك: فلا شيء عليه فيه. وقال البهوتي في "الكشاف" (1/475) : " (فَإِنْ دُفِعَ إلَيْهِ) أَيْ الْإِمَامِ (شَيْءٌ بِغَيْرِ شَرْطٍ , فَلَا بَأْسَ نَصًّا) وَكَذَا لَوْ كَانَ يُعْطَى مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ مِنْ وَقْفٍ " انتهى. وسئل الشيخ الفوزان: أنا موظف بمديرية الأوقاف بوظيفة مقيم شعائر دينية؛ بمعنى: أنني أقوم بالإمامة وآخذ على ذلك مرتبًا فهل هذا يجوز؟ مع العلم أنه ليس لي مصدر رزق آخر فأجاب الشيخ حفظه الله: " لا بأس أن تقوم بالإمامة وأن تأخذ ما خصص للإمام من بيت المال من الإعانة؛ لأن هذا يعينك على طاعة الله. هذا إذا لم يكن قصدك طمع الدنيا، وإنما قصدك ما عند الله سبحانه وتعالى، وتقوم بهذه الإمامة رغبة في الخير، وتأخذ هذه الإعانة لأجل سد حاجتك للتفرغ للإمامة؛ فهذا لا حرج فيه، بل هو من الإعانة على طاعة لله عز وجلَّ، والعبرة بالمقاصد. أما إذا كان قصد الإنسان طمع الدنيا، واتخاذ العبادة وأعمال الطاعة وسيلة لتحصيل الدنيا؛ فهذا لا يجوز، وهو عمل باطل " انتهى. "المنتقى من فتاوى الفوزان" (49 / 49-50) وأما إذا كان ما يأخذه الإمام هو من أعطيات الناس، فلا بأس عليه في ذلك أيضا، إذا لم يشارطهم عليه، بل ما أعطوه أخذه، قل أو كثر. قال أَبُو دَاوُد: سَمِعْت أَحْمَدَ , رحمه الله , سُئِلَ عَنْ إمَامٍ , قَالَ: أُصَلِّي بِكُمْ رَمَضَانَ بِكَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا. قَالَ: أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ , مَنْ يُصَلِّي خَلْفَ هَذَا؟ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: " لَا تُصَلُّوا خَلْفَ مَنْ لَا يُؤَدِّي الزَّكَاةَ , وَقَالَ: لَا تُصَلِّ خَلْفَ مَنْ يُشَارِطُ , وَلَا بَأْسَ أَنْ يَدْفَعُوا إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ " انتهى. "المغني" (2/9) وقال ابن نجيم رحمه الله: " قالوا: فإن لم يشارطهم على شيء، لكن عرفوا حاجته فجمعوا له في كل وقت شيئا: كان حسنا، ويطيب له " انتهى. "البحر الرائق" (1/268) . ثالثا: يتبين مما سبق أن مجرد أخذ راتب من الحكومة، أو قبول الأعطيات والرزق على القيام بالإمامة ليس هو مما يجرح به الإمام ويعاب به؛ لأنه ربما كان يأخذه على وجه مشروع لا كراهة فيه؛ بل إن بعض أهل العلم قد ذهب إلى جواز أخذ الراتب مطلقا، ولو لم يكن الإمام فقيرا، ولو شارطهم على ذلك، وهو قول معتبر بعض الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة. ينظر: أخذ المال على أعمال القرب، عادل شاهين (1/206-220) . وإذا كان ذلك كذلك فمثل هذه المسائل الاجتهادية لا يعنف فيها على المخالف، ولا ينكر عليه، إذا كان هذا هو ما يعتقده ويترجح عنده؛ فمن باب أولى: أنه لا يعاب بذلك ولا يذم به. رابعا: الاطلاع على مقصد الإمام من إمامته، وأنه ليس له غرض إلا الحصول على المال، ليس في مقدور الناس عادة، بل يوكل أمره في ذلك إلى الله، ويعامل بظاهر حاله. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ وَلَا أَشُقَّ بُطُونَهُمْ) . متفق عليه. وإذا قدر أننا اطلعنا على ذلك، وأنه عاص بهذا الفعل، فليست مجرد المعصية التي يلابسها الإمام عذرا في ترك صلاة الجماعة، بل متى أمكنه أن يصلي الجماعة خلف إمام هو أمثل منه، وأصلح في دينه: فعل ذلك، وإن لم يمكنه: لم يجز له أن يترك صلاة الجماعة بمجرد ذلك، وهذا من أصول السنة، ألا يدعوا صلاة الجمعة والجماعة لمجرد معصية الإمام، إذا لم يمكنهم أن يقيموها خلف غيره. قال الطحاوي رحمه الله في عقيدته (45) : " ونرى الصلاة خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة ونصلي على من مات منهم ". وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: " إِذَا لَمْ يُمْكِنْ مَنْعُ الْمُظْهِرِ لِلْبِدْعَةِ وَالْفُجُورِ إلَّا بِضَرَرِ زَائِدٍ عَلَى ضَرَرِ إمَامَتِهِ: لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ، بَلْ يُصَلِّي خَلْفَهُ مَا لَا يُمْكِنُهُ فِعْلُهَا إلَّا خَلْفَهُ، كَالْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ وَالْجَمَاعَةِ، إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ إمَامٌ غَيْرُهُ. وَلِهَذَا كَانَ الصَّحَابَةُ يُصَلُّونَ خَلْفَ الْحَجَّاجِ وَالْمُخْتَارِ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ الثَّقَفِيِّ وَغَيْرِهِمَا الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ؛ فَإِنَّ تَفْوِيتَ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ أَعْظَمُ فَسَادًا مِنْ الِاقْتِدَاءِ فِيهِمَا بِإِمَامِ فَاجِرٍ، لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ التَّخَلُّفُ عَنْهُمَا لَا يَدْفَعُ فُجُورَهُ، فَيَبْقَى تَرْكُ الْمَصْلَحَةِ الشَّرْعِيَّةِ بِدُونِ دَفْعِ تِلْكَ الْمَفْسَدَةِ. وَلِهَذَا كَانَ التَّارِكُونَ لِلْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَاتِ خَلْفَ أَئِمَّةِ الْجَوْرِ مُطْلَقًا مَعْدُودِينَ عِنْدَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ. وَأَمَّا إذَا أَمْكَنَ فِعْلُ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ خَلْفَ الْبَرِّ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ فِعْلِهَا خَلْفَ الْفَاجِرِ " انتهى. "مجموع الفتاوى" (23 / 343) . والواجب: نصح هؤلاء بوجوب إقامة الصلاة في بيوت الله التي أذن أن ترفع ويذكر فيها اسمه، ووجوب السعي إليها مع المسلمين، وحضور الجماعات، والسعي في الألفة بين المسلمين، ومنع الشقاق وظن السوء وفساد ذات البين. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 135691 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1739 اصطحاب الأولاد إلى المسجد [السُّؤَالُ] ـ[نسمع دائماً عند صلاة المغرب والعشاء صريخاً وضجيجاً من الأطفال في بيت الله الحرام، فهل هذا يجوز في هذا المكان، أو في أي مسجد من المساجد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا حرج في ذلك، لأن من طبيعة الطفل أنه يحدث منه هذا الشيء، وكان الأطفال في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يسمعهم النبي صلى الله عليه وسلم ويسمع صراخهم، ولم يمنع أمهاتهم من الحضور، بل ذلك جائز، ومن طبيعة الطفل أنه يحصل منه بعض الصراخ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أنه يسمع ذلك، ولم يمنع، بل كان صلى الله عليه وسلم يقوم في الصلاة وينشط لها فيسمع بكاء الصبي فيخفف لئلا تفتتن أمه، فهذا يدل على أنه أقرهن على ذلك وراعاهن في الصلاة أيضاً، عليه الصلاة والسلام. ولأن منع الأطفال معناه منع الأمهات من الحضور، وقد يكون حضورهن فيه فائدة للتأسي بالإمام في الصلاة، والطمأنينة فبها، ومعرفتها كما ينبغي، أو لتسمع فائدة من الإمام من العلم. فالحاصل أن حضورها إلى المسجد مع التستر والتحجب وعدم الطيب فيه فوائد، فإن كانت لا تأتي إلا بتبرج وإظهار محاسنها أو بالطيب فلا يجوز لها ذلك، فصلاتها في بيتها أولى، وبكل حال فصلاتها في بيتها أولى وأفضل إلا إذا كان خروجها تستفيد منه فائدة واضحة، كنشاط في قيام رمضان، وكسماع العلم والفائدة، أو التأسي بالإمام في صلاته والطمأنينة فيها إذا كانت تجهل كيفية الصلاة كما ينبغي، فتستفيد صفة الصلاة والطمأنينة فيها، وتستفيد سماع المواعظ والذكر، وهذا قد يجعل خروجها أولى لأجل المصلحة، وإلا فالأصل أن الصلاة في بيتها خير. أما خروجها متبرجة بالملابس الحسنة الفاتنة، أو إبراز بعض محاسنها، وإظهار الطيب الذي قد يسبب الفتن لمن تمر عليهم فكل هذا لا يجوز، ويجب عليها أن تبقى في بيتها ولا تخرج بهذه الأحوال التي تفتن الناس وتضر الناس. أما الطفل فلا بأس بوجوده معها ولكن تتحفظ منه وتجعله في محل محفوظ حتى لا يقذر المسجد ويؤذي المصلين، وإذا دعت الحاجة إلى حمله عند الحاجة ليسكت فلا بأس، فقد حمل النبي صلى الله عليه وسلم أمامة بنت زينب، حملها وهو يصلي بالناس، عليه الصلاة والسلام. فالحاصل: أن وجود الأطفال في المسجد وحملهن حتى في الصلاة لا حرج فيه عند الحاجة، لكن ينبغي أن يراعى في ذلك سلامة الطفل من النجاسات حتى لا ينجس أمه" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (2/714، 715) . [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 132895 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1740 هل ترك صلاة الجماعة ينزع البركة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل صحيح أن عدم ذهاب الرجل للصلاة مع الجماعة سبب نزع البركة من حاله وماله؟ وما الدليل على ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا ريب أن الصلاة هي عمود الإسلام وهي أعظم الواجبات والفرائض بعد الشهادتين، وقد دل على ذلك آيات كثيرات وأحاديث صحيحة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فمن ذلك قوله عز وجل: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) البقرة/238، وقوله سبحانه: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) البقرة/43، وقوله سبحانه: (وَأَقِمْ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) العنكبوت/45، وقوله سبحانه: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) المؤمنون/1، 2، إلى أن قال: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ هُمْ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) المؤمنون/9 – 11. وقال تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ) البينة/5، فجعلها قرينة التوحيد: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ) ، وهذا هو التوحيد، وهذا هو معنى لا إله إلا الله، ثم قال بعده: (وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ) ، وقال سبحانه: (فَإِنْ تَابُوا) التوبة /5، يعني من الشرك: (وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) التوبة/5، فدل على عظمتها وأنها قرينة التوحيد، قال سبحانه: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) التوبة/11، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (قَالَ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ) . ومن أهم واجباتها وأعظم واجباتها أداؤها في الجماعة في حق الرجل حتى أوجبها الله الرب سبحانه وتعالى في حال الخوف، قال جل وعلا: (وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) النساء/2، فأوجب صلاة الجماعة في حال الخوف وفي حال مصافة المسلمين لعدوهم الكافر، فأمرهم أن يصلوا جماعة وأن يحملوا السلاح لئلا يحمل عليهم العدو. وقال عليه الصلاة والسلام: (مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَأْتِهِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ إِلَّا مِنْ عُذْرٍ) ، وأتاه صلى الله عليه وسلم رجل أعمى فقال: يا رسول الله، إنه ليس لي قائد يلائمني إلى المسجد، فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال المصطفى عليه الصلاة والسلام: (هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ؟) قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: (فَأَجِبْ) خرجه مسلم في صحيحه، فهذا رجل أعمى لم يأذن له النبي صلى الله عليه وسلم في التخلف عن الجماعة، وفي اللفظ الآخر قال: (لَا أَجِدُ لَكَ رُخْصَةً) فصرح أنه ليس له رخصة وهو أعمى، ليس له قائد يلائمه يعني يحافظ على الذهاب معه، فإذا كان الرجل الأعمى الذي ليس له قائد يعتني به ويحافظ عليه ليس له رخصة بل عليه أن يذهب ويتحرى ويجتهد حتى يصل إلى المسجد، فكيف بحال القوي المعافى؟! فالأمر في حقه أعظم وأكبر. ثم التخلف عن صلاة الجماعة من أعظم الوسائل في التهاون بها وتركها بعد ذلك، فإنه اليوم يتخلف وغداً يترك ويضيع الوقت؛ لأن قلة اهتمامه بها جعلته يتخلف عن أدائها في الجماعة وفي المساجد التي هي بيوت الله التي قال فيها سبحانه: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) النور/36، وهي المساجد، وهذا أمر مجرب، فإن الذين يتخلفون عن الجماعة يسهل عليهم ترك الصلاة بأدنى عذر وبأقل سبب، ثم بعد ذلك يتركونها بالكلية لقلة وقعها في صدورهم، ولقلة عظمتها في قلوبهم فيتركونها بعد ذلك. فترك الصلاة في الجماعة وسيلة قريبة وذريعة معلومة لتركها بالكلية، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلَاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ) خرجه الإمام أحمد في المسند وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه بإسناد صحيح عن بريدة بن الحصين رضي الله تعالى عنه، وخرج مسلم في صحيحه عن جَبِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الأنصاري رضي الله تعالى عنهما عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: (بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ) وهذا يدل على أنه كفر أكبر، قال: (الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ) . وإن كان بعض أهل العلم رأى أنه كفر دون كفر إذا كان غير جاحد لوجوبها بل يعلم أنها واجبة ولكنه تساهل، وقد ذهب جمع كبير من أهل العلم وحكاه بعضهم قول الأكثرين أنه كفر دون كفر، وأنه لا يكفر به الكفر الأكبر، لكن الصحيح الذي قامت عليه الأدلة أنه كفر أكبر، وهو ظاهر إجماع الصحابة قبل من خالفهم بعد ذلك، فقد حكى عبد الله بن شقيق العقيلي التابعي الجليل الثقة أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا لا يرون شيئاً تركه كفر إلا الصلاة. فعندهم الصلاة تركها كفر، ومراده كفر أكبر لأن هناك أشياء عملها كفر لكن ليس بالكفر الأكبر، مثل الطعن في الأنساب والنياحة على الأموات سماها النبي صلى الله عليه وسلم كفراً، والصحابة يسمونها كفراً، ولكنها كفر أصغر، فلما أخبر عنهم أنهم لا يرون شيئاً تركه كفر إلا الصلاة علم أنه أراد بذلك الكفر الأكبر كما جاء به الحديث. وأما كون هذه المعصية تسبب محق البركة وتسبب أيضاً شراً كثيراً عليه في بدنه وفي تصرفاته فهذا لا يُستغرب؛ فإن المعاصي لها شؤم كثير ولها عواقب وخيمة في نفس الإنسان وفي قلبه وفي تصرفاته وفي رزقه فلا يستغرب هذا فقد دلت الأدلة على أن المعاصي لها عواقب وخيمة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (إِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ) ، ومعلوم أن المعاصي تسبب الجدب في الأرض ومنع المطر وحصول الشدة وهذا كله بأسباب المعاصي كما قال عز وجل: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) الشورى/30، قال سبحانه: (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنْ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) النساء/79، هذا أمر معلوم بالنصوص وبالواقع. فجدير بالمؤمن أن يحذر مغبة المعاصي وشرها وأن يتباعد عنها وأن يحرص على أداء ما أوجب الله عليه وعلى المسارعة إلى الطاعات في الدنيا والآخرة، فالطاعات كلها خير في الدنيا والآخرة، والمعاصي شر في الدنيا والآخرة، رزق الله الجميع العافية والسلامة" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (2/977 – 980) . [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز فتاوى نور على الدرب الحديث: 132083 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1741 يخرج منه عرق ورائحة ويشق عليه الاغتسال لكل صلاة [السُّؤَالُ] ـ[شخص يعاني من التعرق الشديد ويحتاج لأن يستحم لكل صلاة (لكي لا يؤذي غيره من المصلين) فهل يعذر بترك الصلاة في المسجد في بعض الفروض أم لا؟ لا سيما أن هناك صعوبة أحياناً في الاستحمام بشكل دائم ومن ذلك البرودة في صلاة الفجر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا ابتلي الشخص بوجود رائحة كريهة تخرج من بدنه، ولم يمكن إخفاؤها باستعمال الطيب ونحوه، فهو معذور في تركه الجماعة، ويرجى له الأجر من الله تعالى، وإذا كان اغتساله يزيل هذه الرائحة فليفعل ذلك قدر استطاعته، وقد يسر الله تعالى الأسباب المعينة على تسخين الماء، واتقاء البرد، بلبس الألبسة الواقية، وغير ذلك. وقد نص الفقهاء على أن وجود الرائحة الكريهة عذر في ترك الجماعة، بل يمنع صاحب الرائحة من دخول المسجد وإيذاء المصلين. والأصل في ذلك: ما رواه مسلم (564) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ) . قال في "مطالب أولي النهى " (1/699) : "وكره حضور مسجد وجماعته لآكل نحو بصل أو فجل أو كراث , وكل ما له رائحة كريهة , حتى يذهب ريحه، وكذا نحو من به بخر وصُنان , وجزار له رائحة منتنة , ويستحب إخراجهم دفعاً للأذى " انتهى بتصرف. و"البَخَر" هو الرائحة الكريهة التي تخرج من بعض الناس، و "الصُّنان" هو رائحة الإبط الكريهة. وقال في "أسنى المطالب" (1/215) : " ويؤخذ مما ذكر أنه يُعذر بالبَخَر والصُّنَان المستحكم بطريق الأولى " انتهى. وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: إن والدي كبير ولا يذهب لصلاة الجمعة، ويقول: إنه مريض بمرضٍ هو عبارة عن بخر في الفم ورائحة كريهة، وقال: إنه لا يريد أن يؤذي الناس بهذه الرائحة، فهل يجوز فعله هذا؟ . فأجاب: " نعم، هذا عذر شرعي، إذا كان فيه بخر شديد الرائحة الكريهة ولم يتيسر له ما يزيله فهو عذر، كما أن البصل والكراث عذر، أما إن وجد دواءً وحيلة تزيله فعليه أن يفعل ذلك حتى لا يتأخر عن صلاة الجمعة والجماعة، ولكن متى عجز عن ذلك ولم يتيسر فهو معذور أشد من عذر صاحب البصل، والبخر لا شك أنه مؤذٍ لمن حوله، إذا كان رائحته ظاهرة " انتهى من " نور على الدرب " (شرط رقم 219، الدقيقة 11) . ونسأل الله تعالى لك الشفاء والعافية. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129681 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1742 أقرب مسجد لعملهم تابع لطريقة صوفية فهل يصلون فيه [السُّؤَالُ] ـ[أقرب مسجد لنا في العمل تابع للصوفية على الطريقة العزمية، ويصلي بنا أحيانا أحد الأشخاص البسطاء الذي لا نعرف إذا كان ينتمي للطريقة أم لا. وأحيانا أخري (الصلوات الجهرية) يصلي أحد الأئمة التابعين للطريقة العزمية، ويوجد مساجد أخرى أبعد عن مكان العمل. هل نصلي في المسجد القريب حفاظا على وقت العمل، أم نصلي في مسجد آخر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: "الصوفية" اليوم عَلَم على مجموعة من الفرق والشيع، ينتشر فيها البدع والانحرافات العقدية التي يصل بعضها إلى الشرك والكفر كدعاء الأموات والاستغاثة بهم، واعتقاد وحدة الوجود، ولهذا يجب الحذر منهم، والبعد عن مجالسهم، وعدم تكثير سوادهم. وإذا عُلم أن المسجد تابع لهم، وأنه مكان وجودهم واجتماعهم اجتُنبت الصلاة فيه ولو كان الإمام غير منتمٍ لهم؛ وذلك بعدا عن مخالطة الصوفية، وسدا لذريعة إحسان الظن بهم، واغترار العامة بصلاة أهل الاستقامة معهم. جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (2/301) : " في الحي الذي أسكن فيه يوجد مسجد وتوجد زاوية تابعة لطريقة صوفية، هل تجوز الصلاة في هذه الزاوية؟ الجواب: لا تصل مع هؤلاء الصوفية في زاويتهم، واحذر صحبتهم والاختلاط بهم، لئلا يصيبك ما أصابهم، وتَحَرَّ الصلاة في مسجد جماعة يتحرون السنة ويحرصون عليها. وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود " انتهى. وجاء فيها أيضا (1/45) : " أفتونا مأجورين بتفصيل عن حكم جماعة في مصر تسمى: (جماعة أبي العزايم) ، والتي تدعو إلى اتباع من يسمونه الإمام المجدد (محمد ماضي أبي العزايم) فيما يأتي: 1- دعاء أصحاب القبور والاستغاثة بهم، ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم، ودعاء أبي العزايم وقت غيابه. 2- حفظ وترتيل أشعار خاصة بهم تحتوي على استغاثات ونداءات وإطراء لآل البيت. أفيدونا هدانا الله وإياكم. هل هؤلاء القوم مسلمون، فنصلي ورائهم، وننكح نساءهم، ونأكل ذبيحتهم، أم كفار فلا نفعل ذلك معهم؟ الجواب: من يدعو الله ويستغيث بالأموات من الأنبياء وغيرهم من الأولياء والصالحين فإنه مشرك الشرك الأكبر الذي يخرج من الملة، قال تعالى: (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) ، فسماه كافرا، وقال تعالى: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) ، وقال تعالى: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) ، وقال تعالى: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ) ، حكم عليهم سبحانه بالكذب، والكفر بدعائهم غير الله، وإن زعموا أنهم اتخذوهم وسائط بينهم وبين الله. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بكر أبو زيد ... عبد العزيز آل الشيخ ... صالح الفوزان ... عبد الله بن غديان ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز " انتهى. وينظر للفائدة: سؤال رقم (4983) . كما ينظر لمعرفة الطريقة العزمية وانحرافاتها: http://www.islamweb.net.qa/ver2/archive/readart.php?id=12227 والحاصل أنه لا يصلى في المساجد التابعة للطرق الصوفية، خاصة وأن بإمكانكم إقامة الصلاة في مسجد آخر، وهو وإن كان أبعد من هذا المسجد، إلا أن الحفاظ على شعيرة الصلاة أولى من الحفاظ على هذا الوقت الزائد من أوقات العمل، فصلوا فيه مع الحرص على الرجوع إلى العمل بعد أداء صلاة الفريضة دون تأخر، وبإمكانكم تأخير النافلة إلى المنزل، تقصيرا لوقت الغياب عن العمل، وإذا احتاج العمل إلى تعويض هذا الوقت الزائد، ففعلتم: كان هذا برا وإحسانا منكم. ثانيا: الصلاة خلف الصوفي فيها تفصيل: فإن كان متلبسا ببدعة شركية كدعاء غير الله، أو اعتقاده أن الأولياء يعلمون الغيب، أو يتصرفون في الكون، فلا تصح الصلاة خلفه. وإن كانت بدعته غير شركية، صحت الصلاة خلفه. وينظر: سؤال رقم (89961) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128181 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1743 هل البرد الشديد من الأعذار الشرعية لترك الجماعة؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من يعيش في بلدة باردة جداً ويخشى على نفسه المرض إذا خرج لصلاة الفجر فصلى في البيت، هل صلاته صحيحة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صلاة الجماعة واجبة في المسجد على الرجال القادرين؛ للأدلة الكثيرة الدالة على ذلك، وقد ذكرنا بعضها في جواب السؤال: رقم (120) ، ورقم (8918) . وقد دلت السنة على أنه لا حرج على من صلى في بيته وترك الجماعة في المسجد إذا كان ذلك بعذر. روى ابن ماجة (793) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَأْتِهِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ إِلَّا مِنْ عُذْرٍ) وصححه الألباني في "الإرواء" (2/337) . والبرد إذا كان لا يمكن اتقاؤه بكثرة الملابس أو المدافئ أو الذهاب إلى المسجد في السيارة.. ونحو ذلك وخشي الرجل إن خرج إلى الصلاة أن يصاب بمرض، فهو عذر لترك الجماعة في المسجد، أما إذا كان يمكن اتقاؤه ولا يخشى حصول مرض، فليس بعذر. وقد روى البخاري (632) ومسلم (697) عن نَافِع قَالَ: (أَذَّنَ ابْنُ عُمَرَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ بِضَجْنَانَ - جبل بين مكة والمدينة - ثُمَّ قَالَ: صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ. فَأَخْبَرَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ ثُمَّ يَقُولُ عَلَى إِثْرِهِ: أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ أَوْ الْمَطِيرَةِ فِي السَّفَرِ) . قال الحافظ رحمه الله: " وَفِي صَحِيح أَبِي عَوَانَةَ: (لَيْلَةٌ بَارِدَةٌ أَوْ ذَاتُ مَطَرٍ أَوْ ذَاتُ رِيحٍ) وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْ الثَّلَاثَة عُذْرٌ فِي التَّأَخُّر عَنْ الْجَمَاعَة , وَنَقَلَ اِبْن بَطَّالٍ فِيهِ الْإِجْمَاع , لَكِنَّ الْمَعْرُوفَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّة أَنَّ الرِّيح عُذْرٌ فِي اللَّيْل فَقَطْ , وَظَاهِر الْحَدِيث اِخْتِصَاص الثَّلَاثَة بِاللَّيْلِ , لَكِنْ فِي السُّنَن مِنْ طَرِيق اِبْن إِسْحَاقَ عَنْ نَافِع فِي هَذَا الْحَدِيث: (فِي اللَّيْلَة الْمَطِيرَة وَالْغَدَاة الْقَرَّة [الباردة] ) , وَفِيهَا بِإِسْنَادٍ صَحِيح مِنْ حَدِيث أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ أَبِيهِ: (أَنَّهُمْ مُطِرُوا يَوْمًا فَرَخَّصَ لَهُمْ) وَلَمْ أَرَ فِي شَيْء مِنْ الْأَحَادِيث التَّرَخُّص بِعُذْرِ الرِّيح فِي النَّهَار صَرِيحًا , لَكِنَّ الْقِيَاس يَقْتَضِي إِلْحَاقَهُ. قَوْله: (فِي السَّفَر) ظَاهِره اِخْتِصَاص ذَلِكَ بِالسَّفَرِ , وَرِوَايَة مَالِك عَنْ نَافِع الْآتِيَة فِي أَبْوَاب صَلَاة الْجَمَاعَة مُطْلَقَةٌ , وَبِهَا أَخَذَ الْجُمْهُور , لَكِنَّ قَاعِدَةَ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ تَقْتَضِي أَنْ يَخْتَصَّ ذَلِكَ بِالْمُسَافِرِ مُطْلَقًا , وَيُلْحَق بِهِ مَنْ تَلْحَقُهُ بِذَلِكَ مَشَقَّة فِي الْحَضَر دُونَ مَنْ لَا تَلْحَقهُ، وَاَللَّه أَعْلَم " انتهى. وقال أبو إسحاق الشيرازي في "المهذب" (1/176) : " وتسقط الجماعة بالعذر وهو أشياء ... ومنها: أن يخاف ضررا في نفسه أو ماله أو مرضا يشق معه القصد " انتهى. وقال النووي في "المجموع" (4/99) وهو يتكلم عن الأعذار المبيحة لترك الجماعة: " الْبَرْدُ الشَّدِيدُ عُذْرٌ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ , وَشِدَّةُ الْحَرِّ عُذْرٌ فِي الظُّهْرِ , وَالثَّلْجُ عُذْرٌ إنْ بَلَّ الثَّوْبَ " انتهى. وجاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (27/186) : " والْبَرْدُ الشَّدِيدُ لَيْلاً أَوْ نَهَارًا، وَكَذَلِكَ الْحَرُّ الشَّدِيدُ، من الأَْعْذَار العامة الَّتِي تُبِيحُ التَّخَلُّفَ عَنْ صَلاَةِ الْجَمَاعَةِ. وَالْمُرَادُ: الْبَرْدُ أَوِ لْحَرُّ الَّذِي يَخْرُجُ عَمَّا أَلِفَهُ النَّاسُ، أَوْ أَلِفَهُ أَصْحَابُ الْمَنَاطِقِ الْحَارَّةِ أَوِ الْبَارِدَةِ " انتهى. وجاء فيها أيضاً (8/57-58) : " وَفِي صَلاَةِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ: أَجَازَ الْفُقَهَاءُ فِي الْبَرْدِ الشَّدِيدِ التَّخَلُّفَ عَنْ صَلاَةِ الْجُمُعَةِ، وَعَنْ صَلاَةِ الْجَمَاعَةِ نَهَارًا أَوْ لَيْلاً " انتهى. للاستزادة: راجع جواب السؤال: (70507) ، (98739) ، (109209) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127876 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1744 صلاة الجماعة لا تجب على المرأة، وصلاتها في بيتها ولو منفردة أفضل [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم صلاة الجماعة بالنسبة للمرأة؟ مع العلم أنها تجد الخشوع أكثر في الصلاة منفردة، وهل إذا وجدت جماعة في بيتها مع أبيها وإخوتها أن تصلي معهم ثانية وتعتبر هذه الصلاة نافلة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صلاة الجماعة لا تجب على المرأة، وصلاتها في بيتها منفردة أفضل من صلاتها جماعة في المسجد. روى أبو داود (567) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ، وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (515) . قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: " لا يجب على النساء أداء أي صلاة من الفرائض الخمس في جماعة، وصلاتهن في بيوتهن خير لهن من صلاتهن في المساجد، سواء كانت فريضة أم نافلة، لكنها لو أرادت الصلاة في المسجد لا تمنع من ذلك على أن تتأدب بآداب الإسلام، في خروجها وفي صلاتها؛ بأن تخرج متسترة غير متطيبة وتصلي خلف الرجال " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (8/213) . وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " وأما النساء فصلاتهن في بيوتهن خير لهن سواء كن فرادى أو جماعات " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (12/ 78) وإذا أقيمت صلاة الجماعة في البيت فالأفضل للمرأة أن تصلي معهم ولا تصلي منفردة، سواء كانت الجماعة نساءً أو رجالاً من محارمها. روى ابن أبي شيبة في "المصنف" (4989) عَنْ أُمِّ الْحَسَنِ: أَنَّهَا رَأَتْ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَؤُمُّ النِّسَاءَ، تَقُومُ مَعَهُنَّ فِي صَفِّهِنَّ، وصححه الألباني في "تمام المنة" (ص154) . وروى البيهقي (5138) : أن عائشة رضي الله عنها أمت نسوة في المكتوبة، فأمتهن بينهن وسطا وصححه النووي في "الخلاصة" كما في "نصب الراية" للزيلعي (2/39) . قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: " وإن صلين جماعة في البيت فهو أفضل، وتكون إمامتهن في وسطهن في الصف الأول، ويؤمهنّ أقرؤهن، وأعلمهن بأحكام الدين " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (8/213) . وأما كون المرأة تجد الخشوع أكثر في الصلاة منفردة، فالأفضل أنها إذا أقيمت جماعة في البيت أن تصلي معهم، حتى تنال فضل ثواب الجماعة – وهو فضل عظيم – وحتى لا يكون تركها الصلاة مع هذه الجماعة سبباً لإساءة الظن بها، ككراهتها للإمام أو الجماعة. ويخشى أن يكون شعورها بالخشوع أكثر في صلاتها منفردة مجرد وهم، يريد الشيطان بذلك أن يمنعها من هذا فضل صلاة الجماعة. فالمطلوب منها: أن تصلي مع جماعة البيت، وتجتهد في الخشوع في الصلاة. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127476 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1745 إذا فاتته الجماعة الأولى في المسجد فهل يصلي بأهله أم يأتي المسجد للجماعة الثانية؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل تعتبر صلاة الرجل في بيته مع أبنائه جماعة؟ وهل ينبغي لمن فاتته صلاة الجماعة الأولى في المسجد أن يبادر إلى المسجد ليدرك الجماعات اللاحقة أم أنه يجزئه أن يصلي في بيته مع أولاده مثلا؟ وهل صلاة الرجل مع زوجته فقط تعتبر جماعة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صلاة الجماعة في المسجد واجبة على الرجال القادرين إذا سمعوا النداء، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم (120) ورقم (8918) . ومن أتى المسجد وقد فاتته الجماعة شرع له أن يصلي جماعة مع غيره ممن فاتته، أو مع من يتصدق عليه من المصلين؛ لما روى أبو داود (574) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْصَرَ رَجُلًا يُصَلِّي وَحْدَهُ، فَقَالَ: (أَلَا رَجُلٌ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا فَيُصَلِّيَ مَعَهُ؟) والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود. وإن علم انقضاء جماعة المسجد وهو في بيته، فله أن يصليها مع أهله، أو يأتي المسجد فيصليها مع الجماعة الثانية. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم تعدد الجماعة في مسجد له إمام راتب، ومؤذن راتب؟ فأجاب: "تعدد الجماعة على قسمين: القسم الأول: أن يكون ذلك راتباً بحيث تتعمد الجماعة الثانية التأخر، حتى تقيم جماعة أخرى، فهذه بدعة؛ لأن المسجد لا يقام فيه إلا جماعة واحدة. والقسم الثاني: ألا يكون ذلك راتباً معتاداً؛ لكن بعد أن تنتهي الجماعة الأولى يأتي أناس يدخلون المسجد فيصلون جماعة فهذا مشروع وسنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان مع أصحابه ذات يوم، فدخل رجل قد فاتته الصلاة، فقال: (من يتصدق على هذا فيصلي معه) فقام أحد الصحابة فصلى معه. ولأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كان أكثر فهو أحب إلى الله) . وأما تَوَهُّمُ مَن تَوَهَّم من الناس أن إقامة الجماعة الثانية بدعة، فهذا صحيح فيما إذا كان على وجه الراتب المعتاد، أما ما كان طارئاً فإن إقامة الجماعة الثانية سنة؛ لأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. السائل: ولو أقامها في البيت بعد انقضاء الجماعة الأولى؟ الشيخ: لا، في المسجد أحسن؛ لأن إقامتها في المسجد ربما تكثر الجماعة، يدخل معه أناس يأتون فيما بعد، فيكون أفضل، ثم إن الغالب أن الإنسان يخرج من بيته إلى المسجد من أجل أن يصلي مع الجماعة، فتفوته، فيأتي وهم قد صلوا، فإذا أقامها في المسجد كان هذا أنفع له ولغيره؛ لأنه ربما لو رجع هو وصاحبه إلى البيت، وصليا جماعة، يأتي إنسان آخر مثلاً فدخل بعد انتهاء الجماعة الأولى ولا يجد جماعة، فتفوته الجماعة، فالأفضل أن تكون في المسجد. نعم، لو فُرِض أنه عَلِم في بيته أن الجماعة قد انتهت، فهنا نقول: لا فرق، صلِّ في بيتك؛ لأنه لو خرج إلى المسجد قد يخجل أن يقابله الناس وهم قد خرجوا من الصلاة، فيصلي في بيته. أما إذا كان قد جاء ودخل المسجد ووجدهم قد صلوا فلا ينصرف، بل يصلي مع الجماعة في المسجد " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (41/12) . والجماعة تتحقق باثنين: إمام ومأموم، فلو كان الرجل معذورا في ترك الجماعة أو فاتته الجماعة فصلى بزوجته، فهي جماعة، وتقف الزوجة خلفه. وينظر جواب السؤال رقم (98739) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127293 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1746 حكموا على إمامهم الذي توسل بحق النبي أنه مشرك! وتركوا الصلاة وراءه وأحدثوا لغطاً [السُّؤَالُ] ـ[في إحدى ليالي العشر تقدم بنا لصلاة الوتر أحد نواب إمام المسجد، وهو رجل عامي، غير متمكن في العلم الشرعي، لكن فيه خير، نحسبه كذلك، ولا نزكي على الله أحداً، فعندما كان يقنت سأل الله عز وجل بحق محمد، فحصل لغط في تلك الليلة من قبَل بعض الشباب، وصنفوا الرجل بأنه مشرك! ولا يجوز لرواد المسجد أن يصلوا خلفه إذا تقدم بهم هذا الإمام، وبناءً على هذه الفتوى فقد طبقت على أرض الواقع في الليلة التالية لليلة تلك المشكلة، حيث انتظر بعض الشباب - وهم قلة قليلة مقارنة برواد المسجد - دخول ذلكم الإمام لصلاة الوتر إلى مؤخرة المسجد للقيام بجماعة أخرى تؤدى فيها صلاة الوتر، وبعد صلاتهم هذه حصل في المسجد خلاف، وانقسام، فهل هذا الفعل صحيح؟ وهل يصنف الإمام بأنه مشرك بسبب الدعاء بلفظة " بحق محمد "؟ وإذا أخطأ إمام بمثل هذا الأمر هل يشرع للناس أن ينشقوا عنه ويُحدثوا جماعة أخرى تصلي بنفس وقت صلاة الإمام؟ وما هي نصيحتكم لمن شملهم السؤال – الإمام، والمنشقون، بقية المأمومين -؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ما فعله هؤلاء الذين حكموا على الإمام أنه مشرك، لأنه سأل الله تعالى بحق محمد صلى الله عليه وسلم: فعل منكر، وليس يعني هذا أن الإمام أصاب في قوله، بل هو مخطئ، وواقع في بدعة، لكن ما فعله أولئك منكر أيضاً، وهم لم يصفوا فعله بأنه شرك، بل تعدى ذلك إلى الحكم عليه بأنه مشرك، ورتبوا على ذلك عدم الصلاة خلفه، والواجب عليهم التمهل في إطلاق الأحكام، والرجوع لأهل العلم، وعدم الجرأة في تكفير الناس. والتوسل المشروع أنواع، وقد ذكرناها في جواب السؤال رقم: (979) ، والسؤال بجاه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وحقه، وجاه الصالحين وحقهم: ليس شركاً، وأعلى ما يقال فيه أنه وسيلة إلى الشرك، لا أنه شرك بذاته. قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -: أما إذا توسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: اللهم إني أسألك بجاه محمد، أو بحق محمد: فهذا بدعة، عند جمهور أهل العلم، نقص في الإيمان، ولا يكون مشركاً، ولا يكون كافراً، بل هو مسلم، ولكن يكون هذا نقصاً في الإيمان، وضعفاً بالإيمان، مثل بقية المعاصي التي لا تخرج عن الدين ; لأن الدعاء، ووسائل الدعاء: توقيفية، ولم يرد في الشرع ما يدل على التوسل بجاه محمد صلى الله عليه وسلم، بل هذا مما أحدثه الناس، فالتوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم، أو بجاه الأنبياء، أو بحق النبي، أو بحق الأنبياء، أو بجاه فلان، أو بجاه علي، أو بجاه أهل البيت: كل هذا من البدع , والواجب ترك ذلك، لكن ليس بشرك، وإنما هو من وسائل الشرك، فلا يكون صاحبه مشركاً، ولكن أتى بدعة تنقص الإيمان، وتضعف الإيمان، عند جمهور أهل العلم. " فتاوى الشيخ ابن باز " (7 / 129، 130) . وقال – رحمه الله -: فلا يقول الإنسان: اللهم اغفر لي بحق فلان، أو بحق محمد، أو بحق الصالحين، أو بحق الأنبياء، أو بجاه الأنبياء، أو بحرمة الأنبياء، أو ببركة الأنبياء، أو ببركة الصالحين، أو ببركة علي، أو ببركة الصديق، أو ببركة عمر، أو بحق الصحابة، أو حق فلان، كل هذا لا يجوز، هذا خلاف المشروع، وبدعة، وهو ليس بشرك، لكنه بدعة، لم يرد في الأسئلة التي دعا بها النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك أصحابه رضي الله عنهم. وإنما يتوسل بما شرعه الله من أسماء الله، وصفاته، ومن توحيده، والإخلاص له، ومن الأعمال الصالحات، هذه هي الوسائل ... . " فتاوى نور على الدرب " (1 / 356) . وبه يتبين أن ما قام به أولئك الذين حكموا على الإمام بأنه مشرك: أنهم وقعوا في الخطأ، من جهة الشرع، ومن جهة الإمام، فالواجب عليهم التوبة من فعلهم، والندم على حكمهم، وعدم العود لمثل هذا الفعل، مع طلب السماح من الإمام. ثانياً: الصلاة خلف أهل البدع – وإمامكم إن استمر على توسله فيكون منهم -: جائزة، إن كانت بدعتهم غير مكفِّرة، ومع جواز الصلاة خلف الإمام المبتدع، فإنه يجوز ترك الصلاة وراءه للصلاة في مسجد آخر زجرا له إن كان سينتهي عن بدعته بمثل ذلك، ولا يجوز ترك الصلاة وراءه وعمل صلاة في وقت الجماعة الأولى، ولا ترك الصلاة وراءه والصلاة في البيت، بل شرط ترك الصلاة وراءه: نفع ذلك الهجر له، وإقامة الصلاة في مسجد سنِّي. وقد ذكرنا هذه المسألة بتفصيل في جواب السؤالين: (20885) و (40147) . ثالثاً: النصيحة للإمام أن يتقي الله تعالى ربَّه في اعتقاده، وعبادته، وأن يدع ما عليه أهل البدع، وأن يلتزم طريق أهل السنَّة والجماعة. والنصيحة لأولئك المنشقين: أن يتوبوا من جرأتهم على الفتوى، وعلى الحكم على الإمام بأنه مشرك، وأن يعتذروا منه، وأن يرجعوا لمسجدهم ليقيموا الصلاة خلف إمامهم، ولا يحل لهم الصلاة معه في الوقت نفسه في جماعة أخرى، وليتحلوا بالأخلاق الفاضلة، وليتدرجوا في دعوة الناس إلى الحق، فإن الحق ثقيل، وغريب في كثير من ديار المسلمين. نسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقّاً، ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً، ويرزقنا اجتنابه. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125339 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1747 صلاة المقيم خلف إمام مسافر [السُّؤَالُ] ـ[في حالة أن يكون الإمام مسافرا , وكان المصلون من خلفه مقيمين , فهل يجب على المقيم أن يتابع الإمام حتى لو قصر الصلاة؟ لو فرضنا في صلاة العشاء , فان الإمام سوف يسلّم بعد الركعة الثانية , ففي هذه الحالة ماذا يجب على المصلي المقيم من خلفه , أيتم أم يقصر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله دلت السنة النبوية على جواز صلاة المقيم خلف المسافر، وعلى أن المقيم يتم صلاته ولا يقصرها إذا قصر إمامه المسافر، ورد ذلك في حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيه ضعف ولكنه متفق على فقهه عند المذاهب الأربعة وغيرهم. عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: (غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَهِدْتُ مَعَهُ الْفَتْحَ، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ لَيْلَةً لَا يُصَلِّي إِلَّا رَكْعَتَيْنِ، وَيَقُولُ: يَا أَهْلَ الْبَلَدِ صَلُّوا أَرْبَعًا فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ) رواه أبو داود (رقم/1229) وضعفه الألباني في " ضعيف أبي داود " وروى مالك في " الموطأ " (2/206) عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ: (كَانَ إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَقُولُ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ! أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ) قال ابن قدامة رحمه الله: " أجمع أهل العلم على أن المقيم إذا ائتم بالمسافر , وسلم المسافر من ركعتين , أن على المقيم إتمام الصلاة، وقد روي عن عمران بن حصين قال: (شهدت الفتح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقام بمكة ثماني عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين , ثم يقول لأهل البلد: صلوا أربعا , فإنا سفر) رواه أبو داود. ولأن الصلاة واجبة عليه أربعا , فلم يكن له ترك شيء من ركعاتها كما لو لم يأتم بمسافر " انتهى. " المغني " (2/64) . وقال الكاساني الحنفي رحمه الله: " اقتداء المقيم بالمسافر يصح ... ثم إذا سلم الإمام على رأس الركعتين لا يسلم المقيم ; لأنه قد بقي عليه شرط الصلاة، فلو سلم لفسدت صلاته , ولكنه يقوم ويتمها أربعا لقوله صلى الله عليه وسلم: (أتموا يا أهل مكة فإنا قوم سفر) وينبغي للإمام المسافر إذا سلم أن يقول للمقيمين خلفه: (أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر) اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم " انتهى. " بدائع الصنائع " (1/101) ويقول الشيخ ابن باز رحمه الله: " إذا صلى المقيم خلف المسافر صلاة الفريضة كالظهر والعصر والعشاء فإنه يصلي أربعا، وبذلك يلزمه أن يكمل صلاته بعد أن يسلم المسافر من الركعتين " انتهى. " مجموع فتاوى ابن باز " (12/259) وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " يجوز للمسافر أن يكون إماماً للمقيمين , وإذا سلم يقوم المقيمون فيتمون الصلاة بعده , ولكن ينبغي للمسافر الذي أمَّ المقيمين أن يخبرهم قبل أن يصلي فيقول لهم إنا مسافرون فإذا سلمنا فأتموا صلاتكم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بمكة عام الفتح وقال (أتموا يأهل مكة فإنا قوم سفر) فكان يصلي بهم ركعتين وهم يتمون بعده " انتهى. " مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين " (15/153) وانظر " نيل الأوطار " (3/199) ، " الموسوعة الفقهية " (6/33) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 124194 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1748 مطلوب للأمن بسبب ديون عليه فهل يعذر بترك جماعة المسجد؟ [السُّؤَالُ] ـ[ابتليت بديون أثقلت كاهلي بشدة (إلى الله المشتكى) ، وأحد الذين يطلبوني رهنت بيتي عنده، وأنا متخلف عن السداد لأني خسرت تجارتي، وهو الآن اشتكاني، وكتب على بيتي " للبيع "، وهددني عن طريق الحقوق، وصار اسمي الآن من المطلوبين جنائيّاً (عسى الله أن يفرجها) ، وهو - الرجل - يقف أمام منزلي، ومعه أمر بإلقاء القبض عليَّ. وأنا الآن انحرمت من الصلاة في الجماعة بسبب خوفي من السجن (والله إني أخرج لصلاة الجمعة وكأني لص، أخرج باكراً، ولا أعود إلا متأخراً خوفاً من أن يقبض عليّ ........ ) ، والله إني أخاف على والدتي أن تصاب بجلطة لو قبض عليَّ، فهل عليَّ إثم بعدم صلاتي في الجماعة لهذا السبب؟ علما بأني أصلي بزوجتي، أو أحد أخواتي، أو والدتي - أحياناً -، فهل تغني عن الجماعة؟ . أرجوك الدعاء لي، ونصحي بما ورد من الدعاء لفك الكرب عسى الله أن يفرجها وييسر لي أموري، فأنا بأشد الحاجة لفرَج رب العزة والجلال.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نسأل الله أن يفرج كربك، وأن ييسر أمرك، وأن يسدَّ عنك ديْنك، ونوصيك بمزيد من الدعاء والتضرع لرب العالمين، فهو القادر سبحانه وتعالى على تفريج الكربات. ومما نوصيك به من أدعية: 1. عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ مُكَاتَبًا جَاءَهُ فَقَالَ: إِنِّي قَدْ عَجَزْتُ عَنْ كِتَابَتِي فَأَعِنِّي، قَالَ: أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ عَلَّمَنِيهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلِ صِيرٍ [اسم جبل] دَيْنًا أَدَّاهُ اللَّهُ عَنْكَ، قَالَ: قُلْ: (اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ) رواه الترمذي (3563) وحسَّنه الألباني في " صحيح الترمذي ". 2. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو عِنْدَ الْكَرْبِ، يَقُولُ: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) رواه البخاري (5985) ومسلم (2730) . 3. عَنْ سَعْد بن أبي وقَّاص رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنْ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ) رواه الترمذي (3505) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ". 4. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَرَبَهُ أَمْرٌ قَالَ: (يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ) رواه الترمذي (3524) وحسَّنه الألباني في " صحيح الترمذي ". 5. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجِلَاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا) قَالَ: فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَتَعَلَّمُهَا؟ فَقَالَ: (بَلَى يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا) رواه أحمد (3704) وصححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (199) . ثانياً: بخصوص عدم صلاتك في المسجد جماعةً بسبب خوفك من أن يُقبض عليك: فاعلم أن هذا من الأعذار المبيحة لترك صلاة الجماعة في المسجد. قال النووي رحمه الله في بيان أعذار التخلف عن الجماعة: "أو يخاف من غريمٍ له يحبسه، أو يلازمه، وهو معسر، فيُعذر بذلك، ولا عبرة بالخوف ممن يطالبه بحق هو ظالم في منعه، بل عليه توفية الحق، والحضور" انتهى. " المجموع شرح المهذب " (4 / 205) . وقال ابن قدامة رحمه الله: "والخوف ثلاثة أنواع: خوف على النفس، وخوف على المال، وخوف على الأهل، فالأول: أن يخاف على نفسه سلطاناً يأخذه، أو عدواً، أو لصّاً، أو سبُعاً، أو دابَّةً، أو سيلاً، أو نحو ذلك بما يؤذيه في نفسه، وفي معنى ذلك: أن يخاف غريماً له يلازمه ولا شيء معه يوفيه؛ فإنَّ حبْسه بديْنٍ هو معسر به ظلمٌ له، فإن كان قادراً على أداء الدَّيْن: لم يكن عذراً له" انتهى. " المغني " (1 / 692) . وإذا كان الأمر كذلك: فيجو لك أن تصلي جماعة في البيت مع أهلك. وقد ذكرت أن لك بيتاً موهونا عند أحد الدائنين، فعليك المبادرة ببيع هذا البيت وسداد ما عليك من الديون، ولا يجوز لك المماطلة أو تأخير بيعه من غير سبب، وإلى أن يتم ذلك فلك أن تصلي في بيتك. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120915 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1749 يؤخر الصلاة لرجوعه من العمل مرهقا، ولأنه لن يخشع في صلاته [السُّؤَالُ] ـ[ما هو حكم تأخير الصلاة بعد الرجوع من الدوام، أو بعد التعب الشديد بالرغم أنه لو صليت لا يكون هناك خشوع نهائياً؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب على الرجل البالغ القادر أن يصلي الصلوات الخمس جماعة في المسجد؛ لأدلة كثيرة سبق بيانها في جواب السؤال رقم (8918) ، ورقم (21498) . وما دمت مستيقظا، وقد حضرت الصلاة، فعليك أن تخرج لأدائها، ولا تلتفت إلى ما يوسوس به الشيطان والنفس الأمارة بالسوء من عدم وجود الخشوع حينئذ، فإنك إذا اعتدت الخروج للمسجد سهل عليك الأمر، ووجدت الخشوع والاطمئنان، ثم اجعل وقت راحتك بعد ذلك. وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: غالبا ما تفوتني صلاة العصر، وأصليها في المنزل، وذلك بسبب عملي الذي لا ينتهي إلا بأذان العصر، وأخرج من العمل وأنا مرهق، وليس لدي وقت للراحة والأكل، ولا أقدر على الصلاة في وقتها، فهل يصح لي الصلاة في البيت وتأخير الصلاة عن وقتها؟ فأجاب: " ليس ما ذكرته عذرا يسوغ لك تأخير الصلاة مع الجماعة، بل الواجب عليك أن تبادر إليها مع إخوانك المسلمين في بيوت الله عز وجل، ثم تكون الراحة وتناول الطعام بعد ذلك؛ لأن الله سبحانه أوجب عليك أداء الصلاة في وقتها مع إخوانك المسلمين في الجماعة، وليس ما ذكرته عذرا شرعيا في تأخيرها، ولكن ذلك من خداع الشيطان والنفس الأمارة بالسوء، ومن ضعف الإيمان، وقلة الخوف من الله عز وجل، فاحذر هواك وشيطانك ونفسك الأمارة بالسوء تحمد العاقبة، وتفوز بالنجاة والسعادة في الدنيا والآخرة، وقاك الله شر نفسك، وأعاذك من نزغات الشيطان " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (10/379) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 119054 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1750 قول الإمام "إن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج" [السُّؤَالُ] ـ[كثيراً ما نسمع من أئمة المساجد عند تسوية الصفوف قول: (إن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج) ، هل هو حديث أو قول؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " لا شك أن الصف الأعوج صف ناقص، وأن المصلين يأثمون إذا لم يسووا الصف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم توعد مَن لم يسوِّ الصف، فقال: (عباد الله، لتسوُّن صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم) ، وأما الحديث الذي ذكرت: (إن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج) ، فهذا ليس بصحيح " انتهى. الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. "لقاءات الباب المفتوح" (1/21) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118870 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1751 هل يؤمن المصلي في السرية؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا انتهى الإنسان من الفاتحة في الصلاة السرية هل يؤمن أم لا؟ وهل يجهر بالتأمين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا انتهى من الفاتحة يقول: آمين في الصلاة السرية والجهرية، لكن لا يجهر بها في الصلاة السرية، ويجهر بها في الصلاة الجهرية" انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. "لقاءات الباب المفتوح" (3/488) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118853 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1752 هل يجعل السترة تلقاء وجهه مباشرة أم ينحرف عنها قليلاً؟ [السُّؤَالُ] ـ[ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى في زاد المعاد أن من السنة في اتخاذ السترة للمصلي أنها لا تكون أمامه مباشرة، بل تكون عن يمينه، أو عن يساره، فنريد توضح ذلك وجزاكم الله خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "يريد ابن القيم رحمه الله أنك إذا اتخذت سترة في الصلاة فلا تقابلها مقابلة تامة، اجعلها عن يمينك شيئاً ما، أو عن يسارك شيئاً ما، لورود حديث بذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام، لكن الحديث الذي ورد في هذا لين، فيه شيء من الضعف، وظاهر الأدلة أن السترة تكون بين يدي المصلي تماماً، وأنه يستقبلها بدون أن تكون عن يمينه أو عن شماله، والأمر في هذا واسع؛ إن صمد إليها صمداً فلا بأس، والإنسان بعيد عن أن يجعلها كالصنم، وإن جعلها عن يمينه أو عن يساره شيئاً ما فلا بأس" انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. "لقاءات الباب المفتوح" (3/516) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118850 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1753 جواز طرد المؤذي للمصلين في صلاتهم بأقواله وأفعاله من المسجد [السُّؤَالُ] ـ[يأتي إلينا رجل يصلي وهو مواظب على جميع الصلوات ودائما يذكر الله، ولكن بعد فترة من الزمن قد أصابه نوع من النسيان، أو مرض آخر لا نعرفه، بدأ برفع صوته أثناء الصلوات، وهذا منذ ما يقارب السنَة، فينزعج منه المصلون، والكثيرون أصبحوا يوبخونه، وفي الحقيقة لم يعد هناك تركيز، ولا خشوع في الصلاة، إلى أن طرده أحد المصلين من المسجد، وأنذره على أن لا يعود مرة أخرى، وهو يبلغ من العمر ما يقارب الستين، وهو غير مؤذي، ولا يتكلم مع أحد إلا للسلام، وقد آلمني طرده من المسجد. لا أدري هل الأفضل له أن يصلي في بيته كي لا يفقد المصلون خشوعهم ويأتي عليه بإثم، مع أنه لا يعي بما يفعله؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يجب على المسلمين أن يراعوا رفعة بيوت الله تعالى، وتطهيرها من الأقوال والأفعال غير اللائقة بتلك البيوت، قال الله تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ. رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) النور/36، 37. قال ابن كثير رحمه الله: " (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ) أي: أمر الله تعالى برفعها، أي: بتطهيرها من الدنس، واللغو، والأفعال والأقوال التي لا تليق فيها، كما قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في هذه الآية الكريمة: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ) قال: نهى الله سبحانه عن اللغو فيها " انتهى. "تفسير ابن كثير" (6/62) . ثانياً: لا يحل لأحدٍ أن يجهر بالقرآن أو الذِّكر فيشوش على غيره من المصلين. فعَنْ أَبِى سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِدِ فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ فَكَشَفَ السِّتْرَ وَقَالَ: (أَلاَ إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ، فَلاَ يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَلاَ يَرْفَعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِى الْقِرَاءَةِ) ، أَوْ قَالَ: (فِي الصَّلاَةِ) رواه أبو داود (1332) ، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود". فمن يشوش على الناس صلاتهم برفع صوته: فهي أذية لهم، وعلى الناس تنبيهه وزجره، فإن لم يرتدع: جاز طرده من المسجد، وإن كان مريضاً أو مجنوناً: فيُخاطب وليُّه بمنعه من دخول المسجد، فإن لم يستجب الولي، أو ذلك المؤذي: جاز طرده من المسجد؛ صيانةً لبيوت الله من العبث فيها؛ وحفاظاً على صلاة الناس وعبادتهم، وطرد هذا أولى من طرد المؤذي للناس برائحة البصل والثوم. فعن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قال: (إِنَّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ تَأْكُلُونَ شَجَرَتَيْنِ لاَ أَرَاهُمَا إِلاَّ خَبِيثَتَيْنِ، هَذَا الْبَصَلَ وَالثُّومَ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا وَجَدَ رِيحَهُمَا مِنَ الرَّجُلِ فِي الْمَسْجِدِ أَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ إِلَى الْبَقِيعِ، فَمَنْ أَكَلَهُمَا فَلْيُمِتْهُمَا طَبْخًا) رواه مسلم (567) . قال القرطبي رحمه الله: " قال العلماء: وإذا كانت العلة في إخراجه من المسجد أنه يُتأذى به: ففي القياس: أنَّ كلَّ من تأذى به جيرانه في المسجد بأن يكون ذرب اللسان [سليط اللسان] ، سفيهاً عليهم، أو كان ذا رائحة قبيحة، أو عاهة مؤذية كالجذام، وشبهه، وكل ما يتأذى به الناس: كان لهم إخراجه، ما كانت العلة موجودة حتى تزول. قال أبو عمر بن عبد البر: وقد شاهدتُ شيخنا أبا عمر أحمد بن عبد الملك بن هشام رحمه الله أفتى في رجل شكاه جيرانه، واتفقوا عليه أنه يؤذيهم في المسجد بلسانه، ويده، فشُوور فيه، فأفتى بإخراجه من المسجد، وإبعاده عنه، وألا يشاهِد معهم الصلاة، إذ لا سبيل مع جنونه واستطالته إلى السلامة منه، فذاكرتُه يوماً أمره، وطالبته بالدليل فيما أفتى به من ذلك، وراجعته فيه القول، فاستدل بحديث " الثُوْم "، وقال: هو عندي أكثر أذى من أكل الثوم، وصاحبه يُمنع من شهود الجماعة في المسجد " انتهى من "تفسير القرطبي" (12/267، 268) باختصار. وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: يوجد في قريتنا شاب مختل العقل، ويقلد الناس في كل شيء، ويحضر للجامع عند كل صلاة ويصف مع الناس للصلاة، ولكنه يركع قبل الإمام، ويسجد أيضاً كما يشاء، وكل أفعاله تخالف أفعال المصلين لدرجة أننا تضايقنا منه، هل يجوز لنا أن نمنعه من الحضور للمسجد؟ . فأجاب: " هذا الرجل المختل العقل: لا شك أن حضوره إلى المسجد على هذا الوجه الذي ذكره السائل موجب لانشغال المصلين به، ولهذا أوجه النصيحة إلى وليِّه أن يمنعه من الحضور إلى المسجد؛ لما في ذلك من أذية المصلين، وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي رآه يتخطى رقاب الناس وهو يخطب الناس يوم الجمعة، فقطع النبي صلى الله عليه وسلم خطبته وقال له: (اجلس فقد آذيت) : فإنَّ ما ذكره السائل عن هذا الرجل أشد إيذاءً من تخطي الرقاب؛ لأن متخطي الرقاب غاية ما يكون منه أن يشغل الناس عن استماع الخطبة، أما هذا فإنه يشغل الناس عن الخشوع في الصلاة، وحضور القلب فيها، فأكرر النصيحة لوليه أن يمنعه من حضور المسجد تفادياً لإيذائه، وإذا كان وليه لا يسمع ما أقول: فإني أقول لكم أنتم أهل المسجد: اتصلوا بوليِّه، واطلبوا منه منعه، فإن وافق على ذلك: فهو المطلوب، وإن لم يوافق: فاتصلوا بالجهات المسؤولة عن المساجد لمنعه، فإن لم يكن هناك مسؤول عن المساجد: فلكم أن تمنعوه، وليكن هذا بواسطة الإمام، أو المؤذن؛ لأنهما أقرب مسؤول عن المسجد؛ ولئلا تحصل الفوضى والنزاع بينكم وبين وليه؛ لأنه إذا كان الأمر قد أتى من إمام المسجد أو مؤذنه: كان أهون على الناس" انتهى. "فتاوى نور على الدرب" (شريط 209، وجه: ب) . فعلى هذا؛ يجوز لكم منع ذلك المؤذي من دخول المسجد، إن لم يكف عن إيذاء المصلين برفع صوته والتشويش عليهم. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118451 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1754 إذا دخل المسجد وقد رفع الإمام من الركوع فماذا يقول؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا أتيت للمسجد والإمام قد رفع من الركوع فما أقول في هذا الوضع؟ ، أأقول " ربنا ولك الحمد" أم ماذا]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا دخلت المسجد وقد رفع الإمام من الركوع، فإنك تقول الذكر المشروع في هذا المحل وهو: " ربنا ولك الحمد " ولا تقول دعاء الاستفتاح، لأن محله أول الصلاة، ولا الاستعاذة، لأن محلها قبل القراءة. وقد روى البخاري (689) ومسلم (411) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ) . وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (33592) و (43574) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا دخلت مع الإمام وهو راكع فهل إذا قمت إلى الركعة الثانية أقرأ دعاء الاستفتاح أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: "إذا دخل المسبوق مع الإمام وهو راكع فإنه أولاً يكبر تكبيرة الإحرام قائماً قبل أن يهوي ثم يهوي إلى الركوع وفي هذه الحال إن كبر للركوع فهو أفضل وإن لم يكبر فلا بأس عليه هكذا قال العلماء رحمهم الله، ثم إذا قام إلى الركعة الثانية فإنه لا يستفتح لأن الاستفتاح إنما يكون في أول الصلاة وأول الصلاة قد مضى، فهو سنة فات محلها فلا تقضى في غير مكانها، ولكنه يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم من أجل القراءة " انتهى من "فتاوى نور على الدرب". والحاصل: أن من أدرك الإمام في موضع، أتى بالذكر المشروع في ذلك الموضع، كما لو أدركه في الجلوس بين السجدتين، فإنه يقول: رب اغفر لي، وكما لو أدركه في التشهد فإنه يأتي به، وهكذا. وينظر جواب السؤال رقم (69821) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118041 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1755 استحباب تأخير العشاء ووجوب أدائها مع جماعة المسجد [السُّؤَالُ] ـ[في أسرتي عادة ما يؤخر إخواني صلاة العشاء للثلث الثاني من الليل، فهل يجب عليّ صلاتها في أول وقتها بمفردي أم أنتظرهم لكي نصلى جماعة؟ كما أرجو أن تخبروني بأهمية وفضل أداء الصلاة في أول وقتها، وما هو الفرق الذي سيكون يوم القيامة بين منزلة شخصين أحدهما كان يصلي في أول الوقت، والآخر يؤخر الصلاة لآخر وقتها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: جاء في فضل الصلاة أول وقتها، ما رواه البخاري (527) ومسلم (85) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: (سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا. قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ. قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) . وروى أبو داود (426) عَنْ أُمِّ فَرْوَةَ رضي الله عنه قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: (الصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا) ، والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود. ويستثنى من ذلك أمران: الأول: الإبراد بالظهر - أي تأخيرها عند شدة الحر حتى يبرد الجو -؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم) رواه البخاري (537) ومسلم (615) . الثاني: تأخير العشاء إلى ثلث الليل لمن يصليها وحده، أو للجماعة إذا لم يشق عليهم ذلك؛ لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل، أو نصفه) رواه الترمذي (167) ، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: أعتم النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة - أي: أخر صلاة العشاء حتى اشتدت ظلمة الليل - حتى ذهب عامة الليل حتى نام أهل المسجد، ثم خرج فصلى فقال: (إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي) أخرجه مسلم (638) . ثانياً: وقت العشاء يمتد إلى منتصف الليل، فلا يجوز تأخيرها عن ذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وَوَقْتُ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ الأَوْسَطِ) رواه مسلم (612) . ويحسب منتصف الليل بمعرفة الزمن بين الغروب وطلوع الفجر، وقسمته على اثنين، ويعرف الثلث الأول بقسمته على ثلاثة. ثالثاً: صلاة الجماعة واجبة في المساجد على الرجال القادرين، في أصح قولي العلماء؛ لأدلة كثيرة منها: ما رواه أبو داود (551) وابن ماجه (793) - واللفظ له - وابن حبان في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر) . والحديث رواه الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يتعقبه الذهبي، وقال الألباني في الإرواء (551) : وهو كما قالا. وصحح الحافظ في التلخيص إسناد ابن ماجه والحاكم. وينظر جواب السؤال رقم (8918) ، ورقم (21498) . وعليه؛ فلا يجوز لك أو لإخوانك التخلف عن صلاة الجماعة في المسجد بلا عذر، وحضور العشاء مع جماعة المسجد مقدم على مصلحة تأخيرها إذا فعلت في البيت؛ لأن ذلك واجب، وهذا مستحب. وإذا كان المسجد بعيداً عنكم بحيث لا تسمعون صوت المؤذن، فلا حرج من صلاتكم في البيت حينئذ، ويستحب تأخير العشاء إلى ما بعد ثلث الليل الأول، إلا إذا كان في هذا التأخير مشقة، أو يخشى أن يكون سبباً لتضييع الصلاة أو التكاسل عنها، فإنها تصلى في أول الوقت. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 117751 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1756 متعب من العمل ولا يريد الصلاة مع الجماعة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم شخص يأتي من الدوام تعبان ويقوم ويتغدى ثم ينتظر أذان العصر فيصلي في البيت منفرداً ولا يذهب لتأديتها مع الجماعة ثم ينام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله عن مثل هذا السؤال فأجاب: ليس ما ذكرته عذراً يسوغ لك تأخير الصلاة مع الجماعة، بل الواجب عليك أن تبادر إليها مع إخوانك المسلمين في بيوت الله عز وجل، ثم تكون الراحة وتناول الطعام بعد ذلك، لأن الله سبحانه أوجب عليك أداء الصلاة في وقتها مع إخوانك المسلمين في الجماعة، وليس ما ذكرته عذراً شرعياً في تأخيرها، ولكن ذلك خداع من الشيطان والنفس الأمارة بالسوء، ومن ضعف الإيمان وقلة الخوف من الله عز وجل، فاحذر هواك وشيطانك ونفسك الأمارة بالسوء تحمد العاقبة وتفوز بالنجاة والسعادة في الدنيا والآخرة. وقاك الله شر نفسك وأعاذك من نزغات الشيطان. [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى الشيخ ابن باز ج/12 ص/29. الحديث: 22326 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1757 هل يتحرك المسبوق قليلا لتحصيل السترة أو تيسير خروج المصلين؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم تأخر المسبوق عن الصف الذي يقف فيه بعد سلام الإمام إلى الصف الذي خلفه والذي لا يوجد به مصلون ليترك فرجة في الصف الذي كان يقف فيه كي يتيح للمصلين الذين أنهوا صلاتهم المرور وعدم قطع صلاة المسبوقين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا قام المسبوق ليتم صلاته، فإنه لا يلزمه الانتقال من مكانه، لأجل تحصيل سترة، ولا لأجل ما ذكرت من مرور المصلين؛ لعدم ورود ما يدل على ذلك. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: أحياناً المأموم تفوته ركعة أو ركعتان، فعندما يسلم الإمام يجد السترة بعيدة عنه بمقدار خطوتين أو ثلاثاً فهل يجوز له أن يتقدم إلى السترة؟ فأجاب: "الذي يظهر لي من صنيع الصحابة رضي الله عنهم، أن المسبوق لا يتخذ سترة، وأنه يقضي بلا سترة " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (232/30) . ولا شك أن تحصيل السترة المتعلقة بصلاة الإنسان نفسه، أولى من تيسير المرور على المصلين. والمسبوق إذا قام يتم صلاته فإنه يكون في حكم المفرد، فيمنع المار بين يديه، ولا يجوز لأحد أن يمر بين يديه، وعلى مريد الخروج أن يصبر قليلا، أو أن يبحث عن مكان يخرج منه من غير أن يؤذي المصلين ولا أن يمر بين أيديهم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 116964 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1758 هل يمنع صاحب الزكام والسعال من حضور الجماعة للأذى وخوف العدوى؟ [السُّؤَالُ] ـ[نعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم منع من أكل بصلا أو ثوما من حضور الجماعة، فما بال المصاب بالانفلونزا إذا كان حضوره الجماعة سيتسبب في عدوى غيره بسبب الرزاز المنتشر نتيجة عطسه ورشحه المستمر؟ وما بال المصاب بكحة لا تنقطع إذا حضر خطبة الجمعة وشوشرته على من حوله فلا يستطيعون سماع الخطبة منه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: روى البخاري (855) ومسلم (564) عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا فَلْيَعْتَزِلْنَا، أَوْ قَالَ: فَلْيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا، وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ) . وروى مسلم (567) أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه خَطَبَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فكان مما قال: (ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ تَأْكُلُونَ شَجَرَتَيْنِ لَا أَرَاهُمَا إِلَّا خَبِيثَتَيْنِ: هَذَا الْبَصَلَ وَالثُّومَ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا وَجَدَ رِيحَهُمَا مِنْ الرَّجُلِ فِي الْمَسْجِدِ أَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ إِلَى الْبَقِيعِ، فَمَنْ أَكَلَهُمَا فَلْيُمِتْهُمَا طَبْخًا) . وقد نص الفقهاء على كراهة حضور من أكل الثوم والبصل إلى المسجد، وأنه يستحب إخراجه منه - وذهب بعضهم إلى حرمة حضوره ووجوب إخراجه - وألحقوا بذلك من له رائحة كريهة كصنان وبخر، ومن يعمل في الجزارة ونحوها إذا كانت له رائحة تؤذي المصلين. قال ابن عبد البر رحمه الله في "التمهيد" (6/422) : " وفي الحديث المذكور أيضا من الفقه: أن آكل الثوم يبعد من المسجد ويخرج عنه، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقرب مسجدنا أو مساجدنا لأنه يؤذينا بريح الثوم) وإذا كانت العلة في إخراجه من المسجد أنه يُتأذى به، ففي القياس: أن كل ما يتأذى به جيرانه في المسجد بأن يكون ذرب (سليط) اللسان، سفيهاً عليهم في المسجد، مستطيلاً، أو كان ذا ريحة قبيحة لسوء صناعته، أو عاهة مؤذية كالجذام وشبهه وكل ما يتأذى به الناس إذا وجد في أحد جيران المسجد وأرادوا إخراجه عن المسجد وإبعاده عنه كان ذلك لهم، ما كانت العلة موجودة فيه حتى تزول، فإذا زالت كان له مراجعة المسجد " انتهى. وعلم بذلك أنه يلزم دفع الأذى عن المصلين، فإن كانوا يتأذون من صاحب الزكام والسعال، ولم يمكنه علاج ذلك بأنواع الأدوية التي تخففه وتقلل من أذاه – وهي كثيرة الآن -، فإنه لا يحضر المسجد حتى يزول عنه ما يحصل به الأذى للمصلين، وإن أمكن أن يصلي في طرف المسجد أو رحبته فعل ذلك. ففي حاشية "أسنى المطالب" (1/262) : " لو كان به ريح كريه وأمكنه الوقوف خارج المسجد بحيث لا يؤذي فينبغي أن يلزمه حضور الجمعة " انتهى. ثانياً: إذا كان الرجل مصابا بمرض من الأمراض التي جعل الله تعالى مخالطة أهلها سببا في الإصابة بها، وهي ما تسمى بالأمراض المعدية، فإنه يعذر بترك الجمعة والجماعة؛ لئلا يؤذي المصلين، بل ويمنع من دخول المسجد حتى تزول علته؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يورد الممرض على المصح، كما روى البخاري (5771) ومسلم (2221) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ) . وينظر في مسألة العدوى جواب السؤال رقم (45694) . وقد سئل الدكتور سليمان بن وائل التويجري عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى عن رجل مصاب بمرض معدي (مثل العنقز أو الحصبة) هل تجب عليه الصلاة في المسجد مع الجماعة؟ فأجاب: "من الأعذار المسقطة للجماعة والجمعة: المرض إذا كان هذا المرض يتأخر برؤه أو كان يزداد. ومن ذلك أيضاً إذا كان من المعدي الذي يتعدى ضرره إلى الآخرين، فهذا الإنسان معذور بهذا العذر فلا تجب عليه صلاة الجماعة باعتبار المرض وباعتبار العدوى، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى من أكل ثوماً أو بصلاً أن يأتي للمسجد؛ لئلا يؤذي الناس برائحته، وهذا -فيما يظهر- أشد ضرراً ممن يأكل شيئاً له رائحة كريهة، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه" انتهى من "موقع الإسلام اليوم". والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 115117 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1759 حضور الصبي غير المميز إلى المسجد [السُّؤَالُ] ـ[قرأت أنه لا حرج على الصبي فوق السابعة أن يصطف كباقي المصلين في الجماعة..فما حكم من دون السابعة..هل يبطل الصلاة؟ كذا إن مر أمام المصلين في غير الجماعة هل يبطل الصلاة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا حرج على الصبي المميز أن يصف مع الجماعة، بل ينبغي تعويده ذلك وتشجيعه عليه، وتمكينه من الصف الأول وغيره إذا سَبق إليه. والتمييز لا يختص بسن السابعة، فقد يكون الطفل ذكيا نابها وهو في السادسة أو الخامسة، فيعقل الصلاة، ويلتزم بآداب المسجد. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " التمييز يكون غالباً في سبع سنين، ولكن قد يميز الصبي وعمره خمس سنين، قال محمود بن الربيع رضي الله عنه: عقلت مَجَّة مجّها الرسول صلى الله عليه وسلم في وجهي وأنا ابن خمس سنين. فبعض الصغار يكون ذكياً يميز وهو صغير، وبعضهم يبلغ ثماني سنين وما يميز " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (13/37) . وقد سئل الإمام مالك رحمه الله عن الصبيان يؤتى بهم إلى المساجد؟ فقال: "إن كان لا يعبث لصغره، ويُكَفُ إذا نُهي فلا أرى بهذا بأسا، وإن كان يعبث لصغره فلا أرى أن يؤتى به إلى المسجد " انتهى من المدونة (1/195) . فمن كان دون التمييز فلا ينبغي إحضاره، إلا عند الاضطرار أو الحاجة، كأن تتغيب أمه عن البيت ولا يمكن للأب تركه في البيت بمفرده، ونحو ذلك. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم إحضار الصبيان الذين هم دون التمييز ممن يُلَبَّسُّون الحفائظ التي ربما يكون أو غالب ما يكون فيها النجاسة؟ وإذا حضروا هل يُطْرَدون أم لا؟ فأجاب: "إحضار الصبيان للمساجد لا بأس به ما لم يكن منهم أذية، فإن كان منهم أذية فإنهم يُمنعون؛ ولكن كيفية منعهم أن نتصل بأولياء أمورهم، ونقول: أطفالكم يشوِّشون علينا، يؤذوننا وما أشبه ذلك، ولقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يدخل في صلاته يريد أن يطيل فيها، فيسمع بكاء الصبي فيتجوَّز في صلاته مخافة أن تفتتن الأم، وهذا يدل على أن الصبيان موجودون في المساجد؛ لكن كما قلنا: إذا حصل منهم أذية فإنهم يُمنعون عن طريق أولياء أمورهم؛ لئلا يحصل فتنة؛ لأنك لو طردت صبياً له سبع سنوات يؤذي في المسجد، وضربته سيقوم عليك أبوه؛ لأن الناس الآن غالبهم ليس عندهم عدل ولا إنصاف، ويتكلم معك وربما يحصل عداوة وبغضاء. فعلاج المسألة هو: أن نمنعهم عن طريق آبائهم حتى لا يحصل في ذلك فتنة. أما مسألة إحضاره فليس الأفضل إحضاره؛ لكن قد تُضْطَر الأم إلى إحضاره؛ لأنه ليس في البيت أحد وهي تحب أن تحضر الدرس، وتحب أن تحضر قيام رمضان وما أشبه ذلك. على كل حال: إذا كان في إحضاره أذية أو كان أبوه -مثلاً- يتشوش في صلاته بناء على محافظته على الولد فلا يأتي به، ثم إذا كان صغيراً عليه الحفائظ فلن يستفيد من الحضور، أما من كان عمره سبع سنوات فأكثر ممن أُمِرْنا أن نأمرهم بالصلاة، فهم يستفيدون من حضور المساجد؛ لكن لا تستطيع أن تحكم على كل أحد، قد تكون أم الولد ليست موجودة، ميتة، أو ذهبت إلى شغل لابد منه، وليس في البيت أحد فهو الآن بين أمرين: إما أن يترك صلاة الجماعة ويقعد مع صبيه، وإما أن يأتي به، فيُرَجِّح، يَنْظُر الأرجح " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (125/8) . ثانيا: قد يحتاج الأب أن يجعل ابنه الصغير غير المميز بجانبه في الصف، حتى لا يخرج من المسجد، أو يعبث بشيء في المسجد فيتلفه أو يضر نفسه، أو يشغل المصلين. وقد سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: ما حكم مصافة الطفل غير المميز في الصف وعمره أقل من خمس سنوات؟ وإذا كان لا يجوز فهل يعتبر قاطعا للصف؟ وإذا كان قاطعا للصف هل على الإمام أن يؤخره إلى مؤخرة المسجد؟ أفيدونا حفظكم الله حيث إن ذلك يكثر عندنا في المساجد؟ فأجاب: "تضمن هذا السؤال مسألتين: المسألة الأولى: مصافة هذا الصبي الذي لا يميز وجوابها أن مصافته لا تصح؛ لأن صلاته لا تصح ومن لا تصح صلاته لا تصح مصافته، وعلى هذا فلو كان رجلان تقدم أحدهما ليكون إماما وتأخر الثاني مع هذا الطفل الذي لم يميز فإنه يعتبر مصليا منفردا لا تصح صلاته ويجب عليه أن يصف مع الإمام. أما المسألة الثانية: فهو قطع الصف، فلا يعتبر وقوف هذا الطفل قاطعا للصف؛ لأن مسافته قصيرة فلا يكون قاطعا للصف، لكن ينبغي لأولياء الأمور ألا يأتوا بمثل هذا الطفل الصغير لأنه يشغل المصلين، فإما أن يعبث حال وجوده في الصف فيشغل من حوله، وإما ألا يعبث ولكن يشغل ولي أمره. نعم، إن دعت الضرورة إلى ذلك مثل ألا يكون في البيت أحد مع هذا الطفل الصغير أو ليس معه إلا أطفال لا يعتمد الإنسان على حفظهم له ويخشى وليه أن يعبث هذا الطفل بنار أو غيرها، فهذه ضرورة لا بأس أن يحضره ولكن عليه أن يكف أذاه عن المصلين " انتهى من "فتاوى نور على الدرب". ثالثا: مرور الصبي غير المميز بين يدي المصلي في المسجد أو غيره لا يقطع الصلاة، وإنما يقطع الصلاة مرور المرأة والكلب والحمار؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (يَقْطَعُ الصَّلاةَ الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ) رواه مسلم (511) . وفي رواية: (والكلب الأسود) قال الراوي: قُلْتُ: يَا أَبَا ذَرٍّ، مَا بَالُ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْكَلْبِ الْأَحْمَرِ مِنْ الْكَلْبِ الْأَصْفَرِ؟ قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا سَأَلْتَنِي فَقَالَ: (الْكَلْبُ الأَسْوَدُ شَيْطَانٌ) . وينظر جواب السؤال رقم (25803) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112973 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1760 يجوز للمنفرد أن يقطع صلاته ليصلي مع الجماعة [السُّؤَالُ] ـ[رجل كان يصلي الفرض وحده وفي أثناء ذلك دخل جماعة المسجد وكبّروا للصلاة جماعة، فهل يقطع صلاته أو ينويها نفلاً كي يصلي معهم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الأفضل أن يقلبها نفلا ثم يصلي مع الداخلين صلاة الجماعة، لأجل تحصيل فضل الجماعة، وإن قطعها وصلى معهم فلا بأس، لأنه قطعها لمصلحة شرعية تعود على نفس الصلاة. والله ولي التوفيق" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله. "فتاوى إسلامية" (1/383) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112054 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1761 يمين الصف أفضل من يساره [السُّؤَالُ] ـ[أيهما أفضل الصلاة عن يمين الإمام أم عن يساره؟ وأيهما أفضل يمين الصف أو يساره؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كان لا يصلي مع الإمام إلا رجل واحد فإن المأموم يقف عن يمينه، ولا يقف عن يساره، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه بات عند خالته ميمونة رضي الله عنها فقام النبي صلى الله عليه وسلم بالليل، فقام ابن عباس عن يساره فأخذه ورائه وأقامه عن يمينه، فهذا دليل على أن المأموم إذا كان واحداً فإنه يكون عن اليمين ولا يكون عن اليسار. أما إذا كان المأموم أكثر من واحد فإنه يكون خلفه ويمين الصف أفضل من يساره وهذا إذا كانا متقاربين، فإذا بعد اليمين بعداً بيناً فإن اليسار والقرب من الإمام أفضل. وعلى هذا؛ فلا ينبغي للمأمومين أن يكونوا عن يمين الإمام حتى لا يبقى في اليسار إلا رجل أو رجلان، وذلك لأنه لما كان المشروع في حق الثلاثة أن يكون إمامهم بينهم كان أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره، ولم يكونوا كلهم عن اليمين، فدل هذا على أن يكون الإمام متوسطاً في الصف أو مقارباً. والخلاصة: أن اليمين أفضل إذا كانا متساويين أو متقاربين، وأما مع بعد اليمين فاليسار أفضل، لأنه أقرب إلى الإمام" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (12/184) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الحديث: 112071 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1762 هل يترك الصلاة في المسجد خوفاً على نفسه؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يعذر الإنسان في ترك صلاة الجمعة والجماعات، إذا كان في بلده فتن، ويخشى على نفسه إذا ذهب إلى المسجد أن يقتل أو يسجن أو يضرب، فهل تلك الأسباب تكون أعذاراً له في ترك الجمع والجماعة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين، ويجنبنا وإياهم مواطن الفتن والمحن، وأن يجمع كلمتهم على الحق، وينصرهم على أعدائهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه. صلاة الجماعة واجبة في المسجد على الرجال القادرين؛ لأدلة كثيرة، سبق بيانها في جواب السؤال رقم (120) ورقم (8918) . ووجوب صلاة الجماعة والجمعة مشروط بما إذا لم يكن على الإنسان ضرر في نفسه أو ماله أو أهله؛ لقوله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الحج/78، وقال تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) البقرة/185. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/366) : " وَيُعْذَرُ فِي ترك الجماعة والجمعة الْخَائِفُ ; لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: (الْعُذْرُ: خَوْفٌ أَوْ مَرَضٌ) . وَالْخَوْفُ , ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: خَوْفٌ عَلَى النَّفْسِ , وَخَوْفٌ عَلَى الْمَالِ , وَخَوْفٌ عَلَى الْأَهْلِ " انتهى. فإذا خاف الإنسان على نفسه من القتل، أو أن يؤخذ ويُسجن ظلماً، فهذا يعتبر معذوراً في تركه لصلاة الجماعة والجمعة، ويصليها في بيته؛ حفاظاً على نفسه. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109209 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1763 من أين يحسب الصف الأول إذا صلى قوم بجوار الإمام؟ [السُّؤَالُ] ـ[لدينا مصلى في مدرستنا ولكنه لا يكفي لجميع الطلاب، ويقف بعض الطلاب في صف موازٍ للإمام، فهل الصف الموازي للإمام هو الصف الأول مع أنه يحدث كل يوم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " الصف الأول هو الذي خلف الإمام، فأول صف يلي الإمام هو الصف الأول، والذين يصفون عن يمينه وشماله لا يكون لهم ثواب الصف الأول؛ لأن هذا الموقف – يعني: موقف المأموم عن اليمين وعن الشمال - هو من الأمور الجائزة وليس من الأمور المستحبة، فموقف المأموم وراء الإمام هو السنة بلا شك، فإذا اضطروا إلى أن يقف أحد عن يمينه أو شماله فلهم أن يقفوا، ولكن لا يعد ذلك الصف الأول. السائل: مع أن هذا يحدث كل يوم طيلة السنة؟ الشيخ: لا يوجد مانع على كل حال، الأمر جائز ولله الحمد، ووقوف هؤلاء عن يمينه وشماله خير من كونهم ينتظرون حتى تفرغ الطائفة الأولى" انتهى. الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. "لقاءات الباب المفتوح" (1/571) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 108337 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1764 ائتمام من يصلي الظهر بمن يصلي العصر [السُّؤَالُ] ـ[إذا صلى شخص صلاة الظهر خلف إمام يصلي العصر فهل صلاته صحيحة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا صلى شخص صلاة الظهر خلف إمام يصلي العصر فلا حرج في ذلك، وصلاته صحيحة على القول الراجح، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) . ولم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على وجوب اتحاد نيتي الإمام والمأموم، فيكون لكل واحد منهما نيته كما يدل عليه الحديث: (وإنما لكل امرئ ما نوى) " انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (15/172) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 108348 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1765 المشروع للمأموم الواحد أن يقف عن يمين الإمام مساويا له [السُّؤَالُ] ـ[من المعروف أن موقف المأموم إذا كان واحدا عن يمين الإمام، فهل يشرع أن يتأخر عنه شيئا كما يلاحظ عند البعض؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " المشروع للمأموم إذا كان واحدا أن يقف عن يمين الإمام مساويا له، وليس في الأدلة الشرعية ما يدل على خلاف ذلك، والله ولي التوفيق " انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز رحمه الله" (12/198) . وللفائدة ينظر جواب السؤال رقم (13678) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 108276 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1766 بدعية التبليغ خلف الإمام بلا حاجة [السُّؤَالُ] ـ[التبليغ خلف الإمام هل هو مستحب أم بدعة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله التبليغ خلف الإمام معناه: أن أحد المأمومين يرفع صوته بالتكبير حتى يسمعه المأمومون، وهذا التبليغ إنما يُفعل ويكون مشروعاً إذا كان صوت الإمام لا يصل إلى جميع المأمومين، إما بسبب مرض الإمام، أو بسبب اتساع المسجد، أو غير ذلك من الأسباب. أما إذا فُعل من غير حاجة إلى ذلك كان بدعة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " التبليغ خلف الإمام لغير حاجة بدعة غير مستحبة باتفاق الأئمة، وإنما يجهر بالتكبير الإمام، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه يفعلون، ولم يكن أحد يبلغ خلف النبي صلى الله عليه وسلم، لكن لما مرض النبي صلى الله عليه وسلم ضعف صوته، فكان أبو بكر رضي الله عنه يسمع بالتكبير، وقد اختلف العلماء: هل تبطل صلاة المبلغ؟ على قولين في مذهب مالك، وأحمد وغيرهما " انتهى. "مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية" (23/403) . وقال أيضا (23/402، 403) : " لا يشرع الجهر بالتكبير خلف الإمام لغير حاجة: باتفاق الأئمة، فإن بلالا لم يكن يبلغ خلف النبي صلى الله عليه وسلم هو ولا غيره، ولم يكن يبلغ خلف الخلفاء الراشدين، لكن لما مرض النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالناس مرة وصوته ضعيف، وكان أبو بكر يصلي إلى جنبه يسمع الناس التكبير، فاستدل العلماء بذلك على أنه يشرع التكبير عند الحاجة: مثل ضعف صوته، فأما بدون ذلك فاتفقوا على أنه مكروه غير مشروع، وتنازعوا في بطلان صلاة من يفعله على قولين، والنزاع في الصحة معروف في مذهب مالك وأحمد وغيرهما. غير أنه مكروه باتفاق المذاهب كلها، والله أعلم " انتهى. وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: " فإذا احتيج إلى التبليغ لسعة المسجد وكثرة الجماعة أو لضعف صوت الإمام لمرض أو غيره، فإنه يقوم بعض الجماعة بالتبليغ، أما إذا كان الصوت واضحا للجميع ولا يخفى على أحد في الأطراف، بل علم أن الجميع يسمعه فليس هناك حاجة للتبليغ ولا يشرع " انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (12/154) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 108279 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1767 دخل المسجد بعد انتهاء الصلاة، فهل يأتم بأحد المسبوقين؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا أدرك مع الإمام بعض الصلاة وقام ليأتي بما فاته، فائتم به آخرون، هل يجوز أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " إذا أدرك مع الإمام بعضاً، وقام يأتي بما فاته، فائتم به آخرون، جاز ذلك في أظهر قولي العلماء " انتهى. "مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية" (23/382) . وسئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله عن: رجل فاتته بعض الركعات مع الإمام، فدخل رجل آخر قد فاتته الصلاة وجعل من هذا الذي يقضي إماما له فهل هذا جائز؟ فأجاب: " الصواب أنه لا حرج في ذلك، حرصا على تحصيل الجماعة " انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (12/149) . وللفائدة ينظر جواب السؤال رقم (21765) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 108284 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1768 ترك صلاة الجماعة في الشركة تجنبا لأذى الموظفين [السُّؤَالُ] ـ[أعمل موظفا في شركة، وصل أذى عمالها لي إلى حد اتهامي بالكبائر والنفاق، وأصبح سبي وسب أهلي شيئا محببا لهم، فما حكم ترك صلاة الجماعة معهم، وما حكم ترك العمل لهذا السبب، مع العلم أنه يصعب إيجاد عمل آخر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نسأل الله سبحانه وتعالى أن يكفيك شرار الخلق، وأن يكف عنك الظلم والأذى. ثم نوصيك أخانا السائل بالحكمة في الحل، والحكمة لا تكون إلا مع التأني والتروي، وليس بالعجلة والتسرع، وذلك لتأخذ فرصتك في تقليب الأمر ومشورة أهل الفضل والرأي مِن حولك. والذي نراه لك أمران: أولا: فيما يتعلق بالصلاة: فليس ما ذكرته عذرا لترك صلاة الجماعة معهم؛ فإن من أصول أهل السنة: حضور صلاة الجماعة خلف كل بر وفاجر، إلا إن كانت تتيسر لك جماعة أخرى أمثل منهم، فلا بأس أن تصلي مع الجماعة الفاضلة، وأما أن تترك صلاة الجماعة لتصلي وحدك، فهذا لا يجوز لك، ثم إن لن يحل من مشكلتك شيئا، لأنك سوف تبقى تلتقي بهم في عملك، وذهابك ومجيئك. اللهم إلا أن تكون صلاتك معهم لها مدخل في حصول هذا الأذى، أو أنهم يتعمدون إظهاره في مكان الصلاة، فالذي يظهر ـ حينئذ ـ أنه لا بأس بألا تصلي معهم، دفعا لأذاهم عن نفسك. قال السيوطي ـ رحمه الله ـ في "الأشباه والنظائر" (ص/684) : " الأعذار المرخصة في ترك الجماعة نحو أربعين ... - فعدها وذكر منها -: أو في طريقه من يؤذيه بلا حق، ولو بشتم، ولم يمكن دفعه نقله الأذرعي " انتهى. ثانيا: أما أذاهم لك، فاستعن ـ أولا ـ بمولاك: أن يكف عنك شرهم وكيدهم وأذاهم، وأن يسلمك منهم. ثم إن كان لك رئيس، أو كان عندك ذو سلطان تستعين به في كف شرهم عنك، فافعل. فإن لم يكن عندك من يدفع عنك الأذى، وكان لعملك مقر آخر، فاطلب نقلك إليه، فما ينبغي للمسلم أن يبقى في مكان تنتهك فيه حرمته، ويتعرض فيه للأذى، وهو لا يستطيع الدفع عن نفسه. عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ قَالُوا وَكَيْفَ يُذِلُّ نَفْسَهُ قَالَ يَتَعَرَّضُ مِنْ الْبَلَاءِ لِمَا لَا يُطِيقُ) . رواه الترمذي (2254) ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي. على أنه ينبغي لك أن تدبر لك عملا آخر، تنفق منه على نفسك وعيالك قبل أن تترك عملك هذا فعلا. واعلم أن الله سبحانه وتعالى ناصر المظلومين، ومجير المستضعفين، فالجأ إليه سبحانه، واسأله دائما العصمة من الأذى والحفظ من الضرر، وأن يظهر الحق ويذب عن عرضك، ولتعز نفسك بمن قبلك من المؤمنين الذين اتهموا بالباطل في دينهم وعرضهم، وأولهم الأنبياء، ثم الصحابة والصالحون، حتى تجرأ بعضهم على اتهام أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فأنزل الله براءتها من عنده في آيات تتلى إلى يوم القيامة. وليحذر أولئك الذين يقعون في أعراض المسلمين ويأكلون لحومهم سخطَ الله ومقته وعقابه، فهو سبحانه يمهل ولا يهمل، يقول الله عز وجل: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) الأحزاب/58 وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: صَعِدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ، فَقَالَ: (يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ، لاَ تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلاَ تُعَيِّرُوهُمْ، وَلاَ تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ. قَالَ: وَنَظَرَ ابْنُ عُمَرَ يَوْمًا إِلَى البَيْتِ أَوْ إِلَى الكَعْبَةِ فَقَالَ: مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، وَالمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ اللهِ مِنْكِ) رواه الترمذي (2032) وقال حسن غريب. وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" والحاصل أنه ينبغي لك المحافظة على صلاة الجماعة، مع اعتزال من يتهمونك بالباطل، فإن لم تستطع الجمع بينهما، وبلغ بك من الأذى الشيء الكثير، جاز لك ترك صلاة الجماعة معهم، إن كان ينفعك ذلك في دفع الأذى عن نفسك، أو تقليله. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 107617 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1769 هل يُعذر في ترك الجماعة عند نزول المطر؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم ترك الجماعة عند نزول المطر؟ هل هناك فرق في شدة المطر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صلاة الجماعة في المسجد واجبة على الرجال القادرين، على الصحيح من قولي العلماء؛ لأدلة كثيرة، سبق بيانها في جواب السؤال رقم (120) ورقم (8918) . وصلاة الجماعة مع وجوبها، فإنها تسقط في أحوال ذكرها أهل العلم، ومن تلك الأحوال: نزول المطر الذي يبل الثياب، لقول الله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الحج/78، وقوله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) البقرة/185. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/366) : " وَيُعْذَرُ فِي تَرْكِ الجمعة والجماعة بِالْمَطَرِ الَّذِي يَبُلُّ الثِّيَابَ , وَالْوَحْلِ الَّذِي يَتَأَذَّى بِهِ فِي نَفْسِهِ وَثِيَابِهِ ; قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ: إذَا قُلْت: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَلَا تَقُلْ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، وَقُلْ: صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ. قَالَ: فَكَأَنَّ النَّاسَ اسْتَنْكَرُوا ذَلِكَ , فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَتَعْجَبُونَ مِنْ ذَلِكَ؟ لَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي (يعني الرسول صلى الله عليه وسلم) , إنَّ الْجُمُعَةَ عَزْمَةٌ , وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُخْرِجَكُمْ فَتَمْشُوا فِي الطِّينِ وَالدَّحَضِ " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (4/317) : " قوله: (أو أذى بمطر أو وحل) وهذا نوعٌ عاشرٌ مِن أعذارِ تَرْكِ الجُمُعةِ والجماعةِ، فإذا خافَ الأذى بمطرٍ أو وَحْلٍ، أي: إذا كانت السَّماءُ تمطرُ، وإذا خَرَجَ للجُمُعةِ أو الجماعةِ تأذَّى بالمطرِ فهو معذورٌ. والأذيَّة بالمطرِ أن يتأذَّى في بَلِّ ثيابه أو ببرودة الجَوِّ، أو ما أشبه ذلك، وكذلك لو خاف التأذِّي بوَحْلٍ، وكان النَّاسُ في الأول يعانون مِن الوحلِ؛ لأن الأسواقَ طين فإذا نزل عليها المطر حصل فيها الوَحْلُ والزَّلَقُ، فيتعبُ الإِنسانُ في الحضور إلى المسجدِ، فإذا حصلَ هذا فهو معذورٌ، وأما في وقتنا الحاضرِ فإن الوَحْلَ لا يحصُل به تأذٍّ؛ لأنَّ الأسواقَ مزفَّتة، وليس فيها طين، وغاية ما هنالك أن تجدَ في بعض المواضع المنخفضة مطراً متجمِّعاً، وهذا لا يتأذَّى به الإِنسانُ لا بثيابه ولا بقدميه، فالعُذرُ في مثل هذه الحال إنما يكون بنزولِ المطرِ فإذا توقَّفَ المطرُ فلا عُذر، لكن في بعض القُرى التي لم تُزفَّت يكون العُذرُ موجوداً، ولهذا كان منادي الرَّسولِ صلّى الله عليه وسلّم ينادي في الليلةِ الباردةِ أو المطيرة: (ألا صَلُّوا في الرِّحالِ) . وفُهِمَ مِن قوله: (أو أذًى بمطرٍ) أنه إذا لم يتأذَّ به بأن كان مطراً خفيفاً، فإنَّه لا عُذر له، بل يجب عليه الحضورُ، وما أصابه مِن المشقَّةِ اليسيرةِ، فإنه يُثابُ عليها " انتهى بتصرف يسير. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الحديث: 106287 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1770 يعمل محاسبا ويترك صلاة الجماعة لذلك أحيانا [السُّؤَالُ] ـ[طبيعة عملي محاسب ويحين وقت الصلاة فلا أستطيع أن أصلي جماعة في بعض الأحيان حتى يأتي زميلي ويبدلني، علما أني في خارج العمل أحافظ على الصلوات الخمس في المسجد.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صلاة الجماعة واجبة على الرجال القادرين، في أصح قولي العلماء، لأدلة كثيرة سبق بيانها في جواب السؤال رقم (8918) . ويستثنى من ذلك من كان في عمل لا يمكنه تركه لترتب الضرر الواضح بذهابه، كالعامل في حراسة الأماكن الهامة، والطبيب أثناء إجراء العملية ونحوهم، فهؤلاء لهم التخلف عن الجماعة. وأما العمل في المحاسبة فلا يظهر وجه ترك الجماعة لأجله؛ إذ بالإمكان إغلاق دفاتر المحاسبة وأجهزتها والغرفة الخاصة بموظفيها، إلى أن تؤدى الصلاة، وليس لصاحب العمل أن يمنع الموظفين من صلاة الجماعة، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (72895) . فنوصيك بالحرص على صلاة الجماعة، وبذل الأسباب المعينة على ذلك، ومناصحة القائمين على العمل بخصوصها، فإن الصلاة آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي سبب الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106252 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1771 هل يتركون مكاناً في الصف الأول للمتأخرين عن الصلاة؟ وشيء من أحكام الصفوف [السُّؤَالُ] ـ[نحن مجموعة من الطلبة المغتربين بدولة غير إسلامية، ونحن نجتمع يوم الجمعة لأداء صلاة الجمعة، وأحياناً قليلة بعض الصلوات الأخرى، المكان الذي نصلي فيه هو عبارة عن شقة مؤجرة كمشروع للأطعمة الحلال، ومكان لصلاة الجمعة أساساً، وقد قمت بنصح الإخوة بإتمام الصف الأول، وتسوية الصفوف في الصلاة، ولكن بعد فترة بسيطة طلب أحد الأشخاص أن نترك فرجة في الصف الأول نظراً لأن الباب في المقدمة، وإذا حضر أحدٌ متأخراً فسيجد صعوبة في المرور للخلف مع تعليقه بأننا يجب ألا نركز على تلك الأمور الصغيرة - حسب تعبيره - ونهتم أساسا بالخشوع في الصلاة، كما يسأل لما لا نجعل الإسلام بسيطا؟ وضرب أمثلة لذلك مثل أن بعض العلماء يحرِّم ارتداء النساء للبنطلونات، والتي في رأيه الشخصي ليس بها شيء! كما علق أحد الإخوة قائلا: إن الإسلام ليس بهذا الضيق، المهم هو: أنه لا يحدث هذا الزحام البسيط إلا في صلاة الجمعة؛ نظرا لحضور الأغلبية فيها، فهل يجب ألا نكمل الصف الأول، وأن نترك فرجة دائمة في الصفوف لاحتمال وصول أحد الإخوة متأخراً؟ كما أرجو منكم التعليق على كل ما ورد في السؤال.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يجب أن يُعلم أن الأحكام الشرعية لا تؤخذ بمجرد الرأي والهوى والاستحسان، وإنما تؤخذ من الأدلة الشرعية: الكتاب والسنة وإجماع العلماء، والقياس الصحيح، وأقوال الصحابة رضي الله عنهم، ويسترشد في ذلك ويستعان بأقوال الأئمة وعلماء الأمة، كالأئمة الأربعة وغيرهم. وقول صاحبك: "إن لبس النساء للبنطلون في رأيه الشخصي ليس فيه شيء". فرأيه الشخصي ليس دليلا من أدلة الأحكام الشرعية، ولا يجوز لأحد أن يتكلم في دين الله إلا بعلم، فلا يتكلم في الأحكام الشرعية إلا من عنده علم بها، ويكون هذا العلم مبنيا على الأدلة الشرعية الصحيحة. وقد سبق في جواب السؤال (60131) بيان حكم لبس النساء للبنطلون. ثانياً: لا يجوز وصف شيء شرعه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بأنه – صغير- فإن هذا يعد استهانة بالسنة والشرع، وذلك أمر خطير على الإيمان. فكل ما شرعه الله فهو عظيم، قال الله تعالى: (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) الحج/32، وقال تعالى: (وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) الحج/30. ثالثاً: الأصل أن تكون صفوف الصلاة تامة، ومتراصة، ومتقاربة، فلا يُبدأ بالصف الثاني مع وجود نقص في الصف الأول، وهكذا في الثاني بالنسبة للثالث، ويجب التراص في الصفوف، وهكذا هي صفوف الملائكة عند ربها. فعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا. فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ قَالَ: يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الْأُوَلَ، وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ) . رواه مسلم (430) . وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَتِمُّوا الصَّفَّ الْمُقَدَّمَ، ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ، فَمَا كَانَ مِنْ نَقْصٍ فَلْيَكُنْ فِي الصَّفِّ الْمُؤَخَّرِ) . رواه أبو داود (671) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ". قال الشيخ عبد العظيم آبادي رحمه الله: "دل الحديث على جعل النقصان في الصف الأخير" انتهى. "عون المعبود" (2 / 260) . قال النووي رحمه الله: وفيه الأمر بإتمام الصفوف الأول، والتراص في الصفوف، ومعنى إتمام الصفوف الأول: أن يتم الأول، ولا يشرع في الثاني حتى يتم الأول، ولا في الثالث حتى يتم الثاني، ولا في الرابع حتى يتم الثالث، وهكذا إلى آخرها. " شرح مسلم " (4 / 115) . وقال الصنعاني رحمه الله بعد أن ذكر الأحاديث الدالة على وجوب تسوية الصفوف: وهذه الأحاديث والوعيد الذي فيها دالة على وجوب ذلك، وهو مما تساهل فيه الناس، كما تساهلوا فيما يفيده حديث أنس عنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم (أتموا الصف المقدم، ثم الذي يليه، فما كان من نقص فليكن في الصف المؤخر) أخرجه أبو داود، فإنك ترى الناس في المسجد يقومون للجماعة وهم لا يملؤون الصف الأول لو قاموا فيه , فإذا أُقيمت الصلاة: يتفرقون صفوفًا على اثنين، وعلى ثلاثة، ونحوه. " سبل السلام " (2 / 29) . رابعاً: سبق في جواب السؤال (11199) أن من صلَّى خلف الصف وحده مع وجود فرجة في الصف الذي أمامه: فإن صلاته باطلة، لذا فليكن هذا في البال عند من يريد ترك فرجة في الصف المتقدم عنه. خامساً: بعض الناس قد يجعل فرجة في الصفوف الأولى ليمكِّن المتأخرين من الصلاة فيها ظانين أنه لا يجوز لأولئك المتأخرين المشي بين الصفوف، والمرور أمامهم، ومن المعلوم أن سترة الإمام سترة لمن خلفه، فلا يؤثر على المصلين المؤتمين مرور أحد أمامهم في الجماعة، حتى لو كان مما تبطل الصلاة بمروره. وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: هل المرور بين صفوف المصلين يقطع الصلاة أو ينقص من أجر المصلي؟ . فأجاب: لا يضر، إذا مر بين يدي الصفوف؛ لأن سترة الإمام سترة لهم، وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم عبدَ الله بن عباس رضي الله عنهما حين مرَّ بين يدي بعض الصف، وهم يصلون في مِنى. "مجموع فتاوى الشيخ العثيمين" (13 / جواب السؤال رقم 421) . وإذا كان مرور المتأخر سيؤدي إلى التشويش على المصلين وإشغالهم وتحريكهم، فالذي يظهر لنا أنه لا بأس بجعل طريق خاص ضيق بجانب الصفوف يمتد إلى آخر المسجد، يمر فيه من يأتي متأخراً حتى يقف في الصف الأخير، فهو أفضل من ترك فرجة في الصف نفسه، فيُجمع بذلك بين تسوية الصفوف، وإتمامها، وحتى لا يحدث المتأخر تشويشاً على المصلين وإشغالاً لهم إذا حاول المرور من بينهم. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 104780 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1772 هل يعذر بترك الجماعة في أوقات الامتحانات؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل على الطالب في فترة الامتحانات ترك صلاة الجماعة؟ وما توجيهاتكم ونصائحكم لمن يقوم بذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صلاة الجماعة في المسجد واجبة على الرجال القادرين، على الصحيح من قولي العلماء؛ لأدلة كثيرة، سبق بيانها في جواب السؤال رقم (120) ورقم (8918) . ولا فرق بين أن يكون الطالب في فترة الامتحانات أو غيرها، فإذا كان يسمع النداء للصلاة وجبت عليه الجماعة حيث ينادى بها. لكن إن أقيمت الصلاة وهو في غرفة الامتحان، لم ينته بعد، فهو معذور بترك الجماعة، وهذا من جنس ما ذكره الفقهاء من الأعذار المبيحة لترك الجماعة؛ إذ يترتب على الخروج من الامتحان رسوبه أو نقص درجته، وفي هذا حرج ظاهر. قال في "كشاف القناع" (1/496) : " ويعذر في ترك الجمعة والجماعة من يدافع الأخبثين البول والغائط ... أو خائف من ضرر في ماله، أو في معيشة يحتاجها , أو أطلق الماء على زرعه أو بستانه , يخاف إن تركه فسد، أو كان مستحفَظا على شيء يخاف عليه الضياع إن ذهب وتركه , كناطور بستان (الحارس) ونحوه ; لأن المشقة اللاحقة بذلك أكثر من بل الثياب بالمطر الذي هو عذر بالاتفاق " انتهى بتصرف. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: أنا طالب في المدرسة في سن العشرين أدرس في خارج بلدي التي نشأت فيها والدراسة تنتهي بعد صلاة الظهر بنصف ساعة، هل يجوز لي أن أتأخر عن الصلاة أو عن صلاة الجماعة وأنا في المدرسة؟ فأجاب: " صلاة الجماعة واجبة على الإنسان إلا إذا تضرر في معيشةٍ يحتاجها أو نحو ذلك، فإذا كان يلحقه ضرر في مفارقة الفصل لصلاة الجماعة فلا حرج عليه أن يبقى في الفصل، وإذا كان لا يلحقه ضرر وجب عليه أن يصلي مع الجماعة، ثم إذا كان يمكن أن يصلي هو وزملاؤه بعد انتهاء الدرس جماعةً فهذا أسهل وأهون؛ لأن كثيراً من أهل العلم يقولون: إن الجماعة لا يجب فعلها في المساجد، مع أن القول الراجح أن الجماعة يجب أن تصلى في المساجد المعدة لها، كما هي عادة السلف الصالح من الصحابة والتابعين " انتهى من "فتاوى نور على الدرب". وينبغي للقائمين على الامتحانات أن يراعوا أوقات الصلوات عند اختيار وقت الامتحان. والمؤسف أن منهم من لا يبالي بذلك، فيجعل وقت الامتحان مستغرقا لوقت الصلاة، وأقبح منه من يجعل وقت الامتحان أثناء صلاة الجمعة، نسأل الله العافية. وأما ترك صلاة الجماعة في وقت الاستعداد للامتحانات، بحجة التفرغ، فمنكر ظاهر، وقد يكون سببا من أسباب عدم التوفيق، فإن العبد يحرم الرزق بالذنب يصيبه. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما هي الأعذار الشرعية لترك صلاة الجماعة، وهل يجوز لطالب دراسي اقترب موعد امتحانه وخاف لضيق وقته ولكي لا يتشتت ذهنه، ويربط المواضيع الدراسية أن لا يلتزم بالجماعة في الصلوات الخمس المفروضة؟ فأجابوا: "من الأعذار التي تبيح للرجل التخلف عن صلاة الجماعة بالمسجد: المرض الشديد الذي يشق معه الذهاب إلى المسجد، وخوفه إذا صلى بالمسجد أن يقتله من يترصد له في طريقه إلى المسجد أو في المسجد أو يقبض عليه ويسجنه ظلما وعدوانا، وتمريضه لشخص لو تركه ليصلي جماعة هلك أو أصابه حرح، وأمثال ذلك، وليس من الأعذار ضيق وقت الطالب بصلاة الجماعة وخوفه من تشتت فكره وعدم تمكنه من المذاكرة وربط المعلومات الدراسية بعضها ببعض، فالوقت واسع وزمن الدراسة شهور، وزمن أداء الصلوات الخمس في جماعة بالمسجد قصير بالنسبة لتلك الشهور، وضيق الوقت إنما هو من تفريطه في أداء الواجب في وقته وتأخيره لقرب الاختبار، لا من أداء واجب الصلاة في جماعة، وأداء الصلاة في جماعة بالمسجد من أعظم وأعلى أنواع تقوى الله، وقد قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (8/39) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103342 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1773 هل وقع أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل في صلاةٍ وهو جنب ناسيا؟ [السُّؤَالُ] ـ[نريد جوابا شافيا عن هذا الحديث: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى الصلاة، فلما كبر انصرف وأومأ إليهم أن كما كنتم. ثم خرج فاغتسل، ثم جاء ورأسه يقطر فصلى بهم. فلما صلى قال: (إني كنت جنبا فنسيت أن أغتسل) رواه أحمد.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: رُويت هذه الحادثة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في كتب السنة، وحاصلها أن الناس حين أتموا صفوفهم للصلاة وراءه صلى الله عليه وسلم، وقام منهم مقام المصلي بهم، تذكَّر أنه كان جنبا، فأشار إليهم ليبقوا في أماكنهم، وانصرف واغتسل وأتاهم ورأسه يقطر ماء. ولكن وقع اختلاف في الروايات: هل كَبَّر النبي صلى الله عليه وسلم ثم تذكَّر أنه جنب، أم تذكر قبل تكبيرة الإحرام؟ ومحصل الروايات فيها على الأوجه الآتية: 1- لفظ صريح في أنه تذكر الجنابة قبل الشروع في الصلاة: يروي هذا اللفظ عبد الله بن وهب عن يونس عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة رضي الله عنه، كما هو في صحيح مسلم (605) ، وهذا لفظه: (أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَقُمْنَا فَعَدَّلْنَا الصُّفُوفَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا قَامَ فِي مُصَلَّاهُ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ، ذَكَرَ فَانْصَرَفَ، وَقَالَ لَنَا: مَكَانَكُمْ، فَلَمْ نَزَلْ قِيَامًا نَنْتَظِرُهُ حَتَّى خَرَجَ إِلَيْنَا وَقَدْ اغْتَسَلَ، يَنْطُفُ رَأْسُهُ مَاءً، فَكَبَّرَ فَصَلَّى بِنَا) . وصالح بن كيسان عن الزهري – كما عند البخاري (639) – بلفظ: (حَتَّى إِذَا قَامَ فِي مُصَلاَهُ انْتَظَرْنَا أَنْ يُكَبِّرَ، انْصَرَفَ، قَالَ: عَلَى مَكَانِكُمْ، فَمَكَثْنَا عَلَى هَيْئَتِنَا حَتَّى خَرَجَ إِلَيْنَا يَنْطِفُ رَأْسُهُ مَاءً،وَقَدْ اغْتَسَلَ) . 2- لفظ صريح في أنه كبر ودخل في الصلاة ثم تذكر أنه جنب: وهذا يرويه أسامة بن زيد عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبي هريرة رضى الله عنه – كما عند ابن ماجه في "السنن" (1220) والدارقطني (1/361) والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/397) – ولفظه: (خرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الصَّلَاةِ وَكَبَّرَ، ثُمَّ أَشَارَ إِلَيْهِمْ، فَمَكَثُوا، ثُمَّ انْطَلَقَ فَاغْتَسَلَ، وَكَانَ رَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً، فَصَلَّى بِهِمْ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: إِنِّي خَرَجْتُ إِلَيْكُمْ جُنُبًا، وَإِنِّي نَسِيتُ حَتَّى قُمْتُ فِي الصَّلَاةِ) . غير أن هذه الطريق فيها ضعف من قبل أسامة بن زيد الليثي، أبو زيد المدني، جاء في ترجمته في "تهذيب التهذيب" (1/209) : " تركه يحيى بن سعيد بآخره، قال أحمد: ليس بشيء. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال ابن حبان: يخطئ وهو مستقيم الأمر صحيح الكتاب " انتهى بتصرف واختصار. ولم يرد توثيقه إلا عن يحيى بن معين، مع أن في رواية أخرى عنه أنه قال فيه: أنكروا عليه أحاديث. وجاء هذا اللفظ أيضا من طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ (كَبَّرَ بِهِمْ فِي صَلاةِ الصُّبْحِ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِمْ، ثُمَّ انْطَلَقَ، فَرَجَعَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ، فَصَلَّى بِهِمْ، فَقَالَ: إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنِّي كُنْتُ جُنُبًا فَنَسِيتُ) رواه الطبراني في "الأوسط" (5/317) وفي "الصغير" (2/74) وقال: لم يروه عن ابن عون إلا الحسن بن عبد الرحمن تفرد به أبو الربيع الحارثي. ورواه البيهقي أيضا (2/398) ، ولكنَّ وصلَ هذه الرواية خطأ، والصواب: عن محمد بن سيرين عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لدليلين اثنين: الأول: مخالفة الثقات من أصحاب ابن عون رواية الحسن بن عبد الرحمن. فقد قال البيهقي: " ورواه إسماعيل بن علية وغيره عن ابن عون عن محمد عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، وهو المحفوظ " انتهى. الثاني: متابعة آخرين لابن عون بروايته مرسلا: قال أبو داود (233) : " وَرَوَاهُ أَيُّوبُ وَابْنُ عَوْنٍ وَهِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ مُرْسَلاً عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم " انتهى. وقال البيهقي في "معرفة السنن والآثار" (1306) : " وكذلك رواه أيوب، وهشام عن محمد، مرسلا، ورواه الحسن بن عبد الرحمن الحارثي عن ابن عون، عن محمد، عن أبي هريرة، مسندا، والأول أصح " انتهى. وقد جاءت بعض الشواهد في أحاديث أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم تذكر الجنابة بعد أن كبر ودخل في الصلاة: 1- عَنْ الحسن عن أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ أَنْ مَكَانَكُمْ ثُمَّ جَاءَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ فَصَلَّى بِهِمْ) . رواه أبو داود (233) وأحمد (5/41) وابن خزيمة (3/62) وابن حبان (6/5) ، والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/94) والطحاوي في "بيان مشكل الآثار" (2/86) وفي بعض ألفاظه: (وكبَّر) قال ابن رجب في "فتح الباري" (3/599) : " وحديث الحسن عن أبي بكرة في معنى المرسل؛ لأن الحسن لم يسمع من أبي بكرة عند الإمام أحمد والأكثرين من المتقدمين " انتهى. 2- عن أنس بن مالك قال: (دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى صَلاَتِهِ، فَكَبَّرَ وَكَبَّرْنَا مَعَهُ، ثُمَّ أَشَارَ إِلَى الْقَوْمِ: كَمَا أَنْتُمْ. فَلَمْ نَزَلْ قِيَامًا حَتَّى أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدِ اغْتَسَلَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً) . رواه الدارقطني (1/362) والطبراني في "الأوسط" (4/92) والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/399) من طريق معاذ العنبري عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس به. وقد روي هذا الحديث مرسلا عن قتادة عن بكر بن عبد الله المزني. 3- عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ: (صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَانْصَرَفَ، ثُمَّ جَاءَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً، فَصَلَّى بِنَا، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي صَلَّيْتُ بِكُمْ آنِفًا وَأَنَا جُنُبٌ، فَمَنْ أَصَابَهُ مِثْلُ الَّذِي أَصَابَنِي أَوْ وَجَدَ رِزًّا فِي بَطْنِهِ فَلْيَصْنَعْ مِثْلَ مَا صَنَعْتُ) رواه أحمد (1/99) والطبراني (6/272) والبزار (890) وفي إسناده ابن لهيعة، وفيه ضعف. قال الطبراني في "الأوسط" (6/272) : لا يروى هذا الحديث عن علي إلا بهذا الإسناد، تفرد به ابن لهيعة. 4- عن عطاء بن يسار: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَبَّرَ فِي صَلاَةٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ، ثُمَّ أَشَارَ إِلَيْهِمْ بِيَدِهِ أَنِ امْكُثُوا، فَذَهَبَ، ثُمَّ رَجَعَ وَعَلَى جِلْدِهِ أَثَرُ الْمَاءِ) رواه مالك في الموطأ (1/48/رقم 110) بسند صحيح إلى عطاء وهو من التابعين. قال البيهقي في "السنن الكبرى" (2/398) : " ورواية أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أصح من رواية ابن ثوبان عنه، إلا أن مع رواية ابن ثوبان عنه رواية أبي بكرة مسندة، ورواية عطاء بن يسار وابن سيرين مرسلة، وروي أيضا عن أنس بن مالك " انتهى. والخلاصة: أنه لما اجتمعت هذه الطرق الكثيرة على الرواية التي فيها إثبات تكبير النبي صلى الله عليه وسلم ودخوله في الصلاة قبل تذكره الجنابة، وخاصة المراسيل الصحيحة عن ابن سيرين وبكر المزني وعطاء بن يسار، كل ذلك يدل على صحة الحادثة ووقوعها، وأنه لا تعارض بينها وبين رواية أبي هريرة لها بأن ذلك كان قبل التكبير، إذ يمكن تكرار الحادثة، ووقوعها مرة هكذا ومرة هكذا، وبهذا يمكن توجيه اختلاف الروايات. قال أبو حاتم ابن حبان في "صحيحه" (6/7) : " هذان فعلان في موضعين متباينين، خرج صلى الله عليه وسلم مرة فكبر ثم ذكر أنه جنب فانصرف فاغتسل ثم جاء فاستأنف بهم الصلاة. وجاء مرة أخرى فلما وقف ليكبر ذكر أنه جنب قبل أن يكبر، فذهب فاغتسل ثم رجع فأقام بهم الصلاة. من غير أن يكون بين الخبرين تضاد ولا تهاتر " انتهى. وقال النووي في "شرح مسلم" (5/103) : " ويحتمل أنهما قضيتان، وهو الأظهر " انتهى. وليس فيه أي إشكال والحمد لله، فالنبي صلى الله عليه وسلم بشر، ينسى كما ينسى الناس، وقد سهى في صلاته مرات عديدة، ولم ينكر أحد من أهل العلم ذلك، غير أنهم قالوا إنه معصوم عن نسيان شيء من الوحي نسيانا تاما بحيث يترتب عليه ضياعه. ثانيا: أما عن فقه الحديث وما يستنبط منه: ففيه دليل على أنه إذا صلى الإمام بالناس على غير طهارة نسيانا، فإن صلاة المأمومين لا تتأثر، وتبقى على صحتها وإجزائها، وأن الإمام هو الذي يؤمر بالإعادة فقط، دون المأمومين. وجهُ ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم رجع فاغتسل ثم جاء فكبر لصلاته، والناس وراءه على صفوفهم وفي صلاتهم، لم يأمرهم أن يعيدوا معه التكبير. قال ابن رجب في "فتح الباري" (3/600-602) : " وليس في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم بنى على ما مضى من تكبيرة الإحرام وهو ناس لجنابته، فلم يبق إلا أحد وجهين: أحدهما: أن يكون صلى الله عليه وسلم لما رجع كبر للإحرام، وكبر الناس معه. والثاني: أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم استأنف تكبيرة الإحرام، وبنى الناس خلفه على تكبيرهم الماضي. وهذا هو الذي أشار إليه الشافعي، وجعله عمدة على صحة صلاة المتطهر خلف إمام صلى محدثاً ناسياً لحدثه. قال ابن عبد البر: وقد وافق الشافعي على ذلك بعض أصحاب مالك. وعن الإمام أحمد في ابتداء المأمومين وإتمامهم الصلاة إذا اقتدوا بمن نسي حدثه، ثم علم به في أثناء صلاته – روايتان. وروي عن الحسن، أنهم يتمون صلاتهم. ومذهب الشافعي: لا فرق بين أن يكون الإمام ناسياً لحدثه أو ذاكراً له إذا لم يعلم المأموم، أنه لا إعادة على المأموم. وهو قول ابن نافع من المالكية، وحكاه ابن عبد البر عن جمهور فقهاء الأمصار وأهل الحديث. وعن مالك وأحمد: على الماموم الإعادة. وقال حماد وأبو حنيفة وأصحابه وسفيان الثوري- في أشهر الروايتين عنه -: يعيد المأموم وإن كان الإمام ناسياً ولم يذكر حتى فرغ من صلاته " انتهى باختصار. وفي موقعنا مجموعة من الإجابات التي تبين صحة صلاة المأموم إذا تبين حدث الإمام، وأن الإعادة إنما هي على الإمام فقط دون المأمومين: (27091) ، (85011) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103303 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1774 ما هي المسافة التي تُوجب الصلاة في المسجد [السُّؤَالُ] ـ[سأسافر بمشيئة الله إلى بريطانيا وسأمكث هناك أسبوعا. وأقرب مسجد يبعد مسافة كيلو ونصف الكيلو عن مكان إقامتي. وبالطبع فلن أسمع الأذان لأن الأذان لا يرفع في أغلب الأماكن في بريطانيا. وسيشق علي إلى حد ما أن أمشي كل هذه المسافة الطويلة خمس مرات يوميا ذهابا وإيابا كي أصلي في جماعة (وأنا أتمتع بصحة جيدة، لكن قطع هذه المسافة خمس مرات يوميا يتطلب جهدا) . أعلم أن بمقدوري أن أستقل حافلة، لكن تكرار ذلك خمس مرات يوميا يتطلب الكثير من الجهد. فهل يجوز لي أن أصلي منفردا في مقر إقامتي طوال هذه المدة (الأسبوع) ؟ لقد قرأت المسافة التي لا يمكن سماع الأذان بعدها وأنها تقارب الخمس كيلومترات، لكني أظن أن هذه المسافة طويلة جدا كي يطلب من المسلم أن يمشيها ليصل إلى المسجد، بالإضافة إلى ذلك، فأنا لا أستطيع تخيل أن يسمع الأذان على بعد كل هذه المسافة الطويلة جدا، حتى وإن كان ذلك في هدوء شديد. أظن أن هناك خطأ في الحساب. أرجو أن توضح لي رأيك حول حكم الصلاة في المكان الذي أقيم فيه، هل يجوز ذلك أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " الواجب على من سمع النداء بالصوت المعتاد من غير مكبّر أن يجيب إلى الصلاة في الجماعة في المسجد الذي ينادى بها فيه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر) أخرجه ابن ماجة والدارقطني وابن حبان والحاكم بإسناد صحيح. وقد سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن العذر؟ فقال: خوف أو مرض، وأخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً أعمي قال: يا رسول الله، ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (هل تسمع النداء للصلاة. قال: نعم. قال: أجب. وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (من سرّه أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن، فإن الله شرع لنبيّكم سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلّف في بيته لتركتم سنّة نبيّكم، ولو تركتم سنّة نبيّكم لضللتم، وقد رأيتنا وما يتخلّف عنها إلا منافق معلوم النفاق أو مريض، ولقد كان الرجل يؤتى به إلى الصلاة يهادى بين الرجلين حتى يُقام في الصف) ، وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلاً فيؤم الناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرّق عليهم بيوتهم بالنار) والأحاديث في تعظيم شأن الصلاة والحث على أدائها في المساجد كثيرة فالواجب على المسلمين المحافظة عليها في المساجد والتواصي بذلك والتعاون على ذلك ........ أما من كان بعيداً عن المسجد لا يسمع النداء إلا بالمكبّر فإنه لا يلزمه الحضور إلى المسجد وله أن يصلي ومن معه في جماعة مستقلة لظاهر الأحاديث المذكورة. فإن تجشموا المشقة وحضروا مع الجماعة في المساجد التي لا يسمعون منها النداء إلا بالمكبر بسبب بعدهم عنها كان ذلك أعظم لأجرهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم (أعظم الناس أجراً في الصلاة أبعدهم فأبعدهم ممشى) .... والأحاديث في فضل الذهاب إلى المساجد والحث على ذلك كثيرة جداً، والله ولي التوفيق. " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز رحمه الله ج/12 ص58-61 وقد قال العلماء في ضابط سماع النداء (الأذان) قال الشافعي رحمه الله: إذا كان المنادي صيّتاً، وكان هو مستمعاً (أي ليس بأصمّ) ، والأصوات هادئة، الريح ساكنة، فأما إذا كان المنادي غير صيّت والرجل غافل والأصوات ظاهرة فقلّ من يسمع النداء. الأم ج/1 ص/221 وقال النووي: الاعتبار في سماع النداء: أن يقف المؤذن في طرف البلد والأصوات هادئة والريح ساكنة، وهو مستمع فإذا سمع لزمه، وإن لم يسمع لم يلزمه) المجموع شرح المهذب ج/4 ص/353 وقال ابن قدامة: والموضع الذي يُسمع منه النداء في الغالب ـ إذا كان المنادي صيّتاً، في موضع عال، الريح ساكنة، والأصوات هادئة، والمستمع غير ساه ولا لاه.. المغني ج/2 ص/107 [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 21969 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1775 إذا جاء للمسجد فوجد الصفّ ممتلئا [السُّؤَالُ] ـ[ماذا يفعل الشخص إذا جاء للصلاة ولم يجد فراغاً في الصف؟ هل يصلي في صف لوحده بسبب ضعف الحديث الذي يذكر أن رجلاً سحب آخر من الصف الأمامي ليصلي معه؟ ماذا إذا قام الشخص في الصف الأمامي الممتلئ بالتوسيع لمن يصلي منفرداً في الصف الخلفي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ورد السؤال التالي على اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: مصلٍ أتى فوجد الصفوف مكتملة، وكان الإنسان الذي في آخر الصف صبيا، فهل يجذبه ليصلي معه، أم ماذا؟ وإذا أتى فوجد المصلين في الركوع فهل يصح أن يجذب المصلي وهو راكع، أم ماذا؟ وإذا تمت الصفوف فلم يجد أحدا يصلي معه إلا صبيانا صغارا بعضهم مميز والآخر غير مميز، فهل يصح أن يصلي معهم في ذلك الصف؟ فأجابت اللجنة: إذا وجد المصلي الصف مكتملا فإنه ينتظر حتى يأتي من يصافه، ولا يجذب أحدا من الصف، وإن استطاع أن يدخل في الصف أو يصلي عن يمين الإمام فعل، وأما مصافة الصبيان فإن كانوا مميزين فمصافتهم صحيحة؛ لما في الصحيحين وغيرهما عن أنس رضي الله عنه أنه قال: ".. وصففت أنا واليتيم وراءه، والعجوز من ورائنا.. " يعني بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لما زارهم في بيتهم ضحى، وإن كانوا غير مميِّزين فحكمهم حكم المنفرد المصلي خلف الصف، وصلاة المنفرد خلف الصف غير صحيحة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا صلاة لمنفرد خلف الصف ". وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء فتاوى اللجنة الدائمة 8 / 6-7 فإذا خشي أن تفوته الصلاة ولم يجد مكانا في الصفّ ولم يأت أحد صلى وراءهم مقتديا بالإمام وصلاته صحيحة لقوله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) كما أفتى بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 5362 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1776 هل محاذاة الصف تكون بالأقدام أم بالمناكب [السُّؤَالُ] ـ[أثناء وقوفنا في الصف لتأدية صلاة الجماعة، هل تكون المحاذاة بالأقدام أم بالمناكب؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصحيح: أن المحاذاة في الصفوف تكون بالمناكب والأقدام. فقد روى البخاري رحمه الله (683) من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم " أقيموا صفوفكم، فإني أراكم من وراء ظهري ". قال أنس: وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه، وقَدَمه بقدمه.أ. هـ وقد بوَّب عليه البخاري رحمه الله بقوله: باب إلزاق المنكب بالمنكب والقَدَم بالقدم. وقال: قال النعمان بن بشير: رأيتُ الرجل منا يلزق كعبه بكعب صاحبه. أ. هـ قال الشيخ عبد العظيم آبادي: قال في " التعليق المغني ": فهذه الأحاديث فيها دلالة واضحة على اهتمام تسوية الصفوف، وأنها من إتمام الصلاة، وعلى أنه لا يتأخر بعضه على بعض، ولا يتقدم بعضه على بعض، وعلى أنه يلزق منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه بقدمه، وركبته بركبته، لكن اليوم تُركت هذه السنَّة! ولو فعلت اليوم لنفر الناس كالحُمُر الوحشية!!. فإنا لله وإنا إليه راجعون. أ. هـ "عون المعبود " (2 / 256) . المنكب: مجتمع العضد والكتف. الكعب: العظم الناتئ في جانبي الرِّجل. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 6238 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1777 رؤية المرأة للإمام في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[أعلم انه في الصلاة يجب أن يكون المصلي خلف الإمام أو خلف رجل يرى الإمام. وسؤالي هو، هل هذا ينطبق على المرأة أيضا؟ سمعت أنه يجب أن يرى الإمام ولو امرأة واحدة. وكما تعلم فإن اكثر الأماكن المعدة لصلاة النساء تكون خلف حاجز ولا يمكن رؤية الإمام وإنما يتابعون الإمام من خلال مكبر الصوت الذي يتعطل بعض الأحيان فلا نستطيع الصلاة. وحصل مرة أنني كنت مسافرة مع زوجي وتوقفنا للصلاة وذهبت لمصلى النساء ولم يكن هناك أحد مطلقا وسمعت الإمام يكبر ولكن لا أدري لأي وضع هذا التكبير وانتهى بي الأمر أنني لم أتابع الإمام بنفس الترتيب.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يشترط للمرأة التي تصلي خلف الإمام أن تراه أو ترى بعض المأمومين ولكن يشترط أن تكون الصفوف متصلة وأن يكون مصلى النساء داخل حدود المسجد وأن يصل إليها صوت الإمام لتتمكّن من متابعته، وإن عجزت المرأة عن متابعة الإمام لسبب من الأسباب تصلي منفردة أو تصلي مع النساء جماعة أخرى إذا تعذر سماع صوت الإمام أو لم يمكنهن متابعته، وإذا دخلت المرأة المسجد وسمعت تكبير الإمام فلا تكبر معه حتى تعلم هل هو في سجود أو ركوع أو غير ذلك والمخرج من هذا - إذا لم تكن ترى الإمام أو من يقتدي به من المأمومين - أن تنتظر حتى يقول الإمام سمع الله لمن حمده ثم تصلي معه قال ابن عبد البر في الكافي: وكل من رأى إمامه أو سمعه وعرف خفضه ورفعه وكان خلفه جاز أن يأتم به، وهو قول المالكية (الكافي 1/ 212) وقال ابن قدامة: إن كان بين الإمام والمأموم حائل يمنع رؤية الإمام أو من وراءه ففيه روايتان عن أحمد أحدهما: لا يصح الإئتمام به.. والثانية: يصح لأنه يمكنه الاقتداء بالإمام من غير مشاهدة كالأعمى. واشترط لصحة الإتمام أن يسمع صوت الإمام (المغني 2/208) . والخلاصة أنك إذا كنت داخل المسجد وتسمعين صوت الإمام وتعلمين في أي وضع هو فاقتدي به وإلا صلّي وحدك أو مع جماعة من النساء بعد انتهاء الإمام من الصلاة. وأما حكم صلاتك فقد سألنا فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب بأنه من الأحوط لها إعادة الصلاة. والله الموفق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 3832 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1778 متى يتحرك المأموم خلف الإمام في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى متابعة الإمام ومسابقته؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المتابعة أن تنتظر الإمام حتى يتم انتقاله وينقطع صوته بالتكبير ثم تتبعه، فإذا كبر للركوع تبقى قائماً حتى يفرغ من التكبير ويتم ركوعه ثم تنحني راكعاً، فإذا رفع بقيت حتى يستتم قائماً ويفرغ من التسميع، ثم ترفع بعده، وهكذا بقية الأركان، أما المسابقة فهي أن تركع قبل الإمام أو تسجد قبله، أو تبدأ بالحركة قبل حركته، وهي تبطل الصلاة أو تنقصها. [الْمَصْدَرُ] اللؤلؤ المكين للشيخ ابن جبرين ص 13 الحديث: 26144 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1779 السلام قبل الإمام عند اشتداد الحاجة [السُّؤَالُ] ـ[مأموم حضره البول أو الرّيح بشدّة وهو في التشهد الأخير، فهل تصح صلاته إذا سلّم قبل الإمام بعد أداء الركن والواجب؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله: نعم تصح؛ لأنه معذور. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن صالح العثيمين الحديث: 7420 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1780 كيف يقف المأموم الواحد مع الإمام [السُّؤَالُ] ـ[حينما يؤدي رجلان صلاة الفرض جماعة فإن الإمام يقف على اليسار أما المأموم فإنه يقف عن يمينه، لكن السؤال هل يتأخر عنه قليلاً أم يكون بمحاذاته في الصف؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تجب تسوية الصف، والذي يدل على ذلك حديث النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ قال: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ) رواه البخاري (الأذان/676) وإذا وقف إمام ومأموم فإنه يكون محاذياً للمأموم، ولا يتقدم عليه، فإن ابن عباس رضي الله عنهما (أخذ النبي صلى الله عليه وسلم رأسه من ورائه وجعله عن يمينه، ولم ينقل أنه أخّره قليلاً) ، ثم إن الإمام والمأموم يعتبران صفاً، فإذا اعتبرناهما صفاً كان المشروع تسوية الصف، وتسوية الصف تكون بالتساوي بحيث لا يتقدم أحد على أحد. انظر الشرح الممتع لابن عثيمين ج/3 ص/10-12 وروى الإمام أحمد في مسنده عن ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَصَلَّيْتُ خَلْفَهُ، فَأَخَذَ بِيَدِي فَجَرَّنِي فَجَعَلَنِي حِذَاءَهُ، فَلَمَّا أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى صَلاتِهِ خَنَسْتُ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ لِي: (مَا شَأْنِي أَجْعَلُكَ حِذَائِي فَتَخْنِسُ؟) فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَوَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ حِذَاءَكَ وَأَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ الَّذِي أَعْطَاكَ اللَّهُ؟ ... (2902) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (2590) ، قال الألباني رحمه الله: وفيه فائدة فقهية هامة ... وهي: أن السنة أن يقتدي المصلِّي مع الإمام عن يمينه وحذاءه غير متقدِّم عليه ولا متأخِّر عنه، خلافاً لما في بعض المذاهب أه ينبغي أن يَأَخَّر عن الإمام قليلاً، بحيث يجعل أصابع رجليه حذاء عقبي الإمام أو نحوه، وهذا كما ترى خلاف هذا الحديث الصحيح..أهـ انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة م/6 ص/174. والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 13678 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1781 يغلبه النوم فتفوته صلاة الجماعة [السُّؤَالُ] ـ[تأخرت عن صلاة العصر جماعةً لأيام متتالية، وأنا أحاول جاهداً ألا أنام، ولكن قبل الصلاة بساعة أو أقل يغلبني النوم، تبت إلى الله من هذا، ونذرت ألا أنام قبل العصر لكي لا تفوتني الصلاة جماعة، ولا أعلم لأني بعد هذا النذر أيضاً نمت قبل العصر. ما الحكم؟ هل يلزمني الوفاء بهذا النذر؟ وما الحكم في الأيام التي نمت فيها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نسأل الله تعالى أن يأجرك على حرصك على الصلاة جماعة، واجتهادك في المحافظة عليها، ونسأله سبحانه أن يوفقك لكل خير. ولتعلم أخي الكريم أنك تعامل ربا كريما رؤوفا رحيما، أرحم بعباده منهم بأنفسهم، وهو سبحانه مُطَّلِعٌ على قلبك، وخبيرٌ بما في صدرك، فإن رأى منك صدق النية كتب لك الأجر تاما، وعفا عن كل زلل وتقصير. وقد جاءت الشريعة بعذر النائم، إذا فاتته صلاة الجماعة، أو فاته وقت الصلاة بالكلية، ما دام قد أخذ بالأسباب واجتهد في إدراك الصلاة جماعة، فإذا غلبه النومُ بعد ذلك بشيءٍ خارجٍ عن قدرته، من غير تقصير ولا إهمال، كان العفو من الله تعالى، فهو سبحانه لا يكلف نفسا إلا وسعها. وقد روى البخاري (570) ومسلم (681) عن أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان مع بعض أصحابه في سفر، فنزل في آخر الليل (فَوَضَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ: احْفَظُوا عَلَيْنَا صَلَاتَنَا. فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالشَّمْسُ فِي ظَهْرِهِ، قَالَ أبو قتادة: فَقُمْنَا فَزِعِينَ. ثُمَّ قَالَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ارْكَبُوا. فَرَكِبْنَا فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ نَزَلَ، ثُمَّ دَعَا بِمِيضَأَةٍ كَانَتْ مَعِي فِيهَا شَيْءٌ مَنْ مَاءٍ، قَالَ: فَتَوَضَّأَ مِنْهَا وُضُوءًا دُونَ وُضُوءٍ، ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى الْغَدَاةَ، فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ كُلَّ يَوْمٍ. قَالَ: وَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَكِبْنَا مَعَهُ، قَالَ: فَجَعَلَ بَعْضُنَا يَهْمِسُ إِلَى بَعْضٍ مَا كَفَّارَةُ مَا صَنَعْنَا بِتَفْرِيطِنَا فِي صَلَاتِنَا؟ فقَالَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا لَكُمْ فِيَّ أُسْوَةٌ؟! ثُمَّ قَالَ: أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ، إِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلْيُصَلِّهَا حِينَ يَنْتَبِهُ لَهَا، فَإِذَا كَانَ الْغَدُ فَلْيُصَلِّهَا عِنْدَ وَقْتِهَا..إلى آخر الحديث) فتأمل في قول النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (احفظوا علينا صلاتنا) لتعلم فيه الدليل على وجوب اتخاذ الأسباب لأداء الصلاة في وقتها، والقيام بالجماعة، غير أن التعب والإرهاق الذي أصابهم بسبب السفر حال دون أن يستيقظوا في وقت الفجر، فما راعهم إلا والشمس قد طلعت، فكان لهم العذر حينئذ. قال النووي في "شرح مسلم" (5/186) : " فيه دليل لما أجمع عليه العلماء أن النائم ليس بمكلف " انتهى. جاء في "الموسوعة الفقهية" (7/187) : " يفهم من هذا الحديث أنّه إذا غلب على ظنّه أنّه لو نام تفوته الصّلاة يُكلِّف أحداً بإيقاظه " انتهى. والخلاصة: أن النوم قبل الصلاة إن كان لحاجة مع حرص على الاستيقاظ وتكليف من يقوم بذلك من الأهل أو ضبط الأجهزة المنبهة لا حرج فيه، ولا يأثم المسلم إن فاتته صلاة الجماعة أو فاته وقت الصلاة. ثانياً: وأما النذر الذي نذرته فقد كان الواجب عليك الوفاء به، وحيث إنك لم تفعل، فعليك كفارة يمين، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ) رواه مسلم (1645) وليس عليك إلا كفارة واحدة، ولو تعددت الأيام التي نمت فيها قبل العصر، لأن النذر (اليمين) قد انحل بحصول المخالفة ولم يِبْق منعقداً. وكفارة اليمين هي: تحرير رقبة أو إطعام عشرة مساكين من أوسط طعامك، أو كسوتهم، فإذا لم تستطع القيام بواحدة، من هذه الخصال الثلاثة فعليك صيام ثلاثة أيام. وانظر جواب السؤال رقم (45676) . .والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 99471 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1782 التصدّق على شخص بالصلاة معه بعد الفجر [السُّؤَالُ] ـ[رجل صلى الفجر في جماعة، ثم أتى رجل آخر تأخر عن صلاة الجماعة وطلب من الأول أن يصلي معه كنافلة ويكسب الآخر أجر الجماعة فما الحكم في ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا بأس إذا دخل رجل بعد صلاة الفجر أو بعد صلاة العصر وقد فاتته الصلاة أن يقوم معه آخر فيصلي معه ويتصدق عليه، فالقاعدة أن كل صلاة نافلة لها سبب (فلا بأس بفعلها في وقت النهي) ، كتحية المسجد، وسجود التلاوة، وصلاة الاستخارة في أمر يفوت قبل زوال وقت النهي، والصدقة على إنسان دخل بعد صلاة العصر أو بعد صلاة الفجر وما أشبه ذلك. [الْمَصْدَرُ] لقاء الباب المفتوح لابن عثيمين /169 الحديث: 1744 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1783 على المأموم أن يتابع إمامه في المسائل الاجتهادية [السُّؤَالُ] ـ[إذا صليت الوتر خلف إمام يصليه مثل المغرب تماماً، فهل أتابعه أم ماذا أفعل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه نهى عن تشبيه صلاة الوتر بصلاة المغرب. راجع السؤال (38230) . ثانياً: اختلف العلماء إذا فعل الإمام في الصلاة ما يعتقد المأموم عدم جوازه، أو ترك الإمام ما يعتقد المأموم وجوبه، هل يتابعه أم لا؟ وقد ذكر اختلافهم، في ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، واختار أنه يتابعه في ذلك ما دامت المسألة من مسائل الاجتهاد. قال رحمه الله في "الفتاوى الكبرى" (2/117) : " وَتَنَازَعُوا فِيمَا إذَا تَرَكَ الإِمَامُ مَا يَعْتَقِدُ الْمَأْمُومُ وُجُوبَهُ , مِثْلَ أَنْ يَتْرُكَ قِرَاءَةَ الْبَسْمَلَةِ وَالْمَأْمُومُ يَعْتَقِدُ وُجُوبَهَا , أَوْ يَمَسَّ ذَكَرَهُ وَلا يَتَوَضَّأَ , وَالْمَأْمُومُ يَرَى وُجُوبَ الْوُضُوءِ مِنْ ذَلِكَ , أَوْ يُصَلِّي فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ الْمَدْبُوغَةِ , وَالْمَأْمُومُ يَرَى أَنَّ الدِّبَاغَ لا يُطَهِّرُ , أَوْ يَحْتَجِمَ وَلا يَتَوَضَّأُ وَالْمَأْمُومُ يَرَى الْوُضُوءَ مِنْ الْحِجَامَةِ. وَالصَّحِيحُ الْمَقْطُوعُ بِهِ أَنَّ صَلاةَ الْمَأْمُومِ صَحِيحَةٌ خَلْفَ إمَامِهِ , وَإِنْ كَانَ إمَامُهُ مُخْطِئًا فِي نَفْسِ الأَمْرِ: لِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: (يُصَلُّونَ لَكُمْ فَإِنْ أَصَابُوا فَلَكُمْ وَلَهُمْ , وَإِنْ أَخْطَئُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ) . وَكَذَلِكَ إذَا اقْتَدَى الْمَأْمُومُ بِمَنْ يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ , أَوْ الْوِتْرِ , قَنَتَ مَعَهُ. سَوَاءٌ قَنَتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ , أَوْ بَعْدَهُ , وَإِنْ كَانَ لا يَقْنُتُ , لَمْ يَقْنُتْ مَعَهُ. وَلَوْ كَانَ الإِمَامُ يَرَى اسْتِحْبَابَ شَيْءٍ , وَالْمَأْمُومُونَ لا يَسْتَحِبُّونَهُ , فَتَرَكَهُ لأَجْلِ الاتِّفَاقِ وَالائْتِلافِ: كَانَ قَدْ أَحْسَنَ. مِثَالُ ذَلِكَ الْوِتْرُ فَإِنَّ لِلْعُلَمَاءِ فِيهِ ثَلاثَةَ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ لا يَكُونُ إلا بِثَلَاثٍ مُتَّصِلَةٍ. كَالْمَغْرِبِ: كَقَوْلِ مَنْ قَالَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لا يَكُونُ إلا رَكْعَةً مَفْصُولَةً عَمَّا قَبْلَهَا , كَقَوْلِ مَنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ الأَمْرَيْنِ جَائِزَانِ , كَمَا هُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا , وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَإِنْ كَانَ هَؤُلاءِ يَخْتَارُونَ فَصْلَهُ عَمَّا قَبْلَهُ , فَلَوْ كَانَ الإِمَامُ يَرَى الْفَصْلَ , فَاخْتَارَ الْمَأْمُومُونَ أَنْ يُصَلِّيَ الْوِتْرَ كَالْمَغْرِبِ فَوَافَقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ تَأْلِيفًا لِقُلُوبِهِمْ كَانَ قَدْ أَحْسَنَ , كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِعَائِشَةَ: (لَوْلا أَنَّ قَوْمَك حَدِيثُو عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ لَنَقَضْت الْكَعْبَةَ , وَلأَلْصَقْتهَا بِالأَرْضِ ; وَلَجَعَلْت لَهَا بَابَيْنِ , بَابًا يَدْخُلُ النَّاسُ مِنْهُ , وَبَابًا يَخْرُجُونَ مِنْهُ) . فَتَرَكَ الأَفْضَلَ عِنْدَهُ ; لِئَلا يَنْفِرَ النَّاسُ " اهـ. وقال أيضاً في "الفتاوى الكبرى" (2/320) : " إذَا تَرَكَ الإِمَامُ مَا يَعْتَقِدُ الْمَأْمُومُ وُجُوبَهُ. . . فَهَذَا فِيهِ قَوْلانِ: أَصَحُّهُمَا صِحَّةُ صَلاةِ الْمَأْمُومِ , وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ , وَأَصْرَحُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ، وهُوَ الْمَنْصُوصُ عن الشَّافِعِيِّ، فَإِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي خَلْفَ الْمَالِكِيَّةِ الَّذِينَ لا يَقْرَءُونَ الْبَسْمَلَةَ , وَمَذْهَبُهُ وُجُوبُ قِرَاءَتِهَا. وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: (يُصَلُّونَ لَكُمْ فَإِنْ أَصَابُوا فَلَكُمْ وَلَهُمْ , وَإِنْ أَخْطَئُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ) فَجَعَلَ خَطَأَ الإِمَامِ عَلَيْهِ دُونَ الْمَأْمُومِ. وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ إنْ كَانَ مَذْهَبُ الإِمَامِ فِيهَا هُوَ الصَّوَابَ فَلا نِزَاعَ , وَإِنْ كَانَ مُخْطِئًا فَخَطَؤُهُ مُخْتَصٌّ بِهِ , وَالْمُنَازِعُ (يعني الذي يرى أن المأموم لا يتابعه) يَقُولُ: الْمَأْمُومُ يَعْتَقِدُ بُطْلانَ صَلاةِ إمَامِهِ. (قال شيخ الإسلام) : وَلَيْسَ كَذَلِكَ , بَلْ يَعْتَقِدُ أَنَّ الإِمَامَ يُصَلِّي بِاجْتِهَادٍ أَوْ تَقْلِيدٍ , إنْ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ , وَإِنْ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ " اهـ. وقال أيضاً في "الاختيارات الفقهية" (70) : " لَوْ فَعَلَ الإِمَامُ مَا هُوَ مُحَرَّمٌ عِنْدَ الْمَأْمُومِ دُونَهُ مِمَّا يَسُوغُ فِيهِ الاجْتِهَادُ صَحَّتْ صَلاتُهُ خَلْفَهُ , وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ , وَقَالَ: إنَّ الرِّوَايَاتِ الْمَنْقُولَةَ عَنْ أَحْمَدَ لا تُوجِبُ اخْتِلافًا وَإِنَّمَا ظَوَاهِرُهَا أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ يُقْطَعُ فِيهِ بِخَطَإِ الْمُخَالِفِ تَجِبُ الإِعَادَةُ , وَمَا لا يُقْطَعُ فِيهِ بِخَطَإِ الْمُخَالِفِ , لا تَجِبُ الإِعَادَةُ وَهُوَ الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ السُّنَّةُ , وَالآثَارُ , وَقِيَاسُ الأُصُولِ , وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلافٌ مَشْهُورٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ " اهـ. فعليك متابعة الإمام، لأن هذا من المسائل الاجتهادية التي اختلف فيها الأئمة. وإذا أمكن مناصحة الإمام وبيان السنة له بأدلتها فإن هذا هو المتعين. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 12585 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1784 الصلاة جماعة في البيت حكمها وأجرها بالنسبة لجماعة المسجد [السُّؤَالُ] ـ[هل ثواب صلاة الجماعة الثانية، أو الثالثة بالمسجد يعادل ثواب 25 أو 27 صلاة مع الإمام فى صلاة الجماعة الأولى؟ وهل يعادل ثواب الصلاة مع 5 إلى 10 أشخاص بالعمل أو المدرسة ثواب من يصلي بالمسجد؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: وجوب صلاة الجماعة وهذا ما تدل عليه الأدلة الشرعية من القرآن والسنَّة، وإذا كان الله تعالى قد أوجب الصلاة جماعة في أرض القتال: فأولى أن تكون واجبة في حال الإقامة والأمن. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (120) و (8918) . ثانياً: وجوب صلاة الجماعة في المساجد لا في أماكن العمل والدراسة وهذا في حال أن يكون المسلم من المكلفين، الرجال، القادرين، والذين يمكنهم سماع الأذان من غير مكبرات للصوت.. ويدل على ذلك: أن النبيُّ صلى الله عليه وسلم هَمَّ بتحريق البيوت على من يصلي في بيته – وقد يكونون يصلون جماعة -. فعَن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( ... وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلاةِ فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لا يَشْهَدُونَ الصَّلاةَ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ) . رواه البخاري (657) ومسلم (651) - واللفظ له -. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (72398) . ولذا فإنه لا مقارنة بين جماعة البيت وجماعة المسجد، والأجور والفضائل إنما هي لجماعة المسجد، فمن ترك جماعة المسجد واختار جماعة البيت أو العمل: لم يحصِّل أجر جماعة المسجد، وهذا إن سلِم من الإثم أصلاً. ثالثاً: الذي له عذر يمنعه من حضور صلاة الجماعة في المسجد له أجر الجماعة وإن صلاها في بيته وقد يُعذر المسلم فيرخّص له في ترك صلاة الجماعة في المسجد كأن يكون بعيداً لا يصل له صوت الأذان في وضعه الطبيعي، أو يكون مريضاً، أو خائفاً، وإذا كان الأمر كذلك: فعليه أن يصلي جماعة مع أهل بيته ممن لا تجب عليهم الجماعة، أو مع من هم مثله من المعذورين، وهنا يصح التفاضل بين جماعة المسجد وبين جماعة هؤلاء من حيث العدد فمن كانت جماعته أكثر كان أحب إلى الله – وسيأتي نص الحديث في " رابعاً " -، لكن ليس هناك مجال للمقارنة بين الأجور الأخرى، مثل الخطوات التي يخطوها المصلي للمسجد، والتبكير لحضور الصلاة، وإعداد الله له نزلا في الجنة كلما غدا أو راح، وغير ذلك، فمثل هذه الأجور يحرمها من يصلي في بيته، إلا أن يكون من المحافظين على الصلاة في المسجد فأقعده المرض أو العذر، فهذا يكتب له من الأجر مثل ما كان يعمل، كما صحَّ ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: المعذورَ يُكتبُ له أجرُ الجماعةِ كاملاً إذا كان مِن عادتِه أن يصلِّي مع الجماعةِ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مَرِضَ العبدُ أو سافرَ كُتِبَ له مثلُ ما كان يعملُ صحيحاً مقيماً) . "الشرح الممتع" (4 / 323) . ومن لم يتيسر له أحد يصلي معه: فليصل وحده، والصلاة كلما كثر عدد أفرادها: كان ذلك أحب إلى الله. رابعاً: إن تعمد التأخر عن الجماعة الأولى أَثم، وصلاته جماعة خير من صلاته منفرداً، لكن ليس له ثواب الجماعة الأولى فمن تأخر بغير عذرٍ وقصد أن يصلي جماعة ثانية أو ثالثة – كما يحصل في مساجد الأسواق -: فهؤلاء يأثمون على تعمد تفويتهم الجماعة الأولى، ويحرمون من أجورها ولو صلوا جماعة بعدد أكبر من الجماعة الأولى. قالَ الشيخ ابن العثيمين رحمه الله: " وأما قول القائل: إنهم إذا صلوا في المسجد ولو بعد الجماعة الأولى: فإن لهم أجر سبعٍِ وعشرين درجة: فهذا ليس بصحيح؛ فأجر سبعٍ وعشرين درجة لا يكون إلا في الجماعة الأولى فقط، أما الثانية: فلا شك أن الصلاة في جماعة أفضل من الصلاة على وجه الانفراد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في رجل دخل وقد فاتته الصلاة: (مَنْ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا فَيُصَلِّيَ مَعَهُ؟) فقام أحد القوم فصلى معه؛ ولأنه عليه الصلاة والسلام قال: (صََلَاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ، وَمَا كَانُوا أَكْثَرَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) ، لكن كون الجماعة الثانية تنال أجر الجماعة الأولى: فهذا ليس بصحيح، وإلا لكان كل الناس يذهبون إلى المسجد متى شاءوا، ويصلون جماعة ويقولون: أخذنا أجر سبع وعشرين درجة، فهذا لا أعلم أحداً قال به، أي: أن الصلاة الثانية كصلاة الأولى في الحصول على أجر سبع وعشرين درجة، فلا أعلم أحداً قال بهذا " " لقاء الباب المفتوح " (44 / السؤال رقم 10) . وأما من تأخر عن الصلاة بعذر ووصل المسجد وقد انتهت الصلاة: فيكتب له أجر الجماعة ولو صلى وحده. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَلَ: (مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ خَرَجَ عَامِدًا إِلَى الْمَسْجِدِ فَوَجَدَ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مِثْلَ أَجْرِ مَنْ صَلاَّهَا وَحَضَرَهَا وَلَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا) . رواه أبو داود (564) – واللفظ له - والنسائي (855) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ". وفي " عون المعبود " (2 / 192) : " وهذا إذا لم يكن التأخير ناشئاً عن التقصير " انتهى. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98739 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1785 والده لا يصلي إلا إذا صلى معه فهل يصلي في البيت لأجله [السُّؤَالُ] ـ[والدى لا يصلى بانتظام فهو يصلى عادة عندما أقول له بأن يأتي ليصلي معي. وسؤالي: أولا: هل يجوز لي عندما أصلى فى المسجد على سبيل المثال أو أصلى منفردا ثم أرى والدى أن أصلى معه ثانية (كأن أصلى العشاء مرتين) ؟ وأيضا هل من الأفضل لي أن أصلي مع والدي أم في المسجد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: صلاة الجماعة واجبة في المسجد على الرجال القادرين، في أصح قولي العلماء، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم (120) و (8918) . وعليه فلا يجوز أن تتخلف عن الصلاة في المسجد، لتصلي مع والدك. لكن إذا صليت في المسجد، ورجعت إلى منزلك، جاز لك أن تصلي الصلاة مع أبيك، وتكون نافلة لك؛ لوجود السبب المبيح لإعادة الجماعة، وقد ثبت في الصحيحين عن معاذ رضي الله عنه " أنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء ثم يذهب فيصلي بقومه " رواه البخاري (701) ، ومسلم برقم (465) . ثانياً: ينبغي أن تكثر من النصيحة لأبيك، وأن ترغبه في الصلاة، وفي أدائها جماعة، وأن تبين له ما ورد في عقوبة تارك الصلاة، فإن الصلاة عمود الدين، والمتهاون فيها متوعَّد بالعقاب الشديد، كما قال تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) مريم/59، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ) رواه مسلم (82) . وقوله: (مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) رواه البخاري (553) . وقوله: (لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا وَإِنْ قُطِّعْتَ وَحُرِّقْتَ وَلَا تَتْرُكْ صَلَاةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا فَمَنْ تَرَكَهَا مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ وَلَا تَشْرَبْ الْخَمْرَ فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ) رواه ابن ماجه (4034) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه. وقد روى عن جماعة من الصحابة أن من ترك صلاة واحدة متعمدا حتى خرج وقتها أنه كافر، عياذا بالله من ذلك. نسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والسداد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98333 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1786 يؤخرون صلاة الظهر فهل يصلي معهم أو يصلي منفرداً؟ [السُّؤَالُ] ـ[في قريتي تصلى صلاة الظهر قبل نصف ساعة من دخول وقت صلاة العصر ما هو الأفضل أن أصلي مع الجماعة أو أن أصلي في أول وقت الظهر?]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: أحب الأعمال إلى الله الصلاة على وقتها، كما صح بذلك الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مسارعا إلى أداء الصلاة في أول وقتها، وهكذا كان صحابته الكرام رضي الله عنهم، امتثالا لأمر الله تعالى: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ) البقرة/48، وقوله تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) آل عمران/133. فعليك بمناصحة أهل قريتك حتى يصلوا الصلاة في أول وقتها، كما هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم. وتأخير الصلاة إلى هذا الحد قد يؤدي إلى تضييعها. إلا إذا كان هناك عذر لهذا التأخير كشغل أو شدة حر، فلا بأس بذلك، فقد جاءت السنة بتأخير صلاة الظهر عند شدة الحر، وهو ما يسمى بـ " الإبراد " وانظر لمعرفة حكمه جواب السؤال رقم (39818) . ثانياً: أما عن المفاضلة بين الصلاة في أول وقتها منفرداً، والصلاة في آخر وقتها جماعة، فقد اختلف العلماء في ذلك. فذهب بعضهم إلى تقديم فضيلة الوقت على فضيلة الجماعة. وذهب بعضهم إلى أن تأخير الصلاة لتحصيل فضيلة الجماعة أفضل من الإتيان بها منفرداً في أول وقتها. وذهب بعضهم إلى استحباب صلاتها مرتين، لتحصيل الفضيلتين. قال الحطاب في "مواهب الجليل" (1/404) : " الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ فَذًّا (أي: منفرداً) أَفْضَلُ مِنْهَا فِي آخِرِ الْوَقْتِ فِي جَمَاعَةٍ " ثم نقل ذلك عن الإمام مالك رحمه الله. وقال النووي في المجموع (2/303) : " الَّذِي نَخْتَارُهُ أَنَّهُ يَفْعَلُ مَا أَمَرَهُ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَيُصَلِّي مَرَّتَيْنِ: مَرَّةً فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ مُنْفَرِدًا لِتَحْصِيلِ فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ , وَمَرَّةً فِي آخِرِهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ لِتَحْصِيلِ فَضِيلَتِهَا , فَإِنْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ - فَإِنْ تَيَقَّنَ حُصُولَ الْجَمَاعَةِ آخِرَ الْوَقْتِ - فَالتَّأْخِيرُ أَفْضَلُ لِتَحْصِيلِ شِعَارِهَا الظَّاهِرِ ; وَلِأَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ فِي مَذْهَبِنَا وَفَرْضُ عَيْنٍ عَلَى وَجْهٍ لَنَا , وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا , وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَطَائِفَةٍ , فَفِي تَحْصِيلِهَا خُرُوجٌ مِنْ الْخِلَافِ , وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ يَأْثَمُ بِتَأْخِيرِهَا , وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إنْ فَحُشَ التَّأْخِيرُ فَالتَّقْدِيمُ أَفْضَلُ , وَإِنْ خَفَّ فَالِانْتِظَارُ أَفْضَلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ " انتهى. وقال البهوتي في "كشاف القناع" (1/457) : " وَتُقَدَّمُ الْجَمَاعَةُ مُطْلَقًا عَلَى أَوَّلِ الْوَقْتِ ; لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ , وَأَوَّلُ الْوَقْتِ سُنَّةٌ، وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ وَاجِبٍ وَمَسْنُونٍ " انتهى. والذي يظهر من هذا –والله أعلم-: أن الالتزام بجماعة المسلمين أولى من الصلاة منفرداً لما هو معلوم من فضل الصلاة في جماعة، وحرصا على إقامة هذه الشعيرة، ولأن الصحيح من أقوال أهل العلم أن صلاة الجماعة واجبة. إلا إذا شق عليك الانتظار إلى هذا الوقت، فلا حرج عليك من الصلاة في أول الوقت منفرداً، إذا لم تجد أحدا تصلي معه في جماعة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97516 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1787 هل يقف المأموم عن يمين الإمام عند اكتمال الصف [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم صلاة المأموم الذي لم يجد مكاناً في الصف، ووقف عن يمين الإمام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله السنة أن الإمام يتقدم على المأمومين إذا كانوا اثنين فأكثر، ولا ينبغي أن يقف أحد بجانب الإمام إلا للضرورة القصوى، كما لو امتلأ المسجد ولم يجد مكاناً إلا جنب الإمام فلا بأس، وإذا كانوا اثنين واحتاجا إلى أن يكونا إلى جنب الإمام فليكن أحدهما عن اليمين والآخر عن الشمال، ولا يكونا جميعاً عن يمينه كما كان هذا المشروع أولاً إذا كانوا ثلاثة أن يكون الإمام بين الاثنين، ثم نسخ ذلك حتى كان المشروع أن يكون الاثنان خلفه. وأما ما يظنه العامة الآن من أن الرجلين إذا احتاجا أن يكونا مع الإمام، كانا عن يمينه فقط فهذا ليس له أصل، نعم إذا كان واحداً فلا يقف إلا عن يمينه. [الْمَصْدَرُ] لقاء الباب المفتوح لابن عثيمين 54/93 الحديث: 1809 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1788 رجال متأخرون يصلون خلف النساء في صلاة الجماعة [السُّؤَالُ] ـ[في الكلية أعطونا حجرة صغيرة للصلاة ويصلي المسلمون والمسلمات في نفس الصف (لا أتكلم عن الجماعة) ثم يأتي آخرون ويصلون خلف المسلمات. فهل هذا يجوز؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ينبغي الحرص على جعل النساء مفصولات عن الرجال، حتى وإن كان المصلى صغيرا، فينبغي أن يعرف الجميع - رجالا ونساءا - أن آخر المصلى خاص بالنساء، ويمكن أن يُجعل فاصل يحدد مكان النساء، ولو بخط في الأرض، او علامة توضع، ونحو ذلك. بحيث يبقى فراغ كاف يقوم فيه الرجال المتأخرون ويصفون فيه خلف إخوانهم الذين سبقوهم وأمام النساء المصليات. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ سعد الحميد. الحديث: 9486 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1789 هل تقام جماعة مستقلة للنساء مع جماعة الرجال؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكن إقامة أكثر من صلاة جماعة في مسجد واحد في نفس الوقت؟ ففي مسجد الجامعة لا يتم استخدام ميكروفون والنساء لا يسمعن الإمام فهل يمكنهن إقامة جماعة أخرى بإمام منهن؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأصل أنه لا يشرع إقامة جماعتين في مسجد في وقت واحد، لما في ذلك من تفريق المسلمين، وتشويش بعضهم على بعض، لكن إذا وجد عذر، كعدم سماع النساء صوت الإمام فلا حرج من إقامة جماعة خاصة بالنساء تصلي بهن إحداهن، مع وجود جماعة الرجال، ولكن يشترط لذلك ألا يحصل تشويش من الجماعتين بعضهما على بعض. وقد ثبت عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما أنهما فعلا ذلك في صلاة التراويح في المسجد، حيث جعلا إماماً للرجال، وآخر للنساء. قال الألباني رحمه الله في رسالة "قيام رمضان": " ويشرع للنساء حضورها – يعني صلاة التراويح -. . . بل يجوز أن يُجْعَلَ لهن إمام خاص بهن، غير إمام الرجال، فقد ثبت أن عمر رضي الله عنه لما جمع الناس على القيام، جعل على الرجال أُبَيَّ بن كعب، وعلى النساء سليمان بن أبي حثمة. وعن عرفجة الثقفي قال: (كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يأمر الناس بقيام شهر رمضان ويجعل للرجال إماماً وللنساء إماماً، قال: فكنت أنا إمام النساء) . قلت (الألباني) : وهذا محله عندي إذا كان المسجد واسعاً، لئلا يشوش أحدهما على الآخر " انتهى. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 94877 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1790 القائمون على المسجد مقصرون دينياً فهل يترك الصلاة فيه [السُّؤَالُ] ـ[لجنة المسجد تتولى اتخاذ أغلب القرارات الخاصة بجاليتنا. لكن القليل جداً من أعضائها يتمسكون بالسنة أو بالشريعة. وأنا أعلم شخصياً أن بعضهم يقع في المعاصي، كما أن النساء اللآتي يحضرن لا يرتدين الحجاب الصحيح. وأنا لا أراهم يحضرون إلى المسجد إلا إذا كان عندهم اجتماع أو يوم الجمعة. فهل أستمر في الذهاب إلى ذلك المسجد، أم أقيم مصلى جديداً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عليك الاستمرار في الذهاب للمسجد، وإياك وتفريق جماعة المسجد، واحرص على الإصلاح من الداخل بالوعظ والنصيحة وقم بتحسين العلاقات دون الوقوع بالمحرمات ولعل تقديم اقتراحات مكتوبة من جهتك مع الرفق واللين قد يساهم في تحسين الأحوال، وتفائل بتحسن الأمور في المستقبل فقد يتغير هذا المجلس أو بعض أعضاءه فيكونون أكثر تديناً واصلح وقد تكون أنت واحداً منهم نسأل الله لنا ولك التوفيق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 13746 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1791 صلاة النساء في مكان أخفض من مكان الإمام [السُّؤَالُ] ـ[لدينا في القرية مسجد قديم تم البناء فوقه، وفي رمضان تصلي فيه النساء حيث يصل الصوت إليهن عبر مكبر الصوت. هل يجوز صلاة النساء حيث إنهن في مكان أخفض من المكان الذي يوجد فيه الإمام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان المأموم في المسجد، فيصح اقتداؤه بالإمام بمجرد سماع التكبير، ولا يشترط أن يرى الإمام أو المأمومين. وأما من كان يصلي خارج المسجد فيشترط أن يرى الإمام أو المأمومين، كما يشترط اتصال صفه بمن في المسجد. وراجع جواب السؤال رقم (93369) . وعليه؛ فإذا كانت النساء يصلين في المسجد، ويسمعن التكبير، صح اقتداؤهن بالإمام، ولا يضر كونهن في مكان أخفض من محل الإمام. والحديث الوارد في النهي عن علو الإمام على المأموم مختلف في صحته، وحمله بعض أهل العلم على ما إذا صلى الإمام وحده في المكان المرتفع، أما إذا صلى معه بعض المأمومين وكان بعضهم في المكان المنخفض، فلا حرج في ذلك. فلا يدخل في الكراهة صلاة من في الطابق الأسفل بإمام في الطابق الأعلى، معه غيره من المأمومين. قال في "زاد المستقنع": " وتصح خلف إمام عالٍ عنهم، ويكره إذا كان العلو ذراعا فأكثر". قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه: " قوله: (وتصح خلف إمام عال عنهم) أي: عن المأمومين. مثل: أن يكون هو في الطابق الأعلى وهم في الطابق الأسفل، وهذا يقع كثيراً، فتصح الصلاة ولا حرج فيها. ودليل صحة الصلاة خلف الإمام إذا كان عاليا: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صنع له المنبر صلى عليه، يصعد ويقرأ ويركع، وإذا أراد أن يسجد نزل من المنبر فسجد على الأرض، وقال: (يا أيها الناس، إني صنعت هذا لتأتموا بي، ولتعلموا صلاتي) . قوله: (ويكره إذا كان العلو ذراعا فأكثر) أي: يكره إذا كان الإمام عاليا على المأموم ذراعا فأكثر. ودليله: الحديث: (إذا أم الرجل القوم؛ فلا يقم في مكان أرفع من مقامهم) ، ولكن هذا الحديث لا تقوم به الحجة. والجمع -عند من احتج به- بينه وبين الحديث الثابت في الصحيحين بأن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى بهم على المنبر: أن المنبر لا يتجاوز الذراع غالبا، فيحمل هذا الحديث على ما إذا كان العلو كثيرا، ولكن يبقى النظر في تقديره بالذراع. والجواب: أن درجات المنبر غالبا لا تزيد على الذراع. والخلاصة: أن المؤلف يرى أنه لا بأس أن يكون الإمام أعلى من المأموم، إلا أنه يكره إذا كان العلو ذراعا فأكثر. القول الثاني: أنه لا يكره علو الإمام مطلقا؛ لأن الحديث الذي استدل به الأصحاب رحمهم الله: ضعيف، والضعيف لا تقوم به الحجة. وقيّد بعض العلماء هذه المسألة بما إذا كان الإمام غير منفرد بمكانه، فإذا كان معه أحد فإنه لا يكره؛ ولو زاد على الذراع؛ لأن الإمام لم ينفرد بمكانه، وهذا لا شك أنه قول وجيه؛ لأنه إن انفرد الإمام بمكان؛ والمأموم بمكان آخر؛ فأين صلاة الجماعة والاجتماع؟ مسألة: لو كان المأموم في مكان أعلى فلا يكره، فإذا كان الإمام هو الذي في الأسفل، وهناك أناس يصلون فوقه فلا حرج ولا كراهة " انتهى من "الشرح الممتع" (4/300) . والحديث المذكور: (إذا أم الرجل القوم فلا يقم في مكان أرفع من مقامهم) رواه أبو داود (598) . قال الألباني رحمه الله في صحيح أبي داود: حسن لغيره. وعلى القول بصحة الحديث وصلاحيته للاحتجاج به، فإن المكروه إذا دعت إليه الحاجة زالت الكراهة، ومعلوم أن صلاة الإمام في طابق أعلى وصلاة بعض المأمومين في طابق أسفل، إنما يفعله الناس للحاجة، لضيق المكان الذي فيه الإمام، فلا يسع جميع المصلين، فلا حرج في ذلك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93784 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1792 لا يجوز للمأموم قراءة غير الفاتحة خلف الإمام [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمأموم أن يقرأ القرآن مع الإمام وذلك إذا كان الإمام يطيل في القراءة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز للمأموم في الصلاة الجهرية أن يقرأ زيادة على الفاتحة، بل الواجب عليه بعد ذلك الإنصات لقراءة الإمام (أي بعد قراءة الفاتحة) لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لعلكم تقرؤون خلف إمامكم، قلنا: نعم. قال: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) . ولقول الله سبحانه: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون) . وقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا قرأ الإمام فأنصتوا) . وإنما يستثنى من ذلك قراءة الفاتحة فقط للحديث السابق ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) . متفق على صحته. [الْمَصْدَرُ] فتوى الشيخ ابن باز من كتاب فتاوى إسلامية ج / 1 ص / 291. الحديث: 21717 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1793 اقتداء النساء في بيت مجاور للمسجد بإمام المسجد [السُّؤَالُ] ـ[قرأت الفتوي رقم (45611) فما قولك يا شيخ وأن معظم مساجدنا تجعل مصلى النساء أعلى المسجد، فهل هذا عدم اتصال للصفوف؟ أما السؤال فهو: عندنا مسجد بالحي به مصلي للنساء بأعلاه، وفي صلاة التراويح يكتظ المسجد بشكل هائل عند النساء، وفي يوم نقل إلينا إمام المسجد فتوى بأن صلاة نساء الحي في بيوتهن خلف إمام المسجد جائزة بشرط سماع الإمام بحيث يُعلم من صلاته حركاتها وسهوها.. إلخ وعلي إثر ذلك قام أحد أصحاب البيوت المجاورة للمسجد بتوفير مكان واسع للنساء في منزله لصلاة التراويح خلف الإمام، والآن سألت إحدى النساء بعد فتوى الشيخ: هل يصح لي أن أصلي في حجرتي وراء الشيخ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا كان مصلى النساء أعلى المسجد، أو أسفله، فصلاتهن صحيحة، لأن من كان داخل المسجد لا يشترط له اتصال الصفوف، بغير خلاف بين العلماء، وإنما اشتراط الصفوف لمن صلى خارج المسجد. ينظر: الإنصاف (2/293) . وقد سئل الشيخ لابن عثيمين رحمه الله: ما حكم صلاة النساء في المساجد التي لا يرين فيها الإمام ولا المأمومين وإنما يسمعن الصوت فقط؟ فأجاب: "يجوز للمرأة وللرجل أيضا أن يصلي مع الجماعة في المسجد وإن لم ير الإمام ولا المأمومين إذا أمكن الاقتداء، فإذا كان الصوت يبلغ النساء في مكانهن من المسجد ويمكنهن أن يقتدين بالإمام فإنه يصح أن يصلين الجماعة مع الإمام؛ لأن المكان واحد، والاقتداء ممكن سوء كان عن طريق مكبر الصوت، أو عن طريق مباشر بصوت الإمام نفسه، أو بصوت المبلغ عنه، ولا يضر إذا كن لا يرين الإمام ولا المأمومين، وإنما اشترط بعض العلماء رؤية الإمام أو المأمومين فيما إذا كان الذي يصلي خارج المسجد، فإن الفقهاء يقولون يصح اقتداء المأموم الذي خارج المسجد أن رأى الإمام أو المأمومين، على أن القول الراجح عندي أنه لا يصح للمأموم أن يقتدي بالإمام في غير المسجد وإن رأى الإمام المأموم إذا كان في المسجد مكان يمكنه أن يصلي فيه، وذلك لأن المقصود بالجماعة الاتفاق في المكان وفي الأفعال , أما لو امتلأ المسجد وصار من كان خارج المسجد يصلي مع الإمام ويمكنه المتابعة فإن الراجح جواز متابعته للإمام وائتمامه به سواء رأى الإمام أم لم يره إذا كانت الصفوف متصلة. وزيادة في بيان المسألة أقول: أولا: إذا كان المأموم في المسجد فائتمامه بالإمام صحيح بكل حال , سواء رأى الإمام أم لم يره , رأى المأمومين أم لم يرهم؛ لأن المكان واحد. ومثاله: أن يكون المأموم في الطابق الأعلى , أو في الطابق الأسفل , والإمام فوق , أو يكون بينهم حاجز من جدار أو سترة. ثانيا: إذا كان المأموم خارج المسجد فإن كان في المسجد سعة فائتمامه بالإمام لا يصح سواء رأى الإمام, أو المأموم, أو لم يرهما؛ لأن الواجب أن يكون مكان الجماعة واحدا. ثالثا: إذا لم يجد مكانا في المسجد وكان خارج المسجد فإن كانت الصفوف متصلة صح أن يأتم بالإمام وإن لم يره، لأن الصفوف المتصلة كأنهم في المسجد " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (15/213) . ثانيا: صلاة النساء في دار مجاورة للمسجد، بحيث لا يرين الإمام ولا المأمومين، ولا تتصل الصفوف، وإنما يسمعن الصوت فقط، مختلف فيها بين أهل العلم، فمنهم من منعها، ومنهم من صححها. وكلام الشيخ ابن عثيمين السابق يؤخذ منه أنها تصح إذا اتصلت الصفوف بالبيت الذي تصلي فيه المرأة، فلا حرج عليها حينئذ من الصلاة في بيتها، أما إذا لم تتصل الصفوف ببيتها فلا تصح صلاتها في البيت مع إمام المسجد. وقال النووي رحمه الله: " لو صلى في دار أو نحوها بصلاة الإمام في المسجد، وحال بينهما حائل لم يصح عندنا، وبه قال أحمد. وقال مالك: تصح إلا في الجمعة. وقال أبو حنيفة: تصح مطلقا" انتهى من "المجموع" (4/200) . وقال ابن قدامة: " فإن كان بين الإمام والمأموم حائل يمنع رؤية الإمام، أو من وراءه، فقال ابن حامد: فيه روايتان: إحداهما: لا يصح الائتمام به. ....... والثانية: يصح ... واختار القاضي أنه يصح إذا كانا في المسجد، ولا يصح في غيره " انتهى من "المغني" (3/45) . والمعتمد في مذهب الحنابلة هو عدم صحة الاقتداء. انظر: الإنصاف (2/296) ، كشاف القناع (1/491) . فتحصل من هذا أن أهل العلم مختلفون في صحة هذا الاقتداء، ولهذا فالأحوط لهؤلاء النسوة أن يصلين في مسجد آخر يتسع لهن، أو يقدمن من تؤمهن في الصلاة، ولو من المصحف، فهذا خير لهن من أداء عبادة مختلف في صحتها. وقد أفتت اللجنة الدائمة بعدم صحة الاقتداء في مثل هذه الصورة إلا إذا كانت الصفوف متصلة، فقد سئلت: ما حكم من صلى جماعة في منزله مكتفيا بسماع مكبرات الصوت من المسجد، ولم يتصل بين الإمام والمأموم ولو بواسطة وذلك واقع مكة والمدينة في الموسم؟ فأجابت: " لا تصح الصلاة، وهذا مذهب الشافعية وبه قال الإمام أحمد، إلا إذا اتصلت الصفوف ببيته، وأمكنه الاقتداء بالإمام بالرؤية وسماع الصوت، فإنها تصح، كما تصح صلاة الصفوف التي اتصلت بمنزله، أما بدون الشرط المذكور فلا تصح؛ لأن الواجب على السلم أن يؤدي الصلاة في الجماعة في بيوت الله عز وجل مع إخوانه المسلمين، لقوله صلى الله عليه وسلم: (من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر) أخرجه ابن ماجه والدارقطني والحاكم، وقال الحافظ: إسناده على شرط مسلم، ولقوله صلى الله عليه وسلم للأعمى الذي سأله أن يصلي في بيته: (هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم، قال: فأجب) أخرجه مسلم في صحيحه" انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (8/31) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإٍسلام سؤال وجواب الحديث: 93369 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1794 هل يجعل أرجل الكرسي الخلفية بموازاة الصف [السُّؤَالُ] ـ[الذي يصلي على الكرسي في المسجد هل يجعل أرجل الكرسي الخلفية بمحاذاة أرجل المصلين، أم يجعل أرجله الأمامية بمحاذاة أرجل المصلين؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين، فأجاب حفظه الله: يجعل أرجل الكرسي الخلفية بمحاذاة أرجل المصلين، سؤال: لكن هذا لو قام سيكون متقدما على الصف؟ جواب: هو ليس بقائم (فيجعل) عجيزته موازية لأرجل المصلين. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن صالح العثيمين الحديث: 9209 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1795 هل تقتدي المرأة بالإمام من خيمة خارج المسجد [السُّؤَالُ] ـ[في بعض المساجد توضع إضافة لمكان للنساء خارج المسجد لأن بعض النساء يأتين بأطفال يزعجون المصلين بأصواتهم العالية فيوُضع لهن خيمة في مواقف سيارات المسجد يكون بينها وبين المسجد درج وزقاق صغير وتمدد مكبرات صوت للخيمة فما حكم الصلاة في الخيمة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله بأنه لا تجوز الصلاة خارج المسجد إلا للضرورة، وهذه ليست بضرورة ويقال للنساء اللاتي معهن أطفال (مزعجين) ألا يأتين أصلاً، فإنهن يؤذين الناس أو يجب أن يصلين خارج المسجد بدون ضرورة، فلا يوضع لهؤلاء خيمة خارج المسجد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن صالح العثيمين الحديث: 7841 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1796 صلَّى وحده وبالناس وهو على جنابة فماذا يترتب عليه؟ [السُّؤَالُ] ـ[صليت وأنا على جنابة، في البداية لم أكن أعلم ثم علمت، ولكنني كنت مسلماً غير مبالٍ، صليت عدة صلوات وأنا على جنابة، وفي مرة كنت في البيت وصليت إماماً واستحييت أن أقول بأنني على جنابة، وأريد التوبة، هل أعيد الصلوات أم أصلي العديد من النوافل؟ إهمالي هو السبب وأريد أن أتوب، فماذا أفعل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ما صليتَه وأنت لم تعلم بحكم هذا الفعل: لا إثم عليك فيه، ولا قضاء لما صليتَه وأنت جنب، فالشرع عذر الجاهل سواء في تركه للواجبات أو في فعله للمحرمات إذا كان غير مقصِّر في السؤال والعلم، فإن كان مقصِّراً في طلب العلم والسؤال: فهو آثم على تقصيره هذا. قال علماء اللجنة الدائمة: لا تصح الصلاة بدون طهارة لمن كان عليه حدث أصغر أو أكبر إجماعا ً، لقول الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق ... الآية) المائدة/6 ولقوله صلى الله عليه وسلم " لا تقبل صلاة بغير طهور ". رواه مسلم (224) " فتاوى اللجنة الدائمة (6 / 259) . ثانياً: فإن كنتَ تعلم حكم الشرع في صلاة الجنب، وأنه لا يحل للجنب أن يصلي حتى يغتسل: فإنك آثم على فعلك هذا، ويجب عليك التوبة والاستغفار والندم والعزم على عدم العود لهذا الفعل، كما يجب قضاء تلك الصلوات التي صُلِّيت على تلك الحال. سئل علماء اللجنة الدائمة: أنا امرأة تزوجت منذ سبعة عشر عاما، وكنت في بداية زواجى أجهل بعض بل كل أحكام الغسل من الجنابة؛ لجهلي بالأمور المسببة للجنابة وكذلك زوجي، وهذا الجهل ينحصر منا في أن الجنابة لاتكون إلا على الزوج فقط، وكان زواجي في قبل رمضان بشهر تقريبا، وفي أواخر شهر رمضان من نفس العام علمت بالحكم، فماذا عليَّ أن أعمل بالنسبة للصلوات التي صليتها أثناء هذه الفترة، علماً بأنني أغتسل بنية النظافة وليس لرفع الحدث، واغتسالي هذا ليس دائماً أي بعد كل جماع مع العلم بأنني محافظة على الوضوء عند كل صلاة، وكل هذا يحصل بالجهل مني بالطبع كما أشرت، وكذلك ماذا علي بالنسبة لصيامي شهر رمضان المبارك؟ فأجابوا: يجب عليك قضاء الصلوات التي صليتيها بدون غسل عن الجنابة لتفريطك وعدم تفقهك في الدين، وعليك مع القضاء التوبة إلى الله من ذلك، وأما الصيام فصحيح إذا لم يكن الجماع وقع في النهار. " فتاوى اللجنة الدائمة " (6 / 269) . ثالثاً: ليس على من صلى خلفك من المأمومين إعادة الصلاة، لأن صلاتهم صحيحة، ولا علاقة لصلاتهم ببطلان صلاة إمامهم الذي صلى جنباً وهم لا يعلمون. سئل علماء اللجنة الدائمة: في الأيام القليلة السابقة عندما أردت الوضوء لصلاة المغرب، لاحظت وجود مني في إزاري، فاغتسلت وصليت المغرب ولكني لا أعلم متى حصل الاحتلام: هل قبل صلاة الفجر أم في القيلولة، والمهم أني أسأل في الأمر، فأظن أني صليت الفروض الثلاث: الفجر والظهر والعصر، وأنا على جنابة دون أن أعلم، وبالصدفة فإني صليت هذه الصلوات الثلاث إماماً بمجموعة من المصلين يصل عددهم إلى ثلاثمائة نفر، فكيف أفعل هل أقضي هذه الصلوات الثلاث، وما حكم صلاة من صلى خلفي، وهل تترتب على فعلي هذا جناية؟ أفيدونا أفادكم الله. فأجابوا: يجب عليك إعادة صلاتي الظهر والعصر بعد أن تغتسل غسل الجنابة، ويجب أن تعجل بذلك، أما من صلى وراءك هذه الصلوات فلا يجب عليهم إعادتها، فإن عمر رضي الله عنه صلى بالناس صلاة الفجر وهو جنب وقد كان ناسيا فأعاد الفجر ولم يأمر من صلى وراءه تلك الصلاة أن يعيدها، ولأنهم معذورون لكونهم لايعلمون حدثك، أما الفجر فليس عليك إعادة؛ لأن المني قد يكون من نوم الظهيرة، والأصل براءة الذمة من وجوب الإعادة إلا بيقين الحدث. " فتاوى اللجنة الدائمة " (6 / 266) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 27091 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1797 ما مقدار المسافة التي توجب الصلاة في المسجد؟ [السُّؤَالُ] ـ[أعلم أنه يجب على الرجال أن يؤدوا الصلوات الخمس في المسجد، ولكن إذا كان شخص يعيش بعيداً عن المسجد، ما هي المسافة التي يجوز له عندها عدم الذهاب للمسجد عند كل صلاة؟ مثال: إذا كان الذهاب يستغرق 20 دقيقة تقريباً، وهذا هو المسجد الوحيد في المدينة، فهل يجوز لي أن أصلي في البيت؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يجب على الرجال حضور صلاة الجماعة في المسجد، والتخلف عن صلاة الجماعة من علامات النفاق. انظر السؤال رقم (120) . وكلما كان البيت أبعد زاد الأجر وعظمت المثوبة. فعن أبي موسى قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أعظم الناس أجرا في الصلاة أبعدهم فأبعدهم ممشى) . رواه البخاري (623) ومسلم (622) . ثانياً: تجب صلاة الجماعة على القريب من المسجد دون البعيد. وقد وردت السنة بتحديد القريب من المسجد بـ (من يسمع النداء) . والمراد: من يسمع الأذان المرفوع من المسجد بصوت المؤذن من غير مكبر للصوت، مع رفع المؤذن صوته، وسكون الرياح والضوضاء ونحو ذلك مما يؤثر على السماع. روى مسلم (653) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ أَعْمَى، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّه ِ، إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى الْمَسْجِدِ، فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ، فَرَخَّصَ لَهُ، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ، فَقَالَ: هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلاةِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَجِبْ. وروى ابن ماجه (793) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَأْتِهِ فَلَا صَلاةَ لَهُ إِلا مِنْ عُذْرٍ) . صححه الألباني في صحيح الجامع (637) . قال النووي رحمه الله في "المجموع" (4/353) : الاعتبار في سماع النداء: أن يقف المؤذن في طرف البلد والأصوات هادئة والريح ساكنة، وهو مستمع فإذا سمع لزمه، وإن لم يسمع لم يلزمه اهـ. وقد سئلت اللجنة الدائمة: إذا سمعت المؤذن من مسافة تقدَّر بثمانمائة متر فهل أصلي في مكاني أو أذهب إلى هذا المسجد الذي أذن فيه؟ فأجابت: عليك أن تحضر إلى هذا المسجد تصلي فيه مع الجماعة، أو أي مسجد آخر أيسر لك منه، مادمت قادراً على ذلك. . . ثم استدلت اللجنة بالحديثين السابق ذكرهما. وسئلت اللجنة أيضا عن رجل يسكن بالدور الثامن ويبعد عنه المسجد حوالي 500 متر، هل يجوز له إقامة الصلوات جماعة بأفراد أسرته بالمنزل؟ فأجابت: صلاة الجماعة في المسجد واجبة، فعليك أن تغشى المساجد لتصلي الفريضة فيها مع المسلمين، وليس لك أن تترخص بصلاتها مع أهلك في البيت من أجل هذه المسافة اهـ. "فتاوى اللجنة الدائمة" (8/59) . وسئل الشيخ ابن عثيمين: هل يوجد تحديد للمسافة من بيته إلى المسجد؟ فأجاب: المسافة ليس فيها تحديد شرعي، وإنما يحدد ذلك العرف أو سماع النداء على تقدير أنه بغير (الميكرفون) . "أسئلة الباب المفتوح" (سؤال رقم 700) . وقال الشيخ ابن باز: الواجب على من سمع النداء بالصوت المعتاد من غير مكبّر أن يجيب إلى الصلاة في الجماعة في المسجد الذي ينادى بها فيه. . . أما من كان بعيداً عن المسجد لا يسمع النداء إلا بالمكبّر فإنه لا يلزمه الحضور إلى المسجد وله أن يصلي ومن معه في جماعة مستقلة. . . فإن تجشموا المشقة وحضروا مع الجماعة في المساجد التي لا يسمعون منها النداء إلا بالمكبر بسبب بعدهم عنها كان ذلك أعظم لأجرهم اهـ. مجموع فتاوى الشيخ ابن باز رحمه الله (12/58) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20655 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1798 الصلاة خلف أصحاب البدع الكفرية وغير الكفرية [السُّؤَالُ] ـ[هل تجوز الصلاة خلف إمام يفعل البدع ولديه أفكار ومفاهيم شركية؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله البدعة إما أن تكون مكفرة كبدعة الجهمية والرافضة والحلول والاتحاد، فهؤلاء لا تصح صلاتهم، ولا يحل لأحدٍ أن يصليَ وراءهم. وإما أن تكون البدعة غير مكفرة كالتلفظ بالنية والاجتماع على الذكر على نحو ما تفعله الصوفية فهؤلاء تصح صلاتهم، والصلاة خلفهم، ويجب على المسلم أن ينصحهم بترك تلك البدع فإن امتثلوا فهذا هو المطلوب، وإلا فقد أدى ما عليه، والأفضل في هذه الحال أن يبحث عن إمام حريص على إتباع السنة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: والبدعة التي يُعدُّ بها الرجل من أهل الأهواء ما اشتهر عند أهل العلم بالسنَّة مخالفتها للكتاب والسنَّة كبدعة الخوارج، والروافض، والقدرية، والمرجئة، فإن عبد الله بن المبارك ويوسف بن أسباط وغيرهما قالوا: " أصول اثنتين وسبعين فرقة هي أربع: الخوارج، والروافض، والقدرية، والمرجئة "، قيل لابن المبارك: فالجهمية؟ قال: ليست الجهميَّة من أمَّة محمَّد صلى الله عليه وسلم. و" الجهمية " نفاة الصفات، الذين يقولون: القرآن مخلوق، وأن الله لا يُرى في الآخرة، وأن محمَّداً لم يعرج به إلى الله، وأن الله لا علم له، ولا قدرة، ولا حياة، ونحو ذلك، كما يقوله المعتزلة، والمتفلسفة، ومن اتبعهم، وقد قال عبد الرحمن بن مهدي: هما صنفان فاحذروهما: الجهمية، والرافضة. فهذان الصنفان شرار أهل البدع، ومنهم دخلت القرامطة الباطنية كالنصيرية، والإسماعيلية، ومنهم اتصلت الاتحادية، فإنهم من جنس الطائفة الفرعونية ". و" الرافضة " في هذه الأزمان [هم] مع الرفض جهمية قدرية، فإنهم ضموا إلى الرفض مذهب المعتزلة، ثم قد يخرجون إلى مذهب الإسماعيلية، ونحوهم من أهل الزندقة، والاتحاد، والله ورسوله أعلم. " مجموع الفتاوى " (35 / 414 – 415) . وقال علماء اللجنة الدائمة: وأما الصلاة خلف المبتدعة: فإن كانت بدعتهم شركية كدعائهم غير الله ونذرهم لغير الله واعتقادهم في مشايخهم ما لا يكون إلا لله من كمال العلم أو العلم بالمغيبات أو التأثير في الكونيات: فلا تصح الصلاة خلفهم، وإن كانت بدعتهم غير شركية؛ كالذكر بما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن مع الاجتماع والترنحات: فالصلاة وراءهم صحيحة، إلا أنه ينبغي للمسلم أن يتحرى لصلاته إماماً غير مبتدع؛ ليكون ذلك أعظم لأجره وأبعد عن المنكر. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. " فتاوى اللجنة الدائمة " (7 / 353) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20885 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1799 الصلاة في المصلى مع وجود مسجد قريب [السُّؤَالُ] ـ[تقام في المستشفى عدة جماعات للصلاة، والمساجد قريبة، فهل يلزم من بقربها الذهاب للمسجد أم نكتفي بهذه الجماعات داخل المستشفى؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا فيه تفصيل: فالذي لابد من وجوده في المستشفى كالحارس ونحوه أو المريض الذي لا يستطيع الوصول إلى المسجد فإنه لا يجب عليه الخروج إلى المسجد، بل يصلي في محله مع الجماعة التي يستطيع الصلاة معها. أما من يستطيع الوصول إلى المسجد فإنه يجب عليه ذلك عملاً بالأدلة الشرعية، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: (من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر) قيل لابن عباس رضي الله عنهما: ما هو العذر؟ قال: (خوف أو مرض) . رواه ابن ماجه والدارقطني وصححه ابن حبان والحاكم وإسناده صحيح. [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى ومقالات للشيخ ابن باز 6 / 23 الحديث: 21345 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1800 الدعاء عقب الفرائض بدعة [السُّؤَالُ] ـ[بعض المصلين يدعون بعد الانتهاء (التسليم) من صلاة الفريضة مباشرة، ويقول غيرهم بأن [المسموح به] هو التسبيح الفاطمي فقط. وهناك من يتشدد في أن الدعاء بعد الصلاة مباشرة بدعة. وقد أحدث هذا الموضوع شيئا من التوتر في جاليتنا خاصة من يتبعون الإمام أبو حنيفة أو الشافعي. فهل يجوز لنا الدعاء بعد الصلاة؟ وهل يجوز لنا الدعاء سويا مع الإمام بعد الانتهاء من الصلاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: (ليس الدعاء بعد الفرائض بسنة إذا كان برفع الأيدي، سواء كان من الإمام وحده أو المأموم وحده، أو منهما جميعا، بل ذلك بدعة؛ لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله عنهم، أما الدعاء بدون ذلك فلا بأس به، لورود بعض الأحاديث في ذلك) . فتاوى اللجنة الدائمة 7/103 وسئلت اللجنة عن: رفع اليدين بالدعاء بعد الصلوات الخمس هل ثبت رفعها عن النبي صلى الله عليه وسلم أم لا، وإذا لم يثبت هل يجوز رفعهما بعد الصلوات الخمس أم لا؟ فأجابت: (لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما نعلم أنه رفع يديه بعد السلام من الفريضة في الدعاء، ورفعهما بعد السلام من صلاة الفريضة مخالف للسنة) فتاوى اللجنة 7/104 وأفادت اللجنة أيضا بأن: (الدعاء جهرا عقب الصلوات الخمس والسنن والرواتب أو الدعاء بعدها على الهيئة الاجتماعية على سبيل الدوام بدعة منكرة؛ لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء من ذلك ولا عن أصحابه رضي الله عنهم، ومن دعا عقب الفرائض أو سننها الراتبة على الهيئة الاجتماعية فهو مخالف في ذلك لأهل السنة والجماعة، ورميه من خالفه ولم يفعل كما فعل بأنه كافر أو ليس من أهل السنة والجماعة جهل منه وضلال وقلب للحقائق) فتاوى إسلامية 1/319 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 21976 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1801 حكم الصلاة جماعة مع الرافضي [السُّؤَالُ] ـ[نحن اثنان من أهل السنة ولنا أخ أخر (شيعي) نعمل سوياً، وقد سمعت بأن الشيعي ليس مسلما، ونحن نريد أن نقيم صلاة الجماعة معاً، فهل نجتمع لأداء الصلاة معاً أم نصلي لوحدنا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن كان هذا الشيعي يعتقد بعقائد الشيعة؛ من تكفير الصحابة رضي الله عنهم، وبغض أبي بكر وعمر رضي الله عنهم، ونحو ذلك من العقائد الفاسدة عندهم، فإنه يبين له الحق فإن رجع، فهذا يصلي معكم، وإذا لم يرجع بعد أن يتبين له الحق؛ فلا يصح أن يصلي معكم وصليا أنتما أيها السنيان، أما إذا كان يعتقد أنه شيعي (ولا يعتقد عقائدهم الكفرية) ويحب أبا بكر وعمر؛ ويترضى عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم، فهذا يصلي معكم ولا يحكم بكفره. [الْمَصْدَرُ] الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح الحديث: 22033 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1802 الأفضل للموظف أن يبادر إلى الصلاة بمجرد سماع الأذان [السُّؤَالُ] ـ[هل الأفضل في حق الموظف المبادرة إلى الصلاة عند سماع الأذان , أو الانتظار لإنجاز بعض المعاملات؟ وما حكم التنفل بعد الصلاة بغير السنن الرواتب؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " الأفضل في حق جميع المسلمين المبادرة إلى الصلاة عند سماع الأذان؛ لأن المؤذن يقول: "حي على الصلاة " (أي: أقبل على الصلاة) ، والتثاقل عنها يؤدي إلى فواتها. أما تنفل الموظف بعد الصلاة بغير السنن الرواتب فلا يجوز؛ لأن وقته مستحق لغيره بمقتضى عقد الإجارة أو الوظيفة , وأما السنة الراتبة فلا بأس بها لأنها ممن جرت العادة بالتسامح فيه من المسؤولين. والله الموفق. [الْمَصْدَرُ] "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (15/32) . الحديث: 26201 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1803 هل أتابع المؤذن أم أصلي تحية المسجد؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا دخلت المسجد والمؤذن يؤذن فهل أصلي تحية المسجد أو أتابع المؤذن وأنا واقف ثم أصلي تحية المسجد؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأفضل أن تتابع المؤذن ثم تصلي تحية المسجد، حتى تكون قد أتيت بالعبادتين جميعاً وهما متابعة المؤذن، وصلاة تحية المسجد. لكن إذا كان ذلك في يوم الجمعة فالأحسن أن تبادر بصلاة تحية المسجد حتى تقبل على استماع الخطبة، لأن استماع الخطبة أولى من متابعة المؤذن. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا دخلت المسجد والمؤذن يؤذن فهل الأولى أن أصلي تحية المسجد أو أتابع المؤذن؟ فأجاب: هذا فيه تفصيل، إذا دخلت والمؤذن يؤذن لصلاة الجمعة، الأذان الذي بين يدي الخطيب، فهاهنا نقول: بادر بتحية المسجد، ولا تنتظر انتهاء المؤذن؛ لأن تفرغك لسماع الخطبة أولى من متابعتك للمؤذن؛ حيث إن استماع الخطبة واجب، وإجابة المؤذن غير واجبة. وأما إذا كان الأذان لغير ذلك (يعني: لغير صلاة الجمعة) فالأفضل أن تبقى قائماً حتى تجيب المؤذن، وتدعو بالدعاء المعروف بعد الأذان: " اللهم صل على محمد، اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه المقام المحمود الذي وعدته، إنك لا تخلف الميعاد "، ثم بعد ذلك تأتي بتحية المسجد اهـ. فتاوى ابن عثيمين (14/295) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 11960 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1804 كيف يتم صلاته من أدرك مع الجماعة ركعة من المغرب؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا التحقت بالجماعة وهم في صلاة المغرب في الركعة الثانية أثناء التشهد، فكيف أكمل صلاتي؟ ما أفعله أنني أنهض وأكمل الركعة الثالثة مع الإمام ثم التشهد ثم أنهض للركعة الثالثة بالنسبة لي ثم التشهد.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا التحقت بالجماعة في التشهد الأوسط من صلاة المغرب، فإنك تتابع الإمام في الركعة الثالثة، وتتشهد، ثم تنهض بعد سلامه لإكمال صلاتك، وقد بقي عليك ركعتان، فتصلي الأولى منهما بفاتحة الكتاب وسورة، ثم تتشهد، وهو التشهد الأوسط بالنسبة لك، ثم تنهض للركعة الثالثة، فتقرأ فيها بالفاتحة فقط، وتتشهد التشهد الأخير وتسلم. وما سبق ذكره مبني على أن ما يدركه المسبوق مع الإمام هو أول صلاته، وما يأتي به منفردا هو آخر صلاته، وهو مذهب الشافعي رحمه الله. قال النووي رحمه الله في المجموع: (4/117) : (ولو أدرك ركعة من المغرب قام بعد سلام الإمام ويصلي ركعة ثم يتشهد , ثم ثالثة ويتشهد) ثم قال: (قد ذكرنا أن مذهبنا أن ما أدركه المسبوق أول صلاته , وما يتداركه آخرها , وبه قال سعيد بن المسيب والحسن البصري وعطاء وعمر بن عبد العزيز ومكحول والزهري والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وإسحاق , حكاه عنهم ابن المنذر قال: وبه أقول , قال: وروي عن عمر وعلي وأبي الدرداء ولا يثبت عنهم , وهو رواية عن مالك وبه قال داود. وقال أبو حنيفة ومالك والثوري وأحمد: ما أدركه آخر صلاته وما يتداركه أول صلاته. وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر ومجاهد وابن سيرين , واحتج لهم بقوله صلى الله عليه وسلم " ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا " رواه البخاري ومسلم واحتج أصحابنا بقوله صلى الله عليه وسلم " ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا " رواه البخاري ومسلم من طرق كثيرة. قال البيهقي: الذين رووا "فأتموا" أكثر وأحفظ وألزم لأبي هريرة الذي هو راوي الحديث , فهم أولى. قال الشيخ أبو حامد والماوردي: وإتمام الشيء لا يكون إلا بعد تقدم أوله وبقية آخره , وروى البيهقي مثل مذهبنا عن عمر بن الخطاب وعلي وأبي الدرداء وابن المسيب وحسن وعطاء وابن سيرين وأبي قلابة رضي الله عنهم. فأما رواية فاقضوا فجوابها من وجهين: أحدهما: أن رواة فأتموا أكثر وأحفظ. والثاني: أن القضاء محمول على الفعل لا القضاء المعروف في الاصطلاح ; لأن هذا اصطلاح متأخري الفقهاء , والعرب تطلق القضاء بمعنى الفعل , قال الله - تعالى – (فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ) (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ) قال الشيخ أبو حامد: والمراد: وما فاتكم من صلاتكم أنتم لا من صلاة الإمام والذي فات المأموم من صلاة نفسه إنما هو آخرها , والله أعلم) اهـ. وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (7/322) : السؤال: أستفسر عن صلاة المسبوق: 1- إذا سبقه الإمام في ركعة أو ركعتين من صلاة المغرب. 2- إذا سبقه الإمام في ركعة أو ركعتين من الصلاة الرباعية. ماذا يقرأ؟ هل يقرأ الفاتحة فقط أم يقرأ معها سورة؟ الجواب: ما أدركه المسبوق من صلاة إمامه يعتبر أول صلاة المأموم، فمن أدرك ركعة من المغرب معه اعتبرت أول صلاته فإذا قام بعد سلام إمامه ليقضي ما فاته قرأ في أول ركعة يقضيها بالفاتحة وسورة أو آيات لأنها ثانية بالنسبة له وجلس للتشهد الوسط، ثم إذا قام لقضاء الركعة الباقية له من المغرب قرأ فيها بالفاتحة فقط لأنها ثالثة بالنسبة له ثم يجلس للتشهد الأخير وإذا كان ما فاته من المغرب ركعة واحدة وأدرك مع الإمام ركعتين قرأ بالركعة التي يقضيها بعد سلام إمامه بالفاتحة فقط، لأنها ثالثة بالنسبة له. أما إذا كانت الصلاة رباعية وأدرك مع الإمام ثلاث ركعات أو ركعتين فعليه قراءة الفاتحة فقط فيما يقضيه من ركعة أو ركعتين لأن ذلك بالنسبة له آخر صلاته، فليس عليه فيه قراءة سور مع الفاتحة هذا هو الصحيح من قولي الفقهاء. وبالله التوفيق. أ. هـ والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49037 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1805 يسمع النداء ولا يجيب [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من يسمع الأذان بل والإقامة والصلاة ولا يأتي للصلاة؟ وحكم من يصلي صلاة الجمعة فقط؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الذي يسمع النداء ولا يجيب لا صلاة له إلا إذا كان معذورا والمقصود أن صلاته ناقصة وأنه آثم بتخلفه عن صلاة الجماعة وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه (وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق) رواه مسلم (654) ، وعدم إجابة المؤذن ضعف في الإيمان ونقص في الدين وتفريط في الأجر وهجر لبيوت الله. وأما حكم من يصلي الجمعة فقط فقد ذهب بعض العلماء إلى كفر من لا يصلي إلا الجمعة فقط لأنه في حكم تارك الصلاة بالكلية لأنه لا يصلي إلا صلاة واحدة من خمس وثلاثين صلاة في الأسبوع فهو كالتارك بالكلية وممن قال بهذا الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله، وقال بعض العلماء بعدم كفره لكنه يكون مرتكباً لجريمة عظيمة أشد من الربا والزنا والسرقة وشرب الخمر وغيرها. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 10292 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1806 فيما إذا أدرك المسبوق الإمام راكعاً [السُّؤَالُ] ـ[إذا أدرك المأموم الإمام راكعاً متى تحسب له الركعة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا أدرك المسبوق الإمام راكعاً قال أصحابنا: إن كبر المأموم قائماً ثم ركع واطمأن قبل أن يرفع الإمام حسبت له الركعة، فإن لم يطمئن حتى رفع الإمام لم تحسب له هذه الركعة، ولو شك في ذلك فهل تحسب له؟ فيه وجهان: أصحهما: لا تحسب، لأن الأصل عدم الإدراك، فعلى هذا يسجد للسهو في آخر ركعة التي يأتي بها بعد سلام الإمام، لأنه أتى بركعة في حال انفراده وهو شاك في زيادتها، فهو كمن شك هل صلى ثلاثاً أو أربعاً؟ فإنه يأتي بركعة ويسجد للسهو، وممن صرح بمسألتنا الغزالي في الفتاوى، وهي مسألة نفيسة تعم البلوى بها، ويغفل أكثر الناس عنها، فينبغي إشاعتها، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] من كتاب فتاوى الإمام النووي ص 50 الحديث: 4059 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1807 صلوا في جماعتين منفصلتين في وقت واحد [السُّؤَالُ] ـ[وجدنا بعد انقضاء الصلاة جماعتين تصليان في نفس الوقت، فهل نأمر إحداهما بقطع الصلاة والانضمام إلى الأخرى أم نسكت عن ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، فأجاب حفظه الله: يُسكت عن ذلك، وإذا سلموا يُبلّغون. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن صالح العثيمين الحديث: 12055 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1808 صلاة الجماعة للنساء [السُّؤَالُ] ـ[إذا كانت هناك مجموعة من النساء ولم يكن معهن رجال فهل يصلين جماعة أم تصلي كل واحدة منهن على حدة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز للنساء صلاة الجماعة وتقوم إمامتهن وسط الصفّ لما جاء عن عائشة رضي الله عنها أنّها كانت تؤمّ النساء تقوم معهن في الصفّ والحديث رواه عبد الرزاق في المصنّف 3/141 والدارقطني 1/404 وغيرهما وهو صحيح بشواهده وكذلك روت أم الحسن أنها رأت أمّ سلمة رضي الله عنها تؤمّ النساء تقوم معهنّ في صفهنّ رواه ابن أبي شيبة في المصنّف 2/88 وغيره وهو صحيح لغيره ونقل ابن قدامة رحمه الله الخلاف في استحباب جماعة النساء ثمّ قال عن إمامة النساء: " إذا صلّت بهنّ قامت في وسطهنّ ولا نعلم فيه خلافا بين من رأى أنها تؤمهنّ، ولأنّ المرأة يستحبّ لها التستّر.. وكونها في وسط الصفّ أستر لها لأنّها تستتر بهنّ من جانبيها.. " المغني 2/202 وقال صاحب المهذّب: " السنّة أن تقف إمامة النساء وسطهنّ لما روي أنّ عائشة وأمّ سلمة أمّتا نساء فقامتا وسطهنّ " 4/295 ولمزيد من البحث يراجع جامع أحكام النساء للعدوي 1/351. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 258 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1809 قرأ الإمام آية سجدة ولم يسجد فسجد المأموم وفاته الركوع [السُّؤَالُ] ـ[في صلاة العشاء بالأمس، دخلت المسجد والإمام يقرأ في الركعة الثانية (سورة العلق) فدخلت معه في الصلاة، ثم عند نهاية السورة تكون هناك (سجدة) فكبر الإمام بعد هذه الآية، بعض المصلين ركعوا ومعظمهم سجد فسجدت معهم لأني لا أرى الإمام، بعدها رفع الإمام (بقوله سمع الله لمن حمده) فأدركنا خطأنا وأكملنا الصلاة مع الإمام، حتى سلم، بعدها قضيت الباقي ركعتين بدلا من ركعة وسجدت سجود السهو، هل فعلي جائز؟ أم أعيد صلاتي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الأمر كما ذكرت، فصلاتك صحيحة، والحمد لله. وبيان ذلك أن من فاته الركوع مع الإمام، لمثل ما ذكرت من اللبس، فعليه أن يأتي به ثم يتابع إمامه، ويغتفر حينئذ تأخره عن الإمام، فإذا لم يأت به، لغت الركعة، ولزمه أن يأتي بها بعد سلام الإمام، وقد فعلتَ ذلك. قال في "كشاف القناع" (1/466) : " وإن تخلف المأموم عن إمامه بركن لعذر من نوم أو غفلة أو عجلة إمام ونحوه، يفعله ويلحقه وجوبا ; لأنه أمكنه استدراكه من غير محذور فلزمه، وتصح الركعة، فيعتد بها، وإن لم يفعل ما فاته مع إمامه ويلحقه لعدم تمكنه من فعل ذلك فلا تصح الركعة بل تلغى لفوات ركنها " انتهى بتصرف. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 91666 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1810 حكم الصلاة جماعات متوالية في مصلى العمل [السُّؤَالُ] ـ[أعمل في حقل بترول في السعودية ولدينا مصلى صغير نصلي فيه، المشكلة هي أننا لا نصلي جماعة واحدة بل جماعات متفرقة تأتي للمصلى في أوقات مختلفة ويصلون (صلاتي الظهر والعصر فقط) . ليس لدينا إمام معين وليس لدينا وقت معين لإقامة صلاة الجماعة. حاولنا عدة مرات أن نصلي جماعة واحدة ولكننا فشلنا وعدنا نصلي جماعات متفرقة. هل تجوز الصلاة بهذه الطريقة؟ يجب ملاحظة أن عملنا يمكن أن يتوقف أثناء وقت الصلاة لأننا جميعاً نعمل في المكاتب.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله على المسلم أن يهتم بما أوجب الله عليه، وصلاة الجماعة واجبة وإذا لم يتيسر إقامة جماعة واحدة لضرورة العمل فلا بأس أن تصلى جماعات في الوقت، وعليكم الحرص على إمامة إمام راتب، وتصلى الصلوات في أوقاتها المحدّدة شرعا، وإذا لم يحصل ذلك فعلى المسلم أن يتقي الله سبحانه حسب استطاعته وقدرته، وبعد ذلك لا يكلف الله نفسا إلا وسعها. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد الكريم الخضير الحديث: 20150 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1811 هل الأفضل للنساء إذا اجتمعن صلاة الجماعة أم فرادى [السُّؤَالُ] ـ[هل الأفضل للنساء في مصليات الكليات النسائية أن يصلين جماعة أم فرادى وما هو الأكثر أجراً؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله بقوله: الأفضل أن يصلين جماعة إن تيسر ولكن أجر السبع وعشرين درجة خاص بالرجال وهم المطالبون وجوبا بصلاة الجماعة. انتهى " والراجح أن صلاة النساء جماعة وإمامة المرأة لهن من الأمور الجائزة شرعاً بل المستحبة لهن، والدليل على ذلك حديث أم ورقة الذي ذكرناه، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أذِن لها أن تؤم أهل دارها في الصلاة، ... ويؤيد ذلك وقوع صلاة المرأة بالنساء من أمهات المؤمنين، فقد روي عن ليطة الحنفية (أي من بني حنيفة) ، أن عائشة أم المؤمنين أمّتهُن في صلاة الفريضة. وعن تميمة بنت سليمة عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها أمت النساء في صلاة المغرب فقامت وسطهن وجهرت بالقراءة، وروي أيضاً أن أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها كانت تؤم النساء في رمضان وتقف معهن في الصف، وعن ابن عمر أنه كان يأمر جارية له أن تؤم نساءه في رمضان. المحلى 4/119-200 " [الْمَصْدَرُ] المفصل في أحكام المرأة ص 254 الحديث: 12093 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1812 حكم صلاة الجماعة في المسجد [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم صلاة الجماعة في المسجد وما هو الدليل على ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صلاة الجماعة في المسجد واجبة على الرجال القادرين، على الصحيح من قولي العلماء؛ لأدلة كثيرة منها: الدليل الأول: قال الله تعالى: (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم … ) سورة النساء أية 102 وجه الاستدلال: أحدها: أمره سبحانه وتعالى لهم بالصلاة في الجماعة، ثم أعاد هذا الأمر سبحانه مرة ثانية في حق الطائفة الثانية بقوله: (ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك … ) وفي هذا دليل على أن الجماعة فرض على الأعيان، إذا لم يسقطها سبحانه عن الطائفة الثانية بفعل الأولى، ولو كانت الجماعة سنة، لكان أولى الأعذار بسقوطها عذر الخوف، ولو كانت فرض كفاية لسقطت بفعل الطائفة الأولى. ففي الآية دليل على وجوبها على الأعيان. فهذه ثلاثة أوجه · أمره بها أولاً. · ثم أمره بها ثانياً. · وأنه لم يرخص لهم في تركها حال الخوف. الدليل الرابع: 1- ما ثبت في الصحيحين وهذا لفظ البخاري: عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " والذي نفسي بيده، لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلاً فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجالاً فأحرق عليهم بيوتهم، والذي نفسي بيده لو يعلم أنه يجد عَرْقاً سميناً أو مِرْماتَيْن حسنتين لشهد العشاء " 2- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً يصلي بالناس، ثم انطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة، فأحرق عليهم بيوتهم " متفق عليه. 3- وللإمام أحمد عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لولا ما في البيوت من النساء والذرية، أقمت صلاة العشاء، وأمرت فتياني يُحرقون ما في البيوت بالنار " 4- ولم يفعل النبي صلى الله عليه وسلم ما هم به للمانع الذي أخبر أنه منعه منه، وهو اشتمال البيوت على ما لا تجب عليه الجماعة من النساء والذرية، فلو أحرقها عليهم لتعدت العقوبة إلى من لا يجب عليه. الدليل الخامس: · روى مسلم في صحيحه أن رجلاً أعمى قال: يا رسول الله عليه وسلم: ليس قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أنْ يُرَخِص له، فرخص له، فلما ولى دعاه، فقال: " هل تسمع النداء؟ قال: نعم قال: " فأجب ". وهذا الرجل هو ابن أم مكتوم · وفي مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود عن عمرو ابن أم مكتوم قال: قلت: يا رسول الله (أنا ضرير شاسع الدار ولي قائد لا يلائمني، فهل تجد لي رخصة أن أصلي في بيتي؟ قال " تسمع النداء " قال: نعم. قال:" لا أجد لك رخصة ". · الأمر المطلق للوجوب، فكيف إذا صرَّح صاحب الشرع بأنه لا رخصة للعبد في التخلف عنه الضرير شاسع الدار لا يلائمه قائده، فلو كان العبد مخيراً بين أن يصلي وحده أو جماعة، لكان أولى الناس بهذا التخيير مثل هذا الأعمى. الدليل السادس: روى أبو داود وأبو حاتم ابن حبان في صحيحه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من سمع النداء فلم يمنعه من اتباعه عذر " قالوا: وما العذر؟ قال: " خوف أو مرض، لم تقبل منه الصلاة التي صلاها ". الدليل السابع: ما رواه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن مسعود قال: من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن فإن الله شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة ويرفعه بها درجة ويحط عنه بها سيئة ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف " وفي لفظ " وقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا سنن الهدى، وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه. وجه الدلالة: أنه جعل التخلف عن الجماعة من علامات المنافقين المعلوم النفاق. نسأل الله أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 120 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1813 كيف تكون الحركة إذا جاء ثالث إلى إثنين يصليان جماعة؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا أراد مسلم الانضمام إلى جماعة للصلاة مكونة من رجلين فهل يجب على المأموم أن يتراجع للوراء ليصلي بجانب الرجل الذي جاء متأخراً أم يستمر في القراءة بجانب الإمام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا جاء ثالث إلى اثنين يصليان فإنهما يتأخران عن الإمام لما رواه مسلم في صحيحه رقم (3010) عن جابر قال قام رسول الله صلى الله علية وسلم يصلي، فجئت حتى قمت عن يساره فأخذ بيدي فأدارني حتى أقامني عن يمينه ثم جاء جبّار بن صخر، فقام عن يسار رسول الله صلى الله علية وسلم، فأخذ بأيدينا جميعاً، فدفعنا حتى أقامنا خلفه. وذكر أهل العلم أنه إذا كان قدام الأمام سعة وليس وراء المأمومين سعة تقدم الإمام وإن كان وراءهما سعة وليس قدامه تأخرا، وأما إذا كان قدام الأمام سعة وخلف المأمومين سعة فإن المأمومين يتأخرون ولا يتقدم الإمام لأنه متبوع فلا ينتقل ولأن الإمام من المفترض أن يصلي وأمامه سترة من جدار أو عمود ونحوه. قال الإمام النووي رحمه الله في المجموع 4/292: إذا حضر إمام ومأمومان تقدم الإمام واصطفا خلفه سواء كانا رجلين أو صبيين أو رجلا وصبيا.. ثم إن كان قدام الإمام سعة وليس وراء المأمومين سعة تقدم أو تأخرا وأيهما أفضل فيه وجهان الصحيح الذي قطع به الشيخ أبو حامد والأكثرون تأخرهما لأن الإمام متبوع فلا ينتقل.. هذا إذا جاء المأموم الثاني في القيام فإن جاء في التشهد والسجود فلا تقدم ولا تأخر حتى يقوموا ولا خلاف أن التقدم والتأخر لا يكون إلا بعد إحرام المأموم الثاني كما ذكرناه. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 3262 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1814 مشكلة رنين الجوال في المساجد [السُّؤَالُ] ـ[الهواتف الخلوية " الجوال " شيء جيد، ولكن عندما يأتي بها الناس إلى المساجد، ولا يغلقونها، وتبدأ بالصفير والرنين أثناء الصلاة، تكون مصدراً للإزعاج وتشتيت تركيز المصلين. ما هو حكم الإسلام في هذا الموضوع (الظاهرة) ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله حرص الإسلام على أن تكون صلاة المسلم كاملة الخشوع والخضوع بعيدة عما يلهي عن الصلاة والانشغال بغيرها عنها ومن الأمور التي راعاها الإسلام في ذلك: 1 ـ عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: " كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم في شدة الحر فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن وجهه من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه ". رواه البخاري (1150) ومسلم (620) . قال الحافظ ابن حجر: لأن الظاهر إن صنيعهم ذلك لإزالة التشويش العارض من حرارة الأرض. " فتح الباري " (1 / 493) . 2 ـ عن عائشة: " أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في خميصة لها أعلام فنظر إلى أعلامها نظرة فلما انصرف قال اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم وأتوني بأنبجانية أبي جهم فإنها ألهتني آنفا عن صلاتي. وقال هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قال النبي صلى الله عليه وسلم: " كنت أنظر إلى علَمها وأنا في الصلاة فأخاف أن تفتنني ". رواه البخاري (366) ومسلم (556) . 3 ـ عن عائشة: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أقيمت الصلاة وحضر العَشَاء فابدءوا بالعَشَاء ". رواه البخاري (5148) ومسلم (558) . قال الحافظ: وقال الفاكهانى: ينبغي حمله على العموم نظراً إلى العلة وهي التشويش المفضي إلى ترك الخشوع. " فتح الباري " (2 /160) . 4 ـ عن أبي صالح السمان قال: رأيت أبا سعيد الخدري في يوم جمعة يصلي إلى شيء يستره من الناس فأراد شاب من بني أبي معيط أن يجتاز بين يديه فدفع أبو سعيد في صدره فنظر الشاب فلم يجد مساغا إلا بين يديه فعاد ليجتاز فدفعه أبو سعيد أشد من الأولى فنال من أبي سعيد ثم دخل على مروان فشكا إليه ما لقي من أبي سعيد ودخل أبو سعيد خلفه على مروان فقال مالك ولابن أخيك يا أبا سعيد قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان ". رواه البخاري (487) ومسلم (505) . قال الزرقاني: " فإنما هو شيطان " أي: فِعله فعل الشيطان؛ لأنه أبى إلا التشويش على المصلي. " شرح الزرقاني " (1 / 442) . 5 ـ عن أبي سعيد قال: " اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر وقال: ألا إن كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضا ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة - أو قال في الصلاة - ". رواه أبو داود (1332) . نلاحظ في هذا الحديث الأخير أن الرسول صلى الله عليه وسلم ينهى الناس أن يشغل بعضهم بعضاً عن الصلاة بالصلاة أو بقراءة القرآن فلم يرض صلى الله عليه وسلم أن تكون صلاة أحد أو قراءته مشغلة لصلاة أحد. الخلاصة: أن الإسلام حث على الخشوع في الصلاة والاستقامة فيها، وما نرى هذه الهواتف المتنقلة في الحالة التي ذكرت إلا سبباً لضياع الخشوع من الصلاة لأن فيه تشويشاً مضراً بروح الصلاة والطمأنينة فيها. فننصح الأخوة الذين يملكون مثل هذه الأجهزة ألا يتركوها قابلة للاستقبال في وقت الصلاة أو أن يجعلوها في وضع الاستقبال الصامت لدفع الضرر الذي قد يقع على المصلين. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 10193 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1815 الأدلة على وجوب صلاة الجماعة في المسجد [السُّؤَالُ] ـ[أنا مسلم جديد وأريد أن أعرف هل الأفضل للمسلم أن يصلي صلاة الفريضة في المسجد وما الدليل على ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نحمد الله سبحانه وتعالى الذي كتب لك الهداية للدخول في دين الإسلام فهذه نعمة عظيمة تستوجب حمد الله وشكره. ثانياً: لا بد أن يعلم المسلم أن الصلاة أعظم أركان الإسلام العملية، وهي الفاصل بين المسلم والكافر كما جاء في حديث جابر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ". رواه مسلم (82) . ثالثاً: اختلف الفقهاء رحمهم الله في حكم صلاة الجماعة على أقوال عدة: أصحها: أن صلاة الجماعة في المسجد واجبة، وعليه تدل الأدلة الشرعية. وهو قول عطاء بن أبي رباح والحسن البصري والأوزاعي وأبي ثور، والإمام أحمد في ظاهر مذهبه، ونص عليه الشافعي في " مختصر المزني " فقال: " وأما الجماعة فلا أرخص في تركها إلا من عذر "، واختاره الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله. وأما الأدلة على الوجوب فكما يلي: 1. قال الله تعالى: {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك} النساء / 102. قال ابن المنذر: ففي أمر الله بإقامة الجماعة في حال الخوف: دليل على أن ذلك في حال الأمن أوجب. " الأوسط " (4 / 135) . وقال ابن القيم: ووجه الاستدلال بالآية من وجوه: أحدها: أمره سبحانه لهم بالصلاة في الجماعة ثم أعاد هذا الأمر سبحانه مرة ثانية في حق الطائفة الثانية بقوله: {ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك} ، وفي هذا دليل على أن الجماعة فرض على الأعيان إذ لم يسقطها سبحانه عن الطائفة الثانية بفعل الأولى، ولو كانت الجماعة سنَّة لكان أولى الأعذار بسقوطها عذر الخوف، ولو كانت فرض كفاية: لسقطت بفعل الطائفة الأولى، ففي الآية دليل على وجوبها على الأعيان، فهذه ثلاثة أوجه: أمره بها أولاً، ثم أمره بها ثانياً، وأنه لم يرخص لهم في تركها حال الخوف. " الصلاة وحكم تاركها " (ص 137، 138) . 2. قوله تعالى: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين} البقرة / 43، ووجه الاستدلال بالآية أنه سبحانه أمرهم بالركوع وهو الصلاة، وعبر عنها بالركوع لأنه من أركانها، والصلاة يعبر عنها بأركانها وواجباتها كما سماها الله سجوداً وقرآناً وتسبيحاً، فلا بد لقوله {مع الراكعين} من فائدة أخرى وليست إلا فعلها مع جماعة المصلين والمعية تفيد ذلك، إذا ثبت هذا فالأمر المقيد بصفة أو حال لا يكون المأمور مُمتثلا إلا بالإتيان به على تلك الصفة والحال؛ فإن قيل فهذا ينتقض بقوله تعالى: {يا مريم اقتني لربك واسجدي واركعي مع الركعين} آل عمران / 43، والمرأة لا يجب عليها حضور الجماعة، قيل: الآية لم تدل على تناول الأمر بذلك لكل امرأة بل مريم بخصوصها أمرت بذلك بخلاف قوله: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين} ، ومريم كانت لها خاصية لم تكن لغيرها من النساء؛ فإن أمها نذرتها أن تكون محررة لله ولعبادته ولزوم المسجد وكانت لا تفارقه، فأمرت أن تركع مع أهله ولمَّا اصطفاها الله وطهَّرها على نساء العالمين أمرها من طاعته بأمر اختصها به على سائر النساء قال تعالى: {وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين} آل عمران / 42 و 43. فإن قيل: كونهم مأمورين أن يركعوا مع الراكعين لا يدل على وجوب الركوع معهم حال ركوعهم بل يدل على الإتيان بمثل ما فعلوا كقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} التوبة / 119 فالمعية تقتضي المشاركة في الفعل ولا تستلزم المقارنة فيه، قيل: حقيقة المعية مصاحبة ما بعدها لما قبلها، وهذه المصاحبة تفيد أمراً زائداً على المشاركة ولا سيما في الصلاة، فإنه إذا قيل: صلِّ مع الجماعة أو صليتُ مع الجماعة، لا يفهم منه إلا اجتماعهم على الصلاة. " الصلاة وحكم تاركها " (139 – 141) . 3. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: " والذي نفسي بيده لقد هممتُ أن آمر بحطبٍ فيحتطب ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ثم آمر رجلاً فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم، والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عَرْقاً سميناً، أو مِرْمَاتين حسنتين لشهد العشاء ". رواه البخاري (618) ، ومسلم (651) . عرْق: العظم. مرماتين: ما بين ظلفي الشاة من اللحم. والظّلف: الظفر وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن اثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلاً يصي بالناس ثم انطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار ". رواه البخاري (626) ، ومسلم (651) . قال ابن المنذر: وفي اهتمامه بأن يحرق على قوم تخلفوا عن الصلاة بيوتهم: أبين البيان على وجوب فرض الجماعة، إذ غير جائز أن يحرِّق الرسول صلى الله عليه وسلم مَن تخلف عن ندب، وعما ليس بفرض. " الأوسط " (4 / 134) . وقال الصنعاني: والحديث دليل على وجوب الجماعة عيناً لا كفايةً، إذ قد قام بها غيرهم فلا يستحقون العقوبة، ولا عقوبة إلا على ترك واجب أو فعل محرم. " سبل السلام " (2 / 18، 19) . 4. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ أَعْمَى [وهو ابن أم مكتوم] فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى الْمَسْجِدِ فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ، فَرَخَّصَ لَهُ، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ، فَقَالَ: هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلاةِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَجِبْ. ولفظ أبي داود (552) وابن ماجه (792) : (لا أَجِدُ لَكَ رُخْصَةً) والحديث: قال عنه النووي: إسناده صحيح أو حسن. " المجموع " (4 / 164) . قال ابن المنذر: فإذا كان الأعمى لا رخصة له: فالبصير أولى أن لا تكون له رخصة. " الأوسط " (4 / 134) . وقال ابن قدامة: وإذا لم يرخص للأعمى الذي لم يجد قائدا فغيره أولى. " المغني " (2 / 3) . 5. عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: من سرَّه أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث يُنادى بهن فإنهن من سنن الهدى وإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى وإنكم لو صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو أنكم تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة ويرفعه بها درجة ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق ولقد كان الرجل يؤتى يهادي بين الرجلين حتى يقام في الصف. وفي لفظ، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم علَّمَنا سنن الهدى، وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه. رواه مسلم (654) . قال ابن القيم: فوجه الدلالة: أنه جعل التخلف عن الجماعة من علامات المنافقين المعلوم نفاقهم؛ وعلامات النفاق لا تكون بترك مستحب ولا بفعل مكروه، ومن استقرأ علامات النفاق في السنَّة: وجدها إما ترك فريضة، أو فعل محرم، وقد أكد هذا المعنى بقوله: " من سرَه أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن " وسمَّى تاركَها المصلي في بيته متخلفاً تاركاً للسنَّة التي هي طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كان عليها وشريعته التي شرعها لأمته، وليس المراد بها السنَّة التي مَن شاء فعلها ومَن شاء تركها؛ فإن تركها لا يكون ضلالاً، ولا من علامات النفاق كترك الضحى وقيام الليل وصوم الإثنين والخميس. " الصلاة وحكم تاركها " (ص 146، 147) . 6. إجماع الصحابة: قال ابن القيم: إجماع الصحابة رضي الله عنهم ونحن نذكر نصوصهم: قد تقدم قول ابن مسعود رضي الله عنه: ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق. وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: من سمع المنادي فلم يجب من غير عذر فلا صلاة له. وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: من سمع المنادي فلم يجب بغير عذر فلا صلاة له. وعن علي رضي الله عنه قال: لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد، قيل: ومَن جار المسجد؟ قال: مَن سمع المنادي ". وعن الحسن بن علي رضي الله عنه قال: من سمع النداء فلم يأته لم تجاوز صلاته رأسه إلا من عذر. وعن علي رضي الله عنه قال: من سمع النداء من جيران المسجد وهو صحيح من غير عذر فلا صلاة له. " الصلاة وحكم تاركها " (ص 153) . والأدلة كثيرة اكتفينا بما سبق، ويمكن الرجوع إلى كتاب ابن القيم " الصلاة وحكم تاركها " ففيها زوائد وفوائد. وللشيخ ابن باز رسالة مفيدة بعنوان وجوب أداء الصلاة في جماعة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 8918 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1816 كيف تنقذ جدها المتوفى من عاقبة أكله مال الآخرين؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا حفيدة لجد مات، وأنا أحبه ولن أنساه بالدعاء: توفي جدي والد أبي، وبعد أن مات أصبحنا نراه في أحلامنا بأحوال غريبة ومفزعة، فمرة نراه محروقا، ومرة نراه يتقلب في دورة المياه، وهكذا، وبعد البحث تبين لنا أنه قد أخذ قطعة أرض ليتيم وبنى عليها منزله، وأن هذا اليتيم لا يعلم، ولكنه قبل أن يموت استسمح منه وأعطاه ثلاثة آلاف ريال دون أن يخبره، وقد سامحه وهو لا يعلم إلى الآن، كما أن جدي هذا وأخاً له - وقد مات أيضا - لم يعطوا أخواتهم وعمتهم ورثهم، كما هو متعارف بأن المرأة لا ترث، أما أخواتهم فقد ماتوا ولهم بنات، أما عمتهم فقد ماتت ولها ابن واحد، لكن المسألة لا تقف عند هذا الحد، فقد رفض الأبناء الاعتراف بحقوق الآخرين، بحجة أنهم لن يوزعوا أراضيهم على الناس، مع أنهم لا يذهبون إلى القرية، ويسكنون في المدن، والبيوت أصبحت مهجورة، والأراضي لم تعد تزرع، ونحن الأحفاد في حيرة من أمرنا، فهذا جدنا، ونحن الذين دائما نحلم به، فأرجو إعطائي الحل والنصيحة؛ فجدي في عذاب.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: من أخطر ما يمكن أن يلقى العبدُ ربَّه به يوم القيامة أكل أموال الناس بالباطل، فهي كبيرة من الكبائر التي تهلك العبد وتثقل وزره يوم القيامة، وتفضي به إلى النار، نسأل الله السلامة والعافية. ومن أعظم الظلم والتعدي: أكل أموال المستضعفين من اليتامى والنساء، فقد خصهم الله تعالى بمزيد عناية، ومزيد تحذير من أكل أموالهم، لأن أيدي الظلمة تجد أموالهم سهلة المنال بسبب ضعفهم وعجزهم. فلما ذكر الله سبحانه وتعالى في سورة النساء نصيب أصحاب الفروض من الوارثين، حذر من تجاوز هذه القسمة الشرعية، فقال سبحانه: (وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) النساء/14. كما عد الله تعالى أكل أموال اليتامى من الكبائر. يقول الله تعالى: (وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً) النساء/2. ويقول عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) النساء/10. وغصب الأرض من كبائر الذنوب، وعقابه شديد، ويزداد العقاب شدة إذا كانت الأرض ليتيم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ ظُلْمًا فَإِنَّهُ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ) رواه البخاري (3198) ومسلم (1610) . فالعجب - والله - ممن تجده يحرص على أداء الصلوات ونوافل العبادات، ثم تجده قد شغل ذمته بحقوق الناس، وحمل على ظهره أوزارا تنوء بها الجبال يوم القيامة، فلم تردعه صلاته ولا صيامه ولا قراءته القرآن عن طمع نفسه وشحها، ولم يرحم ضعف امرأة أو صغير أو يتيم فاعتدى على حقوقهم التي كتبها الله لهم. وبعد ذلك كله نرجو النجاة لهم عند الله؟! أختنا: نسأل الله أن يجزيك خير الجزاء على حرصك الشديد لإنقاذ جدك المتوفى مما تظنينه واقعاً فيه من العذاب، ولكننا لا نملك إلا أن نذكر لك الحقيقة التي قررها الله في كتابه، وقررها نبينا صلى الله عليه وسلم، أن غصب الأرض، وأكل أموال اليتامى ظلما، والتعدي في قسمة المواريث، كل ذل من كبائر الذنوب، فإذا لم يتب الرجل منها قبل موته (ومن توبته: رد الحقوق إلى أهلها) فإذا لم يتب كان معرضا لعقاب الله تعالى، ثم إذا كان يوم القيامة أخذ أصحاب الحقوق من حسناته بقدر حقوقهم، فإن فنيت حسناته أخذ من سيئاتهم وطرحت عليه، ثم طرح في النار، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه عن المفلس. رواه مسلم (2581) . وتوبة جدك من غصب أرض اليتيم بالصورة التي ذكرت لا تكفي، بل كان الواجب عليه أن يخبره بحقيقة الأمر، ويعطيه حقه كاملا. قال الغزالي رحمه الله - في شروط التوبة من مظالم الناس -: "وعليه أن يعرفه قدر جنايته وتعرضه له، فالاستحلال المبهم لا يكفي، وربما لو عرف ذلك وكثرة تعديه عليه لم تطب نفسه بالإحلال، وادخر ذلك في القيامة ذخيرة يأخذها من حسناته أو يحمله من سيئاته " انتهى. " إحياء علوم الدين " (4 / 47) . وجدك قد انتقل من دار العمل إلى دار الجزاء، فلا تملكون له إلا أمرين: الأول: الدعاء له بأن يتجاوز الله عنه. الثاني: رد الحقوق إلى أصحابها وسؤالهم أن يعفوا عن جدك ويسامحوه، فإنَّ ردَّ الحقوقِ إليهم ـ وإن كان لا يبرئ ذمة جدك تماماـ إلا أنه ولا شك يخفف كثيرا من المظالم التي تحملها، وحيث إنك تقولين إن بعض أصحاب الحقوق قد ماتوا، فالواجب دفع حقهم إلى ورثتهم. ثانيا: وأما أعمامك فالنصيحة لهم أن يبادروا إلى رد الحقوق إلى أصحابها، فإن لم يفعلوا كانوا مغتصبين لهذه الحقوق، وسيلقون الله تعالى بهذه الكبائر إن لم يتوبوا منها، وقولهم: " إنهم لن يعطوا أراضيهم للناس " قول عجيب منهم، وهم يعلمون أنها ليست أرضهم ولا أرض أبيهم، والقول الحق الموافق للواقع هو أن يقولوا: (إننا سنستمر غاصبين لأراضي الناس) . والظن بهم وبجميع المسلمين أنهم لا يقحمون أنفسهم فيما يستوجبون به عذاب الله، فإن عذاب الله شديد، ونعيم الدنيا بأجمعها لا يساوي لحظة في نار جهنم، نسأل الله العافية. ونسأل الله أن يوفق أعمامك للتوبة النصوح. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 89609 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1817 يقيم في أوربا والمسجد بعيد عنه فهل يصلي في بيته؟ [السُّؤَالُ] ـ[قرأت جوابكم على سؤال رقم (72895) وفيه وجوب صلاة الجماعة. وسؤالي نحن المسلمين المقيمين في أوروبا لا تتوفر لنا المساجد كما هو الأمر في البلاد الإسلامية ففي المدينة المترامية الأطراف لا تجد في أغلب الأحيان أكثر من مسجد واحد والوصول إليه يحتاج إلى وقت طويل ورفع الأذان بطبيعة الحال ممنوع أي أنه لا يسمع النداء على كل الأحوال مهما كانت المسافة بعيدة أو قريبة فما هو حكمنا إذا تركنا الصلاة في الجماعة بالمسجد؟ وما هو دليل وجوبها بحقنا لانتفاء شرط سماع النداء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: صلاة الجماعة واجبة على كل رجل بالغ مستطيع يسمع النداء. والمقصود بسماع النداء: أن يسمع الإنسان الأذان بالصوت المعتاد من غير مكبرٍ للصوت، مع رفع المؤذن صوته، وسكون الرياح والضوضاء ونحو ذلك مما يؤثر على السماع. وانظر السؤال رقم (20655) . وعلى هذا، لا يجب عليكم حضور الجماعة في المسجد إذا كان بعيداً عنكم. هذا بالنسبة للصلوات الخمس مع الجماعة، وأما الجمعة فلها شأن آخر، فإنها تجب على كل من كان في المدينة أو القرية التي تقام فيها الجمعة، سواء سمع النداء أم لم يسمع، مهما ترامت أطراف البلد، وهذا بإجماع العلماء. قال النووي رحمه الله: " قال الشافعي والأصحاب: إذا كان في البلد أربعون فصاعدا من أهل الكمال، وجب الجمعة على كل من فيه وإن اتسعت خطة البلد فراسخ، وسواء سمع النداء أم لا. وهذا مجمع عليه " انتهى من المجموع" (4/353) . ثانيا: من لم تجب عليه الجماعة، لبعده عن المسجد، فإن الأمر يبقى مستحبا في حقه، وينبغي أن يحرص على التردد على المسجد المرة بعد الأخرى، لا سيما إذا كان يعيش بعيدا عن المسلمين، ففي لقائه بالمسلمين، تجديد لإيمانه، ورفع لدرجاته، وتعميق لأواصر الأخوة والمودة، وتعويد لأبنائه على حب المسجد وتعظيمه، هذا مع السعي لبناء المساجد وتكثيرها، والتعاون على ذلك، ومن الملاحظ أن البلاد الأوربية تتفاوت في هذه المسألة تفاوتا ظاهرا، وهذا يرجع إلى عوامل كثيرة، يدخل فيها أحيانا ضعف همة البعض، وتخاذلهم وانشغالهم عن هذه القضية الكبيرة وعن السعي لإيجاد السبل والحلول لها. ولا يخفى عليك ما في السعي إلى المساجد - مهما بعدت المسافة - من الأجر العظيم، والثواب الكبير، وقد روى مسلم (654) عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن، فإن الله شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتي به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف) . كما ينبغي الحرص على إقامة الجماعة في البيت، أو مع الجيران، في حال عدم الذهاب إلى المسجد، ومن وسائل ذلك الحرص على اجتماع العوائل المسلمة في منازل متقاربة، وحينئذ يحرص الجميع على أداء الصلاة جماعة في وقتها، وتبقى لهذه الشعيرة العظيمة مكانتها في القلوب. نسأل الله أن يزيدكم إيمانا وهدى وتقى، وأن يعينكم على حمل رسالة الإسلام ونشرها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 89676 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1818 يعاني من مرض في أنفه، فهل يترك الجماعة؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا أعاني من مرض في أنفي، بحيث تخرج منه رائحة كريهة، عرضت نفسي على الأطباء قالوا بأن هذا المرض ليس له علاج، فماذا أفعل؟ هل أواصل البحث عن سبب الشفاء من الأطباء، أو أتركه وأنتظر الاستجابة من الله؟ وهل أترك الصلاة مع الجماعة وحضور مجالس العلم لأني أؤذي من حولي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: بداية نسأل الله أن يَمُنَّ عليك بعافيته، ويرزقك الشفاء بِمَنِّهِ وكرمه، ونوصيك باحتساب الأجر عند الله سبحانه، فهو يجزي الصابرين بغير حساب، وابتلاؤه لعباده خيرٌ لهم في عاقبتهم، حيث يكفر به عنهم من سيئاتهم، ويرفع به من درجاتهم. فعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَوَدُّ أَهْلُ الْعَافِيَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يُعْطَى أَهْلُ الْبَلاءِ الثَّوَابَ لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ قُرِضَتْ فِي الدُّنْيَا بِالْمَقَارِيضِ) . رواه الترمذي (2402) ، وحسنه الألباني في " صحيح الترمذي ". كما نوصيك بالاجتهاد في البحث عن الدواء، ولا تتوقف عند قول بعض الأطباء، فكم من مرض يئس منه طبيب ثم جعل الله شفاءه على يد طبيب آخر، والبدائل العلاجية أصبحت متوفرة بكثرة في زماننا هذا والحمد لله، ويمكنك الاستعانة بالمتخصصين في الطب العربي أو الشعبي، فلعلك تجد عندهم ما يجعل الله فيه شفاءك، وقبل كل ذلك وبعده، لا تغفل عن سؤال الله العافية، والدعاء لا يأتي إلا بالخير، وإذا صدق فيه العبد يوشك أن يستجيب الله له. وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَتْ الأَعْرَابُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَلا نَتَدَاوَى؟ قَالَ: (نَعَمْ، يَا عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً أَوْ قَالَ دَوَاءً، إِلا دَاءً وَاحِدًا. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَمَا هُوَ؟ قَالَ: الْهَرَمُ) . رواه الترمذي (2038) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ". ثانياً: أما عن حكم حضورك الجماعة في المساجد: فإن كنت تخشى من إيذاء مَن بجوارك، ولا تستطيع أن تتفادى ذلك بأي وسيلة، كوضع طِيبٍ قوي الرائحة، أو تغطية الأنف عند الصلاة: فالواجب عليك حينئذ ترك الجماعة، فأنت صاحب عذر عند الله وعند الناس، وسيكون لك إن شاء الله تعالى أجر الجماعة وأنت في بيتك. فعن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا) . رواه البخاري (2834) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "قال العلماء: إن ما كان من الله، ولا صنع للآدمي فيه إذا كان يؤذي المصلين فإنه يَخرج (يعني من المسجد) ، كالبخر في الفم، أو الأنف، أو من يخرج من إبطيه رائحة كريهة، فإذا كان فيك رائحة تؤذي فلا تقرب المسجد. فإن قال: هذا من الله؟ فيقال: إذا ابتلاك الله به فلا تؤذ العباد، ولا تؤذ الملائكة، وأنت مأجور على الصبر على هذا الشيء واحتساب الأجر من الله، ولست آثماً إذا لم تصل مع الناس؛ لأنك إنما تركت ذلك بأمر الله. فإذا قال: هذا ينقص إيماني؛ لأن صلاة الجماعة أفضل؟ قلنا: إنك لا تلام على هذا النقص؛ كما أن الحائض لا تصلي، وينقص إيمانها بذلك، ولا تلام على النقص؛ لأن النقص الذي ليس بسبب الإنسان لا يلام عليه " انتهى. " الشرح الممتع " (5 / 113، 114) . وسئل رحمه الله: أعاني من وجود رائحة كريهة من الأنف والفم , وأتحرج من الاختلاط بالناس، وأثناء تأدية الصلاة في المسجد؛ لأنني سمعت حديثاً أن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه ابن آدم، فهل لي الصلاة في المنزل؟ علماً أنني أصلي معظم الأوقات في المنزل إلا يوم الجمعة، فإنني أصليه في المسجد؟ أفيدوني وفقكم الله لما فيه الخير. فأجاب: "نسأل الله أن يمنَّ عليك بالشفاء , وأنت لا حرج عليك إذا صليت في البيت الجمعة وغير الجمعة؛ لأنك معذور , وإذا علم الله من نيتك أنه لولا هذا الذي فيك لصليت في الجماعة: فإنه يكتب لك أجر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم وهو في غزوة تبوك: (إِنَّ أَقْوَامًا بِالْمَدِينَةِ خَلْفَنَا مَا سَلَكْنَا شِعْبًا وَلا وَادِيًا إِلا وَهُمْ مَعَنَا فِيهِ حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ) رواه البخاري (2839) . ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يشفيك. ولكن أرجو أن تنظر هل إذا تطيبت بطيب زكي قوي الرائحة هل رائحته تغطي على ما عندك من الرائحة؟ إن كان الأمر كذلك فاحرص على هذا وتطيب به , أما إذا لم يفد فيه ذلك فأنت معذور , وإذا تطيبت بالطيب القوي الزكي الرائحة الذي تضمحل معه الرائحة الكريهة , فإنك تصلي في المسجد الصلوات الخمس وصلاة الجمعة " انتهى. " مجموع الفتاوى " (15 / السؤال رقم 1070) . وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: إن والدي كبير ولا يذهب لصلاة الجمعة، ويقول: إنه مريض بمرضٍ هو عبارة عن بخر في الفم ورائحة كريهة، وقال: إنه لا يريد أن يؤذي الناس بهذه الرائحة، فهل يجوز فعله هذا؟ . فأجاب: " نعم هذا عذر شرعي، إذا كان فيه بخر شديد الرائحة الكريهة ولم يتيسر له ما يزيله فهو عذر، كما أن البصل والكراث عذر، أما إن وجد دواءً وحيلة تزيله فعليه أن يفعل ذلك حتى لا يتأخر عن صلاة الجمعة والجماعة، ولكن متى عجز عن ذلك ولم يتيسر فهو معذور أشد من عذر صاحب البصل، والبخر لا شك أنه مؤذٍ لمن حوله، إذا كان رائحته ظاهرة " انتهى. " نور على الدرب " (شرط رقم 219، الدقيقة 11) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 89774 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1819 متى تُدرك الجماعة وماذا إذا أسرع الإمام في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[عندي مشكلة في صلاة الجماعة وأرجو أن تفيدوني فيها وهي كما يلي: 1 - عندما ألحق بصلاة الجماعة في التشهد الأخير، هل أعتبر مدركا للجماعة أم لا؟ 2 - لو لم أستطع أن أقرأ الفاتحة ولا مرة في صلاة الجماعة بسبب سرعة الإمام أو عدم وجود سكتات كافية فهل علي شيء؟ 3 - عندما أصل إلى المسجد وقد أقيمت الصلاة فهل ألتحق بالجماعة عند إقامة الصلاة أم عند ركوع الإمام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله 1 - صلاة الجماعة لا تدرك - على الصحيح - إلا بإدراك ركعة مع الإمام، أما مجرد إدراك التشهد أو ما قبل التشهد دون الركعة فلا يعدُّ ذلك إدراكاً لصلاة الجماعة، فأحسن الله عزاءك في الصلاة إذا لم تدرك منها إلا التشهد، ودليل هذا حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) رواه البخاري في المواقيت، باب من أدرك من الصلاة ركعة (580) ومسلم في كتاب المساجد (607) . وهذا القول هو قول المحققين من أهل العلم وهو قول شيخ الإسلام رحمه الله، واختاره الشيخ ابن عثيمين حفظه الله، وهو الذي يسنده الدليل ويعضده. 2 - وأما بالنسبة لقراءة الفاتحة في الصلاة فهي ركن عظيم من أهم أركان الصلاة، ولا تصح الصلاة بدونها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) ، لكن إذا كان المصلي يصلي مع الإمام وأدركه في الركوع مثلاً فركع دون أن يقرأ الفاتحة صحت منه، وتكون قراءة الإمام قراءة له لحديث أبي بكرة رضي الله عنه المشهور بـ (زادك الله حرصاً ولا تعد) . وأما إذا كان الإمام يسرع - كما تقول - إسراعاً واضحاً يخلُّ بركن الطمأنينة في الصلاة فإن الصلاة لا تصح خلفه، لعدم أهليته، ولافتقاده ركناً من أركان الصلاة وهو الطمأنينة في جميع الأركان ويدل عليه حديث المسيء في صلاته المشهور، أما إذا كانت سرعة الإمام نسبية بأن كان يحافظ على الواجب من الطمأنينة فقط فمثل هذا يمكن قراءة الفاتحة خلفه عادة، ولو عجّلتَ في القراءة وحَدَرْت فيها فلا بأس بذلك. وأما إذا كان عدم قراءتك للفاتحة لأمر آخر كنسيان أو سهو أو لأجل كونك مسبوقاً فلا حرج وصلاتك صحيحة، وقراءة الإمام قراءة لك. 3 - يجب على المسلم أن يبادر للصلاة فور النداء لها وهي من صفات المؤمنين الذين تعلقت قلوبهم بالمساجد، أما التأخر عنها حتى تقام الصلاة فهذا مما يدل على ضعف الإيمان وقلة رغبة العبد في الخير والطاعة، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكون في حاجة أهله فإذا آذنه بلال بالصلاة فزع وهبَّ إليها، وكان يقول صلى الله عليه وسلم (أرحنا بها يا بلال) وكان يقول (جُعلت قرة عيني في الصلاة) وكان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، أما من يتكاسل عنها ولا يحضر للمسجد إلا عند الإقامة أو في أثناء ها أو عند التشهد فليراجع نفسه وليستعتب أمره، فإن المؤمن يقول له عمله الصالح في قبره: (فوالله ما علمتك إلا سريعاً في طاعة الله بطيئاً في معصيته) وأما المنافق أو الفاسق فيقول له عمله (فوالله ما علمتك إلا بطيئاً في طاعة الله، سريعاً في معصيته) رواه الإمام أحمد وهو حديث صحيح، وصححه الألباني في أحكام الجنائز وذكر طرقه وقد وصف الله تعالى المنافقين بقوله (وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى) فليحذر العبد من خطورة هذا الأمر، وكذلك فلتحذر المسلمة من تأخير الصلاة إلى أضيق وقتها والانشغال بالدنيا عن الزاد الأخروي .... ومن تعوّد على المحافظة على الصلاة والتعلق بها في وقتها مع الجماعة في المسجد وقت النداء لها صار ديدناً له لا ينفك عنه إن شاء الله، ومن جرَّب ذلك عرف اللذة العظيمة والسكينة والطمأنينة وراحة القلب والبال فيها، وأمكنه استحضار الخشوع حين الوقوف بين يدي الله، ومن فضل الله تعالى على المرء أن تمرَّ عليه السنة وهو لم يفته فرضٌ واحد مع الجماعة إلا لعذر شرعي، وإن المؤمن الصادق ليعتريه همٌ وغم وكرب عظيم إذا نام يوماً عن الصلاة أو تأخر عنها لأمر دنيوي، وكل أمور الدنيا تافهة حقيرة، وهذا من توفيق الله تعالى للعبد للثبات على طاعته والاستقامة عليها. وإذا أقيمت الصلاة فإن الواجب على المصلي أن يباشر في الدخول مع الجماعة حتى في صلاة الفجر حتى ولو أطال الإمام القراءة، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) رواه مسلم في كتاب صلاة المسافرين باب (710) ونفي الصلاة هنا للصحة، أي فلا صلاة صحيحة إذا أقيمت الصلاة، ومثله من دخل في نافلة ثم أقيمت الصلاة فإنه يجب عليه أن يقطعها ثم يقضيها - إن أراد - بعد الصلاة لعموم الحديث، ولو أكمل الصلاة لم تصح منه وكانت باطلة. وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أنه لو كان في آخر النافلة فله أن يكملها إذا علم أنه سيدرك تكبيرة الإحرام لأنه مقصود الشارع هو المسارعة في الدخول مع الإمام في الصلاة. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 6551 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1820 لا يجوز منع السائقين من أداء صلاة الجماعة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الشرع في نظركم فيمن يمنعون السائقين الذين يشتغلون عندهم في البيوت عن الصلاة في المساجد، ويأمرونهم بالصلاة في البيوت ولا يسمح لهم بالخروج إلا إذا كانوا يريدون أن يخرجوا هم أي أهل البيت؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الذي ينبغي لهؤلاء القوم الذين عندهم عمال يعملون عندهم أن يمكنوهم من صلاة الجماعة، لما في ذلك من الأجر والخير الكثير، لأن هذا من باب التعاون على البر والتقوى، وقد قال الله عز وجل: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب) سورة المائدة/2 ولا يحل لهم أن يمنعوهم من صلاة الجماعة، لأن صلاة الجماعة واجب شرعي، والواجب الشرعي مستثنى من زمن العمل عند المسلمين لأن طاعة الله ورسوله مقدمة على طاعة البشر، ولكن إذا مُنِع هذا العامل من الصلاة جماعة ولم يكن له مندوحة عن هذا العمل فإنه يُعذر في هذه الحال، لأنه ممنوع منها بغير اختياره ولو ترك العمل لتضرر بذلك. [الْمَصْدَرُ] نور على الدرب الحلقة الثانية الشيخ ابن عثيمين الحديث: 21609 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1821 مرّت امرأة بين صفوفنا ونحن نصلي الجماعة [السُّؤَالُ] ـ[قامت أحد الأخوات بالمشي أمام صف من النساء يصلين خلف الإمام وكان عدد النساء في الصف قليلاً وهي أسرعت من أمامنا حتى لم نستطع أن نوقفها حتى أخذت مكانها في الصف. إنني أعلم أنه يقطع صلاة الإنسان أن يمر بين يديه امرأة أو كلب أو حمار فكيف يمكن أن نبدأ صلاتنا مرة أخرى ونتواصل مع الإمام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أما أنه يقطع صلاة المرء مرور المرأة والحمار والكلب بين يديه: فصحيح. عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود قلت يا أبا ذر ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر قال يا ابن أخي سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني فقال الكلب الأسود شيطان ". رواه مسلم (510) . ومؤخرة الرحل: ذراع أو ثلثا ذراع. ولكن هذا الحكم خاص بمرور هؤلاء أمام الإمام أو المنفرد، وليس إذا كان مرورهم بين صفوف المأمومين وهم وراء الإمام أثناء صلاة الجماعة كما ظنت الأخت السائلة. والدليل على ما تقدم ما جاء عن عبد الله بن عباس أنه قال: أقبلتُ راكباً على حمارٍ أتان وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار فمررت بين يدي بعض الصف فنزلت وأرسلت الأتان ترتع ودخلت في الصف فلم يُنكر ذلك عليَّ أحدٌ. رواه البخاري (471) ومسلم (504) . والحديث: بوَّب عليه الإمام البخاري " سترة الإمام سترة مَن خلفه "، ودلالته واضحة على المقصود وهو أنه لا يجب على المأموم اتخاذ سترة، فلا يهم ما يمر أمامه، وخاصة أن ابن عباس مرَّ بحمارة له وهي مما يقطع الصلاة لو كان المرور أمام الإمام أو المنفرد. قال ابن عبد البر: في هذا الحديث - أي: قوله صلى الله عليه وسلم في البخاري (487) ومسلم (505) من حديث أبي سعيد الخدري " إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحدا يمر بين يديه وليدرأه ما استطاع فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان " - كراهية المرور بين يدي المصلي إذا كان وحده وصلى إلى غير سترة. وكذلك حكم الإمام إذا صلى إلى غير سترة، وأما المأموم: فلا يضره مَن مر بين يديه كما أن الإمام والمنفرد لا يضر أحداً منهما ما مرَّ من وراء سترة الإمام، وسترة الإمام سترة لمن خلفه. وإنما قلنا إن هذا في الإمام وفي المنفرد لقوله صلى الله عليه وسلم " إذا كان أحدكم يصلي " ومعناه عند أهل العلم: يصلي وحده، بدليل حديث ابن عباس وبذلك قلنا إن المأموم ليس عليه أن يدفع من يمر بين يديه لأن ابن عباس قال: " أقبلت راكبا على أتان وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بمنى فمررت بين يدي بعض الصف فنزلت وأرسلت الأتان ترتع ودخلت في الصف فلم ينكر ذلك عليَّ أحدٌ ". " التمهيد " (4 / 187) وعليه: فليس على الأخت السائلة ولا غيرها أن تدفع من مرَّ مِن أمامها إن كانت مأمومة، وليس على من مرَّ من حرج إذا مرّ لحاجة، وإنما الدفع والمنع يكون من الإمام والمنفرد لمن أراد أن يمر بينهما وبين سترتهما، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 3404 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1822 صلاة المرأة في بيتها أفضل من المسجد [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم تأدية النساء للصلاة في مكان عام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المرأة فتنة يجب صونها وحجبها عن الرجال ما استطاع ولي أمرها ذلك، والرسول صلى الله عليه وسلم فضَّل أن تصلي المرأة في بيتها وجعل أجر صلاتها تلك أفضل من صلاتها في المسجد. عن عبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها ". رواه أبو داود (570) والترمذي (1173) . والحديث: صححه الشيخ الألباني في " صحيح الترغيب والترهيب " (1 / 136) . (في بيتها) هو الحجرة التي تكون فيها المرأة. (حجرتها) المراد بها صحن الدار التي تكون أبواب الغرف إليها، ويشبه ما يسميها الناس الآن بـ (الصالة) . (مخدعها) هو كالحجرة الصغيرة داخل الحجرة الكبيرة، تحفظ فيه الأمتعة النفيسة. (الشرح من كتاب عون المعبود) عن أم حميد امرأة أبي حميد الساعدي: " أنها جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني أحب الصلاة معك قال: قد علمت أنك تحبين الصلاة معي وصلاتك في بيتك خير لك من صلاتك في حجرتك وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك وصلاتك في دارك خير لك من صلاتك في مسجد قومك وصلاتك في مسجد قومك خير لك من صلاتك في مسجدي، قال: فأمرت فبني لها مسجد في أقصى شيء من بيتها وأظلمه فكانت تصلي فيه حتى لقيت الله عز وجل ". رواه أحمد (26550) . والحديث: صححه ابن خزيمة في " صحيحه " (3 / 95) وابن حبان (5 / 595) ، والألباني في " صحيح الترغيب والترهيب " (1 / 135) . وعن عائشة رضي الله عنها قالت: " لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن كما منعت نساء بني إسرائيل قلت لعمرة أو منعن قالت نعم. " البخاري (831) ومسلم (445) . قال عبد العظيم آبادي: ووجه كون صلاتهن في البيوت أفضل الأمن من الفتنة ويتأكد ذلك بعد وجود ما أحدث النساء من التبرج والزينة ومن ثم قالت عائشة ما قالت. " عون المعبود " (2 / 193) . لذا على المرأة أن تحتاط في صلاتها في الأماكن العامة، وأن تبتعد عن أن يراها الرجال ولا تفعل ذلك إلا إذا دخل وقت الصلاة وليس عندها مكان تصلي فيه إلا هذا المكان. قال الشيخ عبد الله الجبرين: فأما المرأة فبيتها خير لها، فإن احتاجت للصلاة في السوق، وكان هناك سترٌ وسترة: فلا مانع من ذلك إن شاء الله. " فتاوى المرأة المسلمة " (1 / 333) . وأما ما يقوله بعض العامة أن صلاة المرأة تبطل بمجرد رؤية الرجال لها: فلا أصل لهذا الكلام في الشرع البتة، وقد كانت النساء يصلين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في مسجد واحد ولم يحكم صلى الله عليه وسلم ببطلان صلاة النساء. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 8868 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1823 يخشع وحده ولا يخشع في المسجد [السُّؤَالُ] ـ[لدي مشكلة حين أصلي مع الجماعة سواء كنت الإمام أو المأموم وهي قلة الخشوع، هذا لا يحصل لي عندما أصلي لوحدي حيث يكون خشوعي أكثر، هل يجوز لي أن أصلي لوحدي حتى لو كان هناك جماعة يصلون أو جماعة ستبدأ في الصلاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما ذكرته أخي السائل من خشوعك في الصلاة وحدك دون صلاتك في الجماعة هو من استدراج الشيطان الذي نهينا عنه بقوله جلّ وعلا {ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين} البقرة: آية 168. والصلاة في الجماعة واجبة والشيطان يريد أن يصرفك عن هذا الواجب بشبهة عدم الخشوع، ويزيّن لك أن تصلي وحدك حتى تخشع، والحقيقة أنه يريد إبعادك عن بيت الله وعن جماعة المسلمين من إخوانك المصلين في المساجد لتنفرد، والنبي صلى الله عليه وسلم بيّن أن الشيطان يستحوذ على تاركي صلاة الجماعة فقال في الحديث الحسن الذي رواه أبو داود رحمه الله عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَا مِنْ ثَلاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلا بَدْوٍ لا تُقَامُ فِيهِمْ الصَّلاةُ إِلا قَدْ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ فَعَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ. سنن أبي داوود 547 وهو في صحيح الجامع قَالَ زَائِدَةُ قَالَ السَّائِبُ يَعْنِي بِالْجَمَاعَةِ الصَّلاةَ فِي الْجَمَاعَةِ وعن حكم صلاة الجماعة يقول الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: " ولقد عظّم الله سبحانه وتعالى شأن الصلاة في الجماعة في كتابه العزيز وعظّمها أيضاً رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فأمر سبحانه وتعالى بالمحافظة عليها وعلى أدائها في الجماعة قال سبحانه وتعالى:"حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين " البقرة: آية 238. ومما يدل على وجوب أدائها في الجماعة قوله تعالى:"وأقيموا الصلاة وءاتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين " البقرة: آية 43. وأمر في أول الآية بإقامتها ثم أمر بالمشاركة للمصلين في صلاتهم بقوله " واركعوا مع الراكعين " وقد أوجب سبحانه وتعالى أداء الصلاة في الجماعة حتى في الحرب فكيف بالسلم؟ قال تعالى: " وإذا كنت فيهم فأقمت الصلاة لهم فلتقلم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم " النساء: آيه 102. فلو كان أحد يُسامح في ترك الصلاة مع الجماعة كان المحاربون أولى بأن يسمح لهم " وقد ورد في الصحيحين عن أبي هريرة الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لقد هممت أن أمر بالصلاة فتقام ثم أمر رجلاً يصلي بالناس ثم أنطلق برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرّق عليهم بيوتهم " صحيح البخاري (2/852) برقم (2288) ومسلم (1/451) رقم 651. وفي صحيح مسلم (1/453) رقم (654) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال من سره أن يلقي الله غداً مسلماً فليحافظ على هذه الصلوات الخمس حيث يُنادى بهن فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة ويرفعه بها درجة ويخط عنه سيئة ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف … وفي صحيح مسلم (1/452) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً أعمى قال يا رسول الله إنه ليس لي قائد يلائمني إلى مسجد فهل لي رخصة أن أصلي في بيتي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم هل تسمع النداء بالصلاة فقال نعم قال: فأجب. وفي إقامة الصلاة في الجماعة فوائد كثيرة منها التعارف والتعاون على البر والتقوى والتواصي بالحق والصبر عليه وتعليم الجاهل وإظهار شعائر الله وإغاظة أهل النفاق والبعد عن سبيلهم ومعرفة المتخلف ونصحه وإرشاده إن كان ذلك تكاسلاً منه وبدون عذر أو عيادته إن كان مريضاً إلى غير ذلك من الفوائد وقد يؤدي التخلف عند أدائهما في الجماعة والعياذ بالله إلى تركها بالكلية ومن المعلوم أن ترك الصلاة كفر وضلال وخروج عن دائرة الإسلام لقوله صلى الله عليه وسلم: بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة " أخرجه مسلم في صحيحة (1/88) رقم (82) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه. وقال صلى الله عليه وسلم: " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر " رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، صحيح ابن حبان (4/305) رقم (1454) . أهـ واعلم يا أخي أنّ الله لا يُمكن أن يوجب على عبده حكما ثم يكون الخير في غيره وقد أوجب الله صلاة الجماعة فلا بدّ من أدائها والخشوع فيها، ولكن قد يحصل للإنسان أحيانا في خلوته من الخشوع ما لا يحدث له في المسجد كما يشعر كثير من المصلين في قيام الليل فيبكي في بيته هو يؤدّيها ما لا يبكي في المسجد وهذا لا يُنافي أداءها في المسجد، فالمطلوب أن نحرص على الأخذ بأسباب الخشوع في صلاة الجماعة وغيرها ونؤدّي كلاّ كما أمر الله، وللتعرّف على أسباب الخشوع في الصلاة راجع رسالة 33 سببا للخشوع في الصلاة في قسم الكتب من هذا الموقع، والله تعالى أعلم وهو الهادي إلى خير سبيل وصلى الله على سيدنا محمد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 6295 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1824 إذا أخطأ الإمام في القراءة وليس معه إلا امرأة فماذا تفعل؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا كانت المسلمة تصلي خلف رجل (مثل محرمها) ، فكيف لها أن تفتح عليه إذا أخطأ في القراءة (ولم يوجد من يفتح عليه غيرها) ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز للمرأة أن تفتح على محرمها في الصلاة إذا أخطأ بشرط أن لا يكون هناك رجال أجانب يسمعونها ونهيّ المرأة عن التسبيح وأمرها بالتصفيق في الحديث الآتي إنما هو في مثل الحال التي ورد فيها الحديث، وهي وجود النساء مع الرجال الأجانب. فمع وجود الرجال الأجانب فإنه لا ينبغي للنساء رفع أصواتهن بالتأمين في الصلاة ولا التسبيح لرد الإمام عند خطئه. عن سهل بن سعد الساعدي: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم فحانت الصلاة فجاء المؤذن إلى أبي بكر فقال أتصلي للناس فأقيم قال نعم فصلى أبو بكر فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس في الصلاة فتخلص حتى وقف في الصف فصفق الناس وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته فلما أكثر الناس التصفيق التفت فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن امكث مكانك فرفع أبو بكر رضي الله عنه يديه فحمد الله على ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك ثم استأخر أبو بكر حتى استوى في الصف وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى فلما انصرف قال يا أبا بكر ما منعك أن تثبت إذ أمرتك فقال أبو بكر ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لي رأيتكم أكثرتم التصفيق، من رابه شيء في صلاته فليسبح فإنه إذا سبح التفت إليه وإنما التصفيق للنساء ". رواه البخاري (652) ومسلم (421) . قال ابن حجر: وكان منع النساء من التسبيح لأنها مأمورة بخفض صوتها في الصلاة مطلقا لما يخشى من الافتتان ومنع الرجال من التصفيق لأنه من شأن النساء. " فتح الباري " (3 / 77) . وقال ابن عبد البر: قال بعض أهل العلم: إنما كره التسبيح للنساء وأبيح لهن التصفيق من أجل أن صوت المرأة رخيم في أكثر النساء وربما شغلت بصوتها الرجال المصلين معها. " التمهيد " (21 / 108) . وقال ولي الدين العراقي: ولو خالفت المرأة المشروع في حقها وسبحت في صلاتها لأمر ينوبها لم تبطل صلاتها أيضا، لكن إن أسرت به بحيث لم يسمعها أحد فليس هذا تنبيها يحصل به المقصود، وإن جهرت به بحيث أسمعت من تريد إفهامه فالذي ينبغي أن يقال: إن كان امرأة أو محرماً فلا كراهة، وإن كان رجلاً أجنبياً كره ذلك بل يحرم إذا قلنا إن صوتها عورة. . . ولسنا نريد بذلك أنها في هذه الحالة يكون المشروع لها التسبيح وإنما نقول إنها لو نبهت بالتسبيح لم يكره وإن كان المشروع في حقها والأفضل لها التصفيق. . . لأن ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: (والتصفيق للنساء) مشروعيتة في كل حالة، والله أعلم. " طرح التثريب " (2 / 248، 249) . وقال الزركشي: وقد أطلقوا التصفيق للمرأة، ولا شك أن موضعه إذا كانت بحضرة رجال أجانب، فلو كانت بحضرة النساء أو الرجال المحارم فإنها تسبح كالجهر بالقراءة بحضرتهم. " مغني المحتاج " (1 / 418) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 9279 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1825 هل تجهر المرأة بالتأمين إذا صلت مع زوجها في المنزل؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل تقول النساء آمين بصوت منخفض في الصلاة في المنزل مع أزواجهن؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: التأمين سنة لكل مصلٍّ بعد فراغه من قراءة الفاتحة. قال النووي رحمه الله في المجموع (3/371) : التَّأْمِينُ سُنَّةٌ لِكُلِّ مُصَلٍّ فَرَغَ مِنْ الْفَاتِحَةِ سَوَاءٌ الإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ , وَالْمُنْفَرِدُ , وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَالصَّبِيُّ , وَالْقَائِمُ وَالْقَاعِدُ وَالْمُضْطَجِعُ (أي لعذرٍ) وَالْمُفْتَرِضُ وَالْمُتَنَفِّلُ فِي الصَّلاةِ السِّرِّيَّةِ وَالْجَهْرِيَّةِ وَلا خِلافَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا اهـ. ثانيا: تنهى المرأة عن رفع صوتها في حال وجودها مع رجال أجانب عنها، ولذلك منع النبي صلى الله عليه وسلم النساء من التسبيح في الصلاة إذا أردن تنبيه الإمام، وإنما ينبهنه بالتصفيق. فعن سهل بن سعد الساعدي: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم فحانت الصلاة فجاء المؤذن إلى أبي بكر فقال أتصلي للناس فأقيم قال نعم فصلى أبو بكر فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس في الصلاة فتخلص حتى وقف في الصف فصفق الناس وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته فلما أكثر الناس التصفيق التفت فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن امكث مكانك فرفع أبو بكر رضي الله عنه يديه فحمد الله على ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك ثم استأخر أبو بكر حتى استوى في الصف وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى فلما انصرف قال يا أبا بكر ما منعك أن تثبت إذ أمرتك فقال أبو بكر ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لي رأيتكم أكثرتم التصفيق من رابه شيء في صلاته فليسبح فإنه إذا سبح التفت إليه وإنما التصفيق للنساء ". رواه البخاري (652) ومسلم (421) . قال ابن حجر: وكان منع النساء من التسبيح لأنها مأمورة بخفض صوتها في الصلاة مطلقا لما يخشى من الافتتان ومنع الرجال من التصفيق لأنه من شأن النساء اهـ فتح الباري (3 / 77) . وهذا المنع إذا وجد رجال أجانب عنها، أما مع جماعة النساء أو مع وجود رجال من محارمها فلا بأس أن تجهر بالقراءة والتأمين. قال ابن قدامة رحمه الله في المغني (3/38) : وتجهر –يعني المرأة- في صلاة الجهر، وإن كان ثَمَّ رجال لا تجهر، إلا أن يكونوا من محارمها فلا بأس اهـ. قال النووي في المجموع (3/390) : وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَقَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا: إنْ كَانَتْ تُصَلِّي خَالِيَةً أَوْ بِحَضْرَةِ نِسَاءٍ أَوْ رِجَالٍ مَحَارِمَ جَهَرَتْ بِالْقِرَاءَةِ , سَوَاءٌ أَصَلَّتْ بِنِسْوَةٍ أَمْ مُنْفَرِدَةً , وَإِنْ صَلَّتْ بِحَضْرَةِ أَجْنَبِيٍّ أَسَرَّتْ. . . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. . . قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: وَحُكْمُ التَّكْبِيرِ فِي الْجَهْرِ وَالإِسْرَارِ حُكْمُ الْقِرَاءَةِ اهـ. وحكم التأمين من حيث الجهر والإسرار حكم القراءة قال ابن قدامة رحمه الله في المغني (2/162) : ويسن أن يجهر به –يعني التأمين- الإمام والمأموم فيما يُجهر فيه بالقراءة، وإخفاؤه فيما يُخفى فيه اهـ وقال النووي في المجموع (3/371) : إنْ كَانَتْ الصَّلاةُ سِرِّيَّةً أَسَرَّ الإِمَامُ وَغَيْرُهُ بِالتَّأْمِينِ تَبَعًا لِلْقِرَاءَةِ وَإِنْ كَانَتْ جَهْرِيَّةً وَجَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ اُسْتُحِبَّ لِلْمَأْمُومِ الْجَهْرُ بِالتَّأْمِينِ بِلا خِلافٍ اهـ. والخلاصة: أنه يجوز للمرأة أن تجهر بالقراءة والتأمين في الصلاة، إلا إذا صلت بحضرة رجل أجنبي عنها فإنها تسر. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 9063 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1826 هل يصلى خلف من يقول إنه لا يجب تغطية شعر المرأة؟ [السُّؤَالُ] ـ[نحن في أمريكا ويوجد شخص من جماعة المسجد له مكانته بين المسلمين. هذا الرجل قال في المسجد للمسلمين بأن أمريكا دار إسلام أكثر من بلاد الحرمين، وقال ردا على صحيفة سألته بعدما أسلمت إحدى الأمريكيات والتزمت بالحجاب بأن الله فرض على الرجال والنساء الحشمة, ولكن بعض المسلمين يقول بأن المرأة يجب أن تغطي رأسها. وهو لا يرى بتغطية الرأس. السؤال: هل ما يقوله هذا الرجل حق أم باطل بالأدلة , حيث إن كثيرا من المسلمات هنا اعتمدن على كلامه بعدم واجبية تغطية الرأس، وإذا أصر على ما يقول هل الصلاة خلفه تجوز؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: قول الرجل المسئول عنه: إن أمريكا دار إسلام أكثر من بلاد الحرمين، قول باطل، وبطلانه لا يحتاج إلى دليل؛ إذ ليس هناك عاقل فضلا عن عالم يقول إن أمريكا دار إسلام، بل وأمريكا نفسها لا تدعي ذلك! ثانيا: تغطية رأس المرأة واجب باتفاق أهل العلم؛ للأدلة الكثيرة المستفيضة التي فيها الأمر بالحجاب، ومن أصرحها قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) الأحزاب/59. وهذا دليل على وجوب ستر الوجه أيضا؛ لأن الجلباب يُدنى من على الرأس حتى يستر الوجه والصدر. وقد بينا أدلة وجوب ستر الوجه، في جواب السؤال رقم (11774) ، وهي دالة على وجوب تغطية الرأس من باب أولى. والعلماء مختلفون في تغطية الوجه، لكنهم لا يختلفون في أنه يجب على المرأة أن تغطي رأسها وشعرها عن الرجال الأجانب. قال الإمام أبو بكر الجصاص في تفسيره "أحكام القرآن" (3/485) مفسرا قوله تعالى: (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) النور/60: " لا خلاف في أن شعر العجوز عورة لا يجوز للأجنبي النظر إليه كشعر الشابة , وأنها إن صلت مكشوفة الرأس كانت كالشابة في فساد صلاتها " انتهى. ويقال لهذا المتعالم وأمثاله: الحجاب أو الحشمة التي تذهبون إليها: ما مستندها، وما حدودها، وأين ذكرها الله تعالى في كتابه أو رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته؟ فإن ذكر آيات الحجاب، طولب بمعرفة تفسيرها والوقوف عند ذلك. وإن أعرض عن آيات الحجاب، وتعامى عنها، ذُكرت له، ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حَيَّ عن بينة. ثالثا: الذي يجب أن يكون عليه المسلمون هو تعظيم الكتاب والسنة، والوقوف عند حدودهما، والسعي في تعلم أحكامهما، وعدم الاستجابة والأخذ عن كل ناعق، لا سيما في هذه الأزمنة التي كثر فيها المجترئون على الشريعة، المتحدثون بغير هدى. وعلى أخواتنا المسلمات أن يتقين الله تعالى، وأن تكون قدوتهن عائشة وفاطمة وخديجة والجيل الأول من الصحابيات الفضليات، اللاتي سارعن إلى تغطية جميع أبدانهن حين نزلت آيات الحجاب، وخرجن، لا يُعرفن من السواد، ولا يظهر منهم وجه فضلا عن شعر. رابعا: ينبغي مناصحة هذا المتكلم، وإيقافه على حكم الحجاب وصفته من الكتاب والسنة وبيان أهل العلم، فإن استجاب فالحمد لله، وهذا ما نرجوه له، وإن أصر على موقفه، فلا يُمكَّن من تعليم المسلمين أو وعظهم، ولا يمكن من الإمامة، ولا يصلى خلفه، بل يهجر ويترك حتى يرجع إلى الحق. نسأله سبحانه أن يهدي ضال المسلمين، وأن يثبتنا على دينه حتى نلقاه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 87735 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1827 حكم إقامة الجماعة الثانية في المسجد [السُّؤَالُ] ـ[أثيرت فتنة داخل المسجد وانتشرت بين الإخوة وهي إقامة الجماعة الثانية بعد الجماعة الأولى في المسجد الذي له إمام راتب، لدرجة قيام الإخوة بالمنع منه، أرجو الإفادة للضرورة]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إقامة الجماعة الثانية في المسجد له عدة صور، بعضها ممنوع وبعضها جائز. والصورة التي ينبغي أن نتفق على منعها هي: إذا كانت هذه الجماعة تقام باتفاق مسبق من هؤلاء، كما لو اتفق جماعة على الحضور إلى المسجد بعد انتهاء الإمام من الصلاة ثم يصلون جماعةً، ومثلها أيضا في المنع: إذا كانت الجماعة الثانية شيئا راتبا في المسجد ونظاماً معمولاً به، كما لو قيل مثلاً: إن الجماعة الأولى تقام الساعة كذا، والجماعة الثانية تقام الساعة كذا، ويكون هذا شيئا راتباً. فهاتان الصورتان لا إشكال في النهي عنهما، لما فيهما من تفريق جماعة المسلمين، وتثبيط الناس عن الحضور إلى الجماعة الأولى. أما إذا أقيمت الجماعة الثانية في المسجد من غير اتفاق، كما لو دخل جماعة إلى المسجد بعد انتهاء الإمام من الصلاة فصلوا جماعة، فهذه الصورة فيها خلاف بين العلماء، والصحيح جوازها بل استحبابها، لما فيها من تحصيل ثواب الجماعة. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله وهو يذكر صور إقامة الجماعة الثانية في المسجد: " فأما الصورة الأولى، بأن يكون في المسجد جماعتان دائما، الجماعة الأولى والجماعة الثانية، فهذا لا شك أنه مكروه إن لم نقل: إنه محرم؛ لأنه بدعة؛ لم يكن معروفا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. ومن ذلك ما كان معروفا في المسجد الحرام سابقا قبل أن تتولى الحكومة السعودية عليه، كان فيه أربع جماعات، كل جماعة لها إمام: إمام الحنابلة يصلي بالحنابلة، وإمام الشافعية يصلي بالشافعية، وإمام المالكية يصلي بالمالكية، وإمام الأحناف يصلي بالأحناف. ويسمونه: هذا مقام الشافعي، وهذا مقام المالكي، وهذا مقام الحنفي، وهذا مقام الحنبلي، لكن الملك عبد العزيز جزاه الله خيرا لما دخل مكة، قال: هذا تفريق للأمة، أي: أن الأمة الإسلامية متفرقة في مسجد واحد، وهذا لا يجوز، فجمعهم على إمام واحد، وهذه من مناقبه وفضائله رحمه الله تعالى. فهذا الذي أشار إليه أحد المحاذير، وهو تفريق الأمة. وأيضا: أنه دعوة للكسل؛ لأن الناس يقولون: ما دام فيه جماعة ثانية ننتظر حتى تأتي الجماعة الثانية، فيتوانى الناس عن حضور الجماعة مع الإمام الراتب الأول ". ثم ذكر الصورة الثانية فقال: " وأما الصورة الثانية، أن يكون عارضا، أي أن الإمام الراتب هو الذي يصلي بجماعة المسجد، لكن أحيانا يتخلف رجلان أو ثلاثة أو أكثر لعذر، فهذا هو محل الخلاف. فمن العلماء من قال: لا تعاد الجماعة، بل يصلون فرادى. ومنهم من قال: بل تعاد، وهذا القول هو الصحيح، وهو مذهب الحنابلة، ودليل ذلك: أولا: حديث أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كان أكثر فهو أحب إلى الله) رواه أبو داود (554) والنسائي (843) وهذا نص صريح بأن صلاة الرجل مع الرجل أفضل من صلاته وحده، ولو قلنا: لا تقام الجماعة لزم أن نجعل المفضول فاضلا، وهذا خلاف النص. ثانيا: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان جالسا ذات يوم مع أصحابه، فدخل رجل بعد أن انتهت الصلاة، فقال: (من يتصدق على هذا فيصلي معه؟) فقام أحد القوم فصلى مع الرجل. رواه الترمذي (220) وهذا نص صريح في إعادة الجماعة بعد الجماعة الراتبة، حيث ندب النبي عليه الصلاة والسلام من يصلي مع هذا الرجل، وقول من قال: إن هذه صدقة، وإذا صلى اثنان في المسجد وقد فاتتهما الصلاة فصلاة كل واحد منهما واجبة. فيقال: إذا كان يؤمر بالصدقة، ويؤمر من كان صلى أن يصلي مع هذا الرجل، فكيف لا يؤمر من لم يصل أن يصلي مع هذا الرجل؟! الصورة الثالثة: أن يكون المسجد مسجد سوق، أو مسجد طريق سيارات، أو ما أشبه ذلك، فإذا كان مسجد سوق يتردد أهل السوق إليه فيأتي الرجلان والثلاثة والعشرة يصلون ثم يخرجون، كما يوجد في المساجد التي في بعض الأسواق، فلا تكره إعادة الجماعة فيه، قال بعض العلماء: قولا واحدا، ولا خلاف في ذلك؛ لأن هذا المسجد من أصله معد لجماعات متفرقة؛ ليس له إمام راتب يجتمع الناس عليه " انتهى من "الشرح الممتع" (4/227- 231) . والذي نوصي به إخواننا هو التناصح والسعي لجمع الكلمة ونبذ الاختلاف والفرقة، وترك حظ النفس، والمحافظة على هذه الشعيرة التي هي من أسباب الاتحاد والائتلاف، فكيف تجعل وسيلة للخلاف والفرقة. ولنا قدوة في عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فقد أنكر على عثمان رضي الله عنه إتمامه الصلاة بمنى، ومع ذلك أتم الصلاة، فلما سئل عن ذلك قال: (الْخِلافُ شَرٌّ) رواه أبو داود (1960) . ومما يدل على أهمية السعي في تأليف القلوب، أن جماعة من أهل العلم نصوا على جواز ترك الإمام بعض السنن لمصلحة تأليف الجماعة، كما قال شيخ الإسلام رحمه الله: " ولو كان الإما يرى استحباب شيء , والمأمومون لا يستحبونه , فترَكه لأجل الاتفاق والائتلاف، كان قد أحسن. مثال ذلك الوتر فإن للعلماء فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه لا يكون إلا بثلاث متصلة. كالمغرب: كقول من قاله من أهل العراق. والثاني: أنه لا يكون إلا ركعة مفصولة عما قبلها , كقول من قال ذلك من أهل الحجاز. والثالث: أن الأمرين جائزان , كما هو ظاهر مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما , وهو الصحيح. وإن كان هؤلاء يختارون فصله عما قبله , فلو كان الإمام يرى الفصل , فاختار المأمومون أن يصلي الوتر كالمغرب، فوافقهم على ذلك تأليفا لقلوبهم كان قد أحسن , كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: (لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لنقضت الكعبة , ولألصقتها بالأرض ; ولجعلت لها بابين , بابا يدخل الناس منه , وبابا يخرجون منه) فترك الأفضل عنده ; لئلا ينفر الناس. وكذلك لو كان رجل يرى الجهر بالبسملة فأمّ بقوم لا يستحبونه أو بالعكس ووافقهم كان قد أحسن " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (2/118) . نسأل الله أن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 87847 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1828 مصاب بشلل الأطفال ويترك الجماعة في بعض الصلوات [السُّؤَالُ] ـ[أنا شخص مصاب بشلل الأطفال والحمد لله إنني أصلي في المسجد غالبا وأحيانا أصليها في البيت بسبب تأخري في النوم كما أنني أصلي الظهر في البيت أحيانا كثيرة فهل على إثم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: صلاة الجماعة واجبة على الرجال القادرين، حضرا وسفرا؛ في أصح قولي العلماء، لأدلة كثيرة، سبق ذكرها في الجواب رقم (8918) ورقم (120) . فإذا كنت قادرا على الذهاب إلى المسجد فالجماعة واجبة عليك، وقد ذكرتَ أنك تصلي غالبا في المسجد والحمد لله، وهذا من فضل الله ونعمته عليك، فاحرص على شكرها، فإن الشكر يزيد النعم، كما قال سبحانه: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ) إبراهيم/7. ثانيا: النوم عذر في التخلف عن الجماعة، إذا لم يكن عن تفريط، كالسهر بلا حاجة، وعدم أخذ الأسباب المعينة على الاستيقاظ. وقد روى الترمذي (177) والنسائي (615) وأبو داود (437) وابن ماجه (698) عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه قَالَ: ذَكَرُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَوْمَهُمْ عَنْ الصَّلاةِ فَقَالَ: (إِنَّهُ لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ، إِنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ، فَإِذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ صَلاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا) وصححه الألباني في صحيح الترمذي وأصل الحديث في الصحيحين بلفظ مقارب لهذا اللفظ. قال المباركفوري في شرح الترمذي: " (لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ) أَيْ: لا ينسب تقصير إلى النائم في تأخيره الصلاة. (إِنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقِظَةِ) أَيْ: إنما التفريط والتقصير يكون في المستيقظ الذي يترك الصلاة أو يؤخرها من غير عذر " انتهى بتصرف. وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: رجل يصلي صلاة الصبح بعد طلوع الشمس واتخذ ذلك عادة له في كل يوم لمدة سنتين حيث يدعي أن النوم يغلب عليه بأنه يسهر في المقاهي وعلى الملاهي إلى بعد نصف الليل هل تصح صلاته؟ فأجابت: " يحرم تأخير الصلاة عن وقتها، ويجب على المسلم المكلف أن يحتاط للصلاة في وقتها - صلاة الصبح وغيرها - بإيصاء من ينبهه لها أو بوضع منبه له، ويحرم عليه أن يسهر على الملاهي وغيرها مما حرم الله سهراً يفوت عليه صلاة الصبح في وقتها أو مع الجماعة؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن السهر بعد العشاء بغير مصلحة شرعية، ولأن كل عمل يسبب تأخير الصلاة عن وقتها يحرم عليه فعله إلا ما استثناه الشرع المطهر " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (6/15) . ثالثا: تخلفك عن الجماعة في صلاة الظهر، إن كان لعذر، كمشقة الذهاب إلى المسجد، فلا حرج عليك، وإن كان لغير عذر، فالواجب عليك التوبة إلى الله تعالى، وأداؤها مع الجماعة مستقبلا. نسأل الله أن يعينك ويوفقك إلى ما يحب ويرضى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 85125 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1829 صلى بالناس وهو محدث ناسيا [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم صلاة المأمومين إذا أخبرهم الإمام بعد فراغه من الصلاة أنه كان على غير وضوء عن طريق السهو؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من أمّ قوما ثم تبين أنه كان على غير طهارة، فصلاة المأمومين صحيحة، على الراجح من قولي العلماء، وصلاة الإمام باطلة، فيلزمه إعادتها. قال ابن قدامة رحمه الله: " إذا صلى الإمام بالجماعة محدثا , أو جنبا , غير عالم بحدثه , فلم يعلم هو ولا المأمومون , حتى فرغوا من الصلاة , فصلاتهم صحيحة , وصلاة الإمام باطلة. روي ذلك عن عمر وعثمان وعلي وابن عمر رضي الله عنهم , وبه قال مالك والشافعي. روي أن عمر رضي الله عنه صلى بالناس الصبح , ثم وجد في ثوبه احتلاما , فأعاد ولم يعيدوا. وصلى عثمان رضي الله عنه بالناس صلاة الفجر , فلما أصبح وارتفع النهار فإذا هو بأثر الجنابة, فأعاد الصلاة , ولم يأمرهم أن يعيدوا. وعن علي رضي الله عنه أنه قال: إذا صلى الجنب بالقوم فأتم بهم الصلاة آمره أن يغتسل ويعيد , ولا آمرهم أن يعيدوا. وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه صلى بهم الغداة , ثم ذكر أنه صلى بغير وضوء , فأعاد ولم يعيدوا. رواه كله الأثرم " انتهى من "المغني" (1/419) بتصرف. وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن رجل صلى إماما صلاتي الظهر والعصر وهو جنب، وكان لا يعلم بجنابته. فأجابت: " يجب عليك إعادة صلاتي الظهر والعصر بعد أن تغتسل غسل الجنابة، ويجب أن تعجل بذلك، أما من صلى وراءك هذه الصلوات فلا يجب عليهم إعادتها، فإن عمر رضي الله عنه صلى بالناس صلاة الفجر وهو جنب وقد كان ناسيا فأعاد الفجر ولم يأمر من صلى وراءه تلك الصلاة أن يعيدها، ولأنهم معذورون لكونهم لا يعلمون حدثك " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (6 / 266) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 85011 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1830 هل يقوم المصلون عند سماع الإقامة أو في وسطها أو عند فراغها؟ [السُّؤَالُ] ـ[عندما يقيم المؤذن الصلاة، ينهض البعض ويستعدون ويتراصون ويتساوون في الصف، لكن البعض الآخر يبقون في أماكنهم إلى أن يقول المؤذن "قد قامت الصلاة"، فما هو الفعل الصحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأمر في ذلك واسع، فللإنسان أن يقوم في أول الإقامة أو في وسطها أو بعد انتهائها، وجمهور العلماء على أنه إذا كان الإمام في المسجد، لم يقوموا حتى تفرغ الإقامة. قال الإمام مالك رحمه الله في "الموطأ": " وَأَمَّا قِيَامُ النَّاسِ حِينَ تُقَامُ الصَّلاةُ فَإِنِّي لَمْ أَسْمَعْ فِي ذَلِكَ بِحَدٍّ يُقَامُ لَهُ، إِلا أَنِّي أَرَى ذَلِكَ عَلَى قَدْرِ طَاقَةِ النَّاسِ، فَإِنَّ مِنْهُمْ الثَّقِيلَ وَالْخَفِيفَ وَلا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَكُونُوا كَرَجُلٍ وَاحِدٍ " انتهى. وقال الحافظ في "الفتح": " وَذَهَبَ الأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّهُمْ إِذَا كَانَ الإِمَام مَعَهُمْ فِي الْمَسْجِد لَمْ يَقُومُوا حَتَّى تَفْرُغَ الإِقَامَةُ. وَعَنْ أَنَس أَنَّهُ كَانَ يَقُوم إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّن: " قَدْ قَامَتْ الصَّلاة " رَوَاهُ اِبْن الْمُنْذِرِ وَغَيْره , وَكَذَا رَوَاهُ سَعِيد بْن مَنْصُور مِنْ طَرِيق أَبِي إِسْحَاق عَنْ أَصْحَاب عَبْد اللَّه (يعني ابن مسعود رضي الله عنه) . وَعَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب قَالَ: " إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّن اللَّه أَكْبَر وَجَبَ الْقِيَام , وَإِذَا قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلاة عُدِّلَتْ الصُّفُوفُ , وَإِذَا قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ كَبَّرَ الإِمَام ". وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ الإِمَام فِي الْمَسْجِد فَذَهَبَ الْجُمْهُور إِلَى أَنَّهُمْ لا يَقُومُونَ حَتَّى يَرَوْهُ " انتهى باختصار. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل ورد في السنة وقت محدد للقيام للصلاة عند الإقامة؟ فأجاب: لم ترد السنة محدِّدة لموضع القيام؛ إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوموا حتى تروني) متفق عليه، فمتى قام الإنسان في أول الإقامة، أو في أثنائها، أو عند انتهائها فكل ذلك جائز " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (13/16) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82934 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1831 إذا أحدث الإمام أو تذكر الحدث في الصلاة جاز له الاستخلاف [السُّؤَالُ] ـ[إمام صلى بالناس وأثناء الصلاة تذكر أنه لم يكن متوضئاً أصلاً، فقطع الصلاة واستخلف أحد المصلين، وكان قد صلى بهم ركعة فجاء هذا الخليفة وبنى على صلاة الإمام، ثم ذهب الإمام وتوضأ وأعاد الصلاة، فهل تصرف هذا الإمام صحيح علماً بأنه مقلد للمذهب الشافعي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما قام به الإمام من الخروج من الصلاة واستخلاف أحد المأمومين، وبناء الخليفة على صلاة الإمام، كل ذلك عمل صحيح. والقول بجواز الاستخلاف في هذه الحالة هو قول جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية، ورواية عن الإمام أحمد. قال النووي رحمه الله: " قال أصحابنا: إذا خرج الإمام عن الصلاة بحدثٍ تعمّده أو سبَقه أو نسيه أو بسبب آخر , أو بلا سبب ففي جواز الاستخلاف قولان مشهوران: الصحيح الجديد: جوازه للحديث الصحيح، وقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " ذهب ليصلح بين بني عمرو بن عوف وصلى أبو بكر بالناس فحضر النبي صلى الله عليه وسلم وهو في أثناء الصلاة فاستأخر أبو بكر واستخلف النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى باختصار من المجموع" (4/138) . وقال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع (4/243) : " إذا ذكر الإمام في أثناء الصلاة أنه محدث وجب عليه الانصراف ويستخلف من يكمل بهم الصلاة، لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما طعنه أبو لؤلؤة المجوسي بعد أن شرع في صلاة الصبح تناول عمر يد عبد الرحمن بن عوف فقدمه، فصلى بهم صلاة خفيفة (رواه البخاري) . وهذا بحضرة الصحابة رضي الله عنهم، فإن لم يفعل وانصرف – أي: لم يستخلف – فللمأمومين الخيار بين أن يقدموا واحداً منهم يكمل بهم الصلاة، أو يتموها فرادى " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83110 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1832 يترك صلاة الجماعة خشية تأخر شفاء قدمه [السُّؤَالُ] ـ[أنا شاب والحمد لله أحافظ على صلاة الجماعة، لكن أحيانا عندما أصاب في قدمي وأضع على قدمي ضمادا، لا أذهب إلى الصلاة؛ خوفا من تفاقم الإصابة من خلال السير على الأقدام ذهابا ًوعودة، فأصلي في المنزل؛ لأنه إذا تفاقمت ستزيد فترة الراحة وعدم الذهاب للمسجد.. فما حكم ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نبارك لك حرصك على صلاة الجماعة، ونسأل الله تعالى أن يثبتنا وإياك على طاعته، وأن يتقبل منا ومنك. نعم، المرض من أعذار التخلف عن صلاة الجماعة. جاء في "الموسوعة الفقهية" (27/187) : " وهو المرض الذي يشق معه الإتيان إلى المسجد لصلاة الجماعة. قال ابن المنذر: لا أعلم خلافا بين أهل العلم أن للمريض أن يتخلف عن الجماعات من أجل المرض، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لمّا مرض تخلف عن المسجد، وقال: مُرُوا أبا بكر فليصل بالناس " انتهى. وقد نص الفقهاء رحمهم الله على أن المريض إذا خشي أن يتأخر شفاؤه فإنه يُعذر ويُخَفَّفُ عليه في العبادة، سواء كانت صلاة أو صياما أو طهارة ونحو ذلك. انظر: "الإنصاف" (2/305) و "الموسوعة الفقهية" (14/258) . والمعتبر في ذلك كلام الطبيب الثقة، أو معرفة ذلك بالتجربة والخبرة. فإذا كان كثرة المشي يؤخر الشفاء فلا حرج عليك في ترك صلاة الجماعة في المسجد، وبما أنك محافظ عليها فسيكون لك ثواب الجماعة إن شاء الله تعالى، لحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل صحيحاً مقيماً) رواه البخاري (2834) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82278 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1833 هل يمنع الأطفال من القدوم إلى المسجد [السُّؤَالُ] ـ[هل نمنع الأطفال من المجيء للمسجد في التراويح مع الأمهات لكثرة الإفساد والإزعاج؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سألت الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله هذا السؤال فأجاب: يُتركون كما جاء في الأحاديث، (ويسع الآخرين ما وسع الأولين) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد العزيز بن باز يرحمه الله الحديث: 11605 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1834 حمل المصحف للمأموم مخالفة للسنة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم حمل المصحف من قبل المأمومين في صلاة التراويح في رمضان بحجة متابعة الإمام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله حمل المصحف لهذا الغرض فيه مخالفة للسنة وذلك من وجوه: الوجه الأول: أنه يفوت الإنسان وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى في حال القيام. والثاني: أنه يؤدي إلى حركة كثيرة لا حاجة لها وهي فتح المصحف وإغلاقه ووضعه تحت الإبط. والثالث: أنه يشغل المصلي في الحقيقة بحركاته هذه. والرابع: أنه يفوت المصلي النظر إلى موضع السجود وأكثر العلماء يرون أن النظر إلى موضع السجود هو السنة والأفضل. والخامس: أن فاعل ذلك ربما ينسى أنه في صلاة إذا لم يكن يستحضر قلبه أنه في صلاة، بخلاف ما إذا كان خاشعاً واضعاً يده اليمنى على اليسرى مطأطئاً رأسه نحو سجوده فإنه يكون أقرب إلى استحضار أنه يصلي وأنه خلف الإمام. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين لمجلة الدعوة العدد 1771 ص 45 الحديث: 10067 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1835 هل صلاة النساء بجوار الرجال مع الفاصل صحيحة؟ [السُّؤَالُ] ـ[يوجد في بلدنا مسجد يصلي فيه النساء بجوار الرجال لكن يفصل بينهما جدار فهل هذا العمل صحيح أو لابد أن يصلي النساء خلف الرجال؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا صلت المرأة بمحاذاة الرجل وكان بينهما حائل من جدار أو فرجة يمكن أن يقوم فيها مصلٍ، فالصلاة صحيحة عند عامة أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة. وإنما وقع الخلاف بينهم فيما إذا صلت إلى جنبه بلا حائل، فذهب الحنفية إلى أنها تُبطل صلاة ثلاثة من الرجال، واحد عن يمينها، وآخر عن يسارها، وثالث خلفها، بشروط ذكروها، وحاصلها: أن تكون المرأة مشتهاة، وهي من بلغت سبع سنين، أو كانت تصلح للجماع، على خلاف في المذهب، وأن تدخل مع الرجل في صلاة مطلقة أي لها ركوع وسجود، ويشتركان في التحريمة والأداء، وأن يكون الإمام قد نوى إمامتها أو إمامة النساء بصفة عامة، في تفاصيل أخر، تعرف بالرجوع إلى كتبهم. ينظر: "المبسوط" (1/183) ، "بدائع الصنائع" (1/239) ، "تبيين الحقائق" (1/136- 139) . قال النووي رحمه الله تعالى مبينا الخلاف في المسألة وملخصا مذهب الحنفية: " إذا صلى الرجل وبجنبه امرأة لم تبطل صلاته ولا صلاتها سواء كان إماما أو مأموما، هذا مذهبنا وبه قال مالك والأكثرون , وقال أبو حنيفة: إن لم تكن المرأة في صلاة أو كانت في صلاة غير مشاركة له في صلاته صحت صلاته وصلاتها , فإن كانت في صلاة يشاركها فيها - ولا تكون مشاركة له عند أبي حنيفة إلا إذا نوى الإمام إمامة النساء - فإذا شاركته فإن وقفت بجنب رجل بطلت صلاة من إلى جنبيْها , ولا تبطل صلاتها ولا صلاة من يلي الذي يليها ; لأن بينه وبينها حاجزا , وإن كانت في صف بين يديه (يعني: أمامه) بطلت صلاة من يحاذيها من ورائها , ولم تبطل صلاة من يحاذي محاذيها ; لأن دونه حاجزا، فإن صف نساء خلف الإمام وخلفهن صف رجال بطلت صلاة الصف الذي يليهن , قال: وكان القياس أن لا تبطل صلاة من وراء هذا الصف من الصفوف بسبب الحاجز , ولكن نقول تبطل صفوف الرجال وراءه , ولو كانت مائة صف استحسانا , فإن وقفت بجنب الإمام بطلت صلاة الإمام ; لأنها إلى جنبه ومذهبه أنها إذا بطلت صلاة الإمام بطلت صلاة المأمومين أيضا , وتبطل [صلاتها] أيضا ; لأنها من جملة المأمومين. وهذا المذهب ضعيف الحجة، ظاهر التحكم والتمسك بتفصيل لا أصل له , وعمدتنا أن الأصل أن الصلاة صحيحة حتى يرد دليل صحيح شرعي في البطلان , وليس لهم ذلك ... وقاس أصحابنا على وقوفها في صلاة الجنازة فإنها لا تبطل عندهم , والله أعلم بالصواب وله الحمد والنعمة والمنة , وبه التوفيق والهداية والعصمة" انتهى من المجموع (3/331) باختصار يسير. أما مع وجود الحائل فقد اتفق الأحناف مع الجمهور على أنه لا تبطل صلاة واحد منهما، كما في "تبيين الحقائق" (1/138) ثانيا: لا شك أن السنة أن تكون صفوف النساء خلف الرجال، كما كان الحال على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد روى البخاري (380) ومسلم (658) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ لَهُ فَأَكَلَ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ قُومُوا فَلِأُصَلِّ لَكُمْ قَالَ أَنَسٌ: فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدْ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَفَفْتُ وَالْيَتِيمَ وَرَاءَهُ، وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا، فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ) . قال الحافظ في الفتح: " وَفِي هَذَا الْحَدِيث مِنْ الْفَوَائِد: ... َتَأْخِير النِّسَاء عَنْ صُفُوف الرِّجَال , وَقِيَام الْمَرْأَة صَفًّا وَحْدهَا إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا اِمْرَأَة غَيْرهَا " انتهى. لكن إذا حصل ما ذكرتَ من كونهن يحاذين الرجال، فالصلاة صحيحة والحمد لله. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 79122 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1836 صلاة العشاء خلف من يصلي التراويح أو الوتر [السُّؤَالُ] ـ[فاتتني صلاة العشاء، وأدركت الإمام في ركعة الوتر.. فصليت معه ودعا، فلما سلم قمت فصليت ثلاث ركعات.. فهل فعلي صحيح؟ وهل الركعة التي صليتها تكون بمثابة صلاة الوتر؟ أم أنها جزء من العشاء؟ أم ماذا؟ وما الصحيح في مثل هذه الحالة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: صلاتك العشاء خلف من يصلي التراويح أو الوتر، صحيحة على الراجح من قولي العلماء، والمسألة معروفة عند الفقهاء بصلاة المفترض خلف المتنفّل، قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/30) : " وفي صلاة المفترض خلف المتنفل روايتان: إحداهما: لا تصح، واختارها أكثر أصحابنا، وهذا قول الزهري , ومالك , وأصحاب الرأي ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الإمام ليؤتم به , فلا تختلفوا عليه) متفق عليه. والثانية: يجوز. وهذا قول الشافعي , وابن المنذر , وهي أصح ; لما روى جابر بن عبد الله أن معاذا كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يرجع فيصلي بقومه تلك الصلاة. متفق عليه. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى بطائفة من أصحابه في الخوف ركعتين , ثم سلم , ثم صلى بالطائفة الأخرى ركعتين , ثم سلم. رواه أبو داود , والثانية منهما تقع نافلة , وقد أَمَّ بها مفترضين. فأما حديثهم فالمراد به: لا تختلفوا عليه في الأفعال , بدليل قوله: (فإذا ركع فاركعوا , وإذا رفع فارفعوا , وإذا سجد فاسجدوا , وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون) " انتهى باختصار. وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما هو العمل عندما يأتي الفرد بعد صلاة العشاء وقد انتهت، وقام الإمام يصلي التراويح، فهل يأتم بالإمام وينوي العشاء؟ أم يقيم ويصلي منفردا أو مع جماعة إن وجدت؟ فأجابوا: "يجوز أن يصلي العشاء جماعة مع من يصلي التروايح، فإذا سلم الإمام من ركعتين قام من يصلي العشاء وراءه وصلى ركعتين، إتماما لصلاة العشاء" انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (7/402) . وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: إذا جاء المسلم إلى المسجد ووجد الجماعة يصلون التراويح وهو لم يصل العشاء فهل يصلي معهم بنية العشاء؟ فأجاب: "لا حرج أن يصلي معهم بنية العشاء في أصح قولي العلماء، وإذا سلم الإمام قام فأكمل صلاته" انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (12/181) . ثانيا: الركعة التي صليتها مع الإمام لا تكون بمثابة الوتر؛ لأمرين: الأول: أنك دخلت بنية العشاء، فتكون ركعة معتدًّا بها من صلاة العشاء، وعليك أن تكمل بقية الصلاة بعد سلام الإمام. الثاني: أن الوتر لا يصح إلا بعد الفراغ من صلاة العشاء؛ لما روى الإمام أحمد (23339) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ اللَّهَ زَادَكُمْ صَلَاةً، وَهِيَ الْوِتْرُ، فَصَلُّوهَا فِيمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى صَلَاةِ الْفَجْر) صححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (108) . والحاصل: أن ما فعلته صحيح، ونسأل الله تعالى أن يتقبل منك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 79136 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1837 أصر على أن تخرج زوجته لصلاة العشاء والتراويح ويجلس هو بابنته [السُّؤَالُ] ـ[أصر زوجي علي لأصلي صلاة التراويح وأن يبقى هو مع طفلتنا وبعد إلحاح منه ذهبت للصلاة وبقي هو معها، ما حكم صلاتي وبقائه معها؟ مع العلم أنه لم يصل العشاء جماعة لبقائه مع الطفلة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: صلاة الجماعة في المسجد واجبة على الرجال في أصح أقوال أهل العلم، لأدلة كثيرة سبق ذكرها في جواب السؤال رقم (120) . وصلاة التراويح سنة مؤكدة، وينبغي على الرجال فعلها جماعة في المسجد، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (45781) . ثانيا: صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ) رواه أبو داود (567) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. وقوله صلى الله عليه وسلم: (صَلاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا، وَصَلاتُهَا فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهَا فِي بَيْتِهَا) رواه أبو داود (570) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. وهذا عام يشمل صلاة التراويح وغيرها، وراجعي السؤال رقم (3457) . وعلى هذا، فما قام به زوجك عمل مستغرب لأنه ترك الواجب عليه وهو صلاة العشاء جماعة في المسجد، ثم ترك سنة لا ينبغي التفريط فيها، وهي صلاة التراويح جماعة في المسجد أيضاً، كل ذلك من أجل أن تقومي أنتِ بشيء غاية الأمر أنه جائز وليس واجباً ولا مستحباً. ولكن لعله لم يكن يعلم بوجوب الصلاة في الجماعة وفعل ذلك إكراماً لكِ، فجزاه الله خيراً على إحسانه إليك، لكن عليه ألا يعود إلى ذلك في المستقبل، وليكن إحسانه إليكِ: أن يمكنكِ من فعل الصلاة في البيت ويصرف عنك الشواغل من الأولاد وغيرها. ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 78966 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1838 المسبوق يتابع إمامه في قراءة التشهد [السُّؤَالُ] ـ[هل أقرأ التشهد كاملا مع الإمام في الركعة الأخيرة إذا كنت لم أدخل معه من أول الصلاة، أي: ليست الأخيرة بالنسبة لي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا خلاف بين أهل العلم أن المسبوق (وهو من دخل مع الإمام وقد فاته ركعة فأكثر) يجلس مع الإمام جلسة التشهد، متابعةً له، سواء وافقت موضع الجلوس بالنسبة للمسبوق، كمن أدرك الركعتين الأخيرتين من الرباعية، أو لم توافق موضع جلوسه، كمن أدرك ركعة من صلاة المغرب مثلا. وذلك لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤتَمَّ بِهِ) رواه البخاري (361) ومسلم (411) . وروى ابن أبي شيبة في مصنفه بسنده (1/260) : عن أبي سعيد وابن عمر وابن الزبير رضي الله عنهم، في الرجل يدخل مع الإمام وقد فاته بعض الصلاة؟ قالوا: (يصنع كما يصنع الإمام، فإذا قضى الإمام صلاته قام فقضى صلاته) . وقال السرخسي في "المبسوط" (1/35) : " لا خلاف أن المسبوق يتابع الإمام في التشهد، ولا يقوم للقضاء حتى يسلِّمَ الإمام " انتهى. فإذا جلس المأموم المسبوق مع الإمام فإنه يأتي بالتشهد كاملا، ثم يدعو بعده بما تيسر له، فإن ذلك خير من السكوت. قال الحافظ العراقي في "طرح التثريب" (2/363) : " الصحيح عندهم (يعني الشافعية) أنه يأتي بها (يعني قراءة التشهد) مع الإمام للاقتداء، وهذا المنقول عن السلف، روى البيهقي في سننه عن سعيد بن المسيب أنه قال: إن السنة إذا أدرك الرجل ركعة من صلاة المغرب مع الإمام أن يجلسَ مع الإمام " انتهى بتصرف يسير. وجاء في "الموسوعة الفقهية" (4/54) : " لو أدرك المسبوق الإمام في غير القيام، إما في الركوع وإما في السجود وإما في التشهد، فإنه يُحرِمُ معه، ويأتي بالذكر الذي يأتي به الإمام " انتهى. وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء (7/429) :عندما أحضر لأصلي الصلاة في المسجد وهي رباعية أو ثلاثية، فبعض الأحيان أحضر وقد فاتني ركعة، فعندما أصلي الركعة الأولى بالنسبة لي، يجلس الإمام للتشهد الأول، فماذا أفعل أو أقرأ في هذه الحالة؟ فأجابت: " المسبوق يتابع إمامه في جميع أفعال الصلاة، فإذا جلس في الركعة الثانية للتشهد الأول فاجلس معه، واقرأ التشهد، ولو كان بالنسبة لك الركعة الأولى، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤتَمَّ بِهِ، فَلَا تَختَلِفُوا عَلَيَّ) متفق على صحته " انتهى. وقال السرخسي في "المبسوط" (1/35) : " وتكلموا أنه بعد الفراغ من التشهد ماذا يصنع؟ والأصح أنه يأتي بالدعاء متابعةً للإمام " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 76301 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1839 هل يرخص لحديث الزواج بترك صلاة الجماعة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل صحيح أن السنة ترخص للمتزوج حديثا أن يصلي في بيته خلال الأسبوع الأول من زواجه ولا يشارك الجماعة وما هو الدليل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فقد دلت الأدلة الكثيرة على وجوب صلاة الجماعة على الرجال كما تجده مفصلا في السؤال رقم (120) ، ولا نعلم دليلاً يدل على أن حديث العهد بالزواج يحق له ترك صلاة الجماعة، إلا أن بعض الفقهاء قد نص على أنه: " يعذر بترك الجماعة من ينتظر زف المرأة إليه " وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن رأيه في هذه العبارة فقال: " رأينا: أن أقوال العلماء يكون فيها الخطأ ويكون فيها الصواب، والواجب الرجوع إلي الكتاب والسنة. ثانيا: أن الذين قالوا هذا من العلماء إنما يتحدثون عن أمر كانوا عليه، وهو أن الرجل هو الذي يستقبل الزوجة وليست الزوجة هي التي تستقبل الرجل، فيكون الرجل في بيته وتزف إليه امرأته، وهذا يعذر بترك الجماعة، لأنه لو ذهب وصلى الجماعة لكان قلبه مشغولا، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا صلاة بحضرة طعام) وكان ابن عمر رضي الله عنهما يسمع الإمام يقرأ وهو يتعشى لا يقوم للصلاة حتى يكمل، فإذا كان الرجل يعذر بترك الجماعة في هذه الحال فالذي ينتظر زف الزوجة إليه أشد شغلا والعذر واضح، لكن عادة الناس اليوم على خلاف ذلك عندنا، فالزوج يأتي إلي الزوجة في مكانها، والأمر بيده فلا يعذر بترك الجماعة" انتهى من أسئلة اللقاء الشهري (29) وأما كون الزفاف عذرا لترك صلاة الجماعة مطلقاً فهذا وإن ذكره بعض الفقهاء، لكن لم يدل عليه دليل صحيح، وقد سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عمن يترك صلاة الفجر في صبيحة زواجه؟ فكان من جوابه: " الواجب أن يصلي الزوج صلاة الفجر مع الجماعة لا أن يدع صلاة الجماعة بدون عذر شرعي " انتهى من أسئلة اللقاء الشهري (29) ثالثاً: ما سأل عنه السائل من ترك المتزوج صلاة الجماعة أسبوعاً يظنه بعض الناس من السنة، ولعلهم فهموا ذلك من قول أنس رضي الله عنه: (من السنة أن يُقيم عند البِكْر سبعاً) متفق عليه واللفظ لمسلم (1461) ولكن ليس معناه كما يفهم هؤلاء أنه يقيم عندها أسبوعاً ولا يخرج من البيت، ولا يصلي جماعة في المسجد!! وإنما معناه: إذا تزوج بكراً وكان عنده زوجة غيرها، فإنه يقسم للبكر سبع ليال، خالصة لها ثم بعد ذلك يقسم لكل واحدة من زوجاته ليلة ليلة. وقد جاء بيان ذلك عن أنس رضي الله عنه في حديثه المتقدم عند البخاري (5214) ومسلم (1461) بلفظ: (مِنْ السُّنَّةِ إِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْبِكْرَ عَلَى الثَّيِّبِ أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا وَقَسَمَ وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ عَلَى الْبِكْرِ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ قَسَمَ) ، فواضح من هذا اللفظ: أن قصد أنس بأنه يقيم عند البكر سبعاً، أنه يقسم لها سبع ليال بمفردها، ثم يقسم لسائر زوجاته. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 75844 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1840 شهود الجماعة في مسجد تتكشف فيه النساء في الوضوء [السُّؤَالُ] ـ[في بلدنا المسلم وبمعظم المساجد عندنا، عندما أخرج للصلاة بالمسجد أرى بعض النساء بالمسجد يدخلن معي ويقمن بخلع أحذيتهن أمام الرجال وكذلك عند الوضوء يقمن بتشمير أرجلهن وأيديهن ويقفن بجوار الرجال للوضوء، ماذا أفعل؟ أأصلي بالبيت أم أترك المسجد؟ وخاصة أننا نحن الشباب نعاني من الشهوة بشدة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: شهود الجماعة مع المسلمين واجب، كما بينا في إجابات عديدة؛ فانظر رقم (8918، و 120) ، فلتحرص ـ أخي الكريم ـ على الجماعة في المسجد الذي يؤذن لها فيه. ولتحرص على الوضوء في منزلك أو مكان عملك، وإن اضطررت للوضوء في المسجد فعليك بغض بصرك وتحري البعد عن أماكن تواجد النساء، فإن الله تعالى يقول: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ) النور/30. كما نوصي المرأة المؤمنة أن تتقي الله في قدومها للمسجد، وأن تعلم أنها أتت لبقعة هي من أشرف بقاع الأرض لتؤدي عبادة من أعظم العبادات؛ فلا يليق بها أن تعصي ربها بكشف ما أمرها بتغطيته، كما لا يصلح لها مزاحمة الرجال في أماكن وضوئهم، وإذا لم تجد مكانا تتوضأ فيه فلتصل في منزلها فهو خير لها وأعظم لأجرها، كما في سنن أبي داود (570) وغيره، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (صَلَاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا وَصَلَاتُهَا فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي بَيْتِهَا) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. قال في عون المعبود: (صَلَاة الْمَرْأَة فِي بَيْتهَا) : أَيْ الدَّاخِلَانِيّ لِكَمَالِ سِتْرهَا (أَفْضَل مِنْ صَلَاتهَا فِي حُجْرَتهَا) : أَيْ صَحْن الدَّار. قَالَ اِبْن الْمَلَك: أَرَادَ بِالْحُجْرَةِ مَا تَكُون أَبْوَاب الْبُيُوت إِلَيْهَا وَهِيَ أَدْنَى حَالًا مِنْ الْبَيْت (وَصَلَاتهَا فِي مَخْدَعهَا) : هُوَ الْبَيْت الصَّغِير الَّذِي يَكُون دَاخِل الْبَيْت الْكَبِير يُحْفَظ فِيهِ الْأَمْتِعَة النَّفِيسَة , مِنْ الْخَدْع وَهُوَ إِخْفَاء الشَّيْء أَيْ فِي خِزَانَتهَا (أَفْضَل مِنْ صَلَاتهَا فِي بَيْتهَا) لِأَنَّ مَبْنَى أَمْرهَا عَلَى التَّسَتُّر. وفي سنن الترمذي (1173) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ فَإِذَا خَرَجَتْ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ) . زاد ابن خزيمة (1686) والطبراني (9481) : (وإنها لا تكون إلى وجه الله أقرب منها في قعر بيتها) ، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2688) ولا يجوز للمرأة المسلمة أن تؤذي المسلمين بكشف ما أوجب الله عليها ستره من اليدين والرجلين، والله تعالى يقول: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الأحزاب/59 وليس لها أن تزاحم الرجال في أماكنهم، ولا أن تؤذيهم بمخالطتهم على وجه لا يجوز، أو يوقعهم في الحرج. روى أبو داود (5272) عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ الْمَسْجِدِ، فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنِّسَاءِ: (اسْتَأْخِرْنَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ [يعني: أن يمشين في وسطه] ؛ عَلَيْكُنَّ بِحَافَّاتِ الطَّرِيقِ. فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ) حسنه الألباني في صحيح أبي داود. وإذا كان هذا في حال المشي في الطريق، الذي تكون المرأة فيه كاملة الحجاب، شادَّة عليها ثيابها، فكيف بحال الوضوء، والتشمير عن السوق والأذرع؟!! والخلاصة: أنه ينبغي عليك أن تتجنب مواطن الفتنة والاختلاط، ما استطعت إلى ذلك سبيلا، واختر لنفسك أبعد المساجد عن أن تطرقها النساء، أو تكشف فيها عن شيء من عوراتهن، واجتهد في أن تتوضأ في بيتك، بعداً عن أماكن الفتنة. والله تعالى أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 75879 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1841 هل تخرج من صلاة الجماعة بسبب بكاء ولدها؟ [السُّؤَالُ] ـ[كنت في صلاة جماعة في المسجد وبكت ابنتي وأحضروها لي من خارج المسجد وهي تبكي بصوت عالٍ فاضطررت أن أقطع الصلاة. فما حكم فعلي هذا؟ وهل أثمت؟ علماً أن مصلى النساء خلف الرجال مباشرة فلا يفصل بيننا سوى حاجز، فإن استمررت في الصلاة قد يزعج بكاؤها المصلين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: اتفق العلماء على أن قطع الصلاة المفروضة عمداً من غير عذرٍ شرعي بعد الشروع فيها محرم. والأعذار الشرعية التي تبيح قطع الصلاة منها ما جاءت به السنَّة النبويَّة، ويقاس عليها ما هو مثلها أو أولى. ومن تلك الأعذار المبيحة لقطع الصلاة - فريضة كانت أو نافلة -: قتل الحية، وخوف ضياع ماله، أو إغاثة ملهوف، أو إنقاذ غريق، أو إطفاء حريق، أو تحذير غافل مما قد يضره. وقد سبق ذكر هذه الأعذار في جواب السؤال (65682) و (3878) . ثانياً: فإن بكى الطفل وتعذَّر إسكاته من قبَل أبيه أو أمه في صلاة الجماعة: فيجوز أن يقطعا الصلاة لإسكاته خشيةً أن يكون بكاؤه من ضرر أصابه؛ وخشيةً من تضييع الصلاة على أهلها بالتشويش عليهم. فإن أمكن إسكاته بحركة يسيرة مع عدم الانحراف عن جهة القبلة فتفعل المرأة ذلك وترجع لصلاتها، فيمكنها – مثلا – الرجوع للخلف لحملِه مع عدم قطعها للصلاة، فإن لم تتمكن من إسكاته إلا بقطع الصلاة بالكلية فعلت ذلك ولا حرج عليها إن شاء الله تعالى. جاء في "مطالب أولي النهى" (1/641) : " ويسن للإمام تخفيف الصلاة إذا عرض لبعض مأمومين في أثناء الصلاة ما يقتضي خروجه منها كسماع بكاء صبي , لقوله صلى الله عليه وسلم: (إني لأقوم في الصلاة وأنا أريد أن أطول فيها , فأسمع بكاء الصبي , فأتجوز فيها مخافة أن أشق على أمه) رواه أبو داود " انتهى. وسئل علماء اللجنة الدائمة: هل يجوز قطع الصلاة عندما يرى المصلي دابة مقبلة عليه مثل العقرب وخلافها من الدواب السامة؟ وكذلك عند الصلاة في الحرم هل يجوز قطع الصلاة حتى يتم اللحاق بولده أو ابنته التي كادت تضيع منه؟ فأجابوا: " إن تيسر له التخلص من العقرب ونحوها بغير قطع الصلاة فلا يقطعها، وإلا قطعها، وكذلك الحال في ولده إن تيسر له المحافظة على ولده دون قطع الصلاة فعل، وإلا قطعها " انتهى. " فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (8 / 36، 37) ولينظر جواب السؤال رقم (26230) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 75005 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1842 إذا أدرك الإمام راكعاً فماذا يفعل؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا دخلت المسجد وكان الإمام راكعاً، فهل إذا ركعت معه تحسب لي هذه الركعة؟ مع العلم أني لم أقرأ الفاتحة، وهل أكبر تكبيرة واحدة أو تكبيرتين؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إذا دخل المسجد والإمام راكع ركع معه , ويكون مدركاً للركعة إذا اجتمع مع الإمام في الركوع , ولو لم يطمئن إلا بعد رفع الإمام. قال أبو داود: " سمعت أحمد سئل عمن أدرك الإمام راكعاً , فكبر ثم ركع فرفع الإمام؟ قال: إذا أمكن يديه من ركبتيه قبل أن يرفع الإمام فقد أدرك " انتهى. انظر: "مسائل الإمام أحمد لأبي داود" (ص 35) , "حاشية الروض" لابن قاسم (2/275) , "المجموع" (4/215) . ثم يطمئن في الركوع ويرفع منه ويتابع إمامه. قال الشيخ ابن باز: " إذا أدرك المأموم الإمام راكعا أجزأته الركعة ولو لم يسبح المأموم إلا بعد رفع الإمام " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (11/245-246) . ثانياً: وإذا أدركه حال الركوع أجزأته تكبيرة واحدة , وهي تكبيرة الإحرام عن تكبيرة الركوع , روي ذلك عن زيد بن ثابت وابن عمر وسعيد وعطاء والحسن وإبراهيم النخعي , وبه قال الأئمة الأربعة (أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد) . قال أبو داود: " قلت لأحمد: أُدرك الإمام راكعاً؟ قال: يجزيك تكبيرة " انتهى. "مسائل الإمام أحمد" (ص 35) . وذلك لأن حال الركوع يضيق عن الجمع بين تكبيرتين في الغالب , ولأنه اجتمع عبادتان من جنس واحد في محل واحد , ونية الركوع لا تنافي نية افتتاح الصلاة , فأجزأ الركن وهي تكبيرة الإحرام عن الواجب وهي تكبيرة الركوع , كطواف الإفاضة يغني عن طواف الوداع إذا جعله آخر شيء. انظر: "المغني" (2/183) , "القواعد" لابن رجب " القاعدة الثامنة عشرة ". فإن أمكن أن يأتي بتكبيرتين: الأولى للإحرام , والثانية للركوع فهذا أولى , قال أبو داود: " قلت لأحمد: يكبر مرتين أحب إليك؟ قال: فإن كبر مرتين فليس فيه اختلاف " انتهى. "مسائل الإمام أحمد" (ص 35) . وسئل الشيخ ابن باز: إذا حضر المأموم إلى الصلاة والإمام راكع هل يكبر تكبيرة الافتتاح والركوع أو يكبر ويركع؟ فأجاب: " الأولى والأحوط أن يكبر التكبيرتين: إحداهما: تكبيرة الإحرام وهي ركن ولا بد أن يأتي بها وهو قائم، والثانية: تكبيرة الركوع يأتي بها حين هويه إلى الركوع، فإن خاف فوت الركعة أجزأته تكبيرة الإحرام في أصح قولي العلماء، لأنهما عبادتان اجتمعتا في وقت واحد فأجزأت الكبرى عن الصغرى، وتجزئ هذه الركعة عند أكثر العلماء " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (11/244-245) . وعلى الداخل أن يكبر للإحرام قائماً , فإن أتى به على حال انحنائه للركوع لم يصح. قال النووي في "المجموع" (4/111) : " إذا أدرك الإمام راكعا كبر للإحرام قائما ثم يكبر للركوع ويهوي إليه , فإن وقع بعض تكبيرة الإحرام في غير القيام لم تنعقد صلاته فرضا بلا خلاف , ولا تنعقد نفلا أيضا على الصحيح " انتهى. وانظر: "المغني" (2/130) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (4/123) : " ولكن هنا أمْرٌ يجبُ أن يُتفَطَّنُ له، وهو أنَّه لا بُدَّ أنْ يكبِّرَ للإحرامِ قائماً منتصباً قبل أنْ يهويَ؛ لأنَّه لو هَوى في حالِ التكبيرِ لكان قد أتى بتكبيرةِ الإحرامِ غير قائمٍ، وتكبيرةُ الإحرامِ لا بُدَّ أن يكونَ فيها قائماً " انتهى. ثالثاً: وإذا ركع مع الإمام أجزأته الركعة ولو لم يقرأ الفاتحة , وهو قول الجمهور , وهو الراجح ـ إن شاء الله ـ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكرة رضي الله عنه لما انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ رَاكِعٌ فَرَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الصَّفِّ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلا تَعُدْ) رواه البخاري (783) . ووجه الدلالة: أنه لو لم يكن إدراك الركوع مجزئاً لإدراك الركعة مع الإمام لأمره النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء تلك الركعة التي لم يدرك القراءة فيها , ولم ينقل عنه ذلك , فدل على أن من أدرك الركوع فقد أدرك الركعة. انظر: "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (230) . قال الشوكاني: " وكذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر الداخل بأن يصنع كما يصنع الإمام , ومعلوم أنه لا يحصل الامتثال إلا إذا ركع مع إمامه , فإذا أخذ يقرأ الفاتحة فقد أدرك الإمام على حالة ولم يصنع كما صنع إمامه , فخالف الأمر الذي وجب عليه امتثاله " انتهى من رسالة نقلها له صاحب "عون المعبود" (3/157) . وأما أدلة وجوب قراءة الفاتحة في الصلاة فهي عامة تشمل المسبوق وغير المسبوق , وهذا حديث خاص يدل على سقوط الفاتحة عمن أدرك إمامه راكعاً، فيكون هذا الحديث مخصصاً لعموم تلك الأحاديث. انظر: "مجموع الفتاوى" (23/290) . وقد سبق في جواب السؤال (74999) أن قراءة الفاتحة تسقط عن المأموم في موضعين: 1- إذا أدرك الإمام راكعاً. 2- إذا أدركه قبيل الركوع، ولم يتمكن من إتمام قراءة الفاتحة. انظر: "أحكام حضور المساجد" (ص141-143) للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 75156 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1843 صاحب العمل يمنعهم من صلاة الجماعة في المسجد [السُّؤَالُ] ـ[نحن مجموعة من الأطباء نعمل في مجمع عيادات خاص منذ ستة أشهر، كنا خلالها ولله الحمد مواظبين على أداء صلاة الجماعة بالمسجد، حيث إن عملنا وسكن معظمنا بمبنى واحد يقابله مسجد قريب يسهل على المرء صلاة الجماعة فيه، علماً بأننا نتوضأ بالمجمع وننزل للصلاة قبيل الإقامة ثم نصعد إلى المجمع مسرعين بعد ختم الصلاة لنصلي السنة بالمجمع حرصاً منا على عدم إضاعة وقت العمل. ولم تحدث ـ ولله الحمد ـ أي مشاكل خلال الأشهر الستة بسبب صلاتنا في المسجد، ولكن بدأت إدارة المجمع تحاول إرغام العاملين به على أداء الصلوات المفروضة بالمجمع، مع أنه لا يوجد فيه مكان مخصص للصلاة، بل نفترش السجاجيد في صالة الدخول في وقت الصلاة فقط، ثم تقام الصلاة بدون أذان، مع العلم بأن المسافة بين المسجد ومجمع العيادات أقل من أربعة عشر مترا. وقد رفضنا الصلاة بالمجمع إلا بناء على فتوى شرعية من عالم على تقوى، وقد اطلعنا على فتوى للشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في هذا الخصوص، وهذه الفتوى منشورة بموقعكم برقم: 21345. وقد أطْلعنا مدير المجمع على هذه الفتوى ولكنه أصر على موقفه متعللا بأن وظائفنا تقتضي وجودنا بالمجمع طوال وقت الدوام استعداداً لاستقبال الحالات الطارئة، علماً بأنه لا يوفر هذه الوظائف على مدار 24 ساعة يومياً، ولكن يتم استدعاء الأطباء في حالة وجود حالات طارئة خارج أوقات الدوام، مما قد يؤخر الطبيب عن هذه الحالات من خمس عشر إلى عشرين دقيقة على الأقل، هذا إذا كان متواجداً في سكنه وقت استدعائه فهل من حق صاحب العمل، أو مديره أن يلزمنا بالصلاة في المجمع وترك الصلاة مع الجماعة في المسجد؟ وإذا توقف استمرارنا بالعمل على الانقياد لأمر الإدارة، وترك الصلاة في المسجد، فهل نترك هذا العمل، مع أن بعضنا في حاجة شديدة إلى المال؟ أم إننا معذورون في ترك الجماعة في تلك الحال؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: ما قمتم به من الصلاة مع جماعة المسجد هو الصواب، وهو الواجب عليكم وعلى جميع من في المجمع إلا من كان له عذر شرعي من مرض ونحوه. وقد دلت الأدلة الصحيحة على وجوب صلاة الجماعة في المساجد حيث ينادى بها، وانظر هذه الأدلة في جواب السؤال رقم (8918) ، وليس للقائم على العمل أن يلزم الموظفين بالتخلف عن جماعة المسجد، لأن ذلك إلزام بترك الواجب الشرعي، بل ينبغي أن يعينهم ويشجعهم ويرغبهم في الذهاب إلى المسجد، امتثالا لأمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، وفيه من الخير والبركة أضعاف ما قد يتصور من ضعف العمل أو نقص مدته، وفيه تذكير للمراجعين وغيرهم بأهمية الصلاة، وأنها لعظم شأنها تستحق أن توقف لأجلها الأعمال، ويتفرغ لها الموظفون، وإنها والله كذلك، وقد هَمَّ النبي صلى الله عليه وسلم بتحريق بيوت المتخلفين عن جماعة المسجد، مع احتمال أنهم يصلونها في بيوتهم جماعة أو فرادى، وألزم الأعمى بالحضور إلى المسجد، ولم يرخص له أن يصلي في بيته، فدل هذا على أنها واجبة في المسجد، وقد جاء التصريح بذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَأْتِهِ فَلا صَلاةَ لَهُ إِلا مِنْ عُذْرٍ) رواه ابن ماجه (793) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه. فتأمل هذا الحديث العظيم وما فيه من الوعيد الشديد لمن تخلف عن الجماعة، ولم يأت المسجد وهو يسمع النداء، وأنه لا صلاة له إلا أن يكون معذورا، فهل يرضى مسلم أن يكون في عداد من لا صلاة لهم، سواء كان المعنى عدم قبولها بالمرة أو نقصان ثوابها وأجرها؟! لا يرضى بذلك عاقل حريص على مرضاة ربه جل وعلا. ونسأل الله تعالى أن يوفق صاحب العمل وإدارته، وأن يشرح صدورهم لامتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يوقنوا بما في امتثاله من الخير والبركة والرزق الحسن؛ فإن الله تعالى يقول: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل/97، وإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله، فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته) رواه أبو نعيم في الحلية من حديث أبي أمامة، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2085) . ثانيا: وأما فتاوى أهل العلم في هذه المسألة، فكثيرة مشهورة، ونحن نضع بين أيديكم شيئا منها للفائدة: 1- جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (7/298) س: رجل يعمل في شركة، حول مبنى الشركة من المساجد أكثر من الثلاثة، يخرج إلى الصلاة في المسجد دائما، زملاؤه يصلون على باب الشركة، ويريدونه أن يصلي معهم في الشركة ولا يذهب إلى المسجد، وقد أفتاه بعض إخوانه بالصلاة معهم وإلقاء المواعظ والدروس عليهم بعد الصلاة بحكم أنه أعلمهم بالسنة والصلاة بهم، مع وجود من هو أقرأ منه وأحفظ، فهل يسمع لمفتيه أم يستمر في صلاته في المسجد، غير عابئ بما قال له؟ ج: يجب على عمال الشركة أن يصلوا مع جماعة أحد المساجد القريبة من مبنى الشركة، كما يفعل زميلهم، فهو المصيب بصلاته في المسجد، وهم المخطئون في صلاتهم على باب الشركة، لما دلت عليه الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوب أداء الصلاة مع الجماعة في المسجد، ولا يجوز التأخر عنها إلا بعذر شرعي " انتهى. 2- وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: " نحن مجموعة من الموظفين نعمل في دائرة حكومية، ويوجد مسجد مجاور لنا يفصلنا عنه شارع عرضه ثلاثون مترا فقط، ونسمع النداء بوضوح جلي، ونحن نصلي في مصلى عملناه في المكتب. وقد اطلعنا على فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، بأنه لا تجوز الصلاة في إدارة حكومية بجوارها مسجد، وأنه يجب على الموظفين الصلاة في المسجد. والسؤال: هل تجوز لنا الصلاة في مكتبنا جماعة أم يجب علينا الصلاة في المسجد؟ وهل يجوز لمدير مكتبنا أن يلزمنا بالصلاة في المكتب مع عدم العذر الشرعي؟ فأجاب " الواجب عليكم وعلى المدير الصلاة في المسجد ولا يجوز منكم التخلف عنها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر) وقد سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن العذر فقال: (خوف أو مرض) . وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه سأله رجل أعمى فقال: يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم. قال: فأجب) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه. وقال ابن مسعود رضي الله عنه وهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق أو مريض) . فالواجب عليكم جميعا العناية بالصلاة في المسجد مع الجماعة، وعدم التشبه بأعداء الله المنافقين. وفقكم الله ويسر أمركم ". انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (12/64) . ثالثا: كثير من الموظفين – للأسف – يخرج إلى الصلاة في المسجد، ولكن يضيع وقتاً طويلاً من وقت العمل بتأخره بعد الصلاة، وحديثه مع إخوانه الذين التقى بهم في المسجد، بل بعضهم يذهب لقضاء بعد الحاجات بعد الصلاة ويتأخر بذلك عن العمل، وبعضهم لا يذهب إلى الصلاة أصلاً، وإنما يذهب إلى بيته أو غيره ثم يعود إلى العمل وكأنه كان في الصلاة، فإذا خشي صاحب العمل حصول ذلك، فله الحق حينئذٍ من منعهم من الصلاة في المسجد، ويلزمهم بالصلاة في مكان العمل حفاظاً على مصلحة العمل، ومنعاً من تفريط بعض الموظفين. وأيضاً قد يحتاج العمل إلى بقاء بعض الموظفين إما لمتابعة بعض المرضى الذين يحتاجون إلى متابعة مستمرة، أو بعض الأطباء الذين يستقبلون الحالات الطارئة، فمثل هؤلاء لا حرج عليهم في ترك صلاة الجماعة في المسجد، ويصلونها جماعة في مكان العمل إن تيسر لهم ذلك، لكن لا يفعل ذلك إلا من يحتاج إليه فقط لا جميع الأطباء والموظفين، وقد سبق في جواب السؤال رقم (22185) أن من كان عمله يتطلب وجوده في المستشفى وقت صلاة الجمعة لاستقبال الحالات الطارئة فلا حرج عليه في ترك صلاة الجمعة ويصليها ظهراً في مكان العمل. رابعاً: إذا أصرت الإدارة على موقفها، وكان استمراركم في الذهاب إلى المسجد يعني توقفكم عن العمل، فالذي يظهر أن من احتاج إلى هذا العمل، فإنه يكون معذورا في تخلفه عن جماعة المسجد، ويسعه أن يصلي جماعة في مقر عمله، وقد ذكر الفقهاء من الأعذار المبيحة لترك الجماعة: الخوف على معيشة يحتاج إليها، كما في "كشاف القناع" (1/496) . نسأل الله لكم التوفيق والسداد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 72895 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1844 معنى حديث (مَن صَلَّى الصُّبحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ) [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن صَلَّى الصُّبحَ فِي جَمَاعَةٍ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ ... ) ؛ وكيف أكون في ذمة الله؟ وهل صلاة الرجل مع زوجته في البيت جماعة له نفس معنى الجماعة المراد في الحديث؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله روى مسلم (657) عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن صَلَّى الصُّبحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ، فَلا يَطلُبَنَّكُمُ اللَّهُ مِن ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ فَيُدرِكَهُ فَيَكُبَّهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ) . قال النووي في "شرح مسلم" (5/158) :" الذِّمَّة هنا: الضمان، وقيل الأمان " انتهى. قال الطيبي رحمه الله: " وإنما خص صلاة الصبح بالذكر؛ لما فيها من الكلفة والمشقة، وأداؤها مظنة خلوص الرجل، ومنه إيمانه؛ ومن كان مؤمنا خالصا فهو في ذمة الله تعالى وعهده. " شرح مشكاة المصابيح، للطيبي (2/184) . وفي المراد بالحديث قولان للعلماء: الأول: أن يكون في الحديث نهي عن التعرض بالأذى لكل مسلم صلى صلاة الصبح، فإن من صلى صلاة الصبح فهو في أمان الله وضمانه، ولا يجوز لأحد أن يتعرض لِمَن أمَّنَه الله، ومن تعرض له، فقد أخفر ذمة الله وأمانه، أي أبطلها وأزالها، فيستحق عقاب الله له على إخفار ذمته، والعدوان على من في جواره. انظر: فيض القدير للمناوي (6/164) . قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله "شرح رياض الصالحين" (1/591) : " في هذا دليل على أنه يجب احترام المسلمين الذي صدَّقوا إسلامهم بصلاة الفجر؛ لأن صلاة الفجر لا يصليها إلا مؤمن، وأنه لا يجوز لأحد أن يعتدي عليهم " انتهى. ويدل لهذا المعنى ما رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (4/5) بسنده، وقال الألباني عنه في "صحيح الترغيب" (1/110) : صحيح لغيره: عن الأعمش قال: كان سالم بن عبد الله بن عمر قاعدا عند الحجاج، فقال له الحجاج: قم فاضرب عنق هذا، فأخذ سالم السيف، وأخذ الرجل، وتوجه باب القصر، فنظر إليه أبوه وهو يتوجه بالرجل، فقال: أتراه فاعلا؟! فردَّه مرتين أو ثلاثا، فلما خرج به قال له سالم: صليت الغداة؟ قال: نعم. قال: فخذ أي الطريق شئت، ثم جاء فطرح السيف، فقال له الحجاج: أضربت عنقه؟ قال: لا، قال: ولِمَ ذاك؟ قال: إني سمعت أبي هذا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن صَلَّى الغَدَاةَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ حَتَّى يُمسِيَ) !! والقول الثاني: أن يكون المقصود من الحديث التحذير من ترك صلاة الصبح والتهاون بها، فإن في تركها نقضا للعهد الذي بين العبد وربه، وهذا العهد هو الصلاة والمحافظة عليها. قال البيضاوي: " ويحتمل أن المراد بالذمة الصلاة المقتضية للأمان، فالمعنى: لا تتركوا صلاة الصبح ولا تتهاونوا في شأنها، فينتقض العهد الذي بينكم وبين ربكم، فيطلبكم الله به، ومن طلبه الله للمؤاخذة بما فرط في حقه أدركه، ومن أدركه كبه على وجهه في النار، وذلك لأن صلاة الصبح فيها كلفة وتثاقل، فأداؤها مظنة إخلاص المصلي، والمخلص في أمان الله " انتهى. نقلا عن "فيض القدير" (6/164) وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن فضيلة الدخول في ذمة الله تعالى وجواره، المذكورة في هذا الحديث، إنما تثبت لمن صلى الصبح في جماعة؛ ولذلك بوب عليه النووي رحمه الله ـ في تبويبه لصحيح مسلم: باب فضل صلاة العشاء والصبح في جماعة، وسبقه إلى ذلك المنذري رحمه الله، فذكر الحديث في كتابه: الترغيب والترهيب، باب: (الترغيب في صلاة الصبح والعشاء خاصة، في جماعة، والترهيب من التأخر عنهما) . بل إن هذا هو ظاهر صنيع الإمام مسلم؛ حيث روى قبل الحديث نحوا من عشرين حديثا، وبعده بضعة عشر حديثا، كلها تتحدث عن صلاة الجماعة، وما يتعلق بها. ولذلك أورده الحافظ عبد الحق الأشبيلي في الجمع بين الصحيحين له، في باب: صلاة الجماعة (923) . واعتمده المباركفوري في شرح الترمذي. قال: " (من صلى الصبح) في جماعة ". انتهى. وقال ابن علان في دليل الفالحين (3/550) : " أي: جماعة، كما في رواية أخرى ". ويشهد لهذا التقييد ـ من حيث الرواية ـ حديث أبي بكرة رضي الله عنه: (من صلى الصبح في جماعة فهو في ذمة الله ... ) قال الهيثمي رحمه الله (2/29) : رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح، وقال المنذري في الترغيب: "ورجال إسناده رجال الصحيح "، وقال الألباني: صحيح لغيره. انظر: صحيح الترغيب، رقم (461) . تنبيه: هذه الزيادة اعتمدها المناوي أيضا، ونسبها إلى مسلم. وهو وهم منه، فزيادة (جماعة ليست في مسلم، بل ولا في شيء من الكتب الستة. وقيل: إن هذه الفضيلة تحصل لكل من صلى صلاة الصبح في وقتها، حتى ولو لم يدرك الجماعة، لعدم التقييد بذلك في رواية مسلم وغيره من أصحاب الكتب الستة. وهذا هو الظاهر من تبويب ابن ماجة رحمه الله على هذا الحديث في سننه: باب: المسلمون في ذمة الله، من كتاب الفتن. وعلى ذلك ـ أيضا ـ ابن حبان في صحيحه (5/36) : " باب ذكر إثبات ذمة الله جل وعلا للمصلي صلاة الغداة "، هكذا بإطلاق المصلي. ثالثا:الجماعة الشرعية التي جاء الأمر بها وترتيب الأجور عليها هي جماعة المسجد، وليست أي جماعة أخرى، وقد سبق تفصيل ذلك في الأسئلة (8918) (49947) (72398) وفي خصوص فضل صلاة الصبح في جماعة جاءت بعض الأدلة: فقد جاء في تفسير الطبري (3/270) في تفسير قوله تعالى (وَالمُستَغفِرِينَ بِالأَسحَارِ) عن زيد بن أسلم أنه قال: هم الذين يشهدون الصبح في جماعة. وفي تفسير قوله تعالى (تَتَجَافَى جُنُوبُهُم عَنِ المَضَاجِعِ يَدعُونَ رَبَّهُم خَوفًا وَطَمَعًا) السجدة/16 قال أبو الدرداء والضحاك: صلاة العشاء والصبح في جماعة. انظر "زاد المسير" (6/339) وفي صحيح مسلم (656) من حديث عثمان رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَن صَلَّى العِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصفَ الَّليلِ، وَمَن صَلَّى الصُّبحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى الَّليلَ كُلَّهُ) . وروى البخاري (615) ومسلم (437) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وَلَو يَعلَمُونَ مَا فِي العَتمَةِ وَالصُّبحِ لَأَتَوهُمَا وَلَو حَبوًا) وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لأن أشهد صلاة الصبح في جماعة أحب إلي من أن أقوم ليلة. "الاستذكار" (2/147) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 72559 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1845 دخل شخصان المسجد وليس في الصف الأول إلا مكان لشخص واحد فقط [السُّؤَالُ] ـ[دخل شخصان المسجد، ولم يجدا في الصف الأول مكاناً يسعهما، بل يكفي لشخص واحد فقط، فهل الأفضل أن يقف أحدهما في الصف الأول ويقف الثاني في الصف الثاني منفردا؟ أو يقفان معاً في الصف الثاني؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " إذا دخل اثنان فوجدا الصف الأول أو الثاني ليس فيه إلا مكان رجل واحد فإنهما يصفان جميعاً , فإنه لو دخل أحدهما لبقي الآخر منفرداً , ففي هذه الحالة الأفضل أن يصلياً معاً خلف الصف , أما إذا وجدا في الصف مكان رجلين فإنهما يتقدمان إليه , ولا يبقيان خلف الصف وحدهما , لأن هذا خلاف السنة , فإن النبي صلى الله عليه وسلم حث على تكميل الصف الأول فالأول , ولكن لو قدر أنهما فعلا ذلك فإن صلاتهما صحيحة لأن واحداً لم ينفرد عن الآخر " انتهى. [الْمَصْدَرُ] فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (15/207) . الحديث: 72199 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1846 يصلون الجماعة في البيت [السُّؤَالُ] ـ[هل تجوز صلاة الجماعة في البيت، ولا يذهب إلى المسجد؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " ننصح هؤلاء بأن يتقوا الله سبحانه وتعالى، ويصلوا الجماعة مع المسلمين في المساجد، فإن الراجح من أقوال أهل العلم في هذه المسألة أن صلاة الجماعة واجبة في المساجد، وأنه لا يجوز للرجل أن يتخلف عن صلاة الجماعة في المساجد إلا إذا كان لعذر , لأن النبي صلي الله عليه وسلم يقول: (لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام , ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس , ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الجماعة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار) . هؤلاء القوم قد يكونون يصلون , لكن الرسول عليه الصلاة والسلام أراد أن يصلوا مع الجماعة الذين نصبهم الشرع , والجماعة الذين نصبهم الشرع هم الجماعة الذين يصلون في المساجد , المساجد التي يدعى إلى الحضور إليها عند الصلاة , ولهذا قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (من سره أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن) . فقال: (حيث ينادى بهن) , و (حيث) ظرف مكان , أي: فليحافظ عليها في المكان الذي ينادى لها فيه. هذا في الصلوات الخمس. أما الجمعة فواجبة في المساجد قطعاً. وأما النافلة فيقول النبي صلي الله عليه وسلم: (أفضل صلاة في بيته إلا المكتوبة) . وعلى هذا فالأفضل للإنسان أن يصلي صلاة التطوع في بيته ماعدا التطوع الذي شرع في المساجد كصلاة الكسوف مثلاً على القول بأنها غير واجبة , والله الموفق " انتهى. فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (15/19) . وقال الشيخ ابن عثيمين أيضاً: " لا يجوز لأحد , أو لجماعة أن يصلوا في البيت والمسجد قريب منهم , أما إذا كان المسجد بعيداً ولا يسمعون النداء فلا حرج عليهم أن يصلوا جماعة في البيت , وتهاون بعض الناس في هذه المسألة مبني على قولٍ لبعض العلماء رحمهم الله من أن المقصود في صلاة الجماعة أن يجتمع الناس على الصلاة ولو في غير المسجد , فإذا صلى الناس جماعة ولو في بيوتهم فإنهم قد قاموا بالواجب. ولكن الصحيح أنه لا بد أن تكون الجماعة في المساجد، لقول النبي صلي الله عليه وسلم: (لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام. . . ثم ذكر الحديث السابق) " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (15/20) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 72398 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1847 ولدٌ يجادلُ والدتَه في أمورِ طعامِهِ وصلاتِهِ [السُّؤَالُ] ـ[أخي سمين جدًا، ويأكل كثيرًا، وكلما نَصَحَتْه والدتي في التقليل من الأكل، وتهدده بأنها سوف لن ترضى عنه إذا لم يسمع كلامها، فيقول: إن الأكل ليس محرمًا، وليس للوالدة أن تمنعه من أمر حلال؟ وأيضًا، هو لا يصلي في المسجد، وكلما قالت له الوالدة: لماذا لا تذهب؟ يقول: إن صلاة الجماعة سنة مؤكدة كما قال الإمام أبو حنيفة. وأيضًا يؤخر الصلاة بعد الأذان بفترة طويلة، وكلما قلنا له: لماذا لا تصلي في الوقت؟ فيقول: أنا لم أتجاوز الوقت المحدد، فالصلاة لها أوقاتٌ معروفةٌ ليست مقترنةً بالأذان والإقامة. فكيف نجيب عليه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إنّ مِن أعظمِ ما امتنّ الله سبحانه وتعالى به على عبادِهِ أنْ سخَّر لهم ما في الأرضِ جميعا منه، وأنزل عليهم النعم، وأباح لهم الطيباتِ من المأكلِ والمشربِ والملبس وغيرها. ولكنه سبحانه وتعالى أيضًا ذم كلَّ من يسرفُ في استعمالِ هذه المباحات، أو يترخصُ فيها ترخصًا يؤذيه، أو يشغله عن ما هو أنفعُ له في دينِه ودنياه. قال سبحانه وتعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأعراف/31. ثانياً: من أخطرِ المهلكاتِ لابنِ آدمَ شهوةُ البطن، والبطنُ ينبوع الشهواتِ ومَنِبتُ الأدواء والآفات. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنِهِ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلاتٍ يُقِمْنِ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لاْ مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعامِهِ، وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ) رواه الترمذي (2380) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. أي: يكفي ابن آدم من الطعام ما يقيم صلبه فقط , ولا يزيد على ذلك , فإن أبى وأصَرَّ على الزيادة , فيأكل ما يملأ ثلث بطنه , ويكون ثلث آخر للشراب , ويبقى الثلث للتنفس , ولا يزيد على هذا القدر. انظر: "تحفة الأحوذي". وقد كان العقلاءُ في الجاهليةِ والإسلامِ يتمدحونَ بقلةِ الأكل. قال حاتمُ الطائيُّ: فإنَّكَ إِنْ أَعْطَيْتَ بَطْنَكَ سُؤْلَهُ وَفَرْجَكَ نالا مُنْتَهى الذَّمِّ أَجْمَعَا "فتح الباري" (9/669) . وإذا أكثر الإنسان من الطعام حتى ضره ذلك، كان هذا حراما. سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل كثرةُ الأكلِ حرام؟ فأجابوا: " نعم، يَحرُمُ على المسلمِ أن يُكثرَ من الأكلِ على وجهٍ يضرُّه؛ لأنّ ذلك من الإسراف، والإسرافُ حرام، لقول الله سبحانه وتعالى: (يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِين) الأعراف/31 " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (22/329) . وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم الترهيب من الإكثار من الشبع , وأن ذلك سبب للتألم بالجوع يوم القيامة، فعن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: تَجَشَّأَ رَجُلٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: (كُفَّ عَنَّا جُشَاءَكَ، فَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ شِبَعًا فِي الدُّنْيَا، أَطْوَلُهُمْ جُوعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ) . رواه الترمذي (2015) . وصححه الألباني في صحيح الترمذي. والْجُشَاء هُوَ صَوْتٌ مَعَ رِيحٍ يَخْرُجُ مِنْ الإنسان عِنْدَ الشِّبَعِ. وَرَوَاهُ اِبْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ وَالْبَيْهَقِيُّ , عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ وَزَادُوا: فَمَا أَكَلَ أَبُو جُحَيْفَةَ مِلْءَ بَطْنِهِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا , كَانَ إِذَا تَغَدَّى لا يَتَعَشَّى وَإِذَا تَعَشَّى لا يَتَغَدَّى , وَفِي رِوَايَةٍ لابْنِ أَبِي الدُّنْيَا: قَالَ أَبُو جُحَيْفَةَ: فَمَا مَلأَتْ بَطْنِي مُنْذُ ثَلاثِينَ سَنَةً. انظر: "تحفة الأحوذي". وسبيلُ ترك الأكلِ الكثير إنما هو بالتدريج، فمن اعتادَ الأكلَ الكثيرَ وانتقلَ دفعةً واحدةً إلى القليل ضعفَ وعظُمت مشقته، فينبغي أن يتدرجَ إليه قليلًا قليلًا، وذلك بأن ينقص قليلا قليلا من طعامِه المعتاد، حتى يصلَ إلى الحدّ المعتدلِ من الطعام. ثالثاً: إن كانت صلاةُ الجماعة سنةً مؤكدة، أو كانت الصلاة في أول الوقت فضيلة، فذلك يعني أن نَعَضَّ عليها بالنواجذ ونحرصَ عليها، لا أن نُهمِلَها ونتهاونَ بأدائِها، ولْنحمدِ اللهَ تعالى أن شرعَ لنا سُننَ الهدى ومناسكَ العبادةِ والخير، ولْنأخذِ العبرةَ من حالِ سلفنا من الجيل الأول. يقول ابن مسعود رضي الله عنه: (من سرّه أن يلقَى اللهَ غدًا مسلمًا فليحافِظ على هؤلاء الصلواتِ حيثُ ينادَى بهن، فإنّ اللهَ شرعَ لنبيكم سننَ الهُدى، وإنّهنَّ مِن سننِ الهُدى، ولو أنّكم صلّيتُم في بيوتِكم كما يُصَلّي هذا المتخلِّفُ في بيتِهِ لتركتُم سنةَ نبيِّكم، ولو تركتم سنةَ نبيِّكم لضلَلَتم، وما مِن رجلٍ يتطهرُ فيُحسِنُ الطهور، ثم يَعمِد إلى مسجدٍ مِن هذه المساجد، إلا كتبَ اللهُ له بكلِّ خطوةٍ يخطوها حسنة، ويرفعُه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتُنا وما يتخلَّف عنها إلا منافقٌ معلومُ النفاق، ولقد كان الرجلُ يؤتى به يهادَى بين الرجلين حتى يقام في الصف) رواه مسلم (654) . وهذا على فرضِ كونِ صلاةِ الجماعة سنةً مؤكدةً , وقد سبق بيان وجوبها بالأدلة الدالة على ذلك , في أجوبة كثير من الأسئلة , وانظر السؤال رقم: (120) (8918) (10292) (21498) (40113) . نسألُ اللهَ تعالى أن يوفقَنا وإياك لما يحب ويرضى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 71173 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1848 كان يُصَلِّي نافلةً، فصلّى خلفَه آخرون، فقلبَ نِيَّتَه إلى فريضةٍ [السُّؤَالُ] ـ[صلى أحد زملائي تحية المسجد بعد أن انتهت الصلاة المفروضة، وهو لم يصلها لكي ينتظر زملاءه أن يفرغوا من الوضوء ويصلوا جماعةً، وأتى أشخاصٌ آخرون صلوا وراءه ظنًّا منهم أنه يصلي المفروضة، فنوى أن يصلي المفروضة وهو في الركعة الأولى. فهل صلاته صحيحةٌ؟ وصلاة الأشخاص الآخرين؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يصح تغيير النية من نفل إلى فرض؛ لأن الواجب في صلاة الفريضة أن تكون النية مقارنة لتكبيرة الإحرام , أو قبلها بزمن يسير. قال النوويُّ رحمه الله "المجموع" (4/183-184) : " قال الماوَرْدِيُّ: نقلُ الصلاةِ إلى صلاةٍ أقسامٌ: أحدُها: نقلُ فرضٍ إلى فرض: فلا يحصلُ واحدٌ منهما. الثاني: نقلُ نفلٍ راتبٍ إلى نفلٍ راتبٍ: كَوِتْرٍ إلى سنةِ الفجر، فلا يحصلُ واحدٌ منهما. الثالث: نقلُ نفلٍ إلى فرضٍ: فلا يحصل واحدٌ منهما. . . إلخ " انتهى. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن رجلٍ دخل في صلاة ثم تذكر أنه لم يصلِّ العشاء , فقلب النية إلى صلاة العشاء، فهل يصح ذلك؟ فأجاب: " لا يصح. . لأن العبادة المعينة لابد أن ينويها من أولها قبل أن يدخل فيها , لأنه لو نوى من أثنائها لزم أن يكون الجزء السابق على النية الجديدة خاليان من نية الصلاة التي انتقل إليها وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات , وإنما لكل امرئ ما نوى) . . . وعلى السائل أن يعيد صلاة العشاء " انتهى باختصار. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (12/443) . وانظر جواب السؤال رقم (39689) . ثانياً: وأما حكم صلاة المأمومين , فهي صحيحة إن شاء الله تعالى , لأن صلاة الإمام وإن كانت لا تصح فريضة , إلا أنها تكون نافلة , لأنه قلب نيته جهلاً، وظناً منه أن ذلك جائز , فيكون شبيهاً ممن دخل في الفريضة قبل وقتها وهو يظن دخول الوقت؟ فإنها تكون نفلاً , وقد سبق في جواب السؤال (21764) أن صلاة المفترض خلف المتنقل صحيحة. وعلى فرض أن صلاة الإمام تبطل بذلك , فلا يلزم من بطلان صلاة الإمام بطلان صلاة المأمومين. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل تبطل صلاة المأموم ببطلان صلاة الإمام؟ فأجاب: " لا تبطل صلاة المأموم ببطلان صلاة الإمام، لأن صلاة المأموم صحيحه، والأصل بقاء الصحة، ولا يمكن أن تبطل إلا بدليل صحيح، فالإمام بطلت صلاته بمقتضى الدليل الصحيح، ولكن المأموم دخل بأمر الله فلا يمكن أن تفسد صلاته إلا بأمر الله، والقاعدة: (أن من دخل في عبادة حسب ما أُمر به، فإننا لا نبطلها إلا بدليل) . ويستثنى من ذلك ما يقوم به مقام المأموم مثل السترة، فالسترة للإمام ستره لمن خلفه، فإذا مرت امرأة بين الإمام وسترته بطلت صلاة الإمام وبطلت صلاة المأموم، لأن هذه السترة مشتركة، ولهذا لا نأمر المأموم أن يتخذ سترة، بل لو اتخذ سترة لعد متنطعاً مبتدعاً " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (12/450) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 71177 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1849 ما الحكمة من الصلاة الجهرية والسرية؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك حكمة معينة في صلاة الظهر والعصر سرّاً وباقي الفروض جهراً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الجهر فيما جهر به النبي صلى الله عليه وسلم، والإسرار فيما أسرَّ به من الصلوات هو من سنن الصلاة وليس من واجباتها، والأفضل للمصلي عدم مجاوزة سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم وهديَه. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " الجهر بالقراءة في الصلاة الجهرية ليس على سبيل الوجوب بل هو على سبيل الأفضلية، فلو أن الإنسان قرأ سراً فيما يشرع فيه الجهر لم تكن صلاته باطلة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا صلاة لمن لم يقرأ بأمِّ القرآن) ولم يقيِّد هذه القراءة بكونها جهراً أو سرّاً، فإذا قرأ الإنسان ما يجب قراءته سرّاً أو جهراً: فقد أتى بالواجب، لكن الأفضل الجهر فيما يسن فيه الجهر مما هو معروف كصلاة الفجر والجمعة. ولو تعمد الإنسان وهو إمام ألا يجهر فصلاته صحيحة لكنها ناقصة. أما المنفرد إذا صلى الصلاة الجهرية: فإنه يخيَّر بين الجهر والإسرار، وينظر ما هو أنشط له وأقرب إلى الخشوع فيقوم به " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (13/73) . ثانياً: الأصل في المسلم التزام شرع الله تعالى دون تعليق فعله على معرفة العلة أو الحكمة، ولا مانع من تلمس الحكمة والسعي في طلبها بعد تنفيذه للأمر والتزامه بالهدي. انظر السؤال (20785) ، (26862) . ثالثاً: سئل علماء اللجنة الدائمة: لماذا نصلي الظهر والعصر سرّاً والمغرب والعشاء جهراً؟ فأجابوا: " نفعل ذلك اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، فنسرُّ فيما أسرَّ فيه، ونجهر فيما جهر فيه؛ لقول الله عز وجل: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) الأحزاب/21. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) رواه البخاري في صحيحه. "فتاوى اللجنة الدائمة " (6/394، 395) . وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز: لماذا شرع الجهر بالتلاوة في صلاة المغرب والعشاء والفجر دون بقية الفرائض، وما الدليل على ذلك؟ فأجاب: " الله سبحانه أعلم بحكمة شرعية الجهر في هذه المواضع، والأقرب - والله أعلم -: أن الحكمة في ذلك: أن الناس في الليل وفي صلاة الفجر أقرب إلى الاستفادة من الجهر وأقل شواغل من حالهم في صلاة الظهر والعصر " انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (11/122) . وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: ما الحكمة من الجهر بالقراءة في صلاة الجمعة؟ فأجاب: " الحكمة في الجهر بقراءتها: أولاً: من الحِكَم - والله أعلم -: تحقيق الوحدة والاجتماع على إمام واحد، فإن اجتماع الناس على إمام واحد منصتين له أبلغ في الاتحاد من كون كل واحد منهم يقرأ سرًّا بينه وبين نفسه، ولتتميم هذه الحكمة وجب اجتماع الناس كلهم في مكان واحد إلا لضرورة. والحكمة الثانية: أن تكون قراءة الإمام في الصلاة جهراً بمنزلة تكميل للخطبتين، ومن ثَمَّ كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الجمعة بما يناسب إما بـ " الجمعة والمنافقين "؛ لما في الأولى من ذكر الجمعة والحث عليها، وفي الثانية ذكر النفاق وذم أهله، وإما بـ " سبِّح " و " الغاشية "؛ لما في الأولى من ذكر ابتداء الخلق وصفة المخلوقات وذكر ابتداء الشرائع، وأما في الثانية ذكر القيامة والجزاء. والحكمة الثالثة: الفرق بين الظهر والجمعة. والحكمة الرابعة: لتشبه صلاة العيد؛ لأن الجمعة عيد الأسبوع " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (16/112) . وانظر جواب السؤال: (65877) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 67672 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1850 هل يأخذ أجر الصف الأول ولو لم يكن في المسجد إلا صف واحد؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل الأفضل أن أذهب إلى مسجد به عدد كبير من المصلين حتى إن كان بعيداً؟ وهل آخذ ثواب "الصف الأول" إذا كان المسجد الذي أصلي فيه به صف واحد فقط؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: قد دلت الأدلة على أن أجر صلاة الجماعة يزداد بكثرة عدد المصلين، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (38194) . وخطواتك إلى المسجد – مهما بعُد – مكتوب لك أجرها عند الله، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (وَكُلُّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ) رواه البخاري (2989) ومسلم (1009) . وروى مسلم (665) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: خَلَتْ الْبِقَاعُ حَوْلَ الْمَسْجِدِ فَأَرَادَ بَنُو سَلِمَةَ أَنْ يَنْتَقِلُوا إِلَى قُرْبِ الْمَسْجِدِ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُمْ: (إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَنْتَقِلُوا قُرْبَ الْمَسْجِدِ) قَالُوا نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَرَدْنَا ذَلِكَ. فَقَالَ: (يَا بَنِي سَلِمَةَ دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ) . قال النووي رحمه الله: " معناه الزموا دياركم فإنكم إذا لزمتموها كتبت آثارُكم وخطاكم الكثيرة إلى المسجد. وبنو سلِمة، قبيلة معروفة من الأنصار رضي الله عنهم " انتهى من "شرح مسلم" (5/169) . وينبغي أن يُعلم أن المفاضلة بين الصلاة في مسجد ومسجد، تدخل فيها أمور أخرى غير كثرة العدد وكثرة الخطى، كالتزام الإمام والمأمومين بالسنة، وحرصهم على إقامة الصلاة كما أمر الله تعالى، من الخشوع والطمأنينة وتسوية الصفوف وغير ذلك مما يتمم الصلاة ويكملها. وقد يكون في بعض المساجد حلقات للتعليم أو تحفيظ كتاب الله تعالى، فينبغي أن يكون للإنسان حظ من ذلك، وألا يفرط فيه ولو كان المسجد أقل عددا. والفقه أن يوازن الإنسان بين مراتب الأعمال، وأن يعرف الفاضل من المفضول، وأن يجتهد في تحصيل الأجر والثواب ما أمكنه. ثانيا: جاء في فضل الصف الأول أحاديث، منها ما رواه البخاري (615) ومسلم (437) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاسْتَهَمُوا) . ومعنى (استهموا) : أي اقترعوا، ويدل عليه رواية مسلم (439) : (لَوْ تَعْلَمُونَ أَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ لَكَانَتْ قُرْعَةً) . وروى أبو داود (664) والنسائي (811) عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَلَّلُ الصُّفُوفَ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلَى نَاحِيَةٍ، يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا وَصُدُورَنَا، وَيَقُولُ: (لا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ) وَكَانَ يَقُولُ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصُّفُوفِ الْمُتَقَدِّمَةِ) . صححه الألباني في صحيح النسائي. ورواه ابن ماجه (997) بلفظ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصَّفِّ الأَوَّلِ) . والصف الأول: المراد به ما يلي الإمام مطلقا، سواء تخلله شيء كمقصورة أو لا. وقيل: هو أول صف تام يلي الإمام، وقيل: المراد به من سبق إلى الصلاة ولو صلى آخر الصفوف. قال النووي رحمه الله: " القول الأول هو الصحيح المختار، وبه صرح المحققون، والقولان الآخران غلط صريح " انتهى نقلا عن "فتح الباري" (2/244) . ولا فرق بين أن يكون في المسجد صف واحد أو صفوف، فما يلي الإمام هو الصف الأول، الموعود أهله بذلك الفضل، إن شاء الله، لعموم الأحاديث. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 67797 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1851 حكم حجز المكان في الصف الأول والابتعاد عنه فترة طويلة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز الاعتكاف في المسجد النبوي في الصف الأول وحجز المكان عند الذهاب للنوم في مؤخرة المسجد ثم العودة للمكان في الصف الأول؟ وهل يجوز النوم في الصف الأول حين لا يكون وقت صلاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز لمن كان بالمسجد أن يضع سجادة ونحوها مكانه، وينام في آخر المسجد، ثم يعود إلى مكانه، ولو كان ذلك في الصف الأول، ما لم تُقَم الصلاة، فإن أقيمت الصلاة ولم يحضر فلا حق له في المكان، وترفع سجادته. وكذلك لو خرج من المسجد لعذر، كذهابه للوضوء، ثم عاد فهو أحق بمكانه. وإذا انتهى عذره ثم تهاون في الرجوع وتأخر، فلا حق له. ودليل هذه المسألة ما رواه مسلم (2179) عن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ) . قال ابن قدامة في "المغني" (2/101) : " إٍذا جلس في مكان , ثم بدت له حاجة , أو احتاج إلى الوضوء , فله الخروج. . . . فإذا قام من مجلسه , ثم رجع إليه فهو أحق به , لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ) " انتهى باختصار. وقال في "مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى " (1/786) : " والعائد قريبا من قيامه لعارضٍ لَحِقَه كتطهرٍ أحق بمكانه الذي كان سبق إليه من كل أحد. فلو جلس فيه أحد , فله إقامته. . . وقيده في "الوجيز" بما إذا عاد ولم يتشاغل بغيره " انتهى باختصار. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (5/135) : وهو يقرر تحريم حجز المكان في المسجد والخروج منه ـ قال: " والصحيح في هذه المسألة أن الحجز والخروج من المسجد لا يجوز، وأن للإنسان أن يرفع المصلَّى المفروش؛ لأن القاعدة: (ما كان وضعه بغير حق فرفعه حق) ، لكن لو خيفت المفسدة برفعه من عداوة أو بغضاء، أو ما أشبه ذلك، فلا يُرفع، لأن درأ المفاسد أولى من جلب المصالح، وإذا علم الله من نيتك أنه لولا هذا المصلى المفروش لكنت في مكانه، فإن الله قد يثيبك ثواب المتقدمين؛ لأنك إنما تركت هذا المكان المتقدم من أجل العذر. وقوله: "ما لم تحضر الصلاة" أي: فإن حضرت الصلاة بإقامتها فلنا رفعه؛ لأنه في هذه الحال لا حرمة له، ولأننا لو أبقيناه لكان في الصف فرجة، وهذا خلاف السنة. ويستثنى من القول الراجح من تحريم وضع المصلَّى؛ ما إذا كان الإنسان في المسجد، فله أن يضع مصلَّى بالصف الأول، أو أي شيء يدل على الحجز، ثم يذهب في أطراف المسجد لينام، أو لأجل أن يقرأ قرآناً، أو يراجع كتاباً، فهنا له الحق؛ لأنه ما زال في المسجد، لكن إذا اتصلت الصفوف لزمه الرجوع إلى مكانه؛ لئلا يتخطى رقاب الناس. وكذلك يستثنى أيضاً ما ذكره المؤلف: بقوله: "ومن قام من موضعه لعارِضٍ لَحِقَه، ثم عاد إليه قريباً فهو أحق به"، فإذا حجز الإنسان المكان، وخرج من المسجد لعارض لحقه، ثم عاد إليه فهو أحق به، والعارض الذي يلحقه مثل أن يحتاج للوضوء، أو أصيب بأي شيء اضطره إلى الخروج، فإنه يخرج، وإذا عاد فهو أحق به. ولكن المؤلف اشترط فقال: "ثم عاد إليه قريباً" فظاهر كلام المؤلف أنه لو تأخر طويلاً فليس أحق به، فلغيره أن يجلس فيه. وقال بعض العلماء: بل هو أحق، ولو عاد بعد مدة طويلة إذا كان العذر باقياً، وهذا القول أصح؛ لأن استمرار العذر كابتدائه، فإنه إذا جاز أن يخرج من المسجد، ويُبقي المصلَّى إذا حصل له عذر، فكذلك إذا استمر به العذر، لكن من المعلوم أنه لو أقيمت الصلاة، ولم يزل غائباً فإنه يرفع. قال في "الروض": (ولم يقيده الأكثر بالعود قريباً) أي: أكثر أصحاب الإمام أحمد لم يقيدوه بالعود قريباً، كما هو ظاهر الحديث. ولكن الذي ذكرناه قول وسط، وهو: أنه إذا عاد بعد مدة طويلة بناء على استمرار العذر فهو أحق به، أما إن انتهى العذر، ولكنه تهاون وتأخر، فلا يكون أحق به ". انتهى باختصار انتهى من "الشرح الممتع" (5/135) . ولا حرج على المعتكف وغيره لو نام في الصف الأول، فيما بين الصلوات، ما لم يكن في ذلك أذى أو تضييق على غيره، فالأولى حينئذ أن يتنحى عن الصفوف الأولى. والأحسن أن يتجنب النوم في الصفوف الأولى مرعاةً للناس، فإنهم يستهجنون هذا الفعل، ويستقبحونه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 66279 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1852 المصاب بالسلس هل يصلي مع الجماعة؟ [السُّؤَالُ] ـ[رجل من أهلي مصاب بمرض السلس، فهل تجب عليه الصلوات جماعةً مع الإمام أم يصلي منفردا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المصاب بسلس البول له حالان: الأولى: أن يكون الخارج مستمرا، بحيث لا ينقطع وقتا يتسع لوضوئه وصلاته، فهذا يلزمه أن يتطهر ويتحفظ بشيء يمنع انتشار البول، ويتوضأ بعد دخول وقت الصلاة، ثم يصلي مع الجماعة كسائر الناس، إلا إذا خاف تلويث المسجد فإنه لا يحل له دخوله، ويصلي في بيته جماعةً إن تيسر له، أو منفرداً. قال ابن قدامة في "المغني" (1/201) : " فأما المستحاضة , ومن به سلس البول , فلهم اللبث في المسجد والعبور إذا أمنوا تلويث المسجد ; لما روي عن عائشة أن امرأة من أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتكفت معه وهي مستحاضة , فكانت ترى الحمرة والصفرة , وربما وضعت الطست تحتها وهي تصلي. رواه البخاري. . . . فإن خاف تلويث المسجد فليس له العبور ; فإن المسجد يصان عن هذا , كما يصان عن البول فيه. ولو خشيت الحائض تلويث المسجد بالعبور فيه , لم يكن لها ذلك " انتهى باختصار. وقال النووي في "المجموع" (2/177) : " يحرم إدخال النجاسة إلى المسجد. فأما من على بدنه نجاسة أو به جرح فإن خاف تلويث المسجد حرم عليه دخوله , وإن أمن لم يحرم , ودليل هذه المسائل حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلا الْقَذَرِ، إنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ) أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم " انتهى. الثانية: أن يكون الخارج ينقطع عنه زمنا يتسع لوضوئه وصلاته، كمن علم أنه بعد قضاء حاجته بنحو ساعة – مثلاً - يتوقف عنه خروج البول، فهذا يلزمه أن يؤخر الصلاة إلى وقت انقطاع البول، ولو أدى ذلك إلى تركه الصلاة مع الجماعة. وينبغي حينئذ أن يصلي مع أهله إن تيسر له ذلك ليدرك فضل الجماعة. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة: رجل مصاب بسلس في البول، يطهر بعد التبول لفترة. لو انتظر انتهاء السلس لانتهت الجماعة ماذا يكون الحكم؟ فأجابوا: " إذا عرف أن السلس ينتهي فلا يجوز له أن يصلي وهو معه طلباً لفضل الجماعة، وإنما عليه أن ينتظر حتى ينتهي ويستنجي بعده ويتوضأ ويصلي صلاته ولو فاتته الجماعة. وعليه أن يبادر بالاستنجاء والوضوء بعد دخول الوقت، رجاء أن يتمكن من صلاة الجماعة " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/408) . وانظر السؤال (50075) ، (39494) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 66074 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1853 السُّنَّة أن يكون الإمامُ مقابلَ وسط الصف [السُّؤَالُ] ـ[كيف تتراص الصفوف خلف الإمام من الوسط أو من اليمين؟ الصف الأول والصفوف الأخرى.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله السنة أن يقف الإمام مقابل وسط الصف، فيبدأ الصف من وراء الإمام مباشرة، ثم يتم الصف يميناً ويساراً، ولا بأس أن يكون اليمين أكثر من اليسار قليلاً. روى أبو داود (681) عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَسِّطُوا الإِمَامَ، وَسُدُّوا الْخَلَلَ) . قال المناوي في فيض القدير: " أي: اجعلوه وسط الصف لينال كل أحد عن يمينه وشماله حظه من نحو سماع وقرب" انتهى. غير أن هذا الحديث ضعيف، ضعفه الألباني في ضعيف أبي داود. وقد وردت أحاديث أخرى صحيحة ظاهرها يدل على ما دل عليه هذا الحديث الضعيف من أن الإمام يقف مقابل وسط الصف. روى البخاري (424) ومسلم (33) عَنْ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ فِي مَنْزِلِهِ فَقَالَ: أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ لَكَ مِنْ بَيْتِكَ؟ قَالَ: فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى مَكَانٍ، فَكَبَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَفْنَا خَلْفَهُ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ. وروى البخاري (380) ومسلم (658) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ لَهُ، فَأَكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: قُومُوا فَلأُصَلِّ لَكُمْ. قَالَ أَنَسٌ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَفْتُ وَالْيَتِيمَ وَرَاءَهُ، وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا، فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ. وروى مسلم (3014) عن جابر أنه قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فقُمْتُ عَنْ يَسَارِه، فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَدَارَنِي حَتَّى أَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ جَاءَ جَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ جَاءَ فَقَامَ عَنْ يَسَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيْنَا جَمِيعًا فَدَفَعَنَا حَتَّى أَقَامَنَا خَلْفَهُ. فظاهر قوله: (وَصَفَفْنَا خَلْفَهُ) وقوله: (وَصَفَفْتُ وَالْيَتِيمَ وَرَاءَهُ) وقوله: (حَتَّى أَقَامَنَا خَلْفَهُ) أنهم كانوا خلف النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة، أي كان النبي صلى الله عليه وسلم مقابل وسط الصف. قال الشوكاني في السيل الجرار (1/261) : " والاثنان فصاعداً خلفه في سَمْته. وأما اعتبار أن يكونا في سَمْته فهو معنى كونهما خلفه، وأنهما لو وقفا في جانبٍ خارجٍ عن سَمْته لم يكونا خلفه " انتهى. وقال ابن قدامة في المغني" (2/27) : " وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ الإِمَامُ فِي مُقَابَلَةِ وَسَطِ الصَّفِّ ; لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: (وَسِّطُوا الإِمَامَ , وَسُدُّوا الْخَلَلَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد " انتهى. وقال النووي في "المجموع" (4/192) : " وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ عَلَى اسْتِحْبَابِ الصَّفِّ الأَوَّلِ وَالْحَثِّ عَلَيْهِ ; وَجَاءَتْ فِيهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحِ , وَعَلَى اسْتِحْبَابِ يَمِينِ الإِمَامِ، وَسَدِّ الْفُرَجِ فِي الصُّفُوفِ، وَإِتْمَامِ الصَّفِّ الأَوَّلِ ثُمَّ الَّذِي يَلِيه ثُمَّ الَّذِي يَلِيه إلَى آخِرِهَا , وَلا يشْرَعُ فِي صَفٍّ حَتَّى يَتِمَّ مَا قَبْلَهُ , وَعَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الاعْتِدَالُ فِي الصُّفُوفِ. فَإِذَا وَقَفُوا فِي الصَّفِّ لا يَتَقَدَّمُ بَعْضُهُمْ بِصَدْرِهِ أَوْ غَيْرِهِ وَلا يَتَأَخَّرُ عَنْ الْبَاقِينَ , وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُوَسِّطُوا الإِمَامَ ويكتنفوه مِنْ جَانِبَيْهِ " انتهى. وجاء في " الموسوعة الفقهية" (27/37) : " وَمِنْ أَدَبِ الصَّفِّ أَنْ تُسَدَّ الْفُرَجُ وَالْخَلَلُ , وَأَنْ لا يشْرَعَ فِي صَفٍّ حَتَّى يَتِمَّ الأَوَّلُ , وَأَنْ يُفْسَحَ لِمَنْ يُرِيدُ دُخُولَ الصَّفِّ إذَا كَانَتْ هُنَاكَ سِعَةٌ , وَيَقِفُ الإِمَامُ وَسَطَ الصَّفِّ وَالْمُصَلُّونَ خَلْفَهُ " انتهى. وقال الشيخ ابن عثمين في "الشرح الممتع" (3/10) : " ومِن تسوية الصُّفوف: تفضيل يمين الصفِّ على شماله، يعني: أنَّ أيمن الصَّفِّ أفضل مِن أيسره، ولكن ليس على سبيل الإِطلاق؛ كما في الصَّفِّ الأول؛ لأنه لو كان على سبيل الإِطلاق، كما في الصف الأول؛ لقال الرَّسولُ عليه الصَّلاةُ والسَّلام: (أتمُّوا الأيمن فالأيمن) كما قال: (أتمُّوا الصَّفَّ الأول، ثم الذي يليه) . وإذا كان ليس مِن المشروع أن تبدأ بالجانب الأيمن حتى يكمُلَ، فإننا ننظرُ في أصول الشَّريعة، كيف يكون هذا بالنسبةِ لليسار؟ نجد أن هذا بالنسبة لليسار إذا تحاذى اليمينُ واليسار وتساويا أو تقاربا فالأفضل اليمين، كما لو كان اليسار خمسة واليمين خمسة؛ وجاء الحادي عشر؛ نقول: اذهبْ إلى اليمين؛ لأنَّ اليمين أفضلُ مع التَّساوي، أو التقارب أيضاً؛ بحيث لا يظهر التفاوتُ بين يمين الصَّفِّ ويسارِه، أما مع التَّباعد فلا شكَّ أنَّ اليسار القريبَ أفضل من اليمين البعيد. ويدلُّ لذلك: أنَّ المشروع في أول الأمر للجماعة إذا كانوا ثلاثة أن يقف الإِمام بينهما، أي: بين الاثنين. وهذا يدلُّ على أن اليمينَ ليس أفضلَ مطلقاً؛ لأنه لو كان أفضلَ مطلقاً؛ لكان الأفضل أن يكون المأمومان عن يمينِ الإِمامِ، ولكن كان المشروعُ أن يكون واحداً عن اليمين وواحداً عن اليسار حتى يتوسَّط الإِمام، ولا يحصُل حَيْفٌ وجَنَفٌ في أحد الطرفين " انتهى. وسئل الشيخ ابن باز: هل يبدأ الصف من اليمين أو من خلف الإمام؟ وهل يشرع التوازن بين اليمين واليسار، بحيث يقال: اعدلوا الصف، كما يفعله كثير من الأئمة؟ فأجاب: " الصف يبدأ من الوسط مما يلي الإمام، ويمين كل صف أفضل من يساره، والواجب ألا يبدأ في صف حتى يكمل الذي قبله، ولا بأس أن يكون الناس في يمين الصف أكثر ولا حاجة إلى التعديل، بل الأمر بذلك خلاف السنة، ولكن لا يصف في الثاني حتى يكمل الأول، ولا في الثالث حتى يكمل الثاني، وهكذا بقية الصفوف، لأنه قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر بذلك " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (12/205) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 66017 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1854 يترك صلاة الجماعة بسبب العمل [السُّؤَالُ] ـ[والدي أحياناً لا يذهب إلى صلاة الفجر والتراويح بسبب الضغط الشديد في عمله، فهل هذا يجوز أم لا؟ مع العلم أن والدي - في العادة - في رمضان لا يترك صلاة التراويح إلا إذا كان مريضاً، وهو متدين أيضاً - والحمد لله - ولكن الآن من ضغط عمله فلا يذهب أحياناً إلى الصلاة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصلاة في الجماعة واجبة في جميع الأوقات لقول الله تعالى: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ) النساء/102. فأوجب سبحانه تعالى الصلاة في الجماعة في حال الحرب، فكيف بحال السلم؟ وروى البخاري (608) ومسلم (1040) أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ثم آمر رجلاً فيؤمَّ ثم أخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة فأُحرق عليهم بيوتهم) ، وفي صحيح مسلم (1044) (أن رجلاً أعمى جاء إلى النبي فقال: يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله أن يرخص له في بيته، فرخَّص له فلما ولَّى دعاه فقال: هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم. قال: فأجب) ، فينبغي للمسلم أن يحافظ على الصلاة في الجماعة في جميع الأوقات وأن لا يشغله عنها شاغل من شواغل الدنيا. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) المنافقون/9، فعليك أن تنصحي والدك وتذكريه بهذه الأدلة الصحيحة بالحكمة والموعظة الحسنة. وهذا الحكم هو لصلاة الجماعة في الصلوات الخمس، أما التراويح فأمرها أيسر من ذلك، فيجوز للمسلم أن يصليها في بيته، وإن كان الأفضل أن يصليها جماعة في المسجد. ولا يجوز للمسلم أن يرهق نفسه في أعمال الدنيا على حساب عبادته وصلاته، وقد وصف الله تعالى المؤمنين أنهم لا تلهيهم تجارتهم ولا بيعهم عن ذِكر الله وإقام الصلاة فقال تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآَصَالِ. رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ. لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) النور/36–38. وفي ختم الآيات بقوله تعالى (وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) إشارة إلى أمر ينبغي التفطن له لمن بذل وقته في التجارة والعمل على حساب طاعته لربه، وهو أن الرزق بيد الله يرزقه من يشاء بغير حساب، وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فقال: (أيها الناس، اتقوا الله وأجملوا في الطلب، فإن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقها، وإن أبطأ عنها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب خذوا ما حل ودعوا ما حرم) رواه ابن ماجه (2144) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الترغيب " (1698) . فلا مانع من بذل الأسباب في الرزق لكن ينبغي على المسلم أن لا يبالغ في العمل فيبذل له وقته كله على حساب طاعته وصحته وتربية أبنائه، وعليه أن يسدد ويقارب. فنرجو أن يقف والدك على ما قلناه ويتأمله حق التأمل، ونسأل الله تعالى أن يهديه لأحسن الأقوال والأفعال والأخلاق، وأن يرزقه رزقا حسناً طيبا مباركاً فيه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65783 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1855 صلاة التراويح قبل العشاء [السُّؤَالُ] ـ[صليت صلاة القيام في المسجد وبعدها نوى لصلاة الوتر ثلاث ركعات دون الشفع، وأنا كنت أتيت متأخرة ففاتني صلاة العشاء.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صلاة القيام والوتر لا تصلَّيان إلا بعد صلاة العشاء، فكان ينبغي أن تصلِّي العشاء أولاً ثم تصلي القيام والوتر بعد ذلك. قال النووي في "المجموع" (3/526) : " يدخل وقت التراويح بالفراغ من صلاة العشاء، ذكره البغوي وغيره، ويبقى إلى طلوع الفجر " انتهى. وقال في "الإنصاف" (4/166) : " وأول وقتها – يعني التراويح – بعد صلاة العشاء وسنتها على الصحيح من المذهب، وعليه الجمهور، وعليه العمل " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين: " وقتها – يعني التراويح – من بعد صلاة العشاء، إلى طلوع الفجر " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (14/210) . وعلى هذا، فماذا يفعل من أتى المسجد متأخراً وقد انصرف الإمام من صلاة العشاء وشرع في صلاة التراويح؟ الصحيح أنه يدخل مع الإمام بنية العشاء، ويقوم ليتم صلاته (أربع ركعات) بعد سلام الإمام، ثم يدخل معه فيما بقي من صلاة التراويح. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " لا بأس أن يصلي العشاء خلف من يصلي التراويح، وقد نص الإمام أحمد رحمه الله على أن الرجل إذا دخل المسجد في رمضان وهم يصلون التراويح فإنه يصلي خلف الإمام بنية العشاء، فإذا سلم الإمام من الصلاة أتى بما بقي عليه من صلاة العشاء " انتهى بتصرف من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (12/443، 445) . وانظر جواب السؤال رقم (37829) ففيه المزيد حول صلاة التراويح قبل العشاء. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65561 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1856 يشق عليه القيام للصلوات نظراً لظروف عمله وثقَل نومه [السُّؤَالُ] ـ[مواعيد عملي تحتم عليَّ أن أعمل طوال الليل وأن أنام بالنهار ويصعب عليَّ أن أقوم بالصلوات الأربعة الأخرى، نظراً للتعب في العمل فإني لا أستطيع القيام أثناء النوم والقيام بالصلاة ثم أنام مرة أخرى ولسبب آخر وهو أن " نومي ثقيل " وعندما أنام لا يستطيع أحد أن يوقظني من النوم، حتى لو أني نويت القيام للصلاة أثناء النوم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: كان بعض الصحابة رضي الله عنهم يعملون الأعمال الشاقة كالزراعة والرعي وجمع الحطب ونحو ذلك ولم يكونوا من المفرطين في صلاتهم، بل كانوا محافظين عليها ليس في وقتها وحسب بل وفي جماعة، وحافظوا على العبادة وطلب العلم، ولم تأت الرخصة لهم في ترك الصلاة من أجل العمل. ولذلك فالواجب على أهل الأعمال وغيرهم أداء الصلوات في أوقاتها. وقد أثنى الله تعالى على المؤمنين بأنهم لا تشغلهم أعمالهم عن طاعة الله تعالى، فقال: (رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) النور/37-38. ثانياً: والنائم معذور وقت نومه، فإذا استيقظ وجب عليه أداء الصلاة بعد استيقاظه. فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: (مَن نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها) رواه البخاري (572) ومسلم (684) . قال الشوكاني رحمه الله: " الحديث يدل على أن النائم ليس بمكلف حال نومه وهو إجماع ... وظاهر الحديث أنه لا تفريط في النوم سواء كان قبل دخول وقت الصلاة أو بعده قبل تضيقه وقيل: إنه إذا تعمد النوم قبل تضيق الوقت واتخذ ذلك ذريعة إلى ترك الصلاة لغلبة ظنه أنه لا يستيقظ إلا وقد خرج الوقت كان آثما , والظاهر أنه لا إثم عليه بالنظر إلى النوم ; لأنه فعله في وقت يباح فعله فيه فيشمله الحديث , وأما إذا نظر إلى التسبب به للترك فلا إشكال في العصيان بذلك " انتهى. " نيل الأوطار " (2 / 33، 34) . ثالثاً: والواجب على النائم قبل نومه أن يحرص على الاستيقاظ في وقت الصلاة، وأن يأخذ بالأسباب التي تعينه على أداء الصلاة في وقتها، فإن فعل ولم يستيقظ فهو معذور لأنه أدى الذي عليه و (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) ، وقد حصل هذا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره. فعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: سرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فقال بعض القوم: لو عَرَّست بنا يا رسول الله (أي: نزلت بنا آخر الليل حتى نستريح) ، قال: أخاف أن تناموا عن الصلاة، قال بلال: أنا أوقظكم، فاضطجعوا وأسند بلال ظهره إلى راحلته فغلبته عيناه فنام، فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم وقد طلع حاجب الشمس، فقال: يا بلال أين ما قلت؟ قال: ما ألقيت علي نومة مثلها قط، قال: إن الله قبض أرواحكم حين شاء وردها عليكم حين شاء، يا بلال قم فأذن بالناس بالصلاة، فتوضأ فلما ارتفعت الشمس وابياضت قام فصلى. رواه البخاري (570) ومسلم (681) وعنده: (احفظوا علينا صلاتنا) . فالنبي صلى الله عليه وسلم قد أخذ بأسباب الاستيقاظ بجعله بلالاً لينبههم لصلاتهم، إلا أنه غلبته عيناه، فنام ونام القوم معه حتى طلعت الشمس ولم يكونوا مفرطين، ولذلك قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه ليس في القوم تفريط) . وأما من سهر في عمل أو غيره ولم يأخذ بأسباب الاستيقاظ فصلَّى بعد الوقت: فيعتبر تاركاً للصلاة متعمداً، وهو غير معذور بنومه. وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: عمن يسهر ولا يستطيع أن يصلي الفجر إلا بعد خروج الوقت فهل تقبل منه؟ وحكم بقية الصلوات التي يصليها في الوقت؟ فأجاب: " أما صلاة الفجر التي يؤخرها عن وقتها وهو قادر على أن يصليها في الوقت لأن بإمكانه أن ينام مبكراً فإن صلاته هذه لا تقبل منه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) رواه مسلم، والذي يؤخر الصلاة عن وقتها عمداً بلا عذر: قد عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله فيكون مردوداً عليه. لكن قد يقول: إنني أنام، وقد قال النبي صلي الله عليه وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك) . فنقول: إذا كان بإمكانه أن ينام مبكراً ليستيقظ مبكراً، أو يجعل عنده ساعة تنبهه، أو يوصي من ينبهه: فإن تأخيره الصلاة، وعدم قيامه يعتبر تعمداً لتأخير الصلاة عن وقتها، فلا تقبل منه " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (12 / السؤال رقم 14) . رابعاً: وقد يكون الرجل ثقيل النوم، فهذا على حالين: الحال الأولى: أن يكون ثقل نومه بسبب سهره في العمل أو في طلب العلم أو قيام الليل: فمثل هذا لا يجوز له أن يتسبب في تضييع الصلاة عن وقتها من أجل ما سبق، ويجب عليه أن يبحث عن عمل آخر لا يسبب له تضييع الصلوات، ما لا يجوز له الاشتغال بالنوافل أو حتى طلب العلم – وهو واجب في أصله – على حساب تضييع الصلوات، وترك الصلاة هنا يعتبر تعمداً؛ لأنه يستطيع تغيير العمل، ويستطيع ترك السهر. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: " الواجب على الإخوة الذين يخرجون إلى الرحلات أن يشكروا الله تعالى على هذه النعمة حيث جعلهم في رخاء ويسر من العيش، وفي أمن وأمان من الخوف، ويقوموا بما أوجب الله عليهم من الصلاة في أوقاتها، سواء صلاة الفجر أم غيرها، ولا يحل لهم أن يؤخروا صلاة الفجر عن وقتها بحجة أنهم نائمون، لأن هذا النوم لا يعذرون فيه غالباً لكونهم يستطيعون أن يكون لهم منبهات تنبههم للصلاة في وقتها، ويستطيعون أن يناموا مبكرين حتى يقوموا نشيطين " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (12 / السؤال رقم 14) . وأما الحال الثانية: أن يكون ثقل النوم طبعاً في الرجل، وليس له تعلق بسهر أو عمل، وقد عرف هذا عن بعض الأقوام والأشخاص، فإن كان كذلك: فهو معذور إن كان قد أخذ بالأسباب ولم يستيقظ. فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ونحن عنده فقالت: يا رسول الله إن زوجي صفوان بن المعطل لا يصلي صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، قال: وصفوان عنده، قال: فسأله عما قالت، فقال: يا رسول الله إنا أهل بيت قد عرف لنا ذاك لا نكاد نستيقظ حتى تطلع الشمس قال: (فإذا استيقظت فصلِّ) . رواه أبو داود (2459) وصححه الشيخ الألباني في " إرواء الغليل " (7 / 65) . والخلاصة: أن الذي يظهر من حالك أن ثقل نومك له تعلق بالسهر، والسهر كان بسبب العمل وعليه: فلا يجوز لك البقاء في عملك هذا؛ لأنه يؤدي بك إلى ترك أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، فابحث عن عمل غيره يعوضك الله خيراً منه. وسترى التغير الطيب في دينك وجسمك ونفسيتك، أما الدين: فإن أداء الصلوات في أوقاتها من أعظم الواجبات، وتركه من أعظم المحرمات، وأما جسمك: فإن علماء الطب قد ذكروا مضار كثيرة لمن يعمل بالليل، وأن نوم النهار لا يعطي الجسم الراحة التي تحصل له من نوم الليل، وكل ما سبق يؤثر على نفسيتك تأثيراً سلبيّاً. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65605 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1857 الصلاة خلف الصف منفرداً [السُّؤَالُ] ـ[إذا دخل المصلي إلى المسجد، فوجد الجماعة يصلون، وليس له مكان في الصف، فهل يصلي وحده خلفهم، أو يجذب معه أحد المصلين من الصف الذي أمامه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سبق أن بينا في السؤال رقم (41025) أنه لا تصح صلاة المنفرد خلف الصف، كما هو المشهور من مذهب الإمام أحمد، واختيار غير واحد من المحققين. وقد سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى عن هذه المسألة، فأجاب عنها جوابا مفصلا، قال فيه: (: الكلام على هذه المسألة في مقامين: المقام الأول: هل تصح صلاة المنفرد خلف الصف أو لا؟ والمقام الثاني: إذا قلنا لا تصح، فوجد الصف تاما، فماذا يصنع؟ فأما المقام الأول: فقد اختلف العلماء – رحمهم الله – فيه: فقال بعضهم: تصح صلاة المنفرد خلف الصف، لعذر ولغير عذر , لكن صرح بعضهم بكراهة ذلك لغير عذر , وهذا هو مذهب الأئمة الثلاثة: مالك والشافعي وأبي حنيفة. واستدلوا بصحة صلاة المرأة خلف الصف؛ حيث قالوا: إن الرجال والنساء سواء في الأحكام الشرعية. وبأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر أبا بكرة حين ركع قبل أن يدخل الصف أن يعيد الصلاة [حديث أبي بكرة: رواه البخاري 783] . وبأن النبي صلى الله عليه وسلم أدار ابن عباس من ورائه في أثناء الصلاة [رواه البخاري 117 ومسلم 763] ؛ فإذا جاز أن يكون الانفراد في جزء من الصلاة، جاز أن يكون في جميعها؛ إذ لو كان مبطلاً للصلاة لم يكن بين قليله وكثيره فرق، كالوقوف قدام الإمام. وأجابوا عن الأحاديث النافية لصلاة المنفرد خلف الصف بأن المراد بها نفي الكمال؛ فهي كقوله صلي الله عليه وسلم: (لا صلاة بحضرة طعام) [مسلم 560] ونحوه. وقال بعض العلماء: إن صلاة المنفرد خلف الصف لا تصح، وهذا مذهب الإمام أحمد المشهور عند أصحابه، وهو من مفرداته. وعنه رواية ثانية تصح وفاقاً للأئمة الثلاثة. واستدل أصحاب هذا القول بالأثر والنظر: أما الأثر: فما رواه الإمام أحمد (15862) عن علي بن شيبان – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي خلف الصف، فلما انصرف قال له النبي صلي الله عليه وسلم: (استقبل صلاتك, فإنه لا صلاة لمنفرد خلف الصف) ، وهو حديث حسن، له شواهد تقتضي صحته. وأما النظر: فإن الجماعة هي الاجتماع , ويكون بالمكان والأفعال؛ فالأفعال اجتماع المأمومين على متابعة إمامهم , والمكان اجتماعهم في صفوفهم؛ وإذا قلنا بجواز انفراد بعضهم عن بعض، فمتى تكون الهيئة الاجتماعية ... وأجاب هؤلاء عن أدلة المجيزين بأن جواز انفراد المرأة خلف الصفوف من الرجال، قد دلت السنة على أنه من خصائصها؛ كما في حديث أنس قال: (فقمت أنا اليتيم وراءه – يعني وراء النبي صلى الله عليه وسلم - والعجوز من ورائنا) [رواه البخاري 234 ومسلم 658] , ولأنها ليست أهلاً لأن تكون إلى جانب الرجال. وأما حديث أبي بكرة فإنه لم ينفرد إلا جزءاً يسيراً وقد قال له النبي صلي الله عليه وسلم: (لا تعد) . وأما حديث ابن عباس فإنه لم يقف خلف الصف، بل كان ماراً غير مستقر. وأما قولهم: إن المراد بنفي الصلاة نفي الكمال , فدعوى مردودة؛ لأن الأصل في النفي نفي الوجود , فإن لم يمكن فنفي الصحة , فإن لم يمكن فنفي الكمال؛ وحديث: (لا صلاة لمنفرد) يمكن أن يعود النفي فيه إلى نفي الصحة , فيجب أن يحمل عليه. وأما تنظيرهم بحديث: (لا صلاة بحضرة طعام) فلا يصح لوجهين: أحدهما: أن العلة في هذا هو انشغال القلب بحضور الطعام , وانشغال القلب لا يوجب بطلان الصلاة، كما في حديث الوسوسة أن الشيطان يأتي إلى المصلي: اذكر كذا، اذكر كذا، لما لم يكن يذكر؛ فيظل لا يدري كم صلى [رواه البخاري 608 ومسلم 389] . الوجه الثاني: أن حديث: (لا صلاة لمنفرد خلف الصف) قد صرح أن المراد به نفي الصحة؛ حيث أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يستقبل صلاته، وعلل ذلك بأنه لا صلاة لمنفرد خلف الصف. وفي حديث وابصة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي خلف الصف وحده، فأمره أن يعيد صلاته [رواه أبو داود 682 والترمذي 230] . وبهذا تبين أن القول الراجح وجوب المصافة , وأن من صلى وحده خلف الصف فصلاته باطلة , وعليه أن يعيدها لتركه واجب المصافة. ولكن هذا الواجب كغيره من الواجبات؛ يسقط بفوات محله , أو بالعجز عنه عجزاً شرعياً , أو عجزا حسياً لقوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم) التغابن/16. وقول النبي صلي الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) [رواه البخاري 7288 ومسلم 1337] ، فيجب أن يكون في الصف حيث وجد مكاناً فيه , فإن لم يجد مكاناً سقط عنه هذا الواجب , وكذلك إن لم يكن له مكان شرعاً فإنه يسقط عنه الواجب. مثال الأول: إذا وجد الصف تاماً، فله أن يصلي وحده؛ لأنه لا واجب مع العجز. ومثال الثاني: إذا كانت امرأة مع رجال فإنها تصلي وحدها خلف الصف، كما ثبتت به السنة. وهذا الذي جاءت به السنة يمكن أن يكون أصلاً يقاس عليه صلاة الرجل وحده خلف الصف إذا لم يجد مكاناً فيه؛ لأن التعذر الحسي كالتعذر الشرعي. ويوضح ذلك: أن الرجل إذا جاء ووجد الصف تاماً فإما أن يتقدم ويقف بجنب الإمام , أو يجذب واحداً من الصف ليقف معه , أو يصلي وحده منفرداً عن الجماعة، أو يصلي مع الجماعة خلف الصف. فأما تقدمه إلى جنب الإمام ففيه: 1- مخالفة السنة بإفراد الإمام وحده ليتميز عن المأمومين بتقدمه عليهم مكاناً وأفعالاً. ولا يرد على هذا وقوف النبي صلي الله عليه وسلم إلى جانب أبي بكر [رواه مسلم 413] ؛ لأن الذي جاء ووقف هو الإمام، وقف إلى جانب نائبه.وأيضاً فإن أبا بكر لا يمكنه الرجوع إلى الصف. وأيضاً فإن من مصلحة الجماعة أن يكون إلى جنب النبي ليبلغهم تكبيره.. 2- وفي تقدم المأموم الذي وجد الصف تاماً إلى جنب الإمام، إيذاء للجماعة الذين سيتخطاهم ليصل إلى الإمام. 3- وفيه تفويت للمصافة لمن جاء بعده؛ فإنه لو قام وحده وجاء آخر صار صفاً. وأما جذبه واحداً من المأمومين ليقف معه ففيه ثلاثة محاذير: أحدها: فتح فرجة في الصف , والنبي صلى الله عليه وسلم قد أمر بالمراصة ونهى أن ندع فرجات للشيطان [أحمد 5691 وأبو داود 666، وصححه الألباني في الصحيحة] . الثاني: أنه ظلم للمجذوب بنقله من المكان الفاضل إلى المكان المفضول. الثالث: أنه يشوش عليه صلاته , وربما ينازعه ويشاتمه إذا فرغ منها. ولا يرد على هذا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لمن رآه يصلي وحده خلف الصف: (ألا دخلت معهم أو اجتررت أحداً) فإنه حديث ضعيف لا تقوم به حجة [رواه الطبراني في الأوسط 8/374 وقال الهيثمي: ضعيف جدا) . وأما تركه الجماعة وصلاته منفرداً، فهو ترك لواجب الجماعة مع القدرة عليه، فيكون وقوعاً في المعصية. وأما صلاته مع الجماعة خلف الصف فهو قيام بالواجب عليه بقدر المستطاع؛ فإن المصلي مع الجماعة يلزمه أمران: أحدهما: الصلاة في الجماعة. والثاني: القيام في الصف معهم , فإذا تعذر أحدهما وجب الآخر. فإن قيل: إن قوله صلي الله عليه وسلم (لا صلاة لمنفرد خلف الصف) عام ليس فيه تفصيل بين تمام , وعدم تمامه. فالجواب: أن هذا دال على بطلان الصلاة للمنفرد لتركه واجب المصافة ,فإذا لم يقدر عليه سقط عنه , والنبي صلي الله عليه وسلم لا يمكن أن يبطل صلاته لتركه ما لا قدرة له عليه. ونظير هذا الحديث قوله صلي الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن) [رواه البخاري 756 ومسلم 394] , وقوله صلي الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن لا وضوء له) [رواه الإمام أحمد 9137 وأبو داود 101 وابن ماجة 399] إن صح هذا , فإن من لم يقدر على الفاتحة أو على الوضوء صلى بدونهما وأجزأته صلاته، لكنه يقرأ من القرآن بقدر الفاتحة , أو يذكر الله إن لم يقدر على شيء من القرآن، ويتيمم إن عجز عن الوضوء. وخلاصة الجواب: أن المصافة واجبة , وأن من جاء وقد كمل الصف فإنه يصلي مع الجماعة خلف الصف , ولا يتقدم إلى الإمام ليصلي إلى جنبه , ولا بجذب أحداً من الصف ليقف معه , ولا يترك صلاة الجماعة. وجواز صلاته الجماعة منفرداً عن الصف للعذر هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيميه , وشيخنا عبد الرحمن سعدي، وبعض قول من يرى الجواز مطلقا ً. والحمد لله رب العالمين. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 11199 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1858 يصلي في المسجد مع الجماعة ولكنه يكون منفرداً خلف الصف دائماً [السُّؤَالُ] ـ[شخص يصلي مع الجماعة في المسجد، ولكنة يصلى بمفرده بالرغم من أنه توجد أماكن فارغة في الصفوف يستطيع أن يصلى فيها، فما حكم هذه الصلاة، علما بأنة دائما يفعل ذلك.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صلاة الجماعة من الشعائر الظاهرة العظيمة في ديننا، وقد سبق بيان أن القول بوجوبها هو الراجح الذي تقتضيه الأدلة [راجع السؤال رقم 120] . وأما صلاة المنفرد خلف الصف، إذا كان في الصف مكان يسعه، فقد اختف أهل العلم في صحتها. قال الإمام الترمذي رحمه الله: (كَرِهَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ، وَقَالُوا يُعِيدُ إِذَا صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ، وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَقُ) ثم حكاه أيضا عن حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَوَكِيعٌ. قال: (وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: يُجْزِئُهُ إِذَا صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيِّ) . والراجح في ذلك ما ذهب إليه الإمام أحمد وغيره من أهل العلم، من أنه لا يجوز للمنفرد أن يصلي خلف الصف، إذا أمكنه الدخول فيه، وأنه إذا فعل ذلك بطلت صلاته، ووجب عليه الإعادة. وقد دل على ذلك ما رواه أبو داود (682) والترمذي (230) وغيرهما، أَنَّ رَجُلا صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعِيدَ الصَّلاةَ. [صححه الألباني في الإرواء] . قال المباركفوري رحمه الله: فِيهِ دَلالَةٌ عَلَى أَنَّ الصَّلاةَ خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ لا تَصِحُّ، وَأَنَّ مَنْ صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الصَّلاةَ. انتهى. ودل على ذلك أيضا ما رواه أحمد (15862) وابن ماجة (1003) أن علي بن شيبان خَرَجَ وَافِدًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَصَلَّيْنَا خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَحَ بِمُؤْخِرِ عَيْنَيْهِ إِلَى رَجُلٍ لا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، إِنَّهُ لا صَلاةَ لِمَنْ لا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) قَالَ: وَرَأَى رَجُلا يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ، فَوَقَفَ حَتَّى انْصَرَفَ الرَّجُلُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم:َ (اسْتَقْبِلْ صَلاتَكَ؛ فَلا صَلاةَ لِرَجُلٍ فَرْدٍ خَلْفَ الصَّفِّ) . صححه الألباني في صحيح ابن ماجة. قال السندي رحمه الله في حاشيته على ابن ماجة: ظَاهِر الْحَدِيث بُطْلان صَلاة مَنْ يَفْعَل كَذَلِكَ. وقال الصنعاني رحمه الله: فيه دلالة على بطلان صلاة من صلى خلف الصف وحده، فإن النفي ظاهر في نفي الصحة. وقد قال ببطلانها النخعي وأحمد، وكان الشافعي يضعف هذا الحديث ويقول: لو ثبت هذا الحديث لقلت به. قال البيهقي: الاختيار أن يُتَوَقَّى ذلك لثبوت الخبر المذكور. انتهى. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى ما حكم الصلاة خلف الصف منفرداً؟ فقال رحمه الله: (الصلاة خلف الصف المنفرد لا تجوز ولا تصح على القول الراجح، وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله، وإن كان عنه رواية أخرى أنها تصح، وهو [أي: القول بصحة صلاة المنفرد خلف الصف] مذهب الأئمة الثلاثة: مالك وأبي حنيفة والشافعي. ولكن الراجح أنها لا تصح خلف الصف منفردا، إلا إذا تعذر الوقوف في الصف؛ بحيث يكون الصف تاماً , فإنه يصلي خلف الصف منفرداً تبعاً للإمام؛ لأنه معذور , ولا واجب مع العجز كما قاله أهل العلم – رحمهم الله.) [فتاوى الشيخ 15/193] . ولكي تعلم خطوة ما يفعله هذا الذي تسأل عنه، ينبغي أن تعلم أن بعض أهل العلم قد ذهب إلى بطلان صلاة المنفرد خلف الصف مطلقا؛ يعني ولو لم يجد له مكانا في الصف. جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: (إذا دخل رجل المسجد، وقد أقيمت الصلاة وامتلأ الصف، اجتهد أن يدخل في الصف، فإن لم يتيسر ذلك فإنه يدخل مع الإمام ويكون عن يمينه، فإن لم يتمكن انتظر حتى يحضر من يصطف معه، فإن لم يتيسر أحد صلى وحده بعد انتهاء صلاة الجماعة.) وورد نفس التفصيل السابق في جواب آخر للجنة، وفيه أنه لا يكفي في ذلك مصافة الصبيان إذا كانوا غير مميزين. قالت: ( ... وأما مصافة الصبيان، فإن كانوا مميزين فمصافتهم صحيحة ... ، وإن كانوا غير مميزين، فحكمه حكم المنفرد خلف الصف، وصلاة المنفرد خلف الصف غير صحيحة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا صلاة لمنفرد خلف الصف ") [انطر: فتاوى اللجنة 8/6-7] . ولا شك أن الصورة التي سألت عنها تتنافى كل التنافي مع حكمة الشرع من صلاة الجماعة، ويأباها من كان له أدنى نظر في حكم الشرع ومقاصده. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، بعد ما ذكر الحديثين اللذين استُدِلَّ بهما على عدم صحة صلاة المنفرد خلف الصف: (.. وَقَدْ صَحَّحَ الْحَدِيثَيْنِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ، وَأَسَانِيدُهُمَا مِمَّا تَقُومُ بِهِمَا الْحُجَّةُ ; بَلْ الْمُخَالِفُونَ لَهُمَا يَعْتَمِدُونَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَائِلِ عَلَى مَا هُوَ أَضْعَفُ إسْنَادًا مِنْهُمَا، وَلَيْسَ فِيهِمَا مَا يُخَالِفُ الأُصُولَ، بَلْ مَا فِيهِمَا هُوَ مُقْتَضَى النُّصُوصِ الْمَشْهُورَةِ وَالأُصُولِ الْمُقَرَّرَةِ؛ فَإِنَّ صَلاةَ الْجَمَاعَةِ سُمِّيَتْ جَمَاعَةً لاجْتِمَاعِ الْمُصَلِّينَ فِي الْفِعْلِ مَكَانًا وَزَمَانًا، فَإِذَا أَخَلُّوا بِالاجْتِمَاعِ الْمَكَانِيِّ أَوْ الزَّمَانِيِّ، مِثْلَ أَنْ يَتَقَدَّمُوا أَوْ بَعْضُهُمْ عَلَى الإِمَامِ أَوْ يَتَخَلَّفُوا عَنْهُ تَخَلُّفًا كَثِيرًا لِغَيْرِ عُذْرٍ، كَانَ ذَلِكَ مَنْهِيًّا عَنْهُ بِاتِّفَاقِ الأَئِمَّةِ؛ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانُوا مُفْتَرِقِينَ غَيْرَ مُنْتَظِمِينَ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ هَذَا خَلْفَ هَذَا وَهَذَا خَلْفَ هَذَا، كَانَ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ الأُمُورِ الْمُنْكَرَةِ، بَلْ قَدْ أُمِرُوا بِالاصْطِفَافِ، بَلْ أَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِتَقْوِيمِ الصُّفُوفِ وَتَعْدِيلِهَا وَتَرَاصِّ الصُّفُوفِ وَسَدِّ الْخَلَلِ وَسَدِّ الأَوَّلَ فَالأَوَّلَ؛ كُلُّ ذَلِكَ مُبَالَغَةً فِي تَحْقِيقِ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى أَحْسَنِ وَجْهٍ بِحَسَبِ الإِمْكَانِ. وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الاصْطِفَافُ وَاجِبًا لَجَازَ أَنْ يَقِفَ وَاحِدٌ خَلْفَ وَاحِدٍ وَهَلُمَّ جَرَّا؛ وَهَذَا مِمَّا يَعْلَمُ كُلُّ أَحَدٍ عِلْمًا عَامًّا أَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ صَلاةَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ كَانَ هَذَا مِمَّا يَجُوزُ لَفَعَلَهُ الْمُسْلِمُونَ وَلَوْ مَرَّةً، بَلْ وَكَذَلِكَ إذَا جَعَلُوا الصَّفَّ غَيْرَ مُنْتَظِمٍ: مِثْلَ أَنْ يَتَقَدَّمَ هَذَا عَلَى هَذَا، وَيَتَأَخَّرَ هَذَا عَنْ هَذَا، لَكَانَ ذَلِكَ شَيْئًا قَدْ عُلِمَ نَهْيُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْهُ، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ. بَلْ إذَا صَلَّوْا قُدَّامَ الإِمَامِ كَانَ أَحْسَنَ مِنْ مِثْلِ هَذَا. فَإِذَا كَانَ الْجُمْهُورُ لا يُصَحِّحُونَ الصَّلاةَ قُدَّامَ الإِمَامِ إمَّا مُطْلَقًا وَإِمَّا لِغَيْرِ عُذْرٍ فَكَيْفَ تَصِحُّ الصَّلاةُ بِدُونِ الاصْطِفَافِ. فَقِيَاسُ الأُصُولِ يَقْتَضِي وُجُوبَ الاصْطِفَافِ، وَأَنَّ صَلاةَ الْمُنْفَرِدِ لا تَصِحُّ كَمَا جَاءَ بِهِ هَذَانِ الْحَدِيثَانِ، وَمَنْ خَالَفَ ذَلِكَ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَلا رَيْبَ أَنَّهُ لَمْ تَبْلُغْهُ هَذِهِ السُّنَّةُ مِنْ وَجْهٍ يَثِقُ بِهِ، بَلْ قَدْ يَكُونُ لَمْ يَسْمَعْهَا، وَقَدْ يَكُونُ ظَنَّ أَنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ..) [مجموع فتاوى شيخ الإسلام 23/393-395] . فاجتهد أيها الأخ الكريم في نصح أخيك الذي يفعل ذلك، وأعلمه بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ونهيه عن مثل ذلك، لكن بشرط أن يكون نصحك له بالرفق واللين، وتخير الحال التي يُرْجَى فيها قبول نصحك له، والله يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 14376 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1859 والده يمنعه من صلاة الفجر في المسجد فهل يطيعه؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا عمري 16 سنة والمسجد قريب جدّاً من بيتنا، ولكن أبي لا يسمح لي أن أصلي الفجر فيه، ويسمح بباقي الصلوات قائلاً إنه يخاف عليَّ أن يحدث لي شيء، لأن بيننا وبين المسجد تقاطعاً، أي: شارعين متداخلين، مع أني كلمته كثيراً وحاولت إقناعه بالآيات والأحاديث، ولكن لا فائدة، فهل أذهب للصلاة من دون علمه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: في البداية - أخي السائل - نود أن نحيي فيك هذه الهمة الطيبة والحرص على الفرائض وصلاة الجماعة، ونسأل الله لك الثبات على الدين والاستقامة، وألا تكون مثل هذه التصرفات من والدك مثبطة لك عن الاستقامة وعمل الخير والهداية، وقبل الجواب على سؤالك فينبغي أن تتذكر أمراً هاماً جداً، وهو: أن بر الوالدين وطاعتهما فريضة قد وصى الله بها في مواضع كثيرة من كتابه العزيز ومن ذلك قوله تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) النساء/36، وقوله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا. وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) الإسراء/23، 24. واعلم أن طاعة الوالدين ملزمة لك إلا أن يأمرا بمعصية الله تعالى، فحينها لا طاعة لهما؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف) رواه البخاري (6830) ومسلم (1840) . أما عن صلاة الجماعة فهي واجبة، لا يجوز للأب أن يمنع ولده المكلف منها، بل الواجب على الآباء أن يأمروا أبناءهم بها ويرغبوهم فيها ويحثوهم عليها، وإذا أحس الوالد من ولده تقصيراً في هذا الواجب فعليه أن يستشعر المسئولية التي حُمِّلَها، والرعية التي سوف يُسأل عنها أمام الله تعالى يوم الحساب، فيأمر وينهى ويذكر رعيته بما يجب عليهم تجاه ربهم من الواجبات وخطر التهاون فيها. فإن قصر الوالد في حق أولاده بأن تركهم دون أمر ونهي وترغيب في الخير وترهيب من الشر، فهذا لا يعفيهم من الإثم إن قصروا في الواجبات أو فعلوا المحرمات. فإن تعدى الأمر عند الوالد بأن ينهى أبناءه عن الواجب الذي أمرهم الله به فعندئذ لا طاعة له في معصية الله أو في ترك ما أوجب الله، فإذا أمر الأب ولده بترك صلاة الجماعة كل أوقاتها أو بعضها فقد أمر بمعصية، فحينئذ لا طاعة له، مع صحبته بالمعروف والإحسان إليه. أما عن سؤالك هل تخرج سرّاً لصلاة الفجر: فهذا طيب بالنسبة لك، لكنه يسيء إلى والدك من حيث لا تشعر، فوالدك متلبس بمعصية ما دام يمنعك من صلاة الجماعة، حتى لو خرجت سرّاً فالإثم لا يرتفع عنه، لأنه ما يزال آمراً بالمنكر، ناهياً عن المعروف، حتى لو خرجت للصلاة دون علمه، فعليك أن تحاول إقناعه أولاً بالحكم الشرعي ولو عن طريق غيرك إن كان لا يسمع منك أو يعتبرك صغيراً، فإن لم يستجب، فلا حرج عليك أن تخرج بلا إذن منه وبغير علمه، مع أخذ الحيطة والحذر في طريقك للمسجد. ثانياً: ونقول لوالدك – هداه الله – إن الله تعالى حمَّلك مسئولية عظيمة، وهي تعليم ونصح أهلك من زوجة وأولاد، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: (كلكم راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته) . وقد أمرك الله تعالى أن تقي نفسك وأهلك ناره عز وجل فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم/6، وقول تعالى – ناصّاً على الأمر بالصلاة -: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) طه/132. قال ابن القيم رحمه الله: " فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه، وتركه سدى: فقد أساء غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبَل الآباء، وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسنُنه، فأضاعوهم صغاراً، فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم كباراً " انتهى. " تحفة الودود " (ص 229) . ونحن نسألك سؤالاً مهمّاً: أين أنت عن صلاة الفجر؟! أليس من الواجب عليك أداؤها جماعة؟! أليس من الواجب عليك أن تكون قدوة لأهلك وأولادك فتصلي في بيت الله تعالى جماعة؟! إنك إن فعلت هذا أدَّيت ما أوجبه الله عليك، وأعنتَ ولدك على صلاته في المسجد، واطمأننتَ عليه إن كنتَ خائفاً من ذهابه وحده. واعلم أيها الوالد الكريم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا أن من صلى الفجر فهو في ذمة الله تعالى، فكيف تخاف على من كان في ذمته عز وجل؟! فعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ صَلَّى صَلاةَ الصُّبْحِ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ، فَلا يَطْلُبَنَّكُمْ اللَّهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ، فَإِنَّهُ مَنْ يَطْلُبْهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ يُدْرِكْهُ ثُمَّ يَكُبَّهُ عَلَى وَجْهِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ) رواه مسلم (657) . والذمة هنا الضمان، وقيل: الأمان، كما قال النووي رحمه الله. نسأل الله تعالى أن يوفقك لأداء الأمانة، وأن تكون قدوة صالحة لأهلك، وأن تعين ولدك على أداء الصلوات في بيت الله عز وجل. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 60259 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1860 هل تصح إمامة المصاب بسلس البول؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يصح لصاحب السلس أن يصلي إماما؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز أن يصلي صاحب السلس إماما بمصاب مثله، أما صلاته بصحيح فاختلف العلماء في جواز إمامته. فذهب بعضهم إلى عدم جوازها وبطلان الصلاة، وذهب آخرون إلى صحتها. جاء في الموسوعة الفقهية (25/187) : " اتفق الفقهاء على أنه إذا كان الإمام مريضا بالسلس والمأموم كذلك فالصلاة جائزة , وأما إذا كان الإمام مريضا بالسلس والمأموم سليماً فقد اختلف الفقهاء في جواز إمامة المريض لصلاة غيره من الأصحاء على قولين: القول الأول: وهو قول الحنفية والحنابلة: عدم الجواز، لأن أصحاب الأعذار يصلون مع الحدث حقيقة , لكن جعل الحدث الموجود في حقهم كالمعدوم , للحاجة إلى الأداء فلا يتعداهم ; لأن الضرورة تقدر بقدرها، ولأن الصحيح أقوى حالا من المعذور ولا يجوز بناء القوي على الضعيف. والقول الثاني: وهو قول المالكية والشافعية: الجواز، لصحة صلاتهم من غير إعادة، ولأنه إذا عفي عن الأعذار في حق صاحبها عفي عنها في حق غيره، إلا أن المالكية صرحوا بكراهة إمامة أصحاب الأعذار للأصحاء " انتهى باختصار. وانظر: "المجموع" (4/160) . وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما حكم إمامة من به سلس بول؟ فأجابوا: " من به سلس بول أو نحوه صلاته في نفسه صحيحة لقوله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) ، وقوله: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) وفي صحة صلاة من ائتم به من الأصحاء خلاف، والراجح: الصحة، لكن الأولى أن يؤم الناس غيره من الأصحاء خروجاً من الخلاف " انتهى. عبد العزيز بن باز، عبد الرزاق عفيفي، عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (7/397) . وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (4/172، 173) : " وصلاتُه – يعني المصاب بالسلس - مأموماً بإمامٍ سليمٍ مِن هذا المرضِ صحيحةٌ، وصلاتُه إماماً بمصابٍ بهذا المرضِ صحيحةٌ، هاتان صورتان. الصورةُ الثالثةُ: صلاتُه إماماً بمَن هو سليمٌ مِن هذا المرضِ فقال بعض العلماء: إنَّها لا تصحُّ، فإذا صَلَّى مَنْ به سلسُ البولِ إماماً بمَن هو سالمٌ مِن هذا المرضِ، فصلاةُ المأمومِ باطلةٌ وصلاةُ هذا أيضاً باطلةٌ؛ لأنَّه نَوى الإِمامةَ بمَن لا يصحُّ ائتمامُه به إلا أنْ يكون جاهلاً بحاله. والعلَّةُ في عدمِ صحَّةِ إمامتِه: أنَّ حالَ مَن به سَلسُ البولِ دون حالِ مَن سَلِمَ منه، ولا يمكن أن يكون المأمومُ أعلى حالاً مِن الإِمامِ. والقول الصحيحُ في هذا: أن إمامةَ مَن به سَلَسُ البولِ صحيحةٌ بمثْلِهِ وبصحيحٍ سليمٍ. ودليلُ ذلك: عمومُ قولِه صلى الله عليه وسلم: (يؤمُّ القومَ أقرؤهم لكتابِ اللهِ) وهذا الرَّجلُ صلاتُه صحيحةٌ؛ لأنَّه فَعَلَ ما يجب عليه، وإذا كانت صلاتُه صحيحةٌ لزمَ مِن ذلك صحَّةُ إمامتِه. وقولهم: إنَّ المأمومَ لا يكون أعلى حالاً مِن الإِمام مُنتقضٌ بصحَّةِ صلاةِ المتوضئِ خلفَ المُتَيمِّمِ، وهم يقولون بذلك مع أنَّ المتوضئَ أعلى حالاً، لكن قالوا: إنَّ المتيمِّمَ طهارتُه صحيحةٌ. ونقول: ومَن به سَلَسُ البولِ طهارتُه أيضاً صحيحةٌ " انتهى. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 60375 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1861 صلاة الجماعة تنعقد باثنين إمام ومأموم [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان هناك رجلان في البيت فهل يكفي هذا العدد لأداء الصلاة جماعةً؛ بحيث يكون أحدهما الإمام والآخر مأمومًا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، يكفي لإقامة صلاة الجماعة اثنان؛ إمام ومأموم، سواء كان ذلك في البيت أو غيره؛ قال الإمام البخاري رحمه الله: " باب اثنان فما فوقهما جماعة " ثم روى فيه حديث مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا حَضَرَتْ الصَّلاةُ فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا) البخاري 658 قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " قَوْله: (بَاب اِثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَة) هَذِهِ التَّرْجَمَة لَفْظ حَدِيث وَرَدَ مِنْ طُرُق ضَعِيفَة , ... " أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلا يُصَلِّي وَحْدَهُ فَقَالَ: أَلَا رَجُل يَتَصَدَّق عَلَى هَذَا فَيُصَلِّيَ مَعَهُ؟ فَقَامَ رَجُل فَصَلَّى مَعَهُ , فَقَالَ: هَذَانِ جَمَاعَة ". وَالْقِصَّة الْمَذْكُورَة دُونَ قَوْله " هَذَانِ جَمَاعَة " أَخْرَجَهَا أَبُو دَاوُدَ والترمذي مِنْ وَجْه آخَرَ صَحِيح. وقال أيضاً: وَاسْتُدِلَّ بِهِ (يعني حديث مالك بن الحوريث رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) عَلَى أَنَّ أَقَلَّ الْجَمَاعَة إِمَام وَمَأْمُوم، [وهو] أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُون الْمَأْمُوم رَجُلًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ اِمْرَأَةً. انتهى كلام الحافظ. والحديث الذي أشار إليه الحافظ عند أبي داود (554) وصححه، لفظه: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْصَرَ رَجُلا يُصَلِّي وَحْدَهُ فَقَالَ: (أَلا رَجُلٌ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا، فَيُصَلِّيَ مَعَهُ) . صححه الألباني في صحيح الجامع (2652) . قال في "عون المعبود": ليحصل له ثواب الجماعة، فيكون كأنه أعطاه صدقة اهـ. وعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ... َصَلاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلاتِهِ وَحْدَهُ، وَصَلاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ، وَمَا كَانُوا أَكْثَرَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) النسائي 843 وأبو داود 554 وصححه الألباني في صحيح الجامع 2242.لكن ينبغي أن يعلم أن الواجب على الرجل أن يؤدي الصلاة جماعةً في المسجد، ولا يجوز له أن يصلي الفريضة في البيت جماعةً أو منفرداً إلا من عذر سئلت اللجنة الدائمة: هل صلاة الاثنين جماعة أو لا؟ فأجابت: "صلاة الاثنين فما فوقهما جماعة، لكن كلما زاد العدد زاد الفضل، ومع ذلك يجب أداء الصلاة جماعة في المسجد" اهـ. "فتاوى اللجنة الدائمة" (7/289) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى عن قوم يصلون الجماعة في البيت، فقال: " ننصح هؤلاء بأن يتقوا الله سبحانه ويصلوا الجماعة مع المسلمين في المساجد؛ فإن الراجح من أقوال أهل العلم في هذه المسألة أن صلاة الجماعة واجبة في المساجد، إلا إذا كان لعذر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم أمر رجلا فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب، إلى قوم لا يشهدون الجماعة، فأحرق عليهم بيوتهم بالنار) انظر: البخاري 644 ومسلم 651. هؤلاء القوم قد يكونون يصلون جماعة في أماكنهم، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام أراد أن يصلوا مع الجماعة الذين نصبهم الشرع، والجماعة الذين نصبهم الشرع هم الذين يصلون في المساجد، المساجد التي يدعى إلى الحضور إليها عند الصلاة، ولهذا قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن) ؛ فقال: (حيث ينادى بهن) ، و " حيث " ظرف مكان، أي فليحافظ عليها في المكان الذي ينادى لها فيه " اهـ. "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (15/19) . ولمزيد من الفوائد والأدلة حول هذه المسألة راجع السؤالين رقم (8918) ، (40113) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 52906 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1862 استشكل قضاء ركعتين لمسبوق بتشهدين [السُّؤَالُ] ـ[أنا ممن منَّ الله عليهم بالهداية في هذا الشهر الفضيل، وقد أقلعت عن العديد من العادات والطباع السيئة وبدأت الالتزام بديني الحنيف إلا أنني أواجه بعض الأمور التي أجهلها وهي من صميم الدين، فسؤالي يتعلق بالصلاة، فحسب علمي أن المصلي يقضي ما فاته من الركعات بعد تسليم الإمام، إلا أني ألاحظ أن بعض المصلين ممن فاتهم نفس عدد الركعات يقضونها بشكل مختلف كأنَّ الركعتين بتشهدين، بينما أقضيها بتشهد واحد حسب علمي، أرجو التوضيح.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نحمد الله تعالى أن هداك ووفقك لما خير دنياك وآخرتك، ونسأله تعالى أن يثيبك ويثبتك، ونعمة الهداية أعظم النعم، ولا بدَّ لك من شكرها، ومن شكرها أن تبقى على ما أنت عليه من توفيق وهداية وخير، وأن تبقى مبتعداً عن كل سوء وشر. واعلم أن العلم نور، ويمكنك أن تنظر في موقعنا هذا في بعض الأجوبة المتعلقة بالعلم لترى ما فيها من وصايا ونصائح ودلالة على كتب يمكنك الاستفادة منها. ثانياً: وما رأيتَه من بعض إخوانك المصلين من أنهم يقضون ركعتين فائتتين بتشهدين أمرٌ غير مستغرب في بعض الصور. وبيان ذلك: أن المسبوق (وهو الذي فاته بعض الصلاة مع الإمام) إذا سلم الإمام من صلاته قام المسبوق ليتم صلاته، فيكون ما أدركه مع الإمام أول صلاته، ويتم عليه الصلاة، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا أَتَيْتُمْ الصَّلاةَ فَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا) رواه البخاري (635) ومسلم (603) . فمثلاً: من فاته الركعة الأولى مع الإمام من صلاة المغرب، ودخل معه في الركعة الثانية، فإن هذه الركعة الثانية للإمام هي الأولى لهذا المسبوق، فإذا أتم الإمام الصلاة وانصرف منها، قام هذا المسبوق وأتى بالركعة الباقية من صلاته بالفاتحة فقط، وجلس للتشهد وسلم. ومن دخل مع الإمام في الركعة الثالثة من المغرب فإنها تكون الأولى له، فإذا سلم الإمام قام ليأتي بما بقي من صلاته، فيأتي بركعة بالفاتحة وسورة وتكون هذه هي الثانية من صلاته فيجلس بعدها للتشهد الأول، ثم يقوم ليأتي بالركعة الثالثة بالفاتحة فقط ثم يجلس للتشهد الأخير ويسلم. . . وهكذا. وانظر السؤال: (49037) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50658 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1863 لا تصح الصلاة في البيت وهو يتابع الإمام من خلال المذياع أو التليفزيون [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمرأة أن تصلي جماعة مع إمام المسجد الحرام من خلال التلفزيون؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سئل الشيخ ابن عثيمين في "مجموع الفتاوى" (15/213) : هل للمسلم أن يصلي مع الصلاة التي تنقل في التلفزيون أو الإذاعة من دون أن يرى الإمام خصوصاً للنساء؟ فأجاب: " لا يجوز للإنسان أن يقتدي بالإمام بواسطة الراديو أو بواسطة التلفزيون؛ لأن صلاة الجماعة يقصد بها الاجتماع , فلا بد أن تكون في موضع واحد , أو تتصل الصفوف بعضها ببعض , ولا تجوز الصلاة بواسطتهما (الراديو والتليفزيون) وذلك لعدم حصول المقصود بهذا , ولو أننا أجزنا ذلك لأمكن كل واحد أن يصلي في بيته الصلوات الخمس , بل الجمعة أيضاً , وهذا مناف لمشروعية الجمعة والجماعة , وعلى هذا فلا يحل للنساء ولا لغيرهن أن يصلي أحد منهم خلف المذياع أو خلف التلفاز. والله الموفق" اهـ. وسئلت اللجنة الدائمة (9/218) : هل يجوز للنساء أن يصلين صلاة الجمعة في بيوتهن، وكذلك جميع الصلوات على صوت الميكروفون في القرية؟ وكذلك المريض الذي لا يستطيع الصلاة في المسجد هل يجوز له متابعة الإمام من بيته بواسطة الميكرفون؟ فأجابت: " لا يجوز للرجال ولا للنساء ضعفاء أو أقوياء أن يصلوا في بيوتهم واحداً أو أكثر جماعة بصلاة الإمام في المسجد، رابطين صلاتهم معه بصوت المكبر فقط، سواء كانت الصلاة فريضة أم نافلة، جمعة أم غيرها، وسواء كانت بيوتهم وراء الإمام أم أمامه؛ لوجوب أداء الفرائض جماعة في المساجد على الرجال الأقوياء، وسقوط ذلك على النساء والضعفاء" اهـ. وسئلت اللجنة الدائمة أيضاً: عن صلاة المرأة في بيتها على الراديو أو على التلفزيون، إذا كانت تسمع القراءة وتسمع التكبير، إذا كانت فرضاً أو نفلاً؟ فأجابت: " لا تجوز، سواء كانت فرضاً أم نفلاً، ولو سمعت قراءة الإمام وتكبيره" اهـ. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" رقم (6744) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50245 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1864 حكم صلاة الجماعة للمريض ولمن لا يتحكم بالنجاسة [السُّؤَالُ] ـ[لي زميل عمل عملية استئصال فتحة الشرج - تغيير مجرى فتحة الشرج وفتح فتحة من الجنب - لوجود ورم، سؤالي هو: الفتحة الجديدة لا يتحكم في الإخراج أو الريح هل يجوز له الصلاة في المسجد أو في البيت؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نسأل الله تعالى أن يعافيه وأن يشفيه، كما نسأله تعالى أن يلهمه الصبر ويؤجره على ما ابتلاه به. وهذه الحالة المرضية لا يستطيع المريض فيها أن يتحكم بإخراج الغائط، بل يخرج الغائط عبر فتحة الشرج المصطنعة على هيئة سلس مستمر، وحكمه حكم من به سلس دائم. وعليه: فيجوز لمن ابتلي بهذا أن يجمع بين الصلاتين إن شقَّ عليه أداء كل صلاة في وقتها. قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: والصواب أن الجمع لا يختص بالسفر الطويل بل يجمع للمطر ويجمع للمرض كما جاءت بذلك السنة في جمع المستحاضة فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بالجمع في حديثين. " الفتاوى الكبرى " (1 / 49) . وقال علماء اللجنة الدائمة في حكم امرأة لا تتحكم بالبول من مرض أصابها: إذا كان الأمر كما ذكر: فإنها تصلِّي على حسب حالها، ولا مانع من جمعها الظهر والعصر في وقت أحدهما، وهكذا المغرب والعشاء؛ لعموم أدلة يسر الشريعة على أن يكون وضوؤها للظهر والعصر بعد دخول الوقت، وهكذا المغرب والعشاء يكون وضوؤها لهما بعد دخول الوقت. " فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (8 / 85) . ثانياً: ولا تسقط الجماعة في المسجد عن مثل هذا المريض إلا أن يكون في ذهابه تلويث للمسجد أو ظهور ريح كريهة من الفتحة الجديدة؛ لما في ذلك من أذية المصلين. - أما الرائحة الكريهة: فخروجها من الإنسان عذر له في سقوط وجوب صلاة الجماعة، بل لا يحل له المجيء إلى المسجد وإيذاء الملائكة والمصلين بهذه الرائحة. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين: إذا كان فيه بَخَرٌ: أي: رائحةٌ منتنةٌ في الفَمِ، أو في الأنفِ أو غيرهما تؤذي المصلِّين، فإنَّه لا يحضرُ دفعاً لأذيَّتِه. " الشرح الممتع " (4 / 323) . وقد نُهي آكل البصل والثوم عن حضور جماعة المسجد لما لهما من رائحة كريهة، ويلحق بذلك أيضاً: رائحة الدخان والسجائر الخبيثة المحرمة روى مسلم (564) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ) . وإذا كان من عادة هذا المريض أن يصلي في المسجد جماعة: فإنه يكتب له أجرها ولو صلى في بيته. قال الشيخ ابن عثيمين: المعذورَ يُكتبُ له أجرُ الجماعةِ كاملاً إذا كان مِن عادتِه أن يصلِّي مع الجماعةِ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا مَرِضَ العبدُ أو سافرَ كُتِبَ له مثلُ ما كان يعملُ صحيحاً مقيماً ". " الشرح الممتع " (4 / 323) . وأما تلويث المسجد بالنجاسات فهو محرَّم، وقد أمرنا بتنظيف المساجد وتطييبها. روى البخاري (221) ومسلم (284) عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي طَائِفَةِ الْمَسْجِدِ فَزَجَرَهُ النَّاسُ فَنَهَاهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا قَضَى بَوْلَهُ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ فَأُهْرِيقَ عَلَيْهِ) وفي رواية لمسلم (285) : (ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلا الْقَذَرِ، إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالصَّلاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ) . قال النووي في شرح صحيح مسلم: "يَحْرُم إِدْخَال النَّجَاسَة إِلَى الْمَسْجِد , وَأَمَّا مَنْ عَلَى بَدَنه نَجَاسَة فَإِنْ خَافَ تَنْجِيس الْمَسْجِد لَمْ يَجُزْ لَهُ الدُّخُول , فَإِنْ أَمِنَ ذَلِكَ جَازَ" اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50075 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1865 بيته بعيد عن المسجد فهل يصلي العشاء والتراويح مع أهله في البيت؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا مبتعث للدراسة في دولة غربية وبرفقي زوجتي، والمسجد بعيد عن المنزل كثيراً ولا يوجد حولي مسلمون، فهل يجوز أن أصلي الفريضة والتراويح جماعة أنا وزوجتي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: صلاة الجماعة واجبة في المسجد على المقيم والمسافر على حد سواء. راجع سؤال رقم (45815) ثانيا: لا تجب صلاة الجماعة في المسجد إلا على من كان قريبا من المسجد، بحيث يسمع الأذان من المسجد بدون مكبرات الصوت، لما رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ أَعْمَى فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى الْمَسْجِدِ فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ فَرَخَّصَ لَهُ فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ فَقَالَ هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلاةِ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَأَجِبْ) رواه مسلم (653) فمن كان بعيدا من المسجد بحيث لا يسمع النداء بلا مكبرات الصوت فلا تجب عليه صلاة الجماعة في المسجد. راجع سؤال رقم (20655) فإذا كان بيتك بعيدا عن المسجد بهذا الحد فلا حرج عليك من أداء الفريضة والتراويح في بيتك جماعة مع أهلك، بل هو أفضل عند الله من صلاتك وحدك. والأجر يكثر في النوافل والفرائض بحسب كثرة المصلين في جماعة فيهما. عن أبيِّ بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ... صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كثر فهو أحب إلى الله تعالى ". رواه النسائي (843) – وأبو داود (554) . انظر: " السلسلة الصحيحة " (1912) . قال الشيخ ابن عثيمين: فقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الرجل مع الرجل بأنها أزكى من صلاته وحده، وهذا يقتضي أنها أكثر أجراً. " أسئلة الباب المفتوح " (السؤال رقم 1464) . وللمزيد حول الجماعة في صلاة التراويح ينظر جواب السؤال: (21740) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49947 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1866 نسي إمامهم سجدة وسلَّم فأعاد ركعة وبعضهم لم يُعد [السُّؤَالُ] ـ[في صلاة العشاء صلى بنا الإمام، ولم يكن الإمام الرسمي، وفي آخر ركعة لم يسجد السجدة الأخيرة، وسلَّم دون أن ينتبه أو يذكره أحد المصلين، وبعد دقائق جاءه أحد المصلين وذكَّره بذلك فنهض مباشرة، وقال: نعيد الركعة الأخيرة لأجل يأتي بالسجدة التي نسيها، فهل هذا صحيح؟ وإذا كان غير ذلك: فما هو الصحيح؟ وما حكم من لم يأت معهم بالسجدة الأخيرة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إذا سها الإمام في صلاته فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم المأمومين أن يذكِّروه فقال: (إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي) رواه البخاري (401) ، فكان على جماعة المسجد أن يُسَبِّحوا للإمام حتى يتنبه ويأتي بالسجدة التي نسيها. ثانياً: السجدة الأولى والثانية كلتاهما ركن من أركان الصلاة، لا تصح الصلاة إلا بهما، ومن تعمد تركهما أو ترك واحدة منهما أثم، وبطلت صلاته، ومن نسيهما أو نسي واحدة منهما: فيجب عليه إذا تذكر الإتيان بما نسيه إماماً أو مأموماً أو منفرداً، ومن لم يفعل: لم تصحَّ صلاته. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: الأركان واجبة وأوكد من الواجبات، لكن تختلف عنها في أن الأركان لا تسقط بالسَّهْوِ، والواجبات تسقط بالسَّهْوِ، ويجبرها سُجودُ السَّهْوِ، بخلاف الأركان؛ ولهذا من نسيَ رُكناً لم تصحَّ صلاته إلا به. " الشرح الممتع " (3 / 315) . وقال: والدليل على أن الأركان لا تنجبر بسجود السَّهو: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لما سَلَّم مِن ركعتين مِن صلاة الظُّهر أو العصر أتمَّها وأتى بما تَرَكَ وسَجَدَ للسَّهو، فدلَّ هذا على أنَّ الأركان لا تسقط بالسَّهو، ولا بُدَّ مِن الإِتيان بها. " الشرح الممتع " (3 / 323) . وأما ما فعله إمامكم من إعادة الركعة الأخيرة كاملة بعد تذكيره: فهو أحد القولين في المسألة وهو أن من ترك ركناً من الركعة الأخيرة ولم يعلم إلا بعد التسليم فإنه يأتي بركعة كاملة. وهو مذهب الإمام أحمد رحمه الله، وانظر المغني (1/658) . وقد اختار هذا القول الشيخ ابن باز رحمه الله، فإنه سئل عن إمام نسي السجدة الأخيرة من صلاة العصر، فقام وصلى ركعة كاملة وتشهد وسلم ثم سجد للسهو , فقال: (هذا هو المشروع، إذا نسي الإمام سجدة وسلم ثم ذكر أو نبه، يقوم ويأتي بركعة ثم يكمل ثم يسلم ثم يسجد سجود السهو بعد السلام وهو أفضل، وهكذا المنفرد حكمه حكمه. وإن سجد للسهو قبل السلام فلا بأس ولكن بعده أفضل) مجموع فتاوى ابن باز (11/277) . والقول الثاني في المسألة أنه لا يلزمه الإتيان بركعة كاملة وإنما يأتي بالركن الذي نسيه وبما بعده. وهو مذهب الإمام الشافعي رحمه الله. انظر المجموع (4/33) وقد اختاره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. وانظر شرح الممتع (3/374) . والحاصل أن صلاة الإمام، وصلاة من أكملوا معه الصلاة صحيحة. وأما من لم يتم صلاته ولم يأت بالسجدة التي تركها فصلاته غير صحيحة، والواجب عليهم إعادتها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 47627 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1867 الدخول مع الإمام على أي حال [السُّؤَالُ] ـ[إذا دخل المصلي المسجد والإمام ساجد، فهل يدخل معه في السجود أو ينتظره حتى يرفع؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا دخل المصلي المسجد والإمام في الصلاة دخل معه على أي حال كان؛ في القيام أو الركوع أو السجود أو بين السجدتين؛ وذلك لما ورد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا جِئْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ وَنَحْنُ سُجُودٌ فَاسْجُدُوا وَلا تَعُدُّوهَا شَيْئًا , وَمَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاةَ) رواه أبو داود (893) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود. وعن أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه قَالَ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أَتَيْتُمْ الصَّلاةَ فَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ , فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا , وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا) رواه البخاري (635) . قال الحافظ ابن حجر رضي الله عنه في "فتح الباري" (2/118) : " استُدِل به على استحباب الدخول مع الإمام في أي حال وجد عليها " انتهى. وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه قال: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الصَّلاةَ وَالإِمَامُ عَلَى حَالٍ فَلْيَصْنَعْ كَمَا يَصْنَعُ الإِمَامُ) رواه الترمذي (591) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. هذه هي السنة في حق من دخل المسجد والإمام في الصلاة؛ بدلالة ما ذكر من النصوص. وقد نقل ابن حزم رحمه الله الإجماع على ذلك , قال في "مراتب الإجماع" (ص 25) : " واتفقوا أن من جاء والإمام قد مضى من صلاته شيء قل أو كثر ولم يبق إلا السلام فإنه مأمور بالدخول معه وموافقته على تلك الحال التي يجده عليها ما لم يجزم بإدراك الجماعة في مسجد آخر " انتهى. وقال ابن قدامة في "المغني" (2/184) : " ويستحب لمن أدرك الإمام في حال متابعته فيه , وإن لم يعتد له به. . . وذكر بعض الأحاديث المتقدمة ثم قال: والعمل على هذا عند أهل العلم , قالوا: إذا جاء الرجل والإمام ساجد فليسجد , ولا تجزئه تلك الركعة. وقال بعضهم: لعله أن لا يرفع رأسه من السجدة حتى يغفر له " انتهى. ومن الناس من إذا دخل والإمام ساجد أو بين السجدتين لم يدخل معه حتى يقوم إلى الركعة الثانية , أو يعلم أنه في التشهد فيجلس معه , وهذا قد حرم نفسه فضل السجود , مع أنه مخالف لما تضمنته الأدلة المتقدمة. قال في تحفة الأحوذي (2/199) : " قوله: " فليصنع كما يصنع الإمام " أي: فليوافق الإمام فيما هو فيه من القيام أو الركوع أو غير ذلك , أي: فلا ينتظر الإمام إلى القيام , كما يفعله العوام " انتهى. انظر " أحكام حضور المساجد" (ص138-139) للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان. وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء عن رجل دخل المسجد والإمام في الركعة الأخيرة، فهل يلحق بهم أو ينتظر حتى يفرغوا؟ فأجابوا: " المشروع في مثل حالتك أن تلحق بهم، فما أدركت معهم فصل وما فاتك فاقض، وإذا كان لحوقك بهم بعد الرفع من ركوع آخر ركعة فالحق بهم واقض صلاتك كلها بعد تسليم الإمام. . . ثم استدلوا بما سبق من الأحاديث " انتهى. وسئل علماء اللجنة الدائمة أيضاً: ما هو الأفضل إذا دخل المسجد والإمام في التشهد الأخير هل يدخل معه في التشهد أو الأفضل ينتظر أشخاصا قادمين ليصلوا معا؟ فأجابوا: " الأفضل له أن يدخل مع الإمام؛ لعموم حديث: (ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فاقضوا) " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (7/312-323) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 46811 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1868 هل يجوز أن يصلي الرجل بامرأة واحدة؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا من فرنسا وقد أسلمت مؤخراً، سؤالي في الصلاة: في حالة إذا ما وجد رجل إمام لا يصلي وراءه إلا امرأة واحدة فقط مع العلم أنهما غير متزوجين، فأنا في حيرة هل تعد هذه صلاة جماعة لها ثواب الجماعة المضاعف أم على العكس، تعد مثل هذه الصلاة غير مشروعة؟ أو حرام مطلقًا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كانت هذه المرأة من محارمه فلا حرج من صلاته بها، وتعتبر صلاة جماعة، أما إذا كانت أجنبيّة عنه، وكانت صلاته بها تستلزم خلوته بها فإن صلاته بها في هذه الحال حرام. قال النووي: قال في المهذّب: (ويكره أن يصلي الرجل بامرأة أجنبية ; لما روي أن النبي قال: " لا يخلون رجل بامرأة فإن ثالثهما الشيطان) . قال النووي في شرحه: المراد بالكراهة كراهة تحريم , هذا إذا خلا بها. قال أصحابنا: إذا أمَّ الرجل بامرأته أو محرم له , وخلا بها: جاز بلا كراهة ; لأنه يباح له الخلوة بها في غير الصلاة , وإن أمَّ بأجنبية وخلا بها: حرم ذلك عليه وعليها , للأحاديث الصحيحة التي سأذكرها إن شاء الله تعالى. وإن أمَّ بأجنبيات وخلا بهن: فقطع الجمهور بالجواز , ونقله الرافعي في كتاب العدد عن أصحابنا. ودليله: الحديث الذي سأذكره إن شاء الله تعالى؛ ولأن النساء المجتمعات لا يتمكن في الغالب الرجل من مفسدة ببعضهن في حضرتهن ... وأما الأحاديث الواردة في المسألة: فمنها: ما روى عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إياكم والدخول على النساء , فقال رجل من الأنصار , أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت " رواه البخاري ومسلم , الحمو: قرابة الزوج , والمراد هنا: قريب تحل له كأخي الزوج وعمه وابنهما وخاله وغيرهم، وأما أبوه وابنه وجده فهم محارم تجوز لهم الخلوة , وإن كانوا من الأحماء. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم " رواه البخاري ومسلم. وعن ابن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال على المنبر: " لا يدخلن رجل بعد يومي هذا سرا على مغيبة إلا ومعه رجل أو اثنان " رواه مسلم , المغيبة - بكسر الغين -: التي زوجها غائب , والمراد هنا غائب عن بيتها , وإن كان في البلدة. " المجموع " (4 / 173، 174) . قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله -: قوله: (وأن يؤم أجنبية فأكثر لا رجل معهن) أي: يُكرَه أنْ يؤمَّ أجنبيةً فأكثر، والأجنبيةُ: مَن ليست مِن مَحارِمِهِ. وكلامُ المؤلِّف يحتاجُ إلى تفصيل: فإذا كانت أجنبيةٌ وحدَها: فإن الاقتصار على الكراهة فيه نَظَرٌ ظاهرٌ؛ إذا استلزم الخَلوةَ، ولهذا استدلَّ في " الرَّوض " بأن النبي صلى الله عليه وسلم نَهى أنْ يخلوَ الرَّجُلُ بالأجنبيةِ، ولكننا نقول: إذا خَلا بها فإنَّه يحرُمُ عليه أن يَؤمَّها؛ لأنَّ ما أفضى إلى المُحَرَّمِ فهو محرَّمٌ. أما قوله: (فأكثر) أي: أن يَؤمَّ امرأتين، فهذا أيضاً فيه نَظَرٌ مِن جهة الكراهة؛ وذلك لأنَّه إذا كان مع المرأة مثلُها انتفت الخَلوة، فإذا كان الإِنسانُ أميناً فلا حَرَجَ أن يؤمَّهُمَا، وهذا يقع أحياناً في بعضِ المساجدِ التي تكون فيها الجماعةُ قليلةٌ، ولا سيَّما في قيامِ الليلِ في رمضان، فيأتي الإِنسانُ إلى المسجدِ ولا يجدُ فيه رِجالاً؛ لكن يجدُ فيه امرأتين أو ثلاثاً أو أربعاً في خَلْفِ المسجدِ، فعلى كلام المؤلِّفِ: يُكره أنْ يبتدئَ الصَّلاةَ بهاتين المرأتين أو الثلاث أو الأربع. والصحيح: أن ذلك لا يُكره، وأنَّه إذا أمَّ امرأتين فأكثر: فالخَلوةُ قد زالت ولا يُكره ذلك، إلا إذا خَافَ الفِتنةَ، فإنْ خَافَ الفِتنةَ فإنَّه حرامٌ؛ لأنَّ ما كان ذريعةً للحرامِ فهو حرامٌ. وعُلِمَ مِن قوله: (لا رجل معهنَّ) أنَّه لو كان معهنَّ رَجُلٌ فلا كراهةَ وهو ظاهرٌ. " الشرح الممتع " (4 / 250 – 252) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 46524 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1869 الجمع بين أحاديث تفضيل الجماعة على صلاة المنفرد [السُّؤَالُ] ـ[يوجد في صحيح البخاري حديثان برقمي (645 , 646) - بترقيم فتح الباري - في الحديث رقم (645) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة "، وفي الحديث رقم (646) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة ". أرجو الشرح والتوضيح.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحديث الأول جاء من حديث عبد الله بن عمر، وقد رواه البخاري (619) ومسلم (650) ، ولفظه: "صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة ". والثاني: جاء من حديث أبي سعيد الخدري، وقد رواه البخاري (619) ، ولفظه: " صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة ". وقد جمع العلماء بين الحديثين، فقال النووي – رحمه الله -: والجمع بينهما من ثلاثة أوجه: أحدها: أنه لا منافاة فذكر القليل لا ينفي الكثير , ومفهوم العدد باطل عند الأصوليين. والثاني: أن يكون أخبر أولاً بالقليل ثم أعلمه الله - تعالى - بزيادة الفضل فأخبر بها. الثالث: أنه يختلف باختلاف أحوال المصلين والصلاة , وتكون لبعضهم خمس وعشرون , ولبعضهم سبع وعشرون بحسب كمال الصلاة ومحافظته على هيئاتها وخشوعها وكثرة جماعتها وفضلهم وشرف البقعة ونحو ذلك , والله أعلم. " المجموع " (4 / 84) . وهناك وجوه أخر في الجمع غير هذا، وبعضه متفرع عما سبق، وقد رجَّح الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (2 / 132) وجهاً في الجمع غير ما ذكره النووي وهو أن " السبع والعشرين " للصلاة الجهرية، و " الخمس والعشرين " للصلاة السريَّة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 43147 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1870 حكم الصلاة مع هؤلاء [السُّؤَالُ] ـ[أسكن في قرية فيها مشاكل كثيرة؛ فأهلها يقتتلون فيما بينهم، والإمام يجور على الأراضي، فهل تجوز الصلاة معهم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال قريتكم هذه، وسائر بلاد المسلمين، وأن يهدي أهلها للتي هي أقوم، وينزع الفتن وكيد الشيطان من بينهم، وأن ييسر لكم الإمام الصالح الذي يقيم بكم الصلاة على ما أمر الله تعالى، ويرشدكم إلى طريق ربكم بقوله وعمله. ومثل هذا الإمام لا ينبغي توليته تلك الولاية الدينية العظيمة، إمامة الناس في الصلاة، بل ينبغي نهيه عن منكره، وزجره، وهجره إن كان ينتهي عن ظلمه ومنكره بالهجر، وأما ترك الصلاة خلفه، فلا يجوز إلا إذا وجد إمام غيره، أمثل منه في دينه وأبعد عن الظلم والهوى. وهكذا القول في هؤلاء المصلين من أهل قريتك يجب عليك أن تصلي معهم، ولو كانوا في أنفسهم فُسَّاقا وظلمة. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وَلَوْ عَلِمَ الْمَأْمُومُ أَنَّ الإِمَامَ مُبْتَدِعٌ يَدْعُو إلَى بِدْعَتِهِ، أَوْ فَاسِقٌ ظَاهِرُ الْفِسْقِ، وَهُوَ الإِمَامُ الرَّاتِبُ الَّذِي لا تُمْكِنُ الصَّلاةُ إلا خَلْفَهُ، كَإِمَامِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ، وَالإِمَامِ فِي صَلاةِ الْحَجِّ بِعَرَفَةَ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْمَأْمُومَ يُصَلِّي خَلْفَهُ عِنْدَ عَامَّةِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَد وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمْ. وَلِهَذَا قَالُوا فِي الْعَقَائِدِ: إنَّهُ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ وَالْعِيدَ خَلْفَ كُلِّ إمَامٍ بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا. وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْقَرْيَةِ إلا إمَامٌ وَاحِدٌ، فَإِنَّهَا تُصَلَّى خَلْفَهُ الْجَمَاعَاتُ؛ فَإِنَّ الصَّلاةَ فِي جَمَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ صَلاةِ الرَّجُلِ وَحْدَهُ، وَإِنْ كَانَ الإِمَامُ فَاسِقًا. هَذَا مَذْهَبُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ: أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا، بَلْ الْجَمَاعَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى الأَعْيَانِ فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِ أَحْمَد. وَمَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ خَلْفَ الإِمَامِ الْفَاجِرِ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ.. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُصَلِّيهَا وَلا يُعِيدُهَا؛ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يُصَلُّونَ الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ خَلْفَ الأَئِمَّةِ الْفُجَّارِ وَلا يُعِيدُونَ، كَمَا كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلِّي خَلْفَ الْحَجَّاجِ، وَابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُ يُصَلُّونَ خَلْفَ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ وَكَانَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ؛ حَتَّى إنَّهُ صَلَّى بِهِمْ مَرَّةً الصُّبْحَ أَرْبَعًا، ثُمَّ قَالَ: أَزِيدُكُمْ؟ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَا زِلْنَا مَعَك مُنْذُ الْيَوْمَ فِي زِيَادَةٍ!! وَلِهَذَا رَفَعُوهُ إلَى عُثْمَان ... وَالْفَاسِقُ وَالْمُبْتَدِعُ صَلاتُهُ فِي نَفْسِهِ صَحِيحَةٌ؛ فَإِذَا صَلَّى الْمَأْمُومُ خَلْفَهُ لَمْ تَبْطُلْ صَلاتُهُ، لَكِنْ إنَّمَا كَرِهَ مَنْ كَرِهَ الصَّلاةَ خَلْفَهُ لأَنَّ الأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَاجِبٌ، وَمِنْ ذَلِكَ [يعني: ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر] أَنَّ مَنْ أَظْهَرَ بِدْعَةً أَوْ فُجُورًا لا يُرَتَّبُ إمَامًا لِلْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ التَّعْزِيرَ حَتَّى يَتُوبَ فَإِذَا أَمْكَنَ هَجْرُهُ حَتَّى يَتُوبَ كَانَ حَسَنًا وَإِذَا كَانَ بَعْضُ النَّاسِ إذَا تَرَكَ الصَّلاةَ خَلْفَهُ وَصَلَّى خَلْفَ غَيْرِهِ أُثِرَ ذَلِكَ حَتَّى يَتُوبَ أَوْ يُعْزَلَ أَوْ يَنْتَهِيَ النَّاسُ عَنْ مِثْلِ ذَنْبِهِ. فَمِثْلُ هَذَا إذَا تَرَكَ الصَّلاةَ خَلْفَهُ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ وَلَمْ يَفُتْ الْمَأْمُومَ جُمُعَةٌ وَلا جَمَاعَةٌ. وَأَمَّا إذَا كَانَ تَرَكَ الصَّلاةَ يَفُوتُ الْمَأْمُومَ الْجُمُعَةُ وَالْجَمَاعَةُ فَهُنَا لا يَتْرُكُ الصَّلاةَ خَلْفَهُمْ إلا مُبْتَدِعٌ مُخَالِفٌ لِلصَّحَابَةِ رضي الله عنهم. وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الإِمَامُ قَدْ رَتَّبَهُ وُلاةُ الأُمُورِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي تَرْكِ الصَّلاةِ خَلْفَهُ مَصْلَحَةٌ، فَهُنَا لَيْسَ عَلَيْهِ تَرْكُ الصَّلاةِ خَلْفَهُ، بَلْ الصَّلَاةُ خَلْفَ الإِمَامِ الأَفْضَلِ أَفْضَلُ. [انظر: مجموع الفتاوى: 23/352] . وقد قال الإمام الطحاوي رحمه الله في عقيدته التي ذكر فيها جملة من أصول أهل السنة: (ونرى الصلاة خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة، ونصلي على من مات منهم.) وفي هذا المعنى روى أبو داود (594) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الصَّلاةُ الْمَكْتُوبَةُ وَاجِبَةٌ خَلْفَ كُلِّ مُسْلِمٍ بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا وَإِنْ عَمِلَ الْكَبَائِرَ) [ضعفه لألباني في ضعيف أبي داود] ومع أن هذا الحديث ليس له إسناد يثبت، كما نقله في عون المعبود عن العقيلي والحافظ ابن حجر، فقد قال الشوكاني رحمه الله: ولكنه قد ثبت إجماع أهل العصر الأول من بقية الصحابة ومن معهم من التابعين، إجماعاً فعلياً ولا يبعد أن يكون قولياً، على الصلاة خلف الجائرين؛ لأن الأمراء في تلك الأعصار كانوا أئمة الصلوات الخمس، فكان الناس لا يؤمهم إلا أمراؤهم في كل بلدة فيها أمير.. وترجم الإمام البخاري في صحيحه: باب إمامة المفتون والمبتدع، ثم روى فيه (695) عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ خِيَارٍ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ مَحْصُورٌ فَقَالَ: (إِنَّكَ إِمَامُ عَامَّةٍ [أي: أنت إمام الناس] ، وَنَزَلَ بِكَ مَا نَرَى، وَيُصَلِّي لَنَا إِمَامُ فِتْنَةٍ وَنَتَحَرَّجُ؟! [يعني: نخشى من الحرج، وهو الإثم، في الصلاة معه] فَقَالَ: الصَّلاةُ أَحْسَنُ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ، فَإِذَا أَحْسَنَ النَّاسُ فَأَحْسِنْ مَعَهُمْ، وَإِذَا أَسَاءُوا فَاجْتَنِبْ إِسَاءَتَهُمْ) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ظَاهِره أَنَّهُ رَخَّصَ لَهُ فِي الصَّلاة مَعَهُمْ، كَأَنَّهُ يَقُول: لا يَضُرُّك كَوْنُهُ مَفْتُونًا , بَلْ إِذَا أَحْسَنَ فَوَافِقْهُ عَلَى إِحْسَانه وَاتْرُكْ ما افْتُتِن به , وَهُوَ الْمُطَابِق لِسِيَاقِ الْبَاب. ثم ذكر رواية سيف فِي الْفُتُوح عَنْ سَهْل بْن يُوسُفَ الأَنْصَارِيّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَرِهَ النَّاس الصَّلاة خَلْفَ الَّذِينَ حَصَرُوا عُثْمَان إِلا عُثْمَان فَإِنَّهُ قَالَ: مَنْ دَعَا إِلَى الصَّلاة فَأَجِيبُوهُ. اِنْتَهَى. قال: فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ مَقْصُوده بِقَوْلِهِ " الصَّلاة أَحْسَن " الإِشَارَة إِلَى الإِذْن بِالصَّلاةِ خَلْفَهُ , وَفِيهِ تَأْيِيد لِمَا فَهِمَهُ الْمُصَنِّف مِنْ قَوْله إِمَام فِتْنَة. قال الحافظ: وَفِي هَذَا الأَثَر: الْحَضّ عَلَى شُهُود الْجَمَاعَة، وَلا سِيَّمَا فِي زَمَن الْفِتْنَة، لِئَلا يَزْدَادَ تَفَرُّقُ الْكَلِمَة. وَفِيهِ: أَنَّ الصَّلاة خَلْفَ مَنْ تُكْرَهُ الصَّلاة خَلْفَهُ أَوْلَى مِنْ تَعْطِيل الْجَمَاعَة. فالحاصل: أنه لا يجوز لك ترك الصلاة مع أهل قريتك، والصلاة منفردا، في بيتك أو في غيره، بل الواجب عليك أن تصلي الجماعة مع الناس، فإن وجدت إماما عدلا صالحا، فلتكن صلاتك معه، وإلا فصل مع الإمام المذكور، ولك صلاته وعليه ظلمه وفجوره. والله الموفق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 42629 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1871 تحريم تخطي رقاب الجالسين يوم الجمعة [السُّؤَالُ] ـ[أرجو بيان حكم تخطي الرقاب يوم الجمعة، هل هو حرام أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله روى أبو داود (1118) وابن ماجه (1115) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ رضي الله عنه قال: جَاءَ رَجُلٌ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اجْلِسْ، فَقَدْ آذَيْتَ) . صححه الألباني في صحيح أبي داود. ففي هذا الحديث: النهي عن تخطي رقاب الجالسين لصلاة الجمعة. وقد اختلف العلماء في حكم ذلك على قولين: الأول: الكراهة، ونقله ابن المنذر عن الجمهور. وقال ابن حجر: والأكثر على أنها كراهة تنزيه، وهو المشهور عند الشافعية، ومذهب الحنابلة. انظر: "فتح الباري" (2/392) ، "كشاف القناع" (2/44) ، "المجموع" (4/466) . وقَيَّد مالك والأوزاعي الكراهة بما إذا كان الخطيب على المنبر، جاء في "المدونة" (1/159) : " وقال مالك: إنما يكره التخطي إذا خرج الإمام، وقعد على المنبر، فمن تخطى حينئذ فهو الذي جاء فيه الحديث، فأما قبل ذلك فلا بأس به إذا كانت بين يديه فُرَجٌ، وليترفق في ذلك " انتهى. القول الثاني: أن التخطي حرام مطلقاً في يوم الجمعة وغيره، لحديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ رضي الله عنه قال: جَاءَ رَجُلٌ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اجْلِسْ، فَقَدْ آذَيْتَ) . رواه أبو داود (1118) ، وابن ماجه (1115) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. قال الترمذي: " والعمل عليه عند أهل العلم، كرهوا أن يتخطى الرجل يوم الجمعة رقاب الناس، وشددوا في ذلك " انتهى. وهذا ما رجحه جمع من المحققين، كابن المنذر وابن عبد البر والنووي وشيخ الإسلام ابن تيمية، كما في "الاختيارات الفقهية" (ص 81) وغيرهم. ومن المعاصرين الشيخ ابن عثيمين. قال ابن المنذر معللاً القول بالتحريم: لأن الأذى يحرم قليله وكثيره، وهذا أذى، كما جاء في الحديث الصحيح قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن يراه يتخطى: (اجلس فقد آذيت) "المجموع" (4/467) . وقال ابن عبد البر في "التمهيد" (1/316) : وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم للمتخطي يوم الجمعة: (آذيت) بيان أن التخطي أذى، ولا يحل أذى مسلم بحال، في الجمعة وغير الجمعة. وقال النووي في "روضة الطالبين" (11/224) : المختار أن تخطي الرقاب حرام، للأحاديث فيه. وقال الشيخ ابن عثيمين: " تخطي الرقاب حرام حال الخطبة وغيرها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لرجل رآه يتخطى رقاب الناس: (اجلس فقد آذيت) ويتأكد ذلك إذا كان في أثناء الخطبة؛ لأن فيه أذيةً للناس، وإشغالاً لهم عن استماع الخطبة، حتى وإن كان التخطي إلى فرجة؛ لأن العلة وهي الأذية موجودة " انتهى. "فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين" (16/147) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 41731 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1872 صلاة المغرب خلف من يصلي العشاء [السُّؤَالُ] ـ[رجعت من السفر ولم أكن صليت المغرب، ودخلت المسجد فوجدتهم يصلون العشاء، فهل أصلي العشاء معهم أم أصلي المغرب منفردا ثم أصلي العشاء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله بل تدخل مع الإمام في الصلاة بنية صلاة المغرب، ثم تجلس في الركعة الثالثة وتتشهد، وتسلم، ثم تدخل مع الإمام فيما بقي من صلاة العشاء، أو تنتظر في التشهد حتى يتم الإمام صلاته وتسلم معه، ثم تصلي العشاء. وهذا مذهب الإمام الشافعي رحمه الله، وأحد القولين عن الإمام أحمد، وذكر المرداوي في "الإنصاف" (4/413) أنه اختارها جماعة من أصحاب الإمام أحمد منهم شيخ الإسلام ابن تيمية، وجده المجد ابن تيمية. قال النووي رحمه الله في "المجموع" (4/143) : " ولو نوى الصبح خلف مصلي الظهر وتمت صلاة المأموم، فإن شاء انتظر في التشهد حتى يفرغ الإمام , ويسلم معه , وهذا أفضل , وإن شاء نوى مفارقته وسلم , و (لا) تبطل صلاته هنا بالمفارقة بلا خلاف، لتعذر المتابعة , وكذا فيما أشبهها من الصور " انتهى. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: تأخر المصلون عن صلاة المغرب، فوجدوا أن الإمام قام إلى صلاة العشاء، فهل يصلون المغرب جماعة أم يدخلون مع الإمام؟ وكيف يكون حالهم في الصلاة؟ فأجاب: " الصحيح أن الإنسان إذا جاء والإمام في صلاة العشاء، سواء كان معه جماعة أم لم يكن، فإنه يدخل مع الإمام بنية المغرب، ولا يضر أن تختلف نية الإمام والمأموم لعموم قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) . فإن دخلوا معه في الركعة الثانية سلموا معه، لأنهم يكونون صلوا ثلاثاً، ولا يضر أن يكون جلسوا في الركعة الأولى، وإن دخلوا معه في أول ركعة، فإذا قام إلى الرابعة جلسوا وتشهدوا وسلموا، ثم دخلوا معه فيما بقي من صلاة العشاء. القول الثاني في المسألة: أن يدخلوا معه بنية العشاء، ويصلوا بعده المغرب ويسقط الترتيب هنا مراعاةً للجماعة. القول الثالث: أن يصلوا وحدهم صلاة المغرب، ثم يدخلوا معه فيما بقي من صلاة العشاء، والقولان الأخيران فيهما محذور، أما الأول فمحذوره فوات الترتيب حيث قدم صلاة العشاء على صلاة المغرب، وأما الثاني فمحذوره إقامة جماعتين في مسجد واحد وفي آن واحد، وهذا تفريق للأمة. أما القول الأول الذي ذكرنا أنه الصحيح، فربما قال قائل إن فيه محذوراً وهو تسليم هؤلاء قبل أن يسلم إمامهم، وهذا في الحقيقة ليس فيه محذور، فقد ورد انفراد المأموم عن الإمام في مواضع من السُّنَّة، منها: صلاة الخوف، فإن الإمام يصلي بهم ركعة ثم يتمون لأنفسهم وينصرفون. ومنها: قصة الرجل الذي دخل مع معاذ بن جبل رضي الله عنه، فلما بدأ بسورة البقرة أو سورة نحوها انفصل عنه ولم يكمل معه. ومنها: أن العلماء قالوا: لو أن الإنسان أثناء الصلاة وهو مأموم ثارت عليه الريح (الغازات) أو احتاج إلى نقض الوضوء ببول أو غائط، فإنه لا بأس أن ينوي الانفراد ويكمل صلاته وينصرف، فهذا يدل على أن الانفراد لحاجة لا يعتبر محذوراً " انتهى. "لقاءات الباب المفتوح" (3/425) . وسئل الشيخ ابن باز: دخلت المسجد وصلاة العشاء قائمة، وقبل الدخول في الصلاة تذكرت أنني لم أصل المغرب، فهل أصلي المغرب ثم أدرك ما أدرك من العشاء مع الجماعة، أم أصلي مع الجماعة ثم أصلي المغرب بعد ذلك؟ فأجاب: " إذا دخلت المسجد وصلاة العشاء مقامة، ثم تذكرت أنك لم تصل المغرب، فادخل مع الجماعة بنية صلاة المغرب، وإذا قام الإمام إلى الركعة الرابعة فاجلس أنت في الثالثة واقرأ التشهد الأخير - أعني التحيات والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم - والدعاء بعدها وانتظر الإمام حتى يسلم ثم تسلم معه، ولا يضر اختلاف النية بين الإمام والمأموم على الصحيح من أقوال أهل العلم، وإن صليت المغرب وحدك ثم دخلت مع الجماعة فيما أدركت من صلاة العشاء فلا بأس " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (12/189) . وسئلت اللجنة الدائمة: ما هو العمل عندما ينسى الرجل صلاة الفجر مثلاً، ولا يتذكر إلا عندما أقيمت صلاة الظهر، أو نسي صلاة الظهر ولم يتذكر إلا عندما دخل وقت صلاة العصر، هل يدخل مع الإمام بنية الفرض الفائت أم بنية الوقت الحاضر، ويقضي بعد ذلك الوقت الفائت؟ فأجابت: " يصلي الصلاة التي نسيها وراء الإمام، ولا يضره اختلاف نيته عن نية الإمام على الصحيح من قولي العلماء " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (7/407) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 40598 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1873 هل يصلي المسافر قصرا في بيته أم جماعة في المسجد؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا أقمت ببلد إقامة مؤقتة أثناء سفري فهل الأفضل أن أقصر الصلاة في بيتي أو أصليها جماعة في المسجد تامة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صلاة الجماعة واجبة لا يجوز لمسلم تركها إلا لعذر، وقد سبق ذكر الأدلة على ذلك من الكتاب والسنة. راجع السؤال رقم (8918) . وعلى هذا، فعليك أداء الصلاة جماعة في المسجد، وإذا كان الإمام مقيماً (غير مسافر) فإنك تصلي معه الصلاة تامة غير مقصورة. سئل الشيخ ابن باز: إذا سافر الإنسان إلى جدة مثلا، فهل يحق له أن يصلي ويقصر أم لا بد أن يصلي مع الجماعة في المسجد؟ فأجاب: "إذا كان المسافر في الطريق فلا بأس، أما إذا وصل البلد فلا يصلي وحده، بل عليه أن يصلي مع الناس ويتم، أما في الطريق إذا كان وحده وحضرت الصلاة فلا بأس أن يصلي في السفر وحده ويقصر الرباعية اثنتين" اهـ. مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبد العزيز بن باز (12/297) وسئل الشيخ ابن عثيمين متى وكيف تكون صلاة المسافر؟ فأجاب: "صلاة المسافر ركعتان من حين أن يخرج من بلده إلى أن يرجع إليه , لقول عائشة رضي الله عنها: (الصلاة أول ما فرضت ركعتين , فأقرت صلاة السفر , وأتمت صلاة الحضر) . رواه البخاري (1090) ومسلم (685) وفي رواية (وزيد في صلاة الحضر) . وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة فصلى ركعتين، ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة) رواه البخاري (1081) ومسلم (693) لكن إذا صلى مع إمام يتم صلى أربعاً سواء أدرك الصلاة من أولها, أم فاته شيء منها لعموم قول النبي صلي الله عليه وسلم: (إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة , وعليكم السكينة والوقار, ولا تسرعوا, فما أدركتم فصلوا , وما فاتكم فأتموا) . رواه البخاري (636) مسلم (602) . فعموم قوله: (ما أدركتم فصلوا , وما فاتكم فأتموا) يشمل المسافرين الذين يصلون وراء الإمام الذي يصلي أربعاً وغيرهم. وسئل ابن عباس رضي الله عنهما ما بال المسافر يصلي ركعتين إذا انفرد , وأربعاً إذا ائتم بمقيم؟! فقال: تلك السنة. رواه مسلم (688) وأحمد (1865) ولا تسقط صلاة الجماعة عن المسافر؛ لأن الله تعالى أمر بها في حال القتال فقال: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ) النساء/102. وعلى هذا فإذا كان المسافر في بلد غير بلده وجب عليه أن يحضر الجماعة في المسجد إذا سمع النداء إلا أن يكون بعيداً أو يخاف فوت رفقته, لعموم الأدلة الدالة على وجوب صلاة الجماعة على من سمع النداء أو الإقامة " اهـ. مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين (15/252) وسئل أيضاً: إذا كنت في سفر وسمعت النداء للصلاة فهل يجب علي أن أصلي في المسجد , ولو صليت في مكان إقامتي فهل في ذلك شيء؟ إذا كانت مدة السفر أكثر من أربعة أيام متواصلة فهل أقصر الصلاة أم أتمها؟ فأجاب قائلاً: إذا سمعت الأذان وأنت في محل الإقامة وجب عليك أن تحضر إلى المسجد , لأن النبي صلي الله عليه وسلم قال للرجل الذي استأذنه في ترك الجماعة: (أتسمع النداء؟ قال: نعم، قال: فأجب) رواه مسلم (653) . وقال عليه الصلاة والسلام: (من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر) رواه الترمذي (217) . وصححه الألباني في صحيح الترمذي. وليس هناك دليل يدل على تخصيص المسافر من هذا الحكم إلا إذا كان في ذهابك للمسجد تفويت مصلحة لك في السفر مثل أن تكون محتاجاً إلى الراحة والنوم فتريد أن تصلي في مقر إقامتك من أجل أن تنام , أو كنت تخشى إذا ذهبت إلى المسجد أن يتأخر الإمام في الإقامة وأنت تريد أن تسافر وتخشى من فوات الرحلة عليك , وما أشبه ذلك. مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين (15/422) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 40299 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1874 حكم صلاة الجماعة على الرجال [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز الصلاة في المنزل والمسجد قريب؟ مع العلم أن المصلين اثنان فقط.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صلاة الجماعة واجبة على الرجال الأصحاء، في المسجد، على الصحيح من أقوال العلماء. وذلك لأدلة كثيرة منها: 1- قوله تعالى (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك) النساء / 102 (ووجه الاستدلال بالآية من وجوه: أحدها: أمره سبحانه لهم بالصلاة في الجماعة، ثم أعاد هذا الأمر سبحانه مرة ثانية في حق الطائفة الثانية بقوله "ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك " وفي هذا دليل على أن الجماعة فرض على الأعيان إذ لم يسقطها سبحانه عن الطائفة الثانية بفعل الأولى، ولو كانت الجماعة سنة لكان أولى الأعذار بسقوطها عذر الخوف، ولو كانت فرض كفاية لسقطت بفعل الطائفة الأولى ففي الآية دليل على وجوبها على الأعيان، فهذه على ثلاثة أوجه: أمره بها أولا، ثم أمره بها ثانيا، وأنه لم يرخص لهم في تركها حال الخوف) انتهى كلام ابن القيم من كتاب الصلاة. 2- وفي الصحيحين - وهذا لفظ البخاري- عن أبي هريرة أن رسول الله قال: " والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ثم آمر رجلا فيؤم الناس ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عَرْقا سمينا أو مِرْمَاتَين حسنتين لشهد العشاء ". البخاري (7224) ومسلم (651) . والعرق: هو العظم على بقايا اللحم، وقيل هو اللحم. والمرماة: هي ما بين ظلفي الشاة من اللحم، والظلف للغنم والبقر كالحافر للفرس. قال ابن المنذر رحمه الله: (وفي اهتمامه بأن يحرق على قوم تخلفوا عن الصلاة بيوتهم أبين البيان على وجوب فرض الجماعة؛ إذ غير جائز أن يحرق الرسول الله صلى الله عليه وسلم من تخلف عن ندب وعما ليس بفرض) الأوسط 4/134. ولمعرفة المزيد من الأدلة راجع السؤال رقم (8918) وإذا ثبت وجوب صلاة الجماعة فالواجب فعلها في المسجد، ولا يجوز للرجل القادر على حضور الجماعة في المسجد أن يصلي في البيت ولو كان يصليها جماعة مع أهله. قال الشيخ ابن باز: وأما ترك الصلاة في الجماعة فمنكر لا يجوز، ومن صفات المنافقين. والواجب على المسلم أن يصلي في المسجد في الجماعة، كما ثبت في حديث ابن أم مكتوم- وهو رجل أعمى- أنه قال: يا رسول الله، ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له فيصلي في بيته، فرخص له، فلما ولى دعاه، فقال: هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم، قال: فأجب " أخرجه مسلم في صحيحه (635) . وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر " أخرجه ابن ماجة، والدارقطني، وابن حبان، والحاكم بإسناد صحيح، قيل لابن عباس: ما هو العذر؟ قال: (خوف أو مرض) . وفي صحيح مسلم (654) عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (لقد رأيتنا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يتخلف عن الصلاة في الجماعة إلا منافق أو مريض) . والمقصود: أنه يجب على المؤمن أن يصلي في المسجد، ولا يجوز له التساهل والصلاة في البيت مع قرب المسجد. " انتهى وكون المسجد لا يصلي فيه إلا رجلان يؤكد عليك حضور الجماعة، لتسلم من مغبة الإثم والتقصير وتشجيعاً لهما على حضور الجماعة من المسجد حتى لا يتسرب إليهما الكسل. والاثنان فما فوقهما جماعة. قال ابن هبيرة رحمه الله: (وأجمعوا على أن أقل الجمع الذي تنعقد به صلاة الجماعة في الفرض غير الجمعة اثنان: إمام ومأموم قائم عن يمينه) الإفصاح 1/155 وقال ابن قدامة رحمه الله: (تنعقد الجماعة باثنين فصاعدا، لا نعلم فيه خلافا) انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 40113 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1875 يصلي جميع الفروض في المسجد إلا الفجر فما الحكم؟ [السُّؤَالُ] ـ[أصلي جميع الفروض في المسجد، والحمد لله، ما عدا الفجر أصليها في البيت، فهل هذا يجوز؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اعلم أيها الأخ المكرم أن من نعم الله تعالى عليك أن وفقك لأداء الصلوات في المسجد مع الجماعة، والوقوف بين يدي الله تعالى في بيته لإقامة هذه الشعيرة العظيمة، وأداء ما افترضه الله عليك، وليس هناك شيء أحب إلى الله تعالى من أداء فرائضه. وقد سبق بيان الأدلة على وجوب صلاة الجماعة [راجع السؤال رقم 8918] . وأما ما ذكرته من أنك تصلي الفجر في بيتك، فهذا خطأ يجب عليك التوبة إلى الله تعالى منه، وبلية نسأل الله تعالى أن يعافينا وإياك منها؛ وذلك لأن الأدلة على وجوب صلاة الجماعة ليست خاصة بصلاة دون صلاة، بل هي عامة لجميع الصلوات، وأولها صلاة الفجر التي تسأل عنها. وكيف تطيب نفسك يا عبد الله بترك صلاة الفجر مع الجماعة، وحرمانها من النور التام يوم القيامة. روى أبو داود (561) والترمذي (223) وابن ماجة (781) عَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (بَشِّرْ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) صححه الألباني في صحيح الترغيب. وكيف تطيب نفسك يا عبد الله بترك جماعة الفجر وحرمانها من اجتماع الملائكة، وشهادتها لك عند رب العالمين. روى البخاري (555) ومسلم (632) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلائِكَةٌ بِالنَّهَارِ وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاةِ الْفَجْرِ وَصَلاةِ الْعَصْرِ ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي فَيَقُولُونَ تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ) . وكيف تطيب نفسك يا عبد الله بترك جماعة الفجر، وحرمانها من أجر قيام نصف ليلة. روى مسلم في صحيحه (656) عن عثمان رضي الله عنه قال: (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ) . وفي رواية أبي داود (555) والترمذي (221) : (مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ كَقِيَامِ نِصْفِ لَيْلَةٍ وَمَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ كَقِيَامِ لَيْلَةٍ) . وكيف تطيب نفسك يا عبد الله بترك جماعة الفجر وحرمانها من ذمة الله تعالى وجواره. عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى الصبح في جماعة فهو في ذمة الله، فمن أخفر ذمة الله كبه الله في النار لوجهه) قال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه الطبراني في الكبير في أثناء حديث، وهذا لفظه، ورجاله رجال الصحيح. وصححه الألباني في صحيح الترغيب. وأصل الحديث في صحيح مسلم، باب: فضل صلاة العشاء والصبح في جماعة، (657) وقوله: فمن أخفر الله: يعني: نقض عهد الله، ولم يف به، بأن آذى المؤمن الذي أدى الفجر في جماعة. وكيف تطيب نفسك يا عبد الله بترك جماعة الفجر، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن التثاقل عن جماعة الفجر إنما هو شأن المنافقين. روى البخاري (657) ومسلم (651) واللفظ له، من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ أَثْقَلَ صَلاةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلاةُ الْعِشَاءِ وَصَلاةُ الْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلاةِ فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لا يَشْهَدُونَ الصَّلاةَ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ) قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (كنا إذا فقدنا الرجل في الفجر والعشاء أسأنا به الظن) رواه الحاكم في المستدرك (764) وغيره، وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي والألباني. إن المسلم الحريص على الصلاة في جماعة، كما وصفت من حالك، لا تطيب نفسه، إن شاء الله بترك حضور الجماعة في الفجر، بعد ما سمع من كلام النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك. وفقنا الله وإياك لما يحبه ويرضاه. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 40150 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1876 هل تجب الجماعة في المسجد البعيد عن البيت [السُّؤَالُ] ـ[لي زوج ملتزم وهو يعلم أن أداء الصلاة واجبة في المسجد حال سماع الأذان، وفي منطقتنا مسجد يبعد 10 دقائق تقريبا مشيا، ولكن صوت الأذان لا يسمع أبدا حيث أن بيتنا يقع على شارع رئيسي، كما أن في هذه البلد يخاف المسلمون من إظهار صوت الأذان عاليا خوفا من تضييق النصارى. وزوجي لا يذهب إلى الصلاة في المسجد إلا حال خروجه لعمل ما لأجل تلك الحجة - كما أن الإمام يصلي بطريقة مختلفة قليلا وهذا لا يعجبه -، وهذا يضايقني جدا. لذا أرجوكم أن تعلموني بحكم عمله هذا لأني خائفة من إثمه.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صلاة الجماعة في المساجد، من أظهر شعائر الإسلام، وهي واجبة على كل رجل بالغ قادر يسمع النداء؛ لأدلة كثيرة منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: " من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر " رواه ابن ماجه (793) والدارقطني والحاكم وصححه، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه. وروى مسلم (653) عن أبي هريرة قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى فقال يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له فيصلي في بيته فرخص له فلما ولى دعاه فقال هل تسمع النداء بالصلاة؟ فقال نعم قال: فأجب". إلى غير ذلك من الأدلة. والمقصود بسماع النداء: سماعه بالصوت المعتاد بدون مكبرٍ عند هدوء الأصوات وعدم وجود ما يمنع السمع. مع مراعاة أن المؤذنين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يؤذنون على مكان مرتفع، كسطح المسجد ونحوه، وكانت أبنية المنازل قابلة لنفاذ الصوت وانتشاره، مما يمكن وصول صوت المؤذن إلى مسافة ليست بالقصيرة. وعلى هذا فإن بُعد 10 دقائق مشياً يمكن في العادة أن يصله الصوت بالأوصاف المذكورة آنفاً، بل إنه يصل إلى ما هو أبعد من ذلك. وعليه فيجب على زوجك أداء هذه الشعيرة في المسجد ما دام خالياً من الموانع الشرعية راجع السؤال رقم (20655) وكون الإنسان لا تجب عليه الجماعة لبعد ونحوه، لا يعني أن تضعف همته فلا يطلب عاليَ الدرجات بحرصه ومثابرته على الجماعة، فكم في جماعة المسجد من خير يناله قاصدها، كقوله صلى الله عليه وسلم: " صلاة الجميع تزيد على صلاته في بيته وصلاته في سوقه خمسا وعشرين درجة فإن أحدكم إذا توضأ فأحسن وأتى المسجد لا يريد إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه خطيئة حتى يدخل المسجد وإذا دخل المسجد كان في صلاة ما كانت تحبسه وتصلي عليه الملائكة ما دام في مجلسه الذي يصلي فيه اللهم اغفر له اللهم ارحمه ما لم يحدث فيه " رواه البخاري (465) ومسلم (649) . فمن منا لا يريد أن ترفع درجاته وأن تحط خطاياه وأن تستغفر له ملائكة الرحمن؟! فينبغي لزوجك أن يحرص على جماعة المسجد وأن يسعى في تكثير سواد المسلمين، وأن يدرك أن ثبات المسلمين على دينهم وإحياءهم لشعائرهم من أهم عوامل بقائهم وصمودهم وانتصارهم على أعدائهم، بل هذا الثبات لون من ألوان الدعوة المؤثرة في جذب قلوب الآخرين. كما أن الأب ينبغي أن يكون قدوة صالحة أمام أهله وأولاده، فكيف يعتاد أبناؤه عمارة المساجد وهم يرونه لا يخرج إليها إلا عند وجود حاجة دنيوية؟ وقد أثنى الله على عمار المساجد بقوله: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) التوبة / 18 وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن فضل صلاة الجماعة إنما هو لمن خرج إليها لم يخرج لغيرها، وذلك قوله: " لا يريد إلا الصلاة " كما سبق في الحديث. وينبغي أن ندرك أمرا مهما وهو أن جماعة من الفقهاء لا يرون وجوب صلاة الجماعة، كما هو المذهب المشهور عند فقهاء الحنفية، لكن ذلك لم يمنع آلاف المسلمين بل ملايين المسلمين المنتمين إلى هذا المذهب من شهود الجماعة والمحافظة عليها في أصعب الظروف وأحلكها، في بلاد البلقان وتركيا وشرق أوربا وغيرها، فليست القضية قضية وجوب وعدمه، وإنما هو الإيمان القوي، يدفع الإنسان إلى التشبه بنبيه صلى الله عليه وسلم، وبأصحابه الكرام، ولا يرضى لصاحبه بغير الدرجات العليا في الجنة. لقد كان الصحابي يؤتى به يتكئ على الرجلين من شدة مرضه، حتى يقف في الصف، وهو معذور لو تخلف عن الجماعة، فما الذي حركه وقاده وساقه؟ إنه الإيمان. فصاحب الهمة لا يسأل عن الوجوب، وإنما يبحث عن الشعيرة، والهدي، والسنة، والمنهاج. قال ابن مسعود رضي الله عنه: (من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن فإن الله شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة ويرفعه بها درجة ويحط عنه بها سيئة ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق ولقد كان الرجل يؤتي به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف) رواه مسلم (654) . وما ذكرناه في مسألة سماع النداء هو ما أفتى به سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، حيث سئل عن رجل يسكن في بيت بعيد عن المسجد ويضطر لاستخدام السيارة للذهاب إلى الصلاة، وإذا مشى على قدميه أحيانا تفوته الصلاة، وأنه يسمع الأذان عبر مكبرات الصوت، فهل عليه حرج إذا صلى في البيت أو مع ثلاثة أو أربعة من الجيران في منزل أحدهم. فأجاب الشيخ رحمه الله: (الواجب عليك أن تصلي مع إخوانك المسلمين في المسجد إذا كنت تسمع النداء في محلك بالصوت المعتاد بدون مكبر عند هدوء الأصوات وعدم وجود ما يمنع السماع. فإن كنت بعيدا لا تسمع صوت النداء بغير مكبر جاز لك أن تصلي في بيتك أو مع بعض جيرانك؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للأعمى لما استأذنه أن يصلي في بيته: "هل تسمع النداء بالصلاة؟ " قال: نعم. قال: "فأجب". رواه الإمام مسلم في صحيحه. ولقوله صلى الله عليه وسلم: "من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر" خرجه ابن ماجه والدارقطني وابن حبان والحاكم بإسناد صحيح، ومتى أجبت المؤذن ولو كنت بعيدا وتجشمت المشقة على قدميك أو في السيارة فهو خير لك وأفضل، والله يكتب لك آثارك ذاهبا إلى المسجد وراجعا منه مع الإخلاص والنية؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لرجل كان بعيدا عن المسجد النبوي وكانت لا تفوته صلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل له: لو اشتريت حمارا تركبه في الرمضاء وفي الليلة الظلماء؟ فقال رضي الله عنه: ما أحب أن يكون بيتي بقرب المسجد إني أحب أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد ورجوعي إلى أهلي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله قد جمع لك ذلك كله " خرجه الإمام مسلم في الصحيحه) انتهى من مجموع فتاوى الشيخ ابن باز 12/36 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38881 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1877 هل يجوز تخطي الرقاب ليرجع إلى موضعه الذي قام منه؟ [السُّؤَالُ] ـ[في صلاة التراويح يأتي بعض الإخوة من بعد المغرب بقليل ليجلسوا في الصف الأمامي، ثم يريد أن يعود للخلف، ربما للوضوء أو غيره، فهل يرجع إلى مكانه ثانية؟ وهل يعتبر هذا تخطٍ للرقاب؟ نرجو التفصيل في موضوع تخطي الرقاب.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: من جلس في مكان من المسجد فقام منه لحاجة، كوضوء أو غيره ثم عاد إليه فهو أحق به، لقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ) رواه مسلم (2179) . وقوله صلى الله عليه وسلم: (الرَّجُلُ أَحَقُّ بِمَجْلِسِهِ، وَإِنْ خَرَجَ لِحَاجَتِهِ، ثُمَّ عَادَ فَهُوَ أَحَقُّ بِمَجْلِسِهِ) رواه الترمذي (2751) وصححه الألباني في صحيح الجامع (3544) . وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (66279) . ويجب على من جلس فيه أن يقوم منه إذا رجع إليه الأول. قال النووي رحمه الله: " هذا هو الصحيح عند أصحابنا، وأنه يجب على من قعد فيه مفارقته إذا رجع الأول، وقال بعض العلماء: هذا مستحب ولا يجب، وهو مذهب مالك، والصواب الأول " انتهى من "شرح النووي على صحيح مسلم" (14/162) . وهذا إذا ترك المكان لعذر، ثم عاد إليه، فأما إن تركه لغير عذر فيبطل حقه فيه بلا خلاف. ذكره النووي في "المجموع" (4/420) . ثانياً: إذا كان يترتب على رجوعه إلى مكانه الذي يجلس فيه تخطي الرقاب، فينبني الحكم فيه على حكم مسألتين: تخطي الرقاب، وتخطي الرقاب إلى فرجة في الصف المقدم. أما تخطي الرقاب فقد اختلف العلماء في ذلك على قولين، فذهب جمع من العلماء إلى كراهة ذلك، وذهب آخرون إلى تحريمه. وسبق في جواب السؤال (41731) بيان ذلك، وأن الصحيح هو القول بالتحريم. هذه المسألة الأولى، وأما المسألة الثانية وهي حكم تخطي الرقاب إلى فرجة في الصف المقدم. قال ابن قدامة في "المغني" (2/101) : " إذا جلس في مكان ثم بدت له حاجة , أو احتاج إلى الوضوء , فله الخروج [يعني ولو أدى ذلك إلى تخطي الرقاب] قال عقبة: صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ الْعَصْرَ , فَسَلَّمَ , ثُمَّ قَامَ مُسْرِعًا , فَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إلَى حُجَرِ بَعْضِ نِسَائِهِ فَقَالَ: (ذَكَرْتُ شَيْئًا مِنْ تِبْرٍ عِنْدَنَا فَكَرِهْتُ أَنْ يَحْبِسَنِي , فَأَمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.. . فإذا قام من مجلسه , ثم رجع إليه فهو أحق به. . وحكمه في التخطي إلى موضعه حكم من رأى بين يديه فرجة " انتهى باختصار. وقال أيضاً: " " فإن رأى فرجة لا يصل إليها إلا بالتخطي , ففيه روايتان: إحداهما: له التخطي. قال أحمد: يدخل الرجل ما استطاع , ولا يدع بين يديه موضعا فارغا , فإن جهل فترك بين يديه خاليا فليتخط الذي يأتي بعده , ويتجاوزه إلى الموضع الخالي , فإنه لا حرمة لمن ترك بين يديه خاليا , وقعد في غيره. وقال الأوزاعي: يتخطاهم إلى السعة. وقال قتادة: يتخطاهم إلى مصلاه. وقال الحسن: تخطوا رقاب الذين يجلسون على أبواب المساجد , فإنه لا حرمة لهم , وعن أحمد , رواية أخرى: إن كان يتخطى الواحد والاثنين فلا بأس , لأنه يسير , فعفي عنه , وإن كثر كرهناه , وكذلك قال الشافعي , إلا أن لا يجد السبيل إلى مصلاه إلا بأن يتخطى , فيسعه التخطي , إن شاء الله تعالى , ولعل قول أحمد , ومن وافقه في الرواية الأولى , فيما إذا تركوا مكانا واسعا , مثل الذين يصفون في آخر المسجد , ويتركون بين أيديهم صفوفا خالية , فهؤلاء لا حرمة لهم كما قال الحسن ; لأنهم خالفوا أمر النبي صلى الله عليه وسلم ورغبوا عن الفضيلة وخير الصفوف , وجلسوا في شرها , ولأن تخطيهم مما لا بد منه , وقوله الثاني في حق من لم يفرطوا , وإنما جلسوا في مكانهم ; لامتلاء ما بين أيديهم , لكن فيه سعة يمكن الجلوس فيه لازدحامهم , ومتى كان لم يمكن الصلاة إلا بالدخول وتخطيهم , جاز ; لأنه موضع حاجة " انتهى. وقال النووي في "المجموع" (4/420) : " وإن رأى فرجة قدامهم , لا يصلها إلا بالتخطي، قال الأصحاب: لم يكره التخطي ; لأن الجالسين وراءها مفرطون بتركها , وسواء وجد غيرها أم لا، وسواء كانت قريبة أم بعيدة، لكن يستحب إن كان له موضع غيرها أن لا يتخطى , وإن لم يكن موضع , وكانت قريبة بحيث لا يتخطى أكثر من رجلين ونحوهما دخلها , وإن كانت بعيدة ورجا أنهم يتقدمون إليها إذا أقيمت الصلاة يستحب أن يقعد موضعه ولا يتخطى , وإلا فليتخط. . . ثم ذكر عن قتادة أنه قال: يتخطاهم إلى مجلسه، وعن أبي نصر جواز ذلك بإذنهم , قال ابن المنذر: لا يجوز شيء من ذلك عندي. لأن الأذى يحرم قليله وكثيره " انتهى باختصار. ونقل الحافظ في "فتح الباري" (2/433) عن الإمام الشافعي رحمه الله أنه قال: أَكْرَه التَّخَطِّيَ إِلا لِمَنْ لا يَجِد السَّبِيل إِلَى الْمُصَلَّى إِلا بِذَلِكَ اهـ. ثم قال الحافظ: " وَهَذَا يَدْخُل فِيهِ الإِمَام، وَمَنْ يُرِيد وَصْل الصَّفّ الْمُنْقَطِع إِنْ أَبَى السَّابِقُ مِنْ ذَلِكَ، وَمَنْ يُرِيد الرُّجُوع إِلَى مَوْضِعه الَّذِي قَامَ مِنْهُ لِضَرُورَةٍ " انتهى وقال الشيخ ابن عثيمين في " الشرح الممتع" (5/70) : " فإن قال قائل: الحديث عام (اجلس فقد آذيت) ؛ لأن ظاهر الحال أن هناك فرجة؛ لأنه ليس من العادة أن يتخطى الإنسان الرقاب إلا إلى فرجة. ولكن الفقهاء رحمهم الله استثنوا هذه المسألة، فقالوا: لأنه إذا كان ثمة فرجة فإنهم هم الذين جنوا على أنفسهم؛ لأنهم مأمورون أن يكملوا الأول فالأول، فإذا كان ثمة فرجة فقد خالفوا الأمر، وحينئذٍ يكون التفريط منهم، وليس من المتخطي. ولكن الذي أرى: أنه لا يتخطى حتى ولو إلى فرجة؛ لأن العلة وهي الأذية موجودة، وكونهم لا يتقدمون إليها قد يكون هناك سبب من الأسباب، مثل: أن تكون الفرجة في أول الأمر ليست واسعة، ثم مع التزحزح اتسعت، فحينئذٍ لا يكون منهم تفريط، فالأولى الأخذ بالعموم وهو ألا يتخطى إلى الفرجة، لكن لو تخطى برفق واستأذن ممن يتخطاه إلى هذه الفرجة فأرجو أن لا يكون في ذلك بأس " انتهى. والحاصل أن تخطي رقاب الناس لا يخلو من حالين: الأولى: أن يكون لغير عذر، فهذا يحرم لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) الأحزاب/58. ولقوله عليه الصلاة والسلام للرجل الذي تَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ: (اجْلِسْ، فَقَدْ آذَيْتَ) . الثانية: أن يكون ذلك لعذر، فلا حرج فيه إن شاء الله، ويدخل في ذلك عدة صور: فمنها: الإمام إذا كان لا يجد طريقاً إلى موضعه إلا بالتخطي. ومنها: أن يريد الخروج من مكانه لحاجة، لحديث عقبة المتقدم. ومنها: إذا كان جالسا في موضع متقدم ثم قام منه لعارض ثم عاد إليه جاز له التخطي. وخلاصة الجواب: أنه لا حرج إن شاء الله تعالى على من تخطى الرقاب ليعود إلى مجلسه الذي قام منه، على أن يكون ذلك برفق ويستأذن من الناس، وقد جرت عادة الناس بالتسامح مع من يتخطى إلى موضعه الذي قام منه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38890 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1878 صلاة النافلة جماعة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن أصلي صلاة النافلة جماعة، مثل: قيام الليل أو صلاة الضحى؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج في صلاة النافلة جماعةً، لكن لا يفعل ذلك باستمرار، وإنما يفعله أحياناً. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " صلاة التطوع في جماعة نوعان: أحدهما: ما تسن له الجماعة الراتبة كالكسوف والاستسقاء وقيام رمضان , فهذا يفعل في الجماعة دائما كما مضت به السنة. الثاني: ما لا تسن له الجماعة الراتبة كقيام الليل , والسنن الرواتب , وصلاة الضحى , وتحية المسجد ونحو ذلك. فهذا إذا فعل جماعة أحيانا جاز. وأما الجماعة الراتبة في ذلك فغير مشروعة بل بدعة مكروهة , فإن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين لم يكونوا يعتادون الاجتماع للرواتب على ما دون هذا. والنبي صلى الله عليه وسلم إنما تطوع في ذلك في جماعة قليلة أحيانا فإنه كان يقوم الليل وحده ; لكن لما بات ابن عباس عنده صلى معه , وليلة أخرى صلى معه حذيفة , وليلة أخرى صلى معه ابن مسعود , وكذلك صلى عند عتبان بن مالك الأنصاري في مكان يتخذه مصلى صلى معه , وكذلك صلى بأنس وأمه واليتيم. وعامة تطوعاته إنما كان يصليها منفردا " انتهى. "مجموع الفتاوى" (23/414) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم صلاة النافلة جماعة، مثل صلاة الضحى؟ فأجاب: " صلاة النافلة جماعة أحياناً لا بأس بها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى جماعة في أصحابه في بعض الليالي، فصلى معه ذات مرة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وصلى معه مرة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وصلى معه مرة حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، أما حذيفة فأخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بالبقرة والنساء وآل عمران، لا يمر بآية وعيد إلا تعوذ، ولا بآية رحمة إلا سأل، وأما عبد الله بن مسعود فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فأطال النبي صلى الله عليه وسلم القيام، قال عبد الله بن مسعود: حتى هممت بأمر سوء. قيل: وما أمر السوء الذي هممت به؟ قال: أن أجلس وأدعه، وذلك من طول قيامه عليه الصلاة والسلام. وأما عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فإنه قام يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الليل عن يساره، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم برأسه فجعله عن يمينه. والحاصل: أنه لا بأس أن يصلي الجماعة بعض النوافل جماعة، ولكن لا تكون هذه سنة راتبة كلما صلوا السنة صلوها جماعة؛ لأن هذا غير مشروع " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (14/334) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38606 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1879 لا ينبغي استعمال مكبرات الصوت خارج المسجد في الصلاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل الأفضل أن نصلي التراويح والتهجد بالميكروفونات الداخلية للمسجد أم بالمايكروفونات الخارجية لكي يسمع الناس في الشوارع والبيوت المجاورة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا ينبغي استعمال مكبرات الصوت الخارجية في الصلاة، وسواء في ذلك صلاة التراويح والتهجد أم غيرها من الصلوات كالفجر والمغرب والعشاء. وذلك لما يترتب على هذا من مفاسد كثيرة وأذية لجيران المسجد. سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمنين: كثر في الآونة الأخيرة استعمال أئمة المساجد لمكبرات الصوت الخارجية والتي غالباً ما تكون في المئذنة وبصوت مرتفع جداً وفي هذا العمل تشويش بعض المساجد على بعض في الصلاة الجهرية لاستعمالهم المكبرات في القراءة. فما حكم استعمال مكبرات الصوت في الصلاة الجهرية إذا كان مكبر الصوت في المئذنة ويشوش على المساجد الأخرى؟ فأجاب: "ما ذكرتم من استعمال مكبر الصوت في الصلاة الجهرية على المنارة فإنه منهي عنه؛ لأنه يحصل به كثير من التشويش على أهل البيوت والمساجد القريبة، وقد روى الإمام مالك رحمه الله في الموطأ (178) من شرح الزرقاني في (باب العمل في القراءة) عن البياضي فروة بن عمرو – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على الناس وهم يصلون وقد علت أصواتهم بالقراءة فقال: "إن المصلي يناجي ربه فلينظر بما يناجيه به ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن". وروى أبو داود (1332) تحت عنوان: (رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل) عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر وقال: " ألا إن كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضاً، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة، أو قال في الصلاة ". قال ابن عبد البر: حديث البياضي وأبي سعيد ثابتان صحيحان. ففي هذين الحديثين النهي عن الجهر بالقراءة في الصلاة حيث يكون فيه التشويش على الآخرين وأن في هذا أذية ينهى عنها. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (23/61) من مجموع الفتاوى: ليس لأحد أن يجهر بالقراءة بحيث يؤذي غيره كالمصلين. وفي جواب له (1/350) من الفتاوى الكبرى: ومن فعل ما يشوش به على أهل المسجد، أو فعل ما يفضي إلى ذلك منع منه اهـ. وأما ما يدعيه من يرفع الصوت من المبررات فجوابه من وجهين: الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يجهر بعض الناس على بعض في القرآن وبين أن ذلك أذية، ومن المعلوم أنه لا اختيار للمؤمن ولا خيار له في العدول عما قضى به النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) . ومن المعلوم أيضاً أن المؤمن لا يرضى لنفسه أن تقع منه أذية لإخوانه. الوجه الثاني: أن ما يدعيه من المبررات – إن صح وجودها – فهي معارضة بما يحصل برفع الصوت من المحذورات فمن ذلك: 1- الوقوع فيما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من جهر المصلين بعضهم على بعض. 2- أذية من يسمعه من المصلين وغيرهم ممن يدرس علماً أو يتحفظه بالتشويش عليهم. 3- شغل المأمومين في المساجد المجاورة عن الاستماع لقراءة إمامهم التي أمروا بالاستماع إليها. 4- أن بعض المأمومين في المساجد المجاورة قد يتابعون في الركوع والسجود الإمام الرافع صوته، لاسيما إذا كانوا في مسجد كبير كثير الجماعة حيث يلتبس عليهم الصوت الوافد بصوت إمامهم، وقد بلغنا أن ذلك يقع كثيراً. 5- أنه يفضي إلى تهاون بعض الناس في المبادرة إلى الحضور إلى المسجد؛ لأنه يسمع صلاة الإمام ركعة ركعة، وجزءاً جزءاً فيتباطأ اعتماداً على أن الإمام في أول الصلاة فيمضي به الوقت حتى يفوته أكثر الصلاة أو كلها. 6- أنه يفضي إلى إسراع المقبلين إلى المسجد إذا سمعوا الإمام في آخر قراءته كما هو مشاهد، فيقعون فيما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من الإسراع بسبب سماعهم هذا الصوت المرفوع. 7- أنه قد يكون في البيوت من يسمع هذه القراءة وهم في سهو ولغو كأنما يتحدون القارئ وهذا على عكس ما ذكره رافع الصوت من أن كثيراً من النساء في البيوت يسمعن القراءة ويستفدن منها وهذه الفائدة تحصل بسماع الأشرطة التي سجل عليها قراءة القراء المجيدين للقراءة. وأما قول رافع الصوت إنه قد يؤثر على بعض الناس فيحضر ويصلي لاسيما إذا كان صوت القارئ جميلاً، فهذا قد يكون حقاً، ولكنه فائدة فردية منغمرة في المحاذير السابقة. والقاعدة العامة المتفق عليها: أنه إذا تعارضت المصالح والمفاسد، وجب مراعاة الأكثر منها والأعظم، فحكم بما تقتضيه فإن تساوت فدرء المفاسد أولى من جلب المصالح. فنصيحتي لإخواني المسلمين أن يسلكوا طريق السلامة، وأن يرحموا إخوانهم المسلمين الذين تتشوش عليهم عباداتهم بما يسمعون من هذه الأصوات العالية حتى لا يدري المصلي ماذا قال ولا ماذا يقول في الصلاة من دعاء وذكر وقرآ. ولقد علمت أن رجلاً كان إماماً وكان في التشهد وحوله مسجد يسمع قراءة إمامه فجعل السامع يكرر التشهد لأنه عجز أن يضبط ما يقول فأطال على نفسه وعلى من خلفه. ثم إنهم إذا سلكوا هذه الطريق وتركوا رفع الصوت من على المنارات حصل لهم مع الرحمة بإخوانهم امتثال قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يجهر بعضكم على بعض في القرآن ". وقوله: " فلا يؤذين بعضهم بعضاً، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة ". ولا يخفى ما يحصل للقلب من اللذة الإيمانية في امتثال أمر الله ورسوله وانشراح الصدر لذلك وسرور النفس به اهـ. وقال أيضاً: " ولا مانع أن يستثنى من ذلك المسجدان المكي والنبوي، وكذلك الجوامع في صلاة الجمعة؛ لأنه ربما يكون بعض المصلين خارج المسجد فيحتاجون إلى سماع صوت الإمام بشرط أن لا تكون الجوامع متقاربة يشوش بعضها على بعض، فإن كانت كذلك فإنه توضع سماعات على جدار المسجد تسمع منها الخطبة والصلاة وتلغى حينئذ سماعات المنارة لتحصل الفائدة بدون أذية للآخرين" اهـ. انظر: "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (13/74-96) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38521 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1880 هل هناك زيادة أجر إذا كانت الجماعة أكثر؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك أجر أكبر لمن صلى التراويح مع جماعة أكبر بالمقارنة مع الجماعة الأصغر؟ ما هي فوائد الصلاة مع جماعة كبيرة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، يزداد الأجر في النوافل والفرائض بحسب كثرة عدد المصلين. عن أبيِّ بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صَلاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلاتِهِ وَحْدَهُ، وَصَلاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ، وَمَا كَانُوا أَكْثَرَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) . رواه أبو داود (554) ، والنسائي (843) . حسنه الألباني في صحيح بي داود. وروى البزار والطبراني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة رجلين يؤم أحدهما صاحبه أزكى عند الله من صلاة ثمانية تترى، وصلاة أربعة يؤمهم أحدهم أزكى عند الله من صلاة مائة تترى) . حسنه الألباني في صحيح الترغيب (412) . " تترى ": أي: متفرقين. قال السندي: " أزكى " أي: أكثر أجراً. " وما كانوا أكثر " أي: قدر ما كانوا أكثر فذلك القدر أحب مما دونه. " شرح النسائي " (2 / 105) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (31/221) : " اجْتِمَاع النَّاسِ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ أَفْضَلُ مِنْ تَفْرِيقِهِمْ فِي مَسْجِدَيْنِ ; لأَنَّ الْجَمْعَ كُلَّمَا كَثُرَ كَانَ أَفْضَلَ. . . ثم استدل بهذا الحديث " اهـ. وقال الشيخ ابن عثيمين: لو قُدِّر أن هناك مسجدين، أحدهما أكثرُ جماعة مِن الآخر: فالأفضلُ أن يذهبَ إلى الأكثرِ جماعة؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: " صَلاةُ الرَّجُلِ مع الرَّجُلِ أزكى مِن صلاتِهِ وحدَهُ، وصلاتُهُ مع الرَّجُلَين أزكى مِن صلاتِهِ مع الرَّجُلِ، وما كانوا أكثرَ فهو أحبُّ إلى اللهِ "، وهذا عامٌّ، فإذا وُجِدَ مسجدان: أحدُهما أكثرُ جماعة مِن الآخرِ: فالأفضلُ أن تُصلِّيَ في الذي هو أكثر جماعة. " الشرح الممتع " (4 / 150، 151) . وذهب بعض العلماء إلى أن الجماعات لا تتفاوت في الفضل والأجر، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة) . متفق عليه. فجعل الجماعات كلها بسبع وعشرين وخمس وعشرين ولم يفرق بين جماعة وجماعة. وقد رُدَّ عليهم في هذا الاستدلال. قال ولي الدين العراقي: " وليس في الحديث حجة لمن تعلق به في تساوي الجماعات ; لأنا نقول: أقل ما تحصل به الجماعة محصِّل للتضعيف، ولا مانع من تضعيف آخر بسبب آخر من كثرة الجماعة أو شرف المسجد أو بعد طريق المسجد أو غير ذلك " اهـ. " طرح التثريب " (2 / 301، 302) . يعني أنه متى انعقدت الجماعة ولو باثنين فقط حصل التضعيف المذكور في الحديث (سبعة وعشرون درجة) ولا مانع من أن يكثر الثواب بأسباب أخرى، ومنها كثرة الجماعة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38194 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1881 حكم الإئتمام بالإمام من البيت [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الصلاة في البيت وراء الإمام والمسجد مأذنته مجاورة لسطح المنزل؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصلاة في البيت خلف إمام المسجد، فلا تصح. ولا تصح الصلاة مع الإمام في المسجد إلا إذا كان المأموم داخل المسجد، أو كان خارج المسجد واتصلت الصفوف، كما لو كان امتلأ المسجد بالمصلين، وصلى بعضهم خارج المسجد فصلاتهم صحيحة. أما الصلاة خارج المسجد وفي المسجد مكان يمكن الصلاة فيه فإنها لا تصح. وقد سئلت اللجنة الدائمة عمن صلى جماعة في منزله مكتفياً بسماع مكبرات الصوت من المسجد، ولم يتصل بين الإمام والمأموم ولو بواسطة وذلك واقع مكة والمدينة في الموسم؟ فأجابت: " لا تصح الصلاة، وهذا مذهب الشافعية وبه قال الإمام أحمد، إلا إذا اتصلت الصفوف ببيته، وأمكنه الاقتداء بالإمام بالرؤية وسماع الصوت فإنها تصح، كما تصح صلاة الصفوف التي اتصلت بمنزله، أما بدون الشرط المذكور فلا تصح؛ لأن الواجب على المسلم أن يؤدي الصلاة في الجماعة في بيوت الله عز وجل مع إخوانه المسلمين، لقوله صلى الله عليه وسلم: " من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر " أخرجه ابن ماجه والحاكم، وقال الحافظ إسناده على شرط مسلم، ولقوله صلى الله عليه وسلم للأعمى الذي سأله أن يُصلي في بيته: " هل تسمع النداء بالصلاة؟ " قال نعم، قال: " فأجب " أخرجه مسلم في صحيحه. وبالله التوفيق." فتاوى اللجنة الدائمة (8/32) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37695 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1882 كراهة تشبيك الأصابع إذا خرج إلى الصلاة حتى يصلي [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم تشبيك الأصابع إذا كان في المسجد؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا من آداب الخروج إلى المسجد التي جاءت بها السنة: أنه لا يشبك يديه. عن أَبي ثُمَامَةَ الْحَنَّاط أَنَّ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ أَدْرَكَهُ وَهُوَ يُرِيدُ الْمَسْجِدَ أَدْرَكَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ قَالَ: فَوَجَدَنِي وَأَنَا مُشَبِّكٌ بِيَدَيَّ فَنَهَانِي عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ ثُمَّ خَرَجَ عَامِدًا إِلَى الْمَسْجِدِ فَلا يُشَبِّكَنَّ يَدَيْهِ، فَإِنَّهُ فِي صَلاةٍ) رواه أبو داود (562) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. فهذا الحديث دليل على النهي عن تشبيك الأصابع حال المشي إلى المسجد للصلاة؛ لأن هذا العامد إلى المسجد في حكم المصلي. قال الخطابي رحمه الله: " تشبيك اليد هو إدخال الأصابع بعضها في بعض , والاشتباك بهما , وقد يفعله بعض الناس عبثاً , وبعضهم ليفرقع أصابعه عندما يجده من التمدد فيها , وربما قعد الإنسان فشبك بين أصابعه واحتبى بيديه , يريد به الاستراحة , وربما استجلب به النوم , فيكون ذلك سبباً لانتقاض طهره , فقيل لمن تطهر وخرج متوجهاً إلى الصلاة: لا تشبك بين أصابعك؛ لأن جميع ما ذكرناه من هذه الوجوه على اختلافها لا يلائم شيءٌ منها الصلاة ولا يشاكل حال المصلي " انتهى من "معالم السنن" (1/295) . وقد ورد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قصة ذي اليدين في موضوع سجود السهو بلفظ: (فَقَامَ إِلَى خَشَبَةٍ مَعْرُوضَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَاتَّكَأَ عَلَيْهَا كَأَنَّه غَضْبَانُ , وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى , وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ .... ) رواه البخاري (482) ومسلم (573) . ولا منافاة بين هذا وما قبله؛ لأن هذا التشبيك وقع بعد انقضاء الصلاة في ظنه صلى الله عليه وسلم , فهو في حكم المنصرف عن الصلاة , ويكون النهي خاصاً بالمصلى؛ وبمن قصد المسجد، لأن ذلك من العبث وعدم الخشوع. قال الإمام البخاري رحمه الله: " بَاب تَشْبِيك الأَصَابِعِ فِي الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ " وأورد أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه شبك بين أصابعه في المسجد وغيره، منها حديث ذي اليدين المتقدم. قال الحافظ ابن حجر عن الجمع بين هذه الأحاديث وأحاديث النهي: " وَجَمَعَ الإِسْمَاعِيلِيّ بِأَنَّ النَّهْيَ مُقَيَّد بِمَا إِذَا كَانَ فِي الصَّلاةِ أَوْ قَاصِدًا لَهَا، إِذْ مُنْتَظِر الصَّلاةِ فِي حُكْمِ الْمُصَلِّي. . ثم قال الحافظ: وَالرِّوَايَةُ الَّتِي فِيهَا النَّهْي عَنْ ذَلِكَ مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ ضَعِيفَة كَمَا قَدَّمْنَا " انتهى. "فتح الباري" (1/565) . ومما يحسن التنبيه عليه أن من المصلين من يعبث بأصابعه يفرقعهما , وهذا عبث لا يليق بالمصلي , وهو دليل على عدم الخشوع , إذ لو خشع القلب لخشعت الجوارح وسكنت. وعن شعبة مولى ابن عباس قال: صليت إلى جنب ابن عباس ففقَّعت أصابعي , فلما قضيت الصلاة قال: لا أمَّ لك! تفقع أصابعك وأنت في الصلاة! رواه ابن أبي شيبة (2/344) وقال الألباني في "إرواء الغليل" (2/99) : سنده حسن. والخلاصة: أن تشبيك الأصابع مكروه لمن خرج إلى الصلاة , حتى يفرغ من الصلاة، وأن الجالس في المسجد لا حرج عليه في تشبيك أصابعه إلا إ ذا كان ينتظر الصلاة، فيكره له تشبيكها. والله أعلم. انظر: "أحكام حضور المساجد" للشيخ عبد الله بن صالح الفوزان (ص 67-68) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36801 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1883 حكم صلاة النساء في المسجد وهن لا يرين الإمام ولا المأمومين [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم صلاة النساء في المساجد التي لا يرين فيها الإمام ولا المأمومين وإنما يسمعن الصوت فقط؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز للمرأة وللرجل أيضا أن يصلي مع الجماعة في المسجد وإن لم ير الإمام ولا المأمومين إذا أمكن الاقتداء , فإذا كان الصوت يبلغ النساء في مكانهن من المسجد ويمكنهن أن يقتدين بالإمام فإنه يصح أن يصلين الجماعة مع الإمام؛ لأن المكان واحد , والاقتداء ممكن سواء كان عن طريق مكبر الصوت , أو عن طريق مباشر بصوت الإمام نفسه , أو بصوت المبلغ عنه , ولا يضر إذا كن لا يرين الإمام ولا المأمومين , وإنما اشترط بعض العلماء رؤية الإمام أو المأمومين فيما إذا كان الذي يصلي خارج المسجد , فإن الفقهاء يقولون يصح اقتداء المأموم الذي خارج المسجد إن رأى الإمام أو المأمومين , على أن القول الراجح عندي أنه لا يصح للمأموم أن يقتدي بالإمام في غير المسجد وإن رأى الإمام أو المأمومين إذا كان في المسجد مكان يمكنه أن يصلي فيه , وذلك لأن المقصود بالجماعة الاتفاق في المكان وفي الأفعال , أما لو امتلأ المسجد وصار من كان خارج المسجد يصلي مع الإمام ويمكنه المتابعة فإن الراجح جواز متابعته للإمام وائتمامه به سواء رأى الإمام أم لم يره إذا كانت الصفوف متصلة " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (15/213) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36855 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1884 وجوب تسوية الصفوف في الصلاة ومعناها [السُّؤَالُ] ـ[هل تسوية الصفوف في صلاة الجماعة واجبة، بمعنى أن المصلين يأثمون إذا لم يسووا الصفوف؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لقد أولى الإسلام صفوف المصلين عناية كبيرة , حيث أمر بتسوية الصفوف , وأظهر فضيلة تسويتها , والاهتمام بها. فعنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (سَوُّوا صُفُوفَكُمْ , فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلاةِ) رواه البخاري (690) ومسلم (433) , وفي رواية للبخاري (723) : (سَوُّوا صُفُوفَكُمْ , فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلاةِ) . وعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا فِي الصَّلاةِ وَيَقُولُ: (اسْتَوُوا , وَلا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ) رواه مسلم (432) . وعن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رضي الله عنهما قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَوِّي صُفُوفَنَا حَتَّى كَأَنَّمَا يُسَوِّي بِهَا الْقِدَاحَ، حَتَّى رَأَى أَنَّا قَدْ عَقَلْنَا عَنْهُ ثُمَّ خَرَجَ يَوْمًا فَقَامَ حَتَّى كَادَ يُكَبِّرُ، فَرَأَى رَجُلا بَادِيًا صَدْرُهُ مِنْ الصَّفِّ، فَقَالَ: (عِبَادَ اللَّهِ، لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ) . رواه البخاري (717) ومسلم (436) . قال النووي في "شرح مسلم": " قَوْله: (يُسَوِّي صُفُوفنَا حَتَّى كَأَنَّمَا يُسَوِّي بِهَا الْقِدَاح) الْقِدَاح هِيَ خَشَب السِّهَام حِين تُنْحَت وَتُبْرَى , مَعْنَاهُ: يُبَالِغ فِي تَسْوِيَتهَا حَتَّى تَصِير كَأَنَّمَا يُقَوِّم بِهَا السِّهَام، لِشِدَّةِ اِسْتِوَائِهَا وَاعْتِدَالهَا " انتهى. فهذه النصوص واضحة في وجوب تسوية الصفوف , قال البخاري رحمه الله في صحيحه: (باب إثم من لا يتم الصفوف) , وأورد فيه بسنده عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَقِيلَ لَهُ: مَا أَنْكَرْتَ مِنَّا مُنْذُ يَوْمِ عَهِدْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: (مَا أَنْكَرْتُ شَيْئًا إِلا أَنَّكُمْ لا تُقِيمُونَ الصُّفُوفَ) رواه البخاري (724) . قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": " يحتمل أن يكون البخاري أخذ الوجوب من صيغة الأمر في قوله صلى الله عليه وسلم: (سوّوا صفوفكم) ومن عموم قوله صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) , ومن ورود الوعيد على تركه , فترجح عنده بهذا القرائن أن إنكار أنس إنما وقع على ترك الواجب , وإن كان الإنكار قد يقع على ترك السنن , ومع القول بأن التسوية واجبة فصلاة من خالف ولم يسوِّ صحيحة , لاختلاف الجهتين , ويؤيد ذلك أن أنساً مع إنكاره عليهم لم يأمرهم بإعادة الصلاة " انتهى. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وقوله: (أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ) أي: بين وجهات نظركم حتى تختلف القلوب، وهذا بلا شكٍّ وعيدٌ على مَن تَرَكَ التسويةَ، ولذا ذهب بعضُ أهل العِلم إلى وجوب تسوية الصَّفِّ. واستدلُّوا لذلك: بأمْرِ النبي صلى الله عليه وسلم به، وتوعُّدِه على مخالفته، وشيء يأتي الأمرُ به، ويُتوعَّد على مخالفته لا يمكن أن يُقال: إنه سُنَّة فقط. ولهذا كان القولُ الرَّاجحُ في هذه المسألة: وجوب تسوية الصَّفِّ، وأنَّ الجماعة إذا لم يسوُّوا الصَّفَّ فهم آثمون، وهذا هو ظاهر كلام شيخ الإِسلام ابن تيمية " انتهى. "الشرح الممتع" (3/6) . وتسوية الصف الواجبة هي ألا يتقدم أحد على أحد، لا بصدره، ولا بكعبه. قال في عون المعبود": " وَالْمُرَاد بِتَسْوِيَةِ الصُّفُوف: اِعْتِدَال الْقَائِمِينَ بِهَا عَلَى سَمْت وَاحِد " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وتسوية الصَّفِّ تكون بالتساوي، بحيث لا يتقدَّم أحدٌ على أحد، وهل المعتبر مُقدَّم الرِّجْلِ؟ الجواب: المعتبر المناكب في أعلى البَدَن، والأكعُب في أسفل البَدَن. . . وإنما اعتُبرت الأكعب؛ لأنها في العمود الذي يَعتمد عليه البدنُ، فإن الكعب في أسفل السَّاق، والسَّاقُ هو عمودُ البَدَن، فكان هذا هو المُعتبر. وأما أطراف الأرجُل فليست بمعتبرة؛ وذلك لأن أطراف الأرجُلِ تختلف، فبعض الناس تكون رِجْلُه طويلة، وبعضهم قصيرة، فلهذا كان المعتبر الكعب. وهناك تسوية أخرى بمعنى الكمال؛ يعني: الاستواء بمعنى الكمال، كما قال الله تعالى: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى) القصص/14، أي: كَمُلَ، فإذا قلنا: استواءُ الصَّفِّ بمعنى كماله؛ لم يكن ذلك مقتصراً على تسوية المحاذاة، بل يشمَل عِدَّة أشياء: 1 - تسويةَ المحاذاة، وهذه على القول الرَّاجح واجبة، وقد سبقت. 2 - التَّراصَّ في الصَّفِّ، فإنَّ هذا مِن كماله، وكان النبي صلى اله عليه وسلم يأمر بذلك، ونَدَبَ أمَّتَهُ أن يصفُّوا كما تصفُّ الملائكةُ عند ربِّها، يتراصُّون ويكملون الأول فالأول، ولكن المراد بالتَّراصِّ أن لا يَدَعُوا فُرَجاً للشياطين، وليس المراد بالتَّراص التَّزاحم؛ لأن هناك فَرْقاً بين التَّراصِّ والتَّزاحم؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أقيموا الصفوف، وحاذوا بين المناكب ... ولا تذروا فُرُجَات للشيطان) أي: لا يكون بينكم فُرَج تدخل منها الشياطين؛ لأن الشياطِين يدخلون بين الصُّفوفِ كأولاد الضأن الصِّغارِ؛ من أجل أن يُشوِّشوا على المصلين صلاتَهم. 3 - إكمالَ الأول فالأول، فإنَّ هذا مِن استواءِ الصُّفوف، فلا يُشرع في الصَّفِّ الثاني حتى يَكمُلَ الصَّفُّ الأول، ولا يُشرع في الثالث حتى يَكمُلَ الثاني وهكذا، وقد نَدَبَ النبي صلى الله عليه وسلم إلى تكميل الصفِّ الأول فقال: (لو يعلم الناسُ ما في النِّداءِ والصَّفِّ الأولِ؛ ثم لم يجدوا إلا أن يَسْتَهِمُوا عليه لاسْتَهَمُوا) . يعني: يقترعون عليه؛ فإذا جاء اثنان للصفِّ الأول، فقال أحدهم: أنا أحقُّ به منك، وقال الآخر: أنا أحقُّ، قال: إذاً نقترعُ، أيُّنا يكون في هذا المكان الخالي. ومِنْ لَعِبِ الشيطان بكثير من الناس اليوم: أنهم يرون الصفَّ الأول ليس فيه إلا نصفُه، ومع ذلك يشرعون في الصفِّ الثاني، ثم إذا أُقيمت الصلاة، وقيل لهم: أتمُّوا الصفَّ الأول، جعلوا يتلفَّتون مندهشين!! 4 - ومِن تسوية الصُّفوف: التقاربُ فيما بينها، وفيما بينها وبين الإِمام؛ لأنهم جماعةٌ، والجماعةُ مأخوذةٌ مِن الاجتماع: ولا اجتماع كامل مع التباعد، فكلما قَرُبَت الصُّفوفُ بعضها إلى بعض، وقَرُبَت إلى الإِمام كان أفضل وأجمل، ونحن نرى في بعض المساجد أنَّ بين الإِمام وبين الصَّفِّ الأول ما يتَّسع لصفٍّ أو صفَّين، أي: أنَّ الإِمام يتقدَّم كثيراً، وهذا فيما أظنُّ صادر عن الجهل، فالسُّنَّةُ للإمام أن يكون قريباً مِن المأمومين، وللمأمومين أن يكونوا قريبين مِن الإِمام، وأن يكون كلُّ صفٍّ قريباً مِن الصَّفِّ الآخر. وحَدُّ القُرب: أن يكون بينهما مقدار ما يَسَعُ للسُّجودِ وزيادة يسيرة. 5 - ومِن تسوية الصُّفوفِ وكمالها: أن يدنوَ الإِنسانُ مِن الإِمامِ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لِيَلِنِي منكم أولُو الأحْلامِ والنُّهَى) وكلَّما كان أقربَ كان أَولى، ولهذا جاء الحثُّ على الدُّنوِّ مِن الإِمام في صلاة الجُمعة، لأن الدُّنوَّ مِن الإِمام في صلاة الجُمعة يحصُل به الدُّنُو إليه في الصَّلاةِ، وفي الخطبة، فالدُّنُو مِن الإِمام أمرٌ مطلوب، وبعضُ الناس يتهاون بهذا؛ ولا يحرِصُ عليه. 6 - ومِن تسوية الصُّفوف: تفضيل يمين الصفِّ على شماله، يعني: أنَّ أيمن الصَّفِّ أفضل مِن أيسره، ولكن ليس على سبيل الإِطلاق؛ كما في الصَّفِّ الأول؛ لأنه لو كان على سبيل الإِطلاق، كما في الصف الأول؛ لقال الرَّسولُ عليه الصَّلاةُ والسَّلام: (أتمُّوا الأيمن فالأيمن) كما قال: (أتمُّوا الصَّفَّ الأول، ثم الذي يليه) . وإنما يكون يمين الصف أفضل من يساره إذا تساوى اليمينُ واليسار أو تقاربا، كما لو كان اليسار خمسة واليمين خمسة؛ وجاء الحادي عشر؛ نقول: اذهبْ إلى اليمين؛ لأنَّ اليمين أفضلُ مع التَّساوي، أو التقارب أيضاً؛ بحيث لا يظهر التفاوتُ بين يمين الصَّفِّ ويسارِه، أما مع التَّباعد فلا شكَّ أنَّ اليسار القريبَ أفضل من اليمين البعيد. ويدلُّ لذلك: أنَّ المشروع في أول الأمر للجماعة إذا كانوا ثلاثة أن يقف الإِمام بينهما، أي: بين الاثنين. وهذا يدلُّ على أن اليمينَ ليس أفضلَ مطلقاً؛ لأنه لو كان أفضلَ مطلقاً؛ لكان الأفضل أن يكون المأمومان عن يمينِ الإِمامِ، ولكن كان المشروعُ أن يكون واحداً عن اليمين وواحداً عن اليسار حتى يتوسَّط الإِمام، ولا يحصُل حَيْفٌ وجَنَفٌ في أحد الطرفين. 7 - ومِن تسوية الصُّفوفِ: أن تُفرد النِّساءُ وحدَهن؛ بمعنى: أن يكون النِّساءُ خلف الرِّجال، لا يختلط النِّساء بالرِّجال، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (خيرُ صُفوفِ الرِّجَالِ أوَّلُهَا، وشرُّها آخِرُها، وخيرُ صُفوفِ النِّساءِ آخرُها، وشرُّها أوَّلُها) فبيَّن عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أنه كلما تأخَّرت النِّساءُ عن الرِّجالِ كان أفضلَ. إذاً؛ الأفضلُ أن تُؤخَّر النِّساءُ عن صفوفِ الرِّجَالِ، لما في قُربهنَّ إلى الرِّجَال مِن الفتنة. وأشدُّ مِن ذلك اختلاطُهنَّ بالرِّجال، بأن تكون المرأةُ إلى جانب الرَّجُلِ، أو يكون صَفٌّ مِن النِّساءِ بين صُفوفِ الرِّجَال، وهذا لا ينبغي، وهو إلى التَّحريمِ مع خوف الفتنة أقربُ. ومع انتفاء الفتنة خِلافُ الأَولى، يعني: إذا كان النِّساءُ مِن محارمه فهو خِلافُ الأَولى، وخلاف الأفضل ". "الشرح الممتع" (3/7-13) باختصار. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36881 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1885 شرح حديث: (لا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمْ اللَّهُ) . [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أعرف شرح هذا الحديث: (لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث رواه مسلم (438) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى فِي أَصْحَابِهِ تَأَخُّرًا، فَقَالَ لَهُمْ: (تَقَدَّمُوا فَأْتَمُّوا بِي وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ، لا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمْ اللَّهُ) . ومعنى الحديث: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجد بعض أصحابه متأخرين عن الصف الأول، فأمرهم بالتقدم إلى الصف الأول ليقتدوا به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وليقتدي بهم من بعدهم، ممن يصلي في الصفوف المتأخرة الذين لا يرون النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ويحتمل أن المعني: يقتدي بهم من بعدهم من الأمة، لأنهم ينقلون إليهم صفة صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التي رأوها. قاله السندي رحمه الله. ثم قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ولا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمْ اللَّهُ) . أي: لا يزال قوم يعتادون التأخر عن الصف الأول، أو عن الصفوف الأولى حتى يعاقبهم الله تعالى فيؤخرهم. قيل معناه: يؤخرهم عن رحمته أو جنته، أو عظيم فضله، أو عن رفع المنزلة، أو عن العلم. ولا مانع من حمل الحديث على جميع هذه المعاني. قال الشيخ ابن عثيمين في معنى الحديث: رأى النبي صلى الله عليه وسلم قوماً يتأخرون في المسجد يعني: لا يتقدمون إلى الصفوف الأولى فقال: (لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله) . وعلى هذا فيخشى على الإنسان إذا عود نفسه التأخر في العبادة أن يبتلى بأن يؤخره الله عز وجل في جميع مواطن الخير اهـ. باختصار من فتاوى ابن عثيمين (13/54) . وذهب بعض العلماء إلى أن المقصود بهذا جماعة من المنافقين، والصحيح أن الحديث عام وليس خاصا بالمنافقين. قال الشوكاني في "نيل الأوطار": قيل: إن هذا في المنافقين. والظاهر أنه عام لهم ولغيرهم. وفيه الحث على الكون في الصف الأول، والتنفير عن التأخر عنه اهـ. والحاصل أن الحديث فيه الترغيب في صلاة الرجل في الصف الأول أو الصفوف الأولى، وذم اعتياده الصلاة في الصفوف المتأخرة. نسأل الله تعالى أن يوفقنا للمسارعة إلى الخيرات والمسابقة إليها. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 34852 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1886 هل نشهد للرجل بالإيمان إذا كان يعتاد الصلاة في المسجد؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يُشهد للرجل بالإيمان بمجرد اعتياده المساجد كما جاء في الحديث؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "نعم، لا شك أن الذي يحضر الصلوات في المساجد، حضوره لذلك، دليل على إيمانه، لأنه ما حمله على أن يخرج من بيته ويتكلف المشي إلى المسجد إلا الإيمان بالله عز وجل. وأما قول السائل: "كما جاء في الحديث" فهو يشير إلى ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان". ولكن هذا الحديث ضعيف لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم" اهـ [الْمَصْدَرُ] من "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (1/55) . الحديث: 34593 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1887 ما صحة حديث من داوم على أربعين تكبيرة إحرام من صلاة الفجر [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك حديث فيمن داوم على أربعين تكبيرة إحرام من صلاة الفجر بريء من الكفر والنفاق على أن هناك حديث يبين ذلك لمن حافظ على تكبيرة الإحرام أربعين يوما.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله جاء في شعب الإيمان للبيهقي من حديث أنس بن مالك مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: (من صلى الغداة والعشاء الآخرة في جماعة لا تفوته ركعة كتب له براءتان براءة من النار وبراءة من النفاق) شعب الإيمان 3/62 قال في العلل المتناهية:" هذا حديث لا يصح ولا يعلم رواه غير بكر بن أحمد عن يعقوب بن تحية وكلاهما مجهول الحال " 1/432 لكن جاء في سنن الترمذي بلفظ: (من صلى لله أربعين يوما في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتبت له براءتان براءة من النار وبراءة من النفاق) الترمذي برقم 241 وضعفه الترمذي، وحسنه الألباني وهذا الحديث ضعفه أيضا جماعة من العلماء المتقدمين وأعلوه بالإرسال، وحسنه بعض المتأخرين. انظر تلخيص الحبير 2/27 وليس في الحديث الاقتصار على ذكر صلاة الفجر بل الأجر في الحديث مرتب على المحافظة على تكبيرة الإحرام في كل الصلوات الخمس. ولاشك أن الحرص على إدراك تكبيرة الإحرام كل هذه المدة دليل على قوة في دين الشخص. وما دام الحديث محتمل الصحة فيرجى لمن حرص على فعل ما فيه أن يكتب له هذا الفضل العظيم، وأقل ما يحصِّله الإنسان من هذا الحرص تربية نفسه على المحافظة على هذه الشعيرة العظيمة. نسأل الله أن يكتب لنا ولكم البراءة من النفاق والنار إنه سميع مجيب. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 34605 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1888 إذا كان الإمام لا يجلس للاستراحة فهل يجلسها المأموم؟ [السُّؤَالُ] ـ[إننا نصلي وراء أئمة لا يفعلون جلسة الاستراحة في الصلاة وحتى إذا أتيت لهم بكتب تحث عليها فلن يفعلوها، هل عندما أصلي وراءهم أفعلها رغم عدم فعلهم أم أنني أتبع الإمام في عدم فعلها؟ علما أن هذا سيجعلني لن أفعلها كما قلت لأنهم لن يفعلوها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: جلسة الاستراحة سنة من سنن الصلاة، وقد سبق في إجابة السؤال رقم (21985) بيان ذلك. ثانياً: أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المأموم بمتابعة الإمام، روى البخاري (688) ومسلم (412) عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ شَاكٍ (أي مريض) فَصَلَّى جَالِسًا، وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنْ اجْلِسُوا، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا. ومعنى المتابعة: أن يشرع المأموم في أفعال الصلاة فور فراغ الإمام مما كان فيه. انظر سؤال رقم (33790) انظر: "حاشية ابن قاسم" (2/285) ، "الشرح الممتع" (4/269) . ثالثاً: إذا كان الإمام لا يجلس للاستراحة، فقد اختلف العلماء هل الأفضل للمأموم أن يجلس للاستراحة أم لا؟ وسبب الخلاف في المسألة هو: هل جلوس المأموم في هذه الحال وتأخره عن الإمام ينافي المتابعة التي أمر بها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم لا؟ فذهب بعض العلماء إلى أن المأموم يجلس للاستراحة ولو لم يجلسها الإمام، وتأخر المأموم في هذه الحال يسير لا يضر. قال النووي في "المجموع" (4/240) : وَإِنْ تَرَكَ الإِمَامُ جلْسَةَ الاسْتِرَاحَةِ أَتَى بِهَا الْمَأْمُومُ , قَالَ أَصْحَابُنَا (يعني الشافعية) : لأَنَّ الْمُخَالَفَةَ فِيهَا يَسِيرَةٌ اهـ. وذهب آخرون إلى أن المأموم لا يجلسها. سئل شيخ الإسلام كما في "الفتاوى الكبرى" (1/135) عن رجل يصلي مأموما ويجلس بين الركعات جلسة الاستراحة ولم يفعل ذلك الإمام فهل يجوز ذلك له؟ فأجاب: جلسة الاستراحة قد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم جلسها لكن تردد العلماء هل فعل ذلك من كبر السن للحاجة أو فعل ذلك لأنه من سنة الصلاة؟ فمن قال بالثاني استحبها، كقول الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين، ومن قال بالأول لم يستحبها إلا عند الحاجة كقول أبي حنيفة ومالك وأحمد في الرواية الأخرى. ومن فعلها لم ينكر عليه وإن كان مأموما، لكون التأخر بمقدارها ليس هو من التخلف المنهى عنه عند من يقول باستحبابها. وهل هذا إلا فعل في محل اجتهاد؟ فإنه قد تعارض فعل هذه السنة عنده والمبادرة إلى موافقة الإمام، فإن ذلك أولى من التخلف لكنه يسير، فصار مثلما إذا قام من التشهد الأول قبل أن يكمله المأموم، والمأموم يرى أنه مستحب، أو مثل أن يسلم وقد بقي عليه يسير من الدعاء هل يسلم أو يتمه؟ ومثل هذه المسائل هي من مسائل الاجتهاد والأقوى أن متابعة الإمام أولى من التخلف لفعل مستحب والله أعلم اهـ. وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (3/192) : مسألة: إذا كان الإنسان مأموماً فهل يُسن له أن يجلس إذا كان يرى هذا الجلوس سنة أو متابعة الإمام أفضل؟ الجواب: أن متابعة الإمام أفضل، ولهذا يترك الواجب وهو التشهد الأول، ويفعل الزائد كما لو أدرك الإمام في الركعة الثانية فإنه سوف يتشهد في أول ركعة فيأتي بتشهد زائد من أجل متابعة الإمام، بل يترك الإنسان الركن من أجل متابعة الإمام، فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً) فيترك ركن القيام وركن الركوع، فيجلس في موضع القيام، ويومئ في موضع الركوع، كل هذا من أجل متابعة الإمام. فإن قال قائل: هذه الجلسة يسيرة لا يحصل بها تخلف عن الإمام. فالجواب: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا ركع فاركعوا وإذا سجد فاسجدوا وإذا كبّر فكبروا) فأتى بالفاء الدالة على الترتيب والتعقيب بدون مهلة، وهذا يدل على أن الأفضل في حق المأموم ألا يتأخر عن الإمام ولو يسيراً، بل يبادر بالمتابعة، فلا يوافق، ولا يسابق، ولا يتأخر، وهذا هو حقيقة الائتمام اهـ. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 34458 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1889 يقارب بين المصلين ليدخل معهم في الصف [السُّؤَالُ] ـ[عندما أحضر إلى المسجد للصلاة والإمام قد كبر، أجد بعض الفراغات بين المصلين في الصف الذي أمام الصف الذي أريد أن أصلي فيه فهل يجوز أن أقارب بينهم وأدخل معهم في الصف لسد الفراغات؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتسوية الصفوف، وسد الخلل فيها، وإتمام الصف الأول فالأول، وذلك في أحاديث مشهورة، منها ما رواه البخاري (690) ومسلم (433) عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سووا صفوفكم فإن تسوية الصف من تمام الصلاة) . ولفظ البخاري: (من إقامة الصلاة) . وروى أحمد (12374) وأبو داود (671) والنسائي (818) عن أنس أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أتموا الصف الأول ثم الذي يليه، فإن كان نقص فليكن في الصف المؤخر) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. وروى أحمد (5724) وأبو داود (666) عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أقيموا الصفوف؛ فإنما تصفون كصفوف الملائكة، حاذوا بين المناكب، وسدوا الخلل، ولا تذروا فرجات للشيطان، ومن وصل صفا وصله الله، ومن قطع صفا قطعه الله) . والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود. وعليه فمقاربتك بين المصلين، وسدك للفراغ في الصف المتقدم عمل مشروع محمود، ما لم يؤد ذلك إلى التضييق على المصلين وإيذائهم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 34160 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1890 أحوال المأموم مع إمامه في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[نرى بعض الناس يتأخر عن متابعة الإمام في الصلاة، والبعض الآخر يسبقه في السجود مثلاً أو الركوع أحياناً. فنرجو منكم التكرم ببيان حكم مسابقة الإمام أو التخلف عنه لعل الله أن ينفعنا بها.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع: " المأمومُ مع إمامِهِ له أحوالٌ أربعٌ: 1 _ سَبْقٌ. 2 _ تَخَلُّفٌ. 3 _ موافقةٌ. 4 _ متابعةٌ. الأول: السَّبْقُ بأن يسبق المأموم إمامه في ركن من أركان الصلاة كأن يسجد قبل الإمام أو يرفع قبله أو يسبقه بالركوع أو بالرفع من الركوع، وهو محرم ودليلُ هذا: قولُ النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تركَعُوا حتى يركعَ، ولا تسجدُوا حتى يسجدَ» والأصلُ في النَّهي التحريمُ، بل لو قال قائلٌ: إنَّه مِن كبائرِ الذُّنوبِ لم يُبْعِدْ؛ لقولِ النَّبيِّ: «أما يخشى الذي يرفعُ رأسَه قبلَ الإِمامِ أن يُحَوِّلَ اللهُ رأسَه رأسَ حِمارٍ، أو يجعلَ صورتَه صورةَ حِمارٍ» وهذا وعيدٌ، والوعيدُ مِن علاماتِ كون الذَّنْبِ مِن كبائرِ الذُّنوبِ. حكم صلاة من سبق إمامه: متى سَبَقَ المأمومُ إمامَه عالماً ذاكراً فصلاتُه باطلةٌ، وإنْ كان جاهلاً أو ناسياً فصلاتُه صحيحةٌ، إلا أنْ يزولَ عذره قبل أنْ يُدرِكَهُ الإمامُ فإنه يلزمُه الرجوعُ ليأتيَ بما سَبَقَ فيه بعدَ إمامِه، فإن لم يفعلْ عالماً ذاكراً بطلتْ صلاتُه، وإلا فلا. الثاني: التَّخلُّفُ والتَّخلُّفُ عن الإِمامِ نوعان: 1 _ تخلُّفٌ لعذرٍ. 2 _ وتخلُّفٌ لغير عذرٍ. فالنوع الأول: أن يكون لعذرٍ، فإنَّه يأتي بما تخلَّفَ به، ويتابعُ الإمامَ ولا حَرَجَ عليه، حتى وإنْ كان رُكناً كاملاً أو رُكنين، فلو أن شخصاً سَها وغَفَلَ، أو لم يسمعْ إمامَه حتى سبقَه الإمامُ برُكنٍ أو رُكنين، فإنه يأتي بما تخلَّفَ به، ويتابعُ إمامَه، إلا أن يصلَ الإمامُ إلى المكان الذي هو فيه؛ فإنَّه لا يأتي به ويبقى مع الإِمامِ، وتصحُّ له ركعةٌ واحدةٌ ملفَّقةٌ مِن ركعتي إمامهِ الرَّكعةِ التي تخلَّفَ فيها والرَّكعةِ التي وصلَ إليها الإِمامُ. وهو في مكانِهِ. مثال ذلك: رَجُلٌ يصلِّي مع الإِمامِ، والإِمامُ رَكَعَ، ورَفَعَ، وسَجَدَ، وجَلَسَ، وسَجَدَ الثانيةَ، ورَفَعَ حتى وَقَفَ، والمأمومُ لم يسمعْ «المُكبِّرَ» إلا في الرَّكعةِ الثانيةِ؛ لانقطاعِ الكهرباء مثلاً، ولنفرضْ أنه في الجمعة، فكان يسمعُ الإِمامَ يقرأُ الفاتحةَ، ثم انقطعَ الكهرباءُ فأتمَّ الإِمامُ الركعةَ الأُولى، وقامَ وهو يظنُّ أنَّ الإِمامَ لم يركعْ في الأُولى فسمعَه يقرأ (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ) الغاشية / 1 فنقول: تبقى مع الإِمامِ وتكونُ ركعةُ الإِمامِ الثانيةِ لك بقية الركعة الأولى فإذا سلَّمَ الإِمامُ فاقضِ الركعةَ الثانيةَ، قال أهلُ العِلمِ: وبذلك يكون للمأمومِ ركعةٌ ملفَّقةٌ مِن ركعتي إمامِهِ؛ لأَنه ائتَمَّ بإمامه في الأُولى وفي الثانية. فإن عَلِمَ بتخلُّفِهِ قبلَ أن يصلَ الإِمامُ إلى مكانِهِ فإنَّه يقضيه ويتابعُ إمامَه، مثاله: رَجُلٌ قائمٌ مع الإِمامِ فرَكَعَ الإِمامُ وهو لم يسمعْ الرُّكوعَ، فلما قال الإِمامُ: «سَمِعَ اللهُ لمَن حمِدَه» سَمِعَ التسميعَ، فنقول له: اركعْ وارفعْ، وتابعْ إمامَك، وتكون مدركاً للركعةِ؛ لأن التخلُّفَ هنا لعُذرٍ. النوع الثاني: التخلُّف لغيرِ عُذرٍ. إما أن يكون تخلُّفاً في الرُّكنِ، أو تخلُّفاً برُكنٍ. فالتخلُّفُ في الرُّكنِ معناه: أن تتأخَّر عن المتابعةِ، لكن تدركُ الإِمامُ في الرُّكنِ الذي انتقل إليه، مثل: أن يركعَ الإِمامُ وقد بقيَ عليك آيةٌ أو آيتان مِن السُّورةِ، وبقيتَ قائماً تكملُ ما بقي عليك، لكنك ركعتَ وأدركتَ الإِمامَ في الرُّكوعِ، فالرَّكعةُ هنا صحيحةٌ، لكن الفعلَ مخالفٌ للسُّنَّةِ؛ لأنَّ المشروعَ أن تَشْرَعَ في الرُّكوعِ من حين أن يصلَ إمامك إلى الرُّكوعِ، ولا تتخلَّف؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا رَكَعَ فاركعوا» . والتخلُّفُ بالرُّكنِ معناه: أنَّ الإِمامَ يسبقك برُكنٍ، أي: أن يركَعَ ويرفعَ قبل أن تركعَ. فالفقهاءُ رحمهم الله يقولون: إذا تخلَّفتَ بالرُّكوعِ فصلاتُك باطلةٌ كما لو سبقته به، وإنْ تخلَّفتَ بالسُّجودِ فصلاتُك على ما قال الفقهاءُ صحيحةٌ؛ لأنه تَخلُّفٌ برُكنٍ غيرِ الرُّكوعِ. ولكن القولَ الراجحَ أنَّه إذا تخلَّفَ عنه برُكنٍ لغيرِ عُذرٍ فصلاتُه باطلةٌ، سواءٌ كان الرُّكنُ ركوعاً أم غير ركوع. وعلى هذا؛ لو أنَّ الإِمامَ رَفَعَ مِن السجدةِ الأولى، وكان هذا المأمومُ يدعو اللهَ في السُّجودِ فبقيَ يدعو اللهَ حتى سجدَ الإِمامُ السجدةَ الثانيةَ فصلاتُه باطلةٌ؛ لأنه تخلُّفٌ بركنٍ، وإذا سبقه الإِمامُ بركنٍ فأين المتابعة؟ الثالث: الموافقة: والموافقةُ: إما في الأقوالِ، وإما في الأفعال، فهي قسمان: القسم الأول: الموافقةُ في الأقوالِ فلا تضرُّ إلا في تكبيرةِ اإِحرامِ والسلامِ. أما في تكبيرةِ الإِحرامِ؛ فإنك لو كَبَّرتَ قبلَ أن يُتمَّ الإِمامُ تكبيرةَ الإِحرام لم تنعقدْ صلاتُك أصلاً؛ لأنه لا بُدَّ أن تأتيَ بتكبيرةِ الإِحرامِ بعد انتهاءِ الإِمامِ منها نهائياً. وأما الموافقةُ بالسَّلام، فقال العلماءُ: إنه يُكره أن تسلِّمَ مع إمامِك التسليمةَ الأُولى والثانية، وأما إذا سلَّمت التسليمةَ الأولى بعدَ التسليمة الأولى، والتسليمةَ الثانية بعد التسليمةِ الثانية، فإنَّ هذا لا بأس به، لكن الأفضل أن لا تسلِّمَ إلا بعد التسليمتين. وأما بقيةُ الأقوالِ: فلا يؤثِّرُ أن توافق الإِمامَ، أو تتقدَّم عليه، أو تتأخَّرَ عنه، فلو فُرِضَ أنك تسمعُ الإِمامَ يتشهَّدُ، وسبقتَه أنت بالتشهُّدِ، فهذا لا يضرُّ لأن السَّبْقَ بالأقوالِ ما عدا التَّحريمةِ والتسَّليمِ ليس بمؤثرٍ ولا يضرُّ، وكذلك أيضاً لو سبقتَه بالفاتحة فقرأت: {ولا الضالين} [الفاتحة] وهو يقرأ: {إياك نعبد وإياك نستعين} [الفاتحة] في صلاةِ الظُّهرِ مثلاً، لأنه يُشرعُ للإِمامِ في صلاةِ الظُّهر والعصرِ أن يُسمِعَ النَّاسَ الآيةَ أحياناً كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفعلُ. القسم الثاني الموافقةُ في الأفعالِ وهي مكروهةٌ. مثال الموافقة: لما قالَ الإِمام: «الله أكبر» للرُّكوعِ، وشَرَعَ في الهوي هويتَ أنت والإِمامُ سواء، فهذا مكروهٌ؛ لأنَّ الرسولَ عليه الصلاة والسلام قال: «إذا رَكع فاركعوا، ولا تركعوا حتى يركعَ» وفي السُّجودِ لما كبَّرَ للسجودِ سجدتَ، ووصلتَ إلى الأرضِ أنت وهو سواء، فهذا مكروهٌ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عنه، فقال: «لا تسجدوا حتى يسجدَ» . الرابع: المتابعة المتابعة هي السُّنَّةُ، ومعناها: أن يَشْرَعَ الإنسانُ في أفعالِ الصَّلاةِ فَوْرَ شروعِ إمامِهِ، لكن بدون موافقةٍ. فمثلاً: إذا رَكَعَ تركع؛ وإنْ لم تكملْ القراءةَ المستحبَّةَ، ولو بقيَ عليك آيةٌ، لكونها توجب التخلُّفَ فلا تكملها، وفي السُّجودِ إذا رفعَ مِن السجودِ تابعْ الإِمامَ، فكونك تتابعُه أفضلُ من كونك تبقى ساجداً تدعو الله؛ لأنَّ صلاتَك ارتبطت بالإِمامِ، وأنت الآن مأمورٌ بمتابعةِ إمامِكِ". انتهى بتصرف يسير، انظر الشرح الممتع 4/275 وينبغي ألا يشرع المأموم في الانتقال إلى الركن حتى يصل إليه الإمام، فلا يبدأ في الآنحناء للسجود حتى يضع الإمام جبهته على الأرض قال البراءُ بن عَازب: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قال: «سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَه» لم يَحْنِ أحدٌ منَّا ظهرَهُ حتى يقعَ النبي صلى الله عليه وسلم سَاجداً، ثم نَقَعُ سجوداً بعدَه. رواه البخاري (690) ومسلم (474) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 33790 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1891 إذا أقيمت الصلاة وهو يصلي النافلة [السُّؤَالُ] ـ[إذا كنت أصلي السنة وأقيمت الصلاة، فهل أسلم وألحق بالجماعة أم أكمل السنة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله روى مسلم (710) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) . فهذا الحديث يدل على أنه إذا أقيمت الصلاة لم يكن لأحد أن يشرع في النافلة. قال ابن قدامة رحمه الله: (وإذا أقيمت الصلاة , لم يشتغل عنها بنافلة , سواء خشي فوات الركعة الأولى أم لم يخش. وبهذا قال أبو هريرة , وابن عمر , وعروة , وابن سيرين , وسعيد بن جبير , والشافعي , وإسحاق , وأبو ثور) اهـ. "المغني" (1/272) . واستدل بعض العلماء بهذا الحديث أيضاً على أن من كان في النافلة وأقيمت الصلاة أنه يقطعها. قال الحافظ العراقي: (إن قوله: "فلا صلاة " يحتمل أن يراد: فلا يشرع حينئذ في صلاة عند إقامة الصلاة , ويحتمل أن يراد: فلا يشتغل بصلاة وإن كان قد شرع فيها قبل الإقامة بل يقطعها المصلي لإدراك فضيلة التحريم , أو أنها تبطل بنفسها وإن لم يقطعها المصلي , يحتمل كلا من الأمرين) . ونقل عن الشيخ أبي حامد من الشافعية أن الأفضل خروجه من النافلة إذا أداه إتمامها إلى فوات فضيلة التحريم. [كلام العراقي نقله الشوكاني في نيل الأوطار 3/91] . وبهذا أفتت اللجنة الدائمة، حيث سئلت: هل يجوز أن أقطع النافلة وألحق تكبيرة الإحرام مع الإمام أو أتم النافلة؟ فأجابت: نعم إذا أقيمت الصلاة المفروضة فاقطع النافلة التي أنت فيها لتدرك تكبيرة الإحرام مع الإمام، لما ثبت من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) فتاوى اللجنة الدائمة (7/312) . ورجح الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أنه إذا أقيمت الصلاة وهو في الركعة الأولى من النافلة فإنه يقطعها، وإذا أقيمت وهو في الركعة الثانية فإنه يتمها خفيفة ولا يقطعها. قال رحمه الله: والذي نرى في هذه المسألة: أنك إن كنت في الركعة الثانية فأتمها خفيفة، وإن كنت في الركعة الأولى فاقطعها. ومستندنا في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) رواه البخاري (580) ومسلم (607) . وهذا الذي صلى ركعة قبل أن تقام الصلاة يكون أدرك ركعة من الصلاة سالمة من المعارض الذي هو إقامة الصلاة، فيكون قد أدرك الصلاة بإدراكه الركعة قبل النهي فليتمها خفيفة. . . ثم قال: وهذا هو الذي تجتمع به الأدلة اهـ. "الشرح الممتع" (4/238) . وإذا قطع النافلة فإنه يقطعها من غير تسليم سئلت اللجنة الدائمة (7/312) إذا أقيمت الصلاة وكان هناك شخص يؤدى ركعتي السنة أو تحية المسجد فهل يقطع صلاته ليصلي الفرض مع الجماعة.؟ وإذا كانت الإجابة بالإيجاب: فهل يسلم التسليمتين عند قطعه للصلاة أم يقطها بدون تسليم؟ فأجابت: الصحيح من قولي العلماء أنه يقطع تلك الصلاة، ولا يحتاج الأمر في الخروج منها إلى تسليم وينضم إلى الإمام اهـ. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 33582 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1892 حكم بيع التحف الفخارية وحكم الصلاة في المحل [السُّؤَالُ] ـ[أنا شاب أعمل في محل مستقل أبيع تحف فخارية بنُزل لسياحة الأجانب، فهل يجوز لي شرعاً أن أصلى الفريضة في هذا المحل , مع العلم أنه من المستحيل أن يدخله السوَّاح وفي أيديهم الخمر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: بيع التحف الفخارية جائز للمسلمين والكفار، ولكن إذا كانت هذه التحف على هيئة تماثيل وصور لذوات الأرواح فإنه لا يحل بيعها ولا التجارة فيها إلا بعد إزالة الرأس. قال علماء اللجنة الدائمة: لا يجوز للمسلم أن يبيع التماثيل أو يتجر فيها لما ثبت في الأحاديث الصحيحة من تحريم تصوير ذوات الأرواح وإقامة التماثيل لها مطلقاً والإبقاء عليها، ولا شك أن في الاتجار فيها ترويجاً لها وإعانة على تصويرها وإقامتها بالبيوت والنوادي ونحوها. وإذا كان ذلك محرَّماً: فالكسب من إنشائها وبيعها حرام، لا يجوز للمسلم أن يعيش منه بأكل أو كسوة أو نحو ذلك، وعليه إن وقع في ذلك أن يتخلص منه ويتوب إلى الله تعالى، عسى أن يتوب عليه، قال تعالى: {وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى} . وقد صدرت فتوى منا في تحريم ذوات الأرواح مطلقاً سواء المجسمة وغير المجسمة، بنحت أو نسخ أو صبغ، أو بآلة التصوير الحديث. " فتاوى إسلامية " (4 / 521) . وفي جواب السؤال (7222) تفصيل في صناعة التماثيل وحرمة هذا الفعل. ثانياً: وأما بالنسبة للصلاة، فصلاة الجماعة واجبة في المسجد، وانظر السؤال رقم (120) فإن كان المسجد قريباً منك بحيث يمكنك سماع الأذان دون مكبرات فيجب عليك حضور صلاة الجماعة في المسجد. وإن كان المسجد بعيداً بحيث لا يمكنك سماع الأذان إلا بالمكبرات: فلك أن تصلي في المحل، والأفضل أن تجعلوا لكم مكاناً تصلون فيه جماعة. سئل الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله -: هل يوجد تحديد للمسافة من بيته إلى المسجد؟ فأجاب: المسافة ليس فيها تحديد شرعي، وإنما يحدد ذلك العرف أو سماع النداء على تقدير أنه بغير (المكرفون) . " أسئلة الباب المفتوح " (سؤال رقم 700) . وانظر السؤال رقم (20655) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 32730 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1893 جمع الصلاة بسبب المطر [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز جمع صلاة الظهر مع العصر والمغرب مع العشاء في المطر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " يرخص في الجمع بين المغرب والعشاء جمع تقديم بأذان واحد وإقامة لكل منهما، من أجل المطر الذي يبل الثياب، ويحصل معه مشقة، من تكرار الذهاب إلى المسجد لصلاة العشاء، على الصحيح من قولي العلماء. وكذا يجوز الجمع بينهما جمع تقديم للوحل الشديد، على الصحيح من أقوال العلماء، دفعاً للحرج والمشقة، قال الله تعالى: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} الحج / 87، وقال: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} البقرة / 286. وقد جمع أبان بن عثمان رضي الله عنهما بين المغرب والعشاء في الليلة المطيرة، ومعه جماعة من كبار علماء التابعين، ولم يعرف لهم مخالف، فكان إجماعاً. ذكر ذلك ابن قدامة في المغني. ويرخص للمريض مرضاً شديداً أن يجمع بين الظهر والعصر في وقت إحداهما، حسب ما يتيسر له، وكذلك يجمع بين المغرب والعشاء؛ دفعاً للحرج عنه " فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء (8/135) فإن قيل: هل نجمع الصلاة – من أجل المطر – في المسجد أم في البيت؟ فالجواب: " المشروع أن يجمع أهل المسجد إذا وجد مسوغ للجمع كالمطر؛ كسباً لثواب الجماعة، ورفقاً بالناس، وبهذا جاءت الأحاديث الصحيحة. أما جمع جماعة في بيت واحد من أجل العذر المذكور فلا يجوز؛ لعدم وروده في الشرع المطهر، وعدم وجود العذر المسبب للجمع " فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء (8/134) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 31172 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1894 هل يدخل مع الإمام بعد الرفع من الركوع في الركعة الأخيرة أم ينتظر الجماعة الثانية [السُّؤَالُ] ـ[ذا دخلت مع الإمام بعد رفعه من ركوع الركعة الأخيرة فمعنى هذا أن الركعة فاتتني ولكن سمعت صوت جماعة أخرى فما الأفضل هل أكمل مع الإمام فرضي أم اعتبرها سنة وأصلي مع الجماعة الأخرى.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأفضل أن تدخل مع الإمام ثم تقضي ما فاتك لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) رواه البخاري (635) ومسلم (602) وجه للجنة الدائمة للإفتاء سؤالان شبيهان بسؤالك هذا , وإليك نص السؤالان وجوابهما: (ذهبت مرة للجامع لصلاة العصر حيث وجدت المصلين قد أدوا ثلاث ركعات والباقي واحدة شرعوا فيها بالفعل وسجدوا، هل علي أن ألحق بهم أو أنتظر حتى يفرغوا؟ الجواب: المشروع في مثل حالتك أن تلحق بهم، فما أدركت معهم فصل وما فاتك فاقض، وإذا كان لحوقك بهم بعد الرفع من ركوع آخر ركعة فالحق بهم واقض صلاتك كلها بعد تسليم الإمام، لما رواه أبو داود رحمه الله (893) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئاً ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة) . ولعموم ما رواه الشيخان البخاري ومسلم رحمهما الله عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وعليكم بالسكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) . وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. السؤال: من أدرك التشهد الأخير وقبل تسليم الإمام هل يعتبر أدرك فضل صلاة الجماعة أم أجر المنفرد , وما هو الأفضل إذا دخل المسجد والإمام في التشهد الأخير هل يكمل التشهد أو الأفضل ينتظر أشخاصا قادمين ليصلوا معه؟ الجواب: لا يعتبر من أدرك مع الإمام التشهد الأخير من الصلاة مدركا للجماعة , لكن له ثواب بقدر ما أدرك مع الإمام من الصلاة , وإنما يعتبر مدركا للجماعة من أدرك مع الإمام ركعة على الأقل , لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ". والأفضل له أن يدخل مع الإمام لعموم حديث: " ما أدركتم فصلوا , وما فاتكم فاقضوا " رواه البخاري (635) ومسلم (602) . وبالله التوفيق ,) ا. هـ من "فتاوى اللجنة" (7/ 319-320) . والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 31029 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1895 شك المأموم بتقدمه على الإمام فما الحكم [السُّؤَالُ] ـ[إذا شك المأموم هل هو متقدم في موقفه على الإمام أم لا؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صلاته صحيحة نص عليه الشافعي سواء جاء قدّام الإمام أو من ورائه. من فتاوى الإمام النووي ص 58. ولكن لا يجوز أن يتعمّد التقدّم على الإمام، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 3494 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1896 هل الجندي ليس عليه صلاة الجمعة والجماعة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل الجندي أثناء عمله ليس عليه جمعة ولا جماعة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "هذا فيه تفصيل، الجندي إذا كان حارساً على شيء للدولة كأن يكون حارساً على سجن، أو حارساً على مال يُخشى عليه، أو على محل من المحلات يخشى أن تنتهك، فهذا ليس عليه جمعة ولا جماعة، بل يصلي فرداً. أما الجندي إذا لم يكن حارساً على شيء ولا مريضاً فإنه عليه مثل ما على الناس، فعليه أن يصلي الجمعة والجماعة، فهذا الإطلاق ليس له وجه، الجندي مثل غيره، إلا إذا كان هناك عذر شرعي من مرض أو خوف إذا خرج إلى الجمعة والجماعة أو كان حارساً على شيء يُخشى عليه، كأن يكون حارساً على باب السجن، أو على أموال يحرسها يخشى عليها، أو ما أشبه ذلك من عذر" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (2/988) . [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز فتاوى نور على الدرب الحديث: 131990 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1897 خطيب الجمعة يأمرهم بما يخالف الشرع فهل هذا مسوِّغ لترك الجمعة بالكلية؟ [السُّؤَالُ] ـ[في الفترة الأخيرة صار حضور صلاة الجمعة في مسجدي - وفي مساجد أخرى من منطقتي - بالأمر الصعب على نفسي، فقد صرت لا أود أن أشهد صلاة الجمعة فيها؛ فلقد طلب منا الأئمة الابتهال، والدعاء، والصلاة، من أجل " الولايات المتحدة الأمريكية "، وإبداء الرفض للمجاهدين، حتى إنه طُلب منَّا احترام أعياد الكافرين! وأعرف أن صلاة الجمعة فرض، ولكن ما جدواها إن لم يقع منها النفع؟ وليرض عنك ربك، والسلام عليكم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صلاة الجمعة من الواجبات العينية والفروض المؤكدة على الرجال، وهي من شعائر الإسلام الظاهرة، وهي عيد المسلمين الأسبوعي المتكرر، وقد أمرنا الله بالسعي إلى المساجد يوم الجمعة حين يُنادى لها؛ لشهود الخطبة، والصلاة، وحرم البيع بعد سماع النداء حتى تؤدى الصلاة، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) الجمعة/ 9، 10. وقد جاء الوعيد الشديد في ترك صلاة الجمعة مع غير عذر، وقد ذكرنا ذلك في جوابي السؤالين: (7699) و (39054) . وخطأ الإمام أو بدعته وفسقه ليس مسوِّغاً لترك الجمعة. والمشروع للمسلم أن يبحث عن خطيب حسن على منهج أهل السنة والجماعة، فيصلي خلفه، فإن لم يجد فإنه يصلي خلف الخطيب الموجود، ولو كان فاسقاً، أو مبتدعاً. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ولو علم المأموم أن الإمام مبتدع يدعو إلى بدعته أو فاسق ظاهر الفسق، وهو الإمام الراتب الذي لا تمكن الصلاة إلا خلفه كإمام الجمعة والعيدين والإمام في صلاة الحج بعرفة ونحو ذلك، فإن المأموم يصلي خلفه عند عامة السلف والخلف، وهو مذهب أحمد والشافعي وأبي حنيفة وغيرهم. ولهذا قالوا في العقائد: "إنه يصلي الجمعة والعيد خلف كل إمام براً كان أو فاجراً". وكذلك إذا لم يكن في القرية إلا إمام واحد فإنها تصلى خلفه الجماعات، فإن الصلاة في جماعة خير من صلاة الرجل وحده وإن كان الإمام فاسقاً، هذا مذهب جماهير العلماء: أحمد بن حنبل والشافعي وغيرهما، بل الجماعة واجبة على الأعيان في ظاهر مذهب أحمد. ومن ترك الجمعة والجماعة خلف الإمام الفاجر فهو مبتدع عند الإمام أحمد وغيره من أئمة السنة. والصحيح: أنه يصليها ولا يعيدها، فإن الصحابة كانوا يصلون الجمعة والجماعة خلف الأئمة الفجار ولا يعيدون، كما كان ابن عمر يصلي خلف الحجاج ... والفاسق والمبتدع صلاته في نفسه صحيحة، فإذا صلى المأموم خلفه لم تبطل صلاته، لكن إنما كره من كره الصلاة خلفه لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب، ومن ذلك: أن من أظهر بدعة أو فجوراً لا يرتب إماماً للمسلمين، فإنه يستحق التعزير حتى يتوب، فإذا أمكن هجره حتى يتوب كان حسناً، وإذا كان بعض الناس إذا ترك الصلاة خلفه وصلى خلف غيره أَثَّر ذلك حتى يتوب أو يعزل أو ينتهي الناس عن مثل ذنبه فمثل هذا إذا ترك الصلاة خلفه كان فيه مصلحة ولم يفت المأموم جمعة ولا جماعة، وأما إذا كان ترك الصلاة يفوت المأموم الجمعة والجماعة فهنا لا يترك الصلاة خلفهم إلا مبتدع مخالف للصحابة رضي الله عنهم. وكذلك إذا كان الإمام قد رتبه ولاة الأمور ولم يكن في ترك الصلاة خلفه مصلحة فهنا ليس عليه ترك الصلاة خلفه، بل الصلاة خلف الإمام الأفضل أفضل، وهذا كله يكون فيمن ظهر منه فسق أو بدعة تظهر مخالفتها للكتاب والسنة" انتهى باختصار. "مجموع الفتاوى" (23/352 – 355) . فعلى هذا، عليك أن تصلي الجمعة والجماعة مع هذا الإمام إن لم يوجد غيره، وعليك أيضاً أن تقوم بنصيحته برفق ولين، وتبين له الصواب، لعله يرجع عن خطئه ويهديه الله. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128817 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1898 يتأخر عن الجماعة خشية أن يؤم المصلين [السُّؤَالُ] ـ[أنا شاب ملتزم وأحب الصلاة، لكني في بعض الأحيان أذهب إلى المسجد متأخرا؛ لأني أخاف أن أؤم المصلين، إذا جئت أصلي بهم يكون عندي بعض الخوف، وخاصة في الصلوات الجهرية، فهل علي إثم إذا لم أصلِّ بهم، وإذا تأخرت عن الصلاة، وهل هناك طرق علاجية لإزالة الخوف مني لكي أتمكن من الصلاة بهم، برغم أني إذا صليت وحدي لا أخاف؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المبادرة إلى الجماعة، والتبكير في الذهاب إلى المساجد من فضائل الأعمال التي يغفل عنها ويقصر فيها كثير من الناس، والمؤمن حين يذوق طعم الإيمان، ويستشعر لذة العبادة، لا يكاد يصبر حتى يسمع النداء ليذهب إلى المسجد، بل تجده مسارعا مسابقا، لا يدخل وقت الصلاة إلا وقد اشتاق إليها، ويصدق عليه وصف النبي صلى الله عليه وسلم لأحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وهو الرجل المعلق قلبه في المساجد. ولا شك أن التبكير إلى صلاة الجماعة والحرصَ على إدراكِ تكبيرتها الأولى دليلٌ على تعظيم هذه الشعيرة، وحبها، والرغبة فيها، وهو دليل أيضا على صلاح العبد ودينه وتقواه. قال سفيان الثوري: " مجيئك إلى الصلاة قبل الإقامة توقير للصلاة " انتهى. "فتح الباري" لابن رجب (3/533) وقال إبراهيم التيمي: " إذا رأيت الرجل يتهاون في التكبيرة الأولى فاغسل يدك منه " انتهى. "سير أعلام النبلاء" (5/84) وكان وكيع بن الجراح يقول: " من لم يدرك التكبيرة الأولى فلا ترجُ خيره " انتهى. رواه البيهقي في "شعب الإيمان" (3/74) . بل كان بعض السلف يعدون الذهاب إلى المسجد بعد الأذان تقصيرا، وأن الفضل هو في الذهاب قبل النداء. قال سفيان بن عيينة: " لا تكن مثل عبد السوء، لا يأتي حتى يُدعَى، ايت الصلاة قبل النداء " انتهى. التبصرة لابن الجوزي (131) ونحن نذكر أنفسنا وإياك هنا ببعض فضائل التبكير إلى صلاة الجماعة والمبادرة إليها: أولا: روى ابن المنذر – كما في "الدر المنثور" (2/314) - عن أنس بن مالك رضي الله عنه في تفسير قول الله سبحانه وتعالى: (سَابِقُوا إلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) الحديد/21، أنها التكبيرة الأولى. وذكره بعض المفسرين عن مكحول وسعيد بن جبير من التابعين. ثانيا: روى عبد الرزاق في "المصنف" (1/528) من طريقٍ صحيحٍ عن أنس رضي الله عنه قال: (من لم تفته الركعة الأولى من الصلاة أربعين يوما كتبت له براءتان: براءة من النار، وبراءة من النفاق) . وجاء عن مِيثم، رجلٍ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بلغني أن الملَك يغدو برايته مع أول من يغدو إلى المسجد، فلا يزال بها معه حتى يرجع يدخل بها منزله) . رواه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (5/183) وصححه ابن حجر في "الإصابة" (6/148) والألباني في "صحيح الترغيب" (1/242) . ثالثا: وفي التبكير إلى صلاة الجماعة تحصيل أجر انتظار الصلاة، والمكث في المسجد، ودعاء الملائكة، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ كَانَ فِي صَلاَةٍ مَا كَانَتْ تَحْبِسُهُ، وَتُصَلِّي - يَعْنِي عَلَيْهِ الْمَلاَئِكَةُ - مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ) رواه البخاري (477) ومسلم (649) كما فيه تحصيل فضيلة الصلاة في الصف الأول، وفضيلة إدراك التأمين مع الإمام، فقد جاء في الحديث الصحيح: (إِذَا أَمَّنَ الإِمَامُ فَأَمِّنُوا، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) رواه البخاري (780) ومسلم (410) . ومن بكَّر في حضور الجماعة أمكنه الاستفادة من الوقت بين الأذان والإقامة بصلاة السنة الراتبة أو تحية المسجد، وشغل الوقت بالدعاء بخيري الدنيا والآخرة، فإن ما بين الأذان والإقامة من مواطن إجابة الدعاء. رابعا: وفي هدي السلف الصالح من النماذج التي تبعث الهمة في القلب، وتبث العزيمة في النفس، وتدعو كل مقصِّرٍ ومفرِّطٍ إلى الحياء من رب العالمين، حيث يتسابق إليه العباد والزهاد، وهو في غفلته ساه عن الأجر والمغنم. يروي ابن شاهين في كتابه "الترغيب في فضائل الأعمال وثواب ذلك" (رقم/107) عن الحسن عن أنس رضي الله عنه قال: (اجتمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيهم حذيفة، قال رجل منهم: ما يسرني أني فاتتني التكبيرة الأولى مع الإمام وأن لي خمسين من الغنم. وقال الآخر: ما يسرني أنها فاتتني مع الإمام وأن لي مائة من الغنم. وقال الآخر: ما يسرني أنها فاتتني مع الإمام وأن لي ما طلعت عليه الشمس. وقال الآخر: ما يسرني أنها فاتتني مع الإمام وأني صليت من العشاء الآخرة إلى الفجر) . وعن أبي حرملة عن ابن المسيب قال: " ما فاتتني التكبيرة الأولى منذ خمسين، وما نظرت في قفا رجل في الصلاة منذ خمسين سنة " انتهى. السير (4/30) . يعني أنه كان يصلي في الصف الأول. خامسا: ويخشى على من يعتاد التأخر عن صلاة الجماعة، وإهمال فضل التكبيرة الأولى أن يؤخره اله عن الأجر والفضل والخير، حيث يرضى لنفسه التأخر، فيكون جزاؤه من جنس عمله. وقد قال بعض العلماء في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم: (تَقَدَّمُوا فَأْتَمُّوا بِي وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ، لا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمْ اللَّه) رواه مسلم (438) أن المقصود هو من يتأخر عن الصف الأول والتكبيرة الأولى. وانظر جواب السؤال رقم (34852) سادسا: وأظنك أخي السائل قد أدركت – بعد كل ما سبق – خطأ ما ترتكبه من تعمد التأخر عن الجماعة، وأن الخوف الذي يدفعك لذلك هو من وحي الشيطان، يريد حرمانك من الأجر والفضل. ونحن ندرك أن موقف الإمامة موقف فيه من الهيبة والرهبة الشيء العظيم، إلا أن ذلك لا ينبغي أن يدفعك إلى التقصير فيه، فإذا دخلت المسجد، وكنت أحق من يؤم الموجودين، فتقدم ولا تتأخر، فإن الإثم يلحقك إذا تقدَّمَ الناسَ من لا يُتقن قراءة الفاتحة ولا يحسن إقامة أركان الصلاة. ونطمئنك بأن الخوف الذي تشعر به عند الإمامة هو شعور عارض، سرعان ما يذهب عنك مع اعتياد الإمامة، فعليك أن تتحمل المشقة في بداية الطريق، ثم سيفتح الله لك باب الخير جزاء صبرك وتحملك. ويمكنك الاستعانة ببعض ما يهون شعور الخوف الذي يصيبك، فاحرص على الأمور الآتية: 1- التحضير الجيد في مراجعة الآيات التي تريد قراءتها في الصلاة، فإن ذلك يكسبك من الثقة والقوة ما يدفع عنك الخوف والرهبة. 2- اعتياد الصلاة في البيت بصوت مرتفع، في قيام الليل وصلاة النافلة الليلية، ففي ذلك تعويد للنفس على موقف الإمامة والقراءة. 3- إمامة الناس في الصلوات السرية، فإن اعتياد الوقوف في مكان الإمام يخفف من رهبة تقدم الناس في الجهرية. 4- اسْعَ في إقناع النفس بسهولة الأمر، وكيف أن بعض صبيان الصحابة كان يتقدم الناس في مسجد قومه، وأن الأمر لا يعدو قراءة يسيرة سهلة مع خشوع واطمئنان وخضوع لله رب العالمين. 5- ولا تنس سؤال الله تعالى التوفيق إلى الخير، وتسهيل البر والعمل الصالح. ونسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والفوز بالنعيم المقيم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 101766 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1899 ترك صلاة الجماعة بسبب المرض [السُّؤَالُ] ـ[أصيب قريب لي بمرض أقعده على الفراش.. فهل يجوز له أن يصلي في البيت؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نسأل الله أن يمن على مرضى المسلمين بالأجر والعافية.. ولاشك أن من أصيب بمرض فصبر كفر الله عنه خطاياه ورفع بها درجاته؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " مَا مِنْ شَيْءٍ يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ حَتَّى الشَّوْكَةِ تُصِيبُهُ إِلا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا حَسَنَةً أَوْ حُطَّتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ " رواه مسلم 2572 ثانياً: يُعذر المريض بترك صلاة الجمعة والجماعة، والمراد به: المَرض الذي يَلحق المريضَ منه مشقَّة لو ذَهَبَ يصلِّي في المسجد؛ ولذلك للأدلة التالية: 1 - قول الله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} التغابن / 16. 2 – وقوله: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} البقرة / 286. 3 - وقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} الفتح / 17. 4 - وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أمرتُكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم» متفق عليه. 5 - وأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم: «لما مَرِضَ تخلَّف عن الجماعةِ» مع أن بيته كان إلى جَنْبِ المسجد. 6 - وقولُ ابن مسعود: «لقد رَأيتُنا وما يتخلَّفُ عن الصَّلاةِ إلا منافقٌ قد عُلِمَ نفاقُهُ أو مريضٌ ... » رواه مسلم (654) . فكلُّ هذه الأدلَّةِ تدلُّ على أنَّ المريضَ يسقطُ عنه وجوبُ الجُمعةِ والجَماعةِ. انظر الشرح الممتع (4 / 438) قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -: " الواجب على المسلمين من الرجال أن يصلوا في المساجد وأن يكثروا سواد المسلمين، وأن يخرجوا إلى المسجد وألا يتشبهوا بالمنافقين، يقول ابن مسعود رضي الله عنه: " ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها - يعني الصلاة - إلا منافق معلوم النفاق ". وقد هم النبي صلى الله عليه وسلم أن يحرق على من تخلف عن الصلاة بيته بالنار. فالواجب عليك وعلى كل مسلم قادر أن يصلي في المسجد وليس له أن يصلي في بيته إلا من عذر شرعي كالمرض والخوف. وفق الله الجميع لهدايته." انتهى مجموع فتاوى ج 12. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 13406 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1900 صلاة المرأة في بيتها خير من صلاتها في المسجد [السُّؤَالُ] ـ[أنا شاب متزوج وامرأتي حاليا متواجدة بدولة غير التي أنا فيها لزيارة أهلها وقد سمعت هي حلقة عن فضل صلاة الجماعة وخاصة صلاة الفجر وهى تريد أن تأخذ أجر جماعة الفجر ولا يصح أن تذهب إلى هناك بسبب الوقت المتأخر وبعد المسافة التي تصل إلى حوالي ساعتين فهل إن صلت في البيت لها نفس أجر الجماعة؟ وهل علي وزر إن صليت لها الفجر بعد أن أصليه لنفسي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد، فعن أم حميد امرأة أبي حميد الساعدي رضي الله عنهما: (أنها جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني أحب الصلاة معك قال: قد علمت أنك تحبين الصلاة معي، وصلاتك في بيتك خير لك من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير لك من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير لك من صلاتك في مسجدي، قال: فأمرت فبني لها مسجد في أقصى شيء من بيتها وأظلمه فكانت تصلي فيه حتى لقيت الله عز وجل) . رواه أحمد (26550) . وصححه ابن خزيمة في " صحيحه " (3 / 95) وابن حبان (5 / 595) ، والألباني في " صحيح الترغيب والترهيب " (1 / 135) . وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها، وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها) رواه أبو داود (570) والترمذي (1173) . وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الترغيب والترهيب " (1 / 136) . (في بيتها) هو الحجرة التي تكون فيها المرأة. (حجرتها) المراد بها صحن الدار التي تكون أبواب الغرف إليها، ويشبه ما يسميها الناس الآن بـ (الصالة) . (مخدعها) هو كالحجرة الصغيرة داخل الحجرة الكبيرة، تحفظ فيه الأمتعة النفيسة. وانظر: "عون المعبود". وعليه فأخبر أهلك بهذا الفضل والخير، وأنها تنال بصلاتها في البيت أجرا فوق صلاتها في المسجد، ولله الحمد والمنة. ثانيا: صلاتك عن زوجتك لا تصح، ولا تجزئ عن صلاتها؛ إذ لا يصلي أحد عن أحد، لا حيا ولا ميتا، عند جماهير العلماء، وحكاه بعضهم إجماعا. انظر: "فتح الباري" (11/584) . وجاء في "الموسوعة الفقهية" (2/334) : " أما العبادات البدنية المحضة كالصلاة والصوم فلا تجوز فيها النيابة حال الحياة باتفاق " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 90071 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1901 صلاة الجماعة واجبة على المقيم والمسافر [السُّؤَالُ] ـ[نحن جماعة نعمل في مكان بعيد عن منازلنا وأهلينا، وفي مكان خالٍ من السكان والمرافق والمساجد , والمدة التي نقضيها في العمل تساوي المدة التي نقضيها في بيوتنا , أي أننا نعمل 28 يوماً مقابل 28 يوماً كعطلة، ويتم هذا طوال السنة، كما أننا نعمل 12 ساعة يوميّاً. ماذا عن إقامة صلاة الجماعة في هذا المكان وعن وجوبها أم عدم وجوبها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صلاة الجماعة واجبة على المسافر والمقيم. وسبق في إجابة السؤال رقم (120 و 8918) ذكر الأدلة على وجوبها. فيجب عليكم إقامتها، فيؤذن لكم أحدكم ثم تصلونها جماعة. روى البخاري (628) عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ رضي الله عنه قال: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِي، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَانَ رَحِيمًا رَفِيقًا، فَلَمَّا رَأَى شَوْقَنَا إِلَى أَهَالِينَا، قَالَ: (ارْجِعُوا فَكُونُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي، فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ) . وروى أبو داود (547) عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَا مِنْ ثَلاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلا بَدْوٍ لا تُقَامُ فِيهِمْ الصَّلَاةُ إِلا قَدْ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ، فَعَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ، فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ) . قَالَ السَّائِبُ (أحد رواة الحديث) : يَعْنِي بِالْجَمَاعَةِ الصَّلَاةَ فِي الْجَمَاعَةِ. حسنه الألباني في صحيح أبي داود. قال في "عون المعبود": (إِلا قَدْ اِسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ) : أَيْ غَلَبَهُمْ. (يَأْكُل الذِّئْب الْقَاصِيَة) : أَيْ الشَّاة الْبَعِيدَة عَنْ الْأَغْنَام لِبُعْدِهَا عَنْ رَاعِيهَا. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن مجموعة مسافرة للمشاركة في مؤتمر هل تلزمهم الصلاة في المساجد أم لا؟ فأجاب: " الأصل أن الجماعة تلزمكم في المساجد مع الناس إذا كنتم في مكان تسمعون فيه النداء بدون مكبر لقربكم من المسجد , فإن كنتم في مكان بعيد لا تسمعون فيه النداء لولا مكبر الصوت فصلوا جماعة في أماكنكم , وكذلك إذا كان في ذهابكم إلى المسجد إخلال بمهمتكم التي قدمتم من أجلها فصلوا جماعة في أماكنكم" اهـ. فتاوى الشيخ ابن عثيمين: (15/381) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 21498 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1902 إمامهم يترك صلاة المغرب في المسجد ليفطر في بيته! [السُّؤَالُ] ـ[نحن في منطقه لا يصلي فيها الإمام صلاه المغرب؛ وذلك لأنه يذهب للإفطار، فما الحكم هل نأثم؟ أم نصليها في البيت وتحسب جماعة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يجب على المسلم أن يتقي الله تعالى ويؤدي الصلوات الخمس جماعة في المسجد، إلا إذا كان معذوراً بنوم أو مرض أو نحو ذلك. انظر السؤال رقم (8918) . وبخاصة صلاة المغرب في رمضان حيث يكثر التفريط فيها من عامة المصلين، ويجب على الإمام أن يكون على رأس المصلين في هذه الصلاة لسبب آخر غير وجوب الجماعة عليه، وهو أداء الأمانة التي أوكلت له، أو الوظيفة التي ائتمن عليها. وإذا كان هذا الإمام مفرطا في صلاة المغرب جماعة في المسجد، فإن هذا لا يعني أنكم تأثمون أو يجوز لكم أن تصلوا في البيت، بل يجب عليكم أداءها جماعة في المسجد، ولو لم يحضر الإمام، فإن كل إنسان يحاسب على عمله، فإن أساء هو فعليكم أن تحسنوا أنتم وتتجنبوا إساءته، محافظة على هذه الشعيرة التي هي من أركان الإسلام. وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ، فَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَنَ الْهُدَى، وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ إِلا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً، وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً، وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ. رواه مسلم (654) . وقال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: فلا أرخّص لمن قدر على صلاة الجماعة في ترك إتيانها إلا من عذر. " الأم " (1/277) وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: ومن تأمل السنَّة حق التأمل تبين له أن فعلها في المساجد فرض على الأعيان إلا لعارض يجوز معه ترك الجمعة والجماعة فترك حضور المسجد لغير عذر كترك أصل الجماعة لغير عذر , وبهذا تتفق جميع الأحاديث والآثار. ثم قال ابن القيم: فالذي ندين الله به أنه لا يجوز لأحد التخلف عن الجماعة في المسجد إلا من عذر. " كتاب الصلاة " (ص 166) . ثانياً: وقد كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل هدي؛ حيث كان يفطر على رطب، فإن لم يجد فعلى تمر، فإن لم يجد شرب الماء ثم قام ليصلي المغرب. فعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفْطِرُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى رُطَبَاتٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ فَتُمَيْرَاتٌ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تُمَيْرَاتٌ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ) رواه الترمذي (632) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ". فما يفعله هذا الإمام مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، فعليكم بمناصحته لعله يرجع إلى الصواب. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 78578 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1903 كيف تنصح مقصراً في الصلاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[كيف لي أن أدعو أحداً إلى الصلاة، مع أنه يعرف أنها واجبة، ولكنه يتركها أحياناً؟ وأريد أن تعطيني بعض الجمل البسيطة والمتعلقة في هذا السؤال، وبعض الجمل التي فيها ترهيب وترغيب.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يمكنك تذكير هذا الشخص ونصحه من خلال بيان حكم ترك الصلاة، وحكم ترك الصلاة جماعة في المسجد، وبيان حال السلف مع الصلاة. أما حكم ترك الصلاة: فقد سبق في عدة أجوبة أن تاركها كافرٌ خارج من الإسلام، وأنه لا يُقبل منه عمل يوم القيامة، وأنه يجب فسخ عقد نكاحه مع زوجته إن كانت مصلية، كما أنه يجب أن يعلم هذا التارك أنه لا تؤكل ذبيحته، ولا يغسَّل ولا يصلَّى عليه ولا يُدفن في مقابر المسلمين. عن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رؤياه التي رآها فقال: " إنه أتاني الليلة آتيان وإنهما قالا لي انطلق وإني انطلقت معهما، وإنا أتينا على رجل مضطجع وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه فيتهدهد الحجر هاهنا فيتبع الحجر ويأخذه فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان ثم يعود عليه يفعل به مثل ما فعل المرة الأولى، قال: قلت لهما: سبحان الله! ما هذا؟ قال: قالا لي: انطلق، قال: فانطلقنا ... وفي آخر الحديث قال صلى الله عليه وسلم: " قالا لي: أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة ". رواه البخاري (6640) . قال محمد بن نصر المروزي: سمعت إسحاق – أي: ابن راهويه - يقول: صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أن تارك الصلاة كافر، وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم أن تارك الصلاة عمداً من غير عذرٍ حتى يذهب وقتها كافر، وذهاب الوقت أن يؤخر الظهر إلى غروب الشمس والمغرب إلى طلوع الفجر. " تعظيم قدر الصلاة " (2 / 929) . وانظر في حكم تارك الصلاة: أجوبة الأسئلة: (7864) و (5208) و (2182) . وأما صلاة الجماعة في المسجد: فكما أن الصلاة فرقٌ بين المسلم والكافر فإن الصلاة في جماعة علامة بين المؤمن والمنافق، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يعدُّون المتخلف عن صلاة الجماعة منافقاً معلوم النفاق. سئل الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله -: أنا شاب غير متزوج أؤدي الصلاة لكن بصفة غير مستمرة أي ليس كل وقت بوقته، وأحيانًا تفوتني صلاة يوم كامل وأؤديها كلها سويًّا، فما هو حكم الشرع في ذلك؟ . فأجاب: يجب على المسلم المحافظة على أداء الصلاة في أوقاتها مع جماعة المسلمين، ولا يجوز إخراج الصلاة عن وقتها، قال تعالى: {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} [النساء / 103] أي: مفروضة في أوقات معينة تؤدى فيها، وفي الأثر: " إن لله عملاً بالليل لا يقبله بالنهار، وعملاً بالنهار لا يقبله بالليل "، وإخراج الصلاة عن وقتها إضاعة لها، قال تعالى: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا. إِلا مَن تَابَ} [مريم / 59، 60] والجمع بين الصلاتين لا يجوز، إلا لعذر شرعي في وقت إحداهما، كالظهر مع العصر والمغرب مع العشاء، أما جمع الصلوات ليوم كامل فهذا لا يجوز ولا تصح الصلاة بهذه الكيفية. " المنتقى من فتاوى الفوازن " (5 / 56، 57) . وتجد أدلة وجوب صلاة الجماعة في أجوبة الأسئلة: (120) و (8918) . وأما حال السلف مع صلاة الجماعة في المسجد: فحال عظيم يدل على مدى اهتمامهم بها، وحرصهم على أدائهم حتى مع كونهم معذورين في أدائها. قال وكيع بن الجراح عن الأعمش سليمان بن مهران: كان الأعمش قريباً من سبعين سنة لم تفته التكبيرة الأولى. وقال محمد بن المبارك الصوري: كان سعيد بن عبد العزيز التنوخي إذا فاتته صلاة الجماعة بكى. وروي عن محمد بن خفيف أنه كان به وجع الخاصرة فكان إذا أصابه أقعده عن الحركة فكان إذا نودي بالصلاة يُحمل على ظهر رجل، فقيل له: لو خففت على نفسك؟ قال: إذا سمعتم " حي على الصلاة " ولم تروني في الصف فاطلبوني في المقبرة. وسمع عامر بن عبد الله بن الزبير المؤذن وهو يجود بنفسه فقال: خذوا بيدي، فقيل: إنك عليل، قال: أسمع داعي الله فلا أجيبه؟ فأخذوا بيده فدخل مع الإمام في المغرب فركع ركعة ثم مات. وانظر لمزيد فائدة: جواب السؤال رقم: (47123) فهو مهم. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50591 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1904 الصلاة في حجر إسماعيل [السُّؤَالُ] ـ[هل تجوز الصلاة في حجر إسماعيل وما فضلها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: تقدم بيان خطأ تسمية الحجر بحجر إسماعيل، لأن هذا الحجر إنما صار حجرا بعد إسماعيل عليه السلام بزمن بعيد، وأن الصواب أن يقال: الحجر فقط، دون أن ينسب لأحد، وينظر: سؤال رقم (22004) . ثانيا: الحِجر جزء من الكعبة، فمن صلى فيه فقد صلى في الكعبة، والصلاة في الكعبة تجوز في النفل فقط، كما فعل صلى الله عليه وسلم، فقد روى البخاري (505) ومسلم (1329) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَبِلَالٌ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ الْحَجَبِيُّ فَأَغْلَقَهَا عَلَيْهِ وَمَكَثَ فِيهَا فَسَأَلْتُ بِلَالًا حِينَ خَرَجَ مَا صَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ جَعَلَ عَمُودًا عَنْ يَسَارِهِ وَعَمُودًا عَنْ يَمِينِهِ وَثَلَاثَةَ أَعْمِدَةٍ وَرَاءَهُ وَكَانَ الْبَيْتُ يَوْمَئِذٍ عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ ثُمَّ صَلَّى. وروى أبو داود (2028) والترمذي (876) والنسائي (2912) عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَدْخُلَ الْبَيْتَ فَأُصَلِّيَ فِيهِ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي فَأَدْخَلَنِي فِي الْحِجْرِ فَقَالَ: (صَلِّي فِي الْحِجْرِ إِذَا أَرَدْتِ دُخُولَ الْبَيْتِ فَإِنَّمَا هُوَ قَطْعَةٌ مِنْ الْبَيْتِ فَإِنَّ قَوْمَكِ اقْتَصَرُوا حِينَ بَنَوْا الْكَعْبَةَ فَأَخْرَجُوهُ مِنْ الْبَيْتِ) . قال ابن قدامة رحمه الله: ": ولا تصح الفريضة في الكعبة , ولا على ظهرها. وجوزه الشافعي وأبو حنيفة ; لأنه مسجد , ولأنه محل لصلاة النفل , فكان محلا للفرض , كخارجها. ولنا: قول الله تعالى (وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) والمصلي فيها أو على ظهرها غير مستقبل لجهتها , والنافلة مبناها على التخفيف والمسامحة , بدليل صلاتها قاعدا , وإلى غير القبلة , في السفر على الراحلة ". ثم قال: " وتصح النافلة في الكعبة وعلى ظهرها. لا نعلم فيه خلافا ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في البيت ركعتين " انتهى من "المغني" (1/ 406) . وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: " نشاهد بعض الناس يتزاحمون من أجل الصلاة في حجر إسماعيل، فما حكم الصلاة فيه، وهل له مزية؟ فأجاب: الصلاة في حجر إسماعيل مستحبة ; لأنه من البيت، وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أنه دخل الكعبة عام الفتح وصلى فيها ركعتين» متفق على صحته من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - عن بلال - رضي الله عنه -. وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه «قال لعائشة - رضي الله عنها - لما أرادت دخول الكعبة: صلي في الحجر فإنه من البيت» . أما الفريضة فالأحوط عدم أدائها في الكعبة أو في الحجر، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يفعل ذلك، ولأن بعض أهل العلم قالوا: إنها لا تصح في الكعبة ولا في الحجر؛ لأنه من البيت. وبذلك يعلم: أن المشروع أداء الفريضة خارج الكعبة، وخارج الحجر، تأسيا بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، وخروجا من خلاف العلماء القائلين بعدم صحتها في الكعبة ولا في الحجر، والله ولي التوفيق " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (11/ 389) . والحاصل أن الصلاة في الحجر مستحبة، ويقتصر فيها على النافلة. والله أعلم. التصنيفات: [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 142783 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1905 هل يستحب قلب الشماغ بعد دعاء الاستسقاء كما يستحب قلب الرداء؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم قلب " الشماغ " لمن لم يكن يلبس رداء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: تحويل الرداء في الاستسقاء سنة من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، عقد لها الإمام البخاري في صحيحه بابا قال فيه: باب تحويل الرداء في الاستسقاء، وأورد تحته حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى فَاسْتَسْقَى، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَقَلَبَ رِدَاءَهُ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ. (رقم/1012) وأخذ بهذه السنة جمهور الفقهاء والعلماء، خلافا لأبي حنيفة رحمه الله. قال ابن قدامة رحمه الله: " يستحب تحويل الرداء للإمام والمأموم , في قول أكثر أهل العلم. وقال أبو حنيفة: لا يسن ; لأنه دعاء , فلا يستحب تحويل الرداء فيه، كسائر الأدعية. وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع. وحكي عن سعيد بن المسيب , وعروة , والثوري , أن تحويل الرداء مختص بالإمام دون المأموم. وهو قول الليث , وأبي يوسف , ومحمد بن الحسن , لأنه نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم دون أصحابه. ولنا أن ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم ثبت في حق غيره , ما لم يقم على اختصاصه به دليل , كيف وقد عُقِل المعنى في ذلك , وهو التفاؤل بقلب الرداء , ليقلب الله ما بهم من الجدب إلى الخصب , وقد جاء ذلك في بعض الحديث." انتهى. " المغني " (2/151) ثانيا: اختلف العلماء المعاصرون فيمن يرتدي ملحفة، أو غطاء يضعه على رأسه، كالشماغ أو الغترة المعروفة اليوم، هل يشمله استحباب قلبه وتحويله عند الاستسقاء، على قولين: القول الأول: يستحب قلب " الشماغ " كما يستحب قلب الرداء. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " والسنة أن يحول الرداء في أثناء الخطبة عندما يستقبل القبلة، يحول رداءه، فيجعل الأيمن على الأيسر إذا كان رداءً أو " بشتًا " – أي عباءة -، إن كان بشتًا يقلبه، وإن كان ما عليه شيء سوى غترة يقلبها، قال العلماء: تفاؤلا بأن الله يحول القحط إلى الخصب، يحول الشدة إلى الرخاء؛ لأنه جاء في حديث مرسل عن محمد بن علي الباقر، أن النبي صلى الله عليه وسلم حول رداءه ليتحول القحط - يعني تفاؤلا -، وثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم حول رداءه لما صلَّى بهم صلاة الاستسقاء، فالسنة للمسلمين كذلك" انتهى. نقلا من موقعه رحمه الله على هذا الرابط: http://www.binbaz.org.sa/mat/16512 وسئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله السؤال الآتي: عند الفراغ من صلاة الاستسقاء هل يقلب المأمومون أرديتهم أم الإمام فقط، وإذا كان ليس عليّ رداء فهل أقلب الشماغ؟ فأجاب: نعم كلٌّ يقلب الإمام والمأمومون، والذي ليس عليه رداء وليس عليه عباءة: يقلب عمامته الشماغ، يقلبها، والقلب يقولون إنه إشارة إلى تحول الحال؛ إلى تحول حالهم من العسر إلى اليسر؛ يعني تفاؤلا بذلك " انتهى. نقلا ن موقعه على الرابط الآتي: http://ibn-jebreen.com/book.php?cat=8&book;=224&page;=7718 القول الثاني: لا يشمله الحكم، ولا يستحب قلبه، لاختلاف الشماغ عن الرداء الذي حوَّله النبي صلى الله عليه وسلم، فالأقرب أن الشماغ له حكم العمامة، وليس حكم الرداء، ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قلب عمامته، وإنما رداءه فقط. وهذا قياس ما نص عليه فقهاء المالكية في كتبهم: يقول الخرشي المالكي رحمه الله: " ولا تحول البرانس ولا الغفائر، أي: ما لم تلبس كالرداء " انتهى. " شرح مختصر خليل " (2/112) ، وفي حاشية العدوي عليه: الغفائر: هي شيء يجعل من الجوخ على شكل البرنس. ويقول النفراوي المالكي رحمه الله: " قولنا بأرديتهم: للاحتراز عن البرانس فلا تحول " انتهى. " الفواكه الدواني " (1/281) ، وانظر من كتب المالكية: " بلغة السالك " (1/539) ، " حاشية الدسوقي " (1/406) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله السؤال الآتي: ما هو الضابط في قلب الرداء بعد صلاة الاستسقاء، هل يكون الشماغ بديلاً للرداء؟ فأجاب بقوله: لا ليس بديلاً له، وربما الفروة أو المشلح نعم؛ لأن الشماغ أقرب ما يكون للعمامة، فلا يدخل في الحديث. " مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين " (16/صلاة الاستسقاء/) وجاء في " فتاوى نور على الدرب " (فتاوى الصلاة/صلاة الاستسقاء) : " يقلب الرداء في أثناء الخطبة، يتحول الإمام إلى جهة القبلة، ثم يقلب رداءه، يجعل الأيمن الأيسر، والأيسر الأيمن، وأما الشماغ فالظاهر أنه لا يقلب؛ لأن الشماغ بمنزلة العمامة، والذي ورد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو قلب الرداء " انتهى. ويقول أيضا رحمه الله: " الشماغ ليس بديلاً للرداء، والفروة مثل الرداء؛ لأنها على البدن، والمشلح أيضاً، لكن الغترة لا، الغترة أشبه في عهد الرسول بالعمامة فلا تدخل في الحديث " انتهى. " لقاءات الباب المفتوح " (لقاء رقم/193، سؤال رقم/9) . وظاهر ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، يرجح القول الثاني: وهو أن القلب مختص بالرداء ونحوه، مما يلبس على هيئته؛ وأما الشماغ ونحوه، مما يوضع على الرأس: فالأظهر أنه لا يقلب. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127266 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1906 حكم خطبة صلاة الكسوف وصفتها [السُّؤَالُ] ـ[هل لا بد من خطبة الخسوف، وهل تكون طويلة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب بعد صلاة الكسوف، فقد روى البخاري (1044) ومسلم (901) عن عَائِشَةَ رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم انْصَرَفَ وَقَدْ انْجَلَتْ الشَّمْسُ، فَخَطَبَ النَّاسَ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: (إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَادْعُوا اللَّهَ، وَكَبِّرُوا، وَصَلُّوا، وَتَصَدَّقُوا، ثُمَّ قَالَ: يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللَّهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ، يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا، وَلبَكَيْتُمْ كَثِيرًا) . ولهذا ذهب جمهور السلف إلى استحباب الخطبة بعد صلاة الكسوف، وهو مذهب الإمام الشافعي وأحد القولين للإمام أحمد. قال النووي رحمه الله في " المجموع " (5/59) عن القول باستحباب الخطبة بعد الصلاة: "وبه قال جمهور السلف، ونقله ابن المنذر عن الجمهور" انتهى. وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " تسن الخطبة بعد صلاة الكسوف ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك , وقد قال الله عز وجل: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من رغب عن سنتي فليس مني) ، ولما في ذلك من المصلحة العامة للمسلمين , وتفقيههم في الدين, وتحذيرهم من أسباب غضب الله وعقابه، ويكفي أن يفعل ذلك وهو في المصلى بعد الفراغ من الصلاة " انتهى. " مجموع فتاوى ابن باز " (13/44) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن استحباب الخطبة بعد صلاة الكسوف: "وهو الصحيح، وذلك لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما انتهى من صلاة الكسوف قام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، ثم وعظ الناس. وهذه الصفات صفات الخطبة. وقولهم: إن هذه موعظة؛ لأنها عارضة. نقول: نعم، لو وقع الكسوف في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم مرة أخرى ولم يخطب لقلنا: إنها ليست بسنة، لكنه لم يقع إلا مرة واحدة، وجاء بعدها هذه الخطبة العظيمة التي خطبها وهو قائم، وحمد الله وأثنى عليه، وقال: أما بعد، ثم إن هذه المناسبة للخطبة مناسبة قوية من أجل تذكير الناس وترقيق قلوبهم، وتنبيههم على هذا الحدث الجلل العظيم " انتهى. " الشرح الممتع " (5/188) ، وانظر: "الإنصاف" (2/448) للمرداوي الحنبلي. وقد ذهب بعض العلماء إلى أن المستحب أن يخطب خطبتين يجلس بينهما جلسة يسيرة، كما يفعل في خطبة الجمعة، وهذا مذهب الإمام الشافعي رحمه الله. وانظر: "الأم" (1/280) . وظاهر الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب خطبة واحدة، وهو ما اختاره بعض الحنابلة، ورجحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. انظر: "الإنصاف" (2/448) ، "الشرح الممتع" (5/188) . وقد ذهب الإمامان أبو حنيفة وأحمد في المشهور عنه أنه لا يستحب الخطبة بعدها. وأجابوا عن فعل النبي صلى الله عليه وسلم، بأنه صلى الله عليه وسلم خطب بعد الصلاة ليبين للصحابة بعض الأحكام المتعلقة بصلاة الكسوف. وانظر: "المغني" (2/144) . ومذهب المالكية: أنه يستحب الوعظ بعدها ولكن لا يكون على صفة الخطبة. وانظر: "بلغة السالك لأقرب المسالك" (1/350) . وقد أجاب ابن دقيق العيد رحمه الله على المذهبين فقال في شرح حديث عائشة السابق: " ظاهر في الدلالة على أن لصلاة الكسوف خطبة، ولم ير ذلك مالك ولا أبو حنيفة. قال بعض أتباع مالك: ولا خطبة , ولكن يستقبلهم ويذكرهم. وهذا خلاف الظاهر من الحديث , لا سيما بعد أن ثبت أنه ابتدأ بما تبتدأ به الخطبة من حمد الله والثناء عليه. والذي ذُكر من العذر عن مخالفة هذا الظاهر: ضعيف , مثل قولهم: إن المقصود إنما كان الإخبار " أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله , لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته " للرد على من قال ذلك في موت إبراهيم. والإخبار بما رآه من الجنة والنار , وذلك يخصه. وإنما استضعفناه لأن الخطبة لا تنحصر مقاصدها في شيء معين بعد الإتيان بما هو المطلوب منها من الحمد والثناء والموعظة. وقد يكون بعض هذه الأمور داخلا في مقاصدها , مثل ذكر الجنة والنار , وكونهما من آيات الله، بل هو كذلك جزما " انتهى. " إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام " (2/352) . ثانيا: أما طول الخطبة، فالمستحب بوجه عام هو تقصير الخطبة، بحيث تفي بالمقصود من وعظ الناس وتذكيرهم، ولا تملهم أو ترهقهم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ طُولَ صَلَاةِ الرَّجُلِ وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ – أي علامة - مِنْ فِقْهِهِ، فَأَطِيلُوا الصَّلَاةَ، وَاقْصُرُوا الْخُطْبَةَ) رواه مسلم (869) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125167 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1907 حكم من فاتته صلاة الاستسقاء مع الإمام وجاء في الخطبة [السُّؤَالُ] ـ[بالنسبة لصلاة الاستسقاء إذا دخل جماعة والإمام يخطب وقد صليت الركعتان، هل يصلونها أم يجلسون في الخطبة؟ وهل تقضى؟ أم يصلون جماعة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا لم يدركوا صلاة الاستسقاء فقد فاتت، ولكنهم إذا جاءوا والإمام يخطب يصلون ركعتين تحية المسجد ثم يجلسون لاستماع الخطبة والتأمين على دعاء الإمام. السائل: أم يصلون جماعة؟ الشيخ: لا يصلونها جماعة؛ لأنها فاتت" انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. "لقاءات الباب المفتوح" (1/468) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120257 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1908 حكم من أدرك التشهد مع الإمام في صلاة العيد أو الاستسقاء [السُّؤَالُ] ـ[السؤال: ما حكم من أدرك التشهد مع المصلين في صلاة العيدين، وصلاة الاستسقاء، هل يصلي ركعتين ويفعل كما فعل الإمام أم ماذا يعمل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " من أدرك التشهد فقط مع الإمام من صلاة العيدين، أو صلاة الاستسقاء، صلى بعد سلام الإمام ركعتين يفعل فيهما كما فعل الإمام من تكبير وقراءة وركوع وسجود. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان. "فتاوى اللجنة الدائمة" (8/307) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118864 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1909 وقت صلاة الاستسقاء [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أسأل عن صلاة الاستسقاء، هل يجوز القيام بها في غير وقت شروق الشمس كصلاة العيد، كأن تصلى مثلاً بعد الظهر أو المغرب أو العشاء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الاستسقاء إن كان بالدعاء فقط، جاز في كل وقت، وإن كان مع الصلاة، فيجوز في جميع الأوقات غير وقت الكراهة، في قول جمهور الفقهاء. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (3/337) : "وليس لصلاة الاستسقاء وقت معين , إلا أنها لا تفعل في وقت النهي بغير خلاف ; لأن وقتها متسع , فلا حاجة إلى فعلها في وقت النهي , والأولى فعلها في وقت العيد ; لما روت عائشة , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حين بدا حاجب الشمس. رواه أبو داود. ولأنها تشبهها في الموضع والصفة , فكذلك في الوقت , إلا أن وقتها لا يفوت بزوال الشمس , لأنها ليس لها يوم معين , فلا يكون لها وقت معين" انتهى. وقال النووي رحمه الله في "المجموع" (5/77) : " في وقت صلاة الاستسقاء ثلاثة أوجه: أحدها: وقتها وقت صلاة العيد ... الوجه الثاني: أول وقت صلاة العيد ويمتد إلى أن يصلي العصر ... والثالث: وهو الصحيح، بل الصواب: أنها لا تختص بوقت، بل تجوز وتصح في كل وقت من ليل ونهار , إلا أوقات الكراهة على أحد الوجهين. وهذا هو المنصوص للشافعي , وبه قطع الجمهور وصححه المحققون " انتهى باختصار. وفي "الموسوعة الفقهية" (3/308) : " إذا كان الاستسقاء بالدعاء فلا خلاف في أنه يكون في أي وقت , وإذا كان بالصلاة والدعاء , فالكل مجمع على منع أدائها في أوقات الكراهة , وذهب الجمهور إلى أنها تجوز في أي وقت عدا أوقات الكراهة. والخلاف بينهم إنما هو في الوقت الأفضل , ما عدا المالكية فقالوا: وقتها من وقت الضحى إلى الزوال , فلا تصلى قبله ولا بعده " انتهى. وبهذا يعلم أنه يجوز أن يصلى للاستسقاء بعد الظهر أو المغرب أو العشاء. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114841 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1910 فاتته صلاة الاستسقاء مع الإمام فهل يصليها منفردا؟ [السُّؤَالُ] ـ[حضرت إلى صلاة الاستسقاء في أثناء الخطبة فهل أقضي الصلاة أم أجلس إذا كانت في المصلى؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا بأس أن يصلي الإنسان ويدعو إذا فاتته صلاة الاستسقاء. فقد قال الشيخ محمد العثيمين رحمه الله: "إذا فاتت الإنسان صلاة الاستسقاء فأنا لا أعلم في هذا سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن لو صلى ودعا فلا بأس". "لقاء الباب المفتوح" (46/7) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 110042 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1911 قلب الرداء يكون أثناء خطبة الاستسقاء عندما يحول الإمام رداءه [السُّؤَالُ] ـ[شاهدت في أحد الجوامع قبل صلاة الاستسقاء أحد طلبة العلم لابساً عباءته مقلوبة، وبعد الصلاة سألته عن سبب ذلك، لأن الذي أعرفه أن العباءة تقلب بعد انتهاء الصلاة والخطبة فقال: لا شيء في ذلك وقد قلبتها قبل الصلاة حتى إذا حولتها مرى أخرى تكون على الاتجاه الحسن. فما رأي سماحتكم في هذا؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الظاهر من الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الاستسقاء أن الرداء يكون على حالته المعتادة، وإنما يقلب في أثناء الخطبة عندما يحول الإمام رداءه. أما أن يحول الرداء أو العباءة عن حالها قبل ذلك، فالأظهر أن ذلك غير مشروع ومخالف للسنة. وفق الله الجميع. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز – رحمه الله – م/13 ص/83. الحديث: 26108 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1912 حكم إقامة صلاة الاستسقاء إذا لم يأمر الوالي [السُّؤَالُ] ـ[إذا أمات حاكم دولة سُنَّة صلاة الاستسقاء ولم يدع الناس لها عند انقطاع المطر أو غور الآبار، فهل يجوز لإمام أحد مساجد هذه الدولة أن يدعو أهل بلده إلى صلاة الاستسقاء ويخرجون وحدهم لأدائها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان أهل بلد لا يأمرهم واليها بإقامة صلاة العيد أو صلاة الاستسقاء، فإنه يشرع لهم أن يصلوا صلاة العيد وصلاة الاستسقاء في الصحراء إذا تيسر ذلك، وإلا ففي المساجد، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم شرع ذلك لأمته، وصلاة العيد فرض كفاية لا يجوز للمسلمين في أي بلد تركها. وقال بعض أهل العلم: إنها فرض عين كالجمعة، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلها وأمر بها. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - م/13 ص/85. الحديث: 9364 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1913 صلاة الحاجة [السُّؤَالُ] ـ[ي عن صلاة الحاجة: كم مرة يصليها المرء؟ ومتى يمكن صلاتها؟ هل الأفضل صلاتها في الوقت الذي يتوقع فيه إجابة الدعاء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المشروع في حق المسلم أن يتعبد الله بما شرعه في كتابه، وبما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولأن الأصل في العبادات التوقيف، فلا يقال أن هذه عبادة مشروعة إلا بدليل صحيح. وما يسمى بصلاة الحاجة: قد ورد في أحاديث ضعيفة ومنكرة - فيما نعلم - لا تقوم بها حُجّةٌ ولا تَصْلُحُ لبناء العمل عليها. فتاوى اللجنة الدائمة 8/162. والحديث الوارد في صلاة الحاجة هو: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى الأَسْلَمِيِّ قَالَ: " خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ إِلَى اللَّهِ أَوْ إِلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ فَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ لِيَقُلْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ وَالسَّلامَةَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ أَسْأَلُكَ أَلا تَدَعَ لِي ذَنْبًا إِلا غَفَرْتَهُ وَلا هَمًّا إِلا فَرَّجْتَهُ وَلا حَاجَةً هِيَ لَكَ رِضًا إِلا قَضَيْتَهَا لِي ثُمَّ يَسْأَلُ اللَّهَ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ مَا شَاءَ فَإِنَّهُ يُقَدَّرُ " رواه ابن ماجة (إقامة الصلاة والسنة/1374) قال الترمذي هذا حديث غريب وفي إسناده مقال: فائد بن عبد الرحمن يُضعَّف في الحديث. وقال الألباني: بل هو ضعيف جداً. قال الحاكم: روى عن أبي أوفى أحاديث موضوعة. مشكاة المصابيح ج1 ص 417. قال صاحب السنن والمبتدعات: بعد أن ذكر كلام الترمذي في فائد بن عبد الرحمن وقال أحمد متروك ... وضعفه ابن العربي. وقال: وأنت قد علمت ما في هذا الحديث من المقال، فالأفضل لك والأخلص والأسلم أن تدعو الله تعالى في جوف الليل وبين الأذان والإقامة وفي أدبار الصلوات قبل التسليم، وفي أيام الجمعات، فإن فيها ساعة إجابة، وعند الفطر من الصوم، وقد قال ربكم (أدعوني أستجب لكم) وقال: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان) وقال: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) . كتاب السنن والمبتدعات للشقيري ص 124. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 10387 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1914 تحديد وقت لصلاة الاستسقاء [السُّؤَالُ] ـ[هل ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم تحديد يوم للخروج إلى صلاة الاستسقاء.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله جاء في سنن أبي داود بسند لا بأس به من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم وعد الناس يوماً يخرجون فيه قالت عائشة فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجب الشمس.. الحديث ودلالته ظاهرة على تحديد يوم للخروج إلى صلاة الاستسقاء ... غير أنه لم يثبت تسمية هذا اليوم، وقد استحب غير واحد من أهل العلم تحديد يوميّ الإثنين والخميس لأن الأعمال تعرض فيهما على الله تعالى ولأنهما وقت فضيلة للصيام فيجمع المسلمون بين الصيام والاستسقاء فيكون الدعاء حينئذٍ أقرب للإجابة. ويُحتمل عدم مشروعية تَقصُّد هذين اليومين دون بقية الأيام لأن ذلك لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة وهذا هو الصواب فلا يشرع تقصد يوم دون آخر بدون نص فالمشروع هو تحديد يوم يخرجون فيه فقد يوافق يوم الإثنين وقد يوافق يوماً آخر مراعاة لمصالح الناس وحاجاتهم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ سليمان بن ناصر العلوان الحديث: 26167 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1915 حكم الانتحار والصلاة على المنتحر والدعاء له [السُّؤَالُ] ـ[لدي ابنة خالة توفيت ومعظم الاحتمالات تبين أنها انتحرت، فما حكم من ينتحر؟ وما حالته عند ربه؟ وماذا يفعل والداها ليخففا عنها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الانتحار من كبائر الذنوب، وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن المنتحر يعاقب بمثل ما قتل نفسه به. فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَن تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالداً مخلداً فيها أبداً، ومَن تحسَّى سمّاً فقتل نفسه فسمُّه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومَن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً) رواه البخاري (5442) ومسلم (109) . وعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَن قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة) رواه البخاري (5700) ومسلم (110) . وعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع فأخذ سكيناً فحز بها يده فما رقأ الدم حتى مات. قال الله تعالى: بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة) رواه البخاري (3276) ومسلم (113) وقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة على المنتحر، عقوبةً له، وزجراً لغيره أن يفعل فعله، وأذن للناس أن يصلوا عليه، فيسن لأهل العلم والفضل ترك الصلاة على المنتحر تأسيّاً بالنبي صلى الله عليه وسلم. فعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: (أُتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قتل نفسه بمَشاقص فلم يصل عليه) رواه مسلم (978) . قال النووي: " المَشاقص: سهام عراض. وفي هذا الحديث دليل لمن يقول: لا يصلى على قاتل نفسه لعصيانه , وهذا مذهب عمر بن عبد العزيز والأوزاعي , وقال الحسن والنخعي وقتادة ومالك وأبو حنيفة والشافعي وجماهير العلماء: يصلى عليه , وأجابوا عن هذا الحديث بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل عليه بنفسه زجرا للناس عن مثل فعله , وصلت عليه الصحابة " انتهى. " شرح مسلم " (7 / 47) . ولا يعني هذا – إن ثبت انتحارها – أن تتركوا الدعاء لها بالرحمة والمغفرة، بل هو متحتم عليكم لحاجتها له، والانتحار ليس كفراً مخرجاً من الملة كما يظن بعض الناس، بل هو من كبائر الذنوب التي تكون في مشيئة الله يوم القيامة إن شاء غفرها وإن شاء عذَّب بها، فلا تتهاونوا بالدعاء لها، وأخلصوا فيه، فلعله يكون سببا لمغفرة الله لها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 70363 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1916 هل يصوم يوم النصف من شعبان حتى لو كان الحديث ضعيفاً؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز بعد العلم بضعف حديث أن نأخذ به؛ وذلك من باب فضائل الأعمال " إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها " علماً أن الصوم نفلاً في تعبد لله وكذلك قيام الليل.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ما ورد في فضل الصلاة والصيام والعبادة في النصف من شعبان ليس من قسم الضعيف، بل هو من قسم الموضوع والباطل، وهذا لا يحل الأخذ به ولا العمل بمقتضاه لا في فضائل الأعمال ولا في غيرها. وقد حكم ببطلان الروايات الواردة في ذلك جمعٌ من أهل العلم، منهم ابن الجوزي في كتابه " الموضوعات " (2 / 440 - 445) ، وابن قيم الجوزية في " المنار المنيف " رقم 174 – 177) ، وأبو شامة الشافعي في " الباعث على إنكار البدع والحوادث " (124- 137) ، والعراقي في " تخريج إحياء علوم الدين " (رقم 582) ، وقد نقل شيخُ الإسلام الاتفاق على بطلانها في " مجموع الفتاوى " (28 / 138) وقال الشيخ ابن باز – رحمه الله -: في " حكم الاحتفال بليلة النصف من شعبان " إن الاحتفال بليلة النصف من شعبان بالصلاة أو غيرها وتخصيص يومها بالصيام: بدعة منكرة عند أكثر أهل العلم، وليس له أصل في الشرع المطهر. وقال – رحمه الله -: ليلة النصف من شعبان ليس فيها حديث صحيح، كل الأحاديث الواردة فيها موضوعة وضعيفة لا أصل لها، وهي ليلة ليس لها خصوصية لا قراءة ولا صلاة خاصة ولا جماعة، وما قاله بعض العلماء أن لها خصوصية: فهو قول ضعيف، فلا يجوز أن تُخصَّ بشيءٍ، هذا هو الصواب، وبالله التوفيق. " فتاوى إسلامية " (4 / 511) . انظر السؤال رقم (8907) ثانياً: وإن سلَّمنا أنها ضعيفة وليست موضوعة: فإن الصحيح من أقوال أهل العلم هو عدم الأخذ بالحديث الضعيف مطلقاً وإن كان في فضائل الأعمال والترغيب والترهيب، وفي الصحيح ما يغني المسلم عن الأخذ بالضعيف، ولا يُعرف تخصيص هذه الليلة ونهارها بشيء في الشرع لا عند النبي صلى الله عليه وسلم ولا عند أصحابه. وقال العلاَّمة أحمد شاكر: لا فرقَ بين الأحكام وبين فضائل الأعمال ونحوها في عدم الأخذ بالرواية الضعيفة، بل لا حجةَ لأحدٍ إلا بما صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث صحيحٍ أو حسنٍ. " الباعث الحثيث " (1 / 278) . وانظر لزيادة البيان " القول المنيف في حكم العمل بالحديث الضعيف ". وانظر جواب السؤال رقم: (44877) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49675 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1917 هل ينزل الله إلى السماء الدنيا في ليلة النصف من شعبان؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل ينزل الله إلى سماء الدنيا في نصف شعبان ويغفر لجميع الناس ما عدا اثنين وهما الكافر، والآخر المشاحن؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا في بعض الأحاديث، لكن في صحة الحديث كلام لأهل العلم، ولا يصح في فضل ليلة النصف من شعبان أي حديث. عن أبي موسى الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن ". رواه ابن ماجه (1390) . والمشاحن هو الذي بينه وبين أخيه عداوة. وفي " الزوائد ": إسناده ضعيف؛ لضعف عبد الله بن لهيعة، وتدليس الوليد بن مسلم. وفي الحديث اضطراب بينه الدارقطني في " العلل " (6 / 50، 51) وقال عنه: " والحديث غير ثابت ". وروي من حديث معاذ بن جبل وعائشة وأبي هريرة وأبي ثعلبة الخشني وغيرهم، ولا تخلو طريق من ضعف، وبعضها شديد الضعف. قال ابن رجب الحنبلي: " وفي فضل ليلة نصف شعبان أحاديث متعددة، وقد اختُلف فيها، فضعّفها الأكثرون، وصحّح ابن حبان بعضها ". " لطائف المعارف " (261) . ونزول الله تعالى إلى السماء الدنيا ليس خاصاً بليلة النصف من شعبان، بل ثبت في الصحيحين وغيرهما نزوله تعالى إلى السماء الدنيا في كل ليلة في الثلث الآخر من الليل، وليلة النصف من شعبان داخلة في هذا العموم. ولهذا لما سئل عبد الله بن المبارك عن نزول الله تعالى ليلة النصف من شعبان قال للسائل: " يا ضعيف! ليلة النصف!؟ ينزل في كل ليلة ". رواه أبو عثمان الصابوني في " اعتقاد أهل السنة " (رقم 92) . وقال العقيلي – رحمه الله -: وفي النزول في ليلة النصف من شعبان أحاديث فيها لين، والرواية في النزول كل ليلة أحاديث ثابتة صحيحة، فليلة النصف من شعبان داخلة فيها إن شاء الله. " الضعفاء " (3 / 29) . وانظر جواب السؤال رقم: (8907) . ويوجد في الموقع مقالة للشيخ ابن باز رحمه الله في حكم الاحتفال بليلة النصف من شعبان وهي موجودة في: قسم " مواضيع خاصة بالمناسبات " في الموقع. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49678 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1918 خطأ في الاتجاه إلى القبلة [السُّؤَالُ] ـ[أخبرني بعض الجيران أن القبلة التي أصلي باتجاهها خطأ وغير موازية للقبلة في المسجد المجاور، وبناء على هذا غيرت اتجاهي لمدة شهور، منها رمضان الماضي، ثم اكتشفت مرة أخرى أن القبلة الأولى هي الصحيحة. فما حكم الصلوات المؤداة في اتجاه القبلة الخاطئ؟ أرجو الإجابة لأني حائرة، ولكم جزيل الشكر.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله استقبال القبلة شرط من شروط صحة الصلاة، والواجب على كل مصل أن يتحرى جهة القبلة في صلاته، وأن يجتهد في ضبطها لصلاته، إما عن طريق العلامات أو الآلات الدالة عليها، إن كان يمكنه ذلك، أو عن طريق خبر الثقات من أهل المكان، الذين لهم معرفة بجهة القبلة. والغالب على الحال التي ذكرتيها أن يكون الانحراف عن جهة القبلة يسيرا، وهذا الانحراف اليسير هو الذي يمكن أن يحدث فيه ذلك التردد والاضطراب من أهل المكان عادةً؛ بحيث لا ينتبه الإنسان إلى ذلك الفرق بين الجهتين؛ فإن كان الأمر كذلك، يعني أن الانحراف عن القبلة كان يسيرا، فإن هذا لا يضر ولا تبطل به الصلاة؛ لأن الواجب على من كان بعيدا عن الكعبة أن يتجه إلى جهتها، ولا يشترط في حقه أن يكون اتجاهه إلى عين الكعبة، لما رواه الترمذي (342) وابن ماجة (1011) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ) [صححه الألباني في الإرواء] . قال الصنعاني رحمه الله في سبل السلام [1/260] : (والحديث دليل على أن الواجب استقبال الجهة، لا العين في حق من تعذرت عليه العين) . ومن الأدلة على ذلك أيضا، ما رواه البخاري (144) ومسلم (264) من حديث أبي أيوب رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا أَتَيْتُمْ الْغَائِطَ فَلا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلا تَسْتَدْبِرُوهَا بِبَوْلٍ وَلا غَائِطٍ، وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا) . قال شيخ الإسلام رحمه الله في شرح العمدة: (هذا بيان لأن ما سوى التشريق والتغريب استقبال للقبلة أو استدبار لها، وهذا خطاب لأهل المدينة ومن كان على سمتهم ... لأن ذلك اجماع الصحابة رضي الله عنهم؛ قال عمر: ما بين المشرق والمغرب قبلة كله إلا عند البيت ... وعن عثمان رضي الله عنه أنه قال: كيف يخطئ الرجل الصلاة وما بين المشرق والمغرب قبلة، ما لم يتحر المشرق عمدا) قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (وبهذا نعرف أن الأمر واسع، فلو رأينا شخصا يصلي منحرفا يسيرا عن مسامتة [أي: محاذاة] القبلة، فإن ذلك لا يضر، لأنه متجه إلى الجهة، وهذا فرضه) [الشرح الممتع 2/273] . وأما إن كان الانحراف عن جهة الكعبة كثيرا؛ بحيث تكون صلاتك إلى غير الجهة التي فيها القبلة، إما شرقا، والقبلة غرب أو شمال، مثلا، فما دام الإنسان قد بنى عمله على قول من يعلم اهتمامهم بأمر الصلاة، وتعظيمهم لقدرها، وكان في ظنه أنهم أدرى منه باتجاه القبلة، فلا شيء عليه، وصلاته التي صلاها صحيحة، حتى ولو كان مخطئا في اتجاهه الذي صلى إليه؛ لأن الإنسان إذا اجتهد وتحرى، فقد فعل ما يجب عليه، لقول الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن /16. جاء في فتاوى اللجنة الدائمة [6/314] : (إذا اجتهد المصلي في تحري القبلة وصلى، ثم تبين أن تحريه كان خطأ، فصلاته صحيحة) . وفي فتاوى الشيخ ابن باز رحمه الله [10/421] : (إذا اجتهد المؤمن في تحري القبلة، حال كونه في الصحراء، أو في البلاد التي تشتبه فيها القبلة، ثم صلى باجتهاده، وبعد ذلك ظهر أنه صلى إلى غير القبلة، فإنه يعمل باجتهاده الأخير، إذا ظهر له أنه أصح من اجتهاده الأول، وصلاته الأولى صحيحة؛ لأنه أداها عن اجتهاد وتحرٍ للحق) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 42574 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1919 هل يشرع اغتسال الجمعة للنساء [السُّؤَالُ] ـ[هل غسل الجمعة واجب على النساء أيضًا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: غسل الجمعة مستحب غير واجب في قول جمهور الفقهاء، وذهب بعضهم إلى وجوبه. ثانيا: هذا الاغتسال مشروع في حق من يأتي الجمعة من رجل أو امرأة، وإن كان الرجال هم المخاطبين بحضورها في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) الجمعة/9 لكن إن حضرت المرأة الجمعة شرع لها الاغتسال لأجلها والتأدب بآدابها. وقد بوب ابن حبان في صحيحه بقوله: " ذكر الاستحباب للنساء أن يغتسلن للجمعة إذا أردن شهودها " ثم ساق حديث عثمان بن واقد العمري عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أتى الجمعة من الرجال والنساء فليغتسل) . والحديث متفق عليه دون زيادة " من الرجال والنساء "، وهذه الزيادة رواها ابن خزيمة وابن حبان والبيهقي في السنن، وقد اختلف في صحتها: فصححها النووي رحمه الله في المجموع (4/ 405) ، وابن الملقن في البدر المنير. (4/ 649) . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح (2/ 358) : " فَفِي رِوَايَة عُثْمَان بْن وَاقِد عَنْ نَافِع عِنْد أَبِي عَوَانَة وَابْن خُزَيْمَةَ وَابْن حِبَّان فِي صِحَاحهمْ بِلَفْظِ " مَنْ أَتَى الْجُمُعَة مِنْ الرِّجَال وَالنِّسَاء فَلْيَغْتَسِلْ , وَمَنْ لَمْ يَأْتِهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ غُسْل " وَرِجَاله ثِقَات , لَكِنْ قَالَ الْبَزَّار: أَخْشَى أَنْ يَكُون عُثْمَان بْن وَاقِد وَهِمَ فِيهِ ". وما خشيه البزار من وهم عثمان فيه، جزم به أبو داود، صاحب السنن، رحمه الله. قال أبو عبيد الآجري: " سألت أبا داود عنه فقال: ضعيف. قلت لأبي داود: إن عباس بن محمد يحكي عن يحيى بن معين أنه ثقة؟ فقال: هو ضعيف؛ حدث هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى الجمعة من الرجال والنساء فليغتسل) ، ولا نعلم أن أحدا قال هذا غيره ". انتهى. "تهذيب الكمال" (19/505) . وجزم الألباني رحمه الله بشذوذ هذه الزيادة وضعفها، كما في "السلسلة الضعيفة" (8/ 430) . ومما يؤيد القول باغتسال النساء للجمعة: ما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه عن عبيدة ابنة نائل قالت: سمعت ابن عمر وابنة سعد بن أبي وقاص يقولان: من جاء منكن الجمعة فلتغتسل. وروى عن طاوس بمثله، وعن شقيق أنه كان يأمر أهله الرجال والنساء بالغسل يوم الجمعة. انظر المصنف (2/ 9) . والاغتسال للجمعة معقول المعنى، وهو النظافة وقطع الروائح الكريهة المؤذية للحاضرين، ولهذا تدعى المرأة إليه إن أرادت الحضور. قال الحافظ في الفتح: " قَالَ الزَّيْن ابْن الْمُنير: وَنُقِلَ عَنْ مَالِك أَنَّ مَنْ يَحْضُر الْجُمُعَة مِنْ غَيْر الرِّجَال: إِنْ حَضَرَهَا لِابْتِغَاءِ الْفَضْل شُرِعَ لَهُ الْغُسْل وَسَائِر آدَاب الْجُمُعَة , وَإِنْ حَضَرَهَا لِأَمْرٍ اِتِّفَاقِيّ فَلَا " انتهى من "فتح الباري". وقال النووي رحمه الله ي "المجموع" (4/ 405) : " وغسل الجمعة سنة , وليس بواجب وجوبا يعصى بتركه بلا خلاف عندنا، وفيمن يسن له أربعة أوجه: الصحيح المنصوص، وبه قطع المصنف والجمهور: يسن لكل من أراد حضور الجمعة , سواء الرجل والمرأة والصبي والمسافر والعبد وغيرهم؛ لظاهر حديث ابن عمر , ولأن المراد النظافة , وهم في هذا سواء. ولا يسن لمن لم يرد الحضور , وإن كان من أهل الجمعة، لمفهوم الحديث، ولانتفاء المقصود، ولحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى الجمعة من الرجال والنساء فليغتسل , ومن لم يأتها فليس عليه غسل من الرجال والنساء) رواه البيهقي بهذا اللفظ بإسناد صحيح " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 142753 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1920 لماذا لم يذكر المسافر في حديث: (الجمعة حق واجب على كل مسلم إلا أربعة) ؟ [السُّؤَالُ] ـ[جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (أن الجمعة حق واجب على كل مسلم إلا أربع) لماذا لم يتضمنوا المسافر ضمن الذين تسقط عنهم صلاة الجمعة في هذا الحديث؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: الحديث المشار إليه في السؤال هو: عن طارق بن شهاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ إِلاَّ أَربَعَة: عَبدٌ مَملُوكٌ، أَو امرَأَةٌ، أَو صَبِيٌّ، أَو مَرِيضٌ) رواه أبو داود (1067) وقال النووي في "المجموع" (4/483) : إسناده صحيح على شرط الشيخين، وقال ابن رجب في "فتح الباري" (5/327) : إسناده صحيح، وقال ابن كثير في "إرشاد الفقيه" (1/190) : إسناده جيد، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3111) . وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس على مسافر جمعة) قال الحافظ في بلوغ المرام: إسناده ضعيف. وقد جاء استثناء المسافر أيضاً في عدة أحاديث منها: حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خَمْسَةٌ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ: الْمَرْأَةُ , وَالْمُسَافِرُ , وَالْعَبْدُ، وَالصَّبِيُّ , وَأَهْلُ الْبَادِيَةِ) . قال في "مجمع الزوائد": رواه الطبراني في الأوسط وفيه " إبراهيم بن حماد " ضعفه الدارقطني، وقال الشيخ الألباني رحمه الله: "ضعيف جداً " ولا يخفى أن الأحكام الشرعية تستنبط من مجموع الأحاديث الواردة في هذه المسألة بعينها،ولا تستنبط من حديث واحد مع إهمال سائر الأحاديث. وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم عدداً، كما في الحديث المسؤول عنه، ولا يكون الحصر في هذا العدد مقصوداً، فقد يكون المقصود تسهيل حفظ هذا الحديث وضبطه عند من سمعه، ومثل هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ ا, ... الحديث) ، وبجمع الأحاديث الواردة في هذا الفضل العظيم (يظلهم الله في ظله) يتبين أنهم أكثر من عشرين خصلة، وليست سبعة فقط. قال الصنعاني في سبل السلام: " قد اجتمع من الأحاديث أنها لا تجب الجمعة على ستة أنفس: الصبي , وهو متفق على أنه لا جمعة عليه , والمملوك , وهو متفق عليه إلا عند داود، والمرأة , وهو مجمع على عدم وجوبها عليها، والمريض، والمسافر لا يجب عليه حضورها.. السادس: أهل البادية.." انتهى والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 142713 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1921 هل يجوز له إتمام الشراء وهو يسمع النداء بالصلاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[أحيانا عندما أكون في السوق وأكون في محل وقد اخترت البضاعة وأكون قد وصلت المحاسبة وقد أذن فهل يجوز لي إتمام البيع أو يحرم ذلك؟ كذلك أحيانا نكون في السيارة ويكون المؤذن قد أذن فنقف عند بقالة ويطلب أخي من البقالة شيئا فهل هذا يدخل تحت التحريم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان ذلك في أذان صلاة الجمعة الذي يكون بعد صعود الخطيب المنبر، فيحرم البيع والشراء حينئذ، لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) الجمعة/9. قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: "قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) معناه: ترك الاشتغال بالتجارة والتوجه لسماع الخطبة وأداء صلاة الجمعة في المسجد مع الإمام، وهذا يعني: تحريم البيع والشراء بعد الأذان الثاني الذي هو عند جلوس الخطيب على المنبر حتى تنتهي الصلاة، إلا لضرورة تدعو إلى الشراء؛ كماء للطهارة أو ثوب يستر به عورته للصلاة" انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (13 / 101-102) وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "إن البيع بعد نداء الجمعة الثاني حرام وباطل أيضا، وعليه فلا يترتب عليه آثار البيع، فلا يجوز للمشتري التصرف في المبيع؛ لأنه لم يملكه، ولا للبائع أن يتصرف في الثمن المعين؛ لأنه لم يملكه، وهذه مسألة خطيرة؛ لأن بعض الناس ربما يتبايعون بعد نداء الجمعة الثاني ثم يأخذونه على أنه ملك لهم " انتهى. "الشرح الممتع" (8/52) . فلا يجوز البيع والشراء بعد الأذان الثاني للجمعة، لأن الواجب السعي إلى المسجد لسماع الخطبة والصلاة، والبيع يشغل عن ذلك. أما إذا كان ذلك في سائر الصلوات (الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء) فلا حرج من ذلك، بشرط ألا يشغل عن صلاة الجماعة، ويكون سبباً في تضييعها. وقد قال الله تعالى: (رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) النور/37. "فهؤلاء الرجال، وإن اتجروا، وباعوا، واشتروا، فإن ذلك لا محذور فيه. لكنه لا تلهيهم تلك، بأن يقدموها ويؤثروها على ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، بل جعلوا طاعة الله وعبادته غاية مرادهم، ونهاية مقصدهم، فما حال بينهم وبينها رفضوه" انتهى من "تفسير السعدي" (ص/ 569) . وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: هل يحرم البيع أثناء الأذان وبعده، وكيف الحال في يوم الجمعة؟ فأجاب: "قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) فلا يجوز البيع والشراء ولا الإجارة ولا المساقاة ولا غير ذلك، بل يجب أن يتفرغ العباد لصلاة الجمعة، ويبادر لصلاة الجمعة، ولا يتشاغل بشيء آخر. أما الأوقات الأخرى فقد تلحق بالجمعة وقد لا تلحق، فالأحوط له أن لا يفعل شيئاً بعد الأذان، بعد أذان بعد الظهر أو العصر أو المغرب؛ لأنه قد يشغله عن الجماعة، فالأحوط له أن يحذر ذلك إلا أن يكون شيئاً يسيراً ما يشغل فلعله لا حرج فيه؛ لأن الله - جل وعلا - إنما جاء عنه النص في مسألة الجمعة؛ لأن أمرها عظيم، ويجب حضورها، وتفوت بفواتها، فأمرها أعظم، وهي فرض الأسبوع. فالمقصود: أن الجمعة لا يقاس عليها غيرها، لكن إذا هجر هذا الشيء وابتعد عنه لئلا يشغله عن الجماعة كان هذا أولى. وبكل حال ... إذا كان بيعه قد يشغله عن أداء الصلاة في الجماعة حُرم، لكن في بعض الأحيان تكون الصلاة متأخرة، إذا تأخر الإمام، ويمكن للإنسان في طريقه أن يشتري سلعة ويبيعها، قد لا يضر حضوره الصلاة. وكونه يبتعد عن هذا الشيء، ويستأنس بما جاء في الجمعة يكون هذا أحوط حتى يتشبه بالجمعة في الحذر" انتهى. (من فتاوى نور على الدرب) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 140662 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1922 هل يجوز الاستماع إلى خطبة الجمعة في المنزل، ثم الذهاب إلى المسجد للصلاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما الحكم في سماعي لخطبة الجمعة من منزلي في غرفتي الخاصة، مع العلم أن المنزل مقابل المسجد، ثم أتوجه إلى المسجد للصلاة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يقول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) الجمعة/9 قال الشيخ السعدي رحمه الله: " يأمر تعالى عباده المؤمنين بالحضور لصلاة الجمعة والمبادرة إليها، من حين ينادى لها " انتهى. "تفسير السعدي" (ص 863) وروى أبو داود (345) والترمذي (496) وحسنه، عن أوس بْنُ أَوْسٍ الثَّقَفِيُّ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ ثُمَّ بَكَّرَ وَابْتَكَرَ وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ وَدَنَا مِنْ الْإِمَامِ فَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" وغيره. فأوجب الله السعي إليها، حين ينادى بها، وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم التبكير إليها. فيجب على كل من سمع النداء للجمعة – وهو النداء الثاني - ممن تجب عليه - أن يسعى إلى الصلاة، ولا يجوز له التخلف عن حضور الخطبة إلا لعذر، ومن كان منزله بعيداً وجب عليه أن يسعى لها قبل النداء ليدرك الخطبة والصلاة؛ لأن إدراكهما واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. قال ابن قدامة رحمه الله: " الْخُطْبَة شَرْطٌ فِي الْجُمُعَةِ , لَا تَصِحُّ بِدُونِهَا , وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا , إلَّا الْحَسَنَ " انتهى. "المغني" (2/74) وقال الكاساني رحمه الله: " قال تَعَالَى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ) قِيلَ ذِكْرُ اللَّهِ هُوَ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ , وَقِيلَ هُوَ الْخُطْبَةُ، وَكُلُّ ذَلِكَ حُجَّةٌ ; لِأَنَّ السَّعْيَ إلَى الْخُطْبَةِ إنَّمَا يَجِبُ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ سَقَطَتْ عَنْهُ الصَّلَاةُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ السَّعْيُ إلَى الْخُطْبَةِ، فَكَانَ فَرْضُ السَّعْيِ إلَى الْخُطْبَةِ فَرْضًا لِلصَّلَاةِ , وَلِأَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ يَتَنَاوَلُ الصَّلَاةَ وَيَتَنَاوَلُ الْخُطْبَةَ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى " انتهى. "بدائع الصنائع" (1/257) ، وانظر: (1/262) . وقال الشوكاني رحمه الله: " قد أمر الله سبحانه في كتابه العزيز بالسعي إلي ذكر الله، والخطبة من ذكر الله إذا لم تكن هي المرادة بالذكر، فالخطبة فريضة " انتهى. "السيل الجرار" (ص182) وقال علماء اللجنة الدائمة: " جمهور العلماء على أن الخطبة شرط في صحة صلاة الجمعة؛ لقوله تعالى (فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) قالوا: والمراد بالذكر هنا الخطبة، فكانت واجبة للأمر بالسعي لها، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم داوم عليها مقترنة بصلاة الجمعة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) فوجب قرنها بالجمعة، كما قرنها بها صلى الله عليه وسلم " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (3 / 324) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " يجب على الإنسان إذا سمع أذان الجمعة، وهو الأذان الذي يكون عند حضور الإمام، أن يسعى إليها ليدرك الاستماع للخطبة والصلاة كاملة، أما قبل أن يؤذن الأذان الثاني فإنه لا يجب الحضور. قال أهل العلم: إلا من كان منزله بعيدا بحيث لا يصل إلى المسجد إلا بعد الأذان الثاني: فيجب أن يسعى إلى الجمعة بحيث يصل إلى المسجد عند الأذان الثاني " انتهى. "فتاوى نور على الدرب" (188 / 15) ، وينظر: فتاوى الشيخ رحمه الله (13 / 847) . والخلاصة: أنه لا يجوز لك أن تستمع للخطبة في منزلك، وتذهب إلى الصلاة بعد انتهائها، لأن الخطبة شرط في صلاة الجمعة، ثم إن هذا يفوت عليك أجر التبكير إلى صلاة الجمعة، ويضيع عليك ساعات الأجر التي جعلها الله لمن يبكر لصلاة الجمعة. راجع إجابة السؤال رقم: (60318) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 137936 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1923 هل يجوز أن يخطب خطبتي الجمعة خطيبان كل منهما يخطب بلغة؟ [السُّؤَالُ] ـ[يوجد في المدينة الأمريكية التي نسكن بها جالية بوسنية كبيرة ورغبة من إدارة المسجد في جعل خطبة الجمعة باللغة البوسنية ليسهل إيصال الموعظة للبوسنيين وأيضاً جعلها باللغة الإنجليزية لتعم الفائدة لجميع الحاضرين من جنسيات أخرى تم اقتراح أن يلقي خطيب الخطبة الأولى باللغة الإنجليزية ثم يلقي خطيب آخر الخطبة الثانية باللغة البوسنية. أرجو منكم بيان حكم هذا وجود خطيبين في جمعة واحدة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الحاضرون في المسجد لا يعرفون اللغة العربية، فلا حرج أن يخطب الخطيب بلغتهم حتى تحصل الفائدة من الخطبة. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (112041) . أما قيام خطيبين بإلقاء خطبة الجمعة، فقد اختار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله جواز ذلك، فقال رحمه الله: "هل يشترط أن يتولاهما واحد – يعني: خطبتي الجمعة - أو يجوز أن يخطب الخطبة الأولى واحد والثانية آخر؟ الجواب: يجوز، أي: لا يشترط أن يتولاهما واحد، فلو خطب رجل، وخطب الثانية رجل آخر صح " انتهى. "الشرح الممتع" (5/ 27) . إلا أننا في حالتكم هذه لا ننصحكم بذلك، لأن هذا سيكون أمراً راتباً في كل خطبة، وسيؤدي إلى تطويل الخطبة، وكلاهما خلاف السنة بلا شك. فالذي ننصحكم به: أن يُراعى أكثر أهل المسجد، ويخطب خطيب واحد بلغتهم، ثم بعد الصلاة يقوم مترجم ويترجم الخطبة باللغة الأخرى. قال الشيخ ابن عثيمين: "إذا كثر من لا يعرفون اللغة العربية في هذه الحال تكون ترجمة الخطبة بعد الصلاة بحيث يوعز إلى هؤلاء القوم الذين لا يعرفون اللغة العربية ويكونون في جهة معينة من المسجد ويأتي من يترجم لهم هذه الخطبة" انتهى. "فتاوى نور على الدرب" (6/ 378) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136692 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1924 حكم القيام برحلة صيد يوم الجمعة [السُّؤَالُ] ـ[عندنا في العمل بعض الزملاء غير الملتزمين يريدون أن يذهبوا في رحلة صيد أسماك لمدة يوم وأريد أن أذهب معهم ولكن هذا اليوم الذي وقع عليه الاختيار هو يوم الجمعة فأولاً: هل أذهب معهم؟ وثانيا: إذا ذهبت هل يكون علينا صلاة جمعة؟ وكيف نصلى الصلوات ونحن في عرض البحر؟ وهل نجمع الظهر والعصر والمغرب والعشاء ونقصر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: ذكرت أن زملاءك الذين يريدون أن تذهب معهم في رحلة الصيد غير ملتزمين: فإن كانت مصاحبتهم ستعود عليك وعليهم بالنفع والفائدة والمصلحة، كأن تأمرهم بالصلاة وتحثهم على صنائع المعروف، وتنهاهم عن المنكر فلا بأس بمصاحبتهم، وإن كنت تخشى من مصاحبتهم ما يُخشى من مصاحبة غير المستقيمين من الانحراف وعدم تقوى الله فنرى لك عدم مصاحبتهم؛ لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا، وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ) رواه الترمذي (2395) حسنه الألباني في "صحيح الترمذي". وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ) رواه أبو داود (4833) وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" وغيره. قال في عون المعبود: "أَيْ: يَتَأَمَّل وَيَتَدَبَّر مَنْ يُخَالِلْ: فَمَنْ رَضِيَ دِينه وَخُلُقه خَالَلَهُ، وَمَنْ لَا تَجَنَّبَهُ فَإِنَّ الطِّبَاع سَرَّاقَة" انتهى. ثانيا: إذا كانت المسافة التي تقطعونها – برا أو بحرا – هي مسافة القصر، فأنتم مسافرون، تسقط عنكم الجمعة، ويستحب لكم أن تقصروا الصلاة، ولكم أن تجمعوا بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، تقديما أو تأخيرا، بحسب الأيسر لكم. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: "إذا سافر المسلم مسافة 80 كيلو مترا تقريبا أو أكثر، للنزهة أو للصيد أو لغير ذلك من الأسباب المباحة شرع له القصر، فيصلي الأربع اثنتين، ويجوز له الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء جمع تقديم أو جمع تأخير، على حسب ما يراه أرفق به. وإذا كان نازلا مستريحا فترك الجمع أفضل، فيصلي كل صلاة في وقتها قصرا" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (30/182) . وإن كنتم في أقل من مسافة القصر، وكنتم تسمعون النداء للصلاة، فصلاة الجمعة والجماعة مع جماعة المسلمين واجبة عليكم. والاعتبار في سماع النداء: أن يكون بصوت المؤذن بدون مكبر للصوت، والأصوات هادئة، والريح ساكنة. وقد قدَّر العلماء هذه المسافة بنحو 5 كيلو متر تقريباً. راجع: "المجموع" (4/353) ، "المغني" (2/106) . وانظر جواب السؤال رقم (20655) ، (39054) . وإن كنتم لا تسمعون النداء للصلاة، فقد سقطت عنكم صلاة الجمعة والجماعة في المسجد مع المسلمين، وتجب عليكم الصلاة حيث كنتم، جماعة. وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: بعض المسلمين يخرجون أيام العطل خارج مدينة الرياض للنزهة غير ناوين السفر , ويأخذون معهم القليل من الماء وعند الصلاة يتيممون بدلا من الماء بحجة قلة الماء؟ فأجاب: " إذا خرجوا للنزهة وحضرت الصلاة وليس عندهم إلا ماء قليل بقدر حاجتهم والماء بعيد عنهم , صلوا بالتيمم , لكن إذا حملوه معهم يكون أفضل إذا تيسر ذلك ... أما صلاة الجمعة فلا تجب عليهم إذا كانوا بعيدين عن البلد لا يسمعون الأذان , فرسخا أو أكثر " انتهى ملخصا. "مجموع فتاوى ابن باز" (10/202) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: شباب خرجوا في رحلة إلى منطقة بعيدة ونزلوا في مكان بعيد من البلد لكنهم ما زالوا يسمعون الأذان بسبب وجود المكبرات، فهل تلزمهم الجمعة والجماعة مع أهل ذلك البلد؟ فأجاب: "لا تلزمهم، يعني: إذا بعدوا عن البلد بحيث لا يسمعون صوت المؤذنين ولولا وجود مكبر الصوت فلا تلزمهم، وأما إذا كانوا قريبين من البلد بحيث لو كان المؤذنون يؤذنون بغير مكبر لسمعوه فإنه يلزمهم" انتهى. "لقاء الباب المفتوح" (149/27) . والذي ننصحكم به: عدم الخروج للتنزه أو الصيد يوم الجعة، إن كانت تفوتكم صلاة الجمعة، أما إن كانت لا تفوتكم: فلا بأس بخروجكم. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "السفر يوم الجمعة إن كان بعد أذان الجمعة الثاني فإنه لا يجوز؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) الجمعة/9. فلا يجوز للإنسان أن يسافر في هذا الوقت؛ لأن الله قال: (فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) الجمعة/9. وإذا كان السفر قبل ذلك: فإن كان سيصلي الجمعة في طريقه مثل أن يسافر من بلده وهو يعلم أنه سيمر على بلد آخر في طريقه ويعرج عليه ويصلي الجمعة فيه، فهذا لا بأس به، وإن كان لا يأتي بها في طريقه، فمن العلماء من كرهه، ومن العلماء من حرمه، ومن العلماء من أباحه، وقال: إن الله تعالى لم يوجب علينا الحضور إلا بعد الأذان. والأحسن ألا يسافر إلا إذا كان يخشى من فوات رفقته أو مثل أن يكون موعد الطائرة في وقتٍ لا يسمح له بالحضور أو ما أشبه ذلك، وإلا فالأفضل أن يبقى" انتهى. "لقاءات الباب المفتوح" (3/104) . وقد اختار علماء اللجنة الدائمة للإفتاء تحريم السفر يوم الجمعة إذا كان يترتب عليه تضييع صلاة الجمعة، فقد سئلوا: ما حكم خروج بعض الناس إلى البر أو البحر يوم الجمعة، بدعوى أنهم لا يتوافر لهم وقت للرحلة إلا يوم الجمعة؟ فأجابوا: "إذا تيسر لهم صلاة الجمعة في رحلتهم وحضروا صلاة الجمعة وأدوها فلا حرج عليهم، وإذا ترتب على رحلتهم فوات صلاة الجمعة بالنسبة لهم فلا تجوز الرحلة لما يلزمها من تضييع الفريضة" انتهى. "فتاوى إسلامية" (1/673) . ثالثا: أما كيفية الصلاة وأنتم في عرض البحر: فتصلون في البحر كما تصلون في البر إلا إذا خشيتم الغرق، فتصلون بحسب حالكم، كيف تيسر لكم. وقد روى الحاكم (1019) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في السفينة؟ فقال: كيف أصلي في السفينة؟ فقال: (صل فيها قائما إلا أن تخاف الغرق) صححه الألباني في "صحيح الجامع" (3777) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136362 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1925 لا يجوز إقامة جمعتين في مسجد واحد [السُّؤَالُ] ـ[أنا الآن أدرس في كندا , هناك أعمال توسعية جارية في المسجد , ولذلك لا يتسع للجميع في صلاة الجمعة , ولهذا السبب تقام جمعتان لكي يتاح للجميع الصلاة , لكن المشكلة هي أن الصلاة الأولى تكون في الساعة الثانية عشرة والنصف. أي قبل دخول الوقت بحوالي ساعة كاملة.. هل هذا جائز في قول أيٍ من العلماء.. وما هو حكم الصلوات التي سبق وصليتها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذهب جمهور أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية إلى أن الجمعة لا تصلى إلا بعد زوال الشمس، وذهب الحنابلة إلى جواز صلاتها قبل الزوال. راجع: "الأم" (1/223) – "المجموع" (4/377-381) – "الإنصاف" (2/375-376) - "الموسوعة الفقهية" (27/197-198) والأوْلى أن تصلى بعد الزوال، فإن اضطرت الجماعة أن تصليها قبل الزوال بنحو ساعة فلا حرج عليهم. فقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل تجوز صلاة الجمعة قبل الزوال بساعة - لضرورة دخول العمل في فرنسا - مع العلم أننا إذا لم نصلها قبل الدخول إلى العمل وذلك قبل الزوال بساعة لم نصل الجمعة، فهل للضرورة إباحة؟ فأجابوا: "في تحديد أول وقت صلاة الجمعة خلاف بين العلماء، فذهب أكثر الفقهاء إلى أن أول وقتها هو أول وقت الظهر وهو زوال الشمس، فلا تجوز صلاتها قبل الزوال بكثير ولا قليل، ولا تجزئ؛ لقول سلمة بن الأكوع رضي الله عنه: (كنا نجمع مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس، ثم نرجع نتبع الفيء) رواه البخاري ومسلم. ولقول أنس رضي الله عنه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة حين تميل الشمس) رواه البخاري. وقال جماعة: لا يجوز قبل السادسة أو الخامسة. وذهب الإمام أحمد بن حنبل وجماعة إلى أن أول وقتها هو أول وقت صلاة العيد، أما الزوال فهو أول وقت وجوب السعي إليها، واستدلوا لجواز صلاتها قبل الزوال بقول جابر رضي الله عنه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي - يعني الجمعة - ثم نذهب إلى جمالنا فنريحها حين تزول الشمس) رواه مسلم. ولقول سلمة بن الأكوع رضي الله عنه: (كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة ثم ننصرف وليس للحيطان فيء) رواه أبو داود. ويجمع بين الأحاديث: بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصليها بعد الزوال أكثر الأحيان، ويصليها قبل الزوال قريبا منه أحيانا. وعلى هذا، فالأولى أن تصلى بعد الزوال رعاية للأكثر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وخروجا من الخلاف، وهذا مما يدل على أن المسألة اجتهادية، وأن فيها سعة، فمن صلى قبل الزوال قريبا منه فصلاته صحيحة إن شاء الله، ولا سيما مع العذر، كالعذر الذي ذكره السائل " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (8 / 216-217) . وسئل الشيخ ابن جبرين: نحن طلاب الملحقية السعودية في الولايات المتحدة نقدم صلاة الجمعة قبل دخول الوقت بساعة حيث إن الوقت يدخل في الساعة (الواحدة والربع) ونحن نصلي الساعة (الثانية عشر والربع) وذلك بسبب أن نسبة من الطلاب عندهم محاضرات في نفس الوقت ولا يتمكنون من أداء الصلاة إلا في هذا الوقت المبكر، إن كان هذا جائزا لهؤلاء فإن بعض الطلاب ممن ليس عندهم محاضرات يصلون في الوقت المبكر معهم وذلك لوجود مسجد واحد فقط، هل تجوز صلاتهم؟ فأجاب الشيخ حفظه الله: " ذهب كثير من العلماء إلى أن وقت صلاة الجمعة يبدأ من أول وقت صلاة العيد أي بعد خروج وقت النهي ويستمر إلى دخول وقت العصر، ولكن يستحبون أن يصلوها بعد الزوال أي بعد دخول وقت الظهر؛ لأنها بدل على الظهر وهو الوقت المعتاد من عهد النبوة وعهد الخلفاء الراشدين، لكن قد ورد ما يدل على أن بعض الصحابة كانوا يقدمونها قبل الزوال، وحيث إن هناك عذر انشغال في الوقت المحدد لها، فنقول: لا بأس في أدائها قل الزوال ولو بساعة أو نحوها؛ لأن ذلك جائز عند كثير من العلماء ولوجود المسوغ لهذا التقديم. فعلى هذا لا مانع من صلاتهم جميعا في الوقت المذكور ولو كان العذر لبعضهم دون بعض. والله أعلم" انتهى. انتهى من موقع الشيخ (الرابط) وسئل الشيخ ابن عثيمين: هناك بعض الخطباء يدخلون إلى المسجد يوم الجمعة ويشرعون في الخطبة قبل الوقت وربما أقيمت الصلاة ولم يحن وقت الزوال فما صحة ذلك؟ فأجاب: "هذه المسألة – أي: الشروع في الخطبة والصلاة يوم الجمعة قبل الزوال - فيها خلاف بين العلماء، فمنهم من قال: إنها لا تجوز حتى تزول الشمس، ومنهم من قال: إنها تجوز، والصحيح أنها تجوز قبل الزوال بساعة أو نصف ساعة أو ما قارب ذلك" انتهى. "لقاء الباب المفتوح" (16 / 19) . يتبين مما سبق أن صلاة الجمعة إذا أديت قبل الزوال بنحو ساعة فهي صحيحة. أما إقامة جمعتين في مسجد واحد، الواحدة بعد الأخرى: فهذا لا يجوز. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: عدد المساجد التي تقام فيها صلاة الجمعة في باريس وفي المدن الأخرى قليل بالإضافة إلى ضيقها بالمصلين لكثرة عددهم. وحلا لهذه الأزمة التي تحرم كثيرا من المصلين من أداء فريضة الجمعة في فرنسا، فقد اقترح أحدهم أن تتم صلاة الجمعة في المسجد الواحد على دفعتين، كل دفعة بإمام وخطيب مستقل، (أي تقام صلاة الجمعة في الدفعة الأولى في وقتها ثم بعد انتهاء الخطبة والصلاة، يأتي إمام جديد ويخطب ويصلي الجمعة بالمصلين الذين قبلوا الانتظار والصلاة مع الدفعة الثانية. فما حكم الشرع في ذلك. فأجابوا: "إنشاء جمعتين في مسجد واحد غير جائزة شرعا، ولا نعلم له أصلا في دين الله، والأصل أن تقام جمعة واحدة في البلد الواحد، ولا تتعدد الجمع إلا لعذر شرعي؛ كبعد مسافة على بعض من تجب عليهم، أو يضيق المسجد الأول الذي تقام فيه عن استيعاب جميع المصلين، أو نحو ذلك مما يصلح مسوغا لإقامة جمعة ثانية، فعند ذلك يقام جمعة أخرى في مكان يتحقق بإقامتها فيه الغرض من تعددها. فعلى الإخوة السائلين أن يلتمسوا مكانا آخر وسط من يأتون للمسجد المطلوب وإعادة صلاة الجمعة فيه ويقيموا فيه جمعة أخرى، حتى ولو لم يكن مسجدا كالمساكن الخاصة وكالحدائق والميادين العامة التي تسمح الجهات المسؤولة عنها بإقامة الجمعة فيها" انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (8 / 262) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 134899 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1926 هل الجندي ليس عليه صلاة الجمعة والجماعة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل الجندي أثناء عمله ليس عليه جمعة ولا جماعة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "هذا فيه تفصيل، الجندي إذا كان حارساً على شيء للدولة كأن يكون حارساً على سجن، أو حارساً على مال يُخشى عليه، أو على محل من المحلات يخشى أن تنتهك، فهذا ليس عليه جمعة ولا جماعة، بل يصلي فرداً. أما الجندي إذا لم يكن حارساً على شيء ولا مريضاً فإنه عليه مثل ما على الناس، فعليه أن يصلي الجمعة والجماعة، فهذا الإطلاق ليس له وجه، الجندي مثل غيره، إلا إذا كان هناك عذر شرعي من مرض أو خوف إذا خرج إلى الجمعة والجماعة أو كان حارساً على شيء يُخشى عليه، كأن يكون حارساً على باب السجن، أو على أموال يحرسها يخشى عليها، أو ما أشبه ذلك من عذر" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (2/988) . [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز فتاوى نور على الدرب الحديث: 131990 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1927 يحرم البيع يوم الجمعة بعد الأذان الثاني [السُّؤَالُ] ـ[حيث قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون) ، متى يبدأ وقت النهي عن البيع؟ هل هو وقت أذان الظهر؟ أو وقت صعود الخطيب المنبر؟ أو ساعة الأذان، قبل ساعة تقريباً من أذان الظهر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نهى الله تعالى عن البيع إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) الجمعة/9. ثانياً: اختلف أهل العلم عند أي النداءين يحرم البيع، على قولين: مذهب الحنفية: يحرم البيع عند الأذان الأول. مذهب الجمهور: أن التحريم متعلق بالأذان الثاني – الذي يكون عقب جلوس الإمام على المنبر. يُنظر "الموسوعة الفقهية الكويتية" (9/224) . والقول الراجح: هو قول الجمهور؛ لأنه لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أذان واحد للجمعة – بعد أن يجلس الإمام على المنبر –، فيتعين أن يكون هذا الأذان هو المراد في الآية (فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) حين نزلت، ولأن البيع عند هذا الأذان يشغل عن الصلاة، ويكون ذريعة إلى فواتها، أو فوات بعضها. قال ابن قدامة في "المغني" (2/145) : " والنداء الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو النداء عَقِيْب جلوس الإمام على المنبر، فتعلق الحكم به دون غيره. ولا فرق بين أن يكون ذلك قبل الزوال أو بعده " انتهى. والدليل على أن النداء الأول إنما زيد في عهد عثمان رضي الله عنه، حديث السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ رضي الله عنه قَالَ (كَانَ النِّدَاءُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوَّلُهُ إِذَا جَلَسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَثُرَ النَّاسُ زَادَ النِّدَاءَ الثَّالِثَ عَلَى الزَّوْرَاءِ " قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ الزَّوْرَاءُ مَوْضِعٌ بِالسُّوقِ بِالْمَدِينَةِ) رواه البخاري (912) . وقوله " زاد النداء الثالث " معناه أن للجمعة ثلاثة نداءات: الأذان الأول الذي زاده عثمان رضي الله عنه، والأذان الثاني الذي يكون عند الخطبة، والأذان الثالث وهو الإقامة؛ لأن الإقامة تسمى أذاناً، كما في حديث عبد الله بن مغفل المزني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ) رواه البخاري (624) ومسلم (838) . قال الشيخ ابن عثيمين في "مجموع الفتاوى" (12/180) : " الإقامة يطلق عليها اسم الأذان إطلاقاً تغليبياً كما في قوله صلى الله عليه وسلم: " بين كل أذانين صلاة " أي بين كل أذان وإقامة. أو إطلاقاً مجازياً أو حقيقياً باعتبار معنى الأذان العام لغة كما في صحيح البخاري عن السائب بن يزيد - رضي الله عنه - قال: " إن الذي زاد التأذين الثالث يوم الجمعة عثمان بن عفان - رضي الله عنه - حين كثر أهل المدينة ". الحديث. وليس في الجمعة سوى أذانين وإقامة، فسمى الإقامة أذاناً إما تسمية مجازية أو حقيقية باعتبار معنى الأذان العام " انتهى. والخلاصة: أن تحريم البيع يوم الجمعة إنما يكون بعد الأذان الثاني، والذي يكون عقب جلوس الإمام على المنبر. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131619 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1928 يقيمون جمعتين متتاليتين في مبنيين متجاورين بسبب انشغالهم بالمحاضرات [السُّؤَالُ] ـ[تصلى الجمعة عندنا مرتين في منطقة واحدة. فالطلاب في الجامعة يأخذون فرصتهم لتناول الغداء في أوقات مختلفة، وهو الوقت الذي يستغلونه لتأدية صلاة الجمعة. المجموعة الأولى تصلي من 12:00 حتى 1:00 بعد الظهر، أما المجموعة الأخرى فتصلي من 1:00 حتى 2:00. وعليه فنحن نقيم جماعتين، لكنهما تقامان في مبنيين مختلفين – رغم أن المبنيين متجاوران. وإن نحن أقمنا جماعة واحدة، فإننا نلاحظ أن الكثيرين من المسلمين الذين قد يكون إيمانهم ضعيفا سيقدمون المحاضرات والدروس، ولذلك فإنهم لا يخرجون لتأدية صلاة الجمعة خلال أوقات إلقاء المحاضرات. فهل يصح عملنا (تأدية صلاة الجمعة مرتين) ؟ وإن لم يكن ذلك جائزا، فما هو البديل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا بأس بتفريق الجماعة إلى قسمين، قسم يصلون صلاة الجمعة في أول الوقت، وقسم يصلونها في وسط الوقت إذا لم يمكن اجتماعهم في وقت واحد، بسبب المحاضرات والدروس التي يتلقاها بعضهم في وقت صلاة الجمعة الذي هو وسط النهار، وذلك لأن وقت صلاة الجمعة يمتدّ إلى دخول وقت العصر، والأصل أن الجمعة لا يجوز تعددها في البلاد المتقاربة، لأن من الحكمة في شرعيتها اجتماع أهل البلد وأداؤهم الصلاة في وقت واحد، ومسجد واحد يحصل بسببه تقابلهم والتقاء بعضهم ببعض وتبادلهم التحية، وتفقد بعضهم أحوال بعض لعل ذلك يكون سبباً في ثبات الأخوّة بينهم، وحيث إن أهل هذه المنطقة كلهم من الطلاب في جامعة واحدة، فإن اجتماعهم في الفصول وفي الجامعة يؤدي الغرض، فعلى هذا لا مانع من تفرقهم في أداء الجمعة إذا ترتب على الاجتماع تخلف بعضهم وتقديم المحاضرات على صلاة الجمعة، فإن تمكن الجميع من تأخير الجمعة إلى الساعة الواحدة وأدّوها جماعة واحدة فهو أفضل، فإذا لم يتمكنوا وتسبب ذلك في تخلف بعضهم فإن هذا عذرٌ مسوّغ لإقامة الجمعة مرتين. والله أعلم فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله. [الْمَصْدَرُ] سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله الحديث: 129899 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1929 يسافر خارج البلاد وقد لا يتمكن من صلاة الجمعة [السُّؤَالُ] ـ[علي أن أسافر لخارج البلاد بصورة متكررة، بسبب العمل، مما أجبرني على ترك صلاة الجمعة مؤخرا. وفي شهر يونيه (6) مثلا فقد فاتتني جمعتين. وأسأل عن: 1-هل يجوز لي أن أستمر على ترك الجمع بهذه الصورة؟ 2-وهل توجد أية قيود على فعل هذا (حيث إني أشعر في قرارة نفسي بأني أذنب في حق الله سبحانه وتعالى) ؟ وسأقدر لك إرشاداتك.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا مرّت بك الجمعة وأنت مسافر لا تتمكن أن تقف وتصلي فلا حرج عليك. ولكن إذا كانت قريبة منك ولا مشقة عليك، وكانت بينك وبين الجامع مسيرة ساعة أو نصف ساعة بالسيارة فلا يحق لك أن تترك الجمعة وأنت قادر، ولو كنت مسافرا ولكنك مقيم بهذه البلد التي بها جامع يصلى به، أو تتنقل من بلد إلى بلد أو في تنقلك تمرّ بعدّة مساجد تقام بها الجمعة فلا بأس أن تصلي أو لا ضرر عليك أن تصلي معهم وأنت قادر على إتيانها. ولا شك أنك إذا تركت الجمعة وأنت قادر على إتيانها ولا ضر عليك في أداء الجمعة فإنك تعتبر تاركا لشيء من الواجبات فعليك التوبة في المستقبل والمواظبة على صلاة الجمعة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله الحديث: 129250 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1930 حكم جلسة الاحتباء أو القرفصاء [السُّؤَالُ] ـ[لقد طالعت حديثا في كتاب " رياض الصالحين " يدور حول حرمة جلوس القرفصاء والخطيب يخطب على المنبر يوم الجمعة. آمل لو ساعدتني بإلقاء مزيد من الضوء على هذا الموضوع.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الحديث الوارد في ذلك رواه الإمام أحمد (24/393) والترمذي (514) عن معاذ بن أنس رضي الله عنه: (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الحبْوَة يَوْمَ الجُمُعَةِ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ) وقال الترمذي: هذا حديث حسن. والاحتباء هو أن يجلس على أليتيه، ويضم فخذيه وساقيه إلى بطنه بذراعيه ليستند. وهذه الجلسة تسمى أيضا " القرفصاء ". وانظر "المعجم الوسيط" (1/154) ، (2/729) . وقد اختلف أهل العلم في هذا الحديث، فمنهم من حَسَّنه كالشيخ الألباني رحمه الله في "صحيح الترمذي"، وكذا محققو مسند الإمام أحمد. ومنهم من ضعفه كالنووي في "المجموع" (4/592) وابن العربي في "عارضة الأحوزي" (1/469) وابن مفلح في "الفروع" (2/127) . قال النووي في "المجموع" بعد أن ذكر أن الترمذي قد حَسَّن هذا الحديث، قال: "لكن في إسناده ضعيفان، فلا نسلم حسنه" انتهى. والضعيفان اللذان أشار إليهما النووي هما: سهل بن معاذ، وعبد الرحيم بن ميمون. أما سهل بن معاذ، فقد قال فيه ابن معين: ضعيف. وقال ابن حبان: منكر الحديث جداً. وعبد الرحيم بن ميمون ضعفه أيضاً ابن معين. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به. انظر: " تهذيب التهذيب " (4/258) (6/308) . وقد ورد الاحتباء يوم الجمعة والإمام يخطب عن بعض الصحابة كابن عمر وأنس رضي الله عنهم، ولهذا ذهب أكثر العلماء (ومنهم الأئمة الأربعة) إلى أنه لا يكره. قال ابن قدامة في "المغني" (2/88) : "ولا بأس بالاحتباء والإمام يخطب , روي ذلك عن ابن عمر , وجماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإليه ذهب سعيد بن المسيب , والحسن , وابن سيرين , ومالك , والشافعي , وأصحاب الرأي. قال أبو داود: لم يبلغني أن أحدا كرهه إلا عبادة بن نسي , لأن سهل بن معاذ روى , (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب) رواه أبو داود. ولنا: ما روى يعلى بن شداد بن أوس , قال: (شهدت مع معاوية بيت المقدس , فجمع بنا , فنظرت , فإذا جُلُّ من في المسجد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيتهم محتبين والإمام يخطب) وفعله ابن عمر , وأنس ولم نعرف لهم مخالفاً , فصار إجماعاً، والحديث في إسناده مقال. قاله ابن المنذر. والأولى تركه لأجل الخبر , وإن كان ضعيفا , ولأنه يكون متهيئا للنوم والوقوع وانتقاض الوضوء , فيكون تركه أولى , والله أعلم" انتهى باختصار. وقال النووي في "المجموع" (4/457) : "الاحتباء يوم الجمعة لمن حضر الخطبة , والإمام يخطب. نقل ابن المنذر عن الشافعي: أنه لا يكره , ونقله ابن المنذر عن ابن عمر وابن المسيب والحسن البصري وعطاء وابن سيرين وأبي الزبير وسالم بن عبد الله وشريح القاضي وعكرمة بن خالد ونافع ومالك والثوري والأوزاعي وأصحاب الرأي وأحمد وإسحاق وأبي ثور. قال: وكره ذلك بعض أهل الحديث لحديث روي عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه: في إسناده مقال" انتهى. وقد ذكر بعض العلماء أسباب كراهة هذه الجلسة والإمام يخطب. قال البيهقي رحمه الله: "والذي روي في حديث معاذ بن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحبوة يوم الجمعة: فهو إن ثبت لِما فيه من اجتلاب النوم، وتعريض الطهارة للانتقاض، فإذا لم يخش ذلك فلا بأس بالاحتباء" انتهى. "معرفة السنن والآثار" (1814) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها – أي الحبوة - والإمام يخطب يوم الجمعة لسببين: الأول: أنه ربما تكون هذه الحبوة سبباً لجلب النوم إليه، فينام عن سماع الخطبة. والثاني: أنه ربما لو تحرك لبدت عورته؛ لأن غالب لباس الناس فيما سبق الأزر والأردية، ولو تحرك أو انقلب لبدت عورته. وأما إذا أمن ذلك فإنه لا بأس بها؛ لأن النهي إذا كان لعلة معقولة فزالت العلة فإنه يزول النهي" انتهى. " شرح رياض الصالحين " فالخلاصة: أن الأولى ترك الاحتباء والإمام يخطب يوم الجمعة، فإن احتبى الرجل ولم يكن في ذلك كشف عورته، أو جلب للنوم، فلا حرج حينئذٍ. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129182 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1931 الفتح على الخطيب أثناء الخطبة ليس من اللغو [السُّؤَالُ] ـ[إذا حدث أن غلط الإمام في خطبة الجمعة فردّ عليه بعض المصلين فهل يعتبر هذا المصلي قد لغا أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الرد على الإمام في الخطبة أو سؤاله عن شيء في الخطبة أو طلبه شيئاً في الخطبة ليس من اللغو في الخطبة، وليس بممنوع، فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب الجمعة قال: يا رسول الله هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادعوا الله أن يغيثنا، فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم واستغاث ربه، ولم ينكر عليه. فإذا خاطب رجل الخطيب وقال له: يا خطيب أو يا فلان، ادعو الله لنا، أو استغث لنا، أو فتح عليه غلطاً وقع له، فلا حرج عليه في ذلك، وليس بدعاً في هذا وليس بممنوع" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (2/1042) . [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز فتاوى نور على الدرب الحديث: 128127 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1932 مدينة يَسلم فيها من الفتن ويصلون فيها الجمعة قبل الزوال فهل يجب عليه الانتقال إليها؟ [السُّؤَالُ] ـ[أعيش في مدينة تكثر فيها الفتنة، وتقلّ فيها فرص العمل، وتوجد مدينة تبعد عنّا حوالي ساعة، لكنها مليئة بفرص العمل، وفيها الإخوة الصالحون، الأمر الذي يمنعني من الانتقال الى هذه المدينة هي أنهم يؤدّون صلاة الجمعة قبل دخول وقت صلاة الظهر , فقمت بنصحهم عن طريق إرسال فتوى من موقعكم تنص على أنه لا تجوز صلاة الجمعة إلا في فترة صلاة الظهر، فما رأيكم؟ وما حكم انتقالي للعمل هناك في هذه الحالة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قد بينَّا في جواب السؤال رقم (114859) اختلاف العلماء في وقت صلاة الجمعة، وذكرنا أن جمهورهم على أن وقتها بعد زوال الشمس، وهو وقت صلاة الظهر، وخالف في ذلك بعض الحنابلة فذهبوا إلى أنه يمكن أداؤها قبل الزوال، وذكرنا هناك عن الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله قوله بصحة صلاة من صلى الجمعة قبل الزوال بقليل، وأن الأحوط لمن فعل ذلك أن يوافق الجمهور فلا يؤديها إلا بعد زوال الشمس. وإنما ذكرنا لك ذلك أخي السائل لتعلم أن الأمر الذي يفعله المصلون في المدينة التي تذكرها ليس منكراً، ولا بدعة، وإن كنا نميل لقول الجمهور. ولا شك أن بقاءك في مدينتك الحالية التي تكثر فيها الفتن: خطر على دينك، ولا يمكن أن ننصحك بالبقاء فيها البتة، بل ننصحك بأن تنضم لإخوانك الذين يعينونك على طاعة ربك، وتحصن نفسك بينهم من فتن الدنيا، والتي افتتن فئام بزينتها وبهرجتها، مع ما في تلك المدينة من فرَص للعمل، تعف بها يدك عن السؤال، وتزيل عن نفسك همَّ البطالة. وأما بخصوص الإخوة هناك وأدائهم صلاة الجمعة قبل الزوال: فيمكن أن تتلطف بنصحهم إن كنتَ بينهم ليقيموا الصلاة بعد الزوال، وتكثف من نشاطك بينهم لإقناعهم، وتبذل في ذلك طرقاً مختلفة، كالاتصال بالعلماء، وقراءة كلام أهل العلم، وفتاواهم، وإذا أصرَّ الإخوة هناك على الاستمرار بفعلهم: فيمكن أن تنصحهم بإيقاع الخطبة قبل الزوال، وتحرِّي أن تكون صلاتهم للجمعة بعد الزوال، وينبغي أن يعلموا أن هذا هو ما فهمه بعض الأئمة الحنابلة من مذهبهم، لا أنهم يوقعون الخطبة والصلاة قبل الزوال، بل قد ورد عن الإمام أحمد رحمه الله نفسه القول بموافقة الجمهور، وأنه لا صلاة جمعة إلا بعد الزوال! . قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله: " ونقل أبو طالب عنه – أي الإمام أحمد -، قال: ما ينبغي أن يصلي قبل الزوال ". " فتح الباري " لابن رجب (5 / 418) . وينبغي أن يعلموا – كذلك – أن هذا هو قول جمهور الحنابلة. قال ابن رجب الحنبلي – رحمه الله -: وبكل حالٍ: فلا يجب فعلها إلا بعد الزوال، على الصحيح من المذهب، وعليه جمهور الأصحاب. " فتح الباري " لابن رجب (5 / 419) . وإن كان الذي ننصحك به هو الانتقال ـ كلية ـ من البلد الذي تعيش فيه، إلى بلدٍ إسلامي تستطيع إظهار شعائر دينك فيه، متى أمكنك ذلك. وإن كنتَ أصلاً من أهل البلد الذي أنت فيه الآن: فالذي ننصحك به، بل نراه واجباً عليك: هو الانتقال لتعيش في المدينة التي تأمن فيها على دينك بين إخوانك، وما يفعلونه من صلاتهم للجمعة قبل الزوال ليس بعذرٍ لك لعدم الانتقال إليهم، وما يفعلونه هو تقليد لمذهب معتبر، ويمكنك التوصل معهم لتركه موافقة للجمهور، بالتي هي أحسن، فإن لم يطيعوك: فابحث عن مسجد آخر في هذه البلدة، يقيم صلاة الجمعة بعد الزوال، فصل معهم. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125515 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1933 كيف يتصرف من استمع لخطيبٍ دعا إلى ضلالة أو قرَّر بدعة؟ [السُّؤَالُ] ـ[لدينا إمام المسجد المحلي يحث على فعل بعض البدع، بعض الإخوة حذَّره من هذه البدع بالدليل، ولكن إلى الآن مصرّ على هذه البدع، هل تنصحون أن لا يذهب المرء إلى خطبة صلاة الجمعة في الأيام التي يعلم أن الخطبة ستكون عن الحث في فعل البدع (مثلا كاحتفال بالمولد، والنصف من شعبان , الخ ... ) ؟ وماذا يفعل المرء إذا ذهب إلى خطبة الجمعة ثم بدأ الإمام يحث على فعل بعض البدع؟ هل يقوم أثنا الخطبة ويذهب إلى بيته ويصلي صلاة الظهر , أم ماذا يفعل؟ هل يحتمل المرء أيّ إثم لو شهد هذه الخطب؟ لأن بعض الإخوة نصحوا الإمام ولكنه مصرّ عليها؟ هل نفس الحكم وارد لو كان يذكر الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة في بعض الخطب؟ . جزاكم الله خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: من ابتلي في مسجد حيَّه بإمام صاحب بدعة: فلا تخلو بدعته من أن تكون كفريَّة، أو دون ذلك، فإن كانت بدعة كفرية: لم يجز الصلاة خلفه، لا جمعة، ولا جماعة. وإن كانت بدعة لا تخرجه من الملة: فالراجح هو جواز الصلاة خلفه، جمعةً، وجماعة، وقد استقرَّ هذا الحكم – غالباً – حتى صار شعاراً لأهل السنَّة، والصحيح – كذلك -: أنه لا يعيد الصلاة إن صلاَّها خلف ذلك المبتدع، والقاعدة في ذلك: " أنه من صحَّت صلاته لنفسه: صحَّت إمامته ". وإن أمكن الذهاب لغير ذلك الإمام المبتدع: فقد يتعيَّن ذلك، وخاصة على أعيان العلماء، وطلبة العلم، وذلك من باب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وأما ترك الصلاة خلفه للصلاة في البيت: فليس هذا جائزاً في الجماعة، ومن باب أولى أنه لا يجوز في الجمعة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: ولو علم المأمومُ أن الإمام مبتدعٌ، يدعو إلى بدعته، أو فاسق ظاهر الفسق، وهو الإمام الراتب الذي لا تمكن الصلاة إلا خلفه، كإمام الجمعة، والعيدين، والإمام في صلاة الحج بعرفة، ونحو ذلك: فإن المأمومَ يصلي خلفه، عند عامة السلف والخلف، وهو مذهب أحمد، والشافعي، وأبي حنيفة، وغيرهم. ولهذا قالوا في العقائد: " إنه يصلِّي الجمعة والعيد خلف كل إمام، بَرّاً كان، أو فاجراً "، وكذلك إذا لم يكن في القرية إلا إمام واحد: فإنها تصلي خلفه الجماعات؛ فإن الصلاة في جماعة خير من صلاة الرجل وحده، وإن كان الإمام فاسقاً. هذا مذهب جماهير العلماء: أحمد بن حنبل، والشافعي، وغيرهما، بل الجماعة واجبة على الأعيان في ظاهر مذهب أحمد، ومن ترك الجمعة والجماعة خلف الإمام الفاجر: فهو مبتدع عند الإمام أحمد وغيره من أئمة السنة، كما ذكره في رسالة " عبدوس "، وابن مالك، والعطار، والصحيح: أنه يصليها، ولا يعيدها؛ فإن الصحابة كانوا يصلون الجمعة، والجماعة، خلف الأئمة الفجار، ولا يعيدون كما كان ابن عمر يصلي خلف الحجاج، وابن مسعود وغيره يصلون خلف الوليد بن عقبة، وكان يشرب الخمر حتى إنه صلى بهم مرة الصبح أربعاً، ثم قال: أزيدكم؟ فقال ابن مسعود: ما زلنا معك منذ اليوم في زيادة! ولهذا رفعوه إلى عثمان. وفي صحيح البخاري أن عثمان رضي الله عنه لمَّا حُصر: صلَى بالناس شخص، فسأل سائل عثمان، فقال: إنك إمام عامة، وهذا الذي يصلي بالناس إمام فتنة، فقال: يا بن أخي، إن الصلاة من أحسن ما يعمل الناس، فإذا أحسنوا: فأحسن معهم، وإذا أساءوا: فاجتنب إساءتهم، ومثل هذا كثير. والفاسق والمبتدع صلاته في نفسه صحيحة، فإذا صلى المأموم خلفه: لم تبطل صلاته، لكن إنما كره مَن كره الصلاة خلفه لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب، ومن ذلك أن من أظهر بدعة، أو فجوراً لا يرتَّب إماماً للمسلمين، فإنه يستحق التعزير حتى يتوب، فإذا أمكن هجره حتى يتوب: كان حسناً، وإذا كان بعض الناس إذا ترك الصلاة خلفه، وصلَّى خلف غيره: أثَّر ذلك حتى يتوب، أو يُعزل، أو ينتهي الناس عن مثل ذنبه: فمثل هذا إذا ترك الصلاة خلفه: كان فيه مصلحة، ولم يفت المأموم جمعة، ولا جماعة. وأما إذا كان ترك الصلاة يفوت المأموم الجمعةَ، والجماعةَ: فهنا لا يَترك الصلاة خلفهم إلا مبتدع، مخالف للصحابة رضي الله عنهم. " الفتاوى الكبرى " (2 / 307، 308) . ثانياً: بما سبق يُعلم أنه لا يجوز لمن سمع الخطيب يدعو لبدعة كالبدع التي أشرت إليها في سؤالك، أو يحث على فعلها، أو يذكر أحاديث ضعيفة، أو موضوعة: لا يحل له مفارقة المسجد، وترك الخطبة، إلا أن يكون عالِماً ذا شأن، وعلى أن يفارقه ليصلِّي عند غيره، وعلى أن يكون قد سبق منه النصح لذلك الخطيب، وتبيين الحق له، وأما إن لم يكن منه سابق نصح، أو كان لا يلحق مسجداً آخر: فالظاهر هو عدم جواز الخروج من المسجد أثناء الخطبة، إلا أن يكون الخطيب ممن لا تجوز الصلاة خلفه أصلاً لوقوعه في الكفر. وقد ذكرنا في جواب السؤال رقم: (6366) حكم مقاطعة خطيب الجمعة أثناء الخطبة إذا تكلَّم بضلال، أو قرَّر بدعة، أو دعا إلى شرك، وقلنا هناك بجواز ذلك، لكنه مقيَّد بعدم ترتب فتنة بين النَّاس في ذلك، وتضييع الجمعة عليهم، ويؤجل من أراد الإنكار عليه لحين انتهاء الخطة، فيقوم ويبين للناس خطأ ما قال الخطيب. ويجب على من أراد القيام بالإنكار أن يتلطف في بيان الحق، ونقد ما قال ذلك الخطيب، حتى يؤدي إنكار المنكر ثمرته المرجوَّة. سئل علماء اللجنة الدائمة: ما حكم الإسلام في خطيب يتحدث أثناء الخطبة، أو كلها، عن إسرائيليات، أو يذكر أحاديث ضعيفة، يبغي بذلك إعجاب الناس به؟ . فأجابوا: إذا علمتَ يقيناً أن ما يذكره في الخطبة إسرائيليات لا أصل لها، أو أحاديث ضعيفة: فانصحه بأن يأتي بدلاً عنها بالأحاديث الصحيحة، والآيات القرآنية، ولا يجزم بنسبة شيء إليه صلى الله عليه وسلم لا يعلم صحته؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة) الحديث رواه مسلم في الصحيح، على أن تكون النصيحة بالأسلوب الحسن، لا بالشدة، والعنف، وفقك الله، ونفع بك. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان. " فتاوى اللجنة الدائمة " (8 / 229، 230) . والخلاصة: أنه إن أمكنكم الذهاب لمسجد لا تقام فيه بدعة، ولا يدعو خطيبه لضلالة: فحسنٌ تفعلون، وإن لم يمكنكم ذلك، أو لم يكن عندكم مسجد آخر: فلا يجوز لكم ترك الجمع والجماعات لأجل ما ذكرتم، وعليكم الاجتهاد في النصح والدعوة إلى الله، والحرص على التلطف، والأسلوب الحسن في دعوة الناس. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 122339 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1934 حكم السفر قبل صلاة الجمعة بساعتين [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم السفر قبل صلاة الجمعة بساعتين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " السفر يوم الجمعة إن كان بعد أذان الجمعة الثاني فإنه لا يجوز؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) الجمعة/9. فلا يجوز للإنسان أن يسافر في هذا الوقت؛ لأن الله قال: (فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) الجمعة/9. وإذا كان السفر قبل ذلك فإن كان سيصلي الجمعة في طريقه مثل أن يسافر من بلده وهو يعلم أنه سيمر على بلد آخر في طريقه ويعرج عليه ويصلي الجمعة فيه، فهذا لا بأس به، وإن كان لا يأتي بها في طريقه، فمن العلماء من كرهه، ومن العلماء من حرمه، ومن العلماء من أباحه، وقال: إن الله تعالى لم يوجب علينا الحضور إلا بعد الأذان. والأحسن ألا يسافر إلا إذا كان يخشى من فوات رفقته أو مثل أن يكون موعد الطائرة في وقتٍ لا يسمح له بالحضور أو ما أشبه ذلك، وإلا فالأفضل أن يبقى" انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. "لقاءات الباب المفتوح" (3/104) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121595 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1935 إذا دخل المسجد والمؤذن يؤذن للجمعة بدأ بتحية المسجد [السُّؤَالُ] ـ[ما الحكم فيمن دخل المسجد لصلاة الجمعة والمؤذن يؤذن الأذان الثاني: هل ينتظر إلى أن يقضي المؤذن أذانه ثم يصلي تحية المسجد؟ أم يصلي وهو يؤذن حتى يدرك بداية الخطبة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "من دخل المسجد يوم الجمعة والمؤذن يؤذن الأذان الذي بعد دخول الإمام؛ فإنه ينبغي له أن يصلي تحية المسجد؛ حتى يتفرغ لسماع الخطبة" انتهى. "المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ الفوزان" (3/91) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121334 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1936 إذا وقع الكسوف وقت الجمعة فبأيهما يبدأ [السُّؤَالُ] ـ[ما الحكم إذا تعارض وقت حصول الكسوف مع وقت صلاة الجمعة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا كسفت الشمس يوم الجمعة، فإن كان ذلك قبل الجمعة بوقت يسع صلاة الكسوف المعتادة، كما لو كان الكسوف في الضحى أو قريبا منه، بدئ بالكسوف، ثم صليت الجمعة في وقتها، وإن وقع الكسوف في وقت الجمعة، فإن خيف فوات الجمعة، قدمت اتفاقا. وإن أمن فواتها، فالجمهور على تقديم الكسوف، وذهب الحنابلة في قول اختاره ابن قدامة رحمه الله إلى تقديم الجمعة؛ لأن البدء بالكسوف يفضي إلى المشقة، ويقتضي حبس الناس لأجله وإلزامهم بصلاته، وهي غير واجبة في الأصل. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/146) : " وإذا اجتمع صلاتان , كالكسوف مع غيره من الجمعة , أو العيد , أو صلاة مكتوبة , أو الوتر , بدأ بأخوفهما فوتا , فإن خيف فوتهما بدأ بالصلاة الواجبة , وإن لم يكن فيهما واجبة كالكسوف والوتر أو التراويح , بدأ بآكدهما , كالكسوف والوتر , بدأ بالكسوف ; لأنه آكد , ولهذا تسن له الجماعة , ولأن الوتر يقضى , وصلاة الكسوف لا تقضى. فإن اجتمعت التراويح والكسوف , فبأيهما يبدأ؟ فيه وجهان، هذا قول أصحابنا، والصحيح عندي أن الصلوات الواجبة التي تصلى في الجماعة مقدمة على الكسوف بكل حال ; لأن تقديم الكسوف عليها يفضي إلى المشقة , لإلزام الحاضرين بفعلها مع كونها ليست واجبة عليهم , وانتظارهم للصلاة الواجبة , مع أن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتخفيف الصلاة الواجبة , كي لا يشق على المأمومين , فإلحاق المشقة بهذه الصلاة الطويلة الشاقة , مع أنها غير واجبة , أولى، وكذلك الحكم إذا اجتمعت مع التراويح , قدمت التراويح لذلك , وإن اجتمعت مع الوتر في أول وقت الوتر قدمت؛ لأن الوتر لا يفوت , وإن خيف فوات الوتر قدم ; لأنه يسير يمكن فعله وإدراك وقت الكسوف , وإن لم يبق إلا قدر الوتر , فلا حاجة بالتلبس بصلاة الكسوف ; لأنها إنما تقع في وقت النهي، وإن اجتمع الكسوف وصلاة الجنازة , قدمت الجنازة وجها واحدا ; لأن الميت يخاف عليه , والله أعلم " انتهى. وقال النووي رحمه الله في "المجموع" (5/61) : " قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله: إذا اجتمع صلاتان في وقت واحد قدم ما يخاف فوته , ثم الأوكد , فإذا اجتمع عيد وكسوف , أو جمعة وكسوف وخيف فوت العيد أو الجمعة لضيق الوقت قدم العيد والجمعة؛ لأنهما أوكد من الكسوف وإن لم يخف فوتهما فالأصح وبه قطع المصنف [أبو إسحاق الشيرازي] والأكثرون: يقدم الكسوف، لأنه يخاف فوته " انتهى بتصرف. وينظر: "الموسوعة الفقهية" (27/258) . والذي يظهر رجحان ما ذهب إليه ابن قدامة رحمه الله؛ لما ذكر من المشقة، ولأن الجمعة آكد وأهم. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا اجتمعت صلاتان صلاة الكسوف مع غيرها، كصلاة الفريضة، أو الجمعة، أو الوتر، أو التراويح، فأيهما يقدم؟ فأجاب: " الفريضة مقدمة على الكسوف والخسوف؛ لأنها أهم، ولأن الله تعالى قال في الحديث القدسي: (ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه) " انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (16/307) . ثانيا: إذا بدأ الإمام بالجمعة، خطب لها وصلاها، ثم صلى الكسوف وخطب له، وإذا بدأ بصلاة الكسوف وفرغ منها، خطب للجمعة، وذكّر فيها بالكسوف، ثم صلى الجمعة، واستغنى بخطبتي الجمعة عن الخطبة للكسوف. قال النووي رحمه الله في الموضع السابق: " ولو اجتمع جمعة وكسوف واقتضى الحال تقديم الجمعة خطب لها ثم صلى الجمعة , ثم الكسوف , ثم خطب للكسوف. وإن اقتضى الحال تقديم الكسوف بدأ بها , ثم خطب للجمعة خطبتها , وذكر فيهما شأن الكسوف وما يندب في خطبتيه ولا يحتاج إلى أربع خطب , وقال أصحابنا: ويقصد بالخطبتين الجمعة خاصة، وكذا نص عليه الشافعي في الأم " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121250 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1937 حكم قيام قارئ يقرأ يوم الجمعة قبل دخول الإمام [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن يقوم قارئ في المسجد يوم الجمعة فيقرأ القرآن قبل أن يخرج الإمام، أهو من أدب الجمعة وسننها أم هو من البدع المنكرة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا نعلم دليلا يدل على قيام قارئ يقرأ يوم الجمعة قبيل دخول الإمام والناس يستمعون له، فإذا دخل الإمام سكت القارئ، والأصل في العبادات التوقيف، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) أخرجه مسلم في صحيحه. وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (3/172) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121193 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1938 إغلاق الجوال أثناء خطبة الجمعة هل هو من اللغو الذي يبطل أجر الجمعة؟ [السُّؤَالُ] ـ[خلال خطبة الجمعة يرن الهاتف النقال لبعض الإخوة والخطيب يخطب الجمعة على المنبر، وبعضها يرن رنة موسيقية قريبة من تلك التي في الأغاني الماجنة، ويقوم من يرن هاتفه بإغلاقه خلال الخطبة، فهل هذا يعتبر من اللغو الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه؟ وهل يعني أن من لغا فلا جمعة له: أن أجر الجمعة أصبح كصلاة الظهر فقط؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: وضع نغمات الهاتف الجوال على نغمات موسيقية: منكر ومحرم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حرم المعازف كلها، وانظر جواب السؤال رقم: (47407) . وعلى من نسي إغلاق جواله أثناء خطبة الجمعة: أن يغلقه إذا رنَّ، حتى لو كانت نغمة الاتصال مباحة؛ لأن في إبقائه تشويشاً على الخطيب والمصلين، وإشغالاً لهم عن واجب الاستماع للخطبة. ونرجو أن لا يكون إغلاقه للجوال داخلاً في اللغو المنهي عنه أثناء خطبة الجمعة، والمشار إليه في السؤال، وهو الوارد ذِكره في قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ مسَّ الحصى فَقَدْ لَغَا) رواه مسلم (857) . وإنما ينطبق هذا الحديث على من يعبث بشيء يلهيه عن سماعه الخطبة، كالجوال، والسجاد، ونحو ذلك. وقد ذكر الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" في شرح حديث رقم (934) عن جمهور العلماء أنهم قالوا فيمن احتاج أن يأمر بالمعروف أو ينهى عن المنكر وقت الخطبة أنه يفعل ذلك بالإشارة. وقال النووي في شرح صحيح مسلم: "فَفِي الْحَدِيث النَّهْي عَنْ جَمِيع أَنْوَاع الْكَلَام حَال الْخُطْبَة ... وَإِنَّمَا طَرِيقه إِذَا أَرَادَ نَهْي غَيْره عَنْ الْكَلَام أَنْ يُشِير إِلَيْهِ بِالسُّكُوتِ إِنْ فَهِمَهُ" انتهى. وعلى هذا فالحركة اليسيرة التي تفعل لغرض صحيح، وليست عبثا، لا حرج فيها أثناء خطبة الجمعة. ثانياً: معنى قوله صلى الله عليه وسلم (لاَ جُمْعَة لَهُ) لمن لغا أثناء خطبة الجمعة: أنها تُكتب له ظهراً، ويحرم ثواب صلاة الجمعة. فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (مَنْ لَغَا وَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ كَانَتْ لَهُ ظُهْراً) رواه أبو داود (347) وحسَّنه الألباني في " صحيح أبي داود ". قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "قال النضر بن شميل: معنى (لغوت) : خبتَ من الأجر، وقيل: بطلتْ فضيلة جمعتك، وقيل: صارت جمعتُك ظهراً. قلت (ابن حجر) : أقوال أهل اللغة متقاربة المعنى، ويشهد للقول الأخير: ما رواه أبو داود وابن خزيمة من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا: (ومن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهراً) ، قال ابن وهب - أحد رواته -: معناه: أجزأتْ عنه الصلاة، وحُرم فضيلة الجمعة" انتهى. " فتح الباري " (2 / 414) . وقال بدر الدين العيني رحمه الله: "قوله: (كانت له ظهراً) أي: كانت جمعته له ظهراً، بمعنى: أن الفضيلة التي كانت تحصل له من الجمعة: لم تحصل له، لفوات شروط هذه الفضيلة" انتهى. " شرح سنن أبي داود " (2 / 169) . فالواجب على القادمين لصلاة الجمعة تعظيم شعائر الله تعالى، ومن ذلك: سكون جوارحه من العبث، وسكوت لسانه عن التكلم، وإلا أثم، وصارت جمعته ظهراً. قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: "لا شك أن المسلم مأمور حالة خطبة الجمعة بالاستماع، والإنصات، وقطع الحركة، فهو مأمور بشيئين: أولاً: السكون، والهدوء، وعدم الحركة، والعبث. ثانيًا: هو مأمور بالسكوت عن الكلام، فيحرم عليه أن يتكلم، والإمام يخطب، ويحرم عليه كذلك أن يستعمل الحركة، والعبث، أو يمسح الحصى، ويخطط في الأرض، أو ما أشبه ذلك" انتهى. " المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان " (5 / 71) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 119636 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1939 يتدارسون القرآن في البيت ويأتون الجمعة قبل صعود الخطيب بربع ساعة [السُّؤَالُ] ـ[هل الاجتماع لمدارسة القرآن في بيت أحدنا يوم الجمعة لا تجوز على الرغم من كوننا نصل للجامع قبل صعود الخطيب بربع ساعة مع الدليل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الاجتماع لمدارسة القرآن يوم الجمعة، إن كان المقصود به أن يقرأ أحدكم ويستمع الباقون، أو يقرأ كل منكم على التناوب، فلا حرج في ذلك، بل هذا من الاجتماع النافع، بشرط ألا يكون تخصيص ذلك بالجمعة لاعتقاد فضل معين، فإن ذلك لم يرد في الشرع، لكن إن كان ذلك لأنه وقت فراغكم وأجازتكم فلا بأس. وأما قراءة القرآن جماعة بصوت واحد، فغير مشروعة وأقل أحوالها الكراهة، وينظر جواب السؤال رقم (4039) . ثانيا: ينبغي التبكير للجمعة؛ لما في ذلك من الثواب العظيم والأجر الكبير، كما قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ راح في الساعة الأولى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً) رواه البخاري (881) ومسلم (850) . وهذه الساعات تبدأ من طلوع الشمس، كما هو مذهب الشافعي وأحمد. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " أما بالنسبة لساعة الجمعة فاقسم ما بين طلوع الشمس إلى مجيء الإمام خمسة أقسام شتاءً أو صيفاً، القسم الأول الساعة الأولى، الثاني الساعة الثانية وهكذا، ولهذا تختلف الساعات طولاً وقصراً بحسب طول النهار وقصره " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (لقاء رقم /235) . وينظر جواب السؤال رقم (60318) . وروى النسائي (1381) وأبو داود (345) والترمذي (496) وابن ماجه (1087) عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ وَغَدَا وَابْتَكَرَ وَدَنَا مِنْ الْإِمَامِ وَلَمْ يَلْغُ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ صِيَامُهَا وَقِيَامُهَا) وصححه الألباني في صحيح النسائي. ووصولكم إلى الجامع قبل صعود الخطيب بربع ساعة لا يعد تبكيرا، بل هو في الساعة الخامسة، ولهذا ينبغي أن تبكروا إلى المسجد، فإن أمكن تغيير هذا الموعد إلى ما بعد صلاة الجمعة مثلاً، فهذا هو الأفضل والأولى، حتى تكونوا حافظتم على الخيرين: التبكير إلى صلاة الجمعة، ومدارسة القرآن الكريم. وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 119592 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1940 غاب خطيب الجمعة فصلوا الظهر بدلها [السُّؤَالُ] ـ[حدث في إحدى الجمع الماضية عدم حضور إمام وخطيب صلاة الجمعة لأي سبب كان، ولم يتم خطبة الجمعة، أي: صلوها صلاة الظهر، لكن أحد الإخوة ذكر بأن هنالك حديثا للرسول عليه أفضل الصلاة والسلام بأن يقوم أحد الإخوة المصلين بتلاوة سورة الإخلاص ثلاث مرات على المنبر، وهي كافية عن خطبة الجمعة. ما مدى صحة الحديث؟ وإذا تكررت هذه الحالة ما العمل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا غاب خطيب الجمعة فالواجب على الحضور أن يقدموا أحدهم ليخطب بهم ثم يصلي بهم الجمعة ركعتين، وليس لهم أن يتركوا الخطبة ويصلوا الظهر أربع ركعات. والخطبة تصح بأدنى كلام فيه ذكر الله تعالى وتذكير الحاضرين ووعظهم، فلو حمد الله تعالى، وقرأ آية أو آيتين وأوصى الناس بتقوى الله عز وجل والاستعداد للآخرة ثم صلى على النبي صلى الله عليه وسلم فقد حقق الخطبة، وأجزأ عن جميع الحاضرين. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: " إذا أتى في كل خطبة بما يحصل به المقصود من الخطبة الواعظة الملينة للقلوب فقد أتى بالخطبة، ولكن لا شك أن حمد الله، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقراءة شيء من القرآن من مكملات الخطبة، وهي زينة لها " انتهى. "الفتاوى السعدية" (ص/193) . ولا يكفي قراءة سورة الإخلاص فقط ثلاث مرات، إذ لا تعد قراءة هذه السورة خطبة عرفا، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن الصحابة الكرام ـ فيما نعلم ـ الاقتصار عليها في خطبهم، بل الواجب هو الإتيان بأدنى كلام يصدق عليه وصف الخطبة: مما يشتمل على حمد الله والثناء عليه وتوصية الحضور بالالتزام بشرع الله تعالى بأي جملة أو عبارة يختارها الخطيب، هذا ما يجب في حال غياب الخطيب الراتب. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: يقولون إن الإمام المعين الراتب لو مرض أو سافر إلى خارج البلدة فلا يجوز لأحد أن يصلي بالناس بدون إذن الإمام المعين، ولو كان هناك عالما دينيا أو من يقدر على الإمامة بطريقة حسنة، وقد غاب الإمام الراتب مرة يوم الجمعة عن الصلاة ولم يحضر في المسجد، فأراد أحد المصلين أن يقوم بالإمامة وهو متخرج من جامعة دينية، ولكن بعض الناس منع إمامته، وقالوا: لا يجوز لأحد أن يصلي بالناس صلاة الجمعة حتى يأذن الملك أو الإمام المعين الراتب، ولما سئل الإمام المعين عن هذه المسألة سكت ولم يجب شيئا، فصلى الناس صلاة الظهر أفرادا يوم الجمعة، وكان عدد المصلين كثيرا جدا، فهل هذا يجوز؟ فأجابوا: " لا تجوز الإمامة في مسجد له إمام راتب إلا بإذنه أو عذره، وإذا تأخر عن الحضور في الوقت المعتاد فلا بأس أن يصلي بالناس من يصلح للإمامة من الحاضرين في الجمعة وغيرها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما تأخر أم الناس أبو بكر، وفي غزوة تبوك لما تأخر النبي صلى الله عليه وسلم عن وقته المعتاد في صلاة الفجر أم الناس عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وقد صلى بهم عبد الرحمن الركعة الأولى، فأراد عبد الرحمن أن يتأخر فأشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يكمل الصلاة، وصلى خلفه صلى الله عليه وسلم الركعة الثانية، ثم قضى الركعة التي فاتته بعد السلام من الصلاة " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (6/278) . ثانيا: إذا وقع وترك الجماعةُ كلُّهم صلاةَ الجمعة بسبب غياب الخطيب، وصلَّوْا بدلَها ظهرا: لم تصح صلاتهم ما لم يخرج وقت الجمعة عند جماهير أهل العلم خلافا للحنفية، لأن الواجب في هذا الوقت هو الجمعة، وهي صلاة مستقلة، ولا تجزئ الظهر عنها بغير عذر ما لم يخرج وقتُها. قال العلامة زكريا الأنصاري رحمه الله: " ولو تركها أهل البلد فصلوا الظهر لم تصح، لتوجه فرضها عليهم " انتهى. "أسنى المطالب شرح روض الطالب" (1/264) . وقال البهوتي الحنبلي رحمه الله: " ومن صلى الظهر ممن يجب عليه حضور الجمعة قبل صلاة الإمام أو قبل فراغها، أي: فراغ ما تدرك به الجمعة، لم تصح صلاته لأنه صلى ما لم يخاطب به، وترك ما خوطب به فلم تصح , كما لو صلى العصر مكان الظهر ... وكذا لو صلى الظهر أهل بلد مع بقاء وقت الجمعة لم تصح ظهرهم لما تقدم، ويعيدونها إذا فاتت الجمعة " انتهى بتصرف واختصار. "كشاف القناع" (2/24) . وعلى هذا؛ فصلاتكم الظهر بدلاً من الجمعة لا تجوز ولا تصح؛ لأن الوقت كان وقت الجمعة، فعليكم أن تعيدوا صلاة الظهر. وإذا تكرر هذا الأمر فالواجب عليكم أحد أمرين: إما أن يقوم أحد الحضور ويخطب في الناس بما تيسر له. وإما أن تذهبوا إلى مسجد آخر تدركون فيه صلاة الجمعة. أما ترك صلاة الجمعة وصلاة الظهر بدلها فلا يجوز ذلك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118878 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1941 مشروعية قول الخطيب: أقول قولي هذا وأستغفر الله [السُّؤَالُ] ـ[قول الخطيب في نهاية خطبة الجمعة (أقول قولي هذا) هل لها أصل في الإسلام؟ وهل فيها محذور؟ فقد صلينا في أحد المساجد وفي نهاية الخطبة قال الخطيب: أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين ... ) فلما قضى الصلاة أنكر عليه أحد جماعة المسجد، وقال: إن هذا مما ابتدع قوله في الخطبة وقال: إن هذا ليس من قولك فقط، فأنت ذكرت آيات كريمة، وأحاديث شريفة، وأقوالاً للسلف فكيف تقول إنه من قولك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج في قول الخطيب في ختام كلامه: أقول هذا وأستغفر الله، أو أقول قولي هذا، سواء كان ذلك في خطبة الجمعة الأولى أو الثانية، أو في غيرها من الخطب، فهي كلمة مأثورة من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وكلام الخطباء من أصحابه رضي الله عنهم. فقد روى ابن حبان (3828) عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يوم فتح مكة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (أما بعد؛ أيها الناس، فإن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية، يا أيها الناس، إنما الناس رجلان: بر تقي كريم على ربه، وفاجر شقي هين على ربه) ثم تلا: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) حتى قرأ الآية ثم قال: (أقول هذا وأستغفر الله لي لكم) . والحديث صححه شعيب الأرنؤوط في تحقيقه، والألباني في السلسلة الصحيحة (2803) . وأورد أصحاب السير أن ثابت بن قيس بن شماس خطيب الأنصار رضي الله عنه قالها بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن إسحاق في خبر وفد بني تميم وافتخارهم أمام النبي صلى الله عليه وسلم: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس بن الشماس أخي بني الحارث بن الخزرج: قم فأجب الرجل في خطبته. فقام ثابت فقال: الحمد لله الذي السموات والأرض خلقه، قضى فيهن أمره، ووسع كرسيه علمه، ولم يك شيء قط إلا من فضله، ثم كان من قدرته أن جعلنا ملوكا، واصطفى من خير خلقه رسولا، أكرمه نسبا، وأصدقه حديثا، وأفضله حسبا، فأنزل عليه كتابه، وأتمنه على خلقه، فكان خيرة الله من العالمين، ثم دعا الناس إلى الإيمان به فآمن برسول الله المهاجرون من قومه وذوي رحمه أكرم الناس حسبا، وأحسن الناس وجوها، وخير الناس فعالا. ثم كان أول الخلق إجابة واستجاب لله حين دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن، فنحن أنصار الله، ووزراء رسوله، نقاتل الناس حتى يؤمنوا بالله، فمن آمن بالله ورسوله منع منا ماله ودمه، ومن كفر جاهدناه في الله أبدا، وكان قتله علينا يسيرا. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي وللمؤمنين والمؤمنات والسلام عليكم " انتهى من السيرة النبوية لابن هشام (2/562) ، والسيرة لابن كثير (4/79) . وورد هذا من كلام أبي بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم في خطبهم، واستعمله بعض أهل العلم المعاصرين في خطبهم، كالشيخ ابن عثيمين رحمه الله في أكثر خطبه. وأما الاعتراض بكون الخطيب قد ذكر أشياء ليست من قوله كالآيات والأحاديث والآثار، فهو اعتراض غير صحيح؛ لأن المقصود هو عموم الخطبة بما فيها من ألفاظ الخطيب، واستشهاده ونقله، حتى ما فيها من آيات أو أحاديث أو آثار فقد قالها الخطيب. والحاصل أن هذا القول جائز ولا بأس به، ولا مبرر لإنكاره. نسأل الله أن يفقهنا في دينه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118336 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1942 تأخير صلاة الجمعة إلى قريب من وقت العصر [السُّؤَالُ] ـ[في بلادنا هناك مساجد يصلون الجمعة قريبا من وقت العصر، فهل يجوز أن يصلى فيها الجمعة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله وقت الجمعة يمتد إلى دخول وقت العصر، عند جمهور العلماء، فمتى صلى الناس الجمعة قبل دخول وقت العصر فقد أدركوا الجمعة. انظر: "المجموع" (4/377-381) ، "المحلى" (5/42-45) . والأَولى أن تصلي الجمعة مع من يصليها أول الوقت، لأن هذا هو الموافق لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: (كُنَّا نُجَمِّعُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ) رواه البخاري (4168) ومسلم (860) واللفظ لمسلم. ويحرم تأخير الجمعة حتى يخرج وقتها، وذلك من كبائر الذنوب؛ لقوله تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) النساء/103، وقوله تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) مريم/59. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: عمن يدرسون بالولايات المتحدة، وبرنامج الدراسة ليس فيه وقت للصلاة، وأداء صلاة الجمعة بالنسبة لوقت الولايات المتحدة الساعة الواحدة والنصف، ويضطرون إلى تأخيرها إلى الساعة الرابعة لظروف برنامج الدراسة، فهل يجوز تأخير الصلاة إلى ذلك الوقت؟ فأجابوا: "الصلوات الخمس في أوقات معينة من الشارع الحكيم، لا يجوز تأخيرها عنها، فإذا كان تأخير الصلاة لعذر لا يفوت وقتها الذي فرضت فيه جاز التأخير، وإذا كان يفوته حرم، وإذا كان الاستمرار في الدراسة يخرج الصلاة عن وقتها لم يجز للدارس فعل ذلك، ووجب عليه أن يصليها في وقتها، والجمعة آخر وقتها هو آخر وقت الظهر، فلا يجوز أن تؤخر عنه بحال. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (8/197) . والحاصل: أنه يجوز تأخير صلاة الجمعة إلى قريب من وقت العصر، بحيث ينتهي منها قبل دخول وقت العصر، لكن إذا وجد في البلد أكثر من جمعة فالأولى أن تصلي مع من يصلي في أول الوقت. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118350 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1943 دعاء الخطيب وسط الخطبة ورفع الناس أيديهم بالدعاء [السُّؤَالُ] ـ[أسأل عن دعاء خطيب الجمعة في وسط الخطبة، وتأمين الناس على دعائه، وأيضا قول الخطيب أدعو الله وأنتم موقنون بالإجابة، ورفع الناس أيديهم بالدعاء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: يستحب للخطيب أن يدعو أثناء الخطبة، ويؤمّن الحاضرون على دعائه، لكنه لا يرفع يديه، ولا يرفعون أيديهم؛ لعدم ورود ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده. وقد روى مسلم (874) عَنْ عُمَارَةَ بْنِ رُؤَيْبَةَ رضي الله عنه أنه رَأَى بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ، رَافِعًا يَدَيْهِ: (فَقَالَ: قَبَّحَ اللَّهُ هَاتَيْنِ الْيَدَيْنِ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ بِيَدِهِ هَكَذَا، وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ الْمُسَبِّحَةِ) . قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: " هَذَا فِيهِ أَنَّ السُّنَّة أَنْ لَا يَرْفَع الْيَد فِي الْخُطْبَة وَهُوَ قَوْل مَالِك وَأَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ. وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ بَعْض السَّلَف وَبَعْض الْمَالِكِيَّة إِبَاحَته؛ لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ يَدَيْهِ فِي خُطْبَة الْجُمُعَة حِين اِسْتَسْقَى، وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ بِأَنَّ هَذَا الرَّفْع كَانَ لِعَارِضٍ " انتهى. فإن دعا الإمام للاستسقاء في خطبة الجمعة، سنّ له رفع اليدين، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك يرفع المأمّنون على دعائه؛ لما روى البخاري (933) ومسلم (897) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: (أَصَابَتْ النَّاسَ سَنَةٌ [جدب] عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ، قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَ الْمَالُ، وَجَاعَ الْعِيَالُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا، فَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا وَضَعَهَا حَتَّى ثَارَ السَّحَابُ أَمْثَالَ الْجِبَالِ، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) . وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: ما حكم من يرفع يديه والخطيب يدعو للمسلمين في الخطبة الثانية مع الدليل، أثابكم الله؟ فأجاب: "رفع اليدين غير مشروع في خطبة الجمعة ولا في خطبة العيد لا للإمام ولا للمأمومين، وإنما المشروع الإنصات للخطيب والتأمين على دعائه بينه وبين نفسه من دون رفع صوت، وأما رفع اليدين فلا يشرع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يرفع يديه في خطبة الجمعة ولا في خطبة الأعياد، ولما رأى بعض الصحابة بعض الأمراء يرفع يديه في خطبة الجمعة أنكر عليه ذلك، وقال: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يرفعهما. نعم، إذا كان يستغيث في خطبة الجمعة للاستسقاء، فإنه يرفع يديه حال الاستغاثة - أي طلب نزول المطر -؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في هذه الحالة، فإذا استسقى في خطبة الجمعة أو في خطبة العيد فإنه يشرع له أن يرفع يديه تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم " انتهى من " مجموع الشيخ ابن باز " (12/339) . ثانيا: للخطيب أن يدعو في وسط الخطبة أو آخرها، وهذا من المواطن التي هي مظنة الإجابة؛ لأن في الجمعة ساعة إجابة، لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله خيرا إلا أعطاه إياه، كما في الحديث الذي رواه البخاري (5295) ومسلم (852) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ قَائِمٌ يُصَلِّي فَسَأَلَ اللَّهَ خَيْرًا إِلَّا أَعْطَاهُ) ، وقد قيل إن هذه الساعة من جلوس الإمام إلى انقضاء الصلاة. قال ابن القيم رحمه الله: " وأرجح هذه الأقوال: قولان تضمنتهما الأحاديث الثابتة، وأحدهما أرجح من الآخر: الأول: أنها من جلوس الإمام إلى انقضاء الصلاة، وحجة هذا القول ما روى مسلم في صحيحه من حديث أبي بردة بن أبي موسى، أن عبد الله بن عمر قال له: أسمعت أباك يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن ساعة الجمعة شيئا؟ قال: نعم سمعته يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة) . وروى ابن ماجه، والترمذي، من حديث عمرو بن عوف المزني، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن في الجمعة ساعة لا يسأل الله العبد فيها شيئا إلا آتاه الله إياه. قالوا: يا رسول الله! أية ساعة هي؟ قال: حين تقام الصلاة إلى الانصراف منها. والقول الثاني: أنها بعد العصر، وهذا أرجح القولين، وهو قول عبد الله بن سلام، وأبي هريرة، والإمام أحمد. وحجة هذا القول ما رواه أحمد في مسنده من حديث أبي سعيد وأبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: (إن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فها خيرا إلا أعطاه إياه، وهي بعد العصر) . وروى أبو داود والنسائي، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (يوم الجمعة اثنا عشر ساعة، فيها ساعة لا يوجد مسلم يسأل الله فيها شيئا إلا أعطاه، فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر) ... " انتهى من "زاد المعاد" (1/376) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118023 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1944 مناقشة حول صلاة سنة الجمعة القبلية [السُّؤَالُ] ـ[قرأت في أحد المواقع أن صلاة الجمعة لها سنة تصلى قبلها، أربع ركعات، وذكر الموقع جوابكم على السؤال رقم (6653) وأجاب عليه وأورد أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وآثاراً عن الصحابة أنهم كانوا يصلون أربعاً قبل الجمعة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: صلاة سنة راتبة قبل صلاة الجمعة مما اختلف فيه العلماء، ومثل هذه المسائل الاجتهادية لا ينكر أحد من المختلفين على الآخر، ولا يجوز أن تكون مثاراً للجدال أو التعصب، أو سبباً لحصول النفرة بين طلاب العلم. ويجب في هذه المسائل وغيرها رد التنازع إلى الكتاب والسنة، كما أمر الله تعالى بذلك في قوله: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) النساء/59. ومن ظهر له صواب أحد القولين اتبعه، وعمل به، من غير أن ينكر على من أخذ بالقول الآخر. وينظر جواب السؤال رقم (70491) لمعرفة موقف المسلم من المسائل الاجتهادية. ولا مانع من المباحثة في هذه المسائل للوصول إلى الصواب. والأحاديث ـ وكذلك الآثار عن الصحابة ـ الواردة في صلاة أربع ركعات أو غيرها قبل الجمعة، لا تدل على أن هذه الركعات سنة راتبة قبل الجمعة، كما هو الحال في صلاة الظهر مثلاً، بل تدل على مشروعية الصلاة قبل الجمعة، وهذه الصلاة تعد من النفل المطلق، وليست من السنة الراتبة. وقد جاء هذا في أحاديث كثيرة، منها: عن سَلْمَانَ الْفَارِسِي رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: (لاَ يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ، وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ، أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ ثُمَّ يَخْرُجُ، فَلاَ يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّى مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الإِمَامُ، إِلاَّ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الأُخْرَى) رواه البخاري (883) . وعن ثعلبة بن أبي مالك أنهم كانوا في زمان عمر بن الخطاب يصلون يوم الجمعة حتى يخرج عمر. أخرجه مالك في "الموطأ" (1/103) وصححه النووي في "المجموع" (4/550) . وعن نافع قَال: كان ابن عمر يصلي قبل الجمعة اثنتي عشرة ركعة. عزاه ابن رجب في "فتح الباري" (8/329) لمصنف عبد الرزاق. ولا يصح أن تكون هذه الأدلة دالة على وجود سنة راتبة لصلاة الجمعة، تُصلى قبلها، لأن هذه الصلاة [السنة الراتبة] لم يكن لها وقت تصلى فيه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إذ كان صلى الله عليه وسلم يخرج من بيته إلى الجمعة، ثم يصعد المنبر، ويؤذن المؤذن، ثم يقوم الرسول صلى الله عليه وسلم ويخطب خطبته، ثم ينزل فتقام الصلاة، ويصلي. فيقال لمن أثبت هذه السنة الراتبة: متى كانت تصلى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟ فإن قال: كانت تصلى بعد الأذان، فهذا لا أصل له في السنة. وإن قال: كانت تصلى قبل الأذان، فهذه ليست سنة راتبة، وإنما هي نفل مطلق. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " وأما سنة الجمعة التي قبلها فلم يثبت فيها شيء " انتهى. "فتح الباري" (2/426) . وقال ابن القيم رحمه الله: " وكان إذا فرغ بلال من الأذان أخذ النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة، ولم يقم أحد يركع ركعتين البتة، ولم يكن الأذان إلا واحدا، وهذا يدل على أن الجمعة كالعيد لا سنة لها قبلها، وهذا أصح قولي العلماء، وعليه تدل السنة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج من بيته، فإذا رقي المنبر أخذ بلال في أذان الجمعة، فإذا أكمله أخذ النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة من غير صل، وهذا كان رأي عين، فمتى كانوا يصلون السنة؟ ومن ظن أنهم كانوا إذا فرغ بلال رضي الله عنه من الأذان قاموا كلهم فركعوا ركعتين فهو أجهل الناس بالسنة. وهذا الذي ذكرناه من أنه لا سنة قبلها هو مذهب مالك، وأحمد في المشهور عنه، وأحد الوجهين لأصحاب الشافعي. والذين قالوا: إن لها سنة، منهم من احتج أنها ظهر مقصورة فيثبت لها أحكام الظهر. وهذه حجة ضعيفة جدا، فإن الجمعة صلاة مستقلة بنفسها تخالف الظهر في الجهر والعدد والخطبة والشروط المعتبرة لها ..... ومنهم من أثبت السنة لها هنا بالقياس على الظهر، وهو أيضا قياس فاسد، فإن السنة ما كان ثابتا عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو سنة خلفائه الراشدين، وليس في مسألتنا شيء من ذلك، ولا يجوز إثبات السنن في مثل هذا بالقياس ... ونظير هذا أن يشرع لصلاة العيد سنة قبلها أو بعدها بالقياس. ومنهم من احتج بما ذكره البخاري في " صحيحه " فقال: باب: الصلاة قبل الجمعة وبعدها: حدثنا عبد الله بن يوسف أنبأنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل الظهر ركعتين، وبعدها ركعتين، وبعد المغرب ركعتين في بيته، وقبل العشاء ركعتين، وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين. وهذا لا حجة فيه، ولم يُرد به البخاري إثبات السنة قبل الجمعة، وإنما مراده أنه هل ورد في الصلاة قبلها أو بعدها شيء؟ ثم ذكر هذا الحديث، أي أنه لم يرو عنه فعل السنة إلا بعدها، ولم يرد قبلها شيء. وهذا نظير ما فعل في كتاب العيدين، فإنه قال: باب الصلاة قبل العيد وبعدها. وقال أبو المعلى: سمعت سعيدا عن ابن عباس أنه كره الصلاة قبل العيد. ثم ذكر حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم الفطر فصلى ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما ومعه بلال ... الحديث. وذكر للعيد حديثا دالا على أنه لا تشرع الصلاة قبلها ولا بعدها، فدل على أن مراده من الجمعة كذلك" انتهى باختصار من "زاد المعاد" (1417- 422) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 117689 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1945 هل يجوز أن يخطب الجمعة شخص ويؤم آخر [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن يخطب شخص ويصلي الجمعة شخص آخر؟ حصل هذا في مسجدنا حيث انتهى الخطيب من الخطبة ثم صلى بنا شخص حافظ، فهل هذا صحيح؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى فَصْلٌ: وَالسُّنَّةُ أَنْ يَتَوَلَّى الصَّلاةَ مَنْ يَتَوَلَّى الْخُطْبَةَ ; لأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَوَلاهُمَا بِنَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ خُلَفَاؤُهُ مِنْ بَعْدِهِ. وَإِنْ خَطَبَ رَجُلٌ، وَصَلَّى آخَرُ لِعُذْرٍ، جَازَ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ ... لأَنَّهُ إذَا جَازَ الاسْتِخْلافُ فِي الصَّلاةِ الْوَاحِدَةِ لِلْعُذْرِ، فَفِي الْخُطْبَةِ مَعَ الصَّلاةِ أَوْلَى. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ، فَقَالَ أَحْمَدُ - رحمه الله -: لا يُعْجِبُنِي مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ. فَيُحْتَمَلُ الْمَنْعُ ; لأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَوَلاهُمَا، وَقَدْ قَالَ: (صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي) رواه البخاري وأحمد. وَلأَنَّ الْخُطْبَةَ أُقِيمَتْ مَقَامَ رَكْعَتَيْنِ. وَيُحْتَمَلُ الْجَوَازُ ; لأَنَّ الْخُطْبَةَ مُنْفَصِلَةٌ عَنْ الصَّلاةِ، فَأَشْبَهَتَا صَلاتَيْنِ. المغني ج2 كتاب الجمعة: فصل: يتولى الصلاة من يتولى الخطبة. ويُراجع: البدائع 1/262 والشرح الكبير 1/499. وكون الذي صلى أحفظ من الخطيب لا يبرّر مخالفة السنّة في كون الخطيب هو الإمام، فيصلي الخطيب بالناس ويقرأ بما تيسّر من القرآن ولو كان وراءه من هو أحفظ منه، والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 3984 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1946 شروط وأركان وسنن خطبة الجمعة [السُّؤَالُ] ـ[هل تستطيعون أن تبينوا لنا أركان، وواجبات، وسنن خطبة الجمعة؟ جزاكم الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: اتفق الفقهاء من المذاهب الأربعة على أن الخطبة شرط لصحة الصلاة يوم الجمعة، فهي من ذكر الله الذي أمر الله تعالى بالسعي إليه في قوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) سورة الجمعة/9. وقد واظب النبي صلى الله عليه وسلم عليها مواظبة تامة، بل جاء عن بعض الصحابة أن الخطبة هي بدل الركعتين من صلاة الظهر، كل ذلك يدل على اشتراط الخطبة لصحة صلاة الجمعة. يقول ابن قدامة رحمه الله: " وجملة ذلك أن الخطبة شرط في الجمعة، لا تصح بدونها كذلك قال عطاء، والنخعي، وقتادة، والثوري، والشافعي، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، ولا نعلم فيه مخالفا إلا الحسن " انتهى. "المغني" (2/74) ثانيا: شروط خطبة الجمعة: اتفق الفقهاء أيضا على شرطين من شروط خطبة الجمعة: 1- أن تقع بعد دخول وقت صلاة الجمعة. 2- أن تقع قبل الصلاة وليس بعدها: يقول الخطيب الشربيني: " بالإجماع إلا من شذ " انتهى. "مغني المحتاج" (1/549) ، ولا يطول الفصل بينهما، بل يجب الموالاة بين الخطبة والصلاة. يقول ابن قدامة رحمه الله: " يشترط الموالاة بين الخطبة والصلاة " انتهى. "المغني" (2/79) واختلفوا فيما عداها من الشروط، فنذكر باختصار ما ترجح لدينا كونه شرطا بعد دراسة أدلة جميع الأقوال: 3- النية: وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات) متفق عليه. فيشترط أن ينوي الخطيب الخطبة المجزئة لصلاة الجمعة، وبه قال الحنابلة وبعض الشافعية. 4- الجهر: فلا يجزئ أن يخطب الخطيب سرا، إذ لا يتحقق مقصود الخطبة إلا بالجهر بها، وبهذا قال جمهور أهل العلم إلا الحنفية. وقد اشترط بعض أهل العلم حضور عدد معين لخطبة الجمعة، كما اشترط بعضهم كون الخطبة باللغة العربية، ولكن سبق في موقعنا بيان عدم صحة هذين الشرطين، انظر جواب السؤال رقم: (7718) ، (112041) ثالثا: أركان خطبة الجمعة. الصحيح من أقوال أهل العلم أن ركن الخطبة الوحيد هو أقل ما يصدق عليه اسم الخطبة عرفا، وهو مذهب ابن حزم. "المحلى" (5/97) يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ولا يكفي في الخطبة ذم الدنيا وذكر الموت، بل لا بد من مسمى الخطبة عرفا، ولا تحصل باختصار يفوت به المقصود " انتهى. "الاختيارات" (ص/79) ويقول الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: " اشتراط الفقهاء الأركان الأربعة في كل من الخطبتين فيه نظر، وإذا أتى في كل خطبة بما يحصل به المقصود من الخطبة الواعظة الملينة للقلوب فقد أتى بالخطبة، ولكن لا شك أن حمد الله، والصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقراءة شيء من القرآن من مكملات الخطبة، وهي زينة لها " انتهى. "الفتاوى السعدية" (ص/193) رابعا: سنن الخطبة: يستحب للخطيب أن يكون متطهرا من النجاسة ومن الحدثين الأصغر والأكبر، لابسا أحسن ثيابه، ويسلم على الناس، ويخطب عن المنبر، وأن يقبل على الناس بوجهه، وأن يصدق الناس في الوعظ والتذكير بكلام مترسل معرب مبين، ويقصر خطبته فلا يطولها، ويجعلها خطبتين. وفي كثير من هذه الفروع خلاف وتفصيل محله كتب الفروع، وإنما اقتصرنا هنا على البيان الموجز الذي يحتاج إليه جميع المسلمين. على أننا ننبه هنا إلى أهمية مراعاة حال الناس فيما تتضمنه الخطبة، فيعطيهم الخطيب ما يحتاجونه، ولا يحدثهم فيما لا يعقلونه، أو فيما لا يحتاجون إليه في أمر دينهم. ثم إنه ينبغي عليه ألا يصادم ما اعتاده الناس وتعارفوا عليه في خطبهم، من الذكر أو الدعاء، أو غير ذلك من مستحبات الخطبة، والتي قد لا يدل الدليل على اشتراطها في الخطبة، فيكفيه ـ فقط ـ أن يدل الدليل على استحبابها، أو حتى مشروعيتها، حتى يأتي بها، ويراعي حال الناس وحاجتهم. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، بعد مناقشة ما اشترطه فقهاء الحنابلة في خطبة الجمعة: " وقال بعض أهل العلم: إن الشرط الأساسي في الخطبة: أن تشتمل على الموعظة المرققة للقلوب، المفيدة للحاضرين، وأن الحمد لله، أو الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وقراءة آية، كله من كمال الخطبة. ولكن هذا القول وإن كان له حظ من النظر لا ينبغي للإنسان أن يعمل به إذا كان أهل البلد يرون القول الأول الذي مشى عليه المؤلف؛ لأنه لو ترك هذه الشروط التي ذكرها المؤلف لوقع الناس في حرج، وصار كلٌّ يخرج من الجمعة، وهو يرى أنه لم يصل الجمعة، وإذا أتيت بهذه الشروط لم تقع في محرم. ومراعاة الناس في أمر ليس بحرام هو مما جاءت به الشريعة، فقد راعى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في الصوم والفطر في رمضان في حال السفر، وراعاهم عليه الصلاة والسلام في بناء الكعبة حيث قال لعائشة: "لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لهدمت الكعبة وبنيتها على قواعد إبراهيم" [متفق عليه] ، وهذه القاعدة معروفة في الشرع. أما إذا راعاهم في المحرم فهذه تسمى مداهنة لا تجوز، وقد قال الله تعالى: (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) القلم/ 9". انتهى من الشرح الممتع (5/56) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 115854 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1947 دعاء الإمام والمأمومين جماعة عقب صلاة الجمعة [السُّؤَالُ] ـ[نصلي ركعتي فرض الجمعة، بعدها يستدير الإمام وندعو جميعاً. فهل ما نقوم به صحيح؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الذي ينبغي للمؤمن أن يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم، في فعله وتركه، فيفعل ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم، ويترك ما تركه الرسول صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) الأحزاب/21. ودعاء الإمام بعد صلاة الفريضة ـ الجمعة أو غيرها ـ وتأمين المأمومين، لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا فعله أحد من أصحابه رضي الله عنهم، ولو كان خيراً لسبقونا إليه. وعلى هذا؛ فيدخل هذا الفعل في البدعة المذمومة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ) رواه أبو داود (4607) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) رواه البخاري (2697) ومسلم (1718) واللفظ له. وقد ذكر الشاطبي رحمه الله تعالى في كتابه "الاعتصام" (1/349-355) الدعاء الجماعي بعد الصلوات المكتوبة، وبَيَّن أن ذلك بدعة، لأنه لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا أحد من أصحابه رضي الله عنهم، ولا الأئمة بعدهم. فالواجب ترك هذه البدعة، والحرص على الأذكار والأدعية التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقولها بعد الصلاة، ومن أراد الدعاء فليدع سراً. وانظر جواب السؤال رقم (10491) و (21976) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 115781 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1948 إقامة صلاة الجمعة في المطار [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لموظفي المطار إقامة صلاة الجمعة إذا كانت المسافة بين المطار والمدينة حوالي عشرين كيلومتراً، والمطار واقع في صحراء ومنفصل عن البنيان إلى آخره؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا مانع من إقامة صلاة الجمعة في المطار ما زال موظفوه مستوطنين فيه لا يرحلون عنه صيفاً ولا شتاء. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله. الحديث: 21196 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1949 أول وقت صلاة الجمعة [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك دليل من القرآن أو السنة على جواز تأدية خطبة وصلاة الجمعة قبل وقت صلاة الظهر؟ مثلا صلاة الظهر تبدأ الواحدة. وخطبة الجمعة تبدأ الثانية عشرة، وصلاة الجمعة تنتهي قبل الواحدة. هل هناك أي شروط أو حالات تجوز هذا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف أهل العلم في أول وقت صلاة الجمعة على قولين: القول الأول: زوال الشمس، كوقت صلاة الظهر، ولا تجوز الجمعة قبله. وهذا قول جماهير أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية، وعزاه النووي لجمهور الصحابة والتابعين ومن بعدهم. بل قال الإمام الشافعي رحمه الله: " ولا اختلاف عند أحد لقيته أن لا تصلى الجمعة حتى تزول الشمس " انتهى. "الأم" (1/223) واستدلوا بحديثين صريحين صحيحين: 1- عن أنس بن مالك رضى الله عنه: أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّى الْجُمُعَةَ حِينَ تَمِيلُ الشَّمْسُ. رواه البخاري (رقم/904) وبوَّب عليه رحمه الله بقوله: " باب وقت الجمعة إذا زالت الشمس، وكذلك يروى عن عمر وعلي والنعمان بن بشير وعمرو بن حريث رضي الله عنهم " انتهى. 2- عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: (كُنَّا نُجَمِّعُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ نَرْجِعُ نَتَتَبَّعُ الْفَيْءَ) رواه مسلم (رقم/860) القول الثاني: تجوز قبل الزوال، يعني أن بداية وقتها يسبق بداية وقت الظهر. وهذا قول الإمام أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه. وانظر في "الإنصاف" (2/375-376) خلاف الحنابلة في ضبط بداية وقت الجمعة، بارتفاع الشمس قيد رمح، أو في الساعة الخامسة، أو في الساعة السادسة. واستدل من ذهب إلى ذلك بهذه الأحاديث: 1- عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال: (كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ نَرْجِعُ فَنُرِيحُ نَوَاضِحَنَا) قَالَ حَسَنٌ: فَقُلْتُ لِجَعْفَرٍ: فِي أَيِّ سَاعَةٍ تِلْكَ؟ قَالَ: زَوَالَ الشَّمْسِ. رواه مسلم (858) 2- وعن سهل رضي الله عنه قال: (مَا كُنَّا نَقِيلُ وَلَا نَتَغَدَّى إِلَّا بَعْدَ الْجُمُعَةِ) رواه مسلم (859) 3- وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: (كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُمُعَةَ فَنَرْجِعُ وَمَا نَجِدُ لِلْحِيطَانِ فَيْئًا نَسْتَظِلُّ بِهِ) رواه البخاري (4168) ، ومسلم (860) واللفظ له. وهذه الأحاديث ليست نصا على أن الصلاة كانت قبل الزوال، بل في بعضها دلالة أيضا للقول الأول، كما في حديث جابر بن عبد الله، ولذلك فقد بوَّب عليها الإمام النووي في صحيح مسلم بقوله (2/587) : (باب صلاة الجمعة حين تزول الشمس) . وكذلك حديث سلمة قد سبق له رواية في القول الأول: أن ذلك كان إذا زالت الشمس. قال الإمام النووي رحمه الله: " الجواب عن احتجاجهم بحديث جابر وما بعده أنها كلها محمولة على شدة المبالغة في تعجيلها بعد الزوال من غير إبراد ولا غيره , هذا مختصر الجواب عن الجميع , وحملنا عليه الجميع من هذه الأحاديث من الطرفين , وعمل المسلمين قاطبة أنهم لا يصلونها إلا بعد الزوال. وتفصيل الجواب أن يقال: حديث جابر فيه إخبار أن الصلاة والرواح إلى جمالهم كانا حين الزوال لا أن الصلاة قبله. والجواب عن حديث سلمة: أنه حجة لنا في كونها بعد الزوال ; لأنه ليس معناه أنه ليس للحيطان شيء من الفيء , وإنما معناه ليس لها فيء كثير بحيث يستظل به المار. وأوضح منه الرواية الأخرى: " نتتبع الفيء " فهذا فيه تصريح بوجود الفيء , لكنه قليل , ومعلوم أن حيطانهم قصيرة وبلادهم متوسطة من الشمس , ولا يظهر هناك الفيء بحيث يستظل به إلا بعد الزوال بزمان طويل. وأما حديث سهل: (ما كنا نقيل ولا نتغذى إلا بعد الجمعة) (فمعناه) : أنهم كانوا يؤخرون القيلولة والغداء في هذا اليوم إلى ما بعد صلاة الجمعة ; لأنهم ندبوا إلى التبكير إليها , فلو اشتغلوا بشيء من ذلك قبلها خافوا فوتها أو فوت التبكير إليها. ومما يؤيد هذا ما رواه مالك في الموطأ بإسناده الصحيح عن عمر بن أبي سهل بن مالك، عن أبيه قال: كنت أرى طنفسة لعقيل بن أبي طالب تطرح يوم الجمعة إلى جدار المسجد الغربي , فإذا غشي الطنفسة كلها ظل الجدار خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم نخرج بعد صلاة الجمعة فنقيل قائلة الضحى " انتهى. "المجموع" (4/511-512) ، وانظر تفصيلا في تقرير قول الجمهور عند الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (2/387-388) بل نقل الحافظ ابن رجب في "فتح الباري" (كتاب الصلاة/باب وقت الجمعة إذا زالت الشمس) عن أبي طالب نقله عن الإمام أحمد أنه قال: " ما ينبغي أن يصلي قبل الزوال " انتهى. وانظر: "الموسوعة الفقهية" (27/197) فالراجح هو قول جماهير أهل العلم، أن وقت الجمعة هو وقت الظهر نفسه، ولا شك أنه الأحوط والأبرأ للذمة. يقول الشيخ ابن باز رحمه الله: " الأفضل بعد زوال الشمس خروجا من خلاف العلماء؛ لأن أكثر العلماء يقولون لا بد أن تكون صلاة الجمعة بعد الزوال، وهذا هو قول الأكثرين. وذهب قوم من أهل العلم إلى جوازها قبل الزوال في الساعة السادسة، وفيه أحاديث وآثار تدل على ذلك صحيحة، فإذا صلَّى قبل الزوال بقليل فصلاته صحيحة، ولكن ينبغي ألا تفعل إلا بعد الزوال، عملا بالأحاديث كلها، وخروجا من خلاف العلماء، وتيسيرا على الناس حتى يحضروا جميعا، وحتى تكون الصلاة في وقت واحد. هذا هو الأولى والأحوط " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (12/391-392) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114859 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1950 هل تختلف ساعة الإجابة يوم الجمعة باختلاف مواقيت الجمعة في البلدان؟ [السُّؤَالُ] ـ[كيف أستطيع أن أضمن ساعة الإجابة من آخر ساعة ليوم الجمعة، فأنا أعيش في الكويت، ولكن – مثلاً - في الإمارات يؤذَّن قبلنا بنصف ساعة، والسعودية تقريباً بعدنا بنصف الساعة، فكيف تتفق ساعة الإجابة بذلك؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: سبق الكلام عن ساعة الاستجابة يوم الجمعة في جواب السؤال رقم: (112165) ، وهذه الساعة وقت يسير لا يخرج عن كونها من أذان الجمعة إلى انقضاء الصلاة، ومن بعد العصر إلى أن تغرب الشمس، على ما رجحه ابن القيم رحمه الله، من جملة الأقوال التي قيلت في تحديدها. ثانياً: لا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم اختلاف الصلوات في البلدان، وهو يعني بكون تلك الساعة مستجابة الدعاء إنما هو باعتبار كل بلدة وحدها، بل كل مسجد، فقد تكون البلدة واحدة، وفيها اختلاف بين في توقيت صلاة الجمعة. قال شهاب الدين الرملي رحمه الله: " واعلم أن وقت الخطبة يختلف باختلاف أوقات البلدان، بل في البلدة الواحدة، فالظاهر: أنها ساعة الإجابة في حق كل أهل محل من جلوس خطيبه إلى آخر الصلاة " انتهى. " نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج " (2 / 342) . وهذا الظاهر الذي ذكره رحمه الله، وقال به جمع من العلماء هو الذي لا يتوجه غيره، وما ذكره بعده من احتمال إبهام تلك الساعة فقد يصادفها أهل محل دون غيرهم: احتمال بعيد عن الصواب؛ لأنه يعني أنها تكون ساعةَ إجابة لقوم دون غيرهم، وهو ما استبعده ابن حجر الهيتمي الشافعي وغلَّطه. سئل – رحمه الله -: صحَّ أن ساعة الإجابة ما بين أن يجلس الخطيب إلى أن تنقضي الصلاة، فهل هذا في كل خطيب، أو لا، فإن أوقات الخطب تختلف فيلزم عليه تعدد ساعة الإجابة؟ . فأجاب رحمه الله: " لم يزل في نفسي منذ سنين، حتى رأيت الناشري نقل عن بعضهم أنه قال: يلزم على ذلك أن تكون ساعة الإجابة في جماعة غيرها في حق آخرين. وهو غلط ظاهر، وسكت عليه. وفيه نظر. ومن ثم قال بعض المتأخرين: ساعة الإجابة في حق كل خطيب وسامعيه: ما بين أن يجلس إلى أن تنقضي الصلاة، كما صح في الحديث، فلا دخل للعقل في ذلك، بعد صحة النقل فيه " انتهى. " الفتاوى الفقهية الكبرى " (1 / 248) . والشاهد من النقل أنه بين اختلاف هذه الساعة، بحسب اختلاف المصلين، وأما تحديد الساعة بعينها، فقد سبق البحث فيه من قبل. ويشبه هذا الحكمَ أحكامٌ كثيرة، منها: وقت النزول الإلهي في الثلث الأخير من الليل، وما فيه من الفضائل، ومنها: فضل الجلوس بعد صلاة الفجر، وصلاة ركعتين بعد شروق الشمس، فإن هذا يختلف باختلاف المساجد، والبلدان، ومنها: أفضلية وقت صلاة الضحى، فقد يشتد الحر في بلد، فيكون أفضل أوقات صلاة الضحى، ولا يكون كذلك في غيره من البلدان، بل قد يكون الوقت ثمة ليلاً! ، وهكذا في أحكام مشابهة كثيرة. بل هكذا شأن مواقيت الصلوات عامة، ومواقيت الإمساك والإفطار للصائم: تختلف بحسب كل مكان وبلد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114609 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1951 فضائل صلاة الجمعة [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أعرف بعض الأحاديث التي فيها فضل صلاة الجمعة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله وردت أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم تبين فضل صلاة الجمعة منها: 1- روى مسلم (233) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الصَّلاةُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ) . وعن أبي هريرة: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ اغْتَسَلَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَصَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ، ثُمَّ أَنْصَتَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَعَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الأُخْرَى وَفَضْلُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ) . رواه مسلم (857) . قال النووي: قَالَ الْعُلَمَاء: مَعْنَى الْمَغْفِرَة لَهُ مَا بَيْن الْجُمُعَتَيْنِ وَثَلاثَة أَيَّام أَنَّ الْحَسَنَة بِعَشْرِ أَمْثَالهَا , وَصَارَ يَوْم الْجُمُعَة الَّذِي فَعَلَ فِيهِ هَذِهِ الأَفْعَال الْجَمِيلَة فِي مَعْنَى الْحَسَنَة الَّتِي تُجْعَل بِعَشْرِ أَمْثَالهَا , قَالَ بَعْض أَصْحَابنَا: وَالْمُرَاد بِمَا بَيْن الْجُمُعَتَيْنِ مِنْ صَلاة الْجُمُعَة وَخُطْبَتهَا إِلَى مِثْل الْوَقْت مِنْ الْجُمُعَة الثَّانِيَة حَتَّى تَكُون سَبْعَة أَيَّام بِلا زِيَادَة وَلا نُقْصَان وَيُضَمّ إِلَيْهَا ثَلاثَة فَتَصِير عَشْرَة اهـ. 2- التبكير إليها فيه أجر عظيم. روى البخاري (841) ومسلم (850) عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ) . 3- وللماشي إلى صلاة الجمعة بكل خطوة أجر صيام سنة وقيامها. عن أوس بن أوس الثقفي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَغَسَّلَ، وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ، وَدَنَا وَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا أَجْرُ سَنَةٍ صِيَامُهَا وَقِيَامُهَا) . رواه الترمذي (496) . وصححه الألباني في صحيح الترمذي (410) . قال ابن القيم في زاد المعاد (1/385) : قال الإمام أحمد: (غَسَّل) أي: جامع أهله، وكذا فسَّره وكيع اهـ قال الحافظ ابن حجر رحمه الله بعد أن ذكر الأحاديث في فضل صلاة الجمعة: وَتَبَيَّنَ بِمَجْمُوعِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ تَكْفِير الذُّنُوب مِنْ الْجُمُعَة إِلَى الْجُمُعَة مَشْرُوط بِوُجُودِ جَمِيع مَا تَقَدَّمَ مِنْ غُسْل، وَتَنْظف، وَتَطَيُّب، أَوْ دَهْن، وَلُبْس أَحْسَن الثِّيَاب، وَالْمَشْي بِالسَّكِينَةِ، وَتَرْك التَّخَطِّي، وَالتَّفْرِقَة بَيْن الاثْنَيْنِ، وَتَرْك الأَذَى، وَالتَّنَفُّل، وَالإِنْصَات، وَتَرْك اللَّغْو اهـ. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 13692 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1952 هل يستعمل السواك أثناء الخطبة؟ [السُّؤَالُ] ـ[متى يمتنع الإنسان في صلاة الجمعة عن مس الحصى والتسوك؟ هل هو من صعود الإمام على المنبر أم من بداية الخطبة، لأني أشاهد كثيراً من الناس لا يتوقفون عن التسوك إلا بعد أن يبدأ الإمام في الخطبة، وبعضهم يستاك أثناء الخطبة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله السنة الإنصات إلى الخطبة وترك التسوك وسائر العبث من حين الشروع فيها إلى أن يفرغ منها، عملاً بالأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك. لكن من دخل المسجد والإمام يخطب فإنه يصلي تحية المسجد قبل أن يجلس، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما) رواه البخاري (الجمعة/1100) ومسلم (الجمعة/1449) واللفظ له. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - ج/12 ص/336. الحديث: 22278 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1953 تأخر الإمام يوم الجمعة فأقام الصلاة وصلى بالناس الظهر [السُّؤَالُ] ـ[مؤذن بينه وبين الخطيب شحناء، فلما تأخر الإمام يوم الجمعة أقام الصلاة وصلى بهم ظهراً، فماذا يجب على الجميع بالإضافة إلى التوبة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله: يجب أن يؤدّب هذا المؤذن، وأما الباقون فعليهم التوبة، وليس عليهم صلاة أخرى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 10840 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1954 هل للجمعة سنّة قبليّة وسنّة بعدية [السُّؤَالُ] ـ[يُرفع الأذان يوم الجمعة ثم يصلي الحاضرون ركعتين أو أربع ركعات، ثم يُرفع الأذان مرة أخرى ويتبعه الإقامة. وبعد الفراغ من ركعتي الجمعة، يقوم المصلون بأداء ركعتين أو أربع ركعات أخر. إضافة إلى ذلك، فإن الإمام يرفع يديه في الدعاء ثم يمسح وجهه، ويتابعه الجميع في ذلك. فهل يعد ذلك من البدعة؟ وإذا كان بدعة، فماذا أفعل أنا، (هل أكتفي بالنظر إلى الجميع من حولي) ؟ إمام يدعو بعد الصلاة دعاء جماعيا فهل هذا جائز؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله كان رسول الله يخرج من بيته يوم الجمعة، فيصعد منبره، ثم يؤذن المؤذن، فإذا فرغ أخذ النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته. ولو كان للجمعة سنة قبلها، لأخبرهم عليه السلام بذلك وأرشدهم إلى فِعْلها بعد الأذان، وفعلها هو. ولم يكن في زمن النبي غير الأذان بين يدي الخطيب. ولهذا كان جماهير الأئمة، متفقين على أنه ليس قبل الجمعة سنة مؤقتة بوقت، مقدّرة بعدد، لأن ذلك إنما يثبت بقول النبي أو فعله، وهو لم يسن في ذلك شيئاً، لا بقوله ولا بفعله، وهذا مذهب مالك والشافعي وأكثر أصحابه، وهو المشهور في مذاهب أحمد وقال العراقي: ((ولم أر للأئمة الثلاثة ندب سنة قبلها)) وعلق عليه المحدث الألباني بقوله: ولذلك لم يرد لهذه السنة المزعومة ذكر في ((كتاب الأم)) للإمام الشافعي، ولا في ((المسائل)) للإمام أحمد، ولا عند غيرهم من الأئمة المتقدمين فيما علمت. ولهذا فإني أقول: إن الذين يصلون هذه السنة، لا الرسول أتبعوا، ولا الأئمة قلدوا، بل قلدوا المتأخرين، الذين هم مثلهم في كونهم مقلدين غير مجتهدين، فأعجب لمقلد يقلد مقلداً. انظر القول المبين 60، 374 ثمّ ينبغي أن يكون بين النداء الأول للجمعة والنداء الثاني فترة كافية ليتجهّز الناس للصلاة وليس بصحيح أن يكون لفاصل بينهما قصيرا بمقدار ركعتين أو نحوها كما يُفْعل في بعض البلدان والمساجد. أما عن الدعاء الجماعي بصوت واحد وراء الإمام بعد الصلاة فقد أجاب عنه الشيخ ابن عثيمين في الفتاوى ص 368 بقوله: إن هذا من البدع التي لم ترد عن النبي ولا عن أصحابه والمشروع للمصلين بعد الصلاة أن يذكروا الله تعالى وحده بما جاء رسول الله ويكون ذلك جهراً كما في صحيح البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم) . أما عن الصلاة بعد الجمعة فقد قال ابن القيم في الزاد 1/440: وكان صلى الله عليه وسلم إذا صلى الجمعة، دخل إلى منزله، فصلى ركعتين سنتها وأمر من صلاها أن يصلي بعدها أربعا. قال شيخنا أبو العباس ابن تيمية: إن صلى في المسجد، صلى أربعا، وإن صلى في بيته، صلى ركعتين. قلت: وعلى هذا تدل الأحاديث وقد أخرج أبو داود في سننه 1130 عن ابن عمر أنه كان إذا صلى في المسجد، صلى أربعا، وإذا صلى في بيته، صلى ركعتين. وأما مسح الوجه عقب الدعاء فلم يثبت فيه حديث صحيح، بل إن بعض أهل العلم نصوا على بدعيته انظر معجم البدع (ص 227) . فلا تفعل أنت البدعة ولا تُشارك فيها ولكن انصح وأمر بالسنّة وذكّر النّاس وأخبرهم بالحكم الشّرعي، نسأل الله أن يهدينا جميعا للصراط المستقيم وصلى الله على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 6653 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1955 ماذا يقال في الجلسة بين خطبتي الجمعة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك دعاء معين نقوله إذا جلس الخطيب بين الخطبتين يوم الجمعة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب يوم الجمعة خطبتين، يفصل بينهما بجلسة يسيرة على المنبر. فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عمر رضي الله عنهما قَالَ: (كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ يَقْعُدُ بَيْنَهُمَا) رواه البخاري (928) . ولم يَرِد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن الصحابة الكرام – فيما نعلم -: الدعاء أو الذكر بكلام مُعَيَّنٍ بين خطبتي الجمعة، وإنما ذكر بعض أهل العلم استحباب الدعاء بين الخطبتين، تحريًّا لساعة الإجابة التي في يوم الجمعة، ومن أقوى الأقوال في تعيينها: أنها من أول خروج الإمام للخطبة إلى انتهاء الصلاة. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (112165) . ولكن لما لم يكن هذا الدعاء واردا عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو عن الصحابة الكرام، فلا ينبغي تأكيده وجعله سنة لازمة، كما لا يجوز رفع الصوت به والتشويش على الحضور، وقد نبه على ذلك بعض أهل العلم. فقد نقل ابن حجر الهيتمي عن القاضي أنه قال: والدعاء في هذه الجلسة [بين الخطبتين] مستجاب. ثم قال ابن حجر: "ويؤخذ مما ذكر عن القاضي: أن السنة للحاضرين الاشتغال وقت هذه الجلسة بالدعاء، لما تقرر أنه مستجاب حينئذ، وإذا اشتغلوا بالدعاء فالأولى أن يكون سرا، لما في الجهر من التشويش على بعضهم، ولأن الإسرار هو الأفضل في الدعاء إلا لعارض " انتهى. "الفتاوى الفقهية الكبرى" للحافظ ابن حجر الهيتمي (1/251-252) . قال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين رحمه الله: " الدعاء حال جلوسه بين الخطبتين – ما - علمت فيه شيئا، ولا ينكر على فاعله الذي يتحرى الساعة المذكورة في يوم الجمعة " انتهى. "رسائل وفتاوى الشيخ عبد الله أبا بطين" (ص/163) . وقال الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله: " أما رفع اليدين والأصوات بالدعاء عند جلوس الخطيب بين الخطبتين فلا نعرف له سنة تؤيده، ولا بأس به لولا التشويش، وأنهم جعلوه سنة متبعة بغير دليل. والمأثور: طلب السكوت إذا صعد الإمام المِنبر، وإنما السكوت للسماع؛ لذلك نقول: لا بأس بالدعاء في غير وقت السماع، ولكن يدعو خُفية، لا يؤذي غيره بدعائه، ولا يرفع كل الناس أيديهم، فيكون ذلك شعارًا من شعائر الجمعة بغير هداية من السنة فيه؛ بل إنهم يخالفون صريح السنة؛ إذ يقوم الإمام ويشرع في الخطبة الثانية وهم مستمرون على دعائهم، فأَولى لهم سماع وتدبر وقت الخطبة، وفكر وتأثر وقت الاستراحة، وأهون فعلهم هذا أن يكون بدعة مكروهة. والله أعلم " انتهى. "مجلة المنار" (6/792) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله هل هناك دعاء معين وارد، أو ذكر معين يقوله المصلي بين خطبتي الجمعة؟ وهل ورد أن خطيب الجمعة يدعو بين الخطبتين أم لا؟ فأجاب: "ليس هناك ذكر مخصوص أو دعاء مخصوص، لكن يدعو الإنسان بما أحب، وذلك لأن هذا الوقت وقت إجابة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر: (أن في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلى يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه) . وفي صحيح مسلم من حديث أبي موسى: (أنها ما بين خروج الإمام - يعني دخوله المسجد - إلى أن تقضى الصلاة) . فهذا الوقت وقت إجابة، فينبغي للإنسان أن يستغل الفرصة بالدعاء بين الخطبتين بما يشاء من خيري الدنيا والآخرة. وكذلك يقال بالنسبة للإمام: إنه يدعو بين الخطبتين، لكن دعاءً سريا بما يريده من أمر الدنيا والآخرة. وكذلك أيضا في صلاة الجمعة في السجود بعد أن يذكر الأذكار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بما شاء. وكذلك أيضا في التشهد يدعو قبل السلام بما شاء بعد أن يدعو بما ورد الأمر بالدعاء به" انتهى. وقال أيضا رحمه الله: "أما الدعاء في هذا الوقت فإنه خيرٌ ومستحب؛ لأن هذا الوقت وقتٌ تُرجَى فيه الإجابة، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبر أن في الجمعة ساعةً لا يوافقها عبدٌ مسلم وهو قائمٌ يصلى يدعو الله تعالى إلا استجاب له. وساعة الصلاة هي أقرب الساعات لأن تكون هي ساعة الإجابة، لِما رواه مسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (هي ما بين أن يخرج الإمام إلى أن تُقضَى الصلاة) . فعلى هذا؛ فينبغي أن ينتهز الفرصة فيدعو بين الخطبتين. وأما رفع اليدين بذلك فلا أعلم به بأساً؛ لأن الأصل في الدعاء أن مِن آدابه رفع اليدين، فإذا رفع الإنسان يده فلا حرج، وإذا دعا بدون رفع يد فلا حرج، وهذا في الدعاء الذي بين الخطبتين" انتهى. "فتاوى نور على الدرب" (فتاوى الصلاة/صلاة الجمعة) . ثالثا: ذكر بعض الفقهاء استحباب قراءة القرآن في الجلسة بين الخطبتين، وبعضهم يخص سورة الإخلاص، يعتمدون في ذلك على حديث جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ: (كَانَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُطْبَتَانِ، يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا، يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيُذَكِّرُ انَّاسَ) رواه مسلم (862) ورواه ابن حبان في صحيحه (7/42) بلفظ قريب، وبوب عليه بقوله: " ذكر ما كان يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم في جلوسه بين الخطبتين " انتهى قال الخطيب الشربيني رحمه الله: "ويكون جلوسه بين الخطبتين نحو سورة الإخلاص.. وهل يقرأ فيها، أو يذكر، أو يسكت؟ لم يتعرضوا له، لكن في صحيح ابن حبان: (أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فيها) " انتهى بتصرف. "مغني المحتاج" (1/557) . والصواب أن قول جابر بن سمرة في الحديث: (يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَيُذَكِّرُ النَّاسَ) لا يعود إلى الجلسة بين الخطبتين، وإنما هي جملة حالية من الجملة الأولى: (كانت للنبي صلى الله عليه وسلم خطبتان) يعني أنه صلى الله عليه وسلم كان يخطب على المنبر خطبتين، تتضمنان قراءة القرآن ووعظ الناس وتذكيرهم. ولهذا ذكر الحافظ الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (16/102) ، في ترجمة ابن حبان، مبحثا مهما في أوهام وقعت لابن حبان في صحيحه، فكان مما خَطَّأه فيه الذهبي تبويبه على هذا الحديث، فقال: " وقال – يعني ابن حبان -: ذكر ما كان يقرأ عليه السلام في جلوسه بين الخطبتين. فما ذكر شيئا " انتهى. يريد أن الحديث لا يدل على ما بوَّب به. فالراجح - والله أعلم – أنه ليس هناك سنة لازمة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموضع، وأنَّ مَن أراد أن يشغل تلك السكتة اللطيفة بدعاء أو ذكر أو قرءان فله ذلك، على ألا يشوش به على الحاضرين. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111936 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1956 كيفية الجلوس أثناء خطبة الجمعة [السُّؤَالُ] ـ[أود معرفة كيفية الجلوس أثناء خطبة الجمعة. ]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس هناك سنة محددة في هيئة الجلوس لاستماع خطبة الجمعة. والذي ينبغي للمسلم: أين يراعي الأدب والاعتدال في جلسته، فلا يؤذي مَن حوله، ولا يجلس بحيث تنكشف عورته، كما لا يجلس جلسة تجلب إليه الكسل والنعاس. قال الإمام الشافعي رحمه الله: " الجلوس والإمام على المنبر يوم الجمعة كالجلوس في جميع الحالات، إلا أن يُضَيِّقَ الرجلُ على مَن قارَبَه فأكرَهُ ذلك، وذلك أن يتكئ فيأخذ أكثر مما يأخذ الجالس، ويمدرجليه، أو يلقي يديه خلفه، فأكره هذا؛ لأنه يضيق، إلا أن يكون بِرِجلِه علة فلا أكره له من هذا شيئا، وأحب له إذا كانت به علة أن يتنحَّى إلى موضعٍ لا يزدحم الناس عليه، فيفعل من هذا ما فيه الراحة لبدنه بلا ضيق على غيره " انتهى. "الأم" (1/235) . ويراعي في جلسته الإقبال على الخطيب بوجهه، فقد كان ذلك فعل الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم، يقبلون عليه بوجوههم إذا صعد المنبر، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (10667) . وقد كره بعض أهل العلم – كالشافعية – جلوس الحبوة في الجمعة، لما تؤدي إليه هذه الجلسة من النوم والنعاس. قال الخطيب الشربيني رحمه الله: " ويكره الاحتباء، وهو أن يجمع الرجل ظهره وساقيه بثوبه أو يديه أو غيرهما والإمام يخطب، للنهي عنه، لأنه يجلب النوم فيمنعه الاستماع " انتهى. "مغني المحتاج" (1/557) . واستدلوا على ذلك بحديث معاذ بن أنس رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَهَى عَنِ الحبْوَة يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَالإِمَامُ يَخْطُبُ) . رواه أبو داود (1110) والترمذي (514) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود. وقد ضعفه كثير من العلماء، كابن العربي في عارضة الأحوذي (1/496) والنووي في "المجموع" (4/592) . والذهبي في "المهذب" (3/1165) . وقال ابن القطان رحمه الله: " فيه سهل بن معاذ ضعيف , ويرويه عنه أبو مرحوم:عبد الرحيم بن ميمون , وهو أيضاً ضعيف الحديث , قاله ابن معين " انتهى. "الوهم والإيهام" (3/108) . وقال المرداوي رحمه الله: "ولا تكره الحبوة على الصحيح من المذهب، نص عليه [يعني الإمام أحمد] " انتهى. "الإنصاف" (2/396) . وقَالَ أَبُو دَاوُد: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَحْتَبِي وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَشُرَيْحٌ وَصَعْصَعَةُ بْنُ صُوحَانَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَمَكْحُولٌ وَإِسْمَعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ. ثم قال أَبُو دَاوُد: وَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ أَحَدًا كَرِهَهَا إِلَّا عُبَادَةَ بْنَ نُسَيٍّ [أحد التابعين] . وقال ابن قدامة في "المغني" (3/202) : "والأولى تركه لأجل الخبر , وإن كان ضعيفا , ولأنه يكون متهيئا للنوم والوقوع وانتقاض الوضوء , فيكون تركه أولى" انتهى. وعلى هذا؛ فالأفضل أن لا يجلس محتبياً، لأنه قد يكون سببا لجلب النوم والنعاس، فإن احتاج إلى هذه الجلسة، وكان يعلم من نفسه أنها لن تكون سببا في جلب الكسل والنوم إليه، فلا حرج عليه إن شاء الله تعالى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111942 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1957 كم ركعة يصلي بعد الجمعة؟ [السُّؤَالُ] ـ[نصلى ركعتي فرض الجمعة، ثم يقوم الجمع بصلاة عدد من السنن والنوافل. فما هو العدد الصحيح لهذه الصلوات؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ورد في عدد الركعات التي تُصلى بعد الجمعة عدة أحاديث: الحديث الأول: أنها ركعتان. فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (كَانَ لاَ يُصَلِّى بَعْدَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ، فَيُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ) . رواه البخاري (937) ، ومسلم (882) . الحديث الثاني: أنها أربع ركعات. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيُصَلِّ بَعْدَهَا أَرْبَعًا) . رواه مسلم (881) . وقد اختلف العلماء في ذلك على عدة أقوال بناء على اختلاف هذه الأحاديث. القول الأول: أنه يصلي ركعتين: جاء ذلك من فعل ابن عمر رضي الله عنهما. والقول الثاني: وإليه ذهب أكثر الفقهاء استحباب صلاة أربع ركعات بعد الجمعة. يروى ذلك عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأصحابه، كما في "مصنف ابن أبي شيبة" (2/40-41) ، وهو اختيار الحنفية، كما في "رد المحتار" (2/12-13) ، واختيار الإمام الشافعي في "الأم" (7/176) حيث قال: "أما نحن فنقول: يصلي أربعا " انتهى. والقول الثالث: التخيير بين الركعتين والأربع. قال الإمام أحمد: " إن شاء صلى بعد الجمعة ركعتين , وإن شاء صلى أربعا " انتهى. "المغني" (2/109) . القول الرابع: التفصيل: فمن صلى سنة الجمعة البعدية في المسجد صلاها أربعا، ومن صلاها في البيت صلى ركعتين فقط: قال ابن القيم رحمه الله: " قال شيخنا أبو العباس ابن تيمية: إن صلى في المسجد صلى أربعا، وإن صلى في بيته صلى ركعتين. قلت (ابن القيم) : وعلى هذا تدل الأحاديث، وقد ذكر أبو داود عن ابن عمر أنه كان إذا صلى في المسجد صلى أربعا، وإذا صلى في بيته صلى ركعتين " انتهى. "زاد المعاد" (1/417) . وقد اختار هذا القول علماء اللجنة الدائمة للإفتاء. وانظر "فتاوى اللجنة الدائمة" (6/131) . القول الخامس: استحباب ست ركعات: وهو مروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وعن جماعة من السلف: انظر "مصنف ابن أبي شيبة" (2/40-41) ، وهو اختيار أبي يوسف والطحاوي من الحنفية: انظر "شرح معاني الآثار" (1/337) ، وهو رواية عن الإمام أحمد ذكرها ابن قدامة في "المغني"، واستغربها الحافظ ابن رجب في "القواعد" (ص/15) . وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "كيف يجمع بين قول النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعا) ، وبين فعله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان يصلي في بيته ركعتين؟ فأجاب: "اختلف بهذا أهل العلم: فقال بعضهم: إنه يصلي ستاً، ركعتان ثبتتا بالسنة الفعلية، وأربع بالسنة القولية، هذا قول. قول ثانٍ: أن المعتبر القول، وهو أن يصلي أربعاً، فتكون سنة الجمعة أربعاً فقط. القول الثالث: التفصيل: إن صلى في المسجد صلى أربعاً، وإن صلى في بيته فركعتان. وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. والحمد لله، الأمر واسع، يعني: لو أنه ذهب إلى البيت وصلى أربعاً بتسليمتين كان حسناً ما يضر إن شاء الله " انتهى. "لقاءات الباب المفتوح" (لقاء رقم/214، سؤال رقم/8) . والذي يظهر ـ والله أعلم ـ إما التخيير بين الركعتين وبين الأربع، وإما التفريق بين من صلى في المسجد أو صلى في البيت. والأمر في هذا واسع. والله أعلم. تنبيه: قد يفهم من السؤال أنهم يصلون هذه الراتبة جماعة ً، فإن كان الأمر كذلك فهو مخالف لسنة النبي صلى الله عليه وسلم. والأفضل في صلاة النافلة أن تكون فرادى، وإذا صلاها أحياناً جماعة فلا حرج، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (38606) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112031 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1958 خطبة الجمعة بغير العربية [السُّؤَالُ] ـ[من فضلكم هل يمكنكم أن تُفصِّلوا ما يجب القيام به في صلاة الجمعة؟ فنحن نقوم بالاستماع إلى خطبة بلغتنا، ثم يقام الأذان، ثم نصلي (4) ركعات سنة، ثم يخطب الإمام خطبة بالعربية. فهل ما نقوم به صحيح؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: اتفق الفقهاء على أن الأَوْلى أن تكون الخطبة باللغة العربية، ولكنهم اختلفوا في اشتراط ذلك، على ثلاثة أقوال: القول الأول: أنه يشترط أن تكون بالعربية للقادر عليها ولو كان السامعون لا يعرفون العربية. وبهذا قال المالكية، وهو المذهب والمشهور عند الحنابلة. انظر: "الفواكه الدواني" (1/306) ، "كشاف القناع" (2/34) . القول الثاني: يشترط أن تكون بالعربية للقادر عليها، إلا إذا كان السامعون جميعاً لا يعرفون العربية فإنه يخطب بلغتهم. وهذا هو الصحيح عند الشافعية، وبه قال بعض الحنابلة. انظر: "المجموع" للنووي (4/522) . القول الثالث: يستحب أن تكون بالعربية ولا يشترط، ويمكن للخطيب أن يخطب بلغته دون العربية: وهو قول أبي حنيفة وبعض الشافعية. انظر: "رد المحتار" (1/543) ، و"الموسوعة الفقهية" (19/180) . وهذا القول الثالث هو الصحيح، واختاره جماعة من علمائنا المعاصرين، لعدم ورود دليل صريح يوجب كون الخطبة باللغة العربية، ولأن المقصود من الخطبة هو حصول الوعظ والنفع والفائدة، وذلك لا يكون إلا بلغة الحضور. جاء في قرار مجلس المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي جاء ما يلي: " الرأي الأعدل هو أن اللغة العربية في أداء خطبة الجمعة والعيدين في غير البلاد الناطقة بها ليست شرطاً لصحتها، ولكن الأحسن أداء مقدمات الخطبة وما تضمنته من آيات قرآنية باللغة العربية، لتعويد غير العرب على سماع العربية والقرآن، مما يسهل تعلمها، وقراءة القرآن باللغة التي نزل بها، ثم يتابع الخطيب ما يعظهم به بلغتهم التي يفهمونها " انتهى. "قرارات المجمع الفقهي" (ص/99) (الدورة الخامسة، القرار الخامس) وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: "لم يثبت في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أنه يُشترط في خطبة الجمعة أن تكون باللغة العربية، وإنما كان صلى الله عليه وسلم يخطب باللغة العربية في الجمعة وغيرها؛ لأنها لغته ولغة قومه، فَوَعَظَ مَنْ يخطب فيهم وأرشدهم وذكَّرهم بلغتهم التي يفهمونها، لكنه أرسل إلى الملوك وعظماء الأمم كتبا باللغة العربية، وهو يعلم أن لغتهم غير اللغة العربية، ويعلم أنهم سيترجمونها إلى لغتهم ليعرفوا ما فيها. وعلى هذا يجوز لخطيب الجمعة في البلاد التي لا يعرف أهلها أو السواد الأعظم من سكانها اللغة العربية أن يخطب باللغة العربية، ثم يترجمها إلى لغة بلاده؛ ليفهموا ما نصحهم وذكَّرهم به، فيستفيدوا من خطبته. وله أن يخطب خطبة الجمعة بلغة بلاده مع أنها غير عربية، وبذلك يتم الإرشاد والتعليم والوعظ والتذكير ويتحقق المقصود من الخطبة. غير أن أداء الخطبة باللغة العربية ثم ترجمتها إلى المستمعين أَوْلى، جمعا بين الاهتداء بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في خُطَبِه وكتبه، وبين تحقيق المقصود من الخطبة خروجا من الخلاف في ذلك " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (8/253) . وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " ولعل الأظهر والأقرب والعلم عند الله تعالى أن يفصَّل في المسألة فيقال: إن كان معظم من في المسجد من الأعاجم الذين لا يفهمون اللغة العربية فلا بأس من إلقائها بغير العربية، أو إلقائها بالعربية ومن ثم ترجمتها. وأما إن كان الغالب على الحضور هم ممن يفهمون اللغة العربية، ويدركون معانيها في الجملة، فالأولى والأظهر الإبقاء على اللغة العربية وعدم مخالفة هدى النبي صلى الله عليه وسلم، لاسيما وقد كان السلف يخطبون في مساجد يوجد بها أعاجم، ولم ينقل أنهم كانوا يترجمون ذلك؛ لأن العزة كانت للإسلام والكثرة والسيادة للغة العربية. وأما ما يدل على الجواز عند الحاجة فإن لذلك أصلاً في الشريعة، وهو قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) . ومن ذلك أن الصحابة رضي الله عنهم لما غزوا بلاد العجم من فارس والروم لم يقاتلوهم حتى دعوهم إلى الإسلام بوساطة المترجمين " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (12/372) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " الصحيح في هذه المسألة أنه يجوز لخطيب الجمعة أن يخطب باللسان الذي لا يفهم الحاضرون غيره، فإذا كان هؤلاء القوم ليسوا بعرب، ولا يعرفون اللغة العربية، فإنه يخطب بلسانهم؛ لأن هذا هو وسيلة البيان لهم، والمقصود من الخطبة هو بيان حدود الله سبحانه وتعالى للعباد، ووعظهم، وإرشادهم، إلا أن الآيات القرآنية يجب أن تكون باللغة العربية، ثم تفسر بلغة القوم. ويدل على أنه يخطب بلسان القوم ولغتهم قوله تعالى: (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم) فبين الله تعالى أن وسيلة البيان إنما تكون باللسان الذي يفهمه المخاطبون، فعلى هذا له أن يخطب باللسان غير العربي، إلا إذا تلا آية فإنه لا بد أن تكون باللسان العربي الذي جاء به القرآن، ثم بعد ذلك يفسر لهؤلاء القوم بلغتهم " انتهى. "فتاوى نور على الدرب" (فتاوى الصلاة/صلاة الجمعة) وانظر جواب السؤال رقم: (984) . ثانيا: ينبغي أن لا تغير هيئة صلاة الجمعة إلى ما ذكر في السؤال، حيث تقام فيها خطبتان، خطبة قبل الأذان بلغة القوم، وأخرى بعد الأذان باللغة العربية، بل إما أن يخطب بلغة القوم، وإما أن يخطب بالعربية ويترجمها في الحال وهو على المنبر باللغة الأخرى. فقد سئل الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله عن ترجمة خطبة الجمعة إلى بعض اللغات الأجنبية، وذلك بعد صلاة الجمعة في المسجد الحرام، حتى يستفيد منها من لا يعرف اللغة العربية. فأجاب: " لا نرى الموافقة على ما ذكر، ولا يسوغ أن يخطب يوم الجمعة قبل الصلاة وبعدها. وإذا كان المقصود إبلاغ الخطبة لمن لا يفهم اللغة العربية فيمكن أن تترجم الخطبة وغيرها من ضمن برامج الإذاعة في غير وقت صلاة الجمعة " انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم" (3/20) . ونحن نحث جميع المسلمين على تعلم اللغة العربية، إذ هي لغة القرآن الكريم، وبها تفهم الشريعة، وتدرك معاني أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم. قال الشيخ رشيد رضا رحمه الله: " قد بينا غير مرة، أن معرفة اللغة العربية واجبة على كل مسلم؛ لأن فهم الدين وإقامة شعائره وأداء فرائضه، كل ذلك موقوف على فهْم هذه اللغة، ولا تصح إلا بها، وخطبة الجمعة من أقلها تأكيداً وثبوتاً، وإن كانت من أكبر الشعائر فائدة. وقد كان الذين يدخلون في الإسلام من الأعاجم على عهد الصدر الأول يبادرون إلى تعلم اللغة العربية؛ لأجل فهم القرآن والسنة، والارتباط بصلة اللغة التي لا تتحقق وحدة الأمة بدونها، وكان الصحابة يخطبون الناس باللغة العربية في كل بلاد يفتحونها، وما كان يمر الزمن الطويل على بلاد يدخلونها إلا وتتحول لغتها إلى لغتهم في زمن قصير بتأثير روح الإسلام، لا بالترغيب الدنيوي ولا بقوة الإلزام، ولو كانوا يرون إقرار من يدخل في دينهم من الأمم الأعجمية على لغاتهم لبادروا هم إلى تعليم لغات تلك الأمم، وأقاموا لهم فرائض الدين وعباداته بها، وبقي الروماني رومانيّاً، والفارسي فارسيّاً وهلم جرا. وإن التفريق الذي نراه اليوم في المسلمين باختلاف اللغات، هو من سيئات السياسة ومفاسدها الكبرى، وإذا لم ترجع الدولتان العثمانية والإيرانية إلى السعي في تعميم اللغة العربية في مملكتيهما، فسيأتي يوم تندمان فيه، وإننا لا نعتد بإصلاحٍ في الهند، ولا بغيرها من بلاد المسلمين، ما لم يجعل ركن التعليم الأول تعلم العربية وجعلها لغة العلم " انتهى. "مجلة المنار" (6/496) . رابعاً: أما صلاة أربع ركعات سنة قبل الجمعة، فليس للجمعة سنة قبلها، وإنما يشرع التطوع المطلق قبلها من غير تحديد بعدد، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (6653) و (14075) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112041 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1959 حكم الخروج للنزهة يوم الجمعة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم خروج بعض الناس إلى البر أو البحر يوم الجمعة، بدعوى أنهم لا يتوافر لهم وقت للرحلة إلا يوم الجمعة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " إذا تيسر لهم صلاة الجمعة في رحلتهم وحضروا صلاة الجمعة وأدوها فلا حرج عليهم، وإذا ترتب على رحلتهم فوات صلاة الجمعة بالنسبة لهم فلا تجوز الرحلة، لما يلزمها من تضييع الفريضة " انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. "فتاوى إسلامية" (1/417) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112056 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1960 ما رأيكم بخطبة جمعة تستغرق مع صلاتها عشر دقائق؟! [السُّؤَالُ] ـ[ما قولكم في إمام تأخذ منه خطبتا الجمعة مع صلاته 10 دقائق معدودة!! نعم 10 دقائق! أتجزئ هذه الجمعة؟ . جزاكم الله خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: مما لا شك فيه أن تقصير خطبة الجمعة علامة على فقه الخطيب، حيث يستطيع جمع المعاني الكثيرة في كلمات يسيرة، ولا يطيل فينسى الناس بآخر كلامه أوله، وقد هذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم في خطبه الراتبة، بل هو أمرُه، وهو أكمل هدي، كما كانت مواعظه قليلة؛ ليُحفظ عنه يا يعظ به الناس، فخطبة الجمعة قصيرة، والمواعظ قليلة. قَالَ أَبُو وَائِلٍ: خَطَبَنَا عَمَّارٌ – أي: ابن ياسر - فَأَوْجَزَ، وَأَبْلَغَ، فَلَمَّا نَزَلَ قُلْنَا: يَا أَبَا الْيَقْظَانِ لَقَدْ أَبْلَغْتَ وَأَوْجَزْتَ فَلَوْ كُنْتَ تَنَفَّسْتَ – أي: أطلتَ -، فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ طُولَ صَلَاةِ الرَّجُلِ وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ، فَأَطِيلُوا الصَّلَاةَ، وَاقْصُرُوا الْخُطْبَةَ، وَإِنَّ مِنْ الْبَيَانِ سِحْراً) . رواه مسلم (869) . ومعنى (مئنة من فقهه) أي علامة على فقهه ودليل عليه. وقد تتابعت كلمات العلماء على توكيد هذا الأمر، وتثبيته: 1. قال ابن عبد البر – رحمه الله -: وأما قصر الخطبة: فسنَّة مسنونة، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بذلك، ويفعله ، وفي حديث عمار بن ياسر " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقصر الخطبة "، وكان يخطب بكلمات طيبات، قليلات، وقد كره التشدق، والتفيهق. وأهل العلم يكرهون من المواعظ ما ينسي بعضه بعضاً لطوله، ويستحبون من ذلك ما وقف عليه السامع الموعوظ فاعتبَره بعد حفظه له، وذلك لا يكون إلا مع القلة. " الاستذكار " (2 / 363، 364) . 2. وقال ابن حزم – رحمه الله -: ولا تجوز إطالة الخطبة. " المحلى " (5 / 60) . 3. وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: فالأولى أن يقصر الخطبة؛ لأن في تقصير الخطبة فائدتين: 1. ألا يحصل الملل للمستمعين؛ لأن الخطبة إذا طالت - لا سيما إن كان الخطيب يلقيها إلقاءً عابراً لا يحرك القلوب، ولا يبعث الهمم -: فإن الناس يملُّون، ويتعبون. 2. أن ذلك أوعى للسامع، أي: أحفظ للسامع؛ لأنها إذا طالت: أضاع آخرها أولها، وإذا قصرت: أمكن وعيها، وحفظها، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه) ، أي: علامة، ودليل، على فقهه، وأنه يراعي أحوال الناس، وأحياناً تستدعي الحال التطويل، فإذا أطال الإنسان أحياناً لاقتضاء الحال ذلك: فإن هذا لا يخرجه عن كونه فقيهاً؛ وذلك لأن الطول والقصر أمر نسبي، وقد ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه كان يخطب أحياناً بسورة " ق "، وسورة " ق " مع الترتيل، والوقوف على كل آية: تستغرق وقتاً طويلاً. " الشرح الممتع على زاد المستقنع " (5 / 65) . ثانياً: هذا التقصير للخطبة لا ينبغي أن يكون ماحقاً، فلا يستفيد الناس من الخطبة شيئاً، فهم لم يقطعوا المسافات، ولم يخرجوا من بيوتهم لأجل رؤية الخطيب، ولا لسماع نبرة صوته، بل جاءوا لتحصيل الفائدة، بموعظة، أو حكم شرعي، وما يشبه ذلك؛ ولهذا ينبغي مراعاة القصد والتوسط في ذلك الأمر. عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: (كُنْتُ أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَكَانَتْ صَلَاتُهُ قَصْدًا، وَخُطْبَتُهُ قَصْدًا) . رواه مسلم (1433) . قال النووي - رحمه الله -: أي: بين الطول الظاهر، والتخفيف الماحق. " شرح مسلم (6 / 159) . وقال - أيضاً -: يستحب تقصير الخطبة؛ للحديث المذكور، وحتى لا يملوها، قال أصحابنا: " ويكون قصرها معتدلاً، ولا يبالغ بحيث يمحقها. " المجموع " (4 / 358) . ثالثاً: إلا أننا لا نستطيع القول بأن الخطبة القصيرة جدّاً غير مجزئة، وأكثر أهل العلم على أن الخطبة إذا جيء بأركانها أجزأت، وقد اختلفوا في تحديد تلك الأركان اختلافاً كثيراً، والصحيح: أنه ليس ثمة ما يسمَّى أركاناً للخطبة، وأنه كل ما يُطلق عليه خطبة، ولو بكلمات يسيرات: أنه مجزئ، تصح الخطبة به. وهو رأي شيخ الإسلام ابن تيمية، والشيخ ابن سعدي، وقد ذكرنا قوليهما في جواب السؤال رقم: (115854) ، وفي الجواب المحال عليه تقوية الشيخ العثيمين رحمه الله لهذا القول، لكنه رحمه الله نبَّه على عدم العمل به، فلينظر كلامه هناك. رابعاً: هذا الخطيب الذي تستغرق منه الخطبة مع الصلاة عشر دقائق: ليس بفقيه، بل هو جاهل؛ لأن الفقه هو في تقصير الخطبة، وإطالة الصلاة، وليس في محقهما! . ولنقرأ لخطيب المسجد الحرام الشيخ سعود الشريم في تقدير خطبة الجمعة، والصلاة، بالتوقيت الزمني التقريبي. قال الشيخ سعود الشريم – حفظه الله -: ولأجل أن نصل إلى تحديد تقريبي من حيث فهم معنى طول الصلاة وقصر الخطبة بالتوقيت العصري: فأقول وبالله التوفيق: إنك لو قرأتَ في لاة الفجر - مثلاً – بـ " الجمعة " و " المنافقين " قراءة متأنية: لأخذت الصلاة منك ما لا يقل عن عشر دقائق، إن لم تصل إلى خمس عشرة دقيقة، وقد جربتُ ذلك فوجدته كذلك، وهذا كله إذا قرأت حدراً، مع ركوع الصلاة، وسجودها؛ فكيف بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو ينفذ أمر ربِّه (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) المزمل/ 4، وكان يطيل الركوع، والرفع منه، والسجود، والجلوس بين السجدتين، ويقول راوي الحديث: " حتى يقول القائل إنه نسي "، ففي حديث البراء بن عازب رضي الله عنه: " كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وركوعه، وإذا رفع رأسه من الركوع، وسجوده وما بين السجدتين قريباً من السواء ". " الشامل في فقه الخطيب والخطبة " (ص 154) – ترقيم الشاملة -. ومن هذا التقرير يتبين أنه لا يمكن لهذا الخطيب أن يخطب الجمعة، ويصلي صلاتها، في عشر دقائق، إلا مع الإخلال البين بالأمرين جميعا: الخطبة، والصلاة. ومثل هذا يحتاج أن يعلم، لأنه ربما أخطأ فهم شيء من السنة في هذا الباب، فضيع الخطبة والصلاة، وهو يظن أنه من المحسنين؟!! فإن لم يستجب لتعليمك ونصحك، فانظر إلى غيره، ممن يقيم السنة على السداد، أو يقارب، فصل معه، وصن صلاتك، واستصلح قلبك، وأما هو ـ حيث لم يتعلم، ولا يريد ـ فوله ما تولى، والله عند قلب كل قائل ولسانه!! والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112084 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1961 من لم يتمكن من إكمال متابعة الإمام في الجمعة بسبب انقطاع الكهرباء [السُّؤَالُ] ـ[صلى جماعة في قبو مسجد (الطابق الأرضي) صلاة الجمعة، وأثناء الصلاة انقطع التيار الكهربائي، وأصبح المأمومون لا يسمعون الإمام، فتقدم أحد المأمومين وأكمل بهم الصلاة، فما حكم صلاة هؤلاء علماً أنه أكمل بهم الصلاة على أنها جمعة؟ وما الحكم فيما لو لم يتقدم أحد، هل يكمل كل فرد منهم صلاته وحده؟ وإذا كان يجوز ذلك هل يكملها على أنها ظهر أو على أنها جمعة، حيث إنه استمع إلى الخطيب وافتتح الصلاة مع الإمام وصلى معه ركعة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الواقع هو ما ذكره السائل، فصلاة الجميع صحيحة، لأن من أدرك ركعة من الجمعة فقد أدرك الجمعة كما جاء بذلك الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولو لم يتقدم لهم أحد فصلى كل واحد بنفسه الركعة الأخيرة أجزأه ذلك، كالمسبوق بركعة يصلي مع الإمام ما أدرك ثم يقضي الركعة الثانية لنفسه، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) ، والله ولي التوفيق. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - ج/12 ص/331. الحديث: 22306 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1962 يتعارض موعد محاضرته مع صلاة الجمعة [السُّؤَالُ] ـ[أنا طالب بالجامعة، المشكلة هي أن لدي أحد الدروس في نفس موعد إقامة صلاة الجمعة، ولقد طلبت من المحاضر أن يسمح لي بأن آتي متأخرًا بنصف ساعة ولكنه لم يسمح بذلك، بل إنه سجلني كغائب في أحد المرات، وأنا لدي استراحة قدرها (15) دقيقة، لكنني لا أستطيع الذهاب للمسجد والعودة في تلك المدة، هناك غرفة للصلاة في الجامعة، ولكن بدون الخطبة، لا تكون هناك صلاة للجمعة. أرجو إفادتي في ذلك، وجزاكم الله خيرًا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تعلم أخي السائل أن صلاة الجمعة فرض على المسلم الرجل القادر، وأن التخلف عنها إثم عظيم، ومعصية كبيرة، وأن الواجب الحرص الشديد على حضور هذه الصلاة والالتزام بها، فهي صلاة أسبوعية في يوم عيد المسلمين، أعظم أيام الأسبوع وأفضلها، فلا يجوز التفريط فيها، والتهاون في شأنها. وقد سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: أنا أحد الطلبة المبتعثين للدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية، ومن المعروف أن يوم الجمعة يوم دراسي، ففي هذا اليوم تتعارض مواد الدراسة مع صلاة الجمعة التي تقام في مسجد المدينة الصغير، الساعة الواحدة والنصف، وليس بإمكاني التوفيق بين هذه المواد والصلاة في وقت واحد، علماً بأنه ليس هناك بديل لهذه المواد، وهي مواد أساسية في التخصص، ولقد تمكنت من الاستئذان من مدرس المادة في أحد أيام الجمعة، ولكن قال لي: لن أسمح لك مرة أخرى؛ لأن ذلك سيؤثر في مستواك الدراسي، فماذا أفعل؟ أفيدوني أفادكم الله؟ فأجاب: "أرى أنه إذا كان يسمع النداء فإن الواجب عليه الحضور إلى صلاة الجمعة، لعموم قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) وإذا كان الله تعالى أمر بترك البيع مع أنه قد يكون مما يضطر إليه الإنسان، أو على الأصح ما يحتاج إليه الإنسان، كذلك هذه الدراسة يلزمه تركها والحضور إلى الجمعة. أما إذا كان المسجد بعيداً فإنه لا يلزمه الحضور إذا كان يشق عليه الحضور إلى مكان الجمعة" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (16/51، 52) . وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: متى تكون الصلاة (أي: صلاة الجمعة) واجبة، خصوصاً إذا علمتم أنه في معظم الأوقات يكون لنا بعض الأصحاب، ويقول بأن الدوام يتعارض مع صلاة الجمعة؟ فأيهما برأيكم تشجعون: أن يترك الطالب الدراسة، أو يذهب إلى الجمعة؟ مع العلم أنه في تركيا يوم الجمعة يوم دوام رسمي. فأجابوا: "صلاة الجمعة فريضة عينية، لا يجوز تركها من أجل الدوام الرسمي، أو الدراسة، أو نحوهما، والله سبحانه يقول: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) الطلاق/2، 3. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ عبد الرزاق عفيفي.. الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (8/183، 184) . وهذا التضييق عليك في قيامك بشعائر الإسلام وعباداته وتأثير ذلك على دينك وأخلاقك، هو الذي من أجله نهى النبي صلى الله عليه وسلم المسلم أن يقيم بين الكفار، لأن ذلك ينطوي على مخاطر كثيرة في دينه وخلقه. فعليك أن تعيد النظر في إقامتك ودراستك في بلد غريب وهل شروط جواز ذلك منطبقة عليك أم لا؟ ولمزيد الفائدة يراجع جواب السؤال رقم: (38284) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 110115 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1963 ما العمل إذا وافق العيد يوم الجمعة [السُّؤَالُ] ـ[إذا جاء عيد الفطر في يوم الجمعة فهل يجوز لي أن أصلي العيد ولا أصلي الجمعة أو العكس؟.]ـ [الْجَوَابُ] إذا وافق يوم العيد يوم الجمعة فإنه من صلى العيد مع الإمام سقط عنه وجوب حضور الجمعة ويبقى في حقه سنة. فإذا لم يحضر الجمعة وجب عليه أن يصلي ظهراً وهذا في حق غير الإمام. أما الإمام فإنه يجب عليه أن يحضر للجمعة ويقيمها بمن حضر معه من المسلمين، ولا تترك صلاة الجمعة نهائياً في هذا اليوم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ صالح بن فوزان الفوزان الحديث: 7857 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1964 فتوى اللجنة الدائمة فيما إذا وافق يوم العيد يوم الجمعة [السُّؤَالُ] ـ[الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه.. أما بعد: فقد كثر السؤال عما إذا وقع يوم عيد في يوم جمعة فاجتمع العيدان: عيد الفطر أو الأضحى مع عيد الجمعة التي هي عيد الأسبوع، هل تجب صلاة الجمعة على من حضر صلاة العيد أم يجتزئ بصلاة العيد ويصلى بدل الجمعة ظهراً؟ وهل يؤذن لصلاة الظهر في المساجد أم لا؟ إلى آخر ما حصل عنه السؤال، فرأت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء إصدار الفتوى الآتية:]ـ [الْجَوَابُ] في هذه المسألة أحاديث مرفوعة وآثار موقوفة منها: 1- حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه سأله: هل شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا في يوم واحد؟ قال: نعم، قال: كيف صنع؟ قال: صلى العيد ثم رخص في الجمعة، فقال: (من شاء أن يصلي فليصل) . رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والدارمي والحاكم في "المستدرك" وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وله شاهد على شرط مسلم. ووافقه الذهبي، وقال النووي في "المجموع": إسناده جيد. 2- وشاهده المذكور هو حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قد اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مجمعون) . رواه الحاكم كما تقدم، ورواه أبو داود وابن ماجه وابن الجارود والبيهقي وغيرهم. 3- وحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: اجتمع عيدان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس ثم قال: (من شاء أن يأتي الجمعة فليأتها، ومن شاء أن يتخلف فليتخلف) . رواه ابن ماجه ورواه الطبراني في "المعجم الكبير" بلفظ: اجتمع عيدان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوم فطر وجمعة، فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم العيد، ثم أقبل عليهم بوجهه فقال: (يا أيها الناس إنكم قد أصبتم خيراً وأجراً وإنا مجمعون، ومن أراد أن يجمع معنا فليجمع، ومن أراد أن يرجع إلى أهله فليرجع) . 4- وحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اجتمع عيدان في يومكم هذا فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مجمعون إن شاء الله) . رواه ابن ماجه، وقال البوصيري: إسناده صحيح ورجاله ثقات. 5- ومرسل ذكوان بن صالح قال: اجتمع عيدان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم جمعة ويوم عيد فصلى ثم قام، فخطب الناس، فقال: (قد أصبتم ذكراً وخيراً وإنا مجمعون، فمن أحب أن يجلس فليجلس -أي في بيته- ومن أحب أن يجمع فليجمع) . رواه البيهقي في السنن الكبرى. 6- وعن عطاء بن أبي رباح قال: صلى بنا ابن الزبير في يوم عيد في يوم جمعة أول النهار ثم رحنا إلى الجمعة فلم يخرج إلينا، فصلينا وحداناً، وكان ابن عباس بالطائف فلما قدمنا ذكرنا ذلك له، فقال: (أصاب السنة) . رواه أبو داود، وأخرجه ابن خزيمة بلفظ آخر وزاد في آخره: قال ابن الزبير: (رأيت عمر بن الخطاب إذا اجتمع عيدان صنع مثل هذا) . 7- وفي صحيح البخاري رحمه الله تعالى وموطأ الإمام مالك رحمه الله تعالى عن أبي عبيد مولى ابن أزهر قال أبو عبيد: شهدت العيدين مع عثمان بن عفان، وكان ذلك يوم الجمعة، فصلى قبل الخطبة ثم خطب، فقال: (يا أيها الناس إن هذا يوم قد اجتمع لكم فيه عيدان، فمن أحب أن ينتظر الجمعة من أهل العوالي فلينتظر، ومن أحب أن يرجع فقد أذنت له) . 8- وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال لما اجتمع عيدان في يوم: (من أراد أن يجمع فليجمع، ومن أراد أن يجلس فليجلس) . قال سفيان: يعني: يجلس في بيته. رواه عبد الرزاق في المصنف ونحوه عند ابن أبي شيبة. وبناء على هذه الأحاديث المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى هذه الآثار الموقوفة عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم، وعلى ما قرره جمهور أهل العلم في فقهها، فإن اللجنة تبين الأحكام الآتية: 1- من حضر صلاة العيد فيرخص له في عدم حضور صلاة الجمعة، ويصليها ظهراً في وقت الظهر، وإن أخذ بالعزيمة فصلى مع الناس الجمعة فهو أفضل. 2- من لم يحضر صلاة العيد فلا تشمله الرخصة، ولذا فلا يسقط عنه وجوب الجمعة، فيجب عليه السعي إلى المسجد لصلاة الجمعة، فإن لم يوجد عدد تنعقد به صلاة الجمعة صلاها ظهراً. 3- يجب على إمام مسجد الجمعة إقامة صلاة الجمعة ذلك اليوم ليشهدها من شاء شهودها ومن لم يشهد العيد، إن حضر العدد التي تنعقد به صلاة الجمعة وإلا فتصلى ظهرا. 4- من حضر صلاة العيد وترخص بعدم حضور الجمعة فإنه يصليها ظهراً بعد دخول وقت الظهر. 5- لا يشرع في هذا الوقت الأذان إلا في المساجد التي تقام فيها صلاة الجمعة، فلا يشرع الأذان لصلاة الظهر ذلك اليوم. 6- القول بأن من حضر صلاة العيد تسقط عنه صلاة الجمعة وصلاة الظهر ذلك اليوم قول غير صحيح، ولذا هجره العلماء وحكموا بخطئه وغرابته، لمخالفته السنة وإسقاطه فريضةً من فرائض الله بلا دليل، ولعل قائله لم يبلغه ما في المسألة من السنن والآثار التي رخصت لمن حضر صلاة العيد بعدم حضور صلاة الجمعة، وأنه يجب عليه صلاتها ظهراً. والله تعالى أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ.. الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الغديان.. الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد.. الشيخ صالح بن فوزان الفوزان. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة الحديث: 109323 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1965 هل يترك الصلاة في المسجد خوفاً على نفسه؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يعذر الإنسان في ترك صلاة الجمعة والجماعات، إذا كان في بلده فتن، ويخشى على نفسه إذا ذهب إلى المسجد أن يقتل أو يسجن أو يضرب، فهل تلك الأسباب تكون أعذاراً له في ترك الجمع والجماعة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين، ويجنبنا وإياهم مواطن الفتن والمحن، وأن يجمع كلمتهم على الحق، وينصرهم على أعدائهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه. صلاة الجماعة واجبة في المسجد على الرجال القادرين؛ لأدلة كثيرة، سبق بيانها في جواب السؤال رقم (120) ورقم (8918) . ووجوب صلاة الجماعة والجمعة مشروط بما إذا لم يكن على الإنسان ضرر في نفسه أو ماله أو أهله؛ لقوله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الحج/78، وقال تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) البقرة/185. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/366) : " وَيُعْذَرُ فِي ترك الجماعة والجمعة الْخَائِفُ ; لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: (الْعُذْرُ: خَوْفٌ أَوْ مَرَضٌ) . وَالْخَوْفُ , ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: خَوْفٌ عَلَى النَّفْسِ , وَخَوْفٌ عَلَى الْمَالِ , وَخَوْفٌ عَلَى الْأَهْلِ " انتهى. فإذا خاف الإنسان على نفسه من القتل، أو أن يؤخذ ويُسجن ظلماً، فهذا يعتبر معذوراً في تركه لصلاة الجماعة والجمعة، ويصليها في بيته؛ حفاظاً على نفسه. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109209 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1966 مسافرون إلى بلد أوربي وعددهم 15 فهل يقيمون الجمعة؟ [السُّؤَالُ] ـ[نحن مسافرون إلى بلد أوربي للنزهة والنقاهة لمدة 5 أسابيع محددة سلفاً (مقيمين في فندق والإقامة والترحال غاية في الراحة ولله الحمد) والمدينة التي نقيم بها ليس فيها مسجد، فما حكم الجمع والقصر لصلاة الفريضة؟ وهل علينا صلاة الجمعة؟ علماً بأن العدد يسمح بذلك (أكثر من 15 شخص) وفينا من يستطيع أن يخطب للجمعة حيث إنه مرت جمعتان ولم نصلهما بحجة أنه لا جمعة لمسافر.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: سبق في جواب السؤال رقم (111934) بيان حكم السفر إلى البلاد غير الإسلامية من أجل السياحة والنزهة. ثانياً: إذا نوى المسافر الإقامة في بلد أكثر من أربعة أيام فإنه يكون في حكم المقيم فيلزمه إتمام الصلاة من لحظة دخوله البلد، كما تلزمه الجمعة حيث ينادى بها. قال ابن قدامة رحمه الله: "المشهور عن أحمد رحمه الله أن المدة التي تلزم المسافر الإتمام بنية الإقامة فيها، هي ما كان أكثر من إحدى وعشرين صلاة. رواه الأثرم والمروذي وغيرهما، وعنه: أنه إذا نوى إقامة أربعة أيام أتم، وإن نوى دونها قصر، وهذا قول مالك والشافعي وأبي ثور " انتهى من "المغني" (2/65) . وجاء في فتاوى اللجنة (8/99) : " السفر الذي يشرع فيه الترخيص برخص السفر هو ما اعتبر سفراً عرفاً، ومقداره على سبيل التقريب مسافة ثمانين كيلو متراً، فمن سافر لقطع هذه المسافة فأكثر فله أن يترخص برخص السفر من المسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليهن، والجمع والقصر، والفطر في رمضان، وهذا المسافر إذا نوى الإقامة ببلد أكثر من أربعة أيام فإنه لا يترخص برخص السفر، وإذا نوى الإقامة أربعة أيام فما دونها فإنه يترخص برخص السفر، والمسافر الذي يقيم ببلد ولكنه لا يدري متى تنقضي حاجته ولم يحدد زمناً معيناً للإقامة فإنه يترخص برخص السفر ولو طالت المدة، ولا فرق بين السفر في البر والبحر " انتهى. بهذا يعلم أنه يلزمكم إتمام الصلاة، ولا يجوز لكم القصر. وأما الجمع فإنه لا يختص بالسفر، بل يشرع لأعذار أخرى، كالمطر، والمرض، والمشقة، وينظر جواب السؤال رقم (39176) . والأصل أن تصلى الصلوات في أوقاتها، فإن وجد ما يبيح الجمع، جاز الجمع. ثالثاً: إذا لم يكن في المدينة التي ستقيمون فيها مستوطنون تجب عليهم الجمعة فلا جمعة عليكم، وينظر تفصيل ذلك في جواب السؤال رقم (11556) . والمسافر ذا نوى إقامة تمنع القصر وجبت عليه الجمعة تبعاً لغيره لا استقلالاً، فإن وُجد مستوطنون ممن تلزمهم الجمعة، وجب على هذا المسافر أن يصليها معهم. وينظر: "المغني" (3/218) ، "الإنصاف" (5/169) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106921 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1967 صلاة الجمعة في حجرة في العمل [السُّؤَالُ] ـ[لقد زودنا صاحب العمل بمصلى صغير في مكان العمل، ونحن أربعة نحافظ على أداء صلاة الظهر والعصر فيه، هل مسموح لنا شرعاً أن نؤدي صلاة الجمعة في هذه الغرفة؟ مع اعتبار أنه لا يوجد بديل لنا ولا أحد يؤدي صلاة الجمعة في هذه الغرفة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان في المدينة التي تسكنون مسجد تقام فيه صلاة الجمعة، وجب عليكم الصلاة معهم، ولا يجوز لكم إحداث جمعة أخرى، أما إذا لم تكن المدينة تقام بها صلاة الجمعة فالواجب عليكم إقامتها ولا يجوز لكم أن تصلوا مكانها صلاة الظهر لأن (إقامة الجمعة واجبة على المسلمين في قراهم يوم الجمعة، ويشترط في صحتها الجماعة. ولم يثبت دليل شرعي على اشتراط عدد معين في صحتها، فيكفي لصحتها إقامتها بثلاثة فأكثر، ولا يجوز لمن وجبت عليه أن يصلي مكانها ظهرا من أجل نقص العدد عن أربعين، على الصحيح من أقوال العلماء) . فتوى اللجنة الدائمة رقم 1794 (8/178) . وجاء في فتوى اللجنة رقم 957 (وأما العدد المشترط لانعقاد الجمعة: فلا نعلم نصا يدل على تحديد عدد معين، ومن أجل عدم وجود نص يحدد العدد اختلف أهل العلم في العدد الذي تنعقد به. ومن الأقوال التي قيلت في ذلك: أنها تنعقد بثلاثة من الرجال المستوطنين، وهي رواية عن الإمام أحمد، واختارها الأوزاعي، والشيخ تقي الدين ابن تيمية؛ لقوله تعالى: (فاسعوا إلى ذكر الله) وهذا جمع واقله ثلاثة) (8/210) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 14564 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1968 خطيب الجمعة يقرأ في الصلاة بما يناسب موضوع الخطبة [السُّؤَالُ] ـ[بعض الخطباء لا يقرأ في صلاة الجمعة بسبح والغاشية، وإنما يختار من القرآن الكريم ما يناسب موضوع الخطبة، فما حكم ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ينبغي للمسلمين عموماً أن يعظموا سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ويحرصوا عليها علماً وعملاً، فإن هذا هو دليل صدق محبتهم لله تعالى، وسبب فوزهم بمحبة الله لهم، قال الله تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) آل عمران/31. فإذا كان المسلم صادقاً في محبته لله تعالى ظهر ذلك في اتباعه النبي صلى الله عليه وسلم في كل شيء. وخطيب الجمعة أولى بالتمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فالناس يقتدون به، والواجب أن يتلقى الناس سنة النبي صلى الله عليه وسلم ويتعلموها. وكيف يمكن لهذا الخطيب أن يأمر الناس باتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمها، ثم ينزل من على المنبر، ويعلن بمخالفة سنة النبي صلى الله عليه وسلم! فقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقرأ في صلاة الجمعة بسورتي: "سبح اسم ربك الأعلى" و "الغاشية" أو يقرأ بسورتي: "الجمعة" و "المنافقون". ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يختار آيات من القرآن مناسبة لموضوع الخطبة، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم. أفيظن ذلك الخطيب ـ أو غيره ـ أنه أهدى من النبي صلى الله عليه وسلم! أو علم لم يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم! فهذا التصرف من الخطيب: بدعة، لأنه لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "لكن هنا مسألة بعض الأئمة يفعلونها: إذا خطب خطبة قرأ في الصلاة الآيات المناسبة لها، هذا يقال عنه: إنه بدعة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان ملازماً لقراءة سبح والغاشية، أو الجمعة والمنافقون، ولم يكن يراعي موضوع الخطبة" انتهى. "لقاءات الباب المفتوح" (155/18) . وقال الشيخ بكر أبو زيد: "رتب النبي صلى الله عليه وسلم في قراءة صلاة الجمعة ثلاث سنن: قراءة سورتي الجمعة والمنافقون، أو سورتي الجمعة والغاشية، أو سبح والغاشية. وقد فشى في عصرنا العدول من بعضهم عن هذا المشروع إلى ما يراه الإمام من آيات، أو سور القرآن الكريم متناسباً مع موضوع الخطبة. وهذا التحري لم يؤثر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يعرف عن سلف الأمة، فالتزام ذلك بدعة، وهكذا قصد العدول عن المشروع إلى سواه على سبيل التسنن، فيه استدراك على الشرع، وهجر للمشروع، واستحباب ذلك، وإيهام العامة به، والله أعلم" انتهى. "تصحيح الدعاء" (ص 319) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105329 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1969 ترتيل الآيات في الخطبة [السُّؤَالُ] ـ[بعض الخطباء عند خطبة الحاجة إذا وصل إلى الآيات الثلاث الواردة في الخطبة يرتلون الآيات كما لو كانوا يقرؤون في القرآن، فهل هذا مشروع؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "تلاوة الآية عند الاستدلال بها في الخطبة تلقى كما تلقى الخطبة استشهاداً بها. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ بكر أبو زيد. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (24/210) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105382 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1970 الموظف الذي يقتضي عمله الاستمرار وقت صلاة الجمعة [السُّؤَالُ] ـ[بعض الأعمال الوظيفية الحساسة تتطلب وجود موظف دائم عليها بما في ذلك وقت الصلاة المفروضة وصلاة الجمعة فهل يترك هؤلاء الموظفون أعمالهم ويذهبون إلى الصلاة أم يبقون في أعمالهم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأصل وجوب الجمعة على الأعيان لقول الله سبحانه وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون) الجمعة /9، ولما روى أحمد ومسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لقوم يتخلفون عن الجمعة: (لقد هممت أن آمر رجلاً يصلي بالناس، ثم أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم) أحمد (1/402) ، ومسلم (1/452) ، ولما روى مسلم عن أبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهما، أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على أعواد منبره: (لينتهن أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين) ، ولإجماع أهل العلم على ذلك، ولكن إذا وجد عذر شرعي لدى من تجب عليه الجمعة كأن يكون مسؤولاً مسؤولية مباشرة عن عمل يتصل بأمن الأمة وحفظ مصالحها، يتطلب قيامه عليه وقت صلاة جمعة كحال رجال الأمن والمرور والمخابرات اللاسلكية والهاتفية ونحوهم، الذين عليهم النوبة وقت النداء الأخير لصلاة جمعة أو إقامة الصلاة جماعة فإنه وأمثاله يعذر بذلك في ترك الجمعة والجماعة لعموم قول الله سبحانه: (فاتقوا الله ما استطعتم) التغابن/16، وقول رسول الله عليه الصلاة والسلام: (ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم) ، ولأنه ليس بأقل عذراً ممن يعذر بخوف على نفسه أو ماله ونحو ذلك ممن ذكر العلماء أنه يعذر بترك الجمعة والجماعة مادام العذر قائماً، وغير أن ذلك لا يسقط عنه فرض الظهر، بل عليه أن يصليها في وقتها، ومتى أمكن فعلها جماعة وجب ذلك كسائر الفروض الخمسة. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء 8/189 الحديث: 26807 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1971 الكلام أثناء سكوت الإمام بين الخطبتين [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز الكلام أثناء سكوت الإمام بين الخطبتين في صلاة الجمعة، وهل يجوز الإشارة بالسبابة على الفم بدون كلام من أجل تنبيه شخص ما أن لا يتكلم أثناء الخطبة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز الكلام أثناء سكوت الإمام بين الخطبتين إذا دعت إليه الحاجة، ولا بأس بالإشارة لمن يتكلم والإمام يخطب ليسكت، كما تجوز الإشارة في الصلاة إذا دعت الحاجة إليها. وفق الله الجميع. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - ج/12 ص/337. الحديث: 22350 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1972 قراءة القرآن في مكبرات الصوت قبل الجمعة [السُّؤَالُ] ـ[في بعض المساجد في أنحاء كثيرة من العالم الإسلامي تتلى آيات من القرآن الكريم بمكبرات الصوت وذلك قبل صلاة الجمعة فما الحكم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا نعلم لذلك أصلاً لا من الكتاب ولا من السنة ولا من عمل الصحابة ولا السلف الصالح رضي الله عن الجميع، ويعتبر ذلك حسب الطريقة المذكورة من الأمور المحدثة التي ينبغي تركها، لأنه أمر محدث، ولأنه قد يشغل المصلين والقراء عن صلاتهم وقراءتهم. والله سبحانه وتعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - ج/12 ص/413. الحديث: 22121 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1973 كيفية رد السلام على من مد يده للسلام أثناء الخطبة [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان الإمام يخطب وسلم عليك آخر، ولو مد يده وسلم فما الحكم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تشير له وقت الخطبة وتضع يدك في يده إذا مدها من دون كلام، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالإنصات، وقال: (إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة: أنصت، والإمام يخطب فقد لغوت) رواه البخاري (الجمعة/882) ومسلم (الجمعة/1404) واللفظ متفق عليه. فجعل أمره بالمعروف لغواً وقت الخطبة فكيف بغيره من الكلام، وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (من مس الحصى فقد لغا) رواه مسلم (الجمعة/1419) . فينبغي للمؤمن في الجمعة أن ينصت ويخشع ويحذر العبث بالحصى أو غيره، وإذا سلم عليه أحد أشار إليه ولم يتكلم، وإن وضع يده في يده إذا مدها من غير كلام فلا بأس كما تقدم، ويعلمه بعد انتهاء الخطبة أن هذا لا ينبغي له، وإنما المشروع له إذا دخل والإمام يخطب أن يصلي ركعتين تحية المسجد ولا يسلم على أحد حتى تنتهي الخطبة، وإذا عطس فعليه أن يحمد الله في نفسه ولا يرفع صوته. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - ج/12 ص/410. الحديث: 22262 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1974 رفع اليدين أثناء دعاء الخطيب في الخطبة الثانية [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من يرفع يديه والخطيب يدعو للمسلمين في الخطبة الثانية مع الدليل، أثابكم الله؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله رفع اليدين غير مشروع في خطبة الجمعة ولا في خطبة العيد لا للإمام ولا للمأمومين، وإنما المشروع الإنصات للخطيب والتأمين على دعائه بينه وبين نفسه من دون رفع صوت، وأما رفع اليدين فلا يشرع، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يرفع يديه في خطبة الجمعة ولا في خطبة الأعياد، ولما رأى بعض الصحابة بعض الأمراء يرفع يديه في خطبة الجمعة أنكر عليه ذلك، وقال: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يرفعهما، نعم إذا كان يستغيث في خطبة الجمعة للاستسقاء، فإنه يرفع يديه حال الاستغاثة - أي طلب نزول المطر - لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في هذه الحالة، فإذا استسقى في خطبة الجمعة أو في خطبة العيد فإنه يشرع له أن يرفع يديه تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - ج/12 ص/339. الحديث: 22115 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1975 رفع الصوت بالتسبيح يوم الجمعة [السُّؤَالُ] ـ[هل التسبيح برفع الصوت يوم الجمعة قبل الصلاة بساعة أن أكثر سنة أم بدعة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا شك أن هذا العمل بدعة، لأنه لم يبلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه أنهم فعلوا ذلك، والخير كله في اتباعهم، أما من سبح بينه وبين نفسه فلا بأس بذلك بل فيه خير عظيم وثواب جزيل، لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أحب الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر) رواه مسلم (الآداب/2137) . وقال عليه الصلاة والسلام: (كلمتان خفيفتان على اللسان حبيبتان إلى الرحمن ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم) رواه البخاري (الأيمان والنذور/6682) ومسلم (الذكر والدعاء والتوبة/2694) . [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - ج/12 ص/414. الحديث: 22256 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1976 هل يجوز لخطيب الجمعة أن يستشهد بالشعر ويكثر منه؟ [السُّؤَالُ] ـ[في منطقتنا إمام شاب، وهو كل جمعة في الخطبتين يستدل كثيراً بالشعر، فما هو رأيكم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: أثنى الرسول صلى الله عليه وسلم على الشعر الذي يستعمله صاحبه لنصرة الإسلام، ورد افتراءات المشركين، فقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَسَّانَ بن ثابت رضي الله عنه: (اهْجُهُمْ وَجِبْرِيلُ مَعَكَ) رواه البخاري (3814) ومسلم (4541) . وقال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اهْجُوا قُرَيْشًا، فَإِنَّهُ أَشَدُّ عَلَيْهَا مِنْ رَشْقٍ بِالنَّبْلِ) رواه مسلم (4545) . ومع ذلك فقد ذم الرسول صلى الله عليه وسلم من يشتغل بالشعر، ويُقبل عليه، ويعرض عن القرآن والعلم الشرعي. فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْراً) . رواه البخاري (5802) ومسلم (2258) . والحديث بوَّب عليه البخاري بقوله: " ما يكره أن يكون الغالب على الإنسان الشعر حتى يصده ". وعلَّق الحافظ ابن حجر بقوله: "تنبيه: مناسبة هذه المبالغة في ذم الشعر: أن الذين خوطبوا بذلك كانوا في غاية الإقبال عليه والاشتغال به، فزجرهم عنه؛ ليُقبلوا على القرآن، وعلى ذِكر الله تعالى، وعبادته " انتهى. " فتح الباري " (10 / 550) . وقال النووي رحمه الله: "الصواب: أن المراد أن يكون الشعر غالباً عليه، مستولياً عليه، بحيث يشغله عن القرآن وغيره من العلوم الشرعية وذِكر الله تعالى، وهذا مذموم من أي شعر كان، فأما إذا كان القرآن والحديث وغيرهما من العلوم الشرعية هو الغالب عليه: فلا يضر حفظ اليسير من الشعر مع هذا؛ لأن جوفه ليس ممتلئا شعراً " انتهى. " شرح مسلم " (15 / 14) . وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: "واعلم أن التحقيق الذي لا ينبغي العدول عنه أن الشعر كلام، حسنه حسن، وقبيحه قبيح، ومن الأدلة القرآنية على ذلك: أنه تعالى لما ذم الشعراء بقوله: (والشعرآء يَتَّبِعُهُمُ الغاوون أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ) استثنى من ذلك الذين آمنوا وعملوا الصالحات في قوله: (إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات وَذَكَرُواْ الله كَثِيراً) الشعراء/ 227، وبما ذكرنا تعلم أن التحقيق أن الحديث الصحيح المصرح بأن امتلاء الجوف من القيح المفسد له خير من امتلائه من الشِّعر محمول على من أقبل على الشعر، واشتغل به عن الذِّكر، وتلاوة القرآن، وطاعة الله تعالى، وعلى الشعر القبيح المتضمن للكذب، والباطل كذكر الخمر ومحاسن النساء الأجنبيات ونحو ذلك " انتهى. " أضواء البيان " (6 / 165) . فليحذر الدعاة إلى الله وطلبة العلم والخطباء من فتنة الشِّعر؛ فإن لها بريقاً يخطف الأبصار، ولها حلاوة تسلب العقول، وليحرص أن يمتلأ جوفه بكتاب الله، ونصوص السنَّة، ولا بأس من حفظ بعض الأشعار، لكن ليس على حساب نصوص الوحي. ثانياً: اختلف العلماء في حكم إنشاد الشِّعر في خطبة الجمعة، فذهب بعضهم إلى المنع منه، وأجازه آخرون بشرط عدم الإكثار منه. والذين ذهبوا للمنع قالوا: لم نجد في السنَّة النبوية أي دليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان ينشد الأبيات من الشعر على المنبر، والذين قالوا بالجواز قالوا إن النبي صلى الله عليه وسلم أثنى على بعض الشعر، وقال إن فيه حكمة، فلا مانع من أن يأتي الخطيب في خطبته ببعض الأبيات، على أن لا يكثر من ذلك، وعلى أن لا يكون ذلك على حساب الأدلة الشرعية. وممن قال بالمنع: الشيخ بكر أبو زيد حفظه الله حيث قال: "ولا أعرف في خطب النبي صلى الله عليه وسلم، ولا في خطب الصحابة رضي الله عنهم الاستشهاد بالشعر ببيت فصاعداً، وعلى هذا جرى التابعون لهم بالإحسان. وقد استمرأ بعض الخطباء في القرن الرابع عشر تضمين خطبة الجمعة البيت من الشعر فأكثر، بل ربما صار الاستشهاد بمقطوعات شعرية متعددة، وربما كان إنشاد بيت لمبتدع، أو زنديق، أو ماجن ". وقال أيضاً: "والمقام في خطبة الجمعة مقام له خصوصيات متعددة يخالف غيره من المقامات، في الدروس، والمحاضرات، والوعظ، والتذكير، وهو مقام عظيم لتبليغ هذا الدين صافياً، يجهر فيه الخطيب بنصوص الوحيين الشريفين، وتعظيمهما في القلوب، والبيان عنهما بما يليق بمكانتهما ومكانة فرائض الإسلام، فلا أرى لك أيها الخطيب للجمعة إلا اجتناب الإنشاد في خطبة الجمعة، تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهو بك أجمل، وبمقامك أكمل، والله المستعان " انتهى. " تصحيح الدعاء " (ص 99) . وقد ذهب الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، إلى جواز أن يستشهد خطيب الجمعة بأبيات من الشِّعر، على أن يكون ذلك بقدر، وبحسن اختيار. فقد سئل الشيخ رحمه الله: هل الاستشهاد ببعض الشِّعر في خطبة الجمعة مما يحث على مكارم الأخلاق، والجهاد ي سبيل الله أمر مشروع؟ . فأجاب: "لا شك بذلك، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنَّ مِن الشِّعر لحكمة) ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينشد مع الصحابة وهم يبنون المسجد، ينشد معهم عليه الصلاة والسلام: والله لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينةً علينا ... وثبت الأقدام إن لاقينا إن الألى قد بغوا علينا ... إذا أرادوا فتنة أبينا كان رافعا بها صوته يقول: أبينا، أبينا، أبينا، كما أن عليه الصلاة والسلام أنشدهم وهم يحفرون الخندق. فالمقصود: أن إنشاد الشعر الحق الطيب في الخطب، والمواعظ، والمحاضرات، وخطب الجمعة، والأعياد: لا بأس به؛ لأنه يؤثر، ويحصل به خير عظيم " انتهى. " جريدة المدينة " العدد 9170، الثلاثاء 22 / 12 / 1412 هـ. وهذا القول هو الراجح، فلا بأس أن يستشهد خطيب الجمعة بما يراه مناسباً لخطبته من شعر يحتوي على بلاغة وفصاحة وتأثير في الناس، على ألا يكثر من ذلك، ولا يكون ذلك مقدماً عنده على نصوص الوحيين: القرآن والسنة. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103241 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1977 لا يجوز التخلف عن صلاة الجمعة بغير عذر [السُّؤَالُ] ـ[تخرجت كفني أشعة في مستشفى نورتن في أمريكا، وعرضوا علي عملاً في الأسبوع الماضي، ويظهر أنهم لن يعطوني إجازة في يوم الجمعة؛ لأداء صلاة الجمعة، فما الحكم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يجب على من سمع النداء يوم الجمعة، وهو من أهل الجمعة – أي: كان ذكراً مسلماً مكلفاً حراً - أن يلبي النداء؛ قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) الجمعة / 9. وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمْ الْجُمُعَاتِ أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنْ الْغَافِلِينَ) رواه مسلم (865) . ثانياً: هناك أعذار تبيح للمسلم أن يتخلف عن صلاة الجمعة، كالمرض، والقيام بعمل ضروري لا يستطيع تركه من أجل صلاة الجمعة، كمن يقوم على علاج مريض، أو من يستقبل الحالات الطارئة في المستشفى، أو يعمل حارساً أمنياً على مكان بالغ الأهمية. ونحو ذلك من الأعمال. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (36530) . وبناء على ذلك: فإذا كان وجودك في المستشفى في وقت صلاة الجمعة ضرورياً؛ لاستقبال الحالات الطارئة والحوادث، وليس هناك من يقوم بهذا العمل غيرك، فلا حرج عليك من ترك صلاة الجمعة في هذه الحال، وتصليها ظهراً. أما إذا كان بقاؤك في المستشفى في ذلك الوقت غير ضروري؛ لوجود من يقوم بالعمل غيرك، فلا عذر لك في ترك صلاة الجمعة، وعليك أن تبحث عن عمل آخر لا يتعارض مع الواجبات الشرعية، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه. ونسأل الله أن ييسر لك الخير حيث كان. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103055 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1978 فضائل يوم الجمعة [السُّؤَالُ] ـ[بماذا يتميز يوم الجمعة عن غيره من أيام الأسبوع؟ ولماذا؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليوم الجمعة ميزات وفضائل كثيرة، فَضَّلَ الله بها هذا اليوم على ما سواه من الأيام عن أبي هريرة وحذيفة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَضَلَّ اللَّهُ عَنْ الْجُمُعَةِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا، فَكَانَ لِلْيَهُودِ يَوْمُ السَّبْتِ، وَكَانَ لِلنَّصَارَى يَوْمُ الأَحَدِ، فَجَاءَ اللَّهُ بِنَا فَهَدَانَا اللَّهُ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَجَعَلَ الْجُمُعَةَ وَالسَّبْتَ وَالأَحَدَ، وَكَذَلِكَ هُمْ تَبَعٌ لَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، نَحْنُ الآخِرُونَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، وَالأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الْمَقْضِيُّ لَهُمْ قَبْلَ الْخَلائِقِ) . رواه مسلم (856) . قال النووي: قَالَ الْقَاضِي: الظَّاهِر أَنَّهُ فُرِضَ عَلَيْهِمْ تَعْظِيم يَوْم الْجُمُعَة بِغَيْرِ تَعْيِين وَوُكِلَ إِلَى اِجْتِهَادهمْ , لِإِقَامَةِ شَرَائِعهمْ فِيهِ , فَاخْتَلَفَ اِجْتِهَادهمْ فِي تَعْيِينه وَلَمْ يَهْدِهِمْ اللَّه لَهُ , وَفَرَضَهُ عَلَى هَذِهِ الأُمَّة مُبَيَّنًا , وَلَمْ يَكِلهُ إِلَى اِجْتِهَادهمْ فَفَازُوا بِتَفْضِيلِهِ. قَالَ: وَقَدْ جَاءَ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلام أَمَرَهُمْ بِالْجُمْعَةِ وَأَعْلَمَهُمْ بِفَضْلِهَا فَنَاظَرُوهُ أَنَّ السَّبْت أَفْضَل , فَقِيلَ لَهُ: دَعْهُمْ. قَالَ الْقَاضِي: وَلَوْ كَانَ مَنْصُوصًا لَمْ يَصِحّ اِخْتِلَافهمْ فِيهِ , بَلْ كَانَ يَقُول: خَالَفُوا فِيهِ , قُلْت: وَيُمْكِن أَنْ يَكُون أُمِرُوا بِهِ صَرِيحًا وَنُصَّ عَلَى عَيْنه فَاخْتَلَفُوا فِيهِ هَلْ يَلْزَم تَعْيِينه أَمْ لَهُمْ إِبْدَاله؟ وَأَبْدَلُوهُ وَغَلِطُوا فِي إِبْدَاله اهـ. وليس بعجيب أن يُذكر لهم يوم الجمعة بعينه ثم يخالفون. قال الحافظ: كيف لا وهم القائلون (سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا) !! اهـ وعن أوس بن أوس: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَام، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرَمْتَ -أَيْ يَقُولُونَ قَدْ بَلِيتَ- قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ حَرَّمَ عَلَى الأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلام) . رواه أبو داود (1047) وصححه ابن القيم في تعليقه على سنن أبي داود (4/273) . وصححه الألباني في صحيح أبي داود (925) . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا) . رواه مسلم (1410) . فتضمن هذا الحديث بعض الأسباب التي فُضِّل بسببها يوم الجمعة. قال النووي: قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: الظَّاهِر أَنَّ هَذِهِ الْفَضَائِل الْمَعْدُودَة لَيْسَتْ لِذِكْرِ فَضِيلَته لأَنَّ إِخْرَاج آدَم وَقِيَام السَّاعَة لا يُعَدّ فَضِيلَة وَإِنَّمَا هُوَ بَيَان لِمَا وَقَعَ فِيهِ مِنْ الأُمُور الْعِظَام وَمَا سَيَقَعُ , لِيَتَأَهَّب الْعَبْد فِيهِ بِالأَعْمَالِ الصَّالِحَة لِنَيْلِ رَحْمَة اللَّه وَدَفْع نِقْمَته , هَذَا كَلام الْقَاضِي. وَقَالَ أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ فِي كِتَابه الأَحْوَذِيّ فِي شَرْح التِّرْمِذِيّ: الْجَمِيع مِنْ الْفَضَائِل , وَخُرُوج آدَم مِنْ الْجَنَّة هُوَ سَبَب وُجُود الذُّرِّيَّة وَهَذَا النَّسْل الْعَظِيم وَوُجُود الرُّسُل وَالْأَنْبِيَاء وَالصَّالِحِينَ وَالأَوْلِيَاء , وَلَمْ يَخْرُج مِنْهَا طَرْدًا بَلْ لِقَضَاءِ أَوْطَار ثُمَّ يَعُود إِلَيْهَا. وَأَمَّا قِيَام السَّاعَة فَسَبَب لِتَعْجِيلِ جَزَاء الأَنْبِيَاء وَالصِّدِّيقِينَ وَالأَوْلِيَاء وَغَيْرهمْ , وَإِظْهَار كَرَامَتهمْ وَشَرَفهمْ , وَفِي هَذَا الْحَدِيث فَضِيلَة يَوْم الْجُمُعَة وَمَزِيَّته عَلَى سَائِر الأَيَّام اهـ. وعَنْ أَبِي لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَيِّدُ الأَيَّامِ، وَأَعْظَمُهَا عِنْدَ اللَّهِ، وَهُوَ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ يَوْمِ الأَضْحَى وَيَوْمِ الْفِطْرِ، فِيهِ خَمْسُ خِلالٍ: خَلَقَ اللَّهُ فِيهِ آدَمَ، وَأَهْبَطَ اللَّهُ فِيهِ آدَمَ إِلَى الأَرْضِ، وَفِيهِ تَوَفَّى اللَّهُ آدَمَ، وَفِيهِ سَاعَةٌ لا يَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا الْعَبْدُ شَيْئًا إِلا أَعْطَاهُ، مَا لَمْ يَسْأَلْ حَرَامًا، وَفِيهِ تَقُومُ اسَّاعَةُ، مَا مِنْ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ وَلا سَمَاءٍ وَلا أَرْضٍ وَلا رِيَاحٍ وَلا جِبَالٍ وَلا بَحْرٍ إِلا وَهُنَّ يُشْفِقْنَ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ) . رواه ابن ماجه (1084) . وحسَّنه الشيخ الألباني في صحيح الجامع رقم (2279) . قال السندي: (يُشْفِقْنَ مِنْ يَوْم الْجُمُعَة) مِنْ قِيَام السَّاعَة، وَفِيهِ أَنَّ سَائِر الْمَخْلُوقَات تَعْلَم الأَيَّام بِعَيْنِهَا، وَأَنَّهَا تَعْلَم أَنَّ الْقِيَامَة تَقُوم يَوْم الْجُمُعَة اهـ ومن فضائل هذا اليوم: 1- فيه صلاة الجمعة، وهي أفضل الصلوات: قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) الجمعة/9. روى مسلم (233) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الصَّلاةُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ) . 2- صلاة الفجر جماعةً يوم الجمعة خير صلاة يصليها المسلم في أسبوعه. عن ابن عمر قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصلوات عند الله صلاة الصبح يوم الجمعة في جماعة) . رواه البيهقي في "شعب الإيمان". وصححه الألباني في صحيح الجامع (1119) . ومن خصائص صلاة الفجر في يوم الجمعة أنه يسن أن يقرأ المصلي فيها سورة السجدة في الركعة الأولى، وسورة الإنسان في الثانية. عن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِـ (الم تَنْزِيلُ) فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى وَفِي الثَّانِيَةِ (هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنْ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا) . رواه البخاري (851) ومسلم (880) . قال الحافظ ابن حجر: قِيلَ: إِنَّ الْحِكْمَة فِي هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ الإِشَارَة إِلَى مَا فِيهِمَا مِنْ ذِكْر خَلْق آدَم وَأَحْوَال يَوْم الْقِيَامَة , لأَنَّ ذَلِكَ كَانَ وَسَيَقَعُ يَوْم الْجُمُعَة اهـ. 3- أن من مات في يوم الجمعة أو ليلتها وقاه الله فتنة القبر. عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ إِلا وَقَاهُ اللَّهُ فِتْنَةَ الْقَبْرِ) . رواه الترمذي (1074) . وصححه الألباني في "أحكام الجنائز" (ص 49، 50) . هذه بعض فضائل يوم الجمعة، نسأل الله أن يوفقنا لمرضاته. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 9211 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1979 الصلاة أثناء خطبة الإمام [السُّؤَالُ] ـ[من صلى يوم الجمعة ركعتين ثم دخل الإمام. هل يقطعها؟ أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يظهر لي والله أعلم: أنك إذا صليت ركعة بسجدتيها أتممت صلاتك خفيفة؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) متفق عليه. أما إذا شرع الخطيب في الخطبة قبل إتمام ركعة بسجدتيها فإنك تقطع صلاتك؛ لوجوب استماع الخطبة. [الْمَصْدَرُ] الشيخ / د. خالد بن علي المشيقح. الحديث: 14224 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1980 ليس للجمعة سنة راتبة قبلها [السُّؤَالُ] ـ[هل لصلاة الجمعة سنة قبلها أو بعدها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس للجمعة سنة راتبة قبلها في أصح قولي العلماء، ولكن يشرع للمسلم إذا أتى المسجد أن يصلي ما يسر الله له من الركعات يسلم من كل ثنتين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى) رواه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد حسن، وأصله في الصحيح من دون ذكر النهار. ولأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة ما يدل على أن المشروع للمسلم إذا أتى المسجد يوم الجمعة أن يصلي ما قسم الله له قبل خروج الإمام ولم يحدد النبي صلى الله عليه وسلم ثنتين أو أربعاً أو أكثر من ذلك فكله حسن وأقل ذلك ركعتان تحية المسجد، أما بعدها فلها سنة راتبة أقلها ركعتان وأكثرها أربع، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان منكم مصلياً بعد الجمعة فليصل بعدها أربعاً) رواه مسلم (الجمعة/881) ، وكان صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين بعد الجمعة في بيته، وفق الله الجميع لما يرضيه. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - ج/12 ص/386. الحديث: 14075 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1981 غسل الجمعة سنة عند التهيؤ للصلاة [السُّؤَالُ] ـ[هل يكتفى بالغسل الواجب قبل صلاة الفجر للجمعة أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله السنة غسل يوم الجمعة عند التهيؤ لصلاة الجمعة، والأفضل أن يكون ذلك عند التوجه إلى المسجد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا راح أحدكم إلى الجمعة فليغتسل) رواه البخاري (الجمعة/882) واللفظ له، ومسلم (الجمعة/845) . وإذا كان اغتسل في أول النهار أجزأه، لأن غسل يوم الجمعة سنة مؤكدة، وقال بعض أهل العلم بالوجوب، فينبغي المحافظة على هذا الغسل يوم الجمعة والأفضل أن يكون عند توجهه إلى الجمعة كما تقدم، لأن هذا أبلغ في النظافة، وأبلغ في قطع الروائح الكريهة، مع العناية بالطيب واللباس الحسن، وكذلك ينبغي له إذا خرج إليها أن يعتني بالخشوع وأن يقارب بين خطاه، لأن الخطا تحط بها السيئات ويرفع الله بها الدرجات فينبغي أن يكون له خشوع وعناية، وإذا وصل إلى المسجد قدم رجله اليمنى، وصلى على رسول الله عليه الصلاة والسلام وسمى الله وقال: أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، اللهم افتح لي أبواب رحمتك، ثم يصلي ما قدر الله له، ولا يفرق بين اثنين، وبعد ذلك يجلس ينتظر إما في قراءة وإما في ذكر واستغفار أو سكوت حتى يأتي الإمام، ويكون منصتاً إذا خطب الإمام، ثم يصلي معه، فإذا فعل ذلك فقد أتى خيراً عظيماً. وجاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من اغتسل ثم أتى الجمعة فصلى ما قدر له ثم أنصت للخطيب حتى يفرغ من خطبته ثم يصلي معه غُفِر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام) رواه مسلم (الجمعة/1418) واللفظ له. وذلك لأن الحسنة بعشر أمثالها. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - ج/12 ص/404. الحديث: 14073 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1982 إقامة جماعة أخرى في المسجد [السُّؤَالُ] ـ[بعض الأخوة يأتون متأخرين وقد انتهت الجماعة الأولى فيصلون جماعة ثانية بإمام مختلف.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه المسألة هي مسألة إقامة جماعة ثانية في المسجد، وقد أجابت اللجنة الدائمة (7/309) عن حكم إقامة جماعة ثانية في المسجد فأجابت: " من جاء إلى المسجد فوجد الجماعة قد صلوا بإمام راتب أو غير راتب فليصلها جماعة مع مثله ممن فاتهم الجماعة،أو يتصدق عليه بالصلاة معه بعض من قد صلى، لما رواه أحمد في مسنده، وأبو داوود في سننه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبصر رجلاً يصلي وحده فقال: " ألا رجلٌ يتصدق على هذا فيصلي معه " فقام رجل فصلى معه، ورواه الترمذي عن أبي سعيد رضي الله عنه قال:جاء رجل فصلى معه. قال الترمذي: حديثٌ حسن. ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي على ذلك، وذكره ابن حزم في المحلى، وأشار إلى تصحيحه. قال أبو عيسى الترمذي: وهو قول غير واحدٍ من الصحابة والتابعين، قالوا: لا بأس أن يصلي القوم جماعة في مسجد قد صلي فيه جماعة، وبه يقول أحمد وإسحاق. وقال آخرون: يصلون فرادى، وبه يقول سفيان وابن المبارك ومالك والشافعي، يحتارون الصلاة فرادى. أ. هـ وإنما كره هؤلاء ومن وافقهم ذلك خشية الفرقة، وتوليد الأحقاد، وأن يتخذ أهل الأهواء من ذلك ذريعة إلى التأخر عن الجماعة، ليصلوا جماعة أخرى خلف إمام يوافقهم على نحلتهم وبدعتهم، فسداً لباب الفرقة وقضاءاً على مقاصد أهل الأهواء السيئة هو أن لا تصلى فريضة جماعة في مسجد بعد أن صليت فيه جماعة بإمام راتب أو مطلقا. والقول الأول هو الصحيح، لما تقدم من الحديث لعموم قوله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} وقوله صلى الله عليه وسلم: {إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم} . ولا شك أن الجماعة من تقوى الله، ومما أمرت بها الشريعة، فينبغي الحرص عليها على قدر المستطاع. ولا يصح أن يعارض النقل الصحيح بعلل رآها بعض أهل العلم وكرهوا تكرار الجماعة في المسجد من أجلها، بل يجب العمل بما دلت عليه النقول الصحيحة، فإن عُرف عن أحد أو جماعة تأخر لإهمال وتكرر ذلك منهم أو عرف من سيماهم ونحلتهم أنهم يتأخرون ليصلوا مع أمثالهم عُزروا وأُخذ على أيديهم بما يراه ولي الأمر ردعاً لهم ولأمثالهم من أهل الأهواء وبذلك يسد باب الفرقة، ويقضي على أغراض أهل الأهواء، دون ترك العمل بالأدلة التي دلت على الصلاة جماعة لمن فاتتهم الجماعة الأولى. وبالله التوفيق. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء هذا فيما يتعلق بالصلوات الخمس أما صلاة الجمعة فإنها لا تعاد بل تنتهي بسلام الإمام، ومن فاتته الجمعة صلاها ظهراً منفرداً كان أو مع جماعة. هذا من حيث الحكم، أما من جهة الإثم فإن كان تأخره عن الجمعة لعذر شرعي فلا شيء عليه، وإن كان لغير عذر فهو آثم. وانظر جواب السؤال رقم: (26807) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 13482 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1983 متى يكون الأذان الأول للجمعة قبل الوقت أو بعده؟ [السُّؤَالُ] ـ[عندنا مشكلة في الولايات المتحدة في مسجدي وهو أذان الجمعة الأول العثماني هل يكون قبل دخول الوقت أم بعده؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: يشرع الأذان الأول للجمعة، وهو ما فعله عثمان رضي الله عنه، وأقره الصحابة عليه، كما روى البخاري (912) عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: كَانَ النِّدَاءُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوَّلُهُ إِذَا جَلَسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَثُرَ النَّاسُ زَادَ النِّدَاءَ الثَّالِثَ عَلَى الزَّوْرَاءِ. والزَّوْرَاءُ مَوْضِعٌ بِالسُّوقِ بِالْمَدِينَةِ. وسمّى الأذان الذي زاده عثمان ثالثا، باعتبار أنه زاده على الأذان والإقامة. ثانيا: ينبغي أن يكون الأذان الأول قبل دخول وقت الجمعة، بنحو نصف ساعة أو ساعة؛ لتتحقق الفائدة منه وهي تذكير الناس بالجمعة، وحثهم على التهيؤ والمسارعة إليها. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما هو الوقت المشروع بين الأذان الأول والثاني للجمعة؟ فأجاب: "الواقع أننا في نجد نجعل فرقاً بين الأذان الأول والأذان الثاني نحو نصف ساعة أو ساعة إلا ربع وبعض الناس ساعة، وفي مكة والمدينة لا يجعلون بينهما فرقاً، إذا دخل الوقت وقت الظهر أذن المؤذن الأذان الذي يسمونه الأول، ثم يؤذن الثاني بعد مجيء الخطيب. والذي يظهر لي أن فعل أهل نجد أصح؛ لأنه هو الذي يحصل به الفائدة، أن الناس يستمعون إلى الأذان الأول ثم يتأهبون إلى الصلاة ويأتون إلى المسجد الجامع، وقد قال أهل العلم رحمهم الله: من سمع النداء الثاني يوم الجمعة لزمه السعي من حين أن يسمع، ومن كان بيته بعيداً لزمه السعي إلى الجمعة بحيث يصل إليها مع الخطيب. فعمل الناس هنا عندي أقرب إلى الصواب ممن لا يؤذنون الأذان الأول للجمعة إلا إذا دخل وقت الظهر. لكن ليس معنى هذا أن نضلل من خالفنا، وهذه نقطة مهمة أبثها لطلاب العلم: إذا اختلف الفقهاء في سنة فقال بعضهم: هي سنة، وقال آخرون: ليست بسنة، فليس لازم قول الذين يقولون: إنها ليست بسنة أن يبدعوا الآخرين، لا يبدعونهم أبداً، لأننا لو بدعنا المخالف لنا في هذه الأمور لزم أن يكون كل الفقهاء في مسائل الخلاف مبتدعة، لأن الذي يقول لي: أنت مبتدع، أقول له: وأنت مبتدع، فيبقى الفقهاء كلهم في مسائل الخلاف أهل بدعة، وهذا لا قائل به، فإذا اختلف العلماء رحمهم الله في مسائل لا تتعلق بالعقيدة وليست محدثةً حدثاً واضحاً، إنما اختلفوا في فهم النصوص، فهنا نقول: الأمر واسع، ولا يمكن أن يبدع بعضنا بعضاً " انتهى من "اللقاء الشهري" (69/3) وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: ما هو الوقت الذي يفصل بين أذان الجمعة الأول والثاني؟ فأجاب: "الوقت الذي يفصل بين أذان الجمعة الأول والثاني هو الوقت الكافي للناس في أن يتهيئوا لصلاة الجمعة ويذهبوا إليها. فالأذان الأول لتنبيه الناس على قرب وقت صلاة الجمعة. . . حتى ينتبه الناس وينتهوا من بيعهم وشرائهم وأعمالهم الدنيوية ويتجهوا إلى صلاة الجمعة. وأما الأذان الثاني؛ فهذا إنما يكون إعلامًا بدخول وقت الصلاة، وهو عند دخول الإمام وجلوسه على المنبر؛ كما كان في وقت النبي صلى الله عليه وسلم" انتهى باختصار من "المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان" (1/101) . وقد ذكرنا نص الفتوى كاملة في جواب السؤال (97888) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 100225 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1984 الجمعة تدرك بركعة [السُّؤَالُ] ـ[إذا جاء شخص إلى المسجد يوم الجمعة ووجد الصلاة قد قضيت ووجد رجلاً بقيت عليه ركعة فصلى معه فهل يكمل صلاته ظهراً أو جمعة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب أن يكملها ظهراً لأن الجمعة فاتت، وإنما تدرك بركعة واحدة إذا أدرك الركعة الثانية مع الإمام صلاها جمعة، أما إذا لم يأت إلا بعد السلام أو جاء بعد الركعة الثانية في التشهد أو في حال السجود في الركعة الثانية فإنه لا يصليها جمعة ولكن يصليها ظهراً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الجمعة فليضف إليها أخرى وقد تمت صلاته) رواه الترمذي (482) والنسائي (554) وابن ماجه (1113) ، فمفهومه أنه إذا لم يدرك إلا أقل من ركعة فإنه لا يكون مدركاً للجمعة ولكنه يصلي ظهراً، هذا هو المشروع، وإذا أدرك إنساناً يقضي فصلى معه فليصلها ظهراً ولا يصلي جمعة، ويلاحظ في هذا أيضاً أن يكون بعد الزوال، أما إذا كانت الجمعة قد صليت قبل الزوال فإنه لا يصلي الظهر إلا بعد الزوال، لأن الجمعة يجوز أن تصلى قبل الزوال في الساعة السادسة على الصحيح من قولي العلماء، ولكن الأفضل والأحوط أن تصلى بعد الزوال كما هو قول جمهور العلماء، أما الظهر فلا يجوز أن تصلى إلا بعد الزوال بإجماع المسلمين. والله ولي التوفيق. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - ج/12 ص/329. الحديث: 22344 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1985 عبادات يشرع فعلها يوم الجمعة [السُّؤَالُ] ـ[أعلم أن يوم الجمعة له فضائل كثيرة، فهل يمكن أن تخبرني ببعض العبادات التي يمكنني القيام بها في هذا اليوم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، يوم الجمعة يوم فاضل، ورد في شأنه أحاديث كثيرة تدل على فضله. راجع سؤال رقم (9211) . وهناك عبادات كثيرة يشرع للمسلم القيام بها في هذا اليوم. منها: 1- صلاة الجمعة قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) الجمعة/9. قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد (1/376) : صلاة الجمعة هي من آكد فروض الإسلام، ومن أعظم مجامع المسلمين، وهي أعظم من كل مجمع يجتمعون فيه، وأفْرَضُه سوى مجمع عرفة، ومن تركها تهاونا بها طبع الله على قلبه اهـ عن أبي الجعد الضمري –وكانت له صحبة- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من ترك ثلاث جمع تهاونا بها طبع الله على قلبه) . رواه أبو داود (1052) وصححه الألباني في صحيح أبي داود (928) . وعن عبد الله بن عمر وأبي هريرة: أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على أعواد منبره: (لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمْ [أي تركهم] الْجُمُعَاتِ أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنْ الْغَافِلِينَ) . رواه مسلم (865) . 2- الإكثار من الدعاء في هذا اليوم ساعة إجابة إن دعا العبد فيها ربه استجيب له – بإذن الله تعالى -. عن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ: (فِيهِ سَاعَةٌ لا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى شَيْئًا إِلا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا) . رواه البخاري (893) ومسلم (852) . 3- قراءة سورة الكهف عن أبي سعيد الخدري: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين". رواه الحاكم. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (836) . 4- الإكثار من الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم عن أوس بن أوس: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلام، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلاةِ فَإِنَّ صَلاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرَمْتَ -أَيْ يَقُولُونَ قَدْ بَلِيتَ- قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ حَرَّمَ عَلَى الأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلام) . رواه أبو داود (1047) وصححه ابن القيم في تعليقه على سنن أبي داود (4/273) . وصححه الألباني في صحيح أبي داود (925) قال في عون المعبود: وَإِنَّمَا خَصَّ يَوْم الْجُمُعَة لأَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَة سَيِّدُ الأَيَّام وَالْمُصْطَفَى سَيِّدُ الأَنَام , فَلِلصَّلاةِ عَلَيْهِ فِيهِ مَزِيَّةٌ لَيْسَتْ لِغَيْرِهِ اهـ. ومع هذه الفضائل والعبادات نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تخصيص يوم الجمعة أو ليلتها بعبادة لم ترد عن الشرع. فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي، وَلا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الأَيَّامِ، إِلا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ) . رواه مسلم (1144) . قال الصنعاني في سبل السلام: الحديث دليل على تحريم تخصيص ليلة الجمعة بالعبادة، وتلاوة غير معتادة إلا ما ورد به النص على ذلك كقراءة سورة الكهف. . . اهـ وقال النووي: وَفِي هَذَا الْحَدِيث النَّهْي الصَّرِيح عَنْ تَخْصِيص لَيْلَة الْجُمُعَة بِصَلاةٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِيِ , وَيَوْمِهَا بِصَوْمٍ. وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَى كَرَاهِيَته اهـ. وقال أيضاً: قَالَ الْعُلَمَاء: وَالْحِكْمَة فِي النَّهْي عَنْ تخصيصه بالصيام: أَنَّ يَوْم الْجُمُعَة يَوْم دُعَاء وَذِكْرٍ وَعِبَادَةٍ: مِنْ الْغُسْل وَالتَّبْكِير إِلَى الصَّلاة وَانْتِظَارهَا وَاسْتِمَاع الْخُطْبَة وَإِكْثَار الذِّكْر بَعْدَهَا ; لِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى: (فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانْتَشَرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا) وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْعِبَادَات فِي يَوْمهَا , فَاسْتُحِبَّ الْفِطْر فِيهِ , فَيَكُون أَعْوَنَ لَهُ عَلَى هَذِهِ الْوَظَائِ وَأَدَائِهَا بِنَشَاطٍ وَانْشِرَاحٍ لَهَا , وَالْتِذَاذٍ بِهَا مِنْ غَيْر مَلَلٍ وَلا سَآمَةٍ , وَهُوَ نَظِير الْحَاجّ يَوْم عَرَفَة بِعَرَفَةَ , فَإِنَّ السُّنَّة لَهُ الْفِطْر لِهَذِهِ الْحِكْمَة. . . فَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَد فِي الْحِكْمَة فِي النَّهْي عَنْ إِفْرَاد صَوْم الْجُمُعَة. وَقِيلَ: سَبَبه خَوْف الْمُبَالَغَة فِي تَعْظِيمه , بِحَيْثُ يُفْتَتَن بِهِ كَمَا اُفْتُتِنَ قَوْمٌ بِالسَّبْتِ , وَهَذَا ضَعِيفٌ مُنْتَقَضٌ بِصَلاةِ الْجُمُعَة وَغَيْرهَا مِمَّا هُوَ مَشْهُور مِنْ وَظَائِف يَوْم الْجُمُعَة وَتَعْظِيمه. وَقِيلَ: سَبَب النَّهْي لِئَلا يُعْتَقَد وُجُوبُهُ , وَهَذَا ضَعِيف مُنْتَقَضٌ بِيَوْمِ الاثْنَيْنِ فَإِنَّهُ يُنْدَبُ صَوْمُهُ وَلا يُلْتَفَتُ إِلَى هَذَا الاحْتِمَال الْبَعِيد , وَبِيَوْمِ عَرَفَة وَيَوْم عَاشُورَاء وَغَيْر ذَلِكَ , فَالصَّوَاب مَا قَدَّمْنَا اهـ. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 13815 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1986 من السنة استقبال الخطيب بالوجه والنظر إليه [السُّؤَالُ] ـ[في خطبة الجمعة ينظر بعض المصلين إلى الخطيب وبعضهم ينظر أمامه وبعضهم ينظر على الأرض وبعضهم يغمض عينه، فهل هناك سنة معينة لهذا الموضوع؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله جاء في الحديث الصحيح عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر، أقبلنا بوجوهنا إليه. السلسلة الصحيحة للألباني رقم 2080 وعن أبان بن عبد الله البجلي قال: رأيت عدي بن ثابت يستقبل الإمام بوجهه إذا قام يخطب، فقلت له: رأيتك تستقبل الإمام بوجهك؟ قال: رأيت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يفعلونه. وعن عبد الله بن مسعود قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استوى على المنبر استقبلناه بوجوهنا) . أخرجه الترمذي، وقال: " وفي الباب عن ابن عمر، ومحمد بن الفضل ذاهب الحديث، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، يستحبون استقبال الإمام إذا خطب، وهو قول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق. وعن يحيى بن سعيد الأنصاري قال: (السنة إذا قعد الإمام على المنبر يوم الجمعة، يقبل عليه القوم بوجوههم جميعاً) وعن نافع: (أن ابن عمر كان يفرغ من سبحته يوم الجمعة قبل خروج الإمام، فإذا خرج لم يقعد الإمام حتى يستقبله) وقد جمع الألباني رحمه الله تعالى هذه الأحاديث في السلسلة الصحيحة رقم 2080 وعلّق عليها. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وجلسنا حوله ... ) أخرجه البخاري 921. وقد أورد البخاري الحديث في " باب يستقبل الإمام القوم، واستقبال الناس الإمام إذا خطب، واستقبل ابن عمر وأنس رضي الله عنهم الإمام ". قال الحافظ في الفتح (2/402) : " وقد استنبط المصنف من الحديث مقصود الترجمة، ووجه الدلالة منه أن جلوسهم حوله لسماع كلامه يقتضي نظرهم إليه غالباً، ولا يعكر على ذلك ما تقدم من القيام في الخطبة، لأن هذا محمول على أنه كان يتحدث وهو جالس على مكان عال وهم جلوس أسفل منه، وإذا كان في غير حال الخطبة كان حال الخطبة أولى؛ لورود الأمر بالاستماع لها، والإنصات عندها ". قال: " ومن حكمة استقبالهم للإمام التهيؤ لسماع كلامه، وسلوك الأدب معه في استماع كلامه، فإذا استقبله بوجهه وأقبل عليه بجسده وبقلبه وحضور ذهنه؛ كان أدعى لتفهم موعظته، وموافقته فيما شُرع له القيام لأجله ". والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 10667 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1987 حكم صلاة السجناء جمعة وهم في عنابرهم [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم صلاة السجناء جمعة وجماعة خلف إمام واحد يتقدمهم، وهم في عنابرهم بواسطة مكبر الصوت؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أفتى مجلس هيئة كبار العلماء بعدم الموافقة على جمع السجناء على إمام واحد في صلاة الجمعة والجماعة وهم داخل عنابر السجن يقتدون به بواسطة مكبر الصوت، لعدم وجوب صلاة الجمعة عليهم حيث لا يمكنهم السعي إليها، ولأسباب أخرى. لكن من أمكنه الحضور لأداء صلاة الجمعة في مسجد السجن إذا كان فيه مسجد تقام فيه صلاة الجمعة صلاها مع الجماعة، وإلا فإنها تسقط عنه ويصليها ظهراً، وكل مجموعة تصلي الصلوات الخمس جماعة داخل عنابرهم إذا لم يمكن جمعهم في مسجد أو مكان واحد. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - ج/12 ص/345. الحديث: 22114 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1988 هل يشترط أن يكون الإمام واحدا وأن يكون هو الخطيب [السُّؤَالُ] ـ[لقد عشت في الولايات المتحدة حوالي سبع سنوات وقد قضيت جميع تلك السنوات في لاس فيجاس. وفي كل جمعة كان يقدم الخطبة إمام مختلف. سؤالي هو في حي يبلغ تعداد سكانه 6000 نسمة وربما أكثر، فهل من المناسب أن يكون للمسجد إمام مختلف كل جمعة أم يجب على المسجد أن يوظف إماما ثابتا، خاصة إذا كان المسجد قادرا على توظيف إمام ثابت؟ إذا كان الإمام ثابتا فلن يحتاج المرء للذهاب إلى أماكن بعيدة من أجل الحصول على إجابات على ما يكون لديه من استفسارات. جزاكم الله خيرا على ما تقدمونه من خدمة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله 1. إذا كان المسجد يُمكن أن يقوم به إمام واحد وليس من المساجد الضخمة التي تحتاج إلى تعاون أكثر من إمام أو كان هناك شخص متفرّغ للإمامة وكانت لديكم القدرة المالية على سدّ حاجته أو وُجد من يتبرّع لأداء المهمة فإنّ تثبيت إمام واحد وخطيب للمسجد فيه فوائد عديدة منها: أ. الخطيب الثابت أقدر على التعرف على مشكلات الناس، وبالتالي المشاركة في حلها، وأن يكون مرجع أهل المسجد وقائدهم، والناس إذا علموا برجوعه جمعة أخرى حثهم ذلك على طرح ما عندهم من مسائل ومشكلات. ب. ومن الفوائد كذلك التي تعود على الناس سماعهم لأشياء مفيدة يحتاج الكلام عليها إلى سلسلة من الخطب كتفسير سورة الفاتحة - مثلاً - أو علامات الساعة أو الغزوات أو تعليم الصلاة، وهذه السلسلة لا يقوم بها في الغالب إلا إمام واحد بخلاف الخطباء متجددين. ت. ومنها: سماع الناس لأشياء جديدة في كل أسبوع، فالخطيب الثابت لا يعيد المواضيع التي سبق وأن خطب عنها قريبا لئلا يملّ الناس، بل يجدّد لهم الموضوعات في كل أسبوع، بخلاف الخطباء المتغيرين، فقد يسمع الناس منهم مواضيع متشابهة متكررة، وهو ما يضيع عليهم وقتاً يمكن الاستفادة منه أكثر. ث. وكون الخطيب هو الإمام نفسه أحسن لأنّه تجتمع عنده الأمور ومشكلات أهل مسجده وقد يحدث في خلال الأسبوع من الحوادث لأهل الحيّ وجماعة المسجد ما يستدعي أن يعلّق عليه أو يتكلم حوله في خطبة الجمعة. ج. ومنها: موافقة هدي النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده حيث كان هو الإمام والخطيب الثابت. 2. وينبغي الانتباه البالغ والاهتمام الشديد بأن يكون الإمام مِن أهل السنة وعلى منهجهم في الاعتقاد، وهو الذي ينفعكم في دينكم، ومن عداه من أهل البدع فهو ضار بكم، ومضلل لكم. 3. ويضاف إلى كونه على عقيدة سليمة أن يكون صاحب علم تسمعون منه شيئاً نافعاً في الدروس والخطب. 4. ولا مانع من تكوين لجنة فيها بعض طلبة العلم لاختيار إمام وخطيب، فالناس إذا كان ميزانهم العاطفة لن يستطيعوا التمييز بين النافع والضار. 5. هذا، ولا يلزم أن يكون الإنسان موفّقا في الإمامة والخطابة معاً، فكم من قارئ مشهور جاهل بأحكام الشرع، وكم من خطيب مفوَّه لا يتقن أحكام سجود السهو، وكم من طالب علم لا يحسن الخطابة ومواجهة الناس. فإذا دعت الحاجة إلى أن يكون الإمام غير الخطيب فلا بأس بذلك وكذلك إذا كانت أحوال الجالية المسلمة لا تسمح بأن يتفرّغ شخص واحد للقيام بمهمات الإمامة والخطابة لظروف الدراسة والعمل فلا مانع من أن يتناوب مجموعة من المؤهلين فيهم على الإمامة والخطابة وأن يُعمل جدول دقيق لذلك حتى لا تضيع المسئوليات ويحدث فراغ يخلّ برسالة المسجد، نسأل الله أن يوفقنا وإياكم للخير وصلى الله على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 7231 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1989 هل تقام صلاة الجمعة في دار الحرب؟ أو دار الكفر؟ [السُّؤَالُ] ـ[لو قلنا إن بلداً من البلاد دار حرب أو دار كفر، فهل تجب الجمعة فيها؟ أو بمعنى آخر هل يجب أن نجمع لصلاة الجمعة في دار الحرب أو الكفر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فرض الله تعالى صلاة الجمعة على المسلمين المستوطنين في مدينة أو قرية، ونهى عن التشاغل عنها ببيع أو شراء أو نحوهما، لعموم قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون) الجمعة/9، ولما ثبت من حديث عبد الله بن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم، أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على أعواد منبره: (لينتهن أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين) مسلم 2/591. ولإجماع الأمة على ذلك وليس في الشريعة دليل صحيح يدل على اختصاص افتراضها بدار الإسلام دون دار الحرب فوجب على المسلمين المستوطنين في دار الكفر أن يؤدوا صلاة الجمعة إذا توافرت شروطها عملاً بعموم نصوص الكتاب والسنة الدالة على أنها فرض عين على المسلمين بشروطها المعتبرة شرعاً. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 8/186 الحديث: 26800 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1990 مقدار الوقت بين أذان الجمعة الأول والثاني [السُّؤَالُ] ـ[ما هو الوقت الذي يفصل بين أذان الجمعة الأول والثاني؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " الوقت الذي يفصل بين أذان الجمعة الأول والثاني هو الوقت الكافي للناس في أن يتهيؤوا لصلاة الجمعة ويذهبوا، وقد أمر به عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه في خلافته لما كثر الناس في المدينة، أمر من ينادي على مكان يقال له (الزوراء) في المدينة حتى ينتبه الناس وينتهوا من بيعهم وشرائهم وأعمالهم الدنيوية ويتجهوا إلى صلاة الجمعة. وأما الأذان الثاني؛ فهذا إنما يكون إعلاماً بدخول وقت الصلاة، وهو عند دخول الإمام وجلوسه على المنبر؛ كما كان في وقت النبي صلى الله عليه وسلم. فعرفنا الغرض من الأذانين: أن الأذان الأول لتنبيه الناس للذهاب لصلاة الجمعة، ويكون في وقت متقدم ومبكر؛ بحيث يستطيع الناس أن يتهيؤوا ويذهبوا مبكرين لصلاة الجمعة. وأما الغرض من الأذان الثاني؛ فهو الإعلام بدخول الوقت، ويكون إذا حضر الخطيب وجلس على المنبر؛ كما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم. ولا بد أن يكون بين الأذانين وقت حتى يكون للأذان الأول فائدة، أما أن يقرن الأذان الأول مع الثاني ولا يكون بينهما إلا وقت يسير؛ كما يعمل هذا في بعض البلاد؛ فهذا يلغي الفائدة من الأذان الأول، ولم يكن هذا هو الذي قصده عثمان رضي الله عنه حينما أمر به، ولا يكون له فائدة ". "المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (2 / 101) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97888 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1991 تحديد وقت عيد الفطر والأضحى ينبني على رؤية الهلال [السُّؤَالُ] ـ[لدى سؤال يتعلق بموعد الأعياد فأنا على علم بأن عيد الفطر يعقب شهر رمضان وبأن هناك خلافاً دائماً بين المسلمين حول هذا اليوم (يحتفل به البعض بعد اليوم التاسع والعشرين بينما يحتفل به الآخرون بعد الثلاثين من الشهر) ولكن بخصوص عيد الأضحى, هل يتفق هذا اليوم مع مايقوم به الحجاج فى مكة أم يمكن الاختلاف في هذا اليوم بحسب اختلاف البلد التي يوجد بها كل فرد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: اختلاف المسلمين في تحديد أول شهر رمضان، وتحديد وقت عيد الفطر، راجع إلى اختلاف الفقهاء في مسألة مشهورة، وهي هل رؤية الهلال في بلد تلزم جميعَ البلدان، أم لكل بلد رؤيته، وهذا ينطبق أيضا على تحديد وقت عيد الأضحى. وهي من المسائل الاجتهادية، وقد استدل كل فريق من العلماء بأدلة، وربما استدل الفريقان بالنص الواحد، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (1248) . القول بأنه إذا رؤي الهلال في بلد لزم جميع البلدان هو مذهب جمهور العلماء، وقد اختاره الشيخ ابن باز رحمه الله، كما في مجموع الفتاوى (15/77) والقول باعتبار اختلاف المطالع هو الأصح عند الشافعية، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية واختاره من المعاصرين الشيخ ابن عثيمين، وقد سبق نقل فتواه في جواب السؤال رقم (40720) . ثانياً: ينبني على هذا الخلاف اختلاف المسلمين في عيد الفطر وعيد الأضحى من غير فرق بينهما، قال الشيخ ابن باز رحمه الله بعد أن ذكر اختلاف العلماء في العمل باختلاف المطالع من دخول الشهر وخروجه: " والذي يظهر لي أن اختلافها لا يؤثر، وأن الواجب هو العمل برؤية الهلال صوماً وإفطاراً وتضحية متى ثبتت رؤيته ثبوتاً شرعياً في أي بلد ما.. ثم قال: وإذا قلنا باعتبار اختلاف المطالع في الحكم أو لم نَقُلْ به، فالظاهر أن الحكم في رمضان والأضحى سواء، لا فرق بينهما فيما أعلمه من الشرع " انتهى. مجموع فتاوى ابن باز (15/79) وفي فتوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله المشار إليها آنفاً ذَكَر أن اختلاف المطالع يُعمَل به في عيد الأضحى كما يُعمل به في دخول شهر رمضان وخروجه. وعلى هذا فلا إشكال في أن عيد الأضحى يكون في بلد يوم الجمعة، ويكون في بلد آخر يوم السبت، وهكذا، بناء على تعدد الرؤية واختلافها. ومثل هذا يقال في صوم رمضان، وفي صوم عرفة، وصوم عاشوراء، لأنها مسائل مترتبة على رؤية الهلال والحكم بدخول الشهر أو عدم دخوله. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97750 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1992 حكم إقامة صلاة الظهر بعد الجمعة [السُّؤَالُ] ـ[بلدة فيها نحو من خمسة وثلاثين مسجداً تؤدى فيها صلاة الجمعة فإذا فرغ المصلون من الجمعة صلوا بعدها الظهر، فهل هذا الفعل جائز أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قد علم من الدين بالضرورة وبالأدلة الشرعية أن الله سبحانه لم يشرع يوم الجمعة في وقت الظهر إلا فريضة واحدة في حق الرجال المقيمين المستوطنين الأحرار المكلفين وهي صلاة الجمعة، فإذا فعل المسلمون ذلك فليس عليهم فريضة أخرى لا الظهر ولا غيرها بل صلاة الجمعة هي فرض الوقت، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم والسلف الصالح بعدهم لا يصلون بعد الجمعة فريضة أخرى، وإنما حدث هذا الفعل الذي أشرتم إليه بعدهم بقرون كثيرة ولا شك أنه من البدع المحدثة التي قال فيها النبي عليه الصلاة والسلام: (إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) . رواه أبو داود/3991. وقال عليه الصلاة والسلام: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) رواه البخاري ومسلم، ولا شك أن صلاة الظهر بعد الجمعة أمر محدث ليس عليه أمره صلى الله عليه وسلم فيكون مردوداً ويدخل في البدع والضلالات التي حذر منها المصطفى صلى الله عليه وسلم، وقد نبه أهل العلم على ذلك وممن نبه عليه الشيخ جمال الدين القاسمي في كتابه: (إصلاح المساجد من البدع والعوائد) والشيخ العلامة محمد أحمد عبد السلام في كتابه: (السنن والمبتدعات) ، فإن قال قائل: إنما نفعل ذلك احتياطاً وخوفاً من عدم صحة الجمعة، فالجواب: أن يقال لهذا القائل: إن الأصل هو صحة الجمعة وسلامتها وعدم وجوب الظهر بل وعدم جوازها في وقت الجمعة لمن عليه فرض الجمعة، والاحتياط إنما يشرع عند خفاء السنة ووجود الشك والريب، أما في مثل هذا فليس المقام مقام شك بل نعلم بالأدلة أن الواجب هو صلاة الجمعة فقط فلا يجوز غيرها بدلاً منها ولا مضموماً إليها على أنه عمل يقصد منه الاحتياط لصحتها، وإيجاد شرع جديد لم يأذن به الله، وصلاة الظهر في هذا الوقت مخالف للأدلة الشرعية المعلومة من الدين بالضرورة فوجب أن يترك ويحذر، وليس لفعله وجه يعتمد عليه، بل ذلك من وساوس الشيطان التي يمليها على الناس حتى يصدهم بها عن الهدى، ويشرع لهم ديناً لم يأذن به الله كما زين لبعضهم الاحتياط في الوضوء حتى عذبه في الطهارة وجعله لا يستطيع الفراغ منها كلما كاد أن يفرغ منها وسوس له أنها لم تصح وأنه لم يفعل كذا ولم يفعل كذا، وهكذا فعل ببعضهم في الصلاة إذا كبر للصلاة وسوس إليه أنه لم يكبر فلا يزال يوسوس له أنه لم يكبر ولا يزال الرجل يكبر التكبيرة بعد التكبيرة حتى تفوت الركعة الأولى أو القراءة فيها أو غالبها وهذا من كيد الشيطان ومكره وحرصه على إبطال عمل المسلم وتلبيس دينه عليه، نسأل الله السلامة لنا ولسائر المسلمين والعافية من مكائده ووساوسه إنه سميع قريب. والخلاصة: أن صلاة الظهر بعد الجمعة بدعة وضلالة وإيجاد شرع لم يأذن به الله فالواجب تركه والحذر منه وتحذير الناس منه والاكتفاء بصلاة الجمعة، كما درج على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بعده والتابعون بإحسان إلى يومنا هذا وهو الحق الذي لا ريب فيه، وقد قال الإمام مالك بن أنس رحمة الله عليه: (لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها) . وهكذا قال الأئمة بعده وقبله.. والله الموفق. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - ج/12 ص/363. الحديث: 22266 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1993 حكم ترك الجمعة [السُّؤَالُ] ـ[ما هي عقوبة عدم حضور صلاة الجمعة؟ وما هي الأحاديث الدالة على ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ترك الجمعة ممن تجب عليه من غير عذر كبيرة من كبائر الذنوب. ومن ترك ثلاث جمعٍ تهاوناً طُبع على قلبه وكان من الغافلين، كما روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة، وابن عمر رضي الله عنهما، أنهما سمعا النبي عليه الصلاة والسلام يقول على أعواد منبره: " لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين "، وفي حديثٍ آخر " من ترك ثلاث جمع تهاونا طبع على قلبه ". وهذه عقوبة قلبية، وهي أشدُّ من العقوبة الجسدية بالسجن أو الجلد، وعلى وليِّ الأمر أن يعاقب المتخلفين عن صلاة الجمعة بلا عذر، بما يكون رادعاً لهم عن جريمتهم، فليتق الله كل مسلم أن يضيع فريضة من فرائض الله، فيعرض نفسه لعقاب الله، وليحافظ على ما أو جب الله عليه ليفوز بثواب الله، والله يؤتي فضله من يشاء. [الْمَصْدَرُ] كتبه فضيلة الشيخ عبد الرحمن البراك. الحديث: 7699 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1994 هل يُمكن مقاطعة خطيب الجمعة أثناء الخطبة [السُّؤَالُ] ـ[هل تجوز المقاطعة والتشويش ساعة الجمعة؟ ما هي الأسباب التي تبيح هذا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الكلام يوم الجمعة والخطيب يخطب على المنبر حرام وفاعل ذلك آثم عاصٍ حتى ولو كان كلامه في ذكر الله في تلك الساعة. فالجمعة سكون وسكوت ويجب أن يخشع المصلي بقلبه وجوارحه لما تشمله من الوعظ والعلم الذي يحتاج إليه عوام الناس فلا يجوز الحديث حتى ولو كان انشغاله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو من أوسع الواجبات المأمور بها حتى ولو كان بكلمة (صه) أو كلمة (انصت) والأدلة على ذلك كما يلي: عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب يوم الجمعة أنصت فقد لغوت ". رواه البخاري (892) ومسلم (851) . فانظر- رحمك الله - حتى قولك للرجل أنصت وهو أمر بالمعروف ونهي عن المنكر: عدَّه الشارع لغواً يحرم ساعة الجمعة. بل الأمر أشد من ذلك فاسمع إلى الحديث الذي بعده. عن أبي الدرداء قال: جلس النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر وخطب الناس وتلا آية وإلى جنبي أُبيّ بن كعب فقلت له: يا أُبيّ متى أنزلت هذه الآية؟ فأبى أن يكلمني ثم سألته فأبى أن يكلمني حتى نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي أبيٌّ: مالك من جمعتك إلا ما لغوت، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم جئته فأخبرته فقال " صدق أُبيّ إذا سمعت إمامك يتكلم فأنصت حتى يفرغ ". رواه ابن ماجه (1111) ، وأحمد (20780) . وصححه البوصيري والشيخ الألباني في " تمام المنة " (ص 338) . فالسؤال عن الآية يوم الجمعة تحبط من أجر الجمعة فكيف من يتحدث عن تجارته وزراعته وأمور دنياه، ومن غفلة بعض الناس أنه يجعل الخطبة ساعة للنوم فلا يطيب له أن ينام إلا في ساعة الجمعة. بل إن تشميت العاطس أو رد السلام في ساعة الجمعة غير جائز، يقول الشيخ الألباني عن هذا: (إذاً حكمهما - يعني تشميت العاطس ورد السلام - في الأصل واحد، إما السنة كما في كلام الشافعي أو الوجوب كما هو الراجح عند كثير من العلماء فينبغي التسوية بينهما في المنع أو الجواز، وفي ذلك عند الشافعية ثلاثة وجوه، ذكرها النووي في المجموع) . وقال: الصحيح المنصوص تحريم تشميت العاطس كرد السلام. قلت وهذا هو الأقرب لما ذكرته في "الضعيفة" تحت الحديث (5665) . تمام المنة (ص 339) . وكذلك سائر الأذكار من الاستغفار أو التسبيح وغيرها لا يجهر بها مع كونها من الذّكْر.والخطبة من ذكر الله لقوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله} [سورة الجمعة /9] . والسعي المأمور به يشمل الخطبة والصلاة فكلاهما ذكر لله، وذكر الله من تسبيح وغيره يكون سنة ووقته موسع أما الخطبة والسماع لها فذكر واجب ووقتها ضيق فالانشغال بها يُقدّم على الانشغال بغيرها من الطاعات. وكذلك التأمين على دعاء الخطيب والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إذا مرّ ذكْره في الخطبة يكون سرا من المأمومين ولا يجهرون به. ثانياً: المنع من الحديث والذكر يكون حال كون الخطيب يخطب على المنبر، أما وجود الخطيب على المنبر دون أن يخطب فلا حرمة في الكلام وذكر الله لأنه كما جاء في الحديث السابق (والإمام يخطب … .) فقيّدها بحالة كون الإمام يخطب. وأما حديث: (إذا صعد الخطيب المنبر فلا صلاة ولا كلام) : فهو حديث باطل لا أصل له. السلسلة الضعيفة (87) . ثالثاً:- الأسباب التي تبيح الكلام أو الحركة والخطيب يخطب على المنبر: إذا عرضت للمصلي حاجة لا يستطيع دفعها كالنعاس أو قضاء الحاجة أو وجع يحتاج فيه إلى حركة وعدم سكون والدليل على ذلك حديث: " إذا نعس أحدكم في المسجد يوم الجمعة فليتحول من مجلسه ذلك إلى غيره ". رواه أبو داود (1119) والترمذي (526) . وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة (468) . وزاد البيهقي وهي (والإمام يخطب) وصححها الألباني أيضاً ويجوز له أن يصنع ما يباح في الصلاة كإرشاد الأعمى خشية السقوط أو ما لا بد له من ضرورات الحياة التي قد تؤدي إلى الهلاك أو فوات مصلحة عظيمة كطلب المصلين من الإمام أن يستسقي لهم. عن أنس بن مالك قال: أن رجلاً دخل المسجد يوم الجمعة من باب كان نحو دار القضاء ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً، ثم قال:- يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله أن يغيثنا فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه … رواه البخاري (967) ومسلم (897) . ويجوز للمأموم أن يصحّح للخطيب آية أخطأ فيها ويفتح عليه إذا احتاج وهو على المنبر، وكذلك يجوز الردّ على الخطيب إذا قرّر الشِّرْك والبدعة والمنكر أثناء الخطبة ما لم يؤدِّ ذلك إلى حدوث فتنة أو منكر أشدّ في المسجد فينئذ يؤجّل الإنكار إلى ما بعد الخطبة فيقوم ويبيّن، وإّذا قال الخطيب كلاما باطلا لم يجب الإنصات له كما ورد أنّ بعض السّلف كانوا يتكلمون عندما كان الحجاج الظالم يلعن عليا رضي الله عنه على المنبر ويقولون: إنا لم نؤمر أن ننصت لهذا. - تجوز صلاة تحية المسجد بل يؤمر بها، وإن كان الخطيب على المنبر يخطب. لحديث جابر بن عبد الله قال جاء رجل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس يوم الجمعة فقال أصليت يا فلان؟ قال: لا، قال: قم فاركع ركعتين. رواه البخاري (888) ومسلم (875) . وإذا رأى شخص آخر يتكلّم فلا يجوز له أن يُسْكته بالقول كما تقدّم ولكن يُمكن أن يشير إليه بالصّمت إشارة كأن يضع أصبعه على شفتيه. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 6366 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1995 ماذا يفعل من أدرك التشهد في صلاة الجمعة؟ [السُّؤَالُ] ـ[ماذا على المسلم الذي لم يدرك من صلاة الجمعة إلا التشهد أن يفعل؟ وفي حالة ما إذا مُنع المسلم من حضور الصلاة أو تأخر عنها بسبب خارج عن إرادته، كأن تتعرض الحافلة التي يستقلها للعطل، فهل يكون عليه ذنب في ذلك؟ هل يفقد كل الأجر الذي كان من المتوقع أن يحصل عليه ولحظات استجابة الدعاء؟ .. وما إلى ذلك.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إدراك صلاة الجمعة لا يكون إلا بإدراك ركعة مع الإمام، وإدراك الركعة يكون بإدراك الركوع مع الإمام، فإذا أدرك الإمام قبل الرفع من الركوع في الركعة الثانية فإنه يكون قد أدرك الصلاة، وحينئذ يتم صلاته بعد سلام الإمام، فيقوم ويصلي الركعة التي بقيت من صلاته. وأما إذا أدرك الإمام بعد الرفع من الركوع من الركعة الثانية فإنه يكون قد فاتته صلاة الجمعة ولم يدركها وحينئذ فإنه يصليها ظهراً فيقوم بعد سلام الإمام ويتم صلاته أربع ركعات على أنها صلاة الظهر لا الجمعة. وهذا هو مذهب جمهور العلماء مالك والشافعي وأحمد رحمهم الله، انظر المجموع للنووي (4/558) واستدلوا بعدة أدلة منها: 1- قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) البخاري (580) ومسلم (607) . 2- ما رواه النسائي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الجمعة أو غيرها فليضف إليها أخرى وقد تمت صلاته) .صححه الألباني في الإرواء (622) وإذا لم يدرك الإنسان الصلاة لعذر خارج عن إرادته - كتعطل الحافلة كما ذكر السائل ونحو ذلك من الأعذار كالنوم والنسيان - فإنه لا حرج ولا ذنب عليه حينئذ، لقول الله تعالى: (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم) الأحزاب / 5. ومثل هذا لم يتعمد إضاعة الصلاة. ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) رواه ابن ماجه وصححه الألباني في الإرواء (82) . وفي هذه الحال إذا كان صادقا في عزمه على الصلاة لولا العذر، فإنه يكون له الأجر كاملاً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) البخاري (1) ، ومسلم (1907) . ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه وهو راجع من غزوة تبوك: (إِنَّ بِالْمَدِينَةِ لَرِجَالا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلا شَرِكُوكُمْ فِي الأَجْرِ، حَبَسَهُمْ الْمَرَضُ) مسلم (1911) . والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 12601 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1996 هل يجهر المسبوق في إتيانه بركعة الجمعة التي فاتته [السُّؤَالُ] ـ[من أدرك ركعة من صلاة الجمعة، ثم قام ليقضي ما عليه، هل يجهر بالقراءة أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: بَلْ يُخَافِتُ بِالْقِرَاءةِ وَلا يَجْهَرُ ; لأَنَّ الْمَسْبُوقَ إذَا قَامَ يَقْضِي فَإِنَّهُ مُنْفَرِدٌ فِيمَا يَقْضِيهِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُنْفَرِدِ، وَهُوَ فِيمَا يُدْرِكُهُ فِي حُكْمِ الْمُؤْتَمِّ ; وَلِهَذَا يَسْجُدُ الْمَسْبُوقُ إذَا سَهَا فِيمَا يَقْضِيهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْمَسْبُوقُ إنَّمَا يَجْهَرُ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ الْمُنْفَرِدُ، فَمَنْ كَانَ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَذْهَبُهُ أَنْ يَجْهَرَ الْمُنْفَرِدُ فِي الْعِشَاءَيْنِ وَالْفَجْرِ، فَإِنَّهُ يَجْهَرُ إذَا قَضَى الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ , وَمَنْ كَانَ مَذْهَبُهُ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ لا يَجْهَرُ فَإِنَّهُ لا يَجْهَرُ الْمَسْبُوقُ عِنْدَهُ. وَالْجُمُعَةُ لا يُصَلِّيهَا أَحَدٌ مُنْفَرِدًا، فَلا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَجْهَرَ فِيهَا الْمُنْفَرِدُ. وَالْمَسْبُوقُ كَالْمُنْفَرِدِ فَلا يَجْهَرُ، لَكِنَّهُ مُدْرِكٌ لِلْجُمُعَةِ ضِمْنًا وَتَبَعًا، وَلا يُشْتَرَطُ فِي التَّابِعِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَتْبُوعِ، وَلِهَذَا لا يُشْتَرَطُ لِمَا يَقْضِيهِ الْمَسْبُوقُ الْعَدَدُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ. لَكِنْ مَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاةَ فَهُوَ مُدْرِكٌ لِلْجُمُعَةِ , كَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْفَجْرِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَإِنَّهُ مُدْرِكٌ، وَإِنْ كَانَتْ بَقِيَّةُ الصَّلاةِ فُعِلَتْ خَارِجَ الْوَقْتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الفتاوى الكبرى لابن تيمية ج2: كتاب الجمعة. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 6740 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1997 العدد الذي تقوم به الجمعة [السُّؤَالُ] ـ[ما هو أقل عدد من المصلين يلزم لإقامة صلاة الجمعة خلف إمام؟ لقد سمعت آراء مختلفة حول هذا الموضوع فقد قال بعض الإخوة أنه يلزم وجود 40 مصليا, بينما قال غيرهم 2 فقط. وقد قال مصدر آخر أن 2 يشكلون جماعة. هلا وضحت لي الأمر. وجزاك الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء السؤال التالي: (كم عدد الرجال الذين يشترط وجودهم لصحة صلاة الجمعة، من أجل أن بعض الناس قالوا: لاتصح إلا بأربعين رجلا، فإذا نقصوا واحدا صلوها ظهرا؟ الجواب: إقامة الجمعة واجبة على المسلمين في قراهم يوم الجمعة ويشترط في صحتها الجماعة. ولم يثبت دليل شرعي على اشتراط عدد معين في صحتها، فيكفي لصحتها إقامتها بثلاثة فأكثر، ولا يجوز لمن وجبت عليه أن يصلي مكانها ظهرا من أجل نقص العدد عن أربعين على الصحيح من أقوال العلماء. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم) [الْمَصْدَرُ] . فتاوى اللجنة الدائمة ج8 ص178. الحديث: 7718 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1998 ترجمة خطبة الجمعة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن يلقي الإمام الخطبة يوم الجمعة باللغة الإنجليزية إذا كان أكثر الحاضرين لا يفهمون اللغة العربية؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذهب بعض أهل العلم إلى منع ترجمة الخطب المنبرية في يوم الجمعة والعيدين باللغات الأعجمية، رغبة منهم رحمهم الله في بقاء اللغة العربية والمحافظة عليها والسير على طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأصحابه رضي الله عنهم في إلقاء الخطب باللغة العربية في بلاد العجم وغيرها، وتشجيعا للناس على تعلم اللغة العربية والعناية بها. وذهب آخرون من أهل العلم إلى جواز ترجمة الخطب باللغة العجمية إذا كان المخاطبون أو أكثرهم لا يعرفون اللغة العربية نظراً للمعنى الذي من أجله شرع الله الخطبة وهو تفهيم الناس ما شرعه الله لهم من الأحكام وما نهاهم عنه من المعاصي، وإرشادهم إلى الأخلاق الكريمة والصفات الحميدة وتحذيرهم من خلافها، ولاشك أن مراعاة المعاني والمقاصد أولى وأوجب من مراعاة الألفاظ، لا سيما إذا كان المخاطبون لا يهتمون باللغة العربية ولا تؤثّر فيهم خطبة الخطيب ولا يدفعهم ذلك إلى تعلّم اللغة العربية والحرص عليها، (وخصوصا في هذا الوقت الذي تخلّف فيه المسلمون وتقدّم غيرهم انتشرت لغة الغالب وانحسرت لغة المغلوب في هذا العالم) . وإذا كان المقصود من إيصال العلم والشّريعة إلى الناس لا يتحقّق عند غير العرب إلا إذا تُرجمت الخُطب إلى لغتهم فإنّ القول بجواز ترجمة الخطب باللغات السائدة بين المخاطبين التي يعقلون بها الكلام ويفهمون بها المراد أولى أحق بالإتباع، ولا سيما إذا كان عدم الترجمة يفضي إلى النزاع والخصام، فلا شك أن الترجمة والحالة هذه متعيّنة لحصول المصلحة بها وزوال المفسدة. وإذا كان في المخاطبين من يعرف اللغة العربية فالمشروع للخطيب أن يجمع بين اللغتين فيخطب باللغة العربية ثم يعيدها باللغة الأخرى التي يفهمها الآخرون، وبذلك يجمع بين المصلحتين وتنتفي المضرة كلها وينقطع النزاع بين المخاطبين. ويدل على ذلك من الشرع المطهر أدلة كثيرة، منها قوله عزّ وجلّ (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبيّن لهم) ، ومن ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم، أمر زيد بن ثابت أن يتعلم لغة اليهود ليكاتبهم بها ويقيم عليهم الحجة، كما يقرأ كتبهم إذا وردت ويوضح للنبي صلى الله عليه وسلم مرادهم، ومن ذلك أن الصحابة رضي الله عنهم لما غزوا بلاد العجم من فارس والروم لم يقاتلوهم حتى دعوهم إلى الإسلام بواسطة مترجمين، ولما فتحوا البلاد العجمية دعوا الناس إلى الله سبحانه باللغة العربية وأمروا الناس بتعلمها، ومن جهلها منهم دعوه بلغته وأفهموه المراد باللغة التي يفهمها فقامت بذلك الحجة، ولا شك أن هذا السبيل لا بد منه ولا سيما في آخر الزمان وعند غربة الإسلام وتمسّك كل قوم بلغتهم، فالحاجة للترجمة الآن ماسّة ولا يُمكن أن تتم للداعي دعوته إلا بذلك. ويُراعي الخطيب ما هو الأصلح للحاضرين فإن كان الأنفع هو تجزئة الخُطبة بالعربية وترجمة كلّ جزء بعده حتى تكتمل الخطبة فعل ذلك، وإن كان الأنفع ترجمتها كلّها بعد الخطبة أو بعد الصلاة فعل ذلك والله تعالى أعلم. الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله [الْمَصْدَرُ] فتاوى الجنة الدائمة 8/251-255. الحديث: 984 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1999 ما حكم سجدة التلاوة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم سجدة التلاوة، وهل لها تسليم أم لا، إذا كان المرء تاليا وليس مصليا، وما دعاؤها، وهل إذا كان المرء مصليا وكانت سجدة التلاوة في نهاية السورة هل عليه بعد السجدة أن يقرأ ما تيسر من السورة التي بعدها أم يركع مباشرة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سجدة التلاوة سنة، ولم يرد نص في السلام منها، فليس على من سجدها سلام منها، وليس على من سجد لتلاوة آية سجدة في آخر سورة كـ: (الأعراف) و (النجم) و (اقرأ) وهو في الصلاة أن يقرأ قرآنا بعدها وقبل الركوع، وإن قرأ فلا بأس، ويقول في سجوده للتلاوة ما يقوله في سجوده للصلاة. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الحديث: 4924 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2000 حكم توزيع الطيب على المصلين أثناء جلوس الخطيب على المنبر [السُّؤَالُ] ـ[عند دخول الإمام وجلوسه على المنبر هل هناك مبطلات للصلاة لأني مرة جلس بجانبي مسلم وأعطاني زجاجة عطر صغيرة وقال لي بالإشارة حط عليك العطر ووزعه على الذي بجانبك وهكذا بصراحة خفت قلت في نفسي ربما صلاتي باطلة آنذاك. وعند دخولي المسجد أصلى ركعتين، ولكن ماذا أفعل إذا أقيمت الصلاة وأنا في الركعة الأولى؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب على من حضر الجمعة أن يستمع وينصت للخطبة، ولا يجوز أن يتشاغل عنها بشيء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْصِتْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ) رواه البخاري (934) ومسلم (851) . وقوله: (وَمَنْ مَسَّ الْحَصَى فَقَدْ لَغَا) رواه مسلم (857) . قال النووي في "شرح مسلم": "فِيهِ النَّهْي عَنْ مَسِّ الْحَصَى وَغَيْره مِنْ أَنْوَاع الْعَبَث فِي حَالَة الْخُطْبَة , وَفِيهِ إِشَارَة إِلَى إِقْبَال الْقَلْب وَالْجَوَارِح عَلَى الْخُطْبَة , وَالْمُرَاد بِاللَّغْوِ هُنَا الْبَاطِل الْمَذْمُوم الْمَرْدُود" انتهى. وتوزيع العطر على المصلين وقت الخطبة يشغلهم عن الاستماع لها، فيشبه مس الحصى المذكور في الحديث. وتحريم الكلام والعبث يوم الجمعة إنما هو إذا بدأ الخطيب في الخطبة حتى ينتهي منها. أما عند الأذان وجلوس الإمام على المنبر فلا يحرم الكلام، وذلك لمفهوم الحديث المتقدم: (إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْصِتْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ) . فهو واضح أن تحريم الكلام إنما هو والإمام يخطب. ولأن الناس كانوا في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا خرج عمر , وجلس على المنبر , وأذن المؤذنون , جلسوا يتحدثون , حتى إذا سكت المؤذنون , وقام عمر سكتوا , فلم يتكلم أحد. وبهذا قال الإمام أحمد ومالك والشافعي رحمه الله. وانظر: "المغني" (2/86) . وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: متى يمتنع الإنسان في صلاة الجمعة عن مس الحصى والتسوك هل هو من صعود الإمام على المنبر أم من بداية الخطبة؟ لأني أشاهد كثيرا من الناس لا يتوقفون عن التسوك إلا بعد أن يبدأ الإمام في الخطبة، وبعضهم يستاك أثناء الخطبة؟ فأجاب: "السنة الإنصات إلى الخطبة وترك التسوك وسائر العبث من حين الشروع فيها إلى أن يفرغ منها، عملا بالأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك. لكن من دخل المسجد والإمام يخطب فإنه يصلي تحية المسجد قبل أن يجلس. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما) " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (12/336) . وعليه، فلا حرج من توزيع العطر على المصلين قبل شروع الإمام في الخطبة، وأما إذا شرع فيها فالواجب الامتناع عن ذلك والإقبال على الاستماع والإنصات للخطبة. ثانيا: وأما إذا أقيمت الصلاة وأنت في الركعة الأولى من تحية المسجد أو السنة الراتبة، فإنك تقطع الصلاة وتدخل مع الجماعة. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (33582) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93307 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2001 الصلاة على النبي أثناء خطبة الجمعة [السُّؤَالُ] ـ[لدي مشكلة تؤرقني، أعلم بأننا يجب عندما نسمع ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن نقول صلى الله عليه وسلم، ولكنني أعلم كذلك أنه أثناء خطبة الجمعة يجب أن لا نتكلم وإلا ضاع علينا الأجر، فإذا ذكر الإمام رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم فماذا يجب علينا أن نفعل كمسلمين؟ هل نصلى عليه صلى الله عليه وسلم وقت ذكره أم نسرها في أنفسنا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الإمام أحمد: لا بأس أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم فيما بينه وبين نفسه. (المغني 2/165 وما بعدها) وقالت اللجنة الدائمة: (إذا صلى الخطيب على النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي المستمع من غير رفع صوت) . (فتاوى اللجنة الدائمة 8/217) وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (إذا ذكر الخطيب النبي صلى الله عليه وسلم فإن المستمع يصلي عليه سراً، حتى لا يشوش على من حوله) ا. هـ مجموع فتاوى ابن عثيمين (16/166) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20494 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2002 ماذا يفعل إذا كان لا يفهم شيئاً من خطبة الجمعة [السُّؤَالُ] ـ[أعيش الآن في أفريقيا ولا أستطيع أن أتحدث باللغة المحلية هنا، أثناء خطبة الجمعة لا افهم أي شيء منها، فماذا يجب علي أن أفعل أثناء الخطبة؟ هل أقرأ القرآن وأذكر الله؟ أم أجلس وأستمع لشيء لا افهمه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن استمعت ولو لم تفهم فأنت على خير إن شاء الله، ورخص بعض أهل العلم للذي لا يفهم لغة الخطبة أن يتشاغل بالذكر أو القراءة شريطة أن لا يشوّش على غيره ممّن يستمع الخطبة، والذي أميل إليه أنه عليه الاستماع ولو لم يفهم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد الكريم الخضير الحديث: 21624 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2003 إلقاء الخطبة باللهجة العامية [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز إلقاء خطبة الجمعة حسب اللهجات المحلية؟ أم أنه يجب أن تلقى باللغة العربية؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله خطبة الجمعة عبادة لا تسوغ باللهجات العامية، لكن إذا لم يوجد من يحسن العربية فلا بأس أن تؤدى بما يفهمه الحاضرون. وإذا كان الحاضرون لا يفهمون العربية فلا مانع أن يترجم لهم بعد الصلاة ما يحتاجون إليه، أو يوضح لهم بلهجتهم ما تدعوا الحاجة إليه. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد الكريم الخضير. الحديث: 21708 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2004 لا يصح جمع صلاة العصر مع الجمعة [السُّؤَالُ] ـ[كنت مسافرا ونزلت في الطريق في إحدى القرى وصليت معهم صلاة الجمعة وبعد الصلاة قمت وصليت صلاة العصر أي جمعت الجمعة والعصر وكان معي بعض أصحابي فاعترض علي وقال لا يجوز جمع صلاة العصر مع الجمعة، فما حكم ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما قاله صاحبك صحيح، أن صلاة الجمعة لا تجمع مع صلاة العصر، وإنما ورد الشرع بجمع صلاة الظهر مع العصر، وصلاة المغرب مع العشاء. وعلى هذا فعليك أن تعيد صلاة العصر التي جمعتها مع الجمعة لأنك قد صليتها قبل وقتها، والصلاة قبل وقتها باطلة لا تصح. وقد فصَّل الشيخ ابن عثيمين حكم هذه المسألة فقال: " لا يجوز جمع العصر إلى الجمعة في الحال التي يجوز فيها الجمع بين الظهر والعصر. فلو مر المسافر ببلد وصلى معهم الجمعة لم يجز أن يجمع العصر إليها. ولو نزل مطر يبيح الجمع – وقلنا بجواز الجمع بين الظهر والعصر للمطر – لم يجز جمع العصر إلى الجمعة. ولو حضر المريض الذي يباح له الجمع إلى صلاة الجمعة فصلاها لم يجز أن يجمع إليها صلاة العصر. ودليل ذلك قوله تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) النساء/103. أي: مفروضاً لوقت معين , وقد بين الله تعالى هذا الوقت إجمالاً في قوله تعالى: (أ َقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً) الإسراء /78. فـ (دلوك الشمس) زوالها , و (غسق الليل) اشتداد ظلمته , وهذا منتصف الليل. ويشمل هذا الوقت أربع صلوات: الظهر والعصر والمغرب والعشاء، جمعت في وقت واحد؛ لأنه لا فصل بين أوقاتها , فكلما خرج وقت صلاة كان دخول وقت الصلاة التي تليها، وفصل صلاة الفجر لأنها لا تتصل بها صلاة العشاء ولا تتصل بصلاة الظهر. وقد بينت السنة هذه الأوقات بالتفصيل في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص , وجابر وغيرهما , وهو أن الظهر من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء مثله , ووقت العصر من حين أن يصير ظل كل شيء مثله إلى غروب الشمس، لكن ما بعد اصفرارها وقت ضرورة , ووقت المغرب من غروب الشمس إلى مغيب الشفق الأحمر, ووقت صلاة العشاء من غروب الشفق الأحمر إلى نصف الليل , ووقت الفجر من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس , هذه حدود الله تعالى لأوقات الصلوات في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم. فمن صلى صلاة قبل وقتها المحدد في كتاب الله تعالى وسنة رسوله فهو آثم وصلاته مردودة , لقوله تعالى: (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) البقرة / 229. ولقوله صلي الله عليه وسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) . وكذلك من صلاها بعد الوقت لغير عذر شرعي. فمن صلى الظهر قبل زوال الشمس فصلاته باطلة مردودة وعليه قضاؤها. ومن صلى العصر قبل أن يصير ظل كل شيء مثله فصلاته باطلة مردودة , وعليه قضاؤها إلا أن يكون له عذر شرعي يبيح له جمعها تقديماً إلى الظهر. ومن صلى المغرب قبل غروب الشمس فصلاته باطلة مردودة , وعليه قضاؤها. ومن صلى العشاء قبل مغيب الشفق الأحمر فصلاته باطلة مردودة , وعليه قضاؤها إلا أن يكون له عذر شرع يبيح له جمعها تقديماً إلى المغرب. ومن صلى الفجر قبل طلوع الفجر فصلاته مردودة , وعليه قضاؤها. هذا ما يقتضيه كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم. وعلى هذا فمن جمع صلاة العصر إلى صلاة الجمعة فقد صلاها قبل أن يدخل وقتها , وهو أن يصير ظل كل شيء مثله فتكون باطلة مردودة. فإن قال قائل: أفلا يصح قياس جمع العصر إلى الجمعة على جمعها إلى الظهر؟ فالجواب: لا يصح ذلك لوجوه: الأول: أنه قياس في العبادات. الثاني: أن الجمعة صلاة مستقلة منفردة بأحكامها تفترق مع الظهر بأكثر من عشرين حكماً , ومثل هذه الفروق تمنع أن تلحق إحدى الصلاتين بالأخرى. الثالث: أن هذا القياس مخالف لظاهر السنة , فإن في صحيح مسلم عن عبد الله عباس رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر , وبين المغرب والعشاء في المدينة من غير خوف ولا مطر, فسئل عن ذلك , فقال: أراد أن لا يُحَرِّج أمته. وقد وقع المطر الذي فيه المشقة في عهد النبي صلي الله عليه وسلم ولم يجمع فيه بين العصر والجمعة كما في صحيح البخاري وغيره عن أنس بن مالك أن النبي صلي الله عليه وسلم استسقى يوم الجمعة وهو على المنبر , فما نزل من المنبر إلا والمطر يتحادر من لحيته , ومثل هذا لا يقع إلا من مطر كثير يبيح الجمع لو كان جائزاً بين العصر والجمعة , قال: وفي الجمعة الأخرى دخل رجل فقال: يا رسول الله! غرق المال , وتهدم البناء , فادع الله يمسكها عنا. ومثل هذا يوجب أن يكون في الطرقات وحل يبيح الجمع لو كان جائزاً بين العصر والجمعة. فإن قال قائل: ما الدليل على منع جمع العصر والجمعة؟ فالجواب: أن هذا السؤال غير وارد؛ لأن الأصل في العبادات المنع إلا بدليل , فلا يطالب من منع التعبد لله تعالى بشيء من الأعمال الظاهرة أو الباطنة , وإنما يطالب بذلك من تعبد به لقوله تعالى منكراً على من تعبدوا الله لا شرع: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) الشورى /21. وقال الله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلامَ دِيناً) المائدة /3. وقال النبي صلي الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس فيه أمرنا فهو رد) . وعلى هذا: فإذا قال القائل: ما الدليل على منع جمع العصر مع الجمعة؟ قلنا: ما الدليل على جوازه؟ فإن الأصل وجوب فعل صلاة العصر في وقتها خولف هذا الأصل في جمعها عند وجود سبب الجمع فبقي ما عداه على الأصل , وهو منع تقديمها على وقتها. فإن قال قائل: أرأيتم لو نوى بصلاة الجمعة صلاة الظهر ليتم له الجمع؟ فالجواب: إن كان ذلك إمام الجمعة في أهل البلد أي أن أهل البلد نووا بالجمعة صلاة الظهر فلا شك في تحريمه وبطلان الصلاة؛ لأن الجمعة واجبة عليهم , فإذا عدلوا عنها إلى الظهر فقد عدلوا عما أمروا به إلى ما لم يؤمروا به ,فيكون عملهم باطلاً مردوداً لقول النبي صلي الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) . وأما إن كان الذي نوى بالجمعة الظهر كمسافر صلى الجمعة وراء من يصليها فنوى بها الظهر ليجمع إليها العصر فلا يصح أيضاً , لأنه لما حضر الجمعة لزمته , ومن لزمته الجمعة فصلى الظهر قبل سلام الإمام منها لم تصح ظهره. وعلى تقدير صحة ذلك فقد فوت على نفسه خيراً كثيراً وهو أجر صلاة الجمعة. هذا , وقد نص صاحبا المنتهى والإقناع (من علماء الحنابلة) على أن الجمعة لا يصح جمع العصر إليها، ذكرا ذلك في أول باب صلاة الجمعة. وإنما أطلت في ذلك للحاجة إليه , والله أسأل أن يوفقنا للصواب , ونفع العباد , إنه جواد كريم" اهـ. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (15/371-375) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 26198 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2005 لا يصلون الجمعة لعدم وجود الخليفة [السُّؤَالُ] ـ[هناك الكثير من الشباب لا يصلون الجمعة، بل يصلونها ظهراً (أربع ركعات) لعدم توفر شروط صلاة الجمعة لعدم وجود الخلفية.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لقد أساؤا بتركهم الجمعة، والعدول عنها إلى صلاة الظهر لأن وجود الخليفة أو إذنه ليس شرطاً في وجوب الجمعة، ولا في صحتها عند أهل السنة والجماعة. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة والإفتاء 8/187 الحديث: 26809 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2006 حكم استئجار الكنائس لصلاة الجمعة فيها [السُّؤَالُ] ـ[لا يجد المسلمون في العديد من ولايات أمريكا أماكن مناسبة لأداء صلاة الجمعة ما عدا بعض الكنائس المؤجرة رخيصاً أو مجاناً، فأثار بعض الطلاب النقاش حول صحة أداء الصلاة في الكنائس معتمدين على ما روي عن ابن عمر حول منع الصلاة في الكنائس ومعابد اليهود والمقابر وأماكن الذبح لغير الله، وبناء على هذا الرأي فقد امتنع بعض المسلمين عن الحضور لصلاة الجمعة، فضلاً نرجو إفادتنا بالحكم الصحيح في هذه الحالة حتى نستطيع تجاوز الخلافات بين المسلمين في هذا المجتمع، وجزاكم الله خيراً]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا تيسر وجود غير الكنائس ليُصلى فيها لم تجز الصلاة في الكنائس ونحوها، لأنها معبد للكافرين يعبدون فيه غير الله، ولما فيها من التماثيل والصور، (وأما إذا لم يتيسّر غيرها جازت الصلاة فيها) للضرورة، قال عمر رضي الله عنه: " إنا لا ندخل كنائسكم من أجل التماثيل التي فيها والصور " وكان ابن عباس رضي الله عنهما يصلي في البيعة إلا بيعة فيها التماثيل والصور. أخرجهما البخاري 1/112 [الْمَصْدَرُ] من فتاوى اللجنة الدائمة 6/268 الحديث: 2189 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2007 فضل الإنصات لخطبة الجمعة [السُّؤَالُ] ـ[هل يُجزى الرجل في خطبة الجمعة عند إنصاته لها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد للًّه الإنصات للخطيب يوم الجمعة من الواجبات المحتمات، فلا يجوز للمسلم أن يتساهل في ذلك، فيعبث أو يتحدث أو ينشغل عن الخطبة، وقد ورد في فضائل الإنصات الأحاديث الآتية: 1- تكفير ما بين الجمعة والجمعة السابقة: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ اغْتَسَلَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَصَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ ثُمَّ أَنْصَتَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ ثُمَّ يُصَلِّي مَعَهُ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى وَفَضْلُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) رواه مسلم (857) وبنحوه عن سلمان الفارسي عند البخاري (883) 2- يُكتَب له بكل خطوة إلى الجمعة أجرُ صيامِ سنةٍ وقيامها: عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَغَسَّلَ وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ وَدَنَا وَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا أَجْرُ سَنَةٍ صِيَامُهَا وَقِيَامُهَا) رواه الترمذي (496) وقال: حديث حسن وصححه البيهقي في "السنن الكبرى" (3/227) والألباني في صحيح الترمذي. 3- أجر صلاة الجمعة موقوف على الإنصات: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْصِتْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ) رواه البخاري (934) ومسلم (851) 4- من أنصت له كفلان من الأجر: خطب علي بن أبي طالب في الكوفة فكان في خطبته: (فَإِذَا جَلَسَ الرَّجُلُ مَجْلِسًا يَسْتَمْكِنُ فِيهِ مِنْ الِاسْتِمَاعِ وَالنَّظَرِ فَأَنْصَتَ وَلَمْ يَلْغُ كَانَ لَهُ كِفْلَانِ مِنْ أَجْرٍ، فَإِنْ نَأَى وَجَلَسَ حَيْثُ لَا يَسْمَعُ فَأَنْصَتَ وَلَمْ يَلْغُ لَهُ كِفْلٌ مِنْ أَجْرٍ، وَإِنْ جَلَسَ مَجْلِسًا يَسْتَمْكِنُ فِيهِ مِنْ الِاسْتِمَاعِ وَالنَّظَرِ فَلَغَا وَلَمْ يُنْصِتْ كَانَ لَهُ كِفْلٌ مِنْ وِزْرٍ) ثُمَّ يَقُولُ فِي آخِرِ ذَلِكَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ذَلِكَ رواه أبو داود (1051) وضعفه الألباني، وجاء نحوه عن أبي أمامة مرفوعا في "المعجم الكبير" (8/165) ، ومرسلا عن يحيى بن أبي كثير في "مصنف عبد الرزاق" (3/223) وانظر حكم الإنصات لخطبة الجمعة في جواب السؤال رقم (45651) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سوال وجواب الحديث: 89575 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2008 يستقبل الطوارئ والحوادث في المستشفى، فهل يجوز له ترك صلاة الجمعة؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا ممرض في مستشفى وأمسك قسم الاستقبال ويوم الجمعة أبقى وحدي والطبيب، فهل يجب عليّ صلاة الجمعة أم لا؟ حيث أن القسم يكون يستقبل الحوادث والطوارئ 24 ساعة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان عملك في المستشفي يتطلب وجودك وقت صلاة الجمعة تحسباً للطوارئ، فلا بأس ببقائك في المستشفى وتكون معذوراً في ترك صلاة الجمعة، وتصلي ظهراً أربع ركعات. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة. مجلة البحوث الإسلامية (58/100-101) . الحديث: 22185 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2009 يعملون في مكان خال من السكان، فهل تجب عليهم صلاة الجمعة؟ [السُّؤَالُ] ـ[نحن جماعة نعمل في مكان بعيد عن منازلنا وأهلينا، وفي مكان خالٍ من السكان والمرافق والمساجد , والمدة التي نقضيها في العمل تساوي المدة التي نقضيها في بيوتنا , أي أننا نعمل 28 يوماً مقابل 28 يوماً كعطلة، ويتم هذا طوال السنة، كما أننا نعمل 12 ساعة يوميّاً. ماذا عن إقامة صلاة الجمعة في هذا المكان وعن وجوبها أم عدم وجوبها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا تجب عليكم صلاة الجمعة في هذا المكان، بل تصلونها ظهراً، وذلك لأنكم لستم مستوطنين (أي: مقيمين فيه إقامة دائمة مستقرة) وليس هناك أحد من المستوطنين تصلون معه الجمعة. سئل علماء اللجنة الدائمة عن: قوم يخرجون من المدينة للعمل في الزراعة، ويقيمون لمدة العمل فيها في كل سنة ما لا يقل عن شهرين إلى أربعة أشهر، ويصعب عليهم الرجوع إلى المدينة لصلاة الجمعة في مدة العمل، فهل صلاة الجمعة واجبة عليهم، أو جائزة لهم؟ أو لا تجوز لهم إقامتها في محل العمل، ويلزمهم الذهاب إلى المدينة مع التكلف؟ أو تسقط عنهم كالمسافر؟ وما هي المدة التي تسقط عنهم الجمعة من الأيام في الإقامة محل العمل؟ فأجابوا: إذا كان بالمزارع التي يعملون بها جماعة مستوطنون: وجبت عليهم صلاة الجمعة تبع أولئك المستوطنين، ولهم أن يصلوها معهم، وأن يصلوها مع غيرهم ممن يتيسر لهم صلاة الجمعة معهم؛ لعموم أدلة وجوبها ووجوب السعي إليها. وإذا كان من يعملون في هذه المزارع يسمعون أذان الجمعة من قريتهم أو قرية أخرى حول مزارعهم: وجب عليهم السعي لصلاتها مع جماعة المسلمين؛ لعموم قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله) الجمعة/9. وإذا لم يكن بهذه المزارع مستوطنون، ولم يسمعوا أذان الجمعة من القرى التي حول مزارعهم: لم تجب عليهم الجمعة وصلوا الظهر جماعة. فإن المدينة كان حولها قبائل ومزارع بالعوالي في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأمر من فيها بالسعي لصلاة الجمعة، ولو كان لنقل، فدل ذلك على عدم وجوبها على مثل هؤلاء للمشقة. " فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (8 / 221، 222) . وقالوا – كذلك -: إذا كانت الشركة التي تعملون بها ليست في بلدة تقام فيها الجمعة، ولا قريبة منها، ولم يكن بالشركة مستوطنون تجب عليهم الجمعة: فليس عليكم صلاة جمعة، إنما عليكم صلاة الظهر، وأما إن كانت الشركة في بلدة تقام فيها الجمعة، أو قريبة منها بحيث تسمعون الأذان، أو كان معكم مستوطنون بها ممن تجب عليهم الجمعة: فتجب عليكم صلاة الجمعة بالتبع للمستوطنين بالبلدة أو الشركة. اهـ. فتاوى اللجنة الدائمة (8/220) وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله من بعض الطلبة المغتربين عن حكم إقامة صلاة الجمعة في بلاد الغربة. فأجاب: " قد نص أهل العلم على أنه لا يجب عليكم ولا على أمثالكم إقامة صلاة الجمعة بل في صحتها منكم نظر، وإنما الواجب عليكم صلاة الظهر؛ لأنكم أشبه بالمسافرين وسكان البادية، والجمعة إنما تجب على المستوطنين، والدليل على ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بها المسافرين ولا أهل البادية، ولم يفعلها في أسفاره عليه الصلاة والسلام ولا أصحابه رضي الله عنهم، وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أنه صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع صلى الظهر في عرفة يوم الجمعة، ولم يصل الجمعة ولم يأمر الحجاج بذلك؛ لأنهم في حكم المسافرين، ولا أعلم خلافا بين علماء الإسلام في هذه المسألة بحمد الله، إلا خلافا شاذا من بعض التابعين لا ينبغي أن يعول عليه. ولكن لو وجد من يصلي الجمعة من المسلمين المستوطنين فالمشروع لكم ولأمثالكم من المقيمين في البلاد إقامة مؤقتة لطلب علم أو تجارة ونحو ذلك الصلاة معهم لتحصيل فضل الجمعة. ولأن جمعاً من أهل العلم قالوا بوجوبها على المسافر تبعا للمستوطن إذا أقام في محل تقام فيه الجمعة إقامة تمنعه من قصر الصلاة" اهـ. فتاوى ابن باز (12/377) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 11556 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2010 فضل يوم الجمعة [السُّؤَالُ] ـ[ما هو اليوم الذي تعتبره مقدسا وأنه فترة لراحتك وعبادتك من أيام الأسبوع عندكم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ينبغي أن يُعلم أن حياة المسلم كلها عبادة لله عز وجل وليس هناك يوم خاص للعبادة، فالمسلم في عبادة لله في كل وقت، ولكن هناك يوم اختص الله به هذه الأمة، أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وفضَّله الله على سائر أيام الأسبوع وهو يوم الجمعة، وقد جاء في فضل هذا اليوم عدّة أحاديث ومنها عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ فَهَذَا الْيَوْمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ فَهَدَانَا اللَّهُ فَغَدًا لِلْيَهُودِ وَبَعْدَ غَدٍ لِلنَّصَارَى..) رواه البخاري (الجمعة/847) وعنه أيضاً قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا) رواه مسلم (الجمعة/1410) عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ لِعُمَرَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ أَنَّ عَلَيْنَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإسْلَامَ دِينًا لاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا فَقَالَ عُمَرُ إِنِّي لأَعْلَمُ أَيَّ يَوْمٍ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ نَزَلَتْ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ) رواه البخاري (الاعتصام بالكتاب والسنة/6726) ومن الأحاديث التي فيها بيان أجر هذا اليوم ما رواه مسلم من حديث أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الصَّلاةُ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ) الطهارة/342، وعن أبي هُرَيْرَةَ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ كَانَ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ مَلائِكَةٌ يَكْتُبُونَ الأَوَّلَ فَالأَوَّلَ فَإِذَا جَلَسَ الإِمَامُ طَوَوْا الصُّحُفَ وَجَاءُوا يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ وَمَثَلُ الْمُهَجِّرِ كَمَثَلِ الَّذِي يُهْدِي الْبَدَنَةَ ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي بَقَرَةً ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي الْكَبْشَ ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي الدَّجَاجَةَ ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي الْبَيْضَةَ) رواه البخاري (الجمعة/1416) ، وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم وفيه قُبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة عليَّ) قالوا: وكيف تُعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ أي بَلِيت. فقال: (إن الله جل وعلا حرَّم على الأرض أن تأكل أجسامنا) رواه أبو داود والنسائي وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم (695) وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من غسل يوم الجمعة واغتسل وبكَّر وابتكر ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام فاستمع ولم يَلْغُ، كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها) رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم (687) وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة فقال: (فيها ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يُصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه الله وأشار بيده يُقلّلها) رواه البخاري (الجمعة/883) وروِي عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (التمسوا الساعة التي ترجى في يوم الجمعة بعد صلاة العصر إلى غيبوبة الشمس) رواه الترمذي وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم (700) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 12309 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2011 هل يرفع الإمام والمصلون أيديهم عند الدعاء في خطبة الجمعة؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا دعا الإمام وهو يخطب يوم الجمعة، هل يرفع يديه أم لا؟ وهل يرفع المصلون أيديهم أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا دعا الخطيب يوم الجمعة وهو على المنبر، فالسنة أن لا يرفع يديه في الدعاء، ولا يرفع المأمومون أيديهم، بل يكفي الإمام بالإشارة بالسبابة، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أنكر بعض الصحابة على من رفع يديه عند الدعاء في الخطبة، لأن ذلك لم يكن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم. فقد روى مسلم (874) عَنْ عُمَارَةَ بْنِ رُؤَيْبَةَ رضي الله عنه أنه رَأَى بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ رَافِعًا يَدَيْهِ فَقَالَ: قَبَّحَ اللَّهُ هَاتَيْنِ الْيَدَيْنِ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ بِيَدِهِ هَكَذَا، وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ الْمُسَبِّحَةِ. قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: "فِيهِ أَنَّ السُّنَّة أَنْ لا يَرْفَع الْيَد فِي الْخُطْبَة وَهُوَ قَوْل مَالِك وَأَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ. وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ بَعْض السَّلَف وَبَعْض الْمَالِكِيَّة إِبَاحَته لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ يَدَيْهِ فِي خُطْبَة الْجُمُعَة حِين اِسْتَسْقَى، وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ بِأَنَّ هَذَا الرَّفْع كَانَ لِعَارِضٍ " انتهى. فإن استسقى الإمام في خطبة الجمعة، سنّ له رفع اليدين، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك يرفع المأمومون أيديهم ويؤمنون على دعائه؛ لما روى البخاري (933) ومسلم (897) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: أَصَابَتْ النَّاسَ سَنَةٌ (أي: جدب وقحط) عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ، قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَ الْمَالُ، وَجَاعَ الْعِيَالُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا، فَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا وَضَعَهَا حَتَّى ثَارَ السَّحَابُ أَمْثَالَ الْجِبَالِ، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) . وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: ما حكم من يرفع يديه والخطيب يدعو للمسلمين في الخطبة الثانية مع الدليل، أثابكم الله؟ فأجاب: "رفع اليدين غير مشروع في خطبة الجمعة ولا في خطبة العيد لا للإمام ولا للمأمومين، وإنما المشروع الإنصات للخطيب والتأمين على دعائه بينه وبين نفسه من دون رفع صوت، وأما رفع اليدين فلا يشرع، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يرفع يديه في خطبة الجمعة ولا في خطبة الأعياد، ولما رأى بعض الصحابة بعض الأمراء يرفع يديه في خطبة الجمعة أنكر عليه ذلك، وقال: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يرفعهما، نعم إذا كان يستغيث في خطبة الجمعة للاستسقاء، فإنه يرفع يديه حال الاستغاثة - أي طلب نزول المطر - لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في هذه الحالة، فإذا استسقى في خطبة الجمعة أو في خطبة العيد فإنه يشرع له أن يرفع يديه تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم " انتهى من " مجموع الشيخ ابن باز " (12/339) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 85171 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2012 يصلون الجمعة في مكان العمل ولا يذهبون إلى المساجد [السُّؤَالُ] ـ[نحن مجموعة من موظفي آرامكو السعودية نعمل بمدينة ميلان الإيطالية في مهمة عمل تستغرق حوالي السنة. نصلي بعض الصلوات في غرفة بمبنى العمل أعدت كمصلى لنا. قرر بعضنا أن يجتمعوا في هذا المصلى لصلاة الجمعة بحيث يخطب بنا أحدهم. وحجتهم في ذلك أن صلاتنا الجمعة في هذا المصلى يوفر علينا وقت الذهاب إلى المساجد الموجودة في مدينة ميلان وحولها. وأيضا اجتماعهم في هذا المسجد يرغب بعضنا الذين يتكاسلون عن أداء الجمعة في مساجد ميلان. وقرر البعض منا أن لا يصلي الجمعة في هذا المصلى لتشككهم في جواز ذلك حيث يبعد أحد مساجد ميلان عنا حوالي العشر دقائق بالسيارة. ويبعد مسجد آخر حوالي الثلث ساعة بالسيارة. ومسجد ثالث حوالي النصف ساعة بالسيارة. ولقد انقسمنا فمنا من يصلي الجمعة في هذا المصلى ومنا من يصلي في مساجد ميلان وما حولها. نرجو منكم أن تفتونا في حكم الصلاة في مصلى المكتب.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا نوى المسافر الإقامة في بلد أكثر من أربعة أيام فإنه يكون في حكم المقيم فيلزمه إتمام الصلاة من لحظة دخوله البلد، كما تلزمه الجمعة حيث ينادى بها. وينبغي أن يعلم أن المسافر تجب عليه الجماعة، كما تجب على المقيم، وقد أحسنتم بجعل هذه الغرفة مصلى، تصلون فيها الصلاة جماعة، وانظر جواب السؤال رقم (21498) ثانيا: صلاة الجمعة واجبة عليكم، ولا يجوز لكم الصلاة في الغرفة التي جعلتموها مصلى للصلوات الخمس، لأن الأصل عدم مشروعية تعدد الجمعة إلا عند الحاجة والضرورة، كما أن الأصل أن من كان في بلد تقام فيه الجمعة فإنه يلزمه المجيء إليها ولو بعدت المسافة، وقد يسر الله لكم الأمر، حتى وجد بقربكم ما ذكرت من المساجد التي تبعد عشر دقائق بالسيارة أو ثلث أو نصف ساعة. قال النووي رحمه الله: " قال الشافعي والأصحاب: إذا كان في البلد أربعون فصاعداً من أهل الكمال، وجب الجمعة على كل من فيه، وإن اتسعت خطة البلد فراسخ، وسواء سمع النداء أم لا، وهذا مجمع عليه " انتهى من "المجموع" (4/353) . وانظر جواب السؤال رقم (14564) ويجب عليكم نصح المتكاسلين عن صلاة الجمعة، ببيان بعض الأحاديث الواردة في الوعيد الشديد على من تخلف عن صلاة الجمعة كقوله صلى الله عليه وسلم: (من ترك ثلاث جمع تهاونا بها طبع الله على قلبه) رواه أبو داود (1052) والترمذي (500) والنسائي (1269) وابن ماجة (1125) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83975 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2013 المكلف بحراسة بعض الأماكن المهمة هل يعذر في ترك الجمعة؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا رجلٌ أعمل في القطاع العسكري ... وكثيراً ما أسأل من قبل الجنود وغيرهم ممن يكلفون بخفارات ومناوبات على أماكن (قد تكون حساسة) وقد يأتيهم توبيخ وعقوبة إن غادروا أماكنهم؛ فهل يعذر هؤلاء عن حضور الجمعة فيصلونها ظهراً؟ وما الحكم لو كان الجامع قريبا منهم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من كلف بحراسة بعض الأماكن المهمة، فإنه يعذر بتخلّفه عن الجمعة، ولو كان الجامع قريبا، ويصليها ظهرا، لكن يُقتصر في هذا على أقل عدد تحصل به الكفاية؛ لما للجمعة من شأن عظيم لا يجوز التهاون به. وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله عن: مرافق البرق والهاتف التي تستمر أعمالها طيلة أيام الأسبوع، بما في ذلك يوم الجمعة، ويوجد موظفون مناوبون على الأجهزة الهاتفية، واللاسلكية، ولا تسمح لهم أعمالهم بتركها ولو دقيقة واحدة؛ لأن ذلك يحدث توقفا للمخابرات اللاسلكية والهاتفية. فهل يترك هؤلاء الموظفون أعمالهم ويذهبون إلى الصلاة؟ فأجابت: "الأصل وجوب الجمعة على الأعيان؛ لقول الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ، ولما روى أحمد ومسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لقوم يتخلفون عن الجمعة: (لقد هممت أن آمر رجلا يصلي بالناس، ثم أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم) ، ولما روى مسلم عن أبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهم، أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على أعواد منبره: (لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين) ، ولإجماع أهل العلم على ذلك، ولكن إذا وجد عذر شرعي لدى من تجب عليه الجمعة كأن يكون مسؤولا مسؤولية مباشرة عن عمل يتصل بأمن الأمة وحفظ مصالحها، يتطلب قيامه عليه وقت صلاة جمعة كحال رجال الأمن والمرور والمخابرات اللاسلكية والهاتفية ونحوهم، الذين عليهم النوبة وقت النداء الأخير لصلاة جمعة أو إقامة الصلاة جماعة- فإنه وأمثاله يعذر بذلك في ترك الجمعة والجماعة لعموم قول الله سبحانه: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ، وقول رسول الله عليه الصلاة والسلام: (ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم) ، ولأنه ليس بأقل عذرًا ممن يعذر بخوف على نفسه أو ماله، ونحو ذلك، ممن ذكر العلماء أنه يعذر بترك الجمعة والجماعة ما دام العذر قائما، غير أن ذلك لا يسقط عنه فرض الظهر، بل عليه أن يصليها في وقتها، ومتى أمكن فعلها جماعة وجب ذلك كسائر الفروض الخمسة " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (8/188) . وسئلت أيضا عن صاحب محطة بنزين تبعد عن البلد بحوالي كيلوين، هل يجوز أن يعين حارسًا على المحطة وقت صلاة الجمعة يحرسها من الاشتعال والسرقة، وتسقط صلاة الجمعة عن ذلك الحارس ليصلي ظهرًا علمًا بأن المحطة قد اشتعلت وسرق الدكان قبل ذلك، كما أن صاحب المحطة يسكن في المحطة هو وأولاده ومحارمه وأولاد الحارس ونساؤه. فأجابت: " إذا كان الأمر كما ذكر جاز للحارس أن يصلي الجمعة ظهرًا ليقوم بحراسة من ذكر وما ذكر؛ لعموم الأدلة الشرعية الدالة على ترك الجمعة في مثل هذا العذر " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة " (8/192) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82395 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2014 كيف يصلي من فاتته صلاة الجمعة؟ [السُّؤَالُ] ـ[صلاة الجمعة إذا لم تدرك في المسجد , هل تصلى ظهرا أم تبقى على الأصل صلاة الجمعة؟ سواء كانت بحق الرجل أم المرأة أم العبد أم المسافر وكلام الشيخ ناصر الألباني رحمه الله حول هذه المسألة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من لم يحضر صلاة الجمعة مع المسلمين لعذر شرعي من مرض أو غيره أو لأسباب أخرى صلى ظهراً، وهكذا المرأة تصلي ظهراً، وهكذا المسافر وسكان البادية يصلون ظهراً كما دلت على ذلك السنة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع لما وقف بعرفة يوم الجمعة صلى بالناس ظهراً ولم يصل بهم جمعة، ولأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر سكان البادية بالجمعة. وهذا هو قول عامة أهل العلم ولا عبرة بمن شذ عنهم، وهكذا من تركها عمداً يتوب إلى الله – سبحانه – ويصليها ظهراً. انظر مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ ابن باز رحمه الله، (12/332) . وأما كلام الشيخ ناصر الألباني رحمه الله فهو موافق لقول جماهير العلماء في هذا فقد ذكر في رسالته الأجوبة النافعة (ص 47) قول صديق حسن خان: " الجمعة فريضة من الله عز وجل فرضها على عباده، فإذا فاتت لعذر فلابد من دليل على وجوب صلاة الظهر، وفي حديث ابن مسعود (ومن فاتته الركعتان فليصل أربعاً) فهذا يدل على أن من فاتته الجمعة صلى ظهراً. ثم عقب الألباني عليه موافقاً له ومصححا حديث ابن مسعود رضي الله عنه، وكان مما قاله ـ رحمه الله ـ " ولعل استدلال المؤلف بحديث ابن مسعود مع أنه موقوف إنما هو بسبب أنه لا يعرف له مخالف من الصحابة، وهو مؤيد بمفهوم حديث أبي هريرة: (من أدرك ركعة من الجمعة فقد أدرك الجمعة) ويشهد له ما في "المصنف" (1/206/1) بسند صحيح عن عبد الرحمن بن أبي ذؤيب قال: خرجت مع الزبير مخرجاً يوم الجمعة فصلى الجمعة أربعاً. وعبد الرحمن هذا هو ابن عبد الله بن أبي ذؤيب ذكره ابن حبان في "الثقات" (6/122/1) وقال: "كان يتيماً في حجر الزبير بن العوام". وفي حديث ابن مسعود إشارة إلى أن الظهر هي الأصل، وأنها هي الواجبة على من لم يصل الجمعة. ويؤيد ذلك أمور: الأول: ما هو معلوم يقيناً أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يصلون يوم الجمعة الظهر إذا كانوا في سفر، ولكنهم يصلونها قصراً. فلو كان الأصل يوم الجمعة صلاة الجمعة لصلوها جمعة. الثاني: قال عبد الله بن معدان عن جدته قالت: قال لنا عبد الله بن مسعود: (إذا صليتن يوم الجمعة مع الإمام فصلين بصلاته، وإذا صليتن في بيوتكن فصلين أربعاً) .أخرجه ابن أبي شيبة (1/207/2) ، وإسناده صحيح إلى جدة ابن معدان، وأما هي فلم أعرفها. والظاهر أنها تابعية، وليست صحابية، لكن يشهد له، قول الحسن في المرأة تحضر المسجد يوم الجمعة أنها تصلي بصلاة الإمام، ويجزيها ذلك.. وإسناده صحيح وفي رواية من طريق أشعث عن الحسن قال: (كن نساء المهاجرين يصلين الجمعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يحتسبن بها من الظهر) . قلت: فمن زعم أن الأصل يوم الجمعة إنما هو صلاة الجمعة، وأن من فاتته، أو لم تجب عليه، كالمسافر والمرأة إنما يصلون ركعتين جمعة، فقد خالف هذه النصوص بدون حجة. ثم رأيت الصنعاني ذكر (2/74) نحو هذا وأن الجمعة إذا فاتت وجب الظهر إجماعاً فهي البدل عنه. انتهى باختصار وكذلك بالنسبة للمرأة فقد اتفق أهل العلم على أن صلاة الجمعة لا تجب على النساء، وأنهن يصلين في بيوتهن الظهر أربعا يوم الجمعة. قال ابن المنذر رحمه الله في "الإجماع" رقم (52) : " وأجمعوا على أن لا جمعة على النساء " انتهى. والدليل على ذلك حديث طارق بن شهاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ إِلاَّ أَربَعَة: عَبدٌ مَملُوكٌ، أَو امرَأَةٌ، أَو صَبِيٌّ، أَو مَرِيضٌ) رواه أبو داود (1067) وقال النووي في "المجموع" (4/483) : إسناده صحيح على شرط الشيخين، وقال ابن رجب في "فتح الباري" (5/327) : إسناده صحيح، وقال ابن كثير في "إرشاد الفقيه" (1/190) : إسناده جيد، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3111) . وللاستزادة حول هذا الموضوع يمكنك مراجعة السؤال رقم (73339) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 79667 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2015 صلاة الجمعة غير واجبة على النساء [السُّؤَالُ] ـ[هل صلاة الجمعة مفروضة على النساء أيضا، أم على الرجال فقط؟ وكيف تُصَلَّى ? أنا امرأة، وليس لدينا مكان في المسجد، فهل أستطيع أن أصليها في البيت وحدي ? هل أنال أجرها ?.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اتفق أهل العلم على أن صلاة الجمعة لا تجب على النساء، وأنهن يصلين في بيوتهن الظهر أربعا يوم الجمعة. يقول ابن المنذر رحمه الله في "الإجماع" رقم (52) : " وأجمعوا على أن لا جمعة على النساء " انتهى. والدليل على ذلك حديث طارق بن شهاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ إِلاَّ أَربَعَة: عَبدٌ مَملُوكٌ، أَو امرَأَةٌ، أَو صَبِيٌّ، أَو مَرِيضٌ) رواه أبو داود (1067) وقال النووي في "المجموع" (4/483) : إسناده صحيح على شرط الشيخين، وقال ابن رجب في "فتح الباري" (5/327) : إسناده صحيح، وقال ابن كثير في "إرشاد الفقيه" (1/190) : إسناده جيد، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3111) . والحكمة من عدم وجوب صلاة الجمعة على النساء: أن الشرع يرغب في عدم حضور المرأة محافل الرجال، وأماكن تجمعاتهم؛ لما قد يؤدي إليه ذلك من أمور لا تحمد عقباها، كما هو واقع الآن بكثرة في أماكن العمل التي يختلط فيها الرجال بالنساء. وانظر: "بدائع الصنائع" (1/258) . وإذا التزمت المرأة بالشروط الشرعية لخروجها إلى المسجد، كعدم تزينها وتطيبها، فلا حرج عليها في حضور صلاة الجمعة في المسجد، وتصليها مع الإمام ركعتين، وتجزئها حينئذ عن صلاة الظهر. قال ابن المنذر رحمه الله في "الإجماع" رقم (52،53) : " وأجمعوا على أنَّهن إن حضرن الإمام فصلَّينَ معه أن ذلك يجزئ عنهن " انتهى. وقال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/88) : " ولكنها تصح منها - أي الجمعة -؛ لصحة الجماعة منها، فإن النساء كن يصلين مع النبي صلى الله عليه وسلم في الجماعة " انتهى. أما صلاة الجمعة في البيت منفرداً، فلا يصح ذلك من رجل أو امرأة؛ لأن صلاة الجمعة لا تصح إلا جماعة، كما سبق في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (الجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ) . وعلى فرض أن جماعة أرادوا أن يصلوا الجمعة في البيت فلا يصح ذلك أيضاً؛ لأن صلاة الجمعة شرعت ليجتمع المسلمون في مكان واحد للصلاة، ويستمعون الخطبة وينتفعون بها، ولذلك لا يجوز تعددها في المدينة الواحدة إلا عند الحاجة إلى ذلك، كاتساع المدينة، أو عدم وجود مسجد جامع كبير يسع الناس. وعلى هذا، فإذا لم تذهبي إلى المسجد لصلاة الجمعة، فإنك تصلينها في البيت ظهراً. وقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (7/337) : " إذا صلت المرأة الجمعة مع إمام الجمعة كَفَتهَا عن الظهر، فلا يجوز لها أن تصليَ ظهر ذلك اليوم، أما إن صلت وحدها فليس لها أن تصلي إلا ظهرا، وليس لها أن تصلي جمعة " انتهى. والأفضل للمرأة أن تصلي في بيتها ظهرا، وذلك لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا نساءكم المساجد، وبيوتهن خير لهن) رواه أبو داود (567) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. كما أن الواجب عليها إذا خرجت للجمعة أن تبتعد عن الطيب والزينة، وألا تزاحم الرجال في الطرقات. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 73339 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2016 حكم جمع التبرعات أثناء خطبة الجمعة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم جمع التبرعات في الخطبة الثانية من خطبتي الجمعة وذلك بدعوة الخطيب لذلك؟ وما حكمها وقت الدعاء من الخطبة الثانية؟ وهل تفسد جمعة من يتبرعون أثناء الخطبة؟ وهل تفسد جمعة من يمر بين المصلين ليأخذ التبرعات؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الواجب على من حضر الجمعة أن يُقبل بقلبه وجوارحه على خطبتها، ولا يجوز له الانشغال عنها، ولو برد السلام، أو الإنكار على من تكلم أثناءها. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ وَزِيَادَةُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ، وَمَنْ مَسَّ الْحَصَى فَقَدْ لَغَا) . رواه مسلم (857) . قال النووي رحمه الله: " قوله صلى الله عليه وسلم: (ومن مس الحصا فقد لغا) فيه النهي عن مس الحصا وغيره من أنواع العبث في حالة الخطبة، وفيه إشارة إلى إقبال القلب والجوارح على الخطبة، والمراد باللغو هنا الباطل المذموم المردود " انتهى. " شرح مسلم " (6 / 147) . وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: " ولا يجوز له العبث حال الخطبة بيد أو رجل أو لحية أو ثوب أو غير ذلك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من مس الحصا فقد لغا) وفي حديث أخر: (ومن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهراً) ؛ ولأن العبث يمنع الخشوع، وكذلك لا ينبغي له أن يتلفت يميناً وشمالاً، ويشتغل بالنظر إلى الناس، أو غير ذلك؛ لأن ذلك يشغله عن الاستماع للخطبة، ولكن ليتجه إلى الخطيب كما كان الصحابة رضي الله عنهم يتجهون إلى النبي صلى الله عليه وسلم حال الخطبة " انتهى بتصرف. " الملخص الفقهي " (1 / 176) . وجمع التبرعات من الحاضرين لخطبة الجمعة فيه تشويش شديد على الخطبة، وفيه تسبب بالحركة من قبَل جامع التبرعات والمتبرعين، وفيه تسبب بالكلام وتخطي الرقاب من قبَل جامع التبرعات، وكل ذلك منهي عنه، ومخالف لمقصود الجمعة وخطبتها، وليس هذا بضرورة إذ يمكن تأجيل التبرع إلى ما بعد انتهاء الصلاة، ومن فعله حرم أجر الجمعة وكانت له ظهراً. فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَمَسَّ مِنْ طِيبِ امْرَأَتِهِ إِنْ كَانَ لَهَا وَلَبِسَ مِنْ صَالِحِ ثِيَابِهِ ثُمَّ لَمْ يَتَخَطَّ رِقَابَ النَّاسِ وَلَمْ يَلْغُ عِنْدَ الْمَوْعِظَةِ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهُمَا، وَمَنْ لَغَا وَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ كَانَتْ لَهُ ظُهْرًا) . رواه أبو داود (347) ، وحسَّنه الألباني في " صحيح الترغيب " (721) . أي: مثل صلاة الظهر في الثواب، ويحرم بسبب لغوه، وتخطيه رقاب الناس من الثواب الجزيل الذي يحصل لمصلى الجمعة. (عون المعبود) قال الشيخ الفوزان حفظه الله: " ولا يجوز لمن يستمع الخطبة أن يتصدق على السائل وقت الخطبة؛ لأن السائل فعل ما لا يجوز له فعله؛ فلا يعينه على ما لا يجوز، وهو الكلام حال الخطبة " انتهى. " الملخص الفقهي " (1 / 175) . ثانياً: لا فرق في النهي عن الكلام والعبث بالحصى وغيره بين أن يكون في أول الخطبة أو أثناء دعائها، وما يقوله بعض الفقهاء من جواز الكلام أثناء الدعاء قول ضعيف. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: " بعض الفقهاء رحمهم الله قالوا: إذا شرع الإمام في الدعاء في حال الخطبة يجوز الكلام؛ لأن الدعاء ليس من أركان الخطبة، والكلام في غير أركان الخطبة جائز، ولكنه قول ضعيف؛ لأن الدعاء ما دام متصلاً بالخطبة فهو منها، وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم: (كان يستغفر للمؤمنين في كل جمعة في الخطبة) . فالصحيح: أنه ما دام الإمام يخطب سواء في أركان الخطبة أو فيما بعدها: فالكلام حرام " انتهى. " الشرح الممتع " (5 / 110) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 72960 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2017 انقطعت الكهرباء أثناء صلاة الجمعة ولم يتمكنوا من متابعة الإمام [السُّؤَالُ] ـ[كنا في صلاة الجمعة، والمسجد عندنا مكون من عدة طوابق، وفي الركعة الأولى انقطعت الكهرباء فلم يتمكن المأمومون الذين يصلون في الطابق الثاني والثالث من متابعة الإمام، فصلوها ظهرا، فهل ما فعلوه صحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان ذلك قد وقع قبل الركوع في الركعة الأولى، فما فعلوه صحيح، وإذا وقع ذلك بعد الركوع مع الإمام فكان الواجب عليهم أن يتموها جمعة، ركعتين. وقد سئل الشيخ عبد العزيز آل الشيخ عن مثل هذه الواقعة فقال: "من أدرك ركعة من الجمعة ثم عرض عارض كانقطاع الكهرباء ونحوه، فإنه يتمها جمعة منفرداً بمعنى أنه يصلي الركعة الثانية ثم يسلم؛ لما في الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاةَ) . والركعة إنما تدرك بالركوع، ومن لم يدرك الركوع مع الإمام فإنه غير مدرك للركعة، وعلى هذا فإذا كان من ذكروا في السؤال لم يدركوا مع الإمام إلا تكبيرة الإحرام فقط فإنهم يصلونها ظهرا ً" اهـ. "مجلة البحوث الإسلامية" (61/83) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 71231 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2018 متى تبدأ الساعة الأولى والثانية لصلاة الجمعة؟ [السُّؤَالُ] ـ[في الحديث الشريف في فضل البكور في صلاة الجمعة أن من جاء في الساعة الأولى له أجر من قرَّب بدنة والثانية كذا، أرجو بيان الساعة الأولى متى؟ أي: متى تبدأ ومتى تنتهي لكي تبدأ بعدها الثانية؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من راح في الساعة الأولى فكأنّما قرّب بَدَنَة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنّما قرّب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنّما قرّب كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنّما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنّما قرّب بيضة، فإذا صعد الإمام المنبر حضرت الملائكة يستمعون الذكر) . رواه البخاري (841) ومسلم (850) . وقد اختلف العلماء في تحديد هذه الساعة على ثلاثة أقوال: الأول: أنها تبدأ من طلوع الفجر. والثاني: أنها تبدأ من طلوع الشمس، ومذهب الشافعي وأحمد وغيرهما. والثالث: أنها ساعة واحدة بعد الزوال تكون فيها هذه الساعات، وهو مذهب مالك، واختاره بعض الشافعية. والقول الثالث ضعيف، وقد رد عليه كثيرون: قال النووي رحمه الله: " ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج إلى الجمعة متصلاً بالزوال، وكذلك جميع الأئمة في جميع الأمصار، وذلك بعد انقضاء الساعة السادسة فدل على أنه لا شيء من الهدي والفضيلة لمن جاء بعد الزوال، ولا يكتب له شيء أصلاً؛ لأنه جاء بعد طي الصحف؛ ولأن ذكر الساعات إنما كان للحث على التبكير إليها والترغيب في فضيلة السبق وتحصيل فضيلة الصف الأول وانتظارها والاشتغال بالتنفل والذِّكر ونحوه، وهذا كله لا يحصل بالذهاب بعد الزوال شيء منه، ولا فضيلة للمجيء بعد الزوال؛ لأن النداء يكون حينئذ ويحرم التأخير عنه " انتهى. " المجموع " (4 / 414) . وقال ابن قدامة رحمه الله: " وأما قول مالك فمخالف للآثار؛ لأن الجمعة يُستحب فعلها عند الزوال، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبكر بها، ومتى خرج الإمام طويت الصحف، فلم يُكتب من أتى الجمعة بعد ذلك، فأي فضيلة لهذا؟! " انتهى. " المغني " (2 / 73) . والصواب هو القول الثاني وأن الساعات تبدأ من طلوع الشمس، وتقسم على حسب الوقت بين طلوع الشمس إلى الأذان الثاني خمسة أجزاء، ويكون كل جزء منها هو المقصود بالـ " الساعة " التي في الحديث. سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: متى تبدأ الساعة الأولى من يوم الجمعة؟ فأجاب: " الساعات التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم خمس: فقال: (من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة) ، فقسَّم الزمن من طلوع الشمس إلى مجيء الإمام خمسة أقسام، فقد يكون كل قسم بمقدار الساعة المعروفة، وقد تكون الساعة أقل أو أكثر؛ لأن الوقت يتغير، فالساعات خمس ما بين طلوع الشمس ومجيء الإمام للصلاة، وتبتدئ من طلوع الشمس، وقيل: من طلوع الفجر، والأول أرجح؛ لأن ما قبل طلوع الشمس وقت لصلاة الفجر " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (16 / السؤال رقم 1260) . وانظر تفصيل هذه المسألة في كتاب " زاد المعاد " لابن القيم (1 / 399 - 407) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 60318 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2019 حكم الإنصات والكلام يوم الجمعة أثناء الخطبة [السُّؤَالُ] ـ[ذهبت لصلاة الجمعة , ولكن كلما دخل مصلٍّ للمسجد ألقى السلام فرد عليه المصلون , حتى من كان يقرأ القرآن أيضاً , وعندما بدأت الخطبة دخل بعض المصلين وألقى السلام , فرد عليه الإمام بصوت منخفض، فهل يجوز ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب على من حضر الجمعة أن ينصت للإمام وهو يخطب، ولا يجوز له الكلام مع غيره، حتى لو كان الكلام لإسكاته، ومن فعل فقد لغا، ومن لغا فلا جمعة له. عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب يوم الجمعة أنصت فقد لغوت) . رواه البخاري (892) ومسلم (851) . ويشمل المنع – كذلك – الإجابة عن سؤال شرعي، فضلاً عن غيره مما يتعلق بأمور الدنيا. عن أبي الدرداء قال: جلس النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر وخطب الناس وتلا آية وإلى جنبي أُبيّ بن كعب فقلت له: يا أُبيّ متى أنزلت هذه الآية؟ فأبى أن يكلمني ثم سألته فأبى أن يكلمني حتى نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي أبيٌّ: مالك من جمعتك إلا ما لغوت، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم جئته فأخبرته فقال: (صدق أُبيّ، إذا سمعت إمامك يتكلم فأنصت حتى يفرغ) . رواه أحمد (20780) وابن ماجه (1111) . وصححه البوصيري والألباني في " تمام المنة " (ص 338) . وهذا يدل على وجوب الإنصات وتحريم الكلام والإمام يخطب يوم الجمعة. قال ابن عبد البر: لا خلاف بين فقهاء الأمصار في وجوب الإنصات للخطبة على من سمعها. " الاستذكار " (5 / 43) . وقد شذ بعضهم وخالف في الوجوب. وليس لهم دليل يؤيد ما ذهبوا إليه. قال ابن رشد – في حكم الإنصات في الخطبة -: "وأما من لم يوجبه: فلا أعلم لهم شبهة إلا أن يكونوا يرون أن هذا الأمر قد عارضه دليل الخطاب في قوله تعالى: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا} أي: أن ما عدا القرآن فليس يجب له الإنصات، وهذا فيه ضعف، والله أعلم، والأشبه أن يكون هذا الحديث لم يصلهم" اهـ. " بداية المجتهد " (1 / 389) . ويستثنى من ذلك: الكلام مع الإمام، وكلام الإمام مع المأمومين للحاجة أو المصلحة. عن أنس بن مالك قال: أصابت الناسَ سَنَةٌ (أي: قحط وجدب) على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فبينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب في يوم جمعة قام أعرابي فقال: يا رسول الله هلك المال وجاع العيال فادع الله لنا فرفع يديه ... فمطرنا يومنا ذلك ومن الغد وبعد الغد والذي يليه حتى الجمعة الأخرى وقام ذلك الأعرابي - أو قال غيره - فقال: يا رسول الله تهدم البناء وغرق المال فادع الله لنا فرفع يديه ... رواه البخاري (891) ومسلم (897) . وعن جابر بن عبد الله قال جاء رجل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس يوم الجمعة فقال أصليت يا فلان؟ قال: لا، قال: قم فاركع ركعتين. رواه البخاري (888) ومسلم (875) . ومن استدل بمثل هذه الأحاديث على جواز كلام المصلين بعضهم مع بعض، وعدم وجوب الإنصات فما أصاب. قال ابن قدامة: "وما احتجوا به: فيحتمل أنه مختص بمن كلم الإمام , أو كلمه الإمام ; لأنه لا يشتغل بذلك عن سماع خطبته , ولذلك سأل النبي صلى الله عليه وسلم " هل صليت؟ " فأجابه، وسأل عمرُ عثمانَ حين دخل وهو يخطب , فأجابه , فتعين حمل أخبارهم على هذا , جمعا بين الأخبار , وتوفيقا بينها , ولا يصح قياس غيره عليه ; لأن كلام الإمام لا يكون في حال خطبته بخلاف غيره" اهـ. " المغني " (2 / 85) . وأما تشميت العاطس ورد السلام والإمام يخطب، فقد اختلف أهل العلم في ذلك. قال الترمذي في " سننه " - عقب حديث أبي هريرة " إذا قلت لصاحبك ... " -: اختلفوا في رد السلام وتشميت العاطس، فرخص بعض أهل العلم في رد السلام وتشميت العاطس والإمام يخطب، وهو قول أحمد وإسحاق، وكره بعض أهل العلم من التابعين وغيرهم ذلك، وهو قول الشافعي اهـ. وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (8/242) : "لا يجوز تشميت العاطس ولا رد السلام والإمام يخطب على الصحيح من أقوال العلماء لأن كلاًّ منهما كلام وهو ممنوع والإمام يخطب لعموم الحديث" اهـ. وجاء فيها أيضاً (8/243) : "لا يجوز لمن دخل والإمام يخطب يوم الجمعة إذا كان يسمع الخطبة أن يبدأ بالسلام من في المسجد، وليس لمن في المسجد أن يرد عليه والإمام يخطب" اهـ. وجاء فيها أيضاً (8/244) : لا يجوز الكلام أثناء أداء الخطيب لخطبة الجمعة إلا لمن يكلم الخطيب لأمر عارض" اهـ. وقال الشيخ ابن عثيمين: "السلام حال خطبة الجمعة حرام فلا يجوز للإنسان إذا دخل والإمام يخطب الجمعة أن يسلم ورده حرام أيضاً" اهـ. فتاوى ابن عثيمين (16/100) . وقال الشيخ الألباني: فإن قول القائل: " أنصت "، لا يعد لغة من اللغو، لأنه من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومع ذلك فقد سماه عليه الصلاة والسلام: لغواً لا يجوز، وذلك من باب ترجيح الأهم، وهو الإنصات لموعظة الخطيب، على المهم، وهو الأمر بالمعروف في أثناء الخطبة، وإذا كان الأمر كذلك، فكل ما كان في مرتبة الأمر بالمعروف، فحكمه حكم الأمر بامعروف، فكيف إذا كان دونه في الرتبة، فلا شك أنه حينئذ بالمنع أولى وأحرى، وهو من اللغو شرعاً. " الأجوبة النافعة " (ص 45) . والخلاصة: أن الواجب على من حضر الجمعة أن ينصت للإمام ولا يجوز له أن يتكلم والإمام يخطب، إلا ما استثناه الدليل من الكلام مع الخطيب، أو الرد عليه، أو ما دعت إليه الضرورة كإنقاذ أعمى من السقوط أو ما شابهه. والسلام على الإمام ورده السلام مما يدخل في هذا المنع، لأنه لم يرخص في الكلام مع الإمام إلا للمصلحة أو الحاجة، وليس من ذلك السلام ورده. قال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (5/140) : "لا يجوز للإمام أن يتكلم كلاما بلا مصلحة، فلا بد أن يكون لمصلحة تتعلق بالصلاة أو بغيرها مما يحسن الكلام فيه، وأما لو تكلم الإمام لغير مصلحة فإنه لا يجوز. وإذا كان لحاجة يجوز من باب أولى، فمن الحاجة أن يخفى على المستمع معنى جملة في الخطبة فيسأل، ومن الحاجة أيضاً أن يخطئ الخطيب في آية خطأ يحيل المعنى، مثل أن يسقط جملة من الآية أو ما أشبه ذلك. والمصلحة دون الحاجة فمن المصلحة مثلا إذا اختل صوت مكبر الصوت فللإمام أن يتكلم ويقول للمهندس: انظر إلى مكبر الصوت ما الذي أخله؟ " اهـ. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45651 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2020 تحريم تخطي رقاب الجالسين يوم الجمعة [السُّؤَالُ] ـ[أرجو بيان حكم تخطي الرقاب يوم الجمعة، هل هو حرام أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله روى أبو داود (1118) وابن ماجه (1115) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ رضي الله عنه قال: جَاءَ رَجُلٌ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اجْلِسْ، فَقَدْ آذَيْتَ) . صححه الألباني في صحيح أبي داود. ففي هذا الحديث: النهي عن تخطي رقاب الجالسين لصلاة الجمعة. وقد اختلف العلماء في حكم ذلك على قولين: الأول: الكراهة، ونقله ابن المنذر عن الجمهور. وقال ابن حجر: والأكثر على أنها كراهة تنزيه، وهو المشهور عند الشافعية، ومذهب الحنابلة. انظر: "فتح الباري" (2/392) ، "كشاف القناع" (2/44) ، "المجموع" (4/466) . وقَيَّد مالك والأوزاعي الكراهة بما إذا كان الخطيب على المنبر، جاء في "المدونة" (1/159) : " وقال مالك: إنما يكره التخطي إذا خرج الإمام، وقعد على المنبر، فمن تخطى حينئذ فهو الذي جاء فيه الحديث، فأما قبل ذلك فلا بأس به إذا كانت بين يديه فُرَجٌ، وليترفق في ذلك " انتهى. القول الثاني: أن التخطي حرام مطلقاً في يوم الجمعة وغيره، لحديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ رضي الله عنه قال: جَاءَ رَجُلٌ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اجْلِسْ، فَقَدْ آذَيْتَ) . رواه أبو داود (1118) ، وابن ماجه (1115) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. قال الترمذي: " والعمل عليه عند أهل العلم، كرهوا أن يتخطى الرجل يوم الجمعة رقاب الناس، وشددوا في ذلك " انتهى. وهذا ما رجحه جمع من المحققين، كابن المنذر وابن عبد البر والنووي وشيخ الإسلام ابن تيمية، كما في "الاختيارات الفقهية" (ص 81) وغيرهم. ومن المعاصرين الشيخ ابن عثيمين. قال ابن المنذر معللاً القول بالتحريم: لأن الأذى يحرم قليله وكثيره، وهذا أذى، كما جاء في الحديث الصحيح قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن يراه يتخطى: (اجلس فقد آذيت) "المجموع" (4/467) . وقال ابن عبد البر في "التمهيد" (1/316) : وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم للمتخطي يوم الجمعة: (آذيت) بيان أن التخطي أذى، ولا يحل أذى مسلم بحال، في الجمعة وغير الجمعة. وقال النووي في "روضة الطالبين" (11/224) : المختار أن تخطي الرقاب حرام، للأحاديث فيه. وقال الشيخ ابن عثيمين: " تخطي الرقاب حرام حال الخطبة وغيرها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لرجل رآه يتخطى رقاب الناس: (اجلس فقد آذيت) ويتأكد ذلك إذا كان في أثناء الخطبة؛ لأن فيه أذيةً للناس، وإشغالاً لهم عن استماع الخطبة، حتى وإن كان التخطي إلى فرجة؛ لأن العلة وهي الأذية موجودة " انتهى. "فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين" (16/147) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 41731 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2021 تلزم الجمعة كل من كان في البلد ولو لم يسمع النداء [السُّؤَالُ] ـ[إذا كنت لا أسمع الأذان في المدينة التي أسكن فيها، لبعد المسجد، فهل تجب علي صلاة الجمعة وصلاة الجماعة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صلاة الجمعة شعيرة من شعائر الإسلام، وفريضة من فرائضه العظام، وقد جاء الوعيد على تركها في قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَرَكَ ثَلاثَ جُمَعٍ تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ اللهُ عَلَى قَلْبِهِ) رواه أبو داود (1052) والنسائي (1369) وابن ماجه (1126) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. وصلاة الجماعة واجبة على كل رجل مستطيع يسمع النداء، وقد دل على وجوبها أدلة كثيرة، انظرها في جواب السؤال رقم (120) . والمقصود بسماع النداء: أن يسمع الإنسان الأذان بالصوت المعتاد من غير مكبرٍ للصوت، مع رفع المؤذن صوته، وسكون الرياح والضوضاء ونحو ذلك مما يؤثر على السماع. وانظر السؤال رقم (21969) ، والسؤال رقم (20655) . هذا بالنسبة للصلوات الخمس مع الجماعة، وأما الجمعة فلها شأن آخر، فإن الفقهاء يقولون: تلزم كل من كان في البلد أو القرية التي تقام فيها الجمعة، سواء سمعوا النداء أو لم يسمعوا، وهذا مجمع عليه كما سيأتي. وأما من كان خارج المدينة أو القرية وليس لديهم جمعة، ففيهم خلاف: فمن الفقهاء من قال: إن سمعوا النداء – نداء الجمعة في المدينة أو القرية - لزمتهم الجمعة وإن لم يسمعوا لم تلزمهم. وهذا مذهب الشافعية وقول محمد بن الحسن وعليه الفتوى عند الحنفية. ومنهم من قال: إن كان بينهم وبين موضع الجمعة أكثر من فرسخ أي ثلاثة أميال لم تلزمهم الجمعة، وإن كان فرسخ أو أقل لزمتهم، وهذا مذهب المالكية والحنابلة. ومنهم من قال: تجب على من يمكنه أن يذهب إليها ثم يرجع إلى أهله قبل الليل، حكاه ابن المنذر عن ابن عمر وأنس وأبي هريرة ومعاوية والحسن ونافع مولى ابن عمر وعكرمة وعطاء والحكم والأوزاعي وأبي ثور. وإنما نبهنا على حكم من كان خارج المدينة أو القرية؛ لأن بعض الناس يظن أن هذا الخلاف هو فيمن كان داخل المدينة، وهو ظن مجانب للصواب. قال النووي رحمه الله: " قال الشافعي والأصحاب: إذا كان في البلد أربعون فصاعدا من أهل الكمال، وجب الجمعة على كل من فيه وإن اتسعت خطة البلد فراسخ، وسواء سمع النداء أم لا. وهذا مجمع عليه " انتهى من المجموع" (4/353) . وقال المرداوي في "الإنصاف": " محل الخلاف في التقدير بالفرسخ، أو إمكان سماع النداء، أو سماعه، أو ذهابهم ورجوعهم في يومهم: إنما هو في المقيم بقرية لا يبلغ عددهم ما يشترط في الجمعة، أو فيمن كان مقيما في الخيام ونحوها، أو فيمن كان مسافرا دون مسافة قصر، فمحل الخلاف في هؤلاء وشبههم. أما من هو في البلد التي تقام فيها الجمعة فإنها تلزمه، ولو كان بينه وبين موضع الجمعة فراسخ، سواء سمع النداء أو لم يسمعه، وسواء كان بنيانه متصلا أو متفرقا، إذا شمله اسم واحد " انتهى. وينظر: "مجمع الأنهر" (1/169) ، "حاشية العدوي على شرح الرسالة" (1/376) ، "كشاف القناع" (2/22) . والحاصل: أن المقيم في مدينة تجب عليه الجمعة، سواء سمع النداء أو لم يسمع، وهذا مما لا خلاف فيه بين العلماء. لكن حصل خلاف في تحديد مفهوم "المدينة" فيما لو تباعدت وتفرقت بأن صارت أحياء بينها مزارع، فقال بعض العلماء: " لو تفرق، وفرقت بينه المزارع، فيكون كل حي كأنه مدينة مستقلة ". قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله بعد حكاية هذا القول: " ولكن الصحيح ما دام يشمله اسم واحد فهو بلد واحد، ولو فرض أن هذا البلد اتسع وصار بين أطرافه أميال أو فراسخ فهو وطن واحد تلزم الجمعة من بأقصاه الشرقي، كما تلزم من بأقصاه الغربي، وهكذا الشمال والجنوب؛ لأنه بلد واحد " انتهى من "الشرح الممتع" (5/17) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39054 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2022 حكم الطواف أثناء خطبة الجمعة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن أطوف طواف الوداع بالحرم والإمام يخطب خطبة الجمعة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف العلماء في حكم الطواف أثناء خطبة الجمعة، سواء كان الطواف واجبا كطواف الإفاضة والوادع وطواف العمرة، أم كان مستحباً. فذهب المالكية إلى منعه، قياساً على الصلاة، فإن المأموم منهي عن الصلاة أثناء خطبة الجمعة إلا تحية المسجد، وذلك لما فيها من الإعراض عن الخطيب والانشغال عن الخطبة، والطواف كالصلاة في هذا. انظر "مواهب الجليل" (3/78) . وذهب الشافعية إلى جواز الطواف أثناء خطبة الجمعة، ومنعوا قياسه على الصلاة، لأن الطواف لا ينافي الاستماع للخطبة، بخلاف الصلاة فالانشغال بها أقوى. وانظر: "الغرر البهية" (2/ 29) ، " الفتاوى الفقهية الكبرى " (1/ 239) . واختار الشيخ ابن جبرين المنع من الطواف أثناء خطبة الجمعة، فقد سئل: ما حكم الطواف تطوعاً للمقيم والمسافر والخطيب يخطب يوم الجمعة؟ فأجاب: " إذا ابتدأ الخطيب يخطب وجب على المصلين الإنصات للخطبة والبقاء في أماكنهم ولم يجز الاشتغال بغير ذلك إلا لمن دخل والخطيب يخطب، فإنه يصلي ركعتين يخففهما، سواء كان من أهل مكة أو من غيرهم، فالأدلة عامة في النهي عن الحركة والكلام حال خطبة الخطيب، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب فقد لغوت) . هكذا حذر من هذه الكلمة مع أنها للصلاة، فعلى هذا نرى أنه لا يجوز الطواف على كل حال ما دام الإمام يخطب خطبة الجمعة، وقد كان الأئمة قديماً يمنعون من الطواف حال الخطبة، ولكن تساهل المتأخرون وادعوا أنهم عاجزون عن حجز أولئك الذين يطوفون، والذين يتعللون بأنهم مسافرون يودّعون البيت بهذا الطواف، أو يرون فضل الطواف على الإنصات لسماع الخطبة، ولكن هذا غير صحيح، فنرى لزوم منعهم حتى يفرغ من الصلاة، وأما خطبة العيد فلا بأس بالطواف حال خطبته وذلك لأنها سنة، ولا يلزم البقاء للمصلين إلى انتهائها " انتهى نقلا عن مجلة الحرس الوطني، عدد 272 بتاريخ 1/1/2005. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38592 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2023 اختلاف المطالع بين البلدان تأثيرها على المنتقلين بينها [السُّؤَالُ] ـ[مسلم صام رمضان وصلى العيد ثم سافر لبلده في الشرق فوجدهم لا زالوا يصومون رمضان، فهل يصوم معهم أم لا يصوم لأنه أنهى صيام رمضان قبل السفر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عما إذا صام رجل تسعة وعشرين يوما وشهد العيد في اليوم الثلاثين في البلد الذي كان صائماً فيه، ثم ذهب في صباح يوم العيد إلى بلد آخر، وهو مفطر، ووجدهم صائمين فهل يصوم أو يبقى على فطره وعيده؟ فأجاب بقوله: " لا يلزمك أن تمسك لأنك أفطرت بطريق شرعي فصار اليوم في حقك يوما مباحا، فلا يلزمك إمساكه، لو غابت عليك الشمس في بلد ثم سافرت إلى بلد فأدركت الشمس قبل أن تغيب فإنه لا يلزمك صيامه. " وسئل رحمه الله عما إذا بدأنا الصوم في المملكة العربية السعودية ثم سافرنا إلى بلادنا في شرق آسيا في شهر رمضان حيث يتأخر الشهر الهجري هناك يوما فهل نصوم واحدا وثلاثين يوما، وإن صاموا تسعة وعشرين يوما فهل يفطرون أم لا؟ فأجاب بقوله:" إذا سافر الإنسان من البلد التي صام فيها أول الشهر إلى بلد تأخر عندهم الفطر فإنه يبقى لا يفطر حتى يفطروا، ونظير هذا لو سافر في يومه إلى بلد يتأخر فيه غروب الشمس فإنه يبقى صائما حتى تغرب الشمس ولو بلغ عشرين ساعة، إلا إن أفطر من أجل السفر فله الفطر من أجل السفر، وكذلك العكس لو سافر إلى بلد أفطروا قبل أن يتم الثلاثين فإنه يفطر معهم، إن كان الشهر تاما قضى يوما، وإن كان غير تام فلا شيء عليه، فهو يقضي إذا نقص الشهر، وإذا زاد الشهر يتحمل الزيادة، والله أعلم. " انتهى من مجموع الفتاوى 19. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38101 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2024 يعمل في مصنع ولا يستطيع الذهاب لصلاة الجمعة [السُّؤَالُ] ـ[أنا أشتغل في مصنع مناوب كهربائي أعمل يوماً وأرتاح يومين، ويصادف أحيانا يوم العمل يوم الجمعة ولظروف العمل لا أستطيع الذهاب إلى صلاة الجمعة فهل يترتب على شيء؟ فما العمل أرجو النصيحة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب على من سمع النداء يوم الجمعة، وهو من أهل الجمعة أن يلبي النداء، وقد قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون) الجمعة/9، وعن ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين) رواه مسلم (865) وعلى هذا فإن عليك أن تخبر صاحب العمل بأنك ستذهب إلى صلاة الجمعة، وعليه أن يأذن لك ولغيرك من المسلمين، ويمكن أن تخبره بأنك ستعوض ذلك الوقت بعمل إضافي، وادع الله تعالى أن ييسر لك الأمر، (ومن يتق الله يجعل له مخرجا) وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن بعض العمال الذين لا يأذن لهم كفلاؤهم بصلاة الجمعة بحجة أنهم حراس في المزرعة؟ فأجاب رحمه الله: إذا كان هؤلاء العمال بعيدين عن المسجد بحيث لا يسمعون النداء لولا مكبر الصوت، وهم خارج البلد فإن الجمعة لا تلزمهم، ويطمئن العمال بأنه لا إثم عليهم في البقاء في المزرعة، ويصلون ظهرا، ويشار على كفيلهم أن يأذن لهم لأن ذلك خيرٌ له وخيرٌ لهم، وتطييبا لقلوبهم وربما يكون ذلك سببا في نصحهم إذا قاموا بالعمل، بخلاف ما إذا ضغط عليهم، وكثير من العمال يطلبون صلاة الجمعة من أجل أن يلتقوا بأصحابهم ومعارفهم، ولهذا تجدهم يأتون إلى الجمعة ويتحدثون في السوق يتحدثون إلى أن يحضر الإمام، فإذا حضر الإمام دخلوا المسجد والمدار على ما سبق إذا سمعوا النداء، أو كانوا داخل البلد فليحضروا، وإذا كانوا خارج البلد لا يسمعون النداء، فليس عليهم شيء. اهـ. بتصرف وسئلت اللجنة الدائمة عن شاب يعمل كحارس في فيلا وصاحب العمل لا يريد منه أن يصلي في المسجد، ويضربه ويهدده بالترحيل إلى بلاده إن صلى في المسجد فأجابت: الصلوات الخمس يجب أداؤها في المسجد جماعة، فعليك أن تؤديها جماعة في المسجد، وأن تصبر وتحتسب في ذلك، وسيجعل الله بعد عسر يسرا (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا) واعلم أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فكن مع الله يكن الله معك. وبالله التوفيق. والله أعلم. انظر فتاوى اللجنة الدائمة 7 / 302، لقاء الباب المفتوح 1 / 413. ولكن إذا كان تركك للعمل وقت صلاة الجمعة يترتب عليه الإضرار بالمصنع كاحتمال تعطل الآلات، أو حدوث حرائق ونحو ذلك، وكان معك في المصنع رجال آخرون، فإنكم تصلونها جمعة في المصنع، إذا كان المصنع داخل المدينة، أو خارجها وتسمعون الأذان بلا مكبر للصوت. أما إذا كان المصنع خارج المدينة بحيث لا تسمعون الأذان لولا مكبرات الصوت، أو كنتم تخشون من ترك العمل وقت الصلاة حصول أضرار في العمل فإن ذلك يكون عذراً لكم في ترك صلاة الجمعة، وحينئذ تصلونها ظهراً وتكون جماعة إن أمكن. وقد سئلت اللجنة الدائمة (8/188) عن موظفي البرق والهاتف الذين يستمر عملهم يوم الجمعة وقت الصلاة، وإذا تركوا العمل توقفت الاتصالات اللاسلكية والهاتفية، هل يجوز لهم ترك صلاة الجمعة؟ فأجابت اللجنة بأن صلاة الجمعة فرض على الأعيان للأدلة من الكتاب والسنة وإجماع أهل العلم، ثم قالت: (ولكن إذا وجد عذر شرعي لدى من تجب عليه الجمعة كأن يكون مسؤولاً مسؤولية مباشرة عن عمل يتصل بأمن الأمة، وحفظ مصالحها، يتطلب قيامه عليه وقت صلاة جمعة كحال رجال الأمن والمرور والمخابرات اللاسلكية والهاتفية ونحوهم، الذين عليهم النوبة وقت النداء الأخير لصلاة جمعة أو إقامة الصلاة جماعة، فإنه وأمثاله يعذر بذلك في ترك الجمعة والجماعة لعموم قول الله سبحانه: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ، وقول رسول الله عليه الصلاة والسلام: (ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم) ، ولأنه ليس بأقلّ عذراً ممن يعذر بترك الجمعة والجماعة ما دام العذر قائماً غير أن ذلك لا يسقط عنه فرض الظهر، بل عليه أن يصليها في وقتها، ومتى أمكن فعلها جماعة وجب ذلك كسائر الفروض الخمسة " اهـ. وسئلت أيضاً (8/191) عن طبيب يناوب في المستوصف وقت صلاة الجمعة لمداواة مريض أو إسعاف جريح يكون في حالة عاجلة، هل يجوز له ترك صلاة الجمعة، فأجابت: الطبيب المذكور في السؤال قائم بأمر عظيم ينفع المسلمين ويترتب على ذهابه إلى الجمعة خطر عظيم، فلا حرج عليه في ترك صلاة الجمعة، وعليه أن يصلي الظهر في وقتها ن ومتى أمكن أداوه جماعة وجب ذلك، لقول الله سبحانه: (فاتقوا الله ما استطعتم) ، فإذا كان من الموظفين من يتناوب معه وجب عليهم أن يصلوا الظهر جماعة. اهـ. وسئلت ـ أيضاً ـ (8/192) عن حارس لمحطة بنزين تبعد عن البلد بحوالي كيلوين، فهل يجور ل ترك صلاة الجمعة، مع العلم أن المحطة سبق أن سرقت واشتعلت فيها النيران ويسكن فيها أولاده ومحارمه. فأجابت: إذا كان الأمر كما ذكر جاز للحارس أن يصلي الجمعة ظهراً ليقوم بحراسة من ذكر وما ذكره لعموم الأدلة الشرعية الدالة على ترك الجمعة في مثل هذا العذر.اهـ. وسئلت أيضاً (8/194) عن جماعة من الموظفين يترواح عددهم ما بين 13 إلى 15 موظفاً يعملون في مصفاة بترول بإحدى المدن، ويصلون الجمعة في مكان العمل نظراً لأنهم لا يستطعيون الخروج لصلاة الجمعة لظروف العمل. فأجابت: إذا كان أمر كما ذكر فإنكم تصلون جمعة في محل عملكم، لقوله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) اهـ. والخلاصة: أنه إذا وجدت مصلحة عامة للمسلمين أو خاصة تضيع كسرقة مال أو احتراقه أو تلفه أو يحصل ضرر بحضور الجمعة جاز التخلف عنها وصلاتها ظهراً. أما إذا كان سبب التخلف زيادة ربح أو مزيد إنتاج أو زيادة تحصيل دراسي المجرد البقاء في الوظيفة وعدم فقد العمل أو لأن راتب هذه الوظيفة أكثر ونحو ذلك من منافع الدنيا ونحو ذلك فإن هذا ليس بسبب يجيز شرعاً التخلف عن الجمعة، كيف وقد قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) الجمعة/9 وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ) رواه الترمذي (500) وصححه الألباني. فحذار من التخلف عنها. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36530 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2025 رئيسه يمنعه من حضور صلاة الجمعة [السُّؤَالُ] ـ[إذا منعني رئيسي في العمل من صلاة الجمعة فهل أستقيل من العمل أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان عملك خارج المدينة ولا تسمع صوت المؤذن إذا أذَّن بلا مكبر للصوت، فإن صلاة الجمعة غير واجبة عليك، وتصلي ظهراً. أما إذا كنت داخل المدينة، أو كنت خارجها ولكنك تسمع الأذان فيجب عليك حضور صلاة الجمعة. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن بعض العمال الذين لا يأذن لهم كفلاؤهم بصلاة الجمعة بحجة أنهم حراس في المزرعة. فأجاب: إذا كان هؤلاء العمال بعيدين عن المسجد بحيث لا يسمعون النداء لولا مكبر الصوت، وهم خارج البلد فإن الجمعة لا تلزمهم، ويطمئن العمال بأنه لا إثم عليهم في البقاء في المزرعة، ويصلون ظهرا، ويشار على كفيلهم أن يأذن لهم لأن ذلك خيرٌ له وخيرٌ لهم اهـ لقاء الباب المفتوح (1/413) . وسئلت اللجنة الدائمة عن شاب يعمل خادماً عند أحد الأشخاص، ويمنعه صاحب العمل من الصلاة في المسجد، ويضربه إذا صلى في المسجد، ويهدده بالترحيل إلى بلاده. فأجابت: الصلوات الخمس يجب أداؤها في المسجد جماعة، فعليك أن تؤديها جماعة في المسجد، وأن تصبر وتحتسب في ذلك، وسيجعل الله بعد عسر يسرا: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) الطلاق/2-3. واعلم أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فكن مع الله يكن الله معك اهـ. فتاوى اللجنة الدائمة (7/302) . وعلى هذا. . فالنصيحة لك أيها السائل أن تتفاهم مع رئيسك في العمل، وأن تشرح له الوضع، وأن تعده بتعويض الوقت الذي تقضيه في صلاة الجمعة لضمان مصلحة العمل، فإن استجاب لك وإلا فلا خير في عمل يمنعك من الصلاة. ومن ترك شيئاً لله عَوَّضه الله خيراً منه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 34617 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2026 رفع اليدين في الدعاء يوم الجمعة [السُّؤَالُ] ـ[هل يستحب رفع اليدين عند التأمين على دعاء الخطيب يوم الجمعة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأصل أن يرفع الداعي يديه عند الدعاء. لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ) رواه الترمذي (3556) . وصححه الألباني في صحيح الترمذي. قال في تحفة الأحوذي: وَفِي الْحَدِيثِ دَلالَةٌ عَلَى اِسْتِحْبَابِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الدُّعَاءِ وَالْأَحَادِيثُ فِيهِ كَثِيرَةٌ اهـ. إلا أنه ورد في شأن الخطيب يوم الجمعة إذا دعا على المنبر أنه يشير بسبابته فقط ولا يرفع يديه، بل أنكر بعض الصحابة على الخطيب الذي يرفع يديه في الدعاء. روى مسلم (874) وأبو داود (1104) عَنْ عُمَارَةَ بْنِ رُؤَيْبَةَ أنه رَأَى بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ رَافِعًا يَدَيْهِ (زاد أبو داود: وَهُوَ يَدْعُو فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ) فَقَالَ: (قَبَّحَ اللَّهُ هَاتَيْنِ الْيَدَيْنِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ بِيَدِهِ هَكَذَا وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ الْمُسَبِّحَةِ) . قال النووي: فِيهِ أَنَّ السُّنَّة أَنْ لا يَرْفَع الْيَد فِي الْخُطْبَة وَهُوَ قَوْل مَالِك وَأَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ اهـ. وفي "تحفة الأحوذي": وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى كَرَاهَةِ رَفْعِ الأَيْدِي عَلَى الْمِنْبَرِ حَالَ الدُّعَاءِ اهـ. وإذا لم يشرع رفع اليدين للخطيب فالمأمومون مثله لأنهم يقتدون به. لكن إذا دعا الإمام للاستسقاء يوم الجمعة وهو على المنبر فالسنة أن يرفع يديه، ويرفع المأمومون أيديهم ويدعون معه. روى البخاري (933) ومسلم (897) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أَصَابَتْ النَّاسَ سَنَةٌ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَ الْمَالُ، وَجَاعَ الْعِيَالُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا. فَرَفَعَ يَدَيْهِ [زَادَ البخاري في رواية تعليقاً ووصلها البيهقي: (وَرَفَعَ النَّاس أَيْدِيهمْ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُونَ) ] ، وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا وَضَعَهَا حَتَّى ثَارَ السَّحَابُ أَمْثَالَ الْجِبَالِ، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمُطِرْنَا يَوْمَنَا ذَلِكَ، وَمِنْ الْغَدِ، وَبَعْدَ الْغَدِ وَالَّذِي يَلِيهِ حَتَّى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى، وَقَامَ ذَلِكَ الْأَعْرَابِيُّ أَوْ غَيْرُهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَهَدَّمَ الْبِنَاءُ، وَغَرِقَ الْمَالُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا، فَرَفَعَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلا عَلَيْنَا، فَمَا يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنْ السَّحَابِ إِلا انْفَرَجَتْ، وَصَارَتْ الْمَدِينَةُ مِثْلَ الْجَوْبَةِ، وَسَالَ الْوَادِي قَنَاةُ شَهْرًا، وَلَمْ يَجِئْ أَحَدٌ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلا حَدَّثَ بِالْجَوْدِ. سَنَة: أَيْ جَدْب. قَزَعَة: أَيْ سَحَاب مُتَفَرِّق. سَلْع: جَبَل مَعْرُوف بِالْمَدِينَةِ. مِثْل التُّرْس: أَيْ مُسْتَدِيرَة. الْجَوْبَة: هِيَ الْحُفْرَة الْمُسْتَدِيرَة الْوَاسِعَة , وَالْمُرَاد أن السحاب انفرج من فوق المدينة وبقي حولها. الْجَوْدِ: هُوَ الْمَطَر الْغَزِير. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما هو حكم رفع الأيدي والإمام يخطب يوم الجمعة؟ فأجاب: رفع الأيدي والإمام يخطب يوم الجمعة ليس بمشروع، وقد أنكر الصحابة على بشر بن مروان حين رفع يديه في خطبة الجمعة، لكن يستثنى من ذلك الدعاء بالاستسقاء فإنه ثبت عن النبي أنه رفع يديه يدعو الله عز وجل بالغيث وهو في خطبة الجمعة، ورفع الناس أيديهم معه، وما عدا ذلك فإنه لا ينبغي رفع اليدين في حال الدعاء في خطبة الجمعة اهـ. "فتاوى أركان الإسلام" (ص 392) . والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 31897 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2027 حديث أبي موسى وحذيفة أن تكبيرات صلاة العيد أربع كالجنازة [السُّؤَالُ] ـ[ورد حديث في سنن أبي داود، وهو في باب التكبيرات: حدثنا محمد بن العلاء وابن أبي زياد المعنى قريب، قالا ثنا زيد يعني بن حباب، عن عبد الرحمن بن ثوبان، عن أبيه، عن مكحول، قال أخبرني أبو عائشة جليس لأبي هريرة، أن سعيد بن العاص سأل أبا موسى الأشعري وحذيفة بن اليمان: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر في الأضحى والفطر؟ فقال أبو موسى: كان يكبر أربعا، تكبيره على الجنائز، فقال حذيفة: صدق، فقال أبو موسى: كذلك كنت أكبر في البصرة حيث كنت عليهم. وقال أبو عائشة وأنا حاضر سعيد بن العاص. قال الشيخ الألباني: حسن صحيح. هل صحح هذا الحديث غير الشيخ الألباني، وما رأيكم فيه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الذي دلت عليه الأحاديث الكثيرة المرفوعة، أن عدد تكبيرات صلاة العيد: سبعُ تكبيرات في الركعة الأولى سوى تكبيرة الإحرام، وخمسُ تكبيرات في الركعة الثانية سوى تكبيرة القيام. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما: قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (التَّكْبِيرُ فِي الْفِطْرِ: سَبْعٌ فِي الْأُولَى، وَخَمْسٌ فِي الْآخِرَةِ، وَالْقِرَاءَةُ بَعْدَهُمَا كِلْتَيْهِمَا) رواه أبو داود (1151) ، ونقل الترمذي عن البخاري أنه صحح هذا الحديث، انظر: "ترتيب العلل الكبير" (154) ، وحسنه النووي في "الخلاصة" (2/831) ، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود". وعَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كَبَّرَ فِي الْعِيدَيْنِ فِي الْأُولَى سَبْعًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَفِي الْآخِرَةِ خَمْسًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ) رواه الترمذي (536) ، وقال: "وفي الباب عن عائشة، وابن عمر، وعبد الله بن عمرو. حديث جد كثير حديث حسن، وهو أحسن شيء روي في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم، واسمه عمرو بن عوف المزني" انتهى. ونقل الترمذي عن البخاري رحمه الله قوله: "فقال: ليس في الباب شيء أصح من هذا , وبه أقول" انتهى. "ترتيب العلل الكبير" (153) . وقد أخذ بهذه الأحاديث جماهير أهل العلم، وجاء العمل بها عن كثير من الصحابة والتابعين. قال النووي رحمه الله: "مذهبنا أن في الأولى سبعا , وفي الثانية خمسا، وحكاه الخطابي في " معالم السنن " عن أكثر العلماء , وحكاه صاحب الحاوي عن أكثر الصحابة والتابعين , وحكاه عن ابن عمر، وابن عباس، وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، ويحيى الأنصاري، والزهري، ومالك، والأوزاعي، وأحمد، وإسحق , وحكاه المحاملي عن أبي بكر الصديق، وعمر، وعلي، وزيد بن ثابت، وعائشة رضي الله عنهم , وحكاه العبدري أيضا عن الليث، وأبي يوسف، وداود" انتهى. "المجموع" (5/24-25) . ثانياً: أما الأحاديث المرفوعة المخالفة لما سبق، فمنها: الحديث الذي ذكره السائل، وقد ضعفه كثير من العلماء لما يلي: 1- فيه: عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان: قال الإمام أحمد: أحاديثه مناكير، وقال مرة: لم يكن بالقوي في الحديث، وقال ابن معين في رواية: ضعيف، وقال النسائي: ضعيف. وقد وثقه أبو حاتم، وقال عنه ابن معين: ليس به بأس. انظر "تهذيب التهذيب" (6/151) . 2- وفيه: أبو عائشة - جليس أبي هريرة -: مجهول لا تعرف حاله، قاله ابن حزم، وابن القطان، والذهبي، كما في " بيان الوهم " (5/44) ، و " ميزان الاعتدال " (4/543) 3- مخالفة هذه الرواية لما هو أشهر وأوثق، أن أبا موسى وحذيفة إنما ذكرا التكبير للعيد أربعا عن ابن مسعود، ولم ينقلاه عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال البيهقي رحمه الله: "قد خولف راوي هذا الحديث في موضعين: أحدهما: في رفع. والآخر: في جواب أبي موسى. والمشهور في هذه القصة أنهم أسندوا أمرهم إلى ابن مسعود، فأفتاه ابن مسعود بذلك، ولم يسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم. كذلك رواه أبو إسحاق السبيعي، عن عبد الله بن موسى، أو بن أبي موسى، أن سعيد بن العاص أرسل إلى ابن مسعود وحذيفة وأبي موسى فسألهم عن التكبير في العيد، فأسندوا أمرهم إلى ابن مسعود، فقال: تكبر أربعا قبل القراءة ثم تقرأ، فإذا فرغت كبرت فركعت، ثم تقوم في الثانية فتقرأ، فإذا فرغت كبرت أربعا. وعبد الرحمن: هو ابن ثابت بن ثوبان: ضعفه يحيى بن معين، قال: وكان رجلا صالحا. ورواه النعمان بن المنذر عن مكحول عن رسول أبي موسى وحذيفة عنهما عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يسم الرسول، وقال: سوى تكبيرة الافتتاح والركوع " انتهى. "السنن الكبرى" (3/289) . وقال الخطابي: "روى أبو داود في هذا الباب حديثا ضعيفا – فذكره -" انتهى. "معالم السنن" (1/251) . وقال ابن حزم رحمه الله: "لا يصح" انتهى. "المحلى" (5/84) . وقال ابن قدامة رحمه الله: "ضعيف" انتهى. "المغني" (3/270) . وقال النووي رحمه الله: "حديث ضعيف" انتهى. "المجموع" (5/25) . وضعفه ابن عبد الهادي في "تنقيح التحقيق" (2/93) . حديث آخر: عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عِيدٍ , فَكَبَّرَ أَرْبَعًا , وَأَرْبَعًا , ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ حِينَ انْصَرَفَ , قَالَ: لَا تَنْسَوْا , كَتَكْبِيرِ الْجَنَائِزِ , وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ , وَقَبَضَ إِبْهَامَهُ) رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (4/345) قال: علي بن عبد الرحمن ويحيى بن عثمان قد حدثانا , قالا: ثنا عبد الله بن يوسف، عن يحيى بن حمزة قال: حدثني الوضين بن عطاء، أن القاسم أبا عبد الرحمن حدثه , قال: حدثني بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. ثم قال الطحاوي رحمه الله: "فهذا حديث حسن الإسناد، وعبد الله بن يوسف , ويحيى بن حمزة , والوضين والقاسم: كلهم أهل رواية , معروفون بصحة الرواية ليس كمن روينا عنه الآثار الأول فإن كان هذا الباب من طريق صحة الإسناد , يؤخذ , فإن هذا أولى أن يؤخذ به , مما خالفه" انتهى. ووافقه الألباني رحمه الله في "السلسلة الصحيحة" (2997) . إلا أن الوضين بن عطاء، فهو وإن قال عنه ابن معين وأحمد: لا بأس به، فقد تكلم فيه بعض أهل العلم، فعن الوليد بن مسلم أنه قال فيه: كان صاحب خطب، ولم يكن في الحديث بذاك. وقال محمد بن سعد: كان ضعيفا في الحديث. وقال الجوزجانى: واهي الحديث. وقال أبو حاتم: تعرف وتنكر. وقال إبراهيم بن إسحاق الحربى: غيره أوثق منه. وقال عبد الباقى بن قانع: ضعيف. انظر: "تهذيب التهذيب" (11/121) . وعلى هذا، فالأحاديث التي فيها التكبير سبع في الأولى، وخمس في الثانية أكثر وأصح، فهي أولى بالتقديم، لا سيما وجمهور الصحابة والفقهاء على العمل بها. قال البيهقي رحمه الله: "والحديث المسند، مع ما عليه من عمل المسلمين أولى أن يتبع" انتهى. "السنن الكبرى" (3/291) . وقال النووي رحمه الله: "رواة ما ذهبنا إليه أكثر، وأحفظ، وأوثق، مع أن معهم زيادة، والله أعلم" انتهى. "المجموع" (5/25) . وقد سبق قول الإمام البخاري رحمه الله عن حديث التكبير سبعا في الأولى وخمسا في الثانية: إنه أصح شيء في هذا الباب. ثالثاً: ثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يكبر في الأولى أربعاً وفي الثانية أربعاً، وورد عن غيره من الصحابة غير ذلك. انظر: "مصنف ابن أبي شيبة" (2/78 – 81) . وعليه؛ فهذه المسألة من المسائل الاجتهادية، التي يعمل فيها كل مسلم بما يراه راجحاً، ولا ينكر على من يخالفه. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "لو أنه خالف فجعلها خمساً في الأولى والثانية، أو سبعاً في الأولى والثانية، حسب ما ورد عن الصحابة، فقد قال الإمام أحمد رحمه الله: اختلف أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم في التكبير، وكله جائز، أي: أن الإمام أحمد يرى أن الأمر في هذا واسع، وأن الإنسان لو كبّر على غير هذا الوجه مما جاء عن الصحابة، فإنه لا بأس به، وهذه جادة مذهب الإمام أحمد نفسه رحمه الله، أنه يرى أن السلف إذا اختلفوا في شيء، وليس هناك نص فاصل قاطع، فإنه كله يكون جائزاً؛ لأنه رحمه الله يعظم كلام الصحابة ويحترمه، فيقول: إذا لم يكن هناك نص فاصل يمنع من أحد الأقوال فإن الأمر في هذا واسع. ولا شك أن هذا الذي نحا إليه الإمام أحمد من أفضل ما يكون لجمع الأمة واتفاق كلمتها؛ لأن من الناس من يجعل الاختلاف في الرأي الذي يسوغ فيه الاجتهاد سبباً للفرقة والشتات، حتى إنه ليضلل أخاه بأمر قد يكون فيه هو الضال، وهذا من المحنة التي انتشرت في هذا العصر على ما في هذا العصر من التفاؤل الطيب في هذه اليقظة من الشباب خاصة، فإنه ربما تفسد هذه اليقظة، وتعود إلى سبات عميق بسبب هذا التفرق، وأن كل واحد منهم إذا خالفه أخوه في مسألة اجتهادية ليس فيها نص قاطع ذهب ينفر عنه ويسبّه ويتكلم فيه، وهذه محنة أفرح من يفرح بها أعداء هذه اليقظة؛ لأنهم يقولون: سقينا بدعوة غيرنا، جعل الله بأسهم بينهم، حتى أصبح بعض الناس يبغض أخاه في الدين، أكثر مما يبغض الفاسق والعياذ بالله، وهذا لا شك أنه ضرر، وينبغي لطلبة العلم أن يدركوا ضرر هذا علينا جميعاً، وهل جاءك وحي من الله أن قولك هو الصواب؟ وإذا لم يأته وحي أن قوله هو الصواب، فما الذي يدريه؟ لعل قول صاحبه هو الصواب، وهو على ضلال، هذا هو الواقع، والآن ليس أحد من الناس يأتيه الوحي، فالكتاب والسنّة بين أيدينا، وإذا كان الأمر قابلاً للاجتهاد، فليعذر أحدنا أخاه فيما اجتهد فيه. ولا بأس من النقاش المفيد الهادئ بين الإخوة، وأُفضِّل أن يكون النقاش بين المختلفين في غير حضور الآخرين؛ لأن الآخرين قد يحملون في نفوسهم من هذا النقاش ما لا يحمله المتناقشان، فربما يؤول الأمر بينهما إلى الاتفاق، لكن الآخرين الذين حضروا مثلاً قد يكون في قلوبهم شيء يحمل حتى بعد اتفاق هؤلاء، فيجري الشيطان بينهم بالعداوة، وحينئذٍ نبقى في بلائنا. فأقول: جزى الله الإمام أحمد خيراً على هذه الطريقة الحسنة: (أن السلف إذا اختلفوا في شيء، وليس هناك نص فاصل، فإن الأمر يكون واسعاً كله جائز) " انتهى. "الشرح الممتع" (5/136-138) . وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم: (36491) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 138423 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2028 إذا فاتته ركعة من صلاة العيد أو الاستسقاء فكيف يصليها؟ [السُّؤَالُ] ـ[ماذا يجب العمل على من فاته بعض من صلاة الاستسقاء أو العيد، كمن لحق بالركعة الثانية، أو فاته الركوع أو السجود بهذه الصلوات؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصحيح من أقوال أهل العلم أن ما يدركه المسبوق مع الإمام هو أول صلاته، وما يأتي به منفردا هو آخر صلاته، وهو مذهب الشافعي رحمه الله، ورواية عن أحمد رحمه الله، وينظر: "المجموع" للنووي (4/420) . والحجة في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا سَمِعْتُمْ الْإِقَامَةَ فَامْشُوا إِلَى الصَّلَاةِ وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ، وَلَا تُسْرِعُوا، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا) رواه البخاري (636) ومسلم (602) . ومعنى أتموا: أكملوا. كما في "فتح الباري" (2 /118) ، وهذا معناه أن ما أدركه المسبوق مع الإمام هو أول صلاته. وينظر جواب السؤال رقم (49037) . ولا فرق في ذلك بين الصلوات المكتوبات أو صلاة العيد أو الاستسقاء أو غيرها، فلو أدرك المأموم ركعة من العيد، كانت هي الأولى في حقه، ثم يقوم بعد سلام الإمام فيأتي بالركعة الثانية، فيكبر في أولها خمس تكبيرات؛ لأنها الركعة الثانية في حقه. وإذا أدرك ركعة من الاستسقاء، قام كذلك فأتى بركعة يكبر في أولها خمس تكبيرات؛ لأنها الركعة الثانية في حقه. وإذا أدرك السجود من الركعة الثانية أو أدرك التشهد الأخير، قام فأتى بركعتين يكبر في الأولى سبعاً أو ستاً بعد تكبيرة الإحرام، ويكبر في الثانية خمساً غير تكبيرة القيام. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 138046 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2029 حكم النداء بـ صلاة العيد أثابكم الله [السُّؤَالُ] ـ[أحيانا يقولون: " صلاة العيد أثابكم الله " قبل الصلاة , ماذا يفعل المرء إذا أصروا على هذه الأشياء , هل يصلي في بيته؟ جزاكم الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: اتفق الفقهاء على عدم مشروعية الأذان والإقامة لصلاة العيد. وفي صحيح مسلم (886) أن ابْنُ جُرَيْجٍ قال: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ قَالَا: (لَمْ يَكُنْ يُؤَذَّنُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَلَا يَوْمَ الْأَضْحَى) . قال ابن جريج: ثُمَّ سَأَلْتُهُ ـ يعني: عطاءً ـ بَعْدَ حِينٍ عَنْ ذَلِكَ، فَأَخْبَرَنِي قَالَ: أَخْبَرَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ: (أَنْ لَا أَذَانَ لِلصَّلَاةِ يَوْمَ الْفِطْرِ حِينَ يَخْرُجُ الْإِمَامُ، وَلَا بَعْدَ مَا يَخْرُجُ، وَلَا إِقَامَةَ وَلَا نِدَاءَ وَلَا شَيْءَ؛ لَا نِدَاءَ يَوْمَئِذٍ وَلَا إِقَامَةَ) . واختلفوا في النداء لها بكلام آخر كقولهم " الصلاة جامعة "، أو " صلاة العيد يرحمكم الله " ونحو ذلك، على قولين: القول الأول: المنع، قالوا فلا ينادى لها بشيء، لا يقال: " الصلاة جامعة "، ولا غير ذلك، وهو أحد القولين في مذهب المالكية والحنابلة. قال ابن قدامة رحمه الله: " عن عطاء , قال: أخبرني جابر أن لا أذان يوم الفطر حين يخرج الإمام , ولا بعد ما يخرج الإمام , ولا إقامة , ولا نداء ولا شيء , لا نداء يومئذ ولا إقامة. رواه مسلم وقال بعض أصحابنا: ينادى لها: الصلاة جامعة. وهو قول الشافعي. وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع " انتهى. " المغني " (2/117) وقال الحطاب المالكي رحمه الله: " (ولا ينادي الصلاة جامعة) قال ابن ناجي في شرح الرسالة الذي تلقيناه من شيوخنا: إن مثل هذا اللفظ بدعة لعدم وروده انتهى. وقال الشيخ يوسف بن عمر ولا بأس أن يقول: الصلاة جامعة وإن كانت بدعة. وفي " التوضيح " و " الشامل " و " الجزولي " أنه ينادي: " الصلاة جامعة " " انتهى. " مواهب الجليل شرح مختصر خليل " (2/191) وقال ابن عليش المالكي رحمه الله: " (ولا ينادَى) لفعلها بنحو قول (الصلاة جامعة) أي: يُكره، أو يُخالف الأولى لعدم ورود ذلك فيها، وبالكراهة صرح في " التوضيح " و " الشامل " و " الجزولي وصرح ابن ناجي وابن عمر وغيرهما بأنه بدعة. وما ذكره الخرشي من أنه جائز غير صواب، وما ذكره من أن الحديث ورد بذلك فيها فهو مردود بأنه لم يرد في العيد , وإنما ورد في الكسوف كما في " التوضيح " و " المواق " وغيرهما عن " الإكمال ". وقياس العيد على الكسوف لا يصح لتكرر العيد وشهرته وندور الكسوف. نعم نقل " المواق " أول باب الأذان أن " عياضا " استحسن أن يقال عند كل صلاة لا يؤذن لها: " الصلاة جامعة " لكن المصنف لم يعرج عليه. " انتهى. " منح الجليل شرح مختصر خليل " (1/460) وجاء في " فتاوى اللجنة الدائمة ": " إذا قام الإمام لصلاة العيد فإنه يبدأ بتكبيرة الإحرام، ولا يقول للناس قبلها: الصلاة جامعة، ولا صلاة العيد، ولا غير ذلك من الألفاظ؛ لعدم ورود ما يدل عليه، وإنما ينادى بـ: " الصلاة جامعة " في كسوف الشمس، وخسوف والقمر " انتهى. (8/314) وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وقال بعض العلماء؛ وهو المذهب: إنه ينادى للاستسقاء، والعيدين: " الصلاة جامعة " لكن هذا القول ليس بصحيح، ولا يصح قياسهما على الكسوف لوجهين: الوجه الأول: أن الكسوف يقع بغتة، خصوصاً في الزمن الأول لما كان الناس لا يدرون عنه إلا إذا وقع. الوجه الثاني: أن الاستسقاء والعيدين لم يكن النبي صلّى الله عليه وسلّم ينادي لهما؛ وكل شيء وجد سببه في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم ولم يفعله: ففعله بدعة؛ لأنه ليس هناك مانع يمنع الرسول صلّى الله عليه وسلّم من النداء، ولو كان هذا السبب يشرع له النداء لأمر المنادي أن ينادي لها. فالصواب: أن العيدين والاستسقاء لا ينادى لهما " انتهى. " الشرح الممتع " (5/199) . وهو اختيار الشيخ السعدي رحمه الله، كما في " المختارات الجلية " (ص/53) وقد سبق اختيار هذا القول، وتأييده بالنقول عن أهل العلم في جواب السؤال رقم: (48972) القول الثاني: مشروعية النداء بقولهم: " الصلاة جامعة "، أو " الصلاة يرحمكم الله "، ونحو ذلك من الكلمات التي تشعر بإقامة الصلاة. وهو قول الحنفية كما في " العناية شرح الهداية " (1/424) ، وقول الشافعية، والصحيح عند الحنابلة، ومذهب الظاهرية كما في " المحلى " (2/178) . قال النووي رحمه الله: " قال الشافعي والأصحاب: ويستحب أن يقال: الصلاة جامعة ; لما ذكرناه من القياس على الكسوف قال الشافعي في الأم: وأحب أن يأمر الإمام المؤذن أن يقول في الأعياد , وما جمع الناس من الصلاة: " الصلاة جامعة " أو " الصلاة " قال: وإن قال: " هلم إلى الصلاة " لم نكرهه وإن قال: " ح على الصلاة " فلا بأس، وإن كنت أحب أن يتوقى ذلك لأنه من كلام الأذان، وأحب أن يتوقى جميع كلام الأذان " انتهى. " المجموع " (5/20) وقال البهوتي الحنبلي رحمه الله: " (وينادى لعيد وكسوف واستسقاء: الصلاة جامعة , أو الصلاة) قال في الفروع: وينادى لكسوف لأنه في الصحيحين , واستسقاء، وعيد: " الصلاة جامعة " أو " الصلاة ". وقيل: لا ينادى. وقيل: لا ينادى في عيد كجنازة وتراويح على الأصح فيهما، قال ابن عباس وجابر: (لم يكن يؤذن يوم الفطر حين خروج الإمام، ولا بعد ما يخرج , ولا إقامة، ولا نداء، ولا شيء) متفق عليه." انتهى. " كشاف القناع " (1/233) ، وانظر " الإنصاف " (1/428) ، وقال في (2/459) : هذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب. والراجح كما سبق ذكره هو القول الأول، أنه لا ينادى لصلاة العيد بشيء، فإن وقع ذلك فلا حرج على الحاضر، فهو قول معتبر لدى الفقهاء، ولا ينبغي أن يتسبب مثل ذلك في شقاق أو تدابر بين المصلين، خاصة في مثل ذلك اليوم؛ بل إن أمكنه أن يرشده القائمين على ذلك باللين والحسنى إلى ما هو الثابت في السنة، فبها ونعمت، وإلا حضر الصلاة معهم، ولا شيء عليه إن شاء الله. على أننا ننبه أن من أراد أن يعلم غيره السنة في ذلك، أو يدل على الصواب: فليكن ذلك قبل اجتماع الناس للصلاة، وأما إذا حضر الناس، فيصعب حينئذ أن يكون النصح والإرشاد هادئا ومفيدا، ولا يؤمن أن يترتب عليه ما يثير التباغض والتدابر، بل ما هو أكثر من ذلك. نسأل الله أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه من القول والعمل، وأن يجنبنا وإياكم الفتن، ما ظهر منها وما بطن. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 122337 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2030 حكم من أدرك التشهد مع الإمام في صلاة العيد أو الاستسقاء [السُّؤَالُ] ـ[السؤال: ما حكم من أدرك التشهد مع المصلين في صلاة العيدين، وصلاة الاستسقاء، هل يصلي ركعتين ويفعل كما فعل الإمام أم ماذا يعمل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " من أدرك التشهد فقط مع الإمام من صلاة العيدين، أو صلاة الاستسقاء، صلى بعد سلام الإمام ركعتين يفعل فيهما كما فعل الإمام من تكبير وقراءة وركوع وسجود. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان. "فتاوى اللجنة الدائمة" (8/307) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118864 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2031 ما يشرع لمن أتى مصلى العيد [السُّؤَالُ] ـ[لاحظت أن بعض الناس عندما يأتي لصلاة العيد يصلي ركعتين، وبعضهم يشتغل بالتكبير (الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر ولله الحمد) أرجو توضيح حكم الشرع في هذه الأمور، وهل هناك فرق بين كون الصلاة في المسجد أو في مصلى العيد؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله السنة لمن أتى مصلى العيد لصلاة العيد، أو الاستسقاء أن يجلس ولا يصلي تحية المسجد، لأن ذلك لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله عنهم فيما نعلم إلا إذا كانت الصلاة في المسجد فإنه يصلي تحية المسجد، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) متفق على صحته. والمشروع لمن جلس ينتظر صلاة العيد أن يكثر من التهليل والتكبير، لأن ذلك هو شعار ذلك اليوم، وهو السنة للجميع في المسجد وخارجه حتى تنتهي الخطبة. ومن اشتغل بقراءة القرآن فلا بأس. والله ولي التوفيق. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - م/13 ص/13. الحديث: 9464 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2032 هديه صلى الله عليه وسلم في صلاة العيدين [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أعرف هدي النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة العيدين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي العيدين في المصلى، ولم يثبت عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه صلى العيد في مسجده. قَالَ الشَّافِعِيّ فِي الأُمّ: بَلَغَنَا أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْرُج فِي الْعِيدَيْنِ إِلَى الْمُصَلَّى بِالْمَدِينَةِ وَهَكَذَا مَنْ بَعْده إِلا مِنْ عُذْر مَطَر وَنَحْوه , وَكَذَا عَامَّة أَهْل الْبُلْدَان إِلا أَهْل مَكَّة. اِنْتَهَى. وكان يلبس للخروج إليهما أجمل ثيابه، فكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له حُلَّة يلبسها للعيدين والجمعة. (والحُلَّة ثوبان من جنس واحد) . وكان يأكل قبل خروجه في عيد الفطر تمرات، ويأكلهن وترا. روى البخاري (953) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ، وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا. وَقَالَ اِبْنُ قُدَامَةَ: لا نَعْلَمُ فِي اِسْتِحْبَابِ تَعْجِيلِ الأَكْلِ يَوْمَ الْفِطْرِ اِخْتِلافًا. اِنْتَهَى. والْحِكْمَةُ فِي الأَكْلِ قَبْلَ الصَّلاةِ أَنْ لا يَظُنَّ ظَانٌّ لُزُومَ الصَّوْمِ حَتَّى يُصَلِّيَ الْعِيدَ. وقيل: مُبَادَرَةً إِلَى اِمْتِثَالِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بوجوب الفطر بعد وجوب الصوم. فإن لم يجد المسلم تمراً أفطر على غيره ولو على ماء، حتى يحصل له أصل السنة. وهي الإفطار قبل صلاة عيد الفطر. وأما في عيد الأضحى فكان لا يطعم حتى يرجع من المصلى فيأكل من أضحيته. وروي عنه أنه كان يغتسل للعيدين، قال ابن القيم: فيه حديثان ضعيفان. . ولكن ثبت عن ابن عمر مع شدة اتباعه للسنة أنه كان يغتسل يوم العيد قبل خروجه اهـ. وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخرج إلى صلاة العيد ماشيا، ويرجع ماشياً. روى ابن ماجه (1295) عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ إِلَى الْعِيدِ، مَاشِيًا وَيَرْجِعُ مَاشِيًا. حسنه الألباني في صحيح ابن ماجه. وروى الترمذي (530) عن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: مِنْ السُّنَّةِ أَنْ تَخْرُجَ إِلَى الْعِيدِ مَاشِيًا. حسنه الألباني في صحيح الترمذي. قَالَ الترمذي: وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَخْرُجَ الرَّجُلُ إِلَى الْعِيدِ مَاشِيًا. . . وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لا يَرْكَبَ إِلا مِنْ عُذْرٍ. وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا انتهى إلى المصلى أخذ في الصلاة من غير أذان ولا إقامة ولا قول الصلاة جامعة، والسنة أنه لا يُفعل شيءٌ من ذلك. ولم يكن يصلي في المصلى قبل صلاة العيد أو بعدها شيئاً. وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبدأ بالصلاة قبل الخطبة، فيصلي ركعتين يكبر في الأولى سبع تكبيرات متوالية بتكبيرة الإحرام أو غيرها، يسكت بين كل تكبيرتين سكتة يسيرة ولم يحفظ عنه ذكر معين بين التكبيرات، ولكن ذُكر عن ابن مسعود أنه قال: يحمد الله، ويثني عليه، ويصلي على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان ابن عمر مع تحريه لاتباع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرفع يديه مع كل تكبيرة. وكان إذا أتم التكبير أخذ في القراءة فقرأ فاتحة الكتاب ثم قرأ بعدها (ق والقرآن المجيد) في إحدى الركعتين، وفي الأخرى (اقتربت الساعة وانشق القمر) ، وربما قرأ فيهما (سبح اسم ربك الأعلى) و (هل أتاك حديث الغاشية) صح عنه هذا وهذا، ولم يصح عنه غير ذلك، فإذا فرغ من القراءة كبر وركع ثم إذا أكمل الركعة وقام من السجود، وكبر خمسا متوالية، فإذا أكمل التكبير أخذ في القراءة، فيكون التكبير أول ما يبدأ به في الركعتين، والقراءة يليها الركوع. وقد روى الترمذي من حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده أن رسول الله كبر في العيدين في الأولى سبعا قبل القراءة، وفي الآخرة خمسا قبل القراءة. قال الترمذي: سألت محمدا -يعني: البخاري- عن هذا الحديث فقال: ليس في الباب شيء أصح من هذا، وبه أقول اهـ. وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أكمل الصلاة انصرف، فقام مقابل الناس، والناس جلوس على صفوفهم، فيعظهم ويوصيهم، ويأمرهم وينهاهم، وإن كان يريد أن يبعث بعثا بعثه، أو يأمر بشيء أمر به. ولم يكن هنالك منبر يرقى عليه، ولم يكن يخرج منبر المدينة، وإنما كان يخطبهم قائما على الأرض قال جابر: شهدت مع رسول الله الصلاة يوم العيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بلا أذان ولا إقامة ثم قام متوكئا على بلال فأمر بتقوى الله وحث على طاعته ووعظ الناس وذكرهم ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن. متفق عليه. وقال أبو سعيد الخدري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كان النبي يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، فأول ما يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس والناس جلوس على صفوفهم. . الحديث رواه مسلم. وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفتتح خطبه كلها بالحمد لله، ولم يحفظ عنه في حديث واحد أنه كان يفتتح خطبتي العيدين بالتكبير. وإنما روى ابن ماجه في سننه (1287) عن سَعْدٍ القَرَظ مُؤَذِّنِ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَبِّرُ بَيْنَ أَضْعَافِ الْخُطْبَةِ يُكْثِرُ التَّكْبِيرَ فِي خُطْبَةِ الْعِيدَيْنِ) . ضعفه الألباني في ضعيف ابن ماجه. ومع ضعف الحديث فإنه لا يدل على أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يفتتح خطبة العيد بالتكبير. وقال في تمام المنة: "ومع أنه لا يدل على مشروعية افتتاح خطبة العيد بالتكبير، فإن إسناده ضعيف، فيه رجل ضعيف وآخر مجهول، فلا يجوز الاحتجاج به على سنية التكبير في أثناء الخطبة" اهـ. قال ابن القيم: "وقد اختلف الناس في افتتاح خطبة العيدين والاستسقاء فقيل يفتتحان بالتكبير وقيل تفتتح خطبة الاستسقاء بالاستغفار وقيل يفتتحان بالحمد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وهو الصواب. . وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفتتح خطبه كلها بالحمد لله اهـ. ورخص النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمن شهد العيد أن يجلس للخطبة، أو أن يذهب. روى أبو داود (1155) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِيدَ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلاةَ قَالَ: (إِنَّا نَخْطُبُ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَجْلِسَ لِلْخُطْبَةِ فَلْيَجْلِسْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَذْهَبَ فَلْيَذْهَبْ) . صححه الألباني في صحيح أبي داود. وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخالف الطريق يوم العيد، فيذهب في طريق ويرجع في آخر. روى البخاري (986) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49020 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2033 أحكام العيد والسنن التي فيه [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أعرف بعض السنن والأحكام التي تفعل في العيد.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله جعل الله في العيد أحكاماً متعددة، منها: أولاً: استحباب التكبير في ليلة العيد من غروب الشمس آخر يوم من رمضان إلى حضور الإمام للصلاة، وصيغة التكبير: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد. أو يكبر ثلاثاً فيقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد. وكل ذلك جائز. وينبغي أن يرفع الإنسان صوته بهذا الذكر في الأسواق والمساجد والبيوت، ولا ترفع النساء أصواتهن بذلك. ثانياً: يأكل تمرات وتراً قبل الخروج للعيد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات وتراً، ويقتصر على وتر كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم. ثالثاً: يلبس أحسن ثيابه، وهذا للرجال، أما النساء فلا تلبس الثياب الجميلة عند خروجها إلى مصلى العيد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وليخرجن تَفِلات) أي في ثياب عادية ليست ثياب تبرج، ويحرم عليها أن تخرج متطيبة متبرجة. رابعاً: استحب بعض العلماء أن يغتسل الإنسان لصلاة العيد؛ لأن ذلك مروي عن بعض السلف، والغسل للعيد مستحب، كما شرع للجمعة لاجتماع الناس، ولو اغتسل الإنسان لكان ذلك جيداً. خامساً: صلاة العيد. وقد أجمع المسلمون على مشروعية صلاة العيد، ومنهم من قال: هي سنة. ومنهم من قال: فرض كفاية. وبعضهم قال: فرض عين ومن تركها أثم، واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر حتى ذوات الخدور والعواتق ومن لا عادة لهن بالخروج أن يحضرن مصلى العيد، إلا أن الحيض يعتزلن المصلى، لأن الحائض لا يجوز أن تمكث في المسجد، وإن كان يجوز أن تمر بالمسجد لكن لا تمكث فيه. والذي يترجح لي من الأدلة أنها فرض عين، وأنه يجب على كل ذكر أن يحضر صلاة العيد إلا من كان له عذر، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. ويقرأ الإمام في الركعة الأولى (سبح اسم ربك الأعلى) وفي الثانية (هل أتاك حديث الغاشية) أو يقرأ سورة (ق) في الأولى، وسورة القمر في الثانية، وكلاهما صح به الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. سادساً: إذا اجتمعت الجمعة والعيد في يوم واحد، فتقام صلاة العيد، وتقام كذلك صلاة الجمعة، كما يدل عليه ظاهر حديث النعمان بن بشير الذي رواه مسلم في صحيحه، ولكن من حضر مع الإمام صلاة العيد إن شاء فليحضر الجمعة، وإن شاء فليصل ظهراً. سابعاً: ومن أحكام صلاة العيد أنه عند كثير من أهل العلم أن الإنسان إذا جاء إلى مصلى العيد قبل حضور الإمام فإنه يجلس ولا يصلي ركعتين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى العيد ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما. وذهب بعض أهل العلم إلى أنه إذا جاء فلا يجلس حتى يصلي ركعتين؛ لأن مصلى العيد مسجد، بدليل منع الحيض منه، فثبت له حكم المسجد، فدل على أنه مسجد، وعلى هذا فيدخل في عموم قوله عليه الصلاة والسلام: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) . وأما عدم صلاته صلى الله عليه وسلم قبلها وبعدها فلأنه إذا حضر بدأ بصلاة العيد. إذن يثبت لمصلى العيد تحية المسجد كما تثبت لسائر المساجد، ولأننا لو أخذنا من الحديث أن مسجد العيد ليس له تحية لقلنا: ليس لمسجد الجمعة تحية؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا حضر مسجد الجمعة يخطب ثم يصلي ركعتين، ثم ينصرف ويصلي راتبة الجمعة في بيته، فلم يصل قبلها ولا بعدها. والذي يترجح عندي أن مسجد العيد تصلى فيه ركعتان تحية المسجد، ومع ذلك لا ينكر بعضنا على بعض في هذه المسألة؛ لأنها مسألة خلافية، ولا ينبغي الإنكار في مسائل الخلاف إلا إذا كان النص واضحاً كل الوضوح، فمن صلى لا ننكر عليه، ومن جلس لا ننكر عليه. ثامناً: من أحكام يوم العيد ـ عيد الفطر ـ أنه تفرض فيه زكاة الفطر، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تخرج قبل صلاة العيد، ويجوز إخراجها قبل ذلك بيوم أو يومين لحديث ابن عمر رضي الله عنهما عند البخاري: (وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين) ، وإذا أخرجها بعد صلاة العيد فلا تجزئه عن صدقة الفطر لحديث ابن عباس: (من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات) ، فيحرم على الإنسان أن يؤخر زكاة الفطر عن صلاة العيد، فإن أخرها بلا عذر فهي زكاة غير مقبولة، وإن كان بعذر كمن في السفر وليس عنده ما يخرجه أو من يخرج إليه، أو من اعتمد على أهله أن يخرجوها واعتمدوا هم عليه، فذلك يخرجها متى تيسر له ذلك، وإن كان بعد الصلاة ولا إثم عليه؛ لأنه معذور. تاسعاً: يهنىء الناس بعضهم بعضاً، ولكن يحدث من المحظورات في ذلك ما يحدث من كثير من الناس، حيث يدخل الرجال البيوت يصافحون النساء سافرات بدون وجود محارم. وهذه منكرات بعضها فوق بعض. ونجد بعض الناس ينفرون ممن يمتنع عن مصافحة من ليست محرماً له، وهم الظالمون وليس هو الظالم، والقطيعة منهم وليست منه، ولكن يجب عليه أن يبين لهم ويرشدهم إلى سؤال الثقات من أهل العلم للتثبت، ويرشدهم أن لا يغضبوا لمجرد اتباع عادات الاباء والأجداد؛ لأنها لا تحرم حلالاً، ولا تحلل حراماً، ويبين لهم أنهم إذا فعلوا ذلك كانوا كمن حكى الله قولهم: (وَكَذَلِكَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِى قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا وَجَدْنَآءَابَآءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىءَاثَارِهِم مُّقْتَدُونَ) . ويعتاد بعض الناس الخروج إلى المقابر يوم العيد يهنئون أصحاب القبور، وليس أصحاب القبور في حاجة لتهنئة، فهم ما صاموا ولا قاموا. وزيارة المقبرة لا تختص بيوم العيد، أو الجمعة، أو أي يوم، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم زار المقبرة في الليل، كما في حديث عائشة عند مسلم. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (زوروا القبور فإنها تذكركم الاخرة) . وزيارة القبور من العبادات، والعبادات لا تكون مشروعة حتى توافق الشرع. ولم يخصص النبي صلى الله عليه وسلم يوم العيد بزيارة القبور، فلا ينبغي أن يخصص بها. عاشراً: ومما يفعل يوم العيد معانقة الرجال بعضهم لبعض، وهذا لا حرج فيه. الحادي عشر: ويشرع لمن خرج لصلاة العيد أن يخرج من طريق ويرجع من آخر اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تسن هذه السنة في غيرها من الصلوات، لا الجمعة ولا غيرها، بل تختص بالعيد. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (16/216-223) باختصار. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49014 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2034 الدعاء في صلاة العيد [السُّؤَالُ] ـ[ما هو الدعاء في صلاة العيد؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا نعلم دعاء خاصاً يشرع للمسلمين في صلاة العيد أو يومه، ولكن يشرع للمسلمين التكبير والتسبيح والتهليل والتحميد في ليلتي العيدين، وصباح يومهما، إلى انتهاء الخطبة من يوم عيد الفطر، وإلى انتهاء أيام التشريق يوم عيد النحر، كما شرع ذلك في أيام العشر الأول من شهر ذي الحجة؛ لقول الله سبحانه في عيد الفطر: (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ماهداكم) البقرة / 185. ولأحاديث وآثار وردت في ذلك. وبالله التوفيق [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (8/302) الحديث: 26991 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2035 الرد على من قال إن المرأة لا تصلي العيد في المسجد [السُّؤَالُ] ـ[لماذا لا يحق للمرأة الذهاب للمسجد لأداء صلاة العيد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من قال إن المرأة لا تصلي العيد في المسجد، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر النساء بالخروج إلى صلاة العيد، فعن أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: (كُنَّا نُؤْمَرُ أَنْ نَخْرُجَ يَوْمَ الْعِيدِ حَتَّى نُخْرِجَ الْبِكْرَ مِنْ خِدْرِهَا حَتَّى نُخْرِجَ الْحُيَّضَ فَيَكُنَّ خَلْفَ النَّاسِ فَيُكَبِّرْنَ بِتَكْبِيرِهِمْ وَيَدْعُونَ بِدُعَائِهِمْ يَرْجُونَ بَرَكَةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَطُهْرَتَهُ) رواه البخاري (الجمعة/918) ، ولكن إذا كانت المرأة حائضاً فإنها تعتزل المصلى ولا تدخله، وتشهد الخير ودعوة المسلمين، وتستمع إلى الخطبة من خارج المصلى. وعليها أن تجتنب الزينة، وأن تخرج في أطمارها (وهي الثياب القديمة التي لا يكون فيها أي نوع من الزينة في نفسها) حتى لا تفتن الرجال ولا تخرج متعطِّرة. قال عبد الله بن المبارك ... فإن أبت المرأة إلا أن تخرج فليأذن لها زوجها أن تخرج في أطمارها الخلقان ولا تتزين فإن أبت أن تخرج كذلك فللزوج أن يمنعها عن الخروج. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 21615 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2036 الحكمة من مخالفة الطريق في صلاة العيد [السُّؤَالُ] ـ[قرأت أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يذهب إلى صلاة العيد من طريق ويعود من طريق آخر، فما الحكمة من ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله روى البخاري (986) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ. ومعنى مخالفة الطريق أنه يذهب من طريق ويعود من طريق آخر. والمؤمن مطلوب منه الاقتداء بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإن لم يعلم الحكمة من فعله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال الله تعالى: قال الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) الأحزاب/21. قال ابن كثير رحمه الله (3/756) : هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله اهـ. وقد اختلف العلماء في الحكمة من ذلك على أقوال كثيرة. قال الحافظ: وَقَدْ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى أَقْوَال كَثِيرَة اِجْتَمَعَ لِي مِنْهَا أَكْثَر مِنْ عِشْرِينَ , وَقَدْ لَخَّصْتهَا وَبَيَّنْت الْوَاهِي مِنْهَا، قَالَ الْقَاضِي عَبْد الْوَهَّاب الْمَالِكِيّ: ذُكِرَ فِي ذَلِكَ فَوَائِد بَعْضهَا قَرِيب وَأَكْثَرهَا دَعَاوَى فَارِغَة. اِنْتَهَى. فَمِنْ ذَلِكَ: 1- أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِيَشْهَد لَهُ الطَّرِيقَانِ، وَقِيلَ: لِيَشْهَد لَهُ سُكَّانهمَا مِنْ الْجِنّ وَالإِنْس. 2- وَقِيلَ: لِيُسَوَّى بَيْنهمَا فِي مَزِيَّة الْفَضْل بِمُرُورِهِ أَوْ فِي التَّبَرُّك بِهِ. 3- وَقِيلَ لأَنَّ طَرِيقه لِلْمُصَلَّى كَانَتْ عَلَى الْيَمِين فَلَوْ رَجَعَ مِنْهَا لَرَجَعَ عَلَى جِهَة الشِّمَال فَرَجَعَ مِنْ غَيْرهَا. وَهَذَا يَحْتَاج إِلَى دَلِيل. 4- وَقِيلَ: لإِظْهَارِ شِعَائر الإِسْلام فِيهِمَا , وَقِيلَ: لإِظْهَارِ ذِكْر اللَّه. 5- وَقِيلَ: لِيَغِيظَ الْمُنَافِقِينَ أَوْ الْيَهُود. وَقِيلَ: لِيُرْهِبهُمْ بِكَثْرَةِ مَنْ مَعَهُ. وَرَجَّحَهُ اِبْن بَطَّال. 6- وَقِيلَ: حَذَرًا مِنْ كَيْد الطَّائِفَتَيْنِ أَوْ إِحْدَاهُمَا , وَفِيهِ نَظَر. 7- وَقِيلَ: فَعَلَ ذَلِكَ لِيَعُمّهُمْ فِي السُّرُور بِهِ، أَوْ التَّبَرُّك بِمُرُورِهِ وَبِرُؤْيَتِهِ وَالانْتِفَاع بِهِ فِي قَضَاء حَوَائِجهمْ فِي الاسْتِفْتَاء أَوْ التَّعَلُّم وَالاقْتِدَاء وَالاسْتِرْشَاد أَوْ الصَّدَقَة أَوْ السَّلام عَلَيْهِمْ وَغَيْر ذَلِكَ. 8- وَقِيلَ لِيَزُورَ أَقَارِبه ويَصِل رَحِمه. 9- وَقِيلَ: لِيَتَفَاءَل بِتَغَيُّرِ الْحَال إِلَى الْمَغْفِرَة وَالرِّضَا. 10- وَقِيلَ: كَانَ فِي ذَهَابه يَتَصَدَّق فَإِذَا رَجَعَ لَمْ يَبْقَ مَعَهُ شَيْء فَيَرْجِع فِي طَرِيق أُخْرَى لِئَلا يَرُدَّ مَنْ يَسْأَلهُ. وَهَذَا ضَعِيف جِدًّا مَعَ اِحْتِيَاجه إِلَى الدَّلِيل. 11- وَقِيلَ: كَانَ طَرِيقه الَّتِي يَتَوَجَّه مِنْهَا أَبْعَد مِنْ الَّتِي يرجع منهَا، فَأَرَادَ تَكْثِير الأَجْر بِتَكْثِيرِ الْخَطَأ فِي الذَّهَاب، وَأَمَّا فِي الرُّجُوع فَلِيُسْرِع إِلَى مَنْزِله. وَهَذَا اِخْتِيَار الرَّافِعِيّ , وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ يَحْتَاج إِلَى دَلِيل، وَبِأَنَّ أَجْر الْخُطَا يُكْتَب فِي الرُّجُوع أَيْضًا كَمَا ثَبَتَ فِي حَدِيث أُبَيِّ بْن كَعْب عِنْد التِّرْمِذِيّ وَغَيْره. 12- وَقِيلَ: لأَنَّ الْمَلائِكَة تَقِف فِي الطُّرُقَات فَأَرَادَ أَنْ يَشْهَد لَهُ فَرِيقَانِ مِنْهُمْ. اهـ كلام الحافظ باختصار. وذكر ابن القيم في "زد المعاد" (1/449) بعض هذه الحكم ثم قال: وقال ابن القيم: والأصح أنه لذلك كله ولغيره من الحكم التي لا يخلو فعله عنها اهـ. وقال الشيخ ابن عثيمين: فإن قيل: ما الحكمة من مخالفة الطريق؟ فالجواب: المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى ?للَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ ?لْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ ?للَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَـ?لاً مُّبِيناً) . . . فهذه هي الحكمة. . . ثم ذكر بعض الحكم المتقدمة في كلام الحافظ. مجموع فتاوى ابن عثيمين (16/222) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49010 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2037 متى يبدأ التكبير في عيد الفطر ومتى ينتهي؟ [السُّؤَالُ] ـ[متى يبدأ التكبير في عيد الفطر ومتى ينتهي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله في ختام شهر رمضان شرع الله لعباده أن يكبروه، فقال تعالى: (وَلِتُكْمِلُواْ ?لْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ?للَّهَ عَلَى? مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) "تكبروا الله" أي: تعظموه بقلوبكم وألسنتكم، ويكون ذلك بلفظ التكبير. فتقول: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد. أو تكبر ثلاثاً، فتقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله. والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد. كل هذا جائز. وهذا التكبير سنة عند جمهور أهل العلم، وهو سنة للرجال والنساء، في المساجد والبيوت والأسواق. أما الرجال فيجهرون به، وأما النساء فيسررن به بدون جهر؛ لأن المرأة مأمورة بخفض صوتها. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا نابكم شيء في صلاتكم فليسبح الرجال، ولتصفق النساء) . فالنساء يخفين التكبير والرجال يهجرون به. وابتداؤه من غروب الشمس ليلة العيد إذا علم دخول الشهر قبل الغروب كما لو أكمل الناس الشهر ثلاثين يوماً، أو من ثبوت رؤية هلال شوال، وينتهي بالصلاة يعني إذا شرع الناس في صلاة العيد انتهى وقت التكبير. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (16/269-272) . وقال الشافعي في "الأم": قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: فِي شَهْرِ رَمَضَانَ (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ , وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ) فَسَمِعْت مَنْ أَرْضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ يَقُولَ: لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ عِدَّةَ صَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَتُكَبِّرُوا اللَّهُ عِنْدَ إكْمَالِهِ عَلَى مَا هَدَاكُمْ , وَإِكْمَالُهُ مَغِيبُ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ شَهْرِ رَمَضَانَ. ثم قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِذَا رَأَوْا هِلالَ شَوَّالٍ أَحْبَبْتُ أَنْ يُكَبِّرَ النَّاسُ جَمَاعَةً , وَفُرَادَى فِي الْمَسْجِدِ وَالأَسْوَاقِ , وَالطُّرُقِ , وَالْمَنَازِلِ , وَمُسَافِرِينَ , وَمُقِيمِينَ فِي كُلِّ حَالٍ , وَأَيْنَ كَانُوا , وَأَنْ يُظْهِرُوا التَّكْبِيرَ , وَلا يَزَالُونَ يُكَبِّرُونَ حَتَّى يَغْدُوَا إلَى الْمُصَلَّى , وَبَعْدَ الْغُدُوِّ حَتَّى يَخْرُجَ الإِمَامُ لِلصَّلاةِ ثُمَّ يَدَعُوا التَّكْبِيرَ. . ثم روى عن سعيد ابْن الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةَ بْن الزُّبَيْرِ وَأَبي سَلَمَةَ وَأَبي بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أنهم كانوا يُكَبِّرُونَ لَيْلَةَ الْفِطْرِ فِي الْمَسْجِدِ يَجْهَرُونَ بِالتَّكْبِيرِ. وعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُمَا كَانَا يَجْهَرَانِ بِالتَّكْبِيرِ حِينَ يَغْدُوَانِ إلَى الْمُصَلَّى. وعن نَافِع بْن جُبَيْرٍ أنه كان يَجْهَرُ بِالتَّكْبِيرِ حِينَ يَغْدُو إلَى الْمُصَلَّى يَوْمَ الْعِيدِ. وعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَغْدُو إلَى الْمُصَلَّى يَوْمَ الْفِطْرِ إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَيُكَبِّرُ حَتَّى يَأْتِيَ الْمُصَلَّى يَوْمَ الْعِيدِ ثُمَّ يُكَبِّرُ بِالْمُصَلَّى حَتَّى إذَا جَلَسَ الإِمَامُ تَرَكَ التَّكْبِيرَ اهـ باختصار. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 48969 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2038 حكم صلاة العيدين [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم صلاة العيدين؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف العلماء في حكم صلاة العيدين على ثلاثة أقوال: القول الأول: أنها سنة مؤكدة. وهو مذهب الإمامين مالك والشافعي. والقول الثاني: أنها فرض على الكفاية، وهو مذهب الإمام أحمد رحمه الله. القول الثالث: أنها واجبة على كل مسلم، فتجب على كل رجل، ويأثم من تركها من غير عذر. وهو مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله ورواية عن الإمام أحمد. وممن اختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية والشوكاني رحمهما الله. انظر: المجموع (5/5) ، المغني (3/253) ، الإنصاف (5/316) ، الاختيارات (ص 82) . واستدل أصحاب القول الثالث بعدة أدلة، منها: 1- قوله تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) الكوثر/2. قال ابن قدامة في "المغني": المشهور في التفسير أن المراد بذلك صلاة العيد اهـ. وذهب بعض العلماء إلى أن المراد من الآية الصلاة عموماً، وليس خاصة بصلاة العيد، فمعنى الآية: الأمر بإفراد الله تعالى بالصلاة والذبح، فتكون كقوله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الأنعام/162. واختار هذا القول في معنى الآية ابن جرير (12/724) ، وابن كثير (8/502) . فعلى هذا، لا دليل في الآية على وجوب صلاة العيد. 2- أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بالخروج إليها، حتى أمر النساء بالخروج إليها. روى البخاري (324) ومسلم (890) عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَتْ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُخْرِجَهُنَّ فِي الْفِطْرِ وَالأَضْحَى الْعَوَاتِقَ وَالْحُيَّضَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ، فَأَمَّا الْحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الصَّلاةَ وَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِحْدَانَا لا يَكُونُ لَهَا جِلْبَابٌ. قَالَ: لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا. (الْعَوَاتِق) جَمْع عَاتِق وَهِيَ مَنْ بَلَغَتْ الْحُلُم أَوْ قَارَبَتْ , أَوْ اِسْتَحَقَّتْ التَّزْوِيج. (وَذَوَات الْخُدُور) هن الأبكار. والاستدلال بهذا الحديث على وجوب صلاة العيد أقوى من الاستدلال بالآية السابقة. قال الشيخ ابن عثيمين في "مجموع الفتاوى" (16/214) : "الذي أرى أن صلاة العيد فرض عين، وأنه لا يجوز للرجال أن يدعوها، بل عليهم حضورها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها بل أمر النساء العواتق وذوات الخدور أن يخرجن إلى صلاة العيد، بل أمر الحيض أن يخرجن إلى صلاة العيد ولكن يعتزلن المصلى، وهذا يدل على تأكدها" اهـ. وقال أيضاً (16/217) : "والذي يترجح لي من الأدلة أنها فرض عين، وأنه يجب على كل ذكر أن يحضر صلاة العيد إلا من كان له عذر" اهـ. وقال الشيخ ابن باز في "مجموع الفتاوى" (13/7) عن القول بأنها فرض عين، قال: "وهذا القول أظهر في الأدلة، وأقرب إلى الصواب" اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 48983 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2039 صلاة العيد للمرأة سنة [السُّؤَالُ] ـ[هل صلاة العيد واجبة على المرأة، وإن كانت واجبة فهل تصليها في المنزل أو في المصلى؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليست واجبة على المرأة ولكنها سنة في حقها، وتصليها في المصلى مع المسلمين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهن بذلك. ففي الصحيحين وغيرهما عن أم عطية رضي الله عنها قالت: (أُمِرنَا - وفي رواية أمَرَنا؛ تعني النبي صلى الله عليه وسلم - أن نخرج في العيدين العواتق وذوات الخدور، وأمر الحيض أن يعتزلن مصلى المسلمين " رواه البخاري 1/93 ومسلم (890) ، وفي رواية أخرى: (أمرنا أن نخرج ونخرج العواتق وذوات الخدور) ، وفي رواية الترمذي: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُخرج الأبكار والعواتق وذوات الخدور والحيض في العيدين، فأما الحيض فيعتزلن المصلى ويشهدن دعوة المسلمين، قالت إحداهن: يا رسول الله، إن لم يكن لها جلباب، قال: (فلتعرها أختها من جلابيبها) متفق عليه، وفي رواية النسائي: قالت حفصة بنت سيرين: (كانت أم عطية لا تذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قالت: بأبي، فقلت: أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر كذا وكذا؟ قالت نعم بأبي، قال: لتخرج العواتق وذوات الخدور والحيض فيشهدن العيد، ودعوة المسلمين، وليعتزل الحيض المصلى " رواه البخاري 1/84. وبناء على ما سبق يتضح أن خروج النساء لصلاة العيدين سنة مؤكدة، لكن بشرط أن يخرجن متسترات، لا متبرجات كما يعلم ذلك من الأدلة الأخرى. وأما خروج الصبيان المميزين لصلاة العيد والجمعة وغيرهما من الصلوات فهو أمر معروف ومشروع للأدلة الكثيرة في ذلك. وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة (8/284-286) الحديث: 26983 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2040 ما العمل إذا وافق العيد يوم الجمعة [السُّؤَالُ] ـ[إذا جاء عيد الفطر في يوم الجمعة فهل يجوز لي أن أصلي العيد ولا أصلي الجمعة أو العكس؟.]ـ [الْجَوَابُ] إذا وافق يوم العيد يوم الجمعة فإنه من صلى العيد مع الإمام سقط عنه وجوب حضور الجمعة ويبقى في حقه سنة. فإذا لم يحضر الجمعة وجب عليه أن يصلي ظهراً وهذا في حق غير الإمام. أما الإمام فإنه يجب عليه أن يحضر للجمعة ويقيمها بمن حضر معه من المسلمين، ولا تترك صلاة الجمعة نهائياً في هذا اليوم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ صالح بن فوزان الفوزان الحديث: 7857 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2041 هل على الحاج أن يصلي صلاة عيد الأضحى؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل على الحاج أن يصلي صلاة عيد الأضحى؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "ليس على الحجاج صلاة عيد الأضحى، ومن صلاها منهم مع الناس فهو مأجور. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن قعود. فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/69، 70) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109304 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2042 فتوى اللجنة الدائمة فيما إذا وافق يوم العيد يوم الجمعة [السُّؤَالُ] ـ[الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه.. أما بعد: فقد كثر السؤال عما إذا وقع يوم عيد في يوم جمعة فاجتمع العيدان: عيد الفطر أو الأضحى مع عيد الجمعة التي هي عيد الأسبوع، هل تجب صلاة الجمعة على من حضر صلاة العيد أم يجتزئ بصلاة العيد ويصلى بدل الجمعة ظهراً؟ وهل يؤذن لصلاة الظهر في المساجد أم لا؟ إلى آخر ما حصل عنه السؤال، فرأت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء إصدار الفتوى الآتية:]ـ [الْجَوَابُ] في هذه المسألة أحاديث مرفوعة وآثار موقوفة منها: 1- حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه سأله: هل شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا في يوم واحد؟ قال: نعم، قال: كيف صنع؟ قال: صلى العيد ثم رخص في الجمعة، فقال: (من شاء أن يصلي فليصل) . رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والدارمي والحاكم في "المستدرك" وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وله شاهد على شرط مسلم. ووافقه الذهبي، وقال النووي في "المجموع": إسناده جيد. 2- وشاهده المذكور هو حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قد اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مجمعون) . رواه الحاكم كما تقدم، ورواه أبو داود وابن ماجه وابن الجارود والبيهقي وغيرهم. 3- وحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: اجتمع عيدان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس ثم قال: (من شاء أن يأتي الجمعة فليأتها، ومن شاء أن يتخلف فليتخلف) . رواه ابن ماجه ورواه الطبراني في "المعجم الكبير" بلفظ: اجتمع عيدان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوم فطر وجمعة، فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم العيد، ثم أقبل عليهم بوجهه فقال: (يا أيها الناس إنكم قد أصبتم خيراً وأجراً وإنا مجمعون، ومن أراد أن يجمع معنا فليجمع، ومن أراد أن يرجع إلى أهله فليرجع) . 4- وحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اجتمع عيدان في يومكم هذا فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مجمعون إن شاء الله) . رواه ابن ماجه، وقال البوصيري: إسناده صحيح ورجاله ثقات. 5- ومرسل ذكوان بن صالح قال: اجتمع عيدان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم جمعة ويوم عيد فصلى ثم قام، فخطب الناس، فقال: (قد أصبتم ذكراً وخيراً وإنا مجمعون، فمن أحب أن يجلس فليجلس -أي في بيته- ومن أحب أن يجمع فليجمع) . رواه البيهقي في السنن الكبرى. 6- وعن عطاء بن أبي رباح قال: صلى بنا ابن الزبير في يوم عيد في يوم جمعة أول النهار ثم رحنا إلى الجمعة فلم يخرج إلينا، فصلينا وحداناً، وكان ابن عباس بالطائف فلما قدمنا ذكرنا ذلك له، فقال: (أصاب السنة) . رواه أبو داود، وأخرجه ابن خزيمة بلفظ آخر وزاد في آخره: قال ابن الزبير: (رأيت عمر بن الخطاب إذا اجتمع عيدان صنع مثل هذا) . 7- وفي صحيح البخاري رحمه الله تعالى وموطأ الإمام مالك رحمه الله تعالى عن أبي عبيد مولى ابن أزهر قال أبو عبيد: شهدت العيدين مع عثمان بن عفان، وكان ذلك يوم الجمعة، فصلى قبل الخطبة ثم خطب، فقال: (يا أيها الناس إن هذا يوم قد اجتمع لكم فيه عيدان، فمن أحب أن ينتظر الجمعة من أهل العوالي فلينتظر، ومن أحب أن يرجع فقد أذنت له) . 8- وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال لما اجتمع عيدان في يوم: (من أراد أن يجمع فليجمع، ومن أراد أن يجلس فليجلس) . قال سفيان: يعني: يجلس في بيته. رواه عبد الرزاق في المصنف ونحوه عند ابن أبي شيبة. وبناء على هذه الأحاديث المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى هذه الآثار الموقوفة عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم، وعلى ما قرره جمهور أهل العلم في فقهها، فإن اللجنة تبين الأحكام الآتية: 1- من حضر صلاة العيد فيرخص له في عدم حضور صلاة الجمعة، ويصليها ظهراً في وقت الظهر، وإن أخذ بالعزيمة فصلى مع الناس الجمعة فهو أفضل. 2- من لم يحضر صلاة العيد فلا تشمله الرخصة، ولذا فلا يسقط عنه وجوب الجمعة، فيجب عليه السعي إلى المسجد لصلاة الجمعة، فإن لم يوجد عدد تنعقد به صلاة الجمعة صلاها ظهراً. 3- يجب على إمام مسجد الجمعة إقامة صلاة الجمعة ذلك اليوم ليشهدها من شاء شهودها ومن لم يشهد العيد، إن حضر العدد التي تنعقد به صلاة الجمعة وإلا فتصلى ظهرا. 4- من حضر صلاة العيد وترخص بعدم حضور الجمعة فإنه يصليها ظهراً بعد دخول وقت الظهر. 5- لا يشرع في هذا الوقت الأذان إلا في المساجد التي تقام فيها صلاة الجمعة، فلا يشرع الأذان لصلاة الظهر ذلك اليوم. 6- القول بأن من حضر صلاة العيد تسقط عنه صلاة الجمعة وصلاة الظهر ذلك اليوم قول غير صحيح، ولذا هجره العلماء وحكموا بخطئه وغرابته، لمخالفته السنة وإسقاطه فريضةً من فرائض الله بلا دليل، ولعل قائله لم يبلغه ما في المسألة من السنن والآثار التي رخصت لمن حضر صلاة العيد بعدم حضور صلاة الجمعة، وأنه يجب عليه صلاتها ظهراً. والله تعالى أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ.. الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الغديان.. الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد.. الشيخ صالح بن فوزان الفوزان. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة الحديث: 109323 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2043 تحديد وقت عيد الفطر والأضحى ينبني على رؤية الهلال [السُّؤَالُ] ـ[لدى سؤال يتعلق بموعد الأعياد فأنا على علم بأن عيد الفطر يعقب شهر رمضان وبأن هناك خلافاً دائماً بين المسلمين حول هذا اليوم (يحتفل به البعض بعد اليوم التاسع والعشرين بينما يحتفل به الآخرون بعد الثلاثين من الشهر) ولكن بخصوص عيد الأضحى, هل يتفق هذا اليوم مع مايقوم به الحجاج فى مكة أم يمكن الاختلاف في هذا اليوم بحسب اختلاف البلد التي يوجد بها كل فرد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: اختلاف المسلمين في تحديد أول شهر رمضان، وتحديد وقت عيد الفطر، راجع إلى اختلاف الفقهاء في مسألة مشهورة، وهي هل رؤية الهلال في بلد تلزم جميعَ البلدان، أم لكل بلد رؤيته، وهذا ينطبق أيضا على تحديد وقت عيد الأضحى. وهي من المسائل الاجتهادية، وقد استدل كل فريق من العلماء بأدلة، وربما استدل الفريقان بالنص الواحد، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (1248) . القول بأنه إذا رؤي الهلال في بلد لزم جميع البلدان هو مذهب جمهور العلماء، وقد اختاره الشيخ ابن باز رحمه الله، كما في مجموع الفتاوى (15/77) والقول باعتبار اختلاف المطالع هو الأصح عند الشافعية، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية واختاره من المعاصرين الشيخ ابن عثيمين، وقد سبق نقل فتواه في جواب السؤال رقم (40720) . ثانياً: ينبني على هذا الخلاف اختلاف المسلمين في عيد الفطر وعيد الأضحى من غير فرق بينهما، قال الشيخ ابن باز رحمه الله بعد أن ذكر اختلاف العلماء في العمل باختلاف المطالع من دخول الشهر وخروجه: " والذي يظهر لي أن اختلافها لا يؤثر، وأن الواجب هو العمل برؤية الهلال صوماً وإفطاراً وتضحية متى ثبتت رؤيته ثبوتاً شرعياً في أي بلد ما.. ثم قال: وإذا قلنا باعتبار اختلاف المطالع في الحكم أو لم نَقُلْ به، فالظاهر أن الحكم في رمضان والأضحى سواء، لا فرق بينهما فيما أعلمه من الشرع " انتهى. مجموع فتاوى ابن باز (15/79) وفي فتوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله المشار إليها آنفاً ذَكَر أن اختلاف المطالع يُعمَل به في عيد الأضحى كما يُعمل به في دخول شهر رمضان وخروجه. وعلى هذا فلا إشكال في أن عيد الأضحى يكون في بلد يوم الجمعة، ويكون في بلد آخر يوم السبت، وهكذا، بناء على تعدد الرؤية واختلافها. ومثل هذا يقال في صوم رمضان، وفي صوم عرفة، وصوم عاشوراء، لأنها مسائل مترتبة على رؤية الهلال والحكم بدخول الشهر أو عدم دخوله. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97750 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2044 لا تستحب مخالفة الطريق في شيء من الصلوات إلا صلاة العيد [السُّؤَالُ] ـ[هل تستحب مخالفة الطريق في صلاة أخرى غير صلاة العيد؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله روى البخاري (986) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ. ومعنى مخالفة الطريق أنه يذهب من طريق ويعود من طريق آخر. فهذا الحديث يدل على استحباب مخالفة الطريق في صلاة العيد. قال الشيخ ابن عثيمين في "مجموع الفتاوى" (16/222) : "ويشرع لمن خرج لصلاة العيد أن يخرج من طريق ويرجع من آخر اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تسن هذه السنة في غيرها من الصلوات، لا الجمعة ولا غيرها، بل تختص بالعيد، وبعض العلماء يرى أن ذلك مشروع في صلاة الجمعة، لكن القاعدة: (أن كل فعل وجد سببه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعله فاتخاذه عبادة يكون بدعة من البدع) " اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 48976 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2045 وقت غسل العيد [السُّؤَالُ] ـ[متى يكون الاغتسال ليوم العيد؟ لأنني إذا اغتسلت بعد الفجر فإن الوقت يكون ضيقاً جداً لأن المصلى الذي نصلي فيه العيد بعدي عن منزلي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الاغتسال يوم العيد مستحب. وقد روي أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اغتسل يوم العيد. وروي الاغتسال يوم العيد كذلك عن بعض الصحابة كعلي بن أبي طالب وسلمة بن الأكوع وابن عمر رضي الله عنهم. قال النووي في المجموع: وَأَسَانِيدُ الْجَمِيعِ ضَعِيفَةٌ بَاطِلَةٌ إلا أَثَرَ ابْنِ عُمَرَ. . وَالْمُعْتَمَدُ فِيهِ (أي في إثبات استحبابه) أَثَرُ ابْنِ عُمَرَ وَالْقِيَاسُ عَلَى الْجُمُعَةِ اهـ. وقال ابن القيم: "فيه حديثان ضعيفان. . ولكن ثبت عن ابن عمر مع شدة اتباعه للسنة أنه كان يغتسل يوم العيد قبل خروجه" اهـ. ثانياً: وأما وقت الاغتسال للعيد. فالأفضل أن يكون ذلك بعد صلاة الفجر، ولو اغتسل قبل الفجر أجزأ نظراً لضيق الوقت والمشقة في كونه بعد صلاة الفجر، مع حاجة الناس للانصراف إلى صلاة العيد وقد يكون المصلى بعيداً. قال في المنتقى شرح موطأ الإمام مالك: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ غُسْلُهُ مُتَّصِلا بِغُدُوِّهِ إلَى الْمُصَلَّى. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ أَفْضَلُ أَوْقَاتِ الْغُسْلِ لِلْعِيدِ بَعْدَ صَلاةِ الصُّبْحِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ فَإِنْ اغْتَسَلَ لِلْعِيدَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ فَوَاسِعٌ اهـ. وفي شرح مختصر (2/102) خليل أن وقته من سدس الليل الأخير. وقال ابن قدامة في "المغني": "وَوَقْتُ الْغُسْلِ (يعني للعيد) بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فِي ظَاهِرِ كَلامِ الْخِرَقِيِّ , قَالَ الْقَاضِي , وَالآمِدِيُّ: إنْ اغْتَسَلَ قَبْلَ الْفَجْرِ لَمْ يُصِبْ سُنَّةَ الاغْتِسَالِ ; لأَنَّهُ غُسْلُ الصَّلاةِ فِي الْيَوْمِ فَلَمْ يَجُزْ قَبْلَ الْفَجْرِ كَغُسْلِ الْجُمُعَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَبْلَ الْفَجْرِ وَبَعْدَهُ ; لأَنَّ زَمَنَ الْعِيدِ أَضْيَقُ مِنْ وَقْتِ الْجُمُعَةِ , فَلَوْ وُقِفَ عَلَى الْفَجْرِ رُبَّمَا فَاتَ , وَلأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ التَّنْظِيفُ , وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالْغُسْلِ فِي اللَّيْلِ لِقُرْبِهِ مِنْ الصَّلاةِ , وَالأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْفَجْرِ , لِيَخْرُجَ مِنْ الْخِلافِ , وَيَكُونَ أَبْلَغَ فِي النَّظَافَةِ , لِقُرْبِهِ مِنْ الصَّلاةِ" اهـ. قال النووي في المجموع: وَفِي وَقْتِ صِحَّةِ هَذَا الْغُسْلِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَحَدُهُمَا) بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الأُمِّ (وَأَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الأَصْحَابِ يَجُوزُ بَعْدَ الْفَجْرِ وَقَبْلِهِ. . . وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ "الْمُجَرَّدِ": نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي "الْبُوَيْطِيِّ" عَلَى صِحَّةِ الْغُسْلِ لِلْعِيدِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ. قال النووي: فَإِذَا قُلْنَا بِالأَصَحِّ أَنَّهُ يَصِحُّ قَبْلَ الْفَجْرِ , فَفِي ضَبْطِهِ ثَلاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) وَأَشْهَرُهَا: يَصِحُّ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ , وَلا يَصِحُّ قَبْلَهُ (وَالثَّانِي) يَصِحُّ فِي جَمِيعِ اللَّيْلِ , وَبِهِ جَزَمَ الْغَزَالِيُّ , وَاخْتَارَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ (الثَّالِثُ) أَنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ قُبَيْلَ الْفَجْرِ عِنْدَ السَّحَرِ , وَبِهِ جَزَمَ الْبَغَوِيّ اهـ باختصار. وعلى هذا، فلا بأس من الاغتسال للعيد قبل صلاة الفجر حتى يتمكن المسلم من الخروج لصلاة العيد. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 48988 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2046 حكم صلاة العيدين [السُّؤَالُ] ـ[صلاة العيدين الفطر والأضحى هل هي واجبة أم سنة، وما هي الذنوب على الذي يتركها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صلاة العيدين الفطر والأضحى، كل منهما فرض كفاية، وقال بعض أهل العلم: أنهما فرض عين كالجمعة؛ فلا ينبغي للمؤمن تركها. وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (8/284) الحديث: 26989 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2047 توحيد وقت صلاة العيد في مساجد البلد [السُّؤَالُ] ـ[هل من شروط صلاة العيد أن يصلي الناس صلاة العيد في مكان واحد ووقت واحد، بصرف النظر عن نوعية المكان؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس من شروط صحة صلاة العيد أن يصليها أهل البلد في مكان واحد، لكن الخير والأفضل أن يصلوها في مكان واحد في الصحراء، إن تيسر ذلك لهم، فإن شق عليهم صلاتها في الصحراء في مكان واحد؛ كبعد أطراف البلد واتساعه جاز لهم أن يصلوها في مكانين فأكثر في الصحراء على ما يتيسر لهم، ولا يشق عليهم. وإن شق عليهم صلاتها في الفضاء لمطر ونحوه صلوها في مسجد إن وسعهم ولم يشق عليهم، وإلا صلوها في مساجد، كل جماعة منهم في المسجد الذي يتيسر لهم صلاتها فيه. ثانياً: في حالة تعدد مكان صلاة العيد في الصحراء، أو المساجد يجوز أن يتقدم جماعة من أهل البلد بصلاة العيد، وأن ينتهوا منها قبل الجماعة الأخرى، على أن تقع صلاة الجميع فيما بين ارتفاع الشمس بعد طلوعها قيد رمح، وبين زوالها عند دخول وقت الظهر، أي من وقت حل النافلة إلى استواء الشمس في السماء قبيل وقت صلاة الظهر. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء (8/295) الحديث: 27007 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2048 يسأل عن مكان صلاة العيد [السُّؤَالُ] ـ[سمعنا أن صلاة العيد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، كانت في المصلى خارج البنيان، لأن مسجده لم يكن يسع الناس، فلو كان في المكان مسجد يسع الناس، فصلاتهم فيه أفضل، لأن المسجد أفضل من غيره من الأماكن، فهل هذا صحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله مضت سنة النبي صلى الله عليه وسلم العملية على ترك مسجده في صلاة العيدين، وأدائها في المصلى الذي على باب المدينة الخارجي [انظر زاد المعاد لابن القيم 1/441] . قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله: (وقد تضافرت أقوال العلماء على ذلك: فقال العلامة العيني الحنفي في شرح البخاري، وهو يستنبط من حديث أبي سعيد [الخدري: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَالأَضْحَى إِلَى الْمُصَلَّى فَأَوَّلُ شَيْءٍ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلاةُ ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَيَقُومُ مُقَابِلَ النَّاسِ وَالنَّاسُ جُلُوسٌ عَلَى صُفُوفِهِم،ْ فَيَعِظُهُمْ وَيُوصِيهِمْ وَيَأْمُرُهُمْ، فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَقْطَعَ بَعْثًا قَطَعَهُ أَوْ يَأْمُرَ بِشَيْءٍ أَمَرَ بِه،ِ ثُمَّ يَنْصَرِفُ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَلَمْ يَزَلْ النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى خَرَجْتُ مَعَ مَرْوَانَ وَهُوَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ فِي أَضْحًى أَوْ فِطْرٍ فَلَمَّا أَتَيْنَا الْمُصَلَّى إِذَا مِنْبَرٌ بَنَاهُ كَثِيرُ بْنُ الصَّلْتِ فَإِذَا مَرْوَانُ يُرِيدُ أَنْ يَرْتَقِيَهُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَجَبَذْتُ بِثَوْبِهِ فَجَبَذَنِي فَارْتَفَعَ فَخَطَبَ قَبْلَ الصَّلاةِ فَقُلْتُ لَهُ غَيَّرْتُمْ وَاللَّهِ فَقَالَ أَبَا سَعِيدٍ قَدْ ذَهَبَ مَا تَعْلَمُ فَقُلْتُ مَا أَعْلَمُ وَاللَّهِ خَيْرٌ مِمَّا لا أَعْلَمُ فَقَالَ إِنَّ النَّاسَ لَمْ يَكُونُوا يَجْلِسُونَ لَنَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَجَعَلْتُهَا قَبْلَ الصَّلاةِ " – رواه البخاري 956 ومسلم 889 -] (ج 6 ص280-281) قال: " وفيه البروز إلى المصلى والخروج إليه، ولا يصلى في المسجد إلا عن ضرورة. وروى ابن زياد عن مالك قال: السنة الخروج إلى الجبانة [يعني المصلى] إلا لأهل مكة ففي المسجد " وفي الفتاوى الهندية (ج1 ص118) : " الخروج إلى الجبانة في صلاة العيد سنة، وإن كان يسعهم المسجد الجامع،على هذا عامة المشايخ وهو الصحيح " وفي المدونة المروية عن مالك (ج1ص171) قال مالك: لا يُصلَّى في العيدين في موضعين، ولا يصلون في مسجدهم، ولكن يخرجون كما خرج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. [وروى] ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخرج إلى المصلى، ثم استن بذلك أهل الأمصار " وقال ابن قدامة الحنبلي في المغني (ج 2 ص229-230) " السُّنَّةُ أَنْ يُصَلَّى الْعِيدُ فِي الْمُصَلَّى , أَمَرَ بِذَلِكَ عَلِيٌّ رضي الله عنه. وَاسْتَحْسَنَهُ الأَوْزَاعِيُّ , وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ. وَحُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ: إنْ كَانَ مَسْجِدُ الْبَلَدِ وَاسِعًا , فَالصَّلاةُ فِيهِ أَوْلَى ; لأَنَّهُ خَيْرُ الْبِقَاعِ وَأَطْهَرُهَا , وَلِذَلِكَ يُصَلِّي أَهْلُ مَكَّةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. ثم استدَّل ابن قدامة على قوله فقال (وَلَنَا: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَخْرُجُ إلَى الْمُصَلَّى وَيَدَعُ مَسْجِدَهُ , وَكَذَلِكَ الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ , وَلا يَتْرُكُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الأَفْضَلَ مَعَ قُرْبِهِ , وَيَتَكَلَّفُ فِعْلَ النَّاقِصِ مَعَ بُعْدِهِ , وَلا يَشْرَعُ لأُمَّتِهِ تَرْكَ الْفَضَائِلِ , وَلأَنَّنَا قَدْ أُمِرْنَا بِاتِّبَاعِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالاقْتِدَاءِ بِهِ , وَلا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَأْمُورُ بِهِ هُوَ النَّاقِصَ , وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ هُوَ الْكَامِلَ , وَلَمْ يُنْقَلُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ صَلَّى الْعِيدَ بِمَسْجِدِهِ إلا مِنْ عُذْرٍ , وَلأَنَّ هَذَا إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ. فَإِنَّ النَّاسَ فِي كُلِّ عَصْرٍ وَمِصْرٍ يَخْرُجُونَ إلَى الْمُصَلَّى , فَيُصَلُّونَ الْعِيدَ فِي الْمُصَلَّى , مَعَ سَعَةِ الْمَسْجِدِ وَضِيقِهِ , وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِي الْمُصَلَّى مَعَ شَرَفِ مَسْجِدِهِ " وأقول ـ القائل أحمد شاكر ـ: إن قول ابن قدامة: " ولم ينقل عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه صلى العيد بمسجده إلا من عذر "، يشير به إلى حديث أبي هريرة في المستدرك للحاكم (ج1 ص 295) : " أنهم أصابهم مطر في يوم عيد فصلى بهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المسجد " وصححه هو والذهبي. [وقال عنه ابن القيم: إن ثبت الحديث، وهو في سنن أبي داود وابن ماجة. انتهى من الزاد 1/441، وضعفه الألباني في رسالة صلاة العيدين في المصلى هي السنة، ورد قول الحاكم والذهبي.] وقال الإمام الشافعي في كتاب (الأم) (ج 1 ص 207) : " بلغن أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يخرج في العيدين إلى المصلى بالمدينة، وكذلك من كان بعده، وعامة أهل البلدان إلا مكة، فإنه لم يبلغنا أن أحداً من السلف صلى بهم عيداً إلا في مسجدهم. وأحسب ذلك ـ والله تعالى أعلم ـ لأن المسجد الحرام خير بقاع الدنيا، فلم يحبوا أن يكون لهم صلاة إلا فيه ما أمكنهم ... فإن عُمِّر بلدٌ فكان مسجد أهله يسعهم في الأعياد لم أر أنهم يخرجون منه، وإن خرجوا فلا بأس، ولو أنه كان يسعهم فصلى بهم إمام فيه كرهت له ذلك ولا إعادة عليهم. وإذا كان العذر من مطر أو غيره أمرته بأن يصلي في المساجد ولا يخرج إلى الصحراء " وقال العلامة ابن الحاج في كتاب المدخل (ج2 ص 283) : " والسنة الماضية في صلاة العيدين أن تكون في المصلى، لأن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال:" صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام " البخاري 1190 ومسلم 1394. ثم هو مع هذه الفضيلة العظيمة خرج صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المصلى وتركه، فهذا دليل واضح على تأكد أمر الخروج إلى المصلى لصلاة العيدين، فهي السنة، وصلاتهما في المسجد على مذهب مالك رحمه الله بدعة، إلا أن تكون ثَّم ضرورة داعية إلى ذلك فليس ببدعة، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يفعلها ولا أحد من الخلفاء الراشدين بعده، ولأنه عليه السلام أمر النساء أن يخرجن إلى صلاة العيدين، وأمر الحيض وربات الخدور بالخروج إليهما فقالت إحداهن: يا رسول الله، إحدانا لا يكون لها جلباب فقال عليه الصلاة والسلام: تعيرها أختها من جلبابها لتشهد الخير ودعوة المسلمين. انظر صحيحي البخاري 324 ومسلم 890. فلما أن شرع عليه الصلاة والسلام لهن الخروج، شرع الصلاة في البراح، لإظهار شعيرة الإسلام " فالسنة النبوية التي وردت في الأحاديث الصحيحة دلت على أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلي العيدين في الصحراء في خارج البلد. وقد استمر العمل على ذلك في الصدر الأول، ولم يكونوا يصلون العيد في المساجد، إلا إذا كانت ضرورة من مطر ونحوه. وهذا مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم من أهل العلم من الأئمة رضوان الله عليهم، لا أعلم أن أحداً خالف في ذلك، إلا قول الشافعي رضي الله عنه في اختياره الصلاة في المسجد إذا كان يسع أهل البلد، ومع هذا فإنه لم ير بأساً بالصلاة في الصحراء وإن وسعهم المسجد، وقد صرح رضي الله عن بأنه يكره صلاة العيدين في المسجد إذا كان لا يسع أهل البلد. فهذه الأحاديث الصحيحة وغيرها، ثم استمرار العمل في الصدر الأول، ثم أقوال العلماء: كل أولئك يدل على أن صلاة العيدين الآن في المساجد بدعة، حتى على قول الشافعي؛ لأنه لا يوجد مسجد واحد في بلادنا يسع أهل البلد الذي هو فيه. ثم إن هذه السنة، يجتمع فيها أهل كل بلدة رجالاً ونساءً وصبياناً، يتوجهون إلى الله بقلوبهم، تجمعهم كلمة واحدة، ويصلون خلف إمام واحد، يكبرون ويهللون، ويدعون الله مخلصين، كأنهم على قلب رجل واحد، فرحين مستبشرين بنعمة الله عليهم، فيكون العيد عندهم عيداً. وقد أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخروج النساء لصلاة العيد مع الناس ولم يستثن منهن أحداً، حتى إنه لم يرخص لمن لم يكن عندها ما تلبس في خروجها، بل أمر أن تستعير من غيرها، وحتى إنه أمر من كان عندهن عذر يمنعهن الصلاة بالخروج إلى المصلى: " ليشهدن الخير ودعوة المسلمين " وقد كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم خلفاؤه من بعده، والأمراء النائبون عنهم في البلاد يصلون بالناس العيد، ثم يخطبونهم بما يعظونهم به، ويعلمونهم مما ينفعهم في دينهم ودنياهم، ويأمرونهم بالصدقة في ذلك الجمع المبارك، الذي تتنزل عليه الرحمة والرضوان. فعسى أن يستجيب المسلمون لاتباع سنة نبيهم ولإحياء شعائر دينهم، الذي هو معقد عزهم وفلاحهم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) الأنفال/24 انتهى كلامه رحمه الله من تعليقه على سنن الترمذي 2/421-424. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49050 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2049 صلاة العيدين للمنفرد في البيت [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن أصلي صلاة العيد في البيت لأنني لا أستطيع الذهاب للمسجد بسبب وضعي الصحي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صلاة العيدين فرض عين على كل رجل قادر، في أصح أقوال أهل العلم، كما هو مبين في جواب السؤال رقم (48983) . وإذا لم تستطع الذهاب إليها بسبب وضعك الصحي، فلا شيء عليك، وهل يشرع لك فعلها في البيت؟ فيه خلاف بين الفقهاء، والجمهور على أنه يشرع ذلك خلافا للحنفية. نقل المزني عن الشافعي رحمه الله في "مختصر الأم" (8/125) : " ويصلي العيدين المنفرد في بيته والمسافر والعبد والمرأة " انتهى. وقال الخرشي (مالكي) : "يستحب لمن فاتته صلاة العيد مع الإمام أن يصليها، وهل في جماعة , أو أفذاذا؟ قولان" انتهى باختصار من "شرح الخرشي" (2/104) . وقال المرداوي في "الإنصاف" (حنبلي) : "وإن فاتته الصلاة (يعني: صلاة العيد) استحب له أن يقضيها على صفتها (أي كما يصليها الإمام) " انتهى. وقال ابن قدامة في "المغني" (حنبلي) : "وهو مخير، إن شاء صلاها وحده، وإن شاء صلاها جماعة" انتهى. وفي الدر المختار مع حاشية ابن عابدين (2/175) (حنفي) : " ولا يصليها وحده إن فاتت مع الإمام " انتهى. وقد اختار اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية قول الحنفية، ورجحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، كما في "الشرح الممتع" (5/156) . وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء (8/306) : "صلاة العيدين فرض كفاية؛ إذا قام بها من يكفي سقط الإثم عن الباقين. ومن فاتته وأحب قضاءها استحب له ذلك، فيصليها على صفتها من دون خطبة بعدها، وبهذا قال الإمام مالك والشافعي وأحمد والنخعي وغيرهم من أهل العلم. والأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أتيتم الصلاة فامشوا وعليكم السكينة والوقار فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا) ، وما روي عن أنس رضي الله عنه أنه كان إذا فاتته صلاة العيد مع الإمام جمع أهله ومواليه، ثم قام عبد الله بن أبي عتبة مولاه فيصلي بهم ركعتين، يكبر فيهما. ولمن حضر يوم العيد والإمام يخطب أن يستمع الخطبة ثم يقضي الصلاة بعد ذلك حتى يجمع بين المصلحتين. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96922 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2050 تأخير صلاة العيدين عن يوم العيد [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز تأخير صلاة العيد عن يوم ليلة رؤية هلال شوال إلى اليوم الثاني ليتمكن جميع العمال من المسلمين العاملين في المصانع والمكاتب من الحصول على إجازة يوم العيد من المسئولين؟ وبما أن يوم العيد غير معروف لديهم سابقاً فلذلك يصعب عليهم إخبار المسئولين عن يوم بعينه للإجازة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صلاة العيدين فرض كفاية؛ إذا قام بها من يكفي سقط الإثم عن الباقين، وذهب بعض أهل العلم إلى أنها فرض عين كالجمعة، وبما أن المركز الإسلامي يقوم بإقامة صلاة العيد بناء على رؤية الهلال؛ فإن هذه الصلاة تسقط فرض الكفاية عمن لم يحضرها، ولا يجوز تأخيرها إلى اليوم الثاني أو الثالث من شوال من أجل أن يحضرها جميع المسلمين في لندن؛ لأن هذا التأخير خلاف ما أجمع عليه الصحابة ومن بعدهم، فإننا لا نعلم أحداً من أهل العلم قال بذلك، نعم يجوز تأخيرها إلى اليوم الثاني إذا لم يعلموا بالعيد إلا بعد زوال الشمس. وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (8/289) الحديث: 27004 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2051 إقامة صلاة العيد في الاستاد الرياضي [السُّؤَالُ] ـ[نحن طلاب في الجامعة ولا يوجد عندنا مصلى للعيدين والاستسقاء، ومنذ أربع سنوات ونحن نصلي هذه الصلوات في الاستاد الرياضي بالكلية، وهو مكشوف ومفروش بالنايلون فما حكم فما حكم هذه الصلوات في المكان المذكور؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج في صلاتكم في المكان المذكور، وما يجري فيه من الأمور التي ذكرتم لا يمنع من إقامة صلاة العيد والاستسقاء فيه ما دام طاهراً ليس فيه شيء من النجاسة، وإن تيسر مكان مستقل أحسن منه فهو أولى وأفضل. والله ولي التوفيق. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - م/13 ص/10. الحديث: 10506 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2052 حديث ضعيف في فضل قيام ليلة العيد [السُّؤَالُ] ـ[هل الحديث الوارد في قيام ليلة العيد صحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث رواه ابن ماجه (1782) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ قَامَ لَيْلَتَيْ الْعِيدَيْنِ مُحْتَسِبًا لِلَّهِ لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ) . وهو حديث ضعيف، لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال النووي في "الأذكار": وهو حديث ضعيف رويناه من رواية أبي أمامة مرفوعاً وموقوفاً، وكلاهما ضعيف انتهى. وقال الحافظ العراقي في تخريج أحاديث إحياء علوم الدين: إسناده ضعيف. وقال الحافظ ابن حجر: هذا حديث غريب مضطرب الإِسناد. انظر: "الفتوحات الربانية" (4/235) . وذكره الألباني في ضعيف ابن ماجه وقال: موضوع. وذكره في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (521) وقال: ضعيف جدا. والحديث رواه الطبراني عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحيا ليلة الفطر وليلة الأضحى لم يمت قلبه يوم تموت القلوب) . وهو ضعيف أيضاً. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد": رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه عمر بن هارون البلخي والغالب عليه الضعف، وأثنى عليه ابن مهدي وغيره، ولكن ضعفه جماعة كثيرة. والله أعلم. وذكره الألباني في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (520) وقال: موضوع. وقال النووي في المجموع: قَالَ أَصْحَابُنَا: يُسْتَحَبُّ إحْيَاءُ لَيْلَتَيْ الْعِيدَيْنِ بِصَلاةٍ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الطَّاعَاتِ، وَاحْتَجَّ لَهُ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَحْيَا لَيْلَتَيْ الْعِيدِ لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ) وَفِي رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ: (مَنْ قَامَ لَيْلَتَيْ الْعِيدَيْنِ مُحْتَسِبًا لِلَّهِ تَعَالَى لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ حِينَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ) رَوَاهُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَوْقُوفًا , وَرُوِيَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي أُمَامَةَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَمَرْفُوعًا كَمَا سَبَقَ , وَأَسَانِيدُ الْجَمِيعِ ضَعِيفَةٌ. انتهى. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " الأَحَادِيثُ الَّتِي تُذْكَرُ فِي لَيْلَةِ الْعِيدَيْنِ كَذِبٌ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم" انتهى. وليس معنى ذلك أن ليلة العيد لا يستحب قيامها، بل قيام الليل مشروع كل ليلة، ولهذا اتفق العلماء على استحباب قيام ليلة العيد، كما نقله في "الموسوعة الفقيهة" (2/235) ، إنما المقصود أن الحديث الوارد في فضل قيامها ضعيف. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 12504 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2053 حكم التهنئة بالعيد والمصافحة والمعانقة بعد الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم التهنئة بالعيد؟ وما حكم المصافحة والمعانقة بعد صلاة العيد؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ورد عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم كان يهنئ بعضهم بعضاً بالعيد بقولهم: تقبل الله منا ومنكم. فعن جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اِلْتَقَوْا يَوْمَ الْعِيدِ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْك. قال الحافظ: إسناده حسن. وقَالَ الإمام أَحْمَدُ رحمه الله: وَلا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُل لِلرَّجُلِ يَوْمَ الْعِيدِ: تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْك. نقله ابن قدامة في "المغني". وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى" (2/228) : هَلْ التَّهْنِئَةُ فِي الْعِيدِ وَمَا يَجْرِي عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ: " عِيدُك مُبَارَكٌ " وَمَا أَشْبَهَهُ , هَلْ لَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرِيعَةِ , أَمْ لا؟ وَإِذَا كَانَ لَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرِيعَةِ , فَمَا الَّذِي يُقَالُ؟ فأجاب: "أَمَّا التَّهْنِئَةُ يَوْمَ الْعِيدِ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ إذَا لَقِيَهُ بَعْدَ صَلاةِ الْعِيدِ: تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ , وَأَحَالَهُ اللَّهُ عَلَيْك , وَنَحْوُ ذَلِكَ , فَهَذَا قَدْ رُوِيَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ وَرَخَّصَ فِيهِ , الأَئِمَّةُ , كَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ. لَكِنْ قَالَ أَحْمَدُ: أَنَا لا أَبْتَدِئُ أَحَدًا , فَإِنْ ابْتَدَأَنِي أَحَدٌ أَجَبْته , وَذَلِكَ لأَنَّ جَوَابَ التَّحِيَّةِ وَاجِبٌ , وَأَمَّا الابْتِدَاءُ بِالتَّهْنِئَةِ فَلَيْسَ سُنَّةً مَأْمُورًا بِهَا , وَلا هُوَ أَيْضًا مَا نُهِيَ عَنْهُ , فَمَنْ فَعَلَهُ فَلَهُ قُدْوَةٌ , وَمَنْ تَرَكَهُ فَلَهُ قُدْوَةٌ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ" اهـ. وسئل الشيخ ابن عثيمين: ما حكم التهنئة بالعيد؟ وهل لها صيغة معينة؟ فأجاب: "التهنئة بالعيد جائزة، وليس لها تهنئة مخصوصة، بل ما اعتاده الناس فهو جائز ما لم يكن إثماً" اهـ. وقال أيضاً: "التهنئة بالعيد قد وقعت من بعض الصحابة رضي الله عنهم، وعلى فرض أنها لم تقع فإنها الا?ن من الأمور العادية التي اعتادها الناس، يهنىء بعضهم بعضاً ببلوغ العيد واستكمال الصوم والقيام" اهـ. وسئل رحمه الله تعالى: ما حكم المصافحة، والمعانقة والتهنئة بعد صلاة العيد؟ فأجاب: "هذه الأشياء لا بأس بها؛ لأن الناس لا يتخذونها على سبيل التعبد والتقرب إلى الله عز وجل، وإنما يتخذونها على سبيل العادة، والإكرام والاحترام، ومادامت عادة لم يرد الشرع بالنهي عنها فإن الأصل فيها الإباحة" اهـ. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (16/208-210) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49021 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2054 هل يجوز للذي خرج إلى صلاة العيد أن يصلي ركعتي تحية المسجد في المصلى [السُّؤَالُ] ـ[من الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه خرج إلى صلاة العيدين إلى المصلى وخرج معه الرجال والنساء، وخرج بعده الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، هل يجوز للذي خرج إلى صلاة العيد أن يصلي ركعتي تحية المسجد في المصلى أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يصلي من دخل المصلى لصلاة العيد ركعتين تحية قبل أن يجلس؛ لأن صلاة التحية بالمصلى مخالف لما كان عليه العمل من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 7/274 الحديث: 5266 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2055 قضاء صلاة العيدين [السُّؤَالُ] ـ[في صباح يوم عيد الفطر المبارك وعند وصولنا المصلى وجدنا الإمام صلى وعلى انتهاء من الخطبة، فصلين ركعتي العيد والإمام يخطب. ما مدى صحة الصلاة من عدمها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صلاة العيدين فرض كفاية؛ إذا قام بها من يكفي سقط الإثم عن الباقين، وفي الصورة المسئول عنها: حصل أداء الفرض من الذين صلوا أولاً - الذين خطب بهم الإمام - ومن فاتته وأحب قضاءها استحب له ذلك، فيصليها على صفتها من دون خطبة بعدها، وبهذا قال الإمام مالك والشافعي وأحمد والنخعي وغيرهم من أهل العلم. والأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أتيتم الصلاة فامشوا وعليكم السكينة والوقار فما أدركتم فصلوا ومافاتكم فاقضوا) ، وما روي عن أنس رضي الله عنه أنه كان إذا فاتته صلاة العيد مع الإمام جمع أهله ومواليه، ثم قام عبد الله بن أبي عتبة مولاه فيصلي بهم ركعتين، يكبر فيهما. ولمن حضر يوم العيد والإمام يخطب أن يستمع الخطبة ثم يقضي الصلاة بعد ذلك حتى يجمع بين المصلحتين. وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (8/306) الحديث: 27026 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2056 صلاة العيد لا نداء لها ولا أذان ولا شيء [السُّؤَالُ] ـ[هل من السنة أن ينادى لصلاة العيد بشيء مثل "الصلاة جامعة" كما في صلاة الكسوف؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله روى مسلم (885) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلاةَ يَوْمَ الْعِيدِ، فَبَدَأَ بِالصَّلاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلا إِقَامَةٍ. وروى البخاري (960) ومسلم (886) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيِّ قَالا: لَمْ يَكُنْ يُؤَذَّنُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَلا يَوْمَ الأَضْحَى. قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ: لا أَذَانَ لِلصَّلاةِ يَوْمَ الْفِطْرِ حِينَ يَخْرُجُ الإِمَامُ، وَلا بَعْدَ مَا يَخْرُجُ، وَلا إِقَامَةَ وَلا نِدَاءَ وَلا شَيْءَ، لا نِدَاءَ يَوْمَئِذٍ وَلا إِقَامَةَ. فهذا الحديث دليل على أنه لا أذان لصلاة العيد ولا إقامة ولا ينادى لها بشيء. وذهب بعض العلماء إلى أنه ينادى لها بقول "الصلاة جامعة" قياساً على صلاة الكسوف. وهو قياس في مقابلة حديث جابر المتقدم فلا يعتد به. قال ابن قدامة رحمه الله: "وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يُنَادَى لَهَا: الصَّلاةُ جَامِعَةٌ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحَقُّ أَنْ تُتَّبَعَ" اهـ. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: لا ينادى للعيد والاستسقاء، وقاله طائفة من أصحابنا اهـ. نقله عنه في "الإنصاف" (1/428) وقال ابن القيم في زاد المعاد: "وَكَانَ صلى الله عليه وسلم إذَا انْتَهَى إلَى الْمُصَلَّى أَخَذَ فِي الصَّلَاةِ -أَيْ صَلاةِ الْعِيدِ- مِنْ غَيْرِ أَذَانٍ وَلا إقَامَةٍ , وَلا قَوْلِ: الصَّلاةُ جَامِعَةٌ , وَالسُّنَّةُ أَنْ لا يُفْعَلَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ اهـ. وقال الصنعاني في "سبل السلام" عن القول بأنه يستحب أن ينادى للعيد "الصلاة جامعة" قال: "إنه قول غَيْرُ صَحِيحٍ ; إذْ لا دَلِيلَ عَلَى الاسْتِحْبَابِ , وَلَوْ كَانَ مُسْتَحَبًّا لَمَا تَرَكَهُ صلى الله عليه وسلم ; وَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ مِنْ بَعْدِهِ , نَعَمْ، ثَبَتَ ذَلِكَ فِي صَلاةِ الْكُسُوفِ لا غَيْرُ , وَلا يَصِحُّ فِيهِ الْقِيَاسُ ; لأَنَّ مَا وُجِدَ سَبَبُهُ فِي عَصْرِهِ وَلَمْ يَفْعَلْهُ فَفِعْلُهُ بَعْدَ عَصْرِهِ بِدْعَةٌ , فَلا يَصِحُّ إثْبَاتُهُ بِقِيَاسٍ وَلا غَيْرِهِ" اهـ. وسئل الشيخ ابن عثيمين: هل لصلاة العيد أذان وإقامة؟ فأجاب: " صلاة العيد ليس لها أذان ولا إقامة، كما ثبتت بذلك السنة، ولكن بعض أهل العلم رحمهم الله قالوا: إنه ينادى لها "الصلاة جامعة"، لكنه قول لا دليل له، فهو ضعيف. ولا يصح قياسها على الكسوف، لأن الكسوف يأتي من غير أن يشعر الناس به، بخلاف العيد فالسنة أن لا يؤذن لها، ولا يقام لها، ولا ينادى لها، "الصلاة جامعة" وإنما يخرج الناس، فإذا حضر الإمام صلوا بلا أذان ولا إقامة، ثم من بعد ذلك الخطبة" اهـ. "مجموع فتاوى ابن عثيمن" (16/237) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 48972 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2057 دخل مع الإمام أثناء التكبيرات الزوائد [السُّؤَالُ] ـ[إذا دخلت مع الإمام في صلاة العيد بعد أن بدأ في التكبير بعد تكبيرة الإحرام، فهل أكبر ما فات مني بعد تكبير الإمام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: ما الحكم لو أدركت الإمام وهو يصلي العيد وكان يكبر التكبيرات الزوائد، هل أقضي ما فاتني أم ماذا أعمل؟ فأجاب: " إذا دخلت مع الإمام في أثناء التكبيرات، فكبر للإحرام أولاً، ثم تابع الإمام فيما بقي، ويسقط عنك ما مضى" اهـ. [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى ابن عثيمين (16/245) . الحديث: 48974 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2058 هل الأفضل للمرأة أن تخرج إلى صلاة العيد أم تبقى في بيتها؟ [السُّؤَالُ] ـ[أعلم أن الأفضل للمرأة أن تصلي في بيتها، لكن سؤالي بالنسبة لصلاة العيد هل الأفضل للمرأة أن تخرج لصلاة العيد أم الأفضل أن تبقى في بيتها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأفضل للمرأة أن تخرج لصلاة العيد، وبهذا أمرها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. روى البخاري (324) ومسلم (890) عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَتْ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُخْرِجَهُنَّ فِي الْفِطْرِ وَالأَضْحَى الْعَوَاتِقَ وَالْحُيَّضَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ، فَأَمَّا الْحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الصَّلاةَ وَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِحْدَانَا لا يَكُونُ لَهَا جِلْبَابٌ. قَالَ: لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا. (الْعَوَاتِق) جَمْع عَاتِق وَهِيَ مَنْ بَلَغَتْ الْحُلُم أَوْ قَارَبَتْ , أَوْ اِسْتَحَقَّتْ التَّزْوِيج. (وَذَوَات الْخُدُور) هن الأبكار. قال الحافظ: فِيهِ اِسْتِحْبَابُ خُرُوجِ النِّسَاءِ إِلَى شُهُودِ الْعِيدَيْنِ سَوَاءٌ كُنَّ شَوَابَّ أَمْ لا وَذَوَاتِ هَيْئَاتٍ أَمْ لا اهـ. وقال الشوكاني: وَالْحَدِيثُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الأَحَادِيثِ قَاضِيَةٌ بِمَشْرُوعِيَّةِ خُرُوجِ النِّسَاءِ فِي الْعِيدَيْنِ إلَى الْمُصَلَّى مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ وَالشَّابَّةِ وَالْعَجُوزِ وَالْحَائِضِ وَغَيْرِهَا مَا لَمْ تَكُنْ مُعْتَدَّةً أَوْ كَانَ خُرُوجُهَا فِتْنَةً أَوْ كَانَ لَهَا عُذْرٌ اهـ. وسئل الشيخ ابن عثيمين: أيهما أفضل للمرأة الخروج لصلاة العيد أم البقاء في البيت؟ فأجاب: " الأفضل خروجها إلى العيد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن تخرج النساء لصلاة العيد، حتى العواتق وذوات الخدور ـ يعني حتى النساء اللاتي ليس من عادتهن الخروج ـ أمرهن أن يخرجن إلا الحيض فقد أمرهن بالخروج واعتزال المصلى ـ مصلى العيد ـ فالحائض تخرج مع النساء إلى صلاة العيد، لكن لا تدخل مصلى العيد؛ لأن مصلى العيد مسجد، والمسجد لا يجوز للحائض أن تمكث فيه، فيجوز أن تمر فيه مثلاً، أو أن تأخذ منه الحاجة، لكن لا تمكث فيه، وعلى هذا فنقول: إن النساء في صلاة العيد مأمورات بالخروج ومشاركة الرجال في هذه الصلاة، وفيما يحصل فيها من خير، وذكر ودعاء" اهـ. "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (16/210) . وقال أيضا: " لكن يجب عليهن أن يخرجن تفلات، غير متبرجات ولا متطيبات، فيجمعن بين فعل السنة، واجتناب الفتنة. وما يحصل من بعض النساء من التبرج والتطيب، فهو من جهلهن، وتقصير ولاة أمورهن. وهذا لا يمنع الحكم الشرعي العام، وهو أمر النساء بالخروج إلى صلاة العيد " اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49011 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2059 شرح حديث (أولئك العصاة أولئك العصاة) [السُّؤَالُ] ـ[سمعت حديثاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للصائمين في السفر إنكم عصاة. فهل معنى ذلك أنه يحرم على المسافر أن يصوم؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سبق في جواب السؤال رقم (20165) أن المسافر إذا وجدت مشقة من الصيام فالأفضل له الفطر، وصيامه مكروه، وقد يكون صيامه حراماً إذا أدى إلى الضرر أو خوف الهلاك. وهذا الحديث الذي أشار إليه السائل محمول على ذلك، أي: إذا وجد المسافر مشقة شديدة من الصيام أو تضرر بالصيام. وسياق الحديث يدل على ذلك. روى مسلم (1114) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَامَ الْفَتْحِ إِلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ - وهو موضع بين مكة والمدينة- فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمْ الصِّيَامُ، وَإِنَّمَا يَنْظُرُونَ فِيمَا فَعَلْتَ. فَدَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ بَعْدَ الْعَصْرِ، فَرَفَعَهُ حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ، ثُمَّ شَرِبَ. فَقِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ. فَقَالَ: أُولَئِكَ الْعُصَاةُ، أُولَئِكَ الْعُصَاةُ. فيستفاد من سياق الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم سماهم عصاة لسببين: الأول: أنهم صاموا مع المشقة. الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم أفطر من أجل أن يقتدوا به، فكأنه أمرهم بالفطر فلم يفعلوا فسماهم عصاة. قال النووي: وَهَذَا مَحْمُول عَلَى مَنْ تَضَرَّرَ بِالصَّوْمِ. . . وَيُؤَيِّد هذا التَّأْوِيلَ قَوْلُهُ: (إِنَّ النَّاس قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمْ الصِّيَامُ) , وعلى هذا لا يَكُون الصَّائِم فِي السَّفَر عَاصِيًا إِذَا لَمْ يَتَضَرَّرْ بِهِ اهـ بتصرف. وقال ابن القيم في تهذيب السنن: وَأَمَّا قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أُولَئِكَ الْعُصَاة " فَذَاكَ فِي وَاقِعَة مُعَيَّنَة , أَرَادَ مِنْهُمْ الْفِطْر فَخَالَفَهُ بَعْضهمْ فَقَالَ هَذَا. . . فَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَفْطَرَ بَعْد الْعَصْر لِيَقْتَدُوا بِهِ , فَلَمَّا لَمْ يَقْتَدِ بِهِ بَعْضهمْ قَالَ: "أُولَئِكَ الْعُصَاة" وَلَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ تَحْرِيم الصِّيَام مُطْلَقًا عَلَى الْمُسَافِر اهـ. وقال الحافظ: ونَسَب النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّائِمِينَ في السفر إِلَى الْعِصْيَانِ لأَنَّهُ عَزَمَ عَلَيْهِمْ فَخَالَفُوا اهـ بتصرف. وعلى هذا؛ فالحديث ورد في حال خاصة، ولا يصح تطبيقه على جميع الصائمين في السفر. ومما يدل على ذلك أيضاً أنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم في السفر، ولو كان معصية لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 12656 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2060 هل يَخطب في العيد خطبتين أو خطبة واحدة؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما القول الراجح في خطبة العيدين، هل هي خطبة أم خطبتين؟ وما الدليل على ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذهب جمهور أهل العلم من المذاهب الأربعة وغيرهم إلى أنه يخطب في العيد بخطبتين، يفصل بينهما بجلوس، كما يفعل ذلك في خطبة صلاة الجمعة. جاء في المدونة (1/231) : " وقال مالك: الخطب كلها، خطبة الإمام في الاستسقاء والعيدين ويوم عرفة والجمعة، يجلس فيما بينها، يفصل فيما بين الخطبتين بالجلوس " انتهى. وقال الشافعي رحمه الله في "الأم" (1/272) : "عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: السنة أن يخطب الإمام في العيدين خطبتين يفصل بينهما بجلوس (قال الشافعي) : وكذلك خطبة الاستسقاء وخطبة الكسوف، وخطبة الحج، وكل خطبة جماعة " انتهى. وينظر: "بدائع الصنائع" (1/276) ، "المغني" (2/121) . قال الشوكاني رحمه الله معلقا على الأثر السابق: " والحديث الثاني يرجحه القياس على الجمعة. وعبيد الله بن عبد الله تابعي كما عرفت، فلا يكون قوله: "من السنة" دليلا على أنها سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما تقرر في الأصول. وقد ورد في الجلوس بين خطبتي العيد حديث مرفوع رواه ابن ماجه، وفي إسناده إسماعيل بن مسلم، وهو ضعيف " انتهى من "نيل الأوطار" (3/323) . وحديث ابن ماجة (1279) هو ما رواه عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: (خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى، فَخَطَبَ قَائِمًا، ثُمَّ قَعَدَ قَعْدَةً، ثُمَّ قَامَ) والحديث أورده الألباني في ضعيف ابن ماجه، وقال عنه: منكر. قال في "عون المعبود" (4/4) : " قال النووي في الخلاصة: وما روي عن ابن مسعود أنه قال: السنة أن يخطب في العيد خطبتين يفصل بينهما بجلوس، ضعيفٌ غير متصل، ولم يثبت في تكرير الخطبة شيء، والمعتمد فيه القياس على الجمعة " انتهى. فتحصّل من ذلك أن مستند الخطبتين: 1- حديث ابن ماجة، وأثر ابن مسعود رضي الله عنه، وكلاهما ضعيف كما سبق. 2- أثر عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وهو تابعي. 3- القياس على الجمعة. 4- وذكر الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أمراً رابعاً قد يُحتج به، قال رحمه الله: " وقوله: " خطبتين " هذا ما مشى عليه الفقهاء رحمهم الله أن خطبة العيد اثنتان؛ لأنه ورد هذا في حديث أخرجه ابن ماجه بإسناد فيه نظر، ظاهره أنه كان يخطب خطبتين. ومن نظر في السنة المتفق عليها في الصحيحين وغيرهما تبين له أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخطب إلا خطبة واحدة، لكنه بعد أن أنهى الخطبة الأولى توجه إلى النساء ووعظهن، فإن جعلنا هذا أصلا في مشروعية الخطبتين فمحتمل، مع أنه بعيد؛ لأنه إنما نزل إلى النساء وخطبهن لعدم وصول الخطبة إليهن، وهذا احتمال. ويحتمل أن يكون الكلام وصلهن ولكن أراد أن يخصهن بخصيصة، ولهذا ذكرهن ووعظهن بأشياء خاصة بهن " انتهى من "الشرح الممتع" (5/191) . وقد سئلت "اللجنة الدائمة" ما نصه: " هل في خطبة العيدين جلوس بين الخطبتين؟ فأجابت: " خطبتا العيدين سنة وهي بعد صلاة العيد، وذلك لما روي النسائي وابن ماجه وأبو داود عن عطاء عن عبد الله بن السائب رضي الله عنهما قال: شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم العيد فلما قضى الصلاة قال: (إنا نخطب فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس ومن أحب أن يذهب فليذهب) . قال الشوكاني رحمه الله في النيل: " قال المصنف رحمه الله تعالى: وفيه بيان أن الخطبة سنة، إذ لو وجبت وجب الجلوس لها " اهـ. ويشرع لمن خطب خطبتين في العيد أن يفصل بينهما بجلوس خفيف قياساً على خطبتي الجمعة، ولما روي الشافعي رحمه الله عن عبيد بن عبد الله بن عتبة رضي الله عنه قال: السنة أن يخطب الإمام في العيدين خطبتين يفصل بينهما بجلوس. وذهب بعض أهل العلم إلى أنه ليس لصلاة العيد إلا خطبة واحدة؛ لأن الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيها إلا خطبة واحدة، والله أعلم " انتهى نقلا عن "فتاوى إسلامية" (1/425) . وسئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يخطب الإمام في العيد خطبة واحدة أو خطبتين؟ فأجاب: " المشهور عند الفقهاء رحمهم الله أن خطبة العيد اثنتان، لحديث ضعيف ورد في هذا، لكن في الحديث المتفق على صحته أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يخطب إلا خطبة واحدة، وأرجو أن الأمر في هذا واسع " انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (16/246) . وقال أيضاً (16/248) : " السنة أن تكون للعيد خطبة واحدة، وإن جعلها خطبتين فلا حرج؛ لأنه قد روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن لا ينبغي أن يهمل عظة النساء الخاصة بهن. لأن النبي عليه الصلاة والسلام وعظهن. فإن كان يتكلم من مكبر تسمعه النساء فليخصص آخر الخطبة بموعظة خاصة للنساء، وإن كان لا يخطب بمكبر وكان النساء لا يسمعن فإنه يذهب إليهن، ومعه رجل أو رجلان يتكلم معهن بما تيسر " انتهى. وخلاصة الجواب: أن المسألة من مسائل الاجتهاد، والأمر في هذا واسع، وليس في السنة النبوية نص فاصل في المسألة، وإن كان ظاهرها أنها خطبة واحدة، فيفعل الإمام ما يراه أقرب إلى السنة في نظره. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 67942 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2061 إقامة أكثر من مصلى للعيد في المدينة [السُّؤَالُ] ـ[تستأجر الجمعية الإسلامية قاعة كبيرة لإقامة صلاة العيدين، فهل يجوز لجماعة تبعد ثلاثين ميلاً تقريباً عن القاعة أن يقيموا صلاة العيد في مسجدهم؟ علماً بأن وسائل النقل متوفرة، وهل من الأفضل أن تجمع القاعة معظم المسلمين لصلاة العيد بدلاً من أن يصلوها؛ أكثر من جماعة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا أمكنكم الاجتماع فهو أفضل، وإذا كان يشق عليهم فلا مانع من أن يصلوا في بلدهم الذي يبعد عن موقع إقامة صلاة العيدين ثلاثين كيلاً أو نحوها، مما يشق معه الاجتماع. وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (8/292) الحديث: 38468 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2062 اختلاف المطالع بين البلدان تأثيرها على المنتقلين بينها [السُّؤَالُ] ـ[مسلم صام رمضان وصلى العيد ثم سافر لبلده في الشرق فوجدهم لا زالوا يصومون رمضان، فهل يصوم معهم أم لا يصوم لأنه أنهى صيام رمضان قبل السفر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عما إذا صام رجل تسعة وعشرين يوما وشهد العيد في اليوم الثلاثين في البلد الذي كان صائماً فيه، ثم ذهب في صباح يوم العيد إلى بلد آخر، وهو مفطر، ووجدهم صائمين فهل يصوم أو يبقى على فطره وعيده؟ فأجاب بقوله: " لا يلزمك أن تمسك لأنك أفطرت بطريق شرعي فصار اليوم في حقك يوما مباحا، فلا يلزمك إمساكه، لو غابت عليك الشمس في بلد ثم سافرت إلى بلد فأدركت الشمس قبل أن تغيب فإنه لا يلزمك صيامه. " وسئل رحمه الله عما إذا بدأنا الصوم في المملكة العربية السعودية ثم سافرنا إلى بلادنا في شرق آسيا في شهر رمضان حيث يتأخر الشهر الهجري هناك يوما فهل نصوم واحدا وثلاثين يوما، وإن صاموا تسعة وعشرين يوما فهل يفطرون أم لا؟ فأجاب بقوله:" إذا سافر الإنسان من البلد التي صام فيها أول الشهر إلى بلد تأخر عندهم الفطر فإنه يبقى لا يفطر حتى يفطروا، ونظير هذا لو سافر في يومه إلى بلد يتأخر فيه غروب الشمس فإنه يبقى صائما حتى تغرب الشمس ولو بلغ عشرين ساعة، إلا إن أفطر من أجل السفر فله الفطر من أجل السفر، وكذلك العكس لو سافر إلى بلد أفطروا قبل أن يتم الثلاثين فإنه يفطر معهم، إن كان الشهر تاما قضى يوما، وإن كان غير تام فلا شيء عليه، فهو يقضي إذا نقص الشهر، وإذا زاد الشهر يتحمل الزيادة، والله أعلم. " انتهى من مجموع الفتاوى 19. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38101 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2063 النداء لصلاة العيدين [السُّؤَالُ] ـ[ما هو الرأي في استعمال الميكرفون قبل صلاة عيد الفطر وعيد الأضحى، لدعوة المسلمين إلى الحضور، وإفهامهم أنها صلاة واجبة، وأنها من ست تكبيرات؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا ينادى لصلاة عيد الفطر ولا لصلاة عيد الأضحى قبلها؛ من أجل أن يحضروا إلى المصلى، ولا من أجل إفهامهم حكم الصلاة، ولا ينبغي فعل ذلك، لا بالميكرفون ولا بغيره؛ لأن وقتهما معلوم والحمد لله، وقد قال الله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر) الأحزاب / 21، وينبغي لأولي الأمر من الحكام والعلماء أن يبينوا للمسلمين حكم هذه الصلاة قبل يوم العيد، وأن يبينوا لهم كيفيتها، وما ينبغي لهم فيها، فيما قبلها وما بعدها؛ حتى يتأهبوا للحضور إلى المصلى في وقتها، ويؤدوها على وجهها الشرعي. وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (8/313) الحديث: 37635 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2064 أخطاء تقع في العيد [السُّؤَالُ] ـ[ما هي الأخطاء والمنكرات التي نحذر منها المسلمين في العيدين؟ فنحن نرى بعض التصرفات التي ننكرها مثل زيارة المقابر بعد صلاة العيد، وإحياء ليلة العيد بالعبادة..]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن مما ينبه عليه مع إقبال العيد وبهجته بعض الأمور التي يفعلها البعض جهلاً بشريعة الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك: 1- اعتقاد البعض مشروعية إحياء ليلة العيد.. يعتقد بعض الناس مشروعية إحياء ليلة العيد بالعبادة، وهذا من البدع المُحدثة التي لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما روي في ذلك حديث ضعيف (من أحيا ليلة العيد لم يمت قلبه يوم تموت القلوب) وهذا حديث لا يصح، جاء من طريقين أحدهما موضوع والآخر ضعيف جداً. انظر سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني (520، 521) . فلا يشرع تخصيص ليلة العيد بالقيام من بين سائر الليالي، بخلاف من كان عادته القيام في غيرها فلا حرج أن يقوم ليلة العيد. 2- زيارة المقابر في يومي العيدين: وهذا مع مناقضته لمقصود العيد وشعاره من البشر والفرح والسرور، ومخالفته هديه صلى الله عليه وسلم وفعل السلف، فإنه يدخل في عموم نهيه صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور عيداً، إذ إن قصدها في أوقات معينة، ومواسم معروفة من معاني اتخاذها عيداً، كما ذكر أهل العلم. انظر أحكام الجنائز وبدعها للألباني (ص219) ، (ص258) . 3- تضييع الجماعة والنوم عن الصلوات: إن مما يؤسف له أن ترى بعض المسلمين وقد أضاع صلاته، وترك الجماعة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر " رواه الترمذي 2621 والنسائي 463 وصححه الألباني في صحيح الترمذي. وقال: " إِنَّ أَثْقَلَ صَلاةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلاةُ الْعِشَاءِ وَصَلاةُ الْفَجْرِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلاةِ فَتُقَامَ ثُمَّ آمُرَ رَجُلا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لا يَشْهَدُونَ الصَّلاةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّار " رواه مسلم 651 4- اختلاط النساء بالرجال في المصلى والشوارع وغيرها، ومزاحمتهن الرجال فيها: وفي ذلك فتنة عظيمة وخطر كبير، والواجب تحذير النساء والرجال من ذلك، واتخاذ التدابير اللازمة لمنع ذلك ما أمكن، كما ينبغي على الرجال والشباب عدم الانصراف من المصلى أو المسجد إلا بعد تمام انصرافهن. 5- خروج بعض النساء متعطرات متجملات سافرات: وهذا مما عمت به البلوى، وتهاون به الناس والله المستعان، حتى إن بعض النساء هداهن الله إذا خرجن للمساجد للتروايح أو صلاة العيد أو غير ذلك فإنها تتجمل بأبهى الثياب، وأجمل الأطياب، وقد قال عليه الصلاة والسلام: " أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا مِنْ رِيحِهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ " رواه النسائي 5126 والترمذي 2786 وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 2019 وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلاتٌ مَائِلاتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلا يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا " رواه مسلم 2128 فعلى أولياء النساء أن يتقوا الله فيمن تحت أيديهم، وأن يقوموا بما أوجب الله عليهم من القوامة لأن {الرجال قواموان على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض} . فعليهم أن يوجهوهن ويأخذوا بأيديهن إلى ما فيه نجاتهن، وسلامتهن في الدنيا والآخرة بالابتعاد عما حرم الله، والترغيب فيما يقرب إلى الله. 5- الاستماع إلى الغناء المحرم: إن من المنكرات التي عمت وطمت في هذا الزمن الموسيقى والطرب، وقد انتشرت انتشاراً كبيراً وتهاون الناس في أمرها، فهي في التلفاز والإذاعة والسيارة والبيت والأسواق، ولا حول ولا قوة إلا بالله، بل إن الجوالات لم تسلم من هذا الشر والمنكر، فهاهي الشركات تتنافس في وضع أحدث النغمات الموسيقية في الجوال، فوصل الغناء عن طريقها إلى المساجد والعياذ بالله.. وهذا من البلاء العظيم والشر الجسيم أن تسمع الموسيقى في بيوت الله أنظر سؤال رقم (34217) ، وهذا مصداق قوله صلى الله عليه وسلم: " ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحِر والحرير والخمر والمعازف. رواه البخاري. والحر هو الفرج الحرام يعني الزنا، والمعازف هي الأغاني وآلات الطرب. أنظر الأسئلة، (5000) ، (34432) فعلى المسلم أن يتقي الله، وأن يعلم بأن نعمة الله عليه تستلزم شكرها، وليس من الشك أن يعصي المسلم ربه، وهو الذي أمده بالنعم. مر أحد الصالحين بقوم يلهون ويلغون يوم العيد فقال لهم: إن كنتم أحسنتم في رمضان فليس هذا شكر الإحسان، وإن كنتم أسأتم فما هكذا يفعل من أساء مع الرحمن. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36856 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2065 آداب العيد [السُّؤَالُ] ـ[ما هي السنن والآداب التي نفعلها عليها يوم العيد؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من السنن التي يفعلها المسلم يوم العيد ما يلي: 1- الاغتسال قبل الخروج إلى الصلاة: فقد صح في الموطأ وغيره أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَغْدُوَ إِلَى الْمُصَلَّى. الموطأ 428 وذكر النووي رحمه الله اتفاق العلماء على استحباب الاغتسال لصلاة العيد. والمعنى الذي يستحب بسببه الاغتسال للجمعة وغيرها من الاجتماعات العامة موجود في العيد بل لعله في العيد أبرز. 2- الأكل قبل الخروج في الفطر وبعد الصلاة في الأضحى: من الآداب ألا يخرج في عيد الفطر إلى الصلاة حتى يأكل تمرات لما رواه البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ.. وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا. البخاري 953 وإنما استحب الأكل قبل الخروج مبالغة في النهي عن الصوم في ذلك اليوم وإيذانا بالإفطار وانتهاء الصيام. وعلل ابن حجر رحمه الله بأنّ في ذلك سداً لذريعة الزيادة في الصوم، وفيه مبادرة لامتثال أمر الله. فتح 2/446 ومن لم يجد تمرا فليفطر على أي شيء مباح. وأما في عيد الأضحى فإن المستحب ألا يأكل حتى يرجع من الصلاة فيأكل من أضحيته إن كان له أضحية، فإن لك يكن له من أضحية فلا حرج أن يأكل قبل الصلاة. 3- التكبير يوم العيد: وهو من السنن العظيمة في يوم العيد لقوله تعالى: (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون) . وعن الوليد بن مسلم قال: سألت الأوزاعي ومالك بن أنس عن إظهار التكبير في العيدين، قالا: نعم كان عبد الله بن عمر يظهره في يوم الفطر حتى يخرج الإمام. وصح عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: (كانوا في الفطر أشد منهم في الأضحى) قال وكيع يعني التكبير. انظر إرواء الغليل 3/122 وروى الدارقطني وغيره أن ابن عمر كان إذا غدا يوم الفطر ويوم الأضحى يجتهد بالتكبير حتى يأتي المصلى، ثم يكبر حتى يخرج الإمام. وروى ابن أبي شيبة بسند صحيح عن الزهري قال: كان الناس يكبرون في العيد حين يخرجون من منازلهم حتى يأتوا المصلى وحتى يخرج الإمام فإذا خرج الإمام سكتوا فإذا كبر كبروا. انظر إرواء الغليل 2/121 ولقد كان التكبير من حين الخروج من البيت إلى المصلى وإلى دخول الإمام كان أمراً مشهوراً جداً عند السلف وقد نقله جماعة من المصنفين كابن أبي شيبة وعبد الرزاق والفريابي في كتاب (أحكام العيدين) عن جماعة من السلف ومن ذلك أن نافع بن جبير كان يكبر ويتعجب من عدم تكبير الناس فيقول: (ألا تكبرون) . وكان ابن شهاب الزهري رحمه الله يقول: (كان الناس يكبرون منذ يخرجون من بيوتهم حتى يدخل الإمام) . ووقت التكبير في عيد الفطر يبتدئ من ليلة العيد إلى أن يدخل الإمام لصلاة العيد. وأما في الأضحى فالتكبير يبدأ من أول يوم من ذي الحجة إلى غروب شمس آخر أيام التشريق. - صفة التكبير.. ورد في مصنف ابن أبي شيبة بسند صحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه: أنه كان يكبر أيام التشريق: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد. ورواه ابن أبي شيبة مرة أخرى بالسند نفسه بتثليث التكبير. وروى المحاملي بسند صحيح أيضاً عن ابن مسعود: الله أكبر كبيراً الله أكبر كبيراً الله أكبر وأجلّ، الله أكبر ولله الحمد. أنظر الإرواء 3/126 4- التهنئة: ومن آداب العيد التهنئة الطيبة التي يتبادلها الناس فيما بينهم أيا كان لفظها مثل قول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنكم أو عيد مبارك وما أشبه ذلك من عبارات التهنئة المباحة. وعن جبير بن نفير، قال: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض، تُقُبِّل منا ومنك. قال ابن حجر: إسناده حسن. الفتح 2/446 فالتهنئة كانت معروفة عند الصحابة ورخص فيها أهل العلم كالإمام أحمد وغيره وقد ورد ما يدل عليه من مشروعية التهنئة بالمناسبات وتهنئة الصحابة بعضهم بعضا عند حصول ما يسر مثل أن يتوب الله تعالى على امرئ فيقومون بتهنئته بذلك إلى غير ذلك. ولا ريب أن هذه التهنئة من مكارم الأخلاق والمظاهر الاجتماعية الحسنة بين المسلمين. وأقل ما يقال في موضوع التهنئة أن تهنئ من هنأك بالعيد، وتسكت إن سكت كما قال الإمام أحمد رحمه الله: إن هنأني أحد أجبته وإلا لم أبتدئه. 5- التجمل للعيدين.. عن عبد الله بن عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ أَخَذَ عُمَرُ جُبَّةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ تُبَاعُ فِي السُّوقِ فَأَخَذَهَا فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْتَعْ هَذِهِ تَجَمَّلْ بِهَا لِلْعِيدِ وَالْوُفُودِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لا خَلاقَ لَهُ.. رواه البخاري 948 فأقر النبي صلى الله عليه وسلم عمر على التجمل للعيد لكنه أنكر عليه شراء هذ الجبة لأنها من حرير. وعن جابر رضي الله عنه قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم جبة يلبسها للعيدين ويوم الجمعة. صحيح ابن خزيمة 1765 وروى البيهقي بسند صحيح أن ابن عمر كان يلبس للعيد أجمل ثيابه. فينبغي للرجل أن يلبس أجمل ما عنده من الثياب عند الخروج للعيد. أما النساء فيبتعدن عن الزينة إذا خرجن لأنهن منهيات عن إظهار الزينة للرجال الأجانب وكذلك يحرم على من أرادت الخروج أن تمس الطيب أو تتعرض للرجال بالفتنة فإنها ما خرجت إلا لعبادة وطاعة. 6- الذهاب إلى الصلاة من طريق والعودة من آخر.. عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ. رواه البخاري 986 قيل الحكمة من ذلك ليشهد له الطريقان عند الله يوم القيامة، والأرض تحدّث يوم القيامة بما عُمل عليها من الخير والشرّ. وقيل لإظهار شعائر الإسلام في الطريقين. وقيل لإظهار ذكر الله. وقيل لإغاظة المنافقين واليهود وليرهبهم بكثرة من معه. وقيل ليقضى حوائج الناس من الاستفتاء والتعليم والاقتداء أو الصدقة على المحاويج أو ليزور أقاربه وليصل رحمه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36442 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2066 صفة صلاة العيد [السُّؤَالُ] ـ[ما هي صفة صلاة العيد؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صفة صلاة العيد أن يحضر الإمام ويؤم الناس بركعتين قال عمر رضي الله عنه: صلاة الفطر ركعتان وصلاة الأضحى ركعتان تمام غيرُ قصر على لسان نبيكم وقد خاب من افترى. رواه النسائي (1420) وابن خزيمة وصححه الألباني في صحيح النسائي. وعن أبي سعيد قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى فأول شيء يبدأ به الصلاة. رواه البخاري (956) يُكبر في الأولى تكبيرة الإحرام، ثم يُكبر بعدها ست تكبيرات أو سبع تكبيرات لحديث عائشة رضي الله عنها: " التكبير في الفطر والأضحى الأولى سبع تكبيرات وفي الثانية خمس تكبيرات سوى تكبيرتي الركوع " رواه أبو داود وصححه الألباني في إراواء الغليل (639) . ثم يقرأ الفاتحة، ويقرأ سورة " ق " في الركعة الأولى، وفي الركعة الثانية يقوم مُكبراً فإذا انتهى من القيام يُكبر خمس تكبيرات، ويقرأ سورة الفاتحة، ثم سورة " اقتربت الساعة وانشق القمر " فهاتان السورتان كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بهما في العيدين، وإن شاء قرأ في الأولى بسبح وفي الثانية بـ " هل أتاك حديث الغاشية " فقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيد بسبح اسم ربك الأعلى والغاشية. وينبغي للإمام إحياء السنة بقراءة هذه السور حتى يعرفها المسلمون ولا يستنكروها إذا وقعت. وبعد الصلاة يخطب الإمام في الناس، وينبغي أن يخص شيئاً من الخطبة يوجهه إلى النساء يأمرهن بما ينبغي أن يقمن به، وينهاهن عن ما ينبغي أن يتجنبنه كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم. أنظر فتاوى أركان الإسلام للشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله ص398، وفتاوى اللاجنة الدائمة (8 / 300 – 316) الصلاة قبل الخطبة: من أحكام العيد أن الصلاة قبل الخطبة لحديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمَ الْفِطْرِ فَبَدَأَ بِالصَّلاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ. رواه البخاري 958 ومسلم 885 ومما يدلّ على أن الخطبة بعد الصلاة حديث أبي سعيد رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى إِلَى الْمُصَلَّى فَأَوَّلُ شَيْءٍ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلاةُ ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيَقُومُ مُقَابِلَ النَّاسِ وَالنَّاسُ جُلُوسٌ عَلَى صُفُوفِهِمْ فَيَعِظُهُمْ وَيُوصِيهِمْ وَيَأْمُرُهُمْ فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَقْطَعَ بَعْثًا قَطَعَهُ أَوْ يَأْمُرَ بِشَيْءٍ أَمَرَ بِهِ ثُمَّ يَنْصَرِفُ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَلَمْ يَزَلْ النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى خَرَجْتُ مَعَ مَرْوَانَ - وَهُوَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ - فِي أَضْحًى أَوْ فِطْرٍ فَلَمَّا أَتَيْنَا الْمُصَلَّى إِذَا مِنْبَرٌ بَنَاهُ كَثِيرُ بْنُ الصَّلْتِ فَإِذَا مَرْوَانُ يُرِيدُ أَنْ يَرْتَقِيَهُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَجَبَذْتُ بِثَوْبِهِ فَجَبَذَنِي فَارْتَفَعَ فَخَطَبَ قَبْلَ الصَّلاةِ فَقُلْتُ لَهُ غَيَّرْتُمْ وَاللَّهِ!! فَقَالَ: أَبَا سَعِيدٍ قَدْ ذَهَبَ مَا تَعْلَمُ. فَقُلْتُ: مَا أَعْلَمُ وَاللَّهِ خَيْرٌ مِمَّا لا أَعْلَمُ. فَقَالَ: إِنَّ النَّاسَ لَمْ يَكُونُوا يَجْلِسُونَ لَنَا بَعْدَ الصَّلاةِ فَجَعَلْتُهَا قَبْلَ الصَّلاةِ " رواه البخاري 956. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36491 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2067 لماذا يكبر الإمام في صلاة العيد [السُّؤَالُ] ـ[لماذا يسن لنا اثنتا عشرة تكبيرة في كل من صلاة العيدين قبل قراءة الفاتحة، وما فائدة ذلك، وما معناه دون الصلوات الخمس المفروضة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأصل في العبادات التوقيف، وأن نتعبد بما أمرنا به الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، سواء عرفنا الحكمة في ذلك أم لا، وخاصة كيفيات الصلاة والصوم والحج، فليس للعقل فيها مجال، ومن ذلك ما شرعه النبي صلى الله عليه وسلم لنا من التكبير ست تكبيرات أو سبع تكبيرات بعد تكبيرة الإحرام وقبل قراءة الفاتحة في الركعة الأولى من صلاة العيدين، وخمس تكبيرات قبل قراءة الفاتحة في الركعة الثانية من صلاة العيدين دون الصلوات المفروضة. فعلينا أن نؤمن بتشريع الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ونستسلم له، ونسمع ونطيع؛ لأن الأصل في ذلك التعبد لا التعليل. وليس للعبد أن يدخل فيما هو من شئون الله واختصاصه من العبادات وأنواعها وكيفياتها، ولا أن يسأل لِمَ شرع الله كذا وترك كذا، وما فائدة هذا الذي شرعه، بل عليه أن يعرف ما شرع الله ورسوله ويعمل به، فإن ظهرت له الحكمة فالحمد لله، وإلا استسلم لحكم الله وأطاع وأيقن أنه لم يشرع إلا لحكمة ومصلحة للعباد؛ لأنه سبحانه حكيم عليم في أقواله وأفعال هـ، وشرعه وقدره، قال تعالى: (إن ربك حكيم عليم) الأنعام / 83 ومما يدل على ما ذكرنا قوله سبحانه: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) الأحزاب / 21، وقوله صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) ، رواه البخاري في صحيحه، وقوله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: (خذوا عني مناسككم) رواه مسلم 378. وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (8/299) الحديث: 34784 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2068 إعادة صلاة الكسوف غير مشروعة [السُّؤَالُ] ـ[صلينا مرة صلاة الكسوف، ولما انتهينا منها ولم تنكشف الشمس أعاد الإمام الصلاة، فهل هذا الفعل مشروع أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "المشروع في هذا هو الصلاة عند كسوف الشمس وخسوف القمر مع الذكر، والاستغفار، والتكبير، والصدقات، وإعتاق الرقاب، كل هذا مشروع كما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه ذكر كسوف الشمس والقمر وقال: (إِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ) ، ثم قال عليه الصلاة والسلام: (فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إِلَى ذِكْرِهِ وَدُعَائِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ) وفي لفظ آخر: (فَصَلُّوا وَادْعُوا حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِكُمْ) . فالسنة أن يصلي الإمام ركعتين في كل ركعة قراءتان وركوعان وسجدتان، فإن انكشف الكسوف فالحمد لله، وإلا انشغل الناس بذكر الله والدعاء، والاستغفار، والتكبير، والصدقات، ويكفي، ولا يُشرع إعادة الصلاة. هذا هو المعروف عند أهل العلم" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (2/1053) . [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز فتاوى نور على الدرب الحديث: 132616 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2069 كيف يفعل إذا انتهى من صلاة الكسوف قبل انجلائه؟ [السُّؤَالُ] ـ[كيف يفعل إذا انتهى من الصلاة قبل أن ينجلي الكسوف، هل يعيد الصلاة أم ماذا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله السنة أن تستمر صلاة الكسوف حتى ينكشف، وينجلي الأمر، ويعود كما كان. عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَادْعُوا اللَّهَ وَصَلُّوا حَتَّى يَنْجَلِي) رواه البخاري (1060) ، وهو عند مسلم (رقم/911) بلفظ (حتى ينكشف) ، وفي لفظ آخر من رواية أبي مسعود الأنصاري (حتى يكشف ما بكم) ، وأما لفظ (حتى ينجلي) فرواه الإمام مسلم (رقم/904) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه. فإذا انصرف الإمام من الصلاة ظانا أن الكسوف قد انتهى، وهو لم ينته بعد، فقد نص الفقهاء على أنه لا يستحب إعادة صلاة الكسوف حينئذ؛ أي: إذا انصرف الناس منها والشمس ما زالت كاسفة، لما في ذلك من زيادة تحتاج دليلا خاصا، ولا دليل على مشروعية تكرار صلاة الكسوف. قال الإمام الشافعي رحمه الله: " إن صلى صلاة الكسوف فأكملها، ثم انصرف والشمس كاسفة، يزيد كسوفها أو لا يزيد: لم يُعِد الصلاةَ، وخطب الناس؛ لأنا لا نحفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في كسوف إلا ركعتين " انتهى. " الأم " (1/279) وقال ابن قدامة رحمه الله: " إن فرغ من الصلاة والكسوف قائم: لم يَزِدْ , واشتغل بالذكر والدعاء ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزد على ركعتين " انتهى. " المغني " (2/145) وقال الإمام النووي رحمه الله: " لو سلم من صلاة الكسوف - والكسوف باق - فهل له استفتاح صلاة الكسوف مرة أخرى؟ فيه وجهان، خرجهما الأصحاب على جواز زيادة الركوع، والصحيح المنع من الزيادة والنقص، ومن استفتاح الصلاة ثانيا. والله أعلم " انتهى. " المجموع " (5/54) جاء في " الشرح الكبير " من كتب المالكية (1/404) : " (ولا تكرر) الصلاة إن أتموها قبل الانجلاء والزوال، أي يمنع فيما يظهر " انتهى. ويستحب للناس أن ينشغلوا بالدعاء والذكر حتى يكتمل انجلاء الكسوف، لما في الذكر والدعاء من تحقيق معنى صلاة الكسوف، وهو إظهار التذلل والتضرع لله عز وجل في هذا الموقف العظيم. وفي بعض روايات الحديث: (.. فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَكَبِّرُوا وَادْعُوا اللَّهَ وَصَلُّوا وَتَصَدَّقُوا) رواه مسلم (901) . قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " المشهور عند أهل العلم أن صلاة الكسوف لا تكرر، ولكن ينبغي للإمام أن يلاحظ مدة الكسوف فيجعل الصلاة مناسبة، فإن كانت قصيرة قصّر الصلاة، ويعلم هذا بما نسمع عنه الآن مما يقرر قبل حدوث الكسوف؛ بأن الكسوف سيبدأ في الدقيقة كذا من الساعة كذا إلى الدقيقة كذا في الساعة كذا، فينبغي للإمام أن يلاحظ ذلك. وإذا فرغت الصلاة قبل انجلاء الكسوف فليتشاغلوا بالدعاء والذكر حتى ينجلي " انتهى. " مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين " (16 / 322) . ويقول أيضا رحمه الله: " لا تكرر صلاة الكسوف إذا انتهت قبل الانجلاء، وإنما يصلي نوافل كالنوافل المعتادة، أو يدعو ويستغفر ويشتغل بالذكر حتى ينجلي " انتهى. " مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين " (16 / 324) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125485 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2070 إذا وقع الكسوف وقت الجمعة فبأيهما يبدأ [السُّؤَالُ] ـ[ما الحكم إذا تعارض وقت حصول الكسوف مع وقت صلاة الجمعة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا كسفت الشمس يوم الجمعة، فإن كان ذلك قبل الجمعة بوقت يسع صلاة الكسوف المعتادة، كما لو كان الكسوف في الضحى أو قريبا منه، بدئ بالكسوف، ثم صليت الجمعة في وقتها، وإن وقع الكسوف في وقت الجمعة، فإن خيف فوات الجمعة، قدمت اتفاقا. وإن أمن فواتها، فالجمهور على تقديم الكسوف، وذهب الحنابلة في قول اختاره ابن قدامة رحمه الله إلى تقديم الجمعة؛ لأن البدء بالكسوف يفضي إلى المشقة، ويقتضي حبس الناس لأجله وإلزامهم بصلاته، وهي غير واجبة في الأصل. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/146) : " وإذا اجتمع صلاتان , كالكسوف مع غيره من الجمعة , أو العيد , أو صلاة مكتوبة , أو الوتر , بدأ بأخوفهما فوتا , فإن خيف فوتهما بدأ بالصلاة الواجبة , وإن لم يكن فيهما واجبة كالكسوف والوتر أو التراويح , بدأ بآكدهما , كالكسوف والوتر , بدأ بالكسوف ; لأنه آكد , ولهذا تسن له الجماعة , ولأن الوتر يقضى , وصلاة الكسوف لا تقضى. فإن اجتمعت التراويح والكسوف , فبأيهما يبدأ؟ فيه وجهان، هذا قول أصحابنا، والصحيح عندي أن الصلوات الواجبة التي تصلى في الجماعة مقدمة على الكسوف بكل حال ; لأن تقديم الكسوف عليها يفضي إلى المشقة , لإلزام الحاضرين بفعلها مع كونها ليست واجبة عليهم , وانتظارهم للصلاة الواجبة , مع أن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتخفيف الصلاة الواجبة , كي لا يشق على المأمومين , فإلحاق المشقة بهذه الصلاة الطويلة الشاقة , مع أنها غير واجبة , أولى، وكذلك الحكم إذا اجتمعت مع التراويح , قدمت التراويح لذلك , وإن اجتمعت مع الوتر في أول وقت الوتر قدمت؛ لأن الوتر لا يفوت , وإن خيف فوات الوتر قدم ; لأنه يسير يمكن فعله وإدراك وقت الكسوف , وإن لم يبق إلا قدر الوتر , فلا حاجة بالتلبس بصلاة الكسوف ; لأنها إنما تقع في وقت النهي، وإن اجتمع الكسوف وصلاة الجنازة , قدمت الجنازة وجها واحدا ; لأن الميت يخاف عليه , والله أعلم " انتهى. وقال النووي رحمه الله في "المجموع" (5/61) : " قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله: إذا اجتمع صلاتان في وقت واحد قدم ما يخاف فوته , ثم الأوكد , فإذا اجتمع عيد وكسوف , أو جمعة وكسوف وخيف فوت العيد أو الجمعة لضيق الوقت قدم العيد والجمعة؛ لأنهما أوكد من الكسوف وإن لم يخف فوتهما فالأصح وبه قطع المصنف [أبو إسحاق الشيرازي] والأكثرون: يقدم الكسوف، لأنه يخاف فوته " انتهى بتصرف. وينظر: "الموسوعة الفقهية" (27/258) . والذي يظهر رجحان ما ذهب إليه ابن قدامة رحمه الله؛ لما ذكر من المشقة، ولأن الجمعة آكد وأهم. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا اجتمعت صلاتان صلاة الكسوف مع غيرها، كصلاة الفريضة، أو الجمعة، أو الوتر، أو التراويح، فأيهما يقدم؟ فأجاب: " الفريضة مقدمة على الكسوف والخسوف؛ لأنها أهم، ولأن الله تعالى قال في الحديث القدسي: (ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه) " انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (16/307) . ثانيا: إذا بدأ الإمام بالجمعة، خطب لها وصلاها، ثم صلى الكسوف وخطب له، وإذا بدأ بصلاة الكسوف وفرغ منها، خطب للجمعة، وذكّر فيها بالكسوف، ثم صلى الجمعة، واستغنى بخطبتي الجمعة عن الخطبة للكسوف. قال النووي رحمه الله في الموضع السابق: " ولو اجتمع جمعة وكسوف واقتضى الحال تقديم الجمعة خطب لها ثم صلى الجمعة , ثم الكسوف , ثم خطب للكسوف. وإن اقتضى الحال تقديم الكسوف بدأ بها , ثم خطب للجمعة خطبتها , وذكر فيهما شأن الكسوف وما يندب في خطبتيه ولا يحتاج إلى أربع خطب , وقال أصحابنا: ويقصد بالخطبتين الجمعة خاصة، وكذا نص عليه الشافعي في الأم " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121250 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2071 إذا كان الكسوف ظاهرة طبيعية فلماذا نفزع ونصلي [السُّؤَالُ] ـ[أصبح من المعروف أن الكسوف ليست إلا ظاهرة تحدث في فترة (يمكن أن تكون معلومة الوقت) يكون فيها القمر بين الشمس والأرض. فلماذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ذلك الوقت؟ فهي لا تسبب أي أذى.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله وحده وبعد.. فإنه لما كسفت الشمس على عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام أمر مناديا ينادي، الصلاة جامعة. فصلى بالناس ثم خطبهم، وبين لهم حكمة الكسوف وأبطل اعتقادات الجاهلية، وبين لهم ما ينبغي لهم أن يفعلوه من الصلاة، والدعاء، والصدقة، قال عليه الصلاة والسلام: " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا، وصلوا، وتصدقوا ". ومعنى ذلك أن المسلمين لا يعرفون موعداً للكسوف، لكن متى حدث سارعوا إلى ما شرع الله لهم من الصلاة وغيرها. وكانوا عند حدوث الكسوف يخافون أن يكون منذرا بنزول بلاء، فيلجأون إلى الله بالدعاء أن يصرف عنهم ما يحذرون. ولما انتشر في الأعصار المتأخرة علم الهيئة وحساب سير الشمس والقمر، وعُلم أن المختصين بذلك قد يدركون وقت الكسوف. بيّن العلماء أن العلم بذلك لا يغير الحكم، وأن على المسلمين أن يفعلوا ما أمروا به عند حدوث الكسوف ولو كانوا قد علموا بذلك من قبل. ولكن لا يشرع الاهتمام برصد مواعيد الكسوف، فإن ذلك مما لم يأمرنا به الله ورسوله، كما بين العلماء أن الكسوف قد يكون علامة أو سببا لحدوث شر يتضرر به العباد. وقول السائل أن الكسوف لايسبب أذى، قولٌ بغيرعلم، واعتراض على شرع الله، وليس بلازم أن يعلم الناس بما يحدثه الله عند الكسوف، وقد يعلم بذلك بعض الناس دون بعض، وقد يدفع الله بصلاة المسلمين ودعائهم عن العباد من الشرور ما لا يعلمه إلا الله. فالواجب على المسلم التسليم لحكم الله والعمل بشرعه، والإيمان لحكمته، فإنه العليم الحكيم سبحانه وتعالى. أملاه فضيلة الشيخ عبد الرحمن البراك. وكسوف الشمس وخسوف القمر آيتان من آيات الله يخوف الله بهماعباده ويذكّرهم بعض ما يكون يوم القيامة إذا الشمس كوّرت وإذا النجوم انكدرت وإذا برق البصر وخسف القمر وجُمع الشمس والقمر وهذا وجه التخويف وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم من شدة خشيته لله قد خرج فزعا يظنّ الساعة قد قامت لما كسفت الشمس في عهده وهذا من قوّة استحضاره لقيام الساعة وشفقته منها وأمّا نحن فقد أصابتنا الغفلة حتى لم يعد أكثر الناس يرون فيها إلا مجرّد ظاهة طبيعية يعمدون فيها إلى لبس النظّارات وحمل الكاميرات والاقتصار على التفسير العلمي الدنيوي لها دون أن يدركوا ما وراء ذلك من التذكير بالآخرة وهذا من علامات قسوة القلب وقلة الاهتمام بأمر الآخرة وضعف الخشية من قيام الساعة والجهل بمقاصد الشّريعة وما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من الفزع عند حدوث الكسوف والخسوف، وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يقومون لصلاة الكسوف والخسوف وفي أنفسهم أنها لو كانت لقيام الساعة لم يكونوا بصلاتهم غافلين وإن كان الكسوف والخسوف ليس لأنّ القيامة قد قامت فلم يخسروا بصلاتهم وإنما غنموا أجرا كبيرا نسأل الله أن يجعلنا ممن يخشونه وهم من الساعة مشفقون وصلى الله على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 5901 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2072 صلاة الكسوف لا تشرع إلا لمن شاهد الكسوف أو وقع في بلده [السُّؤَالُ] ـ[هل نصلي الكسوف بناء على خبر أهل الحساب المنشور في الجريدة؟ وهل إذا وقع الكسوف في بلد آخر نصلي صلاة الكسوف أم يجب رؤيته بالعين المجردة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قد صحت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمر بصلاة الكسوف والذكر والدعاء عندما يرى المسلمون كسوف الشمس أو القمر فقال صلى الله عليه وسلم: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكن الله يرسلهما يخوف بهما عباده، فإذا رأيتم ذلك فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم) وفي لفظ آخر: (فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه واستغفاره) فعلق صلى الله عليه وسلم الأمر بالصلاة والدعاء والذكر والاستغفار برؤية الكسوف لا بخبر الحسابين. فالواجب على المسلمين جميعاً التمسك بالسنة والعمل بها والحذر من كل ما يخالفها. وبذلك يعلم أن الذين صلوا صلاة الكسوف اعتماداً على خبر الحسابين قد أخطأوا وخالفوا السنة. ويُعلم أيضاً أنه لا يشرع لأهل بلد لم يقع عندهم الكسوف أن يصلوا، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم علق الأمر بالصلاة وما ذكر معها برؤية الكسوف لا بالخبر من أهل الحساب بأنه سيقع، ولا بوقوعه في بلد آخر، وقد قال الله عز وجل: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) الحشر /7، وقال سبحانه: (لقد كان لكم في رسول لله أسوة حسنة) الأحزاب /21، وهو صلى الله عليه وسلم إنما صلى صلاة الكسوف لما وقع ذلك في المدينة وشاهده الناس، وقال عز وجل: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) النور /63. ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم هو أعلم الناس وأنصح الناس، وأنه هو المبلغ عن الله أحكامه. فلو كانت صلاة الكسوف تشرع بأخبار الحسابين، أو بوقوع الكسوف في مناطق أو أقاليم لا يشاهدها إلا أهلها، لبين ذلك وأرشد الأمة إليه. فلما لم يبين ذلك، بل بين خلافه، وأرشد الأمة إلى أن يعتمدوا على الرؤية للكسوف، علم بذلك أن الصلاة لا تشرع إلا لمن شاهد الكسوف أو وقع في بلده. والله ولي التوفيق. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز – رحمه الله – م/13 ص/30. الحديث: 20368 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2073 أدرك الركوع الثاني في صلاة الكسوف [السُّؤَالُ] ـ[إذا أدركت الركوع الثاني من الركعة الأولى في صلاة الكسوف فماذا أفعل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تدرك الركعة في صلاة الكسوف بإدراك الركوع الأول منها وبناء على ما جاء في سؤالك فإنك تكون قد أدركت الركعة الثانية فقط مع الإمام فتأتي بعد السلام بركعة كاملة بقراءتيها وركوعيها وسجوديها (راجع صفة صلاة الكسوف) [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 6309 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2074 ينادَى لصلاة الكسوف بقول: (الصلاة جامعة) [السُّؤَالُ] ـ[ورد أنه ينادى لصلاة الكسوف بـ (الصلاة جامعة) فهل يقولها مرة واحدة، أو يشرع تكرارها، وما مقدار التكرار؟ أفتونا مأجورين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر أن ينادى لصلاة الكسوف بقول: (الصلاة جامعة) رواه البخاري ومسلم، والسنة للمنادي أن يكرر ذلك حتى يظن أنه أسمع الناس، وليس لذلك حد محدود فيما نعلم. والله ولي التوفيق. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - م/13 ص/38. الحديث: 9954 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2075 فاتته صلاة الفجر ووجد الجماعة يصلون الكسوف [السُّؤَالُ] ـ[هل لمن جاء لصلاة الجماعة في الفجر متأخراً أن ينضم مع الإمام وهو يصلي الخسوف؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن كان يعلم أنه في الكسوف فلا يدخل معه، لاختلاف حال الصلاتين فالخسوف مع أنها ركعتان إلا أن كل ركعة بركوعين وقيامين وقراءتين ومن كان جاهلاً بأن الإمام يصلي الكسوف وانضم مع الإمام بنية الفجر فيجب عليه أن ينوي الانفراد عن الإمام متى علم أن الإمام يصلي الكسوف، ويتمها فجراً ثم إن أراد يدخل مع الإمام فيما بقي من صلاة الكسوف. والله الموفق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 66105 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2076 صلاة الكسوف بعد طلوع الفجر [السُّؤَالُ] ـ[خرجنا لصلاة الفجر هذا اليوم الخميس الرابع عشر من شهر رمضان، فرأينا القمر في حال الخسوف ماذا نفعل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الشمس والقمر آيتان من آيات الله يذّكر الله بخسوف القمر وكسوف الشمس عباده بيوم القيامة، يوم يذهب ضوءهما قال تعالى: (فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) القيامة/7-9، فهذه الآية تذكر بذلك اليوم، انظر السؤال رقم (5901) ، وقد فزع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الصلاة حين حصل ذلك. وحيث أنكم رأيتم الخسوف اليوم وأنتم خارجون لصلاة الفجر فإنكم مخيّرون بين البدء بالخسوف كما ذكر ذلك بعض العلماء، لورود الأمر من النبي صلى الله عليه وسلم بالفزع إليها، والفزع يقتضي الإسراع بها. وإذا بدأتم بالفجر أولاً فهذا طيّب لأن الفريضة مقدّمَة، وقد يكون في هذا مصلحة، وخصوصاً عندما لا يُرى الخسوف إلا عند وقت الإقامة، فربما يشقّ على الناس، لاسيما الذين يسهرون الليل في شهر الصيام أن يبدأ بهم الإمام صلاة الخسوف. فإذا بدأوا بالفجر ليتمكن من يريد الانصراف من الانصراف كان هذا أهون على الناس، وأيضاً فهذا يبعد عن البلبلة، وخصوصاً للقادمين لصلاة الفجر، ولا يعلمون أن الإمام يصلي الخسوف. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65719 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2077 إذا كسفت الشمس وقت صلاة العصر [السُّؤَالُ] ـ[إذا كسفت الشمس ووقت صلاة العصر قريب فماذا نفعل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كسفت الشمس بعد أذان العصر تصلون الفريضة ثم تصلّون الكسوف وإذا كسفت الشمس قبل أذان العصر تصلّون الكسوف وبعد الانتهاء تؤذّنون للعصر وتصلّون الفريضة ولا يضرّ تأخير الأذان عن أول الوقت. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 6124 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2078 هل يشترط المحافظة على الرواتب كل يوم كي يبنى له بيت في الجنة، أم يكفي يوم واحد؟ [السُّؤَالُ] ـ[حديث (من صلى 12 ركعة في اليوم بني له قصر في الجنة) هل من حافظ عليها بني له قصر في الجنة أم من صلى كل يوم بني له بعدد الأيام التي صلاها قصور في الجنة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث العظيم في فضائل صلاة النافلة الراتبة ورد بلفظين: ظاهر أحدهما: أن من صلى الرواتب الاثنتي عشرة ركعة - ولو يوما واحدا من عمره - بنى الله له بيتا في الجنة، وأن من حافظ عليها لأيام كثيرة كان له من البيوت في الجنة بعدد تلك الأيام التي حافظ عليها، وهذا اللفظ كالآتي: عن أم حبيبة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (مَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ) رواه مسلم (728) والأخذ بظاهر هذا اللفظ هو ما يبدو من قول عائشة رضي الله عنها: (من صلى أول النهار ثنتي عشرة ركعة بني له بيت في الجنة) رواه ابن أبي شيبة في " المصنف " (2/109) وكذلك هو ما يظهر من قول أبي هريرة رضي الله عنه قال: (ما من عبد مسلم يصلي في يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعا إلا بني له بيت في الجنة) رواه أحمد (16/283) وقال المحققون في طبعة مؤسسة الرسالة: صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن. وروي موقوفا بسند مضعف. وهو أيضا ما يبدو من تبويب الإمام الترمذي رحمه الله في جامعه (1/537) على هذا الحديث بقوله: " باب ما جاء فيمن صلى في يوم وليلة ثنتي عشرة ركعة من السنة ما له فيه من الفضل " انتهى. وبوب عليه ابن حبان في " صحيحه " (6/204) بقوله: " ذكر بناء الله جل وعلا بيتا في الجنة لمن صلى في اليوم والليلة اثنتي عشرة ركعة سوى الفريضة " انتهى. فكل هذه النقول جاءت بصيغة المطلق (في يوم وليلة اثنتي عشرة ركعة) ، وهذا يدل على أن المحافظة على هذه الرواتب في يوم واحد فقط كاف لبناء بيت في الجنة. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل من صلاها وداوم عليها في اليوم الذي يصلى فيه يبنى له هذا البيت في الجنة، أم أنه لو صلى مثلا ثلاثة أيام يبنى له ثلاثة بيوت، أم ماذا؟ فأجاب رحمه الله: " مَن صلى اثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة بنى الله له بيتا في الجنة على الجميع، فإذا حافظ عليها، صار كلَّ يوم يمضي يُبنَى له بيت في الجنة " انتهى باختصار. نقلا عن موقعه على هذا الرابط: " فتاوى نور على الدرب " (شريط 249، وجه أ) . http://www.ibnothaimeen.com/all/noor/article_3392.shtml وقال أيضا رحمه الله: " وظاهر الحديث أنه لا تشترط المحافظة على هذه الركعات، وأن الإنسان إذا صلاها يوما واحداً: بنى الله له بيتاً في الجنة " انتهى. " شرح مسلم " (شريط رقم 4 وجه ب) وأما ظاهر اللفظ الثاني: فيدل على اشتراط المحافظة على هذه الرواتب الاثنتي عشرة ركعة في كل يوم كي يثاب صاحبها عليها ببناء بيت واحد في الجنة، وهذا اللفظ هو: عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي لِلَّهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تطَوُّعًا غَيْرَ فَرِيضَةٍ إِلَّا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ أَوْ إِلَّا بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ) رواه مسلم (728) ، ومحل الشاهد قوله صلى الله عليه وسلم: (كل يوم) بل وأصرح منه حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ ثَابَرَ عَلَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً مِنْ السُّنَّةِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ) رواه الترمذي (رقم/414) وقال: حديث غريب من هذا الوجه، ومغيرة بن زياد قد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه. وصحح الحديث الشيخ الألباني في " صحيح الترمذي ". وهو ظاهر ما يذهب إليه ابن أبي شيبة في " المصنف " (2/108) حيث بوب عليه بقوله: " في ثواب من ثابر اثني عشرة ركعة من التطوع " انتهى. والنسائي في " السنن الكبرى " (1/458) حيث يقول: " باب ثواب من ثابر على اثنتي عشرة ركعة في اليوم والليلة، وذكر اختلاف ألفاظ الناقلين في ذلك " انتهى. وإلى ظاهر اللفظ الثاني ذهب الشيخ ابن باز رحمه الله حيث يقول: " وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من حافظ على ثنتي عشرة ركعة تطوعا في يومه وليلته بني له بهن بيت في الجنة " انتهى. " فتاوى الشيخ ابن باز " (11 / 380) . ولعل هذا القول هو الأقرب: يعني: أن هذا الوعد خاص بمن واظب على ذلك؛ إعمالا للقيد الذي ورد في روايات صحيحة؛ فالمطلق يحمل على المقيد، وزيادة القيد هنا مقبولة، لا وجه إهمالها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 142662 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2079 هل يصلى السنن الرواتب عند الجمع بين الصلاتين في الحضر؟ [السُّؤَالُ] ـ[لو جمع مقيم صلاتين فهل يجب أن يصلي الفرض فقط أم هل يجوز صلاة السنة المؤكدة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا جمع المقيم بين الصلاتين لعذر كالمطر أو المرض أو غير ذلك من الأعذار فله أن يصلي السنة الراتبة، ولا يجب عليه ذلك لأنها سنة وليست واجبة، فإن جمع بين الظهر والعصر صلى راتبة الظهر القبلية، ثم يجمع بين الصلاتين، ثم يصلي راتبة الظهر البعدية بعد صلاة العصر. وإن جمع بين المغرب والعشاء، صلى بعدهما راتبة المغرب ثم راتبة العشاء. قال النووي رحمه الله في "روضة الطالبين" (1 / 402) . "في جمع العشاء والمغرب يصلي الفريضتين ثم سنة المغرب ثم سنة العشاء ثم الوتر. وأما في الظهر: فالصواب الذي قاله المحققون أنه يصلي سنة الظهر التي قبلها ثم يصلي الظهر ثم العصر ثم سنة الظهر التي بعدها ثم سنة العصر" انتهى. وقال زكريا الأنصاري رحمه الله في "أسنى المطالب" (1/245) : "وَإِنْ جَمَعَ تَقْدِيمًا بَلْ أو تَأْخِيرًا في الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ صلى سُنَّةَ الظُّهْرِ التي قَبْلَهَا ثُمَّ الْفَرِيضَتَيْنِ الظُّهْرَ ثُمَّ الْعَصْرَ ثُمَّ بَاقِيَ السُّنَنِ مُرَتَّبَةً أَيْ سُنَّةَ الظُّهْرِ التي بَعْدَهَا ثُمَّ سُنَّةَ الْعَصْرِ. وفي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ يُصَلِّي الْفَرِيضَتَيْنِ ثُمَّ السُّنَنَ مُرَتَّبَةً سُنَّةَ الْمَغْرِبِ ثُمَّ سُنَّةَ الْعِشَاءِ ثُمَّ الْوِتْرَ" انتهى. وقال ابن قدامة رحمه الله: " وَإِذَا جَمَعَ فِي وَقْتِ الْأُولَى , فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ سُنَّةَ الثَّانِيَةِ مِنْهُمَا , وَيُوتِرُ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الثَّانِيَةِ ; لِأَنَّ سُنَّتَهَا تَابِعَةٌ لَهَا , فَيَتْبَعُهَا فِي فِعْلِهَا وَوَقْتِهَا , وَالْوِتْرُ وَقْتُهُ مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ , وَقَدْ صَلَّى الْعِشَاءَ فَدَخَلَ وَقْتُهُ " انتهى. "المغني" (2 / 61-62) . وقال في الإنصاف (2 / 344) : " يُصَلِّي سُنَّةَ الظُّهْرِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، قَالَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ " انتهى. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل تؤدى السنن الراتبة القبلية والبعدية في حالة الجمع بين الصلاتين كالظهر والعصر والمغرب والعشاء، وإذا كانت تؤدى فكيفية تأدية هذه الراتبة هل تكون بعد الصلوات أو قبلها؟ فأجاب: "إنسان مريض أو جمع الناس من أجل المطر فأخر الظهر إلى العصر يصلي الراتبة أولاً أربع ركعات، ثم إذا فرغ من صلاة العصر صلى الراتبة البعدية التي للظهر. يجمع بين المغرب والعشاء ثم إذا فرغ صلى راتبة المغرب أولاً ثم راتبة العشاء" انتهى. "لقاء الباب المفتوح" (147 / 15) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 137720 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2080 إذا كان المسجد يغلق بعد الصلاة وجلس إلى الشروق في بيته فهل ينال الأجر؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك صلاة في الإسلام تسمى صلاة الإشراق؟ حيث يقول الناس عادة أن هناك حديث يقول بأنه من صلى الصبح ثم قعد في المسجد يذكر الله ويقرأ القرآن ... إلخ وبعد طلوع الشمس وقف وصلى ركعتين تسميان صلاة الإشراق فإن الله سيكافئه بأجر حجة فهل هذا صحيح؟ وإذا كان كذلك فهل هذا الأمر مقصور على المسجد فقط؟ وما العمل في المجتمع الذي يقوم عادة بإغلاق المسجد مباشرة بعد الصلاة (ربما بعد 10 دقائق من الصلاة) فهل يجوز للمرء أن يذهب للمنزل ويصلى هذه الصلاة؟ وهل سيحصل على ذات الأجر (إذا كان الحديث حديث صحيح) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صلاة الإشراق هي صلاة ركعتين بعد طلوع الشمس وارتفاعها، لمن صلى الفجر في جماعة في المسجد ثم جلس في مصلاه يذكر الله تعالى حتى يصلي ركعتين. جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (27/221) : " بِتَتَبُّعِ ظَاهِرِ أَقْوَال الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ يَتَبَيَّنُ: أَنَّ صَلاَةَ الضُّحَى وَصَلاَةَ الإِْشْرَاقِ وَاحِدَةٌ، إِذْ كُلُّهُمْ ذَكَرُوا وَقْتَهَا مِنْ بَعْدِ الطُّلُوعِ إِلَى الزَّوَال وَلَمْ يَفْصِلُوا بَيْنَهُمَا. وَقِيل: إِنَّ صَلاَةَ الإِْشْرَاقِ غَيْرُ صَلاَةِ الضُّحَى، وَعَلَيْهِ فَوَقْتُ صَلاَةِ الإِْشْرَاقِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، عِنْدَ زَوَال وَقْتِ الْكَرَاهَةِ " انتهى. قال شمس الدين الرملي الشافعي: " الْمُعْتَمَدَ أَنَّ صَلَاةَ الْإِشْرَاقِ هِيَ صَلَاةُ الضُّحَى " انتهى. فتاوى الرملي (2/46) . وينظر: جواب السؤال رقم (22389) . وقد جاء في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ، وَعُمْرَةٍ، تَامَّةٍ، تَامَّةٍ، تَامَّةٍ) رواه الترمذي (586) من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه. وهذا الحديث مختلف في صحته، فضعفه جماعة من أهل العلم، وحسنه آخرون. وممن حسنه الألباني رحمه الله في صحيح سنن الترمذي. وقد ثبت في صحيح مسلم (670) : (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا صَلَّى الْفَجْرَ جَلَسَ فِي مُصَلَّاهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَسَنًا) ، ولم يذكر فيه أنه صلى هاتين الركعتين. وقد سئل عنه الشيخ ابن باز رحمه الله , فقال: "هذا الحديث له طرق لا بأس بها، فيعتبر بذلك من باب الحسن لغيره، وتستحب هذه الصلاة بعد طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح، أي بعد ثلث أو ربع ساعة تقريبا من طلوعها " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (25/171) . وظاهر الحديث أن ذلك مختص بمن صلى الصبح في جماعة، والمقصود جماعة المسجد التي جاءت في فضلها الأحاديث. لكن إذا كان المسلم في بلد تغلق فيه المساجد بعد الصلاة مباشرة، فعاد المصلي إلى بيته وقعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين، فإنه يرجى له الثواب الوارد في الحديث؛ لأنه معذور. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ما هي صلاة الإشراق "؟ فأجاب رحمه الله تعالى: " صلاة الإشراق، وهي التي تصلى بعد أن ترتفع الشمس قيد رمح، ومقدار ذلك بالساعة أن يمضي على طلوعها ربع الساعة أو حول ذلك، هذه هي صلاة الإشراق، وهي صلاة الضحى أيضاً؛ لأن صلاة الضحى من حين أن ترتفع الشمس قيد رمح إلى قبيل الزوال، وهي في آخر الوقت أفضل منها في أوله. وأما ما أشار إليه في الحديث (أن من صلى الفجر في جماعة ثم جلس في مصلاه يذكر الله ثم صلى ركعتين يعني إذا ارتفعت الشمس فهو كما لو أتى بعمرة وحجة تامة تامة) : فهذا الحديث ضعيف؛ ضعفه كثير من الحفاظ. ولكن قد ثبت عن النبي صل الله عليه وسلم في صحيح مسلم أنه كان يبقى في مصلاه في الفجر، يعني إذا صلى الفجر حتى تطلع الشمس، وليس فيه ذكر صلاة الركعتين. وخلاصة الجواب: أن ركعتي الضحى هما ركعتا الإشراق؛ لكن إن قَدمتَ الركعتين في أول الوقت، وهو ما بعد ارتفاع الشمس قيد رمح: فهما إشراق وضحى، وإن أخرتهما إلى آخر الوقت فهما ضحى وليستا بإشراق. أما أقلها فركعتان، وأما أكثرها فلا حد له يصلى الإنسان نشاطه " انتهى. "فتاوى نور على الدرب". والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136363 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2081 يصلي راتبة الفجر بعد الصلاة دائماً [السُّؤَالُ] ـ[ما قولكم في رجل دائماً ما يدخل المسجد في صلاة الفجر على وقت الإقامة، ثم يصف مع المسلمين، وبعد نهاية الصلاة يقوم ويؤدي ركعتي الفجر، يفعل هذا (كل يوم) وليس أحيانا، بل (كل يوم) ما رأيكم بفعله؟ حتى كأن ركعتي الفجر غدت بعد صلاة الفجر؟ والنوم والكسل ربما السبب فيما يفعله! هل التزام ركعتي الفجر عقب الصلاة بشكل يومي ومستمر جائز؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من لم يتمكن من أداء ركعتي الفجر قبل الصلاة لانشغاله، أو استيقاظه المتأخر أو غير ذلك من الأعذار، فيشرع له أن يصليهما بعد صلاة الفجر، أو ينتظر حتى ترتفع الشمس ثم يصليهما، وقد سبق بيان أدلة ذلك في جواب السؤال (65746) . قال الشيخ ابن باز رحمه الله: "إذا لم يتيسر للمسلم أداء سنة الفجر قبل الصلاة فإنه يخير بين أدائها بعد الصلاة أو تأجيلها إلى ما بعد ارتفاع الشمس؛ لأن السنة قد ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم بالأمرين جميعًا، لكن تأجيلها أفضل إلى ما بعد ارتفاع الشمس لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، أما فِعْلها بعد الصلاة فقد ثبت من تقريره عليه الصلاة والسلام لمن فعل ذلك" انتهى "فتاوى إسلامية" (1/523) . وعلى هذا فيحمل تصرف الشخص المسؤول عنه، أنه قام من نومه متأخراً، ولم يتمكن من صلاة الراتبة قبل إقامة الصلاة، وهذا جائز لا حرج فيه. ولكن ينبغي نصحه بأن يقوم من نومه للصلاة مبكراً، حتى يتمكن من أداء الراتبة قبل إقامة الصلاة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 132496 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2082 هل يصلي راتبة الفجر وتحية المسجد أو يكتفي بالراتبة فقط؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من دخل المسجد بعد طلوع الفجر، هل يصلي سنة تحية المسجد أو يكتفي بسنة الفجر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الأفضل أن يكتفي بسنة الفجر، وتقوم مقام التحية، كما أن الفريضة تقوم مقام التحية، فلو جاء وقد أقيمت الصلاة صلى معهم، وصارت الفريضة قائمة مقام تحية المسجد، فالمشروع لا يجلس إلا بعد الصلاة، فإذا صلى سنة الفجر كفى، وإن جاء وقد أقيمت الصلاة كفته الفريضة، عن تحية المسجد. فإن صلاهما؛ أي صلى التحية، ثم صلى سنة الفجر فلا حرج، لكن ترك هذا أولى، الأولى والأفضل أن يصلي سنة الفجر لأنها الراتبة ويكتفي بها عن صلاة التحية؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الفجر ركعتين فقط، ما كان يزيد على ركعتين بعد طلوع الفجر وهي سنة الفجر، فالأفضل ألا تزيد على ركعتين، فإذا صليتهما بقصد سنة الفجر كفتا عن تحية المسجد. لكن لو صلى الراتبة أي سنة الفجر في بيته ثم جاء المسجد قبل أن تقام الصلاة، فإنه يصلي تحية المسجد قبل أن يجلس، لأنه حينئذ ليس عليه سنة الفجر حيث إنه قد صلاها في البيت، فيصلي تحية المسجد ثم يجلس" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (2/878) . [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز فتاوى نور على الدرب الحديث: 132432 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2083 لزوم سورة معينة في صلاة الضحى [السُّؤَالُ] ـ[إنني أصلي صلاة الضحى والحمد لله باستمرار، وقد تعمدت أن أقرأ في الركعتين الأوليين سورة (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ) وذلك لأن فيها صفات أهل الجنة، وآمل من الله أن يجعلني منهم، وفي الركعة الثالثة أقرأ سورة الضحى لأن الصلاة هي صلاة الضحى، وفي الركعة الرابعة أقرأ سورة الإخلاص لأن فيها ذكر صفات الله العظيمة التي لا يشاركه فيها أحد، فهل يجوز لي الاستمرار على ذلك أم أنه بدعة يجب أن أتركها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الأفضل ألا تستمر في ذلك؛ لأن هذا شيء لا أصل له، ولا دليل عليه، وربما باعتياده تعتقد أنه كالشيء الواجب، فينبغي أن تفعل هذا تارة وهذا تارة ولا تستمر على قراءة هذه السور فقط، وسورة الضحى ليس لها ما يبرر أن تُقرأ في صلاة الضحى، فإن قسم الله بالضحى شيء آخر غير ما يتعلق بصلاة الضحى، إن الله يقسم بما يشاء من خلقه سبحانه وتعالى. لكن يجوز للمؤمن أن يختار بعض السور وبعض الآيات يقرأ بها لكن مع اعتقاده وإيمانه بأن هذا شيء ليس بلازم، وأنه لا بأس أن يقرأ غيرها من الآيات والسور فمع هذا الاعتقاد لا حرج، ولكن الأولى والأفضل ألا تستمر على هذا الشيء، بل تقرأ تارة كذا وتارة كذا حتى لا تعتاد هذا الشيء فتظن أنه لازم، فإن المسلم لو اعتاد الشيء يشق عليه فراقه. و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) بالأخص لها شأن عظيم، إذا قرأها الإنسان محبة لها، ولما فيها من صفات الله هذا يرجى له الخير العظيم، وثبت أن بعض الصحابة كان يقرأ بها في صلاته بالناس فقال له بعض الصحابة: لماذا تلزمها ولا تكتفي بها؟ فقال: إنها صفة الرحمن وأنا أحب أن أقرأها، وبلغ النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: (أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ) ، وفي لفظ: (حُبُّكَ إِيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ) . فإذا قرأ الإنسان سورة الإخلاص لها المعنى أو آيات الجنة للشوق إلى الجنة أو آيات النار للحذر هذا له خير عظيم، لكن لا يلزم ذلك، بل تارة وتارة حتى لا يعتاد الشيء الذي ليس بلازم. ثم إن السنة في الضحى ركعتان هذا أقل شيء فإذا أراد أن يزيد فيصلي ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين لا يجمع أربعاً جميعاً، فالأفضل أن يصلي ركعتين بتسليم ثم ركعتين بتسليم لأن الرسول عليه السلام قال: (صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى) ، وكانت عادة النبي عليه الصلاة والسلام من كل ثنتين في الليل والنهار، فالأفضل أن تسلم من كل ثنتين تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم، وعملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: (صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى) ، وهذه الزيادة: (والنهار) زيادة لا بأس بها عند كثير من أهل العلم" انتهى. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (2/875) الحديث: 131683 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2084 هل يجوز أن يصلي ركعتين شكراً لله؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للإنسان أن يصلي ركعتين شكراً لله عز وجل إذا حدث أمر يسره؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله السجود شكراً لله عند حدوث نعمة أو اندفاع نقمة، من السنن الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (5110) . وأما صلاة ركعتين شكراً لله تعالى، فمحل خلاف بين العلماء. فمن أهل العلم من استحب ذلك عند حدوث نعمة متجددة، ومما قد يُستدل به لمشروعية ذلك: 1- ما رواه الحاكم عن كعب بن عجرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر كعب بن مالك حين تيب عليه وعلى أصحابه أن يصلي ركعتين أو سجدتين. رواه الحاكم في "المستدرك على الصحيحين" (5/148) . إلا أن هذا الحديث لا يصح؛ لأن في إسناده: يحيى بن المثنى. قال العقيلي: "حديثه غير محفوظ، ولا يعرف بالنقل" انتهى من "الضعفاء الكبير" (4/ 432) . 2- ما رواه ابن ماجه (1391) من طريق سَلَمَة بْن رَجَاءٍ حَدَّثَتْنِي شَعْثَاءُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنه (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى يَوْمَ بُشِّرَ بِرَأْسِ أَبِي جَهْلٍ رَكْعَتَيْنِ) . وهذا الحديث حسنه بعض العلماء كابن حجر وابن الملقن. ينظر: "البدر المنير" (9 /106) ، تلخيص الحبير (4 /107) . ولكن قال البوصيري: " هذا إسنادٌ فيه مقال، شَعْثَاء بنتُ عبد الله، لَمْ أَرَ مَنْ تَكَلَّمَ فِيهَا لَا بِجُرْحٍ وَلَا بِتَوْثِيقٍ. وَسَلَمَة بْن رَجَاء لَيَّنَهُ اِبْن مُعِين، وَقَالَ اِبْن عَدِّي: حَدَّثَ بِأَحَادِيث لَا يُتَابَع عَلَيْهَا، وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ضَعِيف، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: يَنْفَرِد عَنْ الثِّقَات بِأَحَادِيث، وَقَالَ أَبُو زُرْعَة: صَدُوق، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: مَا بِحَدِيثِهِ بَأْس ". انتهى من "مصباح الزجاجة " (1 / 211) . وكذلك ضعفه الشيخ الألباني في ضعيف سنن ابن ماجه. 3- صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ثمان ركعات عام الفتح، وقد قال كثير من العلماء إنها كانت شكراً لله على نعمة الفتح. قال محمد بن نصر المروزي: " وأما الصلاة والسجود عند حوادث النعم شكراً لله عز وجل، فمن ذلك: أن الله لما أنعم على نبيه صلى الله عليه وسلم بفتح مكة اغتسل وصلى ثمان ركعات شكراً لله عز وجل ". انتهى من " تعظيم قدر الصلاة" (1 /240) . وقال ابن حجر: " فيه مشروعيه الصلاة للشكر". انتهى " فتح الباري " (3 / 15) . ولكن الاستدلال بهذا الحديث قد ينازع فيه من وجهين: 1- أنه خاص بالنصر والفتح، فلا يعمم على جميع حالات السرور. قال ابن كثير: " هي صلاة الشكر على النصر، على المنصور من قولي العلماء". انتهى من " البداية والنهاية " (1 / 324) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " وكانوا يستحبون عند فتح مدينة أن يصلى الإمام ثماني ركعات شكراً لله، ويسمونها: صلاة الفتح ". انتهى " مجموع الفتاوى" (17 / 474) . وقال ابن القيم رحمه الله: "ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار أم هانئ بنت أبي طالب، فاغتسل وصلى ثمان ركعات في بيتها، وكانت ضحى، فظنها من ظنها صلاة الضحى، وإنما هذه صلاة الفتح. وكان أمراء الإسلام إذا فتحوا حصنا أو بلدا صلوا عقيب الفتح هذه الصلاة، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي القصة ما يدل على أنها بسبب الفتح شكرا لله عليه، فإنها قالت: ما رأيته صلاها قبلها ولا بعدها " انتهى من " زاد المعاد " (3 /361) . 2- أن أم هانئ بنت أبي طالب، وهي التي روت هذا الحديث، صرحت في لفظ حديثها بأنها كانت صلاة الضحى، وهو خلاف ما ذهب إليه ابن القيم رحمه الله في كلامه السابق. فروى مسلم (336) عنها قالت: (لَمَّا كَانَ عَامُ الْفَتْحِ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِأَعْلَى مَكَّةَ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى غُسْلِهِ فَسَتَرَتْ عَلَيْهِ فَاطِمَةُ ثُمَّ أَخَذَ ثَوْبَهُ فَالْتَحَفَ بِهِ ثُمَّ صَلَّى ثَمَانَ رَكَعَاتٍ سُبْحَةَ الضُّحَى) . قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: "قَوْلهَا: (ثُمَّ صَلَّى ثَمَان رَكَعَات سُبْحَة الضُّحَى) هَذَا اللَّفْظ فِيهِ فَائِدَة لَطِيفَة، وَهِيَ أَنَّ صَلَاة الضُّحَى ثَمَان رَكَعَات. وَمَوْضِع الدَّلَالَة كَوْنهَا قَالَتْ: (سُبْحَة الضُّحَى) , وَهَذَا تَصْرِيح بِأَنَّ هَذَا سُنَّة مُقَرَّرَة مَعْرُوفَة , وَصَلَّاهَا بِنِيَّةِ الضُّحَى بِخِلَافِ الرِّوَايَة الْأُخْرَى (صَلَّى ثَمَان رَكَعَات، وَذَلِكَ ضُحًى) , فَإِنَّ مِنْ النَّاس مَنْ يَتَوَهَّم مِنْهُ خِلَاف الصَّوَاب، فَيَقُول: لَيْسَ فِي هَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ الضُّحَى ثَمَان رَكَعَات، وَيَزْعُم أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي هَذَا الْوَقْت ثَمَان رَكَعَات بِسَبَبِ فَتْح مَكَّة، لا لِكَوْنِهَا الضُّحَى , فَهَذَا الْخَيَال الَّذِي يَتَعَلَّق بِهِ هَذَا الْقَائِل فِي هَذَا اللَّفْظ لَا يَتَأَتَّى لَهُ فِي قَوْلهَا: (سُبْحَة الضُّحَى) . وَلَمْ تَزَلْ النَّاس قَدِيمًا وَحَدِيثًا يَحْتَجُّونَ بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى إِثْبَات الضُّحَى ثَمَان رَكَعَات. وَاللَّهُ أَعْلَم. وَ (السُّبْحَة) هِيَ النَّافِلَة سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِلتَّسْبِيحِ الَّذِي فِيهَا" انتهى. وبناء على ما سبق ذهب أكثر العلماء إلى عدم مشروعية ما يسمى بـ "صلاة الشكر". قال الرملي: " لَيْسَ لَنَا صَلَاةٌ تُسَمَّى صَلَاةَ الشُّكْرِ ". انتهى من " تحفة المحتاج " (3 / 208) . وقال الشيخ ابن باز: " لا أعلم أنه ورد شيء في صلاة الشكر، وإنما الوارد في سجود الشكر ". انتهى "مجموع الفتاوى " (11 /424) . وقال الشيخ ابن عثيمين: " لا أعلم في السنة صلاة تسمى: صلاة الشكر، ولكن فيها سجوداً يسمى: سجود الشكر". انتهى " فتاوى نور على الدرب" (6 / 17) . وقال: " الشكر ليس له صلاة ذات ركوع وقيام، وإنما له سجود فقط ". انتهى "فتاوى نور على الدرب" (6 / 18) . فالمشروع للمسلم إذا حدث له ما سره أن يسجد شكراً لله تعالى، أما صلاة الشكر فلا أصل لها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131657 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2085 صلاة الإشراق سنة وليست واجبة [السُّؤَالُ] ـ[هل أداء صلاة الشروق واجب؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: صلاة الإشراق هي صلاة ركعتين بعد طلوع الشمس وارتفاعها، لمن صلى الفجر في جماعة في المسجد ثم جلس في مصلاه يذكر الله تعالى حتى يصلي ركعتين. وقد جاء في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ، وَعُمْرَةٍ، تَامَّةٍ، تَامَّةٍ، تَامَّةٍ) رواه الترمذي (586) من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه. وهذا الحديث مختلف في صحته، فضعفه جماعة من أهل العلم، وحسنه آخرون. وممن حسنه الألباني رحمه الله في صحيح سنن الترمذي. وسئل عنه الشيخ ابن باز رحمه الله , فقال: "هذا الحديث له طرق لا بأس بها، فيعتبر بذلك من باب الحسن لغيره، وتستحب هذه الصلاة بعد طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح، أي بعد ثلث أو ربع ساعة تقريبا من طلوعها " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (25/171) . ثانياً: هذه الصلاة مستحبة، وليست واجبة، وهي داخلة في صلاة الضحى؛ إذ وقت صلاة الضحى من ارتفاع الشمس إلى قُبيل الزوال (وقت الظهر) . وقد جاء في سنية واستحباب صلاة الضحى: ما روى البخاري (1178) مسلم (721) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلَاثٍ لا أَدَعُهُنَّ حَتَّى أَمُوتَ: صَوْمِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَصَلاةِ الضُّحَى، وَنَوْمٍ عَلَى وِتْرٍ) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن صلاة الإشراق وصلاة الضحى فأجاب: "سنة الإشراق هي سنة الضحى، لكن إن أديتها مبكراً من حين أشرقت الشمس وارتفعت قيد رمح فهي صلاة الإشراق، وإن كان في آخر الوقت أو في وسط الوقت فإنها صلاة الضحى، لكنها هي صلاة الضحى؛ لأن أهل العلم رحمهم الله يقولون: إن وقت صلاة الضحى من ارتفاع الشمس قيد رمح إلى قبيل الزوال" انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (141/24) وقد سبق بيان ذلك في سؤال رقم (22389) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129956 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2086 هل يشمل فضل البقاء في المسجد بعد صلاة الفجر الرجل والمرأة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل انتظار المرأة للشروق، مع ذكر وصلاة الركعتين بعد الشروق، يكون لها نفس أجر الرجل الذي في المسجد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحديث الوارد في فضيلة الركعتين بعد جلوس مصلي الصبح في مصلاه إلى أن تطلع الشمس ـ مع اختلاف العلماء في صحته ـ جاء مقيدا بكون هذه الصلاة في جماعة، وهذا نص الحديث: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ، ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ. قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ) رواه الترمذي (586) وقال: حسن غريب. وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (3403) والأصل أن قوله صلى الله عليه وسلم (في جماعة) وصف مقيد، يخرج به مَن صلى الفجر في بيته أو في غير جماعة المسجد ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، فلا يشمله هذا الأجر وهذا الفضل الخاص، نعني أجر الحجة والعمر التامة، خاصة وأن الأفضل أن تصلي المرأة في بيتها وليس في المسجد، وإن كان لها من الأجر والفضل الكثير العام، فذكرُ الله من أفضل القربات وأحب العبادات إلى الله تعالى. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله السؤال الآتي: هل حديث: (من صلى الصبح في جماعة ثم جلس يذكر الله ... ) إلى آخر الحديث يشمل المرأة، وخاصة أنها تصلى في البيت منفردة، وليست في جماعة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث الوارد في (من صلى الصبح في جماعة ثم جلس في مصلاه يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين - يعني بعد ارتفاعها قيد رمح - فهو كأجر حجة وعمرة تامة تامة) بعض العلماء لا يصححه ويرى أنه حديث ضعيف. وعلى فرض أنه صحيح يراد به الرجال فقط، وذلك لأن النساء لا يشرع في حقهن الجماعة، فيكون خاصا بمن تشرع في حقهم الجماعة وهم الرجال، لكن لو جلست امرأة في مصلى بيتها تذكر الله عز وجل إلى أن تطلع الشمس وترتفع قيد رمح، ثم تصلى ركعتين، فيرجى لها الثواب على ما عملت، ومن المعلوم أن الصباح والمساء كلاهما وقت للتسبيح وذكر الله عز وجل، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً. وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) " انتهى. " فتاوى نور على الدرب " (فتاوى الصلاة/صلاة الضحى) وانظر جواب السؤال رقم: (100009) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129080 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2087 يترك الصلاة في الحرم النبوي ليصلي خلف إمام يراه أخشع لقلبه [السُّؤَالُ] ـ[كنا مجاورين للمسجد النبوي في المدينة في العشر الأواخر من رمضان الماضي وأحد الشباب كان يذهب يصلي في الحرم كل الفروض إلا صلاة العشاء والتراويح وأيضاً القيام خارج المسجد بحجة أنه لا يجد قلبه في الصلاة ولا يرتاح لصوت بعض أئمة الحرم ويقول لا يريد أن يضيع العشر من رمضان وأهم شيء عندي قلبي. وأحد المعتكفين يقول أنا أعتكف اليوم كله إلا وقت صلاة العشاء والقيام أصليها خارج الحرم النبوي فما تعليلكم يا شيخ حفظك الله؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصلاة في المسجد النبوي تتضاعف أضعافاً كثيرة. فقد روى البخاري (1190) ومسلم (1394) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَام) وهذا الحديث يشمل الفرائض، والنوافل التي يُستحب أن تصلى جماعة في المساجد كالتراويح. قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: " تستحب صلاة النافلة في البيت سواء الرواتب أو غيرها، إلا ما شرع الله أداءه في المسجد كتحية دخوله، وهكذا ما شرع الله له الجماعة كالتراويح والكسوف فإنها تصلى في المسجد، وهكذا صلاة العيد وصلاة الاستسقاء فإنها تصلى في المصلى " انتهى مختصراً. "فتاوى اللجنة الدائمة" (7/239) . أما ترك صاحبك صلاة التراويح في المسجد النبوي للسبب الذي ذكرته فلا شك أن الخشوع في الصلاة، وإصلاح القلب بالصلاة أمر مطلوب، والصوت الحسن بالقرآن يساعد على ذلك. ويتأثر به السامع فإن كان صاحبك سيصلي في مسجد آخر ويكون ذلك أخشع لقلبه فلا حرج عليه، ويكون قد ترك فضيلة المكان، وحرص على فضيلة تتعلق بذات الصلاة وهي الخشوع، وعند تعارض الفضيلتين – كما هو الحال عند صاحبك – فينبغي تقديم الفضيلة المتعلقة بذات العبادة. قال الشيخ ابن جبرين: " إن الصوت الحسن، والقراءة الجيدة، لها وقع في النفس، وتأثير في حضور القلب، وخشوع البدن، والتأثُّر بكلام الله تعالى، والتّلذُّذ بسماعه. مما يكون سبباً في فهمه، وإدراك معانيه، وتدبره، ومعرفة إعجازه وبلاغته، وقوة أساليبه، وكل ذلك سبب في العمل به، وتقبّل إرشاداته، وتوجيهاته، فلا يُعاب من التمس قارئاً حسن الصّوت، مجوّداً للقرآن، حافظاً له، خاشعاً في قراءته، مطمئناً في صلاته، فإن مثل هذا يقصد للصلاة خلفه، ولو من مكان بعيد، ويفضل على غيره ممن لا يجيد القراءة، أو يلحن، أو يغلط كثيراً، أو لا يحسن صوته، ولا يتغنَّى بالقرآن، أو يقرأ بالهذرمة والسرعة الشديدة، أو لا يطمئن في صلاته، ولا يخشع في قراءته، ولو كان مسجده قريبا " انتهى. "فتاوى الشيخ ابن جبرين" (24/28) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " قول السائل هل الاعتكاف في المسجد الحرام أفضل من غيره؟ جوابه: نعم، الاعتكاف في المسجد الحرام أفضل من الاعتكاف في المساجد الأخرى، ويليه الاعتكاف في المسجد النبوي، ويليه الاعتكاف في المسجد الأقصى، ثم المساجد الأخرى الأفضل منها فالأفضل. ولكن ها هنا مسألة ينبغي أن نتفطن لها: وهي أن مراعاة ذات العبادة أولى من مراعاة زمانها ومكانها، أي: ما عاد إلى ذات العبادة من الفضائل أولى بالمراعاة مما عاد إلى مكانها أو زمانها، يعني أن الإنسان لو كان اعتكافه في مسجد آخر غير المساجد الثلاثة أكمل وأشد خشوعاً لله عز وجل وأكثر في العبادة كان اعتكافه في هذه المساجد أفضل؛ لأن هذا الفضل يعود إلى ذات العبادة. ويرى أهل العلم أن رمل الطائف في طواف القدوم أولى من دنوه من الكعبة، وعللوا ذلك بأن الرمل فضيلة تتعلق بذات العبادة والدنو من البيت فضيلة تتعلق بمكانها، ومراعاة ما يتعلق بذات العبادة أولى من مراعاة ما يتعلق بمكانها. وهذه نقطة ينبغي للإنسان ولا سيما طالب العلم أيلاحظها، وهي المحافظة على فضيلة ذات العبادة أكثر من المحافظة على مكانها وزمانها " انتهى. "فتاوى نور على الدرب" (205/4-5) . وقال الشيخ أيضا: " لا شك أن الاعتكاف إذا كان في المساجد الثلاثة التي تقصد وتشد الرحال إليها لا شك أنه أفضل، ولا أحد يعارض في ذلك، إلا إذا ترتب على ذلك أنه يكثر خشوعه في مسجده وإقباله على الله عز وجل، ويسلم من الضوضاء ومشاهدة من يكونون خطراً في مشاهدته إياهم فهنا نقول: مسجدك أفضل " انتهى مختصراً. "شرح الكافي" (4/159) . فالذي يظهر لنا: أنه لا حرج على صاحبك فيما فعل، مع أن أئمة الحرمين يختارون بعناية، ويكونون ممن يقرأون قرأه حسنة وبصوت حسن. وأما خروج بعض المعتكفين لصلاة العشاء والقيام خارج المسجد النبوي، فهذا لا يصح اعتكافه، لأنه خرج من المسجد من غير ضرورة إلى ذلك. والذي ينبغي له: إما أن يعتكف العشر الأواخر كلها في المسجد النبوي ولا يخرج إلا للضرورة وهذا هو الأفضل. وإما أن يعتكف في المسجد الذي سيصلي فيه، حتى ينال ثواب اعتكاف العشر الأواخر، ويكون قد اقتدى بالنبي صلى الله عليه وسلم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125601 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2088 الدعاء أثناء قراءة القرآن [السُّؤَالُ] ـ[أنا أقرأ القرآن والحمد لله، وعندما أصل إلى صفات المؤمنين أدعو الله أن يجعلني منهم، وعندما أصل إلى صفات الكفار والمنافقين ومصيرهم أستعيذ بالله أن يجعلني منهم. فهل بعد الدعاء تلزمني البسملة من جديد، أم اتباع القراءة دون ذلك؟ وهل قطع القراءة للدعاء جائز؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "هذا يجوز، فعله النبي صلى الله عليه وسلم، فكان في تهجده بالليل عليه الصلاة والسلام إذا مر بآية وعيد تعوذ، وإذا مر بآية رحمة سأل ربه الرحمة، فلا بأس بهذا، بل هذا مستحب في التهجد بالليل، أو في صلاة النهار، أو في القراءة خارج الصلاة، كل هذا مستحب وليس عليك أن تعيد البسملة ولا التعوذ، بل تأتي بهذا الدعاء ثم تشرع في القراءة من دون حاجة إلى إعادة التعوذ ولا إعادة البسملة، وهذا كله إذا كنت تصلي وحدك في النافلة. أما إذا كنت في الفريضة فلم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يفعل هذا في الفريضة، وهكذا إذا كنت مع الإمام فإنك تنصت لإمامك ولا تدعُ بهذه الأدعية والإمام يقرأ بل تنصت وتستمع في الجهرية، أما في السرية فتقرأ الفاتحة وما تيسر معها من دون الأدعية التي يدعى بها في النافلة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يفعل هذا في الفريضة، ولعل السبب في ذلك والله أعلم التخفيف على الناس وعدم التطويل عليهم؛ لأنه لو دعا عند كل آية فيها رحمة وتعوذ عند كل آية فيها وعيد ربما طالت الصلاة، وربما شق على الناس، فكان من رحمة الله ومن إحسانه إلى عباده ومن لطفه بهم أنه لم يشرع ذلك في الفريضة حتى تكون القراءة متوالية، وحتى لا تطول القراءة على الناس، أما في النافلة أو في التهجد أو في الليل أو في صلاة الضحى أو في غير ذلك من النوافل فلا بأس فالأمر فيها واسع" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (1/334) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125478 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2089 حكم نشرة بعنوان " بيت للتمليك، لا يفوتك، يطل على ثلاث واجهات "! [السُّؤَالُ] ـ[السؤال: ما حكم هذه الرسالة: (بيت للتمليك.. لا يفوتك! يطلّ على ثلاث واجهات: 1. عرش الرحمن 2. قصر الرسول 3. نهر الكوثر، المكان: جنة عرضها السماوات والأرض، والثمن زهيد جدّاً: فقط 12 ركعة سنَّة في اليوم والليلة) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه الرسالة تحتوي على الافتراء على الله، وادعاء علم لا يعلمه إلا الله، فما أدراه أن البيت الذي يبنى في الجنة لصاحبه سيكون مطلاًّ على عرش الرحمن، وقصر الرسول صلى الله عليه وسلم، ونهر الكوثر؟! . وعرش الرحمن هو سقف جميع المخلوقات، وفوق جميع المخلوقات، فكيف سيكون هذا البيت مطلاً عليه؟! وقد حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على أفعال وَعَد أصحابها ببيوت في الجنة، ولم يفصِّل لهم موقعها، وإطلالتها. ثم إن في هذا النوع من الرسائل نوعاً من السذاجة والسفاهة، وقد نبَّه عليها أهل العلم، وحذروا من الاغترار بنشرها، كمثل تلك الرسالة التي تجعل أعداد ركعات الصلوات أرقاما للاتصال بالله تعالى – والعياذ بالله -، أو كتلك التي يشبهون فيها الدار الآخرة برحلة على خطوط جوية، وفيها تذاكر، ومقاعد، وأشياء أخرى تافهة، ومثلها – أيضاً – نشرة فيها معلومات عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سموها " جواز النبي "! و " هوية أحوال للنبي "! وكل ذلك فيه تضييع للأوقات والأموال، مع ما قد يشوبه من السخرية والاستهزاء. وقد يكون مقصد من يفعل ذلك خبيثاً، وقد يكون حسناً، لا ندري عن حقيقة الأمر، ولكنه بكل حال لا يحل نشر مثل الرسائل، بل الواجب الحذر والتحذير منها. والركعات الواردة في السؤال هي السنن الرواتب، وانظر تفصيلها في جواب السؤال رقم: (1048) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120061 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2090 هل يصلي أربعاً قبل الجمعة وبعدها كما يفعل في صلاة الظهر؟ [السُّؤَالُ] ـ[شيخي قال إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى 4 ركعات قبل الظهر، و 4 بعدها لا تمس النار جسده) . أولا: هل يمكنكم أن تخبروني هل هذا حديث صحيح؟ ثانيا: إنني أصلي 4 ركعات قبل الظهر و 4 بعدها كل يوم، لكن في يوم صلاة الجمعة أتشوش هل علي صلاة 4 ركعات قبلها مع أن صلاة الجمعة ليست كصلاة الظهر، فأصلي ركعتين قبلها فقط و 2 بعدها. هل يجوز لي أن أصلي 4 ركعات قبل الجمعة و 4 بعدها، أم فقط ركعتين بالرغم من أنني أصلي 4 ركعات يوميا لصلاة الظهر.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: نعم؛ ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا حَرُمَ عَلَى النَّارِ) رواه أبو داود (1269) والترمذي (428) . وصححه النووي في "المجموع" (4/7) ، والألباني في "صحيح أبي داود". ثانيا: ليس لصلاة الجمعة سنة قبلية، إذ لم يثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يرد عن الصحابة رضوان الله عليهم القول بصلاة راتبة مخصوصة قبل الجمعة، وإنما ورد التنفل المطلق، من غير تخصيص بعدد. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (6653) و (14075) . ولا يصح أن تقاس صلاة الجمعة على صلاة الظهر، فيقال باستحباب سنة راتبة قبل الجمعة كما يستحب ذلك قبل الظهر، لأن صلاة الجمعة تختلف عن الظهر في أحكام كثيرة، ولأن هذا القياس مصادم للظاهر من سنة النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن يصلي قبل الجمعة سنة راتبة، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي قبل الجمعة شيئا لنقل إلينا، فلما لم ينقل عرفنا أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل راتبة قبل الجمعة. أما الصلاة بعد الجمعة فقد ورد فيها عدة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تكلمنا عليها في جواب السؤال رقم (112031) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114765 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2091 قضاء سنة الظهر القبلية [السُّؤَالُ] ـ[إذا جاء الشخص إلى المسجد لصلاة الظهر، ولم يستطع صلاة سنة الظهر القبلية أربع ركعات، فهل يمكنه صلاتها بعد تأدية الفرض، ثم يصلي سنة الظهر البعدية ركعتين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: يستحب قضاء السنن الراتبة إذا فاتت على الصحيح من أقوال أهل العلم، وهو مذهب الشافعية والمشهور عند الحنابلة، خلافا للحنفية والمالكية، لحديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين بعد العصر، فسئل عنها فقال: (يَا بِنْتَ أَبِى أُمَيَّةَ، سَأَلْتِ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَإِنَّهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ فَشَغَلُونِي عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ، فَهُمَا هَاتَانِ) رواه البخاري (1233) ومسلم (834) يقول الإمام النووي رحمه الله: " الصحيح عندنا استحباب قضاء النوافل الراتبة، وبه قال محمد، والمزني، وأحمد في رواية عنه، وقال أبو حنيفة ومالك وأبو يوسف في أشهر الرواية عنهما لا يقضي، دليلنا هذه الأحاديث الصحيحة " انتهى. "المجموع" (4/43) ويقول المرداوي الحنبلي رحمه الله: " قوله: (ومن فاته شيء من هذه السنن سن له قضاؤها) : هذا المذهب والمشهور عند الأصحاب. ونصره المجد في شرحه، واختاره الشيخ تقي الدين – يعني ابن تيمية – " انتهى باختصار. "الإنصاف" (2/187) ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " قضاء السنة الراتبة سنة إذا فاتت، والدليل على هذا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما نام عن صلاة الفجر ولم يستيقظ إلا بعد طلوع الشمس صلى سنة الفجر أولاً، ثم صلى بعدها الفجر " انتهى. "لقاءات الباب المفتوح" (لقاء رقم/74، سؤال رقم/18) ، وانظر: "الموسوعة الفقهية" (25/284) ثانيا: إذا أراد أن يقضي سنة الظهر القبلية بعد أن أدى فريضة الظهر، هل يصلي السنة القبلية أولا ثم السنة البعدية، أم العكس؟ الأظهر أن الأمر واسع، سواء صلى القبلية أم البعدية، إذ المهم هو الإتيان بها، تقدمت أو تأخرت. قال الشيخ ابن عثيمين: " قال أهل العلم: إذا فاتتك الركعتان قبل الظهر فصلهما بعد الصلاة، لأن فعلهما قبل الصلاة تعذر، وهذا يقع دائما بأن يأتي الإنسان إلى المسجد فيجدهم قد أقاموا الصلاة، ففي هذه الحال يقضيها بعد صلاة الظهر. لكن يصلي الراتبة التي بعد الظهر قبل الراتبة التي قبلها. إنسان جاء والناس يصلون فلم يتمكن من سنة الظهر إذا صلى الظهر يصلي ركعتين بنية الراتبة البعدية ثم بعد ذلك يقضي الراتبة القبلية، هكذا روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث رواه ابن ماجه". فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (2/225) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114233 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2092 إذا صلى الوتر هل يفترش في آخره أو يتورك [السُّؤَالُ] ـ[إذا صليت الوتر ركعتين ثم ركعة، فهل علي في الركعة الأخيرة المنفردة أن أجلس في وضع التورك أو الافتراش؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأصل في الجلوس للتشهد هو الافتراش، وأما التورك فلا يسن إلا في التشهد الأخير إذا كان في الصلاة تشهدان. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغنى" (1/318) : "جَمِيعُ جَلَسَاتِ الصَّلَاةِ لَا يُتَوَرَّكُ فِيهَا إلَّا فِي تَشَهُّدٍ ثَانٍ. لحَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ افْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى , وَنَصَبَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى) . وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَا يُسَلِّمُ فِيهِ وَمَا لَا يُسَلِّمُ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ التَّحِيَّةَ , وَكَانَ يَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَنْصِبُ الْيُمْنَى) رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَهَذَانِ يَقْضِيَانِ عَلَى كُلِّ تَشَهُّدٍ بِالِافْتِرَاشِ , إلَّا مَا خَرَجَ مِنْهُ، لِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ فِي التَّشَهُّدِ الثَّانِي , فَيَبْقَى فِيمَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ " انتهى باختصار. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "لقاء الباب المفتوح": متى يجلس المصلي جلسة التورك في الصلاة وفي أي صلاة؟ فأجاب: " التورك يكون في التشهد الأخير في كل صلاة ذات تشهدين، أي: الأخيرة من المغرب، والأخيرة من العشاء، والأخيرة من العصر، والأخيرة من الظهر، أما الصلاة الثنائية، كالفجر، وكذلك الرواتب، فإنه ليس فيها تورك، التورك إذاً في التشهد الأخير في كل صلاة فيها تشهدان " انتهى. وينظر: "فتاوى اللجنة الدائمة" (7/15) . وعليه؛ فإذا صليت ركعتين، أو صليت ركعة فإنك تفترش، وإن صليت الوتر ثلاث ركعات سردا بتسليم واحد فإنك تفترش كذلك؛ ولا تشرع صلاة الوتر بتشهدين وتسليم واحد. وانظر جواب السؤال رقم (38230) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 113673 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2093 صوم عاشوراء لمن عليه قضاء رمضان [السُّؤَالُ] ـ[عليَّ قضاء من رمضان وأريد أن أصوم عاشوراء فهل يجوز لي صوم عاشوراء قبل القضاء. وهل لي أن أصوم عاشوراء والحادي عشر بنية قضاء رمضان، ويحصل لي أجر صيام عاشوراء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يصوم تطوعاً وعليه قضاء صيام يوم أو أيام من رمضان، بل يبدأ بقضاء صيام ما عليه من رمضان ثم يصوم تطوعا ً. ثانياً: إذا صام اليوم العاشر والحادي عشر من شهر محرم بنية قضاء ما عليه من الأيام التي أفطرها من شهر رمضان جاز ذلك، وكان قضاء عن يومين مما عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى ". فتاوى اللجنة الدائمة 11/401 " ويرجى أن يكون لك أجر القضاء وأجر صيام ذلك اليوم " فتاوى منار الإسلام للشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله 2/358. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 21787 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2094 حكم صلاة الضحى جماعة [السُّؤَالُ] ـ[صلاة الضحى هل يمكن أن تصلى جماعة؟ وإن كان يمكن ذلك أتكون جهرية أم سرية في القراءة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الجماعة في النوافل لا تستحب إلا فيما واظب النبي صلى الله عليه وسلم على فعله جماعة، كصلاة الكسوف والاستسقاء والتراويح، وأما غير ذلك من النوافل كالضحى وقيام الليل لغير التراويح، فلا تستحب فيه الجماعة، ولكن تجوز أحيانا من غير مداومة. قال النووي رحمه الله في "المجموع" (3/548) : " قد سبق أن النوافل لا تشرع الجماعة فيها إلا في العيدين والكسوفين والاستسقاء , وكذا التراويح والوتر بعدها .... وأما باقي النوافل كالسنن الراتبة مع الفرائض والضحى والنوافل المطلقة فلا تشرع فيها الجماعة , أي لا تستحب , لكن لو صلاها جماعة جاز , ولا يقال: إنه مكروه وقد نص الشافعي رحمه الله على أنه لا بأس بالجماعة في النافلة، ودليل جوازها جماعة أحاديث كثيرة في الصحيح منها حديث عتبان بن مالك رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه في بيته بعدما اشتد النهار ومعه أبو بكر رضي الله عنه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أين تحب أن أصلي من بيتك؟ فأشرت إلى المكان الذي أحب أن يصلي فيه فقام وصفنا خلفه ثم سلم وسلمنا حين سلم " رواه البخاري ومسلم , وثبتت الجماعة في النافلة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من رواية ابن عباس وأنس بن مالك وابن مسعود وحذيفة رضي الله عنهم , وأحاديثهم كلها في الصحيحين إلا حديث حذيفة ففي مسلم فقط , والله أعلم " انتهى. وقال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/442) : " يجوز التطوع جماعة وفرادى ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل الأمرين كليهما , وكان أكثر تطوعه منفردا , وصلى بحذيفة مرة , وبابن عباس مرة , وبأنس وأمه واليتيم مرة , وأم أصحابه في بيت عتبان مرة , وأمهم في ليالي رمضان ثلاثا , وسنذكر أكثر هذه الأخبار في مواضعها إن شاء الله تعالى , وهي كلها صحاح جياد " انتهى. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم صلاة النافلة جماعة، مثل صلاة الضحى؟ فأجاب: "صلاة النافلة جماعة أحياناً لا بأس بها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى جماعة في أصحابه في بعض الليالي فصلى معه ذات مرة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وصلى معه مرة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وصلى معه مرة حذيفة بن اليمان رضي الله عنه .... والحاصل: أنه لا بأس أن يصلي الجماعةُ بعض النوافل جماعة، ولكن لا تكون هذه سنة راتبة كلما صلوا السنة صلوها جماعة؛ لأن هذا غير مشروع " انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (14/232) . والأصل في صلاة النهار أنها سرية، فمن صلى الضحى بقوم جماعة أسر بالقراءة. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " أما الصلاة النهارية كصلاة الضحى والرواتب وصلاة الظهر والعصر , فإن السنة فيها الإسرار " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (11/207) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112662 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2095 يريد أن يصلي نوافل بعد صلاة الظهر والعصر بعرفة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز بعد صلاة الحاج الظهر والعصر مع الإمام في عرفات أن يصلي نوافل حتى المغرب؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لم يصل الرسول صلى الله عليه وسلم نافلة يوم عرفات بعد صلاته الظهر والعصر جمع تقديم في عرفات، ولو كانت مشروعة لكان أحرص عليها منا، والخير كل الخير في الاقتداء به واتباع سنته. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/211، 212) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109311 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2096 أيهما أفضل: قيام الليل أم قراءة القرآن؟ [السُّؤَالُ] ـ[أيهما أفضل إذا قام من الليل: الصلاة أم قراءة القرآن؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " بل الصلاة أفضل من القراءة في غير الصلاة، نص على ذلك أئمة العلماء، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن) لكن من حصل له نشاط وتدبر وفهم للقراءة دون الصلاة، فالأفضل في حقه ما كان أنفع له " انتهى. "مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية" (23/62) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 108278 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2097 التطويل في صلاة التراويح [السُّؤَالُ] ـ[إمام مسجد يصلي بالناس التراويح ويقرأ في كل ركعة صفحة كاملة أي ما يعادل حوالي 15 آية إلا أن بعض الناس يقول: إنه يطيل القراءة، والبعض يقول عكس ذلك. ما السنة في صلاة التراويح؟ وهل هناك حد يعرف به التطويل من عدمه، من نقول عن النبي صلى الله عليه وسلم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالليل إحدى عشرة ركعة في رمضان وغيره، ولكنه يطيل القراءة والأركان، حتى إنه قرأ مرة أكثر من خمسة أجزاء في ركعة واحدة، مع الترتيل والتأني. وثبت أنه كان يقوم عند انتصاف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل، ثم يستمر يصلي إلى قرب طلوع الفجر، فيصلي ثلاث عشرة ركعة في نحو خمس ساعات، وذلك يستدعي الإطالة في القراءة والأركان. وثبت أن عمر لما جمع الصحابة على صلاة التراويح كانوا يصلون عشرين ركعة، ويقرؤون في الركعة نحو ثلاثين آية من آي البقرة، أي: ما يقارب أربع صفحات أو خمساً، فيصلون بسورة البقرة في ثمان ركعات، فإن صلوا بها في ثنتي عشرة ركعة رأوا أنه قد خفف. هذه هي السنة في صلاة التراويح، فإذا خفف القراءة زاد في عدد الركعات إلى إحدى وأربعين ركعة، كما قال بعض الأئمة، وإن أحب الاقتصار على إحدى عشرة أو ثلاث عشرة زاد في القراءة والأركان، وليس لصلاة التراويح عدد محدود، وإنما المطلوب أن تصلي في زمن تحصل فيه الطمأنينة والتأني، بما لا يقل عن ساعة أو نحوها، ومن رأى أن ذلك إطالة فقد خالف المنقول، فلا يلتفت إليه " انتهى. فضيلة الشيخ ابن جبرين. "فتاوى إسلامية" (2/157، 158) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106461 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2098 دخول النساء المساجد بأطفالهن في صلاة التراويح [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم دخول النساء بالأطفال إلى المساجد في صلاة التراويح؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا تمنع النساء من إتيان المساجد بأطفالهن في رمضان، فقد دلت السنة على إتيان النساء المساجد ومعهن أطفالهن زمن النبي صلى الله عليه وسلم، لحديث: (إِنِّي لَأَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَا أُرِيدُ إِطَالَتَهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلَاتِي، مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ) . ومن ذلك: (حمل النبي صلى الله عليه وسلم أمامة في صلاة الفريضة وهو يؤم الناس في المسجد) . لكن عليهن الحرص على صيانة المسجد من النجاسة بالتحرز في حق الأطفال في نومهم وغير ذلك" انتهى. "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله" (4/214، 215) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106462 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2099 تحية المسجد الحرام [السُّؤَالُ] ـ[ما أقوال المذاهب الأربعة في تحية المسجد الحرام , هل هي الطواف أم صلاة ركعتين؟ وما الراجح؟ وما صحة حديث: (تحية البيت الطواف) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يخلو حال الداخل إلى المسجد الحرام من حالين: الأول: أن يدخله بقصد الطواف، سواء كان للحج أو العمرة أو تطوعاً: فهذا أول ما يبدأ به الطواف، ولا يشرع له البدء بركعتي تحية المسجد قبل الطواف، إذ لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أحد من أصحابه، وهذا ما عليه جمهور الفقهاء، ولم يخالف في ذلك إلا أفراد، منهم ابن عقيل من الحنابلة – كما نقله عنه ابن تيمية في "شرح عمدة الفقه" -. ويستثنى من ذلك ما إذا منع مانعٌ كالزحام الشديد عن البدء بالطواف، فيصلي ركعتين تحية المسجد، وينتظر حتى ينجلي الزحام ليشرع في الطواف. الثاني: أن يدخله بقصد الصلاة أو الجلوس أو حضور حلق العلم أو الذكر أو قراءة القرآن أو غيرها من العبادات: فيستحب له أن يصلي ركعتي تحية المسجد؛ لعموم حديث أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) أخرجه البخاري (1167) ومسلم (714) وأما ما يرويه الناس من حديث (تحية البيت الطواف) فليس له أصل في كتب السنة، ولم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد أصلا، فلا يجوز نسبته إليه. قال الشيخ الألباني في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (رقم/1012) : " لا أعلم له أصلا وإن اشتهر على الألسنة، وأورده صاحب " الهداية " من الحنفية بلفظ: (من أتى البيت فليحيه بالطواف) ، وقد أشار الحافظ الزيلعي في تخريجه إلى أنه لا أصل له، بقوله (2/51) : " غريب جدا "، وأفصح عن ذلك الحافظ ابن حجر، فقال في "الدراية" (ص192) : " لم أجده ". قلت – أي الشيخ الألباني -: ولا أعلم في السنة القولية أو العملية ما يشهد لمعناه، بل إن عموم الأدلة الواردة في الصلاة قبل الجلوس في المسجد تشمل المسجد الحرام أيضا، والقول بأن تحيته الطواف مخالف للعموم المشار إليه، فلا يقبل إلا بعد ثبوته، وهيهات، لا سيما وقد ثبت بالتجربة أنه لا يمكن للداخل إلى المسجد الحرام الطواف كلما دخل المسجد في أيام المواسم، فالحمد لله الذي جعل في الأمر سعة، (وما جعل عليكم في الدين من حرج) . وإن مما ينبغي التنبه له أن هذا الحكم إنما هو بالنسبة لغير المحرم، وإلا فالسنة في حقه أن يبدأ بالطواف ثم بالركعتين بعده، انظر: بدع الحج والعمرة في رسالتي " مناسك الحج والعمرة " رقم البدعة (37) " انتهى. وقال الحطاب المالكي في "مواهب الجليل شرح مختصر خليل" (2/375) : " من دخل مسجد مكة فتحية المسجد الحرام في حقه الطواف بالبيت , وهذا في حق القادم المحرم، فإنه يطلب منه أنه إذا دخل المسجد الحرام البداءة بطواف القدوم - إن كان محرما بحج أو قران -، وبطواف العمرة - إن كان محرما بعمرة -، وبطواف الإفاضة - إذا دخله بعد الرجوع من عرفة - , ولا يطلب منه الركوع (أي: الصلاة) عند دخوله. وكذلك غير القادم - إذا دخل المسجد الحرام ونيته أن يطوف عند دخوله - فتحية المسجد في حقه الطواف , ولا يطلب منه حينئذ الركوع. وأما غير القادم إذا دخل المسجد الحرام ونيته الصلاة في المسجد أو مشاهدة البيت الشريف , ولم يكن نيته الطواف، فإنه يصلي ركعتين ... قال ابن رشد: الطواف بالبيت صلاة , فإذا دخله يريد الطواف بدأ بالطواف , وإن دخله لا يريد الطواف في وقت تنفل بدأ بالركعتين " انتهى باختصار. وجاء في "الموسوعة الفقهية" (10/306) : " ذهب جمهور الفقهاء إلى أن تحية المسجد الحرام الطواف للقادم لمكة , سواء كان تاجرا أو حاجا أو غيرهما , لقول عائشة رضي الله عنها عنها: (إن النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة توضأ , ثم طاف بالبيت) وركعتا تحية المسجد الحرام تجزئ عنهما الركعتان بعد الطواف. وأما المكي الذي لم يؤمر بطواف، ولم يدخله لأجل الطواف، بل للصلاة أو لقراءة القرآن أو للعلم، فتحية المسجد الحرام في حقه الصلاة، كتحية سائر المساجد" انتهى باختصار. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن: هل تحية المسجد الحرام صلاة ركعتين أو الطواف؟ فأجاب: "المسجد الحرام كغيره من المساجد من دخل ليصلي، أو ليستمع الذكر، أو ما أشبه ذلك من الإرادات فإنه يصلي ركعتين كغيره من المساجد، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ) رواه البخاري (1167) أما إذا دخل ليطوف كإنسان معتمر دخل ليطوف طواف العمرة، أو ليطوف تطوعاً فهنا يغني الطواف عن ركعتي تحية المسجد؛ لأنه إذا طاف فسوف يصلي ركعتين بعد الطواف" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/286) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106318 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2100 هل تكفي تحية المسجد عن سنة الفجر [السُّؤَالُ] ـ[هل إذا دخل الإنسان المسجد وصلى تحية المسجد تكفي عن ركعتي الفجر، أم يصلي تحية المسجد ويأتي بركعتي الفجر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا دخل المسجد وصلى سنة الفجر أجزأته عن تحية المسجد، وإن نواهما معا فحسن. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 7/371 الحديث: 5100 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2101 هل تجزئ صلاة الجنازة عن تحية المسجد؟ [السُّؤَالُ] ـ[لو دخل رجل ووجد جماعة يصلون على جنازة فصلى معهم، وهو يريد أن يبقى في المسجد؛ فهل تجزئه صلاته هذه عن تحية المسجد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " لا يجلس حتى يصلي ركعتين؛ لأن صلاة الجنازة ليست من جنس صلاة الركعتين، فلا تجزئه عن تحية المسجد " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (17/156) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105348 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2102 قطع النافلة والطواف لأجل صلاة الجنازة [السُّؤَالُ] ـ[سؤال: هل تُقْطَعُ صلاة النافلة أو طواف التطوع للصلاة على الجنازة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) ، وظاهره أن النافلة لا تُقطع إلا للفريضة، فلا تقطع لصلاة الجنازة، ولو قطعها المصلي فلا بأس؛ لأنه يجوز قطع النفل لغرض صحيح. وكذلك من يطوف تطوعاً يقطع طوافه لصلاة الجنازة، لكن الأفضل أن لا يقطع " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (17/158) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105358 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2103 ليس للنوافل أذان ولا إقامة [السُّؤَالُ] ـ[صلاة التطوع كصلاة الضحى وصلاة الليل، هل لها من أذان وإقامة أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا ليس لها أذان ولا إقامة بل إذا توضأت تُصلي ما تيسر لك كصلاة الضحى أو بعد الظهر وآخر الليل أو في أي وقت كان غير أوقات النهي، فهذه تُصلي بدون أذان ولا إقامة، لأن رسول الله صلى الله إذا قام يصلي لم ينقل أنه كان يؤذن أو يقيم، إنما الأذان والإقامة مخصوصان في الفرائض فقط، أما التراويح والوتر وصلاة التطوع فليس لها أذان ولا إقامة، كما قرره أهل العلم، وكما هي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنة خلفائه الراشدين. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] من كتاب سماحة الشيخ عبد الله بن حميد ص 114 الحديث: 9360 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2104 هل يجوز أداء صلاة الضحى في وقت العمل؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لي أداء سنة الضحى في وقت العمل الرسمي علماً بأن ذلك لا يؤدي إلى تعطيل الأعمال أو تأخيرها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " صلاة الضحى سنة، وفيها فضل، وإذا كنت موظفاً ولا يؤثر فعلها على العمل الوظيفي المنوط بك فلا بأس أن تصليها. أما إذا كان فعلها يؤثر على العمل فإنه لا يجوز لك فعلها، لأنه يشغلك عن القيام بالواجب ". "المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (2 / 167) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 99912 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2105 قضاء النفل [السُّؤَالُ] ـ[متى يقال عن النفل لا يقضى هل لأنه سنة فات محلها إذا علمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقضي بعض النوافل بعد فوات وقتها كالوتر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله النفل المقّيد بسبب لا يقضى إذا فات سببه مثال ذلك لو أن الشمس كسفت وكان الإنسان نائماً وعلم بعد النوم أنها كسفت فلا يصلي لأنها سنة فات محلها، وكذلك لو دخل المسجد وأقام فيه طويلاً بناءً على أنه ليس على وضوء ثم ذكر أنه على وضوء فقام ليصلي تحية المسجد فلا يصليها لأنها سنة فات محلها، والضابط في هذا أن كل نفل قيد بسبب فإنه لا يقضى كالوتر لكن الوتر كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يقضيه وتراً، بل يصلي من الضحى اثنتي عشرة ركعة لأن أكثر وتره إحدى عشرة ركعة فيقضي أكثر الوتر عليه الصلاة والسلام لكنه يشفعه لأن الإيثار فات محله. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين لمجلة الدعوة العدد 1756 ص 37 الحديث: 10771 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2106 الصلاة بين المغرب والعشاء [السُّؤَالُ] ـ[هل صح عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه صلي سنة المغرب ست ركعات؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله السنة الراتبة لصلاة المغرب ركعتان فقط، وانظر جواب السؤال رقم (1048) . ولكن ورد في فضل صلاة ست ركعات بعد المغرب ما رواه الترمذي (435) وابن ماجه (1167) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ سِتَّ رَكَعَاتٍ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيمَا بَيْنَهُنَّ بِسُوءٍ عُدِلْنَ لَهُ بِعِبَادَةِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً) . قال الترمذي رحمه الله: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي خَثْعَمٍ، وسَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ [البخاري] يَقُولُ: عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي خَثْعَمٍ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَضَعَّفَهُ جِدًّا. وقال الألباني رحمه الله في ضعيف الترمذي: ضعيف جدا. ووردت أحاديث أخرى في الترغيب في الصلاة ما بين المغرب والعشاء غير أنها كلها ضعيفة. انظرها في "ضعيف الترغيب والترهيب" (332) و (333) و (334) و (335) . ولكن ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى ما بين المغرب والعشاء. فقد روى أحمد (22926) عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: (جِئْتُ النبي صلى الله عليه وسلم فَصَلَّيْتُ مَعَهُ الْمَغْرِبَ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قَامَ يُصَلِّي، فَلَمْ يَزَلْ يُصَلِّي حَتَّى صَلَّى الْعِشَاءَ) صححه الألباني في "إرواء الغليل" (470) . وكذلك ثبت عن بعض الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يصلون ما بين المغرب والعشاء. روى أبو داود (1321) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه فِي هَذِهِ الْآيَةِ: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) قَالَ: كَانُوا يَتَيَقَّظُونَ [وفي رواية: يَتَنَفَّلُونَ] مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ يُصَلُّونَ. وَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: قِيَامُ اللَّيْلِ. صححه الألباني في صحيح أبي داود. وَأَخْرَجَ اِبْن مَرْدَوَيْهِ فِي تَفْسِيره عَنْ أَنَس رضي الله عنه فِي هَذِهِ الْآيَة قَالَ: يُصَلُّونَ مَا بَيْن الْمَغْرِب وَالْعِشَاء. قَالَ الْعِرَاقِيّ: وَإِسْنَاده جَيِّد. نقلا من "عود المعبود". قال الشوكاني رحمه الله في "نيل الأوطار" (3/68) : "والآيات والأحاديث المذكورة في الباب تدل على مشروعية الاستكثار من الصلاة ما بين المغرب والعشاء , والأحاديث وإن كان أكثرها ضعيفا فهي منتهضة بمجموعها، لا سيما في فضائل الأعمال , قال العراقي: وممن كان يصلي ما بين المغرب والعشاء من الصحابة: عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمرو وسلمان الفارسي وابن عمر وأنس بن مالك في ناس من الأنصار، ومن التابعين: الأسود بن يزيد وأبو عثمان النهدي وابن أبي مليكة وسعيد بن جبير ومحمد بن المنكدر وأبو حاتم وعبد الله بن سخبرة وعلي بن الحسين وأبو عبد الرحمن الحبلي وشريح القاضي وعبد الله بن مغفل وغيرهم. ومن الأئمة: سفيان الثوري" انتهى. وعلى هذا؛ فتستحب الصلاة ما بين صلاتي المغرب والعشاء من غير تقيد بعدد معين. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97456 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2107 إذا فاته شيء من أول التروايح فكيف يقضيها؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا دخلت المسجد في صلاة العشاء متأخراً وفاتتني صلاة العشاء جماعة وصليتها منفرداً وتأخرت عن صلاة التراويح أثناء أدائي لصلاة العشاء وسبقني الإمام بصلاة التراويح ركعتين فكيف أؤدي الركعتين؟ منفردا أم ماذا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا فاتتك صلاة العشاء، وجئت والإمام يصلي التراويح، فالأولى أن تدخل خلفه بنية العشاء، فإذا سلم أتممت صلاتك، ولا تصل منفردا، ولا مع جماعة أخرى، حتى لا تقام جماعتان في وقت واحد فيحصل بذلك تشويش وتداخل في الأصوات. ثانيا: أما ما فاتك من التراويح فإن أردت الإتيان به، فإنك تشفع الوتر مع الإمام، ثم تصلي ما فاتك، ثم توتر. ومعنى شفع الوتر مع الإمام: ألا تسلم معه في صلاة الوتر، بل تقوم وتأتي بركعة ثم تسلم. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا حضرت مع الناس وهم يصلون صلاة التراويح وقد فاتني شيء منها فهل أقضي ما فاتني بعد الوتر أم ماذا أصنع؟ فأجاب: " لا تقض ما فاتك بعد الوتر، لكن إن كنت تريد أن تقضي ما فاتك، فاشفع الوتر مع الإمام، ثم صل ما فاتك ثم أوتر. وهنا مسألة أنبه عليها: لو جئت والإمام يصلي التراويح وأنت لم تصلِ العشاء فماذا تفعل؟ هل تصلي العشاء وحدك أم تدخل مع الإمام في التراويح بنية العشاء؟ الجواب: أدخل مع الإمام في التراويح بنية العشاء، وإذا سلم الإمام من التراويح فقم واقض ما بقي عليك من صلاة العشاء، وقد نص الإمام أحمد رحمه الله على هذه المسألة بعينها، واختارها شيخ الإسلام ابن تيمية، وهي القول الراجح؛ لأن القول الراجح: أنه يجوز أن يأتمّ المفترض بالمتنفل بدليل حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلاة العشاء ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة، هي له نافلة ولهم فريضة " انتهى من "اللقاء الشهري". والأفضل قضاؤها جماعة إن تيسر، فإن لم يتيسر فلا حرج عليك من قضائها منفردا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93747 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2108 إذا صلى العشاء جمع تقديم مع المغرب فله أن يوتر بعدها مباشرة [السُّؤَالُ] ـ[إذا جمعت بين صلاتي المغرب والعشاء جمع تقديم بسبب السفر، فمتى أصلى صلاة الوتر؟ هل أصليها بعد العشاء مباشرة أم أنتظر حتى يدخل وقت صلاة العشاء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لك أن تصليها بعد صلاة العشاء مباشرة. جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (8/144) يشرع الجمع بين الصلاتين للمسافر والمريض وللمقيم في الليلة المطيرة، وله أن يوتر بعد صلاة العشاء المجموعة جمع تقديم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 48978 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2109 الأفضل للموظف أن يبادر إلى الصلاة بمجرد سماع الأذان [السُّؤَالُ] ـ[هل الأفضل في حق الموظف المبادرة إلى الصلاة عند سماع الأذان , أو الانتظار لإنجاز بعض المعاملات؟ وما حكم التنفل بعد الصلاة بغير السنن الرواتب؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " الأفضل في حق جميع المسلمين المبادرة إلى الصلاة عند سماع الأذان؛ لأن المؤذن يقول: "حي على الصلاة " (أي: أقبل على الصلاة) ، والتثاقل عنها يؤدي إلى فواتها. أما تنفل الموظف بعد الصلاة بغير السنن الرواتب فلا يجوز؛ لأن وقته مستحق لغيره بمقتضى عقد الإجارة أو الوظيفة , وأما السنة الراتبة فلا بأس بها لأنها ممن جرت العادة بالتسامح فيه من المسؤولين. والله الموفق. [الْمَصْدَرُ] "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (15/32) . الحديث: 26201 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2110 هل يصلي تحية المسجد أم يستمع الأذان [السُّؤَالُ] ـ[دخلت المسجد وكان يؤذن للصلاة فهل أصلي تحية المسجد أو أنتظر حتى ينتهي الأذان؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأفضل أن يجيب الأذان أولاً، ثم يصلي تحية المسجد ليجمع بين الفضيلتين، والأمر في ذلك واسع. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 7/373 الحديث: 5070 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2111 فضل صلاة أربع ركعات قبل الظهر وبعدها [السُّؤَالُ] ـ[قرأت في إحدى المنشورات الدينية أنه إذا صليت قبل صلاة الظهر 4 ركعات وبعدها 4 ركعات، الله يعتقه من النار يوم القيامة، وإذا كان صحيحاً فمتى أصلى السنة في صلاة الظهر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، يستحب صلاة أربع ركعات قبل صلاة الظهر، وأربع بعدها، فقد روى النسائي (1817) والترمذي (428) عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ رضي الله عنها عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ صَلَّى أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعًا بَعْدَهَا لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ) . ولفظ الترمذي: (مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ) . والحديث صححه الألباني في صحيح النسائي. وهذه الركعات ليست شيئاً آخر غير السنة الراتبة لصلاة الظهر، بل هي السنة الراتبة. غير أن المؤكد والذي لا ينبغي تركه بحال، هو صلاة أربع ركعات قبل الظهر وركعتين بعدها، أما صلاة أربع بعدها، فإذا صلاها عملاً بهذا الحديث، فقد أصاب السنة، ويرجى له الخير، وإن اقتصر على ركعتين كفاه ذلك. ووقت هذه السنّة القبلية: هو ما بين أذان الظهر، وصلاة الفرض. ووقت البعدية: من الفراغ من صلاة الظهر إلى أذان العصر. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 91290 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2112 هل يتصدق على أخيه ويصلي معه في وقت النهي؟ [السُّؤَالُ] ـ[ماذا أفعل إذا طلب مني شخص لم يصلّ أن أتصدق عليه وأصلي معه لينال ثواب الجماعة، إذا كان هذا وقت كراهية، مثل بعد صلاة الفجر أو العصر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج في إعادة الجماعة في وقت النهي، صدقةً على من فاتته الجماعة، ولم يجد من يصلي معه، لأن هذه الصلاة ليست نفلا مطلقا، وإنما هي لسبب، والصلاة إذا كان لها سبب، جاز فعلها في وقت النهي، على الراجح من قولي العلماء. وقد دل على مشروعية إعادة الجماعة هنا: ما رواه أحمد (11631) وأبو داود (574) والترمذي (220) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا جَاءَ وَقَدْ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: (أَلَا رَجُلٌ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا فَيُصَلِّيَ مَعَهُ؟) ولفظ أبي داود: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْصَرَ رَجُلًا يُصَلِّي وَحْدَهُ فَقَالَ: (أَلَا رَجُلٌ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا فَيُصَلِّيَ مَعَهُ؟) صححه الألباني في صحيح أبي داود. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن قوله عليه الصلاة والسلام: (لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس) فهل هذا العموم مراد أو ليس بمراد؟ فأجاب فضيلته بقوله: " هذا العموم ليس بمراد، بل يخرج منه بعض أفراده. ومن ذلك: إعادة الجماعة مثل أن يصلي الإنسان الصبح في مسجده، ثم إذا ذهب إلى مسجد آخر فوجدهم يصلون الصبح فإنه يصلي معهم، ولا إثم عليه ولا نهي، والدليل: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الفجر ذات يوم في منى، فلما انصرف رأى رجلين لم يصليا معه فسألهما لماذا لم تصليا؟ قالا: صلينا في رحالنا، قال: (إذا صليتما في رحالكما، ثم أتيتما مسجد الجماعة فصليا معهم) ، وهذا بعد صلاة الصبح ..... إلخ " انتهى باختصار من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (14/344) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 91323 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2113 صلاة تحية المسجد في وقت النهي [السُّؤَالُ] ـ[إذا دخل رجل المسجد في وقت النهي عن الصلاة هل يصلي ركعتي تحية المسجد؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله في هذه المسألة خلاف بين أهل العلم، والصحيح أن تحية المسجد مشروعة في جميع الأوقات حتى بعد الفجر وبعد العصر لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) . متفق على صحته، ولأنها من ذوات الأسباب كصلاة الطواف وصلاة الخسوف والصواب فيها كلها أنها تفعل في أوقات النهي كلها كقضاء الفوائت من الفرائض لقول النبي، صلى الله عليه وسلم، في صلاة الطواف: (يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أي ساعة شاء من ليل أو نهار) . أخرجه الإمام أحمد وأصحاب السنن بإسنادٍ صحيح؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم، في صلاة الكسوف: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته) 1/332. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 306 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2114 صلاة الأوابين [السُّؤَالُ] ـ[الرجاء توضيح كيفية صلاة الأوابين وما هو الدليل الذي يبرهن على وجودها فأنا لا أستطيع تحديد الحديث المنوط بهذه الصلاة جزاك الله خيرا]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صلاة الأوابين هي صلاة الضّحى التي تُصلى اثنتين أو أربعا أو ستا أو ثمانيا من بعد ارتفاع الشّمس إلى قرب وقت الظّهر وتأخيرها إلى وقت اشتداد الحرّ أفضل والدليل على ذلك ما يلي عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَهْلِ قُبَاءَ وَهُمْ يُصَلُّونَ فَقَالَ: " صَلاةُ الأَوَّابِينَ إِذَا رَمِضَتْ الْفِصَالُ. " رواه مسلم 1238 وفي رواية للإمام أحمد عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى عَلَى مَسْجِدِ قُبَاءَ أَوْ دَخَلَ مَسْجِدَ قُبَاءَ بَعْدَمَا أَشْرَقَتْ الشَّمْسُ فَإِذَا هُمْ يُصَلُّونَ فَقَالَ إِنَّ صَلاةَ الأَوَّابِينَ كَانُوا يُصَلُّونَهَا إِذَا رَمِضَتْ الْفِصَالُ. " وفي رواية لمسلم عَنْ الْقَاسِمِ الشَّيْبَانِيِّ أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ رَأَى قَوْمًا يُصَلُّونَ مِنْ الضُّحَى فَقَالَ أَمَا لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ الصَّلاةَ فِي غَيْرِ هَذِهِ السَّاعَةِ أَفْضَلُ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ صَلاةُ الأَوَّابِينَ حِينَ تَرْمَضُ الْفِصَالُ. " صحيح مسلم 1237 قال النووي رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الأوابين حين ترمض الفصال) هو بفتح التاء والميم , والرمضاء: الرمل الذي اشتدت حرارته بالشمس , أي حين تحترق أخفاف الفصال وهي الصغار من أولاد الإبل - جمع فصيل - من شدة حر الرمل (فترفع أخفافها وتضعها من حرارة الأرض) . والأواب: المطيع , وقيل: الراجع إلى الطاعة. وفي (الحديث) : فضيلة الصلاة هذا الوقت.. (و) هو أفضل وقت صلاة الضحى , وإن كانت تجوز من طلوع الشمس إلى الزوال. شرح مسلم للنووي، والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2626 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2115 كيف تصلى سنة الظهر الرباعية [السُّؤَالُ] ـ[إذا صلى سنة الظهر أربعاً قبلها أو بعدها، أو سنة العصر هل يسلم تسليمة أو تسليمتين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز له تسليمة بتشهد واحد وتشهدين، والأفضل تسليمتان. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى الإمام النووي ص 51. الحديث: 4057 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2116 موضع دعاء القنوت، وصفة رفع اليدين فيه [السُّؤَالُ] ـ[هل يُقرأ دعاء القنوت بعد قراءة الفاتحة والسورة التي تليها، أم أن موضعها هو بعد الركوع؟ وهل يُقرأ دعاء القنوت واليدان مرفوعتان مع المجافاة بينهما، أم نبقيهما على البطن؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله مسألة موضع القنوت قبل الركوع أو بعده قال الشيخ ابن عثيمين: أكثر الأحاديث والذي عليه أكثر أهل العلم أن القنوت بعد الركوع، وإن قنت قبل الركوع فلا حرج، فهو مخيَّر بين أن يركع إذا أكمل القراءة، فإذا رفع قال: ربنا ولك الحمد قنت، كما هو أكثر الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم وعليه أكثر أهل العلم، وبين أن يقنت إذا أتم القراءة ثم يكبِّر ويركع، وكل هذا جاءت به السنة. الشرح الممتع لابن عثيمين 4/65 وصفة رفع اليدين، قال العلماء: يرفع يديه إلى صدره ولا يرفعهما كثيراً ويبسط يديه وبطونهما إلى السماء، وظاهر كلام أهل العلم أنه يضمُّ اليدين بعضهما إلى بعض كحال المستجدي الذي يطلب من غيره أن يعطيه شيئاً، وأما التفريج والمباعدة بينهما فلا أعلم له أصلاً في السنة، ولا في كلام العلماء. انظر الشرح الممتع لابن عثيمين 4/25. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 12311 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2117 دعاء القنوت في الوتر [السُّؤَالُ] ـ[أرجو منكم ذكر دعاء القنوت الذي نقرأ به في صلاة الوتر.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: دعاء القنوت يكون في الركعة الأخيرة من صلاة الوتر بعد الركوع، وإذا جعله قبل الركوع فلا بأس، إلا أنه بعد الركوع أفضل. قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (23/100) : وَأَمَّا الْقُنُوتُ: فَالنَّاسُ فِيهِ طَرَفَانِ وَوَسَطٌ: مِنْهُمْ مَنْ لا يَرَى الْقُنُوتَ إلا قَبْلَ الرُّكُوعِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لا يَرَاهُ إلا بَعْدَهُ. وَأَمَّا فُقَهَاءُ أَهْلِ الْحَدِيثِ كَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ فَيُجَوِّزُونَ كِلا الأَمْرَيْنِ لِمَجِيءِ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ بِهِمَا. وَإِنْ اخْتَارُوا الْقُنُوتَ بَعْدَهُ ; لأَنَّهُ أَكْثَرُ وَأَقْيَسُ اهـ. ويرفع يديه وقد صح عن عمر رضي الله عنه كما أخرجه البيهقي وصححه (2/210) . ويرفع يديه إلى صدره ولا يرفعها كثيراً، لأن هذا الدعاء ليس دعاء ابتهال يبالغ فيه الإنسان بالرفع، بل دعاء رغبة، ويبسط يديه وبطونهما إلى السماء ... وظاهر كلام أهل العلم أنه يضم اليدين بعضهما إلى بعض كحال المستجدي الذي يطلب من غيره أن يعطيه شيئاً. والأحسن أن لا تداوم على قنوت الوتر، بل تفعله أحياناً، لأن ذلك لم يثبت عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكنه علّم الحسن بن علي رضي الله عنه دعاء يدعو به في قنوت الوتر، كما سيأتي. ثانياً: وأما دعاء القنوت فقد روى أبو داود (1425) والترمذي (464) والنسائي (1746) عن الْحَسَن بْن عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ: (اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، فإِنَّكَ تَقْضِي وَلا يُقْضَى عَلَيْكَ، وَإِنَّهُ لا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، وَلا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ، ولا منجا منك إلا إليك) . والجملة الأخيرة "لا منجا منك إلا إليك" رواها ابن منده في "التوحيد" وحسنها الألباني. وانظر: إرواء الغليل" حديث رقم (426) ، (429) . ثم يصلي على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. انظر الشرح الممتع لابن عثيمين (4/14-52) ثالثاً: يُستحب أن يقول بعدما يُسلّم (سبحان الملك القدوس) ثلاث مرات يمدّ بها صوته في الثالثة ويرفع كما أخرجه النسائي (1699) وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي. زاد الدارقطني (رب الملائكة والروح) وإسنادها صحيح. انظر زاد المعاد لابن القيم (1/337) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 14093 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2118 السنن الرّواتب [السُّؤَالُ] ـ[هل من الممكن أن تعطينا عدد ركعات السنن الرواتب ومتى تأدى هذه السنن؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله جواب سؤالك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه: مَنْ ثَابَرَ عَلَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً مِنْ السُّنَّةِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الفجر رواه الترمذي 379 وغيره وهو في صحيح الجامع رقم 6183 وعَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ صَلَّى فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ ". رواه الترمذي رقم 380 وقال: حَدِيثُ عَنْبَسَةَ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وهو في صحيح الجامع 6362 وليس لصلاة العصر سنّة راتبة ولكنّ صلاة أربع ركعات قبل فريضتها مستحبّة ولكنها دون منزلة السنن الرواتب في الأجر والمحافظة عليها، وهذه الأربع هي المذكورة في قوله صلى الله عليه وسلم: رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً صَلَّى قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا. " رواه الترمذي رقم 395 وقال: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ حَسَنٌ وحسنه الألباني في صحيح الجامع رقم 3493. وكلّ النوافل الرّباعية السابقة تُصلى مثنى مثنى عند الشافعيّ وأحمد والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 1048 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2119 تجزئ صلاة ركعتي الفجر عن تحية المسجد [السُّؤَالُ] ـ[شخص دخل المسجد قبل إقامة صلاة الفجر فهل يصلي تحية المسجد ثم يسلم ويصلي سنة الفجر أم يصلي سنة الفجر وتكفي عن تحية المسجد؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سئلت اللجنة الدائمة عن ذلك فأجابت: تجزئ صلاة ركعتي الفجر عن نفسها وعن تحية المسجد، وهذا هو الأفضل، ولو صلى تحية المسجد أولاً ثم ركعتي الفجر فلا بأس. [الْمَصْدَرُ] أنظر فتاوى اللجنة الدائمة م/7 ص/244 الحديث: 21206 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2120 ترك السنة الراتبة في السفر ما عدا سنة الفجر [السُّؤَالُ] ـ[اعلم أنه من الأفضل قصر الصلاة أثناء السفر ولكن هل نصلي السنة أم لا؟ حسب علمي فأنا أصلي السنة لأنني لا أعلم الحديث الذي يدعم هذا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في السفر الاقتصار على الفرض ولم يحفظ عنه أنه كان يصلي السنن الرواتب لا قبل الفرائض ولا بعدها. فعن عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ قَالَ فَصَلَّى لَنَا الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَقْبَلَ وَأَقْبَلْنَا مَعَهُ حَتَّى جَاءَ رَحْلَهُ وَجَلَسَ وَجَلَسْنَا مَعَهُ فَحَانَتْ مِنْهُ الْتِفَاتَةٌ نَحْوَ حَيْثُ صَلَّى فَرَأَى نَاسًا قِيَامًا فَقَالَ مَا يَصْنَعُ هَؤُلاءِ قُلْتُ يُسَبِّحُونَ (أي يصلون تطوعاً) قَالَ لَوْ كُنْتُ مُسَبِّحًا (أي مصلياً بعد الفريضة) لأَتْمَمْتُ صَلاتِي يَا ابْنَ أَخِي إِنِّي صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ وَصَحِبْتُ أَبَا بَكْرٍ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ وَصَحِبْتُ عُمَرَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ ثُمَّ صَحِبْتُ عُثْمَانَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) . قال ابن القيم رحمه الله: (وهذا من فقهه رضي الله عنه فإن الله سبحانه وتعالى خفف عن المسافر في الرباعية شطرها فلو شرع له الركعتان قبلها أو بعدها لكان الإتمام أولى به) زاد المعاد 1/316. وكذلك يدل على مشروعية ترك السنن الرواتب ما صح عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْهمَا قَالَ: جَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ (أي في مزدلفة) كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِإِقَامَةٍ وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا وَلا عَلَى إِثْرِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا. رواه البخاري 1673. وما ثبت عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ فَنَزَلَ بِهَا حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ حَتَّى إِذَا انْتَهَى إِلَى بَطْنِ الْوَادِي خَطَبَ النَّاسَ ثُمَّ أَذَّنَ بِلالٌ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا. رواه مسلم 1218. لكن يستثنى مما سبق راتبة الفجر فإنها تؤدى في حال السفر كما تؤدى في حال الحضر يقول ابن القيم: (وكان من هديه في سفره الاقتصار على الفرض ولم يحفظ عنه أنه صلى سنة الصلاة قبلها ولا بعدها إلا ما كان من الوتر وسنة الفجر فإنه لم يكن ليدعهما حضرا ولا سفرا) زاد المعاد 1/473. وقال رحمه الله: (وكان تعاهده ومحافظته على سنة الفجر أشد من جميع النوافل ولذلك لم يكن يدعها هي والوتر سفرا وحضرا وكان في السفر يواظب على سنة الفجر والوتر أشد من جميع النوافل دون سائر السنن ولم ينقل عنه في السفر أنه صلى سنة راتبة غيرهما) زاد المعاد 1/315. ثبت عن أبي قتادة رضي الله عن أنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم في سفر له فمال رسول الله صلى الله عليه وسلم وملت معه فقال: انظر فقلت هذا راكب هذان راكبان هؤلاء ثلاثة حتى صرنا سبعة فقال احفظوا علينا صلاتنا يعني صلاة الفجر فضرب على آذانهم فما أيقظهم إلا حر الشمس فقاموا فساروا هنية ثم نزلوا فتوضئوا وأذن بلال فصلوا ركعتي الفجر ثم صلوا الفجر وركبوا فقال بعضهم لبعض قد فرطنا في صلاتنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنه لا تفريط في النوم إنما التفريط في اليقظة فإذا سها أحدكم عن صلاة فليصلها حين يذكرها. رواه مسلم 681. وجاء في كتاب صلاة المسافرين وقصرها عند الإمام مسلم برقم (724) حديث عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن على شيء من النواف أشد معاهدة منه على ركعتين قبل الصبح. وكذلك يشرع للمسافر المحافظة على الوتر وقيام الليل وصلاة الضحى وكل صلاة ذات سبب كالصلاة بعد كل وضوء وصلاة التوبة وتحية المسجد وركعتي الطواف وغيرها، وكذلك لا يمنع من النفل المطلق. يدل على ما سبق ما يلي من الأحاديث: 1- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَوْصَانِي خَلِيلِي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلَاثٍ لا أَدَعُهُنَّ فِي سَفَرٍ وَلا حَضَرٍ رَكْعَتَيِ الضُّحَى وَصَوْمِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنَ الشَّهْرِ وَأَنْ لا أَنَامَ إِلا عَلَى وِتْرٍ. صحيح سنن أبي داوود 1269. 2- عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ يُومِئُ إِيمَاءً صَلاةَ اللَّيْلِ إِلا الْفَرَائِضَ وَيُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ. رواه البخاري 1000. وفي رواية: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَبِّحُ عَلَى الرَّاحِلَةِ قِبَلَ أَيِّ وَجْهٍ تَوَجَّهَ وَيُوتِرُ عَلَيْهَا غَيْرَ أَنَّهُ لا يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَةَ. رواه البخاري 1098. 3- عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ فَإِذَا أَرَادَ الْفَرِيضَةَ نَزَلَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ. رواه البخاري 400. 4- عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِاللَّهِ أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ تَقُولُ ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ قَالَتْ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ مَنْ هَذِهِ فَقُلْتُ أَنَا أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ زَعَمَ ابْنُ أُمِّي أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلا قَدْ أَجَرْتُهُ فُلانَ ابْنَ هُبَيْرَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ وَذَاكَ ضُحًى. رواه البخاري 357. والمقصود بيان مشروعية ترك السنن الرواتب في حق المسافر والاقتصار منها على ركعتي الفجر كما يشرع للمسافر أن يحافظ على صلاة الوتر والقيام والضحى وذوات الأسباب والنفل المطلق ومنه تعلم خطأ ما يدور على بعض الألسن من أن السنة في السفر ترك السنة فإنها مع اضطرابها في نفسها مخالفة للسنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحيح تقييدها بالسنة الراتبة المعروفة قبل وبعد الظهر وبعد المغرب والعشاء والله تعالى اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 21467 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2121 الأفضل صلاة النافلة في البيت [السُّؤَالُ] ـ[هل صلاة النافلة في البيت أفضل أم صلاتها في المسجد أفضل مع ذكر الدليل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأفضل أن تُصلى صلاة النافلة في البيوت، اللهم إلا إن كان يسن لها الاجتماع في المسجد كصلاة الكسوف، أو ثبت الترغيب بأدائها في المسجد مثل التنفل قبل صلاة الجمعة، وقد ثبت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم من قوله وفعله، ومن الأدلة على ذلك: 1. عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم ولا تتخذوها قبوراً ". رواه البخاري (422) ومسلم (777) . قال النووي: قوله صلى الله عليه وسلم " اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبوراً " معناه: صلُّوا فيها، ولا تجعلوها كالقبور مهجورة من الصلاة، والمراد به: صلاة النافلة، أي: صلوا النوافل في بيوتكم. " شرح مسلم " (6 / 67) . 2. عن زيد بن ثابت، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ حجرة - قال: حسبت أنه قال: من حصير - في رمضان فصلى فيها ليالي، فصلَّى بصلاته ناسٌ من أصحابه فلما علم بهم جعل يقعد فخرج إليهم، فقال: قد عرفت الذي رأيت من صنيعكم فصلُّوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة ". رواه البخاري (698) ومسلم (781) . قال الحافظ ابن حجر: ظاهره أنه يشمل جميع النوافل؛ لأن المراد بالمكتوبة: المفروضة، لكنه محمول على ما لا يشرع فيه التجميع، وكذا ما لا يخص المسجد كركعتى التحية، كذا قال بعض أئمتنا. " فتح الباري " (2 / 215) . 3. عن عبد الله بن شقيق قال سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تطوعه فقالت كان يصلي في بيتي قبل الظهر أربعا ثم يخرج فيصلي بالناس ثم يدخل فيصلي ركعتين وكان يصلي بالناس المغرب ثم يدخل فيصلي ركعتين ويصلي بالناس العشاء ويدخل بيتي فيصلي ركعتين وكان يصلي من الليل تسع ركعات فيهن الوتر وكان يصلي ليلا طويلا قائما وليلا طويلا قاعدا وكان إذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم وإذا قرأ قاعدا ركع وسجد وهو قاعد وكان إذا طلع الفجر صلى ركعتين. رواه مسلم (730) ، ونحوه من حديث ابن عمر في الصحيحين. قال النووي في شرحه: فيه استحباب النوافل الراتبة في البيت كما يستحب فيه غيرها، ولا خلاف في هذا عندنا، وبه قال الجمهور وسواء عندنا وعندهم راتبة فرائض النهار والليل. " شرح مسلم " (6 / 9) . 4. عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيباً من صلاته فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيراً ". رواه مسلم (778) . قال المناوي: " إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده ": يعني: أدى الفرض في محل الجماعة، وخص المسجد لأن الغالب إقامتها فيه، " فليجعل لبيته ": أي: محل سكنه، " نصيبا ": أي: قِسما، " من صلاته ": أي: فليجعل الفرض في المسجد والنفل في بيته لتعود بركته على البيت وأهله كما قال " فإن الله تعالى جاعل في بيته من صلاته ": أي: من أجلها وبسببها، " خيراً ": أي كثيراً عظيماً، لعمارة البيت بذكر الله وطاعته، وحضور الملائكة، واستبشارهم، وما يحصل لأهله من ثواب وبركة. وفيه: أن النفل في البيت أفضل منه في المسجد ولو بالمسجد الحرام … " فيض القدير " (1 / 418) . والأدلة على ذلك أكثر من هذا، فصلاته صلى الله عليه وسلم الرواتب، وقيام الليل، والضحى كل ذلك كان في بيته صلى الله عليه وسلم، وقد تركنا ذلك اختصاراً وفيما سبق كفاية، وقد ذكر بعض العلماء لذلك حِكَماً: قال ابن قدامة: والتطوع في البيت أفضل … ولأن الصلاة في البيت أقرب إلى الإخلاص، وأبعد من الرياء، وهو من عمل السر، وفعله في المسجد علانية والسر أفضل. " المغني " (1 / 442) . وفيه أيضاً: تذكير الناسي، وتعليم الجاهل من أهل البيت أو من يراه. وأما الدليل على استحباب فعل صلاة الكسوف في المسجد: 5. عن أبي بكرة قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فانكسفت الشمس فقام النبي صلى الله عليه وسلم يجرُّ رداءه حتى دخل المسجد فدخلنا فصلى بنا ركعتين حتى انجلت الشمس فقال صلى الله عليه وسلم: إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد فإذا رأيتموهما فصلوا وادعوا حتى يكشف ما بكم. رواه البخاري (993) . وأما الدليل على استحباب التطوع قبل صلاة الجمعة في المسجد: 6. عن سلمان الفارسي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من اغتسل يوم الجمعة وتطهر بما استطاع من طهر، ثم ادَّهن أو مسَّ من طيبٍ، ثم راح فلم يفرِّق بين اثنين، فصلَّى ما كتب له، ثم إذا خرج الإمام أنصت: غُفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى ". رواه البخاري (868) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 22209 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2122 يريد أن يقتصر على الصلوات المفروضة ولا يصلي النوافل [السُّؤَالُ] ـ[هل عليّ شيء إذا اكتفيت بأداء الصلوات المفروضة فقط وتركت غير المفروضة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فعل النوافل والقيام بها من أعظم الأمور التي توجب محبة الله للعبد، وتستوجب الجنة والرحمة، فقد أخرج البخاري (6502) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ قَالَ: " مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ، بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ) فينبغي للمسلم أن يكون عالي الهمة قويّ العزيمة غير راض بالدون، بل يبحث عن الكمال والتمام في أمور دينه كما هو كذلك في أمور دنياه. ومع ذلك: إذا اقتصر المسلم على الفرائض من الصلوات وغيرها ولم ينقص منها شيئاً فلا إثم عليه، وإن كان المواظبة على ترك السنن جملةً أمراً مذموماً عند العلماء. حتى قال الإمام أحمد: من ترك صلاة الوتر فهو رجل سوء لا ينبغي أن تقبل له شهادة. روى البخاري (46) ومسلم (11) عن طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى دَنَا فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنْ الإِسْلامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ. فَقَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لا. إِلا أَنْ تَطَوَّعَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَصِيَامُ رَمَضَانَ. قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ؟ قَالَ: لا. إِلا أَنْ تَطَوَّعَ. قَالَ: وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزَّكَاةَ. قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لا. إِلا أَنْ تَطَوَّعَ. قَالَ: فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ لا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلا أَنْقُصُ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ) قال النووي: يُحتمل أنه أراد أنه لا يصلي النافلة، مع أنه لا يخل بشيء من الفرائض، وهذا مفلح بلا شك، وإن كانت مواظبته على ترك السنن مذمومة، وتردّ بها الشهادة إلا أنه ليس بعاص بل هو مفلح ناج والله أعلم. شرح مسلم (1/121) واعلم يا أخي – رحمك الله – أن للنوافل أجراً جزيلاً وفضلاً عظيماً، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ، فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ؟ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنْ الْفَرِيضَةِ، ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ) رواه الترمذي (413) وأبو داود (864) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ) رواه مسلم (728) وفقك الله تعالى إلى معالي الأمور وأعانك على صالح القول والعمل. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 21170 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2123 إذا دخل المسجد هل يصلي ركعتي التحية [السُّؤَالُ] ـ[هل على الإمام أو المأموم أن يؤديا تحية المسجد إذا صليا ركعتي الفجر في البيت، ثم أتيا المسجد ليصليا صلاة الصبح؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الواقع كما ذكر شرع لهما إذا دخلا المسجد أن يصليا تحية المسجد قبل الجلوس، وللإمام أن يأمر بإقامة الصلاة للصبح فلا يحتاج إلى تحية المسجد، لأن الفريضة تكفي عنها، وكذا المأموم إذا دخل وقد أقيمت الصلاة. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 7/672 الحديث: 5074 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2124 صلاة التراويح جماعة في رمضان سنة وليس بدعة [السُّؤَالُ] ـ[هل تعتبر صلاة التراويح في جماعة بدعة لم تكن على عهد النبي وأن أول من أقامها عمر بن الخطاب رضي الله عنه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله القول بأن صلاة التراويح بدعة ليس بوارد، وإنما يُقال هل هي من سنن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأنها لم تكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفعلت في عهده أو هي من سنن النبي صلى الله عليه وسلم؟! فادعى بعض الناس أنها من سنن عمر، واستدل لذلك بأن عمر بن الخطاب " أمر أبيّ بن كعب وتميماً الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة " وخرج ذات ليلة والناس يُصلُّون فقال: نعمت البدعة هذه " وهذا يدل على أنه لم يسبق لها مشروعية ... ولكن هذا قول ضعيف غفل قائله عما ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم (قام بأصحابه ثلاث ليال وفي الثالثة أوفي الرابعة لم يُصلّ، وقال: إني خشيت أن تُفرض عليكم) رواه البخاري (872) وفي لفظ مسلم (ولكني خشيت أن تُفرض عليكم صلاة الليل فتعجزوا عنها) (1271) فثبتت التراويح بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم المانع من الاستمرار فيها، لا من مشروعيتها، وهو خوف أن تُفرض، وهذا الخوف قد زال بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه لما مات صلى الله عليه وسلم انقطع الوحي فأمن من فرضيتها، فلما زالت العلة وهو خوف الفريضة بانقطاع الوحي ثبت زوال المعلول وحينئذ تعود السنية لها.أهـ انظر الشرح الممتع لابن عثيمين ج/4 ص/78 وثبت في الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَدَعُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ خَشْيَةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ ... رواه البخاري (الجمعة/1060) ومسلم (صلاة المسافرين/1174) قال النووي: وَفِيهِ: بَيَان كَمَالِ شَفَقَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَأْفَته بِأُمَّتِهِ.أهـ فلا وجه للقول بأن صلاة التراويح ليست من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بل هي من سنة النبي صلى الله عليه وسلم تركها خشية أن تُفرض على الأمة فلما مات زالت هذه الخشية، وكان أبو بكر رضي الله عنه منشغلاً بحروب المرتدين وخلافته قصيرة (سنتان) ، فلما كان عهد عمر واستتب أمر المسلمين جمع الناس على صلاة التراويح في رمضان كما اجتمعوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقصارى ما فعله عمر رضي الله عنه العودة إلى تلك السنة وإحياؤها، والله الموفق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 21740 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2125 حكم قول: بلى عند قوله تعالى (أليس الله بأحكم الحاكمين) [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم قول" بلي" عند قول الإمام "أليس الله بأحكم الحاكمين" هل هي بدعة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: لا بأس أن يقول المأموم ذلك، أو يقول: سبحانك فبلى، ونحوا من ذلك، عند قراءة الإمام: (أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) (القيامة:40) ، أو قراءة: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) (التين:8) ، ونحوهما. وهذا هو مذهب المالكية. قال في مواهب الجليل (2/253) : " إذَا مَرَّ ذِكْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِرَاءَةِ الْإِمَامِ فَلَا بَأْسَ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ إذَا مَرَّ ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ الْجَنَّةَ وَيَسْتَعِيذَ بِهِ مِنْ النَّارِ وَيَكُونُ ذَلِكَ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْمَأْمُومِ عِنْدَ قَوْلِ الْإِمَامِ {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} بَلَى إنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ " انتهى. وهو أيضا مذهب الحنابلة، قال في شرح المنتهى (1/206) : "وَلِمُصَلٍّ قَوْلُ: سُبْحَانَكَ، فَبَلَى إذَا قَرَأَ {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} نَصًّا، فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا؛ لِلْخَبَرِ. وَأَمَّا {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ؟} فَفِي الْخَبَرِ فِيهَا نَظَرٌ، ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ " انتهى. وانظر: الفروع (1/481) ، والإنصاف (2/107) . والخبر المشار إليه رواه أبو داود (884) عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ قَالَ: (كَانَ رَجُلٌ يُصَلِّي فَوْقَ بَيْتِهِ وَكَانَ إِذَا قَرَأَ أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى قَالَ سُبْحَانَكَ فَبَلَى فَسَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وإسناده ضعيف؛ فيه انقطاع بين موسى والصحابي، سقط منه رجل آخر على الأقل، كما بينه الحافظ في النكت الظراف (11/210) ونتائج الأفكار (2/48) . على أن الخبر لو صح، فليس فيه أن ذلك كان في صلاة الفريضة، بل ظاهر الحال أن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يكن يفعل ذلك في الفريضة، ولو فعله لنقل، كما نقل عنه في صلاته بالليل؛ في حديث حُذَيْفَةَ رضي الله عنه، قَالَ: (صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ فَقُلْتُ يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ ثُمَّ مَضَى فَقُلْتُ يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ فَمَضَى فَقُلْتُ يَرْكَعُ بِهَا ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا، يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ ... ) رواه مسلم (772) . قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " أما في النفل، ولا سيما في صلاة الليل، فإنه يسن أن يتعوذ عند آية الوعيد، ويسأل عند آية الرحمة، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأن ذلك أحضر للقلب، وأبلغ في التدبر، وصلاة الليل يسن فيها التطويل، وكثرة القراءة والركوع والسجود، وما أشبه ذلك. وأما في صلاة الفرض، فليس بسنة، وإن كان جائزا. فإن قال قائل: ما دليلك على هذا التفريق، وأنت تقول: إن ما ثبت في النفل ثبت في الفرض..؟ فالجواب: الدليل على هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم، يصلي في كل يوم وليلة ثلاث صلوات، كلها فيها جهر بالقراءة، ويقرأ آيات فيها وعيد، وآيات فيها رحمة، ولم ينقل الصحابة الذين نقلوا صفة صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم، أنه كان يفعل ذلك في الفرض، ولو كان سنة لفعله، ولو فعله لنقل؛ فلما لم ينقل علمنا أنه لم يفعله، ولما يفعله علمنا أنه ليس بسنة، والصحابة رضي الله عنهم حريصون على تتبع حركات النبي صلى الله عليه وسلم، وسكناته، حتى إنهم يستدلون على قراءته في السرية باضطراب لحيته، ولما سكت بين التكبير والقراءة سأله أبو هريرة ماذا يقول، ولو سكت عند آية الوعيد من أجل أن يتعوذ، أو آية الرحمة من أجل أن يسأل لنقلوا ذلك بلا شك. فإذا قال قائل: إذا كان الأمر كذلك، لماذا لا تمنعونه في صلاة الفرض، كما منعه بعض أهل العلم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلوا كما رأيتموني أصلي) [البخاري (602) ] فالجواب: على هذا أن نقول: ترك النبي صلى الله عليه وسلم له لا يدل على تحريمه، لأنه أعطانا عليه الصلاة والسلام قاعدة: (إن هذا الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن..) [مسلم (537) ] ، والدعاء ليس من كلام الناس، فلا يبطل الصلاة، فيكون الأصل فيه الجواز، لكننا لا نندب الإنسان أن يفعل ذلك في صلاة الفريضة، لما تقدم تقريره. ولو قرأ القارئ: (أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يحْيِيَ الْمَوْتَى) (القيامة:40) ، لأنه ورد فيه حديث، ونص الإمام أحمد عليه، قال: إذا قرأ القارئ.. في الصلاة وغير الصلاة، قال: سبحانك فبلى، في فرض ونفل. وإذا قرأ: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) (التين:8) ، فيقول: سبحانك فبلى ... " انتهى من الشرح الممتع (1/604-605) بتصرف يسير. وقد سئل الشيخ رحمه الله: " سمعنا بعض المأمومين إذا قرأ الإمام قوله تعالى: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) يقول المأموم: بلى، فما صحة هذا؟ فأجاب: هذا صحيح، إذا قال الله تعالى: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) فقل: بلى، وكذلك مثل هذا الترتيب، يعني: إذا جاءنا مثل هذا الكلام نقول: بلى. (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ) الزمر/36 تقول: بلى. (أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ) الزمر/37 تقول: بلى. (أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) تقول: بلى. لكن المأموم إذا كان يشغله هذا الكلام عن الاستماع إلى إمامه فلا يفعل، لكن إذا جاء في آخر الآية التي وقف عليها الإمام فإنه لا يشغله. فإذا قال: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) يقول: بلى. انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (11/81) . تنبيه: الحديث المشار إليه في قول ابن مفلح: " فيه نظر "، رواه أبو داود (887) والترمذي (عن أَبي هُرَيْرَةَ قال قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ قَرَأَ مِنْكُمْ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ فَانْتَهَى إِلَى آخِرِهَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ فَلْيَقُلْ بَلَى وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنْ الشَّاهِدِينَ وَمَنْ قَرَأَ لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَانْتَهَى إِلَى أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى فَلْيَقُلْ بَلَى وَمَنْ قَرَأَ وَالْمُرْسَلَاتِ فَبَلَغَ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ فَلْيَقُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ) والحديث في إسناده راو مجهول، كما ذكر الترمذي عقبه، وقد ضعفه جمع من الأئمة، كالنووي في المجموع (3/563) ، وغيره، وذكره الألباني في ضعيف أبي داود. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 85481 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2126 كافر يسأل لماذا تُصلَّى السنَّة قبل الفرض؟ [السُّؤَالُ] ـ[من كافر ولم أعرف أجيبه: المسلمون يؤمنون أن الله قبل كل شيء، فلماذا يصلون السنَّة قبل الفرض؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نشكر لك اهتمامك بأمور دينك، وحرصك على الخير لنفسك ولغيرك، وننبهك إلى ضرورة أن يكون الحوار مع الكفار في مسائل الشرع من قبَل متخصصين؛ خشية أن يقذف أحدهم شبهة على المسلم المتحمس لدعوتهم فيحار في ردها. ونحن إذ نشكر لك إرسال سؤاله لنا وعدم إجابتك عليه من تلقاء نفسك ننصحك – وننصح الدعاة إلى الله عموماً – أن لا يُفتح المجال لأولئك الكفار للحوار في مسائل عملية جزئية، بل ينبغي أن يكون الكلام معهم في الأصل الذي تتفرع منه هذه المسائل الجزئية وتنبني عليه، فيكون الكلام على توحيد الله تعالى وإثبات البعث والحساب، ورسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وبيان محاسن الإسلام وموافقته للفطرة المستقيمة والعقل الصريح، وبطلان الشرك وإقامة الحجج والبراهين على ذلك. ولا مانع من أن يردَّ على بعضهم في هذه المسائل ممن يُعرف عنه حبّه للوصول للحق، وقد تكون هذه المسألة مفتاحاً له للدخول في دين الله عز وجل. ثانياً: سؤال هذا الكافر فيه مغالطة، ويجب رد هذه المغالطة قبل الدخول في تفاصيل الجواب، فلا علاقة لكون الله تعالى قبل كل شيء بكون الراتبة تؤدى قبل الفريضة؛ لأن تشريع الصلاة بهذا الترتيب هو من الله تعالى. ولعله يظن أن النوافل والرواتب هي للنبي صلى الله عليه وسلم! ولعل هذا ما دعاه لاستشكال هذه المسألة، فظنَّ أننا نتقرب بالرواتب للنبي صلى الله عليه وسلم، وبالفرائض لله تعالى! وهذا لا شك جهل بدين الإسلام، ولا يحتاج المسلم لكثير عناء في رده. وبكل حال: فنحن عبيد لربنا تبارك وتعالى، ونفعل ما يأمرنا به عز وجل، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يشرِّع للناس إلا ما أمره الله تعالى بتبليغه، فهو عبدٌ لربه تعالى مثلنا، إلا أن الفرق بيننا وبينه أن الله تعالى فضله بالوحي والرسالة، قال الله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ) الكهف/110، وقال تعالى: (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) يونس/15. ثالثاً: السنن الرواتب التي يصليها المسلم في اليوم الليلة اثنتا عشر ركعة، وهي التي جاء في فضلها أن من واظب عليها بني له بيتٌ في الجنة، وقد سبق بيانها في جواب السؤال رقم (1048) ، وهي ركعتان قبل الفجر، وأربع ركعات قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء. رابعاً: ذكر العلماء رحمهم الله تعالى حكَماً للصلاة قبل الفريضة، فمن المعلوم أن من يدخل المسجد فإنه يصلي ركعتين قبل أن يجلس، والمتوضئ يسن له الصلاة بعد كل وضوء، وكذا ما يوجد من رواتب قبل الصلاة كالفجر والظهر - كما سبق -، ورغَّب النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة أربع ركعات قبل العصر، ووصى بالصلاة قبل المغرب، وجعل بين كل أذانين – أي: أذان وإقامة - صلاة، وكل هذا التشريع لأداء نوافل قبل الفريضة، وله حِكَم عظيمة. 1. قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: "ففي هذه الرواتب فوائد عظيمة والمحافظة عليها من أسباب دخول الجنة والنجاة من النار مع أداء الفرائض وترك المحارم، فهي تطوع وليست فريضة لكنها مثل ما جاء في الحديث تكمل بها الفرائض، وهي من أسباب محبة الله للعبد، وفيها التأسي بالنبي عليه الصلاة والسلام، فينبغي للمؤمن المحافظة عليها والعناية بها كما اعتنى بها النبي عليه الصلاة والسلام مع سنة الضحى، ومع التهجد بالليل والوتر فالمؤمن يعتني بهذا كله" انتهى. " فتاوى الشيخ ابن باز " (11 / 381) . 2. وقال الشيخ عطية سالم رحمه الله: "المسلم يؤدي النافلة قبل الفريضة تهيئةً لقيامه بين يدي الله وهو في أكمل ما يكون استحضاراً، وهذه زيادة تحضير، وسمِّها ما شئت؛ لأنها تعطيك زيادة تنبُّه ويقظة ورغبة فيما عند الله، فإذا دخلت في الفريضة عفويّاً ربما تحتاج إلى شيء من التحضير؛ لكن إذا صليت السنَّة كان التهيؤ أكمل، وكل فريضة - كما أشرنا - قبلها نافلة، فهذا الفجر له ركعتان قبلية، وتلك الظهر لها ركعتان أو أربع قبلية، وتلك العصر قبلها أربع، والمغرب كانوا يصلون قبلها ركعتين، يقول الراوي: (حتى إن الغريب إذا دخل المسجد رأى الناس قد بادروا إلى السواري فيظن أن الناس قد صلوا المغرب) ، وجاء في الحديث: (صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب، وقال في الثالثة: لمن شاء) ؛ كراهية أن يتخذها الناس سنة لازمة، وقال: (بين كل أذانين صلاة) ، والمغرب كغيره له أذانان، وهما: الأذان والإقامة، وهكذا قبل صلاة العشاء نافلة، وبعدها نافلة" انتهى. " شرح الأربعين النووية " (الحديث الثلاثون) . 3. وقال الشيخ محمد المختار الشنقيطي حفظه الله: "والسنن الراتبة هذه شُرعت لفضائل وحكَم عظيمة؛ فإن المصلي إذا دخل إلى الفريضة مباشرة يكون في حالة أدنى من الخشوع والخضوع واستحضار القلب مما لو سبق الفريضة بسنة قبلية، كما هو الحال في صلاة الظهر، فإن الناس في الظهر يكونون على عناء العمل وشظف طلب العيش، فإذا دخلوا إلى الصلاة وهم حديثو عهد بالتجارات ونحوها فإنهم يكونون أقل خشوعاً مما لو قدموا بسنَّة ثم دخلوا الفريضة بعد السنَّة، فإن الطاعة تشرح الصدر وتيسر الذكر، وهذا محفوظ من هدي النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنه لما أراد أن يقوم الليل عليه الصلاة والسلام استفتح بركعتين خفيفتين، قالوا: لأن هذا الاستفتاح يهيئ النفس للإطالة، وللاستحضار وللخشوع، فكان في السنة الراتبة نفس المعنى، وهذا مجرب في الشخص الذي يأتي متأخراً في الصلوات، أو يأتي مع الإقامة، فإنه إذا دخل لا تجده في الخشوع كحالته حين يدخل بين الأذان والإقامة فيصلي الراتبة ويذكر الله، فإن الحسنة تدعو إلى أختها، فتجده بعد انتهائه من الراتبة أشرح صدراً وأكثر طمأنينة في قلبه، فهذا يقوّيه على فعل الفريضة بنفس أقوى وحضور أبلغ، وهذا إذا كانت الراتبة قبلية" انتهى. شرح زاد المستقنع " (كتاب الصلاة) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82619 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2127 وقت صلاة الضحى [السُّؤَالُ] ـ[ما هو الوقت المناسب لصلاة "الإشراق" وصلاة " الضحى"؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صلاة الإشراق هي صلاة الضحى في أول وقتها، وليست صلاتين مختلفتين، وسميت كذلك لكونها تفعل عقب شروق الشمس وارتفاعها. قال الشيخ ابن باز: صلاة الإشراق هي صلاة الضحى في أول وقتها. مجموع فتاوى الشيخ ابن باز 11 / 401 وقت صلاة الضحى من طلوع الشمس وارتفاعها إلى قبيل وقت صلاة الظهر. وقدّره الشيخ ابن عثيمين بأنه بعد شروق الشمس بربع ساعة إلى قبيل صلاة الظهر بعشر دقائق. الشرح الممتع 4 / 122 فكل هذا الوقت وقت لصلاة الضحى. (والأفضل صلاتها بعد اشتداد حر الشمس لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة الأوابين حين ترمض الفصال) رواه مسلم (748) والفصال هي أولاد الإبل، ومعنى ترمض تشتد عليها الرمضاء وهي حرارة الشمس. ابن باز مجموع فتاوى 11/ 395 وقدّر العلماء هذا بمضي ربع النهار أي نصف الوقت بين طلوع الشمس وصلاة الظهر. انظر المجموع للنووي 4 / 36، والموسوعة الفقهية 27 / 224. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 22389 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2128 هل يردد مع المؤذن أو يصلي تحيَّة المسجد [السُّؤَالُ] ـ[عند دخول المسجد وأثناء رفع الأذان، هل يجب عليّ الانتظار إلى نهاية الأذان لأصلي تحية المسجد؟ أم أصليها مع الأذان.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ((الأفضل له أن يجيب المؤذن ثم يدعو بعد ذلك بما ورد ثم يدخل في تحية المسجد، إلا أن بعض العلماء استثنوا من ذلك من دخل المسجد والمؤذن يؤذِّن يوم الجمعة الأذان الثاني، فإنه يصلي تحية المسجد لأجل أن يستمع الخطبة، وعللوا ذلك بأن استماع الخطبة واجب وإجابة المؤذن ليست واجبة، والمحافظة على الواجب أولى من المحافظة على غير الواجب)) . فتاوى أركان الإسلام لابن عثيمين ص/28 وذهب بعض العلماء إلى أن الجمع الأحسن بين المصلحتين أن يردد مع المؤذِّن، لأنه مأمور به ثم يصلي ركعتين خفيفتين، والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 14387 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2129 السنة القبلية للظهر ثنتان أم أربع [السُّؤَالُ] ـ[هل السنة القبلية لصلاة الظهر ركعتين أم ركعة واحدة؟ وهل ورد خلاف بين العلماء حول ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا بد أنك تقصد، هل السنة القبلية لصلاة الظهر تسليمة أو تسليمتان، لأن الركعة الواحدة وتر، وليس هناك شيء من الصلوات وتراً إلا صلاة المغرب، والوتر في الليل. فالجواب: ورد في بعض الأحاديث أن سنة الظهر القبلية تسليمة واحدة (ركعتان) كما في حديث ابن عمر في الصحيحين. وورد في بعضها أنها تسليمتان (أربع ركعات) كما في حديث عائشة رضي الله عنها في صحيح مسلم. فالمرء مخيّر بين هذا وذلك، ولكن ذهب بعض أهل العلم إلى أنه إن صلاها في بيته فالأولى أن يصليها أربع ركعات في تسليمتين، وإن صلاها في المسجد فركعتان (تسليمة واحدة) . [الْمَصْدَرُ] الشيخ سعد الحميد الحديث: 10889 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2130 ما يجوز فعله من النوافل في وقت الكراهة [السُّؤَالُ] ـ[ما هو وقت الكراهة للصلاة؟ وهل يجوز أن يصلي المرء صلاة السنة في وقت الكراهة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: أوقات النهي عن الصلاة ثلاثة على سبيل الاختصار، وخمسة على سبيل البسط، وهي: من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس. ومن طلوع الشمس إلى ارتفاعها مقدار رمح، ويقدر هذا الوقت باثنتي عشرة دقيقة، والاحتياط جعله ربع ساعة. وعند قيام الشمس في الظهيرة حتى تزول عن كبد السماء. ومن بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس. وعند شروع الشمس في الغروب إلى أن يتم ذلك. وأما على سبيل الاختصار فهي: من الفجر إلى أن ترتفع الشمس قيد رمح. وحين يقوم قائم الظهيرة إلى أن تزول. ومن صلاة العصر حتى يتم غروب الشمس. وانظر أدلة ذلك في جواب السؤال رقم (48998) . ثانيا: هذه الأوقات ينهى فيها عن صلاة التطوع، وأما فعل الفريضة، أو قضاؤها، فلا يتعلق به النهي. "والأصل أن صلاة التطوع مشروعة دائما؛ لعموم قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون) الحج/ 77، وعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي قضى له حاجة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (سل. قال: أسألك مرافقتك في الجنة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أو غير ذلك؟ قال: هو ذاك - يعني: لا أسألك غيره - قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود) . وعلى هذا؛ فالأصل في صلاة التطوع أنها مشروعة كل وقت للحاضر والمسافر، لكن هناك أوقاتاً نهى الشارع عن الصلاة فيها، وهذه الأوقات خمسة ... " انتهى من "الشرح الممتع" للشيخ ابن عثيمين رحمه الله. ثالثا: استثنى جماعة من الفقهاء أنواعاً من النفل يجوز فعلها في وقت النهي، وهي: 1- ركعتا الطواف؛ وذلك لما روى الترمذي (868) والنسائي (2924) وأبو داود (1894) وابن ماجه (1254) عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ، مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ) والحديث صححه الألباني في صحيح الترمذي. 2- إعادة الجماعة، فمن صلى الفريضة ثم أتى مسجد جماعة فوجدهم يصلون، فإنه يصلي معهم، ولو كان في وقت نهي، وصلاته معهم نافلة، وذلك لما روى الترمذي (219) والنسائي (858) عن يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ الْعَامِرِيُّ رضي الله عنه أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لرجلين لم يصليا معه، لأنهما كانا صليا في رحالهما: (إِذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ، فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ) . والحديث صححه الألباني في صحيح الترمذي. 3- السنة الراتبة إذا شغل عنها حتى دخل وقت النهي، وكذلك سنة الظهر البعدية في حال جمع الظهر مع العصر، فيجوز فعلها بعد صلاة العصر. وقد شُغل النبي صلى الله عليه وسلم عن سنة الظهر البعدية، فصلاها بعد العصر، رواه البخاري (1233) ومسلم (834) . 4- من دخل يوم الجمعة والإمام يخطب؛ فإنه يصلي ركعتين خفيفتين، وذلك لما روى البخاري (931) ومسلم (875) عن جابر رضي الله عنه قَالَ: دَخَلَ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، فَقَالَ: (أَصَلَّيْتَ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: قُمْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ) . 5- صلاة الجنازة تفعل في أوقات النهي الطويلة، إجماعا، أي بعد طلوع الصبح حتى تطلع الشمس، وبعد صلاة العصر إلى غروبها. قال ابن قدامة رحمه الله: "أما الصلاة على الجنازة بعد الصبح حتى تطلع الشمس , وبعد العصر حتى تميل للغروب , فلا خلاف فيه , قال ابن المنذر: إجماع المسلمين في الصلاة على الجنازة بعد العصر والصبح. وأما الصلاة عليها في الأوقات الثلاثة التي في حديث عقبة بن عامر فلا يجوز. (ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن , وأن نقبر فيهن موتانا) . وذكره للصلاة مقرونا بالدفن دليل على إرادة صلاة الجنازة. قال الأثرم: سألت أبا عبد الله [يعني: الإمام أحمد] عن الصلاة على الجنازة إذا طلعت الشمس؟ قال: أما حين تطلع فما يعجبني. ثم ذكر حديث عقبة بن عامر. وقد روي عن جابر , وابن عمر نحو هذا القول , وذكره مالك في " الموطأ " عن ابن عمر. وقال الخطابي: هذا قول أكثر أهل العلم. وإنما أبيحت بعد الصبح والعصر لأن مدتهما تطول , فالانتظار يخاف منه عليها , وهذه مدتها تقصر" انتهى من "المغني" (1/425) باختصار وتصرف. رابعا: اختلف الفقهاء في بعض النوافل، هل يشرع فعلها في أوقات النهي أم لا، ومن ذلك اختلافهم في ذوات الأسباب كتحية المسجد وسنة الوضوء، فمنهم من جوز فعلها في وقت النهي، وهو مذهب الشافعي رحمه الله واختاره جمع من العلماء، وهو الراجح، ومنهم من منع ذلك، ولم يفرق بين النفل المطلق، والنفل الذي يفعل لسبب خاص. وانظر جواب السؤال رقم (306) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 81978 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2131 متى تُصلى راتبة الفجر؟ [السُّؤَالُ] ـ[كيفية الصلاة قبل الفجر لتعد من الرواتب الاثنا عشر، عندنا في المغرب يؤذن للصبح فنقوم نصلي الفجر ثم الصبح، نرجو منكم أن توضحوا لنا متى نصلي ركعتي الرواتب الاثني عشر؟ خصوصا الركعتين قبل الفجر.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الرواتب الاثنا عشر التي جاء في فضلها أن من واظب عليها بني له بيتٌ في الجنة سبق بيانها في جواب السؤال رقم (1048) ، وهي ركعتان قبل الفجر، وأربع ركعات قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء. ثانياً: ما تؤدونه بعد أذان الصبح قبل صلاة الفريضة، هو النافلة، وهي ركعتا الفجر وتسمى " سنة الفجر " أو " سنة الصبح "، وهي من الرواتب الاثنا عشر – كما سبق – ففعلكم لها هو من المحافظة على هذه الراتبة الشريفة. وانظر لزيادة الفائدة جواب السؤال رقم (79345) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 81471 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2132 هل تقضى صلاة الضحى إذا خرج وقتها؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل إذا فاتتني صلاة الضحى بعد الساعة الثانية عشرة ظهرا أقضيها حتى ولو بعد صلاة الظهر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: وقت الصلاة الضحى من ارتفاع الشمس قدر رمح، وذلك بمضي ربع ساعة أو ثلث ساعة بعد طلوعها، إلى قبيل الزوال (والزوال هو دخول وقت صلاة الظهر) ، وقبيل الزوال ما بين عشر دقائق إلى خمس دقائق فقط، أي قبل دخول وقت النهي " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله" (14/306) . قال ابن مفلح رحمه الله: " ووقتها من خروج وقت النهي إلى الزوال , والمراد والله أعلم قبيل الزوال؛ للنهي " انتهى من "الفروع" (1/567) . ثانيا: اختلف أهل العلم في قضاء صلاة الضحى إذا فات وقتها، فذهب بعضهم إلى أنها تقضى، وهو الصحيح عند الشافعية، وقال به بعض الحنابلة، وذهب آخرون إلى عدم قضائها، وهو قول الشافعي القديم، ومذهب الحنفية والمالكية. قال النووي رحمه الله في "المجموع" (3/532) : " قال أصحابنا: النوافل قسمان (أحدهما) غير مؤقت وإنما يفعل لعارض كالكسوف والاستسقاء وتحية المسجد , فهذا إذا فات لا يقضى (الثاني) مؤقت كالعيد والضحى والرواتب مع الفرائض كسنة الظهر وغيرها، فهذه فيها ثلاثة أقوال: الصحيح منها أنها يستحب قضاؤها , قال القاضي أبو الطيب وغيره: هذا القول هو المنصوص في الجديد. والثاني: لا تقضى وهو نصه في القديم، وبه قال أبو حنيفة. والثالث: ما استقلّ كالعيد والضحى قُضي، وما لا يستقل كالرواتب مع الفرائض فلا يقضى , وإذا [كانت] تقضى فالصحيح أنها تقضى أبدا. وحكى بعض أصحابنا قولاً ضعيفا أنه يقضي فائت النهار ما لم تغرب شمسه , وفائت الليل ما لم يطلع فجره , وعلى هذا تقضى سنة الفجر ما دام النهار باقيا ... وهذا الخلاف كله ضعيف والصحيح استحباب قضاء الجميع أبدا , ودليله قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) وحديث أبي قتادة رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم فاته الصبح في السفر حتى طلعت الشمس فتوضأ ثم صلى سجدتين ثم أقيمت الصلاة فصلى الغداة) رواه مسلم، والمراد بالسجدتين صلاة السنة الراتبة التي قبل الفجر. وحديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين بعد العصر فسألته عن ذلك فقال: (إنه أتاني ناس من عبد القيس بالإسلام من قومهم فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان الركعتان بعد العصر) رواه البخاري ومسلم، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لم يصل ركعتي الفجر حتى تطلع الشمس فليصلهما) رواه البيهقي بإسناد جيد , وعن أبى سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من نام عن وتره أو نسيه فليصل إذا ذكره) رواه أبو داود بإسناد حسن ... وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان إذا فاتته الصلاة من الليل من وجع أو غيره صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة) رواه مسلم ... وفي المسألة أحاديث كثيرة غير ما ذكرتها وفي هذا أبلغ كفاية , وبالله التوفيق " انتهى باختصار وتصرف يسير. وقال المرداوي في "الإنصاف" (2/191) : " وقال الشيخ عبد القادر: له فعلها بعد الزوال , وإن أخرها حتى صلى الظهر قضاها ندبا – يعني استحباباً - " انتهى. وصرح الحنفية بأن السنن إذا فاتت لا يقضى منها إلا سنة الفجر إذا فاتت مع الفرض، فإنها تقضى إلى الزوال. "الفتاوى الهندية" (1/112) . وإلى هذا ذهبت المالكية أيضا، فلا يقضى عندهم نفل سوى ركعتي الفجر، تقضى إلى الزوال، سواء كان معها الصبح أم لا. "بلغة السالك" (1/408) . وينظر: "الموسوعة الفقهية الكويتة" (34/37) . واختار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله القول بأن صلاة الضحى لا تقضى إذا فات وقتها، فقد سئل رحمه الله: إذا فاتت سنة الضحى هل تقضى أم لا؟ فأجاب: " الضحى إذا فات محلها فاتت؛ لأن سنة الضحى مقيدة بهذا، لكن الرواتب لما كانت تابعة للمكتوبات صارت تقضى وكذلك الوتر لما ثبت في السنة (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إذا غلبه النوم، أو المرض في الليل صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة) . فالوتر يقضى أيضا " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (14/305) . والأمر في ذلك واسع، والحمد لله. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 72828 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2133 هل يشترط في السنة القبلية دخول وقت فريضتها؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل سنة الفجر تصلى بعد دخول وقت صلاة الصبح أم بعد الأذان - الذي هو قبل وقت الصلاة -؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله السنَّة القبلية للصلاة لا يدخل وقتها إلا بدخول وقت الصلاة. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/544) : " كل سنة قبل الصلاة , فوقتها من دخول وقتها إلى فعل الصلاة , وكل سنة بعدها , فوقتها من فعل الصلاة إلى خروج وقتها " انتهى. وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: دخلت المسجد في صلاة الصبح وصليت ركعتين، وعند قيامي للركعة الثانية: قام المؤذن يؤذن للصلاة، وقد نويت في صلاتي تلك أنها سنة الصبح، حيث قمت من منزلي وهو يؤذن في بعض المساجد، وعندما فرغت من صلاتي جلست أقرأ القرآن، فقال لي شخص بجانبي: قم صل سنة الصبح، فقلت له: إنني صليتها، فقال: لا يجوز ذلك إلا أن تصلي مرة أخرى حيث المؤذن أذن وأنت تصلي، أرجو إفادتي عن ذلك؟ فأجاب: " إذا كان المؤذن الذي أذن وأنت تصلي سنة الفجر قد أخَّر الأذان وصادف فعلك لها بعد طلوع الفجر: فقد أديت السنَّة ويكفي ذلك ولا حاجة أن تعيدها، أما إذا كنت تشك في ذلك ولا تعلم هل المؤذن الذي أذن وأنت في الصلاة هل أذانه بعد الصبح أو عند طلوع الفجر: فالأحوط لك والأفضل أن تعيد الركعتين، حتى تكون أديتهما بعد طلوع الفجر يقينا " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (11 / 369، 370) . وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: هل يُشترط للسنَّة الراتبة التي قبل الظهر وقبل الفجر دخول الوقت؟ فأجاب: " السنَّة الراتبة القبلية التي تكون قبل الصلاة لا بدَّ أن تكون بعد (دخول) الوقت، فلو فُرض أن الإنسان صلاها قبل الوقت ظانّاً أن الوقت قد دخل ثم تبيَّن أنه لم يدخل: فليعُدها، وتكون الأولى نفلاً مطلقاً لا راتبة " انتهى. " لقاءات الباب المفتوح " (السؤال رقم 590) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 72349 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2134 هل يجوز صلاة الوتر تسع ركعات بتشهدين وسلام واحد؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم صلاة التراويح جماعة في المسجد تسع ركعات بتشهد بعد الثامنة، وآخر بعد التاسعة ثم السلام، فإن البعض قالوا إن هذا بدعة؟ أرجو ذكر الحكم بالدليل معضداً بأقوال العلماء المتقدمين والمتأخرين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأفضل في صلاة التراويح أن تُصلى إحدى عشرة ركعة , كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في رمضان وغيره , فيصلي ركعتين ركعتين. . ثم يوتر بثلاث , ولو زاد المصلي عن إحدى عشر أو نقص فلا حرج عليه , وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (9036) . وأما الصفة المسئول عنها فهي إحدى صفات صلاة الوتر , فعن عائشة رضي الله عنها – وسئلت عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم - فقالت: (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان َيُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ لا يَجْلِسُ فِيهَا إِلا فِي الثَّامِنَةِ فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ , ثُمَّ يَنْهَضُ وَلا يُسَلِّمُ , ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّ التَّاسِعَةَ , ثُمَّ يَقْعُدُ فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ , ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمًا يُسْمِعُنَا) رواه مسلم (746) . قال ابن القيم – في بيان أنواع قيام ووتر النبي صلى الله عليه وسلم -: " النوع الخامس: تسع ركعات يسرد منهن ثمانيا لا يجلس في شيء منهن إلا في الثامنة , يجلس يذكر الله تعالى ويحمده ويدعوه ثم ينهض ولا يسلم , ثم يصلي التاسعة ثم يقعد ويتشهد ويسلم ثم يصلي ركعتين جالسا بعدما يسلم " انتهى. " زاد المعاد " (1 / 317) . وقد ظن بعض الناس أن هذه الأحاديث معارضة لما ثبت في الصحيحين من قول النبي صلى الله عليه وسلم (صَلاَةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى) وليس الأمر كذلك؛ لأن هذا الحديث وارد في صلاة قيام الليل، والصورة التي ذكرناها والواردة في السؤال إنما هي في صلاة الوتر. قال ابن القيم رحمه الله بعد أن ساق أحاديث في أنواع وتره صلى الله عليه وسلم -: " وكلها أحاديث صحاح صريحة لا معارض لها , فَرُدَّتْ هذه بقوله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى) وهو حديث صحيح , ولكن الذي قاله هو الذي أوتر بالتسع والسبع والخمس , وسننه كلها حق يصدق بعضها بعضا , فالنبي صلى الله عليه وسلم أجاب السائل له عن صلاة الليل بأنها (مَثْنَى مَثْنَى) ولم يسأله عن الوتر، وأما السبع والخمس والتسع والواحدة: فهي صلاة الوتر، والوتر اسم للواحدة المنفصلة مما قبلها وللخمس والسبع والتسع المتصلة , كالمغرب اسم للثلاث المتصلة , فإن انفصلت الخمس والسبع بسلامين كالإحدى عشرة كان الوتر اسما للركعة المفصولة وحدها , كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى , فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ أَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ تُوتِرُ لَهُ مَا صَلَّى) فاتفق فعله صلى الله عليه وسلم وقوله، وصدَّق بعضُه بعضاً " انتهى. " إعلام الموقعين " (2 / 424، 425) . وقد سبق في جواب السؤال (52875) بيان أن صلاة الوتر من صلاة الليل , ولكنها تخالفها في الكيفية. وعلى هذا , فصلاة التراويح لا تصلى تسع ركعات متصلة بتشهدين وسلام واحد , وإنما الذي يُصلى كذلك هو صلاة الوتر. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 66652 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2135 هل يصلي خلف من يصلي الوتر ثلاثاً بتشهدين وسلام ويقنتون قبل الركوع؟ [السُّؤَالُ] ـ[في المركز الإسلامي الذي أصلي فيه يتبعون المذهب الحنفي حيث يصلون الوتر ثلاث ركعات يفصل بينهما التشهد في الركعة الثانية ولا يسلمون ويقومون للركعة الثالثة ثم بعد قراءة الفاتحة وسورة يكبرون ولا يركعون بل يأتون بدعاء التهجد سرّاً ثم يكبرون ثانية للركوع فهل هذا صحيح؟ وإن كان لا فماذا نفعل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ما فعله الإمام والمصلون من صلاة الوتر ثلاث ركعات بتشهدين وسلام واحد، ومن القنوت قبل الركوع هما من مسائل الخلاف المشهورة بين الحنفية وبين جمهور العلماء، وصلاة الوتر بتلك الطريقة لا تخلو من كراهة، فالوتر بثلاث ركعات له صفتان كلتاهما مشروعة وهما: الأولى: أن يسرد الثلاث بتشهد واحد وتسليم واحد. والثانية: أن يصلي ركعتين ثم يسلم ثم يوتر بواحدة. وتجد تفصيل هاتين الصورتين بأدلتهما في جواب السؤال رقم (46544) فلينظر. وصلاة ثلاث ركعات بتشهدين وسلام ورد فيها نهي أقل أحواله الكراهة، وقد سبق ذكر فتاوى العلماء في المنع منها في جواب السؤال رقم: (72246) و (26844) فلينظرا. وأما القنوت قبل الركوع: فقد ورد في السنَّة الصحيحة ما يدل عليه، ولمن قال بالقنوت بعد الركوع دليل أيضاً، فليس في الأمر ما يسوِّغ الإنكار فضلاً عن المخالفة، فضلاً عما هو أشد وهو ترك الصلاة خلف ذلك الإمام. وقد سبق ذكر مسألة القنوت في الوتر في جواب السؤال رقم (14093) فلينظر. ثانياً: لا بأس أن تصلي خلفهم، ولو كانوا على الصفة التي ذكرتها، لأن ما يفعلونه إنما هو تقليد لإمام مجتهد فلا يسوغ ترك الصلاة خلفهم، ولا الفرقة بينكم، وبخاصة أنكم في ديار كفر، وما تفعلونه يُحسب على الإسلام. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وتنازعوا (يعني: العلماء) فيما إذا ترك الإمام ما يعتقد المأموم وجوبه مثل أن يترك قراءة البسملة والمأموم يعتقد وجوبها , أو يمس ذكره ولا يتوضأ والمأموم يرى وجوب الوضوء من ذلك , أو يصلي في جلود الميتة المدبوغة والمأموم يرى أن الدباغ لا يطهر , أو يحتجم ولا يتوضأ والمأموم يرى الوضوء من الحجامة، والصحيح المقطوع به: أن صلاة المأموم صحيحة خلف إمامه وإن كان إمامه مخطئاً في نفس الأمر , لما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يصلون لكم , فإن أصابوا فلكم ولهم وإن أخطأوا فلكم وعليهم) . وكذلك إذا اقتدى المأموم بمن يقنت في الفجر أو الوتر قنت معه سواء قنت قبل الركوع أو بعده , وإن كان لا يقنت لم يقنت معه , ولو كان الإمام يرى استحباب شيء والمأمومون لا يستحبونه فتركه لأجل الاتفاق والائتلاف كان قد أحسن. مثال ذلك: الوتر، فإن للعلماء فيه ثلاثة أقوال: أحدهما: أنه لا يكون إلا بثلاث متصلة، كالمغرب، كقول من قاله من أهل العراق. والثاني: أنه لا يكون إلا ركعة مفصولة عما قبلها كقول من قال ذلك من أهل الحجاز. والثالث: أن الأمرين جائزان , كما هو ظاهر مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما، وهو الصحيح، وإن كان هؤلاء يختارون فصله عما قبله. فلو كان الإمام يرى الفصل فاختار المأمومون أن يصلي الوتر كالمغرب فوافقهم على ذلك تأليفاً لقلوبهم كان قد أحسن , كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: (لولا أن قومَك حديثو عهد بجاهلية لنقضت الكعبة ولألصقتها بالأرض , ولجعلت لها بابين باباً يدخل الناس منه وباباً يخرجون منه) فترك الأفضل عنده لئلا ينفر الناس " انتهى. " الفتاوى الكبرى " (2 / 476) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 66613 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2136 صلاة الوتر بعد أذان الفجر [السُّؤَالُ] ـ[ما الحكم فيما إذا نوى المرء أن يصلي صلاة الوتر لكنه نام عنها أو لم ينتبه للوقت وهو يتناول طعام السحور؟ هل له أن يصلي الوتر حتى بعد أذان الفجر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ينتهي وقت صلاة الوتر بطلوع الفجر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صَلاة اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ الصُّبْحَ صَلَّى وَاحِدَةً فَأَوْتَرَتْ لَهُ مَا صَلَّى) رواه البخاري (472) . وروى مسلم (754) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَوْتِرُوا قَبْلَ أَنْ تُصْبِحُوا) . " فإذا أذن الفجر ولم يوتر الإنسان أَخَّره إلى الضحى بعد أن ترتفع الشمس فيصلي ما تيسر، يصلي ثنتين أو أربع أو أكثر، ثنتين ثنتين، فإذا كانت عادته ثلاثا ولم يصلها في الليل، صلاها الضحى أربعا بتسليمتين، فإذا كانت عادته خمسا ولم يتيسر له فعلها في الليل لمرض أو نوم أو غير ذلك صلاها الضحى ستا بثلاث تسليمات، وهكذا، لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يفعل ذلك، كان يوتر بإحدى عشرة، فإذا شغله مرض أو نوم صلاها من النهار ثنتي عشرة ركعة. هكذا قالت عائشة رضي الله عنها فيما رواه الشيخان البخاري ومسلم عنها، وهذا هو المشروع للأمة اقتداء به عليه الصلاة والسلام. "مجموع فتاوى ابن باز" (11/300) . وسئل الشيخ ابن باز أيضاً: صلاة الوتر نهايتها هل هي عند ابتداء الأذان، أذان الفجر أم نهاية الأذان وإذا نام عنها هل تقضى وكيف؟ فأجاب: " المشروع لكل مؤمن ومؤمنة الإيتار في كل ليلة ووقته ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر لما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى) وروى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي أنه قال: (أوتروا قبل أن تصبحوا) وخرج الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وصححه الحاكم عن خارجة بن حذافة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم. قلنا: يا رسول الله ما هي؟ قال: الوتر، ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر) والأحاديث في هذا الباب كثيرة، وهي دالة على أن الوتر ينتهي بطلوع الفجر، وإذا لم يعلم المصلي طلوع الفجر اعتمد على المؤذن المعروف بتحري الوقت، فإذا أذن المؤذن الذي يتحرى وقت الفجر فاته الوتر، أما من أذن قبل الفجر فإنه لا يفوت بأذانه الوتر ولا يحرم به على الصائم الأكل والشرب، ولا يدخل به وقت صلاة الفجر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم) متفق على صحته. وكان ابن أم مكتوم رجلا أعمى لا ينادي حتى يقال له أصبحت أصبحت. وبما ذكرنا يتضح أن وقت الوتر ينتهي بأول الأذان إذا كان المؤذن يتحرى الصبح في أذانه، لكن إذا أذن المؤذن والمسلم في الركعة الأخيرة أكملها لعدم اليقين بطلوع الفجر بمجرد الأذان، ولا حرج في ذلك إن شاء الله. ومن فاته الوتر شرع له أن يصلي عادته من النهار لكن يشفعها بركعة، فإذا كانت عادته ثلاثا صلى أربعا، وإذا كانت عادته خمسا صلى ستا، وهكذا يسلم من كل اثنتين، لما ثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فاته وتره من الليل لمرض أو نوم صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة) وكانت عادته صلى الله عليه وسلم الغالبة الإيتار بإحدى عشرة ركعة، فإذا شغل عنها بمرض أو نوم صلى ثنتي عشرة ركعة، كما قالت عائشة رضي الله عنها، يسلم من كل اثنتين لما ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله كم يصلي من الليل عشر ركعات يسلم من كل اثنتين ويوتر بواحدة) متفق على صحته؛ ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى) رواه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وأصله في الصحيحين بلفظ: (صلاة الليل مثنى مثنى) كما تقدم في أول هذا الجواب، والله ولي التوفيق " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (11/305-308) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: أحرص على الوتر في وقته الفاضل قبل طلوع الفجر؛ ولكن أحياناً لا أستطيع فعله قبل طلوع الفجر، فهل يجوز لي الوتر بعد طلوع الفجر؟ فأجاب: " إذا طلع الفجر وأنت لم توتر فلا توتر، ولكن صل في النهار أربع ركعات إن كنت توتر بثلاث، وست ركعات إن كنت توتر بخمس وهكذا. لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فاتته صلاة الليل صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (14/114) . وقد جاء عن جماعة من الصحابة أنه لا حرج في صلاة الوتر بعد أذان الفجر إلى إقامة الصلاة، منهم: ابن مسعود، رواه النسائي (1667) وصححه الألباني في صحيح النسائي، وابن عباس، رواه مالك في "الموطأ" (255) ، وعبادة بن الصامت، رواه مالك في "الموطأ" أيضاً (257) رضي الله عنهم أجمعين. وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عمن نام عن صلاة الوتر؟ فأاب: " يصلي ما بين طلوع الفجر وصلاة الصبح، كما فعل ذلك عبد الله بن عمر وعائشة وغيرهما. وقد روى أبو داود في سننه عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من نام عن وتره أو نسيه فليصله إذا أصبح أو ذكر) . واختلفت الرواية عن أحمد هل يقضي شفعه معه؟ والصحيح أنه يقضي شفعه معه. وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، فإن ذلك وقتها) . وهذا يعم الفرض وقيام الليل والوتر والسنن الراتبة " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (2/240) . فإذا فعل المسلم أي واحد من الأمرين فلا حرج عليه إن شاء الله تعالى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65692 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2137 لا توجد صلاة سنة بعد فريضة الفجر؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل توجد صلاة سنة بعد صلاة الفجر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس لصلاة الفجر صلاة سنة بعدها. أما قبلها فلها سنة راتبة؛ ركعتان، وهي آكد السنن الرواتب، حتى كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يدعهما حضراً ولا سفرا. فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: (لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ النَّوَافِلِ أَشَدَّ مِنْهُ تَعَاهُدًا عَلَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ) رواه البخاري (1163) ومسلم (724) . وفي فضلها قال النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا) رواه مسلم (725) . ويسن أن يقرأ المصلي فيهما بالكافرون والإخلاص؛ لما روى مسلم (726) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) وَ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) . ومن فاتته سنة الفجر (القبلية) فله أن يصليها بعد صلاة الصبح. ودليل ذلك ما رواه الترمذي (422) وأبو داود (1267) عَنْ قَيْسٍ بن عمرو قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُقِيمَتْ الصَّلاةُ، فَصَلَّيْتُ مَعَهُ الصُّبْحَ ثُمَّ انْصَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَنِي أُصَلِّي، فَقَالَ: مَهْلا يَا قَيْسُ، أَصَلاتَانِ مَعًا؟! قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَمْ أَكُنْ رَكَعْتُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ. قَالَ: فَلا إِذَنْ) . ولفظ أبي داود: (فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) والحديث صححه الألباني في صحيح الترمذي. قال الخطابي: " فِيهِ بَيَان أَنَّ لِمَنْ فَاتَتْهُ الرَّكْعَتَانِ قَبْل الْفَرِيضَة أَنْ يُصَلِّيهِمَا بَعْدهَا قَبْل طُلُوع الشَّمْس " انتهى من "عون المعبود". وقال في "تحفة الأحوذي": " (أَصَلاتَانِ مَعًا؟) الاسْتِفْهَامُ لِلإِنْكَارِ. أَيْ أَفَرْضَانِ فِي وَقْتِ فَرْضٍ وَاحِدٍ؟ إِذْ لا نَفْلَ بَعْدَ صَلاةِ الْفَجْرِ. (فَلا إِذَنْ) تَنْبِيهٌ: اِعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَلا إِذَنْ) مَعْنَاهُ: فَلا بَأْسَ عَلَيْك أَنْ تُصَلِّيَهُمَا حِينَئِذٍ , وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ بِلَفْظِ: (فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) , وَرِوَايَةُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الأَنْصَارِ بِلَفْظِ: (فَلَمْ يَقُلْ لَهُ شَيْئًا) . قَالَ الْعِرَاقِيُّ: إِسْنَادُهُ حَسَنٌ , وَرِوَايَةُ اِبْنِ أَبِي شَيْبَةَ بِلَفْظِ: (فَلَمْ يَأْمُرْهُ وَلَمْ يَنْهَهُ) , وَرِوَايَةُ اِبْنِ حِبَّانَ بِلَفْظِ: (فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ) , وَالرِّوَايَاتُ بَعْضُهَا يُفَسِّرُ بَعْضًا " انتهى باختصار. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65746 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2138 بدعة صلاة الرغائب [السُّؤَالُ] ـ[هل صلاة الرغائب سنة يستحب صلاتها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صلاة الرغائب من البدع المحدثة في شهر رجب، وتكون في ليلة أول جمعة من رجب، بين صلاتي المغرب والعشاء، يسبقها صيام الخميس الذي هو أول خميس في رجب. وأول ما أُحدثت صلاة الرغائب ببيت المقدس، بعد ثمانين وأربعمائة سنة للهجرة، ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها، ولا أحد من أصحابه، ولا القرون المفضلة، ولا الأئمة، وهذا وحده كافٍ في إثبات أنها بدعة مذمومة، وليست سنة محمودة. وقد حذر منها العلماء، وذكروا أنها بدعة ضلالة. قال النووي رحمه الله في "المجموع" (3/548) : " الصلاة المعروفة بصلاة الرغائب , وهي ثنتا عشرة ركعة تصلى بين المغرب والعشاء ليلة أول جمعة في رجب , وصلاة ليلة نصف شعبان مائة ركعة وهاتان الصلاتان بدعتان ومنكران قبيحتان ولا يغتر بذكرهما في كتاب قوت القلوب , وإحياء علوم الدين , ولا بالحديث المذكور فيهما فإن كل ذلك باطل، ولا يغتر ببعض من اشتبه عليه حكمهما من الأئمة فصنف ورقات في استحبابهما فإنه غالط في ذلك , وقد صنف الشيخ الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي كتابا نفيسا في إبطالهما فأحسن فيه وأجاد رحمه الله " انتهى. وقال النووي – أيضاً - في "شرح مسلم": " قاتل الله واضعها ومخترعها , فإنها بدعة منكرة من البدع التي هي ضلالة وجهالة وفيها منكرات ظاهرة. وقد صنف جماعة من الأئمة مصنفات نفيسة في تقبيحها وتضليل مصليها ومبتدعها ودلائل قبحها وبطلانها وتضليل فاعلها أكثر من أن تحصر " انتهى. وقال ابن عابدين في "حاشيته" (2/26) : " قال في "البحر": ومن هنا يعلم كراهة الاجتماع على صلاة الرغائب التي تفعل في رجب في أولى جمعة منه وأنها بدعة. . . وللعلامة نور الدين المقدسي فيها تصنيف حسن سماه "ردع الراغب عن صلاة الرغائب" أحاط فيه بغالب كلام المتقدمين والمتأخرين من علماء المذاهب الأربعة " انتهى باختصار. وسئل ابن حجر الهيتمي رحمه الله: هل تجوز صلاة الرغائب جماعة أم لا؟ فأجاب: " أما صلاة الرغائب فإنها كالصلاة المعروفة ليلة النصف من شعبان بدعتان قبيحتان مذمومتان وحديثهما موضوع فيكره فعلهما فرادى وجماعة " انتهى. "الفتاوى الفقهية الكبرى" (1/216) . وقال ابن الحاج المالكي في "المدخل" (1/294) : " ومن البدع التي أحدثوها في هذا الشهر الكريم (يعني شهر رجب) : أن أول ليلة جمعة منه يصلون في تلك الليلة في الجوامع , والمساجد صلاة الرغائب , ويجتمعون في بعض جوامع الأمصار ومساجدها ويفعلون هذه البدعة ويظهرونها في مساجد الجماعات بإمام وجماعة كأنها صلاة مشروعة. . . . وأما مذهب مالك رحمه الله تعالى: فإن صلاة الرغائب مكروه فعلها، لأنه لم يكن من فعل من مضى , والخير كله في الاتباع لهم رضي الله عنهم " انتهى باختصار. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فأما إنشاء صلاة بعدد مقدر وقراءة مقدرة في وقت معين تصلى جماعة راتبة كهذه الصلوات المسئول عنها: كصلاة الرغائب في أول جمعة من رجب، والألفية في أول رجب، ونصف شعبان. وليلة سبع وعشرين من شهر رجب، وأمثال ذلك فهذا غير مشروع باتفاق أئمة الإسلام , كما نص على ذلك العلماء المعتبرون ولا ينشئ مثل هذا إلا جاهل مبتدع , وفتح مثل هذا الباب يوجب تغيير شرائع الإسلام , وأخذ نصيب من حال الذين شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله " انتهى. "الفتاوى الكبرى" (2/239) . وسئل شيخ الإسلام - أيضاً - عنها فقال: " هذه الصلاة لم يصلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الصحابة , ولا التابعين , ولا أئمة المسلمين , ولا رغب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم , ولا أحد من السلف , ولا الأئمة ولا ذكروا لهذه الليلة فضيلة تخصها. والحديث المروي في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة بذلك ; ولهذا قال المحققون: إنها مكروهة غير مستحبة " انتهى. "الفتاوى الكبرى" (2/262) . وجاء في "الموسوعة الفقهية" (22/262) : " نص الحنفية والشافعية على أن صلاة الرغائب في أول جمعة من رجب , أو في ليلة النصف من شعبان بكيفية مخصوصة , أو بعدد مخصوص من الركعات بدعة منكرة. . . وقال أبو الفرج بن الجوزي: صلاة الرغائب موضوعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذب عليه. قال: وقد ذكروا على بدعيتهما وكراهيتهما عدة وجوه منها: أن الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة المجتهدين لم ينقل عنهم هاتان الصلاتان , فلو كانتا مشروعتين لما فاتتا السلف , وإنما حدثتا بعد الأربعمائة " انتهى. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 60180 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2139 هل يجوز أخذ نفقات الحج من والده؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن يدفع والدي نفقات الحج عني وعن زوجتي؟ وهل يجوز له أن يهديني التذكرتين ومصاريف الحج؟ وإذا اخترنا أيّاً من الطريقتين السابقتين فهل يصبح حجُّنا نافلة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا مانع من أن يتبرع محسنٌ بنفقات الحج لأحدٍ من الناس، ولا يشترط في صحة حج الفرض أو التطوع أن يكون من مال الحاج نفسه. وإذا كان هذا التبرع لقريب: كان أكثر أجراً، وله مثل أجر حجته إن شاء الله، وما سيفعله والدكَ معك ومع زوجتك في التبرع بتكاليف حجكما أمرٌ يشكر عليه، وهو داخل في قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) المائدة/2. ولا فرق بين الطريقتين اللتين ذكرتَهما في السؤال، وإذا لم تكونا حججتما من قبل فهذه الحجة تكون فريضة، ولا تكون نافلة من أجل تبرع والدك بالنفقات. وقد سبق ذكر فتوى علماء اللجنة الدائمة في هذا في جواب السؤال رقم (36990) فلينظر. وعلى والدِك المتبرع بهذه النفقات أن يكون قد حجَّ من قبْل؛ لأنه مخاطَبٌ بهذا. ولا ينبغي أن يكون مؤخراً للحج ثم يعين غيره عليه، بل الأولى له أن يُبادر إلى الحج بنفسه، ثم إن فضل معه مال أعانكما به على الحج. وقد سبق ذكر فتوى علماء اللجنة الدائمة في هذا في جواب السؤال رقم (36637) فلينظر. ومما يدل على جواز الحج بغير مال الشخص نفسه: جواز دفع الزكاة للفقير ليحج، وهو داخل في قوله تعالى – عند تعداد المستحقين للزكاة – (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) التوبة/60، وهو شامل للجهاد والحج. وقد سبق هذا في جواب السؤال رقم (40023) فلينظر. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 59874 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2140 هل تختلف صلاة الوتر عن صلاة الليل [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك فرق بين صلاة الوتر وصلاة الليل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صلاة الوتر هي من صلاة الليل، ومع ذلك فهناك فرق بينهما. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " الوتر من صلاة الليل، وهو سنة، وهو ختامها، ركعة واحدة يختم بها صلاة الليل في آخر الليل، أو في وسط الليل، أو في أول الليل بعد صلاة العشاء، يصلي ما تيسر ثم يختم بواحدة " انتهى. "فتاوى ابن باز" (11/309) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والسنة قولاً وفعلاً قد فرقت بين صلاة الليل وبين الوتر، وكذلك أهل العلم فرقوا بينهما حكماً، وكيفية: أما تفريق السنة بينهما قولاً: ففي حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً سال النبي صلى الله عليه وسلم كيف صلاة الليل؟ قال: (مثنى مثنى، فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة) رواه البخاري. وانظر "الفتح" (3/20) . وأما تفريق السنة بينهما فعلاً: ففي حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وأنا راقدة معترضة على فراشه، فإذا أراد أن يوتر أيقظني فأوتر. رواه البخاري. وانظر: "الفتح" (2/487) ، ورواه مسلم (1/51) بلفظ: (كان يصلي صلاته بالليل وأنا معترضة بين يديه فإذا بقي الوتر أيقظها فأوترت) . وروى (1/508) عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء إلا في آخرها) . وروى (1/513) عنها حين قال لها سعد بن هشام بن عامر: أنبئيني عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: (ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة فيذكر الله ويحمده، ويدعوه، ثم ينهض ولا يسلم، ثم يقوم فيصلي التاسعة، ثم يقعد فيذكر الله، ويحمده، ويدعوه، ثم يسلم تسليماً يسمعنا) . وأما تفريق العلماء بين الوتر وصلاة الليل حكماً: فإن العلماء اختلفوا في وجوب الوتر، فذهب أبو حنيفة إلى وجوبه، وهو رواية عن أحمد ذكرها في "الإنصاف" و "الفروع"، قال أحمد: من ترك الوتر عمداً فهو رجل سوء ولا ينبغي أن تقبل له شهادة. والمشهور من المذهب أن الوتر سنة، وهو مذهب مالك؛ والشافعي. وأما صلاة الليل فليس فيها هذا الخلاف، ففي "فتح الباري" (3/27) : "ولم أر النقل في القول بإيجابه إلا عن بعض التابعين. قال ابن عبد البر: شذ بعض التابعين فأوجب قيام الليل ولو قدر حلب شاة، والذي عليه جماعة العلماء أنه مندوب إليه " انتهى. وأما تفريق العلماء بين الوتر وصلاة الليل في الكيفية: فقد صرح فقهاؤنا الحنابلة بالتفريق بينهما فقالوا: صلاة الليل مثنى مثنى، وقالوا في الوتر: إن أوتر بخمس، أو سبع لم يجلس إلا في آخرها، وإن أوتر بتسع جلس عقب الثامنة فتشهد، ثم قام قبل أن يسلم فيصلي التاسعة، ثم يتشهد ويسلم، هذا ما قاله صاحب "زاد المستقنع" " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (13/262-264) . وبهذا يتبين أن صلاة الوتر من صلاة الليل، ولكنها تخالف صلاة الليل في بعض الفروقات، منها: الكيفية. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 52875 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2141 بيته بعيد عن المسجد فهل يصلي العشاء والتراويح مع أهله في البيت؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا مبتعث للدراسة في دولة غربية وبرفقي زوجتي، والمسجد بعيد عن المنزل كثيراً ولا يوجد حولي مسلمون، فهل يجوز أن أصلي الفريضة والتراويح جماعة أنا وزوجتي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: صلاة الجماعة واجبة في المسجد على المقيم والمسافر على حد سواء. راجع سؤال رقم (45815) ثانيا: لا تجب صلاة الجماعة في المسجد إلا على من كان قريبا من المسجد، بحيث يسمع الأذان من المسجد بدون مكبرات الصوت، لما رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ أَعْمَى فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى الْمَسْجِدِ فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ فَرَخَّصَ لَهُ فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ فَقَالَ هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلاةِ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَأَجِبْ) رواه مسلم (653) فمن كان بعيدا من المسجد بحيث لا يسمع النداء بلا مكبرات الصوت فلا تجب عليه صلاة الجماعة في المسجد. راجع سؤال رقم (20655) فإذا كان بيتك بعيدا عن المسجد بهذا الحد فلا حرج عليك من أداء الفريضة والتراويح في بيتك جماعة مع أهلك، بل هو أفضل عند الله من صلاتك وحدك. والأجر يكثر في النوافل والفرائض بحسب كثرة المصلين في جماعة فيهما. عن أبيِّ بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ... صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كثر فهو أحب إلى الله تعالى ". رواه النسائي (843) – وأبو داود (554) . انظر: " السلسلة الصحيحة " (1912) . قال الشيخ ابن عثيمين: فقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الرجل مع الرجل بأنها أزكى من صلاته وحده، وهذا يقتضي أنها أكثر أجراً. " أسئلة الباب المفتوح " (السؤال رقم 1464) . وللمزيد حول الجماعة في صلاة التراويح ينظر جواب السؤال: (21740) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49947 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2142 شرع في صوم نافلة ثم دعي للأكل فأكل [السُّؤَالُ] ـ[إذا نوى شخص أن يصوم نافلة ودعي للأكل عند زيارة بعض الأقارب فأكل، فهل عليه إثم أو عليه إعادة ذلك اليوم مادام قد نوى الصيام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا نوى المسلم صيام يوم وشرع فيه ثم أراد أن يفطر فله ذلك، لأن إتمام صوم النفل ليس بواجب، لكن يستحب له إتمامه إذا لم يكن له عذر، فإن كان هناك عذر أو مصلحة من إفطاره فلا حرج عليه حينئذ. وقد دل على ذلك عدة أحاديث، منها: 1- روى مسلم (1154) عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ فَقُلْنَا لا قَالَ فَإِنِّي إِذَنْ صَائِمٌ ثُمَّ أَتَانَا يَوْمًا آخَرَ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ فَقَالَ أَرِينِيهِ فَلَقَدْ أَصْبَحْتُ صَائِمًا فَأَكَلَ. (الْحَيْس) نوع من الطعام معروف. قال النووي: فِيه التَّصْرِيحُ بِالدَّلالَةِ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيّ وَمُوَافِقِيهِ فِي أَنَّ صَوْم النَّافِلَة يَجُوز قَطْعُهُ , وَالأَكْل فِي أَثْنَاء النَّهَار, وَيَبْطُلُ الصَّوْمُ , لأَنَّهُ نَفْلٌ , فَهُوَ إِلَى خِيَرَة الإِنْسَان فِي الابْتِدَاء , وَكَذَا فِي الدَّوَام , وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَآخَرُونَ , وَلَكِنَّهُمْ كُلّهمْ وَالشَّافِعِيّ مَعَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى اِسْتِحْبَاب إِتْمَامه , وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَمَالِك: لا يَجُوزُ قَطْعُهُ وَيَأْثَم بِذَلِكَ , وَبِهِ قَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ وَمَكْحُول وَالنَّخَعِيّ , وَأَوْجَبُوا قَضَاءَهُ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ بِلا عُذْرٍ , قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَلا قَضَاءَ عَلَى مَنْ أَفْطَرَهُ بِعُذْرٍ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. 2- روى أحمد (26353) عَنْ أُمِّ هَانِئٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا فَدَعَا بِشَرَابٍ فَشَرِبَ ثُمَّ نَاوَلَهَا فَشَرِبَتْ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَا إِنِّي كُنْتُ صَائِمَةً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّائِمُ الْمُتَطَوِّعُ أَمِيرُ نَفْسِهِ إِنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ. صححه الألباني في صحيح الجامع (3854) قال في تحفة الأحوذي عقب هذا الحديث: وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ صَامَ تَطَوُّعًا أَنْ يُفْطِرَ لا سِيَّمَا إِذَا كَانَ فِي دَعْوَةٍ إِلَى طَعَامِ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ اهـ. 3- وأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عن أبي سعيد الخدري قَالَ: صَنَعْت لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا فَلَمَّا وُضِعَ قَالَ رَجُلٌ أَنَا صَائِمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (دَعَاك أَخُوك وَتَكَلَّفَ لَك , أَفْطِرْ فَصُمْ مَكَانَهُ إِنْ شِئْت) . قَالَ الْحَافِظُ: إِسْنَادُهُ حَسَنٌ اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49610 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2143 الكيفيات الواردة لصلاة الوتر [السُّؤَالُ] ـ[ما أفضل كيفية لأداء صلاة الوتر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صلاة الوتر من أعظم القربات إلى الله تعالى، حتى رأى بعض العلماء – وهم الحنفية – أنها من الواجبات، ولكن الصحيح أنها من السنن المؤكدة التي ينبغي على المسلم المحافظة عليها وعدم تركها. قال الإمام أحمد رحمه الله: " من ترك الوتر فهو رجل سوء لا ينبغي أن تقبل له شهادة " وهذا يدل على تأكد صلاة الوتر. ويمكن أن نلخص الكلام عن كيفية صلاة الوتر في النقاط التالية: وقته: ويبدأ من حين أن يصلي الإنسان العشاء، ولو كانت مجموعة إلى المغرب تقديماً إلى طلوع الفجر، لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَدَّكُمْ بِصَلاةٍ وهي الْوِتْرُ جَعَلَهُ اللَّهُ لَكُمْ فِيمَا بَيْنَ صَلاةِ الْعِشَاءِ إِلَى أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ) رواه الترمذي (425) وصححه الألباني في صحيح الترمذي وهل الأفضل تقديمه أول الوقت أو تأخيره؟ دلت السنة على أن من طمع أن يقوم من آخر الليل فالأفضل تأخيره، لأن صلاة آخر الليل أفضل، وهي مشهودة، ومن خاف أن لا يقوم آخر الليل أوتر قبل أن ينام لحديث جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ خَافَ أَنْ لا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ فَإِنَّ صَلاةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ وَذَلِكَ أَفْضَلُ) رواه مسلم (755) قال النووي: وهذا هو الصواب، ويُحمل باقي الأحاديث المطلقة على هذا التفضيل الصحيح الصريح، فمن ذلك حديث: (أوصاني خليلي أن لا أنام إلا على وتر) . وهو محمول على من لا يثق بالاستيقاظ. اهـ. شرح مسلم (3/277) عدد ركعاته: أقل الوتر ركعة. لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْوِتْرُ رَكْعَةٌ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ) رواه مسلم (752) وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى) رواه البخاري (911) ومسلم (749) ، فإذا اقتصر الإنسان عليها فقد أتى بالسنة ... ويجوز الوتر بثلاث وبخمس وبسبع وبتسع. فإن أوتر بثلاث فله صفتان كلتاهما مشروعة: الأولى: أن يسرد الثلاث بتشهد واحد. لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: " كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يسلّم في ركعتي الوتر "، وفي لفظ " كان يوتر بثلاث لا يقعد إلا في آخرهن " رواه النسائي (3/234) والبيهقي (3/31) قال النووي في المجموع (4/7) رواه النسائي بإسناد حسن، والبيهقي بإسناد صحيح. اهـ. الثانية: أن يسلّم من ركعتين ثم يوتر بواحدة. لما ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه كان يفصل بين شفعه ووتره بتسليمة، وأخبر أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يفعل ذلك. رواه ابن حبان (2435) وقال ابن حجر في الفتح (2/482) إسناده قوي. اهـ. أما إذا أوتر بخمس أو بسبع فإنها تكون متصلة، ولا يتشهد إلا تشهداً واحداً في آخرها ويسلم، لما روت عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء إلا في آخرها. رواه مسلم (737) وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوتر بخمس وبسبع ولا يفصل بينهن بسلام ولا كلام. رواه أحمد (6/290) النسائي (1714) وقال النووي: سنده جيد. الفتح الرباني (2/297) ، وصححه الألباني في صحيح النسائي وإذا أوتر بتسع فإنها تكون متصلة ويجلس للتشهد في الثامنة ثم يقوم ولا يسلم ويتشهد في التاسعة ويسلم. لما روته عائشة رضي الله عنها كما في مسلم (746) أن النبي صلى الله كان َيُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ لا يَجْلِسُ فِيهَا إِلا فِي الثَّامِنَةِ فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ ثُمَّ يَنْهَضُ وَلا يُسَلِّمُ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّ التَّاسِعَةَ ثُمَّ يَقْعُدُ فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمًا يُسْمِعُنَا) وإن أوتر بإحدى عشرة، فإنه يسلم من كل ركعتين، ويوتر منها بواحدة. أدنى الكمال فيه وما يقرأ منه: أدنى الكمال في الوتر أن يصلي ركعتين ويسلّم، ثم يأتي بواحدة ويسلم، ويجوز أن يجعلها بسلام واحد، لكن بتشهد واحد لا بتشهدين، كما سبق. ويقرأ في الركعة الأولى من الثلاث سورة (سبح اسم ربك الأعلى) كاملة. وفي الثانية: الكافرون. وفي الثالثة: الإخلاص. روى النسائي (1729) عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْوِتْرِ بِسَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى وَقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) . وصححه الألباني في صحيح النسائي. فكل هذه الصفات في صلاة الوتر قد جاءت بها السنة، والأكمل أن لا يلتزم المسلم صفة واحدة، بل يأتي بهذه الصفة مرة وبغيرها أخرى.. وهكذا. حتى يكون فعل السنن جميعها. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 46544 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2144 أذن المؤذن للفجر وهو يصلي الوتر [السُّؤَالُ] ـ[أستيقظ قبل الفجر بقليل، وقد يؤذن الفجر ولم أكمل الوتر، أو أكون في حالة دعاء، فهل أسجد أو لا أقنت؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سبق في السؤال (46544) ، (32577) أن وقت صلاة الوتر من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر. وإذا أذن المؤذن لصلاة الفجر وأنت في صلاة الوتر، فقد قال الشيخ ابن باز رحمه الله: "المشروع لكل مؤمن ومؤمنة الإيتار في كل ليلة، ووقته ما بين صلة العشاء إلى طلع الفجر، لما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: (صَلاة اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ الصُّبْحَ صَلَّى رَكعةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا صَلَّى) . . . . والأحاديث في هذا الباب كثيرة، وهي دالة على أن الوتر ينتهي بطلوع الفجر، وإذا لم يعلم المصلي طلوع الفجر اعتمد على المؤذن المعروف بتحري الوقت، فإذا أذن المؤن الذي يتحرى وقت الفجر فاته الوتر، أما من أذن قبل الفجر فإنه لا يفوت بأذانه الوتر، ولا يحرم به على الصائم الأكل والشرب، ولا يدخل به وقت صلاة الفجر. . . . وبما ذكرنا يتضح أن وقت الوتر ينتهي بأول الأذان إذا كان المؤذن يتحرى الصبح في أذانه، لكن إذا أذن المؤذن والمسلم في الركعة الأخيرة أكملها لعدم اليقين بطلوع الفجر بمجرد الأذان، ولا حرج في ذلك إن شاء الله" اهـ "مجموع فتاوى ابن باز" (11/305) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن رجل يصلي الوتر وأثناء صلاته أذن المؤذن لصلاة الفجر، فهل يتم صلاته؟ فأجاب: "نعم، إذا أذن وهو أثناء الوتر فإنه يتم صلاته ولا حرج عليه" اهـ. فتاوى ابن عثيمين (14/115) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45075 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2145 كيف تصلى صلاة النهار الرباعية؟ [السُّؤَالُ] ـ[عن صلاة النافلة التي قبل الظهر وقبل العصر، هل تصلى بأربع ركعات وتسليمة واحدة أم كل ركعتين بتسليمة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذهب جمهور العلماء إلى أن الأفضل في نافلة الليل والنهار أن تصلى ركعتين ركعتين، بل ذهب بعض العلماء كالإمام أحمد إلى وجوب ذلك، وأنها لا تصح إذا صلاها أكثر من ركعتين بتسليم واحد، إلا الوتر لورود السنة الصحيحة بذلك. وقد استدلوا على هذا بحديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " صلاة الليل والنهار مثنى مثنى ". رواه الترمذي (597) وأبو داود (1295) والنسائي (1666) وابن ماجه (1322) . والحديث صححه الشيخ الألباني في " تمام المنَّة " (ص 240) . ومعنى (مثنى مثنى) أي: ركعتين ركعتين. كذا فسره ابن عمر رضي الله عنهما ففي صحيح مسلم عن عقبة بن حريث قال: قلت لابن عمر: ما معني مثنى مثنى؟ قال: تسلم من كل ركعتين. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين: قوله: " مثنى مثنى " يعني: اثنتين اثنتين فلا يُصلِّي أربعاً جميعاً، وإنما يُصلِّي اثنتين اثنتين، لما ثبت في " صحيح البخاري ومسلم " مِن حديث ابن عُمرَ أنَّ رَجُلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما ترى في صلاةِ اللَّيلِ؟ قال: " مَثْنى مَثْنى، فإذا خَشِيَ أحدُكم الصّبحَ صَلَّى واحدةً فأوترت له ما قد صَلَّى ". وأما " النَّهار ": فقد رواه أهل السُّنَن، واختلف العلماءُ في تصحيحه: والصَّحيح: أنَّه ثابتٌ كما صَحَّح ذلك البخاريُّ، وعلى هذا: فتكون صلاةُ الليلِ وصلاةُ النَّهارِ كلتاهما مَثْنى مَثْنى يُسَلِّمُ مِن كُلِّ اثنتين، ويُبْنَى على هذه القاعدة كُلُّ حديثٍ وَرَدَ بلفظ الأربع مِن غير أن يُصرِّحَ فيه بنفي التَّسليم، أي: أنَّه إذا جاءك حديثٌ فيه أربع؛ ولم يُصرِّحْ بنفي التَّسليم: فإنه يجب أنْ يُحملَ على أنَّه يُسَلِّمُ مِن كُلِّ رَكعتين، لأنَّ هذه هي القاعدة، والقاعدةُ تُحْمَلُ الجزئيات عليها، فقول عائشة لما سُئلت عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان: " ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة، يُصَلِّي أربعاً، فلا تسأل عن حُسنِهِنَّ وطُولِهِنَّ "، ظاهره: أنَّ الأربع بسلام واحد، ولكن يُحمل هذا الظَّاهر على القاعدة العامَّة، وهي أنَّ صلاة الليل مَثْنى مَثْنى، كما ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويُقال: إنها ذكرتْ أربعاً وحدها، ثم أربعاً وحدها؛ لأنَّه صَلَّى أربعاً ثم استراح، بدليل " ثم " التي للترتيب والمهلة. " الشرح الممتع " (4 / 76، 77) . وحديث ابن عمر بوَّب عليه ابن خزيمة - في صحيحه (2 / 214) - بقوله " باب التسليم في كل ركعتين من صلاة التطوع صلاة الليل والنهار جميعا "، وأعقبه بباب " باب ذكر الأخبار المنصوصة والدالة على خلاف قول من زعم أن تطوع النهار أربعاً لا مثنى " - وساق أدلة كثيرة على أن تطوع النهار ركعتين ركعتين -. ويحمل حديث " رحم الله من صلى قبل العصر أربعاً " على ما سبق من كونها ركعتين ركعتين. قال ابن حبان: وقوله صلى الله عليه وسلم " أربعا ": أراد به: بتسليمتين؛ لأن في خبر يعلى بن عطاء عن علي بن عبد الله الأزدي عن ابن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم " صلاة الليل والنهار مثنى مثنى ". " صحيح ابن حبان " (6 / 206) ، وقال مثل هذا - في (6 / 231) - في الأربع التي بعد صلاة الجمعة. وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " المشروع للمسلم أن يصلي النافلة مثنى مثنى ليلاً ونهاراً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم " صلاة الليل مثنى مثنى) متفق على صحته، وفي رواية صحيحة: (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى) خرجها الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (11/390) وانظر جواب السؤال رقم (1048) لمعرفة تفصيل صلوات الرواتب. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45268 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2146 صلاة النافلة جماعة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن أصلي صلاة النافلة جماعة، مثل: قيام الليل أو صلاة الضحى؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج في صلاة النافلة جماعةً، لكن لا يفعل ذلك باستمرار، وإنما يفعله أحياناً. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " صلاة التطوع في جماعة نوعان: أحدهما: ما تسن له الجماعة الراتبة كالكسوف والاستسقاء وقيام رمضان , فهذا يفعل في الجماعة دائما كما مضت به السنة. الثاني: ما لا تسن له الجماعة الراتبة كقيام الليل , والسنن الرواتب , وصلاة الضحى , وتحية المسجد ونحو ذلك. فهذا إذا فعل جماعة أحيانا جاز. وأما الجماعة الراتبة في ذلك فغير مشروعة بل بدعة مكروهة , فإن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين لم يكونوا يعتادون الاجتماع للرواتب على ما دون هذا. والنبي صلى الله عليه وسلم إنما تطوع في ذلك في جماعة قليلة أحيانا فإنه كان يقوم الليل وحده ; لكن لما بات ابن عباس عنده صلى معه , وليلة أخرى صلى معه حذيفة , وليلة أخرى صلى معه ابن مسعود , وكذلك صلى عند عتبان بن مالك الأنصاري في مكان يتخذه مصلى صلى معه , وكذلك صلى بأنس وأمه واليتيم. وعامة تطوعاته إنما كان يصليها منفردا " انتهى. "مجموع الفتاوى" (23/414) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم صلاة النافلة جماعة، مثل صلاة الضحى؟ فأجاب: " صلاة النافلة جماعة أحياناً لا بأس بها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى جماعة في أصحابه في بعض الليالي، فصلى معه ذات مرة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وصلى معه مرة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وصلى معه مرة حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، أما حذيفة فأخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بالبقرة والنساء وآل عمران، لا يمر بآية وعيد إلا تعوذ، ولا بآية رحمة إلا سأل، وأما عبد الله بن مسعود فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فأطال النبي صلى الله عليه وسلم القيام، قال عبد الله بن مسعود: حتى هممت بأمر سوء. قيل: وما أمر السوء الذي هممت به؟ قال: أن أجلس وأدعه، وذلك من طول قيامه عليه الصلاة والسلام. وأما عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فإنه قام يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الليل عن يساره، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم برأسه فجعله عن يمينه. والحاصل: أنه لا بأس أن يصلي الجماعة بعض النوافل جماعة، ولكن لا تكون هذه سنة راتبة كلما صلوا السنة صلوها جماعة؛ لأن هذا غير مشروع " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (14/334) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38606 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2147 حكم صلاة الوتر على هيئة المغرب [السُّؤَالُ] ـ[بالنسبة لصلاة التراويح بعض الأئمة يصلون الوتر ثلاث ركعات متصلة بتشهدين وتسليمة واحدة (مثل المغرب تماماً) فهل هذا صحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى الوتر على وجوهٍ متعددة، وقد صلَّى ركعة واحدة، وثلاث، وخمس، وسبع، وتسع، وقد صلَّى الثلاث على صفتين: إما أن يسردها سرداً بتشهد واحد، أو أنه يسلِّم من ركعتين، ثم يصلي واحدة ويسلِّم منها، ولم يكن يصليها كالمغرب – بتشهدين وسلام – بل قد نهى عن ذلك، فقال: " لا توتروا بثلاث تشبهوا المغرب " رواه الحاكم (1 / 304) والبيهقي (3 / 31) والدارقطني (ص 172) ، وقال الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (4 / 301) : إسناده على شرط الشيخين. قال الشيخ محمد الصالح العثيمين: فيجوزُ الوِترُ بثلاثٍ، ويجوزُ بخمسٍ، ويجوزُ بسبعٍ، ويجوزُ بتسعٍ، فإنْ أوترَ بثلاثٍ فله صِفتان كِلتاهُما مشروعة: الصفة الأولى: أنْ يَسْرُدَ الثَّلاثَ بِتَشهدٍ واحدٍ. الصفة الثانية: أنْ يُسلِّمَ مِن رَكعتين، ثم يُوتِرَ بواحدة. كلُّ هذا جَاءت به السُّنةُ، فإذا فَعَلَ هذا مرَّةً، وهذا مرَّةً: فَحَسَنٌ. ... ويجوز أن يجعلها بسلام واحدٍ، لكن بتشهُّدٍ واحدٍ لا بتشهُّدين؛ لأنه لو جعلها بتشهُّدين لأشبهت صلاةَ المغربِ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تُشَبَّهَ بصلاةِ المغربِ. " الشرح الممتع " (4 / 14 – 16) . وانظر – للمزيد – جواب السؤال رقم (26844) و (3452) – وفيه تفصيل جيد ومطول حول القيام والوتر -. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38230 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2148 هل يكثر من الطواف أم الصلاة في المسجد الحرام؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل الأفضل لمن كان بمكة أن يكثر من الصلاة في المسجد الحرام أم يكثر من الطواف؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصلاة في المسجد الحرام والطواف بالكعبة كلاهما له فضل عظيم، روى أحمد (14284) وابن ماجه (1406) عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (صَلاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلاةٍ فِيمَا سِوَاهُ) . قال الحافظ: رجال إسناده ثقات اهـ وصححه الألباني في إرواء الغليل (1129) . وروى الترمذي (959) عَنْ عبد الله بْن عُمَرَ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ أُسْبُوعًا (أي سبعة أشواط) فَأَحْصَاهُ كَانَ كَعِتْقِ رَقَبَةٍ، لا يَضَعُ قَدَمًا وَلا يَرْفَعُ أُخْرَى إِلا حَطَّ اللَّهُ عَنْهُ خَطِيئَةً وَكَتَبَ لَهُ بِهَا حَسَنَةً) . صححه الألباني في صحيح الترمذي. وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: هل الأحسن للمقيم بمكة الطواف بالبيت أم الصلاة؟ فأجاب: . . أما تفضيل الصلاة على الطواف أو الطواف على الصلاة فهذا محل نظر (أي فيه تفصيل) ، فقد ذكر جمع من أهل العلم أن الغريب الأفضل له أن يكثر من الطواف، لأن الصلاة يمكنه الإتيان بها في كل مكان، ولا تختص بالمسجد الحرام، أما الطواف فلا يحصل له الطواف إلا بمكة، وهو ليس مقيماً في مكة بل سوف يخرج ويبتعد عنها فاغتنامه الطواف أولى. أما المقيم بمكة فالصلاة له أفضل لأن جنس الصلاة أفضل من جنس الطواف، فإذا أكثر من الصلاة كان أفضل اهـ بتصرف. مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (16/367) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36636 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2149 الاضطجاع بعد ركعتي الفجر [السُّؤَالُ] ـ[قبل صلاة الفجر بعض المصلين يقرءون في أنفسهم أذكارا وما شابه ذلك وبعد ذلك يضجع على جنبه الأيمن لمدة أقل من دقيقة. فما حكم ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الاضطجاع بعد ركعتي الفجر سنة؛ لما روى البخاري (626) عن عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سكت المؤذن بالأولى من صلاة الفجر قام فركع ركعتين خفيفتين قبل صلاة الفجر بعد أن يستبين الفجر ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للإقامة) . ورواه مسلم (736) بأتم من هذا، ولفظه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء وهي التي يدعو الناس العتمة إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة، فإذا سكت المؤذن من صلاة الفجر وتبين له الفجر وجاءه المؤذن، قام فركع ركعتين خفيفتين ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للإقامة) . وجاء في بعض الروايات أن الاضطجاع قبل أذان الفجر. قال النووي رحمه الله في شرحه على مسلم: (والصحيح أو الصواب أن الاضطجاع بعد سنة الفجر؛ لحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع على يمينه) رواه أبو داود والترمذي بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم. قال الترمذي هو حديث حسن صحيح. فهذا حديث صحيح صريح في الأمر بالاضطجاع، وأما حديث عائشة بالاضطجاع بعدها وقبلها وحديث ابن عباس قبلها فلا يخالف هذا، فإنه لا يلزم من الاضطجاع قبلها أن لا يضطجع بعدُ، ولعله صلى الله عليه وسلم ترك الاضطجاع بعدها في بعض الأوقات بيانا للجواز لو ثبت الترك، ولم يثبت، فلعله كان يضطجع قبل وبعد. وإذا صح الحديث في الأمر بالاضطجاع بعدها مع روايات الفعل الموافقة للأمر به تعين المصير إليه، وإذا أمكن الجمع بين الأحاديث لم يجز رد بعضها، وقد أمكن بطريقين أشرنا إليهما أحدهما: أنه اضطجع قبل وبعد. والثاني: أنه تركه بعدُ في بعض الأوقات لبيان الجواز. والله أعلم) انتهى كلامه رحمه الله. قال الحافظ: وذهب بعض السلف إلى استحبابه في البيت دون المسجد وهو محكي عن ابن عمر، وقواه بعض شيوخنا بأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله في المسجد، وصح عن ابن عمر أن كان يحصب [أي يرمي بالحصى] من يفعله في المسجد. أخرجه ابن أبي شيبة اهـ وقال الشيخ ابن عثيمين بعد أن ذكر اختلاف العلماء في حكم هذا الاضطجاع: والصحيح هو ما قاله شيخ الإسلام أنه إذا كان الإنسان متعباً من تهجده فإنه يستريح يضطجع على جنبه الأيمن، وهذا بشرط ألا يخشى أن تغلبه النوم فتفوته الصلاة، فإن خشي فلا ينم. اهـ شرح رياض الصالحين (3/287) . فالحكمة من هذا الاضطجاع الاستراحة من تعب قيام الليل حتى يجدد نشاطه لصلاة الفجر، وعلى هذا فما يفعله بعض الناس من الاضطجاع أقل من دقيقة كما ورد في السؤال لا يحصل به المقصود، ثم هو خلاف السنة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضطجع حتى يأتيه المؤذن لإقامة الصلاة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 32667 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2150 هل هناك نص يحدد تحية المسجد بثلاثة الصفوف الأولى من المسجد؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك نص يحدد تحية المسجد بثلاثة الصفوف الأولى من المسجد؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا نعلم لهذا الكلام أصلاً، وتحية المسجد تُصلى في أي مكان في المسجد، ولا تخص ذلك بالصفوف الثلاثة الأولى. والأمر سهل فحيثما تيسر للمسلم الصلاة في أي مكان من المسجد فليصل. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 32732 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2151 متى ينتهي وقت صلاة الوتر؟ [السُّؤَالُ] ـ[متى ينتهي وقت الشفع والوتر؟ وأتعمد أن أؤخرها حتى أدرك تكبيرة الفجر.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله وقت صلاة الوتر من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر. راجع السؤال (46544) . فإذا طلع الفجر خرج وقتها، بدليل قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَوْتِرُوا قَبْلَ أَنْ تُصْبِحُوا) رواه مسلم (754) . وروى مسلم (750) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (بَادِرُوا الصُّبْحَ بِالْوِتْرِ) . وروى مسلم (752) أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (الْوِتْرُ رَكْعَةٌ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ) . وروى الترمذي (469) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ فَقَدْ ذَهَبَ كُلُّ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَالْوِتْرُ، فَأَوْتِرُوا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ) صححه الألباني في صحيح الترمذي. وروى البخاري (472) ومسلم (749) أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (صَلَاة اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ الصُّبْحَ صَلَّى وَاحِدَةً فَأَوْتَرَتْ لَهُ مَا صَلَّى) . قال الشيخ ابن عثيمين: "فدل على أن الوتر ينتهي وقته بطلوع الفجر، ولأنه صلاة تختم به صلاة الليل فلا تكون بعد انتهائه" اهـ. مجموع فتاوى ابن عثيمين (14/115) . وذهب بعض العلماء إلى أن وقته يمتد بعد طلوع الفجر حتى يصلي الصبح، واستدلوا بما ورد عن بعض الصحابة أنهم صلوا الوتر بعد طلوع الفجر وقبل إقامة الصلاة. قال ابن رشد القرطبي: وأما وقته - أي: الوتر -: فإن العلماء اتفقوا على أن وقته من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر لورود ذلك من طرق شتى عنه عليه الصلاة والسلام، ومن أثبت ما في ذلك ما خرجه مسلم عن أبي نضرة العوفي أن أبا سعيد أخبرهم أنهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الوتر فقال " الوتر قبل الصبح " واختلفوا في جواز صلاته بعد الفجر، فقوم منعوا ذلك، وقوم أجازوه ما لم يصل الصبح، وبالقول الأول قال أبو يوسف ومحمد بن الحسن صاحبا أبي حنيفة وسفيان الثوري، وبالثاني قال الشافعي ومالك وأحمد. وسبب اختلافهم معارضة عمل الصحابة في ذلك بالآثار ... والذي عندي في هذا: أن هذا من فعلهم ليس مخالفا للآثار الواردة في ذلك - أعني: في إجازتهم الوتر بعد الفجر - بل إجازتهم ذلك هو من باب القضاء لا من باب الأداء، وإنما يكون قولهم خلاف الآثار لو جعلوا صلاته بعد الفجر من باب الأداء فتأمل هذا ... " بداية المجتهد " (1 / 147، 148) . وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: والأحاديث في هذا الباب كثيرة، وهي دالة على أن الوتر ينتهي بطلوع الفجر. فتاوى الشيخ ابن باز (11/306) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 32577 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2152 هل يمكن الجمع بين عدة أمور في صلاة استخارة واحدة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكن أن أجمع بين عدة أمور في صلاة استخارة واحدة , أم يحتاج كل أمر إلى ركعتي استخارة , وإذا أمكن ذلك , كيف يكون؟ مثلاً , شراء سيارة وشراء منزل وزواج , هل يمكن أن يجمع كل هذه الأمور في ركعتي استخارة فقط , أم كل أمر يحتاج ركعتين، فيصلي ركعتين، ركعتين، ركعتين، وفي كل ركعتين يستخير في أمر واحد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الاستخارة دعاء يطلب فيه العبد من الرب عز وجل أن يختار له خير الأمرين، والدعاء باب واسع في الشريعة الإسلامية يجوز للمسلم أن يسأل الله تعالى فيه جميع حاجاته، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستحب جوامع الأدعية؛ وهي التي تجمع المعاني الكثيرة، في كلمات قليلة. ولا يظهر ما يمنع من ذكر أكثر من حاجة في استخارته، بعد أن يصلي ركعتين؛ ويكون قد صدق عليه أن صلى ركعتين، ثم دعا بحاجته بعدهما، وإن كان الأفضل أن يخص كل حاجة له بصلاة ودعاء. سئل الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله: هل يستخار لأكثر من أمر في صلاة واحدة؟ فأجاب: يجوز ذلك، وتجعل الصلاة وسيلة للدعاء بعدها، فلا مانع من كون الاستخارة بعد الصلاة في حاجتين أو أكثر، فيقول في الدعاء بعد المقدمة: اللهم إن كانت الحاجة الفلانية، والحاجة الفلانية خيرا لي، ويقول: فيسرهما ... إلخ. " فتاوى في صلاة الاستخارة " (السؤال رقم 12) . http://ibn-jebreen.com/book.php?cat=6&book;=9&toc;=319&page;=304&subid;=1289 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 140646 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2153 لا يصلي أحدٌ صلاة الاستخارة عن أحد [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن يصلي أحد عني صلاة استخارة لي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز لأحد أن يصلي الاستخارة عن أحد. جاء في لقاء "الباب المفتوح" للشيخ بن عثيمين رقم (83) : "الاستخارة لا تجوز إلا ممن أراد وهمَّ، ولا يصلح أن يستخير لغيره حتى لو وكله وقال: استخر الله لي؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين ثم يقول: .... وذكر الحديث) كما أنه لو دخل اثنان المسجد وقال أحدهما للآخر: صَلِّ عني ركعتين تحية المسجد وأنا سأجلس، لا يصح هذا، فصلاة الاستخارة متعلقة بنفس المستخير الذي يريد أن يفعل" انتهى. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 134612 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2154 أمامه عدة خيارات، فكيف يستخير؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا طالب سعودي في كندا أود إكمال دراستي للماجستير في الهندسة وأنا محتار في خمس تخصصات للماجستير ألا وهي 1- التخطيط العمراني 2- التصميم العمراني 3-الإسكان 4-التطوير العقاري 5-إدارة العمران سؤالي: هل أصلي صلاة استخارة واحدة وأذكر جميع التخصصات أو خمس صلوات متتالية لكل تخصص؟ أرجو الإجابة مع التوضيح وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله معنى الاستخارة أن يستخير المسلم ربه ليختار له أصلح الأمرين في دينه ودنياه. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والاستخارة معناها طلب خير الأمرين " انتهى. "شرح رياض الصالحين" (ص/ 792) . وقال في "تاج العروس" (11 / 250) : " وفي حديث الاستخارة: (اللَّهُمَّ خِرْ لِي) أَي: اختَرْ لِي أَصْلَحَ الأَمْرَيْن " انتهى. والأصل في صلاة الاستخارة أنها تكون في أمر واحد يفعله الإنسان أو يتركه. وعلى هذا، فعليك أن تنظر في هذه الخيارات، وتقلب فيها الرأي، وتستشير أهل الخبرة والمعرفة والعقل، حتى يترجح لديك أمر واحد، فتصلى له الاستخارة. " قَالَ النَّوَوِيُّ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَشِيرَ قَبْلَ الِاسْتِخَارَةِ مَنْ يَعْلَمُ مَنْ حَالِهِ النَّصِيحَةَ وَالشَّفَقَةَ وَالْخِبْرَةَ , وَيَثِقُ بِدِينِهِ وَمَعْرِفَتِهِ. قَالَ تَعَالَى: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) وَإِذَا اسْتَشَارَ وَظَهَرَ أَنَّهُ مَصْلَحَةٌ , اسْتَخَارَ اللَّهَ تَعَالَى فِي ذَلِكَ " انتهى. "الموسوعة الفقهية" (3/243) . وقال الدكتور محمد بن عبد العزيز المسند: " إذا أراد المسلم أن يقوم بعمل وليس أمامه سوى خيار واحد فقط قد همّ بفعله فليستخر الله على الفعل ثم ليقدم عليه، فإن كان قد همّ بتركه فليستخر على الترك، أمّا إن كان أمامه عدّة خيارات فعليه أوّلاً بعد أن يستشير من يثق به من أهل العلم والاختصاص أن يحدّد خياراً واحداً فقط من هذه الخيارات، فإذا همّ بفعله قدّم بين يدي ذلك الاستخارة " انتهى. فإذا استخرت على واحد من تلك الخيارات، فلم يقدر الله اختياره لك فانتقل إلى ما يليه واستخر الله تعالى بعد النظر والاستشارة. وإذا استخرت مرة لكل واحد من هذه الأمور (فتكرر الاستخارة خمس مرات) ، ثم تعزم على إحداها فلا يظهر لنا ما يمنع ذلك. والله أعلم. ولمزيد الفائدة عن صلاة الاستخارة راجع جواب السؤال: (112151) و (11981) و (2217) . ونسأل الله لك التوفيق والسداد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130169 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2155 هل قوله في الاستخارة: "اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر" يعني تشكيكا في علم الله؟ [السُّؤَالُ] ـ[في دعاء الاستخارة المروي عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم وردت هذه الجملة (اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر ويسمي الإنسان حاجته .......... إلى آخر الدعاء) هل في قول (إن كنت تعلم) تشكيك في علم الله سبحانه وتعالى؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس هذا تشكيكاً في علم الله تعالى، وكيف يكون تشكيكاً والعبد يريد بهذا الكلام طلب الخير من الله عز وجل، وأن يرشده إليه؟ وكيف يكون تشكيكاً وهو يقول في هذا الدعاء: (إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ) ؟ وكيف يكون تشكيكاً وهو يقول: (فَإِنَّكَ تَقْدِرُ، وَلَا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) ؟ قال الحافظ في "الفتح": " وَقَوْله (إِنْ كُنْت) اِسْتَشْكَلَ الْكَرْمَانِيُّ الْإِتْيَان بِصِيغَةِ الشَّكّ هُنَا وَلَا يَجُوز الشَّكّ فِي كَوْن اللَّه عَالِمًا، وَأَجَابَ بِأَنَّ الشَّكّ فِي أَنَّ الْعِلْم مُتَعَلِّق بِالْخَيْرِ أَوْ الشَّرّ لَا فِي أَصْل الْعِلْم ". فالمعنى: أنك يا رب إما أن تكون تعلم هذا الأمر خيراً لي أو تعلمه شراً لي، فإن كان خيراً فيسره. وليس المعني: إما أن تكون تعلم هذا الأمر خيراً لي، أو لا تعلم - حاشا لله -. قال في تحفة الأحوذي: قَالَ الطِّيبِيُّ: " مَعْنَاهُ: اللَّهُمَّ إِنَّك تَعْلَمُ , فَأَوْقَعَ الْكَلَامَ مَوْقِعَ الشَّكِّ عَلَى مَعْنَى التَّفْوِيضِ إِلَيْهِ وَالرِّضَا بِعِلْمِهِ فِيهِ , وَهَذَا النَّوْعُ يُسَمِّيهِ أَهْلُ الْبَلَاغَةِ تَجَاهُلَ الْعَارِفِ وَمَزْجَ الشَّكِّ بِالْيَقِينِ. ويُحْتَمَلُ: أَنَّ الشَّكَّ فِي أَنَّ الْعِلْمَ مُتَعَلِّقٌ بِالْخَيْرِ أَوْ الشَّرِّ لَا فِي أَصْلِ الْعِلْمِ اِنْتَهَى. قَالَ الْقَارِي: وَالْقَوْلُ الْآخَرُ هُوَ الظَّاهِرُ، وَنَتَوَقَّفُ فِي جَوَازِ الْأَوَّلِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى " اِنْتَهَى. وهذا الأسلوب معروف مشهور في الأحاديث، وفي كلام العرب: ففي حديث الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة، قال كل واحد منهم: (اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا) متفق عليه، واللفظ للبخاري (3215) . قال الحافظ في "الفتح" (6/507) : " قوله: (اللهم إن كنت تعلم) فيه إشكال؛ لأن المؤمن يعلم قطعا أن الله يعلم ذلك. وأجيب بأنه تردد في عمله ذلك هل له اعتبار عند الله أم لا؟ وكأنه قال: إن كان عملي ذلك مقبولا فأجب دعائي " انتهى. وروى البخاري (7029) عن ابْن عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ إِنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يَرَوْنَ الرُّؤْيَا ... الحديث، وفيه: (فلما اضْطَجَعْتُ ذَاتَ لَيْلَةٍ قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ فِيَّ خَيْرًا فَأَرِنِي رُؤْيَا) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128675 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2156 اكتشفت عيوبا في خاطبها فاستخارت لفسخ الخطبة لكن لم يتيسر الأمر [السُّؤَالُ] ـ[خطبت قريبا وبعد الخطبة اكتشفت عيوبا في خطيبي لا أتحملها وشعرت أنه غير مناسب لي بالإضافة أنه لا يعينني على طاعة الله وبالرغم من كل هذا كلما هممت على فسخ الخطبة واستخرت الله؛ يحدث تعسير للفسخ فماذا أفعل؟ وهل إذا فسخت الخطبة أكون عاصية لله لاختياري غير ما اختاره لي؟ وهل ألغي عقلي لكي أكون مطيعة لله؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا تبين لك أن الخاطب به عيوب لا يمكنك تحملها، فلا حرج عليك في فسخ الخطبة، فهذا خير من الزواج مع احتمال حدوث الخلاف والنزاع ثم الطلاق. وإذا هممت بذلك فاستخيري الله تعالى، ثم أخبري وليك ليعتذر للخاطب، وبهذا تنفسخ خطوبتك. وليست الاستخارة لإلغاء العقل، أو النظر في الأمور المادية المحيطة بالإنسان، وإنما هي مكملة لذلك، فإن الإنسان قد يتردد في أمر ما، لما فيه من خير وشر، ومصلحة ومفسدة، أو لما يجهله من عاقبته، فيسأل الله أن ييسر له الخير الذي يعلمه سبحانه. فقد يبدو لك الخاطب خاليا من العيوب، لكن الله يعلم أنه لا يصلح لك، وأن به عيوبا تجهلينها، أو أنك لا تصلحين له، وقد يبدو لك أن بالخطاب عيوبا، والله يعلم أنه صالح لك، وأن عيوبه قد تزول، أو هي ليست عيوبا في الحقيقة، أو أن هذا ما يناسب زوجته، إلى غير ذلك من أمور الغيب التي لا يعلمها إلا الله سبحانه. ومعلوم أنه لا فلاح للعبد إلا بتوفيق الله تعالى، وأنه لو وُكل إلى نفسه لضاع وتاه وخسر. فإذا استخرت الله في شيء، فامضي فيه، فإن كان خيرا، سهله الله ويسره، وإن كان شرا صرفك الله عنه، أو صرفه عنك. وتطبيق ذلك في مسألتك: أنك لما بدا لك من العيوب في الخاطب، فإنك تستخيرين الله تعالى في فسخ خطوبته، وتمضين في ذلك، بأن تكلمي وليك أو من يبلغ الخاطب بفسخ الخطوبة، فإن انقضى الأمر ويسّر، فهو الخير لك إن شاء الله، وإن تعسّر الفسخ، فلا خير لك فيه الآن، فقد يكون في علم الله أن زواجك منه خير لك، أو أن استمرار خطبتك مدة أخرى خير لك، ولا مانع أن تكرري الاستخارة مرة بعد مرة. وننبه على أمور: الأول: أن الاستخارة لا تكون في الأمر الواجب أو الحرام أو المكروه، إلا إذا كان التردد في تحديد وقت فعل الواجب. وعليه فلو تبين أن الخاطب تارك للصلاة، أو يقترف الفواحش مثلا، وجب رفضه، ولم تشرع الاستخارة حينئذ. الثاني: أن مسألة التيسير والتعسير، قد يدخلها نوع من الشك والوسوسة، فربما يتصل الولي على الخاطب ليبلغه في الفسخ فلا يجده، فيقال: تعسّر الأمر، وليس كذلك، بل ينبغي أن يعاود الاتصال، أو يرسل من يبلغه، وهكذا. الثالث: أنه لو خالف الإنسان مقتضى الاستخارة، لا يكون عاصيا، لكن قد يفوته خير كثير يندم عليه في حال الترك، أو يلحقه ضرر في حال الإقدام على أمر لم ييسره الله له. وكمال الإيمان والتوكل أن يفوض العبد أمره لله تعالى، ويرضى باختياره، ويمضي في الأمر بعد الاستخارة ويعزم، ولا يكثر من الوسوسة. وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (11981) ورقم (5882) . نسأل الله تعالى أن ييسر لك الخير حيث كان. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125848 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2157 الاستخارة في الأمور كلها [السُّؤَالُ] ـ[كثيرا ما نسمع عن صلاة الاستخارة، لكن لا نعمل بها إلا في حالات نادرة. فهل هذا صحيح. أرجو توضيح ذلك.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صلاة الاستخارة وَجهٌ من أوجه تحقيق العبودية لله تعالى، تُعَلِّقُ قلب المسلم بالله عز وجل، وتخلصه من تَعَلقِه بالمخلوق. وتحقيق ذلك في جميع تقلبات القلب والنفس هو غاية العبودية، وكمال التوكل، وذلك حين يستشعر العبد حاجته وفقره إليه سبحانه، فيجد لذته وطمأنينته في الركون إلى الخالق القادر المدبر، فلا يكاد يطرأ عليه حادث صغير أو كبير إلا ويلجأ إلى صلاة الاستخارة ليطلب الخيرة من الله عز وجل. عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضى الله عنهما قَالَ: (كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا الاِسْتِخَارَةَ فِى الأُمُورِ كُلِّهَا كَالسُّورَةِ مِنَ الْقُرْآنِ) رواه البخاري (6382) يقول الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (11/184) : " يتناول العمومُ العظيمَ من الأمور، والحقيرَ، فرب حقير يترتب عليه الأمر العظيم " انتهى. ويقول العيني في "عمدة القاري" (7/223) : " قوله: (في الأمور كلها) : دليل على العموم، وأن المرء لا يحتقر أمراً لصغره وعدم الاهتمام به فيترك الاستخارة فيه، فرب أمر يستخف بأمره فيكون في الإقدام عليه ضرر عظيم أو في تركه، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليسأل أحدكم ربه حتى في شسع نعله) " انتهى. وبهذا يتبين أنَّ مِن الخطأ قصر الاستخارة على أحوال نادرة أو قليلة، بل الشأن في المسلم اللجوء إلى الله عز وجل واستخارته في جميع الأمور التي يتردد فيها، حتى إن زينب بنت جحش رضي الله عنها صلت الاستخارة حين عرض عليها الزواج بالنبي صلى الله عليه وسلم، وعلق على ذلك النووي بقوله في "شرح مسلم" (9/224) : " فيه استحباب صلاة الاستخارة لمن هَمَّ بأمر، سواء كان ذلك الأمر ظاهر الخير أم لا، وهو موافق لحديث جابر في صحيح البخارى قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها) ، ولعلها استخارت لخوفها من تقصير في حقه صلى الله عليه وسلم " انتهى. جاء في "لقاءات الباب المفتوح" للشيخ ابن عثيمين (لقاء رقم/85، السؤال الأول) : " السؤال: فضيلة الشيخ! هل ركعتا الاستخارة مشروعة فقط في الأمر الذي لم تتبين فيه المصلحة، أم أنها تفعل في كل أمر يقدم عليه ولو كان ظاهره الخير، كإمامة مسجد، أو خطبة امرأة صالحة، وما شابه ذلك. أرجو التوضيح؟ فكان الجواب: صلاة الاستخارة أن الإنسان إذا هم بأمر وتردد في عاقبته فإنه يستخير الله أي: يسأل الله خير الأمرين: الإقدام أو الترك، ولكنه لا يستخير في كل شيء، يعني: ليس للإنسان إذا أراد أن يتغدى أن يقول: أستخير الله. إذا أراد أن يذهب يصلي مع الجماعة أن يقول: أستخير الله، إنما يستخير الله في أمر لا يدري ما عاقبته، ومن ذلك: إمامة المسجد، لو عرض عليه إمامة المسجد ولم يترجح عنده الإقدام أو الترك فليستخر الله، فالإمامة من حيث هي خير في ذاتها، لكن العاقبة؛ لأن الإنسان لا يدري في المستقبل هل يقوم بواجب الإمامة أو لا يقوم، وهل يستقر في هذا المسجد أو لا يستقر، وهل يكون ملائماً للجماعة أو غير ملائم، هو لا يستخير على أن الإمامة من حيث هي خير، لكن العاقبة، كم من إنسان كان إماماً في مسجد ثم لحقه من التعب وعدم القيام بالواجب والمشاكل مع الجماعة ما يتمنى أنه لم يكن إماماً، كذلك المرأة الصالحة، لكن لا أدري ما العاقبة. والمهم أن كل شيء تتردد فيه فعليك بالله، الجأ إليه، اسأله خير الأمرين " انتهى باختصار. وانظر جواب السؤال رقم (11981) ، ورقم (2217) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112151 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2158 صلاة الاستخارة لترجيح أحد القولين [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن يستخير المسلم لترجيح أحد القولين عند العلماء؟ مع العلم أنَّ كلا القولين قوي، وهو يريد معرفة الصحيح منهما لأنهما مختلفين؟ وذلك ليتبع الصحيح.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ثبت عن بعض السلف استخارتهم في مسائل العلم المختلف فيها، كما ثبت عن بعضهم استخارتهم في ترجيح حال الرواة المختلف فيهم، ومن ذلك: 1. روى عبد الرزاق في " المصنف " (10 / 301) عن ابن المسيب: (أن عمر بن الخطاب كتب في الجد والكلالة كتابا، فمكث يستخير الله يقول: اللهم إن علمت فيه خيرا فأمضه، حتى إذا طعن دعا بالكتاب، فمحى فلم يدر أحد ما كان فيه، فقال: إني كتبت في الجد والكلالة كتابا، وكنت أستخير الله فيه، فرأيت أن أترككم على ما كنتم عليه) . 2. وقد كان الإمام الشافعي رحمه الله من أكثر العلماء استخارة في مسائل العلم، حتى صرح في كتابه " الأم " في نحو أربع عشرة مسألة أنه قد استخار الله تعالى فيها، وكان منها قوله في " الأم " (2 / 44) : وقد قيل: في الحلي صدقة، وهذا ما أستخير الله عز وجل فيه، قال الربيع: قد استخار الله عز وجل فيه، أخبرنا الشافعي: وليس في الحلي زكاة. انتهى. 3. كما كان ابن حبان من المحدثين يستخير الله تعالى في الرواة الذين يشتبه حالهم عليه، ويكثر من التصريح بذلك في كتبه، خاصة كتاب " المجروحين "، ومن ذلك قوله في (1 / 194) : بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري: من أهل البصرة، يروي عن أبيه عن جده، روى عنه الثوري وحماد بن سلمة، كان يخطئ كثيراً، فأما أحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم رحمهما الله فهما يحتجان به ويرويان عنه، وتركه جماعة من أئمتنا، ولولا حديث (إنا آخذوه وشطر إبله عزمة من عزمات ربنا) لأدخلناه في الثقات، وهو ممن أستخير الله عز وجل فيه. انتهى. والأمثلة عن أهل العلم في الالتجاء إلى الاستخارة حين تشتبه عليهم المسائل كثيرة، وإنما سقت منها الشيء اليسير للتدليل على المقصود. لكن ما معنى قولهم " هذا مما أستخير الله فيه " و " هذا ممن أستخير الله فيه "؟. الظاهر أن معنى قولهم هو دعاء الله تعالى بأن يوفقهم لصحة الترجيح، والصواب من الأقوال في المسألة أو الراوي، وليس معناه أنهم كانوا يستخيرون الاستخارة التي هي الصلاة بدعائها؛ وذلك لعدم تطابق الدعاء مع الذي يريدون وينشدون، ففي دعاء الاستخارة " فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه " فكيف سيكون منطبقا على مسألة فقهية، أو على حال أحد رواة الحديث؟! . فالذي يظهر أن هؤلاء الأئمة يطلبون من الله تعالى التوفيق للصواب في مسائل العلم، لا أنهم يدعون دعاء الاستخارة بصلاتها. والغاية من الاستخارة هو طلب الهداية من الله سبحانه وتعالى إلى خير الأمرين المشتبهين الذين وقع التردد فيهما، فإن الهداية والتوفيق من الله سبحانه، وهو يعلم ولا نعلم، وهو علام الغيوب، ومن اعتمد على نفسه ضل، ومن اتكل على عقله ولم يستعن بمولاه هلك، وأولى ما يجب على العبد أن يستعين الله عليه هو الفهم الصحيح لدين الله، واختيار أنسب الأقوال وأحسنها، والاستخارة هي وسيلته إلى ذلك، بل قد تكون أوثق سبيل إلى اختيار أحد القولين الذين اشتبهت أدلتهما إلى حد كبير. ولا يمنع أن يكون مع دعاء الإمام أو الفقيه ربه تعالى أن يوفقه للصواب في مسائل العلم أن يُسبق دعاءه بصلاة، ويمكن تسمية هذا الفعل تجوزاً " استخارة "، أو يكون ذلك نسبة للدعاء لا للصلاة، أما الصلاة والدعاء الوارد في حديث جابر المشهور فلا يمكن أن يكون هو المقصود في قولهم أنهم يستخيرون الله تعالى في كذا وكذا. وأخيراً: لا يظن أن الاستخارة في مسائل العلم تناقض ما أمر الله به من اتباع الدليل والبرهان، فإن اللجوء إلى الاستخارة يكون عند انعدام الدليل أو عدم ظهوره أو وجود معارض مساو، أو عند اشتباه المسألة في نفس العالم وإشكالها في الفهم عليه، وليس في شيء من ذلك ترك للدليل والبرهان، بل فيه استعانة بالله سبحانه على الفهم، ولجوء إليه ليرشد إلى الحق، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه أن يهديه إلى الحق. عن عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها قالت: (كَانَ النبي صلى الله عليه وسلم إِذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ افْتَتَحَ صَلَاتَهُ: اللَّهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) . رواه مسلم (770) . وانظر في صلاة الاستخارة وبعض أحكامها جواب السؤالين: (2217) و (11981) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112154 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2159 طريقة مبتدعة لطلب الرؤيا بعد الاستخارة [السُّؤَالُ] ـ[غالبا ما يتعسر على الشخص أمور، فيقال له استخر، أو اطلب من ربك الرؤيا.. وهناك أساليب عدة لطلب الرؤيا: ومن الطرق المجربة: يقوم الشخص بالصلاة ركعتين لله، وقراءة كل من السور التالية: الليل (7) مرات، الشمس (7) مرات، سورة التين (7) مرات، بعد ذلك نقوم بحمد الله وثنائه والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء بدعاء الاستخارة.. أو طلب الرؤيا المعينة، يتوجب من الشخص الإيقان الكلي بقدرة الله على إيجاب طلبه، تتوجب طهارة المكان وخلوه من الصور وذوات الأرواح، كذلك يفضل عدم التحدث مع أي شخص بعد طلب الرؤيا، يقوم بها الشخص لمدة (7) أيام، وربما تحدث قبل ذلك بأيام قليلة. مجربة بإذن الله. ما حكم هذا العمل؟ هل هناك دليل عليه؟ أم أنه لا يجوز؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا العمل بدعة لا تجوز، فهو تخصيص عبادة بطريقة معينة لم ترد في الشرع. وقد أحدث الناس في صلاة الاستخارة كثيراً من البدع. فمن ذلك: تكرار قراءة سور معينة في صلاة الاستخارة – كما ورد في السؤال -، وكذا تكرار صلاة الاستخارة نفسها لمدة سبعة أيام، فهذه أنواع من التحديد والتخصيص فيها تشريع زائد على الدين، واستدراك على النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم. ومنها: أيضا اعتقاد بعضهم ضرورة وقوع الرؤيا بعد صلاة الاستخارة، كي يسترشد بها المستخير، بل ويرون أن الاستخارة من غير رؤيا بعدها غير صحيحة ولا نافعة. وقد نبه العلماء على هذا الخطأ. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "فتاوى نور على الدرب" (فتاوى الصلاة/صلاة الاستخارة) : " لا يشترط أن يرى المستخير شيئاً يدله على أن هذا هو الأفضل له، بل متى تيسر له الشيء بعد استخارته فليعلم أن هذا هو الخير، إذا كان قد دعا ربه بصدق وإخلاص؛ لأن في دعاء الاستخارة يقول الرجل أو المرأة المستخيرة: (اللهم إن كنت تعلم أن هذا - ويُسَمِّي حاجتَه - خير لي في ديني ودنياي وعاجل أمري وآجله فاقدره لي ويسره لي) فإذا تيسر له الأمر بعد الاستخارة فليعلم أن هذا هو الخير؛ لأنه دعا الله أن يختار له ما هو خير ييسره له، فإذا تيسر فهذا علامة أن ذلك هو الخير. وربما يرى الإنسان شيئا يدل على أن هذا هو الخير له، وربما ييسر الله له من يشير عليه بشيء فيأخذ بمشورته فيكون هو الخير. المهم أنك إذا استخرت الله بصدق وإخلاص فما يجري بعد ذلك بأي سبب من الأسباب فهو الخير لك إن شاء الله تعالى. وأما قول بعض الناس لا بد أن يرى الإنسان في الرؤيا أنه اختير له الإقدام أو الترك: فهذا لا أصل له، لكن بمجرد ما يستخير ثم يهيأ له الفعل أو الترك فإننا نعلم أن الله تعالى اختار له ما هو خير؛ لأنه قد سأل ربه أن يختار له ما هو خير"انتهى بتصرف يسير. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم: (5882) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109105 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2160 الدعاء بالاستخارة من غير صلاة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز الاستخارة: قراءة دعاء الاستخارة بدون صلاة الركعتين قبله، لأننا نكون فى الشارع على سبيل المثال؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الاستخارة هي دعاء الله تعالى، ليختار لك خير الأمرين، ويصرف عنك شرهما. وصلاة الركعتين إنما شرعت بين يدي الدعاء، ليكون أقرب إلى الإجابة، وأحضر للقلب، وأدعى للقبول. قال ابن أبي جمرة – كما في "فتح الباري" (11/186) -: " الحكمة في تقديم الصلاة على الدعاء أن المراد بالاستخارة حصول الجمع بين خيري الدنيا والآخرة، فيحتاج إلى قرع باب الملك، ولا شيء لذلك أنجع ولا أنجح من الصلاة، لما فيها من تعظيم الله، والثناء عليه، والافتقار إليه مآلا وحالا " انتهى. والاستخارة التي علمنا إياها الرسول صلى الله عليه وسلم تكون بصلاة ركعتين ثم الدعاء بعدها. وإذا تعذر على المسلم الصلاة، لسبب من الأسباب فلا حرج عليه من دعاء الله تعالى أن ييسر له خير الأمرين من غير صلاة. قال النووي رحمه الله في "الأذكار" (ص/120) : " ولو تعذرت عليه الصلاة استخار بالدعاء " انتهى. وقد نقل كلام النووي هذا جماعة من علماء المذاهب، مقرين ومستشهدين به. انظر: "حاشية رد المحتار" (2/27) ، "الفواكه الدواني" (1/35) ، "شرح مختصر خليل للخرشي" (1/37) ، "أسنى المطالب" (1/205) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 107633 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2161 أهمية صلاة الاستخارة [السُّؤَالُ] ـ[اسمحوا لي بهذا السؤال، أحب أن أسأل لأريح عقلي، وكثير من تحدثهم نفسهم بهذه الوساوس، وتعم الفائدة إن شاء الله على من يقرؤه. كثيرا ما نسمع عن صلاة الاستخارة، لكن لا نعمل بها إلا في حالات نادرة. وقد نصلي وهناك بعض الشك في قلوبنا؛ لأننا لا نعرف أهميتها. وأحيانا يجول في خواطرنا بأن قضاء الله هو الذي سيحدث، فما الفائدة من السؤال والدعاء والسعي؟ أخبروني عن صلاة الاستخارة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أهمية صلاة الاستخارة تكمن في أوجه ثلاثة: الوجه الأول: تجريد الافتقار إلى الله، ونفي العلائق إلا بالله، وتحقيق التوكل عليه سبحانه وتعالى، وتفويض الأمور إليه، وهي كلها معان سامية من معاني التوحيد والإسلام، تساعد صلاة الاستخارة في تحقيقها، وتعين على قيامها، خاصة لمن اعتاد اللجوء إليها، واستشعر في قلبه حقيقتها وحكمة تشريعها. الوجه الثاني: الفلاح في الاختيار، والنجاح في الأمر، والتوفيق في السعي، فمن فوض أمره إلى الله كفاه، ومن سأل الله بصدق أعطاه حاجته ولم يمنعه. يقول الغزالي في "إحياء علوم الدين" (1/206) : " قال بعض الحكماء: من أُعطي أربعا لم يُمنع أربعا: من أُعطي الشكر لم يُمنع المزيد، ومن أُعطي التوبة لم يُمنع القبول، ومن أٌعطي الاستخارةَ لم يُمنع الخِيَرة، ومن أُعطي المشورة لم يُمنع الصواب " انتهى. أما حديث: (ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار) فهو حديث موضوع، انظر "السلسلة الضعيفة" (611) للشيخ الألباني. الوجه الثالث: الرضا بالقضاء، والقناعة بالمقسوم، فمن استخار الله تعالى في شأنه لم يندم على خياره، وقام في قلبه من الطمأنينة واليقين ما يدفع عنه كل هم أو حزن يحصل في اختياره، وهذا الوجه من أعظم الفوائد التي تجنيها صلاة الاستخارة في قلب العبد. روى ابن أبي الدنيا في "الرضا عن الله بقضائه" (92) وغيره بسنده عن وهب بن منبه قال: " قال داود عليه السلام: رب! أي عبادك أبغض إليك؟ قال: عبد استخارني في أمر، فخرت له، فلم يرض به " انتهى. يقول ابن القيم رحمه الله في "الوابل الصيب" (157) : " كان شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: ما ندم من استخار الخالق وشاور المخلوقين وثبت في أمره " انتهى. ويجمع هذه الحِكَمَ والفوائدَ جميعها العلامة ابن القيم في شرح رائع لأهمية صلاة الاستخارة فيقول – كما في "زاد المعاد" (2/442) -: " وعوضهم بهذا الدعاء – دعاء الاستخارة - الذي هو توحيد وافتقار وعبودية وتوكل وسؤال لمن بيده الخير كله، الذي لا يأتي بالحسنات إلا هو، ولا يصرف السيئات إلا هو، الذي إذا فتح لعبده رحمة لم يستطع أحد حبسها عنه، وإذا أمسكها لم يستطع أحد إرسالها إليه من التطير والتنجيم واختيار الطالع ونحوه، فهذا الدعاء هو الطالع الميمون السعيد، طالع أهل السعادة والتوفيق، الذين سبقت لهم من الله الحسنى، لا طالع أهل الشرك والشقاء والخذلان الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون. فتضمن هذا الدعاء الإقرار بوجوده سبحانه، والإقرار بصفات كماله من كمال العلم والقدرة والإرادة، والإقرار بربوبيته، وتفويض الأمر إليه، والاستعانة به، والتوكل عليه، والخروج من عهدة نفسه، والتبري من الحول والقوة إلا به، واعتراف العبد بعجزه عن علمه بمصلحة نفسه وقدرته عليها، وإرادته لها، وأن ذلك كله بيد وليه وفاطره وإلهه الحق، وفى "مسند الإمام أحمد" من حديث سعد بن أبى وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من سعادة ابن آدم استخارة الله ورضاه بما قضى الله، ومن شقاوة ابن آدم ترك استخارة الله وسخطه بما قضى الله) فتأمل كيف وقع المقدور مكتنفا بأمرين: التوكل الذي هو مضمون الاستخارة قبله، والرضا بما يقضى الله له بعده، وهما عنوان السعادة. وعنوان الشقاء أن يكتنفه ترك التوكل والاستخارة قبله، والسخط بعده. والتوكل قبل القضاء، فإذا أبرم القضاء وتم انتقلت العبودية إلى الرضا بعده، كما في "المسند"، وزاد النسائي في الدعاء المشهور: (وأسألك الرضا بعد القضاء) . وهذا أبلغ من الرضا بالقضاء، فإنه قد يكون عزما فإذا وقع القضاء تنحل العزيمة، فإذا حصل الرضا بعد القضاء، كان حالا أو مقاما. والمقصود أن الاستخارة توكل على الله، وتفويض إليه، واستقسام بقدرته وعلمه، وحسن اختياره لعبده، وهى من لوازم الرضا به ربا، الذي لا يذوق طعم الإيمان من لم يكن كذلك، وإن رضى بالمقدور بعدها، فذلك علامة سعادته " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 107330 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2162 كيفية صلاة الاستخارة وشرح دعائها [السُّؤَالُ] ـ[كيف تكون صلاة الاستخارة؟ وماهو الدعاء الذي يقال فيها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صفة صلاة الاستخارة قد رواها جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السَّلَمِيُّ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ الاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُهُمْ السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ يَقُولُ: " إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلْ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلا أَقْدِرُ وَتَعْلَمُ وَلا أَعْلَمُ وَأَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ هَذَا الأَمْرَ ثُمَّ تُسَمِّيهِ بِعَيْنِهِ خَيْرًا لِي فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ قَالَ أَوْ فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ اللَّهُمَّ وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَاصْرِفْنِي عَنْهُ [واصرفه عني] وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ. " رواه البخاري 6841 وله روايات أخرى في الترمذي والنسائي وأبو داود وابن ماجة وأحمد قال ابن حجر رحمه الله في شرح الحديث: الاستخارة: اسم، واستخار الله طلب منه الخِيَرة , والمراد طلب خير الأمرين لمن احتاج إلى أحدهما. قوله (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة.. في الأمور كلها) قال ابن أبي جمرة: هو عام أريد به الخصوص , فإن الواجب والمستحب لا يستخار في فعلهما والحرام والمكروه لا يستخار في تركهما , فانحصر الأمر في المباح وفي المستحب إذا تعارض منه أمران أيهما يبدأ به ويقتصر عليه. قلت:.. ويتناول العموم العظيم من الأمور والحقير , فرب حقير يترتب عليه الأمر العظيم. قوله (إذا هَمَّ) .. وقع في حديث ابن مسعود " إذا أراد أحدكم أمرا فليقل ". قوله (فليركع ركعتين.. من غير الفريضة) فيه احتراز عن صلاة الصبح مثلا.. وقال النووي في " الأذكار ": لو دعا بدعاء الاستخارة عقب راتبة صلاة الظهر مثلا أو غيرها من النوافل الراتبة والمطلقة.. ويظهر أن يقال: إن نوى تلك الصلاة بعينها وصلاة الاستخارة معا أجزأ , بخلاف ما إذا لم ينو. وقال ابن أبي جمرة. الحكمة في تقديم الصلاة على الدعاء أن المراد بالاستخارة حصول الجمع بين خيري الدنيا والآخرة فيحتاج إلى قرع باب المَلِك , ولا شيء لذلك أنجع ولا أنجح من الصلاة لما فيها من تعظيم الله والثناء عليه والافتقار إليه مآلا وحالا. وقوله (ثم ليقل) ظاهر في أن الدعاء المذكور يكون بعد الفراغ من الصلاة ويحتمل أن يكون الترتيب فيه بالنسبة لأذكار الصلاة ودعائها فيقوله بعد الفراغ وقبل السلام. قوله (اللهم إني أستخيرك بعلمك) الباء للتعليل أي لأنك أعلم , وكذا هي في قوله " بقدرتك " ويحتمل أن تكون للاستعانة.. وقوله " وأستقدرك ".. معناه أطلب منك أن تجعل لي قدرة على المطلوب , ويحتمل أن يكون المعنى أطلب منك أن تقدِّره لي , والمراد بالتقدير التيسير. قوله (وأسالك من فضلك) إشارة إلى أن إعطاء الرب فضل منه , وليس لأحد عليه حق في نعمه كما هو مذهب أهل السنة. قوله (فإنك تقدر ولا أقدر , وتعلم ولا أعلم) إشارة إلى أن العلم والقدرة لله وحده , وليس للعبد من ذلك إلا ما قدّر الله له. قوله (اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر) .. في رواية.. " ثم يسميه بعينه ".. وظاهر سياقه أن ينطق به , ويحتمل أن يكتفي باستحضاره بقلبه عند الدعاء. قوله (فاقدره لي) .. أي نَجِّزه لي " , وقيل معناه يسره لي. قوله (فاصرفه عني واصرفني عنه) أي حتى لا يبقى قلبه بعد صرف الأمر عنه متعلقا به , قوله (ورَضِّني) .. أي اجعلني بذلك راضيا فلا أندم على طلبه ولا على وقوعه لأني لا أعلم عاقبته وإن كنت حال طلبه راضيا به.. والسرّ فيه أن لا يبقى قلبه متعلقا به فلا يطمئن خاطره. والرضا سكون النفس إلى القضاء. انتهى ملخّصا من شرح الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرح الحديث في كتاب الدعوات وكتاب التوحيد من صحيح البخاري. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2217 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2163 صلّى الاستخارة ولم يحسّ بأيّ شيء [السُّؤَالُ] ـ[ما النصيحة التي توجهها لشخصين يريدان الزواج، كلاهما صلى الاستخارة والمرأة فقط وصلتها الرسالة وليس الرجل، رأت هذه الأخت بأنها وزوجها يعيشان بسعادة سوياً وأن الله يقول لها بأن هذا هو الخيار الصحيح لكليهما. ولكن ماذا عن الرجل الذي لم ير أي علامة أو إحساس أو منام؟ ماذا يجب عليهما أن يفعلا؟ كم المدة الواجب فيها صلاة الاستخارة؟ البعض قال 3 أيام والبعض قال 7. جزاك الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أما صلاة الاستخارة ودعاؤها: فدليلها ما رواه البخاري (1109) وغيره عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: انظر في شرح الحديث وفوائده سؤال 2217 وسؤال 410. وأما قول بعض الناس " ثم يمضي لما ينشرح صدره له " فقد ورد فيه حديث عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم رواه ابن السنِّي - قال " إذا هممتَ بالأمر فاستخر ربك سبعاً ثم انظر إلى ما يسبق في قلبك فإنَّ الخير فيه ". قال النووي: إسناده غريبٌ. فيه من لا أعرفهم. أ. هـ‍‍ "الأذكار" (ص132) . وقال الحافظ ابن حجر: وهذا لو ثبت لكان هو المعتمد، لكن سنده واهٍ جداً. أ. هـ‍‍ "الفتح" (11/223) . قال الحافظ العراقي: فيه راوٍ معروفٌ بالضعفِ الشديدِ وهو إبراهيم بن البراء.. فعلى هذا فالحديث ضعيف جدا. أ. هـ‍ـ "الفتوحات الربانية" (3/357) . والصواب: أنَّ تيسير الأمر من الله عز وجل - بعد تقديره وقبول الدعاء- هو علامة الخيرية في المضيِّ في العمل، ووجود العوائق وعدم تيسر الأمر هو دليل صرف الله تعالى عبده عن هذا العمل. ويظهر هذا المعنى جليًّا عند التأمُّلٍ في حديث جابر في الاستخارة، في قوله صلى الله عليه وسلم " اللهم إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذا الأَمْرَ - ويسميه - خَيْرٌ لي في دِيني وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي فَاقْدُرْهُ لي وَيَسِّرْهُ لي ثُمَّ بَارِكْ لي فِيهِ. وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذا الأَمْرَ شَرٌّ لي في دِيني وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِيَ الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ ". . قال ابن علاّن - بعد أن نقل تضعيف حديث أنس عن الأئمة -: ومِن ثَمَّ قيل: إنَّ الأولى أن يفعل بعدها ما أراد (أي: وإن لم يشعر بانشراح الصّدْر) ، إذ الواقع بعدها- (أي: بعد الصلاة) - هو الخير.. وقال الحافظ ابن حجر: قال الحافظ زين الدين العراقي (في العمل بعد الاستخارة) : ".. مهما فعله، فالخير فيه، ويؤيده ما وقع في آخر حديث ابن مسعود في بعض طرقه " ثم يعزم" أ. هـ‍‍ كلام العراقي. قلت - (أي: ابن حجر) : قد بَيَّنتُها فيما تقدّم وأن راويها - (أي: زيادة "ثم يعزم") - ضعيفٌ، لكنه أصلح حالاً من راوي هذا الحديث - (أي: حديث: ثم انظر ما يَسْبق إلى قلبك) - أ. هـ‍‍ كلام ابن حجر "الفتوحات الربانية" (3/355-357) . هـ. ومن خرافات الناس المنتشرة أنك بعد الاستخارة تنام، فما رأيتَه في منامك من خيرٍ وانشراح صدرٍ فهو يعني أنَّ أمرك خيرٌ فتسير فيه وإلا فلا! (وهذا ما قصده السائل بقوله: وصلت الرسالة!!) وليس لهذا دليل صحيح كما عرفنا. وما مضى من البحث لا يعني أن انشراح الصدر لا يكون من العلامات، لكن لا ينبغي جعله هو العلامة الوحيدة والقاطعة على خيرية الأمر، والانسان كثيرا ما يستخير على أمر يحبه، وصدره منشرح له بالأساس. قال شيخ الإسلام رحمه الله في مسألة انشراح الصّدْر: فإذا استخار الله كان ما شرح له صدره وتيسّر له من الأمور هو الذي اختاره الله له. أ. هـ‍ـ"مجموع الفتاوى" (10/539) . ففرقٌ بين مَن جعل "انشراح الصدر" هو العلامة الوحيدة وبين مَن جعلها مِن العلامات. ولا يوجد مدة محدّدة لصلاة الاستخارة، ويجوز تكرار الصلاة أكثر مرة، وليست محدّدة بعدد من المرات، وللمصلي أن يدعو قبل السلام، أو بعد السلام، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 5882 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2164 هل يستخير المسلم في الأمور الإجبارية [السُّؤَالُ] ـ[سألني أحد الأخوة عن جواز أداء صلاة الاستخارة لأي مشروع أو عمل كان ونحن نعرف حديث جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) حيث قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها … ..) والحديث في البخاري. ماذا إذا أراد أحد أن يؤدي صلاة الاستخارة لأمر إلزامي! لأنني لم أفهم المراد بكلمة كلها هل تشمل (الكل) أم (الأغلبية) لأن كلمة (كل) في اللغة العربية وعلى حسب معرفتي قد تعني (الأغلبية) . فهلا أفدتموني يا سماحة الشيخ ببعض الإيضاحات حول كلمة (كلها) ؟ وهل يمكن أداء صلاة الاستخارة في الأمور الإجبارية؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فِعل الواجبات لا خِيَرةَ فيه لأن الله ألزمنا به، وكذلك تركُ المحرَّمات، فلا معنى للاستخارة في أمر لا بدّ لنا من فعله ولا يُشرع في ذلك صلاة الإستخارة، والإِستخارة إنَّما تكون في المباحات لترجيح أحَدِ الأمْرينِ على الآخر، وكذلك تعيِينُ ما تعدد أفرَادُه من المُسْتحَبَّات فيستخير من أجل تقديم مستحبّ معيّن منها كأن يحتار إلى أي المدن يتجه لطلب العلم أو على أيّ شيخ يدرس أو في أيّ حلقة يجلس فيستشير ثم يستخير على ما ترجّح لديه، وكذلك يستخير عند الإِقدام على الزواج مِنِ امرأةٍ بِعيْنِهَا، أو الحجِّ النَّفل في هذا العام أو فيِ الذي يليه، وكذلك كلُّ شيء فيه تردد، فهذا داخل في قوله " يعلِّمنا الإستخارة في الأمور كلها. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 9588 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2165 فسخ الخطبة بسبب رؤيا منام [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز فسخ الخطوبة بعد سنتين لأن الخطيب رؤي في حلم سيء بعد الاستخارة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المسلم ينطلق في أحكامه وفهمه لواقعه ومعايشته لتجارب زمانه من منطلقات العقل والحكمة، والأسباب التي أمر الله سبحانه وتعالى بمراعاتها والأخذ بها، وبذلك جاءت الشريعة الإسلامية، تأمر بالنظر والتفكر واستعمال موازين العقل والتجربة، ثم الحكم بعد ذلك على الأشخاص أو الأعمال. يقول الله سبحانه وتعالى: (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) البقرة/242 وليس في شريعتنا أبدا الركون إلى الرؤى والأحلام والمنامات، لا في معايش الدنيا ولا في أحكام الدين، فإن المعرفة المتحصلة عن طريق الرؤى والمنامات غير منضبطة ولا متيقنة، بل يداخلها الشك والريبة، ولا يمكن أن تُرجع الشريعة الناس في معارفهم إلى مصادر موهومة لا تحقق أدنى مستويات العلم. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الرُّؤْيَا ثَلاَثَةٌ: فَرُؤْيَا الصَّالِحَةِ بُشْرَى مِنَ اللَّهِ، وَرُؤْيَا تَحْزِينٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَرُؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ) رواه مسلم (2263) فالشيطان له نصيب مما يراه الإنسان في منامه، كما للنفس نصيب أيضا، وتمييز ذلك قد لا يكون واضحا في جميع الأحيان، فكيف يطمئن المسلم إلى منام رآه ثم يبني عليه اختياره وهو يعلم أن الشيطان قد يكون له منه أوفر حظ ونصيب؟! ومن ذلك أمر الزواج أيضا، فقد حدد لنا النبي صلى الله عليه وسلم الصفات التي ينبغي أن ينبني عليها الحكم بالقبول أو الرفض فيمن يتقدم للخطبة فقال: (إذا جاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ قَالَ إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) رواه الترمذي (1085) وقال حسن غريب، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي. فجعل الخلق والدين هو المقياس الذي ينبغي أن يتحاكم إليه الناس في رفضهم أو قبولهم، وينبغي للسائلة الكريمة ألا تلتفت إلا إليه، ولا تستجيب لما تراه في منامها من أمور قد يكون للشيطان فيها نصيب، يريد بها التفريق بين الزوجين وإحداث الشقاق والنزاع. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "لقاء الباب المفتوح" (لقاء رقم 5/سؤال رقم 17) ما يلي: خطب رجل امرأة، فرأته في المنام حالق اللحية، فهل توافق عليه أم لا؟ وفي اليقظة ظاهره طيب، لم يحلق اللحية، وهو شخص ملتزم ولا نزكي على الله أحدا ً. فأجاب رحمه الله: " المرأة التي رأت الرجل الذي خطبها في المنام حالق اللحية وهو في الواقع ليس بحالق لها لا يضرها ما رأت في المنام، ولا ينبغي أن يمنعها من التزوج به ما دام مستقيماً في دينه وخلقه " انتهى. ثم يجب التنبه إلى أن الاستخارة لا علاقة لها برؤيا المنام – كما يظن كثير من الناس -، فإن المقصود من الاستخارة هو سؤال الله تعالى تيسير خير الأمرين، والالتجاء إليه سبحانه في الإرشاد إلى أحسن الأمور، والاستخارة دعاء إذا استجاب الله له يسر الأمر الذي اختاره المستخير – بعد التفكير والتأمل – ولا يرتبط الدعاء من قريب أو بعيد برؤيا المنام. فالنصيحة للأخت السائلة الكريمة أن تراجع أمرها، ولا تسعى في خراب رابطتها الزوجية بمجرد رؤيا منامية، بل ينبغي أن تحكم الدين والعقل في أمر خطيبها، ثم تتخذ بعد ذلك الموقف المناسب. وانظري جواب السؤال رقم (25793) ، (34726) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93399 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2166 صلاة الاستخارة [السُّؤَالُ] ـ[أود معرفة المزيد عن صلاة الاستخارة. ماذا أتلو، وأدعو، كم عدد الركعات، وما هو الأجر من ذلك. وهل صلاة المذهب الحنبلي والشافعي والحنفي بنفس الطريقة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صلاة الاستخارة سنة شرعها النبي صلى الله عليه وسلم لمن أراد أن يعمل عملاً ولكنه مترددٌ فيه، وسيكون الحديث عن صلاة الاستخارة من خلال ثمان نقاط: 1ـ تعريفها. 2ـ حكمها. 3ـ الحكمة من مشروعيتها. 4ـ سببها. 5ـ متى تبدأ الاستخارة. 6ـالاستشارة قبل الاستخارة. 7ـ ماذا يقرأ في الاستخارة؟ . 8ـ متى يكون الدعاء؟ . المطلب الأول: تعريفها. الاسْتِخَارَةُ لُغَةً: طَلَبُ الْخِيَرَةِ فِي الشَّيْءِ. يُقَالُ: اسْتَخِرْ اللَّهَ يَخِرْ لَك. وَاصْطِلَاحًا: طَلَبُ الاخْتِيَارِ. أَيْ طَلَبُ صَرْفِ الْهِمَّةِ لِمَا هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ اللَّهِ وَالأَوْلَى , بِالصَّلاةِ , أَوْ الدُّعَاءِ الْوَارِدِ فِي الِاسْتِخَارَةِ. المطلب الثاني: حكمها. أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الاسْتِخَارَةَ سُنَّةٌ , وَدَلِيلُ مَشْرُوعِيَّتِهَا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا الاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ يَقُولُ: إذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ , وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ , وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلا أَقْدِرُ , وَتَعْلَمُ وَلا أَعْلَمُ , وَأَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ , اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ , فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ , اللَّهُمَّ وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ , فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ ارْضِنِي بِهِ. وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي مَوَاضِعَ مِنْ صَحِيحِهِ (1166) وَفِي بَعْضِهَا ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ. المطلب الثالث: الحكمة من مشروعيتها. حِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّةِ الاسْتِخَارَةِ , هِيَ التَّسْلِيمُ لأَمْرِ اللَّهِ , وَالْخُرُوجُ مِنْ الْحَوْلِ وَالطَّوْلِ , وَالالْتِجَاءُ إلَيْهِ سُبْحَانَهُ. لِلْجَمْعِ بَيْنَ خَيْرَيْ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. وَيَحْتَاجُ فِي هَذَا إلَى قَرْعِ بَابِ الْمَلِكِ (سبحانه وتعالى) , وَلا شَيْءَ أَنْجَعُ لِذَلِكَ مِنْ الصَّلاةِ وَالدُّعَاءِ ; لِمَا فِيهَا مِنْ تَعْظِيمِ اللَّهِ , وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ , وَالافْتِقَارِ إلَيْهِ قَالا وَحَالا، ثم بعد الاستخارة يقوم إلى ما ينشرح له صدره. المطلب الرابع: سببها. سَبَبُهَا (مَا يَجْرِي فِيهِ الاسْتِخَارَةُ) : اتَّفَقَتْ الْمَذَاهِبُ الْأَرْبَعَةُ عَلَى أَنَّ الِاسْتِخَارَةَ تَكُونُ فِي الْأُمُورِ الَّتِي لَا يَدْرِي الْعَبْدُ وَجْهَ الصَّوَابِ فِيهَا , أَمَّا مَا هُوَ مَعْرُوفٌ خَيْرَهُ أَوْ شَرَّهُ كَالْعِبَادَاتِ وَصَنَائِعِ الْمَعْرُوفِ وَالْمَعَاصِي وَالْمُنْكَرَاتِ فَلا حَاجَةَ إلَى الاسْتِخَارَةِ فِيهَا , إلا إذَا أَرَادَ بَيَانَ خُصُوصِ الْوَقْتِ كَالْحَجِّ مَثَلا فِي هَذِهِ السُّنَّةِ ; لِاحْتِمَالِ عَدُوٍّ أَوْ فِتْنَةٍ , وَالرُّفْقَةِ فِيهِ , أَيُرَافِقُ فُلانًا أَمْ لا؟ وَعَلَى هَذَا فَالاسْتِخَارَةُ لا مَحَلَّ لَهَا فِي الْوَاجِبِ وَالْحَرَامِ وَالْمَكْرُوهِ , وَإِنَّمَا تَكُونُ فِي الْمَنْدُوبَاتِ وَالْمُبَاحَاتِ. وَالاسْتِخَارَةُ فِي الْمَنْدُوبِ لا تَكُونُ فِي أَصْلِهِ ; لِأَنَّهُ مَطْلُوبٌ , وَإِنَّمَا تَكُونُ عِنْدَ التَّعَارُضِ , أَيْ إذَا تَعَارَضَ عِنْدَهُ أَمْرَانِ أَيُّهُمَا يَبْدَأُ بِهِ أَوْ يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ؟ أَمَّا الْمُبَاحُ فَيُسْتَخَارُ فِي أَصْلِهِ. المطلب الخامس: مَتَى يَبْدَأُ الاسْتِخَارَةَ؟ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَخِيرُ خَالِيَ الذِّهْنِ , غَيْرَ عَازِمٍ عَلَى أَمْرٍ مُعَيَّنٍ , فَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَدِيثِ: " إذَا هَمَّ " يُشِيرُ إلَى أَنَّ الِاسْتِخَارَةَ تَكُونُ ِنْدَ أَوَّلِ مَا يَرِدُ عَلَى الْقَلْبِ , فَيَظْهَرُ لَهُ بِبَرَكَةِ الصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ مَا هُوَ الْخَيْرُ , بِخِلَافِ مَا إذَا تَمَكَّنَ الْأَمْرُ عِنْدَهُ , وَقَوِيَتْ فِيهِ عَزِيمَتُهُ وَإِرَادَتُهُ , فَإِنَّهُ يَصِيرُ إلَيْهِ مَيْلٌ وَحُبٌّ , فَيَخْشَى أَنْ يَخْفَى عَنْهُ الرَّشَادُ ; لِغَلَبَةِ مَيْلِهِ إلَى مَا عَزَمَ عَلَيْهِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْهَمِّ الْعَزِيمَةَ ; لأَنَّ الْخَاطِرَ لا يَثْبُتُ فَلَا يَسْتَمِرُّ إلَّا عَلَى مَا يَقْصِدُ التَّصْمِيمَ عَلَى فِعْلِهِ مِنْ غَيْرِ مَيْلٍ. وَإِلا لَوْ اسْتَخَارَ فِي كُلِّ خَاطِرٍ لاسْتَخَارَ فِيمَا لا يَعْبَأُ بِهِ , فَتَضِيعُ عَلَيْهِ أَوْقَاتُهُ. " المطلب السادس: الاسْتِشَارَةُ قَبْلَ الاسْتِخَارَةِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَشِيرَ قَبْلَ الاسْتِخَارَةِ مَنْ يَعْلَمُ مِنْ حَالِهِ النَّصِيحَةَ وَالشَّفَقَةَ وَالْخِبْرَةَ , وَيَثِقُ بِدِينِهِ وَمَعْرِفَتِهِ. قَالَ تَعَالَى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} وَإِذَا اسْتَشَارَ وَظَهَرَ أَنَّهُ مَصْلَحَةٌ , اسْتَخَارَ اللَّهَ تَعَالَى فِي ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْثَمِيُّ: حَتَّى عِنْدَ الْمُعَارِضِ (أَيْ تَقَدُّمِ الاسْتِشَارَةِ) لأَنَّ الطُّمَأْنِينَةَ إلَى قَوْلِ الْمُسْتَشَارِ أَقْوَى مِنْهَا إلَى النَّفْسِ لِغَلَبَةِ حُظُوظِهَا وَفَسَادِ خَوَاطِرِهَا. وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ نَفْسُهُ مُطْمَئِنَّةً صَادِقَةٌ إرَادَتَهَا مُتَخَلِّيَةً عَنْ حُظُوظِهَا , قَدَّمَ الاسْتِخَارَةَ. المطلب السابع: الْقِرَاءَةُ فِي صَلاةِ الاسْتِخَارَةِ. - فِيمَا يَقْرَأُ فِي صَلاةِ الاسْتِخَارَةِ ثَلاثَةُ آرَاءٍ: أ - قَالَ الْحَنَفِيَّةُ , وَالْمَالِكِيَّةُ , وَالشَّافِعِيَّةُ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بَعْدَ الْفَاتِحَةِ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} , وَفِي الثَّانِيَةِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} . وَذَكَر النَّوَوِيُّ تَعْلِيلًا لِذَلِكَ فَقَالَ: نَاسَبَ الْإِتْيَانُ بِهِمَا فِي صَلَاةٍ يُرَادُ مِنْهَا إخْلَاصُ الرَّغْبَةِ وَصِدْقُ التَّفْوِيضِ وَإِظْهَارُ الْعَجْزِ , وَأَجَازُوا أَنْ يُزَادَ عَلَيْهِمَا مَا وَقَعَ فِيهِ ذِكْرُ الْخِيَرَةِ مِنْ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ. ب - وَاسْتَحْسَنَ بَعْضُ السَّلَفِ أَنْ يَزِيدَ فِي صَلاةِ الاسْتِخَارَةِ عَلَى الْقِرَاءَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَرَبُّك يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ. مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ. وَرَبُّك يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ. وَهُوَ اللَّهُ لا إلَهَ إلا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} . فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى , وَفِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا} ج - أَمَّا الْحَنَابِلَةُ وَبَعْضُ الْفُقَهَاءِ فَلَمْ يَقُولُوا بِقِرَاءَةٍ مُعَيَّنَةٍ فِي صَلاةِ الِاسْتِخَارَةِ. المطلب الثامن: مَوْطِنُ دُعَاءِ الاسْتِخَارَةِ. قَالَ الْحَنَفِيَّةُ , وَالْمَالِكِيَّةُ , وَالشَّافِعِيَّةُ , وَالْحَنَابِلَةُ: يَكُونُ الدُّعَاءُ عَقِبَ الصَّلاةِ , وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا جَاءَ فِي نَصِّ الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. أنظر الموسوعة الفقهية ج3 ص241 قال شيخ الاسلام في الفتاوى الكبرى ج2 ص265: مَسْأَلَةٌ فِي دُعَاءِ الِاسْتِخَارَةِ , هَلْ يَدْعُو بِهِ فِي الصَّلاةِ؟ أَمْ بَعْدَ السَّلامِ؟ الْجَوَابُ: يَجُوزُ الدُّعَاءُ فِي صَلاةِ الاسْتِخَارَةِ , وَغَيْرِهَا: قَبْلَ السَّلامِ , وَبَعْدَهُ , وَالدُّعَاءُ قَبْلَ السَّلامِ أَفْضَلُ ; فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَكْثَرُ دُعَائِهِ قَبْلَ السَّلامِ , وَالْمُصَلِّي قَبْلَ السَّلامِ لَمْ يَنْصَرِفْ , فَهَذَا أَحْسَنُ , وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 11981 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2167 من استخار في أمر فليمض فيه وليعزم [السُّؤَالُ] ـ[قمت بخطبة فتاة بقصد الزواج بها، ثم قمت بعد ذلك بصلاة الاستخارة بشأن هذا الزواج، فإذا بنفس اليوم الذي قمت فيه بصلاة الاستخارة ذهبت أنا وعائلتي لزيارة عائلة خطيبتي فإذا بها تتصرف تصرفا غير لائق مع والدتي مما أدى إلى خلق مشكلة مع عائلتي، فهل يجب علي أن أعتبر أن هذا الأمر إجابة من الله لأبتعد عن هذه الفتاة أو يجب علي مواصلة علاقتي بها رغم تخوف أفراد عائلتي من أن تضر هذه الفتاة بعلاقتنا الأسرية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كانت هذه الفتاة مرضية الدين والخُلق، واستخرت الله تعالى في خطبتها، فامض في أمرك ولا تتردد، فما يسره الله لك فهو الخير إن شاء الله، فعلامة الاستخارة: تيسير الأمر ومضيه، فإن تعسر ولم يمض كان دليلا على أنه لا خير للعبد فيه، ولهذا جاء في دعاء الاستخارة: (اللهم إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذا الأَمْرَ - ويسميه - خَيْرٌ لي في دِيني وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي فَاقْدُرْهُ لي وَيَسِّرْهُ لي ثُمَّ بَارِكْ لي فِيهِ. وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذا الأَمْرَ شَرٌّ لي في دِيني وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِيَ الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ) . وتصرف الفتاة تصرفا خاطئا مع والدتك ليس سببا كافيا لتركها، فقد يقع ذلك على سبيل الغفلة أو الزلة أو لشدة الحياء ونحو ذلك. لكن إن ظهر لك أن هذا التصرف يقدح في دينها أو خلقها، فهنا تكون محقّاً في ترددك في إتمام الزواج. وينبغي عليك إذا أردت أن تمضي هذا الزواج أن تزيل الوحشة بين أهلك وخطيبتك، وأن تهيئ أسرتك لاستقبالها فردا جديدا من أفرادها. والحاصل أن من صدق في اللجوء إلى ربه، وتفويض أمره إليه، واستخار في أمر من أموره، فليمض فيه، فإن تيسر كان هذا دليلا على أنه الخير له، وإن وقف وتعسر، فلينصرف عنه، وليعلم أن صرف ذلك عنه هو الخير إن شاء الله. وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى، ويسر لنا ولك أرشد الأمور وأحبها إليه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83709 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2168 كيف يمكن الاستفادة من صلاة الاستخارة بشكل صحيح؟ [السُّؤَالُ] ـ[كيف يمكن الاستفادة من صلاة الاستخارة بشكل صحيح؟ بعد صلاة الاستخارة والتي قمت بها بعد أن تقدم لي شخص ما، حلمت أن أخت الخاطب كانت تلبسني جبة خضراء وكانت تقول لي بأن أخاها الخاطب لا يهدي إلا كل ما هو جميل، فأرجو منكم أن تدلوني على معنى هذه الرؤية حتى أتمكن من الاستفادة من صلاة الاستخارة بشكل صحيح.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هنا عدة أمور ينبغي التفطن لها: أولاً: بالنسبة للرؤيا التي رأيتِها؛ فعليك بسؤال من يحسن ذلك ممن يوثق بدينه وعقيدته ليفسرها لك، واحذري من الجهلة والمشعوذين. ثانياً: يظن كثير من الناس أنه يشترط في نتيجة الاستخارة؛ أن يتبعها رؤيا منام، أو راحة ملموسة في الصدر، أو ما شابه ذلك، مع أن الأمر ليس كذلك، فلو لم يحدث شيء من ذلك، وكان الإنسان قد استخار، وبذل الأسباب الممكنة في معرفة الأصلح له؛ من الاستشارة، والتحري، وسؤال أهل الخبرة، ثم أقدم بعد ذلك، فيرجى أن يكون هذا هو الخير له، ولو لم ينشرح صدره ابتداء، بل حتى لو فرض عدم توفيقه في هذا الأمر الذي أقدم عليه بعد الاستخارة؛ فقد يكون فيه خير له لا يعلمه هو، ويعلمه ربه عز وجل. قال ابن الحاج المالكي: " وبعضهم يستخير الاستخارة الشرعية ويتوقف بعدها حتى يرى مناماً يفهم منه فعل ما استخار فيه أو تركه، أو يراه غيره له، وهذا ليس بشيء، لأن صاحب العصمة صلى الله عليه وسلم قد أمر بالاستخارة والاستشارة، لا بما يرى في المنام " انتهى. "المدخل" (4/ 37) . ثالثاً: لو فرض أن تعبير الرؤيا كان يدل على خير، فإن الرؤى الصالحة لا تعدو أن تكون مبشرات، لكن لا يعتمد عليها، بل ينبغي التحري والسؤال عن المتقدم للخطبة والتأكد من سلامة دينه وأخلاقه وغيرها مما يهمك التعرف عليه في شأنه، فإذا تحققت من هذه الأمور، فتكون الرؤيا الصالحة هي بمثابة التبشير، والتفاؤل بالخير من هذا الإقدام. نسأل الله تعالى أن ييسر لك الخير، ويبارك لك فيه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 72255 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2169 هل يصلي صلاة الاستخارة في وقت النهي؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن أصلي صلاة الاستخارة في وقت النهي عن الصلاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سبق في جواب السؤال (306) ، (8818) ، (20013) بيان الأوقات التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فيها، وأن المراد بذلك النهي: صلاة النفل المطلق التي لا سبب لها، وأما النافلة التي لها سبب كتحية المسجد فإنها تصلى في وقت النهي. وقد اختلف العلماء في صلاة الاستخارة هل تعتبر من ذوات الأسباب أم لا؟ والصواب في هذا: أن الاستخارة إذا كانت لأمر يفوت بحيث لا يمكن من تأجيل الصلاة فإنها تصلى في وقت النهي، كما لو عرض له السفر بعد صلاة العصر، وأما إن كانت لأمر لا يفوت بحيث يمكن تأجيل الصلاة إلى ما بعد انتهاء وقت النهي فإنها لا تصلى في وقت النهي. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى" (5/345) : " وتقضى السنن الراتبة , ويفعل ما له سبب في أوقات النهي , وهو إحدى الروايتين عن أحمد، واختيار جماعة من أصحابنا وغيرهم , ويصلي صلاة الاستخارة وقت النهي في أمر يفوت بالتأخير إلى وقت الإباحة. ويستحب أن يصلي ركعتين عقب الوضوء ولو كان وقت النهي , وقاله الشافعية " انتهى. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يصلي الإنسان صلاة الاستخارة في وقت النهي؟ فأجاب: " صلاة الاستخارة إن كانت لأمر مستعجل لا يتأخر حتى يزول النهي فإنها تفعل، وإن كانت لسبب يمكن أن يتأخر فإنه يجب أن تؤخر " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (14/275) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 41697 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2170 يحب الدعوة ورأى حلماً مزعجاً [السُّؤَالُ] ـ[أرجو أن يكون بإمكانكم مساعدتي في حيرتي، صليت الاستخارة قبل خمسة أيام، سألت الله إن كان باستطاعتي أن أحول رجلاً غير مسلم إلى مسلم وأن أريه طريق الصواب لحبي للإسلام ولله، أنا مهووس بهذه الفكرة لأنها أمنيتي في الحياة ولو لمرة واحدة في حياتي لأني أحب الله كثيرا من كل قلبي. لقد سألت الله في صلاة الاستخارة إن كان حلمي سيتحقق وأيضا سألته الهداية لذلك. لكن حلمت اليوم صباحا بحلم مزعج. فما رأيكم ?.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نسأل الله أن يثيبك على ما تقوم به من واجب الدعوة إلى الله، والحرص على نشر الخير، وحبك للخير ونشره يدل على خيريتك إن شاء الله، ونسأل الله أن تكون داخلاً في قوله تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} . وأما ما ذكرت من محبتك لله سبحانه وتعالى فهذه صفة أحباب الله الذين قال الله عنهم: {يحبهم ويحبونه} ، فمن أحب الله بصدق أحبه الله، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم " من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه " رواه البخاري (6507) ومسلم (2683) . وقد أخرج البخاري (7375) ومسلم (813) عن عائشة رضي الله عنها: " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ رَجُلًا عَلَى سَرِيَّةٍ وَكَانَ يَقْرَأُ لِأَصْحَابِهِ فِي صَلَاتِهِمْ فَيَخْتِمُ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ سَلُوهُ لأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ فَسَأَلُوهُ فَقَالَ لأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ " فهذا الرجل أحب صفة الله فأحبه الله. وإذا أردت أن تعرف صدق محبتك لله فاعرض نفسك على هذه الآية التي يقول الله تعالى فيها: {قل إن كنتم تُحبون الله فاتبعوني يُحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم} أي اتبعوا النبي صلى الله عليه وسلم. فإذا أحبك الله فأبشر بالخير العظيم فقد قال الله تعالى في الحديث القدسي: " مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ " رواه البخاري (6502) فهذه ست فوائد من فوائد محبة الله للعبد وهي على سبيل التفصيل: 1- أن يكون الله سمعه، أي أنه لا يسمع إلا ما يرضي الله. 2- أن يكون بصره، أي لا ينظر إلا إلى ما يُرضي الله. 3- أن يكون رجله التي يمشي عليها، أي لا يمشي إلا إلى ما يحبه الله. 4- أن يكون يده التي يبطش بها، أي أنه لا ينتقم لنفسه وإنما لله فلا يعمل بيده إلا ما يرضي الله. 5- أن يستجيب الله دعائه. 6- أن يعيذه الله من كل ما يكره. فهنيئاً لأحباب الله، هنيئاً لأولياء الله، هنيئاً لحزب الله: (أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون) أما الاستخارة فإنها تشرع عندما يهمُّ الإنسان بالقيام بعمل ثم يتردد فيه، وأما عملك الذي تقوم به وهو دعوة الخلق إلى الله، فلا يحتاج منك إلى استخارة بل أقدم وادع إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة. وأما بالنسبة للحلم الذي رأيته في منامك فهو من الشيطان، وقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم عندما نرى ما يسرنا أن نخبر به من نُحب، وأما إذا رأينا ما نكره أن نستعيذ بالله من الشيطان وأن ننفث عن اليسار ثم نتحول إلى الجهة الأخرى، ولا نلتفت إلى هذا الحلم أنظر السؤال (9577) . وإذا أردت أن تتعرف على هدي النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فراجع السؤال رقم (21216) [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 31762 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2171 المواظبة على القنوت في الوتر كل ليلة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم قراءة دعاء القنوت في كل ليلة بعد الوتر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا حرج في هذا. دعاء القنوت سنة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقنت، وقد علم الحسن القنوت وكلمات القنوت في الوتر، فهو سنة، فإذا قرأت في كل ليلة فلا بأس، وإن تركت في بعض الأحيان حتى يعلم الناس أنه ليس بواجب، فهذا لا بأس به، إذا ترك الإمام القنوت بعض الأحيان ليعلم الناس أنه ليس بواجب، فلا بأس، النبي صلى الله عليه وسلم لما علم الحسن القنوت لم يقل له: دعه في بعض الأيام، دل ذلك على أنه إذا استمر فلا حرج" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (2/1062) . [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز فتاوى نور على الدرب الحديث: 128688 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2172 إذا أوتر بركعة واحدة، فماذا يقرأ فيها؟ [السُّؤَالُ] ـ[أريد معرفة صلاة الوتر ذات الركعة الواحدة ما الآية التي تقرأ فيها هل تقرأ سورة (سبح اسم ربك الأعلى) ، أم سورة (الإخلاص) ، أم سورة (الكافرون) أم تقرأ الثلاث السور كلها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله السنة لمن أوتر بثلاث ركعات أن يقرأ في الأولى بعد الفاتحة: "سبح اسم ربك الأعلى"، وفي الثانية: "قل يا أيها الكافرون"، وفي الثالثة: "قل هو الله أحد". ودليل ذلك ما رواه أحمد (2715) والترمذي (462) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ: بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، وَقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. وروى النسائي (1730) وابن ماجه (1171) عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنهما قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوتِرُ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، وَقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه. واستحب بعض الأئمة أن يقرأ المعوذتين بعد سورة الإخلاص في الركعة الثالثة. واستدلوا بما رواه الترمذي (463) عن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت: بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يُوتِرُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقَالَتْ: (كَانَ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، وَفِي الثَّانِيَةِ بِقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، وَفِي الثَّالِثَةِ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ) . وقد صحح هذا الحديث: الحاكم ووافقه الذهبي، وحسنه الحافظ ابن حجر في "نتائج الأفكار" وصححه الألباني في صحيح الترمذي. وضعفه الإمام أحمد ويحيى بن معين والعقيلي والشوكاني وغيرهم. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/599) : "ويستحب أن يقرأ في ركعات الوتر الثلاث، في الأولى بـ (سبح) ، وفي الثانية: (قل يا أيها الكافرون) ، وفي الثالثة: (قل هو الله أحد) وبه قال الثوري وإسحاق وأصحاب الرأي، وقال الشافعي: يقرأ في الثالثة: (قل هو الله أحد) والمعوذتين، وهو قول مالك في الوتر، وقال في الشفع: لم يبلغني فيه شيء معلوم، وقد روي عن أحمد أنه سئل: يقرأ بالمعوذتين في الوتر؟ قال: ولِمَ لا يقرأ؟ ... وحديث عائشة في هذا لا يثبت، فإنه يرويه يحيى بن أيوب وهو ضعيف، وقد أنكر أحمد ويحيى بن معين زيادة المعوذتين" انتهى. وقول الإمام أحمد رحمه الله: ولِمَ لا يقرأ؟ يعني: مع ضعف الحديث، فلا حرج عليه إذا قرأ المعوذتين مع قل هو الله أحد في الركعة الثالثة، وإن كان الأصح أن يقتصر على (قل هو الله أحد) فقط. وبالرغم من ورود حديث ابن عباس وأبي بن كعب وعائشة رضي الله عنهما في قراءة الرسول صلى الله عليه وسلم هذه السور الثلاثة فقد اختلف العلماء في ذلك، فذهب أبو حنيفة إلى أنه يقرأ في الوتر ما يشاء، وكذا الإمام مالك، في ركعتي الشفع ـ كما ذكره ابن قدامة عنه، وقد نقلناه آنفاً. وهو قول بعض التابعين كإبراهيم النخعي رحمه الله، فقد روى عبد الرزاق في "المصنَّف" (3/34) عن إبراهيم النخعي قال: اقرأ فيهن ما شئت، ليس فيهن شيء موقوت. أي: محدد. وجاء في " المدونة " (1 / 212) : وقال مالك: الوتر واحدة، والذي أقر به وأقرأ به فيها في خاصة نفسي: (قل هو الله أحد) ، و (قل أعوذ برب الفلق) ، و (قل أعوذ برب الناس) في الركعة الواحدة مع أمِّ القرآن: قال ابن القاسم: وكان لا يفتي به أحدا، ولكنه كان يأخذ به في خاصة نفسه. انتهى. وظاهر هذا، أنه لم يثبت شيء عند الإمام مالك رحمه الله في القراءة في الوتر، وإلا كان أفتى به. وجاء في "الموسوعة الفقهية" (27/298) : "ما يقرأ في صلاة الوتر.. اتفق الفقهاء على أنه يقرأ في كل ركعة من الوتر الفاتحة وسورة. والسورة عند الجمهور سنة ... ثم ذهب الحنفية إلى أنه لم يوقت في القراءة في الوتر شيء غير الفاتحة , فما قرأ فيه فهو حسن , وما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قرأ به في الأولى بسورة (سبح اسم ربك الأعلى) , وفي الثانية بـ (الكافرون) وفي الثالثة (بالإخلاص) , فيقرأ به أحيانا , ويقرأ بغيره أحيانا للتحرز عن هجران باقي القرآن. وذهب الحنابلة إلى أنه يندب القراءة بعد الفاتحة بالسور الثلاث المذكورة ... وذهب المالكية والشافعية إلى أنه يندب في الشفع (سبح , والكافرون) , أما في الثالثة فيندب أن يقرأ بسورة الإخلاص , والمعوذتين) " انتهى. وإذا كان قد وقع الاختلاف مع ورود هذه الأحاديث في قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الوتر بثلاث، فأولى أن يقع الاختلاف في القراءة إذا أوتر بركعة واحدة. ويمكننا حصر أقوى ما ينبغي أن يقال في قراءة الركعة الواحدة من الوتر في قولين: 1. الإخلاص، أو الإخلاص والمعوذتان – عند من يصحح حديثهما -. 2. التخيير، فيقرأ ما يشاء، وهذا أكثر ما ورد عن السلف. وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى ركعة الوتر، وقرأ فيها بمائة آية من النساء، ولم يقرأ فيها بقل هو الله أحد. فعن أبي مجلز أن أبا موسى: كان بين مكة والمدينة فصلَّى العشاء ركعتين، ثم قام فصلى ركعة أوتر بها فقرأ فيها بمائة آية من النساء، ثم قال: ما ألوت أن أضع قدمي حيث وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم قدميه، وأنا أقرأ بما قرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه النسائي (1728) وصححه الألباني في " صحيح النسائي "، وهناك كلام لبعض أهل العلم في سماع أبي مجلز من أبي موسى، وقد اعتمدنا ها هنا تصحيح الشيخ الألباني. ومعنى " ألَوت ": أي: قصَّرت. وقد نقل ابن حجر الهيتمي رحمه الله عن البلقيني أن من أوتر بغير ثلاث يقرأ بما يشاء، غير أن ابن حجر توقف في ذلك. فقال رحمه الله في " تحفة المحتاج في شرح المنهاج " (2/227) : "ويسنُّ في الأولى: قراءة " سبح "، وفي الثانية " الكافرون "، وفي الثالثة: " الإخلاص "، و " المعوذتين "؛ للاتباع، وقضيته: أن ذلك إنما يسن إن أوتر بثلاث؛ لأنه إنما ورد فيهن. ولو أوتر بأكثر: فهل يسنُّ ذلك في الثلاثة الأخيرة فَصَلَ، أو وَصَلَ؟ محل نظر، ثم رأيتُ البلقيني قال: " إنه متى أوتر بثلاث مفصولة عما قبلها كثمان أو ست أو أربع: قرأ ذلك في الثلاثة الأخيرة، ومن أوتر بأكثر من ثلاث موصولة: لم يقرأ ذلك في الثلاثة، أي: لئلا يلزم خلو ما قبلها عن سورة، أو تطويلها على ما قبلها، أو القراءة على غير ترتيب المصحف، أو على غير تواليه، وكل ذلك خلاف السنَّة " اهـ. نعم، يمكن أن يقرأ فيما لو أوتر بخمس – مثلاً -: " المطففين " و " الانشقاق " في الأولى، و " البروج " و " الطارق " في الثانية، وحينئذ لا يلزم شيء من ذلك.انتهى. والذي نراه أن تعليل البلقيني رحمه الله فيه نظر، وقد ردَّ عليه بسهولة الهيتمي رحمه الله، وكان اللائق أن يقول في السبب المانع من القراءة بما ورد في الثلاث إن صلَّى بأكثر منها: بأنه " إنما ورد فيهن " وهي عبارة الهيتمي نفسها في أول كلامه. وقال ابن حزم في "المحلى" (3/50) : "ويقرأ في الوتر بما تيسر من القرآن مع أم القرآن، وإن قرأ في الثلاث ركعات مع أم القرآن بسبح اسم ربك الأعلى وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد: فحسن، وإن اقتصر على أم القرآن فحسن، وإن قرأ في ركعة الوتر مع أم القرآن بمائة آية من النساء فحسن، قال تعالى (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ) المزمل/20" انتهى. والخلاصة: الذي يظهر لنا فيمن أوتر بركعة واحدة أنه يقرأ ما يشاء بعد الفاتحة، وليس هناك قراءة معينة وردت بها السنة، وإذا قرأ بقل هو الله أحد فلا حرج عليه. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112638 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2173 تقسيم قيام الليل في العشر الأواخر إلى قسمين [السُّؤَالُ] ـ[أرجو التكرم بذكر أقوال العلماء بشأن حكم تقسيم صلاة التراويح في العشر الأواخر من رمضان قسمين: في أول الليل، وآخره , كما يفعل كثير من المساجد، مع ذكر الأدلة إن أمكن.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المستحب في ليالي رمضان إحياؤها بالقيام والصلاة والعبادة، وتخصيص العشر الأواخر منه بمزيد تعبد واجتهاد، طلبا للمغفرة والرحمة، وتحريا لليلة القدر التي هي خير من ألف شهر. ثم إن صلاة التراويح تعتبر من قيام الليل، وتسميتها بالتراويح لما يتخللها من أخذ قسط يسير من الراحة بين الركعات، ولذلك فالأمر فيها واسع، يجوز للعبد أن يصلي في الليلة ما شاء من الركعات، وفي أي وقت من الليل شاء. جاء في "الموسوعة الفقهية" (34/123) : " لا خلاف بين الفقهاء في سنية قيام ليالي رمضان؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) وقال الفقهاء: إن التراويح هي قيام رمضان؛ ولذلك فالأفضل استيعاب أكثر الليل بها ; لأنها قيام الليل " انتهى. وما يقوم به كثير من الأئمة اليوم – خاصة في العشر الأواخر – من الصلاة بالناس التراويح بعد العشاء مباشرة، ثم الرجوع إلى المسجد في ساعة متأخرة من الليل للصلاة والقيام، هو من المشروع لا من الممنوع، وليس هناك ما يمنعه، والمطلوب هو الاجتهاد في العشر الأواخر على حسب الاستطاعة، فإذا قَسَّم المرء ليله ما بين صلاة وراحة ونوم وقراءة قرآن فقد أحسن. قال الشيخ عبد الله أبابطين – كما في "الدرر السنية" (4/364) -: " مسألة في الجواب عما أنكره بعض الناس على من صلى في العشر الأواخر من رمضان زيادة على المعتاد في العشرين الأول، وسبب إنكارها لذلك غلبة العادة، والجهل بالسنة وما عليه الصحابة والتابعون وأئمة الإسلام. فنقول: قد وردت الأحاديث عن النبي صلى الله وعليه وسلم بالترغيب في قيام رمضان، والحث عليه، وتأكيد ذلك في عشره الأخير. إذا تبين أنه لا تحديد في عدد التراويح، وأن وقتها عند جميع العلماء من بعد سنة العشاء إلى طلوع الفجر، وأن إحياء العشر سنة مؤكدة، وأن النبي صلى الله وعليه وسلم صلاها ليالي جماعة، فكيف ينكر على من زاد في صلاة العشر الأواخر عما يفعلها أول الشهر، فيصلي في العشر أول الليل، كما يفعل في أول الشهر، أو قليل، أو كثير، من غير أن يوتر، وذلك لأجل الضعيف لمن يحب الاقتصار على ذلك، ثم يزيد بعد ذلك ما يسره الله في الجماعة، ويسمى الجميع قياماً وتراويح. وربما اغتر المنكر لذلك بقول كثير من الفقهاء: يستحب أن لا يزيد الإمام على ختمة، إلا أن يؤثر المأمومون الزيادة، وعللوا عدم استحباب الزيادة على ختمة بالمشقة على المأمومين، لا كون الزيادة غير مشروعة، ودل كلامهم على أنهم لو آثروا الزيادة على ختمة كان مستحباً، وذلك مصرح به في قولهم: إلا أن يؤثر المأمومون الزيادة. وأما ما يجري على ألسنة العوام من تسميتهم ما يفعل أول الليل تراويح، وما يصلي بعد ذلك قياماً، فهو تفريق عامي، بل الكل قيام وتراويح، وإنما سمي قيام رمضان تراويح لأنهم كانوا يستريحون بعد كل أربع ركعات من أجل أنهم كانوا يطيلون الصلاة، وسبب إنكار المنكر لذلك لمخالفته ما اعتاده من عادة أهل بلده وأكثر أهل الزمان، ولجهله بالسنة والآثار، وما عليه الصحابة والتابعون وأئمة الإسلام، وما يظنه بعض الناس من أن صلاتنا في العشر هي صلاة التعقيب الذي كرهه بعض العلماء فليس كذلك؛ لأن التعقيب هو التطوع جماعة بعد الفراغ من التراويح والوتر. هذه عبارة جميع الفقهاء في تعريف التعقيب أنه التطوع جماعة بعد الوتر عقب التراويح، فكلامهم ظاهر في أن الصلاة جماعة قبل الوتر ليس هو التعقيب " انتهى باختصار. وقال الشيخ صالح الفوزان في كتاب "إتحاف أهل الإيمان بمجالس شهر رمضان": " وأما في العشر الأواخر من رمضان، فإن المسلمين يزيدون من اجتهادهم في العبادة، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وطلباً لليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، فالذين يصلون ثلاثاً وعشرين ركعة في أول الشهر يقسمونها في العشر الأواخر، فيصلون عشر ركعات في أول الليل، يسمونها تراويح، ويصلون عشراً في آخر الليل، يطيلونها مع الوتر بثلاث ركعات، ويسمونها قياماً، وهذا اختلاف في التسمية فقط، وإلا فكلها يجوز أن تسمى تراويح، أو تسمى قياماً، وأما من كان يصلى في أول الشهر إحدى عشرة أو ثلاث عشرة ركعة فإنه يضيف إليها في العشر الأواخر عشر ركعات، يصليها في آخر الليل، ويطيلها، اغتناماً لفضل العشر الأواخر، وزيادة اجتهاد في الخير، وله سلف في ذلك من الصحابة وغيرهم ممن كانوا يصلون ثلاثاً وعشرين كما سبق، فيكونون جمعوا بين القولين: القول بثلاث عشرة في العشرين الأول، والقول بثلاث وعشرين في العشر الأواخر " انتهى. وانظر للفائدة جواب السؤال رقم: (82152) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109768 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2174 مشابهة الوتر للمغرب [السُّؤَالُ] ـ[كتبت في مقالة " صلاة الليل في رمضان " أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم الصلاة للوتر كثلاث ركعات ووضح ذلك بقوله: لا تجعلوها تشابه صلاة المغرب. وعليه فإن من أراد أن يصلي الوتر ثلاثا عليه أن يجد طريقة تجعلها تختلف (عن صلاة المغرب) . وهناك طريقتان: إما بالتسليم عقب الركعتين الأوليين، وهو الأفضل، أو بعدم الجلوس بعد الركعتين الأوليين. أنا أيضا أصلي ثلاث ركعات للوتر لكني أجعل صلاتي تختلف عن المغرب برفع يدي للتكبير قبل دعاء القنوت. فهل يصح ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قبل الجواب على هذا السؤال نشكر لك حرصك على اتباع السنة، ونسأل الله أن يجعلنا وإياك ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه. ما ذكرته – وفقك الله - من إرادتك عدم المشابهة بأن ترفع يدك للتكبير قبل دعاء القنوت، فهذا ليس مرادا من نهي النبي صلى الله عليه وسلم في قوله في الحديث الذي أخرجه الحاكم (1/304) والبيهقي (3/31) والدارقطني (ص172) وصححه الحاكم على شرطهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا توتروا بثلاث تشبهوا المغرب ". ومراده صلى الله عليه وسلم – كما بينه أهل العلم – هو النهي عن الجلوس للتشهد الأول بحيث تشبه صلاة المغرب. انظر في ذلك: فتح الباري لابن حجر4/301 قال الحافظ: إسناده على شرط الشيخين، وعون المعبود شرح حديث رقم (1423) ، وصلاة التراويح للألباني ص97. ورفع اليدين للتكبير قبل دعاء القنوت ليس بفرق في الحقيقة؛ لأن مواضع رفع اليدين في الصلاة أربعة: 1- عند تكبيرة الإحرام. 2- عند الركوع. 3- عند الرفع من الركوع. 4- عند القيام من التشهد الأول. فلا يشرع للمصلي أن يرفع يديه في غير هذه المواضع الأربعة. انظر في ذلك فتاوى أركان الإسلام للشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله ص 312. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 26844 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2175 يحمل مصحف بتفسير في قيام الليل [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن يحمل معه مصحف بهامشه تفسير في قيام الليل، فإذا أشكلت عليه كلمة نظر في معناها أثناء الصلاة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سألت هذا السؤال لشيخي سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله فأجاب: لا بأس. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله الحديث: 9505 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2176 الأسباب المعينة على قيام الليل [السُّؤَالُ] ـ[ما هي الأمور التي تساعد على قيام الليل (التهجد) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأسباب المعينة على قيام الليل كثيرة منها: 1- الإخلاص لله تعالى: كما أمر الله تعالى بإخلاص العمل له دون ما سواه: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) ، فكلما قوي إخلاص العبد كان أكثر توفيقاً إلى الطاعات والقربات، وفي حديث أبي بن كعب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " بشر هذه الأمة بالسناء والدين والرفعة والنصر والتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب " رواه أحمد صحيح الجامع 2825. قال مطرف بن عبد الله بن الشخير: صلاح العمل بصلاح القلب، وصلاح القلب بصلاح النية. قال ابن القيم رحمه الله: وعلى قدر نية العبد وهمته ومراده ورغبته يكون توفيقه سبحانه وإعانته، فالمعونة من الله تنزل على العباد على قدر هممهم ونياتهم ورغبتهم ورهبتهم، والخذلان ينزل عليهم على حسب ذلك. ولذا حرص السلف الكرام أشد الحرص على إخفاء الطاعات كقيام الليل؛ سأل رجل تميم بن أوس الداري رضي الله عنه فقال له: كيف صلاتك بالليل؟ فغضب غضباً شديداً ثم قال: والله لركعة أصليها في جوف الليل في السر أحب إلي من أن أصلي الليل كله، ثم أقصه على الناس. وكان أيوب السختياني يقوم الليل كله، فإذا قرب الفجر رجع فاضطجع في فراشه، فإذا طلع الصبح رفع صوته كأنه قد قام تلك الساعة. 2- أن يستشعر مريد قيام الليل أن الله تعالى يدعوه للقيام: فإذا استشعر العبد أن مولاه يدعوه لذلك وهو الغني عن طاعة الناس جميعاً كان ذلك أدعى للاستجابة، قال تعالى: (يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلاً نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلاً) ، قال سعد بن هشام بن عامر لعائشة رضي الله عنها: أنبئيني عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: ألست تقرأ (يا أيها المزمل) قلت: بلى، فقالت: إن الله عز وجل افترض قيام الليل في أول هذه السورة فقام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً، وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهراً في السماء حتى أنزل الله في آخر هذه السورة التخفيف، فصار قيام الليل تطوعاً بعد فريضة. رواه مسلم. 2- معرفة فضل قيام الليل: فمن عرف فضل هذه العبادة حرص على مناجاة الله تعالى، والوقوف بين يديه في ذلك الوقت، ومما جاء في فضل هذه العبادة ما ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أفضل الصلاة بعد الصلاة المكتوبة الصلاة في جوف الليل، وأفضل الصيام بعد شهر رمضان صيام شهر الله المحرم " رواه مسلم. وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أحب الصلاة إلى الله صلاة داود، وأحب الصيام إلى الله صيام داود، كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه، ويصوم يوماً ويفطر يوماً " متفق عليه. وعن عمرو بن عبسة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن " رواه الترمذي والنسائي. وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " عجب ربنا من رجلين: رجل ثار عن وطائه ولحافه من بين أهله وحبه إلى صلاته فيقول الله جل وعلا: أيا ملائكتي انظر إلى عبدي ثار من فراشه ووطائه من بين حبه وأهله إلى صلاته رغبة فيما عندي، وشفقة مما عندي " رواه أحمد وهو حسن، صحيح الترغيب 258. وقيام الليل يطرد الغفلة عن القلب كما جاء في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين " رواه أبوداود وابن حبان وهو حسن، صحيح الترغيب 635. قال يحى بن معاذ: دواء القلب خمسة أشياء: قراءة القرآن بالتفكر، وخلاء البطن، وقيام الليل، والتضرع عند السحر، ومجالسة الصالحين. 4- النظر في حال السلف والصالحين في قيام الليل ومدى لزومهم له: فقد كان السلف يتلذذون بقيام الليل، ويفرحون به أشد الفرح، قال عبد الله بن وهب: كل ملذوذ إنما له لذة واحدة، إلا العبادة، فإن لها ثلاث لذات: إذا كنت فيها، وإذا تذكّرتها، وإذا أعطيت ثوابها. وقال محمد بن المنكدر: ما بقي من لذات الدنيا إلا ثلاث: قيام الليل، ولقاء الإخوان، والصلاة في جماعة. وقال ثابت البناني: ما شيء أجده في قلبي ألذّ عندي من قيام الليل وقال يزيد الرقاشي: بطول التهجد تقر عيون العابدين، وبطول الظمأ تفرح قلوبهم عند لقاء الله. قال مخلد بن حسين: ما انتبهت من الليل إلا أصبت إبراهيم بن أدهم يذكر الله ويصلي، فأَغتمُّ لذلك، ثم أتعزى بهذه الآية (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم) . وقال أبو عاصم النبيل: كان أبو حنيفة يسمى الوتد لكثرة صلاته. وعن القاسم بن معين قال: قام أبو حنيفة ليلة بهذه الآية (بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر) يرددها ويبكي، ويتضرع حتى طلع الصبح. وقال إبراهيم بن شماس: كنت أرى أحمد بن حنبل يُحيي الليل وهو غلام. وقال أبو بكر المروذي: كنت مع الإمام أحمد نحواً من أربعة أشهر بالعسكر ولا يدع قيام الليل وقرآن النهار، فما علمت بختمة ختمها، وكان يسرّ ذلك. وكان الإمام البخاري: يقوم فيتهجد من الليل عند السحر فيقرأ ما بين النصف إلى الثلث من القرآن، فيختم عند السحر في كل ثلاث ليال. وقال العلامة ابن عبد الهادي يصف قيام شيخ الإسلام ابن تيمية: وكان في ليله منفرداً عن الناس كلهم خالياً بربه، ضارعاً مواظباً على تلاوة القرآن، مكرراً لأنواع التعبدات الليلية والنهارية، وكان إذا دخل في الصلاة ترتعد فرائصه وأعضاؤه حتى يميل يمنة ويسرة. وقال ابن رجب في شيخه الإمام ابن القيم: وكان ذا عبادة وتهجد وطول صلاة إلى الغاية القصوى، ولم أشاهد مثله في عبادته وعلمه بالقرآن والحديث وحقائق الإيمان. وقال الحافظ ابن حجر يصف شيخه الحافظ العراقي: وقد لازمته، فلم أره ترك قيام الليل بل صار له كالمألوف. 3- النوم على الجانب الأيمن: وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرشد أمته إلى النوم على الجانب الأيمن، كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أوى أحدكم إلى فراشه فليفضه بداخلة إزاره، فإنه لا يدري ما خلّفه عليه، ثم ليضطجع على شقه الأيمن، ثم ليقل باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين " متفق عليه. وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن " متفق عليه، وعن حفصة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضجعه جعل يده اليمنى تحت خده الأيمن " رواه الطبراني، صحيح الجامع 4523. قال الإمام ابن القيم رحمه الله: وفي اضطجاعه صلى الله عليه وسلم على شقه الأيمن سر، وهو أن القلب معلّق في الجانب الأيسر، فإذا نام على شقه الأيسر استثقل نوماً، لأنه يكون في دعة واستراحة فيثقل نومه، فإذا نام على شقه الأيمن فإنه يقلق ولا يستغرق في النوم لقلق القلب وطلبه مستقره وميله إليه. 4- النوم على طهارة: تقدم حديث البراء بن عازب رضي الله عنه وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة " متفق عليه، وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما من مسلم يبيت على ذكر طاهراً فيتعارّ من الليل، فيسأل الله خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه " رواه أبو داود وأحمد، صحيح الجامع 5754. وجاء من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " طهّروا هذه الأجساد طهركم الله، فإنه ليس عبد يبيت طاهراً إلا بات معه في شعاره ملك، لا يتقلب ساعة من الليل إلا قال: اللهم اغفر لعبدك، فإنه بات طاهراً " رواه الطبراني، قال المنذري: إسناد جيد، صحيح الجامع 3831. 6- التبكير بالنوم: النوم بعد العشاء مبكراً وصية نبوية، وخصلة حميدة، وعادة صحية ومما جاء في فضله حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستحب أن يؤخر العشاء، وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها " رواه البخاري، نقل الحافظ ابن حجر عن القاضي عياض في قوله: "وكان يكره النوم قبلها " قال: لأنه قد يؤدي إلى إخراجها عن وقتها مطلقاً، أو عن الوقت المختار، والسمر بعدها قد يؤدي إلى النوم قبل الصبح، أو عن وقتها المختار، أو عن قيام الليل. وقال ابن رافع: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ينِشّ الناس بدِرّته بعد العتمة ويقول: قوموا لعل الله يرزقكم صلاة. ومما يتعلق بالنوم: اختيار الفراش المناسب، وذلك بعدم المبالغة في حشو الفراش، وتليينه وتنعيمه لأن ذلك من أسباب كثرة النوم والغفلة، ومجلبة للكسل والدّعة، وثبت من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كانت وسادة النبي صلى الله عليه وسلم التي ينام عليها بالليل من أدم حشوها ليف. رواه أبوداود وأحمد، صحيح الجامع 4714. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على حصير قد أثر في جنبه الشريف فقال عمر: يا نبي الله لو اتخذت فراشاً أوْثر من هذا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ما لي وللدنيا، ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف، فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار، ثم راح وتركها. رواه أحمد والحاكم، صحيح الجامع 5545. وكان علي بن بكار رحمه الله تفرش له جاريته فراشه، فيلمسه بيده ثم يقول: والله إنك لطيب، والله إنك لبارد، والله لا علوتك ليلتي، ثم يقوم يصلي إلى الفجر. ومن ذلك عدم الإفراط في النوم والاستغراق فيه، قال إبراهيم ابن أدهم: إذا كنت بالليل نائماً، وبالنهار هائماً، وفي المعاصي دائماً، فكيف تُرضي من هو بأمورك قائماً. 7- المحافظ على الأذكار الشرعية قبل النوم: فإن هذه الأذكار حصن حصين يقي بإذن الله من الشيطان، ويعين على القيام، ومن هذه الأذكار، ما ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أوى أحدكم إلى فراشه، فلينفضه بداخلة إزاره، فإنه لا يدري ما خلّفه عليه، ثم ليضطجع على شقّه الأيمن، ثم ليقل: باسمك ربي وضعت جنبي، وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين " متفق عليه. وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه، ثم نفث فيهما يقرأ (قل هو الله أحد) و (قل أعوذ برب الفلق) و (قل أعوذ برب الناس) ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات " متفق عليه.وعن أبي مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه " متفق عليه. وعن أنس بن مالك رضي الله أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه قال: " الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا، وكفانا فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي له " رواه مسلم. وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه وقصة الشيطان معه قال له: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) حتى تختمها، فإنه لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح، فذكر ذلك أبو هريرة للنبي صلى الله عليه وسلم فقال له: صدقك وهو كذوب " متفق عليه. وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابنته فاطمة رضي الله عنها لما جاءت إليه تطلب منه خادماً، فقال لها ولعلي: ألا أدلكما على خير لكما من خادم،إذا أويتما إلى فراشكما، فسبّحا ثلاثاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين، وكبرا أربعاً وثلاثين، فإنه خير لكما من خادم " متفق عليه. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اقرأ (قل يا أيها الكافرون) عند منامك، فإنها براءة من الشرك " رواه البيهقي، صحيح الجامع 1172. وعن حفصة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أخذ مضجعه جعل يده اليمنى تحت خده الأيمن وقال: رب قني عذابك يوم تبعث عبادك " رواه أبو داود، صحيح الجامع 4532. وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أتيت إلى مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، ثم قل: اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت، فإن متّ متّ على الفطرة، واجعلهن آخر ما تقول " متفق عليه. وينبغي كذلك أن يحافظ المسلم على الأذكار الشرعية عند الاستيقاظ، ومنها: ما ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا استيقظ أحدكم فليقل: الحمد لله الذي رد علي روحي، وعافاني في جسدي، وأذن لي بذكره " رواه الترمذي والنسائي، صحيح الجامع 326. وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من تعارّ من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، الحمد لله سبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: اللهم اغفر لي، أو دعا استجيب له، فإن توضأ ثم صلى قُبلت صلاته " رواه البخاري. قال الإمام ابن بطال: وعد الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم أن من استيقظ من نومه لَهِجاً بتوحيد ربه، والإذعان له بالملك، والاعتراف بنعمه بحمده عليها، وينزهه عما لا يليق به بتسبيحه والخضوع له بالتكبير، والتسليم له بالعجز عن القدرة إلا بعونه، أنه إذا دعاه أجابه، وإذا صلى قبلت صلاته، فينبغي لمن بلغه هذا الحديث أن يغتنم العمل به، ويخلص نيته لربه سبحانه وتعالى. وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استيقظ من نومه قال: " الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور " رواه مسلم. وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استيقظ من الليل يمسح النوم عن وجهه بيده، ثم ينظر إلى السماء ويقرأ العشر آيات الخواتم من سورة آل عمران: (إن في خلق السماوات والأرض … ) الآيات. رواه مسلم، قال الإمام النووي: فيه استحباب مسح أثر النوم عن الوجه، واستحباب قراءة هذه الآيات عند القيام من النوم. 5- الحرص على نومة القيلولة بالنهار: وهي إما قبل الظهر أو بعده، فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " قيلوا فإن الشياطين لا تقيل " رواه الطبراني، الصحيحة 2647، قال إسحاق بن عبد الله: القائلة من عمل أهل الخير، وهي مجمة للفؤاد مَقْواة على قيام الليل. ومرّ الحسن البصري بقوم في السوق في وسط النهار فرأى صخبهم وضجيجهم فقال: أما يقيل هؤلاء، فقيل له: لا فقال: إني لأرى ليلهم ليل سوء. 6- اجتناب كثرة الأكل والشرب: فإن الإكثار منهما من العوائق العظيمة التي تصرف المرء عن قيام الليل، وتحول بينه وبينه كما جاء في حديث المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما ملأ آدمي وعاءاً شراً من بطنه، حسْب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه " رواه الترمذي وابن ماجه، صحيح الجامع 5674. وعن أبي جحيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل تجشأ في مجلسه: أقصر من جشائك، فإن أكثر الناس شبعاً في الدنيا أكثرهم جوعاً يوم القيامة " رواه الحاكم، صحيح الجامع 1190. قال سفيان الثوري: عليكم بقلة الأكل، تملكوا قيام الليل. ورأى معقل بن حبيب قوماً يأكلون كثيراً فقال: ما نرى أصحابنا يريدون أن يصلوا الليلة. وقال وهب بن منبه: ليس من بني آدم أحب إلى شيطانه من الأكول النوام. 7- مجاهدة النفس على القيام: وهذا من أعظم الوسائل المعينة على قيام الليل لأن النفس البشرية بطبيعتها أمارة بالسوء تميل إلى كل شر ومنكر فمن أطاعها فيما تدعو إليه قادته إلى الهلاك والعطب، وقد أمرنا الله تعالى بالمجاهدة فقال: (وجاهدوا في الله حق جهاده) وقال سبحانه: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين) وقال تعالى: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً) وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " المجاهد من جاهد نفسه في الله " رواه الترمذي وابن حبان، الصحيحة 549. وفي حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الرجل من أمتي يقوم من الليل يعالج نفسه إلى الطهور وعليه عُقَد، فإذا وضأ يديه انحلت عقدة، وإذا وضأ وجهه انحلت عقدة، وإذا مسح رأسه انحلت عقدة، وإذا وضأ رجليه انحلت عقدة، فيقول الله عز وجل للذين من وراء الحجاب: انظروا إلى عبدي هذا يعالج نفسه، ويسألني، ما سألني عبدي فهو له " رواه أحمد وابن حبان، صحيح الترغيب 627. قال محمد بن المنكدر: كابدت نفسي أربعين عاماً حتى استقامت لي. وقال ثابت البناني: كابدت نفسي على قيام الليل عشرين سنة وتلذذت به عشرين سنة. وقال عمر بن عبد العزيز: أفضل الأعمال ما أكرهت عليه النفوس. وقال عبد الله بن المبارك: إن الصالحين فيما مضى كانت تواتيهم أنفسهم على الخير، وإن أنفسنا لا تكاد تواتينا إلا على كره فينبغي لنا أن نكرهها. وقال قتادة: يا ابن آدم: إن كنت لا تريد أن تأتي الخير إلا بنشاط، فإن نفسك إلى السآمة وإلى الفترة وإلى الملل أميل، ولكن المؤمن هو المتحامل. 8- اجتناب الذنوب والمعاصي: فإذا أراد المسلم أن يكون مما ينال شرف مناجاة الله تعالى، والأنس بذكره في ظلم الليل، فليحذر الذنوب، فإنه لا يُوفّق لقيام الليل من تلطخ بأدران المعاصي، قال رجل لإبراهيم بن أدهم: إني لا أقدر على قيام الليل فصف لي دواء؟ فقال: لا تعصه بالنهار، وهو يُقيمك بين يديه في الليل، فإن وقوفك بين يديه في الليل من أعظم الشرف، والعاصي لا يستحق ذلك الشرف. وقال رجل للحسن البصري: يا أبا سعيد: إني أبِيت معافى، وأحب قيام الليل، وأعِدّ طهوري، فما بالي لا أقوم؟ فقال الحسن: ذنوبك قيدتْك. وقال رحمه الله: إن العبد ليذنب الذنب فيحرم به قيام الليل، وصيام النهار. وقال الفضيل بن عياض: إذا لم تقدر على قيام الليل، وصيام النهار، فأعلم أنك محروم مكبّل، كبلتك خطيئتك. 9- محاسبة النفس وتوبيخها على ترك القيام: فمحاسبة النفس من شعار الصالحين، وسمات الصادقين قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون) . قال الإمام ابن القيم: فإذا كان العبد مسئولاً ومحاسباً على كل شيء حتى على سمعه وبصره وقلبه كما قال تعالى: (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً) فهو حقيق أن يحاسب نفسه قبل أن يناقش الحساب. وقيام الليل عبادة تصل القلب بالله تعالى، وتجعله قادراً على التغلب على مغريات الحياة الفانية، وعلى مجاهدة النفس في وقت هدأت فيه الأصوات، ونامت العيون وتقلب النّوام على الفرش. ولذا كان قيام الليل من مقاييس العزيمة الصادقة، وسمات النفوس الكبيرة، وقد مدحهم الله وميزهم عن غيرهم بقوله تعالى: (أمّن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب) . وقيام الليل سنة مؤكدة حث النبي صلى الله عليه وسلم على أدائها بقوله: " عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، ومقربة إلى ربكم، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم مطردة للداء عن الجسد " رواه الترمذي وأحمد. وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل "، وقد حافظ النبي صلى الله عليه وسلم على قيام الليل، ولم يتركه سفراً ولا حضراً، وقام صلى الله عليه وسلم وهو سيد ولد آدم المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر حتى تفطّرت قدماه، فقيل له في ذلك فقا: " أفلا أكون عبداً شكوراً " متفق عليه. وهكذا كان حال السلف الكرام عليه رحمة الله تعالى؛ قال أبو الدرداء رضي الله عنه: صلوا ركعتين في ظلم الليل لظلمة القبور. وقال أحمد بن حرب: عجبت لمن يعلم أن الجنة تزيّن فوقه، والنار تضرم تحته، كيف نام بينهما. وكان عمر بن ذر إذا نظر إلى الليل قد أقبل قال: جاء الليل، وللّيل مهابة، والله أحق أن يهاب، ولذا قال الفضيل بن عياض: أدركت أقواماً يستحيون من الله في سواد الليل من طول الهجعة إنما هو على الجنب فإذا تحرك قال: ليس هذا لكِ، قومي خذي حظك من الآخرة. وقال الحسن: ما نعلم عملاً أشد من مكابدة الليل، ونفقة المال، فقيل له: ما بال المتهجدين من أحسن الناس وجوهاً؟ قال: لأنهم خلو بالرحمن فألبسهم نوراً من نوره. وكان نساء السلف يجتهدن في قيام الليل مشمرات للطاعة، فأين نساء هذه الأيام عن تلك الأعمال العظام. قال عروة بن الزبير أتيت عائشة رضي الله عنها يوماً لأسلم عليها فوجدتها تصلي وتقرأ قوله تعالى: (فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم) ترددها وتبكي، فانتظرتها فلما مللت من الانتظار ذهبت إلى السوق لحاجتي ثم رجعت إلى عائشة فإذا هي على حالتها الأولى تردد هذه الآية في صلاتها وتبكي. وفي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال لي جبريل: راجع حفصة فإنها صوامة قوامة. رواه الحاكم، صحيح الجامع 4227. وقامت معاذة العدوية من التابعيات الصالحات ليلة زفافها هي وزوجها صلة بن أشيم يصليان إلى الفجر، ولما قتل زوجها وابنها في أرض الجهاد، كانت تحيي الليل كله صلاة وعبادة وتضرعاً، وتنام بالنهار، وكانت إذا نعست في صلاتها بالليل قالت لنفسها: يا نفس النوم أمامك. وكانت حبيبة العدوية إذا صلت العشاء، قامت على سطح دارها وقد شدت عليها درعها وخمارها، ثم تقول: إلهي، غارت النجوم، ونامت العيون، وغلقت الملوك أبوابها، وبابك مفتوح، وخلا كل حبيب بحبيبه، وهذا مقامي بين يديك، ثم تقبل على صلاتها ومناجاتها لربها إلى السحر، فإذا جاء السحر قالت: اللهم هذا الليل قد أدبر، وهذا النهار قد أسفر، فليت شعري هل قبلت مني ليلتي فأهني، أم رددتها علي فأعزي. وقامت عمرة زوج حبيب العجمي ذات ليلة تصلي من الليل، وزوجها نائم، فلما دنا السحر، ولم يزل زوجها نائماً، أيقظته وقالت له: قم يا سيدي، فقد ذهب الليل، وجاء النهار، وبين يديك طريق بعيد وزاد قليل، وقوافل الصالحين قد سارت قدامنا، ونحن قد بقينا. نسأل الله أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وصلى الله على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 3749 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2177 فضل قيام رمضان [السُّؤَالُ] ـ[ما فضل قيام رمضان؟.]ـ [الْجَوَابُ] فضل قيام ليالي رمضان: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُرغب في قيام رمضان، من غير أن يأمرهم بعزيمة، ثم يقول: " من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك (أي على ترك الجماعة في التراويح) ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، وصدرٍ من خلافة عمر رضي الله عنه. وعن عمرو بن مرة الجهني قال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من قضاعة فقال: يا رسول الله! أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا الله، وأنك محمد رسول الله، وصليت الصلوات الخمس، وصمت الشهر، وقمت رمضان، وآتيت الزكاة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " من مات على هذا كان من الصديقين والشهداء " ليلة القدر وتحديدها: 2- وأفضل لياليه ليلة القدر، لقوله صلى الله عليه وسلم: " من قام ليلة القدر {ثم وُفّقت له} ، إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه " 3- وهي ليلة سابع وعشرين من رمضان على الأرجح، وعليه أكثر الأحاديث منها حديث زر بن حبيش قال: سمعت أبي ابن كعب يقول - وقيل له: إن عبد الله بن مسعود يقول: من قام السنة اصاب ليلة القدر! - فقال أُبيّ رضي الله عنه: رحمه الله، أراد أن لا يتكل الناس، والذي لا إله إلا هو، إنها لفي رمضان - يحلف ما يستثني - ووالله إني لأعلم أي ليلة هي؟ هي الليلة التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها، هي ليلة صبيحة سبع وعشرين وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها. ورفع ذلك في رواية إلى النبي صلى الله عليه وسلم. أخرجه مسلم وغيره. مشروعية الجماعة في القيام: 4- وتشرع الجماعة في قيام رمضان، بل هي أفضل من الانفراد، لإقامة النبي صلى الله عليه وسلم لها بنفسه، وبيانه لفضلها بقوله، كما في حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: " صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان، فلم يقم بنا شيئاً من الشهر حتى بقي سبع فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل، فلما كانت السادسة لم يقم بنا، فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب شطر الليل، فقلت: يا رسول الله! لو نفّلتنا قيام هذه الليلة، فقال: " إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة " فلما كانت الرابعة لم يقم، فلما كانت الثالثة جمع أهله ونساءه والناس، فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح، قال: قلت: وما الفلاح؟ قال: السحور، ثم لم يقم بنا بقية الشهر) حديث صحيح، أخرجه أصحاب السنن. السبب في عدم استمرار النبي صلى الله عليه وسلم بالجماعة فيه: 5- وإنما لم يقم بهم عليه الصلاة والسلام بقية الشهر خشية أن تُفرض عليهم صلاة الليل في رمضان، فيعجزوا عنها كما جاء في حديث عائشة في الصحيحين وغيرهما، وقد زالت هذه الخشية بوفاته صلى الله عليه وسلم بعد أن أكمل الله الشريعة، وبذلك زال المعلول، وهو ترك الجماعة في قيام رمضان، وبقي الحكم السابق وهو مشروعية الجماعة، ولذلك أحياها عمر رضي الله عنه كما في صحيح البخاري وغيره. مشروعية الجماعة للنساء: 6- ويشرع للنساء حضورها كما في حديث أبي ذر السابق بل يجوز أن يُجعل لهن إمام خاص بهن، غير إمام الرجال، فقد ثبت أن عمر رضي الله عنه لما جمع الناس على القيام، جعل على الرجال أبيّ بن كعب، وعلى النساء سليمان بن أبي حثمة، فعن عرفجة الثقفي قال: (كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يأمر الناس بقيام شهر رمضان ويجعل للرجال إماماً وللنساء إماماً، قال: فكنت أنا إمام النساء " قلت: وهذا محله عندي إذا كان المسجد واسعاً، لئلا يشوش أحدهما على الآخر. عدد ركعات القيام: 7- وركعاتها إحدى عشرة ركعة، ونختار أن لا يزيد عليها اتباعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه لم يزد عليها حتى فارق الدنيا، فقد سئلت عائشة رضي الله عنها عن صلاته في رمضان؟ فقالت: " ما كان رسول الله يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعاً فلا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاُ فلا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً " أخرجه الشيخان وغيرهما 8- وله أن ينقص منها، حتى لو اقتصر على ركعة الوتر فقط، بدليل فعله صلى الله عليه وسلم وقوله. أما الفعل، فقد سئلت عائشة رضي الله عنها: بكم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر؟ قالت: " كان يوتر بأربع وثلاث، وست وثلاث، وعشر وثلاث، ولم يكن يوتر بأنقص من سبع، ولا بأكثر من ثلاث عشرة " رواه ابو داود وأحمد وغيرهما. وأما قوله صلى الله عليه وسلم فهو: " الوتر حق، فمن شاء فليوتر بخمس، ون شاء فليوتر بثلاث، ومن شاء فليوتر بواحدة ". القراءة في القيام: 9- وأما القراءة في صلاة الليل في قيام رمضان أو غيره، فلم يحُد فيها النبي صلى الله عليه وسلم حداً لا يتعداه بزيادة أو نقص، بل كانت قراءته فيها تختلف قصراً وطولاً، فكان تارة يقرأ في كل ركعة قدر (يا أيها المزمل) وهي عشرون آية، وتارة قدر خمسين آية، وكان يقول: " من صلى في ليلة بمائة آية لم يكتب من الغافلين "، وفي حديث آخر: ".. بمائتي آية فإنه يُكتب من القانتين المخلصين ". وقرأ صلى الله عليه وسلم في ليلة وهو مريض السبع الطوال، وهي سورة (البقرة) و (آل عمران) و (النساء) و (المائدة) و (الأنعام) و (الأعراف) و (التوبة) . وفي قصة صلاة حذيفة بن اليمان وراء النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعة واحدة (البقرة) ثم (النساء) ثم (آل عمران) ، وكان يقرؤها مترسلا متمهلاً وثبت بأصح إسناد أن عمر رضي الله عنه لما أمر أبيّ بن كعب أن يصلي للناس بإحدى عشرة ركعة في رمضان، كان أبيّ رضي الله عنه يقرأ بالمئين، حتى كان الذين خلفه يعتمدون على العصي من طول القيام، وما كانوا ينصرفون إلا في أوائل الفجر. وصح عن عمر أيضاً أنه دعا القراء في رمضان، فأمر أسرعهم قراءة أن يقرأ ثلاثين آية، والوسط خمساً وعشرين آية، والبطيء عشرين آية. وعلى ذلك فإن صلى القائم لنفسه فليطوّل ما شاء، وكذلك إذا كان معه من يوافقه، وكلما أطال فهو أفضل، إلا أنه لا يبالغ في الإطالة حتى يحيي الليل كله إلا نادراً، اتباعاً للنبي صلى الله عليه وسلم القائل: " وخير الهدي هدي محمد "، وأما إذا صلى إماماً، فعليه أن يطيل بما لا يشق على من وراءه لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا قام أحدكم للناس فليخفف الصلاة، فإن فيهم الصغير والكبير وفيهم الضعيف، والمريض، وذا الحاجة، وإذا قام وحده فليُطل صلاته ما شاء. وقت القيام: 10- ووقت صلاة الليل من بعد صلاة العشاء إلى الفجر، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله زادكم صلاة، وهي الوتر، فصلوها بين صلاة العشاء إلى صلاة الفجر " 11- والصلاة في آخر الليل أفضل لمن تيسر له ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: " من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل، فإن صلاة آخر الليل مشهودة، وذلك أفضل " 12- وإذا دار الأمر بين الصلاة أول الليل مع الجماعة، وبين الصلاة آخر الليل منفرداً، فالصلاة مع الجماعة أفضل، لأنه يحسب له قيام ليلة تامة. وعلى ذلك جرى عمل الصحابة في عهد عمر رضي الله عنه، فقال عبد الرحمن بن عبيد القاري: " خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرّهط، فقال: والله إني لأرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم، فجمعهم على أبيّ بن كعب، قال: ثم خرجت معه ليلة أخرى، والناس يصلون بصلاة قارئهم، فقال: عمر، نعمت البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون - يريد آخر الليل - وكان الناس يقومون أوله " وقال زيد بن وهب: (كان عبد الله يصلي بنا في شهر رمضان فينصرف بليل) 13- لما كان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن الإيتار بثلاث، وعلل ذلك بقوله: " ولا تشبهوا بصلاة المغرب " فحينئذ لا بد لمن صلى الوتر ثلاثاً من الخروج من هذه المشابهة، وذلك يكون بوجهين: أحدهما: التسليم بين الشفع والوتر، وهو الأقوى والأفضل. والآخر: أن لا يقعد بين الشفع والوتر، والله تعالى أعلم. القراءة في ثلاث الوتر: 14- ومن السنة أن يقرأ في الركعة الأولى من ثلاث الوتر: (سبح اسم ربك الأعلى) ، وفي الثانية: (قل يا أيها الكافرون) ، وفي الثالثة: (قل هو الله أحد) ويضيف إليها أحياناُ: (قل أعوذ برب الفلق) و (قل أعوذ برب الناس) . وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قرأ مرة في ركعة الوتر بمائة آية من سورة (النساء) دعاء القنوت: 15- و.. يقنت.. بالدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم سبطه الحسن بن علي رضي الله عنهما وهو: (اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، لا منجا منك إلا إليك) ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً، لما يأتي بعده. (ولا بأس أن يزيد عليه من الدعاء المشروع والطيّب الصحيح) . 16- ولا بأس من جعل القنوت بعد الركوع، ومن الزيادة عليه بلعن الكفرة، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء للمسلمين في النصف الثاني من رمضان، لثبوت ذلك عن الأئمة في عهد عمر رضي الله عنه، فقد جاء في آخر حديث عبد الرحمن بن عبيد القاري المتقدم: " وكانوا يلعنون الكفرة في النصف: اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك، ويكذبون رسلك، ولا يؤمنون بوعدك، وخالف بين كلمتهم، وألق في قلوبهم الرعب، وألق عليهم رجزك وعذابك، إله الحق) ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعو للمسلمين بما استطاع من خير، ثم يستغفر للمؤمنين. قال: وكان يقول إذا فرغ من لعنة الكفرة وصلاته على النبي واستغفاره للمؤمنين والمؤمنات ومسألته: (اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، ونرجو رحمتك ربنا، ونخاف عذابك الجد، إن عذابك لمن عاديت ملحق " ثم يكبر ويهوي ساجداً. ما يقول في آخر الوتر: 17- ومن السنة أن يقول في آخر وتره (قبل السلام أو بعده) : " اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما اثنيت على نفسك " 18- وإذا سلم من الوتر، قال: سبحان الملك القدوس، سبحان الملك القدوس، سبحان الملك القدوس (ثلاثاً) ويمد بها صوته، ويرفع في الثالثة. الركعتان بعده: 19- وله أن يصلي ركعتين (بعد الوتر إن شاء) ، لثبوتهما عن النبي صلى الله عليه وسلم فعلاً بل.. قال: " إن هذا السفر جهد وثقل، فإذا أوتر أحدكم، فليركع ركعتين، فإن استيقظ وإلا كانتا له ". 20- والسنة أن يقرأ فيهما: (إذا زلزلت الأرض) و (قل يا أيها الكافرون) . [الْمَصْدَرُ] من كتاب قيام رمضان للألباني. الحديث: 3452 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2178 تتبع المساجد من أجل الخشوع في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[أريد صحة حديث (ليصل أحدكم في المسجد الذي يليه، ولا يتبع المساجد) . وماذا نقول للذي يتتبع المساجد ليخشع في الصلاة وأقرب لحضور القلب دون أن يفوت صلاة العشاء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "هذا الحديث فيما أعرفه مُختلف في صحته، وعلى تقدير ثبوته فإنه يحمل على ما إذا كان في ذلك تفريق للمصلين عن المسجد الذي حولهم، وإلا فمن المعلوم أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يرتادون المسجد النبوي ليصلوا خلف النبي صلى الله عليه وسلم، بل كان معاذ رضي الله عنه يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء الآخرة، ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم، مع تأخر الزمن. وارتياد الإنسان المسجد من أجل حسن القراءة، واستعانته بحسن قراءة إمامه على القيام لا بأس به، اللهم إلا إذا خشي من ذلك فتنة، أو خشي من ذلك إهانة للإمام الذي حوله، مثل أن يكون هذا الرجل من كبراء القوم، وانصرافه عن مسجده إلى مسجد آخر يكون فيه شيء من القدح في الإمام، فهنا قد نقول: إنه ينبغي أن يراعي هذه المفسدة فيتجنبها" انتهى. والله أعلم. "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (14/241، 242) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 108614 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2179 دخول النساء المساجد بأطفالهن في صلاة التراويح [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم دخول النساء بالأطفال إلى المساجد في صلاة التراويح؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا تمنع النساء من إتيان المساجد بأطفالهن في رمضان، فقد دلت السنة على إتيان النساء المساجد ومعهن أطفالهن زمن النبي صلى الله عليه وسلم، لحديث: (إِنِّي لَأَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَا أُرِيدُ إِطَالَتَهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلَاتِي، مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ) . ومن ذلك: (حمل النبي صلى الله عليه وسلم أمامة في صلاة الفريضة وهو يؤم الناس في المسجد) . لكن عليهن الحرص على صيانة المسجد من النجاسة بالتحرز في حق الأطفال في نومهم وغير ذلك" انتهى. "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله" (4/214، 215) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106462 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2180 مراعاة حال الضعفاء من كبار السن ونحوهم في صلاة التراويح [السُّؤَالُ] ـ[هل ينبغي للإمام مراعاة حال الضعفاء من كبار السن ونحوهم في صلاة التراويح؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "هذا أمر مطلوب في جميع الصلوات، في التراويح وفي الفرائض، لقوله صلى الله عليه وسلم: (أيكم أمَّ الناس فليخفف فإن فيهم الضعيف والصغير وذا الحاجة) فالإمام يراعي المأمومين، ويرفق بهم في قيام رمضان، وفي العشر الأخيرة، وليس الناس سواء، فالناس يختلفون، فينبغي له أن يراعي أحوالهم، ويشجعهم على المجيء، وعلى الحضور، فإنه متى أطال عليهم شق عليهم، ونَفَّرهم من الحضور، فينبغي له أن يراعي ما يشجعهم على الحضور، ويرغبهم في الصلاة، ولو بالاختصار وعدم التطويل، فصلاة يخشع فيها الناس ويطمئنون فيها ولو قليلاً خير من صلاة يحصل فيها عدم الخشوع، ويحصل فيها الملل والكسل" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله" (11/336) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106526 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2181 تتبع المساجد طلباً لحسن الصوت [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم تتبع المساجد طلباً لحسن صوت الإمام لما ينتج عن ذلك من الخشوع وحضور القلب؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الأظهر - والله أعلم - أنه لا حرج في ذلك، إذا كان المقصود أن يستعين بذلك على الخشوع في صلاته، ويرتاح في صلاته ويطمئن قلبه، لأنه ما كل صوت يريح، فإذا كان قصده من الذهاب إلى صوت فلان أو فلان الرغبة في الخير، وكمال الخشوع في صلاته، فلا حرج في ذلك، بل قد يشكر على هذا ويؤجر على نيته، والإنسان قد يخشع خلف إمام، ولا يخشع خلف إمام، بسبب الفرق بين القراءتين والصلاتين، فإذا كان قَصَدَ بذهابه إلى المسجد البعيد أن يستمع لقراءته لحسن صوته، وليستفيد من ذلك، وليخشع في صلاته، لا لمجرد الهوى والتجول، بل لقصد الفائدة والعلم، وقصد الخشوع في الصلاة، فلا حرج في ذلك، وقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (أَعْظَمُ النَّاسِ أَجْرًا فِي الصَّلَاةِ: أَبْعَدُهُمْ فَأَبْعَدُهُمْ مَمْشًى) رواه البخاري (651) ومسلم (662) ، فإذا كان قصده أيضاً زيادة الخطوات فهذا أيضاً مقصد صالح" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله" (11/328، 329) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106530 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2182 أيهما أفضل: ليلة القدر أو ليلة الإسراء؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما هو الراجح من أقوال العلماء في تعين ليلة القدر، وهل هي أفضل الليالي على الإطلاق؟ أم لا؟ وما رأيكم فيمن قال بتفضيل ليلة الإسراء على ليلة القدر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "ليلة القدر ليلة عظيمة، نوه الله بشأنها في كتابه الكريم، في قوله تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ*فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) الدخان/3، 4 وفي قوله تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ *وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) القدر/1-5. فهي ليلة شرفها الله عز وجل على غيرها، وأخبر أن العمل فيها خير من العمل في ألف شهر، وهذا فضل عظيم، واختصها بإنزال القرآن فيها، ووصفها بأنها ليلة مباركة، وأنها يُقدَّر فيها ما يجري في العام من الحوادث، وهذه مزايا عظيمة لهذه الليلة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في غيرها طلباً لليلة القدْر، وهي أفضل الليالي، لأنه لم يرد في ليلة من الليالي ما ورد في فضلها، والتنويه بشأنها، فهي أفضل الليالي لما تشتمل عليه من هذه المزايا العظيمة، وهذا من رحمة الله تعالى لهذه الأمة وإحسانه إليها، حيث خصها بهذه الليلة العظيمة. وأما المفاضلة بينها وبين ليلة الإسراء فقد سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن ليلة القدر وليلة الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم أيهما أفضل؟ فأجاب بأن ليلة الإسراء أفضل في حقِّ النبي صلى الله عليه وسلم، وليلة القدْر أفضل بالنسبة إلى الأمَّة، فحظ النبي صلى الله عليه وسلم من ليلة المعراج أكمل من حظِّه من ليلة القدر، وحظ الأمة من ليلة القدر أكمل من حظهم من ليلة المعراج، وإن كان لهم فيها أعظم حظ، لكن الفضل والشرف والرتبة العليا إنما حصلت فيها لمن أسري به صلى الله عليه وسلم. هذا ما أجاب به شيخ الإسلام ابن تيمية في هذه المسألة. وللإمام العلامة ابن القيم كلام في هذا الموضوع، يوافق كلام شيخه، بأن ليلة الإسراء أفضل في حق النبي صلى الله عليه وسلم، وليلة القدر أفضل في حق الأمة. ومما يجب التنبيه عليه، أن الله سبحانه وتعالى شرع لنا في ليلة القدر من التعبد والتقرب إليه ما لم يشرعه في ليلة الإسراء، فليلة الإسراء لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يتهجد فيها، أو يخصها بقيامٍ أو ذكرٍ، وإنما كان يخص ليلة القدر لفضلها ومكانتها. وأيضاً: ليلة الإسراء لم يثبت في أي شهر هي، أو في أي ليلة من الشهر هي، مما يدل على أن العلم بها وتحديدها ليس لنا فيه مصلحة، خلاف ليلة القدر، فإن الله أخبر أنها في رمضان، لأن الله تعالى قال: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) البقرة/185، ثم قال: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) القدر/1، فدل على أن ليلة القدر في شهر رمضان، وإن كانت لا تتعين في ليلة معينة من رمضان إلا أنه يترجح أنها في العشر الأواخر منه، وفي ليلة سبع وعشرين آكد الليالي عند الإمام أحمد وجماعة من الأئمة، وللعلماء في تحريها اجتهادات ومذاهب، ولكن هي في شهر رمضان قطعاً، ولا شك أن من شهد ليلة القدر له من الأجر بحسب نيته واجتهاده وتوفيق الله له. فليلة القدر لها ميزة، لأنه شُرع لنا فيها الاجتهاد في العبادة، والدعاء، والذكر، وتحريها بخلاف ليلة الإسراء، فهذه لم يُطلب منا أن نتحراها، ولا أن نخصها بشيء من العبادات، وبهذا يظهر أن هؤلاء الذين يحتفلون بليلة الإسراء والمعراج أنهم مبتدعة، جاؤا بما لم يشرعه الله، ولم يشرعه رسوله صلى الله عليه وسلم، فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يحتفل كل سنة بمرور ليلة من الليالي يقول: إن هذه هي ليلة الإسراء والمعراج، كما يفعله هؤلاء المخرفون المبتدعة الذين اتخذوا دينهم طقوساً ومناسبات بدعية، وتركوا السنن وتركوا الشرائع الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا مما يجب الانتباه له، وبيانه للناس، وأن الله شرع لنا الاجتهاد في ليلة القدر، وتحريها، والتقرب إليه فيها كل سنة؛ بخلاف ليلة الإسراء والمعراج، فلم يشرع لنا أن نتحراها، ولا أن نخصها بشيء، وأيضاً: هي لم تُبين لنا في أي شهر أو في أي ليلة، بخلاف ليلة القدر، فإنها في رمضان بلا شك، والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد " انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (2/430) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105456 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2183 إذا انصرف مع الإمام الأول في التراويح هل يكتب له قيام ليلة؟ [السُّؤَالُ] ـ[عندنا في بعض المساجد, إمامان أو ثلاثة يتناوبون على صلاة العشاء مع صلاة التراويح, فهل إن صلى المرء مع أولهم حتى يأخذ مكانه الإمام التالي فيكون قد صلى العشاء فقط أو العشاء وشيئا من التراويح, هل في هذه الحالة يعد المأموم قد صلى مع الإمام حتى انصرف ويكون له أجر قيام ليلة بأكملها مع أنه لم يصل 11 ركعة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يكتب له قيام ليلة بأكملها إلا إذا أتم الصلاة معهم جميعاً، أما إذا انصرف بعد صلاة الإمام الأول أو الثاني ولم يكمل الصلاة مع الثالث فلا يكتب له إلا ما صلاه فقط. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ قِيَامَ لَيْلَةٍ) رواه الترمذي (806) وصححه الألباني في صحيح الترمذي: المراد منه الحث على عدم الانصراف قبل تمام الصلاة، ولو كان يصليها أكثر من إمام. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: بعض الناس في المسجد الحرام يصلون القيام دون التراويح بحجة المحافظة على السنة وعدم الزيادة على إحدى عشرة ركعة فما رأي فضيلتكم؟ فأجاب: "الذي أرى أنه ينبغي للإنسان أن يحافظ على التراويح والقيام جميعاً، فيصلي مع الإمام الأول حتى ينصرف ويصلي مع الإمام الثاني حتى ينصرف؛ لأن تعدد الأئمة في مكان واحد يجعل ذلك كأن الإمامين إمام واحد، كأن الثاني ناب عن الأول في الصلاة الأخيرة، فالذي أرى في هذه المسألة أن يحافظ الإنسان على الصلاة مع الأول والثاني ليشمله قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (14/190) . وقال أيضاً: " هل الإمامان في مسجد واحد يعتبر كل واحد منهم مستقلاً، أو أن كل واحد منهما نائب عن الثاني؟ الذي يظهر الاحتمال الثاني – أن كل واحد منهما نائب عن الثاني مكمل له، وعلى هذا فإن كان المسجد يصلي فيه إمامان فإن هذين الإمامين يعتبران بمنزلة إمام واحد، فيبقى الإنسان حتى ينصرف الإمام الثاني، لأننا نعلم أن الثانية مكملة لصلاة الأول" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (14/207) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93907 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2184 صلاة التراويح رغم نزول الكدرة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لي صلاة التراويح وأنا في طهري مع نزول الكدرة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن كانت هذه الكدرة قبل حصول الطهر من الحيض فهي حيض، فلا يجوز معها الصلاة ولا الصوم. وإن كانت بعد الطهر من الحيض، فليست بحيض، فلا تمنع من الصلاة ولا الصيام. جاء في "فتاوى الشيخ ابن باز" (10/208) : " لو جاءت هذه الكدرة أو الصفرة بعد الطهر من الحيض فإنها لا تعتبر حيضا، بل حكمها حكم الاستحاضة، وعليك أن تستنجي منها كل وقت، وتتوضئي وتصلي وتصومي، ولا تحتسب حيضا، وتحلين لزوجك؛ لقول أم عطية رضي الله عنها: (كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئا) أخرجه البخاري في صحيحه (320) ." انتهى. وراجعي جواب السؤال رقم (50059) ، (50430) وعليه فلا حرج عليك من صلاة التراويح في المسجد رغم نزول الكدرة أو الصفرة، لكن بشرط أن تكوني قد تيقنت أنك قد طهرت من الحيض. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93229 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2185 قراءة الأدعية من ورقة في صلاة القيام [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أسأل إن كان يجوز أن أكتب الأدعية على ورقه وأستعين بها في صلاة القيام؟ وأيضا أريد أن أعرف هل معجون الأسنان يجرح الصيام أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الدعاء في قنوت الوتر مشروع للإمام والمنفرد، لما روى النسائي (1745) والترمذي (464) وأبو داود (1425) وابن ماجه (1178) عن الْحَسَن بن علي رضي الله عنهما قال: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي الْوِتْرِ فِي الْقُنُوتِ اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ إِنَّكَ تَقْضِي وَلا يُقْضَى عَلَيْكَ وَإِنَّهُ لا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ) . وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي. وانظر السؤال رقم (14093) ولم يثبت قنوت الوتر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم نفسه، وثبت من فعل عمر رضي الله عنه، كما رواه البيهقي وصححه. ولهذا ذهب بعض أهل العلم إلى أن الأفضل عدم المداومة على القنوت، بل يقنت ويترك. انظر: "الشرح الممتع" للشيخ ابن عثيمين رحمه الله (4/19) . وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يقنت إلا في النصف الأخير من رمضان، وهو قول الشافعي ومالك في رواية. قال الشافعي رحمه الله: " ولا يقنت في رمضان إلا في النصف الأخير , وكذلك كان يفعل ابن عمر ومعاذ القاري " انتهى من "مختصر المزني، مطبوع مع الأم" (8/114) . وقال الباجي في "المنتقى" (1/210) : " وعن مالك في ذلك روايتان: إحداهما: نفي القنوت في الوتر جملة وهي رواية ابن القاسم وعلي. والثانية: أن ذلك مستحب في النصف الآخر من رمضان وهي رواية ابن حبيب عن مالك وبه قال الشافعي ". وذهب أبو حنيفة وأحمد رحمهما الله إلى أنه يُقنت في رمضان كله، بل يقنت في الوتر السنة كلها. قال ابن قدامة رحمه الله: " القنوت مسنون في الوتر , في الركعة الواحدة , في جميع السنة. هذا المنصوص عند أصحابنا , وهذا قول ابن مسعود , وإبراهيم , وإسحاق , وأصحاب الرأي. وروي ذلك عن الحسن. وعن أحمد رواية أخرى , أنه لا يقنت إلا في النصف الأخير من رمضان، وروي ذلك عن علي، وأبيّ، وبه قال ابن سيرين , وسعيد بن أبي الحسن , والزهري , ويحيى بن وثاب , ومالك والشافعي واختاره أبو بكر الأثرم ; لما روي عن الحسن , أن عمر جمع الناس على أبي بن كعب , فكان يصلي لهم عشرين ليلة , ولا يقنت إلا في النصف الثاني. رواه أبو داود , وهذا كالإجماع. وقال قتادة: يقنت في السنة كلها إلا في النصف الأول من رمضان ; لهذا الخبر , وعن ابن عمر أنه لا يقنت إلا في النصف الأخير من رمضان. وعنه لا يقنت في صلاة بحال. والرواية الأولى هي المختارة عند أكثر الأصحاب. وقد قال أحمد , في رواية المروذي: كنت أذهب إلى أنه في النصف من شهر رمضان , ثم إني قنت , هو دعاء وخير. ووجهه ما روي عن أبي , {أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر , فيقنت قبل الركوع} . وعن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتره: {اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك , وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك , وأعوذ بك منك , لا أحصي ثناء عليك , أنت كما أثنيت على نفسك} . وكان للدوام , وفعل أبيّ يدل على أنه رآه. ولا ينكر اختلاف الصحابة في هذا , ولأنه وتر , فيشرع فيه القنوت , كالنصف الآخر , ولأنه ذكر يشرع في الوتر , فيشرع في جميع السنة , كسائر الأذكار " انتهى من "المغني" (1/447) . ثانيا: لا ينبغي التطويل في دعاء القنوت، بل قال البغوي: " يكره إطالة القنوت، كما يكره إطالة التشهد الأول " [نقله النووي في المجموع 3/479] ، وقال القاضي حسين: " لو طول القنوت زائدا على العادة كره، وفي البطلان احتمالان " [نقله الخطيب الشربيني في مغني المحتاج 1/167] . وكذلك يجتنب فيه ما أحدثه بعض الأئمة من جعله موعظة بما يذكرونه فيه من أحوال القبر والحشر والحساب ونحو ذلك، مما هو أليق بالموعظة والخطبة منه بالدعاء والقنوت؛ بل لو اقتُصر على الدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم للحسن، أو زيد عليه قليلا، فهذا أفضل، وهو دعاء يسير ينبغي لك أن تحفظه، ولا تحتاج معه إلى النظر في ورقة. وإن زدت عليه بعض الأدعية النبوية اليسيرة فهذا حسن، وهو سهل إن شاء الله. فإن لم يتمكن الإمام، أو المصلي من حفظ الدعاء المأثور في الوتر، فلا حرج عليه في أن يتخير لنفسه من الدعاء ما شاء، فإن دعاء القنوت لا يتعين له صيغة معينة، ونقل القاضي عياض اتفاق العلماء على ذلك. [انظر: المجموع 3/477] . فإذا عرفنا أن الأصل في دعاء القنوت أنه دعاء قصير، وإن إطالته مكروهة مخالفة للهدي، وأنه لا يتعين له دعاء معين، ولا حتى الدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يظهر لكتابة الدعاء في ورقة، وقراءته منها في الصلاة فائدة، بل الذي يظهر أن الحامل على ذلك رغبة الأئمة أو المصلين في التزام الأدعية المتكلفة وامسجوعة، والتطويل في القنوت، كما هو حال كثير من الأئمة الآن. والواجب على المصلي أن يحرص على التدبر وحضور القلب؛ لما روى الترمذي (3479) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لاهٍ) والحديث حسنه الألباني في صحيح الترمذي. ثالثا: لا حرج على الصائم في استعمال معجون الأسنان، مع التحرز من ابتلاع شيء منه. وانظر السؤال رقم (13619) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93051 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2186 متابعة الإمام حتى ينصرف في التراويح [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان الأرجح في عدد ركعات التراويح هو أحد عشر ركعة وصليت في مسجد تقام فيه التراويح بإحدى وعشرين ركعة، فهل لي أن أغادر المسجد بعد الركعة العاشرة أم من الأحسن إكمال الإحدى وعشرين ركعة معهم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأفضل إتمام الصلاة مع الإمام حتى ينصرف ولو زاد على إحدى عشرة ركعة لأنّ الزيادة جائزة لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: ".. مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ قِيَامَ لَيْلَةٍ.. " رواه النسائي وغيره: سنن النسائي: باب قيام شهر رمضان. ولقوله صلى الله عليه وسلم: " صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ ". رواه السبعة وهذا لفظ النسائي. ولا شكّ أنّ التقيّد بسنة النبي صلى الله عليه وسلم هو الأولى والأفضل والأكثر أجرا مع إطالتها وتحسينها، ولكن إذا دار الأمر بين مفارقة الإمام لأجل العدد وبين موافقته إذا زاد فالأفضل أن يوافقه المصلي للأحاديث المتقدّمة، هذا مع مناصحة الإمام بالحرص على السنّة. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 3456 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2187 حكم صلاة التراويح للنساء [السُّؤَالُ] ـ[هل على النساء صلاة تراويح، وهل يستحسن لهن أداؤها في المنزل أم الذهاب للمسجد لهذا الغرض؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صلاة التروايح سنة مؤكدة، ويبقى الأفضل في حق النساء قيام الليل في بيوتهن لقوله صلى الله عليه وسلم: " لا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ. " رواه أبو داود في سننه باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد: باب التشديد في ذلك. وهو في صحيح الجامع 7458 بل كلّما كانت صلاتها في موضع أخفى وأكثر خصوصية كان ذلك أفضل كما قال صلى الله عليه وسلم: " صَلاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا وَصَلاتُهَا فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهَا فِي بَيْتِهَا " رواه أبو داود في سننه كتاب الصلاة باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد وهو في صحيح الجامع 3833 وعن أُمِّ حُمَيْدٍ امْرَأَةِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهَا جَاءَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُحِبُّ الصَّلاةَ مَعَكَ قَالَ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلاةَ مَعِي وَصَلاتُكِ فِي بَيْتِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي حُجْرَتِكِ وَصَلاتُكِ فِي حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلاتِكِ فِي دَارِكِ وَصَلاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ وَصَلاتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي مَسْجِدِي قَالَ فَأَمَرَتْ فَبُنِيَ لَهَا مَسْجِدٌ فِي أَقْصَى شَيْءٍ مِنْ بَيْتِهَا وَأَظْلَمِهِ فَكَانَتْ تُصَلِّي فِيهِ حَتَّى لَقِيَتْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ. رواه الإمام أحمد ورجال إسناده ثقات ولكنّ هذه الأفضلية لا تمنع من الإذن لهنّ من الذهاب إلى المساجد كما في حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ إِذَا اسْتَأْذَنَّكُمْ إِلَيْهَا قَالَ فَقَالَ بِلالُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَاللَّهِ لَنَمْنَعُهُنَّ قَالَ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ فَسَبَّهُ سَبًّا سَيِّئًا مَا سَمِعْتُهُ سَبَّهُ مِثْلَهُ قَطُّ وَقَالَ أُخْبِرُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقُولُ وَاللَّهِ لَنَمْنَعُهُنَّ رواه مسلم 667 ولكنّ ذهاب المرأة إلى المسجد يشترط فيه ما يلي: 1- أن تكون بالحجاب الكامل 2- أن تخرج غير متطيّبة 3- أن يكون ذلك بإذن الزّوج وأن لا يكون في خروجها أيّ مُحرّم آخر كالخلوة مع السّائق الأجنبي في السّيارة ونحو ذلك. فلو خالفت المرأة شيئا مما ذُكِر فإنه يحقّ لزوجها أو وليها أن يمنعها من الذّهاب بل يجب ذلك عليه. وقد سألت شيخنا الشيخ عبد العزيز عن صلاة التراويح هل لها على وجه الخصوص أفضلية للمرأة في صلاتها في المسجد فأجاب بالنفي وأنّ الأحاديث في أفضلية صلاة المرأة في بيتها عامة تشمل التراويح وغيرها هذا والله تعالى أعلم. ونسأل الله لنا ولسائر إخواننا المسلمين الإخلاص والقبول وأن يجعل عملنا على ما يحبّ ويرضى وصلى الله وسلم على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 3457 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2188 صلاة الوتر في السفر [السُّؤَالُ] ـ[إذا كنت مسافرا وكنت تقصر الصلاة، هل تبقى صلاة الوتر واجبة عليك في هذه الحالة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله استدلّ جمهور أهل العلم بحديث الأعرابي على أنّ صلاة الوتر سنّة مؤكدّة وليست بواجبة كما ذكر السائل والمقصود بحديث الأعرابي: الرجل الذي جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُ عَنِ الإِسْلامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فَقَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ قَالَ لا إِلاَّ أَنْ تَطَّوَّعَ.. الحديث متفق عليه وقال بعض أهل العلم إنّ قيام الليل وصلاة الوتر أفضل النوافل فتنبغي المحافظة عليها وعدم تركها وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يترك قيام الليل ولا سنّة الفجر في الحضر والسفر كما جاء في السنّة الصحيحة. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 208 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2189 صلاة التراويح في البيت / ووضع الكريم على الجسم أثناء الصوم [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمسلم أن يصلي التراويح في البيت؟ وإذا كان يجوز فكم عدد الركعات؟ وهل هناك أدعية مخصوصة؟ هل يجوز وضع كريم على الوجه أو بقية الجسم في حال الصوم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صلاة التراويح تشرع جماعةً للرجال في المسجد في ليالي رمضان لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة " أخرجه الترمذي (806) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. ومع ذلك فلو صلاها الرجل في بيته فلا إثم عليه وصلاته صحيحة، وأما في غير رمضان فالمشروع أن يصلي الرجل قيام الليل في بيته. وأما المرأة فالأفضل في حقها أن تصلي في بيتها ولو أرادت الصلاة في المسجد فلا تُمنع لقوله صلى الله عليه وسلم: لا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ " رواه أبو داود (567) صححه الألباني. وقال صلى الله عليه وسلم: " لا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ " متفق عليه: البخاري (900) ـ مسلم (442) وأما وضع الكريم على الوجه والجسم، فلا بأس به، يُراجع السؤال رقم (2299) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 13617 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2190 أحاديث فضل قيام ليالي الأسبوع مكذوبة [السُّؤَالُ] ـ[أتتني رسالة تحتوى على أحاديت فى فضل صلاة الليل عن الرسول عليه الصلاة والسلام، وهذه الأحاديث لأول مرة أسمعها في حياتي، أرجو من حضراتكم أن توضحوا لي إذا كانت هذه الأحاديث صحيحة أو لا: عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (من صلى ليلة الجمعة ركعتين، وقرأ فى كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة الزلزلة 15 مرة، فاذا فرغ من صلاته يقول: يا حي يا قيوم، ياذا الجلال والاكرام (100 مرة) آمنه الله من عذاب القبر وظلمته وضيقته، وأهوال يوم القيامة، ولا يقوم من مقامه لا جائعا ولا ظمآنا، ويكسى حلة من نور، ولا يخرج من الدنيا حتى يرى مقعده فى الجنة) . الحديث التاني: عن معاذ بن جبل رضى الله عنه قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (من صلى ليلة السبت 16 ركعة، وقرأ فى كل ركعة الفاتحة وسورة الاخلاص (31 مرة) أخرج المكر والوسواس والعجب والرياء من قلبه، ويجمع الله فى قلبه النور والرحمة والرأفة، ويلبسه يوم القيامة المغفرة، ويبقى وجهه كالقمر ليلة البدر، ويبنى له بكل ركعة قصر فى الجنة) ... إلى العديد ممَّا هو مكتوب من الأحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم. أرجوكم أفيدوني، هل أصلي هذه الصلوات، وهل هى صحيحة أم ضعيفة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لم يرد حديث صحيح في فضل تخصيص يوم من أيام الأسبوع أو لياليه بقيام أو صلاة نافلة، وكل ما ورد في ذلك فهو منكر مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا تجوز روايته فضلا عن العمل به، ومن عمل بمثل هذه الأحاديث المكذوبة فإنما يبتدع في الدين ما ليس منه، فليحذر عقوبة الله وغضبه. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (23/134) : " والصلاة يوم الأحد والاثنين وغير هذا من أيام الأسبوع - وإن كان قد ذكرها طائفة من المصنفين فى الرقائق - فلا نزاع بين أهل المعرفة بالحديث أن أحاديثه كلها موضوعة، ولم يستحبها أحد من أئمة الدين، وفى صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لَا تَخُصُّوا لَيلَةَ الجُمعَةِ بِقِيَامٍ، وَلَا يَومَ الجُمعَةِ بِصِيَامٍ) والله أعلم " انتهى. ويقول ابن القيم في "المنار المنيف" (95) : " أحاديث صلوات الأيام والليالي، كصلاة يوم الأحد وليلة الأحد ويوم الاثنين وليلة الاثنين إلى آخر الأسبوع، كل أحاديثها كذب " انتهى. ويقول العراقي رحمه الله في "تخريج الإحياء" (1/259) : " ليس يصح في أيام الأسبوع ولياليه شيء، وكلها ضعيفة منكرة " انتهى. وقال الشوكاني في "الفوائد المجموعة" (46) : " قال في المختصر: لا يصح في صلاة الأسبوع شيء " انتهى. وقد جاء في فضل قيام الليل مطلقا آيات كريمة وأحاديث صحيحة سبق بيانها في جواب السؤال رقم (50070) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82307 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2191 كم كانت عدد الركعات في صلاة التراويح على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه [السُّؤَالُ] ـ[ما يُروى عن عمر رضي الله عنه أنه أمر بصلاة التراويح عشرين ركعة. هل هذا صحيح أم ضعيف؟ أو لا أصل له؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: جاء الأمر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بصلاة العشرين ركعة عن أربعة من التابعين، وهذه رواياتهم: 1- عن السائب بن يزيد أنه قال: (أَنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ جَمَعَ النَّاسَ فِي رَمَضَانَ عَلَى أُبَيِّ بنِ كَعبٍ وَعَلَى تَمِيمٍ الدَّارِيِّ عَلَى إِحدَى وَعِشرِينَ رَكعَةً، يَقرَؤُونَ بِالمِئِينَ، وَيَنصَرِفُونَ عِندَ فُرُوعِ الفَجرِ) رواه عن السائب جماعة من الرواة: ومنهم من يذكر (العشرين) أو (إحدى وعشرين) أو (ثلاث وعشرين) وهم: محمد بن يوسف ابن أخت السائب عن السائب: كما عند عبد الرزاق في "المصنف" (4/260) من رواية داود بن قيس وغيره عنه. ويزيد بن خصيفة: أخرجه ابن الجعد في "المسند" (1/413) ، ومن طريقه البيهقي في السنن (2/496) والحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب: أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (4/261) فهذه روايات صحيحة من رواة ثقات عن السائب بن يزيد، وفيها ذكر العشرين ركعة في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والزيادة في رواية (إحدى وعشرين) أو (ثلاث وعشرين) إنما هو باعتبار القيام مع الوتر. 2- عن يزيد بن رومان قال: (كَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ فِي زَمَانِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ فِي رَمَضَانَ بِثَلاثٍ وَعِشرِينَ رَكعةً) رواه عنه مالك في "الموطأ" (1/115) ، وقال النووي في "المجموع" (4/33) : " مرسل، فإن يزيد بن رومان لم يدرك عمر " انتهى. 3- عن يحيى بن سعيد القطان: (أَنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ أَمَرَ رَجُلا يُصَلِّي بِهِم عِشرِينَ رَكعَةً) أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (2/163) عن وكيع عن مالك به، ولكن يحيى بن سعيد لم يدرك عمر. 4- عن عبد العزيز بن رفيع قال: (كَانَ أُبَيُّ بنُ كَعبٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فِي رَمَضَانَ بِالمَدِينَةِ عِشرِينَ رَكعَةً، وَيُوتِرُ بِثَلاثٍ) أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (2/163) . وبمجموع هذه الروايات يتبين أن العشرين ركعة كانت هي السنة الغالبة على التراويح في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومثل صلاة التراويح أمر مشهور يتناقله الجيل وعامة الناس، ورواية يزيد بن رومان ويحيى القطان يعتبر بهما وإن كانا لم يدركا عمر، فإنهما ولا شك تلقياه عن مجموع الناس الذين أدركوهم، وذلك أمر لا يحتاج إلى رجل يسنده، فإن المدينة كلها تسنده. قال الإمام الترمذي رحمه الله في سننه (3/169) : " وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشْرِينَ رَكْعَةً وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيِّ. وقَالَ الشَّافِعِيُّ وَهَكَذَا أَدْرَكْتُ بِبَلَدِنَا بِمَكَّةَ يُصَلُّونَ عِشْرِينَ رَكْعَةً. وقال ابن عبد البر في "الاستذكار" (2/69) : " وروي عشرون ركعة عن علي، وشتير بن شكل، وابن أبي مليكة، والحارث الهمداني، وأبي البختري، وهو قول جمهور العلماء، وبه قال الكوفيون والشافعي وأكثر الفقهاء، وهو الصحيح عن أبي بن كعب، من غير خلاف من الصحابة، وقال عطاء: أدركت الناس وهم يصلون ثلاثا وعشرين ركعة بالوتر " انتهى. وانظر ذلك مسندا في "مصنف ابن أبي شيبة" (2/163) يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى "مجموع الفتاوى" (23/112) : " ثبت أن أُبَىَّ بن كعب كان يقوم بالناس عشرين ركعة فى قيام رمضان، ويوتر بثلاث، فرأى كثير من العلماء أن ذلك هو السنة؛ لأنه أقامه بين المهاجرين والانصار ولم ينكره منكر، واستحب آخرون تسعة وثلاثين ركعة، بناء على أنه عمل أهل المدينة القديم " انتهى. أما ما جاء من رواية الإمام مالك ويحيى القطان وغيرهما عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد في "الموطأ" (1/115) وفي "مصنف ابن أبي شيبة" (2/162) بلفظ: (إحدى عشرة ركعة) فهو محمول على أنه كان في بداية الأمر، ثم خُفِّفَ بعدُ على الناس، فزاد عمر الركعات إلى عشرين ليخفف على الناس القراءة في القيام. قال ابن عبد البر في "الاستذكار" (2/68) : " إلا أنه يحتمل أن يكون القيام في أول ما عمل به عمر بإحدى عشرة ركعة، ثم خفف عليهم طول القيام، ونقلهم إلى إحدى وعشرين ركعة، يخففون فيها القراءة ويزيدون في الركوع والسجود، إلا أن الأغلب عندي في إحدى عشرة ركعة الوهم، والله أعلم " انتهى. ويقول ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (23/113) : " وأُبَىٌّ بن كعب لما قام بهم وهم جماعة واحدة لم يمكن أن يطيل بهم القيام، فكثر الركعات ليكون ذلك عوضا عن طول القيام، وجعلوا ذلك ضعف عدد ركعاته، فإنه كان يقوم بالليل إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة، ثم بعد ذلك كأن الناس بالمدينة ضعفوا عن طول القيام، فكثروا الركعات، حتى بلغت تسعا وثلاثين " انتهى. ثانيا: صلاة الليل الباب فيها واسع، وهي غير محصورة بعدد، فمن شاء قامها بإحدى عشرة ركعة، ومن شاء زاد أو نقص، وكذلك صلاة التراويح في رمضان. يقول ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (23/113) : " وقال طائفة: قد ثبت فى الصحيح عن عائشة (أن النبى لم يكن يزيد فى رمضان ولا غيره على ثلاث عشرة ركعة) واضطرب قوم فى هذا الأصل؛ لما ظنوه من معارضة الحديث الصحيح لما ثبت من سنة الخلفاء الراشدين وعمل المسلمين. والصواب أن ذلك جميعه حسن، كما قد نص على ذلك الامام أحمد رضى الله عنه، وأنه لا يتوقت فى قيام رمضان عدد، فان النبى لم يوقت فيها عددا " انتهى. ويقول الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى "مجموع الفتاوى" (11/322) : " وثبت عن عمر رضي لله عنه أنه أمر من عين من الصحابة أن يصلي إحدى عشرة، وثبت عنهم أنهم صلوا بأمره ثلاثا وعشرين، وهذا يدل على التوسعة في ذلك، وأن الأمر عند الصحابة واسع، كما دل عليه قوله عليه الصلاة والسلام: (صلاة الليل مثنى مثنى) " انتهى وانظر جواب السؤال رقم (9036) (38021) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82152 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2192 زاد ركعة في أحد تسليمات التراويح [السُّؤَالُ] ـ[قام الإمام في الركعة الثالثة في صلاة التراويح وأنهى الصلاة ثم أخبروه أنه صلى ثلاثة، فهل يسجد للسهو أم يكملها أربعاً؟.]ـ [الْجَوَابُ] عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله بقوله: يسجد للسهو، ثم يكمل الصلاة مثنى مثنى، كما لو كان هذا في الفريضة. انتهى والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن صالح العثيمين الحديث: 8825 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2193 الإطالة في الدعاء في صلاة التراويح [السُّؤَالُ] ـ[بعض أئمة المساجد في رمضان يطيلون في الدعاء ويعضهم يقصر، فما هو الصحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصحيح ألا يكون غلو ولا تقصير، فالإطالة التي تشق على الناس منهي عنها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه أن معاذ بن جبل أطال الصلاة في قومه غضب عليه غضباً شديداً لم يغضب في موعظة مثله قط، وقال لمعاذ بن جبل: (يا معاذ أفتان أنت) البخاري في الأدب (6106) ، ومسلم في الصلاة (465) ، فالذي ينبغي أن يقتصر على الكلمات الواردة أو يزيد. ولا شك في أن الإطالة شاقة على الناس وترهقهم، ولاسيما الضعفاء منهم، ومن الناس من يكون وراءه أعمال، ولا يحب أن ينصرف قبل الإمام ويشق عليه أن يبقى مع الإمام، فنصيحتي لإخواني الأئمة أن يكونوا بين بين، كذلك ينبغي أن يترك الدعاء أحياناً حتى لا يظن العامة أن الدعاء واجب. [الْمَصْدَرُ] كتاب الدعوة ج/5 الشيخ ابن عثيمين (2/198) . الحديث: 26149 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2194 صلى بزوجته وأولاده قيام الليل في البيت سرّاً [السُّؤَالُ] ـ[نويت أن أحيى ليلة القدر فى المسجد، ولكن لم أستطع، فصليت التراويح فى بيتي أنا وزوجتي وأولادي. فهل تصح صلاتي هذه أم لا؟ سؤالي الثاني: لقد صليت ثنتي عشرة ركعة أنا وأسرتي، وكنت أنا الإمام، ولكن صليت بهم سرا وليس جهرا. أفيدونى أفادكم الله؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد للَّه أولا: صلاة التراويح في البيت جائزة لا حرج فيها، إلا أن صلاتها جماعة في المسجد أفضل. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: عندما يمر شهر رمضان وحان وقت صلاة التراويح، هل أذهب إلى المسجد أم أصلي في بيتي، وأنا لست إماما ولكن مأموم، وأحب أن أقرأ القرآن، وأفضل قراءتي عن استماعي، وإذا صليت في بيتي هل فيه ذنب علي، نقصد صلاة التراويح فقط؟ فأجابوا: "لا حرج عليك في صلاتها في البيت لكونها نافلة، لكن صلاتها مع الإمام في المسجد أفضل، تأسِّياً بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه لما صلى بهم التراويح في بعض الليالي إلى ثلث الليل وقال له بعضهم: لو نَفَّلتَنا بقيةَ ليلتنا: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له قيام ليلته) رواه أحمد (5/159) وأصحاب السنن بإسناد حسن من حديث أبي ذر رضي الله عنه " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (7/201-202) . ثانيا: الأصل في صلاة التراويح أنها من الصلوات الجهرية لما ثبت عن الصحابة رضوان الله عليهم في صلاتها زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث كان أبي بن كعب وغيره يقومون بالناس فيطيلون القراءة. ولكن الجهر في الصلاة الجهرية، والإسرار في الصلاة السرية بالنسبة للإمام هو من مندوبات الصلاة، وليس من واجباتها، كما هو مذهب جمهور أهل العلم من المالكية والشافعية والحنابلة. جاء في "الموسوعة الفقهية" (16/188) : " يرى جمهور الفقهاء أنّ الجهر فيما يجهر به والإخفات فيما يخافت فيه سنّة من سنن الصّلاة، وذهب الحنفيّة إلى أنّه يجب الجهر فيما يجهر به والمخافتة فيما يخافت فيه " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "نور على الدرب" (الصلاة/218) : " الجهر بالقراءة في الصلاة الجهرية ليس على سبيل الوجوب، بل هو على سبيل الأفضلية، فلو أن الإنسان قرأ سرّاً فيما يشرع فيه الجهر لم تكن صلاته باطلة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن) ولم يقيد هذه القراءة بكونها جهراً أو سراً، فإذا قرأ الإنسان ما تجب قراءته سرّاً أو جهراً فقد أتى بالواجب، لكن الأفضل فيما يسن فيه الجهر كالركعتين الأوليين من صلاتي المغرب والعشاء وكصلاة الفجر وصلاة الجمعة وصلاة العيد وصلاة الاستسقاء وصلاة التراويح وما أشبه ذلك مما هو معروف، ولو تعمد الإنسان وهو إمام أن لا يجهر فصلاته صحيحة، لكنها ناقصة، أما المنفرد إذا صلى صلاة جهرية فإنه يخير بين الجهر والإسرار، وينظر ما هو أنشط له وأقرب إلى الخشوع فيقوم به " انتهى وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (6/392) : "ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر بالقراءة في ركعتي الصبح، وفي الأوليين من صلاة المغرب وصلاة العشاء، فكان الجهر في ذلك سنة، والمشروع في حق أمته أن تقتدي به لقوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) الأحزاب/21، ولما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (صَلُّوا كَمَا رَأَيتُمُونِي أُصَلِّي) . وإن أسر في موضع الجهر كان تاركا للسنة، ولا تبطل صلاته بذلك " انتهى. والخلاصة: أن صلاتك صحيحة ولا شيء عليك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 81146 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2195 صلاة التراويح للمسافر [السُّؤَالُ] ـ[لما كان لشعائر شهر رمضان خصوصية لكل مسلم والنشاط في العبادات من السمات الظاهرة عليه , أريد أن أسأل عن أداء صلاة التراويح لمن هو في حكم المسافر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صلاة التراويح في رمضان هي من قيام الليل، الذي مدح الله أهله بقوله: (كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) الذاريات/17، وقد قام النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان وغيره، ولم يترك قيام الليل حضرا ولا سفرا. قال ابن القيم رحمه الله: "ولم يكن صلى الله عليه وسلم يدع قيام الليل حضرا ولا سفرا، وكان إذا غلبه نوم أو وجع صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة" انتهى من "زاد المعاد" (1/311) . وقد روى البخاري (945) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ يُومِئُ إِيمَاءً، صَلَاةَ اللَّيْلِ، إِلَّا الْفَرَائِضَ، وَيُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ) . وروى البخاري (1034) عن سَالِم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُصَلِّي عَلَى دَابَّتِهِ مِنْ اللَّيْلِ وَهُوَ مُسَافِرٌ، مَا يُبَالِي حَيْثُ مَا كَانَ وَجْهُهُ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: (وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَبِّحُ عَلَى الرَّاحِلَةِ قِبَلَ أَيِّ وَجْهٍ تَوَجَّهَ، وَيُوتِرُ عَلَيْهَا، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَةَ) . والذي يتركه المسافر من النوافل إنما هو: راتبة الظهر القبلية والبعدية وراتبة المغرب وراتبة العشاء فقط، أما ما عدا ذلك من الرواتب وسائر النوافل فهي مشروعة للمسافر والمقيم. روى مسلم في صحيحه (1112) عن حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، فَصَلَّى لَنَا الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَقْبَلَ وَأَقْبَلْنَا مَعَهُ حَتَّى جَاءَ رَحْلَهُ، وَجَلَسَ وَجَلَسْنَا مَعَهُ فَحَانَتْ مِنْهُ الْتِفَاتَةٌ نَحْوَ حَيْثُ صَلَّى، فَرَأَى نَاسًا قِيَامًا، فَقَالَ مَا يَصْنَعُ هَؤُلَاءِ؟ قُلْتُ: يُسَبِّحُونَ (أي: يصلون الراتبة) قَالَ: لَوْ كُنْتُ مُسَبِّحًا لَأَتْمَمْتُ صَلَاتِي، يَا ابْنَ أَخِي، إِنِّي صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ، فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، وَصَحِبْتُ أَبَا بَكْرٍ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، وَصَحِبْتُ عُمَرَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، ثُمَّ صَحِبْتُ عُثْمَانَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) . وَقَوْله: (وَلَوْ كُنْت مُسَبِّحًا لَأَتْمَمْت) مَعْنَاهُ: لَوْ اِخْتَرْت التَّنَفُّل لَكَانَ إِتْمَام فَرِيضَتِي أَرْبَعًا أَحَبّ إِلَيَّ , وَلَكِنِّي لَا أَرَى وَاحِدًا مِنْهُمَا , بَلْ السُّنَّة الْقَصْر وَتَرْك السنة الراتبة. وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما رأيكم في المسافرين هل الأفضل لهم أن يصلوا التراويح في رمضان أم لا؟ (وهم يقصرون الصلاة) . فأجابوا: "قيام رمضان سنة، سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا أخذها عنه الصحابة رضوان الله عليهم وعملوا بها، واستمرت إلى يومنا هذا، وقد ثبت في الصحيحين من حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم صلاها ليالي فصلوها معه، ثم تأخر وصلى في بيته باقي الشهر، وقال: (إني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها) ، وفي البخاري أن عمر جمع الناس على أبي بن كعب فصلى بهم التراويح، وثبت في الصحيحين من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه سأل عائشة رضي الله عنها: كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: (ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة) وكان صلى الله عليه وسلم يسافر في رمضان، ومن ذلك سفره صلى الله عليه وسلم لفتح مكة، فقد خرج صلى الله عليه وسلم لعشر مضين من رمضان في سنة ثمان من الهجرة، قال ابن القيم: (ولم يكن صلى الله عليه وسلم يدع قيام الليل حضراً ولا سفراً، وكان إذا غلبه نوم أو وجع صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة) وبذلك يتبين أنهم إذا صلوها في سفر فقد أصابوا السنة" انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (7/206) . والحاصل: أن صلاة التراويح تستحب للمسافر كما تستحب للمقيم؛ لمواظبته صلى الله عليه وسلم على قيام الليل في السفر والحضر. نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياك لطاعته ومرضاته. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 79593 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2196 المراد بصلاة الشفع والوتر [السُّؤَالُ] ـ[من المتداول أن من السنن المؤكدة الشفع والوتر. فهل هناك حديث عن صلاة الشفع؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الشفع في اللغة هو الزوج (أي العدد الزوجي) ، عكس الوتر الذي هو الفرد، والسنن الثابتة بعد صلاة العشاء ثلاثة: 1- سنة العشاء البعدية: وهي ركعتان. 2- قيام الليل، فيصلي ما شاء ركعتين ركعتين. 3- الوتر، فله أن يوتر بركعة واحدة، أو ثلاث أو خمس أو سبع أو تسع. انظر جواب السؤال (46544) . وإذا اختار أن يوتر بثلاث فإما أن يصليها متصلة بتشهد واحد، وإما أن يصلي ركعتين ثم يسلم ثم يصلي ركعة واحدة. وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن أدنى الكمال الوتر أن يوتر الإنسان بثلاث ركعات، سواء فعلها متصلة أو منفصلة، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " أدنى الكمال في الوتر أن يصلي ركعتين ويسلم، ثم يأتي بواحدة ويسلم. ويجوز أن يجعلها بسلام واحد، لكن بتشهد واحد لا بتشهدين؛ لأنه لو جعلها بتشهدين لأشبهت صلاة المغرب، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تُشبّه بصلاة المغرب " انتهى من "الشرح الممتع" (4/21) . وروى ابن حبان (2435) عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يفصل بين شفعه ووتره بتسليمة، وأخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك. قال الحافظ في الفتح (2/482) : إسناده قوي. وهذا الحديث يدل على أن المراد بالشفع الركعتان قبل ركعة الوتر. قال الشيخ الألباني رحمه الله في رسالته " صلاة التراويح " بعد أن ذكر صفات صلاة الوتر المتنوعة الواردة في السنة: " ويتلخص فمن كل ما سبق أن الإيتار بأي نوع من هذه الأنواع المتقدمة جائز حسن، وأن الإيثار بثلاث بتشهدين كصلاة المغرب لم يأت فيه حديث صحيح صريح، بل هو لا يخلو من كراهة، ولذلك نختار أن لا يقعد بين الشفع والوتر، وإذا قعد سَلَّم، وهذا هو الأفضل " انتهى. وبعض الناس يظن أن الشفع هو سنة العشاء البعدية، وليس الأمر كذلك. جاء في "فتاوى اللجنة الدئمة" (7/255) : " سنة العشاء البعدية وهي ركعتان، خلاف الشفع والوتر " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 72246 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2197 يقرأ خواتيم سورة البقرة في صلاة الوتر [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم المداومة على قراءة نهاية سورة البقرة في التسليمة الخامسة من صلاة التراويح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله مداومة الإمام على قراءة خواتيم سورة البقرة في التراويح أو الشفع والوتر، إن اعتقد أنه سنة، فقط أخطأ. والثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ بالأعلى والكافرون والإخلاص. لما روى أبو داود (1423) والنسائي (1736) وابن ماجه (1171) واللفظ له، عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بسبح اسم ربك الأعلى، وقل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد) . صححه الألباني في صحيح النسائي. فمن أراد اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فهذه سنته، ولا حرج إذا قرأ غير ذلك من القرآن الكريم، لكن لا يداوم على شيء معين لا يتعداه إلى غيره، فإن هذا قد يُدخل فعله ذلك في البدعة المذمومة لأنه بذلك يخص صلاة بقراءة معينة لم يخصها الرسول صلى الله عليه وسلم، ويتقرب إلى الله بما لم يشرعه، وهذا من البدع. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69902 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2198 القراءة من المصحف في صلاة التراويح [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم القراءة من المصحف في صلاة التروايح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا بأس بالقراءة من المصحف في الصلاة، فقد كان لعائشة رضي الله عنها غلام يؤمها من المصحف في رمضان. رواه البخاري معلقاً (1/245) . وقال ابن وهب: قال ابن شهاب: كان خيارنا يقرءون في المصاحف في رمضان. "المدونة" (1/224) . وقال النووي: "لو قرأ القرآن من المصحف لم تبطل صلاته سواء كان يحفظه أم لا، بل يجب عليه ذلك إذا لم يحفظ الفاتحة, ولو قلَّب أوراقه أحيانا في صلاته لم تبطل ...... هذا مذهبنا ومذهب مالك وأبي يوسف ومحمد وأحمد " انتهى من "المجموع" (4/27) بتصرف. وقال سحنون: وقال مالك: لا بأس بأن يؤم الإمام بالناس في المصحف في رمضان وفي النافلة. قال ابن القاسم: وكره ذلك في الفريضة. "المدونة" (1/224) . وأما اعتراض من اعترض على ذلك بأن حمل المصحف وتقليب أوراقه في الصلاة حركة كثيرة فهو اعتراض غير صحيح، لأنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالناس وهو حامل أمامة بنت ابنته. رواه البخاري (494) ومسلم (543) ، فحمل المصحف في الصلاة ليس أعظم من حمل طفلة في الصلاة. وقد سبق ذكر فتوى الشيخ ابن باز بجواز ذلك في جواب السؤال (1255) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69670 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2199 هل للمأموم أن يقرأ من المصحف خلف إمامه بغير قراءة الإمام؟ [السُّؤَالُ] ـ[أصلي مقتدياً خلف الإمام في صلاة التراويح، ولكن بعد تأمينه وقراءتي الفاتحة أقرأ من مصحف في يدي من ختمتي الخاصة، ثم أتابع الإمام في سائر الصلاة، فهل يجوز قراءتي بعد الفاتحة من مصحفي مع العلم أني أقرأ بسورة مختلفة عما يقرأ الإمام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الواجب على المأموم أن يقرأ الفاتحة ثم ينصت لقراءة إمامه، ولا يجوز له أن يقرأ زيادة على الفاتحة، سواء قرأها من حفظه أم من مصحف. فقد أمرَ الله تعالى المصلِّين وغيرهم أن يستمعوا وينصتوا إذا قُرِئ عليهم القرآن، فقال تعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) الأعراف/204. وهكذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فعَنْ أَبِي موسى الأشعري رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا) رواه مسلم (404) . ولا يُستثنَى من هذا إلا قراءة الفاتحة فقط. فعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلاةِ الْفَجْرِ، فَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: (لَعَلَّكُمْ تَقْرَءُونَ خَلْفَ إِمَامِكُمْ؟) قُلْنَا: نَعَمْ، هَذًّا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: (لا تَفْعَلُوا إِلا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، فَإِنَّهُ لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا) رواه أبو داود (823) وصححه الشيخ ابن باز في "فتاواه" (11/221) . وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: " لا يجوز للمأموم في الصلاة الجهرية أن يقرأ زيادة على الفاتحة بل الواجب عليه بعد ذلك الإنصات لقراءة الإمام لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَعَلَّكُمْ تَقْرَءُونَ خَلْفَ إِمَامِكُمْ) قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: (لا تَفْعَلُوا إِلا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا) ، ولقول الله سبحانه: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) وقوله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا) . وإنما يستثنى من ذلك قراءة الفاتحة فقط للحديث السابق ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ) متفق على صحته " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (11 / 234) . ثانياً: وقد سبق في جواب السؤال رقم (52876) أنه ينبغي للمأموم ألا يحمل المصحف خلف إمامه، وأن حمله له خلاف السنة، هذا إذا كان سيتابع قراءة إمامه، إما إذا كان سيحمل المصحف ويقرأ غير قراءة الإمام فقد سبق أن ذلك حرام، لأنه لا يجوز للمأموم في الصلاة الجهرية أن يزيد على قراءة الفاتحة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 66742 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2200 تطويل الركعة الثانية وتقصير الأولى [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الصلاة خلف إمام يقصر في الركعة الأولى، ويطول في الركعة الثانية؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله السنة في الصلاة تطويل الركعة الأولى، وتقصير الثانية، لما روى البخاري (759) ومسلم (685) عن أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ مِنْ صَلاةِ الظُّهْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ، يُطَوِّلُ فِي الأُولَى، وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ، وَيُسْمِعُ الآيَةَ أَحْيَانًا، وَكَانَ يَقْرَأُ فِي الْعَصْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ، وَكَانَ يُطَوِّلُ فِي الأُولَى، وَكَانَ يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى مِنْ صَلاةِ الصُّبْحِ، وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ. وبوب البخاري رحمه الله في صحيحه: (باب يطول في الركعة الأولى) وساق تحته حديث أبي قتادة (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطول في الركعة الأولى من صلاة الظهر، ويقصِّر في الثانية، ويفعل ذلك في صلاة الصبح) . قال الحافظ ابن حجر: (قوله باب يطول في الركعة الأولى) أي في جميع الصلوات، وهو ظاهر الحديث المذكور) انتهى من فتح الباري (2/305) . وقال النووي رحمه الله: (وقوله "وكان يطول الركعة الأولى ويقصر الثانية": هذا مما اختلف العلماء في العمل بظاهره، وهما وجهان لأصحابنا، أشهرهما عندهم: لا يطول، والحديث متأول على أنه طوّل بدعاء الافتتاح والتعوذ، أو لسماع دخول داخل في الصلاة ونحوه لا في القراءة. والثاني: أنه يستحب تطويل القراءة في الأولى قصداً، وهذا هو الصحيح المختار الموافق لظاهر السنة) انتهى من شرح مسلم (4/175) . وعليه؛ فإذا كان الإمام يطول الركعة الثانية على الأولى، ويلتزم ذلك ويعتاده، فهذا خلاف السنة، وينبغي نصحه وإرشاده ليوافق سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن خير الهدى محمد صلى الله عليه وسلم. لكن تطويل الأولى على الثانية، ليس واجبا ولا شرطا لصحة الصلاة، بل هو أولى وأكمل. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 66133 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2201 هل يجتمعن في بيت إحداهن لأداء صلاة التراويح؟ [السُّؤَالُ] ـ[نحن في قرية لا يوجد فيها نساء يذهبن إلى الجامع , والجامع أيضاً لا يوجد فيه مكان مخصص للنساء , فهل يجوز لمجموعة من النساء التجمع في أحد المنازل لصلاة التراويح لوحدهن في جماعة؟ وإن جاز فهل الصلاة تكون سرية أو ماذا؟ وكيف يمكن لهن الصلاة في جماعة إذا كانت الصلاة جهرية كالصبح أو العشاء وكانت إحداهن إماماً فهل تجهر بالقراءة أو لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يجوز للنساء أن يجتمعن لأداء صلاة التراويح في بيت إحداهنَّ بشرط عدم التبرج والزينة في الخروج، وبشرط الأمن وعدم الفتنة. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ولا بأس بحضور النساء صلاة التراويح إذا أمنت الفتنة، بشرط أن يخرجن محتشمات غير متبرجات بزينة ولا متطيبات " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (14/السؤال رقم 808) . والأفضل لهن أن تصلي كل واحدة منهن في بيتها، بل في قعر بيتها، وقد نصَّ النبي صلى الله عليه وسلم على أن صلاة النساء للفرض في بيوتهن خير لهنَّ من الصلاة في المساجد، فأولى أن تكون النافلة مثله. عن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خَيْرُ مَسَاجِدِ النِّسَاءِ قَعْرُ بُيُوتِهِنَّ) . رواه أحمد (26002) وحسَّنه الألباني في "صحيح الترغيب" (341) . بل إن صلاة المرأة في بيتها خير من صلاة جماعة في المسجد الحرام أو النبوي خلف النبي صلى الله عليه وسلم. عَنْ أُمِّ حُمَيْدٍ امْرَأَةِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنهما أَنَّهَا جَاءَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُحِبُّ الصَّلاةَ مَعَكَ. قَالَ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلاةَ مَعِي، وَصَلاتُكِ فِي بَيْتِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي حُجْرَتِكِ، وَصَلاتُكِ فِي حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلاتِكِ فِي دَارِكِ، وَصَلاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ، وَصَلاتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي مَسْجِدِي. قَالَ: فَأَمَرَتْ، فَبُنِيَ لَهَا مَسْجِدٌ فِي أَقْصَى شَيْءٍ مِنْ بَيْتِهَا وَأَظْلَمِهِ، فَكَانَتْ تُصَلِّي فِيهِ حَتَّى لَقِيَتْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ. رواه أحمد (26550) وصححه ابن خزيمة (1689) ، وحسَّنه الألباني في "صحيح الترغيب" (340) . والحديث بوَّب عليه الإمام ابن خزيمة بقوله: باب اختيار صلاة المرأة في حجرتها على صلاتها في دارها، وصلاتها في مسجد قومها على صلاتها في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وإن كانت صلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم تعدل ألف صلاة في غيرها من المساجد، والدليل على أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: " صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد " أراد به صلاة الرجال دون صلاة النساء. وقال الشيخ عبد العظيم آبادي رحمه الله: ووجه كون صلاتهن في البيوت أفضل للأمن من الفتنة، ويتأكد ذلك بعد وجود ما أحدث النساء من التبرج والزينة. " عون المعبود " (2 / 193) . ثانياً: إذا اجتمعت النساء في بيتٍ وفق الشروط السابقة جاز أن يصلين جماعة، وتقف إمامتهن في وسطهن ولا تتقدّم عليهن، ولا تؤم الرجال ولو كانوا من محارمها، وتجهر بصلاتها كما يجهر الرجل في الصلوات الجهرية، على أن لا تُسمع صوتها الرجال إلا أن يكونوا من محارمها. عن أم ورقة بنت عبد الله بن نوفل الأنصارية أنها استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم أن تتخذ في دارها مؤذنا فأذن لها ... وأمرها أن تؤم أهل دارها. رواه أبو داود (591) وحسنة الشيخ الألباني في " إرواء الغليل " (493) . وعن عائشة أنها كانت تؤذن وتقيم وتؤم النساء وتقف وسطهن. وعن عائشة أنها أمت نسوة في المكتوبة فأمتهن بينهن وسطاً. وعَنْ حُجَيْرَة بنت حصين قَالَتْ: أَمَّتْنَا أُمُّ سَلَمَةَ قَائِمَةً وَسَطَ النِّسَاءِ. وعن أم الحسن أنها رأت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تؤم النساء تقوم معهن في صفهن. قال الشيخ الألباني رحمه الله بعد تخريج تلك الآثار: وبالجملة فهذه الآثار صالحة للعمل بها ولاسيما وهي مؤيدة بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: " إنما النساء شقائق الرجال " ... . " صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم " (ص 153 – 155) باختصار. وقال ابن قدامة رحمه الله: وتجهر في صلاة الجهر، وإن كان ثَمَّ (أي هناك) رجالٌ: لا تجهر، إلا أن يكونوا من محارمها، فلا بأس. " المغني " (2 / 17) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65965 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2202 تريد أن تتهجد آخر الليل فهل توتر مع الإمام في التروايح؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا امرأة مسلمة أحافظ على أداء صلاة التراويح. وفي الغالب إذا لم أذهب إلى الصلاة في المسجد فإن أخي الذي يصغرني سناً لا يذهب أيضاً. وإذا ذهبنا إلى المسجد نصلي الوتر مع الإمام. وقد اعتدت على الاستيقاظ في جوف الليل لصلاة التهجد وقراءة القرآن، ولكني بعد صلاة الوتر لا أستطيع أن أصلي صلاة التهجد. فما هو الخيار الأفضل بالنسبة لي؟ أداء صلاة التراويح في المسجد حتى يصلي أخي في المسجد أم البقاء في البيت لأصلي صلاة التهجد في جوف الليل؟ أيهما أكثر أجراً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذهابك للمسجد، وحضورك التروايح مع الجماعة، ولقاؤك بأخواتك المسلمات، كل ذلك خير وهدى والحمد لله. وكونك تعينين أخاك على هذا الخير، طاعة أخرى تضاف لذلك. ولا تعارض بين هذا وبين تهجدك آخر الليل، فبإمكانك أن تجمعي بين هذه الفضائل كلها. وذلك بأحد أمرين: الأول: أن توتري مع الإمام، ثم إذا تيسر لك التهجد بعد ذلك، فصلِّ ما كتب الله لك ركعتين ركعتين، دون أن تعيدي صلاة الوتر مرة أخرى، لأنه لا وتران في ليلة. الثاني: أن تؤخري الوتر إلى آخر الليل، فإذا سلم الإمام من صلاة الوتر فإنك لا تسلمين معه، بل تقومين وتزيدين ركعة، ليكون وترك آخر الليل. وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: بعض الناس إذا صلى مع الإمام الوتر وسلم الإمام قام وأتى بركعة ليكون وتره آخر الليل، فما حكم هذا العمل؟ وهل يعتبر انصرف مع الإمام؟ فأجاب: " لا نعلم في هذا بأساً، نص عليه العلماء، ولا حرج فيه حتى يكون وتره في آخر الليل. ويصدق عليه أنه قام مع الإمام حتى ينصرف، لأنه قام معه حتى انصرف الإمام وزاد ركعة لمصلحة شرعية حتى يكون وتره آخر الليل فلا بأس بهذا، ولا يخرج به عن كونه ما قام مع الإمام، بل هو قام مع الإمام حتى انصرف لكنه لم ينصرف معه، بل تأخر قليلا " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (11/312) . وسئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله سؤالا مشابها، فأجاب: " يفضّل في حق المأموم متابعة الإمام حتى ينصرف من التراويح والوتر؛ ليصدق عليه أنه صلى مع الإمام حتى انصرف، فيكتب له قيام ليلة، وكما فعله الإمام أحمد وغيره من العلماء. وعلى هذا فإن أوتر معه وانصرف معه، فلا حاجة إلى الوتر آخر الليل، فإن استيقظ آخر الليل صلى ما كُتب له شفعا (أي ركعتين ركعتين) ولا يعيد الوتر، فإنه لا وتران في ليلة ... وفضّل بعض العلماء أن يشفع الوتر مع الإمام (أي يزيد ركعة) ، بأن يقوم بعد سلام الإمام فيصلي ركعة ثم يسلم، ويجعل وتره آخر تهجده؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى) ، وكذا قوله: (اجْعَلُوا آخِرَ صَلاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا) " انتهى نقلا عن "فتاوى رمضان" (ص 826) . وأفتت اللجنة الدائمة بأن هذا الأمر الثاني: حسن. "فتاوى اللجنة الدائمة" (7/207) . نسأل الله لك التوفيق والسداد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65702 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2203 هل يكرر السورة نفسها في الصلاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[لا أحفظ الكثير من سور القرآن لأني لا أزال أتعلم، فهل يجوز أن أعيد قراءة نفس السور في صلاة التراويح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج في إعادة قراءة نفس السورة في صلاة التراويح، أو غيرها من الصلوات، فيقرأ سورة في الركعة الأولى، ثم يعيد السورة نفسها في الركعة الثانية. ودليل ذلك عموم قول الله تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) المزمل/20. وروى أبو داود (816) عَنْ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجُهَنِيِّ أَنَّ رَجُلا مِنْ جُهَيْنَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ: (إِذَا زُلْزِلَتْ الأَرْضُ) فِي الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا. فَلا أَدْرِي أَنَسِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ قَرَأَ ذَلِكَ عَمْدًا؟ حسنه الألباني في صحيح أبي داود. قال عبد العظيم آبادي: تردد الصحابي في أن إعادة النبي صلى الله عليه وسلم للسورة هل كان نسيانا لكون المعتاد من قراءته أن يقرأ في الركعة الثانية غير ما قرأ به في الأولى فلا يكون مشروعا لأمته أو فعله عمد البيان الجواز؟ فتكون الإعادة مترددة بين المشروعية وعدمها وإذا دار الأمر بين أن يكون مشروعا أو غير مشروع فحمل فعله صلى الله عليه وسلم على المشروعية أولى لأن الأصل في أفعاله التشريع والنسيان على خلاف الأصل. " عون المعبود " (3 / 23) . بل لا حرج أن يكرر السورة نفسها أو الآية نفسها في الركعة الواحدة. روى النسائي (1010) وابن ماجه (1350) عن أَبي ذَرٍّ رضي الله عنه قال: قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِآيَةٍ حَتَّى أَصْبَحَ يُرَدِّدُهَا، وَالآيَةُ: (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) حسنه الألباني في صحيح النسائي. وروى البخاري (5014) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَجُلا سَمِعَ رَجُلا يَقْرَأُ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) يُرَدِّدُهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، وَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ) . وفي رواية: (أَنَّ رَجُلا قَامَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ مِنْ السَّحَرِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ لا يَزِيدُ عَلَيْهَا) . فأقره الرسول صلى الله عليه وسلم على تكرار السورة نفسها. قال الحافظ: " الْقَارِئ هُوَ قَتَادَةُ بْن النُّعْمَان , أَخْرَجَ أَحْمَد مِنْ طَرِيق أَبِي الْهَيْثَم عَنْ أَبِي سَعِيد قَالَ: (بَاتَ قَتَادَةُ بْن النُّعْمَان يَقْرَأ مِنْ اللَّيْل كُلّه قُلْ هُوَ اللَّه أَحَد لا يَزِيد عَلَيْهَا) الْحَدِيث. . . وَقَدْ أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيق إِسْحَاق بْن الطَّبَّاع عَنْ مَالِك فِي هَذَا الْحَدِيث بِلَفْظِ: (إِنَّ لِي جَارًا يَقُوم بِاللَّيْلِ فَمَا يَقْرَأ إِلا بـ قُلْ هُوَ اللَّه أَحَد) " انتهى. ونسأل الله أن يوفقك لحفظ كتابه، والعمل بما فيه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65562 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2204 هل لا بد له من إتمام صلاة التراويح مع الإمام حتى يؤجر؟ [السُّؤَالُ] ـ[لقد ذكر أحد الأئمة أنه يجب أن تختم صلاة التراويح مع الإمام ولا تتركها في المنتصف لأنه لن تحسب لك ما قمته معه سواء ركعتين أو أربعة، فهل هذا صحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا شك أن هذا القول خطأ، ولا يحل لأحدٍ أن ينسب للشرع ما ليس فيه، وقد حرَّم الله تعالى القول عليه بغير علم فقال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) الأعراف/33. ومن قام مع إمامه حتى يتم صلاته كُتب له قيام ليلة. عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ) . رواه الترمذي (806) وأبو داود (1375) والنسائي (1605) وابن ماجه (1327) . والحديث: صححه الترمذي وابن خزيمة (3/337) وابن حبان (3/340) والألباني في "إرواء الغليل" (447) . ولا ينال هذا الثواب (وهو أجر قيام ليلة) إلا من قام مع الإمام في صلاتها كلها، حتى يتمها، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم. أما من صلى مع الإمام ما يتيسر له وانصرف قبل تمام صلاة الإمام فإنه يكتب له ما صلاه فقط، ولا يكتب له قيام ليلة. قال الله تعالى: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه) الزلزلة/7، 8. فلعل إمامكم أراد أن يقول ذلك فأخطأ في التعبير، أو لعلك لم تنتبه لمراده جيداً. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65501 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2205 هل من فرق بين صلاة التراويح وصلاة القيام [السُّؤَالُ] ـ[وددت لو علمت الفرق بين القيام والتراويح؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صلاة التراويح هي من قيام الليل، وليستا صلاتين مختلفتين كما يظنّه كثير من العوامّ، وإنما سميّ قيام الليل في رمضان بصلاة التراويح لأنّ السّلف رحمهم الله كانوا إذا صلّوها استراحوا بعد كلّ ركعتين أو أربع من اجتهادهم في تطويل صلاة قيام الليل اغتناما لموسم الأجر العظيم وحرصا على الأجر المذكور في قوله صلى الله عليه وسلم: " مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ. " رواه البخاري رقم 36، والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2730 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2206 عدد ركعات صلاة التراويح [السُّؤَالُ] ـ[لقد سألت هذا السؤال من قبل وأرجو الإجابة عنه بما يفيدني فإنني تلقيت إجابة غير مرضية والسؤال عن التراويح هل هي 11 ركعة أم 20 ركعة. فالسنة تقول 11 والشيخ الألباني رحمه الله في كتاب القيام والتراويح يقول 11 ركعة وبعض الناس يذهبون للمسجد الذي يصلي 11 ركعة والبعض الآخر يذهبون للمسجد الذي يصلي 20 ركعة وأصبحت المسألة حساسة هنا في الولايات المتحدة فمن يصلي 11 يلوم الذي يصلي 20 والعكس وصارت فتنة حتى في المسجد الحرام يصلون 20 ركعة. لماذا تختلف الصلاة في المسجد الحرام والمسجد النبوي عن السنة. لماذا يصلون التراويح 20 ركعة في المسجد الحرام والمسجد النبوي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا نرى أن يتعامل المسلم مع المسائل الاجتهادية بين أهل العلم بمثل هذه الحساسية فيجعل منها سبباً لحصول الفرقة والفتن بين المسلمين. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عند الكلام على مسألة من يصلي مع الإمام عشر ركعات ثم يجلس وينتظر صلاة الوتر ولا يكمل صلاة التراويح مع الإمام: ويؤسفنا كثيراً أن نجد في الأمة الإسلامية المتفتحة فئة تختلف في أمور يسوغ فيها الخلاف، فتجعل الخلاف فيها سبباً لاختلاف القلوب، فالخلاف في الأمة موجود في عهد الصحابة، ومع ذلك بقيت قلوبهم متفقة. فالواجب على الشباب خاصة، وعلى كل الملتزمين أن يكونوا يداً واحدةً ومظهراً واحداً؛ لأن لهم أعداءً يتربصون بهم الدوائر. " الشرح الممتع " (4 / 225) . وقد غلا في هذه المسألة طائفتان، الأولى أنكرت على من زاد على إحدى عشر ركعة وبدَّعت فعله، والثانية أنكروا على من اقتصر على إحدى عشر ركعة وقالوا: إنهم خالفوا الإجماع. ولنسمع إلى توجيه من الشيخ الفاضل ابن عثيمين رحمه الله حيث يقول: وهنا نقول: لا ينبغي لنا أن نغلو أو نفرط، فبعض الناس يغلو من حيث التزام السنة في العدد، فيقول: لا تجوز الزيادة على العدد الذي جاءت به السنَّة، وينكر أشدَّ النكير على من زاد على ذلك، ويقول: إنه آثم عاصٍ. وهذا لا شك أنه خطأ، وكيف يكون آثماً عاصياً وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل فقال: مثنى مثنى، ولم يحدد بعدد، ومن المعلوم أن الذي سأله عن صلاة الليل لا يعلم العدد؛ لأن من لا يعلم الكيفية فجهله بالعدد من باب أولى، وهو ليس ممن خدم الرسول صلى الله عليه وسلم حتى نقول إنه يعلم ما يحدث داخل بيته، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن له كيفية الصلاة دون أن يحدد له بعدد: عُلم أن الأمر في هذا واسع، وأن للإنسان أن يصلِّيَ مائة ركعة ويوتر بواحدة. وأما قوله صلى الله عليه وسلم " صلوا كما رأيتموني أصلي " فهذا ليس على عمومه حتى عند هؤلاء، ولهذا لا يوجبون على الإنسان أن يوتر مرة بخمس، ومرة بسبع، ومرة بتسع، ولو أخذنا بالعموم لقلنا يجب أن توتر مرة بخمس، ومرة بسبع، ومرة بتسع سرداً، وإنما المراد: صلوا كما رأيتموني أصلي في الكيفية، أما في العدد فلا إلا ما ثبت النص بتحديده. وعلى كلٍّ ينبغي للإنسان أن لا يشدد على الناس في أمر واسع، حتى إنا رأينا من الإخوة الذين يشددون في هذا مَن يبدِّعون الأئمة الذين يزيدون على إحدى عشرة، ويخرجون من المسجد فيفوتهم الأجر الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم " من قام مع الإمام حتى ينصرف كُتب له قيام ليلة " رواه الترمذي (806) وصححه الألباني في صحيح الترمذي (646) ، وقد يجلسون إذا صلوا عشر ركعات فتنقطع الصفوف بجلوسهم، وربما يتحدثون أحياناً فيشوشون على المصلين. ونحن لا نشك بأنهم يريدون الخير، وأنهم مجتهدون، لكن ليس كل مجتهدٍ يكون مصيباً. والطرف الثاني: عكس هؤلاء، أنكروا على من اقتصر على إحدى عشرة ركعة إنكاراً عظيماً، وقالوا: خرجتَ عن الإجماع قال تعالى: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً} ، فكل من قبلك لا يعرفون إلا ثلاثاً وعشرين ركعة، ثم يشدِّدون في النكير، وهذا أيضاً خطأ. " الشرح الممتع " (4 / 73 – 75) . أما الدليل الذي استدل القائلون بعدم جواز الزيادة في صلاة التراويح على ثمان ركعات فهو حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه سأل عائشة رضي الله عنها: " كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ فقالت: ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة يصلي أربعا فلا تسل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعا فلا تسل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثا فقلت يا رسول الله أتنام قبل أن توتر قال يا عائشة إن عينيَّ تنامان ولا ينام قلبي ". رواه البخاري (1909) ومسلم (738) . فقالوا: هذا الحديث يدل على المداومة لرسول الله في صلاته في الليل في رمضان وغيره. وقد ردَّ العلماء على الاستدلال بهذا الحديث بأن هذا من فعله صلى الله عليه وسلَّم، والفعل لا يدل على الوجوب. ومن الأدلة الواضحة على أن صلاة الليل ومنها صلاة التراويح غير مقيدة بعدد حديث ابن عمر أن رجلا سأل سول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام: " صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلَّى ". رواه البخاري (946) ومسلم (749) . ونظرة إلى أقوال العلماء في المذاهب المعتبرة تبين لك أن الأمر في هذا واسع، وأنه لا حرج في الزيادة على إحدى عشرة ركعة: قال السرخسي وهو من أئمة المذهب الحنفي: فإنها عشرون ركعة سوى الوتر عندنا. " المبسوط " (2 / 145) . وقال ابن قدامة: والمختار عند أبي عبد الله (يعني الإمام أحمد) رحمه الله، فيها عشرون ركعة، وبهذا قال الثوري، وأبو حنيفة، والشافعي، وقال مالك: ستة وثلاثون. " المغني " (1 / 457) . وقال النووي: صلاة التراويح سنة بإجماع العلماء، ومذهبنا أنها عشرون ركعة بعشر تسليمات وتجوز منفردا وجماعة. " المجموع " (4 / 31) . فهذه مذاهب الأئمة الأربعة في عدد ركعات صلاة التراويح وكلهم قالوا بالزيادة على إحدى عشرة ركعة، ولعل من الأسباب التي جعلتهم يقولون بالزيادة على إحدى عشرة ركعة: 1- أنهم رأوا أن حديث عائشة رضي الله عنها لا يقتضي التحديد بهذا العدد. 2- وردت الزيادة عن كثير من السلف. انظر: المغني (2 / 604) ، والمجموع (4 / 32) 3- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي إحدى عشرة ركعة وكان يطيلها جداً حتى كان يستوعب بها عامة الليل، بل في إحدى الليالي التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم صلاة التراويح بأصحابه لم ينصرف من الصلاة إلا قبيل طلوع الفجر حتى خشي الصحابة أن يفوتهم السحور، وكان الصحابة رضي الله عنهم يحبون الصلاة خلف النبي صلى الله عليه وسلم ولا يستطيلونها فرأى العلماء أن الإمام إذا أطال الصلاة إلى هذا الحد شق ذلك على المأمومين وربما أدى ذلك إلى تنفيرهم فرأوا أن الإمام يخفف من القراءة ويزيد من عدد الركعات. والحاصل: أن من صلى إحدى عشرة ركعة على الصفة الواردة عن الني صلى الله عليه وسلم فقد أحسن وأصاب السنة، ومن خفف القراءة وزاد عدد الركعات فقد أحسن، ولا إنكار على من فعل أحد الأمرين. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والتراويح إن صلاها كمذهب أبي حنيفة، والشافعي، وأحمد: عشرين ركعة أو: كمذهب مالك ستا وثلاثين، أو ثلاث عشرة، أو إحدى عشرة فقد أحسن، كما نص عليه الإمام أحمد لعدم التوقيف فيكون تكثير الركعات وتقليلها بحسب طول القيام وقصره. الاختيارات ص (64) . قال السيوطي: الذي وردت به الأحاديث الصحيحة والحسان الأمر بقيام رمضان والترغيب فيه من غير تخصيص بعدد، ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى التراويح عشرين ركعة، وإنما صلى ليالي صلاة لم يذكر عددها، ثم تأخر في الليلة الرابعة خشية أن تفرض عليهم فيعجزوا عنها. وقال ابن حجر الهيثمي: لم يصح أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى التراويح عشرين ركعة، وما ورد أنه " كان يصلي عشرين ركعة " فهو شديد الضعف. الموسوعة الفقهية (27 / 142 – 145) وبعد فلا تعجب أخي السائل من صلاة التراويح عشرين ركعة وقد سبقوا من أولئك الأئمة جيلا قبل جيل، وفي كلٍّ خير. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 9036 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2207 فضل صلاة التراويح [السُّؤَالُ] ـ[ما هو فضل صلاة التراويح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: صلاة التراويح سنة مستحبة باتفاق العلماء، وهي من قيام الليل، فتشملها أدلة الكتاب والسنة التي وردت بالترغيب في قيام الليل، وبيان فضله. وقد سبق ذكر بعضها في السؤال رقم (50070) . ثانياً: قيام رمضان من أعظم العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه في هذا الشهر. قال الحافظ ابن رجب: "واعلم أن المؤمن يجتمع له في شهر رمضان جهادان لنفسه: جهاد بالنهار على الصيام، وجهاد بالليل على القيام، فمن جمع بين هذين الجهادين وُفِّي أجره بغير حساب" اهـ. وقد وردت بعض الأحاديث الخاصة بالترغيب في قيام رمضان وبيان فضله، منها: ما رواه البخاري (37) ومسلم (759) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) . (مَنْ قَامَ رَمَضَان) أَيْ قَامَ لَيَالِيَهُ مُصَلِّيًا. (إِيمَانًا) أَيْ تَصْدِيقًا بِوَعْدِ اللَّهِ بِالثَّوَابِ عَلَيْهِ. (وَاحْتِسَابًا) أَيْ طَلَبًا لِلْأَجْرِ لَا لِقَصْدٍ آخَرَ مِنْ رِيَاءٍ أَوْ نَحْوِهِ. (غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبه) جَزَمَ اِبْنُ الْمُنْذِرِ أنه يَتَنَاوَلُ الصَّغَائِرَ وَالْكَبَائِرَ، لكن قال النووي: الْمَعْرُوف عِنْد الْفُقَهَاء أَنَّ هَذَا مُخْتَصّ بِغُفْرَانِ الصَّغَائِر دُون الْكَبَائِر. قَالَ بَعْضهمْ: وَيَجُوز أَنْ يُخَفِّف مِنْ الْكَبَائِر مَا لَمْ يُصَادِف صَغِيرَة اهـ من فتح الباري. ثالثاً: ينبغي أن يكون المؤمن حريصاً على الاجتهاد في العبادة في العشر الأواخر من رمضان أكثر من غيرها، ففي هذه العشر ليلة القدر التي قال الله تعالى فيها: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) القدر/3. وقد ورد في ثواب قيامها قول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) . رواه البخاري (1768) ومسلم (1268) . ولهذا (كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْتَهِد فِي الْعَشْر الأَوَاخِر مَا لا يَجْتَهِد فِي غَيْرهَا) . رواه مسلم (1175) . وروى البخاري (2024) ومسلم (1174) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ. (دَخَلَ الْعَشْرُ) أي: الْعَشْر الأَوَاخِر مِنْ رَمَضَان. (شَدَّ مِئْزَرَهُ) قيل هو كناية عن الاجتهاد في العبادة، وقيل كناية عن اعتزال النساء، ويحتمل أنه يشمل المعنيين جميعاً. (وَأَحْيَا لَيْلَهُ) أَيْ سَهِرَهُ فَأَحْيَاهُ بِالطَّاعَةِ، بالصلاة وغيرها. (وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ) أي: أَيْقَظَهُمْ لِلصَّلاةِ فِي اللَّيْل. وقال النووي: فَفِي هَذَا الْحَدِيث: أَنَّهُ يُسْتَحَبّ أَنْ يُزَاد مِنْ الْعِبَادَات فِي الْعَشْر الأَوَاخِر مِنْ رَمَضَان , وَاسْتِحْبَاب إِحْيَاء لَيَالِيه بِالْعِبَادَاتِ اهـ. رابعاً: ينبغي الحرص على قيام رمضان في جماعة، والبقاء مع الإمام حتى يتم الصلاة، فإنه بذلك يفوز المصلي بثواب قيام ليلة كاملة، وإن كان لم يقم إلا وقتاً يسيراً من الليل، والله تعالى ذو الفضل العظيم. قال النووي رحمه الله: "اتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى اِسْتِحْبَاب صَلاة التَّرَاوِيح , وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الأَفْضَل صَلاتهَا مُنْفَرِدًا فِي بَيْته أَمْ فِي جَمَاعَة فِي الْمَسْجِد؟ فَقَالَ الشَّافِعِيّ وَجُمْهُور أَصْحَابه وَأَبُو حَنِيفَة وَأَحْمَد وَبَعْض الْمَالِكِيَّة وَغَيْرهمْ: الأَفْضَل صَلاتهَا جَمَاعَة كَمَا فَعَلَهُ عُمَر بْن الْخَطَّاب وَالصَّحَابَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ، وَاسْتَمَرَّ عَمَل الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ" اهـ. وروى الترمذي (806) عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 48957 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2208 ثواب قيام الليل [السُّؤَالُ] ـ[ما ثواب قيام الليل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قيام الليل سُنة مؤكدة , تواترت النصوص من الكتاب والسنة بالحث عليه , والتوجيه إليه , والترغيب فيه, ببيان عظيم شأنه، وجزالة الثواب عليه. وقيام الليل له شأن عظيم في تثبيت الإيمان , والإعانة على جليل الأعمال , قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمْ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا * نِصْفَهُ أَوْ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلا * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلا) المزمل/1-6. ومدح الله تعالى أهل الإيمان والتقوى , بجميل الخصال وجليل الأعمال , ومن أخص ذلك قيام الليل , قال تعالى: (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) السجدة/15-17. ووصفهم في موضع آخر بقوله: (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا. . . إلى أن قال: أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا * خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا) الفرقان/64-75. وفي ذلك من التنبيه على فضل قيام الليل , وكريم عائدته ما لا يخفى، وأنه من أسباب صرف عذاب جهنم , والفوز بالجنة , وما فيها من النعيم المقيم , وجوار الرب الكريم , جعلنا الله ممن فاز بذلك. وقد وصف الله تعالى المتقين في سورة الذاريات , بجملة صفات - منها قيام الليل - , فازوا بها بفسيح الجنات , فقال سبحانه: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) الذاريات/15-17. وقد حث النبي على قيام الليل ورغّب فيه في أحاديث كثيرة، فمن ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم: (أَفْضَلُ الصَّلاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلاةُ اللَّيْلِ) رواه مسلم (1163) . وقوله صلى الله عليه وسلم: (عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ، فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَهُوَ قُرْبَةٌ إِلَى رَبِّكُمْ، وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَمَنْهَاةٌ لِلإِثْمِ) . رواه الترمذي (3549) وحسنه الألباني في إرواء الغليل (452) . (فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ) أَيْ عَادَتُهُمْ وَشَأْنُهُمْ. (وَهُوَ قُرْبَةٌ إِلَى رَبِّكُمْ) أَيْ مِمَّا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى. (وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ) أي يكفر السيئات. (وَمَنْهَاةٌ لِلإِثْمِ) أَيْ ينهى عَنْ اِرْتِكَابِ الإِثْمِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) . وعن عمرو بن مرة الجهني قال: جاء رسولَ الله صلى الله عليه وسلم رجلٌ من قضاعة فقال له: يا رسول الله، أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وصليت الصلوات الخمس، وصمت الشهر، وقمت رمضان، وآتيت الزكاة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من مات على هذا كان من الصديقين والشهداء) رواه ابن خزيمة وصححه الألباني في صحيح ابن خزيمة (2212) . وروى الترمذي (1984) عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا تُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا، وَبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا، فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لِمَنْ أَطَابَ الْكَلامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأَدَامَ الصِّيَامَ، وَصَلَّى لِلَّهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ) . وحسنه الألباني في صحيح الترمذي. وروى الحاكم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أتاني جبريل فقال: يا محمد، عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس) . حسنه الألباني في صحيح الجامع (73) . وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ قَامَ بِعَشْرِ آيَاتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنْ الْغَافِلِينَ، وَمَنْ قَامَ بِمِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِنْ الْقَانِتِينَ، وَمَنْ قَامَ بِأَلْفِ آيَةٍ كُتِبَ مِنْ الْمُقَنْطِرِينَ) . رواه أبو داود (1398) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. (الْمُقَنْطِرِينَ) أي: هم الذين أعطوا قِنْطاراً من الأجر. والقنطار مقدار كبير من الذهب، وأكثر أهل اللغة على أنه أربعة آلاف دينار. وقيل: إنَّ القِنطار مِلْء جِلْد ثَور ذَهباً. وقيل: ثمانون ألفاً. وقيل: هو جُمْلة كثيرة مجهولة من المال. انظر "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير. والمراد من الحديث تعظيم أجر من قام بألف آية، وقد روى الطبراني أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (والقنطار خير من الدنيا وما فيها) وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (638) . (فائدة) : قال الحافظ ابن حجر: " من سورة (تبارك) إلى آخر القرآن ألف آية اهـ. فمن قام بسورة تبارك إلى آخر القرآن فقد قام بألف آية. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50070 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2209 شروط خروج المرأة إلى المسجد [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمرأة الذهاب لصلاة التهجد في المسجد دون محرم؟ حيث إن المسجد بجوار البيت ورجال البيت لا يؤدون هذه الصلاة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز للمرأة أن تذهب إلى المسجد للصلاة بشروط معينة، وليس من هذه الشروط أن يكون معها محرم، فلا حرج عليها من الذهاب إلى المسجد للصلاة من غير محرم. جاء في فتاوى "اللجنة الدائمة" (7/332) : فأجابت: يجوز للمرأة المسلمة أن تصلي في المساجد، وليس لزوجها إذا استأذنته أن يمنعها من ذلك ما دامت مستترة ولا يبدو من بدنها شيء مما يحرم نظر الأجانب إليه؛ لما رواه ابْنَ عُمَرَ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِذَا اسْتَأْذَنَكُمْ نِسَاؤُكُمْ إِلَى الْمَسَاجِدِ فَأْذَنُوا لَهُنَّ) . وفي رواية: (لا تَمْنَعُوا النِّسَاءَ حُظُوظَهُنَّ مِنْ الْمَسَاجِدِ إِذَا اسْتَأْذَنكُمْ) فَقَالَ بِلالٌ (هو ابن لعبد الله بن عمر) : وَاللَّهِ لَنَمْنَعُهُنَّ. فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ: أَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقُولُ أَنْتَ لَنَمْنَعُهُنَّ. رواهما مسلم. فإن كانت متكشفة قد بدا من بدنها ما يحرم على الأجانب النظر إليه أو كانت متطيبة فلا يجوز لها الخروج على هذه الحالة من بيتها فضلا عن خروجها إلى المساجد وصلاتها فيها؛ لما في ذلك من الفتنة؛ قال الله تعالى: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ) النور/31. وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الأحزاب /59. وثبت أن زينب الثقفية كانت تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْعِشَاءَ فَلَا تَطَيَّبْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ) . وفي رواية: (إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فَلا تَمَسَّ طِيبًا) رواهما مسلم في صحيحه. وثبت في الأحاديث الصحيحة أن نساء الصحابة كن يحضرن صلاة الفجر جماعة متلفعات بمروطهن (أي ساترات وجوههن) ما يعرفهن أحد من الناس، وثبت أن عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قالت: سَمِعَتْ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ: (لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسْجِدَ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ) فقيل لِعَمْرَةَ: أَنِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُنِعْنَ الْمَسْجِدَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. رواه مسلم في صحيحه. فهذه النصوص تدل دلالة واضحة على أن المرأة المسلمة إذا التزمت آداب الإسلام في ملابسها وتجنبت ما يثير الفتنة ويستميل نفوس ضعفاء الإيمان من أنواع الزينة المغرية، لا تمنع من الصلاة في المساجد، وأنها إذا كانت على حالة تغري بها أهل الشر وتفتن من في قلبه ريب منعت من دخول المساجد، بل تمنع من الخروج من بيتها ومن حضور المجامع العامة اهـ. وقال الشيخ ابن عثيمين في "مجموع الفتاوى" (14/211) : "ولا بأس بحضور النساء صلاة التراويح إذا أمنت الفتنة بشرط أن يخرجن محتشمات غير متبرجات بزينة ولا متطيبات" اهـ. وجمع الشيخ بكر أبو زيد في كتابه "حراسة الفضيلة" (ص86) شروط خروج المرأة إلى المسجد فقال: "أذن للمرأة بالخروج للمسجد وفق الأحكام الآتية: 1- أن تؤمن الفتنة بها وعليها. 2- أن لا يترتب على حضورها محذور شرعي. 3- أن لا تزاحم الرجال في الطريق ولا في الجامع. 4- أن تخرج تَفِلَة. أي: غير متطيبة. 5- أن تخرج متحجبة غير متبرجة بزينة. 6- إفراد باب خاص للنساء في المساجد، يكون دخولها وخروجها منه، كما ثبت الحديث بذلك في سنن أبي داود وغيره. 7- تكون صفوف النساء خلف الرجال. 8- خير صفوف النساء آخرها بخلاف الرجال. 9- إذا ناب الإمام شيء في صلاته سبح رجل، وصفقت امرأة. 10- تخرج النساء من المسجد قبل الرجال، وعلى الرجال الانتظار حتى انصرافهن إلى دورهن، كما في حديث أم سلمة رضي الله عنها في صحيح البخاري وغيره" اهـ.. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49898 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2210 حكم الدعاء بعد كل ركعتين من صلاة التراويح [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الدعاء بين التسليمة والأخرى بهذه الصيغة: (سبحانك ربنا وبحمدك اللهم اغفر لنا) ؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الدعاء بين التسليمة والأخرى في صلاة التراويح بهذه الصيغة: (سبحانك ربنا وبحمدك اللهم اغفر لنا) ليس له أصل في السنة، وليس للإمام أو المأموم التزام ذلك، لأن العبادة مبناها على التوقيف، فلا يشرع منها إلا ما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم. والتزام عبادة معينة في وقت معين، من غير دليل، يدخل في باب البدعة والإحداث. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) متفق عليه. وهذا الذكر العظيم: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي) مما كان يقوله النبي صلى الله عليه وسلم في ركوعه وسجوده، فقد روى البخاري (784) ومسلم (484) عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، يتأول القرآن) . ومعنى "يتأول القرآن": أي يفعل ما أُمِر به في القرآن، وهو قول الله تعالى له: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا) . فانظر كيف تُركت السنة في هذا الموضع، وتمسك الناس بالمحدَث!! ومن البدع التي تفعل في التراويح: قول الناس: صلاة القيام أثابكم الله، وقولهم بين كل ركعتين: اللهم صل وسلم على سيدنا محمد بصوت مرتفع، وقراءتهم بين كل ركعتين سورة الإخلاص والمعوذتين، أو قول الإمام سبحان الله، وترديد المأمومين خلفه: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم، كل هذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا أفتت اللجنة الدائمة بأنه من البدع المحدثة. "فتاوى اللجنة الدائمة" (7/ 208- 215) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 46959 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2211 صلاة التراويح في المسجد جماعة أفضل من صلاتها في البيت [السُّؤَالُ] ـ[هل فعل صلاة التراويح جماعة في المسجد أفضل، أم صلاتها في البيت؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صلاة الجماعة في المسجد مع الجماعة أفضل من صلاتها في البيت. وقد دلت على ذلك السنة، وفعل الصحابة رضي الله عنهم. 1- روى البخاري (1129) ومسلم (761) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ، ثُمَّ صَلَّى مِنْ الْقَابِلَةِ، فَكَثُرَ النَّاسُ، ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنْ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ، فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: (قَدْ رَأَيْتُ الَّذِي صَنَعْتُمْ، وَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ) وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ. فهذا يدل على أن صلاة التراويح في جماعة مشروعة بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، غير أنه تركها خشية أن تفرض على الأمة، فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم زال هذا المحذور، لاستقرار الشريعة. 2- وروى الترمذي (806) عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ –يعني في صلاة التراويح- حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ) . صححه الألباني في صحيح الترمذي. 3- وروى البخاري (2010) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ، يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ، وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلَاتِهِ الرَّهْطُ، فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ، ثُمَّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ. قَوْله: (أَمْثَل) أي أفضل. قال الحافظ: " قَالَ اِبْن التِّين وَغَيْره اِسْتَنْبَطَ عُمَر ذَلِكَ مِنْ تَقْرِير النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَلَّى مَعَهُ فِي تِلْكَ اللَّيَالِي , وَإِنْ كَانَ كَرِهَ ذَلِكَ لَهُمْ فَإِنَّمَا كَرِهَهُ خَشْيَةَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْهِمْ , فَلَمَّا مَاتَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَصَلَ الأَمْنُ مِنْ ذَلِكَ , وَرَجَحَ عِنْد عُمَر ذَلِكَ لِمَا فِي الاخْتِلاف مِنْ اِفْتِرَاق الْكَلِمَة , وَلأَنَّ الاجْتِمَاعَ عَلَى وَاحِدٍ أَنْشَطُ لِكَثِيرِ مِنْ الْمُصَلِّينَ , وَإِلَى قَوْل عُمَر جَنَحَ الْجُمْهُور " انتهى من "فتح الباري". وقال النووي في "المجموع" (3/526) : " صَلاةُ التَّرَاوِيحِ سُنَّةٌ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ. . . وَتَجُوزُ مُنْفَرِدًا وَجَمَاعَةً , وَأَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ، الصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِ الأَصْحَابِ أَنَّ الْجَمَاعَةَ أَفْضَلُ. الثَّانِي: الانْفِرَادُ أَفْضَلُ. قَالَ أَصْحَابُنَا: الْخِلافُ فِيمَنْ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ، وَلا يَخَافُ الْكَسَلَ عَنْهَا لَوْ انْفَرَدَ , وَلا تَخْتَلُّ الْجَمَاعَةُ فِي الْمَسْجِدِ لِتَخَلُّفِهِ. فَإِنْ فُقِدَ أَحَدُ هَذِهِ الأُمُورِ فَالْجَمَاعَةُ أَفْضَلُ بِلا خِلافٍ. قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ: قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَأَبُو إِسْحَاقَ صَلَاةُ التَّرَاوِيحِ جَمَاعَةً أَفْضَلُ مِنْ الانْفِرَادِ لإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، وَإِجْمَاعِ أَهْلِ الأَمْصَارِ عَلَى ذَلِكَ: انتهى. وقال الترمذي: " وَاخْتَارَ اِبْنُ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ الصَّلاةَ مَعَ الإِمَامِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ". قال في تحفة الأحوذي: " وَفِي كِتَابِ قِيَامِ اللَّيْلِ: وَقِيلَ لأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: يُعْجِبُك أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مَعَ النَّاسِ فِي رَمَضَانَ أَوْ وَحْدَهُ؟ قَالَ يُصَلِّي مَعَ النَّاسِ. قَالَ وَيُعْجِبُنِي أَنْ يُصَلِّيَ مَعَ الإِمَامِ وَيُوتِرَ مَعَهُ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ بَقِيَّةُ لَيْلَتِهِ ". قَالَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَقُومُ مَعَ النَّاسِ حَتَّى يُوتِرَ مَعَهُمْ وَلا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَنْصَرِفَ الإِمَامُ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: شَهِدْته يَعْنِي أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ شَهْرَ رَمَضَانَ يُوتِرُ مَعَ إِمَامِهِ إِلا لَيْلَةً لَمْ أَحْضُرْهَا. وَقَالَ إِسْحَاقُ رَحِمَهُ اللَّهُ قُلْت لأَحْمَدَ: الصَّلاةُ فِي الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إِلَيْك أَمْ يُصَلِّي وَحْدَهُ فِي قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ؟ قَالَ: يُْجِبُنِي أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْجَمَاعَةِ، يُحْيِي السُّنَّةَ. وَقَالَ إِسْحَاقُ كَمَا قَالَ " اِنْتَهَى. وانظر: "المغني" (1/457) . وقال الشيخ ابن عثيمين في "مجالس شهر رمضان" (ص 22) : " وكان النبي صلى الله عليه وسلم أول من سن الجماعة في صلاة التراويح في المسجد، ثم تركها خوفا من أن تفرض على أمته. . . ثم ذكر الحديثين السابقين، ثم قال: ولا ينبغي للرجل أن يتخلف عن صلاة التروايح لينال ثوابها وأجرها، ولا ينصرف حتى ينتهي الإمام منها ومن الوتر، ليحصل له أجر قيام الليل كله " انتهى باختصار. وقال الألباني في "قيام رمضان": " وتشرع الجماعة في قيام رمضان، بل هي أفضل من الانفراد، لإقامة النبي صلى الله عليه وسلم لها بنفسه، وبيانه لفضلها بقوله. وإنما لم يقم بهم عليه الصلاة والسلام بقية الشهر خشية أن تفرض عليهم صلاة الليل في رمضان، فيعجزوا عنها كما جاء في حديث عائشة في "الصحيحين" وغيرهما. وقد زالت هذه الخشية بوفاته صلى الله عليه وسلم بعد أن أكمل الله الشريعة، وبذلك زال المعلول، وهو ترك الجماعة في قيام رمضان، وبقي الحكم السابق، وهو مشروعية الجماعة، ولذلك أحياها عمر رضي الله عنه كما في "صحيح البخاري" وغيره " انتهى. وجاء في الموسوعة الفقهية (27/138) ": " وَقَدْ وَاظَبَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَالْمُسْلِمُونَ مِنْ زَمَنِ عُمَرَ رضي الله تعالى عنه عَلَى صَلاةِ التَّرَاوِيحِ جَمَاعَةً , وَكَانَ عُمَرُ رضي الله تعالى عنه هُوَ الَّذِي جَمَعَ النَّاسَ فِيهَا عَلَى إمَامٍ وَاحِدٍ. . . . وَرَوَى أَسَدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ: سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ التَّرَاوِيحِ وَمَا فَعَلَهُ عُمَرُ , فَقَالَ: التَّرَاوِيحُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ , وَلَمْ يَتَخَرَّصْ عُمَرُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ , وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ مُبْتَدِعًا , وَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ إلا عَنْ أَصْلٍ لَدَيْهِ وَعَهْدٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَقَدْ سَنَّ عُمَرُ هَذَا وَجَمَعَ النَّاسَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَصَلاهَا جَمَاعَةً وَالصَّحَابَةُ مُتَوَافِرُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَمَا رَدَّ عَلَيْهِ وَاحِدٌ مِنْهُمْ , بَلْ سَاعَدُوهُ وَوَافَقُوهُ وَأَمَرُوا بِذَلِكَ " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45781 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2212 هل يجوز التطوع بعد الوتر؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا لا أصلي التهجد باستمرار، إذا حصل أن صليت الوتر بعد العشاء ثم أردت أن أصلي النفل فهل أستطيع ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج على من أوتر أول الليل أو أوسطه أن يصلي بعد وتره شيئاً من النوافل، وإن كان المستحب أن يكون آخر صلاته من الليل وتراً، وفي هذه الحال فإنه لا يعيد الوتر مرة ثانية، بل يكفيه الوتر الذي صلاه أول الليل. فعن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا) . واه البخاري (998) ومسلم (749) . وعن طلق بن علي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا وتران في ليلة) . رواه الترمذي (470) والنسائي (1679) وأبو داود (1439) . وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " (7567) . قال ابن حزم في "المحلى" (2 / 92، 93) : والوتر آخر الليل أفضل. ومن أوتر أوله فحسن , والصلاة بعد الوتر جائزة , ولا يعيد وتراً آخر اهـ. وقال النووي في "المجموع" (3/512) : إذا أوتر ثم أراد أن يصلي نافلة أم غيرها في الليل جاز بلا كراهة ولا يعيد الوتر, ودليله حديث عائشة رضي الله عنها وقد سئلت عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: " كنَّا نعدُّ له سواكه وطهوره فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه من الليل فيتسوك ويتوضأ ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيهن إلا في الثامنة فيذكر الله ويمجده ويدعوه , ثم ينهض ولا يسلم , ثم يقوم فيصلي التاسعة , ثم يقعد فيذكر الله ويمجده ويدعوه, ثم يسلم تسليماً يسمعنا , ثم يصلي ركعتين بعد ما يسلم وهو قاعد " رواه مسلم , وهو بعض حديث طويل , وهذا الحديث محمول على أنه صلى الله عليه وسلم صلى الركعتين بعد الوتر بياناً لجواز الصلاة بعد الوتر اهـ. راجع الأسئلة رقم (37729) ، (38400) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20851 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2213 يتفقون على قيام الليل وأنشطة أخرى مرة كل شهر [السُّؤَالُ] ـ[في المنطقة التي أعيش فيها يقومون بتنظيم صلاة القيام مرة في الشهر لصغار السن من الذكور في المسجد، حيث يبقون من العشاء حتى الفجر، ويتم تنظيم محاضرات وبعض الأنشطة ومنها كرة السلة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج من الاجتماع لتنظيم المحاضرات النافعة وبعض الأنشطة الطيبة والمباحة الأخرى. ونسأل الله تعالى أن يوفق القائمين على هذا العمل إلى ما يحب ويرضى، وأن يبارك في جهودهم. وبالنسبة للأنشطة الرياضية التي ذكرتها فإن أمكن جعلها نهارا فهو الأفضل لأن الحديث بعد صلاة العشاء مكروه إلا فيما فيه مصلحة، إلا إذا كانت وقتاً يسيراً وبهدف الترويح عن النفس حتى تقبل على المحاضرات بنشاط فهذا لا بأس به إن شاء الله تعالى. يراجع سؤال رقم (20811) وأما بالنسبة لقيام الليل، فإن الاجتماع عليه غير مشروع إلا: 1- أن يقع ذلك أحياناً، ولا يكون شيئاً مستمراً. 2- أن يكون من غير اتفاق مسبق. وأما في رمضان فيشرع قيامه جماعة في كل ليالي الشهر، يراجع سؤال رقم: (38021) قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/442) : (يجوز التطوع جماعة وفرادى ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل الأمرين كليهما , وكان أكثر تطوعه منفردا , وصلى بحذيفة مرة , وبابن عباس مرة , وبأنس وأمه واليتيم مرة , وأم أصحابه في بيت عتبان مرة , وأمهم في ليالي رمضان ثلاثا , وهذه الأخبار كلها صحاح جياد) اهـ. وصلاة النوافل جماعة في هذه الأحاديث وقعت من غير اتفاق مسبق، ولهذا قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (وأما اتفاق مجموعة على الالتقاء في ليلة معينة لقيام الليل فهذا بدعة؛ لأن لإقامة الجماعة في قيام الليل غير مشروعة إلا إذا فعلت أحياناً وبغير قصد كما جرى للنبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم مع عبد الله بن عباس رضي الله عنهما) اهـ فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين، كتاب العلم،الصفحة (208) . فالنصيحة للقائمين على هذا العمل إما أن يقتصروا على المحاضرات والأنشطة الأخرى، وإما أن يتركوا وقتاً لمن أراد قيام الليل، ويصلي كل واحد منهم منفرداً. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20813 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2214 ما هي أفضل ليلة يقومها إذا كان لا يمكنه ذلك إلا مرة واحدة في الشهر؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان المسلم لا يمكنه أن يصلي قيام الليل إلا مرة واحدة في الأسبوع، فما هي أفضل ليلة لذلك؟ وإذا كان لا يمكنه أن يقوم الليل إلا مرة في الشهر فمتى تكون أفضل ليلة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس هناك ليلة معينة رغَّب الشرع بتخصيصها من بين الليالي لا في الأسبوع ولا في الشهر، بل يصلي متى تيسر له ذلك، ومتى رأى من نفسه نشاطاً، وإن استطاع تكرار الليالي في الأسبوع والشهر فهو خير له من جعلها ليلة واحدة. وينبغي له اجتناب تخصيص ليلة الجمعة بقيامها؛ لورود النهي الصريح في ذلك. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي، وَلا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الأَيَّامِ، إِلا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ) رواه مسلم (1144) . قال النووي: وفي هذا الحديث النهي الصريح عن تخصيص ليلة الجمعة بصلاة من بين الليالي , ويومها بصوم، وهذا متفق على كراهيته. " شرح مسلم " (8 / 20) . ولكن إن قام ليلة الجمعة لا على وجه التخصيص لكونها يوم الجمعة، بل لكونها يوم فراغه من العمل، فهذا لا بأس به، كما أن من صام يوم الجمعة لكونه يوم فراغه من العمل لا بأس به. قال الشيخ ابن باز: " إذا صادف يوم الجمعة يوم عرفة فصامه المسلم وحده فلا بأس بذلك، لأن هذا الرجل صامه لأنه يوم عرفة لا لأنه يوم جمعة، وكذلك لو كان عليه قضاء من رمضان ولا يتسنى له فراغ إلا يوم الجمعة فإنه لا حرج عليه أن يفرده، وذلك لأنه يوم فراغه، وكذلك لو صادف يوم الجمعة يوم عاشوراء فإنه لا حرج عليه أن يفرده لأنه صامه لأنه يوم عاشوراء، لا لأنه يوم الجمعة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تَخْتَصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ، ولا لَيْلَتها بِقِيَامٍ) . فنص على التخصيص، أي على أن يفعل الإنسان ذلك لخصوص يوم الجمعة أو ليلتها " انتهى من مجموع فتاوى ابن باز (15/414) . وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (6/291) : " يكره إفراد الجمعة – يعني بالصيام - والدليل أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: (لا تصوموا يوم الجمعة إلا أن تصوموا يوماً قبله أو يوماً بعده) وقال: (لا تخصوا يوم الجمعة بصيام ولا ليلتها بقيام) وقال لإحدى أمهات المؤمنين وقد وجدها صائمة يوم الجمعة: (أصمت أمس؟ قالت: لا، قال: أتصومين غداً؟ قالت: لا، قال: فأفطري) فإن صامها مع غيرها فلا يكره، فلو صام الخميس والجمعة فلا بأس، أو الجمعة والسبت فلا بأس. وإن صامها وحدها لا للتخصيص، لكن لأنه وقت فراغه، كرجل عامل يعمل كل أيام الأسبوع، وليس له فراغ إلا يوم الجمعة، فهل يكره؟ الجواب: عندي فيه تردد، فإن نظرنا إلى ما رواه مسلم: (لا تخصوا يوم الجمعة بصيام) قلنا: لا بأس؛ لأن هذا لم يخصه، وإن نظرنا إلى حديث: (أصمت أمس؟ قالت: لا، قال: أتصومين غداً؟ قالت: لا، قال: فأفطري) فإن هذا قد يؤخذ منه أنه يكره إفرادها، وإن كان في الأيام الأخرى لا يستطيع، وقد لا يؤخذ منه، فيقال: إن قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (أصمت أمس؟ أو أتصومين غداً؟) يدل على أنها قادرة على الصوم. فالحاصل أنه إذا أفرد يوم الجمعة بصوم لا لقصد الجمعة، ولكن لأنه اليوم الذي يحصل فيه الفراغ، فالظاهر إن شاء الله أنه لا يكره، وأنه لا بأس بذلك " انتهى. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39682 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2215 هل يجوز أن يصلي التراويح في البيت؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل تجوز إقامة صلاة التراويح في البيت؟ وهل تجوز مع الزوجة ويكون الزوج هو الإمام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صلاة التراويح سنة مؤكدة، حث عليها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "من قام رمضان إيماناً واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه". رواه البخاري (37) ومسلم (759) . وقد صلاها النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه عدة ليال، ثم خاف أن تفرض عليهم فلم يخرج إليهم، ثم إن عمر رضي الله عنه جمعهم على إمام واحد، فهي تصلى في جماعة إلى يومنا هذا. وعن إسماعيل بن زياد , قال: مر علي رضي الله عنه على المساجد وفيها القناديل في شهر رمضان. فقال نور الله على عمر قبره , كما نور علينا مساجدنا. رواه الأثرم، ونقله في المغني 1/457. قال البهوتي في "دقائق أولي النهى" (1/2245) : وَالتَّرَاوِيحُ بِمَسْجِدٍ أَفْضَلُ مِنْهَا بِبَيْتٍ , لأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم جَمَعَ النَّاسَ عَلَيْهَا ثَلَاثَ لَيَالٍ مُتَوَالِيَةً , كَمَا رَوَتْهُ عَائِشَةُ. . . وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ حُسِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ) اهـ. وقال الشوكاني في "نيل الأوطار" (3/62) : قَالَ النَّوَوِيُّ: اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِهَا , قَالَ: وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الأَفْضَلَ صَلاتُهَا فِي بَيْتِهِ مُنْفَرِدًا أَمْ فِي جَمَاعَةٍ فِي الْمَسْجِدِ , فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرُهُمْ: الأَفْضَلُ صَلاتُهَا جَمَاعَةً كَمَا فَعَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَالصَّحَابَةُ رضي الله عنهم , وَاسْتَمَرَّ عَمَلُ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ , لأَنَّهُ مِنْ الشَّعَائِرِ الظَّاهِرَةِ اهـ. فصلاتها جماعةً المسجد أفضل، لكن لو صلاها الرجل في بيته منفرداً، أو جماعةً بأهله فهو جائز. قال النووي في "المجموع" (3/526) : صَلاةُ التَّرَاوِيحِ سُنَّةٌ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ. . . وَتَجُوزُ مُنْفَرِدًا وَجَمَاعَةً , وَأَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ. . . الصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِ الأَصْحَابِ أَنَّ الْجَمَاعَةَ أَفْضَلُ اهـ. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38922 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2216 هل تصلي التراويح أم تلبي طلبات زوجها؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز مناداة الزوجة للفراش أو لوضع العشاء أو لأي أمر كان وهى تصلى التراويح قبل أن تكمل الإحدى عشرة ركعة؟ وهل يجوز أن تصلي جزءاً وتقوم بواجباتها المنزلية وتعود لتكملة ما تبقى من صلاة التراويح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز للمسلم أن يصلي التراويح متوالية وله أن يصليها متفرقة، فمن أراد أن يصليها أول الليل أو أوسطه أو آخره دون الانشغال بعملٍ آخر: فله ذلك ولا حرج عليه، ومن أراد أن يصلي أول الليل شيئا من القيام ويؤخر الباقي إلى آخر الليل: فلا حرج عليه أيضاً. وعليه: فيجوز للمرأة أن تصلي التراويح وأن تفصل بين كل ركعتين بما يحتاجه الزوج أو الأولاد من أعمال، ولا يؤثر هذا على صلاتها، بل هي مأجورة على صلاها وعلى خدمتها لزوجها وبيتها. كما أن حق الزوج مقدم على صلاة التراويح لأن حقه واجب على الزوجة والتروايح سنة، والواجب مقدم على السنة. وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم المرأة عن صيام النفل إلا بإذن زوجها. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه ولا تأذن في بيته إلا بإذنه وما أنفقت من نفقة عن غير أمره فإنه يؤدى إليه شطره) . رواه البخاري (4899) ومسلم (1026) . وسبب النهي أنها إن صامت فوتت بذلك حق الزوج عليها من الاستمتاع من أجل فعل نافلة، ولا يجوز فعل نافلة وتضييع واجب. قال الحافظ ابن حجر: وفي الحديث أن حق الزوج آكد على المرأة من التطوع بالخير لأن حقه واجب والقيام بالواجب مقدم على القيام بالتطوع. " فتح الباري " (9 / 296) . فعلى الزوجة أن توفق بين القيام بكلا الأمرين دون إفراط ولا تفريط. وعلى الزوج أن لا يُشغل زوجته بأمورٍ تافهة يمكن تأجيلها ووليكن عوناً لها على القيام والدعاء وقراءة القرآن ففي ذلك خير له ولها ولأسرتهما. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38553 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2217 يصلي إماماً ويريد أن يؤخر الوتر [السُّؤَالُ] ـ[سأكون الإمام لمجموعة من الإخوة في صلاة التراويح، سنصلي ثمان ركعات ثم ثلاثاً للوتر، هل صحيح أن آخر شيء يجب أن أفعله قبل النوم هو صلاة الوتر أم أن هذا مستحب فقط لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم؟ إذا كنت أريد أن أصلي التهجد في الليل فهل من الأفضل بالنسبة لي تأخير الوتر لبعد التهجد وأن لا أصلي الوتر مع الجماعة؟ أم أصلي بهم وأنوي صلاة نافلة لركعة واحدة وتنوي الجماعة الوتر؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يستحب أن تكون آخر صلاة يصليها المسلم في الليل هي صلاة الوتر، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا) رواه البخاري (998) ومسلم (751) . وهذا الأمر من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على سبيل الاستحباب والأفضلية وليس على سبيل الوجوب والإلزام؛ لأنه ثبت في صحيح مسلم (738) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بعد الوتر وَهُوَ جَالِسٌ. قال النووي رحمه الله: الصَّوَاب: أَنَّ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ فَعَلَهُمَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد الْوِتْر جَالِسًا ; لِبَيَانِ جَوَاز الصَّلَاة بَعْد الْوِتْر , وَبَيَان جَوَاز النَّفْل جَالِسًا , وَلَمْ يُوَاظِب عَلَى ذَلِكَ , بَلْ فَعَلَهُ مَرَّة أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ مَرَّات قَلِيلَة. . . والرِّوَايَات الْمَشْهُورَة فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرهمَا عَنْ عَائِشَة مَعَ رِوَايَات خَلَائِق مِنْ الصَّحَابَة فِي الصَّحِيحَيْنِ مُصَرِّحَة بِأَنَّ آخِر صَلَاته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اللَّيْل كَانَ وِتْرًا , وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَحَادِيث كَثِيرَة مَشْهُورَة بِالأَمْرِ بِجَعْلِ آخِر صَلاة اللَّيْل وِتْرًا مِنْهَا: (اِجْعَلُوا آخِر صَلاتكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا) وَ (صَلاة اللَّيْل مَثْنَى مَثْنَى , فَإِذَا خِفْت الصُّبْح فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ) , وَغَيْر ذَلِكَ فَكَيْف يُظَنّ بِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ هَذِهِ الأَحَادِيث وَأَشْبَاههَا أَنَّهُ يُدَاوِم عَلَى رَكْعَتَيْنِ بَعْد الْوِتْر وَيَجْعَلهُمَا آخِر صَلاة اللَّيْل؟ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ بَيَان الْجَوَاز , وَهَذَا الْجَوَاب هُوَ الصَّوَاب اهـ. وقال الشيخ ابن باز أيضاً في بيان الحكمة من صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ركعتين بعد الوتر ما نصه: والحكمة في ذلك – والله أعلم- أن يبين للناس جواز الصلاة بعد الوتر اهـ فتاوى إسلامية (1/339) . وإذا كنت تريد أن تصلي التهجد بالليل، فإنه يجوز لك أن تصلي الوتر بالجماعة ثم تصلي بعد ذلك ما شئت من الركعات ركعتين ركعتين، ولا تعيد الوتر. ولك أن لا تصلي الوتر مع الجماعة، وتؤخر الوتر حتى يكون آخر صلاتك بالليل. وعليك في هذا مراعاة الجماعة الذين يصلون معك، فإن كان لا يوجد أحد يصلي بهم الوتر غيرك، وعدم صلاتك بهم سيؤدي إلى تركهم للوتر أو لا يحسنون صلاته، فصلّ بهم الوتر. سئل الشيخ ابن باز: إذا أوترت أول الليل ثم قمت في آخره فكيف أصلي؟ فأجاب: إذا أوترت من أول الليل ثم يسر الله لك القيام في آخره فصل ما يسر الله لك شفعاً –يعني ركعتين ركعتين- بدون وتر، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا وتران في ليلة) . ولما ثبت عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلي ركعتين بعد الوتر وهو جالس اهـ فتاوى إسلامية (1/339) وأما قولك إنك تصلي معهم ركعة وتنوي بها نافلة ولا تنوي الوتر، فهذا عمل غير مشروع. لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى) رواه البخاري (472) ومسلم (749) . انظر المغني (2/539) . قال الحافظ: وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى عَدَم النُّقْصَان عَنْ رَكْعَتَيْنِ فِي النَّافِلَة مَا عَدَا الْوِتْر اهـ والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37729 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2218 حكم التهاون في أداء الوتر [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز ترك صلاة الوتر؟ وما يترتب على تركها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صلاة الوتر سنة مؤكدة عند جمهور العلماء، ومن الفقهاء من أوجبها. ويدل على عدم وجوبها: ما رواه البخاري (1891) ومسلم (11) عن طَلْحَةَ بْن عُبَيْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي مَاذَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ الصَّلاةِ؟ فَقَالَ: (الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ إِلا أَنْ تَطَّوَّعَ شَيْئًا) ولفظ مسلم: (خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ. فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لا، إِلا أَنْ تَطَوَّعَ) . قال النووي: " فِيهِ: أَنَّ صَلاة الْوِتْر لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ " انتهى. وقال الحافظ في "الفتح": " فيه: أَنَّهُ لا يَجِب شَيْء مِنْ الصَّلَوَات فِي كُلّ يَوْم وَلَيْلَة غَيْر الْخَمْس , خِلافًا لِمَنْ أَوْجَبَ الْوِتْر أَوْ رَكْعَتَيْ الْفَجْر " انتهى. ومع ذلك فهي آكد السنن، فقد أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم في غير ما حديث. روى مسلم (754) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَوْتِرُوا قَبْلَ أَنْ تُصْبِحُوا) . وروى أبو داود (1416) عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ، أَوْتِرُوا، فَإِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ) صححه الألباني في صحيح أبي داود. ولهذا فينبغي المحافظة عليها حضرا وسفرا، كما كان يفعل صلى الله عليه وسلم، فقد روى البخاري (1000) ومسلم (700) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ يُومِئُ إِيمَاءً صَلاةَ اللَّيْلِ إِلا الْفَرَائِضَ وَيُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ) . قال ابن قدامة رحمه الله: " الوتر غير واجب وبهذا قال مالك والشافعي. وقال أبو حنيفة: هو واجب ". ثم قال: " قال أحمد: من ترك الوتر عمدا فهو رجل سوء، ولا ينبغي أن تقبل له شهادة، وأراد المبالغة في تأكيده لما قد ورد فيه من الأحاديث في الأمر به، والحث عليه " انتهى بتصرف من "المغني" (1/827) . وسئل علماء اللجنة الدائمة: هل صلاة الوتر واجبة وهل الذي يصليها يوماً ويتركها اليوم الآخر يؤاخذ؟ فأجابوا: " صلاة الوتر سنة مؤكدة، ينبغي أن يحافظ المؤمن عليها، ومن يصليها يوما ويتركها يوما لا يؤاخذ، لكن ينصح بالمحافظة على صلاة الوتر ثم يشرع له أن يصلي بدلها من النهار ما فاته شفعا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك، كما ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا شغله نوم أو مرض عن صلاة الليل صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة. خرجه مسلم في صحيحه، وكان صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل غالبا إحدى عشرة ركعة، يسلم من كل اثنتين ويوتر بواحدة، فإذا شغل عن ذلك بنوم أو مرض صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة، كما ذكرت ذلك رضي الله عنها، وعلى هذا إذا كانت عادة المؤمن في الليل خمس ركعات فنام عنها أو شغل عنها بشيء شُرع له أن يصلي من النهار ست ركعات يسلم من كل اثنتين، وهكذا إذا كانت عادته ثلاثا صلى أربعا بتسليمتين، وإذا كانت عادته سبعا صلى ثمان يسلم من كل اثنتين " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (7/172) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36793 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2219 قيام الليل جماعة في غير شهر رمضان [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لمجموعة من الرجال أن يجتمعوا لأداء قيام الليل على شكل دائم (كل ليلة تقريبا) في غير شهر رمضان؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لو أراد الناس أن يجتمعوا على قيام الليل في المساجد جماعة في غير رمضان لكان هذا من البدع. ولكن لا بأس أن يُصلي الإنسان جماعة في غير رمضان في بيته أحياناً، لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم: ((فقد صلى بابن عباس وابن مسعود وحذيفة بن اليمان جماعة في بيته)) لكن لم يتَّخذ ذلك سنَّة راتبة ولم يكن أيضاً يفعله في المسجد. انظر الشرح الممتع لابن عثيمين ج/4 ص/82 ومن الملاحظ أن هذه الجماعة التي حصلت في غير رمضان لم تكن عن اتفاق أو إعلان مسبق فإذا حصل أن رأى مسلم مسلماً آخر يقوم الليل فانضم إليه دون اتفاق مسبق كما وقع في حديث ابن عباسٍ - مثلاً - في استيقاظه وانضمامه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فلا بأس بذلك. وأما الاجتماع المتفق عليه مسبقاً لأداء صلاة الليل على شكل دائم كل ليلة تقريباً كما ورد في السؤال فهو بدعة كما تقدم في أول الجواب. ونسوق للفائدة حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: (بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ لَيْلَةً فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ اللَّيْلِ فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَوَضَّأَ مِنْ شَنٍّ مُعَلَّقٍ وُضُوءًا خَفِيفًا يُخَفِّفُهُ عَمْرٌو وَيُقَلِّلُهُ وَقَامَ يُصَلِّي فَتَوَضَّأْتُ نَحْوًا مِمَّا تَوَضَّأَ ثُمَّ جِئْتُ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ عَنْ شِمَالِهِ فَحَوَّلَنِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ ثُمَّ صَلَّى مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ اضْطَجَعَ فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ ثُمَّ أَتَاهُ الْمُنَادِي فَآذَنَهُ بِالصَّلاةِ فَقَامَ مَعَهُ إِلَى الصَّلاةِ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ قُلْنَا لِعَمْرٍو إِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنَامُ عَيْنُهُ وَلا يَنَامُ قَلْبُهُ قَالَ عَمْرٌو سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ رُؤْيَا الأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ ثُمَّ قَرَأَ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ " رواه البخاري (138) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 21210 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2220 هل لسجود الشكر شروط؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل سجود الشكر تتوفر فيه شروط، مثلاً: الحجاب، الوضوء ... ؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نوجز الكلام على " سجود الشكر " في النقاط التالية: 1. سجود الشكر من أعظم ما يشكر به العبد ربه جل وعلا؛ لما فيه من الخضوع لله بوضع أشرف الأعضاء - وهو الوجه - على الأرض، ولما فيه من شكر الله بالقلب، واللسان والجوارح. 2. سجود الشكر من السنن النبوية الثابتة التي هجرها كثير من الناس. 3. الخلاف في مشروعية سجود الشكر يعدُّ خلافاً ضعيفاً؛ لمخالفته ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن كثير من أصحابه رضي الله عنهم في ذلك. 4. سجود الشكر يُشرع كلما حصلت للمسلمين نعمة عامة، أو اندفعت عنهم نقمة، أو حصلت للمسلم نعمة خاصة، سواء تسبب في حصولها، أو لم يتسبب، وكلما اندفعت عنه نقمة. قال الإمام الشوكاني - رحمه الله -: فإن قلتَ: نعَمُ الله على عباده لا تزال واردة عليه في كل لحظة؟ قلت: المراد النعَم المتجددة التي يمكن وصولها ويمكن عدم وصولها، ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسجد إلا عند تجدد تلك النعم مع استمرار نعم الله سبحانه وتعالى عليه وتجددها في كل وقت. " السيل الجرار " (1/175) . 5. الصحيح أنه لا يشترط لسجود الشكر ما يشترط للصلاة، من الطهارة، وستر العورة – ومنه الحجاب للمرأة -، واستقبال القبلة، وغيرها. وهذا قول كثير من السلف، واختاره بعض المالكية، وكثير من المحققين، كابن جرير الطبري، وابن حزم، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، والشوكاني، والصنعاني، ورجحه كثير من مشايخنا، ومنهم: الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، والشيخ محمد بن صالح بن عثيمين، والشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين – رحمهم الله -، وغيرهم. خلافاً لمن اشترط لسجود الشكر ما يشترط للنافلة، وهو مذهب الشافعية، وقال به أكثر الحنابلة، وبعض الحنفية، وبعض المالكية. ومما استدل به أصحاب القول الأول: أ. أن اشتراط الطهارة، أو غيرها من شروط الصلاة لسجود الشكر: يحتاج إلى دليل، وهو غير موجود، إذ لم يأت بإيجاب هذه الأمور لهذا السجود كتاب، ولا سنَّة، ولا إجماع، ولا قياس صحيح، ولا يجوز أن نوجب على أمة محمَّد صلى الله عليه وسلم أحكاماً لا دليل عليها. ب. أن ظاهر حديث أبي بكرة – " أنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا جَاءَهُ أَمْرُ سُرُورٍ أَوْ بُشِّرَ بِهِ خَرَّ سَاجِدًا شَاكِرًا لِلَّهِ " رواه الترمذي (1578) وحسَّنه، وأبو داود (2774) وابن ماجه (1394) - وغيره من الأحاديث التي روي فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد سجود الشكر، تدل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يتطهر لهذا السجود، فخروره صلى الله عليه وسلم مباشرةً يدل على أنه كان يسجد للشكر بمجرد وجود سببه، سواء كان محدثا، أم متطهراً، وهذا أيضا هو ظاهر فعل أصحابه رضي الله عنهم. ج. أنه لو كانت الطهارة - أو غيرها من شروط الصلاة - واجبة في سجود الشكر: لبيَّنها النبي صلى الله عليه وسلم لأمَّته؛ لحاجتهم إلى ذلك، ومن الممتنع أن يفعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا السجود ويسنُّه لأمته وتكون الطهارة - أو غيرها - شرطاً فيه، ولا يسنُّها، ولا يأمر بها صلى الله عليه وسلم أصحابَه، ولا يروى عنه في ذلك حرف واحد. د. أن سبب سجود الشكر يأتي فجأة، وقد يكون من يريد السجود على غير طهارة، وفي تأخير السجود بعد وجود سببه حتى يتوضأ أو يغتسل: زوالٌ لسرِّ المعنى الذي شُرع السجود من أجله. هـ. أن هذه الشروط من الطهارة وغيرها إنما تشترط للصلاة، ومما يدل على ذلك ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ الْخَلاءِ فَأُتِيَ بِطَعَامٍ فَذَكَرُوا لَهُ الْوُضُوءَ فَقَالَ: (أُرِيدُ أَنْ أُصَلِّيَ فَأَتَوَضَّأَ) – رواه مسلم (374) - وسجود الشكر ليس صلاة؛ لأنه لم يرد في الشرع تسميته صلاة، ولأنه لي بركعة ولا ركعتين، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسن له تكبيراً ولا سلاماً ولا اصطفافاً ولا تقدم إمام، كما سنَّ ذلك في صلاة الجنازة وسجدتي السهو بعد السلام وسائر الصلوات، فلا يشترط لسجود الشكر ما يشترط للصلاة. و. قياس السجود المجرد على سائر الأذكار التي تفعل في الصلاة وتشرع خارجها، كقراءة القرآن - التي هي أفضل أجزاء الصلاة وأقوالها، وكالتسبيح والتحميد والتكبير والتهليل، فكما أن هذه الأمور لا تشترط لها الطهارة إذا فعلت خارج الصلاة - مع أنها كلها من أجزاء الصلاة -: فكذلك السجود المجرد. قال علماء اللجنة الدائمة: الصحيح: أن سجود الشكر وسجود التلاوة لتالٍ أو مستمع: لا تشترط لهما الطهارة؛ لأنهما ليسا في حكم الصلاة. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود. " فتاوى اللجنة الدائمة " (7 / 263) . 6. القول الراجح في صفة سجود الشكر أنه لا يجب فيه تكبير في أوله، أو في آخره، أو تشهد، أو سلام، وهذا هو المنصوص عن الإمام الشافعي، وهو قول الإمام أحمد في رواية عنه، وهو وجه في مذهب الشافعية؛ لعدم ثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو عن أحد من أصحابه رضي الله عنهم. وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أنه لا يشرع في هذا السجود تشهد أو سلام، بل هو بدعة، لا يجوز فعله. قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: وأما سجود التلاوة والشكر: فلم يَنقل أحدٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه أن فيه تسليماً، ولا أنهم كانوا يسلمون منه، ولهذا كان أحمد بن حنبل، وغيره من العلماء: لا يعرفون فيه التسليم، وأحمد في إحدى الروايتين عنه لا يسلِّم فيه؛ لعدم ورود الأثر بذلك، وفي الرواية الأخرى يسلِّم واحدة، أو اثنتين، ولم يثبت ذلك بنصٍّ، بل بالقياس، وكذلك من رأى فيه تسليماً من الفقهاء ليس معه نصٌّ، بل القياس أو قول بعض التابعين. " مجموع الفتاوى " (21 / 277) . وقال – رحمه الله – عن سجود التلاوة والشكر -: فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسمِّ ذلك صلاة، ولم يشرع لها الاصطفاف، وتقدم الإمام، كما يشرع في صلاة الجنازة، وسجدتي السهو بعد السلام، وسائر الصلوات، ولا سنَّ فيها النبي صلى الله عليه وسلم سلاماً، لم يُروَ ذلك عنه، لا بإسنادٍ صحيح ولا ضعيف، بل هو بدعة، ولا جعل لها تكبير افتتاح. " مجموع الفتاوى " (23 / 171) . 7.أنه لا يجب فيه ذِكْرٌ معيَّن، وإنَّما يشرع للساجد أن يقول في سجوده ما يناسب المقام، من حمد الله وشكره ودعائه واستغفاره، ونحو ذلك. قال الشوكاني - رحمه الله -: فإن قلت: لم يرِد في الأحاديث ما كان يقوله صلى الله عليه وسلم في سجود الشكر، فماذا يقول الساجد للشكر؟ قلت: ينبغي أن يستكثر من شكر الله عز وجل؛ لأن السجود سجود شكر. " السيل الجرار " (1 / 286) . 8. أنه لا يسجد للشكر إذا بُشِّر بما يسره وهو يصلي. لأن سبب السجود، في هذه الحالة ليس من الصلاة، وليس له تعلق بها، فإن سجد متعمِّداً: بطلت صلاته، كما لو زاد فيها سجوداً متعمداً، أو سجد فيها لسهو صلاة أخرى، وكما لو صلى فيها صلاة أخرى، وهذا القول هو مذهب الشافعية، وقال به أكثر الحنابلة. وقال بعض الحنابلة: إنه يستحب سجود الشكر في هذه الحالة، قياساً على سجود التلاوة. ويمكن أن يناقش دليلهم: بأن ما ذكروه من القياس غير صحيح؛ لأنه قياس مع الفارق، فإن سجود التلاوة سببه من أفعال الصلاة، وهو القراءة، أما سجود الشكر: فسببه من خارج الصلاة. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: مَن سَجَدَ سَجْدةَ الشُّكر عالماً بالحُكم، ذاكِراً له: فإنَّ صلاتَه تبطُلُ ... . وما ذكرَه المؤلِّفُ صحيحٌ؛ أي: أنَّ الصَّلاة تبطلُ بسُجودِ الشُّكرِ؛ لأنَّه لا علاقة له بالصَّلاة، بخلافِ سُجودِ التِّلاوة؛ لأن سُجودَ التِّلاوةِ لأمرٍ يتعلَّق بالصَّلاة، وهو القِراءة. " الشرح الممتع على زاد المستقنع " (4 / 107، 108) . 9. سجود الشكر يُشرع للراكب على الراحلة بالإيماء، ويومئ على قدر استطاعته. 10. أنه يجوز قضاء سجود الشكر إذا لم يتمكن من أدائه في وقته. وإذا بُشِّر الإنسان بما يسرُّه، أو حصلت له نعمة ولم يسجد، ولم يأت له عذر في ترك السجود عند حصول سببه: فقد ذكر بعض أهل العلم أنه لا يشرع له قضاء هذا السجود بعد ذلك؛ وذلك لأنه غير معذور في تأخير السجود. انظر " حاشية قليوبي " (1 / 209) . انتهى ملخَّصاً مرتَّباً – بزيادة يسيرة - من بحث بعنوان " سجود الشكر وأحكامه في الفقه الإسلامي "، إعداد: الدكتور: عبد الله بن عبد العزيز الجبرين وفقه الله. نشره في " مجلة البحوث الإسلامية " (36 / 267 – 309) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 140804 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2221 حكم القراءة بعد سجود التلاوة في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[صلى بنا إمام صلاة الفجر وقرأ آخر سورة الأعراف وعندما وصل إلي السجدة سجد بنا ورفع من السجود ولم يقرأ شيئا من القران بل ركع مباشرة بعد الرفع من السجود وبعد الانتهاء من الصلاة قال لنا شيخ المسجد يجب إعادة الصلاة سألته لماذا قال لان عليه سجود سهو لتركه القراءة بعد الرفع من السجود وقد انحرف عن القبلة بعد السلام لذي لا يمكنه فعل سجود السهو الآن فعلينا أن نعيد الصلاة فأخبرته أن القراءة بعد الفاتحة ليست من واجبات الصلاة فقال عندنا نحن الأحناف واجبة وتوجب سجود السهو فقلت إذا لماذا تعيد الصلاة وذكرته بحديث ذي اليدين الذي في البخاري وان رسول الله صلي الله عليه وسلم انحرف بل ترك مكانه وعندما ذكر عاد إلى مكانه وأكمل الصلاة ثم سجد لسهو. قال نحن سنعيد الصلاة. وأنا خرجت ولم أعيد معهم الصلاة هل فعلي هذا صحيح؟ وهل صحيح أن قراءة الفاتحة عند الأحناف من واجبات الصلاة وليست من الأركان.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: قراءة الفاتحة في الصلاة عند الأحناف ليست من أركان الصلاة، وإنما تجب في الأوليين مع سورة، وتندب في الأخريين دون قراءة سورة معها، ويكره تنزيها الجمع بينهما في الثالثة والرابعة، وإنما يقتصر فيهما على الفاتحة. قال ابن نجيم رحمه الله: " ثُمَّ الْفَاتِحَةُ وَاجِبَةٌ فِي الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْفَرْضِ , وَفِي جَمِيعِ رَكَعَاتِ النَّفْلِ , وَفِي الْوِتْرِ وَالْعِيدَيْنِ , وَأَمَّا فِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ الْفَرْضِ فَسُنَّةٌ " انتهى. "البحر الرائق" (1/312) . فإذ ترك القراءة، بعد الفاتحة، في الأوليين، عامدا كان آثما، وإن كان ناسيا: سجد للسهو. قال الكاساني رحمه الله: " أمَّا الْوَاجِبَاتُ الْأَصْلِيَّةُ فِي الصَّلَاةِ فَسِتَّةٌ: مِنْهَا قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ فِي صَلَاةٍ ذَاتِ رَكْعَتَيْنِ , وَفِي الْأُولَيَيْنِ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ وَالثَّلَاثِ , حَتَّى لَوْ تَرَكَهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا: فَإِنْ كَانَ عَامِدًا كَانَ مُسِيئًا , وَإِنْ كَانَ سَاهِيًا يَلْزَمُهُ سُجُودُ السَّهْوِ " انتهى. "بدائع الصنائع" (1/160) وجاء في "الموسوعة الفقهية" (24/237-238) : " جَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ نَقْلاً عَنِ التتارخانية الأَْصْل أَنَّ الْمَتْرُوكَ ثَلاَثَةُ أَنْوَاعٍ: فَرْضٌ، وَسُنَّةٌ، وَوَاجِبٌ، فَفِي الْفَرْضِ إِنْ أَمْكَنَهُ التَّدَارُكُ بِالْقَضَاءِ يَقْضِي وَإِلاَّ فَسَدَتْ صَلاَتُهُ، وَفِي السُّنَّةِ لاَ تَفْسُدُ، لأَِنَّ قِيَامَ الصَّلاَةِ بِأَرْكَانِهَا وَقَدْ وُجِدَتْ، وَلاَ يُجْبَرُ تَرْكُ السُّنَّةِ بِسَجْدَتَيِ السَّهْوِ، وَفِي الْوَاجِبِ إِنْ تَرَكَ سَاهِيًا يُجْبَرُ بِسَجْدَتَيِ السَّهْوِ، وَإِنْ تَرَكَ عَامِدًا لاَ. وذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى وُجُوبِ سُجُودِ السَّهْوِ بِتَرْكِ وَاجِبٍ مِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلاَةِ سَهْوًا، وَيَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ إِذَا لَمْ يَسْجُدْ لِلسَّهْوِ. قَال ابْنُ عَابِدِينَ: لاَ تَفْسُدُ بِتَرْكِهَا، وَتُعَادُ وُجُوبًا فِي الْعَمْدِ، وَالسَّهْوِ إِنْ لَمْ يَسْجُدْ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُعِدْهَا يَكُونُ فَاسِقًا آثِمًا " انتهى. هذا، مع أن الصحيح في المسألة قول جمهور العلماء: أن قراءة الفاتحة في كل ركعة: ركن من أركان الصلاة، لا تصح الصلاة بدونه، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ) . متفق عليه. وينظر جواب السؤال رقم (10995) . ثانيا: سبق أن قراءة سورة بعد الفاتحة في الأوليين واجب عند الأحناف، وأما عند جمهور العلماء: فقراءتها سنة مستحبة، فلو تركها سهوا أو عمدا: صحت صلاته. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: (فِي كُلِّ صَلَاةٍ قِرَاءَةٌ؛ فَمَا أَسْمَعَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْمَعْنَاكُمْ، وَمَا أَخْفَى مِنَّا أَخْفَيْنَاهُ مِنْكُمْ، وَمَنْ قَرَأَ بِأُمِّ الْكِتَابِ فَقَدْ أَجْزَأَتْ عَنْهُ وَمَنْ زَادَ فَهُوَ أَفْضَلُ) . رواه البخاري (772) ومسلم (296) . قال النووي رحمه الله: " فِيهِ دَلِيل لِوُجُوبِ الْفَاتِحَة وَأَنَّهُ لَا يُجْزِي غَيْرهَا , وَفِيهِ اِسْتِحْبَاب السُّورَة بَعْدهَا , وَهَذَا مُجْمَع عَلَيْهِ فِي الصُّبْح وَالْجُمْعَة وَالْأُولَيَيْنِ مِنْ كُلّ الصَّلَوَات , وَهُوَ سُنَّة عِنْد جَمِيع الْعُلَمَاء. وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى عَنْ بَعْض أَصْحَاب مَالِك وُجُوب السُّورَة وَهُوَ شَاذّ مَرْدُود ". وينظر: "المغني"، لابن قدامة (1/568) . وقال علماء اللجنة: " من نسي السورة بعد الفاتحة في الصلاة فلا شيء عليه سواء كان إماما أو مأموما أو منفردا، وسواء كانت الصلاة فرضا أو نفلا، وذلك في أصح قولي العلماء " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (7 / 146) . ثالثا: ما فعله الإمام لا يوجب إعادة الصلاة، بل ولا يوجب سجودا للسهو عند عامة أهل العلم؛ أما عند جمهور العلماء: فواضح؛ لأن أصل القراءة عندهم سنة مستحبة، فلو تركها عمدا، أو سهوا: صحت صلاته، ولا شيء عليه؛ فكيف إذا كان الإمام قد قرأ فعلا بعد الفاتحة، وإنما ـ فقط ـ ترك القراءة بعد سجود التلاوة. وأما عند الأحناف الذين يرون أن أصل القراءة بعد الفاتحة واجب: فهنا الإمام قد أتى بهذا الواجب، وهو ما قرأه قبل سجود التلاوة، وما يقرؤه بعد هذا السجود: على سبيل الاختيار، لا الوجوب، كما نصوا على ذلك: " ولو سجد يعود إلى القيام؛ لأنه يحتاج إلى الركوع، والركوع لها يكون من القيام، ويقرأ بقية السورة ... ، ولو شاء ضم إليها من السورة الأخرى ... وهذه القراءة بعد السجدة بطريق الندب، لا بطريق الوجوب ". "المحيط البرهاني" (2/71) . وجاء في "الموسوعة الفقهية" (24/223) : " وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ (سجود التلاوة) قَامَ وَلاَ يَجْلِسُ لِلاِسْتِرَاحَةِ، فَإِذَا قَامَ اسْتُحِبَّ أَنْ يَقْرَأَ شَيْئًا ثُمَّ يَرْكَعَ، فَإِنِ انْتَصَبَ قَائِمًا ثُمَّ رَكَعَ بِلاَ قِرَاءَةٍ: جَازَ إِذَا كَانَ قَدْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ قَبْل سُجُودِهِ، وَلاَ خِلاَفَ فِي وُجُوبِ الاِنْتِصَابِ قَائِمًا، لأَِنَّ الْهُوِيَّ إِلَى الرُّكُوعِ مِنَ الْقِيَامِ وَاجِبٌ " انتهى. وقال علماء اللجنة الدائمة: " ليس على من سجد لتلاوة آية سجدة في آخر سورة كـ: (الأعراف) و (النجم) و (اقرأ) وهو في الصلاة أن يقرأ قرآنا بعدها وقبل الركوع، وإن قرأ فلا بأس " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (7 / 260) والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 139007 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2222 حديث مكذوب في فضل سجدة الشكر [السُّؤَالُ] ـ[فضل سجدة الشكر: (إن العبد إذا صلى ثم سجد سجدة الشكر فتح الرب تعالى الحجاب بين العبد وبين الملائكة، فيقول: يا ملائكتي! انظروا إلى عبدي، أدى فريضتي، وأتم عهدي ثم سجد لي شكرا على ما أنعمت به عليه، يا ملائكتي ماذا له؟ فتقول الملائكة: يا ربنا رحمتك. ثم يقول الرب تعالى: ثم ماذا له؟ فتقول الملائكة: يا ربنا جنتك. فيقول الرب تعالى: ثم ماذا؟ فتقول الملائكة: يا ربنا كفاه ما همه. فيقول الله سبحانه وتعالى: ثم ماذا؟ فلا يبقى شيء من الخير إلا قالته الملائكة. فيقول الله تعالى: يا ملائكتي ثم ماذا؟ فتقول الملائكة: يا ربنا لا علم لنا. فيقول الله تعالى: لأشكرنه كما شكرني، وأقبل إليه بفضلي وأريه رحمتي) . أفتوني بارك الله فيكم: ما صحته؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سجود الشكر مستحب، وهو سجدة واحدة يسجدها المسلم عند حدوث نعمة أو اندفاع نقمة، واستحبابها ثبت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وفعل أصحابه الكرام رضي الله عنهم. فعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَنَّهُ كَانَ إِذَا جَاءَهُ أَمْرُ سُرُورٍ أَوْ بُشِّرَ بِهِ خَرَّ سَاجِدًا شَاكِرًا لِلَّهِ) رواه أبو داود (2774) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ". وقد سجد كعب بن مالك رضي الله عنه حين جاءه خبر توبة الله عليه. رواه البخاري (4418) ومسلم (2769) . وسجد أبو بكر رضي الله عنه شكرا حين جاءه خبر قتل مسيلمة الكذاب. وسجد علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين رأى ذا الثدية بين قتلى الخوارج. انظر: "مصنف ابن أبي شيبة" (2/366-368) . وأما الحديث الوارد في السؤال فلم يروه أحد من علماء الحديث الثقات، ولم يذكره أحد في كتب السنة والآثار، وإنما تذكره بعض كتب الشيعة المليئة بالأحاديث المكذوبة، ككتاب " من لا يحضره الفقيه " (1/333، حديث رقم/979، باب سجدة الشكر والقول فيها، وكتاب " تهذيب الأحكام " للطوسي (2/110) ، وإنما يسندانه إلى جعفر الصادق، وليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، كما أن في إسناده محمد بن أبي عمير، جاء في ترجمته في " لسان الميزان " (5/221) " محمد بن أبي عمير، عن أبيه: حدَّث عنه ابن جريج: مجهول. انتهى. وفي إسناده أيضا كل من حريز بن أبي حريز، ومرازم بن حكيم، ولم يذكر أحد من أهل العلم فيهما توثيقاً، وانظر ترجمتهما في "لسان الميزان" (2/181، 186) . فالحاصل: أنه لا تجوز نسبة هذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويجب الحذر من نشره بين الناس. وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم: (5110) ، (21888) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 135901 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2223 هل يجوز أن يصلي ركعتين شكراً لله؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للإنسان أن يصلي ركعتين شكراً لله عز وجل إذا حدث أمر يسره؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله السجود شكراً لله عند حدوث نعمة أو اندفاع نقمة، من السنن الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (5110) . وأما صلاة ركعتين شكراً لله تعالى، فمحل خلاف بين العلماء. فمن أهل العلم من استحب ذلك عند حدوث نعمة متجددة، ومما قد يُستدل به لمشروعية ذلك: 1- ما رواه الحاكم عن كعب بن عجرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر كعب بن مالك حين تيب عليه وعلى أصحابه أن يصلي ركعتين أو سجدتين. رواه الحاكم في "المستدرك على الصحيحين" (5/148) . إلا أن هذا الحديث لا يصح؛ لأن في إسناده: يحيى بن المثنى. قال العقيلي: "حديثه غير محفوظ، ولا يعرف بالنقل" انتهى من "الضعفاء الكبير" (4/ 432) . 2- ما رواه ابن ماجه (1391) من طريق سَلَمَة بْن رَجَاءٍ حَدَّثَتْنِي شَعْثَاءُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنه (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى يَوْمَ بُشِّرَ بِرَأْسِ أَبِي جَهْلٍ رَكْعَتَيْنِ) . وهذا الحديث حسنه بعض العلماء كابن حجر وابن الملقن. ينظر: "البدر المنير" (9 /106) ، تلخيص الحبير (4 /107) . ولكن قال البوصيري: " هذا إسنادٌ فيه مقال، شَعْثَاء بنتُ عبد الله، لَمْ أَرَ مَنْ تَكَلَّمَ فِيهَا لَا بِجُرْحٍ وَلَا بِتَوْثِيقٍ. وَسَلَمَة بْن رَجَاء لَيَّنَهُ اِبْن مُعِين، وَقَالَ اِبْن عَدِّي: حَدَّثَ بِأَحَادِيث لَا يُتَابَع عَلَيْهَا، وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ضَعِيف، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: يَنْفَرِد عَنْ الثِّقَات بِأَحَادِيث، وَقَالَ أَبُو زُرْعَة: صَدُوق، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: مَا بِحَدِيثِهِ بَأْس ". انتهى من "مصباح الزجاجة " (1 / 211) . وكذلك ضعفه الشيخ الألباني في ضعيف سنن ابن ماجه. 3- صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ثمان ركعات عام الفتح، وقد قال كثير من العلماء إنها كانت شكراً لله على نعمة الفتح. قال محمد بن نصر المروزي: " وأما الصلاة والسجود عند حوادث النعم شكراً لله عز وجل، فمن ذلك: أن الله لما أنعم على نبيه صلى الله عليه وسلم بفتح مكة اغتسل وصلى ثمان ركعات شكراً لله عز وجل ". انتهى من " تعظيم قدر الصلاة" (1 /240) . وقال ابن حجر: " فيه مشروعيه الصلاة للشكر". انتهى " فتح الباري " (3 / 15) . ولكن الاستدلال بهذا الحديث قد ينازع فيه من وجهين: 1- أنه خاص بالنصر والفتح، فلا يعمم على جميع حالات السرور. قال ابن كثير: " هي صلاة الشكر على النصر، على المنصور من قولي العلماء". انتهى من " البداية والنهاية " (1 / 324) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " وكانوا يستحبون عند فتح مدينة أن يصلى الإمام ثماني ركعات شكراً لله، ويسمونها: صلاة الفتح ". انتهى " مجموع الفتاوى" (17 / 474) . وقال ابن القيم رحمه الله: "ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار أم هانئ بنت أبي طالب، فاغتسل وصلى ثمان ركعات في بيتها، وكانت ضحى، فظنها من ظنها صلاة الضحى، وإنما هذه صلاة الفتح. وكان أمراء الإسلام إذا فتحوا حصنا أو بلدا صلوا عقيب الفتح هذه الصلاة، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي القصة ما يدل على أنها بسبب الفتح شكرا لله عليه، فإنها قالت: ما رأيته صلاها قبلها ولا بعدها " انتهى من " زاد المعاد " (3 /361) . 2- أن أم هانئ بنت أبي طالب، وهي التي روت هذا الحديث، صرحت في لفظ حديثها بأنها كانت صلاة الضحى، وهو خلاف ما ذهب إليه ابن القيم رحمه الله في كلامه السابق. فروى مسلم (336) عنها قالت: (لَمَّا كَانَ عَامُ الْفَتْحِ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِأَعْلَى مَكَّةَ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى غُسْلِهِ فَسَتَرَتْ عَلَيْهِ فَاطِمَةُ ثُمَّ أَخَذَ ثَوْبَهُ فَالْتَحَفَ بِهِ ثُمَّ صَلَّى ثَمَانَ رَكَعَاتٍ سُبْحَةَ الضُّحَى) . قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: "قَوْلهَا: (ثُمَّ صَلَّى ثَمَان رَكَعَات سُبْحَة الضُّحَى) هَذَا اللَّفْظ فِيهِ فَائِدَة لَطِيفَة، وَهِيَ أَنَّ صَلَاة الضُّحَى ثَمَان رَكَعَات. وَمَوْضِع الدَّلَالَة كَوْنهَا قَالَتْ: (سُبْحَة الضُّحَى) , وَهَذَا تَصْرِيح بِأَنَّ هَذَا سُنَّة مُقَرَّرَة مَعْرُوفَة , وَصَلَّاهَا بِنِيَّةِ الضُّحَى بِخِلَافِ الرِّوَايَة الْأُخْرَى (صَلَّى ثَمَان رَكَعَات، وَذَلِكَ ضُحًى) , فَإِنَّ مِنْ النَّاس مَنْ يَتَوَهَّم مِنْهُ خِلَاف الصَّوَاب، فَيَقُول: لَيْسَ فِي هَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ الضُّحَى ثَمَان رَكَعَات، وَيَزْعُم أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي هَذَا الْوَقْت ثَمَان رَكَعَات بِسَبَبِ فَتْح مَكَّة، لا لِكَوْنِهَا الضُّحَى , فَهَذَا الْخَيَال الَّذِي يَتَعَلَّق بِهِ هَذَا الْقَائِل فِي هَذَا اللَّفْظ لَا يَتَأَتَّى لَهُ فِي قَوْلهَا: (سُبْحَة الضُّحَى) . وَلَمْ تَزَلْ النَّاس قَدِيمًا وَحَدِيثًا يَحْتَجُّونَ بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى إِثْبَات الضُّحَى ثَمَان رَكَعَات. وَاللَّهُ أَعْلَم. وَ (السُّبْحَة) هِيَ النَّافِلَة سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِلتَّسْبِيحِ الَّذِي فِيهَا" انتهى. وبناء على ما سبق ذهب أكثر العلماء إلى عدم مشروعية ما يسمى بـ "صلاة الشكر". قال الرملي: " لَيْسَ لَنَا صَلَاةٌ تُسَمَّى صَلَاةَ الشُّكْرِ ". انتهى من " تحفة المحتاج " (3 / 208) . وقال الشيخ ابن باز: " لا أعلم أنه ورد شيء في صلاة الشكر، وإنما الوارد في سجود الشكر ". انتهى "مجموع الفتاوى " (11 /424) . وقال الشيخ ابن عثيمين: " لا أعلم في السنة صلاة تسمى: صلاة الشكر، ولكن فيها سجوداً يسمى: سجود الشكر". انتهى " فتاوى نور على الدرب" (6 / 17) . وقال: " الشكر ليس له صلاة ذات ركوع وقيام، وإنما له سجود فقط ". انتهى "فتاوى نور على الدرب" (6 / 18) . فالمشروع للمسلم إذا حدث له ما سره أن يسجد شكراً لله تعالى، أما صلاة الشكر فلا أصل لها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131657 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2224 هل يجوز الاكتفاء بالتسبيح والذكر عن سجود التلاوة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز الاكتفاء بالتسبيح: (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله) أربع مرات عوضا عن السجود للتلاوة؟ لأنه يقال: إذا مررت بآية فيها سجدة يمكنك بدل السجود أن تقول التسبيح السابق، هل له أصل أو دليل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ سُجُودِ التِّلاَوَةِ، لِلآْيَاتِ وَالأَْحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِيهِ، فيشرع للمسلم إذا مر بآية سجدة أن يسجد، سواء كان في صلاة، أو كان خارجا عن الصلاة، وقد روى مسلم في صحيحه (81) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي يَقُولُ يَا وَيْلَهُ! أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ، وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَأَبَيْتُ فَلِي النَّارُ) . ولا بد فيه من السجود، ولا يصح الإتيان بالتسبيح أو شيء من الأذكار بدلاً منه، بل هذا من البدع المحدثة التي ينبغي النهي عنها. فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ) . متفق عليه. قال النووي: "هَذَا الْحَدِيث قَاعِدَة عَظِيمَة مِنْ قَوَاعِد الْإِسْلَام , وَهُوَ مِنْ جَوَامِع كَلِمه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ صَرِيح فِي رَدّ كُلّ الْبِدَع وَالْمُخْتَرَعَات" انتهى. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي، وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ) رواه أبو داود (4607) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. وَسُئِلَ ابن حجر الهيتمي رحمه الله عن قول بعضهم: (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَك رَبَّنَا وَإِلَيْك الْمَصِيرُ) عِنْدَ تَرْكِ السُّجُودِ لِآيَةِ السَّجْدَةِ لِحَدَثٍ أَوْ عَجْزٍ عَنْ السُّجُودِ؟ فَأَجَابَ: "إنَّ ذَلِكَ لَا أَصْلَ لَهُ. فَلَا يَقُومُ مَقَامَ السَّجْدَةِ، بَلْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ إنْ قَصَدَ الْقِرَاءَةَ لأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ شَيْءٌ" انتهى مختصرا. "الفتاوى الفقهية الكبرى" (1/194) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عندما نقرأ في كتاب الله وتمر علينا سجدة، ونحن في مكان غير المسجد والمصلى، كالمدرسة وغيرها نقول (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) أربع مرات، فهل يجوز ذلك أم لا؟ وإذا كان لا يجوز فماذا نفعل؟ فأجاب: "إذا مر القارئ بآية سجدة، فإن كان في محل يمكنه فيه السجود فليسجد استحباباً، ولا يجب السجود على القول الراجح؛ لأنه ثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه قرأ وهو يخطب يوم الجمعة آية السجدة فنزل وسجد , ثم قرأها في الجمعة الثانية فلم يسجد وقال: (إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء) وإذا لم يسجد فإنه لا يقول شيئاً بدل السجود، لأن ذلك بدعة، ودليله أن زيد بن ثابت قرأ عند النبي صلى الله عليه وسلم سورة النجم فلم يسجد فيها، ولم يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً يقوله بدلاً عن السجود " انتهى. "فتاوى إسلامية" (4/66) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131299 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2225 التكبير لسجدة التلاوة [السُّؤَالُ] ـ[هل يلزم التكبير لسجدة التلاوة في الصلاة وخارجها؟ وهل يلزم السلام خارجها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "سجدة التلاوة في الصلاة مثل سجود الصلاة إذا سجد يكبر، وإذا رفع يكبر، والدليل على هذا: ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان في الصلاة يكبر في كل خفض ورفع، إذا سجد كبر، وإذا نهض كبر، هكذا أخبر الصحابة من حديث أبي هريرة وغيره، وهذا السجود من سجود الصلاة، هذا هو الأظهر من الأدلة. أما إذا سجد للتلاوة في خارج الصلاة فلم يرو إلا التكبير في أوله، هذا هو المعروف، كما رواه أبو داود والحاكم. أما عند الرفع في خارج الصلاة فلم يرو فيه تكبير ولا تسليم، وبعض أهل العلم قال: يكبر عند النهوض، ويسلم أيضا ولكن لم يرد في هذا شيء، فلا يشرع له إلا التكبيرة الأولى عند السجود إذا كان خارج الصلاة، وبالله التوفيق" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (24/405) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129173 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2226 الأفضل وضع المصحف على شيء مرتفع أثناء سجود التلاوة [السُّؤَالُ] ـ[إذا كنت أقرأ القرآن ووصلت إلى آية فيها سجدة فهل يجوز لي أن أضع المصحف شرفه الله على الأرض حتى أفرغ من سجدة التلاوة أم لابد من وضعه على شيء مرتفع؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا حرج في وضعه على الأرض إذا كانت طاهرة وقت سجود التلاوة، وإذا تيسر مكان مرتفع شرع وضعه فيه، أو تسليمه إلى أخيك الذي بجوارك إن وُجد حتى تفرغ من السجود؛ لأن ذلك من تعظيمه والعناية به، ولئلا يظن بعض الناس أنك أردت إهانته أو قلة المبالاة به. وبالله التوفيق" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (24/349) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128346 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2227 هل يسجد للتلاوة من لم يكن على طهارة؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا كنت أقرأ القرآن الكريم، وأنا غير مستقبل القبلة، ومررت بآية فيها سجدة تلاوة فهل أسجد؟ وهل يشترط لسجدة التلاوة أن يكون الإنسان على طهارة؟ وإذا كنت أقرأ القرآن الكريم، وأنا مسافر بالسيارة أو الطائرة، ومررت بآية فيها سجدة تلاوة فهل أسجد وأنا على الكرسي؟ وماذا لو مررت بها وأنا جالس على الكرسي في المكتب أو المنزل؟ نرجو التكرم بالإجابة، جزاكم الله خيرا]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "السنة لمن مر بآية السجدة في حال قراءته أن يسجد تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بين أصحابه، فإذا مر بآية فيها سجدة سجد، وسجدوا معه. والسنة: استقبال القبلة إذا تيسر ذلك، وسجدة التلاوة ليست مثل الصلاة؛ بل هي خضوع لله وتأسٍٍ برسوله صلى الله عليه وسلم، فلا يشترط لها شروط الصلاة، لعدم الدليل على ذلك، ولأنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ القرآن في مجلسه بين أصحابه فإذا مر بآية السجدة سجد وسجدوا معه، ولم يقل لهم: لا يسجد إلا من كان على طهارة. والمجالس تجمع من هو على طهارة، ومن هو على غير طهارة، فلو كانت الطهارة شرطا لنبههم النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أنصح الناس، وقد أمره الله بالبلاغ، ولو كانت الطهارة شرطا في سجود التلاوة لأبلغهم بذلك رضي الله عنهم، ولو بلغهم لنقلوا ذلك لمن بعدهم، كما نقلوا عنه سيرته وأحاديثه عليه الصلاة والسلام، فإذا كان القارئ في الطائرة، أو السيارة، أو الباخرة، أو على دابة في السفر فإنه يسجد إلى جهة سيره، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك في أسفاره في صلاة النافلة. وإن تيسر له استقبال القبلة حال صلاة النافلة عند الإحرام، ثم يتجه إلى جهة سيره فذلك أفضل؛ لأنه ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأحاديث، والله ولي التوفيق" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (24/346) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128106 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2228 ماذا يفعل المأموم إذا قرأ آية فيها سجدة؟ [السُّؤَالُ] ـ[ماذا أفعل إذا قرأت سورة فيها سجدة، وأنا أصلي خلف الإمام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " لا تسجد؛ لأن متابعة الإمام واجبة، وسجود التلاوة سنة، وفي حال كون الإنسان مأموماً لا يجوز له أن يسجد، فإن سجد متعمداً مع علمه بأن ذلك لا يجوز بطلت صلاته " انتهى. الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. "فتاوى إسلامية" (1/290) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120670 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2229 لا يشرع السجود المفرد من أجل الدعاء [السُّؤَالُ] ـ[بعض الناس إذا أراد أن يدعو الله تعالى بعد الصلاة، سجد ودعا وهو ساجد، فهل هذا السجود سنة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لم ترد الشريعة بالتقرب إلى الله تعالى بالسجود إلا إذا كان السجود في الصلاة، أو لسبب خاص كسجود السهو أو سجود التلاوة، أو سجود الشكر. أما السجود من أجل الدعاء فلم يرد في الشرع ما يدل على جوازه أو استحبابه، بل الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث المتواترة الكثيرة أنه كان يرفع يديه عند الدعاء، وحث على ذلك ورَغَّب فيه، فقال: (إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا) رواه أبو داود (1488) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. فيكون السجود من أجل الدعاء بدعة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله، ولأنه يضيع السنة التي حث عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهي رفع اليدين عند الدعاء. وقد أنكر العلماء هذا السجود المفرد ونهوا عنه، فقد ذكره أبو شامة رحمه الله في كتابه "الباعث على إنكار البدع والحوادث" (ص62، 63) وقال: "قال إمام الحرمين أبو المعالي ذكر صاحب التقريب عن بعض الأصحاب أن الرجل لو خضع لله تعالى فسجد من غير سبب فله ذلك. قال: وهذا لم أره إلا له، وكان شيخي يكره ذلك، واشتد نكيره على من يفعل ذلك. قال: وهو الظاهر عندي. قال أبو حامد الغزالي: كان الشيخ أبو محمد رحمه الله تعالى يشدد النكير على فاعل ذلك، وهو الصحيح، وقال في كتاب النذر: ولم يذهب أحد إلى أن السجدة وحدها تلزم بالنذر فإنها ليست عبادة مقرونة بسبب، كالتلاوة. قال إمام الحرمين: وكان شيخي يقطع بأن السجدة مفردة لا تلزم بالنذر، وإن كان التالي يسجد، فإن السجدة مفردة من غير سبب ليست قربة على الرأي الظاهر. وقال صاحب التتمة: جرت عادة بعض الناس بالسجود بعد الفراغ من الصلاة يدعو فيه، قال: وتلك سجدة لا يعرف لها أصل، ولا نقلت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه، والأولى أن يدعو بالصلاة لما روي من الأخبار فيه. والله أعلم. قلت (أبو شامة) : ولا يلزم من كون السجود قربة في الصلاة أن يكون قربة خارج الصلاة، كالركوع. قال الفقيه أبو محمد: لم ترد الشريعة بالتقرب إلى الله تعالى بسجدة منفردة لا سبب له" انتهى. وينظر السؤال رقم (98156) [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 116874 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2230 بيان الأحاديث في سجدات التلاوة [السُّؤَالُ] ـ[ما هو الدليل على سجدات التلاوة في القرآن الكريم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله 1- سجدة الأعراف: حديثها مرفوعاً عن أبي الدرداء ضعيف، وموقفاً على ابن عمر وابن عباس، صحيح. رواه عبد الرازق، وأجمع العلماء على السجود فيها، كما في تفسير ابن كثير. 2- سجدة الرعد: حديثها موقفاً على ابن عمر وابن عباس، صحيح في عبد الرازق. 3- سجدة النحل: حديثها موقفاً على عمر بن الخطاب، صحيح في البخاري، سجد فيها وهو يخطب الناس على المنبر، وفي الجمعة الثانية لم يسجد، وقال: (من سجد فقد أصاب، ومن لم يسجد فلا إثم عليه) . وعلى ابن عمر وابن عباس، صحيح في عبد الرازق. 4- سجدة الإسراء: حديثها موقفاً على ابن عمر وابن عباس، صحيح في عبد الرازق. 5- سجدة مريم: حديثها موقفاً عليهما في عبد الرازق، ونقل ابن كثير الإجماع فيها. 6- 7 سجدتا الحج: حديث السجدة الأولى موقفاً على ابن عمر وابن عباس، صحيح في عبد الرازق. وحديث السجدتين مرفوعاً عن عمرو بن العاص فيه ضعف، لكن له شاهد من حديث عقبة بن عامر وخالد بن معدان، وموقوفاً على عمر وابنه عبد الله وأبي الدرداء وأبي موسى الأشعري، صحيح، وقال إسحاق: أدركت الناس منذ سبعين سنة يسجدون في الحج سجدتين. 8- سجدة الفرقان: حديثها موقوفاً على ابن عمر وابن عباس، صحيح في عبد الرازق. 9- سجدة النمل: حديثها موقوفاً على ابن عمر وابن عباس، صحيح في عبد الرازق. 10- سجدة الم تنزيل: حديثها موقوفاً على ابن عمر وابن عباس، صحيح في عبد الرازق، وعن أبي هريرة (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الجمعة في صلاة الفجر الم تنزيل السجدة إلخ) صحيح في البخاري. قال في "الفتح": ولم أر في شيء من الطرق التصريح أنه سجد إلا في كتاب الشريعة وذكره وقال: في إسناده من ينظر في حاله، قال: وللطبراني في الصغير من حديث عليّ فذكره مرفوعاً وقال: لكن في إسناده ضعف اهـ. 11- سجدة ص: حديثها مرفوعاً، صحيح في البخاري. 12- سجدة فصلت: حديثها موقوفاً على ابن عمر وابن عباس، صحيح في عبد الرازق. 13- سجدة النجم: حديثها مرفوعاً، صحيح في البخاري. 14- سجدة الانشقاق: حديثها مرفوعاً، صحيح في مسلم. 15- سجدة العلق: حديثها مرفوعاً، صحيح في مسلم. فائدة: ذكر الموفق [ابن قدامة] في "الكافي" (1/206) أن مواضع السجدات ثابتة بالإجماع إلا سجدات المُفَصَّل [من سورة ق إلى آخر القرآن] والثانية من الحج اهـ. وقد عرفت أدلة ذلك. تم بقلم محمد الصالح العثيمين في 3/8/1404هـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109269 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2231 سجود التلاوة يسن للقارئ والمستمع دون السامع [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم قراءة القرآن جماعة، وسجود تلاوة جماعة للذين يقرؤون، والذين لا يقرؤون القرآن؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: قراءة القرآن جماعة على صوت واحد، ليس مشروعا؛ لعدم وروده في السنة، والأصل في العبادة التوقيف، حتى يدل الدليل الصحيح على المشروعية، في أصل العبادة ووصفها وزمانها ومكانها وعددها، فلا تخص العبادة بشيء من ذلك إلا بدليل. قال الشاطبي رحمه الله: " فالبدعة إذن عبارة عن طريقة في الدين مخترعة، تضاهي الشرعية، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه ... ومنها التزام الكيفيات والهيآت المعينة، كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد، واتخاذ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عيدا، وما أشبه ذلك. ومنها التزام العبادات المعينة، في أوقات معينة، لم يوجد لها ذلك التعيين في الشريعة، كالتزام صيام يوم النصف من شعبان، وقيام ليلته " انتهى من "الاعتصام" (1/37-39) . وإذا كان بصوت مرتفع يشوش على الذاكرين والجالسين، كان أشد كراهة، لعوم قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَمَا إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ فَلْيَعْلَمْ أَحَدُكُمْ مَا يُنَاجِي رَبَّهُ وَلَا يَجْهَرْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ) رواه أحمد (4928) وصححه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند. وأما إن كان أحد الجماعة يقرأ، والباقون يستمعون لقراءته، أو يتناوبون القراءة فيما بينهم، وهو ما يعرف بالإدارة بالقراءة، أو كان الجماعة في المسجد، وكل منهم يقرأ لنفسه، لا يشوش أحدهم على صاحبه، ولا يوافقه بقراءته، فهذا لا بأس به، بل هو قربة مشروعة، محبوبة لله تعالى. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( ... وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ) رواه مسلم (2699) . قال الإمام النووي رحمه الله: " فصل: في استحباب قراءة الجماعة مجتمعين، وفضل القارئين من الجماعة والسامعين، وبيان فضيلة من جمعهم عليها، وحرَّضهم وندبهم إليها " ثم قال: " اعلم أن قراءة الجماعة مجتمعين مستحبة بالدلائل الظاهرة وأفعال السلف والخلف المتظاهر "، ثم ذكر الحديث السابق، وما أشبهه. انظر: التبيان في آداب حملة القرآن (72-74) ثم ذكر بعده فصلا في " الإدارة بالقرآن "، قال: " وهو أن يجتمع جماعة يقرأ بعضهم عشرا أو جزءا أو غير ذلك، ثم يسكت ويقرأ الآخر من حيث انتهى الأول، ثم يقرأ الآخر، وهذا جائز حسن؛ وقد سئل مالك رحمه الله تعالى عنه فقال: لا بأس به ". التبيان (74) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " الِاجْتِمَاعُ لِذِكْرِ اللَّهِ، وَاسْتِمَاعِ كِتَابِهِ، وَالدُّعَاءِ: عَمَلٌ صَالِحٌ، وَهُوَ مِنْ أَفْضَلِ الْقُرُبَاتِ وَالْعِبَادَاتِ فِي الْأَوْقَاتِ. فَفِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: {إنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً سَيَّاحِينَ فِي الْأَرْضِ فَإِذَا مَرُّوا بِقَوْمِ يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا هَلُمُّوا إلَى حَاجَتِكُمْ} وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ {وَجَدْنَاهُمْ يُسَبِّحُونَك وَيَحْمَدُونَك} . لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا أَحْيَانًا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَالْأَمْكِنَةِ فَلَا يُجْعَلُ سُنَّةً رَاتِبَةً يُحَافَظُ عَلَيْهَا إلَّا مَا سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُدَاوَمَةَ عَلَيْهِ فِي الْجَمَاعَاتِ، مِنْ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي الْجَمَاعَاتِ وَمِنْ الْجُمُعَاتِ وَالْأَعْيَادِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَأَمَّا مُحَافَظَةُ الْإِنْسَانِ عَلَى أَوْرَادٍ لَهُ مِنْ الصَّلَاةِ أَوْ الْقِرَاءَةِ أَوْ الذِّكْرِ أَوْ الدُّعَاءِ طَرَفَيْ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ وَغَيْرُ ذَلِكَ: فَهَذَا سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا. فَمَا سُنَّ عَمَلُهُ عَلَى وَجْهِ الِاجْتِمَاعِ كَالْمَكْتُوبَاتِ: فُعِلَ كَذَلِكَ، وَمَا سُنَّ الْمُدَاوَمَةُ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الِانْفِرَادِ مِنْ الْأَوْرَادِ عُمِلَ كَذَلِكَ، كَمَا كَانَ الصَّحَابَةُ - رضي الله عنهم - يَجْتَمِعُونَ أَحْيَانًا: يَأْمُرُونَ أَحَدَهُمْ يَقْرَأُ وَالْبَاقُونَ يَسْتَمِعُونَ. وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ: يَا أَبَا مُوسَى ذَكِّرْنَا رَبَّنَا فَيَقْرَأُ وَهُمْ يَسْتَمِعُونَ، وَكَانَ مِنْ الصَّحَابَةِ مَنْ يَقُولُ: اجْلِسُوا بِنَا نُؤْمِنُ سَاعَةً. وَصَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِأَصْحَابِهِ التَّطَوُّعَ فِي جَمَاعَةٍ مَرَّاتٍ وَخَرَجَ عَلَى الصَّحَابَةِ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ وَفِيهِمْ قَارِئٌ يَقْرَأُ فَجَلَسَ مَعَهُمْ يَسْتَمِعُ ". مجموع الفتاوى (22/521) . وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (4/112) : " ما حكم قراءة القرآن في المسجد جماعة؟ الجواب: السؤال فيه إجمال، فإذا كان المقصود أنهم يقرؤون جميعاً بصوت واحد ومواقف ومقاطع واحدة: فهذا غير مشروع، وأقل أحواله الكراهة، لأنه لم يؤثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن الصحابة رضي الله عنهم، لكن إذا كان ذلك من أجل التعليم فنرجو أن يكون ذلك لا بأس به. وإن كان المقصود أنهم يجتمعون على قراءة القرآن لحفظه أو تعلمه، ويقرأ أحدهم وهم يستمعون، أو يقرأ كل منهم لنفسه غير ملتق بصوته، ولا بموافقة مع الآخرين: فذلك مشروع، لما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وحفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله فيمن عنده) رواه مسلم " انتهى. وجاء فيها أيضا (2/480) : " الاجتماع لتلاوة القرآن ودراسته بأن يقرأ أحدهم ويستمع الباقون ويتدارسوا ما قرؤوه، ويتفهموا معانيه، مشروع وقربة يحبها الله , ويجزي عليها الجزاء الجزيل، فقد روى مسلم في صحيحه وأبو داود، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده) " انتهى. ثانيا: سجود التلاوة يسن للقارئ والمستمع، دون السامع الذي يسمع بلا إصغاء أو قصد. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/361) : " ويسن السجود للتالي والمستمع، لا نعلم في هذا خلافا. وقد دلت عليه الأحاديث التي رويناها. وقد روى البخاري , ومسلم , وأبو داود , عن ابن عمر , قال: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا السورة في غير الصلاة , فيسجد , ونسجد معه , حتى لا يجد أحدنا مكانا لموضع جبهته} . فأما السامع غير القاصد للسماع فلا يستحب له , وروي ذلك عن عثمان , وابن عباس , وعمران، وبه قال مالك. وقال أصحاب الرأي: عليه السجود. وروي نحو ذلك عن ابن عمر , والنخعي , وسعيد بن جبير , ونافع , وإسحاق ; لأنه سامع للسجدة , فكان عليه السجود كالمستمع. وقال الشافعي: لا أؤكد عليه السجود , وإن سجد فحسن. ولنا ما روي عن عثمان رضي الله عنه: أنه مر بقاص , فقرأ القاص سجدة ليسجد عثمان معه , فلم يسجد. وقال: إنما السجدة على من استمع. وقال ابن مسعود , وعمران: ما جلسنا لها. وقال سلمان: ما عدونا لها. ونحوه عن ابن عباس , ولا مخالف لهم في عصرهم نعلمه إلا قول ابن عمر: إنما السجدة على من سمعها. فيحتمل أنه أراد من سمع عن قصد , فيحمل عليه كلامه جمعا بين أقوالهم ; ولا يصح قياس السامع على المستمع , لافتراقهما في الأجر " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 104336 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2232 ماذا يقول في سجود الشكر؟ [السُّؤَالُ] ـ[ماذا يقول في سجود الشكر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لم يرد في الأحاديث تخصيص سجود الشكر بدعاء معين، ولذلك قال العلماء: يقول في سجود الشكر ما يقوله في سجود الصلاة من التسبيح والدعاء. فيقول: سبحان ربي الأعلى، اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ. ثم يدعو بما أحب. قال ابن قدامة رحمه الله: صفة سجود الشكر في أفعاله وأحكامه وشروطه كصفة سجود التلاوة اهـ المغني 2/372. وقال في سجود التلاوة: ويقول في سجوده ما يقول في سجود الصلاة اهـ المغني 2/362. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: يكون سجود الشكر عن مصيبة اندفعت أو لنعمة تهيأت للإنسان وهو كالتلاوة خارج الصلاة، فبعض العلماء يرى له الوضوء والتكبير، وبعضهم يرى التكبيرة الأولى فقط، ثم يخر ساجدا ويدعو بعد قوله سبحان ربي الأعلى اهـ فتاوى منار الإسلام 1/205. والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 21888 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2233 صفة سجود التلاوة والطهارة له [السُّؤَالُ] ـ[هل يشترط لسجود التلاوة طهارة، وهل يكبر إذا خفض ورفع سواء كان في الصلاة أو خارجها؟ وماذا يقال في هذا السجود؟ وهل ما ورد من الدعاء فيه صحيح؟ وهل يشرع السلام في هذا السجود إذا كان خارج الصلاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله وبعد: سجود التلاوة لا تشترط له الطهارة في أصح قولي العلماء وليس فيه تسليم ولا تكبير عند الرفع منه في أصح قولي أهل العلم. ويشرع فيه التكبير عند السجود لأنه قد ثبت من حديث ابن عمر رضي الله عنهما ما يدل على ذلك. أما إذا كان سجود التلاوة في الصلاة فإنه يجب فيه التكبير عند الخفض والرفع لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك في الصلاة في كل خفض ورفع. وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: صلوا كما رأيتموني أصلي. رواه البخاري في صحيحه (595) ، ويشرع في سجود التلاوة من الذكر والدعاء ما يشرع في سجود الصلاة لعموم الأحاديث ومن ذلك: اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته تبارك الله أحسن الخالقين روى ذلك مسلم في صحيحه (1290) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول هذا الذكر في سجود الصلاة من حديث علي رضي الله عنه. وقد سبق آنفا أنه يشرع في سجود التلاوة ما يشرع في سجود الصلاة وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا في سجود التلاوة بقوله: " اللهم اكتب لي بها عندك أجرا وامح عني بها وزرا واجعلها لي عندك ذخرا وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود عليه السلام" رواه الترمذي (528) والواجب في ذلك قول: سبحان ربي الأعلى، كالواجب. في سجود الصلاة، وما زاد عن ذلك من الذكر والدعاء فهو مستحب. وسجود التلاوة في الصلاة وخارجها سنة وليس بواجب لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث زيد بن ثابت ما يدل على ذلك وثبت عن عمر رضي الله عنه ما يدل على ذلك أيضا، والله ولي التوفيق. [الْمَصْدَرُ] (مجموع فتاوى ومقالات سماحة الشيخ ابن باز 11 / 406) . الحديث: 22650 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2234 التعبد لله بالسجود المفرد [السُّؤَالُ] ـ[زميلي أخ ملتزم مواظب على الفرائض والسنن وجدته يسجد لله سجودا ليس هو سجود الصلاة ولا سجود السهو ولا سجود التلاوة ولا سجود الشكر وإنما هو سجود يفعله في أي زمن يشتهي وفي هذا السجود يذكر الله بالأذكار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم ويستدل بقوله صلى الله عليه وسلم: (أعني على نفسك بكثرة السجود) فهل هذا السجود صحيح أم هو بدعة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأصل في العبادات التوقيف، فلا يعبد الله إلا بما شرع، وليس في الشريعة التعبد لله بالسجدة المفردة، إلا أن تكون سجدة تلاوة أو سجدة شكر، ولا يشرع غير هذا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ) رواه البخاري (2499) ومسلم (3242) ، وفي لفظ له: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) . قال النووي رحمه الله في "المجموع" (3/565) : " لو خضع إنسان لله تعالى فتقرب بسجدة بغير سبب يقتضي سجود شكر ففيه وجهان حكاهما إمام الحرمين وغيره (أحدهما) : يجوز , قاله صاحب التقريب (وأصحهما) : لا يجوز , صححه إمام الحرمين وغيره وقطع به الشيخ أبو حامد. قال إمام الحرمين: وكان شيخي - يعني أبا محمد - يشدد في إنكار هذا السجود، واستدلوا لهذا بالقياس على الركوع , فإنه لو تطوع بركوع مفردا كان حراما بالاتفاق ; لأنه بدعة، وكل بدعة ضلالة إلا ما دل دليل على استثنائه , وسواء في هذا الخلاف في تحريم السجدة ما يفعل بعد صلاة وغيره " انتهى. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " أنكر من هذا ما يفعله بعض الناس من أنه يسجد بعد السلام سجدة مفردة , فإن هذه بدعة , ولم ينقل عن أحد من الأئمة استحباب ذلك. والعبادات مبناها على الشرع والاتباع , لا على الهوى والابتداع ; فإن الإسلام مبني على أصلين: أن لا نعبد إلا الله وحده , وأن نعبده بما شرعه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، لا نعبده بالأهواء والبدع " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (2/242) . وقال ابن الحاج في "المدخل" (4/266) في إنكار السجدتين المفردتين بعد صلاة الرغائب: " الصلاة إنما يراد بها التقرب إلى الله تعالى، والتقرب إنما يكون بالامتثال لا بالابتداع ولا بالمكروه ... والعلماء إنما أجازوا السجود المنفرد عن الصلاة في موضعين لا ثالث لهما: أحدهما: سجود التلاوة. والثاني: سجود الشكر على مذهب من يراه. وليست هاتان السجدتان منهما ; لأنه لم يرد ذلك عن السلف الماضين رضي الله عنهم " انتهى. وليعلم أن الشيطان حريص على إيقاع العبد في البدعة، لأمور: منها أنه: لا يؤجر عليها. ومنها: أنها تشغله عن فعل السنة، مع ما فيها من الاستدراك على الشارع وكأن المبتدع هُدي إلى ما لم يهد إليه محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه. وخلاصة الجواب: أن هذه السجدة غير مشروعة ويدل على ذلك: 1- أنها بدعة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل بدعة ضلالة) 2- قياساً على أنه لا يجوز التقرب إلى الله بركوع مفرد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98156 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2235 هل يسجد لله شكرا على نعمة السمع والبصر [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن يسجد ويشكر الله عز وجل على نعمه كنعمة السمع؟ أرجو الإيضاح مع الأدلة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سجود الشكر إنما يكون للنعم المتجددة، كحصول ولد، أو قدوم غائب أو نصر على عدو، لا للنعم المستمرة كنعمة السمع والبصر، لعدم ورود ذلك في الشرع، ولو كان مشروعا لاقتضى أن يظل الإنسان طول عمره ساجداً للشكر. قال النووي رحمه الله في "المجموع" (3/564) : " قال الشافعي والأصحاب: سجود الشكر سنة عند تجدد نعمة ظاهرة واندفاع نقمة ظاهرة , سواء خصته النعمة والنقمة أو عمت المسلمين. قال أصحابنا: وكذا إذا رأى مبتلى ببلية في بدنه أو بغيرها أو بمعصية يستحب أن يسجد شكرا لله تعالى , ولا يشرع السجود لاستمرار النعم ; لأنها لا تنقطع " انتهى. وقال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/363) : " ويستحب سجود الشكر عند تجدد النعم , واندفاع النقم. وبه قال الشافعي , وإسحاق , وأبو ثور , وابن المنذر. لما رواه ابن المنذر , بإسناده عن أبي بكرة , أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه أمر يُسَر به خر ساجدا , ورواه أبو داود , ولفظه قال: كان إذا أتاه أمر يسر به , أو بشّر به خر ساجدا ; شكرا لله} . وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. وسجد أبو بكر الصديق حين فتح اليمامة، وسجد عليٌّ حين وجد ذا الثديَّة في قتلى الخوارج. وروي عن جماعة من الصحابة " انتهى وقال ابن القيم رحمه الله في "إعلام الموقعين" (2/296) : " فإن النعم نوعان: مستمرة , ومتجددة , فالمستمرة شكرها بالعبادات والطاعات , والمتجددة شرع لها سجود الشكر ; شكرا لله عليها , وخضوعا له وذلا , في مقابلة فرحة النعم وانبساط النفس لها , وذلك من أكبر أدوائها ; فإن الله سبحانه لا يحب الفرحين ولا الأشرين ; فكان دواء هذا الداء الخضوع والذل والانكسار لرب العالمين " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع على زاد المستقنع" (4/105) : " قوله: «عند تجدد النعم» . أي: عند النِّعمة الجديدة، احترازاً مِن النِّعمة المستمرَّة، فالنِّعمة المستمرَّة لو قلنا للإنسان: إنه يستحبُّ أنْ يسجدَ لها لكان الإنسانُ دائماً في سُجود، لأن الله يقول: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا) إبراهيم/34} ، والنعمة المستمرَّة دائماً مع الإنسان فسلامةُ السمعِ، وسلامةُ البصرِ، وسلامةُ النُّطقِ، وسلامةُ الجسم، كلُّ هذا مِن النِّعَمِ. والتنفُّس مِن النِّعَم وغير ذلك، ولم تَرِدِ السُّنَّة بالسُّجود لمثل ذلك، لكن لو فُرِضَ أنَّ أحداً أُصيب بضيق التنفُّس؛ ثم فَرَّجَ الله عنه؛ فَسَجَد شكراً لله؛ كان مصيباً؛ لأنَّ انطلاق نَفَسِهِ بعد ضيقه تجدّد نعمة. مثال ذلك: إنسان نجح في الاختبار وهو مُشفِقٌ أنْ لا ينجح، فهذا تجدُّد نِعمةٍ يسجدُ لها. مثال آخر: إنسانٌ سَمِعَ انتصاراً للمسلمين في أيِّ مكانٍ، فهذا تجدُّد نِعمةٍ يسجدُ لله شكراً. مثال آخر: إنسانٌ بُشِّر بولد، هذا تجدُّد نِعمة يُسجدُ لها، وعلى هذا فَقِسْ. قوله: «واندفاع النقم» أي: التي وُجِدَ سببُها فَسَلِمَ منها. مثال ذلك: رجل حَصَلَ له حادث في السيارة وهو يسير، وانقلبت وخرجَ سالماً، فهنا يسجدُ؛ لأنَّ هذه النقمة وُجِدَ سببُها وهو الانقلاب لكنه سَلِمَ. مثال آخر: إنسان اشتعل في بيته حريق، فَيَسَّرَ اللهُ القضاء عليه فانطفأ؛ فهذا اندفاعُ نِقْمَةٍ يَسجدُ لله تعالى شكراً. مثال آخر: إنسانٌ سَقَطَ في بئر فَخَرَجَ سالماً، فهذا اندفاعُ نِقْمَةٍ؛ يسجدُ لله شُكراً عليها. فالمُراد بذلك اندفاع النِّقم التي وُجِدَ سَبَبُهَا فَسَلِمَ منها، أمَّا المستمر فلا يمكن إحصاؤه، ولو أننا قلنا للإنسان يُستحبُّ أن تسجدَ لذلك لكان دائماً في سُجود " انتهى. والحاصل وأن سجود الشكر يكون لحصول النعم المتجددة لا المستمرة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96807 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2236 حكم المرور أمام ساجد سجدة التلاوة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم المرور أمام ساجد سجدة التلاوة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس عليه في ذلك شيء. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 7/263 الحديث: 5001 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2237 حكم الوقوف لأداء سجدة التلاوة [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان الإنسان يقرأ القرآن في المسجد أو غيره وهو جالس ووصل إلى سجدة من السجدات هل الأفضل يقوم قائما ويسجد أم يسجد في مكانه وهو جالس، أيهما أفضل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا نعلم دليلا على شرعية القيام من أجل سجود التلاوة. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 7/265 الحديث: 4950 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2238 هل يجب الحجاب على المرأة في سجود التلاوة [السُّؤَالُ] ـ[ماذا تفعل المرأة عندما تكون تقرأ القرآن وتقابلها آية سجدة هل تسجد وهي بدون غطاء أم ماذا تفعل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأولى للمرأة إذا مرت بآية سجدة أن تسجد وهي مخمرة رأسها وإن سجدت للتلاوة بدون خمار فنرجو ألا حرج، لأن سجود التلاوة ليس له حكم الصلاة، وإنما هو خضوع لله سبحانه وتقرب إليه مثل بقية الأذكار وأفعال الخير. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 7/263 الحديث: 4908 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2239 كيفية التكبير في سجود التلاوة [السُّؤَالُ] ـ[هل يكبر القارئ في سجود التلاوة في الخفض والرفع منه أو في الخفض فقط، وهل يقرأ التشهد أولا، وهل يسلم منه أو لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: يكبر من سجد سجود التلاوة في الخفض، لما رواه أبو داود في سننه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا القرآن، فإذا مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا) أخرجه أحمد2/17، والبخاري 2/33،34، ومسلم 1/405 برقم (575) ، ولا يكبر في الرفع من السجود؛ لعدم ثبوت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم، ولأن سجود التلاوة عبادة، والعبادات توقيفية، يقتصر فيها على ما ورد، والذي ورد التكبير في الخفض لسجود التلاوة لا للرفع منه، إلا إذا كان سجود التلاوة وهو في الصلاة فيكبر للخفض والرفع؛ لعموم الأحاديث الصحيحة الواردة في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه كان يكبر في كل خفض ورفع. ثانيا: لا يتشهد عقب سجود التلاوة ولا يسلم منه، لعدم ثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه، وهو من العبادات، وهي توقيفية، فلا يعول فيه على القياس على التشهد والسلام في الصلاة. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 7/261 الحديث: 4890 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2240 هل يجوز سجود التلاوة للحائض [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز سجود التلاوة للحائض وكذلك سجدة الشكر لها، وإذا كان غير جائز فهل يجوز عند سماع سجدة التلاوة أن تسبح الله فقط باللسان؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: في الحالات التي تباح فيها لها القراءة يشرع لها سجود التلاوة إذا مرت بسجدة تلاوة، أو استمعت لها، والصواب: أنه يجوز لها القراءة عن ظهر قلب، لا من المصحف، وعليه يشرع لها السجود، لأنه ليس صلاة وإنما هو خضوع لله وعبادة كأنواع الذكر. ثانياً: الصحيح أن سجود الشكر وسجود التلاوة لتال أو مستمع لا تشترط لهما الطهارة؛ لأنهما ليسا في حكم الصلاة. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 7/262 الحديث: 4862 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2241 سجود الشكر بعد الولادة بأربعين يوماً [السُّؤَالُ] ـ[أصبح عمر ابنتي 40 يوما وذهبت للمسجد لأسجد السجدة التقليدية التي نعملها في بلدنا باكستان ولكن رفض الإمام هذا وقال إن هذا السجود ليس له أصل في أي حديث وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعل هذا ولا يجب أن نكون أفضل منه.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا السجود كما قال إمام المسجد ليس له أصل، نعم سجود الشكر مشروع عند تجدد نعمة أو اندفاع نقمة، لكنه يفوت إذا مضى عليها مدة كهذه. انتهى جواب الشيخ عبد الكريم الخضير. فلو كنت سجدت سجود الشكر لمّا ولدت ابنتك سالمة وسلمت الأم لقلنا لك هذا لا بأس به، وفعل مشروع أما توقيتها بأربعين في المسجد فهذه بدعة، وفقنا الله وإياك لكل خير. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 4305 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2242 صفة سجدة الشكر [السُّؤَالُ] ـ[ما هي صفة صلاة الشكر لله تعالى على عملٍ ما، أركانها وشروطها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سجدة الشكر مشروعة لما يسر، من جلب نفع ودفع ضر، وقد دلت على ذلك الأحاديث والآثار، فمن الأحاديث حديث أبي بكرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه أمر يسره وبشر به خر ساجدا شكرا لله تعالى) رواه الخمسة إلا النسائي، قال الترمذي: حسن غريب، ولفظ أحمد: أنه شهد النبي صلى الله عليه وسلم أتاه بشير يبشره بظفر جند له على عدوهم ورأسه في حجر عائشة، فقام فخر ساجداً. أخرجه أحمد 5/45، والحاكم 4/291. ومنها: حديث عبد الرحمن بن عوف قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم فتوجه نحو صدقته فدخل واستقبل القبلة فخر ساجدا فأطال السجود ثم رفع رأسه وقال: (إن جبريل أتاني فبشرني، فقال: إن الله عز وجل يقول لك: من صلى عليك صليت عليه، ومن سلم عليك سلمت عليه، فسجدت لله شكرا) رواه أحمد، قال المنذري: وقد جاء حديث سجدة الشكر من حديث البراء بإسناد صحيح ومن حديث كعب بن مالك وغير ذلك. انتهى. وأما الآثار فمنها: أن أبا بكر رضي الله عنه سجد حين جاءه خبر قتل مسيلمة. رواه سعيد بن منصور في سننه، وسجد علي رضي الله عنه حين وجد ذا الثدية في الخوارج. رواه أحمد في المسند، وسجد كعب بن مالك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لما بشر بتوبة الله عليه. وقصته متفق عليها. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء7/266 الحديث: 5110 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2243 سجد الإمام للتلاوة ولم يعلم المأموم فركع [السُّؤَالُ] ـ[إذا سجد الإمام للتلاوة فظن المأموم أن الإمام ركع فركع فما الحكم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا سجد الإمام للتلاوة فظن المأموم أنه ركع ثم ركع بناء على أن الإمام قد ركع، فلا يخلو من حالين: إحداهما: أن يعلم بأن الإمام ساجد وهو راكع، ففي هذه الحالة يجب عليه أن يسجد اتباعاً لإمامه. الحال الثانية: أن لا يشعر أن الإمام ساجد إلا بعد أن يقوم من السجدة، وحينئذ نقول للمأموم الذي ركع: ارفع الآن وتابع الإمام واركع مع إمامك واستمر، وسجود التلاوة سقط عنك حينئذ، لأن سجود التلاوة ليس ركناً في الصلاة حتى يحتاج أن تأتي به بعد إمامك، وإنما يجب عليك متابعة للإمام. والمتابعة هنا قد فاتت، فهي سنة قد فات محلها، وتستمر في صلاتك" انتهى. [الْمَصْدَرُ] "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (14/24) . الحديث: 85206 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2244 سجد للتلاوة مع الإمام في آخر المسجد ثم تقدم إلى الصف ودخل في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[دخل رجل المسجد – وهو مسجد كبير – والإمام يقرأ حتى بلغ آية سجدة، فسجد الإمام، ورأى ذلك الرجل أنه إذا وصل إلى الصف لن يدرك هذه السجدة مع الإمام. فسجد وهو في آخر المسجد ثم رفع من السجود ووصل إلى الصف ودخل مع الإمام في الصلاة، فهل ما فعله ذلك الرجل صحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " لا يشرع له ذلك إلا إذا كان مستمعاً للقراءة، قاصداً للاستماع، فإنه يسجد معه ولو لم يكن مصلياً خلفه. أما وهو مأموم يريد الالتحاق بالإمام فلا وجه لعمله هذا " اهـ. [الْمَصْدَرُ] فضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم الخضير. الحديث: 22918 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2245 هل يسجد للتلاوة إذا سمع آية السجدة مسجَّلَةً؟ [السُّؤَالُ] ـ[متى يجب أن يسجد المسلم؟ فماذا يجب علينا أن نفعل؟ وهل يجوز أن نستمع إلى القرآن عندما نود أن ننام؟ حيث أنام والقرآن مستمر تلاوته؟ . إذا كنت أستمع إلى القرآن عن طريق الكومبيوتر وسمعت آية فيها سجدة، فماذا أفعل؟ وفي سورة مريم هناك آية تقول بأنه عندما نسمع آيات الله نخر سجدا وبكيا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: مواضع سجود التلاوة في القرآن الكريم خمسة عشر موضعاً، وقد سبق بيانها في جواب السؤال رقم (5126) . ثانياً: السجود في هذه المواضع مستحب للقارئ والمستمع، وليس واجباً، فيكبِّر إذا أراد أن يسجد ثم يقول في سجوده ما يقول في سجود الصلاة، ثم يرفع من غير تكبير، ولا يتشهد، ولا يسلم، وإذا كان سجود التلاوة في الصلاة فإنه يكبر كذلك عند الرفع منه. وانظر بيان ذلك في جواب السؤال رقم (22650) و (4890) . ثالثاً: لا حرج على المسلم في استماع القرآن إذا أراد أن ينام، بل استماع القرآن سبب لطمأنينة القلب، وانشراح الصدر، قال الله تعالى: (أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) الرعد/28. رابعاً: وأما سجود التلاوة إذا كنت تستمع آية فيها سجدة من الكمبيوتر أو جهاز التسجيل، فالذي يظهر أنه لا يشرع السجود لذلك. وقد نص العلماء المتقدمون على قريب من هذه المسألة. فمن ذلك: ما جاء في "الفتاوى الهندية" (1/133) وهو من كتب الأحناف: " إن سمعها (يعني آية السجدة) من الصَّدَى (وهو ارتداد الصوت من مكان بعيد) لا تجب عليه " انتهى. فمثله: إذا سمعها من جهاز تسجيل ونحوه. وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: إن كان الإنسان يستمع إلى تلاوة القرآن الكريم بواسطة جهاز التسجيل، ومر القارئ بآية فيها سجدة تلاوة، فهل يسجد؟ فأجاب: " لا يشرع للمستمع أن يسجد إلا إذا سجد القارئ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ عليه زيد بن ثابت رضي الله عنه سورة النجم ولم يسجد، فلم يسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فدل ذلك على عدم وجوب سجود التلاوة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على زيد تركه، كما دل الحديث أيضا على أن المستمع لا يسجد إلا إذا سجد القارئ " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (11/415) ونحوه في "الشرح الممتع" (4/133) . خامساً: وأما قوله تعالى في سورة مريم: (إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا) ، فهو ثناء من الله تعالى على الأنبياء والمرسلين ومن هداهم الله واجتباهم أنهم لكمال خشيتهم من الله وخضوعهم له إذا قرئت عليهم آياته يخرون ساجدين باكين. ولذلك استحب العلماء البكاء عند قراءة القرآن أو استماعه، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا قرأ هذه الآية قال: (هذا السجود، فأين البكى؟) يعاتب نفسه رضي الله عنه على عدم البكاء. وقد وصف الله تعالى حال الذين أوتوا العلم إذا يتلى عليهم القرآن الكريم بقوله: (قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً * وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا) الإسراء/107-109. نسأل الله أن يجعلنا ممن يخشونه حق خشيته ويتقونه حق تقاته. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 73402 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2246 مواضع سجود التلاوة في القرآن الكريم [السُّؤَالُ] ـ[ما هي الآيات في القرآن التي ينبغي أن نسجد عندها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله مواضع السجود في القرآن خمسة عشر موضعاً فعن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن منها ثلاث في المفصل وفي الحج سجدتان رواه أبو داود وابن ماجة والحاكم والدارقطني وحسنه المنذري والنووي وهي: 1- (إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون) (الأعراف/206) . 2- (ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً وظلالهم بالغدو والآصال) . (الرعد/15) . 3- (ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون) (النحل/49) . 4- (قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا) (الإسراء/107) . 5- (إذ تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكياً) (مريم/58) . 6- (ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء) (الحج/18) . 7- (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون) (الحج/77) 8- (وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزداهم نفوراً) . (الفرقان/60) . 9- (ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون) (النمل/25) . 10- (إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجداً وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون) (السجدة/15) . 11- (وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعاً وأناب) (ص/24) . 12- (ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون) (فصلت/37) . 13- (فاسجدوا لله واعبدوا) (النجم/63) . 14- (وإذا قرء عليهم القرآن لا يسجدون) (الانشقاق/21) . 15- (كلا لا تطعه واسجد واقترب) (العلق/19) . فقه السنة 1/186-188 قال الألباني في تمام المنة 269 معلقا: " كلا ليس بحسن، لأن فيه مجهولين، فقد قال الحافظ في التلخيص بعد أن نقل تحسين المنذري والنووي للحديث: وضعفه عبد الحق وابن القطان وفيه عبد الله بن منين وهو مجهول والراوي عنه الحارث بن سعيد العتقي وهو لا يعرف أيضاً وقال ابن ماكولا: ليس له غير هذا الحديث ". ولذلك اختار الطحاوي أن ليس في الحج سجدة ثانية قرب آخرها وهو مذهب ابن حزم في المحلى قال: " لأنه لم يصح فيها سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجمع عليها وصح عن عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وأبي الدرداء السجود فيها " ثم ذهب ابن حزم إلى مشروعية السجود في السجدات الأخرى المذكورة في الكتاب وذكر أن العشر الأولى متفق على مشروعية السجود فيها عند العلماء وكذلك حكى الاتفاق عليها الطحاوي في شرح المعاني (1/211) إلا أنه جعل سجدة (فصلت) بدل سجدة (ص) ثم أخرجا كلاهما بأسانيد صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سجد في (ص) (والنجم) والانشقاق) و (اقرأ) وهذه الثلاث الأخيرة من المفصل التي أشير إليها في حديث عمرو المذكور آنفا. وبالجملة فالحديث مع ضعف إسناده قد شهد له اتفاق الأمة على العمل بغالبه، ومجيء الأحاديث الصحيحة شاهدة لبقيته إلا سجدة الحج الثانية فلم يوجد ما يشهد لها من السنة والاتفاق، إلا أن عمل بعض الصحابة على السجود فيها قد يستأنس بذلك على مشروعيتها ولا سيما ولا يعرف لهم مخالف. والخلاصة أنّ السجود للتلاوة في الخمسة عشر موضعا المذكورة والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 5126 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2247 سجود التلاوة في أوقات النهي [السُّؤَالُ] ـ[عند طلوع الشمس وعند غروبها هل تمنع كل النوافل حتى ركعتي الاستغفار وركعتي الطواف وسجدة التلاوة؟ ما دليل ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: صلاة النافلة في وقت النهي تقدم الكلام عليها في الأسئلة (306) (8818) (20013) ثانياً: سجود التلاوة ليس صلاة على الراجح من قولي أهل العلم وقد تقدم الكلام عليها في الأسئلة (4913) (22650) . وبناءً عليه فإنه " يجوز سجود التلاوة في أوقات النهي عن الصلاة، على الصحيح من قولي العلماء؛ لأنه ليس له حكم الصلاة، ولو فرضنا أن له حكم الصلاة جاز فعله في وقت النهي؛ لأنه من ذوات الأسباب، كصلاة الكسوف وركعتي الطواف لمن طاف في وقت النهي ". فتاوى اللجنة الدائمة 7/264 ثالثاً / قولك " ركعتي الاستغفار " لعلك تقصد بها ركعتي التوبة، وهي مشروعة عند التوبة من الذنب فعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من رجل يذنب ذنباً ثم يقوم فيتطهر ثم يصلي ركعتين ثم يستغفر الله إلا غفر الله له) ثم قرأ هذه الآية: (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون) آل عمران /135. رواه الترمذي 408 وأبو داوود 1521 وابن ماجه 1395، وصححه الألباني في صحيح أبي داوود 1346 وركعتا التوبة صلاة ذات سبب، فيجوز أداءها في وقت النهي. والله أعلم وقد ورد في روايات أخرى صحيحة صفات أخرى لركعتين تكفران الذنوب وهذا ملخصها: - ما من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء (لأن الخطايا تخرج من الأعضاء المغسولة مع الماء أو مع آخر قطر الماء) ومن إحسان الوضوء قول بسم الله قبله، والأذكار بعده وهي: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله – اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين – سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. وهذه أذكار ما بعد الوضوء لكل منها أجر عظيم. - يقوم فيصلي ركعتين. - لا يسهو فيهما. - لا يحدث فيهما نفسه. - يحسن فيهن الذكر والخشوع. - ثم استغفر الله. والنتيجة: غفر له ما تقدم من ذنبه. إلا وجبت له الجنة. صحيح الترغيب 1/ 210-211. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 34668 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2248 ما يقال في سجود السهو والتلاوة [السُّؤَالُ] ـ[ماذا يقول المصلي عندما يسجد للسهو في صلاته؟ وماذا يقول المصلي عندما يسجد لسجدة القرآن الكريم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يقول الساجد في سجود السهو والتلاوة مثل ما يقول في سجوده في صلاته: " سبحان ربي الأعلى " والواجب في ذلك مرة واحدة، وأدنى الكمال ثلاث مرات، ويستحب الدعاء في السجود بما يسر الله من الأدعية الشرعية المهمة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم» فقمن أي: جدير وقوله صلى الله عليه وسلم: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء» رواهما مسلم في صحيحه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي» متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها، وكان صلى الله عليه وسلم يقول أيضا في الركوع والسجود: «سبوح قدوس رب الملائكة والروح» أخرجه مسلم في صحيحه. وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 6/443 الحديث: 34689 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2249 هل سجود التلاوة سجدة أو سجدتين [السُّؤَالُ] ـ[هل سجود التلاوة سجدة أو سجدتين؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سجود التلاوة سجدة واحدة يسجدها المسلم إذا قرأ آية من آيات السجدة، وهي معروفة في المصحف. وقد " اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ سُجُودَ التِّلاوَةِ يَحْصُلُ بِسَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ " اهـ الموسوعة الفقهية (24/221) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 32750 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2250 حكم الاستعاذة من عذاب جهنم وعذاب القبر قبل التسليم من الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[هل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والاستعاذة من عذاب القبر، وعذاب جهنم، وفتنة المحيا والممات، وفتنة المسيح الدجال واجبة في هذا التشهد أم سنَّة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله روى مسلم (588) عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ، يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ) . وفي رواية عند مسلم (590) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُعَلِّمُهُمْ هَذَا الدُّعَاءَ كَمَا يُعَلِّمُهُمُ السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ يَقُولُ: (قُولُوا: اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ) . قَالَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ: بَلَغَنِي أَنَّ طَاوُسًا قَالَ لاِبْنِهِ: أَدَعَوْتَ بِهَا فِي صَلاَتِكَ؟ فَقَالَ: لاَ، قَالَ: " أَعِدْ صَلاَتَكَ "؛ لأَنَّ طَاوُسًا رَوَاهُ عَنْ ثَلاَثَةٍ، أَوْ أَرْبَعَةٍ، أَوْ كَمَا قَالَ. انتهى وقد اختلف العلماء في حكم هذه الاستعاذة، فذهب جمهورهم إلى استحبابها، وذهبت طائفة منهم إلى وجوبها. قال النووي – رحمه الله -: وإن طاوسا رحمه الله تعالى أمر ابنه حين لم يدع بهذا الدعاء فيها بإعادة الصلاة، هذا كله يدل على تأكيد هذا الدعاء، والتعوذ، والحث الشديد عليه , وظاهر كلام طاوس رحمه الله تعالى أنه حمل الأمر به على الوجوب، فأوجب إعادة الصلاة لفواته , وجمهور العلماء على أنه مستحب، ليس بواجب. " شرح النووي " (5 / 89) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: بل قد ذهب طائفة من السلف، والخلف، إلى أن الدعاء في آخرها واجب، وأوجبوا الدعاء الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم آخر الصلاة بقوله: (إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع: من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال) رواه مسلم، وغيره، وكان طاووس يأمر من لم يدع به أن يعيد الصلاة، وهو قول بعض أصحاب أحمد. " مجموع الفتاوى " (22 / 518) . وقال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -: وفي التعوّذ من هذه الأربع قولان: القول الأول: أنه واجب، وهو رواية عن الإمام أحمد؛ لما يلي: 1. لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بها. 2. ولشدَّة خطرها، وعِظَمها. والقول الثاني: أنه سُنَّة، وبه قال جمهور العلماء. ولا شَكَّ أنه لا ينبغي الإخلالُ بها، فإن أخلَّ بها: فهو على خَطَرٍ من أمرين: 1. الإثم. 2. ألا تصح صلاته، ولهذا كان بعضُ السَّلف يأمر مَنْ لم يتعوَّذ منها بإعادة الصَّلاة. " الشرح الممتع " (3 / 199، 200) . والأرجح هو قول الجمهور، ويُحمل فعل طاوس رحمه الله – إن صح عنه – على توكيد هذا الاستحباب؛ حيث إن أمره بالإعادة كان لابنه في سياق تعليمه، لا لعامة المصلين، وهو احتمال ذكره أبو العباس القرطبي، وارتضاه جمع من الأئمة، حيث قال: " ويحتمل: أن يكون ذلك إنما أمره بالإعادة تغليظًا عليه؛ لئلا يتهاون بتلك الدعوات، فيتركها، فيُحْرَم فائدتها، وثوابها. انتهى من " المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم " (2 / 209) . ثم إن الأصل في الأدعية في الصلاة وغيرها: أنها للاستحباب، والإرشاد، إلا أن تدل قرينة قوية على الوجوب. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 133016 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2251 المسبوق إذا أدرك التشهد الأول هل يرفع يديه إذا قام؟ [السُّؤَالُ] ـ[دخلت الصلاة على التشهد الأول مع الإمام، هل أرفع يدي للتكبير عند القيام من التشهد الأول؟ وسوف أجلس مع الإمام التشهد الأخير ويعتبر لي التشهد الأول، هل أرفع يدي مرة أخرى؟ مع العلم الصلاة رباعية. ولو أدركت ركعة واحدة فقط وجلست مع الإمام التشهد الأخير هل إذا قمت أرفع يدي أو أنتظر أن آتي بالتشهد الأول؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ثبت رفع اليدين في الصلاة في أربعة مواضع: عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع والرفع منه، وبعد القيام من الركعة الثانية. وقد روى البخاري (739) عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما (كَانَ إِذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَرَفَعَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) . ثانياً: ما يدركه المسبوق مع الإمام هو أول صلاته على الراجح؛ وهو مذهب الشافعي رحمه الله؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا سَمِعْتُمْ الإِقَامَةَ فَامْشُوا إِلَى الصَّلاةِ وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ وَلا تُسْرِعُوا، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا) البخاري (636) ومسلم (602) . ومعنى "أتموا": أكملوا. قال النووي رحمه الله في "المجموع" (4/118) : "قد ذكرنا أن مذهبنا أن ما أدركه المسبوق أول صلاته، وما يتداركه آخرها، وبه قال سعيد بن المسيب والحسن البصري وعطاء وعمر بن عبد العزيز ومكحول والزهري والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وإسحاق , حكاه عنهم ابن المنذر قال: وبه أقول , قال: وروي عن عمر وعلي وأبي الدرداء ولا يثبت عنهم , وهو رواية عن مالك وبه قال داود. وقال أبو حنيفة ومالك والثوري وأحمد: ما أدركه آخر صلاته، وما يتداركه أول صلاته. وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر ومجاهد وابن سيرين , واحتج لهم بقوله صلى الله عليه وسلم: (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا) رواه البخاري ومسلم. واحتج أصحابنا بقوله صلى الله عليه وسلم: (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) رواه البخاري ومسلم من طرق كثيرة. قال البيهقي: الذين رووا "فأتموا" أكثر وأحفظ وألزم لأبي هريرة الذي هو راوي الحديث , فهم أولى. قال الشيخ أبو حامد والماوردي: وإتمام الشيء لا يكون إلا بعد تقدم أوله وبقية آخره , وروى البيهقي مثل مذهبنا عن عمر بن الخطاب وعلي وأبي الدرداء وابن المسيب وحسن وعطاء وابن سيرين وأبي قلابة رضي الله عنهم. فأما رواية فاقضوا فجوابها من وجهين: أحدهما: أن رواة (فأتموا) أكثر وأحفظ. والثاني: أن القضاء محمول على الفعل لا القضاء المعروف في الاصطلاح ; لأن هذا اصطلاح متأخري الفقهاء , والعرب تطلق القضاء بمعنى الفعل , قال الله تعالى: (فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ) (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ) . قال الشيخ أبو حامد: والمراد: وما فاتكم من صلاتكم أنتم لا من صلاة الإمام، والذي فات المأموم من صلاة نفسه إنما هو آخرها , والله أعلم " انتهى. وعلى هذا؛ فلو أدركت التشهد الأول مع الإمام في الصلاة الرباعية، فإن الركعة الثالثة للإمام تكون هي الأولى بالنسبة لك، وإذا سلم الإمام قمت لإتمام صلاتك، وتكون الركعة التي قمت إليها هي الركعة الثالثة. وإذا أدركت الركعة الأخيرة مع الإمام، فإنه إذا سلم قمت للركعة الثانية. وفي كل هذه المواضع، هل ستحب لك رفع اليدين أم لا؟ أما قيامك بعد سلام الإمام إلى الركعة الثالثة لإتمام صلاتك، فلا إشكال هنا في رفع اليدين، لأن هذا من مواضع رفع اليدين، كما سبق في حديث ابن عمر. وأما ما عدا ذلك، فقد اختلف العلماء في استحباب رفع اليدين، بناءً على اختلافهم في علة رفع اليدين إذا قام من التشهد الأول إلى الركعة الثالثة. فذهب بعض العلماء إلى أن العلة هي القيام إلى الركعة الثالثة، فقال هؤلاء في المسبوق: لا يرفع يديه إلا إذا قام إلى الركعة الثالثة. وذهب آخرون إلى أن العلة هي القيام من التشهد، فقال هؤلاء في المسبوق: متى قام من التشهد فإنه يرفع يديه، ولو لم يكن قائماً إلى الركعة الثالثة، وقد اختار هذا القول الأخير الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. وانظر جواب السؤال رقم (21506) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126777 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2252 حكم انصراف المأموم فور سلام الإمام [السُّؤَالُ] ـ[عند الانتهاء من صلاة الجماعة وتسليم من الصلاة متى يستطيع المأموم التحرك..هل يستطيع قبل أن يلتفت الإمام ويسبقه بالحركة أم يجب عليه الانتظار ولا يسابقه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا سلم الإمام جاز للمأموم الانصراف سواء التفت الإمام إلى المأمومين أو بقي مكانه، أو قام من موضعه، والأولى للمأموم أن يبقى حتى يلتفت الإمام ويستقبل المأمومين، لاحتمال أن يكون الإمام جالساً ليسجد سجدتي السهو بعد التسليم من الصلاة، والأفضل من هذا: أن يكون قيامه بعد قيام الإمام. ويدل على جواز الانصراف بمجرد السلام: ما رواه البخاري (875) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَلَّمَ قَامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي تَسْلِيمَهُ وَيَمْكُثُ هُوَ فِي مَقَامِهِ يَسِيرًا قَبْلَ أَنْ يَقُومَ. قَالَ أحد رواة الحديث: نَرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِكَيْ يَنْصَرِفَ النِّسَاءُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ أَحَدٌ مِنْ الرِّجَالِ. وأما ما رواه مسلم (426) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: (أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي إِمَامُكُمْ، فَلَا تَسْبِقُونِي بِالرُّكُوعِ، وَلَا بِالسُّجُودِ، وَلَا بِالْقِيَامِ، وَلَا بِالِانْصِرَافِ، فَإِنِّي أَرَاكُمْ أَمَامِي وَمِنْ خَلْفِي) . فالمراد بالانصراف هنا: السلام. قال النووي رحمه الله: " قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تَسْبِقُونِي بِالرُّكُوعِ، وَلَا بِالْقِيَامِ، وَلَا بِالِانْصِرَافِ) فِيهِ تَحْرِيم هَذِهِ الْأُمُور وَمَا فِي مَعْنَاهَا , وَالْمُرَاد بِالِانْصِرَافِ: السَّلَام " انتهى. وقال الإمام الشافعي رحمه الله في "الأم" (1/151) : " وللمأموم أن ينصرف إذا قضى الإمام السلام قبل قيام الإمام، وأن يؤخر ذلك حتى ينصرف بعد انصراف الإمام، أو معه أحب إلي له " انتهى. وقال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/328) : " ويستحب للمأمومين أن لا يثبوا قبل الإمام , لئلا يذكر سهوا فيسجد " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126599 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2253 شك في قوله ربنا ولك الحمد بعد أن كبر الإمام للسجود [السُّؤَالُ] ـ[كنت أصلي مع الأمام وأنا في صلاتي قال الإمام - سمع الله لمن حمده - وبعد أن كبر للسجود. شكيت هل قلت: ربنا ولك الحمد، أم لم أقل؟ فهل صلاتي صحيحة أم علي إعادة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: التسميع (وهو قول " سمع الله لمن حمده ") عند الرفع من الركوع، والتحميد عند الاستواء قائما (وهو قول " ربنا لك الحمد ") سنة مستحبة عند جمهور أهل العلم، وذهب الحنابلة إلى وجوبهما، وهو الصحيح. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (3/433) : "والدليل على ذلك (يعني: الوجوب) ما يلي: أولا: أن الرسول صلى الله عليه وسلم واظب على ذلك، فلم يدع قول (سمع الله لمن حمده) في حال من الأحوال. ثانيا: أنه شعار الانتقال من الركوع إلى القيام. ثالثا: قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا قال سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد) " انتهى. وينظر جواب السؤال رقم (102700) . ثانيا: من شك في ترك واجب من واجبات الصلاة أثناء الصلاة، فهو كتاركه، فإن كان لا يزال في موضعه أتى به، ولا شيء عليه، وإن فارق موضعه فقد تعذر الإتيان به، وعليه سجود السهو. وعلي هذا؛ فإن حصل الشك منك أثناء الاعتدال بعد الركوع فكان الواجب عليك أن تأتي بهذا القول، لأنك لا تزال في موضعه. وإن حصل الشك بعد أن سجدت فقد فات موضع التحميد، وحينئذ تكون كالتارك له سهواً. فإن كنت أدركت الركعة الأولى مع الإمام فإنك تسلم مع الإمام ويسقط عنك سجود السهو في هذه الحالة. وإن كنت جئت متأخراً ركعة أو أكثر فعليك سجود السهو قبل التسليم بعد ما تتم صلاتك. فإن تركت سجود السهو في هذه الحالة لعدم علمك بوجوبه فصلاتك صحيحة ولا شيء عليك. والحاصل: أن صلاتك صحيحة، ولا إعادة عليك، أما سجود السهو فعلى حسب التفصيل السابق. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126097 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2254 حديث مبادرة الملائكة لكتابة الذكر عند الاعتدال من الركوع حديث صحيح [السُّؤَالُ] ـ[انتشر في المنتديات حديث للرسول صلى الله عليه وسلم، أنه صلى الله عليه وسلم سمع عند اعتداله من الركوع رجلا يقول: ربنا ولك الحمد والشكر حمداً كثيرا طيباً مباركاً فيه ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد. فقال صلى الله عليه وسلم: رأيت ثلاثين ملكا يجرون كل واحد منهم يريد كتابتها له قبل الآخر. هل هذا الحديث صحيح عن الرسول عليه الصلاة والسلام؟ جزاكم الله عنا خير الجزاء.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضيلة هذا الذكر بعد الاعتدال من الركوع حديث عظيم، وهو ما جاء عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِىِّ قَالَ: (كُنَّا يَوْمًا نُصَلِّي وَرَاءَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. قَالَ رَجُلٌ وَرَاءَهُ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ. فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: مَنِ الْمُتَكَلِّمُ؟ قَالَ: أَنَا. قَالَ: رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلاَثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا، أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلُُ) رواه البخاري (799) . قال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله: " قوله: (أول) روي على وجهين: بضم اللام وفتحها. فالضم على أنه صفة لأي. و (البِضع) : ما بين الثلاث إلى التسع، في الأشهر، وقال أبو عبيدة: ما بين الثلاث إلى الخمس. وقيل غير ذلك ... وقد دل الحديث على فضل هذا الذكر في الصلاة، وأن المأموم يشرع له الزيادة على التحميد بالثناء على الله عز وجل، كما هو قول الشافعي وأحمد - في رواية -. وأن مثل هذا الذكر حسنٌ في الاعتدال من الركوع في الصلوات المفروضات؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم إنما كانوا يصلون وراء النبي صلى الله عليه وسلم الصلوات المفروضة غالباً، وإنما كانوا يصلون وراءه التطوع قليلا. وفيه - أيضاً -: دليل على أن جهر المأموم أحيانا وراء الإمام بشيء من الذكر غير مكروه، كما أن جهر الإمام أحياناً ببعض القراءة في صلاة النهار غير مكروه " انتهى. " فتح الباري " لابن رجب (5/80-81) وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " قوله: (مباركا فيه) زاد رفاعة بن يحيى: (مباركا عليه كما يحب ربنا ويرضى) ، فأما قوله: (مباركا عليه) فيحتمل أن يكون تأكيدا، وهو الظاهر، وقيل الأول بمعنى الزيادة والثاني بمعنى البقاء ... وأما قوله: (كما يحب ربنا ويرضى) ففيه من حسن التفويض إلى الله تعالى ما هو الغاية في القصد. والظاهر أن هؤلاء الملائكة غير الحفظة، ويؤيده ما في الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعا: (إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر) الحديث. واستدل به على أن بعض الطاعات قد يكتبها غير الحفظة، والحكمة في سؤاله صلى الله عليه وسلم له عمن قال، أن يتعلم السامعون كلامه فيقولوا مثله. " انتهى. " فتح الباري " (2/286-287)) ثانيا: أما لفظ (ربنا لك الحمد والشكر) فلم يثبت في أي من روايات الحديث السابقة، وإن كانت زيادتها من غير اعتيادها مع عدم نسبتها للشرع جائزة، ولكن الأولى الاقتصار على الوارد. سئل الشيخ ابن باز رحمه الله السؤال الآتي: " رجل عندما يرفع من الركوع يقول: ربنا ولك الحمد والشكر، وهل كلمة الشكر صحيحة؟ فأجاب: لم تَرِد، لكن لا يضر قولها: الحمد والشكر لله وحده سبحانه وتعالى، ولكن هو من باب عطف المعنى، وإن الحمد معناه الشكر والثناء، فالأفضل أن يقول ربنا ولك الحمد، ويكفي ولا يزيد والشكر، ويقول: ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، ملء السماوات والأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، وإن زاد الشكر لا يضره، ويعلم أنه غير مشروع " انتهى. " مجموع فتاوى ابن باز " (29/286) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125885 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2255 صفة وضع اليدين عند الجلوس بين السجدتين [السُّؤَالُ] ـ[أرجو من فضيلتكم التكرم بالإجابة على سؤالي فيما يخص تحريك السبابة بين السجدتين حال الدعاء: هل سبق أحد الشيخ ابن عثيمين بهذا القول؟ وما هو الراجح في المسألة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سبق بيان رأي الشيخ رحمه الله في هذه المسألة، ونقلنا ذلك عن ابن القيم رحمه الله أيضا، في جواب السؤال رقم (107626) . وللشيخ رحمه الله رسالة في هذه المسألة، نضعها هنا للفائدة: " بسم الله الرحمن الرحيم من محمد الصالح العثيمين إلى أخيه الشيخ المكرم الفاضل: .... حفظه الله تعالى. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد: فإليكم إيضاح ما حصل فيه الإشكال في كيفية وضع اليد اليمنى بين السجدتين، فقد دلت السنة على أن وضعها بين السجدتين كوضعها في التشهدين، وأن المصلي يرفع أصبعه يدعو بها، ففي صحيح مسلم (1/408-409) عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: (كان [يعني النبي صلى الله عليه وسلم] إذا جلس في الصلاة وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى، وقبض أصابعه كلها وأشار بأصبعه التي تلي الإبهام، ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى) . وفي رواية له: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه، ورفع إصبعه اليمنى التي تلي الإبهام فدعا بها، ويده اليسرى على ركبته اليسرى باسطها عليها) ، فقوله: (إذا قعد في الصلاة) عام أو مطلق يتناول كل قعود حتى ما بين السجدتين، ويدل على ذلك ما رواه الإمام أحمد في المسند 4/317 من حديث وائل بن حجر رضي الله عنه قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم كَبَّر فرفع يديه حين كبر - فذكر الحديث وفيه - فسجد فوضع يديه حذو أذنيه، ثم جلس فافترش رجله اليسرى، ثم وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى ووضع ذراعه اليمنى على فخذه اليمنى، ثم أشار بسبابته ووضع الإبهام على الوسطى، وقبض سائر أصابعه، ثم سجد فكانت يداه حذو أذنيه) وفي رواية: (عقد ثلاثين وحلق واحدة، وأشار بإصبعه السبابة) . قال في "الفتح الرباني" 3/147: وسنده جيد. وقال الأرنؤوطان في التعليق على زاد المعاد 1/238: وسنده صحيح. وقد رواه بنحوه أبو داود 1/219 والنسائي 3/30. وأما ما ورد في بعض ألفاظ حديث ابن عمر في صحيح مسلم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قعد في التشهد وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى، ووضع يده اليمنى على ركبته اليمنى، وعقد ثلاثاً وخمسين وأشار بالسبابة) فإن ذلك لا يقتضي تقييد المطلق؛ لأن ذكر بعض أفراد المطلق بحكم يوافق حكم المطلق غير مقتض للتقييد عند جمهور الأصوليين وهو الحق. وأما ما ادعاه بعضهم من أن حديث وائل بن حجر شاذ، فغير صحيح؛ لأن الشاذ عند أهل العلم بالحديث ما خالف فيه الثقة من هو أرجح منه، وأين المخالفة في حديث وائل؟! فإنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يبسط يده اليمنى على فخذه اليمنى بين السجدتين، فيكون مؤيداً لحديث وائل وشاهداً له. ولهذا ذهب ابن القيم رحمه الله إلى أن ما بين السجدتين كالتشهدين في وضع اليد اليمنى. (زاد المعاد 1/238- تحقيق الأرنؤوطين) . وفي قول ابن عمر رضي الله عنهما: (ورفع إصبعه اليمنى التي تلي الإبهام فدعا بها) دليل على أن السبابة ترفع عند الدعاء، وهو يؤيد حديث وائل بن حجر في المسند 4/318 (فرأيته يحركها يدعو بها) . وعلى هذا يشرع تحريكها عند كل جملة دعائية إشارةً على علو من يدعوه وهو الله تعالى، وهذا التحريك أمر زائد على مطلق الإشارة التي جاءت في حديث ابن عمر رضي الله عنهما، فإن هذه الإشارة تكون في جميع الجلوس لا حال الدعاء فقط، فيرفعها كأنه يشير إلى شيء، لكن تكون محنية شيئاً يسيراً كما في سنن النسائي 3/32. هذا وأرجو أن يكون فيما كتبته إيضاح للإشكال. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. حرر في 2/8/1411هـ " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (13/195) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121658 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2256 دعاء الاستفتاح يسن في كل صلاة إلا الجنازة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجب قراءة دعاء الاستفتاح في كل صلاة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "دعاء الاستفتاح بقوله: "سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدّك، ولا إله غيرك". وهو غير واجب، لكنه سنة مؤكدة بعد تكبيرة الإحرام وقبل القراءة، ولا يشرع في صلاة الجنائز وحدها. وإنما يُسن في بقية الصلوات التي فيها ركوع وسجود كالفرائض والسنن الراتبة والوتر وصلاة الجمعة والعيدين والاستسقاء والكسوف والتراويح ونحوها. وقد ورد الاستفتاح بغير هذا المذكور، فمن استفتح بشيء من الأدعية والأذكار الواردة فلا بأس بذلك" انتهى. فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن جبرين حفظه الله. "فتاوى إسلامية" (1/302) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121625 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2257 صفة رفع اليدين عند التكبير في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[أشاهد بعض المصلين عندما يرفع من الركوع يرفع يديه كأنه يدعو أي أن باطنيهما جهة وجهه فهل فعلهم هذا موافق للسنة؟ وإذا كان غير ذلك فما هي الهيئة الصحيحة لرفع بعد الركوع وغيره؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "السنة للمصلي أن يرفع يديه حذاء منكبيه، أو حذاء أذنيه عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع والرفع منه، وعند القيام من التشهد الأول إلى الثالثة، موجها بطونهما إلى القبلة. هذا هو السنة، وهو الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم. والله الموفق" انتهى. مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (11/155) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121624 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2258 حكم الصلاة في النظارات الطبية [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الصلاة في النظارات الطبية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " يجوز للإنسان أن يصلي بالنظارات الطبية، إلا إذا كان استعمالها يمنع من تمكين المصلي جبهته أو أنفه من الأرض فلا يجوز. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (6/175) . وللفائدة ينظر جواب السؤال رقم (98466) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 119742 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2259 حكم سجود من صلى جالساً على وسادة ونحوها [السُّؤَالُ] ـ[امرأة تعاني من ألم في المفاصل، وتصلي وهي جالسة، هل يجب عليها عند السجود أن تضع شيئاً تسجد عليه مثل وسادة أو غيرها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين: (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب) . فإذا كانت هذه المرأة لا تستطيع القيام، قلنا لها: صلي جالسة، وتكون في حال القيام متربعة، كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم تومئ بالركوع وهي متربعة، ثم إن استطاعت السجود سجدت وإلا أومأت برأسها أكثر من إيماء الركوع. وليس في السنة أن تضع وسادة أو شيئاً تسجد عليه، بل هذا إلى الكراهة أقرب؛ لأنه من التنطع والتشدد في دين الله، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون) " انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (13/135) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118123 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2260 هل يشرع تكرار الفاتحة إذا قرأها الإنسان دون خشوع في الصلاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هناك أخت تقرأ الفاتحة في صلاتها ثم تشرع في قراءة ما تيسر من القرآن وأحيانا، إن ذكرت أنها لم تخشع مع قراءة الفاتحة، رجعت وقرأت بأم الكتاب مرة ثانية ثم قرأت بما تيسر من القرآن وأتمت صلاتها فهل هذا يجوز؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يشرع تكرار قراءة الفاتحة في الركعة، وهذه الأخت إذا فاتها الخشوع أثناء قراءة الفاتحة، ثم انتبهت وتذكرت، فإنها تخشع فيما بقي من صلاتها، وإذا فعلت ذلك فيوشك أن تعتاد الانتباه وتلازم الخشوع إن شاء الله. وأما تكرار الفاتحة لهذا الغرض، فيخشى أن يؤدي إلى الوسوسة، فلا تصلي صلاة، حتى تكرر الفاتحة فيها عدة مرات، والوسوسة داء وشر ينبغي الحذر منه. قال في "الإنصاف" (2/99) : " ويكره تكرار الفاتحة. هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب، وقطع به كثير منهم. وقيل: تبطل ". انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " قوله: «وتكرار الفاتحة» أي: ويُكره تكرار الفاتحة مرَّتين، أو أكثر. وتعليل ذلك: أنه لم يُنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم. والمُكرِّرُ للفاتحة على وجه التعبُّد بالتكرار لا شَكَّ أنه قد أتى مكروهاً؛ لأنه لو كان هذا مِن الخير لفَعَلَهُ النبي صلى الله عليه وسلم، لكن إذا كرَّر الفاتحةَ لا على سبيل التعبُّد، بل لفوات وصف مستحبّ؟ فالظَّاهرُ الجواز، مثل: أن يكرِّرها لأنه نسيَ فقرأها سِرًّا في حال يُشرع فيها الجهرُ، كما يقعُ لبعض الأئمة ينسى فيقرأ الفاتحةَ سِرًّا، فهنا نقول: لا بأس أن يُعيدها من الأول استدراكاً لما فات من مشروعية الجهر، وكذلك لو قرأها في غير استحضار، وأراد أن يكرِّرها ليحضر قلبه في القراءة التالية؛ فإن هذا تكرار لشيء مقصود شرعاً، وهو حضور القلب، لكن إن خشيَ أن ينفتح عليه باب الوسواس فلا يفعل، لأن البعض إذا انفتحَ له هذا البابُ انفتح له باب الوسواس الكثير، وصار إذا قرأها وقد غَفَلَ في آية واحدة منها رَدَّها، وإذا رَدَّها وغَفَلَ رَدَّها ثانية وثالثة ورابعة، حتى ربما إذا شدَّد على نفسه شَدَّد الله عليه، وربَّما غَفَلَ في أول مرَّة عن آية، ثم في الثانية يغفُلُ عن آيتين، أو ثلاث " انتهى من "الشرح الممتع" (3/331) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 116917 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2261 إذا أسر بتكبيرة الإحرام في الصلاة الجهرية [السُّؤَالُ] ـ[إذا كبرت تكبيرة الإحرام سراً في الصلاة الجهرية هل صلاتي صحيحة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يسن الجهر بالتكبير وبالقراءة في الصلاة الجهرية، ولا يجب، فمن أسر بهما فلا شيء عليه، وصلاته صحيحة. لكن يلزم تحريك اللسان وإخراج الحروف، ولا يكفي النطق بدون ذلك، لا في الصلاة الجهرية ولا في الصلاة السرية. واشترط بعض الفقهاء أن يسمع صوت نفسه، والراجح أنه يكفي تحريك اللسان وإخراج الحروف. وتفصيل القول في ذلك كما يلي: 1- ذهب جمهور أهل العلم من الشافعية والحنابلة والحنفية في أصح القولين إلى أنه يجب أن يتلفظ المصلي بالتكبير بحيث يسمع صوت نفسه، ولا يجزئه أن يحرك لسانه من غير صوت، وهكذا في كل ذكر قولي، لا يعتد به إذا كان بدون صوت. 2- وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يجزئ أن يحرك لسانه ويخرج الحروف دون صوت، وهو مذهب المالكية، والحنفية في قولهم الآخر، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/276) : "يجب على المصلي أن يسمعه نفسه [يعني: التكبير] إماماً كان أو غيره , إلا أن يكون به عارض من طرش , أو ما يمنعه السماع , فيأتي به بحيث لو كان سميعا أو لا عارض به سمِعَه , ولأنه ذكر محله اللسان , ولا يكون كلاما بدون الصوت , والصوت ما يتأتى سماعه , وأقرب السامعين إليه نفسه , فمتى لم يسمعه لم يعلم أنه أتى بالقول , ولا فرق بين الرجل والمرأة فيما ذكرناه" انتهى. وقال النووي رحمه الله في "المجموع" (3/256) : "وأدنى الإسرار أن يسمع نفسه إذا كان صحيح السمع ولا عارض عنده من لغط وغيره. وهذا عام في القراءة والتكبير والتسبيح في الركوع وغيره , والتشهد والسلام والدعاء , سواء واجبها ونفلها لا يحسب شيء منها حتى يسمع نفسه إذا كان صحيح السمع ولا عارض" انتهى. وينظر: "تبيين الحقائق" (1/127) ، "البحر الرائق" (1/356) . وقال خليل رحمه الله في مختصره: "وفاتحة بحركة لسان على إمام وفذ , وإن لم يسمع نفسه" انتهى. وقال الحطاب رحمه الله: "قال ابن ناجي في شرح الرسالة: اعلم أن أدنى السر أن يحرك لسانه بالقراءة، وأعلاه أن يسمع نفسه فقط، وأدنى الجهر أن يسمع نفسه ومن يليه، وأعلاه لا حد له. انتهى. زاد في شرح المدونة فمن قرأ في قلبه في الصلاة فكالعدم، ولذلك يجوز للجنب أن يقرأ في قلبه. وقال ابن عرفة: وسمع سحنون ابن القاسم: تحريك لسان المسرّ فقط يجزئه وأحبُّ إسماع نفسه" انتهى من "مواهب الجليل" (1/525) . وقال المرادوي رحمه الله في "الإنصاف" (2/44) : "قوله (وبالقراءة بقدر ما يسمع نفسه) يعني أنه يجب على المصلي أن يجهر بالقراءة في صلاة السر وفي التكبير وما في معناه بقدر ما يسمع نفسه , وهذا المذهب , وعليه الأصحاب. وقطع به أكثرهم. واختار الشيخ تقي الدين (ابن تيمية) الاكتفاء بالإتيان بالحروف , وإن لم يسمعها , وذكره وجها في المذهب. قلت: والنفس تميل إليه" انتهى. ورجح الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ما ذهب إليه المالكية وشيخ الإسلام، قال رحمه الله: " وقوله: «ويقول» إذا قلنا: إن القول يكون باللسان؛ فهل يُشترط إسماع نفسه لهذا القول؟ في هذا خِلافٌ بين العلماء، فمنهم مَن قال: لا بُدَّ أن يكون له صوتٌ يُسمعَ به نفسَه. وهو المذهب، وإن لم يسمعه مَنْ بجنبه، بل لا بُدَّ أنْ يُسمع نفسَه، فإنْ نَطَقَ بدون أن يُسمعَ نفسَه فلا عِبْرَة بهذا النُّطقِ، ولكن هذا القول ضعيف. والصَّحيحُ: أنه لا يُشترط أن يُسمِعَ نفسَه؛ لأن الإسماعَ أمرٌ زائدٌ على القول والنُّطقِ، وما كان زائداً على ما جاءت به السُّنَّةُ فعلى المُدَّعي الدليلُ. وعلى هذا: فلو تأكَّدَ الإنسان من خروج الحروف مِن مخارجها، ولم يُسمعْ نفسَه، سواء كان ذلك لضعف سمعه، أم لأصوات حولَه، أم لغير ذلك؛ فالرَّاجحُ أنَّ جميعَ أقواله معتبرة، وأنه لا يُشترط أكثر مما دلَّت النُّصوصُ على اشتراطِه وهو القول " انتهى من "الشرح الممتع" (3/25) . وانظر: جواب السؤال رقم (70577) . وعليه؛ فإذا كنت تحرك لسانك وشفتيك بالتكبير، فهذا كافٍ، والأولى أن يكون ذلك بصوت تسمعه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114369 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2262 الجهر بالتأمين في قنوت النوازل [السُّؤَالُ] ـ[عند حدوث النوازل يقوم الإمام بدعاء القنوت، هل يجب على المأمومين أن يأمنوا بصوت مرتفع أم يكفي التأمين بالسر؟ وهل يجوز للإمام تأنيب المصلين لعدم رفع صوتهم بالتأمين خلفه؟ أريد الدليل إذا كان التأمين بصوت مرتفع واجباً؟]ـ [الْجَوَابُ] أولاً: اختلف الفقهاء في صفة تأمين المأموم على قنوت النوازل: فذهب الحنفية إلى أنه لا تأمين في قنوت النوازل؛ لأن قنوتها يكون سرا إلا إذا جهر الإمام بالقنوت. وذهب الشافعية والحنابلة إلى الجهر بالتأمين في قنوت النازلة. وأما المالكية فلا يشرع عندهم قنوت النوازل أصلا، والتأمين تابع للقنوت، فإذا سقط المتبوع علم سقوط التابع. وينظر: "الموسوعة الفقهية" (1/116) . قال في "مغني المحتاج" (1/361) : " فائدة: يجهر المأموم خلف الإمام في خمسة مواضع: أربعة مواضع تأمين: يؤمن مع تأمين الإمام (يعني: بعد قراءة الفاتحة) , وفي دعائه في قنوت الصبح , وفي قنوت الوتر في النصف الثاني من رمضان , وفي قنوت النازلة في الصلوات الخمس , وإذا فتح عليه (يعني: إذا أخطأ الإمام في قراءة القرآن وصحح له المأموم) " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وإذا قلنا بالقُنُوت في الصَّلوات الخمس، فإنْ كان في الجهرية فَمِنَ المعلوم أنَّه يجهرُ به، وإنْ كان في السِّريَّة فإنه يجهر به أيضاً؛ كما ثبتت به السُّنَّةُ: أنه كان يقنتُ ويؤمِّنُ النَّاسُ وراءَه. ولا يمكن أن يؤمِّنُوا إلا إذا كان يجهرُ. وعلى هذا؛ فيُسَنُّ أنْ يجهرَ ولو في الصَّلاة السِّريَّة " انتهى من "الشرح الممتع" (4/47) . وبهذا يعلم أن الإمام إذا جهر بالقنوت شرع للمأموم الجهر بالتأمين، لكن لا ينبغي المبالغة في الجهر، بما يتنافى مع الخشوع والسكينة كما يفعله بعض الناس، فيرفعون أصواتهم كأنهم في تظاهرة وليسوا في صلاة. ولا يجب الجهر بالتأمين، بل يستحب، كما لا يجب التأمين نفسه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 113994 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2263 أيهما أفضل الدخول مع الإمام وهو ساجد أم انتظاره حتى يرفع؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لمصلي فاتته ركعة ثم وجد الإمام ساجداً أن يكبر ثم يسجد، أو ينتظر حتى يرتفع الإمام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الأفضل إذا جاء الإنسان والإمام على حال أن يدخل مع الإمام على أي حال كان، فإذا جاء ووجده ساجداً فليكبر ثم يسجد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا) ولأن هذه السجدة التي سجدها ربما تكون سبباً لمغفرة ذنوبه فلا يفوتها على نفسه؛ لذلك فعليه أن يسجد ثم يقوم مع إمامه، لكن لا يحتسب بها ركعة؛ لأن الركعة لا تدرك إلا بإدراك الركوع" انتهى. الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. "لقاءات الباب المفتوح" (1/408) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 108950 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2264 الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكره في الفريضة والنافلة [السُّؤَالُ] ـ[إذا مر الإنسان في الصلاة بآية فيها ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فهل يصلي عليه بمناسبة ذكره، أم أن الصلاة عليه ليست من أعمال الصلاة، إلا في موضعها من التشهد، فلا تفعل إلا فيه وأما في غيره فلا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " أما في الفريضة فلا يفعل ذلك؛ لعدم نقله عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأما في النافلة فلا بأس؛ لأنه كان صلى الله عليه وسلم في تهجده بالليل يقف عند كل آية فيها تسبيح فيسبح، وعند كل آية فيها تعوذ فيتعوذ، وعند كل آية فيها سؤال فيسأل، والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم من هذا الباب. والله ولي التوفيق " انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (11/201) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 108275 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2265 عطس وهو يصلي فهل يحمد الله؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا عطست وأنا أصلي، هل أقول: الحمد لله أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "من عطس وهو في الصلاة فإنه يشرع له أن يحمد الله سبحانه، سواء كانت الصلاة فرضاً أو نفلاً، وبذلك قال جمهور العلماء من الصحابة والتابعين، وقال به الإمام مالك والشافعي وأحمد، على خلاف بينهم: هل يسر بذلك أو يجهر به، والصحيح من قولي العلماء ومذهب أحمد أنه يجهر بذلك، ولكن بقدر ما يسمع نفسه؛ لئلا يشوش على المصلين، ويدل لذلك عموم ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله..) الحديث أخرجه البخاري، ويؤيد ذلك أيضاً ما رواه رفاعة بن رافع رضي الله عنه قال: (صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فعطست، فقلت: الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، مباركاً عليه، كما يحب ربنا ويرضى) فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وانصرف قال: (من المتكلم في الصلاة؟) فلم يتكلم أحد، ثم قالها الثانية: (من المتكلم في الصلاة؟) فلم يتكلم أحد، ثم قالها الثالثة: (من المتكلم في الصلاة؟) فقال رفاعة بن رافع: أنا يا رسول الله، قال: (كيف قلت؟) قال: قلت: (الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، مباركاً عليه، كما يحب ربنا ويرضى) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده، لقد ابتدرها بضعة وثلاثون ملكاً أيهم يصعد بها) أخرجه الترمذي وأبو داود والنسائي، وقال الترمذي: حديث حسن، والذي نقله الحافظ في التهذيب عن الترمذي أنه صححه، وأخرجه البخاري في صحيحه إلا أنه لم يذكر أنه قال ذلك بعد أن عطس، وإنما قاله بعد الرفع من الركوع، فيحمل على أن عطاسه وقع عند رفعه من الركوع، فقال ذلك لأجل عطاسه، فأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ولم ينكر عليه، فدل ذلك على مشروعيته في الصلاة، لكن من عطس في الصلاة ثم حمد الله، فإنه لا يجوز لمن سمعه أن يشمته؛ لأن التشميت من كلام الناس، فلا يجوز في الصلاة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أنكر على من شمت العاطس في الصلاة، ثم قال له: (إن هذه الصلاة لا يحل فيها شيء من كلام الناس هذا، وإنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) أخرجه الإمام مسلم وأبو داود والنسائي. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ... الشيخ صالح بن فوزان الفوزان ... الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/113) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106435 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2266 هل يصلي على الملائكة في التشهد؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن أصلي على الملائكة في التشهد كما أصلي على النبي صلى الله عليه وسلم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سبق في جواب السؤال رقم (105330) مشروعية الصلاة على الملائكة. أما في التشهد فلا يشرع ذلك، لأن الواجب الاقتصار على ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، من غير زيادة عليه. وقد سئل الشيخ صالح الفوزان: هل يصلي على الملائكة في التشهد كما يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم؟ فأجاب: "لا، الصلاة التي في التشهد يُقتصر فيها على الوارد، ولكن في قولنا: (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) هذا يشمل كل عبد صالح في السماء أو في الأرض، وتدخل فيه الملائكة ". "مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (1/52) [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105310 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2267 دخل في الصلاة قبيل الركوع فهل يقرأ دعاء الاستفتاح؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا دخلت في الصلاة قبيل الركوع بقليل، فهل أشرع في قراءة الفاتحة أو أقرأ دعاء الاستفتاح؟ وإذا ركع الإمام قبل إتمام الفاتحة فماذا أفعل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "قراءة الاستفتاح سنة، وقراءة الفاتحة فرض على المأموم على الصحيح من أقوال أهل العلم، فإذا خشيت أن تفوت الفاتحة فابدأ بها، ومتى ركع الإمام قبل أن تكملها فاركع معه ويسقط عنك باقيها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا) متفق عليه" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (11/243-244) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105447 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2268 إذا قال بين السجدتين: رب اغفر ولوالدي [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من يقول رب اغفر لي ولوالدي في الجلسة بين السجدتين؟ وهل هذا جائز؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ينبغي التمسك بما ورد من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بين السجدتين، وهو قوله: رب اغفر لي، كما روى النسائي (1145) وابن ماجه (897) عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ: (رَبِّ اغْفِرْ لِي، رَبِّ اغْفِرْ لِي) . وثبت أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين أيضاً: اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني وارفعني واهدني وعافني وارزقني. فقد روى الترمذي (284) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاجْبُرْنِي وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي) . ورواه أبو داود (850) بلفظ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَعَافِنِي وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي) . وعند ابن ماجه (898) بلفظ: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاجْبُرْنِي وَارْزُقْنِي وَارْفَعْنِي) . والحديث صححه الألباني في صحيح الترمذي. قال النووي رحمه الله في "المجموع" (3/414) : " وأما حديث ابن عباس فرواه أبو داود والترمذي وغيرهما بإسناد جيد , ورواه الحاكم في المستدرك وقال: صحيح الإسناد. . وذكر اختلاف ألفاظه ثم قال: فالاحتياط والاختيار: أن يجمع بين الروايات ويأتي بجميع ألفاظها وهي سبعة: (اللهم اغفر لي وارحمني وعافني واجبرني وارفعني واهدني وارزقني) " انتهى. وأما الزيادة على هذا الدعاء، فالذي يظهر جواز ذلك، لكن الأفضل الاقتصار على الوارد، وجعل الدعاء للوالدين في السجود، أو قبل التسليم من الصلاة، وقد روى مسلم (479) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ [أي: جدير] أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ) . وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " ثم يرفع من السجدة قائلا: الله أكبر ويجلس مفترشا يسراه، ناصبا يمناه، ويضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، أو على الركبة، باسط الأصابع على ركبته، ويضع يده اليسرى على فخذه اليسرى، أو على ركبته اليسرى، ويبسط أصابعه عليها، هكذا السنة ويقول: رب اغفر لي , رب اغفر لي , رب اغفر لي , كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقوله , ويستحب أن يقول مع هذا: اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني وعافني , لثبوت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم , وإذا قال زيادة فلا بأس كأن يقول: اللهم اغفر لي ولوالدي، اللهم أدخلني الجنة، وأنجني من النار، اللهم أصلح قلبي وعملي ونحو ذلك , ولكن يكثر من الدعاء بالمغفرة فيما بين السجدتين كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم" انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (11/36) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 104447 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2269 كراهة الصلاة مع استقبال وجه إنسان [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز الصلاة وأمامي شخص جالس على الكرسي ولا أرى إلا ظهره؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج في الصلاة خلف إنسان جالس قد أعطاك ظهره، وإنما يكره استقبال وجهه؛ إذا كان سيؤدي إلى إشغال المصلي. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/40) : " ويكره أن يصلي مستقبلا وجه إنسان ; لأن عمر أدب على ذلك، وفي حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي حذاء وسط السرير , وأنا مضطجعة بينه وبين القبلة , تكون لي الحاجة فأكره أن أقوم فأستقبله , فأنسل انسلالا. متفق عليه" انتهى. وقال النووي رحمه الله في "المجموع" (3/230) : " يكره أن يصلي وبين يديه رجل أو امرأة يستقبله ويراه , وقد كرهه عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما ; ولأنه يشغل القلب غالبا , فكره كما كره النظر إلى ما يلهيه , كثوب له أعلام , ورفع البصر إلى السماء وغير ذلك مما ثبتت فيه الأحاديث الصحيحة , وقال البخاري في صحيحه: كره عثمان رضي الله عنه أن يستقبل الرجل وهو يصلي , قال البخاري: وإنما هذا إذا اشتغل به , فأما إذا لم يشتغل به فقد قال زيد بن ثابت: (ما باليتُ، إنّ الرجل لا يقطع صلاة الرجل) " انتهى. وأما الجالس المولي ظهره، إذا كان لا يتحرك ولا يشغل المصلي، فلا حرج في الصلاة خلفه، كما أنه لا حرج في الصلاة إلى النائم؛ لما روى البخاري (382) ومسلم (512) عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِجْلَايَ فِي قِبْلَتِهِ، فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ، فَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا، قَالَتْ: وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 104404 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2270 المقصود بالذكر والدعاء دبر الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى دبر كل صلاة؟ هل معناه قبل السلام من الصلاة أم بعده؟ وهل يسن رفع اليدين في الدعاء بعد الصلاة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: دبر الصلاة: عقبها وخلفها، أو آخرها. وقد ورد الترغيب في الذكر والدعاء دبر الصلوات في عدة أحاديث، منها: 1- ما رواه البخاري (6330) ومسلم (594) عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ إِذَا سَلَّمَ: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ) . 2- وروى البخاري (6329) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه (قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجَاتِ وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ. قَالَ: كَيْفَ ذَاكَ؟ قَالُوا: صَلَّوْا كَمَا صَلَّيْنَا، وَجَاهَدُوا كَمَا جَاهَدْنَا، وَأَنْفَقُوا مِنْ فُضُولِ أَمْوَالِهِمْ، وَلَيْسَتْ لَنَا أَمْوَالٌ، قَالَ أَفَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَمْرٍ تُدْرِكُونَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، وَتَسْبِقُونَ مَنْ جَاءَ بَعْدَكُمْ، وَلَا يَأْتِي أَحَدٌ بِمِثْلِ مَا جِئْتُمْ بِهِ إِلَّا مَنْ جَاءَ بِمِثْلِهِ، تُسَبِّحُونَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ عَشْرًا، وَتَحْمَدُونَ عَشْرًا، وَتُكَبِّرُونَ عَشْرًا) . وللبخاري (843) : (تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ) . ولمسلم (595) : (تُسَبِّحُونَ وَتُكَبِّرُونَ وَتَحْمَدُونَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مَرَّةً) . 3- وروى مسلم (596) عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مُعَقِّبَاتٌ لَا يَخِيبُ قَائِلُهُنَّ أَوْ فَاعِلُهُنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ: ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ تَسْبِيحَةً، وَثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ تَحْمِيدَةً، وَأَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ تَكْبِيرَةً) . والمراد بدبر الصلاة في هذه الأحاديث: عقب الصلاة وخلفها، أي: بعد السلام، كما جاء مصرحا به في بعض الروايات، وكذلك ما جاء في قراءة آية الكرسي والمعوذات دبر الصلاة، فإن المراد بذلك بعد السلام. 4- وروى أبو داود (1522) عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِهِ، وَقَالَ: (يَا مُعَاذُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، فَقَالَ: أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. ورواه النسائي (1303) بلفظ: (فَلَا تَدَعْ أَنْ تَقُولَ فِي كُلِّ صَلَاةٍ رَبِّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ) وصححه الألباني في صحيح النسائي. والمراد بدبر الصلاة هنا: آخر الصلاة قبل التسليم؛ لأن "دبر الشيء" يكون منه، ويتأكد هذا بقوله في رواية النسائي: (في كل صلاة) . قال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" (1/294) : " ودبر الصلاة يحتمل قبل السلام وبعده، وكان شيخنا [أي ابن تيمية] يرجح أن يكون قبل السلام، فراجعته فيه، فقال: دبر كل شئ منه كدبر الحيوان " انتهى. 5- وروى الترمذي (3499) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ؟ قَالَ: (جَوْفَ اللَّيْلِ الْآخِرِ، وَدُبُرَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ) والحديث حسنه الترمذي والألباني في صحيح الترمذي. والظاهر أن المراد بدبر الصلاة هنا: قبل السلام. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "والظاهر أن المراد بدبر الصلوات المكتوبة في حديث أبي أمامة "إن صح" آخر الصلاة" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (13/268) . وقد ذكر أهل العلم في ذلك: أن ما ورد في النصوص مقيداً بدبر الصلاة، فإن كان ذِكْراً (كالتسبيح والتحميد والتكبير وقراءة آية الكرسي والمعوذات) فالمراد بدبر الصلاة هنا: بعدها. وإن كان دعاءً، فالمراد بدبر الصلاة: آخرها، أي قبل التسليم. إلا إذا جاء ما يدل على أن هذا الدعاء المعين يقال بعد التسليم، كقوله صلى الله عليه وسلم (استغفر الله ثلاثاً) ، فهذا دعاء ولكن دلت السنة على أنه يقال بعد السلام. وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: ما المراد بدبر الصلاة في الأحاديث التي ورد فيها الحث على الدعاء أو الذكر دبر كل صلاة؟ هل هو آخر الصلاة أو بعد السلام؟ فأجاب "دبر الصلاة يطلق على آخرها قبل السلام، ويطلق على ما بعد السلام مباشرة، وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بذلك، وأكثرها يدل على أن المراد آخرها قبل السلام فيما يتعلق بالدعء، كحديث ابن مسعود رضي الله عنه لما علمه الرسول صلى الله عليه وسلم التشهد، ثم قال: (ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو) وفي لفظ: (ثم ليتخير بعد المسألة ما شاء) . متفق على صحته. ومن ذلك: حديث معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (لا تدعن دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحُسن عبادتك) أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي بإسناد صحيح. ومن ذلك: ما رواه البخاري رحمه الله عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول دبر كل صلاة: (اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك من أن أُرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، ومن عذاب القبر) . أما الأذكار الواردة في ذلك، فقد دلت الأحاديث الصحيحة على أن ذلك في دبر الصلاة بعد السلام. ومن ذلك أن يقول حين يُسلم: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، سواء كان إماماً أو مأموماً أو منفرداً ثم ينصرف الإمام بعد ذلك إلى المأمومين ويعطيهم وجهه، ويقول الإمام والمأموم والمنفرد بعد هذا الذكر والاستغفار: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله. لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن. لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد. ويستحب أن يقول المسلم والمسلمة هذا الذكر بعد كل صلاة من الصلوات الخمس ثم يُسبح الله ويحمده ويكبره ثلاثاً وثلاثين ثم يقول تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. وهذا كله قد ثبتت به الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويُستحب أن يقرأ بعد ذلك آية الكرسي مرة واحدة سراً، ويقرأ: (قل هو الله أحد) والمعوذتين بعد كل صلاة سراً مرة واحدة، إلا في المغرب والفجر فيُستحب له أن يكرر قراءة السور الثلاث المذكورة ثلاث مرات، ويُستحب أيضاً للمسلم والمسلمة بعد صلاة المغرب والفجر أن يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، عشر مرات زيادة على ما تقدم قبل قراءة آية الكرسي وقبل قراءة السور الثلاث. عملا بالأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (11/194) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "والمتأمل في هذه المسألة يتبن له: أن ما قيد بدبر الصلاة إن كان ذكراً فهو بعدها، وإن كان دعاء فهو في آخرها. أما الأول: فلأن الله تعالى جعل ما بعد الصلاة محلاً للذكر، فقال تعالى: (فَإِذَا قَضَيْتُمْ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ) النساء/103، وجاءت السنة مبينة لما أجمل في هذه الآية من الذكر مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين) . فيحمل كل نص في الذكر مقيد بدبر الصلاة على ما بعدها ليطابق الآية الكريمة. وأما الثاني: فلأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل ما بعد التشهد الأخير محلا للدعاء، فيحمل كل نص في الدعاء مقيد بدبر الصلاة على آخرها، ليكون الدعاء في المحل الذي أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى الدعاء فيه، إلا أن يكون حمل النص على ذلك ممتنعاً، أو بعيداً بمقتضى السياق المعين فيحمل على ما يقتضيه السياق" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (13/268) . ثانيا: لا يشرع رفع اليدين في الدعاء بعد الصلاة؛ لعدم ورود ذلك عنه صلى الله عليه وسلم. جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (7/103) : " ليس الدعاء بعد الفرائض بسنة إذا كان برفع الأيدي، سواء كان من الإمام وحده أو المأموم وحده، أو منهما جميعا، بل ذلك بدعة؛ لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله عنهم، أما الدعاء بدون ذلك فلا بأس به، لورود بعض الأحاديث في ذلك " انتهى. وينظر جواب السؤال رقم (21976) ورقم (7886) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 104163 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2271 حكم صلاة الطفلة دون خمار [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم صلاة الطفلة دون خمار؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كانت لم تبلغ فصلاتها صحيحة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار) ، فدل ذلك على أن غير الحائض، وهى غير البالغة لا حرج عليها في الصلاة بغير خمار، ولكن كونها تصلي بالخمار أولى وأكمل إذا كانت بنت سبع أو أكثر، أما من دون السبع من الذكور والإناث فليسوا من أهل الصلاة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع) " انتهي. "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (29/200) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103431 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2272 لا تتمكن من تحريك رأسها بسبب الألم الشديد فكيف تصلي؟ [السُّؤَالُ] ـ[إحدى الأخوات تسأل وتقول: إنها يأتيها ألم شديد جدا في رأسها إلى حد أنها أكرمكم الله تتقيأ وهي في ذاك الوضع لا تستطيع أن تصلي على أي وضع لعدم قدرتها حتى على رفع رأسها فكيف تصلي إذا حضرت الصلاة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: نسأل الله تعالى لأختنا الشفاء والعافية والمعافاة في الدين والدنيا. ثانيا: إذا حانت الصلاة وهي تشعر بالألم، فإنها تؤخر الصلاة إلى آخر الوقت المختار، رجاء أن تصلي صلاة تامة كاملة، فإن استمر الألم فإنها تصلي على قدر استطاعتها، ولو مستلقية. والأصل في ذلك: قوله تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة/286، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين: (صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ) رواه البخاري (1117) وأبو داود (952) . ومن صلى جالسا فإنه ينحني بالركوع والسجود، ويجعل السجود أخفض من الركوع. ومن صلى على جنبه الأيمن أو الأيسر، فإنه يحني رأسه إلى صدره عند الركوع والسجود. ومن صلى مستلقيا، جعل رجليه إلى جهة القبلة، وحنى رأسه إلى صدره عند الركوع والسجود، فإن عجز - الجالس أو المستلقي - عن تحريك رأسه سقطت عنه الأفعال فقط، لأنها هي التي كان عاجزا عنها، وأما الأقوال فإنها لا تسقط عنه؛ لأنه قادر عليها وقد قال الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16، فنقول: كبر واقرأ، وانو الركوع فكبر وسبح تسبيح الركوع، ثم انو القيام وقل: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، إلى آخره، ثم انو السجود فكبر وسبح تسبيح السجود، لأن هذا مقتضى القواعد الشرعية (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) " انتهى من "الشرح الممتع" (4/332) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 102281 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2273 حكم السجود مع لبس النظارة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن نؤدي الصلاة ونحن نضع عدسات لاصقة ملونة أو نظارات؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج في الصلاة مع وجود العدسات اللاصقة الملونة، والنظارات، إلا إذا كانت النظارة لا يتمكن معها المصلي من تمكين أنفه أو جبهته من الأرض أثناء السجود، فيلزمه نزعها قبل الصلاة، أو عند سجوده. روى البخاري (812) ومسلم (490) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ: عَلَى الْجَبْهَةِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ وَالْيَدَيْنِ، وَالرُّكْبَتَيْنِ، وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عمن يلبس نظارات كبيرة، لا تمكنه من السجود كاملاً على الأعضاء السبعة. فأجاب: " إن كانت تمنع من وصول طرف الأنف إلى الأرض فإن السجود لا يجزئ، وذلك لأن الذي يحمل الوجه هما النظارتان، وهما ليستا على طرف الأنف بل هما بحذاء العينين وعلى هذا فلا يصح السجود، ويجب على من عليه نظارة تمنعه من وصول أنفه إلى مكان السجود أن ينزعها في حال السجود " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (13/186) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98466 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2274 صيغ التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أتعلم صيغة التشهد في الصلاة، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله حثنا الرسول صلى الله عليه وسلم على تعمل أحكام الصلاة، وصفة صلاته صلى الله عليه وسلم، حتى نقتدي به فيها، فقال: (صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي) رواه البخاري (631) . وعلى هذا، فينبغي الاهتمام بمعرفة ذلك. وألفاظ التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم الواردة كثيرة ومتنوعة، والأكمل للمسلم أن يأتي بها جميعاً، فيأتي بهذه الصيغة مرة، ثم بالأخرى مرة أخرى، وهكذا، حتى يكون فعل السنة جميعها، ولم يقتصر على بعضها، فإن شق عليه ذلك، فليقتصر على ما يستطيع منها، ولا حرج عليه إن شاء الله تعالى. وهذه بعض صيغ التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة: تشهد ابن مسعود رضي الله عنه: (التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ) رواه البخاري (6265) ومسلم (402) . تشهد ابن عمر رضي الله عنهما: (التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ) رواه أبو داود (971) وصححه الألباني. تشهد عمر قاله على المنبر يعلم الناس: (التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ، الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ، الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ) رواه مالك (204) وصححه الألباني. وأما صيغ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فمنها: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) رواه البخاري (3370) (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) رواه مسلم (405) [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98031 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2275 جواز السجود على البطانية والفرش [السُّؤَالُ] ـ[تقول جدتي إنه لا يجوز السجود أثناء الصلاة على سطح أملس كالبطانية وأنه يجب أن يسجد المرء على سطح صلب. فهل هذا صحيح؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز السجود على سطح أملس ناعم كالبطانية وغيرها، ما دام المصلي يستطيع أن يمكن جبهته وأنفه عند السجود. والممنوع هو السجود على شيء رخو يغوص فيه وجه المصلي ولا يستقر. قال ابن الهمام في "فتح القدير" (1/304) : " يجوز السجود على الحشيش والتبن والقطن إن وجد حجم الأرض، وكذا الثلج الملبّد , فإن كان بحالٍ يغيب فيه وجهُه ولا يجد الحجم لا " انتهى. وقال ابن نجيم في "البحر الرائق" (1/337) : " والأصل كما أنه يجوز السجود على الأرض يجوز على ما هو بمعنى الأرض مما تجد جبهتُه حجمَه وتستقر عليه، وتفسير وجدان الحجم أن الساجد لو بالغ لا يتسفّل رأسه أبلغ من ذلك " انتهى. وعلى هذا فلا حرج من السجود على الفرش كالبطانية أو المرتبة، إذا كانت تثبت وتستقر مهما بالغ الإنسان في الضغط عليها. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن حكم السجود على الاسفنج. فأجاب: " إذا كان الاسفنج خفيفاً ينكبس عند السجود عليه فلا باس " "فتاوى ابن عثيمين" (13/184) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96107 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2276 إذا أدرك الإمام راكعاً فماذا يفعل؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا دخلت المسجد وكان الإمام راكعاً، فهل إذا ركعت معه تحسب لي هذه الركعة؟ مع العلم أني لم أقرأ الفاتحة، وهل أكبر تكبيرة واحدة أو تكبيرتين؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إذا دخل المسجد والإمام راكع ركع معه , ويكون مدركاً للركعة إذا اجتمع مع الإمام في الركوع , ولو لم يطمئن إلا بعد رفع الإمام. قال أبو داود: " سمعت أحمد سئل عمن أدرك الإمام راكعاً , فكبر ثم ركع فرفع الإمام؟ قال: إذا أمكن يديه من ركبتيه قبل أن يرفع الإمام فقد أدرك " انتهى. انظر: "مسائل الإمام أحمد لأبي داود" (ص 35) , "حاشية الروض" لابن قاسم (2/275) , "المجموع" (4/215) . ثم يطمئن في الركوع ويرفع منه ويتابع إمامه. قال الشيخ ابن باز: " إذا أدرك المأموم الإمام راكعا أجزأته الركعة ولو لم يسبح المأموم إلا بعد رفع الإمام " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (11/245-246) . ثانياً: وإذا أدركه حال الركوع أجزأته تكبيرة واحدة , وهي تكبيرة الإحرام عن تكبيرة الركوع , روي ذلك عن زيد بن ثابت وابن عمر وسعيد وعطاء والحسن وإبراهيم النخعي , وبه قال الأئمة الأربعة (أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد) . قال أبو داود: " قلت لأحمد: أُدرك الإمام راكعاً؟ قال: يجزيك تكبيرة " انتهى. "مسائل الإمام أحمد" (ص 35) . وذلك لأن حال الركوع يضيق عن الجمع بين تكبيرتين في الغالب , ولأنه اجتمع عبادتان من جنس واحد في محل واحد , ونية الركوع لا تنافي نية افتتاح الصلاة , فأجزأ الركن وهي تكبيرة الإحرام عن الواجب وهي تكبيرة الركوع , كطواف الإفاضة يغني عن طواف الوداع إذا جعله آخر شيء. انظر: "المغني" (2/183) , "القواعد" لابن رجب " القاعدة الثامنة عشرة ". فإن أمكن أن يأتي بتكبيرتين: الأولى للإحرام , والثانية للركوع فهذا أولى , قال أبو داود: " قلت لأحمد: يكبر مرتين أحب إليك؟ قال: فإن كبر مرتين فليس فيه اختلاف " انتهى. "مسائل الإمام أحمد" (ص 35) . وسئل الشيخ ابن باز: إذا حضر المأموم إلى الصلاة والإمام راكع هل يكبر تكبيرة الافتتاح والركوع أو يكبر ويركع؟ فأجاب: " الأولى والأحوط أن يكبر التكبيرتين: إحداهما: تكبيرة الإحرام وهي ركن ولا بد أن يأتي بها وهو قائم، والثانية: تكبيرة الركوع يأتي بها حين هويه إلى الركوع، فإن خاف فوت الركعة أجزأته تكبيرة الإحرام في أصح قولي العلماء، لأنهما عبادتان اجتمعتا في وقت واحد فأجزأت الكبرى عن الصغرى، وتجزئ هذه الركعة عند أكثر العلماء " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (11/244-245) . وعلى الداخل أن يكبر للإحرام قائماً , فإن أتى به على حال انحنائه للركوع لم يصح. قال النووي في "المجموع" (4/111) : " إذا أدرك الإمام راكعا كبر للإحرام قائما ثم يكبر للركوع ويهوي إليه , فإن وقع بعض تكبيرة الإحرام في غير القيام لم تنعقد صلاته فرضا بلا خلاف , ولا تنعقد نفلا أيضا على الصحيح " انتهى. وانظر: "المغني" (2/130) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (4/123) : " ولكن هنا أمْرٌ يجبُ أن يُتفَطَّنُ له، وهو أنَّه لا بُدَّ أنْ يكبِّرَ للإحرامِ قائماً منتصباً قبل أنْ يهويَ؛ لأنَّه لو هَوى في حالِ التكبيرِ لكان قد أتى بتكبيرةِ الإحرامِ غير قائمٍ، وتكبيرةُ الإحرامِ لا بُدَّ أن يكونَ فيها قائماً " انتهى. ثالثاً: وإذا ركع مع الإمام أجزأته الركعة ولو لم يقرأ الفاتحة , وهو قول الجمهور , وهو الراجح ـ إن شاء الله ـ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكرة رضي الله عنه لما انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ رَاكِعٌ فَرَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الصَّفِّ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلا تَعُدْ) رواه البخاري (783) . ووجه الدلالة: أنه لو لم يكن إدراك الركوع مجزئاً لإدراك الركعة مع الإمام لأمره النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء تلك الركعة التي لم يدرك القراءة فيها , ولم ينقل عنه ذلك , فدل على أن من أدرك الركوع فقد أدرك الركعة. انظر: "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (230) . قال الشوكاني: " وكذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر الداخل بأن يصنع كما يصنع الإمام , ومعلوم أنه لا يحصل الامتثال إلا إذا ركع مع إمامه , فإذا أخذ يقرأ الفاتحة فقد أدرك الإمام على حالة ولم يصنع كما صنع إمامه , فخالف الأمر الذي وجب عليه امتثاله " انتهى من رسالة نقلها له صاحب "عون المعبود" (3/157) . وأما أدلة وجوب قراءة الفاتحة في الصلاة فهي عامة تشمل المسبوق وغير المسبوق , وهذا حديث خاص يدل على سقوط الفاتحة عمن أدرك إمامه راكعاً، فيكون هذا الحديث مخصصاً لعموم تلك الأحاديث. انظر: "مجموع الفتاوى" (23/290) . وقد سبق في جواب السؤال (74999) أن قراءة الفاتحة تسقط عن المأموم في موضعين: 1- إذا أدرك الإمام راكعاً. 2- إذا أدركه قبيل الركوع، ولم يتمكن من إتمام قراءة الفاتحة. انظر: "أحكام حضور المساجد" (ص141-143) للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 75156 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2277 هل يجوز للمصلي أن يجهر في هذا الصلوات والركعات؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل تؤدى هذه الصلوات جهراً أم سرّاً: نافلة صلاة المغرب، والركعة الثالثة لصلاة الوتر في حالة أدائها على شاكلة صلاة المغرب، وقيام الليل، رغيبة الفجر، صلاة الضحى؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ذكر العلماء رحمهم الله تعالى أن المشروع أن يسر المصلي في صلاة النافلة نهاراً، ويُخير في صلاة الليل بين الجهر والإسرار، غير أن الجهر أفضل. وذكر في "كشاف القناع" (1/441) أن النهار هنا طلوع الشمس لا من طلوع الفجر، فتكون راتبة الفجر صلاة ليلية. وقد نقلنا أقوال العلماء في ذلك في جواب السؤال رقم (91325) . فعلى هذا؛ يُسر المصلي بصلاة الضحى، لأنها صلاة نهارية. وأما نافلة المغرب، والركعة الثالثة من الوتر، وقيام الليل، ورغيبة الفجر، فيخير فيها المصلي بين الجهر والإسرار، والجهر أفضل، إلا أن يكون الإسرار أخشع له، أو عنده من يتأذى بالجهر كنائم أو مريض ونحو ذلك. قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: السنة في صلاة الليل الجهر بالقراءة سواء كان المصلي يصلي وحده أو معه غيره، فإذا كانت زوجته أو غيرها من النساء يصلين معه فإنهن يصلين خلفه ولو كانت واحدة، أما إن كان يصلي وحده فهو مخير بين الجهر والإسرار، والمشروع له أن يفعل ما هو أصلح لقلبه، وقد سئلت عائشة رضي الله عنها عن ذلك فقالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل ربما جهر وربما أسر) ، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم من حديث حذيفة رضي الله عنه وغيره (أنه صلى الله عليه وسلم كان يجهر بالقراءة في صلاة الليل ويقف عند آية الرحمة فيسأل وعند آية الوعيد فيتعوذ وعند آية التسبيح فيسبح) والمعنى عند ذكر الآيات التي فيها أسماء الله وصفاته فيسبح الله سبحانه، وقد قال الله عز وجل: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) الأحزاب/21، وقال عليه الصلاة والسلام: (صلوا كما رأيتموني أصلي) أخرجه البخاري في صحيحه. فدلت هذه الأحاديث على أن الجهر بالقراءة في صلاة الليل أفضل، ولأن ذلك أخشع للقلب وأنفع للمستمعين إلا أن يكون حوله مرضى أو نوام أو مصلون أو قراء، فالأفضل خفض الصوت على وجه لا يترتب عليه إشغال المصلين والقراء، وإيقاظ النائمين، وإزعاج المرضى. وإن أسر في بعض صلاة الليل إذا كان وحده فلا حرج لحديث عائشة المذكور. . ولأن ذلك قد يكون أخشع لقلبه وأرفق به في بعض الأوقات. " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (11 / 124، 125) . وقال الشيخ رحمه الله – أيضاً -: إذا كان الإنسان يصلي لنفسه شُرع له أن يفعل ما هو أصلح لقلبه من الجهر والإسرار إذا كان في صلاة النافلة ليلاً ولم يتأذَّ بجهره أحد، فإذا كان حوله من يتأذى بجهره كالمصلين والقراء والنوم شرع له خفض الصوت. أما في الصلاة النهارية كصلاة الضحى والرواتب وصلاة الظهر والعصر: فإن السنة فيها الإسرار. " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (11 / 126، 127) . ثانياً: أما قول السائل " والركعة الثالثة لصلاة الوتر في حالة أدائها على شاكلة صلاة المغرب " فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الوتر على شاكلة المغرب، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا توتروا بثلاث، تشبهوا المغرب) رواه الحاكم (1/304) والبيهقي (3 / 31) والدارقطني (ص 172) ، وقال الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (4 / 301) : إسناده على شرط الشيخين. وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أوتر بثلاث على صورتين: الصورة الأولى: صلاة ثلاث ركعات بتشهدين وسلامين، فيصلي ركعتين ويسلم، ثم واحدة ويسلِّم. فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفصل بين الشفع والوتر بتسليم يسمعناه. رواه ابن حبان (2435) وقال الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (2 / 482) : وإسناده قوي. والصورة الثانية: يصلي الثلاث ركعات بتشهد واحد وتسليمتين. فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث لا يقعد إلا في آخرهن. رواه البيهقي (4581) . والحديث: صححه الحاكم ووافقه الذهبي " المستدرك " (1 / 304) ، وصححه النووي في " المجموع " (4 / 7) . وقال الشيخ الألباني رحمه الله: وأما صلاة الخمس والثلاث بقعود بين كل ركعتين بدون تسليم: فلم نجده ثابتاً عنه صلى الله عليه وسلم، والأصل الجواز لكن لما كان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن الإيتار بثلاث وعلَّل ذلك بقوله: (ولا تشبهوا بصلاة المغرب) فحينئذ لا بد لمن صلى الوتر ثلاثاً من الخروج عن هذه المشابهة، وذلك يكون بوجه من وجهين: أحدهما: التسليم بين الشفع والوتر وهو الأقوى والأفضل، والآخر: أن لا يقعد بين الشفع والوتر، والله تعالى أعلم. " قيام رمضان " (ص 22) . ولمزيد الفائدة راجع جواب السؤال: (46544) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 67618 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2278 على كل واحد من الشريكين أن يزكي نصيبه من أرباح المضاربة [السُّؤَالُ] ـ[أعطاني سبعة آلاف ريال من أربع سنين أشري وأبيع في الحلال وكل سنة نتقاسم الأرباح، والآن وصلت ستة عشر ألف ريال، ولا أخرجنا زكاة كل الأربع سنين التي مرت. أرجو أن تكون الصورة واضحة. أفتونا مأجورين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الزكاة ركن من أركان الإسلام، ومن أعظم واجبات الدين وفرائضه، والواجب على المسلم أن يسارع إلى أدائها متى وجبت عليه، ولا يجوز التهاون في أدائها. ولا تسقط الزكاة بالتقادم، فلو مرت عليه سنون ولم يخرج الزكاة، كانت ديناً عليه، ويجب عليه إخراجها. قال النووي رحمه الله في "المجموع" (5/302) : "إذا مضت عليه سنون ولم يؤد زكاتها لزمه إخراج الزكاة عن جميعها" انتهى. وجاء في "الموسوعة الفقهية" (23/298) : "إذا أتى على المكلف بالزكاة سنون لم يؤد زكاته فيها، وقد تمت شروط الوجوب، لم يسقط عنه منها شيء اتفاقا، ووجب عليه أن يؤدي الزكاة عن كل السنين التي مضت ولم يخرج زكاته فيها" انتهى. ثانياً: تجب الزكاة في عروض التجارة عند جماهير العلماء، وقد سبق بيان أدلة ذلك في جواب السؤال رقم (130487) . وطريقة حساب زكاة عروض التجارة: أن تقوم البضاعة آخر الحول ثم يخرج زكاتها ربع العشر أي 2.5 بالمائة. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (4/249) : "مِنْ مَلَكَ عَرْضًا لِلتِّجَارَةِ , فَحَالَ عَلَيْهِ حَوْلٌ , وَهُوَ نِصَابٌ , قَوَّمَهُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ , فَمَا بَلَغَ أَخْرَجَ زَكَاتَهُ , وَهُوَ رُبْعُ عُشْرِ قِيمَتِهِ" انتهى. وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: "الطريقة الشرعية أنه يقوّم ما لديه من عروض التجارة عند تمام الحول بالقيمة التي تساويها عند الوجوب، بصرف النظر عن ثمن الشراء" انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/319) . ويضم الربح إلى الأصل ويزكى الجميع. جاء في "الموسوعة الفقهية" (22/86) : "يُضَمُّ الرِّبْحُ الْحَاصِل مِنْ عُرُوضِ التِّجَارَةِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْل إِلَى الأَْصْل، وَذَلِكَ لأَِجْل حِسَابِ الزَّكَاةِ. فَلَوِ اشْتَرَى مَثَلاً عَرْضًا فِي شَهْرِ الْمُحَرَّمِ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَصَارَتْ قِيمَتُهُ قَبْل آخِرِ الْحَوْل وَلَوْ بِلَحْظَةٍ ثَلاَثَمِائَةِ دِرْهَمٍ زَكَّى الْجَمِيعَ آخِرَ الْحَوْل" انتهى. هذا بالنسبة لصاحب المال: يزكي أصل المال (رأس ماله) مع نصيبه من الربح كل سنة. أما بالنسبة للمضارب (العامل) ففي وجوب الزكاة عليه في نصيبه من الربح إذا لم يتم اقتسامه - كما في الصورة المسؤول عنها - خلاف بين العلماء، والذي اختاره جماعة من علمائنا المعاصرين: وجوب الزكاة عليه في نصيبه من الربح. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "حصة المضارب فيها خلاف هل تجب الزكاة فيها أو لا؟ والصحيح أنه إذا تم الحول وهي لم تقسم أن فيها الزكاة؛ لأنها ربح مال تجب زكاته فيجب عليه أن يزكيه، ولأن هذا هو الظاهر من عمل الناس من عهد الرسول عليه الصلاة والسلام إلى اليوم: أنه إذا وجبت الزكاة في المال أخرجت منه ومن ربحه" انتهى. " شرح الكافي" (3/121) . وسئل الشيخ ابن جبرين رحمه الله: هل تجب الزكاة في حصة المضارب قبل القسمة إذا بلغ نصاباً؟ فأجاب: "المضاربة كونك تعطي إنساناً مالك يتجر به، فإذا أعطيته مثلاً عشرين ألفاً واشترى بها بضائع على أن له نصف الربح، ويرد عليك رأس مالك، فبعد سنة أصبحت العشرون ثلاثين بأرباحها، حصة العامل خمسة آلاف، وحصة صاحب المال خمسة آلاف، ورأس المال عشرون. فما الذي يزكى؟ يُزكى الجميع؛ الثلاثون ألفاً، وتكون الزكاة عن الجميع؛ عن الربح، وعن رأس المال. هذه صورة المضاربة وصورة الزكاة فيها" انتهى. "فتاوى الشيخ ابن جبرين" (50/8) . وسئل الشيخ صالح الفوزان رحمه الله: لي مبلغ من المال وقد تركته عند صديق لي ليتاجر فيه، من يدفع الزكاة هو أم أنا وهل أزكي عن رأس المال فقط أم حتى عن الربح؟ فأجاب: "أنت تزكي نصيبك من الربح، إذا بلغ نصابًا، وأما صاحب رأس المال فإنه يزكيه ويزكي نصيبه من الربح ولو كان قليلاً لأنه يتبع رأس المال" انتهى. "المنتقى من فتاوى الفوزان" (87/1-2) . وعلى هذا، فعليك أن تحسب الأرباح المضافة إلى رأس المال كل سنة، ثم يقوم صاحب رأس المال بإخراج زكاة رأس المال ونصيبه من الربح، وتخرج أنت زكاة نصيبك من الربح عن السنوات الماضية. تنبيه: حول عروض التجارة لا يبدأ حسابه من أول شراء العروض للتجارة، وإنما ينبني هذا الحول على حول النقود التي اشتريت بها عروض التجارة. ولبيان ذلك: انظر جواب السؤال رقم (32715) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 139631 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2279 هل يجوز إخراج الزكاة مواد عينية بدلا من النقود؟ [السُّؤَالُ] ـ[ذكر الله عز وجل لنا مصارف الزكاة الثمانية في كتابه الكريم , فهل تعتبر الأنشطة التالية من مصارف الزكاة؟ (توزيع الشنط الغذائية , توزيع البطاطين في الشتاء , توصيل المياه لمنازل الفقراء , بناء أسقف خشبية لهم , تجهيز عرائس يتيمات أو فقراء , توصيل المساعدات الطبية للمرضى) على أن تعطى أموال الزكاة لجمعية موثوق بها , وتتولى الجمعية القيام بهذه الأنشطة؟ مع العلم أن الجمعية تقوم باستكشاف الحالات قبل تقديم المساعدات لها أفيدونا جزاكم الله خيرا بشأن كون ما تقدم ذكره من مصارف الزكاة من عدمه؟ وهل بإخراجي للزكاة بهذه الكيفية أكون أخرجتها في صورة مال كما هو مطلوب مني؟ أم أن أخراج زكاة المال في صورة مال غير واجب أصلا؟ وفقكم الله إلى ما فيه خير المسلمين وجزاكم الله خيرا]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: أولاً: الواجب في زكاة المال أن تكون من النقود، ولا يجوز إخراجها مواد عينية، ولا سلعاً غذائية. ومن واجب صاحب الزكاة تسليم مبلغ الزكاة للمستحقين، وليس من حقه التصرف بهذا المبلغ ولا الاجتهاد في البحث عن الأنفع لهم حسب نظره، بل يعطي المال المستحق للفقير، وهو أدرى بحاجته ومصلحته من غيره. ومن المعلوم أن الإنسان يستطيع الحصول على ما يريد عن طريق المال، بخلاف المواد العينية التي قد يحتاجها وقد لا يحتاجها، ويضطر لبيعها بثمن بخس للاستفادة من ثمنها. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "هل يجوز تحويل مبلغ الزكاة إلى مواد عينية غذائية وغيرها فتوزع على الفقراء؟ ". فأجاب: " لا يجوز، الزكاة لا بد أن تدفع دراهم ... ". انتهى من " اللقاء الشهري" (41 / 12) . وقال أيضا: " زكاة الدراهم لابد أن تكون دراهم، ولا تخرج من أعيان أخرى إلا إذا وكلك الفقير فقال: إن جاءك لي دراهم فاشتر لي بها كذا وكذا، فلا بأس ... ". انتهى. "مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (18/303) . ثانياً: إذا كان هناك فقير معين، يحتاج إما إلى دواء أو غذاء، أو نحو ذلك من احتياجاته، ويعلم أنه سيترتب على صرف الزكاة له نقوداً مفسدة واضحة، أو كانت المصلحة تقتضي عدم إعطاء ذلك الفقير النقود، ففي هذه الحال أجاز بعض العلماء صرفها له مواد عينية بدلاً من النقود. ومن صور ذلك: أن يكون الفقير مجنونا، أو ضعيف العقل لا يحسن التصرف المال، أو سفيها مبذراً للمال، أو مفسدا ينفق المال على ما لا فائدة فيه، ثم يبقى ـ هو أو من يعوله ـ محتاجا. قال شيخ الإسلام: " إخْرَاجُ الْقِيمَةِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَلا مَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ مَمْنُوعٌ مِنْهُ ... ؛ وَلأَنَّهُ مَتَى جُوِّزَ إخْرَاجُ الْقِيمَةِ مُطْلَقًا فَقَدْ يَعْدِلُ الْمَالِكُ إلَى أَنْوَاعٍ رَدِيئَةٍ، وَقَدْ يَقَعُ فِي التَّقْوِيمِ ضَرَرٌ؛ وَلأَنَّ الزَّكَاةَ مَبْنَاهَا عَلَى الْمُوَاسَاةِ، وَهَذَا مُعْتَبَرٌ فِي قَدْرِ الْمَالِ وَجِنْسِهِ، وَأَمَّا إخْرَاجُ الْقِيمَةِ لِلْحَاجَةِ أَوْ الْمَصْلَحَةِ أَوْ الْعَدْلِ فَلا بَأْسَ بِهِ ". انتهى " مجموع الفتاوى" (25/82) . وقال الشيخ ابن باز في الفتاوى (14 / 253) : " ويجوز أن يخرج عن النقود عروضاً من الأقمشة والأطعمة وغيرها، إذا رأى المصلحة لأهل الزكاة في ذلك مع اعتبار القيمة، مثل أن يكون الفقير مجنوناً، أو ضعيف العقل، أو سفيهاً، أو قاصراً، فيخشى أن يتلاعب بالنقود، وتكون المصلحة له في إعطائه طعاماً، أو لباساً ينتفع به من زكاة النقود بقدر القيمة الواجبة، وهذا كله في أصح أقوال أهل العلم". انتهى. والأفضل من ذلك أن يأخذ توكيلا من الفقراء بشراء الأشياء التي يحتاجون إليها. قال الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله: " إذا كان أهل هذا البيت فقراء، ولو أعطيناهم الدراهم لأفسدوها بشراء الكماليات والأشياء التي لا تفيد، فإذا اشترينا لهم الحاجات الضرورية ودفعناها لهم، فهل هذا جائز؟ فمعروف عند أهل العلم أن هذا لا يجوز، أي لا يجوز للإنسان أن يشتري بزكاته أشياء عينية يدفعها بدلاً عن الدراهم، قالوا: لأن الدراهم أنفع للفقير، فإن الدراهم يتصرف فيها كيف يشاء، بخلاف الأموال العينية فإنه قد لا يكون له فيها حاجة، وحينئذ يبيعها بنقص. ولكن هناك طريقة: إذا خفت لو أعطيت الزكاة لأهل هذا البيت صرفوها في غير الحاجات الضرورية، فقل لرب البيت، سواء كان الأب أو الأم أو الأخ أو العم، قل له: عندي زكاة، فما هي الأشياء التي تحتاجونها لأشتريها لكم وأرسلها لكم؟ فإذا سلك هذه الطريقة، كان هذا جائزاً، وكانت الزكاة واقعة موقعها ". انتهى " مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/ السؤال 643) . والخلاصة: أن إخراج السلع والمواد العينية بدلا من زكاة المال لا تجوز ولا تجزئ، إلا إذا وجدت الحاجة والمصلحة الداعية لذلك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 138684 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2280 توفي والده وله عليه دين فهل يلزمه إخراج زكاته؟ [السُّؤَالُ] ـ[أصيب والدي بجلطة أقعدته وكان يسكن معي في بيتي وكان له مبلغ 16000 ريال أمانة عندي وقد استخدمت هذا المبلغ في شراء فرش لمنزلي وأبلغت والدي بذلك وبقي هذا المبلغ ديناً في ذمتي لمدة عشر سنوات حتى توفي والدي رحمه الله وسامحني جميع الورثة في هذا المبلغ علما بأنني موظف وأما والدي فلا يعمل بل مقعد. السؤال: هل على هذا المبلغ زكاة طيلة هذه السنوات؟ وهل على والدي إثم أو علي أنا في ترك زكاته؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: أولاً: ينبغي لمن عليه دين أن يبادر بالوفاء به قبل أن يفاجئه الأجل، حتى لو كان الدين لقريب، فإن كان لا يتمكن من الوفاء به لعسره، نوى سداده متى ما أيسر؛ لقوله عليه الصلاة والسلام عليه الصلاة والسلام: (مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ) رواه البخاري (2387) . ثانياً: من له دين على شخص لم يجب عليه أن يؤدي زكاته قبل قبضه، فإن كان الدين على موسر، زكاه إذا قبضه عن كل السنوات التي بقي الدين فيها عند المدين، أما إذا كان الدين على معسر أو غني مماطل فإنه يزكيه لسنة واحدة عند قبضه. قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: "من كان له على مليء دين يبلغ النصاب أو يُكمل بلوغ نصاب عنده، فتجب فيه الزكاة، ويزكيه إذا قبضه لما مضى عليه، سواء كان ذلك سنة أو أكثر، وإن زكاه قبل قبضه فحسن، وإن كان على غير مليء، فيزكيه إذا قبضه لسنة واحدة، وإن مضى عليه أكثر من سنة، وهذا رواية عن الإمام أحمد، وهو قول مالك، وأفتى به الشيخ عبد الرحمن بن حسن وقال: وهو اختيار الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/190) . ثالثاً: لا إثم على والدك في تأخير إخراج زكاة الدين الذي في ذمتك؛ لأنه ليس في يده، ولأنه لا تجب عليه زكاته إلا بعد قبضه. قال الحجاوي في "زاد المستقنع ": (ومن كان له دين أو حق من صداق وغيره على مليء أو غيره أدى زكاته إذا قبضه لما مضى،..) قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (6/5) : وقوله: "أدى زكاته إذا قبضه" أي: لا يلزمه أن يؤدي زكاته قبل قبضه، فهو مرخص له في عدم أداء الزكاة حتى يقبضه. فإن قال قائل: أليست الزكاة على الفور، فلماذا لا تلزمه الزكاة إذا تم الحول، ولو كان في ذمة غيره؟ فالجواب: أن فيه احتمالا أن يتلف مال من عليه الدين، أو يعسر، أو يجحد نسيانا أو ظلما، فلما كان هذا الاحتمال قائما رُخِصَ له أن يؤخر إخراج الزكاة حتى يقبضه. فإن أدى الزكاة قبل قبضه ليستريح فله ذلك؛ لأن تأخيرها من باب الرخصة والتسهيل، بل قال أهل العلم: إن ذلك أفضل" انتهى. وقال أيضاً: " لا يجب على من له دين على شخص أن يؤدي زكاته قبل قبضه؛ لأنه ليس في يديه، ولكن إن كان الدين على موسر، فإن عليه زكاته كل سنة، فإن زكاها مع ماله فقد برئت ذمته، وإن لم يزكها مع ماله وجب عليه إذا قبضها أن يزكيها لكل الأعوام السابقة.." انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/28) . وعلى هذا، لا إثم عليك ولا على والدك في عدم إخراج زكاة هذا الدين، لأنها لم تكن واجبة عليه. رابعاً: إذا تنازل الورثة عن الدين الذي في ذمتك فلا حرج في ذلك، وهذا إن كانوا مكلفين، فإن كان فيهم صغير دون البلوغ فلا يسقط حقه من الميراث من هذا الدين. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136414 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2281 لا زكاة في المال الموقوف للزواج [السُّؤَالُ] ـ[هناك جهة تعمل على دعم الشباب في التزويج، فأوقف أهل الخير مبلغاً من المال لتزويج الشاب، فهل يجب على القائمين على هذه المؤسسة إخراج زكاة المال المودع عندهم أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المال الموقوف على جهة عامة كالفقراء أو المساجد أو من يحتاج إلى الزواج لا زكاة فيه، لأنه ليس له مالك معين، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (130229) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "وأما الدراهم التي تبرع بها أهلها للزواج، أو للصدقات، أو للجهاد أو ما أشبه ذلك، فليس فيها زكاة ... ؛ لأنها ليست ملكاً لأحد، إذ إن الموقوف على جهة عامة لا يملكه الموقوف عليه، فهي ليست ملكاً لأحد" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/194) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130327 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2282 جواز تأخير إخراج الزكاة لتُعطى لمبعوث الإمام؟ [السُّؤَالُ] ـ[أعلم أنه لا يجوز تأخير الزكاة عن وقتها، لكن إذا كان الإمام يرسل السعاة لأخذ الزكاة، فأخرها حتى لا تأخذ منه مرة أخرى فهل يأثم أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: يجب إخراج الزكاة على الفور، إذا كمل النصاب وحال عليه الحول. قال النووي رحمه الله: "يجب إخراج الزكاة على الفور، إذا وجبت، وتمكن من إخراجها، ولم يجز تأخيرها , وبه قال مالك وأحمد وجمهور العلماء؛ لقوله تعالى: (وَآتُوا الزَّكَاةَ) والأمر على الفور.." انتهى من "المجموع" (5/308) . ولا مانع من تأخيرها لعذر، ومن الأعذار: تأخر الساعي المرسل من قِبل ولي الأمر، وكذا إذا كان ماله غائباً أو لأجل البحث عن أهل الاستحقاق.. ونحو غير ذلك من الأعذار. وينظر جواب السؤال رقم (87518) . قال النووي رحمه الله: "لو طلب الإمام زكاة الأموال الظاهرة وجب التسليم إليه ... , فإن لم يطلب الإمام ولم يأت الساعي، وقلنا: يجب دفعها إلى الإمام أَخَّرهَا ربُّ المال ما دام يرجو مجيء الساعي , فإذا أيس منه فرقها بنفسه , نص عليه الشافعي" انتهى من "المجموع" (6/139) مختصراً. وقال البهوتي في "كشاف القناع" (2/255) : "لا يجوز تأخير إخراج زكاة المال عن وقت وجوبها , مع إمكانه فيجب إخراجها على الفور .... إلا أن يخاف من وجبت عليه الزكاة ضرراً، فيجوز له تأخيرها نص عليه [يعني: الإمام أحمد] ؛ لحديث: (لا ضرر ولا ضرار) ، كرجوع ساعٍ عليه إذا أخرجها هو بنفسه , مع غيبة الساعي أو خوفه على نفسه أو ماله ونحوه؛ لما في ذلك من الضرر" انتهى. ومعنى "رجوع الساعي عليه": أن يلزمه الساعي بإخراجها مرة أخرى. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن حكم تأخير الزكاة شهراً أو شهرين لحين وصول مبعوث الحكومة لتسليمها له؟ فأجاب: "الواجب على الإنسان أن يؤدي الزكاة فوراً، كما أن الدين لو كان لا?دمي وجب عليه أن يؤديه فوراً إذا لم يؤجل، وكان قادراً على تسليمه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مطل الغني ظلم) . وقوله: (اقضوا الله، فالله أحق بالقضاء) . وعلى هذا؛ فالواجب أن الإنسان يبادر بها، لكن إذا أخرها خوفاً من أن تأتي الحكومة وتطالبه بها، فهذا لا حرج عليه، ينتظر حتى يأتي مبعوث الحكومة ويسلمها له " انتهى من "مجموع الفتاوى" (18/305) . وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل يجوز التريث (تأخير دفع الزكاة) بعد حلول الحول بحثا عن المستحقين الحقيقيين؟ لأنه أصبح من الصعب الآن التأكد من وجود الفقراء والمساكين بما تعنيه هذه الكلمة لغة وشرعاً. فأجابوا: "يجوز التريث في إخراج الزكاة للغرض المذكور في السؤال؛ لما فيه من الحيطة لإبراء الذمة وإيصال الحق إلى مستحقه" انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/394) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128258 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2283 توكيل المرأة في تفريق الزكاة [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكن أن تتولى امرأة تصريف زكوات أموال يعطيها إياها الناس لإخراجها وهى لا تجد بيت مال توجه إليه الزكاة وفى نفس الوقت تعرف ذوي حاجات كثيرين يمكن أن تصرف لهم هذه الأموال؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز للإنسان أن يوكل من يوزع زكاته على المحتاجين، بشرط أن يكون الوكيل ثقة أمينا يعطي الزكاة لمستحقيها، ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة، فيجوز أن تدفع أموال الزكاة لامرأة موثوقة تتحرى إعطاءها للمستحق. والقاعدة في ذلك: (أنه يشترط في الوكيل أن يكون ممن يصح تصرفه لنفسه في الأمر الذي وُكّل فيه) ، والمرأة لها أن تفرق زكاتها بنفسها، فجاز أن تنوب عن غيرها في ذلك. قال ابن قدامة رحمه الله: " وكل من صح تصرفه في شيء بنفسه , وكان مما تدخله النيابة , صح أن يوكل فيه رجلا كان أو امرأة , حرا أو عبدا , مسلما كان أو كافرا " انتهى من "المغني" (5/51) . وينظر: "نهاية المحتاج" (5/18) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126595 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2284 كان لديها شهادات استثمار ولم تعلم تحريمها ولم تخرج زكاتها [السُّؤَالُ] ـ[كنت أملك 6 شهادات استثمار في البنك الأهلي المصري قيمة الشهادة الواحدة 10000 جنيه مصري وعلى ذلك تكون قيمتها كلها 60000 جنيهاً مصرياً، وقد اشتريتها عام 1992 وكانت مدتها 10 سنوات فأصبحت قيمتها عند استلامها 333000 جنيهاً مصرياً، وعندما أخذت المبلغ قمت ببناء منزل عادي جداً لي ولأسرتي في غزة لأن زوجي فلسطيني وكلفني المنزل أكثر من ذلك، ولم أكن أعلم أنه يجب إخراج الزكاة عن هذا المبلغ. والآن أريد أعرف هل يجب إخراج الزكاة عليها؟ وكم هي القيمة المستحقة عن المبلغ وإذا لم أكن أملك هذه القيمة؟ ماذا أفعل لأننا في فلسطين!!!]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: من ملك مالا يبلغ نصابا، وهو ما يعادل قيمة 85 جراما من الذهب أو 595 جراماً من الفضة، لزمه زكاته، ولو كان مدخرا في البنك، فيزكيه كلما حال عليه الحول، بإخراج ربع العشر 2.5%. فإن ترك زكاته، فقد قصر وأساء؛ لأن الزكاة فريضة محكمة لا يجوز التهاون فيها، فيلزمه أن يزكي ما مضى من السنوات. ثانيا: شهادات الاستثمار من البنك الأهلي محرمة، لأنها قائمة على الربا، وقد بينا في جواب السؤال رقم 98152 أنه لا فرق بين شهادات الاستثمار من الفئة (أ) أو (ب) أو (ج) أي سواء كانت ذات عائد ثابت أو متغير (ذات الجوائز) بل هذا النوع الأخير أقبح، لاشتماله على الميسر مع الربا. وفي السؤال المحال عليه قرار لمجمع الفقه الإسلامي بتحريم هذه الشهادات. وعليه: فالزكاة إنما تجب في أصل المال المباح، وهو 60000، تزكينها عن كل سنة ماضية وزكاتها عن كل عام: 1500 جنيه. وما زاد عن ذلك فهو مال محرم، لا يزكى؛ لأن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا. ثالثا: المال الحرام يلزم التخلص منه، بإعطائه للفقراء والمساكين، أو وضعه في المشاريع الخيرية. وما أُنفق منه قبل التوبة لا يلزم إخراج بدله. وقد ذكرت أنك أنفقت المبلغ في بناء المنزل، فلم يبق منه شيء. وعليه؛ فلا يزمك شيء في هذا المال، ولك الانتفاع بالمنزل والسكنى فيه، مع التوبة إلى الله تعالى من التقصير في السؤال عن حكم هذه الشهادات قبل شرائها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121689 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2285 بناء البيوت زيادة عن الحاجة والزكاة فيها [السُّؤَالُ] ـ[قرأت في حديث أن من بنى بيوتاً زيادة عن حاجته فإنه سيأتي يوم القيامة يحمل هذه البيوت على ظهره. إذا دفع الشخص الزكاة المفروضة عن البيوت الزائدة، فهل سيحمل هذا الحمل يوم القيامة أيضاً؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا نعلم هذا الحديث الذي أشرت إليه، والذي ثبت أنه يحمل على ظهره شيئاً يوم القيامة هو الذي يأخذ الأشياء في الدنيا من الناس بغير حقٍّ جحداً أو سرقة أو غلولاً من المعركة قبل توزيع الغنائم. كما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قام فينا النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الغلول فعظَّمه وعظَّم أمره، قال: " لا ألفين أحدكم يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء، على رقبته فرس له حمحمة، يقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك، وعلى رقبته بعير له رغاء، يقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك، وعلى رقبته صامت، فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك، أو على رقبته رقاع تخفق، فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك. رواه البخاري (2908) ومسلم (1831) . ثغاء: صوت الشاة. حمحمة: صوت الفرس. رغاء: صوت البعير. صامت: الذهب والفضة. رقاع تخفق: ثياب تتحرك. ثانياً:أما بناء المسلم وتوسعه إلى حد يزيد عن حاجته وحاجة من يعولهم فقد قال ابن حزم: (اتفقوا على أن بناء ما يستتر به المرء هو وعياله من العيون والبرد والحر والمطر فرض، أو اكتساب منزل أو مسكن يستر ما ذكرنا … واتفقوا أن الاتساع في المكاسب والمباني من حل إذا أدى جميع حقوق الله تعالى مباح، ثم اختلفوا فمن كاره ومن غير كاره) اهـ. مراتب الإجماع (ص155) . والذي ينبغي أن يكون عليه المسلم هو عدم التوسع في أمور الدنيا، والاقتصار على ما يحتاج إليه استدلالا بعموم الآيات الناهية عن الإسراف كقوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأعراف/31. وقوله تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) الفرقان/67. وروى الترمذي (4283) عن خباب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن العبد ليؤجر في نفقته كلها إلا في التراب أو قال في البناء) . صححه الألباني في صحيح الترمذي. ورواه البخاري (5672) من قول خباب رضي الله عنه. قال ابن حجر: وهو محمول على ما زاد عن الحاجة اهـ. ويستدل على هذا أيضا بما كان عليه حال النبي صلى الله عليه وسلم من الترفع عن الانشغال بالدنيا، وتحذيره أمته عن انفتاح الدنيا عليهم كما في الحديث: (فَوَاللَّهِ لا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنْ أَخَشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمْ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ) . رواه البخاري (3158) ومسلم (2961) . ثالثاً: والبيوت التي يبنيها المسلم لأهله وأولاده ليست فيها زكاة، ولو ارتفعت قيمتها، والبيوت التي يبنيها ليؤجرها ليس فيها زكاة في ذاتها، بل تجب الزكاة في الأجرة إذا بلغت النصاب ومضى عليها حول كامل. والبيوت التي يبنيها ليبيعها فيها الزكاة؛ إذ هي من عروض التجارة، فعليه في نهاية الحول تقدير أثمانها وإخراج زكاتها، ومقدار الزكاة: ربع العشر من إجمالي قيمتها. وانظر في تفصيل المسألة وأدلتها إجابة السؤال (10823) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20275 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2286 هل له أن يستفيد من مساعدة الضمان الاجتماعي، وهو من آل البيت؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يحق لي أن أستفيد من مساعدة الضمان الاجتماعي، مع العلم أني يرجع نسبي لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وما هو حكم الراتب الذي تصرفه التأمينات الاجتماعية؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: مؤسسة الضمان الاجتماعي في بلاد الحرمين الشريفين هي مؤسسة تُعنى بالفقراء والمحتاجين، وتقدِّم لهم المساعدات، وهي مؤسسة حكومية غير ربحية، بخلاف مؤسسات الضمان في عامة البلدان. ويجوز لمن كان محتاجاً، وتنطبق عليه الشروط التي وضعتها الدولة لمن يحق له الاستفادة من أموال " الضمان الاجتماعي ": يجوز له أن يستفيد منها، ويأخذ منها ما تصرفه له الدولة، حتى لو كان من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما الممنوع في حقهم هو أخذ مال الزكاة الواجبة، وليس مال صدقة التطوع. وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: نحن أسرة متوسطة الحال، ومن أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولدينا وثائق تثبت ذلك، وقد بلغ والدي سن الستين، حيث تنطبق عليه شروط الالتحاق بالضمان الاجتماعي، وقد طلبنا من الوالد الاستفادة من الضمان الاجتماعي، لكنه رفض؛ لأن هناك حديثا عن الرسول صلى الله عليه وسلم ينص على عدم إعطاء الزكاة والصدقة لأهل بيته، وسؤالي هل يعتبر الضمان الاجتماعي في حكم الصدقة أم لا؟ . فأجاب: "إذا توافرت في والدك الشروط المعتبرة فيمن يستفيد من مصلحة الضمان الاجتماعي: فإنه يحل له أخذ ذلك؛ لأنه مساعدة من بيت المال للفقراء الذين تتوافر فيهم الشروط المطلوبة، وليس هو من الزكاة حسب إفادة الجهة المسئولة عن ذلك" انتهى. " فتاوى الشيخ ابن باز " (14 / 315) . وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى: نحن ممن ينتسب إلى بني هاشم، ويوجد من بيننا محتاجون، وفقراء، ومساكين، بل من أفقر الناس، ولا يوجد لديهم ما ينفقون سوى " الضمان الاجتماعي " للعجزة، وكبار السن فقط، فهل يجوز إعطاؤهم الصدقة، سواء كانت هذه الصدقة من هاشمي مثلهم، أو من غير هاشمي؟ وما الحكم إذا أعطيت لهم؟ . فأجاب: "إذا كانت الصدقة صدقة تطوع: فإنها تُعطى إليهم، ولا حرج في هذا، وإن كانت الصدقة واجبة: فإنها لا تعطى إليهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما هي أوساخ الناس) ، وبنو هاشم شرَّفهم الله عز وجل بألا يأخذوا من الناس أوساخهم، أما صدقة التطوع: فليست وسخاً في الواقع، وإن كانت لا شك تكفر الخطيئة، لكنها ليست كالزكاة الواجبة، ولهذا ذهب كثير من العلماء إلى أنهم يعطون من صدقة التطوع، ولا يعطون من الصدقة الواجبة" انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (18 / جواب السؤال رقم 613) . بل حتى الزكاة يجوز أن تُدفع لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم في حال عدم أخذهم من سهم الغنائم، كما هو الحال في وقتنا الحالي، بشرط أن لا يتوفر لهم مصدر آخر غير الزكاة. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (111802) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111819 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2287 هل يدفع الزكاة في وقتها أم يؤخرها شهرا ليحج؟ [السُّؤَالُ] ـ[قد أديت بفضل الله حج الفريضة أنا وزوجتي سابقا ولكنى هذا العام أعمل بالسعودية ويتيسر لي الحج ثانية ولكن توافق ميعاد دفع زكاة المال في نفس شهر الحجز للحج وأنا هذا الشهر ليس في راتبي ما يكفي للاثنين معا فهل يجوز أن أحجز الحج هذا الشهر ثم أخرج الزكاة الشهر القادم مباشرة أم لا يجوز؟ علما بأن لي ابنة بلغت الحلم هذا العام أريد أن تحج معي هذه المرة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الزكاة واجبة على الفور في قول جمهور العلماء، فإذا بلغ المال نصابا وحال عليه الحول وجب إخراج زكاته، ولم يجز تأخيرها، ولا يستثنى من ذلك إلا حالات يسيرة كغيبة المال أو انتظار فقير يستحقها ونحو ذلك. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/289) : " وتجب الزكاة على الفور , فلا يجوز تأخير إخراجها مع القدرة عليه , والتمكن منه , إذا لم يخش ضررا. وبهذا قال الشافعي ... فأما إذا كانت عليه مضرة في تعجيل الإخراج , مثل من يحول حوله قبل مجيء الساعي , ويخشى إن أخرجها بنفسه أخذها الساعي منه مرة أخرى , فله تأخيرها. نص عليه أحمد. وكذلك إن خشي في إخراجها ضررا في نفسه أو مال له سواها , فله تأخيرها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) فإن أخرها ليدفعها إلى من هو أحق بها , من ذي قرابة , أو ذي حاجة شديدة , فإن كان شيئا يسيرا , فلا بأس , وإن كان كثيرا , لم يجز " انتهى. وعليه؛ فالواجب أن تخرج زكاة مالك في وقتها، وأما الحج فإن تيسر لك من يقرضك إلى أول الشهر فبها ونعمت، وإلا فإنه غير لازم لك وقد سبق لك الحج والحمد لله، ومعلوم أنه لا يجوز ترك الواجب لفعل المندوب، فبادر بفريضة الزكاة التي هي قرينة الصلاة في كتاب الله، وهي أفضل من الحج، وسل الله التيسير، فإن وجود المقرض ليس بالأمر العسير. وبالنسبة لحج ابنتك، فما دامت ليس لها مال تحج به فالحج غير واجب عليها، فلتنتظر حتى يغنيها الله تعالى من فضله، وييسر لها الحج في عام آخر. وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111848 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2288 لم ينته المشروع التجاري بعد مرور أكثر من عام، فكيف تحسب الزكاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[أتى لي مبلغ من مكافأة، وهو مبلغ 30.000 جنيهاً، وكان ذلك في شهر " فبراير " الماضي 2007، وقد أعطيت هذا المبلغ لقريب لي للاشتراك في فتح صيدلية، ولكن لم يتم الانتهاء من المشروع حتى الآن لظروف لا دخل لي فيها. والسؤال: هل على هذا المبلغ زكاة مال، علماً بأنني ليس معي الآن مبلغ 750 جنيها، وإذا كان الجواب بنعم فهل مطلوب استلافهم؟ مع العلم بأنني مدين لشخص آخر بمبلغ 20.000 جنيهاً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الراجح من أقوال العلماء أن الدَّيْن لا يمنع وجوب الزكاة، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (22426) ، ورقم (83903) . وعليه، فالدَّيْن الذي عليك وهو (20.000) جنيهاً لا يُخصم من أموالك التي تجب فيها الزكاة، ولا يؤثر في وجوب الزكاة عليك. ثانياً: أما بخصوص المال الذي دفعته لقريبك لفتح مشروع تجاري وهو " صيدلية ": فإننا لا ندري عن طبيعة العقد بينك وبينه، هل هو مضاربة أم ماذا؟ ولكن بما أن هذا المشروع لم يتم بعد، فهذا المبلغ لا يخلو من الاحتمالات التالية: الأولى: أن يكون كله أو جزء منه بيد ذلك القريب لم ينفقه بعد. الثانية: أن يكون كله أو جزء منه تحوَّل إلى بضاعة (أدوية وغيرها) . الثالثة: أن يكون أُنفق منه على تجهيز المحل. فما كان من هذا المال باقياً أو تحول إلى بضاعة ففيه الزكاة، وهي ربع العشر 2.5 %، وينبغي التنبه إلى أن البضاعة تُقوم بالثمن الذي تباع به لا الذي اشتريت به. وانظر جواب السؤال رقم: (26236) . وما أنفق من هذا المال في تجهيزات الصيدلية، فلا زكاة فيه. وإذا تم شراء بعض البضاعة بالتقسيط، فينظر حصتك من هذه البضاعة ثم تخرج زكاتها. ثالثاً: من وجبت عليه الزكاة وليس عنده نقود: فإنها تبقى الزكاة في ذمته، حتى يؤديها، ويمكنك إخراج زكاة البضاعة من البضاعة نفسها، فيمكنك إعطاء بعض الأودية لفقير محتاج إليها وتحسب ذلك من الزكاة، وانظر جواب السؤال (22449) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111947 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2289 حكم من نوى بالصدقة والزكاة نماء ماله فقط [السُّؤَالُ] ـ[بعض الناس يقول: إني لا أزكي مالي أو لا أتصدق إلا بقصد نماء هذا المال والبركة فيه فما توجيهكم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا بأس بذلك، وقد نبه الله على مثل ذلك في قول نوح عليه السلام لقومه: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مُدْرَاراً) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما نقصت صدقة من مال) . وقال صلى الله عليه وسلم: (من أحب أن يُنسأ له في أثره، ويبسط له في رزقه فليصل رحمه) ، ولم يجعل الله عز وجل هذه الفوائد الدنيوية إلا ترغيباً للناس، وإذا كانوا يرغبون فيها فسوف يقصدونها، لكن من قصد الآخرة حصلت له الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ) الشورى/20، يعني نعطيه الدنيا والآخرة، أما الاقتصار في أداء العبادة على رجاء الفوائد الدنيوية فقط فلا شك أن هذا قصور في النية سببه تعظيم الدنيا ومحبتها في قلب من يفعل ذلك" انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. "لقاءات الباب المفتوح" (3/505) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112075 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2290 هل الأفضل إخراج الزكاة في رمضان؟ [السُّؤَالُ] ـ[سمعت أن إخراج الزكاة في رمضان أفضل من إخراجها في غيره من الأشهر. فهل هذا صحيح؟ وما الدليل على ذلك؟ علماً أن وقت إخراج الزكاة الأصلي قد يكون قبل أو بعد رمضان.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الزكاة إذا حال عليها الحول وجب إخراجها إلا أن تكون زكاة زروع فيجب إخراجها يوم الحصاد لقوله تعالى: {وآتوا حقه يوم حصاده} سورة الأنعام/ 141 ويجب إخراجها أول ما يحول الحول لقوله تعالى: (سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض) الحديد/21 قال ابن بطال: إن الخير ينبغي أن يبادر به فإن الآفات تعرض، والموانع تمنع، والموت لا يؤمن، والتسويف غير محمود. قال ابن حجر: وزاد غيره: وهو أخلص للذمة وأنفى للحاجة وأبعد عن المطل المذموم وأرضى للرب وأمحى للذنب " فتح الباري " (3 / 299) . ثانياً: لا يجوز تأخير الزكاة بعد حلول موعدها إلا لعذر. ثالثاً: يجوز إخراج الزكاة قبل انتهاء الحول بطريق التعجيل. وتعجّل الزكاة: أداؤها قبل موعدها بحولين فأقل. عن علي أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم: تعجَّل من العباس صدقة سنتين. رواه أبو عبيد القاسم بن سلاَّم في " الأموال " (1885) . وقال الألباني في " الإرواء " (3 / 346) : حسن. وفي رواية: عن علي أن العباس سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعجيل صدقته قبل أن تحل فرخص له في ذلك. رواه الترمذي (673) وأبو داود (1624) وابن ماجه (1795) . وصححه الشيخ أحمد شاكر في " تحقيق المسند " (822) . رابعاً: الصدقة والإحسان إلى الناس بالمال في رمضان أفضل من غيره من الشهور. عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ. رواه البخاري (6) ومسلم (2308) . قال النووي: وَفِي هَذَا الْحَدِيث فَوَائِد مِنْهَا: اِسْتِحْبَاب إِكْثَار الْجُود فِي رَمَضَان اهـ. فمن كانت زكاته في رمضان، أو بعد رمضان ولكنه أخرجها في رمضان متعجلاً ليدرك فضيلة الزكاة في رمضان فإن هذا لا بأس به. أما إن كانت زكاته تجب قبل رمضان (كشهر رجب مثلاً) فأخرها حتى يخرجها في رمضان فإن هذا لا يجوز. لأنه لا يجوز تأخير الزكاة عن وقتها إلا لعذر. خامساً: قد يعرض من الأسباب ما يجعل إخراج الزكاة في غير رمضان أفضل من إخراجها في رمضان. كما لو حدثت كارثة عامة أو مجاعة في بعض بلاد المسلمين كان إخراج الزكاة في هذا الوقت أفضل من كونها في رمضان. وكما لو كان كثير من الناس يخرجون زكاتهم في رمضان فتسد حاجات الفقراء، ثم لا يجد الفقراء من يعطيهم في غير رمضان فهنا إخراجها في غير رمضان أفضل ولو أدى ذلك إلى تأخير الزكاة عن وقتها، مراعاةً لمصلحة الفقراء. سادساً: قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: يجوز تأخير الزكاة لمصلحة الفقراء لا للضرر بهم، فمثلاً عندنا في رمضان يكثر إخراج الزكاة ويغتني الفقراء أو أكثرهم، لكن في أيام الشتاء التي لا توافق رمضان يكونون أشدّ حاجةً، ويقل من يخرج الزكاة، فهنا: يجوز تأخيرها لأن في ذلك مصلحة لمستحقها. " الشرح الممتع " (6 / 189) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 8400 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2291 لا يجوز تأخير الزكاة إلى رمضان [السُّؤَالُ] ـ[زكاة أموالي سوف تكون قبل شهر رمضان، فهل يجوز لي أن أؤخرها إلى رمضان لأن الزكاة في رمضان أفضل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا مَرَّ الحولُ على ملك النصاب وجب إخراج الزكاة على الفور، ولا يجوز تأخيرها بعد الحول مع القدرة على إخراجها. قال الله تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) آل عمران/133. وقال: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ) الحديد/21. ولأن الإنسان إذا أخرها لا يدري ما يعرض له، فقد يموت ويبقى الواجب في ذمته، وإبراء الذمة واجب. ولأن حاجة الفقراء قد تعلقت بها، فإذا أخرها بعد الحول بقي الفقراء محتاجين ولا يجدون ما يكفيهم ويسد حاجتهم. انظر الشرح الممتع (6/187) . وسئلت اللجنة الدائمة عن رجل ملك النصاب في شهر رجب ويريد إخراج الزكاة في رمضان. فأجابت اللجنة: تجب الزكاة عليك في شهر رجب من السنة التالية للسنة التي ملكت فيها النصاب. . . لكن إن رغبت في إخراجها في رمضان الذي بالسنة التي ملكت فيها النصاب تعجيلاً لها قبل أن يحول الحول جاز ذلك إذا كانت هناك حاجة ملحة لتعجيلها، أما تأخير إخراجها إلى رمضان بعد تمام الحول في رجب فهذا لا يجوز لوجوب إخراجها على الفور اهـ باختصار. فتاوى اللجنة (9/392) . وفي فتوى أخرى (9/395) : من وجبت عليه زكاة وأخرها بغير عذر مشروع أثم، لورود الأدلة من الكتاب والسنة بالمبادرة بإخراج الزكاة في وقتها اهـ وفي فتوى أخرى (9/398) : لا يجوز تأخير إخراج الزكاة بعد تمام الحول إلا لعذر شرعي، كعدم وجود الفقراء حين تمام الحول، وعدم القدرة على إيصالها إليهم، ولغيبة المال ونحو ذلك. أما تأخيرها من أجل رمضان فلا يجوز إلا إذا كانت المدة يسيرة، كأن يكون تمام الحول في النصف الثاني من شعبان فلا بأس بتأخيرها إلى رمضان اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 13981 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2292 متى يفطر الصائم [السُّؤَالُ] ـ[هل الأفضل أن أفطر بعد غروب الشمس أم أنتظر حتى يذهب الضوء من السماء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله السنَّة تعجيل الفطر وهو أن يفطر بعد غروب الشمس مباشرة، بل إن تأخيره إلى أن تشتبك النجوم من فعل اليهود وتبعهم عليه الرافضة، فلا ينبغي التأخير المتعمد حتى يمسي الصائم جدّاً، ولا أن يؤخر إلى آخر الأذان، فكل ذلك ليس من هديه صلى الله عليه وسلم. عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يزال الناس بخير ما عجَّلوا الفطر ". رواه البخاري (1856) ومسلم (1098) . قال النووي: فيه الحث على تعجيل الفطر بعد تحقق غروب الشمس , ومعناه: لا يزال أمر الأمة منتظماً وهم بخير ما داموا محافظين على هذه السنَّة , وإذا أخروه كان ذلك علامة على فسادٍ يقعون فيه " شرح مسلم " (7 / 208) . وعن ابن أبي أوفى رضي الله عنه قال: كنتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فصام حتى أمسى فقال لرجل: انزل فاجدح لي، (المراد إعداد نوع معين من الطعام ليُفطر عليه) قال: لو انتظرت حتى تمسي، قال: انزل فاجدح لي، إذا رأيت الليل قد أقبل من ها هنا فقد أفطر الصائم. رواه البخاري (1857) ومسلم (1101) . وعن أبي عطية قال: دخلت أنا ومسروق على عائشة فقلنا: يا أم المؤمنين رجلان من أصحاب محمَّد صلى الله عليه وسلم أحدهما يعجل الإفطار ويعجل الصلاة، والآخر يؤخر الإفطار ويؤخر الصلاة، قالت: أيهما الذي يعجل الإفطار ويعجل الصلاة؟ قال: قلنا: عبد الله - يعني: ابن مسعود - قالت: كذلك كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم (1099) . قال الحافظ ابن حجر: تنبيه: من البدع المنكرة ما أحدث في هذا الزمان من إيقاع الأذان الثاني قبل الفجر بنحو ثلث ساعة في رمضان , وإطفاء المصابيح التي جعلت علامة لتحريم الأكل والشرب على من يريد الصيام زعما ممن أحدثه أنه للاحتياط في العبادة ولا يعلم بذلك إلا آحاد الناس , وقد جرهم ذلك إلى أن صاروا لا يؤذنون إلا بعد الغروب بدرجة لتمكين الوقت - زعموا - فأخروا الفطر وعجلوا السحور وخالفوا السنَّة , فلذلك قل عنهم الخير وكثُر فيهم الشر, والله المستعان. " فتح الباري " (4 / 199) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 12470 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2293 كيف يزكي من له ديون وتجارة وعليه ديون؟ [السُّؤَالُ] ـ[علي دين للبنك وهو تمويل إسلامي وقد أخرجته لغرض التجارة وقد خسرت ثلاثة أرباع هذا التمويل، الربع الباقي باقي على شكل دين عند صاحبي واستلفت مبلغا آخر من شخص شغلته في التجارة (اشتريت معدة من المعدات الثقيلة لغرض بيعها ومر عام كامل ولم تبع) فكم زكاتي التي يجب أن أخرجها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: من ملك مالاً تجب زكاته، وكان عليه دَيْن، فالزكاة واجبة عليه، ولا أثر لهذا الدَّيْن، وهو مذهب الإمام الشافعي رحمه الله؛ لعموم الأدلة الدالة على وجوب الزكاة على من ملك نصاباً، ولأن النبي صلى الله عليه ومسلم كان يرسل عماله لقبض الزكاة ولا يأمرهم بالاستفصال هل على أصحاب الأموال ديون أو لا؟ ولأن الزكاة تتعلق بعين المال، والدين يتعلق بالذمة، فلا يمنع أحدهما الآخر. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " وأما الدين الذي عليه فلا يمنع الزكاة في أصح أقوال أهل العلم " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (14/189) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والذي أرجحه أن الزكاة واجبة مطلقا، ولو كان عليه دين ينقص النصاب، إلا دَيْناً وجب قبل حلول الزكاة فيجب أداؤه، ثم يزكي ما بقي بعده " انتهى من "الشرح الممتع" (6/39) . وينظر: "المجموع" (5/317) ، "نهاية المحتاج" (3/133) ، "الموسوعة الفقهية" (23/247) . ثانيا: الدين الذي للإنسان على غيره، فيه تفصيل عند الفقهاء: أ - إن كان الدين على غني قادر على السداد، باذلٍ للدَّيْن، أي يمكن استيفاء الدين منه عند طلبه، فتجب زكاته، كل سنة، ويجوز أن يؤخر إخراج الزكاة حتى يقبض المال، فإن قبضه زكاة لما مرَّ من السنين. ب- وإن كان الدين على فقير أو جاحد للدين ولا بينة تُثبته، فهذا لا زكاة فيه، والأحوط لصاحب المال: أن يزكيه إذا قبضه، لسنة واحدة، وهو مذهب المالكية. وينظر: "المغني" (2/345) ، "الموسوعة الفقهية" (23/238) . ثالثا: من اشترى شيئا بنية التجارة، وحال عليه الحول، وهو بالغ نصابا بنفسه أو بما ينضم إليه من نقود أخرى، وجب أن يزكيه زكاة التجارة، فيقومّه في نهاية الحول، حسب سعر السوق، ويخرج ربع العشر من قيمته. وينظر جواب السؤال رقم (26236) ورقم (42072) . والحاصل: أنك تنظر فيما في يدك من المال، وفيما لك عند صديقك، وفي قيمة الآلة المعدة للبيع، فتزكي الجميع – إذا توفرت الشروط السابقة - دون نظر إلى الدَّيْن الذي عليك. ونسأل الله تعالى أن يقضي دينك، ويخلف عليك، ويزيدك من فضله، ويعينك به على طاعته. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106434 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2294 أودع والدهم مالا في مصرف أجنبي ووضعه المصرف في أسهم [السُّؤَالُ] ـ[كان أبي يضع أمواله في بنك أوربي من سنة 1978 وتوفي سنة 1993 وفي عام 2005 سافرت أنا وأمي إلى البنك فرفضوا إطلاعنا على الرصيد، أو السحب منه، لكن أعطونا جزءاً منه لتكاليف الإقامة والسفر. وطلب منا المصرف أوراق الفريضة الشرعية لتوزيع المال على الورثة. وعدنا مرة أخرى عام 2006 وتبين أن المصرف باسمه القديم أغلق ودخل تحت اسم جديد (المجموعة العالمية للمصارف الأمريكيةAIG) . ووجدنا أن نظام استثماراته في شراء أسهم بأموال أصحاب الحسابات، في شركات التأمين، والأدوية، والألبان، والمثلجات، ومياه الشرب، وشراء الأراضي وبيعها، والاستثمار في بعض المصارف الأخرى، وذلك مبين في الأوراق التي يعطونها نهاية كل عام، والتي تبين كم أخذ من حسابك وكم رجع لك من الأرباح. والأموال مقسمة لتوضح في أي الشركات وأي الأنشطة التي دخل فيها. لكن لا يمكننا معرفة رأس المال الذي وضعه أبي، وأقصى حد لمعرفة الرصيد هو في سنة 1996. وقد يعطي البنك قروضاً ربوية بفائدة 1% في حالات استثنائية، لكنهم قالوا هذه الفائدة يأخذها أصحاب البنك وليس أصحاب الحسابات. وقد لا أستطيع أخذ المال مرة واحدة والرجوع به إلى بلدي، فما رأيكم في هذه الأموال؟ وأنا قادر علي أخذ الأموال المتحصلة من مجالات الأغذية وغيرها وترك ما فيه شبهة حسب ما هو مبين في الأوراق التي يعطيها المصرف؟ وأعلمونى كيفية إخراج الزكاة عن تلك الفترة الماضية؟ وهل أخرج الزكاة عن كل مبلغ آخذه كل مرة أم على العوائد السنوية؟ وإن كنت أخذت منه عامين متتالين في أشهر مختلفة، وأنا أريد التطهر من المال الذي فيه شبهة فهل أعطيه للفقراء أم لبناء المساجد أم لمساعدة الشباب العاطل وفتح مشاريع لهم وللناس الذين عليهم ديون ولهم وظائف؟ وهل تحسب الزكاة على هذه الأموال المخرجة أم لا؟ ملاحظة: نظام المصرف علي الربح والخسارة (balanced strategy) أي غير محدد بقيمة ثابتة للربح وقال لي أيضا عند إعلان إفلاسه أنك لا تخسر أموالك. وهذا في الأغلب لا يحدث.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا يجوز وضع المال في البنك الربوي، إلا لضرورة حفظه عند عدم وجود بنك الإسلامي. والبنك الربوي لا تنفك معاملاته عن الحرام، إما بالإقراض بالربا ولو بنسبة 1%، أو الاستثمار في الشركات المحرمة كالتأمين، أو الشركات التي تتعامل بالحرام، أو المضاربة في مال العملاء مع ضمان رأس المال، وغير ذلك مما حرمه الله، لأنه لم يؤسس على التقوى، وإنما أسس لجمع المال بأي طريقة. ولهذا يجب سحب المال من هذا البنك، والاجتهاد في ذلك، وعدم التراخي فيه. ثانيا: نرى أن تأخذ جميع المال الموجود في البنك، ثم تتخلص من الجزء المحرم، وهو ما نتج عن الدخول في أسهم شركات التأمين، وما نتج عن الاستثمار في البنوك الأخرى، ولك الانتفاع برأس المال الذي وضع في هاتين الجهتين. والتخلص من المال يكون بصرفه في أوجه البر المختلفة، فيجوز إعطاؤه للفقراء، أو لمساعدة الشباب العاطل، أو في سداد ديونهم أو في بناء مسجد. ولا زكاة في هذا المال، لأنه مال حرام، ولهذا وجب التخلص منه. ثالثا: الذي يظهر _ والله أعلم _ أن هذا المال لا زكاة فيه، لأنك لا تملكه ملكاً كاملاً، فلا تستطيع التصرف فيه، أو السحب منه، أو تحويله، أو حتى معرفة قدره. والأحوط لك: أن ما تقبضه من الأموال من البنك تخرج زكاته عن عام واحد فقط، أي تخرج منه 2.5%. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106606 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2295 زكاة العملات إن جمعت على سبيل الهواية [السُّؤَالُ] ـ[لدي هواية جمع العملات من عدة دول مختلفة، وأنا أحتفظ بها أكثر من 4 سنوات وسمعت أنه يجب أن أقوم بدفع الزكاة، وأنا لم أدفع شيئاً حتى الآن من الزكاة - علماً بأن مجموعها قرابة الألف -، فكيف أزكي تلك العملات؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لم تبين في سؤالك هل ما جمعته من العملات القديمة، أو الحديثة التي لا يزال الناس يتعاملون بها؟ . والعملات لا تخلو من حالتين: الحال الأولى: أن تكون العملات التي جمعتها قديمة، وقد انتهى التعامل بها، فهذه نوعان: 1. أن تكون العملة من الذهب والفضة، فهذه تجب فيها الزكاة إذا كانت نصاباً بنفسها، أو كان عندك من الذهب أو الفضة ما يكمل النصاب، فتزكيها كل سنة. ونصاب الذهب 85 جراما ونصاب الفضة 595 جراما. 2. أن تكون العملة من غير الذهب والفضة، وقد انتهى التعامل بها الآن، فهذه لا تجب فيها الزكاة؛ لأنها فقدت قيمتها النقدية. الحال الثانية: أن تكون العملات التي جمعتها هي عملات قائمة الآن ومتداولة، فهذه فيها الزكاة سواء كانت من ذهب أو فضة، أو كانت من الأوراق النقدية المعروفة أو من المعادن إذا بلغت نصابا، وسبق بيان نصاب الذهب والفضة، أما نصاب النقود فهو إذا بلغت النقود قيمة نصاب الذهب أو الفضة أيهما أقل. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: لي قريب كان لديه هواية في جمع العملات الأجنبية قديماً , وانقطع عنها , فهل يزكي عنها أم لا؟ وإذا كانت هذه العملات قد مضى عليها الزمن ولا يتعامل بها , فما الحكم؟ فأجاب: " إذا كان اتخذها على سبيل التجارة أي: يتكسب فيها , فيشتري هذه العملة بـ (10) ثم يبيعها بعد ذلك بـ (20) ، فهذه عروض تجارة , تقدر قيمتها عند تمام الحول، ويخرج ربع العشر، وأما إذا كان مجرد هواية واقتناء فإن بقيت ماليتها أي: مالية هذه النقود , فهي على قيمتها تزكى قيمتها , وإن أبطلت وانتهى التعامل بها، فلا شيء فيها " انتهى. فعلى هذا، إذا كانت هذه العملات التي معك هي من الذهب أو الفضة، أو كانت يتعامل بها الآن ففيها الزكاة، وعليك الاجتهاد في تقويمها لكل سنة مضت وإخراج الزكاة، وهو ربع العشر. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106284 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2296 أعطاه الزكاة ثم أهداها الفقير إليه، فهل يقبلها؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا أعطى الرجل زكاته لمن يستحقها ثم أهداها له مَنْ أخذها فهل يقبلها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " إذا أعطى الرجل زكاته من يستحقها ثم أهداها له، فلا بأس بذلك إذا لم يكن بينهما مواطأة، والأحوط أن لا يقبلها " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/472) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105288 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2297 زكاة المال المتوفر من قرض الصندوق العقاري [السُّؤَالُ] ـ[اقترض رجل فقير من صندوق التنمية العقاري لإقامة مبنى سكن، وبعد أن نفذ المبنى وسكن فيه توفر لديه زيادة من القرض، بعد ذلك أنفق هذا المبلغ الزائد معه في تجارة، ويسدد هذا الرجل أقساط البنك من المتوفر من هذا المبلغ، فهل تجب عليه الزكاة في هذا المال، وهل يعتبر هذا المال ملكاً له أم للدولة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " هذا المال يعتبر ملكاً له، حكمه حكم سائر ماله، وتجب فيه الزكاة إذا تم حوله بعد قبضه من البنك إذا كان نصاباً بنفسه، أو مع ما لديه من المال بأرباحه. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ عبد الرازق عفيفي.. الشيخ عبد الله بن غديان.. الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (9/316) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105293 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2298 الزكاة تجب على المقرض لا على المقترض [السُّؤَالُ] ـ[أخذت من رجل مبلغاً وقدره خمسة آلاف، ولما أخذتها وقضيت بها حاجتي قال لي: عليك زكاة المال الذي أخذته مني، فقلت له: إنه لا يجوز أن أزكيها. فقال لي: أعدها إليّ كي أزكيها أنا، ولكن لم أجدها في ذلك الوقت فاضطررت أن أخرج زكاتها، فهل في هذه الحالة يلزمني شيء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " ما فعله هذا الرجل محرم من وجهين: الوجه الأول: أنه طلب زيادة عن القرض، والقرض لا يجوز أخذ الزيادة أو المنفعة عليه من المقرض؛ لأنه عقد إرفاق يقصد به الثواب والأجر، فلا يجوز للمقرض أن يأخذ من المقترض زيادة على القرض وأن يفرضها عليه فرضاً أو يشترطها عليه اشتراطاً؛ لأن هذا يكون من الربا، بل هو من أعظم الربا، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (كل قرض جر نفعاً فهو ربا) . والحديث وإن كان فيه مقال؛ ولكن إجماع أهل العلم على ذلك، أن المقرض لا يجوز أن ينتفع من مال المقترض بسبب القرض. فهذا الذي فعله هذا الرجل يكون ربا، وعلى هذا الرجل أن يتوب إلى الله وأن يرد هذه الزيادة التي أخذها منك وفرضها عليك. الوجه الثاني: أن زكاة المال إنما تجب على المالك ولا تجب على غيره، فإلزامه إياك بدفع الزكاة لا يبرئ ذمته منها؛ لأن الزكاة واجبة على صاحب الدين، ودفعها مطلوب منه " انتهى. "المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (2/304) . "مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (2/505) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105300 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2299 يسأل عن قدر الزكاة وهل ينقلها إلى بلد إسلامية؟ [السُّؤَالُ] ـ[أود أن أعرف ما هي القيمة التي يجب إخراجها بعد حلول العام على ألف أويرو (1000صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) وهل أستطيع أن أخرجها في بلاد إسلامية أم في البلاد التي أقيم فيها؟ وهل أستطيع أن أعطيها لشخص هو بحاجة لمال لبناء دار؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المبلغ الذي يجب عليك إخراجه من (1000) يورو هو اثنان ونصف بالمائة (ربع العشر) ، أي: 25 يورو. أما عن مكان إخراج الزكاة، فالأصل أنها تخرج على فقراء البلد الذي فيه المال، ولا حرج من نقلها إلى بلد آخر إذا كان ذلك لمصلحة شرعية، كما لو كانوا أشد حاجة من أهل البلد الأول، أو كانوا أقارب للمزكي. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (43146) . وأما إعطاء الزكاة لمن يبني بها بيتاً، فقد سبق في جواب السؤال (111884) أن المسألة من مسائل الاجتهاد، وذكرنا اختيار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أن لا يشتري للفقير بيتاً من أموال الزكاة، وإنما يستأجر له. وإذا كان الرجل عنده الأرض التي يبني عليها، أو بدأ بالبناء بالفعل، ولكن ما معه من الأموال لم يكف فإعطاء مثل هذا من الزكاة أقوى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 104491 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2300 المال المستثمر يزكى مع ربحه عند حولان الحول على أصل المال [السُّؤَالُ] ـ[لدي أموال وضعتها عند صديق لي لتشغيلها ويعطيني أرباحا نصف سنوية فكيف أدفع زكاتها؟ ولدي أيضا مبلغ من المال وضعته في حساب توفير في بنك إسلامي فكيف أحسب زكاة ماله أيضا؟ هل أعطي زكاة على أرباح الأموال المذكورة أم أعطي للمال كاملا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من ملك نصابا من المال وحال عليه الحول، وجب عليه أن يزكيه، والنصاب ما يعادل 85 جراما من الذهب أو 595 جراما من الفضة، والقدر الواجب إخراجه هو ربع العشر. وإذا كان هذا المال مستثمرا، في شركة مع صديق أو في بنك إسلامي، ونتج من ذلك ربح، فإن الربح يزكى مع أصل المال، وحوله هو حول أصل المال. قال ابن قدامة رحمه الله في المال الناتج من ربح التجارة: "فهذا يجب ضمه إلى ما عنده من أصله , فيعتبر حوله بحوله. لا نعلم فيه خلافا " انتهى من "المغني" (2/258) . وعليه؛ فإذا كان لديك عشرة آلاف مثلا، وحولها في رمضان، فإنه إذا جاء رمضان، وجب أن تزكي جميع ما لديك من رأس المال، والربح الحاصل إلى رمضان، ويمكن معرفة هذا الربح في وقت إخراج الزكاة بسؤال البنك أو الشريك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103746 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2301 مصير مانع الزكاة إذا مات [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من شهد أن لا إله إلا الله وأقام الصلاة ولم يؤت الزكاة ولم يرض بذلك؟ ما حكمه في الإسلام إن مات أيصلى عليه أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الزكاة ركن من أركان الإسلام فمن تركها جحدا لوجوبها يبين له حكمها فإن أصر كفر ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين أما إن كان تركها بخلا وهو يؤمن بوجوبها فهو عاص معصية كبيرة وفاسق بذلك ولكن لا يكفر يغسل ويصلى عليه إذا مات على الحال وأمره إلى يوم القيامة. [الْمَصْدَرُ] فتاوى الجنة الدائمة 9/184 الحديث: 1344 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2302 هل يزكي مصروفه الذي يعطيه إياه والده؟ [السُّؤَالُ] ـ[لا أزال في مرحلة الدراسة، ووالدي هو الذي يصرف علي، وبما أن مصاريفي ليست كثيرة فإنني - والحمد لله - لا أذكر أن محفظتي قد خلت من المال منذ فترة، أظن أنه مر أكثر من سنة، لا أذكر بالتحديد، وهذا المال الذي لدي يزيد وينقص خلال الحول، ووالدي يزودني بالمال بين فترة وأخرى، فأحياناً يكون لدي مبلغ يساوي أقل من (1000) ريال سعودي، وأحياناً أخرى يكون لدي ما يساوي (5000) وأكثر، فهل علي أن أدفع زكاة عن مصروفي هذا؟ علماً أن أبي لا يزودني بمبلغ معين، ولا وفي وقت معين. سؤالي الآن: إذا كانت تجب الزكاة: 1- فكيف أحسبها؟ وهل لي أن أعطيها لبيت الزكاة؟ 2- وسؤال آخر: ما هو المبلغ المالي الذي يبلغ النصاب وتجب به الزكاة بعد مرور الحول؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: تجب الزكاة في الأوراق النقدية على من ملك نصاباً ملكاً تاماً، ومَرَّ عليه سنه هجرية كاملة. والمصروف الذي يعطيه الوالد لولده. يملكه ملكاً تاماً، ويتصرف فيه كيفما يشاء، فتجب فيه الزكاة. ثانياً: من المعلوم أن هذه الأوراق النقدية لم تكن موجودة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال العلماء بوجوب الزكاة فيها قياساً لها على الذهب والفضة. ونصاب الذهب 85 جراماً، ونصاب الفضة 595 جراماً. فإذا بلغت النقود قيمة نصاب الذهب، أو قيمة نصاب الفضة، فقد بلغت النصاب. ونظراً لأن الفضة الآن هي الأقل ثمناً فيكون تقدير نصاب النقود بنصاب الفضة. لأنه أحوط وأنفع للفقراء. وحسب أسعار الفضة اليوم 12 من ربيع الآخر عام 1428هـ. الموافق 29 من إبريل عام 2007م، فإن نصاب الأوراق النقدية هو 1093 ريالاً سعوديًّا تقريباً. فإذا امتلكت هذا القدر من النقود ومرَّت عليه سنة هجرية كاملة لم ينقص فيها عن هذا القدر، وجبت عليه الزكاة، وهي 2.5 بالمائة. أما إذا نقصت النقود عن التي معك عن النصاب أثناء الحول، فلا تجب فيها الزكاة، حتى تبلغ النصاب مرة أخرى، وتبدأ في حساب سنة جديدة من حين بلوغه النصاب. وإذا كان مقدار نقص النقود عن النصاب يسيراً، فإن الأحوط لك إخراج الزكاة، استمرار حساب الحول، وذلك لاختلاف سعر الفضة وعدم ثباته على مدار العام. ولا يفوتنا الثناء على حرصك واهتمامك بأمر الزكاة، رغم أنك تتحدث عن مصروف تأخذه من والدك، إلا أنك راعيت حق الله تعالى فيه، وسألت عن حكمه وشرعه، في حين يغفل – أو يتغافل – كثير من الأثرياء عن هذا الركن من أركان الإسلام، فلا يعرف لله حقا في ماله، ولا يبذل منه القليل ولا الكثير، ويقضي أيامه في الجمع والكنز والطمع والشجع، فإذا وافاه الحساب يوم القيامة كانت أمواله حسرة وندامة. قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ. يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ) التوبة/34-35 نسأل الله أن يبارك لك في مالك، ويرزقك الرزق الواسع الطيب. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 100570 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2303 دفع إليه الزكاة بشرط أن يردها عليه عن دينه [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لصاحب الدين أن يدفع الزكاة للمدين بشرط أن يردها إليه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز للإنسان أن يدفع الزكاة لمن كان مديناً له، ولا يستطيع السداد، بشرط أن لا يشترط عليه أن يردها إليه. قال النووي رحمه الله في "المجموع" (6/198) : " أَمَّا إذَا دَفَعَ الزَّكَاةَ إلَيْهِ بِشَرْطِ أَنْ يَرُدَّهَا إلَيْهِ عَنْ دَيْنِهِ فَلَا يَصِحُّ الدَّفْعُ وَلَا تَسْقُطُ الزَّكَاةُ بِالِاتِّفَاقِ " انتهى. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجوز لصاحب الدين دفع الزكاة للفقير المدين بشرط أن يردها للدافع وفاءً لدينه؟ فأجاب: " لو كان لك مدين فقير، ودفعت إليه زكاتك، فلا بأس ولا حرج حتى لو ردها عليك فيما بعد، فلا حرج، لكن تشترط عليه ذلك لا يجوز؛ لأنك إذا فعلت هذا فقد علمنا أنك إنما تريد بهذا العمل أن تسترد مالك الذي في ذمة الفقير، والزكاة لا يجوز أن يحابي فيها الإنسان أحداً لا نفسه ولا غيره " انتهى. "مجموع فتاوى" (18/378) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 99796 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2304 لم يخرج الزكاة جهلا والآن نقص المال [السُّؤَالُ] ـ[أسكن في بيت ملك لي وراتبي لا يكفيني، ولكن من الله علي من فضله وتعلمت مهنة اللحام وقدر الله لي رزقا من غير الوظيفة التي أعمل بها، فجمعت منها مبلغا قدره تسعة ملايين دينارا ومر عليه أكثر من عام، وحين سألت عن الزكاة، قال لي إخوة ليسوا من أهل العلم إن الزكاة غير واجبة عليك وإن البيت الذي تسكن به غير كامل ويحتاج بعض المال لتكملته. وقدر الله أن أنقطع عن العمل بسبب أعمال الاقتتال الطائفي في العراق، وقمت بالصرف من هذا المبلغ الذي جمعته، مرت أشهر وأيام وأصبح المبلغ خمسة ملايين دينار عراقي. سؤالي هو: هل المال المتبقي عليه زكاة؟ فان كان كذلك فكم هي الزكاة الواجب علي إخراجها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من ملك نصابا وحال عليه الحول، وجب عليه إخراج زكاته، ولو كان يعُدّ المال لحج أو زواج أو بناء مسكن أو غير ذلك. والنصاب ما يعادل 85 جراما من الذهب، أو 595 جراما من الفضة. وعليه؛ فكان يجب عليك بعد مرور الحول (وهو عام هجري) أن تخرج زكاة المال الذي معك، وقد أخطأت في الاعتماد على قول أصحابك، وأخطئوا هم في الفتوى بغير علم. والزكاة التي لم تخرجها تبقى ديناً في ذمتك، فيلزمك إخراجها الآن، مع التوبة إلى الله تعالى من تأخيرها. والقدر الواجب إخراجه هو ربع العشر (2.5%) ، أي في كل ألف 25. فزكاة الـ (تسعة ملايين) هي: (225000) مائتان وخمسة وعشرون ألف دينار. وإذا انتهى الحول الجديد، نظرت فيما تبقى معك من المال، فإن كان بالغا النصاب، لزمك إخراج زكاته. وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عمن ترك إخراج الزكاة لمدة خمس سنوات جهلا منه. فأجاب: " عليك الزكاة عن جميع الأعوام السابقة، وجهلك لا يسقطها عنك؛ لأن فرض الزكاة أمر معلوم من الدين بالضرورة، والحكم لا يخفى على المسلمين، والزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام، والواجب عليك المبادرة بإخراج الزكاة عن جميع الأعوام السابقة، مع التوبة إلى الله سبحانه من التأخير، عفا الله عنا وعنك وعن كل مسلم. والله الموفق " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (14/239) . والحاصل: أن زكاة الحول الماضي واجبة عليك، ويلزمك إخراجها لأنها استقرت في ذمتك، ولا عبرة بنقص المال الآن. ولمعرفة مصارف الزكاة راجع جواب السؤال رقم (46209) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 99684 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2305 زكاة الفطر عن الزوجة المطلقة طلاقاً رجعياً [السُّؤَالُ] ـ[امرأة طلقها زوجها طلقة واحدة، فهل يجب عليه أن يُخرج زكاة الفطر عنها؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: زكاة الفطر تجب على الإنسان، وعلى من تلزمه نفقته، كالزوجة، والابن، وغيرهما؛ لما روى الدارقطني والبيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أدوا صدقة الفطر عمن تمونون) ، ولكنه حديث ضعيف، ضعفه الدارقطني والبيهقي والنووي وابن حجر وغيرهم. انظر: "المجموع" (6 / 113) ، و "تلخيص الحبير" (2 / 771) . قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: " زكاة الفطر تلزم الإنسان عن نفسه وعن كل من تجب عليه نفقته ومنهم الزوجة، لوجوب نفقتها عليه " انتهى. " فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء " (9 / 367) . ثانياً: المرأة إذا طُلقت طلاقاً رجعياً، فهي في حكم الزوجات لها ما لهن من النفقة والسكنى، ما دامت في العدة، والفطرة تتبع النفقة، فما دام أن نفقة الرجعية على الزوج، فكذلك الفطرة عليه. قال النووي في " المجموع " (6 / 74) : " قَالَ أَصْحَابُنَا: تَجِبُ عَلَيْهِ فِطْرَةُ زَوْجَتِهِ الرَّجْعِيَّةِ كَنَفَقَتِهَا " انتهى. وقال ابن يوسف المواق من المالكية في " التاج والإكليل " (3 / 265) : " لَوْ طَلَّقَ الْمَدْخُولَ بِهَا طَلْقَةً رَجْعِيَّةً لَزِمَهُ النَّفَقَةُ عَلَيْهَا وَأَدَاءُ الْفِطْرِ عَنْهَا " انتهى بتصرف. وذهب بعض العلماء إلى أن الزوج لا يلزمه إخراج زكاة الفطر عن زوجته، بل ذلك واجب عليها هي، وهو مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله، واختاره الشيخ ابن عثيمين، وانظر جواب السؤال (99353) . وينبغي للزوج أن يأخذ بالأحوط والأبرأ لذمته، فيخرج زكاة الفطر عن مطلقته الرجعية، ولا سيما وزكاة الفطر شيء يسير، لا يشق على الزوج إخراجه في الغالب. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 99585 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2306 زكاة المال المرهون [السُّؤَالُ] ـ[اقترضت مبلغاً من المال، ورهنت بعض الذهب عند صاحب المال مقابل هذا القرض، فهل يجب علي إخراج زكاة الذهب؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان هذا الذهب يبلغ نصاباً، أو عندك ذهب آخر إذا انضم إليه بلغ النصاب، وجبت فيه الزكاة إذا حال عليه الحول، وكونه مرهونا ًمقابل الدين لا يمنع وجوب الزكاة فيه؛ لأنك تملكه ملكاً تاماً. قال النووي رحمه الله في " المجموع " (5/318) : " لو رهن ماشية أو غيرها من أموال الزكاة، وحال الحول وجبت فيها الزكاة؛ لتمام الملك " انتهى بتصرف. وقال الشيخ منصور البهوتي رحمه الله: " وَتَجِبُ الزكاة أيضا في .... َمَرْهُون وَيُخْرِجهَا الرَّاهِنُ مِنْهُ أَيْ: مِنْ الْمَرْهُونِ إنْ أَذِنَ لَهُ الْمُرْتَهِنُ " انتهى. " كشاف القناع عن متن الإقناع " (2 / 175) . والراهن هو صاحب الرهن (المقترض) ، والمرتهن: المقرض. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل تجب الزكاة في المال المرهون؟ . فأجاب رحمه الله: " المال المرهون تجب الزكاة فيه إذا كان مالاً زكوياً، لكن يخرجها الراهن منها إذا وافق المرتهن، مثال ذلك: رجل رهن ماشية من الغنم ـ والماشية مال زكوي ـ رهنها عند إنسان، فالزكاة فيها واجبة لابد منها؛ لأن الرهن لا يسقط الزكاة، ويخرج الزكاة منها، لكن بإذن المرتهن " انتهى. " مجموع فتاوى ابن عثيمين " (18 / 34) . فإن لم يأذن المقرض بإخراج الزكاة من الرهن، فإما أن يخرجها المقترض من مال آخر – إن كان عنده – أو ينتظر حتى يفك الرهن ثم يخرج الزكاة عن السنوات الماضية كلها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 99311 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2307 يجب على السجين أن يخرج زكاة ماله [السُّؤَالُ] ـ[لو حبس إنسان، وكان له مال، فهل يلزمه أن يخرج الزكاة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] من حُبس عن ماله بأن كان أسيراً أو مسجوناً، فإن الزكاة تجب عليه؛ لأنه مالك للمال. قال ابن قدامة رحمه الله في " المغني " (4 / 275) : " وإن أُسِر المالك لم تسقط عنه الزكاة، سواء حِيل بينه وبين ماله، أو لم يُحل؛ لأن تصرفه في ماله نافذ، يصح بيعه، وهبته، وتوكيله فيه ". وقال النووي رحمه الله في " المجموع " (5 / 316) : " إذا أُسر رب المال، وحيل بينه وبين ماشيته، ففي المسألة خلاف؟ الأصح وجوب الزكاة؛ لنفوذ تصرفه. قال أصحابنا: وسواء كان أسيراً عند كفارٍ أو مسلمين " انتهى بتصرف. وقال البهوتي رحمه الله في " كشاف القناع " (2 / 176) : " ولو أسر رب المال أو حبس ومنع من التصرف في ماله لم تسقط زكاته؛ لعدم زوال ملكه عنه ". والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 99257 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2308 المال غير الموثوق بحصوله ليس فيه زكاة [السُّؤَالُ] ـ[نفيدكم علما بأننا موظفون في إحدى شركات البترول في السعودية، وقد تم ابتعاثنا إلى الخارج لمدة ثلاث سنوات، وبعد عودتنا من الابتعاث بخمس سنوات علمنا أنه لنا مستحقات بدل سكن عن سنوات الابتعاث، فتقدمنا بشكوى إلى المسئولين، ونحن في شك من صرفها لنا، وبعد سنة من تقديم الشكوى تم صرفها، فهل على هذه المستحقات زكاة؟ وإذا كان هناك زكاة فهل تكون مدتها منذ عودتنا من الابتعاث حتى الآن وهي ست سنوات، أم تكون على سنة واحدة فقط وهي السنة التي تقدمنا فيها بالشكوى، واستلمنا في نهايتها المستحقات؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " إذا كان الواقع هو كما ذكرتم في السؤال فليس عليكم زكاة؛ لأن هذا المال غير موثوق بحصوله، فهو يشبه الدين على المعسر، والصحيح أنه لا تجب فيه زكاة حتى يقبضه صاحبه ويستقبل به حولا جديداً ... فهكذا المال الذي ذكرتم ليس فيه زكاة إلا إذا حال عليه الحول بعد القبض " انتهى. " مجموع فتاوى ابن باز " (14 / 39) . وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء: " إذا كان المدين معسرا أو كان مليئا لكنه مماطل ولا يمكن للدائن استخلاص دينه منه، إما لكونه لا يجد لديه من الإثبات ما يستخلص به حقّه لدى الحاكم، أو لديه الإثبات لكن لا يجد من وليّ الأمر ما يساعده على تخليص حقه، كما في بعض الدول التي لا نصرة فيها للحقوق فلا تجب الزكاة على الدائن حتى يقبض دينه ويستقبل به حولاً (أي تمر عليه سنة هجرية والمال عنده) . وأما إذا كان المدين مليئا ويمكن استخلاص الدين منه فالزكاة واجبة على الدائن كلما حال الحول، وكان الدَّين نصابا بنفسه أو بضمّه إلى غيره من النقود ونحوها ". "فتاوى اللجنة الدائمة " (9/191) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 99033 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2309 المدين إذا أُعطي من الزكاة فإنه يصرفه في سداد دينه [السُّؤَالُ] ـ[عليّ ديون، وأخذ من الزكاة لسدادها، فهل يجوز لي أن أؤجل سداد الديون، وأشتري بهذا المال أشياء أحتاج إليها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا أُعطي المدين من الزكاة لأجل سداد دينه، فإنه لا يصرفه في غير الدين؛ لأنه إنما أُعطي لأجل أن يسدد دينه لا أن يتملكه لنفسه. قال البهوتي في "كشاف القناع" (2/283) : " وَإِذَا دُفِعَ للغارم (المدين) مَا يَقْضِي بِهِ دَيْنَهُ , لَمْ يَجُزْ لَهُ صَرْفُهُ فِي غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا ; لِأَنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُ أَخْذًا مُرَاعًى " انتهى. أي: أخذه لسبب معين، وهو سداد الدين، فلا يصرفه في غيره. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97252 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2310 الاختلاف بين الزوجين في المسائل الخلافية [السُّؤَالُ] ـ[كيف يكون التصرف في حال أراد أحد الزوجين القيام بشيء فيه خلاف بين الفقهاء، وكان كل منهما يؤيد فتوى مختلفة عن الآخر؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب على الزوجة طاعة زوجها إلا أن يكون في ذلك في معصية، أو فيما يضرها، أو يضيع حقوقها، فإنها لا تطيعه. وأما المسائل الخلافية التي تكون بين العلماء ويكون للزوجة فيها ترجيح يختلف عن ترجيح الزوج فيأمرها بخلاف ترجيحها واعتقادها: فإن هذا يختلف باختلاف المسألة نفسها: 1. فإن كانت تتعلق بعبادتها – الواجبة أو المستحبة - من حيث الحكم أو الكيفية، وكان ذلك لا يؤثِّر على الزوج في تضييع حقوقه، ولم يكن في فعلها إساءة له: فلا يجب عليها أن تفعل ما ليست مقتنعة به إن أمرها زوجها أن تفعله، ومثال ذلك: زكاة الذهب، فإن كانت تعتقد وجوب زكاة الذهب ولو اتخذ للزينة – كما هو الراجح -: فإنه ليس من حق الزوج أن تطيعه في عدم إخراج زكاة ذهبها ـ من مالها ـ إن كان يرى هو أنه لا زكاة واجبة على ذهب الزينة. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: بعض الأزواج يمنع زوجته من إخراج زكاة حليها بناءً على القول الثاني الضعيف - الذي أشرنا إليه آنفاً -، وهذا حرام عليه، لا يحل للزوج، ولا للأب، ولا للأخ أن يمنع أحداً يريد أن يزكي ماله، وعلى الزوجة أن تعصي زوجها بهذا، وأن تخرج الزكاة رغماً على أنفه؛ لأن طاعة الله أولى من طاعة الزوج، وقضاء الله أحق، وشرط الله أوثق، وزوجها لا ينجيها يوم القيامة من عذاب الله عز وجل، فتقول للزوج - مثلاً - إذا قال: هذه مسألة خلافية، وأنا ما أعتقد الوجوب، تقول: أنت لك اعتقادك، وأنا لي اعتقادي، أنا لا يمكن أن أترك الزكاة، وأنا يترجح عندي أنها واجبة، وفي هذه الحال يجب أن تعصيه طاعة لله عز وجل، فإذا قالت: أخشى أن يغضب: فلنا عن ذلك جوابان: أحدهما: أن نقول: وليكن ذلك؛ لأن غضبه في رضى الله ليس بشيء. والجواب الثاني: أن نقول: تداريه، يعني: أخرجي الزكاة من حيث لا يعلم، وبهذا تؤدين الزكاة الواجبة عليك وتسلمين من غضب الزوج وتنكيده عليك. لكن نحن من هنا نخاطب الأزواج نقول لهم: اتقوا الله! ما دامت الزوجة ترى الوجوب لا يحل لكم أن تمنعوها من أداء الواجب، وكذلك الأب لو قال لابنته: لا تخرجي الزكاة أنا ما أرى وجوبها: فإنها لها الحق أن تقول: لا سمع ولا طاعة، السمع والطاعة لله ولرسوله، قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق، لكن إذا خافت أن يغضب - لأن بعض الناس عقله ضعيف، ودينه ضعيف -: فإنها تداريه، وتُخرج بدون علمه. جلسات رمضانية لعام 1412هـ السؤال رقم (5) . ومثله أيضاً: ما يتعلق بكيفية الصلاة كالنزول على اليدين أو الركبتين، أو القبض بعد الركوع وعدمه، فإن مثل هذه المسائل لا تُلزم الزوجة برأي زوجها وترجيحها إن كانت تخالفه إلا أن ترى أن هذا يسعها، أو تقتنع برأيه وترجيحه. 2. وإن كانت المسألة تتعلق بعبادة أو طاعة من النوافل تؤثر على حقوقه: فلا يجوز لها فعلها، بل قد نهيت عن ذلك، كما هو الحال في صيام التطوع دون إذنه، وكما لو خرجت من بيتها لصلة رحم أو زيارة مباحة دون إذنه؛ لأن في أفعالها تلك تضييعاً لحقوقه، وهي غير آثمة بتركها، بل تؤجر على طاعة ربها في إعطاء زوجها حقه بتركها من أجله. قال ابن قدامة – رحمه الله -: وله منعها من الخروج إلى حج التطوع والإحرام به بغير خلاف، قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ قوله من أهل العلم على أن للرجل منع زوجته من الخروج إلى حج التطوع. ولأنه تطوع يفوِّت حق زوجها، فكان لزوجها منعها منه، كالاعتكاف، فإن أذن لها فيه: فله الرجوع ما لم تتلبس بإحرامه، فإن تلبست بالإحرام: لم يكن له الرجوع فيه، ولا تحليلها منه؛ لأنه يلزم بالشروع، فصار كالواجب الأصلي. " المغني " (3 / 572) . وقال – رحمه الله – في منع الزوج من عيادة والدي الزوجة -: وللزوج منعها من الخروج من منزله إلى ما لها منه بدٌّ، سواء أرادت زيارة والديها، أو عيادتهما، أو حضور جنازة أحدهما، قال أحمد في امرأة لها زوج وأم مريضة: طاعة زوجها أوجب عليها من أمها، إلا أن يأذن لها ... . ولأن طاعة الزوج واجبة، والعيادة غير واجبة، فلا يجوز ترك الواجب لما ليس بواجب، ولا يجوز لها الخروج إلا بإذنه، ولكن لا ينبغي للزوج منعها من عيادة والديها وزيارتهما؛ لأن في ذلك قطيعة لهما، وحملاً لزوجته على مخالفته، وقد أمر الله تعالى بالمعاشرة بالمعروف، وليس هذا من المعاشرة بالمعروف. " المغني " (8 / 130) . 3. وكل شيء مباح لها: فإن له أن يمنعها منه، أو يُلزمها بقوله إن كان يراه حراماً، ويتحتم ذلك عليها إن كان في فعلها إساءة لزوجها، وتعريضه للإهانة أو التنقص، ومثاله: تغطية وجهها، فهي مسألة خلافية، وليس يوجد من يقول بحرمة تغطيتها لوجهها، فإن كانت ترى أنه يسعها كشف وجهها: فإن له أن يمنعها من إظهاره للأجانب، وله أن يلزمها بقوله وترجيحه، وهو وجوب ستر وجهها – وهو القول الراجح -، وليس لها مخالفته، وهي مأجورة على فعلها ذلك إن احتسبت طاعة ربها بطاعة زوجها، وفعل ما هو أستر. 4. وكل ما تراه المرأة اجباً، أو حراماً أو بدعة: فلا طاعة للزوج بترك الواجب، أو فعل الحرام والبدعة. وقد ذكرنا فيما سبق مثالاً للواجب، وهو زكاة الذهب، ومن أمثلة ما تراه الزوجة حراماً، وهو يراه مباحاً: تغطية وجهها – عكس الصورة السابقة -، فلو كانت ترجح حرمة كشف وجهها أمام الأجانب: لم يكن لزوجها أن يأمرها بكشفه بعلة أنه يرى إباحة كشف الوجه. سئل علماء اللجنة الدائمة: هل لي أن أعصي زوجي إذا طلب مني أن أكشف وجهي أمام الأجانب؟ وهل هذا الأمر ينطبق عليه " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق "؟ مع العلم من الاختلاف بين العلماء في حكم تغطية الوجه، وهل يحل لي أن أكشف وجهي وأنا في بيتي عند وجود أهل زوجي من الرجال، أو عندما أفتح الباب لمحصل الكهرباء أو الغاز أو عندما أخرج للشرفة لنشر الملابس مع التزامي بالحجاب الكامل دون غطاء الوجه؟ . فأجابوا: يحرم على الزوجة طاعة زوجها فيما حرم الله؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ومن ذلك: كشف وجهها أمام غير محارمها من الرجال، سواء كانوا من أقاربه، أم أقاربها، أم غيرهم، في البيت، وخارج البيت، وفي الشرفة، وعند فتح الباب لمحصل الكهرباء والضيوف، ولا يكون الحجاب كاملا إلا بالمحافظة على ما ذكر. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان. " فتاوى اللجنة الدائمة " (17 / 257، 258) . وننبه هنا إلى أمور: أ. أن العشرة بين الزوجين بالمعروف واجبة على الطرفين. ب. لا يجوز للزوجين التهكم والسخرية بالطرف الآخر لترجيحه لمسألة أو لتقليده فيها. ج. يجب على الزوجين تقليد الأكثر علماً وديناً ممن يرجعون إليه في الفتوى، ويجب عليهما ترك اتباع الهوى في البحث عن الرخص. د. ما كان فيه سعة من المسائل لا ينبغي للزوج التضييق فيها على زوجته، وما كان فيه سعة منها بالنسبة للزوجة فالتزام قول الزوج أفضل وأولى. هـ. نوصي الزوجين – والأزواج عموماً – بطلب العلم، والبحث عن الحق، وترك المماراة والمجادلة بالباطل، وليضع كل واحد منكما الحق نصب عينيه. و. الأسرة السعيدة هي التي يكون بين قطبيها المودة والألفة والحب والتفاهم، فأنتما لستما في معهد علمي، ولا جامعة لتجعلوا الأمور مبنية على المناقشات والمناكفات، وكونوا قدوة لأولادكم في اتباع الحق، والاختلاف بتعقل دون شطط. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97125 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2311 حكم تارك الزكاة [السُّؤَالُ] ـ[أعمل مع رجل لا يزكي ولا يدفع ولا درهماً واحداً للزكاة وحتى إنه يوم أداء الزكاة قام بالفرار من المدينة التي يقطنها كي لا يزعجه طالبو الزكاة, فما حكم هذا الرجل؟ هل هو كافر مرتد أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تارك الزكاة إما أن يكون مقرا بوجوبها أو لا، فإن كان غير مقر بوجوبها، فهو كافر بإجماع المسلمين، لإنكاره شيئا معلوما من الدين بالضرورة وأما إن كان مقرا بوجوبها، لكنه لا يخرجها بخلا، فليس بكافر في قول جماهير أهل العلم، وذهب بعض العلماء إلى كفره. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/228) : ": فمن أنكر وجوبها جهلا به , وكان ممن يجهل ذلك إما لحداثة عهده بالإسلام , أو لأنه نشأ ببادية نائية عن الأمصار , عرف وجوبها , ولا يحكم بكفره ; لأنه معذور , وإن كان مسلما ناشئا ببلاد الإسلام بين أهل العلم فهو مرتد , تجري عليه أحكام المرتدين ويستتاب ثلاثا , فإن تاب وإلا قتل ; لأن أدلة وجوب الزكاة ظاهرة في الكتاب والسنة وإجماع الأمة , فلا تكاد تخفى على أحد ممن هذه حاله , فإذا جحدها لا يكون إلا لتكذيبه الكتاب والسنة , وكفره بهما. وإن منعها معتقدا وجوبها , وقدر الإمام على أخذها منه , أخذها وعزره , ولم يأخذ زيادة عليها , في قول أكثر أهل العلم , منهم أبو حنيفة ومالك والشافعي وأصحابهم. وقال إسحاق بن راهويه وأبو بكر عبد العزيز: يأخذها وشطر ماله ... فأما إن كان مانع الزكاة خارجا عن قبضة الإمام قاتله؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم قاتلوا مانعيها , وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه " انتهى. وسئل علماء اللجنة الدائمة: لقد كتبتم في عدد سابق أن الذي يصوم ولا يصلي لا يجوز صومه، والآن العكس فهل الذي يصلي ولا يصوم تجوز صلاته. وهل الذي لا يزكي ويصلي تجوز صلاته. وهل الذي يحج ولا يصلي يجوز حجه؟ فأجابوا: "من ترك صوم شهر رمضان جحدًا لوجوبه كفر ولا تصح صلاته، ومن تركه عمدًا وتساهلًا فلا يكفر في الأصح وتصح صلاته، ومن ترك الزكاة المفروضة جحدًا لوجوبها كفر ولا تصح صلاته، ومن تركها عمدًا تساهلا وبخلا فلا يكفر وتصح صلاته، وهكذا الحج من تركه جحدًا لوجوبه مطلقًا كفر أما من تركه مع الاستطاعة تساهلا لم يكفر وتصح صلاته " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (10/143) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن الزكاة: " وهي فرض بإجماع المسلمين، فمن أنكر وجوبها فقد كفر، إلا أن يكون حديث عهد بإسلام، أو ناشئا في بادية بعيدة عن العلم وأهله فيعذر، ولكنه يُعَلَّم، وإن أصر بعد علمه فقد كفر مرتدا، وأما من منعها بخلا وتهاونا ففيه خلاف بين أهل العلم، فمنهم من قال: إنه يكفر، وهو إحدى روايتين عن الإمام أحمد، ومنهم من قال: إنه لا يكفر، وهذا هو الصحيح، ولكنه قد أتى كبيرة عظيمة، والدليل على أنه لا يكفر حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر عقوبة مانع زكاة الذهب والفضة، ثم قال: (حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله: إما إلى الجنة وإما إلى النار) . وإذا كان يمكن أن يرى له سبيلا إلى الجنة فإنه ليس بكافر؛ لأن الكافر لا يمكن أن يرى سبيلا له إلى الجنة، ولكن على مانعها بخلا وتهاونا من الإثم العظيم ما ذكره الله تعالى في قوله: (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) آل عمران/180، وفي قوله: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) التوبة/34،35 " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (18/14) . وينبغي نصح هذا المتهاون بالزكاة، وتذكيره بعظم شأنها، والنصوص الواردة في وعيد من بخل بها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93701 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2312 يتصدق بثيابه الشتوية بعد انتهاء الشتاء، ويشتري غيرها في العام القادم [السُّؤَالُ] ـ[عندما ينتهي الشتاء أقوم بالتصدق بثيابي الشتوية، حيث إني لا أعلم إن كنت أعيش للعام المقبل، وعندما يحل الشتاء المقبل أقوم بالشراء مرة أخرى، حيث إني ميسور ولله الحمد، فهل فعلي صحيح؟ وهل يوجد ما هو أصح منه؟ وهل يعد ذلك إسرافاً بحيث أني ألبس دائما الجديد كل شتاء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: لا بأس أن يتصدق المسلم بثيابه كل عام، ويشتري غيرها، أو يبيعها ويتصدق بثمنها، ولا يدخل هذا في الإسراف، ولا التبذير إن كان الله تعالى قد وسَّع عليه في المال، بل هذا أمر حسن ممدوح من صاحبه. قال الله تعالى: (وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) الإسراء/26-27. " قال ابن مسعود رضي الله عنه: التبذير: الإنفاق في غير حق، وكذا قال ابن عباس رضي الله عنهما. وقال مجاهد: لو أنفق إنسان ماله كله في الحق، لم يكن مبذرًا، ولو أنفق مُدًا في غير حقه كان تبذيرًا. وقال قتادة: التبذير: النفقة في معصية الله تعالى، وفي غير الحق، وفي الفساد ". تفسير ابن كثير (5/68) . وفي صحيح البخاري (73) ومسلم (816) عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا) . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " قَوْله: (أَيْ: إِهْلَاكه , وَعَبَّرَ بِذَلِكَ لِيَدُلّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُبْقِي مِنْهُ شَيْئًا. وَكَمَّلَهُ بِقَوْلِهِ: " فِي الْحَقّ "، أَيْ: فِي الطَّاعَات لِيُزِيلَ عَنْهُ إِيهَام الْإِسْرَاف الْمَذْمُوم." وقال القرطبي – رحمه الله -: وروي عن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - شيخ مالك - رضي الله عنهم أنه كان يلبس كساء خزٍّ بخمسين ديناراً، يلبسه في الشتاء، فإذا كان في الصيف: تصدَّق به، أو باعه فتصدق بثمنه، وكان يلبس في الصيف ثوبين من متاع بمصر ممشقين – أي: مصبوغيْن بـ " المشق "، وهو صبغ أحمر - ويقول: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق) . " تفسير القرطبي " (7 / 195، 196) . ثم إن ما ذكرته في سؤالك من أنك لا تعلم أنك لا تعيش إلى العام المقبل، هو أمر تحمد عليه؛ أعني: إذا عودت نفسك قِصَر الأمل في الدنيا، وترك التعلق بها. وفي صحيح البخاري (6416) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْكِبِي فَقَالَ: (كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ) وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الْمَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ. ٍ والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93213 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2313 لديه محفظة بسوق الأسهم ولم يزك من سنتين [السُّؤَالُ] ـ[أنا عندي محفظة بسوق الأسهم منذ ما يقارب السنتين ولم أعلم أنه يجب علي الزكاة فماذا أفعل وكيف أزكي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: سبق في جواب السؤال (69912) تفصيل القول في زكاة الأسهم، فراجعه لتعرف هل عليك زكاة في هذه الأسهم أم لا؟ ثانياً: إذا كانت الزكاة واجبة عليك، وكان القائمون على المحفظة يخرجون هم الزكاة عن الأسهم، فلا يلزمك إعادة إخراجها. وإذا كانوا لا يخرجونها، فعليك إخراجها عن السنوات الماضية. وانظر جواب السؤال (69798) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93097 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2314 اشترى أسهما بالتقسيط فهل يخصم الأقساط عند الزكاة [السُّؤَالُ] ـ[اشتريت أسهماً بالتقسيط، هل تجب علي الزكاة في قيمة الأسهم الحالية أم أخصم منها قيمة القرض؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: من اشترى الأسهم بقصد الاتجار فيها، وجب عليه أن يزكيها زكاة التجارة في نهاية الحول، فيقومها بسعر السوق، ويخرج ربع العشر. ومن اشترى الأسهم بغرض اقتنائها، والاستفادة من أرباحها، لا للاتجار فيها، فهذا يزكي الربح، ويزكي ما يقابل السهم من نقود في مال الشركة، وانظر تفصيل هذا في الجواب رقم (69912) ثانيا: إذا حال الحول، وبقي بعض الأقساط عليك، لزمك أن تزكي الأسهم دون اعتبار لهذه الأقساط؛ لأن الدين لا يؤثر على الزكاة، في أصح قولي العلماء، وهو مذهب الإمام الشافعي رحمه الله. انظر: المجموع (5/317) ، نهاية المحتاج (3/133) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والذي أرجحه أن الزكاة واجبة مطلقا، ولو كان عليه دين ينقص النصاب، إلا دينا وجب قبل حلول الزكاة فيجب أداؤه، ثم يزكي ما بقي بعده " انتهى من "الشرح الممتع" (6/39) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93101 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2315 تأخير إخراج الزكاة بسبب بعده عن المال [السُّؤَالُ] ـ[لدي مبلغ من المال مودع بأحد البنوك في بلدي وقد مر عليه الحول ويستحق عنه الزكاة. المشكلة الآن أني وزوجتي الوحيدين من لهم الحق في سحب المال من البنك، وكلانا في سفر خارج البلاد حاليا، وأنا حاليا في عسرة بالخارج بعض الشيء مما أدى لتأخر دفع الزكاة شهرين حتى الآن، أيضا الشهر القادم يحل موعد قسط لدين شقة ولا أدري إن كنت سأتمكن من جمع قيمة القسط بالاقتراض أم لا، فهل لي عذر في تأخير الزكاة بضعة أشهر لحين القدرة على توفير المال؟ أم كما سأحاول الاستدانة لدفع القسط، يجب على التصرف لدفع الزكاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الزكاة يجب إخراجها على الفور، ولا يجوز تأخيرها إلا لعذر. ومن الأعذار التي ذكرها الفقهاء: غيبة المال، بحيث لا يمكن الوصول إليه، فهذا عذر يبيح التأخير. وعليه فلا حرج عليك في تأخير إخراج الزكاة، حتى تتمكن من الرجوع إلى بلدك، أو تجد مالا آخر تدفعه للمستحقين، ولا يلزمك الاقتراض لأجل إخراجها. قال المرداوي في "الإنصاف" (3/186) : " وإن تعذّر إخراجها (يعني الزكاة) من النصاب لغَيْبةٍ أو غيرها جاز التأخير إلى القدرة " انتهى. وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة" (9/398) : " لا يجوز تأخير إخراج الزكاة بعد تمام الحول إلا لعذر شرعي، كعدم وجود الفقراء حين تمام الحول، وعدم القدرة على إيصالها إليهم، ولغيبة المال ونحو ذلك. أما تأخيرها من أجل رمضان فلا يجوز إلا إذا كانت المدة يسيرة، كأن يكون تمام الحول في النصف الثاني من شعبان فلا بأس بتأخيرها إلى رمضان " انتهى. ولا يخفى أن الزكاة فريضة عظيمة، وأنها قرينة الصلاة في كتاب الله، وأنها مع ذلك بركة ونماء للمال، فلا ينبغي التهاون فيها بحال. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 87518 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2316 المال المستثمر تجب الزكاة فيه وفي ربحه [السُّؤَالُ] ـ[لدى مبلغ من المال أستثمره في أحد البنوك الإسلامية والأرباح التي تأتي منه أنفق به على أهلي وأبنائي على الاحتياجات الضرورية وأحتاج إلى آخر قرش منه وأريد أن أؤدي زكاته فهل أخرج الاثنين والنصف في المائة من المبلغ الإجمالي وبهذا أعجز عن النفقة على أبنائي لأنه سيكون مبلغا كبيرا من الأرباح؟ أم أخرج هذه النسبة من الأرباح فقط وبالتالي سيكون هذا المبلغ يسيرا علي وأريد أن أحافظ على رأس المال، لأنه يساعدنا كثيرا على العيش.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المال المستثمر الذي يدر ربحا، تجب الزكاة فيه وفي ربحه، عند مرور الحول على الأصل، إذا كان نصاباً. فقد ذكر ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/258) أن ربح مال التجارة يجب ضمه إلى رأس المال إذا مرت سنة على رأس المال، وتخرج الزكاة عن الجميع، وقال: " لا نعلم فيه خلافا " انتهى. وعلى هذا، فيلزمك أن تخرج الزكاة عن المبلغ الإجمالي (رأس المال وربحه) . ولو فرض أن هذا سيؤثر على نفقتك على أولادك، أو يستلزم الأخذ من رأس المال، فهذا لا يغير من حكم المسألة، ومعلوم أن الإنسان قد تجب عليه الزكاة، لملكه النصاب، ويكون هو مستحقا للزكاة أيضا؛ لأن ما لديه لا يكفيه. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " فإن قال قائل: كيف يمكن أن يكون الإنسان مزكيا، وله أن يأخذ الزكاة؟ فنقول: " ليس فيه غرابة، لو كان عند الإنسان نصاب أو نصابان لا يكفيانه للمؤنة، لكنهما يبقيان عنده إلى الحول فهنا نقول نعطه المؤنة ونأمره بالزكاة، ولا تناقض " انتهى من "الشرح الممتع" (2/562) . وينبغي أن توقن أيها الأخ الكريم بأن الزكاة لا تنقص المال، بل تباركه وتنميه وتزيده، وقد أقسم على ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلا رَفَعَهُ اللَّهُ) رواه مسلم (2588) . ورواه الترمذي (2325) بلفظ: (ثَلاثَةٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ قَالَ: مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ، وَلا ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلَمَةً فَصَبَرَ عَلَيْهَا إِلا زَادَهُ اللَّهُ عِزًّا، وَلا فَتَحَ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ) صححه الألباني في صحيح الترمذي. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 87580 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2317 يجوز إخراج الزكاة من غير النقود المدخرة [السُّؤَالُ] ـ[هل لابد من إخراج زكاة المال من نفس المبلغ المدخر بعد مرور الحول عليه أم يمكن إخراج الزكاة له من أي دخل آخر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من كان عنده مال وجبت فيه الزكاة، فلا يجب أن يخرج الزكاة من نفس المال المدخَّر، فله أن يخرجها من غيره. وقد نقل النووي رحمه الله في المجموع " (5/346) اتفاق العلماء على أنه يجوز إخراج الزكاة من غير المال الذي وجبت فيه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 84322 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2318 لديها أموال أيتام أمانة وقد تأكله الزكاة فهل تأثم إذا لم تستثمره؟ [السُّؤَالُ] ـ[جاءتني أرملة ووضعت عندي مبلغا من المال أمانة لها لوقت الحاجة وهذا المال يخص أيتامها وانأ أخاف أن تأكله الصدقة كما قال رسولنا الكريم صلوات ربي وسلامه عليه، مع العلم أنها لم تطلب مني تشغيله لها، ولو فعلت فليس عندي أي موضع لأضعه فيه، فهل علي من إثم في هذا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا إثم عليك في عدم استثمار هذا المال، لأنكِ إنما أخذيته على سبيل الأمانة لتحفظيه، فالواجب عليك هو حفظه وأداؤه إلى أهله عند طلبهم، قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) النساء/ 58. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ) رواه الترمذي (1264) وأبو داود (3534) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. وينبغي أن تنصحي وتبيني لهذه الأخت أن هذا المال تجب فيه الزكاة، وأن الزكاة قد تأكله ما لم يستثمر. وننبه إلى أن حديث: (ألا من ولى يتيما له مال فليتجر فيه ولا يتركه حتى تأكله الصدقة) رواه الترمذي (641) وضعفه الألباني في ضعيف الترمذي، لكن معناه صحيح واضح؛ لأن مال اليتيم كغيره من الأموال، إذا بلغ نصابا وحال عليه الحول وجبت فيه الزكاة، فإذا لم يستثمر، وأخذت منه الزكاة كل عام، أدى ذلك إلى نقصه. وقد ثبت هذا من كلام عمر رضي الله عنه: (اتجروا بأموال اليتامى لا تأكلها الزكاة) رواه الدارقطني والبيهقي وقال: إسناده صحيح. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83575 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2319 هل يخرج زكاة والده من غير إذنه؟ [السُّؤَالُ] ـ[أبي لا يخرج زكاته بانتظام ولا يحسبها، فهل يجوز أن آخذ منه مالاً بأي حجة وأخرجها عنه بدون علمه؟ مع العلم أني تكلمت معه بهذا الشأن من قبل ولم يستمع لي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الزكاة أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين والصلاة، ولذلك فمانعها مرتكب إثما عظيماً، وكبيرة من كبائر الذنوب. ثانياً: نظراً لأن الزكاة عبادة من العبادات فإنها لا تصح إلا إذا نواها صاحبها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات) وله أن يخرجها بنفسه، أو يعطيها أحداً ويوكله في إخراجها. فإذا تصدق الرجل بالمال ولم ينو أنه من زكاة ماله، ثم أراد أن يجعله من زكاة ماله لم يصح ذلك، لأنه لم ينو الزكاة عند إخراج المال. وكذلك إذا أراد أحد أن يخرج الزكاة عن أحد، لا يصح ذلك إلا إذا كان صاحب المال قد أذن له في ذلك، لأن هذا الإذن يتضمن نية إخراج الزكاة. قال ابن قدامة في "المغني" (4/88) : " مذهب عامة الفقهاء أن النية شرط في أداء الزكاة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات) " انتهى. وعلى هذا، أخذك للمال من والدك وإخراجه عنه زكاة من غير إذنه لك في ذلك لا يبرئ ذمته، ولا يسقط عنه إثم منع الزكاة، فعليك الاستمرار في نصيحته والدك. نسأل الله تعالى له الهداية والتوفيق. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82655 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2320 إخراج الزكاة عروضا بدلا عن النقود [السُّؤَالُ] ـ[في السنوات الماضية جعل شهر رمضان بداية لإخراج الزكاة فكانت تخرج تموين للفقراء وأغراض ضرورية لهم.. هذا العام علمنا أن زكاة الأموال لا بد أن تكون نقدا توزع على مصارفها.. سؤالي من شقين: 1-ما حكم إخراج الزكاة في الأعوام السابقة بشراء تموين وضروريات للفقراء ولم تكن نقداً؟ وهل نأثم بالجهل في ذلك؟ وماذا علينا حالياً؟ 2- بعض بيوت الفقراء إذا سلمنا الزكاة نقدا فإن عائلها يأخذها ويحرم منها أهل البيت في شراء دخان أو دش أو سفريات فنضطر لشراء احتياجات البيت ولا تسلم نقدا.. حتى نضمن استفادة هذه الأسرة وسد حاجتها ... فما الحكم في ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الأصل أن تخرج الزكاة من جنس المال المزكَّى، فزكاة النقود تخرج نقودا، وزكاة بهيمة الأنعام تُخرج منها، وزكاة الزروع تخرج زرعا، إلا زكاة التجارة فإنها تخرج من القيمة، ويجوز إخراجها من عروض التجارة، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (22449) . وقد اختلف العلماء في جواز إخراج الزكاة من غير جنس المال المزكَّى، وهو ما يعرف عند العلماء بإخراج القيمة من الزكاة، والراجح أنه لا يجوز إخراجها قيمة. ولكن.. نظراً لقوة الخلاف في المسألة، فنرجو ألا يكون عليك حرج في إخراج القيمة في الأعوام الماضية، وعليك إخراجها من جنس المال المزكَّى في الأعوام القادمة. ثانياً: إذا كان الفقير سفيهاً لا يحسن التصرف في المال، فقد أجاز بعض العلماء إعطاءه الزكاة سلعاً عينيةً بدلاً من النقود، مراعاة لمصلحة الفقير، وسدّاً لحاجته. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في "مجموع الفتاوى" (25/82) : " وأما إخراج القيمة في الزكاة والكفارة ونحو ذلك، فالمعروف من مذهب مالك والشافعي أنه لا يجوز، وعند أبي حنيفة يجوز، وأحمد رحمه الله قد منع القيمة في مواضع، وجوزها في مواضع، فمن أصحابه من أقر النص، ومنهم من جعلها على روايتين. والأظهر في هذا: أن إخراج القيمة لغير حاجة ولا مصلحة راجحة ممنوع منه. . . إلى أن قال رحمه الله: " وأما إخراج القيمة للحاجة، أو المصلحة، أو العدل فلا بأس به، مثل أن يبيع ثمر بستانه أو زرعه بدراهم فهنا إخراج عشر الدراهم يجزئه ولا يكلف أن يشتري ثمرا أو حنطة إذ كان قد ساوى الفقراء بنفسه، وقد نص أحمد على جواز ذلك ... ومثل أن يكون المستحقون للزكاة طلبوا منه إعطاء القيمة لكونها أنفع فيعطيهم إياها " انتهى. وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " ويجوز أيضا أن يخرج عن النقود عروضا من الأقمشة والأطعمة وغيرها، إذا رأى المصلحة لأهل الزكاة في ذلك مع اعتبار القيمة، مثل أن يكون الفقير مجنونا أو ضعيف العقل أو سفيها أو قاصرا، فيخشى أن يتلاعب بالنقود، وتكون المصلحة له في إعطائه طعاما أو لباسا ينتفع به من زكاة النقود بقدر القيمة الواجبة، وهذا كله في أصح أقوال أهل العلم ". انتهى من "مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز" (14/253) . وسئل رحمه الله عن شراء مواد غذائية منوعة وعينية كالبطانيات والملابس وصرفها للجهات الإسلامية الفقيرة من الزكاة، خاصة في الحالات التي لا تتوفر فيها المواد الغذائية بأسعار معقولة في تلك البلدان. فأجاب: " لا مانع من ذلك بعد التأكد من صرفها في المسلمين ". انتهى من "مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز" (14/246) . وسئلت الجنة الدائمة للإفتاء: نحب أن نستوضح من سماحتكم عن موضوع صرف مبالغ من الزكاة لشراء مواد غذائية منوعة وعينية كالبطانيات والملابس وصرفها لبعض الجهات الإسلامية الفقيرة مثل السودان وأفريقيا والمجاهدين الأفغان، خاصة في الحالات التي لا تتوفر المواد الغذائية بأسعار معقولة في تلك البلدان، أو تكاد تكون معدومة فيها كلية، وإن توفرت فيها فهي بأسعار مضاعفة عن الأسعار التي تصلهم بها لو أرسلت عيناً.. نرجو إفادتنا جزاكم الله خيراً بما ترونه حيال ذلك. فأجابت: " إذا كان الأمر كما ذكر فإنه لا حرج في ذلك؛ مراعاة لمصلحة مستحقيها ". انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/433) . نسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد في القول والعمل. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 79337 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2321 استثمر والدهم لهم أموالا ولم يكن يخرج زكاتها، فما العمل؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا شابٌّ في السادسة والعشرين من العمر، استثمر أبي لنا مالاً في شركةِ مضاربةٍ، ولم أكن أعلمُ عنها حتى الآن، ولما رأيت بنودَ عقد المضاربة، نصَّ أحدُها على ما يلي: على المضاربِ إخراجُ زكاة ماله بنفسه. سؤالي: ما هو مقدار الزكاةِ الواجبِ إخراجُها عليّ، حيث إن هذا الاستثمارَ مضى عليه أربعةٌ وعشرون عامًا لم يُخرَج زكاتُه؟ وهل يجب أن يكون من رأس المال نفسه المستثمر منه، أم يجوز إخراجُها من غيره، حيث إنَّنِي أعمل، ولي راتبٌ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: قد ذكرت أن هذا المال كان مستثمراً في شركة مضاربة، وليست كل الأموال التي يساهم بها في الشركات تجب فيها الزكاة، بل في ذلك تفصيل، وقد سبق بيانه في جواب السؤال رقم (69912) , فإن كانت الزكاة واجبة في هذا المال فعليك بالمبادرة بإخراجها ونسأل الله أن يتقبل منك. ثانياً: تأخير إخراج الزكاة - لعذر أو لغير عذر - لا يُسقطُها مع مضيِّ السنين؛ لأنها حقٌّ أوجبه الله تعالى للفقراء والمساكين وسائرِ المستحقين. قال النوويُّ في "المجموع" (5/302) : " إذا مضت عليه سنون ولم يؤد زكاتها لزمه إخراج الزكاة عن جميعها " انتهى. وجاء في "الموسوعة الفقهية" (23/298) : " إذا أتى على المكلّف بالزّكاة سنون لم يؤدّ زكاته فيها، وقد تمّت شروطُ الوجوبِ، لم يسقط عنه منها شيءٌ اتّفاقًا، ووجب عليه أن يؤدّيَ الزّكاة عن كلّ السّنينِ الّتي مضت ولم يخرج زكاتَه فيها " انتهى. وانظر سؤال رقم (69798) . فالواجب عليك المبادرة إلى إخراج الزكاة عن جميع السنواتِ الماضية، قبل أن تأخذك النفسُ بالتسويف والتأجيل. ولا يختلف الحكم سواء كان هذا المال ملكاً لأبيكم. أو كان ملكاً لكم وهو يستثمره لكم. لأن الزكاة واجبة فيه في الحالتين. سئل الشيخ ابن عثيمين: عن رجلٍ تُوفيَ وفي ذمته زكاةٌ: فهل تُخرجُ وتُقدَّمُ على قسمةِ التركة؟ فأجاب: " إذا كان هذا الرجل المسؤولُ عنه يخرجُ الزكاةَ في حياته، ولكن تم الحولُ ومات، فعلى الورثةِ إخراجُ الزكاة ِ، لقوله صلى الله عليه وسلم: (اقضوا الله، فالله أحق بالوفاء) . وأما إذا كان تعمَّدَ ترك إخراج الزكاة، ومَنعَها بخلاً: فهذا محلُّ خلافٍ بين العلماء رحمهم الله والأحوط والله أعلم أن الزكاةَ تُخرَج؛ لأنه تعلَّقَ بها حقُّ أهلِ الزكاةِ فلا تسقط، وقد سبق حقُّ أهل الزكاة في هذا المالِ حقَّ الورثة، ولكن لا تبرأُ ذمة الميت بذلك؛ لأنه مصرٌّ على عدمِ الإخراج، والله أعلم " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/رقم 43) . ثالثاً: لا حرج في إخراج الزكاة من غير المال الذي وجبت فيه الزكاة، كما لو أخرجتها من راتبك أو غيره، وقد نص على ذلك أهل العلم. قال ابن قدامة: " وإخراج الزكاة من غير النصاب جائز ". "المغني" (2/287) . بل نقل بعض أهل العلم الإجماع على ذلك: قال عبد العزيز بن أحمد البخاري: يجوز بالإجماع أداء حقِّ الفقيرِ من غير النصاب. "كشف الأسرار" (3/370) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 75119 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2322 دفع الزكاة عن طريق بطاقة الائتمان [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز دفع الزكاة عن طريق بطاقات الائتمان؟ لدي رصيد يغطي المبلغ وأسدده دون أن يُحسب علي أي فوائد.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يجوز الاشتراك في نظام بطاقات الائتمان إلا لمن اضطر إلى ذلك، لأنه عقد ربوي، والربا محرم بالكتاب والسنة والإجماع. راجع الأسئلة (13735) و (13725) و (3402) . ثانياً: بالنسبة لدفع الزكاة عن طريق هذه البطاقة، فإذا كان عندك رصيد يغطي ما ستدفعه بحيث لا يحتسب عليك أي فوائد – كما ذكرت في سؤالك – فلا بأس بدفع الزكاة بهذه الطريقة. أما إذا لم يكن عندك رصيد يغطي ما ستدفعه فإن هذا يعتبر اقتراض من البنك بفائدة وهو رباً محرم، ولا يجوز دفع الزكاة ولا غيرها بهذه الطريقة، والله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً. والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20107 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2323 إخراج الزكاة عن مال الصبي عن السنوات الماضية [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم إذا كان الشخص لم يخرج الزكاة لمدة أربع سنوات ماضية جهلا، علما أنه بدأ يخرج الزكاة من السنة الحالية فماذا عليه في السنوات الماضية؟ وما حكم الأسهم التي كانت تحت الوصاية هل يجب أن يزكي عليها إذا بلغ مالك الأسهم سن التكليف؟ علما أن الوصي كان لا يزكي عليها لمدة 18 سنة تقريبا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: من ترك الزكاة لسنوات مضت فإنه يجب عليها أن يخرجها، سواء تركها عن علم أو جهل. سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عمن ترك إخراج الزكاة لمدة خمس سنوات جهلا منه. فأجاب: " عليك الزكاة عن جميع الأعوام السابقة، وجهلك لا يسقطها عنك؛ لأن فرض الزكاة أمر معلوم من الدين بالضرورة، والحكم لا يخفى على المسلمين، والزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام، والواجب عليك المبادرة بإخراج الزكاة عن جميع الأعوام السابقة، مع التوبة إلى الله سبحانه من التأخير، عفا الله عنا وعنك وعن كل مسلم. والله الموفق " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (14/239) . وانظر السؤال (21715) . ويستثنى من ذلك: الزكاة في المال المختلف في وجوب الزكاة فيه، كالحلي المستعمل، فمن ترك زكاته جهلا، أو اتباعا لمن يقول بعدم وجوب الزكاة فيه، فإنه لا يلزمه أن يخرج زكاته عما مضى، بل يخرج من حين علمه بوجوب الزكاة فيه. وبهذا أفتى الشيخ ابن باز أيضا، قال رحمه الله: " وننبه على أنه يلزم إخراج الزكاة من حين علمتم بوجوبها في الحلي، وأما ما مضى قبل ذلك من أعوام قبل العلم بالوجوب، فليس عليكم فيه زكاة؛ لأن الأحكام الشرعية إنما تلزم بعد العلم؛ ولخلاف العلماء في هذه المسألة " انتهى. نقلا عن "فتاوى إسلامية" (2/84) . ثانيا: ذهب جمهور العلماء إلى أن الزكاة واجبة في مال الصبي، وأن صغره لا يسقط وجوب الزكاة عنه. قال ابن قدامة رحمه الله: " الزكاة تجب في مال الصبي والمجنون. . روي ذلك عن عمر وعلي وابن عمر وعائشة والحسن بن علي وجابر رضي الله عنهم. وبه قال مالك والشافعي وأحمد " انتهى من "المغني" (2/256) بتصرف. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (75307) . ثالثاً: ليست كل الأسهم تجب فيها الزكاة، فبعضها تجب فيه الزكاة، وبعضها لا زكاة إلا في أرباحها إذا بلغت نصاباً وحال عليها الحول. ولمعرفة ذلك يراجع السؤال (69912) . فإذا كانت هذه الأسهم تجب فيها الزكاة، وجب عليه إخراج زكاتها عما مضى من السنوات. وإذا كانت الزكاة واجبة في أرباحها فقط، وجب عليه إخراج الزكاة عن الأرباح التي بلغت نصابا وحال عليها الحول. الله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69798 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2324 هل فوض عثمان رضي الله عنه الناس في إخراج زكاة أموالهم؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل صحيح أن عثمان بن عفان رضي الله عنه فوض إلى الناس إخراج زكاة أموالهم؟ ولماذا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ثبت عن عثمان رضي الله عنه أنه قال: (هَذَا شَهْرُ زَكَاتِكُمْ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ دَيْنٌ فَلْيَقْضِ دَيْنَهُ، ثُمَّ لِيُزَكِّ بَقِيَّةَ مَالِهِ) رواه البيهقي في السنن الكبرى بإسناد صحيح كما قال النووي رحمه الله في المجموع. وقد احتج به الفقهاء على أن للإنسان أن يخرج زكاة أمواله الباطنة بنفسه. قال في المهذب: " ويجوز لرب المال أن يفرق زكاة الأموال الباطنة بنفسه. وهي الذهب والفضة وعروض التجارة والركاز؛ لما روي عن عثمان رضي الله عنه ". وقال النووي رحمه الله: " قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله تعالى: للمالك أن يفرق زكاة ماله الباطن بنفسه، وهذا لا خلاف فيه، ونقل أصحابنا فيه إجماع المسلمين. والأموال الباطنة هي الذهب والفضة والركاز وعروض التجارة وزكاة الفطر ... وأما الأموال الظاهرة: وهي الزروع والمواشي والثمار والمعادن ففي جواز تفريقها بنفسه قولان مشهوران، أصحهما، وهو الجديد: جوازه. والقديم: منعه ووجوب دفعها إلى الإمام أو نائبه) انتهى من "المجموع" (6/136) باختصار. وقال في "كشاف القناع" (2/258) : " ويستحب للإنسان تفرقة زكاته وتفرقة فطرته بنفسه، بشرط أمانته، وهو أفضل من دفعها إلى إمام عادل؛ لقوله تعالى: (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ) وليكون على ثقة من إيصالها إلى مستحقيها، ولا فرق بين الأموال الظاهرة والباطنة) انتهى باختصار. والحاصل: أن الآية الكريمة، وقول عثمان رضي الله عنه، وإقرار الصحابة له، كل ذلك يدل على جواز أن يخرج الإنسان زكاته بنفسه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69809 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2325 تفصيل القول في زكاة الأسهم [السُّؤَالُ] ـ[أرجو التفصيل في بيان حكم زكاة أسهم الشركات، هل فيها زكاة أم لا؟ وما مقدارها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله السهم: هو حصة الشريك في رأس مال شركة مساهمة. كما يعرف السهم بأنه الصك المثبت لهذا النصيب. انظر: "الأسهم والسندات" (ص 47) ، "موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية" (ص 775) . والسهم ينتج جزءاً من ربح الشركة يزيد أو ينقص تبعاً لنجاح الشركة وزيادة ربحها أو نقصه , ويتحمل نصيبه من الخسارة , لأن مالك السهم مالك لجزء من الشركة بقدر سهمه. قيمة السهم: للسهم قيم متعددة على النحو التالي: 1- القيمة الاسمية: وهي القيمة التي تحدد للسهم عند تأسيس الشركة، وهي المدونة في شهادة السهم. 2- القيمة الدفترية: وهي قيمة السهم بعد خصم التزامات الشركة، وقسمة أصولها على عدد الأسهم المصدرة. 3- القيمة الحقيقية للسهم: وهي القيمة المالية التي يمثلها السهم فيما لو تمت تصفية الشركة وتقسيم موجوداتها على عدد الأسهم. 4- القيمة السوقية: وهي القيمة التي يباع بها السهم في السوق، وهي تتغير بحسب حالة العرض والطلب. والأسهم قابلة للتعامل والتداول بين الأفراد , كسائر السلع مما يجعل بعض الناس يتخذ منها وسيلة للاتجار بالبيع والشراء ابتغاء الربح من ورائها. وقد سبق في جواب السؤال (4714) أنه لا بأس ببيع أسهم الشركات ما لم يكن نشاط الشركة محرماً. كيف تزكى أسهم الشركات؟ بعض المساهمين يتخذ الأسهم للاتجار بقصد الربح , وبعضهم يتخذها للاقتناء والكسب من ربحها لا للاتجار فيها. فأما القسم الأول: فتعتبر الأسهم عنده عروض تجارة، وتعامل في البورصة بالبيع والشراء، فيكون حكمها حكم عروض التجارة , فتؤخذ الزكاة منها بقدر قيمتها في نهاية كل حول. وأما القسم الثاني: فقد اختلف فيه العلماء والباحثون المعاصرون , ولهم في هذا اتجاهان رئيسان: الأول: اعتبارها عروض تجارة , بقطع النظر عن نشاط الشركة. قالوا: لأن صاحبها يربح منها كما يربح كل تاجر من سلعته , فهي بهذا الاعتبار من عروض التجارة. وأصل هذا القول مبني على أن المعدات والآلآت الصناعية الآن فيها الزكاة , لأنها تعتبر ـ عندهم ـ أموالاً نامية. وقد تبنى هذا القول: محمد أبو زهرة , وعبد الرحمن بن الحسن , وعبد الوهاب خلاف وغيرهم. الاتجاه الثاني: التفريق في حكم هذه الأسهم حسب نوع الشركة المساهمة التي أصدرتها. وهو قول جمهور العلماء المعاصرين، وإن كانوا يختلفون فيما بينهم في بعض التفصيلات. ويمكن تقسيم الشركات المساهمة إلى أربعة أنواع: الأول: الشركات الصناعية المحضة التي لا تمارس عملاً تجارياً كشركات الصباغة وشركات الفنادق وشركات النقل، فهذه لا تجب الزكاة في أسهمها , لأن قيمة هذه الأسهم موضوعة في الآلات والأدوات والمباني والأثاث ونحو ذلك مما يلزم الأعمال التي تمارسها , وهذه الأشياء لا زكاة فيها , وإنما تجب الزكاة في أرباح هذه الأسهم إذا بلغت نصاباً وحال عليها الحول. الثاني: الشركات التجارية المحضة. الثالث: الشركات الصناعية التجارية. أما الشركات التجارية المحضة فهي التي تشتري البضائع وتبعيها بدون إجراء عمليات تحويلية عليها كشركات الاستيراد والتصدير , وشركات التجارة الخارجية. وأما الشركات الصناعية التجارية فهي التي تجمع بين الصناعة والتجارة , كالشركات التي تستخرج المواد الخام أو تشتريها ثم تجري عليها عمليات تحويلية ثم تتجر فيها , كشركات البترول , وشركات الغزل والنسيج , وشركات الحديد والصلب , والشركات الكيماوية , ونحو ذلك. فهذان النوعان من الشركات (شركات تجارية محضة , وشركات تجارية صناعية) تجب الزكاة في أسهمها بعد خصم قيمة المباني والأدوات والآلات المملوكة لهذه الشركات. ويمكن معرفة صافي قيمة المباني والآلات والأدوات بالرجوع إلى ميزانية الشركة التي تحصى كل عام. الرابع: الشركات الزراعية، وهي التي نشاطها زراعة الأراضي. فهذه فيها زكاة الزروع والثمار – إن كان المحصول مما تجب فيه الزكاة - فينظر ما يقابل كل سهم من زروع وثمار وعلى صاحب السهم زكاته، فعليه عشره إن كان يسقى بدون كلفة، ونصف العشر إن كان يسقى بكلفة، بشرط أن يبلغ نصيب المساهم نصاباً وهو 300 صاع. وهذا الاتجاه مبني على أن المصانع والعمائر الاستغلالية كالفنادق والسيارات ونحوها ليس فيها زكاة , إلا في أرباحها إذا بلغت النصاب وحال عليها الحول. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (74987) . وهذا القول الثاني أصح، لأن السهم هو جزء من الشركة فكان له حكمها في الزكاة، سواء كانت شركة صناعية أو تجارية أو زراعية. وقد ذهب إلى هذا القول الشيخ عبد الرحمن عيسى في كتابه "المعاملات الحديثة وأحكامها" , والشيخ عبد الله البسام , ود/ وهبة الزحيلي كما في "مجلة المجمع الفقهي" (4/742) . وذكر البسام أن التفريق بين الشركات التجارية والشركات الصناعية هو قول الجمهور. مجلة المجمع الفقهي (4/1/725) . تنبيه: ويجب التنبه إلى أن الشركات الصناعية أو الزراعية لا تخلو خزائنها من أموال نقدية، وهذه الأموال لا إشكال في وجوب الزكاة فيها، فيقدر ما يعادل كل سهم من هذه النقود، ويكون على صاحب السهم إخراج زكاتها، إن بلغ نصاباً بمفرده، أو كان يبلغ النصاب بضمه إلى ما عنده من نقود. قاله الدكتور على السالوس، كما في "مجلة المجمع الفقهي" (4/1/849) . ونبه عليه الشيخ ابن عثيمين أيضا بقوله: " إن كان الإنسان قد اشترى هذه الأسهم للتجارة ـ بمعنى أنه يشتري هذه الأسهم اليوم ويبيعها غداً كلما ربح فيها ـ فإنه يجب عليه أن يزكي هذه الأسهم كل عام، ويزكي ما حصل فيها من ربح. وأما إذا كانت هذه الأسهم للاستغلال والتنمية، ولا يريد أن يبيعها فإنه ينظر؛ فما كان نقوداً ـ ذهباً أو فضة أو ورقاً نقديًّا ـ وجبت فيها الزكاة، لأن الزكاة في النقود والذهب والفضة واجبة بعينها، فيزكيها على كل حال. وحينئذ يسأل القائمين على هذه الدار عما له في خزينتهم من الأموال. وإن كانت أعياناً ومنافع؛ لا ذهباً، ولا فضة، ولا نقوداً، فإنه ليس فيها زكاة، وإنما الزكاة فيما يحصل بها من ربح إذا حال عليه الحول من ملكه إياه " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/199) . وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: استثمرنا مبالغ في شراء أسهم لشركات، علماً بأن بعض هذه الشركات ستخصم الزكاة الشرعية قبل توزيعها الربح وبعضها لا تحسب زكاة شرعية فهل تجب الزكاة على رأس المال أو على أرباح هذه الشركات؟ علماً بأن أصل المساهمة نوعان: أ - نوع بغرض استلام الأرباح فقط وليس بغرض بيع الأسهم. ب - ونوع آخر لبيع الأسهم كعروض تجارة. فأجابت: " عليه إخراج الزكاة عن السهام التي للبيع وعن أرباحها كل سنة، وإذا كانت الشركة تخرج الزكاة عن أصحابها بإذن منهم كفى ذلك، أما السهام التي أراد استثمارها فقط فإن الزكاة تجب في أرباحها إذا حال عليها الحول إلا أن تكون نقوداً فإن الزكاة تجب في الأصل والربح " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/341) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: تقيم بعض المؤسسات التجارية مساهمات في العقار وغيره، وتبقى المبالغ المالية مدة طويلة عند المؤسسة قد تصل إلى سنوات فكيف تزكى أموال هذه المساهمات؟ وهل يجوز أن يقوم صاحب المؤسسة بإخراج زكاة جميع هذا المال في وقته، ثم يقوم بحسمه من رأس مال المساهمين أو أرباحهم قبل توزيعها؟ فأجاب: " المساهمات التجارية تجب فيها الزكاة كل سنة؛ لأنها عروض تجارة، فتقدر قيمتها كل سنة حين وجوب الزكاة ويخرج ربع عشرها، سواء كانت تساوي قيمة الشراء، أو تزيد أو تنقص. أما إخراج صاحب المؤسسة لزكاة هذه المساهمات فإن كان بتوكيل من المساهمين فلا بأس، ويقدر الزكاة على ما سبق، وإن لم يوكلوه في إخراج الزكاة فلا يخرجها، لكن عليه أن يبلغ المساهمين بما تساوي وقت وجوب الزكاة، ليخرج كل واحد منهم زكاة سهمه بنفسه، أو يوكلوه في إخراج الزكاة، وإن وكله بعضهم دون بعض أخرج زكاة سهم من وكله دون الآخرين. ومعلوم أنه إذا أخرج الزكاة فسوف يحسمها من رأس المال، أو من الربح " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/217) . وخلاصة القول في هذا: أن الأسهم الذي أراد بها صاحبها التجارة والربح، وأسهم الشركات التجارية تجب فيها الزكاة، في أصل السهم وربحه. والشركات الصناعية تجب الزكاة في أرباحها إذا بلغت نصابا وحال عليها الحول، ولا زكاة في أسهمها إلا فيما يقابل السهم من نقود في خزينة الشركة. والشركات الزراعية تجب الزكاة فيما يقابل السهم من زروع أو ثمار إذا كانت من الأصناف التي تجب فيها الزكاة بشرط أن تبلغ حصة المساهم نصابا، وهو 300 صاع، وتجب الزكاة أيضاً فيما يقابل السهم من نقود في خزينة الشركة. هل الزكاة تجب على الشركة المساهمة أم على المساهمين؟ ذهب بعض الباحثين إلى أن زكاة الأسهم واجبة على الشركة، واحتجوا بأن الشركة المساهمة لها شخصية اعتبارية مستقلة، فهي تملك التصرف في المال، والزكاة تكليف متعلق بالمال، ولذلك لا يشترط لها البلوغ والعقل. وأجيب عن هذا بأن الشركة وإن كان لها شخصية اعتبارية فإن هذه الشخصية لا تصلح لوجوب الزكاة عليها، إذ من شروط وجوب الزكاة: الإسلام والحرية. . . إلخ وهي أوصاف لا توصف بها الشركة. ثم إن ملك الشركة للمال إنما هو بالنيابة عن المساهمين، فالملك في الأصل هو للمساهمين لا للشركة. واحتجوا أيضاً بالقياس على المشاركة في بهيمة الأنعام، فإن الزكاة تجب في المال المجتمع ككل، وليس في مال كل شريك على حدة. وأجيب عن هذا بأن وجوب الزكاة في الماشية المجتمعة ليس معناه أن المال وجب على الشركة باعتبارها شخصية اعتبارية، وإنما معناه ضم مال الشركاء بعضه إلى بعض وحساب زكاته كمالٍ لشخص واحد. وذهب جمهور العلماء والباحثين إلى وجوب الزكاة على المساهم – وهو الصواب – لأن المساهم هو المالك الحقيقي للمال، والشركة تتصرف في أسهمه نيابة عنه حسب الشروط المذكورة في نظام الشركة. ولأن الزكاة عبادة تحتاج إلى نية عند فعلها، ويثاب على إخراجها ويعاقب على منعها، وهو ما لا يتصور في الشركة المساهمة. من الذي يخرج زكاة الأسهم: الشركة أم صاحب السهم؟ الأصل أن الذي يخرج زكاة السهم هو صاحب السهم نفسه، لأنه المالك له المكلف بإخراج زكاته، لكن لا حرج من إخراج الشركة الزكاة نيابة عن أصحاب الأسهم، وقد ذكر المجمع الفقهي أنه لا مانع من إخراج الشركة المساهمة الزكاة في أربع حالات: " إذا نص في نظامها الأساسي على ذلك، أو صدر به قرار من الجمعية العمومية، أو كان قانون الدولة يلزم الشركات بإخراج الزكاة، أو حصل تفويض من صاحب الأسهم لإخراج إدارة الشركة زكاة أسهمه". "مجلة المجمع الفقهي" (4/1/881) . قدر زكاة الأسهم: زكاة أسهم الشركات هو ربع العشر أي: 2.5 بالمائة سواء قصد مالكها بها التجارة أو الاقتناء من أجل أرباحها السنوية , لأنها إن كانت من أجل التجارة بها , فهي عروض تجارة , وزكاة عروض التجارة ربع العشر , وإن كانت من أجل الاقتناء والربح السنوي فهي تشبه العقار المؤجر , وزكاة أجرة العقار ربع العشر. متى يبدأ حساب الحول للأسهم؟ أما الأسهم في الشركات التجارية، أو الأسهم الذي يتاجر فيها صاحبها فالأرباح فيها تابعة لأصل المال في الحول، لأن ربح التجارة لا يحسب له حول جديد، بل حوله هو حول أصل المال إن كان أصل المال يبلغ النصاب. "المغني" (4/75) . ويجب التنبه إلى أن عروض التجارة إذا اشتريت بذهب أو فضة أو نقود لا يبدأ لها حول جديد من شرائها وإنما يبني على حول النقود التي اشتريت بها إن كانت نصاباً. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " واعلم أن عروض التجارة ليس حولها أن تأتي سنة بعد شرائها، بل إن حولها حول المال الأصلي، لأنها عبارة عن دراهم من رأس مالك حولتها إلى عروض، فيكون حولها حول مالك الأول " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/234) . انظر جواب السؤال (32715) . أما الشركات الصناعية والتي تقتنى أسهمها من أجل الاستثمار والربح السنوي منها لا بقصد التجارة، فهذه الأسهم تجب الزكاة في أرباحها إن بلغ الربح بمفرده نصابا، أو كان يبلغ النصاب بضمه إلى ما عنده من نقود، ويبدأ حساب الحول من حين قبض هذه الأرباح، كما قرر ذلك المجمع الفقهي، والشيخ عبد الله البسام. انظر: مجلة المجمع الفقهي (4/1/722) . وينبغي التنبه إلى أن أسهم الشركات الزراعية، والتي تجب فيها زكاة الزروع والثمار لا يشترط لوجوب الزكاة فيها مرور الحول، باتفاق العلماء، لقوله سبحانه: (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) الأنعام/141. "الموسوعة الفقهية" (23/281) . فتقدر زكاة كل محصول بمفرده. كيف تحسب قيمة السهم لإخراج الزكاة؟ أما الأسهم التي تجب فيها الزكاة (وهي الأسهم التي يتاجر فيها صاحبها، أو أسهم الشركات التجارية) فتخرج الزكاة على حسب قيمتها السوقية في نهاية الحول. لأن هذه الأسهم عروض تجارة، وعروض التجارة تقوم في نهاية الحول ثم تخرج زكاتها على هذه القيمة، بقطع النظر عن قيمة السهم الاسمية. انظر السؤال (32715) . وأما الأسهم التي لا زكاة فيها (وهي أسهم الشركات الصناعية) فلا يحتاج إلى تقويمها في نهاية الحول لأن الزكاة إنما هي على الأرباح وليست على الأسهم. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: الزكاة على الأسهم تكون على القيمة الرسمية للسهم أم القيمة السوقية أم ماذا؟ فأجاب: " الزكاة على الأسهم وغيرها من عروض التجارة تكون على القيمة السوقية، فإذا كانت حين الشراء بألف ثم صارت بألفين عند وجوب الزكاة فإنها تقدر بألفين، لأن العبرة بقيمة الشيء عند وجوب الزكاة لا بشرائه " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/197) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69912 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2326 الفرق بين الأسهم والسندات [السُّؤَالُ] ـ[نعلم أن الأسهم تجب فيها الزكاة، فهل السندات أيضاً عليها زكاة؟ وكيف تحسب زكاتها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: أما زكاة الأسهم فقد سبق في السؤال (69912) تفصيل القول في زكاتها، وأن من الأسهم ما تجب فيه الزكاة، ومنها ما لا تجب فيه الزكاة. وأما السندات فهي غير الأسهم. فالسند هو تعهد مكتوب بمبلغ من الدَّين (قرض) لحامله في تاريخ معين نظير فائدة مقدرة. أما السهم فهو نصيب الشريك في رأس مال شركة مساهمة. ومن هذين التعريفين يتبين الفرق بين الأسهم والسندات. الفرق بين السهم والسند: 1- السهم يمثل حصة في الشركة بمعنى أن صاحبه شريك , أما السند فهو يمثل دَيْناً على الشركة , بمعنى أن صاحبه مقرض أو دائن. وبناءاً على هذا , لا يحصل صاحب السهم على الأرباح إلا حين تحقق الشركة أرباحاً فقط , أما صاحب السند فيتلقى فائدة ثابتة سنوياً سواء ربحت الشركة أم لا. وبناءاً على هذا أيضاً: إذا خسرت الشركة فإن صاحب السهم يتحمل جزءاً من هذه الخسارة حسب الأسهم التي شارك بها , لأنه شريك ومالك لجزء من الشركة , فلابد من تحمله جزءاً من الخسارة , أما صاحب السند فلا يتحمل شيئاً من خسارة الشركة لأنه ليس شريكاً فيها , وإنما هو مقرض فقط، مقابل فائدة متفق عليه سواء ربحت الشركة أم خسرت. حكم التعامل بالسندات: التعامل بالسندات محرم شرعاًَ , لأنها قرض مقابل فائدة متفق عليها، وهذا هو الربا الذي حرمه الله تعالى وتوعد عليه بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278، 279. وقد لعن الرسول صلى الله عليه وسلم أكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء. رواه مسلم (2995) . وجاء في المؤتمر الثاني للمصرف الإسلامي بالكويت عام 1403 هـ /1983 م: " أن ما يسمى بالفائدة في اصطلاح الاقتصاديين الغربيين ومن تابعهم هو عين الربا المحرم شرعاً " انتهى. "مجلة المجمع الفقهي" (4/1/732) . وانظر جواب السؤال (2143) . زكاة السندات: بالرغم من تحريم التعامل بالسندات فإن الزكاة واجبة فيها لأنها تمثل دَيْناً لصاحبها , والدَّيْن الذي يُرجى تحصيله تجب فيه الزكاة عند جمهور العلماء , فيحسب زكاته كل عام، ولكن لا يلزمه إخراجها إلا إذا قبض قيمة السند , أما الفائدة التي يأخذها مقابل السند فهي مال خبيث محرم، يجب عليه التخلص منه في أوجه البر المتنوعة. والقدر الواجب إخراجه من الزكاة هو 2.5 بالمائة. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69941 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2327 ما هو الأفضل في رمضان الزكاة بالمال أو إطعام الفقراء؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما هو الأفضل في رمضان الزكاة بالمال أو إطعام الفقراء؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أما الزكاة المفروضة فهي عبادة لها وقتها المقدَّر، وهو مرور سنة هجرية على النصاب، فإذا تمت السنة وجب إخراج الزكاة، ولا يجوز لمن وجب في ماله الزكاة وحل موعدها أن يتأخر عن أدائها إلا لعذر شرعي. ولا يجوز انتظار شهر رمضان لأدائها فيه، إلا إذا كان الانتظار يسيرا كأسبوع أو أسبوعين. وانظر جواب السؤال رقم (13981) . قال ابن قدامة رحمه الله: " وتجب الزكاة على الفور، فلا يجوز تأخير إخراجها مع القدرة عليه والتمكن منه إذا لم يخش ضرراً، وبهذا قال الشافعي " انتهى. " المغني " (2 / 289) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل الزكاة تفضل في رمضان مع أنها ركن من أركان الإسلام؟ فأجاب: " الزكاة كغيرها من أعمال الخير تكون في الزمن الفاضل أفضل، لكن متى وجبت الزكاة وتمَّ الحوْل وجب على الإنسان أن يُخرجها ولا يؤخرها إلى رمضان، فلو كان حوْل ماله في رجب: فإنه لا يؤخرها إلى رمضان بل يؤديها في رجب، ولو كان يتم حولها في محرَّم فإنه يؤديها في محرم، ولا يؤخرها إلى رمضان، أما إذا كان حوْل الزكاة يتم في رمضان: فإنه يُخرجها في رمضان " انتهى. " فتاوى إسلاميَّة " (2 / 164) . ولعل قصد السائل بالزكاة: صدقة التطوع، ولا شك أن الجود والبذل والعطاء بالمال والطعام والكسوة وغيرها: في رمضان أفضل من فعلها في غيره من الشهور ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود ما يكون في شهر رمضان. فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ , فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ. رواه البخاري (6) ومسلم (2308) . قال النووي: وَفِي هَذَا الْحَدِيث فَوَائِد مِنْهَا: اِسْتِحْبَاب إِكْثَار الْجُود فِي رَمَضَان. " شرح مسلم " (15 / 69) . وقال ابن القيم رحمه الله: " وكان صلى الله عليه وسلم أجودَ الناس، وأجودُ ما يكون في رمضان، يُكثر فيه مِن الصدقة والإحسان وتلاوة القرآن والصلاة والذكر والاعتكاف " انتهى. " زاد المعاد " (2 / 32) . وإطعام الطعام فيه أجر عظيم لفاعله، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى أن من صفات المؤمنين الذين استحقوا الجنة أنهم يطعمون الطعام، فقال تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا. إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا. إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا. فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا. وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا) الإنسان/8-12، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه (مَنْ فَطَّرَ صَائِماً كانَ لَهُ مِثْلَ أَجْرِه) رواه الترمذي (807) وابن ماجه (1746) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ". وقد كان السلف الصالح يحرصون على إطعام الطعام، وذلك لما ورد من الترغيب فيه، مع ما ينشأ عنه من عبادات كثيرة منها: التودد والتحبب إلى المُطعَمين فيكون ذلك سبباً في دخول الجنة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولن تؤمنوا حتى تحابوا) ، كما ينشأ عنها مجالسة الصالحين واحتساب الأجر في معونتهم على الطاعات التي تقووا عليها بطعامك. وأما تفضيل أحدهما على الآخر؛ " فقد كان كثير من السلف يفضل إطعام الإخوان على الصدقة على المساكين. وقد روي في هذا المعنى مرفوعاً من حديث أنس بإسناد ضعيف، ولاسيما إن كان الإخوان لا يجدون مثل ذلك الطعام. وروي عن علي رضي الله عنه قال: لأن أجمع أناسا من إخواني على صاع من طعام، أحب إلي من أن أدخل سوقكم فأبتاع نسمة فأعتقها. وعن أبي جعفر محمد بن علي قال: لأن أدعو عشرة من أصحابي فأطعمهم طعاماً يشتهونه أحب إلي من أن أعتق عشرة من ولد إسماعيل ". شرح حديث "اختصام الملأ الأعلى " لابن رجب، من "مجموع الرسائل" (4/41) . والحاصل: أن كلاًّ من الصدقة بالمال وإطعام الطعام له فضل كبير، فاحرص على الأمرين معا، وليكن لك نصيب من كل عبادة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 67280 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2328 هل يصح أن يضم ماله مع مال زوجته ويزكيهما معاً؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا موظف، وزوجتي أيضا، ومالي ومالها واحد، نأخذ من هذا، ومن ذاك، والطريقة في إخراج زكاة مالنا: أنني أقوم بجمع جميع الأموال الموجودة في تاريخ محدد من الشهر الفضيل والذهب ثم أقسم على أربعين، فهل هناك حرج من تداخل الأموال والطريقة في إخراج الزكاة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج من ضم نقودك إلى نقود زوجتك وذهبها ثم زكاة الجميع معاً , وذلك لأن زكاة النقود والذهب والفضة لا تختلف بالضم أو التفريق , لأن الواجب هو إخراج ربع العشر سواء قَلَّ المال أو كثر، ما دام قد بلغ النصاب. وإنما تختلف الزكاة بالضم أو التفريق في بهيمة الأنعام فقط (الإبل والبقر والغنم) . وما تفعله أنت وزوجتك فيما توفرانه من رواتبكما وإخراج زكاته مع ما عندها من الذهب في شهر واحد هو أفضل وأيسر طرق إخراج زكاة الراتب. وما حسبته من قسمة المال على أربعين صحيح؛ لأن الواجب في زكاة الذهب والنقد ربع العشر وهو واحد من أربعين. وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: رجل يعتمد في دخله على المرتب الشهري فيصرف بعضه ويوفر البعض الأخر فكيف يخرج زكاة هذا المال؟ فأجاب: " عليه أن يضبط بالكتابة ما يدخره من مرتباته، ثم يزكيه إذا حال عليه الحول، كل وافر شهر يزكَّى إذا حال عليه الحول، وإن زكى الجميع تبعاً للشهر الأول: فلا بأس، وله أجر ذلك، وتعتبر الزكاة معجلة عن الوفر الذي لم يحل عليه الحول، ولا مانع من تعجيل الزكاة إذا رأى المزكي المصلحة في ذلك، أما تأخيرها بعد تمام الحول: فلا يجوز إلا لعذر شرعي: كغيبة المال، أو غيبة الفقراء " انتهى. " تحفة الإخوان بأجوبة مهمة تتعلق بأركان الإسلام " (السؤال 12) . وللتفصيل في زكاة الراتب انظر جواب السؤال: (26113) وفيه فتوى عن اللجنة الدائمة بمثل فتوى الشيخ ابن باز رحمه الله. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 66919 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2329 هل تجوز كفالة اليتيم من مال الزكاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل تجوز كفالة اليتيم من زكاة الأموال؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الزكاة لها مصارف محددة، بينها الله تعالى بقوله: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة/60. فإذا كان اليتيم واحدا من هؤلاء، كأن كان فقيرا أو مسكينا، جاز دفع الزكاة إليه. ومجرد وصف الشخص بأنه يتيم لا يعني ذلك أنه من مصارف الزكاة، لأنه قد يكون غنياً عنده من المال ما يكفيه. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن دفع الزكاة في كفالة الأيتام فأجاب: " الأيتام الفقراء من أهل الزكاة فإذا دفعت الزكاة إلى أوليائهم فهي مجزئة إذا كانوا مأمونين عليها، فيعطى وليهم ما يسد حاجتهم ويشتري بها هو نفسه ما يحتاجون " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثمين" (18/346) . وقال أيضاً: " ولكن هنا تنبيه: وهو أن بعض الناس يظن أن اليتيم له حق من الزكاة على كل حال، وليس كذلك فإن اليتيم ليس من جهات استحقاق أخذ الزكاة، ولا حق لليتيم في الزكاة إلا أن يكون من أصناف الزكاة الثمانية. أما مجرد أنه يتيم فقد يكون غنيًّا لا يحتاج إلى زكاة " <. "مجموع فتاوى ابن عثمين" (18/353) . وقال أيضاً: " يجب أن نعلم أن الزكاة ليست للأيتام، الزكاة للفقراء والمساكين وبقية الأصناف، واليتيم قد يكون غنيًّا، قد يترك له أبوه مالاً يغنيه، وقد يكون له راتب من الضمان الاجتماعي أو غيره يستغني به. ولهذا نقول: يجب على ولي اليتيم ألا يقبل الزكاة إذا كان عند اليتيم ما يغنيه. أما الصدقة فإنها مستحبة على اليتامى وإن كانوا أغنياء " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثمين" (18/307) . وأما تقسيط الزكاة على الفقراء، فقد سبق في جواب السؤال (52852) أن ذلك لا يجوز لما فيه من تأخير الزكاة بعد مرور الحول، إلا إذا أخرجها معجلة فلا بأس بتقسيطها على الفقراء حينئذ لأنه لم يؤخرها بعد وجوبها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 66116 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2330 ما هو السن المناسب لتعويد الأطفال على الصيام؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما هو السن الذي يجب على الأطفال الصيام فيه؟ وكيف نشجعهم على الصيام والصلاة في المسجد وخاصة صلاة التراويح؟ وهل توجد أفكار دينية بسيطة لشغل أوقات فراغ الأطفال في رمضان؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يجب الصيام على الطفل الصغير حتى يبلغ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاثَةٍ: عَنْ الْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ حَتَّى يفِيقَ، وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ) رواه أبو داود (4399) . وصححه الألباني في صحيح أبي داود. ومع ذلك، فينبغي أمر الصبي بالصيام حتى يعتاده، ولأنه يكتب له الأعمال الصالحة التي يفعلها. والسن الذي يبدأ الوالدان بتعليم أولادهما الصيام فيه هو سن الإطاقة للصيام، وهو يختلف باختلاف بنية الولد، وقد حدَّه بعض العلماء بسن العاشرة. قال الخرقي: " وإذا كان الغلام عشر سنين، وأطاق الصيام أُخِذَ به ". قال ابن قدامة: " يعني: أنه يُلزم الصيام، يؤمر به، ويضرب على تركه، ليتمرن عليه ويتعوده، كما يُلزم بالصلاة ويؤمر بها، وممن ذهب إلى أنه يؤمر بالصيام إذا أطاقه: عطاء والحسن وابن سيرين والزهري وقتادة والشافعي. وقال الأوزاعي: إذا أطاق صوم ثلاثة أيام تباعا لا يخور فيهن ولا يضعف حُمِّلَ صومَ شهر رمضان، وقال إسحاق: إذا بلغ ثنتي عشرة أحب أن يكلف الصوم للعادة. واعتباره بالعشر أولى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالضرب على الصلاة عندها، واعتبار الصوم بالصلاة أحسن لقرب إحداهما من الأخرى، واجتماعهما في أنهما عبادتان بدنيتان من أركان الإسلام، إلا أن الصوم أشق فاعتبرت له الطاقة، لأنه قد يطيق الصلاة من لا يطيقه " انتهى. " المغني " (4/412) . وقد كان هذا هو هدي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مع أولادهم، يأمرون من يطيق منهم بالصيام فإذا بكى أحدهم من الجوع دُفع إليه اللعب يتلهى بها، ولا يجوز الإصرار عليهم بالصيام إذا كان يضرهم بسبب ضعف بنيتهم أو مرضهم. قال الشيخ ابن عثيمين: " والصغير لا يلزمه الصوم حتى يبلغ، ولكن يؤمر به متى أطاقه ليتمرن عليه ويعتاده، فيسهل عليه بعد البلوغ، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم - وهم خير هذه الأمة - يصوِّمون أولادهم وهم صغار " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (19 / 28، 29) وسئل الشيخ رحمه الله تعالى: طفلي الصغير يصر على صيام رمضان رغم أن الصيام يضره لصغر سنه واعتلال صحته، فهل أستخدم معه القسوة ليفطر؟ فأجاب: " إذا كان صغيراً لم يبلغ فإنه لا يلزمه الصوم، ولكن إذا كان يستطيعه دون مشقة فإنه يؤمر به، وكان الصحابة رضي الله عنهم يُصوِّمون أولادهم، حتى إن الصغير منهم ليبكي فيعطونه اللعب يتلهى بها، ولكن إذا ثبت أن هذا يضره فإنه يمنع منه، وإذا كان الله سبحانه وتعالى منعنا من إعطاء الصغار أموالهم خوفاً من الإفساد بها، فإن خوف إضرار الأبدان من باب أولى أن نمنعهم منه، ولكن المنع يكون عن غير طريق القسوة، فإنها لا تنبغي في معاملة الأولاد عند تربيتهم " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (19/83) . ثانياً: يمكن للوالدين تشجيع أولادهم على الصيام بإعطائهم هدية في كل يوم، أو بتذكية روح المنافسة بينهم وبين أقرانهم أو من هو دون سنهم، ويمكن تشجيعهم على الصلاة بأخذهم إلى المساجد للصلاة فيها، وبخاصة إذا خرجوا مع الأب وصلوا في مساجد متفرقة في كل يوم. وكذلك يمكن تشجيعهم بمكافأتهم على ذلك، سواء كانت المكافأة بالثناء عليهم ومدحهم، أو بإخراجهم للتنزه أحياناً، أو شراء ما يحبون ......... ونحو ذلك. وللأسف يوجد تقصير عظيم من بعض الآباء والأمهات تجاه أولادهم في هذا التشجيع، بل تجد في بعض الأحيان الصد عن هذه العبادات، ويظن بعض هؤلاء الآباء والأمهات أن الرحمة والشفقة تقتضي عدم تصويمهم أو عدم قيام أبنائهم للصلاة، وهذا خطأ محض من حيث الشرع، ومن حيث التربية. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: " أوجب الله الصيام أداء على كل مسلم مكلف قادر مقيم، فأما الصغير الذي لم يبلغ فإن الصيام لا يجب عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاثة: وذكر: الصبي حتى يبلغ) ، ولكن يجب على وليه أن يأمره بالصيام إذا بلغ حدّاً يطيق الصيام فيه؛ لأن ذلك من تأديبه وتمرينه على فعل أركان الإسلام، ونرى بعض الناس ربما يترك أولاده فلا يأمرهم بصلاة ولا صوم وهذا غلط، فإنه مسؤول عن ذلك بين يدي الله تبارك وتعالى، وهم يزعمون أنهم لا يُصَوِّمون أولادهم شفقة عليهم ورحمة بهم، والحقيقة أن الشفيق على أولاده والراحم لهم هو من يمرنهم على خصال الخير وفعل البر، لا من يترك تأديبهم وتربيتهم تربية نافعة " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (19 / 19، 20) . ثالثاً: ويمكن للوالدين شغل أوقات أولادهم بقراءة القرآن وحفظ جزء يسير كل يوم منه، وكذلك بقراءة كتب تناسب مستواهم، وإسماعهم أشرطة متنوعة تجمع بين الفائدة والمرح كالأناشيد، وإحضار الأشرطة المرئية المفيدة لهم، وقد جمعت " قناة المجد للأطفال " أكثر هذه الأشياء، فيمكن تخصيص وقتٍ كلَّ يومٍ لمتابعة ما يفيد الأطفال منها. وإننا لنشكر الأخت السائلة على اهتمامها بتربية الأولاد، وهذا يدل على خير في الأسر المسلمة لكن كثيرين لم يحسنوا تفجير طاقات أولادهم الذهنية والبدنية، فتعودوا على الراحة والكسل والاعتماد على غيرهم، كما لم يُهتم بتنشيطهم على العبادة كالصلاة والصيام فتربى أجيال كثيرة على هذا فنفرت قلوبهم من العبادة بعدما كبروا، وصعُب على آبائهم توجيههم ونصحهم، ولو أنهم اهتموا بالأمر من بدايته لما حصل الندم في آخره. ونسأل الله تعالى أن يعيننا على تربية أولادنا، وعلى تحببيهم في العبادة، وأن يوفقنا لأداء ما أوجب علينا تجاههم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65558 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2331 لا بأس بإخراج زكاة عروض التجارة من البضاعة [السُّؤَالُ] ـ[عندي محل مواد غذائية به بضاعة بقيمة خمسين ألف دينار تقريبا، وعليّ دين بعشرين ألف دينار. زكاة المحل وجبت الآن، كيف أخرجها ولا أملك مالاً في خزينة المحل إلا القليل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: اختلف العلماء فيمن عنده نصاب من المال تجب فيه الزكاة، وعليه دين، هل تجب الزكاة في مقدار الدين من المال أو لا؟ والراجح أن الدَّين لا يمنع وجوب الزكاة، وعلى هذا فإنك تقَوِّم البضاعة الموجودة بالمحل في نهاية الحول، ثم تخرج زكاة جميع المال، ولا تخصم منه مقدار الدين الذي عليك. راجع السؤال رقم (22426) ثانياً: أما إخراج الزكاة وليس عندك نقود، فالقول الراجح في زكاة عروض التجارة أنه يجوز إخراجها عروضاً. وعلى هذا؛ فإن لم يكن معك نقود، فإنك تخرج الزكاة من البضاعة الموجودة عندك بالمحل، ويجزئك ذلك إن شاء الله تعالى، ولا يجوز لك تأخير الزكاة بعد وجوبها. راجع السؤال (13981) قال شيخ الإسلام رحمه الله: يجوز إخراج زكاة العروض عرضاً اهـ. " الاختيارات " ص 101. وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: هل يجوز إخراج الزكاة من الأقمشة؟ فأجاب: " يجوز ذلك في أصح قولي العلماء، الطيب عن الطيب، والرديء عن مثله حسب القيمة، مع الحرص على ما يبرئ الذمة، لأن الزكاة مواساة، من الغني للفقراء، فجاز له أن يواسيهم من القماش بقماش، كما يواسيهم من الحبوب والتمور والبهائم الزكوية من نفسها " اهـ. "فتاوى الشيخ ابن باز" (14/253) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 22449 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2332 حكم دفع الصدقات لمن عنده بدعة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز دفع الصدقات والمساعدات المالية لمن عنده بعض البدع؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا شك أن إعانة المسلم، وتفريج كربته، وسد خلته وعوزه، وكف ضيعته، كل ذلك من مقتضيات موالاته التي وجبت له بأصل إيمانه، كما قال الله تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) التوبة/71. وإلى ذلك يشير قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الْمُؤْمِنُ مِرْآةُ الْمُؤْمِنِ، وَالْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ، يَكُفُّ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ، وَيَحُوطُهُ مِنْ وَرَائِهِ) رواه أبو داود (4918) وحسنه الألباني. وقوله صلى الله عليه وسلم: (يَكُفّ عَلَيْهِ ضَيْعَته) : أَيْ يَمْنَع تَلَفه وَخُسْرَانه. قال ابن الأثير: وَضَيْعَة الرَّجُل مَا يَكُون مِنْ مَعَاشه كَالصَّنْعَةِ وَالتِّجَارَة وَالزِّرَاعَة وَغَيْر ذَلِكَ، أَيْ يَجْمَع إِلَيْهِ مَعِيشَته، وَيَضُمّهَا لَهُ وقوله: (وَيَحُوطهُ مِنْ وَرَائِهِ) : أَيْ يَحْفَظهُ وَيَصُونَهُ وَيَذُبّ عَنْهُ بِقَدْرِ الطَّاقَة. [انظر: عون المعبود] وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا ـ وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ ـ) رواه البخاري (481) ومسلم (2585) . قال النووي: " قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْمُؤْمِن لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضه بَعْضًا) صَرِيح فِي تَعْظِيم حُقُوق الْمُسْلِمِينَ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض , وَحَثّهمْ عَلَى التَّرَاحُم وَالْمُلاطَفَة وَالتَّعَاضُد فِي غَيْر إِثْم وَلا مَكْرُوه) . والنصوص الشرعية من الكتاب والسنة الصحيحة كثيرة في هذا المعنى، وفي جميعها تعليق للموالاة والنصرة والحيطة بأسماء الإيمان والإسلام، فالواجب أن يكون ذلك هو أساس الحب والبغض، والعطاء والمنع، كما قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَعْطَى لِلَّهِ تَعَالَى وَمَنَعَ لِلَّهِ تَعَالَى وَأَحَبَّ لِلَّهِ تَعَالَى وَأَبْغَضَ لِلَّهِ تَعَالَى وَأَنْكَحَ لِلَّهِ تَعَالَى فَقَدْ اسْتَكْمَلَ إِيمَانَهُ) أحمد (1519) والترمذي (2521) وأبو داود (4681) وحسنه الألباني. وإذا كان الناس متفاوتين في معاني الإيمان والإسلام، فبعضهم أتقى لله، وأعظم استكمالا لهذه المعاني من بعض، فكذلك يتفاوت ما لكل واحد من حقوق الموالاة، بمقدار تحقيقه هذه المعاني، وإن اشتركوا في أصل الموالاة الواجبة. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى [28/ 209] : (الله سبحانه بعث الرسل وأنزل الكتب ليكون الدين كله لله، فيكون الحب لأوليائه، والبغض لأعدائه والإكرام لأوليائه، والإهانة لأعدائه، والثواب لأوليائه والعقاب لأعدائه. وإذا اجتمع في الرجل الواحد خير وشر، وفجور وطاعة ومعصية، وسنة وبدعة، استحق من الموالاة والثواب بقدر ما فيه من الخير، واستحق من المعاداة والعقاب بحسب ما فيه من الشر، فيجتمع في الشخص الواحد موجبات الإكرام والإهانة، فيجتمع له من هذا وهذا، كاللص الفقير تقطع يده لسرقته، ويعطى من بيت المال ما يكفيه لحاجته. هذا هو الأصل الذي اتفق عليه أهل السنة والجماعة..) . وعلى هذا الأصل العام ينبني الجواب عن هذا السؤال. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (البدعة منها ما يُعذر فيه الإنسان، ومنها ما يصل إلى درجة الفسق، ومنها ما يصل إلى درجة الكفر؛ فأصحاب البدعة المكفرة لا تجوز معونتهم إطلاقا، وإن تسموا بالإسلام، لأن تسميهم بالإسلام مع الإقامة والإصرار على البدعة المكفرة، بعد البيان، يُلحقهم بالمنافقين الذين قالوا نشهد إنك لرسول الله، فقال الله تعالى: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) المنافقون/1. أما البدع المفسقة، أو التي يعذر فيها الإنسان بعذر سائغ، فإن بدعتهم لا تمنع معونتهم، فيعاونون على أعدائهم الكفار، لأنهم لا شك خير من هؤلاء الكفار.) الباب المفتوح، اللقاء الثاني 1/66. لكن ينبغي أن يُمنعوا من صرف هذه الأموال في إقامة بدعتهم، أو نشرها، فإن علم منهم، أو غلب على ظن المعطي أنهم يستعينون بها على بدعتهم، ولم يمكن منعهم من ذلك، ولا صرفها في حاجاتهم المباحة، فإنهم لا يُعطون من هذه الأموال، لما فيه من إعانتهم على إثمهم، وقد قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثم وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 21944 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2333 لا تخصم المصروفات التي أنفقها على الزرع من الزكاة [السُّؤَالُ] ـ[عندي نخل وأريد أن أؤدي زكاته، فهل يخصم من الزكاة المصروفات مثل (النقل، أجور الذي يجني التمر، أجور الذي يبيع التمر) ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا تخصم المصروفات التي ينفقها صاحب الزرع على زرعه من الزكاة، والواجب في الزكاة إخراج عشر الزرع أو الثمر إن كان السقي بلا كلفة، ونصف العشر إن كان السقي بكلفة. راجع السؤال رقم (36778) . قال ابن قدامة في "المغني" (4/179) : "وَالْمُؤْنَةُ الَّتِي تَلْزَمُ الثَّمَرَةَ إلَى حِينِ الإِخْرَاجِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ; لأَنَّ الثَّمَرَةَ كَالْمَاشِيَةِ , وَمُؤْنَةُ الْمَاشِيَةِ وَحِفْظُهَا وَرَعْيُهَا , وَالْقِيَامُ عَلَيْهَا إلَى حِينَ الإِخْرَاجِ , عَلَى رَبِّهَا , كَذَا هَاهُنَا" اهـ. وسئلت اللجنة الدائمة (9/220) : هل تخرج زكاة المزرعة بعد حسم قيمة المصروفات على هذه المزرعة أم قبل حساب تلك المصروفات وما هو مقدار الزكاة التي تخرج من المزرعة حيث الري فيها بالآلة؟ فأجابت: تخرج زكاة الحبوب والثمار إذا بلغت نصابا فأكثر بقطع النظر عما أنفق على المزرعة من مصروفات، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر عماله بخرص الثمار على أهلها ثم يأخذ الزكاة بموجب الخرص، ولا يسألهم عن نفقاتها. ومقدار الواجب فيما سقي بالآلات نصف العشر، وما سقي بالأمطار والأنهار ونحو ذلك مما لا مؤنة فيه العشر. وسئلت اللجنة الدائمة أيضا (9/230) : عن رجل صاحب مزرعة عنب ويستأجر عمالاً وسيارات لجمع المحصول وتصديره فهل تخرج الزكاة بعد تصفية هذه الأجور أم أن الزكاة تجب على المحصول؟ فأجابت: "تخرج الزكاة قبل إخراج أجور العمال التي تصرف عليه لتسويقه" اهـ باختصار. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 48982 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2334 يريد أن يتصدق عن مسلم فاسق [السُّؤَالُ] ـ[إذا كنت أعرف بعض المسلمين غير المستقيمين، فهل يجوز لي أن أتبرع بشيء من المال نيابة عنهم؟ هل سيعرف هؤلاء الناس يوم القيامة بأن قسما من حسناتهم أتى من شخص تبرع بالمال عنهم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم يجوز لك أن تتصدق عن أخيك المسلم ولو كان مرتكبا لبعض المعاصي، ونسأل الله أن يثيبك على ذلك. ولا شك بأنهم سيعلمون يوم القيامة بأنك تصدقت عنهم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ سعد الحميد. الحديث: 11074 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2335 الفرق بين زكاة المال وزكاة الفطر [السُّؤَالُ] ـ[هل الزكاة المفروضة علي المسلم التي في الأركان الخمسة غير زكاة رمضان؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، الزكاة التي هي ركن من أركان الإسلام الخمسة غير الزكاة التي تجب بالفطر من رمضان. فالأولى هي زكاة المال لا تجب إلا في أصناف معينة من المال وهي: 1- بهيمة الأنعام (الإبل والبقر والغنم) . 2- الذهب والفضة. ومثلهما الآن الأوراق النقدية. 3- عروض التجارة. 4- الخارج من الأرض وهذا يشمل شيئين: الأول: الزروع والثمار. وأجمع العلماء على وجوبها في أربعة أصناف وهي: القمح والشعير والتمر والزبيب. واختلفوا فيما عدا هذه الأصناف الأربعة. الثاني: الركاز وهو مال الكفار المدفون بالأرض الذي يجده مسلم. ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " مجموع الفتاوى" (25/10) عن ابن المنذر رحمه الله أنه قال: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي تِسْعَةِ أَشْيَاءَ: فِي الإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْبُرِّ (القمح) وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ. إذَا بَلَغَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِنْهَا مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ اهـ. واختلفوا فيما عدا هذه الأموال. وتجب الزكاة في هذه الأموال بشروط معينة، والواجب إخراج قدر معين من المال حدَّده الشرع. راجع أسئلة الموقع في قسم الزكاة لزيادة التفصيل. وهذه الزكاة (زكاة المال) ركن من أركان الإسلام يكفر منكرها، ومانعها فاسق قطعاً، وعلى الحاكم المسلم أخذها منه قهراً، فإن أصر على منعها واحتمى بعشيرته قوتل حتى يؤديها. روى البخاري (8) ومسلم (16) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ الإِسْلامَ بُنِيَ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَصِيَامِ رَمَضَانَ وَحَجِّ الْبَيْتِ. وروى البخاري (25) ومسلم (22) عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلا بِحَقِّ الإِسْلامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ. وأجمع الصحابة رضي الله عنهم على قتال مانعي الزكاة، فقد روى البخاري (1400) ومسلم (20) عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنْ الْعَرَبِ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ فَمَنْ قَالَهَا فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ فَقَالَ وَاللَّهِ لأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا (شاة صغيرة) كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلا أَنْ قَدْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ. وأما الزكاة التي تجب في آخر رمضان فهي زكاة الفطر وقد أجمع العلماء على وجوبها، إلا من شذ. انظر: "طرح التثريب" (4/46) . وهي دون زكاة المال في الوجوب والمنزلة، فزكاة الفطر ليست ركنا من أركان الإسلام، ولا يكفر منكرها. وزكاة الفطر قد ورد ذكرها في أحاديث كثيرة، منها: روى البخاري (1503) ومسلم (984) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاةِ. وروى أبو داود (1609) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ. حسنه الألباني في صحيح أبي داود. وراجع السؤال رقم (12459) زيادة التفصيل. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49632 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2336 زكاة النخيل الموجودة في البيوت [السُّؤَالُ] ـ[كثير من البيوت يوجد بها نخيل، وفيه ثمر قد يصل إلى حد النصاب وقد يتعداه، فهل تجب فيها الزكاة؟ وإن كان يهدى منها ويؤكل فهل يجزئ ذلك عن الزكاة أم لا؟ وما مقدار الزكاة إن وجدت؟ وما مقدار النصاب؟ وإذا كانت فسائلها تباع فهل فيها زكاة؟ وإذا كان النخيل يغرس بقصد بيع الفسائل (الفراخة) فهل فيها زكاة؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله النخيل التي في البيوت تجب الزكاة في ثمرها إذا بلغت نصابا لقول الله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض "، وهذه مما أخرج الله لنا من الأرض فتجب فيها الزكاة سواء كانت تهدى بعد خرفها أو تؤكل أو تباع. وإذا لم تبلغ النصاب فلا زكاة فيها لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة " والوسق الواحد ستون صاعا بصاع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ومقدار صاع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كيلوان اثنان وأربعون غراما فيكون النصاب ستمائة واثني عشر كيلو (612) ، والمعتبر في هذا الوزن بالبر (القمح) الجيد؛ فتزن من البر الجيد ما يبلغ كيلوين اثنين وأربعين غراما ثم تضعه في مكيال يكون بقدره من غير زيادة ولا نقص فهذا هو الصاع النبوي يقاس به كيلا ما سوى البر. ومن المعلوم أن الأشياء المكيلة تختلف في الوزن خفة وثقلا، فإذا كانت ثقيلة فلا بد من زيادة الوزن حسب الثقل. ومقدار الزكاة نصف العشر لأنها تسقى بالماء المستخرج من الآبار أو من البحر لكن بمؤونة إخراج وتحلية وتصفية وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا العشر، وفيما سقى بالنضح نصف العشر " رواه البخاري. وليس في الفسائل زكاة ولكن إذا بيعت بالدراهم وحال على ثمنها الحول وجبت زكاته. وليس في النخيل التي تغرس لبيع الفسائل زكاة، كما أن النخيل التي تغرس لقصد بيع ثمرتها ليس فيها زكاة، وما بيع من ثمر النخل التي في البيوت تخرج زكاته من قيمته، وما أكل رطبا تخرج زكاته رطبا من النوع المتوسط إذا كان كثيرا في النخل، وما بقي حتى يتمر تخرج زكاته تمرا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله. مجلة الدعوة العدد 1752 ص 37. الحديث: 11051 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2337 الحكمة من تشريع الزكاة [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك حكمة معينة من تشريع الزكاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يجب أن يُعلم أن الله تعالى لا يشرع شيئاً إلا وهو متضمن لأحسن الحكم، ومحقق لأحسن المصالح، فإن الله تعالى هو العليم، الذي أحاط بكل شيء علماً، الحكيم، الذي لا يشرع شيئاً إلا لحكمة. ثانياً: وأما الحكمة من تشريع الزكاة، فقد ذكر العلماء حكما كثيرة لذلك، منها: الأولى: إتمام إسلام العبد وإكماله؛ لأنها أحد أركان الإسلام، فإذا قام بها الإنسان تم إسلامه وكمل، وهذا لا شك أنه غاية عظيمة لكل مسلم، فكل مسلم مؤمن يسعى لإكمال دينه. الثانية: أنها دليل على صدق إيمان المزكي، وذلك أن المال محبوب للنفوس، والمحبوب لا يبذل إلا ابتغاء محبوب مثله أو أكثر، بل ابتغاء محبوب أكثر منه، ولهذا سميت صدقة؛ لأنها تدل على صدق طلب صاحبها لرضا الله عزّ وجل. الثالثة: أنها تزكي أخلاق المزكي، فتنتشله من زمرة البخلاء، وتدخله في زمرة الكرماء؛ لأنه إذا عود نفسه على البذل، سواء بذل علم، أو بذل مال، أو بذل جاه، صار ذلك البذل سجية له وطبيعة حتى إنه يتكدر، إذا لم يكن ذلك اليوم قد بذل ما اعتاده، كصاحب الصيد الذي اعتاد الصيد، تجده إذا كان ذلك اليوم متأخراً عن الصيد يضيق صدره، وكذلك الذي عود نفسه على الكرم، يضيق صدره إذا فات يوم من الأيام لم يبذل فيه ماله أو جاهه أو منفعته. الرابعة: أنها تشرح الصدر، فالإنسان إذا بذل الشيء، ولاسيما المال، يجد في نفسه انشراحاً، وهذا شيء مجرب، ولكن بشرط أن يكون بذله بسخاء وطيب نفس، لا أن يكون بذله وقلبه تابع له. وقد ذكر ابن القيم في "زاد المعاد" أن البذل والكرم من أسباب انشراح الصدر، لكن لا يستفيد منه إلا الذي يعطي بسخاء وطيب نفس، ويخرج المال من قلبه قبل أن يخرجه من يده، أما من أخرج المال من يده، لكنه في قرارة قلبه، فلن ينتفع بهذا البذل. الخامسة: أنها تلحق الإنسان بالمؤمن الكامل (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) فكما أنك تحب أن يبذل لك المال الذي تسد به حاجتك، فأنت تحب أن تعطيه أخاك، فتكون بذلك كامل الإيمان. السادسة: أنها من أسباب دخول الجنة، فإن الجنة (لمن أطاب الكلام، وأفشى السلام، وأطعم الطعام وصلى بالليل والناس نيام) ، وكلنا يسعى إلى دخول الجنة. السابعة: أنها تجعل المجتمع الإسلامي كأنه أسرة واحدة، فيعطف فيه القادر على العاجز، والغني على المعسر، فيصبح الإنسان يشعر بأن له إخواناً يجب عليه أن يحسن إليهم كما أحسن الله إليه، قال تعالى: (وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ) القصص/77. فتصبح الأمة الإسلامية وكأنها عائلة واحدة، وهذا ما يعرف عند المتأخرين بالتكافل الاجتماعي، والزكاة هي خير ما يكون لذلك؛ لأن الإنسان يؤدي بها فريضة، وينفع إخوانه. الثامنة: أنها تطفئ حرارة ثورة الفقراء؛ لأن الفقير قد يغيظه أن يجد هذا الرجل يركب ما شاء من المراكب، ويسكن ما يشاء من القصور، ويأكل ما يشتهي من الطعام، وهو لا يركب إلا رجليه، ولا ينام إلا على الأرض وما أشبه ذلك، لا شك أنه يجد في نفسه شيئاً. فإذا جاد الأغنياء على الفقراء كسروا ثورتهم وهدؤوا غضبهم، وقالوا: لنا إخوان يعرفوننا في الشدة، فيألفون الأغنياء ويحبونهم. التاسعة: أنها تمنع الجرائم المالية مثل السرقات والنهب والسطو، وما أشبه ذلك؛ لأن الفقراء يأتيهم ما يسد شيئاً من حاجتهم، ويعذرون الأغنياء بكونهم يعطونهم من مالهم، فيرون أنهم محسنون إليهم فلا يعتدون عليهم. العاشرة: النجاة من حر يوم القيامة، فقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: (كل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة) صححه الألباني في "صحيح الجامع" (4510) ، وقال في الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: (رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) متفق عليه. الحادية عشرة: أنها تلجئ الإنسان إلى معرفة حدود الله وشرائعه؛ لأنه لن يؤدي زكاته إلا بعد أن يعرف أحكامها وأموالها وأنصباءها ومستحقيها، وغير ذلك مما تدعو الحاجة إليه. الثانية عشرة: أنها تزكي المال، يعني تنمي المال حساً ومعنى، فإذا تصدق الإنسان من ماله فإن ذلك يقيه الآفات، وربما يفتح الله له زيادة رزق بسبب هذه الصدقة، ولهذا جاء في الحديث: (ما نقصت صدقة من مال) رواه مسلم (2588) ، وهذا شيء مشاهد أن الإنسان البخيل ربما يسلط على ماله ما يقضي عليه أو على أكثره باحتراق، أو خسائر كثيرة، أو أمراض تلجئه إلى العلاجات التي تستنزف منه أموالاً كثيرة. الثالثة عشرة: أنها سبب لنزول الخيرات، وفي الحديث: (ما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء) صححه الألباني في "صحيح الجامع" (5204) . الرابعة عشرة: (أن صدقة السر تطفئ غضب الرب) كما ثبت ذلك عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم، صححه الألباني في "صحيح الجامع" (3759) الخامسة عشرة: أنها تدفع ميتة السوء. السادسة عشرة: أنها تتعالج (أي تتصارع) مع البلاء الذي ينزل من السماء فتمنع وصوله إلى الأرض. السابعة عشرة: أنها تكفر الخطاي، قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار) صححه الألباني في "صحيح الجامع" (5136) . انظر: "الشرح الممتع" (6/4-7) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 43609 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2338 هل يجوز نقل الزكاة إلى بلد آخر؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز إعطاء الزكاة لبلدة أخرى مثل فلسطين ويوجد فقراء في بلدي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (10/9) : تعطى الزكاة لمن فرضها الله لهم بقوله سبحانه: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم} ، ولا تعطى إلا لمن تحقق إسلامه ظاهراً؛ لقوله عليه الصلاة والسلام لمعاذ بن جبل لما بعثه إلى اليمن: " فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم "، وكلما كان المُعطى من الفقراء والمساكين أتقى وأكثر طاعة فهو أولى من غيره. والأصل في الزكاة أن تصرف في فقراء البلد التي بها المال للحديث المذكور، وإن دعت حاجة إلى نقلها، كأن يكون فقراء البلد التي ينقلها إليه أشد حاجة، أو أقرباء للمزكي بجانب أنهم فقراء، أو نحو ذلك: جاز النقل. والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 43146 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2339 علاقة الزكاة بالنظام الاقتصادي والتكافل الاجتماعي [السُّؤَالُ] ـ[هل الزكاة نظام اقتصادي إسلامي أو (نظام) للكفالة الاجتماعية؟ إذا كان الجواب بلا، فما هو النظام الاقتصادي الإسلامي إذن؟ وما هو نظام الكفالة الاجتماعية الإسلامي؟ أهو الزكاة؟ ومتى أستحق الحصول على معونات حكومية من دولة مسلمة أو كافرة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لم يرد في النصوص الشرعية من كتاب أو سنة تعريفا للنظام الاقتصادي الإسلامي بل جاءت الشريعة ببيان كل ما يتعلق بحياة المسلم من خلال النصوص ومنها ما يتعلق بأحواله الاقتصادية. ويمكن أن يعرَّف النظام الاقتصادي الإسلامي: بأنه مجموعة الأصول العامة الاقتصادية المستنبطة من القرآن والسنة، والبناء الاقتصادي الذي يقام على أساس تلك الأصول. أو يعرَّف بأنه النظام الذي يوجه النشاط الاقتصادي وينظمه وفقا لأصول الإسلام وسياسته في الاقتصاد. ومن الأصول العامة التي جاءت بها الشريعة: حق الإنسان في التملك، وحرمة الاعتداء على مال الغير، وإباحة الانتفاع بما في الأرض، وتحريم الربا والميسر والظلم. ومن صور البناء الاقتصادي الذي يقوم على تلك الأسس: البيوع الجائزة، والشركة، والمضاربة، والإجارة، والمزارعة، والاستثمار المباح بأشكاله المتنوعة. وباعتبار أن الزكاة عبارة عن خروج المال من يد، وانتقالها إلى يد أخرى تنتفع بها وتتصرف فيها، وأن ذلك كله منضبط بالأصول العامة المستخرجة من القرآن والسنة، فالزكاة جزء من النظام الاقتصادي الإسلامي ولا شك، وفيها من النصوص الخاصة التي تبين أصناف الأموال الزكوية، والقدر الواجب فيها، وأهلها، ومصارفها، ما هو معروف مشهور. وهي أيضا وسيلة من وسائل تحقيق الكفالة الاجتماعية، وهذه الكفالة في الإسلام لا تقتصر على الزكاة بل تتحقق بأمور أخرى أيضا، كالصدقة، والوقف، والفيء والغنيمة وعطايا بيت المال. فالمجتمع الإسلامي ينهض بأفراده من الأغنياء والفقراء، فيحث الأغنياء على البذل والعطاء، ويلزمهم بقدر واجبٍ زكاة لأموالهم، ويحقق الكفاية للفقراء والمحتاجين والعاجزين عن العمل من الشيوخ والأرامل وغيرهم. ولهذا جعلت الشريعة الزكاة فرضا وركنا من أركان الإسلام وحثت على الصدقة والوقف والوصية، وجعلت الفقراء مصرفا من مصارف الزكاة والكفارة والفدية، ككفارة الظهار واليمين والصوم، وفدية الحج، حتى تضيق دائرة الفقر في المجتمع المسلم. والإنسان يستحق المعونة من الدولة المسلمة في حال عجزه عن العمل والكسب، وعدم من ينفق عليه من أب أو أم أو قريب، والعجز عن الكسب قد يكون لصغر أو مرض أو كبر. وتضع بعض الدول المسلمة أنظمة للمعونة، وفق معايير مختلفة، كالمعاش التقاعدي، والنفقة على أولاد المتوفى إلى بلوغهم سن الرشد، ونحو ذلك، ولو كان لديهم مال خاص بهم. وأما الدول الأخرى غير المسلمة، فلها أنظمتها ومعاييرها الخاصة هي التي تحكم مسألة المعونة. وينبغي للمسلم أن يحرص على الكسب الحلال من عمل يده، وأن يكون المنفق المعطي، لا الآخذ ولا السائل لاسيما إن كان السؤال للمال من دولة كافرة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أفضل الصدقة ما ترك غنى واليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول " واليد العلياء هي المنفقة واليد السفلى هي السائلة. رواه البخاري (5040) ومسلم (1034) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 43162 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2340 كيف يزكي الذهب المخلوط بالألماس [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان مع الذهب ألماس ونحوه فكيف تقدر زكاته؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: " يقدر ذلك أهل الخبرة فيذهب بها إلى تجار الذهب أو الصاغة، لينظروا هل يبلغ الذهب النصاب أو لا يبلغ؟ فإن لم يبلغ النصاب فلا زكاة فيه إلا أن يكون عندها من الذهب ما يكمل به النصاب، وتقدر قيمة الذهب الذي مع الماس، ثم تخرج زكاته وهي ربع العشر." [الْمَصْدَرُ] مجموع الفتاوى 18/96 الحديث: 42238 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2341 وقت إخراج الزكاة [السُّؤَالُ] ـ[أعلم أنه حسب الشريعة, فإن الزكاة تحين إذا حال الحول. والذي أرغب في التعرف عليه هو: هل يوجد تاريخ محدد يحين فيه دفع الزكاة, أم أن الأمر متروك لتقدير الفرد؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اعلم أيها المسلم أنّه تجب المُبَادرة بإخراج الزكاة، فَوْرَ وُجُوبِهَا في المال، لقوله تعالى: (وآتوا الزكاة) البقرة 110، ولأنّ حَاجَة الفَقِير تَسْتَدْعِي المُبَِادرة بِدَفعها إليه وفي تأخيرها إضرار به، ولأن المبادرة بإخراجها أبْعَد عن الشُّحِّ وأخْلَص للذِّمة، وهو مرضاة للرَّب، وعَدَم تأخيرها إلا لضرورة، كما لو أخرها ليَدْفَعَها إلى من هو أشدّ حاجة أو لغَيْبَةِ المال، كما أنه يجوز تَعْجِيل إخراج الزكاة قبل وجوبها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم تعجل من العباس صدقة سنتين، رواه الترمذي (الزكاة/615) وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي، ويكون تعجيلها إذا انعقد سبب وجوبها. انظر الملخص الفقهي للفوزان 1/247. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 10246 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2342 الفرق بين الزكاة والصدقة [السُّؤَالُ] ـ[ما الفرق بين الصدقة والزكاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الزكاة لغة: النماء والريع والبركة والتطهير. انظر: " لسان العرب " (14 / 358) ، " فتح القدير " (2 / 399) . والصدقة لغة: مأخوذة من الصدق؛ إذ هي دليل على صدق مخرجها في إيمانه. انظر: " فتح القدير " (2 / 399) . وأما تعريفها شرعا: فالزكاة: هي التعبد لله عز وجل بإعطاء ما أوجبه من أنواع الزكوات إلى مستحقيها على حسب ما بينه الشرع. والصدقة: هي التعبد لله بالإنفاق من المال من غير إيجاب من الشرع، وقد تطلق الصدقة على الزكاة الواجبة. وأما الفرق بين الزكاة والصدقة فكما يلي: 1. الزكاة أوجبها الإسلام في أشياء معينة وهي: الذهب والفضة والزروع والثمار وعروض التجارة وبهيمة الأنعام وهي الأبل والبقر والغنم. وأما الصدقة: فلا تجب في شيء معين بل بما يجود به الإنسان من غير تحديد. 2. الزكاة: يشترط لها شروط مثل الحول والنصاب. ولها مقدار محدد في المال. وأما الصدقة: فلا يشترط لها شروط، فتعطى في أي وقت وعلى أي مقدار. 3. الزكاة: أوجب الله أن تعطى لأصناف معينة فلا يجوز أن تعطى لغيرهم، وهم المذكورون في قوله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم} التوبة / 60. وأما الصدقة: فيجوز أن تعطى لمن ذكروا في آية الزكاة ولغيرهم. 4. من مات وعليه زكاة فيجب على ورثته أن يخرجوها من ماله وتقدم على الوصية والورثة. وأما الصدقة: فلا يجب فيها شيء من ذلك. 5. مانع الزكاة يعذب كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه (987) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته إلا أحمي عليه في نار جهنم فيجعل صفائح فيكوى بها جنباه وجبينه حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار، وما من صاحب إبل لا يؤدي زكاتها إلا بطح لها بقاع قرقر كأوفر ما كانت تستن عليه كلما مضى عليه أخراها ردت عليه أولاها حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار،وما من صاحب غنم لا يؤدي زكاتها إلا بطح لها بقاع قرقر كأوفر ما كانت فتطأه بأظلافها وتنطحه بقرونها ليس فيها عقصاء ولا جلحاء كلما مضى عليه أخراها ردت عليه أولاها حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار … ". وأما الصدقة: فلا يعذب تاركها. 6. الزكاة: على المذاهب الأربعة لا يجوز إعطاؤها للأصول والفروع والأصول هم الأم والأب والأجداد والجدات، والفروع هم الأولاد وأولادهم. وأما الصدقة: فيجوز أن تعطى للفروع والأصول. 7. الزكاة: لا يجوز إعطاؤها لغني ولا لقوي مكتسب. عن عبيد الله بن عدي قال: أخبرني رجلان أنهما أتيا النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وهو يقسم الصدقة فسألاه منها فرفع فيهما البصر وخفضه فرآنا جلدين فقال: " إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب ". رواه أبو داود (1633) والنسائي (2598) . والحديث: صححه الإمام أحمد وغيره. انظر: " تلخيص الحبير " (3 / 108) . وأما الصدقة: فيجوز إعطاؤها للغني والقوي المكتسب. 8. الأفضل في الزكاة أن تؤخذ من أغنياء البلد فترد على فقرائهم. بل ذهب كثير من أهل العلم أنه لا يجوز نقلها إلى بلد آخر إلا لمصلحة. وأما الصدقة: فتصرف إلى القريب والبعيد. 9. الزكاة: لا يجوز إعطاؤها للكفار والمشركين. وأما الصدقة: فيجوز إعطاؤها للكفار والمشركين. كما قال الله تعالى: {ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا} الإنسان / 8، قال القرطبي: والأسير في دار الإسلام لا يكون إلا مشركاً. 10. لا يجوز للمسلم أن يعطي الزكاة لزوجته، وقد نقل ابن المنذر الإجماع على ذلك. وأما الصدقة: فيجوز أن تعطى للزوجة. هذه بعض الفوارق بين الزكاة والصدقة. وتطلق الصدقة على جميع أعمال البر، قال البخاري رحمه الله في صحيحه: باب كل معروف صدقة، ثم روى بسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل معروف صدقة) . قال ابن بطال: دل هذا الحديث على أن كل شيء يفعله المرء أو يقوله من الخير يكتب له به صدقة. وقال النووي: قوله صلى الله عليه وسلم: (كل معروف صدقة) أي: له حكمها في الثواب. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 9449 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2343 لا زكاة في الأرض إذا لم يقصد بها التجارة [السُّؤَالُ] ـ[رجل يملك قطعة أرض ولا ينوي الآن بيعها وهي تقع في مدينة تجارية وينوي أن يبني عليها بيتا في المستقبل لكي يستثمره فهل تجب فيها الزكاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه الأرض لا زكاة فيها، لأن الأرض لا تجب فيها الزكاة إلا إذا قصد صاحبها بها التجارة. ثم إذا بنيتها واستثمرتها فعليك الزكاة في المال الذي تحصل عليه إذا بلغ النصاب وحال عليه الحول. سئل الشيخ ابن عثيمين: هل على الأرض المعدة للسكن في المستقبل زكاة؟ فأجاب: لا زكاة فيها إذا أعدها للبناء، أو للاستغلال إلا على الأجرة إذا حال عليها الحول اهـ. وقال أيضاً: الأرض التي اشتريتها لتكون سكناً لك أو لتكون للإيجار فلا زكاة فيها ولو بقيت عدة سنوات، لأن الأرض التي فيها الزكاة هي ما أعدها الإنسان للبيع للاتجار والتكسب، وأما ما أعده الإنسان لحاجته أو لاستغلاله فلا زكاة فيه كما هو شأن جميع عروض التجارة، وعلى هذا فلا زكاة عليك في هذه الأرض، والله الموفق اهـ فتاوى منار الإسلام (1/298، 299) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 34802 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2344 لا يجب إخبار المستحق للزكاة بأن المال زكاة [السُّؤَالُ] ـ[أرسلت مبلغاً إلى خالي ولم أذكر له أنها زكاة؛ لأنني لو ذكرت له أنها زكاة لا يأخذها وتركت هذا بيني وبين الله هل زكاتي صحيحة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا دفعت زكاتك إلى من تعلم أنه مستحق لها بنية الزكاة فهي زكاة صحيحة، ونرجو أن يقبلها الله تعالى منك، ولا يلزمك إخبار الآخذ بأنها زكاة. وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء فتوى رقم (11241) الحديث: 33777 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2345 زكاة الحلي واجبة على المرأة، ويصح دفعها لزوجها المحتاج [السُّؤَالُ] ـ[لدى زوجتي حلي من ذهب قدمته والدتها (أو والدتي) لها، لكني لست ميسور الحال ماديا وأنا مديون أيضا، فكيف يمكنني دفع الزكاة (عن تلك الحلي) ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يلزم الزوج أن يخرج زكاة الحلي عن امرأته، لأن الزكاة إنما تكون على مالك المال، ومالكته هنا هي الزوجة لأنها صاحبة الحلي؛ فيجب عليها أن تخرج زكاته؛ إما من نفس الحلي أو من قيمته، ولو أداها زوجها أو غيره عنها بإذنها فلا بأس، ويكون مأجوراً مثاباً على تطوعه هذا. وإذا أرادت الزوجة دفع زكاة حليها أو غير حليها لزوجها المدين الذي لا يستطيع الوفاء أو الفقير فلا حرج في ذلك لأنه داخل في عموم قوله تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين.. الآية) التوبة/60 بل يرجى لها مضاعفة الثواب لما روى البخاري ومسلم (1466) ومسلم (1000) عن زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَصَدَّقْنَ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ " قَالَتْ فَرَجَعْتُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ فَقُلْتُ: إِنَّكَ رَجُلٌ خَفِيفُ ذَاتِ الْيَدِ وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَنَا بِالصَّدَقَةِ فَأْتِهِ فَاسْأَلْهُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَجْزِي عَنِّي وَإِلا صَرَفْتُهَا إِلَى غَيْرِكُمْ. قَالَتْ: فَقَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ: بَلْ ائْتِيهِ أَنْتِ قَالَتْ فَانْطَلَقْتُ فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنْ الأَنْصَارِ بِبَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجَتِي حَاجَتُهَا قَالَتْ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُلْقِيَتْ عَلَيْهِ الْمَهَابَةُ قَالَتْ فَخَرَجَ عَلَيْنَا بِلالٌ فَقُلْنَا لَهُ ائْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبِرْهُ أَنَّ امْرَأَتَيْنِ بِالْبَابِ تَسْأَلانِكَ أَتُجْزِئُ الصَّدَقَةُ عَنْهُمَا عَلَى أَزْوَاجِهِمَا وَعَلَى أَيْتَامٍ فِي حُجُورِهِمَا وَلا تُخْبِرْهُ مَنْ نَحْنُ قَالَتْ فَدَخَلَ بِلالٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ هُمَا فَقَالَ امْرَأَةٌ مِنْ الأَنْصَارِ وَزَيْنَبُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الزَّيَانِبِ قَالَ امْرَأَةُ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَهُمَا أَجْرَانِ أَجْرُ الْقَرَابَةِ وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ " قال ابن حجر رحمه الله: " وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ دَفْعِ الْمَرْأَةِ زَكَاتهَا إِلَى زَوْجِهَا , وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيّ وَالثَّوْرِيّ وَصَاحِبَيْ أَبِي حَنِيفَة وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ وَعَنْ أَحْمَدَ " ا. هـ. [الْمَصْدَرُ] انظر فتوى سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله. في (فتاوى إسلامية 2/ 85) و (الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة (1 / 305) . الحديث: 12338 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2346 الزكاة المتروكة عن سنين ماضيه [السُّؤَالُ] ـ[هناك كذا سنه لم أؤدي الزكاة عن مالي وهي قرابة خمس سنوات ما العمل وكيف أؤديها هذه السنة وكم نصاب الزكاة هذا]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لمعرفة نصاب الزكاة يراجع جواب سؤال رقم (2794) . أما عن إخراج الزكاة الواجبة عما مضى: فإن من وجبت عليه الزكاة وأخرّها بغير عذر مشروع أَثِم، لورود الأدلة من الكتاب والسنة بالمبادرة بإخراج الزكاة في وقتها، فيجب عليه التوبة النصوح لله تعالى. وثانياً: من وجبت عليه زكاة ولم يخرجها في وقتها المحدد وجب عليه إخراجها بعد، ولو كان تأخيرها لمدّة سنوات. " فإن كان جازماً بمقدارها أخرج، وإن لم يكن جازماً فإنه يخرج من ماله مقداراً ينويه زكاة حتى يغلب على ظنّه أن ما أخرجه يكفي عن الزكاة الواجبة في ذمَّته، والبناء على الظن أصل من أصول الشريعة." اللجنة الدائمة. انظر كتاب فتاوى إسلامية ج/2 ص/95 فقدرها تقديراً إذا لم تعرفها بالضبط وأخرجها مع التوبة، والله الموفق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 21715 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2347 الدورات العلمية ليست مصرفاً للزكاة [السُّؤَالُ] ـ[تقيم بعض المؤسسات الإسلامية الموثوقة دورات شرعية في أوربا في مناطق هم بأمس الحاجة إلى تثقيفهم وتعليمهم العلم الشرعي والعقيدة الصحيحة، وتطلب تلك المؤسسات دعم هذه البرامج الدعوية، فهل يدخل هذا الدعم في قول الله تعالى: (وفي سبيل الله) ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا تدخل الدورات المذكورة وأشباهها في قوله تعالى: (وفي سبيل الله) في أصناف أهل الزكاة، لأن المراد بذلك المجاهدون في سبيل الله، لكن من كان من المعلمين أو من المتعلمين فقيراً فيُعطى من الزكاة لفقره، لقوله سبحانه تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين) التوبة / 60 [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز الجزء 14 ص 298. الحديث: 21794 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2348 إعطاء الزكاة لجمعية حتى تصرف الزكاة للمحتاجين [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لنا أن نعطي زكاتنا للمنظمات التي تستقبلها لتساعد بها المحتاجين، دون أن نعلم أين ستنفق تلك الأموال؟ وجزاك الله خيرا على الإجابة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا تولّيت الإخراج بنفسك وتحرّيت وضعها في يد مستحقّها من أهلها حسب اجتهادك ففي ذلك اطمئنان لقلبك، وإن عهدت بالإخراج إلى من تثق به في صرفها في مصارفها الشرعية فهذا جائز. فتاوى اللجنة الدائمة 9/ 457 وقال الشيخ ابن باز: إذا كان القائمون عليها ثقات مأمونين، يقدمون الزكاة في مصرفها الشرعي، فلا بأس بدفع الزكاة إليهم، لما في ذلك من التعاون على البر والتقوى. فتاوى الشيخ عبد العزيز ابن باز 3 /126. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 13064 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2349 كيفية الزكاة في صندوق استثماري فيه أموال خيرية وأموال خاصة [السُّؤَالُ] ـ[مركز إسلامي في الغرب يعمل توظيف أموال (حلال) وأغلب الأرباح من الشراكة ومن توظيف الأموال من غير تجارة الأسهم ويعطي أرباحا فهل تجب الزكاة على الربح الناتج من هذه التجارة أو على التبرعات إلى المركز الإسلامي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أجابنا عن هذا السؤال الشيخ عبد الله بن قعود بقوله: تجب الزكاة في أموال المشتركين لأنفسهم أما أرباح التبرعات فليس عليها زكاة. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد الله بن قعود الحديث: 3934 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2350 زكاة المعاش المقبوض بأثر رجعي [السُّؤَالُ] ـ[أنا فتاة عزباء أعيش مع 3 إخوة ذكور وأمي حفظها الله. أبي رحمه الله كان (ضابط سامي) بالجيش وتوفي سنة 2001، وبعد وفاته قام زملاء وأصدقاء أبي بتسوية أمور المعاش ورأس مال الوفاة (capital du décé) ، وأيضا التركة، وحسب قوانين بلدنا فقد قسم رأس مال الوفاة علينا بحسب الفروض الواجبة، لأمي الثمن والباقي قسم علي وعلى إخوتي للذكر مثل حظ الأنثيين، علما أن والدي أبي متوفيان قبله. وصرف معاش لأمي تقبضه كل شهر والحمد لله، ومؤخرا علمت أنه لي الحق في معاش يصرف لي، لكوني أنثى وعزباء وبدون مهنة (حاليا أنا متربصة للمحاماة، وليس لي أي دخل) ، وقيل لي: إذا سويت الأمور اللازمة لقبض هذا الراتب شهريا فإنه يرجع بأثر رجعي منذ وفاة أبي (سنة 2001) ، وبالتالي: أولا سأقبض ما فاتني من كسب منذ 2001، ثم أبدأ باستلام المعاش كل شهر. السؤال: 1- ما حكم رأس مال الوفاة؟ 2- ما حكم المعاش الذي صرف لأمي؟ 3- ما حكم المعاش الذي سيصرف لي؟ أحلال أم حرام؟ 4- إذا كان حلالا: هل تجب علي الزكاة فيه عند قبضي لما فاتني من كسب (وهو مبلغ كبير) وكيف أقدر زكاته؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: بالنسبة لرأس مال الوفاة، حسبما ورد في السؤال: فلا حرج في صرفه لمستحقه، وهو معونة مالية من الدولة، تمنح لمستحقيها حسب الشروط التي تضعها لذلك. ومثلها منح الشيخوخة والعجز ومعاش التقاعد والبطالة ونحو ذلك مما تصرفه الدولة لذوي الحاجات. وهكذا الأمر بالنسبة للمعاش الذي تصرفه الوالدة، وكذا المعاش الذي ستصرفينه – إن شاء الله - لا حرج على المنتفع به، ما دام قد استوفى شروطه. سئلت اللجنة الدائمة: " كنت متطوعا بالقوات المسلحة المصرية، في الفترة من سبتمبر عام 1967م إلى يناير عام 1981م، ومكثت بها ثلاثة عشر عاما تقريبا، وكانوا يقتطعون جزءا من مرتب كل شهر للتأمينات والمعاشات، وهذا الأمر إجباري، وبعد أن من الله علي بفهم الإسلام قمت بتقديم استقالتي وقبلت بفضل الله عز وجل، ولكن أعطوني معاشا شهريا قدره 540 ر56 كل شهر، وقد ذكر لي بعض الإخوة أن هذا المعاش ربا، ويجب علي ترك هذا المعاش، فهل هذا الحكم صحيح أم لا، وما هو الحكم الشرعي الصحيح في هذا المعاش؟ " فأجابت: " إذا كان الواقع كذلك: جاز لك أخذ معاش التقاعد؛ لأنه مكافأة على الخدمة التي قمت بها مدة العمل في الحكومة ". انتهى. " فتاوى اللجنة الدائمة" (23/473) . ثانيا: عند قبضك المعاش بأثر رجعي، فالأحوط لك أن تخرجي منه زكاة سنة واحدة، لأنك لم تتمكني من قبضه، ولم يتحقق ملكك له قبل قبضه. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل في مال التقاعد الذي عند الدولة زكاة؟ فأجاب: " التقاعد الذي يؤخذ من الراتب ليس فيه زكاة، وذلك لأن صاحبه لا يتمكن من سحبه إلا بشروط معينة، فهو كالدين الذي على المعسر، والدين الذي على المعسر لا زكاة فيه، لكن إذا قبضه فالأحوط أن يزكيه مرة واحدة لسنة واحدة " انتهى. "مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (13 / 1589) . وأما عن كيفية الحساب فهي بواقع (2,5%) من عموم المبلغ الذي تتسلمينه. ثالثا: من الواجب الانتباه إلى أن لا بد فيها من تحري الحق، وعدم تعدي حدود الله، وهي تحتاج إلى معرفة بشرع الله، وتفق واسع في دينه، حتى لا يقع صاحبها في الدفاع عن الباطل، أو مخاصمة الحق، من حيث لا يدري، وإن كان المعهود من حال هذه المهنة أنها تدخلها كثير من المحاذير. وينظر جواب السؤال رقم: (75613) ، (112144) . وأما بالنسبة للمرأة المسلمة: فإن طبيعة هذه المهنة تنافيها كثيرا؛ فهي تستوجب مخالطة الرجال بكثة، وربما كثر فيها السفر والانتقالات، إلى غير ذلك مما هو معلوم من حالها، وإن كان خطرها العقدي، في وقوع صاحبها في مخالفة شرع الله من حيث يعلم أو لا يعلم، هو أشد ذلك خطرا. فالنصيحة للمرأة المسلمة أن تبحث عن عمل هو أنسب لطبيعتها، متى احتاجت إلى ذلك. بل النصيحة لكل مسلم: ألا يقدم على تلك المهنة إلا بعد معرفة ما يلزمه من حكم الله في ذلك، والأدب الشرعي الواجب عليه في الاشتغال بها. يراجع جواب السؤال رقم (97442) . والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 139923 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2351 هل يجوز له أن يدفع الزكاة عن راتبه شهريا؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يصح أن أدفع الزكاة بمقدار2.5% شهرياً عن راتبي الذي أتقاضاه لأنني أعمل نصف دوام فقط وأرى أنه من الصعب دفع الزكاة دفعة واحدة في نهاية السنة؟ وهل المبالغ التي أدفعها على شكل صدقة خيرية بين حين وأخر تُعد من الزكاة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا تجب في مالٍ زكاة حتى يبلغ النصاب الشرعي ويحول عليه الحول، ويدخل في ذلك ما يتقاضاه الموظف من راتب شهريا. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " إذا حال الحول على شيء من المرتب يبلغ النصاب فعليك زكاته، وإن كان دون ذلك فلا زكاة فيه " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (14 / 135) ثانيا: تعجيل الزكاة عن حولها المقدر جائز، وهو قول جمهور العلماء، والأفضل ألا يعجل زكاته، إلا إذا اقتضت المصلحة ذلك. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وأما تعجيل الزكاة قبل وجوبها بعد سبب الوجوب: فيجوز عند جمهور العلماء، كأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد، فيجوز تعجيل زكاة الماشية، والنقدين، وعروض التجارة، إذا ملك النصاب" انتهى. " مجموع الفتاوى " (25 / 85، 86) . ثالثا: يجوز إخراج الزكاة في صورة أقساط شهرية، أو نحو ذلك، إذا كان يخرجها قبل موعدها، فإذا جاء موعد الحول الذي يجب عليه فيه إخراج الزكاة: لم يجز أن يؤخرها عنه، ويخرجها على صورة أقساط. قال ابن قدامة رحمه الله: " قَالَ أَحْمَدُ: لا يُجَزِّئُ عَلَى أَقَارِبِهِ مِنْ الزَّكَاةِ فِي كُلِّ شَهْرٍ. يَعْنِي لا يُؤَخِّرُ إخْرَاجَهَا حَتَّى يَدْفَعَهَا إلَيْهِمْ مُتَفَرِّقَةً , فِي كُلِّ شَهْرٍ شَيْئًا , فَأَمَّا إنْ عَجَّلَهَا فَدَفَعَهَا إلَيْهِمْ , أَوْ إلَى غَيْرِهِمْ، مُتَفَرِّقَةً أَوْ مَجْمُوعَةً , جَازَ لأَنَّهُ لَمْ يُؤَخِّرْهَا عَنْ وَقْتِهَا " انتهى "المغني" (2/290) . وسئل علماء اللجنة الدائمة: هل يجوز لي إخراج زكاة المال مقدمة طول السنة في شكل رواتب للأسر الفقيرة في كل شهر؟ فأجاب علماء اللجنة: " لا بأس بإخراج الزكاة قبل حلول الحول بسنَة، أو سنتين، إذا اقتضت المصلحة ذلك، وإعطاؤها الفقراء المستحقين شهريّاً " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (9 / 422) . وبناء على ما سبق: فإن كان الأيسر لك إخراج الزكاة كل شهر، خشية أن يصعب إخراجها على رأس حولها: فلك ذلك، فإذا كان راتبك يبلغ نصابا: جاز لك أن تخرج منه ربع العشر (2.5%) ، وهكذا كل شهر، وإن لم يكن يبلغ نصابا: انتظرت بما معك من المال، حتى إذا بلغ النصاب بدأت في إخراجه، على ما سبق. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم إخراج الزكاة من الراتب عن كل شهر، رغبة في تعجيلها، حتى ولو كان موظفاً عليه دين؟ فأجاب: " لا حرج بهذا، جزاه الله خيراً، هذا من باب التعجيل، يعني لو كان الإنسان كلما قبض الراتب أخذ زكاته حالاً: فإنه لا بأس بذلك إن شاء. [وهناك صورة أخرى لتعجيل زكاة الراتب] ؛ فإذا دار الحول على الراتب الأول: أدى الزكاة عن الجميع، فيكون بالنسبة للحول الأول قد أدَّى زكاته في وتها، وبالنسبة للأشهر التالية قد عجَّل زكاتها، وتعجل الزكاة لا بأس به، وهذا أيسر وأسهل، أنه يجعل لزكاته شهراً معيناً، وهو الشهر الذي تجب فيه زكاة الراتب الأول، ويمشي على هذا ويكون ما وجبت زكاته قد أديت زكاته في وقتها، وما لم تجب تكون زكاته معجلة. والصورة الأولى التي ذكرها السائل أيضاً فيها راحة، كلما قبض شيئاً زكاه على طول " انتهى. "فتاوى نور على الدرب" (204 / 4) . رابعا: المبالغ التي دفعتها على شكل صدقة خيرية بين الحين والآخر: إن كنت قد أخرجتها على أنها صدقة تطوع، وليست من الزكاة المفروضة، كما هو الظاهر من كلامك، فلا تحتسب من الزكاة؛ لأن الزكاة المفروضة لا بد في إخراجها من نية الفرض. قال ابن قدامة رحمه الله: " لَوْ تَصَدَّقَ الْإِنْسَانُ بِجَمِيعِ مَالِهِ تَطَوُّعًا وَلَمْ يَنْوِ بِهِ الزَّكَاةَ , لَمْ يُجْزِئْهُ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ: يُجْزِئُهُ اسْتِحْبَابًا. وَلَا يَصِحُّ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ بِهِ الْفَرْضَ , فَلَمْ يُجْزِئْهُ , كَمَا لَوْ تَصَدَّقَ بِبَعْضِهِ , وَكَمَا لَوْ صَلَّى مِائَةَ رَكْعَةٍ وَلَمْ يَنْوِ الْفَرْضَ بِهَا " انتهى. "المغني" (2/265) . وإن كنت قد أخرجتها على أنها من الزكاة المفروضة عليك: فهي من زكاتك، بشرط أن تكون قد وضعتها في مصارف الزكاة المعتبرة، فليس كل عمل من أعمال الخير والبر يصح أن تصرف فيه زكاة المال؛ بل مصارفها محددة شرعا، كما أن أنواعها وقدرها محدد شرعا. للاستزادة: راجع إجابة السؤال رقم: (1966) ، (98528) ، (126075) . ويمكنك مراجعة أجوبة عديدة حول ذلك في تصنيف "مصارف الزكاة"، من قسم الزكاة في الموقع. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 139580 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2352 باع أرضا معدة للتجارة قبل حلول الحول بستة أيام، فمتى تجب عليه الزكاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[عندي قطعة ارض وهي من عروض التجاره بعتها قبل حلول الحول عليها بستة أيام واستلمت المبلغ كيف احسب زكاتها هل أزكي المال بعد مرور الستة أيام أو أنتظر على المال مرور حول كامل]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز للرجل أن يبيع ماله قبل حلول الحول إذا احتاج إلى ذلك، ما لم يقصد الفرار من الزكاة قال القرطبي رحمه الله: " أجمع العلماء على أن للرجل قبل حلول الحول التصرف في ماله بالبيع والهبة إذا لم ينو الفرار من الصدقة " انتهى "الجامع لأحكام القرآن" (9 / 236) فإذا كان هذا المال معدا للتجارة فباعه: فإذا بلغ النصاب على رأس الحول زكّاه، وإذا لم يبلغ إلا بضمه إلى ماله الذي عنده، أو لم يبلغ ماله الذي عنده النصاب إلا بضمه إليه ضمه إليه وزكاه؛ لأن العبرة فيما أعد للتجارة قيمته المالية. قال ابن مفلح رحمه الله: " وتضم قيمة عروض التجارة إلى كل واحد، من الذهب والفضة، جزم به صاحب المستوعب، والشيخ وعلله بأنه يُقَوَّم بكل واحد منهما، وقال: لا أعلم فيه خلافا. قال: ولو كان ذهب وفضة وعروض، ضم الجميع في تكميل النصاب ". انتهى. "الفروع" (4/138) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " عروض التجارة تجب في قيمتها، فلا ينقطع الحول إذا أبدل عروض التجارة بذهب أو فضة، وكذلك إذا أبدل ذهباً أو فضة بعروض تجارة؛ لأن العروض تجب الزكاة في قيمتها لا في عينها، فكأنه أبدل دراهم بدراهم، فالذهب والفضة والعروض تعتبر شيئاً واحداً، وكذا إذا أبدل ذهباً بفضة إذا قصد بهما التجارة، فيكونان كالجنس الواحد " انتهى. "الشرح الممتع" (6 / 9) وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: شخص باع محلاًّ قبل حلول زكاته بشهرين فمن الذي يدفع الزكاة؟ فأجاب بقوله: " إذا انتقل ملك المال الزكوي قبل تمام الحلول: فإن كانت عروض تجارة كما قال، فالمالك الأول يزكي عروضه مع أمواله. مثال ذلك: إنسان عنده أرض للتجارة، فباعها قبل حلول زكاته بشهرين، فإنه إذا حلت الزكاة يجب عليه أن يؤدي زكاة الدراهم التي باع بها هذه الأرض، أما لو باعها بدراهم ثم اشترى بالدراهم سكناً له قبل تمام الحول فإنه لا زكاة عليه ... " انتهى. "مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (13 / 1507) فعلى ما تقدم: تجب عليك زكاة الأرض التي بعتها إذا تم الحول، أي بعد ستة أيام من وقت البيع، ولا يجوز أن تنتظر حولا جديدا لإخراجها. وللمزيد: راجع إجابة السؤال رقم: (32715) ، (38886) والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 138231 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2353 حبس الوصي مال الميراث عن الصغار والكبار ثلاثة عشر عاماً فهل عليهم زكاة عند قبضه؟ [السُّؤَالُ] ـ[ورثنا عن والدي رحمة الله عليه مبلغاً من المال، يقدَّر بأكثر من مائة ألف ريال , وكان الوكيل في تحصيل هذا المال من مؤسسة التقاعد هو عمي , وقام بعد تحصيل المال بفرض الوصاية عليه، والاحتفاظ به، وعدم إعطاء أي شخص من الورثة حقه، بحجة حفظ حقوق الأيتام من الضياع، علماً أن هناك من مات من الورثة , ولم يحصل على حقه، مثل جدي رحمة الله عليه، فكان قد مات بعد والدي، وظلَّ المال عند عمِّي قرابة ثلاثة عشر سنة، أي: تقريباً من عام 1417 إلى عام 1430، وبعدما كبر جميع الأيتام تم دفع المال إلينا كاملاً، ولم يتم قسمته على الورثة إلى الآن. السؤال: هل على المال هذا طوال الفترة السابقة زكاة؟ وكم تكون زكاته التقريبية؟ علماً أن له - كما أسلفت - 13 عاماً تقريباً، علماً أيضا أن حالة الورثة ليس جيدة ماليّاً، والورثة هم أم، وستة إخوة، وثلاث بنات. وشكراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: حفظ أموال اليتامى واجب على الدولة، وعلى أوصياء أولئك الأيتام، كما قال تعالى: (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلا مَعْرُوفًا. وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا) النساء/ 5، 6. قال ابن كثير رحمه الله: نهى تعالى عن تَمْكين السفهاء من التصرّف في الأموال التي جعلها الله للناس قياماً، أي: تقوم بها معايشهم، من التجارات، وغيرها، ومن هاهنا يُؤْخَذُ الحَجر على السفهاء، وهم أقسام: فتارة يكون الحَجْرُ للصغر، وتارة يكون الحجرُ للجنون، وتارة لسوء التصرف؛ لنقص العقل، أو الدين، وتارة يكون الحجر للفَلَس، وهو ما إذا أحاطت الديون برجل وضاقَ ماله عن وفائها، فإذا سأل الغُرَماء الحاكم الحَجْرَ عليه: حَجَرَ عليه. "تفسير ابن كثير" (2/214) . فإذا مات الميت: وجب أن يقوم أحد الأولياء بحفظ أيتام ذلك الميت، حتى يأنس منه الرشد، وحسن التصرف بالمال , وأما بقية الورثة (وهم البالغون) : فلا يجوز حبس مالهم، بل يدفع لهم نصيبهم من الميراث. وانظر جواب السؤال رقم: (13262) . ثانياً: ذهب جمهور العلماء إلى وجوب الزكاة في مال الصبي، واليتيم، والمجنون، فالزكاة لا تعلُّق لها بالتكليف. وانظر جواب السؤال رقم: (75307) . فعلى هذا: تجب الزكاة في التركة بعد مضي سنَة من وفاة المورِّث، كما ذكر العلماء. قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: ويعتبر الحول في أموالهم من حين مات والدهم؛ لأنها بموته دخلت في ملكهم. "فتاوى الشيخ ابن باز" (14/240) . وانظر جواب السؤال رقم: (117209) . ثالثاً: أما بخصوص الزكاة المترتبة على أموال الورثة: فهي على قسمين: الأول: ما كان منها للكبار غير الأيتام – كمال جدكم، ووالدتكم -: فهذه لا زكاة فيها إلا عند قبضها، وتزكى لعام واحد؛ لأنها كانت محجوزة عند مغتصب لها، وغير مقدور على الانتفاع بها، فيكون حكمها حكم الدَّيْن على المعسِر، ومن مات من الورثة قبل قبض ماله (كجدكم) فلا زكاة عليه. قال الشيخ العثيمين رحمه الله: أما إذا كان الدَّين على معسر، أو غني لا يمكن مطالبته: فإنه لا يجب عليه زكاته لكل سنة؛ وذلك لأنه لا يمكنه الحصول عليه، فإن الله تعالى يقول: (وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) ، فلا يمكن أن يستلم هذا المال، وينتفع به، فليس عليه زكاته، ولكن إذا قبضه: فمِن أهل العلم من يقول: يستقبل به حولاً من جديد، ومنهم من يقول: يزكي لسنة واحدة، وإذا دارت السنة: يزكيه أيضاً، وهذا أحوط. " مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " (18 / 16) . القسم الثاني: أموال اليتامى، وهذه تزكى للسنوات الماضية كلها، وليس لها حكم زكاة الكبار؛ لأن بقاءها في يد الوصي، أو الولي: ليس اغتصاباً لها، بل هو من شرع الله تعالى، وإن كان يستحب الاتجار بها، لكنَّ عدم الاتجار لا يمنع من إيجاب الزكاة على تلك الأموال. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ويستحب التجارة بمال اليتيم؛ لقول عمر وغيره: (اتجروا بأموال اليتامى كي لا تأكلها الصدقة) . "الفتاوى الكبرى" (5/398) . وطريقة إخراج الزكاة: أن تُحسب حصة كل واحد من الأيتام من الميراث، ويخرج زكاتها، عن السنوات الماضية من أول موت الوالد إلى حين بلوغه، فيخرج زكاة هذه السنوات كلها، أما بعد البلوغ فكان الواجب على عمكم أن يعطي من بلغ من أولاد أخيه حقه من الميراث إذا كان رشيداً، لقول الله تعالى: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) النساء/6. فيكون المال عند عمكم في هذه الحالة كالمال المغصوب، فلا زكاة فيه إلا بعد قبضه، فيزكى عن سنة واحدة، عن المدة من أول بلوغ صاحبه إلى حين قبضه المال. ومقدار الزكاة الواجب إخراجه كل عام هو 2.5 بالمائة من المال. وما تبقى للورثة من المال بعد إخراج الزكاة فهو مال طيب، فليحمدوا الله تعالى، وليشكروه، وليثقوا بربهم أنه سيزكيهم ويطهرهم بتلك الصدقة، كما قال سبحانه: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) التوبة/ 103، وليثقوا بربهم تعالى أنه سيبارك لهم في مالهم، وأن مالهم لن يُنقص بإخراج تلك الزكاة منه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَا نَقَصَت صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ) رواه مسلم (2588) . هذا، ويجب على عمِّك التوبة من حجز أموال الورثة الكبار، ويجب عليه دفع حصة جدكم لورثته؛ حيث كان من أصحاب الحق في ميراث ابنه، ونصيبه سدس الميراث. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136047 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2354 اقترض مالا وساهم به في شركة مقاولات ولم يؤد زكاته [السُّؤَالُ] ـ[اقترضت مبلغا من المال من أبي من سنتين. ساهمت بهذا المبلغ في إنشاء مؤسسة مقاولات عامة. بعد مرور سنتين ظهرت الأرباح. أخذت نصيبي من الأرباح وسددت ديني لأبي وبقي معي مبلغ من المال. السؤال: هل علي من زكاة؟ وهل الزكاة في رأس المال المساهم به أم في الأرباح؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: أولاً: الدَّيْن لا يمنع من وجوب الزكاة على الصحيح من أقوال العلماء، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (22426) . وبناء على ذلك، فقد كان الواجب عليك أن تؤدي الزكاة عن هذا المال في كل عام مضى عليه وهو في ملكك. ويلزمك الآن أن تؤدي الزكاة عما مضى من السنوات. ثانياً: شركات المقاولات لا تخلو من حالين: الأول: أن يقتصر عملها على بناء المساكن والعقارات. ففي هذه الحال تكون الزكاة على مجموع السيولة النقدية الموجودة لدى الشركة، سواء كانت أرباحا، أو رؤوس أموال موجودة في خزينة الشركة أو أرصدة في البنوك. الثاني: أن يتضمن عمل الشركة شراء الأراضي والعقارات والمتاجرة بها، سواء بيعت كما هي، أو تم بناؤها ثم بيعها. ففي هذه الحال تكون الزكاة على جميع السيولة النقدية، بالإضافة إلى العقارات التي يتاجر فيها، ويتم تسعيرها بسعر السوق في يوم وجوب الزكاة. وأما الأصول الثابتة التي تملكها الشركة كالعقارات والآلات والمعدات والسيارات التي تراد للاقتناء والاستعمال لا البيع، فلا زكاة فيها، وينظر جواب السؤال (74987) (131096) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 133921 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2355 استفادت الدولة من أرضه سنوات وستعطيه الآن تعويضا فهل يزكي عما مضى؟ [السُّؤَالُ] ـ[عندي قطعة أرض مستفادة منها الدولة حوالي 30 سنة والآن قررت تعويضي فيها بمبلغ من المال لقاء التنازل عليها. سؤالي هو هل أدفع زكاة خلال الفترة الماضية من السنين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الذي يظهر من سؤالك أن هذه الأرض لم تكن مؤجرة للدولة ولا مبيعه لها، وعليه؛ فلا وجه للقول بالزكاة عن الفترة الماضية، ومعلوم أن الأرض إنما تجب فيها الزكاة إذا كانت للتجارة، أو كانت مؤجرة فتجب الزكاة في أجرتها إذا بلغت الأجرة نصابا وحال عليها الحول، وكذا لو بيعت الأرض وتأخر المشتري في سداد الثمن، فيدخل هذا في زكاة الدَّيْن، ويفرق بين كون الدائن مماطلا أو لا. على أنه في حال تأجيرها أو بيعها أو التعارف على دفع التعويض فيها: إذا كان المال غير موثوق بحصوله فلا تجب زكاته حتى يقبض ويحول عليه الحول. وينظر للفائدة جواب سؤال رقم (99033) و (105303) . وإذا استلمت مبلغ التعويض وحال عليه الحول من يوم استلامه وجبت زكاته. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 133314 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2356 متى يبدأ حساب حول الأجرة للزكاة من العقد أم من قبضها؟ [السُّؤَالُ] ـ[متى يبدأ حول أجرة العقار؛ هل هو من العقد، أم من قبض الأجرة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: "حول أجرة العقار يبدأ من العقد. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان. "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/347) . [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز فتاوى نور على الدرب الحديث: 132521 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2357 ساهم في تأسيس شركة مقاولات فكيف يزكي؟ [السُّؤَالُ] ـ[اقترضت مبلغا من المال للمساهمة في تأسيس شركة مقاولات وبعد مرور 21 شهر ظهرت الأرباح وتم توزيعها على المساهمين. السؤال: هل علي من زكاة؟ وهل هي في رأس المال أم في الأرباح؟ وهل هي قبل سداد الدين أم بعده؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المال الموضوع في تأسيس شركة المقاولات، إن وضع في أشياء تنوي الاتجار فيها كأراضٍ أو مبانٍ للتجارة، فإن يزكى زكاة التجارة، فتقَوَّم الأشياء عند حولان الحول على المال، ويخرج من هذه القيمة ربع العشر (2.5%) . وإن وضع في أشياء ليست للتجارة كسيارات للعمل أو مكاتب أو أثاث ونحوها، فهذا لا زكاة فيه. وإن وضع في أشياء تؤجر، فالزكاة في الأجرة إن حال عليها الحول وبلغت نصابا بنفسها أو بما انضمت إليه من نقود أخرى عند صاحبها. والأرباح تزكى في جميع الأحوال إن بلغت نصابا بنفسها أو كان عندك من النقود ما يكمل النصاب. وهذه الأرباح إن كانت ناتجة من أشياء يتاجر فيها كالعقارات فليس لها حول مستقل، بل تزكى جميع الأرباح مع نهاية حول رأس المال. أما إذا كانت الأرباح من أجرة مأخوذة عن بناء عقارات ـ مثلاً ـ فلها حول مستقل من يوم كتابة العقد، كما أفتى بهذا علماء اللجنة الدائمة للإفتاء فإنهم سئلوا: متى يبدأ حول أجرة العقار؛ هل هو من العقد، أم من قبض الأجرة؟ فأجابوا: "حول أجرة العقار يبدأ من العقد. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان. "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/347) . ثانيا: الدَّيْن لا أثر له على الزكاة، فإن حال الحول وجبت الزكاة دون نظر لما عليك من دين، لكن لو سددت الدين من النقود التي لديك قبل أن يحول عليها الحول، لم يكن فيما صرفته في قضاء الدين زكاة، وإنما الزكاة فيما بقي، إذا حال عليه الحول وكان نصابا. وينظر جواب السؤال رقم (65763) ورقم (83903) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131095 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2358 أخرج الزكاة عنه بغير إذنه، فهل تجزئه؟ [السُّؤَالُ] ـ[أقرضت شخصاً 60000 ألف ريال، وبعد أن حال الحول على القرض قام بإخراج الزكاة عن مالي الذي أقرضته، بنية الزكاة ثم أخبرني بذلك فوافقت، فهل تبرأ الذمة بهذا أو أنه يلزمني إخراج الزكاة مرة أخرى؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يشترط في إخراج الزكاة: النية؛ لأن الزكاة عبادة وقربة تحتاج إلى نيةٍ من المخرج، وقد قال تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) البينة/5، وقال تعالى: (وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ) وقال تعالى: (فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ) الزمر/2، ولقوله عليه الصلاة والسلام: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) رواه البخاري (1) ، ومسلم (1907) ، فدل ذلك على أن الزكاة لا تصح إلا بنية. قال النووي رحمه الله: "لا يصح أداء الزكاة إلا بالنية، وبهذا قال مالك وأبو حنيفة والثوري وأحمد وأبو ثور وداود وجماهير العلماء ; لقوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) ; وشذ عنهم الأوزاعي فقال: لا تجب ويصح أداؤها بلا نية كأداء الديون" انتهى من "المجموع" (6/158) . وقال ابن قدامة في "المغني" (2/264) : "مذهب عامة الفقهاء أن النية شرط في أداء الزكاة , إلا ما حكي عن الأوزاعي أنه قال: لا تجب لها النية" انتهى. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا كان المدين أخرج الزكاة عن الدين الذي عليه بدون إذن صاحبه وأخرجها ليس عن نفسه ولكن عن صاحب الدين، فهل تجزئ عن صاحب الدين أو يلزمه إخراجها مرة أخرى؟ فأجاب: "كل من أخرج زكاة عن شخص لم يوكله، فإنها لا تجزئه عنه؛ لأن الزكاة لابد فيها من النية، وليست كقضاء الدين، قضاء الدين، إذا قضيت ديناً عن شخص بدون إذنه ونويت الرجوع عليه ترجع عليه، أما الزكاة، فإنها لا تصح إذا أخرجتها عن شخص بدون توكيله، وذلك لأن الزكاة عبادة تحتاج إلى نية لمن هي عليه، وإذا لم يوكلك، فإنك تكون قد أخرجتها عنه بدون نية منه، وحينئذ لا تصح؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) " انتهى من "نور على الدرب". وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (9/245) : " تجب الزكاة على مالكه، إذا بلغت ثمرة ما يملكه نصاباً وعليه أن ينوي بما يخرجه الزكاة؛ لأن الزكاة عبادة فلا بد لصحتها من النية؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ) ، فلا يجزئ أن يخرج عنه غيره، إلا إذا أذن له في إخراجها.." انتهى. وعلى هذا، فالزكاة التي أخرجها المدين بدون إذنك وتوكيلك لا تجزئك، ويجب عليك إخراجها مرة أخرى، ويكون ما دفعه المدين صدقة تطوع عن نفسه. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130572 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2359 الأدلة على وجوب الزكاة في عروض التجارة [السُّؤَالُ] ـ[ما هي الأدلة على وجوب الزكاة في عروض التجارة؟ لأني سمعت أن هناك من العلماء من أنكر وجوب الزكاة فيها.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذهب جماهير العلماء (ومنهم الأئمة الأربعة: أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رحمهم الله) إلى وجوب الزكاة في عروض التجارة. وقد استدلوا على ذلك بأدلة كثيرة من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة. فمن هذه الأدلة: 1- قوله تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) . البقرة/267. قَالَ مُجَاهِد: نَزَلَتْ فِي التِّجَارَة. 2- وعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه قَالَ: (إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِنْ الَّذِي نُعِدُّ لِلْبَيْعِ) . رواه أبو داود (1562) وحسنه ابن عبد البر. ضعفه الألباني في الإرواء (827) ، وقال الحافظ في "التلخيص" (2/391) : في إسناده جهالة اهـ. وقال النووي في "المجموع" (6/5) : في إسناده جماعة لا أعرف حالهم. 3- وروى الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِم عَنْ أَبِي ذَرّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (فِي الْإِبِل صَدَقَتهَا، وَفِي الْغَنَم صَدَقَتهَا، وَفِي الْبَقَر صَدَقَتهَا، وَفِي الْبَزِّ صَدَقَته. . . الْحَدِيث) . قال الحافظ في "التلخيص" (2/391) : إسناده لا بأس به اهـ. وصححه النووي في المجموع (6/4) . وَالْبَزُّ بِالْبَاءِ وَالزَّاي (الثياب أو نوع منها) . كَذَا ضَبَطَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ. وَالْحَدِيث صَحَّحَهُ الْحَاكِم وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْره. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: وَمِنْ النَّاس مَنْ صَحَّفَهُ بِضَمِّ الْبَاءِ وَبِالرَّاءِ وَهُوَ غَلَطٌ اهـ. فهذا الحديث دليل على وجوب الزكاة في عروض التجارة، لأن الثياب لا زكاة فيها إلا إذا كانت للتجارة، فتعين حمل الحديث على ذلك. 4- وروى البخاري (1468) ومسلم (983) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرَ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَقِيلَ: مَنَعَ ابْنُ جَمِيلٍ، وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَالْعَبَّاسُ عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا فَأَغْنَاهُ اللَّهُ! وَأَمَّا خَالِدٌ فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِدًا، قَدْ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتَادَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَمَّا الْعَبَّاسُ فَهِيَ عَلَيَّ وَمِثْلُهَا مَعَهَا) . قال النووي في "شرح مسلم": "قَالَ أَهْل اللُّغَة: الْأَعْتَاد: آلَات الْحَرْب مِنْ السِّلَاح وَالدَّوَابّ وَغَيْرهَا , وَمَعْنَى الْحَدِيث: أَنَّهُمْ طَلَبُوا مِنْ خَالِد زَكَاة أَعْتَادِهِ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّهَا لِلتِّجَارَةِ , وَأَنَّ الزَّكَاة فِيهَا وَاجِبَة , فَقَالَ لَهُمْ: لَا زَكَاة لَكُمْ عَلَيَّ , فَقَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ خَالِدًا مَنَعَ الزَّكَاة , فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّكُمْ تَظْلِمُونَهُ ; لِأَنَّهُ حَبَسَهَا وَوَقَفَهَا فِي سَبِيل اللَّه قَبْل الْحَوْل عَلَيْهَا , فَلَا زَكَاة فِيهَا. وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد: لَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاة لَأَعْطَاهَا وَلَمْ يَشِحَّ بِهَا ; لِأَنَّهُ قَدْ وَقَف أَمْوَاله لِلَّهِ تَعَالَى مُتَبَرِّعًا فَكَيْف يَشِحّ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ؟ وَاسْتَنْبَطَ بَعْضهمْ مِنْ هَذَا وُجُوب زَكَاة التِّجَارَة , وَبِهِ قَالَ جُمْهُور الْعُلَمَاء مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف خِلَافًا لِدَاوُدَ" اهـ. 5- وروى الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَعَبْد الرَّزَّاق وَالدَّارَُطْنِيّ عَنْ أَبِي عَمْرو بْن حِمَاس عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: كُنْت أَبِيعُ الْأُدْمَ فَمَرَّ بِي عُمَر بْن الْخَطَّاب فَقَالَ لِي: أَدِّ صَدَقَة مَالِك , فَقُلْت: يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّمَا هُوَ فِي الْأُدْم , فَقَالَ: قَوِّمْه ثُمَّ أَخْرَجَ صَدَقَته. وضعفه الألباني في "إرواء الغليل" (828) لجهالة أبي عمرو بن حماس. ولكن يشهد له الأثر الثاني. 6- وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الْقَارِيّ قَالَ: كُنْت عَلَى بَيْتِ الْمَالِ زَمَانَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , فَكَانَ إذَا خَرَجَ الْعَطَاءُ جَمَعَ أَمْوَالَ التُّجَّارِ ثُمَّ حَسَبَهَا , غَائِبَهَا وَشَاهِدَهَا , ثُمَّ أَخَذَ الزَّكَاةَ مِنْ شَاهِدِ الْمَالِ عَنْ الْغَائِبِ وَالشَّاهِدِ. صححه ابن حزم في "المحلى" (4/40) . 7- وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ اِبْن عُمَر رضي الله عنهما قَالَ: (لَيْسَ فِي الْعَرُوض زَكَاةٌ إِلَّا مَا كَانَ لِلتِّجَارَةِ) . صححه ابن حزم في "المحلى" (4/40) . والنووي في "المجموع" (6/5) . وهذه الأدلة بمجموعها تدل على صحة الحكم، وإن كان كل دليل منها قد يكون فيه مناقشة، لكن اجتماع الأدلة يعطيها قوة. ولهذا ذهب إلى القول بوجوب الزكاة في عروض التجارة جماهير العلماء، واعتبر القول بعدم وجوبها شاذاً. حتى نقل ابن المنذر رحمه الله الإجماع على وجوبها، واعتبر قول أهل الظاهر – الذين قالوا بعدم وجوب الزكاة فيها – اعتبره قولاً شاذاً خارجاً عن الإجماع. قال شيخ الإسلام رحمه الله: "والأئمة الأربعة وسائر الأمة – إلا من شذّ – متفقون على وجوبها في عرض التجارة، سواء كان التاجر مقيماً أو مسافراً. وسواء كان متربصاً – وهو الذي يشتري التجارة وقت رخصها ويدخرها إلى وقت ارتفاع السعر – أو مديراً كالتجار الذين في الحوانيت. سواء كانت التجارة بزاً من جديد، أو لبيس، أو طعاماً من قوت أو فاكهة. أو أدم أو غير ذلك، أو كانت آنية كالفخار ونحوه، أو حيواناً من رقيق أو خيل، أو بغال، أو حمير، أو غنم معلوفة، أو غير ذلك، فالتجارات هي أغلب أموال أهل الأمصار الباطنة، كما أن الحيوانات الماشية هي أغلب الأموال الظاهرة" انتهى. "مجموع فتاوى ابن تيمية" (25/45) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130487 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2360 زكاة حلي الذهب المرصع بالفصوص والجواهر [السُّؤَالُ] ـ[أملك حلياً لكنه يحتوي على فصوص، ليست من الذهب، فهل أخرج الزكاة على جميعه أو على ما يزن من الذهب أي غير الفصوص؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: أولاً: تقدم في جواب سؤال رقم (93693) ، (59866) وجوب زكاة الحلي المعد للاستعمال، إذا بلغ النصاب وحال عليه الحول. ثانياً: ينظر في الحلي، إذا بلغ خالصه نصاباً وجبت فيه الزكاة، أما إذا لم يبلغ خالصه نصاباً، فلا زكاة فيه، ولا ينظر إلى ما خالطه من الفصوص والجواهر؛ لأن الفصوص وغيرها من الجواهر كالألماس لا زكاة فيها. قال ابن قدامة رحمه الله: فإن كان في الحلي جوهر ولآلئ مرصعة , فالزكاة في الحلي من الذهب والفضة دون الجوهر , لأنها لا زكاة فيها عند أحد من أهل العلم " انتهى من "المغني" (2/324) . وسئل الشيخ عبد العزيز رحمه لله: عن الذهب المرصع بالفصوص والأحجار الكريمة؟ فأجاب: الذهب هو الذي فيه الزكاة، وأما الأحجار الكريمة والماس، فلا زكاة فيها إذا لم تكن للتجارة، فإذا كانت القلائد ونحوها فيها هذا وهذا، فينظر من جهة أهل الخبرة ويقدر ما فيها من الذهب، فإذا بلغ ما فيها من الذهب النصاب وجب أن يزكى، والنصاب عشرون مثقالاً، ومقداره بالجنيه السعودي أحد عشر جنيها وثلاثة أسباع الجنيه، وبالجرامات (92) جراماً فيزكى كل سنة، والواجب في ذلك ربع العشر ومقداره من كل ألف خمسة وعشرون، وهذا هو الصحيح من أقوال أهل العلم في الحلي من الذهب والفضة المعدة للبس أو العارية، أما إذا كانت للتجارة فالزكاة واجبة عن الحلي كلها وما فيها من الأحجار حسب القيمة كسائر عروض التجارة عند جمهور أهل العلم، وحكاه بعضهم إجماعاً " انتهى من "مجموع الفتاوى" (14/120) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130132 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2361 حكم من لم يزك ماله المدخر للزواج [السُّؤَالُ] ـ[كنت أجمع مالاً للزواج لمدة سبع سنوات، والحمد لله تزوجت لكن المشكلة أنني لم أخرج زكاة هذا المال ظناً مني أن المال الذي يجمع للزواج لا تجب فيها الزكاة، فما الواجب الآن وقد استنفذت جميع المال للزواج؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: أولاً: يجب على كل مسلم ملك نصاباً وحال عليه الحول، إخراج زكاته على الفور بمجرد انتهاء الحول، فإن أَخَّر إخراج الزكاة وهو متمكن من إخراجها كان آثماً. قال النووي رحمه الله في "المجموع" (5/308) : "إذا وجبت الزكاة وتمكن من إخراجها وجب الإخراج على الفور، فإن أخرها أثم , وبه قال مالك وأحمد وجمهور العلماء" انتهى. والزكاة واجبة في كل مال بلغ النصاب وحال عليه الحول، ولو كان مدخراً للزواج أو بناء مسكن ... أو غير ذلك. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (41805) . وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في "نور على الدرب": أنا شاب موظف لي دخل شهري محدود آخذ منه ما أحتاجه والباقي أضعه في البنك حتى يتكون لدي مبلغ أشتري به أرضاً أقيم عليها مسكناً أسكنه عندما أتزوج، وفعلاً تكون لدي مبلغ خمسة وخمسون ألف ريال ..... فالسؤال: هل علي زكاة في هذه السنوات الثلاث؛ لأنني سمعت أن من يجمع المال حتى يتزوج أو يبني مسكناً يسكنه لا زكاة عليه؟ فأجاب: "هذا غلط، الصواب أن عليه الزكاة، إذا جمع مالاً ليتزوج , أو ليبني مسكناً , أو ليوفي ديناً، فالزكاة عليها إذا حال الحول على المال المجموع، فإذا جمعت من رواتبك أو ثمن الأرض التي بعتها ورصدتها في البنك أو في غير البنك تنتظر تعمير أو تنتظر شراء أرضٍ أخرى، أو تنتظر الزواج أو ما أشبه ذلك، فإن عليك الزكاة إذا حال الحول، كل مال حال عليه الحول من النقود، فإنه يجب عليك زكاته ... انتهى http://www.binbaz.org.sa/mat/13601 وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: عن المال المدخر للحج في أحد المصارف الإسلامية، هل تجب فيه الزكاة أو لا؟ فأجاب: "المال إذا بلغ النصاب بنفسه، أو بضمه إلى غيره، وحال عليه الحول؛ فإنه تجب فيه الزكاة، ولو كان مدخرًا للحج أو للنفقة أو لغير ذلك؛ فإن المال إذا حال عليه الحول وهو في ملك صاحبه من نقود أو عروض تجارة أو سائمة الأنعام؛ فإنه تجب فيه الزكاة عند كل حول" انتهى من المنتقى من فتاوى الفوزان. وعلى هذا؛ فالواجب عليك إخراج الزكاة عن السنوات الماضية التي كنت فيها مالكاً للنصاب ولم تخرج الزكاة، وإذا لم يكن معك نقود الآن تخرجها زكاة، فإنها تبقى دَيْناً عليك، متى توفر معك مبلغ من المال أخرجته من الزكاة، وينبغي أن تكتب قدر الزكاة الواجبة عليك، وكلما أخرجت شيئاً من المال قَّيّدته حتى لا تنسى كم بقي عليك من الزكاة. قال النووي رحمه الله في "المجموع (5/310) : " إذا مضت عليه ـ المال ـ سنون , ولم يؤد زكاتها لزمه إخراج الزكاة عن جميعها سواء علم وجوب الزكاة أم لا.." انتهى. وسئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: ظللت عشر سنوات أجمع مالاً ثم تزوجت منه واشتريت سيارة ولم أدفع زكاته طوال هذه السنوات فما الحكم؟ فأجاب: "يظن بعض الناس أنه ما دام يجمع المال ليتزوج، أو يشتري سكناً فلا زكاة عليه، وهذا غير صحيح، بل الزكاة واجبة في المال سواء أعده للنفقة، أو الزواج، أو شراء البيت. ونقول لهذا السائل: عليك الآن أن تحصي مالك في هذه السنوات وتخرج زكاته. وعلى الإنسان أن يبادر بسؤال أهل العلم، وبقاء الإنسان هذه المدة الطويلة بدون سؤال فهذا تهاون وتفريط" انتهى. "مجموع فتاوى بن عثيمين" (18/302) . وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: إذا ملك الشخص النصاب ولم يخرج الزكاة في وقتها وتأخر ذلك عدة أعوام هل يجوز إخراج الزكاة عن ذلك الزمن المنصرم؟ وكيف يمكن للشخص أن يخرج الزكاة إذا لم يكن متأكدا م مقدار المال الذي وجبت فيه الزكاة في ذلك الوقت السابق؟ فأجابوا: "أ - من وجبت عليه زكاة وأخرها بغير عذر مشروع أثم؛ لورود الأدلة من الكتاب والسنة بالمبادرة بإخراج الزكاة في وقتها. ب - من وجبت عليه زكاة ولم يخرجها في وقتها المحدد وجب عليه إخراجها بعد، ولو كان تأخيره لمدة سنوات، فيخرج زكاة المال الذي لم يزك لجميع السنوات التي تأخر في إخراجها، ويعمل بظنه في تقدير المال وعدد السنوات إذا شك فيها، لقول الله عز وجل: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16" انتهى. فتاوى "اللجنة الدائمة" (9/395) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128166 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2362 زكاة الحلي المغشوش [السُّؤَالُ] ـ[أمتلك حلياً من الذهب قد بلغ النصاب، لكن اكتشفت في الآونة الأخيرة أنه مخلوط بغيره من المعادن كالنحاس، والآن قد حال عليه الحول فكيف أزكيه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: الحلي الذي قد خالطه شيء من المعادن، كالنحاس.. لا زكاة فيه حتى يبلغ الذهب الخالص منه نصاباً، أما إذا لم يبلغ النصاب إلا بالنحاس، فلا زكاة فيه. قال النووي رحمه الله: " مذهبنا أنه لا زكاة في المغشوش من ذهب ولا فضة حتى يبلغ خالصه نصاباً ; وبه قال جمهور العلماء " انتهى من "المجموع" (5/505) . وقال ابن قدامة رحمه الله: "ومن ملك ذهباً , أو فضة مغشوشة , أو مختلطاً بغيره , فلا زكاة فيه , حتى يبلغ قدر الذهب والفضة نصاباً ; لقوله عليه السلام: (ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة) " انتهى من "المغني" (2/319) . لكن كيف نستطيع أن نقدر وزن الذهب الخالص منه؟ الجواب: نرجع في هذا إلى أهل الخبرة، وهم أهل الصنعة من الصاغة، فينظروا هل بلغ الذهب الخالص نصاباً أم لا؟ فإن بلغ نصاباً ففيه الزكاة، وإن لم يبلغ فلا زكاة فيه. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128167 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2363 مذاهب العلماء في زكاة الدَّيْن، والراجح من أقوالهم [السُّؤَالُ] ـ[دخلت مع أحد الأشخاص كشريك مساهم بالمال فقط، وهو يتولى العمل، ولكنني لم يعجبني العمل، فلم أطلب منه أي فوائد، كما أنه لم يعطني شيئاً، بعد ثلاث سنوات طلبت منه أن يعطيني المال الذي أعطيته، ولكنه يقول: إن ظرفه لا يسمح له في الوقت الحالي، ويبرم لي مواعيد من حين لآخر، غير أني متأكد من أنه سيرد لي هذا المال، إلا أني أتساءل ما إذا كان على هذا المبلغ من زكاة يجب دفعها]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الدَّين الذي للمسلم على غيره لا يخلو من أن يكون على أحد حالين: الأولى: أن يكون عند مقرٍّ به، معترف بمقداره، باذل له. والثانية: أن يكون عند معترف به، لكنه معسر، أو مماطل، أو يكون عند جاحد له. ففي الحال الأولى: يزكي الدَّين بإضافته إلى ما معه من مال، فيزكي عن جميع ماله، وذلك كل عام، ولو لم يقبضه من المدين؛ لأنه بمثابة الوديعة، ويجوز له أن يؤجل أداء زكاة الدَّيْن لحين قبضه، ويؤدي زكاته عن الأعوام كلها. وفي الحال الثانية: ليس عليه زكاة، لكنه إذا قبضه فالأحوط له: أن يزكيه عن عامٍ واحد، ولو مكث عند المعسر، أو المماطل، أو الجاحد، أعواماً عديدة. هذا ملخص للراجح من أقوال العلماء في هذه المسألة، وهناك اختلاف بينهم فيما ذكرنا من مسائل، وهذا عرض مختصر لأقوالهم في ذلك: جاء في " الموسوعة الفقهية " (23 / 238، 239) : "الدَّيْن مملوك للدائن، ولكنه لكونه ليس تحت يد صاحبه: فقد اختلفت فيه أقوال الفقهاء: فذهب ابن عمر، وعائشة، وعكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنهم: إلى أنه لا زكاة في الدَّين، ووجهه: أنه غير نامٍ، فلم تجب زكاته، كعروض القُنية - وهي العروض التي تقتنى لأجل الانتفاع الشخصي -. وذهب جمهور العلماء: إلى أن الدَّيْن الحالَّ قسمان: دين حال مرجو الأداء، ودين حال غير مرجو الأداء. فالدَّين الحالُّ المرجو الأداء: هو ما كان على مقرٍّ به، باذلٍ له، وفيه أقوال: فمذهب الحنفية، والحنابلة، وهو قول الثوري: أن زكاته تجب على صاحبه كلَّ عام؛ لأنه مال مملوك له، إلا أنه لا يجب عليه إخراج الزكاة منه ما لم يقبضه، فإذا قبضه زكاه لكل ما مضى من السنين. ووجه هذا القول: أنه ديْن ثابت في الذمة، فلم يلزمه الإخراج قبل قبضه؛ ولأنه لا ينتفع به في الحال، وليس من المواساة أن يخرج زكاة مال لا ينتفع به، على أن الوديعة التي يقدر صاحبها أن يأخذها في أي وقت ليست من هذا النوع، بل يجب إخراج زكاتها عند الحول. ومذهب الشافعي في الأظهر، وحماد بن أبي سليمان، وإسحاق، وأبي عبيد: أنه يجب إخراج زكاة الديْن المرجو الأداء في نهاية كل حول، كالمال الذي هو بيده، لأنه قادر على أخذه والتصرف فيه. وجعل المالكية الديْن أنواعا: فبعض الديون يزكَّى كل عام، وهي دين التاجر المدير [أي الذي يبيع ويشتري للتجارة] عن ثمن بضاعة تجارية باعها. وبعضها يزكَّى لحولٍ من أصله لسنَة واحدة عند قبضه، ولو أقام عند المدين سنين، وهو ما أقرضه لغيره من نقد، وكذا ثمن بضاعة باعها محتكر. وبعض الديون لا زكاة فيه، وهو ما لم يقبض، من نحو هبة، أو مهر، أو عوض جناية. وأما الديْن غير المرجو الأداء: فهو ما كان على معسرٍ، أو جاحد، أو مماطل، وفيه مذاهب: فمذهب الحنفية فيه، وهو قول قتادة وإسحاق، وأبي ثور، ورواية عن أحمد، وقول للشافعي: أنه لا زكاة فيه؛ لعدم تمام المِلك؛ لأنه غير مقدور على الانتفاع به. والقول الثاني: وهو قول الثوري، وأبي عبيد ورواية عن أحمد، وقول للشافعي هو الأظهر: أنه يزكيه إذا قبضه لما مضى من السنين؛ لما روي عن علي رضي الله عنه في الدين المظنون: (إن كان صادقا فليزكه إذا قبضه لما مضى) . وذهب مالك إلى أنه: يزكيه إذا قبضه لعامٍ واحد وإن أقام عند المدين أعواماً، وهو قول عمر بن عبد العزيز، والحسن والليث، والأوزاعي" انتهى باختصار يسير. والذي رجحناه هنا: هو ما يفتي به علماء اللجنة الدائمة للإفتاء، والشيخ محمد بن صالح العثيمين. وانظر جواب السؤال رقم (1117) . وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله بعد عرض الأقوال في المسألة -: "والصحيح: أنه تجب الزكاة فيه كل سنة، إذا كان على غني باذل؛ لأنه في حكم الموجود عندك؛ ولكن يؤديها إذا قبض الدين، وإن شاء أدى زكاته مع زكاة ماله، والأول: رخصة، والثاني: فضيلة، وأسرع في إبراء الذمة. أما إذا كان على مماطل، أو معسر: فلا زكاة عليه، ولو بقي عشر سنوات؛ لأنه عاجز عنه، ولكن إذا قبضه: يزكيه مرة واحدة في سنَة القبض فقط، ولا يلزمه زكاة ما مضى. وهذا القول قد ذكره الشيخ العنقري في حاشيته عن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، وأحفاده، رحمهم الله، وهو مذهب الإمام مالك رحمه الله، وهذا هو الراجح؛ لما يلي: أولاً: أنه يشبه الثمرة التي يجب إخراج زكاتها عند الحصول عليها، والأجرة، التي اختار شيخ الإسلام وجوب الزكاة فيها حين القبض، ولو لم يتم عليها حول. ثانياً: أن من شرط وجوب الزكاة: القدرة على الأداء، فمتى قدر على الأداء: زكَّى. ثالثاً: أنه قد يكون مضى على المال أشهر من السنَة قبل أن يخرجه ديْناً. رابعاً: أن إسقاط الزكاة عنه لما مضى، ووجوب إخراجها لسنَة القبض فقط: فيه تيسير على المالك؛ إذ كيف نوجب عليه الزكاة مع وجوب إنظار المعسر، وفيه أيضاً تيسير على المعسر؛ وذلك بإنظاره. ومثل ذلك: المال المدفون المنسي، فلو أن شخصاً دفن ماله خوفاً من السرقة، ثم نسيه: فيزكيه سنة عثوره عليه فقط. وكذلك المال المسروق إذا بقي عند السارق عدة سنوات، ثم قدر عليه صاحبه: فيزكيه لسنَة واحدة، كالديْن على المعسر" انتهى. " الشرح الممتع على زاد المستقنع " (6 / 27، 28) . والخلاصة: عليك أن تزكي هذا المال عن السنوات الثلاثة التي كنت مشاركاً فيها لصاحبك. وبعد ذلك ـ من أول اتفاقك معه على رد المال ـ فقد تحول هذا المال من مال مشاركة إلى دَيْن على صاحبك، والظاهر من حال صاحبك أنه معسر، فلا زكاة عليك في هذا المال حتى تقبضه، فتزكيه عن سنة واحدة فقط، وإن كان قد بقي في ذمة صاحبك عدة سنوات. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125854 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2364 زكاة المال المجتمع في الصندوق التعاوني للإقراض [السُّؤَالُ] ـ[لدينا صندوق عائلي تعاوني، يشترك به 21 فرداً، يدفع كل فرد مبلغا متساويا من المال، وبعد سنَة يُسمح لأي مشترك طلب قرضاً أن يُعطى، شرط ألا تقل موجودات الصندوق عن 20 ألف، وبدون فائدة، تسدد على أقساط شهرية، يعاد لكل فرد مشترك بالصندوق مبلغ مساوٍ لما دفعه خلال 7 سنوات - مدة الصندوق -. عند حلول الزكاة: كان بالصندوق 88 ألف - 20 أصل ثابت، و 48 هي من تسديد أقساط المقترضين التي توفرت من 4 شهور ماضية فقط - هل الزكاة في الـ 20 ألف فقط، أم في كامل المبلغ - 88 ألف -؟ هل الزكاة على كل المشتركين في الصندوق أم على المقترضين، أم على غير المقترضين؟ . هذا، وجزاكم الله خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إنشاء صناديق الأسر التعاونية من الأعمال الخيِّرة، وهي منتشرة بين القبائل الكبيرة، والأسر الصغيرة، وتكون أحياناً بين موظفين، أو أصدقاء. وتختلف أعمال وطبيعة هذه الصناديق بعضها عن بعض، فبعضها يُخرج المنتسب إلى الصندوق مالاً شهريّاً، أو دوريّاً، ولا ينتظر رجوعه إليه، بل هو مال تبرع فيه للصندوق، لسد حاجة محتاج، أو فك كربة مكروب، وبعض الصناديق تخصص لإقراض المنتسبين إليه، والمشتركين فيه، وتعود إليهم أموالهم - أو إلى ورثتهم - في نهاية المطاف،. فأما أصحاب الصناديق من القسم الأول: فليس في مال صندوقهم زكاة؛ لانقطاع تملكهم للمال المبذول للصندوق. وأما أصحاب الصناديق من القسم الثاني: ففي مال الصندوق زكاة؛ لأنه لم يخرج عن ملك صاحبه. وقد صدرت فتاوى متعددة من علماء اللجنة الدائمة في هذه الأقسام والأنواع من الصناديق: ففي النوع الأول قالوا: إذا كان الواقع كما ذُكر، وكان لا يعود ما توفر منه إلى مَن تبرعوا به بنسبة تبرعهم، بل انقطع تملكهم الخاص بمجرد تبرعهم، وإنما يصرف فيما تبرعوا من أجله: فلا زكاة فيه. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. " فتاوى اللجنة الدائمة " (9 / 289) . وفي النوع الثاني، وهو الذي محل السؤال الوارد هنا، قالوا: تجب الزكاة في الصندوق المذكور؛ لأنه لم يخرج عن ملك صاحبه، وإنما هو في حكم القرض. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان. " فتاوى اللجنة الدائمة " (9 / 291) . ثانياً: إذا قلنا إن الزكاة على المال الذي في الصندوق: فكيف يكون إخراجها؟ . الظاهر: أن الزكاة تجب على كل مشترك بماله الخاص الذي دفعه، وذلك بشرط أن يبلغ نصيبه الذي دفعه النصاب وحده، أو مضموما إلى ماله الخاص، إذا كان له مال آخر من جنسه، خارج الصندوق. فمن كان – مثلاً – يخرج زكاته في " شعبان ": فيحسب ما معه من مال ويضيف إليه ما دفعه للصندوق، ويزكي جميع المال، والزكاة: 2,5% على المبالغ الموجودة. وإذا كان لا يملك مالاً خارج الصندوق: فلينتبه لمجموع ما دفعه للصندوق، فإذا بلغ النصاب أثناء السنَة: فليبدأ بحساب الحوْل. وننبه هنا إلى أن اقتراض المشتركين من الصندوق – بما فيه ماله المدفوع له – لا يؤثر في وجوب الزكاة؛ لأن الدَّيْن هنا إذا بلغ النصاب فهو مال زكوي تجب فيه الزكاة، والدَّين في الذمة، يؤدى عند الاستطاعة. وقد اختلف العلماء رحمهم الله في زكاة مَن عليه ديْن، إذا كان ما معه يبلغ النصاب، والذي نرجحه في موقعنا هذا هو أن الدَّين لا يمنع من الزكاة، وهو مذهب الشافعي رحمه الله، وهو ما يرجحه الشيخان ابن باز والعثيمين رحمهما الله، وهو قول اللجنة الدائمة. انظر أجوبة الأسئلة: (22426) و (83903) و (106434) . وعليه: فإذا كنت مدينا لغيرك بمال، وهذا المال ـ الذي هو دين ـ بيدك: لا يُحسم من مالك الذي تريد زكاته، بل يضاف عليه، ويزكَّى جميعه، إلا أن ترد المال لأصحابه قبل نهاية الحول، كما بينه العلماء في الأجوبة المحال عليها. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125370 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2365 كيف يزكي التاجر بضاعته التي في الطريق إليه؟ وهل يخصم الديون من الأموال التي سيزكيها؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما تقولون فضيلتكم في كيفية إخراج الزكاة، حيث إنني أملك محلاً تجاريّاً لبيع الأقمشة، وقد حال الحول على البضاعة الموجودة بالمحل، وهناك ديون متعلقة بالبضاعة الموجودة، والمشتراة بالأجل، بأن تم دفع جزء من قيمتها، والباقي مؤجل، وبعض الديون على المحل بالإضافة للمصاريف السنوية - كإيجار المحل، ورسوم رخصة سنوية ... -. وكذلك يوجد طلبيات في الطريق، فهل تحسب قيمة البضاعة حتى يومنا هذا، ويخصم منها قيمة الديون، وقيمة البضائع التي في الطريق، وتحسب قيمة الزكاة، أم فقط قيمة البضاعة حتى يومنا هذا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ينبغي التنبه إلى أن حول عروض التجارة هو حول النقود التي اشتريت بها تلك العروض. فإذا امتلك التاجر نصاباً من النقود في شهر المحرم، ثم اشترى به عروضاً للتجارة في رمضان، فحول عروض التجارة يكون في المحرم التالي وليس في رمضان. وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال رقم (72315) . ويجوز لك أن تخرج زكاة بضاعتك أقمشة، كما يجوز لك أن تخرجها نقوداً. وانظر جواب السؤال رقم: (22449) . ثانياً: الديون التي عليك ـ سواء كانت ثمن البضاعة أو غير ذلك ـ لا تخصم من الأموال التي تزكيها، فإذا كانت البضاعة قيمتها خمسون ألفاً، وعليك ديون ثلاثون ألفاً، فعليك أن تزكي الخمسين كاملة، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (22426) . وأما الرسوم السنوية للرخصة، وإيجار المحل فإن حل وقتهما وتم دفعهما قبل انتهاء حول الزكاة، فلا زكاة فيها، لأنه مال أنفق قبل انتهاء الحول، أما إن تأخر دفعهما إلى ما بعد الحول فلا يخصمان من الأموال التي ستزكى. ثالثا: أما الطلبيات التي في الطريق إليك، فإن كنت قد اشتريت هذه الطلبيات وتم عقد البيع، فهي داخلة في ملكك، فتحسب من أموال الزكاة، سواء دفعت ثمنها كله أو بعضه أو لم تدفع شيئاً، لأن الديون ـ كما سبق لا تخصم من الأموال الزكوية. أما إذا كنت لم تشترها بعد، فلا تحسب في أموال الزكاة، لأنها ليست ملكاً لك. ولله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 124095 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2366 ما هي زكاة مزرعة بيعت على أقساط تمتد إلى عشر سنوات؟ [السُّؤَالُ] ـ[رجل عنده مزرعة باعها بأقساط تمتد إلى عشر سنوات؛ في كل سنة قسط، فكيف يزكي هذا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "قبل أن يبيعها ليس عليه فيها زكاة؛ لأنها ليست عروضاً. وبعد بيعها تكون زكاتُه زكاةَ دَين، بمعنى: أنه إذا استوفى شيئاً أدَّى زكاتَه لِسَنَتِه، وإذا استوفى في السنة الثانية يؤدي زكاتَه لِسَنَتَين، وإذا انقضت السنة الثالثة يؤديه لثلاث سنوات، وهكذا" انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. "لقاءات الباب المفتوح" (2/34) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 119245 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2367 أنهى الشركة وله بضاعة اتفق على أخذ ثمنها على سنوات، فهل تلزمه زكاتها؟ [السُّؤَالُ] ـ[كنت شريكاً في التجارة مع أخي، ثم قررت الانفصال، وكان نصيبي من البضاعة الموجودة في المستودع ما يقابل مليون، واتفقنا أن يسدد لي حصتي لعدة سنوات، وخلال هذه الفترة لا دخل لي في بضاعتي، ولكن أخي يتجر فيها إلى أن يسدد لي حصتي، فعلى من تكون الزكاة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا اتفقت مع أخيك على أن يسدد لك مليوناً مثلاً – هي ثمن البضاعة-، على أقساط لعدة سنوات، فإن هذا المبلغ يكون دَيْناً لك على أخيك، فيزكى زكاة الدَّيْن، وفيها تفصيل معروف، وهو: 1. أن الدَّيْن إن كان على شخص مليء – أي: قادر على سداد الدين غير جاحد له -، فإن الدين تزكيه كل سنة، كما لو كان المال موجودا معك. ويجوز تأخير إخراج الزكاة حينئذ إلى قبض المال، فإن قبضته زكيته لما مرَّ من السنين. 2. وإن كان الدَّيْن على مماطل أو جاحد أو فقير معسر لا يستطيع سداده، فلا تلزم زكاته حتى تقبضه، فإن قبضته بدأت في حساب الحول من يوم قبضه، وإن زكيته حين قبضه لسنة واحدة، فهو أحسن وأحوط. وأما البضاعة التي كانت لك، فزكاتها واجبة على شريكك، لأنه اشتراها منك وصارت ملكاً له يوم أن اتفق معك أن يعطيك ثمنها. وينظر: "المغني" (2/345) ، "الموسوعة الفقهية" (23/238) ، وجواب السؤال رقم (84005) ، ورقم (1346) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 119047 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2368 المال الموقوف والعام لا زكاة فيه ولو استثمر [السُّؤَالُ] ـ[هل يجب على أموال الوقف المستثمرة زكاة؟ كالمشاريع التي تنشئها الدولة وتدر أرباحاً لخزينتها.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أموال الوقف لا زكاة فيها، لأنها ليست مملوكة لأحد، سواء كانت مستثمرة أو غير مستثمرة، وإذا استثمر الوقف فإن ريعه يصرف في مصارفه التي حددها الواقف، كالفقراء والمساكين والعجزة وطلبة العلم وغيرهم، ومن أخذ شيئاً من هذا المال، وحال عليه الحول، وكان نصابا بنفسه أو بما انضم إليه من ماله، لزمه زكاته، لأنه مال مملوك له توفرت فيه شروط الزكاة. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: قبيلة من القبائل كونوا مبلغا من المال، وجعلوا هذا المبلغ خاصا لما يجري على هذه القبيلة من الدم، ومشوا هذا المبلغ للتجارة، والربح الناتج عايد للدم أيضا. فهل يجب بهذا المبلغ زكاة أم لا؟ وإذا لم يتاجر فيه هل عليه زكاة أم لا؟ وهل يحق للقبيلة نفسها أن تدفع فيه زكاة أموالها من النقدين؟ فأجابوا: "إذا كان الواقع كما ذكر فلا زكاة في المال المذكور؛ لكونه في حكم الوقف، سواء كان مجمدا أو في تجارة تدار، ولا يجوز أن تدفع فيه الزكاة، لكونه ليس مخصصا للفقراء، ولا غيرهم من مصارف الزكاة " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/291) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في جمعية قروية يتبرع أهلها باشتراك شهري لها، ويرصد مالها للإعانة على الحوادث والديات وإقراض من يحتاج إلى الزواج: " أموال هذا الصندوق ليس فيها زكاة , لأنها خارجة عن ملك المشتركين فليس لها مالك معين , ولا زكاة فيما ليس له مالك معين " انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/184) . وقال أيضاًَ: "مال الدولة يذهب إلى بيت المال، فليس له مالك معين، وحينئذ لا زكاة فيه " انتهى من شرح الكافي. والحاصل: أن مال الدولة أو (بيت المال) وكذا المال الموقوف لا زكاة فيه، لأنه ليس ملكا لشخص معين، سواء استثمر أو لم يستثمر. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118309 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2369 باع محفظة الأسهم بثمن مؤجل إلى سنة ونصف فهل تلزمه زكاتها؟ [السُّؤَالُ] ـ[لدي محفظة أسهم، واشتراها مني أحد الإخوة بأجل على أن يعطيني قيمتها بالزيادة بعد سنة ونصف من تاريخ شرائها مني. فكيف أزكيها؟ وهل الزكاة على أصل المحفظة حال شرائها أم القيمة التي سيعطيني إياها المشتري بعد سنة ونصف؟ علماً بأنه قد باع محتويات المحفظة ويقوم بالمضاربة فيها في الأسهم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا بعت محفظة الأسهم بثمن مؤجل، فإن هذا الثمن يكون دَيْناً على المشتري، ويزكى زكاة الدَّين. ومعلوم أن من كان له دين على آخر، فإن زكاته فيها تفصيل: فإن كان الدين على مليء باذل، وهو المعترف بالدين القادر على سداده، وجب زكاة المال عند حولان الحول، كما لو كان المال حاصلا باليد. وإن كان الدين على مماطل أو جاحد، لم تلزم زكاته حتى تقبضه، وتستقبل به حولا جديدا. وينظر جواب السؤال رقم (106434) . وبهذا تعلم أن الزكاة تكون على الثمن الذي سيعطى لك، وليس على القيمة الأصلية للمحفظة، لأن هذا الثمن أصبح دَيْناً لك على المشتري، فيزكى زكاة الدَّين كما سبق، سواء قام المشتري ببيع محتويات المحفظة أو لم يقم بذلك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114847 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2370 حكم من مات وترك مالاً لم يحل عليه الحول [السُّؤَالُ] ـ[رجل مات وترك مالاً ولم يحل عليه الحول، وظل هذا المال فترة لم يوزع على الورثة فهل إذا حال الحول عليه تخرج زكاته؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "أما بالنسبة للميت الذي مات قبل أن يتم الحول فلا زكاة عليه، لأنه مات قبل الوجوب، فلا يقضى عنه. أما بالنسبة للورثة فالذي يبلغ نصيبه نصاباً عليه الزكاة إذا تم الحول على موت مورثه، والذي ماله قليل لا يبلغ النصاب وليس عنده ما يكمله به فإنه لا زكاة عليه" انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. "لقاءات الباب المفتوح" (1/442) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112063 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2371 له ديون 700 دولار، فهل تجب عليه الزكاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[السؤال: لدي حوالي 700 دولار هل يجب عليها الزكاة (كم هو النصاب بالدولار تقريبا) ؟ مع العلم أنها لم تكن بحوزتي، وإنما كسلف عند أمي وأخي. فهل يجب عليها الزكاة؟ وإذا تجمد هذا المال دون زيادة أو نقصان أو بنقصان هل يجب عليه الزكاة كل سنة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نصاب الزكاة في النقود، يقدر بالأقل من نصاب الذهب أو الفضة، والأقل قيمةً الآن هو نصاب الفضة 595 جم، فإذا بلغت النقود قيمة 595 جم من الفضة وجبت فيها الزكاة إذا مرت عليها سنة هجرية كاملة، وهي في ملك صاحبها. وعلى هذا فالمبلغ الذي معك (700) دولار، تجب فيه الزكاة لأنه أكثر من النصاب. وانظر جواب السؤال رقم (2795) . وإذا كانت النقود البالغة النصاب "مجمدة" لا تزيد ولا تنقص، أو كانت تنقص قيمتها، أو تنقص بالأخذ منها، فالزكاة واجبة فيها أيضاً، ما دامت لم تنقص عن النصاب ومرت عليها سنة، ولكن ما تم إنفاقه خلال السنة لا زكاة فيه، وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء عن مال موضوع في صندوق الادخار من دون زيادة، وحال عليه الحول، هل تجب فيه الزكاة؟ فأجابوا: "إذا تم الحول من حين ملكه، وبلغ نصاباً، وجبت فيه الزكاة" انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/273) . وكون هذا المال كان دَيْناً على والدتك وأخيك، فقد سبق في جواب السؤال رقم (1117) أن الدين إذا كان على قادر على السداد وباذل للدين غير مماطل، فالزكاة واجبة فيه كل عام، لأنه بمنزلة المال الذي في يد صاحبه، أما إذا كان الدين على فقير أو مماطل، فلا زكاة فيه، لكن الأحوط إذا استلمه صاحبه أن يخرج زكاته عن سنة واحدة، ولو كان قد بقى عند المدين عدة سنوات. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112076 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2372 دخل في مساهمة عقارية وحبس عنه صاحبه المال فكيف يزكي؟ [السُّؤَالُ] ـ[دخلت في مساهمة عقارية بمبلغ من المال وعلى حسب الاتفاق مع صاحب المكتب العقاري أنه سوف يقوم بتصفية المساهمة خلال 16 شهرا ولكنه للأسف لم يف بوعده، حدث هذا منذ عام24، وقد قمت بإخراج الزكاة عن عام 24 و25 عن المبلغ الذي دخلت به في المساهمة ومن ثم توقفت حتى الآن، وهذا اليوم قام صاحب المكتب برد نصف رأس المال ونسبة 10بالمائة من الأرباح. سؤالي هو عن كيفية إخراج الزكاة هل أخرجها علي المبلغ المقبوض فقط أم كامل المبلغ المقبوض والمتبقي؟ وماذا عن أعوام 26 و 27؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: من ملك نصابا من المال، وشارك به في مساهمة عقارية، كأراض أو دور معدة للبيع، فإنه يقوّم أسهمه عند حولان الحول على المال الذي ساهم به، ويزكيه بإخراج ربع العشر (2.5%) . وقد ذكرنا فتوى الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في ذلك في جواب السؤال رقم (42239) . وعلى هذا فكان عليك أن تخرج الزكاة عام 24، 25 على قيمة الأسهم في نهاية كل حول للزكاة، وما دمت قد أخرجتها عن المبلغ الذي دخلت به، فإنك تسأل أهل الخبرة عن قيمة الأسهم في نهاية كل حول، فإن كان قد بقي عليك شيء من زكاتها أخرجته. وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: عن رجل ساهم في أرض ثم بيعت بعد خمس سنوات، كيف يدفع زكاتها؟ فأجابت: " يزكي عن كل سنة من السنوات الأربع الماضية، على حسب قيمتها كل سنة، سواء ربحت أم لم تربح، ويزكي الربح مع الأصل للسنة الأخيرة " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/350) . ثانيا: وأما إخلاف صاحب المكتب معك موعد التصفية وعدم إعطائك حقك من المساهمة، فلا يخلو من حالين: الأولى: إما أن يكون قد قام بالفعل بالتصفية، ولكنه لم يعطك حقك وبقي دَيْنا عليه، وماطل معك في سداده، فهذا الدين لا زكاة عليك فيه، فإن قبضته، فاحسب له حولاً جديدا من حين قبضه، وإن أخرجت زكاة سنة واحدة عند قبضه فهذا هو الأولى والأحوط. الحال الثانية: أن يكون صاحب المكتب لم يقم بالتصفية، وبقيت مساهماً معه فيما بقي أو جدّ من العقار، فتلزمك الزكاة في نصيبك، فتقومه في نهاية كل حول، وتخرج زكاته، فإن كان الأمر كذلك، فعليك أن تخرج الزكاة عن عامي: 26 و 27، وما بعده، ما دامت المساهمة قائمة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112082 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2373 استثمر مالا في صناديق الأسهم فكيف يزكي؟ [السُّؤَالُ] ـ[لدي مبلغ من المال مستثمر في أحد البنوك في صناديق المتاجرة بالأسهم هل تجب علي الزكاة في هذا المبلغ؟ وما هي مقدار الزكاة المفروضة في هذا المبلغ؟ وهل الزكاة على كامل المبلغ أم الربح؟ مع العلم أنني أدفع 2.5% على كل شيك أحصله إلى الجهة التي تكفلني على أساس أنها زكاة، لكن لا علم عندي هل هم يدفعونها أم لا؟ لكن هذا هو الاتفاق بيننا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: زكاة الأسهم فيها تفصيل بحسب نية مالكها: " فإن كان ساهم في الشركة بقصد الاستفادة من ريع الأسهم السنوي، وليس بقصد التجارة؛ فإن صاحب هذه الأسهم لا زكاة عليه في أصل السهم، وإنما تجب الزكاة في الريع، وهي ربع العشر بعد دوران الحول من يوم قبض الريع. وإن كان المساهم قد اقتنى الأسهم بقصد التجارة، زكاها زكاة عروض التجارة، فإذا جاء حول زكاته وهي في ملكه، زكى قيمتها السوقية، فيخرج ربع العشر 2.5 % من تلك القيمة ومن الربح إذا كان للأسهم ربح " انتهى مختصرا من "مجلة مجمع الفقه الإسلامي" (1/879) . ثانيا: إذا كنت ساهمت بقصد الربح فقط، وكنت تخرج 2.5% من الأرباح بنية الزكاة، وتدفعها إلى الجهة التي تكفلك لتوزعها عنك، فهذا كاف، لكن ينبغي التأكد من إخراج هذه الجهة للزكاة، وإن أخذت المال وأخرجت زكاته بنفسك كان أولى. وأما إن كنت ساهمت بنية الاتجار في الأسهم، فلابد من تقويمها في نهاية الحول ثم تخرج زكاتها 2.5 بالمائة من قيمتها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 110144 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2374 هل عليها زكاة في أجرة المنزل؟ [السُّؤَالُ] ـ[رجل استأجر بيت زوجته بـ (70) ألف درهم على حساب جهة العمل، ويخصم من راتبه 24 ألف درهم، السؤال: هل المبلغ الذي تأخذه الزوجة عليه زكاة، علما أن الزوج والزوجة يسكنون هذا البيت؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، تجب الزكاة في الأجرة التي تأخذها الزوجة، إذا مَرّت عليها سنة كاملة، فتحسب سنة من حين عقد الإجارة، وفي نهاية السنة تخرج زكاتها أو زكاة ما تبقى منها إن بلغ نصاباً، 2.5 بالمائة، فإن أنفقتها كلها ولم تدخر منها شيئا، فلا زكاة عليها. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين كما في "مجموع الفتاوى" (18/السؤال 110) : ما حكم زكاة المال العائد للشخص من الشقق المؤجرة، بحيث إن المبلغ للشقة الواحدة لا يملكه الشخص دفعة واحدة، بل يكون على دفعات مرتين أو ثلاثاً؟ فأجاب: "كل الأجر التي يستلمها الإنسان شيئاً فشيئاً إن أنفقها من حين استلامها فلا زكاة فيها، ما لم يكن قد تم الحول على العقد. مثال ذلك: رجل أجر الشقة بعشرة آلاف، تمت السنة، فقبض عشرة آلاف، فإنه يزكيها، لأنه تم عليها الحول. ورجل آخر أجر شقة بأجرة مقدمة - يعني يسلمها المستأجر عند العقد - فأخذها ثم أنفقها، فهذه ليس فيها زكاة؛ لأنه لم يحل عليها الحول، ومن شرط وجوب الزكاة أن يتم الحول عليها. أما الشقة نفسها فليس فيها زكاة؛ لأن كل شيء أعد للأجرة لا زكاة فيه: من عقار، أو سيارات، أو معدات، أو غير ذلك، إلا الحلي من الذهب أو الفضة، ففيه الزكاة على كل حال إذا بلغ النصاب " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109859 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2375 زكاة السيارات المقسطة [السُّؤَالُ] ـ[لدي شركة للسيارات، وأقوم ببيع السيارات بالأقساط كل شهر بكذا، فكيف تزكى الأموال التي في ذمم الناس، فبعضها يمكن تحصيلها، وبعضها مشكوك في تحصيلها؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الديون التي في ذمم الناس نوعان: 1 – نوع يكون على شخص مليء باذل بمعنى عنده سيولة ولا يماطل، بل يدفع متى ما طلب منه، فهذا ديونه بمنزلة الأرصدة المحفوظة في البنك، تزكى كل عام بنسبة 2.5%. 2 – نوع يكون على شخص فقير أو مماطل ويشك في تحصيلها منه، فهذه لا تزكى إلا بعد قبضها لسنة واحدة. وللفائدة راجع جواب السؤال رقم (1117) . وقد سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: أعمل في بيع السيارات بالتقسيط، فمثلاً أبيع سيارة بخمسين ألف ريال، كل شهر ألف وخمسمائة ريال حتى نهاية ثمنها، فكيف أزكي ثمن السيارة؟ وهل أزكي الأقساط التي ترد إلي إذا حال عليها الحول أم أقوم بزكاة ثمن السيارة قبل حلول أقساطها؟ حيث إنني لا أملك ثمن السيارة المباعة، وإنما يأتي إلي على أقساط شهرية؟ هل الدين الذي لي على شخص إلى وقت معلوم فيه زكاة؟ فأجاب: " إذا جاء حول الزكاة فأحص ما عندك من النقود وأموال التجارة والديون التي عند الناس وزكها كلها. مثال ذلك: أن يكون عندك مئة ألف ريال نقد، وأموال تجارة تساوي مئة ألف، ولك ديون على الناس تبلغ مئة ألف، فهذه ثلثمائة ألف فعليك زكاتها كلها، لكن الديون إن شئت زكيتها كل سنة مع مالك، وإن شئت أخرت زكاتها حتى تقبضها، ثم تزكيها لما مضى من السنوات، إلا إذا كان الدين على معسر لا يستطيع الوفاء فإنك تزكيه سنة واحدة هي سنة قبضه ولو كان بعد سنوات كثيرة " انتهى بتصرف. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/224) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105324 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2376 اشترى أرضا للتجارة ولم يستلمها فهل عليه زكاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[رجل اشترى أرضاً للتجارة بمبلغ من المال، علماً بأن هذا الرجل لم يستلم الأرض حتى الا?ن، ولا حتى صكها، فهل عليها زكاة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " نعم، عليه الزكاة في هذه الأرض، ولو لم يستلم الصك، ما دام البيع قد ثبت ولزم، فيزكيها زكاة عروض تجارة، فيقومها حين وجوب الزكاة بما تساوي، ويخرج ربع عشر قيمتها " انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (18/234) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105333 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2377 إذا وجد كنزا أو ركازا في دار الكفر [السُّؤَالُ] ـ[أعيش في دولة غير إسلامية وعثرت على مالٍ كان مدفونا بالتراب بمنطقة ألعاب، ويبدو أن المال كان هناك منذ أعوام. فما الذي يجب عليَّ القيام به؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المال المدفون إذا كان عليه علامة تدل على أنه للكفار، ومن ذلك عملاتهم التي يتداولونها، فهذا يسمى: الركاز، وقد اختلف الفقهاء فيمن وجد الركاز في دار الكفر، وقد دخلها بأمان: 1- فذهب بعضهم إلى أنه يملكه، ولا يلزمه فيه شيء، وهذا مذهب الحنفية. 2- وذهب آخرون إلى أنه يملكه، ويخرج الخُمس، وهذا مذهب الحنابلة وابن حزم. 3- وذهب آخرون إلى أنه لا يملكه بل يرده على أهل البلد، وهذا مذهب الشافعية. قال في "الهداية" من كتب الحنفية: " ومن دخل دار الحرب بأمان فوجد في دار بعضهم ركازا رده عليهم، تحرزا عن الغدر ; لأن ما في الدار في يد صاحبها خصوصا، وإن وجده في الصحراء فهو له ; لأنه ليس في يد أحد على الخصوص فلا يعد غدرا ولا شيء فيه " انتهى. قال ابن الهمام في شرحه: " قوله: (في الصحراء) أي أرض لا مالك لها " انتهى من "فتح القدير" (2/238) . وينظر: المبسوط (2/215) ، تبيين الحقائق (1/290) . ونقل النووي في "المجموع" (6/51) عن الرافعي أنه قال: " أما إذا دخل دار الحرب بأمان فلا يجوز له أخذ الكنز لا بقتال ولا بغيره. كما [أنه] ليس له خيانتهم في أمتعتهم , فإنه يلزمه رده " انتهى. وينظر: روضة الطالبين (2/289) ، شرح البهجة الوردية (2/144) . وقال ابن حزم في "المحلى" (5/385) : " ومن وجد كنزا من دفن كافر غير ذمي - جاهليا كان الدافن , أو غير جاهلي - فأربعة أخماسه له حلال , ويقسم الخمس حيث يقسم خمس الغنيمة , وسواء وجده في فلاة في أرض العرب , أو أرض عَنْوة [أي: فتحها المسلمون بالقوة] , أو أرض صلح ; أو في داره , أو في دار مسلم , أو في دار ذمي , أو حيث ما وجده حكمه سواء كما ذكرنا " انتهى مختصرا. وانظر: "شرح منتهى الإرادات" (2/147) والذي يظهر والله أعلم هو رجحان القول الأخير، فمن وجد ركازا في دار الإسلام أو غيرها، فهو له، مع إخراج الخمس؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ) رواه البخاري (1499) ومسلم (1710) . وهذا الخمس يصرف في مصرف الفيء وهو المصالح العامة للمسلمين، ويُعطى منه للمساكين واليتامى وأبناء السبيل وأقارب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهم بنو هاشم. وبناء على ذلك، فيلزمك إخراج خمس هذا المال، وما بقي فهو لك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 101584 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2378 لم تزك الذهب الأبيض من سنوات فكيف تزكيه الآن؟ [السُّؤَالُ] ـ[لم أخرج الزكاة عن ذهبي منذ ثلاث سنوات، والذهب الذي عندي كله أبيض، وكنت سمعت أن الذهب الأبيض هو عبارة عن بلاتين وليس عليه زكاة، ومن قريب عرفت أن عليه زكاة، وقد قررت أن أجمع ذهبي وأوزنه وأزكي عن ثلاث سنين، لكن هناك ذهب بعته بعد السنة، وذهب بعته بعد السنتين، وأنا ما زكيت عنه على أساس أن الذهب الأبيض ما عليه زكاة فكيف أزكي عنه هذا الذي بعته بعد السنة والسنتين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الذهب الأبيض هو الذهب المعروف، لكن تضاف إليه بعض المواد، فيصير أبيض، هذا ما يقوله أهل الخبرة، وإذا كان الأمر كذلك فتجب زكاته، إذا بلغ نصابا بنفسه أو بما انضم إليه من الذهب الآخر، والنصاب هو 85 جراما، والقدر الواجب إخراجه هو ربع العشر (2.5%) تُخرج من الذهب نفسه أو من غيره، أو تخرج نقودا، بعد تقدير ثمن الذهب في السوق، فإذا كان الذهب الذي معك يساوي 5000 ريال مثلا، فيخرج منها (2.5%) أي 125 ريالا. ويلزمك إخراج الزكاة عن السنوات الماضية، وتقدرين كمية الذهب في نهاية كل سنة، وتخرجين زكاتها. فإذا كان معك في السنة الأولى 200 جراما مثلا، ثم بعت منها خمسين بعد نهاية السنة، ثم بعد السنة الثانية بعت خمسين أخرى، فيلزمك زكاة الـ 200 جراما عن السنة الأولى، وزكاة الـ 150 جراما عن السنة الثانية، وزكاة الـ 100 جراما عن السنة الثالثة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 100176 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2379 لا تجب الزكاة في الأموال الموقوفة على جهة عامة [السُّؤَالُ] ـ[رجل أوقف ماله على المساكين والفقراء، فهل في هذا المال زكاة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المال الموقوف على جهة عامة كالفقراء أو المساجد أو الغزاة أو اليتامى، ليس فيه زكاة؛ لأنه ليس له مالك معين. قال النووي رحمه الله في " المجموع " (5 / 313) : " إذَا كَانَتْ الْمَاشِيَةُ مَوْقُوفَةً عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ كَالْفُقَرَاءِ أَوْ الْمَسَاجِدِ أَوْ الْغُزَاةِ أَوْ الْيَتَامَى وَشَبَهِ ذَلِكَ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا بِلَا خِلَافٍ , لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا مَالِكٌ مُعَيَّنٌ " انتهى. وقال ابن مفلح في " الفروع " (2 / 337) : " وَلَا زَكَاةَ فِي وَقْفٍ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ، أَوْ عَلَى الْمَسَاجِدِ وَالْمَدَارِسِ ". وقال البهوتي رحمه الله " في كشاف القناع " (2 / 171) : " وَلَا زَكَاةَ فِي السَّائِمَةِ وَغَيْرِهَا الْمَوْقُوفَةِ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ , كَالْمَسَاكِينِ أَوْ عَلَى مَسْجِدٍ ونحوه، كَمَدْرَسَةٍ؛ لِعَدَمِ مِلْكِهِمْ لَهَا " انتهى بتصرف. وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: هل تجب الزكاة في أموال المساجد الموقوفة؟ فأجابت: " لا تجب الزكاة في أموال الأوقاف على المساجد ونحوها قولا واحدا؛ لانتفاء الملك فيها " انتهى. " فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء " (9 / 412) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 99694 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2380 زكاة المال الموصى به [السُّؤَالُ] ـ[رجل توفي، وقد أوصى بمبلغ (3000) ريال لأحد إخوانه، فهل في هذا المال زكاة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا زكاة في هذا المال حتى تمر سنة كاملة عليه، وهو في ملك الموصى له. قال البهوتي رحمه الله في "كشاف القناع" (2/172) : " وَالْمَالُ الْمُوصَى بِهِ لِمُعَيَّنٍ يُزَكِّيه مَنْ حَالِ الْحَوْلُ وَهُوَ عَلَى مِلْكِهِ " انتهى. وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: عن رجل توفي وأوصى بمبلغ (2000) ريال لأحد إخوانه ليتزوج به وبين وفاة الرجل وزواج أخيه سنوات، فهل يجب على هذا المبلغ زكاة؟ فأجاب رحمه الله: " إذا كان أوصى به لشخص معين يكون مالا للشخص المعين إذا قبضه، ويزكيه إذا حال عليه الحول ولو تأخر الزواج " انتهى. "مجموع الفتاوى" (14/41) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 99505 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2381 زكاة السنوات الماضية والأسهم في حال خسارتها [السُّؤَالُ] ـ[لي أكثر من عشر سنوات هي بداية التحاقي بالوظيفة لم أؤد الزكاة عن مالي ليس إنكارا لوجوبها بل هو تقصير مني مع العلم أني أحدث نفسي دائماً بأني سوف أزكي مالي من أول سنة. ومع مرور ستة أعوام دخلت سوق الأسهم وبلغت أرباحي حوالي 80% ولكن بعد انهيار ما يسمى فبراير خسرت حوالي 85 % من رأس المال. هل أزكي رأس المال الذي دخلت به في الأسهم وكذلك الأرباح أم أزكي المبلغ المتبقي منه؟ وما العمل في السنوات الماضية التي لم أزك فيها؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الزكاة فريضة عظيمة من فرائض الإسلام، وهي قرينة الصلاة في كتاب الله، وتركها والتسويف في إخراجها كبيرة من كبائر الذنوب. وجاء في ترك الزكاة وعيد شديد، ينخلع له قلب المؤمن، ومن ذلك قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) التوبة/34-35، وقوله تعالى: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) آل عمران/180. وروى البخاري (1403) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ (يَعْنِي بِشِدْقَيْهِ) ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا مَالُكَ، أَنَا كَنْزُكَ، ثُمَّ تَلَا: (لَا يَحْسِبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) الْآيَةَ. ولهذا فالواجب عليك أن تتوب إلى الله تعالى، وأن تؤدي ما فاتك من الزكاة مع الندم والاستغفار والإكثار من الأعمال الصالحة. ثانياً: من وجبت عليه الزكاة ولم يخرجها، وجب عليه أن يخرجها لجميع ما مضى من السنين. قال النوويُّ رحمه الله في "المجموع" (5/302) : " إذا مضت عليه سنون ولم يؤد زكاتها لزمه إخراج الزكاة عن جميعها " انتهى. ثالثاً: لا تجب الزكاة في النقود إلا إذا بلغت نصابا وحال عليها الحول، والنصاب هو ما يعادل 85 جراما من الذهب، أو 595 جراما من الفضة. وليس في الراتب زكاة، إلا إذا وَفَّرت منه ما يبلغ النصاب بنفسه، أو بما انضم إليه من نقود أخرى تملكها، وحال عليه الحول. رابعا: الأسهم التي يتاجر فيها الإنسان بيعا وشراء، تزكى زكاة عروض التجارة، فتقوّم في نهاية الحول، وتزكى بإخراج ربع العشر (2.5%) . وفي حال خسارة الأسهم، فإنها تقوّم، فإن بلغت نصابا، وجب إخراج زكاتها. ولا عبرة برأس المال الذي اشتريت به الأسهم، بل العبرة بتقويمها في نهاية الحول، فمن اشترى أسهما بعشرة آلاف مثلا، وانخفض سعرها حتى صارت في نهاية الحول بثلاثة آلاف، لزمته الزكاة في ثلاثة آلاف، وليس في العشرة. وعلى هذا، يلزمك الاجتهاد والتحري لإخراج زكاة الأعوام الماضية، فتقدر كم كان عندك من النقود في نهاية الحول، ثم تضيف إليها قيمة الأسهم في ذلك الوقت، ثم تخرج الزكاة 2.5 بالمائة ... وهكذا في نهاية كل عام. ونوصيك بالمبادرة بإخراج الزكاة مع التوبة إلى الله، ونسأل الله أن يخلف عليك خيرا، وأن يرزقك من فضله. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 99400 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2382 القهوة هل تجب فيها الزكاة [السُّؤَالُ] ـ[هل القهوة فيها زكاة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تجب الزكاة في القهوة إذا بلغت نصاباً؛ لأنها نوع من الحبوب تكال وتدخر، وقد روى مسلم (979) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسَاقٍ مِنْ تَمْرٍ وَلَا حَبٍّ صَدَقَةٌ) . وقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء: " القهوة نوع من الحبوب التي تكال وتدخر، فتجب فيها الزكاة إذا بلغت خمسة أوسق، والوسق ستون صاعًا بالصاع النبوي، ووقت خرصها إذا اشتد الحب، والواجب فيها العشر فيما سقي بغير مؤنة، كالغيث والسيول وما يشرب بعروقه، ونصف العشر فيما سقي بكلفة كالدوالي والنواضح والمكائن، فإن سقي نصف السنة بهذا ونصفها بهذا ففيه ثلاثة أرباع العشر. وأما الدليل على وجوب العشر فيما سقي بلا مؤنة ونصفه فيما سقي بها، فهو ما رواه البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فيما سقت السماء والعيون أو كان عَثَرِيًا العشر، وما سقي بالنضح نصف العشر) ، وأما وجوب ثلاثة أرباع العشر، فلأن كل واحد منهما لو وجد في جميع السنة لأوجب مقتضاه، فإذا وجد في نصفها أوجب نصفه. ويصرف المقدار الواجب فيها في مصارف الزكاة كسائر الحبوب والثمار " انتهى. " فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء " (9 / 234) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 99154 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2383 تعجيل الزكاة وكيف يخرج زكاته إن كان ماله في بنك إسلامي؟ [السُّؤَالُ] ـ[لي مبلغ في بنك إسلامي، فهل يجوز إخراج الزكاة خلال العام مقدماً، كأن يكون كلما أتاني أرباح؛ لأني أخشي أنه عندما يأتي وقت الزكاة لا يكون معي مال الزكاة؟ وأيضاً هل الزكاة على رأس المال فقط أم على الأرباح أيضاً؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يجوز للمسلم أن يستثمر أمواله في البنوك الربوية، ولا التي تسمى إسلامية وليس حالها كذلك، بل يجب أن يكون واقعها يتطابق مع اسمها، فإذا كان البنك إسلاميّاً لا يتعامل بالربا أخذاً ولا إعطاءً، ويستثمر أمواله ويوزع الأرباح على المستثمرين وفق الأحكام الشرعية الإسلامية، فلا حرج من استثمار المال فيه. وانظر جواب السؤال رقم: (47651) . ثانياً: أما مسألة تعجيل الزكاة: فالصحيح جواز ذلك، وهو قول جمهور العلماء، والأفضل ألا يعجل زكاته، إلا إذا وجد سبب لذلك. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وأما تعجيل الزكاة قبل وجوبها بعد سبب الوجوب: فيجوز عند جمهور العلماء، كأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد، فيجوز تعجيل زكاة الماشية، والنقدين، وعروض التجارة، إذا ملك النصاب" انتهى. " مجموع الفتاوى " (25 / 85، 86) . وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: "لا بأس بإخراج الزكاة قبل حلول الحول بسنَة، أو سنتين، إذا اقتضت المصلحة ذلك، وإعطاؤها الفقراء المستحقين شهريّاً" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان. " فتاوى اللجنة الدائمة " (9 / 422) . وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: ما حكم تعجيل الزكاة لسنوات عديدة للمنكوبين، والذين تحل بهم مصائب؟ . فأجاب: "تعجيل الزكاة قبل حلولها لأكثر من سنة: الصحيح: أنه جائز لمدة سنتين فقط، ولا يجوز أكثر من ذلك، ومع هذا لا ينبغي أن يعجل الزكاة قبل حلول وقتها، اللهم إلا أن تطرأ حاجة كمسغبة شديدة (مجاعة) ، أو جهاد، أو ما أشبه ذلك، فحينئذ نقول: يُعجل؛ لأنه قد يعرض للمفضول ما يجعله أفضل، وإلا فالأفضل ألا يزكي إلا إذا حلت الزكاة؛ لأن الإنسان قد يعتري ماله ما يعتره من تلف، أو غيره، وعلى كل حال ينبغي التنبه إلى أنه لو زاد عما هو عليه حين التعجيل: فإن هذه الزيادة يجب دفع زكاتها. " فتاوى الشيخ العثيمين " (18/328) . ثالثاً: تجب الزكاة على المال كله – رأس المال وأرباحه - إذا حال الحول على رأس المال، وكان قد بلغ النصاب، والحول هو: مرور سنة هجرية. سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: لدي مال قدره خمسة عشر ألف ريال (15000 ريال) سلمته لرجل يتاجر فيه، على أن له نصف الربح، فهل على هذا المال زكاة؟ وأيهما يزكى رأس المال أم الربح أم كلاهما؟ وإذا كان على رأس المال زكاة ورأس المال قد اشترينا به بضائع عينية كسجاد وأثاث وأشباههما، فما الحكم والحالة هذه؟ . فأجابوا: "تجب الزكاة في المال المذكور المعد للتجارة إذا حال عليه الحول، ويزكَّى رأس المال مع الربح عند تمام الحول، وإن كان المال اشتري به عروض للتجارة: فيقدر ثمنها عند تمام الحول بما تساوي حينئذ، وتخرج الزكاة بواقع اثنين ونصف في المائة 2.5 % من مجموع المال مع الأرباح" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان. " فتاوى اللجنة الدائمة " (9 / 356، 357) . وقالوا – أيضاً -: "تجب الزكاة على رأس المال والأرباح إذا حال الحول على الأصل، وحول الأرباح: حول أصلها" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان. " فتاوى اللجنة الدائمة " (9 / 356، 357) . وننبه الأخ السائل أنه إن كان البنك الإسلامي يخرج زكاة مال عملائه: فهذا يجزئه عن إخراجها إن كان البنك موثوقاً في تصريفها في وجهتها الشرعية، وعليه أن يزكي ما في يده وما يملكه مما ليس في البنك. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98528 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2384 لديه محل يقدم خدمات الإنترنت فكيف يزكيه؟ [السُّؤَالُ] ـ[أملك محلا لتقديم خدمات الإنترنت لطلاب الجامعة وغيرهم وقد أنهيت عاما فيه منذ إنشائه ولا أعلم كيف أخرج زكاة هذا المحل، وكما هو معلوم محل الخدمات لا يوجد به بضاعة تباع وإنما نقدم خدمات عليها مقابل مادي، هل أخرج زكاة الأجهزة الموجودة بهذا المحل؟ وهل الزكاة تكون على رأس المال الذي أنشئ به المحل أم تكون على الأرباح التي تحققت من هذا المحل؟ وإذا تم صرف هذه الأرباح ولم يبق منها شي عند حولان الحول هل يتم صرف الزكاة عليها أم تصرف على المبلغ المتبقي منها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الأغراض الموجودة في المحلات التجارية تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: ما أعدَّ منها للبيع، من أجهزة أو ملابس أو غيرها، فهذا يزكى زكاة التجارة. القسم الثاني: ما أعدَّ منها للإنتاج أو الاستعمال، وليس للتجارة: كآلات المصانع، وأثاث المكاتب، وأدوات التصوير وأجهزة الحاسوب، التي لا يراد بيعها، وإنما يستعملها الموظفون أو العملاء، فهذه لا زكاة فيها، وإنما الزكاة فيما ينتج عنها من مال. ثانياً: إذا عُلم أن الزكاة إنما تجب في الأرباح الناتجة عن الأصول – الأجهزة وآلات المصانع، والأثاث – فإنه يشترط لوجوب الزكاة في هذه الأرباح: بلوغ النصاب، وحولان الحول، والنصاب هو ما يعادل 85 جراما من الذهب، فإذا حال الحول، ولم يكن الربح بالغا للنصاب، أو كان قد بلغ النصاب لكن تم صرفه قبل حولان الحول، فإنه لا زكاة فيه. وبهذا يتبين أنه لا زكاة على الأجهزة التي تملكها، ولا زكاة على رأس المال الذي أنشأت به المحل، وإنما الزكاة على المال الذي تحصّله، إذا بلغ نصابا وحال عليه الحول فإن تم إنفاقه قبل حولان الحول فلا زكاة عليك. وإذا نقص المال، لكنه لم ينقص عن النصاب، فإنك تزكي الباقي إذا مرَّ عليه الحول. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98015 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2385 هل تجب الزكاة في راتب التقاعد؟ [السُّؤَالُ] ـ[لقد اشتركت في نظام التقاعد، فهل في مال التقاعد زكاة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سبق في الموقع بيان حكم الاشتراك في نظام التقاعد، وفيه أن الاشتراك في ذلك النظام لا يخلو: إما أن يكون مع جهة غير حكومية، فيكون هذا نوعاً من الميسر، وذلك لأن الإنسان لا يدري، هل يأخذ أكثر مما دفع، أو أنه يأخذ أقل مما دفع، وهذا هو عين الميسر، وأما الاشتراك في نظام التقاعد مع الجهات الحكومية، فإنها قد لا تأخذ الحكم السابق من جهة أن الحكومة أو بيت المال مسئول عن الإنفاق على الرعية إذا احتاجوا. وللفائدة راجع جواب السؤال رقم (42567) . وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن الراتب التقاعدي؟ وهل تجب فيه الزكاة؟ فأجاب: " رأينا في التقاعد الذي يؤخذ من الراتب أنه لا زكاة فيه؛ وذلك لأن صاحبه لا يتمكن من سحبه إلا بشروط معينة، فهو كالدَّين الذي على المعسر، والدَّين الذي على المعسر لا زكاة فيه، لكن إذا قبضه، فالأحوط أن يزكيه لسنة واحدة، وأما أخذه فلا بأس لأنه جزء ادخرته الدولة من راتب الموظف عند الحاجة إليه " انتهى بتصرف. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/174) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97442 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2386 زكاة الأسهم العقارية الكاسدة [السُّؤَالُ] ـ[قمت بالمساهمة في أحد المساهمات العقارية قبل أكثر من 3 سنوات وقد تعثرت المساهمة إلى وقتنا الحالي فما الحكم في الزكاة مع العلم بأن رأس المال غير مضمون استرداده فهل أخرج زكاة الفترة كاملة أم أخرج زكاة سنة واحدة مع العلم أن مدة المساهمة كانت 8 أشهر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المساهمات العقارية، تزكى زكاة عروض التجارة، لأن هذه الشركات العقارية تشتري الأرض بقصد التجارة فيها. فيجب عليك في نهاية الحول أن تقوّم أسهمك في هذه الشركة بما تساويه، وتخرج زكاتها، ربع العشر. والحول يبدأ من امتلاك المال البالغ للنصاب، الذي اشتريت به هذه الأسهم. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن المساهمة في أرض تابعة لمؤسسة عقارية: "هذه المساهمة عروض تجارة فيما يظهر؛ لأن الذين يساهمون في الأراضي يريدون التجارة والتكسب، ولهذا يجب عليهم أن يزكوها كل سنة بحيث يقومونها بما تساوي، ثم يؤدون الزكاة، فإذا كان قد ساهم بثلاثين ألفاً وكان عند تمام الحول تساوي هذه السهام ستين ألفاً، وجب عليه أن يزكي ستين ألفاً، وإذا كانت عند تمام الحول الثلاثون ألفاً لا تساوي إلا عشرة آلاف لم يجب عليه إلا زكاة عشرة آلاف" انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين (18/226) . وسئل أيضا رحمه الله عن شخص اشترى أرضاً بقصد التجارة , ولكن بقيت على ملكه مدة طويلة، هل عليها زكاة؟ فأجاب: " إذا اشترى الإنسان أرضاً للتجارة فعليه زكاة كل عام , سواء زادت قيمتها أو نقصت، وسواء نَفَقت أو كسدت، يقوِّمها كل سنة بما تساوي , ثم إن كان لديه مال أخرج زكاتها من المال الذي عنده , وإن لم يكن لديه مال , قَيَّد الزكاة في كل سنة بسنتها، وإذا باعها أدى الزكاة لما مضى" انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (15/12) . ولكن إذا كسدت الأرض أو الأسهم، حتى أصبح أهلها يعرضونها للبيع ولا يجدون من يشتريها منهم، فمن أهل العلم من يراها حينئذ كالدين الذي عند شخص فقير لا يستطيع الوفاء، فالزكاة لا تجب فيها إلا عند بيعها ويزكيها لسنة واحد فقط، والأحوط أن يزكيها لجميع السنوات. ينظر: "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (18/206) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97124 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2387 كيفية زكاة جمعية الموظفين [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم المشاركة فيما يسمى بجمعيات القرعة وهي مكونة من مجموعة من الأشخاص حيث يقوم كل شخص بدفع مبلغ مالي ثابت شهرياً وفي نهاية كل شهر تجرى القرعة على أحد أفرادها فيأخذ مجموع ما دفعه كل الأفراد وهكذا إلى أن يأخذ كل واحد نصيبه منها ... وهل هذا المبلغ المتحصل عليه زكاة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: هذه المعاملة اشتهرت باسم جمعية الموظفين، وهي محل خلاف بين أهل العلم، وأكثرهم على جوازها. وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: عن جماعة من المدرسين يقومون في نهاية كل شهر بجمع مبلغ من المال من رواتبهم ويعطى لشخص معين منهم، وفي الشهر الثاني يعطى لشخص آخر وهكذا حتى يأخذ الجميع نصيبهم وتسمى عند البعض بالجمعية، فما حكم الشرع في ذلك؟ فأجاب: "ليس في ذلك بأس، وهو قرض ليس فيه اشتراط نفع زائد لأحد، وقد نظر في ذلك مجلس هيئة كبار العلماء فقرر بالأكثرية جواز ذلك، لما فيه من المصلحة للجميع بدون مضرة. والله ولي التوفيق " انتهى نقلا عن "فتاوى إسلامية" (2/413) . ثانياً: أما زكاتها فينبني على معرفة هذه الأسس: 1- من ملك نقوداً تبلغ نصاباً، وحال عليها الحول، وجب عليه أن يزكيها، والنصاب هو ما يعادل 85 جراما من الذهب، أو 595 جراما من الفضة. والحول يبدأ من حين بلوغ المال النصاب. 2- من استفاد مالاً أثناء الحول، ليس ناتجاً عن المال الأول، كأن يأتيه عن طريق الإرث أو الهبة أو القرض، فإنه يبدأ له حولاً جديداً ويزكيه إذا انتهى حَوْلُه، وله أن يضمه إلى حول ما عنده من مال سابق، حتى يخرج زكاة الجميع في وقت واحد، وهو نهاية حول المال الأول، ويكون قد أخرج زكاة المال الثاني مقدماً، قبل مرور الحول، وهذا جائز. 3- من كان له دين على غيره، وكان المدين مليئا (معترفا بالدين باذلا له في وقته) لزمه أن يزكيه عند حولان حوله، ولو استمر الدين سنوات. 4- من كان عليه دين، ولديه مال، لزمه أن يزكي ماله عند حولان الحول، دون أن يُسقط الدين، على الراجح من قولي العلماء. وبناء على هذا، فالقول في زكاة جمعية الموظفين كما يلي: أ- من استلم المال المجموع، وكان بالغا نصابا، فإما أن يضيفه إلى حول مالٍ سابق عنده، وإما أن يستقبل به حولا جديدا، ثم يزكيه في نهاية هذا الحول، هذا إذا بقي النصاب إلى نهاية الحول، أما لو أنفق مال الجمعية حتى ذهب كله أو نقص عن النصاب، فلا زكاة عليه. مثال: من كان لديه مال بلغ نصاباً في شهر رمضان، ثم استلم مال الجمعية في شهر شوال، فإما أن يزكي الجميع في رمضان التالي، وإما أن يزكي كلَّ مالٍ في حوله، هذا في رمضان، والآخر في شوال. ب- إذ كان قسط الجمعية الشهري يبلغ نصاباً، أو كان عنده مال آخر غير مال الجمعية يكمل النصاب، ثم مضى عام هجري على البدء في الجمعية، ولنفرض أن مجموع ما دفعه زيد مثلا (20ألفا) ، ولم يستلم الجمعية بعد، فإنه يلزمه زكاة هذا المبلغ (20ألفا) لأنه في حكم الدَّيْن على إخوانه المشاركين معه. وإذا كان القسط لا يبلغ نصاباً، وليس عنده مال آخر يكمل النصاب، فإن حول الزكاة يبدأ حين يكون ما دفعه بلغ نصابا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 95880 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2388 أموال الصناديق الخيرية لا زكاة فيها [السُّؤَالُ] ـ[نجمع أموالاً في صندوق خيري لمساعدة المحتاجين، وإقراض من يحتاج إلى قرض، وهذا الصندوق فيه مبلغ كبير الآن، فهل تجب فيه الزكاة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المال الذي يوضع في صندوق خيري، لغرض إقراضه للمحتاجين، أو مساعدتهم فيما ينوبهم، من حوادث وغيرها، لا تجب فيه الزكاة، لأنه مال غير مملوك لمعين، فهو كالأموال الموقوفة، لا تجب فيه الزكاة. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: قبيلة من القبائل كونوا مبلغاً من المال، وجعلوا هذا المبلغ خاصاً لما يجري على هذه القبيلة من الدم، ومشوا هذا المبلغ للتجارة، والربح الناتج عائد للدم أيضاً. فهل يجب بهذا المبلغ زكاة أم لا، وإذا لم يتاجر فيه هل عليه زكاة أم لا، وهل يحق للقبيلة نفسها أن تدفع فيه زكاة أموالها من النقدين؟ فأجابوا: " إذا كان الواقع كما ذكر فلا زكاة في المال المذكور؛ لكونه في حكم الوقف، سواء كان مجمداً أو في تجارة تدار، ولا يجوز أن تدفع فيه الزكاة، لكونه ليس مخصصاً للفقراء، ولا غيرهم من مصارف الزكاة " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (8/291) وسئلوا أيضا: حصل تكوين صندوق بمبلغ من المال لأبناء القبيلة، وذلك لسد حاجة بعض الأمور، مثل الدم وخلافه لا قدر الله، ثم وضعت هذا المبلغ في المضاربة الإسلامية فهل تجب فيه الزكاة أم لا؟ فأجابوا: " إذا كان الواقع كما ذكر وكانت المبالغ المتبرع بها لا تعود لمن جمعت منهم، ولو فشل المشروع أنفقت في وجوه بر أخرى فالزكاة لا تجب فيها، وإذا كانت تعود لمن جمعت منهم إذا فشل المشروع وجبت الزكاة على كلٍ في نصيبه الذي جمع منه إذا حال عليه الحول " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة (8/296) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في جمعية قروية يتبرع أهلها باشتراك شهري لها، ويرصد مالها للإعانة على الحوادث والديات وإقراض من يحتاج إلى الزواج: " أموال هذا الصندوق ليس فيها زكاة , لأنها خارجة عن ملك المشتركين فليس لها مالك معين , ولا زكاة فيما ليس له مالك معين " انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/184) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 94842 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2389 زكاة المهر المودع في البنك [السُّؤَالُ] ـ[هل تجب الزكاة في مال المهر المودع في البنك أي منذ أن تزوجت ولا أريد شراء به أي شيء؟ وإن كان كذلك فكيف أزكيه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من ملك مالا يبلغ نصابا، وحال عليه الحول، وجب عليه أن يزكيه، سواء كان هذا المال نقودا أو ذهبا أو فضة، من مهر أو غيره، وسواء ادخره لسفر أو بناء بيت أو غير ذلك من الأغراض. والنصاب هو ما يعادل 85 جراما من الذهب أو 595 جراما من الفضة. وعليه فإذا كان مهرك المودع في البنك يبلغ نصابا فأكثر، وجب عليك أن تزكيه كلما مر عليه الحول (سنة هجرية) فتخرجين منه ربع العشر (2.5%) . وننبه على أنه لا يجوز إيداع الأموال في البنوك الربوية، إلا لضرورة الحفظ عند الخوف عليها وعدم وجود بنك إسلامي، وبشرط أن يكون ذلك الإيداع بلا فائدة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 94880 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2390 زكاة مؤخر الصداق [السُّؤَالُ] ـ[هل على المهر المؤخر زكاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المهر المؤخر يعتبر دينا للزوجة على زوجها، فالقول في زكاته كالقول في زكاة سائر الديون، وهذا الصداق لا يخلو من حالين: الحالة الأولى: إذا كانت تستطيع المطالبة به، وكان زوجها غنيا لا يمانع من دفع المؤخر لها، فعليها زكاته كل عام، لأنه بمنزلة المال الذي في يدها. الحال الثانية: إذا كان الزوج فقيرا لا يستطيع دفعه، أو كانت المرأة لا تستطيع المطالبة به تخشى من غضب الزوج وطلاقه لها إن طالبت به، أو كان العرف جاريا بأن هذا المؤخر لا تستحقه المرأة إلا إذا حصلت الفرقة بينها وبين زوجها إما بالطلاق وإما بالموت، ـ كما هو عرف الناس الآن ـ فهذا الصداق لا زكاة فيه، لأنها لا تستطيع التصرف فيه، فإذا قبضته فإنها تحسب له حولا من حين قبضها له. والأحوط أن تزكيه إذا قبضته لعام واحد، ولو كان مضى عليه سنون كثيرة. وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن صداق المرأة على زوجها تمر عليه السنون المتوالية لا يمكنها مطالبته به لئلا يقع بينهما فرقة ثم إنها تتعوض عن صداقها بعقار أو يدفع إليها الصداق بعد مدة من السنين، فهل تجب زكاة السنين الماضية أم إلى أن يحول الحول من حين قبضت الصداق؟ فأجاب: "الحمد لله هذه المسالة فيها للعلماء أقوال ... وأقرب الأقوال قول من لا يوجب فيه شيئا بحال حتى يحول عليه الحول، أو يوجب فيه زكاة واحدة عند القبض، فهذا القول له وجه وهذا وجه، وهذا قول أبى حنيفة، وهذا قول مالك وكلاهما قيل به في مذهب أحمد والله أعلم " انتهى من "مجموع الفتاوى" (25/47) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93780 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2391 هل الزكاة على جميع الذهب أم على ما زاد عن النصاب فقط؟ [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أعرف إذا زادت كمية الذهب التي أختزنها عن النصاب هل أدفع زكاة مال عن كل كمية الذهب أم ما زاد عن النصاب؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تلزمك الزكاة على جميع الذهب الذي لديك. ونصاب الذهب هو 85 جراما، فمن ملك مائة جرام مثلا، لزمه أن يخرج الزكاة عن المائة كلها. ويدل لذلك ما رواه أبو داود (1572) عن عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قال النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا كَانَتْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، فَمَا زَادَ فَعَلَى حِسَابِ ذَلِكَ) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. ففيه دليل على أن الزكاة واجبة في النصاب، وفيما زاد عليه أيضاً. والقدر الواجب هو ربع العشر (2.5%) تُخرج من الذهب نفسه، أو يقوّم الذهب بسعر اليوم، وتخرج الزكاة من هذه القيمة نقودا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93693 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2392 كيف يزكي الأرض والسيارة والذهب؟ [السُّؤَالُ] ـ[1- عندي قطعة أرض اشتريتها منذ تقريبا عام لغرضين ولم أقرر حتى الآن أي الغرضين سوف أنفذ. الغرض الأول: التجارة فيها أي حينما يعلو ثمنها أبيعها. الغرض الثاني: أبنى عليها في المستقبل البعيد بيتا لأسكن فيه أنا وأسرتي. السؤال الأول: كيف أحسب مقدار زكاة هذه الأرض (ثمن الشراء أو – ثمن البيع) وهل يجب فيها زكاة أم لا؟ 2- أقوم كل عام في رمضان بإخراج زكاه مالي كالتالي: أقوم بجرد كل مالي سواء الموجود في يدي أو في البنك، عندي سيارة واحدة أقوم بتأجيرها نظير مبلغ شهري طول العام بفضل الله، أقوم بحساب ثمنها بالثمن الذي اشتريتها به منذ حوالي أربعة أو خمسة سنوات، وفى حالة إذا وجدت سيارة أخرى بغرض التجارة أقوم بحساب الثمن على أساس المبلغ المدفوع فيها مثل السيارة الأولى، يوجد مبلغ في البنك له فوائد آخذ هذه الفوائد كلها مع العلم أنها مبلغ كبير. شبكة زوجتي أقدرها بالمبلغ المدفوع فيها. إذا وجد أي شيء آخر أقدره بالمبلغ (الثمن) المدفوع فيه. السؤال الثاني: أقوم بإخراج الزكاة كالتالي (كل ما سبق يحول إلى قيمه نقدية * 2% + فائدة البنك كاملة) . مبلغ نقدي أقوم بإخراجه كالتالي 1- الفقراء في قريتي وأي مكان آخر فيه يتامى 2- جزء صغير للأقرباء الذين أعتقد أنهم محتاجون سواء من ناحية الوالد أم الوالدة 3- جزء صغير أيضا لإخوتى بنات وبنين مع العلم أن البنات متزوجات وميسورات الحال ووالدي ووالدتي مع العلم أيضا أنهم ميسورو الحال من باب صلة الرحم (حيث إنني الولد الأكبر) 4- جزء أرسله للجمعيات الخيرية مثل اليتامى- المرضى –أشقائنا في فلسطين 5- جزء صغير لأي أبنية خيرية مثل المساجد والمدارس، هل ما أقوم به في إخراج الزكاة صحيح أم خطأ؟ وما هو الصح إن كان هناك خطأ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا كان الأمر كما ذكرت من أن الأرض يحتمل أن تبيعها عند ارتفاع سعرها، ويحتمل أن تبني عليها بيتا لك ولأسرتك، فلا زكاة عليك فيها، لعدم الجزم بنية التجارة، فإذا جزمت بنية التجارة، ففيها الزكاة، فتحسب سنة من جزمك بالنية، ثم إذا انتهت قومت في الأرض بما تساويه في ذلك الوقت وتخرج زكاتها. ثانيا: السيارة التي تقوم بتأجيرها لا زكاة فيها، وإنما الزكاة في أجرتها إذا بلغت نصابا ومَرَّ عليها الحول وهي معك. وفي حالة امتلاكك سيارة بنية الاتجار فيها، فإن الزكاة تحسب على قيمتها عند حولان الحول، ولا ينظر في سعرها وقت الشراء. وراجع السؤال رقم (65515) . ثالثا: الفوائد البنكية الربوية لا زكاة فيها، لأنها مال حرام لا يملكه المرابي، ويجب التخلص منها بصرفها في وجوه الخير، ويزكى أصل المال فقط. والواجب عليك هو تحويل رصيدك بالبنك إلى حساب جار بلا فوائد، لأن هذه الفوائد ربا محرم من كبائر الذنوب، والله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا. رابعا: (شبكة الزوجة) إن بلغت نصابا وهو 85 جراما، فتجب فيها الزكاة، وطريقة زكاتها: أن تقوّم بسعر يوم الزكاة بقطع النظر عن السعر الذي اشتريت به، ثم تخرج زكاتها. والمقصود بسعر يوم الزكاة: هو سعر هذا الذهب المستعمل، الذي يمكنك أن تبيعه به، لا سعر الذهب الجديد. خامسا: القدر الواجب إخراجه في زكاة الذهب والفضة وعروض التجارة والنقود هو ربع العشر أي 2.5% وليس 2% كما جاء في السؤال. سادساً: مصارف الزكاة معروفة، بينها الله تعالى بقوله: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة/60 1- وقد أحسنت في إعطائها لفقراء القرية، وللمحتاجين من أقاربك، وللفقراء في فلسطين. 2- وأما إعطاء جزء من الزكاة لوالديك أو لإخوانك وأخواتك ميسوري الحال، فلا يجوز، ولا تبرأ به ذمتك، لأنهم ليسوا من مصارف الزكاة. والمشروع أن تعطيهم من الهدية والصدقة لا من الزكاة. إلا أن يكون على واحدٍ منهم دين، ولا يجد وفاء له، فيجوز إعطاؤه من الزكاة حينئذ. 3- وكذلك صرف الزكاة في الأبنية الخيرية من المساجد والمدارس: لا يصح، لأن الزكاة يجب أن تعطى لأحد الأصناف الثمانية المذكورة في الآية. وليست المساجد منها، ولا تدخل في قوله تعالى: (وفي سبيل الله) لأن المراد به: الجهاد في سبيل الله، وانظر السؤال رقم (13734) (21805) 4- وأما الجمعيات الخيرية للأيتام والمرضى، فيجوز إعطاؤهم الزكاة إذا كان هؤلاء الأيتام أو المرضى فقراء محتاجين، وكانت هذه الزكاة ستعطى لهم نقودا، أو يتولى المسئولون شراء ما يحتاجونه من ملابس ودواء ونحو ذلك، لا أن تصرف في مشاريع الجمعية من مبانٍ وغيرها. ونسأل الله أن يبارك لك في مالك، وأن يجعله عونا لك على طاعته. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93706 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2393 هل يزكي المال الحرام؟ [السُّؤَالُ] ـ[رجل اكتسب المال الكثير (وبلغ النصاب) بالحرام مثل بيع الخمر أو ترويج الأغاني أو المخدرات فهل تجب عليه الزكاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المال الحرام لا تجب فيه الزكاة ولا تصح؛ لأنه ليس مملوكا لمن في يده، وشرط الزكاة الملك، ولأن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا، قال صلى الله عليه وسلم: (أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلا طَيِّبًا وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) وَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ) رواه مسلم (1015) . والواجب هو التخلص من المال الحرام، برده إلى أصحابه إن كان مسروقا أو مغصوبا، وبإنفاقه في أوجه البر المختلفة إن ناتجا من بيع المخدرات والخمر والأغاني ونحوها. جاء في "الموسوعة الفقهية" (23/248) : " المال الحرام كالمأخوذ غضبا أو سرقة أو رشوة أو ربا أو نحو ذلك ليس مملوكا لمن هو بيده , فلا تجب عليه زكاته ; لأن الزكاة تمليك , وغير المالك لا يكون منه تمليك ; ولأن الزكاة تطهر المزكي وتطهر المال المزكى لقوله تعالى: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صدقة من غلول) . والمال الحرام كله خبث لا يطهر. والواجب في المال الحرام رده إلى أصحابه إن أمكن معرفتهم وإلا وجب إخراجه كله عن ملكه على سبيل التخلص منه لا على سبيل التصدق به , وهذا متفق عليه بين أصحاب المذاهب. قال الحنفية: لو كان المال الخبيث نصابا لا يلزم من هو بيده الزكاة ; لأنه يجب إخراجه كله فلا يفيد إيجاب التصدق ببعضه. وفي الشرح الصغير للدردير من المالكية: تجب الزكاة على مالك النصاب فلا تجب على غير مالك كغاصب ومودَع. وقال الشافعية كما نقله النووي عن الغزالي وأقره: إذا لم يكن في يده إلا مال حرام محض فلا حج عليه ولا زكاة , ولا تلزمه كفارة مالية. وقال الحنابلة: التصرفات الحكمية للغاصب في المال المغصوب تحرم ولا تصح , وذلك كالوضوء من ماء مغصوب والصلاة بثوب مغصوب أو في مكان مغصوب , وكإخراج زكاة المال المغصوب , والحج منه , والعقود الواردة عليه كالبيع والإجارة " انتهى. وراجع السؤال رقم (78289) و (26) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93525 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2394 زكاة المال المستفاد أثناء الحول [السُّؤَالُ] ـ[هل يجب احتساب مقدار زكاة المال على المال حين بلوغه النصاب أم عند مرور الحول؟ إذا كان مقدار المال 10000 وقت بلوغ النصاب وكان مقدار المال 50000 بعد مرور الحول، علي أي المبلغين تحتسب زكاة المال؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: يشترط لوجوب الزكاة في النقود أمران: الأول: بلوغ النصاب. والثاني: مرور الحول على ذلك النصاب. فإذا كان المال أقل من النصاب، لم تجب فيه الزكاة. وإذا بلغ مال نصابا، وحال عليه الحول، أي مضت سنة قمرية (هجرية) من وقت بلوغه النصاب، وجبت الزكاة حينئذ. والنصاب هو ما يعادل 85 جراما من الذهب، أو 595 جراما من الفضة. والقدر الواجب إخراجه في الزكاة هو ربع العشر (2.5%) . ثانيا: إذا بلغ المال نصابا وهو 1000 مثلا، ثم صار في نهاية الحول 5000، فكيف يزكى؟ في هذا تفصيل: 1- إذا كانت هذه الزيادة ناتجة عن الأصل، كما لو كان الألف مستثمرا، فربح أربعة آلاف، فإنك تزكي الجميع في نهاية الحول، لأن ربح المال تابع لأصله. 2- وإن كانت هذه الزيادة ليست ناتجة عن الأصل، وإنما هي مال استفيد بطريق آخر، كالميراث، أو الهدية، أو كان ثمن شيء بعته، ونحو ذلك، فإنه يحسب لها حول مستقل، يبدأ من يوم امتلاك هذه الزيادة. وإذا أردت إخراج زكاته مع الألف وتكون معجلة فلا حرج في ذلك. 3- وقد تأتي هذه الزيادة على التدرج، كالمال الذي يدخره الإنسان من الراتب، فيدخر في شهرٍ 500، وفي شهر آخر 1000، حتى يجتمع له في نهاية الحول 4000، فأنت بالخيار بين أن تزكي الجميع في حول الألف وتكون قد أخرجت الزكاة معجلة عن النقود التي لم تَمُرّ َعليها سنة، أو أن تجعل لكل مالٍ مستفاد حولا خاصا، لكن هذا فيه نوع مشقة، لأنك ستخرج الزكاة عدة مرات في السنة. ولمزيد الفائدة راجع جواب السؤال (50801) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93414 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2395 متى ينوي الصوم وماذا لو علم في النهار بدخول رمضان؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل نية صوم رمضان تجب ليلاً أو نهاراً كما إذا قيل لك في وقت الضحى إن هذا اليوم من رمضان تقضيه أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب تبييت نية صوم شهر رمضان ليلاً قبل الفجر، ولا يجزئ صومه من النهار بدون نية، فمن علم وقت الضحى أن هذا اليوم من رمضان فنوى الصوم وجب عليه الإمساك إلى الغروب، وعليه القضاء؛ لما رواه ابن عمر عن حفصة رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له) رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن وابن خزيمة وابن حبان وصححاه مرفوعاً. هذا في الفرض، أما في النفل فتجوز نية صومه نهاراً إذا لم يكن أكل أو شرب أو جامع بعد الفجر؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أنه دخل عليها ذات يوم ضحى فقال: (هل عندكم شيء؟) فقالت: لا، فقال: (إني إذاً صائم) خرجه مسلم في صحيحه. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 10 / 244 الحديث: 26863 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2396 زكاة الأموال المستحقة إذا تأخر صرفها [السُّؤَالُ] ـ[الاستحقاقات الحكومية التي صرفت وهي تعود لأعوام مضت، هل تجب الزكاة في تلك الاستحقاقات حين استلامها؟ وإن كانت تجب فهل تحسب عن عام واحد؟ أم كيف تحسب؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الأمر كما ذكر فإنه يستقبل بها عاماً جديداً ابتداء من تاريخ قبضها، ثم يخرج الزكاة، ولا زكاة عليه فيما مضى لعدم ملكه لها ملكاً مستقراً. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 9/284 الحديث: 1995 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2397 هل زكاة التجارة على سعر الشراء أم على سعر البيع؟ [السُّؤَالُ] ـ[كيف تكون الزكاة للبضاعة هل بسعر الشراء أم بسعر البيع في المحل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله كيفية حساب زكاة التجارة هي أن تُقَوَّم البضاعة حسب قيمتها في السوق (وهو في الغالب سعر البيع في المحل) عند تمام الحول، سواء كانت هذه القيمة تساوي ما اشتراها به أو أقل أو أكثر. ثم يخرج الزكاة وهي ربع العشر. أي: 2.5 بالمائة. رسالة في الزكاة للشيخ ابن باز ص: 11. ورسالة في زكاة العقار للشيخ بكر أبو زيد ص: 8. وهذا هو كمال العدل، لأن قيمتها عند تمام الحول قد تختلف عن ثمن الشراء بالزيادة أو النقصان. ثم إذا كان التاجر ممن يبيع بالجملة فإنه يقومها على سعر الجملة، وإن كان ممن يبيع بالقطاعي (بالمفرق) فإنه يقومها على سعر القطاعي. الشرح الممتع 6/146. وإن كان يبيع بالجملة والقطاعي معاً، فإنه يجتهد في التقويم فيقدر حجم البضاعة التي يبيعها بالجملة، وحجم البضاعة التي يبيعها بالقطاعي، ويخرج الزكاة على ذلك. وإذا احتاط في هذه الحال وأخرج ما يجزم أنه أكثر مما يجب عليه فهو أفضل، لأنه قد يقدر أنه سيبيع هذه البضاعة بالجملة ثم يبيعها بالقطاعي. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 26236 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2398 سدد مبلغاً مقدماً لشراء سيارة وتأخر التسليم فهل يزكيه [السُّؤَالُ] ـ[- لدي حسابان بنكيان , أضع في أحدهما مرتبي الشهري , وأضع في الأخر بعض الأموال الأخرى. سؤالي: إذا جمعت أموال الحسابين , فكيف ستكون الزكاة فيهما والحال أن الحساب الشهري يتغير شهريا؟. سؤالي الثاني: دفعت مبلغا من المال كدفعة أولى لشراء سيارة جديدة , لكن الوكيل تأخر في استيرادها حتى وصل التأخير إلى أكثر من سنة من دفع الدفعة الأولى , فاضطررت لشراء سيارة أخري علي أن أبيع إحداهما وأُبقي علي الأخرى. سؤالي: 1- هل تجب الزكاة في مبلغ الدفعة الأولي الذي زاد علي السنة؟. 2- عندما بعت إحدى السيارات - وكانت الجديدة - هل في ثمن بيعها زكاة؟. .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله _ كل مبلغ يحول عليه الحول فإنه يزكى سواء كان من الراتب أو غيره مما يكسبه الشخص أو يوهب له أو يرثه والربح له حكم الأصل يضاف إليه. _ ما دفعته من قيمة السيارة واستلمه المشتري لا زكاة فيه ولو تأخر استلام السيارة. _ إن كنت اشتريت السيارة الثانية بنية الاستعمال ثم بعتها لعدم الحاجة إليها فلا زكاة في قيمتها حتى يحول عليها الحول. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد الكريم الخضير الحديث: 21247 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2399 زكاة مشاريع الألبان والشركات الزراعية [السُّؤَالُ] ـ[لدي مشروع استثماري لإنتاج الألبان، فهل تجب الزكاة على المشروع المتكون من الأبقار، أو على صافي الناتج منه كما هو الحال في استثمار العقارات والسيارات، وكيف نستخرج زكاة الشركات الزراعية المساهمة للإنتاج الزراعي والألبان ومشتقاته، علماً بأن أسهمها تتداول بالسوق، وفقكم الله وأحسن إليكم وسدد خطاكم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تجب الزكاة في الدراهم التي تحصل من غلة المشروع إذا بلغت النصاب وحال عليها الحول من حصولها ومقدار الزكاة ربع العشر، أي اثنان ونصف في المائة، وكذلك تجب الزكاة في غلة الأسهم التي في الشركات الزراعية وشركات الألبان ونحوها إذا بلغت النصاب وحال عليها الحول إذا كانت لمجرد الاستثمار، أما إذا كانت الأسهم معدة للبيع فإنها تجب الزكاة فيها وفي أرباحها، وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في مجلة الدعوة العدد/1795 ص/42. الحديث: 12927 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2400 الجمعيات التعاونية [السُّؤَالُ] ـ[جمعية تجارية تعاونية، مشروط في نظامها أن يُقتطع من صافي أرباحها عشرة في المائة لصرفه في وجوه الخير، فهل يجب دفع زكاة على أرباحها.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه الجمعية التعاونية حكمها حكم الشركات التجارية في وجوب الزكاة في أموالها، وما ذكرته في نظامها من اقتطاع عشرة في المائة من صافي أرباحها لصرفه في وجوه البر لا يسقط عنها الزكاة الواجبة عليها، إذ أن العشرة في المائة المشار إليها هي بمثابة صدقة تطوع، وصدقة التطوع لا تغني عن الزكاة الواجبة، لأن الزكاة عبادة واجبة يحتاج أداؤها إلى نية، وهذا المبلغ عشرة في المائة لا يدفع على أنه زكاة، وإنما يدفع على سبيل صدقة التطوع، فالواجب إخراج زكاة أموال هذه الجمعية. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 9/287 الحديث: 3346 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2401 يصيد ويبيع بعد ثلاثة أيام [السُّؤَالُ] ـ[يصيد سمكاً كل ثلاثة أيام ويبيعه فورا، فهل عليه زكاة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سألت شيخي سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله هذا السؤال فأجاب: لا، ليس بعروض تجارة، كما لو يصيد يوميا ويأكله، أما إذا كان يضعه في ثلاجة ويجمده ويبيعه فإذا حال الحول فعليه زكاة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد العزيز بن باز يرحمه الله الحديث: 11213 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2402 زكاة راتب الموظف [السُّؤَالُ] ـ[أنا موظف براتب شهري 2000ريال سعودي. العائلة كلهم يعتمدون علي وأعطي المصاريف كلها من راتبي. ولي زوجة وبنت ووالدي واخوة وأخوات أقوم بالنفقة عليهم. ولكن السؤال كيف أعطي زكاة مالي ومصدر مالي هو الراتب فقط، ولكن كل راتبي مصروف في عائلتي. ولذا متى أعطي زكاتي؟ بعض الناس يقول الراتب كالزرع وليس فيه اعتبار الحول ولذا متى تحصل الراتب تلزم الزكاة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من كان له راتب شهري، ويقوم بصرفه ولا يوفر منه شيئاً بحيث لا يجيء آخر الشهر إلا وقد نفذ ماله فإنه لا تلزمه الزكاة؛ لأن الزكاة لا بد فيها من حولان الحول (أي مرور سنة كاملة على ملك النصاب) . وبناءً عليه فلا يلزمك أيها السائل زكاة، إلا إذا ادخرت من مالك شيئاً يبلغ النصاب، وحال عليه الحول. وأما من قال لك بأن زكاة الراتب كزكاة الزرع لا يشترط له الحول فكلامه غير صحيح. ولما كان أكثر الناس يعملون بالراتب يحسن بنا أن نذكر طريقة إخراج الزكاة بالنسبة للرواتب: زكاة راتب الموظف: للموظف مع راتبه حالان: الحال الأولى: أن يصرفه كله، ولا يدخر منه شيئاً، فلا زكاة عليه، كحال السائل. الحال الثانية: أن يدخر منه مبلغاً معيناً أحياناً يزيد وأحياناً ينقص فكيف يحسب الزكاة في هذه الحال؟ الجواب: " إن كان حريصاً على الاستقصاء في حقه، حريصاً على أن لا يدفع من الصدقة لمستحقيها إلا ما وجب لهم في ماله من الزكاة فعليه أن يجعل لنفسه جدول حساب لكسبه، يخص فيه كل مبلغ من أمثال هذه المبالغ بحول يبدأ من يوم ملكه، ويُخرج زكاة كل مبلغ على حِدَه كلما مضى عليه حول من تاريخ امتلاكه إياه. وإن أراد الراحة وسلك طريق السماحة وطابت نفسه أن يؤثر جانب الفقراء وغيرهم من مصارف الزكاة على جانب نفسه؛ زكى جميع ما يملكه من النقود حينما يحول الحول على أول نصابٍ مَلَكه منها،وهذا أعظم لأجره وأرفع لدرجته، وأوفر لراحته وأرعى لحقوق الفقراء والمساكين وسائر مصارف الزكاة وما زاد فيما أخرجه عما تم حوله يُعتبر زكاة معجلة عما لم يتم حوله " انتهى من فتاوى اللجنة الدائمة (9/280) مثال ذلك: استلم راتب شهر محرم، وادخر منه ألف ريال، ثم صفر ثم بقية الشهور.. فإذا جاء محرم من السنة الثانية فإنه يحسب جميع ما عنده ثم يخرج زكاته. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 26113 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2403 هل يزكى ما وجد في بطن الحيوان من أشياء ثمينة [السُّؤَالُ] ـ[ما وجد في بطن حيوان من شيء ثمين هل تجب فيه الزكاة إذا لم ينوِ البيع؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله: إذا لم يكن ذهبا ولا فضة فلا تجب فيه الزكاة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن صالح العثيمين الحديث: 12012 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2404 هل تجب الزكاة في الأموال الخيرية المستثمرة [السُّؤَالُ] ـ[جماعة جمعوا مبلغاً من المال، وجعلوا هذا المبلغ خاصاً لما يجري على أيّ واحد منهم من المصائب كدية قتل الخطأ وأدخلوا هذا المبلغ في التجارة ليُستثمر ويكون الربح الناتج عائدا على المصارف الخيرية المتفق عليها بينهم، فهل يجب في هذا المبلغ زكاة أم لا؟ وهل يحق أن تدفع الزكاة إلى هذا الصندوق الخيري؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الواقع كما ذكر فلا زكاة في المال المذكور، لكونه في حكم الوقف، سواء كان مجمَّداً أو في تجارة تدار، ولا يجوز أن تدفع فيه الزكاة لكونه ليس مخصصاً للفقراء، ولا مقصورا على مصارف الزكاة الأخرى. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 9/291 الحديث: 2822 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2405 ما هي الطرق الشرعية لاستخراج الركاز؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما هي الطرق الشرعية لاستخراج كنوز الأرض – الركاز -؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الرِّكاز هو ما وجد مدفوناً في الأرض من مال الجاهلية، وأهل الجاهلية هم من كانوا موجودين قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم على أي دين كانوا، وقد أوجب الشرع فيه عند استخراجه الخُمس، زكاةً عند بعض العلماء، وفيئاً عند آخرين، والباقي لمن استخرجه إن كان استخراجه من أرضٍ يملكها، أو من خرِبة أو من أرض مشتركة كالشارع وغيره. قال ابن قدامة المقدسي – رحمه الله -: " الركاز: المدفون في الأرض، واشتقاقه من: ركَز يركِز، مثل: غرز يغرز، إذا خفي، يقال " ركز الرمح " إذا غرز أسفله في الأرض، ومنه الرِّكز وهو الصوت الخفي، قال الله تعالى: (أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً) . والأصل في صدقة الركاز ما روى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (العَجْمَاءُ جُبَار، وفي الرِّكازِ الخُمْس) متفق عليه. وهو أيضاً مجمع عليه، قال ابن المنذر: لا نعلم أحدا خالف هذا الحديث إلا الحسن فإنه فرَّق بين ما يوجد في أرض الحرب وأرض العرب، فقال فيما يوجد في أرض الحرب: الخمس، وفيما يوجد في أرض العرب الزكاة. " المغني " (2 / 610) . وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: " ليس كل مدفون يكون ركازاً، بل كل ما كان من دِفْن الجاهلية، أي: من مدفون الجاهلية. ومعنى الجاهلية: ما قبل الإسلام، وذلك بأن نجد في الأرض كنزاً مدفوناً، فإذا استخرجناه ووجدنا علامات الجاهلية فيه، مثل أن يكون نقوداً قد علم أنها قبل الإسلام، أو يكون عليها تاريخ قبل الإسلام، أو ما أشبه ذلك. وقوله: " ففيه الخمس في قليله وكثيره " فلا يشترط فيه النصاب؛ لعموم قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: " وفي الركاز الخمس ". ثم اختلف العلماء في الخمس، هل هو زكاة أو فيء؟ بناء على اختلافهم في " أل " في قوله صلّى الله عليه وسلّم في الحديث: " الخمس " هل هي لبيان الحقيقة أو هي للعهد؟ . فقال بعض العلماء: إنه زكاة فتكون " أل " لبيان الحقيقة. ويترتب على هذا القول ما يأتي: 1- أن تكون زكاة الركاز أعلى ما يجب في الأموال الزكوية؛ لأن نصف العشر، والعشر، وربع العشر، وشاة من أربعين: أقل من الخمس. 2- أنه لا يشترط فيه النصاب، فتجب في قليله وكثيره. 3- أنه لا يشترط أن يكون من مال معيَّن، فيجب فيه الخمس سواء كان من الذهب أو الفضة أو المعادن الأخرى، بخلاف زكاة غيره. والمذهب عند أصحابنا - يرحمهم الله -: أنه فيء، فتكون " أل " في الخُمس للعهد الذهني، وليست لبيان الحقيقة، أي: الخمس المعهود في الإسلام، وهو خُمس خمس الغنيمة الذي يكون فيئاً يصرف في مصالح المسلمين العامة، وهذا هو الراجح؛ لأن جعله زكاة يخالف المعهود في باب الزكاة، كما سبق بيانه في الأوجه الثلاثة المتقدمة. . " الشرح الممتع " (6 / 88، 89) . ومن وجدَ كنزاً وليس عليه علامات تدل أنه من دفن الجاهلية: فهو في حكم اللقطة، ينتظر عليه سنةً كاملة، ثم يحل له تملكه بعدها إلا أن يُعرف صاحبه قطعاً فيجب دفعه له، أو تعويضه بقيمته في وقت التصرف به. ولا يجوز البحث عن الكنوز في أراضٍ مملوكة لأحدٍ؛ لأن هذا من التصرف في مال غيره بغير حق، ومن وجد مالاً في أرضِ غيره فيجب أن يدفعه لصاحب الأرض. وينبغي للعقلاء أن لا يضيعوا أعمارهم في البحث عن مثل هذه الكنوز؛ فإنها مضيعة للأوقات والأعمار والأموال، مع ما يترتب عليها من عقوبات من الدولة، وقد يعيش المرء دهره كله ولا يجد قطعة نقدية واحدة، وقد يشتغل المرء في الزراعة فيحرث أرضه ويوفقه الله لوجود ما يغتني به عمره كله. ثانياً: يسلك كثيرٌ من الناس طرُقاً غير شرعيَّة لاستخراج هذه الكنوز، فبعضهم يستعين بالسحرة والكهنة والمشعوذين، وآخرون يعتمدون على اتصالهم بالجن، وكل هذه الطرق غير شرعية، وهي توجب استحقاق الإثم العظيم على فاعله. سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: هناك من يحضِّر الجن بطلاسم يقولها، ويجعلهم يخرجون له كنوزاً مدفونة في أرض القرية منذ زمن بعيد، فما حكم هذا العمل؟ . فأجاب: هذا العمل ليس بجائز؛ فإن هذه الطلاسم التي يحضِّرون بها الجن ويستخدمونهم بها لا تخلو من شرك - في الغالب -، والشرك أمره خطير قال الله تعالى: (إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) ، والذي يذهب إليهم يغريهم ويغرهم، يغريهم بأنفسهم وأنهم على حق، ويغرهم بما يعطيهم من الأموال. فالواجب مقاطعة هؤلاء، وأن يدع الإنسان الذهاب إليهم، وأن يحذِّر إخوانه المسلمين من الذهاب إليهم، والغالب في أمثال هؤلاء أنهم يحتالون على الناس ويبتزون أموالهم بغير حق ويقولون القول تخرصا، ثم إن وافق القدر أخذوا ينشرونه بين الناس، ويقولون: نحن قلنا وصار كذا، ونحن قلنا وصار كذا، وإن لم يوافق ادعوا دعاوى باطلة، أنها هي التي منعت هذا الشيء. وإني أوجه النصيحة إى من ابتلي بهذا الأمر وأقول لهم: احذروا أن تمتطوا الكذب على الناس والشرك بالله عز وجل وأخذ أموال الناس بالباطل، فإن أمد الدنيا قريب، والحساب يوم القيامة عسير، وعليكم أن تتوبوا إلى الله تعالى من هذا العمل، وأن تصححوا أعمالكم، وتطيبوا أموالكم، والله الموفق. " فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (2 / السؤال رقم 116) . واعلم أيها السائل الكريم أن الذي يحمل كثيرا من الناس على الجري خلف تلك الأوهام، وطلبها من السحرة والمشعوذين وأمثالهم، أن نفوسهم امتلأت بحب الترف، والتعلق بأوهام الغني، من غير أسبابه، وطلب المال من غير بابه، مع ما تركب في كثير من تلك النفوس من غلبة الكسل والركون إلى البطالة. قال ابن خلدون – رحمه الله -: والذي يحمل على ذلك في الغالب زيادة على ضعف العقل: إنما هو العجز عن طلب المعاش بالوجوه الطبيعية للكسب من التجارة والفلح والصناعة؛ فيطلبونه بالوجوه المنحرفة، وعلى غير المجرى الطبيعي من هذا وأمثاله، عجزاً عن السعي في المكاسب، وركوناً إلى تناول الرّزق من غير تعب ولا نصب في تحصيله واكتسابه، ولا يعلمون أنَّهم يوقعون أنفسهم بابتغاء ذلك من غير وجهه في نصبٍ ومتاعبَ وجُهدٍ شديد أشدَّ من الأول، ويعرِّضون أنفسهم مع ذلك لمنال العقوبات، وربما يحمل على ذلك في الأكثر زيادة الترف وعوائده وخروجها عن حدّ النهاية حتى تُقتصر عنها وجوه الكسب ومذاهبه ولا تفي بمطالبها، فإذا عجز عن الكسب بالمجرى الطبيعي لم يجد وليجةً في نفسه إلا التمني لوجود المال العظيم دفعةً من غير كلفة، ليفي ذلك له بالعوائد التي حصل في أسرها؛ فيحرص على ابتغاء ذلك ويسعى فيه جهده، ولهذا فأكثر من تراهم يحرصون على ذلك هم المترفون من أهل الدولة ومن سكان الأمصار الكثيرة الترف المتسعة الأحوال، مثل مصر وما في معناها، فنجد الكثير منهم مغرمين بابتغاء ذلك وتحصيله، ومساءلة الركبان عن شواذه. " مقدمة ابن خلدون " (ص 385، 386) . وقد كتب ابن خلدون فصلاً نفيساً في " المقدمة " من (ص 384 – 389) فليُنظر. أما إذا تجنب المسلم الطرق المحرمة، من الطلاسم والاستعانة بالجن والسحرة والكهنة، أو العدوان على ملك غيره، من أرض أو دار أو غير ذلك؛ فلا حرج عليه فيما يجده من ذلك الركاز، ولا حرج عليه في طلبه ـ أيضا ـ والبحث عنه، إن كان له معرفة بالوسائل المادية الموصلة إلى ذلك، ولم يكن يضيع عمره في الجري خلف سراب الغنى، وأوهام الكنوز، كحال الذين كانوا يطلبون المال في السابق عن طريق تعلم الكيمياء التي تعينهم على قلب المعادن ذهبا، فقالوا فيهم: من طلب المال بالكيمياء أفلس!! وأما أن هذا له طريقة معينة في طلبه والبحث عنه في الشرع، فإن الشرع لم يجيء بمثل ذلك، وإنما جاء ببيان ما يشرع في حقه أو يحرم عليه. فمهما اخترع الناس من آلة أو وسيلة تعينهم على تعرف ذلك، بعلاماته المادية، أو الدلائل عليه، فإن ذلك مباح لمن علمه واستعمله. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83746 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2406 زكاة أسهم المرابحة [السُّؤَالُ] ـ[لي حساب في إحدى شركات المرابحة والشركة تعنى بالاستثمارات الإسلامية (مضاربة - تأجير - مرابحة ... ) بحيث تقوم بجمع الأموال واستثمارها في داخل المملكة والبلاد الإسلامية في مشاريع زراعية، صناعية، عقارية، تجارية.. لخدمة الإسلام والمسلمين ويتم إعطاؤنا أرباحاً سنوية من خلال هذه المساهمات. والسؤال: هل أقوم بإخراج زكاة مالي سنوياً على رأس المال الذي دفعته للشركة أم على الأرباح التي آخذها سنوياً وكم نسبة الزكاة التي يجب علي أن أخرجها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله بالنسبة لأسهم المضاربة والمرابحة يزكي رأس المال والأرباح عند تمام الحول على رأس المال، وبالنسبة للأسهم التي تكون في شركات زراعية وعقارية وصناعية فإنه يجب تزكية الأرباح إذا بلغت النصاب بنفسها أو بضمها إلى غيرها وحال عليها الحول ومقدار الزكاة ربع العشر أي (2.5%) اثنان ونصف بالمائة، أما الأصول فلا تجب فيها الزكاة إذا كانت غير معدة للبيع، أما إن كانت معدة للبيع فتجب فيها الزكاة عند تمام الحول مع أرباحها كسائر عروض التجارة، وإذا كانت الشركة الزراعية تنتج حبوباً أو تموراً أو عنباً فإنها تجب فيها الزكاة الشرعية إذا بلغ النتاج من كل نوع خمسة أوسق فأكثر وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء والدعوة الإرشاد. في مجلة الدعوة العدد/1795 ص/42. الحديث: 13479 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2407 زكاة الذهب المعد للاستعمال [السُّؤَالُ] ـ[إنني أرغب من فضيلتكم إفادتي وإخواني عن موضوع زكاة الذهب أو الحلي الذهبية والفضية المعدة للإستعمال، وليس للبيع والشراء، حيث أن البعض يقول: إن المعد منها للبس ليس فيه زكاة، والبعض الآخر يقول: فيها زكاة سواء للإستعمال أو للتجارة، وأن الأحاديث الواردة في زكاة المعدة للاستعمال أقوى من الأحاديث الواردة بأنه لا زكاة فيها، آمل من سعادتكم التكرم بإجابتي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أجمع أهل العلم على وجوب الزكاة في حلي الذهب والفضة إذا كان حلياً محرم الاستعمال، أو كان معداً للتجارة أو نحوها. أما إذا كان حلياً مباحاً معدا للاستعمال أو الإعارة كخاتم الفضة وحلية النساء وما أبيح من حلية السلاح، فقد اختلف أهل العلم في وجوب زكاته؛ فذهب بعضهم إلى وجوب زكاته لدخوله في عموم قوله تعالى: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم} سورة التوبة/34، قال القرطبي في تفسيره ما نصه: وقد بين ابن عمر في صحيح البخاري هذا المعنى، قال له أعرابي: أخبرني عن قول الله تعالى: {والذين يكنزون الذهب والفضة} قال ابن عمر: (من كنزها فلم يؤد زكاتها فويل له، إنما كان هذا قبل أن تنزل الزكاة فلما أنزلت جعلها الله طهراً للأموال) أخرجه البخاري 2/111 (تعليقاً) ، 5/204 (تعليقاً أيضا) ، وابن ماجه 1/569-570 برقم (1787) ، والبيهقي 4/82. ا. هـ ولورود أحاديث تقضي بذلك ومنها ما رواه أبو داود والنسائي والترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم ومعها ابنة لها وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب، فقال لها: "أتعطين زكاة هذا؟ " قالت: لا، قال: "أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار؟ " فخلعتهما فألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: هما لله ولرسوله. أخرجه أحمد 2/178، 204، 208، وأبو داود 2/212 برقم (1563) ، والترمذي 3/29-30 برقم (637) ، والنسائي 5/38 برقم (2479، 2480) ، والدارقطني 2/112، وابن أبي شيبة 3/153، وأبو عبيد في الأموال (ص/537) برقم (1260) (ط?هراس) ، والبيهقي 4/140. وما روى أبو داود في سننه والحاكم في مستدركه والدارقطني والبيهقي في سننيهما عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى في يدي فتخات من ورق فقال: "ما هذا يا عائشة؟ " فقلت صنعتهن أتزين لك يارسول الله، قال: "أتؤدين زكاتهن؟ " قلت: لا، أو ما شاء الله، قال: "هو حسبك من النار" أخرجه أبو داود 2/213 برقم (1565) ، واللفظ له، والدارقطني 2/105-106، والحاكم 1/389-390، والبيهقي 4/139. وما رووا عن أم سلمة قالت: كنت ألبس أوضاحاً من ذهب فقلت: يا رسول الله: أكنز هو؟ فقال: "ما بلغ أن يؤدى زكاته فزكي فليس بكنز" أخرجه أبو داود 2/212-213 برقم (1564) ، والدارقطني 2/105، والحاكم 1/390، والبيهقي 4/83، 140. وذهب بعضهم إلى أنه لا زكاة فيه؛ لأنه صار بالاستعمال المباح من جنس الثياب والسلع، لا من جنس الأثمان، وأجابوا عن عموم الآية الكريمة بأنه مخصص بما جرى عليه الصحابة رضوان الله عنهم، فقد ثبت بإسناد صحيح أن عائشة رضي الله عنها كانت تلي بنات أخيها يتامى في حجرها لهن الحلي فلا تخرج منه الزكاة وروى الدارقطني بإسناده عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها، أنها كانت تحلي بناتها بالذهب ولا تزكيه نحواً من خمسين ألفاً. سنن الدارقطني 2/109.، وقال أبو عبيد في كتابه الأموال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أنه كان يزوج المرأة من بناته على عشرة آلاف فيجعل حليها من ذلك أربعة آلاف، قال فكانوا لا يعطون عنه يعني الزكاة أخرجه الدارقطني 2/109 بنحوه، وأبو عبيد في الأموال (ص 540) برقم (1276) (ط هراس) ، والبيهقي 4/138. وقال حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن عمرو بن دينار قال: سئل جابر بن عبد الله: أفي الحلي زكاة؟ قال لا، قيل: وإن بلغ عشرة آلاف قال: كثير أخرجه الشافعي في مسنده (بترتيب السندي) 1/228 برقم (629) وفي الأم 2/41، وأبو عبيد في الأموال (ص/540) برقم (1275) (ط هراس) ، والبيهقي 4/138. والأرجح من القولين قول من قال بوجوب الزكاة فيها، إذا بلغت النصاب، أو كان لدى مالكيها من الذهب والفضة أو عروض التجارة ما يكمل النصاب؛ لعموم الأحاديث في وجوب الزكاة في الذهب والفضة، وليس هناك مخصص صحيح فيما نعلم، ولأحاديث عبد الله بن عمرو بن العاص وعائشة وأم سلمة المتقدم ذكرها، وهي أحاديث جيدة الأسانيد، لا مطعن فيها مؤثر، فوجب العمل بها. أما تضعيف الترمذي وابن حزم لها والموصلي فلا وجه له فيما نعلم مع العلم بأن الترمذي رحمه الله معذور فيما ذكره؛ لأنه ساق حديث عبد الله بن عمرو من طريق ضعيفة وقد رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من طريق أخرى صحيحة، ولعل الترمذي لم يطلع عليها. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 9/264. الحديث: 19901 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2408 الزكاة في أموال الأبناء [السُّؤَالُ] ـ[وضعت مبالغ بأسماء أبنائي الصغار في أسهم شركات استثمارية، هل نجمعها عند إخراج الزكاة أم يخرج عن كل واحد بمفرده، مع العلم أنه إذا لم نجمعها لن تبلغ النصاب؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله فأجاب بما يلي: كل إنسان له ماله الخاص فإن بلغ نصابا زكاه وإلا فلا، ولكن هل له أولاد آخرون أعطاهم مثل هؤلاء، فإن كان له أبناء غيرهم ولم يعطهم فليتق الله وليعدل بينهم " للذكر مثل حظ الأنثيين "، وإن لم يكن عنده غيرهم فالأمر واضح، وإن كان عنده غيرهم وأعطاهم مثل ما أعطى هؤلاء فقد عدل ولا شئ عليه … والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 4016 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2409 هل على بيتهم ومتجرهم وجواهرهم زكاة [السُّؤَالُ] ـ[أنا أريد أن أعرف المبلغ المحدد علينا دفعه للزكاة، عائلتنا تتكون من ثلاثة إخوة متزوجين وعندنا أطفال ووالدينا في بيت واحد. 1 - عندنا بيت كبير نعيش فيه. 2 - عندنا بيت آخر بالهند قيمته ثلاثة ملايين ريال سعودي. 3 - عندنا مشروع تجاري رأس ماله اثنان ونصف مليون ريال سعودي. 4 - عندنا محل تجاري بأربع ملايين وعندنا أشياء أخرى متفرقة بمليون ريال سعودي، وعندنا جواهر قيمتها مليون ريال سعودي. فكم الزكاة الواجبة علينا دفعها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا زكاة على المسلم في بيته الذي يسكنه – ولو كان أكثر من واحد - ولا في سيارته التي يمتلكها للاستخدام، ولو بلغت قيمتهما ما بلغت. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: ليس في المساكن زكاة إذا كانت معدة للسكن ... ، أما الأراضي والبيوت والدكاكين ونحوها المعدة للبيع فهذه فيها الزكاة حسب قيمتها كل سنة غلاء ورخصاً عند تمام الحول إذا كان مالكها قد عزم عزماً جازماً على البيع. مجموع فتاوى الشيخ ابن باز 14 / 173 ثانياً: لا زكاة على المشاريع والمحلات التجارية بذاتها، فالأراضي والمباني والأثاث والآلات التي بالمحل لا زكاة فيها مهما بلغت قيمتها إلا إذا كان قد أعد هذه الأشياء للبيع والتجارة ففيها الزكاة، وهو ما يسميه العلماء (زكاة عروض التجارة) . قال الشيخ ابن باز رحمه الله: والقاعدة: أن كل ما يعد للبيع هو الذي يزكى، وما كان من أدوات تستعمل في المحل فإنها لا تزكى مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز (14 / 183) وطريقة حساب الزكاة: أن تُقّوم البضاعة الموجودة بالمحل عند نهاية الحول ثم تخرج زكاتها وهي ربع العشر أي 2.5 بالمائة من قيمتها، راجع السؤال رقم (26236) قال علماء اللجنة الدائمة: عروض التجارة ما أُعد لبيع وشراء من صنوف الأموال، وتجب الزكاة فيها إذا بلغت قيمتها نصاباً من الذهب أو الفضة، وملكها بفعله بنية التجارة بها، وتقوَّم عند الحول بما هو أحظ للفقراء والمساكين من ذهب أو فضة، والأصل في ذلك قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم} البقرة / 267 يعني بالتجارة، قاله مجاهد وغيره. وقال البيضاوي وغيره أنفقوا من طيبات ما كسبتم أي الزكاة المفروضة. وقوله تعالى: {وفي أموالهم حق معلوم} المعارج / 24، والتجارة داخلة في عموم الأموال ففيها حق مقدر بيَّنه صلى الله عليه وسلم وهو ربع العشر، ومال التجارة أهم الأموال، فكانت أولى بالدخول في الآية من سائر الأموال، وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نخرج الصدقة مما نعده للبيع " رواه أبو داود. وقال عمر لحماس: أدِّ زكاة مالِك، فقال: مالي إلا جعاب وأدَم، فقال: قوِّمْها وأدِّ زكاتها، وقد احتج الإمام أحمد رحمه الله بهذه القصة. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «وأما خالد فإنكم تظلمون خالداً، قد احتبس أدراعه وأعتده في سبيل الله» متفق عليه، قال النووي وغيره: فيه وجوب زكاة التجارة، وإلا لما اعتذر رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه. وللبخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: «ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة» ، قال النووي وغيره: هذا الحديث أصل في أن أموال القنية لا زكاة فيها. " فتاوى اللجنة الدائمة " (9 / 186، 187) . ثالثاً: وأما الجواهر التي تملكونها: فإن كانت من الذهب والفضة: فتجب فيها الزكاة بنسبة 2.5 % إذا بلغت النصاب، ونصاب الذهب هو: 85 غراماً تقريباً. وأما إن كانت من غير الذهب والفضة – كالياقوت والمرجان – وكانت متخذة للزينة: فلا زكاة فيها، فإن كان اتخاذها للتجارة: فتجب فيها الزكاة. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: الذهب هو الذي فيه الزكاة وأما الأحجار الكريمة والماس فلا زكاة فيها إذا لم تكن للتجارة. مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز 14 / 121 قال علماء اللجنة الدائمة – وهي فتوى تشمل أكثر ما في السؤال -: ثبت وجوب الزكاة في النقود ذهباً كانت أو فضة بالكتاب والسنَّة والإجماع، وعروض التجارة ليست مقصودة لذاتها، وإنما المقصود منها النقود ذهباً كانت أو فضة، والأمور إنما تعتبر بمقاصدها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات» ، ولذا لم تجب الزكاة في الرقيق المتخذ للخدمة، ولا في الخيل المتخذة للركوب، ولا في البيت المتخذ للسكنى، ولا في الثياب المتخذة لباساً، ولا في الزبرجد والياقوت والمرجان ونحوها إذا اتخذ للزينة، أما إذا اتخذ كل ما ذكر ونحوه للتجارة فالزكاة واجبة فيه؛ لكونه قصد به النقود من الذهب والفضة وما يقوم مقامها، … ، وعلى هذا فمن منع زكاة ما لديه من عروض التجارة فهو مخطئ … . " فتاوى اللجنة الدائمة " (9 / 312، 313) . وقول السائل: (وعندنا أشياء أخرى متفرقة بمليون ريال) هذه الأشياء إن كانت ذهباً أو فضة أو معدة للتجارة ففيها الزكاة وأما إذا كان المقصود فيها ما يستعمل كالسيارة والأثاث ونحو ذلك فلا زكاة فيها. وخلاصة الجواب: أن السائل يقوم البضاعة التي عنده في نهاية الحول ويضيف قيمتها إلى ما عنده من نقود وذهب وفضة ويخرج زكاة الجميع وهي ربع العشر. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20057 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2410 الزكاة على الأموال الدائرة في التجارة [السُّؤَالُ] ـ[أملك مبلغاً من المال، أكثر من النصاب في مجموعه. وضعت جزءاً من هذا المال في تجارة عند حساب الزكاة لهذا العام، هل يجب أن أضم هذا المال مع أني لم أستردّه بعد من التجارة، أم يكفي حساب الزكاة بناءً على ما أملك من مالٍ الآن؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا حال على مالك الحول فإنّك تُخرج الزّكاة عليه سواء ما كان بحوزتك أم ما كان دائرا في التّجارة، ولو نتج عنه ربح فحوله حول أصله، والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2544 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2411 زكاة الخضراوات والفواكه [السُّؤَالُ] ـ[رجل عنده حديقة بها خضراوات وفواكه لاستخدامه الشخصي فهل فيهما العشر من الزكاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا تجب الزكاة في الخضروات ولا في الفواكه، وذلك لأنها لا تكال ولا تدخر، ولكن الزكاة تجب في الثمر الذي يكال ويدخر كالتمر والزبيب واللوز والفستق ... أما ما لا يكال ولا يدخر مثل الرمان والتين والخوخ والبطيخ وغيره من الفواكه، ومثل الطماطم والخيار وغيرها من الخضرة لا زكاة فيها، لأنها إن ادخرت فسدت. عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ليس في حب ولا تمر صدقة حتى يبلغ خمسة أوسق ... " رواه البخاري ومسلم وغيرهما، هذا إذا كان يكال، فمن باب أولى أن لا زكاة فيما لا يكال أصلاً. وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه مرفوعا - وقيل موقوفا - " ليس في الخضروات صدقة ". وأيضا فقد تركها صلى الله عليه وسلم هو وخلفاؤه وهي تزرع بجوارهم ولم تؤدى زكاتها، وهذا دليل على عدم وجوب الزكاة فيها. وأيضا فكون حديقتك للاستخدام الشخصي، وليست للتجارة، تأكيد على عدم وجوب الزكاة في هذه الحديقة. ولكن إن كانت للتجارة وحال الحول على الربح منها عندها تجب الزكاة على المال الذي حال عليه الحول. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 3593 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2412 الصندوق الخيري للعائلة [السُّؤَالُ] ـ[أشخاص كونوا جمعية باشتراك مقداره مائة دولار على كل شخص من الذكور كبيراً أو صغيراً تُدفع في بداية كل سنة، بحيث يدخرونه للاستفادة منه في الدّيات وغيرها من البلايا التي تصيب بعض الأشخاص. فهل على تلك الأموال زكاة إذا حال عليها الحول؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الواقع كما ذكر وكان لا يعود ما توفر منه إلى من تبرعوا به بنسبة تبرعهم بل انقطع تملكهم الخاص بمجرد تبرعهم وإنما يصرف فيما تبرعوا من أجله فلا زكاة فيه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 9/289 الحديث: 1533 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2413 من كانت له أراض وأملاك فهل تجب فيها الزكاة [السُّؤَالُ] ـ[الشخص الذي عنده أراضيٍ وأملاك غير مستثمرة وليس لها دخل أو عائد هل عليها زكاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا زكاة في هذه الأراضي والأملاك إلا إذا كان قد أعدها للبيع والتجارة فيها. وطريقة حساب زكاتها: أن تُقوَّم عند تمام الحوْل ثم يُخرج ربع عشر قيمتها أي 2.5%. أما إن كانت هذه الأملاك معدة لاستخدام الرجل لها ولخدمته أو أنه يستخدمها في العمل مثل تأجيرها أو ما شابه ذلك ولا يتاجر بعينها: فإنه لا زكاة عليها والحالة هذه. يقول الشيخ ابن عثيمين حفظه الله تعالى - مفصلاً القول في زكاة عروض التجارة -: العروض: جمع عَرَض أو عَرْض بإسكان الراء، وهو المال المعد للتجارة وسمي بذلك؛ لأنه لا يستقر، يُعرض، ثم يزول، فإن المتَّجر لا يريد هذه السلعة بعينها، وإنما يريد ربحها؛ لهذا أوجبنا زكاتها في قيمتها لا في عينها. العروض إذاً: كل ما أُعد للتجارة من أي نوع، ومن أي صنف كان، وهو أعم أموال الزكاة وأشملها؛ إذ إنه يدخل في العقارات، وفي الأقمشة، وفي الأواني، وفي الحيوان، وفي كل شيء. والزكاة واجبة في عروض التجارة، والدليل على ذلك: أولا: دخولها في عموم قوله تعالى: {وفي أموالهم حق للسائل والمحروم} الذاريات / 19، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: " أعلِمْهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم ". ولا شك أن عروض التجارة مال. فإن قال قائل: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: " ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة ". قلنا: نعم قال ذلك، ولكنه لم يقل ليس في العروض التي لا تراد لعينها، إنما تراد لقيمتها ليس فيها زكاة. وقوله: " عبده وفرسه " كلمة مضافة للإنسان للاختصاص، يعني الذي جعله خاصا به، يستعمله وينتفع به، كالفرس والعبد والثوب والبيت الذي يسكنه، والسيارة التي يستعملها ولو للأجرة، كل هذه ليس فيها زكاة؛ لأن الإنسان اتخذها لنفسه ولم يتخذها ليتجر بها يشتريها اليوم ويبيعها غدا. وعلى هذا فمن استدل بهذا الحديث على عدم زكاة العروض فقد أبعد. ثانيا: قول الرسول صلى الله عليه وسلم: " إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرىء ما نوى "، ولو سألنا التاجر ماذا يريد بهذه الأموال، لقال أريد الذهب والفضة، أريد النقدين. إذا اشتريت السلعة اليوم وربحتني أو بعد غد بعتها ليس لي قصد في ذاتها إطلاقا،فعلى هذا نقول زكاة العروض واجبة بالنص والقياس، وإن لم يكن النص خاصا، بل عاما. " الشرح الممتع " (6 / 141 – 142) . ثم يقول – حفظه الله – ضارباً مثالاً على ذلك: اشترى رجل سيارة ليتكسب بها (أي يبيعها ويربح فيها) فهذه عروض تجارة إذا بلغت قيمتها نصاباً ونواها حين الشراء، فإن اشترى سيارة للاستعمال، ثم بدا له أن يبيعها فليس عليه زكاة لأنه حين ملكه إياها لم يقصد التجارة، فلا بد أن يكون ناوياً للتجارة من حين مُلْكِه، ولو اشترى شيئاً للتجارة، ولكن لا يبلغ النصاب وليس عنده ما يضمه إليه فليس عليه زكاة لأنه من شروط وجوب الزكاة بلوغ النصاب. " الشرح الممتع " (6 / 142) . وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: الأرض المعدة للتجارة تجب فيها الزكاة، والحجة في ذلك الحديث المشهور عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرج الصدقة من الذي نعد للبيع) انتهى، ومراده بالصدقة هنا الزكاة. أما إذا كانت الأرض للقنية لا للبيع، سواء قصدها للفلاحة أو السكنى أو التأجير أو نحو ذلك فليس فيها زكاة لكونه لم يعدها للبيع، والله سبحانه اعلم. مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز 14/160 والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 10823 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2414 الزكاة في الديون المشكوك في تحصيلها [السُّؤَالُ] ـ[شخص عنده نقود يقترضها منه بعض إخوانه ومعارفه، وقد تعود إليه أو لا تعود، ويسأل هل تجب فيها الزكاة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من كان له على مليء دين يبلغ النصاب أو يكمّل بلوغ النصاب عنده فتجب فيه الزكاة، ويزكّيه إذا قبضه لما مضى عليه، سواء كان ذلك سنة أو أكثر، وإن زكّاه قبل قبضه فحسن، وإن كان على غير مليء فيزكيه إذا قبضه لسنة واحدة، وإن مضى عليه أكثر من سنة، وهذا رواية عن الإمام أحمد وهو قول مالك،.. وهو اختيار الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 9/190 الحديث: 1117 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2415 إذا كسب مالا جديد أثناء الحول فما حكم زكاته [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان لدى شخص 10000 دولار زائدة على نصاب الزكاة عند بدء الحول، وفي نهاية الحول أصبح عنده 5000 دولار أخرى، أي ما مجموعه 15000 دولار. هذه الـ 5000 دولار لم تكن في ملكه عند بداية الحول، هل تُخرج الزكاة على الـ 10000 دولار فقط؟ أم على الـ 15000 دولار؟ أرجو التوضيح.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الزكاة لا تجب إلا في المبلغ الذي حال عليه الحول فقط وهو العشرة آلاف دولار إلا إذا كان المبلغ الإضافي وهو الخمسة آلاف هو ناتج وربح للمبلغ الأصلي فحينئذ يكون حوله حول أصله فتجب الزكاة في الخمسة عشر ألف كلها. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 753 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2416 زكاة أسهم الشركات [السُّؤَالُ] ـ[أرجو إعطائي فكرة عن كيفية زكاة الأسهم، وهل إذا كانت الشركة تزكي يجب علي أن أدفع الزكاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تجب زكاة الأسهم على أصحابها، وتخرجها إدارة الشركة نيابة عنهم إذا نص في نظامها الأساسي على ذلك، أو صدر به قرار من الجمعية العمومية، أو كان قانون الدولة يلزم الشركات بإخراج الزكاة، أو حصل تفويض من صاحب الأسهم لإخراج إدارة الشركة زكاة أسهمه. ثانياً: تخرج إدارة الشركة زكاة الأسهم كما يخرج الشخص الطبيعي زكاة أمواله، بمعنى أن تعتبر جميع أموال المساهمين بمثابة أموال شخص واحد وتفرض عليها الزكاة بهذا الاعتبار من حيث نوع المال الذي تجب فيه الزكاة، ومن حيث النصاب، ومن المقدار الذي يؤخذ، وغير ذلك مما يراعى في زكاة الشخص الطبيعي، وذلك أخذاً بمبدأ الخلطة عند من عممه من الفقهاء في جميع الأموال، ويطرح نصيب الأسهم التي لا تجب فيها الزكاة، ومنها أسهم الخزانة العامة، وأسهم الوقف الخيري، وأسهم الجهات الخيرية، وكذلك أسهم غير المسلمين ثالثاُ: إذا لم تزك الشركة أموالها لأي سبب من الأسباب، فالواجب على المساهمين زكاة أسهمهم، فإذا استطاع المساهم أن يعرف من حسابات الشركة ما يخص أسهمه من الزكاة لو زكت الشركة أموالها على النحو المشار إليه، زكى أسهمه على هذا الاعتبار، لأنه الأصل في كيفية زكاة الأسهم. وإن لم يستطع المساهم معرفة ذلك: فإن كان ساهم في الشركة بقصد الاستفادة من ريع الأسهم السنوي، وليس يقصد التجارة لأنه يزكيها زكاة المستغلات وتمشياً مع ما قرره مجمع الفقه الإسلامي في دورته الثانية بالنسبة لزكاة العقارات والأراضي المأجورة غير الزراعية، فإن صاحب هذه الأسهم لا زكاة عليه في أصل السهم، وإنما تجب الزكاة في الريع، وهي ربع العشر بعد دوران الحول من يوم قبض الريع مع اعتبار توافر شروط الزكاة وانتفاء الموانع. وإن كان المساهم قد اقتنى الأسهم بقصد التجارة، زكاها زكاة عروض التجارة، فأذا جاء حول زكاته وهي في ملكه، زكى قيمتها بتقويم أهل الخبرة، فيخرج ربع العشر 2.5 % من تلك القيمة ومن الربح إذا كان للأسهم ربح. رابعاً: إذا باع المساهم أسهمه في أثناء الحول ضم ثمنها إلى ماله وزكاه معه عندما يجيء حول زكاته، أما المشتري فيزكي الأسهم التي اشتراها على النحو السابق. والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] المجمع الفقهي الإسلامي عام 1408. الحديث: 21574 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2417 هل تجب الزكاة في الدّيْن على المعسر أو المماطل [السُّؤَالُ] ـ[ما هو حكم الزكاة في الدين على المعسر الذي ربما يمكث سنوات طويلة عليه وما هو حكم الزكاة في الدين على المليء الذي يتماطل في تسديد ذلك الدين، وما هو حكم الدين على شخص يعرف ملائته ويعرف عزمه على التسديد وكان ذلك طبعا بعد بلوغ عام الحول؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان المدين معسرا أو كان مليئا لكنه مماطل ولا يمكن للدائن استخلاصه دينه منه، إما لكونه لا يجد لديه من الإثبات ما يستخلص به حقّه لدى الحاكم، أو لديه الإثبات لكن لا يجد من وليّ الأمر ما يساعده على تخليص حقه، كما في بعض الدول التي لا نصرة فيها للحقوق فلا تجب الزكاة على الدائن حتى يقبض دينه ويستقبل به حولاً (أي تمر عليه سنة هجرية والمال عنده) . وأما إذا كان المدين مليئا ويمكن استخلاص الدين منه فالزكاة واجبة على الدائن كلما حال الحول، وكان الدَّين نصابا بنفسه أو بضمّه إلى غيره من النقود ونحوها. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 9/191 الحديث: 1346 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2418 لديه جنبية ومسدس فهل فيهما الزكاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[لدى والدي جنبية (سلاح يشبه الخنجر) ومسدس مرخص أريد أن أسأل هل عليه زكاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا زكاة على الإنسان فيما يملك من سلاح أو دواب أو ثياب ونحوها إلا أن تكون للتجارة، والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ) رواه مسلم (982) . قال النووي رحمه الله: " هَذَا الْحَدِيث أَصْل فِي أَنَّ أَمْوَال الْقِنْيَة لا زَكَاة فِيهَا , وَأَنَّهُ لا زَكَاة فِي الْخَيْل وَالرَّقِيق إِذَا لَمْ تَكُنْ لِلتِّجَارَةِ " انتهى من "شرح مسلم". و" أموال القنية " هي الأموال التي يقتنيها الإنسان لاستعمالها والانتفاع بها، لا للتجارة. وعليه فالجنبية والمسدس لا زكاة فيهما، إلا أن يكونا معدين للتجارة، فتجب الزكاة حينئذ. وانظر السؤال رقم (65515) لمعرفة كيفية إخراج زكاة التجارة. وينبغي التنبه إلى أن الجنبية قد تكون مصنوعة من الفضة أو تكون محلاّة بالذهب، فإن كان الذهب الذي فيها أو الفضة بيلع نصاباً، ففيه الزكاة، أو كان أقل من النصاب لكن عند صاحبها ذهب آخر أو فضة يكمل النصاب، ففيه أيضاً الزكاة. أما إذا كان ما فيها من ذهب أو فضة أقل من النصاب، وليس عند صاحبها ذهب آخر أو فضة، فلا زكاة فيها. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة: هل السلاح الشخصي مثل البندقية والمسدس والسيف فيها زكاة، وكيفية إخراجها؟ علما أنها ليست معدة للتجارة. فأجابوا: " لا تجب الزكاة في ذلك لأنه لم يعد للتجارة، لكن إذا كان في السيف أو غيره ذهب يبلغ نصاباً بنفسه أو بضمه إلى ما يكمله نصاباً وجب أن يزكى في أصح قولي العلماء كالحلي " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/276) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 79676 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2419 زكاة الرواتب الشهرية، وكيفية زكاة من عليه دين [السُّؤَالُ] ـ[أنا أحتفظ بمالي في البنك حيث تودع فيه مباشرة من عملي رواتبي الشهرية، وأقوم بالسحب منه لمصاريفي، وحيث إنني لا أعرف المبلغ الذي يمضي عليه عام لكي أخرج زكاته فقد حددت أول رمضان كوقت لإخراجها وذلك باحتساب ما يوجد في حسابي البنكي حتى لو تم إيداع آخر راتب شهري فيه قبل أيام من دخول شهر رمضان. لدى سؤالان: الأول: هل صحيح ما أقوم به لاحتساب الزكاة؟ . الثاني: تحصلت مؤخراً على قرض من عملي لشراء منزل وأقوم بتسديده عن طريق الخصم الشهري من راتبي خلال السنوات القادمة فهل أخصم مبلغ القرض المتبقي من حساب الزكاة مع العلم أنه يوجد لدي رصيد في حسابي البنكي؟ فمثلاً لو أن عندي رصيد مائة ألف ريال في البنك بحلول شهر رمضان والقرض المتبقي عليَّ سبعون ألف ريال، فما هو الإجراء الصحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يجوز وضع الأموال في البنوك الربوية إلا لضرورة حفظها، على أن يكون ذلك بدون فائدة، وانظر جواب الأسئلة: (23346) و (22392) و (49677) . ثانياً: إذا مَرَّ الحولُ على ملك النصاب: وجب إخراج الزكاة على الفور، ولا يجوز تأخيرها بعد الحول مع القدرة على إخراجها، فليس الإنسان مخيراً في تحديد أي شهر يخرج فيه زكاة ماله، بل ذلك الشهر يكون عند تمام السنة، إلا إذا كان يخرجها في رمضان معجلة قبل انتهاء الحول فلا بأس، أما بعد نهاية الحول فلا يجوز تأخيرها إلى رمضان. وانظر جواب السؤال: (26716) , (8400) . ثالثاً: إخراجك للزكاة عن جميع أموالك حتى راتب أخر شهر، هذا هو أسلم وأيسر طريق لإخراج زكاة المدخر من الراتب. وانظر جوابي السؤالين رقم (26113) و (50801) . رابعاً: وقد سبق بيان تحريم الربا، وتحريمه بالنسبة لبناء البيوت وشرائها، فإذا كان هذا القرض ربوياً، فعليك المبادرة بالتوبة، والتخلص منه رغبة فيما عند الله، وخوفاً من عقابه. وانظر أجوبة الأسئلة (45910) و (21914) و (22905) . خامساً: وأما زكاة من عليه دين، فالصحيح من أقوال العلماء أن الدين لا يخصم من المال التي تجب فيه الزكاة، ففي المثال الذي ذكرته، يجب عليك أن تزكي المائة ألف كاملة، ولا يخصم منها الدين الذي عليك. وانظر أجوبة الأسئلة: (65763) و (22449) و (22426) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 78807 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2420 هل تجب الزكاة على ذات المحل التجاري؟ [السُّؤَالُ] ـ[اشتريت في عام 96 دكاناً (محل تجاري) ليعمل به أخي وبقي الدكان مغلقاً إلى الآن، ولم يعمل به أخي، ولم أستفد منه، ولم يأتِ على بالي أبداً أنه يجب الزكاة عليه إلا في هذه الأيام، كان سعر الدكان عند شرائه 400 ألف، ثم نزلت الأسعار إلى 300 ألف في عام 2000، والآن يبلغ سعره بين 700 إلى 800 ألف، في العام القادم إن شاء الله سأحاول أن أفتح المحل ليعمل به شخص ما للاستفادة منه. الرجاء نصيحتنا إن كانت تجب الزكاة أم لا؟ وكم تبلغ؟ وماذا يمكن أن أفعل إذا لم يكن لدي المبلغ الواجب دفعه للزكاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس على المسلم في سيارته ولا في بيته ولا في دكانه زكاة، ولو كانت قيمة هذه الأشياء كبيرة، وإنما الزكاة على ما يباع ويشترى بقصد الربح والتجارة وهو ما يسمى " عروض التجارة "، فمن كان عنده عقارات – أراض أو بيوت أو محلات – واتخذها للتجارة يبيع ويشتري بها: فإنه يقدر قيمتها وقت الزكاة ويخرج ربع العشر، ومن اتخذها للسكن أو للزراعة أو للتأجير أو للبيع والشراء فيها: فليس فيها زكاة. قال علماء اللجنة الدائمة: " المال الذي يملكه الإنسان أنواع، فما كان منه نقوداً: وجبت فيه الزكاة إذا بلغ نصاباً وحال عليه الحول، وما كان أرضاً زراعية: وجبت الزكاة في الحبوب والثمار يوم الحصاد، لا في نفس الأرض، وما كان منه أرضاً تؤجر أو عمارة تؤجر: وجبت الزكاة في أجرتها إذا حال عليها الحول، لا في نفس الأرض أو العمارة، وما كان منه أرضاً أو عمائر أو عروضاً أخرى للتجارة: وجبت الزكاة فيه إذا حال عليه الحول، وحول الربح فيها حول الأصل إذا كان الأصل نصاباً " انتهى. " فتاوى اللجنة الدائمة " (9 / 331) . وعليه، فلا زكاة عليك عن هذا الدكان. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 78607 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2421 هل تجب الزكاة في مكافأة نهاية الخدمة؟ [السُّؤَالُ] ـ[الشركة التي أعمل بها تعطي الموظف مرتب 15 يوماً مكافأة عن كل سنة خدمة، ولكن تصرف هذه المكافأة بعد نهاية الخدمة، فإذا أخذت هذه المكافأة بعد انتهاء الخدمة، فهل عليها زكاة أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " إذا كان الواقع ما ذكر فلا زكاة عليك في تلك المكافأة حتى تتسلمها، ويحول عليها الحول من تاريخ تسلمها " انتهى. [الْمَصْدَرُ] "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/283) . الحديث: 75390 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2422 هل تجب الزكاة في آلات المصانع؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل آلات المصانع تجب فيها الزكاة؟ مع العلم أن قيمتها قد تكون كبيرة جداًّ.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله مباني الشركات ومعداتها الثقيلة والخفيفة وسياراتها التي تستخدم لنقل البضائع أو العاملين بالشركة لا زكاة فيها. وقد نص العلماء السابقون على أن آلات الصنَّاع كالنجار والبنّاء والحداد ونحوهم لا زكاة فيها. قال الكاساني في "بدائع الصنائع" (3/398) : " وأما آلات الصناع وظروف أمتعة التجارة لا تكون مال التجارة ; لأنها لا تباع مع الأمتعة عادة " انتهى. وفي "كشاف القناع" (168/2) : ولا زكاة في آلات الصناع , وأمتعة التجارة وقوارير العطار والسمان ونحوهم كالزيات والعسال إلا أن يريد بيعها أي القوارير بما فيها فيزكي الكل لأنه مال تجارة. وكذا آلات الدواب؛ إن كانت لحفظها فلا زكاة فيها، لأنها للقنية، وإن كان يبيعها معها فهي مال تجارة، يزكيها " انتهى. " وتضخم هذه الآلات وزيادة حجمها وكثرة إنتاجها لا يغير من حكمها شيئاً , بل هي باقية على أصلها، وأحكام الشريعة تبقى على أن أصولها الأولى ما دامت هي هي , فقطع المسافات البعيدة بالسيارات والطائرات لا يغير شيئاً من أحكام رخص السفر. . . وهكذا فإن تغيير أدوات الصناعة لا يغير شيئاً من حكمها " قاله الشيخ عبد الله البسام بتصرف يسير. "مجلة المجمع الفقهي" (4/1/722) . وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: بالنسبة للمشاريع الحديثة التي خرجت للناس في هذه الأيام وهي مشاريع الإنتاج الحيواني وإنتاج الألبان ومشاريع الإنتاج الزراعي , ومشاريع العقارات الكبيرة مثل العمائر , فهل على هذه الأشياء زكاة , وكيف تخرج زكاتها؟ فأجاب: " إذا كانت هذه المشاريع للبيع والشراء وطلب الربح فإن مالكها يزكيها كلما حال الحول عليها، إذا كان أعدها للبيع , سواء كانت تلك الأموال عمائر أو أرضاً أو دكاكين أو حيوانات في مزرعته أو ما أشبه ذلك , فإنه يزكيها إذا حال عليها بحسب القيمة , أما الأدوات التي ليست للبيع فلا زكاة فيها , ونفس الأرض التي فيها المزرعة لا تزكى إذا كانت لم تعد للبيع , وإنما يربي فيها صاحبها الحيوانات للبيع أو يزرعها ونحو ذلك , فالزكاة في الإنتاج , أما عين الأرض ورقبة الأرض التي أعدها ليزرع فيها أو ينمي فيها الحيوانات فهذه لا زكاة فيها , وهكذا النجار والحداد لا زكاة في الأدوات التي عنده للاستعمال، كالقدوم والمنشار وجميع الأدوات لا زكاة فيها , إنما الزكاة في الأموال التي أعدها للبيع والآلات المعدة للبيع ـ كما تقدم ـ إذا حال الحول عليها زكاها بحسب قيمتها , كما يزكي السيارة التي أعدها للبيع والأرض التي أعدها للبيع " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (14/184) . وسئل علماء اللجنة الدائمة: مؤسستنا فيها معدات لشئون عمل المؤسسة من سيارات وكمبريشنات وقلابات وخلاطات، فهل عليها زكاة أم لا؟ فأجابوا: " تجب الزكاة في أجرتها إذا كانت تؤجر إذا حال عليها الحول وبلغت نصاباً، وإذا كان صاحب المؤسسة يأخذ مقاولات ويستعمل هذه المعدات لتنفيذ المقاولات فيخرج الزكاة من الذي يدخل عليه مقابل عمله في المقاولات إذا حال عليه الحول، أما هذه المعدات فلا زكاة فيها ولا في قيمتها؛ لأنها لم تعد للبيع وإنما أعدت للاستعمال " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/345) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " فلا زكاة على الإنسان فيما يقتنيه من الأواني والفروش والمعدات والسيارات والعقارات وغيرها حتى وإن أعده للإيجار، فلو كان عند الإنسان عقارات كثيرة تساوي قيمتها الملايين ولكن لا يتجر بها ـ أي لا يبيعها ولا يشتري بدلها للتجارة مثلاً ـ ولكن أعدها للاستغلال فإنه لا زكاة في هذه العقارات ولو كثرت، وإنما الزكاة فيما يحصل منها من أجرة أو نماء، فتجب الزكاة في أجرتها إذا تم عليها الحول من العقد، فإن لم يتم عليها الحول فلا زكاة فيها، لأن هذه الأشياء الأصل فيها براءة الذمة حتى يقوم فيها دليل على الوجوب. بل قد دل الدليل على أن الزكاة لا تجب فيها في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة) فإنه يدل على أن ما اختصه الإنسان لنفسه من الأموال غير الزكوية ليس فيه صدقة أي ليس فيه زكاة، والأموال التي أعدها الإنسان للاستغلال من العقارات وغيرها لا شك أن الإنسان قد أرادها لنفسه ولم يردها لغيره؛ لأنه لا يبيعها ولكنه يستبقيها للاستغلال والنماء " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/254) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 74987 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2423 سيارات الأجرة والنقل ليس فيها زكاة [السُّؤَالُ] ـ[هل سيارات الأجرة أو السيارات التي تمتكلها شركات النقل وشحن البضائع، هل عليها زكاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سيارات الأجرة أو النقل لا زكاة فيها، وإنما تجب الزكاة في الأجرة إذا بلغت نصاباً وحال عليها الحول. سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: هل على السيارات التجارية التي تسافر وتجلب الحبوب وغيرها زكاة , وهكذا ما أشبهها من الجمال؟ فأجاب: " ليس على السيارات والجمال المعدة لنقل الحبوب والأمتعة وغيرها من بلاد زكاة؛ لكونها لم تعد للبيع وإنما أعدت للنقل والاستعمال , أما إن كانت السيارات معدة للبيع , وهكذا غيرها من الجمال والحمير والبغال وسائر الحيوانات التي يجوز بيعها إذا كانت معدة للبيع فإنها تجب فيها الزكاة؛ لأنها صارت بذلك من عروض التجارة , فوجبت فيها الزكاة؛ لما روى أبو داود وغيره عن سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: (كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِنْ الَّذِي نعده لِلْبَيْعِ) . وإلى هذا ذهب جماهير أهل العلم , وحكى الإمام أبو بكر بن المنذر رحمه الله إجماع أهل العلم على ذلك " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (14/181) . وسئل علماء اللجنة الدائمة: كيف نخرج زكاة سيارات الناقلات والأجرة، أفتكون بقيمتها أو من كسبها؟ فأجابوا: " ما دامت هذه السيارات معدة للأجرة فالزكاة تجب في أجرتها إذا حال عليها الحول لا في قيمتها " انتهى. "مجموع فتاوى اللجنة الدائمة" (9/349) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 74988 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2424 والدهم عنده راتب شهري وصار كبيراً فهل عليه زكاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هذه قصة رجل مسلم كان يصلي الصلوات في أوقاتها، خصوصا الفجر، ويتصدق بدون حساب، ويخرج الزكاة بانتظام، ويلزم أولاده على إخراج الزكاة على المال الذي يكتسبونه أكان قليلا أم كثيراً ولو لم يمر عليه الحول، والآن صار عجوزاً وأسير النسيان، مثلا يسألك ويعيد عليك نفس السؤال عدة مرات، ويصلي الصلاة ويعيدها مرات ومرات، ثم لم تعد له القدرة على قيام الفجر، وبما أنه أرمل ويعيش عند ابنته إذاً فهي تنفق عليه رغم أن له مدخولاً شهريّاً (المعاش) ، إذاً فرصيده يزيد لكن حين تحدثه عن الزكاة فهو يسايرك في الموضوع ويقول إنه ليس له ما يخرج عليه الزكاة مع أن ابنته تذكره بأن له رصيداً في البنك، لا ندري أهذا يعود لنسيانه ولتقدمه في السن. رجاء الرد على هذا وكيفية التدبير في الأمر.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نسأل الله تعالى أن يختم لوالدكم بخير، وحري بالعمل الصالح في حياة الإنسان أن يُكرَم صاحبه، وقد أحسن هذا الرجل لنفسه فإنه جاهدها لأداء الواجبات وترك المحرمات، والبشرى له ولغيره عظيمة إن ماتوا على ما عاشوا عليه. وننبه إلى أن إلزامه لأولاده بإخراج زكاة أموالهم قلَّ المال أو كثُر ولو لم يمر عليه الحول، لعله كان يلزمهم بالصدقة لا أنها الزكاة المفروضة، لأن الزكاة لا تجب في المال إلا إذا بلغ نصاباً. وحال عليه الحول، فنسأل الله أن يؤجره على نيته، وأن يؤجر أبناءه على ما بذلوه. وكثرة نسيانه لا تسقط عنه وجوب زكاة ماله، لأن الزكاة لا يشترط لوجوبها العقل، ولذلك تجب على الصبي الصغير والمجنون. وانظر السؤال رقم (75307) . فالواجب عليكم إخراج الزكاة عنه من ماله، ولا يجب إخراج زكاة ما يقبضه شهريا إلا إذا مرت سنة كاملة عليه، وفي حساب كل شهر بمفرده مشقة، فالأسهل في مثل هذه الحال أن تنظروا أول ما بلغ المال النصاب، ثم تحسبون حولا، وإذا مَرَّ الحول زكيتم كل ما عنده حتى راتب الشهر الأخير، ويكون الشهر الأول قد أُخرجت زكاته بعد نهاية الحول، وما تلاه من الشهور أُخرجت زكاته معجلة، وتعجيل الزكاة لا بأس به. وانظر جواب السؤال (26113) لمعرفة كيفية زكاة الراتب الشهري. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 72258 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2425 يسأل عن إخراج الزكاة عن أرباح المؤسسة فقط [السُّؤَالُ] ـ[أنا صاحب مؤسسة فردية تقوم بتصميم وتصنيع الزجاج المزخرف، وأسئلتي خاصة بإخراج الزكاة، حيث إنني أخرجها عن صافي الأرباح بعد خصم مخصص الضريبة والذي يصل مقداره إلى 30 %، فهل إخراجي لها بهذه الطريقة صحيح؟ حيث إنني في حيرة من أمري بعد أن أبلغني بعض الإخوة بعدم صحة ذلك، علماً بأن طبيعة عمل المؤسسة هو التعاقد مع العميل على تصميم وتصنيع بعض القبب والنوافذ المزخرفة بالزجاج الملون، ونحن نقوم باستيراد المواد الخام من زجاج ورصاص ولحام قصدير وغيره من الخارج وندخله لمستودعنا ويتم استعمالها في التصنيع ويبقى جزء منه كمخزون بنهاية السنة المالية حيث يتم عمل الجرد وإصدار قائمة المركز المالي للمؤسسة والتي تبين أرباح تلك السنة والتي تعودت إخراج الزكاة عنها. وأسئلتي هي: هل الزكاة تخرج عن صافي الأرباح؟ أم عن رأس المال؟ أم عن حقوق المالك المبينة في قائمة المركز المالي للمؤسسة؟ هل الضريبة - والتي تحصل عن الأرباح وتدفع لمصلحة الزكاة والدخل - تعتبر نوعاً من الزكاة؟ أرجو منكم التفضل مشكورين بإرشادي إلى الطريقة الصحيحة لإخراج الزكاة فأنا في حيرة من أمري، وأدعو الله أن يرشدني إلى الصواب لتصحيح أي خطأ قد يكون حدث مني في السنوات الماضية أو ليطمئن قلبي إن كان ما فعلته صحيحاً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نسأل الله تعالى أن يجزيك خيراً على حرصك على السؤال عن أحكام دينك، والواجب على كل مسلم أن يسأل عن أحكام دينه دون تأخر أو تردد. وأما الجواب على سؤالك: أولاً: شركتك هذه شركة صناعية تجارية، والشركات الصناعية التجارية تجب فيها زكاة عروض التجارة , ولا تجب في الآلات والمعدات والسيارات والمباني والأثاث التي يراد منها استعمالها ولا يراد بيعها من أجل الربح. انظر السؤال (74987) ، (69916) وعلى هذا , فطريقة حساب الزكاة في نهاية الحول: أن تحصى ما في مخازن الشركة من مواد تم شراؤها بقصد بيعها، فيشمل ذلك: (الزجاج والرصاص واللحام ...... إلخ) وتقدر قيمتها في نهاية الحول , بقطع النظر عن الثمن الذي اشتريت به. يضاف إلى ذلك الأموال النقدية التي بالشركة أو أرصدتها بالبنوك. يضاف إلى ذلك الديون التي لك على الناس والتي ترجو تحصيلها، ثم تزكي الجميع بنسبة 2.5 بالمائة. ثانياً: أما أرباح الشركة خلال العام , فهذه الأرباح يمكن تقسيمها قسمين: الأول: أرباح ناتجة من بيع الزجاج للعملاء. وهذه الأرباح تجب فيها الزكاة , ولا يحسب لها حول جديد , بل حولها هو نفس حول رأس المال الذي اشتريت به إن كان يبلغ نصاباً. "المغني" (4/75) . الثاني: أرباح ناتجة من عملية التركيب ذاتها (أي يمكن اعتبارها أجرة التركيب والتصنيع) فهذه الأرباح تجب فيها الزكاة إذا بلغت نصاباً، ومَرَّ عليها الحول من حين قبضها. وقد يكون من الصعب عملياً التفريق بين هذين النوعين من الأرباح , ولذلك فالأفضل أن تزكي جميع الأرباح في نهاية حول رأس المال , فما كان من ربح عروض التجارة , فقد أديت زكاته في وقته (نهاية الحول) وما كان من أجرة للعمل فقد أديت زكاته مقدماً , وتعجيل الزكاة قبل وقتها جائز. ثالثاً: الأرباح التي يتم إنفاقها أثناء العام ولا تبقى إلى نهاية الحول لا زكاة فيها. رابعاً: حول عروض التجارة بالنسبة للشركة لا يكون من أول تأسيس الشركة أو من شراء المواد الخام , بل يكون تكملة لحول النقود التي اشتريت بها المواد الخام. فمثلاً: لو كان أول امتلاكك للنصاب في شهر المحرم، وبدأت تأسيس الشركة في شهر رجب، واشتريت المواد الخام وبدأت العمل بالشركة في شهر رمضان , فحول عروض التجارة للشركة يكون في شهر المحرم ولا يكون في رمضان. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " واعلم أن عروض التجارة ليس حولها أن تأتي سنة بعد شرائها، بل إن حولها حول المال الأصلي، لأنها عبارة عن دراهم من رأس مالك حولتها إلى عروض، فيكون حولها حول مالك الأول " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/234) . وانظر جواب السؤال (32715) . خامساً: وأما حساب الزكاة بعد خصم الضرائب. فإن كان إخراج الضرائب ودفعها يتم قبل نهاية الحول فتصرفك صحيح , لأن هذا المال المدفوع لم يمر عليه الحول. وأما إن كان دفعها بعد تمام الحول فالأحوط والأبرأ للذمة دفع زكاته , وأخذ هذا المال منك ظلماً لا يسقط عنه الزكاة. سادساً: وأما حساب الضرائب من الزكاة فلا يجوز ذلك، لأن الزكاة لها مصارف معينة حددها الله تعالى بقوله: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة/60. والضرائب لا تصرف في هذه المصارف، ولأن الحكومات لا تأخذ الضرائب على أنها زكاة. قال علماء اللجنة الدائمة: " لا يكفي أخذ الضرائب على العمارة عن إخراج الزكاة، ولا يسقط ذلك وجوبها في دخلها إذا بلغ نصاباً وحال عليه الحول " انتهى بتصرف. " فتاوى اللجنة الدائمة " (9 / 339) . وانظر السؤال رقم (2447) . وسئل علماء اللجنة الدائمة أيضاً: ما تقولون فضيلتكم في كيفية إخراج الزكاة حيث إنني أملك محلاً تجاريّاً لبيع الأخشاب وقد حال الحول على البضاعة الموجودة بالمحل، وهناك ديون متعلقة بالبضاعة الموجودة والمشتراة بالأجل بأن تم دفع جزء من قيمتها والباقي مؤجل، كما أن هناك مصاريف سنوية كإيجار المحل ورسوم رخصة سنوية، وضرائب، وتأمينات، وكذلك رواتب العاملين. فأجابوا: " تجب الزكاة في البضاعة المعروضة للبيع كالأخشاب ونحوها إذا بلغت قيمتها نصاباً بنفسها أو بضمها إلى ما لديك من النقود أو عروض التجارة، وحال عليها الحول، أما الديون والإيجار والرسوم وغيرها فلا تمنع وجوب إخراج الزكاة " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/348) . سابعاً: وأما ما يتعلق بزكاة الأعوام السابقة، فعليك أن تقدر زكاة كل عام، وتخرج ما بقي عليك منها، لأن الجهل بكيفية إخراج الزكاة لا يسقط وجوبها، فهي دّين عليك، يجب إخراجه. وانظر جواب السؤال (69798) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 72315 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2426 التوفير في مكتب البريد وكيفية إخراج الزكاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[لدي مبلغ من المال في مكتب البريد لم يبلغ النصاب وذهبت إلى بنك إسلامي ووضعت مبلغاً من المال، فكيف أحسب الزكاة - مع العلم عند جمع المبلغيْن يبلغ المبلغ النصاب -؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يجوز وضع المال في مكاتب البريد، ولا في البنوك الربوية التي تأكل الربا وتوكله للمودعين، ولا يخلو المودع فيهما من هذا، فهو إما أن يكون آكلاً أو موكلاً للربا أو جامعاً بينهما. عن أبي جحيفة رضي الله عنه قال: (لعن النبي صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله) . رواه البخاري (5032) . ثانياً: من ملَك نقوداً تبلغ النصاب – ولو كانت متفرقة، بعضها في مكان وبعضها في مكان آخر- وجب عليه إخراج زكاتها إذا مَرَّ عليها الحول، ويبدأ حساب الحول من يوم بلوغ المال النصاب، فإذا تمت سنة هجرية أخرج الزكاة، وقيمتها ربع العشر (2.5 بالمئة) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 70315 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2427 هل يزكي عن سنوات سابقة؟ وكيف يحسبها؟ [السُّؤَالُ] ـ[عند والدتي مبلغ من المال في أحد البنوك الإسلامية ومرَّ عليه أكثر من عام، ولا أعلم كم عاماً، ونريد أن نخرج زكاة هذا المال علما بأن هذا المال كان يزيد وينقص.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الزكاة من أركان الإسلام، وتجب الزكاة في المال إذا بلغ نصاباً وحال عليه الحول، ونصاب النقود ما يعادل قيمة 85 جم من الذهب، أو 597 جم من الفضة. وانظر جواب السؤال (2795) . ولا يجوز التأخير في أدائها لمستحقيها، فمن فعل هذا فعليه التوبة والاستغفار من تأخيره، وعليه أداؤها عن كل عام مضى، وذلك بأن يقدِّر ماله كل عام ويخرج زكاته بمقدار ربع العشر. وإذا نقص المال في إحدى السنوات عن النصاب فلا زكاة فيه عن تلك السنة، حتى يبلغ النصاب مرة أخرى، فيبدأ في حساب الحول من حين بلوغه النصاب. سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: شخص لم يخرج زكاة أربع سنين، ماذا يلزمه؟ فأجاب: " هذا الشخص آثم في تأخير الزكاة؛ لأن الواجب على المرء أن يؤدي الزكاة فور وجوبها ولا يؤخرها؛ لأن الواجبات الأصل وجوب القيام بها فوراً، وعلى هذا الشخص أن يتوب إلى الله عز وجل من هذه المعصية، وعليه أن يبادر إلى إخراج الزكاة عن كل ما مضى من السنوات، ولا يسقط شيء من تلك الزكاة، بل عليه أن يتوب ويبادر بالإخراج حتى لا يزداد إثماً بالتأخير " انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (18/السؤال رقم 211) . وقال الشيخ أيضاً: " الزكاة عبادة لله عز وجل، وحق لأهل الزكاة، فإذا منعها الإنسان كان منتهكاً لحقين: حق الله تعالى، وحق أهل الزكاة، فإذا تاب بعد خمس سنوات - كما جاء في السؤال - سقط عنه حق الله عز وجل؛ لأن الله تعالى قال: (وَهُوَ ?لَّذِى يَقْبَلُ ?لتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُواْ عَنِ ?لسَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) ويبقى الحق الثاني وهو حق المستحقين للزكاة من الفقراء وغيرهم، فيجب عليه تسليم الزكاة لهؤلاء، وربما ينال ثواب الزكاة مع صحة توبته؛ لأن فضل الله واسع. أما تقدير الزكاة فليتحر ما هو مقدار الزكاة بقدر ما يستطيع، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، فعشرة آلاف - مثلاً - زكاتها في السنة مائتان وخمسون، فإذا كان مقدار الزكاة مائتين وخمسين، فليخرج مائتين وخمسين عن السنوات الماضية عن كل سنة، إلا إذا كان في بعض السنوات قد زاد عن العشرة فليخرج مقدار هذه الزيادة، وإن نقص في بعض السنوات سقطت عنه زكاة النقص " انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (18/السؤال رقم 214) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69940 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2428 اشترى أرضاً وسينتظر حتى يرتفع سعرها ليبيعها فهل عليها زكاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[بالنظر إلى الارتفاع الكبير في أسعار الأراضي والمنازل ولأن هذا الارتفاع يصل إلى الحد الخيالي بحيث لا يتمكن أغلب الناس من شراء بيت خاص للسكن أود أن أفعل ما يلي: أشتري أرضين الآن بسعر زهيد نسبياً (مثلاً 30000 ريال للواحدة) وأنتظر 10 أو 20 سنة حتى تصبح قيمتها 500000 ريال مثلاً وبعد ذلك أبيع واحدة وأبني بثمنها بيتاً في الثانية السؤال: كيف يتم احتساب الزكاة عن كل واحدة؟ حيث إن أحد الأرضين للسكن ... أما الأرض الأخرى فهي ما احترت فيه، فهي تعتبر إنماء للمال، وأنا لا أريدها لعينها بل أريد الاستفادة من ارتفاع ثمنها لبناء المنزل. وقد سمعت بعض الفتاوى تقول تزكى مرة واحدة عن ال 20 سنة، وسمعت البعض الآخر يقول تزكي عن ال20 سنة كل سنة بقيمتها التقديرية.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا تجب الزكاة في الأرض إلا إذا كانت للتجارة، وعلى هذا؛ فالأرض التي ستبني عليها منزلاً لا زكاة فيها، وأما الأخرى ففيها الزكاة. وكيفية حساب الزكاة أن تقدر قيمة الأرض في نهاية كل حول، وتخرج زكاة هذه القيمة 2.5 بالمئة. ويجب إخراج الزكاة كل عام، ولا يجزئ إخراجها عاماً واحداً عن جميع هذه السنوات. وينبغي التنبه إلى أن عروض التجارة إذا اشتريت بذهب، أو فضة، أو نقود (ريالات أو دولارات أو غيرها من العملات) أو عروض أخرى؛ فإن حول العروض هو حول المال الذي اشتريت به، وعلى هذا، فلا تبدأ حولاً جديداً للعروض من حين امتلاكها، بل تكمل على حول المال الذي اشتريت به الأرض. راجع السؤال (32715) . سئل علماء اللجنة الدائمة: عندي فلوس - خمسون ألفاً مثلاً - واشتريت بها أرضية، وأنا في اعتقادي أقول بدل ما تجلس الفلوس في البنك أضعها في الأرض حتى تحفظ الفلوس، وعندما يأتي وقت مناسب أو احتاج للفلوس أبيع الأرض، وقد زادت قيمتها، فهل عليها زكاة؟ فأجابوا: " من اشترى أرضاً، أو تملكها بعطاء، أو منحة بنية التجارة: وجبت فيها الزكاة إذا حال عليها الحول، ويقوِّمها كل سنَة بما تساوي وقت الوجوب، ويخرج زكاتها ربع العشر، أي: ما يعادل 2.5 بالمئة. وإن اشتراها بنية إقامتها سكناً له: لم تجب فيها الزكاة، إلا إذا نواها للتجارة فيما بعد، فتجب الزكاة فيها إذا حال عليها الحول من وقت نية التجارة، وإن اشتراها لتأجيرها فتجب الزكاة فيما توفر من الأجرة إذا بلغ نصاباً وحال عليه الحول " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (9/339، 340) . وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: كيف تخرج زكاة الأرض ونحوها؟ وهل يكفي دفع الزكاة عنها عند بيعها زكاة واحدة عن عدد من السنين؟ فأجاب: " إذا كانت الأرض ونحوها كالبيت والسيارة ونحو ذلك معدة للتجارة وجب أن تزكى كل سنة بحسب قيمتها عند تمام الحول، ولا يجوز تأخير ذلك إلا لمن عجز عن إخراج زكاتها لعدم وجود مال عنده سواها، فهذا يمهل حتى يبيعها ويؤدي زكاتها عن جميع السنوات، كلَّ سنة بحسب قيمتها عند تمام الحول، سواء كانت القيمة أكثر من الثمن أو أقل، أعني الذي اشترى به الأرض أو السيارة أو البيت. هذا هو الذي عليه جمهور أهل العلم، لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بإخراج الصدقة مما يعد للبيع، ولأن أموال التجارة تقلب لطلب الربح بين أنواع العروض، فوجب على المسلم أن يخرج زكاتها كل عام، كما لو بقيت في يده نقوداً " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (14/160) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 67594 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2429 هل يصح أن يضم ماله مع مال زوجته ويزكيهما معاً؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا موظف، وزوجتي أيضا، ومالي ومالها واحد، نأخذ من هذا، ومن ذاك، والطريقة في إخراج زكاة مالنا: أنني أقوم بجمع جميع الأموال الموجودة في تاريخ محدد من الشهر الفضيل والذهب ثم أقسم على أربعين، فهل هناك حرج من تداخل الأموال والطريقة في إخراج الزكاة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج من ضم نقودك إلى نقود زوجتك وذهبها ثم زكاة الجميع معاً , وذلك لأن زكاة النقود والذهب والفضة لا تختلف بالضم أو التفريق , لأن الواجب هو إخراج ربع العشر سواء قَلَّ المال أو كثر، ما دام قد بلغ النصاب. وإنما تختلف الزكاة بالضم أو التفريق في بهيمة الأنعام فقط (الإبل والبقر والغنم) . وما تفعله أنت وزوجتك فيما توفرانه من رواتبكما وإخراج زكاته مع ما عندها من الذهب في شهر واحد هو أفضل وأيسر طرق إخراج زكاة الراتب. وما حسبته من قسمة المال على أربعين صحيح؛ لأن الواجب في زكاة الذهب والنقد ربع العشر وهو واحد من أربعين. وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: رجل يعتمد في دخله على المرتب الشهري فيصرف بعضه ويوفر البعض الأخر فكيف يخرج زكاة هذا المال؟ فأجاب: " عليه أن يضبط بالكتابة ما يدخره من مرتباته، ثم يزكيه إذا حال عليه الحول، كل وافر شهر يزكَّى إذا حال عليه الحول، وإن زكى الجميع تبعاً للشهر الأول: فلا بأس، وله أجر ذلك، وتعتبر الزكاة معجلة عن الوفر الذي لم يحل عليه الحول، ولا مانع من تعجيل الزكاة إذا رأى المزكي المصلحة في ذلك، أما تأخيرها بعد تمام الحول: فلا يجوز إلا لعذر شرعي: كغيبة المال، أو غيبة الفقراء " انتهى. " تحفة الإخوان بأجوبة مهمة تتعلق بأركان الإسلام " (السؤال 12) . وللتفصيل في زكاة الراتب انظر جواب السؤال: (26113) وفيه فتوى عن اللجنة الدائمة بمثل فتوى الشيخ ابن باز رحمه الله. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 66919 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2430 لا زكاة على معدات المصانع، وزكاة من عليه دين [السُّؤَالُ] ـ[يحتاج أخي مساعدة في حساب الزكاة، فهو غير متأكد (من المبلغ الذي عليه تزكيته) لأن عليه ديوناً كما أن إيداعاته لم تتجاوز ثلاثة أشهر، مع أنه يملك مصنعاً يحتوي على معدات، فهل يدفع الزكاة عن ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: من ملك مالاً تجب زكاته، وكان عليه دَيْن، فالزكاة واجبة عليه، ولا أثر لهذا الدَّيْن، وهو مذهب الإمام الشافعي رحمه الله. لعموم الأدلة الدالة على وجوب الزكاة على من ملك نصاباً. ولأن النبي صلى الله عليه ومسلم كان يرسل عماله لقبض الزكاة ولا يأمرهم بالاستفصال هل على أصحاب الأموال ديون أو لا؟ ولأن الزكاة تتعلق بعين المال، والدين يتعلق بالذمة، فلا يمنع أحدهما الآخر. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " وأما الدين الذي عليه فلا يمنع الزكاة في أصح أقوال أهل العلم " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (14/189) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والذي أرجحه أن الزكاة واجبة مطلقا، ولو كان عليه دين ينقص النصاب، إلا دَيْناً وجب قبل حلول الزكاة فيجب أداؤه، ثم يزكي ما بقي بعده " انتهى من "الشرح الممتع" (6/39) . وينظر: "المجموع" (5/317) ، "نهاية المحتاج" (3/133) ، "الموسوعة الفقهية" (23/247) . وعليه فإذا حال الحول على النصاب، وجبت الزكاة على أخيك، بغض النظر عن الديون التي عليه، لكن إن حان وقت دفع الدين، قبل موعد الزكاة، سدد الدين، ثم زكى ما بقي. ثانيا: من ملك نصاباً من النقود وحال عليه الحول وجبت عليه الزكاة بإخراج ربع العشر [2.5%] . والنصاب هو ما يعادل قيمة 85 جراماً من الذهب، أو 595 جراماً من الفضة. ويبدأ حساب الحول من حين ملك نصاباً، لا من حين إيداعه في البنك. فإن استثمر هذا المال بطريقة مشروعة، لزمه أن يزكي الأصل والربح معا في وقت زكاة الأصل. فلو ربح المال في خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من الحول، وحال الحول على أصل المال، وجبت زكاة الجميع: المال مع ربحه، مع أن الربح لم يمر عليه حول، إلا أنه تابع في الحول لأصل المال. مع التنبه إلى أن وضع النقود في البنوك مقابل فائدة من الربا الذي حرمه الله ورسوله، وهو من كبائر الذنوب. ويجوز وضع النقود في البنوك لضرورة حفظها، بشرط أن يكون ذلك من غير فائدة. انظر السؤال (49677) ، (22392) ثالثا: لا تجب الزكاة إلا في أموال مخصوصة بينها الشارع، ومنها النقود وبهيمة الأنعام وعروض التجارة. وأما ما يملكه الإنسان من منازل أو سيارات أو بنايات فلا زكاة فيها إلا إذا قصد الاتجار فيها. والمصانع عادة تشتمل على منتجات وسلع يُتجر فيها، فهذه تزكى زكاة التجارة، فتقوّم في نهاية الحول، ويخرج من قيمتها ربع العشر. وتشتمل على أبنية ومعدات ثابتة لا يراد بيعها، فهذه لا زكاة فيها. قال في "كشاف القناع" (2/244) : " ولا زكاة في آلات الصنّاع , وأمتعة التجارة وقوارير العطار والسمان ونحوهم، كالزيات والعسال، إلا أن يريد بيعها، أي القوارير، بما فيها، فيزكي الكل، لأنه مال تجارة " انتهى. وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " إنما تجب الزكاة على أهل المطابع والمصانع ونحوهم في الأشياء المعدة للبيع، أما الأشياء التي تعد للاستعمال فلا زكاة فيها، وهكذا السيارات والفرش والأواني المعدة للاستعمال ليس فيها زكاة؛ لما روى أبو داود رحمه الله في سننه بإسناد حسن عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرج الصدقة مما نعده للبيع) " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (14/186) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65763 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2431 زكاة الحلي المعد للاستعمال [السُّؤَالُ] ـ[قدم والد زوجتي حلية تزن 560 جراما من الذهب وقت زواجنا عام 1994. ولدينا بعض القطع الذهبية التي حصلنا عليها كهدايا من أقربائنا عندما وضعت زوجتي. كما أني اشتريت بعض المجوهرات لزوجتي في الفترة من 1994 حتى 2004. والآن فإن زوجتي تخبرني بأن علينا دفع زكاة تبلغ 240 جراما من الذهب. وسؤالي هو: هل علي أنا دفع الزكاة عن كل الأصناف الثلاثة المذكورة آنفا؟ أرجو التوضيح بالتفصيل والدليل.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحلي المعد للبس والزينة، مما اختلف الفقهاء في وجوب زكاته، فذهب الحنفية إلى وجوب زكاته، وذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة إلى عدم الوجوب. والقول الراجح هو ما ذهبت إليه الحنفية، وذلك لأدلة كثيرة، منها: 1- عموم الأدلة الدالة على وجوب زكاة الذهب والفضة دون تفريق بين الحلي المستعمل وغيره. 2- عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَى فِي يَدَيَّ فَتَخَاتٍ مِنْ وَرِقٍ، فَقَالَ: مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ؟ فَقُلْتُ: صَنَعْتُهُنَّ أَتَزَيَّنُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: أَتُؤَدِّينَ زَكَاتَهُنَّ؟ قُلْتُ: لا. قَالَ: هُوَ حَسْبُكِ مِنْ النَّارِ. رواه أبو داود (155) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. و (الفتخات) خواتيم كبار. و (الوَرِق) الفضة. 3- وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهَا ابْنَةٌ لَهَا، وَفِي يَدِ ابْنَتِهَا مَسَكَتَانِ (إسورتان) غَلِيظَتَانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ لَهَا: أَتُعْطِينَ زَكَاةَ هَذَا؟ قَالَتْ: لا. قَالَ: أَيَسُرُّكِ أَنْ يُسَوِّرَكِ اللَّهُ بِهِمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ؟ قَالَ: فَخَلَعَتْهُمَا، فَأَلْقَتْهُمَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَتْ: هُمَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلِرَسُولِهِ. رواه أبو داود (1563) والنسائي (2479) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود. ثانيا: يجب عليكم إخراج الزكاة من حين علمتم بوجوبها، أما الأعوام التي مضت ولم تعلموا فيها بوجوب الزكاة في الحلي المعد للاستعمال فلا يلزمكم إخراج الزكاة عنها. سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن امرأة كان عندها حلي للزينة وبقي عندها سنوات، ثم علمت بوجوب الزكاة فيه، فهل يلزمها إخراج الزكاة عن السنوات الماضية؟ فأجاب: " يجب عليك الزكاة من حين علمت وجوبها في الحلي، وأما ما مضى قبل علمك فليس عليك زكاة، لأن الأحكام الشرعية إنما تلزم بعد العلم " فتاوى إسلامية (2/84) . وفي سؤال مماثل قال أيضا (2/85) : " عليها أن تخرج الزكاة مستقبلا عن حليها كل سنة إذا بلغ النصاب .... وأما السنوات الماضية قبل علمها بوجوب الزكاة في الحلي، فلا شيء عليها عنها، لجهلها وللشبهة في ذلك، لأن بعض أهل العلم لا يرى وجب الزكاة في الحلي التي تلبس أو المعدة لذلك، ولكن الأرجح وجوب الزكاة فيها إذا بلغت النصاب وحال عليها الحول، لقيام الدليل من الكتاب والسنة على ذلك ". ثالثا: زكاة الحلي المعد للاستعمال إنما تجب فيه إذا كان من الذهب أو الفضة، وعلى هذا فالمجوهرات التي اشتريتها إذا كانت من غير الذهب والفضة فلا زكاة فيها. وانظر السؤال (40210) . رابعاً: الزكاة تجب على مالك الحلي، لا على الزوج. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " والزكاة على مالكة الحلي، وإذا أداها زوجها أو غيره عنها بإذنها فلا بأس، ولا يجب إخراج الزكاة منه، بل يجزئ إخراجها من قيمته، كلما حال عليها الحول، حسب قيمة الذهب والفضة في السوق عند تمام الحول " فتاوى إسلامية 2/85. لكن. . إن كانت الهدايا المقدمة لكما، لم تتبرع بنصيبك منها لزوجتك، فالواجب عليك إخراج زكاة نصيبك، إن بلغ نصابا، وهو 85 جراما. وأما القدر الواجب إخراجه، فهو ربع العشر (2.5%) ففي 100 جرام: جرامان ونصف. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 59866 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2432 كيف يزكي المدخرات المتتابعة غير المستقرة؟ [السُّؤَالُ] ـ[المبلغ الذي يضعه الشخص في البنك وهو غير ثابت يعني يمكن أن يزيد أو ينقص خلال السنة الواحدة كيف تكون زكاته؟ حيث إن هذا المبلغ ليس مخصصا للادخار. هذا المبلغ يتزايد ويتناقص خلال السنة فكيف يتم تحديد المبلغ الذي مضى عليه الحول؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا بلغ هذا المبلغ نصابا وحال عليه الحول، وجبت زكاته، سواء أعد للادخار أم لا. والنصاب هو ما يعادل 85 جراما من الذهب، أو 595 جراماً من الفضة تقريباً. والقدر الواجب إخراجه هو 2.5% من المال. انظر السؤال (2795) . فإذا نقص المال أثناء الحول عن النصاب، انقطع الحول ولم تجب فيه الزكاة، وتبدأ في حساب حول جديد من حين بلوغ المال نصابا مرة أخرى. وإذا كان المال يزيد شيئا فشيئا، ففي ذلك تفصيل: أولا: إن كان المال المستفاد (الجديد) ناتجا عن المال الأول، كربح المال المدخر- في المصارف الإسلامية- فإن الجميع يزكى عند حولان الحول على الأصل، وإن لم يمض على حصول الربح إلا أيام. ولهذا قال الفقهاء: حول الربح حول أصله. ثانيا: إذا لم يكن المال المستفاد ناتجا عن الأول، بل هو مال مستقل، كالذي يدخره الإنسان من راتبه، فالأصل أن يُجعل لكل مال حول مستقل، ولا يشترط أن يبلغ هذا المال الجديد نصابا؛ لأن النصاب موجود وحاصل بالمال الأول. وعليه: فما ادخرته في شهر رمضان، تزكه في رمضان القادم، وما ادخرته في شهر شوال، تزكه في شوال الذي بعده، وهكذا. ولا شك أنه يشق على الإنسان أن يجعل حسابا مستقلا لمدخراته كل شهر، كما يشق عليه أن يزكي كل مدخر، عند حولان حوله. لهذا كان الأرفق به، أن يزكي جميع مدخراته خلال العام، حين يحول الحول على أول نصابٍ ملكه منها. وحينئذ تكون قد زكيت أموالا لم يمُرَّ عليها الحول بعد، وهذا لا حرج فيه، فهو من باب تعجيل الزكاة قبل حولان الحول. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (26113) ، ونقلنا فتوى اللجنة الدائمة في ذلك، نعيدها بنصها لفائدتها: " من ملك نصاباً من النقود ثم ملك تباعاً نقوداً أخرى في أوقات مختلفة وكانت غير متولدة من الأولى ولا ناشئة عنها، بل كانت مستقلة كالذي يوفره الموظف شهرياً من مرتبه، وكإرث أو هبة أو أجور عقار مثلاً: فإن كان حريصاً على الاستقصاء في حقه حريصاً على أن لا يدفع من الصدقة لمستحقيها إلا ما وجب لهم في ماله من الزكاة، فعليه أن يجعل لنفسه جدول حساب لكسبه يخص فيه كل مبلغ من أمثال هذه المبالغ بحول يبدأ من يوم ملكه ويخرج زكاة كل مبلغ لحاله كلما مضى عليه حول من تاريخ امتلاكه إياه. وإن أراد الراحة وسلك طريق السماحة وطابت نفسه أن يؤثر جانب الفقراء وغيرهم من مصارف الزكاة على جانب نفسه؛ زكى جميع ما يملكه من النقود حينما يحول الحول على أول نصاب ملكه منها، وهذا أعظم لأجره وأرفع لدرجته، وأوفر لراحته وأرعى لحقوق الفقراء والمساكين وسائر مصارف الزكاة، وما زاد فيما أخرجه عما تم حوله يعتبر زكاة معجلة عما لم يتم حوله " انتهى من فتاوى اللجنة الدائمة (9/280) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50801 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2433 لا تملك مالا غير الحلي فهل تبيع منه لتؤدي زكاته؟ [السُّؤَالُ] ـ[أملك كمية من الذهب التي يجب أن أدفع زكاتها لكني لا أملك المال لدفع الزكاة. ماذا أفعل؟ هل عليّ بيع جزء من الذهب لدفع الزكاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من ملكت نصابا من الذهب وهو 85 جراما، وحال عليه الحول، وجب عليها زكاته، بإخراج ربع العشر وهو (2.5%) سواء أخرجت ذلك من نفس الذهب، أو من قيمته بعد بيعه، أو من مالها الآخر. وحيث إنك لا تملكين المال لدفع الزكاة، فيلزمك إخراج الزكاة من الذهب نفسه، أو تبيعين بعضه وتخرجين الزكاة. وإن تبرع أحدٌ (الوالد أو الأخ أو الزوج أو غيرهم) بإخراج الزكاة عنك جاز ذلك وكان مأجورا مثابا. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " والزكاة على مالكة الحلي، وإذا أداها زوجها أو غيره عنها بإذنها فلا بأس، ولا يجب إخراج الزكاة منه، بل يجزئ إخراجها من قيمته، كلما حال عليها الحول، حسب قيمة الذهب والفضة في السوق عند تمام الحول " انتهى من "فتاوى إسلامية" (2/85) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: هل في الذهب المعد للزينة زكاة؟ وإن كانت المرأة لا تجد إلا أن تبيع بعضه لكي تؤدي الزكاة؟ فأجاب: " الصحيح من أقوال العلماء والراجح عندي أن الزكاة واجبة في الحلي إذا بلغ النصاب وهو خمسة وثمانون جراماً، فإذا بلغ هذا وجبت زكاته، فإن كان لديها مال فأدت منه فلا بأس، وإن أدى عنها زوجها أو أحد من أقاربها فلا بأس، فإن لم يكن هذا ولا هذا فإنها تبيع منه بقدر الزكاة وتخرج الزكاة. قد يقول بعض الناس: لو عملنا بهذا لانتهى حليُّها ولم يبق عندها شيء. فنقول: هذا غير صحيح، لأنه إذا نقص عن النصاب ولو شيئاً يسيراً لم تجب الزكاة فيه، وحينئذ لابد أن يكون عندها شيء تتحلى به " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/138) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50273 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2434 حكم زكاة الدَّيْن وهل تُخرج من غير المال؟ [السُّؤَالُ] ـ[استدان مني أخي خمسة آلآف ريال، واستدانت مني أختي خمسمائة ريال، وأنا أخرج الزكاة دائما في رمضان، فهل أخرج الزكاة عن الدين؟ وهل يجوز أن أضعها في إفطار صائم أو في مبنى الوقف الخيري لمكتب الدعوة والإرشاد؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: قال علماء اللجنة الدائمة: إذا كان المَدين معسراً أو كان مليئاً لكنه مماطل ولا يمكن الدائن استخلاص دينه منه، إما لكونه لايجد لديه من الإثبات ما يستخلص به حقه لدى الحاكم، أو لديه الإثبات لكن لا يجد مِن ولي الأمر ما يساعده على تخليص حقه، كما في بعض الدول التي لا نصرة فيها للحقوق: فلا تجب الزكاة على الدائن حتى يقبض دينه ويستقبل به حولا. وأما إذا كان المدين مليئاً ويمكن استخلاص الدين منه: فالزكاة واجبة على الدائن كلما حال الحول، وكان الدين نصاباً بنفسه أو بضمه إلى غيره من النقود ونحوها. " فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (9 / 191) . ثانياً: ومن وجبت الزكاة في ماله فلا يجوز له صرفها إلا في مصارفها الشرعية، وقد سبق بيانها في جواب على السؤال رقم (6977) ، فلا يجوز وضع زكاة المال في إفطار الصائم ولا في مبنى الوقف الخيري، لأن ذلك ليس من مصارف الزكاة الثمانية التي حددها الله سبحانه وتعالى. وقد سبق في عدة أجوبة عدم جواز دفع الزكاة في بناء المساجد والمدارس وكذلك في طباعة المصحف، فانظرها في (13734) و (21797) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50014 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2435 ما حكم إعطاء السائق غير المسلم طعاما في نهار رمضان؟ [السُّؤَالُ] ـ[عندنا سائق أجنبي غير مسلم هل نعطيه طعاماً أثناء النهار في رمضان؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يرجع حكم المسألة هذه ومثيلاتها إلى حكم مخاطبة الكافر بفروع الشرع، والصحيح أنه مخاطب بها، وهو قول الجمهور، ولذا فلا يجوز تمكينه من الطعام في نهار رمضان ولا إعانته عليه. وإذا استمر الكافر على كفره ومات عليه: فإنه يعاقب على كفره وعلى جميع أحكام الشريعة التي ترك العمل بها , وقد دل على ذلك قوله تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ. إِلا أَصْحَابَ الْيَمِينِ. فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ. عَنِ الْمُجْرِمِينَ. مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ. قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ. وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ. وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ. وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ. حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ) المدثر/38 – 47. وجاء في " الموسوعة الفقهية " (4 / 263) : " الكافر في حال كفره هل هو مخاطب بفروع الشريعة ومكلف بها أم لا؟ قال النووي: المختار أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة المأمور بها , والمنهي عنها , ليزداد عذابهم في الآخرة " انتهى. وقال ولي الدين العراقي: " والمذهب الصحيح الذي عليه المحققون والأكثرون أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة فيحرم عليهم الحرير كما يحرم على المسلمين " انتهى. " طرح التثريب " (3 / 227) . وجاء في " الموسوعة الفقهية " (9 / 211، 212) تحت عنوان: بيع ما يقصد به فعل محرم: " ذهب الجمهور إلى أن كل ما يقصد به الحرام , وكل تصرف يفضي إلى معصية: فهو محرم , فيمتنع بيع كل شيء علم أن المشتري قصد به أمراً لا يجوز .... ومن أمثلته عند الشافعية: بيع مخدر لمن يظن أنه يتعاطاه على وجه محرم , وخشب لمن يتخذه آلة لهو , وثوب حرير لرجل يلبسه بلا نحو ضرورة. وكذا بيع سلاح لنحو باغ وقاطع طريق. . . . . ودابة لمن يحملها فوق طاقتها. كما نص الشرواني وابن قاسم العبادي على منع بيع المسلم طعاماً للكافر إذا علم أو ظن أنه يأكله نهاراً في رمضان , كما أفتى به الرملي , قال: لأن ذلك إعانة على المعصية , بناء على أن الراجح أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49694 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2436 زكاة النخيل الموجودة في البيوت [السُّؤَالُ] ـ[كثير من البيوت يوجد بها نخيل، وفيه ثمر قد يصل إلى حد النصاب وقد يتعداه، فهل تجب فيها الزكاة؟ وإن كان يهدى منها ويؤكل فهل يجزئ ذلك عن الزكاة أم لا؟ وما مقدار الزكاة إن وجدت؟ وما مقدار النصاب؟ وإذا كانت فسائلها تباع فهل فيها زكاة؟ وإذا كان النخيل يغرس بقصد بيع الفسائل (الفراخة) فهل فيها زكاة؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله النخيل التي في البيوت تجب الزكاة في ثمرها إذا بلغت نصابا لقول الله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض "، وهذه مما أخرج الله لنا من الأرض فتجب فيها الزكاة سواء كانت تهدى بعد خرفها أو تؤكل أو تباع. وإذا لم تبلغ النصاب فلا زكاة فيها لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة " والوسق الواحد ستون صاعا بصاع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ومقدار صاع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كيلوان اثنان وأربعون غراما فيكون النصاب ستمائة واثني عشر كيلو (612) ، والمعتبر في هذا الوزن بالبر (القمح) الجيد؛ فتزن من البر الجيد ما يبلغ كيلوين اثنين وأربعين غراما ثم تضعه في مكيال يكون بقدره من غير زيادة ولا نقص فهذا هو الصاع النبوي يقاس به كيلا ما سوى البر. ومن المعلوم أن الأشياء المكيلة تختلف في الوزن خفة وثقلا، فإذا كانت ثقيلة فلا بد من زيادة الوزن حسب الثقل. ومقدار الزكاة نصف العشر لأنها تسقى بالماء المستخرج من الآبار أو من البحر لكن بمؤونة إخراج وتحلية وتصفية وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا العشر، وفيما سقى بالنضح نصف العشر " رواه البخاري. وليس في الفسائل زكاة ولكن إذا بيعت بالدراهم وحال على ثمنها الحول وجبت زكاته. وليس في النخيل التي تغرس لبيع الفسائل زكاة، كما أن النخيل التي تغرس لقصد بيع ثمرتها ليس فيها زكاة، وما بيع من ثمر النخل التي في البيوت تخرج زكاته من قيمته، وما أكل رطبا تخرج زكاته رطبا من النوع المتوسط إذا كان كثيرا في النخل، وما بقي حتى يتمر تخرج زكاته تمرا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله. مجلة الدعوة العدد 1752 ص 37. الحديث: 11051 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2437 ورثت عن أمها إسورة ذهب لم تكن تؤدي زكاتها [السُّؤَالُ] ـ[ورثت عن والدتي إسورة، ولا أعتقد أن والدتي قد أدت زكاتها طيلة عمرها، وقد بدأت الآن في طلب العلم، وأحتاج المال لشراء كتب وطباعة بحوث، مع العلم بأن زوجي يقوم بالإنفاق علينا من مأكل ومشرب وملبس، ولكنه يعتبر هذه الأمور ثانوية فلا يمدني بالمال اللازم لذلك. فهل يجوز لي أن أقوم ببيع هذه الإسورة وأصرف منها على طلب العلم، مع أخذ العهد على نفسي إن رزقني الله مالا أن أقوم بدفع مبلغ لأداء الزكاة عنها، أو عليّ بيعها وأدفع زكاتها، وهل يحق لي أن أصرف منها على أشياء أخرى غير طلب العلم، أو فقط أجعل مالها وقفا لطلب العلم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا تجب الزكاة في الذهب إلا إذا بلغ نصاباً، وهو 85 جراماً. فإذا كانت هذه الإسورة قد بلغت النصاب، أو كان عند والدتك ذهب آخر إذا انضم إلى الإسورة بلغ نصاباً ففيها الزكاة. فإن لم يبلغ النصاب فلا زكاة فيها. ثانياً: اختلف العلماء في وجوب الزكاة في الذهب المعد للاستعمال (الحلي) . وسبق في جواب السؤال رقم (19901) أن الراجح هو وجوب الزكاة فيه. فإذا كانت والدتك لم تخرج الزكاة عن هذه الإسورة طيلة عمرها لأنها سألت من أفتاها بعدم وجوب الزكاة، أو لم تعلم وجوب الزكاة فيها فلا يجب عليك إخراج الزكاة عما مضى من السنين، أما إذا كانت قد علمت بوجوب الزكاة غير أنها تركت إخراجها تفريطاً فيجب عليك إخراج الزكاة من تركتها عن السنوات الماضية، لأنها حق لله تعالى. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين: عن امرأة لم تعلم بوجوب زكاة الحلي إلا قريباً، فهل تخرج زكاة ما مضى من السنوات؟ فأجاب: الذي أرى أنه لا يجب عليها زكاة ما مضى، لأن المعروف في هذه البلاد والمفتى به هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله، والمشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أنه لا زكاة في الحلي المُعَدَّ للاستعمال أو العارّية، وعلى هذا فلا يجب عليها زكاة ما مضى، ولكن يجب عليها الزكاة عن هذا العام الذي علمت فيه أن الزكاة واجبة في الحلي، وعما يستقبل من الأعوام، لأن القول الصحيح الذي تؤيده الأدلة أن الزكاة واجبة في الحلي، وإن كان مستعملاً. والله الموفق. مجموع فتاوى ابن عثيمين (18/142) وسئل أيضاً: عن امرأة امتلكت حلياً منذ أربع سنوات، فهل تخرج زكاتها عن هذه السنين الماضية أم لا؟ فأجاب: " الراجح من أقوال أهل العلم وجوب الزكاة في الحلي إذا بلغ النصاب. . . . أما سؤالها: هل يجب عليها أن تُخرج زكاة ما مضى من السنوات؟ فجوابه: إن كانت تعتقد وجوب الزكاة منذ أربع سنوات وجب عليها أن تخرج الزكاة لهذه السنوات الأربع، لأن تأخيرها الإخراج يعتبر تفريطاً منها، فعليها التوبة إلى الله وإخراج زكاة ما مضى، وإن كانت لا تعتقد وجوب الزكاة إما لأنها لم تعلم أو لأنها ترددت لاختلاف العلماء في ذلك ثم بدا لها أن الزكاة واجبة فإنه يجب عليها الزكاة من السنة التي اعتقدت وجوب زكاة الحلي فيها " اهـ. فتاوى ابن عثيمين (18/146) ثالثاً: في الحال التي لا يجب عليك إخراج الزكاة عن هذه الإسورة، فإنها ستكون ملكاً لك تتصرفين فيها كيفما شئت، فلك أن تبيعيها وتنفقي منها على طلب العلم وغيره. وفي الحال التي يجب عليك إخراج الزكاة فيها، فإن الواجب إخراجها على الفور ولا يجوز تأخيرها. فإما أن تخرجي الزكاة من غير هذه الإسورة إن كانت عندك أموال أخرى، وإما أن تبيعيها، وتخرجي الزكاة منها، وباقي ثمنها يكون ملكاً لك تنفقين منه حيث شئت. رابعاً: كان الواجب عليكم المبادرة بإخراج الزكاة قبل قسمة التركة، لأن الزكاة تعتبر ديناً، وقد أجمع أهل العلم على أن وفاء الديون يُبدأ به قبل قسمة التركة. راجع السؤال (21271) . وبما أنكم قسمتم التركة قبل إخراج الزكاة فإن الزكاة توزع على جميع الورثة، كلٌّ يجب عليه إخراج جزء منها حسب نصيبه من الميراث، فإن تبرع أحدٌ وأخرجها كلها أجزأ ذلك، وكان محسناً. وخلاصة الجواب: إذا كنت تعلمين أن والدتك لم تُخرج زكاة هذه الإسورة لأنها لا تعلم بوجوب زكاتها، أو قلّدت من قال من العلماء بأن الحليّ لا زكاة فيه، فلا يجب عليك إخراج الزكاة وإذا كنت تعلمين أنها لم تخرج الزكاة تفريطاً مع علمها بوجوبها، فالواجب عليك إخراج الزكاة. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 46955 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2438 هل في العسل زكاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل العسل تجب فيه الزكاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذهب بعض العلماء - منهم الإمام أحمد - إلى أن في العسل زكاة، واستدلوا على ذلك بعدة أدلة منها: 1- ما رواه ابن ماجه (1824) عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ الْعَسَلِ الْعُشْرَ) . وقال الألباني في صحيح ابن ماجه: حسن صحيح. 2- وعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ أَبِي سَيَّارَةَ الْمُتَعِيُّ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي نَحْلا، قَالَ: أَدِّ الْعُشْرَ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، احْمِهَا لِي، فَحَمَاهَا لِي. رواه ابن ماجه (1823) . وحسنه الألباني لغيره في صحيح ابن ماجه. وقال السندي في حاشية ابن ماجه: " فِي الزَّوَائِد: قَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم عَنْ أَبِيهِ: لَمْ يَلْقَ سُلَيْمَان بْن مُوسَى أَبَا سَيَّارَة، وَالْحَدِيث مُرْسَل. وَحَكَى التِّرْمِذِيّ فِي الْعِلَل عَنْ الْبُخَارِيّ عَقِب هَذَا الْحَدِيث أَنَّهُ مُرْسَل، ثُمَّ قَالَ: لَمْ يُدْرِك سُلَيْمَان أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَة " انتهى. 3- وروى أبو داود (1600) عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: جَاءَ هِلَالٌ أَحَدُ بَنِي مُتْعَانَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُشُورِ نَحْلٍ لَهُ، وَكَانَ سَأَلَهُ أَنْ يَحْمِيَ لَهُ وَادِيًا يُقَالُ لَهُ سَلَبَةُ، فَحَمَى لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ الْوَادِي، فَلَمَّا وُلِّيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ سُفْيَانُ بْنُ وَهْبٍ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَكَتَبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنْ أَدَّى إِلَيْكَ مَا كَانَ يُؤَدِّي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عُشُورِ نَحْلِهِ فَاحْمِ لَهُ سَلَبَةَ، وَإِلا فَإِنَّمَا هُوَ ذُبَابُ غَيْثٍ يَأْكُلُهُ مَنْ يَشَاءُ. حسنه الألباني في صحيح أبي داود. وروي ذلك أيضا عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله، إلا أن الأصح عنه أنه لا زكاة فيه. وسئل الإمام أحمد: أنت تذهب إلى أن في العسل زكاة؟ قال: نعم. أذهب إلى أن في العسل زكاة، العشر، قد أخذ عمر منهم الزكاة، قلت: ذلك على أنهم تطوعوا به؟ قال: لا، بل أخذه منهم. انظر: "المغني" (4/183-184) . وذهب جمهور أهل العلم منهم مالك والشافعي إلى أن العسل لا زكاة فيه، وضعفوا الآثار الواردة في إيجاب الزكاة فيه، وما صح منها حملوه على أن ما أداه من العسل (العشر) كان في مقابلة الحمى، كما هو ظاهر الحديث الوارد عن عمر رضي الله عنه. قال الإمام البخاري رحمه الله: " بَاب الْعُشْرِ فِيمَا يُسْقَى مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ وَبِالْمَاءِ الْجَارِي وَلَمْ يَرَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي الْعَسَلِ شَيْئًا ". قال الحافظ في "فتح الباري": " أَخْرَجَ اِبْن أَبِي شَيْبَة وَعَبْد الرَّزَّاق بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إِلَى نَافِع مَوْلَى اِبْن عُمَر قَالَ: بَعَثَنِي عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز عَلَى الْيَمَنِ فَأَرَدْت أَنْ آخُذَ مِنْ الْعَسَلِ الْعُشْر , فَقَالَ مُغِيرَة بْن حَكِيم الصَّنْعَانِيّ: لَيْسَ فِيهِ شَيْء , فَكَتَبْت إِلَى عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز فَقَالَ: صَدَقَ , هُوَ عَدْلُ رِضَا , لَيْسَ فِيهِ شَيْء. وَجَاءَ عَنْ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز مَا يُخَالِفُهُ أَخْرَجَهُ عَبْد الرَّزَّاق. . . وَإِسْنَاده ضَعِيف، وَالأَوَّل أَثْبَت , وَكَأَنَّ الْبُخَارِيَّ أَشَارَ إِلَى تَضْعِيفِ مَا رُوِيَ: (أَنَّ فِي الْعَسَلِ الْعُشْرَ) . وقَالَ الْبُخَارِيّ فِي تَارِيخِهِ: َلا يَصِحُّ فِي زَكَاةِ الْعَسَل شَيْء. وقَالَ التِّرْمِذِيّ: لا يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْء. وقَالَ الشَّافِعِي: حَدِيثُ (أَنَّ فِي الْعَسَلِ الْعُشْرَ) ضَعِيف. وَقَالَ اِبْن الْمُنْذِر: لَيْسَ فِي الْعَسَلِ خَبَر يَثْبُتُ، وَلا إِجْمَاع، فَلا زَكَاةَ فِيهِ , وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ " انتهى باختصار وتصرف. وقول عمر رضي الله عنه: (إِنْ أَدَّى إِلَيْكَ مَا كَانَ يُؤَدِّي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عُشُورِ نَحْلِهِ فَاحْمِ لَهُ سَلَبَةَ) دليل على أن ما أخذه من هلال ليس زكاة، وإنما هو في مقابلة الحمى. وقد ذكر ابن مفلح الحنبلي في كتابه "الفروع" (2/448- 450) الأدلة التي استدل بها من قال بوجوب الزكاة في العسل، وتكلم عليها بما يفيد ضعفها، ثم قال: " ومن تأمل هذا وغيره تبين له ضعف المسألة " انتهى. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل على العسل زكاة؟ فأجاب: " الصحيح أن العسل ليس فيه زكاة، لأن ذلك لم يرد عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وإما ورد عن عمر رضي الله عنه أنه حرس أماكن النحل وأخذ عليهم العشر، وعلى هذا فلا تجب الزكاة في العسل، لكن إن أخرجها الإنسان تطوعاً فهذا خير، وربما يكون ذلك سبباً لنمو نحله وكثرة عسله، أما أنها لازمة يأثم الإنسان بتركها فهذا لا دليل عليه " انتهى. " فتاوى الزكاة" (ص 87) . وسئلت اللجنة الدائمة: هل في العسل المنتج بواسطة النحل زكاة أم لا؟ فأجابت: " ليس في العسل المنتج بواسطة النحل زكاة، وإنما تجب الزكاة في قيمته إذا أعده للبيع وحال عليه الحول، وبلغت قيمته النصاب، وفيه ربع العشر " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/226) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 46315 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2439 على من تكون زكاة الأرض المستأجرة للزراعة؟ [السُّؤَالُ] ـ[رجل يستأجر أرضاً زراعية، هل الزكاة تستحق على المالك أم على المستأجر؟ وإذا كانت على المستأجر فهل الزكاة على المحصول بالكامل أم على المتبقي من المحصول بعد دفع الإيجار؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: مالك الأرض إن زرعها بنفسه: فزكاة ما يخرج منها عليه، وإن منحها وأعارها لغيره ليزرعها: فزكاة ما يخرج منها على الزارع. واختلف أهل العلم في الأرض المستأجرة هل تكون الزكاة على المالك أم على المستأجر الذي يزرعها، فذهب الجمهور إلى وجوبها على المزارع، وذهب الحنفية إلى وجوبها على المالك. قال ابن حزم: ولا زكاة في تمر , ولا بر , ولا شعير: حتى يبلغ ما يصيبه المرء الواحد من الصنف الواحد منها خمسة أوسق ; والوسق ستون صاعا ; والصاع أربعة أمداد بمد النبي صلى الله عليه وسلم. والمد من رطل ونصف إلى رطل وربع على قدر رزانة المد وخفته , وسواء زرعه في أرض له أو في أرض لغيره بغصب أو بمعاملة جائزة , أو غير جائزة , إذا كان النذر غير مغصوب , سواء أرض خراج كانت أو أرض عشر. وهذا قول جمهور الناس , وبه يقول: مالك , والشافعي , وأحمد , وأبو سليمان. وقال أبو حنيفة: يزكى ما قل من ذلك وما كثر , فإن كان في أرض خراج فلا زكاة فيما أصيب فيها , فإن كانت الأرض مستأجرة فالزكاة على رب الأرض لا على الزارع. " المحلى " (4 / 47) . وقد ردَّ الأئمة على قول الحنفية وبيَّنوا أن الزكاة حق الزرع وليس حق الأرض كما يقول الحنفية. قال ابن قدامة المقدسي: ومن استأجر أرضا فزرعها , فالعشر عليه دون مالك الأرض، وبهذا قال مالك , والثوري , وشريك , وابن المبارك , والشافعي , وابن المنذر. وقال أبو حنيفة: هو على مالك الأرض ; لأنه من مؤنتها , فأشبه الخراج. ولنا: أنه واجب في الزرع , فكان على مالكه , كزكاة القيمة فيما إذا أعده للتجارة , وكعشر زرعه في ملكه , ولا يصح قولهم: إنه من مؤنة الأرض؛ لأنه لو كان من مؤنتها لوجب فيها وإن لم تزرع , كالخراج , ولوجب على الذمي كالخراج , ولتقدر بقدر الأرض لا بقدر الزرع , ولوجب صرفه إلى مصارف الفيء دون مصرف الزكاة. " المغني " (2 / 313، 314) . وهو ما رجحه الشيخ ابن عثيمين في " الشرح الممتع " (6 / 88) . ثانياً: وبما أن الزكاة حق الزرع: فعليه أن يخرج زكاة زرعه من كامل المحصول إذا بلغ النصاب، وهو خمسة أوسق، والوسَق: ستون صاعاً، وهو ما يعادل 657 كيلو. وليس للمزكي أن يخصم أجرة الأرض ولو كان بعد بيع الزرع - جهلاً أو خطأً أو تأولاً - قبل أداء الزكاة. والصحيح من أقوال أهل العلم هو عدم خصم أية تكاليف ينفقها المزكي على أرضه. قال ابن حزم: ولا يجوز أن يعد الذي له الزرع أو التمر ما أنفق في حرث أو حصاد , أو جمع , أو درس , أو تزبيل أو جداد أو حفر أو غير ذلك -: فيسقطه من الزكاة وسواء تداين في ذلك أو لم يتداين , أتت النفقة على جميع قيمة الزرع أو الثمر أو لم تأت , وهذا مكان قد اختلف السلف فيه ... – وذكر الخلاف ثم قال: - قال أبو محمد: أوجب رسول الله صلى الله عليه وسلم في التمر والبر والشعير: الزكاة جملة إذا بلغ الصنف منها خمسة أوسق فصاعدا ; ولم يسقط الزكاة عن ذلك بنفقة الزارع وصاحب النخل ; فلا يجوز إسقاط حق أوجبه الله تعالى بغير نص قرآن ولا سنة ثابتة، وهذا قول مالك , والشافعي , وأبي حنيفة , وأصحابنا. " المحلى " (4 / 66) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45623 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2440 هل تحسب الزكاة على الحلي بسعر الذهب الجديد أم المستعمل [السُّؤَالُ] ـ[بالنسبة لزكاة الحلي، هل آخذ الذهب إلى محلات الجواهر وأقدر ثمنه أم أحسبه على حسب سعر الذهب؟ محلات الذهب ستعطيني قيمة أقل للذهب لأنه مستعمل أما أسعار الذهب فهي أعلى.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا بلغ الذهب نصابا، وهو خمسة وثمانون جراما، وحال عليه الحول وجبت زكاته، بإخراج ربع العشر منه، أو من قيمته، والمراد بقيمته: السعر الذي يباع به مستعملا، وقت وجوب الزكاة، وهو غالبا ما يكون أقل من سعر الذهب الجديد. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (وعلى هذا فتقدر المرأة قيمة الذهب الذي عندها، سواء بقدر ما اشترته به، أو أقل، أو أكثر، فتقدر قيمته مستعملا ثم تخرج منها ربع العشر، أي: واحد من أربعين، ففي المائة ريالان ونصف، وفي الألف خمسة وعشرون ريالا وهكذا، وطريقة ذلك أن تقسم قيمته على أربعين، وناتج القسمة هو الزكاة، وبهذا تبرئ ذمتها، ويحصل لها الفكاك من عذاب النار ولا يضرها شيئا) . وسئل رحمه الله تعالى: هل زكاة الحلي تكون بسعر الشراء أم بسعره كل عام وقت إخراج زكاته؟ فأجاب بقوله: (زكاة الحلي تجب كل سنة ولا تكون بسعر الشراء، وإنما تكون بسعره عند تمام الحول، فإذا قدر أن المرأة اشترت ذهبا بعشرة آلاف ريال، ولما دار عليه الحول صار لا يساوي إلا خمسة آلاف ريال، فإنها لا تزكي إلا خمسة آلاف ريال فقط، والعكس بالعكس، فإذا اشترت ذهبا بخمسة آلاف ريال، وصار عند تمام الحول يساوي عشرة آلاف ريال فإنها تزكي عشرة آلاف ريال، لأن ذلك هو وقت الوجوب. والله الموفق) انتهى من مجموع فتاوى الشيخ. مجلد 18 سؤال رقم 18، 58 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 43033 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2441 معها مال لتأثيث منزل الزوجية، فهل فيه الزكاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[مهرني زوجي مبلغاً من المال وأعطاني أبي عند زواجي مبلغا آخر واتفقا عند العقد أن مجموع المالين سيكون لتأثيث منزل الزوجية حسب العرف السائد في بلدي ثم سافرت أنا وزوجي للعمل بالخارج ولم نؤثث منزلنا وتركنا المال في أحد البنوك حتى نعود فنأثث المنزل به وأنا حين أعود في كل سنة إلى بلدي أتخلص من فائدة البنك المحرمة ولكن السؤال أتلزمني زكاة في هذا المال أم لا؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، هذا المال تجب فيه الزكاة كل عام، لأن الزكاة تجب في النقود بشرطين: الأول: أن تبلغ نصاباً. الثاني: أن يمر عليها الحول. فإذا توفر هذان الشرطان وجبت الزكاة في النقود، ومقدارها ربع العشر، أي: اثنان ونصف بالمائة. سئلت اللجنة الدائمة (9/269) : رجل عنده نقود وقد حال عليه الحول، لكنه جمعها لكي يتزوج بها، فهل عليه زكاة؟ فأجابت: " تجب فيها الزكاة لدخولها في عموم الأدلة الدالة على وجوب الزكاة، وكونه يريد أن يتزوج بها غير مسقط لوجوب الزكاة فيها " اهـ. وسئل الشيخ ابن عثيمين عن رجل أبقى معه مبلغا من المال ليشتري به بيتا وحال عليه الحول. فهل عليه زكاة؟ فأجاب: "نعم، فيها زكاة، لأن الدراهم فيها الزكاة مهما كان، حتى لو كان الإنسان أعدها للزواج، أو كان الإنسان أعدها ليشتري بها بيتا، أو يشتري بها نفقة، فما دامت دراهم وحال عليها الحول وهي تبلغ النصاب ففيها الزكاة" اهـ. فتاوى الزكاة (174) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 41805 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2442 لا زكاة في الأحجار الكريمة إلا إذا كانت للتجارة [السُّؤَالُ] ـ[ما مقدار النصاب الواجب على زكاة الأحجار الكريمة مثل الماس حيث إنها ليست ذهباً؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذهب جمهور العلماء إلى أن الأحجار الكريمة لا زكاة فيها إلا إذا كانت للتجارة، ولا زكاة عندهم في غير الذهب والفضة. قال الإمام مالك في "المدونة" (1/341) : لَيْسَ فِي الْجَوْهَرِ وَاللُّؤْلُؤِ وَالْعَنْبَرِ زَكَاةٌ اهـ. وقال الشافعي في "الأم": وَمَا يُحَلَّى النِّسَاءُ بِهِ , أَوْ ادَّخَرْنَهُ , أَوْ ادَّخَرَهُ الرِّجَالُ مِنْ لُؤْلُؤٍ وَزَبَرْجَدٍ وَيَاقُوتٍ وَمَرْجَانَ وَحِلْيَةِ بَحْرٍ وَغَيْرِهِ فَلا زَكَاةَ فِيهِ , وَلا زَكَاةَ إلا فِي ذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ اهـ. وحلية البحر كُلُّ مَا يُسْتَخْرَجُ مِنْهُ. والوَرِق هو الفضة. وقال النووي في "المجموع": لَا زَكَاةَ فِيمَا سِوَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مِنْ الْجَوَاهِرِ كَالْيَاقُوتِ وَالْفَيْرُوزَجِ وَاللُّؤْلُؤِ وَالْمَرْجَانِ وَالزُّمُرُّدِ وَالزَّبَرْجَدِ وَالْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ وَسَائِرِ النُّحَاسِ وَالزُّجَاجِ , وَإِنْ حَسُنَتْ صُنْعُهَا وَكَثُرَتْ قِيمَتُهَا , وَلا زَكَاةَ أَيْضًا فِي الْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ. وَلا خِلافَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا عِنْدَنَا , وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَغَيْرِهِمْ. وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالزُّهْرِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ أَنَّهُمْ قَالُوا: يَجِبُ الْخُمْسُ فِي الْعَنْبَرِ , قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَكَذَلِكَ اللُّؤْلُؤُ , وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: يَجِبُ الْخُمْسُ فِي كُلِّ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَحْرِ سِوَى السَّمَكِ. وَحَكَى الْعَنْبَرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَيْنِ، إحْدَاهُمَا: كَمَذْهَبِ الْجَمَاهِيرِ. وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهُ أَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا إذا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ نِصَابًا حَتَّى فِي الْمِسْكِ وَالسَّمَكِ. وَدَلِيلُنَا: 1- الأَصْلُ أَنْ لا زَكَاةَ إلا فِيمَا ثَبَتَ الشَّرْعُ فِيهِ. 2- وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ فِي الْعَنْبَرِ زَكَاةٌ إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ دَسَرَهُ الْبَحْرُ. أَيْ قَذَفَهُ وَدَفَعَهُ. فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي دَلِيلِ الْمَسْأَلَةِ , وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: (لا زَكَاةَ فِي حَجَرٍ) فَضَعِيفٌ جِدًّا , رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَبَيَّنَ ضَعْفَهُ اهـ. وسئل فضيلة الشيخ ابن باز (14/121) : "تعددت في هذا الوقت أنواع المصوغات كالألماس والبلاتين وغيرهما المعدة للبس وغيره فهل فيها زكاة؟ وإن كانت على شكل أواني للزينة أو للاستعمال؟ أفيدونا أثابكم الله. فأجاب: إن كانت المصوغات من الذهب والفضة ففيها زكاة إذا بلغت النصاب وحال عليها الحول. ولو كانت للبس أو العارية في أصح قولي العلماء، لأحاديث صحيحة وردت في ذلك، أما إن كانت من غير الذهب والفضة كالماس والعقيق ونحو ذلك فلا زكاة فيها، إلا إذا أريد بها التجارة فإنها تكون حينئذ من جملة عروض التجارة فتجب فيها الزكاة كغيرها من عروض التجارة، ولا يجوز اتخاذ الأواني من الذهب والفضة ولو للزينة، لأن اتخاذها للزينة وسيلة إلى استعمالها في الأكل والشرب، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم - يعني الكفار - في الدنيا ولكم في الآخرة) متفق على صحته. وعلى من اتخذها زكاتها مع التوبة إلى الله عز وجل، وعليه أيضا أن يغيرها من الأواني إلى أنواع أخرى لا تشبه الأواني كالحلي ونحوه اهـ. وقال أيضاً (14/124) : المجوهرات من غير الذهب كالماس ليس فيها زكاة إلا أن يراد بها التجارة اهـ. وسئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم اقتناء المجوهرات مثل الألماس؟ وهل تجب فيها الزكاة؟ وهل يعتبر حكم الألماس حكم الذهب والفضة؟ فأجاب فضيلته بقوله: " اقتناء المجوهرات لاستعمالها جائز بشرط ألا يصل إلى حد الإسراف، فإن وصل إلى حد الإسراف كان ممنوعا بمقتضى القاعدة العامة التي تحرم الإسراف، وهو مجاوزة الحد لقول الله تعالى: (وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأنعام/141. وإذا لم يخرج اقتناء هذه المجوهرات من الألماس وغيره إلى حد الإسراف فهي جائزة، لعموم قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً) البقرة/29. وليس فيها زكاة إلا أن تعد للتجارة، فإنها تكون كسائر الأموال التجارية " اهـ. فتاوى الزكاة (ص 97) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 40210 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2443 المستأجرون لا يدفعون له أجرة السكن لفقرهم فكيف يؤدي الزكاة [السُّؤَالُ] ـ[يوجد لدي عقارات مؤجرة في أرض الرباط فلسطين، والمستأجرون لا يدفعون لي الأجرة للسنة الثالثة على التوالي، وذلك لعدم وجود أعمال تكفي قوتهم اليومي بسبب الأوضاع المأساوية الراهنة التي نعيشها من منع تجول، وإغلاقات. . إلخ. كما أنه لدي منزل فارغ غير مؤجر، هل يجب علي دفع زكاة المال عن العقارات مع عدم وجود دخل ثابت منها؟ أم يمكن تأجيل الزكاة لحين تحسن الأوضاع وتحصيل الأجرة من المستأجرين؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نسأل الله تعالى لإخواننا في فلسطين وغيرها أن ينصرهم على عدوهم، وينزل السكينة عليهم، ويمكن لهم في الأرض. وصبراً آهل فلسطين، وصبراً أيها المستضعفون، فإن نصر الله آت لا محالة، (فَإنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ) صحيح الجامع (6806) . ومهما طال الليل فلا بد له من نهاية، ولا بد لضياء الفجر أن يبدد ظلام الليل. ثانيا: العقارات من أراضٍ وبيوت ومحلات وغيرها لا زكاة فيها إلا إذا كانت للتجارة، بمعنى أنه اشتراها ليتاجر فيها ببيعها وتحصيل الربح. فالعقارات التي يؤجرها صاحبها لا زكاة فيها، وإنما الزكاة في الأجرة إذا بلغت نصابا وحال عليها الحول. والنصاب هو ما يعادل 85 جم من الذهب أو 595 جم من الفضة. انظر السؤال (2795) . فإذا بلغت الأجرة التي لك عند المستأجرين قيمة نصاب الفضة أو الذهب وحال عليها الحول من حين بلوغها نصاباً فقد اختلف أهل العلم في وجوب الزكاة في الدَّيْن على مُعْسِرٍ، على أقوال: الأول: أنه لا تجب فيه الزكاة. وهو قول قتادة وإسحاق وأبي ثور وابن حزم ورواية عن أحمد، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، لأنه غير مقدور على الانتفاع به. انظر: "المحلى" (4/221) ، "الإنصاف" (3/18) ، "الاختيارات" (ص 98) . الثاني: يزكيه إذا قبضه لما مضى من السنين. وهو قول الثوري وأبي عبيد ومذهب الشافعية والحنابلة. واحتجوا بقول علي رضي الله عنه في الدين المظنون، قال: إن كان صادقاً فليزكه إذا قبضه لما مضى. رواه عبد الرزاق في "المصنف" (7116) . انظر: "المجموع" (6/16) ، "المغني" (2/345) "الإنصاف" (3/22) . الثالث: يزكيه إذا قبضه لعام واحد. وهو قول عمر بن عبد العزيز والحسن والليث والأوزاعي وهو مذهب مالك، كما في الموطأ (1/253) حيث قال: " الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا في الدين أن صاحبه لا يزكيه حتى يقبضه، وإن أقام عند الذي هو عليه سنين ذوات عدد، ثم قبضه صاحبه لم تجب عليه إلا زكاة واحدة " وانظر: "الكافي" لابن عبد البر (1/93) . وهذا القول الثالث هو الذي عليه فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء (9/190) حيث جاء فيها: " وإن كان (يعني الدين) على غير مليء فيزكيه إذا قبضه لسنة واحدة، وإن مضى عليه أكثر من سنة، وهذا رواية عن الإمام أحمد، وهو قول مالك، وأفتى به الشيخ عبد الرحمن بن حسن وقال: وهو اختيار الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله " انتهى. ورجحه كذلك الشيخ ابن عثيمين، فقال: " فإن كان الدين على معسر فإن الصحيح أن الزكاة لا تجب فيه؛ لأن صاحبه لا يملك المطالبة به شرعاً، فإن الله تعالى يقول: (وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى? مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) فهو حقيقة عاجز شرعاً عن ماله، فلا تجب عليه الزكاة فيه، لكن إذا قبضه فإنه يزكيه سنة واحدة فقط، وإن بقي في ذمة المدين عشر سنوات؛ لأن قبضه إياه يشبه تحصيل ما خرج من الأرض يزكى عند الحصول عليه، وقال بعض أهل العلم: لا يزكيه لما مضى، وإنما يبتدىء به حولاً من جديد، وما ذكرناه أحوط، وأبرأ للذمة أنه يزكيه عن سنة واحدة لما مضى، ثم يستأنف به حوله، والأمر في هذا سهل، وليس من الصعب على الإنسان أن يؤدي ربع العشر من دَيْنه الذي قبضه بعد أن يأس منه، فهذا من شكر نعمة الله عليه بتحصيله " انتهى. "مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (18/28) . وخلاصة الجواب: أن هذه العقارات التي عندك لا زكاة فيها، سواء التي تؤجرها أو التي هي فارغة، وإنما الزكاة في الأجرة إذا بلغت نصابا وحال عليها الحول، وهذا الأجرة التي لك عند المستأجرين إذا بلغت نصاباً فإنك تزكيها إذا قبضتها لسنة واحدة فقط، وإن مَرَّ عليها عدة سنوات. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38577 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2444 لا زكاة في الأرض إذا لم يقصد بها التجارة [السُّؤَالُ] ـ[رجل يملك قطعة أرض ولا ينوي الآن بيعها وهي تقع في مدينة تجارية وينوي أن يبني عليها بيتا في المستقبل لكي يستثمره فهل تجب فيها الزكاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه الأرض لا زكاة فيها، لأن الأرض لا تجب فيها الزكاة إلا إذا قصد صاحبها بها التجارة. ثم إذا بنيتها واستثمرتها فعليك الزكاة في المال الذي تحصل عليه إذا بلغ النصاب وحال عليه الحول. سئل الشيخ ابن عثيمين: هل على الأرض المعدة للسكن في المستقبل زكاة؟ فأجاب: لا زكاة فيها إذا أعدها للبناء، أو للاستغلال إلا على الأجرة إذا حال عليها الحول اهـ. وقال أيضاً: الأرض التي اشتريتها لتكون سكناً لك أو لتكون للإيجار فلا زكاة فيها ولو بقيت عدة سنوات، لأن الأرض التي فيها الزكاة هي ما أعدها الإنسان للبيع للاتجار والتكسب، وأما ما أعده الإنسان لحاجته أو لاستغلاله فلا زكاة فيه كما هو شأن جميع عروض التجارة، وعلى هذا فلا زكاة عليك في هذه الأرض، والله الموفق اهـ فتاوى منار الإسلام (1/298، 299) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 34802 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2445 ساهم في أرض تجارية فكيف يزكي؟ [السُّؤَالُ] ـ[لقد ساهمت بمبلغ من المال في أراضي، ومن المتوقع أن المدة سوف تطول في المساهمة. كيف تكون الزكاة إذا حال عليها الحول؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تجب الزكاة في السلع المعدة للتجارة (الأراضي وغيرها) ، إذا حال عليها الحول منذ أن أعدها للبيع، ويكون حساب زكاتها بأن تقدَّر قيمتها عند تمام الحوْل ويخرج من قيمتها ربع العشر زكاة عنها. قال علماء اللجنة الدائمة: تجب الزكاة في الأراضي المعدة للبيع والشراء؛ لأنها من عروض التجارة، فهي داخلة في عموم أدلة وجوب الزكاة من الكتاب والسنَّة، ومن ذلك قوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} ، وما رواه أبو داود بإسناد حسن عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نُخرج الصدقة مما نعده للبيع "، وبذلك قال جمهور أهل العلم، وهو الحق. " فتاوى اللجنة الدائمة " (9 / 331) . ولا فرق بين أن تكون الأرض ملكاً تامّاً للمزكِّي وبين أن تكون مشتركة مشاعاً كما في المساهمات. وقال علماء اللجنة الدائمة – أيضاً -: سئلت اللجنة الدائمة عن زكاة الأراضي المملوكة بطريق المساهمة، هل حكمها حكم عروض التجارة أو العقارات الثابتة؟ . فأجابت: إذا تملك الشخص العقار بنية التجارة سواء كان العقار مشتركاً مشاعاً أو مملوكاً له بكامله فإن حكمه حكم عروض التجارة، تجب الزكاة في قيمته إذا بلغت نصاباً وحال على تملكه الحول، وطريقة معرفة القيمة تقويمه عند تمام الحول بمعرفة أهل النظر في ذلك، والله أعلم. " فتاوى اللجنة الدائمة " (9 / 326) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 32678 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2446 اشترى أرضاً بغرض التجارة فكيف يزكيها؟ [السُّؤَالُ] ـ[اشتريت أرضاً بقيمة 115 ألف ريال بقصد التجارة وحال عليها الحول، هل يجب فيها الزكاة؟ وكم نصاب الزكاة بالريال السعودي إذا كان يجب فيها الزكاة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله امتلاك الأرض بقصد التجارة يوجب عليها زكاة في كل عام، فتقدر قيمة الأرض في نهاية الحول، وتخرج الزكاة على هذه القيمة، وقدر الزكاة الواجبة فيها هو ريع العشر أي 2.5 بالمائة، فتصرف في مصارف الزكاة التي بينها الله تعالى في قوله: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة /60. وينبغي التنبه إلى أن عروض التجارة إذا اشتريت بذهب، أو فضة، أو نقود (ريالا أو دولارات أو غيرها من العملات) أو عروض أخرى؛ فإن حول العروض هو حول المال الذي اشتريت به، وعلى هذا، فلا يبدأ حولاً جديداً للعروض من حين امتلاكها، بل يكمل على حول المال الذي اشتريت به. مثال ذلك: لو أن رجلاً امتلك ألف ريال في رمضان، فإنه يبدأ في حساب الحول، ثم في شعبان من السنة الثانية (أي قبل نهاية الحول بشهر) اشترى بهذه الألف عروضاً للتجارة، فإنه يزكي هذه العروض في رمضان، أي بعد امتلاكها بشهر واحد فقط، وذلك لأن حول العروض يبنى على حول الأثمان التي اشتريت بها. انظر: "الشرح الممتع" (6/149) للشيخ ابن عثيمين رحمه الله. وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/331) : "تجب الزكاة في الأراضي المعدة للبيع والشراء؛ لأنها من عروض التجارة، فهي داخلة في عموم أدلة وجوب الزكاة من الكتاب والسنَّة، ومن ذلك قوله تعالى: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) ، وما رواه أبو داود بإسناد حسن عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نُخرج الصدقة مما نعده للبيع. وبذلك قال جمهور أهل العلم، وهو الحق" اهـ. وسئلت اللجنة الدائمة: الأراضي المشتراة للتجارة كيف يجب أن يتم احتسابها عند احتساب الزكاة بثمن الشراء أو بما تسوى من أقيام وقت حلول حول الزكاة؟ فأجابت: " الأراضي المشتراة للتجارة هي من جملة عروض التجارة، والقاعدة العامة في الشريعة الإسلامية أن عروض التجارة تقوم عند تمام الحول بالثمن الذي تساويه، بصرف النظر عن الثمن الذي اشتريت به، سواء كان زائداً عن الثمن الذي تساويه وقت وجوب الزكاة أو أقل، وتخرج زكاتها من قيمتها، ومقدار الواجب فيها من الزكاة ربع العشر، ففي أرض قيمتها ألف ريال – مثلاً - خمسة وعشرون ريالاً وهكذا" اهـ. "فتاوى اللجنة الدائمة" (9 / 324، 325) . وأما نصاب الزكاة، فقد سبق في السؤال رقم (42072) أن نصاب الزكاة من الذهب هو عشرون ديناراً أي: 85 جراماً من الذهب. ونصاب الفضة مائتا درهم أي، أو: 595 جراماً من الفضة. ونصاب النقود (الريال السعودي أو غيره من العملات) ما بلغ قيمة نصاب الذهب أو الفضة. وحيث إن الفضة الآن أقل ثمناً من الذهب، فنصاب النقود الآن هو ما بلغ قيمة 595 جراماً من الفضة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 32715 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2447 عندها ذهب جعلته وديعة عند والدتها، فهل تزكيه أم لا؟ [السُّؤَالُ] ـ[لدي سواران ذهب وزنهم 85 غراماً تركتهما أمانة لدى والدتي، لأن قوانين بلدي لا تسمح لي بإخراج الذهب وكنت أرتديهم دائما. وأنا الآن في بلد آخر. فهل أدفع زكاة عنهما؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سبق في السؤال (19901) بيان فتوى اللجنة الدائمة في زكاة الحلي المعد للاستعمال، وذكروا أن أرجح قولي أهل العلم هو القول بأن الحلي المعد للاستعمال فيه الزكاة، ويلاحظ أن كون الذهب معدا للاستعمال يجعل فيه الزكاة، ولا يلزم منه أن يكون الذهب مستعملا دائما. وعلى هذا فكون الذهب كان وديعة عند والدتك لا يخرجه عن كونه معداً للاستعمال، وهو ملكٌ لكِ ففيه الزكاة لبلوغه النصاب، إذ إن نصاب الذهب هو 85 غراماً. راجع السؤال رقم (2795) ، (64) . وعلى هذا فهذا الذهب فيه الزكاة تخرجينها كل عام، ومقدارها 2.5 بالمائة من قيمته. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 31014 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2448 هل في المنحة الدراسية زكاة [السُّؤَالُ] ـ[أنا طالب أندنوسي أدرس في اليابان وأحصل على منحة دراسية من الدولة، فهل علي زكاة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الزكاة تجب في أربعة أصناف: الخارج من الأرض من الحبوب والثمار، والسائمة من بهيمة الأنعام، والذهب والفضة (وما يقوم مقامها من العملات الورقية اليوم) وفيها ربع العشر، وعروض التجارة. وحيث أن المال الذي لديك هو مرتب من العملة الورقية يُدفع إليك منحة من الحكومة اليابانية، فإنّ الأسهل بالنسبة لك في إخراج الزكاة في هذه الحال: أن تنظر بعد مرور سنة هجرية في الرصيد الذي لديك وتُخرج في كل 1000 خمسة وعشرين، فإن كنت تنفقه أولا بأول ولا يبقى لديك منه شيء يبلغ النّصاب ويحول عليه الحول فلا زكاة عليك في هذه الحال. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 1119 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2449 راتبه لا يكفيه ولا يكفي أولاده، فهل له أن يأخذ من مال الصدقة؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا موظف ولي راتب شهري وراتبي لا يسد احتياجاتي واحتياجات أبنائي ولدي صديق يقوم بالتصدق من ماله الشخصي أو من راتبه ويمنحه لي ولأولادي ويشتري لنا بعض الأغراض ويسد احتياجاتنا بارك الله فيه. هل هذا حرام أم حلال؟ وهل يجوز أن آخذ منه المال أو يصرف علينا من ماله؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان صديقك يعطيك من زكاة ماله المفروضة، وراتبك لا يكفي احتياجاتك واحتياجاتك من تعوله: فلا حرج عليك في أن تأخذ منه ما يكمل كفايتك وكفاية من تعوله. قال ابن قدامة رحمه الله: " وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ (يعني عن الإمام أحمد) أَنَّ الْغِنَى مَا تَحْصُلُ بِهِ الْكِفَايَةُ , فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا حَرُمَتْ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ , وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ شَيْئًا , وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا حَلَّتْ لَهُ الصَّدَقَةُ , وَإِنْ مَلَكَ نِصَابًا , وَالْأَثْمَانُ وَغَيْرُهَا فِي هَذَا سَوَاءٌ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ , لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِقَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ (لَا تَحِلُّ الْمَسْأَلَةُ إلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ: رَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُولَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ: قَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ , فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ , أَوْ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ. فَمَدَّ إبَاحَةَ الْمَسْأَلَةِ إلَى وُجُودِ إصَابَةِ الْقِوَامِ أَوْ السِّدَادِ , وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ هِيَ الْفَقْرُ , وَالْغِنَى ضِدُّهَا , فَمَنْ كَانَ مُحْتَاجًا فَهُوَ فَقِيرٌ يَدْخُلُ فِي عُمُومِ النَّصِّ , وَمَنْ اسْتَغْنَى دَخَلَ فِي عُمُومِ النُّصُوصِ الْمُحَرِّمَةِ " انتهى. "المغني" (2/277) . وقال علماء اللجنة: " إذا كان راتبك ودخلك لا يكفيك وعائلتك في الأشياء الضرورية فلا مانع من أخذك من الزكاة بقدر ما يكمل الكفاية " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (10 / 23) وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " إذا كان الراتب لا يكفيك لقضاء حاجاتك وحاجات أهلك المعتادة التي ليس فيها إسراف ولا تبذير حلت لك الزكاة، وإلا فلا " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (14 / 266-267) وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " الفقير الذي يستحق من الزكاة هو الذي لا يجد كفايته وكفاية عائلته لمدة سنة، ويختلف بحسب الزمان والمكان، فربما ألف ريال في زمن، أو مكان تعتبر غنى، وفي زمن أو مكان آخر لا تعتبر غنى لغلاء المعيشة ونحو ذلك " انتهى. "مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (13 / 1573) . وينظر: "لقاء الباب المفتوح"، للشيخ ابن عثيمين رحمه الله (148 / 7) . وأما إذا كان صديقك يعطيك من راتبه على أنها من صدقة التطوع: فالأمر فيها أوسع من الزكاة المفروضة، والرخصة فيها أعم. قال النووي رحمه الله: " تحل صدقة التطوع للأغنياء بلا خلاف، فيجوز دفعها إليهم، ويثاب دافعها عليها , ولكن المحتاج أفضل. قال أصحابنا: ويستحب للغني التنزه عنها , ويكره التعرض لأخذها. قال صاحب البيان: ولا يحل للغني أخذ صدقة التطوع مظهرا للفاقة. وهذا الذي قاله صحيح " انتهى. "المجموع" (6/236) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " صدقة التطوع أوسع من الزكاة المفروضة؛ لأن الزكاة المفروضة لا تحل إلا للأصناف الثمانية الذين عينهم الله في قوله (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ٌ) أما صدقة التطوع فهي أوسع، فيجوز للإنسان أن يتصدق على شخص يحتاج إليها وإن لم يكن فقيراً، ويجوز أن يتصدق على طلبة العلم وإن كانوا أغنياء، تشجيعاً لهم على طلب العلم، ويجوز أن يتصدق على غنيٍّ من أجل المودة والألفة. فهي أوسع، ولكن كلما كانت أنفع فهي أفضل " انتهى. "فتاوى نور على الدرب" (213 / 6) راجع إجابة السؤال رقم: (82673) (67926) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 141088 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2450 إعطاء الزكاة للمدين ولمن يريد الزواج مع كونه موظفا براتب جيد [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز إعطاء زكاة الأموال لشخص عليه دين وهو موظف؟ هل يجوز إعطاء زكاة الأموال لأخي غير المتزوج والموظف حديثا وراتبه 8000 ريال بغرض الزواج وليس له دخل إلا راتبه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يجوز إعطاء الزكاة لمن عليه دين يعجز عن سداده ولو كان موظفا؛ لأنه من الغارمين، وهم أحد مصارف الزكاة الثمانية الواردة في قوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة/60. فإن كان لديه ما يسدد به دينه لم يجز دفع الزكاة إليه. ثانياً: يجوز دفع الزكاة لمن يريد أن يتزوج إذا كان لا يجد نفقات الزواج العرفية التي لا إسراف فيها؛ لدخوله في صنف الفقراء. قال الشيخ ابن عثيمين: " لو وجدنا شخصاً يستطيع أن يكتسب للأكل والشرب، والسكنى لكنه يحتاج إلى الزواج وليس عنده ما يتزوج به، فهل يجوز أن نزوجه من الزكاة؟ الجواب: نعم، يجوز أن نزوجه من الزكاة ويعطى المهر كاملاً، فإن قيل: ما وجه كون تزويج الفقير من الزكاة جائزاً ولو كان الذي يعطى إياه كثيراً؟ قلنا: لأن حاجة الإنسان إلى الزواج ملحة قد تكون في بعض الأحيان كحاجته إلى الأكل والشرب، ولذلك قال أهل العلم: إنه يجب على من تلزمه نفقة شخص أن يزوجه إن كان ماله يتسع لذلك فيجب على الأب أن يزوج ابنه إذا احتاج الابن للزواج، ولم يكن عنده ما يتزوج به، لكن سمعت أن بعض الآباء الذين نسوا حالهم حال الشباب إذا طلب ابنه منه الزواج قال له: تزوج من عرق جبينك. وهذا غير جائز وحرام عليه إذا كان قادراً على تزويجه، وسوف يخاصمه ابنه يوم القيامة إذا لم يزوجه مع قدرته على تزويجه " انتهى من "فتاوى أركان الإسلام" ص 440. وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: هل يجوز صرف الزكاة لشاب يريد الزواج من أجل إعفاف فرجه؟ فأجابت: "يجوز ذلك إذا كان لا يجد نفقات الزواج العرفية التي لا إسراف بها " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (10/17) . وينظر جواب السؤال رقم (21975) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 133007 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2451 يعملون في جمعية خيرية ويشاركونها في أموالها بنسبة من الأرباح [السُّؤَالُ] ـ[أرجو منكم إفادتي بما يأتي: فريق من الإخوة قاموا بجمع التبرعات من الناس لجمعية معينة، وخيراتها، وتكون إدارة الجلسات، وإعدادها، وإخراج الإعلانات، والمالية، كلها من قبَل ذلك الفريق - كبيع مقاعد للمحاضرات الدينية مثلا -، وسيكون توزيع الربح من الأموال المجموعة كالتالي: 50 % من الربح لإدارة الجلسات، و 30 % منه للفريق، و 20 % للجمعية، وإذا تمكن الفريق من بيع المقاعد، أو الكراسي المبينة أعلاه: فستكون 50 % من التبرعات تعطى للجمعية، أو الفريق، على حسب عدد المقاعد، أو الكراسي المباعة! هل هذا التعامل جائز شرعاً لأن التبرعات التي تجمع من الحضور أو المشترين من أجل خيرات الجمعية؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: من أجلّ الطاعات وأنفعها للعبد: الاشتغال بالدعوة، والتعليم، ونشر للخير بين الناس، كما قال الله تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) فصلت/ 33. قال ابن كثير رحمه الله: وهذه عامة في كل من دعا إلى خير، وهو في نفسه مهتدٍ. " تفسير ابن كثير " (7 / 179) . فإقامة هذه الجمعيات وسيلة من الوسائل التي تحقق مقاصد الشريعة الإسلامية، من رعاية الفقراء، والمحتاجين، ودعوة، وتعليم، وتحفيظ لكتاب الله، وما شابه ذلك. وحتى يتم الأجر والثواب على أكمل وجه - بإذن الله - لا بد أن يكون العمل خالصاً لله، كما قال الله تعالى: (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيماً) النساء/ 114. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في تفسير الآية: ينبغي للعبد أن يقصد وجه الله تعالى، ويخلص العمل لله في كل وقت , وفي كل جزء من أجزاء الخير؛ ليحصل له بذلك الأجر العظيم، وليتعود الإخلاص، فيكون من المخلِصين، وليتم له الأجر. "تفسير السعدي" (ص 202) . ومما يعين على الإخلاص، ويصحح النية: أن تكون الأعمال الخيرية ليست مقصداً لربح مادي، أو معنوي، للقائمين عليه، بل تكون الغاية - أولاً، وأخيراً - الأجر، والثواب من الله. ولعل نجاح كثير من الأعمال الخيرية القائمة الآن، سببه: البعد عن المقصد المادي، والربح الدنيوي، ولعل - كذلك - من أسباب فشل كثير من المشاريع الخيرية: دخول حظ النفس الدنيوي , والذي يترتب عليه فشل المشروع , بل والشحناء، والبغضاء بين القائمين عليه. ثانياً: القائمون على هذه الجمعيات هم أمناء على ما يجمعونه من تبرعات وأموال لهذه الجمعيات، فلا يجوز لهم التصرف في هذه الأموال إلا فيما حدده المتبرع بهذا المال، فإذا جعله في الصدقة على الفقراء أو تعليم العلم وجب إنفاقه فيما حدده. وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: رجل فقير يأخذ الزكاة من صاحبه الغني بحجة أنه سيوزعها، ثم يأخذها هو، فما الحكم في هذا العمل؟ فأجاب: "هذا محرَّم عليه، وهو خلاف الأمانة؛ لأن صاحبه يعطيه على أنه وكيل، يدفعه لغيره، وهو يأخذه لنفسه، وقد ذكر أهل العلم: أن الوكيل لا يجوز أن يتصرف فيما وُكِّل فيه لنفسه، وعلى هذا: فإن الواجب على هذا الشخص أن يبيِّن لصاحبه: أن ما كان يأخذه من قبْل كان يصرفه لنفسه، فإن أجازه: فذاك، وإن لم يُجزْه: فإن عليه الضمان - أي: يضمن ما أخذ لنفسه - ليؤدي به الزكاة عن صاحبه" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ العثيمين" (18/202) . وانظر جواب السؤال رقم: (49899) . وعلى هذا؛ فلا يجوز للقائمين على هذه الجمعية أن يستفيدوا مما يدفعه الناس من صدقات، وزكوات وتبرعات للجمعية لتحقيق نفع وربح مادي خاصٍّ بهم، ثم إنهم قد بالغوا في نسبة المشاركة حتى جعلوا حصتهم 80 % فكيف يكون هذا مباحاً؟ والأموال التي بين أيديهم هي من تبرعات الناس للجمعية الخيرية، لا لهم. فالواجب على القائمين على هذه الجمعية أن ينفقوا أموال المتبرعين فيما حدده المتبرعون. والنصيحة لهم: أن يتعففوا عن هذا المال , وأن يقتصر أخذهم على الحد الأدنى من الحاجات الضرورية من مصاريف لإنجاح هذا العمل الخيري , وأن يُجعل الربح الحاصل في أعمال ومشاريع الجمعية الخيرية. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 132774 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2452 هل يجوز فك أسرى المسلمين من مال الزكاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز فك أسرى المسلمين من مال الزكاة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، يجوز فك الأسير من مال الزكاة، فإذا أُسر المسلم في أيدي الكفار، ولم يتركوا سبيله، إلا بمال جاز فداؤه من مال الزكاة؛ لدخوله في قوله تعالى في مصارف الزكاة: (وَفِي الرِّقَابِ) . جاء في "الموسوعة الفقهية" في مصارف الزكاة (23/321) : " أن يفتدي بالزكاة أسيراً مسلماً من أيدي المشركين , وقد صرح الحنابلة وابن حبيب وابن عبد الحكم من المالكية بجواز هذا النوع ; لأنه فك رقبة من الأسر , فيدخل في الآية، بل هو أولى من فك رقبة مَنْ بأيدينا" انتهى. وجاء في فتاوى "اللجنة الدائمة" (10/6) : "والمراد بقوله تعالى: (وَفِي الرِّقَابِ) عتق المسلم من مال الزكاة، عبداً كان أو أمة، ومن ذلك: فك الأسارى ومساعدة المكاتبين" انتهى. وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: "ويدخل في قوله: (وَفِي الرِّقَابِ) على الصحيح أيضاً: عتاق الأسرى، أسرى المسلمين بين الكفار، يدفع من الزكاة للكفار الفدية حتى يطلقوا المسلمين وحتى يفكوا أسراهم " انتهى من "مجموع الفتاوى" (14/15) . وقال ابن قدامة في "الكافي": "ويجوز أن يفك منها أسيراً مسلماً؛ لأنه فك رقبة من الأسر". قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "هذا صحيح؛ لأنه داخل في الرقاب، وهذا ما يعرف في لغة العصر بالرهائن، يكون رهائن من المسلمين عند الأعداء ويقول الأعداء: لا نفكهم لكم إلا بشيء من المال فيعطون من الزكاة لفك هذه الرهائن فلا بأس" انتهى من "شرح الكافي". والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130549 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2453 حكم دفع الزكاة لشخص عليه دية قتل [السُّؤَالُ] ـ[شخص قتل آخر وحكم عليه بالدية، فهل يجوز إعطاؤه من الزكاة لسداد الدية أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إذا كان القتل خطأً وجبت الدية على عاقلة القاتل، فإن عجزت العاقلة تحملها عن القاتل بيت مال المسلمين، فإن لم يمكن أخذها من بيت مال المسلمين رجعت على القاتل. وإن كان القتل عمداً، فلا تتحملها العاقلة بل هي على الجاني ابتداءً، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (135380) و (52809) . فإذا تقرر أن الدية على القاتل، فإن كان فقيراً عاجزاً عن دفع الدية، فلا مانع من إعطائه من الزكاة باعتباره من الغارمين، فيدخل في قوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة/60. وجاء في "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم" رحمه الله: "أما الديون التي على الأحياء فمن كان موسوراً ألزم بالوفاء، ومن كان معسراً فنظرة إلى ميسرة؛ لقوله تعالى: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ) . لكن إذا كان الدَّيْن قد تحمله المدين غرامة لإصلاح ذات البين، أو لإصلاح نفسه في مباح كنفقته ونفقة عياله استحق أن يدفع له من الزكاة ما يفي به؛ لأنه من الغارمين الذين هم أحد أصناف مصارف الزكاة .... أما الدية التي يُحكم بها على الجاني نفسه، فحكمها حكم الدين على الحي [يعني: يجوز أن يُعطى من الزكاة إذا لم يكن قادراً على أدائها] " انتهى. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه لله: هل يجوز أن يُعطى من الزكاة من عليه دية؟ فأجاب: "إن كانت الدية عليه وهو فقير فنعم، وإن كان غنيّاً فلا، وإن كانت على عاقلته وهم فقراء فنعم، وإن كانوا أغنياء فلا " انتهى من "مجموع الفتاوى" (18/357) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130491 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2454 لا زكاة في المال المتبرع به لبناء مسجد [السُّؤَالُ] ـ[تبرع أهل الحي بمال لبناء مسجد، ولم نستطع البناء لأسباب، وقد مضى عليه حول كامل، فهل يجب إخراج الزكاة من هذا المال؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المال الموقوف على جهة عامة كالمساجد أو الفقراء ليس فيه زكاة، لأنه ليس له مالك معين. قال النووي رحمه الله في "المجموع" (5/311) : " إذا كانت الماشية موقوفة على جهة عامة كالفقراء أو المساجد أو الغزاة أو اليتامى وشبه ذلك، فلا زكاة فيها؛ لأنه ليس لها مالك معين.." انتهى. وقال أيضاً: " ثمار البستان وغلة الأرض الموقوفين , إن كانت على جهة عامة، كالمساجد والقناطر والمدارس والفقراء والمجاهدين والغرباء واليتامى والأرامل وغير ذلك , فلا زكاة فيها ... وإن كانت موقوفة على إنسان معين أو جماعة معينين , أو على أولاد زيد مثلا وجب العشر [أي: الزكاة] بلا خلاف ; لأنهم يملكون الثمار والغلة ملكاً تاماً , ويتصرفون فيه جميع أنواع التصرف " انتهى من "المجموع" (5/483) . وفي "الفروع" (2/336) : " ولا زكاة في وقف على غير معين أو على المساجد والمدارس والربط ونحوها " انتهى وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: لدي مبلغ من المال من أهل الخير لبناء مسجد، وبقي عندي أكثر من سنة، فهل عليه زكاة أم لا؟ فأجاب: "ليس عليه زكاة مطلقاً؛ لأن أهله قد أنفقوه في سبيل الله، وعليك المبادرة بالتنفيذ" انتهى من "مجموع الفتاوى" (14/37) فالمال المجموع لبناء مسجد لا زكاة فيه. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130229 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2455 لا حرج في دفع الزكاة للوالد المدين ليقضي دينه [السُّؤَالُ] ـ[أنا رجل متزوج وعندي مال أزكيه كل سنة، فهل لي أن أعطي والدي زكاة مالي ليقضي به دينه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: أولاً: الأصل أنه لا يجوز صرف الزكاة للأصول، وهم الأب والأم والأجداد والجدات. وكذا لا يجوز صرفها للفروع وهم: الأبناء والبنات وأولادهم ; وذلك لأن نفقتهم واجبة , فيستغنوا بها عن أخذ الزكاة. قال ابن قدامة: "ولا يعطى من الصدقة المفروضة للوالدين , وإن علوا , ولا للولد , وإن سفل قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الزكاة لا يجوز دفعها إلى الوالدين , في الحال التي يجبر الدافع إليهم على النفقة عليهم , ولأن دفع زكاته إليهم تغنيهم عن نفقته , وتسقطها عنه , ويعود نفعها إليه , فكأنه دفعها إلى نفسه , فلم تجز.." انتهى من المغني (2/269) بتصرف يسير. وهذا إذا كان يعطيهم الزكاة ليسقط بذلك واجباً عن نفسه وهو النفقة عليهم، أما قضاء دين الوالدين فغير واجب على الولد، فلا حرج أن يعطيهما زكاته لقضاء الدين. جاء في "الموسوعة الفقهية" (23/177) : "وقيد المالكية والشافعية وابن تيمية من الحنابلة الإعطاء الممنوع بسهم الفقراء والمساكين , أما لو أعطى والده أو ولده من سهم العاملين أو المكاتبين أو الغارمين أو الغزاة فلا بأس. وقالوا أيضاً: إن كان لا يلزمه نفقته جاز إعطاؤه" انتهى. وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: هل يصح لي إخراج زكاة المال إلى إخواني وأخواتي القاصرين الذين تقوم على تربيتهم والدتي بعد وفاة والدنا رحمه الله؟ وهل يصح دفع هذه الزكاة إلى إخواني غير القاصرين، ولكني أشعر أنهم محتاجون إليها ربما أكثر من غيرهم من الناس، أدفع لهم هذه الزكاة؟ فأجاب: "إن دفع الزكاة إلى الأقارب الذين هم من أهلها أفضل من دفعها إلى من هم ليسوا من قرابتك؛ لأن الصدقة على القريب صدقة وصلة إلا إذا كان هؤلاء الأقارب ممن تلزمك نفقتهم. وأعطيتهم من الزكاة ما تحمي به مالك من الإنفاق فإن هذا لا يجوز، فإذا قدر أن هؤلاء الإخوة الذين ذكرت والأخوات فقراء، وأن مالك لا يتسع للإنفاق عليهم؛ فلا حرج عليك أن تعطيهم من زكاتك. وكذلك لو كان هؤلاء الإخوة والأخوات عليهم ديون للناس وقضيت دينهم من زكاتك، فإنه لا حرج عليك في هذا أيضاً؛ وذلك لأن الديون لا يلزم القريب أن يقضيها عن قريبه، فيكون قضاؤها من زكاته أمراً مجزياً حتى ولو كان ابنك أو أباك وعليه دين لأحد ولا يستطيع وفاءه، فإنه يجوز لك أن تقضيه من زكاتك، أي يجوز أن تقضي دين أبيك من زكاتك، ويجوز أن تقضي دين ولدك من زكاتك بشرط أن لا يكون سبب هذا الدين تحصيل نفقة واجبة عليك، فإن كان سببه تحصيل نفقة واجبة عليك، فإنه لا يحل لك أن تقضي الدين من زكاتك؛ لئلا يتخذ ذلك حيلة على منع الإنفاق على من تجب نفقتهم عليه لأجل أن يستدين ثم يقضي ديونهم من زكاته " انتهى من "مجموع الفتاوى" (14/311) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم دفع الإنسان زكاته إلى أصله وفرعه؟ فأجاب: "دفع الزكاة إلى أصله وفرعه أعني آباءه وأمهاته وإن علوا، وأبناءه وبناته وإن نزلوا إن كان لإسقاط واجب عليه لم تجزئه، كما لو دفعها ليسقط عنه النفقة الواجبة لهم عليه إذا استغنوا بالزكاة، أما إن كان في غير إسقاط واجب عليه، فإنها تجزئه، كما لو قضى بها ديناً عن أبيه الحي، أو كان له أولاد ابن وماله لا يحتمل الإنفاق عليهم وعلى زوجته وأولاده، فإنه يعطي أولاد ابنه من زكاته حينئذ؛ لأن نفقتهم لا تجب عليه في هذه الحال، وبذل الزكاة للأصول والفروع في الحال التي تجزئ أولى من بذلها لغيرهم؛ لأن ذلك صدقة وصلة " انتهى من "مجموع الفتاوى" (18/415) . والحاصل: يجوز للولد دفع زكاة ماله لوالده وكذا العكس، إذا كان عليه دين لا يقدر على سداده. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130207 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2456 هل يجوز للزوج أن يعطي زكاته لزوجته لأن عليها ديوناً؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للزوج أن يقضي الدين عن زوجته من مال الزكاة، علماً بأن الزوجة قد استدانته قبل الزواج؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: نعم، لا حرج في ذلك، لأنه لا يجب عليه قضاء دينها، والممنوع هو أن يعطي الرجل زكاته لامرأته ليسقط بذلك عن نفسه نفقة واجبة عليها. قال ابن المنذر رحمه الله: "أجمع أهل العلم على أن الرجل لا يعطي زوجته من الزكاة ; وذلك لأن نفقتها واجبة عليه , فتستغني بها عن أخذ الزكاة , فلم يجز دفعها إليها , كما لو دفعها إليها على سبيل الإنفاق عليها" انتهى من "المغني" (2/270) . وقال عليش رحمه الله في " منح الجليل شرح مختصر خليل ": " وأما إعطاء الزوج زوجته زكاته فيمنع اتفاقاً , ومحل المنع فيهما [أي: إعطاء كل واحد من الزوجين الزكاة للآخر] : إن لم يكن إعطاء أحدهما الآخر ليدفعه في دَيْنه أو ينفقه على غيره، وإلا جاز اتفاقاً " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "لو أن الشخص قضى دين والده من زكاته وكان والده لا يستطيع الوفاء فإن ذلك جائز، ولو دفع الزوج زكاته في قضاء دين زوجته وهي لا تقدر على الوفاء فإنه لا بأس بذلك، لأنه يصدق عليهم أنهم من الغارمين " انتهى من "فتاوى نور على الدرب". والحاصل: أنه يجوز للزوج أن يعطي زكاته لزوجته لقضاء دينها. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130171 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2457 احتاج إلى زكاته لإجراء عملية جراحية [السُّؤَالُ] ـ[عندي مبلغ من المال (40) ألف ريال، وقد حال عليه الحول، ولم أقم بإخراج الزكاة منه لأنني قمت بإجراء عملية كلفت أكثر من (60) ألف ريال، فهل علي إثم في هذه الحال وهل يجب علي إخراج الزكاة بعد ذلك أم أن الزكاة تسقط لعدم وجود المال؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: أولاً: الأصل وجوب إخراج الزكاة على الفور، إذا كمل النصاب وحال عليه الحول. قال النووي رحمه الله: "يجب إخراج الزكاة على الفور، إذا وجبت، وتمكن من إخراجها، ولم يجز تأخيرها , وبه قال مالك وأحمد وجمهور العلماء نقله العبدري عن أكثرهم؛ لقوله تعالى: (وَآتُوا الزَّكَاةَ) والأمر على الفور.." انتهى من "المجموع" (5/308) . ثانياً: لا إثم عليك في هذه الحال من عدم إخراجك للزكاة؛ لحاجتك إلى المال، وقد أجاز العلماء رحمهم تأخير الزكاة في مثل هذه الحال. وقال المرداوي في الإنصاف (3/187) : "يجوز له التأخير أيضاً لحاجته إلى زكاته، إذا كان فقيراً محتاجاً إليها تختل كفايته ومعيشته بإخراجها , نص عليه , ويؤخذ منه ذلك عند ميسرته" انتهى. وقال البهوتي في "كشاف القناع" (2/255) : " لا يجوز تأخير إخراج زكاة المال عن وقت وجوبها , مع إمكانه، فيجب إخراجها على الفور .... إلا أن يخاف من وجبت عليه الزكاة ضرراً فيجوز له تأخيرها نص عليه؛ لحديث: (لا ضرر ولا ضرار) ... أو كان المالك فقيراً محتاجاً إلى زكاته تختل كفايته ومعيشته بإخراجها. نص عليه [يعني: الإمام أحمد] ، وتؤخذ منه عند يساره؛ لزوال العارض" انتهى. فعلى هذا، لا حرج عليك في تأخير الزكاة، غير أنها لا تسقط عنك، بل تبقى دَيْناً في ذمتك، فمتى تيسر لك إخراجها، ورزقك الله مالاً، فعليك المبادرة بإخراجها. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128684 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2458 هل يأخذ الموظفون بجمعية خيرية من سهم العاملين عليها في الزكاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[السؤال: في جمعية الجبيل النسائية تصل زكاة أموال، لإيصالها إلى مستحقيها، حسب الأصناف الثمانية الواردة في كتاب الله. ولكن قد يصيب المكتب عجزٌ مادي، فهل يجوز أن تُعطى الموظفات القائمات على الأمور المالية والمحاسبة، أو العاملات عموماً من هذه الزكوات، وهل يدخلون في باب العاملين عليها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله (العاملين عليها) في قوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ) التوبة/60. هم الذين يتولون جمعها وإحصاءها وتوزيعها على مستحقيها، بتكليف ولي الأمر، ويدخل في ذلك الكتبة والمحاسبون ونحوهم. أما من عداهم ممن يقوم بجمعها وتوزيعها، فهؤلاء وكلاء عن أصحابها، وليسوا داخلين في العاملين عليها. قال النووي رحمه الله في "المجموع" (6/165) : "قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رحمهم الله: إنْ كَانَ مُفَرِّقُ الزَّكَاةِ هُوَ الْمَالِكُ أَوْ وَكِيلُهُ سَقَطَ نَصِيبُ الْعَامِلِ، وَوَجَبَ صَرْفُهَا إلَى الْأَصْنَافِ السَّبْعَةِ الْبَاقِينَ إنْ وُجِدُوا , وَإِلَّا فَالْمَوْجُودُ مِنْهُمْ" انتهى. وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: "العاملون عليها هم العمال الذين يوكلهم ولي الأمر في جبايتها والسفر إلى البلدان والمياه التي عليها أهل الأموال حتى يجبوها منهم، فهم جباتها وحفاظها والقائمون عليها، يُعطوْن منها بقدر عملهم وتعبهم على ما يراه ولي الأمر" انتهى باختصار يسير. "مجموع فتاوى ابن باز" (14/14) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " (وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا) هم الذين أقامهم الإمام أي ولي الأمر لقبض الزكاة وتفريقها فيهم، وهم عاملون عليها، أي: لهم ولاية عليها. وأما الوكيل الخاص لصاحب المال الذي يقول له: يا فلان خذ زكاتي ووزعها على الفقراء فليس من العاملين عليها؛ لأن هذا وكيل، فهو عامل فيها، وليس عاملاً عليها" انتهى. "فتاوى نور على الدرب" (206/29) . وسئل الشيخ رحمه الله: والعاملين في الجمعية هل يعطون من أموال الزكاة؟ فأجاب: العاملين إذا كانوا منصوبين من قبل الدولة. فقال السائل: لكن من الجمعية محاسب راتبه ما يكفيه؟ فقال الشيخ: لا يمكن إلا من جهة الدولة؛ لأن العاملين عليها هم العاملون من قبل الدولة، من قبل ولي الأمر، ولهذا جاء حرف الجر "عليها"، ولم يقل "فيها"، إشارة إلى أنه لابد أن تكون لهم ولاية، ولا ولاية لهم إلا إذا أنابهم ولي الأمر منابه" انتهى. "لقاء الباب المفتوح" (141/13) . فإذا تطوعت إحدى الجمعيات، ونصبت بعض أفرادها لهذا العمل، فهؤلاء العمال إما أن يتطوعوا بالعمل محتسبين، أو تكون أرزاقهم من هذه الجمعية التي ينتسبون إليها، من أموالها، أو مما يصلها من أموال التبرعات العامة وصدقات التطوع ونحوه، ولا يأخذون شيئا من أموال الزكاة على أنهم من العاملين عليها. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: نرجو من فضيلتكم الإجابة على هذه الأسئلة المتعلقة بالأعمال والشؤون المالية في صندوق إقراض الراغبين في الزواج، يرد إلى الصندوق بعض الزكوات العامة وغير المخصصة، هل يجوز الصرف من هذه الأموال رواتب للموظفين العاملين في الصندوق والمصاريف النثرية الهامة التي تتعلق بسير العمل واستمراره؟ فأجاب: "لا أرى أن يصرف من الزكاة للعاملين في ذلك؛ لأنهم ليسوا من العاملين عليها، وأما من الصدقات والتبرعات التي ليست بزكاة فلا بأس" انتهى. "مجموع الفتاوى" (13/1577) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128635 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2459 تفطير الصائمين من مال الزكاة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لي أن أجمع الفقراء والمساكين وأفطرهم في رمضان من مال الزكاة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: لا يجوز ذلك، لأن الواجب من إخراج الزكاة للفقير والمسكين، هو تمليك الزكاة لهما، فيعطون المال، ويتصرفون فيه حسب ما يرون الأصلح لهما، ويدل على ذلك قول الله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة/60. "فالأربعة الأول ـ الفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة ـ كان التعبير باللام الدالة على التمليك (لِلْفُقَرَاءِ ... ) ، فلابد أن تملكهم، أي: تعطيهم الزكاة وتتركهم يفعلون ما شاءوا" انتهى من " لقاء الباب المفتوح " لابن عثيمين رحمه الله. وقال المرداوي الحنبلي في "الإنصاف" (3/234) : " يشترط في إخراج الزكاة تمليك المعطى , فلا يجوز أن يغدي الفقراء أو يعشيهم.." انتهى. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128601 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2460 الفرق بين الزكاة والضرائب [السُّؤَالُ] ـ[ما الفرق بين الزكاة وما يسمى بضرائب الدخل؟ وهل يجب دفع هذه الضرائب؟ وماذا لو لم تصرفها الدولة في الحقوق العامة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الزكاة هي أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام، وتأتي مرتبتها في الإسلام بعد الشهادتين والصلاة. وقد ثبت وجوبها بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين. أما الضرائب التي تقررها الدولة وتفرضها على الناس، فهي من حيث الجملة: التزامات مالية تفرضها الدولة على الأشخاص والمؤسسات بهدف تمويل نفقات الدولة، كالنفقات على التعليم والصحة والطرق ... إلخ. وهذه الضرائب التي تفرضها الدولة، الأصل في حكمها: أنها حرام ومن كبائر الذنوب. وانظر جواب السؤال رقم (39461) . ولا يجوز فرضها إلا في حال الضرورة، وهي خلو بيت المال من المال مع وجود الحاجات الماسة، التي لا يمكن تمويلها إلا بفرض الضرائب، ويكون فرض الضرائب هنا حالة استثنائية، ويراعى فيها العدل بين الناس بقدر الإمكان، ولا يجوز أن يكون ذلك أمرا دائما مستمرا. جاء في الموسوعة الفقهية (8/247) : "الضَّرَائِبُ الْمُوَظَّفَةُ عَلَى الرَّعِيَّةِ لِمَصْلَحَتِهِمْ , سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ لِلْجِهَادِ أَمْ لِغَيْرِهِ , وَلَا تُضْرَبُ عَلَيْهِمْ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ مَا يَكْفِي لِذَلِكَ , وَكَانَ لِضَرُورَةٍ , وَإِلَّا كَانَتْ مَوْرِدًا غَيْرَ شَرْعِيٍّ ". قال في "كشاف القناع" (3/139) : "وَيَحْرُمُ تَعْشِيرُ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ , وَالْكُلَفُ الَّتِي ضَرَبَهَا الْمُلُوكُ عَلَى النَّاسِ بِغَيْرِ طَرِيقٍ شَرْعِيٍّ إجْمَاعًا" انتهى. وتعشير الأموال هو أخذ عشرها، وكانوا يأخذون على التجار عشر أموالهم، وهو ما يسمى الآن بـ "الجمارك". والكلف هي الضرائب. وإذا لم يستطع المسلم التخلص من هذا الظلم، فإنه يدفع ما أكره عليه من الضرائب، ثم يوم القيامة سيحكم الله بين عباده بالعدل. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " كل شيء يؤخذ بلا حق فهو من الضرائب، وهو محرم، ولا يحل للإنسان أن يأخذ مال أخيه بغير حق، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا بعت من أخيك ثمراً فأصابته جائحة، فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئاً، بم تأكل مال أخيك بغير حق؟) ولكن على المسلم السمع والطاعة، وأن يسمع لولاة الأمور. ولا يجوز أن نتخذ من مثل هذه الأمور وسيلة إلى القدح في ولاة الأمور وسبهم في المجالس وما أشبه ذلك، ولنصبر، وما لا ندركه من الدنيا ندركه في الآخرة " انتهى ملخصا. "لقاء الباب المفتوح" (65/12) . تنبيه: لا يجوز حساب الضرائب من الزكاة. وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: هل يجزئ الرجل عن زكاته ما يغرمه لولاة الأمور في الطرقات أم لا؟ فأجاب: "ما يأخذه ولاة الأمور بغير اسم الزكاة لا يعتد به من الزكاة، والله أعلم" انتهى. "مجموع الفتاوى" (30/343) . وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: " لا يجوز أن تحتسب الضرائب التي يدفعها أصحاب الأموال على أموالهم من زكاة ما تجب فيه الزكاة منها، بل يجب أن يخرج الزكاة المفروضة ويصرفها في مصارفها الشرعية، التي نص عليها سبحانه وتعالى بقوله: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ) الآية " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/285) . ولمزيد الفائدة انظر السؤال رقم: (2447) ، (25758) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128564 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2461 هل يجوز أن أعطي الزكاة لمن لم أعلم أنه غير مستحق؟ [السُّؤَالُ] ـ[يأتي بعض الناس في رمضان ويسألون عن الزكاة ويدَّعون أنهم فقراء محتاجون، فهل يجوز لي أن أعطيهم من الزكاة مع عدم علمي بحالهم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: من ادعى أنه فقير جاز أن يُعطى من الزكاة، ما لم يظهر عليه أنه غني، أو قوي يستطيع العمل والاكتساب، فلا يُعطى في هذه الحالة حتى يقيم دليلا على أنه مستحق للزكاة. قال النووي رحمه الله: " وإن لم يُعرف له مال وادعى الفقر أو المسكنة قُبل قوله، ولا يطالب ببينة بلا خلاف ; لأن الأصل في الإنسان الفقر " انتهى من "المجموع" (6/176) . وقال البهوتي في "كشاف القناع" (2/286) : " وإن ادعى الفقر من لم يعرف بالغنى قبل قوله ; لأن الأصل استصحاب الحال , والظاهر صدقه " انتهى. وقال في "الشرح الكبير": "وصدقا [الفقير والمسكين] في دعواهما الفقر والمسكنة، إلا لريبة تكذبهما؛ بأن يكون ظاهرهما يخالف دعواهما، فلا يصدقان إلا ببينة" انتهى من "حاشية الدسوقي" (1/493) . وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هناك من يدعون أنهم فقراء، فهل يجوز إعطاؤهم من الزكاة حسب ادعائهم بالفقر؟ فأجابوا: "إذا غلب على الظن أن السائل للزكاة من أهلها الذين ذكرهم الله في قوله سبحانه: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا ... ) الآية، لقرائن تدل على صدقه أعطي منها. وإلا فلا. لكن إذا ادعى السائل الفقر وأنت لا تعلم حاله فلا بأس بإعطائه من الزكاة إلا أن يكون قوياً؛ فقل له كما قال صلى الله عليه وسلم لمن سألاه الزكاة وقد رآهما جلدين: (إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب) " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (10/12) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128307 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2462 إعطاء الزكاة لجمعية الأطفال المتخلى عنهم [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز إعطاء زكاة المال لجمعية الأطفال المتخلى عنهم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز دفع الزكاة للأطفال المسلمين المتخلى عنهم إذا كانوا فقراء لا عائل لهم، ويجوز دفعها للجمعية التي تقوم على توفير حاجاتهم من المطعم والملبس والمسكن. جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/463) : " نفيد سماحتكم بأن دار رعاية الأطفال المعوقين بالرياض هي المشروع الأول الذي أقامته جمعية رعاية الأطفال المعوقين الخيرية بالرياض، وهي جمعية خيرية أهلية لها شخصية اعتبارية مستقلة تعتمد في دخلها المادي على التبرعات والهبات الخيرية التي تردها من الأهالي والشركات والمؤسسات. وتقوم هذه الجمعية بعلاج ورعاية وتأهيل الأطفال المعوقين من سن الولادة وحتى 12سنة وتصرف لهم المأكل والمشرب والمسكن واللباس اللازم أثناء إقامتهم في الدار التابعة للجمعية وذلك مجانا وبدون مقابل، مع العلم أن الغالبية العظمى من هؤلاء الأطفال من أسر فقيرة ومحدودة الدخل ومستحقة للصدقة. ومن هنا فإن لنا سؤالا يتلخص فيما يلي: هل يحق للجمعية الاستفادة من أموال الزكاة وصرفها في علاج ورعاية وتأهيل هذه الفئة من الأطفال المعوقين والفقراء والمحتاجين للرعاية والعناية؟ نأمل التكرم بالإطلاع والإفادة وجزاكم الله خير الجزاء. الجواب: لا مانع من الاستفادة من أموال الزكاة فيما يتعلق بالمعوقين الفقراء " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127023 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2463 دفع المال إلى فقير بنية الرجوع على أهل الزكاة [السُّؤَالُ] ـ[أهل البيت "الورثة" يحاولون طرد الأسرة المستأجرة بجميع الوسائل وبدون أي خوف من غضب الله عليهم, يشتمونهم ويقذفهم بالكبيرة علانية والناس تسمع, يضربوهم وتتدخل الشرطة في كل مرة ثم المحكمة - الأسرة المستأجرة متضررة وفي أزمة من شدة الذل والفقر - الأسرة المتضررة لها مكان عبارة عن مخزن تحت عمارة حاليا غير صالح للسكن أبدا , يريدون تعديله والسكن فيه. سؤالي: هل يجوز لي قرض الأسرة بحيث تعدل هذا المخزن كسكن نظيف الذي سيكلف تقريبا 25 ألف ريال , ثم استرجع مالي من مال الزكاة أو الصدقات؟ يعني أساعدهم ماليا وبِنيَّت أن أقضي الدين أنا لنفسي من مال الصدقات أو الزكاة من عند أهلي ومعارفي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز لك إقراض هذه الأسرة ما تحتاج إليه من مال لإصلاح مسكنها، ثم أخذ ذلك من الزكاة لكونك دائنة لهم، ولكونهم غارمين، ومعلوم أن الغارم من الأصناف المستحقة للزكاة، ولا يشترط دفع الزكاة إليهم، بل يجوز أن يدفع المال إلى الدائن مباشرة. هذا إذا جرى بينك وبينهم إقراض صريح. وكذلك إذا أعطيتهم المال لأجل الإصلاح بيتهم وقطع الخصومة ونويت الرجوع على أهل الزكاة. ورَجَّح الشيخ ابن عثيمين رحمه الله وجها ثالثا، وهو أنه يجوز دفع المال للمستحق – ولو لم توجد خصومة- بنية الزكاة عن شخص من الأغنياء، فإن رضي الغني وأجازه، حسب ذلك من زكاته. فهذه ثلاثة أوجه جائزة في مسألتك: الإقراض الصريح، وإعطاؤهم لإصلاح ذات البين بنية الرجوع على أهل الزكاة، وإعطاؤهم زكاة فلان من الناس ممن تعلمين أن لديه زكاة، ثم إخباره واستجازته. قال في "كشاف القناع" (2/283) : "وإن دفع المالك زكاةً إلى الغريم [الدائن] عن دين الغارم بلا إذن الفقير الغارم صح وبرئ لأنه دفع الزكاة في قضاء دين المدين , أشبه ما لو دفعها إليه فقضى بها دينه " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " «إصلاح ذات البين» أن يكون بين جماعة وأخرى عداوة وفتنة فيأتي آخر ويصلح بينهم، لكن قد لا يتمكن من الإصلاح إلا ببذل المال، فيقول: أنا ألتزم لكل واحدة منكم بعشرة آلاف ريال بشرط الصلح، ويوافقون على ذلك، فيُعطى هذا الرجل من الزكاة ما يدفعه في هذا الإصلاح، فيعطى عشرين ألفاً. وإذا وَفَّى من ماله فإنه لا يُعطى؛ لأنه إذا وفَّى من ماله لا يكون غارماً، فليس عليه دَيْن الآن. ولكن ينبغي التفصيل فيقال: يُعْطَى من الزكاة في حالين: 1 ـ إذا لم يوف من ماله؛ فهنا ذمته مشغولة، فلا بد أن نفكه. 2 ـ إذا وَفَّى من ماله بنية الرجوع على أهل الزكاة؛ لأجل ألا نسدَّ باب الإصلاح، وقد قال الله تعالى: (لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ) النساء/114؛ ولأن الحال قد تقتضي الدفع فوراً " انتهى من "الشرح الممتع" (6/233) . وقال أيضا: " قال العلماء: وهكذا كل من أدى عن غيره دَيْناً واجباً، فإنه يرجع إن نوى الرجوع، ولو بغير إذنه، إلا إذا كان الدَّيْن مما تشترط فيه نية المدين، فإنه لا يرجع إلا بإذن، مثل الزكاة والكفارة؛ لأن الذي عليه الزكاة لم ينوِ ولم يوكل. مثاله: جاء رجل وقال: أنا سأذهب إلى المجاهدين أعطوني دراهم من الزكاة، وكنت أعلم أن صاحبي عنده زكاة كثيرة، فأعطيت هذا الرجل ثلاثين ألفاً على أنها زكاة صاحبي فهل أرجع؟ لا؛ لأن الزكاة تجب فيها النية، وهنا الذي عليه الزكاة لم ينو، وأما الثلاثون ألفاً فلا تذهب، بل عند الله وفيها أجر وتكون صدقة للذي بذلها. فلو أنني أخبرته، وقلت: إنني دفعت عنك زكاة، فقال: جزاك الله خيراً، وأنا مجيز لك هذا التصرف، فالمذهب لا يجزئ؛ لعدم وجود النية حين الدفع، والصحيح جواز ذلك، والدليل على ذلك حديث أبي هررة رضي الله عنه في قصة حفظه التمر، وهو وكيل للرسول صلّى الله عليه وسلّم على صدقة الفطر يحفظها، فجاءه الشيطان ليلة من الليالي وأخذ من التمر فأمسكه أبو هريرة، فقال الشيطان: إنه فقير وله عائلة، فَرَقَّ له أبو هريرة وتركه، وهكذا الليلة الثانية، والليلة الثالثة قال: لا بد أن تذهب إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم فخاف من الرسول صلّى الله عليه وسلّم وقال: أخبرك بآية تقرؤها، فإن قرأتها في ليلة لم يزل عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح، فأعلمه بآية الكرسي، فلما أصبح قال له الرسول صلّى الله عليه وسلّم: ما فعل أسيرك البارحة؟ وقال: إنه صدقك وهو كذوب، فقال: أتدري من تخاطب منذ ثلاثة أيام؟ فقال: لا، فقال: ذلك شيطان. فأبو هريرة رضي الله عنه حين دفع من الزكاة لم يدفع بإذن الرسول، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام أجازه. فالصحيح أن الإنسان لو دفع عن غيره زكاة وأجازه الغير، فإن الصحيح جواز ذلك " انتهى من "الشرح الممتع" (9/199) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126579 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2464 مغترب للدراسة ولا ينفق عليه والده فهل يأخذ من الضمان الاجتماعي [السُّؤَالُ] ـ[أنا شاب عمري 22 سنة طالب جامعي مغترب عن أهلي ولا أستطيع الالتحاق بعمل إضافي بسبب الدراسة، والدي مرتبه جيد إلا أنه بخيل جداً استطاع الحصول على ضمان (مبلغ مالي) يصرف لي بحجة اضطراب القولون وضعف البصر الذين يعاني منه كثير من الناس. وبهذا المبلغ والدي ليس مسؤلاً عن مصاريفي، دخلت موقع وزارة الشؤون الاجتماعية ورأيت الشروط ولم أجد شيئاً مخالفاً إلا أنه يشترط الفحص الطبي فقط، ولم يذكر اشتراط الحضور أم لا، هل يجوز أخذ هذا الضمان أم لا؟ على الرغم من عدم حضوري لأي موعد أو مراجعة من أجل صرف الضمان، واستحلفت والدي بأن يبعدني عن هذا المال إن كان فيه حرمة فأجابني: أليست الأمراض المذكورة فيك؟ قلت: نعم فأجابني: إذاً ليست بحرام. ووالدي يهددني بأنه لن يصرف علي إن حاولت إيقاف الضمان بحجة اشتباه الأمر. والحقيقة أني رأيت في نفسي فتوراً بعد أخذي لهذا المال الذي لا مناص لي عنه الآن؟ أفتوني مأجورين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الأمر كما ذكرت فينبغي أن تحضر إلى الجهة المسئولة وتجري الفحص الطبي، وبذلك يحل المال، وتنتفي الشبهة وتسلم من الحرج. والظاهر من اشتراطهم الفحص الطبي أن يكون ذلك من جهة تابعة أو معتمدة لدى الوزارة. وإن كان وجودك في الخارج بسبب الدراسة يمنعك من الحضور وإعادة الفحص، فنرجو ألا يكون عليك حرج في أخذ المال ما دام الوصف منطبقا عليك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126434 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2465 لديه أقارب يعطيهم مساعدة ويريد أن يحسبها من الزكاة [السُّؤَالُ] ـ[أقوم بمساعدة إخواني وأقاربي , فأنفق عليهم أكثر من المال المستحق عليّ من الزكاة سنوياً , وأنا لا أطلب منهم أن يعيدوا المال لي، فقال لي أحد الأشخاص أنني اذا كنت أعطيهم المال للأبد , فأكون في هذه الحالة بغير حاجة لأن أدفع الزكاة كمبلغ آخر حتى ولو كانت النية عند إعطائهم ليست نية زكاة، فما رأي فضيلتكم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا كان هؤلاء الإخوان والأقارب مستحقين للزكاة لفقرهم وعدم وجود ما يكفيهم، أو لكونهم غارمين لا يجدون سداد ديونهم، جاز إعطاء الزكاة لهم، ما لم تكن نفقة أحدهم واجبة عليك، فليس لك أن تعطيه من الزكاة لتحمي مالك. وينظر: سؤال رقم (125720) . ثانيا: يشترط لصحة الزكاة: النية عند إخراجها، فإذا أعطيت المال لهؤلاء وأنت لا تنوي الزكاة، لم يصح احتسابها فيما بعد من الزكاة. والزكاة يجب إخراجها إذا حال الحول، ولا يجوز تأخيرها لدفعها على دفعات أو أقساط. لكن له أن يعجل زكاته قبل سنة أو سنتين، فيخرجها حينئذ على دفعات أو أقساط. وصفة التعجيل أن يكون حول زكاته [وهو الموعد السنوي المحدد لإخراج زكاته] في أول ذي الحجة مثلا، فإذا أخرج زكاته في وقتها، أخرج زكاة السنة القادمة معها، فيكون قد عجل زكاته لمدة سنة، فلو فرض أن زكاة السنة القادمة تبلغ ألفا، فله أن يخرج الألف كلها معجلة الآن، وله أن يخرجها مقسطة على السنة أو حسب ما يرى، فإن جاء الحول، كان قد أخرج زكاته ولم يؤخر منها شيئا. على أنه ينبغي له النظر في ماله عند حلول الموعد الفعلي للزكاة؛ فإن كان المستحق عليه من الزكاة أكثر مما أخرج فعلا: فإنه يخرج ما تبقى عليه. قال ابن قدامة رحمه الله: " قَالَ أَحْمَدُ: لا يُجَزِّئُ عَلَى أَقَارِبِهِ مِنْ الزَّكَاةِ فِي كُلِّ شَهْرٍ. يَعْنِي لا يُؤَخِّرُ إخْرَاجَهَا حَتَّى يَدْفَعَهَا إلَيْهِمْ مُتَفَرِّقَةً , فِي كُلِّ شَهْرٍ شَيْئًا , فَأَمَّا إنْ عَجَّلَهَا فَدَفَعَهَا إلَيْهِمْ , أَوْ إلَى غَيْرِهِمْ مُتَفَرِّقَةً أَوْ مَجْمُوعَةً , جَازَ لأَنَّهُ لَمْ يُؤَخِّرْهَا عَنْ وَقْتِهَا " انتهى من "المغني" (2/290) . وسئل علماء اللجنة الدائمة: هل يجوز لي إخراج زكاة المال مقدمة طول السنة، في شكل رواتب للأسر الفقيرة، في كل شهر؟ فأجابوا: " لا بأس بإخراج الزكاة قبل حلول الحول بسنة أو سنتين إذا اقتضت المصلحة ذلك، وإعطاؤها الفقراء المستحقين شهريّاً " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة (9/422) . وانظر السؤال رقم (52852) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126075 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2466 هل تدفع الصدقة أو الزكاة لأخواتها طالبات العلم ولمصروف البيت؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن أخرج صدقة أموالي على أخواتي طالبات علم؟ وهل يجوز أن أساهم في مصروف البيت على أساس أنها صدقة أموال؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن كان المقصود هو صدقة التطوع، فلا حرج في إعطائها لأخواتك، والمشاركة بها في مصروف البيت؛ لأن باب الصدقة واسع. وإن كان المقصود: الصدقة الواجبة، أي الزكاة، ففي هذا تفصيل: أولا: يجوز دفع الزكاة للإخوة والأخوات، إذا كانوا فقراء، ولا تجب نفقتهم عليك، لكونك لا ترثينهم، أو لكون مالك لا يتحمل الإنفاق عليهم. كما يجوز دفع الزكاة إليهم إذا كان عليهم ديون، سواء وجبت نفقتهم عليك أم لا؛ لأن سداد الدين لا يجب على المنفِق. وقد سئل الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله: عن دفع الزكاة إلى الأخ والأخت الشقيقة. فأجاب: "إن كان دفعك الزكاة إليه يتضمن إسقاط واجب له عليك، مثل أن تكون نفقته واجبة عليك فتعطيه من الزكاة، لتوفِّرَ مالك عن الإنفاق عليه: فهذا لا يجوز؛ لأن الزكاة لا تكون وقاية للمال، وإن كان لا يتضمن إسقاط واجب له، مثل أن تكون نفقته غير واجبة عليك، لكونك لا ترثه، أو لكون مالك لا يتحمل الإنفاق عليه مع عائلتك، أو تعطيه لقضاء دين عليه لا يستطيع وفاءه: فهذا جائز أن تدفع زكاتك إليه، بل هو أفضل من غيره وأولى؛ لأن إعطاءه صدقة وصلة" انتهى من " مجموع فتاوى ابن عثيمين " (18 / 422، 423) . وينظر جواب السؤال رقم (50739) . ثانيا: يجوز دفع الزكاة لطالب العلم الشرعي المتفرغ لذلك؛ لأن هذا الطلب نوع من الجهاد فيدخل في مصرف (وفي سبيل الله) . وأما طالب العلم الدنيوي، فلا يدخل في مصرف (وفي سبيل الله) ، لكن يعطى من الزكاة لفقره أو لمسكنته، ومن ذلك: أن لا يجد مالا لمصاريف دراسته التي يتوقف عليها العمل والوظيفة المحتاج إليها، كما يعطى أيضا لسداد دينه، كأن يكون عليه دين للجامعة، فيعطى ما يقضي به دينه. وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (121181) ورقم (95418) . ثالثا: لا يجوز وضع الزكاة في مصروف البيت. لكن لو فرض أن زوجك فقير يستحق الزكاة، فلك أن تدفعي زكاتك إليه ثم هو ينفقها حيث شاء، ولو أنفقها في البيت فلا حرج عليه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125720 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2467 هل تصرف الزكاة في دعم مسابقة للقرآن الكريم؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم صرف الزكاة في دعم مسابقة قرآن لمدرسة أهلية لأن المدرسة لا تدعم هذه النشاطات؟ وما حكم صرف الزكاة لإصلاح مصلى المدرسة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله مصارف الزكاة بَيَّنها الله تعالى بقوله: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة/60. وجمهور العلماء على أن المراد بقوله تعالى: (وفي سبيل الله) الجهاد في سبيل الله. وانظر جواب السؤال رقم (21805) ورقم (6977) . وعليه؛ فلا يجوز أن تبنى المدارس أو المساجد أو المصليات من أموال الزكاة. وكذلك مسابقات القرآن الكريم، لا تصرف فيها أموال الزكاة، وطرق الخير والبر التي تعين على هذه المشاريع كثيرة، كالصدقة والوقف والهبة. وقد سئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله: لدينا جمعية تقوم بإنشاء مشروع كبير، وهو بناء مسجد جامع ومدرسة عربية إسلامية، وفيها قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم، ومستوصف طبي، فهل يجوز للجمعية الأخذ من الزكاة لإنشاء مثل هذا المشروع. فأجاب: "الأصل أن الزكاة لا تصرف إلا في الأصناف الثمانية المذكورة في القرآن، وهم الفقراء، والمساكين، والعمال عليها، والمؤلفة قلوبهم، والمكاتبون، والغارمون، والمجاهدون، وأبناء السبيل، لكن ذهب بعض العلماء إلى أن المشاريع الخيرية تدخل في سبيل الله، والمختار أنه الجهاد فقط. وعلى هذا؛ فالتمسوا لهذا المشروع غير الزكاة والله أعلم " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن جبرين". وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/447) : " أما مدارس القرآن الكريم فإذا كان المزكي أعطاها لأحد القائمين على المدرسة ليسلمها لفقراء الطلبة وغيرهم فيجوز ذلك، حتى ولو نقلت إليهم من بلد إلى بلد لتحقق مصلحة النقل، أما إن كان المزكي يصرفها لميزانية المدرسة لتكون نفقة على تعليم القرآن والعلوم الدينية فلا يجوز ذلك " انتهى وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يمكن أن تنفق الزكاة في بناء المساجد والمدارس وفي أماكن لتعليم القرآن الكريم؟ فأجاب: "هذه محل خلاف بين العلماء، منشأ الخلاف في تفسير قوله تعالى: (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) هل المراد بها كل ما يتقرب به إلى الله من المصالح العامة أو المراد بها الغزو في سبيل الله فقط؟ والذي يظهر لي أن المراد بها الغزو في سبيل الله فقط، لأن هذا هو المعروف عند الإطلاق، ولأننا لو جعلناه عاماً لم يكن للحصر فائدة في قوله: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ) إلخ ولأن حصره في الغزاة أحوط، وما كان أحوط فهو أولى بالاتباع. أما ما أشار إليه السائل من بناء المدارس ونحوه فإنها أعمال خير، يحث الناس عليها، ويكون صرف المال عليها من جهة أخرى من جهة الصدقات وأفعال الخير والبر" انتهى من "فتاوى نور على الدرب". والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125481 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2468 جواز صرف الزكاة في الدعوة إلى الله [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز صرف الزكاة في الدعوة إلى الله؟ فيصرف منها على الدعاة وعلى طلبة العلم، وتفتح مكاتب للدعوة بما فيها من أثاث وأجهزة، ونشتري كتباً وتوزع على المدعوين؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله بَيَّن الله تعالى مصارف الزكاة بقوله: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة/60. وجمهور العلماء على أن المراد بقوله تعالى: (وفي سبيل الله) الجهاد في سبيل الله. وانظر جواب السؤال رقم (21805) . وقد ذهب بعض العلماء إلى أن الجهاد في سبيل الله يشمل الجهاد بالنفس والسلاح، ويشمل أيضاً: جهاد العلم، والرد على شبه المشركين، وبيان بطلان ما هم عليه من الدين، وبيان محاسن الإسلام، والدعوة إليه. وقد ورد في النصوص الشرعية إطلاق "الجهاد" على جهاد العلم والدعوة إلى الله. 1- قال الله تعالى في سورة الفرقان، وهي سورة مكية، لم يكن جهاد السلاح شرع حينئذ: (فَلَا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا) . قال ابن عباس رضي الله عنهما: (وجاهدهم به) أي: بالقرآن. تفسير ابن جرير (19/280) . وقال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" (3/5) : "فهذه سورة مكية أمر فيها بجهاد الكفار بالحجة والبيان، وتبليغ القرآن" انتهى. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وإذا كان كذلك فمعلوم أن الجهاد منه ما يكون بالقتال باليد، ومنه ما يكون بالحجة والبيان والدعوة، قال الله تعالى: (وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا * فَلَا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا) سورة الفرقان/51، 52، فأمره الله سبحانه وتعالى أن يجاهد الكفار بالقرآن جهادا كبيرا، وهذه السورة مكية نزلت بمكة، قبل أن يهاجر النبي صلى الله عليه وسلم، وقبل أن يؤمر بالقتال، ولم يؤذن له، وإنما كان هذا الجهاد بالعلم والقلب والبيان والدعوة، لا بالقتال" انتهى. "منهاج السنة النبوية" (8/86) . 2- وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ) رواه أبو داود (2504) . وصححه الألباني في صحيح أبي داود. وقد اختار هذا القول بعض علمائنا المعاصرين، وبه صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي. قال سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله: "وها هنا أمر هام يصح أن يصرف فيه من الزكاة، وهو إعداد قوة مالية للدعوة إلى الله، ولكشف الشبه عن الدين، وهذا يدخل في الجهاد، هذا من أعظم سبيل الله. فإن قام ولاة الأمر بذلك فإنه متعين عليهم، وهذا من أهم مقاصد الولاية، التي من أجلها أُمر بالسمع والطاعة لحماية حوزة الدين، فإذا أخل بذلك من جهة الولاة فواجب على المسلمين أن يعملوا هذا، لاسيما في هذه السنين، فقد كان في نجد في كل سنة يبذلون جهاداً لأجل التقوِّي به، فلو كان الناس يجمعون منه الشيء الكثير للدعوة إلى الله وقمع المفسدين بالكلام والنشر فإنه يتعين" انتهى. "مجموع فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ" (4/142) . وجاء في قرار المجمع الفقهي: "بعد تداول الرأي ومناقشة أدلة الفريقين قرر المجلس بالأكثرية ما يلي: 1- نظرا إلى أن القول الثاني قد قال به طائفة من علماء المسلمين وأن له حظا من النظر في بعض الآيات الكريمة مثل قوله تعالى: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) ، ومن الأحاديث الشريفة مثل ما جاء في سنن أبي داود أن رجلا جعل ناقة في سبيل الله فأرادت امرأته الحج فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (اركبيها فإن الحج في سبيل الله) . 2- ونظرا إلى أن القصد من الجهاد بالسلاح هو إعلاء كلمة الله تعالى، وأن إعلاء كلمة الله تعالى كما يكون بالقتال يكون-أيضاً- بالدعوة إلى الله تعالى ونشر دينه بإعداد الدعاة ودعمهم ومساعدتهم على أداء مهمتهم، فيكون كلا الأمرين جهادا، لما روي الإمام أحمد والنسائي وصححه الحاكم عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم) . 3- ونظرا إلى أن الإسلام محارب بالغزو الفكري والعقدي من الملاحدة واليهود والنصارى وسائر أعداء الدين، وأن لهؤلاء من يدعمهم الدعم المادي والمعنوي، فإنه يتعين على المسلمين أن يقابلوهم بمثل السلاح الذي يغزون به الإسلام وبما هو أنكى منه. 4- ونظرا إلى أن الحروب في البلاد الإسلامية أصبح لها وزارات خاصة بها، ولها بنود مالية في ميزانية كل دولة، بخلاف الجهاد بالدعوة، فإنه لا يوجد له في ميزانيات غالب الدول مساعدة ولا عون. لذلك كله فإن المجلس يقرر-بالأكثرية المطلقة- دخول الدعوة إلى الله تعالى وما يعين عليها ويدعم أعمالها في معنى (وفِي سَبِيلِ اللهِ) في الآية الكريمة."انتهى. كما صدرت بذلك فتوى الندوة الأولى لقضايا الزكاة المعاصرة جاء فيها: "إن مصرف في سبيل الله يراد به الجهاد بمعناه الواسع الذي قرره الفقهاء بما مفاده حفظ الدين وإعلاء كلمة الله ويشمل مع القتال الدعوة إلى الإسلام، والعمل على تحكيم شريعته، ودفع الشبهات التي يثيرها خصومه عليه، وصد التيارات المعادية له. وبهذا لا يقتصر الجهاد على النشاط العسكري وحده، ويدخل تحت الجهاد بهذا المعنى الشامل ما يلي: أ- تمويل الحركات العسكرية الجهادية التي ترفع راية الإسلام وتصد العدوان على المسلمين في شتى ديارهم. ب- تمويل مراكز الدعوة إلى الإسلام التي يقوم عليها رجال صادقون في البلاد غير الإسلامية بهدف نشر الإسلام بمختلف الطرق الصحيحة التي تلائم العصر، وينطبق هذا على كل مسجد يقام في بلد غير إسلامي يكون مقرا للدعوة الإسلامية. ج- تمويل الجهود التي تثبت الإسلام بين الأقليات الإسلامية في الديار التي تسلط فيها غير المسلمين على رقاب المسلمين، والتي تتعرض لخطط تذويب البقية من المسلمين في تلك الديار" انتهى. "فتاوى وتوصيات ندوات قضايا الزكاة المعاصرة" (25) . وانظر: بحثا بعنوان: "مشمولات مصرف (في سبيل الله) " للدكتور عبد الله بن منصور الغفيلي. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121551 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2469 يريد أن يقسط أموال الزكاة التي يأخذها من الناس ليوزعها على الفقراء طول السنة [السُّؤَالُ] ـ[أحد أئمة المساجد يقول: تصل إلي أموال كثيرة من الزكاة في رمضان فهل يجب توزيعها مباشرة، علماً بأنه قد تصل بعض الفقراء فلا يحسن صرفها؟ أم يصرفها على الفقراء على أقساط طوال السنة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "ينظر في هذا إلى المصلحة، فمتى وجد أهلاً لها في أسرع وقت ممكن وجب صرفها، لأنه مؤتمن. وأما إذا كان يخشى ـ إذا بادر بها ـ أن تصرف في غير محلها فلا حرج أن ينتظر حتى يجد أهلاً لها، ولكن إذا تقدم أحد هو أهل لها فليعطه قدر حاجته، ولو استغرق شيئاً كثيراً من الزكاة، مثلاً: لو تقدم إليه رجل مدين بمئة ألف وهو يعلم أنه صادق بأنه مدين وأنه لا يجد الوفاء، وأعطاه مئة ألف من الزكاة أي قضى دينه الذي عليه من الزكاة فلا حرج، صحيح أننا قد لا نوفي جميع الديون عن الشخص مخافة أن يتلاعب ويهون عليه الدين في المستقبل، والإنسان ينظر في هذا إلى الحكمة. المهم أنه متى أمكن صرف الزكاة في أهلها في أقرب وقت فليصرفها ولا ينتظر، أما إذا لم يمكن فلا حرج عليه أن يؤخر" انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. "لقاءات الباب المفتوح" (1/66) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121213 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2470 إعطاء الزكاة لطالب العلم [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم إعطاء الزكاة لطالب العلم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "طالب العلم المتفرغ لطلب العلم الشرعي وإن كان قادراً على التكسب يجوز أن يعطى من الزكاة، لأن طلب العلم الشرعي نوع من الجهاد في سبيل الله، والله تبارك وتعالى جعل الجهاد في سبيل الله جهة استحقاق في الزكاة، فقال: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِى الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) . أما إذا كان الطالب متفرغاً لطلب علم دنيوي فإنه لا يعطى من الزكاة، ونقول له: أنت الآن تعمل للدنيا، ويمكنك أن تكتسب من الدنيا بالوظيفة، فلا نعطيك من الزكاة" انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (18/409) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121181 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2471 هل يوجد أحدٌ الآن من " آل البيت "؟ وماذا عن ادعاءات كثيرين له؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يوجد أحد من نسل النبي صلى الله عليه وسلم ويكون جدهم عن طريق فاطمة رضي الله عنها؟ وما قولك في الذين يدعون أنهم من آل البيت من السنَّة والشيعة في يومنا هذا، ويقولون: نحن لا نأكل الصدقات؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: علم الأنساب علم جليل، وقد كان أبو بكر الصدِّيق رضي الله عنه أعلم الناس بالنسب، وقد أخطأ من قال: إنه علمٌ لا ينفع، والجهل به لا يضر، وكيف يكون هذا مع الأمر منه صلى الله عليه وسلم بالتعرف على النسب لأجل صلة الرحم؟ وكيف يكون هذا مع الوعيد على من انتسب إلى غير أبيه، أو إلى غير قبيلته؟ . فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ، فَإِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحَبَّةٌ فِي الْأَهْلِ، مَثْرَاةٌ فِي الْمَالِ، مَنْسَأَةٌ فِي الْأَثَرِ) . رواه الترمذي (1979) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ". (مَنْسَأَةٌ فِي الْأَثَرِ) يَعْني: زِّيَادَة فِي الْعُمُرِ. قال ابن عبد البر رحمه الله: " ولعمْري ما أنصف القائل: " إن عِلْم النسب عِلْم لا يَنفع، وجَهالة لا تضر "؛ لأنه بيِّن نفعُه لما قدّمنا ذكره؛ ولما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كُفْرٌ بالله تبرُّؤ من نسب وإن دق، وكفر بالله ادعاء إلى نَسب لا يُعرف) – رواه أحمد وابن ماجه، وحسَّنه الأرناؤط والألباني -. وروي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه مثلُه. وقال صلى الله عليه وسلم: (من ادعى إلى غير أبيه، أو انتمى إلى غير مواليه: فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صَرفاً ولا عدلاً) – رواه الترمذي، وصححه الألباني -. فلو كان لا منفعة له: لمَا اشتغل العلماء به، فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه كان أعلم الناس بالنسب، نسب قريش، وسائر العرب، وكذلك: جُبير بن مطعم، وابن عباس، وعقيل بن أبي طالب، كانوا مِن أعلم بذلك، وهو عِلم العرب الذي كانوا به يتفاضلون، وإليه ينتسبون " انتهى. "الإنباه عن قبائل الرواة" (ص1) . ثانياً: النسب الشريف ادَّعاه كثيرون، من أجل الشهرة، وتسويق البدع والانحرافات، ومن أجل الاستيلاء على أموال الناس، وأكثر من ادَّعى هذا النسب الشريف للنبي صلى الله وسلم هم الرافضة، والمتصوفة، ومنهم رؤوس لتلك الفرق الضالة. 1. قال الإمام الذهبي رحمه الله في ترجمة أبي الحسن الشاذلي (توفي 656 هـ) وهو رأس الطائفة الشاذلية -: " وقد انتسب في بعض مؤلفاته في التصوف إلى " علي بن أبي طالب "، ثم ذكر هذا النسب الذي ادعاه: ابن يوشع بن ورد بن بطال بن محمد بن أحمد بن عيسى بن محمد بن الحسن بن علي رضي الله عنه. ثم قال الذهبي: وهذا نسب مجهول لا يصح ولا يثبت، وكان الأولى به تركه، وترك كثير مما قاله في تواليفه في الحقيقة " انتهى. "تاريخ الإسلام" (48/273، 274) . 2. وفي " العبيديين " – أبناء عبيد بن ميمون القداح – الباطنية، الذين تسموا – كذباً وزوراً بـ " الفاطميين " – قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فالشاهد لهم بالإيمان: شاهد لهم بما لا يعلمه؛ إذ ليس معه شيء يدل على إيمانهم مثل ما مع منازعيه ما يدل على نفاقهم وزندقتهم، وكذلك " النسب "، قد عُلم أن جمهور الأمة تطعن في نسبهم، ويذكرون أنهم من أولاد المجوس أو اليهود، هذا مشهور من شهادة علماء الطوائف من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، وأهل الحديث، وأهل الكلام، وعلماء النسب، والعامة، وغيرهم، وهذا أمر قد ذكره عامة المصنفين لأخبار الناس وأيامهم، حتى بعض من قد يتوقف في أمرهم كابن الأثير الموصلي في تاريخه ونحوه؛ فإنه ذكر ما كتبه علماء المسلمين بخطوطهم في القدح في نسبهم. وأما جمهور المصنفين من المتقدمين والمتأخرين حتى القاضي ابن خلكان في تاريخه: فإنهم ذكروا بطلان نسبهم، وكذلك ابن الجوزي، وأبو شامة، وغيرهما من أهل العلم بذلك، حتى صنَّف العلماء في كشف أسرارهم، وهتك أستارهم، كما صنف القاضي أبو بكر الباقلاني كتابه المشهور في كشف أسرارهم وهتك أستارهم، وذكر أنهم من ذرية المجوس، وذكر من مذاهبهم ما بيَّن فيه أن مذاهبهم شرٌّ من مذاهب اليهود والنصارى، بل ومن مذاهب الغالية الذين يدعون إلهية " علي "، أو نبوته، فهم أكفر من هؤلاء " انتهى. "مجموع الفتاوى" (35 / 128، 129) . وأما الذين يدعون هذا النسب الشريف من الرافضة العجم فهم كثير في زماننا هذا. ثالثاً: ثبوت النسب الشريف له طرق كثيرة: قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: " وأما طريق ثبوت النسب الشريف: فذلك يعرف من أمور كثيرة: أحدها: النص من المؤرخين الثقات أن البيت الفلاني، أو آل فلان من أهل البيت، ويعرف أن الشخص الذي يشتهر فيه من أهل ذلك البيت المنصوص عليه من المؤرخين الثقات. ومنها: أن يكون بيد من يدَّعي أنه من أهل البيت وثيقة شرعية من بعض القضاة المعتبرين، أو العلماء الثقات: أنه من أهل البيت. ومنها: الاستفاضة عند أهل البلد أن آل فلان من أهل البيت. ومنها: وجود بيِّنة عادلة، لا تنقص عن اثنين، تشهد بذلك، مستندة في شهادتها إلى ما يحسن الاعتماد عليه، من تاريخ موثوق، أو وثائق معتبرة، أو نقل عن أشخاص معتبرين. وأما مجرد الدعوى التي ليس لها مبرر: فلا ينبغي الاعتماد عليها، لا في هذا، ولا في غيره " انتهى. "فتاوى إسلامية" (4/531) . رابعاً: لا يمكن لأحدٍ إنكار وجود من ينتسب إلى آل النبي صلى الله عليه وسلم انتساباً صحيحاً، سواء من بني هاشم - وهم آل علي، وآل عباس، وآل جعفر، وآل عقيل، وآل الحارث بن عبد المطلب -، أو من بني المطلب – والمطلب هو أخو هاشم -. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: " إذا قال قائل: هل هؤلاء موجودون؟ أعني: بني هاشم، والمطلب؟ . قلنا: نعم، موجودون، وقد ذكروا أن مِنْ أثبت الناس نسباً لبني هاشم: ملوك اليمن الأئمة، الذين انتهى ملكهم بثورة الجمهوريين عليهم قريباً، فهم منذ أكثر من ألف سنة متولون على اليمن، ونسبهم مشهور، معروف بأنهم من بني هاشم. ويوجد ناس كثيرون أيضاً ينتمون إلى بني هاشم، فمن قال: أنا من بني هاشم: قلنا: لا تحل لك الزكاة؛ لأنك من آل الرسول صلّى الله عليه وسلّم " انتهى. " الشرح الممتع " (6 / 257) . والنسب الشريف لا يجوز حصره في آل علي – وهم ذرية علي بن أبي طالب – فقط دون غيره، فقد سبق أن هذا النسب يسع غيرهم ممن ذكرناهم. مع التنبيه على أن النسب الشريف لا ينفع صاحبه إن كان كافراً، أو فاجراً، ولا يضر المسلم الطائع لربه تعالى أن يكون عبداً مملوكاً، فالمسلم يلقى ربه بأعماله الصالحة، وهو مما يملك أن يزيد فيها وينقص، وأما النسب الشريف: فهو ليس في اختيار المسلم، ولن يكون لصاحبه فضل في الآخرة بمجرد انتسابه ذاك. قال الله تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) الحجرات/13، وقال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل/97. خامساً: أما بخصوص تحريم الصدقات: فننبه على أمرين: 1. الصدقات الممنوعة على آل النبي صلى الله عليه وسلم هي الصدقات الواجبة ـ كالزكاة والكفارات ـ دون صدقات التطوع. 2. لا تحرم الزكاة على كل الأشراف، بل المنع والتحريم على " بني هاشم " منهم فقط، وهم ذرية هاشم بني عبد مناف، وهو الجد الثاني للرسول صلى الله عليه وسلم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ولفظ " الأشراف " لا يتعلق به حكم شرعي، وإنما الحكم يتعلق بـ " بني هاشم "، كتحريم الصدقة، وأنهم آل محمد صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك " انتهى. " منهاج السنة النبوية " (4 / 559) . وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: " إذا كانت الصدقة صدقة تطوع: فإنها تُعطى إليهم، ولا حرج في هذا، وإن كانت الصدقة واجبة: فإنها لا تعطى إليهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ) ، وبنو هاشم شرَّفهم الله عز وجل بألا يأخذوا من الناس أوساخهم، أما صدقة التطوع: فليست وسخاً في الواقع، وإن كانت لا شك تكفر الخطيئة، لكنها ليست كالزكاة الواجبة، ولهذا ذهب كثير من العلماء إلى أنهم يعطون من صدقة التطوع، ولا يعطون من الصدقة الواجبة " انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (18/429) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 119288 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2472 حكم إسقاط أجرة البيت عن الفقير واحتسابها من الزكاة [السُّؤَالُ] ـ[لدي مستأجر لا يستطيع أن يدفع كل ما عليه من إيجار لمروره بضائقة مالية كبيرة، فهل يجوز أن أسقط عنه الإيجار كزكاة؟ وإذا كان نعم فهل يجب أن أخبره أنها زكاة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يشترط في إخراج الزكاة أن يكون فيها تمليك للفقير، وإيتاء له؛ لقوله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) ، وقوله: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ) التوبة/60، واللام للتمليك. وقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين أرسله إلى اليمن: (فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ) رواه البخاري (1458) ومسلم (19) . فالزكاة فيها أخذ وإعطاء وتمليك، ولهذا لا يجزئ أن تكون إسقاطاً للدين، أو الأجرة التي على الفقير، وهذا ما عليه جمهور الفقهاء. لكن إن أعطيته زكاتك، وسدد هو منها الأجرة، دون اشتراط منك، ولا تحايل، فلا حرج في ذلك. قال النووي رحمه الله في "المجموع" (6/196) : " إذا كان لرجل على معسر دين فأراد أن يجعله عن زكاته وقال له: جعلته عن زكاتي، فالأصح أنه لا يجزئه , وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد، لأن الزكاة في ذمته فلا يبرأ إلا بإقباضها ... أما إذا دفع الزكاة إليه بشرط أن يردها إليه عن دَيْنه فلا يصح الدفع، ولا تسقط الزكاة بالاتفاق، ولا يصح قضاء الدَّيْن بذلك بالاتفاق " انتهى باختصار. وجاء في "الموسوعة الفقهية" (23/300) : " لا يجوز للدائن أن يسقط دَيْنه عن مدينه الفقير المعسر الذي ليس عنده ما يسد به دينه ويحسبه من زكاة ماله، فإن فعل ذلك لم يجزئه عن الزكاة , وبهذا قال الحنفية والحنابلة والمالكية ما عدا أشهب , وهو الأصح عند الشافعية , وقول أبي عبيد. ووجه المنع: أن الزكاة لحق الله تعالى , فلا يجوز للإنسان أن يصرفها إلى نفع نفسه أو إحياء ماله , واستيفاء دينه. وذهب الشافعية في قول وأشهب من المالكية وهو منقول عن الحسن البصري وعطاء: إلى جواز ذلك ; لأنه لو دفع إليه زكاته ثم أخذها منه عن دينه جاز , فكذا هذا. فإن دفع الدائن زكاة ماله إلى مدينه فردها المدين إليه سداداً لدينه , أو استقرض المدين ما يسد به دينه فدفعه إلى الدائن فرده إليه واحتسبه من الزكاة , فإن لم يكن ذلك حيلة , أو تواطؤا , أو قصدا لإحياء ماله , جاز عند الجمهور , وهو قول عند المالكية " انتهى. وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: إذا كان لك دين عند مريض أو فقير معسر فهل لك أن تسقطه عنه من الزكاة؟ فأجاب: "لا يجوز ذلك؛ لأن الواجب إنظار المعسر حتى يسهل الله له الوفاء، ولأن الزكاة إيتاء وإعطاء، كما قال الله سبحانه: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) ، وإسقاط الدين عن المعسر ليس إيتاء ولا إعطاء، وإنما هو إبراء، ولأنه يقصد من ذلك وقاية المال لا مواساة الفقير. لكن يجوز أن تعطيه من الزكاة من أجل فقره وحاجته، أو من أجل غرمه، وإذا رد عليك ذلك أو بعضه من الدين الذي عليه فلا بأس، إذا لم يكن ذلك عن مواطأة بينك وبينه ولا شرط، وإنما هو فعل ذلك من نفسه. وفق الله الجميع للفقه في الدين والثبات عليه " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (14/280) . وينظر: للفائدة جواب السؤال رقم (13901) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 119113 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2473 طباعة القرآن ليست من مصارف الزكاة [السُّؤَالُ] ـ[تقوم جهة خيرية بنشر وطباعة القرآن الكريم وترجمة معانية إلى لغات متعددة ومختلفة، هل يجوز الصرف من الزكاة لهذه المشاريع؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ظاهر القرآن يدل على أن الزكاة لا تصرف في هذا المشروع لكونه ليس من المصارف المذكورة في قوله سبحانه: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين ... ) التوبة /60. وقد صدر من مجلس هيئة كبار العلماء قرار يقتضي عدم صرف الزكاة في هذا المشروع، كما ذكرنا آنفاً. والله اعلم [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز الجزء 14 ص 300 الحديث: 21797 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2474 أكل آل البيت من التمر الذي يوزع في الحرمين لا حرج فيه [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأكلوا من التمر الذي يوزع على الصائمين في المسجد الحرام؟ وهل المتزوجة أو المتزوج من أحد أفراد آل بيت الرسول تحرم عليه الصدقة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج على آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم من الأكل من صدقات التطوع، وذلك على الصحيح الذي ذهب إليه جمهور أهل العلم، وإنما الممنوع الأكل من أموال الصدقة المفروضة. قال الحافظ ولي الدين العراقي رحمه الله: "والصحيح عند أصحابنا أن المحرم عليهم الزكاة دون صدقة التطوع، وكذا هو الصحيح عند الحنابلة، وبه قال الحنفية" انتهى. "طرح التثريب" (4/35) وقال الشيخ منصور البهوتي الحنبلي: "ولبني هاشم ومواليهم الأخذ من صدقة التطوع؛ لأنهم إنما منعوا من الزكاة لكونها من أوساخ الناس كما سبق، وصدقة التطوع ليست كذلك، إلا النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الصدقة كانت محرمة عليه مطلقا: فرضها ونفلها ; لأن اجتنابها كان من دلائل نبوته وعلاماتها , فلم يجز الإخلال به" انتهى بتصرف. "كشاف القناع" (2/291) . فلا حرج على كل من ينتسب لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم انتسابا صحيحا أن يأكل مما يتم توزيعه في الحرمين من طعام وشراب، لأن هذا من صدقات التطوع. وانظر جواب السؤال رقم: (112754) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 113418 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2475 هل يأكل آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم من صدقات التطوع؟ [السُّؤَالُ] ـ[أدركت يقينا من وثائق موثقة ومعتمدة أن الله أكرمني بنسب من آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلمت أنه لا تجوز لآل البيت الأكل من مال الصدقة. فما حكم أكل التمر أو الماء أو الوجبات التي توزع في الحرم أو المشاعر في رمضان والحج؟ هل هي هدايا أم صدقات؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اتفق العلماء على عدم جواز أكل آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم من أموال الزكاة المفروضة، نقل ذلك الإجماع غير واحد من أهل العلم. انظر: "موسوعة الإجماع" سعدي أبو جيب (2/517-518) . وانظر جواب السؤال رقم: (21981) . وأما صدقة التطوع فذهب أكثر أهل العلم إلى أنه يجوز لآل محمد صلى الله عليه وسلم أن يأخذوا منها، وهذا القول هو المشهور من مذاهب أئمة الفقه الأربعة (أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رحمهم الله) . انظر: "رد المحتار" (2/351) ، "التاج والإكليل" (3/223) ، "مغني المحتاج" (4/195) ، "كشاف القناع" (2/291-292) . قال الإمام الشافعي رحمه الله: " ولا يحرم على آل محمد صدقة التطوع، إنما يحرم عليهم الصدقة المفروضة: أخبرنا إبراهيم بن محمد عن جعفر [الصادق] بن محمد [الباقر] عن أبيه: أنه كان يشرب من سقايات الناس بمكة والمدينة فقلت له: أتشرب من الصدقة وهي لا تحل لك؟ فقال: إنما حرمت علينا الصدقة المفروضة. قال الشافعي: وتصدق علي وفاطمة على بني هاشم وبني المطلب بأموالهما , وذلك أن هذا تطوع , وقبل النبي صلى الله عليه وسلم الهدية من صدقة تصدق بها على بريرة , وذلك أنها من بريرة تطوع لا صدقة " انتهى. "الأم" (2/88) . وقال ابن قدامة رحمه الله: " ويجوز لذوي القربى الأخذ من صدقة التطوع. قال أحمد في رواية ابن القاسم: إنما لا يُعطَوْن من الصدقة المفروضة , فأما التطوع , فلا. وعن أحمد , رواية أخرى: أنهم يمنعون صدقة التطوع أيضا ; لعموم قوله عليه الصلاة والسلام: (إنا لا تحل لنا الصدقة) . والأول أظهر ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المعروف كله صدقة) متفق عليه. وقال الله تعالى: (فمن تصدق به فهو كفارة له) وقال تعالى: (فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون) ولا خلاف في إباحة المعروف إلى الهاشمي , والعفو عنه وإنظاره. وقال إخوة يوسف: (وتصدق علينا) . والخبر [يعني الحديث] أريد به صدقة الفرض ; لأن الطلب كان لها , والألف واللام تعود إلى المعهود " انتهى. "المغني" (2/275) . وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: نحن أسرة متوسطة الحال، ومن أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولدينا وثائق تثبت ذلك، وقد بلغ والدي سن الستين، حيث تنطبق عليه شروط الالتحاق بالضمان الاجتماعي، وقد طلبنا من الوالد الاستفادة من الضمان الاجتماعي لكنه رفض؛ لأن هناك حديثا عن الرسول صلى الله عليه وسلم ينص على عدم إعطاء الزكاة والصدقة لأهل بيته، وسؤالي هل يعتبر الضمان الاجتماعي في حكم الصدقة أم لا؟ أفيدوني؟ فأجاب: "إذا توافرت في والدك الشروط المعتبرة فيمن يستفيد من مصلحة الضمان الاجتماعي فإنه يحل له أخذ ذلك؛ لأنه مساعدة من بيت المال للفقراء الذين تتوافر فيهم الشروط المطلوبة، وليس هو من الزكاة حسب إفادة الجهة المسئولة عن ذلك " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (14/315) ، وانظر أيضا: (14/313) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " إذا كانت الصدقة صدقة تطوع فإنها تعطى إليهم ولا حرج في هذا، وإن كانت الصدقة واجبة فإنها لا تعطى إليهم " انتهى باختصار. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/429) وعلى هذا فلا حرج عليكم من الأكل من الطعام الذي يوزع في الحرمين ومشاعر الحج، لأن ذلك ليس من الصدقة المفروضة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112754 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2476 هل يأخذ بنو هاشم من الزكاة لدفع ضرورتهم؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا من بني هاشم، وعاجز عن العمل، وتأتيني صدقات من الناس، ولا أعلم هل هي زكاة أم لا؟ فهل يجوز لي أن أقبلها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز لأحد من بني هاشم أن يأخذ من الزكاة الواجبة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أما علمت أن آل محمد صلى الله عليه وسلم لا يأكلون الصدقة) رواه البخاري (1485) ومسلم (1069) . وأما صدقات التطوع فلا حرج عليهم من أخذها. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (4/109- 110) : "لا نعلم خلافاً في أن بني هاشم لا تحل لهم الصدقة المفروضة ...... ويجوز لذوي القربى الأخذ من صدقة التطوع. قال الإمام أحمد: إنهم لا يعطون من الصدقة المفروضة، فأما التطوع فلا" انتهى باختصار. واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أنه يجوز لبني هاشم إذا كانوا مضطرين ولم يأخذوا نصيبهم من الغنائم – كما هو الواقع الآن – أن يأخذوا من الزكاة المفروضة لدفع ضرورتهم. قال رحمه الله – كما في "الاختيارات" (ص: 104) : "وبنو هاشم إذا منعوا من خمس الخمس [يعني: من الغنائم] جاز لهم الأخذ من الزكاة. وهو قول القاضي يعقوب وغيره من أصحابنا. وقاله أبو يوسف من الحنفية والإصطخري من الشافعية. لأنه محل حاجة وضرورة" انتهى. وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: "لو فرض أنه لا يوجد لإنقاذ حياة هؤلاء من الجوع إلا زكاة الهاشميين، فزكاة الهاشميين أولى من زكاة غير الهاشميين. وقال بعض أهل العلم: يجوز أن يعطوا من الزكاة إذا لم يكن خمس، أو وجد ومنعوا منه. والخُمس: هو أن الغنائم تقسم خمسة أسهم، أربعة أسهم للغانمين، وسهم واحد يقسم خمسة أسهم أيضاً: الأول: لله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، يكون في مصالح المسلمين، وهو ما يعرف بالفيء، أو بيت المال. الثاني: لذي القربى، هم قرابة الرسول عليه الصلاة والسلام، وهم بنو هاشم، وبنو عبد المطلب؛ لأن بني عبد المطلب يشاركون بني هاشم في الخمس. الثالث: لليتامى. الرابع: للمساكين. الخامس: لابن السبيل. فإذا مُنعوا، أو لم يوجد خمس - كما هو الشأن في وقتنا هذا -: فإنهم يعطون من الزكاة دفعاً لضرورتهم إذا كانوا فقراء، وليس عندهم عمل، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو الصحيح. وأما صدقة التطوع: فتدفع لبني هاشم، وهو قول جمهور أهل العلم، وهو الراجح؛ لأن صدقة التطوع كمال، وليست أوساخ الناس، فيعطون من صدقة التطوع" انتهى. " الشرح الممتع " (6 / 253، 254) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111802 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2477 حكم الزكاة التي تدفع لمصلحة الزكاة والدخل [السُّؤَالُ] ـ[أنا صاحب مؤسسة أقوم بدفع مبلغ وقدره 2.5% من رأس مالي إلى مصلحة الزكاة والدخل، بحجة أن هذا المبلغ يعتبر زكاة التجارة، وإذا توقفت عنه فسوف تتوقف لي مصالح كثيرة، مثل الاستقدام، وطلب أي تعديل في مستنداتي، ولهذا أنا ملزم بدفع المبلغ لكني قرأت في بعض الكتب أن هذا المبلغ ليس زكاة، وإنما يلزمني إخراج زكاة خلاف ما أسدده لمصلحة الزكاة والدخل، أرجو الإفادة لأن هذا حال جميع الشركات والمؤسسات بالمملكة، وفقكم الله لما فيه الخير.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "ما دامت طُلبت منك باسم الزكاة وأخرجتها بنية الزكاة فهي زكاة، لأن ولي الأمر له طلب الزكاة من الأغنياء ليصرفها في مصارفها، ولا يلزمك إخراج زكاة أخرى عن المال الذي دفعت زكاته للدولة، أما إذا كان عندك أموال أخرى أو أرباح لم تخرج زكاتها للدولة، فعليك أن تخرجها لمن يستحقها من الفقراء، وغيرهم من أهل الزكاة. والله ولي التوفيق" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله. فتاوى علماء البلد الحرام" (168) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111825 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2478 هل يعطي الزكاة لأحد العمال عنده؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن أعطي زكاة مالي لأحد العاملين عندي في المؤسسة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله بَيَّن الله تعالى مصارف الزكاة الثمانية في قوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة/60. فإذا كان هذا العامل من أحد هؤلاء الأصناف، كأن يكون فقيراً أو مسكيناً أو عليه ديون ..... فلا حرج من إعطائه الزكاة. لكن ينبغي أن يُعلم أنه لا يجوز لصاحب المؤسسة أن يعطي العامل عنده من الزكاة، مقابل حقوق أخرى للعامل عنده، أو مقابل أن يعمل العامل عملاً إضافياً ونحو ذلك. قال الإمام أحمد رحمه الله: كان العلماء يقولون في الزكاة: لا تُدفع بها مذمة، ولا يُحابى بها قريب، ولا يقي بها مالاً. "المغني" (3/153) . أي: بدلاً من أن يعطي العامل حقه في زيادة الراتب أو المكافأة أو مقابل العمل الإضافي ونحو ذلك يعطيه من الزكاة. وقد سئل الشيخ عبد الرحمن بن جبرين حفظه الله: يعمل لدي أحد العاملين، وبلغني أن عليه ديوناً، هل يجوز مساعدته من زكاة مالي؟ فأجاب: "تحل له زكاة مالك بشرط أن يكون عاجزاً عن وفاء الدين، وأن يكون دخله لا يفضل منه بعد نفقة عياله ما يسدد الدين في الحال، وألا يكون قصدك ترغيبه في العمل، أو الإخلاص فيه لديك، وألا تنقص من راتبه عندك، وألا تعطيه أكثر من حاجته " انتهى. "فتاوى علماء البلد الحرام" (ص 174) . وسئل أيضاً: مؤسسة تجارية يوجد بين موظفيها من يستحق الزكاة، فما حكم إعطائهم من أموال المؤسسة الزكوية؟ فأجاب: "إذا كان هؤلاء الموظفون مسلمين فقراء، فلا مانع من دفع الزكاة إليهم، لكن بقدر استحقاقهم، ولا يجوز أن يجعلوها كراتب لهم أو أجرة على العمل، ولا أن يقصدوا بها استجلاب إخلاصهم وبقائهم في العمل، والأفضل دفعها إلى الموظفين خفيةً، أو بواسطة طرف ثالث، حيث لا يشعر أنها من المؤسسة، لإبعادهم عن الشبهة. والله أعلم" انتهى. "فتاوى علماء البلد الحرام" (ص 174) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111864 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2479 هل يعطي الزكاة لمن يبني بها بيتاً؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن أعطي زكاة مالي لشخص بحاجة إلى المال لبناء دار؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أهل الزكاة ثمانية أصناف، ذكرهم الله تعالى في قوله: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة/60. وقد سبق بيان هؤلاء الأصناف في جواب السؤال رقم (46209) . وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن الفقير أو المسكين يُعطى ما يكفيه ويكفي مَنْ ينفق عليهم لمدة سنة كاملة، وحدَّدوا المدة بسنة، لأن الزكاة تتكرر كل سنة. جاء في "الموسوعة الفقهية" (23/317) : "القدر الذي يعطاه الفقير والمسكين من الزكاة: ذهب الجمهور (المالكية وهو قول عند الشافعية وهو المذهب عند الحنابلة) إلى أن الواحد من أهل الحاجة المستحق للزكاة بالفقر أو المسكنة يعطى من الزكاة الكفاية أو تمامها له ولمن يعوله عاما كاملا , ولا يزاد عليه , إنما حددوا العام لأن الزكاة تتكرر كل عام غالبا , ولأن النبي صلى الله عليه وسلم ادخر لأهله قوت سنة" انتهى. وبناء على هذا القول لا يجوز أن يُعطى الفقير أو المسكين من أموال الزكاة ما يشتري به بيتاً، أو يبني به بيتاً، لأن هذا أكثر مما يكفيه لمدة سنة، وإنما يُعطى أجرة السكن سنة كاملة. وذهب الإمام الشافعي (وهو رواية عن الإمام أحمد) واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أن الفقير أو المسكين يُعطى من الزكاة ما يصير به غنياً، ولا يتحدد ذلك بما يكفيه سنة. جاء في "لموسوعة الفقهية" (23/317) : "وذهب الشافعية في قول منصوص والحنابلة في رواية إلى أن الفقير والمسكين يعطيان ما يخرجهما من الفاقة إلى الغنى وهو ما تحصل به الكفاية على الدوام , لحديث قبيصة مرفوعاً: (إن المسألة لا تحل إلا لثلاثة: رجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش , أو قال: سدادا من عيش..) الحديث. قالوا: فإن كان من عادته الاحتراف أعطي ما يشتري به أدوات حرفته، قلت قيمتها أو كثرت، بحيث يحصل له من ربحه ما يفي بكفايته غالبا تقريبا , وإن كان تاجرا أعطي بنسبة ذلك , وإن كان من أهل الضياع يشترى له ضيعة تكفيه غلتها على الدوام" انتهى. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ كما في "الاختيارات" (ص 105) : "ويأخذ الفقير من الزكاة ما يصير به غنياً، وإن كثر. وهو أحد القولين في مذهب أحمد والشافعي" انتهى. وقال المرداوي رحمه الله في "الإنصاف" (7/255) : "الصحيح من المذهب أن كل واحد من الفقير والمسكين يأخذ تمام كفايته سنة .... وعنه [يعني الإمام أحمد] : يأخذ تمام كفايته بمتجر أو آلة صنعة، ونحو ذلك. واختار الآجري والشيخ تقي الدين [ابن تيمية] جواز الآخذ من الزكاة جملة واحدة ما يصير به غنياً وإن كثر " انتهى باختصار. وقال الإمام الشافعي رحمه الله في "الأم" (8/256) : "ولا وقت [أي: لا حد] فيما يُعطى الفقير إلا ما يخرجه من حد الفقر إلى الغنى، قَلَّ ذلك أو كثر" انتهى. ونقل زكريا الأنصاري في "أسنى الطالب" (1/100) عن القاضي أبي الطيب تعليقاً على كلام الإمام الشافعي، أنه قال: "يريد به أن الغنى هو الكفاية على الدوام، فيدفع إلى كل واحد منهم ما يجعله رأس مال ويكفيه فضله لمؤنة، ومن كان من أهل العلم الذين لا يحسنون التجارة اشترى لهم ما يغلهم كفايتهم على الدوام، ومن كان من أهل الحرفة اشترى لهم آلاتهم" انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (6/221) : "الفقير يُعطى كفايته إلى نهاية العام، لأن الزكاة تتجدد كل سنة، ولو قيل: إنه يُعطى إلى أن يصبح غنياً، ويزول عنه وصف الفقر لكان قولاً قوياًّ، وكذلك القول في المسكين" انتهى. وبناء على هذا القول: فإننا نعطيه ما يشتري به بيتاً يسكنه وأهله، وإذا كنا نعطيه ثمن آلات حرفته، إذا كان من أهل الحرف، أو نعطيه ما يشتري به عقاراً يؤجره وتكفيه أجرته، إذا لم يكن من أهل الحرف والتجارة، فلا حرج أن نعطيه ما يشتري به بيتاً يسكنه. وقد اختار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله القول الأول، وهو أنه لا يجوز أن يُعطى الفقير من الزكاة ما يشتري بيتاً، وإنما يُستأجر له بيت من الزكاة. فقد سئل رحمه الله عن رجل فقير أراد بعض زملائه أن يجمعوا له زكاة لشراء منزل وبالفعل جمعوا له من الزكاة واشتروا له سكناً، علماً بأن الذين دفعوا الزكاة لا يهمهم شراء المنزل أو غيره، بل المقصود هو دفع الزكاة. فأجاب: "لا أرى جواز دفع الزكاة لشراء منزل لفقير، وذلك لأن شراء المنزل سوف يأخذ مالاً كثيراً، وإذا كان المقصود دفع حاجة الفقير فإنه يستأجر له من الزكاة، وأضرب لذلك مثلاً برجل فقير يمكن أن يستأجر له بيتاً لمدة عشر سنوات بعشرة آلاف ريال ولو اشترينا له بيتاً لم نجد إلا بمائة ألف أو مائتي ألف فلا يجوز أن نصرف له هذا، ونحرم الفقراء الآخرين، ونقول: يستأجر للفقير، وإذا تمت مدة الأجرة وهو لا زال فقيراً استأجرنا له ثانياً، وأما شراء بيت له من الزكاة فلا أرى جوازه. نعم، إن كان أحد من أهل العلم أفتاهم بجواز ذلك فالمسألة مسألة اجتهاد" انتهى من "فتاوى نور على الدرب". http://www.ibnothaimeen.com/all/noor/article_2647.shtml والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111884 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2480 هل يجوز استثمار أموال الزكاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[يتجمع لدى الجمعيات الخيرية أموال الزكاة، وتكون كثيرة جداً، لاسيما في شهر رمضان، فهل يجوز للجمعية أن تقوم باستثمار هذه الأموال، وتكون أرباحها للفقراء والمساكين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب صرف الزكاة إلى أهلها المذكورين في قوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة/60. فالزكاة حق لهؤلاء الأصناف في مال الأغنياء، فما دام أحد من هذه الأصناف موجوداً، فالواجب أن يدفع حقه إليه، واستثمار أموال الزكاة يؤدي إلى تأخير دفع الزكاة إلى أهلها، أو منع دفعها بالكلية، إذا حصلت خسارة للمشروع وذهب رأس المال. ولهذا أفتى العلماء المعاصرون بأنه لا يجوز استثمار أموال الزكاة. فقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن حكم استثمار بعض الجمعيات الخيرية لأموال الزكاة. فأجاب: " وأما استثمارها في شراء العقارات وشبهها فلا أرى ذلك جائزاً؛ لأن الواجب دفع حاجة الفقير المستحق الآن , وأما الفقراء في المستقبل فأمرهم إلى الله " انتهى. "لقاءات الباب المفتوح" (1/67) . وسئل علماء اللجنة الدائمة: عن جمعية خيرية تريد استثمار أموالها. فأجابوا: " إذا كان المال المذكور في السؤال من الزكاة: فالواجب صرفه في مصارفه الشرعية من حين يصل إلى الجمعية، وأما إن كان من غير الزكاة: فلا مانع من التجارة فيه لمصلحة الجمعية؛ لما في ذلك من زيادة النفع لأهداف الجمعية وللمساهمين فيها " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/403، 404) . وسئلوا – أيضاً -: هل يمكن للهيئة الخيرية الإسلامية العالمية استثمار أموال الزكاة التي قد تودع في المصارف حتى يتم إنفاقها، والتي لن يؤثر استثمارها على ترتيب وتنفيذ إنفاقها في مصارف الزكاة المحددة شرعا، على أن يكون استثمارها في مجالات سائلة، حيث يمكن الحصول عليها عند الحاجة إليها وفي مجالات استثمار مدروسة وموثوقة، ولا نقول مضمونة حتى لا تشوبها حرمة أو شبهة، على أن الهيئة ليست شخصاً بذاته أو أشخاصاً يمثلون أنفسهم، وإنما هي شخصية اعتبارية قائمة بذاتها، والأشخاص فيها يبذلون جهدهم ويجتهدون رأيهم لما فيه خير الإسلام والمسلمين؟ فأجابوا: " لا يجوز لوكيل الجمعية استثمار أموال الزكاة، وإن الواجب صرفها في مصارفها الشرعية المنصوص عليها بعد التثبت في صرفها في المستحقين لها؛ لأن المقصود منها سد حاجة الفقراء وقضاء دين الغرماء؛ ولأن الاستثمار قد يفوت هذه المصالح أو يؤخرها كثيراً عن المستحقين " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/454، 455) . والذين أجازوا استثمار أموال الزكاة اشترطوا: أن يكون ذلك بعد سد حاجة أهل الزكاة الماسة. فقد جاء في قرارات المجمع الفقهي: " يجوز من حيث المبدأ توظيف أموال الزكاة في مشاريع استثمارية تنتهي بتمليك أصحاب الاستحقاق للزكاة، أو تكون تابعة للجهة الشرعية المسؤولة عن جمع الزكاة وتوزيعها، على أن تكون بعد تلبية الحاجة الماسة الفورية للمستحقين وتوافر الضمانات الكافية للبعد عن الخسارة " انتهى. "مجلة المجمع الفقهي". وهذا الشرط يصعب جداً – بل يتعذر – القول بوجوده، فإن أعداد الفقراء والمساكين والمجاهدين في سبيل الله وأبناء السبيل والمدينين والمؤلفة قلوبهم تقدر بالملايين، فيجب دفع الزكاة إلى هؤلاء ولا يجوز تأخيرها. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111774 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2481 ماذا يفعل بباقي التبرعات؟ [السُّؤَالُ] ـ[قام شخص بجمع مبلغ من أعضاء موقعه لشراء شيء يخص الموقع، لكن تفاجأ بأن المبلغ الذي أرسله إليه الأعضاء كبير جدا، ماذا يفعل بباقي المبلغ؟ هل يستخدمه في كل ما يخص موقعه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب عليه استئذان المتبرعين في صرف فيما يريد من الأمور المباحة أو المندوبة، ولا يجوز له أن يجمع الصدقات والتبرعات باسم شيء معين ثم ينفقه في آخر، إلا إذا كان لا يعرف أشخاص المتبرعين ولم يجد وسيلة للوصول إليهم، فيجب عليه حينئذ أن ينفق تلك الصدقات في أقرب شيء للمصرف الذي جمعه له، فمن جمع الصدقة لبناء مسجد، ثم زاد المال فلينفقه في بناء مسجد آخر، ولا ينفقه على الفقراء والمساكين مثلاً. وهكذا ينبغي أن يفعل الأخ السائل؛ فإن تيسر له إخبار هذا الذي تبرع بالمبلغ الكبير بحقيقة الحال، واستئذانه في مصرفه، فعل؛ وإلا صرفه فيما يتعلق بمصلحة الموقع، وشراء ما يحتاجه فيه. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: لقد قمت بجمع تبرعات لبناء جامع للقرية، وتم بناء الجامع، وتبرع بعض أهالي الخير بإكمال عملية التشطيب؛ لأن المبلغ المتبقي لدي لا يفي بذلك، وبقي عندي باقي التبرعات، فهل يصح صرف ما تبقى من تبرعات في تسوير مصلى العيدين والمقبرة في القرية، وهل يصح صرف الفائض في شراء مكيفات وفرش لمساجد القرية الأخرى؟ وهل يصح صرف الفائض في مساعدة المتزوجين والفقراء والمساكين في القرية، وكل ذلك يكون بنية ثوابها للمتبرعين بها؟ علما أن المتبرعين من أهل القرية ومن خارجها. فأجابوا: "يجوز لك إنفاق المال المتبقي عندك من عمارة المسجد الذي أشرفت عليه في عمارة مسجد آخر إذا كان المسجد الأول ليس بحاجة إليه، ولا يجوز لك صرف المبلغ المذكور في غير تعمير المساجد؛ لأنه صرف له في غير الوجه الذي تبرع به صاحبه له " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (المجموعة الثانية 5/208) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112065 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2482 هل تخرج زكاتها لابنها الذي يعيش معها؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لامرأة أن تخرج زكاة مالها إلى ابنها البالغ 21 سنة، والذي يعيش معها، ولا يزال في دراسته، ولا يرغب في الاقتراض لإكمال دراسته؟ هو يعمل في الإجازات الأسبوعية، ولكن دخله لا يكفي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اتفق العلماء على أنه لا يجوز للمزكي أن يدفع زكاته لمن تلزمه نفقته. وعلى هذا، فينظر في حال هذه الأم، إن كان يلزمها شرعاً أن تنفق على ولدها فلا يجوز أن تعطيه من الزكاة، وإن كان لا يلزمها شرعاً أن تنفق عليه فلا حرج عليها من إعطائه الزكاة، بل ذلك أفضل من إعطاء شخص آخر. ولا يجب على الأم أن تنفق على ولدها إلا إذا توفرت شروط: 1- عدم وجود الأب. فإذا وُجد الأب، فالنفقة واجبة عليه وحده. قال ابن قدامه في "المغني": "يجب على الأم أن تنفق على ولدها إذا لم يكن له أب، وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي" انتهى. 2- أن تكون الأم غنية عندها من المال ما يزيد عن حاجتها. 3- أن يكون الولد فقيراً محتاجاً إلى المال. فإذا توفرت هذه الشروط الثلاثة وجب على الأم أن تنفق على ولدها، ولا يجوز أن تعطيه من الزكاة. فإذا كان الأب موجوداً جاز للأم أن تعطي زكاتها لولدها، لأن نفقته لا تجب عليها. قال الحافظ ابن حجر في " فتح الباري": "نقل ابن المنذر وغيره الإجماع على أن الولد لا يُعطى من الزكاة الواجبة. قال الحافظ: وفيه نظر، لأن الذي يمتنع إعطاؤه من الصدقة الواجبة مَنْ يلزم المعطي نفقته، والأم لا يلزمها نفقة ولدها مع وجود الأب" انتهى بتصرف. وإذا كانت الأم غير قادرة على النفقة ولدها فلا حرج عليها أن تعطيه من الزكاة، لأن نفقته غير واجبة عليها في هذه الحال. قال ابن تيمية في "الاختيارات الفقهية" (ص/104) : " ويجوز صرف الزكاة إلى الوالدين وإن علوا، وإلى الولد وإن سفل، إذا كانوا فقراء، وهو عاجز عن نفقتهم، وهو أحد القولين في مذهب أحمد" انتهى باختصار. وقال في "مجموع الفتاوى" (25/92) : " إذا كان – أي الولد - محتاجًا إلى النفقة، وليس لأبيه ما ينفق عليه، ففيه نزاع، والأظهر أنه يجوز له أخذ زكاة أبيه؛ وأما إن كان مستغنيًا بنفقة أبيه فلا حاجة به إلى زكاته " انتهى. وكذلك يجوز للأم أن تدفع زكاتها لولدها إذا كان مديناً ليسدد ديونه. ولمزيد الفائدة يراجع جواب السؤال رقم (20278) و (50739) و (85088) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 107594 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2483 إعطاء الزكاة لشخص مع عدم الجزم باستحقاقه [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز إعطاء الزكاة لشخص مع عدم الجزم باستحقاقه لها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يلزم التحري في إخراج الزكاة بحيث تعطى لمن عُلم أو غلب على الظن أنه مستحق لها، ولا يجوز التساهل في ذلك. وقد سبق بيان مصارف الزكاة في جواب السؤال رقم (46209) . فأما إذا أعطاها لشخص ولم يغلب على ظنه أنه مستحق للزكاة، فلا تجزئه ويلزمه إعادة إخراجها. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والصواب أن الزكاة تجزيء إذا دفعها إلى من يظنه أهلاً بعد التحري عند الشك، فإذا غلب على ظنه أن هذا من أهلها فأعطاها أجزأت " انتهى من "شرح الكافي". والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106440 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2484 هل يجب على الأخ أن ينفق على أخته؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجب على الأخ الإنفاق على أخته؟ وهل يجوز عليها زكاة مال أخيها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب على الأخ أن ينفق على أخته إذا كانت فقيرة، وهو غني، وكان يرثها إذا ماتت، فإن كان لا يرثها لوجود ابن لها أو لوجود الأب أو الجد (أبو الأب) ، لم تلزمه نفقتها، ويجوز أن يعطيها زكاة ماله حينئذ. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (8/169) : " ويشترط لوجوب الإنفاق ثلاثة شروط: أحدها: أن يكونوا فقراء , لا مال لهم , ولا كسب يستغنون به عن إنفاق غيرهم , فإن كانوا موسرين بمال أو كسب يستغنون به , فلا نفقة لهم. الثاني: أن يكون لمن تجب عليه النفقة ما ينفق عليهم , فاضلا عن نفقة نفسه , إما من ماله , وإما من كسبه. فأما من لا يفضل عنه شيء , فليس عليه شيء ; لما روى جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان أحدكم فقيرا , فليبدأ بنفسه , فإن فضل , فعلى عياله , فإن كان فضل , فعلى قرابته) . الثالث: أن يكون المنفق وارثا ; لقول الله تعالى: (وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ) . ولأن بين المتوارثين قرابة تقتضي كون الوارث أحق بمال الموروث من سائر الناس , فينبغي أن يختص بوجوب صلته بالنفقة دونهم , فإن لم يكن وارثا , لم تجب عليه النفقة" انتهى بتصرف. وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (13/503) : "القاعدة عندنا: أنه يشترط أن يكون المنفق وارثاً للمنفق عليه، إلا عمودي النسب [الأصول والفروع] فلا يشترط الإرث " انتهى. وعلى هذا؛ فإذا كان الأخ يجب عليه أن ينفق على أخته فلا يجوز أن يدفع زكاة ماله إليها. وإذا كان لا يجب عليه أن ينفق عليها، جاز له أن يدفع زكاة ماله إليها، بل ذلك أفضل من دفعها إلى غيرها ممن ليس من أقاربه، لأنه بذلك ينال ثواب الصدقة وصلة الرحم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106540 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2485 هل تجوز الصدقة والزكاة على غير المسلمين؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل تجوز الصدقة والزكاة لغير المسلمين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "نعم، يجوز دفع الصدقة لغير المسلمين لتأليفهم على الإسلام مع رجاء إسلامهم، سواء من الزكاة أو من صدقة التطوع، وأما لغير ذلك فتحل لهم صدقة التطوع ولا تحل لهم الزكاة، لقول الله تبارك وتعالى: (لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الممتحنة/8. وأما الزكاة فإنها لا تحل لكافر إلا إذا كان مؤلَّفاً، لقوله تعالى في بيان أهل الزكاة: (وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) التوبة/60" انتهى. فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. "الإجابات على أسئلة الجاليات" (1/24، 25) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106541 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2486 هل يدفع الزكاة لزوج ابنته لأن راتبه ضعيف؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للرجل أن يدفع زكاة أمواله إلى زوج ابنته الموظف براتب قليل الذي يدرس أولاده في جامعات أجنبية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يجوز للرجل أن يدفع زكاة ماله إلى زوج ابنته إذا كان مستحقاً للزكاة، لعموم قوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة/60. وضابط الفقير والمسكين: من لا يجد كفايته من المال. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " فالفقراء والمساكين يأخذون لحاجتهم لكن الفقير أشد حاجةً من المسكين. قال أهل العلم: يشمل ذلك من لم يجد كفايته وكفاية عائلته لسنة، وأما من كان يجد الكفاية فإنه ليس من الفقراء ولا المساكين، مثال ذلك: لو قدر أن هذا شخصٌ راتبه في الشهر أربعة آلاف ولكن عنده عائلة كثيرة ينفق عليهم في الشهر ستة آلاف ما بين كسوة ومأكلٍ ومشرب وأجرة بيت وما أشبه ذلك، فالراتب أربعة آلاف، وما ينفقه ستة آلاف، فهذا يعطى من الزكاة أربعةً وعشرين ألفاً؛ لأنه يحتاج كل شهرٍ ألفين، ولكنه لا يعطى أكثر من ذلك، كما قال أهل العلم: إن الفقير والمسكين يعطيان ما يكفيهما لمدة سنة " انتهى من "فتاوى نور على الدرب". وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل الموظف الذي يتقاضى مرتبا شهريا يستحق الزكاة إذا لم يكن يكفيه مرتبه تماما؟ فأجابوا: "إذا لم يكن مرتبه الشهري يكفيه ولم يكن له دخل آخر يكمل كفايته كان مستحقا للزكاة، فلمن وجبت عليه أن يعطيه منها ما يكفيه لنفقاته المباحة؛ لأنه يعتبر والحال ما ذكر من المساكين " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (10/7) . وجاء فيها أيضا (10/17) : " وأما متوسط الحال فإن كان لديه من المال ما يكفيه ويقوم بشئون حياته فلا يجوز صرفها له، وإن كان يكفيه مع شدة وتقتير جاز أن تعطيه منها ما يسد حاجته " انتهى. وعليه؛ فإذا كان المسئول عنه لا يكفيه راتبه القليل إلى نهاية الشهر، جاز دفع الزكاة إليه، وكذلك لو كان له راتب جيد لكن لا يكفيه، لذهابه في النفقة على نفسه وأولاده ودراستهم، فحيث انطبق عليه وصف المستحق للزكاة، جاز دفعها إليه. ثانياً: ينبغي لكل إنسان أن تكون نفقاته متوازنة مع دخله، فليس من الحكمة في شيء أن يكون الإنسان فقيرا ً، ماله قليل، ثم يُدخل أولاده جامعات أجنبية ويتكلف في ذلك أموالاً كثيرة، ثم يمد يده للناس، يسألهم أموالهم. بل كان يكفيه أن يدخل أولاده جامعات أخرى أقل كلفة، حتى لا يذل نفسه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106542 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2487 إعطاء الزكاة للجمعيات الخيرية لتوزيعها [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز تحويل مبلغ الزكاة إلى حسابات الجمعيات الخيرية الخاصة بالزكاة مع وجود أشخاص قد يستحقونها في نفس البلدة التي أعيش فيها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: يجوز تحويل مبلغ الزكاة إلى حسابات الجمعيات الخيرية، ليتولوا توزيعها، إذا كان القائمون عليها ثقات يتحرون إخراج الزكاة في مصارفها الشرعية. والأصل في الزكاة أن تصرف في فقراء البلد التي بها المال، وإن دعت حاجة إلى نقلها، كأن يكون فقراء البلد التي ينقلها إليه أشد حاجة، أو أقرباء للمزكي بجانب أنهم فقراء، أو نحو ذلك: جاز النقل. وينظر: سؤال رقم (13064) ورقم (43146) [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105946 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2488 الدليل على عدم إعطاء الأصول والفروع من الزكاة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن أعطي لوالدي من الزكاة؟ مع العلم أني امرأة وهل تجب عليّ نفقتهم؟ وما دليل العلماء في عدم إعطاء الأصول أو الفروع من الزكاة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: سبق في جواب السؤالين رقم (111811) و (111892) أنه يجب الإنفاق على الأصول والفروع، والأصول هم: الأب والأم، والأجداد والجدات، من جهة الأب ومن جهة الأم، والفروع هم: الأولاد والأحفاد، ذكوراً كانوا أم إناثاً. فإذا ثبت وجوب الإنفاق عليهم فلا يجوز دفع الزكاة إليهم؛ لأنهم إن كانوا فقراء، وهو غني لزمته نفقتهم، رجلا كان أو امرأة، فإذا أعطاهم من الزكاة حينئذ، فقد حمى ماله، ووفره، فكأنه أعطى الزكاة لنفسه. والقاعدة عند العلماء في هذا: "أن كل من يجب على الإنسان أن ينفق عليه فلا يجوز أن يدفع زكاة ماله إليهم". قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/269) : " ولا يعطى من الصدقة المفروضة للوالدين, ولا للولد. قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الزكاة لا يجوز دفعها إلى الوالدين , في الحال التي يجبر الدافع إليهم على النفقة عليهم , ولأن دفع زكاته إليهم تغنيهم عن نفقته , وتسقطها عنه , ويعود نفعها إليه , فكأنه دفعها إلى نفسه. وكذلك لا يعطيها لولده. قال الإمام أحمد: لا يعطي الوالدين من الزكاة , ولا الولد ولا ولد الولد , ولا الجد ولا الجدة ولا ولد البنت " انتهى بتصرف. ويستثنى من ذلك حالتان عند بعض أهل العلم: الأولى: أن يكون الأصل أو الفرع غارماً (مديناً) فيجوز دفع الزكاة إليه؛ لأن الأب لا يجب عليه سداد دين ولده، والولد لا يجب عليه سداد دين أبيه. الثانية: أن يكون مال المزكي لا يكفي للنفقة على الأصل أو الفرع، فلا تجب عليه النفقة حينئذ، وله أن يعطيهم من الزكاة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في "الاختيارات" (ص 104) : " ويجوز صرف الزكاة إلى الوالدين وإن علوا – يعني الأجداد والجدات - وإلى الولد وإن سفل – يعني الأحفاد - إذا كانوا فقراء وهو عاجز عن نفقتهم، وكذا إن كانوا غارمين أو مكاتبين أو أبناء السبيل، وإذا كانت الأم فقيرة ولها أولاد صغار لهم مال ونفقتها تضر بهم أعطيت من زكاتهم " انتهى باختصار. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105789 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2489 هل يدفع زكاته لأمه من الرضاع؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل تعطى الأم من الرضاعة والأخت من الرضاعة من الزكاة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " نعم تعطى الأم من الرضاعة من الزكاة، والأخت من الرضاعة إذا كن مستحقات للزكاة، وذلك لأن الأم من الرضاعة والأخت من الرضاعة لا يجب النفقة عليهن، فهن يعطين من الزكاة بشرط أن تثبت فيهما صفة الاستحقاق " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/417) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105295 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2490 المصاب بالفشل الكلوي هل يعطى من الزكاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[المصابون بالفشل الكلوي هل يجوز صرف زكاة الأموال لهم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " حاجة الإنسان للعلاج حاجة ملحة، فإذا وجدنا مريضاً يحتاج للعلاج لكنه ليس عنده مال يدفعه للعلاج، فإنه لا حرج أن نعطيه من الزكاة؛ لأن الزكاة يقصد بها دفع الحاجة " انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (18/342) . أما إذا كان هؤلاء المرضى أغنياء لا يحتاجون المال، فلا يجوز دفع الزكاة إليهم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105328 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2491 يجوز دفع الزكاة للفاسق مع نصحه [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز دفع الزكاة لتارك الصلاة، أو الفاسق الذي عنده زوجة صالحة ولها أطفال؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " تارك الصلاة متعمداً كافر لا تدفع إليه الزكاة؛ إن تركها جاحداً لوجوبها فهو كافر بإجماع المسلمين، وإن كان تركها مع إقراره بوجوبها لكن تركها تكاسلاً وتساهلاً وعدم اهتمام بشأنها فهذا كافر على الصحيح من قولي العلماء، فعلى كل حال مثل هذا لا تدفع إليه الزكاة. أما بالنسبة للفاسق وهو الذي يرتكب كبيرة من كبائر الذنوب دون الشرك ودون ترك الصلاة فهذا تدفع له الزكاة إذا كان فقيراً مع مناصحته والأخذ على يده لعله بذلك يتعظ ويؤلف قلبه على التوبة وترك المعصية، خصوصاً إذا كان عنده عائلة وهو بحاجة إلى الإنفاق عليهم أو ينقصه شيء من الإنفاق عليهم " انتهى. "المنتقى من فتاوى الفوزان" (2/324) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105304 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2492 يجوز للإنسان أن يدفع زكاته للقريب الذي لا تلزمه نفقته [السُّؤَالُ] ـ[لدي مجموعة من الإخوة والأخوات الأشقاء وكل واحد منهم لديه أسرة كبيرة، ولا يملك شيئا يذكر لتغطية نفقات دراسة أولاده وأنا أحسن حالاً، والحمد لله، فهل يجوز لي أن أوزع زكاة مالي عليهم بشرط أن لا أخبرهم بأن هذا المال هو زكاة مالي دفعاً للحرج، وخوفاً أن يعلموا ذلك فلا يقبلوها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " دفع الزكاة لمثل هؤلاء جائزة؛ لأنهم في حاجة إلى ذلك ما دام أن دخلهم لا يكفيهم لحاجاتهم الضرورية، وأما من ناحية الإخبار عنها أنها زكاة أو غير زكاة هذا يتبع المصلحة فإذا كانت المصلحة بعدم إخبارهم فلا تخبرهم وإذا كانت المصلحة في إخبارهم فأخبرهم " انتهى. "المنتقى من فتاوى الفوزان" (2/326) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105305 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2493 هل يعطي زكاته لابنته المتزوجة الفقيرة إذا كان زوجها مفقودا؟ [السُّؤَالُ] ـ[السؤال: لي بنت متزوجة ولها أطفال وزوجها مفقود من فترة ولها بيت مستقل، فهل يحق لي أن أتزكى عليها لكي تعيل الأطفال اليتامى؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كانت المرأة متزوجة فنفقتها على زوجها، فإن كان فقيرا، أو غائبا ولم يترك لها مالا تنفق منه، وكانت هي فقيرة لا مال لها، جاز أن تُعطى من الزكاة. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/279) : " وإذا كان للمرأة الفقيرة زوج موسر ينفق عليها , لم يجز دفع الزكاة إليها؛ لأن الكفاية حاصلة لها بما يصلها من نفقتها الواجبة، وإن لم ينفق عليها، وتعذّر ذلك جاز الدفع إليها , وقد نص الإمام أحمد على هذا " انتهى باختصار. لكن ليس لأمها أو لأبيها أن يعطيها من زكاته؛ لأنه ملزم بالنفقة عليها في هذه الحال، إلا في مسألتين: الأولى: أن يعطيها من الزكاة لسداد دينها، الذي استدانته لغير النفقة. والثانية: أن يعجز الأب عن النفقة عليها، لكن يكون عنده مال تجب فيه الزكاة، فيجوز أن يعطيها من زكاته. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: هل يصح إخراج الزكاة للابنة المتزوجة المحتاجة؟ فأجاب: " كل من اتصف بوصف يستحق به الزكاة فالأصل جواز دفع الزكاة إليه، وعلى هذا؛ فإن كان الرجل لا يمكنه أن ينفق على ابنته وأولادها فيدفع الزكاة إليها، والأفضل والأحوط والأبرأ للذمة أن يدفعها إلى زوجها " انتهى. وسئل أيضا: هل يجوز أن أدفع من زكاة مالي لبناتي المتزوجات علماً بأنهن فقراء؟ فأجاب: " ذكر العلماء: أن الإنسان لا يدفع الزكاة إلى ذريته، ولا لآبائه، ولا لأمهاته، أي: لا أصوله ولا فروعه، وهذا إذا كانت تدفع إليه من أجل دفع الحاجة، أما إذا كانت عليهم ديون ليس سبيلها النفقة فيجوز دفعها إليهم؛ لأنه لا يلزمه قضاء ديونهم، ولذلك لا يكون دفع زكاته لهم توفيراً لماله. وخلاصة الجواب: أن هذا الرجل الذي عنده بنات متزوجات وأزواجهن فقراء إذا لم يكن عنده مال يتسع للإنفاق عليهن فلا بأس أن يدفع زكاته إليهم، وليدفع المال إلى الأزواج؛ لأنهم هم المسؤولون عن الإنفاق، فلا بأس بذلك على كل حال" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/426) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105006 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2494 دفع الزكاة للمرأة الفقيرة إذا كان زوجها لا ينفق عليها [السُّؤَالُ] ـ[عندي مال زكاة ولي خالة مسكينة لها أولاد كثر مع أن زوجها غني لكنه لا ينفق بشكل كاف لكثرة زوجاته وأولاده فهل أستطيع أن أعطيها المبلغ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المرأة إذا كانت متزوجة لزم زوجها أن ينفق عليها، فإن كان معسرا أو ممتنعا عن النفقة، وكانت هي فقيرة لا مال لها، جاز أن تعطى من الزكاة. ولا حرج عليك أن تعطيها من زكاتك لأنك غير ملزم بالنفقة عليها. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/279) : " وإذا كان للمرأة الفقيرة زوج موسر ينفق عليها , لم يجز دفع الزكاة إليها ; لأن الكفاية حاصلة لها بما يصلها من نفقتها الواجبة ... وإن لم ينفق عليها , وتعذّر ذلك , جاز الدفع إليها , وقد نص أحمد على هذا " انتهى باختصار. وقال النووي رحمه الله في "المنهاج": " والمكفي بنفقة قريب أو زوج ليس فقيرا ولا مسكينا في الأصح " "مغني المحتاج" (4/176) . وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: لي أخت متزوجة وحالها مستورة، فهل يجوز لي دفع جزء من زكاة مالي إليها، لرفع مستوى معيشتها، وإعانتها على تربية أولادها، وخاصة أن زوجها لا يهتم إلا بنفسه، وقد تعبنا في إصلاح حاله. فأجاب: " إن كانت فقيرة، وزوجها لا ينفق عليها، وعجزتم عن إصلاح حاله، ولم يتيسر من يلزمه بذلك، فإنه يجوز إعطاؤها من الزكاة قدر حاجتها " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (14/269) . وسئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله: شخص لديه ابنة أخت متزوجة من رجل لديه امرأة أخرى، هل تعطى هذه البنت من الزكاة؟ فأجاب: نعم، يعطيها خالها إذا كانت فقيرة وزوجها لا ينفق عليها؛ لفقر أو بخل ". وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (6/257) : " قوله: (ولا تدفع [يعني الزكاة] إلى فقيرة تحت غني منفق) . اشترط المؤلف شرطين هما: الأول: أن تكون تحت غني. الثاني: أن يكون منفقاً باذلاً للنفقة، فلا تدفع إليها؛ لأنها في الحقيقة غير فقيرة، إذ إن زوجها الذي ينفق عليها قد استغنت به. فإن كانت تحت فقير، فتحل لها، وتحل لزوجها؛ لأن الوصف منطبق عليها. وإذا كانت تحت غني، لكنه من أبخل الناس فتعطى من الزكاة؛ لأنها فقيرة، ولم تستغن بزوجها، فتدخل في قوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ.) فإن قال قائل: لماذا لا تقولون لها: طالبي الزوج وارفعيه إلى المحكمة؟ قلنا: لا نقول لها ذلك؛ لأن هذا يترتب عليه مشاكل، فقد يفضي إلى أن يطلقها، وهذا ضرر عليها، ودفع حاجتها لدفع هذا الضرر لا شك أنه مما جاءت به الشريعة " انتهى مختصرا. والحاصل: أنه يجوز أن تدفع زكاتك إلى خالتك إذا كانت فقيرة أو مسكينة، ولا يعطيها زوجها ما يكفيها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 102755 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2495 دفع الزكاة للأقارب [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز إعطاء الزكاة للفقراء والمستحقين لها من الأقارب كالأخ والأخت والعم والعمة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن دفع الزكاة إلى الأقارب الذين هم من أهلها أفضل من دفعها إلى من هم ليسوا من قرابتك لأن الصدقة على القريب صدقة وصلة قال عليه الصلاة والسلام: (إن الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم اثنتان صدقة وصلة) رواه النسائي (2581) والترمذي (658) صححه الألباني في صحيح النسائي (2420) . إلا إذا كان هؤلاء الأقارب ممن تلزمك نفقتهم وأعطيتهم من الزكاة ما تحمي به مالك من الإنفاق فإن هذا لا يجوز. أما إذا كان مالك لا يتسع للإنفاق عليهم فلا حرج عليك أن تعطيهم من زكاتك، وكذلك لو كان عليهم ديون للناس وقضيت ديونهم من زكاتك فإنه لا حرج عليك في هذا أيضا وذلك لأن الديون لا يلزم القريب أن يقضيها عن قريبه فيكون قضاؤها من زكاته أمرا مجزيا حتى ولو كان ابنك أو أباك وعليه دين لأحد ولا يستطيع وفاءه فإنه يجوز لك أن تقضيه من زكاتك. من فتوى للشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله (فتاوى الشيخ محمد الصالح العثيمين 1/461) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20278 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2496 هل يقضى دين الميت من الزكاة [السُّؤَالُ] ـ[توفي شخص وعليه دين، ولم يترك مالاً يسدد هذا الدين؛ فهل يجوز قضاء دينه من الزكاة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا شك أن قضاء الدين عن الميت أمر مشروع، وفيه إحسان إلى الميت. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في أول الإسلام إذا أُتِي بالميت ليصلي عليه؛ سأل: هل عليه دين؟ فإن أُخبر أن عليه دينًا، لم يُصِلِّ عليه، وقال لأصحابه: (صلوا على صاحبكم) رواه البخاري (2295) . فلما وسع الله على رسوله صلى الله عليه وسلم، صار يتحمل الدين عن الميت الذي ليس له وفاء، ويصلي عليه، فقد جاء في البخاري (2297) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَمَنْ تُوُفِّيَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَتَرَكَ دَيْنًا فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ، وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ) ، فدل هذا على مشروعية قضاء الدين عن الميت. ثانياً: اختلف العلماء في جواز قضاء دين الميت من الزكاة، فذهب بعض أهل العلم إلى أنه يقضى دين الميت من الزكاة، وقد اختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وانظر "مجموع الفتاوى" (25/80) . وذهب أكثر العلماء إلى أنه لا يقضى دين الميت من الزكاة. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/281) : " قَالَ الإمام أَحْمَدَ لا يُكَفَّنُ الْمَيِّتُ مِنْ الزَّكَاةِ، وَلَا يُقْضَى مِنْ الزَّكَاةِ دَيْنُ الْمَيِّتِ. وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ دَفْعُهَا فِي قَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ ; لِأَنَّ الْغَارِمَ هُوَ الْمَيِّتُ وَلَا يُمْكِنُ الدَّفْعُ إلَيْهِ , وَإِنْ دَفَعَهَا إلَى غَرِيمِهِ صَارَ الدَّفْعُ إلَى الْغَرِيمِ لَا إلَى الْغَارِمِ " انتهى. وقال النووي رحمه الله في "روضة الطالبين" (2/320) : " الأصح الأشهر أنه لا يقضى دين الميت من سهم الغارمين " انتهى بتصرف. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: شخص توفي وعليه دين، وليس وراءه من يستطيع سداده، فهل يجوز أن يسدد هذا الدين من الزكاة؟ فأجاب: " لا يجوز أن يسدد دين الميت من الزكاة، ولكن إذا كان قد أخذه بنية الوفاء فإن الله يؤديه عنه " انتهى."مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/377) . وقال أيضاً في "الشرح الممتع" (6/236) : " لا يقضى دين الميت من الزكاة لأمور ثلاثة: أولاً: أن الظاهر من إعطاء الغارم أن يزال عنه ذل الدين. ثانياً: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان لا يقضي ديون الأموات من الزكاة، فكان يؤتى بالميت وعليه دين فيسأل صلّى الله عليه وسلّم هل ترك وفاء؟ فإن لم يترك لم يصل عليه وإن قالوا: له وفاء، صلى عليه، فلما فتح الله عليه وكثر عنده المال صار يقضي الدين بما فتح الله عليه عن الأموات، ولو كان قضاء الدين عن الميت من الزكاة جائزاً لفعله صلّى الله عليه وسلّم. ثالثاً: أنه لو فتح هذا الباب لعطل قضاء ديون كثير من الأحياء؛ لأن العادة أن الناس يعطفون على الميت أكثر مما يعطفون على الحي، والأحياء أحق بالوفاء من الأموات " انتهى بتصرف. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 100102 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2497 من استدان في محرم لا يُعطى من الزكاة إلا إذا تاب [السُّؤَالُ] ـ[رجل أخذ قرضاً ربوياً من البنك لحاجته لشراء بيت، فهل يُعطى من الزكاة في سداد دينه للبنك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يحرم على الإنسان أن يتعامل بالربا قرضاً أو إقراضاً، قال الله تعالى (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) البقرة /275. وروى مسلم (1598) عن جابر رضي الله عنه قَالَ: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ) . انظر جواب السؤال رقم (39829) . ثانياً لو استدان الإنسان في أمر محرم، فإنه لا يُعطى من الزكاة، إلا إذا تاب. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (6/333) : " إنْ غَرِمَ فِي مَعْصِيَةٍ , مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ خَمْرًا , أَوْ يَصْرِفَهُ فِي زِنَاءٍ أَوْ قِمَارٍ أَوْ غِنَاءٍ وَنَحْوِهِ , لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِ قَبْلَ التَّوْبَةِ شَيْءٌ ; لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ " انتهى. وقال ابن مفلح رحمه الله في "الفروع" (2/618) : " وَمَنْ غَرِمَ فِي مَعْصِيَةٍ لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِ شَيْءٌ , فَإِنْ تَابَ دُفِعَ إلَيْهِ " انتهى. وجاء في الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين رحمه الله (6/235) : " من غرم في محرم هل نعطيه من الزكاة؟ الجواب: إن تاب أعطيناه، وإلا لم نعطه؛ لأن هذا إعانة على المحرم، ولذلك لو أعطيناه لاستدان مرة أخرى " انتهى. وعلى هذا، فلا حرج من إعطاء هذا الرجل من الزكاة إذا كان قد تاب من التعامل بالربا، وندم على ذلك، وعزم على عدم فعل ذلك في المستقبل. أما إذا لم يتب من ذلك، وكنا إذا أعطيناه اليوم ليسدد ما عليه من الديون، يذهب غداً ليقترض بالربا مرة أخرى، فلا يجوز إعطاؤه من الزكاة؛ لأننا بذلك نعينه على فعل المحرم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 99829 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2498 أعطى زكاته فقيراً فتبين أنه غني [السُّؤَالُ] ـ[أخرجت زكاة مالي، وأعطيتها لرجل فقير، فتبين لي بعد ذلك أنه كان غنياً، فهل تجزئ عني تلك الزكاة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف العلماء فيمن أعطى زكاته لغني، وهو يظنه فقيراً، فذهب الشافعية إلى أنها لا تجزئ. وانظر "المجموع" (6/225) . وذهب الحنابلة إلى أنها تجزئ، وهو الصواب. ويدل على ذلك: ما رواه البخاري (1421) ومسلم (1022) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (قَالَ رَجُلٌ: لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ ..... وفيه، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ غَنِيٍّ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى غَنِيٍّ! فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ! عَلَى غَنِيٍّ! ، فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ: أَمَّا صَدَقَتُكَ فَقَدْ قُبِلَتْ، ولعل الْغَنِيَّ يَعْتَبِرُ فَيُنْفِقُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ) . ولأن حقيقة الفقر قد تخفى، فاكتفى فيه بغلبة ظن دافع الزكاة، قال الله تعالى: (يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ) البقرة / 273. قال البهوتي في "كشاف القناع" (2/296) : " فَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِ مِنْ الزَّكَاةِ يَظُنُّهُ فَقِيرًا فَبَانَ غَنِيًّا أَجْزَأَتْ " انتهى. وهل يأخذ الحكم نفسه كل من أعطى الزكاة لمن يظنه أهلاً لها، فتبين أنه ليس من أهلها، كمن أعطى الزكاة كافراً، وهو يظن أنه مسلم، أو أعطاها رجلاً فقيراً، ثم تبين أنه من آل البيت النبوي؟ ذهب الحنابلة إلى أنها لا تجزئ في هذه الأحوال؛ لأن هذا لا يخفى على الناس غالباً، بخلاف الفقر، فإنه قد يخفى. وانظر "المغني" (2/281) . واختار الشيخ ابن عثيمين أنه تجزئ في هذه الأحوال، فقال في "الشرح الممتع" (6/265) : " إذا دفعها إلى من يظن أنه أهل بعد التحري، فبان أنه غير أهل فإنها تجزئه؛ لأنه اتقى الله ما استطاع، قال تعالى (لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا) البقرة /286، والعبرة في العبادات بما في ظن المكلف بخلاف المعاملات فالعبرة بما في نفس الأمر " انتهى بتصرف. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 99755 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2499 إعطاء القريبة من الزكاة إذا كان ولدها سيأخذ منها لينفق في الحرام [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز إعطاء الزكاة لقريبة منا فقيرة مع العلم أننا لو أعطيناها سوف تعطي ولدها الذي يقوم بأعمال سيئة ومحرمة هل يجوز إعطاؤها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كانت القريبة المسؤول عنها تستحق الزكاة لفقرها ومسكنتها أو لكونها مدينة، فلا مانع من إعطائها الزكاة، بل إعطاؤها أفضل، لأنه زكاة وصلة، وراجع جواب السؤال رقم (20278) . وينبغي نصحها بأن لا تمكّن ولدها من الإنفاق في الحرام، بل تشتري له ما يحتاجه من المباح، ولها أن تخفي المال عنه، لتنفق منه على نفسه وعلى من تعول. كما ينبغي نصح الابن وتوجيهه ودعوته إلى الله تعالى وعدم اليأس من هدايته، فإن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، وكم تاب سبحانه على عاصٍ، وكم هدى من ضال. وإذا لم يمكن حجب المال عن الولد ومنعه من إنفاقه في الحرام، فللأم أن تأخذ المال ثم تعطيه لواحد منكم، وتوكله في شراء ما تحتاجه. وعند بعض أهل العلم يجوز إعطاؤها الزكاة ابتداء في صورة أطعمة وألبسة ونحو ذلك مما تحتاجه، وهذا القول يمكن اعتماده في مثل هذه الحالة إذا كان الابن سيستولي على المال وينفقه في المحرم. وينظر جواب السؤال رقم (42542) ورقم (79337) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98191 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2500 إذا أعطى زكاته لمستحقها فهل يخبره أنها زكاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجب لفظ كلمة " زكاة " عند إعطائها للناس - يعني: أن نقول " خذ هذه زكاة "؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: زكاة المال لها مصارف محددة، لا يجوز صرف الزكاة إلى غيرها، وقد ذكرها الله تعالى بقوله: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة/60 ولمعرفة هؤلاء بتفاصيل نافعة: انظر جوابي السؤالين (46209) و (6977) . ثانياً: لا يلزم معطي الزكاة أن يخبر من يأخذها بأنها زكاة، بل قد كره بعض المالكية إخباره، وهو ظاهر قول الإمام أحمد رحمه الله، وكذا الشافعية. قال النووي رحمه الله: " إذا دفع المالك أو غيره الزكاة إلى المستحق ولم يقل هي زكاة، ولا تكلم بشيء أصلا: أجزأه، ووقع زكاة، هذا هو المذهب الصحيح المشهور الذي قطع به الجمهور، وقد صرح بالمسألة إمام الحرمين – أي: الجويني -، وآخرون " انتهى. " المجموع " (6 / 233) . وقال ابن قدامة رحمه الله: " وإذا دفع الزكاة إلى من يظنه فقيراً: لم يحتج إلى إعلامه أنها زكاة، قال الحسن: أتريد أن تقرعه؟! لا تخبره. وقال أحمد بن الحسن: قلت لأحمد: يدفع الرجل الزكاة إلى الرجل فيقول: هذا من الزكاة، أو يسكت؟ ، قال: " ولم يبكِّته بهذا القول؟! يعطيه، ويسكت، ما حاجته إلى أن يقرعه؟! انتهى. " المغني " (2 / 508) . وفي " الشرح الكبير " للشيخ الدردير رحمه الله (1 / 500) : " ولا يشترط إعلامه، أو علمه بأنها زكاة، بل قال اللقاني: يكره إعلامه؛ لما فيه مِن كسر قلب الفقير، وهو ظاهر، خلافاً لمَن قال بالاشتراط " انتهى. وقد ذكرنا في جواب السؤال (33777) فتوى عن اللجنة الدائمة للإفتاء بأنه لا يجب إخبار الآخذ بان هذا المال زكاة. لكن.. إذا علم المعطي أن الآخذ لا يقبل الزكاة، وأنه إذا علم أنها زكاة لم يأخذها، فيجب على المعطي حينئذ أن يخبره أنها زكاة، ثم إن شاء قبلها وإن شاء ردّها. فقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: عن حكم إعطاء الإنسان الزكاة دون إخباره أنها زكاة؟ . فأجاب: " لا بأس أن يعطي الزكاة لمستحقها بدون أن يعلم أنها زكاة، إذا كان الآخذ له عادة بأخذها وقبولها، فإن كان ممن لا يقبلها: فإنه يجب إعلامه، حتى يكون على بصيرة، فيقبل، أو يرد " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " (18 / السؤال رقم 229) . وسئل أيضاً رحمه الله: إذا أعطى الإنسان زكاته لمستحقها فهل يخبره أنها زكاة؟ . فأجاب: " إذا أعطى الإنسان زكاته إلى مستحقها: فإن كان هذا المستحق يرفض الزكاة ولا يقبلها: فإنه يجب على صاحب الزكاة أن يخبره أنها زكاة؛ ليكون على بصيرة من أمره إن شاء رفض وإن شاء قبل، وإذا كان من عادته أن يأخذ الزكاة: فإن الذي ينبغي أن لا يخبره؛ لأن إخباره بأنها زكاة فيه نوع من المنَّة، وقد قال الله تعالى: (ي?أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَـ?تِكُم بِالْمَنِّ وَالأَْذَى?) البقرة/264. " مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " (18 / السؤال رقم 230) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97728 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2501 دفع الزكاة لطالب العلم الدنيوي [السُّؤَالُ] ـ[أختي متزوجة من رجل لا يعمل إلا في بعض الأحيان ولكنه أيضا بخيل ولا ينفق عليها وأولادها , وهي تعمل وتتحمل كل نفقات البيت والآن مجبرة على تكملة تعليمها لشهادة أعلى وإلا فصلت من عملها وينقصها المال فهل يجوز أن أعطيها زكاة مالي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز دفع الزكاة لطالب العلم الدنيوي، الذي لا يجد نفقاته، إذا كان العلم الذي يدرسه علما مباحا، ويحتاج إليه، ليتمكن من العمل أو الحصول على وظيفة، لأن الحصول على هذه الشهادة أصبح حاجة ماسة، يتوقف عليها العمل والتوظف غالبا. قال المرداوي في "الإنصاف" (3/218) : " واختار الشيخ تقي الدين: جواز الأخذ من الزكاة لشراء كتب يشتغل فيها بما يحتاج إليه من كتب العلم التي لا بد منها لمصلحة دينه ودنياه. انتهى , وهو الصواب " انتهى. وعلى هذا، فلا حرج من إعطائك أختك زكاة مالك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 95418 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2502 هل يدفع زكاة الفطر لخالته؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز دفع زكاة الفطر لخالتي المطلقة، وليس لها أولاد، ولكن لها بنات متزوجات، وتمتلك نصف دونم من الأرض، وليس لها مصدر رزق، فهل يجوز إعطاؤها الزكاة أم تعطى لفقير آخر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: اختلف العلماء في مصرف زكاة الفطر، فذهب جمهورهم إلى أنها تصرف إلى أي واحد من مصارف زكاة المال الثمانية، وذهب بعضهم إلى وجوب استيعاب تلك الأصناف الثمانية بالزكاة، وذهب آخرون إلى اختصاصها بالفقراء والمساكين. جاء في " الموسوعة الفقهية " (23 / 344) : "اختلف الفقهاء فيمن تصرف إليه زكاة الفطر على ثلاثة آراءٍ: ذهب الجمهور إلى جواز قسمتها على الأصناف الثّمانية الّتي تصرف فيها زكاة المال، وذهب المالكيّة - وهي رواية عن أحمد واختارها ابن تيميّة - إلى تخصيص صرفها بالفقراء والمساكين، وذهب الشّافعيّة إلى وجوب قسمتها على الأصناف الثّمانية، أو من وُجد منهم" انتهى. وقد ردَّ شيخ الإسلام ابن تيمية القول الأول والثالث في " مجموع الفتاوى " (25/73 – 78) ، وبيَّن – رحمه الله – أن تعلق زكاة الفطر بالأبدان لا بالأموال، ومما قال هناك: "ولهذا أوجبها الله تعالى طعاماً، كما أوجب الكفارة طعاماً، وعلى هذا القول: فلا يجزئ إطعامها إلا لمن يستحق الكفارة، وهم الآخذون لحاجة أنفسهم، فلا يعطى منها في المؤلفة، ولا الرقاب، ولا غير ذلك، وهذا القول أقوى في الدليل. وأضعف الأقوال: قول من يقول: إنه يجب على كل مسلم أن يدفع صدقة فطره الى اثني عشر، أو ثمانية عشر، أو إلى أربعة وعشرين، أو اثنين وثلاثين، أو ثمانية وعشرين، ونحو ذلك؛ فإن هذا خلاف ما كان عليه المسلمون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلفائه الراشدين، وصحابته أجمعين، لم يعمل بهذا مسلم على عهدهم، بل كان المسلم يدفع صدقة فطره وصدقة فطر عياله إلى المسلم الواحد، ولو رأوا مَن يقسم الصاع على بضعة عشر نفساً يُعطي كل واحد حفنة: لأنكروا ذلك غاية الإنكار وعدُّوه من البدع المستنكرة، والأفعال المستقبحة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قدَّر المأمور به صاعاً من تمرٍ، أو صاعاً من شعير، ومن البر إما نصف صاع وإما صاع، على قدر الكفاية التامة للواحد من المساكين، وجعلها طعمة لهم يوم العيد يستغنون بها، فاذا أخذ المسكين حفنة لم ينتفع بها، ولم تقع موقعاً، وكذلك مَن عليه دَين وهو ابن سبيل إذا أخذ حفنة من حنطة لم ينتفع بها. . . والشريعة منزهة عن هذه الأفعال المنكرة التي لا يرضاها العقلاء، ولم يفعلها أحد من سلف الأمة، وأئمتها. ثم قول النبي صلى الله عليه وسلم (طُعمة للمساكين) نصٌّ في أن ذلك حق للمساكين، كقوله تعالى في آية الظهار: (فإطعام ستين مسكيناً) : فإذا لم يجز أن تصرف تلك للأصناف الثمانية: فكذلك هذه" انتهى باختصار. وعليه: فيكون الراجح من تلك الأقوال الثلاثة: القول الثاني، وهو وجوب دفع صدقة الفطر للفقراء والمساكين دون غيرهم، وهو الذي رجحه الشيخ العثيمين رحمه الله، كما في "الشرح الممتع" (6/117) . ثانياً: وزكاة المال، والفطر إذا كانت في الأقارب الذين يستحقونهما فهي أفضل من أن تكون في غيرهم من المستحقين، وتكون هنا زكاة وصلة، ولكن ذلك مشروط بكون هذا القريب ممن لا تجب نفقته على المزكِّي. سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: عن حكم دفع زكاة الفطر للأقارب الفقراء؟ فأجاب: "يجوز أن تدفع زكاة الفطر، وزكاة المال، إلى الأقارب الفقراء، بل إن دفعها إلى الأقارب أولى من دفعها إلى الأباعد؛ لأن دفعها إلى الأقارب صدقة وصلة، لكن بشرط ألا يكون في دفعها حماية ماله، وذلك فيما إذا كان هذا الفقير تجب عليه نفقته، أي: على الغني؛ فإنه في هذه الحال لا يجوز له أن يدفع حاجته بشيء من زكاته؛ لأنه إذا فعل ذلك: فقد وفَّر ماله بما دفعه من الزكاة، وهذا لا يجوز، ولا يحل، أما إذا كان لا تجب عليه نفقته: فإن له أن يدفع إليه زكاته، بل إن دفع الزكاة إليه أفضل من دفعها للبعيد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صدقتك على القريب صدقة وصلة) " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (18 / السؤال رقم 301) . والخلاصة: إذا كانت خالتك فقيرة: فهي تستحق الزكاة، ولو كانت تملك نصف دونم، وإن كان الأفضل لها بيعه والاستغناء بثمنه عن منَّة الناس. ولا ينبغي للمسلمين ترك أقاربهم حتى يقارب شهر رمضان على الانتهاء فيتفقد أحدهم قريبه بصاعٍ من طعام يدفعه له، بل الواجب على المسلمين عموماً تفقد أحوال المحتاجين والفقراء، والمسارعة لبذل ما يحتاجونه من طعام ومال وكساء، ويتحتم هذا على الأغنياء في تفقد أقاربهم الفقراء. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93845 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2503 كيف يزكي الأرض والسيارة والذهب؟ [السُّؤَالُ] ـ[1- عندي قطعة أرض اشتريتها منذ تقريبا عام لغرضين ولم أقرر حتى الآن أي الغرضين سوف أنفذ. الغرض الأول: التجارة فيها أي حينما يعلو ثمنها أبيعها. الغرض الثاني: أبنى عليها في المستقبل البعيد بيتا لأسكن فيه أنا وأسرتي. السؤال الأول: كيف أحسب مقدار زكاة هذه الأرض (ثمن الشراء أو – ثمن البيع) وهل يجب فيها زكاة أم لا؟ 2- أقوم كل عام في رمضان بإخراج زكاه مالي كالتالي: أقوم بجرد كل مالي سواء الموجود في يدي أو في البنك، عندي سيارة واحدة أقوم بتأجيرها نظير مبلغ شهري طول العام بفضل الله، أقوم بحساب ثمنها بالثمن الذي اشتريتها به منذ حوالي أربعة أو خمسة سنوات، وفى حالة إذا وجدت سيارة أخرى بغرض التجارة أقوم بحساب الثمن على أساس المبلغ المدفوع فيها مثل السيارة الأولى، يوجد مبلغ في البنك له فوائد آخذ هذه الفوائد كلها مع العلم أنها مبلغ كبير. شبكة زوجتي أقدرها بالمبلغ المدفوع فيها. إذا وجد أي شيء آخر أقدره بالمبلغ (الثمن) المدفوع فيه. السؤال الثاني: أقوم بإخراج الزكاة كالتالي (كل ما سبق يحول إلى قيمه نقدية * 2% + فائدة البنك كاملة) . مبلغ نقدي أقوم بإخراجه كالتالي 1- الفقراء في قريتي وأي مكان آخر فيه يتامى 2- جزء صغير للأقرباء الذين أعتقد أنهم محتاجون سواء من ناحية الوالد أم الوالدة 3- جزء صغير أيضا لإخوتى بنات وبنين مع العلم أن البنات متزوجات وميسورات الحال ووالدي ووالدتي مع العلم أيضا أنهم ميسورو الحال من باب صلة الرحم (حيث إنني الولد الأكبر) 4- جزء أرسله للجمعيات الخيرية مثل اليتامى- المرضى –أشقائنا في فلسطين 5- جزء صغير لأي أبنية خيرية مثل المساجد والمدارس، هل ما أقوم به في إخراج الزكاة صحيح أم خطأ؟ وما هو الصح إن كان هناك خطأ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا كان الأمر كما ذكرت من أن الأرض يحتمل أن تبيعها عند ارتفاع سعرها، ويحتمل أن تبني عليها بيتا لك ولأسرتك، فلا زكاة عليك فيها، لعدم الجزم بنية التجارة، فإذا جزمت بنية التجارة، ففيها الزكاة، فتحسب سنة من جزمك بالنية، ثم إذا انتهت قومت في الأرض بما تساويه في ذلك الوقت وتخرج زكاتها. ثانيا: السيارة التي تقوم بتأجيرها لا زكاة فيها، وإنما الزكاة في أجرتها إذا بلغت نصابا ومَرَّ عليها الحول وهي معك. وفي حالة امتلاكك سيارة بنية الاتجار فيها، فإن الزكاة تحسب على قيمتها عند حولان الحول، ولا ينظر في سعرها وقت الشراء. وراجع السؤال رقم (65515) . ثالثا: الفوائد البنكية الربوية لا زكاة فيها، لأنها مال حرام لا يملكه المرابي، ويجب التخلص منها بصرفها في وجوه الخير، ويزكى أصل المال فقط. والواجب عليك هو تحويل رصيدك بالبنك إلى حساب جار بلا فوائد، لأن هذه الفوائد ربا محرم من كبائر الذنوب، والله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا. رابعا: (شبكة الزوجة) إن بلغت نصابا وهو 85 جراما، فتجب فيها الزكاة، وطريقة زكاتها: أن تقوّم بسعر يوم الزكاة بقطع النظر عن السعر الذي اشتريت به، ثم تخرج زكاتها. والمقصود بسعر يوم الزكاة: هو سعر هذا الذهب المستعمل، الذي يمكنك أن تبيعه به، لا سعر الذهب الجديد. خامسا: القدر الواجب إخراجه في زكاة الذهب والفضة وعروض التجارة والنقود هو ربع العشر أي 2.5% وليس 2% كما جاء في السؤال. سادساً: مصارف الزكاة معروفة، بينها الله تعالى بقوله: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة/60 1- وقد أحسنت في إعطائها لفقراء القرية، وللمحتاجين من أقاربك، وللفقراء في فلسطين. 2- وأما إعطاء جزء من الزكاة لوالديك أو لإخوانك وأخواتك ميسوري الحال، فلا يجوز، ولا تبرأ به ذمتك، لأنهم ليسوا من مصارف الزكاة. والمشروع أن تعطيهم من الهدية والصدقة لا من الزكاة. إلا أن يكون على واحدٍ منهم دين، ولا يجد وفاء له، فيجوز إعطاؤه من الزكاة حينئذ. 3- وكذلك صرف الزكاة في الأبنية الخيرية من المساجد والمدارس: لا يصح، لأن الزكاة يجب أن تعطى لأحد الأصناف الثمانية المذكورة في الآية. وليست المساجد منها، ولا تدخل في قوله تعالى: (وفي سبيل الله) لأن المراد به: الجهاد في سبيل الله، وانظر السؤال رقم (13734) (21805) 4- وأما الجمعيات الخيرية للأيتام والمرضى، فيجوز إعطاؤهم الزكاة إذا كان هؤلاء الأيتام أو المرضى فقراء محتاجين، وكانت هذه الزكاة ستعطى لهم نقودا، أو يتولى المسئولون شراء ما يحتاجونه من ملابس ودواء ونحو ذلك، لا أن تصرف في مشاريع الجمعية من مبانٍ وغيرها. ونسأل الله أن يبارك لك في مالك، وأن يجعله عونا لك على طاعته. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93706 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2504 إعطاء الزكاة لمن يريد أن يتزوج [السُّؤَالُ] ـ[أحد أصدقائي يريد أن يتزوج وليس معه من الأموال ما يكفي نفقات الزواج، فهل يجوز لي أن أساعده وأحسب هذه الأموال من الزكاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، يجوز إعطاء الزكاة لمن يريد أن يتزوج، إذا كان لا يجد ما يكفيه للزواج، وهذا لا يخرج عن أصناف الزكاة الثمانية التي ذكرها الله تعالى في قوله: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة / 60، لأن من لا يجد ما يكفيه فهو فقير أو مسكين فيجوز دفع الزكاة إليه. قال الشيخ ابن عثيمين: " لو وجدنا شخصاً يستطيع أن يكتسب للأكل والشرب، والسكنى لكنه يحتاج إلى الزواج وليس عنده ما يتزوج به فهل يجوز أن نزوجه من الزكاة؟ الجواب: نعم يجوز أن نزوجه من الزكاة ويعطى المهر كاملاً، فإن قيل: ما وجه كون تزويج الفقير من الزكاة جائزاً ولو كان الذي يعطى إياه كثيراً؟ قلنا: لأن حاجة الإنسان إلى الزواج ملحة قد تكون في بعض الأحيان كحاجته إلى الأكل والشرب، ولذلك قال أهل العلم: إنه يجب على من تلزمه نفقة شخص أن يزوجه إن كان ماله يتسع لذلك فيجب على الأب أن يزوج ابنه إذا احتاج الابن للزواج ولم يكن عنده ما يتزوج به، لكن سمعت أن بعض الآباء الذي نسوا حالهم حال الشباب إذا طلب ابنه منه الزواج قال له: تزوج من عرق جبينك. وهذا غير جائز وحرام عليه إذا كان قادراً على تزويجه، وسوف يخاصمه ابنه يوم القيامة إذا لم يزوجه مع قدرته على تزويجه ". اهـ (فتاوى أركان الإسلام ص440-441) وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن دفع الزكاة للشاب العاجز عن الزواج فقال: يجوز دفع الزكاة لهذا الشاب، مساعدة له في الزواج إذا كان عاجزاً عن مؤونته. فتاوى الشيخ ابن باز (14/275) وسئلت اللجنة الدائمة: هل يجوز صرف الزكاة لشاب يريد الزواج من أجل إعفاف فرجه فأجابت: يجوز ذلك إذا كان لا يجد نفقات الزواج العرفية التي لا إسراف بها. فتاوى اللجنة الدائمة (10/17) والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 21975 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2505 هل يجوز دفع الزكاة لفتاة فقيرة من أجل نفقة زواجها؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز إخراج زكاة المال في مساعدة فتاة فقيرة في نفقات زواجها؟ مع العلم بأن الناس مهما رق حالهم فقد يتوسعون في متطلبات الزواج؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: ينبغي أن يعلم أن المرأة لا يلزمها إعداد المسكن أو تجهيزه، بل ذلك واجب على الزوج، وهو من جملة النفقة التي تلزمه تجاه زوجته، كما أن المهر المبذول للزوجة ملك لها، فلها أن تستعين به أو ببعضه على تجهيز نفسها. جاء في "الموسوعة الفقهية" (16/166) : " جهاز الزوجة: ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا يجب على المرأة أن تتجهز بمهرها أو بشيء منه , وعلى الزوج أن يعد لها المنزل بكل ما يحتاج إليه ليكون سكنا شرعيا لائقا بهما " انتهى. ثانيا: إذا كان لهذه الفتاة من ينفق عليها من أب أو قريب، فهو المطالب بتجهيزها وتسليمها لزوجها، فإن امتنع من ذلك ألزم به الزوج، وجعل ذلك من مهرها، وراجع السؤال رقم (12506) . ثالثا: إذا كان العرف هو مشاركة المرأة في تجهيز البيت، بحيث لا تتزوج إلا بذلك – كما هو الحال في بعض المجتمعات - وامتنع وليها من الإنفاق عليها، أو عجز عن هذه النفقة، وليس لها مال تجهز به نفسها، فالذي يظهر هو جواز دفع الزكاة لها حينئذ؛ لأن الحاجة إلى الزواج حاجة معتبرة، قد تكون في بعض الأحيان كالحاجة للطعام والشراب والمسكن. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " لو وجدنا شخصاً يستطيع أن يكتسب للأكل والشرب، والسكنى لكنه يحتاج إلى الزواج وليس عنده ما يتزوج به فهل يجوز أن نزوجه من الزكاة؟ الجواب: نعم، يجوز أن نزوجه من الزكاة، ويعطى المهر كاملاً، فإن قيل: ما وجه كون تزويج الفقير من الزكاة جائزاً ولو كان الذي يعطى إياه كثيراً؟ قلنا: لأن حاجة الإنسان إلى الزواج ملحة، قد تكون في بعض الأحيان كحاجته إلى الأكل والشرب، ولذلك قال أهل العلم: إنه يجب على من تلزمه نفقة شخص أن يزوجه إن كان ماله يتسع لذلك، فيجب على الأب أن يزوج ابنه إذا احتاج الابن للزواج، ولم يكن عنده ما يتزوج به، لكن سمعت أن بعض الآباء الذي نسوا حالهم حال الشباب إذا طلب ابنه منه الزواج قال له: تزوج من عرق جبينك. وهذا غير جائز وحرام عليه إذا كان قادراً على تزويجه، وسوف يخاصمه ابنه يوم القيامة إذا لم يزوجه مع قدرته على تزويجه " انتهى من "فتاوى أركان الإسلام" ص440-441. وعلى هذا، فلا حرج من إعطائها من الزكاة لتستعين بها في نفقات الزواج، وإذا خشيت أن تنفق هذا المال فيما لا تحتاج إليه، فيمكنك أن تخبرها أن لك عندي مبلغاً من المال قدره كذا، فماذا تريدين أن أشتري لك به، وتشتري لها ما تحتاج إليه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 90124 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2506 يريد الزواج وعليه دين لأبيه فهل يأخذ الزكاة منه؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لي أن آخذ من زكاة مال والدي للمساعدة في الزواج علما بأني مديون له بمبلغ ما؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: يجوز دفع الزكاة لمن يريد أن يتزوج إذا كان لا يجد ما يتزوج به، وقد بينا ذلك في جواب السؤال رقم (21975) . كما يجوز دفع الزكاة للمدين إذا لم يجد وفاء لدينه. ثانيا: لا يجوز للأب دفع زكاته لابنه، لأن الابن إن كان فقيرا فإن نفقته تجب على أبيه، وكذلك إن احتاج إلى الزواج وجب عليه أن يزوجه، وفي دفع الزكاة له إسقاط لهذا الواجب، فلم يجز. لكن للأب أن يدفع زكاته لابنه المدين، لأنه لا يجب عليه أن يسدد دين ولده، إلا إذا كان الولد قد استدان من أجل النفقة التي تجب في الأصل على أبيه. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " يجوز أن تقضي دين أبيك من زكاتك، ويجوز أن تقضي دين ولدك من زكاتك، بشرط أن لا يكون سبب هذا الدين تحصيل نفقة واجبة عليك، فإن كان سببه تحصيل نفقة واجبة عليك فإنه لا يحل لك أن تقضي الدين من زكاتك؛ لئلا يتخذ ذلك حيلة على منع الإنفاق على من تجب نفقتهم عليه لأجل أن يستدين ثم يقضي ديونهم من زكاته" انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (14/310) . لكن إذا كان مال الأب لا يكفي لتزويج ابنه، فيجوز في هذه الحالة أن يدفع زكاة ماله لابنه ليستعين به على نفقات الزواج، لأن ما زاد عن قدرة الأب المالية من نفقات زواج ابنه لا يجب على الأب، لعدم استطاعته، فلا يكون دفع الزكاة إلى الابن في هذه الحالة مسقطاً لشيء واجب على الأب. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (85088) . ثالثا: إذا جاز للأب أن يدفع زكاته لسداد دين ولده، فإنه يسلمه المال، ثم يقوم الابن بعد ذلك بسداد الدين، ولا يجوز له أن يسقط الدين ويعتبره من الزكاة مباشرة؛ " لأن الزكاة أخذ وإعطاء كما قال الله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) التوبة/103، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم) . وإسقاط الدين عن الفقير ليس أخذا ولا ردا، ولأن ما في ذمة الفقير دين غائب لا يتصرف فيه فلا يجزئ عن مال حاضر يتصرف فيه، ولأن الدين أقل في النفس من الحاضر وأدنى فأداؤه عنه كأداء الرديء عن الجيد " انتهى من "مجالس شهر رمضان" للشيخ ابن عثيمين رحمه الله، المجلس 17. والحاصل: لأبيك أن يدفع زكاته لك، بصفتك مدينا، فتأخذها منه ثم تسدد دينه، بشرط ألا يكون الدين قد أخذته لنفقتك التي تجب على والدك. ويجوز له أن يدفع زكاته إليك إذا كان غير قادر على نفقات زواجك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 88058 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2507 هل يأخذ من الزكاة لبناء مسكن له؟ [السُّؤَالُ] ـ[أعمل عاملا براتب قليل والحمد لله، وأعول أسرتي المكونة من ستة أشخاص والآن مهدد بالإيقاف عن العمل لانتهاء عقدي، أرسل جل راتبي لأهلي وأحتفظ بالقليل جداً لسد حاجتي، الآن أسرتي تعتزم الخروج من المنزل الذي تسكن به وذلك لأنه ليس ملكهم، فهو إرث وأصحابه يريدون بيعه. لدي قطعة أرض وشرعت في بنائها ولكن لم تكتمل طلبت مساعدة زملائي بالعمل فوافقوا على مساعدتي في بناء ما تبقى حتى تسكن أسرتي مع العلم بأنهم سوف يضطرون للاستئجار لقرب موعد الإخلاء وهذا يزيد من أعبائي حيث لا أستطيع أن أدفع الإيجار ومصروفاتهم في آن واحد وليس لهم عائل سواي، فهل يجوز أخذ المساعدة من زملائي على أنها زكاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المسكن من الحوائج الأساسية التي لا يستغنى عنها، وهذه الحاجة تندفع بشراء المسكن أو بنائه أو استئجاره، ولا حرج في دفع الزكاة لمن ملك الأرض ولم يجد مالا يبنيها به، وهو داخل في عموم الفقراء والمساكين، الذين هم من مصارف الزكاة، كما قال تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة/60. قال في "بدائع الصنائع" (2/48) : " لا بأس بأن يعطى من الزكاة من له مسكن وما يتأثث به في منزله وخادم وفرس وسلاح وثياب البدن وكتب العلم إن كان من أهله، فإن كان له فضل عن ذلك ما يبلغ قيمته مائتي درهم حرم عليه أخذ الصدقة ; لأن هذه الأشياء من الحوائج اللازمة التي لا بد للإنسان منها فكان وجودها وعدمها سواء " انتهى. وإذا كان هذا فيمن يملك المسكن والأثاث ولا يجد الكفاية، فأولى منه بالزكاة من لم يحصّل هذه الحوائج اللازمة. وذكر أبو عبيد القاسم بن سلام في كتابه "الأموال" (ص750) أن الرجل إذا " رأى أهل بيت من صالح المسلمين أهل فقر ومسكنة، وهو ذو مال كثير، ولا منزل لهؤلاء يؤويهم، فاشترى من زكاة ماله مسكنا يكنهم من برد الشتاء وحر الشمس، وجعل ذلك من زكاة ماله، أنه يكون مؤدياً للفرض، ويكون محسناً " انتهى بتصرف. وينظر: "أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة" (1/369) وفيه: " وإذا كان الفقير لا يملك مسكنا أو أمتعة جاز شراء ما يحتاج إليه من الزكاة " انتهى. وعلى هذا، فلا حرج في أخذك المساعدة من زملائك على أنها زكاة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 87985 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2508 هل يعطي زكاته لولده لأن راتبه يسير؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للوالد أن يعطى زكاة غنمه لابنه المتزوج والذي لا يسكن معه ولا يعيله؟ علما بأن الابن يعيش على راتب يسير.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز للأب أن يدفع زكاته لابنه؛ لأنه إذا كان الابن فقيرا، والأب غنيا، فإنه يجب على الأب أن ينفق على ابنه، فإذا أعطاه من الزكاة فكأنه أعطاها لنفسه. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/269) : " ولا يعطى من الصدقة المفروضة للوالدين, ولا للولد. قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الزكاة لا يجوز دفعها إلى الوالدين , في الحال التي يجبر الدافع إليهم على النفقة عليهم , ولأن دفع زكاته إليهم تغنيهم عن نفقته , وتسقطها عنه , ويعود نفعها إليه , فكأنه دفعها إلى نفسه. وكذلك لا يعطيها لولده. قال الإمام أحمد: لا يعطي الوالدين من الزكاة , ولا الولد ولا ولد الولد , ولا الجد ولا الجدة ولا ولد البنت " انتهى بتصرف واختصار. ويستثنى من ذلك حالتان: الأولى: أن يكون الابن غارما (مدينا) فيجوز دفع الزكاة إليه؛ لأن الأب لا يجب عليه سداد دين ولده. الثانية: أن يكون مال الأب لا يكفي للنفقة على ابنه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في "الاختيارات" (ص 104) : " ويجوز صرف الزكاة إلى الوالدين وإن علوا – يعني الأجداد والجدات - وإلى الولد وإن سفل – يعني الأحفاد - إذا كانوا فقراء وهو عاجز عن نفقتهم، وكذا إن كانوا غارمين أو مكاتبين أو أبناء السبيل، وإذا كانت الأم فقيرة ولها أولاد صغار لهم مال ونفقتها تضر بهم أعطيت من زكاتهم " انتهى باختصار. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجوز للإنسان أن يدفع الزكاة لولده؟ فأجاب: " فيه تفصيل: إن كان يريد أن يعطيه للنفقة مع وجوبها عليه فهذا لا يجوز، وإن كان يريد أن يقضي عنه دينا كحادث سيارة مثلا وتكسرت السيارة التي أصابها، وثُمنت السيارة بعشرة آلاف، فإنه يجوز لأبيه أن يدفع عنه الزكاة من أجل هذا الحادث " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (18/508) . وينظر (18/415) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 85088 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2509 عليها زكاة متراكمة، فهل تدفعها لأخيها على هيئة مرتبات شهرية؟ [السُّؤَالُ] ـ[لقد فاتت أكثر من خمس سنوات لم أخرج فيها الزكاة على المال الذي ادخرته طوال هذه السنوات بقصد شراء منزل أو أرض أو أدفعه في مشروع يرجع علي بالنفع أنا وأسرتي، فكرت الآن أن أدفع حق الله وأعطي ما يلزمني دفعه في الزكاة وحسبت القدر الذي يجب علي دفعه، غير أنني احترت لمن أعطيها ولمن الأسبقية؟ مع العلم أن لي أخا يعمل وليس فقيرا ولكن أجرته لا تكفيه في نفقاته اليومية وفي تسديد حاجيات أبنائه على حسب قوله، ففكرت في طريقة أعطيه إياها لكي لا يخسر المال في حاجيات ثانوية تطلبها منه زوجته وأبناؤه كما جرت العادة وبهذا لن أكون قد بلغت هدف مساعدتي إياه بإعطائه الزكاة، فقررت إعطاءه قدرا من المال شهريا حتى أستوفي ما علي دفعه. هذا سيسمح لي من جهة أخرى أن أحتفظ بالمال الذي ادخرته لتحقيق ما كنت أنوي فعله عند توفير هذا المال وبعد سنوات من المحنة والصعوبات لجمعه. سؤالي هو: هل هذه الطريقة لدفع الزكاة صحيحة خصوصا وأنني بعد ما قمت بحساب الوقت الذي ستستغرقه العملية كلها لا يتعدى العام.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: يجوز دفع الزكاة إلى الأخ إن كان فقيرا أو مسكينا أو عليه دين لا يجد وفاء له، وحد الفقير: من لا دخل له، أو له دخل لا يكفيه. فإن كان أخوك لا يكفيه دخله لتوفير حاجاته وحاجات أولاده من غير إسراف، فيجوز دفع الزكاة إليه، وينبغي الحذر من المحاباة في شأن هذه الفريضة العظيمة، وراجعي السؤال رقم (21810) . ثانيا: يجب إخراج الزكاة فورا عند حلول الحول، ولا يجوز تأخيرها إلا لعذر أو مصلحة راجحة، كعدم وجود المستحق أو غيبة المال أو انتظار قريب مستحق لها، فيجوز تأخيرها حينئذ مدة يسيرة. قال ابن قدامة رحمه الله: " إن أخرها – أي: الزكاة - ليدفعها إلى من هو أحق بها من ذي قرابة، أو ذي حاجة شديدة، فإن كان شيئاً يسيراً، فلا بأس، وإن كان كثيراً لم يجز " انتهى من "المغني " (2/290) . وعلى هذا، فتأخيرك الزكاة هذه السنوات الخمس خطأ، والحمد لله الذي وفقك لتدارك الأمر وعزمت على إخراجها، ونسأله تعالى أن يتوب عليك ويتقبل منك. وإذا كان لا بد من تقسيط الزكاة لأخيك، لأنك تخشين إذا أخذها دفعة واحدة أن ينفقها ويبقى باقي السنة لا مال له، فلك أن تخبريه بأن له عندك مالاً قدره كذا وكذا وهذا المال سيكون أمانة له عندك تعطيها له كل شهر كذا، فإن رضي بذلك، فالحمد لله، وإن لم يرض، فلا يجوز تأخير الزكاة، فتعطيه قدر حاجته من هذا المال ثم تعطي الباقي لغيره. ولكن يجب التنبه إلى أن المال إذا صار أمانة عندك فيجب عليك حفظه , ولا يجوز لك الانتفاع به، لأنه ليس ملكاً لك في الحقيقة، وإنما صار ملكاً لأخيك وأنت مأمورة بحفظه له. ثالثاً: بالنسبة للأعوام القادمة، التي لم تجب زكاتها بعد، لك أن تخرجيها مقدماً على هيئة أقساط لأخيك أو لغيره، لكن بشرط إذا انتهى العام تحسبين زكاتك، فإن كنت أخرجتها فالحمد لله، وإن كان بقي عليك شيء منها، أخرجته فوراً، ولا يجوز تأخيرها، وإن كنت أخرجت زيادة، فهي تطوع منك إلا إذا كنت نويت أنها تكون عن العام التالي. وانظر لبيان ذلك جواب السؤال رقم (45185) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83274 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2510 من هو الفقير المستحق للزكاة في أمريكا؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما أدنى حد من المال أو الممتلكات يحوزه المسلم في أمريكا كي نعتبره من الفقراء ليستحق أموال الزكاة؟ وهل يجوز اعتبار المسلمين الجدد الذين اعتنقوا الإسلام حديثًا داخل سجون أمريكا من مصارف الزكاة؟ وهل يجوز للمسجد استخدام الصدقة في سداد فاتورة الخدمات التي يتلقاها شخص ما؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: مصارف الزكاة بينها الله تعالى بقوله: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة/60. والفقير: هو من لا دخل له، أو له دخل لا يكفيه. وهذا يختلف باختلاف الزمان والمكان والأسرة نفسها، وبعض الحالات يتفق الجميع على أنها تستحق الزكاة، لتدني دخلها جدا. والفقهاء يقولون: " الفقير الذي يستحق من الزكاة هو الذي لا يجد كفايته وكفاية عائلته لمدة سنة ". وفي حال كون الإنسان يأخذ راتبا شهريا، ينظر إلى مجموع دخله السنوي، وإلى ما يحتاج إليه في النفقة خلال السنة، فمثلا: إذا كان ما يتقاضاه سنويا خمسة آلاف، وهو يحتاج في النفقة إلى عشرة آلاف، فإنه فقير أو مسكين لأنه يملك نصف الكفاية فقط. انظر: "الشرح الممتع" (2/672) ط. فجر. وكذلك لو كان يحتاج إلى ستة آلاف، ودخله خمسة فقط، فهو مستحق للزكاة. وقد يكون لديه ما يكفيه وعائلته، لكنه مدين، لا يجد سدادا، فيعطى ما يسدّ به دينه. أو لديه ما يكفيه لأكله وشربه وسكنه، لكنه محتاج للزواج وليس عنده ما يكفيه للمهر، فيعطى ما يتزوج به. ثانيا: المسلم الذي اعتنق الإسلام حديثا، وهو داخل السجن، إن كان فقيرا، أو مدينا، يعطى من الزكاة، ما يكفيه وعائلته، وما يسد به دينه. ولا حرج أن يعطى من الزكاة ـ حتى ولو كان غنياً ـ إذا كان في ذلك تأليف لقلبه حتى يقوى إيمانه ويثبت على الهداية، لاسيما إذا كان وجيها مطاعا في قومه، ويترتب على ذلك العطاء تأليف قلوب من معه، فقد جعل الله تعالى للمؤلفة قلوبهم نصيبا من الزكاة. ثالثا: يجوز بذل الصدقة في سداد فاتورة الخدمات المستحقة على شخص ما، لأن الصدقة بابها واسع، وقد تعطى للغني، لكن ينبغي أن يراعى فيها الأولى والأحوج. ويجوز سداد الفاتورة من الزكاة إذا كان الشخص لا يملك ما يسدد به؛ لأنه يصبح بذلك من الغارمين. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82974 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2511 يجوز دفع زكاة الفطر لأهل الزوجة المحتاجين [السُّؤَالُ] ـ[هل تجوز زكاة الفطر على أهل الزوجة فى حالة احتياجهم للمال؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله زكاة الفطر تدفع إلى الفقراء والمساكين، لقول ابن عباس رضي الله عنهما: (فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ) رواه أبو داود (1609) وحسنه النووي في "المجموع" (6/126) والألباني في صحيح أبي داود. فإذا كان أهل الزوجة من الفقراء والمساكين فلا حرج من دفع زكاةِ الفطر لهم، بل دفعها إليهم أفضل من دفعها إلى غيرهم، وذلك لأن أقارب الزوجة (الأصهار) لهم حق الرعاية والعناية إكراما للزوجة وإحسانا إليها. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "نور على الدرب" (682) : " ولا شك أن الأصهار لهم حق ليس لأحد سواهم ممن ليس بصهر " انتهى. فنرجو أن يكتب الله سبحانه وتعالى لك أجر الصدقة وأجر رعاية المصاهرة والإحسان إلى أهل الزوجة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 81178 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2512 لا يجوز دفع الزكاة لمن تجب عليه نفقته [السُّؤَالُ] ـ[أنا امرأة أسكن في بلاد المهجر، ومتزوجة ولدي 7 أولاد، وفي كل عام أرسل زكاة الفطرة لوالدتي التي تسكن في المغرب، للعلم أنا من يتكلف بمصاريفها. فهل تجوز فيها هذه الزكاة أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اتفق العلماء على أنه لا يجوز دفع الزكاة المفروضة - ومنها صدقة الفطر - إلى من تلزم نفقته، كالوالدَين والأولاد. جاء في "المدونة" (1/344) : " أرأيت زكاة مالي؟ من لا ينبغي لي أن أعطيها إياه في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا تعطيها أحدا من أقاربك ممن تلزمك نفقته " انتهى. وقال الشافعي في "الأم" (2/87) : " ولا يعطي (يعني من زكاة ماله) أبا ولا أما ولا جدا ولا جدة " انتهى. وقال ابن قدامة في "المغني" (2/509) : " ولا يعطي من الصدقة المفروضة للوالدين وإن علوا (يعني الأجداد والجدات) ، ولا للولد وإن سفل (يعني الأحفاد) . قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الزكاة لا يجوز دفعها الى الوالدين في الحال التي يجبر الدافع إليهم على النفقة عليهم؛ ولأن دفع زكاته إليهم تغنيهم عن نفقته وتسقطها عنه، ويعود نفعها إليه، فكأنه دفعها إلى نفسه فلم تجز، كما لو قضى بها دينه " انتهى. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن حكم دفع زكاة الفطر للأقارب الفقراء. فأجاب: " يجوز أن تدفع زكاة الفطر وزكاة المال إلى الأقارب الفقراء، بل إنَّ دفعَها إلى الأقارب أولى من دفعها إلى الأباعد؛ لأن دفعَها إلى الأقارب صدقةٌ وصلةٌ، لكن بشرط ألا يكون في دفعها حمايةُ ماله، وذلك فيما إذا كان هذا الفقير تجب عليه نفقته أي على الغني، فإنه في هذه الحال لا يجوز له أن يدفع حاجته بشيء من زكاته، لأنه إذا فعل ذلك فقد وفر ماله بما دفعه من الزكاة، وهذا لا يجوز ولا يحل، أما إذا كان لا تجب عليه نفقته، فإن له أن يدفع إليه زكاته، بل إنَّ دفعَ الزكاة إليه أفضل من دفعها للبعيد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صدقتك على القريب صدقة وصلة) " انتهى. وعلى هذا فلا يجوز لك ـ أيتها السائلة ـ أن تدفعي زكاة الفطر لأمك، بل عليك أن تنفقي عليها من غير الزكاة، ونسأل الله تعالى أن يوسع عليك ويرزقك رزقا حسنا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 81122 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2513 لديه نصاب المال وراتبه لا يكفيه فهل تجوز له الزكاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا وإخواني لنا ورث من والدي ونحن ست إخوة وأمنا و3 أخوات ولم تقسم التركة وأنا متخرج من الجامعة ولدي عمل وراتبه قليل وأنا متزوج ولي بنت وولد وأنا حاليا مديون في سيارة فهل أخرج نصيبي من الزكاة وأدفعه لغيري وآخذ زكاة إخواني؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا ملكت نصابا من المال، وحال عليه الحول، وجب عليك إخراج زكاته. والنصاب هو 85 جراماً من الذهب، أو 595 جراماً من الفضة أو ما يعادل قيمة أحدهما من الأوراق النقدية. ثانيا: إذا كان راتبك لا يكفيك، أو كنت مدينا، وليس عندك ما تسدد به دينك، فأنت من أهل الزكاة، قال الله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة/60. وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن من لم يجد ما يكفيه فهو فقير أو مسكين يستحق الزكاة، ولو كان عنده نصاب من المال. قال ابن قدامة رحمه الله وهو يذكر معنى الغنى المانع من أخذ الزكاة: " والرواية الثانية (يعني عن الإمام أحمد) أن الغنى ما تحصل به الكفاية , فإذا لم يكن محتاجا حرمت عليه الصدقة , وإن لم يملك شيئا , وإن كان محتاجا حلت له الصدقة , وإن ملك نصابا، وهذا قول مالك والشافعي , لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لقبيصة بن المخارق: (لا تحل المسألة إلا لأحد ثلاثة: رجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه: قد أصابت فلانا فاقة , فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش , أو سدادا من عيش) رواه مسلم. فمدّ إباحة المسألة إلى وجود إصابة القوام أو السداد , ولأن الحاجة هي الفقر , فمن كان محتاجا فهو فقير يدخل في عموم النص " انتهى من "المغني" (2/277) باختصار. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: من هو الفقير الذي يستحق الزكاة؟ فأجاب: " الفقير الذي يستحق من الزكاة هو الذي لا يجد كفايته وكفاية عائلته لمدة سنة، ويختلف بحسب الزمان والمكان، فربما ألف ريال في زمن، أو مكان تعتبر غنى، وفي زمن أو مكان آخر لا تعتبر غنى لغلاء المعيشة ونحو ذلك " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (18/339) . وسئل الشيخ ابن عثيمين أيضاً: من وجبت عليه الزكاة لوجود النصاب، ولكنه فقير فهل تحل له الزكاة؟ فأجاب: " ليس كل من تجب عليه الزكاة لا تحل له الزكاة، فيكون هو يُزَكِّي ويُزَكَّى عليه " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (18/340) . ثالثاً: ما ذكرته في سؤالك من وجود إرث من والدك لم يتم تقسيمه، ينظر فيه، فإن كان أخذك له يرفع عنك صفة الفقر والمسكنة، ويمكنك من سداد دينك، فلست من أهل الزكاة، ولا حرج عليك في المطالبة بتقسيم التركة. فمثلاً: إذا كانت التركة عقاراً زائداً عن حاجتك يمكنك بيعه والاستفادة من ثمنه في النفقة وقضاء الدَّيْن، فهذا واجب عليك ولا يحل لك أن تأخذ من الزكاة لأنك لست فقيراً أو مسكيناً. أما إذا كان عقاراً تسكنه، أو تؤجره لتستفيد من أجرته في النفقه فلا يلزمك بيعه، ولا يرتفع عنك وصف الفقر مع ملكك إياه. رابعاً: لا حرج عليك أن تأخذ من زكاة إخوتك لقضاء ما عليك من الدين، لأن قضاءهم للدَّيْن الذي عليك ليس واجباً عليهم. وأما أن تأخذ من زكاتهم من أجل النفقة، فإن كنت ترث منهم في حالة وفاتهم فلا يجوز أن تأخذ من زكاتهم لأنهم يجب عليهم أن ينفقوا عليك، وإن كنت لا ترث منهم فلا حرج عليك من أخذ الزكاة منهم لأنهم لا يجب عليهم أن ينفقوا عليك في هذه الحالة، وانظر تفصيل ذلك في جواب السؤال (50640) . وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 79059 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2514 أسرة تريد التنزه ثم العمرة فهل تعطى من الزكاة؟! [السُّؤَالُ] ـ[عائلة متوسطة الحال تريد السفر في الإجازة الصيفية للتنزه في الطائف ومن ثم النزول إلى مكة لأداء العمرة وليس لديها ما يكفيها لهذه الرحلة، فما حكم إعطائهم من الزكاة؟ ولماذا؟ وإن جاز فما مقدار ما يعطونه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله بيَّن الله تعالى مصارف الزكاة في قوله: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة/60. وقد سبق بيان هؤلاء في جواب السؤال رقم (6977) . والفقير والمسكين إنما يعطى من الزكاة ما يكفيه وأهله الذين ينفق عليهم النفقات الشرعية التي لا إسراف فيها ولا تبذير ولا تضييع للأموال. والمقصود بهذه النفقات الشرعية: الحاجات الأساسية التي يحتاج إليها الفقير، كالمسكن والملبس والطعام والشراب والعلاج .... ونحو ذلك. وليس السفر للتنزه من الحاجات الأساسية التي يعطى الفقير من الزكاة من أجلها. وعلى هذا فلا يجوز أن يعطى هؤلاء من الزكاة بحجة أنهم فقراء. وكذلك لا يعطون من الزكاة من سهم (ابن السبيل) لأن ابن السبيل هو الذي سافر بالفعل، ثم لم يكف ما معه من الأموال لبلوغه مقصده، فإنه يعطى من الزكاة ما يبلغه مقصده، أما هؤلاء فهم في بلادهم ولم يسافروا، فلا يوصفون بأنهم أبناء سبيل. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (35889) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 78592 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2515 هل يعطى من يتطوع للجهاد في سبيل الله من الزكاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[ هل يعطى من يتطوع للجهاد في سبيل الله من الزكاة؟. ]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله بيَّن الله تعالى مصارف الزكاة بقوله: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة/60. وقد سبق بيان هؤلاء في جواب السؤال رقم (6977) ، وبيَّنا أن مصرف " في سبيل الله " هو في الجهاد في سبيل الله، وألحق بعض العلماء الحج لحديث ورد في ذلك. قال ابن كثير رحمه الله: وأما (في سبيل الله) فمنهم الغزاة الذين لا حقّ لهم في الديوان، وعند الإمام أحمد والحسن وإسحاق والحج من سبيل الله للحديث. " تفسير ابن كثير " (2 / 367) . وبيَّنا في جواب السؤال رقم (7853) جواز دفع الزكاة لأهل الشيشان. وليعلم أن قوله تعالى (في سبيل الله) ليست عامة في كل وجوه الخير، بل هي في الجهاد في سبيل الله. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: فأما تخصيصه بالجهاد في سبيل الله فلا شك فيه، خلافاً لمن قال: إن المراد في سبيل الله كل عمل برٍ وخير، فهو على هذا التفسير كل ما أريد به وجه الله، فيشمل بناء المساجد، وإصلاح الطرق، وبناء المدارس، وطبع الكتب، وغير ذلك مما يقرب إلى الله عزّ وجل؛ لأن ما يوصل إلى الله من أعمال البر لا حصر له. ولكن هذا القول ضعيف؛ لأننا لو فسرنا الآية بهذا المعنى لم يكن للحصر فائدة إطلاقاً، والحصر هو: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ ... ) التوبة/ 60 الآية، وهذا وجه لفظي. أما الوجه المعنوي فلو جعلنا الآية عامة في كل ما يقرب إلى الله عزّ وجل لحرم من الزكاة من تيقن أنه من أهلها؛ لأن الناس إذا علموا أن زكاتهم إذا بني بها مسجد أجزأت بادروا إليه لبقاء نفعه إلى يوم القيامة. فالصواب: أنها خاصة بالجهاد في سبيل الله. وأما قول المؤلف إنهم الغزاة، وتخصيصه بالغزاة، ففيه نظر. والصواب: أنه يشمل الغزاة وأسلحتهم، وكل ما يعين على الجهاد في سبيل الله، حتى الأدلاء الذين يدلون على مواقع الجهاد لهم نصيب من الزكاة؛ لأن الله قال: (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) ولم يقل: للمجاهدين، فدل على أن المراد: كل ما يتعلق بالجهاد؛ لأن ذلك من الجهاد في سبيل الله. وهل يجوز أن يُشترى من الزكاة أسلحة للقتال في سبيل الله؟ على رأي المؤلف: لا يجوز، وإنما تعطى المجاهد. وعلى القول الصحيح: يجوز أن يُشترى بها أسلحة يقاتل بها في سبيل الله، لا سيما وأنه معطوف على مجرور بـ " في " الدالة على الظرفية دون التمليك، بل هي نفسها مجرورة بـ " في " (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) . وعلى هذا فيكون القول الراجح: أن قوله: (َفِي سَبِيلِ اللَّهِ) يعم الغزاة وما يحتاجون إليه من سلاح وغيره. " الشرح الممتع " (6 / 241، 242) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 78593 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2516 دفع الزكاة إلى مدرسة ابتدائية بحاجة للدعم [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز دفع الزكاة لمدرسة تعلم إبتدائي للأطفال، إذا كانت المدرسة بحاجة للدعم المادي؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الصحيح أنه لا يجوز صرف الزكاة على تلك المدرسة، ومصارف الزكاة بينها الله تعالى في قوله: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل} [التوبة 60] . 1. والفقير هو الذي لا يجد شيئاً. 2. والمسكين هو الذي يملك لكن لا يكفيه. 3. والعامل على الصدقة هو الذي نصبه الإمام ليأخذ الصدقات ويعطى بقدر عمله ولو كان غنياً. 4. والمؤلفة قلوبهم هم الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم يستميلهم ويتألفهم ليسلموا أو ليدفع شرهم أو لتقوى نيتهم ويثبتوا على الإسلام فهم كانوا أصنافا ثلاثة. 5. والرقاب هم المكاتبون أي العبيد الذين اتفقوا مع سادتهم على العتق بمال يدفعونه، أو ما يدفع لتحريرهم ابتداء دون مكاتبة. 6. والغارم هو المدين الذي عجز عن سداد دينه. 7. وفي سبيل الله هم الجنود المنقطعون للجهاد في سبيل الله وإعلاء كلمة الإسلام. 8. وابن السبيل هو الغريب المسافر المنقطع عن ماله، يعطى ما يبلغه حاجته ولو كان في بلده غنياً. هذا وللمزكي أن يدفع الزكاة إلى جميع هذه الأصناف المذكورة أو إلى بعضهم ولو واحداً من أي صنفٍ كان. وقد توسع بعض الناس في لفظ " وفي سبيل الله "، والراجح أنها في الجهاد، ويمكن أن يدخل فيه الحج. قال ابن كثير: وأما {في سبيل الله} فمنهم الغزاة الذين لا حقّ لهم في الديوان وعند الإمام أحمد والحسن واسحاق والحج من سبيل الله للحديث. " تفسير ابن كثير " (2 / 367) . والمقصود بالحديث ما ثبت في مسند الإمام أحمد أنه صلى الله عليه وسلم قال: " إن الحج والعمرة لمن سبيل الله ". والخلاصة: أنه لا يجوز صرف الزكاة لهذه المدرسة إلا إذا كان طلابها فقراء أو يدخلون في صنف من الأصناف الثمانية، وفي الشرع أبواب مفتوحة لإعانة هذه المدرسة مثل الصدقات والهبات والوقف. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 6977 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2517 لا يجوز إعطاء الزكاة للوالدين مقابل النفقة [السُّؤَالُ] ـ[أود أن أعطي زكاة مالي لوالدي لأن والدي لا يعمل وهو كبير في السن ولا يستطيع العمل، له أربعة أطفال لا زال يرعاهم وأحدهم معوق وعمره 30 سنة، فهل يجوز أن أدفع له زكاة مالي أو لأختي لأنهم عائلة فقيرة جداً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا السؤال من شقّين: الأول: حكم إعطاء الوالدين من الزكاة: قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " ليس للمسلم أن يُخرج زكاته في والديه، ولا في أولاده، بل عليه أن يُنفق عليهم من ماله إذا احتاجوا لذلك، وهو يَقْدر على الإنفاق عليهم ". من كتاب الفتاوى الجامعة ج/1ص/306 الثاني: إعطاء الزكاة للإخوة. يراجع سؤال رقم 22177. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 20173 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2518 أي السائِلِين أولى بإعطائه الصدقة [السُّؤَالُ] ـ[إذا وجد أحدنا أكثر من سائلٍ، من العاجزين جسديًا، فلمن نعطي الأفضلية في الصدقات؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: مساعدة المحتاجين والتصدق على الفقراء والمساكين من أفضل القربات وأولى الطاعات. قال الله تعالى: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) البقرة/274. ويتأكد استحباب الصدقة كلما اشتدت حاجة الفقير؛ وذلك أن سد الحاجات وستر العورات من أهم مقاصد تشريع الصدقات. فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أَفْضَلُ الأَعْمَالِ: إِدْخَالُُ السُّرُورِ عَلَى المُؤمِنِ: كَسَوْتَ عَوْرَتَهُ، وَأَشْبَعْتَ جَوْعَتَه، أَوْ قَضَيتَ لَهُ حَاجَةً) رواه الطبراني في المعجم الأوسط (5/202) وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (2090) . وقال الشيخ ابن عثيمين: " فإن قيل: أيها أولى أن تصرف فيه الزكاة من هذه الأصناف الثمانية؟ قلنا: إن الأولى ما كانت الحاجة إليه أشد؛ لأن كل هؤلاء استحقوا الوصف، فمن كان أشد إلحاحاً وحاجة فهو أولى، والغالب أن الأشد هم الفقراء والمساكين، ولهذا بدأ الله تعالى بهم فقال: (إِنَّمَا ?لصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَ?لْمَسَاكِينِ وَ?لْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَ?لْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِى ?لرِّقَابِ وَ?لْغا?رِمِينَ وَفِى سَبِيلِ ?للَّهِ وَ?بْنِ ?لسَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ ?للَّهِ وَ?للَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/ سؤال رقم 251) . وجاء في "الموسوعة الفقهية" (23/303) : " إعطاء المستحقّين الزّكاة ليس بدرجةٍ واحدةٍ من الفضل، بل يتمايز: فقد نصّ المالكيّة على أنّه يندب للمزكّي إيثار المضطرّ على غيره، بأن يزاد في إعطائه منها دون عموم الأصناف " انتهى. وإذا كان الفقير أو السائل من العاجزين عن العمل، أقعده المرض والابتلاء، فيتأكد إعطاؤه من الصدقة. قال تعالى: (لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) البقرة/273. قال سعيد بن جبير: إنهم قوم أصابتهم الجراحات في سبيل الله فصاروا زَمْنَى (جمع زَمِن: وهو من به مرض دائم) ، فجعل لهم في أموال المسلمين حقا. "الدر المنثور" (2/89) . والمقصود: بيان أن ميزان المفاضلة في الصدقات هو قدر الحاجة والفاقة، فإذا ظهر لك أن أحد السائلين أشد حاجة وفاقة من الآخر، فهو الأولى بصدقتك. فإن كان المبلغ الذي تريد أن تتصدق به يكفي لسد حاجة السائِلَيْن، فاقسمه بينهما، وإن كان لا يكفي إلا واحدًا منهما، فلا حرج عليك حينئذ إذا أعطيته لأي منهما، ولتحاول أن تخفي ذلك عن الآخر، حتى لا يقع في قلبه شيء من الحسرة أو الحسد. وقد سئل فضيلة الشيخ ابن باز رحمه الله: إذا أخرج الإنسان زكاة ماله، وكانت قليلةً كمائتي ريال مثلاً، فهل الأفضل أن تُعطَى لأسرةٍ واحدةٍ محتاجة، أو تفريقها على عدد من الأسر المحتاجة؟ فأجاب: " إذا كانت الزكاة قليلةً فصرفها في أسرة محتاجة أولى وأفضل؛ لأن توزيعها بين الأسر الكثيرة مع قلتها يقلل نفعها " انتهى. "فتاوى ابن باز" (14/316) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 75406 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2519 لا يجوز خصم نفقات نقل الزكاة من الزكاة [السُّؤَالُ] ـ[إذا احتاج إيصال الزكاة إلى الفقراء إلى سفر، فهل تخصم تكاليف السفر من الزكاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: سبق في جواب السؤال (43146) أن الأصل أن الزكاة تخرج في البلد الذي فيه المال، وأنه يجوز نقلها إلى بلد آخر للحاجة أو المصلحة، كأن يكون فقراء البلد التي ينقلها إليه أشد حاجة، أو أقرباء للمزكي، أو نحو ذلك. ثانياً: الواجب على صاحب المال أن يوصل الزكاة إلى أهلها، وعلى هذا؛ لو كان إيصالها إلى الفقراء يحتاج إلى سفر ونفقات فإن ذلك يكون على صاحب المال، ولا يجوز خصمه من الزكاة. قال النووي رحمه الله في "المجموع" (6/213) : " حيث جاز النقل (أي نقل الزكاة إلى بلد آخر) أو وجب فمؤنته على رب المال " انتهى. وقال المرداوي رحمه الله في "الإنصاف" (7/174) : " أجرة نقل الزكاة – حيث قلنا به – على رب المال " انتهى. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: شخص طُلب منه إيصال مبلغ زكاة مال إلى الخارج وبشكل شخصي، فهل يجوز له التصرف بأن يقتطع من مبلغ الزكاة مصاريف السفر، علماً أنه لا يمكنه تحمل ذلك شخصيًّا؟ فأجاب: " لا يحل له أن يأخذ من الزكاة شيئاً لهذا السفر، لأن الواجب على مَنْ عليه الزكاة أن يوصلها إلى الفقير من ماله هو، فإذا كان يريد أن يذهب إلى مكان يحتاج إلى مؤنة سفر، فإنه يأخذ من صاحب المال الذي أعطاه مؤنة السفر، وأما حق الفقراء فيجب أن يُؤدى إليهم خالصاً " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثمين" (18/369) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 70075 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2520 هل يدفع الزكاة للعمال والخدم الذين يعملون عنده؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل تجوز الزكاة على العمال مثل السائق والخادمة؟ وكيف يحدد من الأقارب من تصح فيه الزكاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا حرج في إعطاء الزكاة للعامل أو الخادمة إذا كانوا مستحقين للزكاة، كما لو كانوا فقراء أو مساكين لا يكفيهم الراتب الذي يأخذونه للنفقة عليهم وعلى أهليهم، وقد ذكر الله تعالى أهل الزكاة في قوله: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِين وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة/60. فإذا كانوا من هذه الأصناف فلا حرج في إعطائهم من الزكاة. لكن يجب التنبه إلى أنه لا يجوز أن يكون ذلك لمصلحة صاحب العمل، كما لو كَلَّفهم من العمل بأكثر مما تم التعاقد معهم عليه، أو منعهم بعض حقوقهم ثم أعطاهم من الزكاة ليتنازلوا عن حقوقهم ونحو ذلك. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا كان لدى التاجر عمال في المحل، أو في المؤسسة براتب قدره ستمائة ريال لكل واحد، فهل يجوز للتاجر أن يعطيهم زكاة ماله؟ فأجاب: " نعم، يجوز أن يعطيهم إذا كانوا من أهل الزكاة، مثل أن يكون لديهم عوائل وراتبهم لا يكفيهم، أو عليهم ديون وراتبهم لا تُقضى به الديون، وما أشبه ذلك، المهم إذا كانوا من أهل الزكاة فلا حرج أن يعطيهم وإن كانوا عمالاً، أو خدماً عنده " انتهى. "فتاوى الزكاة" (ص 350) . وسئل الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير: يوجد عندي خدم من المسلمين، فهل يجوز أن أدفع لهم من زكاة مالي؟ فأجاب: " إذا أعطي العامل أجرته كاملة وبقيت حاجته، بمعنى أن راتبه لا يكفيه، فإنه لا مانع شرعاً من دفع الزكاة له؛ حتى يستوفي ما يحتاجه، شريطة أن لا يكون دفع الزكاة له من أجل مصلحة العمل " انتهى. ثانياً: أما الأقارب الذين يصح دفع الزكاة إليهم، فقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (21801) ، (21810) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 67926 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2521 حكم تأخير الزكاة واستثمار أموالها [السُّؤَالُ] ـ[تبلغ زكاة مالي السنوية رقماً معقولاً (مثلاً 10000 جنيه مصري) وقد اعتدت سابقاً أن أخرجها للفقراء أو لبناء مستشفى للفقراء .... الخ ولكني أفكر حالياً في الاحتفاظ بقيمة هذه الزكاة لمدة 3 أو 4 سنوات في حساب منفصل يحمل عائداً سنوياً مناسباً في أحد البنوك الإسلامية – وذلك بهدف تكوين مبلغ مناسب لإنشاء مركز متقدم غير هادف للربح متخصص في الدعوة والتوعية باستخدام أحدث أساليب البحث والدراسة في هذا المجال خاصة للمسلمين الذين يتشككون في دينهم بالمقارنة للأديان الأخرى. وسيتم ضخ زكاتي السنوية لاحقاً في أعمال هذا المركز، هذا بالإضافة إلى التبرعات التي من المتوقع الحصول عليها من المسلمين الآخرين. فهل هذا جائز شرعاً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نود أن نشكرك على غيرتك على دينك، وعلى اهتمامك بأوضاع المسلمين وأحوالهم، لكن ما تود فعله وتسأل عنه ليس موافقاً للشرع، لأن الزكاة إذا وجبت بمرور الحول وجب إخراجها فوراً، ولا يجوز تأخيرها مع إمكان دفعها. والزكاة عبادة يلتزم المسلم بأحكامها من حيث مقدارها ووقتها وأجناسها، وليس له أن يؤخر أداءها إذا حلَّ وقتها إلا من عذرٍ يبيح ذلك. سئل علماء اللجنة الدائمة: إذا كان موعد إخراج الزكاة هو شهر جمادى الأولى، فهل لنا تأخيرها إلى شهر رمضان بغير عذر؟ فأجابوا: " لا يجوز تأخير إخراج الزكاة بعد تمام الحول إلاّ لعذر شرعي، كعدم وجود الفقراء حين تمام الحول، وعدم القدرة على إيصالها إليهم، ولغيبة المال ونحو ذلك. أما تأخيرها من أجل رمضان: فلا يجوز إلاّ إذا كانت المدة يسيرة، كأن يكون تمام الحول في النصف الثاني من شعبان فلا بأس بتأخيرها إلى رمضان " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (9/398) . ولا يجوز الاتجار بأموال الزكاة لمن وجبت عليه الزكاة، أو للمؤسسات القابضة لأموال الزكاة الموكلة بإيصالها إلى أهلها، بل الواجب عليهم أداؤها، وليكن الاستثمار لغير أموال الزكاة. سئل علماء اللجنة الدائمة عن جمعية خيرية تريد استثمار أموالها. فأجابوا: " إذا كان المال المذكور في السؤال من الزكاة: فالواجب صرفه في مصارفه الشرعية من حين يصل إلى الجمعية، وأما إن كان من غير الزكاة: فلا مانع من التجارة فيه لمصلحة الجمعية؛ لما في ذلك من زيادة النفع لأهداف الجمعية وللمساهمين فيها " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (9/403، 404) . وسئلوا – أيضاً -: هل يمكن للهيئة الخيرية الإسلامية العالمية استثمار أموال الزكاة التي قد تودع في المصارف حتى يتم إنفاقها، والتي لن يؤثر استثمارها على ترتيب وتنفيذ إنفاقها في مصارف الزكاة المحددة شرعا، على أن يكون استثمارها في مجالات سائلة، حيث يمكن الحصول عليها عند الحاجة إليها وفي مجالات استثمار مدروسة وموثوقة، ولا نقول مضمونة حتى لا تشوبها حرمة أو شبهة، على أن الهيئة ليست شخصاً بذاته أو أشخاصاً يمثلون أنفسهم، وإنما هي شخصية اعتبارية قائمة بذاتها، والأشخاص فيها يبذلون جهدهم ويجتهدون رأيهم لما فيه خير الإسلام والمسلمين؟ فأجابوا: " لا يجوز لوكيل الجمعية استثمار أموال الزكاة، وإن الواجب صرفها في مصارفها الشرعية المنصوص عليها بعد التثبت في صرفها في المستحقين لها؛ لأن المقصود منها سد حاجة الفقراء وقضاء دين الغرماء؛ ولأن الاستثمار قد يفوت هذه المصالح أو يؤخرها كثيراً عن المستحقين " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (9/454، 455) . ثانياً: وأما دفع الزكاة لبناء مستشفى للفقراء أو لبعض المشاريع الخيرية، فقد سبق في جواب السؤال (39211) أن الزكاة لها مصارفها الشرعية التي نص الله تعالى في قوله: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْن السبيل) ِ التوبة /60. ولا يجوز دفع الزكاة في غير هذه المصارف. فعليك أداء الزكاة في وقتها، ولا يجوز تأخيرها مع تمكنك من أدائها، ولا استثمار أموالها، لا في مشاريع تجارية ربحية، ولا في مشاريع دعوية. والمشروع الدعوي الذي تفكر فيه عليك أن تقنع به من تراه من المسلمين، ويتم تمويله من غير أموال الزكاة. وفقنا الله لما يحب ويرضى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 67578 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2522 هل إعطاء الزكاة للمؤلفة قلوبهم رشوة [السُّؤَالُ] ـ[يتهم بعض الناس الإسلام في قضية المؤلف قلوبهم بأنه رشوة وإغراء بالمال للدخول في الإسلام. فهل هذا صحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أن إعطاء المال لتأليف القلوب ليس رشوة؛ لأن الرشوة هي: المال الذي يدفعه الراشي لمن يعينه على إبطال حق أو إحقاق باطل، أما إعطاء المال من أجل تأليف قلوب الناس للإسلام فهو لإعانتهم على الحق وترغيبهم فيه، وهو الدخول في الإسلام فهو من قبيل الجهاد بالمال. وقد جعل الله تعالى للمؤلفة قلوبهم سهمًا في الزكاة، قال تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) التوبة /60 وهذا السهم يأخذه الحاكم ويصانع به من يرى أنه قريب من الإسلام، وقد أعطى صلى الله عليه وسلم المؤلفة قلوبهم أموالاً من غنائم غزوة حنين، وقد أدى ذلك إلى إسلام قبائل بأكملها لهذا الأمر، وهو أمر مستمر، ورافد من روافد الدعوة ينبغي إحياؤه؛ لأن الإنسان مجبول على حب من أحسن إليه: أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم فطالما استعبد الإنسان إحسان القرطبي، الجامع لأحكام القرآن 8/181، وابن الأثير، النهاية في غريب الحديث ص 359، والبوطي، فقه السيرة ص 430 والموقف الصحيح للمسلم أنه إذا رأى نصًا ظاهرًا وصريحًا وصحيحًا في مسألة معينة، سواء أكان ذلك يتماشى مع ثقافة العصر - الثقافة الغربية - أو لا يتماشى معها، قال به دون وجل أو خوف سواء علم الحكمة من هذا التشريع أم لم يعلمها. وصلى الله وسلم على نبيه الكريم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 48981 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2523 هل يجوز توزيع الزكاة شهريّاً؟ وهل تحوَّل طعاماً؟ [السُّؤَالُ] ـ[نحن نعيش في مدينة نيو بومباي الهندية، المسلمون في قريتنا هم الأغلبية، ونحن نجمع الزكاة في رمضان ثم نوزعها على الفقراء طوال العام على شكل نقود وأطعمة، هل يجوز ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يجوز إعطاء الكفار من زكاة الأموال وزكاة الفطر، ولا تجزئ من أعطاهم إلا إذا كان الكافر من المؤلفة قلوبهم، بمعنى أنكم ترجون إسلامه إذا أعطيتموه من الزكاة. انظر السؤال (39655) ، و (21384) . ثانياً: إذا وجبت الزكاة في المال فالواجب إخراجها فوراً، ولا يجوز تأخيرها. قال ابن قدامة المقدسي رحمه الله: إن أخرها – أي: الزكاة - ليدفعها إلى من هو أحق بها من ذي قرابة، أو ذي حاجة شديدة، فإن كان شيئاً يسيراً: فلا بأس، وإن كان كثيراً لم يجز. " المغني " (2/290) . وسئل علماء اللجنة الدائمة عن جمعية تقوم بجمع الزكاة من الأغنياء ثم تؤخر صرفها لمدة تصل إلى عام، وذلك بحجة أن يكون هناك إعانة لربيع وإعانة لرمضان وهكذا، فما الحكم في هذا التأخير حيث إن أصحاب الأموال قد أخرجوها من ذمتهم وحملونا إياها؟ فأجابوا: يجب على الجمعية صرف الزكوات في مستحقيها وعدم تأجيلها إذا وجد المستحق. " فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (9/402) . وانظر السؤال (13981) . ولكن قد تكون المصلحة أحياناً في عدم دفع الزكاة للفقير دفعة واحدة، حتى لا ينفقها جميعها ويبقى لا مال له، بل تدفع له على دفعات كل شهر. والعمل في هذا أنكم تبحثون الأمر مع الأغنياء، وتجمعون منهم الزكاة معجلة سنة، فتجمعون الآن زكاة السنة القادمة، وهكذا، ثم تقسط للفقراء على دفعات شهريا، أو تأخذونها من الأغنياء معجلة على دفعات، وتعطى للفقراء شهريا، فلا تكون قد تأخر إخراجها بعد وجوبها. وهذا يحتاج إلى مباحثة مع الأغنياء، وإقناعهم بالمصلحة في ذلك. قال ابن قدامة المقدسي رحمه الله: " قَالَ أَحْمَدُ: لا يُجَزِّئُ عَلَى أَقَارِبِهِ مِنْ الزَّكَاةِ فِي كُلِّ شَهْرٍ. يَعْنِي لا يُؤَخِّرُ إخْرَاجَهَا حَتَّى يَدْفَعَهَا إلَيْهِمْ مُتَفَرِّقَةً , فِي كُلِّ شَهْرٍ شَيْئًا , فَأَمَّا إنْ عَجَّلَهَا فَدَفَعَهَا إلَيْهِمْ , أَوْ إلَى غَيْرِهِمْ مُتَفَرِّقَةً أَوْ مَجْمُوعَةً , جَازَ لأَنَّهُ لَمْ يُؤَخِّرْهَا عَنْ وَقْتِهَا " انتهى من "المغني" (2/290) . وسئل علماء اللجنة الدائمة: هل يجوز لي إخراج زكاة المال مقدمة طول السنة، في شكل رواتب للأسر الفقيرة، في كل شهر؟ فأجابوا: لا بأس بإخراج الزكاة قبل حلول الحول بسنة أو سنتين إذا اقتضت المصلحة ذلك، وإعطاؤها الفقراء المستحقين شهريّاً. "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/422) . وأما إخراج الزكاة على شكل أطعمة، فراجع السؤال (42542) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 52852 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2524 على أخيه دين فهل يعينه من الزكاة [السُّؤَالُ] ـ[أخي يعمل، وهو يتقاضى راتبا، إلا أن عليه مبلغا كبيرا يجب أن يسدده. فهل يجوز لي أن أعطيه من زكاة مالي؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان أخوك مدينا، وكان راتبه لا يكفي لمعيشته وسداد ذلك المبلغ، وكان من أهل الصلاة، ولا يضيع الأموال فيما لا يرضي الله، فلا بأس من إعطائه من زكاة مالك. الشيخ سعد الحميد. لأنه داخل في قوله تعالى في أهل الزكاة: (والغارمين) . وإذا كان دينه نتيجة لأمر محرم كالربا والقمار فلا تسدد عنه إلا إذا تاب إلى الله. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 11492 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2525 هل يدفع زكاة ماله لأخيه الذي يصرف عليه والده؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن أدفع زكاة أموالي لأخي الذي لم يكمل دراسته الجامعية بسبب ظروفه الصحيَّة النفسيَّة ولم يجد وظيفة، وهو الآن مقيم عند والدي الذي يصرف عليه؟ علماً أن والدي مستور الحال.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله دفع الزكاة إلى الأقارب الذين هم من أهلها أفضل من دفعها إلى مَنْ ليسوا من قرابتك؛ لأن الصدقة على القريب صدقة وصلة، إلا إذا كان هؤلاء الأقارب ممن تلزمك نفقتهم فلا يجوز لك دفع زكاة مالك إليهم. انظر جواب السؤال رقم: (20278) . ونفقة أخيك واجبة على أبيك، فإن كان أبوك لا يستطيع الإنفاق عليه جاز لك أن تدفع زكاة مالك إليه. سئل علماء اللجنة الدائمة: توفي والدي رحمه الله وترك أسرة مكونة من سبعة أشخاص مع امرأة أخرى غير والدتي، وليس لهم معيل سواي بعد الله سبحانه، فهل يجوز اعتبار ما أنفقه عليهم من مالي الخاص زكاة شرعية لأموالي تلك - علماً بأنني متزوج وأعول أسرة أنا الآخر -؟ ثانياً: لي أخ أكبر متزوج من زوجتين، وله من العيال الكثير، ولا يكاد يكفيهم، ويطلب مني المساعدة كثيراً، فهل يجوز اعتبار ما أرسله له من الزكاة الشرعية؟ فأجابوا: لا مانع من صرف الزكاة لإخوتك من الأب ذكورهم وإناثهم مستقبلاً، إذا كانوا فقراء ليس لديهم من المال ما يغنيهم عن الزكاة، وهكذا يجوز لك صرف الزكاة مستقبلاً لأخيك الأكبر إذا كان فقيراً ليس لديه من المال أو الكسب ما يغنيه عن الزكاة لعموم آية الصدقات في قوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة/60. " فتاوى اللجنة الدائمة " (10 / 57، 58) . وقالوا – في موضع آخر -: يجوز لكم إعطاء إخوتك الأشقاء ووالد زوجتك من الزكاة ما يكفيهم إذا كان ما يدخل عليهم لا يكفيهم. " فتاوى اللجنة الدائمة " (10 / 59) . وقال الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله: وسؤالكم عما إذا كان لكم أخ، أو أخت شقيقة، فهل يجوز دفع زكاتك إليه؟ جوابه: إن كان دفعك الزكاة إليه يتضمن إسقاط واجب له عليك، مثل أن تكون نفقته واجبة عليك فتعطيه من الزكاة، لتوفِّرَ مالك عن الإنفاق عليه: فهذا لا يجوز؛ لأن الزكاة لا تكون وقاية للمال، وإن كان لا يتضمن إسقاط واجب له، مثل أن تكون نفقته غير واجبة عليك، لكونك لا ترثه، أو لكون مالك لا يتحمل الإنفاق عليه مع عائلتك، أو تعطيه لقضاء دين عليه لا يستطيع وفاءه: فهذا جائز أن تدفع زكاتك إليه، بل هو أفضل من غيره وأولى؛ لأن إعطاءه صدقة وصلة. " مجموع فتاوى ابن عثيمين " (18 / 422، 423) . وانظر: جواب السؤالين: (21810) و (11492) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50739 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2526 كان أخوه غنيّاً ثم افتقر فهل يعطيه الزكاة مع بقاء أساس منزله عنده؟ [السُّؤَالُ] ـ[أخي كان تاجراً ناجحاً ولكون ظروفه الماديَّة ممتازة شرع في بناء من النوع الراقي وبعد فترة انقلب عليه الحال وأصبح من الفقراء، فهل يجوز أن أصرف له الزكاة رغم امتلاك أساس ذلك المنزل الذي يقدر بمبلغ 50000 ديناراً وهو يعول 9 أولاد وحالهم سيئ جدّاً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الفقير أو المسكين الذي يجوز دفع الزكاة إليه هو الذي لا يجد ما يكفيه وأهله من النفقة، فإذا كان أخوك عنده سكن يكفيه وأولاده فعليه أن يبيع أساس هذا البيت، وينفق منه على نفسه وأولاده، فإن لم يمكن بيعه جاز إعطاؤه من الزكاة من أجل النفقة والسكنى، لكن لا يعطى لإتمام بناء البيت، لأن الفقير يعطى من الزكاة بقدر ما تندفع به حاجته، وحاجة أخيك في السكن تندفع بغير البناء، كاستئجار بيت مناسب له. ثانياً: دفع الزكاة إلى الأقارب الذين هم من أهلها أفضل من دفعها إلى من هم ليسوا من قرابتك؛ لأن الصدقة على القريب صدقة وصلة، إلا إذا كان هؤلاء الأقارب ممن تلزمك نفقتهم فإنه لا يجوز أن تعطيهم من زكاة مالك، ويجب عليك الإنفاق عليهم. انظر جواب السؤال (20278) . قال الشيخ محمد الصالح العثيمين: كلما كان الإنسان الذي من أهل الزكاة كلما كان أقرب إليك فهو أولى من غيره؛ لأن صدقتك على القريب صدقة وصلة، فيجوز أن تعطي زكاتك من كان قريباً لك بشرط أن لا تجب عليك نفقته، فإن كانت نفقته تجب عليك: فإنه يجب عليك الإنفاق عليه، ولا يجوز لك أن تدفع زكاتك إليه. فإذا قدِّر أن لك أخاً لا يرثه إلا أنت وأنت غني تتمكن من الإنفاق عليه وهو فقير: فإنه لا يجوز أن تعطيه زكاتك؛ لأن الواجب عليك أن تنفق عليه من مالك، أما إذا كان هذا الأخ الفقير له أولاد: فإنه يجوز أن تعطيه من زكاتك؛ لأنه إذا كان له أولاد لا تجب عليك نفقته لأنك لست وارثاً له. " خطبة جمعة " (المجموعة السابعة) . وسئل الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله تعالى: ما حكم دفع الزكاة للأقارب؟ فأجاب بقوله: القاعدة في ذلك: أن كل قريب تجب نفقته على المزكي: فإنه لا يجوز أن يدفع إليه من الزكاة ما يكون سبباً لرفع النفقة عنه، أما إذا كان القريب لا تجب نفقته كالأخ إذا كان له أبناء - فإن الأخ إذا كان له أبناء فلا يجب على أخيه نفقته نظراً لعدم التوارث لوجود الأبناء - وفي هذه الحال يجوز دفع الزكاة إلى الأخ إذا كان من أهل الزكاة، كذلك أيضاً: لو كان للإنسان أقارب لا يحتاجون الزكاة في النفقة، لكن عليهم ديون فيجوز قضاء ديونهم، ولو كان القريب أباً، أو ابناً، أو بنتاً، أو أمًّا مادام هذا الدين الذي وجب عليهم ليس سببه التقصير في النفقة. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/414) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50640 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2527 حكم زكاة الدَّيْن وهل تُخرج من غير المال؟ [السُّؤَالُ] ـ[استدان مني أخي خمسة آلآف ريال، واستدانت مني أختي خمسمائة ريال، وأنا أخرج الزكاة دائما في رمضان، فهل أخرج الزكاة عن الدين؟ وهل يجوز أن أضعها في إفطار صائم أو في مبنى الوقف الخيري لمكتب الدعوة والإرشاد؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: قال علماء اللجنة الدائمة: إذا كان المَدين معسراً أو كان مليئاً لكنه مماطل ولا يمكن الدائن استخلاص دينه منه، إما لكونه لايجد لديه من الإثبات ما يستخلص به حقه لدى الحاكم، أو لديه الإثبات لكن لا يجد مِن ولي الأمر ما يساعده على تخليص حقه، كما في بعض الدول التي لا نصرة فيها للحقوق: فلا تجب الزكاة على الدائن حتى يقبض دينه ويستقبل به حولا. وأما إذا كان المدين مليئاً ويمكن استخلاص الدين منه: فالزكاة واجبة على الدائن كلما حال الحول، وكان الدين نصاباً بنفسه أو بضمه إلى غيره من النقود ونحوها. " فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (9 / 191) . ثانياً: ومن وجبت الزكاة في ماله فلا يجوز له صرفها إلا في مصارفها الشرعية، وقد سبق بيانها في جواب على السؤال رقم (6977) ، فلا يجوز وضع زكاة المال في إفطار الصائم ولا في مبنى الوقف الخيري، لأن ذلك ليس من مصارف الزكاة الثمانية التي حددها الله سبحانه وتعالى. وقد سبق في عدة أجوبة عدم جواز دفع الزكاة في بناء المساجد والمدارس وكذلك في طباعة المصحف، فانظرها في (13734) و (21797) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50014 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2528 أخذ زكاة أموال ليوزعها على الفقراء فهل يأخذ منها؟ [السُّؤَالُ] ـ[أحد أصدقائي أعطاني مبلغاً من الزكاة لكي أقوم بتوزيعها على من يستحقها. وقد قمت بتوزيع جزء من المبلغ ومازلت أقوم بتوزيع باقي المبلغ ولكنى في نفس الوقت محتاج لمبالغ من المال لأني مقبل على الزواج وكذلك لإتمام بناء منزلي الذي لم ينته بناؤه، كما أنني في نفس الوقت غارم وعلي ديون. فهل يحق لي أن آخذ من الزكاة أم لا؟ علما بأني لا أستطيع أن أقول لصديقي في الوقت الحالي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس لك أن تأخذ من هذا المال شيئاً، لأن صاحبه إنما أعطاه لك لتوزعه لا لتأخذه، فأنت وكيل لصاحب المال، ليس لك التصرف إلا فيما أذن لك فيه. سئل الشيخ ابن عثيمين في فتاوى أركان الإسلام (ص447) : عن رجل فقير يأخذ الزكاة من صاحبه الغني بحجة أنه سيوزعها ثم يأخذها هو فما الحكم في هذا العمل؟ فأجاب: هذا محرم عليه وهو خلاف الأمانة، لأن صاحبه يعطيه على أنه وكيل يدفعه لغيره، وهو يأخذه لنفسه، وقد ذكر أهل العلم أن الوكيل لا يجوز أن يتصرف فيما وكل فيه لنفسه، وعلى هذا فإن الواجب على هذا الشخص أن يبين لصاحبه أن ما كان يأخذه من قبل كان يصرفه لنفسه، فإن أجازه فذلك، وإن لم يجزه فإن عليه الضمان ـ أي يضمن ما أخذ لنفسه ليؤدي به الزكاة عن صاحبه. وبهذه المناسبة أود أن أنبه إلى مسألة يفعلها بعض الناس الجهال وهو: أنه يكون فقيرا فيأخذ الزكاة، ثم يغنيه الله فيعطيه الناس على أنه لم يزل فقيرا، ثم يأخذها، فمن الناس من يأخذها ويأكلها ويقول: أنا ما سألت الناس، وهذا رزق ساقه الله إليّ وهذا محرم؛ لأن من أغناه الله تعالى حرم عليه أن يأخذ شيئا من الزكاة. ومن الناس من يأخذها ثم يعطيها غيره بدون أن يوكله صاحب الزكاة وهذا أيضا محرم ولا يحل له أن يتصرف هذا التصرف وإن كان دون الأول، لكنه محرم عليه أن يفعل هذا، ويجب عليه ضمان الزكاة لصاحبه إذا لم يأذن له ولم يجز تصرفه اهـ. وسئلت اللجنة الدائمة (9/436) : لقد أعطاني بعض الناس أموال زكاة لأصرفها في مصارفها الشرعية وأخذت المال ووزعت منه ولكن أخذت منه لنفسي جزءاً؛ لأنني احتجت هذا المبلغ لكي أتزوج وأصلح منزلي الذي كان غير لائق للزواج، وكان عندي نية السداد ولكن ظروفي الآن لا تسمح بالسداد فما الحل؟ وهل أخذي هذا المال حلال أم حرام؟ وهل لابد من السداد؟ فأجابت: لا يجوز لك الأخذ من المال الذي سلم لك لتوزيعه على مستحقي الزكاة، فيجب عليك رد بدل المال الذي أخذت، أو دفعه لمستحقيه مع التوبة والاستغفار مما حصل منك اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49899 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2529 إعطاء الزكاة لامرأة لشراء منزل للاستثمار [السُّؤَالُ] ـ[امرأة اشترت عمارة صغيرة للاستثمار وبقي عليها من قيمتها مبلغ، هل تُعطى من الزكاة لسداد هذا الدين علماً بأن زوجها فقير؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كانت محتاجة لهذا الاستثمار فلا بأس، وإلا فتبيع البيت وتوفي. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين لمجلة الدعوة العدد 1762 ص 36 الحديث: 11432 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2530 هل يجوز دفع الزكاة إلى صندوق العائلة لمساعدة الفقراء [السُّؤَالُ] ـ[لدي5000 جنيه وقد مر عليهم عام ونصف فما هي زكاة المال الواجبة علي؟ وهل إذا بقى من المبلغ (5000) ومر عليه الحول تجب عليه زكاة مال؟ لدينا في الأسرة جمعية باسم العائلة وادفع مبلغاً معيناً من المال لمساعدة فقراء العائلة وقد تأخرت في السداد فهل أسدد لهم من زكاة المال طالما أنها صدقة جارية؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: من ملك من النقود ما يبلغ نصاباً، ومرّ عليه سنة هجرية وجبت عليه الزكاة. ونصاب النقود يقدر بما يعادل 85 جراماً من الذهب أو 595 جراماً من الفضة، أيهما أقل. انظر الشرح الممتع (6/103-104) ، مجموع فتاوى ابن عثيمين (18/248) وعلى هذا، فالمبلغ الذي معك (5000) جنيه، يبلغ النصاب فتجب فيه الزكاة. ثانياً: أما القدر الواجب عليك إخراجه فهو ربع العشر، أي 2.5 بالمائة، وبالنسبة للمبلغ المسؤول عنه 5000 جنيه مقدار زكاته 125 جنيه. ثالثاً: إذا مرت سنة هجرية على ملك النصاب وجب إخراج الزكاة فوراً، ولا يجوز تأخيرها انظر الشرح الممتع (6/186) وعلى هذا فتأخيرك إخراج الزكاة نصف سنة بعد مرور الحول تقصير، يجب عليك التوبة منه والمبادرة بإخراج الزكاة. رابعاً: قولك " (وهل إذا بقي من المبلغ 5000 ومر عليه الحول تجب عليه زكاة مال) فجوابه: كلّما مرّ الحول والنصاب موجود وجبت فيه الزكاة. فإذا نقص المال عن النصاب فلا تجب فيه الزكاة، فإن كمل نصاباً مرّة أخرى وجبت فيه الزكاة وتبدأ حساب الحول من حين يبلغ النصاب. خامساً: وأما إعطاء الزكاة في صندوق العائلة، فإن الزكاة لها مصارف ثمانية، بيّنها الله تعالى بقوله: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة/60، وإعطاء الزكاة للفقراء الأقارب أفضل من غيرهم لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ وَعَلَى ذِي الرَّحِمِ اثْنَتَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ) رواه النسائي (2582) صححه الألباني في صحيح النسائي فلا حرج من وضع الزكاة في صندوق العائلة، على أن تخبر أمين الصندوق بأن هذه زكاة مال، حتى ينفقها في مصارفها الشرعية المحددة في الآية السابقة، وحتى يبادر بإخراجها فوراً. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 46857 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2531 مصارف الزكاة [السُّؤَالُ] ـ[ما هي المصارف التي يجب أن تصرف فيها الزكاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " المصارف التي يجب أن تصرف فيها الزكاة ثمانية، بيَّنها الله تعالى بياناً شافياً، وأخبر عز وجل أن ذلك فريضة، وأنه مبني على العلم والحكمة، فقال جل ذكره: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة/60. فهؤلاء ثمانية أصناف هم أهل الزكاة الذين تدفع إليهم. الأول والثاني: للفقراء، والمساكين، وهؤلاء يعطون من الزكاة لدفع ضرورتهم وحاجتهم، والفرق بين الفقراء والمساكين: أن الفقراء أشد حاجة، لا يجد الواحد منهم ما يكفيه وعائلته لنصف سنة، والمساكين أعلى حالاً من الفقراء؛ لأنهم يجدون نصف الكفاية فأكثر دون كمال الكفاية، وهؤلاء يعطون لحاجتهم. ولكن كيف نقدر الحاجة؟ قال العلماء: يعطون لحاجتهم ما يكفيهم وعائلتهم لمدة سنة. لأن السنة إذا دارت وجبت الزكاة في الأموال، فكما أن الحول هو تقدير الزمن الذي تجب فيه الزكاة، فكذلك ينبغي أن يكون الحول هو تقدير الزمن الذي تدفع فيه حاجة الفقراء والمساكين الذين هم أهل الزكاة. وهذا قول حسن جيد، أي أننا نعطي الفقير والمسكين ما يكفيه وعائلته لمدة عام كامل، سواء أعطيناه أعياناً من أطعمة وألبسة، أو أعطيناه نقوداً يشتري بها هو ما يناسبه، أو أعطيناه صنعة أي آلة يصنع بها إذا كان يحسن الصنعة: كخياط، أو نجار، أو حداد ونحوه. المهم أن نعطيه ما يكفيه وعائلته لمدة سنة. الثالث: العاملون عليها: أي الذين لهم ولاية عليها من قبل أولي الأمر، ولهذا قال: (وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا) التوبة/60 ولم يقل: العاملون فيها. إشارة أن لهم نوع ولاية، وهم جباتها الذين يجبونها من أهلها، وقسامها الذين يقسمونها في أهلها، وكتابها ونحوهم، وهؤلاء عاملون عليها يعطون من الزكاة. ولكن كم يعطون منها؟ العاملون على الزكاة مستحقون بوصف العمالة، ومن استحق بوصف أعطي بقدر ذلك الوصف، وعليه فيعطون من الزكاة بقدر عمالتهم فيها، سواء كانوا أغنياء أم فقراء، لأنهم يأخذون الزكاة لعملهم لا لحاجتهم، وعلى هذا فيعطون ما يقتضيه العمل من الزكاة، فإن قدر أن العاملين عليها فقراء، فإنهم يعطون بالعمالة، ويعطون ما يكفيهم لمدة سنة لفقرهم. لأنهم يستحقون الزكاة بوصفين العمالة عليها والفقر، فيعطون لكل من الوصفين، ولكن إذا أعطيناهم للعمالة ولم تسد حاجتهم لمدة سنة، فنكمل لهم المؤونة لمدة سنة، مثال ذلك: إذا قدرنا أنه يكفيهم لمدة سنة عشرة آلاف ريال، وأننا إذا أعطيناهم لفقرهم أخذوا عشرة آلاف ريال، وأن نصيبهم من العمالة ألفا ريال، فعلى هذا نعطيهم ألفي ريال للعمالة، ونعطيهم ثمانية آلاف ريال للفقر. الرابع: المؤلفة قلوبهم: وهم الذين يعطون لتأليفهم على الإسلام: إما كافر يرجى إسلامه، وإما مسلم نعطيه لتقوية الإيمان في قلبه، وإما شرير نعطيه لدفع شره عن المسلمين، أو نحو ذلك ممن يكون في تأليفه مصلحة للمسلمين. ولكن هل يشترط في ذلك أن يكون سيداً مطاعاً في قومه حتى يكون في تأليفه مصلحة عامة، أو يجوز أن يعطى لتأليفه ولو لمصلحته الشخصية: كرجل دخل في الإسلام حديثاً، يحتاج إلى تأليفه وقوة إيمانه بإعطائه؟ هذه محل خلاف بين العلماء، والراجح عندي: أنه لا بأس أن يعطى لتأليفه على الإسلام بتقوية إيمانه، وإن كان يعطى بصفة شخصية وليس سيداً في قومه، لعموم قوله تعالى: (وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) ، ولأنه إذا جاز أن نعطي الفقير لحاجته البدنية والجسمية فإعطاؤنا هذا الضعيف الإيمان لتقوية إيمانه من باب أولى؛ لأن تقوية الإيمان بالنسبة للشخص أهم من غذاء الجسد. هؤلاء أربعة يعطون الزكاة على سبيل التمليك، ويملكونها ملكاً تامًّا حتى لو زال الوصف عنهم في أثناء الحول لم يلزمهم رد الزكاة، بل تبقى حلالاً لهم، لأن الله عبر لاستحقاقهم إياها باللام فقال: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) ، فأتى باللام، وفائدة ذلك: أن الفقير لو استغنى في أثناء الحول فإنه لا يلزمه رد الزكاة: مثل لو أعطيناه عشرة آلاف لفقره وهي تكفيه لمدة سنة، ثم إن الله تعالى أغناه في أثناء الحول باكتساب مال، أو موت قريب له يرثه أو ما شابه ذلك، فإنه لا يلزمه رد ما بقي من المال الذي أخذه من الزكاة؛ لأنه ملكه. الخامس من أصناف أهل الزكاة: الرقاب، لقوله تعالى: (وَفِي الرِّقَابِ) ، والرقاب فسرها العلماء بثلاثة أشياء: الأول: مكاتب اشترى نفسه من سيده بدراهم مؤجلة في ذمته، فيعطى ما يوفي به سيده. والثاني: رقيق مملوك اشْتُرِيَ من الزكاة ليعتق. الثالث: أسير مسلم أسره الكفار فيعطى الكفار من الزكاة لفكهم هذا الأسير، وأيضاً: الاختطاف، فلو اختطف كافر أو مسلم أحد من المسلمين فلا بأس أن يفد هذا المختطف بشيء من الزكاة، لأن العلة واحدة، وهي فكاك المسلم من الأسر، وهذا إذا لم يمكننا أن نرغم المختطف على فكاكه بدون بذل المال إذا كان المختطف من المسلمين. السادس: الغارمين. والغرم هو الدين، وقسم العلماء رحمهم الله الغرم إلى قسمين: غرم لإصلاح ذات البين، وغرم لسداد الحاجة، أما الغرم لإصلاح ذات البين، فمثلوا له بأن يقع بين قبيلتين تشاحن وتشاجر أو حروب، فأتى رجل من أهل الخير والجاه والشرف والسؤدد، وأصلح بين هاتين القبيلتين بدراهم يتحملها في ذمته، فإنا نعطي هذا الرجل المصلح الدراهم التي تحملها من الزكاة، جزاء له على هذا العمل الجليل الذي قام به، الذي فيه إزالة الشحناء والعداوة بين المؤمنين وحقن دماء الناس، وهذا يعطى سواء كان غنيًّا أم فقيراً، لأننا لسنا نعطيه لسد حاجته، ولكننا نعطيه لما قام به من المصلحة العامة. أما الثاني: فهو الغارم لنفسه، الذي استدان لنفسه ليدفعه في حاجته، أو بشراء شيء يحتاجه يشتريه في ذمته، وليس عنده مال، فهذا يوفى دينه من الزكاة بشرط أن لا يكون عنده مال يوفي به الدَّين. وهنا مسألة: هل الأفضل أن نعطي هذا المدين من الزكاة ليوفي دينه أو نذهب نحن إلى دائنه ونوفي عنه؟ هذا يختلف، فإن كان هذا الرجل المدين حريصاً على وفاء دينه، وإبراء ذمته، وهو أمين فيما يعطى لوفاء الدين فإنا نعطيه هو بنفسه يقضي دينه، لأن هذا أستر له وأبعد عن تخجيله أمام الناس الذين يطلبونه. أما إذا كان المدين رجلاً مبذراً يفسد الأموال، ولو أعطيناه مالاً ليقضي دينه ذهب يشتري أشياء لا ضرورة لها فإننا لا نعطيه، وإنما نذهب نحن إلى دائنه ونقول له: ما دين فلان لك؟ ثم نعطيه هذا الدين، أو بعضه حسب ما يتيسر. السابع: في سبيل الله. وسبيل الله هنا المراد به الجهاد في سبيل الله لا غير، ولا يصح أن يراد به جميع سبل الخير؛ لأنه لو كان المراد به جميع سبل الخير لم يكن للحصر فائدة في قوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة/60. إذ يكون الحصر عديم التأثير، فالمراد في سبيل الله هو الجهاد في سبيل الله، فيطعى المقاتل في سبيل الله، الذين يظهر من حالهم أنهم يقاتلون لتكون كلمة الله هي العليا، يعطون من الزكاة ما يحتاجون إليه من النفقات والأسلحة وغير ذلك، ويجوز أن تشترى الأسلحة لهم من الزكاة ليقاتلوا بها، ولكن لابد أن يكون القتال في سبيل الله. والقتال في سبيل الله بَيَّنَه الرسولُ صلى الله عليه وسلم حين سئل عن الرجل يقاتل حمية، ويقاتل شجاعة، ويقاتل ليرى مكانه أي ذلك في سبيل الله؟ قال: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) ، فالرجل المقاتل حمية لوطنه وغير ذلك من أنواع الحميات ليس يقاتل في سبيل الله فلا يستحق ما يستحقه المقاتل في سبيل الله، لا من الأمور المادية الدنيوية، ولا من أمور الا?خرة، والرجل الذي يقاتل شجاعة أي أنه يحب القتال لكونه شجاعاً ـ والمتصف بصفة غالباً يحب أن يقوم بها على أي حال كانت ـ هو أيضاً ليس يقاتل في سبيل الله، والمقاتل ليرى مكانه، يقاتل رياء وسمعة ليس يقاتل في سبيل الله، وكل من لا يقاتل في سبيل الله فإنه لا يستحق من الزكاة؛ لأن الله تعالى يقول: (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) والذي يقاتل في سبيل الله هو الذي يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا. قال أهل العلم: ومن سبيل الله: الرجل يتفرغ لطلب العلم الشرعي، فيعطى من الزكاة ما يحتاج إليه من نفقة وكسوة وطعام وشراب ومسكن وكتب علم يحتاجها، لأن العلم الشرعي نوع من الجهاد في سبيل الله، بل قال الإمام أحمد رحمه الله: (العلم لا يعدله شيء لمن صحت نيته) ، فالعلم هو أصل الشرع كله، فلا شرع إلا بعلم، والله سبحانه وتعالى أنزل الكتاب ليقوم الناس بالقسط، ويتعلموا أحكام شريعتهم، وما يلزم من عقيدة وقول وفعل. أما الجهاد في سبيل الله فنعم هو من أشرف الأعمال، بل هو ذروة سنام الإسلام، ولا شك في فضله، لكن العلم له شأن كبير في الإسلام، فدخوله في الجهاد في سبيل الله دخول واضح لا إشكال فيه. الثامن: ابن السبيل. وهو المسافر الذي انقطع به السفر ونفدت نفقته، فإنه يعطى من الزكاة ما يوصله لبلده، وإن كان في بلده غنيًّا؛ لأنه محتاج، ولا نقول له في هذه الحال: يلزمك أن تستقرض وتوفي لأننا في هذه الحال نلزمه أن يلزم ذمته ديناً، ولكن لو اختار هو أن يستقرض ولا يأخذ من الزكاة فالأمر إليه، فإذا وجدنا شخصاً مسافراً من مكة إلى المدينة، وفي أثناء السفر ضاعت نفقته ولم يكن معه شيء وهو غني في المدينة، فإننا نعطيه ما يوصله إلى المدينة فقط، لأن هذه هي حاجته ولا نعطيه أكثر. وإذا كنا قد عرفنا أصناف أهل الزكاة الذين تدفع لهم فإن ما سوى ذلك من المصالح العامة أو الخاصة لا تدفع فيه الزكاة، وعلى هذا لا تدفع الزكاة في بناء المساجد، ولا في إصلاح الطرق، ولا في بناء المكاتب وشبه ذلك، لأن الله عز وجل لما ذكر أصناف أهل الزكاة قال: (فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) أي أن هذا التقسيم جاء فريضة من الله عز وجل (وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) . ثم نقول: هل هؤلاء المستحقون يجب أن يعطى كل صنف منهم؛ لأن الواو تقتضي الجمع؟ فالجواب: أن ذلك لا يجب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه حين بعثه إلى اليمن: (أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم) فلم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم إلا صنفاً واحداً، وهذا يدل على أن الآية يبين الله تعالى فيها جهة الاستحقاق، وليس المراد أنه يجب أن تعمم هذه الأصناف. فإن قيل: أيها أولى أن تصرف فيه الزكاة من هذه الأصناف الثمانية؟ قلنا: إن الأولى ما كانت الحاجة إليه أشد؛ لأن كل هؤلاء استحقوا الوصف، فمن كان أشد إلحاحاً وحاجة فهو أولى، والغالب أن الأشد هم الفقراء والمساكين، ولهذا بدأ الله تعالى بهم فقال: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة/60. والله أعلم. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/331-339) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 46209 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2532 صرف الزكاة [السُّؤَالُ] ـ[جمعية خيرية تقسط الزكاة على موظفيها وطلابها فإن الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم لديها مبالغ زكاة تم جمعها من المحسنين، وقد اعتادت الجمعية على صرف مبالغ الزكاة على مستحقيها من طلاب الحلقات بين الحين والآخر أو بمعدّل شهرين في السنة. وحيث أن بعض موظفي الجمعية أحوالهم المادية صعبة ورواتبهم لا تكفي المتطلبات المعيشية لأسرهم وبعضهم عليه التزامات وديون فقد قامت الجمعية بين حين وآخر بصرف مبالغ لهم من الزكاة وإبلاغهم بأنها من الزكاة ونظراً لظروفهم المعيشية الصعبة فقد رأت الجمعية صرف مبلغ ثابت من الزكاة شهرياً للموظف المستحقّ يقدّر بين 1500 و 2000 ريال، فهل يجوز صرف مبلغ من الزكاة شهرياً بشكل ثابت لمن يستحقه من منسوبي الجمعية؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا حرج أن تقوم الجمعية الخيرية بتوزيع الزكاة على مستحقيها، نيابة عن أصحابها وللقائمين عليها، الأجر والثواب إن شاء الله تعالى. ثانيا: يجوز دفع الزكاة إلى موظفي الجمعية وطلاب الحلقات إذا كانوا من أهل الزكاة، كما لو كانوا فقراء أو مساكين، ليس لديهم ما يكفيهم، أو كانوا مدينين لا يجدون وفاء لديونهم؛ لقوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة/60. ثالثا: لا يجوز تأخير الزكاة عن وقتها، إلا لمصلحة راجحةٍ، مدةً يسيرة، لعدم وجود المستحق، أو لغيبة المال، أو لانتظار قريب ونحو ذلك. قال ابن قدامة رحمه الله: " إن أخرها - أي: الزكاة - ليدفعها إلى من هو أحق بها من ذي قرابة، أو ذي حاجة شديدة، فإن كان شيئاً يسيراً، فلا بأس، وإن كان كثيراً لم يجز " انتهى من "المغني " (2/290) . وسئلت اللجنة الدائمة عن جمعية تقوم بجمع الزكاة من الأغنياء ثم تؤخر صرفها لمدة تصل إلى عام، وذلك بحجة أن يكون هناك إعانة لربيع وإعانة لرمضان وهكذا، فما الحكم في هذا التأخير حيث إن أصحاب الأموال قد أخرجوها من ذمتهم وحملونا إياها؟ فأجابت: " يجب على الجمعية صرف الزكوات في مستحقيها وعدم تأجيلها إذا وجد المستحق " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/402) . وعليه فإخراج الزكاة في صورة رواتب شهرية، فيه تأخير لها عن وقت وجوبها، فلا يجوز ذلك. فإن دعت الحاجة إلى تقسيط الزكاة على الفقراء على دفعات، فلا حرج في ذلك، ولكن بشرط أن تكون الزكاة معجّلة، أي أخرجها أصحابها قبل نهاية الحول، فلا حرج من تقسيطها بشرط أن لا يتأخر إخراجها عن الحول. وهذا يحتاج من الجمعية أن تنقع أصحاب الأموال بتعجيل زكاتهم حتى يتسنى للجمعية أن توزيعها شهرياً، بما يتوافق مع مصلحة الفقراء والمحتاجين. وصفة التعجيل أن يكون حول زكاته في أول صفرٍ مثلا، فإذا أخرج زكاته في وقتها، أخرج زكاة السنة القادمة معها، فيكون قد عجل زكاته لمدة سنة، فلو فرض أن زكاة السنة القادمة تبلغ ألفا، فله أن يخرج الألف معجلة الآن، وله أن يخرجها مقسطة على السنة حسب ما يرى، فإذا جاء الحول، كان قد أخرج زكاته ولم يؤخر منها شيئا. قال ابن قدامة رحمه الله: " قَالَ أَحْمَدُ: لا يُجَزِّئُ عَلَى أَقَارِبِهِ مِنْ الزَّكَاةِ فِي كُلِّ شَهْرٍ. يَعْنِي لا يُؤَخِّرُ إخْرَاجَهَا حَتَّى يَدْفَعَهَا إلَيْهِمْ مُتَفَرِّقَةً , فِي كُلِّ شَهْرٍ شَيْئًا , فَأَمَّا إنْ عَجَّلَهَا فَدَفَعَهَا إلَيْهِمْ , أَوْ إلَى غَيْرِهِمْ مُتَفَرِّقَةً أَوْ مَجْمُوعَةً , جَازَ لأَنَّهُ لَمْ يُؤَخِّرْهَا عَنْ وَقْتِهَا " انتهى من "المغني" (2/290) وسئلت اللجنة الدائمة: هل يجوز لي إخراج زكاة المال مقدمة طول السنة، في شكل رواتب للأسر الفقيرة، في كل شهر؟ فأجابت: " لا بأس بإخراج الزكاة قبل حلول الحول بسنة أو سنتين إذا اقتضت المصلحة ذلك، وإعطائها الفقراء المستحقين شهريّاً." انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة (9/422) وانظر السؤال رقم (52852) والحاصل أنه لا يجوز للجمعية أن تخرج ما وُكلت في توزيعه من الزكاة على هيئة أقساط أو رواتب شهرية، إلا إذا علمت أن المزكي قد عجّل زكاته، ولها أن تُرغِّب أصحاب الأموال في ذلك؛ ليتسنى لها إعالة الفقراء شهريا أو كل ثلاثة أشهر، ونحو ذلك. رابعاً: إذا كان الشخص يأخذ من الزكاة لحاجته كالفقراء والمساكين والمدينين فإنه يجب عند إعطائه للزكاة التأكد من حاله، هل هو مستحق أم لا؟ فقد يكون فقيراً الآن ثم يغنيه الله تعالى من فضله، فلا يجوز إعطاؤه من الزكاة، فيجب التحري والتنبّه لذلك حتى تصرف الزكاة في مصارفها الشرعية. هذا ونسأل الله أن يجزي القائمين على الجمعيات الخيرية خير الجزاء، وأن يعينهم ويسددهم، ويوفقهم لكل خير. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45185 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2533 هل يعطي صدقة التطوع لأهل البدع [السُّؤَالُ] ـ[من المعلوم أن أغلبية سكان العراق شيعة هل يصح التبرع لهم عن طريق المؤسسات التي تدعو إلى التبرع لهم، مع أنهم من الممكن أن يتقووا بهذه الأموال على أهل السنة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحكم بأن أغلبية سكان العراق من الشيعة ليس دقيقا، لأن الإحصاءات الموجودة بين أيدينا الآن أكثرها قديمة، ولم تكن بتلك الدقة، بل إن بعض الإحصاءات الحديثة أثبتت عكس ذلك بناء على استقراء أحوال المحافظات هناك. وعلى كل حال فإذا كان الذي يدفع إلى الرافضة من الصدقة الواجبة أي الزكاة المفروضة فقد سبق بيان حكمه في السؤال رقم (1148) ، أما إذا كان ما يدفع هو من الصدقة المستحبة أي صدقة التطوع فقد نص أهل العلم على جواز دفع صدقة التطوع إلى الكافر. قال في الأم: " قال الشافعي: ولا بأس أن يتصدق على المشرك من النافلة وليس له في الفريضة من الصدقة حق " الأم 2/65 وقال في المغني: " وكل من حرم صدقة الفرض من الأغنياء وقرابة المتصدق والكافر وغيرهم، يجوز دفع صدقة التطوع إليهم ولهم أخذها، قال الله تعالى: (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) . ولم يكن الأسير يومئذ إلا كافرا " المغني 2/277 لكن إذا كان المال المتصدق به يستعان به على معصية أو أذية مسلم، فلا يجوز دفعه لمسلم فضلا عن مبتدع أو كافر. وبناء على ما سبق، فإذا كنت متيقنا من أن تلك الأموال ستصل إلى أناس يتقوون بها على أذية المسلمين فلا يجوز دفعها، ويمكنك البحث عن طرق أخرى لدفعها لأهلها ومن هم أحق بها، والأولى أن يعطي المسلم زكاته لأهل الطاعة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الاختيارات ص (103) : ولا ينبغي أن يعطي الزكاة لمن لا يستعين بها على طاعة الله، فإن الله تعالى فرضها معونة على طاعته لمن يحتاج إليها من المؤمنين، كالفقراء والغارمين أو لمن يعاون المؤمنين. فمن لا يصلي من أهل الحاجات لا يعطي شيئاً حتى يتوب ويلتزم أداء الصلاة في أوقاتها. اهـ. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 44738 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2534 يجوز للمرأة أن تعطي زكاة مالها لزوجها [السُّؤَالُ] ـ[زوجتي لديها ذهب تجب فيه الزكاة، زوجتي لا تعمل وليس لديها مصدر دخل ويجب أن أدفع عنها، وأنا علي ديون فهل يمكن أن تدفع لي زوجتي ما عليها من زكاة لكي أسدد ديوني؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يجب على الزوج أن يدفع الزكاة عن زوجته، لأن الزكاة إنما تجب على صاحب المال، وليست الزكاة من النفقة الواجبة للزوجة على زوجها. ثانيا: أما إعطاء الزوجة زكاة مالها إلى زوجها فقد ذهب إلى جواز ذلك كثير من أهل العلم، واستدلوا بما رواه البخاري (1462) ومسلم (1000) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما أمر النساء بالصدقة، جاءت زينب امرأة عبد الله ابن مسعود وقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنَّكَ أَمَرْتَ الْيَوْمَ بِالصَّدَقَةِ وَكَانَ عِنْدِي حُلِيٌّ لِي، فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهِ، فَزَعَمَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهُ وَوَلَدَهُ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَلَيْهِمْ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (صَدَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ، زَوْجُكِ وَوَلَدُكِ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتِ بِهِ عَلَيْهِمْ) . قال الحافظ: وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ دَفْعِ الْمَرْأَةِ زَكَاتهَا إِلَى زَوْجِهَا , وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيّ وَالثَّوْرِيّ وَصَاحِبَيْ أَبِي حَنِيفَة وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ وَعَنْ أَحْمَدَ. وَيُؤَيِّدُ هذا أَنَّ تَرْكَ الاسْتِْفْصَالِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَة الْعُمُوم , فَلَمَّا ذُكِرَتْ الصَّدَقَةُ وَلَمْ يَسْتَفْصِلْهَا عَنْ تَطَوُّعٍ وَلا وَاجِبٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ: تُجْزِئُ عَنْك فَرْضًا كَانَ أَوْ تَطَوُّعًا. ومنع بعض العلماء إعطاء الزوجة زكاة مالها لزوجها، قالوا: لأنه سينفق عليها منها، فكأنها أعطت الزكاة لنفسها، وحملوا هذا الحديث على صدقة التطوع. وأجاب اِبْن الْمُنَيِّرِ عن هذا فقال: وَجَوَابه أَنَّ اِحْتِمَالَ رُجُوع الصَّدَقَة إِلَيْهَا وَاقِع فِي التَّطَوُّعِ أَيْضًا اهـ بتصرف. قال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع (6/168-169) : الصواب جواز دفع الزكاة إلى الزوج إذا كان من أهل الزكاة. وربما يستدل لذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم لزينب امرأة عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما: (زَوْجُكِ وَوَلَدُكِ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتِ بِهِ عَلَيْهِمْ) فيمكن أن نقول: هذا يشمل الفريضة والنافلة، وعلى كل حال إن كان في الحديث دليل فهو خير، وإن قيل هو خاص بصدقة التطوع فإننا نقول في تقرير دفع الزكاة إلى الزوج: الزوج فقير ففيه الوصف الذي يستحق به من الزكاة، فأين الدليل على المنع؟ لأنه إذا وجد السبب ثبت الحكم إلا بدليل وليس هناك دليل لا من القرآن ولا من السنة على أن المرأة لا تدفع زكاتها لزوجها اهـ باختصار. وسئلت اللجنة الدائمة (10/62) : هل يحل أن تصرف المرأة زكاة مالها لزوجها إذا كان فقيرا؟ فأجابت: يجوز أن تصرف المرأة زكاة مالها لزوجها إذا كان فقيرا دفعا لفقره، لعموم قوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ) . التوبة/60 اهـ. ثالثاً: ما سبق إنما هو في إعطاء الزوجة زكاة مالها لزوجها، وأما إعطاء الزوج زكاة ماله لزوجته فقد قال ابن المنذر: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ لا يُعْطِي زَوْجَتَهُ مِنْ الزَّكَاةِ لأَنَّ نَفَقَتَهَا وَاجِبَة عَلَيْهِ فَتَسْتَغْنِي بِهَا عَنْ الزَّكَاةِ اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 43207 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2535 هل يجوز شراء سلع للفقراء بأموال الزكاة بدلا من إعطائهم نقوداً؟ [السُّؤَالُ] ـ[عليّ زكاة في أموالي، فهل يجوز لي أن أشتري طعاماً أو ثياباً بأموال الزكاة وأعطيها للفقراء، بدلاً من أن أعطيهم نقوداً، لأنني لو أعطيتهم نقودا فقد ينفقونها في غير منفعة، أو ينفقونها في معصية؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأصل أن تؤخذ الزكاة من المال الذي تجب فيه الزكاة، وتعطى للفقراء هكذا. سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: عن رجل عليه زكاة، هل يجوز له أن يعطيها لأقاربه المحتاجين أو أن يشتري لهم منها ثياباً أو حبوباً؟ فأجاب: الحمد لله، يجوز أن يصرف الزكاة إلى من يستحقها، وإن كانوا من أقاربه الذين ليسوا في عياله، لكن يعطيهم من ماله، وهم يأذنون لمن يشتري لهم بها ما يريدون. " مجموع الفتاوى " (25 / 88) . وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن شراء كتب شرعية من مال الزكاة وتوزيعها؟ فأجابت: " لا يجوز شراء كتب بمال الزكاة وإهداؤها، بل تدفع عينا لمستحقيها الذين ذكرهم الله في كتابه فقال: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ. . .) التوبة/60. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. "فتاوى الجنة الدائمة" (10/47) . وإذا كان من يستحق الزكاة عاصياً، ويخشى منه استعمال شيء من المال في المعصية، فإننا نعطي الزكاة لمن ينفق عليه، أو نطب منه أن يوكلنا في شراء ما يحتاج. قال الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله: هذا الذي ابتلي بشرب الدخان إذا كان فقيراً، فإنه من الممكن أن نعطي الزكاة لامرأته وتشتري هي بنفسها حوائج تكمل بها البيت، ومن الممكن أن نقول له: إن عندنا زكاة، فهل تريد أن نشتري لك كذا وكذا من حوائجه الضرورية؟ ونطلب منه أن يوكِّلنا في شراء هذه الأشياء، وبذلك يحصل المقصود، ويزول المحظور - وهو مساعدته على الإثم - فإن من أعطى شخصاً دراهم يشتري بها دخاناً يشربه فقد أعانه على الإثم، ودخل فيما نهى الله عنه في قوله: (وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى ?لإِثْمِ وَ?لْعُدْوَانِ) . " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (17 / السؤال رقم 262) . وسئل أيضاً: هل يجوز إخراج زكاة المال في صورة سلع استهلاكية وملابس إذا علم أن بعض الأسر الفقيرة من الأصلح لها شراء هذه الأشياء بحيث يخشى أنه لو أعطيت النقود فسوف يتصرفون فيها فيما لا فائدة منه؟ فأجاب: " هذه المسألة مهمة يحتاج الناس إليها إذا كان أهل هذا البيت فقراء، ولو أعطيناهم الدراهم لأفسدوها بشراء الكماليات والأشياء التي لا تفيد، فإذا اشترينا لهم الحاجات الضرورية ودفعناها لهم، فهل هذا جائز؟ فمعروف عند أهل العلم أن هذا لا يجوز، أي لا يجوز للإنسان أن يشتري بزكاته أشياء عينية يدفعها بدلاً عن الدراهم، قالوا: لأن الدراهم أنفع للفقير، فإن الدراهم يتصرف فيها كيف يشاء بخلاف الأموال العينية فإنه قد لا يكون له فيها حاجة، وحينئذ يبيعها بنقص. ولكن هناك طريقة إذا خفت لو أعطيت الزكاة لأهل هذا البيت صرفوها في غير الحاجات الضرورية، فقل: لرب البيت سواء كان الأب، أو الأم، أو الأخ، أو العم، قل له: عندي زكاة، فما هي الأشياء التي تحتاجونها لأشتريها لكم وأرسلها لكم، فإذا سلك هذه الطريقة، كان هذا جائزاً، وكانت الزكاة واقعة موقعها ". مجموع فتاوى ابن عثيمين (18/ السؤال 643) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 42542 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2536 إعطاء الزكاة لمن يسمون بالسادة [السُّؤَالُ] ـ[هل صحيح أنه لا يجوز إعطاء المال أو الزكاة أو أي شيء للسيد؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: فكرة أن هناك أسياد أو أولياء اختصهم الله بشيء دون البشر، أو أن لهم منزلة دون غيرهم من الناس فكرة مجوسية مبدؤها أن الله يحل في أناس اختارهم واصطفاهم من دون البشر، وكان الفرس يعتقدون هذا المعتقد في ملوكهم الأكاسرة، وكانت هذه الروح تنتقل من ملك إلى آخر من ملوكهم وفي أحفاده من بعده، وتسربت هذه الفكرة المجوسية إلى المسلمين عن طريق الشيعة الرافضة ـ الذين كانوا في أصولهم مجوسا ـ فأدخلوا هذه الفكرة إلى المسلمين، وهو أن الله اختص بعضا من البشر بمنزلة دون الناس وهي منزلة الإمامة والولاية فهم يعتقدون في علي بن أبي طالب وأحفاده من بعده هذه الفكرة، وأضافوا إلى ذلك مراتب عندهم كمرتبة الأسياد والآيات وتسربت هذه الفكرة إلى بعض طوائف المتصوفة الضالة كفكرة الأبدال والأقطاب. وقالوا بما أن هذا السيد أو الولي له هذه المنزلة وهذه الدرجة فهم أدرى بمصالحنا وينبغي لنا أن نوكلهم بأمورنا وبشؤوننا لأنهم أفضل منا، وبالتالي هم أولى بأخذ الزكاة ولا شك أن هذا ضلال مبين. والحق الذي بينه الله ورسوله أن الواجب في الزكاة أن تعطى لمن سمى الله في كتابه إذ قال: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم} التوبة/60. والأفضل في مذهب الحنابلة أن يتولى المسلم توزيع زكاته بنفسه؛ للفقراء الذين يعرفهم في بلده فإن لم يتيسر له ذلك يعطيها لرجل يثق في دينه من أهل الصلاح والأمانة ليتحرى إيصالها للفقراء والمساكين لا كما يفعل هؤلاء من استخدامها في أغراضهم الشخصية. وإن في إعطاء الزكاة لهؤلاء الأسياد المزعومين إعانة لهم في نصرة مذهبهم، فلا يجوز شرعا إعطاء الزكاة لهم ولو طلبوها لأنهم يقتفون أثر من قبلهم من اليهود والنصارى الذين قال الله في حقهم {يا أيها الذين آمنوا إن كثيراً من الأحبار والرهبان لَيأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله} التوبة / 34. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 10527 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2537 إعطاء الفقير من الزكاة ليحج [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز إعطاء الفقير من الزكاة لأداء فريضة الحج؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذكر الله تعالى مصارف الزكاة في قوله: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) واتفق العلماء على أن قوله تعالى: (وفي سبيل الله) المراد به الجهاد في سبيل الله. ثم اختلفوا هل يشمل مع الجهاد الحج أم لا؟ فذهب أكثر العلماء إلى أنه خاص بالجهاد ولا يشمل الحج، وذهب الإمام أحمد إلى أنه يدخل فيه الحج واستدل بما رواه أبو داود (1988) عن أُمِّ مَعْقَلٍ أنها قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عَلَيَّ حَجَّةً وَإِنَّ لأَبِي مَعْقَلٍ بَكْرًا (والبكر هو الفتي من الإبل) قَالَ أَبُو مَعْقَلٍ صَدَقَتْ جَعَلْتُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطِهَا فَلْتَحُجَّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. صححه الألباني في صحيح أبي داود. وثبت عن ابن عمر أنه قال: أَمَا إِنَّ الْحَجَّ مِنْ سَبِيلِ اللَّهِ. قال الحافظ: أَخْرَجَهُ أَبُو عُبَيْد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ اهـ. انظر: المغني (9 / 328) والمجموع (6/212) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الاختيارات" (105) : ومن لم يحج حجة الإسلام وهو فقير أعطى ما يحج به اهـ يعني من الزكاة. وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (10 / 38) : (يجوز صرف الزكاة في إركاب فقراء المسلمين لحج فريضة الإسلام، ونفقتهم فيه، لدخوله في عموم قوله تعالى: (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) من آية مصارف الزكاة اهـ. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 40023 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2538 لا يجوز إعطاء الزكاة لكافر إلا إذا كان من المؤلفة قلوبهم [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن يعطى الكافر من الزكاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز إعطاء الزكاة لكافر إلا إذا كان من المؤلفة قلوبهم. قال ابن قدامة في "المغني" (4/106) : " لا نَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلافًا فِي أَنَّ زَكَاةَ الأَمْوَالِ لا تُعْطَى لِكَافِرٍ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الذِّمِّيَّ لا يُعْطَى مِنْ زَكَاةِ الأَمْوَالِ شَيْئًا. وَلأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِمُعَاذٍ: أَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ , وَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ. فَخَصَّهُمْ بِصَرْفِهَا إلَى فُقَرَائِهِمْ (يعني: فقراء المسلمين) , كَمَا خَصَّهُمْ بِوُجُوبِهَا عَلَى أَغْنِيَائِهِمْ " انتهى. وإذا كان الكافر من المؤلفة قلوبهم جاز إعطاؤه من الزكاة. قال الله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة/60. فيجوز أن تعطى الزكاة للكافر إذا كنا نرجو بعطيته إسلامه. انظر: "الشرح الممتع" (6/143-145) . قال ابن قدامة في "المغني" (4/108) : وَلا يُعْطَى الْكَافِرُ مِنْ الزَّكَاةِ , إلا لِكَوْنِهِ مُؤَلَّفًا. وجاء في الموسوعة (14/233) : " تُعْطَى الزَّكَاةِ لِلْكَافِرِ الَّذِي يُرْجَى إسْلامُهُ تَرْغِيبًا لَهُ فِي الإِسْلامِ لِتَمِيلَ إلَيْهِ نَفْسُهُ " انتهى بتصرف يسير. وسئل الشيخ ابن باز: أيصح إعطاء الزكاة للذمي؟ فأجاب: " الزكاة على قول الجمهور لا تعطى لذمي ولا غيره من الكفرة، وهو الصواب، والآيات والأحاديث في هذا كثيرة معلومة، لأن الزكاة مواساة من المسلمين لفقرائهم، ورعاية لسد حاجتهم، فيجب أن توزع بين فقرائهم، وغيرهم من بقية الأصناف الثمانية، إلا أن يكون الكافر من المؤلفة قلوبهم، وهم الرؤساء المطاعون في عشائرهم، فيعطى ترغيبا له في الإسلام، أو لكف شره عن المسلمين، كما يعطى المؤلَّف أيضاً لتقوية إيمانه إذا كان مسلما، أو لإسلام نظيره أو لغير ذلك من الأسباب التي نص عليه العلماء. والأصل في ذلك قول الله عز وجل: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) التوبة/60. وقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل لما بعثه لليمن: (ادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ) الحديث متفق عليه. وانظر السؤال: (21384) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39655 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2539 سداد دين الوالد من الزكاة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز سداد دين الوالد من الزكاة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الوالد قد أخذ هذا الدَّين لينفق منه على نفسه لا يجوز للابن أن يدفع زكاته للأب ليقضي دينه , لأنه يجب على الابن أن ينفق على أبيه. أما إذا كان هذا الدَّيْن لشيء أخر غير النفقة , فلا حرج على الابن في قضائه من الزكاة , لأنه لا يجب عليه أن يقضي دين أبيه , فهو بهذا لا يسقط عن نفسه أمراً واجباً. قال الشيخ ابن باز: " دفع الزكاة إلى الأقارب الذين هم من أهلها أفضل من دفعها إلى من هم ليسوا من قرابتك، لأن الصدقة على القريب صدقة وصلة، إلا إذا كان هؤلاء الأقارب ممن تلزمك نفقتهم، وأعطيتهم من الزكاة ما تحمي به مالك من الإنفاق فإن هذا لا يجوز، فإذا قُدِّرَ أن هؤلاء الإخوة الذين ذكرت والأخوات فقراء، وأن مالك لا يتسع للإنفاق عليهم فلا حرج عليك أن تعطيهم من زكاتك، وكذلك لو كان هؤلاء الإخوة والأخوات عليهم ديون للناس وقضيت دينهم من زكاتك، فإنه لا حرج عليك في هذا أيضا، وذلك لأن الديون لا يلزم القريب أن يقضيها عن قريبه، فيكون قضاؤها من زكاته أمرا مجزيا، حتى ولو كان ابنك أو أباك وعليه دين لأحد ولا يستطيع وفاءه فإنه يجوز لك أن تقضيه من زكاتك، أي: يجوز أن تقضي دين أبيك من زكاتك، ويجوز أن تقضي دين ولدك من زكاتك، بشرط أن لا يكون سبب هذا الدين تحصيل نفقة واجبة عليك، فإن كان سببه تحصيل نفقة واجبة عليك فإنه لا يحل لك أن تقضي الدين من زكاتك؛ لئلا يتخذ ذلك حيلة على منع الإنفاق على من تجب نفقتهم عليه لأجل أن يستدين ثم يقضي ديونهم من زكاته " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (14/310) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " كل من تلزمه نفقته فإنه لا يجوز أن يدفع زكاته إليهم من أجل النفقة، أما لو كان في قضاء دين فلا بأس، فإذا فرضنا أن الوالد عليه دين، وأراد الابن أن يقضي دينه من زكاته وهو لا يستطيع قضاءه فلا حرج، وكذلك الأم وكذلك الابن، أما إذا كنت تعطيه من زكاتك من أجل النفقة فهذا لا يجوز، لأنك بهذا توفر مالك، والنفقة تجب للوالدين: الأم والأب، وللأبناء والبنات، ولكل من ترثه أنت لو مات، أي: كل من ترثه لو مات فعليك نفقته، لقول الله تعالى: (وَعَلَى ?لْوَارِثِ مِثْلُ ذ?لِكَ) فأوجب الله على الوارث أجرة الرضاع؛ لأن الرضاع بمنزلة النفقة " انتهى. "فتاوى ابن عثيمين" (18/416) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39175 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2540 وضع المال في البنك، وهل بناء المستشفيات من مصارف الزكاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[من لديه مبلغ من المال موضوع في دفتر توفير أو في أحد البنوك ويتم إخراج زكاة المال منه كل عام، هل يصبح هذا المبلغ مشكوكاً فيه بسبب الفائدة؟ وبالنسبة لإخراج الزكاة هل يجوز التبرع بمبلغ المال هذا في بناء مستشفى أو دار أيتام (عن طريق وضع هذا المبلغ تحت رقم حساب معين خاص بالجهة) أم يجب التبرع بالمبلغ يداً بيد؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: وضع المال في البنوك الربوية وأخذ الربا عليها والمسماة الفائدة من كبائر الذنوب، وإخراج الزكاة من هذا المال لا يعفي صاحبه من الإثم. وانظر جواب السؤال رقم (22339) ففيه بيان تحريم الربا. وجواب السؤال (181) ففيه بيان حرمة وضع المال في البنوك الربوية. ثانياً: وأما بالنسبة لمصارف الزكاة فإنه لا يجوز وضعها في بناء مستشفى ولا في بناء دار أيتام لا يداً بيدٍ، ولا بواسطة، فمصارف الزكاة محصورة لا يجوز الزيادة عليها، ومصارف الزكاة قد بيَّنها الله تعالى في قوله: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل} التوبة / 60. وقد وضَّحنا هؤلاء في جوابنا على السؤال رقم (6977) . وقد ذكرنا في عدة أجوبة عدم جواز دفع الزكاة في بناء المساجد والمدارس وكذلك في طباعة المصحف، فانظرها في (13734) و (21797) . لكن لو كان المقصود بوضعها في دار للأيتام أن هذه الأموال ينفق منها على الأيتام الفقراء فإن هذا جائز إذا كان الأيتام فقراء. والأفضل أن تتولى توزيع زكاة مالك بنفسك حتى تتأكد من أنك وضعتها في موضعها الذي أمرك الله به، وعليك بذل الوسع في تحديد المستحقين. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39211 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2541 حكم تقديم الزكاة لبناء بيت [السُّؤَالُ] ـ[لنا ابن عم كبير السن وعاجز عن العمل وله أولاد كثيرون وهو يسكن في إحدى القرى في بيت شعبي صغير ملك له وأعطي أرضاً في نفس القرية من الدولة، وهو يرغب عمارتها سكناً له، هل يجوز أن يجمع له من الزكاة لعمارة هذه الأرض، وماذا يصنع بالمال المجموع إن كان الجواب بالمنع؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز أن يجمع له من الزكاة ما يبني هذه الأرض لأن عنده ما يكفيه للسكنى، ثم لو قدر أنه ليس عنده ما يستأجره فإنه يستأجر له من الزكاة إذا كان عاجزاً عن الأجرة لأن البناء يحتاج إلى أموال كثيرة وفي المسلمين من هو محتاج إلى أكل وشرب لا إلى تملك الدار، وهذه الأشياء التي جمعت أرى أن ترد إلى أصحابها .... [الْمَصْدَرُ] من فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين لمجلة الدعوة العدد 1762 ص 37 الحديث: 9246 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2542 الوكيل في تفريق الزكاة ليس من العاملين عليها [السُّؤَالُ] ـ[إذا أعطاني أحد الأغنياء زكاة ماله حتى أقوم بتوزيعها على الفقراء، فهل أكون من العاملين عليها، وآخذ منها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله العاملون على الزكاة هم الذين يوليهم ولي الأمر المسلم على الزكاة، فيقومون بجمعها وحفظها وتوزيعها ونحو ذلك. انظر " "الشرح الممتع" (6/142) . أما من وكله صاحب المال لإخراج زكاته، فهذا الوكيل يكون نائباً عن صاحب المال، وليس من العاملين عليها. قال النووي رحمه الله في "المجموع" (6/165) : " قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله: إن كان مفرق الزكاة هو المالك أو وكيله سقط نصيب العامل ووجب صرفها إلى الأصناف السبعة الباقين " انتهى. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: رجل غني أرسل زكاته لشخص، وقال: فرقها على نظرك. فهل يكون هذا الوكيل من العاملين على الزكاة ويستحق منها؟ فأجاب: " ليس هذا الوكيل من العاملين عليها، ولا يستحق منها؛ لأن هذا وكيل خاص لشخص خاص، وهذا هو السر -والله أعلم- في التعبير القرآني حيث قال: (وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا) التوبة/60. لأن (على) تفيد نوعاً من الولاية، كأن العاملين ضمنت معنى القائمين، ولهذا صار الذي يتولى صرف الزكاة نيابة عن شخص معين لا يعد من العاملين عليها، والله أعلم " انتهى. مجموع فتاوى ابن عثمين (18/369) . وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: لدي مقدار من المال زكاة واجبة علي، وأريد أن أرسل منها مبلغاً لإحدى البلدان لفقرائها، وأعرف رجلاً غنياً في تلك البلد وأريد أن أبعث المال بواسطته ليلتمس له المحتاجين، ولكنه لن يعمل ذلك إلا بمبلغ، فهل يجوز أن أعطيه من مال الزكاة على عمله؟ فأجاب: " الأفضل لك أن توزع زكاتك في فقراء بلدك، وإذا نقلتها إلى بلد آخر فيها فقراء هم أشد حاجة أو لكونهم من أقاربك وهم فقراء فلا بأس، وإذا وكلت وكيلاً في توزيع الزكاة فلا مانع أن تعطيه أجرة من غير الزكاة، لأن الواجب عليك توزيعها بين الفقراء بنفسك أو بوكيلك الثقة، وعليك أجرته من مالك، لا من الزكاة " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (14/258) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36512 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2543 من هو ابن السبيل الذي يعطى من الزكاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل المسافر الذي ليس معه مال يسافر به يعطى من الزكاة لأنه (ابن سبيل) ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ابن السبيل هو المسافر الذي انقطع به السفر، أي ليس معه من النفقة ما يكفيه لسفره، فيعطى من الزكاة ما يبلغه مقصده. وأما من كان في بلده ويريد أن يسافر فإنه ليس ابن سبيل، فلا يعطى من الزكاة لهذا الوصف، لكن لو كان سفره لحاجة ملحة كعلاج مثلاً، وليس معه مال يسافر به، فإنه يعطى من الزكاة من سهم الفقراء لا من سهم ابن السبيل. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " السبيل: الطريق، وابن السبيل أي: المسافر، وسمي بابن السبيل؛ لأنه ملازم للطريق، والملازم للشيء قد يضاف إليه بوصف البنوة، كما يقولون: ابن الماء، لطير الماء، فعلى هذا يكون المراد بابن السبيل المسافر الملازم للسفر، والمراد المسافر الذي انقطع به السفر أي نفدت نفقته، فليس معه ما يوصله إلى بلده. وابن السبيل يعطى لحاجته، وليس شرطاً ألا يكون عنده مال. ولهذا نقول: ابن السبيل نعطيه، ولو كان في بلده من أغنى الناس إذا انقطع به السفر؛ لأنه في هذه الحال محتاج، ولا يقال: أنت غني فاقترض، فيعطى ما يوصله إلى بلده، وهذا يختلف فينظر إلى حاله حتى لا تكون هناك غضاضة وإهانة له. فإذا كان ممن تعود على الدرجة الأولى، هل يعطى الأولى أو السياحية؟ هذا محل تردد، ويترجح أنه يعطى ما لا ينقص به قدره. ولا فرق بين كون السفر طويلاً أو قصيراً. أما المنشئ للسفر من بلده، فلا يعطى من الزكاة، لأن المنشئ للسفر من بلده لا يصدق عليه أنه ابن سبيل، فلو قال: إني محتاج أن أسافر إلى المدينة، وليس معه فلوس، فإننا لا نعطيه بوصفه ابن سبيل؛ لأنه لا يصدق عليه أنه ابن سبيل، لكن إذا كان سفره إلى المدينة ملحاً كالعلاج مثلاً، وليس معه ما يسافر به فإنه يعطى من جهة أخرى، وهي الفقر " انتهى باختصار وتصرف من "الشرح الممتع" (6/154-156) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 35889 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2544 إعطاء الزكاة لطالب العلم [السُّؤَالُ] ـ[إذا تفرغ رجل لطلب العلم الشرعي، فهل يجوز أن يعطى من الزكاة ما يحتاج إليه من نفقات وشراء كتب؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله مصارف الزكاة ثمانية أصناف ذكرها الله تعالى في قوله: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة / 60 والمراد بـ (سبيل الله) الجهاد لتكون كلمة الله هي العليا، فيعطى المجاهد ما يحتاج إليه من نفقات وأموال لشراء أسلحة ... " قال أهل العلم: ومن سبيل الله الرجل يتفرغ لطلب العلم الشرعي، فيعطى من الزكاة ما يحتاج إليه من نفقة وكسوة وطعام وشراب ومسكن وكتب علم يحتاجها، لأن العلم الشرعي نوع من الجهاد في سبيل الله، بل قال الإمام أحمد رحمه الله: العلم لا يعدله شيء لمن صحّت نيّته ". فالعلم هو أصل الشرع كله، فلا شرع إلا بعلم، والله سبحانه أنزل الكتاب ليقوم الناس بالقسط، ويتعلموا أحكام شريعتهم، وما يلزم من عقيدة وقول وفعل. أما الجهاد في سبيل الله فنعم هو أشرف الأعمال، بل هو ذروة سنام الإسلام، ولا شك في فضله، لكن العلم له شأن كبير في الإسلام، فدخوله في الجهاد في سبيل الله دخول واضح لا إشكال فيه ".اهـ. مجموع فتاوى ابن عثيمين (337/338) وسئلت اللجنة الدائمة: هل يجوز صرف الزكاة لطلبة العلم الذين هم في حاجة ماسة فأجابت: نعم يجوز إعطاؤهم منها لحاجتهم إليها. فتاوى اللجنة الدائمة (10/17) وجاء في الموسوعة الفقهية: " اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى جَوَازِ إعْطَاءِ الزَّكَاةِ لِطَالِبِ الْعِلْمِ , وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ , وَالْحَنَابِلَةُ , وَهُوَ مَا يُفْهَمُ مِنْ مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ ... , وَذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ إلَى جَوَازِ أَخْذِ طَالِبِ الْعِلْمِ الزَّكَاةَ وَلَوْ كَانَ غَنِيًّا إذَا فَرَّغَ نَفْسَهُ لإِفَادَةِ الْعِلْمِ وَاسْتِفَادَتِهِ , لِعَجْزِهِ عَنْ الْكَسْبِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَلَوْ قَدَرَ عَلَى كَسْبٍ يَلِيقُ بِحَالِهِ إلا أَنَّهُ مُشْتَغِلٌ بِتَحْصِيلِ بَعْضِ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ بِحَيْثُ لَوْ أَقْبَلَ عَلَى الْكَسْبِ لانْقَطَعَ مِنْ التَّحْصِيلِ حَلَّتْ لَهُ الزَّكَاةُ , لأَنَّ تَحْصِيلَ الْعِلْمِ فَرْضُ كِفَايَةٍ، ... وَسُئِلَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ عَمَّنْ لَيْسَ مَعَهُ مَا يَشْتَرِي بِهِ كُتُبًا يَشْتَغِلُ فِيهَا , فَقَالَ: يَجُوزُ أَخْذُهُ مِنْ الزَّكَاةِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ كُتُبِ الْعِلْمِ الَّتِي لا بُدَّ لِمَصْلَحَةِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ مِنْهَا. قَالَ الْبُهُوتِيُّ: وَلَعَلَّ ذَلِكَ غَيْرُ خَارِجٍ عَنْ الأَصْنَافِ , لأَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَحْتَاجُهُ طَالِبُ الْعِلْمِ فَهُوَ كَنَفَقَتِهِ وَخَصَّ الْفُقَهَاءُ جَوَازَ إعْطَاءِ الزَّكَاةِ لِطَالِبِ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ فَقَطْ. وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِجَوَازِ نَقْلِ الزَّكَاةِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ آخَرَ لِطَالِبِ الْعِلْمِ " اهـ. باختصار الموسوعة الفقهية (28/337) والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 34631 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2545 من هم الغارمون الذين يُعطون من الزكاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل إعطاء زكاة المال للغارمين يكون الإعطاء لهم أنفسهم أم يعطى المال للدائن؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز إعطاء الزكاة للغارمين بأنفسهم، كما يجوز دفعه لأصحاب الدَّيْن مباشرة، ويختلف تفصيل إحدى الطريقتين على الأخرى باختلاف حال المدين، وقال الشيخ محمد العثيمين: وهل يجوز أن نذهب إلى الدائن ونعطيه ماله دون علم المدين؟ الجواب: نعم يجوز؛ لأن هذا داخل في قوله تعالى: {وفي الرقاب} فهو مجرور بـ " في " و " الغارمين " عطفاً على " الرقاب "، والمعطوف على ما جُرَّ بحرف يُقدَّر له ذلك الحرف، فالتقدير " وفي الغارمين "، و " في " لا تدل على التمليك، فيجوز أن ندفعها لمن يطلبه. فإن قال قائل: هل الأولى أن نسلمها للغارم ونعطيه إياها ليدفعها إلى الغريم، أو ندفعها للغريم؟ الجواب: فيه تفصيل: إذا كان الغريم ثقةً حريصاً على وفاء ديْنه: فالأفضل بلا شك إعطاؤه إياها ليتولى الدفع عن نفسه حتى لا يخجل ولا يُذم أمام الناس. وإذا كان يخشى أن يفسد هذه الدراهم: فإننا لا نعطيه، بل نذهب للغريم الذي يطلبه ونسدِّد عنه. " الشرح الممتع " (6 / 234، 235) . وينبغي التنبه إلى أن الغارم هو الذي يغرم بسبب عجز عن نفقة، أو للإصلاح بين متخاصمين، وما شابه ذلك. قال علماء اللجنة الدائمة: إذا استدان إنسان مبلغاً مضطراً إليه؛ لبناء بيت لسكناه، أو لشراء ملابس مناسبة، أو لمن تلزمه نفقته؛ كأبيه ولأولاده أو زوجته، أو سيارة يكد (يعمل) عليها لينفق من كسبه منها على نفسه، ومن تلزمه نفقته مثلا، وليس عنده مايسدد به الدين: استحق أن يُعطى من مال الزكاة ما يستعين به على قضاء دينه. أما إذا كانت استدانته لشراء أرض تكون مصدر ثراء له، أو لشراء سيارة ليكون من أهل السعة أو الترف: فلا يستحق أن يُعطى من الزكاة. " فتاوى اللجنة الدائمة " (10 / 8، 9) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 32468 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2546 دفع الزكاة لأهل الشيشان [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز دفع الزكاة لأهل الشيشان في ظل الظروف الحاضرة من الغزو الروسي؟ .]ـ [الْجَوَابُ] نعم يجوز دفع الزكاة للمسلمين في الشيشان سواءاً كانوا من المدنين العزل في مخيمات اللاجئين وغيرها ما داموا من الفقراء والمساكين، بل إن كثيراً منهم يدخلون كذلك في ابن السبيل أو سواءاً كانوا من المقاتلين للروس الكفرة لأنهم يدخلون في قوله تعالى: (وفي سبيل الله) ، نسأل الله أن ينصر المسلمين ويذل الكفار، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 7853 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2547 هل يجوز فك أسرى المسلمين من الزكاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يدخل فك الأسرى من المسلمين من الزكاة في قوله تعالى (وفي الرقاب) ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فك أسرى المسلمين من أيدي الكفار أفضل من عتق المماليك، فيدخل فيه بطريق الأولى، لأنه يقع عليهم ضرر عظيم بفراق أهاليهم، وما يقع عليهم من الإذلال والإهانة والتعذيب، فتخليصهم أولى من تخليص المماليك. [الْمَصْدَرُ] الشيخ ابن جبرين. الحديث: 20936 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2548 موكل على صدقات وله دين على أخيه فهل يعطيه منها [السُّؤَالُ] ـ[عندي أموال صدقات، وكانت محددة على منطقة معينة، وأوقفنا جزء من الصدقات لعمل سلفة للمعوزين. وكان أخي عاطل عن العمل، وهو مستقيم في ظاهره، وعجز عن إيجاد وظيفة وفي النهاية وجد من يعقب له عن وظيفة مقابل مبلغ ثلاثون ألف ريال وأعطيته المبلغ من مالي الخاص على أن يردها من راتب الوظيفة مستقبلاً إن شاء الله ولكن المعقب طلع نصاب ولم يوجد الوظيفة ولم يرد المبلغ. السؤال: هل يجوز لي أن أعطي أخي من الصدقات حتى يسددني مالي علما بأنه لا يوجد له راتب سوى ستمائة ريال شهريا وأنا أم أقترض واسدد التزاماتي وجزاكم الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان أخوك فقيراً مستحقا للزكاة، فيجوز لك أن تعطيه من الصدقات التي عندك، (إذا كان من نفس المنطقة التي حددها المتبرعون) ، ولا تشترط عليه، ولا تأخذها بدل المبلغ الذي أعطيته، فإن أعطاك هو من تلقاء نفسه بعد ما تعطيه فلا بأس من أخذها. [الْمَصْدَرُ] الشيخ: سعد الحميد. الحديث: 21386 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2549 إصلاح عقارات الأيتام من مال الزكاة [السُّؤَالُ] ـ[هناك أيتام أنا وليهم توفي والدهم منذ سنوات، دخلهم الشهري من التقاعد نحو ثلاثة آلاف وخمسمائة ريال، واجتمع لدي خلال هذه السنوات مبالغ كبيرة، منها حوالي مائة وخمسون ألفاً من زكوات، فهل أمتنع عن أخذ الزكاة لهم؟ وماذا أفعل بما معي من الزكاة؟ وإذا كان لهم منزل متصدع من الصندوق العقاري عليه مائتان وأربعون ألفاً فهل أدفع تبرئة لذمة الميت من هذا المبلغ؟ وإذا كان لهم أراضٍ من البلدية فهل نسورها من هذه المبالغ أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً لا يحل لك أن تأخذ الزكاة لهم وهم عندهم ما يغنيهم، لأن الزكاة للفقراء والمساكين وليست للأيتام، وما أخذته مع وجود غناهم يجب عليك أن ترده إلى أصحابه إن كنت تعرفهم، وإن كنت لا تعرفهم فتصدق به بنية الزكاة عنهم، لأنك أخذته بنية الزكاة منهم. وأما ما جمعت من الأموال من التقاعد، فافعل ما ترى أنه أصلح، لقوله تبارك وتعالى: (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) وأما دين صندوق التنمية العقارية، فأنت تعرف أنه مؤجل مقسط، فتدفعه على حسب أقساطه، والميت بريء منه، إلا ما كان من الأقساط التي حلت قبل موته ولم يسددها فأما التي لم تحل إلا بعد وفاة الميت، فالميت منها بريء لأنها متعلقة بنفس العقار، والعقار انتقل منه إلى ملك الورثة، فهم المطالبون بذلك، ولا تسدد من الزكاة، لأن عندهم ما يمكن أن تسدد منه. [الْمَصْدَرُ] لقاء الباب المفتوح لابن عثيمين 55/126 الحديث: 1816 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2550 بناء المساجد من مال الزكاة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز بناء المسجد وبيت المدرسة من مال الزكاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز ذلك، لأن العمل المذكور غير داخل في الأصناف الثمانية التي هي مصارف الزكاة. [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز الجزء 14 ص 297. الحديث: 13734 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2551 الدورات العلمية ليست مصرفاً للزكاة [السُّؤَالُ] ـ[تقيم بعض المؤسسات الإسلامية الموثوقة دورات شرعية في أوربا في مناطق هم بأمس الحاجة إلى تثقيفهم وتعليمهم العلم الشرعي والعقيدة الصحيحة، وتطلب تلك المؤسسات دعم هذه البرامج الدعوية، فهل يدخل هذا الدعم في قول الله تعالى: (وفي سبيل الله) ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا تدخل الدورات المذكورة وأشباهها في قوله تعالى: (وفي سبيل الله) في أصناف أهل الزكاة، لأن المراد بذلك المجاهدون في سبيل الله، لكن من كان من المعلمين أو من المتعلمين فقيراً فيُعطى من الزكاة لفقره، لقوله سبحانه تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين) التوبة / 60 [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز الجزء 14 ص 298. الحديث: 21794 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2552 إعطاء الزكاة للكافر [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز إعطاء الزكاة لغير المسلمين؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز إعطاء الكفار من زكاة الأموال والثمار وزكاة الفطر، ولو كانوا فقراء أو أبناء سبيل أو من الغارمين، ولا تجزئ من أعطاهم. ويجوز أن يعطي فقيرهم من الصدقات العامة ـ غير الواجبة ـ وتتبادل معهم الهِبَات والمبرَّات تأليفاً لهم إذا لم يكن منهم اعتداء يمنع من ذلك لقوله تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. من فتاوى اللجنة الدائمة ج/10 ص/30 وهناك مصرف للزكاة يجوز إعطاء الكفار منه، وهو المؤلفة قلوبهم، فيجوز أن يعطى المطاعون من الكفار في قومهم من الزكاة إذا كان يُرجى بإعطائهم إسلامهم ثم إسلام من تحتهم. وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 21384 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2553 حكم دفع الزكاة للأخ والأخت والعم والعمة وسائر الأقارب [السُّؤَالُ] ـ[هل تجوز الزكاة من الأخ لأخيه المحتاج (عائل ويعمل ولكن دخله لا يكفيه) ؟ وكذلك هل تجوز للعم الفقير؟ وكذلك هل تدفع المرأة زكاة مالها لأخيها أو عمتها أو أختها.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج في دفع الرجل أو المرأة زكاتهما للأخ الفقير والأخت الفقيرة والعم الفقير والعمة الفقيرة وسائر الأقارب الفقراء لعموم الأدلة، بل الزكاة فيهم صدقة وصلة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الصدقة في المسكين صدقة وفي ذي الرحم صدقة وصلة) رواه الإمام أحمد برقم 15794، والنسائي برقم 2582. ماعدا الوالدين وإن علوا، والأولاد ذكوراً أو إناثاُ وإن نزلوا، فإنها لا تدفع إليهم الزكاة ولو كانوا فقراء، بل يلزمه أن ينفق عليهم من ماله إذا استطاع ذلك، ولم يوجد من يقوم بالإنفاق عليهم سواه. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 21810 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2554 حكم صرف الزكاة لبناء مسجد [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم صرف زكاة المال لبناء مسجد يوشك على الانتهاء، وقد توقف بناؤه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المعروف عند العلماء كافة، وهو رأي الجمهور والأكثرين، وهو كالإجماع من علماء السلف الصالح الأولين أن الزكاة لا تصرف في عمارة المساجد وشراء الكتب ونحو ذلك، وإنما تصرف في الأصناف الثمانية الذين ورد ذكرهم في الآية في سورة التوبة وهم: الفقراء والمساكين، والعاملون عليها، والمؤلفة قلوبهم، وفي الرقاب، والغارمون، وفي سبيل الله، وابن السبيل. وفي سبيل الله تختص بالجهاد، وهذا هو المعروف عند أهل العلم وليس من ذلك صرفه في تعمير المساجد، ولا في تعمير المدارس، ولا الطرق ولا نحو ذلك، والله ولي التوفيق. [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى ومقالات متنوعة الجزء 14 ص 294. الحديث: 21805 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2555 حكم دفع الزكاة للجدات [السُّؤَالُ] ـ[عندي مال أدفع زكاته إلى أقارب محتاجين وهم جدتي أم أمي، وجدتي زوج جدي التي ليست أم أبي، ومع العلم أن لهم عائل غيري، وقد سمعت حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ما معناه: (اجعلوها في الأقربين) ، فما مدى صحة هذا الحديث؟ وما حكم السنوات التي سبق وأن دفعتها؟ مع العلم أنني لا أحصي عدها.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحديث المذكور صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأبي طلحة الأنصاري لما أراد أن يتصدق بنخل له اسمه بيرحاء، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أرى أن تجعلها في الأقربين) متفق على صحته، وهذا في صدقة التطوع، أما الزكاة ففيها تفصيل، إن كان الأقربون ليسوا من الفروع ولا من الأصول جاز صرف الزكاة فيهم، كالأخوة والأخوال والأعمام ونحوهم إذا كانوا فقراء، فتكون صدقة وصلة، وهكذا زوجة الجد إذا كانت ليست جدة لك، وكانت فقيرة ليس لها عائل يقوم بحاجتها، وعليك أن تقضي ما صرفته في جدتك أم أمك وفي زوجة جدك إذا كانت مستغنية بنفقة غيرك. والله اعلم [الْمَصْدَرُ] مجموعة فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز الجزء 14 ص 306. الحديث: 21801 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2556 لا يجوز إسقاط الدَّين واعتباره من الزكاة [السُّؤَالُ] ـ[قبل حوالي 3 سنوات قدم أحد أصدقائي لمدينتي التي أعمل فيها يبحث عن عمل وقد طلب مني أن أدفع له تكاليف الفيزا والكشف الطبي وغيرها من التكاليف التي بلغت حوالي 4500 درهم (حوالي 1200 دولار) ولكنه لم يتكيف مع ظروف العمل وعاد إلى الهند واعداً إياي برد المبلغ لي فيما بعد. بعد سنة استطاع إرجاع مبلغ 1000 درهم فقط. ولا زلت أطالبه باستمرار أن يرد باقي المبلغ (3500 درهم) . وخلال زيارتي الأخيرة لبلدي أرسل لي رسالة قال فيها بأن ظروفه المالية صعبة جداً ولن يستطيع رد باقي المبلغ تحت أي الظروف بل وطلب مني أن أعتبر بقية المبلغ زكاة. سؤالي هو: هل يجوز لي أن أتنازل عن مطالبتي بهذا المبلغ المتبقي واعتباره جزءاً من زكاتي التي حان موعدها خلال هذا الشهر المبارك شهر رمضان؟ هل أخصم هذا المبلغ من زكاتي التي سأدفعها للفقراء في هذا الشهر الكريم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: (أعلِمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فتردّ على فقرائهم) فبيّن صلى الله عليه وسلم أن الزكاة شيء يؤخذ فيُردّ، وعلى هذا فلا يجوز لك أن تسقط ديناً عمن هو عليه وتعتبره من الزكاة، لأن إسقاط الدين ليس بأخذ وردّ. وقد ذكر شيخ الإسلام هذه المسألة وقال: إنه لا يُجزئ إسقاط الدين عن زكاة العين بلا نزاع. ولكن لك أن تعطي هذا المحتاج من زكاتك وتسد حاجته بما تعطيه من هذه الزكاة، والدين الذي عليه يأتي به الله إن شاء الله فيما بعد. [الْمَصْدَرُ] فتاوى منار الإسلام للشيخ ابن عثيمين رحمه الله ج/1 ص/309-310. الحديث: 13901 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2557 هل يجوز بناء المساجد من مال الزكاة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لي أن أستخدم مال الزكاة في بناء مسجد؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سئلت اللجنة الدائمة هل يجوز صرف الزكاة على المسجد لترميمه وفرشه ونحو ذلك من الزكاة فأجابت: أما الزكاة فهي مخصوصة لثمان جهات عينها الله تعالى بقوله: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل) التوبة، ومن ذلك يتضح أن المساجد ليست من الجهات الثمان المذكورة في الأية، والمحصور إخراج الزكاة فيها. وبالله التوفيق [الْمَصْدَرُ] فتاوى إسلامية2/91. الحديث: 12330 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2558 هل يأخذ من زكاة أبيه لقضاء دينه [السُّؤَالُ] ـ[هل مَن كان عليه دين هل يجوز له أن يأخذ من زكاة أبيه لقضاء ديْنه أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سئل شيخ الإسلام ابن تيمية السؤال السابق: فأجاب: إذا كان على الولد ديْنٌ ولا وفاء له أن يأخذَ من زكاة أبيه في أظهر القولين في مذهب أحمد وغيره، وأما إن كان محتاجاً إلى النفقة وليس لأبيه ما ينفق عليه ففيه نزاع والأظهر أنه يجوز له أخذ زكاة أبيه، وأما إن كان مستغنياً بنفقة أبيه: فلا حاجة به إلى زكاته. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] " الفتاوى الكبرى " (5 / 288) . الحديث: 22160 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2559 حكم صرف الزكاة لآل البيت [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز دفع الزكاة لآل البيت؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله آل البيت هم بنو عبد المطلب (وهم آل علي وآل عباس وآل جعفر وآل عقيل وآل الحارث أبناء عبد المطلب) ومواليهم. انظر الموسوعة الفقهية (1/100) والشرح الممتع (6/258) . ولا يجوز إعطاء الزكاة لآل البيت، لما ورد في ذلك من الأدلة التي تحرّمها عليهم، منها ما رواه الإمام مسلم رحمه الله عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد إنما هي أوساخ الناس) (رواه مسلم) الزكاة/1784) قال النووي في قوله (إن الصَّدَقَة لا تَنْبَغِي لآلِ مُحَمَّدٍ) دَلِيل عَلَى أَنَّهَا مُحَرَّمَة سَوَاء كَانَتْ بِسَبَبِ الْعَمَل أَوْ بِسَبَبِ الْفَقْر وَالْمَسْكَنَة وَغَيْرهمَا مِنْ الأَسْبَاب الثَّمَانِيَة , وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح عِنْد أَصْحَابنَا وقوله (إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخ النَّاس) تَنْبِيهٌ عَلَى عِلَّة فِي تَحْرِيمهَا ... َأَنَّهَا لِكَرَامَتِهِمْ وَتَنْزِيههمْ عَنْ الأَوْسَاخ , وَمَعْنَى (أَوْسَاخ النَّاس) أَنَّهَا تَطْهِير لأَمْوَالِهِمْ وَنُفُوسهمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} فَهِيَ كَغَسَّالَةِ الأَوْسَاخ. وهذا الحكم - وهو تحريم الزكاة على آل البيت - إنما هو لأن لهم مصادر أخرى يمكن دفع المال من خلالها للمحتاج منهم، ومنها: خمس الغنائم، وإهداء الناس، وغير ذلك. فإن توقفت هذه المصادر عنهم، واحتاج بعضهم للمال فلم نجد إلا مال الزكاة: جاز بل وجب دفع الزكاة لهم وهم أولى من غيرهم لوصية نبينا صلى الله عليه وسلم بهم، وهو رأي بعض السلف ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ووافقه الشيخ محمد الصالح بن عثيمين. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وبنو هاشم إذا منعوا من خمس الخمس جاز لهم الأخذ من الزكاة وهو قول القاضي يعقوب وغيره من أصحابنا وقاله أبو يوسف والإصطخري من الشافعية لأنه محل حاجة وضرورة. " الفتاوى الكبرى " (5 / 374) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: فإذا مُنعوا أو لم يوجد خمس كما هو الشأن في وقتنا هذا: فإنهم يُعطَون من الزكاة دفعاً لضرورتهم إذا كانوا فقراء، وليس عندهم عمل، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وهو الصحيح. " الشرح الممتع " (6 / 257) . ويراجع كتاب فتاوى إسلامية ج/2 ص/90 وفتاوى اللجنة الدائمة ج/10 ص/68 والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 21981 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2560 هل يعطي خاله المدين زكاته وهل يخبره بذلك؟ [السُّؤَالُ] ـ[لدي بعض المدخرات في البنك وقد حان إخراج زكاتها. كما أن لي خالاً مديناً، وهو لا يستطيع الوفاء بدينه فهل يجوز لي أن أعطيه زكاتي كي يتمكن من تسديد دينه؟ هل يمكنني إعطاؤه الزكاة؟ ثانيا: هل يجوز لي أن أعطيه الزكاة دون أن أخبره بأن هذا المال هو من الزكاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان خالك فقيرا فقرا يجعله يستحق الزكاة فلا بأس أن تعطيه زكاة مالك أو بعضها، ولا يشترط أن تخبره إلا إذا كنت لا تعرف حاله جيدا فتخبره بأنها زكاة حتى يتعفف عنها إذا لم يكن مستحقا لها. [الْمَصْدَرُ] الشيخ سعد الحميّد. الحديث: 13937 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2561 دفع الزكاة للمجاهدين الشيشان [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز دفع الزكاة للمجاهدين الشيشان؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا شك أن جهادهم من سبيل الله حيث يقاتلون الكفرة المعتدين الذين يحاولون القضاء على الإسلام وإبادة المسلمين وقد جعل للمجاهدين حقاً من الزكاة بقوله (وفي سبيل الله) فتحل لهم الزكاة ولو كان قتالهم دفاعاً لأنهم مسلمون وعدوهم كفار ولعل الزكاة والصدقات تضاعف في حقهم والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الفتاوى الجبرينية في الأعمال الدعوية لفضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين ص 14. الحديث: 12359 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2562 حكم دفع الزكاة للرافضي [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم دفع زكاة أموال أهل السنة لفقراء الرافضة (الشيعة) وهل تبرأ ذمة المسلم الموكل بتفريق الزكاة إذا دفعها للرافضي الفقير أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] لقد ذكر العلماء في مؤلفاتهم في باب أهل الزكاة أنها لا تدفع لكافر، ولا مبتدع، فالرافضة بلا شك كفار لأربعة أدلة: الأول: طعنهم في القرآن، وادعاؤهم أنه حذف منه أكثر من ثلثيه، كما في كتابهم الذي ألفه النوري وسماه فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب، وكما في كتاب الكافي، وغيره من كتبهم، ومن طعن في القرآن فهو كافر مكذب لقوله تعالى: " وإنا له لحافظون " الثاني: طعنهم في السنة وأحاديث الصحيحين، فلا يعملون بها لأنها من رواية الصحابة الذين هم كفار في اعتقادهم، حيث يعتقدون أن الصحابة كفروا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم إلا علي وذريته، وسلمان وعمار، ونفر قليل، أما الخلفاء الثلاثة، وجماهير الصحابة الذين بايعوهم فقد ارتدوا، فهم كفار، فلا يقبلون أحاديثهم، كما في كتاب الكافي وغيره من كتبهم. الثالث: تكفيرهم لأهل السنة، فهم لا يصلون معكم، ومن صلى خلف السني أعاد صلاته، بل يعتقدون نجاسة الواحد منا، فمتى صافحناهم غسلوا أيديهم بعدنا، ومن كفر المسلمين فهو أولى بالكفر، فنحن نكفرهم كما كفرونا وأولى. الرابع: شركهم الصريح بالغلو في علي وذريته، ودعاؤهم مع الله، وذلك صريح في كتبهم، وهكذا غلوهم ووصفهم له بصفات لا تليق إلا برب العالمين، وقد سمعنا ذلك في أشرطتهم. ثم إنهم لا يشتركون في جمعيات أهل السنة، ولا يتصدقون على فقراء أهل السنة، ولو فعلوا فمع البغض الدفين، يفعلون ذلك من باب التقية، فعلى هذا من دفع إليهم الزكاة فليخرج بدلها، حيث أعطاها من يستعين بها على الكفر، وحرب السنة، ومن وكل في تفريق الزكاة حرم عليه أن يعطي منها رافضيا، فإن فعل لم تبرأ ذمته، وعليه أن يغرم بدلها، حيث لم يؤد الأمانة إلى أهلها، ومن شك في ذلك فليقرأ كتب الرد عليهم، ككتاب القفاري في تفنيد مذهبهم، وكتاب الخطوط العريضة للخطيب وكتاب إحسان إلهي ظهير وغيرها. والله الموفق. [الْمَصْدَرُ] من كتاب اللؤلؤ المكين من فتاوى فضيلة الشيخ ابن جبرين ص39. الحديث: 1148 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2563 هل تحسب الضرائب من الزكاة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للإنسان أن يدفع من زكاة أمواله الضرائب المستحقة عليه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز أن تحسب الضرائب التي يدفعها أصحاب الأموال على أموالهم من زكاة ما تجب فيه الزكاة منها، بل يجب إخراج الزكاة المفروضة وصرفها في مصارفها الشرعية التي نص عليها سبحانه وتعالى بقوله: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل..) سورة التوبة /60 والله أعلم [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 9/285 الحديث: 2447 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2564 هل تدفع المرأة زكاة مالها لزوجها [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمرأة أن تدفع زكاة مالها لزوجها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز دفع المرأة زكاة مالها لزوجها إذا كان من أهل الزكاة، لأن نفقته لا تلزمها ولِما ورد من أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لامرأة عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما أن تدفع زكاة مالها لزوجها عبد الله. فتاوى اللجنة الدائمة 9/253 والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 3144 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2565 المرأة التي لها حلي هل تُعطى من الزكاة [السُّؤَالُ] ـ[امرأة تطلب زكاة وليس لها مصدر للدخل ولكن عندها ذهب تتزين به فهل يجوز إعطاؤها من الزكاة؟ أم يقال لها أن تبيع الذهب؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا ملكت المرأة حلياً فلا تصير به غنية إذا لم تملك غيره، ولو كان هذا الحلي من ذهب أو فضة وبلغ نصاب الزكاة، وتبقى فقيرة وتستحق بهذا الوصف أخذ الزكاة، وبهذا صرح الشافعية والحنابلة. قال الفقيه الرملي الشافعي: " إن حلي المرأة اللائق بها، المحتاجة للتزين به عادة لا يمنع فقرها " نهاية المحتاج للرملي 6/150 أي تبقى فقيرة فتستحق الأخذ من الزكاة بوصف الفقر. وفي كشف القناع في فقه الحنابلة: (.. أو لها حلي للبس تحتاج إليه فلا يمنعها ذلك من الأخذ من الزكاة) كشاف القناع 1/587 أي أنها تبقى فقيرة فتستحق الأخذ من الزكاة بالرغم مما عندها من حلي لحاجتها إليه للتزين، وبالتالي فلا يزيل عنها وصف الفقر. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] المفصل لأحكام المرأة للدكتور عبد الكريم زيدان 1/421. الحديث: 8870 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2566 هل يجوز له أن يدفع الزكاة عن راتبه شهريا؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يصح أن أدفع الزكاة بمقدار2.5% شهرياً عن راتبي الذي أتقاضاه لأنني أعمل نصف دوام فقط وأرى أنه من الصعب دفع الزكاة دفعة واحدة في نهاية السنة؟ وهل المبالغ التي أدفعها على شكل صدقة خيرية بين حين وأخر تُعد من الزكاة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا تجب في مالٍ زكاة حتى يبلغ النصاب الشرعي ويحول عليه الحول، ويدخل في ذلك ما يتقاضاه الموظف من راتب شهريا. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " إذا حال الحول على شيء من المرتب يبلغ النصاب فعليك زكاته، وإن كان دون ذلك فلا زكاة فيه " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (14 / 135) ثانيا: تعجيل الزكاة عن حولها المقدر جائز، وهو قول جمهور العلماء، والأفضل ألا يعجل زكاته، إلا إذا اقتضت المصلحة ذلك. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وأما تعجيل الزكاة قبل وجوبها بعد سبب الوجوب: فيجوز عند جمهور العلماء، كأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد، فيجوز تعجيل زكاة الماشية، والنقدين، وعروض التجارة، إذا ملك النصاب" انتهى. " مجموع الفتاوى " (25 / 85، 86) . ثالثا: يجوز إخراج الزكاة في صورة أقساط شهرية، أو نحو ذلك، إذا كان يخرجها قبل موعدها، فإذا جاء موعد الحول الذي يجب عليه فيه إخراج الزكاة: لم يجز أن يؤخرها عنه، ويخرجها على صورة أقساط. قال ابن قدامة رحمه الله: " قَالَ أَحْمَدُ: لا يُجَزِّئُ عَلَى أَقَارِبِهِ مِنْ الزَّكَاةِ فِي كُلِّ شَهْرٍ. يَعْنِي لا يُؤَخِّرُ إخْرَاجَهَا حَتَّى يَدْفَعَهَا إلَيْهِمْ مُتَفَرِّقَةً , فِي كُلِّ شَهْرٍ شَيْئًا , فَأَمَّا إنْ عَجَّلَهَا فَدَفَعَهَا إلَيْهِمْ , أَوْ إلَى غَيْرِهِمْ، مُتَفَرِّقَةً أَوْ مَجْمُوعَةً , جَازَ لأَنَّهُ لَمْ يُؤَخِّرْهَا عَنْ وَقْتِهَا " انتهى "المغني" (2/290) . وسئل علماء اللجنة الدائمة: هل يجوز لي إخراج زكاة المال مقدمة طول السنة في شكل رواتب للأسر الفقيرة في كل شهر؟ فأجاب علماء اللجنة: " لا بأس بإخراج الزكاة قبل حلول الحول بسنَة، أو سنتين، إذا اقتضت المصلحة ذلك، وإعطاؤها الفقراء المستحقين شهريّاً " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (9 / 422) . وبناء على ما سبق: فإن كان الأيسر لك إخراج الزكاة كل شهر، خشية أن يصعب إخراجها على رأس حولها: فلك ذلك، فإذا كان راتبك يبلغ نصابا: جاز لك أن تخرج منه ربع العشر (2.5%) ، وهكذا كل شهر، وإن لم يكن يبلغ نصابا: انتظرت بما معك من المال، حتى إذا بلغ النصاب بدأت في إخراجه، على ما سبق. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم إخراج الزكاة من الراتب عن كل شهر، رغبة في تعجيلها، حتى ولو كان موظفاً عليه دين؟ فأجاب: " لا حرج بهذا، جزاه الله خيراً، هذا من باب التعجيل، يعني لو كان الإنسان كلما قبض الراتب أخذ زكاته حالاً: فإنه لا بأس بذلك إن شاء. [وهناك صورة أخرى لتعجيل زكاة الراتب] ؛ فإذا دار الحول على الراتب الأول: أدى الزكاة عن الجميع، فيكون بالنسبة للحول الأول قد أدَّى زكاته في وتها، وبالنسبة للأشهر التالية قد عجَّل زكاتها، وتعجل الزكاة لا بأس به، وهذا أيسر وأسهل، أنه يجعل لزكاته شهراً معيناً، وهو الشهر الذي تجب فيه زكاة الراتب الأول، ويمشي على هذا ويكون ما وجبت زكاته قد أديت زكاته في وقتها، وما لم تجب تكون زكاته معجلة. والصورة الأولى التي ذكرها السائل أيضاً فيها راحة، كلما قبض شيئاً زكاه على طول " انتهى. "فتاوى نور على الدرب" (204 / 4) . رابعا: المبالغ التي دفعتها على شكل صدقة خيرية بين الحين والآخر: إن كنت قد أخرجتها على أنها صدقة تطوع، وليست من الزكاة المفروضة، كما هو الظاهر من كلامك، فلا تحتسب من الزكاة؛ لأن الزكاة المفروضة لا بد في إخراجها من نية الفرض. قال ابن قدامة رحمه الله: " لَوْ تَصَدَّقَ الْإِنْسَانُ بِجَمِيعِ مَالِهِ تَطَوُّعًا وَلَمْ يَنْوِ بِهِ الزَّكَاةَ , لَمْ يُجْزِئْهُ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ: يُجْزِئُهُ اسْتِحْبَابًا. وَلَا يَصِحُّ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ بِهِ الْفَرْضَ , فَلَمْ يُجْزِئْهُ , كَمَا لَوْ تَصَدَّقَ بِبَعْضِهِ , وَكَمَا لَوْ صَلَّى مِائَةَ رَكْعَةٍ وَلَمْ يَنْوِ الْفَرْضَ بِهَا " انتهى. "المغني" (2/265) . وإن كنت قد أخرجتها على أنها من الزكاة المفروضة عليك: فهي من زكاتك، بشرط أن تكون قد وضعتها في مصارف الزكاة المعتبرة، فليس كل عمل من أعمال الخير والبر يصح أن تصرف فيه زكاة المال؛ بل مصارفها محددة شرعا، كما أن أنواعها وقدرها محدد شرعا. للاستزادة: راجع إجابة السؤال رقم: (1966) ، (98528) ، (126075) . ويمكنك مراجعة أجوبة عديدة حول ذلك في تصنيف "مصارف الزكاة"، من قسم الزكاة في الموقع. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 139580 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2567 كانت تخرج الزكاة وهي لا تملك النصاب فهل تؤجر؟ [السُّؤَالُ] ـ[كنت أؤدّي زكاة أموالي في السنوات الماضية مع أنها لم تكن تبلغ النصاب، فقد كنت أجهل موضوع النصاب وأن الأموال يجب أن تصل إلى ما يعادل قيمة الـ 85 غرام من الذهب بسعره المعاصر. سؤالي: ماذا عن زكاتي التي كنت أؤدّيها، هل تُقبل منّي أم تُعتبر صدقة من الصدقات، أم لا تُقبل مطلقاً؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تجب الزكاة في الذهب والفضة والنقود بشرطين: بلوغ النصاب وحولان الحول، ونصاب الذهب عشرون مثقالا وهو ما يعادل 85 جراما، ونصاب الفضة مائتا درهم، وهو ما يعادل 595 جراما من الفضة، والنقود إذا بلغت نصابا من الذهب أو الفضة وجبت فيها الزكاة. وينظر جواب السؤال رقم (64) . وإذا كان المال دون النصاب لم تجب فيه الزكاة، إلا أن يختار صاحب المال التطوع، فيكون له أجر الصدقة. وقد روى البخاري (1454) في كتاب أبي بكر رضي الله عنه الذي كتبه لأنس رضي الله عنه في الزكاة ووجّهه به إلى البحرين، وفيه: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَالَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا رَسُولَهُ فَمَنْ سُئِلَهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِهَا فَلْيُعْطِهَا وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَهَا فَلَا يُعْطِ ... وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلَّا أَرْبَعٌ مِنْ الْإِبِلِ فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ فَفِيهَا شَاةٌ. وَفِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ شَاةٌ ... فَإِذَا كَانَتْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ نَاقِصَةً مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً وَاحِدَةً فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا. وَفِي الرِّقَّةِ رُبْعُ الْعُشْرِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ إِلَّا تِسْعِينَ وَمِائَةً فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا) . والرقة: الفضة. قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": " قَوْله: (إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبّهَا) فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ، أَيْ: إِلَّا أَنْ يَتَبَرَّعَ مُتَطَوِّعًا " انتهى. والحاصل: أن إخراج الزكاة وأنت لا تملكين النصاب يعتبر صدقة وتطوعا منك، وكذلك لو أخرج الإنسان أكثر من القدر الواجب عليه كان متصدقا متطوعا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 138703 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2568 اقترض قرضا للمساهمة في تأسيس شركة مقاولات، هل عليه فيه زكاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[اقترضت مبلغاً من المال للمساهمة في تأسيس شركة مقاولات وبعد مرور 21 شهرا ظهرت الأرباح وتم توزيعها على المساهمين. السؤال هل علي من زكاة؟ وهل هي في رأس المال أم في الأرباح؟ وهل هي قبل سداد الدين أم بعده؟ أفيدونا مشكورين]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " الصحيح من أقوال العلماء أن الدين لا يمنع من الزكاة، فقد كان عليه الصلاة والسلام يرسل عماله لقبض الزكاة، ولم يقل لهم انظروا هل أهلها مدينون أم لا " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/189) . وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (22426) . وعلى هذا، فإذا ملكت نصاباً ومَرَّ عليه الحول وجب عليك إخراج زكاته، ولا يؤثر على ذلك الدين الذي عليك. ثانياً: الأصول الثابتة في الشركات، والتي تراد للاقتناء والاستعمال ولا تراد للبيع، لا زكاة فيها، كالعقارات والماكينات والآلات والسيارات والأثاث ... الخ فهذه الممتلكات لا زكاة فيها. قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء (9/361-362) : " آلات العمل من المكائن والمعدات ونحوها لا زكاة عليها " انتهى. وإنما تجب الزكاة في النقود السائلة التي في خزينة الشركة أو أرصدة في البنوك. وتجب الزكاة أيضاً فيما تتاجر فيه هذه الشركة من الأراضي والعقارات ومواد البناء، لأن هذه الأشياء تعتبر عروض تجارة، ففيها الزكاة. وعلى هذا، فلكي تزكي نصيبك في هذه الشركة، فإنك تحصي ما في الشركة من أموال تجب فيها الزكاة من نقود سائلة، ومواد تتاجر فيها الشركة، ثم تحسب نسبتك من هذه الممتلكات، وهي نفس نسبتك من رأس مال الشركة، ثم تخرج زكاتها 2,5 % عن كل عام. وأما الأرباح فإنها تنقسم قسمان: فما كان منها أجرة مقابل القيام ببعض الأعمال العقارية فلا زكاة فيه، حتى تقبضه وتمر عليه سنة وهو في ملكك. وما كان منها ناتجاً من التجارة في بعض مواد البناء أو العقارات، ففيه الزكاة، والأرباح لا يحسب لها حول جديد بل هي تابعة لرأس المال في الحول. جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/349-350) : "تجب الزكاة على رأس المال والأرباح إذا حال الحول على الأصل، وحول الأرباح حول أصلها" انتهى. فإن أمكن التمييز بين هذين القسمين فلا إشكال، أو تجعل الأمر مناصفة، وتزكي نصف الأرباح فقط. ولمعرفة المزيد عن زكاة المساهمة في الشركات انظر جواب السؤال رقم (69912) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131096 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2569 أصدر شيكا مصدقا لشراء بيت وحال الحول على المال فهل تلزمه الزكاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[قمت بإصدار شيك مصدق لشراء بيت ولكن لم يتم نقل الملكية إلا بعد شهرين لأن أحد أفراد الورثة من مالكي البيت قاصر والنظام يعين وصياً وهذا إجراء يأخذ حدود الشهرين لنقل ملكية البيت، فهل على هذا الشيك زكاة؟ مع العلم أنه بعد هذين الشهرين يكون مضى على المال لدي سنة وشهر، وأنا أصدرته قبل انتهاء السنة بشهر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كنت قد أعطيت مالكي البيت شيكا مصدقا لا يمكنك التصرف فيما يقابله من مال، فلا تلزمك الزكاة، لخروج المال عن ملكك. وإذا كان يمكنك الرجوع والتصرف في المال، كأن يكون الشيك لا يزال بيدك، أو أن البيع لم يتم بعد، فعليك الزكاة عند حولان الحول؛ لأنه إن كان الشيك بيدك، لم يَزُل ملكك عن المال، وإن كان البيع لم يتم وفرضنا أنك أعطيت الملاك الشيك كان دينا عليهم حتى يتم البيع، والإنسان يلزمه زكاة الديون التي على غيره من الناس. وأنت لم تبين هل أعطيت الشيك للملاك أم لا، وهل تم البيع وبقي التمكين من استلام البيت أم لم يتم البيع؟ فإن أشكل عليك شيء من الجواب، فلعلك تزيد المسألة إيضاحا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131008 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2570 دفع زكاته لشخص ثم تبين له أنه من آل البيت [السُّؤَالُ] ـ[شخص دفع زكاته لشخص ولا يعلم حاله غير أنه يظهر من حاله أنه فقير ثم علم أنه من آل البيت، فهل يجب عليه إخراج الزكاة مرة ثانية، أم أن ما دفعه لهذا المحتاج مجزئ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: أولاً: الأصل أنه لا يجوز إعطاء الزكاة لأحد من آل البيت، وقد سبق تفصيل ذلك في جواب سؤال رقم (21981) . ثانياً: من دفع زكاته لشخص بعد أن تحرَّى حاله وغلب على ظنه أنه من أهل الاستحقاق، ثم تبين له أنه غير مستحق للزكاة، فالصواب أن الزكاة مجزئة؛ لقوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ، فلا يطالب بإعادة إخراجها. جاء في "الموسوعة الفقهية" (23/334) : "وعلى دافع الزكاة أن يجتهد في تعرف مستحقي الزكاة , فإن دفعها بغير اجتهاده , أو كان اجتهاده أنه من غير أهلها وأعطاه لم تجزئ عنه , إن تبين الآخذ من غير أهلها , والمراد بالاجتهاد: النظر في أمارات الاستحقاق , فلو شك في كون الآخذ فقيرا فعليه الاجتهاد كذلك. أما إن اجتهد فدفع لمن غلب على ظنه أنه من أهل الزكاة فتبين عدم كونه من أهلها , فقد اختلف الفقهاء في ذلك , فقال بعضهم: تجزئه , وقال آخرون: لا تجزئه , على تفصيل يختلف من مذهب إلى مذهب. فعند أبي حنيفة ومحمد: إن دفع الزكاة إلى من يظنه فقيرا ثم بان أنه غني أو هاشمي أو كافر , أو دفع في ظلمة , فبان أن الآخذ أبوه , أو ابنه فلا إعادة عليه , لحديث معن بن يزيد قال: (كان أبي يزيد أخرج دنانير يتصدق بها فوضعها عند رجل في المسجد , فجئت فأخذتها فأتيته بها , فقال: والله ما إياك أردت , فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لك ما نويت يا يزيد , ولك ما أخذت يا معن) . ولأنا لو أمرناه بالإعادة أفضى إلى الحرج ; لأنه ربما تكرر خطؤه ... وقال أبو يوسف: لا تجزئه إن تبين أن الآخذ ليس من المصارف , لظهور خطئه بيقين مع إمكان معرفة ذلك ... وقال الحنابلة: إن بان الآخذ عبدا أو كافرا أو هاشميا , أو قرابة للمعطي ممن لا يجوز الدفع إليه , فلا تجزئ الزكاة عن دافعها رواية واحدة ; لأنه ليس بمستحق , ولا تخفى حاله غالبا , فلم يجزه الدفع إليه , كديون الآدميين. أما إن كان ظنه فقيرا فبان غنيا فكذلك على رواية , والأخرى يجزئه , لحديث معن بن يزيد المتقدم , وحديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قال رجل: لأتصدقن بصدقة , فخرج بصدقته فوضعها في يد غني , فأصبحوا يتحدثون: تصدق على غني. . . . الحديث وفيه: فأتي فقيل له: أما صدقتك فقد قبلت , لعل الغني يعتبر فينفق مما آتاه الله) ". انتهى باختصار. قال ابن الهمام: " قال أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله: " إذا دفع الزكاة إلى رجل يظنه فقيراً، ثم بان أنه غني أو هاشمي ... فلا إعادة عليه؛ لحديث معن بن يزيد، فإنه عليه الصلاة والسلام قال فيه: (يا يزيد لك ما نويت , ويا معن لك ما أخذت) ، وهذا إذا تحرى فدفع وفي أكبر رأيه أنه مصرف , أما إذا شك ولم يتحر أو تحرى فدفع , وفي أكبر رأيه أنه ليس بمصرف لا يجزيه إلا إذا علم أنه فقير" انتهى من "فتح القدير" (2/276) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "وهذا القول أقرب إلى الصواب، أنه إذا دفع إلى من يظنه أهلاً مع الاجتهاد والتحري فتبين أنه غير أهل فزكاته مجزئة؛ لأنه لما ثبت أنها مجزئة إذا أعطاها لغني ظنه فقيراً، فيقاس عليه بقية الأصناف " انتهى من "الشرح الممتع" (6/95) . وقال رحمه الله في "شرح الكافي": " .... والصواب أن الزكاة تجزيء إذا دفعها إلى من يظنه أهلاً بعد التحري عند الشك، فإذا غلب على ظنه أن هذا من أهلها، فأعطاها أجزأت سواء كان المانع من إعطائه الغنى أو غيره هذا هو الصحيح؛ لأن القياس هنا جلي واضح إذ لا فرق بين شخص غني تظنه فقيراً وبين شخص تظنه ليس من أهل البيت، فيتبين أنه من آل البيت ... " انتهى مختصراً والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130230 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2571 حكم دفع الزكاة للعصاة [السُّؤَالُ] ـ[هل يصح أن نعطي أهل المعاصي، كشارب الدخان والمسكر.. من الزكاة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: أما من حيث الإجزاء، فيجزئ دفع الزكاة إلى كل مسلم من أهل الزكاة؛ لقوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة /60. وقوله عليه الصلاة والسلام لمعاذ رضي الله عنه لما بعثه لليمن: (أَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ .... ) رواه البخاري (1395) ، ومسلم (19) . إلا إذا علم المعطي أو غلب على ظنه أن هذا العاصي سيأخذ الزكاة ليستعين بها على معصيته، فيحرم عليه إعطاؤه الزكاة، وقد ذهب بعض العلماء إلى عدم إجزاء الزكاة في هذه الحال. جاء في شرح "مختصر خليل" (2/212) : " يشترط في كل من الفقير والمسكين أن يكون مسلماً ... , ويعطى أهل المعاصي ما يصرفونه في ضرورياتهم , وإن غلب على الظن أنهم ينفقونها في المعاصي، فلا يعطوا ولا تجزئ إن وقعت" انتهى. والذي ينبغي أن يدفع زكاته لأهل الطاعة والتقوى، معاونةً لهم على طاعة الله تعالى، أما الفاسق فلا يعطى من الزكاة حتى يتوب. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ولا ينبغي أن تعطى الزكاة لمن لا يستعين بها على طاعة الله، فإن الله تعالى فرضها معونة على طاعته لمن يحتاج إليها من المؤمنين، كالفقراء والغارمين، أو لمن يعاون المؤمنين. فمن لا يصلي من أهل الحاجات لا يُعطى شيئاً حتى يتوب، ويلتزم أداء الصلاة في أوقاتها". انتهى من "الاختيارات" ص 154. وسئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: هل تعطى الزكاة للفاسق؟ فأجاب: "الفاسق من المسلمين، يجوز أن تدفع إليه الزكاة، ولكن صرفها إلى من كان أقوم في دين الله أولى من هذا. ولا ينبغي أن تصرف الزكاة لمن يستعين بها على معاصي الله عز وجل، مثل أن نعطي هذا الشخص زكاة فيشتري بها آلات محرمة يستعين بها على المحرم، أو يشتري بها دخاناً يدخن به وما أشبه ذلك، فهذا لا ينبغي أن تصرف إليه؛ لأننا بذلك قد نكون أعناه على الإثم والعدوان، والله تعالى يقول: (وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) ، فإن علمنا أو غلب على ظننا أنه سيصرفها في المحرم فإنه يحرم إعطاؤه للآية السابقة " انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/433) . وسئل رحمه الله أيضاً: إذا كان الأخ لا يجد حاجته ومع ذلك، فهو يصرف أكثر من نصف راتبه على الدخان، فهل يصح لأخيه أن يعطيه من زكاة ماله وكذلك قضاء دينه؟ فأجاب: "هذا الذي ابتلي بشرب الدخان إذا كان فقيراً، فإنه من الممكن أن نعطي الزكاة لامرأته وتشتري هي بنفسها حوائج تكمل بها البيت، ومن الممكن أن نقول له: إن عندنا زكاة، فهل تريد أن نشتري لك كذا وكذا من حوائجه الضرورية؟ ونطلب منه أن يوكلنا في شراء هذه الأشياء، وبذلك يحصل المقصود، ويزول المحظور، وهو مساعدته على الإثم ... ..، أما قضاء الدين عنه من الزكاة فهو جائز.." انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" مختصراً. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130198 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2572 زكاة مال المرتد [السُّؤَالُ] ـ[رجل مسلم ارتد عن الإسلام، فهل عليه زكاة في ماله علماً بأن له أموالاً كثيرة، ويعمل في التجارة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: من شروط وجوب الزكاة: الإسلام، فلا تجب الزكاة على كافر؛ لقوله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) التوبة/103، وقوله عليه الصلاة والسلام لمعاذ حين بعثه لليمن: (أَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ [يعني: على المسلمين] صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ .... ) رواه البخاري (1395) ، ومسلم (19) . قال النووي رحمه الله: "لا تجب الزكاة على الكافر الأصلي , سواء كان حربياً أو ذمياً , فلا يطالب بها في كفره , وإن أسلم لم يطالب بها في مدة الكفر" انتهى من "المجموع" (5/299) ، وهذا الشرط متفق عليه بين العلماء في الكافر الأصلي. ينظر "الموسوعة الفقهية" (23/233) . أما المرتد، ففيه تفصيل: ما وجب عليه من الزكاة في إسلامه , وذلك إذا ارتد بعد تمام الحول على النصاب لا يسقط في قول الشافعية والحنابلة؛ لأنه حق مال فلا يسقط بالردة كالدَّيْن ... وأما إذا ارتد قبل تمام الحول على النصاب، فلا تجب عليه الزكاة، وكذلك لا تجب عليه في السنوات التي بقي فيها مرتداً، فلو عاد للإسلام لم يلزمه إخراج الزكاة عما مضي من سنوات. ينظر: الموسوعة الفقهية" (23/233) ، و"المجموع" للنووي (5/300) ، ودقائق أولي النهى" (1/388) . جاء في "دقائق أولي النهى" (1/388) : " ولا تجب زكاة على كافر ولو كان الكافر مرتداً؛ لأنه كافر فأشبه الأصلي، فإن أسلم لم تؤخذ منه لزمن ردته؛ لعموم قوله تعالى: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) الأنفال/38. وقوله صلى الله عليه وسلم: (الإسلام يجب ما قبله) ". انتهى والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129694 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2573 كيف يزكى حلي البنات الصغار [السُّؤَالُ] ـ[لي ثلاث بنات، ولكل واحدة منهن حلي من الذهب يقارب (40) جراماً، فهل في هذا الحلي زكاة أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: أولاً: تقدم في جواب السؤال رقم (93693) و (59866) وجوب زكاة الحلي المعد للاستعمال، إذا بلغ النصاب وحال عليه الحول. ثانياً: الاعتبار في وجوب الزكاة في حلي البنات الصغار بالملك، فإن كان الحلي المسؤول عنه لا زال في ملك للأب، وإنما أعطاه بناته؛ لأجل التحلي به وجب عليه زكاته؛ لأنه يكون مالكاً للنصاب. أما إذا كان قد أعطى الحلي لكل واحدة من بناته على أنه ملك لها، فلا زكاة في هذا الحلي، لأن كل واحدة من البنات لا تملك نصاباً. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: رجل عنده بنات قد أعطاهن حليًّا، ومجموع حليهن يبلغ النصاب، وحلي كل واحدة بمفردها لا يبلغ النصاب، فهل يجمع الحلي جميعاً ويزكَّى؟ فأجاب: "إن كان أعطاهن هذا الحلي على سبيل العارية فالحلي ملكه، ويجب عليه أن يجمعه جميعاً، فإذا بلغ النصاب أدى زكاته، وإن كان أعطى بناته هذا الحلي على أنه ملك لهن، فإنه لا يجب أن يجمع حلي كل واحدة إلى حلي الأخرى؛ لأن كل واحدة ملكها منفرد عن الأخرى.." انتهى من مجموع فتاوى ابن عثيمين (18/142) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128674 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2574 أُهدي لها ذهب فكيف تزكيه مع ما عندها؟ [السُّؤَالُ] ـ[كان لي حلي يبلغ النصاب، وأثناء الحول أهدت لي إحدى قريباتي طقماً من ذهب، فمتى أُخرج زكاة هذا الحلي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: أولاً: إذا امتلك المسلم نصاباً وأثناء الحول رزقه الله مالاً آخر، فهذا المال الثاني له حالان: الأولى: أن يكون قد استفاده عن طريق المال الأول الذي كان عنده، كما لو كان هذا المال الثاني ربح تجارة، أو ماشية صغار ولدتها الأمهات التي عنده، فهذا المال الثاني يكون تابعاً لحول المال الأول، وليس له حول مستقل باتفاق العلماء. الحال الثانية: أن يكون هذا المال الثاني غير تابع للأول، كالهدية أو الراتب أو الميراث ونحو ذلك، فهذا المال الثاني له حول مستقل من يوم ما امتلكه صاحبه. وإذا أراد أن يزكيه مع حول المال الأول فلا حرج من ذلك. وانظر جواب السؤال رقم (93414) . قال النووي رحمه الله: "المال المستفاد في أثناء الحول بشراء أو هبة أو وقف أو نحوها مما يستفاد لا من نفس المال لا يجمع إلى ما عنده في الحول بلا خلاف" انتهى من "المجموع" (5/332) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: فيما إذا اشترى ذهباً جديداً وأضافه إلى الذهب القديم الذي وجبت عليه الزكاة؟ فأجاب: "أما إذا اشترى ذهباً في أثناء الحول، فإنه لا يُضَمُّ إلى الذهب الأول في الزكاة، بل يجعل له حولاً وحده، وإن شاء أن يضمه إلى الأول ويُخْرِج زكاتهما في آن واحد فلا بأس، ويكون هذا من باب تقديم الزكاة. السائل: وإذا كان الجديد أقل من النصاب؟ الشيخ: إذا كان الذي اشتراه أقل من النصاب، فيضاف إلى الأول في النصاب؛ لكن في الحول له حول وحده، ما لم يختر أن يجعل زكاتهما في شهر واحد " انتهى من "لقاء الباب المفتوح". وعلى هذا، فعليك أن تزكي الذهب الذي كان معك أي الأول إذا انتهى حوله، والذهب الذي جاءك هدية فزكاته بعد مرور سنة هجرية على امتلاكك له، وإذا أردت تعجيل زكاته وإخراجها مع الذهب الأول فلا بأس. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128613 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2575 حكم دفع الزكاة لأهل البدع [السُّؤَالُ] ـ[هل يصح أن نعطي الزكاة لأهل البدع؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: يقسم العلماء رحمهم الله البدع إلى قسمين: بدع مكفرة، وغير مكفرة، فالبدع المكفرة هي التي تخرج صاحبها من الإسلام، فمثل هذا الشخص لا يجوز دفع الزكاة إليه، لأنه ليس مسلماً، أما البدع غير المكفرة، فلا تخرج صاحبها من الإسلام، فيجوز دفع الزكاة إلى من يقع فيها. جاء في شرح "مختصر خليل" (2/212) : "يشترط في كلٍّ من الفقير والمسكين أن يكون مسلماً ... وتعطى لذي هوى خفيف، كمفضل علي على سائر الصحابة , وتجزئ للخارجي والقدري ونحوهما على القول بعدم تكفيرهم , ويعطى أهل المعاصي ما يصرفونه في ضرورياتهم , وإن غلب على الظن أنهم ينفقونها في المعاصي، فلا يعطوا ولا تجزئ إن وقعت. ولا يعطى إجماعاً من يكفر ببدعته اتفاقاً، كالقائل بنبوة علي رضي الله عنه، وأن جبريل عليه الصلاة والسلام غلط. وهل الإعطاء لذي الهوى الخفيف خلاف الأولى , أو مكروه؟ وهو الظاهر [أي: أنه مكروه] " انتهى. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجوز دفع الزكاة لأهل البدع؟ فأجاب: "البدع تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: بدع مكفرة يخرج بها الإنسان من الإسلام، فهذه لا يجوز أن تدفع الزكاة لمن كان متصفاً بها، مثل من يعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم يجيب دعاء من دعاه، أو يستغيث بالنبي صلى الله عليه وسلم، أو يعتقد بأن الله بذاته في كل مكان، أو ينفي علو الله عز وجل على خلقه، وما أشبه ذلك من البدع. القسم الثاني: البدع التي دون ذلك، والتي لا توصل صاحبها إلى الكفر، فإن صاحبها من المسلمين، ويجوز أن يعطى من الزكاة، إذا كان من الأصناف الذين ذكرهم الله في كتابه" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/431) . والأولى بلا شك أن يخص بزكاته أهل الطاعة والتقوى، إلا إذا أعطاها المبتدع تأليفاً له، لعله ينقله إلى السنة شيئاً فشيئاً. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ولا ينبغي أن تعطى الزكاة لمن لا يستعين بها على طاعة الله، فإن الله تعالى فرضها معونة على طاعته لمن يحتاج إليها من المؤمنين، كالفقراء والغارمين، أو لمن يعاون المؤمنين. فمن لا يصلي من أهل الحاجات لا يُعطى شيئاً حتى يتوب، ويلتزم أداء الصلاة في أوقاتها". انتهى من "الاختيارات" ص 154. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128372 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2576 زكاة الحلي الموقوف [السُّؤَالُ] ـ[أملك حلياً وأوقفته لله جل وعلا على أن من أرادت من الأخوات لبسه والتزين به في الأعراس، فلها ذلك، فهل علي زكاته إذا حال عليه الحول أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: أولاً: يصح وقف الحلي للبس والعارية؛ لما روى نافع " أن حفصة ابتاعت حلياً بعشرين ألفاً حبسته على نساء آل الخطاب، فكانت لا تخرج زكاته "، وإلى هذا ذهب الشافعية والحنابلة، وظاهر مذهب المالكية الجواز أيضاً. انظر "الموسوعة الفقهية" (18/116) . ثانياً: لا زكاة في الحلي الموقوف على جهة عامة، كما لو أوقفه صاحبه لمن شاءت أن تتحلى به من النساء في الأعراس؛ لأن من شروط وجوب الزكاة تمام الملك، والمال الموقوف على جهة عامة لا مالك له. قال النووي رحمه الله: " لو وقف حلياً على قوم يلبسونه لبساً مباحاً , أو ينتفعون بأجرته المباحة، فلا زكاة فيه قطعاً لعدم المالك الحقيقي المعين " انتهى من "المجموع" (5/526) ، وينظر جواب السؤال رقم (99694) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128198 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2577 النقص اليسير في النصاب هل يؤثر على الزكاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[أملك حلياً يزيد على النصاب وقبل نهاية الحول بثلاثة أشهر تقريباً بعت منه حتى نقص عن النصاب وكان النقص يسيراً جداً ـ عدة جرامات ـ ثم اشتريت بعد ذلك حلياً وحال عليه الحول وهو أكثر من النصاب، فكيف أخرج زكاة الحلي في هذه الحال؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: أولاً: إذا بلغ الحلي نصاباً، وهو خمسة وثمانون جراماً، وحال عليه الحول وجبت فيه الزكاة، إلا أنه يشترط في المال الزكوي أن يملكه الإنسان حولاً كاملاً، فإن نقص النصاب في أثناء الحول استأنف حولاً جديداً. ينظر جواب سؤال رقم (99381) . ثانياً: لو كان النقص يسيراً، كما في السؤال، بل وأقل منه فهل يستأنف حولاً جديداً أم أنه لا اعتبار بالنقص اليسير؟ قال النووي رحمه الله: يشترط لوجوب زكاة الذهب والفضة أن يملكهما حولاً كاملاً بلا خلاف, فلو ملك عشرين مثقالاً معظم السنة, ثم نقصت ولو نقصاناً يسيراً, ثم تمت بعد ساعة انقطع الحول الأول, ولا زكاة حتى يمضي عليها حولٌ كاملٌ, من حين تمت نصاباً " انتهى "المجموع" (5/491) . وقال أيضاً: "فلو نقص عن النصاب حبة أو بعض حبة, فلا زكاة بلا خلاف عندنا ... , هذا مذهبنا وبه قال جمهور العلماء. وقال مالك: إن نقصت المائتان من الفضة حبة وحبتين ونحوهما مما يتسامح به.. وجبت الزكاة " انتهى من المجموع (5/490) . وفي "الكافي": ... وإن كان [النقص عن النصاب] يسيراً، كالحبة والحبتين، فظاهر كلام الخرقي لا زكاة فيه، للخبر [يعني الأحاديث التي فيها تحديد النصاب] . وقال غيره من أصحابنا: فيه الزكاة؛ لأن هذا لا يضبط فهو، كنقص الحول ساعة أو ساعتين " انتهى. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "والظاهر أن قول الخرقي هو الصواب، ما دام الشرع قد قدره فلنرجع إلى تقديره؛ لأن الحبة أو الحبتين قد يكون ثمنهما كثيراً، فالصواب أن التقدير تحديد وليس تقريباً " انتهى من "شرح الكافي". والحاصل: أن الحلي إذا نقص عن النصاب، ولو كان النقص يسيراً، انقطع الحول، ويبدأ في حساب حول جديد من أول بلوغه النصاب مرة ثانية. والأولى في مثل هذه الحال أن يزكى خروجاً من خلاف العلماء القائلين بعدم اعتبار النقص اليسير. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128168 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2578 من تحايل لإسقاط الزكاة عن نفسه فهو آثم ولا تسقط عنه الزكاة [السُّؤَالُ] ـ[بعض الناس يتحايل على الشرع في مسألة الزكاة، فبعضهم يكون عنده أرض أو ماشية.. وحتى لا يخرج الزكاة يقوم ببيعها أو مبادلتها قبل الحول، فهل هذا الفعل يسقط عنه الزكاة أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: أولاً: لا شك أن التحايل على الشرع من الأمور المحرمة، وكون الإنسان يتحايل على الله، فهذا أمر قبيح مذموم عند جميع العقلاء، كيف يجرأ المسلم على مخادعة الله وهو يعلم؛ بأن الله تعالى مطلع عليه، يعلم ما تخفيه نفسه، ثم يتجرأ بعد ذلك على مخادعة الله!! قال ابن القيم رحمه الله: بعد أن ذكر تحريم الحيل: "فهذه الوجوه التي ذكرناها وأضعافها تدل على تحريم الحيل والعمل بها والإفتاء بها في دين الله، ومن تأمل أحاديث اللعن وجد عامتها لمن استحل محارم الله، وأسقط فرائضه بالحيل، كقوله: (لعن الله المحلل والمحلل له) (لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها وباعوها وأكلوا ثمنها) .... " انتهى من "إعلام الموقعين" (3/159) . وقال القرطبي رحمه الله (9/237) : "أجمع العلماء على أن للرجل قبل حلول الحول التصرف في ماله بالبيع والهبة، إذا لم ينو الفرار من الصدقة، وأجمعوا على أنه إذا حال الحول وأظل الساعي أنه لا يحل له التحيل ولا النقصان. وقال مالك: " إذا فوت من ماله شيئاً ينوي به الفرار من الزكاة قبل الحول بشهر أو نحوه لزمته الزكاة. ثم قال: ومن رام أن ينقض شيئاً من فرائض الله بحيلة يحتالها أنه لا يفلح ولا يقوم بذلك عذره عند الله، وما أجازه الفقهاء من تصرف صاحب المال في ماله قرب حلول الحول إنما هو ما لم يرد بذلك الهرب من الزكاة، ومن نوى ذلك فالإثم عنه غير ساقط والله حسيبه ... " انتهى كلامه رحمه الله. "إذا تقرر ذلك عُلم منه أنه لا ينبغي لمن عنده أدنى عقل ومروءة ودين أن يرتكب شيئاً من هذه الحيل التي قد تكون سبباً للخزي في الدنيا والآخرة، وربما قصد الغافل المغرور بها توفير ماله وتنميته ويكون ذلك سبباً لمحقه وزواله عن قرب أو عدم البركة فيه، فلا ينتفع به هو ولا ذريته، وربما عومل فيه وفي ذريته بما يسيئه ويغيظه، فيسلط عليهم الشيطان أعوانه حتى ينفقوه في المحارم واللذات والشهوات القبيحة المحرمة، كما لا يخفى ذلك على من جرب أحوال الناس، سيما أبناء التجار ونحوهم من ذوي الأموال الذين لم يؤدوا منها حق الله سبحانه وتعالى، ولم يجروا فيها على سنن الاستقامة ... " انتهى من فتاوى ابن حجر الهيتمي رحمه الله (5/241) باختصار. وفي كلام الإمام مالك السابق: أن من تحايل على الشرع لإسقاط الزكاة عن نفسه، لم تسقط، ولا تنفعه تلك الحيلة، ويجب عليه إخراج الزكاة إذا مَرَّ الحول. وقال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/285) : "فإن فعل هذا فراراً من الزكاة , لم تسقط عنه , سواء كان المبدل ماشية أو غيرها من النصب , وكذلك لو أتلف جزءاً من النصاب , قصداً للتنقيص , لتسقط عنه الزكاة , لم تسقط , وتؤخذ الزكاة منه في آخر الحول , إذا كان إبداله وإتلافه عند قرب الوجوب. ولو فعل ذلك في أول الحول , لم تجب الزكاة ; لأن ذلك ليس بمظنة للفرار.." انتهى. وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: هل يجوز للرجلين أو الثلاثة أن يجمعوا مواشيهم من أجل الزكاة؟ فأجاب: "لا يجوز جمع الأموال الزكوية أو تفريقها من أجل الفرار من الزكاة، أو من أجل نقص الواجب فيها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (ولا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة) أخرجه البخاري في صحيحه. فلو كان عند رجل أربعون من الغنم، ففرقها حتى لا تجب فيها الزكاة لم تسقط عنه الزكاة، ويكون بذلك آثما؛ لكونه متحيلا في ذلك على إسقاط ما أوجب الله ... " انتهى من " مجموع الفتاوى " (14/59) مختصراً. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128169 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2579 عليه دين مقسط فهل يخصم من الزكاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[كيف تخرج الزكاة في حال الدَّيْن الذي يؤديه صاحبه بالتقسيط ولمدة 10 سنوات؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف الفقهاء في الدَّيْن هل يمنع الزكاة؟ على قولين مشهورين، أحدهما: أنه لا يمنع الزكاة، فمن ملك نصابا وحال عليه الحول وجب عليه أن يزكيه، مهما كان دَيْنُه، وهذا مذهب الشافعي رحمه الله، وهو الذي يرجحه كثير من أهل العلم. وذلك لعموم الأدلة الدالة على وجوب الزكاة على من ملك نصاباً، ولأن النبي صلى الله عليه ومسلم كان يرسل عماله لقبض الزكاة، ولا يأمرهم بالاستفصال هل على أصحاب الأموال ديون أو لا؟ ولأن الزكاة تتعلق بعين المال، والدين يتعلق بالذمة، فلا يمنع أحدهما الآخر. واحتج أصحاب القول الثاني وهم الجمهور بما جاء عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه كان يقول: (هذا شهر زكاتكم، فمن كان عليه دَيْن فليؤده حتى تخرجوا زكاة أموالكم) ، وفي رواية: (فمن كان عليه دين فليقض دينه، وليزك بقية ماله) . وهذا لا حجة فيه، فمن أدى الدَّيْن، فليس عليه فيه زكاة، والنزاع هو فيمن لم يؤد الدين، واحتفظ بالمال لينتفع به، فهل تسقط عنه الزكاة؟ قال النووي رحمه الله: " الدين هل يمنع وجوب الزكاة؟ فيه ثلاثة أقوال، أصحها عند الأصحاب , وهو نص الشافعي رضي الله عنه في معظم كتبه الجديدة: تجب ... فالحاصل أن المذهب وجوب الزكاة سواء كان المال باطنا أو ظاهرا أم من جنس الدين أم غيره , قال أصحابنا: سواء دين الآدمي ودين الله عز وجل , كالزكاة السابقة , والكفارة والنذر وغيرها " انتهى من "المجموع" (5/317) ، وينظر: "نهاية المحتاج" (3/133) ، "الموسوعة الفقهية" (23/247) . وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " وأما الدين الذي عليه فلا يمنع الزكاة في أصح أقوال أهل العلم " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (14/189) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والذي أرجحه أن الزكاة واجبة مطلقا، ولو كان عليه دين ينقص النصاب، إلا دَيْناً وجب قبل حلول الزكاة فيجب أداؤه، ثم يزكي ما بقي بعده " انتهى من "الشرح الممتع" (6/39) . ولا فرق في ذلك بين الدَّيْن الحال والمؤجل، إلا أن بعض الفقهاء الذين قالوا بأن الدين يمنع الزكاة، استثنوا الدين المؤجل، فقالوا: إنه لا يمنع الزكاة، وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله. وينظر: "الإنصاف" (3/24) . وقال بعض المعاصرين: لا يخصم إلا قسط السنة فقط، فمكن كان عليه اثنا عشر ألفا مقسطة، يدفع في كل سنة ألفا، فإنه يخصم من مال الزكاة ألفا ويزكي الباقي. وأما على القول الراجح، فإنه لا فرق بين الدين المؤجل والحال، فكلاهما لا أثر له على الزكاة، فينظر الإنسان إلى ما لديه من مال زكوي، فيزكيه إذا توفرت شروط الزكاة من بلوغ النصاب ومرور الحول، مهما كان عليه من أقساط. وينبغي أن يعلم أن الجمهور الذين يقولون بأن الدين يخصم من المال الزكوي يشترطون ألا يكون لدى الإنسان مال آخر يسدد به دينه زائد عن حاجته الأساسية. جاء في "الموسوعة الفقهية" (23/247) : " القائلون بأن الدين يسقط الزكاة في قدره من المال الزكوي , اشترط أكثرهم أن لا يجد المزكي مالا يقضي منه الدين سوى ما وجبت فيه، فلو كان له مال آخر فائض عن حاجاته الأساسية , فإنه يجعله في مقابلة الدين , لكي يسلم المال الزكوي فيخرج زكاته " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120371 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2580 مضى حول على تقسيم الميراث ولم يتسلمه فهل تلزمه زكاته؟ [السُّؤَالُ] ـ[توفي والدي وتم قسمة الإرث، لكنني لم أستلم نصيبي من إخوتي حتى الآن، وقد مر عام على هذه القسمة، فهل علي إخراج زكاة نصيبي من الإرث؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الميراث مما تجب فيه الزكاة، كالذهب والفضة والنقود، وكان نصيبك منه يبلغ نصابا بنفسه أو بما انضم إليه من جنسه مما تملكه، فإنه تجب زكاته عند حولان الحول، ولو لم تتسلمه؛ لأنه مال مملوك لك، إلا أن يكون المال غير مرجوّ الحصول، لجحود المستولي عليه الآن أو مماطلته في تسليمه، فلا يزكى حتى تقبضه، وتستقبل به حولا جديدا. فقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: متى يزكى الورث؟ هل يكون ذلك حين استلامه أو بعد مرور الحول عليه، وكذلك الهبة إذا كانت نقدا أو عقارا؟ فأجابوا: "تجب الزكاة في التركة بعد مضي سنة من وفاة المورث، لأن التركة تنتقل ملكيتها من المتوفى إلى الورثة من تاريخ الوفاة، إذا بلغ نصيب الوارث نصابا من النقود أو الحلي من الذهب والفضة، وأما ما سوى ذلك من التركة فليس فيه زكاة إلا إذا أعده الوارث للتجارة، فإنه يبتدئ فيه حول الزكاة من حين أعده لذلك، وأما العقار فلا زكاة فيه إذا كان لغير التجارة، فإذا أُجِّر وجبت الزكاة في أجرته، إذا بلغت نصابا بنفسها أو بضمها إلى ما لديه من النقود أو عروض التجارة وحال عليه الحول، أما إذا كانت التركة إبلا أو غنما أو بقرا فإن كانت للتجارة ففيها زكاة عروض التجارة، وإن كانت للقنية فليس فيها زكاة إلا بشرطين: أحدهما: بلوغ النصاب. والثاني: أن تكون سائمة جميع الحول أو أكثره، والسوم هو الرعي، وأما الهبة فالحكم فيها كالحكم في التركة على ما سبق تفصيله " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/305) . وإذا كان إخوتك سيتأخرون في توزيع المال، فلتتفقوا على إخراج الزكاة من مجموع المال، وتوكلوا أحدكم بذلك؛ لأنه لا يجوز تأخير الزكاة عن وقتها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 117209 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2581 ما هو النصاب في المال [السُّؤَالُ] ـ[كم نصاب الزكاة بالنسبة للأوراق النقدية وهل يكون تقدير النّصاب في العملات الورقية بناء على نصاب الذّهب أم بناء على نصاب الفضة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله مقدار نصاب الزكاة في الدولار وغيره من العملات الورقية هو ما يعادل قيمته عشرين مثقالا من الذهب أو مائة وأربعين مثقالا من الفضة في الوقت الذي وجبت عليك فيه الزكاة في الدولارات ونحوها من العملات، ويكون ذلك بالأحظّ للفقراء من أحد النصابين وذلك نظرا إلى اختلاف سعرهما باختلاف الأوقات والبلدان. فتاوى اللجنة الدائمة 9/257 ولأنه أنفع للفقراء فتاوى اللجنة الدائمة 9/254 (ونظرا لأن قيمة نصاب الفضة في هذا الوقت أدنى من قيمة نصاب الذّهب فيكون التقدير بناء عليه فإذا بلغ ما عند الشخص من العملة الورقية قيمة نصاب الفضة أخرج الزكاة، ونصاب الفضّة يعادل 595 غراما تقريبا فيخرج صاحب المال ربع العشر، في كل ألف خمسا وعشرين مما عنده من الأوراق النقدية عند حلول الحول) . والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2795 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2582 هل تمنع الديون الزكاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[موظف راتبه (4750) ، وعليه أقساط للبنك (4150) ، ولا يبقى من راتبه سوى (600) ، وإجمالي الديون التي عليه أكثر من (360) ألف، ولديه محفظة أسهم إجمالي ما فيها (35) ألف ريال، وحال عليها الحول، فهل عليه زكاتها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف أهل العلم فيمن يملك نصاب الزكاة من المال وحال عليه الحول، ولكن عليه ديون تستغرق هذا النصاب أو تنقصه، فهل يؤدي زكاة ماله أم لا، على قولين: القول الأول: تجب عليه الزكاة، ولا يمنع الدَّيْنُ وجوبها: وهو مذهب الشافعية. القول الثاني: لا تجب عليه الزكاة، والدَّينُ عذر يسقط الوجوب: وهو قول المذاهب الثلاثة: الحنفية والمالكية والحنابلة، على تفصيل بينهم بين الأموال الظاهرة (النقد) ، والأموال الباطنة، وبين الدين الحال، والدين المؤجل. قال المرغيناني الحنفي في "الهداية": " ومن كان عليه دين يُحيط بماله فلا زكاة عليه؛ لأنه مشغول بحاجته الأصلية، فاعتبر معدوما " انتهى. وقال ابن قدامة في "المغني" (2/633) : " الدين يمنع وجوب الزكاة في الأموال الباطنة رواية واحدة، وهي الأثمان وعروض التجارة، وبه قال عطاء , وسليمان بن يسار، وميمون بن مهران، والحسن , والنخعي، والليث، ومالك , والثوري، والأوزاعي، وإسحاق , وأبو ثور، وأصحاب الرأي. وقال ربيعة، وحماد بن أبى سليمان , والشافعي في جديد قوليه: لا يمنع الزكاة؛ لأنه حر مسلم ملك نصابا حولا فوجبت عليه الزكاة، كمن لا دين عليه " انتهى. وقد أطال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرح المسألة، وذِكرِ أدلة الفريقين في كتابه "الشرح الممتع" (5/33-40) ، ثم قال: " والذي أرجحه أن الزكاة واجبة مطلقا ولو كان عليه دين يُنقص النصاب، إلا دينا وجب قبل حلول الزكاة، فيجب أداؤه ثم يزكي ما بقي بعده، وبذلك تبرأ الذمة، ونحن إذا قلنا بهذا القول نحث المدينين على الوفاء، فإذا قلنا لمن عليه مائة ألف دَيْنًا ولديه مائة وخمسون ألفا والدين حال: أَدِّ الدين وإلا أوجبنا عليك الزكاة بمائة ألف، فهنا يقول: أؤدي الدين؛ لأن الدين لن أؤديه مرتين. وهذا الذي اخترناه هو اختيار شيخنا عبد العزيز بن باز، والذي يفرق بين الأموال الظاهرة والباطنة اختيار شيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله. وهذا الذي رجحناه أبرأ للذمة، وأحوط، والحمد لله، " ما نقصت صدقة من مال " كما يقوله المعصوم عليه الصلاة والسلام " انتهى. كما سبق بيان هذا في جواب السؤال رقم: (22426) فمن أحب الاستزادة فليرجع إليه. أما زكاة الأسهم، فإذا كانت هذه الأسهم يتخذها للتجارة، يشتري أسهماً ثم يبيعها ليربح فيها، فهي عروض تجارة، يقومها كل سنة بما تساويه، ويخرج زكاتها 2.5 بالمائة. أما إذا كانت الأسهم ليست للتجارة، وإنما يبقيها ليستفيد من أرباحها السنوية، فهذه الأرباح فيها الزكاة إذا بلغت نصاباً وحال عليها الحول، أما إذا كان ينفقها أولاً بأول، فلا زكاة فيها، وأما زكاة أسهمها، فلا زكاة فيها من حيث الأصل، لأنها ليست عروض تجارة، لكن هناك تفصيل وتفريق بين الشركات التجارية والصناعية والزراعية سبق بيانه في جواب السؤال رقم (69912) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109896 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2583 لا تجب الزكاة إذا زال ملك النصاب قبل تمام الحول [السُّؤَالُ] ـ[شخص اشترى عدد (64) رأساً من الغنم من والدته وانتقلت ملكيتها له ولم يبق سوى شهر ويدور الحول عليها ليتم إخراج زكاتها وهي عند والدته، ويسأل عن الزكاة هل يخرج زكاتها؟ أو هل تجب الزكاة فيها حيث لم يمض على شرائه لها إلا أيام قليلة، ولم يبق من دور الحول عليها وهي عند والدته إلا شهر واحد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تجب الزكاة في الغنم إذا بلغت نصاباً – وهو: أربعون شاة – ومضى على النصاب حول كامل وهو في ملكك؛ لحديث ابن ماجة (1792) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ) صححه الألباني في "إرواء الغليل" برقم (787) . ومرور الحول شرط في وجوب زكاة الذهب والفضة والنقود وبهيمة الأنعام. فإذا زال الملك قبل تمام الحول، إما بتلف المال، أو بيعه، أو هبته، ونحو ذلك، فإن الزكاة لا تجب فيه. فعلى هذا، لا تجب الزكاة على والدتك؛ لأنه زال ملكها عن الأغنام قبل تمام الحول، ولا تجب الزكاة عليك في تلك الأغنام التي اشتريتها حتى تمضي سنة كاملة عليها من وقت ملكك لها. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106877 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2584 لو أبدلت المرأة ذهبها بذهب آخر، فهل ينقطع الحول؟ [السُّؤَالُ] ـ[امرأة عندها ذهب قد بلغ النصاب، وفي أثناء الحول أبدلت الذهب الذي عندها بذهب آخر، فهل تبدأ حولاً جديداً للذهب الثاني الذي اشترته؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا، لا تبدأ له حولاً جديدا، بل تكمل على حول الذهب الذي كان عندها أولاً. وذلك لأن القاعدة عند العلماء: أن من أبدل مالاً تجب فيه الزكاة بمالٍ من نفس جنسه لم يبدأ حولاً جديداً، بل يكمل على حول المال الأول. فلو أبدل ذهباً بذهب، أو فضة بفضة، أو غنم بغنم، أو إبل بإبل، أو عروض تجارة بعروض تجارة، لم ينقطع الحول بذلك، ويكمل على الحول الأول. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (4/135) : " إذَا بَاعَ نِصَابًا لِلزَّكَاةِ , مِمَّا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْحَوْلُ بِجِنْسِهِ , كَالْإِبِلِ بِالْإِبِلِ , أَوْ الْبَقَرِ بِالْبَقَرِ , أَوْ الْغَنَمِ بِالْغَنَمِ , أَوْ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ , أَوْ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ , لَمْ يَنْقَطِعْ الْحَوْلُ , وَبَنَى حَوْلَ الثَّانِي عَلَى حَوْلِ الْأَوَّلِ " انتهى بتصرف. وقد سئل الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله عن امرأة كان عندها ذهب يبلغ النصاب، وفي أثناء الحول أبدلته بذهب آخر، فهل ينقطع الحول، وتحسب الحول من وقت الإبدال أو لا ينقطع؟ فأجاب: " لا ينقطع الحول في هذه المسألة؛ لأن هذه المرأة أبدلت الذهب بجنسه " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/45) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105318 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2585 طالبة تسأل عن الزكاة ودخلها 400 دولار شهرياً [السُّؤَالُ] ـ[أنا طالبة مسلمة أريد أن أعرف وقت وجوب الزكاة؟ إذا كنت أحصل على 200-300دولار كل أسبوعين فهل علي زكاة؟ ما هو الحد الأدنى للمال الذي تجب فيه الزكاة؟ أين أدفع الزكاة؟ هل يجب أن يكون الآخذ مسلماً؟ ما هي الأماكن التي تدفع فيها الزكاة في الدول الكافرة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله 1- وقت وجوب الزكاة: إذا احتفظتِ بالمال لمدة عام كامل وجبت فيه الزكاة، ومقدارها 2.5 %، فهذا المبلغ الذي تحصلين عليه كل أسبوعين ليس عليه زكاة إلا إذا مضى عليه عام كامل، أو كان عائدا عليك من تجارة حان وقت الزكاة فيها. 2- ادفعي الزكاة في البلد الذي تعيشين فيه إن كان فيه فقراء، وإن وجدت بلدا آخر فيه فقراء أحوج من بلدك فلا بأس أن تدفعيها لهم. 3- نعم يجب ان يكون الذي يأخذ الزكاة مسلما، إلا في حالة ما إذا كان كافرا نريد أن نرغبه في الإسلام، ويغلب على ظننا أن ذلك يرغبّه في الإسلام، فيجوز أن تدفع له الزكاة. الشيخ سعد الحميد. وذلك إذا كان هذا الكافر معظَّماً ذا منزلة عند الكفار ويرجى بإسلامه إسلام قومه أو قبيلته وعشيرته. 4- الحد الأدنى الذي تجب فيه الزكاة يختلف باختلاف نوع المال هل هو ذهب أو فضة، وأنت بلا شك تسألين عن زكاة المبالغ النقدية كالدولار، والذي يظهر أن المبلغ المذكور في السؤال إن حال عليه حول وجبت فيه الزكاة لأنه يزيد على النصاب، ولمعرفة نصاب المال ينظر السؤال رقم 2795و64. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 11576 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2586 تأخر استلامه للراتب فهل يبدأ حول الزكاة من وقت الاستحقاق أم من استلامه؟ [السُّؤَالُ] ـ[بعدما حصلت على الوظيفة لم أستلم الراتب إلا بعد ستة أشهر ولا أعلم إن كان حول زكاة هذا المال يبدأ من وقت استحقاقي للمال أم من وقت تسلمي للمال وهو تقريبا ستة أشهر أو أكثر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من ملك نصابا وحال عليه الحول، وجبت عليه الزكاة، والنصاب ما يعادل 85 جراماً من الذهب أو 595 جراماً من الفضة، وحولان الحول هو مرور سنة قمرية على ملك المال. فالحول يبدأ مِن ملك النصاب، والموظف إذا لم يستلم راتبه أصبح دَيْناً على جهة العمل، وزكاة الدَّيْن فيها تفصيل: فإن كان الدين على مليء، وهو المعترف بالدين القادر على سداده، فإنه يزكى، كما لو كان المال حاصلا باليد. إن كان الدين على معسر أو مماطل، فلا تلزم زكاته، حتى يقبضه الإنسان، ويمضي عليه حول من لحظة قبضه. وعليه؛ فإن كانت جهة عملك، معترفة لك بالمال، باذلة له، فإن الحول يبدأ من وقت استحقاقك للمال. وأما إذا كانت مماطلة وأخَّرت الراتب بغير حق، فتبدأ حساب الحول من يوم استلامك الرواتب المتأخرة. ولمزيد الفائدة عن كيفية إخراج زكاة الرواتب انظر جواب السؤال رقم (26113) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 104546 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2587 إذا نقص النصاب في أثناء الحول [السُّؤَالُ] ـ[كان عندي عشرة آلاف ريال مرَّ عليها 10 شهور، وقد اشتريت بعض الأغراض للمنزل، ولم يبق منها إلا 500 ريال، ثم استلمت الراتب، فبلغت عشرة آلاف مرة أخرى، فهل علي زكاة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من شروط وجوب الزكاة في النقود: مضي الحول على امتلاك النصاب؛ لما روى ابن ماجة (1792) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" برقم (787) . وعلى هذا، إذا نقص المال عن النصاب أثناء السنة إما ببيع أو موت في المواشي أو بالنفقة، فإنه يمنع وجوب الزكاة؛ لأن المال الذي نقص عن النصاب في أثناء الحول، لم تَمُرَّ سنة كاملة على امتلاك النصاب، فلا تجب فيه الزكاة. ثم إذا بلغ المال النصاب مرة أخرى، فإنه يبدأ في حساب سنة جديدة من حين بلوغه النصاب. قال النووي رحمه الله في "المجموع" (5/506) : " مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالْجُمْهُورِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْمَالِ الَّذِي تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ وَيُعْتَبَرُ فِيهِ الْحَوْلُ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْمَاشِيَةِ وُجُودُ النِّصَابِ فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ، فَإِنْ نَقَصَ النِّصَابُ فِي لَحْظَةٍ مِنْ الْحَوْلِ انْقَطَعَ الْحَوْلُ , فَإِنْ كَمُلَ بَعْدَ ذَلِكَ اُسْتُؤْنِفَ الْحَوْلُ مِنْ حِينِ يَكْمُلُ النِّصَابُ " انتهى. وقال البهوتي رحمه الله "كشاف القناع" (2/ 179) : " وَمَتَى نَقَصَ النِّصَابُ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ انْقَطَعَ؛ لِأَنَّ وُجُودَ النِّصَابِ فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ " انتهى. وعلى هذا، فلا زكاة عليك في هذا المال الذي نقص عن النصاب، وتبدأ في حساب سنة جديدة من حين استلامك الراتب الذي بلغ به المال الذي عندك النصاب مرة أخرى. ولمعرفة نصاب النقود راجع جواب السؤال رقم (100570) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 99381 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2588 الكافر لا تجب عليه الزكاة [السُّؤَالُ] ـ[هل الكافر تجب عليه الزكاة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من شروط وجوب الزكاة، أن يكون المزكي مسلماً، فالكافر لا تجب عليه الزكاة؛ لقوله تعالى: (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِه) التوبة /54. وقد روى البخاري (1458) ومسلم (19) عن ابن عباس رضي الله عنهما في قصة بعث معاذ إلى اليمن، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: (فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللَّهِ.. فَإِذَا فَعَلُوا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ.. الحديث) ، فجعل الإسلام شرطاً لوجوب الزكاة، وأنهم لا يؤمرون بالزكاة إلا بعد دخولهم في الإسلام. ولأن الصحابة رضي الله عنه لم يكونوا يأخذون من الذميين زكاة، وإنما كانوا يلزمونهم بالجزية. وإذا أسلم الكافر، فإنه لا يلزمه قضاء الزكاة عن السنوات التي كان فيها كافراً، بل يستأنف حولاً جديداً من وقت إسلامه؛ لقوله تعالى: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) الأنفال / 38. قال النووي رحمه الله في " المجموع " (5/ 300) : " لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ حَرْبِيًّا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا فَلَا يُطَالَبُ بِهَا فِي كُفْرِهِ , وَإِنْ أَسْلَمَ لَمْ يُطَالَبْ بِهَا فِي مُدَّةِ الْكُفْر ". وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في " الشرح الممتع " (6 / 15) : " فلا تجب الزكاة على الكافر، سواء أكان مرتداً أم أصلياً؛ لأن الزكاة طهرة، قال تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ) (التوبة / 103) والكافر نجس، فلو أنفق ملء الأرض ذهباً لم يطهر حتى يتوب من كفره " انتهى كلامه بتصرف. المراد بنجاسة الكافر، النجاسة المعنوية وهي فساد اعتقاده، وهذا لا يطهره إلا الإسلام. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 99022 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2589 تعجيل الزكاة وكيف يخرج زكاته إن كان ماله في بنك إسلامي؟ [السُّؤَالُ] ـ[لي مبلغ في بنك إسلامي، فهل يجوز إخراج الزكاة خلال العام مقدماً، كأن يكون كلما أتاني أرباح؛ لأني أخشي أنه عندما يأتي وقت الزكاة لا يكون معي مال الزكاة؟ وأيضاً هل الزكاة على رأس المال فقط أم على الأرباح أيضاً؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يجوز للمسلم أن يستثمر أمواله في البنوك الربوية، ولا التي تسمى إسلامية وليس حالها كذلك، بل يجب أن يكون واقعها يتطابق مع اسمها، فإذا كان البنك إسلاميّاً لا يتعامل بالربا أخذاً ولا إعطاءً، ويستثمر أمواله ويوزع الأرباح على المستثمرين وفق الأحكام الشرعية الإسلامية، فلا حرج من استثمار المال فيه. وانظر جواب السؤال رقم: (47651) . ثانياً: أما مسألة تعجيل الزكاة: فالصحيح جواز ذلك، وهو قول جمهور العلماء، والأفضل ألا يعجل زكاته، إلا إذا وجد سبب لذلك. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وأما تعجيل الزكاة قبل وجوبها بعد سبب الوجوب: فيجوز عند جمهور العلماء، كأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد، فيجوز تعجيل زكاة الماشية، والنقدين، وعروض التجارة، إذا ملك النصاب" انتهى. " مجموع الفتاوى " (25 / 85، 86) . وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: "لا بأس بإخراج الزكاة قبل حلول الحول بسنَة، أو سنتين، إذا اقتضت المصلحة ذلك، وإعطاؤها الفقراء المستحقين شهريّاً" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان. " فتاوى اللجنة الدائمة " (9 / 422) . وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: ما حكم تعجيل الزكاة لسنوات عديدة للمنكوبين، والذين تحل بهم مصائب؟ . فأجاب: "تعجيل الزكاة قبل حلولها لأكثر من سنة: الصحيح: أنه جائز لمدة سنتين فقط، ولا يجوز أكثر من ذلك، ومع هذا لا ينبغي أن يعجل الزكاة قبل حلول وقتها، اللهم إلا أن تطرأ حاجة كمسغبة شديدة (مجاعة) ، أو جهاد، أو ما أشبه ذلك، فحينئذ نقول: يُعجل؛ لأنه قد يعرض للمفضول ما يجعله أفضل، وإلا فالأفضل ألا يزكي إلا إذا حلت الزكاة؛ لأن الإنسان قد يعتري ماله ما يعتره من تلف، أو غيره، وعلى كل حال ينبغي التنبه إلى أنه لو زاد عما هو عليه حين التعجيل: فإن هذه الزيادة يجب دفع زكاتها. " فتاوى الشيخ العثيمين " (18/328) . ثالثاً: تجب الزكاة على المال كله – رأس المال وأرباحه - إذا حال الحول على رأس المال، وكان قد بلغ النصاب، والحول هو: مرور سنة هجرية. سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: لدي مال قدره خمسة عشر ألف ريال (15000 ريال) سلمته لرجل يتاجر فيه، على أن له نصف الربح، فهل على هذا المال زكاة؟ وأيهما يزكى رأس المال أم الربح أم كلاهما؟ وإذا كان على رأس المال زكاة ورأس المال قد اشترينا به بضائع عينية كسجاد وأثاث وأشباههما، فما الحكم والحالة هذه؟ . فأجابوا: "تجب الزكاة في المال المذكور المعد للتجارة إذا حال عليه الحول، ويزكَّى رأس المال مع الربح عند تمام الحول، وإن كان المال اشتري به عروض للتجارة: فيقدر ثمنها عند تمام الحول بما تساوي حينئذ، وتخرج الزكاة بواقع اثنين ونصف في المائة 2.5 % من مجموع المال مع الأرباح" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان. " فتاوى اللجنة الدائمة " (9 / 356، 357) . وقالوا – أيضاً -: "تجب الزكاة على رأس المال والأرباح إذا حال الحول على الأصل، وحول الأرباح: حول أصلها" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان. " فتاوى اللجنة الدائمة " (9 / 356، 357) . وننبه الأخ السائل أنه إن كان البنك الإسلامي يخرج زكاة مال عملائه: فهذا يجزئه عن إخراجها إن كان البنك موثوقاً في تصريفها في وجهتها الشرعية، وعليه أن يزكي ما في يده وما يملكه مما ليس في البنك. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98528 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2590 لديها أطفال قصر ولديهم أموال في البنك فهل تجب زكاتها؟ [السُّؤَالُ] ـ[لدي أربعة أطفال أيتام كلهم قصر ولديهم أموال في بنك إسلامي وهى ودائع وستبلغ الحول بعد ثلاثة أشهر فهل تجب عليها الزكاة؟ وهل يتم الدفع من الأرباح؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذهب جمهور العلماء إلى وجوب الزكاة في مال الصغير، إذا بلغ نصابا وحال عليه الحول، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (75307) . والنصاب هو ما يعادل 85 جراما من الذهب، أو 595 جراما من الفضة، وينظر إلى مال كل صغير على حدة، فإن بلغ نصابا وجبت فيه الزكاة، وإن لم يبلغ لم تجب. وإذا كان المال مستثمرا، كما في الصورة المسئول عنها، فإن الزكاة تجب في أصل المال وربحه معها، يخرج من المجموع في نهاية كل سنة: ربع العشر (2.5%) ، كما لو كان المال تسعة آلاف ريال وأرباحها ألف، فالزكاة واجبة في العشرة كلها، فيخرج المزكي 250 ريالا. وهذا القدر الواجب (250 ريالا – كما في المثال-) يجوز دفعه من أصل المال، كما يجوز دفعه من الأرباح الناتجة، أو من أي مال آخر يملكه الصغير. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 95032 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2591 ما حكم الزكاة في المال المدخر؟ [السُّؤَالُ] ـ[اشتريت شقة للسكن وهى تباع بالقسط حتى انتهاء البناء، فدفعت المقدم، وأدخر بالبنك باقي ثمن الشقة، فهل تجب الزكاة على المبلغ المدخر أم لا؟ وماذا عن المبلغ المدفوع كمقدم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا توفرت شروط وجوب الزكاة في المال، كبلوغ النصاب ومرور الحول وجب فيه الزكاة ولو كان هذا المال مدخرا لقضاء حاجة معينة من سكن أو تعليم أو نفقة. سئل الشيخ ابن باز رحمه الله "مجموع الفتاوى" (14/130) : إنني أقوم بادخار مبلغ من المال من راتبي شهريا، فهل علي زكاة هذا المال، علما أن هذا المال أدخره لبناء منزل لي، وكذلك توفير مهر للزواج قريبا إن شاء الله، علما بأنني أقوم بادخار هذا المال منذ سنوات بأحد البنوك حيث لا يوجد لي مكان أدخر به هذا المال؟ فأجاب رحمه الله: " المال المدخر للزواج أو لبناء مسكن أو غير ذلك تجب فيه الزكاة إذا بلغ النصاب وحال عليه الحول، سواء كان ذهبا أو فضة أو عملة ورقية؛ لعموم الأدلة الدالة على وجوب الزكاة فيما بلغ نصابا وحال عليه الحول من غير استثناء. أما وضع المال في البنوك الربوية فلا يجوز؛ لما في ذلك من إعانتها على الإثم والعدوان، وإن دعت الضرورة القصوى إلى ذلك جاز لكن بدون فائدة " انتهى. وسئل أيضا في "مجموع الفتاوى" (14/126) : إذا كان الإنسان يجمع مالاً يريد أن يتزوج به، فهل يعفى من الزكاة؟ فأجاب رحمه الله: " لا تسقط عنه الزكاة بنية الزواج، وهكذا من جمع المال ليوفي به دينا، أو يشتري به عقارا ليوقفه أو عبدا ليعتقه، بل على الجميع أداء الزكاة إذا حال الحول على المال المجموع؛ لأن الله سبحانه أوجب الزكاة ولم يجعل مثل هذه المقاصد مسقطا لها، والزكاة تزيد المال ولا تنقصه، وتزكيه وتزكي صاحبه، كما قال الله سبحانه: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) التوبة/103 وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما نقصت صدقة من مال) رواه مسلم (2588) " انتهى. وفي "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/381) : " تجب الزكاة في المال المدخر للبناء إذا حال عليه الحول وبلغ نصابا بنفسه أو بضمه إلى غيره مما يزكى من النقود أو عروض التجارة " انتهى. وبمثل ذلك أفتى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، وقد نقلنا فتواه في جواب السؤال رقم (41805) . كما أن الراجح من أقوال أهل العلم هو وجوب الزكاة في مال من عليه دين، وفي مال من عليه أقساط كبيرة مؤجلة، وأن الدين المؤجل لا يُسقط الزكاةَ في المال المدخر إذا كان يبلغ النصاب؛ لأن الزكاة عبادة تجب على من بيده المال، بدليل عموم الآيات والأحاديث الآمرة بأداء الزكاة، وقد سبق بيان ذلك بالتفصيل في جواب السؤال رقم (22426) . وعليه فالواجب عليك – أخي السائل – أداء الزكاة عن المبلغ المدخر، أما ما تم دفعه مقدماً في شراء المنزل فليس عليك زكاته، لأنه خرج عن ملكك بدفعه إلى البائع. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93251 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2592 لهم حقوق عند الشركة وحكم لهم القاضي بتعويض فهل تجب فيه الزكاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[أعمل في شركة نفط وكانوا يعطوننا وجبة عشاء ثم أوقفوها عنا وبعد عدة سنوات تم تعويضنا عن طريق القضاء عن تلك الوجبات بمبالغ مالية تتراوح قيمتها من 5000 إلى 20000 دينار فهل تجب علينا الزكاة في هذه المبالغ؟ وهل تأخذ حكم الدين الغير مضمون وهل تعتبر مغصوبة وعليها زكاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا تجب الزكاة في هذا المال حتى يحول عليه الحول، من حين قبضكم له؛ لأن من شرط وجوب الزكاة تمام الملك، ولم يتحقق تمام ملككم لهذا المال إلا بعد قبضه، وأما قبل قبضه فهو ملك غير مستقر، قد تقبضونه وقد لا تقبضونه، بناء على حكم القاضي، واستعداد الشركة للدفع. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة عن صرف مستحقات من الحكومة لأصحابها تأخرت نحو تسع سنوات، هل عليهم فيها زكاة؟ فأجابت: " إذا كان الأمر كما ذكر فإنه يستقبل بها عاماً جديداً ابتداءاً من تاريخ قبضها ثم يخرج الزكاة، ولا زكاة عليه فيما مضى لعدم ملكه لها ملكاً مستقراً " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/284) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 91470 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2593 زكاة المال المعد لشراء بيت [السُّؤَالُ] ـ[أنا وزوجي موظفان بالدولة حيث عملت مند التحاقي بالوظيفة على ادخار جزء بسيط بقصد شراء بيت، وإلى الآن ولمدة خمس عشرة سنة لم أتمكن من جمع نصف مبلغ البيت نظرا لغلاء المعيشة وغلاء العقارات بالمدن الكبرى. سؤالي: كيف أن أؤدي الزكاة رغم أنه سيؤثر على المبلغ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من ملك نصابا وحال عليه الحول، وجب عليه أن يزكيه، ولو كان قد أعد المال لبناء بيت أو زواج أو حج أو غير ذلك، لعموم الأدلة الدالة على وجوب زكاة المال. ونصاب الأوراق النقدية الآن هو ما يعادل قيمة 597 جراماً من الفضة، والقدر الواجب إخراجه في الزكاة هو 2.5% أي ربع العشر. والزكاة شرعها الله تعالى تطهيرا ونماء وبركة، ومواساة للفقراء والمساكين، وهي فريضة عظيمة، لا يجوز التهاون في أدائها، فإن المال مال الله تعالى، وهو الذي أمر بالزكاة، وتوعد من فَرَّط في أدائها، كما قال سبحانه: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) البقرة/43، وقال سبحانه: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) التوبة/103. وقال عز وجل: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) التوبة/34. والكنز هو كل مال وجبت فيه الزكاة، ولم تُخرج. وروى مسلم (987) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلا فِضَّةٍ لا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا إِلا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ، فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ) . وأخبر صلى الله عليه وسلم أن الزكاة لا تنقص المال في الحقيقة، بل تباركه وتزيده، فقال: (مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ) رواه مسلم (2588) . ومسألة البركة في المال يغفل عنها كثير من الناس، فقد يملك الإنسان الأموال الطائلة لكنها لا تكفيه، ولا تحقق له ما يريد، ولا يشعر معها براحة أو سعادة، ويملك غيرُه مالاً قليلاً، قد بورك فيه، فيسعد به ويهنأ، وهذا أمر مشاهد. فلا تتردي أيتها الأخت في إخراج زكاة المال، وأدي ذلك بنفس راضية، وقلب مطمئن، واعلمي أن رضا الله تعالى هو الغاية والمطلب، وأن الدنيا عرض زائل، ومتاع قليل، (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ) آل عمران/185. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " الواجب على المسلم أن يؤدي زكاة ماله كاملة، طاعةً لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وقياماً بأركان إسلامه، وحماية لنفسه من العقوبة، ولماله من النقص ونزع البركة، فالزكاة غنيمة وليست غُرْماً، قال الله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) . والواجب على من آتاه الله مالا تجب فيه الزكاة أن يحصيه إحصاء دقيقاً. . . والأموال ثلاثة أقسام: القسم الأول: قسم لا إشكال في وجوب الزكاة فيه، كالنقود من الذهب والفضة وما يقوم مقامهما من الأوراق النقدية، ففيه الزكاة، سواء أعدّه للتجارة، أو النفقة، أو لشراء بيت يسكنه، أو لصداق يتزوج به، أو غير ذلك. القسم الثاني: قسم لا إشكال في عدم وجوب الزكاة فيه، كبيته الذي يسكنه، وسيارته التي يركبها، وفرش بيته ونحو ذلك، وهذان أمرهما واضح. القسم الثالث: قسم فيه إشكال كالديون في الذمم، فالواجب سؤال أهل العلم عنه حتى يكون العبد فيه على بينة في دينه ليعبد الله تعالى على بصيرة. ولا يحل للمسلم أن يتهاون في أمر الزكاة، أو يتكاسل في أدائها إلى أهلها، لما في ذلك من الوعيد الشديد في كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ... " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (18/299) وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 89867 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2594 زكاة المال المدخر في البنك [السُّؤَالُ] ـ[قدر من المال في البنك يمر عليه الحول ليس بحساب محصور، يقتطع منه شهريا لتسديد واجب البيت، ثم فواتير الماء والكهرباء والتأمين على البيت، هل يجوز فيه الزكاة أم لا؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ادخار المال في البنوك الربوية إعانة لها على ارتكاب الربا الذي تقوم عليه هذه البنوك، فلا يجوز للمسلم أن يدخل أمواله فيها، إلا إذا لم يجد بنكا إسلامياً لا يتعامل بالربا. وانظر جواب السؤال رقم (22392) . كما سبق بيان حرمة التأمين التجاري بجميع صوره، وأنه شكل معاصر من أشكال الميسر الذي جاءت شريعتنا بتحريمه، وانظر جواب السؤال رقم: (36955) . ثانياً: تجب الزكاة في النقود إذا بلغت نصاباً، وهو ما يعادل الآن قيمة 597 جراماً من الفضة، وحال عليها الحول، ولو كانت متخذةً لنفقات المنزل وبعض الحاجيات، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (فَإِذَا كَانَ لَكَ عِشْرُونَ دِينَارًا وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا نِصْفُ دِينَارٍ، فَمَا زَادَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ) رواه أبو داود (1573) وصححه البخاري، نقله عنه الترمذي في سننه (3/16) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. وليس من شروط وجوب الزكاة في المال أن يكون فائضاً عن الحاجة، بل تجب في كل نصاب إذا حال عليه الحول. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله كما في "مجموع الفتاوى" (18/177) : هل تجب الزكاة على الرصيد المدخر من الراتب الشهري وقد حال عليه الحول، بالرغم من أنه غير مستثمر، مع العلم بأنني أدخره لتغطية نفقات معيشتي وأسرتي، فهل تجب الزكاة في هذه الحالة؟ فأجاب: " نعم، تجب الزكاة عليه إذا تم عليه الحول؛ لأن ما وجبت الزكاة في عينه لا يشترط له نية التجارة، لهذا تجب الزكاة في الثمار والحبوب وإن لم يعدها الإنسان للتجارة، حتى لو كان عند الإنسان مثلاً في بيته نخلات يبلغ محصولها نصاباً وقد أعدها لنفقته الخاصة، فإنه تجب عليه الزكاة في ثمرة هذا النخل، وكذلك نقول في الزروع وغيرها مما تجب فيه الزكاة، وكذلك في المواشي السائمة التي ترعى في البراري، تجب فيها الزكاة وإن لم يعدها الإنسان للتجارة، وهكذا أيضاً الدراهم التي يجب فيها الزكاة وإن لم يعدها الإنسان للتجارة، فالراتب الذي أعده للنفقة تجب فيه الزكاة إذ تم عليه الحول إذا بلغ النصاب " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 88757 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2595 لديه رصيد يقتطع منه مصروفاته الشهرية فهل تجب عليه الزكاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[قدر من المال في البنك يمر عليه الحول ليس بحساب محصور، يقتطع منه شهريا لتسديد واجب البيت ثم فواتير الماء، والكهرباء، هل تجب فيه الزكاة أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان هذا المال يبلغ نصابا - وهو ما يساوي قيمة 85 جراماً من الذهب، أو 595 جراماً من الفضة - وحال عليه الحول، وجبت زكاته، ولو كان يُقتطع منه شهريا، لعموم الأدلة على وجوب الزكاة في المال الزكوي إذا حال عليه الحول. ولو فرض أن المال كان نصابا في أول الحول، ثم نقص عن النصاب في أثنائه فلا زكاة فيه، ويبدأ حساب حول جديد من حين بلوغه النصاب مرة أخرى. ومثاله: أن يبلغ المال نصابا في شهر رمضان، ثم ينقص عن قدر النصاب في شهر ذي الحجة، ثم تستفيد مالا يكمّل النصاب في شهر ربيع، فإنك تبدأ في حساب حول جديد من شهر ربيع. قال النووي رحمه الله: " مذهبنا ومذهب مالك وأحمد والجمهور أنه يشترط في المال الذي تجب الزكاة في عينه ويعتبر فيه الحول كالذهب والفضة والماشية: وجود النصاب في جميع الحول. فإن نقص النصاب في لحظة من الحول انقطع الحول , فإن كمل بعد ذلك استُؤنف الحول من حين يكمل النصاب " انتهى. انتهى من "المجموع" (5/506) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 88168 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2596 لديه مال لمصاريف الجامعة وحال عليه الحول فهل تجب فيه الزكاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا طالب ماجستير وأدرس على حسابي الخاص وأعطاني والدي مبلغا لكي أدرس به وأعيش به، والدراسة قد تستغرق سنتين تقريبا وسؤالي هو عن المال الذي أعطاني إياه والدي إذا حال الحول على المتبقي منه فهل تجب فيه الزكاة؟ مع العلم أن هذا المال قد لا يكفيني لإتمام الدراسة وسأطلب المزيد من المال من والدي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان المال المتبقي لديك يبلغ نصابا، وحال عليه الحول، فإنه تجب زكاته، ولو كان معدا لنفقتك أو مصاريف دراستك؛ لعموم الأدلة على وجوب الزكاة عند توفر شروطها. والنصاب هو ما يعادل 85 جراماً من الذهب، أو 595 جراماً من الفضة، والقدر الواجب إخراجه هو 2,5% وهو قدر يسير والحمد لله، مع ما يستفيده المزكي من حصول البركة والنماء. قال الله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) التوبة/103. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ) رواه مسلم (2588) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 88176 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2597 لديها مال وأبوها لا ينفق عليها فهل تجب عليها الزكاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[عندي مبلغ من المال وأنا مريضة، أبى لا ينفق علي، وإخوتي هم الذين ينفقون علي وعلى أمي فهل تجب علي الزكاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من ملك نصابا من المال، ومَرَّت عليه سنة كاملة وجبت عليه الزكاة، ولو كان قد رصد هذا المال لزواج أو علاج أو غيره؛ لعموم الأدلة الدالة على وجوب الزكاة. والنصاب هو ما يعادل 85 جراماً من الذهب، أو 595 جراماً من الفضة. فإذا كان المال الذي لديك يساوي نصابا، فإنه يجب عليك زكاته كلما مَرَّت عليه سنة هجرية. وعلى المؤمن أن يعلم أن المال مال الله تعالى، وأن الزكاة لا تنقص المال في الحقيقة، بل تزيده وتنميه، كما قال سبحانه: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) التوبة/103. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ) رواه مسلم (2588) . وكم من صاحب مال لا يهنأ به، وكم من منفق جواد، يبارك الله له في القليل. ثم إن الصدقة من أسباب حصول الشفاء من المرض، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (داووا مرضاكم بالصدقة) حسنه الألباني في "صحيح الجامع" (3358) . نسأل الله أن يشفيك ويبارك لك في مالك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 85098 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2598 عنده أسهم وعليه دين فكيف يزكي؟ [السُّؤَالُ] ـ[لقد أخذت تمويلا إسلاميا من شركة الراجحي بشراء أسهم وتقسيط ثمنها على أقساط شهرية وبلغ حجم الدين المطلوب سداده لشركة الراجحي تقريبا (99) ألف ريال، وقد سددت حتى الآن تقريبا (20) ألف ريال، وحاليا أنا أتداول الأسهم النقية عن طريق تداول الراجحي، فكيف أزكي أموالي؟ علما أنني سمعت من أحد الإخوان أن الذي عليه دين ولو كان على أقساط شهرية ليس عليه زكاة، أرغب من فضيلتكم إجابتي بشكل مفصل.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: اختلف الفقهاء في الدَّين هل يمنع الزكاة؟ على قولين مشهورين، أحدهما: أنه لا يمنع الزكاة، فمن ملك نصابا، وحال عليه الحول، وجب أن يزكيه، مهما كان دينه، وهذا مذهب الشافعي رحمه الله، وهو الذي يرجحه كثير من أهل العلم. وذلك لعموم الأدلة الدالة على وجوب الزكاة على من ملك نصاباً، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرسل عماله لقبض الزكاة، ولا يأمرهم بالاستفصال هل على أصحاب الأموال ديون أو لا؟ ولأن الزكاة تتعلق بعين المال، والدين يتعلق بالذمة، فلا يمنع أحدهما الآخر. قال النووي رحمه الله: " الدين هل يمنع وجوب الزكاة؟ فيه ثلاثة أقوال: أصحها عند الأصحاب , وهو نص الشافعي رضي الله عنه في معظم كتبه الجديدة: تجب ... فالحاصل أن المذهب وجوب الزكاة، سواء كان المال باطنا أو ظاهرا، أم من جنس الدين أم غيره , قال أصحابنا: سواء دين الآدمي ودين الله عز وجل , كالزكاة السابقة , والكفارة والنذر وغيرها " انتهى من "المجموع" (5/317) . وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " وأما الدين الذي عليه فلا يمنع الزكاة في أصح أقوال أهل العلم " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (14/189) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والذي أرجحه أن الزكاة واجبة مطلقا، ولو كان عليه دين ينقص النصاب، إلا دَيْناً وجب قبل حلول الزكاة فيجب أداؤه، ثم يزكي ما بقي بعده " انتهى من "الشرح الممتع" (6/39) . وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/189) : " الصحيح من أقوال العلماء أن الدين لا يمنع من الزكاة، فقد كان عليه الصلاة والسلام يرسل عماله لقبض الزكاة، ولم يقل لهم: انظروا هل أهلها مدينون أم لا " انتهى. وعلى هذا؛ فإنك تنظر فيما لديك من مال في نهاية حوله، فتزكيه، ولو كان دينك أكثر أو أقل من هذا المال، إلا إذا سددت الدين أو بعضا منه قبل نهاية الحول، فلا زكاة في هذا القدر، بل فيما بقي من المال. وراجع جواب السؤال رقم (22426) . ثانيا: لمعرفة زكاة الأسهم راجع السؤال رقم (69912) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83903 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2599 هل يجب على المرأة زكاة مؤخر الصداق [السُّؤَالُ] ـ[أنا متزوج منذ أكتوبر 2003 وسافرت مع زوجتي للعمل في الإمارات بعد البناء مباشرة. كان الاتفاق بيني وبين والدها أن المهر سيؤجل إلي أن أحصل على شقة في مصر (بلدنا الأصلي) ويدفع المهر لتجهيز الشقة بالأثاث (هكذا العرف في مصر) وأيضا هناك المؤخر، وهذا يدفَع في حالة الطلاق أو الموت (أيهما أقرب) . السؤال هو: ما حكم زكاة المهر والمؤخر علما بأني لا أملك المال، وهو أكثر من النصاب، فهل علي زكاة، وكيف أخرجها، أم علي زوجتي؟ علما بأنها لا تعمل وليس لها مصدر دخل.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: ما دمت لا تملك مالا الآن، فلا زكاة عليك. وإذا ملكت مالا يبلغ النصاب وحال عليه الحول وهو في يدك، وجبت فيه الزكاة ولو كنت ترصده أو تعده لتجهيز الشقة ونحو ذلك؛ إلا أن تدفعه في تجهيز الشقة أو تسلمه لزوجتك مهرا لها، قبل أن يحل الحول، فلا زكاة عليك حينئذ. ثانيا: الصداق المؤخر يعتبر دَيْنًا للزوجة على زوجها، فالقول في زكاته كالقول في سائر الديون التي للإنسان على غيره، وهذا فيه تفصيل عند الفقهاء: أ – إن كان الدين على قادر على السداد، باذل للدين، غير منكر له ولا مماطل، أي: يمكن استيفاء الدين منه عند طلبه، فتجب زكاته كل عام، لأنه في حكم المال الذي بيد صاحبه. ب- وإن كان الدين على فقير لا مال له، أو جاحد للدين، ولا بينة تُثبته، فهذا لا زكاة فيه على الراجح، لكن إذا قبضه الإنسان فالأحوط له أن يدفع زكاة سنة واحدة وإن كان قد مَرَّ عليه عند المدين سنوات، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (1346) . وعلى هذا؛ فالمهر المؤجل (الذي سيتم به شراء الأثاث) هو دَيْن للزوجة عليك، ولا زكاة عليها ولا عليك فيه لأنك لا تملك المال. وكذلك (المؤخر) الذي لا تأخذه المرأة إلا بعد المفارقة لا زكاة عليها فيه، لأنها لا تستطيع أن تطالب به في حال استمرار الزوجية، وإذا أخذت بالأحوط ودفعت زكاته لسنة واحدة إذا قبضته كان ذلك أحسن. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يصح تأجيل صداق المرأة؟ وهل هو دين على الرجل يلزم بدفعه؟ وهل تجب الزكاة فيه؟ فأجاب: " الصداق المؤجل جائز ولا بأس به؛ لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) المائدة/1. والوفاء بالعقد يشمل الوفاء به وبما شرط فيه. فإذا اشترط الرجل تأجيل الصداق أو بعضه فلا بأس، ولكن يحل إن كان قد عيّن له أجلا معلوما، فيحل بهذا الأجل، وإن لم يؤجل فيحل بالفرقة: بطلاق، أو فسخ، أو موت، ويكون دَيْناً على الزوج يُطالَب به بعد حلول أجله في الحياة، وبعد الممات كسائر الديون. وتجب الزكاة على المرأة في هذا الصداق المؤجل إذا كان الزوج مليّا (أي: غنيا باذلا للدين) ، وإن كان فقيرا فلا يلزمها زكاة. " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (18/30) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 84005 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2600 وجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون [السُّؤَالُ] ـ[هل تجب الزكاة في مال الصبي الصغير، مع أنه غير مكلف؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذهب جمهور العلماء إلى وجوب الزكاة في مال الصبي الصغير والمجنون، وهو مذهب الأئمة مالك والشافعي وأحمد، واستدلوا على ذلك بعدة أدلة: 1- قوله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) . فالزكاة واجبة في المال، فهي عبادة مالية تجب متى توفرت شروطها، كملك النصاب، ومرور الحول. 2- قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل لما أرسله إلى اليمن: (أَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ، تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ) رواه البخاري (1395) . فأوجب الزكاة في المال على الغني، وهذا بعمومه يشمل الصبي الصغير والمجنون إن كان لهما مال. 3- ما رواه الترمذي (641) عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: (أَلا مَنْ وَلِيَ يَتِيمًا لَهُ مَالٌ فَلْيَتَّجِرْ فِيهِ وَلا يَتْرُكْهُ حَتَّى تَأْكُلَهُ الصَّدَقَةُ) وهو حديث ضعيف، ضعفه النووي في المجموع (5/301) والألباني في ضعيف الترمذي. وقد ثبت ذلك من قول عمر رضي الله عنه، رواه عنه البيهقي (4/178) وقال: إسناده صحيح. وأقره النووي على تصحيحه كما في "المجموع". 4- وكذلك روي هذا عن على وابن عمر وعائشة والحسن بن علي وجابر رضي الله عنهم. وذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى أن الزكاة لا تجب في ماله، كما لا تجب عليه سائر العبادات؛ كالصلاة والصيام، غير أنه أوجب عليه زكاة الزروع وزكاة الفطر. وأجاب الجمهور عن هذا بأن عدم وجوب الصلاة والصيام على الصبي فلأنهما عبادات بدنية، وبدن الصبي لا يتحملها، أما الزكاة فهي حق مالي، والحقوق المالية تجب على الصبي، كما لو أتلف مال إنسان، فإنه يجب عليه ضمانه من ماله، وكنفقة الأقارب، يجب عليه النفقة عليهم إذا توفرت شروط وجوب ذلك. وقالوا أيضا: ليس هناك فرق بين وجوب زكاة الزروع وزكاة الفطر على الصبي، وبين زكاة سائر الأموال كالذهب والفضة والنقود، فكما وجبت الزكاة عليه في الزروع تجب عليه في سائر الأموال، ولا فرق. ويتولى ولي الصغير والمجنون إخراج الزكاة عنهما من مالهما، كلما حال عليه الحول، ولا ينتظر بلوغ الصبي. قال ابن قدامة في المغني: " إذا تقرر هذا – يعني وجوب الزكاة في مال الصغير والمجنون - فإن الولي يخرجها عنهما من مالهما ; لأنها زكاة واجبة , فوجب إخراجها , كزكاة البالغ العاقل , والولي يقوم مقامه في أداء ما عليه ; ولأنها حق واجب على الصبي والمجنون , فكان على الولي أداؤه عنهما , كنفقة أقاربه " انتهى. وقال النووي في المجموع (5/302) : " الزكاة عندنا واجبة في مال الصبي والمجنون بلا خلاف، ويجب على الولي إخراجها من مالهما كما يخرج من مالهما غرامة المتلفات، ونفقة الأقارب وغير ذلك من الحقوق المتوجهة إليهما , فإن لم يخرج الولي الزكاة وجب على الصبي والمجنون بعد البلوغ والإفاقة إخراج زكاة ما مضى ; لأن الحق توجه إلى مالهما , لكن الولي عصى بالتأخير فلا يسقط ما توجه إليهما " انتهى. وقد روي عن ابن مسعود وابن عباس أن الزكاة واجبة على الصبي إلا أنه لا يخرجها حتى يبلغ، وكلاهما ضعيف لا يصح. ضعفهما النووي في المجموع (5/301) . وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: توفي رجل وخلف أموالا وأيتاما، فهل تجب في هذه الأموال زكاة؟ وإن كان كذلك فمن يخرجها؟ فأجاب: " تجب الزكاة في أموال اليتامى من النقود والعروض المعدة للتجارة وفي بهيمة الأنعام السائمة وفي الحبوب والثمار التي تجب فيها الزكاة، وعلى ولي الأيتام أن يخرجها في وقتها. . . ويعتبر الحول في أموالهم من حين توفي والدهم، لأنها بموته دخلت ملكهم، والله ولي التوفيق " انتهى. فتاوى ابن باز (14/240) . وسئل علماء اللجنة الدائمة: هل تجب الزكاة في أموال اليتامى والمجانين؟ فأجابوا: " تجب الزكاة في أموال اليتامى والمجانين، وهذا قول علي وابن عمر وجابر بن عبد الله وعائشة والحسن بن علي حكاه عنهم ابن المنذر، ويجب على الولي إخراجها، والذي يدل على وجوبها في أموالهم عموم أدلة إيجابها من الكتاب والسنة، ولمَّا بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن وبين له ما يقول لهم كان مما قال له: (أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم) رواه الجماعة، ولفظة: (الأغنياء) تشمل: الصغير والمجنون، كما شملهما لفظ الفقراء، وروى الشافعي في مسنده عن يوسف بن ماهك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ابتغوا في أموال اليتامى لا تذهبها أولا تستهلكها الصدقة) وهو مرسل. وروى مالك في الموطأ أنه بلغه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة، وقد قال ذلك عمر للناس وأمرهم، وهذا يدل على أنه كان من الحكم المعمول به والمتفق على إجازته. وروى مالك في الموطأ عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أنه قال: كانت عائشة تليني وأخا لي يتيمين في حجرها فكانت تخرج من أموالنا الزكاة " انتهى. فتاوى اللجنة الدائمة (9/410) . وقد اختار أيضاً القول بوجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، كما في الشرح الممتع (6/14) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 75307 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2601 نصاب الإبل والبقر والغنم [السُّؤَالُ] ـ[كم نصاب الأنعام في الزكاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله بهيمة الأنعام هي الإبل والبقر والغنم، ولا تجب الزكاة في بهيمة غيرها إلا أن تكون للتجارة. 1- ونصاب الإبل: خمس بإجماع العلماء، وفيها شاة. ثم في عشر من الإبل شاتان، وفي خمس عشرة: ثلاث شياه، وفي عشرين أربع شياه، وفي خمس وعشرين: بنت مخاض ... إلخ الأنصبة الواردة في الحديث كما سيأتي. وعليه، فمن ملك أربعة من الإبل فأقل فلا زكاة عليه، إلا أن يشاء. والأصل في ذلك ما رواه البخاري (1454) عن أَنَسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما , كَتَبَ لَهُ هَذَا الْكِتَابَ لَمَّا وَجَّهَهُ إِلَى الْبَحْرَيْنِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَالَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا رَسُولَهُ فَمَنْ سُئِلَهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِهَا فَلْيُعْطِهَا وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَهَا فَلا يُعْطِ: فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الإِبِلِ فَمَا دُونَهَا مِنْ الْغَنَمِ مِنْ كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ. إِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إِلَى خَمْسٍ وَثَلاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ أُنْثَى، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلاثِينَ إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ أُنْثَى، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ إِلَى سِتِّينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْجَمَلِ، فَإِذَا بَلَغَتْ وَاحِدَةً وَسِتِّينَ إِلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَفِيهَا جَذَعَةٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَسَبْعِينَ إِلَى تِسْعِينَ فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ إِحْدَى وَتِسْعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْجَمَلِ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلا أَرْبَعٌ مِنْ الإِبِلِ فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إِلا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا مِنْ الإِبِلِ فَفِيهَا شَاةٌ ... ) . وبنت المخاض: هي التي أتمت سنة. وبنت اللبون: هي التي أتمت سنتين. والحقة: هي التي أتمت ثلاث سنين. والجذعة: هي التي أتمت أربع سنين. 2- ونصاب البقر ثلاثون , في قول جمهور العلماء , لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فِي ثَلاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ تَبِيعٌ أَوْ تَبِيعَةٌ وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ) رواه الترمذي (622) وابن ماجه (1804) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. والتبيع: الذي له سنة، ودخل في الثانية، وقيل له ذلك لأنه يتبع أمه. والمسنّة: التي لها سنتان، وهي الثنية. 3- ونصاب الغنم أربعون شاة، بإجماع العلماء , وفيها شاة واحدة؛ لما جاء في حديث أنس السابق: (وَفِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ شَاةٌ , فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ إِلَى مِائَتَيْنِ شَاتَانِ , فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مِائَتَيْنِ إِلَى ثَلاثِ مِائَةٍ فَفِيهَا ثَلاثُ شِيَاهٍ , فَإِذَا زَادَتْ عَلَى ثَلاثِ مِائَةٍ فَفِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ , فَإِذَا كَانَتْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ نَاقِصَةً مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً وَاحِدَةً فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إِلا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا) . واشترط جمهور الفقهاء لوجوب الزكاة في بهيمة الأنعام أن تكون سائمة، وهي التي ترعى الكلأ المباح أكثر السنة، وأما التي تُعْلَف فلا تجب فيها الزكاة إلا أن تكون للتجارة، ودليل اشتراط السوم قوله صلى الله عليه وسلم: (وَفِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا ... ) انظر: "المغني" (2/230-243) . وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/202) : " أجمع العلماء على وجوب الزكاة في سائمة الإبل والبقر والغنم، إذا بلغت نصاباً، وأوله في الإبل خمس، وأوله في البقر ثلاثون، وأوله في الغنم أربعون. والسائمة هي الراعية للحشائش ونحوها، ضد المعلوفة والعوامل التي يحمل عليها أصحابها. واختلفوا في وجوبها في المعلوفة والعوامل؛ فذهب أكثر أهل العلم إلى أنه لا زكاة فيهما لما رواه أحمد والنسائي وأبو داود عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (في كل إبل سائمة في كل أربعين ابنة لبون..) الحديث، فقيَّد وجوبها في الإبل بكونها سائمة فلا تجب في المعلوفة، وأما العوامل فلحديث علي رضي الله عنه: (ليس في العوامل صدقة) . وذهب مالك وجماعة إلى وجوب الزكاة في المعلوفة والعوامل أيضاً ... " انتهى. وانظر السؤال (49041) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 71267 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2602 لا زكاة على معدات المصانع، وزكاة من عليه دين [السُّؤَالُ] ـ[يحتاج أخي مساعدة في حساب الزكاة، فهو غير متأكد (من المبلغ الذي عليه تزكيته) لأن عليه ديوناً كما أن إيداعاته لم تتجاوز ثلاثة أشهر، مع أنه يملك مصنعاً يحتوي على معدات، فهل يدفع الزكاة عن ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: من ملك مالاً تجب زكاته، وكان عليه دَيْن، فالزكاة واجبة عليه، ولا أثر لهذا الدَّيْن، وهو مذهب الإمام الشافعي رحمه الله. لعموم الأدلة الدالة على وجوب الزكاة على من ملك نصاباً. ولأن النبي صلى الله عليه ومسلم كان يرسل عماله لقبض الزكاة ولا يأمرهم بالاستفصال هل على أصحاب الأموال ديون أو لا؟ ولأن الزكاة تتعلق بعين المال، والدين يتعلق بالذمة، فلا يمنع أحدهما الآخر. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " وأما الدين الذي عليه فلا يمنع الزكاة في أصح أقوال أهل العلم " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (14/189) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والذي أرجحه أن الزكاة واجبة مطلقا، ولو كان عليه دين ينقص النصاب، إلا دَيْناً وجب قبل حلول الزكاة فيجب أداؤه، ثم يزكي ما بقي بعده " انتهى من "الشرح الممتع" (6/39) . وينظر: "المجموع" (5/317) ، "نهاية المحتاج" (3/133) ، "الموسوعة الفقهية" (23/247) . وعليه فإذا حال الحول على النصاب، وجبت الزكاة على أخيك، بغض النظر عن الديون التي عليه، لكن إن حان وقت دفع الدين، قبل موعد الزكاة، سدد الدين، ثم زكى ما بقي. ثانيا: من ملك نصاباً من النقود وحال عليه الحول وجبت عليه الزكاة بإخراج ربع العشر [2.5%] . والنصاب هو ما يعادل قيمة 85 جراماً من الذهب، أو 595 جراماً من الفضة. ويبدأ حساب الحول من حين ملك نصاباً، لا من حين إيداعه في البنك. فإن استثمر هذا المال بطريقة مشروعة، لزمه أن يزكي الأصل والربح معا في وقت زكاة الأصل. فلو ربح المال في خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من الحول، وحال الحول على أصل المال، وجبت زكاة الجميع: المال مع ربحه، مع أن الربح لم يمر عليه حول، إلا أنه تابع في الحول لأصل المال. مع التنبه إلى أن وضع النقود في البنوك مقابل فائدة من الربا الذي حرمه الله ورسوله، وهو من كبائر الذنوب. ويجوز وضع النقود في البنوك لضرورة حفظها، بشرط أن يكون ذلك من غير فائدة. انظر السؤال (49677) ، (22392) ثالثا: لا تجب الزكاة إلا في أموال مخصوصة بينها الشارع، ومنها النقود وبهيمة الأنعام وعروض التجارة. وأما ما يملكه الإنسان من منازل أو سيارات أو بنايات فلا زكاة فيها إلا إذا قصد الاتجار فيها. والمصانع عادة تشتمل على منتجات وسلع يُتجر فيها، فهذه تزكى زكاة التجارة، فتقوّم في نهاية الحول، ويخرج من قيمتها ربع العشر. وتشتمل على أبنية ومعدات ثابتة لا يراد بيعها، فهذه لا زكاة فيها. قال في "كشاف القناع" (2/244) : " ولا زكاة في آلات الصنّاع , وأمتعة التجارة وقوارير العطار والسمان ونحوهم، كالزيات والعسال، إلا أن يريد بيعها، أي القوارير، بما فيها، فيزكي الكل، لأنه مال تجارة " انتهى. وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " إنما تجب الزكاة على أهل المطابع والمصانع ونحوهم في الأشياء المعدة للبيع، أما الأشياء التي تعد للاستعمال فلا زكاة فيها، وهكذا السيارات والفرش والأواني المعدة للاستعمال ليس فيها زكاة؛ لما روى أبو داود رحمه الله في سننه بإسناد حسن عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرج الصدقة مما نعده للبيع) " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (14/186) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65763 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2603 هل تجب الزكاة على من عليه دين؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان على الإنسان دين يعادل كل المال الذي في يده، أو يزيد عليه، فهل يجب عليه أن يزكي المال الذي عنده، إذا حال عليه الحول؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " يجب على من لديه مال زكوي أن يؤدي زكاته، إذا حال عليه الحول، ولو كان عليه دين، في أصح قولي العلماء؛ لعموم الأدلة على وجوب الزكاة على من لديه مال تجب فيه الزكاة، إذا حال عليه الحول، ولو كان عليه دين. ولأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يأمر عماله بأخذ الزكاة ممن عليه زكاة، ولم يأمرهم أن يسألوهم هل عليهم دين أم لا؟ ولو كان الدين يمنع لأمر النبي صلى الله عليه وسلم عماله أن يستفسروا من أهل الزكاة: هل عليهم دين " اهـ. مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز 14/51. وقال رحمه الله في فتوى أخرى له بهذا المعنى (14/52) : " ... لكن لو سددت الدين من النقود التي لديك قبل أن يحول عليها الحول، لم يكن فيما صرفته في قضاء الدين زكاة، وإنما الزكاة فيما بقي، إذا حال عليه الحول وهو نصاب " اهـ وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى عن شخص عنده رأس مال قدره مائتا ألف ريال وعليه دين قدره مائتا ألف ريال بحيث يدفع منه كل سنة عشرة آلاف فهل عليه زكاة؟ فأجاب: " نعم، تجب الزكاة في المال الذي في يده، وذلك لأن النصوص الواردة في وجوب الزكاة عامة، ولم تستثنِ شيئاً، لم تستثنِ مَن عليه دين. وإذا كانت النصوص عامة وجب أن نأخذ بها. ثم إن الزكاة واجبة في المال، لقوله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ واللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) التوبة/103، وقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما حين بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن قال: (أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم) ، فبين الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم أن الزكاة في المال، وليست في ذمة الإنسان، والدين واجب في ذمته، فالجهة منفكة، ... فتجب زكاة المال الذي بيدك، والدين واجب في ذمتك، فهذا له وجهة، وهذا له وجهة. فعلى المرء أن يتقي ربه ويخرج الزكاة عما في يده، ويستعين الله تعالى في قضاء الدين الذي عليه، ويقول: اللهم اقضِ عني الدين وأغنني من الفقر. وربما يكون أداء زكاة المال الذي بيده سبباً في بركة هذا المال ونمائه، وتخليص ذمته من الدين، وربما يكون منع الزكاة منه سبباً في فقره، وكونه يرى نفسه دائماً في حاجة وليس من أهل الزكاة، واحمد الله عز وجل أن جعلك من المعطين ولست من الآخذين) اهـ. مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين 18/39. وقال رحمه الله في فتوى أخرى له في هذه المسألة (18/38) (إلا إذا كان الدين حالاًّ ويُطالَب به، وأراد أن يوفيه، فحينئذ نقول: أوف الدين، ثم زكِّ ما يبقى بعده إذا بلغ نصاباً. ويؤيد ذلك ما قاله فقهاء الحنابلة في زكاة الفطر، فإنهم قالوا: لا يمنعها الدين إلا بطلبه. وكذلك الأثر المروي عن عثمان رضي الله عنه أنه كان يقول في شهر رمضان: (هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليقضه) ، فهذا يدل على أن الدين إذا كان حالاًّ، وصاحبه يريد قضاءه، قدمه على الزكاة، أما الديون المؤجلة فإنها لا تمنع وجوب الزكاة بلا ريب) اهـ. وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة [9/189] : (الصحيح من أقوال العلماء أن الدين لا يمنع من الزكاة، فقد كان عليه الصلاة والسلام يرسل عماله لقبض الزكاة، ولم يقل لهم انظروا هل أهلها مدينون أم لا) . اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 22426 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2604 هل تجب الزكاة في الأجرة المستلمة أو المستحقة؟ [السُّؤَالُ] ـ[لدينا محل تجاري أجرناه بمبلغ مقداره 72 ألف سنوياً هل علينا زكاة؟ علما أننا نستلم هذا الإيجار دفعة واحدة، وننفقه قبل أن يحول عليه الحول.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله العقارات المعدة للتأجير لا زكاة فيها، وإنما الزكاة في الأجرة التي تحصل فيها بشرطين: الأول: أن تبلغ نصاباً. الثاني: أن يحول عليها الحول. ويبدأ الحول من حين العقد سواء قبض الأجر مقدماً في أول السنة أو مؤخراً في آخر السنة. فإن قبضها في أول السنة ومر عليها الحول فعليه زكاتها، أو زكاة ما بقي منها إن أنفق بعضها وبقي بعضها. وإن قبضها في آخر السنة فعليه زكاتها، لأن الحول يكون قد مرّ عليها من حين العقد. قال ابن قدامة – رحمه الله – في المغني (4/271) ولو أجّر داره سنتين بأربعين ديناراً ملك الأجرة من حين العقد، وعليه زكاة جميعها إذا حال عليه الحول. اهـ. وسئل الشيخ ابن باز عن رجل أجّر عقاراً واستلم الأجرة مقدماً عن سنة، وسدد بها بعض الديون، فهل عليه زكاة في هذه الأجرة؟ فأجاب: " مثل هذا الإيجار الذي تتسلمه من المستأجر مقدماً وتسدد به الدين فإنه لا تجب فيه الزكاة لكونه لم يَحُل عليه الحول، وهو في ملكك، والاعتبار في ذلك بوقت عقد الإجارة إلى نهاية السنة، فإذا قبضت الأجرة قبل نهاية السنة، وسددت بها الدين أو صرفتها في حاجات البيت فلا زكاة فيها " اهـ. مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (14/177) وسئل الشيخ ابن عثيمين عن العقارات المعدة للتأجير هل عليها زكاة؟ فأجاب: " لا زكاة عليه في هذه العقارات، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة "، وإنما الزكاة في أجرتها إذا تم عليها حول من حين العقد. مثال ذلك: رجل أجر هذا البيت بعشرة آلاف، واستلم عشرة آلاف بعد تمام السنة، فتجب عليه الزكاة في العشرة، لأنه تم لها حول من العقد، ورجل آخر أجّر بيته بعشرة آلاف خمسة منها استلمها عند العقد وأنفقها خلال شهرين، وخمسة منها عند نصف السنة، فأخذها وأنفقها خلال شهرين، ولما تمّت السنة لم يكن عنده شيء من الأجرة فلا زكاة عليه، لأنه لم يتم عليها الحول، ولا بد في وجوب الزكاة من تمام الحول " اهـ. فتاوى الشيخ ابن عثيمين (18/208) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 47760 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2605 يزعم أن الزكاة لا تتكرر كلّ سنة [السُّؤَالُ] ـ[هل الواجب إخراج الزكاة كل عام؟ لقد اشتريت ذهبًا للادخار الشخصي، وزنه حوالي 1 كيلوجرام فهل عليّ الزكاة بنسبة اثنين ونصف في المائة بعد مرور أول عام فقط أم يجب إخراج الزكاة عليه كل عام؟ (الذهب هنا مثال) . وقد قال أحد أئمة الهند أن زكاة الأعيان تجب مرة واحدة فقط في العمر وليس كل عام. وعلى من ادعى أن الزكاة واجبة كل عام أن يأتي بالدليل من الكتاب والسنة. فما مدى صحة هذا الكلام؟ وما هو الدليل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اتفق العلماء من السلف والخلف على أن الزكاة تتكرر بتكرر الأعوام على الأموال من الذهب والفضة ونحوها. قال ابن حزم في مراتب الإجماع: " واتفقوا على أن الزكاة تتكرر في كل مال عند انقضاء كل حول حاشا الزروع والثمار، فإنهم اتفقوا أن لا زكاة فيها إلا مرة في الدهر فقط " [ص 38] ولم يتعقبه شيخ الإسلام ابن تيمية بشيء في نقد مراتب الإجماع. ودليل هذا الإجماع هو عمل الأمة من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى يوما هذا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث السعاة وجامعي الزكاة إلى القبائل والبلدان، ولم يكونوا يفرقون بين ما أدي زكاته العام الماضي وما لم يؤد، بل كانوا يأخذون الزكاة على كل ما هو موجود بأيدي الناس من أموال زكوية. قال ابن سيرين: " كان المصدق يجيء فأين ما رأى زرعا قائما أو إبلا قائمة أو غنما قائمة أخذ منها الصدقة." المدونة 1/361 وما قاله ذلك الشخص من أن زكاة الذهب لا تتكرر كل عام يدل على جهله، والواجب أن يُعَلَّم، وأن يرشد للصواب. والواجب على المسلم أن لا يتعجل إلى الفتوى بمجرد قول ظهر له، وعليه الرجوع إلى أقوال العلماء، والأئمة ليعرف مواضع الإجماع فلا يشذّ عنها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 47088 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2606 هل تجب عليه زكاة مال يدَّخِره له أبوه [السُّؤَالُ] ـ[لقد تحولت إلى الإسلام أبي كافر ولقد فتح حساباً بنكياً ليدَّخِر فيها مالاً لي. المال الموجود في البنك له ويمكن أن يعطيني إياه في المستقبل، ويمكن أن لا يعطيني إياه. هل أدفع زكاة هذا المال؟. لا أستطيع معرفة الحساب - لا أستطيع أن آخذ منه وهو لن يعطيني منه - لأدفع الزكاة من المال.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يشترط لوجوب الزكاة شروط: الحرية: فلا تجب على مملوك، لأنه لا مال له، وما بيده ملك لسيده، فتكون زكاته على السيد. الإسلام، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ رضي الله عنه: " فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله " ثم ذكر الصلاة، ثم قال: " فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم " رواه البخاري (الزكاة/1365) ومسلم (الإيمان/28) امتلاك النصاب، فلا تجب الزكاة فيما دون النصاب، وهو قدرٌ معلوم من المال. استقرار الملكية، بأن لا يتعلق بها حق غيره، فلا زكاة في مال لم تستقر ملكيته. مضيّ الحول على المال، لحديث عائشة رضي الله عنها: " قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ " رواه ابن ماجة (الزكاة/ 1782) ، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة برقم 1449. فهذه شروط وجوب الزكاة متى وجدت هذه الشروط وجب الزكاة. وعليه فيقال: أنك لم تملك المال، فضلاً عن أن يستقر في ملكك، فإذا ملكت المال وكملت الشروط الأخرى فأدِّ الزكاة فيها. والله أعلم وللمزيد في شروط الزكاة انظر الملخص الفقهي للفوزان 1/221، والشرح الممتع لابن عثيمين 6/22 [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 14401 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2607 إخراج الزكاة في رمضان هل يكون على كل المال [السُّؤَالُ] ـ[أخرج زكاة مالي كل عام في رمضان، أخرج زكاة المبلغ الذي كان في رصيدى رمضان الماضي فقط.. أي ما دار عليه الحول، فهل ما أفعل صحيح؟؟ أم أن عليّ إخراج الزكاة عن كل ما وفرته خلال العام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يشترط لوجوب الزكاة شروط منها حولان الحول، وهو أن يمر عام هجري على المال الذي بلغ نصابا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول" رواه ابن ماجة وصححه الألباني في إرواء الغليل برقم 787 وحولان الحول شرط في وجوب زكاة الذهب والفضة والنقود وبهيمة الأنعام. والمال المستفاد أثناء الحول نوعان: الأول: ما كان ربحاً ناتجاً عن المال، فهذا حوله حول أصله. والثاني: ما كان مالاً مستقلاً استفيد بوجه مشروع كإرث أو هبة، أو ادُّخر من راتب، فلا يجب زكاته إلا أن يحول عليه الحول من يوم بلغ نصاباً. وللمسلم أن يُخرج زكاة جميع ما توفر لديه في شهر رمضان، ما حال عليه الحول وما لم يحل عليه، من باب تعجيل الزكاة، لما روى أبو داود والترمذي وابن ماجة والحاكم وصححه أن العباس رضي الله عنه " سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعجيل صدقته قبل أن تحل، فرخص له في ذلك ". والحديث حسنه الألباني في صحيح الترمذي برقم 545 وهذا أيسر من أن يجعل الإنسان لكل مالٍ مستفادٍ حولاً مستقلاً حتى لا يتداخل عليه المال ويختلط عليه حسابه فيدخل عليه شيء من مال الزكاة، أو يصبح في تشكك وحرج هل استوفى الإخراج أم لا. انظر السؤال رقم (26113) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 26716 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2608 قضاء زكاة السنوات الماضية [السُّؤَالُ] ـ[لم أدفع الزكاة في السنوات الماضية بسبب ابتعادي عن صراط الإسلام المستقيم، عدت للإسلام في العام الماضي والحمد لله وأصبحت أكسب المال وأريد أن أدفع زكاة مالي وأن أصلح ما فعلته في الماضي إن أمكن. عليَّ بعض الديون في الماضي ولم أسددها بعد، كيف أدفع زكاة السنوات الماضية وهل ستكون مقبولة لأنني لم أسددها في السنوات الماضية وأنا أسدد الآن قروضاً بالحرام.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نحمد الله تعالى على هدايتك، ونسأل الله لك الثبات، ولتعْلَم أن الله تعالى غفور رحيم، وهو يفرح بتوبة عبده – مع غناه تعالى عن خلْقه -، ونسأل الله أن يزيدك من فضله. وعليك أداء زكاة السنوات الماضية على المبالغ التي كنتَ تملكها بعد خصم ديون كل سنَة، فإن جزمتَ بمبلغ أي سنَة فعليك زكاته، وإن لم تعلم مبلغه بالضبط فلتتحرَّ ولتقدِّر مبلغها تقديراً. سئل الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله -: إنسان تهاون في إخراج الزكاة لمدة خمس سنوات، والآن هو تائب، هل التوبة تسقط إخراج الزكاة؟ وإذا لم تسقط إخراج الزكاة فما هو الحل؟ وهذا المال أكثر من عشرة آلاف وهو لا يعرف مقداره الآن؟ فأجاب: الزكاة عبادة لله عز وجل وحق للفقراء، فإذا منعها الإنسان كان منتهكاً لحقين: حق الله، وحق الفقراء وغيرهم من أهل الزكاة، فإذا تاب بعد خمس سنوات - كما جاء في السؤال - سقط عنه حق الله عز وجل لأن الله تعالى قال: {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات} الشورى / 25، ويبقى الحق الثاني وهو حق المستحقين للزكاة من الفقراء وغيرهم، فيجب عليه تسليم الزكاة لهؤلاء وربما ينال ثواب الزكاة مع صحة التوبة؛ لأن فضل الله واسع. أما تقدير الزكاة: فليتحرَّ ما هو مقدار الزكاة بقدر ما يستطيع ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، فعشرة آلاف مثلاً زكاتها في السنة كم؟ مائتان وخمسون، فإذا كان مقدار الزكاة مائتين وخمسين فليُخرج مائتين وخمسين عن السنوات الماضية عن كل سنة إلا إذا كان في بعض السنوات قد زاد عن العشرة فليخرج مقدار هذه الزيادة، وإن نقص في بعض السنوات سقطت عنه زكاة النقص. " أسئلة الباب المفتوح " (س 494، لقاء 12) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 26119 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2609 نصاب الذهب بالدولار [السُّؤَالُ] ـ[أقيم في أمريكا. كم نصاب الزكاة بالدولار الأمريكي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله النصاب هو الحدّ الأدنى الذي إذا ملكه الشخص وجبت عليه الزكاة وإذا ملك أقلّ منه فلا تجب عليه. ومعلوم أنّ زكاة المال في الشريعة واجبة في النقدين الذهب والفضة وما يقوم مقامهما من الأوراق النقدية في عصرنا الحاضر سواء كانت دولارات أو ريالات أو جنيهات وغيرها. ونصاب الذهب هو عشرون مثقالا كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم والمثقال يعادل بأوزان عصرنا ما يقارب 4,25 غراما فيكون نصاب الذهب 85 غراما تقريبا من ملكها على أيّ شكل كانت وجبت عليه فيها الزكاة في كلّ ألف 25 (2.5%) . ونصاب الفضة هو مائتا درهم كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، والدرهم يعادل بأوزان عصرنا ما يقارب 2.975 جراما فيكون نصاب الفضة 595 غراما تقريبا، من ملكها على أيّ شكل كانت وجب عليه فيها الزكاة في كلّ ألف 25 (2.5 %) . ومعلوم أنّ هناك تفاوتا ملحوظا بين قيمة نصاب الذهب وقيمة نصاب الفضة في زمننا هذا، والأحوط لك والأحسن للفقير أن تنظر في الدولارات التي توفرّت لديك ومرّ عليها سنة هجرية كاملة (354 يوما) فإن بلغت قيمة نصاب الفضة فأكثر أن تُخرج منها الزكاة من كلّ ألف دولار 25 دولارا تنفقها في مصارف الزكاة الشرعية المحددّة، ونسأل الله أن يعيننا ويوفقنا للقيام بحقّ المال وصلى الله على نبينا محمد. ويمكنك استعراض أسعار الذهب والفضة عن طريق الانترنت. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 64 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2610 تقديم الزكاة عن وقتها [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكن إخراج الزكاة قبل حلول الحول؟ (مثلاً، لو كان الحول ينتهي في شهر يوليو، وقررتُ أن أخرج الزكاة كاملةً أو جزءاً منها في شهر إبريل) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم يجوز تقديم الزّكاة عن وقت وجوبها لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم استعجل من العبّاس بن عبد المطّلب زكاة سنتين. وينبغي التنبّه هنا إلى أنّ وجوب الزكاة بدوران الحول هو بالسنّة الهجرية لا بالميلادية، ومعلوم الفرق بينهما والله الموفّق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 1966 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2611 أنواع الأطعمة التي تخرج في زكاة الفطر [السُّؤَالُ] ـ[ما هي أنواع الأطعمة التي تخرج منها زكاة الفطر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله زكاة الفطر، تخرج من أي طعام يقتاته الناس، كالقمح والذرة والأرز واللوبيا والعدس والحمص والفول والمكرونة واللحم ونحو ذلك، وقد فرضها الرسول صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام، وكان الصحابة رضي الله عنهم يخرجونها من الطعام الذي يقتاتونه. روى البخاري (1510) ومسلم (985) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (كُنَّا نُخْرِجُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ. وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَكَانَ طَعَامَنَا الشَّعِيرُ وَالزَّبِيبُ وَالْأَقِطُ وَالتَّمْرُ) . وفي رواية قال: (كُنَّا نُخْرِجُ إِذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ) . "وقد فسر جمع من أهل العلم الطعام في هذا الحديث بأنه البر (أي: القمح) ، وفسره آخرون بأن المقصود بالطعام ما يقتاته أهل البلاد أيا كان، سواء كان برا أو ذرة أو غير ذلك. وهذا هو الصواب؛ لأن الزكاة مواساة من الأغنياء للفقراء، ولا يجب على المسلم أن يواسي من غير قوت بلده. ولا شك أن الأرز قوت في بلاد الحرمين وطعام طيب ونفيس، وهو أفضل من الشعير الذي جاء النص بإجزائه. وبذلك يعلم أنه لا حرج في إخراج الأرز في زكاة الفطر" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (14/200) . وقال شيخ الإسلام رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (25/ 68) : " أَمَّا إذَا كَانَ أَهْلُ الْبَلَدِ يَقْتَاتُونَ أَحَدَ هَذِهِ الْأَصْنَافِ جَازَ الْإِخْرَاجُ مِنْ قُوتِهِمْ بِلَا رَيْبٍ. وَهَلْ لَهُمْ أَنْ يُخْرِجُوا مَا يَقْتَاتُونَ مِنْ غَيْرِهَا؟ مِثْلُ أَنْ يَكُونُوا يَقْتَاتُونَ الْأُرْزَ وَالذرة فَهَلْ عَلَيْهِمْ أَنْ يُخْرِجُوا حِنْطَةً أَوْ شَعِيرًا أَوْ يُجْزِئُهُمْ الْأُرْزُ وَالذُّرَةُ؟ فِيهِ نِزَاعٌ مَشْهُورٌ، وأصح الأقوال: أنه يُخْرِجُ مَا يَقْتَاتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ: كَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ؛ فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الصَّدَقَاتِ أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى وَجْهِ الْمُواساة لِلْفُقَرَاءِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ) ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ؛ لِأَنَّ هَذَا كَانَ قُوتَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَلَوْ كَانَ هَذَا لَيْسَ قُوتَهُمْ بَلْ يَقْتَاتُونَ غَيْرَهُ لَمْ يُكَلِّفْهُمْ أَنْ يُخْرِجُوا مِمَّا لَا يَقْتَاتُونَهُ، كَمَا لَمْ يَأْمُرِ اللَّهُ بِذَلِكَ فِي الْكَفَّارَاتِ " انتهى بتصرف. وقال ابن القيم رحمه الله في "إعلام الموقعين" (3/12) : " وهذه كانت غالب أقواتهم بالمدينة فأما أهل بلد أو محلة قوتهم غير ذلك فإنما عليهم صاع من قوتهم كمن قوتهم الذرة أو الأرز أو التين أو غير ذلك من الحبوب، فإن كان قوتهم من غير الحبوب، كاللبن واللحم والسمك أخرجوا فطرتهم من قوتهم كائنا ما كان، هذا قول جمهور العلماء، وهو الصواب الذي لا يقال بغيره، إذ المقصود سد حاجة المساكين يوم العيد ومواساتهم من جنس ما يقتاته أهل بلدهم، وعلى هذا فيجزئ إخراج الدقيق وإن لم يصح فيه الحديث " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (6/183) : " والصحيح أن كل ما كان قوتاً من حب وثمر ولحم ونحوها فهو مجزئ "انتهى. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 124965 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2612 الولد مقتدر والأب يريد إخراج زكاة الفطر عنه [السُّؤَالُ] ـ[بعض الآباء يريد أن يخرج زكاة الفطر عن ولده والولد مقتدر فماذا يفعل الولد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما دام الولد مقتدرا فإنه يخرج الزكاة عن نفسه، ولو زكى عنه أبوه أيضا فلا بأس ولا يضر، وخصوصاً إذا كان الأب معتادا أن يزكي عن أولاده كل سنة ولو كبروا وتوظفوا فإنه يحب الاستمرار في عادته، وقد يحصل في نفس الأب شيء من الضيق والحرج إذا قال له ولده لا تزكّ عني فليترك أباه يزكي عنه ويزكي هو عن نفسه. والاستمرار في إخراج الأب زكاة الفطر عن الأولاد يُعتبر عند بعضهم استمرارا لارتباط الولد بأبيه ورمزا لبقائه في طوعه ورعايته فليترك الابن للأب الفرصة لعمل ما يسرّه والله المسؤول أن يصلح أحوال الجميع. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 3462 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2613 أسلم في آخر يوم من رمضان فهل عليه زكاة الفطر؟ [السُّؤَالُ] ـ[لو أسلم آخر يوم من رمضان هل عليه صدقة الفطر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "نعم، يلزمه أن يقوم بصدقة الفطر، لأنه من المسلمين، وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم (فرض زكاة الفطر صاعاً من تمر أو شعير على الذكر والأنثى والحر والعبد والصغير والكبير من المسلمين) " انتهى. فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. "الإجابات على أسئلة الجاليات" (1/8، 9) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112057 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2614 إخراج زكاة الفطر أكثر من الصاع تطوعاً [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن أخرج في زكاة الفطر أكثر من الصاع، ويكون الزيادة صدقة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، لا حرج في ذلك، ويكون الصاع هو الزكاة الواجبة، وما زاد عليه فهو تطوع، يثاب المتصدق عليه. وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عمن عليه زكاة الفطر ويعلم أنها صاع ويزيد عليه، ويقول هو نافلة، هل يكره؟ فأجاب: "الحمد لله. نعم، يجوز بلا كراهية عند أكثر العلماء؛ كالشافعي، وأحمد، وغيرهما، وإنما تنقل كراهيته عن مالك. وأما النقص عن الواجب فلا يجوز باتفاق العلماء" انتهى. "مجموع فتاوى ابن تيمية" (25/70) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112101 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2615 لم يخرج زكاة الفطر فهل يخرجها الآن؟ [السُّؤَالُ] ـ[لم أتمكن من إخراج زكاة الفطر، لأنني كنت مشغولاً، فهل أخرجها الآن؟ أم ماذا أفعل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب إخراج زكاة الفطر قبل صلاة العيد، لما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة. فإذا لم يخرجها المسلم قبل الصلاة ـ كما هو الواجب عليه ـ فإنها لا تسقط عنه، بل عليه أن يخرجها ولو بعد الصلاة. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: لم أؤد زكاة الفطر لأن العيد جاء فجأة، وبعد عيد الفطر المبارك لم أفرغ لأسأل عن العمل الواجب علي من هذه الناحية، فهل تسقط عني أم لابد من إخراجها؟ فأجاب: "زكاة الفطر مفروضة، قال ابن عمر رضي الله عنهما: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر) ، فهي مفروضة على كل واحد من المسلمين، على الذكر والأنثى، والصغير، والكبير، والحر والعبد، وإذا قدر أنه جاء العيد فجأة قبل أن تخرجها فإنك تخرجها يوم العيد ولو بعد الصلاة، لأن العبادة المفروضة إذا فات وقتها لعذر فإنها تقضى متى زال ذلك العذر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَهَا لَا كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ) رواه البخاري (597) ومسلم (683) . وتلا قوله تعالى: (وَأَقِمْ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) طه/14. وعلى هذا يا أخي السائل فإن عليك إخراجها الآن" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (20/271) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112108 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2616 لمن تعطى زكاة الفطر [السُّؤَالُ] ـ[لمن تعطى زكاة الفطر؟ وهل يجوز إرسالها للمجاهدين في أفغانستان مثلاً؟ أو إدخالها في صندوق للأعمال الخيرية كبناء مسجد مثلا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تعطى زكاة الفطر لفقراء المسلمين في بلد مخرجها، لما رواه أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان طعمة للمساكين. . . الحديث) ، ويجوز نقلها إلى فقراء بلد أخرى أهلها أشد حاجة، ولا يجوز وضعها في بناء مسجد أو مشاريع خيرية. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الحديث: 12938 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2617 هل يعطي زكاة الفطر لشخص واحد أم يوزعها [السُّؤَالُ] ـ[هل زكاة الفطر للشخص الواحد لا يجوز توزيعها بل تعطى لشخص واحد؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز دفع زكاة الفطر عن النفر الواحد لشخص واحد، كما يجوز توزيعها على عدة أشخاص. وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الفتوى رقم (1204) الحديث: 27021 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2618 هل تجزؤه زكاة الفطر التي يخرجها عنه والده نقدا؟ [السُّؤَالُ] ـ[أبي يخرج زكاة الفطر عني وعن إخوتي كل عام مالاً، استنادًا إلى فتوى بعض العلماء، وحاولت مرارًا وتكرارًا أن أقنعه أن هذا القول مرجوح بقول جمهور العلماء بأن زكاة الفطر لا بد أن تخرج من الأعيان المنصوصة في الأحاديث النبوية الشريفة , ولكنه لا يقتنع ... فهل أخرج زكاة الفطر عن نفسي كما نص الحديث؟ علمًا بأني ما زلت طالبًا في الجامعة , ومالي هو ما أدخره من المال الذي يعطيني إياه والدي لأسد احتياجاتي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إخراج زكاة الفطر نقدا غير مجزئ عند جمهور العلماء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإخراجها من طعام أهل البلد، ولم يعرف أنه أخرجها نقدا ولا عن أحد من أصحابه. قال النووي في "المجموع" (6/113) : " لا تجزئ القيمة في الفطرة عندنا، وبه قال مالك وأحمد وابن المنذر. وقال أبو حنيفة: يجوز , حكاه ابن المنذر عن الحسن البصري وعمر بن عبد العزيز والثوري. قال: وقال إسحاق وأبو ثور: لا تجزئ إلا عند الضرورة " انتهى. وانظر: "الموسوعة الفقهية" (23/343-344) . وانظر جواب السؤال رقم: (22888) . ومن أخذ بقول الحنفية وعمر بن عبد العزيز والحسن البصري في جواز إخراج القيمة بناء على الدليل الذي ترجح لديه، أو تقليدا لمن قال ذلك أجزأه إن شاء الله. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: لو أن شخصاً كان يخرج زكاة الفطر نقداً، آخذاً بقول علماء بلده، ثم تبين له القول الراجح، فما يلزمه من صدقته؟ فأجاب: "لا يلزمه، كل من فعل شيئاً بفتوى عالم أو باتباع علماء بلده فلا شيء عليه، مثال ذلك: لو أن امرأة لا تؤدي زكاة الحلي فبقيت سنوات لا تدري أن الحلي يجب فيه الزكاة، أو بناءً على أن علماءها يفتونها بأنه لا زكاة فيه، ثم تبين لها، فإنها تؤدي الزكاة بعد أن تبين لها، وقبل ذلك لا يلزمها " انتهى. "لقاءات الباب المفتوح" (لقاء رقم 191، سؤال رقم/19) . وبهذا يتبين أن إخراج والدك زكاة الفطر عنك نقدا – بناء على تقليده من قال ذلك من العلماء – يقع مجزئا صحيحا، ولا تكلف بإعادة إخراجها طعاما ما دامت نفقتك على والدك، ولم تستقل بالنفقة على نفسك بعد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109734 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2619 إخراج الصاع الواحد في زكاة الفطر من جنسين مختلفين [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز إخراج صاع الطعام في زكاة الفطر من أكثر من نوع، أي بدل (3) (كيلو) من نوع واحد، يكون (كيلو) من كل نوع؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف الفقهاء في حكم إخراج زكاة الفطر صاعا مختلطا من جنسين فأكثر، على قولين: القول الأول: لا يصح ولا يجزئ، وهو قول الشافعية، وابن حزم الظاهري، حيث وقفوا مع ظاهر النصوص التي بينت أن زكاة الفطر صاع من أنواع معينة من الطعام، فإذا أخرج نصف صاع من نوع، ونصفا من آخر، لم يمتثل ما ورد في النص. قال النووي في "المجموع" (6/98-99) : " قال الشافعي والمصنِّف – يعني الشيرازي - وسائر الأصحاب: لا يجزئ في الفطرة الواحدة صاع من جنسين ... كما لا يجزئ في كفارة اليمين أن يكسوَ خمسةً ويطعم خمسة ; لأنه مأمور بصاع من بر أو شعير وغيرهما , ولم يخرج صاعا من واحد منهما , كما أنه مأمور بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم , ولم يكسُ في الصورة المذكورة عشرة , ولم يطعمهم. هذا هو المذهب" انتهى. وانظر: "مغني المحتاج" (2/118) ، "تحفة المحتاج" (3/323) . وقال ابن حزم في "المحلى" (4/259) : " ولا يجزئ إخراج بعض الصاع شعيرا وبعضه تمرا , ولا تجزئ قيمة أصلا ; لأن كل ذلك غير ما فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى باختصار. القول الثاني: يصح ويجزئ، وهو قول الحنفية والحنابلة، فقد التفتوا إلى المعنى، فقالوا إن صاعا مختلطا من الطعام يحقق المقصود من كفاية الفقير، وتطهير النفس، وإخراج الصدقة. قال ابن رجب الحنبلي في "القواعد الفقهية" (القاعدة رقم/101، ص/229) : " مَن خُيِّرَ بين شيئين وأمكنه الإتيان بنصفيهما معا فهل يجزئه أم لا؟ فيه خلاف يتنزل عليه مسائل: منها: لو كفر يمينه بإطعام خمسة مساكين، وكسوة خمسة، فإنه يجزئ على المشهور. ومنها: لو أخرج في الفطرة صاعا من جنسين: والمذهب الإجزاء، ويتخرج فيه وجه (يعني: بعدم الإجزاء) " انتهى. وانظر: "الإنصاف" (3/183) ، و "حاشية ابن عابدين" (2/365) . والذي نختاره هو مذهب الإمام الشافعي رحمه الله، اتباعاً لظاهر السنة النبوية، فإن النبي صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر صاعاً من شعير أو صاعاً من تمر .... إلخ. وهكذا كان الصحابة يخرجونها، فمن أخرج صاعاً من جنسين لم يفعل ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109779 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2620 يجوز زكاة الفطر من الدقيق [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن يُخرج الإنسان زكاة الفطر من الدقيق؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب في زكاة الفطر أن تخرج مما يقتاته الناس، وعلى هذا فلا حرج من إخراجها دقيقاً. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/357) : " وَيَجُوزُ إخْرَاجُ الدَّقِيقِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ " انتهى. وقد روى أبو داود (618) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنهم كانوا يخرجون في زكاة الفطر صاعاً من دقيق. غير أنه حديث ضعيف، ضعفه أبو داود وغيره. وانظر: "إرواء الغليل" (848) ولا يعني تضعيف الحديث عدم جواز إخراج الدقيق، لأن الواجب كما سبق أن تخرج مما يقتاته الناس، ولذلك قال ابن القيم رحمه الله في "إعلام الموقعين" (3/12) بعد أن قرّر أن زكاة الفطر تخرج من قوت الناس كائناً ما كان، قال: " وعلى هذا، فيجزئ إخراج الدقيق وإن لم يصح في الحديث " انتهى. والقول بجواز إخراج الدقيق في زكاة الفطر هو مذهب أبي حنيفة، وأحمد رحمهما الله واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ورجحه من المعاصرين الشيخ ابن عثيمين. وقد نبّه العلماء – كشيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (25/69) والمرداوي في "الإنصاف" (3/180) أن إخراج الدقيق يجب أن يكون بالوزن، أي بوزن الصاع من الحب، وذلك لأن صاع الدقيق يكون أقل من صاع الحب، فإذا أخرج صاعاً من الدقيق، فيكون قد أخرج أقل من صاع الحب. وهذا غير جائز. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (6/179) : " فلو أنه دفع صاعاً من دقيق البر أو الشعير، فإنه يجزئ، ولكن على أن يكون المعتبر في الدقيق الوزن؛ لأن الحب إذا طحن انتشرت أجزاؤه، فالصاع من الدقيق يكون صاعاً إلا سدساً تقريباً من الحب " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 99743 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2621 زكاة الفطر عن الزوجة المطلقة طلاقاً رجعياً [السُّؤَالُ] ـ[امرأة طلقها زوجها طلقة واحدة، فهل يجب عليه أن يُخرج زكاة الفطر عنها؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: زكاة الفطر تجب على الإنسان، وعلى من تلزمه نفقته، كالزوجة، والابن، وغيرهما؛ لما روى الدارقطني والبيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أدوا صدقة الفطر عمن تمونون) ، ولكنه حديث ضعيف، ضعفه الدارقطني والبيهقي والنووي وابن حجر وغيرهم. انظر: "المجموع" (6 / 113) ، و "تلخيص الحبير" (2 / 771) . قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: " زكاة الفطر تلزم الإنسان عن نفسه وعن كل من تجب عليه نفقته ومنهم الزوجة، لوجوب نفقتها عليه " انتهى. " فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء " (9 / 367) . ثانياً: المرأة إذا طُلقت طلاقاً رجعياً، فهي في حكم الزوجات لها ما لهن من النفقة والسكنى، ما دامت في العدة، والفطرة تتبع النفقة، فما دام أن نفقة الرجعية على الزوج، فكذلك الفطرة عليه. قال النووي في " المجموع " (6 / 74) : " قَالَ أَصْحَابُنَا: تَجِبُ عَلَيْهِ فِطْرَةُ زَوْجَتِهِ الرَّجْعِيَّةِ كَنَفَقَتِهَا " انتهى. وقال ابن يوسف المواق من المالكية في " التاج والإكليل " (3 / 265) : " لَوْ طَلَّقَ الْمَدْخُولَ بِهَا طَلْقَةً رَجْعِيَّةً لَزِمَهُ النَّفَقَةُ عَلَيْهَا وَأَدَاءُ الْفِطْرِ عَنْهَا " انتهى بتصرف. وذهب بعض العلماء إلى أن الزوج لا يلزمه إخراج زكاة الفطر عن زوجته، بل ذلك واجب عليها هي، وهو مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله، واختاره الشيخ ابن عثيمين، وانظر جواب السؤال (99353) . وينبغي للزوج أن يأخذ بالأحوط والأبرأ لذمته، فيخرج زكاة الفطر عن مطلقته الرجعية، ولا سيما وزكاة الفطر شيء يسير، لا يشق على الزوج إخراجه في الغالب. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 99585 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2622 أعطوه زكاة الفطر فأخرها عن يوم العيد لعدم وجود فقراء [السُّؤَالُ] ـ[رجل يقيم في إيطاليا وهو القائم على شؤون المسجد الذي يوجد ببلدته، كجمع النفقات وقد قام بجمع زكاة الفطر في رمضان الأخير من المصلين بقصد إعطائها إلى من يستحقها لكنه لم يجد من يعطيها إياه لعدم توفر الشروط فبقيت حتى يومنا هذا، فهل يضيفها إلى نفقات المسجد القيم عليه؟ علما بأن هذا المسجد نفقاته كافية. أم يعطها إلى مدرسة تدرس العلوم الشرعية في بلده علما بأن هذه المدرسة تأخذ نفقاتها من المحسنين، وهل في ذلك شيء لأن ابنه يدرس فيها، وهل نقص من أجر مخرجي الزكاة شيء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: زكاة الفطر يجب إخراجها قبل صلاة العيد؛ لما روى أبو داود (1609) وابن ماجه (1827) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: (فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ) . وحسنه الألباني في صحيح أبي داود. قال في "عون المعبود شرح أبي داود": " وَالظَّاهِر أَنَّ مَنْ أَخْرَجَ الْفِطْرَة بَعْد صَلَاة العيد كَانَ كَمَنْ لَمْ يُخْرِجْهَا بِاعْتِبَارِ اِشْتِرَاكهمَا فِي تَرْكِ هَذِهِ الصَّدَقَة الْوَاجِبَة. وَقَدْ ذَهَبَ أَكْثَر الْعُلَمَاء إِلَى أَنَّ إِخْرَاجَهَا قَبْل صَلَاة الْعِيد إِنَّمَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ فَقَطْ , وَجَزَمُوا بِأَنَّهَا تُجْزِئُ إِلَى آخِر يَوْم الْفِطْر , وَالْحَدِيث يَرُدُّ عَلَيْهِمْ. وَأَمّا تَأْخِيرُهَا عَنْ يَوْم الْعِيد. فَقَالَ اِبْن رَسْلَان: إِنَّهُ حَرَام بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهَا زَكَاة , فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي تَأْخِيرهَا إِثْم كَمَا فِي إِخْرَاج الصَّلَاة عَنْ وَقْتِهَا " انتهى. وعليه فهذا الإمام قد أخطأ بتأخير الزكاة، وكان عليه أن يبحث عن المستحقين، أو ينقل الزكاة إلى بلد فيه مستحقون. ثانيا: من أخر زكاة الفطر عن يوم العيد، لغير عذر، أثم، ولزمه قضاؤها، وأهل المسجد لا يلحقهم شيء لأنهم وكلوا من يخرجها عنهم، ويلزم الإمام الآن أن يخرجها إلى المستحقين، ولا يجوز أن يضعها في نفقات المسجد. وأما المدرسة الشرعية، فإن كان فيها فقراء يستحقون الزكاة جاز دفعها لهم وإلا فلا. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/458) : " فإن أخرها (يعني زكاة الفطر) عن يوم العيد أثم ولزمه القضاء " انتهى. وفي "الموسوعة الفقهية" (43/41) : " يرى المالكية والشافعية والحنابلة أن من أخر زكاة الفطر عن يوم العيد مع القدرة على إخراجها أثم , ولزمه القضاء " انتهى. وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء (9/373) : هل وقت إخراج زكاة الفطر من بعد صلاة العيد إلى آخر ذلك اليوم؟ فأجابت: " لا يبدأ وقت زكاة الفطر من بعد صلاة العيد، وإنما يبدأ من غروب شمس آخر يوم من رمضان، وهو أول ليلة من شهر شوال، وينتهي بصلاة العيد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإخراجها قبل الصلاة، ولما رواه ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات) ويجوز إخراجها قبل ذلك بيوم أو يومين لما رواه ابن عمر رضي الله عنهما قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر من رمضان ... ، وقال في آخره: (وكانوا يعطون قبل ذلك بيوم أو يومين) . فمن أخرها عن وقتها فقد أثم، وعليه أن يتوب من تأخيره وأن يخرجها للفقراء " انتهى. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: لم أؤد زكاة الفطر لأن العيد جاء فجأة، وبعد عيد الفطر المبارك لم أفرغ لأسأل عن العمل الواجب علي من هذه الناحية، فهل تسقط عني أم لابد من إخراجها؟ وما الحكمة منها؟ فأجاب: " زكاة الفطر مفروضة، قال ابن عمر رضي الله عنهما: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر) ، فهي مفروضة على كل واحد من المسلمين، على الذكر والأنثى، والصغير، والكبير، والحر والعبد، وإذا قدر أنه جاء العيد فجأة قبل أن تخرجها فإنك تخرجها يوم العيد ولو بعد الصلاة، لأن العبادة المفروضة إذا فات وقتها لعذر فإنها تقضى متى زال ذلك العذر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة: (من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها متى ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك) ، وتلا قوله تعالى: (وَأَقِمِ الصلاةَ لِذِكْرِى?) . وعلى هذا يا أخي السائل فإن عليك إخراجها الآن " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (18/271) وقال أيضا: " أما إذا أخرها لعذر كنسيان، أو لعدم وجود فقراء في ليلة العيد فإنها تقبل منه، سواء أعادها إلى ماله، أو أبقاها حتى يأتي الفقير ". فعلى إمام المسجد دفع هذه الزكاة للفقراء والمساكين، فإن لم يوجد أحد من هؤلاء في بلده نقلها إلى بلد آخر. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن نقل زكاة الفطر فأجاب: " نقل صدقة الفطر إلى بلاد غير بلاد الرجل الذي أخرجها إن كان لحاجة بأن لم يكن عنده أحد من الفقراء فلا بأس به، وإن كان لغير حاجة بأن وجد في البلد من يتقبلها فإنه لا يجوز على ما قاله بعض أهل العلم " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (18/318) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 99499 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2623 لا يلزم الزوج فطرة من لم يدخل بها [السُّؤَالُ] ـ[رجل عقد على امرأة، ولكنه لم يدخل بها، فهل تلزمه زكاة الفطر لها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: اختلف العلماء رحمهم الله هل يلزم الإنسان أن يخرج زكاة الفطرة عمن ينفق عليهم على قولين: القول الأول: أن الإنسان يلزمه أن يخرج زكاة الفطر عن نفسه وعمن ينفق عليهم، كالزوجة، والابن. وهو مذهب الحنابلة. واستدلوا: بما رواه الدارقطني والبيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أدوا صدقة الفطر عمن تمونون) ، ولكنه حديث ضعيف، ضعفه الدارقطني والبيهقي وابن العربي والذهبي والنووي وابن حجر وغيرهم. انظر: "المجموع" (6 / 113) ، و "تلخيص الحبير" (2 / 771) . وقد اختار هذا القول علماء اللجنة الدائمة للإفتاء، فقد سئلوا: هل يلزم الزوج فطرة الزوجة التي بينه وبينها نزاع شديد أم لا؟ فأجابوا: " زكاة الفطر تلزم الإنسان عن نفسه وعن كل من تجب عليه نفقته ومنهم الزوجة، لوجوب نفقتها عليه " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (9 / 367) . واختاره أيضاً الشيخ ابن باز رحمه الله، كما في "مجموع الفتاوى" (14/197) . القول الثاني: أنه لا يلزمه أن يخرج زكاة الفطر عن غيره، وهو مذهب الحنفية. واستدلوا: بحديث ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: (فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ) رواه البخاري (1503) ، ومسلم (984) . ففي الحديث: أنها واجبة على كل واحد من المسلمين، والأصل: أن الذي يخاطب بالواجب هو الشخص نفسه. وقد اختار هذا القول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في " الشرح الممتع " (6 / 154) : " فالصحيح أن زكاة الفطر واجبة على الإنسان بنفسه، فتجب على الزوجة بنفسها، وعلى الأب بنفسه، وعلى الابنة بنفسها، ولا تجب على الشخص عمن ينفق عليه من زوجة وأقارب، ولأن الأصل في الفرض أنه يجب على كل واحد بعينه دون غيره " انتهى بتصرف. ثانياً: الزوج إنما تلزمه زكاة فطرة زوجته إذا كان ينفق عليها، ومعلوم أن النفقة على الزوجة لا يكون إلا إذا تسلم الزوج زوجته، ومكنته من نفسها، أما إذا كانت الزوجة لا تزال في بيت أبيها، فإن النفقة لا تلزم الزوج، وكذلك زكاة الفطر لا تلزمه. وقال ابن قدامة في " المغني " (2 / 361) : " كُلُّ امْرَأَةٍ لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا , كَغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا إذَا لَمْ تُسَلَّمْ إلَيْهِ , وَالصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا يُمْكِنْ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا , فَإِنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا وَلَا فِطْرَتُهَا ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِمَّنْ يُمُوَنُ " انتهى. وقال البهوتي رحمه الله في " كشاف القناع " (2 / 252) : " ولا يلزم الزوج فطرة من لا تلزمه نفقتها , كغير المدخول بها إذا لم تسلم إليه " انتهى بتصرف. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 99353 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2624 إخراج اللحم في زكاة الفطر [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز إخراج اللحم في زكاة الفطر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله زكاة الفطر يجب أن تخرج مما يقتاته الناس من الطعام؛ لما روى البخاري (1510) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (كُنَّا نُخْرِجُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَكَانَ طَعَامَنَا الشَّعِيرُ وَالزَّبِيبُ وَالْأَقِطُ وَالتَّمْرُ) . فإذا كان الناس في بلد يقتاتون فيه اللحم، جاز إخراجه في زكاة الفطر. قال شيخ الإسلام رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (25/ 68) : " أَمَّا إذَا كَانَ أَهْلُ الْبَلَدِ يَقْتَاتُونَ أَحَدَ هَذِهِ الْأَصْنَافِ جَازَ الْإِخْرَاجُ مِنْ قُوتِهِمْ بِلَا رَيْبٍ. وَهَلْ لَهُمْ أَنْ يُخْرِجُوا مَا يَقْتَاتُونَ مِنْ غَيْرِهَا؟ مِثْلُ أَنْ يَكُونُوا يَقْتَاتُونَ الْأُرْزَ وَالذرة فَهَلْ عَلَيْهِمْ أَنْ يُخْرِجُوا حِنْطَةً أَوْ شَعِيرًا أَوْ يُجْزِئُهُمْ الْأُرْزُ وَالذُّرَةُ؟ فِيهِ نِزَاعٌ مَشْهُورٌ، وأصح الأقوال: أنه يُخْرِجُ مَا يَقْتَاتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ: كَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ؛ فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الصَّدَقَاتِ أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى وَجْهِ الْمُواساة لِلْفُقَرَاءِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ) ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ؛ لِأَنَّ هَذَا كَانَ قُوتَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَلَوْ كَانَ هَذَا لَيْسَ قُوتَهُمْ بَلْ يَقْتَاتُونَ غَيْرَهُ لَمْ يُكَلِّفْهُمْ أَنْ يُخْرِجُوا مِمَّا لَا يَقْتَاتُونَهُ، كَمَا لَمْ يَأْمُرِ اللَّهُ بِذَلِكَ فِي الْكَفَّارَاتِ " انتهى بتصرف. وقال ابن القيم رحمه الله في "إعلام الموقعين" (3/12) : " وهذه كانت غالب أقواتهم بالمدينة فأما أهل بلد أو محلة قوتهم غير ذلك فإنما عليهم صاع من قوتهم كمن قوتهم الذرة أو الأرز أو التين أو غير ذلك من الحبوب، فإن كان قوتهم من غير الحبوب، كاللبن واللحم والسمك أخرجوا فطرتهم من قوتهم كائنا ما كان، هذا قول جمهور العلماء، وهو الصواب الذي لا يقال بغيره، إذ المقصود سد حاجة المساكين يوم العيد ومواساتهم من جنس ما يقتاته أهل بلدهم، وعلى هذا فيجزئ إخراج الدقيق وإن لم يصح فيه الحديث " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (6/182) : " ولكن إذا كان قوت الناس ليس حباً ولا ثمراً، بل لحماً مثلاً، مثل أولئك الذين يقطنون القطب الشمالي، فإن قوتهم وطعامهم في الغالب هو اللحم، فالصحيح أنه يجزئ إخراجه " انتهى بتصرف. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 99327 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2625 هل يدفع زكاة الفطر لخالته؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز دفع زكاة الفطر لخالتي المطلقة، وليس لها أولاد، ولكن لها بنات متزوجات، وتمتلك نصف دونم من الأرض، وليس لها مصدر رزق، فهل يجوز إعطاؤها الزكاة أم تعطى لفقير آخر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: اختلف العلماء في مصرف زكاة الفطر، فذهب جمهورهم إلى أنها تصرف إلى أي واحد من مصارف زكاة المال الثمانية، وذهب بعضهم إلى وجوب استيعاب تلك الأصناف الثمانية بالزكاة، وذهب آخرون إلى اختصاصها بالفقراء والمساكين. جاء في " الموسوعة الفقهية " (23 / 344) : "اختلف الفقهاء فيمن تصرف إليه زكاة الفطر على ثلاثة آراءٍ: ذهب الجمهور إلى جواز قسمتها على الأصناف الثّمانية الّتي تصرف فيها زكاة المال، وذهب المالكيّة - وهي رواية عن أحمد واختارها ابن تيميّة - إلى تخصيص صرفها بالفقراء والمساكين، وذهب الشّافعيّة إلى وجوب قسمتها على الأصناف الثّمانية، أو من وُجد منهم" انتهى. وقد ردَّ شيخ الإسلام ابن تيمية القول الأول والثالث في " مجموع الفتاوى " (25/73 – 78) ، وبيَّن – رحمه الله – أن تعلق زكاة الفطر بالأبدان لا بالأموال، ومما قال هناك: "ولهذا أوجبها الله تعالى طعاماً، كما أوجب الكفارة طعاماً، وعلى هذا القول: فلا يجزئ إطعامها إلا لمن يستحق الكفارة، وهم الآخذون لحاجة أنفسهم، فلا يعطى منها في المؤلفة، ولا الرقاب، ولا غير ذلك، وهذا القول أقوى في الدليل. وأضعف الأقوال: قول من يقول: إنه يجب على كل مسلم أن يدفع صدقة فطره الى اثني عشر، أو ثمانية عشر، أو إلى أربعة وعشرين، أو اثنين وثلاثين، أو ثمانية وعشرين، ونحو ذلك؛ فإن هذا خلاف ما كان عليه المسلمون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلفائه الراشدين، وصحابته أجمعين، لم يعمل بهذا مسلم على عهدهم، بل كان المسلم يدفع صدقة فطره وصدقة فطر عياله إلى المسلم الواحد، ولو رأوا مَن يقسم الصاع على بضعة عشر نفساً يُعطي كل واحد حفنة: لأنكروا ذلك غاية الإنكار وعدُّوه من البدع المستنكرة، والأفعال المستقبحة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قدَّر المأمور به صاعاً من تمرٍ، أو صاعاً من شعير، ومن البر إما نصف صاع وإما صاع، على قدر الكفاية التامة للواحد من المساكين، وجعلها طعمة لهم يوم العيد يستغنون بها، فاذا أخذ المسكين حفنة لم ينتفع بها، ولم تقع موقعاً، وكذلك مَن عليه دَين وهو ابن سبيل إذا أخذ حفنة من حنطة لم ينتفع بها. . . والشريعة منزهة عن هذه الأفعال المنكرة التي لا يرضاها العقلاء، ولم يفعلها أحد من سلف الأمة، وأئمتها. ثم قول النبي صلى الله عليه وسلم (طُعمة للمساكين) نصٌّ في أن ذلك حق للمساكين، كقوله تعالى في آية الظهار: (فإطعام ستين مسكيناً) : فإذا لم يجز أن تصرف تلك للأصناف الثمانية: فكذلك هذه" انتهى باختصار. وعليه: فيكون الراجح من تلك الأقوال الثلاثة: القول الثاني، وهو وجوب دفع صدقة الفطر للفقراء والمساكين دون غيرهم، وهو الذي رجحه الشيخ العثيمين رحمه الله، كما في "الشرح الممتع" (6/117) . ثانياً: وزكاة المال، والفطر إذا كانت في الأقارب الذين يستحقونهما فهي أفضل من أن تكون في غيرهم من المستحقين، وتكون هنا زكاة وصلة، ولكن ذلك مشروط بكون هذا القريب ممن لا تجب نفقته على المزكِّي. سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: عن حكم دفع زكاة الفطر للأقارب الفقراء؟ فأجاب: "يجوز أن تدفع زكاة الفطر، وزكاة المال، إلى الأقارب الفقراء، بل إن دفعها إلى الأقارب أولى من دفعها إلى الأباعد؛ لأن دفعها إلى الأقارب صدقة وصلة، لكن بشرط ألا يكون في دفعها حماية ماله، وذلك فيما إذا كان هذا الفقير تجب عليه نفقته، أي: على الغني؛ فإنه في هذه الحال لا يجوز له أن يدفع حاجته بشيء من زكاته؛ لأنه إذا فعل ذلك: فقد وفَّر ماله بما دفعه من الزكاة، وهذا لا يجوز، ولا يحل، أما إذا كان لا تجب عليه نفقته: فإن له أن يدفع إليه زكاته، بل إن دفع الزكاة إليه أفضل من دفعها للبعيد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صدقتك على القريب صدقة وصلة) " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (18 / السؤال رقم 301) . والخلاصة: إذا كانت خالتك فقيرة: فهي تستحق الزكاة، ولو كانت تملك نصف دونم، وإن كان الأفضل لها بيعه والاستغناء بثمنه عن منَّة الناس. ولا ينبغي للمسلمين ترك أقاربهم حتى يقارب شهر رمضان على الانتهاء فيتفقد أحدهم قريبه بصاعٍ من طعام يدفعه له، بل الواجب على المسلمين عموماً تفقد أحوال المحتاجين والفقراء، والمسارعة لبذل ما يحتاجونه من طعام ومال وكساء، ويتحتم هذا على الأغنياء في تفقد أقاربهم الفقراء. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93845 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2626 مكان إخراج زكاة الفطر [السُّؤَالُ] ـ[أنا شاب أعيش في الكويت ولكني أعالج ابنتي في أمريكا وصمت رمضان في أمريكا هل يلزمني إخراج زكاة الفطر في أمريكا أو أوكل أهلي في الكويت يؤدونها عني؟ وما حكم إخراج زكاة الفطر نقودا.علما أنهم في أمريكا يزكون نقودا لا قوتا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذكر العلماء رحمهم الله أن زكاة الفطر متعلقة بالبدن لا بالمال، فتخرج في المكان الموجود فيه الشخص ليلة العيد. قال ابن قدامة في "المغني" (4/134) : "فأما زكاة الفطر فإنه يخرجها في البلد الذي وجبت عليه فيه، سواء كان ماله فيه أو لم يكن " انتهى. وأما إخراج زكاة الفطر نقودا فقد سبق في جواب السؤال رقم (22888) أن الواجب أن تخرج طعاما، وأن إخراجها نقودا لا يجزئ. فعليك أن تسعى في إخراجها طعاما، فإن أبى الفقير أخذ الطعام وطلب النقود، فلا حرج عليك من إخراجها نقودا في هذه الحالة للحاجة أو الضرورة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93755 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2627 هل تجب زكاة الفطر على من أفطر رمضان بعذر؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل تجب زكاة الفطر على من أفطر كل شهر رمضان لسفر أو مرض؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذهب جماهير أهل العلم من الأئمة الأربعة وغيرهم إلى أن زكاة الفطر تجب على المسلم ولو لم يصم رمضان، ولم يخالف في ذلك غير سعيد بن المسيب والحسن البصري: فقد قالا: إن زكاة الفطر لا تجب إلا على من صام، والصحيح هو قول الجمهور، وذلك للأدلة الآتية: 1- عموم الحديث الذي هو أصلٌ في فرض زكاة الفطر. فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: (فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ، صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاةِ) رواه البخاري (1503) ومسلم (984) . فقوله: "والصغير " يشمل الصغير الذي لا يستطيع الصيام. 2- الغالب في تشريع الصدقات والزكوات هو النظر إلى مصلحة المسكين والفقير، وتحقيق التكافل الاجتماعي العام، وأظهر ما يكون ذلك في زكاة الفطر، حيث وجبت على الصغير والكبير والحر والعبد والذكر والأنثى، ولم يشترط الشارع في وجوبها نصابا ولا حولا، ولذلك فإن وجوبها على من أفطر في رمضان لعذر أو لغير عذر يأتي ضمن السياق المقصود من تشريع هذه الزكاة. 3- أما استدلال من استدل بقول ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: (فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ، طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ) رواه أبو داود (1609) . فقالوا: (طهرة للصائم) يدل على عدم وجوب زكاة الفطر إلا على من صام، فقد أجاب عنه الحافظ ابن حجر في "الفتح" (3/369) فقال: "وأجيب: بأن ذكر التطهير خرج على الغالب، كما أنها تجب على من لم يذنب: كمتحقق الصلاح، أو من أسلم قبل غروب الشمس بلحظة " انتهى. ومعنى كلامه: أن الغالب أن زكاة الفطر شرعت لأنها تطهر الصائم، ولكن حصول هذا التطهير ليس شرطاً في وجوبها، ونظير ذلك: زكاة المال، فإنها قد شرعت لتطهير النفس أيضاً، (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) التوبة/103. ومع ذلك فإنها تجبب في مال الصبي الصغير، وهو لا يحتاج إلى تطهير، لأنه لا يكتب عليه سيئة. وأجاب الشيخ ابن جبرين بجواب آخر، فقال: " إخراجها عن الأطفال وغير المكلفين والذين لم يصوموا لعذر من مرض أو سفر داخل في الحديث، وتكون طهرةً لأولياء غير المكلفين، وطهرةً لمن أفطر لعذر، على أنه سوف يصوم إذا زال عذره، فتكون طهرةً مقدَّمةً قبل حصول الصوم أو قبل إتمامه " انتهى. "فتاوى الزكاة" (زكاة الفطر/2) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 81132 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2628 أخرج زكاة الفطر قبل العيد بأسبوع [السُّؤَالُ] ـ[أخرجت زكاة الفطر قبل العيد بأكثر من أسبوع، فهل تجزئ؟ فإذا كانت لا تجزئ فماذا أفعل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: اختلف أهل العلم في أول وقت إخراج زكاة الفطر على أقوال: القول الأول: أنه قبل العيد بيومين، وهو مذهب المالكية والحنابلة، واستدلوا بحديث ابن عمر رضي الله عنهما وفيه: (وَكَانُوا يُعطُونَ قَبلَ الفِطرِ بِيَومٍ أَو يَومَينِ) رواه البخاري (1511) . وقال بعضهم قبل العيد بثلاثة أيام، لما في "المدونة" (1/385) قال مالك: أخبرني نافع أن ابن عمر كان يبعث بزكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده قبل الفطر بيومين أو ثلاثة. وهو اختيار الشيخ ابن باز رحمه الله كما في "مجموع الفتاوى" (14/216) . القول الثاني: يجوز من أول شهر رمضان، وهو المفتى به عند الحنفية والصحيح عند الشافعية. انظر "الأم" (2/75) ، "المجموع" (6/87) ، "بدائع الصنائع" (2/74) قالوا: لأن سبب الصدقة الصوم والفطر عنه، فإذا وجد أحد السببين جاز تعجيلها، كما يجوز تعجيل زكاة المال بعد ملك النصاب قبل تمام الحول. القول الثالث: يجوز من بداية الحول، وهو قول بعض الأحناف وبعض الشافعية، قالوا: لأنها زكاة، فأشبهت زكاة المال في جواز تقديمها مطلقا. والراجح هو القول الأول. قال ابن قدامة في "المغني" (2/676) : " سبب وجوبها الفطر، بدليل إضافتها إليه، والمقصود منها الإغناء في وقت مخصوص، فلم يجز تقديمها قبل الوقت " انتهى. وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله كما في "مجموع الفتاوى" (18/زكاة الفطر/السؤال رقم 180) : أديت زكاة الفطر في أول رمضان في مصر قبل قدومي إلى مكة، وأنا الآن مقيم في مكة المكرمة، فهل علي زكاة فطر؟ فأجاب: " نعم، عليك زكاة الفطر؛ لأنك أديتها قبل وقتها، فزكاة الفطر من باب إضافة الشيء إلى سببه، وإن شئت فقل: من باب إضافة الشيء إلى وقته، وكلاهما له وجه في اللغة العربية، قال الله تعالى: (بَلْ مَكْرُ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ) هنا من باب إضافة الشيء إلى وقته، وقال أهل العلم: باب سجود السهو، من باب إضافة الشيء إلى سببه. فهنا زكاة الفطر أضيفت إلى الفطر لأن الفطر سببها؛ ولأن الفطر وقتها، ومن المعلوم أن الفطر من رمضان لا يكون إلا في آخر يوم من رمضان، فلا يجوز دفع زكاة الفطر إلا إذا غابت الشمس من آخر يوم من رمضان، إلا أنه رُخص أن تُدفع قبل الفطر بيوم أو يومين رخصة فقط، وإلا فالوقت حقيقة إنما يكون بعد غروب الشمس من آخر يوم من رمضان؛ لأنه الوقت الذي يتحقق به الفطر من رمضان، ولهذا نقول: الأفضل أن تؤدى صباح العيد إذا أمكن " انتهى. ثانياً: يجوز دفع زكاة الفطر إلى الوكيل ومن ينوب عنك من جمعية خيرية أو أشخاص مؤتمنين ونحو ذلك من بداية الشهر، على أن تشترط على الوكيل أن يخرجها قبل العيد بيوم أو يومين، لأن أداء الزكاة الشرعي هو أداؤها إلى مستحقيها من الفقراء والمساكين، وهو الذي جاءت الشريعة بتقييده قبل العيد بيوم أو يومين، أما التوكيل في إخراجها فهو من باب التعاون على البر والتقوى، وليس لذلك وقت مقيد. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (10526) . فالحاصل أن إخراجك الزكاة قبل العيد بأسبوع غير مجزئ، فعليك إعادة إخراجها، إلا إن كنت أعطيتها لمن ينوب عنك في إخراجها من الجمعيات والمراكز التي تعتني بأدائها في وقتها قبل العيد بيوم أو يومين، فقد أديت ما عليك حينئذ، وتعتبر زكاةً صحيحةً مقبولةً إن شاء الله تعالى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 81164 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2629 يجوز دفع زكاة الفطر لأهل الزوجة المحتاجين [السُّؤَالُ] ـ[هل تجوز زكاة الفطر على أهل الزوجة فى حالة احتياجهم للمال؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله زكاة الفطر تدفع إلى الفقراء والمساكين، لقول ابن عباس رضي الله عنهما: (فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ) رواه أبو داود (1609) وحسنه النووي في "المجموع" (6/126) والألباني في صحيح أبي داود. فإذا كان أهل الزوجة من الفقراء والمساكين فلا حرج من دفع زكاةِ الفطر لهم، بل دفعها إليهم أفضل من دفعها إلى غيرهم، وذلك لأن أقارب الزوجة (الأصهار) لهم حق الرعاية والعناية إكراما للزوجة وإحسانا إليها. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "نور على الدرب" (682) : " ولا شك أن الأصهار لهم حق ليس لأحد سواهم ممن ليس بصهر " انتهى. فنرجو أن يكتب الله سبحانه وتعالى لك أجر الصدقة وأجر رعاية المصاهرة والإحسان إلى أهل الزوجة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 81178 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2630 لا يجوز دفع الزكاة لمن تجب عليه نفقته [السُّؤَالُ] ـ[أنا امرأة أسكن في بلاد المهجر، ومتزوجة ولدي 7 أولاد، وفي كل عام أرسل زكاة الفطرة لوالدتي التي تسكن في المغرب، للعلم أنا من يتكلف بمصاريفها. فهل تجوز فيها هذه الزكاة أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اتفق العلماء على أنه لا يجوز دفع الزكاة المفروضة - ومنها صدقة الفطر - إلى من تلزم نفقته، كالوالدَين والأولاد. جاء في "المدونة" (1/344) : " أرأيت زكاة مالي؟ من لا ينبغي لي أن أعطيها إياه في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا تعطيها أحدا من أقاربك ممن تلزمك نفقته " انتهى. وقال الشافعي في "الأم" (2/87) : " ولا يعطي (يعني من زكاة ماله) أبا ولا أما ولا جدا ولا جدة " انتهى. وقال ابن قدامة في "المغني" (2/509) : " ولا يعطي من الصدقة المفروضة للوالدين وإن علوا (يعني الأجداد والجدات) ، ولا للولد وإن سفل (يعني الأحفاد) . قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الزكاة لا يجوز دفعها الى الوالدين في الحال التي يجبر الدافع إليهم على النفقة عليهم؛ ولأن دفع زكاته إليهم تغنيهم عن نفقته وتسقطها عنه، ويعود نفعها إليه، فكأنه دفعها إلى نفسه فلم تجز، كما لو قضى بها دينه " انتهى. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن حكم دفع زكاة الفطر للأقارب الفقراء. فأجاب: " يجوز أن تدفع زكاة الفطر وزكاة المال إلى الأقارب الفقراء، بل إنَّ دفعَها إلى الأقارب أولى من دفعها إلى الأباعد؛ لأن دفعَها إلى الأقارب صدقةٌ وصلةٌ، لكن بشرط ألا يكون في دفعها حمايةُ ماله، وذلك فيما إذا كان هذا الفقير تجب عليه نفقته أي على الغني، فإنه في هذه الحال لا يجوز له أن يدفع حاجته بشيء من زكاته، لأنه إذا فعل ذلك فقد وفر ماله بما دفعه من الزكاة، وهذا لا يجوز ولا يحل، أما إذا كان لا تجب عليه نفقته، فإن له أن يدفع إليه زكاته، بل إنَّ دفعَ الزكاة إليه أفضل من دفعها للبعيد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صدقتك على القريب صدقة وصلة) " انتهى. وعلى هذا فلا يجوز لك ـ أيتها السائلة ـ أن تدفعي زكاة الفطر لأمك، بل عليك أن تنفقي عليها من غير الزكاة، ونسأل الله تعالى أن يوسع عليك ويرزقك رزقا حسنا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 81122 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2631 هل يعطي زكاة الفطر لإخوته غير الأشقاء؟ [السُّؤَالُ] ـ[لي إخوة غير أشقاء من أم أخرى والوالد متوفى وهم في حاجة للمال هل يجوز أن أعطيهم زكاة الفطر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله زكاة الفطر تعطى الفقراء والمساكين. لحديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: (فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ، طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ) رواه أبو داود (1609) وابن ماجه (1827) ، وحسنه الألباني في " صحيح الترغيب " (1085) . قال ابن القيم رحمه الله: "وكان من هديه صلى الله عليه وسلم تخصيص المساكين بهذه الصدقة" انتهى. " زاد المعاد " (2 / 21) . وإذا تقرر هذا: فاعلم أن القريب الفقير أولَى بالزكاة من غيره. ولكن لا يجوز لأحد أن يعطي زكاته إلى من يلزمه أن ينفق عليه. ويجب عليك أن تنفق عليهم إذا كنت ترث منهم، فإن كنت ترث منهم فلا يجوز أن تعطيهم من الزكاة، وإن كنت لا ترث منهم فلا حرج عليك من إعطائهم الزكاة. وإن كنت ترث من بعضهم ولا ترث من بعضهم الآخر، أعطيت الزكاة لمن لا ترث منه. ولا يجب عليك أن تنفق عليهم إلا إذا كان عندك من الأموال ما يزيد عن حاجتك وحاجة أهلك، فإن لم تكن أموالك كذلك فلا يجب عليك أن تنفق عليهم، لأنك غير مستطيع، ولك في هذه الحالة أن تعطيهم زكاتك، ولو كنت وارثاً لهم. وانظر جواب السؤال (106540) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 78994 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2632 وجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون [السُّؤَالُ] ـ[هل تجب الزكاة في مال الصبي الصغير، مع أنه غير مكلف؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذهب جمهور العلماء إلى وجوب الزكاة في مال الصبي الصغير والمجنون، وهو مذهب الأئمة مالك والشافعي وأحمد، واستدلوا على ذلك بعدة أدلة: 1- قوله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) . فالزكاة واجبة في المال، فهي عبادة مالية تجب متى توفرت شروطها، كملك النصاب، ومرور الحول. 2- قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل لما أرسله إلى اليمن: (أَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ، تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ) رواه البخاري (1395) . فأوجب الزكاة في المال على الغني، وهذا بعمومه يشمل الصبي الصغير والمجنون إن كان لهما مال. 3- ما رواه الترمذي (641) عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: (أَلا مَنْ وَلِيَ يَتِيمًا لَهُ مَالٌ فَلْيَتَّجِرْ فِيهِ وَلا يَتْرُكْهُ حَتَّى تَأْكُلَهُ الصَّدَقَةُ) وهو حديث ضعيف، ضعفه النووي في المجموع (5/301) والألباني في ضعيف الترمذي. وقد ثبت ذلك من قول عمر رضي الله عنه، رواه عنه البيهقي (4/178) وقال: إسناده صحيح. وأقره النووي على تصحيحه كما في "المجموع". 4- وكذلك روي هذا عن على وابن عمر وعائشة والحسن بن علي وجابر رضي الله عنهم. وذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى أن الزكاة لا تجب في ماله، كما لا تجب عليه سائر العبادات؛ كالصلاة والصيام، غير أنه أوجب عليه زكاة الزروع وزكاة الفطر. وأجاب الجمهور عن هذا بأن عدم وجوب الصلاة والصيام على الصبي فلأنهما عبادات بدنية، وبدن الصبي لا يتحملها، أما الزكاة فهي حق مالي، والحقوق المالية تجب على الصبي، كما لو أتلف مال إنسان، فإنه يجب عليه ضمانه من ماله، وكنفقة الأقارب، يجب عليه النفقة عليهم إذا توفرت شروط وجوب ذلك. وقالوا أيضا: ليس هناك فرق بين وجوب زكاة الزروع وزكاة الفطر على الصبي، وبين زكاة سائر الأموال كالذهب والفضة والنقود، فكما وجبت الزكاة عليه في الزروع تجب عليه في سائر الأموال، ولا فرق. ويتولى ولي الصغير والمجنون إخراج الزكاة عنهما من مالهما، كلما حال عليه الحول، ولا ينتظر بلوغ الصبي. قال ابن قدامة في المغني: " إذا تقرر هذا – يعني وجوب الزكاة في مال الصغير والمجنون - فإن الولي يخرجها عنهما من مالهما ; لأنها زكاة واجبة , فوجب إخراجها , كزكاة البالغ العاقل , والولي يقوم مقامه في أداء ما عليه ; ولأنها حق واجب على الصبي والمجنون , فكان على الولي أداؤه عنهما , كنفقة أقاربه " انتهى. وقال النووي في المجموع (5/302) : " الزكاة عندنا واجبة في مال الصبي والمجنون بلا خلاف، ويجب على الولي إخراجها من مالهما كما يخرج من مالهما غرامة المتلفات، ونفقة الأقارب وغير ذلك من الحقوق المتوجهة إليهما , فإن لم يخرج الولي الزكاة وجب على الصبي والمجنون بعد البلوغ والإفاقة إخراج زكاة ما مضى ; لأن الحق توجه إلى مالهما , لكن الولي عصى بالتأخير فلا يسقط ما توجه إليهما " انتهى. وقد روي عن ابن مسعود وابن عباس أن الزكاة واجبة على الصبي إلا أنه لا يخرجها حتى يبلغ، وكلاهما ضعيف لا يصح. ضعفهما النووي في المجموع (5/301) . وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: توفي رجل وخلف أموالا وأيتاما، فهل تجب في هذه الأموال زكاة؟ وإن كان كذلك فمن يخرجها؟ فأجاب: " تجب الزكاة في أموال اليتامى من النقود والعروض المعدة للتجارة وفي بهيمة الأنعام السائمة وفي الحبوب والثمار التي تجب فيها الزكاة، وعلى ولي الأيتام أن يخرجها في وقتها. . . ويعتبر الحول في أموالهم من حين توفي والدهم، لأنها بموته دخلت ملكهم، والله ولي التوفيق " انتهى. فتاوى ابن باز (14/240) . وسئل علماء اللجنة الدائمة: هل تجب الزكاة في أموال اليتامى والمجانين؟ فأجابوا: " تجب الزكاة في أموال اليتامى والمجانين، وهذا قول علي وابن عمر وجابر بن عبد الله وعائشة والحسن بن علي حكاه عنهم ابن المنذر، ويجب على الولي إخراجها، والذي يدل على وجوبها في أموالهم عموم أدلة إيجابها من الكتاب والسنة، ولمَّا بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن وبين له ما يقول لهم كان مما قال له: (أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم) رواه الجماعة، ولفظة: (الأغنياء) تشمل: الصغير والمجنون، كما شملهما لفظ الفقراء، وروى الشافعي في مسنده عن يوسف بن ماهك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ابتغوا في أموال اليتامى لا تذهبها أولا تستهلكها الصدقة) وهو مرسل. وروى مالك في الموطأ أنه بلغه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة، وقد قال ذلك عمر للناس وأمرهم، وهذا يدل على أنه كان من الحكم المعمول به والمتفق على إجازته. وروى مالك في الموطأ عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أنه قال: كانت عائشة تليني وأخا لي يتيمين في حجرها فكانت تخرج من أموالنا الزكاة " انتهى. فتاوى اللجنة الدائمة (9/410) . وقد اختار أيضاً القول بوجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، كما في الشرح الممتع (6/14) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 75307 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2633 هل صيام رمضان لا يرفع إلا بزكاة الفطر؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل صحيح أن صيام رمضان معلق بين السماء والأرض، ولا يرفع إلا بزكاة الفطر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ورد في ذلك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكن ضعيف. عزاه السيوطي في "الجامع الصغير" لابن شاهين في "ترغيبه" والضياء عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (شهر رمضان معلق بين السماء والأرض ولا يرفع إلى الله إلا بزكاة الفطر) . وضعفه السيوطي، وبين المناوي في "فيض القدير" سبب ضعفه فقال: "أورده ابن الجوزي في "الواهيات" وقال: لا يصح، فيه محمد بن عبيد البصري مجهول ". وضعفه الألباني في: سلسلة الأحاديث الضعيفة" (43) وقال: " ثم إن الحديث لو صح لكان ظاهر الدلالة على أن قبول صوم رمضان متوقف على إخراج صدقة الفطر، فمن لم يخرجها لم يقبل صومه، ولا أعلم أحدا من أهل العلم يقول به .... والحديث ليس بصحيح " انتهى باختصار. وإذا لم يصح الحديث، فلا يستطيع أحد القول بأن صوم رمضان لا يقبل إلا بزكاة الفطر، لأن هذا لا يمكن معرفته إلا من النبي صلى الله عليه وسلم. وقد ثبت في سنن أبي داود (1609) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: (فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ) وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود. فهذا الحديث يبين الحكمة من زكاة الفطر، وأنها تجبر النقص الحاصل في الصيام، ولم يذكر أن الصيام لا يقبل إلا بزكاة الفطر. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 70489 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2634 مغتربون ولا يعرفون الفقراء جيدا، فهل يخرجون زكاة الفطر في بلد آخر [السُّؤَالُ] ـ[نحن السعوديون في أوروبا لا نعرف الفقراء جيدا ووجدنا شخصاً ثقة - إن شاء الله - ولكنه يقول أعطوني المال وسوف أشتري ببعضه أرزاً وأدفعه للفقراء وأعطي بعضه نقداً لهم واحتج بأن عددنا يفوق 500 شخص ويصعب عليه شراء كميات كبيرة لصعوبة حملها ولأن الفقراء قد لا يرغبون إلا في النقد لأنهم يستفيدون منه أكثر من الأرز فهل نعطيه أم نوكل إخواننا في السعودية ليخرجوها عنا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذهب جمهور العلماء (منهم مالك والشافعي وأحمد) إلى أنه لا يجوز دفع زكاة الفطر قيمة، بل الواجب أن تخرج طعاما كما فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم. روى البخاري (1504) ومسلم (984) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وسئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: يقول كثير من الفقراء الا?ن إنهم يفضلون زكاة الفطر نقوداً بدلاً من الطعام؛ لأنه أنفع لهم، فهل يجوز دفع زكاة الفطر نقوداً؟ فأجاب: " الذي نرى أنه لا يجوز أن تدفع زكاة الفطر نقوداً بأي حال من الأحوال، بل تدفع طعاماً، والفقير إذا شاء باع هذا الطعام وانتفع بثمنه، أما المزكي فلابد أن يدفعها من الطعام، ولا فرق بين أن يكون من الأصناف التي كانت على عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، أو من طعام وجد حديثاً، فالأرز في وقتنا الحاضر قد يكون أنفع من البر؛ لأن الأرز لا يحتاج إلى تعب وعناء في طحنه وعجنه وما أشبه ذلك، والمقصود نفع الفقراء، وقد ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: (كنا نخرجها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام، وكان طعامنا يومئذ التمر، والشعير، والزبيب، والأقط) فإذا أخرجها الإنسان من الطعام فينبغي أن يختار الطعام الذي يكون أنفع للفقراء، وهذا يختلف في كل وقت بحسبه. وأما إخراجها من النقود أو الثياب، أو الفرش، أو الا?ليات فإن ذلك لا يجزىء، ولا تبرأ به الذمة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) " انتهى. مجموع فتاوى ابن عثيمين (18 / سؤال 191) . وعلى هذا فإن كان هذا الشخص ثقة فإنكم تشترطون عليه أن يخرجها كلها طعاما، فإن لم يقبل فإنكم تخرجون منها ما تستطيعون في فقراء البلد الذي تقيمون فيه، ثم لا حرج عليكم في نقل باقي الزكاة إلى بلد آخر، ولا يشترط أن يكون إلى بلدكم الأصلي، بل كلما نقلت إلى بلد أهله أكثر حاجة وفقراً، أو إلى أقاربكم كان أولى. وقد سبق في جواب السؤال (43146) أنه لا بأس بنقل الزكاة إلى بلد آخر للحاجة، كما لو نقلت إلى بلد فيه أقارب المزكي، أو بلد أهله أشد حاجة. سئل الشيخ ابن عثيمين: هل يزكي المغترب عن أهله زكاة الفطر، علماً بأنهم يزكون عن أنفسهم؟ فأجاب: زكاة الفطر وهي صاع من طعام، من الرز، أو البر، أو التمر، أو غيرها مما يطعمه الناس يخاطب بها كل إنسان بنفسه، كغيرها من الواجبات، لقول ابن عمر رضي الله عنهما: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر على الحر والعبد، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة) ، فإذا كان أهل البيت يخرجونها عن أنفسهم فإنه لا يلزم الرجل الذي تغرب عن أهله أن يخرجها عنهم، لكن يخرج عن نفسه فقط في مكان غربته إن كان فيه مستحق للصدقة من المسلمين، وإن لم يكن فيه مستحق للصدقة وكّل أهله في إخراجها عنه ببلده، والله الموفق " انتهى. مجموع فتاوى ابن عثيمين (18/سؤال 771) وسئل أيضاً: ما حكم نقل زكاة الفطر إلى البلدان البعيدة بحجة وجود الفقراء الكثيرين؟ فأجاب: " نقل صدقة الفطر إلى بلاد غير بلاد الرجل الذي أخرجها إن كان لحاجة بأن لم يكن عنده أحد من الفقراء فلا بأس به، وإن كان لغير حاجة بأن وجد في البلد من يتقبلها فإنه لا يجوز " انتهى. مجموع فتاوى ابن عثيمين (18 / سؤال 102) وهذه فتوى جامعة لعلماء اللجنة الدائمة تجمع هذه المسائل وزيادة: " مقدار زكاة الفطر صاع من تمر أو شعير أو زبيب أو أقط أو طعام، ووقتها ليلة عيد الفطر إلى ما قبل صلاة العيد، ويجوز تقديمها يومين أو ثلاثة، وتعطى فقراء المسلمين في بلد مخرجها، ويجوز نقلها إلى فقراء بلد أخرى أهلها أشد حاجة، ويجوز لإمام المسجد ونحوه من ذوي الأمانة أن يجمعها ويوزعها على الفقراء؛ على أن تصل إلى مستحقيها قبل صلاة العيد، وليس قدرها تابعاً للتضخم المالي، بل حدَّها الشرع بصاع، ومن ليس لديه إلا قوت يوم العيد لنفسه ومن يجب عليه نفقته: تسقط عنه، ولا يجوز وضعها في بناء مسجد أو مشاريع خيرية. " فتاوى اللجنة الدائمة " (9 / 369، 370) . وقد سبق ذكر فتاوى أهل العلم في وجوب زكاة الفطر، وفي مقدارها، وفي عدم جواز إخراجها نقوداً، وفي جواز نقلها لبلدٍ آخر أكثر حاجة في الأجوبة التالية: (22888) و (27016) و (7175) و (12938) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 66293 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2635 إخراج زكاة الفطر عن الأموات [السُّؤَالُ] ـ[تسأل جدتي ما إذا كان يجوز تقديم فطرة العيد عن الميت، مثلا والديها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله زكاة الفطر واجبة على الذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين، كما بين النبي صلى الله عليه وسلم. ولا تجب إلا على الحي الذي أدرك وقت وجوبها. ووقت وجوب زكاة الفطر غروب الشمس من آخر يوم من رمضان. لأن النبي صلى الله عليه وسلم سماها صدقة الفطر، والفطر من رمضان يتحقق بغروب الشمس ليلة العيد، ولأنها جعلت طهرة للصائم من اللغو والرفث، والصوم ينقضي بغروب الشمس. فمن مات قبل أن يدرك وقت الوجوب فلا زكاة عليه. ومن أدرك وقت الوجوب ثم مات قبل أن يخرجها أُخرجت عنه من ماله لأنها استقرت في ذمته وصارت دَيْنًا عليه. انظر: "المجموع" (6/84) ، "المغني" (2/358) ، "الموسوعة الفقهية" (23/341) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ولو مات الإنسان قبل غروب الشمس ليلة العيد، لم تجب فطرته أيضا؛ لأنه مات قبل وجود سبب الوجوب " انتهى. "فقه العبادات" (ص 211) . والحاصل: أن الميت المسئول عنه إن كان قد مات بعد أن أدرك وقت الوجوب، وهو غروب شمس ليلة الفطر، وجب إخراج الزكاة عنه. وإن كان مات قبل إدراك وقت الوجوب - وهو الظاهر من السؤال – فلا زكاة عليه. وإذا أخرجت عنه جدتك صدقة من طعام أو نقود أو غير ذلك فهي صدقة عنه وليست زكاة فطر. وقد ثبت في أكثر من حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الصدقة عن الميت تنفعه، ويصله ثوابها. انظر السؤال (42384) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65780 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2636 هل يجوز لزوجة تارك الصلاة إخراج زكاة الفطر عنها وعن أولادها؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل تقبل زكاة الفطر من تارك الصلاة؟ وهل يجوز لزوجته إخراجها من غير علمه لها ولأولادها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تارك الصلاة إن كان جاحدا لها فهو كافر باتفاق العلماء. وإن كان مقرا لها، لكنه يتركها كسلا وتهاونا، فهو كافر أيضا على الصحيح من قولي العلماء، لأدلة معلومة مشهورة، سبق ذكر شيء منها في جواب السؤال رقم (2182) . وعلى هذا القول، فلا يصح من تارك الصلاة زكاة ولا صوم ولا حج، ولا يجوز للمرأة المسلمة أن تمكنه من نفسها حتى يتوب ويصلي. وعلى الزوجة أن تخرج زكاة الفطر عن نفسها. وإن أخرجت عن أولادها فحسن. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "زكاة الفطر واجبة وفريضة، وهي كغيرها من الواجبات، يخاطب كل إنسان بنفسه، فأنت أيها الإنسان مخاطب تخرج الزكاة عن نفسك، ولو كان لك أب أو أخ، وكذلك الزوجة مخاطبة أن تخرج الزكاة عن نفسها، ولو كان لها زوج" انتهى. "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (18/261) . وعلى هذا، فإنك تخرجين زكاة الفطر عن نفسك، أما الأولاد، فإذا كانوا صغاراً؛ فإنك تخرجين عنهم الزكاة، ولا حرج أن يكون ذلك بدون علم الأب. وإن كانوا كباراً بالغين فإنهم يخرجونها عن أنفسهم إن كان لديهم أموال. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65739 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2637 هل يجوز توزيع الزكاة شهريّاً؟ وهل تحوَّل طعاماً؟ [السُّؤَالُ] ـ[نحن نعيش في مدينة نيو بومباي الهندية، المسلمون في قريتنا هم الأغلبية، ونحن نجمع الزكاة في رمضان ثم نوزعها على الفقراء طوال العام على شكل نقود وأطعمة، هل يجوز ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يجوز إعطاء الكفار من زكاة الأموال وزكاة الفطر، ولا تجزئ من أعطاهم إلا إذا كان الكافر من المؤلفة قلوبهم، بمعنى أنكم ترجون إسلامه إذا أعطيتموه من الزكاة. انظر السؤال (39655) ، و (21384) . ثانياً: إذا وجبت الزكاة في المال فالواجب إخراجها فوراً، ولا يجوز تأخيرها. قال ابن قدامة المقدسي رحمه الله: إن أخرها – أي: الزكاة - ليدفعها إلى من هو أحق بها من ذي قرابة، أو ذي حاجة شديدة، فإن كان شيئاً يسيراً: فلا بأس، وإن كان كثيراً لم يجز. " المغني " (2/290) . وسئل علماء اللجنة الدائمة عن جمعية تقوم بجمع الزكاة من الأغنياء ثم تؤخر صرفها لمدة تصل إلى عام، وذلك بحجة أن يكون هناك إعانة لربيع وإعانة لرمضان وهكذا، فما الحكم في هذا التأخير حيث إن أصحاب الأموال قد أخرجوها من ذمتهم وحملونا إياها؟ فأجابوا: يجب على الجمعية صرف الزكوات في مستحقيها وعدم تأجيلها إذا وجد المستحق. " فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (9/402) . وانظر السؤال (13981) . ولكن قد تكون المصلحة أحياناً في عدم دفع الزكاة للفقير دفعة واحدة، حتى لا ينفقها جميعها ويبقى لا مال له، بل تدفع له على دفعات كل شهر. والعمل في هذا أنكم تبحثون الأمر مع الأغنياء، وتجمعون منهم الزكاة معجلة سنة، فتجمعون الآن زكاة السنة القادمة، وهكذا، ثم تقسط للفقراء على دفعات شهريا، أو تأخذونها من الأغنياء معجلة على دفعات، وتعطى للفقراء شهريا، فلا تكون قد تأخر إخراجها بعد وجوبها. وهذا يحتاج إلى مباحثة مع الأغنياء، وإقناعهم بالمصلحة في ذلك. قال ابن قدامة المقدسي رحمه الله: " قَالَ أَحْمَدُ: لا يُجَزِّئُ عَلَى أَقَارِبِهِ مِنْ الزَّكَاةِ فِي كُلِّ شَهْرٍ. يَعْنِي لا يُؤَخِّرُ إخْرَاجَهَا حَتَّى يَدْفَعَهَا إلَيْهِمْ مُتَفَرِّقَةً , فِي كُلِّ شَهْرٍ شَيْئًا , فَأَمَّا إنْ عَجَّلَهَا فَدَفَعَهَا إلَيْهِمْ , أَوْ إلَى غَيْرِهِمْ مُتَفَرِّقَةً أَوْ مَجْمُوعَةً , جَازَ لأَنَّهُ لَمْ يُؤَخِّرْهَا عَنْ وَقْتِهَا " انتهى من "المغني" (2/290) . وسئل علماء اللجنة الدائمة: هل يجوز لي إخراج زكاة المال مقدمة طول السنة، في شكل رواتب للأسر الفقيرة، في كل شهر؟ فأجابوا: لا بأس بإخراج الزكاة قبل حلول الحول بسنة أو سنتين إذا اقتضت المصلحة ذلك، وإعطاؤها الفقراء المستحقين شهريّاً. "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/422) . وأما إخراج الزكاة على شكل أطعمة، فراجع السؤال (42542) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 52852 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2638 مقدار زكاة الفطر ووقت إخراجها [السُّؤَالُ] ـ[نحن أعضاء جمعية مغاربة نعيش في برشلونة ما الطريقة التي نحسب بها لزكاة الفطر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه فرض زكاة الفطر على المسلمين صاعا من تمر أو صاعا من شعير، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة، أعني صلاة العيد. وفي الصحيحين عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا نُعْطِيهَا فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ. وقد فسر جمع من أهل العلم الطعام في هذا الحديث بأنه البر (أي: القمح) ، وفسره آخرون بأن المقصود بالطعام ما يقتاته أهل البلاد أيا كان، سواء كان برا أو ذرة أو دخنا أو غير ذلك. وهذا هو الصواب؛ لأن الزكاة مواساة من الأغنياء للفقراء، ولا يجب على المسلم أن يواسي من غير قوت بلده. ولا شك أن الأرز قوت في بلاد الحرمين وطعام طيب ونفيس، وهو أفضل من الشعير الذي جاء النص بإجزائه. وبذلك يعلم أنه لا حرج في إخراج الأرز في زكاة الفطر. والواجب صاع من جميع الأجناس بصاع النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أربع حفنات باليدين المعتدلتين الممتلئتين، كما في القاموس وغيره، وهو بالوزن يقارب ثلاثة كيلو غرام. فإذا أخرج المسلم صاعا من الأرز أو غيره من قوت بلده أجزأه ذلك، وإن كان من غير الأصناف المذكورة في هذا الحديث في أصح قولي العلماء. ولا بأس أن يخرج مقداره بالوزن وهو ثلاثة كيلو تقريبا. والواجب إخراج زكاة الفطر عن الصغير والكبير والذكر والأنثى والحر والمملوك من المسلمين. أما الحمل فلا يجب إخراجها عنه إجماعا، ولكن يستحب؛ لفعل عثمان رضي الله عنه. والواجب أيضا إخراجها قبل صلاة العيد، ولا يجوز تأخيرها إلى ما بعد صلاة العيد، ولا مانع من إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين. وبذلك يعلم أن أول وقت لإخراجها في أصح أقوال العلماء هو ليلة ثمان وعشرين؛ لأن الشهر يكون تسعا وعشرين ويكون ثلاثين، وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرجونها قبل العيد بيوم أو يومين. ومصرفها الفقراء والمساكين. وقد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ. رواه أبو داود وحسنه الألباني في صحيح أبي داود. ولا يجوز إخراج القيمة عند جمهور أهل العلم وهو أصح دليلا، بل الواجب إخراجها من الطعام، كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وبذلك قال جمهور الأمة، والله المسئول أن يوفقنا والمسلمين جميعا للفقه في دينه والثبات عليه، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا، إنه جواد كريم اهـ. مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (14/200) . فهذا تقدير الشيخ ابن باز رحمه الله لزكاة الفطر بالكيلو، ثلاثة كيلو جرام تقريباً. وكذا قدرها علماء اللجنة الدائمة (9/371) . وقد قدرها الشيخ ابن عثيمين رحمه الله من الأرز فكانت ألفي ومائة جرام (2100) جرام. كما في "فتاوى الزكاة" (ص 274-276) . وهذا الاختلاف سببه أن الصاع مكيال يقيس الحجم لا الوزن. وإنما قدرها العلماء بالوزن لكونه أسهل وأقرب إلى الضبط، ومعلوم أن وزن الحبوب يختلف فمنها الخفيف ومنها الثقيل ومنها المتوسط، بل يختلف وزن الصاع من نفس النوع من الحبوب، فالمحصول الجديد أكثر وزناً من المحصول القديم، ولذلك إذا احتاط الإنسان وأخرج زيادة كان أحوط وأحسن. وانظر "المغني" (4/168) . فقد ذكر نحو هذا في تقدير نصاب زكاة الزروع بالوزن. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49793 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2639 الفرق بين زكاة المال وزكاة الفطر [السُّؤَالُ] ـ[هل الزكاة المفروضة علي المسلم التي في الأركان الخمسة غير زكاة رمضان؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، الزكاة التي هي ركن من أركان الإسلام الخمسة غير الزكاة التي تجب بالفطر من رمضان. فالأولى هي زكاة المال لا تجب إلا في أصناف معينة من المال وهي: 1- بهيمة الأنعام (الإبل والبقر والغنم) . 2- الذهب والفضة. ومثلهما الآن الأوراق النقدية. 3- عروض التجارة. 4- الخارج من الأرض وهذا يشمل شيئين: الأول: الزروع والثمار. وأجمع العلماء على وجوبها في أربعة أصناف وهي: القمح والشعير والتمر والزبيب. واختلفوا فيما عدا هذه الأصناف الأربعة. الثاني: الركاز وهو مال الكفار المدفون بالأرض الذي يجده مسلم. ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " مجموع الفتاوى" (25/10) عن ابن المنذر رحمه الله أنه قال: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي تِسْعَةِ أَشْيَاءَ: فِي الإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْبُرِّ (القمح) وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ. إذَا بَلَغَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِنْهَا مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ اهـ. واختلفوا فيما عدا هذه الأموال. وتجب الزكاة في هذه الأموال بشروط معينة، والواجب إخراج قدر معين من المال حدَّده الشرع. راجع أسئلة الموقع في قسم الزكاة لزيادة التفصيل. وهذه الزكاة (زكاة المال) ركن من أركان الإسلام يكفر منكرها، ومانعها فاسق قطعاً، وعلى الحاكم المسلم أخذها منه قهراً، فإن أصر على منعها واحتمى بعشيرته قوتل حتى يؤديها. روى البخاري (8) ومسلم (16) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ الإِسْلامَ بُنِيَ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَصِيَامِ رَمَضَانَ وَحَجِّ الْبَيْتِ. وروى البخاري (25) ومسلم (22) عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلا بِحَقِّ الإِسْلامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ. وأجمع الصحابة رضي الله عنهم على قتال مانعي الزكاة، فقد روى البخاري (1400) ومسلم (20) عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنْ الْعَرَبِ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ فَمَنْ قَالَهَا فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ فَقَالَ وَاللَّهِ لأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا (شاة صغيرة) كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلا أَنْ قَدْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ. وأما الزكاة التي تجب في آخر رمضان فهي زكاة الفطر وقد أجمع العلماء على وجوبها، إلا من شذ. انظر: "طرح التثريب" (4/46) . وهي دون زكاة المال في الوجوب والمنزلة، فزكاة الفطر ليست ركنا من أركان الإسلام، ولا يكفر منكرها. وزكاة الفطر قد ورد ذكرها في أحاديث كثيرة، منها: روى البخاري (1503) ومسلم (984) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاةِ. وروى أبو داود (1609) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ. حسنه الألباني في صحيح أبي داود. وراجع السؤال رقم (12459) زيادة التفصيل. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49632 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2640 هل يجوز للابنة دفع زكاة الفطر عن والدها؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمسلمة أن تدفع زكاة الفطر عن والدها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ محمد العثيمين – رحمه الله -: من أخرج عمن لا تلزمه فطرتُه: فإنه لا بدَّ من إذنه، فلو أن زيداً من الناس أخرج عن عمرو بغير إذنه: فإنها لا تُجزئ؛ لأن زيداً لا تلزمه فطرة عمرو، ولا بدَّ فيها من نيَّة إما ممن تجب عليه أو من وكيله، وهذا مبني على قاعدة معروفة عند الفقهاء يسمونها " تصرف الفضولي " بمعنى أن الإنسان يتصرف لغيره بغير إذنه، فهل يبطل هذا التصرف مطلقاً، أو يتوقف على إذن ورضى الغير؟ هذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم، والراجح: أنه يُجزئ إذا رضي الغير – وساق الشيخ حديث أبي هريرة مع الشيطان في حفظ الزكاة - انظر نصه في جواب السؤال رقم (6092) - ... والشاهد من ذلك: أن الرسول عليه الصلاة والسلام أجاز هذا التصرف من أبي هريرة وجعله مجزئاً مع أن المأخوذ منه زكاة، وأبو هريرة وكيل في الحفظ، لا وكيل في غيره. " الشرح الممتع " (6 / 165) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 26770 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2641 دفع قيمة زكاة الفطر لهيئة خيرية في بداية رمضان [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لهيئة خيرية استلام أموال زكاة الفطر مع بداية شهر رمضان وذلك بهدف الاستفادة منه بقدر المستطاع؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا عدم الفقراء في البلاد أو كان الذين يأخذونها ليسوا بحاجة أو لا يأكلونها وإنما يبيعونها بنصف الثمن وتعذر البحث عن الفقراء المعوزين الذين يأكلونها جاز إخراجها عن البلاد ويجوز دفع ثمنها من أول الشهر للوكيل الذي يشتريها ثم يوصلها لمستحقها في وقت الدفع وهو ليله العيد أو قبله بيومين والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الفتاوى الجبرينية في الأعمال الدعوية لفضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين ص 33. الحديث: 10526 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2642 زكاة الفطر عن الجنين [السُّؤَالُ] ـ[هل الطفل الذي ببطن أمه تدفع عنه زكاة الفطر أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يستحب إخراجها عنه لفعل عثمان رضي الله عنه ولا تجب عليه لعدم الدليل على ذلك. وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (9/366) الحديث: 27005 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2643 حجز اليهود أزواجهن فكيف يخرجن زكاة الفطر [السُّؤَالُ] ـ[في بلدتنا في خان يونس تحاصرنا القوات الإسرائيلية فتقطعت بنا السبل ولا تعلم الزوجات عن أزواجهن شيئاً فكيف يخرجن زكاة الفطر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تجب زكاة الفطر على عائل الأسرة وهو صاحب المال فعليه أن يخرج الزكاة عنه وعمن يعولهم من الزوجات والأولاد وغيرهم. فإذا عجز عن إخراج الزكاة فإن الله يعذره، وعليه القضاء بعد أن يفرج الله عنه ويرجع إلى أهله. وبالنسبة للزوجات فإن كن يقدرن على دفع زكاة الفطر عن أنفسهن فعليهن المبادرة بدفعها، فإذا عجزن عن ذلك فليس عليهن شيء لقول الله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) وقوله تعالى: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) . والمرأة إذا أخرجت عن نفسها وعن أولادها فهي مأجورة، وإن لم تستطع إلا عن نفسها فليس عليها إلا ذلك. وإن استطاعت المرأة أن تكلم زوجها بالهاتف وتأخذ منه توكيلاً بدفع الزكاة وكان في البيت ما تخرج به الزكاة عن زوجها ومن يعول فإنها تخرج زكاة الفطر عنهم بعد إذن زوجها. نسأل الله أن يفرج الكرب وأن يعيد هؤلاء الأزواج سالمين وينصر الإسلام والمسلمين ويخزي اليهود الكافرين. وصلى الله على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 27008 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2644 هل هناك دعاء عند إخراج زكاة الفطر [السُّؤَالُ] ـ[هل من قول معين يقال عند إخراج زكاة الفطر، وما هو؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا نعلم دعاء معيناً يقال عند إخراجها. وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الحديث: 27015 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2645 لمن تدفع زكاة الفطر [السُّؤَالُ] ـ[يطلب رجال زكاة الفطر بالأسواق، ولا نعرف أهم متدينون أم لا؟ وآخرون حالهم زينة، والذي يجيئهم من الزكاة ينفقونه على أولادهم، وبعضهم يتسلم راتب ولكنهم ضعفاء دين، فهل يجوز دفعها لهم أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تدفع زكاة الفطر لفقراء المسلمين وإن كانوا عصاة معصية لا تخرجهم من الإسلام، والعبرة في فقر من يأخذها حالته الظاهرة، ولو كان في الباطن غنياً، وينبغي لدافعها أن يتحرى الفقراء الطيبين بقدر الاستطاعة، وإن ظهر أن آخذها غني فيما بعد فلا يضر ذلك دافعها، بل هي مجزئة والحمد لله. وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الحديث: 27006 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2646 هل لإمام المسجد جمع زكاة الفطر، وأين تُوزع؟ [السُّؤَالُ] ـ[متى تخرج زكاة الفطر وأين توزع وهل يجوز جمعها من طرف إمام المسجد ثم توزيعها على المستحقين ولو بعد حين، وهل هي تابعة للتضخم المالي، وهل يجوز إرسالها للمجاهدين في فلسطين مثلاً أو إدخالها في صندوق بناء مسجد مثلاً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله وقت زكاة الفطر ليلة عيد الفطر إلى ما قبل صلاة العيد. ويجوز تقديمها يومين أو ثلاثة، وتعطى فقراء المسلمين في بلد مخرجها، ويجوز نقلها إلى فقراء بلد أخرى أهلها أشد حاجة ويجوز لإمام المسجد ونحوه من ذوي الأمانة أن يجمعها ويوزعها على الفقراء؛ على أن تصل إلى مستحقيها قبل صلاة العيد، وليس قدرها تابعاً للتضخم المالي، بل حدَّها الشرع بصاع، ومن ليس لديه إلا قوت يوم العيد لنفسه ومن يجب عليه نفقته تسقط عنه، ولا يجوز وضعها في بناء مسجد أو مشاريع خيرية. وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (9/369) الحديث: 27016 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2647 حكم زكاة الفطر ومقدارها [السُّؤَالُ] ـ[هل حديث (لا يرفع صوم رمضان حتى تعطى زكاة الفطر) صحيح؟ وإذا كان المسلم الصائم محتاجاً لا يملك نصاب الزكاة هل يتوجب عليه دفع زكاة الفطر لصحة الحديث أم لغيره من الأدلة الشرعية الصحيحة الثابتة من السنة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صدقة الفطر واجبة على كل مسلم تلزمه مؤنة نفسه إذا فضل عنده عن قوته وقوت عياله يوم العيد وليلته صاع. والأصل في ذلك ما ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير، على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة) متفق عليه، واللفظ للبخاري. وما روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (كنا نخرج زكاة الفطر إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام أو صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير أو صاعاً من زبيب أو صاعاً من أقط) متفق عليه. ويجزئ صاع من قوت بلده مثل الأرز ونحو هـ. والمقصود بالصاع هنا: صاع النبي صلى الله عليه وسلم وهو أربع حفنات بكفي رجل معتدل الخلقة. وإذا ترك إخراج زكاة الفطر أثم ووجب عليه القضاء. وأما الحديث الذي ذكرته فلا نعلم صحته. ونسأل الله أن يوفقكم، وأن يصلح لنا ولكم القول والعمل. وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (9/364) الحديث: 12459 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2648 تأخير زكاة الفطر عن وقتها [السُّؤَالُ] ـ[كنت في سفر ونسيت دفع الفطرة وكان السفر ليلة 27/9 ولم نخرج الفطرة حتى الآن.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا أخر الشخص زكاة الفطر عن وقتها وهو ذاكر لها أثم وعليه التوبة إلى الله والقضاء؛ لأنها عبادة فلم تسقط بخروج الوقت كالصلاة، وحيث ذكرت عن السائلة أنها نسيت إخراجها في وقتها فلا إثم عليها، وعليها القضاء، أما كونها لا إثم عليها فلعموم أدلة إسقاط الإثم عن الناسي، وأما إلزامها بالقضاء فلما سبق من التعليل. وبالله التوفيق [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة (9/372) الحديث: 37990 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2649 وقت إخراج زكاة الفطر [السُّؤَالُ] ـ[هل وقت إخراج زكاة الفطر من بعد صلاة العيد إلى آخر ذلك اليوم؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يبدأ وقت زكاة الفطر من بعد صلاة العيد، وإنما يبدأ من غروب شمس آخر يوم من رمضان، وهو أول ليلة من شهر شوال، وينتهي بصلاة العيد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإخراجها قبل الصلاة، ولما رواه ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات) أخرجه أبو داود 2/262-263 برقم (1609) ، وابن ماجه 1/585 برقم (1827) ، والدارقطني 2/138، والحاكم 1/409. ويجوز إخراجها قبل ذلك بيوم أو يومين لما رواه ابن عمر رضي الله عنهما قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر من رمضان..) ، وقال في آخره: (وكانوا يعطون قبل ذلك بيوم أو يومين) . فمن أخرها عن وقتها فقد أثم، وعليه أن يتوب من تأخيره وأن يخرجها للفقراء. وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الفتوى رقم (2896) الحديث: 37636 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2650 زكاة الفطر عن الكفار [السُّؤَالُ] ـ[لكثير من الناس خدم كفار في البيت فهل يخرج عنهم زكاة الفطر أو يعطيهم شيئاً من الزكاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يخرج عنهم زكاة الفطر ولا يجوز له أن يعطيهم من الزكاة شيئاً، ولو أعطاهم شيئاً منها لم يجزئه، لكن له أن يحسن إليهم من غير الزكاة المفروضة، مع العلم بأن الواجب الاستغناء عنهم بالعمال المسلمين؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصى بإخراج الكفار من جزيرة العرب وقال: (لا يجتمع فيها دينان) . وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الفتوى رقم (7699) الحديث: 37637 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2651 الزيادة على زكاة الفطر [السُّؤَالُ] ـ[هل زكاة الفطر محدودة بأن أكيل لكل شخص من أفراد عائلتي صاعاً واحداً بدون تزويد، إنني أقصد بالزيادة الصدقة ليس احتياطاً عن نقص الصاع دون أن أخبر الفقير الذي أدفعها له بتلك الصدقة مثل: عندي عشرة أشخاص ثم اشتريت كيس أرز يزن خمسين كيلواً ثم دفعتها كلها زكاة فطر عن هؤلاء العشرة بدون عدها بالأصواع؛ لأنني أعرف بأنها تزيد عنهم بعشرين كيلو أو أكثر، جاعلاً الزيادة صدقة، ثم إنني لا أخبره بأن هذه الزيادة صدقة، بل أقول: خذ زكاتنا، فهو لا يعلم أن ذلك الكيس فيه زيادة عن الزكاة فيأخذها راضياً بها. فما الحكم في ذلك.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله زكاة الفطر صاع من البر أو التمر أو الأرز ونحوها من قوت البلد للشخص الواحد، ذكراً أو أنثى صغيراً أو كبيراً، ولا حرج في إخراج زيادة في زكاة الفطر كما فعلت بنية الصدقة ولو لم تخبر بها الفقير. وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (9/370) . الحديث: 34801 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2652 حكم من لم يخرج زكاة الفطر مع القدرة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من كانت لديه الاستطاعة في إخراج زكاة الفطر ولم يخرجها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب على من لم يخرج زكاة الفطر أن يتوب إلى الله عز وجل، ويستغفره؛ لأنه آثم بمنعها، وأن يقوم بإخراجها إلى المستحقين، وتعتبر بعد صلاة العيد صدقة من الصدقات. وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الحديث: 34516 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2653 إخراج الزكاة عن العمال [السُّؤَالُ] ـ[عندنا مصنع ومزرعة فيها عمال ويتقاضون أجرة فهل لنا أن نصرف الفطرة عنهم أم يصرفونها هم عن أنفسهم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله العمال الذين يتقاضون أجرة مقابل ما يؤدونه من عمل في المصنع والمزرعة هم الذين يخرجون زكاة الفطر عن أنفسهم؛ لأن الأصل وجوبها عليهم. (فلا يلزمك إخراجها عنهم) . وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (9/372) الحديث: 34519 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2654 بينه وبين زوجته نزاع فهل يخرج عنها زكاة الفطر؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يلزم الزوج زكاة فطرة الزوجة التي بينه وبينها نزاع شديد أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله زكاة الفطر تلزم الإنسان عن نفسه وعن كل من تجب عليه نفقته ومنهم الزوجة، لوجوب نفقتها عليه، فإذا وجد بينهما نزاع شديد حكم بمقتضاه عليها بالنشوز وإسقاط نفقتها فلا يجب عليه أن يخرج زكاة الفطر عنها لأنها تابعة لنفقتها فتسقط بسقوطها. وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (9/367) الحديث: 34748 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2655 أخرج زكاة الفطر عن الجنين فتبين أنه توأم [السُّؤَالُ] ـ[كانت زوجتي حاملاً في شهر رمضان المبارك وزكيت عن الجنين الذي في بطن أمه، وعندما وضعت الأم بعد عيد الفطر المبارك بأيام قليلة وضعت اثنين توائم بقدر الله سبحانه وتعالى. والآن هل علي شيء، علماً بأني زكيت عن جنين واحد ولم أزك عن الجنين الثاني؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجب عليك شيء لتركك زكاة الفطر عن الجنين الثاني. وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (9/366) الحديث: 34766 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2656 هل على الفقير وأهله زكاة الفطر [السُّؤَالُ] ـ[إنسان فقير يعول عائلة مكونة من أمه وأبيه وأولاده، ويدركه عيد الفطر، وليس عنده إلا صاع من الطعام فمن يخرجه عنه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الأمر كما ذكره السائل من حال الفقير المسئول عنه؛ فإنه يخرج الصاع عن نفسه إذا كان فاضلاً عن قوته وقوت من يعول يوم العيد وليلته؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ابدأ بنفسك ثم بمن تعول) رواه البخاري 2/117، 6/190، ومسلم 2/717، 718، 721، برقم (1034، 1036، 1042) . أما من يعولهم السائل فإذا لم يكن لديهم شيء يزكون به عن أنفسهم فتسقط لقوله تعالى: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) البقرة /286، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (لا صدقة إلا عن ظهر غنى) رواه البخاري (2،117، 6/190) ، ومسلم 2/717 برقم (1034) ، وقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) . وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الحديث: 32751 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2657 مقدار زكاة الفطر، وهل يجوز إخراجها نقوداً [السُّؤَالُ] ـ[ما مقدار زكاة الفطر؟ وهل يجوز إخراجها بعد صلاة العيد؟ وهل يجوز إخراج زكاة الفطر نقوداً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه فرض زكاة الفطر على المسلمين صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة – أعني صلاة العيد – وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كنا نعطيها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام، أو صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير أو صاعا من أقط أو صاعا من زبيب. . وقد فسر جمع من أهل العلم الطعام في هذا الحديث بأنه البر – وهو القمح – وفسره آخرون بكل ما يقتاته أهل البلاد أيا كان سواء كان برا أو ذرة أو غير ذلك، وهذا هو الصواب، لأن الزكاة مواساة من الأغنياء إلى الفقراء ولا يجب على المسلم أن يواسي من غير قوت بلده. والواجب صاع من جميع الأجناس وهو أربع حفنات باليدين الممتلئتين وهو بالوزن يقارب ثلاثة كيلو غرام. فإذا أخرج المسلم صاعا من الأرز أو غيره من قوت بلده أجزأه ذلك. وأول وقت لإخراجها هو ليلة ثمان وعشرين لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يخرجونها قبل العيد بيوم أو يومين، والشهر يكون تسعاً وعشرين ويكون ثلاثين. وآخر وقت لإخراجها هو صلاة العيد فلا يجوز تأخيرها إلى ما بعد الصلاة لما رواه ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات) رواه أبو داود. ولا يجوز إخراج القيمة عند جمهور أهل العلم وهو الأصح دليلاً، بل الواجب إخراجها من الطعام، كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وجمهور الأمة. والله المسئول أن يوفقنا والمسلمين جميعاً للفقه في دينه والثبات عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه. [الْمَصْدَرُ] سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله. مجلة البحوث الإسلامية العدد 17. صفحة 79-80. الحديث: 22888 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2658 حكم شراء طعام زكاة الفطر قبل مدة [السُّؤَالُ] ـ[مركز إسلامي في بلاد الغرب يقوم بشراء كميات من الطعام كالرز مثلاً قبل العيد بعشرة أيام مثلاً ثم يعلن عن استعداده أخذ مبالغ من المسلمين لزكاة الفطر، ثم يخرجها عنهم، وذلك لأنه لا يتمكن من شراء الكمية إذا أخذ الأموال قبل العيد بيوم أو يومين فما حكم ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله بقوله: لا باس أن يشتري المركز الطعام قبل مدة ثم يبيعه على الراغبين في شراء زكاة الفطر ثم تخرج في وقتها الشرعي. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن صالح العثيمين الحديث: 7175 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2659 راتبه لا يكفيه ولا يكفي أولاده، فهل له أن يأخذ من مال الصدقة؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا موظف ولي راتب شهري وراتبي لا يسد احتياجاتي واحتياجات أبنائي ولدي صديق يقوم بالتصدق من ماله الشخصي أو من راتبه ويمنحه لي ولأولادي ويشتري لنا بعض الأغراض ويسد احتياجاتنا بارك الله فيه. هل هذا حرام أم حلال؟ وهل يجوز أن آخذ منه المال أو يصرف علينا من ماله؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان صديقك يعطيك من زكاة ماله المفروضة، وراتبك لا يكفي احتياجاتك واحتياجاتك من تعوله: فلا حرج عليك في أن تأخذ منه ما يكمل كفايتك وكفاية من تعوله. قال ابن قدامة رحمه الله: " وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ (يعني عن الإمام أحمد) أَنَّ الْغِنَى مَا تَحْصُلُ بِهِ الْكِفَايَةُ , فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا حَرُمَتْ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ , وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ شَيْئًا , وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا حَلَّتْ لَهُ الصَّدَقَةُ , وَإِنْ مَلَكَ نِصَابًا , وَالْأَثْمَانُ وَغَيْرُهَا فِي هَذَا سَوَاءٌ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ , لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِقَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ (لَا تَحِلُّ الْمَسْأَلَةُ إلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ: رَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُولَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ: قَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ , فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ , أَوْ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ. فَمَدَّ إبَاحَةَ الْمَسْأَلَةِ إلَى وُجُودِ إصَابَةِ الْقِوَامِ أَوْ السِّدَادِ , وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ هِيَ الْفَقْرُ , وَالْغِنَى ضِدُّهَا , فَمَنْ كَانَ مُحْتَاجًا فَهُوَ فَقِيرٌ يَدْخُلُ فِي عُمُومِ النَّصِّ , وَمَنْ اسْتَغْنَى دَخَلَ فِي عُمُومِ النُّصُوصِ الْمُحَرِّمَةِ " انتهى. "المغني" (2/277) . وقال علماء اللجنة: " إذا كان راتبك ودخلك لا يكفيك وعائلتك في الأشياء الضرورية فلا مانع من أخذك من الزكاة بقدر ما يكمل الكفاية " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (10 / 23) وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " إذا كان الراتب لا يكفيك لقضاء حاجاتك وحاجات أهلك المعتادة التي ليس فيها إسراف ولا تبذير حلت لك الزكاة، وإلا فلا " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (14 / 266-267) وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " الفقير الذي يستحق من الزكاة هو الذي لا يجد كفايته وكفاية عائلته لمدة سنة، ويختلف بحسب الزمان والمكان، فربما ألف ريال في زمن، أو مكان تعتبر غنى، وفي زمن أو مكان آخر لا تعتبر غنى لغلاء المعيشة ونحو ذلك " انتهى. "مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (13 / 1573) . وينظر: "لقاء الباب المفتوح"، للشيخ ابن عثيمين رحمه الله (148 / 7) . وأما إذا كان صديقك يعطيك من راتبه على أنها من صدقة التطوع: فالأمر فيها أوسع من الزكاة المفروضة، والرخصة فيها أعم. قال النووي رحمه الله: " تحل صدقة التطوع للأغنياء بلا خلاف، فيجوز دفعها إليهم، ويثاب دافعها عليها , ولكن المحتاج أفضل. قال أصحابنا: ويستحب للغني التنزه عنها , ويكره التعرض لأخذها. قال صاحب البيان: ولا يحل للغني أخذ صدقة التطوع مظهرا للفاقة. وهذا الذي قاله صحيح " انتهى. "المجموع" (6/236) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " صدقة التطوع أوسع من الزكاة المفروضة؛ لأن الزكاة المفروضة لا تحل إلا للأصناف الثمانية الذين عينهم الله في قوله (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ٌ) أما صدقة التطوع فهي أوسع، فيجوز للإنسان أن يتصدق على شخص يحتاج إليها وإن لم يكن فقيراً، ويجوز أن يتصدق على طلبة العلم وإن كانوا أغنياء، تشجيعاً لهم على طلب العلم، ويجوز أن يتصدق على غنيٍّ من أجل المودة والألفة. فهي أوسع، ولكن كلما كانت أنفع فهي أفضل " انتهى. "فتاوى نور على الدرب" (213 / 6) راجع إجابة السؤال رقم: (82673) (67926) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 141088 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2660 حكم دعم الجمعيات الخيرية التي يقوم عليها المبتدعة [السُّؤَالُ] ـ[هل من الجائز أن أقوم بإعطاء الهبات للطوائف المنحرفة – كالصوفية - إذا كانوا ينفقونها في سبيل الخير، مثل مساعدة الفقراء بينهم، أو إنشاء مدارس يمكن من خلالها تعليم الأطفال، وتحفيظهم القرآن؟ وسوف أكون ممنوناً إذا ما كانت هناك حادثة كهذه من السلف. جزاكم الله خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا شك أن من الخير الذي أمر الله به وحث عليه: ما يقدمه الإنسان من صدقات يريد بها الأجر والثواب، كما قال تعالى: (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء:114] وقد بين الله سبحانه في كتابه فضل تلك النفقات والصدقات فقال: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلّ ِ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ. الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمّ َ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) البقرة/ 261، 262. وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ - وَلاَ يَقْبَلُ اللَّهُ إِلاَّ الطَّيِّبَ - وَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ كَمَا يُرَبِّى أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَل) . رواه البخاري (1344) ومسلم (1014) . وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (قَالَ اللَّهُ: أَنْفِقْ يَا ابْنَ آدَمَ أُنْفِقْ عَلَيْكَ) . رواه البخاري (5073) ومسلم (993) . ثانياً: الأصل أن تكون العطيات، والصدقات، وما شابهها: لأهل السنَّة , وأن يتحرى المسلم في ذلك أهل الاستقامة والتقوى منهم، وأن لا يمكِّن من ماله إلا أهل الدين والورع. عنْ أَبِى سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لاَ تُصَاحِبْ إِلاَّ مُؤْمِنًا وَلاَ يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلاَّ تَقِيّ) . رواه الترمذي (2395) وأبو داود (4832) ، وحسَّنه الألباني في " صحيح الترمذي ". ثالثاً: الأصل أن يقوم صاحب المال بتوزيع صدقته على المستحقين بنفسه، وذلك لأنها عبادة متعلقة بماله، وقيامه بذلك بنفسه أدعى لشعوره بالعبادة، وانتفاعه بأثرها في قلبه، ثم أنه أوثق له، وأبرأ لذمته. لكن إن تعذر عليه ذلك، أو كانت هناك مصلحة راجحة: فله أن يوكل غيره في توزيعها، سواء كان وكليه فردا أو جمعية، أو هيئة خيرية، بشرط أن يكون وكيله مسلما، ثقة، عالما بمصارف الزكاة. وينبغي النظر إلى تحري هذا الوكيل، سواء كان شخصا أو جمعية، للسنة، وتجنبه للبدعة، لئلا يستعين بهذه الأموال على نشر بدعته، أو الدعوة إليها. رابعا: إذا كانت هناك مصلحة راجحة في دفع الهبات والصدقات لبعض الأشخاص الذين يكون عندهم شيء من البدع، كالصوفية، ولم يكن هناك من أهل السنة من يقوم بهذا الدور، ويحقق هذه المصلحة: فلا بأس بدفعها إليهم، إذا تحققنا عدالتهم في شأن الأموال، وأنهم لن يستعينوا بهذه الأموال على نشر بدعتهم. قال الخطيب الشربيي رحمه الله: "المراد بالعادل العادل في الزكاة وإن كان جائرا في غيرها". "مغني المحتاج" (1/414) . وفي صحيح البخاري عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ خِيَارٍ، أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ مَحْصُورٌ، فَقَالَ إِنَّكَ إِمَامُ عَامَّةٍ وَنَزَلَ بِكَ مَا نَرَى وَيُصَلِّي لَنَا إِمَامُ فِتْنَةٍ وَنَتَحَرَّجُ فَقَالَ الصَّلَاةُ أَحْسَنُ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ فَإِذَا أَحْسَنَ النَّاسُ فَأَحْسِنْ مَعَهُمْ وَإِذَا أَسَاءُوا فَاجْتَنِبْ إِسَاءَتَهُمْ. والشاهد منه أنه عند تحقق إحسان الناس، فأحسن معهم، واجتنب ما عنده من الإساءة، فلا تشاركه فيها، ولا تعنه عليها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 133905 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2661 يعملون في جمعية خيرية ويشاركونها في أموالها بنسبة من الأرباح [السُّؤَالُ] ـ[أرجو منكم إفادتي بما يأتي: فريق من الإخوة قاموا بجمع التبرعات من الناس لجمعية معينة، وخيراتها، وتكون إدارة الجلسات، وإعدادها، وإخراج الإعلانات، والمالية، كلها من قبَل ذلك الفريق - كبيع مقاعد للمحاضرات الدينية مثلا -، وسيكون توزيع الربح من الأموال المجموعة كالتالي: 50 % من الربح لإدارة الجلسات، و 30 % منه للفريق، و 20 % للجمعية، وإذا تمكن الفريق من بيع المقاعد، أو الكراسي المبينة أعلاه: فستكون 50 % من التبرعات تعطى للجمعية، أو الفريق، على حسب عدد المقاعد، أو الكراسي المباعة! هل هذا التعامل جائز شرعاً لأن التبرعات التي تجمع من الحضور أو المشترين من أجل خيرات الجمعية؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: من أجلّ الطاعات وأنفعها للعبد: الاشتغال بالدعوة، والتعليم، ونشر للخير بين الناس، كما قال الله تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) فصلت/ 33. قال ابن كثير رحمه الله: وهذه عامة في كل من دعا إلى خير، وهو في نفسه مهتدٍ. " تفسير ابن كثير " (7 / 179) . فإقامة هذه الجمعيات وسيلة من الوسائل التي تحقق مقاصد الشريعة الإسلامية، من رعاية الفقراء، والمحتاجين، ودعوة، وتعليم، وتحفيظ لكتاب الله، وما شابه ذلك. وحتى يتم الأجر والثواب على أكمل وجه - بإذن الله - لا بد أن يكون العمل خالصاً لله، كما قال الله تعالى: (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيماً) النساء/ 114. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في تفسير الآية: ينبغي للعبد أن يقصد وجه الله تعالى، ويخلص العمل لله في كل وقت , وفي كل جزء من أجزاء الخير؛ ليحصل له بذلك الأجر العظيم، وليتعود الإخلاص، فيكون من المخلِصين، وليتم له الأجر. "تفسير السعدي" (ص 202) . ومما يعين على الإخلاص، ويصحح النية: أن تكون الأعمال الخيرية ليست مقصداً لربح مادي، أو معنوي، للقائمين عليه، بل تكون الغاية - أولاً، وأخيراً - الأجر، والثواب من الله. ولعل نجاح كثير من الأعمال الخيرية القائمة الآن، سببه: البعد عن المقصد المادي، والربح الدنيوي، ولعل - كذلك - من أسباب فشل كثير من المشاريع الخيرية: دخول حظ النفس الدنيوي , والذي يترتب عليه فشل المشروع , بل والشحناء، والبغضاء بين القائمين عليه. ثانياً: القائمون على هذه الجمعيات هم أمناء على ما يجمعونه من تبرعات وأموال لهذه الجمعيات، فلا يجوز لهم التصرف في هذه الأموال إلا فيما حدده المتبرع بهذا المال، فإذا جعله في الصدقة على الفقراء أو تعليم العلم وجب إنفاقه فيما حدده. وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: رجل فقير يأخذ الزكاة من صاحبه الغني بحجة أنه سيوزعها، ثم يأخذها هو، فما الحكم في هذا العمل؟ فأجاب: "هذا محرَّم عليه، وهو خلاف الأمانة؛ لأن صاحبه يعطيه على أنه وكيل، يدفعه لغيره، وهو يأخذه لنفسه، وقد ذكر أهل العلم: أن الوكيل لا يجوز أن يتصرف فيما وُكِّل فيه لنفسه، وعلى هذا: فإن الواجب على هذا الشخص أن يبيِّن لصاحبه: أن ما كان يأخذه من قبْل كان يصرفه لنفسه، فإن أجازه: فذاك، وإن لم يُجزْه: فإن عليه الضمان - أي: يضمن ما أخذ لنفسه - ليؤدي به الزكاة عن صاحبه" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ العثيمين" (18/202) . وانظر جواب السؤال رقم: (49899) . وعلى هذا؛ فلا يجوز للقائمين على هذه الجمعية أن يستفيدوا مما يدفعه الناس من صدقات، وزكوات وتبرعات للجمعية لتحقيق نفع وربح مادي خاصٍّ بهم، ثم إنهم قد بالغوا في نسبة المشاركة حتى جعلوا حصتهم 80 % فكيف يكون هذا مباحاً؟ والأموال التي بين أيديهم هي من تبرعات الناس للجمعية الخيرية، لا لهم. فالواجب على القائمين على هذه الجمعية أن ينفقوا أموال المتبرعين فيما حدده المتبرعون. والنصيحة لهم: أن يتعففوا عن هذا المال , وأن يقتصر أخذهم على الحد الأدنى من الحاجات الضرورية من مصاريف لإنجاح هذا العمل الخيري , وأن يُجعل الربح الحاصل في أعمال ومشاريع الجمعية الخيرية. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 132774 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2662 هل يجوز أن تتصدق من مال جدتها في حال عدم إدراكها؟ [السُّؤَالُ] ـ[والدة أمي مقعدة وتقوم أمي برعايتها منذ عدة سنوات، وقد كانت جدتي رعاها الله كثيرة الصدقة وكريمة تجود بكل ما لديها حتى لا يكاد يتبقى لها من مالها شيء، وكان يقال لها وفري مالك فليس لديك أولاد ينفقون عليك وليس لك دخل إلا ما يعطى لك من ضمان قد ينتهي في أي لحظة فترد قائلة سيبدله الله لي وسأجده عنده يوم القيامة ولأنها كانت تحتسبها وتعطيها لوجه الله فقد بارك الله لها فيها وهي بالألوف، وفي الآونة الأخيرة بدأت جدتي تفقد ذاكرتها جزئيا وفي أغلب الوقت لكنها لازالت بعقلها ونخبرها عن أوقات الصلاة وتصليها وتذكر الله ولا تترك الأضحية أبدا عند علمها بحلول العيد. لكنها لا تذكر شيئا عن مالها ولا تسأل عنه بتاتا وبما أنها في رعاية والدتي فإن الأموال عند أمي تنفق على جدتي منها وتزكيها فقط لكن أخوات أمي وهم الورثة قالوا لأمي تصدقي منها باستمرار فلو كانت تعلم ما تركتها فأصبحت أمي تتصدق منها وتهدي أيضا بنية أن تكون صدقة لجدتي ومرة أثناء ذهابي لوالدتي أعطتني خاتما من ذهب جدتي وقالت خذيه هدية بنية الصدقة عن والدتي ولكني لم أتصرف فيه إلى الآن لأني لا أعلم هل يجوز فعل أمي أم لا. مع أنها قد تعطي بعض المال لبنات أخواتها الصغار بنية الصدقة لجدتي مع العلم أن حالة الجميع جيدة والحمد لله. وهل يجوز أن تتصدق ببعض المال بنية أن يكون لوالدي جدتي رحمهما الله أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نسأل الله للجدة حسن الجزاء وحسن الخاتمة على ما بذلته ابتغاء وجه الله، وأن تجد ما قدمت بين يديها ذخرا وكرامة يوم القيامة. ثانياً: إن كانت الجدة على حالها من جهة العقل وحسن النظر – ولو أحيانا – فالواجب عدم التصرف في مالها إلا بإذنها وقت إدراكها وحسن تصرفها. وإن كانت مغلوبة على عقلها، فالواجب المحافظة على مالها، وعدم التصرف فيه إلا بمقتضى ما تحتاجه من الإنفاق عليها في طعامها وكسوتها وعلاجها ونحو ذلك، وكذا إخراج زكاته المفروضة إذا بلغ النصاب وحال عليه الحول، أما التبرع والتصدق والهبة ونحو ذلك بدون إذنها فلا يجوز. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: امرأة كبيرة في السن تسكن عند إحدى بناتها، وهذه المرأة عندها مال، والآن هي ليست جيدة العقل، ومعتادة قبل أن يكون عقلها بهذا الشكل أن تعطي أطفال بناتها في رمضان أو في العيد، وكذلك تطعم في رمضان، والآن تقوم البنت بما كانت تقوم به الأم في السابق، والناس أنكروا عليها قالوا: ما يجوز أن تفعلي هذا الشيء، فما رأي سماحتكم؟ فأجاب: "نعم.. الصحيح الإنكار، أنه ينكر على البنت أن تتصرف بشيء من مال أمها الآن؛ لأن أمها لما كانت عاقلة فالأمر بيدها، فلما اختل عقلها صار لا بد لها من ولي. ولهذا نقول: لا تتصرف في شيء من مالها إلا بعد أخذ ولاية من المحكمة، فالواجب عليها الآن أن تذهب إلى المحكمة وتبلغ القاضي بالواقع، وتطلب الولاية على أمها. السائل: هل يحق للولي عمل نفس العمل؟ الشيخ: إذا صار ولياً فإنه لا يتصرف في مالها إلا فيما هو لازم، أما التبرع فلا يتصرف فيه بشيء" انتهى. "لقاء الباب المفتوح" (13/ 18) . وعلى هذا، فلا يجوز تصدقكم من أموال جدتكم، وعليك أن تردي الخاتم الذي أخذتيه، فإنه لا يحل لك. والواجب العناية بأمر الجدة، والاهتمام بشأنها، والإنفاق عليها من مالها وحفظ الباقي لها، وما يدريكم لعل حالتها الصحية تحتاج يوما ما إلى مزيد الإنفاق عليها. أما قولك: هل يجوز أن تتصدق ببعض المال بنية أن يكون لوالدي الجدة؟ فالجواب: أنه لا يجوز ذلك إلا إذا أذنت فيه حال إفاقتها. وخلاصة الجواب: أنه لا يجوز التصدق من مال الجدة، وإذا أردتم ذلك فلابد من استئذانها في حال إفاقتها. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 132702 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2663 تعطيه الجمعية تكاليف دراسته وتشترط عليه أن يدفع جزءا من راتبه للفقراء [السُّؤَالُ] ـ[أنا أعمل في جمعية خيرية، تكفلنا بتدريس طالب جامعي بدفع جميع أقساطه الجامعية، ولكننا اشترطنا عليه بعد انتهائه من دراسته الجامعية، وتوظيفه أن يخصص جزءاً من راتبه للمحتاجين، هل يجوز أن نشترط عليه ذلك؟ وهل ما فعلناه صواب؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما تدفعه الجمعية الخيرية للطالب قد يكون من الزكاة المفروضة، أو صدقة التطوع، أو من وقف أوقفه أحد المحسنين، حسب المال المدفوع إليه. وقد يكون قرضا إذا اشتُرط عليه رد المال جملة أو مقسطا على أقساط، وفي جميع الأحوال لا يجوز أن يشترط عليه تخصيص جزء من راتبه المستقبلي للمحتاجين؛ لأنه لا وجه لهذا الشرط. والمقصود من إعطاء المال لهذا الطالب هو الإحسان إليه وليس المعاوضة، فلا يجوز أن تدفع الزكاة للمستحق ثم يشترط عليه إخراج شيء من ماله فيما بعد، وكذلك الأمر في الصدقة والوقف، إلا أن تعطيه الجمعية المال على سبيل القرض، ثم تطالبه برد مثله. والأفضل: أن هذا الطالب يعطى المال تمليكا له وليس قرضاً، ما دام مستحقاً لذلك. وإذا كان الحامل للمؤسسة على هذا التصرف هو الإحسان للمحتاجين، وتشجيع الناس على ذلك، فإنها تقتصر على الدعوة والترغيب، دون إلزام، فيقال للطالب مثلا: إن هذه الكفالة التي أعطيتها ينبغي أن تدعوك إلى كفالة الآخرين حين ينعم الله عليك بالعمل والراتب، أو نحو هذا مما يدعو ويرغب في الإحسان. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131880 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2664 صرف السلع المدعومة من الدولة وإعطاؤها للفقراء [السُّؤَالُ] ـ[عندنا بمصر الدولة تعطى بطاقة لصرف بعض السلع التموينية بأسعار بسيطة أي مدعمة من قبل الدولة لمتوسطي الدخل أو ضعيفي الدخل ولى أخ له بطاقة ولكن مَنَّ الله عليه بسفر إلى إحدى البلاد العربية للعمل وبعد سفره بمدة علمنا أنه كان لابد أن يتقدم إلى مكتب التموين لحفظ حقه وعدم صرف هذه السلع أثناء سفره، فهو الآن غير متواجد بمصر حتى يقوم بهذا العمل، فهل يجوز صرف هذه السلع وإعطائها للفقراء لأنّنا لو لم نقوم بصرفها صرفها التاجر الذي يقوم بإحضار هذه السلع من مكتب التموين، وصرفها للناس، وسيقوم ببيعها بأسعار مرتفعة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج في صرف هذه السلع والاستفادة منها أو إعطائها للفقراء والمحتاجين. والله أعلم. الصدقة [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131085 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2665 أعطاها زوجها مبلغاً من المال للصدقة فهل لها أن تتصدق على أختها منه؟ [السُّؤَالُ] ـ[أعطاني زوجي مبلغاً من المال للصدقة، هل يجوز أن أعطي هذا المبلغ لأختي لحاجتها دون علم زوجي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان زوجك قد وكلك في صرف هذا المال في وجوه البر، وحدد لك الجهة المعطى لها، فلا يجوز لك صرفه إلا فيما نص عليه. وإن لم ينص على جهة معينة بل قال لك: اصرفي هذا المال في وجوه البر، أو تصدقي به على فقير ... ونحو ذلك، فلا بأس أن تُعطي أختك المحتاجة من هذا المال بقدر حاجتها، بل هذا أولى وأفضل، ولا فرق في هذا بين صدقة التطوع، والزكاة. قال النووي في "المجموع" (2/235) : "أجمعت الأمة على أن الصدقة على الأقارب أفضل من الأجانب، والأحاديث في المسألة كثيرة مشهور ... قال أصحابنا: ويستحب تخصيص الأقارب على الأجانب بالزكاة حيث يجوز دفعها إليهم، كما قلنا في صدقة التطوع، ولا فرق بينهما , وهكذا الكفارات، والنذور والوصايا، والأوقاف، وسائر جهات البر يستحب تقديم الأقارب فيها حيث يكونون بصفة الاستحقاق" انتهى. ولأن أختك - ما دامت محتاجة إلى المال – فهي مصرف من مصارف الصدقة، لقول الله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ) التوبة/60. وقد سئل الشيخ عبد العزيز رحمه الله: هل يحق للبنت المتزوجة أن تقوم بتوزيع الثواب لوالدتها المتوفية، علماً بأن الزوج موافق على القيام بالثواب على نفقة الزوج؟ فأجاب: "لا مانع من الصدقة على الوالدين المسلمين من مالها أو مال الزوج إذا سمح تتصدق من مالها أو من مال الزوج ما يسر الله من المال لوالديها المسلمين، أو لإخوتها المسلمين، أو لخالاتها أو لعماتها أو لأولادها ..... فإذا أعطى زوجته، وقال: لا بأس، تصدقي من مالي أو قال لها أبوها كذلك، أو عمها إذا أعطاها مالاً تتصدق منه، فلا بأس" انتهى بتصرف يسير http://www.binbaz.org.sa/mat/13997 وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: هل يجوز للمرأة أن تخرج من مالها الخاص صدقة لأحد أقاربها الأموات دون علم زوجها، وما الحكم إذا كانت الصدقة من مال زوجها؟ فأجاب: "يجوز للمرأة أن تخرج من مالها الخاص صدقة عن أقاربها الأموات لوجه الله سبحانه وتعالى، وليعود ثوابها ونفعها إليهم؛ لأنها تتصرف من مالها، وهي حرة في مالها في حدود ما شرعه الله، والصدقة عمل صالح ويصل ثوابها إلى من تصدق عنه إذا تقبلها الله، أما أن تتصدق من مال زوجها وهو لا يمنع من ذلك وعرفت من زوجها ذلك، فلا مانع، أما إذا كان زوجها يمنع من ذلك فهذا لا يجوز" انتهى من "المنتقى من فتاوى الفوزان". والله أعلم [الْمَصْدَرُ] موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129929 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2666 هل إعانة شاب ملتزم على الزواج تعد من الصدقة الجارية؟ [السُّؤَالُ] ـ[توفيت والدتي وأوصت بثلث ذهبها أن يوضع في صدقة جارية , فهل إعانة شاب ملتزم على الزواج تعد صدقة جارية]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصدقة الجارية عند أهل العلم محمولة على الوقف الذي يبتغي به صاحبه وجه الله تعالى، وشبهه مما يدوم نفعه، وتستمر حسنته في الناس، فتستمر حسنته لصاحبه عند الله. فقد روى مسلم (1631) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ) . قال النووي رحمه الله: " قَالَ الْعُلَمَاء: مَعْنَى الْحَدِيث أَنَّ عَمَل الْمَيِّت يَنْقَطِع بِمَوْتِهِ , وَيَنْقَطِع تَجَدُّد الثواب لَهُ , إِلَّا فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة ; لِكَوْنِهِ كَانَ سَبَبهَا ; فَإِنَّ الْوَلَد مِنْ كَسْبه , وَكَذَلِكَ الْعِلْم الَّذِي خَلَّفَهُ مِنْ تَعْلِيم أَوْ تَصْنِيف , وَكَذَلِكَ الصَّدَقَة الْجَارِيَة , وَهِيَ الْوَقْف " انتهى. وقال ابن الأثير في "النهاية" (1/739) : " (صَدَقة جارِية) أي دَارّة مُتَّصِلة كالوُقُوف المُرْصَدة لأبواب البِرّ " انتهى. وقال السرخسي في "المبسوط" (12/32) : " مَقْصُودُ الْوَاقِفِ أَنْ تَكُونَ الصَّدَقَةُ جَارِيَةً لَهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " انتهى. وقال العز بن عبد السلام في "قواعد الأحكام" (1/135) : " وَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ الْجَارِيَةُ تُحْمَلُ عَلَى الْوَقْفِ وَعَلَى الْوَصِيَّةِ بِمَنَافِعِ دَارِهِ وَثِمَارِ بُسْتَانِهِ عَلَى الدَّوَامِ , فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ كَسْبِهِ , لِتَسَبُّبِهِ إلَيْهِ , فَكَانَ لَهُ أَجْرُ التَّسَبُّبِ " انتهى. وقال في أسنى المطالب (2/4457) : " وَالصَّدَقَةُ الْجَارِيَةُ مَحْمُولَةٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْوَقْفِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيّ " انتهى. وقال ابن عثيمين رحمه الله: " صدقة جارية: يعني أن يتصدق الإنسان بشيء ويستمر هذا الشيء، وأحسن ما يكون المساجد، بناء المساجد صدقة جارية؛ لأن أجر الباني مستمر مادام هذا المسجد قائما ليلا ونهارا، والمسلمون يمكثون في المساجد في صلاتهم وقراءتهم وتعلمهم العلم وتعليمهم العلم وغير ذلك. ومن الصدقات الجارية أن يوقف الإنسان وقفا من عقار أو بستان أو نحوه على الفقراء، والمساكين، أو على طلبة العلم، أو على المجاهدين في سبيل الله أو ما أشبه ذلك. ومن الصدقات الجارية أن يطبع الإنسان كتبا نافعة للمسلمين يقرءون فيها وينتفعون بها سواء كانت من مؤلفين في عصره أو من مؤلفين سابقين , المهم أن تكون كتبا نافعة ينتفع بها المسلمون من بعده. ومن الصدقات الجارية إصلاح الطرق؛ فإن الإنسان إذا أصلح الطرق وأزال عنها الأذى واستمر الناس ينتفعون بهذا، فإن ذلك من الصدقات الجارية. والقاعدة في الصدقة الجارية: كل عمل صالح يستمر للإنسان بعد موته " انتهى. "شرح رياض الصالحين" (ص 1587) وقال الشيخ الفوزان: " فهذه الأمور تلحق الميت: إذا أوقف وقفًا ينتفع به في سبيل الخير، واستمر هذا الوقف يفعل بعد وفاته فإنه يلحقه الأجر ما بقي هذا الوقف " انتهى. "المنتقى من فتاوى لفوزان" (41/11) وانظر جواب السؤال رقم: (43101) – (122361) وبناءاً على ما سبق؛ فما ورد في السؤال من إعانة الشاب المذكور على الزواج لا يعد من الصدقة الجارية، مع ما في ذلك من الأجر العظيم إن شاء الله لمن سعى في إعفافه وسد حاجته، والتسبب في تكثير نسل المسلمين. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129195 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2667 حكم صرف المال المبذول لإصلاح شيء في المسجد إلى شيء آخر في نفس المسجد [السُّؤَالُ] ـ[رجل دفع مالا للجنة قائمة على مسجد وقال: هذا المال يصرف في إنشاء دورات مياه مثلا، ولكن اللجنة رأت فيما بعد بالأغلبية أنهم بحاجة لصرفه في غير ما خصصه صاحب المال. فما الحكم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الأولى والأحوط أن يصرف فيما خصصه له باذله إذا كان الموضوع أمرا مشروعا، كدورة المياه أو أمرا مباحا، لكن إذا رأت اللجنة القائمة على تعمير المسجد أن الحاجة أو الضرورة تدعو إلى صرفه في تعمير المسجد فلا حرج في ذلك إن شاء الله؛ لأن تعمير المسجد أفضل وأعظم نفعا من تعمير دورات المياه حول المساجد؛ وما ذاك إلا لأن تعمير المسجد هو المقصود الأول، أما تعمير الدورات فهو من باب الوسائل والإعانة على تسهيل أداء الصلاة وكثرة المصلين، والله ولي التوفيق" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (20/13) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128204 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2668 حكم إنشاء الجمعيات الخيرية، ونصائح في التعامل مع أصحاب الأموال [السُّؤَالُ] ـ[نسأل عن حكم الجمعيات الخيرية، وما الضوابط التي تنصح بها السلفي في حالة التعاون معها - إن كان جائزاً - ومع أصحاب الأموال من عوام الناس الذين يحبون دعوتنا، ولا يعرفون تفاصيلها؛ لأنهم يثقون في إخواننا السلفيين بإعطائهم الأموال، وتوزيعها في أماكنها، وجزاكم الله خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إقامة الجمعيات الخيرية الإسلامية يعدُّ من الأعمال الجليلة للأشخاص القائمين على تأسيسها، ونرجو لهم تحصيل الأجور العظيمة بسبب إنشاء تلك الجمعيات؛ لما لها من نفع متعدٍّ للمسلمين، ضعفائهم، وفقرائهم، وإن إعانة هؤلاء، وتفريج كرباتهم: لهو من الأعمال الجليلة في شرع الله تعالى؛ لما لها من أجور جزيلة، ومن هذه الأعمال التي تقوم بها الجمعيات، ولها تلك الأجور: 1. كفالة الأيتام. عَنْ سَهْل بنِ سَعْد قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَأَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا - وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا -) . رواه البخاري (4998) . ومسلم (2983) من حديث أبي هريرة بلفظ قريب. 2. السعي على الأرامل. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ الْقَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ) . رواه البخاري (5038) ومسلم (2982) . 3. بناء المساجد. عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ بَنَى مَسْجِداً يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ) . رواه البخاري (439) ومسلم (533) . 4. قضاء الديون. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) . رواه مسلم (2699) . 5. تزويج العزاب. عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (المُسلِمُ أَخُو المُسلِمِ لا يَظلِمُهُ وَلا يُسْلِمُه، مَن كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَن فَرَّجَ عَن مُسلِمٍ كُربَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنهُ بِهَا كُربَةً مِن كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ، وَمَن سَتَرَ مُسلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَومَ القِيَامَةِ) . رواه البخاري (2442) ومسلم (2580) . 6. تفطير الصائمين. عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا) . رواه الترمذي (807) وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وابن ماجه (1746) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ". ويشمل ما سبق – وثمة كثير لم نذكره - وغيره من أعمال الجمعيات الخيرية: هذا الحديث المبارك، والذي هو نصٌّ في فضل الطاعات المتعدية: عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ رَجُلا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ وَأَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ , وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ , أَوْ تَكَشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً , أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا , أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا , وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخِ فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ - يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ - شَهْرًا , وَمَنَ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ , وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ مَلأَ اللَّهُ قَلْبَهُ رَجَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ , وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يَتَهَيَّأَ لَهُ أَثْبَتَ اللَّهُ قَدَمَهُ يَوْمَ تَزُولُ الأَقْدَامِ) . رواه الطبراني (12 / 453) وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " (955) . وعليه: فمن كان من الجمعيات الخيرية قائماً على مثل هذه المشاريع النافعة: فإنه يُعان، ويشجع عليها؛ لما في ذلك من التعاون على البر والتقوى المأمور به في قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) المائدة/ من الآية 2. ومن أهم ما ينبغي أن يهتم الإخوة القائمون على هذه الجميعات: أن يتحروا في أمر الأموال التي في أيديهم، فلا يتساهلوا في صرفها، بل ينبغي عليهم أن يضعوها حيث يجب، وأن يقدموا الأهم والأنفع من الأعمال التي يحتاجها أهل المكان، وأن يراعوا مصارف الزكاة الشرعية في أموال الزكوات، ولا يخرجوا عنها إلى غيرها، وإن كان من أبواب البر والخير، وأن يراعوا شرط الواقف إن كان تحت أيديهم وقف، أو شرط المتصدق والمنفق، إن شرط وجها معينا لنفقته، لأن الجمعية بمثابة الوكيل عنه، لا يجوز لها أن تتعدى شرطه. فإن بدا للإخوة القائمين عليه باب من الخير لم يأذن فيه، فلهم أن يدلوه عليه، حتى يدخله في نفقته، أو يصرف إليه ماله. ثانياً: ليست الجمعيات الخيرية كلها سواء من حيث المنهج، والاعتقاد، بل منها ما هو حزبي جلد، تتعصب لحزبها، ومنها ما يتبنى أفرادها اعتقاداً فاسداً، كالأشعرية، والتصوف. والموقف من الأولى يختلف عنه من الثانية، ففي حال كانت الجمعية حزبية – والحزب في إطاره العام من أهل السنَّة -: فإنها تُعان على ما فيه خدمة للإسلام، ولا تعان على ما في نشاط لحزبها، وجماعتها، وأما الجمعيات التي يقوم عليها أصحاب اعتقاد فاسد: فينبغي هجرها، وأن يقوم أهل السنَّة بإنشاء جمعية مستقلة خاصة بهم. ثالثاً: والموقف من أصحاب الأموال ينبغي أن يكون حكيماً، وإذا كانوا من أهل الدنيا، وليسوا أفراداً منكم: فإننا ننصح في التعامل معهم: 1. أن لا يكون التقرب منهم طمعاً في أموالهم، بل طمعاً في هدايتهم، وهم لو هداهم الله، واقتنعوا بالمنهج السلفي، واعتقدوا عقيدة أهل السنَّة والجماعة: فإن ذلك كافٍ ليقوموا بنصرته، بأموالهم، وجاههم. 2. أن تجعلوا بعضاً من عقلائهم ومعادن الخير منهم أعضاء في مجلس إدارة الجمعية؛ خاصة إذا كانت له وجاهة اجتماعية، يرجى من ورائها حصول خير عام للمسلمين. فإن من شأن هذا أن يُكسبكم ثقتهم، وفي الوقت نفسه يقربهم من الاعتقاد الصحيح، والمنهج السليم. 3. أن تتعاهدوهم بالعناية، والرعاية، وذلك بتقديمهم في احتفالات الجمعية، ونشاطاتها العامة، فكثير من هذه النفوس مجبولة على حب التقديم، وهذا ما يفعله أهل الدنيا معهم، فأنتم أولى بهذه المداراة، وليس في ذلك مخالفة لشرع الله. وفي فتح مكة قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ) . رواه مسلم (1780) . قال الدكتور علي الصلابي – حفظه الله -: ففي تخصيص بيت أبي سفيان شيئٌ يُشبع ما تتطلع إليه نفس أبي سفيان، وفي هذا تثبيت له على الإسلام، وتقوية لإيمانه، وكان هذا الأسلوب النبوي الكريم عاملاً على امتصاص الحقد من قلب أبي سفيان، وبرهن له بأن المكانة التي كانت له عند قريش: لن تنتقص شيئاً في الإسلام، إن هو أخلص له، وبذل في سبيله، وهذا منهج نبوي كريم، على العلماء، والدعاة إلى الله أن يستوعبوه، ويعملوا به في تعاملهم مع الناس. " السيرة النبوية، عرض وقائع، وتحليل أحداث " (ص 756) . 4. إيقافهم بأنفسهم على حالات محتاجة؛ وذلك حتى يطمئنوا إلى أن أموالهم تذهب في طريقها الصحيح، وحتى يكون هذا دافعاً لهم لاستقرار البذل، واستمراره، بل زيادته. 5. الدعاء لهم، والثناء عليهم ببذلهم، ولو كان ذلك في صورة شهادات باسم الجمعية، أو هدايا رمزية متجددة؛ حتى يستمر عطاؤهم، وتقوى قلوبهم على البذل، وفي شرعنا أُمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لكل من يأتي بزكاته، فقال تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) التوبة/ 103، وهو ما طبَّقه صلى الله عليه وسلم عمليّاً. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَتِهِمْ قَالَ: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ فُلَانٍ) فَأَتَاهُ أَبِي بِصَدَقَتِهِ فَقَالَ: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى) . رواه البخاري (1427) ومسلم (1078) . هذا ما ننصحكم به في التعامل مع أصحاب المال، والجاه، ونسأل الله تعالى أن يوفقكم لما فيه خير الإسلام والمسلمين. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127295 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2669 صناديق الأموال في المساجد، أنواعها، وأحكامها، وتنبيهات مهمة في أمرها [السُّؤَالُ] ـ[تقوم إدارة مسجد منطقتنا بعمل بعض النشاطات، مثل الطعام، وغيره، بعد كل عيد , وتكون هذه المصاريف مأخوذة من " بيت المال "، فما حكم حضور مثل هذه الأماكن؟ لأنني أرى وجود أمور تستحق أن يُنفق عليها أكثر من هذه الأمور، كمساعدة الفقراء، وشراء الكتب الدعوية، وغيرها من الأمور التي ترضي الله سبحانه وتعالى، وهل أذهب الى هناك اذا دُعيت لذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الذي وقفنا عليه في " صناديق المال " الموضوعة في المساجد: أنه يوجد تساهل من القائمين عليها في تجميعها، وفي إنفاقها. أما تجميعها: فالتساهل له صور، منها: 1. وضعها في صناديق غير محكمة الإغلاق؛ مما يجرِّئ ضعاف النفوس على سرقتها. 2. جعْل أمرها في يد شخص واحد، ومن المعلوم أن المال فتنة، وفي فعلهم هذا يعرِّضون ذلك القائم على أمرها لفتنة الأخذ منها لنفسه، وقد حصل جرَّاء هذا تعدِّي ضعاف الإيمان على أموال المسلمين، والأفضل جعل الصناديق في أيدي لجنة مشتركة، ممن يعرفون بالأمانة. 3. وضع صندوق واحد يتم فيه تجميع الأموال المختلفة ذات وجوه الإنفاق المختلفة، فيتم تجميع مال الكفارات، والصدقات، والزكوات، وهذا خطأ، بل يجب جعل صندوق خاص لكل مال له جهة خاصة في النفقات، فكفارات الأيمان لها صندوق ليُشترى به طعام، والزكاة لها صندوقها الخاص، والصدقات العامة لها صندوقها الخاص. وأما التساهل في إنفاقها: فله صور، منها: 1. إنفاق أموال الزكاة على الطعام، وشراء الكتيبات، وعلى النشاط الدعوي، وهذه كلها ليست من مصارف الزكاة. 2. الإنفاق على شراء طعام، أو نشاط دعوي، من الصندوق المخصص لإعمار وصيانة المسجد – مثلاً -، وينبغي مراعاة النية التي من أجلها دفع صاحب المال ماله، أو المجال الذي خصص ماله من أجله. سئل علماء اللجنة الدائمة: ما قولكم في " صندوق البرِّ " الموضوع في المسجد، يُنفق منه على الطلبة، وغيرهم، هل يوضع فيه من الزكاة؟ . فأجابوا: مصارف الزكاة بيَّنها الله سبحانه وتعالى بقوله: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة/ 60، وصناديق البرِّ التي توضَع في المساجد ـ وغالباً ما تكون لمصلحة المسجد ومَن يخدم أو يتعلم فيه ـ ليست من هذه الأصناف الثمانية، فلا يجوز وضع شيء فيها من الزكاة، ويشرع مساعدة أهلها بغير الزكاة المفروضة؛ لقول الله سبحانه وتعالى (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) المائدة/ 2، وقوله: (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) الحج/ 77. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. " فتاوى اللجنة الدائمة " (9 / 453، 454) . 3. التساهل في الإنفاق على المشاريع التي يوجد ما هو أولى منها، أو إنفاقها في أمور مبتدعة، كاحفالات لمناسبات بدعية. وأما بخصوص مشاركتك معهم في النشاط المأخوذ ماله من صندوق المسجد: فلا مانع منه، وهو يزيد الألفة والمحبة بينك وبين المسلمين المشاركين، وقد يكون ثمة مجال للقاء مسلم جديد فتعلِّمه دينه، أو كافر قد يرغب في الإسلام فتنقذه من نار جهنم، إلا أن المشاركة في الأنشطة المالية، أو التي تحتاج إلى نفقات من هذه الأموال، مشروطة بكون المال المنفَق على ذلك النشاط ليس من أموال الزكاة، أو الكفارات، أو المال الخاص بإعمار المسجد، فإن كان مالاً من صندوق الصدقات والتبرعات العامَّة: فلا نرى مانعاً ـ حينئذ ـ من مشاركتك معهم في هذه الأنشطة أيضاً، بل هو أفضل، ويرجى من ورائه خير لكم جميعاً، إن شاء الله. وانظر جواب السؤال رقم: (114375) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126090 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2670 ما هي الصدقة الجارية؟ [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أعرف أمثلة بسيطة للصدقة الجارية، وفي أي باب أنفق مالي في رمضان أو غيره: إفطار الصائمين، أم كفالة اليتيم، أم رعاية دور المسنين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصدقة الجارية هي الوقف، وهي الواردة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلاَّ مِنْ ثَلاَثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ) رواه مسلم (1631) . قال النووي رحمه الله في شرح هذا الحديث: " الصدقة الجارية هي الوقف " انتهى. " شرح مسلم " (11/85) . وقال الخطيب الشربيني رحمه الله: "الصدقة الجارية محمولة عند العلماء على الوقف كما قاله الرافعي، فإن غيره من الصدقات ليست جارية. "مغني المحتاج" (3/522-523) . والصدقة الجارية هي التي يستمر ثوابها بعد موت الإنسان، وأما الصدقة التي لا يستمر ثوابها ـ كالصدقة على الفقير بالطعام ـ فليست صدقة جارية. وبناء عليه: فتفطير الصائمين وكفالة الأيتام ورعاية المسنين - وإن كانت من الصدقات - لكنها ليست صدقات جارية، ويمكنك أن تساهم في بناء دار لليتامى أو المسنين، فتكون بذلك صدقة جارية، لك ثوابها ما دامت تلك الدار ينتفع بها. وأنواع الصدقات الجارية وأمثلتها كثيرة، منها: بناء المساجد، وغرس الأشجار، وحفر الآبار، وطباعة المصحف وتوزيعه، ونشر العلم النافع بطباعة الكتب والأشرطة وتوزيعها. فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ: عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ، أَوْ بَيْتًا لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ) رواه ابن ماجه (رقم/242) قال المنذري في " الترغيب والترهيب " (1/78) : إسناده حسن. وحسنه الألباني في " صحيح ابن ماجه " وانظر جواب السؤال رقم (69884) و (43101) . وينبغي للمسلم أن يعدد مصارف صدقاته، حتى يكون له نصيب من الأجر مع أهل كل طاعة، فتجعل جزء من مالك لتفطير الصائمين، وجزء آخر لكفالة اليتيم، وثالثاً لدار المسنين، ورابعاً تساهم به في بناء مسجد، وخامسا لتوزيع الكتب والمصاحف ... وهكذا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 122361 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2671 زيادة سعر اللحم لتوفير بعض نفقات المسجد [السُّؤَالُ] ـ[السؤال: نعاني أحيانا من صعوبات لتوفير الإيجار في المسجد، ونريد أن نضع زيادة واحد يورو على سعر كيلو اللحم الواحد – الذي يباع بعد تحري ذبحه بالطريقة الحلال - بهدف أن يذهب جزء من هذا اليورو إلى المسجد، وجزء آخر لتغطية النفقات من مواصلات وغيره للشخص الذي يتولى مسؤولية نقل اللحم بسيارته، وقد نقدم له مبلغاً زهيداً مقابل ذلك، وقد قام أحد الإخوة بإخبار الناس الذين يرغبون في شراء اللحم بذلك فتقبلوا الأمر، فهل يشرع هذا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما دام الذين يشترون اللحم يعلمون ذلك وقد وافقوا عليه، فلا حرج في ذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ) رواه أحمد (20172) ، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1459) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121361 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2672 هل التزام صدقة في يوم معين وبقدر معين بدعة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل التصدق بقدر معين - قد يكون ثابتاً - في يوم معين من كل أسبوع، ولكن بدون اعتقاد سنيتها، أو على سبيل الإلزام، ولكن فقط لإتاحة الظروف لمثل هذا، يعتبر بدعة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تخصيص المسلم عبادة بزمان أو مكان معين لم يرد به الشرع، من غير اعتقاد أن لذلك الزمان أو المكان فضل معين، وإنما هو لِظَرفٍ يعرض له، فيحتاج معه إلى هذا التخصيص، ليس من البدعة في شيء، ولا بأس به، فالإحداث في الدين هو الذي قصد فيه المتعبد الإحداث والاختراع بإضافة ذلك إلى الشريعة والدين، أو هو الذي يكون ذريعة مفضية إفضاء غالبا إلى ذلك، فحينئذ يقع المسلم في البدعة. قال الدكتور محمد حسين الجيزاني حفظه الله: " للبدعة الشرعية قيودٌ ثلاثة تختص بها، والشيء لا يكون بدعة في الشرع إلا بتوفرها فيه، وهي: 1- الإحداث. 2- أن يضاف هذا الإحداث إلى الدين. 3- ألا يستند هذا الإحداث إلى أصل شرعي، بطريق خاص أو عام .... ، وهذا المعنى يحصل بواحد من أصول ثلاثة: الأصل الأول: التقرب إلى الله بما لم يشرع. والثاني: الخروج على نظام الدين. ويلحق بهما أصل ثالث: وهو الذرائع المفضية إلى البدعة " انتهى باختصار. "قواعد معرفة البدع" (ص/18-23) . أما اعتياد عبادة معينة في زمان أو مكان معين لتيسر ظروف العبادة فيهما، من غير اعتقاد إلزام ولا مزيد فضل، فلا حرج فيه، كمن يعتاد صيام يوم الثلاثاء مثلا لأنه يوم إجازة عن العمل بالنسبة له، وكذلك من يعتاد قيام ليلة السبت لأنه متفرغ من عمله نهار السبت، ومثله من يعتاد قراءة القرآن بين المغرب والعشاء لتفرغه ذلك الوقت، وهكذا أمثلة كثيرة كلها جائزة؛ لأن شبهة الحدث في الدين منتفية، وكذلك ليس فيها ذريعة قريبة للإحداث والابتداع. وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: ما رأيكم فيما يفعله بعض الأئمة من تخصيص قدر معين من القرآن لكل ركعة ولكل ليلة؟ فأجاب: " لا أعلم في هذا شيئا؛ لأن الأمر يرجع إلى اجتهاد الإمام، فإذا رأى أنَّ مِن المصلحة أن يزيد في بعض الليالي أو بعض الركعات؛ لأنه أنشط، ورأى من نفسه قوة في ذلك، ورأى من نقسه تلذذا بالقراءة فزاد بعض الآيات لينتفع وينتفع من خلفه، فإنه إذا حَسَّن صوته وطابت نفسه بالقراءة وخشع فيها ينتفع هو ومَن وراءه، فإذا زاد بعض الآيات في بعض الركعات، أو في بعض الليالي فلا نعلم فيه بأسا، والأمر واسع بحمد الله تعالى " انتهى. "مجموع الفتاوى" (11/335) . وعليه؛ فلا نرى عليك حرجا في اعتياد الصدقة في يوم معين لتيسر الظروف فيه دون باقي الأيام، لا لقصد فضيلة معينة في ذلك اليوم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120096 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2673 التصدق بالثياب القديمة [السُّؤَالُ] ـ[هل التصدق بالثياب القديمة يدخل في قوله تعالى: (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله التصدق بالثياب القديمة، التي تلبس عادةً، وليست بالية مقطعة، لا يعد من التصدق بخبيث المال، بل الغالب أنها تكون من وسط المال. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حث من جاءه ثوب جديد أن يتصدق بالقديم. فقد روى الترمذي (3560) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: لَبِسَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثَوْبًا جَدِيدًا، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي مَا أُوَارِي بِهِ عَوْرَتِي، وَأَتَجَمَّلُ بِهِ فِي حَيَاتِي، ثُمَّ عَمَدَ إِلَى الثَّوْبِ الَّذِي أَخْلَقَ فَتَصَدَّقَ بِهِ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي مَا أُوَارِي بِهِ عَوْرَتِي، وَأَتَجَمَّلُ بِهِ فِي حَيَاتِي، ثُمَّ عَمَدَ إِلَى الثَّوْبِ الَّذِي أَخْلَقَ فَتَصَدَّقَ بِهِ كَانَ فِي كَنَفِ اللَّهِ، وَفِي حِفْظِ اللَّهِ، وَفِي سَتْرِ اللَّهِ حَيًّا وَمَيِّتًا) حسنه الحافظ ابن حجر في "نتائج الأفكار" (1/126) ، وضعفه الألباني في ضعيف الترمذي. وإنما يكون التصدق بالثوب القديم مكروهاً، إذا كان بالياً مقطعاً، لا يلبسه صاحبه في العادة، وحينئذ يدخل في قوله تعالى: (وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) البقرة/267. ومع هذه الكراهة، يكون لصاحبه من الثواب على قدر عمله وصدقته، وإن كان الأفضل أن يختار أفضل المال ويتصدق به. قال النووي رحمه الله: " يكره تعمد الصدقة بالرديء، قال الله تعالى: (وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ) ، ويستحب تعمد أجود ماله وأحبه إليه، قال الله تعالى: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) " انتهى. "المجموع" (6/241) . وجاء في "الموسوعة الفقهية" (26/336) : " يستحب في الصدقة أن يكون المتصدَّق به - أي: المال المعطَى - مِن أجود مال المتصدق وأحبه إليه , قال الله تعالى: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) آل عمران/92. قال القرطبي: والمعنى: لن تكونوا أبرارا حتى تنفقوا مما تحبون , أي: نفائس الأموال وكرائمها , وكان السلف - رضي الله عنهم - إذا أحبوا شيئا جعلوه لله تعالى. كان عمر بن عبد العزيز يشتري أعدالا من سكر ويتصدق بها , فقيل له: هلا تصدقت بقيمتها؟ قال: لأن السكر أحب إلي فأردت أن أنفق مما أحب. والمراد بالآية حصول كثرة الثواب بالتصدق مما يحبه " انتهى باختصار. وإذا كان المتصدق ليس عنده ما يتصدق به إلا ذلك الثوب القديم فلا كراهة في حقه، حتى ولو كان الثوب بالياً. قال الخطيب الشربيني رحمه الله: " وتكره الصدقة بالرديء لقوله تعالى: (وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ) ، فإن لم يجد غيره فلا كراهة " انتهى. "مغني المحتاج" (4/197) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120095 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2674 هل الصدقة أمام الغرباء من صدقة السر؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل الصدقة أمام ناس لا أعرفهم ولا يعرفونني تعتبر مثل " صدقة السر "؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الصدقة أمام الناس – ولو كان المتصدق غريبا بينهم، لا يعرفهم ولا يعرفونه – تعتبر صدقة بادية معلنة، فالإعلان والإبداء لا يشترط فيه أن يكون بين المعارف والأصحاب، فكل ما أظهره الإنسان فهو معلن. قال الله تعالى: (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) البقرة/271. قال ابن كثير رحمه الله: " (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ) أي: إن أظهرتموها فنعم شيء هي، وقوله: (وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُم) فيه دلالة على أن إسرار الصدقة أفضل من إظهارها؛ لأنه أبعد عن الرياء، إلا أن يترتب على الإظهار مصلحة راجحة من اقتداء الناس به، فيكون أفضل من هذه الحيثية " انتهى. "تفسير القرآن العظيم" (1/701) . والسنة النبوية في هذا الشأن تشعر باستحباب الإخفاء الشديد، فلا يعلم أحد عن تلك الصدقة، لا قريب ولا بعيد، ولا صديق ولا غريب. تجد ذلك في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في ذكر السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وذكر منهم: (وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ) رواه البخاري (660) ومسلم (1031) . فتأمل هذا الوصف البالغ للإسرار بالصدقة إلى حد إخفائها عن المتصدق نفسه. وإذا كانت العلة في تفضيل صدقة السر على صدقة الجهر هي البعد عن الرياء، فإن هذه العلة متحققة في الصدقة أمام الغرباء من الناس، إذ قد يبعث الشيطان في نفس المتصدق طلب نظر الناس إليه أثناء تصدقه، ولو كان لا يعرف هؤلاء الناس الذين حوله، فالنفس تحب نظر الناس إليها نظر الإعجاب والثناء. وفي إخفاء الصدقة عن الناس مطلقا – القريب والغريب – مصلحة للفقير، حيث لا يتعرض إلى ذل المسألة أمام الناس، فيكون ذلك أحفظ لماء وجهه، وأصون له عن الذل والامتهان، فإخفاء المتصدق صدقته عن جميع الناس، وجعلها بينه وبين الفقير فقط أولى وأفضل. قال القرطبي رحمه الله: " أما المُعْطََى إياها فإن السر له أسلم من احتقار الناس له أو نسبته إلى أنه أخذها مع الغنى عنها وترك التعفف. وأما حال الناس: فالسر عنهم أفضل من العلانية لهم، من جهة أنهم ربما طعنوا على المعطي لها بالرياء، وعلى الآخذ لها بالاستغناء " انتهى. ويقول العلامة الطاهر ابن عاشور رحمه الله - في فوائد الآية السابقة في سورة البقرة -: " فيها: تفضيل لصدقة السرّ؛ لأنّ فيها إبْقاء على ماءِ وجه الفقير، حيث لم يطّلع عليه غير المعطي " انتهى. "التحرير والتنوير" (2/466) . ثم إن في الإسرار بالصدقة مطلقا تربية للنفس على الإخلاص لله تعالى، واعتياد طلب مرضات الله دائما دون مرضات الناس. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120093 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2675 التصدق من أجرة الحجامة [السُّؤَالُ] ـ[أتقاضى أجرًا محددًا مقابل الحجامة، هل يجوز أن أتصدق من هذا المال؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصحيح الذي عليه جماهير أهل العلم: أن التكسب بالحجامة غير محرم، وغايته أن يكون مكروها كراهة تنزيه، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أعطى الحجام أجره، ولو كان حراماً لم يعطه. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم: (71303) . وبناء عليه: لا حرج في التصدق من أجرة الحجام، فهو مال حلال، اكتسبه بطريق حلال، فيجوز له إنفاقه في الوجوه المشروعة. وقد روى الترمذي (1277) عَنِ ابْنِ مُحَيِّصَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِجَارَةِ الحَجَّامِ [أي: أجرته] ، فَنَهَاهُ عَنْهَا، فَلَمْ يَزَلْ يَسْأَلُهُ وَيَسْتَأْذِنُهُ، حَتَّى قَالَ: (اعْلِفْهُ نَاضِحَكَ، وَأَطْعِمْهُ رَقِيقَكَ) وصححه ابن الملقن في "البدر المنير" (9/403) ، والألباني في "صحيح الترمذي". قال ابن قدامة رحمه الله: " قول النبي صلى الله عليه وسلم في كسب الحجام: (أطعمه رقيقك) : دليل على إباحة كسبه , إذ غير جائز أن يطعم رقيقه ما يحرم أكله , فإن الرقيق آدميون , يحرم عليهم ما حرمه الله تعالى، كما يحرم على الأحرار " انتهى. "المغني" (5/313) . وروى ابن أبي شيبة (5/115) عن عطاء قال: دخلت على ابن عباس وغلام له يحجمه , قال: يا ابن عباس! ما تصنع بخراج هذا؟ [يعني الأجرة التي يأخذها الغلام مقابل الحجامة] قال: آكله وأوكله , وأشار بيده إلى فيه. فإذا جاز إطعام الناس من كسب الحجامة، جاز التصدق منه. وينظر للفائدة جواب رقم: (21406) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 119717 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2676 يريد التصدق وعليه ديون [السُّؤَالُ] ـ[هل يستطيع شخص التصدق لو كان عليه ديون؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله حقوق العباد من أخطر ما يتحمله المسلم في دنياه وآخرته، فلا يجوز أن يتساهل في أدائها، ولا تقديم المستحبات - كالصدقة - عليها، فإن فعل فقد فرط في حقوق الناس، ولم يراع حرمتها، ولم يحفظ معروف من أحسن إليه بها. ولاشك أن أداء الدين مقدم على صدقة التطوع، بل نص بعض الفقهاء على حرمة تصدق من عليه دين، وبوب البخاري في هذا الموضوع بابا قال فيه: " باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى، ومن تصدق وهو محتاج، أو أهله محتاج، أو عليه دين، فالدين أحق أن يقضى من الصدقة والعتق والهبة، وهو رَدٌّ عليه، ليس له أن يتلف أموال الناس " انتهى. "فتح الباري" (3/294) . وقال الشربيني رحمه الله – شارحا متن المنهاج للنووي -: "ومَن عليه دَيْن يستحب له أن لا يتصدق حتى يؤدي ما عليه. [قلت – أي النووي -: الأصح تحريم صدقته بما يحتاج إليه لدين لا يرجو له وفاء لو تصدق به. والله أعلم] . أما تقديم الدين فلأن أداءه واجب، فيتقدم على المسنون، فإن رجا له وفاء من جهة أخرى ظاهرة فلا بأس بالتصدق به إلا إن حصل بذلك تأخير. وقد وجب وفاء الدَّيْن على الفور بمطالبة أو غيرها، فيجب المبادرة إلى إيفائه، وتحريم الصدقة بما يتوجه إليه دفعه في دَيْنه" انتهى باختصار وتصرف. "مغني المحتاج" (4/197) . وجاء في "كشاف القناع" (2/298) من كتب الحنابلة: "ووفاء الدَّيْن مقدم على الصدقة، لوجوبه " انتهى. وقال الدكتور وهبة الزحيلي في "الفقه الإسلامي وأدلته" (3/394) : "يستحب ألا يتصدق من عليه دَيْن، حتى يؤدي ما عليه، والأصح عند الشافعية تحريم الصدقة من مدين لا يجد لدينه وفاء؛ لأنه حق واجب، فلم يجز تركه بصدقة التطوع، فيقدم الدَّيْن لأن أداءه واجب، فيتقدم على المسنون، فإن رجا له وفاء من جهة أخرى ظاهرة، فلا بأس بالتصدق به، إلا إن حصل بذلك تأخير، وكان الواجب وفاء الدين على الفور بمطالبة أو غيرها " انتهى باختصار. وعلى هذا، فينبغي لمن عليه دين أن يبادر بسداده لصاحبه، ويقدم ذلك على صدقة التطوع. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 115699 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2677 هل يجوز للوالد التبرع بالمال وعليه وعلى أبنائه ديون مالية؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للوالد أن يتبرع بالأموال وهو عليه دين، وكذلك على أولاده ديون مالية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ينبغي للمسلم أن يسارع في أداء حقوق العباد، فإن الإنسان لا يدري متى يأتيه الأجل، وإذا مات الإنسان وعليه ديون فهو على خطر عظيم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا عن الشهيد ـ مع عظم منزلته عند الله ـ أنه يغفر له كل شيء إلا الدين. رواه مسلم (1855) . وهذا يدل على عظم شأن الديون، وعظم المسؤولية فيها. فالذي ينبغي أن يبدأ الإنسان أولاً بسداد ما عليه من الديون، ثم إن بقي معه مال تصدق به إن شاء، بل قد تكون صدقته محرمة، إذا ترتب عليها تأخير الدين عن صاحبه، أو العجز عن السداد. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "بعض الناس يكون عليه دين ثم يتصدق ويقول: أحب هذه الصدقة، وهذا حرام، كيف تتصدق وأنت مدين؟! أدِّ الواجب أولا، ثم التطوع ثانيا؛ لأن الذي يتصدق ولا يوفي الدين كالذي يبني قصرا ويهدم مصرا، أنت الآن مطالب أن توفي دينك، كيف تتصدق؟! أَوْفِ، ثم تصدق" انتهى. "شرح رياض الصالحين" (3/300) طبعة مكتبة الصفا. وقال أيضا: " قضاء الدَّين أهم من الحج، والريال الذي يصرفه في قضاء الدَّين خير من عشرة ريالات يصرفها في الحج " انتهى. "لقاءات الباب المفتوح" (لقاء رقم/1، سؤال رقم/35) . وسئل أيضاً: سمعت من بعض الناس أن الصدقة المبذولة من شخص عليه دين غير مقبولة، ولا يؤجر عليها، فهل صحيح هذا؟ فأجاب: "الصدقة من الإنفاق المأمور به شرعا، والإحسان إلى عباد الله إذا وقعت موقعها، والإنسان مثاب عليها، وكل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة، وهي مقبولة، سواء كان على الإنسان دين أو لم يكن عليه دين إذا تمت فيها شروط القبول، بأن تكون بإخلاص لله عز وجل، ومن كسب طيب، ووقعت في محلها. فبهذه الشروط تكون مقبولة بمقتضى الدلائل الشرعية. ولا يشترط ألا يكون على الإنسان دين. لكن إذا كان الدين يستغرق جميع ما عنده، فإنه ليس من الحكمة، ولا من العقل أن يتصدق، والصدقة مندوبة وليست بواجبة، ويدع ديناً واجبا عليه، فليبدأ أولا بالواجب، ثم يتصدق. وقد اختلف أهل العلم فيما إذا تصدق وعليه دين يستغرق [جميع ماله] : فمنهم من يقول إن ذلك لا يجوز له لأنه إضرار بغريمه وإبقاء لشغل ذمته بهذا الدين الواجب. ومنهم من قال إنه يجوز، لكنه خلاف الأولى. وعلى كل حال فلا ينبغي للإنسان الذي عليه دين يستغرق جميع ما عنده لا ينبغي له أن يتصدق حتى يوفي الدين؛ لأن الواجب أهم من التطوع " انتهى باختصار. "فتاوى نور على الدرب" (فتاوى الزكاة والصوم – حكم الزكاة، صدقة التطوع، زكاة الدين) (شريط/105 –وجه أ) . فالذي ينبغي على الوالد أن يحرص على سداد ديونه قبل الصدقة، كي يبرئ ذمته من حقوق العباد. وأما قضاء ديون أولاده، فإن كانت هذه الديون أخذوها من أجل النفقة، كالمسكن والملبس والمأكل وجب على الوالد سدادها، لأنه يجب عليه أن ينفق على أولاده إذا كانوا فقراء، وكان هو غنياً. وإذا كانت هذه الديون ليست من أجل النفقة فلا يجب على الوالد سدادها، ولكن سدادها خير له وأعظم ثواباً من الصدقة على الغريب، لأنه إذا سدد ديون أولاده، أخذ ثواب الصدقة وثواب صلة الرحم والإحسان إلى الأولاد. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَهِيَ عَلَى ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَة) رواه الترمذي (658) والنسائي (2582) وصححه الألباني في صحيح النسائي. قال المباركفوري في "تحفة الأحوذي": "يعني: أن الصدقة على الأقارب أفضل، لأنه خيران، ولاشك أنها أفضل من خير واحد" انتهى. فتبين بذلك أن الأفضل للوالد أن يبدأ بسداد ديونه وديون أولاده، بل قد يكون ذلك واجباً في بعض الأحوال كما سبق تفصيله. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 115232 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2678 هل تخرج صدقة جارية على والدها من مصروف البيت؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن أخرج صدقة جارية على روح والدي الله يرحمه أم لا؟ لأني لا أعمل. وإذا كان يجوز هل عليّ أن أستأذن زوجي المغترب في ذلك أم أخرج من مصروفي الذي يبعثه لي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: يجوز أن تتصدقي عن والدك صدقة مقطوعة، أو صدقة جارية وهي الوقف، بأن تجعلي المال في بناء مسجد أو مبرد مياه أو في طباعة مصاحف أو كتب علم ونحو ذلك من الأمور التي تبقى، فيلحقه الأجر ما بقيت، وذلك لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثَةٍ: إِلا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ) رواه مسلم (1631) . وإذا كان زوجك يعطيك مصروفا خاصا بك، بحيث يصير ملكا لك، تتصرفين فيه كما تحبين، فلك أن تتصدقي من هذا المال، لأنه مالك شرعا. وإذا كان المصروف إنما هو للإعاشة والنفقة، وما يفيض منه يبقى على ملك الزوج، فحينئذ إن أذن لك في الصدقة أو في أخذ المال إذنا صريحا، أو علمت من خلقه وحاله رضاه بالصدقة من هذا المصروف، فلا حرج عليك، ولك وله الأجر إن شاء الله. وقد روى البخاري (1425) ومسلم (1024) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا أَنْفَقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ كَانَ لَهَا أَجْرُهَا، وَلَهُ مِثْلُهُ بِمَا اكْتَسَبَ، وَلَهَا بِمَا أَنْفَقَتْ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْتَقِصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا) . وأما إذا لم يأذن لك، أو علمت من حاله أنه لا يرضى بهذا التصرف، فلا يجوز لك أن تتصدقي من ماله إلا بإذنه؛ لما روى أبو داود (3565) عن أَبي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لا تُنْفِقُ الْمَرْأَةُ شَيْئًا مِنْ بَيْتِهَا إِلا بِإِذْنِ زَوْجِهَا. فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلا الطَّعَامَ؟ قَالَ: ذَاكَ أَفْضَلُ أَمْوَالِنَا) صححه الألباني في صحيح أبي داود. فالحديث الأول محمول على التصدق بالأمر اليسير الذي جرت العادة بالتسامح فيه، أو مع العلم بأن الزوج لا يمنع منه. والحديث الثاني محمول على التصدق بالأمر الكثير، أو مع العلم بكراهة الزوج لذلك ومنعه. وإذا حصل الشك وعدم الجزم بموقف الزوج من التبرع، لزم استئذانه، لأن الأصل عدم التصرف في مال الغير إلا بإذنه. جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (10/81) : "الأصل أنه ليس للمرأة أن تتصدق من مال زوجها بدون إذن منه، إلا ما كان يسيرا قد جرت العادة به، كصلة الجيران والسائلين بشيء يسير لا يضر زوجها والأجر بينهما؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها أجره بما اكتسب، وللخازن مثل ذلك لا ينقص بعضهم من أجر بعض شيئا) متفق عليه " انتهى. وينظر جواب السؤال رقم (47705) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114837 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2679 الإنفاق من صندوق صدقات المسجد على إصلاح مخبز الحي [السُّؤَالُ] ـ[يوجد في منطقتنا مخبز حكومي يخدم أهل الحي جميعا، سقف المخبز من الصاج وقد حصل به تلف، ولو انتظرتا الإصلاح من الحكومة فقد يتأخر كثيراً أو قد لا يتم الإصلاح فهل يمكن المساهمة في إصلاحه من أموال الصدقات الموجودة في مسجد الحي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا تخلو الأموال المدفوعة للمسجد من ثلاث احتمالات: الاحتمال الأول: أن تكون من أموال الزكاة، فهذه تصرف في مصارف الزكاة، وليس منها المرافق العامة كبناء الجسور والمستشفيات والمخابز إصلاحا أو تأسيسا. الاحتمال الثاني: أن تكون تبرعات مطلقة لم يحدد أصحابها لها جهة، فهذه يمكن صرفها في أي جهة خيرية، فلا حرج من الإنفاق منها على إصلاح المخبز المذكور. الاحتمال الثالث: أن تكون تبرعات مقيدة بجهة، كما لو اشترط أصحابها أن تنفق على المساجد، أو على الفقراء ... ونحو ذلك، ومثلها لو كان صندوق جمع التبرعات قد كُتب عليه ما يفيد أن هذه الصدقات تصرف في جهة معينة، فالواجب التقيد بتلك الجهة، ولا يجوز صرف تلك الصدقات إلى غيرها، وعلى هذا، فلا يجوز إصلاح المخبز منها. والحاصل: أنه لا حرج من الإنفاق من صندوق الصدقات الموجود بالمسجد على إصلاح هذا المخبز، إذا كانت الصدقات صدقة تطوع، ولم يحدد لها أصحابها مصرفاً معيناً. التبرعات والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام وسؤال وجواب الحديث: 114375 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2680 التصدق بالملابس المستعملة، من غير غسلها!! [السُّؤَالُ] ـ[بما أنني في حالة استياء بعد ما فكرت أنني عملت عملا جيدا، هذا الذي حدث عندما كنت أعمل في مكان ما، وتركت سيارتي، جاءني أحد المارة، وقال لي هل ستشتري بعض أعواد البخور فتساعدني؟ أعطاني علبتين، وأخذ مني درهمين، ثم قال لي "بما أنه شتاء فهل يمكن أن تشتري لي بطانية؟ " أعطيته 50 درهما، فكان سعيدا ثم أخبرني أنه ليس لديه عمل وعليه أن يدفع إيجار البيت، وهذا هو السبب الذي جعله يبيع أعواد البخور. لم يكن عندي مانع أن أعطيه 100 درهم أخرى، ثم قال لي إنه يلبس جاكيت أعطاه إياه رجل، فقلت له أحب أن أعطيك جاكيت ما دام أنه ليس معك والجو بارد، ثم قال جيد أن أعطيه لكي يهبه لأولاده. عندها أعطيته جاكيتي الذي كان في السيارة وأخبرته أنه ليس مغسول، فقال ليس مشكلة وأخذه. لست مباليا بكل ما فعلت وخاصة المال، إلا أنني عندما عدت سألت أمي هل بإمكاننا أن نعطي ملابس من ملابسنا لشخص ما، أجابتني بإجابة هزت حياتي، قالت: لا تعط أحد لباسا إذا لم يغسل، وخاصة في الليل، وأخبرتني بقصة رجل الذي بركته كاملة مسحت، بل إنه لم يملك ملابس ليلبس طوال العام. يا شيخ لقد شعرت فقط بأسف على ذلك الشخص وأردت أن أساعده، والآن أشعر بحالة الأسى. أرجو النصيحة عما يمكنني فعله في هذه المسألة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أخانا الكريم أحسنت – أحسن الله إليك – فيما فعلت من مساعدة هذا المسكين، قال تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) البقرة/261-262، وقال الله تعالى: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) سبأ/39. وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفىء غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر) رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن، وقال عنه الألباني: " حسن لغيره " انتهى. "صحيح الترغيب والترهيب" (1/216) . وأما ما أمرت به أمك، فليس له أصل في الدين، ولا فرق بين أن يتصدق الإنسان بجديد، أو بما هو عنده من الثياب المستعملة، ولو لم تغسل. وأما قصة الذي غسلت بركته، كما ذكرت، فلا شك أنها من قصص أهل الجهل والخرافة، والبركة ليست في الملابس، بل البركة في الدين، واتباع سيد المرسلين، ولا يجوز التبرك بشيء من ملابس شخص، أو جسده، بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. غير أن الذي ننصح به أن يتحرى الإنسان بصدقته أهل الحاجة المتعففين عن السؤال، أو من يغلب على ظنه الصدق في المسألة، ولا يسأل أموال الناس تكثرا، ويتخذها مهنة يأكل بها أموال الناس بالباطل، فإن جهل حال السائل، فله أن يعطيه بقدر ما يدفع عنه مسألته، أو يغلب على ظنه الوفاء بحاجبته، إن كان ذا حاجة. على أنه إذا قدر أن السائل كان كاذبا، فإن ذلك لا يضرك عند الله، ولا ينقص أجرك، إن شاء الله، ما دمت أخرجت هذه الصدقة لله، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (قَالَ رَجُلٌ لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ سَارِقٍ فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ تُصُدِّقَ عَلَى سَارِقٍ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ زَانِيَةٍ فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى زَانِيَةٍ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى زَانِيَةٍ لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ غَنِيٍّ فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ تُصُدِّقَ عَلَى غَنِيٍّ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى سَارِقٍ وَعَلَى زَانِيَةٍ وَعَلَى غَنِيٍّ، فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ أَمَّا صَدَقَتُكَ عَلَى سَارِقٍ فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعِفَّ عَنْ سَرِقَتِهِ، وَأَمَّا الزَّانِيَةُ فَلَعَلَّهَا أَنْ تَسْتَعِفَّ عَنْ زِنَاهَا، وَأَمَّا الْغَنِيُّ فَلَعَلَّهُ يَعْتَبِرُ فَيُنْفِقُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ) رواه البخاري (1421) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114257 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2681 هل الأفضل الحج تطوعاً أو التبرع للمجاهدين في سبيل الله؟ [السُّؤَالُ] ـ[حججت الفريضة والحمد لله واعتمرت، فهل الأفضل أن أسافر للعمرة، أو أتصدق بهذا المال للمجاهدين في سبيل الله؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "كل من السفر للعمرة والإنفاق في سبيل الله عمل طيب مشكور، لكن العمرة نفعها قاصر على المؤدي لها، وأما الإنفاق في الجهاد فنفعه متعدي؛ فيكون البذل فيه أولى وأفضل. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان. "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/328) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109301 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2682 هل يحجج أخته الفقيرة أو يقضي ديون زوجها؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا رجل موسر الحال، ولي شقيقة، زوجها معسر الحال، وصار معه حادث وأصبح مديوناً وغير قادر على سداد الدين؛ لأن عائلته كبيرة جداً، وهو المعيل الوحيد لعائلته، وأنا أديت فريضة الحج، وحججت ثانياً، والآن أريد أن أحج للمرة الثالثة وأحجج شقيقتي على نفقتي الخاصة؛ لأنها لا تقدر أن تؤدي فريضة الحج، ما هو أفضل عند الله تعالى: أحجج شقيقتي وأنا معها، أو أفك عسر زوجها بمصاريف الحج وتكاليفه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كان الواقع كما ذكر من أن زوج أختك تحمل ديوناً وليس لديه سدادها، فالأولى أن تقضي ديونه بما لديك، وتؤجل تحجيج أختك؛ لأن قضاء دين زوجها وتفريج كربتهما جميعاً أهم من تحجيجها، وأنفع لهما جميعاً، وليس عليها حج حتى تستطيع. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/44) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109326 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2683 هل يعطى القادر على التكسب من الصدقة؟ [السُّؤَالُ] ـ[نحن مجموعة نقوم بكفالة عدد من الأسر الفقيرة من أموال الصدقات التي تردنا من أهل الخير، وبعض تلك الأسر الفقيرة يوجد بها أفراد (رجال أو نساء) قادرون على العمل ولكنهم اعتادوا على تلقي الصدقات بشكل شهري وبدؤوا يرفضون العمل في حال توفره لهم، ومن تلك الأعمال التي قاموا برفضها (الخياطة - العمل كفراش أو مراسل في مدرسة - بيع المأكولات داخل المدرسة أو الحي) . فسؤالي هو: هل نكون بإعطائهم هذه الأموال صرفناها في الوجه الصحيح؟ وهل نكون قد تسببنا في كسلهم في طلب الرزق، وهل بإيقافها عنهم نكون قد ارتكبنا إثما؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ما تقومون به من كفالة عدد من الأسر الفقيرة، هو عمل جليل تشكرون عليه، ونسأل الله أن تقبل منكم. ثانياً: ما يدفعه الإنسان من الصدقات، فهو على نوعين: 1. صدقات واجبة، وهي الزكاة، فهذه لا يجوز أن تُعطى إلا لمن ذكرهم الله في قوله: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة/60. ولا يجوز دفع الزكاة إلى قادر على العمل واكتساب ما يكفيه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا حظ فيها لغني، ولا لقوي مكتسب) رواه أبو داود (1633) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (876) . 2. صدقات مستحبة، وهو ما يدفعه الإنسان من غير الزكاة، فهذه يجوز أن يُعطى منها الفقير والغني، ولكن الأفضل أن يعطيها لمن هو محتاج إليها. قال النووي رحمه الله: " تحل صدقة التطوع للأغنياء بلا خلاف، فيجوز دفعها إليهم، ويثاب دافعها عليها , ولكن المحتاج أفضل. قال أصحابنا: ويستحب للغني التنزه عنها , ويكره التعرض لأخذها ... ولا يحل للغني أخذ صدقة التطوع مظهرا للفاقة [الفقر] " انتهى. "المجموع " (6/236) . وللفائدة راجع جواب السؤال رقم (82673) . فعلى هذا، إذا كان المال الذي تدفعونه لتلك الأسر هو من أموال الزكاة، فلا يجوز دفعه إليهم، إلا لمن كان منهم فقيراً لا يقدر على التكسب. وإذا كان المال الذي تدفعونه من أموال الصدقات المستحبة، فيجوز دفعه إليهم، وإن كان الأفضل أن تُصرف الصدقة المستحبة لمن كان فقيراً؛ سداً لحاجته وفقره. ولا تكونون آثمين إذا لم تدفعوا هذه الأموال إلى القادرين على التكسب، لأنهم غير مضطرين إليها. وإذا نص أصحاب الأموال على أن صدقتهم تُصرف إلى الفقراء فقط، فهنا يجب أن تُصرف على الفقراء فقط، ولا يجوز إعطاؤها لمن كان غنياً. وعليكم أن تنصحوا من كان قادراً على التكسب، بأن يترك سؤال الناس وأن يشتغل بعمل يدر منه مالاً يعفه عن سؤال الناس. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109202 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2684 هل يكفل الأيتام أم المسنين؟ [السُّؤَالُ] ـ[يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أنا وكافل اليتيم كهاتين) سألت في المسجد عن المحتاجين من الأيتام وعلمت أن هناك من هم أشد فقراً وحاجةً من الأيتام: إنهم فقراء المسنين، فمنهم الذين لا يملكون قوت غدهم على الأكثر، ومنهم الذي فقد صحته وربما نظره، ولا عائل لهم، إنهم أيضا أيتام ولكن أيتام الأبناء والعائل، وحزنت على حالهم وأمنيتي جوار الرسول صلى الله عليه وسلم، وقلبي حزين لهؤلاء المساكين (المسنين المنسيين) خصوصاً وإن الأيتام يهتم بهم كثير من الناس، ما العمل جزاكم الله كل الخير؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله كفالة المسنين وإزالة الضرر عنهم أحد فروض الكفاية، فيجب أن يوفر لهم عيش كريم، وتجب لهم حقوق الإنسان كاملة موفرة، ولا شك أن في القيام بذلك ابتغاء مرضاة الله خيراً كثيراً، فما تنفقه من مال في سبيل رعايتهم مكتوب مضاعف إن شاء الله، قال الله تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) البقرة/261. ثم إن في عملك هذا تفريجا للكرب، وتنفيساً للشدائد، وعوناً للأخ المسلم، وقد رغب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك أيما ترغيب حين قال: (مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ) رواه مسلم (4867) . ولا شك أن ثواب كفالة اليتيم عظيمة، ولكن مع ذلك ينبغي للإنسان أن يقدم بصدقته من هو أشد فقراً وحاجة، وقد يكون اليتيم له مال ينفق منه، أو له من ينفق عليه من الأغنياء، فيكون غيره الذي لا مال له، ولا أحد ينفق عليه أولى بالصدقة عليه ومعاونته، ويكون أكثر ثواباً إن شاء الله من ثواب الإنفاق على اليتيم. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله – بعد ما ذكر أهل الزكاة الثمانية: "فإن قيل: أيها أولى أن تصرف فيه الزكاة من هذه الأصناف الثمانية؟ قلنا: إن الأولى من كانت الحاجة إليه أشد، لأن كل هؤلاء استحقوا الوصف، فمن كان أشد إلحاحاً وحاجة فهو أولى، والغالب أن الأشد هم الفقراء والمساكين، لهذا بدأ الله تعالى بهم فقال: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ) التوبة/60 " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/339) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106811 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2685 زادت التبرعات عن حاجة المسجد فماذا يعمل بها؟ [السُّؤَالُ] ـ[قمت بجمع تبرعات لبناء جامع للقرية، وتم بناء الجامع، وتبرع بعض أهالي الخير بإكمال عملية التشطيب؛ لأن المبلغ المتبقي لدي لا يفي بذلك، وبقي عندي باقي التبرعات، فهل يصح صرف ما تبقى من تبرعات في تسوير مصلى العيدين والمقبرة في القرية، وهل يصح صرف الفائض في شراء مكيفات وفرش لمساجد القرية الأخرى؟ وهل يصح صرف الفائض في مساعدة المتزوجين والفقراء والمساكين في القرية، وكل ذلك يكون بنية ثوابها للمتبرعين بها؟ علما أن المتبرعين من أهل القرية ومن خارجها.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "يجوز لك إنفاق المال المتبقي عندك من عمارة المسجد الذي أشرفت عليه في عمارة مسجد آخر إذا كان المسجد الأول ليس بحاجة إليه، ولا يجوز لك صرف المبلغ المذكور في غير تعمير المساجد؛ لأنه صرف له في غير الوجه الذي تبرع به صاحبه له " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (المجموعة الثانية 5/208) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106519 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2686 هل تدفع الصدقة المستحبة لغير المسلم؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان الرجل محتاجاً إلى الصدقة وهو لا يصلي، فهل يجوز التصدق عليه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " الصدقة الواجبة من الزكاة وغيرها من الواجبات المالية كالكفارات والنذور، وصدقة الفطر لا تدفع إلى كافر إلا إذا كان من المؤلفة قلوبهم، أما صدقة التطوع والتبرعات، فيجوز دفعها إلى غير مسلم إذا كان يترتب على هذا مصلحة ككونه قريبا من الأقرباء أو غير ذلك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنه: (صِلِي أمك) ، وكانت كافرة. أما الزكاة والصدقات الواجبة، فلا يجوز دفعها إلى الكافر إلا في حالة المؤلفة قلوبهم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الزكاة: (تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم) يعني المسلمين " انتهى. "المنتقى من فتاوى الفوزان" (2/333) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105302 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2687 هل يكتب أجر الصدقة بمجرد وضعها في الصندوق أم بوصولها للمستحق؟ [السُّؤَالُ] ـ[لدي صندوق صدقة في منزلي، وأتصدق فيه كل يوم تقريباً - ولله الحمد -، وعندما أضع فيه الصدقة أدعو ربي بما أريد، ثم أضعها؛ فهل تُحسب لي في الوقت الذي أتصدق فيه، أم عندما أُخرج الصندوق بأكمله للفقراء - علماً بأنني أستعين بالصدقة على تيسير أموري كلها -؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نسأل الله أن يتقبل منك صدقاتك، وأن يجزيك أعظم الجزاء، وقد أحسنتَ صنعاً إذ فعلتَ هذا، ولعلك أن يكون لك مثل أجور من فعل مثل فعلك. وبذل الصدقات من أعظم ما يتقرب به العبد لربه عز وجل، وقد ذكرنا في جواب السؤال رقم: (36783) طائفة من النصوص في بيان فضل التصدق، والصدقة لغة: مأخوذة من الصِّدق؛ إذ هي دليل على صِدق مخرجها في إيمانه. انظر: " فتح القدير " (2 / 399) . وننبه هنا إلى أمرين مهمين: 1. أن من الصدقات ما هو واجب، وليست كلها نفلاً. 2. أن الصدقة ليست بالمال وحده، بل " كل معروف صدقة " – كما رواه البخاري (5675) -، فالتسبيحة صدقة، والتهليلة صدقة، والأمر بالمعروف صدقة. ويجمع هذين الأمرين هذين الحديثين: أ. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كُلُّ سُلَامَى مِنْ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ: كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ يَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ وَيُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ، وَيُمِيطُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ) . رواه البخاري (2827) ومسلم (1009) . ب. عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنْ الضُّحَى) . رواه مسلم (720) . (سُلامى) : عظام البدن ومفاصله. ثانياً: الصندوق الذي توضع فيه الصدقات في المنزل له حالان: الحال الأولى: أن يكون في مكانٍ بارز، تضع فيه صدقاتك، ويضع فيه غيرك من ضيوفك، وأقربائك. والحال الثانية: أن يكون الصندوق مختصاً بك، تضع فيه وحدك المال. وفي الحال الأولى: يكون لك أجر الصدقة بمجرد وضعك المال في الصندوق، ويكون المال قد خرج من ملكك، ولا يحل لك الرجوع في صدقتك، والمال الذي يضعه الآخرون تكون مؤتمناً عليه، إلى حين صرفه في جهاته الشرعية. وفي الحال الثانية: لا يظهر أنه يُكتب لك أجر الصدقة بمجرد وضعك المال في الصندوق، بل إذا قبضه من دُفع المال له من المستحقين: كُتب لك أجر الصدقة، وليس لك أجر الصدقة بمجرد وضعك المال فيه؛ لأنه لم يخرج عن ملكك، ولك أن تفتح الصندوق، وتأخذ ذلك المال إن احتجت إليه، وإن كان المستحب لك أن لا ترجع في ذلك المال. قال ابن قدامة – رحمه الله - بعد أن نسب ذلك لأكثر الفقهاء -: ولنا: إجماع الصحابة رضي الله عنهم، فإن ما قلناه مروي عن أبي بكر، وعمر، رضي الله عنهما، ولم يُعرف لهما في الصحابة مخالف، فروى عروة عن عائشة رضي الله عنها: أن أبا بكر رضي الله عنه نحَلها - أي: أهداها - جذاذ – أي: حصاد - عشرين وِسقا من ماله بـ " العالية "، فلما مرض قال: يا بنية! ما أحد أحب إليَّ غنىً بعدي منك، ولا أحد أعز عليَّ فقراً منك، وكنت نحلتك جذاذ عشرين وسقا وددت أنك حزتيه أو قبضتيه، وهو اليوم مال الوارث: أخواك وأختك، فاقتسموا على كتاب الله عز وجل. وروى ابن عيينة عن الزهري عن عروة عن عبد الرحمن بن عبد القارئ: أن عمر بن الخطاب قال: ما بال أقوام ينحلون أولادهم فإذا مات أحدهم قال: مالي، وفي يدي! وإذا مات هو قال: كنت نحلته ولدي؟ لا نحلة إلا نحلة يحوزها الولد دون الوالد، فإن مات ورثه، قال المروذي: اتفق أبو بكر وعمر وعثمان وعلي أن الهبة لا تجوز إلا مقبوضة. " المغني " (6 / 273) . وقال النووي – رحمه الله -: مَن دفع إلى وكليه، أو ولده، أو غلامه، أو غيرهم شيئاً يعطيه لسائل، أو غيره صدقةَ تطوع: لم يزل ملكه عنه حتى يقبضه المبعوث إليه، فإن لم يتفق دفعه إلى ذلك المعين: استُحب له أن لا يعود فيه، بل يتصدق به على غيره، فإن استرده وتصرف فيه: جاز؛ لأنه باق على ملكه. " المجموع " (6 / 241) . وروي عن الإمام أحمد رحمه الله أن المال في مثل هذه الحال يخرج من ملكه، ولا يسعه الرجوع فيه، والظاهر أن ذلك محمول على الاستحباب لا الوجوب. قال ابن رجب الحنبلي – رحمه الله -: وَأَمَّا إذَا عَيَّنَهَا الْمَالِكُ – يعني: الصدقة - مِنْ مَالِهِ، وَأَفْرَدَهَا: فَلَا يَصِيرُ بِذَلِكَ صَدَقَةً، وََا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ بِدُونِ قَبْضِ الْمُسْتَحِقِّ أَوْ قَبُولِهِ. وَنُقِلَ عَنْهُ – يعني: عن الإمام أحمد - مَا يَدُلُّ عَلَى خُرُوجِهَا عَنْ مِلْكِهِ بِمُجَرَّدِ التَّعْيِينِ، وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ جَعَلَهُ الرَّجُلُ لِلَّهِ يُمْضِيهِ وَلَا يَرْجِعُ فِي مَالِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْ مِلْكِهِ فَلَيْسَ هُوَ لَهُ، مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ صِلَةِ رَحِمٍ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا أَمْضَاهُ. " القواعد الفقهية " (ص 86) . ثالثاً: أما حكم الدعاء قبل التصدق فقد سبق بيان في جواب السؤال رقم (98579) والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98634 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2688 تحريم شراء المتصدق لصدقته [السُّؤَالُ] ـ[قرأت حديثاً نصه (لا تَعُدْ في صدقتك، وأن أعطاكه بدرهم) ، هل يجوز للشخص إذا تصدق على فقير أن يشتري منه الصدقة بعد ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحديث رواه البخاري برقم 1490 ومسلم برقم 1620 عن ابن عمر رضي الله عنه قال: حملت على فرس في سبيل الله، فأضاعه الذي كان عنده، فأردت أن أشتريه وظننت أنه يبيعه برخص، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تشتره، ولا تعد في صدقتك، وإن أعطاكه بدرهم، فإن العائد في هبته كالعائد في قيئته) ، وفي لفظ: (فإن الذي يعود في صدقته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئته) . والنهي عن شراء الصدقة لأنها خرجت لله، فلا ينبغي أن تتعلق بها شيء من النفس، وشراؤها دليل على تعلقه بها، ولئلا يحابيه البائع فيعود عليه شيء من صدقته. [الْمَصْدَرُ] تيسر العلام شرح عمدة الأحكام ص 762 الحديث: 21770 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2689 صدقة التطوع يجوز إعطاؤها للأغنياء [السُّؤَالُ] ـ[هناك عائلة يتيمة بدون أب مع العلم بأن لديهم أولادا بالغين ويعملون وحالتهم المادية جيدة ولديهم أطفال غير بالغين أيضا، فهل هم مستحقون التصدق عليهم أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: يجوز إعطاء صدقة التطوع للأغنياء بلا خلاف بين العلماء، ويثاب معطيها، ولكن الأفضل أن يعطيها لمن هو محتاج إليها. قال النووي رحمه الله: " تحل صدقة التطوع للأغنياء بلا خلاف، فيجوز دفعها إليهم ويثاب دافعها عليها , ولكن المحتاج أفضل. قال أصحابنا: ويستحب للغني التنزه عنها , ويكره التعرض لأخذها ... ولا يحل للغني أخذ صدقة التطوع مظهرا للفاقة "." انتهى من "المجموع" (6/236) . وقال ابن قدامة رحمه الله: " وكل من حرم صدقة الفرض من الأغنياء وقرابة المتصدق والكافر وغيرهم , يجوز دفع صدقة التطوع إليهم , ولهم أخذها " " انتهى من "المغني" (2/276) . ثانيا: تستحب صدقة التطوع على اليتيم، ولو كان غنياً مواساة له على فقده أباه، أما زكاة المال المفروضة فلا يجوز إعطاؤها لليتيم إلا إذا كان من أهل الزكاة المذكورين في قول الله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة/60 ولبيان هذه الأصناف يراجع جواب السؤال رقم (46209) فالأطفال المسئول عنهم إن لم يكن لديهم ما يكفيهم، من أموالهم أو من نفقة إخوانهم، فإنه يجوز دفع الزكاة إليهم. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ولكن هنا تنبيه: وهو أن بعض الناس يظن أن اليتيم له حق من الزكاة على كل حال، وليس كذلك، فإن اليتيم ليس من جهات استحقاق أخذ الزكاة، ولا حق لليتيم في الزكاة إلا أن يكون من أصناف الزكاة الثمانية. أما مجرد أنه يتيم فقد يكون غنيًّا لا يحتاج إلى زكاة " انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثمين" (18/353) . وقال أيضاً: " يجب أن نعلم أن الزكاة ليست للأيتام، الزكاة للفقراء والمساكين وبقية الأصناف، واليتيم قد يكون غنيًّا، قد يترك له أبوه مالاً يغنيه، وقد يكون له راتب من الضمان الاجتماعي أو غيره يستغني به. ولهذا نقول: يجب على ولي اليتيم ألا يقبل الزكاة إذا كان عند اليتيم ما يغنيه. أما الصدقة فإنها مستحبة على اليتامى وإن كانوا أغنياء " انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/307) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82673 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2690 أي السائِلِين أولى بإعطائه الصدقة [السُّؤَالُ] ـ[إذا وجد أحدنا أكثر من سائلٍ، من العاجزين جسديًا، فلمن نعطي الأفضلية في الصدقات؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: مساعدة المحتاجين والتصدق على الفقراء والمساكين من أفضل القربات وأولى الطاعات. قال الله تعالى: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) البقرة/274. ويتأكد استحباب الصدقة كلما اشتدت حاجة الفقير؛ وذلك أن سد الحاجات وستر العورات من أهم مقاصد تشريع الصدقات. فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أَفْضَلُ الأَعْمَالِ: إِدْخَالُُ السُّرُورِ عَلَى المُؤمِنِ: كَسَوْتَ عَوْرَتَهُ، وَأَشْبَعْتَ جَوْعَتَه، أَوْ قَضَيتَ لَهُ حَاجَةً) رواه الطبراني في المعجم الأوسط (5/202) وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (2090) . وقال الشيخ ابن عثيمين: " فإن قيل: أيها أولى أن تصرف فيه الزكاة من هذه الأصناف الثمانية؟ قلنا: إن الأولى ما كانت الحاجة إليه أشد؛ لأن كل هؤلاء استحقوا الوصف، فمن كان أشد إلحاحاً وحاجة فهو أولى، والغالب أن الأشد هم الفقراء والمساكين، ولهذا بدأ الله تعالى بهم فقال: (إِنَّمَا ?لصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَ?لْمَسَاكِينِ وَ?لْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَ?لْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِى ?لرِّقَابِ وَ?لْغا?رِمِينَ وَفِى سَبِيلِ ?للَّهِ وَ?بْنِ ?لسَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ ?للَّهِ وَ?للَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/ سؤال رقم 251) . وجاء في "الموسوعة الفقهية" (23/303) : " إعطاء المستحقّين الزّكاة ليس بدرجةٍ واحدةٍ من الفضل، بل يتمايز: فقد نصّ المالكيّة على أنّه يندب للمزكّي إيثار المضطرّ على غيره، بأن يزاد في إعطائه منها دون عموم الأصناف " انتهى. وإذا كان الفقير أو السائل من العاجزين عن العمل، أقعده المرض والابتلاء، فيتأكد إعطاؤه من الصدقة. قال تعالى: (لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) البقرة/273. قال سعيد بن جبير: إنهم قوم أصابتهم الجراحات في سبيل الله فصاروا زَمْنَى (جمع زَمِن: وهو من به مرض دائم) ، فجعل لهم في أموال المسلمين حقا. "الدر المنثور" (2/89) . والمقصود: بيان أن ميزان المفاضلة في الصدقات هو قدر الحاجة والفاقة، فإذا ظهر لك أن أحد السائلين أشد حاجة وفاقة من الآخر، فهو الأولى بصدقتك. فإن كان المبلغ الذي تريد أن تتصدق به يكفي لسد حاجة السائِلَيْن، فاقسمه بينهما، وإن كان لا يكفي إلا واحدًا منهما، فلا حرج عليك حينئذ إذا أعطيته لأي منهما، ولتحاول أن تخفي ذلك عن الآخر، حتى لا يقع في قلبه شيء من الحسرة أو الحسد. وقد سئل فضيلة الشيخ ابن باز رحمه الله: إذا أخرج الإنسان زكاة ماله، وكانت قليلةً كمائتي ريال مثلاً، فهل الأفضل أن تُعطَى لأسرةٍ واحدةٍ محتاجة، أو تفريقها على عدد من الأسر المحتاجة؟ فأجاب: " إذا كانت الزكاة قليلةً فصرفها في أسرة محتاجة أولى وأفضل؛ لأن توزيعها بين الأسر الكثيرة مع قلتها يقلل نفعها " انتهى. "فتاوى ابن باز" (14/316) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 75406 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2691 تصدق الزوجة من مال زوجها [السُّؤَالُ] ـ[زوجي يعطيني راتبه كله لأتصرف فيه كيفما أشاء، فهل يجوز لي أن أتصدق منه دون أخذ إذن منه بذلك؟ مع العلم أنه إذا علم سوف يكون راضيا إن شاء الله.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج على المرأة أن تتصدق من مال زوجها إذا كانت تعلم رضاه بذلك، وينبغي أن تكون صدقتها بالشيء اليسير الذي تعلم أن زوجها يرضى به، أما الصدقة بالمال الكثير فلابد من إذن الزوج بذلك. فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أَنفَقَتِ المَرأَةُ مِن بَيْتِ زَوجِهَا غَيرَ مُفسِدَةٍ، كَانَ لَهَا أَجْرُهَا، وَلَهُ مِثلُهُ بِمَا اكتَسَبَ، وَلَهَا بِمَا أَنفَقَت، وَلِلخَازِنِ مِثلُ ذَلِكَ، مِن غَيرِ أَن يَنتَقِصَ مِن أُجُورِهِم شَيئًا) البخاري (1425) ومسلم (1024) . وعن أسماء رضي الله عنها أنها جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: (يَا نَبِيَّ اللهِ، لَيسَ لِي شَيْءٌ إِلَّا مَا أَدخَلَ عَلَيَّ الزُّبَيرُ، فَهَل عَلَيَّ جُنَاحٌ أَن أَرضَخَ مِمَّا يُدخِلُ عَلَيَّ؟ فَقَالَ: إِرضَخِي مَا استَطَعتِ، وَلا تُوعِي فَيُوعِيَ اللهُ عَلَيكِ) رواه البخاري (1434) ومسلم (1029) . الرضخ هو العطاء اليسير. كذا في "فتح الباري" (3/301) . وقال النووي في "شرح مسلم" (7/113) : " الإذن ضربان: أحدهما: الإذن الصّريح في النّفقة والصّدقة. والثّاني: الإذن المفهوم من اطّراد العرف والعادة، كإعطاء السّائل كسرة ونحوها ممّا جرت العادة به، واطّرد العرف فيه، وعلم بالعرف رضا الزّوج والمالك به، فإذنه في ذلك حاصل وإن لم يتكلّم ... واعلم أن هذا كله مفروض في قدر يسير يعلم رضا المالك به في العادة، فان زاد على المتعارف لم يجز، وهذا معنى قوله: (إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة) فأشار إلى أنه قدر يعلم رضا الزوج به في العادة " انتهى. وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (10/81) : "الأصل أنه ليس للمرأة أن تتصدق من مال زوجها بدون إذن منه، إلا ما كان يسيراً قد جرت العادة به، كصلة الجيران والسائلين بشيء يسير لا يضر زوجها، والأجر بينهما؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة، كان لها أجرها بما أنفقت، ولزوجها أجره بما اكتسب، وللخازن مثل ذلك، لا ينقص بعضهم من أجر بعض شيئاً) متفق عليه " انتهى. وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: "أمَّا أن تتصدق من مال زوجها، وهو لا يمنع من ذلك، وعرفت من زوجها ذلك، فلا مانع، أما إذا كان زوجها يمنع من ذلك فهذا لا يجوز" انتهى. "المنتقى" (4/سؤال 197) . وانظري جواب السؤال رقم (47705) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 73219 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2692 هل يلزم الموظف قدر معين من الصدقة عن راتبه؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك نسبة محددة يجب أن يدفعها الموظف من راتبه كصدقات لوجه الله تعالى؟ وإن لم يكن فما هو المحبب دفعه كصدقات؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا ملك الإنسان نصابا من مال، ذهبٍ أو فضة، أو نقود مدخرة من راتبه أو غيره، ومرَّت عليه سنة هجرية كاملة فإنه تلزمه زكاته، وذلك بأن يخرج ربع العشر منه 2,5%، والنصاب هو ما يعادل 85 جراماً من الذهب أو 595 جراماً من الفضة. ولمعرفة كيف يزكى الراتب، راجع السؤال رقم (26113) . وأما إذا لم تجب الزكاة على الموظف الذي يتقاضى راتبا شهريا، لكونه لم تمر سنة هجرية كاملة على ملكه للنصاب، فليس هناك نسبة محددة من الراتب يلزمه التصدق بها، إلا أنه ينبغي ألا يحرم نفسه من ثواب الصدقة، فيتصدق بما تيسر له، قال الله تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) البقرة/261 وقال تعالى: (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) البقرة/271، وقال تعالى: (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ) الحديد/18. إلى غير ذلك من الآيات الواردة في فضل الصدقة والإنفاق في سبيل الله. وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ ـ وَلا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلا الطَّيِّبَ ـ وَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ) رواه البخاري (1410) ومسلم (1014) . و (الفلو) هو الفرس الصغير (المهر) . وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أحد أبواب الجنة الثمانية باب الصدقة، وأنه يدخل منه من كان من أهل الصدقة. رواه البخاري (1897) ومسلم (1027) . وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ) رواه البخاري (1426) ومسلم (1034) . ومعناه أن " أَفْضَل الصَّدَقَة مَا بَقِيَ صَاحِبهَا بَعْدهَا مُسْتَغْنِيًا بِمَا بَقِيَ مَعَهُ , وَتَقْدِيره: أَفْضَل الصَّدَقَة مَا أَبْقَتْ بَعْدهَا غِنًى يَعْتَمِدُهُ صَاحِبهَا وَيَسْتَظْهِرُ بِهِ عَلَى مَصَالِحه وَحَوَائِجه , وَإِنَّمَا كَانَتْ هَذِهِ أَفْضَل الصَّدَقَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَاله ; لأَنَّ مَنْ تَصَدَّقَ بِالْجَمِيعِ يَنْدَم غَالِبًا أَوْ قَدْ يَنْدَم إِذَا اِحْتَاجَ , وَيَوَدّ أَنَّهُ لَمْ يَتَصَدَّق , بِخِلَافِ مَنْ بَقِيَ بَعْدهَا مُسْتَغْنِيًا فَإِنَّهُ لا يَنْدَم عَلَيْهَا , بَلْ يُسَرُّ بِهَا ... (وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُول) فِيهِ تَقْدِيم نَفَقَة نَفْسه وَعِيَاله " انتهى من "شرح النووي على مسلم". وقال ابن قدامة رحمه الله: " وصدقة السر أفضل من صدقة العلانية ; لقول الله تعالى: (إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم , ويكفر عنكم من سيئاتكم) ، وروى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (سبعة يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله .... وذكر منهم رجلا تصدق بصدقة فأخفاها , حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) متفق عليه. ويستحب الإكثار منها في أوقات الحاجات , لقول الله تعالى: (أو إطعام في يوم ذي مسغبة) أي: مجاعة شديدة. وفي شهر رمضان ; لأن الحسنات تضاعف فيه , ولأن فيه إعانة على أداء الصوم المفروض. ومن فطر صائما كان له مثل أجره. وتستحب الصدقة على ذي القرابة ; لقول الله تعالى: (يتيما ذا مقربة) أي جمع الوصفين: اليتم والقرابة. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الصدقة على المسكين صدقة , وهي على ذي الرحم اثنتان: صدقة وصلة) . وهذا حديث حسن. وتستحب الصدقة على من اشتدت حاجته , لقول الله تعالى: (أو مسكينا ذا متربة) أي: ليس بيده شيء إلا التراب، والمعنى أنه فقير جداً. " انتهى من "المغني" (2/368) باختصار وتصرف. وراجع السؤال رقم (6266) ، ورقم (22881) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 72962 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2693 ما هو الأفضل في رمضان الزكاة بالمال أو إطعام الفقراء؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما هو الأفضل في رمضان الزكاة بالمال أو إطعام الفقراء؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أما الزكاة المفروضة فهي عبادة لها وقتها المقدَّر، وهو مرور سنة هجرية على النصاب، فإذا تمت السنة وجب إخراج الزكاة، ولا يجوز لمن وجب في ماله الزكاة وحل موعدها أن يتأخر عن أدائها إلا لعذر شرعي. ولا يجوز انتظار شهر رمضان لأدائها فيه، إلا إذا كان الانتظار يسيرا كأسبوع أو أسبوعين. وانظر جواب السؤال رقم (13981) . قال ابن قدامة رحمه الله: " وتجب الزكاة على الفور، فلا يجوز تأخير إخراجها مع القدرة عليه والتمكن منه إذا لم يخش ضرراً، وبهذا قال الشافعي " انتهى. " المغني " (2 / 289) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل الزكاة تفضل في رمضان مع أنها ركن من أركان الإسلام؟ فأجاب: " الزكاة كغيرها من أعمال الخير تكون في الزمن الفاضل أفضل، لكن متى وجبت الزكاة وتمَّ الحوْل وجب على الإنسان أن يُخرجها ولا يؤخرها إلى رمضان، فلو كان حوْل ماله في رجب: فإنه لا يؤخرها إلى رمضان بل يؤديها في رجب، ولو كان يتم حولها في محرَّم فإنه يؤديها في محرم، ولا يؤخرها إلى رمضان، أما إذا كان حوْل الزكاة يتم في رمضان: فإنه يُخرجها في رمضان " انتهى. " فتاوى إسلاميَّة " (2 / 164) . ولعل قصد السائل بالزكاة: صدقة التطوع، ولا شك أن الجود والبذل والعطاء بالمال والطعام والكسوة وغيرها: في رمضان أفضل من فعلها في غيره من الشهور ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود ما يكون في شهر رمضان. فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ , فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ. رواه البخاري (6) ومسلم (2308) . قال النووي: وَفِي هَذَا الْحَدِيث فَوَائِد مِنْهَا: اِسْتِحْبَاب إِكْثَار الْجُود فِي رَمَضَان. " شرح مسلم " (15 / 69) . وقال ابن القيم رحمه الله: " وكان صلى الله عليه وسلم أجودَ الناس، وأجودُ ما يكون في رمضان، يُكثر فيه مِن الصدقة والإحسان وتلاوة القرآن والصلاة والذكر والاعتكاف " انتهى. " زاد المعاد " (2 / 32) . وإطعام الطعام فيه أجر عظيم لفاعله، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى أن من صفات المؤمنين الذين استحقوا الجنة أنهم يطعمون الطعام، فقال تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا. إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا. إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا. فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا. وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا) الإنسان/8-12، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه (مَنْ فَطَّرَ صَائِماً كانَ لَهُ مِثْلَ أَجْرِه) رواه الترمذي (807) وابن ماجه (1746) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ". وقد كان السلف الصالح يحرصون على إطعام الطعام، وذلك لما ورد من الترغيب فيه، مع ما ينشأ عنه من عبادات كثيرة منها: التودد والتحبب إلى المُطعَمين فيكون ذلك سبباً في دخول الجنة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولن تؤمنوا حتى تحابوا) ، كما ينشأ عنها مجالسة الصالحين واحتساب الأجر في معونتهم على الطاعات التي تقووا عليها بطعامك. وأما تفضيل أحدهما على الآخر؛ " فقد كان كثير من السلف يفضل إطعام الإخوان على الصدقة على المساكين. وقد روي في هذا المعنى مرفوعاً من حديث أنس بإسناد ضعيف، ولاسيما إن كان الإخوان لا يجدون مثل ذلك الطعام. وروي عن علي رضي الله عنه قال: لأن أجمع أناسا من إخواني على صاع من طعام، أحب إلي من أن أدخل سوقكم فأبتاع نسمة فأعتقها. وعن أبي جعفر محمد بن علي قال: لأن أدعو عشرة من أصحابي فأطعمهم طعاماً يشتهونه أحب إلي من أن أعتق عشرة من ولد إسماعيل ". شرح حديث "اختصام الملأ الأعلى " لابن رجب، من "مجموع الرسائل" (4/41) . والحاصل: أن كلاًّ من الصدقة بالمال وإطعام الطعام له فضل كبير، فاحرص على الأمرين معا، وليكن لك نصيب من كل عبادة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 67280 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2694 يريد أن يتصدق عن مسلم فاسق [السُّؤَالُ] ـ[إذا كنت أعرف بعض المسلمين غير المستقيمين، فهل يجوز لي أن أتبرع بشيء من المال نيابة عنهم؟ هل سيعرف هؤلاء الناس يوم القيامة بأن قسما من حسناتهم أتى من شخص تبرع بالمال عنهم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم يجوز لك أن تتصدق عن أخيك المسلم ولو كان مرتكبا لبعض المعاصي، ونسأل الله أن يثيبك على ذلك. ولا شك بأنهم سيعلمون يوم القيامة بأنك تصدقت عنهم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ سعد الحميد. الحديث: 11074 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2695 هل تتصدق من نفقة بيتها دون علم زوجها؟ [السُّؤَالُ] ـ[زوجي يعطيني مصروفاً لي ولبناتي كل شهر، فأُخرج منه مبلغاً معيَّناً صدقة دون الرجوع إليه، فهل يجوز هذا العمل أم يجب أن أرجع له وأسأله إن كان يوافق أن أخرج من هذا المال صدقة أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج على المرأة أن تتصدق من مال زوجها إذا أذن لها بذلك، وهذا الإذن قد يكون لفظياً (بالكلام) كما لو قال لها: لك أن تتصدقي من مالي بكذا أو بما شئت. وقد يكون الإذن عرفياً، بمعنى أنه قد جَرَت عادة الناس الرضى بهذا، أو تعلم من خُلُق زوجها أنه يرضى بهذا ولا يمنعه. فلا حرج عليها في هذه الحال أن تتصدق من مال زوجها، ولها أجر الصدقة، ولزوجها أيضاً. أما إذا منعها، أو كانت تعلم أنه لا يرضى بهذا فلا يجوز لها حينئذ الصدقة من ماله بشيء. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (4 / 301) : "وَهَلْ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ الصَّدَقَةُ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا بِالشَّيْءِ الْيَسِيرِ , بِغَيْرِ إذْنِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ ; إحْدَاهُمَا , الْجَوَازُ ; لأَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَا أَنْفَقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا , غَيْرَ مُفْسِدَةٍ , كَانَ لَهَا أَجْرُهَا , وَلَهُ مِثْلُهُ بِمَا كَسَبَ , وَلَهَا بِمَا أَنْفَقَتْ , وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ , مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْتَقَصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ) . وَلَمْ يَذْكُرْ إذْنًا. وَعَنْ أَسْمَاءَ , أَنَّهَا جَاءَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ لِي شَيْءٌ إلا مَا أَدْخَلَ عَلَيَّ الزُّبَيْرُ , فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ أَنْ أَرْضَخَ مِمَّا يُدْخِلُ عَلَيَّ؟ فَقَالَ: (ارْضَخِي مَا اسْتطَعْتِ) والرضخ هو العطاء. وفي رواية للبخاري: قال: (تَصَدَّقِي) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا. وَلأَنَّ الْعَادَةَ السَّمَاحُ بِذَلِكَ , وَطِيبُ النَّفْسِ , فَجَرَى مَجْرَى صَرِيحِ الإِذْنِ. وَالرِّوَايَة الثَّانِيَة , لا يَجُوزُ. . . . وَالأَوَّلُ أَصَحُّ. . . فَإِنْ مَنَعَهَا ذَلِكَ , وَقَالَ: لا تَتَصَدَّقِي بِشَيْءٍ , وَلا تَتَبَرَّعِي مِنْ مَالِي بِقَلِيلٍ , وَلا كَثِيرٍ. لَمْ يَجُزْ لَهَا ذَلِكَ اهـ بتصرف واختصار. ويدل على عدم جواز تصدق المرأة من مال زوجها إلا بإذنه ما رواه أبو داود (3565) عن أَبي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لا تُنْفِقُ الْمَرْأَةُ شَيْئًا مِنْ بَيْتِهَا إِلا بِإِذْنِ زَوْجِهَا. فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلا الطَّعَامَ؟ قَالَ: ذَاكَ أَفْضَلُ أَمْوَالِنَا) . صححه الألباني في صحيح أبي داود. (إِلا بِإِذْنِ زَوْجِهَا) أي الإذن الصريح، أو بدلالة الحال. قاله في عون المعبود. وسئلت اللجنة الدائمة عن امرأة تتصدق من مال زوجها بدون إذنه فأجابت: " الأصل أنه ليس للمرأة أن تتصدق من مال زوجها بدون إذن منه، إلا ما كان يسيراً قد جرت العادة به، كصلة الجيران والسائلين بشيء يسير لا يضر زوجها، والأجر بينهما؛ لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:.. ثم ذكرت حديث عائشة المتقدّم " اهـ. فتاوى اللجنة الدائمة (10/81) وسئل الشيخ ابن عثيمن رحمه الله: هل يجوز للمرأة أن تتصدق من مال زوجها لنفسها أو لأحد من أمواتها؟ فأجاب: " من المعلوم أن مال الزوج للزوج، ولا يجوز لأحد أن يتصدق من مال أحد إلا بإذنه، فإذا أذن الزوج لها أن تتصدق به لنفسها، أو لمن شاءت من أمواتها فلا حرج عليها، فإن لم يأذن فإنه لا يحل له أن تتصدق بشيء، لأنه ماله، ولا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه " اهـ. مجموع فتاوى ابن عثيمين (18/472) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 47705 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2696 الفرق بين الصدقة الجارية وغيرها من الصدقات [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك فرق بين الصدقة والصدقة الجارية وإن كان هناك فرق فنريد بعض أمثلة للصدقة وأمثلة للصدقة الجارية، وإن هلكت الصدقة الجارية، على سبيل المثال لو بنى رجل مسجدا ثم هدم هذا المسجد هل سيكون له ثواب هذا المسجد إلى يوم القيامة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصدقة الجارية هي الوقف، وله صور كثيرة، وضابطه: أن يحبس الأصل، وتُسبّل الثمرة، كما روى البخاري (2737) ومسلم (1633) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَصَابَ أَرْضًا بِخَيْبَرَ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَأْمِرُهُ فِيهَا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصَبْتُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ مَالا قَطُّ أَنْفَسَ عِنْدِي مِنْهُ فَمَا تَأْمُرُ بِهِ؟ قَالَ: "إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا " قَالَ فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ أَنَّهُ لا يُبَاعُ وَلا يُوهَبُ وَلا يُورَثُ وَتَصَدَّقَ بِهَا فِي الْفُقَرَاءِ وَفِي الْقُرْبَى وَفِي الرِّقَابِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَالضَّيْفِ لا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ وَيُطْعِمَ غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ ". وروى ابن ماجه (242) عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علما علمه ونشره، وولدا صالحا تركه، ومصحفا ورثه، أو مسجدا بناه، أو بيتا لابن السبيل بناه، أو نهرا أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته يلحقه من بعد موته" والحديث حسنه الألباني في صحيح ابن ماجه. فالصدقة الجارية تكون ببناء مسجد، أو شراء مصاحف توضع في مسجد، أو وقف بيت أو محل، على أن يصرف ريعهما على الفقراء أو الأيتام أو الأقارب أو طلبة العلم أو غيرهم حسبما يحدد الواقف، أو المساهمة بمال في بناء مستشفى خيري، ونحو ذلك. وأما الصدقة غير الجارية، فهي التي لا يحبس فيها الأصل، بل يعطى للفقير ليتملكه وينتفع به كما يشاء، كأن يعطى له مال، أو طعام، أو كسوة، أو دواء، أو فراش. ومن وقف مسجدا فانهدم أو خرب، جاز بيع بعضه ليُعمّر بقيته، فإن لم يمكن الانتفاع بشيء منه بيع كله، ووضع في وقف آخر، قال ابن قدامة رحمه الله: (مسألة قال: (وإذا خرب الوقف , ولم يرد شيئا , بيع , واشتُري بثمنه ما يُردُّ على أهل الوقف , وجعل وقفا كالأول , وكذلك الفرس الحبيس إذا لم يصلح للغزو , بيع , واشتري بثمنه ما يصلح للجهاد) وجملة ذلك أن الوقف إذا خرب , وتعطلت منافعه , كدار انهدمت , أو أرض خربت , وعادت مواتا , ولم تمكن عمارتها , أو مسجد انتقل أهل القرية عنه , وصار في موضع لا يصلى فيه , أو ضاق بأهله ولم يمكن توسيعه في موضعه. أو تشعب جميعه فلم تمكن عمارته ولا عمارة بعضه إلا ببيع بعضه , جاز بيع بعضه لتعمر به بقيته. وإن لم يمكن الانتفاع بشيء منه , بيع جميعه. قال أحمد , في رواية أبي داود: إذا كان في المسجد خشبتان , لهما قيمة , جاز بيعهما وصرف ثمنهما عليه. وقال في رواية صالح: يحول المسجد خوفا من اللصوص , وإذا كان موضعه قذرا. قال القاضي: يعني إذا كان ذلك يمنع من الصلاة فيه. ونص على جواز بيع عرصته , في رواية عبد الله , وتكون الشهادة في ذلك على الإمام) انتهى من المغني 5/368 وما دام الوقف باقيا، فالثواب مستمر لصاحبه، وكذا لو بيع الوقف ووضع في وقف آخر. ومن بنى مسجدا فله ثواب موعود به، وهو ما ورد في قوله صلى الله عليه وسلم: " من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة لبيضها بنى الله له بيتا في الجنة " والقطاة: نوع من أنواع الطير. والمفحص: هو المكان الذي تحتضن فيه بيضها. ومراد الحديث ضرب المثل لبيان أقل ما يمكن. رواه أحمد (2157) وصححه الألباني في صحيح الجامع. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 43101 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2697 هل يشترط في وصول أجر الصدقة للميت أن تكون من مال الميت؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل إذا تبرع شخص لمتوفى من مال الشخص نفسه وليس من مال المتوفى، هل يصل أجره للمتوفى؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا بأس بذلك ويصل الأجر لمن نوى له إذا صرف ذلك المال في مشروع خيري كصدقة وصلة وجهاد وعمل صالح نافع للمسلمين كمن تصدق عن أجداده ولو لم يخلفوا مالاً أو عن صديقه فإن الميت ينفعه ذلك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] من كتاب الفتاوى الجبرينية لفضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين ص 32. الحديث: 10507 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2698 الفرق بين الزكاة والصدقة [السُّؤَالُ] ـ[ما الفرق بين الصدقة والزكاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الزكاة لغة: النماء والريع والبركة والتطهير. انظر: " لسان العرب " (14 / 358) ، " فتح القدير " (2 / 399) . والصدقة لغة: مأخوذة من الصدق؛ إذ هي دليل على صدق مخرجها في إيمانه. انظر: " فتح القدير " (2 / 399) . وأما تعريفها شرعا: فالزكاة: هي التعبد لله عز وجل بإعطاء ما أوجبه من أنواع الزكوات إلى مستحقيها على حسب ما بينه الشرع. والصدقة: هي التعبد لله بالإنفاق من المال من غير إيجاب من الشرع، وقد تطلق الصدقة على الزكاة الواجبة. وأما الفرق بين الزكاة والصدقة فكما يلي: 1. الزكاة أوجبها الإسلام في أشياء معينة وهي: الذهب والفضة والزروع والثمار وعروض التجارة وبهيمة الأنعام وهي الأبل والبقر والغنم. وأما الصدقة: فلا تجب في شيء معين بل بما يجود به الإنسان من غير تحديد. 2. الزكاة: يشترط لها شروط مثل الحول والنصاب. ولها مقدار محدد في المال. وأما الصدقة: فلا يشترط لها شروط، فتعطى في أي وقت وعلى أي مقدار. 3. الزكاة: أوجب الله أن تعطى لأصناف معينة فلا يجوز أن تعطى لغيرهم، وهم المذكورون في قوله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم} التوبة / 60. وأما الصدقة: فيجوز أن تعطى لمن ذكروا في آية الزكاة ولغيرهم. 4. من مات وعليه زكاة فيجب على ورثته أن يخرجوها من ماله وتقدم على الوصية والورثة. وأما الصدقة: فلا يجب فيها شيء من ذلك. 5. مانع الزكاة يعذب كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه (987) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته إلا أحمي عليه في نار جهنم فيجعل صفائح فيكوى بها جنباه وجبينه حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار، وما من صاحب إبل لا يؤدي زكاتها إلا بطح لها بقاع قرقر كأوفر ما كانت تستن عليه كلما مضى عليه أخراها ردت عليه أولاها حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار،وما من صاحب غنم لا يؤدي زكاتها إلا بطح لها بقاع قرقر كأوفر ما كانت فتطأه بأظلافها وتنطحه بقرونها ليس فيها عقصاء ولا جلحاء كلما مضى عليه أخراها ردت عليه أولاها حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار … ". وأما الصدقة: فلا يعذب تاركها. 6. الزكاة: على المذاهب الأربعة لا يجوز إعطاؤها للأصول والفروع والأصول هم الأم والأب والأجداد والجدات، والفروع هم الأولاد وأولادهم. وأما الصدقة: فيجوز أن تعطى للفروع والأصول. 7. الزكاة: لا يجوز إعطاؤها لغني ولا لقوي مكتسب. عن عبيد الله بن عدي قال: أخبرني رجلان أنهما أتيا النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وهو يقسم الصدقة فسألاه منها فرفع فيهما البصر وخفضه فرآنا جلدين فقال: " إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب ". رواه أبو داود (1633) والنسائي (2598) . والحديث: صححه الإمام أحمد وغيره. انظر: " تلخيص الحبير " (3 / 108) . وأما الصدقة: فيجوز إعطاؤها للغني والقوي المكتسب. 8. الأفضل في الزكاة أن تؤخذ من أغنياء البلد فترد على فقرائهم. بل ذهب كثير من أهل العلم أنه لا يجوز نقلها إلى بلد آخر إلا لمصلحة. وأما الصدقة: فتصرف إلى القريب والبعيد. 9. الزكاة: لا يجوز إعطاؤها للكفار والمشركين. وأما الصدقة: فيجوز إعطاؤها للكفار والمشركين. كما قال الله تعالى: {ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا} الإنسان / 8، قال القرطبي: والأسير في دار الإسلام لا يكون إلا مشركاً. 10. لا يجوز للمسلم أن يعطي الزكاة لزوجته، وقد نقل ابن المنذر الإجماع على ذلك. وأما الصدقة: فيجوز أن تعطى للزوجة. هذه بعض الفوارق بين الزكاة والصدقة. وتطلق الصدقة على جميع أعمال البر، قال البخاري رحمه الله في صحيحه: باب كل معروف صدقة، ثم روى بسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل معروف صدقة) . قال ابن بطال: دل هذا الحديث على أن كل شيء يفعله المرء أو يقوله من الخير يكتب له به صدقة. وقال النووي: قوله صلى الله عليه وسلم: (كل معروف صدقة) أي: له حكمها في الثواب. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 9449 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2699 أحاديث في فضل الصدقة [السُّؤَالُ] ـ[لدينا درس أسبوعي، وفي كل أسبوع نحض الأخوات على الصدقة للفقراء في البلاد الأخرى، هل هناك حديث يحث على الصدقة وأجرها في يوم القيامة وفي الجنة، ليساعدنا على حث الأخوات لجمع المزيد من الصدقات إن شاء الله.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه طائفة من النصوص الشرعيَّة يمكنكم ذِكرها للحث على الصدقة، ونسأل الله تعالى أن ينفع بها، وأن يكتب لكم الأجر. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} البقرة / 254. وقال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ. الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} البقرة / 261، 262. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} البقرة / 267. وقال تعالى: {آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} الحديد / 7. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب - ولا يقبل الله إلا الطيب - وإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبه كما يربي أحدكم فَلوَّه حتى تكون مثل الجبل ". رواه البخاري (1344) ومسلم (1014) . فَلوَّه: مُهره الصغير. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً ". رواه البخاري (1374) ومسلم (1010) . عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم - في أضحى أو فطر - إلى المصلى ثم انصرف فوعظ الناس وأمرهم بالصدقة فقال: أيها الناس تصدقوا فمرَّ على النساء فقال: يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار ... فلما صار إلى منزله جاءت زينب امرأة ابن مسعود تستأذن عليه، فقيل: يا رسول الله هذه زينب فقال: أي الزيانب؟ فقيل: امرأة ابن مسعود، قال: نعم، ائذنوا لها، فأذن لها، قالت: يا نبي الله إنك أمرت اليوم بالصدقة، وكان عندي حلي لي، فأردت أن أتصدق به، فزعم ابن مسعود أنه وولده أحق من تصدقت به عليهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدق ابن مسعود، زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم. رواه البخاري (1393) ومسلم (80) . عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله أنفق يا ابن آدم أنفق عليك. رواه البخاري (5073) ومسلم (993) . والله الموفق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36783 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2700 غلط الإمام في اسم الجمعية التي طلب جمع التبرعات لها [السُّؤَالُ] ـ[غلط الإمام وهو على المنبر وذكر اسم جمعية خيرية غير التي اتفق معها على جمع التبرعات بعد الصلاة، وتم الجمع بعد الصلاة، فلمن المال المجموع؟ .]ـ [الْجَوَابُ] عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله بقوله: المال للجمعية التي سماها الإمام على المنبر. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 8860 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2701 ساهم معنا في شراء بطانية الشتاء [السُّؤَالُ] ـ[هناك بعض الجمعيات الخيرية التي تقوم بجمع الأموال لأهل المناطق الباردة يستخدمون شعاراً: " ساهم معنا لشراء بطانية الشتاء " مثلاً، ثم هم قد يصرفون جزءً من هذه الأموال لشراء بعض الأشياء غير البطانيات مما يحتاجه هؤلاء الفقراء، فهل المقصود واحد؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " الأولى أن يكون التعبير لهذه الجمعية: " معونة الشتاء أو وقاية الشتاء "؛ حتى يصير صالحاً للبطانيات والثياب والبوتاجاز وغيره. أما ما جُمع لغرض معين فهو لا يصرف إلا للغرض المعين ما لم يتعذر. مثال: جمعنا بطانية الشتاء لقرية من القرى، واستغنت بنصف المبلغ، وتحتاج إلى ثياب أو تدفئة فهذه لا بأس أن يُصرف الفاضل لحاجتهم، وأما إذا كان عامَّاً والناس محتاجون إلى بطانيات فإنه لا يجوز صرفها في جهة أخرى. فلا يصح صرف ما جمع باسم بطانية الشتاء في غير هذا المصرف، إلا إذا كان مشهوراً بين الناس أن معنى بطانية الشتاء يشمل معونة الشتاء عامة، ولهذا لا بد من الآن أن يُعدل الشعار، ويُقال: معونة الشتاء أو ما أشبه ذلك ". انتهى من كلام الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. [الْمَصْدَرُ] المرجع لقاء الباب المفتوح – اللقاء الرابع والأربعون. الحديث: 31771 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2702 قبول تبرع امرأة بمال حرام لمركز إسلامي [السُّؤَالُ] ـ[لدينا مركز للدعوة ونحاول نشر سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وندعو الناس لفهم الأخلاق الإسلامية التي تحلى بها الصحابة الكرام. امرأة تريد التصدق بأموال صدقة كثيرة لمركزنا والذي ندعمه نحن من مالنا الخاص. المشكلة أن مالها جمعته من الحرام في وقت الجاهلية وقد بدأت الآن بالالتزام بالدين (ولدت مسلمة ولكنها لم تكن متمسكة بتعاليم الدين عندما جمعت تلك الأموال) فهل يجوز لنا أن نستعمل هذا المال لدعم مركزنا ولنستعمله في أغراض دعوية هنا في السويد؟ أرجو يا شيخ أن تجيب على هذا السؤال لأنه عاجل جدا. استلمنا جزءا من المبلغ ولكننا حفظناه حتى نعلم الحكم في أخذ هذا المال. إذا لا يجوز لنا استعمال هذا المال فكيف تستطيع هي أن تصرف هذا المال؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب بقوله: نعم يجوز ذلك، لأنه حرام عليها حلال لغيرها إذا أخذه بطريق صحيح، وأنتم ستأخذونه بطريق صحيح. انتهى. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن صالح العثيمين الحديث: 4820 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2703 هل يلزم الولد بطاعة أبيه في مواضع صدقاته [السُّؤَالُ] ـ[أود أن أعطي صدقتي لمؤسسات خيرية ولكن أهلي يعارضون ذلك ويفضلون إعطاء المال للأقارب مع أن أبي يعطيهم مالاً. فهل يمكن أن أتصدق بدون إخبارهم؟ لأن أحد الأحاديث يقول "أنت ومالك لأبيك" أرجو التوضيح هل يمكن لأبي أن يزكي ويضحي بالنيابة عني لأنه رب العائلة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين: أود أن أعطي صدقتي لمؤسسات خيرية ولكن أبي يعارض ذلك ويفضل إعطاء المال للأقارب ويريد أن يلزمني بذلك، فهل حديث أنت ومالك لأبيك يدخل فيه أن يتحكّم الأب بمواضع صدقة ولده؟ فأجاب حفظه الله: لا يدخل في هذا إلا إذا أراد أن يتملكها فلا بأس، ما لم يكن حيلة على منع صدقة ابنه، ولكن مع ذلك أنا أشير على الابن أن يعطيها الأقارب فهو أفضل. انتهى فليس للأب أن يُلزم ولده بمواضع معينة يضع فيها الصّدقة، ويمنعه من مواضع أخرى ولكن يُستحبّ للابن أن يستجيب لرغبة أبيه ما دام أشار عليه بأمر من البرّ وهو صلة الأقارب بالمال، وإذا كان المال كثيرا وكان هناك من هو أحوج من الأقارب فيمكن أن يعطي بعضه للأقارب وبعضه للمحتاجين الآخرين أو للمشاريع الإسلامية المهمة والنافعة، وأما حديث أنت ومالك لأبيك فقد رواه ابن ماجة رحمه الله تعالى في سننه عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلاً قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي مَالاً وَوَلَدًا وَإِنَّ أَبِي يُرِيدُ أَنْ يَجْتَاحَ مَالِي فَقَالَ أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيك. " سنن ابن ماجة رقم 2282، قال في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات على شرط البخاري. ومعنى قوله (يجتاح) أي يستأصله أي يصرفه في حوائجه بحيث لا يبقى شيء. وانظر في شرح الحديث وما يتعلق به سؤال رقم 4282 والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 4541 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2704 حكم إعطاء الشحاذ غير المسلم [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز إعطاء مال لشخص غير مسلم إذا كان يشحذ على الطريق العام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ عَلَى الْكَافِرِ، وَسَبَبُ الْخِلافِ: هُوَ أَنَّ الصَّدَقَةَ تَمْلِيكٌ لأَجْلِ الثَّوَابِ، وَهَلْ يُثَابُ الشَّخْصُ بِالإِنْفَاقِ عَلَى الْكُفَّارِ؟ . فَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَالْمَنْقُولُ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ: إنَّهُ يَجُوزُ دَفْعُ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ لِلْكُفَّارِ مُطْلَقًا،.. وَذَلِكَ لِعُمُومِ قوله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} . قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَلَمْ يَكُنْ الأَسِيرُ يَوْمَئِذٍ إلا كَافِرًا وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: {فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ} وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثِ {أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنهما - قَالَتْ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَفْتَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُلْت: إنَّ أُمِّي قَدِمَتْ وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُ أُمِّي؟ قَالَ: نَعَمْ، صِلِي أُمَّك} وَلأَنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحْمُودَةٌ فِي كُلِّ دِينٍ، وَالإِهْدَاءُ إلَى الْغَيْرِ مِنْ مَكَارِمِ الأَخْلاقِ. الموسوعة الفقهية ج26 والشخص غير المسلم إذا كان يسأل فلا يخلو: 1- إما أن يكون محتاجاً حاجة ضرورية لطعام بحيث لو لم تطعمه لهلك، فلك أن تطعمه في هذه الحال، إلا إذا كان محارباً معادياً للإسلام، فيترك. وتكون الأعطية في هذه الحال من الصدقة، لا من الزكاة. 2- وإما أن تكون حاجة هذا الشخص ليست ضرورية كالحالة السابقة فهذا يمكن أن نعطيه من باب تأليف قلبه ودعوته للإسلام لما في ذلك من المصلحة العظيمة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2756 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2705 الصدقة في حال الحياة أفضل [السُّؤَالُ] ـ[هل الأفضل للإنسان أن يتصدق بالمال في حياته أو يكتبها في وصيته تصرف بعد وفاته؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فضل الصدقة في حال الصحة: عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا قَالَ أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْغِنَى وَلا تُمْهِلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ قُلْتَ لِفُلانٍ كَذَا وَلِفُلانٍ كَذَا وَقَدْ كَانَ لِفُلانٍ" البخاري (1330) مسلم (1713) قال النووي رحمه الله: " قَالَ الخطابي: فَمَعْنَى الْحَدِيث أَنَّ الشُّحّ غَالِب فِي حَال الصِّحَّة , فَإِذَا شَحّ فِيهَا وَتَصَدَّقَ كَانَ أَصْدَقَ فِي نِيَّته وَأَعْظَم لأَجْرِهِ , بِخِلَافِ مَنْ أَشْرَفَ عَلَى الْمَوْت وَآيَسَ مِنْ الْحَيَاة وَرَأَى مَصِير الْمَال لِغَيْرِهِ فَإِنَّ صَدَقَته حِينَئِذٍ نَاقِصَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى حَالَة الصِّحَّة , وَالشُّحّ رَجَاء الْبَقَاء وَخَوْف الْفَقْر.. فَلَيْسَ لَهُ فِي وَصِيَّته كَبِير ثَوَاب بِالنِّسْبَةِ إِلَى صَدَقَة الصَّحِيح الشَّحِيح. وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " وَفِي الْحَدِيث أَنَّ تَنْجِيز وَفَاء الدَّيْن وَالتَّصَدُّق فِي الْحَيَاة وَفِي الصِّحَّة أَفْضَل مِنْهُ بَعْد الْمَوْت وَفِي الْمَرَض , وَأَشَارَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: " وَأَنْتَ صَحِيح حَرِيص تَأْمُل الْغِنَى الخ " لأَنَّهُ فِي حَال الصِّحَّة يَصْعُب عَلَيْهِ إِخْرَاج الْمَال غَالِبًا لِمَا يُخَوِّفهُ بِهِ الشَّيْطَان وَيُزَيِّن لَهُ مِنْ إِمْكَان طُول الْعُمْر وَالْحَاجَة إِلَى الْمَال كَمَا قَالَ تَعَالَى (الشَّيْطَان يَعِدكُمْ الْفَقْر) الآيَة. وَأَيْضًا فَإِنَّ الشَّيْطَان رُبَّمَا زَيَّنَ لَهُ الْحَيْف فِي الْوَصِيَّة أَوْ الرُّجُوع عَنْ الْوَصِيَّة فَيَتَمَحَّض تَفْضِيل الدِّقَّة النَّاجِزَة. قَالَ بَعْض السَّلَف عَنْ بَعْض أَهْل التَّرَف: يَعْصُونَ اللَّه فِي أَمْوَالهمْ مَرَّتَيْنِ: يَبْخَلُونَ بِهَا وَهِيَ فِي أَيْدِيهمْ يَعْنِي فِي الْحَيَاة , وَيُسْرِفُونَ فِيهَا إِذَا خَرَجَتْ عَنْ أَيْدِيهمْ , يَعْنِي بَعْد الْمَوْت. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيّ بِإِسْنَادٍ حَسَن وَصَحَّحَهُ اِبْن حِبَّانَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء مَرْفُوعًا قَالَ: " مَثَل الَّذِي يُعْتِق وَيَتَصَدَّق عِنْد مَوْته مِثْل الَّذِي يُهْدِي إِذَا شَبِعَ " , وَهُوَ يَرْجِع إِلَى مَعْنَى حَدِيث الْبَاب. وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ اِبْن حِبَّانَ مِنْ حَدِيث أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيِّ مَرْفُوعًا " لأَنْ يَتَصَدَّق الرَّجُل فِي حَيَاته وَصِحَّته بِدِرْهَمٍ خَيْر لَهُ مِنْ أَنْ يَتَصَدَّق عِنْد مَوْته بِمِائَةٍ " إ. هـ. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 22885 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2706 حكم الصدقة بكل ما يملك [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم أن يتصدق الشخص بكل ما يملك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اتفق أصحاب المذاهب الأربعة: على أنه يُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ الصَّدَقَةُ بِفَاضِلٍ عَنْ كِفَايَتِهِ , وَكِفَايَةِ مَنْ يَمُونُهُ , وَإِنْ تَصَدَّقَ بِمَا يُنْقِصُ مُؤْنَةَ مَنْ يَمُونُهُ أَثِمَ لأن نفقتهم واجبة عليه، ولا يجوز أن يقدم النفل على الفرض. وأما ما زاد على مؤونة من تلزمه نفقتهم: فجمهور العلماء أَنَّ إمْسَاكَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْمَالِ أَوْلَى مِنْ إخْرَاجِ ماله كُلِّهِ فِي الصَّدَقَةِ إلا إن َكَانَ ذَا مَكْسَبٍ , أَوْ كَانَ وَاثِقًا مِنْ نَفْسِهِ يُحْسِنُ التَّوَكُّلَ وَالصَّبْرَ عَلَى الْفَقْرِ وَالتَّعَفُّفِ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فاستحب بعض العلماء أن ينفقه كله وهو المصحح عند الشافعية، وظاهر كلام الموفق في المغني، والذي يفهم من مذهب المالكية والحنفية أنهم لا يستحبون ذلك، لأنهم يقولون بعد ذكر الشروط السابقة في جواز التصدق بالمال كله: " فلا بأس " وكأن الأمر عندهم على الجواز، وإن كان بعض المالكية علق على قولهم لا بأس بما يفيد الاستحباب حين قال:: مَحَلُّ نَدْبِ التَّصَدُّقِ بِجَمِيعِ الْمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُتَصَدِّقُ طَيِّبَ النَّفْسِ بَعْدَ الصَّدَقَةِ بِجَمِيعِ مَالِهِ , لا يَنْدَمُ عَلَى الْبَقَاءِ بِلا مَالٍ. وَأَنَّ مَا يَرْجُوهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مُمَاثِلٌ لِمَا تَصَدَّقَ بِهِ فِي الْحَالِ , وَأَنْ لا يَكُونَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِنَفْسِهِ , أَوْ لِمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ , أَوْ يُنْدَبُ الإِنْفَاقُ عَلَيْهِ , وَإِلا لَمْ يُنْدَبْ لَهُ ذَلِكَ بَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ إنْ تَحَقَّقَ الْحَاجَةَ لِمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ , أَوْ يُكْرَهُ إنْ تَيَقَّنَ الْحَاجَةَ لِمَنْ يُنْدَبُ الإِنْفَاقُ عَلَيْهِ ; لأَنَّ الأَفْضَلَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا يَفْضُلُ عَنْ حَاجَتِهِ وَمُؤْنَتِهِ , وَمُؤْنَةِ مَنْ يُنْفِقُ عَلَيْهِ " (الموسوعة الفقهية 26 / 339) ومن خلال هذه الأقوال يتضح أنهم لا يحددونه بالثلث، وأدلة ما ذهب إليه هؤلاء العلماء أدلة من القرآن والسنة منها: 1- قوله تعالى: (وَلا تَجْعَلْ يَدَك مَغْلُولَةً إلَى عُنُقِك , وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا) قَالَ الْمُفَسِّرُونَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ: وَلا تُخْرِجْ جَمِيعَ مَا فِي يَدِك مَعَ حَاجَتِك وَحَاجَةِ عِيَالِك إلَيْهِ , فَتَقْعُدَ مُنْقَطِعًا عَنْ النَّفَقَةِ وَالتَّصَرُّفِ , كَمَا يَكُونُ الْبَعِيرُ الْحَسِيرُ , وَهُوَ الَّذِي ذَهَبَتْ قُوَّتُهُ فَلا انْبِعَاثَ بِهِ , وَقِيلَ: لِئَلا تَبْقَى مَلُومًا ذَا حَسْرَةٍ عَلَى مَا فِي يَدِك , لَكِنَّ الْمُرَادَ بِالْخِطَابِ غَيْرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَتَحَسَّرُ عَلَى إنْفَاقِ مَا حَوَتْهُ يَدُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ , وَإِنَّمَا نَهَى اللَّهُ عَنْ الإِفْرَاطِ فِي الإِنْفَاقِ وَإِخْرَاجِ جَمِيعِ مَا حَوَتْهُ يَدُهُ مِنْ الْمَالِ مَنْ خِيفَ عَلَيْهِ الْحَسْرَةُ عَلَى مَا خَرَجَ عَنْ يَدِهِ. (الموسوعة 4 / 184) . 2- عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ , إنَّ مِنْ تَوْبَتِي: أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي , صَدَقَةً إلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ " (خ / 2552، م / 4973) ولم يحدد له النبي صلى الله عليه وسلم الصدقة بالثلث. قال الشوكاني رحمه الله: " دَلَّ حَدِيثُ كَعْبٍ أَنَّهُ يَشْرُعُ لِمَنْ أَرَادَ التَّصَدُّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ أَنْ يُمْسِكَ بَعْضَهُ وَلا يَلْزَمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ نَجَّزَهُ لَمْ يُنَفَّذْ وَقِيلَ: إنَّ التَّصَدُّقَ بِجَمِيعِ الْمَالِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلافِ الأَحْوَالِ , فَمَنْ كَانَ قَوِيًّا عَلَى ذَلِكَ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ الصَّبْرَ لَمْ يُمْنَعْ , وَعَلَيْهِ يَتَنَزَّلُ فِعْلُ أَبِي بَكْرِ الصِّدِّيقِ وَإِيثَارُ الأَنْصَارِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ , وَمَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلا , وَعَلَيْهِ يَتَنَزَّلُ {لا صَدَقَةَ إلا عَنْ ظَهْرِ غِنًى} وَفِي لَفْظٍ {أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى} .انيل (8 / 288) 3 – عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ الأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ مَالا مِنْ نَخْلٍ وَكَانَ أَحَبُّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ قَالَ أَنَسٌ فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَخٍ ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الأَقْرَبِينَ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ " (خ / 1368، م / 1664) . قال الشوكاني رحمه الله (النيل 3 / 36) : " وَفِيهِ جَوَازُ التَّصَدُّقِ مِنْ الْحَيِّ فِي غَيْرِ مَرَضِ الْمَوْتِ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ , لأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَسْتَفْصِلْ أَبَا طَلْحَةَ عَنْ قَدْرِ مَا تَصَدَّقَ بِهِ وَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فِي مَرَضِهِ: " الثُّلُثُ كَثِيرٌ " [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 22881 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2707 ماذا يجب على الأغنياء غير الزكاة [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان الشخص غنياً جداً فكم يجب أن يبقي لنفسه؟ هل يجوز لهم أن يشتروا بيتاً كبيراً أم يجب أن يعطوا الفقراء أموالاً أكثر؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب في أموال الأغنياء الزكاة، وما بقي بعد الزكاة ولو كان كثيرا فإنه حلال ويجوز له أن يشتري بيتا كبيرا، ولكن يبتعد عن الإسراف فإنه محرم في الشرع لقوله تعالى: " ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين " ولو كان المسرف غنيا. ويستحب له أن يعطي الفقراء صدقات غير الزكاة، وأفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى، ويلزمه شرعا إكرام الضيف وإغاثة الملهوفين، ويتأكد عليه إعطاء السائل الفقير ولو كان قد أدى الزكاة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 6266 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2708 إعطاء الصدقة لغير المسلم [السُّؤَالُ] ـ[1- هل يجوز إعطاء الصدقة لغير المسلمين خصوصا في هذا البلد (أمريكا) . 2- شخص ما (أظنه مسلم) يتسول ويطلب مبلغا معين من المال فكيف نتصرف في مثل هذه الحالة؟ أرجو أن تشرح أيضا إذا كان المتسول غير مسلم. 3- هل ينطبق الحكم في السؤالين الماضيين إذا كان المتسول يتعاطى المخدرات أو مدمن خمر؟ لأنه يمكن أن يستعمل المال في شراؤها.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله 1- يجوز إعطاء الصدقة - غير المفروضة - للفقراء من غير المسلمين وخصوصا إذا كانوا من الأقارب، بشرط أن لا يكونوا من المحاربين لنا، وأن لا يكون وقع منهم اعتداء يمنع الإحسان إليهم، لقوله تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين * إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون) الممتحنة / 8- 9. ولحديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: " قَدِمَتْ عَلَيّ أمي وهي مشركة - في عهد قريش إذ عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومُدَّتِهم - مع أبيها، فاستفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن أمي قدمت علي وهي راغبةٌ - تطلب العون - أفأصلها؟ قال: نعم صِلِيْها " رواه البخاري برقم 2946. وعن عائشة رضي الله عنها: " أن امرأة يهودية سألتها فأعطتها، فقالت لها أعاذك الله من عذاب القبر، فأنكرت عائشة ذلك، فلما رأت النبي صلى الله عليه وسلم قالت له، فقال: لا، قالت عائشة: ثم قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك " إنه أوحي إلي أنكم تفتنون في قبوركم " مسند أحمد برقم 24815. فدل هذان الحديثان على جواز إعطاء الكافر من الصدقة. ولا يجوز إعطاء فقراء الكفار من الزكاة، لأن الزكاة لا تعطى إلا للمسلمين في مصرف الفقراء والمساكين المذكورين في آية الزكاة. قال الإمام الشافعي: " ولا بأس أن يتصدق على المشرك من النافلة، وليس له في الفريضة من الصدقة حق , وقد حمد الله تعالى قوماً فقال (ويطعمون الطعام) الآية " كتاب الأم /ج 2. وصرف الصدقة إلى فقراء المسلمين أفضل وأولى ; لأن الصرف إليهم إعانة لهم على طاعة الله عز وجل، وتكون عوناً لهم على أمور دينهم ودنياهم، وفيه يتحقق الترابط المسلمين، وخصوصاً أن فقراء المسلمين اليوم أكثر من الأغنياء والله المستعان. 2- إذا كان الذي يطلب المال مسلماً، وكان محتاجاً، وتأكدت حاجته فيعطى ما تيسر من الصدقة. وكذلك إن كان غير مسلم. ولكن الأفضل للمحتاجين المسلمين ترك التسول في الطرق، - وإن كان ولا بد - فعليهم الذهاب إلى الجمعيات الخيرية الإسلامية التي تتبنى إيصال الصدقات إلى الفقراء المحتاجين، وكذلك يستعين من يريد التصدق بتنلك الجمعيات الخيرية المأمونة، لإيصال صدقته إلى من يستحقها. 3- أما إذا كان الشخص الذي يطلب المال - سواءً كان مسلماً أو كافراً - يطلبه لفعل معصية وشراء شيء محرم أو الاستعانة بالمال على فعل أمر محرم فلا يجوز إعطاؤه من تلك الصدقة، لأن في ذلك إعانة له على فعل الحرام. وقد قال الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 3854 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2709 دفع المال للمنظمات الإغاثية [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم دفع المال إلى منظمة دولية مجالها إغاثي بحت؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين فأجاب حفظه الله: ينظر في الأعم الأغلب من الجهات التي تساعدها فإذا كانوا مسلمين جاز الصرف لها لتخفيف الأزمة، وإن كان الأعم الأكثر وثنيين أو شيوعيين أو غيرهم فلا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد الله بن جبرين الحديث: 8006 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2710 إعطاء محتويات الحصالة الخيرية لجهة غير صاحبة الحصالة [السُّؤَالُ] ـ[عندي حصالة أموال خيرية لإحدى الجهات، وبعد ما امتلأت نقوداً أود أن أعطيها لجهة خيرية أخرى يطمئن قلبي لها أكثر.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله: س: لماذا قبل من هذه الجهة؟ ج: لأنها كانت الجهة التي أمامه، ثم عرف جهة أوثق. جواب فضيلة الشيخ ابن عثيمين: لا يجوز، مادام أنه جمع بنية أن يعطيها لهذه، لا يجوز أن يصرفها لغيرها. س: هل السبب أن الحصالة لهم؟ وأن العبرة بنيته هو؟ ج: نعم، إذا كان قد نواها (لهم) فلا يجوز أن يصرفها لغيرهم، إلا إذا استأذنهم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن صالح العثيمين الحديث: 10275 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2711 على كل واحد من الشريكين أن يزكي نصيبه من أرباح المضاربة [السُّؤَالُ] ـ[أعطاني سبعة آلاف ريال من أربع سنين أشري وأبيع في الحلال وكل سنة نتقاسم الأرباح، والآن وصلت ستة عشر ألف ريال، ولا أخرجنا زكاة كل الأربع سنين التي مرت. أرجو أن تكون الصورة واضحة. أفتونا مأجورين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الزكاة ركن من أركان الإسلام، ومن أعظم واجبات الدين وفرائضه، والواجب على المسلم أن يسارع إلى أدائها متى وجبت عليه، ولا يجوز التهاون في أدائها. ولا تسقط الزكاة بالتقادم، فلو مرت عليه سنون ولم يخرج الزكاة، كانت ديناً عليه، ويجب عليه إخراجها. قال النووي رحمه الله في "المجموع" (5/302) : "إذا مضت عليه سنون ولم يؤد زكاتها لزمه إخراج الزكاة عن جميعها" انتهى. وجاء في "الموسوعة الفقهية" (23/298) : "إذا أتى على المكلف بالزكاة سنون لم يؤد زكاته فيها، وقد تمت شروط الوجوب، لم يسقط عنه منها شيء اتفاقا، ووجب عليه أن يؤدي الزكاة عن كل السنين التي مضت ولم يخرج زكاته فيها" انتهى. ثانياً: تجب الزكاة في عروض التجارة عند جماهير العلماء، وقد سبق بيان أدلة ذلك في جواب السؤال رقم (130487) . وطريقة حساب زكاة عروض التجارة: أن تقوم البضاعة آخر الحول ثم يخرج زكاتها ربع العشر أي 2.5 بالمائة. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (4/249) : "مِنْ مَلَكَ عَرْضًا لِلتِّجَارَةِ , فَحَالَ عَلَيْهِ حَوْلٌ , وَهُوَ نِصَابٌ , قَوَّمَهُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ , فَمَا بَلَغَ أَخْرَجَ زَكَاتَهُ , وَهُوَ رُبْعُ عُشْرِ قِيمَتِهِ" انتهى. وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: "الطريقة الشرعية أنه يقوّم ما لديه من عروض التجارة عند تمام الحول بالقيمة التي تساويها عند الوجوب، بصرف النظر عن ثمن الشراء" انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/319) . ويضم الربح إلى الأصل ويزكى الجميع. جاء في "الموسوعة الفقهية" (22/86) : "يُضَمُّ الرِّبْحُ الْحَاصِل مِنْ عُرُوضِ التِّجَارَةِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْل إِلَى الأَْصْل، وَذَلِكَ لأَِجْل حِسَابِ الزَّكَاةِ. فَلَوِ اشْتَرَى مَثَلاً عَرْضًا فِي شَهْرِ الْمُحَرَّمِ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَصَارَتْ قِيمَتُهُ قَبْل آخِرِ الْحَوْل وَلَوْ بِلَحْظَةٍ ثَلاَثَمِائَةِ دِرْهَمٍ زَكَّى الْجَمِيعَ آخِرَ الْحَوْل" انتهى. هذا بالنسبة لصاحب المال: يزكي أصل المال (رأس ماله) مع نصيبه من الربح كل سنة. أما بالنسبة للمضارب (العامل) ففي وجوب الزكاة عليه في نصيبه من الربح إذا لم يتم اقتسامه - كما في الصورة المسؤول عنها - خلاف بين العلماء، والذي اختاره جماعة من علمائنا المعاصرين: وجوب الزكاة عليه في نصيبه من الربح. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "حصة المضارب فيها خلاف هل تجب الزكاة فيها أو لا؟ والصحيح أنه إذا تم الحول وهي لم تقسم أن فيها الزكاة؛ لأنها ربح مال تجب زكاته فيجب عليه أن يزكيه، ولأن هذا هو الظاهر من عمل الناس من عهد الرسول عليه الصلاة والسلام إلى اليوم: أنه إذا وجبت الزكاة في المال أخرجت منه ومن ربحه" انتهى. " شرح الكافي" (3/121) . وسئل الشيخ ابن جبرين رحمه الله: هل تجب الزكاة في حصة المضارب قبل القسمة إذا بلغ نصاباً؟ فأجاب: "المضاربة كونك تعطي إنساناً مالك يتجر به، فإذا أعطيته مثلاً عشرين ألفاً واشترى بها بضائع على أن له نصف الربح، ويرد عليك رأس مالك، فبعد سنة أصبحت العشرون ثلاثين بأرباحها، حصة العامل خمسة آلاف، وحصة صاحب المال خمسة آلاف، ورأس المال عشرون. فما الذي يزكى؟ يُزكى الجميع؛ الثلاثون ألفاً، وتكون الزكاة عن الجميع؛ عن الربح، وعن رأس المال. هذه صورة المضاربة وصورة الزكاة فيها" انتهى. "فتاوى الشيخ ابن جبرين" (50/8) . وسئل الشيخ صالح الفوزان رحمه الله: لي مبلغ من المال وقد تركته عند صديق لي ليتاجر فيه، من يدفع الزكاة هو أم أنا وهل أزكي عن رأس المال فقط أم حتى عن الربح؟ فأجاب: "أنت تزكي نصيبك من الربح، إذا بلغ نصابًا، وأما صاحب رأس المال فإنه يزكيه ويزكي نصيبه من الربح ولو كان قليلاً لأنه يتبع رأس المال" انتهى. "المنتقى من فتاوى الفوزان" (87/1-2) . وعلى هذا، فعليك أن تحسب الأرباح المضافة إلى رأس المال كل سنة، ثم يقوم صاحب رأس المال بإخراج زكاة رأس المال ونصيبه من الربح، وتخرج أنت زكاة نصيبك من الربح عن السنوات الماضية. تنبيه: حول عروض التجارة لا يبدأ حسابه من أول شراء العروض للتجارة، وإنما ينبني هذا الحول على حول النقود التي اشتريت بها عروض التجارة. ولبيان ذلك: انظر جواب السؤال رقم (32715) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 139631 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2712 حكم إخراج زكاة المال أو التجارة موادا غذائية [السُّؤَالُ] ـ[رجل أخرج زكاة المال أو العقار مواد غذائية جاهلاً هل عليه شيء؟ وإذا خشي أن يصرف الفقير جزء من الزكاة في الدخان أو كماليات فهل يجوز إعطاؤه مواد غذائية؟ سؤال آخر:- تاجر مواد غذائية لديه 3 أنواع من الرز مثلا ب 100و150و200 فهل يزكي من كل نوع أم من أحدها وهل يجزئ إذا دفع الزكاة من النوع الغالي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: يجب إخراج زكاة النقود نقودا عند جمهور الفقهاء، ولا يجوز إخراجها موادا عينية من غذاء أو غيره. وذهب الحنفية إلى الجواز، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية إذا كان ذلك أنفع للفقير. قال رحمه الله: "وأما إخراج القيمة في الزكاة والكفارة ونحو ذلك، فالمعروف من مذهب مالك والشافعي أنه لا يجوز، وعند أبي حنيفة يجوز، وأحمد رحمه الله قد منع القيمة في مواضع، وجوزها في مواضع، فمن أصحابه من أقر النص، ومنهم من جعلها على روايتين. والأظهر في هذا: أن إخراج القيمة لغير حاجة ولا مصلحة راجحة ممنوع منه. . . إلى أن قال رحمه الله: " وأما إخراج القيمة للحاجة، أو المصلحة، أو العدل فلا بأس به، مثل أن يبيع ثمر بستانه أو زرعه بدراهم فهنا إخراج عشر الدراهم يجزئه ولا يكلف أن يشتري ثمرا أو حنطة إذ كان قد ساوى الفقراء بنفسه، وقد نص أحمد على جواز ذلك ... ومثل أن يكون المستحقون للزكاة طلبوا منه إعطاء القيمة لكونها أنفع فيعطيهم إياها " انتهى من "مجموع الفتاوى" (25 / 82) . وعليه؛ فإذا كان المزكي أخرج زكاته موادا غذائية جاهلا، فلا شيء عليه، والأحوط له مستقبلا أن يخرجها نقودا. وينبغي أن يعلم أن العقار لا زكاة فيه إلا إذا كان للتجارة، أو كان مؤجرا فالزكاة في أجرته إذا حال عليها الحول وبلغت نصابا بنفسها أو بما انضم إليها من ماله. ثانياً: إذا كان الفقير سفيهاً لا يحسن التصرف في المال، وخشي أن يشتري به دخانا ونحوه، جاز إعطاؤه الزكاة سلعاً عينيةً بدلاً من النقود، مراعاة لمصلحة الفقير، وسدّاً لحاجته، وهذا اختيار شيخ الإسلام كما سبق، وبه أفتى جمع من أهل العلم. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " ويجوز أيضا أن يخرج عن النقود عروضا من الأقمشة والأطعمة وغيرها، إذا رأى المصلحة لأهل الزكاة في ذلك مع اعتبار القيمة، مثل أن يكون الفقير مجنونا أو ضعيف العقل أو سفيها أو قاصرا، فيخشى أن يتلاعب بالنقود، وتكون المصلحة له في إعطائه طعاما أو لباسا ينتفع به من زكاة النقود بقدر القيمة الواجبة، وهذا كله في أصح أقوال أهل العلم ". انتهى من "مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز" (14/253) . وينظر جواب السؤال رقم (79337) . ثالثا: الواجب في زكاة التجارة أن تخرج نقودا في قول جمهور أهل العلم، فتقوّم العروض في نهاية الحول، ويخرج من قيمتها ربع العشر. وذهب الحنفية، والشافعي في قول إلى جواز إخراجها من نفس التجارة. جاء في الموسوعة الفقهية (23 / 276) : " الأصل في زكاة التجارة أن يخرجها نقدا بنسبة ربع العشر من قيمتها , كما تقدم , لقول عمر رضي الله عنه لحماس: (قَوِّمْها ثم أَدِّ زكاتها) . فإن أخرج زكاة القيمة من أحد النقدين أجزأ اتفاقا. وإن أخرج عروضا عن العروض فقد اختلف الفقهاء في جواز ذلك، فقال الحنابلة وهو ظاهر كلام المالكية وقول الشافعي في الجديد وعليه الفتوى: لا يجزئه ذلك , واستدلوا بأن النصاب معتبر بالقيمة , فكانت الزكاة من القيمة , كما أن البقر لما كان نصابها معتبرا بأعيانها , وجبت الزكاة من أعيانها , وكذا سائر الأموال غير التجرة. وأما عند الحنفية وهو قول ثان للشافعية قديم: يتخير المالك بين الإخراج من العرض أو من القيمة فيجزئ إخراج عرض بقيمة ما وجب عليه من زكاة العروض ... وفي قول ثالث للشافعية قديم: أن زكاة العروض تخرج منها لا من ثمنها , فلو أخرج من الثمن لم يجزئ " انتهى. والراجح جواز إخراجها من التجارة نفسها. قال شيخ الإسلام رحمه الله:" يجوز إخراج زكاة العروض عرضاً " انتهى من "الاختيارات" ص 101. وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: هل يجوز إخراج الزكاة من الأقمشة؟ فأجاب:" يجوز ذلك في أصح قولي العلماء، الطيب عن الطيب، والرديء عن مثله حسب القيمة، مع الحرص على ما يبرئ الذمة، لأن الزكاة مواساة، من الغني للفقراء، فجاز له أن يواسيهم من القماش بقماش، كما يواسيهم من الحبوب والتمور والبهائم الزكوية من نفسها " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (14 / 253) . وعليه؛ فمن كان لديه أنواع من الأرز وأراد إخراج الزكاة منها، فإنه يخرج من كل نوع، تحقيقا للعدل والمسواة بينه وبين الفقراء، وإن اختار الإخراج من أجودها فله ذلك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 138314 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2713 باع أرضا معدة للتجارة قبل حلول الحول بستة أيام، فمتى تجب عليه الزكاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[عندي قطعة ارض وهي من عروض التجاره بعتها قبل حلول الحول عليها بستة أيام واستلمت المبلغ كيف احسب زكاتها هل أزكي المال بعد مرور الستة أيام أو أنتظر على المال مرور حول كامل]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز للرجل أن يبيع ماله قبل حلول الحول إذا احتاج إلى ذلك، ما لم يقصد الفرار من الزكاة قال القرطبي رحمه الله: " أجمع العلماء على أن للرجل قبل حلول الحول التصرف في ماله بالبيع والهبة إذا لم ينو الفرار من الصدقة " انتهى "الجامع لأحكام القرآن" (9 / 236) فإذا كان هذا المال معدا للتجارة فباعه: فإذا بلغ النصاب على رأس الحول زكّاه، وإذا لم يبلغ إلا بضمه إلى ماله الذي عنده، أو لم يبلغ ماله الذي عنده النصاب إلا بضمه إليه ضمه إليه وزكاه؛ لأن العبرة فيما أعد للتجارة قيمته المالية. قال ابن مفلح رحمه الله: " وتضم قيمة عروض التجارة إلى كل واحد، من الذهب والفضة، جزم به صاحب المستوعب، والشيخ وعلله بأنه يُقَوَّم بكل واحد منهما، وقال: لا أعلم فيه خلافا. قال: ولو كان ذهب وفضة وعروض، ضم الجميع في تكميل النصاب ". انتهى. "الفروع" (4/138) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " عروض التجارة تجب في قيمتها، فلا ينقطع الحول إذا أبدل عروض التجارة بذهب أو فضة، وكذلك إذا أبدل ذهباً أو فضة بعروض تجارة؛ لأن العروض تجب الزكاة في قيمتها لا في عينها، فكأنه أبدل دراهم بدراهم، فالذهب والفضة والعروض تعتبر شيئاً واحداً، وكذا إذا أبدل ذهباً بفضة إذا قصد بهما التجارة، فيكونان كالجنس الواحد " انتهى. "الشرح الممتع" (6 / 9) وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: شخص باع محلاًّ قبل حلول زكاته بشهرين فمن الذي يدفع الزكاة؟ فأجاب بقوله: " إذا انتقل ملك المال الزكوي قبل تمام الحلول: فإن كانت عروض تجارة كما قال، فالمالك الأول يزكي عروضه مع أمواله. مثال ذلك: إنسان عنده أرض للتجارة، فباعها قبل حلول زكاته بشهرين، فإنه إذا حلت الزكاة يجب عليه أن يؤدي زكاة الدراهم التي باع بها هذه الأرض، أما لو باعها بدراهم ثم اشترى بالدراهم سكناً له قبل تمام الحول فإنه لا زكاة عليه ... " انتهى. "مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (13 / 1507) فعلى ما تقدم: تجب عليك زكاة الأرض التي بعتها إذا تم الحول، أي بعد ستة أيام من وقت البيع، ولا يجوز أن تنتظر حولا جديدا لإخراجها. وللمزيد: راجع إجابة السؤال رقم: (32715) ، (38886) والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 138231 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2714 اشترى صكوكا إسلامية فهل يزكي الربح أم الربح ورأس المال؟ [السُّؤَالُ] ـ[اشتريت صكوكا إسلامية منذ ثلاث سنوات وكنت أتقاضى أرباحا في نهاية العام المالي للشركة فهل أدفع زكاة المال من قيمة الأرباح أم من قيمة رأس المال؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا اشتريت الصكوك الإسلامية بغرض الاتجار فيها وبيعها عند ارتفاع السعر، فإن الزكاة تجب فيها وفي أرباحها، فتقومها عند نهاية الحول، بسعر السوق، وتخرج ربع العشر (2.5%) من هذه القيمة، وتزكي كذلك ما استلمته من أرباحها. وإذا اشتريت الصكوك بغرض الاحتفاظ بها والاستفادة من ربحها فقط، فإنك تزكي الربح، ولا تزكي الصكوك، إلا أن يتبقى لدى الجهة القائمة على الصكوك أموال نقدية لم توضع في منشآت ونحوها، فيقدر ما يعادل كل صك من هذه النقود، ويكون على صاحب الصك إخراج زكاتها. وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (69912) . وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 18-23 جمادى الآخرة 1408هـ. الموافق 6-11 فبراير 1988م بشأن زكاة الأسهم، وهو ما ينطبق على الصكوك أيضا: "إذا لم تزك الشركة أموالها لأي سبب من الأسباب، فالواجب على المساهمين زكاة أسهمهم، فإذا استطاع المساهم أن يعرف من حسابات الشركة ما يخص أسهمه من الزكاة لو زكت الشركة أموالها على النحو المشار إليه، زكى أسهمه على هذا الاعتبار؛ لأنه الأصل في كيفية زكاة الأسهم. وإن لم يستطع المساهم معرفة ذلك: فإن كان ساهم في الشركة بقصد الاستفادة من ريع الأسهم السنوي، وليس بقصد التجارة ... فإن صاحب هذه الأسهم لا زكاة عليه في أصل السهم، وإنما تجب الزكاة في الريع، وهي ربع العشر بعد دوران الحول من يوم قبض الريع مع اعتبار توافر شروط الزكاة وانتفاء الموانع. وإن كان المساهم قد اقتنى الأسهم بقصد التجارة، زكاها زكاة عروض التجارة، فإذا جاء حول زكاته وهي في ملكه، زكى قيمتها السوقية، وإذا لم يكن لها سوق، زكى قيمتها بتقويم أهل الخبرة، فيخرج ربع العشر 2.5 % من تلك القيمة ومن الربح إذا كان للأسهم ربح" انتهى من "مجلة المجمع" (4/1/882) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131229 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2715 إذا اشترى أرضا ثم باعها لحاجة فهل تلزمه الزكاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[قرأت فتوى تقول إن الشخص إذا اشترى أرضاً بغرض البيع والشراء فإن عليه الزكاة فيها. ولكن ماذا لو أن شخصاً اشترى أرضاً ليس بنية البيع ولكن فجأة ظهر له شخص يريد شراءها فباعها مضطراً فهل عليه زكاة فيها؟ وإذا كان الأمر كذلك فكم تكون الزكاة؟ هل بحساب سعر الشراء أم البيع؟ فعلى سبيل المثال هو اشتراها بمئتي ألف وباعها بمئتين وخمسين فكيف تكون الزكاة فيها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا اشترى الإنسان أرضا بنية الاتجار فيها، لزمته الزكاة عند حولان الحول على المال الذي اشتراها به. وطريقة حساب الزكاة: أن يّقوم الأرض عند حولان الحول، ويخرج ربع العشر (2.5%) ، فالعبرة بقيمتها عند إخراج الزكاة، وليس بقيمتها أو ثمنها عند وقت الشراء. وأما من اشترى أرضا ولم ينو الاتجار فيها، ثم احتاج لبيعها، أو جاءه فيها سعر جيد فباعها، فهذا لا تلزمه زكاة التجارة، لكن إن باعها ثم مضى حول على المال الذي معه زكّاه زكاة المال. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " لو كان عند إنسان عقارات لا يريد التجارة بها، ولكن لو أعطي ثمنا كثيرا باعها فإنها لا تكون عروض تجارة؛ لأنه لم ينوها للتجارة، وكل إنسان إذا أتاه ثمن كثير فيما بيده، فالغالب أنه سيبيع ولو بيته، أو سيارته، أو ما أشبه ذلك ". وقال: " فإن كان عنده سيارة يستعملها، ثم بدا له أن يبيعها فلا تكون للتجارة؛ لأن بيعه هنا ليس للتجارة، ولكن لرغبته عنها، ومثله: لو كان عنده أرض اشتراها للبناء عليها، ثم بدا له أن يبيعها ويشتري سواها، وعرضها للبيع فإنها لا تكون للتجارة؛ لأن نية البيع هنا ليست للتكسب بل لرغبته عنها " انتهى من "الشرح الممتع" (6/142) . ولو كان للإنسان أرض وتردد في اقتنائها أو الاتجار فيها، لم تلزمه الزكاة حتى يجزم بنية التجارة، وينظر جواب السؤال رقم (117711) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129787 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2716 زكاة المال المغصوب [السُّؤَالُ] ـ[لي أرض أملكها بأوراق رسمية، فاحتال شخص آخر وأثبت ملكيته لها ولا زالت قضيتنا في المحكمة، وقد حال الحول، عليها فهل يلزمني إخراج زكاة هذه الأرض؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: أولاً: إن كانت نيتك إعمارها لأجل السكنى أو التأجير، فهذه الأرض لا زكاة فيها؛ لأنها ليست من عروض التجارة، وينظر جواب سؤال رقم (129787) . وأما إن كانت نيتك الاتجار بها، فالأصل أن عروض التجارة تجب فيها الزكاة، فتقوَّم هذه الأرض، كلما حال عليها الحول، ثم تخرج زكاتها حسب قيمتها في السوق. لكن.. لما كانت هذه الأرض مغصوبة، ولا تستطيع التصرف فيها، فلا زكاة فيها على الصحيح من قولي العلماء. قال ابن قدامة في "الكافي": "وفي المغصوب والضال والدَّيْن على من لا يمكن استيفاؤه منه لإعسار أو جحدٍ أو مطل روايتان: ..... إلخ". قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله " ... وهما قولان في المذهب، فالمذهب: أن الزكاة فيه واجبة ولكن لا يلزمه أداؤها حتى يقبضه، فيزكي لما مضى ولو بقي عشر سنوات. والقول الثاني: أنه لا زكاة عليه في ذلك؛ لأن المال ليس بيده ولا يمكنه أن يطالب به، وإذا طالب فقد عجز، وهذا القول هو الصحيح" انتهى من "الشرح الكافي". وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ولا تجب [يعني الزكاة] في دين مؤجل، أو على معسر أو عاطل أو جاحد، ومغصوب ومسروق، ولو حصل في يده، وهو رواية عن أحمد، واختارها وصححها طائفة من أصحابه، وهو قول أبي حنيفة" انتهى من الاختيارات ص 146. والأحوط: أنك إذا استلمت هذه الأرض أن تزكيها لسنة واحدة، ولو بقيت في يد الغاصب عدة سنوات. وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم (125854) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129657 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2717 تجب الزكاة في منتجات المصنع وفي المواد الخام المعدة للتصنيع [السُّؤَالُ] ـ[لدي مصنع لصناعة الصابون ورأسماله يتكون من التالي: 1. أصول ثابتة تتمثل في مباني وأراضي وآلات ومعدات وسيارات. 2. مخزون من المواد الخام الغير مصنعة. 3. مخزون من المنتوج الجاهز للتسويق. 4. أرصدة جارية بالمصارف. سؤالي هو: كيف تكون الزكاة على هذا المصنع (الرجاء منكم التوضيح بالتفصيل) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: تجب الزكاة في الذهب والفضة والنقود، كما تجب في عروض التجارة، والماشية والخارج من الأرض، ولا تجب في المباني والآلات والأراضي إلا إذا كانت معدة للتجارة. وعلى ذلك: فلا زكاة في الأصول الثابتة التي تملكها، وهي: المباني والأراضي والآلات والمعدات والسيارات. وتلزم الزكاة في المنتج الجاهز للتسويق، وفي المواد الخام كذلك، لأنها اشتريت بنية تصنيعها والاتجار فيها، وصفة زكاتها: أن تقوّم المواد المصنعة، والمواد الخام بسعرها في السوق عند تمام الحول، ثم تخرج من هذه القيمة ربع العشر (2.5%) . وينظر: سؤال رقم (69916) ورقم (74987) . ثانيا: تجب الزكاة كذلك في الأرصدة الموجودة بالمصارف، فتنظر إلى الموجود منها عند تمام حولها، فتزكيه، والقدر الواجب فيها هو ربع العشر (2.5%) . كما تجب الزكاة في الديون التي لك على الآخرين، إذا كانوا مقرين بها، باذلين لها، أي غير جاحدين ولا معسرين، فتزكي هذه الديون عند تمام حولها. وأما الديون التي عليك – إن وجدت – فلا تؤثر على الزكاة ولا تخصم منها، على القول الراجح. وينظر: سؤال رقم (119047) ورقم (93101) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125918 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2718 زكاة أسهم جزر البندقية [السُّؤَالُ] ـ[ساهمت بمبلغ من المال قدره 60000 ريال في مشروع جزر البندقية، وتعثرت المساهمة لمدة ثلاث سنوات، والآن رجعت الفلوس هل أزكي الأعوام السابقة؟ مع العلم أن المبلغ الذي ساهمت به قرض من بنك الراجحي، وباقي علي ستة أقساط أفيدونا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الأصل في زكاة الأسهم العقارية أن ينظر صاحبها إلى قيمتها السوقية كل سنة، ثم يخرج منها ربع العشر (2.5%) ، وإن لم يكن لديه مال قَيَّد الزكاة في كل سنة بسنتها، ثم إذا باع أسهمه أخرج الزكاة التي عليه. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن المساهمة في أرض تابعة لمؤسسة عقارية: "هذه المساهمة عروض تجارة فيما يظهر؛ لأن الذين يساهمون في الأراضي يريدون التجارة والتكسب، ولهذا يجب عليهم أن يزكوها كل سنة بحيث يقومونها بما تساوي، ثم يؤدون الزكاة، فإذا كان قد ساهم بثلاثين ألفاً وكان عند تمام الحول تساوي هذه السهام ستين ألفاً، وجب عليه أن يزكي ستين ألفاً وإذا كانت عند تمام الحول الثلاثين ألفاً لا تساوي إلا عشرة آلاف لم يجب عليه إلا زكاة عشرة آلاف " انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/226) . ولكن إذا كسدت الأرض أو الأسهم، حتى أصبح أهلها يعرضونها للبيع ولا يجدون من يشتريها منهم، فمن أهل العلم من يراها حينئذ كالدين الذي عند شخص فقير لا يستطيع الوفاء، فالزكاة لا تجب فيها إلا عند بيعها ويزكيها لسنة واحد فقط، والأحوط أن تزكى لجميع السنوات. وينظر: "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (18/206) . ومثل الكساد بل أشد: ما لو مُنع أهلها من التصرف فيها لسبب ما [كما حدث في جزر البندقية] ، فإنها تزكى مرة واحدة عند بيعها عند بعض أهل العلم. وقد سئل الدكتور محمد العصيمي حفظه الله: مساهمة الدريبي (جزر البندقية) العقارية كان عليها مشكلة في الدولة قعدت حوالي 5 سنوات شبه يئسنا منها والآن أتى بها الله، أرجعت الأموال للمساهمين، هل عليها زكاه؟ وكم سنة أخرج عنها الزكاة؟ فأجاب: " نعم، عليك إخراج الزكاة عن سنة واحدة، والله تعالى أعلم " انتهى من موقع الشيخ على الإنترنت: http://www.halal2.com/ftawaDetail.asp?id=23668 ثانيا: الدَّيْن الذي عليك لا أثر له على الزكاة، في أصح قولي العلماء، فتلزمك زكاة الأسهم، ولو كنت اشتريتها بالدَّيْن، أو كان عليك دَيْن غير ذلك، وينظر جواب السؤال رقم (22426) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 119602 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2719 بنى بناية للإيجار ثم قرر بيعها فهل تلزمه الزكاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[بنينا بناية بغرض الإيجار، لكن بعد التكملة قررنا أن نبيع غرف البناية على مراحل حتى نبيع كل الغرف في البناية، وفي نفس الوقت نبني بناية أخرى بهذا المبلغ، فهل فيها الزكاة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: البناء المعد للإيجار لا زكاة فيه، وإنما تزكى أجرته إذا بلغت نصابا وحال عليها الحول. ثانيا: الذي يظهر من صنيعكم أن نيتكم تحولت من نية الإجارة إلى نية التجارة بهذا المبنى، فيكون عليكم زكاة عروض التجارة في هذا المبنى، ويبدأ حساب الحول من حين تحولت نيتكم إلى التجارة، وهذا مبني على القول الذي رجحه جمع من أهل العلم، وهو أن نية التجارة تكفي لوجوب زكاة التجارة، وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله، ورجحها الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، كما سيأتي. وأما القول الآخر وهو قول الجمهور، فلا تكفي النية عندهم لوجوب زكاة التجارة، بل يشترط أن يملك السلعة بفعله، وأن ينوي التجارة عند تملكها، فلو ملكها أولا بنية الاقتناء أو الإجارة – كما هو حالكم – ثم نوى التجارة، لم تلزمه الزكاة. قال ابن قدامة رحمه الله: " ولا يصير العَرَض للتجارة إلا بشرطين ; أحدهما أن يملكه بفعله , كالبيع , وقبول الهبة , والوصية , والغنيمة , واكتساب المباحات ... والثاني: أن ينوي عند تملكه أنه للتجارة، فإن لم ينو عند تملكه أنه للتجارة لم يصر للتجارة وإن نواه بعد ذلك. وعن أحمد , رواية أخرى , أن العرض يصير للتجارة بمجرد النية ; لقول سمرة: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرج الصدقة مما نعد للبيع) . فعلى هذا؛ لا يعتبر أن يملكه بفعله , ولا أن يكون في مقابلة عوض , بل متى نوى به التجارة صار للتجارة " انتهى من "المغني" (2/336) . وينظر: "بدائع الصنائع" (2/12) ، "شرح الخرشي على خليل" (2/195) ، "المجموع" (6/5) ، "الموسوعة الفقهية" (23/271) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والقول الثاني في المسألة: أنها تكون للتجارة بالنية ولو ملكها بغير فعله، ولو ملكها بغير نية التجارة؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) وهذا الرجل نوى التجارة، فتكون لها. مثال: لو اشترى سيارة يستعملها في الركوب، ثم بدا له أن يجعلها رأس مال يتجر به، فهذا تلزمه الزكاة إذا تم الحول من نيته، فإن كان عنده سيارة يستعملها، بدا له أن يبيعها فلا تكون للتجارة؛ لأن بيعه هنا ليس للتجارة، ولكن لرغبته عنها. ومثله لو كان عنده أرض اشتراها للبناء عليها، ثم بدا له أن يبيعها ويشتري سواها، وعرضها للبيع فإنها لا تكون للتجارة؛ لأن نية البيع هنا ليست للتكسب بل لرغبته عنها، فهناك فرق بين شخص يجعلها رأس مال يتجر بها، وشخص عدل عن هذا الشيء ورغب عنه، وأراد أن يبيعه، فالصورة الأولى فيها الزكاة على القول الراجح، والثانية لا زكاة فيها " انتهى من "الشرح الممتع" (2/626) . وعلى هذا؛ فإذا كان بيعكم لهذه الغرف ليس من أجل التجارة والتكسب، وإنما لكونكم وجدتم مكاناً أحسن - مثلاً -، تريدون الانتقال إليه، فليس عليكم زكاة. قال الشيخ ابن عثيمين في "شرح الكافي": "الراجح أنها تكون للتجارة بنيته، لكن لاحظ أنه يريد نية التجارة، لا نية التخلص منها، بأن تكون طابت نفسه، ويريد أن يبيعها، هذا ليست عليه زكاة " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 119048 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2720 عنده أرض عليها منازعات مع البلدية ولا يستطيع بيعها فهل تلزمه الزكاة [السُّؤَالُ] ـ[لدي عدد من الأراضي خارج المدينة بدون صكوك شرعية، مجرد أوراق مبايعة اشتريتها من عدة سنوات ولم أزكها، هل عليها زكاة؟ ، وما العمل الآن إذا كان عليها زكاة (حيث الأراضي عليها منازعات مع البلدية ولا نستطيع تحديد سعر الآن) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا اشتريت هذه الأرض بنية التجارة، وجبت فيها زكاة التجارة، فتقومها كل سنة، وتخرج ربع العشر (2.5%) من هذه القيمة. هذا هو الأصل في زكاة عروض التجارة، لكن إذا كنت لا تستطيع بيعها والتصرف فيها بسبب المنازعات مع البلدية، فإنه لا تجب الزكاة فيها في الفترة التي أنت عاجز عن التصرف فيها؛ لعدم تمام الملك، فهي تشبه الدين الذي على المماطل والمعسر. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " بالنسبة لزكاة الأراضي يعني: اشترى رجل أرضاً ولم يزكها لمدة سنوات ثلاث أو أربع سنوات، وقام بإدخالها بعد الشراء إلى البلدية لتقسمها لعدة قطع، وأخذت الأرض مدة أربع أو خمس سنوات ولم تنته حتى الآن؛ فهل يجب عليها زكاة المدة السابقة أم يدفع مرة واحدة عند البيع؟ الشيخ: هل اشتراها للتجارة؟ السائل: اشتراها للتجارة، ولكن كان يعتقد بناءً على فتوى بعض العلماء على أن الأراضي ليس عليها زكاة، ثم طالت المدة في انتهاء معاملة الأرض هذه، ولا يستطيع بيعها على قطع حتى تنتهي. الشيخ: ولا بيعها جميعاً؟ السائل: لا يستطيع بيعها قطعة واحدة لكن الشركاء كانوا قد اشتروا الأرض لتقطيعها عدة قطع. الشيخ: يعني: انتقلت من ملكه؟. السائل: لا ما زالت في ملكه. الشيخ: هم شركاء؟. السائل: الشركاء يعني: هم سجلوا باسم شخص واحد أحد الشركاء. الشيخ: أولاً: بارك الله فيك، إذا كان قد استفتى شخصاً بأنه لا زكاة فيها وهذا الشخص عمدة في علمه ودينه فلا زكاة عليه؛ لأن الله قال: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} النحل:43، وأما إذا كان يعتقد أن الزكاة واجبة فعليه الزكاة إلا في السنوات التي يمنع من التصرف فيها فلا زكاة عليها؛ لأن هذه تشبه الديون على المعسر، لكن القول الراجح كما علمت أن عروض التجارة فيها زكاة " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (148/11) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 117936 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2721 إذا تردد في نية التجارة بالأرض فليس فيها زكاة [السُّؤَالُ] ـ[لدي أرض عند شرائها كانت النية إلى 70% للتجارة، فهل علي زكاة مع وجود نية 30% إلى بنائها وعدم بيعها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه الأرض ما دمت لم تنوها للتجارة نية جازمة، فلا زكاة فيها؛ لأن الأصل أنها للاقتناء، فلا تصير للتجارة إلا بنية جازمة، وأما مع التردد فلا تجب فيها الزكاة. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: رجل عنده أرض واختلفت نيته فيها، لا يدري هل هو يبيعها أو يعمرها أو يؤجرها أو يسكنها، فهل يزكي إذا حال الحول؟ فأجاب: "هذه الأرض ليس فيها زكاة أصلاً ما دام ليس عنده عزم أكيد على أنها تجارة، فليس فيها زكاة لأنه متردد، ومع التردد لو واحداً في المائة فلا زكاة عليه " انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/232) . وقال أيضا: "إذا كان الإنسان متردداً يقول: والله ما أدري أتجر بها أو أبقيها، مثلاً عنده أرض يقول: لا أدري أتجر بها أو أبقيها أو أعمر عليها عمارة هل فيها زكاة أو لا؟ الجواب: ليس فيها زكاة؛ لأن الأصل عدم وجوب الزكاة حتى تتمحض النية لإرادة التجارة " انتهى من "اللقاء الشهري" (3/5) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 117711 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2722 مقاول عنده عقارات ومعدات للبناء فهل تجب عليه الزكاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[أبي يمتلك عقارات للإيجار وأرض، منها ما يملكه ملكاً تاماً، ومن الأرض ما زال يدفع أقساطه بالنسبة للعقارات هي مؤجرة ولكن الإيجار لا يكمل قدر الزكاة (ربع العشر) إذا كانت هذه النسبة صحيحة يعني أقصد إذا كان ما يجب في العقارات ربع العشر، كما أنه يمتلك أخشاب بسبب طبيعة عمله كمقاول وأيضاً نمتلك سيارتين أريد أن أعرف ما تجب فيه زكاة منهم وما لا يجب؟ وما مقدار الزكاة التي تجب؟ وإذا كان هو يخرج لعمتي (مطلقة) وابنة عمتي أرملة ومعها أيتام أطفال فأعتقد إن شاء الله أنها تستحق، ولكن الجزء المخصص لعمتي لا أعرف إذا كان يجوز كزكاة أم فقط هو صلة رحم لأنها معها بنت أخرى ولهم دخل إلى حد ما جيد، ولكن المشكلة في أنها تضع المساحيق ولبسهم ليس بالجيد فلا أعلم هل تجوز الزكاة لهم أم لا؟ أرجو التفصيل في الإجابة]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا تجب الزكاة في العقارات والأراضي إلا إذا كان صاحبها يقصد التجارة فيها، أما ما يقصد استعماله أو تأجيره فليس فيه زكاة، وإنما الزكاة في الأجرة إذا بلغت نصاباً وهو ما يعادل قيمة 595 جم من الفضة، ومَرَّت عليها سنة كاملة. وقدر الزكاة الواجب إخراجه هو ربع العشر من الأجرة، أي: 2.5 بالمائة. جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء (11/358) : وما كان منه أرضاً تؤجر أو عمارة تؤجر وجبت الزكاة في أجرتها إذا حال عليها الحول، لا في نفس الأرض والعمارة" انتهى. أما إذا كانت الأجرة ينفقها صاحبها أولاً بأول، فلا زكاة فيها ما دام لم يدخر منها نصاباً سنة كاملة. ثانياً: الأخشاب التي يملكها والدك بسبب طبيعة عمله كمقاول ليس فيها زكاة. وقد نص العلماء رحمهم الله على أن آلات الصنعة لا زكاة فيها، مهما كانت قيمتها كثيرة، لأن المقصود منها استعمالها وليس التجارة بها. وهكذا يقال أيضاً في السيارتين، لا زكاة فيهما، ما دامتا لم يقصد بهما الاتجار فيهما. وانظري جواب السؤال رقم (74987) . ثالثاً: لا حرج من إعطاء والدك الزكاة لابنة عمتك وأولادها اليتامى، بل إعطاؤها أولى هو أكثر ثواباً من إعطاء البعيد، لأن إعطاء الزكاة للأقارب أفضل. فعَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ وَعَلَى ذِي الرَّحِمِ اثْنَتَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ) أخرجه أحمد (15644) والترمذي (658) ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي. أما إعطاء الزكاة لعمتك وابنتها الأخرى، فإن كان لهما دخل يكفيهما فلا يجوز إعطاؤها الزكاة، وإذا كان دخلهما لا يكفيهما فإنهما يعطيان من الزكاة ما تحصل به كفايتهما، وما زاد على ذلك يكون صدقة تطوع وصلة رحم، لا يجوز أن يحسب من الزكاة. لكن ... إذا كان والدك يرث عمتك (أخته) – إن قُدِّر أنها ماتت - فالواجب عليه أن ينفق عليها، وفي هذه الحالة لا يجوز أن يعطيها من الزكاة. وهو يرثها إذا لم يكن لها ولد ذكر، ولم يكن أبوها موجوداً. وانظري جواب السؤال رقم (6026) . أما كونها تضع المساحيق وملابسها هي وابنتها ليست بالجيدة، فنسأل الله لهما الهداية، ولا يؤثر ذلك على إخراج الزكاة لهما، سوى أن الواجب عليك وعلى أبيك مواصلة النصح لهما. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 113062 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2723 كان يزكي أسهمه في أراضٍ ثم خصصت له قطعة أرض فهل تلزمه زكاتها؟ [السُّؤَالُ] ـ[سبق وأن ساهمت في مخطط أراضٍ، واستمرت المساهمة عدة سنوات، وكنت كل سنة أزكي قيمة الأسهم كل رمضان..ولما جاء وقت الحراج (البيع) خصص لي أرض مقابل أسهمي إلا أن قيمة الأسهم لم تغط قيمة الأرض. بعد مرور 10-11 شهر من آخر زكاة دفعت المبلغ المتبقي ثم أصدر لي صك ملكية باسمي. علماً بأن نيتي في الأرض كانت متقلبة: إما بيعها أو بناؤها، والغالب أنه إذا احتجت للمبلغ سوف أبيع. السؤال: هل على هذه الأرض زكاة؟ وهل مدة الـ 10 أو 11 شهر تعتبر أرضا أم أسهماً؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تعتبر مالكا للأرض المعيّنة من وقت تخصيصها وتحديدها لك، ولا يضر كون جزء من ثمنها بقي في ذمتك آنذاك، وكذلك لا يضر تأخر صدور صك الملكية إلى حين سداد بقية الثمن. وهذه الأرض إذا لم تنوها للتجارة، فلا زكاة فيها، وكذلك إذا كنت مترددا في شأنها؛ لأن الأصل أنها للاقتناء، فلا تصير للتجارة إلا بنية جازمة. وكون الإنسان يقول: إذا احتجت إلى المال بعت الأرض، أو لو عرض علي فيها سعر جيد بعتها، لا يعني أن الأرض للتجارة، ما لم يجزم بنية التجارة. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " الأرض المعدة للتجارة تجب فيها الزكاة، والحجة في ذلك الحديث المشهور عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرج الصدقة من الذي نعد للبيع) ومراده بالصدقة هنا: الزكاة. أما إذا كانت الأرض للقنية (الاقتناء) لا للبيع، سواء قصدها للفلاحة أو السكنى أو التأجير أو نحو ذلك فليس فيها زكاة لكونه لم يعدها للبيع، والله سبحانه أعلم " انتهى من "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" للشيخ ابن باز (14/160) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "لو كان عند إنسان عقارات لا يريد التجارة بها، ولكن لو أُعطي ثمناً كثيراً باعها فإنها لا تكون عروض تجارة؛ لأنه لم ينوها للتجارة، وكل إنسان إذا أتاه ثمن كثير فيما بيده، فالغالب أنه سيبيع ولو بيته، أو سيارته، أو ما أشبه ذلك" انتهى من "الشرح الممتع" (6/142) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111815 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2724 استثمر مالا في صناديق الأسهم فكيف يزكي؟ [السُّؤَالُ] ـ[لدي مبلغ من المال مستثمر في أحد البنوك في صناديق المتاجرة بالأسهم هل تجب علي الزكاة في هذا المبلغ؟ وما هي مقدار الزكاة المفروضة في هذا المبلغ؟ وهل الزكاة على كامل المبلغ أم الربح؟ مع العلم أنني أدفع 2.5% على كل شيك أحصله إلى الجهة التي تكفلني على أساس أنها زكاة، لكن لا علم عندي هل هم يدفعونها أم لا؟ لكن هذا هو الاتفاق بيننا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: زكاة الأسهم فيها تفصيل بحسب نية مالكها: " فإن كان ساهم في الشركة بقصد الاستفادة من ريع الأسهم السنوي، وليس بقصد التجارة؛ فإن صاحب هذه الأسهم لا زكاة عليه في أصل السهم، وإنما تجب الزكاة في الريع، وهي ربع العشر بعد دوران الحول من يوم قبض الريع. وإن كان المساهم قد اقتنى الأسهم بقصد التجارة، زكاها زكاة عروض التجارة، فإذا جاء حول زكاته وهي في ملكه، زكى قيمتها السوقية، فيخرج ربع العشر 2.5 % من تلك القيمة ومن الربح إذا كان للأسهم ربح " انتهى مختصرا من "مجلة مجمع الفقه الإسلامي" (1/879) . ثانيا: إذا كنت ساهمت بقصد الربح فقط، وكنت تخرج 2.5% من الأرباح بنية الزكاة، وتدفعها إلى الجهة التي تكفلك لتوزعها عنك، فهذا كاف، لكن ينبغي التأكد من إخراج هذه الجهة للزكاة، وإن أخذت المال وأخرجت زكاته بنفسك كان أولى. وأما إن كنت ساهمت بنية الاتجار في الأسهم، فلابد من تقويمها في نهاية الحول ثم تخرج زكاتها 2.5 بالمائة من قيمتها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 110144 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2725 قضاء الوقت في الأفلام والمسلسلات واللعب في رمضان [السُّؤَالُ] ـ[بعض الصائمين يقضون معظم نهار رمضان في مشاهدة الأفلام والمسلسلات من الفيديو والتلفاز ولعب الورق فما حكم ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب على الصائم وغيره من المسلمين أن يتقي الله سبحانه فيما يأتي وما يذر في جميع الأوقات، وأن يحذر ما حرّم الله عليه من مشاهدة الأفلام الخليعة التي يظهر فيها ما حرّم الله، من الصور العارية وشبه العارية، ومن المقالات المنكرة، وهكذا ما يظهر في التلفاز مما يخالف شرع الله، من الصور والأغاني وآلات الملاهي والدعوات المضللة. كما يجب على كل مسلم صائماً كان أو غيره أن يحذر اللعب بآلات اللهو من الورق وغيرها من آلات اللهو، لما في ذلك من مشاهدة المنكر وفعل المنكر، ولما في ذلك أيضاً من التسبب في قسوة القلب ومرضها واستخفافها بشرع الله والتثاقل عما أوجب الله من الصلاة في الجماعة أو غير ذلك من ترك الواجبات، والوقوع في كثير من المحرمات، والله سبحانه وتعالى يقول: (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتّخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين * وإذا تتلى عليه آياتنا ولّى مستكبراً كأن لم يسمعها كأنه في أذنيه وقراً فبشره بعذاب أليم) سورة لقمان/6-7، ويقول سبحانه في سورة الفرقان في صفة عباد الرحمن: (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً) الفرقان/72، والزور يشمل جميع أنواع المنكر، ومعنى لا يشهدون: لا يحضرون. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف) رواه البخاري في صحيحه معلّقاً مجزوماً به، والمراد بالحر.. الفرج الحرام، والمراد بالمعازف: الغناء وآلات اللهو. ولأن الله سبحانه حرم على المسلمين وسائل الوقوع في المحرمات، ولا شك أن مشاهدة الأفلام المنكرة وما يعرض في التلفاز من المنكرات من وسائل الوقوع فيها أو التساهل في عدم إنكارها والله المتسعان. [الْمَصْدَرُ] فتاوى الشيخ ابن باز ج/4 ص/ 158. الحديث: 13956 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2726 كيفية حساب زكاة الشركات التجارية [السُّؤَالُ] ـ[زكاة الشركات التجارية كيف نحسبها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله حساب الزكاة للشركات التجارية التي لديها سلع تتاجر فيها: أن تُقوّم السلع التي لديها – أي: المواد التي تم شراؤها بقصد بيعها - عند نهاية الحول بالسعر الذي تباع به، ثم يضاف إلى ذلك الأموال النقدية الموجودة في الشركة أو في أرصدة البنوك، والديون التي لها على الناس التي يرجى تحصيلها، ثم يخرج من ذلك كله ربع العشر (2.5%) . وإذا لم يكن لديها سلع تتاجر فيها، ولكنها تقوم بمشاريع تدرّ عليها المال، كاستصلاح الأراضي، وبناء المساكن لتأجيرها – لا لبيعها – أو تقوم بأعمال الصيانة، فإنها في نهاية الحول تنظر فيما لديها من أموال، وما لها من ديون على غيرها مرجوة السداد، وتخرج من ذلك ربع العشر. وأما المباني والمكاتب والسيارات والأثاث والآلات التي لا يقصد بيعها، بل تستعمل في الشركة فلا زكاة فيها، مهما بلغت قيمتها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 107754 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2727 هل كل أرض تُشترى فيها زكاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[اشترينا 3 قطع أراضي إحداها بنية البناء عليها عاجلاً، والقطعتان الأخريان بنية الاستفادة منها مستقبلاً ببيعها أو عمارتها، وقد مضى عليها ست سنوات ولم نخرج زكاتها جميعاً، فهل علينا شيء في ذلك؟ وكم يجب أن نخرج؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " الأراضي التي يشتريها الإنسان لا تخرج عن أحد ثلاثة أنواع: النوع الأول: ما قصده للسكنى، فهذه لا زكاة فيها؛ لأنها ليست تجارية. النوع الثاني: أن يشتري الأراضي بقصد التجارة وطلب الربح بثمنها، فهذه عروض تجارة إذا حال عليها الحول، فإنه ينظر كم تساوي عند تمام الحول، ويخرج ربع العشر من قيمتها التي تساويها في وقت تمام الحول. النوع الثالث: أن يريد الأرض التي اشتراها للاستثمار بأن يعمرها دكاكين أو عمارات سكنية لتأجيرها، فهذه لا زكاة في أصلها، وإنما الزكاة في غلتها، فإذا قبض من أجرتها ما يبلغ النصاب، وحال عليه الحول من حين عقد الإجارة، فإنه يزكيه " انتهى بتصرف. "المنتقى من فتاوى الفوزان" (2/309) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105303 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2728 لا يجوز خرص غير الثمار [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز خرص عروض التجارة إذا تعذر إحصاؤها أو شق على التاجر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله معنى الخرص: أن ينظر أهل الخبرة إلى النخل ـ مثلاً ـ بعد ظهور صلاح البلح، وينظر كم يأتي منه من التمر؟ ويتم إخراج الزكاة على ذلك، فهو نوع من الظن والتخمين من غير إحصاء دقيق للمال، وسبب مشروعية ذلك في الثمار: أن صاحب الثمار قد يحتاج إلى الأكل منها أو الإهداء أو البيع وهي بلح قبل أن تكون تمراً، وحينئذ لا يمكن تحديد الزكاة، فأتى الشرع بخرصها دفعاً للحرج والمشقة. ولم يرد الشرع بخرص شيء من أموال الزكاة إلا الثمار، لأنها هي التي يصعب أو يتعذر إحصاؤها، أما غيرها من أموال الزكاة ـ كعروض التجارة ـ فيمكن إحصاؤها. وقد سُئل الشيخ ابن عثيمين عن خرص عروض التجارة إذا تعذر إحصاؤها أو شق على التاجر، فأجاب: " لا يجوز خرصها؛ لأن الخرص لم يرد إلا في الثمار، وألحق به بعض العلماء الزروع، وأما الأموال فلا يمكن خرصها؛ لأنها أنواع متعددة، لكن على الإنسان أن يتحرى ما استطاع وأن يحتاط لنفسه، فإذا قَدَّر أن البضاعة هذه تبلغ مئة وعشرين فليخرج عن مئة وعشرين إبراء لذمته " انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (18/232) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105319 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2729 إذا كسدت الأرض، فهل فيها زكاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[اشتريت أرضاً، وفي نيتي بيعها إذا ارتفع سعرها، ولكن الأرض كسدت ونزل سعرها، وقد بقيت الأرض عندي مدة عشرة سنوات، ولم ترتفع، فهل علي زكاة فيها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأرض التي اشتراها صاحبها بقصد بيعها بعد فترة إذا ارتفع سعرها، تجب فيها الزكاة لأنها من عروض التجارة. وعروض التجارة تُقَوَّم عند تمام الحول بالثمن الذي تساويه، بصرف النظر عن الثمن الذي اشتريت به، وتخرج زكاتها، ومقدار الواجب فيها من الزكاة ربع العشر. وانظر جواب السؤال رقم (38886) . وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عندي قطعة أرض وأنا أنتظر ارتفاع أسعار الأراضي لبيعها وبقيت عدة سنوات، فهل أخرج عنها زكاة؟ فأجاب: " من اشترى أرضاً للربح ثم كسدت الأرض ورخصت وأبقاها لحين ارتفاع السعر فإنه يزكيها كل سنة؛ لأنها من عروض التجارة، وإن لم يكن عنده مال يخرج زكاتها ولا يجد مشترياً، فيقدر ثمنها عند وجوب الزكاة ويقيد زكاتها، وفي السنة الثانية يقدر زكاة قيمتها، ثم الثالثة كذلك، فإذا باعها في أي وقت يخرج جملة الزكاة التي قدرها " انتهى. "مجموع الفتاوى" (18/225) . وسئل أيضاً: عن شخص اشترى أرضاً بقصد التجارة , ولكن بقيت على ملكه مدة طويلة، هل عليها زكاة؟ فأجاب: " إذا اشترى الإنسان أرضاً للتجارة فعليه زكاة كل عام , سواء زادت قيمتها أو نقصت، وسواء نَفَقت أو كسدت، يقوِّمها كل سنة بما تساوي , ثم إن كان لديه مال أخرج زكاتها من المال الذي عنده , وإن لم يكن لديه مال , قَيَّد الزكاة في كل سنة بسنتها، وإذا باعها أدى الزكاة لما مضى" انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (15/12) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105334 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2730 الأرض التي اشتريت لأجل السكنى لا زكاة فيها [السُّؤَالُ] ـ[قطعة أرض اشتراها رجل يريد أن يقيم عليها منزلاً يسكنه أو يؤجره، ومضت سنوات لم يعمل بها شيئاً، فهل تجب عليها الزكاة، وهل هي لعام واحد أم للأعوام الماضية جميعها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " هذه الأرض ليس فيها زكاة؛ لأنها ليست من عروض التجارة. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى. الشيخ إبراهيم بن محمد آل الشيخ.. الشيخ عبد الرازق عفيفي.. الشيخ عبد الله بن غديان. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (9/324) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الحديث: 105289 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2731 كيف يزكي أمواله في صندوق الرائد [السُّؤَالُ] ـ[هل تجب الزكاة على الأموال الموضوعة في صناديق الاستثمار الشرعية في البنوك مثل صندوق الرائد؟ وعلى أي سعر يتم احتساب مبلغ الزكاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سبق الجواب عن صندوق الرائد، وكيفية إخراج زكاة الأموال المستثمرة فيه، وهذا نصه: "أولا: صندوق الرائد التابع سابقا لبنك سامبا يعد تصنيفه من ضمن صناديق الاستثمار التي تضارب في أسهم سوق المال في المملكة العربية السعودية وهي تضارب بيعا وشراء في أسهم الشركات التي فيها نسبة من الربا قرضا أو اقتراضا، وأي صندوق استثماري يتعامل مع الشركات التي اقترضت بالربا فلا يجوز الدخول معه؛ لأن مالك السهم يعد شريكا في التصرف , فإما أن يكون راضيا بالمعاملات الربوية , فهذا محرم ولاشك , أو يكون غير راضٍ فعليه حينئذ أن يخرج منها أو يمنعهم من التعامل المحرم, وهذا لا يستطيعه فلم يبق إلا الخروج وعدم الدخول في مثل هذه الصناديق " انتهى من جواب للدكتور عبد الله السلمي. وسئل الدكتور محمد العصيمي حفظه الله: " أموالي في صندوق الرائد كيف أتخلص؟ فأجاب: يجوز الانتظار حتى عودة رأس المال. والله أعلم " انتهى. ثانيا: في زكاة الأسهم – بصفة عامة - تفصيل، يختلف بحسب نية مالكها: جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 18-23 جمادى الآخرة 1408هـ. الموافق 6-11 فبراير 1988م. " إذا لم تزك الشركة أموالها لأي سبب من الأسباب، فالواجب على المساهمين زكاة أسهمهم، فإذا استطاع المساهم أن يعرف من حسابات الشركة ما يخص أسهمه من الزكاة لو زكت الشركة أموالها على النحو المشار إليه، زكى أسهمه على هذا الاعتبار؛ لأنه الأصل في كيفية زكاة الأسهم. وإن لم يستطع المساهم معرفة ذلك: فإن كان ساهم في الشركة بقصد الاستفادة من ريع الأسهم السنوي، وليس بقصد التجارة؛ فإن صاحب هذه الأسهم لا زكاة عليه في أصل السهم، وإنما تجب الزكاة في الريع، وهي ربع العشر بعد دوران الحول من يوم قبض الريع مع اعتبار توافر شروط الزكاة وانتفاء الموانع. وإن كان المساهم قد اقتنى الأسهم بقصد التجارة، زكاها زكاة عروض التجارة، فإذا جاء حول زكاته وهي في ملكه، زكى قيمتها السوقية، وإذا لم يكن لها سوق، زكى قيمتها بتقويم أهل الخبرة، فيخرج ربع العشر 2.5 % من تلك القيمة ومن الربح إذا كان للأسهم ربح" انتهى من "مجلة المجمع" (1/879) . وبناء على ذلك: فإن كنت اشتركت في الصندوق تريد الريع فقط، فالزكاة في الريع، لا في أصل الأسهم، وحيث إن الريع هنا منه ما هو محرم كما سبق، فلا تجب الزكاة إلا في القدر الحلال منه السالم من الربا، ويجب عليك التخلص من الفوائد الربوية بإنفاقها في أوجه البر المختلفة. وإن كنت اشتركت في الصندوق تريد المتاجرة في الأسهم، فالزكاة في الأصل وفي الربح، فتزكي القيمة السوقية لأسهمك عند نهاية الحول. والقدر الواجب إخراجه هو ربع العشر (2.5%) . لمزيد التفصيل في زكاة الأسهم، راجع جواب السؤال (69912) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 104066 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2732 بيع العملات القديمة بأكثر من قيمتها [السُّؤَالُ] ـ[العملات القديمة (كالريال العربي , والريال الفرنسي) إذا أردنا بيعه فهل يعد عملة أو يعامل على أنه سلعة من السلع؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله العملات القديمة إن كانت من الذهب وبيعت بالذهب أو كانت من الفضة وبيعت بالفضة، لزم التساوي في الوزن، والتقابض في المجلس، وإن بيعت بغير جنسها، كأن يباع الذهب بالفضة أو بالنقود أو تباع الفضة بالنقود، لزم التقابض في المجلس، ولا يُشترط التساوي لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ، إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) رواه مسلم (2970) من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه. ولا فرق في ذلك بين أن تكون العملة مستعملة الآن أو غير مستعملة، ما دامت من الذهب أو الفضة المنصوص على كونهما من الأصناف التي يجري فيها الربا. وأما إن كانت العملة من غير الذهب والفضة، كأن تكون من الورَق أو النحاس ونحوه، فإن انقطع التعامل بها، ولم تعد ثمنا للأشياء، فقد زالت عنها علة الربا، وصارت سلعة من السلع، فيجوز شراؤها بما يتفق عليه المتبايعان من الثمن، بشرط عدم الإسراف والتبذير، فإن بعض الناس ينفق أموالاً طائلة لشراء هذه العملات القديمة، وقد أمرت الشريعة بحفظ المال، ونهت عن إضاعته. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن بيع العملة القديمة بأكثر من قيمتها فأجاب: ليس فيه بأس؛ لأن العملة القديمة أصبحت غير نقد، فإذا كان مثلاً عنده من فئة الريال الأولى الحمراء أو من فئة خمسة أو عشرة التي بطل التعامل بها وأراد أن يبيع ذات العشرة بمائة فلا حرج؛ لكونها أصبحت سلعة ليست بنقد، فلا حرج " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (233/18) باختصار. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97488 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2733 زكاة الأسهم العقارية الكاسدة [السُّؤَالُ] ـ[قمت بالمساهمة في أحد المساهمات العقارية قبل أكثر من 3 سنوات وقد تعثرت المساهمة إلى وقتنا الحالي فما الحكم في الزكاة مع العلم بأن رأس المال غير مضمون استرداده فهل أخرج زكاة الفترة كاملة أم أخرج زكاة سنة واحدة مع العلم أن مدة المساهمة كانت 8 أشهر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المساهمات العقارية، تزكى زكاة عروض التجارة، لأن هذه الشركات العقارية تشتري الأرض بقصد التجارة فيها. فيجب عليك في نهاية الحول أن تقوّم أسهمك في هذه الشركة بما تساويه، وتخرج زكاتها، ربع العشر. والحول يبدأ من امتلاك المال البالغ للنصاب، الذي اشتريت به هذه الأسهم. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن المساهمة في أرض تابعة لمؤسسة عقارية: "هذه المساهمة عروض تجارة فيما يظهر؛ لأن الذين يساهمون في الأراضي يريدون التجارة والتكسب، ولهذا يجب عليهم أن يزكوها كل سنة بحيث يقومونها بما تساوي، ثم يؤدون الزكاة، فإذا كان قد ساهم بثلاثين ألفاً وكان عند تمام الحول تساوي هذه السهام ستين ألفاً، وجب عليه أن يزكي ستين ألفاً، وإذا كانت عند تمام الحول الثلاثون ألفاً لا تساوي إلا عشرة آلاف لم يجب عليه إلا زكاة عشرة آلاف" انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين (18/226) . وسئل أيضا رحمه الله عن شخص اشترى أرضاً بقصد التجارة , ولكن بقيت على ملكه مدة طويلة، هل عليها زكاة؟ فأجاب: " إذا اشترى الإنسان أرضاً للتجارة فعليه زكاة كل عام , سواء زادت قيمتها أو نقصت، وسواء نَفَقت أو كسدت، يقوِّمها كل سنة بما تساوي , ثم إن كان لديه مال أخرج زكاتها من المال الذي عنده , وإن لم يكن لديه مال , قَيَّد الزكاة في كل سنة بسنتها، وإذا باعها أدى الزكاة لما مضى" انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (15/12) . ولكن إذا كسدت الأرض أو الأسهم، حتى أصبح أهلها يعرضونها للبيع ولا يجدون من يشتريها منهم، فمن أهل العلم من يراها حينئذ كالدين الذي عند شخص فقير لا يستطيع الوفاء، فالزكاة لا تجب فيها إلا عند بيعها ويزكيها لسنة واحد فقط، والأحوط أن يزكيها لجميع السنوات. ينظر: "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (18/206) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97124 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2734 عرض سيارته للبيع ويستعملها الآن حتى يجد السعر المناسب فهل تلزمه الزكاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[من لديه سيارة معروضة للبيع في حالة الحصول على سعر مناسب وهو يقوم باستخدامها في مواصلاته , هل تجب عليه الزكاة عند حلول الحول على تلك الحالة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذهب جمهور الفقهاء إلى وجوب الزكاة في عروض التجارة، بشرطين: الأول: أن يملكها بفعله، أي بالشراء أو الهبة، لا بالإرث، لأن الإرث يدخل في ملك الإنسان قهرا عليه. والثاني: أن يملكها بنية التجارة، فلو ملكها بنية الاقتناء، ثم نواها للتجارة، لم تلزمه الزكاة. قال ابن قدامة رحمه الله: " ولا يصير العرض للتجارة إلا بشرطين: " أحدهما: أن يملكه بفعله , كالبيع وقبول الهبة , ولا فرق بين أن يملكه بعوض أو بغير عوض. والثاني: أن ينوي عند تملكه أنه للتجارة فإن لم ينو عند تملكه أنه للتجارة لم يصر للتجارة وإن نواه بعد ذلك. " انتهى من "المغني" (2/336) باختصار. وذهب بعض أهل العلم إلى أنها تكون للتجارة بالنية، ولو ملكها بغير فعله، وهو رواية عن أحمد رحمه الله. قال ابن قدامة بعد كلامه السابق: " وعن أحمد , رواية أخرى , أن العرض يصير للتجارة بمجرد النية ; لقول سمرة رضي الله عنه: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرج الصدقة مما نعد للبيع. فعلى هذا لا يعتبر أن يملكه بفعله , ولا أن يكون في مقابلة عوض , بل متى نوى به التجارة صار للتجارة " انتهى من "المغني" (2/336) . والقول الأول هو المذهب عند الحنابلة، والحنفية والمالكية والشافعية. انظر: بدائع الصنائع (2/12) ، شرح الخرشي على خليل (2/195) ، المجموع (6/5) ، الموسعة الفقهية (23/271) . وقد رجح الشيخ ابن عثيمين رحمه الله القول الثاني الذي هو رواية عن أحمد، لكنه فرّق بين من يبيع السيارة أو الأرض ليتكسب ويربح ويتجر، وبين أن يبيعها لأنه لم يعد بحاجة إليها، وقد رغب عنها، فالأول عليه الزكاة بخلاف الثاني. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والقول الثاني في المسألة: أنها تكون للتجارة بالنية ولو ملكها بغير فعله، ولو ملكها بغير نية التجارة؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) وهذا الرجل نوى التجارة، فتكون لها. مثال ذلك: لو اشترى سيارة يستعملها في الركوب، ثم بدا له أن يجعلها رأس مال يتجر به فهذا تلزمه الزكاة إذا تم الحول من نيته. فإن كان عنده سيارة يستعملها، بدا له أن يبيعها فلا تكون للتجارة؛ لأن بيعه هنا ليس للتجارة، ولكن لرغبته عنها. ومثله لو كان عنده أرض اشتراها للبناء عليها، ثم بدا له أن يبيعها ويشتري سواها، وعرضها للبيع فإنها لا تكون للتجارة؛ لأن نية البيع هنا ليست للتكسب بل لرغبته عنها، فهناك فرق بين شخصين يجعلها رأس مال يتجر بها، وشخص عدل عن هذا الشيء ورغب عنه، وأراد أن يبيعه، فالصورة الأولى فيها الزكاة على القول الراجح، والثانية لا زكاة فيها " انتهى من "الشرح الممتع" (6/143) . والحاصل: أن بيعك للسيارة إن كان لرغبتك عنها فلا زكاة عليك فيها، وإن كان من أجل التجارة والتكسب وقصد الربح فعليك الزكاة إذا مَرَّ حول من حين نيّتك التجارة، ولا يؤثر على ذلك أنك لا تستعملها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 95761 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2735 كيف يزكي السيارة إذا بقيت في المعرض ثلاث سنوات ونقص سعرها؟ [السُّؤَالُ] ـ[شخص اشترى سيارة بمبلغ 13000 ريال بنية عرضها للبيع والربح ولكنه بعد الشراء اكتشف أن بها عيبا مما أدى إلى نزول قيمتها فتركها في معرض للسيارات وبقيت لمدة ثلاث سنوات وقد سيمت بأسعار متفاوتة بأقل من سعر الشراء بكثير خلال تلك المدة وبعد الثلاث سنوات باعها بمبلغ 8000 ريال فهل على هذه السيارة المعروضة للبيع لمدة 3 سنوات زكاة كلما دار عليها الحول؟ وكيف يخرجها؟ وكم مقدار الزكاة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من اشترى سيارة بنية التجارة فيها والتربّح، لزمه زكاتها كلما حال عليها الحول، فيقومها بسعر يومها، أي سعرها في السوق يوم يحول عليها الحول، ويخرج من ذلك ربع العشر (2.5%) سواء زادت قيمتها أو نقصت. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: شخص اشترى أرضاً بقصد التجارة , ولكن بقيت على ملكه مدة طويلة هل عليها زكاة؟ فأجاب: " إذا اشترى الإنسان أرضاً للتجارة فعليه زكاة كل عام , سواء زادت قيمتها أو نقصت، وسواء نَفَقت أو كسدت، يقوِّمها كل سنة بما تساوي , ثم إن كان لديه مال أخرج زكاتها من المال الذي عنده , وإن لم يكن لديه مال , قيد الزكاة في كل سنة بسنتها وإذا باعها أدى الزكاة لما مضى " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (15/12) . وعلى هذا فكان الواجب على مالك السيارة أن ينظر إلى سعرها عند نهاية كل سنة، فيزكيه، فإن لم يكن لديه مال، قيّد ذلك، وأخرجه عند بيع السيارة. وينبغي أن يُعلم أن حول التجارة هو حول المال الذي اشتريت به إذا كان نصابا. فحول السيارة هنا لا يبدأ من وقت شرائها، ولكن يبدأ من وقت ملك المال الذي اشتريت به. والذي يلزم صاحب السيارة الآن هو أن يقدر سعر السيارة عند نهاية كل حول، ويستعين في ذلك بأهل الخبرة في السوق، ثم يخرج الزكاة. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 94473 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2736 ورث أرضا ثم عرضها للبيع فهل تلزمه الزكاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[لدينا أرض قمنا ببيعها قبل شهر وهذه الأرض فيها ورثة أحدهم كان قاصراً بلغ تمام 18 عشرة من عمره قبل البيع بشهر وكنا قد قررنا البيع قبل سنة من هذا التاريخ ولكن مسألة الوريث القاصر قد أجلت البيع إلى هذه السنة علماً بأننا لم نعرض الأرض في مكتب الدلالية في حينها ولم نجر أي اتفاق بشأن البيع مع أي مشتر في حينها ولكن تأجلت إلى حين بلوغ القاصر السن القانوني سؤالي هو: هل يوجد على الأرض زكاة علماً بأنها باسم الورثة منذ 16 سنة ولم يكن لديهم النية في بيعها حتى هذا العام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا زكاة على هذه الأرض؛ لأن جمهور الفقهاء يشترطون لزكاة التجارة أن يملكها الإنسان بفعله بنية التجارة، فإذا ملكها بإرث فقد ملكها بغير فعله، فلا زكاة عليه ولو نوى التجارة. قال ابن قدامة رحمه الله: " ولا يصير العرض للتجارة إلا بشرطين ; أحدهما أن يملكه بفعله, كالبيع , والنكاح , والخلع , وقبول الهبة , والوصية , والغنيمة , واكتساب المباحات ... والثاني: أن ينوي عند تملكه أنه للتجارة فإن لم ينو عند تملكه أنه للتجارة لم يصر للتجارة وإن نواه بعد ذلك. وإن ملكه بإرث , وقصد أنه للتجارة , لم يصر للتجارة لأن الأصل القنية , والتجارة عارض, فلم يصر إليها بمجرد النية , كما لو نوى الحاضر السفر , لم يثبت له حكم السفر بدون الفعل. وعن أحمد , رواية أخرى , أن العرض يصير للتجارة بمجرد النية ; لقول سمرة: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرج الصدقة مما نعد للبيع. فعلى هذا متى نوى به التجارة صار للتجارة " انتهى من "المغني" (2/336) باختصار. والقول الأول هو المذهب عند الحنابلة، والحنفية والمالكية والشافعية. وانظر: "بدائع الصنائع" (2/12) ، "شرح الخرشي على خليل" (2/195) ، "المجموع" (6/5) ، "الموسوعة الفقهية" (23/271) . وأما القول الثاني الذي هو رواية عن أحمد، فقد رجحه الشيخ ابن عثيمين، لكن فَرَّق بين من يبيع الأرض ليتكسب ويربح ويتجر، وبين أن يبيعها لأنه لم يعد بحاجة إليها، وقد رغب عنها، فالأول عليه الزكاة بخلاف الثاني. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والقول الثاني في المسألة: أنها للتكون للتجارة بالنية ولو ملكها بغير فعله، ولو ملكها بغير نية التجارة؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) وهذا الرجل نوى التجارة، فتكون لها. مثال ذلك: لو اشترى سيارة يستعملها في الركوب، ثم بدا له أن يجعلها رأس مال يتجر به فهذا تلزمه الزكاة إذا تم الحول من نيته. فإن كان عنده سيارة يستعملها، وبدا له أن يبيعها فلا تكون للتجارة؛ لأن بيعه هنا ليس للتجارة، ولكن لرغبته عنها. ومثله لو كان عنده أرض اشتراها للبناء عليها، ثم بدا له أن يبيعها ويشتري سواها، وعرضها للبيع فإنها لا تكون للتجارة؛ لأن نية البيع هنا ليست للتكسب بل لرغبته عنها، فهناك فرق بين شخصين: أحدهما يجعلها رأس مال يتجر بها، وشخص عَدَل عن هذا الشيء ورغب عنه، وأراد أن يبيعه، فالصورة الأولى فيها الزكاة على القول الراجح، والثانية لا زكاة فيها " انتهى من "الشرح الممتع" (2/626) . والحاصل: أنه لا تلزمكم الزكاة، على القولين. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93126 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2737 أقرض بعض زملائه وساهم في بعض الشركات فكيف يزكي أمواله؟ [السُّؤَالُ] ـ[أخذت قرضا من البنك العربي قرابة الـ (260.000ريال) بطريق التورق على أن يخصم من راتبي ولمدة 8 سنوات 3752 ريال شهريا ونزل المبلغ في حسابي، ومن ثم قمت بشراء سيارة وسددت ديوني وأقرضت بعض الزملاء، ودخلت في مساهمات عقارية، وبدأت في استثمار الباقي في سوق الأسهم السعودي، وكان ذلك من سنة تقريبا فهل علي زكاة؟ وإن كان كذلك كيف إخراج الزكاة بالنسبة للذين أقرضتهم وبالنسبة للأسهم التي أمتلكها في سوق الأسهم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الدين الذي عليك للبنك لا يسقط عنك الزكاة على الراجح من أقوال أهل العلم، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (22426) . ثانيا: لا ينبغي الاقتراض من أجل الدخول في سوق الأسهم، لاسيما إذا كان القرض بمبلغ كبير كما فعلت، فإن الدَّين مسئولية عظيمة، حتى إن الشهيد الذي يقتل في المعركة في سبيل الله يغفر له كل شيء إلا الدين، وقد سبق في جواب السؤال رقم (82011) نقل كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في التحذير من الاقتراض من أجل الدخول في المساهمات. ثالثا: ما أقرضته لزملائك، تجب فيه الزكاة، إذا كانوا معترفين بالدين، باذلين له في موعده، فيجب عليك زكاة هذا المال كلما مر حول على امتلاكك للنصاب، ولكنك تخير بين أمرين: إما أن تخرج زكاته كل عام، وإما أن تؤخر إخراجها إلى أن تقبض هذا المال، وتخرج زكاته عن جميع ما مضى من السنوات. أما إذا كان المدين معسرا أو مماطلا، فلا تجب الزكاة حتى تقبض المال، فإذا قبضته فإنك تحسب له حولا جديدا من يوم قبضه. وقد سبق بيان ذلك في الجواب رقم (50014) رابعا: وأما المساهمات العقارية، فهي من عروض التجارة، لأن هذه الشركات العقارية تشتري الأرض بقصد التجارة فيها. فيجب عليك في نهاية الحول أن تقوم أسهمك في هذه الشركة بما تساويه، وتخرج زكاتها، ربع العشر. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن المساهمة في أرض تابعة لمؤسسة عقارية: "هذه المساهمة عروض تجارة فيما يظهر؛ لأن الذين يساهمون في الأراضي يريدون التجارة والتكسب، ولهذا يجب عليهم أن يزكوها كل سنة بحيث يقومونها بما تساوي، ثم يودون الزكاة، فإذا كان قد ساهم بثلاثين ألفاً وكان عند تمام الحول تساوي هذه السهام ستين ألفاً، وجب عليه أن يزكي ستين ألفاً وإذا كانت عند تمام الحول الثلاثين ألفاً لا تساوي إلا عشرة آلاف لم يجب عليه إلا زكاة عشرة آلاف" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين (18/226) . خامسا: وأما الأموال التي استثمرتها في سوق الأسهم، فإن كان قصدك عند شراء الأسهم التجارة فيها - وهذا هو الظاهر - فهذه الأسهم من عروض التجارة، فعند نهاية الحول تقوم ما عندك من السهم بما تساويه في السوق، ثم تخرج زكاتها، ربع العشر. وإما إن كنت اشتريت الأسهم بقد الاحتفاظ بها والاستفادة من أرباحها السنوية، فقد سبق بيان كيفية زكاتها في جواب السؤال رقم (69912) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 87810 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2738 عرض عمارته للبيع فباعها بعد سنه فهل فيها زكاة [السُّؤَالُ] ـ[رجل له عمارة معدة منذ سنة للبيع، فباعها، فهل على المبلغ المتبقي بعد تسديد الديون ـ أي الباقي له ـ من زكاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: " هذه العمارة التي باعها بعد سنة إن كان قد أعدها للتجارة ففيها الزكاة، في ثمنها الذي باع به، يزكيه إن كان قد تم عليه الحول من نيته التجارة إلى أن باعها، أما إذا كان لم يعدها للاتجار بها، وإنما انتهت حاجته من البيت أو العمارة، فأراد أن يبيعها، ولكنها تأخرت إلى هذه المدة لعدم وجود من يشتريها فإنه لا زكاة عليه في ثمنها، ولكن ما قبضه من الثمن بعد وفاء الديون التي عليه إذا تم عليه الحول زكاه، وإن أنفقه قبل أن يتم عليه الحول فلا زكاة عليه. وخلاصة القول: إنه إذا أعد هذه العمارة للتجارة فعليه أن يزكيها إذا تم الحول من نية التجارة، وإن لم يتم الحول على البيع، وأما إذا لم ينوها للتجارة، ولكن انتهت حاجته منها ولم يتيسر له من يشتريها إلا بعد سنة، فإنه لا زكاة عليه في ثمنها، وإنما الزكاة على هذه الدراهم التي قبضها، إذا تم عليها الحول. والله الموفق." [الْمَصْدَرُ] مجموع الفتاوى 18/237 الحديث: 10049 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2739 عقاراته للتأجير فهل فيها زكاة [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان عند الإنسان عقارات أعدها للتأجير فهل عليه زكاة في هذه العقارات؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: " لا زكاة عليه في هذه العقارات، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة» وإنما الزكاة في أجرتها إذا تم عليها حول من حين العقد مثال ذلك: رجل أجر هذا البيت بعشرة آلاف، واستلم عشرة آلاف بعد تمام السنة فتجب عليه الزكاة في العشرة؛ لأنه تم لها حول من العقد، ورجل آخر أجر بيته بعشرة آلاف خمسة منها استلمها عند العقد وأنفقها خلال شهرين، وخمسة منها عند نصف السنة فأخذها وأنفقها خلال شهرين ولما تمت السنة لم يكن عنده شيء من الأجرة فلا زكاة عليه؛ لأنه لم يتم عليها الحول، ولابد في وجوب الزكاة من تمام الحول." [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى بن عثيمين (18/208) الحديث: 13361 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2740 يمتلك دنانير عراقية، فهل عليها زكاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[عندي مليون دينار عراقي وليس لها سعر صرف في مؤسسة النقد، أي: أن سعر الصرف هو صفر، فكيف أزكي هذا المبلغ من المال؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه الأوراق النقدية لها حكم " عروض التجارة "؛ لأن لها قيمة في واقع الأمر في الأسواق، وإن لم يكن لها قيمة في مؤسسة النقد. فعلى من يملك هذه الأوراق النقدية أن يحسب قيمتها التي تساويها في نهاية حول الزكاة، ويخرج زكاتها 2.5 بالمائة، وهذا إذا بلغت قيمتها نصاباً بنفسها، أو كان عنده من الأوراق النقدية الأخرى ما يكمل به النصاب. والنصاب ما يعادل قيمة 595 جراماً من الفضة وانظر جواب السؤال (2795) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 79251 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2741 يتاجر في بهيمة الأنعام وبعضها لا يحول عليه الحول فكيف يزكيها؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا لدي نوع من الماعز نادر وهو الماعز الشامي وهو نوع غالي الثمن حيث يصل أقيام بعضها إلى أكثر من 50000 ريال أربيها وأبيع من إنتاجها وأشتري وأبيع فيها بحيث بعضها لا يحول عليه الحول وتربيتها مكلفة من علف وعلاج وهي في حوش بحيث لا تسرح لتأكل من نبات الأرض، عليه أرجو الإفادة هل تجب عليها الزكاة؟ وكيف تحتسب؟ هل تعتبر بهيمة أنعام أم عروض تجارة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: ذهب جمهور العلماء إلى أنه لا تجب الزكاة في بهيمة الأنعام إلا إذا كانت سائمة (أي: تأكل من حشيش الأرض مجاناً) ، الحولَ كله أو أكثره، وأما إذا كانت معلوفة، يتكلف صاحبها علفها فإنه لا زكاة فيها، إلا إذا نوى بها صاحبها التجارة – ورد كما في سؤالك - ففيها زكاة عروض التجارة. فهذه الماعز التي عندك، لا تجب فيها زكاة بهيمة الأنعام وإنما تجب فيها زكاة عروض التجارة. وانظر هذا مبينا في السؤال رقم (40156) ثانيا: وينبغي التنبه إلى أن بعض الناس يخطئ في تحديد بداية الحول، ويظنه من اللحظة التي اشترى فيها عروض التجارة، وليس ذلك صحيحا، بل حول عروض التجارة هو تكملة لحول النقود التي اشتريت بها إذا كانت النقود قد بلغت نصاباً. ومعنى ذلك: أن من اشترى عروض تجارة - كالماعز المعلوفة وغيرها –بذهب أو فضة أو نقود تبلغ النصاب، فإن حول تجارته يبدأ من حين ملك الذهب أو الفضة أو النقود. وكذلك لو اشترى الماعز مثلا بعروض تجارة كانت عنده، وهذه العروض تبلغ النصاب، مثل أن يشتري الماعز بسيارة يتجر فيها، فإن حول الماعز هو تكملة حول السيارة والعلة في ذلك: أن وضع التجارة للتقلب والاستبدال بنقد أو عروض , فلو لم يُبن حول بعضها على بعض بطلت زكاة التجارة. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله موضحا هذه المسألة: " فلو اشترى عرْضاً بنصاب من أثمان، كرجل عنده مائتا درهم، وفي أثناء الحول اشترى بها عرضاً، فلا يستأنف الحول بل يبني على الأول؛ لأن العروض يبنى الحول فيها على الأول. مثال آخر: عنده ألف ريال ملكها في رمضان، وفي شعبان من السنة الثانية اشترى عرضاً، فجاء رمضان فيزكي العروض؛ لأن العروض تبنى على زكاة الأثمان في الحول. وكذلك أيضاً لو اشترى عرْضاً بنصاب من عروض، أي عرْضاً بدل عرْض. مثاله: رجل عنده سيارة، وفي أثناء الحول أبدلها بسيارةٍ أخرى للتجارة، فيبني على حول الأولى؛ لأن المقصود القيمة، واختلاف العينين ليس مقصوداً، ولم يشتر السيارة الثانية ليستعملها، ولكن يريدها للتجارة " انتهى من "الشرح الممتع". وبناء على ذلك؛ فلو أنك ملكت عشرة آلاف مثلا في شهر رمضان، ثم اشتريت بها ماعزا في شهر ذي الحجة، وصرت تبيع فيها أو في نتاجها، وتشتري غيرها، فإن حول زكاتك يكون في شهر رمضان، وعليك أن تقوّم ما لديك من الماعز كل سنة، في رمضان، ثم تضيف إليها ما عندك من نقود، ثم تخرج زكاة الجميع ربع العشر. وهكذا يستمر حول زكاتك في رمضان إلا إذا انقطع النصاب أثناء الحول، كأن يبيع الإنسان ما لديه في شهر صفر مثلا، ويضع ثمنه في أرض أو بيت للسكنى، ثم يرزقه الله مالا في شهر رجب فيشتري به ماعزا للتجارة، فإن حول تجارته يبدأ من شهر رجب. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 78842 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2742 هل تجب الزكاة على ذات المحل التجاري؟ [السُّؤَالُ] ـ[اشتريت في عام 96 دكاناً (محل تجاري) ليعمل به أخي وبقي الدكان مغلقاً إلى الآن، ولم يعمل به أخي، ولم أستفد منه، ولم يأتِ على بالي أبداً أنه يجب الزكاة عليه إلا في هذه الأيام، كان سعر الدكان عند شرائه 400 ألف، ثم نزلت الأسعار إلى 300 ألف في عام 2000، والآن يبلغ سعره بين 700 إلى 800 ألف، في العام القادم إن شاء الله سأحاول أن أفتح المحل ليعمل به شخص ما للاستفادة منه. الرجاء نصيحتنا إن كانت تجب الزكاة أم لا؟ وكم تبلغ؟ وماذا يمكن أن أفعل إذا لم يكن لدي المبلغ الواجب دفعه للزكاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس على المسلم في سيارته ولا في بيته ولا في دكانه زكاة، ولو كانت قيمة هذه الأشياء كبيرة، وإنما الزكاة على ما يباع ويشترى بقصد الربح والتجارة وهو ما يسمى " عروض التجارة "، فمن كان عنده عقارات – أراض أو بيوت أو محلات – واتخذها للتجارة يبيع ويشتري بها: فإنه يقدر قيمتها وقت الزكاة ويخرج ربع العشر، ومن اتخذها للسكن أو للزراعة أو للتأجير أو للبيع والشراء فيها: فليس فيها زكاة. قال علماء اللجنة الدائمة: " المال الذي يملكه الإنسان أنواع، فما كان منه نقوداً: وجبت فيه الزكاة إذا بلغ نصاباً وحال عليه الحول، وما كان أرضاً زراعية: وجبت الزكاة في الحبوب والثمار يوم الحصاد، لا في نفس الأرض، وما كان منه أرضاً تؤجر أو عمارة تؤجر: وجبت الزكاة في أجرتها إذا حال عليها الحول، لا في نفس الأرض أو العمارة، وما كان منه أرضاً أو عمائر أو عروضاً أخرى للتجارة: وجبت الزكاة فيه إذا حال عليه الحول، وحول الربح فيها حول الأصل إذا كان الأصل نصاباً " انتهى. " فتاوى اللجنة الدائمة " (9 / 331) . وعليه، فلا زكاة عليك عن هذا الدكان. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 78607 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2743 زكاة أسهم الشركات العقارية [السُّؤَالُ] ـ[هل تجب الزكاة في الأسهم في الشركات العقارية؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سبق في جواب السؤال (69912) تفصيل القول في زكاة الأسهم، ومتى تجب ومتى لا تجب؟ والأسهم في الشركات العقارية لا تخلو من حالين: الأولى: أن تكون هذه الشركات تشتري الأراضي لبنائها واستغلال ما عليها من مبانٍ بالتأجير مثلاً، فلا زكاة في هذه الأسهم، وإنما الزكاة في أرباحها فقط إن بلغت نصاباً وحال عليها الحول , لأن هذه الأراضي والعقارات لا زكاة فيها، وإنما الزكاة على عائدها إن بلغ نصاباً وحال عليه الحول. مع التنبه إلى أن هذه الشركات لا تخلو خزائنها من مبالغ نقدية وأرصدة في البنوك، وهذه المبالغ تجب فيها الزكاة، فيجب معرفة ما يقابل السهم من هذه النقود وإخراج زكاتها كل عام. الثانية: أما إن كانت الشركة تشتري العقارات من أراضٍ ومبانٍ بقصد التجارة، فهذه الأسهم تعتبر عروض تجارة، فتجب فيها الزكاة هي وأرباحها، فتخرج زكاتها حسب قيمتها كل عام مضافاً إليها الأرباح. وهذا النشاط هو الغالب على الشركات العقارية. وقد سئل الشيخ ابن عثيمن رحمه الله: عن رجل ساهم في أرض تابعة لمؤسسة عقارية ومضى عليها سنين كثيرة فكيف يجري زكاتها؟ فأجاب: " هذه المساهمة عروض تجارة فيما يظهر؛ لأن الذين يساهمون في الأراضي يريدون التجارة والتكسب، ولهذا يجب عليهم أن يزكوها كل سنة بحيث يقومونها بما تساوي، ثم يؤدون الزكاة، فإذا كان قد ساهم بثلاثين ألفاً وكان عند تمام الحول تساوي هذه السهام ستين ألفاً، وجب عليه أن يزكي ستين ألفاً، وإذا كانت عند تمام الحول الثلاثون ألفاً لا تساوي إلا عشرة آلاف لم يجب عليه إلا زكاة عشرة آلاف، وعلى هذا تقاس السنوات التي ذكر السائل أنها قد بقيت، فيخرج لكل سنة مقدار زكاتها، ولكن إذا كانت هذه الأسهم لم تبع حتى الا?ن فإنها إذا بيعت يخرج زكاتها، ولكن لا ينبغي للإنسان أن يتهاون، بل يبيعها بما قدر الله ثم يخرج زكاتها " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/226) . وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: عن رجل ساهم في أرض ثم بيعت بعد خمس سنوات، كيف يدفع زكاتها؟ فأجابوا: " يزكي عن كل سنة من السنوات الأربع الماضية، على حسب قيمتها كل سنة، سواء ربحت أم لم تربح، ويزكي الربح مع الأصل للسنة الأخيرة " انتهى. فتاوى اللجنة الدائمة" (9/350) . وسواء كانت الشركة تبيع الأراضي كما هي أو تبنيها ثم تبيعها. فقد سئل الشيخ ابن عثيمين: عن رجل يشترى الأرض وينوي حال الشراء أن يبيعها حال الانتهاء من بنائها، وبعد الانتهاء من بنائها يعرضها للبيع، وبعد استلامه لثمنها يقوم ويشتري أرضاً أخرى وهكذا، هل تجب عليه زكاة في هذه الحالة؟ فأجاب: " "الزكاة واجبة في هذه الأرض زكاة عروض، لأنه اشتراها ليربح فيها، ولا فرق بين أن ينوي بيعها قبل تعميرها أو بعده، كمن اشترى قماشاً ليربح فيه بعد خياطته ثياباً " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/227) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 74989 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2744 يسأل عن إخراج الزكاة عن أرباح المؤسسة فقط [السُّؤَالُ] ـ[أنا صاحب مؤسسة فردية تقوم بتصميم وتصنيع الزجاج المزخرف، وأسئلتي خاصة بإخراج الزكاة، حيث إنني أخرجها عن صافي الأرباح بعد خصم مخصص الضريبة والذي يصل مقداره إلى 30 %، فهل إخراجي لها بهذه الطريقة صحيح؟ حيث إنني في حيرة من أمري بعد أن أبلغني بعض الإخوة بعدم صحة ذلك، علماً بأن طبيعة عمل المؤسسة هو التعاقد مع العميل على تصميم وتصنيع بعض القبب والنوافذ المزخرفة بالزجاج الملون، ونحن نقوم باستيراد المواد الخام من زجاج ورصاص ولحام قصدير وغيره من الخارج وندخله لمستودعنا ويتم استعمالها في التصنيع ويبقى جزء منه كمخزون بنهاية السنة المالية حيث يتم عمل الجرد وإصدار قائمة المركز المالي للمؤسسة والتي تبين أرباح تلك السنة والتي تعودت إخراج الزكاة عنها. وأسئلتي هي: هل الزكاة تخرج عن صافي الأرباح؟ أم عن رأس المال؟ أم عن حقوق المالك المبينة في قائمة المركز المالي للمؤسسة؟ هل الضريبة - والتي تحصل عن الأرباح وتدفع لمصلحة الزكاة والدخل - تعتبر نوعاً من الزكاة؟ أرجو منكم التفضل مشكورين بإرشادي إلى الطريقة الصحيحة لإخراج الزكاة فأنا في حيرة من أمري، وأدعو الله أن يرشدني إلى الصواب لتصحيح أي خطأ قد يكون حدث مني في السنوات الماضية أو ليطمئن قلبي إن كان ما فعلته صحيحاً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نسأل الله تعالى أن يجزيك خيراً على حرصك على السؤال عن أحكام دينك، والواجب على كل مسلم أن يسأل عن أحكام دينه دون تأخر أو تردد. وأما الجواب على سؤالك: أولاً: شركتك هذه شركة صناعية تجارية، والشركات الصناعية التجارية تجب فيها زكاة عروض التجارة , ولا تجب في الآلات والمعدات والسيارات والمباني والأثاث التي يراد منها استعمالها ولا يراد بيعها من أجل الربح. انظر السؤال (74987) ، (69916) وعلى هذا , فطريقة حساب الزكاة في نهاية الحول: أن تحصى ما في مخازن الشركة من مواد تم شراؤها بقصد بيعها، فيشمل ذلك: (الزجاج والرصاص واللحام ...... إلخ) وتقدر قيمتها في نهاية الحول , بقطع النظر عن الثمن الذي اشتريت به. يضاف إلى ذلك الأموال النقدية التي بالشركة أو أرصدتها بالبنوك. يضاف إلى ذلك الديون التي لك على الناس والتي ترجو تحصيلها، ثم تزكي الجميع بنسبة 2.5 بالمائة. ثانياً: أما أرباح الشركة خلال العام , فهذه الأرباح يمكن تقسيمها قسمين: الأول: أرباح ناتجة من بيع الزجاج للعملاء. وهذه الأرباح تجب فيها الزكاة , ولا يحسب لها حول جديد , بل حولها هو نفس حول رأس المال الذي اشتريت به إن كان يبلغ نصاباً. "المغني" (4/75) . الثاني: أرباح ناتجة من عملية التركيب ذاتها (أي يمكن اعتبارها أجرة التركيب والتصنيع) فهذه الأرباح تجب فيها الزكاة إذا بلغت نصاباً، ومَرَّ عليها الحول من حين قبضها. وقد يكون من الصعب عملياً التفريق بين هذين النوعين من الأرباح , ولذلك فالأفضل أن تزكي جميع الأرباح في نهاية حول رأس المال , فما كان من ربح عروض التجارة , فقد أديت زكاته في وقته (نهاية الحول) وما كان من أجرة للعمل فقد أديت زكاته مقدماً , وتعجيل الزكاة قبل وقتها جائز. ثالثاً: الأرباح التي يتم إنفاقها أثناء العام ولا تبقى إلى نهاية الحول لا زكاة فيها. رابعاً: حول عروض التجارة بالنسبة للشركة لا يكون من أول تأسيس الشركة أو من شراء المواد الخام , بل يكون تكملة لحول النقود التي اشتريت بها المواد الخام. فمثلاً: لو كان أول امتلاكك للنصاب في شهر المحرم، وبدأت تأسيس الشركة في شهر رجب، واشتريت المواد الخام وبدأت العمل بالشركة في شهر رمضان , فحول عروض التجارة للشركة يكون في شهر المحرم ولا يكون في رمضان. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " واعلم أن عروض التجارة ليس حولها أن تأتي سنة بعد شرائها، بل إن حولها حول المال الأصلي، لأنها عبارة عن دراهم من رأس مالك حولتها إلى عروض، فيكون حولها حول مالك الأول " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/234) . وانظر جواب السؤال (32715) . خامساً: وأما حساب الزكاة بعد خصم الضرائب. فإن كان إخراج الضرائب ودفعها يتم قبل نهاية الحول فتصرفك صحيح , لأن هذا المال المدفوع لم يمر عليه الحول. وأما إن كان دفعها بعد تمام الحول فالأحوط والأبرأ للذمة دفع زكاته , وأخذ هذا المال منك ظلماً لا يسقط عنه الزكاة. سادساً: وأما حساب الضرائب من الزكاة فلا يجوز ذلك، لأن الزكاة لها مصارف معينة حددها الله تعالى بقوله: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة/60. والضرائب لا تصرف في هذه المصارف، ولأن الحكومات لا تأخذ الضرائب على أنها زكاة. قال علماء اللجنة الدائمة: " لا يكفي أخذ الضرائب على العمارة عن إخراج الزكاة، ولا يسقط ذلك وجوبها في دخلها إذا بلغ نصاباً وحال عليه الحول " انتهى بتصرف. " فتاوى اللجنة الدائمة " (9 / 339) . وانظر السؤال رقم (2447) . وسئل علماء اللجنة الدائمة أيضاً: ما تقولون فضيلتكم في كيفية إخراج الزكاة حيث إنني أملك محلاً تجاريّاً لبيع الأخشاب وقد حال الحول على البضاعة الموجودة بالمحل، وهناك ديون متعلقة بالبضاعة الموجودة والمشتراة بالأجل بأن تم دفع جزء من قيمتها والباقي مؤجل، كما أن هناك مصاريف سنوية كإيجار المحل ورسوم رخصة سنوية، وضرائب، وتأمينات، وكذلك رواتب العاملين. فأجابوا: " تجب الزكاة في البضاعة المعروضة للبيع كالأخشاب ونحوها إذا بلغت قيمتها نصاباً بنفسها أو بضمها إلى ما لديك من النقود أو عروض التجارة، وحال عليها الحول، أما الديون والإيجار والرسوم وغيرها فلا تمنع وجوب إخراج الزكاة " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/348) . سابعاً: وأما ما يتعلق بزكاة الأعوام السابقة، فعليك أن تقدر زكاة كل عام، وتخرج ما بقي عليك منها، لأن الجهل بكيفية إخراج الزكاة لا يسقط وجوبها، فهي دّين عليك، يجب إخراجه. وانظر جواب السؤال (69798) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 72315 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2745 هل معدات المطبعة فيها زكاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[رجل صاحب مطبعة، هل تجب الزكاة على المعدات والأجهزة التي في المطبعة وإنتاجها كذلك، أم أن الزكاة على الإنتاج فقط؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: سبق في جواب السؤال (74987) أن آلات المصانع والمعدات والأجهزة التي يقصد بها الاستعمال لا التجارة لا زكاة فيها، وإنما الزكاة في الربح الناتج من هذه المصانع والآلات إذا بلغ نصابا وحال عليه الحول. وعلى هذا؛ فهذه المعدات التي في المطبعة لا زكاة فيها. وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن مثل هذا السؤال، فأجاب: " تجب الزكاة على أهل المطابع والمصانع ونحوهم في الأشياء المعدة للبيع , أما الأشياء التي تعد للاستعمال فلا زكاة فيها , وهكذا السيارات والفرش والأواني المعدة للاستعمال ليس فيها زكاة؛ لما روى أبو داود رحمه الله بإسناد حسن عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه قَالَ: (كَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِنْ الَّذِي نُعِدُّه لِلْبَيْعِ) " اهـ. "مجموع فتاوى ابن باز" (14/186-187) . وسئل الشيخ ابن عثيمين: عن رجل عنده مغسلة ملابس، وقال له بعض الناس: إن عليك أن تزكي على المعدات التي لديك فهل هذا صحيح؟ فأجاب: " الزكاة تجب في عروض التجارة وهي ما أعده الإنسان للتجارة تدخل عليه وتخرج منه، كلما رأى مكسباً باعها، وكلما لم يحصل مكسباً أمسكها، ومعدات المغاسل لا تعد من التجارة، لأن صاحب المغسلة يريد أن تبقى عنده فهي من جملة ما يقتنيه الإنسان في بيته من فرش وأواني ونحو ذلك، فليس فيها زكاة. ومن قال له: إن فيها الزكاة فقد أخطأ ". "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/207) ثانياً: تجب الزكاة في أرباح هذه المطبعة إذا بلغت نصاباً وحال عليها الحول، فيخرج عنها ربع العشر أي 2.5 بالمائة. ثالثا: هناك جزء من ممتلكات المطابع يعتبر عروض تجارة، وهذه العروض تشمل كل شيء اشترته المطبعة بهدف إعادة بيعه مرة أخرى ولو بعد إجراء بعض العمليات التحويلية عليه. مثل: الورق، والأحبار، وما يتم به تجليد الكتب، والكتب المملوكة للمطبعة والتي طبعتها لتبيعها. . . إلخ. كل هذه الأشياء تعتبر عروض تجارة فتقوم في نهاية كل عام ثم تخرج زكاتها 2.5 بالمائة. انظر: "مجلة المجمع الفقهي" (4/1/735) بحث للدكتور وهبة الزحيلي. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69916 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2746 زكاة الأسهم [السُّؤَالُ] ـ[أعمل في مجال بيع وشراء الأسهم السعودية، وطبيعة عملي تتمثل في بيع السهم بمجرد حصول أي ربح على سعر الشراء، حيث إنني لا أنتظر أرباح الشركات. وسؤالي هو أنني اشتريت بعض الأسهم في شركة الكهرباء منذ خمسة أشهر بقيمة 172 ريالا للسهم الواحد، وبعد شرائي له انخفض إلي 147 ولم يصل إلي سعر الشراء بعد، فهل على هذه الأسهم زكاة؟ وكيف تتم عملية إخراج الزكاة؟ هل حسب سعر الشراء أم حسب السعر الحالي الذي هو 147؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه الأسهم الآن تعتبر من عروض التجارة، لأن عروض التجارة هي كل ما يعد للبيع والتجارة. ففيها الزكاة. وزكاة عروض التجارة تكون بحسب قيمتها عند نهاية الحول، سواء كان أكثر من سعر الشراء أم أقل. انظر السؤال: (65515) . وعلى هذا فإذا بلغت هذه الأسهم نصابا، أو كانت تبلغ النصاب بإضافتها للنقود التي معك فإنك تخرج زكاتها على حسب قيمتها يوم نهاية الحول. قال الشيخ ابن عثيمين: " وكيفية زكاة الأسهم في الشركات والمساهمات أن نقول: إن كانت الدولة تحصي ذلك وتأخذ زكاتها فإن الذمة تبرأ بذلك، وإلا وجبت الزكاة فيها على النحو التالي: بأن يقومها كل عام بما تساوي، ويخرج ربع العشر إن كان قصد بها الاتجار، أما إن قصد بها الاستثمار فلا زكاة عليه إلا في مغلها إن كان دراهم وتم عليها الحول " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/196) . وقد سئلت اللجنة الدائمة: هل على الأسهم والسندات زكاة؟ وكيف نخرجها؟ فأجابت: " تجب الزكاة في الأسهم والستندات إذا كانت تمثل نقوداً أو عروضاً للتجارة، بشرط أن يكون من في ذمته النقود ليس معسراً ولا مماطلاً " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/354) . وسئلت اللجنة الدائمة عن الأسهم التي يشترى بها أراضٍ وعقارات. فأجابت: " الأسهم المذكورة في السؤال من عروض التجارة، فتجب الزكاة فيها يقومها كل سنة بقيمتها من غير نظر إلى قيمة الشراء، فإن كان عنده مال أخرج الزكاة منه، وإلا فإنه يخرج زكاتها عن السنوات الماضية من قيمتها بعد بيعها واستلام ثمنها " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/353) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: الزكاة على الأسهم تكون على القيمة الرسمية للسهم أم القيمة السوقية أم ماذا؟ فأجاب: " الزكاة على الأسهم وغيرها من عروض التجارة تكون على القيمة السوقية، فإذا كانت حين الشراء بألف ثم صارت بألفين عند وجوب الزكاة فإنها تقدر بألفين، لأن العبرة بقيمة الشيء عند وجوب الزكاة لا بشرائه " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/197) . وينبغي التنبه إلى أن عروض التجارة إذا اشتريت بذهب، أو فضة، أو نقود (ريالات أو دولارات أو غيرها من العملات) أو عروض أخرى؛ فإن حول العروض هو حول المال الذي اشتريت به، وعلى هذا، فلا يبدأ حولاً جديداً للعروض من حين امتلاكها، بل يكمل على حول المال الذي اشتريت به. راجع السؤال (32715) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65722 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2747 هل يقوم عروض التجارة بثمن البيع أم بثمن الشراء؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يتم حساب الزكاة عن عروض التجارة بسعر التكلفة أم بسعر البيع؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تُقَوَّم عروض التجارة في نهاية الحول بالسعر الذي يبيعها به صاحبها. وهذا هو مقتضى العدل، أن يكون التقويم بسعر بيعها، وقد ينقص أو يزيد عن سعر شرائها. لأن الإنسان في نهاية الحول يزكي الأموال التي عنده. قال ابن قدامة في "المغني" (4/249) : " مِنْ مَلَكَ عَرْضًا لِلتِّجَارَةِ , فَحَالَ عَلَيْهِ حَوْلٌ , وَهُوَ نِصَابٌ , قَوَّمَهُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ , فَمَا بَلَغَ أَخْرَجَ زَكَاتَهُ , وَهُوَ رُبْعُ عُشْرِ قِيمَتِهِ " انتهى. وجاء في الموسوعة الفقهية (13/171) : " وَلَيْسَ عَلَى التَّاجِرِ أَنْ يُقَوِّمَ عُرُوضَ تِجَارَتِهِ بِالْقِيمَةِ الَّتِي يَجِدُهَا الْمُضْطَرُّ فِي بَيْعِ سِلَعِهِ , وَإِنَّمَا يُقَوِّمُ سِلْعَتَهُ بِالْقِيمَةِ الَّتِي يَجِدُهَا الإِنْسَانُ إذَا بَاعَ سِلْعَتَهُ عَلَى غَيْرِ الِاضْطِرَارِ الْكَثِيرِ " انتهى. ففي هذا: أن التقويم يكون بسعر بيعها في نهاية الحول. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " الأراضي التي اشتراها أهلها للتجارة كما هو الغالب ينتظرون بها الزيادة هذه عروض التجارة، وعروض التجارة تقوم عند حول الزكاة بما تساوي، ثم يخرج ربع العشر منها ... ولا فرق بين أن تكون قيمة هذه الأراضي تساوي القيمة التي اشتريت بها أو لا. فإذا قدرنا أن رجلاً اشترى أرضاً بمئة ألف، وكانت عند الحول تساوي مئتي ألف، فإنه يجب عليه أن يزكي عن المئتين جميعاً، وإذا كان الأمر بالعكس اشتراها بمئة ألف وكانت عند تمام الحول تساوي خمسين ألفاً فإنه لا يجب عليه إلا أن يزكي عن خمسين ألف؛ لأن العبرة بقيمتها عند وجوب الزكاة " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/205) . وانظر أيضاً: (18/240) . وسئلت اللجنة الدائمة: الأراضي المشتراة للتجارة كيف يجب أن يتم احتسابها عند احتساب الزكاة؛ بثمن الشراء أو بما تسوى من قيمة وقت حلول حول الزكاة؟ فأجابت: " الأراضي المشتراة للتجارة هي من جملة عروض التجارة، والقاعدة العامة في الشريعة الإسلامية أن عروض التجارة تقوم عند تمام الحول بالثمن الذي تساويه، بصرف النظر عن الثمن الذي اشتريت به، سواء كان زائداً عن الثمن الذي تساويه وقت وجوب الزكاة أو أقل، وتخرج زكاتها من قيمتها ومقدار الواجب فيها من الزكاة ربع العشر، ففي أرض قيمتها ألف ريال -مثلاً- خمسة وعشرون ريالاً وهكذا " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/324) وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة أيضاً (9/319) : " الطريقة الشرعية أنه يقوم ما لديه من عروض التجارة عند تمام الحول بالقيمة التي تساويها عند الوجوب، بصرف النظر عن ثمن الشراء " انتهى. وعلى هذا إذا كان التاجر يبيع بالجملة أو القطاعي (المفرق) يُقَوِّم العروضَ التي عنده بالسعر الذي يبيع به. سئل الشيخ ابن عثمين رحمه الله تعالى: من المعلوم أن العبرة بقيمة السلعة عند وجوب الزكاة، ولكن حتى عند وجوب الزكاة يختلف البيع بالجملة والبيع بالتقسيط فهل نعتبر البيع بالجملة أو بالإفراد؟ فأجاب: " أما إذا كان التاجر من أصحاب البيع بالجملة فيعتبرها بالجملة، وإذا كان من أصحاب البيع بالإفراد فيعتبرها بالإفراد " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/233) . وانظر السؤال: (26236) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65515 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2748 هل تجب زكاة عروض التجارة على تجهيزات المحل والبضائع المفقودة؟ [السُّؤَالُ] ـ[لدي محل تجاري ويوجد به أدوات بمبلغ (80000) ريال، وله ديون خارجية على الناس (80000) ريال. وحصل للمحل حريق قبل 6 أشهر وعمل له تجديد بضاعة مع الصيانة بمبلغ (40000) منها (35000) بالدَّين على الأقساط الشهرية للمحل. السؤال الأول: هل نزكي بمبلغ الأدوات الموجود فيه قبل الحريق؟ (التكلفة كاملة + الديون) - (التجديد) . السؤال الثاني: التجديد لم يحُل عليه الحول فهل نعطي عليه زكاة أم على المحل كاملاً مع الديون التي لنا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأغراض الموجودة في المحلات التجارية تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: ما أعدَّ منها للتجارة، سواء كانت عقارات أم مواد غذائية أو ألبسة أو غير ذلك مما يباع. والقسم الثاني: ما لم يعدَّ منها للتجارة، بل للإنتاج أو للاستعمال كآلات المصانع، والسيارات، والأثاث، وأدوات التصوير وأجهزة الحاسوب. . ونحو ذلك. والقسم الأول هو الذي يُطلق عليه " عروض التجارة "، وهو الذي تجب فيه الزكاة، وأما القسم الثاني فيُعرف بـ " عروض القُنْيَة " وتُعرف بـ " الأصول الثابتة " وهي لا زكاة فيها. وقد سبق في جواب السؤال رقم (42072) وجوب زكاة عروض التجارة، وفيه بيان نصابها، وكون المواد الثابتة التي لا تعد للبيع ليس عليها زكاة. وفي جواب السؤال رقم (22449) جواز إخراج زكاة التجارة عروضاً، وأنه لا يجب إخراجها نقوداً. ولمعرفة كيفية حساب زكاة عروض التجارة: انظر جواب السؤال رقم (26236) ، وفيه بيان أن زكاة التجارة على سعر البيع لا سعر الشراء. والخلاصة: إذا حلّ موعد زكاة محلك ينبغي لك القيام بجرد موجودات محلك التجارية - مثل البضاعة الموجودة - وأن تضمها إلى ما لديك من نقود عينية، وتضيف إليها ما لك من ديون مرجوة السداد , ثم تزكي الجميع بنسبة ربع العشر. وأما الديون التي لا يُرجى سدادها لكونها على مماطل أو فقير، فإنه لا زكاة فيها، حتى تقبضها وتحسب لها حولا جديدا من يوم قبضك لها، والأحوط إذا قبضتها أن تخرج زكاتها عن سنة واحدة فقط، ولو مَرَّ عليها عدة سنوات. انظر السؤال (1346) . والديون التي عليك لا تخصم من الأموال التي تخرج الزكاة عنها على الصحيح من أقوال العلماء، وانظر السؤال (22426) . وما احترق من بضائع لا يُضاف إلى موجودات المحل. وما جعلتَه في المحل من تجديد بعد الحريق: إن كان متعلقاً بالأثاث والديكور والأجهزة الثابتة: فقد سبق بيان أن هذا لا زكاة فيه، فلا يحسب مع موجودات المحل المزكاة، وإن كانت بضائع تباع فإن كانت قد اشتريت من أموال المحل وأرباحه فإنها تزكى معه ولو لم يَحُل عليها الحول، وإن اشتريت بنقود أخرى غير أموال المحل فإن حولها هو حول النقود التي اشتريت بها، فيكمل حولها على حول تلك النقود. ونسأل الله أن يعوَّضك خيراً، وأن يرزقك رزقاً حسناً. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50726 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2749 عليه زكاة عروض تجارة وليس عنده نقود [السُّؤَالُ] ـ[شخص يملك قطعة أرض حال عليها الحول فوجبت فيها الزكاة لأنها من عروض التجارة، كيف يخرج الزكاة عنها؟ مع العلم أنه لا يملك من المال النقدي إلا القليل، والقليل جدا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تجب الزكاة في عروض التجارة بالكتاب والسنة. أما الكتاب، فعموم قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ) البقرة/267. قال مجاهد: (أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ) التِّجَارَةُ. وأما السنة فروى أبو داود (1562) عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِنْ الَّذِي نُعِدُّ لِلْبَيْعِ. والحديث في سنده مقال، لكن بعض أهل العلم قد حسنه، كابن عبد البر رحمه الله، وهو ما اعتمده علماء اللجنة الدائمة للإفتاء. انظر فتاوى اللجنة الدائمة (9/331) فما يعد للتجارة تجب فيه الزكاة إذا بلغ النصاب وحال عليه الحول. وعلى هذا، أخي السائل، إن أرضك التي حال عليها الحول يجب إخراج زكاتها بأن تعرف قيمتها في نهاية الحول، وتخرج ربع العشر فلو كانت قيمتها مثلاً مئة ألف دينار فيجب عليك زكاة 2.5% أي: ألفان ونصف ألف. . وهكذا. فإن كان عندك نقود وجب إخراجها، ولا يجوز تأخير إخراج الزكاة حتى تبيع الأرض، أما إن كنت لا تملك نقوداً تخرجها زكاة، فإنها تكون ديناً عليك تؤديه عند الميسرة، فإن لم يتيسر حتى بعت الأرض وجب عليك إخراج الزكاة من ثمن الأرض لكل السنين التي وجبت فيها الزكاة. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: "الأرض المعدة للتجارة تجب فيها الزكاة، والحجة في ذلك الحديث المشهور عن سمرة بن جندب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قال: (أمرنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نخرج الصدقة من الذي نعده للبيع) . ومراده بالصدقة هنا الزكاة" اهـ. وقال أيضاً: "إذا كانت الأرض ونحوها كالبيت والسيارة ونحو ذلك معدة للتجارة وجب أن تُزكى كل سنة بحسب قيمتها، عند تمام الحول، ولا يجوز تأخير ذلك، إلا لمن عجز عن إخراج زكاتها، لعدم وجود مال عنده سواها، فهذا يمهل حتى يبيعها ويؤدي زكاتها عن جميع السنوات، كل سنة بحسب قيمتها عند تمام الحول، سواء كانت القيمة أكثر من الثمن أو أقل من الذي اشتريت به الأرض أو السيارة أو البيت" اهـ. "مجموع فتاوى ابن باز" (14/160، 161) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 47761 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2750 هل تدخل الأجهزة الموجودة بالمحل في حساب الزكاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أسأل عن الزكاة لدي مكتبة بها قرطاسية وخدمات طالب: وقد قرأت أن الزكاة عن البضاعة متى ما حال عليها الحول ولكن هناك استفسار عن خدمات الطالب هل تدخل أجهزة التصوير في حساب الزكاة أم لا حيث أن قيمتها كبيرة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: "يجب عليك أن تزكي جميع المال الذي لديك من النقود ومن الأدوات المعروضة للبيع في القرطاسية بعد تمام الحول إذا بلغت قيمتها نصابا" اهـ. "فتاوى اللجنة الدائمة: (9/313) . ثانياً: "والنصاب هو عشرون مثقالا من الذهب، أي: خمسة وثمانون جراماً، ومن الفضة مائة وأربعون مثقالا (أي: 595 جراماً) ، ويساوي بدراهم الفضة السعودية ستة وخمسين ريالا" اهـ "فتاوى العثيمين" (18/93) . فإذا بلغت قيمة البضاعة المعروضة للبيع، مع ما معك من نقود ورقية أحدَ النصابين: الذهب أو الفضة وجبت عليك الزكاة. "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/257) . ثالثاً: كيفية حساب الزكاة. إذا حال الحول على النصاب فإنك تحسب ما معك من نقود ثم تضيف إليه قيمة البضاعة الموجودة بالقرطاسية، ثم تخرج من المجموع ربع العشر أي: 2.5 بالمائة. وتعطيه لمستحقيه من الأصناف التي بينها الله تعالى في قوله: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة /60. ويكون تقدير البضاعة الموجودة بالقرطاسية بالثمن الذي تبيع به، لا بالثمن الذي اشتريتها به. البيع لا الشراء. راجع السؤال رقم (26236) . رابعاً: أما عن أجهزة التصوير فلا زكاة فيها إلا إذا كنت أعددتها للبيع. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: "الشيء المعد للاستعمال ليس فيه زكاة، معدات أو غيرها، إذا كان معدًّا للاستعمال فإنه ليس فيه زكاة، والقاعدة أن ما يعد للبيع هو الذي يزكى، وما كان من أدوات تستعمل في المحل فإنها لا تزكى" اهـ "فتاوى ابن باز" (14/184) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 42072 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2751 ساهمت في أرض فكيف أزكي الأسهم [السُّؤَالُ] ـ[رجل ساهم في أرض تابعة لمؤسسة عقارية ببنودها وقيمتها ومضى عليها سنين كثيرة فكيف يجري زكاتها مع العلم أن مقدار مساهمته ثلاثون ألف ريال؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: " هذه المساهمة عروض تجارة فيما يظهر؛ لأن الذين يساهمون في الأراضي يريدون التجارة والتكسب، ولهذا يجب عليهم أن يزكوها كل سنة بحيث يقومونها بما تساوي، ثم يؤدون الزكاة، فإذا كان قد ساهم بثلاثين ألفاً وكان عند تمام الحول تساوي هذه السهام ستين ألفاً، وجب عليه أن يزكي ستين ألفاً وإذا كانت عند تمام الحول الثلاثين ألفاً لا تساوي إلا عشرة آلاف لم يجب عليه إلا زكاة عشرة آلاف، وعلى هذا تقاس السنوات التي ذكر السائل أنها قد بقيت، فيخرج لكل سنة مقدار زكاتها، ولكن إذا كانت هذه الأسهم لم تبع حتى الا?ن فإنها إذا بيعت يخرج زكاتها، ولكن لا ينبغي للإنسان أن يتهاون، بل يبيعها بما قدر الله ثم يخرج زكاتها." [الْمَصْدَرُ] مجموع الفتاوى 18/226. الحديث: 42239 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2752 اشترى أرضاً ليبيعها بعد فترة، فكيف يزكيها؟ [السُّؤَالُ] ـ[كيف تزكى أرضاً تم شراؤها بهدف تركها فترة من الزمن ثم بيعها؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأرض التي اشتراها صاحبها بقصد بيعها بعد فترة، لا تخلو من حالين: الأولى: أن يقصد بذلك حفظ المال حتى لا ينفقه في شيء آخر، ولا يقصد بها التجارة والربح، فهذه الأرض لا زكاة فيها. انظر السؤال (34802) . الثانية: أن يقصد بذلك التجارة والربح، فتكون هذه الأرض من عروض التجارة ففيها الزكاة. وعروض التجارة تُقَوَّم عند تمام الحول بالثمن الذي تساويه، بصرف النظر عن الثمن الذي اشتريت به، وتخرج زكاتها، ومقدار الواجب فيها من الزكاة ربع العشر، أي 2.5 بالمائة. فمثلاً: لو اشتريت أرضاً بمئة ألف ريال، وعند وجوب الزكاة صارت تساوي مئة وخمسين ألف ريال، فإنه يجب عليك عند تمام الحول زكاة مئة وخمسين ألف ريال، والعكس بالعكس، فإذا كانت مشتراة بمئة ألف ريال، وعند تمام الحول صارت تساوي خمسين ألف ريال فقط، فلا عليك سوى زكاة خمسين ألف ريال فقط. انظر: "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/334) ، "فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين" (18/205، 236) تنبيه: وينبغي أن يُعْلَم أن الحول في عروض التجارة لا يبدأ من حين شراء الأرض أو غيرها من السلع، وإنما يبدأ من حين امتلاك نصاب النقود الذي اشتريت به السلع. وعلى هذا؛ فحول الأرض هو حول النقود الذي اشتريت بها. وانظر السؤال (32715) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38886 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2753 هل ثمة زكاة على من قطع حبَّ الذرة قبل اشتداده علفاً لدوابه؟ [السُّؤَالُ] ـ[فلاح زرع هكتارات من الذرة، وبعد ما مضى على زراعتها 3 أشهر ـ تقريبا ـ: قام بطحنها خضراء الحب والورق، وجمع ما فيها؛ ليعطيها علفاً للبقر. السؤال هو: هل عليه من زكاة؟ علماً أنه كان يسقيها بماء البئر.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: سبق في جواب السؤال رقم (99843) بيان أن الزكاة تجب في الحبوب فيما يكال منه ويدَّخر، إذا بلغ الخارج من الأرض خمسة أوسق، أي: ثلاثمائة صاع، وهو ما يعادل ستمائة واثني عشر كيلو من القمح الجيد – وبعض العلماء يقدره بـ 653 كيلو -، وفيه العُشر إن كان الزرع مسقيّاً بماء الأمطار، أو الأنهار، أو العيون الجارية، وفيه نصف العُشر إن كان مسقيّاً بما فيه تكلفة. وعليه: فبما أن الذرة مما يكال ويدخر، ومقدار الخارج يزيد عن الثلاثمائة صاعاً – بسبب أن الأرض المزروعة واسعة -: فإن في الخارج من الذرة زكاة بمقدار نصف العشر لأنه يستخرج الماء من البئر لسقي الزرع، وهذا لا يكون إلا بتكلفة، من مكائن، ووقود، وغير ذلك. ثانياً: وما ذكرناه سابقاً من نصاب الزكاة في الحبوب هو الشرط الأول لوجوب الزكاة، وأما الشرط الثاني فهو: أن يكون ذلك النصاب مملوكاً له وقت وجوب الزكاة. ووقت وجوب الزكاة في الحبوب: اشتداده، وفي الثمار: بدوّ صلاحها، وهو قول جمهور الفقهاء، خلافاً لأبي حنيفة الذي أوجب الزكاة بظهور الثمر، وخلافاً لمن قال – من الحنابلة وغيرهم – إن وقت وجوبها عند الحصاد. ففي " الموسوعة الفقهية " (15 / 12) : ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الزكاة تجب في الثمار ببدو صلاحها؛ لأنها حينئذ ثمرة كاملة. والمراد بالوجوب هنا هو: انعقاد سبب وجوب إخراج التمر والزبيب عند الصيرورة كذلك، وليس المراد بوجوب الزكاة وجوب إخراجها في الحال. انتهى وقال الماوردي – رحمه الله -: فأما الزرع وقت وجوب زكاتها: فتجب زكاته إذا يبس واشتد وقوي واستحصد، وتؤدَّى زكاته بعد دياسه وتصفيته إذا صار حبّاً خالصاً. " الحاوي الكبير " (3 / 243) . وقال ابن قدامة – رحمه الله -: ووقت وجوب الزكاة في الحب: إذا اشتد، وفي الثمرة: إذا بدا صلاحها. وقال ابن أبي موسى: تجب زكاة الحب يوم حصاده ; لقول الله تعالى: (وآتوا حقه يوم حصاده) . وفائدة الخلاف: أنه لو تصرف في الثمرة، أو الحب، قبل الوجوب: لا شيء عليه ; لأنه تصرف فيه قبل الوجوب، فأشبه ما لو أكل السائمة، أو باعها، قبل الحول، وإن تصرف فيها بعد الوجوب: لم تسقط الزكاة عنه، كما لو فعل ذلك في السائمة، ولا يستقر الوجوب على كلا القولين حتى تصير الثمرة في الجريب والزرع في البيدر، ولو تلف قبل ذلك بغير إتلافه أو تفريط منه فيه: فلا زكاة عليه. " المغني " (2 / 300) . وعليه: فمن قطع ما يجب فيه الزكاة لاستعماله علفاً – مثلاً –: فإنه لا زكاة عليه فيما قطع؛ لأن ما قطعه ليس هو الحب أو الثمر الذي وجبت فيه الزكاة، ويُنظر فيما بقي مما اشتد من الحَبِّ، فإن بلغ نصاباً: ففيه الزكاة، وإلا فلا يجب عليه. ولا يحل لصاحب الزرع أن يكون قصده من قطع الحب قبل اشتداده التهرب من الزكاة، وإلا فإنه يأثم، وبعض أهل العلم يوجبون عليه الزكاة في هذه الحال. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: فصار عندنا شرطان: الأول: بلوغ النصاب. الثاني: أن يكون النصاب مملوكاً له وقت وجوب الزكاة ... . قوله: " وإذا اشتد الحب، وبَدَا صلاح الثمر: وجبت الزكاة " سبق أنه يشترط أن يكون النصاب مملوكاً له وقت وجوب الزكاة. فوقت الوجوب: " إذ اشتد الحب " أي: قويَ الحَبُّ، وصار شديداً لا ينضغط بضغطه. " وبَدَا صلاح الثمر " وذلك في ثمر النخيل، أن يحمرَّ، أو يصفرَّ، وفي العنب أن يتموه حلواً أي: بدلاً من أن يكون قاسياً يكون ليِّناً متموهاً، وبدلاً من أن يكون حامضاً يكون حلواً. فإذا اشتد الحب، وبدا صلاح الثمر: وجبت الزكاة، وقبل ذلك لا تجب ... . ويتفرع على هذا أيضاً: أنه لو تلفت - ولو بفعله - بأن حصد الزرع قبل اشتداده، أو قطع الثمر قبل بدو صلاحه: فإنه لا زكاة عليه؛ لأن ذلك قبل وجوب الزكاة، إلا أنهم قالوا: إن فعل ذلك فراراً من الزكاة: وجبت عليه؛ عقوبة له بنقيض قصده، ولأن كل من تحيَّل لإسقاط واجب: فإنه يُلزم به. " الشرح الممتع على زاد المستقنع " (6 / 75 – 80) مختصراً. والخلاصة: ليس على ذلك المزارع إن قطع الحب قبل اشتداده زكاة، وعليه زكاة إن كان الحبُّ قد اشتد وقوي، إن كان ما خرج منه يبلغ النصاب. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 140442 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2754 هل يجوز أن يستأجر حصادا لغلته على النصف أو الربع منها؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الشرع فيمن أعطى محصوله الزراعي- حبوب - جاهزا للحصاد، لشخص يحصده، على أن يتقاسما المحصول بالنصف أو باثلث او الربع-بالتراضي- 2-على من تجب زكاة المحصول: العامل أم صاحب المحصول؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأصل في الشروط الصحة، إلا شرطا أحل حراما أو حرما حلالا، وقد قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ) رواه أبو داود (3594) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود". فمن أعطى زراعته لمن يحصدها له، على أن له الربع أو النصف وما أشبه ذلك، على التراضي بينهما فلا حرج عليهما في ذلك. قال شيخ الإسلام رحمه الله: " ويجوز عنده – يعني الإمام أحمد - أن يدفع الحنطة إلى من يطحنها وله الثلث أو الربع، وكذلك الدقيق إلى من يعجنه، والغزل إلى من ينسجه، والثياب إلى من يخيطها، بجزء في الجميع من النماء " انتهى. "مجموع الفتاوى" (30/ 114) وتجب الزكاة على صاحب الزرع في المحصول كله، وليس على من تولى الحصاد زكاة؛ فإنه أجير. قال ابن مفلح رحمه الله: " ولا ينقص النصاب بمؤنة حصاد ودياس وغيرهما منه، لسبق الوجوب ". انتهى. "الفروع" (4/110) . وقال البهوتي رحمه الله: " ولا ينقص النصاب بمؤنة الحصاد ومؤنة الدياس وغيرهما، كالجذاذ والتصفية، من الزرع والثمر لسبق الوجوب ذلك؛ أي: لأنها تجب بالاشتداد وبدو الصلاح، وذلك سابق للحصاد والدياس والجذاذ ونحوهما " انتهى. "كشاف القناع" (2/218) باختصار يسير. وقال الحطاب، المالكي: " يحسب عليه جميع ما استأجر به في حصاده ودراسه وجداده ولقط الزيتون؛ فإنه يحسب ويزكى عليه، سواء كان كيلا معينا، أو جزءا كالثلث والربع ونحوه ". انتهى. "مواهب الجليل" (3/130) . وقد سئل علماء اللجنة الدائمة: زرعت قطعة أرض بمحصول الشعير، وبعد نباتها أعطيتها لشخص آخر يقوم بحصاد ذلك الزرع، مقابل ثلث الحصيلة من هذا الزرع، وكان المحصول 30 إردبا، أخذت أنا عشرين إردبا، وأخذ الحصّاد عشرة أرادب. فعلى من فينا تكون زكاة العشرة أرادب التي أخذها هو من زرعي مقابل الحصاد؟ فأجاب علماء اللجنة: " الزكاة تجب في المحصول كله، وتخرج من نصيب صاحب الزرع، وليس على الذي تولى الحصاد زكاة؛ لأنه أجير " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (9 / 247) . والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 138198 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2755 شارك رجلاً في زراعة أرض فعلى من تجب الزكاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[تم الاتفاق بيني وبين شخص ما على أن أمنحه قطعة أرض زراعية يقوم بزراعتها مقابل أن يمنحني (10%) من الإنتاج، وبعد الحصاد استلمت النسبة الخاصة بي من الإنتاج، فهل أقوم بإخراج الزكاة منها، أم يجب أن يستخرج هو الزكاة كاملة من الإنتاج الذي هو من نصيبه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " إذا بلغ نصيبك نصاب الحبوب، فيجب عليك أن تزكيه، وإذا زكى الجميع هو قبل أن يعطيك نصيبك، فهذا يكفي، أما إذا دفع إليك نصيبك، ثم زكى هو نصيبه فقط، فإنه عليك أن تزكي نصيبك إذا بلغ نصاب الحبوب؛ لأنك تملكه وقت وجوب الزكاة - وهو اشتداد الحب -، إلا أنه مشاع مع نصيب المزارع، ونصاب الحبوب هو ثلاثمائة صاع بالصاع النبوي " انتهى. "المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (2/292) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105299 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2756 إذا قَدَّر المسئولون الزكاة أقل مما يجب [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان ما يجب على صاحب الزرع أكثر مما قدرته لجنة جمع الزكاة، فهل يلزم صاحب الزرع أن يخرج زكاة الزائد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال في زكاة الخارج من الأرض: (فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ) . فيجب على المرء المسلم أن يخرج هذا القسط مما تجب فيه الزكاة من الخارج من الأرض إذا بلغ نصاباً. وإذا قُدِّر أن الساعي على الزكاة - وهم اللجنة الذين قدروا الزرع وأخذوا زكاته - نقص عن الواقع فإنه يجب على المالك إخراج زكاة ما زاد، سواءً كان هذا الزائد يبلغ نصاباً أم لم يبلغ؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أوجب سهماً معيناً نسبته كما سبق العشر أو نصف العشر، فلابد من إخراج هذا الواجب. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/64) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105317 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2757 زكاة الأموال التي للناس عند الحكومة [السُّؤَالُ] ـ[معروف أن صوامع الغلال تستلم محصول القمح والشعير كل عام ثم تقوم بدورها باستقطاع الزكاة وتقوم بتسليم المزارع قيمة المحصول لكن هذه القيمة تبقى لدى الصوامع لعدة سنوات، فهل تجب فيها الزكاة عن سنة واحدة أم عن كل السنوات الماضية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا تجب الزكاة فيما عند الحكومة سواء قيمة زرع أو أجرة أو أي شيء آخر حتى تقبضه، فإذا قبضته، فزكه سنة واحدة، حتى لو بقي عند الدولة خمس أو عشر سنوات أو أكثر زكه سنة واحدة فقط؛ لأن بقاءه عند الحكومة قد تأخر لظروف لا يستطيع صاحب الحق أن يستوفيه. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/ 29) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105323 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2758 ليس من المؤونة أن يحفر الإنسان بئراً في مزرعته [السُّؤَالُ] ـ[عندي أرض زراعية، وقد حفرت فيها بئراً؛ حتى أسقي منها أرضي، فهل يجب علي نصف العشر أو العشر كله؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الواجب في زكاة الحبوب والثمار العشر، أو نصف العشر، حسب الطريقة التي يسقى بها الزرع؛ لما رواه البخاري (1438) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ) . عَثَرِيًّا: هُوَ الَّذِي يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ مِنْ غَيْرِ سَقْي. النَّضْح: هو السقي بالإبل، ويشبه السقي بالساقية الآن. والذي يسقى بلا مؤونة يشمل أنواعاً: 1- ما يشرب بعروقه، أي: لا يحتاج إلى ماء. 2- ما يكون من الأنهار والعيون. 3- ما يكون من الأمطار. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/298) : " الْعُشْرَ يَجِبُ فِيمَا سُقِيَ بِغَيْرِ مُؤْنَةٍ , كَاَلَّذِي يَشْرَبُ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَنْهَارِ , وَمَا يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ , وَهُوَ الَّذِي يُغْرَسُ فِي أَرْضٍ مَاؤُهَا قَرِيبٌ مِنْ وَجْهِهَا , فَتَصِلُ إلَيْهِ عُرُوقُ الشَّجَرِ , فَيَسْتَغْنِي عَنْ سَقْيٍ , وَكَذَلِكَ مَا كَانَتْ عُرُوقُهُ تَصِلُ إلَى نَهْرٍ أَوْ سَاقِيَةٍ " انتهى. وانظر جواب السؤال رقم (99843) . ثانياً: الكلفة التي يجدها المزارع في تفجير الماء وحفر الأرض لنقل مياه الأنهار إلى أرضه، وحفر السواقي، لا تأثير لها في مسألة المؤونة؛ لأنها من جنس حرث الأرض، ولأن هذه الكلفة لا تتكرر مع الأعوام. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (6/77) : " وإذا حفر المزارع طريقاً من النهر إلى مزرعته؛ لكي يصل الماء إلى الزرع، فإن هذا العمل ليس فيه مؤونة، ونظير ذلك إذا حفرت بئراً وخرج الماء نبعاً، فهذا ليس فيه مؤونة؛ لأن إيصال الماء إلى المكان ليس مؤونة، بل المؤونة تكون في نفس السقي، بأن يحتاج في إخراجه موؤنة، كأن يحتاج في سقيه إلى المكائن ونحوها " انتهى بتصرف. وعلى هذا، فالواجب عليك هو العشر؛ وذلك لأن ما قمت به لا يعتبر من المؤونة أو الكلفة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 100188 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2759 زكاة الحبوب والثمار ومقدار النصاب فيها [السُّؤَالُ] ـ[ما هي زكاة الحبوب والثمار، وما هو مقدار النصاب؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: تجب الزكاة في الحبوب والثمار بإجماع العلماء. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/294) : " أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الصَّدَقَةَ وَاجِبَةٌ فِي الْحِنْطَةِ , وَالشَّعِيرِ , وَالتَّمْرِ , وَالزَّبِيبِ. قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ , وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ " انتهى. ويدل على وجوب الزكاة في الحبوب والثمار قوله تعالى: (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) الأنعام / 141. والزكاة تجب في الحبوب والثمار فيما يكال ويدخر، سواء كان قوتاً أم لم يكن قوتاً؛ لما روى البخاري (1483) عن عَبْدِ اللَّهِ بن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ) ، فالحديث عام في كل ما يخرج من الأرض سواء كان قوتاً أم لم يكن قوتا. وروى مسلم (979) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ) ، فدل على اعتبار التوسيق، وهو معيار من معايير الكيل. أما الادخار، فلأن النعمة لا تكتمل إلا فيما يدخر، وذلك لأن نفعه باقٍ لمدة أطول. قال البهوتي رحمه الله في "كشاف القناع" (2/205) : " وَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِي كُلِّ ثَمَرٍ يُكَالُ وَيُدَّخَرُ، كَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَاللَّوْزِ وَالْفُسْتُقِ وَالْبُنْدُقِ " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (6/70) : " الحبوب والثمار تجب فيها الزكاة، بشرط أن تكون مكيلة مدخرة، فإن لم تكن كذلك، فلا زكاة فيها " انتهى. ثانياً: لا تجب الزكاة في الحبوب والثمار، إلا إذا بلغت نصاباً، وهو خمسة أوسق، والوسق ستون صاعاً، والصاع أربعة أمداد، والمد حَفْنة بكفي الرجل المعتدل؛ لما رواه مسلم (979) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَيْسَ فِي حَبٍّ وَلا تَمْرٍ صَدَقَةٌ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ) . ويختلف قدر الزكاة الواجب إخراجها من الزروع والثمار باختلاف طريقة السقي. فإن كان يُسقى بلا كلفة ولا مؤونة، كما لو سقي بماء المطر، أو العيون، ففيه العشر. وإن كان يسقى بكلفة ومؤونة، كما لو احتاج آلة ترفع المياه ففيه نصف العشر. ودليل ذلك حديث ابن عمر المتقدم: (فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ) . قال الحافظ: (عَثَرِيًّا) قَالَ الْخَطَّابِيّ: هُوَ الَّذِي يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ مِنْ غَيْرِ سَقْي. (بِالنَّضْحِ) َالْمُرَاد بِهَا الإِبِل الَّتِي يُسْتَقَى عَلَيْهَا , وَذَكَرَ الإِبِلَ كَالْمِثَالِ، وَإِلا فَالْبَقْر وَغَيْرهَا كَذَلِكَ فِي الْحُكْمِ اهـ. وهو يشبه السقي بالساقية الآن. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (6/77) : " والحكمة من ذلك: كثرة الإنفاق في الذي يسقى بمؤونة، وقلة الإنفاق في الذي يسقى بلا مؤونة، فراعى الشارع هذه المؤونة، والنفقة، وخفف على ما يسقى بمؤونة " انتهى. وقال الشيخ ابن باز (14/74) : " ما يسقى بالأمطار والأنهار والعيون الجارية من الحبوب والثمار كالتمر والزبيب والحنطة والشعير ففيه العشر، وما يسقى بالمكائن وغيرها ففيه نصف العشر " اهـ. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 99843 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2760 ليس في التين زكاة [السُّؤَالُ] ـ[هل تجب الزكاة في ثمرة التين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا تجب الزكاة في الخضروات - مثل: الطماطم والخيار -، ولا في الفواكه - مثل: الرمان والتين والخوخ والبطيخ -؛ وذلك لأنها لا تكال ولا تدخر، إلا إذا كانت للتجارة فإنه يزكى ما حال عليه الحول من قيمتها إذا بلغت النصاب كسائر عروض التجارة. فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسَاقٍ مِنْ تَمْرٍ وَلَا حَبٍّ صَدَقَةٌ) رواه مسلم (979) . الشاهد قوله: (ليس فيما دون خمسة أوساق) ، فدل على اعتبار التوسيق، وهو الكيل , فما لم يكن مكيلاً، فإنه لا زكاة فيه. قال ابن قدامة في "المغني" (2/294) : " وَلَا زَكَاةَ فِي سَائِرِ الْفَوَاكِهِ , كَالْخَوْخِ , وَالْكُمَّثْرَى , وَالتُّفَّاحِ , وَالْمِشْمِشِ , وَالتِّينِ , وَالْجَوْزِ ". وقال النووي في " المجموع" (5/435) : " َاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي التِّينِ وَالتُّفَّاحِ وَالسَّفَرْجَلِ وَالرُّمَّانِ , وَطَلْعِ فُحَّالِ النَّخْلِ وَالْخَوْخِ وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالْمَوْزِ وَأَشْبَاهِهَا ". وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: " التين ليس فيه زكاة؛ لأنه من جملة الفواكه كالرمان والكمثرى، ونحوها، وليس مما يكال أو يدخر ". " فتاوى اللجنة الدائمة " (9 / 233) . وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله " في فتاوى نور على الدرب ": هل في الزيتون أو الزيت زكاة وكذلك الرمان والتين لأننا نسكن في منطقة تكثر فيها الزراعة من هذه الأشجار؟ . فأجاب: " هذه الأشجار ليس فيها زكاة، وإنما الزكاة في التمر والعنب. أما الزيتون، والرمان والبرتقال، والتفاح والأترج، فكلها ليس فيها زكاة، ولكن إذا باعها الإنسان وحصل على ثمن نقد فإنه إذا بقي عنده إلى تمام الحول وجب عليه الزكاة وتكون زكاة نقد لا زكاة ثمار " انتهى. وبه أفتى الشيخ ابن باز رحمه الله في " مجموع الفتاوى " (14 / 70) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 99157 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2761 زكاة العنب [السُّؤَالُ] ـ[العنب هل تجب فيه الزكاة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تجب الزكاة في العنب إذا بلغ النصاب، وهو خمسة أوسق (أي: 300 صاعٍ) ؛ لما روى البخاري (1405) ومسلم (979) عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ) . فيخرج نصف العشر من العنب إذا كان السقي بكلفة، كأن يسقى العنب بالمكائن. أما إن كان السقي بدون كلفة كأن يسقى بالأمطار والأنهار فالواجب العشر كاملا. قال النووي في " المجموع" (5 /440) : " لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ يَابِسُهُ نِصَابًا , وَهُوَ خَمْسَةُ أَوْسُقً ". وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: " إذا بلغ العنب نصابا وهو خمسة أوسق وجبت فيه الزكاة، فيخرج نصف العشر من العنب، وإذا باعه أخرج من ثمنه نصف العشر، هذا إذا كان السقي بكلفة، كالسقي بواسطة المكائن والسواني والرشاشات. أما إن كان السقي بدون كلفة كالسقي بالأمطار والأنهار فالواجب العشر كاملا " انتهى. " فتاوى اللجنة الدائمة " (9 / 229) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 99158 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2762 زكاة القطن [السُّؤَالُ] ـ[هل في القطن زكاة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا تجب الزكاة في القطن؛ لأنه لا يكال، فحكمه حكم الخضروات في عدم وجوب الزكاة فيه. قال ابن قدامة " المغني " (2 / 296) : " َلَا زَكَاةَ فِي الْأَزْهَارِ , كَالزَّعْفَرَانِ , وَالْعُصْفُرِ , وَالْقُطْنِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَبٍّ وَلَا ثَمَرٍ , وَلَا هُوَ بِمَكِيلٍ , فَلَمْ تَجِبْ فِيهِ زَكَاةٌ , كَالْخَضْرَاوَاتِ. قَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ فِي الْقُطْنِ شَيْءٌ ". وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء: " لا تجب الزكاة في نبات القطن على الصحيح من أقوال العلماء، وهو قول جمهور أهل العلم في ذلك؛ لأن الأصل عدم الوجوب، ولم يثبت شرعا ما يخرج عن هذا الأصل " انتهى. " فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء " (9 / 240) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في " فتاوى نور على الدرب ": هل في القطن زكاة؟ لأننا سمعنا بأن الزكاة في الحبوب والثمار فقط؟ . فأجاب رحمه الله: " الزكاة في الحبوب والثمار فقط، وأما ما عدا ذلك من الخضروات والبطيخ والقطن وما أشبهه فلا زكاة فيه، لكن إذا أعده الإنسان للتجارة بعد أن يجنيه صار عروض تجارة " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 99164 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2763 لا يضم جنس إلى جنس في تكميل النصاب [السُّؤَالُ] ـ[عندي أرض فيها قمح وشعير، فهل تجب فيها الزكاة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تجب الزكاة في الحبوب والثمار، إذا بلغت النصاب، وهو خمسة أوسق، والوسق ستون صاعاً، والصاع أربعة أمداد، والمد حَفْنة بكفي الرجل المعتدل؛ لما رواه مسلم (979) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَيْسَ فِي حَبٍّ وَلا تَمْرٍ صَدَقَةٌ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ) . والقمح والشعير من الأصناف التي تجب فيها الزكاة بإجماع العلماء، فإذا أنتجت الأرض ما يبلغ النصاب من القمح، أو الشعير وجبت عليك زكاته، فإذا كان محصول القمح والشعير لم يبلغ النصاب، ولكن إذا ضم أحدهما إلى الآخر بلغ النصاب، فلا تجب عليك الزكاة؛ لأنك لم تمتلك نصاباً من الشعير، ولا نصاباً من القمح. وتفصيل ذلك: أن الحبوب والثمار من جهة ضم بعضها إلى بعض في تكميل النصاب لا تخلو من حالتين: الحال الأولى: أن يكون الجنس واحداً، والنوع مختلفاً، فهذا يضم بعضه إلى بعض في تكميل النصاب، فيضم التمر السكري إلى التمر البرحي، وكذلك تضم أنواع القمح بعضها إلى بعض، وأنواع الزبيب بعضها إلى بعض، وهكذا. ويدل على ضم الأنواع بعضها إلى بعض عموم حديث أبي سعيد الخدري السابق، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب الزكاة في التمر مطلقاً، ومعلوم أن التمر يشمل أنواعاً ولم يأمر بفصل كل نوع عن الآخر. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/316) : َلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ , فِي أَنَّ أَنْوَاعَ الْأَجْنَاسِ يُضَمُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ فِي إكْمَالِ النِّصَابِ " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (6/73) : " وتضم الأنواع بعضها إلى بعض، فالسكري مثلاً يضم إلى البرحي، وهكذا، وكذلك في البر فالمعية، واللقيمى، والحنطة، والجريبا، يضم بعضها إلى بعض " انتهى. الحال الثانية: أن يكون الجنس مختلفاً، فهذا لا يضم بعضه إلى بعض في تكميل النصاب، فلا يضم البر إلى الشعير، ولا التمر إلى الزبيب، ولا الأرز إلى البر في تكميل النصاب؛ لاختلاف الجنس، كما لا تضم البقر إلى الإبل أو الغنم؛ لأن الجنس مختلف. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (6/73) : " ولا يضم جنس إلى آخر، فلو كان عند الإنسان مزرعة نصفها شعير، ونصفها بر، وكل واحد نصف النصاب، فإنه لا يضم بعضه إلى بعض؛ لاختلاف الجنس، كما لا تضم البقر إلى الإبل أو الغنم؛ لأن الجنس مختلف " انتهى بتصرف. فعلى هذا، فما بلغ النصاب عندك من محصول القمح أو الشعير وجب عليك إخراج زكاته، وما لم يبلغ النصاب، فلا زكاة فيه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97727 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2764 التحايل على الدولة بشراء مزرعة وتسجيل قيمتها بأقل من ثمنها وزكاة ثمارها [السُّؤَالُ] ـ[في العام الماضي اشترى والدي مزرعة من أحد الأشخاص لكنه أمرني أن أذهب أنا مع البائع إلى الحكومة لتسجيل عقد البيع على أساس أن أكون المشتري، ولتكون المزرعة باسمي؛ وذلك لأنه يود الحصول على مزرعة أخرى كان قدَّم عليها لدى الدولة باسمه؛ حيث أنهم كانوا سيلغون طلبه لتلك المزرعة لو أن المزرعة التي لدينا الآن كانت باسمه، فهو يريد الآن أن يمتلك مزرعتين! عندما ذهبنا أنا والبائع إلى الحكومة قلت إنني دفعت له مبلغاً معيَّناً وهو المبلغ الذي قال لي أبي أن أقول إنني دفعته، ولكن في الواقع ذلك لم يكن هو المبلغ الذي استلمه صاحب المزرعة السابق، بل استلم مبلغاً أكبر، فالدولة تطلب من مشتري المزرعة أن يدفع قيمة مالية إضافية إجبارية للحكومة على حسب المبلغ الذي دفعه المشتري للبائع، وكلما كانت قيمة المزرعة أكبر كان تلك القيمة المالية أعلى (لا أذكر لم هي تلك القيمة المالية، لكني أظنها تأميناً) ، لذلك فإن والدي أراد إخفاء السعر الحقيقي الذي بيعت به المزرعة حتى يدفع مبلغاً أقل. فهل يجوز ما فعله أبي؟ وهل يجوز ما فعلته أنا عندما كذبت بشأن سعر المزرعة؟ . وهذه المزرعة ممنوعة من التسويق من قبل الدولة، فهل تجب عليها الزكاة حتى وإن لم تكن منتجاتها ستباع وتشترى؟ إذا كان الجواب بنعم تجب الزكاة: فمن المسئول عن دفع الزكاة هل هو أنا أم والدي؛ لأن المزرعة مكتوبة باسمي؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: حكم تسجيلك للمزرعة التي دفع والدك ثمنها باسمك يختلف باختلاف السبب الدافع لهذا الأمر، فإن فعلتما ذلك من أجل دفع ضر عنكم، مثل أن يوجد قانون جائر يمنع مِن تملك أكثر من مزرعة: فيجوز لكم فعل ذلك، ولا حرج في تسجيل المزرعة المشتراة باسمك أو باسم غيرك، وأما إن كان هذا الفعل منكما من أجل الحصول على منفعة ليست من حقكم، مثل أن تَشترط الدولة للحصول على مزرعة عن طريقها هبةً أو بسعرٍ مخفَّض: عدم وجود مزرعة عند المتقدم بالطلب: فهذا الفعل منكما حرام، وهو من أكل أموال الناس بالباطل. وإذا أردتم إصلاح الوضع - إن كان الأمر على الصورة الثانية -: فيمكنك أن تشتري المزرعة أنت شراءً حقيقيّاً من والدك، وتكون لك، أو أنكم تبيعونها، ويرجع الأمر كما كان، وهو أن والدك لا يملك مزرعة. ثانياً: وأما حكم الكذب في الإخبار عن حقيقة ثمن المزرعة من أجل توفير الرسوم الضريبية: فإن هذا الأمر جائز؛ لأن أخذ أموال الناس عن طريق الجمارك أو الضرائب من المحرمات، ولا حرج على المسلم إذا سعى في إنقاذ ماله من ذلك، لكن كلما أمكن التعريض والكلام المحتمل فهو أولى من الكذب. قال ابن حزم رحمه الله: "واتفقوا أن المراصد الموضوعة للمغارم [أي الضرائب] على الطرق، وعند أبواب المدن، وما يؤخذ في الأسواق من المكوس على السلع المجلوبة من المارة، والتجار: ظلم عظيم، وحرام، وفسق " انتهى. " مراتب الإجماع " (ص 121) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عند ذِكر ما يأخذه الإمام: "ونوع يحرم أخذه بالإجماع ... كالمكوس التي لا يسوغ وضعها اتفاقا" انتهى. " مجموع الفتاوى " (28 / 278) . وليست هذه من حقوق السلطان، بل من سمَّاها حقّاً فإنه يقع في إثم عظيم. قال النووي رحمه الله: "مما يتأكد النهيُ عنه والتحذيرُ منه: ما يقولُه العوامّ وأشباهُهم في هذه المكوس التي تُؤخذُ ممن يبيع أو يشتري ونحوهما فإنهم يقولون: هذا حقّ السلطان، أو عليك حقّ السلطان، ونحو ذلك من العبارات المشتملة على تسميته حقّاً أو لازماً ونحو ذلك، وهذا من أشدّ المنكرات، وأشنع المستحدثات حتى قال بعضُ العلماء: من سمَّى هذا حقّاً فهو كافرٌ خارجٌ عن ملّة الإِسلام! والصحيحُ: أنه لا يكفرُ، إلا إذا اعتقده حقّاً مع علمه بأنه ظلم، فالصوابُ أن يُقال فيه المَكسُ، أو ضريبةُ السلطان، أو نحو ذلك من العبارات" انتهى. " الأذكار " (ص 369) . وانظر أجوبة الأسئلة (39461) و (25758) و (42563) . وأما إن كان المستوفى من معاملات البيع والشراء هو رسوم عادية تتعلق بخدمات تؤدى للبائع أو المشتري أو لكليهما: فلا يجوز التهرب منها بحال، بل يصبح هذا حقّاً للآخذ لا يجوز التحايل عليه، والتهرب من دفع ما له من حق. ثالثاً: وفيما يتعلق بسؤالك عن زكاة ما يخرج من المزرعة: فاعلم أن الزكاة واجبة على صاحب المزرعة الحقيقي، وهو هنا والدك. ولا يشترط لوجوب الزكاة في الزروع والثمار أن تكون للبيع بل تجب فيها الزكاة ولو كانت من أجل أن يأكل منها صاحبها وأولاده وأهله. سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: عندي في منزلي خمس نخلات، وكلها مثمرة، هل في ثمارها زكاة؟ وما مقدارها؟ . فأجاب: "هذه مسألة في الحقيقة السؤال عنها جيد، كثير من الناس عندهم بيوت فيها نخل، والنخل تكون ثمارها بالغة للنصاب، ومع ذلك لا يزكونه؛ لأنهم يظنون أن الزكاة تجب في الحوائط الكبيرة، أما النخلات التي في البيت: فيظن كثير من الناس أنه ليس فيها زكاة، ولكن الأمر ليس كذلك، بل نقول: إذا كان في بيتك نخل وعندك بستان آخر، وكانت النخل الموجودة في البيت لا تبلغ النصاب: فإنها تضم إلى النخل الذي في البستان. أما إذا لم يكن عندك بستان: فإننا ننظر في النخل الذي في البيت، إن كان يبلغ النصاب: وجبت الزكاة، وإن كان لا يبلغ النصاب: فلا زكاة فيه. والنصاب ثلاثمائة صاع، بصاع النبي صلى الله عليه وسلم ... . الخلاصة: أن النخل الذي في البيت إن كان مالك البيت عنده بستان فيه نخل: فإن ثمرة النخل الذي في البيت تضم إلى ثمرة النخل الذي في البستان، فإذا بلغ مجموعها نصاباً: وجب إخراج الزكاة. وإن لم يكن له بستان: فإننا نعتبر النخل الذي في البيت بنفسه، ونقول: إذا بلغت ثمرتها نصاباً: وجب فيها الزكاة، وإلا فلا. والزكاة نصف العشر فيما يسقى بمؤونة، والعشر كاملاً فيما يسقى بلا مؤونة" انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (18 / السؤال رقم 39) . ووقع خلاف بين العلماء في الزرع الذي يُزكى، وما رجحناه في موقعنا هو أن الزكاة تجب في الثمر الذي يكال ويدخر، وانظر ذلك في جواب السؤال رقم (3593) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93088 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2765 زكاة النخيل الموجودة في البيوت [السُّؤَالُ] ـ[كثير من البيوت يوجد بها نخيل، وفيه ثمر قد يصل إلى حد النصاب وقد يتعداه، فهل تجب فيها الزكاة؟ وإن كان يهدى منها ويؤكل فهل يجزئ ذلك عن الزكاة أم لا؟ وما مقدار الزكاة إن وجدت؟ وما مقدار النصاب؟ وإذا كانت فسائلها تباع فهل فيها زكاة؟ وإذا كان النخيل يغرس بقصد بيع الفسائل (الفراخة) فهل فيها زكاة؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله النخيل التي في البيوت تجب الزكاة في ثمرها إذا بلغت نصابا لقول الله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض "، وهذه مما أخرج الله لنا من الأرض فتجب فيها الزكاة سواء كانت تهدى بعد خرفها أو تؤكل أو تباع. وإذا لم تبلغ النصاب فلا زكاة فيها لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة " والوسق الواحد ستون صاعا بصاع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ومقدار صاع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كيلوان اثنان وأربعون غراما فيكون النصاب ستمائة واثني عشر كيلو (612) ، والمعتبر في هذا الوزن بالبر (القمح) الجيد؛ فتزن من البر الجيد ما يبلغ كيلوين اثنين وأربعين غراما ثم تضعه في مكيال يكون بقدره من غير زيادة ولا نقص فهذا هو الصاع النبوي يقاس به كيلا ما سوى البر. ومن المعلوم أن الأشياء المكيلة تختلف في الوزن خفة وثقلا، فإذا كانت ثقيلة فلا بد من زيادة الوزن حسب الثقل. ومقدار الزكاة نصف العشر لأنها تسقى بالماء المستخرج من الآبار أو من البحر لكن بمؤونة إخراج وتحلية وتصفية وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا العشر، وفيما سقى بالنضح نصف العشر " رواه البخاري. وليس في الفسائل زكاة ولكن إذا بيعت بالدراهم وحال على ثمنها الحول وجبت زكاته. وليس في النخيل التي تغرس لبيع الفسائل زكاة، كما أن النخيل التي تغرس لقصد بيع ثمرتها ليس فيها زكاة، وما بيع من ثمر النخل التي في البيوت تخرج زكاته من قيمته، وما أكل رطبا تخرج زكاته رطبا من النوع المتوسط إذا كان كثيرا في النخل، وما بقي حتى يتمر تخرج زكاته تمرا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله. مجلة الدعوة العدد 1752 ص 37. الحديث: 11051 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2766 زكاة التمر [السُّؤَالُ] ـ[عندي نخل، وأجني التمر وأبيعه في السوق، فكم نسبة الزكاة فيه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: أجمع العلماء على وجوب الزكاة في التمر. ولا تجب فيه الزكاة إلا إذا بلغ نصاباً، وهو خمسة أوسق، والوسق ستون صاعاً، والصاع أربعة أمداد، والمد حَفْنة بكفي الرجل المعتدل. انظر: المغني (4/154) . ودليل ذلك من السنة ما رواه مسلم (979) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَيْسَ فِي حَبٍّ وَلا تَمْرٍ صَدَقَةٌ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ) . ثانياً: يختلف قدر الزكاة الواجب إخراجها من الزروع والثمار باختلاف طريقة السقي. فإن كان يُسقى بدون كلفة ولا مؤنة كما لو سقي بماء المطر أو العيون أو كان قريبا من الماء بحيث يشرب بعروقه ففيه العشر. وإن كان يسقى بكلفة ومؤنة كما لو احتاج آلة ترفع المياه ففيه نصف العشر. وهذا قول الأئمة الأربعة، بل قال ابن قدامة في "المغني" (4/164-166) : لا نعلم فيه خلافاً اهـ. ومعنى الكلفة أن يحتاج في ترقية الماء إلى الأرض إلى آلة. قاله في المغني (4/166) . ودليل ذلك ما رواه البخاري (1438) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ) . قال الحافظ: (عَثَرِيًّا) قَالَ الْخَطَّابِيّ: هُوَ الَّذِي يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ مِنْ غَيْرِ سَقْي. (بِالنَّضْحِ) أَيْ: بِالسَّانِيَةِ , وَهِيَ رِوَايَةُ مُسْلِم وَالْمُرَاد بِهَا الإِبِل الَّتِي يُسْتَقَى عَلَيْهَا , وَذَكَرَ الإِبِلَ كَالْمِثَالِ وَإِلا فَالْبَقْر وَغَيْرهَا كَذَلِكَ فِي الْحُكْمِ اهـ. وقال الشيخ ابن باز (14/74) : " ما يسقى بالأمطار والأنهار والعيون الجارية من الحبوب والثمار كالتمر والزبيب والحنطة والشعير ففيه العشر، وما يسقى بالمكائن وغيرها ففيه نصف العشر " اهـ. وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (9/176) : " ويجب العشر فيما سقي بغير مؤونة كالغيث والسيوح وما يشرب بعروقه، ونصف العشر فيما سقي بكلفة كالمكائن، فإن كان يسقى نصف السنة بهذا ونصفها بهذا ففيه ثلاثة أرباع العشر، وإن سقي بأحدهما أكثر من الآخر اعتبر الأكثر، فإن جهل المقدار وجب العشر " اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36778 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2767 لا تجب الزكاة إذا زال ملك النصاب قبل تمام الحول [السُّؤَالُ] ـ[شخص اشترى عدد (64) رأساً من الغنم من والدته وانتقلت ملكيتها له ولم يبق سوى شهر ويدور الحول عليها ليتم إخراج زكاتها وهي عند والدته، ويسأل عن الزكاة هل يخرج زكاتها؟ أو هل تجب الزكاة فيها حيث لم يمض على شرائه لها إلا أيام قليلة، ولم يبق من دور الحول عليها وهي عند والدته إلا شهر واحد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تجب الزكاة في الغنم إذا بلغت نصاباً – وهو: أربعون شاة – ومضى على النصاب حول كامل وهو في ملكك؛ لحديث ابن ماجة (1792) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ) صححه الألباني في "إرواء الغليل" برقم (787) . ومرور الحول شرط في وجوب زكاة الذهب والفضة والنقود وبهيمة الأنعام. فإذا زال الملك قبل تمام الحول، إما بتلف المال، أو بيعه، أو هبته، ونحو ذلك، فإن الزكاة لا تجب فيه. فعلى هذا، لا تجب الزكاة على والدتك؛ لأنه زال ملكها عن الأغنام قبل تمام الحول، ولا تجب الزكاة عليك في تلك الأغنام التي اشتريتها حتى تمضي سنة كاملة عليها من وقت ملكك لها. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106877 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2768 لا زكاة في الطيور [السُّؤَالُ] ـ[لدينا في البيت طيور نطعهما ونربيها، فهل فيها زكاة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تجب الزكاة في بهيمة الأنعام (الإبل، البقر، الغنم) ، وذلك إذا بلغت نصابا وكانت سائمة، أي ترعى وتأكل مما في الأرض من نباتات، ولا يتكلف صاحبها شراء علف لها. وانظر جواب السؤال رقم (40156) . أما غيرها من الحيوانات، فلا تجب فيها الزكاة، إلا إذا كانت معدة للتجارة. فإذا كانت هذه الطيور تربى للتجارة والتكسب فتجب الزكاة في قيمتها في نهاية الحول، وإذا كانت تربى لغرض أخر غير التجارة، فلا زكاة فيها. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: يقوم بعض الناس بتربية الطيور، فهل عليهم زكاة؟ فأجاب: " الذين يربون الطيور إذا كانوا يريدون التجارة، فعليهم الزكاة؛ لأنها عروض التجارة – أي: أن الإنسان يبيع ويشتري فيها فيتكسب -. أما إذا كانوا يريدون التنمية يأكلونها أو يبيعون منها ما زاد عن حاجتهم، فلا زكاة عليهم؛ لأن الزكاة لا تجب في الحيوان إلا في ثلاثة أصناف: الإبل، والبقر والغنم فقط، بشروطها المعروفة " انتهى بتصرف. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/54) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105320 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2769 هل يخرج من زكاة الإبل بعيراً بدلاً من الشاة [السُّؤَالُ] ـ[عندي خمس من الإبل، فهل يجوز لي أن أخرج في الزكاة بعيراً بدلاً من الشاة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب في زكاة خمس من الإبل شاة واحدة؛ لما روى البخاري (1454) من حديث أبي بكر رضي الله عنه، وفيه: (فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ فَفِيهَا شَاةٌ) . قال النووي رحمه الله في "المجموع" (5/348) : " أَوَّلُ نِصَابِ الْإِبِلِ خَمْسٌ وَفَرْضُهُ شَاةٌ , وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ وَفِي خَمْسَ عَشْرَةَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ , وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ " انتهى. وقد اختلف العلماء هل يجزئ إخراج البعير مكان الشاة في زكاة الخمس من الإبل؟ والصحيح أنه يجزئ، وهو مذهب الحنفية والشافعية؛ لأن الشرع إنما أوجب الغنم في زكاة الإبل فيما دون الخمس والعشرين تخفيفاً على المالك، فإذا اختار المالك دفع الأفضل، فلا حرج عليه من ذلك، بل يؤجر على تبرعه بأكثر مما وجب عليه. قال النووي رحمه الله في "المجموع" (5/361) : " قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه وَالْأَصْحَابُ: إذَا مَلَكَ مِنْ الْإِبِلِ دُونَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَوَاجِبُهَا الشَّاةُ كَمَا سَبَقَ , فَإِنْ أَخْرَجَ بَعِيرًا أَجْزَأَهُ. هَذَا مَذْهَبُنَا، وَدَلِيلُنَا أَنَّ الْبَعِيرَ يُجْزِئُ عَنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَمَا دُونَهَا أَوْلَى ; لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ تَجِبَ الزكاة مِنْ جِنْسِ الْمَالِ، وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنْهُ رِفْقًا بِالْمَالِكِ، فَإِذَا تَكَلَّفَ الْأَصْلَ أَجْزَأَهُ " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (6/53) : " قال بعض العلماء: لا يجزئ فيما دون خمس وعشرين بعير، ولو كبيراً؛ لحديث أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ الذي كتبه قال: (وفيما دونها الغنم في كل خمس شاة) أي: فيما دون خمس وعشرين، في كل خمس شاة. وقال بعض العلماء: إذا كانت تجزئ بنت المخاض في خمس وعشرين، فإجزاؤها فيما دون ذلك من باب أولى، والشريعة لا تفرق بين متماثلين، والشارع أسقط الإبل فيما دون خمس وعشرين رفقاً بالمالك، وهذا هو الصحيح؛ لأن كل أحد يعلم أن الشريعة الكاملة المبنية على الدلالة النقلية والعقلية لا يمكن أن تقول: من عنده خمس وعشرون من الإبل، وأخرج بنت مخاض أجزأته، ومن عنده عشرون من الإبل وأخرج بنت مخاض لم تجزئه " انتهى بتصرف. وبنت المخاض: هي الناقة التي أتمت سنة، ودخلت في السنة الثانية. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 100192 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2770 لا زكاة في الخيل والحمير إلا إذا كانت للتجارة [السُّؤَالُ] ـ[هل في الخيل والحمير زكاة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحيوانات التي تجب فيها الزكاة هي بهيمة الأنعام: 1- الإبل. 2- البقر. 3- الغنم وتشمل الضأن والماعز. وذلك إذا بلغت نصابا وكانت سائمة، أي ترعى وتأكل مما في الأرض من نباتات، ولا يتكلف صاحبها شراء علف لها. وانظر جواب السؤال رقم (93387) ، (40156) . أما غيرها من الحيوانات فلا تجب فيها الزكاة إلا إذا كانت معدة للتجارة. قال النووي في " المجموع " (5 / 311) : " أجمع المسلمون على وجوب الزكاة في الإبل والبقر والغنم، وأما الخيل والبغال والحمير والمتولد بين الغنم والظباء , فلا زكاة فيها , وهذا إذا لم تكن للتجارة , فإن كانت لها وجبت زكاتها؛ لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة) " انتهى كلامه بتصرف. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: يلجأ بعض الناس ممن أفاء الله عليهم بنعمة المال إلى اقتناء الخيول الأصلية باهظة الثمن التي يصل ثمن الواحد منها آلاف الدنانير، من أجل إشراكها في السباقات بهدف الحصول على الجوائز التي تخصص لذلك، والسؤال: هذه الخيل ونتاجها، هل تجب فيها الزكاة وما هو النصاب ومقدار الواجب فيها؟ . فأجابوا: " إذا كان الواقع ما ذكر من أنها تشترى للاقتناء لا للبيع فلا زكاة فيها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس على الرجل في فرسه ولا عبده صدقة) متفق على صحته " انتهى. " فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء " (9 / 216) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 99061 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2771 الحيوانات التي تجب فيها الزكاة [السُّؤَالُ] ـ[ما الحيوانات التي تجب فيها الزكاة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحيوانات التي تجب فيها الزكاة هي بهيمة الأنعام: 1- الإبل. 2- البقر ومنه (الجاموس) . 3- الغنم وتشمل الضأن والماعز. وذلك إذا بلغت نصابا وكانت سائمة، أي ترعى وتأكل مما في الأرض من نباتات، ولا يتكلف صاحبها شراء علف لها. وانظر جواب السؤال رقم (40156) . أما غيرها من الحيوانات فلا تجب فيها الزكاة إلا إذا كانت معدة للتجارة، فإنه يزكيها زكاة التجارة، كمن يتاجر في النعام أو البط والدجاج أو الخيول ونحو ذلك. وإذا كانت بهيمة الأنعام مما تُعلف، لكن يتجر فيها صاحبها، فإنه يزكيها زكاة التجارة، فيقوّمها في نهاية الحول ويخرج من قيمتها ربع العشر. جاء في "الموسوعة الفقهية" (23/250) : " أجمع الفقهاء على أن الإبل والبقر والغنم هي من الأصناف التي تجب فيها الزكاة , واستدلوا لذلك بأحاديث كثيرة , وفي الخيل خلاف , وأما البغال والحمير وغيرها من أصناف الحيوان فليس فيها زكاة ما لم تكن للتجارة " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93387 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2772 لا زكاة في بهيمة الأنعام إلا إذا كانت ترعى كل الحول أو أكثره [السُّؤَالُ] ـ[لدي إبل وغنم ترعى في بعض العام وأقوم بعلفها في بعضه، فهل فيها زكاة أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سبق في إجابة السؤال (40156) أن الزكاة لا تجب في بهيمة الأنعام إلا إذا كانت سائمة، ومعنى السوم أنها ترعى كل السنة أو أكثرها، أما إذا كانت تُعلف نصف السنة أو أكثر فلا زكاة فيها. قال ابن قدامة في "المغني": مَذْهَب إمَامِنَا (يعني الإمام أحمد) وَمَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ سَائِمَةً أَكْثَرَ السَّنَةِ فَفِيهَا الزَّكَاةُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ لَمْ تَكُنْ سَائِمَةً فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ فَلا زَكَاةَ فِيهَا ; لأَنَّ السَّوْمَ شَرْطٌ فِي الزَّكَاة، فَاعْتُبِرَ فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ. وَلَنَا عُمُومُ النُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي نُصُبِ الْمَاشِيَةِ , وَاسْمُ السَّوْمِ لا يَزُولُ بِالْعَلْفِ الْيَسِيرِ , فَلا يَمْنَعُ دُخُولَهَا فِي الْخَبَرِ , وَلأَنَّ الْعَلْفَ الْيَسِيرَ لا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ فَاعْتِبَارُهُ فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ يُسْقِطُ الزَّكَاةَ بِالْكُلِّيَّةِ اهـ باختصار. " لأَنَّ أَصْحَابَ السَّوَائِمِ لا يَجِدُونَ بُدًّا مِنْ أَنْ يَعْلِفُوا سَوَائِمَهُمْ فِي بَعْضِ الأَوْقَاتِ كَأَيَّامِ الْبَرْدِ وَالثَّلْجِ" اهـ. من الموسوعة الفقهية (23/250) . وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية عَنْ رَجُلٍ لَهُ جِمَالٌ وَيَشْتَرِي لَهَا أَيَّامَ الرَّعْيِ مَرْعًى هَلْ فِيهَا زَكَاةٌ؟ فَأَجَابَ: إذَا كَانَتْ رَاعِيَةً أَكْثَرَ الْعَامِ مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهَا ثَلاثَةَ أَشْهُرٍ أَوْ أَرْبَعَةً فَإِنَّهُ يُزَكِّيهَا هَذَا أَظْهَرُ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ اهـ. "مجموع الفتاوى" (25/48) . وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: رجل عنده مائة من الإبل لكن أغلب السنة يعلفها، فهل فيها الزكاة؟ فأجاب: "إذا كانت الماشية من الإبل أو البقر أو الغنم ليست سائمة جميع الحول أو أكثره فإنها لا تجب فيها الزكاة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم شرط في وجوب الزكاة فيها أن تكون سائمة، فإذا أعلفها صاحبها غالب الحول أو نصف الحول فلا زكاة فيها إلا أن تكون للتجارة فإنها تجب فيها زكاة التجارة، وتكون بذلك من عروض التجارة كالأراضي المعدة للبيع والسيارات ونحوها، إذا بلغت قيمة الموجود منها نصاب الذهب أو الفضة " اهـ. وقال الشيخ ابن عثيمين في فتاوى الزكاة (49) : "المواشي التي تعلف نصف السنة كاملا ليس فيها زكاة، وذلك لأن زكاة المواشي لا تجب إلا إذا كانت سائمة، والسائمة هي التي ترعى مما أنبته الله في الأرض السنة كاملة أو أكثر السنة، وأما ما يعلف بعض السنة أو نصف السنة فإنه لا زكاة فيه، إلا إذا كانت معدة للتجارة، فهذه لها حكم زكاة العروض، وإذا كانت كذلك فإن فيها الزكاة حيث تقدر كل سنة بما تساوي، ثم يخرج ربع عشر قيمتها، أي اثنين ونصف في المائة من قيمتها" اهـ. وقال في الشرح الممتع (6/32) : "فإذا كان عند الإنسان إبل ترعى خمسة أشهر، ويعلفها سبعة أشهر فلا زكاة فيها، وإذا كانت ترعى ستة أشهر ويعلفها ستة أشهر فلا زكاة فيها، وإذا كانت ترعى كل الحول ففيها الزكاة. وإذا كانت ترعى سبعة أشهر ويعلفها خمسة ففيها الزكاة" اهـ. وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (9/214) : "تجب الزكاة في سائمة الغنم. . إذا كانت سائمة جميع الحول أو أكثره" اهـ باختصار. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49041 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2773 لا زكاة في بهيمة الأنعام إلا إذا كانت ترعى الأعشاب من غير نفقة في علفها [السُّؤَالُ] ـ[هل الأغنام التي لا ترعى بل يصرف عليها أعلاف ومصاريف شهرية هل عليها زكاة أم أن الزكاة على الأغنام التي ترعى الأعشاب والنباتات البرية دون وجود مصاريف أعلاف؟ آمل التوضيح.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذهب جمهور أهل العلم منهم الأئمة الثلاثة أبو حنيفة والشافعي وأحمد إلى أن الزكاة لا تجب في بهيمة الأنعام (الإبل والبقر والغنم) إلا إذا كانت سائمة (أي ترعى النباتات البرية، ولا يعلفها صاحبها) ، فإن كانت تُعلف فلا زكاة فيها. واستدلوا على ذلك بعدة أدلة، منها: 1- ما رواه البخاري (1454) عن أَنَس أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ لَهُ هَذَا الْكِتَابَ لَمَّا وَجَّهَهُ إِلَى الْبَحْرَيْنِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَالَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا رَسُولَهُ فَمَنْ سُئِلَهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِهَا فَلْيُعْطِهَا وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَهَا فَلا يُعْطِ. . . وَفِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ شَاةٌ. . . الحديث. فقيد الغنم بالسوم فدل على أنه لا زكاة في غير السائمة. 2- ما رواه النسائي (2444) عن بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ عن أَبِيه عَنْ جَدِّه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (فِي كُلِّ إِبِلٍ سَائِمَةٍ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ ابْنَةُ لَبُونٍ. . . الحديث) . حسنه الألباني في "إرواء الغليل" (791) . فقيد الإبل بالسائمة فدل على أنه لا زكاة في غيرها. وحكم البقر حكم الإبل والغنم. انظر الشرح الممتع (5/33) . قال النووي في "المجموع" "وَهَذَا الْمَفْهُومُ الَّذِي فِي التَّقْيِيدِ بِالسَّائِمَةِ حُجَّةٌ عِنْدَنَا , وَالسَّائِمَةُ هِيَ الَّتِي تَرْعَى وَلَيْسَتْ مَعْلُوفَةً , وَالسَّوْمُ الرَّعْيُ" اهـ. قال ابن قدامة في "المغني": وَفِي ذِكْرِ السَّائِمَةِ احْتِرَازٌ مِنْ الْمَعْلُوفَةِ، فَإِنَّهُ لا زَكَاةَ فِيهَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ اهـ. وذهب مالك إلى وجوب الزكاة في بهيمة الأنعام مطلقا سائمة وغير سائمة، واستدل على ذلك بأنه ورد في بعض الأحاديث لفظ الإبل مطلقاً ولم يقيد بالسائمة، كما في كتاب أبي بكر لأنس رضي الله عنهما: (فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الإِبِلِ فَمَا دُونَهَا في كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ) . وأجاب الجمهور عن هذا الاستدلال بأن هذا الحديث مطلق، والأحاديث الأخرى مقيدة بالسوم، والقاعدة في هذا أن يحمل المطلق على المقيد. وأيدوا هذا بقولهم: وصف النماء والتكاثر والزيادة معتبر في زكاة بهيمة الأنعام، والنماء ظاهر في السائمة فإنها لا كلفة في تربيتها، أما المعلوفة فلها كلفة في تربيتها وقد يستغرق علفها نماءها، فكان من حكمة الله تعالى ورحمته بعباده أن أسقط الزكاة فيها إلا أن تكون معدة للتجارة كمشروعات التسمين التي تشترى فيها الماشية ثم تُعلف وتباع ففيها زكاة التجارة. انظر المغني (4/12) ، الموسوعة الفقهية (23/250) . ولمعرفة كيفية حساب زكاة التجارة راجع السؤال رقم (10823) قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (32/32) : وَقَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: (فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ) مَوْضِعُ خِلافٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ لأَنَّ السَّائِمَةَ هِيَ الَّتِي تَرْعَى. فَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ الإِبِلَ الْعَوَامِلَ وَالْبَقَرَ الْعَوَامِلَ وَالْكِبَاشَ الْمَعْلُوفَةَ فِيهَا الزَّكَاةُ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَهَذَا قَوْلُ اللَّيْثِ وَلا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِهِ غَيْرَهُمَا. وَأَمَّا الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَأَبُو حَنِيفَةَ وَكَذَلِكَ الثَّوْرِيُّ والأوزاعي وَغَيْرُهُمْ: فَلا زَكَاةَ فِيهَا عِنْدَهُمْ. وَرُوِيَ هَذَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ: عَلِيٍّ وَجَابِرٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ. وَكَتَبَ بِهِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: (فِي كُلِّ سَائِمَةٍ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ) فَقَيَّدَهُ بِالسَّائِمَةِ، وَالْمُطْلَقُ يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ اهـ.. وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (9/205) : "من شرط وجوب الزكاة في الإبل والبقر والغنم أن تكون سائمة وهي الراعية" اهـ. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 40156 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2774 كيف تمثَّل الشيطان للكفار في غزوة بدر وهو مصفَّد وهي في رمضان؟ [السُّؤَالُ] ـ[من المعروف أن الشيطان كان حاضراً معركة "بدر"، وهذه الغزوة كانت في رمضان، لماذا لم يكن الشيطان مصفَّداً في ذلك الوقت؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: اشتهر في كتب التفسير والسيرة أن الشيطان كان حاضراً معركة "بدر"، وأنه تشكَّل على صورة "سراقة بن مالك"، ويُذكر ذلك في تفسير قوله تعالى: (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ) الأنفال/48. ولكن ذلك لم يثبت بإسنادٍ صحيح إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بل روي ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما، وفي إسناده نظر؛ فهو من رواية علي بن أبي طلحة عنه. فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جَاءَ إِبْلِيسُ يَوْمَ بَدْرٍ فِي جُنْدٍ مِنَ الشَّيَاطِينِ مَعَهُ رَأَيْتُهُ فِي صُورَةِ رَجُلٍ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ، فَقَالَ الشَّيْطَانُ لِلْمُشْرِكِينَ: لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ، فَلَمَّا اصْطَفَّ النَّاسُ، أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْضَةً مِنَ التُّرَابِ، فَرَمَى بِهَا فِي وُجُوهِ الْمُشْرِكِينَ، فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ. وَأَقْبَلَ جِبْرِيلُ إِلَى إِبْلِيسَ، فَلَمَّا رَآهُ، وَكَانَتْ يَدُهُ فِي يَدِ رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، انْتَزَعَ إِبْلِيسُ يَدَهُ، فَوَلَّى مُدْبِرًا هُوَ وَشِيعَتُهُ، فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا سُرَاقَةُ تَزْعُمُ أَنَّكَ لَنَا جَارٌ؟ قَالَ: (إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ) وَذَلِكَ حِينَ رَأَى الْمَلاَئِكَةَ. رواه الطبري في "تفسيره" (13/7) . وقد روى الطبراني في "المعجم الكبير" (5/47) عن رفاعة بن رافع الأنصاري نحو رواية ابن عباس، وإسناده ضعيف؛ فيه "عبد العزيز بن عمران"، وهو ضعيف، وقد ضعفه الهيثمي بسببه في "مجمع الزوائد" (6/82) . ولعله مما يقوِّي معنى ما في الأثرين: حديثٌ مرسل، رواه مالك في "الموطأ" (944) عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَرِيزٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا رُئِيَ إِبْلِيسُ يَوْمًا هُوَ فِيهِ أَصْغَرُ وَلاَ أَحْقَرُ وَلاَ أَدْحَرُ وَلاَ أَغْيَظُ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَذَلِكَ مِمَّا يَرَى مِنْ تَنْزِيلِ الرَّحْمَةِ وَالْعَفْوِ عَنِ الذُّنُوبِ، إِلاَّ مَا رَأَى يَوْمَ بَدْرٍ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَمَا رَأَى يَوْمَ بَدْرٍ؟ قَالَ: أَمَا إِنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ يَزَعُ الْمَلاَئِكَةَ. وقوله: (يزع الملائكة) أي: يرتبهم، ويسويهم، ويصفهم للحرب. فهذه القصة ـ لتعدد طرق ورودها ـ يحتمل أن تكون صحيحة مقبولة. وأما الجواب عن الإشكال الذي ذكره السائل، فمن وجوه، منها: 1. أن المتشكل بصورة " سراقة " هو شيطان من الشياطين، وأما المصفَّد فهم المردة منهم. روى النسائي (2108) عن عتبة بن فرقد رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (في رَمَضَانَ تُفْتَحُ فيه أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَتُغْلَقُ فيه أَبْوَابُ النَّارِ وَيُصَفَّدُ فِيهِ كُلُّ شَيْطَانٍ مَرِيد) وصححه الألباني في "صحيح النسائي". وروى ابن خزيمة في "صحيحه" (3/188) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا كَانَ أَوُّل لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَان صُفِّدَتْ الشَّيَاطِين مَرَدُةُ الجِنِّ) ، وبوَّب عليه الإمام ابن خزيمة بقوله: "باب ذكر البيان أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد بقوله: (وصفدت الشياطين) مردة الجن منهم، لا جميع الشياطين؛ إذ اسم الشياطين قد يقع على بعضهم ". 2. أنه لا يمكن الجزم بأن ما قاله صلى الله عليه وسلم من تصفيد الشياطين أنه كان في أول تشريع الصوم، وقد شرع صوم رمضان في السنة الأولى من الهجرة، وكانت غزوة بدر في السنة الثانية، فقد يكون ذلك بعد غزوة بدر. 3. أن تصفيد الشياطين: إنما هو في حق المؤمنين الصائمين، دون الكفار. قال أبو العباس القرطبي رحمه الله: إنما تُغلُّ عن الصائمين الصوْم الذي حوفظ على شروطه، وروعيت آدابه. "شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك" (3/137) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: والمصفَّد من الشياطين قد يؤذي، لكن هذا أقل وأضعف مما يكون فى غير رمضان، فهو بحسب كمال الصوم ونقصه، فمن كان صومه كاملاً: دفعَ الشيطانَ دفعاً لا يدفعه دفع الصوم الناقص. "مجموع الفتاوى" (25/246) . فتبين من هذا أنه لا إشكال في مجيء الشيطان للمشركين قبيل بدء القتال في غزوة بدر. وانظر لمزيد الفائدة جوابي السؤالين: (39736) و (12653) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 142577 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2775 هل يجوز للمعتكف أن يخرج من المسجد لإيقاظ أهله للسحور ثم يعود؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا خرج المعتكف من معتكفه لإيقاظ أهله للسحور وذلك لعدم وجود أحد بالمنزل، هل يعتبر ذلك مخالفاً لشروط الاعتكاف؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "من دخل في الاعتكاف فإنه لا يخرج من معتكفه أثناء اعتكافه إلا لما لابد منه؛ لقضاء حوائجه الضرورية من إتيانه بمأكل ومشرب إذا لم يوجد من يأتيه بهما، وقضاء حاجته إن لم يكن في المسجد دورات مياه، ولا بأس بخروجه وقت السحور لإيقاظ أهله لإصلاح السحور وقت السحور، وليتهيئوا لصلاة الفجر إذا لم يستطيعوا الاستيقاظ من النوم بأنفسهم، ولم يوجد من يقوم بإيقاظهم؛ لأن ذلك من التواصي على الخير وأمرهم بالمعروف، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، لكن لا يجلس في البيت بعد أن يوقظ أهله ويرجع لمعتكفه في المسجد. وبالله التوفيق، وصلى الله علي نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ عبد العزيز آل الشيخ.. الشيخ عبد الله بن غديان.. الشيخ صالح الفوزان.. الشيخ بكر أبو زيد. [الْمَصْدَرُ] "فتاوى اللجنة الدائمة. المجموعة الثانية" (9/320) الحديث: 130626 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2776 الصيام إلى غروب الشمس وليس كما يقول بعض الشيعة [السُّؤَالُ] ـ[أسأل عن موضوع الصيام والإفطار، تحدثت مع جاراتي من المذهب الشيعي، فقرؤوا آية كريمة فيها أن الصيام من الخيط الأبيض إلى الليل، وليس إلى غروب الشمس فقط. هذا ما قالوه لي، أرجو الإفادة، وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله وقت الصيام الذي أجمع عليه المسلمون، والذي استمر من عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، إلى يومنا هذا: يبدأ من طلوع الفجر الصادق، وينتهي بمغيب قرص الشمس كاملا خلف الأفق، دل على ذلك الكتاب، والسنة، وإجماع المسلمين القطعي. قال الله تعالى: (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) البقرة/187، والليل في لغة العرب يبدأ من غروب الشمس. جاء في "القاموس المحيط" (1364) : "اللَّيْلُ: من مَغْرِبِ الشمسِ إلى طُلوعِ الفَجْرِ الصادِقِ أو الشمسِ" انتهى. وجاء في "لسان العرب" (11/607) : "اللَّيْلُ: عقيب النهار، ومَبْدَؤُه من غروب الشمس" انتهى. وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: "وقوله تعالى: (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) يقتضي الإفطار عند غُرُوب الشمس حكمًا شرعيًا" انتهى. "تفسير القرآن العظيم" (1/517) . بل نبه بعض المفسرين إلى أن استعمال حرف الجر (إِلَى) في الآية يفيد التعجيل أيضا، لما تحمله دلالة هذا الحرف من انتهاء الغاية. قال العلامة الطاهر ابن عاشور رحمه الله: " (إِلَى اللَّيْلِ) غاية اختير لها (إِلَى) للدلالة على تعجيل الفطر عند غروب الشمس؛ لأن (إِلَى) لا تمتد معها الغاية، بخلاف (حتى) ، فالمراد هنا مقارنة إتمام الصيام بالليل " انتهى. "التحرير والتنوير" (2/181) . ويؤكد ذلك كله ما جاء في الصحيحين عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا، وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا، وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ) رواه البخاري (1954) ومسلم (1100) . فقرن في هذا الحديث بين إقبال الليل من جهة المشرق وسقوط قرص الشمس خلف الأفق، وهو أمر مشاهد، فإن الظلمة تبدأ في جهة الشرق بمجرد أن يغيب ضوء الشمس خلف الأفق. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "قوله: (إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا) أي: من جهة المشرق، والمراد به وجود الظلمة حسا، وذكر في هذا الحديث ثلاثة أمور؛ لأنها وإن كانت متلازمة في الأصل، لكنها قد تكون في الظاهر غير متلازمة، فقد يظن إقبال الليل من جهة المشرق ولا يكون إقباله حقيقة، بل لوجود أمر يغطي ضوء الشمس، وكذلك إدبار النهار، فمن ثَمَّ قيَدَّ بقوله: (وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ) ، إشارة إلى اشتراط تحقق الإقبال والإدبار، وأنهما بواسطة غروب الشمس لا بسبب آخر" انتهى. "فتح الباري" (4/196) . وقال النووي رحمه الله: "قال العلماء: كل واحد من هذه الثلاثة يتضمن الآخرَيْن ويلازمهما، وإنما جمع بينها؛ لأنه قد يكون في وادٍ ونحوه، بحيث لا يشاهد غروب الشمس، فيعتمد إقبال الظلام وإدبار الضياء" انتهى. "شرح مسلم" (7/209) . وروى البخاري (1955) ومسلم (1101) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ وَهُوَ صَائِمٌ، فَلَمَّا غَرَبَتْ الشَّمْسُ قَالَ لِبَعْضِ الْقَوْمِ: يَا فُلاَنُ! قُمْ فَاجْدَحْ لَنَا – أي: اخلط السويق بالماء، وحركه كي نشربه - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَوْ أَمْسَيْتَ. قَالَ: انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا. قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَلَوْ أَمْسَيْتَ. قَالَ: انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا. قَالَ: إِنَّ عَلَيْكَ نَهَارًا. قَالَ: انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا. فَنَزَلَ فَجَدَحَ لَهُمْ، فَشَرِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: إِذَا رَأَيْتُمْ اللَّيْلَ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ هَا هُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ) . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "في الحديث استحباب تعجيل الفطر، وأنه لا يجب إمساك جزء من الليل مطلقا، بل متى تحقق غروب الشمس حل الفطر" انتهى. "فتح الباري" (4/197) . ثم إن في إجماع المسلمين على الفطر وتناول الطعام فور سماع أذان المؤذن لصلاة المغرب عند مغيب الشمس، دليلاً على أن هذا هو الحق، ومن خالف ذلك فقد اتبع غير سبيل المؤمنين، وابتدع ما ليس له به برهان ولا أثارة من علم. قال النووي رحمه الله تعالى: "المغرب تُعَجَّل عقب غروب الشمس، وهذا مجمع عليه، وقد حُكِيَ عن الشيعة فيه شيء لا التفات إليه، ولا أصل له" انتهى. "شرح مسلم" (5/136) . بل جاء في كثير من كتب الشيعة ما يوافق ما أجمع عليه المسلمون في هذه المسألة. فقد روى بعضهم عن جعفر الصادق رحمه الله قوله: "إذا غابت الشمس فقد حل الإفطار ووجبت الصلاة" انتهى. "من لا يحضره الفقيه" (1/142) ، "وسائل الشيعة" (7/90) . ونقل البروجردي عن "صاحب الدعائم" قله: "روينا عن أهل البيت - صلوات الله عليهم أجمعين - بإجماع فيما علمناه من الرواة عنهم، أن دخول الليل الذي يحل الفطر للصائم هو غياب الشمس في أفق المغرب بلا حائل دونها يسترها من جبل أو حائط، ولا غير ذلك، فإن غاب القرص في الأفق فقد دخل الليل وحل الفطر" انتهى. "جامع أحاديث الشيعة" (9/165) . والحاصل: أن ما عليه بعض الشيعة الآن من تأخير صلاة المغرب، والإفطار في الصيام إلى ما بعد غروب الشمس بمدة، مخالف لما دل عليه القرآن الكريم، والسنة النبوية الصحيحة، وإجماع المسلمين. ثم هو مخالف لما نقلوه هم عن أئمتهم! والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 110407 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2777 جدته مريضة ولا تعي فهل يلزمها كفارة لعدم الصوم [السُّؤَالُ] ـ[جدتي مريضة لها تقريباً سنة ونصف، وهي لا تعي ولا تتكلم (بدون وعي) لا تطلب أكل، إلا إذا نحن أعطيناها الأكل أكلت، وأحيانا تعرف من يتحدث معها (وهو نادر) وهي لا تخبرنا بما تريده منا (لا تقول أريد الحمام الله يكرمكم) وحالتها أنها نائمة على السرير دون حراك، أبناؤها يساعدونها على الحراك، فأريد أن أستفسر بالنسبة للصيام والصلاة، هل نخرج عنها وهل علينا شيء في الفترة الماضية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من وصل إلى حد الخرف أو الهذرمة، وتغير عقله، وأصبح لا يعي، سقط عنه الصوم والصلاة، ولا كفارة عليه، لأن من شرط التكليف صحة العقل. قال صلى الله عليه وسلم: (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ) رواه أبو داود (4403) والترمذي (1423) والنسائي (3432) وابن ماجه (2041) قَالَ أَبُو دَاوُد: رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَادَ فِيهِ: (وَالْخَرِفِ) . والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود. قال في "عون المعبود": " (الْخَرِف) : مِنْ الْخَرَف: فَسَاد الْعَقْل مِنْ الْكِبَر. وَالْمُرَاد بِهِ الشَّيْخ الْكَبِير الَّذِي زَالَ عَقْله مِنْ كِبَر؛ فَإِنَّ الشَّيْخ الْكَبِير قَدْ يَعْرِض لَهُ اِخْتِلَاط عَقْل يَمْنَعهُ مِنْ التَّمْيِيز، وَيُخْرِجهُ عَنْ أَهْلِيَّة التَّكْلِيف، وَلَا يُسَمَّى جُنُونًا " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " لا يجب الصوم أداءً إلا بشروط: أولها: العقل. الثاني: البلوغ. الثالث: الإسلام. الرابع: القدرة. الخامس: الإقامة. السادس: الخلو من الحيض والنفاس بالنسبة للنساء. - الأول: العقل، وضده فقد العقل، سواءً بجنون أو خرف يعني: هرم، أو حادث أزال عقله وشعوره، فهذا ليس عليه شيء؛ لفقد العقل، وعلى هذا فالكبير الذي وصل إلى حد الهذرمة ليس عليه صيام ولا إطعام؛ لأنه لا عقل له" انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (220/4) . وأما الفترة الماضية، فإن كانت على حالتها هذه لا تعي ولا تدرك، فلا صيام عليها ولا كفارة. وإن كانت تعي وتدرك ولكن تركت الصيام لمرضها، فلها حالتان: 1- إن كانت في ذلك الوقت يرجى شفاؤها من مرضها، لكن امتد بها المرض، فلا شيء عليها، لأن الواجب عليها كان هو القضاء عند شفائها، ولم تشف. 2- وإن كانت في ذلك الوقت لا يرجى شفاؤها، فكان الواجب أن تخرج عن كل يوم كفارة، وهي طعام مسكين، نصف صاع من قوت البلد. فإذا لم تكن أخرجت فعليكم إخراجها الآن من مالها. نسأل الله تعالى لها الشفاء والعافية ولكم التوفيق والسداد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106965 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2778 لا حرج من الاستعانة بالأجهزة الحديثة لرؤية الهلال [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز اعتماد حساب المراصد الفلكية في ثبوت الشهر وخروجه؟ وهل يجوز للمسلم أن يستعمل الآلات الحديثة لرؤية الهلال؟ أم يجب أن تكون الرؤية بالعين المجردة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الطريقة الشرعية لثبوت دخول الشهر أن يتراءى الناس الهلال، وينبغي أن يكون ذلك ممن يوثق به في دينه وفي قوة نظره، فإذا رأوه وجب العمل بمقتضى هذا الرؤية؛ صوماً إن كان الهلال هلال رمضان، وإفطاراً إن كان الهلال هلال شوال. ولا يجوز اعتماد حساب المراصد الفلكية إذا لم يكن رؤية، فإن كان هناك رؤية ولو عن طريق المراصد الفلكية فإنها معتبرة، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا) . أما الحساب فإنه لا يجوز العمل به، ولا الاعتماد عليه. وأما استعمال ما يسمى (بالدربيل) وهو المنظار المقرب في رؤية الهلال فلا بأس به، ولكن ليس بواجب، لأن الظاهر من السنة أن الاعتماد على الرؤية المعتادة لا على غيرها. ولكن لو استعمل فرآه من يوثق به فإنه يعمل بهذه الرؤية. وقد كان الناس قديماً يستعملون ذلك لما كانوا يصعدون (المنائر) في ليلة الثلاثين من شعبان وليلة الثلاثين من رمضان فيتراءونه بواسطة هذا المنظار. على كل حال متى ثبتت رؤيته بأي وسيلة فإنه يجب العمل بمقتضى هذه الرؤية، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا) " انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. "فتاوى علماء البلد الحرام" (ص 192، 193) . وقد نقلنا فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في هذه المسألة في جواب السؤال رقم (1245) ومما جاء فيها: "تجوز الاستعانة بآلات الرصد في رؤية الهلال، ولا يجوز الاعتماد على العلوم الفلكية في إثبات بدء شهر رمضان المبارك أو الفطر" انتهى. وانظر: "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/99) . وبهذا يتبين أن من يزعم أن علماءنا يحرمون استعمال الآلات الحديثة في رؤية الهلال، ويوجبون أن يكون ذلك بالعين المجردة، أنه كاذب مفترٍ. نسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وأن لا يجعله ملتبساً علينا فنضل، وأن يجعلنا للمتقين إماما. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111873 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2779 هل كان إفطارنا خاطئاً فيلزم قضاء يوم الثلاثين من رمضان؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يلزمنا قضاء اليوم الثلاثين من رمضان الفائت أو كفارة؟ فقد سمعت أن إفطارنا كان خاطئا وأن رمضان في سنة - 1428 هـ - كان 30 يوماً ولم يكن 29 يوماً؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يلزمكم قضاء اليوم الثلاثين؛ لأن رمضان كان 29 يوماً، بناءً على ثبوت الهلال بالرؤية الشرعية، وقد شهد بذلك ما يقارب العشرة، كما ذكر فضيلة الشيخ صالح بن محمد اللحيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى حفظه الله. ومن كان خارج المملكة واعتمد على رؤيتها، ففطره صحيح، ولا يلزمه شيء. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 110757 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2780 المعتبر في دخول الشهر وخروجه هو الرؤية [السُّؤَالُ] ـ[يزعم أناسٌ أنهم رأوا هلال رمضان، ويزعم أهل الفلك والحساب أنه لا يمكن رؤيته في تلك الليلة، وليس الإشكال عندي بهذا فقد يخطئ الحساب ويختلف التقدير، ولكن محل الإشكال هو أن أهل الفلك والمهتمين بعلم الحساب يزعمون أنهم تراءوا الهلال تلك الليلة بما لديهم من مراصد وآلات فلم يروه. فكيف يُرى بالعين المجردة ولا يُرى بالآلات الحديثة والأجهزة المتطورة، فلو كانت المسألة بالعكس رأوه بالآلات ولم يُر بالعين لساغ الخلاف هل يصام أم لا؟ وهل يفطر الناس أم لا؟ ولكن المشكلة كيف يرونه بالأعين ولا يُرى بالآلات. في الحقيقة أريد منكم توضيحا شافيا يزيل ما عندي من القلق والاضطراب ولا أظن أني وحيد بهذا الأمر.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المعتمد في إثبات دخول شهر رمضان هو رؤية الهلال أو إكمال شعبان ثلاثين يوما في حال عدم رؤيته، وهذا ما دلت عليه السنة الصحيحة، وأجمع عليه أهل العلم، فقد روى البخاري (1909) ومسلم (1081) عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ) وفي رواية (فإن غمِّي عليكم) . ولا عبرة بالحساب الفلكي، والأصل في الرؤية أن تكون بالعين المجردة، لكن لو رؤي الهلال بالآلات الحديثة فإنه يعمل بهذه الرؤية، كما سبق في جواب السؤال رقم 106489. وأما كيف يرى الهلال بالعين المجردة ولا يرى بالمراصد والآلات؟ فهذا قد يرجع إلى اختلاف مكان الرؤية ووقتها. وبكل حال فالحكم معلق على رؤية الهلال، فما دام قد رآه ثقة أو ثقتان من المسلمين فالواجب العمل بهذه الرؤية. قال الشيخ صالح بن محمد اللحيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى حفظه الله: " وهناك الأخ عبد الله الخضيري أحد المشتهرين برصد الهلال وترصد كثيراً من حالاته ولو في غير وقت الهلال وذهب إليه بعض الفلكيين واجتمعوا به في "منطقة حوطة سدير" وقد أخبرني بأنهم قدروا خروج القمر في تلك الليلة في موضع بناء على حسابهم وتقديرهم على لوحات الأجهزة فأخبرهم أنه لن يخرج من المكان الذي يقولون لأنه رصده قبلهم البارحة وكان يعرف منازل القمر مشرقة كل ليلة تمر بعد التي سبقتها ثم لما خرج وبزغ فإنه وفقاً لما حدده هو وليس ما حددوه وهو يعذرهم لأنهم لم يحددوه بالمشاهدة، بل بالأجهزة التي بين أيديهم " انتهى من لقاء أجرته معه جريدة الرياض. http://www.alriyadh.com/2007/10/12/article286271_s.html والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 110350 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2781 إذا صام مع بلد تعمل بالحساب فهل يفطر معها؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا طالب أدرس في ولاية كارنتكا في الهند وحال المسلمون هنا مختلفون في بداية ونهاية رمضان، فالولاية هنا تحدد بداية رمضان من بداية العام وهذا يعني أنهم لا يعتمدون على القمر مما دعا بعض المسلمين وأكثرهم العرب إلى التخلي عنهم والبداية مع السعودية، فهل هذا صحيح؟ وماذا يفعل الآن من صام معهم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان المسلم موجوداً في بلد يعتبر الرؤية الشرعية لإثبات دخول الشهر وخروجه، فإنه مأمور بموافقتهم في الصيام والإفطار، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (12660) . أما إذا كان المسلم في بلد كافر، أو في بلد يتلاعبون بدخول الشهر وخروجه حسب أهوائهم، غير مراعين في ذلك الرؤية الشرعية، فإنه يتبع أقرب البلاد إليه، ممن يتحرون رؤية الهلال، وإن صام مع بلد يثق في رؤيتها كبلاد الحرمين فلا بأس. وبناء على ذلك؛ فإذا كانت الهند قد صامت بعد الدول التي تتحرى الهلال بيوم مثلا، فيقال لمن صام معهم: لا تفطر مع الهند وأفطر مع الدولة التي ترى الهلال، واقض يوما مكان اليوم الأول من رمضان. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 107943 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2782 سائل يعلق على جواب سابق في الصوم، وحديث ابن عباس في رؤية الهلال بشاهد واحد [السُّؤَالُ] ـ[في جوابكم على السؤال رقم (26824) ذكرتم جواز الأخذ برأي الثقة في رؤية الهلال، ولكن هذا يتعارض مع الحديث الذي جاء فيه بدوي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وأخبره برؤية الهلال، عندها سأله الرسول هل تؤمن بأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؟ فلمَّا أجاب بالإيجاب، سأله هل تشهد أنك رأيت الهلال؟ فمن هذا الحديث الدليل على جواز قبول رؤية الهلال من أي مسلم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحديث الذي أشار إليه السائل هو: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ إِنِّي رَأَيْتُ الْهِلاَلَ - قَالَ الْحَسَنُ فِي حَدِيثِهِ: يَعْنِى: رَمَضَانَ - فَقَالَ: (أَتَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ؟) ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: (أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ؟) ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: (يَا بِلاَلُ أَذِّنْ فِي النَّاسِ فَلْيَصُومُوا غَداً) . رواه الترمذي (691) وأبو داود (2340) والنسائي (2112) وابن ماجه (1652) . والحديث: ضعيف، لا يصح، وقد ضعفه النسائي والألباني وغيرهما. وإذا كان الحديث ضعيفاً، فلا تعارض بينه وبين ما ذكرناه أنه لا بدَّ أن يكون الرائي للهلال عدلاً. وعلى فرض صحة الحديث: فإن معناه يحمل على وجوه، منها: 1. أن الأمر في قبول شهادة الرائي للهلال، وكونه ثقة، عدلاً: يرجع للقاضي، وأنه إن استقر في نفسه بسبب خبرته بالناس أن هذا الرائي موثوق بشهادته: فإن له قبول تلك الشهادة منه، وإن لم يكن يعرفه أحد ليزكيه ويوثقه. قال الشيخ الألباني رحمه الله: إذاً: أمر بلالاً بأن يؤذن، أي: يعلن في الناس أن يصوموا غداً، فقنع الرسول عليه السلام من هذا الرجل الذي لا يعرفه بأن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، بمعنى: أنه عرف أنه مسلم، لكنه ما جرَّبه، ولا عرف ذكاءه، وفطنته، وكياسته، كما كان الأمر بالنسبة للحديث الأول الذي فيه أن الشاهد كان عبد الله بن عمر بن الخطاب، ومع ذلك قبِل شهادته، فهذا فيه تيسير واسع، ومعنى هذا أن القاضي يقنع بظاهر الشاهد دون أن يأتي بمزكين يعرِّفونه كما جرى على ذلك عرف القضاة قديماً، يكتفي منه بأن يعرف إسلامه، هذا أعرابي ما يعرفه سابقاً عليه الصلاة والسلام، فاكتفى أن يشهد أمامه بالشهادتين، فهو مسلم، له ما لنا، وعليه ما علينا، وبناءً على شهادته وإسلامه قال: يا بلال، أذن في الناس أن يصوموا غداً. " التعليق على كتاب بلوغ المرام " دروس صوتية، الحديث رقم 5، كتاب الصيام. 2. أن يكون هذا الحديث دليلاً على أن الأصل في المسلم العدالة، حتى يتبين خلاف ذلك. قال الصنعاني رحمه الله في فوائد حديث ابن عباس: فيه دلالة على أن الأصل في المسلمين العدالة، إذ لم يطلب صلى الله عليه وسلم من الأعرابي إلا الشهادة. " سبل السلام الصنعاني " (2 / 153) . 3. أن يكون هذا الحكم خاصّاً بالصحابة، وهو كذلك؛ لأنهم جميعاً عدول، ومما لا شك فيه أن ذاك الأعرابي قد انتظم في عقد الصحابة رضي الله عنهم، وهو بذلك صار من العدول، والذين لا يُحتاج النظر في عدالتهم. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: والصحابة كلهم ثقات ذوو عدل، تقبل رواية الواحد منهم، وإن كان مجهولاً، ولذلك قالوا: جهالة الصحابي لا تضر. والدليل على ما وصفناه من حال الصحابة: أن الله أثنى عليهم ورسوله، في عدة نصوص، وأن النبي صلّى الله عليه وسلّم يقبل قول الواحد منهم إذا علم إسلامه، ولا يسأل عن حاله، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء أعرابي إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: إني رأيت الهلال: يعني رمضان ... . انتهى " مصطلح الحديث " من موقعه رحمه الله. وهناك أمر يقوِّي ما سبق، وهو كون تلك الشهادة في زمن الوحي، ولا يمكن أن يُقرَّ ذلك الأعرابي على شهادة باطلة تتعلق بطاعة المسلمين وعبادتهم. وبما أن الحديث ضعيف: فقد أغنانا الله تعالى عن تأويله، والحمد لله رب العالمين. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 107482 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2783 سافر أثناء رمضان إلى بلد اختلف مع بلده في بداية الشهر [السُّؤَالُ] ـ[إذا بدأت الصيام في بلدي ثم سافرت أثناء رمضان إلى بلد آخر صاموا بعدنا بيوم، فهل أواصل الصوم مع المسلمين هناك وبذلك أصوم اليوم الحادي والثلاثين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "العبرة في ابتداء الصيام في البلد التي سافر منها، وفي نهايته في البلد التي قدم إليها، وإذا كان مجموع ما صامه ثمانية وعشرين يوماً وجب عليه قضاء يوم؛ لأن الشهر القمري لا يكون أقل من 29 يوماً، وإن كان قد أتم صيام ثلاثين يوماً في البلد الذي سافر إليه وبقى على أهل البلد صيام يوم مثلاً وجب عليه أن يصوم معهم حتى يفطر بفطرهم يوم العيد، ويصلي معهم يوم العيد. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (10/129) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106482 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2784 هل يصوم مع بلده أو مع أي بلد رأى الهلال؟ [السُّؤَالُ] ـ[ماذا أفعل لو رؤي الهلال في بعض الدول الإسلامية، ولكن الدولة التي أعمل بها أتمت شهر شعبان ورمضان ثلاثين يوماً؟ وما السبب في اختلاف الناس في رمضان؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "عليك أن تبقى مع أهل بلدك، فإن صاموا فصم معهم، وإن أفطروا فأفطر معهم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الصوم يوم تصومون، والإفطار يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون) ، ولأن الخلاف شر، فالواجب عليك أن تكون مع أهل بلدك، فإذا أفطر المسلمون في بلدك فأفطر معهم، وإذا صاموا فصم معهم. أما السبب في الاختلاف فهو أن البعض يرى الهلال، والبعض لا يرى الهلال، ثم الذين يرون الهلال قد يثق بهم الآخرون ويطمئنون إليهم ويعملون برؤيتهم، وقد لا يثقون بهم ولا يعملون برؤيتهم، فلهذا وقع الخلاف، وقد تراه دولة وتحكم به وتصوم لذلك أو تفطر، والدولة الأخرى لا تقتنع بهذه الرؤية ولا تثق بالدولة؛ لأسباب كثيرة، سياسية وغيرها. فالواجب على المسلمين أن يصوموا جميعاً إذا رأوا الهلال، ويفطروا برؤيته، لعموم قوله عليه الصلاة والسلام: (إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتم الهلال فأفطروا، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين) ، فإذا اطمأن الجميع إلى صحة الرؤية وأنها حقيقية ثابتة فالواجب الصوم بها والإفطار بها، لكن إذا اختلف الناس في الواقع ولم يثق بعضهم ببعض، فإن عليك أن تصوم مع المسلمين في بلدك، وعليك أن تفطر معهم، عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: (الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون) . وثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أن كريباً لما أخبره أن أهل الشام قد صاموا يوم الجمعة قال ابن عباس: نحن رأيناه يوم السبت، فلا نزال نصوم حتى نرى الهلال، أو نكمل ثلاثين، ولم يعمل برؤية أهل الشام لبعد الشام عن المدينة، واختلاف المطالع بينهما، ورأى رضي الله عنهما أن هذا محل اجتهاد، فلك أسوة بابن عباس ومن قال بقوله من العلماء في الصوم مع أهل بلدك والفطر معهم، والله ولي التوفيق" انتهى. فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله. "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" (15/100- 102) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106487 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2785 لا حرج من رؤية الهلال بالآلات الحديثة [السُّؤَالُ] ـ[هل لابد في رؤية الهلال أن تكون بالعين المجردة، أم يمكن أن نستعمل المنظار والآلات الحديثة والمراصد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "ظاهر الأدلة الشرعية عدم تكليف الناس بالتماس الهلال بهذه الآلات بل تكفي رؤية العين. ولكن من طالع الهلال بها وجزم بأنه رآه بواسطتها بعد غروب الشمس وهو مسلم عدل فلا أعلم مانعاً من العمل برؤيته الهلال، لأنها من رؤية العين لا من الحساب" انتهى. فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله. "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" (15/68، 69) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106489 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2786 كل إنسان يقيم في بلد يلزمه الصوم والإفطار مع أهلها [السُّؤَالُ] ـ[نحن من بلاد الحرمين الشريفين، ونعمل في السفارة في إحدى الدول الآسيوية المسلمة (باكستان) ، هل نصوم ونفطر مع المملكة أم مع الدولة التي نقيم بها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الظاهر من الأدلة الشرعية هو أن كل إنسان يقيم في بلد يلزمه الصوم مع أهلها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم (الصوم يوم تصومون، والإفطار يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون) ، ولما علم من الشريعة من الأمر بالاجتماع، والتحذير من الفرقة والاختلاف؛ ولأن المطالع تختلف باتفاق أهل المعرفة كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وبناء على ذلك فالذي يصوم من موظفي السفارة في الباكستان مع الباكستانيين أقرب إلى إصابة الحق ممن يصومه مع السعودية؛ لتباعد ما بين البلدين ولاختلاف المطالع فيها، ولا شك أن صوم المسلمين جميعاً برؤية الهلال أو إكمال العدة في أي بلد من بلادهم هو الموافق لظاهر الأدلة الشرعية، ولكن إذا لم يتيسر ذلك فالأقرب هو ما ذكرنا آنفاً، والله سبحانه ولي التوفيق" انتهى. فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله. "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" (15/98، 99) . وسئل الشيخ ابن باز أيضاً: أن الرؤية في الباكستان لهلال رمضان وشوال قد تتأخر بعد السعودية يومين فهل يصومون مع السعودية أو الباكستان؟ فأجاب: "الذي يظهر لنا من حكم الشرع المطهر أن الواجب عليكم الصوم مع المسلمين لديكم؛ لأمرين: أحدهما: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الصوم يوم تصومون، والإفطار يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون) خرجه أبو داود وغيره بإسناد حسن، فأنت وإخوانك مدة وجودكم في الباكستان ينبغي أن يكون صومكم معهم حين يصومون، وإفطاركم معهم حين يفطرون؛ لأنكم داخلون في هذا الخطاب، ولأن الرؤية تختلف بحسب اختلاف المطالع. وقد ذهب جمع من أهل العلم منهم ابن عباس رضي الله عنهما إلى أن لأهل كل بلد رؤيتهم. الأمر الثاني: أن في مخالفتكم المسلمين لديكم في الصوم والإفطار تشويشاً ودعوة للتساؤل والاستنكار وإثارة للنزاع والخصام، والشريعة الإسلامية الكاملة جاءت بالحث على الاتفاق والوئام والتعاون على البر والتقوى وترك النزاع والخلاف؛ ولهذا قال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) آل عمران/103. وقال النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً وأبا موسى رضي الله عنهما إلى اليمن: (بشرا ولا تنفرا وتطاوعا ولا تختلفا) " انتهى. "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" (15/103، 104) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106491 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2787 على المسلمين التعاون بترائي الهلال وإبلاغ الجهات المسؤولة عن رؤيته [السُّؤَالُ] ـ[ماذا على الإنسان لو رأى هلال رمضان أو ذي الحجة، ولم يبلغ الجهة المختصة بذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الواجب على من رأى الهلال ليلة الثلاثين من شعبان أو ليلة الثلاثين من رمضان، أو ليلة الثلاثين من شوال، أو ليلة الثلاثين من ذي القعدة أن يبلغ المحكمة التي في بلده، إلا أن يعلم أن الهلال ثبت برؤية غيره، عملا بقول الله سبحانه وتعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) المائدة/2، وقوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا) التغابن /16، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ) رواه مسلم (1839) ، وقوله صلى الله عليه وسلم: (أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ تأمر عليكم عَبْدٌ) ، ومعلوم أن ولي الأمر يطلب من خلال مجلس القضاء الأعلى من المسلمين أن على من رأى الهلال أن يبلغ المحاكم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته) يعني الهلال (وأفطروا لرؤيته، وانسكوا لها، فإن غم عليكم فأكملوا العدة) ، ولا سبيل إلى العمل بهذه الأحاديث إلا بتوفيق الله، ثم بالتعاون بين المسلمين بترائي الهلال، وإبلاغ الجهات المسؤولة ممن رآه، ويجب على من رآه أن يبلغ الجهات الرسمية في الدخول والخروج، وبذلك يحصل الامتثال للأوامر الشرعية، والتعاون على البر والتقوى، والله ولي التوفيق" انتهى بتصرف. فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله. "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" (15/70- 72) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106492 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2788 حكم صوم وفطر من ردت شهادته أو لم يتمكن من إخبار المسئولين [السُّؤَالُ] ـ[إذا رأى الشخص الهلال ولم يتمكن من إخبار المسئولين أو ردت شهادته، فهل يصوم وحده؟ وكذلك بالنسبة للعيد هل يفطر وحده؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "ذهب بعض أهل العلم إلى أنه يصوم وحده، والصواب أنه لا يجوز له أن يصوم وحده، ولا أن يفطر وحده، بل عليه أن يصوم مع الناس ويفطر معهم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الصَّوْمُ يَوْمَ تَصُومُونَ، وَالْفِطْرُ يَوْمَ تُفْطِرُونَ) ، أما إذا كان في البرية ما عنده أحد فإنه يعمل برؤيته في الصوم والفطر" انتهى. فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله. "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" (15/72، 73) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106493 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2789 اجتماع المسلمين في الصوم والفطر مطلب شرعي وبيان كيفية تحقيق ذلك [السُّؤَالُ] ـ[لماذا لا يتحد المسلمون في دخول شهر رمضان وخروجه؟ وكيف يمكن تحقيق ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا شك أن اجتماع المسلمين في الصوم والفطر أمر طيب ومحبوب للنفوس ومطلوب شرعاً حيث أمكن، ولكن لا سبيل إلى ذلك إلا بأمرين: أحدهما: أن يلغي جميع علماء المسلمين الاعتماد على الحساب كما ألغاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وألغاه سلف الأمة، وأن يعملوا بالرؤية أو بإكمال العدة كما بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى (25/132، 133) اتفاق العلماء على أنه لا يجوز الاعتماد على الحساب في إثبات الصوم والفطر ونحوهما. ونقل الحافظ في الفتح (4/127) عن الباجي: (إجماع السلف على عدم الاعتداد بالحساب، وأن إجماعهم حجة على من بعدهم) . الأمر الثاني: أن يلتزموا بالاعتماد على إثبات الرؤية في أي دولة إسلامية تعمل بشرع الله وتلتزم بأحكامه، فمتى ثبت عندها رؤية الهلال بالبينة الشرعية دخولاً أو خروجاً تبعوها في ذلك، عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته، وافطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا العدة) . وقوله صلى الله عليه وسلم: (إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا) وأشار بيده ثلاث مرات وعقد إبهامه في الثالثة (والشهر هكذا وهكذا وهكذا) وأشار بأصابعه كلها، يعني بذلك عليه الصلاة والسلام أن الشهر يكون تسعة وعشرين ويكون ثلاثين. والأحاديث في هذا المعنى كثيرة من حديث ابن عمر وأبي هريرة وحذيفة بن اليمان وغيرهم رضي الله عنهم، ومعلوم أن خطاب النبي صلى الله عليه وسلم ليس خاصاً بأهل المدينة، بل هو خطاب للأمة جمعاء في جميع أعصارها وأمصارها إلى يوم القيامة، فمتى توفر هذان الأمران أمكن أن تجتمع الدول الإسلامية على الصوم جميعاً والفطر جميعاً، فنسأل الله أن يوفقهم لذلك، وأن يعينهم على تحكيم الشريعة الإسلامية ورفض ما خالفها، ولا ريب أن ذلك واجب عليهم؛ لقوله سبحانه: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) النساء/65، وما جاء في معناها من الآيات، ولا ريب أيضاً أن في تحكيمها في جميع شئونهم صلاحهم، ونجاتهم واجتماع شملهم، ونصرهم على عدوهم، وفوزهم بالسعادة العاجلة والآجلة، فنسأل الله أن يشرح صدورهم لذلك، ويعينهم عليه، إنه سميع قريب" انتهى. فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله. "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" (15/74- 76) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106498 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2790 معنى آية (والقمر قدّرناه منازل..) [السُّؤَالُ] ـ[إنني أميل إلى الإسلام، ومنذ عام 1994م بدأت أقرأ القرآن وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم من وقت مبكر من هذه السنة، ولقد وجدت إشباعاً روحياً عظيماً في الإسلام. سوف أتلقى دروساً لأنني أخطط لاعتناق الإسلام. أنا لست متأكدة من معنى آية في سورة ياسين وآمل أن تستطيع مساعدتي (الآية رقم 39) وهي قوله تعالى: (والقمر قدرناه منازل … الآية) إنني ممتنة لمساعدتك، وأدعو الله أن يهديك ويحفظك ويبارك لمساعدتك التي تمنحها لناس كثير في أنحاء العالم عن طريق أجوبتك.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: أريد أن أهنئك أيتها السائلة على القناعة التي وصلت إليها بصحة دين الإسلام وأنّه الدّين الوحيد الذي يلبي حاجات النفس ويجلب لها الطمأنينة والسعادة ويبدو من ألفاظ سؤالك التأثّر الواضح بما قرأتيه عن الإسلام حتى لو أنّك لم تخبرينا بأنّك هندوسية لما ظنّنا إلا أنك مسلمة من خلال الأسلوب المستخدم في السؤال. وأهمّ ما أريد أن أقدّمه لك من النّصيحة هنا هو المسارعة بالدخول في الإسلام وأن يكون ذلك عاجلا غير آجل وإذا كان الشّخص قد تبينت له كلّ هذه الحقائق فلماذا يتأخّر عن الدخول في الإسلام؟ وهناك أمر آخر يحسن التنبيه عليه وهو أنّ بعض الذين يريدون الدّخول في الإسلام يؤخّرون دخولهم فيه حتى يتعلموا قدرا من هذا الدّين ككيفية الصلاة ونحو ذلك لظنّهم ربّما أنّه لا يصلح الدّخول في الدّين إلا بعد قطع شوط في تعلّمه وهذا أمر غير صحيح فإنّه متى تبيّن للإنسان الحقّ وجب عليه أن يتّبعه ويدخل في الإسلام فورا ثمّ يتعلّم الكتاب والسنّة ويتفقّه في الدّين ويتدرّج في سلّم العلم والعمل بحسب قدرته واستطاعته، لأنّ الإنسان لا يدري متى توافيه المنيّة، فإذا لقي الله بغير الإسلام كان من الهالكين، ثمّ إنّ الإنسان لا يُؤجر ولا تُكتب له الحسنات إلا بعد الدّخول في الدّين فيفوته خير كثير نافع إذا أخّر إسلامه، والوقت المنصرم من العُمُر لا يُمكن أن يعود. هذا ونعود إلى سؤالك - أيتها السائلة العاقلة الموفّقة إلى الحقّ بإذن الله - بشأن معنى الآية التاسعة والثلاثين من سورة يس. في هذه الآية يقول جلّ وعلا: " والقمر قدرناه منازل" أي جعلناه يسير سيرا آخر يستدل به على مضي الشهور كما أن الشمس يعرف بها الليل والنهار كما قال عز وجل "يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج". وقال تعالى: "هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب" الآية.. فجعل الشمس لها ضوء يخصها والقمر له نور يخصه وفاوت بين سير هذه وهذا فالشمس تطلع كل يوم وتغرب في آخره على ضوء واحد ولكن تنتقل في مطالعها ومغاربها صيفا وشتاء يطول بسبب ذلك النهار ويقصر الليل ثم يطول الليل ويقصر النهار وجعل سلطانها بالنهار فهي كوكب نهاري وأما القمر فقدّره منازل يطلع في أول ليلة من الشهر القمري ضئيلا قليل النور ثم يزداد نورا في الليلة الثانية ويرتفع منزلة ثم كلما ارتفع ازداد ضياء وإن كان مقتبسا من الشمس حتى يتكامل نوره في الليلة الرابعة عشرة ثم يَشرع في النقص إلى آخر الشهر حتى يصير كالعرجون القديم. قال ابن عباس رضي الله عنهما وهو أصل العذق. وقال مجاهد العرجون القديم أي العذق اليابس يعني ابن عباس رضي الله عنهما أصل العنقود من الرطب إذا عتق ويبس وانحنى ". (المرجع تفسير ابن كثير) . وهذا التشبيه في الآية للقمر في آخر الشهر بالعرجون هو قمّة البلاغة والجمال في التعبير، والحسن البالغ في انتقاء المشبّه به من البيئة المحيطة للمقارنة بالمشبّه. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 1084 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2791 هل تقبل شهادة المرأة في رؤية هلال رمضان؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل تقبل شهادة النساء في رؤية هلال رمضان؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف الفقهاء في قبول شهادة المرأة في رؤية هلال رمضان على قولين: الأول: قبول شهادتها، وهو مذهب الحنفية – إذا كان الجو غيما- والحنابلة وأحد الوجهين عند الشافعية. والقول الثاني: أنها لا تقبل، وهو مذهب المالكية، والأصح عند الشافعية. قال ابن قدامة في "المغني" (3/48) : " فإن كان المخبر امرأة، فقياس المذهب قبول قولها. وهو قول أبي حنيفة، وأحد الوجهين لأصحاب الشافعي؛ لأنه خبر ديني. فأشبه الرواية، والخبر عن القبلة، ودخول وقت الصلاة. ويحتمل أن لا تقبل؛ لأنه شهادة برؤية الهلال، فلم يقبل فيه قول امرأة، كهلال شوال " انتهى. وينظر: "تبيين الحقائق" (1/319) ، "التاج والإكليل" (3/278) "المجموع" (6/286) ، "كشاف القناع " (2/304) . والحنفية فرقوا بين حال الغيم والصحو، ففي الغيم يجزئ شهادة رجلين أو رجل وامرأتين، وفي الصحو لابد من الاستفاضة. انظر: "البحر الرائق" (2/290) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " بعض العلماء قالوا: إن الأنثى لا تقبل شهادتها لا في رمضان ولا في غيره؛ لأن الذي رأى الهلال في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا) والمرأة شاهدة وليست شاهدا. ودليل المذهب: أن هذا خبر ديني يستوي فيه الذكور والإناث، كما استوى الذكور والإناث في الرواية، والرواية خبر ديني. ولهذا لم يشترطوا لرؤية هلال رمضان ثبوت ذلك عند الحاكم، ولا لفظ الشهادة، بل قالوا: لو سمع شخصا ثقة يحدث الناس في مجلسه بأنه رأى الهلال فإنه يلزمه أن يصوم بخبره " انتهى من "الشرح الممتع" (6/326) . وأما هلال شوال، فلا يثبت إلا بشاهدين رجلين. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98154 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2792 لا يجوز مخالفة أهل البلد في الصيام والعيد [السُّؤَالُ] ـ[يوجد في بلدتنا مجموعة من الإخوة الملتزمين ولكن يخالفوننا في بعض الأمور، منها مثلاً صيام رمضان فإنهم لا يصومون حتى يروا الهلال بالعين المجردة، وبعض الأوقات نصوم قبلهم بيوم أو اثنين في شهر رمضان، ويفطرون بعد عيد الفطر بيوم أو يومين وكل ما نسألهم عن صيام يوم العيد يقولون نحن لانفطر ولا نصوم حتى نرى الهلال بالعين المجردة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» ، ولكن لا يعترفون بثبوت الرؤية بالأجهزة كما تعلمون، علماً أنهم يخالفوننا صلاة العيدين في وقتهم، ولا يصلون إلا بعد العيد على حسب رؤيتهم،وهكذا في عيد الأضحى يخالفوننا في ذبح أضحية العيد وفي وقفة عرفات، ويُعيدون بعد عيد الأضحى بيومين أي لا ينحرون الأضحية إلا بعدما ينحر المسلمون كلهم، فهل ما يفعلونه صحيح وجزاكم الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب عليهم أن يصوموا مع الناس ويفطروا مع الناس ويصلوا العيدين مع المسلمين في بلادهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة» متفق عليه، والمراد الأمر بالصوم والفطر إذا ثبتت الرؤية بالعين المجردة أو بالوسائل التي تعين العين على الرؤية لقوله صلى الله عليه وسلم: " الصوم يوم تصومون والإفطار يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون " أخرجه أبو داوود (2324) والترمذي (697) ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي (561) وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 10/94 الحديث: 12660 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2793 كلام شيخ الإسلام أن الهلال اسم لما استهل ورآه الناس [السُّؤَالُ] ـ[يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأصل المسألة أن الله سبحانه وتعالى علق أحكاما شرعية بمسمي الهلال والشهر ...... لكن الذي تنازع فيه الناس أن الهلال هل هو اسم لما يظهر في السماء؟ وإن لم يعلم الناس به؟ وبه يدخل الشهر، أو الهلال اسم لما يستهل به الناس والشهر لما اشتهر بينهم؟ علي قولين " وقد مال شيخ الإسلام للقول الثاني بأن الهلال هو استهلال الناس، وعلي أساسه أيضا مال إلي أن من رأى الهلال وحده لا يصوم إلا مع الناس، لأن الهلال يوم استهلال الناس، وهذا ما اطمأن إليه قلبي أن الصوم يوم يصوم الناس، لكن هناك إشكال عندي فيما اختاره عن مدلول الهلال والشهر، فما دليل من قال بذلك؟ وكيف والرسول صلي الله عليه وسلم يقول: (إذا رأيتموه) ؟ وعلى هذا يسقط عندي أن الهلال هو استهلال الناس ويثبت أن الهلال هو هلال القمر في السماء، فهل يلزم من ذلك سقوط الحكم المبني عليه في صيام من رأى الهلال وحده وأن الصوم يوم يصوم الناس؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: قول شيخ الإسلام رحمه الله: إن الهلال اسم لما استهل بين الناس، والشهر هو ما اشتهر بينهم، بناه على جملة من الأدلة، وهي: الأول: أن الله سبحانه وتعالى علق أحكاما شرعية بمسمى الهلال , والشهر: كالصوم والفطر والنحر , فقال تعالى: (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج) . فبين سبحانه أن الأهلة مواقيت للناس والحج. وقال تعالى: (كتب عليكم الصيام) - إلى قوله – (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس) . والهلال مأخوذ من الاستهلال وهو رفع الصوت، والشهر مأخوذ من الاشتهار. فما لم يستهل الناس به، ولم يشتهر بينهم، فلا يكون هلالاً ولا شهراً. الثاني: القياس على رؤية هلال ذي الحجة، قال الشيخ: "ما علمت أن أحدا قال: من رآه يقف وحده , دون سائر الحاج , وأنه ينحر , ويرمي جمرة العقبة , ويتحلل دون سائر الحاج". فأي فرق بين هلال رمضان وهلال ذي الحجة؟ لماذا يعمل برؤية نفسه ويخالف الجماعة في رمضان، ولا يعمل برؤية نفسه في هلال ذي الحجة! الثالث: حديث: (الصوم يوم تصومون , والفطر يوم تفطرون , والأضحى يوم تضحون) . رواه الترمذي (697) وصححه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (244) . ومعنى الحديث: أن الصوم والفطر والأضحى تكون مع جماعة المسلمين، لا يتفرد أحد منهم بشيء من ذلك، ولذلك قال الإمام أحمد في رواية عنه: يصوم مع الإمام وجماعة المسلمين، يد الله مع الجماعة. وهذه الأدلة تدل دلالة قوية على ما اختاره الشيخ رحمه الله. وانظر: "مجموع فتاوى ابن تيمية" (25/109- 118) . ثانياً: لا شك أن هذه المسألة من المسائل الاجتهادية، التي اختلف فيها العلماء، والمطلوب من المسلم القادر على تحقيق المسائل ومعرفة الراجح منها بالأدلة الشرعية، أن يعمل بما ترجح عنده، كما قال بعض السلف: قد أحسن من انتهى ما قد سمع. فإذا لم يطمئن قلبك إلى ما سبق من الأدلة، ورأيت أن قول من قال بوجوب الصيام على من انفرد برؤية هلال رمضان أقرب إلى الصواب، فإنه يلزمك العمل بما ترجح عندك. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا تيقن شخص من دخول الشهر برؤية الهلال ولم يستطع إبلاغ المحكمة فهل يجب عليه الصيام؟ فأجاب: " اختلف العلماء في هذا، فمنهم من يقول: إنه لا يلزمه، وذلك بناء على أن الهلال هو ما استهل واشتهر بين الناس. ومنهم من يقول: إنه يلزمه؛ لأن الهلال هو ما رؤي بعد غروب الشمس، سواء اشتهر بين الناس أم لم يشتهر. والذي يظهر لي أن من رآه وتيقن رؤيته وهو في مكان ناءٍ لم يشاركه أحد في الرؤية، أو لم يشاركه أحد في الترائي، فإنه يلزمه الصوم، لعموم قوله تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) وقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتموه فصوموا) ولكن إن كان في البلد وشهد به عند المحكمة، وردت شهادته فإنه في هذا الحال يصوم سرا، لئلا يعلن مخالفة الناس " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (19/74) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93528 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2794 صاموا ثم رجعوا إلى بلادهم ولم يدخل فيها شهر رمضان بعد [السُّؤَالُ] ـ[ي يتعلق بوجوب الصيام مع الاختلاف في رؤية الهلال بين بلدين، فقد غادرنا الأراضي السعودية بعد ثبوت دخول شهر رمضان، ودخلنا الأراضي الأردنية - حيث نقيم - بعد ظهر ذلك اليوم، ولم يكن قد ثبت دخول الشهر في الأردن، مجموعة كبيرة من المسافرين لم تصم ذلك اليوم، وذلك لعدم معرفتهم بالحكم الشرعي في ذلك، فما الحكم؟؟ هل يقضون صيام هذا اليوم؟ والذين صاموا في ذلك اليوم من المسافرين فهل صيامهم صحيح ويكملون صيام الشهر مع الأردن حتى وإن بلغ عدد أيام صيامهم 31 يوما؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: سبق في جواب السؤال رقم (50487) أن مطالع الأهلة تختلف، ومع اختلافها فلكل بلد رؤيته، ولا يلزم الصوم برؤية الهلال في البلد الآخر. ثانيا: الذي يظهر– والله أعلم – أن من دخل عليه شهر رمضان في بلد فإنه يلزمه الصوم مع أهل ذلك البلد، حتى لو انتقل في ذلك اليوم إلى بلد آخر لم يعلن فيه عن دخول الشهر بعدُ، وذلك لأن صوم ذلك اليوم قد وجب عليه بدخول شهر رمضان عليه في البلد الأول، لقول الله تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) البقرة/185. وهذا قد شهد الشهر فيلزمه الصيام. ثالثا: أما بالنسبة لأمر اعتبار عدد أيام الشهر، والخلاف في هل يكمل رمضان على حساب البلد الأول، أم على حساب البلد الذي انتقل إليه؟ فالقاعدة التي يذكرها كثير من الفقهاء في هذا الباب هو أن للمنتقِل حكمَ البلد المنتقَلِ إليه، كما في "المجموع" للنووي (6/274) ، فإذا أتم أهل البلد الثاني الصيام ثلاثين يوما صام معهم – ولو كان بالنسبة له هو اليوم الحادي والثلاثين – أما إن صاموا تسعة وعشرين يوما فلا إشكال حينئذ، فإنه يكون قد أتم بذلك ثلاثين يوما، والشهر يكون تسعة وعشرين ويكون ثلاثين. قال النووي رحمه الله تعالى في "المجموع" (6/274) : " لو شرع في الصوم في بلد ثم سافر إلي بلد بعيد لم يروا فيه الهلال حين رآه أهل البلد الأول فاستكمل ثلاثين من حين صام (فإن قلنا) لكل بلد حكم نفسه فوجهان (أصحهما) يلزمه الصوم معهم لأنه صار منهم. ولو رأى الهلال في بلد، وأصبح معيدا معهم فسارت به سفينة إلى بلد في حد البُعد فصادف أهلها صائمين؟ قال الشيخ أبو محمد: يلزمه إمساك بقية يومه إذا قلنا لكل بلد حكم نفسه " انتهى. وجاء في "تحفة المحتاج" (3/383) لابن حجر الهيتمي رحمه الله قال: " وإذا لم نوجب الصوم على أهل البلد الآخر لاختلاف مطالعهما، فسافر إليه من بلد الرؤية إنسان، فالأصح أنه يوافقهم في الصوم آخرا وإن أتم ثلاثين؛ لأنه بالانتقال إليه صار مثلهم " انتهى. وجاء في "الإنصاف" من كتب الحنابلة (3/273) : " قال في الرعاية الكبرى: لو سافر من بلد لرؤية ليلة الجمعة إلى بلد لرؤية ليلة السبت فبعد، وتم شهره ولم يروا الهلال، صام معهم " انتهى. وقد سبق في موقعنا نقل فتاوى كثير من العلماء المعاصرين في تقرير هذا الحكم أيضا، انظر جواب السؤال رقم (38101) ، (45545) ، (71203) فيتحصل مما سبق أن الصواب كان مع من صام وأكمل صيام اليوم الأول من رمضان، لأنكم كنتم في بلد ثبت فيها رؤية الهلال ذلك اليوم، فوجب عليكم صيامه، حتى لو دخلتم بلادكم – التي لم يعلن فيها الصيام – أثناء ذلك اليوم. ثم لما انتقلتم إلى بلدكم الذي تأخر يوما عن صيام البلد الأول وجب عليكم الالتزام بصيام الناس فيه، حتى لو بلغت الأيام التي صمتموها واحدا وثلاثين يوما. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93432 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2795 علموا بدخول رمضان في النهار فصاموا [السُّؤَالُ] ـ[بعض إخواننا المسلمين لا يعلمون بدخول رمضان إلا بعد طلوع الشمس ويتمون صيامهم، هل يجزؤهم أو يعيدوا صومه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لقد أصابوا في إمساكهم بقية اليوم وعليهم قضاء يومٍ مكانه. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 10 / 245. والسبب في وجوب قضاء يوم مكانه أنهم لم ينووا الصيام من الليل، وقد قال عليه الصلاة والسلام: " من لم يُجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له " رواه أحمد (6/287) وأبو داوود برقم (2454) والترمذي (730) والنسائي (2331) وصححه الألباني في صحيح أبي داوود (2143) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 26813 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2796 من هو العدل المأخوذ بقوله في رؤية الهلال؟ [السُّؤَالُ] ـ[قرأت في السؤال رقم (1584) أنه يكفي في إثبات شهر رمضان رؤية عدل ثقة. فمن هو العدل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله العدل في اللغة: المستقيم، وضده المعوج. وفي الشرع: من قام بالواجبات، ولم يفعل كبيرة، ولم يصر على صغيرة. والمراد بالقيام بالواجبات: أداء الفرائض كالصلوات الخمس. ولم يفعل كبيرة كالنميمة والغيبة. ويُشترط مع العدالة: أن يكون قوي البصر بحيث يُحتمل صدقه فيما ادعاه، فإن كان ضعيف البصر لم تُقبل شهادته وإن كان عدلاً؛ لأنه لو شهد وهو ضعيف البصر فهو متوهم. والدليل على ذلك: أن الله عز وجل جعل القوة والأمانة من مسوغات إسناد العمل، ففي قصة موسى مع صاحب مدين قالت إحدى ابنتيه: {يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين} القصص / 26 وقال العفريت من الجن الذي التزم أن يأتي بعرش ملكة سبأ: {وإني عليه لقوي أمين} . فهذان الوصفان ركنان في كل عمل ومنها الشهادة. الشرح الممتع 6/323 للاستزادة انظر الموسوعة الفقهية 30/5 ط الكويت. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 26824 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2797 صلاة وصوم المسجون الذي لا يعلم شيئا عن الوقت [السُّؤَالُ] ـ[كيف يصلي المسجون في غرفة مظلمة تحت الأرض، وهو مقيد، ولا يعلم شيئا عن أوقات الصلاة، ولا عن وقت دخول شهر رمضان؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد للَّه أولا: نسأل الله تعالى أن يمن على جميع أسرى المسلمين بفرجه القريب، وأن يهبهم من فضله الصبر والسلوان، ويملأ قلوبهم بالطمأنينة واليقين، وأن ييسر للمسلمين سبيل رشد يُعزُّ فيه أولياؤُه، ويُذل فيه أعداؤه. ثانيا: قرر أهل العلم أن الصلاة والصيام لا يسقطان عن الأسير والمسجون، وأن الواجب عليه أن يتحرى الوقت ويجتهد في ذلك، فإذا غلب ظنه دخول وقت الصلاة، صَلَّى، وإذا غلب على ظنه دخول شهر رمضان، صام، ويمكنه الاستدلال على الوقت بملاحظة أوقات الطعام، أو سؤال أهل السجن ونحو ذلك. وإذا اجتهد وتحرى الوقت الصحيح للصلاة أو للصيام فإن عبادته تقع صحيحة مجزئة، سواء تبين له بعد ذلك أنها وقعت في الوقت، أو بعده، أو لم يتبين له شيء، لقول الله تعالى: (لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) البقرة/286، وقوله سبحانه وتعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا) الطلاق/7. وإذا علم أنه صام أيام العيد وجب عليه قضاؤها، لأن صيام يوم العيد لا يصح. أما إذا علم بعد ذلك أنه صلى أو صام قبل الوقت، وجب عليه إعادة الصيام والصلاة. جاء في "الموسوعة الفقهية" (28/84-85) : " ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ من اشتبهت عليه الشّهور لا يسقط عنه صوم رمضان، بل يجب لبقاء التّكليف وتوجّه الخطاب. وإن اجتهد وصام فلا يخلو الأمر من خمسة أحوال: الحال الأولى: استمرار الإشكال وعدم انكشافه له، بحيث لا يعلم أنّ صومه صادف رمضان أو تقدّم أو تأخّر، فهذا يجزئه صومه ولا إعادة عليه لأنّه بذل وسعه، ولا يكلّف بغير ذلك. الحال الثّانية: أن يوافق صوم المحبوس شهر رمضان، فيجزيه ذلك. الحال الثّالثة: إذا وافق صوم المحبوس ما بعد رمضان فيجزيه عند جماهير الفقهاء. الحال الرّابعة: وهي وجهان: الوجه الأوّل: إذا وافق صومه ما قبل رمضان، وتبيّن له ذلك قبل مجيء رمضان، لزمه صومه إذا جاء بلا خلاف، لتمكّنه منه في وقته. الوجه الثّاني: إذا وافق صومه ما قبل رمضان، ولم يتبيّن له ذلك إلاّ بعد انقضائه، ففي إجزائه قولان: القول الأوّل: لا يجزيه عن رمضان بل يجب عليه قضاؤه، وهذا مذهب المالكيّة والحنابلة، والمعتمد عند الشّافعيّة. القول الثّاني: يجزئه عن رمضان، كما لو اشتبه على الحجّاج يوم عرفة فوقفوا قبله، وهو قول بعض الشّافعيّة. الحال الخامسة: أن يوافق صوم المحبوس بعض رمضان دون بعض، فما وافق رمضان أو بعده أجزأه، وما وافق قبله لم يجزئه" انتهى. وانظر "المجموع" (3/72-73) ، "المغني" (3/96) والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 81421 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2798 إذا سافر أثناء الشهر إلى بلد اختلف عن بلده في الصيام، فكيف يصوم؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا سافر المسلم أثناء شهر رمضان إلى بلد آخر كان قد تأخر أو تقدم في بداية شهر رمضان عن بلده، وظل بهذا البلد حتى العيد، فمع أي البلدين يفطر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " إذا سافر الرجل من بلد إلى بلد اختلف مطلع الهلال فيهما، فالقاعدة أن يكون صيامه وإفطاره حسب البلد الذي هو فيه حين ثبوت الشهر، لكن إن نقصت أيام صيامه عن تسعة وعشرين يوماً، وجب عليه إكمال تسعة وعشرين يوماً لأن الشهر الهلالي لا يمكن أن ينقص عن تسعة وعشرين يوماً، وهذه القاعدة مأخوذة من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا) وقوله: (إنما الشهر تسع وعشرون، فلا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه) . ومن حديث كريب أن أم الفضل بعثته إلى معاوية في الشام، وفيه أن كريباً أخبر ابن عباس رضي الله عنهما أن الناس رأوا هلال رمضان ليلة الجمعة في الشام، فقال ابن عباس: لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه، فقال كريب: ألا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإليك أمثلة تبين هذه القاعدة: المثال الأول: انتقل من بلد صام أهله يوم الأحد إلى بلد صام أهله يوم السبت، وأفطروا يوم الأحد عن تسعة وعشرين يوماً، فيفطر معهم ويلزمه قضاء يوم. المثال الثاني: انتقل من بلد صام أهله يوم الأحد إلى بلد صام أهله يوم الاثنين، وأفطروا يوم الأربعاء عن ثلاثين يوماً، فيبقى صائماً معهم ولو زاد على ثلاثين يوماً لأنه في مكان لم ير الهلال فيه، فلا يحل له الفطر، ويشبه هذا ما لو سافر صائماً من بلد تغيب فيه الشمس الساعة السادسة إلى بلد لا تغيب فيه إلا الساعة السابعة، فإنه لا يفطر حتى تغيب الشمس في الساعة السابعة لقوله تعالى: (ثُمَّ أَتِمُّواْ ?لصِّيَامَ إِلَى ?لَّيْلِ وَلاَ تُبَـ?شِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَـ?كِفُونَ فِي ?لْمَسَـ?جِدِ تِلْكَ حُدُودُ ?للَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذ?لِكَ يُبَيِّنُ ?للَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) . المثال الثالث: انتقل من بلد صام أهله يوم الأحد إلى بلد صام أهله يوم الاثنين، وأفطروا يوم الثلاثاء عن تسعة وعشرين يوماً، فيفطر معهم ويكون صومهم تسعة وعشرين يوماً، وصومه ثلاثين يوماً. المثال الرابع: انتقل من بلد صام أهله يوم الأحد، وأفطروا يوم الثلاثاء عن ثلاثين يوماً إلى بلد صام أهله يوم الأحد، وأفطروا يوم الاثنين عن تسعة وعشرين يوماً، فيفطر معهم، ولا يلزمه قضاء يوم؛ لأنه أتم تسعة وعشرين يوماً. دليل وجوب فطره في المثال الأول أنه رؤي الهلال، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتموه فأفطروا) ودليل وجوب قضاء اليوم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الشهر تسع وعشرون) فلا يمكن أن ينقص عن تسع وعشرين ليلة. ودليل وجوب بقائه صائماً فوق الثلاثين في المثال الثاني قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتموه فأفطروا) فعلق الفطر بالرؤية، ولم تكن فيكون ذلك اليوم من رمضان في ذلك المكان فلا يحل فطره. وأما حكم المثال الثالث والرابع فواضح. هذا ما ظهر لنا في هذه المسألة بأدلتها وهو مبني على القول الراجح من اختلاف الحكم باختلاف المطالع، أما على القول بأنه لا يختلف الحكم بذلك وأنه متى ثبتت رؤيته شرعاً بمكان لزم الناس كلهم الصوم أو الفطر فإن الحكم يجري على حسب ثبوته لكن يصوم أو يفطر سرًّا لئلا يظهر مخالفة الجماعة " انتهى. [الْمَصْدَرُ] "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (19/69) . الحديث: 71203 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2799 قال إن كان غدا من رمضان فأنا صائم [السُّؤَالُ] ـ[إذا لم يُعلن عن بداية رمضان، ونام الإنسان مبكرا وقال: إن كان غدا أول رمضان فأنا صائم، فهل تكفيه هذه النية ويصح صومه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين، بناء على اختلافهم في مسألة تعيين النية، وهي هل يجب أن ينوي الصوم عن رمضان جزما، أم يكفيه نية الصوم، سواء نوى فرضا أو نفلا. والجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة على أنه يشترط تعيين نية صوم رمضان. والحنفية على أنه لا يشترط تعيين النية، وهي رواية عن أحمد. وعلى هذا القول يصح صوم من قال: إن كان غدا من رمضان فهو فرضي. قال في الفروع (3/40) : " ويجب تعيين النية في كل صوم واجب وفاقا لمالك والشافعي وهو أن يعتقد أنه يصوم من رمضان أو من قضائه أو نذره أو كفارته , لقوله صلى الله عليه وسلم: (وإنما لكل امرئ ما نوى) . وعن الإمام أحمد رواية أخرى: لا يجب تعيين النية لرمضان وفاقا لأبي حنيفة لأن التعيين يراد للتمييز , وهذا الزمان متعين، فعليها يصح بنية مطلقة، ونية فرض تردد فيه ... وقولهم: نية فرض تردد فيه بأن نوى ليلة الشك: إن كان غدا من رمضان فهو فرضي , وإن لم يكن فهو نفل , لا يجزئه على الرواية الأولى حتى يجزم بأنه صائم غدا من رمضان وعلى الثانية يجزئه " انتهى. وقال في الإنصاف (3/295) : " وإن نوى: إن كان غدا من رمضان: فهو فرضي , وإلا فهو نفل , لم يجزه , وهذا المذهب , وعليه أكثر الأصحاب , وهو مبني على أنه يشترط تعيين النية. وعن الإمام أحمد: يجزئه , وهي مبنية على رواية: أنه لا يجب تعيين النية لرمضان , واختار هذه الرواية الشيخ تقي الدين. قال في الفائق: نصره صاحب المحرر وشيخنا. وهو المختار " انتهى. وينظر: "البحر الرائق" (2/280) ، "مجمع الأنهار" (1/233) ، "مغني المحتاج" (2/150) ، "المغني" (3/9) ، "الموسوعة الفقهية" (5/165) ، (28/22) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرح قول صاحب الزاد: " ولو نوى إن كان غدا من رمضان فهو فرضي: لم يجزه ": " هذه مسألة مهمة ترد كثيرا. مثال ذلك: رجل نام في الليل مبكرا ليلة الثلاثين من شعبان، وفيه احتمال أن تكون هذه الليلة هي أول رمضان، فقال: إن كان غدا من رمضان فهو فرضي، أو قال: إن كان غدا من رمضان فأنا صائم، أو قال: إن كان غدا من رمضان فهو فرض، وإلا فهو عن كفارة واجبة أو ما أشبه ذلك من أنواع التعليق، فالمذهب لا يصح؛ لأن قوله: إن كان فهو فرضي، وقع على وجه التردد، والنية لابد فيها من الجزم، فلو لم يستيقظ إلا بعد طلوع الفجر ثم تبين أنه من رمضان، فعليه قضاء هذا اليوم، على ما مشى عليه المؤلف. والرواية الثانية عن الإمام أحمد: أن الصوم صحيح إذا تبين أنه من رمضان، واختار ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ولعل هذا يدخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم لضباعة بنت الزبير: (حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني، فإن لك على ربك ما استثنيت) . فهذا الرجل علقه لأنه لا يعلم أن غدا من رمضان، فتردده مبني على التردد في ثبوت الشهر، لا على التردد في النية وهل يصوم أو لا يصوم؟ ولهذا لو قال ليلة الواحد من رمضان: أنا غدا يمكن أن أصوم، ويمكن لا أصوم، قلنا: هذا لا يصح، لأنه متردد ... وعلى هذا فينبغي لنا إذا نمنا قبل أن يأتي الخبر ليلة الثلاثين من شعبان أن ننوي أنه إن كان غدا من رمضان فنحن صائمون " انتهى من" الشرح الممتع" (6/375) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 70479 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2800 هل يجب ترائي الهلال؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجب على الناس ترائي هلال رمضان؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذهب جماعة من العلماء إلى أن تعهد رؤية هلال رمضان أول ليلة، واجب على الكفاية، فلو تركه جميع الناس أثموا، وهو قول الحنفية. واكتفى بعض الفقهاء بالقول باستحباب ترائي الهلال. قال في "مجمع الأنهار" (1/238) : " ويجب على الناس وجوب كفاية التماس الهلال في التاسع والعشرين من شعبان ومن رمضان، وكذا ذو القعدة ; ويجب على الحاكم أن يأمر الناس بذلك " باختصار. وقال في "الفتاوى الهندية" (1/197) : " يجب أن يلتمس الناس الهلال في التاسع والعشرين من شعبان وقت الغروب فإن رأوه صاموه , وإن غم أكملوه ثلاثين يوما " انتهى. وينظر: فتح القدير (2/313) وقال في "كشاف القناع" (2/300) : " (ويستحب للناس ليلة الثلاثين من شعبان أن يتراءوا هلال رمضان) "ويستحب ترائي الهلال احتياطا للصوم، وحذرا من الاختلاف، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحفظ في شعبان، ما لا يتحفظ في غيره ثم يصوم لرؤية رمضان) رواه الدارقطني بإسناد صحيح. وعن أبي هريرة مرفوعا: (أحصوا هلال شعبان لرمضان) رواه الترمذي " انتهى. وحديث (أحصوا هلال شعبان ... ) حسنه الألباني في صحيح الترمذي (678) . قال في "تحفة الأحوذي": "قال ابن حجر: أي اجتهدوا في إحصائه وضبطه بأن تتحروا مطالعه وتتراءوا منازله لأجل أن تكونوا على بصيرة في إدراك هلال رمضان على حقيقة حتى لا يفوتكم منه شيء " انتهى. وفي "الموسوعة الفقهية" (22 /23) : " رؤية الهلال أمر يقتضيه ارتباط توقيت بعض العبادات بها , فيشرع للمسلمين أن يجدوا في طلبها ويتأكد ذلك في ليلة الثلاثين من شعبان لمعرفة دخول رمضان , وليلة الثلاثين من رمضان لمعرفة نهايته ودخول شوال , وليلة الثلاثين من ذي القعدة لمعرفة ابتداء ذي الحجة. فهذه الأشهر الثلاثة يتعلق بها ركنان من أركان الإسلام هما الصيام والحج , ولتحديد عيد الفطر وعيد الأضحى. وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على طلب الرؤية , فعن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته , فإن غمي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين) . وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الشهر تسع وعشرون ليلة , فلا تصوموا حتى تروه فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين) . أوجب الحديث الأول صيام شهر رمضان برؤية هلاله أو بإكمال شعبان ثلاثين , وأمر بالإفطار لرؤية هلال شوال , أو بإتمام رمضان ثلاثين. ونهى الحديث الثاني عن صوم رمضان قبل رؤية هلاله أو قبل إتمام شعبان في حالة الصحو. وورد عنه صلى الله عليه وسلم حديث فيه أمر بالاعتناء بهلال شعبان لأجل رمضان قال: (أحصوا هلال شعبان لرمضان) ، وحديث يبين اعتناءه بشهر شعبان لضبط دخول رمضان , عن عائشة رضي الله عنها (كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره , ثم يصوم لرؤية رمضان فإن غم عليه عد ثلاثين يوما ثم صام) . قال الشراح: أي: يتكلف في عد أيام شعبان للمحافظة على صوم رمضان. وقد اهتم الصحابة رضي الله عنهم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم برؤية هلال رمضان فكانوا يتراءونه. عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: (تراءى الناس الهلال فأخبرت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فصام وأمر الناس بصيامه) . وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنا مع عمر بين مكة والمدينة , فتراءينا الهلال , وكنت رجلا حديد البصر فرأيته , وليس أحد يزعم أنه رآه غيري. قال: فجعلت أقول لعمر: أما تراه؟ فجعل لا يراه. وقد أوجب الحنفية كفاية التماس رؤية هلال رمضان ليلة الثلاثين من شعبان فإن رأوه صاموا , وإلا أكملوا العدة ثم صاموا ; لأن ما لا يحصل الواجب إلا به فهو واجب. وقال الحنابلة: يستحب ترائي الهلال احتياطا للصوم وحذارا من الاختلاف. ولم نجد للمالكية والشافعية تصريحا بهذه المسألة " انتهى. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يأثم المسلمون جميعا إذا لم يتراء أحد منهم هلال رمضان دخولا أو خروجا؟ فأجاب: " ترائي هلال رمضان أو هلال شوال أمر معهود في عهد الصحابة رضي الله عنهم؛ لقول ابن عمر رضي الله عنهما: (تراءى الناس الهلال فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصامه وأمر الناس بصيامه) . ولا شك أن هدي الصحابة رضي الله عنهم أكمل الهدي وأتمه " انتهى من "48 سؤالا في الصوم" سؤال رقم 21. والذي يظهر أن ترائي هلال رمضان وشوال وذي الحجة واجب على الكفاية، لأنه يتعلق بذلك ركنان من أركان الإسلام: الصوم والحج. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 68828 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2801 هل له أن يفطر تبعا للسعودية، وأهل بلده صائمون [السُّؤَالُ] ـ[عندنا في بلدنا أكملنا رمضان ثلاثين يوما، أما السعودية فصاموا تسعة وعشرين يوما وفوجئت بصديق لي في يوم الثلاثين أنه أفطر وقال لي: إنه يحرم صيام هذا اليوم لأن الهلال قد ظهر بالمملكة. السؤال: ما حكم ما فعله صاحبي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان المسلم موجوداً في بلد يعتبر الرؤية الشرعية لإثبات دخول الشهر وخروجه، فإنه مأمور بموافقتهم في الصيام والإفطار، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (12660) . أما إذا كان المسلم في بلد كافر، أو في بلد يتلاعبون بدخول الشهر وخروجه حسب أهوائهم، غير مراعين في ذلك الرؤية الشرعية، فلا حرج عليه في اتباع من يثق في رؤيتهم وتمسكهم بالأحكام الشرعية. وانظر جواب السؤال رقم (50522) ففيه بيان ذلك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 67895 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2802 هل يصح الاعتماد على الإمساكيات الرمضانية؟ [السُّؤَالُ] ـ[نحن في محافظة القنفذة، ومن زمن طويل نعتمد تقويم " أم القرى " في الإمساك والإفطار ومواقيت الصلاة، وبنفس مواقيت مكة المكرمة، ولكن منذ عام أو أكثر وزَّع الإخوة في المكتب التعاوني تقويماً خاصّاً بمحافظة القنفذة ويوجد به فارق في التوقيت في حدود عشر دقائق تقل أحياناً وتزيد أخرى، والمشكلة أن الناس الآن انقسموا إلى قسمين: بعض القرى تمسك على توقيت مكة المكرمة، والبعض الآخر يمسك على هذا التقويم الجديد الخاص بالمحافظة، والآن مشلكتنا في الصيام هل من يمسك على تقويم مكة المكرمة الذي يتأخر عن توقيت القنفذة بعشر دقائق يعتبر صيامه غير صحيح لأنه في هذه الحالة يعتبر أمسك بعد الأذان في حال كون التوقيت الجديد الخاص بالمحافظة صحيحاً؟ نأمل بحث المسألة بجدية لأن الناس في جدل واختلاف.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يجوز الاعتماد على الإمساكيات المنتشرة بين الناس إلا وفق شرطين: أولها: أن تكون الجهة المصدرة لها من أهل العلم والخبرة. وثانيها: أن تكون الإمساكية خاصة بالبلدة التي تصدرها الجهة لها، ولا يجوز لأحدٍ يعيش بعيداً عن تلك البلدة اعتماد إمساكيتها لما يوجد من فروق في التوقيت بينهما. ومن كان لا يتوفر عنده تقويم أو إمساكية ليعتمد عليها في إمساكه وإفطاره، فيمكنه التحقق بنفسه من طلوع الفجر الصادق وغروب الشمس عن طريق المشاهدة , أو يقلد مؤذناً أميناً عارفاً بالأوقات. فإذا عُرف أن المؤذن لا يؤذن إلا مع طلوع الفجر الصادق، فالواجب الإمساك بمجرد سماع أذانه، وإذا عُرف عنه أنه يؤذن بعد غروب الشمس فقد حلَّ للصائم أن يفطر، ولا عبرة بأذان من يؤذن قبل الفجر أو بعد غروب الشمس بمدة احتياطاً. ثانياًً: سبق في جواب السؤال رقم: (8048) عن الشيخ عبد الرحمن البراك: " وقد صار التقويم هو الوسيلة للناس في معرفة مواقيت الصلاة بالساعة والدقيقة، فينبغي العناية بذلك ". لكن هذا لا يعني عدم وجود أخطاء في هذه التقاويم، فقد سبق في جواب السؤال رقم: (26763) عن الشيخ الألباني بيان خطأ بعض التقاويم في الفجر خاصة، وكان ذلك بتحريه هو رحمه الله. ومن المعلوم أن " تقويم أم القرى " يحظى بمصداقية عالية، فقد أكد الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء ورئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء – في إحدى خطب الجمعة – " أن التوقيت الخاص بأم القرى توقيت دقيق وشرعي وموثق، ولا يمكن التشكيك فيه ". وقال: " لقد وثَّق علماء الأمة هذا التوقيت، وجُرِّب وطُبِّق وثبت أنه طبقاً للتوقيت الشرعي، وأن فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله أصدر بياناً في عام 1418هـ وثق فيه توقيت أم القرى " انتهى. وقد ذكر الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أنه يوجد فرق يسير فقط في الفجر بمقدار خمس دقائق، انظر جواب السؤال رقم (66202) . ثالثاً: بخصوص مدينة " القنفذة " فإنها تقع على ساحل البحر الأحمر في موقع متوسط بين مكة وجدة شمالا وجازان جنوباً، وتقع على مسافة 380 كم جنوب مكة وجدة، وتقع عند تقاطع خط طول 41.5 درجة شرقا بدائرة عرض 19.8 درجة شمالاً. وأما مكة فتقع على خط العرض: 21:27 شمالاً، وخط الطول: 39:49 شرقاً. وبالتأمل في أوقات الصلوات حسب تقويم " أم القرى " رأينا فرقاً في التوقيت يتناسب مع بعد المسافة بين مكة والقنفذة فلا يصح اعتماد أهل القنفذة على توقيت مكة وأذانها. ففي هذا اليوم – 30 رجب 1426 هـ - مثلاً – كانت نتائج الصلوات كالتالي: البلدة الفجر الشروق الظهر العصر المغرب العشاء مكة 4,44 6,04 12,19 3,44 6,34 8,04 القنفذة 4,34 6,01 12,15 3,37 6,28 7,58 وبه يتبين صحة ما وزعه عليكم الإخوة في المكتب التعاوني من تقويم يختص بمنطقتكم، والفروقات التي ذكرتم أنها موجودة هي صحيحة بالفعل، فعليكم مراعاة هذا، ونسأل الله تعالى أن يوفقكم ويهديكم لما فيه رضاه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 66891 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2803 هل يلزم من رأى هلال رمضان وحده أن يصوم؟ [السُّؤَالُ] ـ[رأى شخص هلال رمضان وحده هل عليه أن يصوم؟ وإذا كان كذلك هل من دليل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من رأى هلال رمضان وحده، أو رأى هلال شوال وحده، وأخبر به القاضي أو أهل البلد فلم يأخذوا بشهادته، فهل يصوم وحده، أو لا يصوم إلا مع الناس؟ في ذلك ثلاثة أقوال لأهل العلم: القول الأول: أنه يعمل برؤية نفسه في الموضعين، فيصوم في أول الشهر ويفطر في آخره منفرداً، وهو مذهب الإمام الشافعي رحمه الله. غير أنه يفعل ذلك سراً حتى لا يعلن بمخالفة الناس، وحتى لا يؤدي ذلك إلى إساءة الظن به، حيث يراه الناس مفطراً، وهم صائمون. القول الثاني: أنه يعمل برؤية نفسه في أول الشهر، فيصوم منفرداً، أما في آخر الشهر، فلا يعمل برؤية نفسه وإنما يفطر مع الناس. وهذا مذهب جمهور العلماء منهم (أبو حنيفة ومالك وأحمد رحمهم الله) . وقد اختار هذا القول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، قال: " وهذا من باب الاحتياط، فنكون قد احتطنا في الصوم والفطر. ففي الصوم قلنا له: صم، وفي الفطر قلنا له: لا تفطر بل صم " انتهى من الشرح الممتع " (6/330) . والقول الثالث: أنه لا يعمل برؤية نفسه في الموضعين، فيصوم ويفطر مع الناس. وإليه ذهب الإمام أحمد رحمه الله في رواية، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، واستدل له بأدلة كثيرة، قال رحمه الله: " والثالث: يصوم مع الناس ويفطر مع الناس، وهذا أظهر الأقوال؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صومكم يوم تصومون، وفطركم يوم تفطرون، وأضحاكم يوم تضحون) رواه الترمذي وقال: حسن غريب. ورواه أبو داود وابن ماجه وذكر الفطر والأضحى فقط. ورواه الترمذي من حديث عبد الله بن جعفر عن عثمان بن محمد عن المقبري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون) قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب قال: وفسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقال: إنما معنى هذا: الصوم والفطر مع الجماعة وعظم الناس " انتهى من "مجموع الفتاوى" (25/114) . واستدل أيضا: بأنه لو رأى هلال ذي الحجة منفرداً فلم يقل أحد من العلماء إنه يقف في عرفة وحده. وذكر أن أصل المسألة هو " أن الله سبحانه وتعالى علق الحكم بالهلال والشهر فقال تعالى: (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج) والهلال: اسم لما يُستهل به، أي يُعلن به ويُجهر به. فإذا طلع في السماء ولم يعرفه الناس ويستهلوا لم يكن هلالا. وكذا الشَهر مأخوذ من الشُّهرة، فإن لم يشتهر بين الناس لم يكن الشهر قد دخل. وإنما يغلط كثير من الناس في مثل هذه المسألة لظنهم أنه إذا طلع في السماء كان تلك الليلة أول الشهر، سواء ظهر ذلك للناس واستهلوا به أو لا. وليس كذلك، بل ظهوره للناس واستهلالهم به لابد منه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صومكم يوم تصومون، وفطركم يوم تفطرون، وأضحاكم يوم تضحون) أي هذا اليوم الذي تعلمون أنه وقت الصوم والفطر والأضحى، فإذا لم تعلموه لم يترتب عليه حكم " انتهى من " مجموع الفتاوى " (25/202) . وهذا القول أفتى به الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله. " مجموع فتاوى الشيخ " (15/72) . وحديث: (الصوم يوم تصومون ... ) صححه الألباني رحمه الله في صحيح سنن الترمذي برقم (561) وانظر مذاهب الفقهاء في: " المغني " (3/47، 49) ، " والمجموع " (6/290) ، "والموسوعة الفقهية " (28/18) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 66176 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2804 هل يتبع في صيامه وإفطاره رؤية أهل بلده؟ [السُّؤَالُ] ـ[لقد تأخرت رؤية الهلال في بلدي بيومين، وهناك مجموعة تأخذ بعموم الرؤية وتصوم مع السعودية وبلدان مجاورة أخرى، فقمت بتقليد هذه الجماعة هذه السنَة فصمت قبل بلدي بيوم، فهل عليَّ القضاء - مع العلم أن الرؤية ثبتت بعد ذلك هنا -؟ وهل عليَّ أن أفطر مع بلدي أو بعموم الرؤية؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سبق في جواب السؤال رقم (12660) أن المسلم إذا كان في دولة إسلامية تعتمد على رؤية الهلال في إثبات دخول الشهر وخروجه، فالواجب عليه متابعة ذلك البلد، ولا يجوز له مخالفتها لا في الصيام ولا في الإفطار. لقول الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الصَّوْمُ يَوْمَ تَصُومُونَ، وَالْفِطْرُ يَوْمَ تُفْطِرُونَ، وَالأَضْحَى يَوْمَ تُضَحُّونَ) رواه أبو داود (2324) والترمذي (697) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. وقد اختلف الأئمة فيما لو ظهر الهلال في بلد، هل يلزم جميع المسلمين الصوم؟ أو يلزم البلاد القريبة دون البعيدة؟ أو يلزم من اتفقت مطالعهم دون من اختلفت مطالعهم؟ على أقوال. فعلى المسلم أن يتبع علماء بلده فيما يرجحونه من هذه الأقوال حسب ما يظهر لهم من الأدلة، ولا ينفرد بالصيام ولا الإفطار. وقد ذكرنا نص كلام هيئة كبار العلماء في هذه المسألة في جواب السؤال رقم (50487) وفيه قولهم: " فإن أعضاء مجلس هيئة كبار العلماء يرون بقاء الأمر على ما كان عليه، وعدم إثارة هذا الموضوع، وأن يكون لكل دولة إسلامية حق اختيار ما تراه بواسطة علمائها من الرأيين المشار إليهما في المسألة، إذ لكل منهما أدلته ومستنداته " انتهى. ولينظر الكلام بطوله فإنه مهم. فعلى هذا؛ عليك بموافقة بلدك التي تعتمد على الرؤية في إثبات دخول الشهر وخروجه، في الصيام والإفطار، وإذا فعلت ذلك فقد أحسنت ولا قضاء عليك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 66219 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2805 يعيشون في هولندا فمع من يبدؤون الصوم؟ [السُّؤَالُ] ـ[أسكن في هولندا، واختلف الناس في أول يوم من رمضان، منهم من صام على مصر، ومنهم من ينتظر حتى يتبع الإعلان من الجزيرة العربية، فما هو الموقف الصحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يثبت دخول الشهر شرعاً إلا برؤية الهلال، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ) رواه البخاري (1909) ومسلم (1081) . ولا اعتبار للحساب الفلكي في إثبات دخول الشهر. ولا شك أن المطالع تختلف من بلد لآخر – وخاصة تلك البعيدة عن غيرها -، وليس الخلاف في اختلاف المطالع فهذا لا يجادل فيه أحد، إنما الخلاف هل لاختلاف المطالع أثرٌ في إثبات دخول الشهر من بلد لآخر أم لا. ثانياً: المسلمون المقيمون في دولة غير إسلامية، إن كان لهم هيئة شرعية أو مجلس يرجعون إليه ويعتمد على الرؤية الشرعية في إثبات دخول الشهر وخروجه فقد أفتى علماء اللجنة الدائمة أن هذا المجلس يأخذ حكم الحكومة الإسلامية بالنسبة لهم، فيلزمهم إتباعه في دخول الشهر وخروجه. وتفصيل هذا في الجواب على السؤال رقم: (1248) . وأما إن كان ليس لهم هيئة شرعية فلا حرج عليهم أن يتبعوا الدولة التي يثقون بها، والتي تعتبر الرؤية الشرعية، لا الحساب الفلكي، فيصومون ويفطرون معها. سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عمن أقام في أسبانيا في رمضان وصام بصيام بلاد الحرمين الشريفين، فأجاب: " أما ما ذكرتم من صومكم معنا وفطركم معنا لكونكم أقمتم في أسبانيا أيام رمضان فلا بأس ولا حرج عليكم في ذلك، لقول النبي: (صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلاثِينَ) وهذا عام لجميع الأمة، وبلاد الحرمين أولى الدول بالاقتداء بها، لاجتهادها في تحكيم الشريعة، زادها الله توفيقاً وهداية، ولأنكم في بلاد لا تحكّم الإسلام، ولا يبالي أهلها لأحكام الإسلام " انتهى. مجموع فتاوى ابن باز (15/105) وللمزيد من التوضيح والبيان: يُنظر أجوبة الأسئلة: (1226) و (12660) و (1602) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50522 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2806 يقيم في ألمانيا فهل يصوم مع الجمعية الأوربية أم مع السعودية [السُّؤَالُ] ـ[نحن نقيم في ألمانيا والمشكلة أن إمام مسجد قال: سوف نصوم مثل السعودية، وفي المسجد الثاني قيل إننا سنصوم تبعاً للجمعية الأوربية الإسلامية التي من المفروض أنها تهتم عادة بمراقبة الهلال. فما قولكم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كانت الجمعية الأوربية الإسلامية تعتمد على رؤية الهلال، فإن الأولى في حقكم، هو الموافقة لهم في الصيام والإفطار. والمسألة فيها خلاف قديم المشهور: هل لكل بلد رؤيته؟ أم يلزم الجميع اتباع من رأوا الهلال ولو اختلفت المطالع؟ وهو خلاف سائغ مبني على الاجتهاد، ولا حرج على أحد في الأخذ بأحد هذين القولين حسب ما يظهر له من الأدلة. ولعل أرجح القولين أن اختلاف المطالع معتبر، وقد سبق بيان طرف من أدلة هذا القول في جواب السؤال رقم (50487) . ومما يدل على ذلك: ما رواه مسلم (1819) عَنْ كُرَيْبٍ أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بِنْتَ الْحَارِثِ بَعَثَتْهُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ قَالَ: فَقَدِمْتُ الشَّامَ فَقَضَيْتُ حَاجَتَهَا , وَاسْتُهِلَّ عَلَيَّ رَمَضَانُ وَأَنَا بِالشَّامِ، فَرَأَيْتُ الْهِلالَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ فَسَأَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ثُمَّ ذَكَرَ الْهِلالَ، فَقَالَ: مَتَى رَأَيْتُمْ الْهِلالَ؟ فَقُلْتُ: رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: أَنْتَ رَأَيْتَهُ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، وَرَآهُ النَّاسُ، وَصَامُوا، وَصَامَ مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ: لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْت، ِ فَلا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلاثِينَ أَوْ نَرَاهُ، فَقُلْتُ: أَوَ لا تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ؟ فَقَالَ: لا، هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فهذا يدل على أنه مع تباعد البلاد فلكل بلد رؤيته، وأنه لا يلزم الجميع الصوم برؤية إحدى البلدان له. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50412 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2807 لماذا لا يتوحد المسلمون في الصيام؟ [السُّؤَالُ] ـ[لماذا لا يتوحد المسلمون في الصيام مع أن هلال رمضان واحد؟ وقديماً يعذرون لعدم وجود وسائل الإعلام.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: السبب الغالب في اختلاف بدء الصيام من بلد لآخر، هو اختلاف مطالع الأهلة. واختلاف المطالع أمر معلوم بالضرورة حسا وعقلا. وعليه فلا يمكن إلزام المسلمين بالصوم في وقت واحد، لأن هذا يعني إلزام جماعة منهم بالصوم قبل رؤية الهلال، بل قبل طلوعه. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عمن ينادي بتوحيد الأمة في الصيام، وربط المطالع كلها بمطالع مكة، فقال: " هذا من الناحية الفلكية مستحيل؛ لأن مطالع الهلال كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تختلف باتفاق أهل المعرفة بهذا العلم، وإذا كانت تختلف فإن مقتضى الدليل الأثري والنظري أن يجعل لكل بلد حكمه. أما الدليل الأثري فقال الله تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) البقرة/185. فإذا قُدِّرَ أن أناسا في أقصى الأرض ما شهدوا الشهر -أي: الهلال - وأهل مكة شهدوا الهلال، فكيف يتوجه الخطاب في هذه الآية إلى من لم يشهدوا الشهر؟! وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ) متفق عليه، فإذا رآه أهل مكة مثلاً فكيف نلزم أهل باكستان ومن وراءهم من الشرقيين بأن يصوموا، مع أننا نعلم أن الهلال لم يطلع في أفقهم، والنبي صلى الله عليه وسلم علق ذلك بالرؤية. أما الدليل النظري فهو القياس الصحيح الذي لا تمكن معارضته، فنحن نعلم أن الفجر يطلع في الجهة الشرقية من الأرض قبل الجهة الغربية، فإذا طلع الفجر على الجهة الشرقية، فهل يلزمنا أن نمسك ونحن في ليل؟ الجواب: لا. وإذا غربت الشمس في الجهة الشرقية، ولكننا نحن في النهار فهل يجوز لنا أن نفطر؟ الجواب: لا. إذاً الهلال كالشمس تماما، فالهلال توقيته توقيت شهري، والشمس توقيتها توقيت يومي، والذي قال: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) البقرة/187. هو الذي قال: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) فمقتضى الدليل الأثري والنظري أن نجعل لكل مكانٍ حكماً خاصًّا به فيما يتعلق بالصوم والفطر، ويربط ذلك بالعلامة الحسية التي جعلها الله في كتابه، وجعلها نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في سنته ألا وهي شهود القمر، وشهود الشمس، أو الفجر " انتهى من فتاوى أركان الإسلام ص 451. وقال رحمه الله موضحاً هذا القياس، ومؤيداً به حجة الذين اعتبروا اختلاف المطالع: " قالوا: والتوقيت الشهري كالتوقيت اليومي، فكما أن البلاد تختلف في الإمساك والإفطار اليومي، فكذلك يجب أن تختلف في الإمساك والإفطار الشهري، ومن المعلوم أن الاختلاف اليومي له أثره باتفاق المسلمين، فمن كانوا في الشرق فإنهم يمسكون قبل من كانوا في الغرب، ويفطرون قبلهم أيضا. فإذا حكمنا باختلاف المطالع في التوقيت اليومي، فإن مثله تماما في التوقيت الشهري. ولا يمكن أن يقول قائل: إن قوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) وقوله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا، وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا، وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ) لا يمكن لأحد أن يقول: إن هذا عام لجميع المسلمين في كل الأقطار. وكذلك نقول في عموم قوله تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) وقوله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا) وهذا القول كما ترى له قوته بمقتضى اللفظ، والنظر الصحيح، والقياس الصحيح أيضا، قياس التوقيت الشهري على التوقيت اليومي " انتهى. نقلا عن "فتاوى رمضان" جمع أشرف عبد المقصود ص 104. وصدر عن هيئة كبار العلماء، بيان مهم بهذا الخصوص، وهذا نصه: " أولاً: اختلاف مطالع الأهلة من الأمور التي علمت بالضرورة حساً وعقلاً، ولم يختلف فيها أحد من العلماء، وإنما وقع الاختلاف بين علماء المسلمين في: اعتبار خلاف المطالع، وعدم اعتباره. ثانياً: مسألة اعتبار اختلاف المطالع وعدم اعتباره من المسائل النظرية التي للاجتهاد فيها مجال، والاختلاف فيها واقع ممن لهم الشأن في العلم والدين، وهو من الخلاف السائغ الذي يؤجر فيه المصيب أجرين: أجر الاجتهاد، وأجر الإصابة، ويؤجر فيه المخطئ أجر الاجتهاد. وقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين: فمنهم من رأى اعتبار اختلاف المطالع، ومنهم من لم ير اعتباره. واستدل كل فريق منهما بأدلة من الكتاب والسنة، وربما استدل الفريقان بالنص الواحد كاشتراكهما في الاستدلال بقوله تعالى: (يَسْأَلونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحجِّ) البقرة/189. وبقوله صلى الله عليه وسلم: (صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ) الحديث. وذلك لاختلاف الفهم في النص، وسلوك كل منهما طريقاً في الاستدلال به. ونظرا لاعتبارات رأتها الهيئة وقدرتها، ونظراً إلى أن الاختلاف في هذه المسألة ليست له آثار تخشى عواقبها، فقد مضى على ظهور هذا الدين أربعة عشر قرناً، لا نعلم فيها فترة جرى فيها توحيد الأمة الإسلامية على رؤية واحدة. فإن أعضاء مجلس هيئة كبار العلماء يرون بقاء الأمر على ما كان عليه. وعدم إثارة هذا الموضوع، وأن يكون لكل دولة إسلامية حق اختيار ما تراه بواسطة علمائها من الرأيين المشار إليهما في المسألة، إذ لكل منهما أدلته ومستنداته. ثالثاً: نظر مجلس الهيئة في مسألة ثبوت الأهلة بالحساب، وما ورد في الكتاب والسنة، واطلعوا على كلام أهل العلم في ذلك، فقرروا بإجماعٍ عدمَ اعتبار حساب النجوم في ثبوت الأهلة في المسائل الشرعية؛ لقوله صلى الله عليه وسلم (صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ) الحديث. وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ، وَلا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ) الحديث. وما في معنى ذلك من الأدلة " انتهى نقلا عن "فتاوى اللجنة الدائمة" (10/102) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50487 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2808 صعوبة تحري الهلال في البلدان الصناعية [السُّؤَالُ] ـ[يعتقد الناس هنا بأنه من الصعب تحري الهلال بسبب كثرة الصناعة والدخان والأبنية، فما رأيكم في هذا؟ ما هو حجم الهلال في أول ظهوره؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس من الصعب رؤية الهلال عند ظهوره، وإذا لم يتيسر رؤيته في بعض الأمكنة بسبب كثرة الدخان فإنه لن يكون صعباً أن يُشاهَد في أمكنة أخرى أكثر وضوحاً. والدخان والأبنية مهما بلغت من العلو فلن تكون مثل الغيم والسحاب في تغطية الهلال، وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا غم علينا ولم نره فعلينا أن نكمل عدة شعبان ثلاثين يوماً. فإما أن يُرى الهلال من خلال الدخان والأبنية: فيصام لمشاهدته. وإما أن يراه من كان في مكانٍ آخر أكثر وضوحاً: فيصام لمشاهدته. وإما أن يُغم علينا ولا نراه: فنكمل عدة شعبان ثلاثين يوماً. وأما حجم الهلال في أول ظهوره فإنه يكون صغيراً جدّاً لا يراه إلا من كان قوي البصر. والله أعلم وانظر للمزيد أجوبة الأسئلة: (1226) و (1248) و (1602) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37743 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2809 هل يتبعون المجلس الأوروبي ولو أخذ بالحساب الفلكي؟ [السُّؤَالُ] ـ[نحن إدارة مركز إسلاميّ في بريطانيا نريد أن نحدّد موعد بدء شهر رمضان ونهايته للمصلّين في مركزنا، وقد وضعنا نصب أعيننا محاولة جمع كلمة المسلمين بحيث نبذل ما يمكن لتوحيد رأيهم في هذا الموضوع، وقد يرى بعضهم الرؤية والآخر الحساب. وللمجلس الأوروبي للإفتاء رأي في الموضوع، مع العلم أنّه الجهة التي تتولّى إصدار الفتاوى للمسلمين في أوروبا. سؤالنا: هل نتبع المجلس الأوروبي للإفتاء ولو أخذ بالحساب، أم نبقى على ما اعتمدناه من محاولة وحدة الكلمة بين المساجد في مدينتا ولو خالف رأي المجلس؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز العمل بالحساب الفلكي في إثبات دخول شهر رمضان أو خروجه، والواجب هو العمل برؤية الهلال كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ) رواه البخاري (1909) ومسلم (1081) . راجع سؤال (1602) . وقد أجمع المسلمون على عدم جواز العمل بالحساب الفلكي بدلاً من رؤية الهلال إذا كانت السماء صحواً، أما إن كان في السماء غيمٌ فقد شَذَّ بعض العلماء وأجاز العمل بالحساب الفلكي في حق الحاسب فقط. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فإنا نعلم بالاضطرار من دين الإسلام أن العمل في رؤية هلال الصوم أو الحج أو العدة أو الإيلاء أو غير ذلك من الأحكام المعلقة بالهلال بخبر الحاسب أنه يُرَى أو لا يُرَى لا يجوز، والنصوص المستفيضة عن النبي بذلك كثيرة، وقد أجمع المسلمون عليه، ولا يُعرف فيه خلافٌ قديمٌ أصلاً، ولا خلافٌ حديثٌ إلا أن بعض المتأخرين من المتفقهة الحادثين بعد المائة الثالثة زعم أنه إذا غُمًّ الهلالُ جاز للحاسب أن يعمل في حق نفسه بالحساب، فإن كان الحساب دل على الرؤية صام وإلا فلا. وهذا القول وإن كان مقيدا بالإغمام، ومختصا بالحاسب، فهو شاذ مسبوق بالإجماع على خلافه، فأما اتباع ذلك في الصحو أو تعليق عموم الحكم العام به فما قاله مسلم اهـ مجموع الفتاوى (25/132) . وبناء على هذا لا يجوز لكم اتباع المجلس المذكور إذا كان يعتمد على الحساب الفلكي وليس على رؤية الهلال. وعليكم العمل برؤية الهلال كما هو أمر النبي صلى الله عليه وسلم وعليه أجمع المسلمون. وفقكم الله لما يحب ويرضى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37667 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2810 لم يروا هلال ذي الحجة فماذا يفعلون [السُّؤَالُ] ـ[أنا مسلم سني أقيم في اليابان أكتب إليكم سائلاً ومستفسراً حول رؤية هلال ذو الحجة , حيث يكاد المسلمون أن يختلفوا حول تحديد يوم العيد. وسؤالي هنا أفادكم الله هل نعيد مع المملكة العربية السعودية أو نتبع أقرب البلدان إلينا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يكفيكم ويسعكم أن تأخذوا بالرؤية الشرعية التي ثبتت في بلاد الحرمين والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 36649 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2811 الاعتماد على رؤية الهلال وليس الحسابات الفلكية [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمسلم الاعتماد في بدء الصوم ونهايته على الحساب الفلكي، أو لا بد من رؤية الهلال؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الشريعة الاسلامية شريعة سمحة وهي عامة شاملة أحكامها جميع الثقلين الإنس والجن، على اختلاف طبقاتهم علماء وأميين أهل الحضر وأهل البادية، فلهذا سهل الله عليهم الطريق إلى معرفة أوقات العبادات، فجعل لدخول أوقاتها وخروجها أمارات يشتركون في معرفتها، جعل غروب الشمس أمارة على دخول وقت المغرب وخروج وقت العصر، وغروب الشفق الأحمر أمارة على دخول وقت العشاء مثلاً، وجعل رؤية الهلال بعد استتاره آخر الشهر أمارة على ابتداء شهر قمري جديد وانتهاء الشهر السابق، ولم يكلفنا معرفة بدء الشهر القمري بما لا يعرفه إلا النزر اليسير من الناس، وهو علم النجوم أو علم الحساب الفلكي، وبهذا جاءت نصوص الكتاب والسنة بجعل رؤية الهلال ومشاهدته أمارة على بدء صوم المسلمين شهر رمضان، والإفطار منه برؤية هلال شوال، وكذلك الحال في ثبوت عيد الأضحى ويوم عرفات. قال تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) سورة البقرة /185 وقال تعالى: (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج) سورة البقرة /189 وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين) فجعل عليه الصلاة والسلام الصوم لثبوت رؤية هلال شهر رمضان، والإفطار منه لثبوت شهر شوال، ولم يربط ذلك بحساب النجوم وسير الكواكب، وعلى هذا جرى العمل زمن النبي صلى الله عليه وسلم وزمن الخلفاء الراشدين، والأئمة الأربعة والقرون الثلاثة التي شهد لها النبي صلى الله عليه وسلم بالفضل والخير، فالرجوع في إثبات الشهور القمرية إلى علم النجوم في بدء العبادات، والخروج منها دون الرؤية من البدع التي لا خير فيها، ولا مستند لها من الشريعة.. والخير كل الخير في اتباع من سلف في الشئون الدينية، والشر كل الشر في البدع التي أحدثت في الدين حفظنا الله وإياكم وجميع المسلمين من الفتن ما ظهر منها وما بطن. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 10/106 الحديث: 1602 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2812 العمل بالرؤية لا بحسابات الفلكيين [السُّؤَالُ] ـ[هناك خلاف كبير بين علماء المسلمين في تحديد بدء صوم رمضان وعيد الفطر المبارك فمنهم من يعمل بالرؤية بناء على حديث: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته) ، ومنهم من يعتمد على آراء الفلكيين حيث يقولون: إن علماء الفلك قد وصلوا إلى القمة في علم الفلك بحيث يمكنهم معرفة بداية الشهور القمرية، فما هو الصواب في هذه المسألة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: القول الصحيح الذي يجب العمل به هو ما دل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة) من أن العبرة في بدء شهر رمضان وانتهائه برؤية الهلال (بالعين) ، فإن شريعة الاسلام التي بعث الله بها نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم عامة خالدة مستمرة إلى يوم القيامة، (وهي صالحة لكل زمان ومكان سواء كانت العلوم الدنيوية متقدّمة أو غير متقدّمة وسواء وُجدت الآلات أو لم توجد وسواء كان في أهل البلد من يُجيد الحسابت الفلكية أو لم يكن فيهم من يُجيد ذلك، والعمل بالرؤية يُطيقه الناس في كل عصر ومصر بخلاف الحسابات التي قد يوجد من يعرفها وقد لا يوجد، وكذلك الآلات التي قد تتوفر وقد لا تتوفّر) . ثانياً: أن الله تعالى علم ما كان وما سيكون من تقدم علم الفلك وغيره من العلوم ومع ذلك قال: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) سورة البقرة /185 وبيّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته " الحديث، فعلّق صوم شهر رمضان والإفطار منه برؤية الهلال ولم يعلّقه بعلم الشهر بحساب النجوم مع علمه تعالى بأن علماء الفلك سيتقدمون في علمهم بحساب النجوم وتقدير سيرها، فوجب على المسلمين المصير إلى ما شرعه الله لهم على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من التعويل في الصوم والإفطار على رؤية الهلال وهو كالإجماع من أهل العلم ومن خالف في ذلك وعوّل على حساب النجوم فقوله شاذ لا يعوّل عليه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] >فتاوى اللجنة الدائمة 10/106 الحديث: 1226 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2813 يجوز الاستعانة بآلات الرصد لرؤية الهلال وليس بالحسابات [السُّؤَالُ] ـ[إنه من غير الممكن رؤية الهلال بالعين المجردة قبل أن يصبح عمره ثلاثين ساعة، وبالإضافة إلى ذلك فإنه من غير الممكن أحيانا رؤيته بسبب حالة الجو، فهل يجوز بناء على ذلك اللجوء إلى استعمال المعلومات الفلكية في حساب الموعد المحتمل لرؤية القمر الجديد وموعد بدء شهر رمضان، أم يجب علينا رؤية القمر الجديد قبل بدئنا بصوم شهر رمضان المبارك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تجوز الاستعانة بآلات الرصد في رؤية الهلال ولا يجوز الاعتماد على العلوم الفلكية في إثبات بدء شهر رمضان المبارك أو الفطر، لأن الله لم يشرع لنا ذلك لا في كتابه ولا في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وإنما شرع لنا إثبات بدء شهر رمضان ونهايته برؤية هلال شهر رمضان في بدء الصوم ورؤية هلال شوال في الإفطار والاجتماع لصلاة عيد الفطر وجعل الأهلة مواقيت للناس وللحج، فلا يجوز لمسلم أن يُوقّت بغيرها شيئاً من العبادات من صوم رمضان والأعياد وحج البيت والصوم في كفارة القتل خطأً وكفارة الظهار ونحوها، قال تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) سورة البقرة /185، وقال تعالى: (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج) سورة البقرة /189، وقال صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين) وعلى ذلك يجب على من لم يُر الهلال في مطلعهم في صحو أو غيم أن يتموا العدة (عدة شعبان) ثلاثين.. فتاوى اللجنة الدائمة 10/100، هذا ما لم تثبت رؤية الهلال في بلد آخر، فإذا ثبتت رؤية الهلال في بلد آخر ثبوتا شرعيا وجب عليهم الصيام في قول جمهور أهل العلم. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 1245 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2814 هل مسألة اختلاف مطالع القمر معتبرة وموقف الجاليات الإسلامية [السُّؤَالُ] ـ[نحن الطلبة المسلمين في الولايات المتحدة وكندا يصادفنا في كل بداية لشهر رمضان مشكلة تسبب انقسام المسلمين إلى ثلاث فرق: 1- فرقة تصوم بتحري الهلال في البلدة التي يسكنون فيها. 2- فرقة تصوم مع بداية الصيام في السعودية. 3- فرقة تصوم عند وصول خبر من اتحاد الطلبة المسلمين في أمريكا وكندا الذي يتحرى الهلال في أماكن متعددة في أمريكا، وفور رؤيته في إحدى البلاد يعمم على المراكز المختلفة برؤيته فيصوم مسلموا أميركا كلهم في يوم واحد على الرغم من المسافات الشاسعة التي بين المدن المختلفة. فأي الجهات أولى بالاتباع والصيام برؤيتها وخبرها. أفتونا مأجوين أثابكم الله.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: اختلاف مطالع الأهلة من الأمور التي علمت بالضرورة حساً وعقلاً، ولم يختلف فيها أحد من العلماء وإنما وقع الاختلاف بين علماء المسلمين في اعتبار اختلاف المطالع وعدم اعتباره. ثانياً: مسألة اختلاف المطالع وعدم اعتباره من المسائل النظرية التي للاجتهاد فيها مجال، والاختلاف فيها واقع ممن لهم الشأن في العلم والدين وهو من الخلاف السائغ الذي يؤجر فيه المصيب أجرين أجر الاجتهاد وأجر الإصابة، ويؤجر فيه المخطئ أجر الاجتهاد. وقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين: فمنهم من رأى اعتبار اختلاف المطالع، ومنهم من لم ير اعتباره واستدل كل فريق منهما بأدلة من الكتاب والسنة، وربما استدل الفريقان بالنص الواحد، كاشتراكهما في الاستدلال بقوله تعالى: (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج) سورة البقرة / 189 وبقوله صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته) الحديث، وذلك لاختلاف الفهم في النص وسلوك كل منهما طريقاً في الاستدلال به.. ثالثاً: نظر مجلس الهيئة في مسألة ثبوت الأهلة بالحساب وما ورد في ذلك من أدلة في الكتاب والسنة واطلعوا على كلام أهل العلم في ذلك فقرروا بإجماع: عدم اعتبار حساب النجوم في ثبوت الأهلة في المسائل الشرعية لقول صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته) الحديث، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تصوموا حتى تروه ولا تفطروا حتى تروه) الحديث، وما في معنى ذلك من الأدلة. وترى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء أن اتحاد الطلبة المسلمين (أو غيره ممن يمثّل الجالية الإسلامية) في الدول التي حكوماتها غير اسلامية يقوم مقام حكومة اسلامية في مسألة إثبات الهلال بالنسبة لمن يعيش في تلك الدول من المسلمين. وبناء على ما سبق ذكره يكون لهذا الاتحاد حق اختيار أحد القولين: إما اعتبار اختلاف المطالع وإما عدم اعتبار ذلك، ثم يعمّم ما رآه على المسلمين في الدولة التي هو فيها، وعليهم أن يلتزموا بما رآه وعمّمه عليهم، توحيداً للكلمة ولبدء الصيام وخروجاً من الخلاف والاضطراب وعلى كل من يعيش في تلك الدول أن يتراءوا الهلال في البلاد التي يقومون فيها، فإذا رآه ثقة منهم أو أكثر صاموا بذلك وبلغوا الاتحاد ليعمم ذلك، وهذا في دخول الشهر، أما في خروجه فلا بد من شهادة عدلين برؤية هلال شوال أو إكمال رمضان ثلاثين يوماً، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين يوماً) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 10/109 الحديث: 1248 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2815 هل تُشترط مدة معينة لبقاء الهلال المولود في السماء [السُّؤَالُ] ـ[ما هي الطريقة التي يثبت بها أول كل شهر قمري، وهل تشترط مدة معينة لبقاء القمر المولود في الأفق؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله دلت الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم على أن الهلال متى رآه ثقة بعد غروب الشمس في ليلة الثلاثين من شعبان أو ليلة الثلاثين من رمضان فإن الرؤية تكون معتبرة، ويعرف بها أول الشهر من غير حاجة إلى اعتبار المدة التي يمكثها القمر بعد غروب الشمس، سواء كانت عشرين دقيقة أم أقل أو أكثر، لأنه ليس هناك في الأحاديث الصحيحة ما يدل على التحديد بدقائق معينة لغروب القمر بعد غروب الشمس. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 10/91 الحديث: 1456 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2816 هل يشترط أن يرى هلال رمضان كل واحد من المسلمين [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الذي لا يصوم في أول رؤية هلال رمضان إذا رؤي حتى يرى بنفسه ويستدل بالحديث القائل: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته) وهل صحيح استدلالهم بهذا الحديث؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحمد لله، الواجب الصيام إذا ثبتت رؤية الهلال ولو بواحد عدل من المسلمين، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصيام عندما شهد الأعرابي برؤيته للهلال وأما الاستدلال بحديث (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته) على أن كل فرد لا يصوم إلا برؤيته بنفسه فغير صحيح، لأن الحديث خطاب عام بالصيام عند تحقق الرؤية ولو من واحد عدل من المسلمين. فتاوى اللجنة الدائمة 10/94، ومن الأدلّة الدالة أيضا على أنّ رؤية الواحد العدل الثقة من المسلمين للهلال كافية لوجوب الصيام على جميع المسلمين حديث ابن عُمَرَ رضي الله عنه قال: تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلالَ فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي رَأَيْتُهُ فَصَامَهُ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ. رواه أبو داود في سننه: كتاب الصوم: باب في شهادة الواحد على رؤية هلال رمضان. وبعض أهل البدع يتأخّرون عن سائر المسلمين بالصّوم لأجل اعتقادهم الضّال بأنه لا صيام على الإنسان حتى يراه بنفسه والأحاديث تردّ عليهم ثم نسألهم ماذا يفعل الأعمى وضعيف البصر إذن؟ والأمر كما قال الله تعالى: (فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46) سورة الحج، والله الهادي إلى سواء السبيل. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 1584 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2817 هل يشكّل المسلمون في بلاد الغرب لجنة لتحري رؤية الهلال [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمسلمين الذين يقيمون في بلد ليس بإسلامية أن يشكلوا لجنة تقوم بإثبات هلال رمضان وشوال وذي الحجة أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المسلمون الموجودون في بلد غير إسلامية يجوز لهم أن يشكلوا لجنة من المسلمين تتولى إثبات هلال رمضان وشوال وذي الحجة. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 10/112 الحديث: 2511 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2818 كيف يتم تعويد الأطفال على الصوم؟ [السُّؤَالُ] ـ[يوجد عندي ولد عمره 9 سنوات، وأريد مساعدتي في كيف أعوِّد ابني على صوم رمضان، إن شاء الله؛ لأنه صام رمضان السنَة الماضية فقط 15 يوماً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: من المفرح أننا نرى مثل هذا السؤال، وهو يدل على عظيم الاهتمام بالأولاد، وتربيتهم على طاعة الله تعالى، وهذا من النصح للرعية التي استرعى الله الوالدين عليها. ثانياً: الابن في عمر 9 سنوات ليس من المكلفين شرعاً بالصيام؛ لعدم بلوغه، ولكنَّ الله تعالى كلَّف الوالدين بتربية أولادهم على العبادات، فأمرهم الله تعالى بتعليمهم الصلاة وهم أبناء سبع سنين، وضربهم عليها وهم أبناء عشر، كما كان الصحابة الكرام رضي الله عنهم يصوِّمون أولادهم في صغرهم تعويداً لهم على هذه الطاعة العظيمة، وكل ذلك يدل على عظيم الاهتمام بالذرية لتنشئتها على خير ما يكون من الصفات، والأفعال. ففي الصلاة: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ) رواه أبو داود (495) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود". وفي الصيام: عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ رضي الله عنها قَالَتْ: أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الأَنْصَارِ الَّتِى حَوْلَ الْمَدِينَةِ: (مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ) ، فَكُنَّا بَعْدَ ذَلِكَ نَصُومُهُ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ مِنْهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَنَذْهَبُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهَا إِيَّاهُ عِنْدَ الإِفْطَارِ رواه البخاري (1960) ومسلم (1136) . وقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِنَشْوَانٍ [أي: سكران] فِي رَمَضَانَ: "وَيْلَكَ! وَصِبْيَانُنَا صِيَامٌ! "، فَضَرَبَهُ. رواه البخاري – معلَّقاً – باب صوم الصبيان. والسن الذي يبدأ الوالدان بتعليم أولادهما الصيام فيه هو سن الإطاقة للصيام، وهو يختلف باختلاف بنية الولد، وقد حدَّه بعض العلماء بسن العاشرة. وانظر تفصيل ذلك في جواب السؤال رقم: (65558) وفيه فوائد مهمة. ثالثاً: أما بخصوص وسائل تعويد الصبيان على الصيام: فينتظم في أمور، منها: 1- تحديثهم بفضائل الصيام وأنه سبب مهم من أسباب دخول الجنة، وأن في الجنة باباً يسمى الريان يدخل منه الصائمون. 2- التعويد المسبق على الصيام، كصيام بضع أيام من شهر شعبان؛ حتى لا يفجؤهم الصوم في رمضان. 3- صيام بعض النهار، وتزاد المدة شيئاً فشيئاً. 4- تأخير السحور إلى آخر الليل، ففي ذلك إعانة لهم على صيام النهار. 5- تشجيعهم على الصيام ببذل جوائز تُدفع لهم كل يوم، أو كل أسبوع. 6- الثناء عليهم أمام الأسرة عند الإفطار، وعند السحور، فمن شأن ذلك أن يرفع معنوياتهم. 7- بذل روح التنافس لمن عنده أكثر من طفل، مع ضرورة عدم تأنيب المتخلف. 8- إلهاء من يجوع منهم بالنوم، أو بألعاب مباحة ليس فيها بذل جهد، كما كان الصحابة الكرام يفعلون مع صبيانهم، وهناك برامج أطفال مناسبة، وأفلام كرتونية محافظة في القنوات الإسلامية الموثوقة، يمكن إشغالهم بها. 9- يفضَّل أن يأخذ الأب ابنه – وخاصة بعد العصر – للمسجد لشهود الصلاة، وحضور الدروس، والبقاء في المسجد لقراءة القرآن، وذكر الله تعالى. 10- تخصيص الزيارات النهارية، والليلية، لأسر يصوم أولادهم الصغار؛ تشجيعاً لهم على الاستمرار في الصيام. 11- مكافأتهم برحلات مباحة بعد الإفطار، أو صنع ما تشتهيه نفوسهم من الأطعمة والحلويات، والفواكه، والعصائر. وننبه إلى أنه إذا بلغ الجهد من الطفل مبلغه أن لا يصرَّ عليه إكمال الصوم؛ حتى لا يتسبب ذلك في بغضه للعبادة، أو يتسبب له في الكذب، أو في مضاعفات مرضية، وهو ليس من المكلفين، فينبغي التنبه لهذا، وعدم التشدد في أمره بالصيام. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 139252 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2819 حدث نزيف بعد تعاطي إبرة لمنع الحمل مؤقتا، فما الحكم؟ [السُّؤَالُ] ـ[لي قريبه متزوجة عمرها 30 سنة مريضة بالسكر والضغط وأصابتها الجلطة العام الماضي أثرت على صحتها بشكل عام ثم أخذت إبرة تمنعها من الحمل لمدة ثلاثة أشهر وحدث معها قبل انقضاء المدة المحددة نزيف خفيف ومستمر من قبل رمضان واستمر معها حتى بعد انقضاء رمضان وكانت تصلي وتصوم وتقول لي أيضا إنها قضت الآن 16 يوما. فما حكم هذه الإبرة في حالتها؟ وهل تقضي الصلاة أو الصيام وماذا عليها؟ أو ما الحكم في حالتها عموماً؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: يجوز للمرأة أن تستعمل وسيلة تمنع الحمل منعاً مؤقتاً، مرعاة لظروفها الصحية التي لا تتحمل الحمل. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: "يجوز تعاطي أسباب منع الحمل مؤقتا للمصلحة الشرعية" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (9/434) . وقال الشيخ صالح الفوزان: "إذا كان هذا التنظيم أو تأخير الحمل لداعٍ صحي بالمرأة ككون المرأة مثلاً لا تطيق الحمل والولادة في حالة خاصة أو ظرف خاص لمرضها فإنه لا مانع من أن تعطي ما يمنع الحمل مؤقتًا حتى تزول هذه الحالة التي يشق عليها فيها الحمل والولادة" انتهى. "المنتقى من فتاوى الفوزان" (89/20) . ثانيا: هذه المرأة تكون مستحاضة، وأيام حيضها السابقة معلومة، وحكمها: أن تجلس مدة حيضها السابقة، فلا تصلي ولا تصوم، فإذا انقضت تلك المدة اغتسلت وصلت وصامت. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عمن أصابها نزيف دم كيف تصلي ومتى تصوم؟ فأجاب: "مثل هذه المرأة التي أصابها نزيف الدم، حكمها أن تجلس عن الصلاة والصوم مدة عادتها السابقة قبل الحدث الذي أصابها، فإذا كان من عادتها أن الحيض يأتيها من أول كل شهر لمدة ستة أيام مثلاً، فإنها تجلس من أول كل شهر مدة ستة أيام لا تصلي ولا تصوم، فإذا انقضت اغتسلت وصلت وصامت. وكيفية الصلاة لهذه المرأة وأمثالها: أنها تغسل فرجها غسلاً تاماً وتعصبه وتتوضأ وتفعل ذلك عند دخول وقت صلاة الفريضة لا تفعله قبل دخول الوقت، تفعله بعد دخول الوقت، ثم تصلي، وكذلك تفعله إذا أرادت أن تتنفل في غير أوقات الفرائض، وفي هذه الحال ومن أجل المشقة عليها يجوز لها أن تجمع صلاة الظهر مع العصر (أو العكس) وصلاة المغرب مع العشاء (أو العكس) حتى يكون عملها هذا واحداً للصلاتين صلاة الظهر والعصر، وواحداً للصلاتين المغرب والعشاء، وواحداً لصلاة الفجر بدلاً من أن تعمل ذلك خمس مرات تعمله ثلاث مرات" انتهى. "مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (11/220) . ثالثا: قد ذكرت أنها كانت تصلي وتصوم في مدة النزيف، فصلاتها في أيام الحيض غير صحيحة ولا يلزمها قضاؤها، لأن الحائض لا تقضي الصلاة. أما الصوم فهو غير صحيح في أيام الحيض ويلزمها قضاؤه، وقد قضت ستة عشر يوماً فإن كانت هذه هي أيام الحيض أو أكثر فقد فعلت ما وجب عليها ولا يلزمها أكثر من هذا، وإن كانت أيام حيضها أكثر من ذلك، قضت ما تبقى عليها. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 132832 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2820 توفيت والدته وعليها قضاء رمضانين [السُّؤَالُ] ـ[توفيت والدتي وتذكر لي في حياتها بأن عليها صوم شهرين من رمضان من سنتين، حيث جاء شهر الصوم وهي في حالة ولادة، وتوفيت وما قد صامتها قضاء، فهل أصوم عنها أو أطعم؟ وما كيفية الإطعام؟ أذبح شيئاً من الماعز وأقسمه على ستين بيتاً، أو أدفع بقدر الطعام فلوساً؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الأحسن أن تصوم عن والدتكم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ) متفق على صحته، والولي هو القريب، فإن لم يتيسر لك الصوم ولا لغيرك من أقاربها فأطعم من تركتها أو من مالك مسكيناً عن كل يوم، ومقداره نصف صاع من قوت البلد، وإن جمعت الجميع ودفعته إلى فقير واحد أجزأ ذلك. وبالله التوفيق، وصلى الله علي نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ عبد الرزاق عفيفي.. الشيخ عبد الله بن غديان. [الْمَصْدَرُ] "فتاوى اللجنة الدائمة. المجموعة الثانية" (9/260) . الحديث: 130647 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2821 لا بأس بتقديم الطعام والشراب لفاقد العقل في نهار رمضان [السُّؤَالُ] ـ[في أول يوم من شهر رمضان زارتني امرأة عجوز عمرها في حدود مائة سنة، أحياناً يكون وعيها معها وأحياناً لا تعي، فطلبت مني أن أصنع لها قهوة، ففعلت ذلك وأحضرت لها القهوة، فهل علي ذنب في هذا؟ مع العلم بأنني أخبرتها أننا في شهر رمضان. أفيدوني أفادكم الله.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كان ظاهرا أن عقلها مفقود، وأنها قد دخلت في التخريف والهرم فلا بأس بصنعك القهوة لها لأنه ليس عليها صيام، وحضور بعض العقل معها كأن تقول: افعلوا كذا أو أعطوني كذا. فهذا لا يدل على العقل، والغالب على من بلغ مائة سنة أنه يدخله التخريف والتغير، فإن ظهر لك من حالها أن عقلها مفقود وأنها غير منضبطة فإنه لا بأس أن تأكل وتشرب. أما إن ظهر لك أن عقلها معها وأنها متساهلة، فلا تعطيها قهوة ولا غيرها، لئلا تعيينها على الباطل، والله يقول: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2، فالذي يطلب الطعام في رمضان وهو صحيح من المسلمين لا يعطى، لا طعاماً ولا شراباً ولا دخاناً ولا يعان على الباطل. أما من كان فاقد العقل كالمعتوه والهرم والمجنون والهرمة فهؤلاء ليس عليهم جناح وقد سقط عنهم الصوم" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (3/1267) . [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز فتاوى نور على الدرب الحديث: 130290 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2822 هل يصح قول من قال بوجوب الفطر على المريض والمسافر وعدم صحة صومهما؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما رأيكم في قول من يقول إن المريض والمسافر يجب عليهما الإفطار والقضاء ولا يجوز لهما الصيام، لأن الله تعالى قال: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) فصار الواجب عليهما هو القضاء. وهذا يعني أنهما لا يصومان.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "يرخص للمريض الذي يشق عليه الصوم وللمسافر أن يفطرا في نهار رمضان؛ لقوله تعالى: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/185. ولو صاما فإن صيامهما صحيح؛ لحديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيَّ رضي الله عنه قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَأَصُومُ فِي السَّفَرِ؟) وَكَانَ كَثِيرَ الصِّيَامِ، فَقَالَ: (إِنْ شِئْتَ فَصُمْ، وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ) رواه الجماعة. لكن إذا خشيا على نفسيهما من الصوم وجب الفطر، لحديث جابر رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فرأى زحاماً ورجلاً قد ظلل عليه، فقال: (ما هذا؟) فقالوا: صائم، فقال: (ليس من البر الصوم في السفر) . والترخيص بالفطر للمسافر أفضل مطلقاً؛ لحديث حمزة بن عمر الأسلمي أنه قال: يا رسول الله: أجد مني قوة على الصوم، فهل علي جناح؟ فقال: (هي رخصة من الله تعالى، فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه) رواه مسلم. أما آية البقرة فما عرض لك من إشكال في ظاهرها يزول إن شاء الله إذا علمت أن في الآية تقديراً وهو: (فأفطر) فالمعنى: فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فأفطر فعدة من أيام أخر، وقد بَيَّن هذا أهل العلم وله نظائر كثيرة في الكتاب والسنة، وكلام العرب لا نطيل بذكرها. وبالله التوفيق، وصلى الله علي نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز. الشيخ عبد العزيز آل الشيخ. الشيخ عبد الله بن غديان. صالح الفوزان. الشيخ بكر أبو زيد. "فتاوى اللجنة الدائمة المجموعة الثانية" (9/83) . [الْمَصْدَرُ] "فتاوى اللجنة الدائمة المجموعة الثانية" (9/83) الحديث: 129948 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2823 إذا صامت المرأة وهي حامل وعليها نزيف [السُّؤَالُ] ـ[صمت من رمضان الشهر كله، وأنا غالب ظني أن صيامي غير سليم حيث كان عندي جنين في بطني ومعي نزيف، وأنا الآن صحتي ضعيفة ولا أستطيع الصيام. فإذا كان لم يصح صيامي فماذا أفعل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا صامت المرأة وفي بطنها جنين ومعها نزيف الدم فصومها صحيح؛ لأن هذا النزيف الذي معها وهي حامل لا يؤثر شيئاً ولا يعتبر حيضاً ولا نفاساً؛ لأن الولد موجود في البطن، فليس بنفاس، وليس بحيض؛ لأن الغالب أن الحامل لا تحيض، وعلى قول من قال: إن الحامل قد تحيض، فيشترطون أن يكون الدم مستقيماً على عادته الأولى. فإذا كانت المرأة التي سألت عن هذا السؤال إنما دمها ملتبس عليها ومتغير؛ نزيف يتقطع ويختلف ليس على عادته الأولى القديمة التي تراها قبل الحمل هذا كله دم فاسد، وصومها صحيح، وليس عليها قضاء الصوم والحمد لله؛ لأن الدم الذي مع الحامل في الغالب يكون دماً فاسداً مختلاً يزيد وينقص ويتقدم ويتأخر ويتنوع، فهو لا يعتبر. أما لو قدر أنه على حالته الأولى قبل الحمل لم يتغير بل جاء في عادته فهذا قال بعض أهل العلم: إنه حيض، وان عليها أن تجلس ولا تصوم، قاله جماعة من العلماء. وذهب آخرون من أهل العلم أنه ولو كان على عادته وعلى حاله الأولى لا يعتبر، وأن الحامل لا تحيض. هذا قول مشهور عن أهل العلم. لكن الغالب أن الحامل إنما يأتيها دم مضطرب متغير نزيف لا يستقر له قرار، فهذا لا يعتبر عند الجميع ولا يلتفت إليه، بل صومها صحيح وصلاتها صحيحة. وعليها في هذه الحالة أن تتحفظ بقطن ونحوه وتتوضأ لوقت كل صلاة، إذا دخل الوقت تتوضأ لكل صلاة وتصلي بطهارتها ولو أن الدم لا يزال يخرج معها؛ لأنها مبتلاة بهذا الشيء مثل صاحب سلس البول ومثل المستحاضة التي ليست حاملاً سواء بسواء؛ فهذا الدم الجاري معها دم فاسد لا يضرها. لكنها تستنجي بعد دخول الوقت وتتوضأ وضوء الصلاة وتصلي على حسب حالها. وإذا جمعت بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء كما علم النبي بعض الصحابيات عليه الصلاة والسلام، وإذا اغتسلت مع ذلك عند صلاة الظهر والعصر غسلاً واحداً والمغرب والعشاء غسلاً واحداً من باب النظافة والنشاط هذا حسن، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى به بعض النساء المستحاضات" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (3/1227) . [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز فتاوى نور على الدرب الحديث: 128804 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2824 مشروعية الفطر للتقوي على الجهاد [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمجاهدين أن يفطروا في رمضان؟ مع أنهم في بلادهم وليسوا مسافرين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، يجوز للمجاهدين أن يفطروا في رمضان، ليتقَووا بذلك على الجهاد، ولو كانوا في بلادهم. فإن الصيام يُضْعفهم عن القتال، والنكاية في الأعداء. وهذا أحد القولين للإمام أحمد واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذاه ابن مفلح وابن القيم وغيرهم من أهل العلم. انظر الفروع لابن مفلح 3 / 28. وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على مشروعية الفطر بسبب الجهاد. روى مسلم (1120) عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّةَ -يعني في فتح مكة- وَنَحْنُ صِيَامٌ، فَنَزَلْنَا مَنْزِلا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّكُمْ قَدْ دَنَوْتُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ. فَكَانَتْ رُخْصَةً، فَمِنَّا مَنْ صَامَ، وَمِنَّا مَنْ أَفْطَرَ، ثُمَّ نَزَلْنَا مَنْزِلا آخَرَ، فَقَالَ: إِنَّكُمْ مُصَبِّحُو عَدُوِّكُمْ وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ، فَأَفْطِرُوا. وَكَانَتْ عَزْمَةً فَأَفْطَرْنَا. وروى أبو داود (2365) عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ النَّاسَ فِي سَفَرِهِ عَامَ الْفَتْحِ بِالْفِطْرِ، وَقَالَ: تَقَوَّوْا لِعَدُوِّكُمْ. قال الحافظ في "التلخيص الحبير": صححه الحاكم وابن عبد البر اهـ فهذان الحديثان يدلان على أن الأمر بالفطر ليس من أجل السفر، وإنما من أجل التقوي على الجهاد. قال في المنتقى شرح موطأ الإمام مالك: قَوْلُهُ: (تَقْوَوْا لِعَدُوِّكُمْ) فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ فِطْرِهِمْ. . . وَلَوْ كَانَتْ الْعِلَّةُ السَّفَرَ لَمَا عَلَّلَ بِالتَّقَوِّي لِلْعَدُوِّ وَلَعَلَّلَ بِالسَّفَرِ اهـ وقال المناوي في فيض القدير: " مُصَبِّحُو" أي: توافونه صباحاً. وفي رواية: (قد دنوتم من عدوكم) . . . وأُخِذَ من تعليله بدنو العدو واحتياجهم إلى القوة التي يلقونه بها أن الفطر هنا للجهاد لا للسفر، فلو وافاهم العدو في الحضر واحتاجوا إلى التقوّي بالفطر جاز على ما قيل لأنه أولى من الفطر بمجرد السفر اهـ. وقال ابن القيم في زاد المعاد (2/53-54) : وكان - يعني النبي صلى الله عليه وسلم- يأمرهم بالفطر إذا دنوا من عدوهم ليتقووا على قتاله، فلو اتفق مثل هذا في الحضر وكان في الفطر قوةٌ لهم على لقاء عدوهم، فهل لهم الفطر؟ فيه قولان: أصحهما دليلا: أن لهم ذلك، وهو اختيار ابن تيمية، وبه أفتى العساكر الإسلامية لما لقوا العدو بظاهر دمشق، ولا ريب أن الفطر لذلك أولى من الفطر لمجرد السفر، بل إباحة الفطر للمسافر تنبيه على إباحته في هذه الحالة، فإنها أحق بجوازه، لأن القوة هناك تختص بالمسافر، والقوة هنا له وللمسلمين، ولأن مشقة الجهاد أعظم من مشقة السفر، ولأن المصلحة الحاصلة بالفطر للمجاهد أعظم من المصلحة بفطر المسافر، ولأن الله تعالى قال: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) الأنفال /60. والفطر عند اللقاء من أعظم أسباب القوة. . . ولأن النبي قال للصحابة لما دنوا من عدوهم: (إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم، وكانت رخصة. ثم نزلوا منزلا آخر، فقال: إنكم مصبحو عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا فكانت عزمة فأفطرنا) . فعلل بدنوهم من عدوهم واحتياجهم إلى القوة التي يلقون بها العدو، وهذا سبب آخر غير السفر، والسفر مستقل بنفسه، ولم يذكره في تعليله ولا أشار إليه. . . وبالجملة فتنبيه الشارع وحكمته يقتضي أن الفطر لأجل الجهاد أولى منه لمجرد السفر، فكيف وقد أشار إلى العلة، ونبه عليها، وصرح بحكمها، وعزم عليهم بأن يفطروا لأجلها، ويدل عليه ما رواه عيسى بن يونس عن شعبة عن عمرو بن دينار قال: سمعت ابن عمر يقول: قال رسول الله لأصحابه يوم فتح مكة: إنه يوم قتال فأفطروا، فعلل بالقتال، ورتب عليه الأمر بالفطر بحرف الفاء. وكل أحد يفهم من هذا اللفظ أن الفطر لأجل القتال اهـ والله أعلم. وهذه المعركة التي ذكرها ابن القيم رحمه الله، كانت بين المسلمين والتتار سنة 702 هـ وكان النصر فيها للمسلمين. قال ابن كثير رحمه الله: وأفتى الناس بالفطر – يعني ابن تيمية رحمه الله - مدة قتالهم وأفطر هو أيضاً، وكان يدور على الأجناد والأمراء فيأكل من شيء معه في يده ليعلمهم أن إفطارهم ليتقووا على القتال أفضل، فيأكل الناس اهـ انظر: "البداية والنهاية" (14/31) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 12641 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2825 أفطر وأطعم بسبب مرض مزمن ثم شفاه الله [السُّؤَالُ] ـ[شخص أصابه مرض مزمن ونصحه الأطباء بعدم الصوم دائما، ولكنه راجع أطباء في غير بلده وشفي بإذن الله أي بعد خمس سنوات، وقد مر عليه خمس رمضانات وهو لم يصمها، فماذا يفعل بعد أن شفاه الله هل يقضيها أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كان الأطباء الذين نصحوه بعدم الصوم دائما أطباء من المسلمين الموثوقين العارفين بجنس هذا المرض، وذكروا له أنه لا يرجى برؤه فليس عليه قضاء، ويكفيه الإطعام، وعليه أن يستقبل الصيام مستقبلا" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى الشيخ ابن باز" (15/355) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112096 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2826 أصيب بصداع شديد في رمضان [السُّؤَالُ] ـ[لقد أصبت بصداع قوي في الرأس في شهر رمضان من الأسنان، هل أستخدم حبة وأنا في الصوم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصداع الشديد من الأمراض التي تبيح الفطر في رمضان، لا سيما والصيام مما يزيد الصداع، فلا حرج على من أصيب بذلك أن يفطر ليأخذ الدواء، ويأكل ويشرب ليذهب عنه الصداع، وعليه قضاء الأيام التي أفطرها بعد رمضان، لقوله تعالى: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/185. قال في "الجوهرة النبيرة" (حنفي) (1/142) : "المريض الذي يباح له الإفطار أن تزداد حُمَّاه شدة بالصوم، أو عيناه وجعا، أو رأسه صداعا" انتهى. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 108414 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2827 مصاب بنزيف وجلطات مختلفة في المخ فهل يلزمه الصوم؟ [السُّؤَالُ] ـ[والد زوجتي مصاب بنزيف وجلطات مختلفة في المخ، عافانا وعافاكم الله , وهو لا يتحرك ومشلول كاملا وقد يستطيع رفع كأس ماء بالمساندة ليشرب، ويبقى يحمل الكأس ساعة لو نسيناه لعدم إدراكه أنه أنهى الشرب.. ذاكرته ذهبت تقريبا.. الأطباء أجمعوا أن لا شفاء إلا عند الله. وهو على هذا الحال وتسوء منذ الست سنوات والحمد لله , ولا يمكن الاستغناء عن الأدوية اليومية والعلاج الطبيعي. وهذه تكلفهم الآلاف شهريا. ولا يصلي منذها ويذهب الحمام محمولا ويعيش منذ سنة أو أكثر بقسطرة البول أو الكافولة ولا يستطيع التحكم بالبول أو البراز أو حتى لفت نظرنا مهما حاولنا تعليمه أن يبلغنا بأي إشارة , لا يتكلم تقريبا وإدراكه لا يتعدى أنه يعرف وجوهنا ويتأثر عند سماع قصص حزينة مثلا , حاولنا معه أن يصلي حتى بعينه , ولكنه غير مدرك تقريبا ولا يتذكر الآيات والتشهد وعدد الركعات لكل فرض. هل عليه كفارة بالصلاة! أو الصوم خصوصا! هل هو بعداد المريض المذكور بحالة كفارة الصائم ويجب على أهله إطعام مسكين عن كل يوم؟ أم بعداد المجنون أو المعتوه الذي لا يدرك فيسقط عنه الصوم والصلاة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من ذهبت ذاكرته، وتغير عقله، وأصبح لا يعي، سقط عنه الصوم والصلاة، ولا كفارة عليه، لأن من شرط التكليف صحة العقل. قال صلى الله عليه وسلم: (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ) رواه أبو داود (4403) والترمذي (1423) والنسائي (3432) وابن ماجه (2041) قَالَ أَبُو دَاوُد: رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَادَ فِيهِ: (وَالْخَرِفِ) . والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود. قال في "عون المعبود": " (الْخَرِف) : مِنْ الْخَرَف: فَسَاد الْعَقْل مِنْ الْكِبَر. قَالَ السُّبْكِيّ: يَقْتَضِي أَنَّهُ زَائِد عَلَى الثَّلَاثَة، وَهَذَا صَحِيح، وَالْمُرَاد بِهِ الشَّيْخ الْكَبِير الَّذِي زَالَ عَقْله مِنْ كِبَر؛ فَإِنَّ الشَّيْخ الْكَبِير قَدْ يَعْرِض لَهُ اِخْتِلَاط عَقْل يَمْنَعهُ مِنْ التَّمْيِيز، وَيُخْرِجهُ عَنْ أَهْلِيَّة التَّكْلِيف، وَلَا يُسَمَّى جُنُونًا ; وَلَمْ يَقُلْ فِي الْحَدِيث: حَتَّى يَعْقِل، لِأَنَّ الْغَالِب أَنَّهُ لَا يَبْرَأ مِنْهُ إِلَى الْمَوْت , وَلَوْ بَرِئَ فِي بَعْض الْأَوْقَات بِرُجُوعِ عَقْله تَعَلَّقَ بِهِ التَّكْلِيف ... " انتهى باختصار. وينظر: "الأشباه والنظائر" للسيوطي، ص (212) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " لا يجب الصوم أداءً إلا بشروط: أولها: العقل. الثاني: البلوغ. الثالث: الإسلام. الرابع: القدرة. الخامس: الإقامة. السادس: الخلو من الحيض والنفاس بالنسبة للنساء. – الأول: العقل، وضده فقد العقل، سواءً بجنون خرف يعني: هرم، أو حادث أزال عقله وشعوره، فهذا ليس عليه شيء؛ لفقد العقل، وعلى هذا فالكبير الذي وصل إلى حد الهذرمة ليس عليه صيام ولا إطعام؛ لأنه لا عقل له، وكذلك من أغمي عليه بحادث أو غيره فإنه ليس عليه صوم ولا إطعام؛ لأنه ليس بعاقل " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (220/4) . وقال أيضا: " من فقد عقله لكبر أو حادث لا يرجى زواله، فإنه لا يجب عليه الصوم مثل المهذري كبير السن الذي بلغ سناً لا يحسن فيه القول، فهو بمنزلة الصبي وليس عليه صوم، وكذلك من أصيب بحادث أذهب عقله على وجه لا يرجى برؤه، أما إذا كان يرجى برؤه بأن أغمي عليه فقط فهذا إذا أفاق فإنه يقضي، لكن إذا زال عقله كلياً فإنه لا صوم عليه. يعني وإذا لم يكن عليه صوم فلا فدية عليه " انتهى من "شرح الكافي" بتصرف يسير. فالذي يظهر أنه لا تجب عليه الصلاة ولا الصيام، ولا يجب أن يطعم عنه بدل الصيام. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 107885 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2828 مريض منعه الطبيب من الصيام [السُّؤَالُ] ـ[أنا شاب معاق مصاب بشلل النصف السفلي من جسمي أستعمل كرسي متحرك كان قد منعني الطبيب من الصيام؛ لأن جسمي يحتاج الماء بصفة منتظمة طيلة اليوم، وأن الصيام وعدم شرب الماء يضر جهازي الكلوي، لكن لم أمتثل لأمره، وصمت رمضان المنصرم فهل ارتكبت معصية؟ وهل يجوز أن أصوم رمضان المقبل؟ أشيروا علي، وللعلم فالطبيب مسلم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: صوم رمضان واجب على كل مسلم مكلف قادر على الصيام، فإذا عجز المسلم عن الصوم لمرض يضرّه أو يشقّ عليه إذا صام، أو كان يحتاج إلى علاج في نهار رمضان بأنواع الحبوب والأشربة ونحوها مما يؤكل ويشرب، فهذا يشرع في حقه الفطر؛ لقوله تعالى: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) البقرة /185، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ) رواه الإمام أحمد (5839) ، وصححه الألباني في إرواء الغليل (564) . وللفائدة راجع جواب السؤال رقم (11107) . فعلى هذا، إذا ثبت أن الصوم يضرك بشهادة الطبيب الثقة، فإنه يجب عليك الفطر، ولا يجوز لك الصوم؛ لقوله تعالى: (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) البقرة /195، ولقوله عليه الصلاة والسلام: (لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ) رواه ابن ماجة (2341) وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة. ونظراً لأنك صمت رمضان الماضي ولم يضرك شيء، فالذي نراه أن تستشير طبيباً أخر أعلم وأوثق من الأول في حالتك، فإن أمرك بالصيام صمت، وإن أمرك بالفطر أفطرت. أما بالنسبة للقضاء، فإذا كان مرضك مؤقتاً، فعليك أن تنتظر حتى يشفيك الله تعالى ثم تقضي الأيام التي أفطرتها؛ لقول الله تعالى: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة /184 ا. أما إذا كان المرض مستمراً معك، ولا يُرجى منه الشفاء، فعليك أن تطعم عن كل يوم مسكيناً. ولمعرفة طريقة الإطعام انظر جواب السؤال رقم (39234) . نسأل الله أن يكتب لك، ولجميع مرضى المسلمين الشفاء والعافية. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 107305 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2829 عاد إليها دم النفاس وهي صائمة [السُّؤَالُ] ـ[إذا طهرت النفساء خلال أسبوع وصامت مع المسلمين في رمضان أياماً معدودة ثم عاد إليها الدم هل تفطر في هذه الحالة؟ وهل يلزمها قضاء الأيام التي صامتها والتي أفطرتها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا طهرت النفساء في الأربعين فصامت أياماً ثم عاد إليها الدم في الأربعين فإن صومها صحيح، وعليها أن تدع الصلاة والصيام في الأيام التي عاد فيهل الدم – لأنه نفاس – حتى تطهر أو تكمل الأربعين، ومتى أكملت الأربعين وجب عليها الغسل، وإن لم تر الطهر، لأن الأربعين هي نهاية النفاس في أصح قولي العلماء، وعليها بعد ذلك أن تتوضأ لوقت كل صلاة حتى ينقطع عنها الدم، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك المستحاضة، ولزوجها أن يستمتع بها بعد الأربعين، وإن لم تر الطهر، لأن الدم والحال ما ذكر دم فساد لا يمنع الصلاة ولا الصوم، ولا يمنع الزوج من استمتاعه بزوجته. لكن إن وافق الدم بعد الأربعين عادتها في الحيض فإنها تدع الصلاة والصوم وتعتبره حيضاً. والله ولي التوفيق" انتهى. فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله. "فتاوى إسلامية" (2/146) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106464 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2830 مريض بالسل ولا يستطيع الصيام [السُّؤَالُ] ـ[مصاب بمرض السل الرئوي من مدة ثلاث سنوات، وقرر طبيبان مسلمان أنه لا يتحمل الصيام بسبب هذا المرض، فهل يجوز له الفطر في رمضان؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " حيث قرر الطبيبان المسلمان تضرره بالصيام فيسوغ له الفطر، وقضاء الصوم بعد برئه إن شاء الله" انتهى. "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله" (4/181، 182) . فإن كان لا يستطيع الصيام بعد ذلك فعليه أن يطعم مسكيناً عن كل يوم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106465 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2831 مريض بالسل ونصحه الأطباء بعدم الصيام خمس سنوات [السُّؤَالُ] ـ[مريض بالسل، وتعالجت منه مدة سنتين، وألزمني الأطباء بترك الصيام، وخوفوني بأني إذا صمت انتكس علي المرض، ونصحوني بترك الصيام مدة خمس سنوات. فما حكم ترك الصيام هذه المدة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " قال الله تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/185، أي: ومن كان به مرض في بدنه يشق عليه الصيام أو يؤذيه أو كان في حال سفر فله أن يفطر، وعليه قضاء عدة ما أفطره من الأيام، ولهذا قال الله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ) البقرة/185، ونص العلماء على أنه إذا أخبر طبيب مسلم ثقة بأن الصيام مما يضر بهذا المريض، أو يُمَكِّن منه العلة، أو يبطئ البرء ونحو ذلك فإن ترك الصيام في مثل هذه الحالة جائز شرعاً. فإن كان الطبيب غير مسلم أو مسلماً لكنه غير عدل فلا يقبل قوله إلا عند الضرورة، مثل ألا يتمكن من سؤال غيره، فإذا وجدت الضرورة وحفت القرائن على صدق غير المسلم ونحوه بأن يحس المريض من نفسه بذلك، أو يكون مشتهراً أن هذا المرض مما يتمكن بالصيام ويصعب برؤه فحينئذ يجوز ترك الصيام حتى يعافيه الله ويقوى عليه بدون ضرر. أما ما مضى من الأشهر فعليك قضاؤها بعد البرء، ولا كفارة في تأخيرها، لأن تركك لها لاستمرار المرض معك " انتهى. "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله" (4/182، 183) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106466 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2832 مصاب بقرحة في المعدة ونصحه الأطباء بعدم الصوم [السُّؤَالُ] ـ[مصاب بقرحة المعدة منذ ثمان سنوات، ولا يزال مستمراً على العلاج، ونصحه الأطباء بعدم الصوم تفادياً من تضاعف المرض. فهل يجوز له ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "له الفطر، وعليه القضاء بعد شفائه إذا كان مرجواً برؤه. أما إذا كان الأمر بخلاف ذلك، وأنه من غير المحتمل شفاؤه من ذلك المرض فله أن يطعم [مسكيناً] عن كل يوم من شهر رمضان" انتهى. "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله" (4/180) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106467 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2833 هل يفطر المجاهدون في سبيل الله؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل الذين يحاربون العدو لهم الإفطار في رمضان ويقضون بعده؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كان الذين يحاربون الكفار مسافرين سفراً تقصر فيه الصلاة، جاز لهم أن يفطروا، وعليهم القضاء بعد رمضان. وإن كانوا غير مسافرين بأن هجم عليهم الكفار في بلادهم فمن استطاع منهم الصوم مع الجهاد وجب عليه الصوم، ومن لم يستطع الجمع بين الصيام والقيام بما وجب عليه عيناً من الجهاد، جاز له أن يفطر وعليه القضاء، صوم الأيام التي أفطرها بعد انتهاء رمضان" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. "فتاوى إسلامية" (2/141، 142) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106469 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2834 متى يفطر ركاب الطائرة؟ [السُّؤَالُ] ـ[كان مسافراً من كراتشي إلى بلده في السعودية عصر أحد أيام رمضان، وبعد فترة طيران الطائرة أعلن مضيفها أنه حان وقت الإفطار بالنسبة للتوقيت في كراتشي، ولا تزال الشمس في السماء مرئية لجميع ركاب الطائرة ويسأل عن حكم صوم من أفطر والحال ما ذكر.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "أجمع أهل العلم قاطبة على أن الصوم من طلوع الفجر حتى غروب الشمس، لقوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) البقرة/187، ولما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا أقبل الليل من ههنا، وأدبر من ههنا، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم) وعلى أن لكل صائم حكم المكان الذي هو فيه، سواء كان على سطح الأرض أم على طائرة في الجو. وعليه؛ فمن أفطر وهو في الطائرة بتوقيت بلد ما، وهو يعلم أن الشمس لم تغرب فصيامه فاسد؛ لأنه أفطر قبل غروب الشمس بالنسبة له، وعليه قضاء ذلك اليوم. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن منيع. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (10/397، 398) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106475 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2835 كان مرضها لا يرجى شفاؤه ثم شفاها الله منه [السُّؤَالُ] ـ[امرأة منعها الأطباء من الصوم لمرض في قلبها لم يكن يرجى شفاؤه فكانت تفطر في رمضان وتخرج الفدية عن كل يوم تفطره مباشرة، ثم شاء الله بتقدم الطب أن يُجرى لها عملية جراحية في صمام القلب ونجحت العملية والحمد لله ولكن بقيت فترة من الزمن تحت المراقبة وتحت العلاج المستمر، والآن بعد أن تحسنت صحتها ومكنها الله من صيام رمضان الماضي، وهي تسأل ماذا تعمل في الأيام التي أفطرتها؟ وهل عليها أن تقضي ما فاتها من صيام ويقدر بـ 180 يوماً أي ما يعادل ستة أعوام متوالية، أم أن إخراجها الفدية في حينها يجزئها عن الصوم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "يجزئها ما أخرجته من الفدية فيما مضى عن كل يوم أفطرته، ولا يجب عليها قضاء تلك الشهور؛ لأنها معذورة، وقد فعلت ما وجب عليها في حينه. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (10/195، 196) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106478 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2836 أمره الأطباء ألا يصوم أبداً، ثم شفي بعد خمس سنوات [السُّؤَالُ] ـ[شخص أصابه مرض مزمن ونصحه الأطباء بعدم الصوم دائماً، ولكنه راجع أطباء في غير بلده وشفي بإذن الله بعد خمس سنوات وقد مر عليه خمس رمضانات وهو لم يصمها، فماذا يفعل بعد أن شفاه الله هل يقضيها أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كان الأطباء الذين نصحوه من المسلمين الموثوقين العارفين بجنس هذا المرض، وذكروا له أنه لا يرجى برؤه، فليس عليه قضاء ويكفيه الإطعام، وعليه أن يستقبل الصيام مستقبلاً" انتهى. فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله. "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" (15/354، 355) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106496 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2837 اعتمر في نهار رمضان وشعر بالتعب والمشقة فأفطر [السُّؤَالُ] ـ[لي أخ كان عمره 18 وأخت كان عمرها 17 سنة ذهبا يوما في نهار رمضان بعد الفجر وأخذا عمرة، ولكن بلغ منهم التعب والمشقة في السعي حتى ظنوا أنهم سيهلكون، فشربوا ماء وهم في السعي، فماذا عليهم أن يفعلوا لأنه مضي عليهم 3 سنوات؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان أخواك قد أديا العمرة، وهما مسافران، فلا حرج عليهما في الفطر، لأن المسافر يجوز له الفطر في نهار رمضان، لقول الله تعالى: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/185. وإذا كانا غير مسافرين وأفطرا لما ذكرت من حصول التعب والمشقة وخشية الهلاك، فلا حرج عليهما في ذلك، فإن الله تعالى قد رخص للمريض في الفطر، ومن بلغ هذا المبلغ من المشقة فهو في حكم المريض. ففي الحالين: (السفر وعدمه) لا حرج عليهما، ولا إثم، ولكن عليهما قضاء يوم مكان ذلك اليوم. وأما العمرة فإذا كانت مستوفية لأركانها وواجباتها فهي صحيحة إن شاء الله تعالى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105706 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2838 سيسافر ويبقى في الخارج ثلاثة أشهر فهل يلزمه صوم رمضان؟ [السُّؤَالُ] ـ[سوف أسافر بحول الله وقوته إلى إيطاليا في مدينة ميلان وذلك لظروف العمل وإنهاء المشروع الجديد للشركة، والمدة طويلة تصل إلى 3 أشهر، وسوف يحل علينا الشهر الفضيل شهر رمضان المبارك هناك. سؤالي: هل يجب الصوم؟ كذلك إذا أفطرت ماذا يجب علي أن أقضى؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من سافر إلى موضع، وعزم على الجلوس فيه أكثر من أربعة أيام، فإنه يكون في حكم المقيم، في قول جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة، فيلزمه ما يلزم المقيم من الصوم وإتمام الصلاة. جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (8/99) : " السفر الذي يشرع فيه الترخيص برخص السفر هو ما اعتبر سفراً عرفاً، ومقداره على سبيل التقريب مسافة ثمانين كيلو متراً، فمن سافر لقطع هذه المسافة فأكثر فله أن يترخص برخص السفر من المسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليهن، والجمع والقصر، والفطر في رمضان. وهذا المسافر إذا نوى الإقامة ببلد أكثر من أربعة أيام فإنه لا يترخص برخص السفر، وإذا نوى الإقامة أربعة أيام فما دونها فإنه يترخص برخص السفر. والمسافر الذي يقيم ببلد ولكنه لا يدري متى تنقضي حاجته ولم يحدد زمناً معيناً للإقامة فإنه يترخص برخص السفر ولو طالت المدة، ولا فرق بين السفر في البر والبحر " انتهى. وعليه؛ فالواجب عليك أن تصوم رمضان، وأن تتم الصلاة خلال هذه المدة، إلا إذا انتقلت من مدينة إلى مدينة، وكان بينهما مسافة قصر وهي 80 كم، فيجوز لك الفطر أثناء السفر، كما يجوز لك الجمع والقصر. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105443 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2839 حكم من لم تقض ما عليها من صوم منذ عامين ولا تزال عاجزة عن القضاء [السُّؤَالُ] ـ[أفطرتْ أختى أثناء حملها منذ عامين بعض الأيام فى شهر رمضان، وهي لاتزال عاجزة عن قضائهم، فماذا يجب عليها أن تفعل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحامل – ومثلها المرضع – إذا خافت على نفسها، أو على جنينها: لها أن تفطر في رمضان، وعليها القضاء فحسب؛ لأنها بمنزلة المريض المعذور بمرضه. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (50005) (49848) . ثم إن تمكنت من القضاء قبل دخول رمضان التالي وجب عليها ذلك، ولا يجوز لها التأخير حتى يدخل رمضان التالي، فإن استمر عذرها بسبب حمل جديد أو إرضاع أو مرض أو سفر حتى دخل رمضان التالي، فلا حرج عليها، ويلزمها القضاء متى تمكنت من ذلك. وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: امرأة أفطرت في رمضان للنفاس، ولم تستطع القضاء من أجل الرضاع حتى دخل رمضان الثاني، فماذا يجب عليها؟ . فأجاب: " الواجب على هذه المرأة أن تصوم بدل الأيام التي أفطرتها، ولو بعد رمضان الثاني؛ لأنها إنما تركت القضاء بين الأول والثاني للعذر، لكن إن كان لا يشق عليها أن تقضي في زمن الشتاء ولو يوماً بعد يوم: فإنه يلزمها ذلك، وإن كانت ترضع، فلتحرص ما استطاعت على أن تقضي رمضان الذي مضى قبل أن يأتي رمضان الثاني، فإن لم يحصل لها: فلا حرج عليها أن تؤخره إلى رمضان الثاني " انتهى. (19 / جواب السؤال رقم 360) . وسئل رحمه الله أيضاً: امرأة أفطرت شهر رمضان بسبب الولادة، ولم تقض ذلك الشهر، ومرَّ على ذلك زمن طويل وهي لا تستطيع الصوم، فما الحكم؟ فأجاب: " الواجب على هذه المرأة أن تتوب إلى الله مما صنعت؛ لأنه لا يحل للإنسان أن يؤخر قضاء رمضان إلى رمضان آخر إلا لعذرٍ شرعي، فعليها أن تتوب، ثم إن كانت تستطيع الصوم ولو يوماً بعد يوم: فلتصم، وإن كانت لا تستطيع: فيُنظر، إن كان لعذر مستمر: أطعمت على كل يومٍ مسكيناً، وإن كان لعذر طارىء يرجى زواله: انتظرت حتى يزول ذلك العذر، ثم قضت ما عليها " انتهى. (19 / جواب السؤال رقم 361) . والسائلة لم تبين سبب عجز أختها عن القضاء، فإن كان العجر مؤقتاً ويرجى زواله (حمل أو إرضاع أو مرض) فعليها القضاء إذا تمكنت من ذلك. وإن كان العجز دائماً بسبب مرض مزمن لا يرجى حصول الشفاء منه، فلا قضاء عليها، وعليها أن تطعم عن كل يوم مسكيناً. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 101100 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2840 أجبرها أهلها على الإفطار لمرضها فهل يأثمون؟ وهل تصوم إذا أرادت؟ [السُّؤَالُ] ـ[خالتي أصيبت بحادثة عندما كانت طفلة صغيرة، وقد فقدت إحدى عينيها، وقد قرر الأطباء أن لا تبكي هذه الطفلة، ولا تجوع؛ لأنه قد يؤثر على عينها، فقام والدها بمنعها من الصيام عندما أصبح الصيام واجباً عليها حسب تقرير الطبيب، وهي امرأة محافظة على دينها جدّاً، فبعد زواجها رأت أن الصيام لا يؤثر عليها فكانت تصوم. السؤال: هي الآن تصوم في أغلب أيامها؛ لكي لا يكون على أبيها عذاب، فهي كانت تحب أباها جدّاً - رحمه الله -، وهي تسأل فضيلتكم: هل على والديها شيء من الحرام؟ وهل يجب عليها أن تصوم كل شهور الصيام التي فاتتها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المرض من الأعذار المبيحة للفطر، قال تعالى: (وَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/185. ويدور حكم الصيام للمريض بين الكراهة والتحريم، فيُكره إذا شق عليه الصيام مع مرضه، ويحرم إذا كان الصوم يضره. وينظر تفصيل ذلك: في جوابي السؤالين: (50555) و (38532) . ولا يفطر المريض إلا بشهادة طبيب ثقة من ذوي الاختصاص بالمرض نفسه، وبعض العلماء يشترط أن يكون مسلماً. ومن أفطر بناء على كلام الطبيب , فلا حرج عليه، فإن كان مرضاً مزمناً – مستمراً -: فيفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً، ومن كان مرضه مؤقتاً: فيفطر، ويقضي بعد شفائه. قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: "إذا قرَّر الأطباء المختصون أن مرضك هذا من الأمراض التي لا يُرجى برؤها: فالواجب عليك إطعام مسكين عن كل يوم من أيام رمضان، ولا صوم عليك، ومقدار ذلك نصف صاع من قوت البلد، من تمر، أو أرز، أو غيرهما، وإذا غديتَه أو عشيتَه: كفى ذلك، أما إن قرروا أنه يرجى برؤه: فلا يجب عليك إطعام، وإنما يجب عليك قضاء الصيام إذا شفاك الله من المرض، لقول الله سبحانه: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) . وأسأل الله أن يمنَّ عليك بالشفاء من كل سوء، وأن يجعل ما أصابك طهوراً وتكفيراً من الذنوب، وأن يمنحك الصبر الجميل، والاحتساب، إنه خير مسئول " انتهى. " فتاوى الشيخ ابن باز " (15 / 221) . والذي يظهر لنا من السؤال أن والد المريضة لا يأثم , لأنه إنما ألزمها بالفطر بناءً على كلام الأطباء. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: مرضتُ بمرض الكلى، وأُجريت لي عمليتان، ونصحني الأطباء أن أشرب الماء ليلاً ونهاراً، وبما لا يقل عن لترين ونصف يوميّاً، كما أخبروني أن الصيام والكف عن شرب الماء ثلاث ساعات متتالية يعرضني للخطر، هل أعمل بكلامهم، أو أتوكل على الله، وأصوم مع أنهم يؤكدون بأن عندي استعداداً لتخلق الحصى، أو ماذا أفعل؟ وإذا لم أصم فما الكفارة التي عليَّ دفعها؟ . فأجابوا: " إذا كان الأمر كما ذكرت، وكان هؤلاء الأطباء حذَّاقا بالطب: فالمشروع لك أن تفطر؛ محافظة على صحتك؛ ودفعاً للضرر عن نفسك، ثم إن عوفيت وقويت على القضاء دون حرج: وجب القضاء، وإن استمر بك ما أصابك من المرض، أو الاستعداد لتخلق الحصى عند عدم تتابع شرب الماء، وقرر الأطباء أن ذلك لا يُرجى برؤه: وجب عليك أن تُطعم عن كل يوم أفطرته مسكيناً " انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن منيع. " فتاوى اللجنة الدائمة " (10 / 179، 180) . وإذا شعرت الأخت المريضة بقدرتها على الصيام دون أن يكون لذلك تأثير على عينها: فإنه لا حرج عليها بالصوم، لكن ينبغي أن يكون ذلك باستشارة أطباء ثقات؛ خشية أن تغتر بظاهر حالها، ويكون لذلك الصوم تأثير على صحة عينها. وأما قضاؤها الأيام التي أفطرتها فيما سبق , فالذي يظهر أنه لا يلزمها ذلك , ويكفيها أن تطعم عن كل يوم مسكيناً , لأنها إنما أفطرت بناءً على قول الطبيب. وقد سئل الشيخ بن باز رحمه الله عن شخص أصابه مرض مزمن ونصحه الأطباء بعدم الصوم دائماً ولكنه راجع أطباء في غير بلده وشفي بإذن الله , وقد مر عليه خمس رمضانات وهو لم يصمها , فماذا يفعل بعد أن شفاه الله , هل يقضيها أم لا؟ فأجاب: " إذا كان الأطباء الذين نصحوه بعدم الصوم دائما أطباء من المسلمين، الموثوقين، العارفين بجنس هذا المرض، وذكروا له أنه لا يرجى برؤه: فليس عليه قضاء، ويكفيه الإطعام، وعليه أن يستقبل الصيام مستقبلاً ". " فتاوى الشيخ ابن باز " (15 / 355) . والخلاصة: ليس على والديها حرج فيما فعلاه من جعل ابنتهم تفطر؛ بناءً على كلام الأطباء، وعليها فدية إطعام مسكين مقابل كل يوم أفطرته بعد بلوغها، وإذا حكم الأطباء الثقات المختصون أنها قادرة الآن على الصوم من غير مشقة ولا مضرة وجب عليها صوم رمضان , ولا عذر لها في الفطر , وإن أرادت التطوع بالصيام فلا حرج عليها. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97798 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2841 هل الأفضل للمريض أن يفطر في رمضان؟ [السُّؤَالُ] ـ[هي الأفضل للمريض أن يفطر، أو الأفضل أن يتحمل المشقة ويصوم؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان المريض يشق عليه الصوم فالأفضل له أن يفطر، ويقضي الأيام التي أفطرها. ولا يستحب له أن يصوم مع المشقة. والدليل على ذلك: 1- روى أحمد (5832) عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ) ، وصححه الألباني في إرواء الغليل (564) 2- روى البخاري (6786) ومسلم (2327) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: مَا خُيِّرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْن أَمْرَيْنِ إِلا أَخَذَ أَيْسَرهمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا , فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاس مِنْهُ. قال النووي رحمه الله: فِيهِ: اِسْتِحْبَاب الأَخْذ بِالأَيْسَرِ وَالأَرْفَق مَا لَمْ يَكُنْ حَرَامًا أَوْ مَكْرُوهًا اهـ. بل يكره للمريض أن يصوم مع مشقة الصيام عليه، وقد يكون صومه حراماً إذا خشي أن يحصل له ضرر بسبب الصوم. قال القرطبي رحمه الله (2/276) : للمريض حالتان: إحداهما: ألا يطيق الصوم بحال، فعليه الفطر واجبا. الثانية: أن يقدر على الصوم بضرر ومشقة، فهذا يستحب له الفطر ولا يصوم إلا جاهل اهـ. وقال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (4/404) : فإن تحمل المريض وصام مع هذا، فقد فعل مكروهاً، لما يتضمنه من الإضرار بنفسه، وتركه تخفيف الله تعالى، وقبول رخصته اهـ. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (6/352) : وبهذا نعرف خطأ بعض المجتهدين والمرضى الذين يشقّ عليهم الصوم وربّما يضرّهم، ولكنهم يأبون أن يفطروا، فنقول: إن هؤلاء قد أخطأوا حيث لم يقبلوا كرم الله عز وجل، ولم يقبلوا رخصته، وأضرّوا بأنفسهم، والله عز وجل يقول: (ولا تقتلوا أنفسكم) النساء / 29. اهـ. راجع السؤال رقم (1319) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 11107 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2842 حكم صيام الحامل التي تتضرر بالصوم [السُّؤَالُ] ـ[هل يجب على الحامل أن تصوم رمضان وعاشوراء؟ نصحت زوجتي بأن لا تصوم خلال رمضان وهي لم تفعل لأنها كانت حاملاً، كانت ضعيفة ولديها فقر دم أثناء الحمل. أجهضت في نهاية رمضان وهي في الأسبوع الثاني عشر (الشهر الثالث) ، فما هو الحكم بالنسبة للأيام التي أفطرت فيها من رمضان؟ هل يجب أن تقضيهما قبل رمضان القادم؟ هل يمكن أن تصوم كالمعتاد إذا كانت حامل؟ تصر دائماً على الصيام أثناء الحمل، أي إثبات طبي أن الصيام لن يؤذي الجنين أثناء الحمل سيساعد في هذا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله وبعد: فهذا السؤال يتضمن ثلاثة أمور: الأول: حكم إفطار الحامل في رمضان. الثاني: ما يترتب على الإجهاض في رمضان. الثالث: حكم القضاء بعد رمضان. ـ فأما بالنسبة للحامل: فيَجُوزُ لها أَنْ تُفْطِرَ إنْ خَافَتْ ضَرَرًا بِغَلَبَةِ الظَّنِّ عَلَى نَفْسِهَا أو على نفسها وَوَلَدِهَا , وَيَجِبُ ذَلِكَ إذَا خَافَتْ عَلَى نَفْسِهَا هَلَاكًا أَوْ شَدِيدَ أَذًى , وَعَلَيْهَا الْقَضَاءُ بِلا فِدْيَةٍ , وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ. لقوله تعالى: " ولا تقتلوا أنفسكم " وقوله: " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ". وَاتَّفَقُوا كَذَلِكَ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْفِدْيَةِ في هذه الحال ; لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ الْخَائِفِ عَلَى نَفْسِهِ. وإن خافت على جنينها فقط؛ فذهب بعض العلماء إلى: أنه يجوز لها الفطر، ويلزمها القضاء والفدية (وهي إطعام مسكين عن كل يوم) . لِمَا ورد َ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه في قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} قَالَ: كَانَتْ رُخْصَةً لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ وَهُمَا يُطِيقَانِ الصِّيَامَ أَنْ يُفْطِرَا وَيُطْعِمَا مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا وَالْحُبْلَى وَالْمُرْضِعُ إِذَا خَافَتَا قَالَ أَبُو دَاوُد يَعْنِي عَلَى أَوْلادِهِمَا أَفْطَرَتَا (أخرجه أبو داود 1947) وصححه الألباني في الإرواء (4 / 18، 25) . (انظر الموسوعة الفقهية 16 / 272) وبهذا يتضح أن المرأة إذا كان صيامها سيضرها أو يضر جنينها هذا الضرر البالغ فيجب عليها الفطر، على أن يكون الطبيب الذي يقرر الضرر طبيبا موثوقا في قوله. ـ هذا فيما يتعلق بالفطر في رمضان. وأما عاشوراء فصيامه ليس بواجب بالإجماع بل هو مستحب. ولا يجوز للمرأة أن تصوم النافلة وزوجها حاضر إلا بإذنه وإذا منعها من الصوم لزمها طاعته وخصوصاً إذا كان في ذلك مصلحة للجنين. ـ وأما بالنسبة للإجهاض: " فإذا كان الواقع كما ذكرت من إسقاطها الحمل في الشهر الثالث من حملها، فلا يعتبر الدم الذي يخرج منها دم نفاس , بل هو دم استحاضة، لأن ما نزل منها إنما هو علقة لا يتبين فيها خلق آدمي، وعلى ذلك فإنها تصلي وتصوم ولو كانت ترى الدم، لكن تتوضأ لكل صلاة، وعليها أن تقضي ما أفطرته من أيام، وما تركته من صلوات. " (انظر فتاوى اللجنة الدائمة 10 / 218) ـ وأما قضاء ما فاتها من أيام: " فيلزم كل من عليه أيام من رمضان أن يقضيها قبل رمضان القادم، وله أن يؤخر القضاء إلى شعبان، فإن جاء رمضان الثاني ولم يقضها من غير عذر أثم بذلك، وعليه القضاء مستقبلاً مع إطعام مسكين عن كل يوم، كما أفتى بذلك جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومقدار الطعام نصف صاع عن كل يوم من قوت البلد، يدفع لبعض المساكين ولو واحداً. أما إن كان معذوراً في التأخير لمرض أو سفر فعليه القضاء فقط، ولا إطعام عليه، لعموم قوله سبحانه: (ومن كان مريضاً أو على سفر فعدّة من أيام أخر) والله الموفق ". (فتاوى الشيخ ابن باز 15 /340) . [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 21589 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2843 لا تستطيع الصوم إلا باستعمال العقاقير [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من لا تستطيع الصوم إلا بالعقاقير وإلا تصاب بصداع نصفى شديد يؤدى أحيانا للغثيان , وخوفا من الوقوع في هذا ومنذ الصغر لا ترد الأيام التي تفطر فيها، علماً أن الحالة هي هي، لأنها مصابة بالحساسية. هل يمكنها أن تفدي الأيام التي أفطرتها بالصدقة على المساكين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الصوم يشق عليها فيجوز لها الفطر، ولا يلزمها استعمال العقاقير لتتمكن من الصوم؛ لأن المكلف لا يلزمه تحصيل شرط الوجوب. فإن أخبرتها طبيبة ثقة أن مرضها يرجى شفاؤه، فالواجب عليها قضاء الأيام التي أفطرتها، ولا يجزئها الإطعام وهي تقدر على القضاء. وأما إن أخبرتها الطبيبة بأن حالتها هذه لا يرجى تغيرها، وأن الصوم يؤدي إلى إصابتها بالصداع النصفي الشديد دائما، فإنها تفطر وتخرج الفدية عن الأيام التي لم تصمها. وعليها أن تجتهد في تقدير الأيام التي أفطرتها منذ بلوغها، وتخرج الفدية عنها. والأصل في جواز الفطر للمرض قوله تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) البقرة/185. وهذه الآية في المريض الذي يستطيع القضاء فيما بعد. وأما إن كان المرض لا يرجى شفاؤه - في تقدير الأطباء - فإنه يفطر ويطعم عن كل يوم مسكينا، نصف صاع من الأرز ونحوه [أي: كيلو ونصف تقريباً] ، وهو في ذلك ملحق بالشيخ الكبير الذي لا يقدر على الصوم، وفيه قوله تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) البقرة/184. روى البخاري (4505) عَنْ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: (هُوَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ لَا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا) . وقال النووي رحمه الله: " قال الشافعي والأصحاب: الشيخ الكبير الذي يجهده الصوم أي يلحقه به مشقة شديدة , والمريض الذي لا يرجى برؤه لا صوم عليهما بلا خلاف , وسيأتي نقل ابن المنذر الإجماع فيه , ويلزمهما الفدية في أصح القولين " انتهى من "المجموع" (6/261) . ونسأل الله تعالى لها الشفاء والعافية. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 94037 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2844 مريضة ولا تعقل ولا تعي ما حولها، فهل عليها إطعام؟ [السُّؤَالُ] ـ[لدي أخت مريضة من ثلاث سنوات وهذه السنة والتي فاتت لم تصم، مرضها طبيا ضمور بالمخ ولا يرجى برؤه لا تتكلم ولا تعقل ولا تعي ما حولها لا تعرف سوا أسماءنا واسمها واسم بنتها..لا تتحكم بنفسها أقرب للمجنونة.. هي بسريرها دائما لا تصلي لأنها لا تعي أي شيء.. في حالتها ما هو حكم الشرع بالنسبة لعدم صيامها؟ وإذا كان إطعام مسكين كم يعني بالريال؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يشترط لوجوب الصيام: العقل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاثَةٍ: عَنْ الْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ حَتَّى يفِيقَ، وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ) رواه أبو داود (4399) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. فما دامت أختك قد وصلت إلى هذه الحال من عدم العقل والتمييز فلا يجب عليها الصيام، وليس عليها قضاء ولا إطعام. والصلاة كالصوم، فلا تجب عليها الصلاة. قال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (6/202) : " كل من ليس له عقل فإنه ليس بمكلف، وليس عليه واجب من واجبات الدين لا صلاة ولا صيام ولا إطعام، أي: لا يجب عليه شيء إطلاقاً، وعليه فالمهذري أي المخرف لا يجب عليه صوم ولا إطعام لفقد الأهلية وهي العقل " انتهى. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93752 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2845 ما هو المرض الذي يبيح للصائم أن يفطر؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما هو المرض الذي يبيح للإنسان أن يفطر في رمضان؟ هل يجوز الإفطار بأي مرض ولو كان خفيفاً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذهب أكثر العلماء ومنهم الأئمة الأربعة إلى أن المريض لا يجوز له أن يفطر في رمضان إلا إذا كان مرضه شديداً. والمراد بالمرض الشديد: 1- أن يزداد المرض بسبب الصوم. 2- أن يتأخر الشفاء بسبب الصوم. 3- أن تصيبه مشقة شديدة، وإن لم تحصل له زيادة في المرض ولا تأخر للشفاء. 4- وألحق به العلماء من يخشى حصول المرض بسبب الصيام. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (4/403) : (وَالْمَرَضُ الْمُبِيحُ لِلْفِطْرِ هُوَ الشَّدِيدُ الَّذِي يَزِيدُ بِالصَّوْمِ أَوْ يُخْشَى تَبَاطُؤُ بُرْئِهِ. قِيلَ لأَحْمَدَ: مَتَى يُفْطِرُ الْمَرِيضُ؟ قَالَ: إذَا لَمْ يَسْتَطِعْ. قِيلَ: مِثْلُ الْحُمَّى؟ قَالَ: وَأَيُّ مَرَضٍ أَشَدُّ مِنْ الْحُمَّى! . . . وَالصَّحِيحُ الَّذِي يَخْشَى الْمَرَضَ بِالصِّيَامِ , كَالْمَرِيضِ الَّذِي يَخَافُ زِيَادَتَهُ فِي إبَاحَةِ الْفِطْرِ ; لأَنَّ الْمَرِيضَ إنَّمَا أُبِيحَ لَهُ الْفِطْرُ خَوْفًا مِمَّا يَتَجَدَّدُ بِصِيَامِهِ , مِنْ زِيَادَةِ الْمَرَضِ وَتَطَاوُلِهِ , فَالْخَوْفُ مِنْ تَجَدُّدِ الْمَرَضِ فِي مَعْنَاهُ) اهـ. قال النووي في "المجموع" (6/261) : (الْمَرِيضُ الْعَاجِزُ عَنْ الصَّوْمِ لِمَرَضٍ يُرْجَى زَوَالُهُ لا يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ. . . وَهَذَا إذَا لَحِقَهُ مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ بِالصَّوْمِ وَلا يُشْتَرَطُ أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى حَالَةٍ لا يُمْكِنُهُ فِيهَا الصَّوْمُ , بَلْ قَالَ أَصْحَابُنَا: شَرْطُ إبَاحَةِ الْفِطْرِ أَنْ يَلْحَقَهُ بِالصَّوْمِ مَشَقَّةٌ يُشَقُّ احْتِمَالُهَا) اهـ وذهب بعض العلماء إلى أنه يجوز الفطر لكل مريض وإن لم تحصل له مشقة بسب الصوم. وهو قول شاذ ردَّه جمهور العلماء. قال النووي: وَأَمَّا الْمَرَضُ الْيَسِيرُ الَّذِي لا يَلْحَقُ بِهِ مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْفِطْرُ بِلا خِلَافٍ عِنْدَنَا اهـ المجموع (6/261) . وقال الشيخ ابن عثيمين: المريض الذي لا يتأثّر بالصوم، مثل الزكام اليسير، أو الصداع اليسير، ووجع الضرس، وما أشبه ذلك، فهذا لا يحلّ له أن يُفطر، وإن كان بعض العلماء يقول: يحلّ له للآية (ومن كان مريضاً) البقرة/185، ولكننا نقول: إن هذا الحكم معلّل بعلّة وهي أن يكون الفطر أرفق به، أما إذا كان لا يتأثّر فإنّه لا يجوز له الفطر، ويجب عليه الصوم اهـ. الشرح الممتع (6/352) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 12488 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2846 الإفطار من أجل العروض العسكرية والمسيرات، وبسبب خوف الهلاك [السُّؤَالُ] ـ[خرجنا في رمضان في مسيرة عسكرية في فلسطين، أو عرض عسكري، ما يقارب أربع ساعات سيراً على الأقدام، بالنهاية عدنا ونحن على وشك الهلاك، هناك من أفطر لأنه لم يحتمل التعب وبدا الهلاك عليه واضحاً، هل ما فعله من أفطروا من الشباب خطأ؟ وما هو الحل إذا كان خطأ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نسأل الله تعالى أن يرينا في اليهود الغاصبين لأرض المسلمين يوم ذل، وأن يعز دينه، ويَرجع الحق لأهله، كما نسأله تعالى أن يتقبل من مات مدافعاً عن دينه وعرضه وأرضه من المسلمين شهيداً، ونسأله تعالى أن يوفق المجاهدين والعاملين لخدمة الإسلام ونصرة المستضعفين. ثانياً: الإفطار في نهار رمضان لأصحاب الأعذار الشرعية لا شك في جوازه، بل قد يكون واجباً في بعض الأحيان، ومن ذلك: الإفطار عند ملاقاة العدو، أو قبله استعداداً للقائه ومحاربته، وقد ثبت في السنَّة الصحيحة ما يدل على وجوب ذلك. فعن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّةَ - يعني: في فتح مكة - وَنَحْنُ صِيَامٌ، فَنَزَلْنَا مَنْزِلا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّكُمْ قَدْ دَنَوْتُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ، فَكَانَتْ رُخْصَةً، فَمِنَّا مَنْ صَامَ، وَمِنَّا مَنْ أَفْطَرَ، ثُمَّ نَزَلْنَا مَنْزِلا آخَرَ، فَقَالَ: إِنَّكُمْ مُصَبِّحُو عَدُوِّكُمْ وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ، فَأَفْطِرُوا، وَكَانَتْ عَزْمَةً، فَأَفْطَرْنَا رواه مسلم (1120) . وانظر تفصيل ذلك في جواب السؤال رقم (12641) . فإذا كان ما فعلتموه هو من التدريب المتحتم للقاء العدو اليهودي: فإنه يجوز لمن أراد لقاء العدو أن يستعين بالفطر ويتقوى به للمنازلة والمحاربة، وأما إن كان ما فعلتموه هو من التدريب الذي يمكن تأجيله، أو من العرض الذي لا يكون بعده لقاء للعدو: فلا يظهر أنه يجوز لكم الفطر، وينبغي التفريق بين الحالين، ولا يجوز الخلط بينهما؛ فالحال الأولى التي يجوز فيها الإفطار أو يجب: هي الحال التي يكون فيها يقين أو غلبة ظن لقاء العدو، وأما الحال الثانية والتي لا يجوز فيها الفطر: فهي العروض العسكرية، أو التدريبات التي لا يكون فيها استعداد لمواجهة قريبة مع العدو، أو يمكن تأجيلها إلى ما بعد المغرب حتى يستطيع الجندي الجمع بينها وبين الصيام. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: ومثلُ ذلك مَن احتاجَ إلى الْفِطرِ للتَّقَوِّي به على الْجهادِ في سبيل الله في قِتَاله الْعَدُوَّ: فإنه يُفْطر، ويقضي ما أفطَر، سواء كان ذلك في السفر، أو في بلده، إذا حضره العَدُوُّ؛ لأنَّ في ذلك دفاعاً عن المسلمينَ، وإعلاءً لكلمة الله عزَّ وجَلَّ، وفي صحيح مسلمٍ عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: سافَرْنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى مكةَ ونحنْ صيامٌ ... – وساق الحديث - ففي هذا الحديث إيماءٌ إلى أن القوةَ على القتال سببٌ مُستقِلٌ غيرُ السفرِ؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم جعل عِلَّةَ الأمْرِ بالفِطر القُوَّةَ على قتالِ العدُوِّ دونَ السفرِ، ولذلِك لم يأمرهم بالفِطر في المنزَلِ الأوَّل. " مجالس شهر رمضان " (المجلس الثامن) . وفي " الموسوعة الفقهية " (28 / 57) : وألحقوا بإرهاق الجوع والعطش: خوف الضّعف عن لقاء العدوّ المتوقّع، أو المتيقّن، كأن كان محيطاً، فالغازي إذا كان يعلم يقيناً أو بغلبة الظّنّ القتال بسبب وجوده بمقابلة العدوّ، ويخاف الضّعف عن القتال بالصّوم، وليس مسافراً: له الفطر قبل الحرب .... وقال البهوتيّ: ومن قاتل عدوّاً، أو أحاط العدوّ ببلده، والصّوم يضعفه عن القتال: ساغ له الفطر بدون سفر، لدعاء الحاجة إليه. انتهى. ثالثاً: وإذا غلب على ظن الذين أفطروا معكم أنهم يستطيعون الصيام، ولذا فقد شاركوا في المسيرة والعرض، ثم شقَّ عليهم الصيام حتى خافوا على أنفسهم الهلاك: جاز لهم الفطر، بل وجب عليهم، على أن يكون الفطر بقدر ما يرفع خشية الهلاك، ويلزمهم الإمساك بعدها إلى المغرب، وعليهم قضاء ذلك اليوم، وعدم العود لذلك الفعل إن لم يكن لهم فيه رخصة. قال علماء اللجنة الدائمة: إذا احتاج الصائم إلى الفطر في أثناء اليوم، ولو لم يفطر خاف على نفسه الهلاك: يفطر في وقت الضرورة، وبعد تناوله لما يسد رمقه يمسك إلى الليل، ويقضي هذا اليوم الذي أفطره بعد انتهاء رمضان لعموم قوله تعالى: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) ، وقوله تعالى: (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج) . " مجلة البحوث الإسلامية " (24 / 67) . وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: ما حكم من أفسد صومه الواجب بسبب العطش؟ . فأجاب: حُكمه أنه يحرم على من كان في صوم واجب، سواء من رمضان أو قضائه، أو كفارة، أو فدية، يحرم عليه أن يفسد هذا الصوم، لكن إن بلغ به العطش إلى حد يخشى عليه من الضرر، أو من التلف: فإنه يجوز له الفطر، ولا حرج عليه، حتى ولو كان ذلك في رمضان، إذا وصل إلى حد يخشى على نفسه الضرر، أو الهلاك: فإنه يجوز له أن يفطر. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (19 / السؤال رقم 149) . وفي " الموسوعة الفقهية " (28 / 56) : "من أرهقه جوع مفرط، أو عطش شديد، فإنّه يفطر ويقضي. وقيّده الحنفيّة بأمرين: الأوّل: أن يخاف على نفسه الهلاك، بغلبة الظّنّ، لا بمجرّد الوهم، أو يخاف نقصان العقل، أو ذهاب بعض الحواسّ، كالحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما الهلاك، أو على أولادهما. قال المالكيّة: فإن خاف على نفسه حرُم عليه الصّيام؛ وذلك لأنّ حفظ النّفس والمنافع واجب. الثّاني: أن لا يكون ذلك بإتعاب نفسه" انتهى. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93240 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2847 مقدار الفدية لمن عجز عن الصوم لكبر أو مرض [السُّؤَالُ] ـ[أفطر والدي شهر رمضان كاملا لعدم قدرته على الصيام لكبر سنه ومرضه ثم توفي دون أن يقضي صيام ذلك الشهر فكفرنا عنه عن طريق إخراج المال للفقراء ثم سمعنا بأن الكفارة لا تجزئ إلا بالإطعام فهل نعيد إخراج الكفارة عنه وكم مقدارها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة على أنه لا يجزئ إخراج النقود في فدية الصوم، والواجب أن تخرج طعاما. لقوله تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) البقرة/184 قال ابن عباس رضي الله عنهما: (هُوَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ لا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا) رواه البخاري (4505) . وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (10/198) : " ومتى قرر الأطباء أن هذا المرض الذي تشكو منه، ولا تستطيع معه الصوم لا يرجى شفاؤه، فإن عليك أن تطعم عن كل يوم مسكينًا نصف صاع من قوت البلد من تمر أو غيره عن الشهور الماضية والمستقبلة، وإذا عشيت مسكينًا أو غديته بعدد الأيام التي عليك كفى ذلك أما النقود فلا يجزئ إخراجها " انتهى. فيخرج الكبير أو المريض الذي لا يرجى شفاؤه عن كل يوم طعام مسكين، نصف صاع من بر أو تمر أو أرز أو نحو ذلك من قوت البلد. وهو ما يعادل كيلو ونصفا تقريبا. ينظر: "فتاوى رمضان" ص (545) . وله أن يخرجها جميعا في آخر الشهر، خمسة وأربعين كيلو جراماً من الأرز مثلا، وإن صنع طعاما ودعا إليه المساكين كان حسنا، لفعل أنس رضي الله عنه. ثانيا: إذا كنتم أخرجتم الفدية نقودا اعتمادا على قول من يفتي بذلك من العلماء، فلا يلزمكم إعادتها، وإن كنتم فعلتم ذلك بأنفسكم، فالواجب إعادة إخراجها، وهو الأحوط والأبرأ لوالدكم، رحمه الله وغفر له. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93243 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2848 إذا كان مرضه لا يرجى برؤه ففدى ثم عافاه الله فهل يقضي الصوم؟ [السُّؤَالُ] ـ[بسبب مرضي بقرح في معدتي أجبرت على الإفطار في رمضان لمدة سنوات لا أحصي عددها وأديت الفدية وبعد أن تعافيت والحمد لله هل يجب علي القضاء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: أباح الله تعالى للمريض أن يفطر في رمضان، ويقضي أياما أخر، كما قال سبحانه: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/185. هذا إذا كان المرض يرجى برؤه وزواله، وأما إن كان المرض لا يرجى برؤه – في تقدير الأطباء – فإنه يفطر ويطعم عن كل يوم مسكينا. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (37761) . ثانيا: إذا أفطر المريض، وكان مرضه مما لا يرجى برؤه، وأطعم عن كل يوم مسكيناً، ثم عافاه الله، فلا يلزمه القضاء؛ لأنه أدى ما عليه، وبرئت ذمته بذلك. وانظر: "الإنصاف" (3/285) . وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: إذا برىء شخص من مرض سبق أن قرر الأطباء استحالة شفائه منه، وكان ذلك بعد مضي أيام من رمضان فهل يطالب بقضاء الأيام السابقة؟ فأجاب: " إذا أفطر شخص رمضان أو من رمضان لمرض لا يرجى زواله: إما بحسب العادة، وإما بتقرير الأطباء الموثوق بهم، فإن الواجب عليه أن يطعم عن كل يوم مسكينا، فإذا فعل ذلك وقدر الله له الشفاء فيما بعد، فإنه لا يلزمه أن يصوم عما أطعم عنه، لأن ذمته برئت بما أتى به من الإطعام بدلا عن الصوم. وإذا كانت ذمته قد برئت فلا واجب يلحقه بعد براءة ذمته، ونظير هذا ما ذكره الفقهاء رحمهم الله في الرجل الذي يعجز عن أداء فريضة الحج عجزا لا يرجى زواله، فيقيم من يحج عنه ثم يبرأ بعد ذلك، فإنه لا تلزمه الفريضة مرة ثانية " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (19/126) . هذا ونحمد الله تعالى أن شفاك وعافاك، ونسأله لنا ولك المزيد من فضله وإحسانه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 84203 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2849 إذا قدم المسافر مفطراً لم يلزمه الإمساك [السُّؤَالُ] ـ[كنت مسافراً وأفطرت بسبب السفر ثم رجعت إلى بلدي وأنا مفطر، فهل يجوز لي الأكل والشرب وأنا في بلدي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا قدم المسافر مفطراً، أو طهرت المرأة من الحيض، أو برئ المريض أثناء النهار، فقد اختلف العلماء هل يلزمهم الإمساك أم لا؟ فذهب جمهور العلماء إلى أنهم لا يلزمهم الإمساك لأنهم أفطروا بعذر. ولكنهم لا يفطرون جهراً أمام من لا يعرف عذرهم حتى لا يكون ذلك سبباً لإساءة الظن بهم. انظر: "المجموع" (6/167، 168، 173) . قال ابن قدامة في "المغني": "فَأَمَّا مَنْ يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا , كَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْمُسَافِرِ , وَالصَّبِيِّ , وَالْمَجْنُونِ , وَالْكَافِرِ , وَالْمَرِيضِ , إذَا زَالَتْ أَعْذَارُهُمْ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ , فَطَهُرَتْ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ , وَأَقَامَ الْمُسَافِرُ , وَبَلَغَ الصَّبِيُّ , وَأَفَاقَ الْمَجْنُونُ , وَأَسْلَمَ الْكَافِرُ , وَصَحَّ الْمَرِيضُ الْمُفْطِرُ , فَفِيهِمْ رِوَايَتَانِ ; إحْدَاهُمَا , يَلْزَمُهُمْ الْإِمْسَاكُ فِي بَقِيَّةِ الْيَوْمِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. . . وَالثَّانِيَةُ , لا يَلْزَمُهُمْ الإِمْسَاكُ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَكَلَ أَوَّلَ النَّهَارِ فَلْيَأْكُلْ آخِرَهُ" اهـ. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: سمعت أنكم أفتيتم للحائض إذا طهرت في نهار رمضان أنها تأكل وتشرب ولا تمسك بقية يومها، وكذلك المسافر إذا قدم للبلد في النهار فهل هذا صحيح؟ وما وجه ذلك؟ فأجاب: "نعم، ما سمعته من أني ذكرت أن الحائض إذا طهرت في أثناء اليوم لا يجب عليها الإمساك، وكذلك المسافر إذا قدم، فهذا صحيح عني، وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد رحمه الله وهو مذهب مالك والشافعي رحمهما الله. وروي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (من أكل أول النهار فليأكل آخره) ، وروي عن جابر بن يزيد وهو أبو الشعثاء أحد أئمة التابعين الفقيه أنه قدم من سفر فوجد امرأته طاهراً من الحيض في ذلك اليوم فجامعها، ذكر هذين الأثرين في المغني، ولم يتعقبهما. ولأنه لا فائدة من الإمساك، لأنه لا يصح صيام ذلك اليوم إلا من الفجر. ولأن هؤلاء يباح لهم الفطر أول النهار ظاهراً وباطناً مع علمهم بأنه رمضان، والله إنما أوجب الإمساك من أول النهار من الفجر، وهؤلاء في ذلك الوقت ليسوا من أهل الوجوب، فلم يكونوا مطالبين بالإمساك المأمور به. ولأن الله إنما أوجب على المسافر وكذلك الحائض عدةً من أيام أخر، بدلاً عن التي أفطرها، ولو أوجبنا عليه الإمساك لأوجبنا عليه أكثر مما أوجبه الله؛ لأننا حينئذ أوجبنا إمساك هذا اليوم مع وجوب قضائه، فأوجبنا عليه أمرين مع أن الواجب أحدهما، وهو القضاء عدة من أيام أخر وهذا من أظهر الأدلة على عدم الوجوب. . . ولكن ينبغي أن لا يظهر الأكل والشرب علناً إذا كان في ذلك مفسدة" اهـ. "فتاوى الصيام" (ص 102) . وقال النووي في "المجموع" (6/174) : "إذَا قَدِمَ الْمُسَافِرُ فِي أَثْنَاءِ نَهَارِ رَمَضَانَ وَهُوَ مُفْطِرٌ , فَوَجَدَ امْرَأَتَهُ قَدْ طَهُرَتْ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ مِنْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ بَرَأَتْ مِنْ مَرَضٍ وَهِيَ مُفْطِرَةٌ فَلَهُ وَطْؤُهَا وَلا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا بِلا خِلَافٍ" اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49008 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2850 يعملون في الأعمال الشاقة كصهر المعادن [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الشرع الإسلامي في حالة العمال الذين يعملون في أعمال مرهقة بدنياً خاصة في شهور الصيف، أعطي مثالاً لمن يعملون أمام أفران صهر المعادن، هل يجوز لهؤلاء أن يفطروا في رمضان؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من المعلوم من دين الإسلام بالضرورة أن صيام شهر رمضان فرض على كل مكلف وركن من أركان الإسلام، فعلى كل مكلف أن يحرص على صيامه تحقيقاً لما فرض الله عليه، رجاء ثوابه وخوفاً من عقابه دون أن ينسى نصيبه من الدنيا، ودون أن يؤثر دنياه على أخراه، وإذا تعارض أداء ما فرضه الله عليه من العبادات مع عمله لدنياه وجب عليه أن ينسق بينهما حتى يتمكن من القيام بهما جميعاً ففي المثال المذكور في السؤال يجعل الليل وقت عمله لدنياه، فإن لم يتيسر ذلك أخذ إجازة من عمله شهر رمضان ولو بدون مرتب، فإن لم يتيسر ذلك بحث عن عمل آخر يمكنه فيه الجمع بين أداء الواجبين. ولا يُؤثر جانب دنياه على جانب آخرته، فالعمل كثير وطرق كسب المال ليست قاصرة على مثل ذلك النوع من الأعمال الشاقة، ولن يعدم المسلم وجهاً من وجوه الكسب المباح الذي يمكنه معه القيام بما فرضه الله عليه من العبادة بإذن الله: {ومن يتق الله يجعل له مخرجاً، ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدراً} الطلاق / 2. وعلى تقدير أنه لم يجد عملاً دون ما ذُكر مما فيه حرج، فليفر بدينه من تلك الأرض إلى أرض يتيسر له فيها القيام بواجب دينه ودنياه ويتعاون فيه مع المسلمين على البر والتقوى فأرض الله واسعة، قال الله تعالى: {ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة} النساء / 100 وقال تعالى: {قل يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض الله واسعة إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} الزمر / 10. فإذا لم يتيسر له شيء من ذلك كله واضطر إلى مثل ما ذكر في السؤال من العمل الشاق صام حتى يحس بمبادئ الحرج فيتناول من الطعام والشراب ما يحول دون وقوعه في الحرج ثم يمسك وعليه القضاء في أيام يسهل عليه فيها الصيام. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 10 / 233 - 234. الحديث: 12592 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2851 معنى حديث: (ليس من البر الصوم في السفر) [السُّؤَالُ] ـ[علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس من البر الصوم في السفر) . فهل معنى ذلك أنه لا يصح للمسافر أن يصوم؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: سبق في إجابة السؤال رقم (20165) أن الصوم في السفر له ثلاث حالات: الأولى: إذا لم يشق عليه الصوم، فالصوم أفضل. الثانية: إذا شق عليه الصوم، فالفطر أفضل. الثالثة: إذا تضرر بالصوم أو خاف الهلاك، فالصوم حرام، ويجب عليه أن يفطر. وسبقت أدلة ذلك من السنة. ثانياً: هذا الحديث الذي أشار إليه السائل ينطبق على الحال الثالثة، وإذا عرفنا سياق الحديث وسبب وروده اتضح ذلك. روى البخاري (1946) ومسلم (1115) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَرَأَى زِحَامًا وَرَجُلا قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالُوا: صَائِمٌ. فَقَالَ: لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ. قال السندي: قَوْله (لَيْسَ مِنْ الْبِرّ إِلَخْ) أَيْ مِنْ الطَّاعَة وَالْعِبَادَة اهـ قال النووي: مَعْنَاهُ: إِذَا شَقَّ عَلَيْكُمْ وَخِفْتُمْ الضَّرَر , وَسِيَاق الْحَدِيث يَقْتَضِي هَذَا التَّأْوِيل. . . فالْحَدِيث فِيمَنْ تَضَرَّرَ بِالصَّوْمِ اهـ وهذا المعنى هو الذي فهمه البخاري رحمه الله من الحديث، فإنه ترجم له بقوله: بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ وَاشْتَدَّ الْحَرُّ لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ اهـ قال الحافظ: أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى أَنَّ سَبَب قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ " مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمَشَقَّةِ اهـ وقال ابن القيم في تهذيب السنن: وَأَمَّا قَوْله: "لَيْسَ مِنْ الْبِرّ الصِّيَام فِي السَّفَر" , فَهَذَا خَرَجَ عَلَى شَخْص مُعَيَّنٍ , رَآهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ , وَجَهِده الصَّوْم , فَقَالَ هَذَا الْقَوْل , أَيْ: لَيْسَ الْبِرّ أَنْ يُجْهِد الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ حَتَّى يَبْلُغ بِهَا هَذَا الْمَبْلَغ , وَقَدْ فَسَّحَ اللَّه لَهُ فِي الْفِطْر اهـ ثالثاً: لا يمكن حمل هذا الحديث على عمومه وأنه ليس من البر الصوم في أي سفر من الأسفار لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصوم في السفر. ولهذا قال الخطابي رحمه الله: هَذَا كَلَام خَرَجَ عَلَى سَبَب فَهُوَ مَقْصُور عَلَى مَنْ كَانَ فِي مِثْل حَاله كَأَنَّهُ قَالَ لَيْسَ مِنْ الْبِرّ أَنْ يَصُوم الْمُسَافِر إِذَا كَانَ الصَّوْم يُؤَدِّيه إِلَى مِثْل هَذِهِ الْحَال , بِدَلِيلِ صِيَام النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَره عَام الْفَتْح اهـ من عون المعبود والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 12481 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2852 مريضة وتشعر بنزول دم في حلقها فماذا تصنع؟ [السُّؤَالُ] ـ[امرأة مصابة بمرض " تكسر خلايا الدم "، وعند صومها تشعر بطعم دم في حلقها وتتعرض لهذا الأمر ليس بشكل دائم ولكن غالباً، وعندما تقضي صومها يحصل لها نفس الأمر، فما عساها أن تفعل في صومها؟ وهل يفطِّر طعم الدم في الحلق أو إذا دخل منه شيء غلبة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ينبغي أن يعلم المريض الذي رُخص له بالإفطار أنه يُكره له الصوم إن كان يشق عليه، ويحرم عليه إن كان يضره، وقد رخص الله تعالى له بالفطر فلا يجوز له أن يشق على نفسه، ولا يحل له التسبب بضرر نفسه. وبلع الدم من المفطرات، لكن من دخل في حلقه شيء من الدم بغير اختيار ولا قصد فلا شيء عليه ولا يفطر بذلك، فإن تعمد بلعه فإنه يفطر بذلك. قال ابن قدامة رحمه الله: " فإن سال فمه دماً , فازدرده (يعني ابتلعه) أفطر , وإن كان يسيراً ; لأن الفم في حكم الظاهر , والأصل حصول الفطر بكل واصل منه , لكن عفي عن الريق ; لعدم إمكان التحرز منه , فما عداه يبقى على الأصل , وإن ألقاه من فيه , وبقي فمه نجساً أو تنجس فمه بشيء من خارج , فابتلع ريقه: فإن كان معه جزء من المنجس أفطر بذلك الجزء , وإلا فلا " انتهى. " المغني " (3 / 36) . وقال علماء اللجنة الدائمة: " وإذا كان في لثته قروح أو دميت بالسواك: فلا يجوز ابتلاع الدم، وعليه إخراجه، فإن دخل حلقه بغير اختياره ولا قصده: فلا شيء عليه، وكذلك القيء إذا رجع إلى جوفه بغير اختياره فصيامه صحيح " انتهى. " فتاوى اللجنة الدائمة " (10 / 254) . وقد سئل الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله: هل يفطر الإنسان بخروج الدم عند قلع الضرس؟ فأجاب: " خروج الدم من قلع الضرس لا يؤثر ولا يضر الصائم شيئاً، ولكن يجب على الصائم أن يتحرز من ابتلاع الدم؛ لأن الدم خارج طارىء غير معتاد، يكون ابتلاعه مفطراً، بخلاف ابتلاع الريق فإنه لا يفطر، فعلى الصائم الذي خلع ضرسه أن يحتاط وأن يحترز من أن يصل الدم إلى معدته؛ لأنه يفطر، لكن لو أن الدم تسرب بغير اختياره، فإنه لا يضره؛ لأنه غير متعمد لهذا الأمر " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (19 / السؤال رقم 213) . وقال الشيخ رحمه الله أيضاً: " إذا كان في الإنسان نزيف من أنفه وبعض الدم ينزل إلى جوفه وبعض الدم يخرج، فإنه لا يفطر بذلك؛ لأن الذي ينزل إلى جوفه ينزل بغير اختياره، والذي يخرج لا يضره " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (19 / السؤال رقم 328) . والخلاصة: أنه يستحب لها الفطر إن كان الصوم يشق عليها، ويجب عليها إن كان الصوم يضرها، وفي حال فطرها: عليها القضاء إن كانت تستطيع القضاء، وإن كانت لا تستطيع القضاء، فعليها الفدية، وهي إطعام مسكين عن كل يوم. ونسأل الله رب العالمين أن يكتب لها الأجر على صبرها، وأن يشفيها ويعافيها عاجلاً غير آجل. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 78484 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2853 حكم الصوم لمريض السكر ومتى يجوز له الفطر [السُّؤَالُ] ـ[منذ 14 شهر أنا أعاني من مرض السكري من الدرجة الثانية وهو معروف بداء السكري الذي لا يحتاج لتناول الأنسولين. أنا لا أتناول أية علاجات، لكني أتبع حمية غذائية وأمارس القليل من التمارين الرياضية لأبقي مستوى السكر في الحدود المناسبة. في شهر رمضان الماضي قمت بصيام بعض الأيام لكني لم أتمكن من إتمام الصيام لانخفاض معدل السكر عندي. أما الآن فأنا أشعر بأني أفضل حالا (ولله الحمد) لكني أشعر بألم في رأسي فقط عند الصيام. فهل علي أن أصوم بغض النظر عن مرضي؟ هل يمكنني أن أختبر مستوى السكر في الدم وأنا صائم (لأنه يحتاج لأخذ دم من الأصبع) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المشروع للمريض الإفطار في شهر رمضان إذا كان الصوم يضرّه أو يشقّ عليه، أو كان يحتاج إلى علاج في النهار بأنواع الحبوب والأشربة ونحوها مما يؤكل ويشرب، لقول الله سبحانه (ومن كان مريضاً أو على سفر فعدّة من أيام أخر) ، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته "..وفي رواية أخرى (كما يحبّ أن تؤتى عزائمه) أما أخذ الدم من الوريد للتحليل أو غيره فالصحيح أنه لا يفطّر الصائم، لكن إذا كثُر فالأولى تأجيله الى الليل فإن فعله في النهار فالأحوط القضاء تشبيها له بالحجامة ". أ. هـ فتوى الشيخ ابن باز رحمه الله من كتاب فتاوى إسلامية ج/2 ص/139 و" المريض له أحوال: الأول: ألا يتأثّر بالصوم، مثل الزكام اليسير، أو الصداع اليسير، ووجع الضرس، وما أشبه ذلك، فهذا لا يحلّ له أن يُفطر، وإن كان بعض العلماء يقول: يحلّ له للآية (ومن كان مريضاً) البقرة/185، ولكننا نقول: إن هذا الحكم معلّل بعلّة وهي أن يكون الفطر أرفق به، فحينئذ نقول له: الفطر أفضل، أما إذا كان لا يتأثّر فإنّه لا يجوز له الفطر ويجب عليه الصوم. والحال الثاني: إذا كان يشقّ عليه الصوم، ولا يضرّه، فهذا يكره له أن يصوم، ويُسنّ له أن يُفطر. الحال الثالث: إذا كان يشقّ عليه الصوم ويضرّه، كرجل مصاب بمرض الكلى أو مرض السكّر، وما أشبه ذلك ويضرّه الصوم، فالصوم عليه حرام، وبهذا نعرف خطأ بعض المجتهدين والمرضى الذين يشقّ عليهم الصوم وربّما يضرّهم، ولكنهم يأبون أن يفطروا، فنقول: إن هؤلاء قد أخطأوا حيث لم يقبلوا كرم الله عز وجل، ولم يقبلوا رخصته، وأضرّوا بأنفسهم، والله عز وجل يقول: (ولا تقتلوا انفسكم) النساء/29 " الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين ج/6 ص/352-354. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 1319 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2854 أنواع أدوية الربو وحكم تناولها في نهار رمضان [السُّؤَالُ] ـ[تكثر أنواع الأدوية لمرض الربو فمنها البخاخ المعروف، وهناك أدوية على شكل كبسولة توضع داخل علبة مخصصة للشفط عن طريق الفم حيث تطحن داخل العلبة ويتم شفطها، وهناك جهاز يوضع به دواء سائل مع الجهاز يوضع الأنبوب مع كمامة على الوجه ثم يشغل هذا الجهاز فيخرج هذا السائل مذابا بمحلول مائي على هيئة غاز، هل هذه تعتبر من المفطرات؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أدوية مرض " الربو " كثيرة، ومنها ما يفطِّر ومنها ما لا يفطِّر، ومن أشهر هذه الأدوية والعلاجات: البخاخ، والأكسجين، والتبخير، والكبسولات. أما البخاخ فهو غاز مضغوط يستعمله المريض ويصل إلى الرئتين عن طريق القصبة الهوائية لتوسيع الرئتين، وهو ليس أكلاً ولا شرباً ولا شبيهاً بهما، وقد أفتى علماء اللجنة الدائمة بعدم الفطر باستعمال هذا الدواء، وهو ما يفتي به الشيخ ابن عثيمين وعامة علمائنا. وانظر جواب السؤال رقم (37650) لتقف على فتاواهم. وأما الأكسجين فهو أيضا ليس أكلاً ولا شرباً، وعليه: فيمكن استعماله أثناء الصيام دون أي حرج. وأما التبخير: فيكون استعماله عن طريق جهاز يقوم بتحويل الدواء - وعادة ما يكون الدواء محلولاً في ملح الصوديوم – السائل إلى بخار ورذاذ ناعم، ويوضع الدواء في وعاء صغير خاص بالجهاز، وعند تشغيل الجهاز يتم ضخ هواء بسرعة عالية مما يسبب تبخير هذا الدواء، وبالتالي يتم استنشاقه من قبَل المريض إما عن طريق كمَّام يوضع على الفم، أو أنبوب صغير يمكن وضعه داخل الفم. ووصول قطرات الماء والملح إلى الجوف عن طريق هذا الجهاز أمر شبه حتمي، ولا يستطيع المريض تفادي حدوثه، وعليه: فإذا استعمل هذه الطريقة فليفطر وليقض يوماً آخر مكانه. وأما الكبسولات: فهي عبارة عن كبسولات يكون فيها الدواء على شكل بودرة جافة، ويتم إدخال هذه الكبسولات إلى جهاز خاص فيه أداة لثقب هذه الكبسولات لتحرير جرعة الدواء ويتم شفطها من الجهاز بواسطة الفم. واستعمال هذه الكبسولات مفسد للصيام، لأن جزءاً من هذه البودرة يختلط بالريق وينزل إلى المعدة. وقد سئل الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله: بعض الناس مصاب بالربو ويحتاج إلى استعمال البخاخة أثناء صيامه، فما حكم ذلك؟ . فأجاب: " اختناق النفس المعروف بالربو يصيب بعض الناس، نسأل الله لنا ولهم العافية، فيستعمل دوائين، دواء يسمى (كبسولات) يستعملها فهذه تفطر؛ لأنه دواء ذو جرم يدخل إلى المعدة، ولا يستعمله الصائم في رمضان إلا في حالة الضرورة، وإذا استعمله في حال الضرورة فإنه يكون مفطراً يأكل ويشرب بقية يومه، ويقضي يوماً بدله، وإذا قدر أن هذا المرض مستمر دائماً معه فإنه يكون كالشيخ الكبير، عليه أن يطعم عن كل يوم مسكيناً، ولا يجب عليه الصوم. والنوع الثاني: من دواء الربو غاز ليس فيه إلا هواء يفتح مسام الشرايين حتى يتنفس بسهولة: فهذا لا يفطر ولا يفسد الصوم، وللصائم أن يستعمله، وصومه صحيح " انتهى. (19 / السؤال رقم 159) . وسئل الشيخ رحمه الله: شخص به مرض الربو ولا يستطيع قراءة القرآن إلا باستعمال الأكسجين، فهل يستعمله في نهار رمضان؟ فأجاب: " إذا كان استعماله للأكسجين ليس بضروري: فالأحسن أن لا يستعمله، والصائم لا يلزمه أن يقرأ القرآن حتى نقول: إنه يستعمله ليقرأ القرآن، لكن بعض المصابين بهذا المرض يقول: إنني لا أستطيع أن أدع استعماله، وإذا لم أستعمله أخشى على نفسي ويختنق نفسي، فنقول: لا بأس أن تستعمل هذا الأكسجين؛ لأنه حسبما بلغنا لا يصل إلى المعدة، وإنما يصل إلى أفواه العروق التي تتفتح ليسهل النفس، وإذا كان كذلك فلا حرج فيه. لكنَّ هناك نوعاً من الحبوب يعطى لأصحاب الربو، وهي عبارة عن كبسولة فيها دقيق ... ، فهذا لا يجوز استعماله في الصيام الواجب؛ لأنه إذا اختلط بالريق وصل إلى المعدة، وحينئذ يكون مفطراً فإذا كان الإنسان مضطراً إلى استعماله فإنه يفطر ويقضي بعد ذلك، فإن كان مضطراً إليه في جميع الوقت فإنه يفطر ويفدي فيطعم عن كل يوم مسكيناً، والله أعلم " انتهى باختصار. (19 / السؤال رقم 163) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 78459 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2855 مصابة بمرض نفسي، فكيف تصوم وتصلي؟ [السُّؤَالُ] ـ[ابنتي مصابه بمرض نفسي مزمن (وهو الاضطراب الوجداني) وفى رمضان الماضي لم تصم رمضان لأنها قد انتكست وصار وعيها ليس معها صرت أعانى منها أشهرا طويلة فماذا أفعل؟ السؤال الثاني: البنت إذا نامت لا أستطيع إيقاظها لأي صلاة حتى تصحو هي للمشقة التي أعانى منها هل على الأم إثم؟ والبنت عمرها 23 سنة ولها في المرض 4 سنوات تعاني وهي تصيبها انتكاسة مرتين في السنة، دعواتكم لها بالشفاء.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: نسأل الله تعالى أن يشفي ابنتك ويعافيها ويصلح حالها. ثانيا: إذا كان هذا المرض شديدا بحيث أفقدها وعيها خلال شهر رمضان، فإنه لا يلزمها قضاء ولا كفارة؛ لأنها لم تكن مكلفة بالصوم حينئذ. وأما إذا كان المرض مجرد اكتئاب فقط، ووعيها معها، فلها حالتان: الأولى: أن يكون مرضها يرجى شفاؤه حسب تقرير الأطباء، فالواجب عليها قضاء ما فاتها، حين يزول عنها المرض. والثانية: أن يكون مرضها لا يرجى شفاؤه، فلا يجب عليها الصيام، وإنما تطعم عن كل يوم مسكينا. وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله ما نصه: مريض أدرك بعض شهر رمضان ثم أصابه فقدان للوعي ولا يزال هل يقضي عنه أبناؤه؟ فأجاب: "ليس عليه القضاء إذا أصابه ما يذهب عقله أو ما يسمى بالإغماء، فإنه إذا استرد وعيه لا قضاء عليه، فمثله مثل المجنون والمعتوه لا قضاء عليه، إلا إذا كانت الإغماءة مدة يسيرة كاليوم أو اليومين أو الثلاثة على الأكثر، فلا بأس بالقضاء احتياطا، وأما إذا طالت المدة فهو كالمعتوه لا قضاء عليه، وإذا رد الله عقله يبتدئ العمل " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (15/209) . ثالثا: إذا كانت ابنتك لا تستيقظ لأداء الصلاة في وقتها، ولا تستطيعين إيقاظها، فلا حرج عليك إن شاء الله تعالى، ويجب عليها إذا استيقظت أن تقضي ما فاتها من الصلوات، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَسِيَ صَلاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا) رواه مسلم (684) . وإن كان أداؤها لكل صلاة في وقتها يشق عليها، فإن لها أن تجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، تقديما أو تأخيرا حسب الأيسر لها. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " والقصر سببه السفر خاصة، لا يجوز في غير السفر. وأما الجمع فسببه الحاجة والعذر، فإذا احتاج إليه جمع في السفر القصير والطويل، وكذلك الجمع للمطر ونحوه، وللمرض ونحوه، ولغير ذلك من الأسباب؛ فإن المقصود به رفع الحرج عن الأمة " انتهى من " مجموع الفتاوى " (22 / 293) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 72212 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2856 هل يقصر ويأكل قبل مغادرته بيته مسافراً؟ [السُّؤَالُ] ـ[لو كنت سأسافر في رحلة لمكان يبعد 100 ميل أو أكثر، فكم ركعة سنصلي قبل وبعد السفر؟ أعتقد أنها ركعتان قبل وبعد الرحلة (أليس كذلك؟) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لم يأتِ في السنَّة النبوية تحديد لمسافة السفر، وقد اختلف العلماء في تحديدها اختلافاً كبيراً، والصحيح: أن مرجع ذلك إلى عرف كل بلد، فما تعارف الناس على أنه سفر فهو السفر الذي يكون فيه الفطر والقصر، وهذا القول قد اختاره جماعة من المحققين , منهم ابن قدامة المقدسي وشيخ الإسلام ابن تيمية، وانظر في هذا أجوبة الأسئلة: (10993) و (38079) . ثانياً: المسافر لا يترخص بأحكام السفر إلا إذا خرج من بلده وجاوزها، ويظل يترخص بتلك الرخص ما دام مسافراً حتى يرجع إلى بلده. فلا يجوز له أن يقصر الصلاة إلا أن يتجاوز بنيان بلده أو عامر قريته، ولا يحل له القصر وهو في بيته أو بلده. واختلف العلماء في الفطر، فجوَّز بعضهم له الفطر إذا عزم على السفر عزماً مؤكداً وجهز راحلته، ومنع منه الجمهور فلم يجوزوا الفطر إلا حيث جاز له القصر وهو مجاوزة البنيان، وهذا القول هو الأقوى والأحوط. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " هل يشترط أن يفارق قريته إذا عزم على السفر وارتحل، فهل له أن يفطر؟ الجواب: في هذا أيضاً قولان عن السلف. ذهب بعض أهل العلم إلى جواز الفطر إذا تأهب للسفر ولم يبق عليه إلا أن يركب، وذكروا ذلك عن أنس رضي الله عنه أنه كان يفعله، وإذا تأملت الآية – أي: قوله تعالى (وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر) - وجدتَ أنه لا يصح هذا؛ لأنه إلى الآن لم يكن على سفر، فهو الآن مقيم وحاضر. وعليه: فلا يجوز له أن يفطر إلا إذا غادر بيوت القرية. . . أما قبل الخروج: فلا؛ لأنه لم يتحقق السفر. فالصحيح: أنه لا يفطر حتى يفارق القرية، ولذلك لا يجوز أن يقصر الصلاة حتى يخرج من البلد، فكذلك لا يجوز أن يفطر حتى يخرج من البلد " انتهى. " الشرح الممتع " (6 / 346) . وعليه: فلا يجوز لمن عزم على السفر أن يقصر في بيته؛ لأن القصر من أحكام السفر ورخصه، وهو في بيته ليس مسافراً، وهذا قول جمهور العلماء، وفي المسألة أقوال شاذة مثل قول من قال بجواز القصر وهو في بيته، وقول من قال إنه لا يقصر إذا سافر في النهار إلا أن يدخل الليل، وقول ثالث وهو أنه يجوز له القصر إذا جاوز حيطان داره. قال النووي رحمه الله: " مذهبنا أنه إذا فارق بنيان البلد قصر , ولا يقصر قبل مفارقتها وإن فارق منزله وبهذا قال مالك وأبو حنيفة وأحمد وجماهير العلماء , وحكى ابن المنذر عن الحارث بن أبي ربيعة أنه أراد سفرا فصلى بهم ركعتين في منزله , وفيهم الأسود بن يزيد وغير واحد من أصحاب ابن مسعود , قال: وروينا معناه عن عطاء وسليمان بن موسى، قال: وقال مجاهد: لا يقصر المسافر نهارا حتى يدخل الليل , قال ابن المنذر: لا نعلم أحدا وافقه، وحكى القاضي أبو الطيب وغيره عن مجاهد أنه قال: إن خرج بالنهار لم يقصر حتى يدخل الليل , وإن خرج بالليل لم يقصر حتى يدخل النهار , وعن عطاء أنه قال: إذا جاوز حيطان داره فله القصر , فهذان المذهبان فاسدان , فمذهب مجاهد منابذ للأحاديث الصحيحة في قصر النبي صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة حين خرج من المدينة , ومذهب عطاء وموافقيه منابذ لاسم السفر " انتهى. "المجموع" (4 / 228) . ويجوز للمسافر الجمع بين الصلاتين قبل السفر إذا كان سيشق عليه أداء الصلاة الثانية وهو في طريق سفره، أما القصر فلا. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وليس للقصر أو الإقامة مدة معينة على القول الصحيح ما دمتم عازمين على الرجوع إلى أوطانكم , أما إن نويتم الإقامة المطلقة: فقد انقطع حكم السفر في حقكم. وتبدأ أحكام السفر إذا فارق المسافر وطنه وخرج من عامر قريته أو مدينته، ولا يحل لكم أن تجمعوا بين الصلاتين حتى تغادروا البلد إلا أن تخافوا أن لا يتيسر لكم صلاة الثانية أثناء سفركم " انتهى. " مجموع فتاوى ابن عثيمين " (15 / 346) . وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: " وإذا دخل وقت الظهر وأنت لم تبدأ السفر: فإنه يجب عليك أن تصلي صلاة الظهر تمامًا من غير قصر. وأما صلاة العصر: فإن كان سفرك ينتهي وقت العصر؛ فإنك تصلي العصر تامة في وقتها إذا وصلت، أما إذا كان السفر يستمر من الظهر إلى بعد غروب الشمس بحيث يخرج وقت العصر وأنت في السفر، ولا يمكنك النزول لما ذكرت من أن صاحب السيارة لا يوافق على التوقف: فلا مانع من الجمع في هذه الحالة؛ لأن هذه حالة عذر تبيح الجمع، ولكن مع الإتمام. إذا صليت العصر مع الظهر جمع تقديم وأنت في بيتك، وتريد السفر بعدها: فإنك تصلي الظهر والعصر تمامًا كل واحدة أربع ركعات، ولا بأس بالجمع؛ لأن الجمع يباح في هذه الحالة، أما القصر: فإنه لم يبدأ وقته؛ لأن القصر إنما يجوز بعد مفارقة البنيان الذي هو موطن إقامتك " انتهى. " المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (3 / 62) . وقال حفظه الله: " أحكام السفر تبدأ بالخروج من البلد، إذا خرج الإنسان من بلد إقامته؛ بأن فارق عامر البلد؛ أي: فارق البنيان؛ فإنها تبدأ أحكام السفر في حقه؛ من قصر الصلاة والفطر في رمضان وغير ذلك من أحكام السفر، أما من كان داخل البنيان: فإنه لا تبدأ في حقه أحكام السفر، وإذا وجبت عليه الصلاة وهو في داخل البنيان: فإنه يصليها تمامًا وفي وقتها؛ كالحاضرين؛ لأنه لم يبدأ السفر في حقه، حتى ولو انتقل من حارة إلى حارة في طريقه إلى السفر؛ فإن هذا لا يعتبر مسافراً، حتى يخرج من جميع البنيان ومن عامر البلد " انتهى. " المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (3 / 62، 63) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69816 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2857 حديث من صام فله أجر ومن أفطر فله أجران [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى قول الرسول عليه السلام: (من صام فله أجر ومن أفطر له أجران) ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحديث المعروف في هذا ما رواه مسلم في صحيحه عن أنس رضي الله عنه قال: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في السفر فمِنَّا الصائم ومنا المفطر، قال: فنزلنا منزلاً في يوم حار، أكثرنا ظلاً صاحب الكساء، ومنا من يتقي الشمس بيده، قال: فسقط الصوام وقام المفطرون فضربوا الأبنية وسقوا الركاب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ذهب المفطرون اليوم بالأجر) رواه البخاري (3/224) ومسلم (1119) ، وفي رواية أخرى لمسلم عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فصام بعض وأفطر بعض، فتحزم المفطرون وعملوا، وضعف الصائمون عن بعض العمل، قال: فقال في ذلك: (ذهب المفطرون اليوم بالأجر) ومعنى الحديثين واضح والقصد بيان أن الأخذ برخصة الفطر في السفر عند المشقة وشدة الحر خير من الأخذ بالعزيمة وهو الصوم. أما الحديث الذي ذكرته فلا نعلم له أصلاً. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (10 / 202) الحديث: 12483 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2858 لم تجد مسكيناً لإطعامه عن فدية الصيام فهل تتصدق بالمال؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا امرأة مريضة بمرض مزمن نصحني طبيبي بعدم الصيام وأنا لم أجد أي مسكين لأطعمه فما هو المبلغ الذي أنفقه بالدرهم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نسأل الله تعالى أن يمنَّ عليك بالشفاء، وأن يجعل هذا المرض كفارة لذنوبك، ورفعةً لدرجاتك في الآخرة. والمريض مرضا مزمنا الذي لا يستطيع الصيام ولا القضاء لا يجب عليه الصيام، ويجب عليه أن يطعم عن كل يوم مسكيناً، لقول الله: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) البقرة/184. قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ، هُوَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ لا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا) رواه البخاري (4505) . والمريض الذي لا يرجى شفاؤه حكمه حكم الشيخ الكبير. قال ابن قدامة رحمه الله: " وَالْمَرِيضُ الَّذِي لا يُرْجَى بُرْؤُهُ: يُفْطِرُ , وَيُطْعِمُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا ; لأَنَّهُ فِي مَعْنَى الشَّيْخِ " انتهى. " المغني " (4 / 396) . وبلاد المسلمين مملوءة بالفقراء والمساكين الذين لا يجدون ما يكفيهم ويكفي أهلهم. ولا تخلو دولة منهم، ولو ندر وجودهم في بعض البلدان: فلن يعدم وجود لجان خير وصدقات يتكفلون بإيصال الزكوات والصدقات لمن يستحقها. وحتى لو لم تجدي مسكيناً تطعمينه فكيف ستتصرفين في المال الذي يعادل الطعام؟ ولمن سيُعطى هذا المال؟ وهذا يعني أن المشكلة ستبقى قائمة، فلا يجوز دفع هذا المال – لو جاز دفعه – إلا لمستحقه من الفقراء والمساكين. وعلى كل حال: فيجب عليك بذل الجهد في البحث عن الفقراء والمساكين في بلدك، وإن لم تكوني تعرفينهم فيمكنك توكيل من تثقين بدينه ليوصل هذا الطعام لمستحقيه، ولا فرق بين أن يكون هذا الوكيل شخصاً أو جمعية خيرية. واعلمي أنه لا يجوز لك دفع مالٍ - مهما بلغ – مقابل تلك الفدية التي وجبت عليكِ؛ لأن الله تعالى أوجب عليك (طعام مسكين) ولم يوجب عليك مالاً، قال تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) البقرة/184. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (39234) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 66822 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2859 لا يحل للحامل والمرضع أن تفطر إلا إذا خافت على نفسها أو ولدها [السُّؤَالُ] ـ[قرأت حديثاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله وضع الصوم عن الحامل والمرضع) فهل معنى ذلك أن الصوم لا يجب عليهما سواء كان هناك مشقة أو لا؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث رواه أبو داود (2408) والترمذي (715) والنسائي (2315) وابن ماجه (1667) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَضَعَ عَنْ الْمُسَافِرِ شَطْرَ الصَّلاةِ وَالصِّيَامَ، وَعَنْ الْحَامِلِ وَالْمُرْضِع) . وصححه الألباني في صحيح أبي داود. وهذا الحديث مطلق في كل حامل، ولكن قيده العلماء بحصول المشقة عملا بالعلة التي من أجلها شرع الحكم، وهو إفطار الحامل. ويشبه هذا إطلاق المرض في آية الصيام: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/185. فإنه صادق على كل مرض، مهما كان يسيرا، وقد عمل بهذا الإطلاق بعض السلف كعطاء، واختاره البخاري. ولكن أبى ذلك عامة أهل العلم ومنهم الأئمة الأربعة، فقيدوا الآية بالمرض الذي فيه مشقة عملا بالعلة التي من أجلها شرع له الفطر. وقد وردت نصوص العلماء بهذا التقييد، بل نُقل اتفاق العلماء عليه كما سيأتي. أولا: نقول عن السلف. روى أبو داود (2318) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ في قوله تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) قَالَ: كَانَتْ رُخْصَةً لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ وَهُمَا يُطِيقَانِ الصِّيَامَ أَنْ يُفْطِرَا وَيُطْعِمَا مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا، وَالْحُبْلَى وَالْمُرْضِعُ إِذَا خَافَتَا. قال النووي: إسناده حسن. فهذا ابن عباس رضي الله عنهما قيد الحبلى والمرضع بخوفها، وإطلاقه سواء خافت على نفسها أو على ولدها. وروى الشافعي في الأم قال: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ سُئِلَ عَنْ الْمَرْأَةِ الْحَامِلِ إذَا خَافَتْ عَلَى وَلَدِهَا فَقَالَ: تُفْطِرُ وَتُطْعِمُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ. وقال الإمام البخاري: بَاب قَوْلِهِ: "أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ". . . . وَقَالَ الْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ فِي الْمُرْضِعِ أَوْ الْحَامِلِ إِذَا خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَوْ وَلَدِهِمَا: تُفْطِرَانِ ثُمَّ تَقْضِيَانِ. انتهى. فهذا تقييد الحكم الوارد عن السلف: ابن عباس، وابن عمر، والحسن والنخعي. ثانياًَ: مذاهب الأئمة فقد اتفقوا على هذا التقييد أيضاً. أولا: المذهب الحنفي قال الجصاص في أحكام القرآن (1/244) بعد أن ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ الْمُسَافِرِ شَطْرَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمَ وَعَنْ الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ) قال: وَمَعْلُومٌ أَنَّ رُخْصَتَهُمَا – أي الحامل والمرضع - مَوْقُوفَةٌ عَلَى خَوْفِ الضَّرَرِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَوْ عَلَى وَلَدَيْهِمَا. وقال أيضاً (1/252) : وَالْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ لا تَخْلُوَانِ مِنْ أَنْ يَضُرَّ بِهِمَا الصَّوْمُ أَوْ بِوَلَدَيْهِمَا , وَأَيُّهُمَا كَانَ فَالإِفْطَارُ خَيْرٌ لَهُمَا وَالصَّوْمُ مَحْظُورٌ عَلَيْهِمَا. وَإِنْ كَانَ لا يَضُرُّ بِهِمَا وَلا بِوَلَدَيْهِمَا فَعَلَيْهِمَا الصَّوْمُ، وَغَيْرُ جَائِزٍ لَهُمَا الْفِطْرُ. وقال في البحر الرائق (2/308) : (وَلِلْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ إذَا خَافَتَا عَلَى الْوَلَدِ أَوْ النَّفْسِ) أَيْ: لهُمَا الْفِطْرُ دَفْعًا لِلْحَرَجِ. . . قَيَّدَ بِالْخَوْفِ بِمَعْنَى غَلَبَةِ الظَّنِّ. . . لأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَخَفْ لا يُرَخَّصُ لَهَا الْفِطْرُ. ثانيا: المذهب المالكي قال في شرح مختصر خليل (2/262) : الْحَامِل إذَا خَافَتْ عَلَى وَلَدِهَا هَلَاكًا , أَوْ شَدِيدَ أَذًى وَجَبَ عَلَيْهَا الْفِطْرُ، وَإِنْ خَافَتْ حُدُوثَ عِلَّةٍ , أَوْ مَرَضٍ جَازَ لَهَا الْفِطْرُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ , وَقِيلَ: يَجِبُ عَلَيْهَا الْفِطْرُ حَيْثُ خَشِيَتْ حُدُوثَ عِلَّةٍ , وَكَذَلِكَ الْمُرْضِعُ إنْ خَافَتْ عَلَى وَلَدِهَا هَلَاكًا , أَوْ شَدِيدَ أَذًى وَجَبَ عَلَيْهَا الْفِطْرُ، وَإِنْ خَشِيَتْ عَلَيْهِ مَرَضًا , أَوْ حُدُوثَ عِلَّةٍ جَازَ لَهَا الْفِطْرُ، وَهَذَا بِشَرْطِ أَنْ لا يَقْبَلَ الْوَلَدُ غَيْرَهَا. . . وَإِلا لَوَجَبَ عَلَيْهَا الصَّوْمُ. ثالثا: المذهب الشافعي قال الإمام الشافعي في الأم: وَالْحَامِلُ إذَا خَافَتْ عَلَى وَلَدِهَا: أَفْطَرَتْ وَكَذَلِكَ الْمُرْضِعُ إذَا أَضَرَّ بِلَبَنِهَا الإِضْرَارَ الْبَيِّنَ , فَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ مُحْتَمَلا فَلا يُفْطِرُ صَاحِبُهُ , وَالصَّوْمُ قَدْ يُنْتَقَصُ به بَعْضُ اللَّبَنِ وَلَكِنَّهُ نُقْصَانٌ مُحْتَمَلٌ , فَإِذَا تَفَاحَشَ أَفْطَرَتَا. وقال النووي في المجموع (6/274) : قَالَ أَصْحَابُنَا: الْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ إنْ خَافَتَا مِنْ الصَّوْمِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَفْطَرَتَا وَقَضَتَا , وَلا فِدْيَةَ عَلَيْهِمَا كَالْمَرِيضِ , وَهَذَا كُلُّهُ لا خِلافَ فِيهِ , وَإِنْ خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا وَوَلَدَيْهِمَا فَكَذَلِكَ بِلا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُمَا , وَإِنْ خَافَتَا عَلَى وَلَدَيْهِمَا لا عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَفْطَرَتَا وَقَضَتَا بِلا خِلَافٍ. . . إلخ. رابعاً: المذهب الحنبلي قال ابن مفلح في الفروع (3/35) : وَيُكْرَهُ صَوْمُ الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ مَعَ خَوْفِ الضَّرَرِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَوْ عَلَى الْوَلَدِ. . . . وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنْ خَافَتْ حَامِلٌ وَمُرْضِعٌ عَلَى حَمْلٍ وَوَلَدٍ حَالَ الرَّضَاعِ لَمْ يَحِلَّ الصَّوْمُ وَعَلَيْهَا الْفِدْيَةُ. وَإِنْ لَمْ تَخَفْ لَمْ يَحِلَّ الْفِطْرُ. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (25/218) : إنْ كَانَتْ الْحَامِلُ تَخَافُ عَلَى جَنِينِهَا فَإِنَّهَا تُفْطِرُ. . . إلخ. خامساً: المذهب الظاهري قال ابن حزم في المحلى (4/411) : " وَالْحَامِلُ , وَالْمُرْضِعُ , وَالشَّيْخُ الْكَبِيرُ كُلُّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِالصَّوْمِ فَصَوْمُ رَمَضَانَ فَرْضٌ عَلَيْهِمْ , فَإِنْ خَافَتْ الْمُرْضِعُ عَلَى الْمُرْضَعِ قِلَّةَ اللَّبَنِ وَضَيْعَتَهُ لِذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهَا , أَوْ لَمْ يَقْبَلْ ثَدْيَ غَيْرِهَا , أَوْ خَافَتْ الْحَامِلُ عَلَى الْجَنِينِ , أَوْ عَجَزَ الشَّيْخُ عَنْ الصَّوْمِ لِكِبَرِهِ: أَفْطَرُوا. . . إلخ " انتهى. وجاء في الموسوعة الفقهية (28/55) : " الْفُقَهَاءُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْحَامِلَ وَالْمُرْضِعَ لَهُمَا أَنْ تُفْطِرَا فِي رَمَضَانَ , بِشَرْطِ أَنْ تَخَافَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَوْ عَلَى وَلَدِهِمَا الْمَرَضَ أَوْ زِيَادَتَهُ , أَوْ الضَّرَرَ أَوْ الْهَلَاكَ , فَالْوَلَدُ مِنْ الْحَامِلِ بِمَنْزِلَةِ عُضْوٍ مِنْهَا , فَالإِشْفَاقُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ كَالإِشْفَاقِ مِنْهُ عَلَى بَعْضِ أَعْضَائِهَا ". وقال الشوكاني في "نيل الأوطار" (4/273) على حديث وضع الصوم عن الحامل والمرضع: " الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْحُبْلَى وَالْمُرْضِعِ الإِفْطَارُ , وَقَدْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ الْفُقَهَاءُ إذَا خَافَتْ الْمُرْضِعَةُ عَلَى الرَّضِيعِ , وَالْحَامِلُ عَلَى الْجَنِينِ وَقَالُوا: إنَّهَا تُفْطِرُ حَتْمًا ". انتهى. وجاء في فتاوى "اللجنة الدائمة" (10/226) : "أما الحامل فيجب عليها الصوم حال حملها إلا إذا كانت تخشى من الصوم على نفسها أو جنينها فيرخص لها في الفطر وتقضي بعد أن تضع حملها وتطهر من النفاس" اهـ. وانظر السؤال (50005) . فهذه نصوص العلماء في أن الحامل والمرضع لا يحل لهما الفطر ما لم يشق عليهما الصوم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 66438 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2860 مهنته غطاس فكيف يصوم وقد يدخل في حلقه الماء؟ [السُّؤَالُ] ـ[أعمل غطاساً يوميّاً في البحر، بعض الأحيان يدخل رذاذ من ماء البحر في الفم يصل إلى الحلق، ولكن لا يدخل إلى الجوف، هل هذا يبطل الصيام؟ وهل في حالة عدم مقدرتي على الصيام بسبب الجهد ماذا أفعل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: سبق في جواب السؤال رقم (39232) أنه لا بأس أن يغوص الصائم في الماء، وعليه أن يحرص أن لا يتسرب الماء إلى جوفه بقدر ما يستطيع. ثانياً: صوم رمضان ركن من أركان الإسلام، فلا يجوز لمسلم أن يتهاون بصيامه أو يضيعه بمجرد حصول مشقة بسبب العمل، بل الواجب عليه أن يحاول الجمع بين الصيام والعمل إن أمكن، فإن لم يمكن ولم يكن مضطراً للعمل، فإنه يقدم الصيام، فيأخذ إجازة من العمل إن أمكن، فإن لم يمكن وكان مضطرا للعمل، فإنه ينوي الصيام من الليل ويصبح صائما، فإن شق عليه مشقة شديدة جاز له أن يفطر للضرورة، وعليه قضاء هذا اليوم، فإن لم يشق عليه وتمكن من إتمام الصيام وجب عليه ذلك. وانظر جواب السؤال رقم (43772) . وانظر "فتاوى اللجنة الدائمة" (10/234) . ثالثاً: إذا سبح الصائم في الماء ووصل الماء إلى حلقه بغير اختياره، فإنه لا يفطر، لعدم القصد، وهو مذهب الإمام أحمد رحمه الله. وانظر: "المغني" (3/358) ، "الإنصاف" (7/434) ، "الشرح الممتع" (6/393) . رابعاً: قول السائل: " أن الماء يصل إلى حلقه ولكنه لا يدخل إلى الجوف " لعل قصده بالجوف: المعدة. وقد اختلف العلماء في مفسدات الصيام: هل العبرة بوصول الطعام أو الشراب إلى الحلق أم إلى المعدة؟ قال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (6/393) : " ذكر المؤلف رحمه الله ست مسائل علق الحكم فيها بوصول الماء إلى حلق الصائم، فجعل مناط الحكم وصول الماء إلى الحلق لا إلى المعدة، وظاهر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية أن مناط الحكم وصول المفطر إلى المعدة، ولا شك أن هذا هو المقصود إذ لم يرد في الكتاب والسنة أن مناط الحكم هو الوصول إلى الحلق، لكن الفقهاء رحمهم الله قالوا: إن وصوله إلى الحلق مظنة وصوله إلى المعدة، أو إن مناط الحكم وصول المفطر إلى شيء مجوف والحلق مجوف " انتهى. والخلاصة: لا حرج في السباحة والغوص في الماء مع الصيام، وإذا وصل شيء من الماء إلى الحلق أو إلى المعدة من غير اختيارك فإنك لا تفطر بذلك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 66242 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2861 نوى الفطر لأنه سيسافر من الغد ثم لم يسافر [السُّؤَالُ] ـ[إنسان عزم على السفر فنوى الفطر من الغد، ثم بعد طلوع الفجر ألغى السفر قبل أن يأتي بأي مفطر، ما حكم ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله دلت الأدلة من الكتاب والسنة والإجماع على أن للمسافر أن يفطر في رمضان، ثم يقضي عدد الأيام التي أفطرها، قال الله تعالى: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/185. ومن كان في بلده، ثم عزم على السفر، فلا يسمى مسافرا حتى يفارق عمران بلده. فلا يحل له أن يأخذ برخص السفر كالفطر والقصر بمجرد نية السفر، لأن الله تعالى إنما أباح الفطر للمسافر، ولا يكون مسافرا حتى يفارق بلده. قال ابن قدامة في "المغني" (4/347) بعد أن ذكر أن من سافر أثناء اليوم فله الفطر، قال: " إذا ثبت هذا؛ فإنه لا يباح له الفطر حتى يُخَلِّف البيوتَ وراء ظهره , يعني أنه يجاوزها ويخرج من بين بنيانها. وقال الحسن: يفطر في بيته , إن شاء , يوم يريد أن يخرج. وروي نحوه عن عطاء. قال ابن عبد البر: قول الحسن قول شاذ , وليس الفطرُ لأحدٍ في الحضرِ في نظرٍ ولا أثر. وقد روي عن الحسن خلافه ". ثم قال ابن قدامة: " لقول الله تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) البقرة/185. وهذا شاهد (أي حاضر لم يسافر) , ولا يوصف بكونه مسافرا حتى يخرج من البلد , ومهما كان في البلد فله أحكام الحاضرين , ولذلك لا يقصر الصلاة " انتهى وسئل الشيخ ابن عثيمين: عن رجل نوى السفر فأفطر في بيته لجهله، ثم انطلق، هل عليه الكفارة؟ فأجاب: " حرام عليه أن يفطر وهو في بيته، ولكن لو أفطر قبل مغادرته بيته فعليه القضاء فقط " انتهى. "فتاوى الصيام" (ص 133) . وقال في "الشرح الممتع" (6/218) : " جاءت السنة والآثار عن الصحابة رضي الله عنهم أنه إذا سافر في أثناء اليوم فله الفطر، ولكن هل يشترط أن يفارق قريته؟ أو إذا عزم على السفر وارتحل فله أن يفطر؟ الجواب: في هذا قولان عن السلف. ذهب بعض أهل العلم إلى جواز الفطر إذا تأهب للسفر ولم يبق عليه إلا أن يركب، وذكروا ذلك عن أنس رضي الله عنه أنه كان يفعله، وإذا تأملت الآية وجدت أنه لا يصح هذا؛ لأنه إلى الآن لم يكن على سفر فهو الآن مقيم وحاضر، وعليه؛ فلا يجوز له أن يفطر إلا إذا غادر بيوت القرية. . . فالصحيح أنه لا يفطر حتى يفارق القرية، ولذلك لا يجوز أن يقصر الصلاة حتى يخرج من البلد، فكذلك لا يجوز أن يفطر حتى يخرج من البلد " انتهى باختصار تصرف يسير. وبناء على ذلك، فمن عزم على السفر ليلا، فلا يجوز له أن يصبح مفطرا، بل يلزمه أن ينوي الصوم، فإن أصبح وسافر، جاز له الفطر بعد مفارقة بلده. والحاصل: أن من نوى الفطر من الليل بحجة أنه سيسافر غدا، فقد أخطأ. ويلزمه قضاء يوم مكان ذلك اليوم، حتى لو فرض أنه لم يسافر؛ لأنه لم ينو الصيام من الليل، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ لَمْ يُجْمِعْ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ) رواه أبو داود (2454) والترمذي (730) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. ويلزمه في حالة عدم السفر أن يمسك عن المفطرات بقية اليوم، احتراما للشهر، لأنه أفطر من غير عذر شرعي. انظر: "الشرح الممتع" (6/209) . فعلى السائل أن يستغفر الله ويتوب إليه مما فعل، ويقضي ذلك اليوم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 66086 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2862 هل يصوم عن شخص مريض في ليل رمضان؟! [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان أحد أفراد أسرتي مريضًا فهل يصح الصوم عني وعنه لمدة 24 ساعة (دون أكل سحور) ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: المريض الذي لا يستطيع الصوم له حالتان: إما أن يكون مرضه عارضاً طارئاً: فهذا يفطر وعليه القضاء بعد شفائه وقدرته على الصيام، وإما أن يكون مرضه مزمناً: فهذا يُفطر ويُطعم عن كل يومٍ مسكيناً. وانظر جواب السؤال رقم (37761) . ثانياً: الصوم إنما يكون في النهار، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، أما الليل فليس وقتاً للصيام، قال الله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) البقرة/187، ففي هذه الآية الكريمة بيان وقت الصوم – وهو النهار – ووقت الفطر – وهو الليل -، فلا يصح – بحال – جعل ليل رمضان مكاناً للصوم. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الوصال في الصوم. رواه البخاري (1962) ومسلم (1102) . والوصال: أن لا يفطر بالليل، بل يستمر صائماً ليلا ونهارا. وقال الإمام البخاري رحمه الله: " بَاب الْوِصَالِ وَمَنْ قَالَ لَيْسَ فِي اللَّيْلِ صِيَامٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) وَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ رَحْمَةً لَهُمْ وَإِبْقَاءً عَلَيْهِمْ ". ثالثاً: الأصل في العبادات البدنية أن يُؤدّيها المسلم عن نفسه، ولا تدخلها النيابة، فلا يجوز لأحدٍ أن يصلي عن أحدٍ ولا أن يصوم عنه بإجماع العلماء، وإنما تدخل النيابة في الحج والعمرة لمن يعجز عنه في حياته كما جاء في النصوص الصحيحة الصريحة. قال ابن عبد البر رحمه الله: " أما الصلاة فإجماع من العلماء أنه لا يُصلِّي أحدٌ عن أحدٍ فَرْضاً عليه من الصلاة، ولا سُنة، ولا تطوعا لا عن حي ولا عن ميت، وكذلك الصيام عن الحي لا يجزئ صوم أحدٌ في حياته عن أحد، وهذا كله إجماع لا خلاف فيه. وأما من مات وعليه صيام فهذا موضع اختلف فيه العلماء قديماً وحديثاً " انتهى. " الاستذكار " (3 / 340) . والخلاصة: أن الصوم يكون بالنهار لا بالليل، وصوم الليل لا يصح. ولا يصح لأحد أن يصوم عن شخص مريض، وهذا المريض إن كان يرجو الشفاء من مرضه فلعيه القضاء بعد حصول الشفاء، وإن كان لا يرجو حصول الشفاء فعليه أن يطعم مكان كل يوم مسكيناً. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65928 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2863 هل يجوز له الإفطار بسبب مشقة العمل؟ [السُّؤَالُ] ـ[نحن في بلد غربي أي: لا يهتم بالصيام والصائمين، وزوجي يعمل لفترة سنة ليكمل سنته الأخيرة في مجال الصيدلة وهذا العمل هو المقرر الدراسي للسنة الأخيرة، أي: سنة تطبيقية في ميدان العمل، المشكلة التي تواجهنا هي أن العمل يبعد مسافة ساعة بالسيارة، ومكان مكتظ بالمرضى، وبدأ زوجي يشعر بالدوار والصداع أثناء العمل حيث بدأ يعطي الأدوية للمرضى بطريقة خطأ، فهو الآن يفكر بالإفطار لهذا السبب، علما أن مسافة الطريق من المنزل للعمل أقل من 48 ميلا كما ذكرتم في أحد الأجوبة، لكن الطريق يأخذ ساعة ذهابا وساعة أخرى إيابا، كما أن مدة العمل 12 ساعة متواصلة، فهل يجوز له الإفطار على أن يقضي بعد الانتهاء من هذه السنة الأخيرة من دراسته.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصوم ركن من أركان الإسلام ثابت بالكتاب والسنة وإِجماع الأُمة، ولا يجوز للمسلم أن يفطر بغير عذر شرعي من مرض أو سفر، وقد يحصل للإنسان أثناء الصوم مشقة فعليه أن يصبر ويستعين بالله عز وجل، فإذا عطش الإنسان في نهار رمضان فلا بأس أن يصب على رأسه الماء للتبرد وأن يتمضمض، فإذا سبب له العطش ضرراً بالغاً أو خشي الهلاك من العطش جاز له الفطر، وعليه القضاء فيما بعد. لكن لا يجوز أن يكون العمل هو السبب في المشقة الحاصلة له إذا كان يمكنه أخذ إجازة من العمل في شهر رمضان أو كان يستطيع تخفيف أعباء عمله فيه، أو تغييره إلى ما هو أسهل. قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: " من المعلوم من دين الإسلام بالضرورة أن صيام شهر رمضان فرض على كل مكلف وركن من أركان الإسلام، فعلى كل مكلف أن يحرص على صيامه تحقيقاً لما فرض الله عليه، رجاء ثوابه وخوفاً من عقابه دون أن ينسى نصيبه من الدنيا، ودون أن يؤثر دنياه على أخراه، وإذا تعارض أداء ما فرضه الله عليه من العبادات مع عمله لدنياه وجب عليه أن ينسق بينهما حتى يتمكن من القيام بهما جميعاً، ففي المثال المذكور في السؤال يجعل الليل وقت عمله لدنياه، فإن لم يتيسر ذلك أخذ إجازة من عمله شهر رمضان ولو بدون مرتب، فإن لم يتيسر ذلك بحث عن عمل آخر يمكنه فيه الجمع بين أداء الواجبين ولا يؤثر جانب دنياه على جانب آخرته، فالعمل كثير، وطرق كسب المال ليست قاصرة على مثل ذلك النوع من الأعمال الشاقة، ولن يعدم المسلم وجهاً من وجوه الكسب المباح الذي يمكنه معه القيام بما فرضه الله عليه من العبادة بإذن الله، (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً. ويرزقه من حيث لا يحتسب. ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدراً) الطلاق/2، 3. وعلى تقدير أنه لم يجد عملاً دون ما ذكر مما فيه حرج وخشي أن تأخذه قوانين جائرة وتفرض عليه ما لا يتمكن معه من إقامة شعائر دينه أو بعض فرائضه فليفر بدينه من تلك الأرض إلى أرض يتيسر له فيها القيام بواجب دينه ودنياه ويتعاون فيه مع المسلمين على البر والتقوى فأرض الله واسعة، قال الله تعالى: (ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة) النساء/100، وقال تعالى: (قل يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض الله واسعة إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) الزمر/ 10. فإذا لم يتيسر له شيء من ذلك كله واضطر إلى مثل ما ذكر في السؤال من العمل الشاق صام حتى يحس بمبادئ الحرج فيتناول من الطعام والشراب ما يحول دون وقوعه في الحرج ثم يمسك وعليه القضاء في أيام يسهل عليه فيها الصيام " انتهى. " فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (10 / 234 – 236) . وسئلوا – أيضاً -: عن رجل يعمل في مخبز ويواجه عطشاً شديداً وإرهاقاً في العمل هل يجوز له الفطر؟ فأجابوا: " لا يجوز لذلك الرجل أن يفطر، بل الواجب عليه الصيام، وكونه يخبز في نهار رمضان ليس عذراً للفطر، وعليه أن يعمل حسب استطاعته " انتهى. " فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (10 / 238) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65803 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2864 مريض ومضطر إلى أخذ الدواء نهاراً [السُّؤَالُ] ـ[أتناول دواء لمرض عقلي عندي. ومضطر لأخذ هذا الدواء في الصباح والمساء. والجرعة المسائية من هذا الدواء تتعبني وأحيانًا لا أستطيع الاستيقاظ ليلاً لتناول السحور ثم تفوتني جرعة الدواء الصباحية أثناء نهار الصيام. وعند الإفطار يكون الوقت قد تأخر بالنسبة لهذه الجرعة الصباحية. ماذا ينبغي أن أفعل؟ لقد بدأت الصوم منذ أيام قلائل لكني توقفت اليوم بسبب هذا الدواء. هل يجوز لي إخراج صدقة في نهاية شهر رمضان عوضًا عن الصيام بسبب ظروف مرضي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نسأل الله رب العرش الكريم أن يشفيك ويكتب لك الأجر والمثوبة. وقد سبق في جواب السؤال رقم (12488) بيان المرض الذي يبيح للصائم أن يفطر، وهو ما يصيب الصائم بمشقة شديدة، أو يُخشى أن يزيد، أو يتأخر شفاؤه بسبب الصوم. فإن كانت حالتك كذلك، جاز لك أن تفطر في رمضان. ثانياً: إذا أمكنك أن تأخذ الدواء مرة عند الإفطار والأخرى عند السحور، فهذا هو الواجب عليك، ولا يجوز لك أن تفطر حينئذ، لعدم العذر المبيح للفطر. أما إذا لم يمكن ذلك وكان لابد من أخذ الدواء نهاراً، فيجوز لك أن تفطر. ثالثاً: أما إخراج الصدقة بدلاً من الصوم، فعليك أن ترجع إلى قول الطبيب الثقة، فإن كان مرضك يُرجى حصول الشفاء منه فالواجب عليك القضاء ولا يجزئك الإطعام، لقول الله تعالى: (ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر) فعليك أن تنتظر حتى يشفيك الله تعالى ثم تقضي الأيام التي أفطرتها. وإن كان مرضك لا يُرجى حصول الشفاء منه، فلا قضاء عليك، وعليك أن تطعم عن كل يوم مسكيناً. وينبغي التنبه إلى أن الواجب هو الإطعام، أما إخراج نقود بدلاً من الطعام فلا يجزئ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (39234) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65871 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2865 هل تأكل من أفطرت بسبب الحيض في نهار رمضان؟ [السُّؤَالُ] ـ[المرأة التي عندها الدورة الشهرية من المعلوم أنها لا تصوم، فهل يجوز لها أن تأكل في نهار رمضان؟ وهل هناك ضوابط؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحائض والنفساء إذا طهرتا أثناء النهار ومثلهما المسافر المفطر إذا قدم، والمريض إذا افطر ثم برئ من مرضه، فهؤلاء لا يستفيدون شيئاً من إمساكهم أثناء النهار، فقد أفطروا بعذر، وإلزامهم بالإمساك يحتاج لنصٍّ شرعي. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: إذا طهرت الحائض أو النفساء أثناء النهار هل يجب عليها الإمساك؟ فأجاب: " إذا طهرت الحائض أو النفساء أثناء النهار لم يجب عليها الإمساك، ولها أن تأكل وتشرب، لأن إمساكها لا يفيدها شيئاً، لوجوب قضاء هذا اليوم عليها، وهذا مذهب مالك والشافعي وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد، وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (من أكل أول النهار فليأكل آخره) يعني: من جاز له الفطر أول النهار جاز له الفطر في آخره " انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (19/السؤال رقم 59) . وأما ضابط ذلك: فإن بعض العلماء منع مَنْ جاز له الفطر في رمضان كالمريض والمسافر والحائض منعه من إظهار الفطر، حتى لا يُتَّهَم بالتهاون في دينه ممن لا يعلم أنه معذور. وذهب آخرون إلى أنه إذا كان عذره ظاهرا ً، فلا بأس أن يفطر جهراً، وإن كان عذره خفياً فإنه يفطر سراً، وهذا القول الثاني هو الأصح. قال المرداوي في " الإنصاف" (7/348) : " قال القاضي: يُنْكَر على من أكل في رمضان ظاهراً , وإن كان هناك عذر. قال في الفروع: فظاهره المنع مطلقا , وقيل لابن عقيل: يجب منع مسافر ومريض وحائض من الفطر ظاهرا لئلا يُتَّهَم؟ فقال: إن كانت أعذارٌ خفية يمنع من إظهاره , كمريض لا أمارة له , ومسافر لا علامة عليه " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65670 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2866 سيسافر من بلدة إلى أخرى ويعود في نفس اليوم فهل له الفطر؟ [السُّؤَالُ] ـ[سوف أسافر من أمستردام إلى باريس وأعود في نفس اليوم، هل يجوز لي أن أفطر في ذلك اليوم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المسافر من الذين رخَّص الله لهم الفطر في رمضان، قال الله تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) البقرة/185. ولا فرق بين أن يكون السفر شاقاً أو سهلاً. وقد اختلف العلماء في الحد الذي يصير به الإنسان مسافرا بحيث يجوز له الترخص برخص السفر، ومنها: الفطر للصائم. فذهب جمهور العلماء إلى اعتبار المسافة، وهي ما يقارب 80 كم. وذهب آخرون ـ وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ـ إلى أن المعتبر هو العرف، وليس المسافة. فكل ما اعتبره الناس في العرف سفرا فهو سفر تثبت له أحكام السفر في الشرع. ولا ريب أن السفر من أمستردام إلى باريس يعتبره الناس في العرف سفراً، ولو عاد في نفس اليوم. قال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع (4/257) في الرجل يخرج مسافة طويلة في مدة قصيرة، قال: " مدة قصيرة في مسافة طويلة، كمن ذهب مثلا من القصيم إلى جدة في يومه ورجع، فهذا يسمى سفرا، لأن الناس يتأهبون له، ويرون أنهم مسافرون " انتهى. والمسافة بين القصيم وجدة (900) كم تقريبا. وعلى هذا، من سافر من أمستردام إلى باريس وعاد في نفس اليوم فهو مسافر على القولين جميعا , أي سواء اعتبرنا المسافة أم العرف. وهل الأفضل له أن يصوم أو يفطر؟ الجواب: الأفضل له الصيام إلا إذا وجد مشقة فالأفضل الفطر. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " الأفضل للمسافر أن يصوم إلا إذا وجد مشقة فإنه يفطر، والدليل على أن الأفضل أن يصوم: أولاً: أنه فعل الرسول عليه الصلاة والسلام، قال أبو الدرداء رضي الله عنه: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرٍّ شديدٍ حتى إن أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر، وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة. رواه مسلم. ثانياً: ولأنه إذا صام كان أيسر عليه؛ لأن القضاء يكون على الإنسان أصعب - غالباً - من الأداء في وقته؛ لأنه إذا صام في رمضان صار موافقاً للناس في صيامهم، فيكون ذلك أسهل عليه، والله عز وجل حينما فرض على عباده الصيام قال: (يُرِيدُ ?للَّهُ بِكُمُ ?لْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ?لْعُسْرَ) . ثالثاً: ولأنه إذا صام رمضان في السفر كان أسرع في إبراء ذمته، إذ إن الإنسان لا يدري ماذا يعتريه بعد رمضان، فيكون صومه أسرع في إبراء الذمة. وهناك فائدة رابعة: وهي أنه إذا صام في رمضان فقد صام في الوقت الفاضل - وهو رمضان -. ولكن مع المشقة لا يصوم وهو مسافر؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم رأى زحاماً ورجلاً قد ظلل عليه فقال: ما هذا؟ قالوا: صائم، قال: (لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ) قال ذلك لمن يصوم في السفر وقد شق عليه، ولهذا لما نزل منزلاً ذات يوم سقط الصوَّام لأنهم متعبون، وقام المفطرون فضربوا الأبنية وسقوا الركاب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالأَجْرِ) رواه مسلم. "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (19/السؤال رقم 112) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65629 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2867 يرهقها الصيام جدّاً فهل تفطر؟ [السُّؤَالُ] ـ[أعاني من شدة العطش في نهار رمضان لدرجة القيء والدوخة والضعف العام بالجسم، وهذا ما يجعلني أشرب الماء فقط، وقلبي يتقطع لعملي هذا، علما أنني أحافظ على صلواتي وأذكاري وقراءتي للقرآن.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله شرع الله تعالى الصيام تشريعاً سهلاً ميسراً، ولذلك قال الله تعالى أثناء آيات الصيام: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) . وقد أباح الله تعالى للمريض أن يفطر في رمضان. والمرض الذي يبيح للصائم ذلك هو المرض الموجود بالفعل مما يُخشى زيادته أو تأخر شفائه، أو المرض المتوقع حدوثه بسبب الصيام. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (12488) . وعلى هذا، إذا كان الصيام يؤدي بالسائلة إلى القيء والدوخة بسبب ضعف جسمها فلا حرج عليها من الفطر في رمضان، وعليها القضاء، إن كانت تستطيع ذلك، فإن لم تكن تستطيع القضاء فعليها أن تطعم عن كل يوم مسكيناً. وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى: ما حكم من أفسد صومه الواجب بسبب العطش؟ فأجاب: " حكمه أنه يحرم على من كان في صوم واجب سواء من رمضان أو قضائه، أو كفارة، أو فدية يحرم عليه أن يفسد هذا الصوم، لكن إن بلغ به العطش إلى حد يخشى عليه من الضرر، أو من التلف فإنه يجوز له الفطر ولا حرج عليه، حتى ولو كان ذلك في رمضان إذا وصل إلى حد يخشى على نفسه الضرر، أو الهلاك: فإنه يجوز له أن يفطر " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (19 / السؤال رقم 149) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65633 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2868 هل يجب على هؤلاء الصوم؟ وهل يلزمهم القضاء؟ [السُّؤَالُ] ـ[هناك صبي كان يصوم رمضان قبل أن يبلغ، وفي أثناء صومه في نهار رمضان بلغ فهل يجب عليه قضاء ذلك اليوم؟ وكذلك الكافر إذا أسلم؟ وكذلك الحائض إذا طهرت؟ وكذلك المجنون إذا أفاق؟ وكذلك المسافر إذا عاد وكان مفطراً؟ وكذلك المريض إذا تعافى وكان قد أفطر؟ فماذا على هؤلاء من حيث الإمساك في ذلك اليوم والقضاء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هؤلاء المذكورون في السؤال ليس حكمهم واحداً، وسبق أن ذكرنا اختلاف العلماء وشيئا من أقوالهم في جواب السؤال رقم (49008) . ويمكن تقسيم هؤلاء المذكورين في السؤال إلى مجموعتين: فالصبي إذا بلغ، والكافر إذا أسلم، والمجنون إذا أفاق لهم حكم واحد، وهو وجوب الإمساك ولا يجب عليهم القضاء. وأما الحائض إذا طهرت والمسافر إذا أقام والمريض إذا شفي فحكمهم واحد أيضا، فلا يجب عليهم الإمساك ولا يستفيدون بإمساكهم شيئاً، ويجب عليهم القضاء. والفرق بين المجموعة الأولى والثانية: أن المجموعة الأولى وجد فيهم شرط التكليف، وهو البلوغ والإسلام والعقل. وإذا ثبت تكليفهم وجب عليهم الإمساك , ولا يلزمهم القضاء لأنهم أمسكوا حين وجب عليهم الإمساك، أما قبل ذلك فلم يكونوا مكلفين بالصيام. وأما المجموعة الثانية فإنهم مخاطبون بالصيام لذا كان واجباً في حقهم، لكن وُجد عندهم عُذرٌ يبيح لهم الفطر , وهو الحيض والسفر والمرض فخفف الله عنهم وأباح لهم الفطر، فزالت حرمة اليوم في حقهم، فإذا زالت أعذارهم أثناء النهار لم يستفيدوا شيئا من إمساكهم، ولزمهم القضاء بعد رمضان. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى: " إذا قدم المسافر إلى بلده وهو مفطر: فإنه لا يجب عليه الإمساك، فله أن يأكل ويشرب بقية يومه؛ لأن إمساكه لا يفيده شيئاً لوجوب قضاء هذا اليوم عليه، هذا هو القول الصحيح، وهو مذهب مالك والشافعي، وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد رحمه الله لكن لا ينبغي له أن يأكل ويشرب علناً " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (19 / السؤال رقم 58) . وقال أيضا: " إذا طهرت الحائض أو النفساء أثناء النهار لم يجب عليها الإمساك، ولها أن تأكل وتشرب، لأن إمساكها لا يفيدها شيئاً لوجوب قضاء هذا اليوم عليها، وهذا مذهب مالك والشافعي وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد، وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (من أكل أول النهار فليأكل آخره) ، يعني: من جاز له الفطر أول النهار جاز له الفطر في آخره " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (19 / السؤال رقم 59) . وسئل الشيخ أيضا: من أفطر في نهار رمضان لعذر شرعي فهل يجوز له أن يأكل ويشرب بقية اليوم؟ فأجاب بقوله: " يجوز له أن يأكل ويشرب؛ لأنه أفطر بعذر شرعي، وإذا أفطر بعذر شرعي فقد زالت حرمة اليوم في حقه، وصار له أن يأكل ويشرب، بخلاف الرجل الذي أفطر في نهار رمضان بدون عذر، فإنا نلزمه بالإمساك، وإن كان يلزمه القضاء، فيجب التنبه للفرق بين هاتين المسألتين " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (19 / السؤال رقم 60) . وقال أيضا: " ذكرنا أثناء بحثنا في الصيام أن المرأة إذا كانت حائضاً وطهرت في أثناء النهار: فإن العلماء اختلفوا هل يجب عليها أن تمسك بقية اليوم فلا تأكل ولا تشرب، أو يجوز لها أن تأكل وتشرب بقية اليوم، وقلنا: إن في ذلك روايتين عن الإمام أحمد رحمه الله: إحداهما: - وهي المشهور من المذهب - أنه يجب عليها الإمساك، فلا تأكل ولا تشرب. والثانية: أنه لا يجب عليها الإمساك، فيجوز لها أن تأكل وتشرب، وقلنا: إن هذه الثانية هي مذهب مالك والشافعي رحمهما الله، وإن ذلك هو المروي عن ابن مسعود رضي الله عنه فإنه قال: (من أكل أول النهار فليأكل آخره) ، وقلنا: إن الواجب على طالب العلم في مسائل الخلاف الواجب عليه أن ينظر في الأدلة، وأن يأخذ بما ترجح عنده منها، وأن لا يبالي بخلاف أحد ما دام أن الدليل معه؛ لأننا نحن مأمورون باتباع الرسل؛ لقوله تعالى: (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ ?لْمُرْسَلِينَ) . وأما الاحتجاج بما صح به الحديث حيث أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصيام عاشوراء في أثناء اليوم، فأمسك الناس بقية يومهم، نقول: لا مستند لهم في هذا الحديث؛ لأن صوم يوم عاشوراء ليس فيه زوال مانع، وإنما فيه تجدد وجوب، وفرق بين زوال المانع وتجدد الوجوب؛ لأن تجدد الوجوب معناه أن الحكم لم يثبت قبل [وجود] سببه، وأما زوال المانع فمعناه أن الحكم ثابت مع المانع لولا هذا المانع، ومادام هذا المانع موجوداً مع وجود أسباب الحكم، فمعناه أن هذا المانع لا يمكن أن يصح معه الفعل لوجوده، ونظير هذه المسألة التي أوردها السائل نظيرها: ما لو أسلم إنسان في أثناء اليوم، فإن هذا الذي أسلم تجدد له الوجوب، ونظيرها أيضاً: ما لو بلغ الصبي في أثناء اليوم وهو مفطر، فإن هذا تجدد له الوجوب فنقول لمن أسلم في أثناء النهار: يجب عليك الإمساك، ولكن لا يجب عليك القضاء، ونقول للصبي إذا بلغ في أثناء النهار: يجب عليك الإمساك، ولا يجب عليك القضاء، بخلاف الحائض إذا طهرت، فإنه بإجماع أهل العلم يجب عليها القضاء، الحائض إذا طهرت أثناء النهار أجمع العلماء على أنها إن أمسكت بقية اليوم لا ينفعها هذا الإمساك ولا يكون صوماً، وأن عليها القضاء، وبهذا عرف الفرق بين تجدد الوجوب وبين زوال المانع، فمسألة الحائض إذا طهرت من باب زوال المانع، ومسألة الصبي إذا بلغ أو ما ذكره السائل من إيجاب صوم يوم عاشوراء قبل أن يفرض رمضان، هذا من باب تجدد الوجوب، والله الموفق " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (19 / السؤال رقم 60) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65635 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2869 الامتحان لا يبيح الفطر في رمضان [السُّؤَالُ] ـ[سأختبر في رمضان لمدة 6 ساعات ونصف الساعة، متواصلة يتخللها فترة راحة لمدة 45 دقيقة. وكنت قد قدمت الاختبار ذاته العام الماضي، لكني لم أركز بسبب الصيام. فهل يجوز لي أن أفطر في يوم الاختبار؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز الإفطار لما ذكرت، بل يحرم ذلك؛ لعدم دخوله في الأعذار التي تبيح الإفطار في رمضان. انتهى من فتاوى اللجنة الدائمة (ج10 ص240) . واعلم بأن صِيَام رَمَضَانَ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ , وَلَا يُعْفَى مِنْ أَدَاءِ الصِّيَامِ فِي وَقْتِهِ إلَّا أَصْحَابَ الْأَعْذَارِ الْمُرَخَّصَ لَهُمْ فِي الْفِطْرِ كَالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ والحَامِل، والمُرْضِع، والهَرِمْ، والمكره. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 13643 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2870 الفطر في نهار رمضان لأجل الامتحانات [السُّؤَالُ] ـ[منذ أيام الجامعة كنت لا أستطيع المذاكرة وأنا صائمة في رمضان فأفطرت في سنتين أياماً عديدة , فهل علي القضاء أم الكفارة أم هما معا؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: صوم رمضان أحد الأركان التي بني عليها الإسلام، روى البخاري (8) ومسلم (16) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَان) . فمن ترك الصوم فقد ترك ركناً من أركان الإسلام، وفعل كبيرة عظيمة من كبائر الذنوب، بل ذهب بعض السلف إلى كفره وردته، عياذا بالله من ذلك. قال الذهبي في الكبائر (ص 64) : " وعند المؤمنين مقرر أن من ترك صوم رمضان بلا مرض ولا غرض (أي بلا عذر يبيح ذلك) أنه شر من الزاني ومدمن الخمر، بل يشكون في إسلامه ويظنون به الزندقة والانحلال " انتهى. ثانياً: وأما الفطر لأجل الامتحان فقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن ذلك فأجاب: " لا يجوز للمكلّف الإفطار في رمضان من أجل الامتحان، لأن ذلك ليس من الأعذار الشرعية، بل يجب عليه الصوم وجعل المذاكرة في الليل إذا شق عليه فعلها في النهار. وينبغي لولاة أمر الامتحان أن يرفقوا بالطلبة، وأن يجعلوا الامتحان في غير رمضان جمعاً بين مصلحتين، مصلحة الصيام، والتفرغ للإعداد للامتحان، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فشقّ عليهم فاشقق عليه) أخرجه مسلم في صحيحه. فوصيتي للمسؤولين عن الامتحان أن يرفقوا بالطلبة والطالبات، وألا يجعلوه في رمضان بل قبله أو بعده ونسأل الله للجميع التوفيق " انتهى. "فتاوى الشيخ ابن باز" (4/223) . وكذلك سئلت اللجنة الدائمة: سأختبر في رمضان لمدة 6 ساعات ونصف الساعة، متواصلة يتخللها فترة راحة لمدة 45 دقيقة. وكنت قد قدمت الاختبار ذاته العام الماضي، لكني لم أركز بسبب الصيام. فهل يجوز لي أن أفطر في يوم الاختبار؟ فأجابت: " لا يجوز الإفطار لما ذكرت، بل يحرم ذلك؛ لعدم دخوله في الأعذار التي تبيح الإفطار في رمضان " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (10 /240) . ثالثاً: وأما وجوب القضاء , فالأمر يحتاج إلى تفصيل: فإن كنت أفطرت وأنت تظنين أن الفطر جائز بسبب الامتحانات فعليك القضاء , لأنك معذورة بهذا الظن الخاطئ , ولم تتعمدي ارتكاب المحرم. أما إن كنت أفطرت وأنت تعلمين تحريم ذلك , فالواجب عليك التوبة والندم، والعزم على عدم العودة إلى هذا الذنب العظيم. وأما القضاء , فإن كان إفطارك في أثناء اليوم بعد أن شرعت في صيامه , فعليك القضاء , وإن كنت لم تصومي من الأصل فلا قضاء عليك , وتكفيك التوبة النصوح إن شاء الله تعالى , وعليك الإكثار من الأعمال الصالحة من صيام التطوع غيره، فإن ذلك يسدد النقص الحاصل في الفريضة. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى عن حكم الفطر في نهار رمضان بدون عذر؟ فأجاب: " الفطر في نهار رمضان بدون عذر من أكبر الكبائر، ويكون به الإنسان فاسقاً، ويجب عليه أن يتوب إلى الله، وأن يقضي ذلك اليوم الذي أفطره، يعني لو أنه صام وفي أثناء اليوم أفطر بدون عذر فعليه الإثم، وأن يقضي ذلك اليوم الذي أفطره؛ لأنه لما شرع فيه التزم به ودخل فيه على أنه فرض فيلزمه قضاؤه كالنذر، أما لو ترك الصوم من الأصل متعمداً بلا عذر: فالراجح: أنه لا يلزمه القضاء؛ لأنه لا يستفيد به شيئاً، إذ إنه لن يقبل منه، فإن القاعدة أن كل عبادة مؤقتة بوقت معين فإنها إذا أخرت عن ذلك الوقت المعين بلا عذر لم تقبل من صاحبها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) ولأنه مِن تعدي حدود الله عز وجل، وتعدي حدود الله تعالى ظلم، والظالم لا يقبل منه، قال الله تعالى: (وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ?للَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ ?لظَّلِمُونَ) ؛ ولأنه لو قدم هذه العبادة على وقتها - أي: فعلها قبل دخول الوقت - لم تقبل منه، فكذلك إذا فعلها بعده لم تقبل منه إلا أن يكون معذوراً " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (19 / السؤال رقم 45) . رابعاً: عليك التوبة إلى الله من تأخير القضاء كل هذه السنوات، فإن الواجب على من عليه قضاء أيام من رمضان أن يقضيها قبل دخول رمضان التالي , فإن أخرها كان مرتكباً محرماً , وهل يجب عليه كفارة (إطعام مسكين عن كل يوم) بسبب هذا التأخير؟ فيه خلاف بين العلماء , والأقرب أنه لا يجب , ولو أخرجتيها احتياطاً كان ذلك حسناً. وانظري جواب السؤال (26865) . وخلاصة الجواب: أن عليك القضاء إن كنت ظننت أن الفطر جائز بسبب الاختبارات، أو كان فطرك في أثناء اليوم، ولا يلزمك مع القضاء كفارة. نسأل الله أن يتقبل توبتك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 60296 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2871 حكم تطعيم الكبد الوبائي في نهار رمضان [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم تطعيم الكبد الوبائي في الكتف الأيمن في نهار رمضان؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يضرُّ ذلك، ولا يؤثر في الصيام، حيث أن هذا التطعيم ليس من المغذيات. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 59863 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2872 يعمل في القطاع العسكري فهل يجوز له الإفطار في رمضان؟ [السُّؤَالُ] ـ[أعمل في القطاع العسكري وصادف شهر رمضان فهل يجوز أن أفطر علماً أن الظروف لا تساعدني على الصيام؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز لك الفطر في رمضان وأنت مكلف بالصيام إلا إذا كنت مسافراً أو كنت مريضاً مرضاً لا تقوى معه على الصيام لقوله تعالى: {ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر} البقرة / 185 وقوله تعالى: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} الحج / 78، وقوله: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} البقرة / 286، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) . وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 10 / 232 الحديث: 12407 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2873 الأعذار التي تبيح الفطر في رمضان [السُّؤَالُ] ـ[ما هي الأعذار المبيحة للفطر في رمضان؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فإن من تيسير الله لعباده أنه لم يفرض الصيام إلا على من يطيقه، وأباح الفطر لمن لم يستطع الصوم لعذر شرعي، والأعذار الشرعية المبيحة للصوم على النحو التالي: " أَوَّلًا: (الْمَرَضُ) : الْمَرَضُ هُوَ: كُلُّ مَا خَرَجَ بِهِ الْإِنْسَانُ عَنْ حَدِّ الصِّحَّةِ مِنْ عِلَّةٍ. قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى إبَاحَةِ الْفِطْرِ لِلْمَرِيضِ فِي الْجُمْلَةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} . وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رضي الله تعالى عنه قَالَ: " لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} كَانَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفْطِرَ , يُفْطِرُ وَيَفْتَدِي , حَتَّى أُنْزِلَتْ الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا يَعْنِي قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ , هُدًى لِلنَّاسِ , وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ , فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ , وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} فَنَسَخَتْهَا. فَالْمَرِيضُ الَّذِي يَخَافُ زِيَادَةَ مَرَضِهِ بِالصَّوْمِ أَوْ إبْطَاءَ الْبُرْءِ أَوْ فَسَادَ عُضْوٍ , لَهُ أَنْ يُفْطِرَ , بَلْ يُسَنُّ فِطْرُهُ , وَيُكْرَهُ إتْمَامُهُ , لِأَنَّهُ قَدْ يُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ , فَيَجِبُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ. ثُمَّ إنَّ شِدَّةَ الْمَرَضِ تُجِيزُ الْفِطْرَ لِلْمَرِيضِ. أَمَّا الصَّحِيحُ إذَا خَافَ الشِّدَّةَ أَوْ التَّعَبَ , فَإِنَّهُ لا يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ , إذَا حَصَلَ لَهُ بِالصَّوْمِ مُجَرَّدُ شِدَّةِ تَعَبٍ. ثَانِيًا: السَّفَرُ: يُشْتَرَطُ فِي السَّفَرِ الْمُرَخِّصِ فِي الْفِطْرِ مَا يَلِي: أ - أَنْ يَكُونَ السَّفَرُ طَوِيلا مِمَّا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاةُ. ب - أَنْ لَا يَعْزِمَ الْمُسَافِرُ الْإِقَامَةَ خِلَالَ سَفَرِهِ. ج - أَنْ لَا يَكُونَ سَفَرُهُ فِي مَعْصِيَةٍ , بَلْ فِي غَرَضٍ صَحِيحٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ , وَذَلِكَ: لِأَنَّ الْفِطْرَ رُخْصَةٌ وَتَخْفِيفٌ , فَلَا يَسْتَحِقُّهَا عَاصٍ بِسَفَرِهِ , بِأَنْ كَانَ مَبْنَى سَفَرِهِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ , كَمَا لَوْ سَافَرَ لِقَطْعِ طَرِيقٍ مَثَلًا. (انْقِطَاعُ رُخْصَةِ السَّفَرِ) : تَسْقُطُ رُخْصَةُ السَّفَرِ بِأَمْرَيْنِ اتِّفَاقًا: الْأَوَّلِ: إذَا عَادَ الْمُسَافِرُ إلَى بَلَدِهِ , وَدَخَلَ وَطَنَهُ , وَهُوَ مَحَلُّ إقَامَتِهِ. الثَّانِي: إذَا نَوَى الْمُسَافِرُ الْإِقَامَةَ مُطْلَقًا , أَوْ مُدَّةَ الْإِقَامَةِ فِي مَكَان وَاحِدٍ , وَكَانَ الْمَكَانُ صَالِحًا لِلْإِقَامَةِ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُقِيمًا بِذَلِكَ , فَيُتِمُّ الصَّلَاةَ , وَيَصُومُ وَلَا يُفْطِرُ فِي رَمَضَانَ , لِانْقِطَاعِ حُكْمِ السَّفَرِ. العذر الثَالِث: الْحَمْلُ وَالرَّضَاعُ: الْفُقَهَاءُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْحَامِلَ وَالْمُرْضِعَ لَهُمَا أَنْ تُفْطِرَا فِي رَمَضَانَ , بِشَرْطِ أَنْ تَخَافَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَوْ عَلَى وَلَدِهِمَا الْمَرَضَ أَوْ زِيَادَتَهُ , أَوْ الضَّرَرَ أَوْ الْهَلَاكَ. وَدَلِيلُ تَرْخِيصِ الْفِطْرِ لَهُمَا: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ الْمَرَضِ صُورَتَهُ , أَوْ عَيْنَ الْمَرَضِ , فَإِنَّ الْمَرِيضَ الَّذِي لَا يَضُرُّهُ الصَّوْمُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ , فَكَانَ ذِكْرُ الْمَرَضِ كِنَايَةً عَنْ أَمْرٍ يَضُرُّ الصَّوْمُ مَعَهُ , وَهُوَ مَعْنَى الْمَرَضِ , وَقَدْ وُجِدَ هَاهُنَا , فَيَدْخُلَانِ تَحْتَ رُخْصَةِ الْإِفْطَارِ, ومِنْ أَدِلَّةِ تَرْخِيصِ الْفِطْرِ لَهُمَا , حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الْكَعْبِيِّ رضي الله تعالى عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: {إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ الْمُسَافِرِ الصَّوْمَ وَشَطْرَ الصَّلَاةِ , وَعَنْ الْحَامِلِ أَوْ الْمُرْضِعِ الصَّوْمَ أَوْ الصِّيَامَ} وَفِي لَفْظِ بَعْضِهِمْ: {عَنْ الْحُبْلَى وَالْمُرْضِعِ} . رَابِعًا: الشَّيْخُوخَةُ وَالْهَرَمُ: وَتَشْمَلُ الشَّيْخُوخَةُ وَالْهَرَمُ مَا يَلِي: الشَّيْخَ الْفَانِيَ , وَهُوَ الَّذِي فَنِيَتْ قُوَّتُهُ , أَوْ أَشْرَفَ عَلَى الفَنَاءِ , وَأَصْبَحَ كُلَّ يَوْمٍ فِي نَقْصٍ إلَى أَنْ يَمُوتَ. والْمَرِيضَ الَّذِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ , وَتَحَقَّقَ الْيَأْسُ مِنْ صِحَّتِهِ. والْعَجُوزَ , وَهِيَ الْمَرْأَةُ الْمُسِنَّةُ. والدليل فِي شَرْعِيَّةِ إفْطَارِ مَنْ ذُكِرَ، قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} . وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما: الْآيَةُ لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ , وَهِيَ لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ , وَالْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ , لَا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا , فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا. خَامِسًا: إرْهَاقُ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ: مَنْ أَرْهَقَهُ جُوعٌ مُفْرِطٌ , أَوْ عَطَشٌ شَدِيدٌ , فَإِنَّهُ يُفْطِرُ ويأكل بقدر ما تندفع به ضرورته ويمسك بقية اليوم وَيَقْضِي. وَأَلْحَقُوا بِإِرْهَاقِ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ خَوْفَ الضَّعْفِ عَنْ لِقَاءِ الْعَدُوِّ الْمُتَوَقَّعِ أَوْ الْمُتَيَقَّنِ كَأَنْ كَانَ مُحِيطًا: فَالْغَازِي إذَا كَانَ يَعْلَمُ يَقِينًا أَوْ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ الْقِتَالَ بِسَبَبِ وُجُودِهِ بِمُقَابَلَةِ الْعَدُوِّ , وَيَخَافُ الضَّعْفَ عَنْ الْقِتَالِ بِالصَّوْمِ , وَلَيْسَ مُسَافِرًا , لَهُ الْفِطْرُ قَبْلَ الْحَرْبِ. سَادِسًا: الْإِكْرَاهُ: الإكراه: هو حَمْلُ الْإِنْسَانِ غَيْرَهُ , عَلَى فِعْلِ أَوْ تَرْكِ مَا لا يَرْضَاهُ بِالْوَعِيدِ. " [الْمَصْدَرُ] الموسوعة الفقهية ج28 ص 73. الحديث: 23296 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2874 رجل كثير السفر لطلب الرزق فهل يُفطر في رمضان؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا صاحب عمل سفري مستمر في البحث عن الرزق، وأُأدي الفروض جمعاً دائماً في سفري، وأُفطر في شهر رمضان فهل يحق لي ذلك أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز لك في سفرك قصر الصلاة الرباعية والجمع بين الظهر والعصر في وقت إحداهما، والجمع بين المغرب والعشاء في وقت إحداهما، ويجوز لك أيضاً الفطر في شهر رمضان في سفرك ويجب عليك قضاء الأيام التي أفطرتها من رمضان؛ لقوله تعالى: (ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر) البقرة / 185. وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (10/212) الحديث: 27027 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2875 قضاء صوم رمضان بسبب الولادة [السُّؤَالُ] ـ[كيف أقضي ما فاتني من صيام حيث أني وضعت للتو خلال شهر رمضان؟ ما هي النية التي يجب على أن أقولها قبل الصيام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله _ إذا أفطر المسلم في رمضان لعذر شرعي وجب عليه قضاؤه بعد زوال العذر، وعليه أن يبادر إلى ذلك ما أمكن، قال تعالى: (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدّة من أيام أخر) . _ نية الصوم يجب تبييتها من الليل، ومحل النية القلب وهو أن يريد ذلك الفعل، ويعزم على فعله، وحينئذ تتحقق النية وليس له أن يتلفظ بشيء وإنما ذلك في القلب. وعليه أن يريد بعمله وجه الله ليكون العمل خالصا، قال عليه الصلاة والسلام: " إنما الأعمال بالنيات ". [الْمَصْدَرُ] الشيخ وليد الفريان الحديث: 11141 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2876 أيهما أفضل: الفطر في السفر أم الصوم؟ [السُّؤَالُ] ـ[من سافر في رمضان وهو صائم، فهل الأفضل له الفطر أم متابعة الصيام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذَهَبَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ , وَجَمَاهِيرُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ إلَى أَنَّ الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ جَائِزٌ صَحِيحٌ مُنْعَقِدٌ , وَإِذَا صَامَ وَقَعَ صِيَامُهُ وَأَجْزَأَهُ. أنظر الموسوعة الفقهية ج28 ص73 وأما الأفضلية فعلى التفصيل التالي: " الحال الأولى: إذا كان الصوم والفطر سواء، بمعنى أن الصوم لا يؤثر عليه، ففي هذه الحالة يكون الصوم أفضل للأدلة التالية: أ / عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ حَتَّى إِنْ كَانَ أَحَدُنَا لَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ وَمَا فِينَا صَائِمٌ إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ " رواه البخاري (1945) ومسلم رقم (1122) . ب/ أنه أسرع في إبراء الذمة؛ لأن القضاء يتأخر، والأداء وهو صيام رمضان يقدم. ج / أنه أسهل على المكلف غالباً؛ لأن الصوم والفطر مع الناس أسهل من أن يستأنف الصوم. د / أنه يدرك الزمن الفاضل، وهو رمضان، فإن رمضان أفضل من غيره؛ لأنه محل الوجوب، فلهذه الأدلة يترجح ما ذهب إليه الشافعي رحمه الله من أن الصوم أفضل في حق من يكون الصوم والفطر عنده سواء. الحال الثانية: أن يكون الفطر أرفق به، فهنا نقول: إن الفطر أفضل، وإذا شق عليه بعض الشيء صار الصوم في حقه مكروهاً؛ لأن ارتكاب المشقة مع وجود الرخصة يشعر بالعدول عن رخصة الله عز وجل. الحال الثالثة: أن يشق عليه مشقة شديدة غير محتملة فهنا يكون الصوم في حقه حراماً. والدليل على ذلك ما رواه مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَامَ الْفَتْحِ إِلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ فَصَامَ النَّاسُ ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَرَفَعَهُ حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ ثُمَّ شَرِبَ فَقِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ فَقَالَ أُولَئِكَ الْعُصَاةُ أُولَئِكَ الْعُصَاةُ ". وفي رواية " فَقِيلَ لَهُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمْ الصِّيَامُ وَإِنَّمَا يَنْظُرُونَ فِيمَا فَعَلْتَ فَدَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ بَعْدَ الْعَصْرِ " (1114) .فوصف من صام مع المشقة الشديدة بالعصاة. أنظر الشرح الممتع للشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله.ج6 ص355 " قَالَ النَّوَوِيُّ وَالْكَمَالُ بْنُ الْهُمَامِ: إنَّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الْفِطْرِ , مَحْمُولَةٌ عَلَى مَنْ يَتَضَرَّرُ بِالصَّوْمِ , وَفِي بَعْضِهَا التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ , وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا التَّأْوِيلِ , لِيَجْمَعَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ , وَذَلِكَ أَوْلَى مِنْ إهْمَالِ بَعْضِهَا , أَوْ ادِّعَاءِ النَّسْخِ , مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ قَاطِعٍ. وَاَلَّذِينَ سَوَّوْا بَيْنَ الصَّوْمِ وَبَيْنَ الْفِطْرِ , اسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها {أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيَّ رضي الله تعالى عنه قَالَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَأَصُومُ فِي السَّفَرِ؟ - وَكَانَ كَثِيرَ الصِّيَامِ - فَقَالَ: إنْ شِئْت فَصُمْ , وَإِنْ شِئْت فَأَفْطِرْ} متفق عليه. " [الْمَصْدَرُ] الموسوعة الفقهية ج28 ص73. الحديث: 20165 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2877 هل الأفضل للحامل الصيام أم الفطر؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل الأفضل للحامل الصيام أم الفطر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحامل مكلفة بالصيام، كغيرها، إلا أنها إذا خافت على نفسها أو خافت على جنينيها أبيح لها الفطر. قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) : " كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة وهما يطيقان الصيام، يفطران ويطعمان عن كل يوم مسكينا، والمرضع والحبلى إذا خافتا على أولادهما أفطرتا وأطعمتا " رواه أبو داود (2317) وصححه الألباني في إرواء الغليل 4/18،25 وينبغي أن يعلم أن الفطر للحامل يكون جائزا، وواجبا، وحراما: فيجوز لها الفطر إذا كان الصوم يشق عليها، ولا يضرها. ويجب عليها إذا ترتب على صيامها ضرر عليها أو على جنينها. ويحرم عليها إذا كان لا يلحقها بالصوم مشقة. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (المرأة الحامل لا تخلو من حالين: إحداهما: أن تكون قوية نشيطة لا يلحقها في الصوم مشقة ولا تأثير على جنينها، فهذه المرأة يجب عليها أن تصوم، لأنه لا عذر لها في ترك الصيام. والحالة الثانية: أن تكون المرأة غير متحملة للصيام لثقل الحمل عليها أو لضعفها في جسمها أو لغير ذلك. وفي هذه الحال تفطر لاسيما إذا كان الضرر على جنينها، فإنه يجب عليها الفطر حينئذ) . فتاوى الشيخ ابن عثيمين 1/487 وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: (الحامل والمرضع حكمهما حكم المريض، إذا شق عليهما الصوم شرع لهما الفطر، وعليهما القضاء عند القدرة على ذلك، كالمريض. وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يكفيهما الإطعام عن كل يوم إطعام مسكين، وهو قول ضعيف مرجوح، والصواب أن عليهما القضاء كالمسافر والمريض، لقول الله عز وجل (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) البقرة / 184، وقد دل على ذلك أيضا حديث أنس بن مالك الكعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة، وعن الحبلى والمرضع الصوم " رواه الخمسة) . انتهى من " تحفة الإخوان بأجوبة مهمة تتعلق بأركان الإسلام " ص 171 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 3434 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2878 هل للحائض أن تصوم [السُّؤَالُ] ـ[هل للمرأة إذا حاضت أن تفطر في رمضان وتصوم أياماً مكان الأيام التي أفطرتها؟ .]ـ [الْجَوَابُ] لا يصح صوم الحائض ولا يجوز لها فعله فإذا حاضت أفطرت وصامت أياماً مكان الأيام التي أفطرتها بعد طهرها. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة. الحديث: 7852 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2879 متى يحرم الفطر على المسافر؟ [السُّؤَالُ] ـ[متى يحرم على المسافر الفطر؟ مع ذكر السبب.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله دل القرآن الكريم والسنة النبوية وإجماع الأمة على أن المسافر في نهار رمضان له أن يفطر، قال الله تعالى: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/185. انظر السؤال (37717) . وقد ذكر الفقهاء رحمهم الله أن المسافر الذي يباح له الفطر: هو من سافر مسافة قصر، وكان سفره مباحا. أما من سافر سفرا لا يبلغ مسافة القصر، أو كان سفره سفر معصية، فلا يباح لهما الفطر. وكذا لو سافر ليفطر: حرم عليه السفر والفطر. ومسافة القصر عند جمهور العلماء، هي أربعة بُرُد، وتعادل 80 كيلو تقريبا. وذهب بعض العلماء على أنه لا اعتبار بالمسافة، وإنما العبرة بما يسميه الناس سفراً. انظر السؤال (38079) . والقول بأن العاصي بسفره لا يباح له الفطر ولا غيره من رخص السفر كقصر الصلاة: هو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة. انظر: "المغني" (2/52) . وعللوا قولهم: بأن الفطر رخصة، والعاصي بسفره ليس أهلا للرخصة. ومنهم من استدل بقوله تعالى: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) البقرة/173. ووجه الدلالة: أن الله تعالى لم يبح أكل الميتة للمضطر الباغي والعادي؛ لأنهم عصاة. قالوا: والباغي هو الخارج على الإمام، والعادي هو المحارب وقاطع الطريق. وذهب الحنفية إلى أن له الترخص بالفطر والقصر وغيره، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. انظر: "البحر الرائق" (2/149) ، "مجموع الفتاوى" (24/110) . وهؤلاء لم يسلموا للجمهور استدلالهم بالآية، وقالوا: بل الباغي هو الذي يطلب الطعام المحرم مع قدرته على الحلال، والمعتدي: هو الذي يتعدى القدر المحتاج إليه. وأما من سافر لأجل أن يفطر، فهذا متحايل على الشرع، فعوقب بنقيض قصده، قال في "كشاف القناع" من كتب الحنابلة (2/312) : " لكن لو سافر ليفطر حرما عليه، أي: السفر والفطر، حيث لا علة لسفره إلا الفطر. أما حرمة الفطر فلعدم العذر المبيح له. وأما حرمة السفر فلأنه وسيلة إلى الفطر المحرم " انتهى بتصرف يسير. وليس للمسافر أن يفطر إلا بعد مفارقة عمران مدينته أو قريته، فيحرم الفطر عليه قبل ذلك؛ لأنه مقيم حينئذ. انظر السؤال (48975) . وعلى هذا فيحرم على المسافر الفطر في مواضع: منها: 1- إذا كان سفره لا يبلغ مسافة القصر. 2- إذا لم يكن سفره مباحا عند جمهور العلماء. 3- إذا سافر لأجل أن يفطر. 4- إذا سافر وأراد أن يفطر قبل مفارقة بيوت قريته أو مدينته. 5- وهناك حالة خامسة يحرم فيها الفطر على المسافر عند جمهور العلماء، وهي إذا أقام في البلد الذي سافر إليه أكثر من أربعة أيام، ويرى آخرون من العلماء أن المسافر يترخص برخص السفر ما دام مسافرا مهما طالت المدة. انظر السؤال (21091) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50758 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2880 إذا شعرت الحامل ببعض التعب فهل تفطر؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل تستطيع المرأة الحامل الفطر في رمضان إذا شعرت ببعض التعب؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ينبغي أن يُعْلَمَ أنه ليس كلُّ تعب أو مشقة يعتبر عذراً يبيح الفطر في رمضان، لأن الصوم لا يخلو من مشقة وتعب، إلا أنها مشقة يسيرة معتادة في الغالب. وعلى هذا؛ فالحامل إذا شعرت ببعض التعب فلا يخلو من حالين: الأولى: أن يكون التعب يسيراً بحيث لا يشق عليها الصوم مشقة شديدة غير معتادة، ولا تخاف على نفسها ولا على جنينها، فحينئذ يجب عليها الصوم، ولا يجوز لها الفطر. الثانية: أن تكون المشقة شديدة أو تخاف على نفسها أو على جنينها الضرر، فالفطر لها أفضل، وقد يكون واجبا. انظر السؤال (3434) ، (50005) . ويدل على الرخصة للحامل في الفطر قوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ الْمُسَافِرِ نِصْفَ الصَّلاةِ وَالصَّوْمَ، وَعَنْ الْحُبْلَى وَالْمُرْضِعِ) رواه النسائي (2274) وحسنه الألباني في صحيح سنن النسائي. وإذا أفطرت الحامل فإنها يلزمها قضاء الأيام التي أفطرتها. وهل يلزمها الإطعام في حال فطرها خوفا على جنينها؟ في ذلك خلاف بين الفقهاء. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله وهو يذكر اختلاف العلماء فيما يجب على الحامل إذا أفطرت: " القول الثالث: يلزمها القضاء فقط دون الإطعام، وهذا القول أرجح الأقوال عندي؛ لأن غاية ما يكون أنهما – الحامل والمرضع - كالمريض والمسافر، فيلزمهما القضاء فقط " انتهى من الشرح الممتع (6/362) . انظر السؤال (49794) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50762 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2881 مريض يتناول ستة أقراص دواء يوميّاً فهل له الفطر؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا مصاب بمرض في العمود الفقري، وأتناول من العلاجات 6 حبات دواء، فهل يجوز لي أن أفطر وأقضي لاحقا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نسأل الله تعالى أن يعافيك، ويرزقك الصبر والاحتساب لتنال الأجر كاملاً موفوراً، وقد خفف الله تعالى عن المريض فأباح له الفطر في رمضان على أن يقضي الأيام التي أفطرها بعد زوال المرض , قال الله تعالى: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/184. قال ابن قدامة المقدسي رحمه الله: " أجمع أهل العلم على إباحة الفطر للمريض في الجملة , والأصل فيه قوله تعالى: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) " انتهى. " المغني " (3 / 88) . والمرض المبيح للفطر هو الذي يضر معه الصوم أو يؤخر شفاءه منه، وتناول الدواء ليس عذراً إلا إذا كان لا يمكنه تناوله إلا في نهار صومه، فإن أمكن المريض تناول الدواء وقت السحور وبعد المغرب وكان الصوم غير مضرٍّ له: لم يجز له الفطر , فإن احتاج إلى تناول الدواء نهاراً فلا حرج عليه أن يفطر ويقضي الأيام التي أفطرها. قال النووي رحمه الله: " قال أصحابنا: شرط إباحة الفطر: أن يلحقه بالصوم مشقة يشق احتمالها , وأما المرض اليسير الذي لا يلحق به مشقة ظاهرة: لم يجز له الفطر بلا خلاف عندنا " انتهى. " المجموع " (6 / 257) . وقال ابن قدامة المقدسي رحمه الله: " والمرض المبيح للفطر هو الشديد الذي يزيد بالصوم أو يخشى تباطؤ برئه. قيل لأحمد: متى يفطر المريض؟ قال: إذا لم يستطع، قيل: مثل الحمى؟ قال: وأي مرض أشد من الحمى " انتهى. " المغني " (3 / 88) . وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: " المشروع للمريض الإفطار في شهر رمضان إذا كان الصوم يضرّه أو يشقّ عليه، أو كان يحتاج إلى علاج في النهار بأنواع الحبوب والأشربة ونحوها مما يؤكل ويشرب، لقول الله سبحانه: (وَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) ، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته) ، وفي رواية أخرى: (كما يحبّ أن تؤتى عزائمه) انتهى. " فتاوى إسلامية " (2 / 139) . وقال الشيخ ابن عثيمين: " إذا شرب المريض الدواء في رمضان بعد طلوع الفجر فإن صيامه هذا غير صحيح؛ لأنه تعمد الإفطار ويلزمه الإمساك بقية اليوم، إلا إذا شق عليه الإمساك من أجل المرض فله أن يفطر من أجل المرض، ويلزمه القضاء؛ لأنه تعمد الفطر. ولا يحل للمريض أن يتناول دواء وهو صائم في رمضان إلا عند الضرورة، مثل أن نخاف عليه من الموت فنعطيه حبوباً تخفف عنه، فإنه في هذا الحال يكون مفطراً ولا حرج عليه في الفطر مع المرض " انتهى. " فتاوى ابن عثيمين " (19 / السؤال رقم 76) . فإن كان مرضك مستمراً مزمناً بحيث لا تستطيع معه القضاء فلا يجب عليك الصيام ولا القضاء , وإنما الواجب عليك أن تطعم مسكينا، وجبة غداء أو عشاء عن كل يومٍ تفطره من رمضان. سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: هناك رجل مريض بمرض القلب، ولا يعمل عنده إلا جزء بسيط يحتاج إلى الدواء باستمرار، يعني تقريباً كل ثمان ساعات أو ست ساعات فهل يسقط عنه الصوم؟ فأجاب: " نعم، يسقط عنه الصوم، ويطعم عن كل يوم مسكيناً، إن شاء أعطى المساكين كل مسكين ربع صاع من الأرز، وإن جعل معه لحماً فهو أحسن، وإن شاء عشَّاهم في آخر ليلة من رمضان، أو غداهم في يوم آخر في الفطر، كل ذلك جائز " انتهى. " فتاوى ابن عثيمين " (19 / السؤال رقم 87) . وينظر في أحوال المرض: جواب السؤال رقم (38532) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50555 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2882 كان ممنوعا من الطعام بسبب المرض فهل يجب عليه الصيام؟ [السُّؤَالُ] ـ[قمت بعملية جراحية، وقد منعت من الشرب لمدة 3 أيام، ثم سمحوا لي بشرب الماء والعصائر فقط 3 أيام، وبالصدفة كان اليوم التالي لها مباشرة هو أول أيام رمضان، وقد طلب مني الطبيب أن أبدأ في الأكل من أول يوم من رمضان، وقد أفطرت اليوم الأول لأنني كنت جائعاً جدا، ولا أستطيع الصيام، وسوف أفطر اليوم الثاني أيضاً من رمضان. فهل هذا جائز؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الذي يظهر أنك معذور في إفطارك؛ لأنك لا تزال في عذر المرض، وقد أسقط الله تعالى وجوب الصيام عن المريض فقال تعالى: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/184. فالظاهر جواز فطرك اليوم الأول والثاني من رمضان لعذر المرض، والواجب عليك قضاء هذين اليومين بعد انتهاء شهر رمضان، متفرقَيْن أو متتابعَيْن على حسب السعة والقدرة، والأولى الإسراع في القضاء بعد انتهاء الشهر مباشرة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50488 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2883 من جامع امرأته في نهار رمضان وهو مسافر فلا شيء عليه [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من جامع زوجته في نهار رمضان وهو على سفر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا كفارة عليه ولا إثم، لأن المسافر يجوز له الفطر، ولكن عليه قضاء هذا اليوم. سئلت اللجنة الدائمة (10/202) عن حكم من جامع أهله في نهار رمضان وهما مسافران ومفطران. فأجابت: "يجوز الفطر في السفر لمسافر في نهار رمضان ويقضيه لقوله تعالى: (َمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/185، ويباح له الأكل والشرب والجماع ما دام في السفر" اهـ. وسئل الشيخ ابن باز في مجموع الفتاوى (15/307) : عن حكم من جامع في نهار رمضان وهو صائم، وهل يجوز للمسافر إذا أفطر أن يجامع أهله؟ فأجاب: على من جامع في نهار رمضان وهو صائم صوما واجبا الكفارة، أعني كفارة الظهار (هي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً) مع وجوب قضاء اليوم، والتوبة إلى الله سبحانه مما وقع منه، أما إن كان مسافرا أو مريضا مرضا يبيح له الفطر فلا كفارة عليه ولا حرج عليه، وعليه قضاء اليوم الذي جامع فيه؛ لأن المريض والمسافر يباح لهما الفطر بالجماع وغيره، كما قال الله سبحانه) ٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/184. وحكم المرأة في هذا حكم الرجل إن كان صومها واجبا وجبت عليها الكفارة مع القضاء، وإن كانت مسافرة أو مريضة مرضا يشق معه الصوم فلا كفارة عليها اهـ. وسئل الشيخ ابن عثيمين في فتاوى الصيام (344) عن رجل جامع زوجته في نهار رمضان وهو مسافر؟ فأجاب: " لا حرج عليه في ذلك؛ لأن المسافر يجوز له أن يفطر بالأكل والشرب والجماع، فلا حرج عليه في هذا ولا كفارة. ولكن يجب عليه أن يصوم يوماً عن الذي أفطره في رمضان. كذلك المرأة لا شيء عليها إذا كانت مسافرة مفطرة أم غير مفطرة في ذلك اليوم معه، أما إذا كانت مقيمة فلا يجوز له جماعها إن كانت صائمة فرضاً؛ لأنه يفسد عليها عبادتها ويجب عليها أن تمتنع منه" اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50256 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2884 حكم صيام المرضع والحامل [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لزوجتي التي ترضع ابني البالغ من العمر عشرة أشهر الإفطار في شهر رمضان؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المرضع ومثلها الحامل لها حالان: الأولى: أن لا تتأثر بالصيام، فلا يشق عليها الصيام ولا يُخشى منه على ولدها، فيجب عليها الصيام، ولا يجوز لها أن تفطر. الثانية: أن تخاف على نفسها أو ولدها من الصيام ويشق عليها، فلها أن تفطر وعليها أن تقضي الأيام التي أفطرتها. وفي هذه الحال الأفضل لها الفطر، ويكره لها الصيام، بل ذكر بعض أهل العلم أنها إذا كانت تخشى على ولدها وجب عليها الإفطار وحرم الصوم. قال المرداوي في الإنصاف" (7/382) : "يُكْرَهُ لَهَا الصَّوْمُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ. . . وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنْ خَافَتْ حَامِلٌ وَمُرْضِعٌ عَلَى حَمْلٍ وَوَلَدٍ , حَالَ الرَّضَاعِ لَمْ يَحِلَّ الصَّوْمُ , وَإن لَمْ تَخَفْ لَمْ يَحِلَّ الْفِطْرُ" اهـ. باختصار. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى في فتاوى الصيام (ص161) : إذا أفطرت الحامل أو المرضع بدون عذر وهي قوية ونشيطة ولا تتأثر بالصيام فما حكم ذلك؟ فأجاب: لا يحل للحامل أو المرضع أن تفطرا في نهار رمضان إلا للعذر، فإذا أفطرتا للعذر وجب عليهما قضاء الصوم، لقول الله تعالى في المريض: (وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى? سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) . وهما بمعنى المريض وإذا كان عذرهما الخوف على الولد فعليهما مع القضاء عند بعض أهل العلم إطعام مسكين لكل يوم من البر (القمح) ، أو الرز، أو التمر، أو غيرها من قوت الا?دميين، وقال بعض العلماء: ليس عليهما سوى القضاء على كل حال؛ لأنه ليس في إيجاب الإطعام دليل من الكتاب والسنة، والأصل براءة الذمة حتى يقوم الدليل على شغلها، وهذا مذهب أبي حنيفة رحمه الله، وهو قوي اهـ. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى أيضاً في فتاوى الصيام (ص162) : عن الحامل إذا خافت على نفسها أو خافت على ولدها وأفطرت فما الحكم؟ فأجاب: جوابنا على هذا أن نقول: الحامل لا تخلو من حالين: إحداهما: أن تكون نشيطة قوية لا يلحقها مشقة ولا تأثير على جنينها، فهذه المرأة يجب عليها أن تصوم؛ لأنها لا عذر لها في ترك الصيام. والحال الثانية: أن تكون الحامل غير متحملة للصيام: إما لثقل الحمل عليها، أو لضعفها في جسمها، أو لغير ذلك، وفي هذه الحال تفطر، لاسيما إذا كان الضرر على جنينها، فإنه قد يجب الفطر عليها حينئذ. وإذا أفطرت فإنها كغيرها ممن يفطر لعذر يجب عليها قضاء الصوم متى زال ذلك العذر عنها، فإذا وضعت وجب عليها قضاء الصوم بعد أن تطهر من النفاس، ولكن أحياناً يزول عذر الحمل ويلحقه عذر آخر وهو عذر الإرضاع، وأن المرضع قد تحتاج إلى الأكل والشرب لاسيما في أيام الصيف الطويلة النهار، الشديدة الحر، فإنها قد تحتاج إلى أن تفطر لتتمكن من تغذية ولدها بلبنها، وفي هذه الحال نقول لها أيضاً: أفطري فإذا زال عنك العذر فإنك تقضين ما فاتك من الصوم اهـ. وقال الشيخ ابن باز في مجموع الفتاوى (15/224) : أما الحامل والمرضع فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أنس بن مالك الكعبي عن أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح أنه رخص لهما في الإفطار وجعلهما كالمسافر. فعلم بذلك أنهما تفطران وتقضيان كالمسافر، وذكر أهل العلم أنه ليس لهما الإفطار إلا إذا شق عليهما الصوم كالمريض، أو خافتا على ولديهما والله أعلم اهـ. وجاء في فتاوى "اللجنة الدائمة" (10/226) : "أما الحامل فيجب عليها الصوم حال حملها إلا إذا كانت تخشى من الصوم على نفسها أو جنينها فيرخص لها في الفطر وتقضي بعد أن تضع حملها وتطهر من النفاس" اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50005 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2885 هل الأفضل أن تفطر لترضع ولدها أو تقطع الرضاعة وتصوم؟ [السُّؤَالُ] ـ[لدي طفل يبلغ من العمر 10 شهور، والآن وقد جاء شهر رمضان وأريد أن أصوم الشهر. ولكن قبل أيام قمت بصوم يومي الاثنين والخميس فأرهقني وأتعبني. هل يجوز أن أقطع الطفل من الرضاعة لأجل الصيام أم الأفضل أن أترك الصيام لأجل رضاعة الطفل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: سبق في إجابة السؤال رقم (50005) أن المرضع والحامل إذا خافت على نفسها أو ولدها فالأفضل لها الفطر، ويكره لها الصوم، بل قال بعض أهل العلم: إذا خافت على ولدها حرم عليها الصوم ووجب عليه الفطر لأنها ليس لها أن تفعل ما يضر ولدها. ثانيا: إذا كان الطفل مستغنياً عن رضاع أمه فإنها تصوم ولا تفطر لعدم الحاجة إلى فطرها حينئذ. قال المرداوي في الإنصاف " (7/383) : "إذا كان الطفل مستغنياً عن رضاعها لم يجز لها الفطر" اهـ بتصرف. ثالثا: إذا كان المقصود من قولك في السؤال "أقطع الطفل من الرضاعة" أنك تفطمينه فإنه ينظر في ذلك إلى حال الولد، فإن كان يتضرر بذلك فلا يجوز الإقدام على هذا، وإن كان لا يتضرر به فلا بأس من فطامه بعد مشاورة الأب والاتفاق معه على ذلك، لقول الله تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلا وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا) البقرة/233. قال القرطبي: "قوله تعالى: "فإن أرادا فصالا" الضمير في "أرادا" للوالدين. و"فصالا" معناه فطاما عن الرضاع، أي عن الاغتذاء بلبن أمه إلى غيره من الأقوات. "عن تراض منهما" أي قبل الحولين. "فلا جناح عليهما" أي في فصله، وذلك أن الله سبحانه جعل مدة الرضاع حولين إلا أن يتفق الأبوان على أقل من ذلك العدد من غير مضارة بالولد، فذلك جائز بهذا البيان" اهـ بتصرف. وروى ابن جرير في التفسير (3913) عن سفيان الثوري قال: إذا أراد الأب أن يفطمه قبل الحولين ولم ترض المرأة فليس له ذلك، وإذا قالت المرأة: أنا أفطمه قبل الحولين، وقال الأب: لا، فليس لها أن تفطمه حتى يرضى الأب، حتى يجتمعا، فإن اجتمعا قبل الحولين فطماه، وإذا اختلفا لم يفطماه قبل الحولين، وذلك قوله: (فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور) . وأما إذا كان المقصود بقطع الطفل عن الرضاعة نقله إلى الرضاعة الصناعية فإن في هذا تفويتاً لمصلحة الرضاعة الطبيعية على الولد وقد ثبت ثبوتاً لا مجال للشك فيه أهمية الرضاعة الطبيعية للأطفال، وفي هذه الحال لا تترك المرأة الرضاعة الطبيعة لأجل الصيام حيث أن الرضاعة الصناعية لا تغني عنها تماماً، ولأن في أهمية الرضاعة الطبيعية للطفل عذراً كافياً لها للإفطار. راجع السؤال (20759) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50008 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2886 كيف يصوم المصاب بالفشل الكلوي؟ [السُّؤَالُ] ـ[كيف يصوم المصاب بالفشل الكلوي والذي يمارس الغسيل ثلاث مرات في الأسبوع؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سئلت اللجنة الدائمة (10/190) : هل يؤثر الغسيل الكلوي على الصيام إذا كان الإنسان صائما؟ فأجابت: "جرت الكتابة لكل من: سعادة مدير مستشفى الملك فيصل التخصصي، وسعادة مدير مستشفى القوات المسلحة بالرياض، للإفادة عن صفة واقع غسيل الكلى، وعن خلطه بالمواد الكيماوية، وهل تشتمل على نوع من الغذاء؟ وقد وردت الإجابة منهما بما مضمونه: أن غسيل الكلى عبارة عن إخراج دم المريض إلى آلة (كلية صناعية) تتولى تنقيته ثم إعادته إلى الجسم بعد ذلك، وأنه يتم إضافة بعض المواد الكيماوية والغذائية كالسكريات والأملاح وغيرها إلى الدم. وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء والوقوف على حقيقة الغسيل الكلوي بواسطة أهل الخبرة أفتت اللجنة بأن الغسيل المذكور للكلى يفسد الصيام. وبالله التوفيق " اهـ. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: بالنسبة لمن يقوم بعمل غسيل كلى أينقض وضوءه خروج الدم منه أثناء الغسيل؟ وكيف يصوم ويصلي أثناء الغسيل إذا وافق وقت الصلاة؟ فأجاب: " أما نقض الوضوء فإنه لا ينقض الوضوء وذلك لأن القول الراجح من أقوال العلماء أن الخارج من البدن لا ينقض الوضوء إلا ما خرج من السبيلين، فما خرج من السبيلين فهو ناقض للوضوء، سواء كان بولاً، أم غائطاً، أم ريحاً، كل ما خرج من السبيلين فإنه ناقض للوضوء. وأما ما خرج من غير السبيلين كالرعاف يخرج من الأنف، والدم يخرج من الجرح وما أشبه ذلك فإنه لا ينقض الوضوء لا قليله ولا كثيره، وعلى هذا فغسيل الكلى لا ينقض الوضوء. أما بالنسبة للصلاة فإنه يمكن أن يجمع الرجل المصاب بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، وينسق مع الطبيب المباشر في الوقت بحيث يكون الغسيل لا يستوعب أكثر من نصف النهار لئلا تفوته صلاة الظهر والعصر في وقتيهما. فيقول له مثلاً: أخر الغسيل عن الزوال بمقدار ما أصلي به الظهر والعصر، أو قدمه حتى أتمكن من صلاة الظهر والعصر قبل خروج وقت العصر. المهم أنه يجوز له الجمع دون تأخير الصلاة عن وقتها، وعلى هذا فلابد من التنسيق مع الطبيب المباشر. وأما بالنسبة للصيام فأنا في تردد من ذلك، أحياناً أقول: إنه ليس كالحجامة، الحجامة يستخرج منها (أي يستخرج بها الدم) ولا يعود إلى البدن، وهذا مفسد للصوم كما جاء في الحديث، والغسيل يخرج الدم وينظف ويعاد إلى البدن. لكن أخشى أن يكون في هذا الغسيل مواد مغذية تغني عن الأكل والشرب، فإن كان الأمر كذلك فإنها تفطر، وحينئذ إذا كان الإنسان مبتلى بذلك أبد الدهر يكون ممن مرض مرضاً لا يرجى برؤه فيطعم عن كل يوم مسكيناً. وأما إذا كان في وقت دون آخر فيفطر في وقت الغسيل ويقضيه بعد ذلك. وأما إن كان هذا الخلط الذي يخلط مع الدم عند الغسيل لا يغذي البدن، ولكن يصفي الدم وينقيه فهذا لا يفطر الصائم. وحينئذ له أن يستعمله ولو كان صائماً ويرجع في هذا الأمر إلى الأطباء" اهـ. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (20/113) . وخلاصة الجواب: أن المصاب بالفشل الكلوي يفطر في الأيام التي يُجري فيها الغسيل، ثم إن تمكن من القضاء فإنه يلزمه القضاء، وإن كان لا يتمكن من القضاء فهو بمنزلة كبير السن الذي لا يستطيع الصيام، فيفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49987 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2887 الشرب من زمزم مستحب وليس واجبا [السُّؤَالُ] ـ[أنوي إن شاء الله أن أعتمر في شهر رمضان المبارك، ومن المقرر أن أصل لمكة ظهرا براً، كما هو معلوم بأنه يجب أن يرتوي المعتمر بماء زمزم بعد الصلاة خلف مقام إبراهيم في الأيام العادية، لكن في رمضان وأنا أنوي الصوم وعدم الإفطار فكيف أشرب ماء زمزم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الشرب من ماء زمزم ليس واجبا، بل هو مستحب وليس استحبابه خاصا بما بعد صلاة الركعتين خلف المقام، بل الشرب من زمزم مستحب في كل وقت. قال شيخ الإسلام في " مجموع الفتاوى" (26/144) : وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَشْرَبَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَيَتَضَلَّعَ مِنْهُ وَيَدْعُوَ عِنْدَ شُرْبِهِ بِمَا شَاءَ مِنْ الأَدْعِيَةِ الشَّرْعِيَّةِ اهـ. وقال الموفق في "المغني". وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْتِيَ زَمْزَمَ , فَيَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا لِمَا أَحَبَّ , وَيَتَضَلَّعَ مِنْهُ. قَالَ جَابِرٌ , فِي صِفَةِ حَجِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: ثُمَّ أَتَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ , وَهُمْ يَسْقُونَ , فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا , فَشَرِبَ مِنْهُ اهـ. ومعنى (يَتَضَلَّعَ) أي يكثر من الشرب حتى يمتلئ جنبه وأضلاعه. حاشية السندي على ابن ماجه. وقال النووي في "المجموع": قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالأَصْحَابُ وَغَيْرُهُمْ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَشْرَبَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ , وَأَنْ يُكْثِرَ مِنْهُ , وَأَنْ يَتَضَلَّعَ مِنْهُ - أَيْ يَتَمَلَّى - وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَشْرَبَهُ لِمَطْلُوبَاتِهِ مِنْ أُمُورِ الآخِرَةِ وَالدُّنْيَا , فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَشْرَبَهُ لِلْمَغْفِرَةِ أَوْ الشِّفَاءِ مِنْ مَرَضٍ وَنَحْوِهِ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى , ثُمَّ قَالَ (اللَّهُمَّ إنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَك صلى الله عليه وسلم قَالَ: {مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ} اللَّهُمَّ إنِّي أَشْرَبُهُ لِتَغْفِرَ لِي , اللَّهُمَّ فَاغْفِرْ لِي أَوْ اللَّهُمَّ إنِّي أَشْرَبُهُ مُسْتَشْفِيًا بِهِ مِنْ مَرَضٍ , اللَّهُمَّ فَاشْفِنِي) وَنَحْوَ هَذَا , وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَنَفَّسَ ثَلاثًا كَمَا فِي كُلِّ شُرْبٍ , فَإِذَا فَرَغَ حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى اهـ. وقال الشيخ ابن باز في مجموع الفتاوى (16/138) : يستحب للحاج والمعتمر وغيرهما أن يشرب من ماء زمزم إذا تيسر له ذلك اهـ. فعلى هذا إذا اعتمرت وأنت صائم فلا حرج عليك من عدم الشرب من زمزم، وليكن شربك منها بعد الإفطار. ثانياً: إذا كنت مسافراً إلى مكة للعمرة فإن المسافر يجوز له الفطر والصيام بإجماع العلماء، واختلفوا في الأفضل، وسبق في إجابة السؤال (20165) أن الأفضل هو الأيسر، فمن لم يشق عليه فالصوم أفضل. ومن شق عليه الصيام مع السفر فالفطر أفضل، لاسيما والمعتمر يحتاج إلى قوة ونشاط حتى يؤدي العمرة على وجه كامل، بدعائها وخشوعها. ويخطئ بعض المعتمرين حيث يشقون على أنفسهم فيعتمرون وهم صائمون مع مشقة الصيام عليهم مما يؤثر على أدائهم العمرة، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مفطراً يوم عرفة. قال الشوكاني: صَوْم ْيَوْم عرفة مُسْتَحَبّ لِكُلِّ أَحَد، مَكْرُوه لِمَنْ كَانَ بِعَرَفَاتٍ حَاجًّا. وَالْحِكْمَة فِي ذَلِكَ أَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ مُؤَدِّيًا إِلَى الضَّعْف عَنْ الدُّعَاء وَالذِّكْر يَوْم عَرَفَة هُنَالِكَ وَالْقِيَام بِأَعْمَالِ الْحَجّ اهـ. وثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يوم الجمعة منفرداً. قال النووي: يُكْرَه إِفْرَاد يَوْم الْجُمُعَة بِالصَّوْمِ إِلا أَنْ يُوَافِقَ عَادَةً لَهُ , فَإِنْ وَصَلَهُ بِيَوْمٍ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ , أَوْ وَافَقَ عَادَةً لَهُ بِأَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ يَوْمَ شِفَاءِ مَرِيضِهِ أَبَدًا , فَوَافَقَ يَوْم الْجُمُعَة لَمْ يُكْرَهْ.. قَالَ الْعُلَمَاء: وَالْحِكْمَة فِي النَّهْي عَنْهُ: أَنَّ يَوْم الْجُمُعَة يَوْم دُعَاء وَذِكْرٍ وَعِبَادَةٍ: مِنْ الْغُسْل وَالتَّبْكِير إِلَى الصَّلَاة وَانْتِظَارهَا وَاسْتِمَاع الْخُطْبَة وَإِكْثَار الذِّكْر بَعْدَهَا ; لِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى: {فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانْتَشَرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا} وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْعِبَادَات فِي يَوْمهَا , فَاسْتُحِبَّ الْفِطْر فِيهِ , فَيَكُون أَعْوَنَ لَهُ عَلَى هَذِهِ الْوَظَائِف وَأَدَائِهَا بِنَشَاطٍ وَانْشِرَاحٍ لَهَا , وَالْتِذَاذٍ بِهَا مِنْ غَيْر مَلَلٍ وَلا سَآمَةٍ , وَهُوَ نَظِير الْحَاجّ يَوْم عَرَفَة بِعَرَفَةَ , فَإِنَّ السُّنَّة لَهُ الْفِطْر كَمَا سَبَقَ تَقْرِيره لِهَذِهِ الْحِكْمَة , فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَزُلْ النَّهْي وَالْكَرَاهَة بِصَوْمٍ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ لِبَقَاءِ الْمَعْنَى , فَالْجَوَاب: أَنَّهُ يَحْصُل لَهُ بِفَضِيلَةِ الصَّوْم الَّذِي قَبْله أَوْ بَعْده مَا يَجْبُر مَا قَدْ يَحْصُل مِنْ فُتُورٍ أَوْ تَقْصِيرٍ فِي وَظَائِفِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِسَبَبِ صَوْمِهِ , فَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَد فِي الْحِكْمَة فِي النَّهْي عَنْ إِفْرَاد صَوْم الْجُمُعَة اهـ. باختصار. وسئل الشيخ ابن عثيمين في فتاوى أركان الإسلام (ص464) : عن المسافر إذا وصل إلى مكة صائما فهل يفطر ليتقوى على أداء العمرة؟ فأجاب: نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة في العشرين من رمضان من عام الفتح، وكان عليه الصلاة والسلام مفطرا. . وقد ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مفطرا بقية الشهر، لأنه كان مسافرا، فلا ينقطع سفر المعتمر بوصوله إلى مكة، ولا يلزمه الإمساك إذا قدم مفطرا، وقد يكون بعض الناس مستمرا في صيامه حتى في السفر، نظرا إلى أن الصيام في السفر في الوقت الحاضر ليس بشاق على الأمة، فيستمر في صيامه في سفره ثم يقدم مكة ويكون متعبا، فيقول في نفسه هل أستمر على صيامي، وأؤجل العمرة إلى ما بعد الفطر، أم أفطر لأجل أن أؤدي العمرة فور وصولي إلى مكة؟ فنقول له في هذه الحال: الأفضل أن تفطر لأجل أن تؤدي العمرة فور وصولك إلى مكة وأنت نشيط؛ لأن السنة لمن قدم مكة لأداء نسك أن يبادر فورا لأداء هذا النسك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل مكة وهو في نسك بادر إلى المسجد، حتى كان ينيخ راحلته عند المسجد، ويدخله ليؤدي نسكه الذي كان متلبسا به، فكونك أيها المعتمر تفطر لتؤدي العمرة بنشاط في النهار، أفضل من كونك تبقى صائما، ثم إذا أفطرت في الليل قضيت عمرتك، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان صائما في سفره لغزوة الفتح فجاء إليه الناس وقالوا: يا رسول الله إن الناس قد شق عليهم الصيام، وإنهم ينتظرون ماذا تفعل، وكان ذلك بعد العصر، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بماء فشربه، والناس ينظرون، فأفطر النبي صلى الله عليه وسلم في أثناء السفر، بل أفطر في آخر اليوم، كل هذا من أجل أن يبين للأمة أن ذلك جائز، وتكلف بعض الناس الصوم في السفر مع المشقة خلاف السنة لا شك، وينطبق عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم (ليس من البر الصيام في السفر) اهـ. فإذا كان صومك في السفر سيؤثر على أدائك العمرة فالأفضل لك الإفطار وقضاء ذلك اليوم. والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49791 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2888 الحامل والمرضع تفطران وتقضيان ولا يجزئهما الإطعام [السُّؤَالُ] ـ[قرأت أنه يجوز للحامل والمرضع ترك الصيام مع الإطعام بدون قضاء , ويستدل له بما ورد عن ابن عمر في ذلك , ما صحة هذا؟ أفيدونا بالدليل بارك الله فيكم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف العلماء في حكم الحامل والمرضع إذا أفطرتا على عدة أقوال: القول الأول: عليهما القضاء فقط، وهذا مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله. وقال به من الصحابة علي بن أبي طالب رضي الله عنه. القول الثاني: إن خافتا على أنفسهما فعليهم القضاء فقط، وإن خافتا على ولديهما فعليهما القضاء وإطعام مسكين عن كل يوم، وهو مذهب الإمامين الشافعي وأحمد. وحكاه الجصاص عن ابن عمر رضي الله عنهما. القول الثالث: عليهما الإطعام فقط، ولا قضاء عليهما. وقال به من الصحابة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وحكاه ابن قدامة في المغني (3/37) عن ابن عمر أيضاً رضي الله عنهما. روى أبو داود (2318) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ قَالَ كَانَتْ رُخْصَةً لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ وَهُمَا يُطِيقَانِ الصِّيَامَ أَنْ يُفْطِرَا وَيُطْعِمَا مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا وَالْحُبْلَى وَالْمُرْضِعُ إِذَا خَافَتَا قَالَ أَبُو دَاوُد يَعْنِي عَلَى أَوْلادِهِمَا أَفْطَرَتَا وَأَطْعَمَتَا. قال النووي: إسناده حسن. وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَزَادَ فِي آخِرِهِ: وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ لأُمِّ وَلَدٍ لَهُ حُبْلَى: أَنْتَ بِمَنْزِلَةِ الَّتِي لا تُطِيقُهُ فَعَلَيْك الْفِدَاءُ , وَلا قَضَاءَ عَلَيْك , وَصَحَّحَ الدَّارَ قُطْنِيُّ إسْنَادَهُ. قاله الحافظ في "التلخيص". وقد حكى الجصاص في " أحكام القرآن" اختلاف الصحابة في هذه المسألة فقال: " اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ ; فَقَالَ عَلِيٌّ:: عَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ إذَا أَفْطَرَتَا وَلا فِدْيَةَ عَلَيْهِمَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عَلَيْهِمَا الْفِدْيَةُ بِلا قَضَاءٍ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرُ: عَلَيْهِمَا الْفِدْيَةُ وَالْقَضَاءُ " اهـ. واستدل من قالوا بأن عليهما القضاء فقط بعدة أدلة: 1- ما رواه النسائي (2274) عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ الْمُسَافِرِ نِصْفَ الصَّلاةِ، وَالصَّوْمَ، وَعَنْ الْحُبْلَى وَالْمُرْضِعِ) . صححه الألباني في صحيح النسائي. فجعل النبي صلى الله عليه وسلم حكم الحامل والمرضع كالمسافر، والمسافر يفطر ويقضي فكذلك الحامل والمرضع. انظر: "أحكام القرآن" للجصاص. 2- القياس على المريض، فكما أن المريض يفطر ويقضي فكذلك الحامل والمرضع. انظر: المغني (3/37) ، "المجموع" (6/273) . وقد اختار هذا القول جماعة من العلماء. قال الشيخ ابن باز في مجموع الفتاوى (15/225) : "الحامل والمرضع حكمهما حكم المريض، إذا شق عليهما الصوم شرع لهما الفطر، وعليهما القضاء عند القدرة على ذلك، كالمريض، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يكفيهما الإطعام عن كل يوم: إطعام مسكين، وهو قول ضعيف مرجوح، والصواب أن عليهما القضاء كالمسافر والمريض؛ لقول الله عز وجل: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/184" اهـ. وقال أيضا في مجموع الفتاوى (15/227) : "الصواب في هذا أن على الحامل والمرضع القضاء وما يروى عن ابن عباس وابن عمر أن على الحامل والمرضع الإطعام هو قول مرجوح مخالف للأدلة الشرعية، والله سبحانه يقول: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/185. والحامل والمرضع تلحقان بالمريض وليستا في حكم الشيخ الكبير العاجز بل هما في حكم المريض فتقضيان إذا استطاعتا ذلك ولو تأخر القضاء " اهـ. وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (10/220) : " إن خافت الحامل على نفسها أو جنينها من صوم رمضان أفطرت وعليها القضاء فقط، شأنها في ذلك شأن المريض الذي لا يقوى على الصوم أو يخشى منه على نفسه مضرة، قال الله تعالى: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/185. وكذا المرضع إذا خافت على نفسها إن أرضعت ولدها في رمضان، أو خافت على ولدها إن صامت ولم ترضعه أفطرت وعليها القضاء فقط " اهـ. وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" أيضا (10/226) : " أما الحامل فيجب عليها الصوم حال حملها إلا إذا كانت تخشى من الصوم على نفسها أو جنينها فيرخص لها في الفطر وتقضي بعد أن تضع حملها وتطهر من النفاس. . . ولا يجزئها الإطعام عن الصيام، بل لا بد من الصيام ويكفيها عن الإطعام " اهـ. وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (6/220) بعد أن ذكر اختلاف العلماء في حكم المسألة، واختار أن عليهما القضاء فقط، قال: " وهذا القول أرجح الأقوال عندي، لأن غاية ما يكون أنهما كالمريض والمسافر يلزمهما القضاء فقط " اهـ. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49794 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2889 حكم الكبير الذي لا يستطيع الصيام [السُّؤَالُ] ـ[والدتي كبيرة في السن وقد اشتد عليها المرض العام الماضي، ولم تستطع الصيام سوى عشرة أيام علماً أنها ضعيفة ولا تحتمل الصيام. وسؤالي: كيف أقضي عنها الأيام التي أفطرتها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كانت لم تستطع الصوم بسبب المرض، ويرجى لها الشفاء والقدرة على الصيام فيما بعد فالواجب عليها قضاء تلك الأيام التي أفطرتها من رمضان لقول الله تعالى: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة /185. وأما إذا كانت لا تستطيع الصيام ولا يُرجى أن تتمكن منه في المستقبل بسبب المرض أو الكبر فلا يجب عليها الصيام، وعليها أن تطعم عن كل يوم مسكيناً. والدليل على ذلك ما رواه أبو داود (2318) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ في قوله تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) قَالَ: كَانَتْ رُخْصَةً لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ وَهُمَا يُطِيقَانِ الصِّيَامَ أَنْ يُفْطِرَا وَيُطْعِمَا مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا. قال النووي: إسناده حسن اهـ. قال النووي في المجموع (6/262) : "قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالأَصْحَابُ: الشَّيْخُ الْكَبِيرُ الَّذِي يُجْهِدُهُ الصَّوْمُ أَيْ يَلْحَقُهُ بِهِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ , وَالْمَرِيضُ الَّذِي لا يُرْجَى بُرْؤُهُ لا صَوْمَ عَلَيْهِمَا بِلا خِلافٍ , ونَقْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ الإِجْمَاعَ فِيهِ , وَيَلْزَمُهُمَا الْفِدْيَةُ أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ" اهـ. وسئل الشيخ ابن باز في مجموع الفتاوى (15/203) : عن امرأة كبيرة السن ولا تطيق الصوم فماذا تفعل؟ فأجاب: عليها أن تطعم مسكينا عن كل يوم نصف صاع من قوت البلد من تمر أو أرز أو غيرهما، ومقداره بالوزن كيلو ونصف على سبيل التقريب. كما أفتى بذلك جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم ابن عباس رضي الله عنه وعنهم فإن كانت فقيرة لا تستطيع الإطعام فلا شيء عليها وهذه الكفارة يجوز دفعها لواحد أو أكثر في أول الشهر أو وسطه أو آخره، وبالله التوفيق اهـ. وسئلت اللجنة الدائمة (10/161) : عن امرأة طاعنة في السن وعاجزة عن صيام شهر رمضان، وقد مضى عليها ثلاث سنوات وهو على هذه الحال من الكبر والمرض فماذا عليها؟ فأجابت: إذا كان الواقع كما ذكرت وجب عليها أن تطعم عن كل يوم أفطرته من رمضان في السنوات الثلاث مسكينا، تطعمه نصف صاع من بر أو تمر أو أرز أو ذرة أو نحو ذلك مما تطعمون أهليكم اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49768 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2890 تأتيها الدورة مرتين في الشهر فهل تترك الصلاة والصيام؟ [السُّؤَالُ] ـ[أعانى من حالة مرضية فالدورة الشهرية تأتى لي مرتين في الشهر الواحد وتستمر في كل مرة من سبع إلى عشرة أيام فكيف أصوم في رمضان؟ وكيف أصلي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، فإذا وُجد دم الحيض المعروف بصفته ولونه: فتلزم المرأةَ أحكامه من تحريم الصلاة والصيام والجماع، حتى لو تكرر نزوله أكثر من مرة في الشهر، وحتى لو طالت مدته عن الأيام المعتادة في كل شهر. سُئل الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله -: عن المرأة إذا أتتها العادة الشهرية ثم طهرت واغتسلت، وبعد أن صلت تسعة أيام أتاها دم وجلست ثلاثة أيام لم تصل، ثم طهرت وصلت أحد عشر يوماً، وعادت إليها العادة الشهرية المعتادة، فهل تعيد ما صلته في تلك الأيام الثلاثة أم تعتبرها من الحيض؟ . فأجاب بقوله: الحيض متى جاء فهو حيض سواء طالت المدة بينه وبين الحيضة السابقة أم قصرت، فإذا حاضت وطهرت وبعد خمسة أيام أو ستة أو عشرة جاءتها العادة مرة ثانية: فإنها تجلس لا تصلي لأنه حيض وهكذا أبداً، كلما طهرت ثم جاء الحيض وجب عليها أن تجلس، أما إذا استمر عليها الدم دائماً أو كان لا ينقطع إلا يسيراً: فإنها تكون مستحاضة، وحينئذ لا تجلس إلا مدة عادتها فقط. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (11 / السؤال 230) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49671 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2891 لم تقض أيام حيضها وهي الآن لا تستطيع الصيام [السُّؤَالُ] ـ[أفطرت أيام حيض سنوات سابقه وكنت لا أعلم أن علي صيام هذه الأيام فيما بعد قبل رمضان التالي، وأنا صحيا أعاني من ضعف ولا أقوى علي صيامها فهل يجوز أن أطعم؟ إذا كان يجوز لا أعلم كم عدد الأيام كيف يكون الإطعام؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الواجب على المرأة إذا أفطرت بسبب الحيض أن تقضي الأيام التي أفطرتها. لقول عائشة رضي الله عنها: (كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ –تعني الحيض- فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلاةِ. رواه مسلم (335) . ثانياً: تقدم في إجابة السؤال رقم (26865) أنه يجب قضاء رمضان قبل أن يأتي رمضان التالي، ولا يجوز تأخير القضاء إلا من عذر. ثالثاً: من وجب عليه القضاء ثم لم يتمكن منه بسبب مرض أو ضعف لا يرجى الشفاء منه فإنه ينتقل إلى الإطعام، فيطعم عن كل يوم مسكيناً. سئل الشيخ ابن عثيمين في فتاوى أركان الإسلام (ص455) : فتاة صغيرة حاضت وكانت تصوم أيام الحيض جهلا فماذا يجب عليها؟ فأجاب: يجب عليها أن تقضي الصيام الذي كانت تصومه في أيام حيضها، لأن الصيام في أيام الحيض لا يقبل ولا يصح ولو كانت جاهلة، لأن القضاء لا حد لوقته. وهنا مسألة عكس هذه المسألة: امرأة جاءها الحيض وهي صغيرة، فاستحيت أن تخبر أهلها فكانت لا تصوم فهذه يجب عليها قضاء الشهر الذي لم تصمه لأن المرأة إذا حاضت صارت مكلفة، لأن الحيض إحدى علامات البلوغ اهـ. وسئل أيضاً عن امرأة كانت لا تقضي أيام الحيض في رمضان حتى تراكم عليها حوالي مائتي يوم، وهي الآن مريضة وكبيرة في السن ولا تستطيع الصيام، فماذا عليها؟ فأجاب: هذه المرأة إذا كانت على ما وصف السائل تتضرر من الصوم لكبرها ومرضها فإنه يطعم عنها عن كل يوم مسكيناً، فتحصي الأيام الماضية وتطعم عن كل يوم مسكيناً اهـ فتاوى الصيام (ص 121) . ولمعرفة القدر الواجب في الإطعام راجع السؤال رقم (38867) . وخلاصة الجواب: إذا كنت تستطيعين الصيام وجب عليك القضاء، وإن لم تكوني تستطيعين الصيام فإنك تطعمين عن كل يوم مسكيناً، وتجتهدين في تحديد عدد الأيام التي أفطرتيها حتى يغلب على ظنك أنك قد أحصيتيها. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49617 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2892 إذا أخطأت المرأة في تحديد موعد الطهر فهل تأثم؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا كانت المرأة لا تنزل عليها القصة البيضاء، وإنما تنتظر انقطاع الدم، فبذلك تكون الأيام تختلف من شهر إلى آخر، هل تأثم إذا أخطأت في تحديد موعد طهارتها كأن تظن الطهر وبعد الاغتسال والصلاة وجدت أثره، أو العكس انتظرت وفاتتها صلاة ظنّاً منها أنها لم تطهر، حيث يشق عليها التحديد بدون القصة البيضاء.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تختلف العادة عند النساء من امرأة إلى أخرى، وتختلف العادة عند المرأة نفسها أيّاً كانت علامة انتهاء دورتها. فعلامة الطهر عند غالب النساء خروج القصَّة البيضاء – وهي سائل أبيض، ومنهن من تكون علامتها انقطاع الدم. وأيّاً كانت العلامة عند المرأة فلا يجوز لها أن تعجل على نفسها حتى تظهر العلامة؛ لأنه لا يحل لها الصلاة والصيام وهي حائض حتى تطهر. وقد كانت النساء يبعثن إلى عائشة بالدّرجة فيها الكرسف فيه الصفرة فتقول: لا تعجلنَ حتى ترينَ القَصَّة البيضاء. رواه البخاري معلقاً - كتاب الحيض، باب إقبال المحيض وإدباره - ومالك (130) . ومعنى الدّرجة: الوعاء التي تضع المرأة طيبها ومتاعها. الكرسف: القطن. وإذا أخطأت المرأة في تحديد وقت الطهر بناء على ظنها واجتهادها، فإنها لا تأثم، لقول الله تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) الأحزاب/5، ولقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) رواه ابن ماجة (2053) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة. غير أنها إذا ظنت أنها طهرت وصلت وصامت ثم تبيّن لها أنها لا تزال حائضاً فعلها الامتناع عن الصلاة والصيام حتى تطهر وتقضي الصيام الواجب الذي صامته في تلك الأيام لأنه تبين لها أنه لم يكن صحيحاً لأن صوم الحائض لا يصح. وإذا تركت الصلاة ظنَّاً منها أنها لم تطهر ثم تبيّن لها أنها كانت طاهراً، فعليها قضاء تلك الصلاة. سئل الشيخ ابن عثيمين (11/280) عن امرأة رأت الكدرة قبل حيضها المعتاد، فتركت الصلاة، ثم نزل الدم على عادته، فما الحكم؟ فأجاب بقوله: تقول أم عطية ـ رضي الله عنها ـ: (كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئاً) . وعلى هذا فهذه الكدرة التي سبقت الحيض لا يظهر لي أنها حيض، لاسيما إذا كانت أتت قبل العادة، ولم يكن علامات للحيض من المغص ووجع الظهر ونحو ذلك، فالأولى لها أن تعيد الصلاة التي تركتها في هذه المدة. اهـ. وسئل أيضاً: (11/275) عن امرأة أصابها الدم لمدة تسعة أيام فتركت الصلاة معتقدة أنها العادة، وبعد أيام قليلة جاءتها العادة الحقيقية فماذا تصنع هل تصلي الأيام التي تركتها أم ماذا؟ فأجاب بقوله: الأفضل أن تصلي ما تركته في الأيام الأولى، وإن لم تفعل فلا حرج وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر المرأة المستحاضة التي قالت إنها تستحاض حيضة شديدة وتدع فيها الصلاة فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم، أن تتحيض ستة أيام أو سبعة وأن تصلي بقية الشهر ولم يأمرها بإعادة ما تركته من الصلاة، وإن أعادت ما تركته من الصلاة فهو حسن لأنه قد يكون منها تفريط في عدم السؤال وإن لم تعد فليس عليها شيء. اهـ والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45885 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2893 من أسقطت بعد شهرين هل يكون دمها نفاساً؟ [السُّؤَالُ] ـ[كنت حاملاً وحدث سقوط للحمل بعد أن أتممت الشهرين، وسألت سيدة على علم شرعي هل أصوم رمضان وأصلي، فردت عليَّ: بأن نعم، تصومي، وتصلي؛ لأنه لم ينفخ فيه الروح بعد، فيعتبر كأنه استحاضة، وفعلا صمت وصليت، ولكن أخبرني طبيب آخر بأنه عليَّ الإعادة بالنسبة للصيام، فما هو الحكم الصحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما سمعته الأخت السائلة من القولين المختلفين يعود إلى الاختلاف في المسألة نفسها، والمسألة فيها خلاف، والصحيح من أقوال أهل العلم أن المرأة إذا أسقطت الجنين متخلقاً: فإنها تترك الصلاة والصيام وتكون نفساء، وإن لم يكن متخلقاً: فدمها دم فساد لا تترك الصلاة والصيام، وأقل زمن يحصل فيه التخليق واحد وثمانون يوماً. قال علماء اللجنة الدائمة: إذا كان الجنين قد تخلق , بأن ظهرت فيه أعضاؤه من يد أو رجل أو رأس حرم عليه جماعها مادام الدم نازلا إلى أربعين يوما , ويجوز أن يجامعها في فترات انقطاعه أثناء الأربعين بعد أن تغتسل , أما إذا كان لم تظهر أعضاؤه في خلقه فيجوز له أن يجامعها ولو حين نزوله , لأنه لا يعتبر دم نفاس , إنما هو دم فاسد تصلي معه وتصوم. " فتاوى اللجنة الدائمة " (5 / 422، 423) . وقال الشيخ عبد العزيز بن باز: إذا أسقطت المرأة ما تبين فيه خلق الإنسان من رأس أو يد أو رجل أو غير ذلك فهي نفساء لها أحكام النفاس فلا تصلي ولا تصوم ولا يحل لزوجها جماعها حتى تطهر أو تكمل أربعين يوما , ومتى طهرت لأقل من أربعين وجب عليها الغسل والصلاة والصوم في رمضان حل لزوجها جماعها ... أما إذا كان الخارج من المرأة لم يتبين فيه خلق الإنسان بأن كان لحمة ولا تخطيط فيه أو كان دما: فإنها بذلك تكون لها حكم المستحاضة لا حكم النفاس ولا حكم الحائض , وعليها أن تصلي وتصوم في رمضان وتحل لزوجها ... لأنها في حكم المستحاضة عند أهل العلم. " فتاوى إسلامية " (1 / 243) . وقال الشيخ ابن عثيمين: قال أهل العلم: إن خرج وقد تبيَّن فيه خلق إنسان: فإن دمها بعد خروجه يُعدُّ نفاساً، تترك فيه الصلاة والصوم ويتجنبها زوجها حتى تطهر، وإن خرج وهو غير مخلَّق: فإنه لا يعتبر دم نفاس بل هو دم فساد لا يمنعها من الصلاة ولا من الصيام ولا من غيرهما. قال أهل العلم: وأقل زمن يتبين فيه التخطيط واحد وثمانون يوماً ... " فتاوى المرأة المسلمة " (1 / 304، 305) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45564 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2894 هل يفطر بسبب مشقة العمل؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لأصحاب الأعمال الشاقة أن يفطروا في رمضان؟ كالذين يعملون في مصانع الحديد والصلب ونحو ذلك من الأعمال الشاقة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أفتى بعض العلماء بجواز الفطر لهؤلاء، ثم أرسلت الفتوى للشيخين عبد الله بن محمد بن حميد، وعبد العزيز بن باز رحمهما الله للتعقيب عليها، فقالا: " الأصل وجوب صوم رمضان، وتبييت النية له من جميع المكلفين من المسلمين، وأن يصبحوا صائمين إلا من رخص لهم الشارع بأن يصبحوا مفطرين، وهم المرضى والمسافرون ومن في معناهم، وأصحاب الأعمال الشاقة داخلون في عموم المكلفين وليسوا في معنى المرضى والمسافرين، فيجب عليهم تبييت نية صوم رمضان وأن يصبحوا صائمين، ومن اضطر منهم للفطر أثناء النهار فيجوز له أن يفطر بما يدفع اضطراره ثم يمسك بقية يومه ويقضيه في الوقت المناسب، ومن لم تحصل له ضرورة وجب عليه الاستمرار في الصيام، هذا ما تقتضيه الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة، وما دل عليه كلام المحققين من أهل العلم من جميع المذاهب. وعلى ولاة أمور المسلمين الذين يوجد عندهم أصحاب الأعمال الشاقة أن ينظروا في أمرهم إذا جاء رمضان فلا يكلفوهم من العمل – إن أمكن – ما يضطرهم إلى الفطر في نهار رمضان، بأن يجعل العمل ليلاً أو توزع ساعات العمل في النهار بين العمال توزيعاً عادلاً يوفقون به بين العمل والصيام. أما الفتوى المشار إليها فهي في قضية فردية أفتوا فيها باجتهادهم مشكورين إلا أنه فاتهم ذكر القيود التي ذكرنا، والتي قررها المحققون من أهل العلم في كل مذهب، نسأل الله أن يوفق الجميع لما فيه الخير " انتهى. الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد رحمه الله، رئيس مجلس القضاء الأعلى والرئيس العام للإشراف الديني على المسجد الحرام. الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله الرئيس العالم لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد. "مجموع فتاوى ابن باز" (14/245) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 43772 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2895 أفطر في اليوم الذي ينوي فيه الرجوع لبلده [السُّؤَالُ] ـ[سافرت من مدينتي بعد صلاة العشاء وكان يجب علي الرجوع في نفس اليوم حيث إنني وصلت بعد صلاة الفجر تقريبا وأبلغت من أنا عندهم بإيقاظي الظهر لنيتي السفر للعودة إلى أهلي وقمت وصليت الظهر وأحضروا لي غداء تغديت وسافرت فما الحكم في ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الظاهر أنك تسأل عن حكم إفطار هذا اليوم من رمضان، والظاهر من سؤالك أيضاًُ أن المسافة بين مدينتك والمدينة التي سافرت إليها مسافة طويلة لأن سفرك استغرق عدة ساعات، ومثل هذه المسافة تعتبر سفراً والمسافر يجوز له الفطر في رمضان وعليك قضاء هذا اليوم لقول الله تعالى: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة / 185. والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38933 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2896 هل له الفطر في نهار رمضان من أجل الفحص [السُّؤَالُ] ـ[إني سوف أعمل تصويراً في المستشفى ويستلزم مني ذلك الإفطار وإذا لم أعمل هذا التصوير سوف يكون الموعد بعد عدة شهور فهل يجوز لي أن أفطر من أجل التصوير؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز للمريض أن يفطر، وعليه قضاء الأيام التي أفطرها بسبب المرض، لقول الله تعالى: (ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر) البقرة / 185. والمرض الذي يبيح الفطر للصائم هو المرض الشديد الذي يصيب الصائم بسببه مشقة أو ضرر، أو يخشى زيادة المرض أو تأخر الشفاء بسبب الصيام، وألحق به العلماء إذا كان يخشى حصول مرض بسبب الصيام. فإن كان مرضك يندرج تحت أحد هذه الأقسام (وهذا هو الظاهر) جاز لك الفطر، لأن التصوير يساعد على معرفة المرض وبالتالي يمنع زيادته وتأخر شفائه. أما إذا كان مرضك لا تندرج تحت أحد هذه الأقسام فلا يجوز لك الفطر، وعليك أن تجري التصوير ليلاً إن استطعت، أو تنتظر حتى ينتهي رمضان. قال الشيخ محمد الصالح العثيمين: وله – أي: المريض مرضاً طارئاً - ثلاث حالات: الحال الأولى: أن لا يشق عليه الصوم ولا يضره: فيجب عليه الصوم؛ لأنه لا عذر له. الحال الثانية: أن يشق عليه الصوم ولا يضره: فيكره له الصوم لِمَا فيه من العدول عن رخصة الله تعالى مع الإشقاق على نفسه. الحال الثالثة: أن يضره الصوم: فيحرم عليه أن يصوم لِمَا فيه من جلب الضرر على نفسه، وقد قال – تعالى -: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} ، وقال: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} ، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: " لا ضَرَرَ ولا ضِرَارَ " أخرجه ابن ماجه، والحاكم، قال النووي: وله طرق يقوي بعضها بعضاً، ويعرف ضرر الصوم على المريض إما بإحساسه بالضرر بنفسه، وإما بخبر طبيب موثوق به. ومتى أفطر المريض فإنه يقضي عدد الأيام التي أفطرها إذا عوفي، فإن مات قبل معافاته سقط عنه لقضاء المريض لأن فرضه أن يصوم عدة من أيام أُخر ولم يدركها. " فصول في الصيام والتراويح " (الفصل الثالث) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38532 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2897 العلك للصائم المصاب بمرض الفك [السُّؤَالُ] ـ[لي والد مريض بألم في الفك ونصحه الطبيب بتناول اللبان لعمل مرونة في حركة الفك فهل يصح أثناء صيامه أن يتناول اللبان.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يخلو " اللبان " من مواد تفرز بالمضغ وتدخل الجوف، لذا لا يجوز استعماله في نهار رمضان للصائم، ويمكن الاستغناء عنه بعمل تمارين خاصة للفك تقوم مقامه، وتكتفي بمضغ " اللبان " من بعد غروب الشمس إلى الفجر. وإذا وجد نوع من اللبان ليس فيه مواد تتحلل وتفرز بالمضغ فإنه يجوز استعماله لعدم تفطيره الصائم لأنه لا يدخل منه أجزاء إلى المعدة، ولكن ينصح والدك ألا يمضغه أمام الناس الذين لا يعرفون حاله وعذره حتى لا يتهموه في دينه، فإذا لم يوجد هذا النوع من اللباس أو احتاج والدك إلى مضغ اللبان المعتاد المعروف بالنهار، وكان يترتب على عدم ذلك تأخير الشفاء أو زيادة المرض جاز له الفطر في رمضان ويقضي الأيام التي أفطرها، لقول الله تعالى: (ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر) البقرة / 185 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38552 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2898 مريض بالسكر ويفطر [السُّؤَالُ] ـ[أنا مريض بالسكري وأضطر لحقن نفسي بالأنسولين مرتين في اليوم. ولهذا فأنا لا أصوم وأخرج الفدية نقدا بقيمة المبلغ الذي أفطر به. هل يجوز إعطاء الفدية بهذه الطريقة أي نقدا خصوصا وأني أفطر في المطعم ولست متزوجا، وهل يمكن توزيع هذه الفدية على ثلاثة مساكين أو أكثر لأني لا أجد من هو محتاج للفطور؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كنت تستطيع الصيام فالواجب عليك أن تصوم، ولا يجوز لك في هذه الحالة أن تفطر وتكتفي بالإطعام، وحقن الأنسولين لا تفطر الصائم، فيمكنك أن تصوم وتأخذ حقن الأنسولين. وعليك قضاء الأيام التي أفطرتها. راجع سؤال (1319) . أما إذا كان الصيام يضرك، أو يشق عليك مشقة شديدة، أو تحتاج إلى أخذ الأدوية في النهار فإنه يجوز لك الإفطار حينئذٍ. وإذا كنت لن تتمكن من القضاء في المستقبل فعليك أن تطعم عن كل يوم مسكيناً. ولا يجوز لك إخراج الفدية نقوداً، بل الواجب أن تخرج طعاما لقول الله تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) البقرة/184. وعليك أن تبحث عن المساكين لتؤدي الواجب الذي عليك، أو تعطي النقود لمن يشتري الطعام ويوصله هو إلى المساكين نيابة عنك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38334 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2899 هل الصداع النصفي يبيح الفطر؟ [السُّؤَالُ] ـ[لدي صديقة لا تصوم رمضان لأنها تعاني من مرض الصداع النصفي، فهل هذا جائز؟ وكيف تقضي الأيام التي أفطرت فيها؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز للمريض أن يفطر في رمضان، لقول الله تعالى: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/185. وهذا في المرض الشديد الذي يحصل معه مشقة في الصيام. أما المرض اليسير الذي لا يشق معه الصوم فلا يعتبر عذراً للفطر في رمضان. راجع سؤال (12488) . فإذا كان الصداع يسبب لها مشقة شديدة في الصيام، فإنه يجوز لها أن تفطر وتقضي الأيام التي أفطرتها بعد رمضان. وإذا كان هذا الصداع مستمراًّ معها بحيث لا تتمكن من القضاء فإنها تطعم عن كل يوم أفطرته مسكيناً. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38040 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2900 حد السفر الذي يبيح الفطر والقصر [السُّؤَالُ] ـ[ما هو الحد الأدنى في السفر الذي يجوز معه الإفطار؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذهب جمهور العلماء إلى أن المسافة التي تقصر فيها الصلاة ويفطر فيها الصائم ثمانية وأربعون ميلاً. قال ابن قدامة في المغني: مَذْهَبُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (يعني الإمام أحمد) أَنَّ الْقَصْرَ لا يَجُوزُ فِي أَقَلِّ مِنْ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا , وَالْفَرْسَخُ: ثَلاثَةُ أَمْيَالٍ , فَيَكُونُ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ مِيلا. وَقَدْ قَدَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ , فَقَالَ: مِنْ عُسْفَانَ إلَى مَكَّةَ، وَمِنْ الطَّائِفِ إلَى مَكَّةَ، وَمِنْ جُدَّةَ إلَى مَكَّةَ. فَعَلَى هَذَا تَكُونُ مَسَافَةُ الْقَصْرِ يَوْمَيْنِ قَاصِدَيْنِ. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ , وَاللَّيْثُ , وَالشَّافِعِيُّ اهـ. وتقدير ذلك بالكيلو متر نحو ثمانين كيلو متر تقريباً. قال الشيخ ابن باز في "مجموع الفتاوى" (12/267) في تقدير السفر: " الذي عليه جمهور أهل العلم أن ذلك يقدر بنحو ثمانين كيلو تقريبا بالنسبة لمن يسير في السيارة، وهكذا الطائرات، وفي السفن والبواخر، هذه المسافة أو ما يقاربها تسمى سفرا، وتعتبر سفرا في العرف فإنه المعروف بين المسلمين، فإذا سافر الإنسان على الإبل، أو على قدميه، أو على السيارات، أو على الطائرات، أو المراكب البحرية، هذه المسافة أو أكثر منها فهو مسافر " اهـ. وسئلت اللجنة الدائمة (8/90) : عن مسافة القصر، وهل لسائق الأجرة الذي يذهب أكثر من ثلاثمائة كيلو متر أن يصلي الصلاة قصر ا؟ فأجابت: مقدار المسافة المبيحة للقصر ثمانون كيلو متر تقريبا على رأي جمهور العلماء، ويجوز لسائق سيارة الأجرة أو غيره أن يصليها قصرا؛ إذا كان يريد قطع المسافة التي ذكرناها في أول الجواب أو أكثر منها اهـ. وذهب بعض العلماء إلى أن السفر لا يحدد بمسافة معينة، بل المرجع في ذلك إلى العرف، فما عده الناس في العرف سفراً فهو السفر الذي تترتب عليه الأحكام الشرعية كالجمع بين الصلاتين والقصر والفطر للمسافر. قال شيخ الإسلام في الفتاوى (24/106) : وَالْحُجَّةُ مَعَ مَنْ جَعَلَ الْقَصْرَ وَالْفِطْرَ مَشْرُوعًا فِي جِنْسِ السَّفَرِ وَلَمْ يَخُصَّ سَفَرًا مِنْ سَفَرٍ. وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ اهـ. وسئل الشيخ ابن عثيمين في فتاوى أركان الإسلام (ص381) عن مقدار المسافة التي يقصر فيها المسافر الصلاة وهل يجوز الجمع دون قصر؟ فأجاب: المسافة التي تقصر فيها الصلاة حددها بعض العلماء بنحو ثلاثة وثمانين كيلو مترا، وحددها بعض العلماء بما جرى به العرف أنه سفر وإن لم يبلغ ثمانين كيلو مترا، وما قال الناس عنه: إنه ليس بسفر، فليس بسفر ولو بلغ مائة كيلو متر. وهذا الأخير هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وذلك لأن الله تعالى لم يحدد مسافة معينة لجواز القصر وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم لم يحدد مسافة معينة. وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ مَسِيرَةَ ثَلاثَةِ أَمْيَالٍ أَوْ ثَلاثَةِ فَرَاسِخَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ. رواه مسلم (691) . وقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أقرب إلى الصواب. ولا حرج عند اختلاف العرف فيه أن يأخذ الإنسان بالقول بالتحديد؛ لأنه قال به بعض الأئمة والعلماء المجتهدين، فلا بأس به إن شاء الله تعالى، أما مادام الأمر منضبطا فالرجوع إلى العرف هو الصواب اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38079 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2901 تفطير الصائم بنية كفارة اليمين [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز تفطير صائم بنية كفارة يمين؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، يجوز ولكن بشرط أن يكون الصائم مسكيناً لا غنياً، لأن الله تعالى قال في كفارة اليمين: (وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) . فلابد في كفارة اليمين أن يكون المُطْعَم مسكيناً. وينبغي التنبه أن كفارة اليمين لا بد فيها من إطعام عشرة مساكين، كما هو نص الآية، فلا يصح أن يطعم مسكينا واحداً عشر مرات. انظر المغني: (13/513) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37968 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2902 يعاني من ألآم في البطن [السُّؤَالُ] ـ[لدي مشكلة في المعدة تمنعني من الصيام، دفعت مالاً لإطعام مسلم عن كل يوم من رمضان، فهل هناك أي شيء آخر يمكن أن أفعله؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان هذا المرض الذي يمنعك من الصيام لا يرجى حصول الشفاء منه فالذي فعلته صحيح، لأن المريض مرضاً لا يُرجى برؤه عليه أن يطعم عن كل يوم مسكيناً، وليس عليه شيءٌ آخر. أما إذا كان المرض يرجى حصول الشفاء منه، فعليك إذا حصل الشفاء أن تقضي الأيام التي أفطرتها، ولا يجوز لك في هذه الحال الإطعام وأنت تقدر على القضاء. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37921 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2903 إذا طهرت الحائض قبل الفجر [السُّؤَالُ] ـ[كنت حائضاً وطهرت قبل أذان الفجر ولكن لتعبي لم أغتسل حتى أذّن الفجر، فهل أتم يومي هذا علماً بأني نويت الصوم لهذا اليوم قبل الأذان؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا طهرت الحائض قبل الفجر فإنها تنوي الصيام ويصح صومها، ولو لم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر. وهكذا الحكم للجنب إذا لم يغتسل إلا بعد طلوع الفجر. روى البخاري (1962) ومسلم (1109) عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ سَأَلَ أُمَّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ الرَّجُلِ يُصْبِحُ جُنُبًا أَيَصُومُ؟ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ غَيْرِ احْتِلامٍ ثُمَّ يَصُومُ. قال النووي رحمه الله: أَجْمَعَ أَهْل هَذِهِ الأَمْصَار عَلَى صِحَّة صَوْم الْجُنُب , سَوَاءٌ كَانَ مِنْ اِحْتِلام أَوْ جِمَاعٍ. . . وَإِذَا اِنْقَطَعَ دَم الْحَائِض وَالنُّفَسَاء فِي اللَّيْل ثُمَّ طَلَعَ الْفَجْر قَبْل اِغْتِسَالهمَا صَحَّ صَوْمهمَا , وَوَجَبَ عَلَيْهِمَا إِتْمَامه , سَوَاء تَرَكَتْ الْغُسْل عَمْدًا أَوْ سَهْوًا بِعُذْرٍ أَمْ بِغَيْرِهِ , كَالْجُنُبِ. هَذَا مَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْعُلَمَاء كَافَّة , إِلا مَا حُكِيَ عَنْ بَعْض السَّلَف مِمَّا لا نَعْلَم صَحَّ عَنْهُ أَمْ لا اهـ. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37926 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2904 مدرس يفطر حتى يتمكن من رفع صوته [السُّؤَالُ] ـ[يتطلب عملي كمدرس رفع الصوت، ولا أستطيع الشرب وأنا صائم وهذا يسبب لي متاعب كبيرة، يجب علي أن أشرب الماء (ولا حاجة للطعام لكي أحافظ على صوتي، لهذا فأنا لا أصوم أثناء أوقات الدراسة وأقضي هذه الأيام خلال عطلة الميلاد. أرجو أن تخبرني هل هذا جائز أم لا؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صيام شهر رمضان ركن من أركان الإسلام، ومن أهم واجبات الدين، ولا يجوز لمسلم أن يتهاون فيه أبداً. وإذا حصل تعارض بين مصالح الدين ومصالح الدنيا قدمت مصالح الدين. فإما أن تحاول التوفيق بين الصيام والعمل - وهذا يسير إن شاء الله، فلم يزل المسلمون يصومون وهم يعملون في التدريس - وإما أن تأخذ إجازة من العمل – ولو بلا راتب - خلال هذا الشهر لتتمكن من الصيام. يراجع سؤال رقم 12592. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37940 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2905 مريض ولا يستطيع الصيام [السُّؤَالُ] ـ[عليّ الكثير من أيام القضاء من رمضان السابق لم أصمها حتى الآن، وأنا الآن أعاني من مرض في المعدة ولا أستطيع الصيام، لا أدري هل سأتمكن من الصيام في المستقبل أم لا (لأن مرضي قد يكون مزمناً) فماذا أفعل بشأن رمضان الحالي والأيام السابقة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نسأل الله رب العرش العظيم أن يشفيك. عليك أن ترجع إلى قول طبيب ثقة، فإن كان المرض الذي تعاني منه يُرجى حصول الشفاء منه، فعليك بعد حصول الشفاء أن تقضي الأيام التي أفطرتها من رمضان الحالي والسابق، لقول الله تعالى: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/185. وإن كان المرض مزمناً لا يُرجى حصول الشفاء منه، فعليك أن تطعم مسكيناً عن كل يوم أفطرته من رمضان الحالي والسابق. لقول الله تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) البقرة/184. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ لا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا. رواه البخاري (4505) . والمريض الذي لا يرجى شفاؤه حكمه حكم الشيخ الكبير. قال ابن قدامة في "المغني" (4/396) : وَالْمَرِيضُ الَّذِي لا يُرْجَى بُرْؤُهُ , يُفْطِرُ , وَيُطْعِمُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا ; لأَنَّهُ فِي مَعْنَى الشَّيْخِ اهـ. وقال الشيخ ابن عثيمين في "مجالس رمضان" ص 32: العاجز عن الصيام عجزاً مستمراً لا يرجى زواله - كالكبير والمريض مرضاً لا يرجى برؤه كصاحب السرطان ونحوه - فلا يجب عليه الصيام لأنه لا يستطيعه وقد قال الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16. وقال: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا) البقرة/286. لكن يجب عليه أن يطعم بدل الصيام عن كل يوم مسكيناً اهـ. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37761 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2906 متى يكون الدم النازل نفاساً؟ [السُّؤَالُ] ـ[امرأة أجريت لها عملية إجهاض، فهل يجوز لها أن تصوم أم يجب أن تنتظر فترة معينة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز للمرأة النفساء أن تصوم، ولا يصح صيامها، وعليها قضاء الأيام التي أفطرتها بسبب النفاس. والنفاس هو الدم النازل من المرأة بسبب الولادة. وإذا أسقطت المرأة فلا يعتبر الدم النازل منها دم نفاس إلا إذا أسقطت ما تبين فيه خلق الإنسان. والتخليق لا يبدأ في الحمل قبل ثمانين يوماً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ وَيُقَالُ لَهُ اكْتُبْ عَمَلَهُ وَرِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوح) رواه البخاري (3208) . فدل هذا الحديث على أن الإنسان يمر بعدة مراحل في الحمل: أربعين يوماً نطفة، ثم أربعين أخرى علقة، ثم أربعين ثالثة مضغة. ثم ينفخ فيه الروح بعد تمام مائة وعشرين يوماً. والتخليق يكون في مرحلة المضغة، ولا يكون قبل ذلك، لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنْ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ) الحج/5. فوصف الله تعالى المضغة بأنها مخلقة وغير مخلقة. ومعنى التخليق أن تظهر في الحمل آثار تخطيط الجسم كالرأس والأطراف ونحو ذلك. وعلى هذا. . فهذه المرأة التي أجريت لها عملية إجهاض، إن كان ذلك قبل ثمانين يوماً من الحمل فالدم النازل ليس بدم نفاس، بل هو دم استحاضة فلا يمنعها من الصلاة والصوم، وعليها أن تتوضأ لكل صلاة. وإذا كان الإجهاض بعد نفخ الروح في الجنين –أي بعد مائة وعشرين يوماً من الحمل- فالدم النازل دم نفاس قطعاً. وإذا كان الإجهاض بعد ثمانين يوماً وقبل تمام مائة وعشرين فإنها تنظر في السقط فإن ظهر فيه تخليق فالدم النازل نفاس، وإن لم يكن فيه تخليق فالدم النازل استحاضة. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في رسالة "الدماء الطبيعية للنساء" ص 40: ولا يثبت النفاس إلا إذا وضعت ما تبين فيه خلق إنسان، فلو وضعت سقطاً صغيراً لم يتبين فيه خلق إنسان فليس دمها دم نفاس، بل هو دم عرق، فيكون حكمها حكم الاستحاضة، وأقل مدة يتبين فيها خلق إنسان ثمانون يوماً من ابتداء الحمل، وغالبها تسعون يوماً اهـ والنفساء تترك الصلاة والصوم حتى تطهر فإذا طهرت من الدم اغتسلت وصلت وصامت. وإذا استمر بها الدم أكثر من أربعين يوماً، فإذا وافقت الزيادة عادتها فهي حائض، وإن لم توافق عادتها فهي مستحاضة تغتسل وتصلي وتصوم وتفعل ما يفعله الطاهرات. راجع سؤال (10488) ، (37662) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37784 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2907 السائل الذي ينزل من المرأة باستمرار لا يؤثر على الصيام [السُّؤَالُ] ـ[إذا خرج سائل شفاف كالماء (ثم أصبح لونه أبيض بعد أن جف) فهل صلاتنا وصيامنا صحيحان؟ وهل يجب الغسل؟ أرجو أن تخبرني، فهذا السائل يخرج مني كثيراً، وأجده في ملابسي الداخلية، وأغتسل مرتين أو ثلاث مرات في اليوم ليكون صيامي وصلاتي صحيحين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا السائل ينزل كثيراً من النساء. وهو طاهر ليس بنجس، ولا يجب الاغتسال منه. وإنما فقط ينقض الوضوء. وقد سئل عنه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، فأجاب: الظاهر لي بعد البحث أن السائل الخارج من المرأة إذا كان لا يخرج من المثانة وإنما يخرج من الرحم فهو طاهر. . . هذا هو حكم السائل من جهة الطهارة، فهو طاهر لا ينجس الثياب ولا البدن. وأما حكمه من جهة الوضوء فهو ناقض للوضوء، إلا أن يكون مستمراً عليها فإنه لا ينقض الوضوء، لكن على المرأة أن لا تتوضأ للصلاة إلا بعد دخول الوقت وأن تتحفظ. أما إذا كان متقطعاً وكان من عادته أن ينقطع في أوقات الصلاة فإنها تؤخر الصلاة إلى الوقت الذي ينقطع فيه ما لم تخش خروج الوقت، فإن خشيت خروج الوقت فإنها تتوضأ وتتحفظ وتصلي، ولا فرق بين القليل والكثير، لأنه كله خارج من السبيل فيكون ناقضاً قليله وكثيره اهـ مجموع فتاوى ابن عثيمين (11/284) . ومعنى (تتحفظ) أنها تجعل على الفرج خرقة أو قطنة أو نحو ذلك حتى تقلل من خروج هذا السائل، وتمنع انتشاره على الثياب والبدن. وعلى هذا. . فهذا السائل لا يجب الاغتسال منه، ولا يؤثر على الصيام، وبالنسبة للصلاة يجب الوضوء لكل صلاة بعد دخول وقتها إذا كان نزوله مستمراً. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37752 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2908 كيف يصوم طاقم الطائرة [السُّؤَالُ] ـ[أنا من ضمن طاقم طائرة، فكيف أصوم خلال شهر رمضان خلال السفر بين بلدين في الغرب وتستمر الرحلات لفترات طويلة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله بما أنك من طاقم الطائرة فإنك مسافر، وقد أجمع العلماء على أن المسافر يجوز له أن يفطر في رمضان سواء شق عليه الصيام أم لم يشق. والأفضل للمسافر أن يصوم، ما لم يشق عليه الصيام فالفطر أفضل، وعليه قضاء الأيام التي أفطرها. راجع السؤال (20165) . فإذا أردت أن تصوم فعليك الإمساك إذا تبين لك طلوع الفجر في المكان الذي أنت فيه وقت طلوع الفجر، سواء كان ذلك في الأرض أم في الجو. وهكذا الحكم في الإفطار فلا تفطر حتى تغرب الشمس في المكان الذي أنت فيه، فإذا كنت في الطائرة ترى الشمس فلا يجوز لك الإفطار حتى تغيب، حتى ولو كانت الشمس قد غابت بالنسبة لأهل البلد الذي أنت في سمائها بالطائرة. وطول النهار وقصره بسبب السفر بالطائرة غير مؤثر على الصيام. فمن المعلوم أن سفرك بالنهار إذا كان إلى جهة المشرق فإن النهار سيقصر في حقك، وإذا كان سفرك إلى جهة المغرب فإن النهار سيطول. فالعبرة بالمكان الذي أنت موجود فيه وقت طلوع الفجر ووقت غروب الشمس. راجع سؤال رقم (38007) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37717 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2909 هل يجب على الحامل أن تصوم [السُّؤَالُ] ـ[زوجتي حامل في الشهر السابع فهل يجب أن تصوم؟ وإذا كان الصيام غير واجب بحقها فماذا تفعل؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله (الراجح قياس الحامل والمرضع على المريض فيجوز لهما الإفطار وليس عليهما إلا القضاء سواء خافتا على نفسيهما أو ولديهما، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَضَعَ عَنْ الْمُسَافِرِ الصَّوْمَ وَشَطْرَ الصَّلاةِ، وَعَنْ الْحَامِلِ والْمُرْضِعِ الصَّوْمَ ". رواه الترمذي (715) وابن ماجه (1667) وصححه الألباني في صحيح الترمذي 575) اهـ. كتيب " سبعون مسألة في الصيام ". فالحامل إذا خافت على نفسها أو على جنينها من الصيام، فإنها تأخذ حكم المريض، فتفطر وعليها قضاء الأيام التي أفطرتها؛ لقول الله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} البقرة/185. أما إذا كانت لا تخشى على نفسها ولا على جنينها من الصيام فإن الواجب عليها أن تصوم، لقول الله تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) . والغالب أن الحامل يشق عليها الصيام، لا سيما في الأشهر الأخيرة، وربما يؤثر صيامها على الحمل. وعليها أن ترجع في ذلك إلى قول طبيب ثقة. انظر الشرح الممتع (6/359) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37719 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2910 مسلمة جديدة تريد الصوم سراً [السُّؤَالُ] ـ[لي صديقة أسلمت حديثاً ويجب أن يكون أمر إسلامها سراً لبعض الوقت، أبدت رغبة جادة في الصيام، ولكن لأنها تعيش في سكن للطلاب فهي تجد صعوبة في إخفاء صيامها عن بقية الأصدقاء. أرجو أن تقترح حل لها في مثل هذه الظروف.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نهنئ الأخت على دخولها في الإسلام، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يثبتها على دينه وأن يتوفاها عليه، وأن يهيئ لها من أمرها رشَداً. وننصح الأخت أن تترك – قدر استطاعتها – الأمكنة التي يُعصى الله فيها، وقد فهمنا من السؤال أنها تدرس في مكانٍ مختلط، وتسكن في سكن مختلط، وفي هذا إثم وخطر عليها وعلى دينها، فيجب على الأخوات المسلمات أن يبيِّنَّ لها بالتي هي أحسن حكم ما هي فيه وخطره عليها، وأن عليها تركه إن تيسر لها ولم يترتب عليه ما هو أشد مما هي فيه. ثانياً: لا يجوز لكَ اتخاذ صديقات، ولا هي أن تتخذ من الرجال الأجانب أصدقاء، فالعلاقة بين النساء والرجال تحكمها الشريعة الإسلامية، ولم تجعل الشريعةُ الحرية لكل واحد من الرجل والأنثى أن يصاحب ويزامل ويصادق كلٌّ منهم الآخر؛ وفي هذا فتحٌ لبابٍ من الشر عظيم، وهو من خطوات الشيطان وسبله التي يكيد بها للناس لإيقاعهم في الفحشاء والمنكر من المصافحة والخلوة وما هو أكثر من ذلك وأشد. ثالثاً: وأما بالنسبة لصيامها: فعليها أن تصوم ولا يحل لها الإفطار، والأمر بين الطلاب والطالبات أسهل منه إذا كان بين الأهل والأقرباء، فيمكنها أن توهم الناس أنها مفطرة بحملها لزجاجة عصير – مثلاً – وإيهام الناس أنها تشرب منها، كما يمكنها أن تقول إنها مريضة وتقصد المرض النفسي لما عليه حال الناس كما قال إبراهيم الخليل عليه السلام " إني سقيم "، أو ما شابه ذلك من الحيَل المباحة. فعليها أن تتقي الله تعالى ما استطاعت، ومن يتق الله يجعل له مخرجا. نسأل الله لها التوفيق. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37730 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2911 صيام من يفقد الوعي [السُّؤَالُ] ـ[هل يجب الصيام على شخص مصاب بمرض epilepsy (مرض يصيب الشخص فيجعله يفقد وعيه لفترات قصيرة) ؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، يجب الصيام على من يصاب بالإغماء في رمضان، ولا يسقط عنه الصيام بذلك. سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: رجل يغيب عنه وعيه بضع ساعات فهل عليه صيام؟ فأجاب: إذا كان وعيه إنما يغيب بعض الساعات فعليه الصوم، كالذي ينام في بعض الوقت، وكونه يغيب عنه وعيه بعض الأحيان في أثناء النهار أو في أثناء الليل لا يمنع وجوب الصوم عليه اهـ فتاوى الشيخ ابن باز (15/210) . لكن. . إذا طال به الإغماء حتى استغرق اليوم كله (من طلوع الفجر إلى غروب الشمس) فإنه لا يصح صومه وعليه قضاء هذا اليوم، أما إذا أفاق أثناء النهار فإن صومه صحيح. راجع سؤال رقم (9245) و (12425) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37684 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2912 يسافر عشرة أيام فهل يترخص برخص السفر [السُّؤَالُ] ـ[أعمل في حقل بترول، أذهب لمكان العمل في الحقل 10 أيام في الشهر، أعمل يومين أو ثلاثة أيام متواصلة وأصوم إذا كنت في المدينة أما إذا كنت في الحقل وأسافر له بالطائرة لمدة ساعة فهل أعتبر مسافراً ولا يجب علي الصيام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان لك منزل تقيم فيه في الحقل: فلا تُعدُّ مسافراً حين وصولك إليه، بل يجب عليك الصيام في مدينتك وفي مكان عملك، وتكون مسافراً في المسافة التي بينهما ذهاباً وإياباً. وفي هذه الحال يصبح حكمك حكم صاحب الزوجتين وفي كل بلد زوجة – وهو ما يسمى " صاحب الإقامتين " – فمثله يتم الصلاة ويصوم في البلديْن، ويفطر إن شاء، ويقصر المسافة بينهما. وإن لم يكن لكَ بيتٌ في عملكَ في الحقل، بل هو عمل مجرَّد: فأنتَ مسافر فيه فيحل لك الفطر أثناء العمل، وعليك الصلاة حتى ترجع. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37639 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2913 مسافر يعلم أنه سيقدم غداً فهل يجوز له الفطر؟ [السُّؤَالُ] ـ[ي عن الصيام، فيجب أن أسافر من ولاية لأخرى في رمضان والمسافة أكثر من 800 ميل، حسب سنة النبي صلى الله عليه وسلم فيجوز الإفطار بداية من يوم السفر حيث سأسافر عند الساعة الرابعة صباحاً وأصل عند الساعة 9:15 صباحاً، ثم أعود لبيتي في اليوم التالي بعد عمل يوم كامل عند الساعة 2:30 ظهراً فهل يجوز لي أن أفطر في ذلك اليوم مع العلم بأنني عائد لبيتي؟ إذا كان الجواب نعم، فهل يجب أن أفطر من صبح ذلك اليوم أم خلال السفر عند الساعة 2:30؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نعم، لك أن تفطر في اليوم الذي تعلم أنك ترجع فيه إلى أهلك. وقد اختلف العلماء في جواز الفطر للمسافر إذا علم أنه يقدم غداً، فذهب جمهور العلماء (منهم الأئمة أبو حنيفة ومالك والشافعي رحمهم الله) إلى جواز الفطر له، لأنه مسافر فيدخل في قوله تعالى: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/185. وذهب الإمام أحمد رحمه الله إلى أنه يلزمه الصوم. قال ابن مفلح في "الفروع" (3/24) : "وَإِنْ عَلِمَ مُسَافِرٌ أَنَّهُ يَقْدَمُ غَدًا لَزِمَهُ الصَّوْمُ. . . وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ وفاقاً للأئمة الثلاثة (أبو حنيفة ومالك والشافعي) لِوُجُودِ سَبَبِ الرُّخْصَةِ" اهـ. وانظر: "الإنصاف" للمرداوي (7/362) . وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (6/210) : "وإذا علم المسافر أنه يقدم غداً فإنه يلزمه الإمساك وهو المذهب (يعني مذهب الإمام أحمد) . . . والصحيح أنه لا يلزمه الإمساك" اهـ. ثانياً: أما وقت الإفطار فلك الفطر في أي وقت شئت ما دمت مسافرا، حتى ترجع إلى بلدك، فإن رجعت صائماً وجب عليك إتمام الصيام، وحرم عليك الفطر حينئذ لأنك قد انقطع عنك وصف المسافر. انظر: "المجموع" (6/173) . وإن رجعت مفطراً فقد اختلف العلماء هل يجب عليك الإمساك أم لا؟ وقد سبق في إجابة السؤال (49008) أنه لا يجب الإمساك. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36721 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2914 هل للحامل والمرضع حل غير القضاء [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من فاتها صيام أيام كثيرة من شهر رمضان في سنوات متعددة وهل يلزمها قضاء كل هذه الأيام وإن كانت كثيرة، وهل هناك خيار آخر غير الصوم كإطعام المساكين مثلاً، وهل يجوز لها أن تصوم صيام تطوع قبل القضاء مثل صيام 6 شوال، وهل ينتقص الأجر لو لم تصم هذه الأشهر ودخل رمضان جديد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب على المرأة المسلمة إذا أفطرت أياما من رمضان لعذر ولادة أو رضاع أن تقضيها بعد زوال عذرها كالمريض الذي قال الله في شأنه (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة 184 ولها أن تفرّق الأيام في القضاء فيكون أسهل عليها. (يراجع كتاب سبعون مسألة في الصيام المنشور على هذه الصفحة) . وتقضيها قبل رمضان القادم فإذا استمر عذرها أخرّت القضاء إلى حين التمكّن، ولا تَعْمد إلى الإطعام إلا إذا عجزت عن الصيام عجزا كليا. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 3253 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2915 حكم الإفطار للحر الشديد وعلاج المصابين [السُّؤَالُ] ـ[إني أعمل في الدفاع المدني فإذا كنت في رمضان، فهل يجوز للإنسان أن يُفطر إذا أحس بالعطش الشديد أثناء إسعافه للمصابين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا بأس لكن الأفضل ألا تفطروا إلا في الحالات الضرورية، وتقضوا ذلك اليوم أما ما دام الإنسان يستطيع أن يُكمل صيامه فلا يجوز الإفطار، لكن لو كان الحادث بعيداً مثلاً والشمس محرقة في وقت صائف وذهبت لإنقاذ مصاب أو لإخماد حريق وأحسست بالعطش وتضررت بهذا، فلا بأس إن شاء الله من الإفطار فالله جل وعلا يقول: (فاتقوا الله ما استطعتم) التغابن /16 ويقول تعالى: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) البقرة /286، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) رواه مسلم رقم (1337) والنسائي (5/110) ، وهذا ما لم يصل الأمر إلى حد السفر، أما الوصول إلى حد السفر فيجوز الإفطار مطلقاً، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى سماحة الشيخ عبد الله بن حميد ص 171 الحديث: 7412 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2916 متى تصوم الحائض [السُّؤَالُ] ـ[عادتي الشهرية تتراوح ما بين سبعة إلى ثمانية أيام وفي بعض الأحيان في اليوم السابع لا أرى دماً ولا أرى الطهر فما الحكم من حيث الصلاة والصيام والجماع؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا تعجلي حتى تري القصة البيضاء التي يعرفها النساء وهي علامة الطهر، فتوقف الدم ليس هو الطهر وإنما ذلك برؤية علامة الطهر وانقضاء المدة. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى الشيخ ابن باز يرحمه الله. الحديث: 10052 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2917 إذا انتقل المسلم إلى بلد آخر أثناء رمضان [السُّؤَالُ] ـ[ماذا يفعل المسلم إذا انتقل من بلد إلى بلد آخر في رمضان مختلفين في بدء صيامهم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا وجد الانسان في بلد بدأ أهلها الصيام وجب عليه أن يصوم معهم، لأن حكم من وجد في بلد في هذا الأمر حكم أهله لقوله صلى الله عليه وسلم: (الصوم يوم تصومون، والإفطار يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون) رواه أبو داود بإسناد جيد وله شواهد عنده وعند غيره. وعلى فرض أنه انتقل من البلد الذي بدأ الصيام مع أهله إلى بلد آخر فحكمه في الإفطار والاستمرار حكم البلد الذي انتقل إليه فيُفطر معهم وإن أفطروا قبل البلد الذي بدأ الصيام به، لكن إن أفطر لأقل من تسعة وعشرين يوماً لزمه أن يقضي يوماً، لأن الشهر لاينقص عن تسعة وعشرين يوماً.. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 10/124 الحديث: 1277 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2918 تركت الصيام خوفاً على رضيعها [السُّؤَالُ] ـ[امرأة وضعت في رمضان ولم تقض بعد رمضان لخوفها على رضيعها ثم حملت وأنجبت في رمضان القادم هل يجوز لها أن توزع نقوداً بدل الصوم؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب على هذه المرأة أن تصوم بدل الأيام التي أفطرتها ولو بعد رمضان الثاني لأنها إنما تركت القضاء بين الأول والثاني للعذر ولا أدري هل يشق عليها أن تقضي زمن الشتاء يوماً بعد يوم وإن كانت ترضع فإن الله يقويها على أن تقضي رمضان الثاني فإن لم يحصل لها فلا حرج عليها أن تؤخره إلى رمضان الثاني. [الْمَصْدَرُ] فتاوى الشيخ ابن عثيمين الحديث: 3711 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2919 هل يفطر بسبب ألم في أسنانه [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمريض أن يفطر بسبب آلام الأسنان؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا احتاج المصاب بآلام الأسنان إلى الإفطار فإنه يفطر؛ لأنه في هذه الحالة يكون من المرضى الذين رخص الله لهم بالإفطار. وبالله التوفيق، وصلى الله علي نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ صالح الفوزان.. الشيخ عبد العزيز آل الشيخ.. الشيخ بكر أبو زيد. "فتاوى اللجنة الدائمة. المجموعة الثانية" (9/203) . [الْمَصْدَرُ] "فتاوى اللجنة الدائمة. المجموعة الثانية" (9/203) الحديث: 132427 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2920 هل تأثم من أفطرت من شدة المرض؟ [السُّؤَالُ] ـ[فتاة مسلمة ـ والحمد لله ـ تصوم وتصلي، وقد أصابها مرض شديد في يوم من أيام رمضان حتى أوشكت على الموت فأفطرت من شدة المرض، فتسأل: هل عليها في فطرها إثم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "ليس عليها إثم، بل هي مأجورة لأن الإنسان إذا أصابه المرض وشق عليه الصوم شرع له أن يفطر وهو مأجور في قبول الرخصة، يقول الله سبحانه: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/185. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ) . فإذا أخذ الإنسان الرخصة طاعة لله وعملا ً بما شرع سبحانه وتعالى فهو مأجور ولا إثم عليه، فأنت أيتها الأخت السائلة لا حرج عليك في إفطارك من أجل المرض" انتهى. [الْمَصْدَرُ] سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (3/1229) الحديث: 130864 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2921 توفي وعليه يومان من رمضان بسبب المرض فماذا يلزم أولاده؟ [السُّؤَالُ] ـ[توفي والدي وعليه صيام يومين من رمضان بسبب المرض، لسنة سابقة لسنة وفاته، وقد توفي في شوال وقد ذكر أنه سوف يطعم عن يومين، فما الحكم وماذا يجب علينا نحوه؟ هل نصوم عنه ونطعم أم نطعم فقط؟ علماً أننا لا ندري هل أطعم عنها أم صام. حيث كان مصابا بالسكر وكان يصوم رمضان مع المشقة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كان والدكم يستطيع قضاء الصيام الذي عليه من رمضان السابق فتساهل في القضاء حتى دخل رمضان الذي توفي بعده ـ فالأفضل لكم أن يصوم أحدكم قضاء اليومين الذين عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ) متفق عليه. وإن أطعمتم عنه صاعاً من قوت البلد وهو ما يساوي ثلاث كيلوات تقريباً كفى ذلك. أما إن كان قبل رمضان لا يستطيع قضاء اليومين بسبب المرض فلا قضاء ولا إطعام لكونه لم يفرط. وبالله التوفيق، وصلى الله علي نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ عبد الله بن غديان.. الشيخ صالح الفوزان.. الشيخ عبد العزيز آل الشيخ.. الشيخ بكر أبو زيد. "فتاوى اللجنة الدائمة. المجموعة الثانية" (9/261) . [الْمَصْدَرُ] "فتاوى اللجنة الدائمة. المجموعة الثانية" (9/261) الحديث: 130283 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2922 تأثير ارتجاع الطعام الذي يحصل من المعدة على الصيام [السُّؤَالُ] ـ[عندي مرض في المعدة يجعل الطعام يخرج منها عندما يكون سائلاً في الفم، وقد حصل هذا في رمضان فهل علي قضاء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا خرج شيء من المعدة إلى الفم فإنه يجب على الصائم تفله، فإن تعمد بلعه بطل صيامه، وإن بلعه غير متعمد فلا شيء عليه. وبالله التوفيق، وصلى الله علي نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز. الشيخ عبد العزيز آل الشيخ. الشيخ عبد الله بن غديان. صالح الفوزان. الشيخ بكر أبو زيد. "فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الثانية" (9/211) . [الْمَصْدَرُ] "فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الثانية" (9/211) الحديث: 129752 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2923 مريضة منذ ثلاث سنوات ولم تصم [السُّؤَالُ] ـ[أنا مريضة منذ ثلاث سنوات ولم أصم. وهذه السنة التي مضت هي الرابعة. فهل علي الصيام أو الكفارة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "المريض قد عفا الله عنه في تأخير الصوم لقول الله عز وجل: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/185، فهذا فضل من الله سبحانه وتعالى أن سامح المريض في الإفطار وأن يؤجل القضاء إلى الشفاء. ولهذا قال عز وجل: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ) البقرة/185، فإذا شفاك الله تقضي ما تركت من الصيام والحمد لله. أما إذا قرر الأطباء أن هذا المرض لا يرجى برؤه وأنه يستمر فعليك أن تطعمي عن كل يوم مسكيناً. والشيخ العجوز والعجوزة الكبيرة اللذان لا يستطيعان الصوم، فإنهما يطعمان عن كل يوم مسكيناً. نصف صاع من التمر أو الأرز أو غيرهما من قوت البلد وهو كيلو ونصف تقريباً، يعطى لبعض الفقراء. أما الإنسان الذي ينتظر الشفاء ويرجو الشفاء فهذا لا إطعام عليه، لكن يصبر حتى يشفيه الله، فإذا شفاه الله قضى ما مضى من الصيام ولو سنوات؛ لأنه معذور شرعاً. ولا كفارة حينئذٍ" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (3/1225) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128809 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2924 حكم إفطار من لابد أن يأخذ حبة دواء كل اثتني عشر ساعة [السُّؤَالُ] ـ[عندي مرض نفسي، وقد عرضت نفسي على طبيب فأعطاني جرعات على شكل حبوب وذلك لمدة خمس سنوات، كل اثتني عشرة ساعة حبة واحدة. فماذا أفعل وخاصة في شهر رمضان رغم أن طول الصيام في اليوم 15 ساعة، ولو تأخرت عن هذا الموعد أقل من ساعة فقد يعاودني المرض (الصرعة) ؟ أفيدوني أفادكم الله.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "يقول الله جل وعلا: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16، إن كان المرض يحصل بتأخير الجرعة عن موعدها فلا بأس بالإفطار، فإذا كان اليوم طويلاً مثل أن يكون خمس عشرة ساعة من هذه الأيام، فلا بأس أن يأكل الحبة التي عينت له، ويفطر بذلك، ويقضي هذا اليوم، يأكلها ويمسك ويقضي؛ لأن الإفطار من أجلها، ويمسك ويقضي بعد ذلك، أما إذا تمكن أن يؤجل ولا يشق عليه ذلك فإنه يلزمه التأجيل حتى يأكلها بالليل. أما إذا كان لا يستطيع فلا حرج عليه، ويستطيع أن يقضي هذا اليوم في الأيام القصيرة، وهي الأيام الباردة التي تكون أقل من اثتني عشرة ساعة" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (3/1228) . [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز فتاوى نور على الدرب الحديث: 128569 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2925 مصابة بشلل دماغي من الولادة فهل تلزمها الصلاة والصوم؟ [السُّؤَالُ] ـ[لدي أخت عمرها 25 عاما, وهي مصابة بشلل دماغي منذ الولادة نتج عنه شلل رباعي للأطراف. بالإضافة أنها لا تستطيع الكلام. ومنذ الصغر وهي مقعدة, ولا تستطيع الأكل ولا الشرب ولا الذهاب لدورة المياه. فوالدتها تقوم بإطعامها وشربها والذهاب بها إلى دورة المياه, ولا تستطيع التحكم بيدها. ومن ناحية العقل فهي تدرك جيدا وتفرح وتحزن وتعرف الأشخاص والوقت وتستمع إلى القرآن. وسؤالي يا شيخ , هل يجب عليها أن تؤدي جميع الفرائض مثل الصلاة والصوم والحج؟ مع أنها لا تستطيع الوضوء , ولا تحفظ شيئا من القرآن ولا تستطيع الحفظ, ولا تقوى على الجلوس والحركة أثناء الصلاة. وحاولت مرارا تعليمها طريقة الصلاة, ولكن لا تعرف عدد الركعات وتنسى وتسهو وتتلفت لليمين والشمال وأحيانا تضحك لا إراديا وماذا بالنسبة للصوم؟ هل تصوم أم تفطر؟ أم تفطر ويتصدق عنها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الأمر كما ذكرت، وكانت هذه الأخت لا تدرك معنى الصلاة وكيفيتها، وحقيقة الصوم وما يلزم فيه فهي غير مكلفة، لوجود الخلل في عقلها الذي يُسقط عنها التكليف؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ) رواه أبو داود (4403) والترمذي (1423) والنسائي (3432) وابن ماجه (2041) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. وإذا كانت غير مكلفة فلا يجب الإطعام عنها بدلا عن الصيام. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 108464 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2926 حكم الإفطار للطيار الذي يقوم بمهمة الدوريات [السُّؤَالُ] ـ[يكلف بعض الطيارين بمهمة الدوريات على الحدود التي تشهد اضطرابات أو حروبا، وقد تصل مدة التحليق إلى ست ساعات أو أكثر على فترتين، وأحيانا يكون الطيار تحت الطلب لرجلة إضافية، مما يحتاج إلى جهد كبير من الطيارين للقيام بهذه المهمة للمحافظة على أمن البلاد وأرواح الناس وممتلكاتهم. فهل يجوز لهم الإفطار، ويكون هذا عذرا لهم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "أولاً: من كان من الطيارين المكلفين بمهمة الدوريات على الحدود يبعد عن مقر إقامته مسافة القصر، وهي ثمانون كيلو متر تقريباً ـ جاز له الفطر إذا غادر البنيان، وإن دعت الضرورة إلى أن يفطر قبل الإقلاع فلا بأس. ثانياًُ: ما كان دون هذه المسافة منهم وكان لابد من قيامه بمهمة الدوريات؛ حفاظاً على مصلحة الأمة، ولا يتمكن من القيام بهذه المهمة إلا وهو مفطر جاز له الفطر تحقيقاً للمصلحة، ودرءاً للمفسدة. ثالثاً: من عاد منهم إلى مقر إقامته أثناء النهار ولن يعود إلى القيام بهذه المهمة في بقية يومه وجب عليه الإمساك. رابعاً: على كل هؤلاء القضاء. وبالله التوفيق، وصلى الله علي نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ صالح بن فوزان الفوزان.. الشيخ عبد العزيز ابن محمد آل الشيخ. "فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الثانية" (9/141) . [الْمَصْدَرُ] "فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الثانية" (9/141) الحديث: 129788 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2927 صيام السائق الذي يسافر دائماً [السُّؤَالُ] ـ[إنني أشتغل سائقاً على سيارة شحن بترومين، وحل علينا شهر رمضان المبارك فكنت أسافر أنا وكثير من قائدي سيارات الشحن، وكنت أصوم والسائقون معي يفطرون طوال السفر، وقد قالوا لي: إن الأجر للذي يفطر في السفر، وليس للذي يصوم في السفر أجر. فأرجو إرشادي في ذلك وجزاكم الله خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا شك أن الإفطار في السفر مشروع ورخصة من الله عز وجل، بل قال الله سبحانه: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/184. وكان النبي عليه الصلاة والسلام في أسفاره يصوم ويفطر، وهكذا أصحابه يصومون ويفطرون، فمن أفطر فلا بأس، ومن صام فلا بأس. فالإفطار رخصة من الله عز وجل للمسافرين سواء كان المسافر صاحب سيارة أو صاحب جمال أو في السفن أو في الطائرات، لا فرق في ذلك، فالمسافر له أن يفطر في رمضان، وإن صام فلا بأس، وإذا شق عليه الصوم فالأفضل الفطر، كما لو كان حر وشدة فالأفضل الفطر، ويتأكد الفطر أخذا برخصة الله جل وعلا، جاء في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ) . فإذا اشتد الحر فالسنة الإفطار، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً ظلل عليه فسأل عن ذلك فقالوا: إنه صائم فقال عليه الصلاة والسلام: (لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ) ؛ يعني في حق من اشتد به الأمر، أما من كان في حقه لا يضره ذلك ولا يشق عليه فهو مخير، إن شاء صام، وإن شاء أفطر. أما بالنسبة لهؤلاء السائقين الذين يقضون حياتهم في السفر فالصواب أنه لا حرج ولو كان السفر مهنة له، فصاحب السيارة الدائم ـ التاكسي أو غيره ـ مثل صاحب الجمل الدائم في الوقت السابق، له الفطر وإن كان دائم السفر، لكن إذا جاء إلى بلده صام وأمسك، أما في حال أسفاره وتنقلاته من بلد إلى بلد له الإفطار ولو كانت هذه مهنته " انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (3/1230) . [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز فتاوى نور على الدرب الحديث: 128883 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2928 إفطار المعتمر في رمضان إذا قدم من أماكن بعيدة [السُّؤَالُ] ـ[إذا اعتمرت العائلة في شهر رمضان هل يجوز لهم أن يفطروا خلال مكثهم في مكة المكرمة، أو أنهم يمسكون عن الأكل بمجرد وصولهم مكة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "المعتمر في رمضان إذا جاء من بلاد بعيدة من نجد أو من غيرها فهو مسافر، يفطر في الطريق سواء جاء من الرياض أو القصيم أو من حائل أو من المدينة، فله أن يفطر في الطريق وفي مكة، أما إذا كان قد عزم على الإقامة أكثر من أربعة أيام فإنه إذا وصل مكة فالأحوط له أن يصوم، والأولى أن يصوم؛ لأن جمهور أهل العلم يرون أنه إذا عزم عزماً صادقاً جازماً على الإقامة أكثر من أربعة أيام فإنه يتم الصلاة ولا يفطر. أما إذا كان عزمه على المكث يومين أو ثلاثة أو أربعة لا يزيد عليها، فله أن يفطر وله أن يصوم، وله أن يقصر الصلاة الرباعية ثنتين وله أن يصلي مع الناس أربعاً. ولابد إذا كان وحده أن يصلي مع الجماعة، أما إذا كان معه ناس فهو مخير إن شاء صلى اثنتين هو ومن معه، وإن شاءوا صلوا أربعاً مع الناس في الجماعة، فإن كانت الإقامة أكثر من أربعة أيام فينبغي لهم الصوم وإتمام الصلاة عند جمهور أهل العلم" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (3/1231) . [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز فتاوى نور على الدرب الحديث: 128673 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2929 هل يفطر المسافر للتقوى على العمرة؟ [السُّؤَالُ] ـ[المسافر إذا وصل مكة صائماً فهل يفطر ليتقوى على أداء العمرة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح في اليوم العشرين من رمضان، وكان صلى الله عليه وسلم مفطراً، وكان يصلي ركعتين في أهل مكة، ويقول لهم: (يا أهل مكة أتموا فإنا قوم سفر) . وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية وابن كثير رحمهما الله أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مفطراً ذلك العام، أي أنه أفطر عشرة أيام في مكة في غزوة الفتح، وفي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لم يزل مفطراً حتى انسلخ الشهر) أخرجه البخاري (1944) . كما أنه بلا شك كان يصلي ركعتين في هذه المدة؛ لأنه كان مسافراً، فلا ينقطع سفر المعتمر بوصوله إلى مكة، فلا يلزمه الإمساك إذا قدم مفطراً، بل نقول له: الأفضل إذا كان ذلك أقوى على أداء العمرة أن لا تصوم، ما دمت إذا أديت العمرة تعبت، وقد يكون بعض الناس مستمراً على صيامه حتى في السفر، نظراً لأن الصيام في السفر في الوقت الحاضر ليس به مشقة، فيستمر في سفره صائماً، ثم يقدم مكة ويكون متعباً، فيقول في نفسه: هل أستمر على صيام أو أؤجل أداء العمرة إلى ما بعد الفطر؟ أي إلى الليل، أو الأفضل أن أفطر لأجل أن أؤدي العمرة فور وصولي مكة؟ نقول له في هذه الحال: الأفضل أن تفطر، حتى لو كنت صائماً فأفطر، لأجل أن تؤدي العمرة فور وصولك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل مكة وهو في النسك بادر إلى المسجد، حتى كان ينيخ راحلته صلى الله عليه وسلم عند المسجد، ويدخله حتى يؤدي النسك الذي كان متلبساً به صلى الله عليه وسلم، فكونك تفطر لتؤدي العمرة بنشاط في النهار أفضل من كونك تبقى صائماً، ثم إذا أفطرت في الليل قضيت عمرتك، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان صائماً في سفره لغزوة الفتح، فجاء إليه أناس فقالوا: يا رسول الله إن الناس قد شق عليهم الصيام، وإنهم ينتظرون ماذا تفعل؟ وكان هذا بعد العصر، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بماء فشرب، والناس ينظرون، فأفطر صلى الله عليه وسلم في أثناء السفر، بل أفطر في آخر اليوم، كل هذا من أجل أن لا يشق الإنسان على نفسه بالصيام، وتكلف بعض الناس في الصوم في السفر مع المشقة لا شك أنه خلاف السنة، وأنه ينطبق عليهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس من البر الصيام في السفر) " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" فتاوى الصيام (138، 139) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106458 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2930 أحرم بالعمرة في آخر شعبان وأداها في رمضان فهل له أجر عمرة في رمضان؟ [السُّؤَالُ] ـ[رجل أحرم بالعمرة قبل أذان المغرب في آخر يوم في شعبان، وبعد المغرب أُعلن دخول رمضان، فهل تحسب له عمرة في رمضان أم لا؟ والمقصود: أنه دخل في نية الإحرام قبل المغرب، وأدى العمرة في الليل - ليلة رمضان -.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله للعمرة في رمضان ثواب جليل، وهو أجر حجة. فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لِامْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ: (مَا مَنَعَكِ أَنْ تَحُجِّي مَعَنَا؟ قَالَتْ: لَمْ يَكُنْ لَنَا إِلَّا نَاضِحَانِ [بعيران] ، فَحَجَّ أَبُو وَلَدِهَا وَابْنُهَا عَلَى نَاضِحٍ، وَتَرَكَ لَنَا نَاضِحًا نَنْضِحُ عَلَيْهِ، قَالَ: فَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَاعْتَمِرِي، فَإِنَّ عُمْرَةً فِيهِ تَعْدِلُ حَجَّةً) وفي رواية لمسلم: (حجة معي) رواه البخاري (1782) ومسلم (1256) . وحتى يحصِّل المسلم ذلك الأجر العظيم: فإن عليه أن يحرم للعمرة، ويؤدي مناسكها في شهر رمضان، لا أن يحرم لها في اليوم الأخير لشعبان، ولو أدى مناسكها في رمضان، ولا أن يحرم لها في رمضان، ويؤدي مناسكها في شوال. فهما صورتان لا يكون لمؤدي العمرة فيهما أجر حجة: الصورة الأولى: أن يحرم للعمرة في آخر شهر شعبان، ويؤدي المناسك بعد دخول شهر رمضان. الصورة الأخرى: أن يحرم للعمرة قبل غروب شمس اليوم الأخير من رمضان، ويؤدي مناسكها في ليلة العيد. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: "والمعتمر في رمضان لا بد أن تكون عمرته من ابتداء الإحرام إلى انتهائه في رمضان، وبناء على ذلك نأخذ مثالاً آخر: لو أن رجلاً وصل إلى الميقات في آخر ساعة من شعبان، وأحرم بالعمرة، ثم غربت الشمس، ودخل رمضان بغروب الشمس، ثم قدم مكة، وطاف، وسعى، وقصَّر، هل يقال: إنه اعتمر في رمضان؟ . الجواب: لا؛ لأنه ابتدأ العمرة قبل دخول شهر رمضان. مثال ثالث: رجل أحرم بالعمرة قبل غروب الشمس من آخر يوم من رمضان، وطاف، وسعى للعمرة في ليلة العيد، فهل يقال: إنه اعتمر في رمضان؟ . الجواب: لا، لأنه لم يعتمر في رمضان؛ لأنه أخرج جزءاً من العمرة عن رمضان، والعمرة في رمضان من ابتداء الإحرام إلى انتهائه" انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " (21 / 352، 353) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 141234 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2931 حكم التسحر على " حبَّة رمضان " التي تخفف من أثر الجوع أثناء نهار الصائم [السُّؤَالُ] ـ[هناك حديث في أوساط الناس عن بعض العقاقير التي تتحكم وتقلل من نسبة الشعور بالجوع، والعطش، في جسم الشخص، ويقوم بعض الناس باستخدام هذه العقاقير في شهر رمضان، فما حكم تناول هذه العقاقير؟ . ولمزيد معلومات عن هذه العقاقير زوروا الموقع التالي: http://fasting.ramadantablet.com/#]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرَّف العلماء الصيام بأنه: " التعبد لله بالإمساك عن المفطرات كالطعام والشراب والجماع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس "، كما قال تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) البقرة/ 187، وكما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (الصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَجْهَلْ، وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ. مَرَّتَيْنِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي، الصِّيَامُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا) رواه البخاري (1795) . قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: والمفسد للصوم يسمَّى عند العلماء " المفطرات "، وأصولها ثلاثة: ذكرها الله عزّ وجل في قوله: (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) البقرة/ 187، وقد أجمع العلماء على أن هذه الثلاثة تفسد الصوم. " الشرح الممتع " (6 / 235) . والعقاقير الوارد الإشارة إليها في السؤال هي – بحسب الموقع المحال عليه – حبة مكونة من أعشاب ومواد مباحة الاستعمال والتناول، وتسمَّى " حبة رمضان "، وفيها من أنواع الفيتامينات المتعددة (بي 1، بي 2، بي 6، بي 12) ، وغيرها من المواد النافعة للبدن، وهي تزود الجسم بالنشاط أثناء النهار، وتخفف عليه الجوع؛ لما في هذه المواد من قدرة على مساعدة المخ على إعطاء أوامر للجسم ليبحث عن الغذاء في الشحوم، والدهون الزائدة في الجسم، عوضاً عن المعدة الخاوية. ومما لا شك فيه أن تناول هذه الحبوب والعقاقير في نهار رمضان أنه مفطِّر، ولا يَختلف في ذلك أحد؛ لكونها من الطعام، والذي يصل الجوف مباشرة. والظاهر من السؤال أنه عن حكم تناولها في الليل قبل الفجر، وأنه لكون تلك العقاقير لها القدرة على جعل البدن في نشاط مستمر، ولها القدرة على منع إحساسه بالجوع: فإنه قد يظن ظانٌّ أنه لا يحل تناولها من الليل؛ لما لها من استمرار مفعول في النهار، وهذا ظن خطأ، بل هي جائزة الاستعمال، ما دام تناولها في وقت إباحة تناول الطعام والشراب. وأما أثرها المستمر في النهار فهو ليس بمانع من تناولها، ولا فرق بينها وبين طعام السحور، ومن الحكَم الجليلة في تأخير تناول السحور: هو إعطاء البدن قدرة أكبر وأكثر على تحمل الصيام في النهار. فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةٌ) رواه البخاري (1823) ومسلم (1095) . قال الحافظ ابن حجر: "قوله في حديث أنس: (تسحروا فإن في السحور بركة) المراد بالبركة: الأجر والثواب. أو البركة لكونه يقوي على الصوم، وينشِّط له، ويخفف المشقة فيه. وقيل: البركة ما يتضمن من الاستيقاظ، والدعاء في السَّحَر. والأولى: أن البركة في السحور تحصل بجهات متعددة: وهي اتِّباع السنَّة، ومخالفة أهل الكتاب، والتقوي به على العبادة، والزيادة في النشاط، ومدافعة سوء الخلق الذي يثيره الجوع، والتسبب بالصدقة على من يسأل إذ ذاك، أو يجتمع معه على الأكل، والتسبب للذِّكر، والدعاء، وقت مظنة الإجابة، وتدارك نية الصوم لمن أغفلها قبل أن ينام" انتهى باختصار "فتح الباري" (4/140) . وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في سياق ذِكر بركات السحور: "من بركته: أنه يغذِّي الجسم طوال النهار، ويحمل على الصبر عن الأكل والشرب، حتى في أيام الصيف الطويلة الحارة، بينما الإنسان في غير الصيام تجده يشرب في اليوم خمس، وست، مرات، ويأكل مرتين، لكن هذا السحور يجعل الله فيه بركة، فيتحمل الجسم" انتهى. "لقاء الباب المفتوح" (مقدمة اللقاء رقم 223) . والحاصل: أنه لا حرج من تناول هذه الحبوب. وانظر جواب السؤال رقم (49686) في إباحة تناول الهرمونات في السحور لرياضي. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 139126 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2932 السنَّة تعجيل الفطر في الصيام [السُّؤَالُ] ـ[أسأل هل الإفطار فرض أم لا؟ فعندما يصل المسلم إلى المسجد وقت صلاة المغرب، وفي أثناء وقت الإفطار، فهل عليه/عليها أن يفطر أولا ثم يدرك الجماعة، أم يصلي أولا ثم يفطر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله السنَّة أن يعجّل الإنسان الفطر، وهذا الذي تدل عليه الأحاديث فعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قَالَ لا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ) رواه البخاري (1821) ومسلم (1838) فالذي ينبغي المبادرة إلى الإفطار على لقيمات يسكن بها جوعه ثم يقوم إلى الصلاة، ثم إن شاء عاد إلى الطعام حتى يقضي حاجته منه. وهذا كان فعل النبي عليه الصلاة والسلام، فعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفْطِرُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى رُطَبَاتٍ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ فَتُمَيْرَاتٌ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تُمَيْرَاتٌ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ) رواه الترمذي (الصوم / 632) وصححه الألباني في صحيح أبي داود برقم (560) قال المباركفوري في شرحه للحديث: وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى كَمَالِ الْمُبَالَغَةِ فِي اِسْتِحْبَابِ تَعْجِيلِ الْفِطْرِ. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 13999 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2933 أيهما أَوْلى وأفضل: الاشتغال بإجابة الأذان أم تعجيل الإفطار؟ [السُّؤَالُ] ـ[يقال: إنه يجب الاستماع للأذان. لكن ما هو حكم من يفطر عند سماع أذان المغرب؟ هل يعفى بسبب تناوله طعام الإفطار؟ وما هو حكم نفس الأمر عند التسحر عند أذان الفجر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف العلماء في حكم إجابة المؤذن ومتابعته في كلمات الأذان والصحيح - هو قول جمهور العلماء -: أن متابعته مستحبة غير واجبة. وهو قول المالكية والشافعية والحنابلة. قال النووي رحمه الله في "المجموع" (3/127) : " مذهبنا أن المتابعة سنة ليست بواجبة، وبه قال جمهور العلماء، وحكى الطحاوي خلافا لبعض السلف في إيجابها " انتهى. وفي "المغني" (1/256) عن الإمام أحمد أنه قال: " وإن لم يقل كقوله فلا بأس " انتهى بتصرف. ويدل على ذلك " قول النبي عليه الصلاة والسلام لمالك بن الحويرث ومن معه: (إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم) . فهذا يدل على أن المتابعة لا تجب، ووجه الدلالة: أن المقام مقام تعليم، وتدعو الحاجة إلى بيان كل ما يحتاج إليه، وهؤلاء وَفْدٌ قد لا يكون عندهم علم بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في متابعة الأذان، فلما ترك النبي صلى الله عليه وسلم التنبيه على ذلك مع دعاء الحاجة إليه، وكون هؤلاء وفدًا لبثوا عنده عشرين يوما ثم غادروا - يدل على أن الإجابة ليست بواجبة، وهذا هو الأقرب والأرجح " انتهى من الشرح الممتع (2/75) . وروى مالك في "الموطأ" (1/103) عن ابن شهاب عن ثعلبة بن أبي مالك القرظي أنه أخبره: (أنهم كانوا في زمان عمر بن الخطاب يُصَلُّون يوم الجمعة حتى يخرج عمر، فإذا خرج عمر وجلس على المنبر وأذن المؤذنون قال ثعلبة: جلسنا نتحدث. فإذا سكت المؤذنون وقام عمر يخطب أنصتنا فلم يتكلم منا أحد. قال ابن شهاب: " فخروج الإمام يقطع الصلاة وكلامه يقطع الكلام ". قال الشيخ الألباني رحمه الله في "تمام المنة" (340) : " في هذا الأثر دليل على عدم وجوب إجابة المؤذن، لجريان العمل في عهد عمر على التحدث في أثناء الأذان، وسكوت عمر عليه، وكثيرا ما سئلت عن الدليل الصارف للأمر بإجابة المؤذن عن الوجوب؟ فأجبت بهذا " انتهى. بناء على ما سبق، فلا إثم على من ترك إجابة المؤذن ولم يتابعه، سواء كان تركه لانشغاله بطعام أو غيره، غير أنه يفوته بذلك الأجر العظيم عند الله تعالى. فقد روى مسلم (385) عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ. فَقَالَ أَحَدُكُمْ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ. ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ. قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ. ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ. قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ. ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ. قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ. ثُمَّ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مِنْ قَلْبِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ) وليس هناك تعارض بين تعجيل الفطر والترديد خلف المؤذن، فيستطيع الصائم أن يبادر بالفطر بعد غروب الشمس مباشرة، وفي الوقت نفسه يردد خلف المؤذن، فيكون قد جمع بين الفضيلتين: فضيلة المبادرة بالفطر، وفضيلة الترديد خلف المؤذن. ولم يزل الناس قديماً وحديثاً يتكلمون على طعامهم، ولا يرون الطعام شاغلاً لهم عن الكلام، مع التنبيه أن تعجيل الفطر يحصل بأي شيء يأكله الصائم ولو كان شيئاً يسيراً، كتمرة أو شربة ماء، وليس معناه أن يأكل حتى يشبع. وكذلك يقال أيضاً إذا أذن الفجر وهو يأكل السحور، فيمكن الجمع بين الأمرين بلا مشقة ظاهرة. غير أنه إذا كان المؤذن يؤذن للفجر بعد دخول الوقت، فيجب الكف عن الأكل والشرب عند سماع أذانه. وانظر جواب السؤال رقم (66202) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 101582 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2934 الذكر المشروع عند الإفطار [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الدعاء من الأحاديث التي قالوا عنها أنها ضعيفة مثل: 1 - عند الفطور " اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت ". 2 - أشهد أن لا إله إلا الله أستغفر الله أسألك الجنة وأعوذ بك من النار. هل يشرع , يجوز , لا يجوز , مكروه , لا يصح أو حرام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الدعاء عند الإفطار بما ذكرت، ورد في حديث ضعيف رواه أبو داود (2358) عَنْ مُعَاذِ بْنِ زُهْرَةَ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَفْطَرَ قَالَ اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ. ويغني عنه ما رواه ابو داود (2357) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَفْطَرَ قَالَ: (ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتْ الْعُرُوقُ وَثَبَتَ الأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ) والحديث حسنه الألباني في صحيح أبي داود. ثانيا: يستحب للصائم أن يدعو أثناء صيامه، وعند فطره؛ لما روى أحمد (8030) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا إِذَا رَأَيْنَاكَ رَقَّتْ قُلُوبُنَا وَكُنَّا مِنْ أَهْلِ الآخِرَةِ وَإِذَا فَارَقْنَاكَ أَعْجَبَتْنَا الدُّنْيَا وَشَمَمْنَا النِّسَاءَ وَالأَوْلادَ قَالَ لَوْ تَكُونُونَ أَوْ قَالَ لَوْ أَنَّكُمْ تَكُونُونَ عَلَى كُلِّ حَالٍ عَلَى الْحَالِ الَّتِي أَنْتُمْ عَلَيْهَا عِنْدِي لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلائِكَةُ بِأَكُفِّهِمْ وَلَزَارَتْكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ وَلَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَجَاءَ اللَّهُ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ كَيْ يَغْفِرَ لَهُمْ قَالَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَدِّثْنَا عَنْ الْجَنَّةِ مَا بِنَاؤُهَا قَالَ لَبِنَةُ ذَهَبٍ وَلَبِنَةُ فِضَّةٍ وَمِلاطُهَا الْمِسْكُ الأَذْفَرُ وَحَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ وَالْيَاقُوتُ وَتُرَابُهَا الزَّعْفَرَانُ مَنْ يَدْخُلُهَا يَنْعَمُ وَلا يَبْأَسُ وَيَخْلُدُ وَلا يَمُوتُ لا تَبْلَى ثِيَابُهُ وَلا يَفْنَى شَبَابُهُ ثَلاثَةٌ لا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ الإِمَامُ الْعَادِلُ وَالصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ تُحْمَلُ عَلَى الْغَمَامِ وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ وَعِزَّتِي لأَنْصُرَنَّكَ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ) . والحديث صححه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند. ورواه الترمذي (2525) بلفظ: " وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ ... " وصححه الألباني في صحيح الترمذي. فلك أن تسأل الله الجنة وأن تتعوذ من النار، وأن تستغفر، وأن تدعو بغير ذلك من الأدعية المشروعة، وأما الدعاء بهذه الصيغة المرتبة: " أشهد أن لا إله إلا الله أستغفر الله أسألك الجنة وأعوذ بك من النار " فلم نقف عليها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93066 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2935 وقت الدعاء عند الإفطار [السُّؤَالُ] ـ[للصائم دعوة مستجابة عند فطره فمتى تكون: قبل الإفطار أو في أثناءه أو بعده؟ وهل من دعوات وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم أو دعاء تشيرون به في مثل هذا الوقت؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرض هذا السؤال على الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله فقال: الدعاء يكون قبل الإفطار عند الغروب؛ لأنه يجتمع فيه انكسار النفس والذل وأنه صائم، وكل هذه أسباب للإجابة وأما بعد الفطر فإن النفس قد استراحت وفرحت وربما حصلت غفلة، لكن ورد دعاء عن النبي صلى الله عليه وسلم لو صح فإنه يكون بعد الإفطار وهو: " ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله " {رواه أبو داود وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود (2066) } فهذا لا يكون إلا بعد الفطر، وكذلك ورد عن بعض الصحابة قوله: " اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت " فأنت ادع الله بما تراه مناسباً. [الْمَصْدَرُ] اللقاء الشهري رقم 8 للشيخ محمد بن صالح العثيمين يرحمه الله الحديث: 14103 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2936 هل في الشرع دعاء يقال عند السحور؟ [السُّؤَالُ] ـ[ظننت أيام المدرسة أن هناك دعاءً مخصصاً فقط للإفطار وليس للسحور؛ لأن في السحور النية محلها القلب لكن زوجي أخبرني أن هناك دعاءً مخصصاً للسحور أيضاً. رجاء التوضيح، هل هذا صحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، هناك أدعية خاصة وردت بها السنة يقوله الصائم عند فطره، فيقول: " ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله "، وله أن يدعو بما يشاء، لا لكون ذلك ورد في السنة تنصيصاً، بل لأنه محل نهاية عبادة، ويشرع للمسلم أن يدعو عند ذلك. سئل الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله: هل هناك دعاء مأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم عند وقت الإفطار؟ وما هو وقته؟ وهل يتابع الصائم المؤذن في الأذان أم يستمر في فطره؟ فأجاب: " إن وقت الإفطار موطن إجابة للدعاء؛ لأنه في آخر العبادة؛ ولأن الإنسان أشد ما يكون - غالباً - من ضعف النفس عند إفطاره، وكلما كان الإنسان أضعف نفساً وأرق قلباً كان أقرب إلى الإنابة والإخبات إلى الله عز وجل، والدعاء المأثور: (اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت) ، ومنه أيضاً: قول النبي عليه الصلاة والسلام: (ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله) ، وهذان الحديثان وإن كان فيهما ضعف لكن بعض أهل العلم حسنهما، وعلى كل حال فإذا دعوت بذلك أو بغيره عند الإفطار فإنه موطن إجابة " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (19 / السؤال رقم 341) . وانظر في تخريج حديث " ذهب الظمأ ... " و " اللهم لك صمت " جواب السؤال رقم (26879) ، وفيه بيان ضعف الأول وحسن الثاني، وفيه فتوى لشيخ الإسلام ابن تيمية في موضوع الدعاء. وأما السحور فليس هناك دعاء خاص يقال عنده، فالمشروع هو أن يسمي الله في أوله، ويحمده إذا فرغ من الطعام، كما يفعل ذلك عند كل طعام. لكن من أخَّر سحوره إلى الثلث الأخير من الليل فإنه يدرك بذلك وقت النزول الإلهي فيه، وهو وقت استجابة الدعاء. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ) . رواه البخاري (1094) ومسلم (758) . فيدعو في هذا الوقت لكونه وقت إجابة لا من أجل السحور. وأما النية فمحلها القلب ولا يشرع التلفظ بها باللسان، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " ومن خطر بقلبه أنه صائم غداً فقد نوى ". وانظر جواب السؤال (37643) و (22909) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65955 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2937 يستحب ختم القرآن في رمضان [السُّؤَالُ] ـ[أرجو أن تخبرني ما إذا كان من الضروري على المسلم ختم القرآن الكريم خلال شهر رمضان، إذا كان الجواب بنعم، أرجو أن تورد الحديث المؤيد لذلك القول.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يشكر السائل الكريم على حرصه على معرفة حكم المسألة بدليلها، ولا شك أن هذا أمر مطلوب، يجب أن يسعى إليه كل مسلم، حتى يكون متبعاً للكتاب والسنة. قال الشوكاني رحمه الله "إرشاد الفحول" (450-451) : " إذا تقرر لك أن العامي يسأل العالم، والمقصر يسأل الكامل، فعليه أن يسأل أهل العلم المعروفين بالدين وكمال الورع، عن العالم بالكتاب والسنة، العارف بما فيهما، المطلع على ما يحتاج إليه في فهمهما من العلوم الآلية، حتى يدلوه عليه ويرشدوه إليه، فيسأله عن حادثته طالباً ما في كتاب الله سبحانه أو ما في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحينئذ يأخذ الحق من معدنه، ويستفيد الحكم من موضعه، ويستريح من الرأي الذي لا يأمن المتمسك به أن يقع في الخطأ المخالف للشرع، المباين للحق " انتهى. وفي كتاب ابن الصلاح "أدب المفتي والمستفتي" (ص171) قال: " وذكر السمعاني أنه لا يمنع من أن يطالب المفتي بالدليل، لأجل احتياطه لنفسه، وأنه يلزمه أن يذكر له الدليل إن كان مقطوعاً به، ولا يلزمه ذلك إن لم يكن مقطوعاً به؛ لافتقاره إلى اجتهاد يقصر عنه العامي. والله أعلم بالصواب " انتهى. ثانياً: نعم، يستحب للمسلم أن يكثر من قراءة القرآن في رمضان ويحرص على ختمه، لكن لا يجب ذلك عليه، بمعنى أنه إن لم يختم القرآن فلا يأثم، لكنه فوت على نفسه أجوراً كثيرة. والدليل على ذلك: ما رواه البخاري (4614) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: (أن جبريل كان يعْرضُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً، فَعرضَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ فِي الْعَامِ الَّذِي قُبِضَ فيه) قال ابن الأثير في "الجامع في غريب الحديث" (4/64) : " أي كان يدارسه جميع ما نزل من القرآن " انتهى. وقد كان من هدي السلف رضوان الله عليهم، الحرص على ختم القرآن في رمضان، تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم. فعن إبراهيم النخعي قال: كان الأسود يختم القرآن في رمضان في كل ليلتين. "السير" (4/51) . وكان قتادة يختم القرآن في سبع، فإذا جاء رمضان ختم في كل ثلاث، فإذا جاء العشر ختم في كل ليلة. "السير" (5/276) . وعن مجاهد أنه كان يختم القرآن في رمضان في كل ليلة. "التبيان" للنووي (ص/74) وقال: إسناده صحيح. وعن مجاهد قال: كان علي الأزدي يختم القرآن في رمضان كل ليلة. "تهذيب الكمال" (2/983) . وقال الربيع بن سليمان: كان الشافعي يختم القرآن في رمضان ستين ختمة. "السير" (10/36) . وقال القاسم ابن الحافظ ابن عساكر: كان أبي مواظباً على صلاة الجماعة وتلاوة القرآن، يختم كل جمعة، ويختم في رمضان كل يوم. "السير" (20/562) . قال النووي رحمه الله معلقاً على مسألة قدر ختمات القرآن: " والاختيار أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص، فمن كان يظهر له بدقيق الفكر، لطائف ومعارف، فليقتصر على قدر يحصل له كمال فهم ما يقرؤه، وكذا من كان مشغولا بنشر العلم، أو غيره من مهمات الدين، ومصالح المسلمين العامة، فليقتصر على قدر لا يحصل بسببه إخلال بما هو مرصد له. وإن لم يكن من هؤلاء المذكورين فليستكثر ما أمكنه من غير خروج إلى حد الملل والهذرمة " انتهى. "التبيان" (ص76) . ومع هذا الاستحباب والتأكيد على قراءة القرآن وختمه في رمضان، يبقى ذلك في دائرة المستحبات، وليس من الضروريات الواجبات التي يأثم المسلم بتركها. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجب على الصائم ختم القرآن في رمضان؟ فأجاب: " ختم القرآن في رمضان للصائم ليس بأمر واجب، ولكن ينبغي للإنسان في رمضان أن يكثر من قراءة القرآن، كما كان ذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان عليه الصلاة والسلام يدارسه جبريل القرآن كل رمضان " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (20/516) وانظر الأسئلة رقم (66063) (26327) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65754 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2938 فضل تفطير صائم [السُّؤَالُ] ـ[ما هو الثواب المترتب على تفطير صائم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عن زيد بن خالد الجهني قال: قال صلى الله عليه وسلم: " مَن فطَّر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء ". رواه الترمذي (807) وابن ماجه (1746) وصححه ابن حبان (8 / 216) والألباني في " صحيح الجامع " (6415) . قال شيخ الإسلام: والمراد بتفطيره أن يشبعه. ا. هـ الاختيارات ص 194. وقد كان السلف الصالح يحرصون على إطعام الطعام ويرونه من أفضل العبادات. وقد قال بعض السلف: لأن أدعو عشرة من أصحابي فأطعمهم طعاماً يشتهونه أحب إلي من أن أعتق عشرة من ولد إسماعيل. وكان كثير من السلف يؤثر بفطوره وهو صائم، منهم عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - وداود الطائي ومالك بن دينار، وأحمد بن حنبل، وكان ابن عمر لا يفطر إلا مع اليتامى والمساكين. وكان من السلف من يطعم إخوانه الطعام وهو صائم ويجلس يخدمهم، منهم الحسن وابن المبارك. قال أبو السوار العدوي: كان رجال من بني عدي يصلون في هذا المسجد ما أفطر أحد منهم على طعام قط وحده،إن وجد من يأكل معه أكل وإلا أخرج طعامه إلى المسجد فأكله مع الناس وأكل الناس معه. وعبادة إطعام الطعام، ينشأ عنها عبادات كثيرة منها: التودد والتحبب إلى المُطعَمين فيكون ذلك سبباً في دخول الجنة: كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا " رواه مسلم (54) ، كما ينشأ عنها مجالسة الصالحين واحتساب الأجر في معونتهم على الطاعات التي تقووا عليها بطعامك. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 12598 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2939 دعاء الصائم عند فطره [السُّؤَالُ] ـ[ما هو الدعاء الذي ندعو به عندما نفطر ونحن صائمون؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال عمر: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال: " ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله ". رواه أبو داود (2357) والدارقطني (25) ، وقال ابن حجر في " التلخيص الحبير " (2 / 202) : " قال الدارقطني: إسناده حسن ". وأما دعاء: " اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت " فقد رواه أبو داود (2358) وهو حديث مرسل، فهو ضعيف، ضعيف أبي داود (510) للألباني. والدعاء بعد العبادات له أصل كبير في الشرع مثل الدعاء بعد الصلوات وبعد قضاء مناسك الحج، ولا يخرج الصوم عنه إن شاء الله، وقد ذكر الله تعالى آية الدعاء والترغيب به بين آيات الصيام وهي قوله تعالى: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) البقرة / 186، للدلالة على أهمية الدعاء في هذا الشهر. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: أخبر سبحانه أنَّه قريبٌ مِن عباده يجيبُ دعوةَ الداعي إذا دعاه، فهذا إخبارٌ عن ربوبيته لهم وإعطائه سُؤلهم وإجابةِ دعائهم؛ فإنهم إذا دعَوْه فقد آمنوا بربوبيته لهم ... ، ثم أمَرهم بأمرين فقال: {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} البقرة / 186. فالأول: أنْ يطيعوه فيما أمرهم به من العبادة والاستعانة. والثاني: الإيمان بربوبيته وألوهيته وأنَّه ربهم وإلههم ولهذا قيل: إجابة الدعاء تكون عن صحة الاعتقاد وعن كمال الطاعة لأنَّه عقب آية الدعاء بقوله: {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي} . " مجموع الفتاوى " (14 / 33) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 26879 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2940 اختلف مع والديه قبل دخول رمضان فبم تنصحونه؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من بدأ صيام الشهر الفضيل وهو على خلاف مع والديه على مصاريف البيت التي يحملونه إياها دون مشاركة عادلة من قِبلهم علماً بأنهم يستطيعون المساعدة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أوجب الله تعالى برَّ الوالدين، ونهى عن عقوقهما، وأمر بمصاحبتها بالمعروف، وكل ذلك واضح مبيَّن في كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. انظر أجوبة الأسئلة: (5326) و (30893) و (22782) . ولم يُشرع الصيام من أجل الجوع والعطش، بل قد ذكر الله تعالى الحكمة العظيمة، والفائدة الجليلة من تشريع الصيام، وهو أن يحصِّل العبد به تقوى الله تعالى. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة/183. والتقوى: هي فعل الطاعات وترك المعاصي. ومن هنا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم كثير من الناس، وأنه لا ينالهم إلا الجوع والعطش. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رُبَّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر ". رواه ابن ماجه (1690) . وصححه ابن حبان (8 / 257) والألباني في " صحيح الترغيب " (10 / 83) . وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ربَّ صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، ورب قائم حظه من قيامه السهر ". رواه الطبراني في " الكبير " (12 / 382) . وصححه الألباني في " صحيح الترغيب والترهيب " (1084) . وكما ينبغي للمسلم أن يتحيَّن فرصة إدراك والديه أو أحدهما ليدخل الجنة بسبب ذلك: فإنه ينبغي أن يتحيَّن فرصة رمضان ليتوب ويستغفر ويتقي ربه تعالى ليدخل بسبب ذلك الجنة. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: صعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر فقال: آمين، آمين، آمين، قيل يا رسول الله إنك صعدت المنبر فقلت: آمين آمين آمين، قال: أتاني جبريل عليه الصلاة والسلام فقال: من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين، فقال: يا محمد، ومن أدرك أبويه أو أحدهما فلم يبرهما فمات فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين، قال: ومن ذُكرتَ عنده فلم يصل عليك فمات فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين. رواه ابن حبان (3 / 188) ، وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الترغيب " (1679) . والخلاصة: أنه يجب عليك أن تحرص على رضا والديك ولو حمَّلاك فوق طاقتك، فإنك إن احتسبتَ ذلك فتح الله لك – إن شاء – أبواباً من الرزق، ولا داعي للتحسس من طلب الأهل مالاً للنفقة، وحيث أنهم لم يطلبوا ذلك المال للحرام والمعصية فهو أمر غير مستنكر. ويمكنك التكلم معهم - إن كانوا قادرين - بالحسنى، وإفهامهم بحاجتك وعدم قدرتك على أكثر مما تدفع، وكذا يجب عليك أن تساعدهم وتنفق عليهم بما تستطيعه إن كانوا محتاجين. ودخول شهر رمضان فرصة لإصلاح ما بينك وبينهم، وفرصة للبذل والعطاء، وأكثر الأبواب في البذل والعطاء أجراً هو الإنفاق على الأهل كما في حديث: حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى ... ) رواه البخاري (1428) ومسلم (1034) ، فأنفق واحتسب الأجر عند الله، وأبشر بالذي يسرك من ربك تعالى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50660 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2941 حكم دوري كرة القدم الرمضاني [السُّؤَالُ] ـ[ما هو حكم دوري كرة القدم الرمضاني الذي ينتشر بين كثير من الناس والحواري في رمضان؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الذي ينبغي للمؤمن أن يغتنم مواسم الخيرات ويكثر من طاعة ربه سبحانه وتعالى، ومن أعظم هذه المواسم شهر رمضان. وما أكثر الطاعات التي يفعلها المسلم في رمضان، ويزيد ثوابها ويتضاعف. فرمضان هو شهر الصيام والقيام وقراءة القرآن والذكر والدعاء والعمرة وتفطير الصائم والصدقة والجود والعطف على المساكين. شهر الاعتكاف والانقطاع عن الخلق والإقبال على الله والاجتهاد في العبادة. فضائله أكثر من أن تحصى، وأشهر من أن تذكر. لله تعالى فيه كل ليلة عتقاء من النار، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق أبواب النار، وتسلسل فيه الشياطين، أسباب مغفرة الذنوب فيه كثيرة من الصيام والقيام وقيام ليلة القدر، فالمحروم حقيقة من حرم خير هذا الشهر، والخاسر حقيقة من انقضى هذا الشهر ولم يغفر له، وإذا لم يغفر له في رمضان فمتى يغفر له!! وإذا لم يقبل على الله في رمضان فمتى يقبل على الله؟! ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ) . رواه الترمذي (3545) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. وإذا لم يغتنم أوقاته ويعمرها بطاعة الله في هذا الشهر فمتى يغتنمها؟! المسلم فيه يتنقل من طاعة إلى طاعة، ومن عبادة إلى أخرى، من صلاة إلى قراءة قرآن إلى تسبيح وتهليل، إلى تفطير صائم إلى قيام ليل وتهجد إلى توبة واستغفار بالأسحار..الخ وتقدم في السؤال رقم (26869) ذكر جدول مقدم للمسلم في رمضان. فمتى يجد المؤمن وقتا في هذا الشهر المبارك ليضيعه، فو الله لو أن الأوقات تباع لأنفق العقلاء في شرائها كل نفيس، فالوقت هو حياة الإنسان وعمره وله نهاية لا محالة، فمن الناس من ينفق عمره في طاعة الله ومنهم من ينفقه في طاعة شيطانه هواه، وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال: (كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا) رواه مسلم (223) "ومَعْنَاهُ كُلّ إِنْسَان يَسْعَى بِنَفْسِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَبِيعهَا لِلَّهِ تَعَالَى بِطَاعَتِهِ فَيُعْتِقهَا مِنْ الْعَذَاب , وَمِنْهُمْ مَنْ يَبِيعهَا لِلشَّيْطَانِ وَالْهَوَى بِاتِّبَاعِهِمَا فَيُوبِقهَا أَيْ يُهْلِكهَا" قاله النووي. وهذه الألعاب أقل ما يقال فيها بالنسبة لهذا الشهر: أنها من تضييع الوقت، وليس شيء أغلى عند الإنسان من وقته فهو عمره وحياته. قال الشاعر: والوقت أنفس ما عنيت بحفظه وأراه أسهل ما عليك يضيع! ثم لماذا يختص شهر رمضان بهذه الألعاب لماذا لا تكون في شعبان أو رجب أو شوال؟ ولماذا يختص رمضان بالمسلسلات وغيرها مما تستعد به القنوات، حتى رسخ في أذهان كثير من الناس أن رمضان هو شهر الكرة وشهر المسلسلات، وشهر السهرات ..... إلخ. وغاب هؤلاء عن الحكمة التي أرادها الله تعالى من فرضه لصيام شهر رمضان ألا وهي تقوى الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة/183. فأين هؤلاء من التقوى وهي العمل بطاعة الله، والكف عما حرم الله. فعلى المؤمن أن يكون عاقلا حازما مع نفسه ولا يتبع نفسه هواها وإلا ندم حين لا ينفع الندم. فرغم أنف امرئ أضاع رمضان ما بين لعب ولهو وسهرات في غير طاعة الله حتى انقضى رمضان ولم يزدد من الله إلا إثما وبعدا. فرغم أنفه ثم رغم أنفه ثم رغم أنفه. نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين، ويردهم إلى دينهم ردا جميلا، وأن يبلغنا رمضان ويعيننا على طاعته وحسن عبادته ويتقبل منا إنه قريب مجيب. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50112 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2942 تعجيل الفطر أفضل من تأخيره [السُّؤَالُ] ـ[هل في تأخير الفطر بعد صلاة المغرب ثواب؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تأخير الفطر ليس فيه ثواب، بل الأفضل والأكمل في الثواب هو تعجيل الفطر بعد غروب الشمس مباشرة. روى البخاري (1957) ومسلم (1098) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ) . ورواه أبو داود (2353) عن أَبي هُرَيْرَة وفيه: (لأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى يُؤَخِّرُونَ) . حسنه الألباني في صحيح أبي داود (2353) . قال النووي: فِيهِ الْحَثّ عَلَى تَعْجِيله بَعْد تَحَقُّقِ غُرُوبِ الشَّمْسِ , وَمَعْنَاهُ لا يَزَال أَمْر الأُمَّة مُنْتَظِمًا وَهُمْ بِخَيْرٍ مَا دَامُوا مُحَافِظِينَ عَلَى هَذِهِ السُّنَّة , وَإِذَا أَخَّرُوهُ كَانَ ذَلِكَ عَلامَة عَلَى فَسَادٍ يَقَعُونَ فِيهِ اهـ. قوله صلى الله عليه وسلم: (لأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى يُؤَخِّرُونَ) . قَالَ الطِّيبِيُّ: فِي هَذَا التَّعْلِيل دَلِيل عَلَى أَنَّ قِوَام الدِّين الْحَنِيفِيّ عَلَى مُخَالَفَة الأَعْدَاء مِنْ أَهْل الْكِتَاب، وَأَنَّ فِي مُوَافَقَتهمْ تَلَفًا لِلدِّينِ اهـ. وروى مسلم (1099) أن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا سئلت عن رجل مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وهو عبد الله بن مسعود) يُعَجِّلُ الْمَغْرِبَ وَالإِفْطَارَ، فَقَالَتْ: هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ. قَالَ الشَّافِعِيّ فِي " الأُمّ ": "تَعْجِيل الْفِطْر مُسْتَحَبٌّ" اهـ. وقال ابن حزم في "المحلى" (4/380) : وَمِنْ السُّنَّةِ تَعْجِيلُ الْفِطْرِ وَتَأْخِيرُ السُّحُورِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَغِيبُ الشَّمْسِ عَنْ أُفُقِ الصَّائِمِ وَلا مَزِيدَ اهـ. وقد ذكر العلماء عدةَ حِكَم لاستحباب تعجيل الفطر، فمنها: 1- مخالفة اليهود والنصارى. 2- اتباع السنة وموافقتها. 3- أَنْ لا يُزَادَ فِي النَّهَار مِنْ اللَّيْل. 4- أَنَّهُ أَرْفَقُ بِالصَّائِمِ، وَأَقْوَى لَهُ عَلَى الْعِبَادَة. 5- ولما فيه من المبادرة إلى تناول ما أحله الله عز وجل، والله سبحانه وتعالى كريم، والكريم يحب أن يتمتع الناس بكرمه، فيحب من عباده أن يبادروا بما أحل الله لهم من حين أن تغرب الشمس. "وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إِذَا تَحَقَّقَ غُرُوبُ الشَّمْس بِالرُّؤْيَةِ أَوْ بِإِخْبَارِ عَدْلَيْنِ , وَكَذَا عَدْلٍ وَاحِد فِي الأَرْجَح" قاله الحافظ. انظر: "فتح الباري" شرح حديث رقم (1957) ، "الشرح الممتع" (6/267) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50019 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2943 إذا فطَّر قريبا غنيا فله ثواب من فطَّر صائماً [السُّؤَالُ] ـ[أرجو الإفادة عما إذا كان يعتبر إفطار شخص قريب لي ومن القادرين يدخل ضمن حديث: (من فَطَّر صائما.. الحديث) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث رواه الترمذي (807) عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا) . صححه الألباني في صحيح الترمذي. والحديث عام في كل صائم غنياً كان أم فقيراً، ويشمل القريب وغيره. انظر: "فيض القدير" للمناوي شرح حديث رقم (8890) . بل قد يكون تفطير الصائم القريب أعظم أجراً لأنه بذلك يحصل على ثواب تفطير الصائم، وصلة الرحم، ما لم يكن غير القريب فقيرا ولا يجد ما يفطر عليه فيكون تفطيره أعظم أجراً لما فيه من دفع حاجته. وهذا كما أن الصدقة على الفقير القريب أفضل من الصدقة على الفقير غير القريب. روى الترمذي (658) وابن ماجه (1844) عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ الضَّبِّيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَعَلَى ذِي الْقَرَابَةِ اثْنَتَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ) . صححه الألباني في صحيح ابن ماجه. وقال الحافظ في "فتح الباري": " لا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ هِبَةُ ذِي الرَّحِم (يعني الهدية للقريب) أَفْضَل مُطْلَقًا، لاحْتِمَالِ أَنْ يَكُون الْمِسْكِين مُحْتَاجًا وَنَفْعه بِذَلِكَ مُتَعَدِّيًا وَالآخَر بِالْعَكْسِ اهـ بتصرف. والخلاصة: أن تفطير الصائم القريب يدخل في قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ) ، وقد يكون تفطيره أعظم أجراً من غير القريب، وقد يكون بالعكس، على حسب حاجة كل منهما، وما يترتب على تفطيره من المصالح. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50047 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2944 طبيب يعمل عملية جراحية فهل يؤجل إفطاره؟ [السُّؤَالُ] ـ[قريبي طبيب ويريد أن يسال هل إن كان يقوم بعملية جراحية يمكنه أن يؤجل إفطاره؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: السنة تعجيل الفطر بمجرد غروب الشمس، وقد وردت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا، منها: ما رواه البخاري (1975) ومسلم (1098) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ) . قال النووي: فِيهِ الْحَثّ عَلَى تَعْجِيله بَعْد تَحَقُّقِ غُرُوبِ الشَّمْسِ , وَمَعْنَاهُ لا يَزَال أَمْر الأُمَّة مُنْتَظِمًا وَهُمْ بِخَيْرٍ مَا دَامُوا مُحَافِظِينَ عَلَى هَذِهِ السُّنَّة , وَإِذَا أَخَّرُوهُ كَانَ ذَلِكَ عَلامَة عَلَى فَسَادٍ يَقَعُونَ فِيهِ اهـ. وقال الحافظ: قَالَ الْمُهَلَّبُ: وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ لا يُزَادَ فِي النَّهَار مِنْ اللَّيْل , وَلأَنَّهُ أَرْفَقُ بِالصَّائِمِ وَأَقْوَى لَهُ عَلَى الْعِبَادَة , وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إِذَا تَحَقَّقَ غُرُوبُ الشَّمْس بِالرُّؤْيَةِ أَوْ بِإِخْبَارِ عَدْلَيْنِ , وَكَذَا عَدْلٍ وَاحِد فِي الأَرْجَح. اهـ. وحكمة أخرى: "وهي المبادرة إلى تناول ما أحله الله عز وجل، والله سبحانه وتعالى كريم، والكريم يحب أن يتمتع الناس بكرمه، فيحب من عباده أن يبادروا بما أحل الله لهم من حين أن تغرب الشمس" اهـ الشرح الممتع (6/268) . فِي هَذَا الْحَدِيث رَدٌّ عَلَى الشِّيعَةِ فِي تَأْخِيرهمْ الْفِطْر إِلَى ظُهُور النُّجُوم اهـ. قاله ابن دقيق العيد ثانيا: السنة أن يفطر الصائم على رطب فإن لم يجد فعلى تمر، فإن لم يجد فعلى ماء، فإن لم يجد فإنه يفطر على ما تيسر من الطعام أو الشراب. فإذا لم يجد الصائم شيئاً يفطر عليه، فإنه يفطر بالنية، بمعنى أنه ينوي الإفطار ويكون قد عَجَّلَ الفطر وعمل بالسنة في ذلك. قال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع (6/269) . فإن لم يجد ماء ولا شراباً آخر ولا طعاماً ينوي الفطر بقلبه ويكفي اهـ. وعلى هذا، إن لم يتمكن هذا الطبيب من الإفطار على الرطب أو التمر فإنه يفطر على الماء، فإن لم يمكنه ذلك لانشغاله بإجراء العملية فإنه تكفيه نية الإفطار ويكون قد وافق السنة بذلك. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49716 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2945 بعض سنن الصوم [السُّؤَالُ] ـ[ما هي سنن الصوم؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سنن الصوم كثيرة، منها: أولاً: يسن إذا شتمه أحد أو قائله أن يقابل إساءته بالإحسان ويقول: إني صائم، لما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (الصيام جنة فلا يرفث ولا يجهل وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم مرتين والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي الصيام لي وأنا أجزي به والحسنة بعشر أمثالها) البخاري برقم 1894، ومسلم 1151 ثانياً: يسن للصائم السحور لما ثبت في الصحيحين من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال النبي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (تسحروا فإن في السحور بركة) رواه البخاري برقم 1923، ومسلم برقم 1095 ثالثاًً: يسن تأخير السحور لما رواه البخاري عن أنس عن زيد بن ثابت رضي الله عنهم قال: (تسحرنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قام إلى الصلاة قلت: كم كان بين الأذان والسحور قال قدر خمسين آية) رواه البخاري 1921 رابعاً: يسن تعجيل الفطر لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر) رواه البخاري برقم 1957، ومسلم برقم 1098، راجع السؤال رقم (49716) خامساً: يسن أن يفطر على رطب فإن لم يجد فعلى تمر فإن لم يجد فعلى ماء، لحديث أنس - رضي الله عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم يكن فعلى تمرات، فإن لم تكن حسا حسوات من ماء) رواه أبو داود برقم 2356، والترمذي 696، وحسنه في الإرواء 4 / 45 سادساً: يسن إذا أفطر أن يقول ما ورد، والذي ورد هو التسمية، وهي واجبة على الصحيح لأمره - صلى الله عليه وسلم -، وورد " اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت، اللهم تقبل مني إنك أنت السميع العليم " وهو ضعيف كما قال ابن القيم زاد المعاد 2 / 51، وورد أيضا " ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله " رواه أبو داود 2357، والبيهقي 4 / 239، وحسنه في الإرواء 4 / 39 وقد وردت أحاديث في فضل دعوة الصائم منها: 1- عن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ثلاث دعوات لا ترد: دعوة الوالد، ودعوة الصائم، ودعوة المسافر) رواه البيهقي 3 / 345، وصححه الألباني في الصحيحة 1797 2- عن أبي أمامة مرفوعا: (لله عند كل فطر عتقاء) رواه أحمد (21698، وصححه الألباني في صحيح الترغيب 1/ 491 3- عن أبي سعيد الخدري مرفوعا: (إن الله تبارك وتعالى عتقاء في كل يوم وليلية - يعني في رمضان - وإن لكل مسلم في كل يوم وليلة دعوة مستجابة) رواه البزار، وصححه الألباني في صحيح الترغيب 1 / 491 وتراجع الأسئلة (37745، 37720، 13999، 14103) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39462 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2946 استحباب العمرة في جميع رمضان [السُّؤَالُ] ـ[هل العمرة مستحبة في العشر الأواخر من رمضان؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله رَغَّبَ النبيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أداء العمرة في شهر رمضان، روى البخاري (1782) ومسلم (1256) عن ابْنِ عَبَّاسٍ قال: قَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عُمرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةٌ) . وهذا يشمل جميع رمضان، وليس مختصًّا بالعشر الأواخر. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38221 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2947 الأكل بعد المغرب وصلاة راتبة المغرب [السُّؤَالُ] ـ[في صلاة المغرب في رمضان كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأكل التمر ثم يصلى المغرب في جماعة السؤال هو هل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يصلى السنة أولاً أم يفطر أولاً بعد أداء الفريضة هذا السؤال نابع من حرصي الشديد على أداء السنن كاملة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل هدي، فقد كان يبدأ إفطاره حين يكون صائماً بأكل الرطب، فإن لم يتيسر فتمْر، فإن لم يتيسر شرب الماء، ثم يصلِّي بعدها الفرض في المسجد، وراتبته في البيت. قال أنس بن مالك: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم تكن رطبات فعلى تمرات، فإن لم تكن حسا حسوات من ماء. رواه أبو داود (2356) . والحديث صححه الدارقطني في " سننه " (2 / 185) ، وحسَّنه الألباني في " إرواء الغليل " (4 / 45) . عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل الظهر ركعتين وبعدها ركعتين وبعد المغرب ركعتين في بيته وبعد العشاء ركعتين، وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين. رواه البخاري (895) – واللفظ له – ومسلم (729) . ولا نعلم سنَّة خاصة قي موضوع السؤال، ولا ندري – أصلاً – إن كان صلى الله عليه وسلم يأكل شيئاً آخر بعد صلاة المغرب، وإذا رجع المسلم إلى بيته فوجد الطعام موضوعاً، وخشي أن تتعلق نفسه به وهو يصلي، فليطعم أولاً ثم يصلي راتبة المغرب، ووقت راتبة المغرب ينتهي مع وقت فرضه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38042 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2948 اعتراض غير صحيح على كون الإمساك قبل الفجر بدعة [السُّؤَالُ] ـ[بالنسبة لسؤال رقم 12602 حيث قلت بأن الإمساك عن الأكل والشرب قبل 5 دقائق من الفجر يعتبر من البدعة، وجدت حديثاً في البخاري رواه أنس " أن زيد بن ثابت قال تسحرنا مع الرسول صلى الله عليه وسلم ثم وقف للصلاة فسألته كم كان من الوقت بين السحور والأذان فقال وقت يكفي لقراءة خمسين آية " قراءة 50 آية تستغرق من 5 إلى 10 دقائق وربما أكثر، فكيف يكون الإمساك قبل 5 دقائق من الفجر بدعة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله روى البخاري (1921) عَنْ أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ تَسَحَّرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلاةِ قُلْتُ كَمْ كَانَ بَيْنَ الأَذَانِ وَالسَّحُورِ قَالَ قَدْرُ خَمْسِينَ آيَةً. فهذا الحديث يدل على أن وقت سحور النبي صلى الله عليه وسلم كان قبل الأذان بهذا الوقت، وليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ الصيام وأمسك عن الطعام والشراب قبل الفجر بهذا الوقت، فهناك فرق بين وقت السحور ووقت الإمساك، وهذا واضح بحمد الله، كما تقول: تَسَحَّرْتُ الساعة الثانية قبل الفجر، فهذا لا يعني أنك بدأت الصيام من هذا الوقت. وإنما هو إخبار عن وقت السحور فقط. والذي يستفاد من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه استحباب تأخير السحور وليس استحباب الإمساك قبل الفجر بمدة. وقد أباح الله تعالى لمن نوى الصيام أن يأكل ويشرب حتى يتيقن طلوع الفجر، قال الله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) البقرة/187. "فَأَبَاحَ الْجِمَاعَ وَالأَكْلَ وَالشُّرْبَ فِي لَيَالِي الصَّوْمِ مِنْ أَوَّلِهَا إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ , ثُمَّ أَمَرَ بِإِتْمَامِ الصِّيَامِ إلَى اللَّيْلِ" اهـ. قاله أبو بكر الجصاص في "أحكام القرآن" (1/265) . وروى البخاري (1919) ومسلم (1092) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ بِلالا كَانَ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَإِنَّهُ لا يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ) . قال النووي في المجموع (6/406) : "اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ السَّحُورَ سُنَّةٌ , وَأَنَّ تَأْخِيرَهُ أَفْضَلُ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ كُلُّهُ الأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ , وَلأَنَّ فِيهِمَا (يعني السحور وتأخيره) إعَانَةً عَلَى الصَّوْمِ , وَلأَنَّ فِيهِمَا مُخَالَفَةً لِلْكُفَّارِ. . وَلأَنَّ مَحَلَّ الصَّوْمِ هُوَ النَّهَارُ فَلا مَعْنَى لِتَأْخِيرِ الْفِطْرِ وَالامْتِنَاعِ مِنْ السَّحُورِ فِي آخِرِ اللَّيْلِ " اهـ. وسئلت اللجنة الدائمة (10/284) : قرأت في بعض التفاسير أن الصائم يمسك قبل أذان الفجر بثلث ساعة، أي بمقدار عشرين دقيقة ويسمي ذلك إمساكاً احتياطياً، فما هو المقدار بين الإمساك وأذان الفجر في رمضان؟ وما حكم من يسمع المؤذن يقول الصلاة خير من النوم ويشرب مادام لم ينته من الأذان فهل يصح؟ فأجابت: " الأصل في الإمساك للصائم وإفطاره قوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) البقرة/187. فالأكل والشرب مباح إلى طلوع الفجر وهو الخيط الأبيض الذي جعله الله غاية لإباحة الأكل والشرب، فإذا تبين الفجر الثاني حرم الأكل والشرب وغيرها من المفطرات، ومن شرب وهو يسمع أذان الفجر فإن كان الأذان بعد طلوع الفجر الثاني فعليه القضاء وإن كان قبل الطلوع فلا قضاء عليه" اهـ. وسئل الشيخ ابن باز عن جعل وقت للإمساك قبل الفجر بحوالي ربع ساعة. فأجاب: " لا أعلم لهذا أصلا، بل الذي دل عليه الكتاب والسنة أن الإمساك يكون بطلوع الفجر؛ لقول الله سبحانه: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) البقرة/187. ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الفجر فجران: فجر يحرم فيه الطعام وتحل فيه الصلاة، وفجر تحرم فيه الصلاة (أي صلاة الصبح) ويحل فيه الطعام) رواه ابن خزيمة والحاكم وصححاه كما في بلوغ المرام، وقوله صلى الله عليه وسلم (إِنَّ بِلالا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ) قال الراوي: وَكَانَ ابن أم مكتوم رَجُلا أَعْمَى لا يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ. متفق على صحته " اهـ. مجموع فتاوى ابن باز (15/281) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38068 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2949 استعمال السواك للصائم وبلع الريق بعده [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم استعمال السواك في نهار رمضان؟ وهل يجوز بلع ريق السواك؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله السواك مستحب في جميع الأوقات، في الصيام وغير الصيام، في أول النهار وآخره. ودليل ذلك: 1- روى البخاري (887) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي أَوْ عَلَى النَّاسِ لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلاةٍ) . 2- روى النسائي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ، مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ) رواه النسائي (5) . وصححه الألباني في صحيح النسائي (5) . ففي هذه الأحاديث دليل على استحباب السواك في جميع الأوقات، ولم يستثن النبي صلى الله عليه وسلم الصائم، بل عموم الأحاديث يشمل الصائم وغير الصائم. ويجوز بلع الريق بعد السواك، إلا إذا كان تحلل من السواك شيء في الفم فإنه يخرجه ثم يبتلع ريقه. كما أن الصائم يجوز له أن يتوضأ ثم يخرج الماء من فمه ثم يبتلع ريقه ولا يلزمه أن يجفف فمه من ماء المضمضة. قال النووي في " المجموع" (6/327) : قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ: إذَا تَمَضْمَضَ الصَّائِمُ لَزِمَهُ مَجُّ الْمَاءِ , وَلا يَلْزَمُهُ تَنْشِيفُ فَمِهِ بِخِرْقَةٍ وَنَحْوِهَا بِلا خِلافٍ اهـ. قال البخاري رحمه الله: بَاب سِوَاكِ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ لِلصَّائِمِ. . . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ) . قال البخاري: وَلَمْ يَخُصَّ الصَّائِمَ مِنْ غَيْرِهِ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ، مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ) . وَقَالَ عَطَاءٌ وَقَتَادَةُ: يَبْتَلِعُ رِيقَهُ. قال الحافظ في الفتح: أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِلَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ كَرِهَ لِلصَّائِمِ الاسْتِيَاكَ بِالسِّوَاكِ الرَّطْبِ. . . وَقَدْ تَقَدَّمَ قِيَاسُ اِبْنِ سِيرِينَ السِّوَاكَ الرَّطْبَ عَلَى الْمَاء الَّذِي يُتَمَضْمَضُ بِهِ. . . "وَلَمْ يَخُصَّ صَائِمًا مِنْ غَيْره" أَيْ وَلَمْ يَخُصَّ أَيْضًا رَطْبًا مِنْ يَابِسٍ , وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ تَظْهَرُ مُنَاسَبَةُ جَمِيعِ مَا أَوْرَدَهُ فِي هَذَا الْبَاب لِلتَّرْجَمَةِ , وَالْجَامِعُ لِذَلِكَ كُلِّهِ قَوْله فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة: (لأَمَرْتهمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلّ وُضُوءٍ) , فَإِنَّهُ يَقْتَضِي إِبَاحَتَهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَعَلَى كُلّ حَالٍ. . (وَقَالَ عَطَاء وَقَتَادَةُ يَبْتَلِعُ رِيقَهُ) مُنَاسَبَتُهُ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ جِهَة أَنَّ أَقْصَى مَا يُخْشَى مِنْ السِّوَاك الرَّطْب أَنْ يَتَحَلَّلَ مِنْهُ فِي الْفَمِ شَيْءٌ وَذَلِكَ الشَّيْءُ كَمَاءِ الْمَضْمَضَةِ فَإِذَا قَذَفَهُ مِنْ فِيهِ لا يَضُرُّهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَبْتَلِعَ رِيقَهُ. انتهى كلام الحافظ ابن حجر باختصار. وقال الشيخ ابن عثيمين: الصواب أن التسوك للصائم سنة في أول النهار وفي آخره اهـ فتاوى أركان الإسلام ص 468. (والسواك سنّة للصائم في جميع النهار وإن كان رطبا، وإذا استاك وهو صائم فوجد حرارة أو غيرها من طَعْمِه فبلعه أو أخرجه من فمه وعليه ريق ثم أعاده وبلعه فلا يضره. الفتاوى السعدية 245. (ويجتنب ما له مادة تتحلل كالسواك الأخضر، وما أضيف إليه طعم خارج عنه كالليمون والنعناع، ويُخرج ما تفتت منه داخل الفم، ولا يجوز تعمد ابتلاعه فإن ابتلعه بغير قصده فلا شيء عليه) اهـ من رسالة " سبعون مسألة في الصيام ". والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37745 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2950 التصدق في العشر الأواخر [السُّؤَالُ] ـ[هل يُفضل إعطاء الصدقات في العشر الأواخر من رمضان، أم أن قيام ليالي تلك الأيام بالصلاة والذكر هو المميز فقط في تلك الليالي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في إحياء العشر الأواخر من رمضان هو إحياؤها بالصلاة والذكر. والصدقة في رمضان أفضل من الصدقة في غيره، ولكن لا نعلم من السنة ما يدل على أن إعطاء الصدقة في العشر الأواخر أفضل. لكن ذكر العلماء أن العمل الصالح يكون أفضل كلما وقع في زمان فاضل، ولا شك أن ليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل مما سواها من الليالي لأن بها ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر. وعلى كل حال، فالمشروع للمسلم أن يكثر من الصدقة في جميع رمضان، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان. رواه البخاري (6) ومسلم (2308) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37720 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2951 ما الأفضل قراءة القرآن أم الصلاة في رمضان [السُّؤَالُ] ـ[أيهما أفضل في نهار رمضان قراءة القرآن أم صلاة التطوع؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله كان من هديه صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان الإكثار من أنواع العبادات وكان جبريل يدارسه القرآن ليلاً وكان إذا لقيه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة وكان أجود الناس، وأجود ما يكون في رمضان وكان يكثر فيه من الصدقة والإحسان وتلاوة القرآن والصلاة والذكر والاعتكاف هذا هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الباب وفي هذا الشهر الكريم. أما المفاضلة بين قراءة القارئ وصلاة المصلي تطوعاً فتختلف باختلاف أحوال الناس وتقدير ذلك راجع إلى الله عز وجل لأنه بكل شيء محيط. من كتاب الجواب الصحيح من أحكام صلاة الليل والتراويح لشيخ عبد العزيز بن باز ص 45 وقد يكون العمل المعيّن في حقّ شخص، أفضل وغيره في حقّ شخص آخر أفضل بحسب تقريب العمل لفاعله من الله عزّ وجلّ، فقد يتأثّر بعض الأشخاص بنوافل ويخشعون فيها فتقرّبهم إلى الله أكثر من أعمال أخرى فتكون في حقّهم أفضل والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 3455 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2952 استعمال ما يزيل رائحة الفم في رمضان [السُّؤَالُ] ـ[يوجد في الصيدليات معطّر خاص بالفم، وهو عبارة عن بخاخ، فهل يجوز استعماله خلال نهار رمضان لإزالة الرائحة من الفم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يكفي عن استعمال البخاخ للفم في حالة الصيام استعمال السواك الذي حثّ عليه صلى الله عليه وسلم، وإذا استعمل البخاخ ولم يصل شيء إلى حلقه، فلا بأس به، مع أن رائحة فم الصائم الناتجة عن الصيام ينبغي أن لا تُكره، لأنها أثر طاعة محبوبة لله عز وجل، وفي الحديث: (خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك) . [الْمَصْدَرُ] المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان ج/3 ص/121 الحديث: 22913 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2953 معجون الأسنان لا يضرّ الصيام إذا لم يصل إلى الحلق [السُّؤَالُ] ـ[هل استعمال معجون الأسنان لتنظيف الفم في نهار رمضان يبطل الصيام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا لم يصل معجون الأسنان إلى الحلق فإنّه لا يُفطّر، والأفضل أن يُستخدم في الليل ويستعمل السواك بالنهار. وفقنا الله وإياكِ إلى طاعته. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 1312 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2954 استعمال معجون الأسنان في الصوم [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز تنظيف الأسنان بالفرشاة والمعجون في حال الصوم؟ على حسب علمي أن هذا جائز طالما أن المعجون لم يصل إلى الجوف (لم يتم بلعه) . أرجو الإدلاء برأيك في هذا الموضوع.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سئل سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله عن استعمال معجون الأسنان فقال: لا حرج في ذلك مع التحفظ عن ابتلاع شيء منه، كما يشرع استعمال السواك للصائم.. " فتاوى الشيخ ابن باز " (4 / 247) وقال الشيخ محمد الصالح بن عثيمين: ويتفرع على هذا: هل يجوز للصائم أن يستعمل الفرشة والمعجون أو لا؟ الجواب: يجوز، لكن الأولى ألا يستعملها لما في المعجون من قوة النفوذ والنزول إلى الحلق، وبدلاً من أن يفعل ذلك في النهار يفعله في الليل. " الشرح الممتع لابن عثيمين (6 / 407، 408) . [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 13619 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2955 الأكل في رمضان ناسياً لا يضر [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من أكل أو شرب في نهار رمضان ناسياً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس عليه بأس وصومه صحيح. لقول الله سبحانه في آخر سورة البقرة: (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) البقرة/286 وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله سبحانه قال: " قد فعلت "، ولما ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه) متفق عليه. وهكذا لو جامع ناسياً فصومه صحيح في أصح قولي العلماء للآية الكريمة، ولهذا الحديث الشريف، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (من أفطر في رمضان ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة) خرجه الحاكم وصححه، وهذا اللفظ يعم الجماع وغيره من المفطرات إذا فعلها الصائم ناسياً. وهذا من رحمة الله وفضله وإحسانه فله الحمد والشكر على ذلك. [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى الشيخ ابن باز الجزء 4/ص 193. الحديث: 22833 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2956 استعمال الصائم للسواك ومعجون الأسنان [السُّؤَالُ] ـ[هل استخدام المسواك الcolgate أو أي نوع يبطل الصوم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز للصائم استعمال المسواك ومعجون الأسنان أثناء الصوم، مع التحرز من بلع شيء منه، بل استعمال السواك سنة للصائم وغيره. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وأما السواك فجائز بلا نزاع , لكن اختلفوا في كراهيته بعد الزوال على قولين مشهورين , هما روايتان عن أحمد. ولم يقم على كراهيته دليل شرعي يصلح أن يخص عمومات نصوص السواك " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (2/474) . وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل يضع الصائم طيبا؟ وهل يجوز له التسوك بالنهار؟ وهل تضع المرأة حناء أو تدهن شعرها لتمتشط به؟ فأجابوا: "له أن يضع طيبا في ثوبه، أو ما يلبسه على رأسه أو في بدنه، إلا أنه لا يتسعّطه في أنفه. وله أن يتسوك بالنهار، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة) متفق على صحته، وهذا يشمل صلاة الظهر والعصر في حق الصائم وغيره، ولا نعلم دليلا صحيحا يمنع من ذلك. وللمرأة أن تضع الحناء أو تدهن شعرها لتمتشط به؛ لأنه لا يؤثر على الصيام، وهكذا الرجل له أن يدهن بدواء أو غيره، وإن كان صائما " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (10/328) . وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: ما حكم استعمال معجون الأسنان للصائم؟ فأجاب: " تنظيف الأسنان بالمعجون لا يفطر به الصائم كالسواك، وعليه التحرز من ذهاب شيء منه إلى جوفه، فإن غلبه شيء من ذلك بدون قصد فلا قضاء عليه " انتهى من "مجموع "فتاوى الشيخ ابن باز" (15/260) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 108014 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2957 لا علاقة بين الصيام وقصّ الأظافر وحلق العانة [السُّؤَالُ] ـ[هل صحيح أن الصائم عليه ألا يقص أظافره أو يحلق عانته؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليست هذه الأعمال مما تجب على الصائم خصوصاً، وليست مما ينافي الصيام أيضاً، والصائم إنما يمتنع عن الطعام والشراب والجماع، وهي من مفسدات الصوم، ويمتنع عن المعاصي والمنكرات كالغيبة والنميمة وهي من منقصات الصوم، وأما الأظفار وشعر العانة فقصّها وحلقها من أمور الفطرة وقد وقَّت الشارع في بقائها أربعين يوماً، ولا علاقة لصحّة الصيام بها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 14030 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2958 حكم إبرة البنج وتنظيف السن أو حشوه أو خلعه في الصيام [السُّؤَالُ] ـ[إذا حصل للإنسان ألم في أسنانه، وراجع الطبيب وعمل له تنظيفاً أو حشواً أو خلع أحد أسنانه، فهل يؤثر ذلك على صيامه؟ ولو أن الطبيب أعطاه إبرة لتخدير سنه، فهل لذلك أثر على الصيام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "ليس لما ذكر في السؤال أثر في صحة الصيام، بل ذلك معفو عنه، وعليه أن يتحفظ من ابتلاع شيء من الدواء أو الدم، وهكذا الإبرة المذكورة لا أثر لها في صحة الصوم؛ لكونها ليست في معنى الأكل والشرب. والأصل صحة الصوم وسلامته" انتهى. فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله. "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" (15/259) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106495 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2959 الاستنشاق والمضمضة للصائم [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز الاستنشاق والمضمضة في نهار رمضان لمن كان صائماً؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال للقيط بن صبرة: (أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) فأمره صلى الله عليه وسلم بإسباغ الوضوء ثم قال: (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) فدل ذلك على أن الصائم يتمضمض ويستنشق، لكن لا يبالغ مبالغة يخشى منها وصول الماء إلى حلقه، أما الاستنشاق والمضمضة فلابد منهما في الوضوء والغسل؛ لأنهما فرضان فيهما في حق الصائم وغيره" انتهى. فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله. "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" (15/280) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106497 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2960 حكم لصقات (النيكوتين) [السُّؤَالُ] ـ[قررت الإقلاع عن عادة التدخين. سؤالي: هل يجوز استعمال ما يسمى بـ " شريط النيكوتين " لمساعدتي للإقلاع عن التدخين؟ هل يؤثر ذلك على الصلاة؟ هل يؤثر على الصيام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: (النيكوتين) مركب عضوي، شبه قلوي، سام، يعد من أخطر المواد المضرة الموجودة في التبغ - الدخان -، وهي المادة التي تسبب الإدمان لدى المدخنين، لذلك حرص العلماء على إيجاد البدائل التي تعين المدخن على التخلص من إدمان (النيكوتين) الضار، وذلك بتصنيع (النيكوتين) المخفف والمحسن، ليؤخذ على شكل أقراص، أو لبان، أو أعواد كالسجائر، أو لصقات تحتوي على كميات متفاوتة من هذه المادة، ليتدرج المدخن في استعمال البدائل كي يتمكن من التوقف عن التدخين لأطول فترة ممكنة، دون التعرض لأعراض الانسحاب التي تنتج عن التوقف المفاجئ عن التدخين، والتي غالبا ما تضطر المدخن للعودة إلى التدخين كي يتخلص من تلك الأعراض. ثانياً: لاصقة (النيكوتين) عبارة عن شريط مطاطي لاصق، ينبعث منه النيكوتين على هيئة مادة لزجة (جل) ، يمتصها الجلد، ثم تنتقل عبر الشعيرات الدموية إلى الدم، فتساعد المدخن على التخلص من أعراض الانسحاب، وتوجد ثلاث درجات للاصقة النيكوتين من حيث قوة تأثيرها: 5، 10، 15 ملجم، وتلصق عادة على الجزء العلوي من الذراع، وفترة بقائها على الجلد 16 ساعة فقط فى اليوم، ولا تستخدم عند النوم، وقد تظهر معها بعض الأعراض الجانبية المضرة: كاضطراب ضربات القلب، والغثيان، والضعف العام. ثالثاً: أما حكم استعمالها: فهو الجواز إن شاء الله تعالى، إلا إذا أدت لضرر محقق فينهى عنها حينئذ، والأمر فيها راجع إلى تقدير الطبيب المؤتمن. وإذا استعملها الإنسان وهو صائم فلا يؤثر ذلك على صيامه. جاء في قرار " مجمع الفقه الإسلامي " (رقم / 93) : "الأمور الآتية لا تعتبر من المفطرات: ... وعدَّ منها: ما يدخل الجسم امتصاصا من الجلد: كالدهونات، والمراهم، واللصقات العلاجية الجلدية المحمَّلة بالمواد الدوائية، أو الكيميائية" انتهى باختصار. سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: يباع في بعض الصيدليات لصقة طبية، توضع على الجسم، تعطي الجسم حاجته من (النيكوتين) إلى أربعة وعشرين ساعة، كخطوات للإقلاع عن التدخين. السؤال: إذا وضعت في الليل لمدة أربع وعشرين ساعة، ثم توضع غيرها، فهل يكون الإنسان مفطراً في رمضان عند استخدامه لها؟ . فأجاب: "لا يكون مفطراً في رمضان، وله أن يستعملها، بل قد يجب أن يستعملها إذا كان هذا طريقاً إلى الكف عن استعمال الدخان، ولا بأس للإنسان أن يترك المحرم شيئاً فشيئاً؛ لأن الله تعالى لما أراد تحريم الخمر لم يحرمه بتاتاً مرة واحدة، بل جعل ذلك درجات، فأباحه أولاً، ثم بين أن مضرته أكثر، ثم نهى عنه في وقت من الأوقات، ثم نهى عنه مطلقاً، فالمراتب أربع: 1. أحله في قوله تعالى: (وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً) النحل/ 67، وهذا في سياق الامتنان، فيكون حلالاً. 2. عرَّض بتحريمه في قوله: (يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا) البقرة/ 219. 3. منعه في وقت من الأوقات: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى) النساء/ 43، وهذا يقتضي أن نتركه عند الصلاة. 4. وحرَّمه بتاتاً في قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ) المائدة/ 90. ولهذا نزل تحريم الخمر وآنية الصحابة مملوءة من الخمر، حتى خرجوا بها إلى الأسواق وأراقوها في الأسواق، وسبحان الله فما الفرق بيننا وبينهم؟ الفرق بيننا وبينهم في الامتثال كالفرق بين زمانهم وزماننا، لم يتلكأوا، لم يقولوا نشرب ما بقي في الأواني، أبداً، تدار بينهم الكئوس فخرجوا وأراقوها في الأسواق، امتنعوا منعاً باتاً، ولم يقولوا: إنا قد اعتدنا على هذا وما أشبه ذلك، لا، تركوه نهائيّاً؛ لأن عندهم من العزيمة ما يسهل عليهم الشدائد ". " الجلسات الرمضانية " (عام 1415هـ 1 / سؤال رقم 10) . رابعاً: لا حرج على من صلَّى واللصقة على جسده، إذ ليس فيها شيء من النجاسة كي تؤثر على صحة الصلاة، كما أنها توضع على العضد، وهو موضع لا يحتاج إلى غسله في الوضوء. وإنما تجب إزالتها إذا أراد الاغتسال من الجنابة. ونسأل الله تعالى أن يعينك على ترك هذا المحرم الخبيث. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103523 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2961 إبرة البنج لا تفطر الصائم [السُّؤَالُ] ـ[هل إبرة البنج مفطرة للصوم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إبرة البنج الموضعي لا تفطر الصائم، لأنها ليست أكلا ولا شربا ولا في معناهما. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: بالنسبة للبنج الذي يوضع في السن في نهار رمضان هل علي قضاء ذلك اليوم إذا أخذت هذا البنج؟ فأجاب: "لا، لأن البنج لا يفطر. البنج موضعي يؤثر على الموضع بالخدورة ولكنه لا يصل إلى المعدة فمن بُنِّجَ وهو صائم نفل أو فرض فصيامه صحيح " انتهى من "فتاوى نور على الدرب". وينظر: "فتاوى الشيخ ابن باز" (15/259) . لكن إذا كان البنج كاملا وأدى إلى غياب الوعي طوال اليوم، لزم القضاء. قال ابن قدامة رحمه الله: " متى أغمي عليه جميع النهار , فلم يفق في شيء منه , لم يصح صومه , في قول إمامنا والشافعي ". ثم قال: " متى أفاق المغمى عليه في جزء من النهار , صح صومه , سواء كان في أوله أو آخره " انتهى من "المغني" (3/12) . وعلى هذا، إذا اخذ الصائم إبرة البنج أثناء الصيام، فصيامه صحيح، ولا يبطل صومه بذلك، وإذا أخذها قبل الفجر، وظل نائما تحت تأثير البنج حتى غربت الشمس، فلا يصح صومه ذلك اليوم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 95062 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2962 سبب له ضرسه بعض الألم فأفطر [السُّؤَالُ] ـ[ذهبت إلى طبيب الأسنان وأنا صائم لأعالج ضرسي فإذا بالطبيب يقول لي يجب قلعه, سبب لي بعض الألم فقمت بالإفطار, ماذا يترتب علي؟ أفيدوني أفادكم الله.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز للصائم معالجة أضراسه بالحشو أو القلع، ولو استلزم تخدير الموضع، ولا يؤثر ذلك على صومه إذا احترز من بلع شيء من الدواء أو الدم، وانظر السؤال رقم (13767) . ولا يجوز له الفطر إلا إذا شق عليه الألم واحتاج إلى شرب دواءٍ له، أو نزف منه دم كثير أضعف البدن. وعليه فإذا كنت أفطرت لمجرد قلع الضرس فقد أخطأت، والواجب عليك أن تتوب إلى الله تعالى، وأن تقضي هذا اليوم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93248 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2963 الكلام مع المخطوبة حال الصيام [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمسلم أن يحدث خطيبته هاتفياً وهو صائم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله للتحدّث مع المخطوبة ضوابط، تجدها بالتفصيل في سؤال رقم: 13791. فإذا تحققت هذه الضوابط، وخاصة أمْن تحرّك الشهوة ووجود الحاجة جاز ذلك، أما إذا تخلّف شيء من هذه الضوابط صار ذلك التحدّث والكلام من المحظور شرعاً. " وإذا كان التجاوز في حال الصيام فإنه يؤثر على الصيام بالنقص ويكون أسوأ وأشدّ في الإثم لحصوله في زمن فاضل، لأنه ينبغي على الصائم المحافظة على صيامه مما يخلّ به، وينقصه، ". [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 13918 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2964 حكم المداعبة بين الزوجين في الصيام [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لي أن أقول لزوجي (أنا أحبك) وأنا صائمة؟ زوجي يطلب مني أن أقول له بأنني أحبه أثناء الصوم وقلت له بأن هذا لا يجوز ويقول هو بأنه يجوز.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فلا بأس من مداعبة الرجل لامرأته، أو المرأة لزوجها بالكلام في حال الصيام بشرط أن يأمنا على نفسيهما من الإنزال، فإن كانا لا يأمنان على نفسيهما من الإنزال كمن كان شديد الشهوة ويخشى أنه إذا داعب امرأته أن يفسد صومه بإنزال المني: فلا يجوز له فعل ذلك لأنه يعرض صومه للإفساد. وكذلك إذا كان يخشى خروج المذي (الشرح الممتع 6/390) والدليل على جواز القبلة والمداعبة لمن يأمن على نفسه من الإنزال، ما رواه البخاري (1927) ومسلم (1106) عن عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لأرْبِهِ "، وفي صحيح مسلم (1108) عن عمرو بن سلمة أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيقبل الصائم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سل هذه " – لأم سلمة – فأخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصنع ذلك ". قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وغير القبلة من دواعي الوطء كالضم ونحوه فنقول حكمها حكم القبلة ولا فرق ". أ. هـ من " الشرح الممتع " (6 /434) . وبناء على هذا فمجرد قولك لزوجك أنك تحبينه أو قوله لك ذلك لا يضر الصيام. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 20032 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2965 حكم استعمال الكحل والحناء وأدوات التجميل خلال نهار رمضان [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم استعمال الكحل وبعض أدوات التجميل للنساء خلال نهار رمضان، وهل تفطر هذه الأشياء أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الكحل لا يفطر النساء ولا الرجال في أصح قولي العلماء مطلقاً، ولكن استعماله في الليل أفضل في حق الصائم، وهكذا ما يحصل به تجميل الوجه من الصابون الأدهان وغير ذلك مما يتعلق بظاهر الجلد، ومن ذلك الحناء والمكياج وأشباه ذلك مع أنه لا ينبغي استعمال المكياج إذا كان يضر الوجه. [الْمَصْدَرُ] فتوى الشيخ ابن باز من كتاب الفتاوى الجامعة ج/1 ص/349 الحديث: 22922 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2966 التهنئة بدخول شهر رمضان [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز التهنئة بدخول شهر رمضان أو أن ذلك يعتبر بدعة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا بأس بالتهنئة بدخول الشهر، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشّر أصحابه بقدوم شهر رمضان ويحثّهم على الاعتناء به فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أتاكم رمضان شهر مبارك، فرض الله عز وجلّ عليكم صيامه، تُفتح فيه أبواب السماء، وتُغلّق فيه أبواب الجحيم، وتغلّ فيه مردة الشياطين، فيه ليلة هي خير من ألف شهر، من حُرم خيرها فقد حُرم " رواه النسائي 4/129، وهو في صحيح الترغيب 1/490. رسالة " سبعون مسألة في الصيام ". [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 12616 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2967 مداواة السن للصائم؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للصائم زيارة طبيب الأسنان؟ فأسناني بحاجة لشيء من العلاج الضروري. وما هو الحكم إذا كنت عند طبيب الأسنان وأنا صائم في نهار رمضان، ونزل شيء إلى حلقي (وابتلعته) دون تعمد؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -: إذا حصل للإنسان ألم في أسنانه، وراجع الطبيب، وعمل له تنظيفاً أو حشواً أو خلع أحد أسنانه فهل يؤثر ذلك على صيامه؟ ولو أن الطبيب أعطاه إبرة لتخدير سنه، فهل لذلك أثر على الصيام؟ فأجاب: ليس لما ذكر في السؤال أثر في صحة الصيام، بل ذلك معفو عنه، وعليه أن يتحفظ من ابتلاع شيء من الدواء أو الدم، وهكذا الإبرة المذكورة لا أثر لها في صحة الصوم لكونها ليست في معنى الأكل والشرب.. والأصل صحة الصوم وسلامته " انتهى " أجوبة مهمة تتعلق بأركان الإسلام ". وإن أمكنك الذهاب إلى الطبيب ليلاً فهو أولى. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 13767 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2968 حشو الأسنان ووضع الدواء عليها لا يؤثر على الصيام [السُّؤَالُ] ـ[أعمل تقويماً على أسناني وأضطر كل ثلاثة أسابيع أن أذهب إلى الطبيب ويقوم بصيانات على أسناني ويضع أشياء ومواد على فمي، فهل هذا يبطل الصوم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يبطل ذلك الصيام، ما لم تتعمد ابتلاع شيء من هذه المواد، وإذا أمكن جعل ذلك ليلاً فهو أولى احتياطاً للصيام. سئل الشيخ ابن باز (15/258) إذا حصل للإنسان ألم في أسنانه، وراجع الطبيب، وعمل له تنظيفا أو حشوا أو خلع أحد أسنانه، فهل يؤثر ذلك على صيامه ولو أن الطبيب أعطاه إبرة لتخدير سنه، فهل لذلك أثر على الصيام؟ فأجاب: ليس لما ذكر في السؤال أثر في صحة الصيام، بل ذلك معفو عنه، وعليه أن يتحفظ من ابتلاع شيء من الدواء أو الدم، وهكذا الإبرة المذكورة لا أثر لها في صحة الصوم، لكونها ليست في معنى الأكل والشرب، والأصل صحة الصوم وسلامته اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82308 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2969 الأكل يصعد من معدته حتى الحنجرة فماذا يصنع؟ [السُّؤَالُ] ـ[لدي مشكلة مع صيامي، وهو أنني مع بداية كل يوم صوم يحصل لي أن الأكل يصعد من المعدة حتى الحنجرة، وأحيانا كثيرة يتعدى الحنجرة، وهذا الأمر يومي، فماذا عليَّ أن أفعل؟ هل أعيد صيام تلك الأيام؟ مع العلم أن هذا الأمر يحدث يوميّاً في رمضان.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله خروج بقايا من الطعام أو شيء من السوائل من المعدة إلى الحلق ليس من فعل الإنسان، لكن قد يكون مرضاً، وقد يكون بسبب امتلاء المعدة بالطعام. وهذا يسمى " القلَس " والواجب على من حصل له ذلك أن يخرجه من فمه إن استطاع، فإن لم يتمكن من إخراجه ورجع لمعدته: فلا حرج عليه، ولا يؤثر ذلك على صيامه. قال ابن حزم رحمه الله: "ولا يَنْقُضُ الصَّوْمَ قَلْسٌ خَارِجٌ مِنْ الْحَلْقِ , مَا لَمْ يَتَعَمَّدْ رَدَّهُ بَعْدَ حُصُولِهِ فِي فَمِهِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى رَمْيِهِ " انتهى. " المحلى " (4 / 335) . وانظر تفصيل هذه المسألة في جوابي السؤالين: (40696) و (12659) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 80425 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2970 حكم قطرة الأذن في نهار رمضان [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم قطرة الأذن في شهر رمضان وفى النهار هل هي مفطرة أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله استعمال قطرة الأذن والعين لا بأس به للصائم، ولا يفسد صيامه بذلك، وقد ذهب بعض العلماء إلى أن ذلك يفسد الصيام إذا وجد طعمه في حلقه، فالأحوط اجتناب ذلك في نهار رمضان، ولو قضي من وجد طعمها في حلقه احتياطا فهو أفضل. جاء في قرار " مجمع الفقه الإسلامي ": " الأمور الآتية لا تعتبر من المفطرات: قطرة العين، أو قطرة الأذن، أو غسول الأذن، أو قطرة الأنف، أو بخاخ الأنف، إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق " انتهى. وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: "تنظيف الأسنان بالمعجون لا يفطر به الصائم، كالسواك، وعليه التحرز من ذهاب شيء منه إلى جوفه، فإن غلبه شيء من ذلك بدون قصد: فلا قضاء عليه، وهكذا قطرة العين، والأذن، لا يَفطر بهما الصائم في أصح قولي العلماء، فإن وجد طعم القطور في حلقه: فالقضاء أحوط، ولا يجب؛ لأنهما ليسا منفذين للطعام والشراب، أما القطرة في الأنف: فلا تجوز؛ لأن الأنف منفذ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) [رواه الترمذي (788) وأبو داود (142) وصححه الألباني] . وعلى من فعل ذلك القضاء لهذا الحديث، وما جاء في معناه، إن وجد طعمها في حلقه " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (15 / 260، 261) . وقال رحمه الله أيضاً: "الصحيح: أن القطرة لا تفطر، وإن كان فيها خلاف بين أهل العلم، حيث قال بعضهم: إنه إذا وصل طعمها إلى الحلق فإنها تفطر، والصحيح أنها لا تفطر مطلقاً؛ لأن العين ليست منفذاً، لكن لو قضى احتياطاً وخروجاً من الخلاف من استعملها ووجد طعمها في الحلق: فلا بأس، وإلا فالصحيح أنها لا تفطر، سواء كانت في العين أم في الأذن " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (15 / 263) . وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: "وأما قطرة العين - ومثلها أيضاً الاكتحال - وكذلك القطرة في الأذن: فإنها لا تفطر الصائم؛ لأنها ليست منصوصاً عليها؛ ولا بمعنى المنصوص عليه، والعين ليست منفذاً للأكل والشرب، وكذلك الأذن، فهي كغيرها من مسام الجسد. وقال أهل العلم: لو لطخ الإنسان قدميه [بالحنظل] ووجد طعمه في حلقه: لم يفطره ذلك؛ لأن ذلك ليس منفذاً، وعليه فإذا اكتحل، أو قطر في عينه، أو قطر في أذنه: لا يفطر بذلك، ولو وجد طعمه في حلقه، ومثل هذا لو تدهن بدهن للعلاج، أو لغير العلاج: فإنه لا يضره، وكذلك لو كان عنده ضيق تنفس فاستعمل هذا الغاز الذي يبخ في الفم لأجل تسهيل التنفس عليه: فإنه لا يفطر؛ لأن ذلك لا يصل إلى المعدة، فليس أكلاً، ولا شرباً " انتهى. "فتاوى الصيام" (ص206) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 80208 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2971 ما حكم مزاولة مهنة التدليك الطبي في رمضان؟ [السُّؤَالُ] ـ[ ما حكم مزاولة مهنة التدليك الطبي في رمضان؟. ]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله التدليك الطبي في نهار رمضان لا يسبِّب فطراً للمدلِّك، ولا للمدلَّك له، لكن يجب على مَن يمارس هذه المهنة مراعاة أمور شرعيَّة مهمة، ومنها: 1. عدم جواز تدليك الرجال للنساء، أو النساء للرجال؛ لأن مماسة الأجنبي للأجنبية محرَّم؛ ولأن هذا باب فتنة للطرفين، مع ما في ذلك من مخالفات أخرى يأتي ذِكر بعضها. 2. عدم جواز تدليك مكان العورة، وهو ما بين السرة والركبة بالنسبة للرجال، وما بين أسفل الصدر والركبة بالنسبة للمرأة، إلا أن يكون هذا الموضع يحتاج لعلاج طبي طبيعي بالتدليك، فيجوز للضرورة. وانظر أجوبة الأسئلة (34976) و (11014) و (34745) . 3. عدم جواز التعري وإظهار العورة من الطرفين الذكر والأنثى للمدلِّكين، بل يُظهر العضو المراد تدليكه فقط. وانظر جواب السؤال رقم (5693) ففيه بيان الضوابط في مسألة النظر للعورة في العلاج. 4. عدم جواز ذهاب النساء إلى أماكن التدليك إذا توفَّر ذلك في منزلها؛ للنهي عن خلع ثيابها خارج بيتها؛ ولعدم الأمان من حيث النظر والتصوير في تلك الأماكن. وانظر جواب السؤال رقم (34750) ففيه بيان حكم خلع المرأة ثيابها في غير بيت زوجها. وهذا الذي ذكرناه بضوابط شرعية هو التدليك الطبي كما جاءنا في السؤال، وأما التدليك الذي يُقصد به التنشيط والاستمتاع: فهو غير جائز؛ لما فيه من مخالفات شرعية كثيرة؛ ولعدم كونه من الضرورات، وقد فصَّلنا القول فيه في جواب السؤال رقم (66824) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 79241 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2972 هل نزول بقايا طعام في جوفه دون إرادته يفطره؟ [السُّؤَالُ] ـ[أضع مقوماً للأسنان بعد تناول السحور، لم أنتبه إلى علق بعض بقايا الطعام في المقوم بعد غسل أسناني، مما أدى إلى نزول قطعة في الحلق، وإخراجي قطعة أخرى، فهل يجب عليَّ القضاء أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ينبغي على المسلم الذي نوى الصوم أن ينظف أسنانه - ليلاً - مما قد يكون علق بها أو بينها من طعام، وعليه أن يحسن المضمضة في وضوئه لتزيل ما علق بالأسنان من طعام. ومن ابتلع بقايا الطعام التي بين أسنانه باختياره مع استطاعته إخراجها، فإنه يفطر بذلك، أما إذا ابتلعها من غير اختيار منه، كما لو جرت مع ريقه إلى حلقه ولم يستطع ردها، فصيامه صحيح ولا شيء عليه. قال النووي رحمه الله: "قال أصحابنا – أي: الشافعية -: إذا بقي في خلل أسنانه طعام: فينبغي أن يخلله في الليل، وينقي فمه، فإن أصبح صائماً وفي خلل أسنانه شيء فابتلعه عمداً: أفطر بلا خلاف عندنا، وبه قال مالك وأبو يوسف وأحمد ... . ودليلنا في فطره: أنه ابتلع ما يمكنه الاحتراز عنه، ولا تدعو حاجته إليه، فبطل صومه، كما لو أخرجه إلى يده ثم ابتلعه ... . أما إذا جرى به الريق فبلعه بغير قصد: فاختلف نقل الأصحاب عن الشافعي، فنقل بعضهم أنه يفطر، ونقل بعضهم أنه لا يفطر، والصحيح الذي قاله الأكثرون أنهما على حالين: فحيث قال " لا يفطر ": أراد إذا لم يقدر على تمييزه ومجِّه، وحيث قال " يفطر ": أراد إذا قدر فلم يفعل وابتلعه" انتهى بتصرف. " المجموع " (6 / 317) . وانظر جواب السؤال رقم (78438) ففيه كلام نفيس لابن قدامة، وانظر – أيضاً – جواب السؤال رقم (22981) ففيه ضوابط نافعة لمعرفة ما يفطر به الصائم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 79190 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2973 هل يتناول فيتامينات بعد السحور؟ [السُّؤَالُ] ـ[لقد وَصف لي الطبيب نوعاً من الفيتامينات حيث أتناول حبة كل يوم، فهل يجوز تناولها بعد السحور في رمضان؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أباح الله تعالى للمسلمين أن يأكلوا ويشربوا إلى طلوع الفجر، فإذا طلع الفجر حرم الطعام والشراب، ولا فرق بين كون المُتناول طعاماً أو دواء، قال الله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) البقرة/187. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ بِلالا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ) ثُمَّ قَالَ – أي: ابن عمر - وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى لا يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ: أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ. رواه البخاري (592) ومسلم (1092) . وعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ أَذَانُ بِلالٍ مِنْ سَحُورِهِ فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ لِيَرْجِعَ قَائِمَكُمْ وَيُنَبِّهَ نَائِمَكُمْ) . رواه البخاري (6802) ومسلم (1093) . وعليه: فيجوز لك أخذ الدواء بعد السحور إذا كان ذلك قبل طلوع الفجر، بلا حرج، وبقاء أثر الطعام والدواء على الجسم في نهار رمضان أحد بركات السحور، ولذا شرع تأخيره حتى يتقوى المسلم على صيام نهار رمضان. ونسأل الله تعالى لكم العافية في الدين والدنيا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 78454 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2974 هل لدغة النحلة أو العقرب من المفطرات؟! [السُّؤَالُ] ـ[أود أن أسأل هل لدغة النحلة أو العقرب من المفطرات؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا نعلم أحداً من أهل العلم قال بأن لدغة النحلة أو العقرب من المفطرات، والنحلة والعقرب تضعان السم في بدن الملدوغ، وهو يتحرز من لدغهما، وجميع مفسدات الصيام يشترط فها لكي تفسد الصيام أن يفعلها الصائم مختاراً. أما لو فعلها مكرها فإنه لا يفطر بها، كمن طار إلى حلقه ذباب فابتلعه، لا يفطر بذلك. ولا يعرف خلاف بين العلماء المعاصرين أن الحقن الجلدية والعضلية لا تفطر، والأصل: صحة الصوم حتى يقوم دليل على فساده، وهذه الإبر ليست أكلاً، ولا شرباً، ولا بمعنى الأكل والشرب، فإذا كان حقن الدواء لا يفطر، فلدغة العقرب النحلة لا تفطر من باب أولى. وقد سبق في جواب السؤال رقم (38023) : بيان مفسدات الصيام بالتفصيل، فلينظر. وينظر جواب السؤال رقم (2299) وفيه أثر استعمال الأدوية والأدوات الطبيّة على الصيام. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 67168 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2975 يرى رأي ابن حزم في المباشرة فهل يجوز لزوجته مداعبته وهو صائم؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان الزوج يأخذ برأي الظاهرية وابن حزم والألباني في كون نزول المني من دون جماع لا يفطّر فهل يجوز للزوجة مداعبة زوجها في نهار رمضان حتى لو ترتب على ذلك نزول المذي أو المني منه؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يختلف حكم نزول المذي عن نزول المني، والراجح من أقوال أهل العلم أن نزول المذي لا يبطل الصوم، لا من الرجل ولا من المرأة، وقد سبق ذكر أقوال أهل العلم في هذه المسألة في جواب السؤال رقم: (49752) . ثانياً: ينبغي أن يعلم أنه لا يحل لأحد أن يأخذ بقول فلان أو فلان من العلماء لمجرد التشهي، أو لأن هذا القول يوافق هواه، والواجب عند اختلاف العلماء هو ما أمر الله تعالى به في قوله: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) النساء/59. فلا يحل لأحد أن يقول: أنا آخذ بقول فلان من العلماء، ويصادم بذلك حديثا ثابتاً عن النبي صلى الله عليه وسلم. ولذلك قال الإمام الشافعي رحمه الله: أجمع العلماء على أن من استبانت له سنة النبي صلى الله عليه وسلم لم يحل له أن يدعها لقول أحد اهـ. مدارج السالكين (2/335) . فإذا ثبت الحكم بالدليل الصحيح فلا قول لأحد كائنا من كان. والقول بأن الاستمناء ومباشرة المرأة حتى الإنزال من مفسدات الصيام هو قول جماهير العلماء (منهم الأئمة الأربعة: أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد) واستدلوا بأنه قضاء للشهوة، والصائم ممنوع من ذلك، لقول الله تعالى في الحديث القدسي عن الصائم: (يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي) رواه البخاري (1894) . وقد سبق بيان ذلك تفصيلا في جواب السؤال (71213) ، (65698) . ونحن لا ننكر وجود خلافٍ في المسألة، وقد رأى ابن حزم ورجحه الشيخ الألباني رحمهما الله أن إنزال المني بمباشرة الزوجة لا يفطر، فإن كان أحدٌ يرى هذا القول عن علم، ويتبنَّاه تديناً لا اتباعاً لهواه: فإنه لا حرج عليه في ذلك، لأن الإنسان لا يكلف إلا بما بلغه علمه، ولكن بشرط أن يكون إنما يرى ذلك على حسب ما ظهر له من الأدلة وأقوال العلماء، وليس لمجرد الترخص والأخذ بالأسهل. فلا يجوز لمسلم أن يتتبع زلات العلماء وأخطاءهم، فإنه بذلك يجتمع فيه الشر كله، ولهذا قال العلماء: " من تتبع ما اختلف فيه العلماء، وأخذ بالرخص من أقاويلهم، تزندق، أو كاد " انتهى "إغاثة اللهفان" (1/228) . والزندقة هي النفاق. وانظر إجابة السؤال رقم (22652) . فالذي ينصح به السائل أن يكتفي بما اتفق العلماء على جوازه وهو المباشرة باللمس، والتقبيل دون الإنزال، احتياطاً للصيام، وإبراءً للذمة، وخشيةً من الوقوع فيما هو محرم ومفسد للصيام بالإجماع وهو الجماع. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 66803 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2976 حكم زيارة طبيبة نساء في رمضان [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم زيارة طبيبة نساء في رمضان؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا تُمنع المرأة من زيارة الطبيبة من أجل الفحص والكشف، على أن تتقيد بالضوابط الشرعية في مسألة كشف العورة، وقد سبق ذكر هذه الضوابط في جواب السؤال رقم (5693) . وأما بالنسبة لفحص الرحم الداخلي باليد أو بالمنظار فهو لا يفطر، وقد سبق في جواب السؤال رقم (38023) تفصيل الأشياء التي تفطِّر الصائم والتي لا تفطِّره، ومما جاء فيه: " من الأشياء التي لا تفطر: ما يدخل المهبل من تحاميل (لبوس) ، أو غسول، أو منظار مهبلي، أو إصبع للفحص الطبي. إدخال المنظار أو اللولب ونحوهما إلى الرحم. ما يدخل مجرى البول للذكر أو الأنثى، من قثطرة (أنبوب دقيق) أو منظار، أو مادة ظليلة على الأشعة، أو دواء، أو محلول لغسل المثانة " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 66608 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2977 فقأ حب الشباب وأثره على الصيام [السُّؤَالُ] ـ[يوجد في وجهي حب الشباب، وقد فقعت واحدة وأنا صائم في رمضان، وكنت في شك من إفطاري، ولكني قد قضيت ذلك اليوم فيما بعد بالصيام. هل يترتب عليّ فعل شيء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فقأ حَب الشباب الذي يظهر في الوجه لا يفسد الصوم ولا يوجب القضاء. ومفسدات الصيام أشياء معلومة، دل عليها القرآن الكريم والسنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهي: 1- الجماع. 2- الاستمناء. 3- الأكل والشرب. 4- ما كان بمعنى الأكل والشرب – كالحقن المغذية. 5- القيء عمداً. 6- الحجامة، وما كان بمعناها كالتبرع بالدم. 7- الحيض والنفاس للمرأة. ولمعرفة أدلة ذلك انظر السؤال (38023) . ولا يجوز القول بأن هذا الشيء مفسد للصوم إلا بدليل صحيح يدل على ذلك. ولا يوجد دليل على إفساد الصيام بفقأ حب الشباب أو البثور التي تظهر على الجسم. وعلى هذا فصومك صحيح ولا يلزمك القضاء، وتثاب على اليوم الذي صمته قضاءً ويكون لك نافلة. مع التنبيه إلى أنه ينبغي مراجعة الأطباء في فقأ حب الشباب، هل هو مضر أم لا؟ فإن كان مضراً فإنه ينبغي تركه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65514 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2978 معانقة الرجل زوجته وهو صائم [السُّؤَالُ] ـ[تزوجت منذ مدة قصيرة، وأريد أن أستوضح عن أمر شغل بالي. ففي هذا الشهر المبارك، شهر رمضان، وبعد أن أكون قد أمسكت، فأنا أعود إلى السرير، حيث تكون زوجتي هي الأخرى مستلقية عليه في بعض الأوقات. وأنا أعانقها أحيانا، فهل يعني ذلك أن صومي فسد؟ هلا سلطت لي بعض الضوء حول الأمور التي يجوز لي فعلها وتلك التي يحرم علي فعلها.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب على المسلم أن يحفظ صومه مما يُفسده، وأن يحتسب الأجر في ترك الشهوة من الطعام والشراب والنكاح، كما جاء في الحديث في فضل الصائم (يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي) رواه البخاري (الصوم/1761) ، ولكن لو كان يملك نفسه ويسيطر عليها ولا يَنْزَلِقُ إلى ما يُسبب فساد صومه بخروج المنيِّ أو الجِماع، أو يُنقص صومه بخروج المذي فإنه يجوز له مداعبة زوجته في هذه الحالة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يداعب عائشة رضي الله عنه وكان يملك إربه (إي شهوته) قال الشيخ عبد العزيز بن باز: تقبيل الرجل امرأته ومداعبته لها ومباشرته لها بغير الجماع وهو صائم، كل ذلك جائز ولا حرج فيه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبِّل وهو صائم ويباشر وهو صائم. لكن إن خشي الوقوع فيما حرم الله عليه لكونه سريع الشهوة، كره له ذلك، فإن أمنى لزمه الإمساك والقضاء ولا كفارة عليه عند جمهور أهل العلم. أما المذي فلا يفسد به الصوم في أصح قولي العلماء، لأن الأصل السلامة وعدم بطلان الصوم، ولأنه يشق التحرز منه والله ولي التوفيق. فتاوى الشيخ ابن باز ج/4 ص/202 [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 14315 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2979 تأخير الغسل من الجنابة في رمضان حتى يطلع الفجر لا يُبطل الصيام [السُّؤَالُ] ـ[احتلمت قبل السحور مرة.. ولم يكن باستطاعتي أن أغتسل.. وكنت أحس بالخجل الشديد من الاغتسال.. لأن والداي سيعلمان بالأمر (أني احتلمت) .. ولذلك فقد تناولت سحوري دون أن أغتسل، وللأسف فإني لم أصلي صلاة الفجر ذلك الصباح أيضا.. لكني اغتسلت وصليت الفجر لاحقا.. وأريد أن أعرف ما إذا كان صومي مقبولاً. لأني أظن أني أخطأت عندما تناولت سحوري وأنا جنب (من الاحتلام) .. فهل صومي مقبول؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يصح صيام من واقع زوجته ليلاً وأصبح جنباً، وكذا يصح صيام من أصابته جنابة في نومه ليلاً أو نهاراً ولا حرج عليه في تأخير الغسل حتى يطلع الفجر، وإنما يُفسد الصيام الجماع في نهار رمضان من طلوع الفجر إلى غروب الشمس. فتاوى اللجنة الدائمة 10/327 أما تأخيرك الصلاة حتى تطلع الشمس فإنه محرَّم عليك، والواجب تأدية الصلاة في وقتها، وخجلك الشديد من الاغتسال ليس عذراً يبيح لك تأخير الصلاة عن وقتها، والواجب عليك التوبة من ذلك والاستغفار. وفقنا الله وإياك لكل خير. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 14225 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2980 حكم بلع ريقه أو ريق غيره [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم بلع الإنسان للريق لأني أجد الكثير من الناس في رمضان يكثر من البصق تحرزا من بلع ريقه، خاصة بعد المضمضة في الوضوء، وما الحكم فيما لو كان هذا الريق من غيره كريق زوجته، أفتونا جزاكم الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: شرائع الإسلام مبناها على اليسر وعلى دفع المشقات غير المعتادة يقول سبحانه في أثناء آيات الصيام (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) البقرة/185، ويقول تعالى (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة/6، ويقول (وما جعل عليكم في الدين من حرج) الحج/78، ولهذا فإن ما يشق ولا يمكن التحرز منه عادة فإنه لا يؤثر على الصيام ومن ذلك ابتلاع الإنسان لريقه وهو صائم. قال ابن قدامة: (فَصْلٌ: وَمَا لا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ , كَابْتِلاعِ الرِّيقِ لا يُفَطِّرُهُ , لأَنَّ اتِّقَاءَ ذَلِكَ يَشُقُّ , فَأَشْبَهَ غُبَارَ الطَّرِيقِ , وَغَرْبَلَةَ الدَّقِيقِ. فَإِنْ جَمَعَهُ ثُمَّ ابْتَلَعَهُ قَصْدًا لَمْ يُفَطِّرْهُ ; لأَنَّهُ يَصِلُ إلَى جَوْفِهِ مِنْ مَعِدَتِهِ , أَشْبَهَ مَا إذَا لَمْ يَجْمَعْهُ، فَإِنَّ الرِّيقَ لا يُفَطِّرُ إذَا لَمْ يَجْمَعْهُ , وَإِنْ قَصَدَ ابْتِلاعَهُ , فَكَذَلِكَ إذَا جَمَعَهُ) . المغني 3/16 (ومثله َلَوْ أَخْرَجَ اللِّسَانَ وَعَلَيْهِ الرِّيقُ ثُمَّ رَدَّهُ وَابْتَلَعَ مَا عَلَيْهِ لَمْ يُفْطِرْ فِي الأَصَحِّ , لأَنَّ اللِّسَانَ كَيْفَمَا تَقَلَّبَ مَعْدُودٌ مِنْ دَاخِلِ الْفَمِ فَلَمْ يُفَارِقْ مَا عَلَيْهِ مَعْدِنُهُ) . حاشية قليوبي 2/73 ثانيا: الواجب على الصائم بعد المضمضة: قال النووي في " المجموع" (6/327) : قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ: إذَا تَمَضْمَضَ الصَّائِمُ لَزِمَهُ مَجُّ الْمَاءِ , وَلا يَلْزَمُهُ تَنْشِيفُ فَمِهِ بِخِرْقَةٍ وَنَحْوِهَا بِلا خِلافٍ اهـ. وقال الشيخ ابن عثيمين (لا يجب التفل ولو بعد شرب الماء عند أذان الفجر، فإنه لم يعهد من الصحابة رضي الله عنهم فيما نعلم أن الإنسان إذا شرب عند طلوع الفجر يتفل حتى يذهب طعم الماء، بل هذا مما يسامح فيه) الممتع 6/428 والذين يرون البصق بعد المضمضة لا يطالبون المتمضمض بأكثر من أن يبصق مرة واحدة بعد مجِّه للماء (إخراجه من فمه) وعلتهم في اشتراط البصق اخْتِلاطِ الْمَاءِ بِالْبُصَاقِ , فَلا يَخْرُجُ بِمُجَرَّدِ الْمَجِّ , وَلا يشْتَرِطُون الْمُبَالَغَةُ فِي الْبَصْقِ ; لأَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَهُ مُجَرَّدُ بَلَلٍ وَرُطُوبَةٍ , لا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ. راجع الموسوعة الفقهية 28/ 63 لكن إن اختلط بالريق غيره مما يمكن التحرز منه فإنه يلزمه أن يلفظه ثم لا يضره ما بقي من آثار بعد أن يلفظه كالرائحة ونحوها وذلك مثل ما يبقى من الطعام بعد السحور وما يتفتت من السواك ومثل الدم الخارج من اللثة وراجع الأسئلة (37745) (37937) (12597) وعليه فلا وجه للذين يكثرون البصق في رمضان إلا التحرز مما لا يشرع التحرز منه مما يجلب لهم جفاف الفم والعطش والمشقة في الصوم. كما يسبب لهم شيئا من الحرج، لاسيما إذا كانوا في أماكن لا يتسنى لهم فيها البصق أو لا يحملون معهم شيئا من المناديل ونحوها، وقد يكون مثل هذا حاملا لهم على تقليل الجلوس في المسجد للذكر وتلاوة القرآن، فيخسرون هذه الفضائل في هذا الشهر العظيم. ثالثا: أما فيما يتعلق ببلع ريق زوجته، فقد قال ابن قدامة رحمه الله: (أَوْ بَلَعَ رِيقَ غَيْرِهِ , أَفْطَرَ ; لأَنَّهُ ابْتَلَعَهُ مِنْ غَيْرِ فَمِهِ , فَأَشْبَهَ مَا لَوْ بَلَعَ غَيْرَهُ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رَوَتْ عَائِشَةُ , أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم {كَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ , وَيَمَصُّ لِسَانَهَا.} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد 2386. قُلْنَا: قَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي دَاوُد أَنَّهُ قَالَ: هَذَا إسْنَادٌ لَيْسَ بِصَحِيحٍ) . وممن ضعف زيادة (ويمص لسانها) أيضا الألباني في ضعيف سنن أبي داود. وذكر ابن قدامة توجيهين للحديث على فرض صحته: الأول: أن المسألتين غير مرتبطتين ببعضها، قال رحمه الله (وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ يُقَبِّلُ فِي الصَّوْمِ , وَيَمُصُّ لِسَانَهَا فِي غَيْرِهِ) . الثاني: أن الحديث ليس فيه دليل على ابتلاع الريق، قال رحمه الله (وَيَجُوزُ أَنْ يَمُصَّهُ , ثُمَّ لا يَبْتَلِعُهُ , وَلأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ انْفِصَالُ مَا عَلَى لِسَانِهَا مِنْ الْبَلَلِ إلَى فَمِهِ) المغني 3/17 وعلى هذا فإذا لم يحصل من أحد الزوجين ابتلاع لريق الآخر فإن الصوم لا يفسد. ولكن يبقى أن مص أحد الزوجين للسان الآخر داخل في عموم دواعي الوطء (تحرم القبلة وغيرها من دواعي الوطء إن خشي من فساد صومه بالإنزال أما إن كان يأمن على نفسه فالصحيح أنه يجوز له من غير كراهة لأن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يقبل وهو صائم) البخاري 1927 مسلم 1106) الممتع 6/433 بتصرف. إلا أنه ينبغي عليه أن يصون صومه عما يعرضه لشيء من النقص لاسيما وأن كل هذه المسائل تباح في كل ليالي رمضان. وراجع السؤالين (20032) و (14315) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49005 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2981 نزول المني من جماع الليل نهاراً هل يفسد الصيام؟ [السُّؤَالُ] ـ[بعد الجماع ليلا قد ينزل المنى من الفرج نهاراً، فهل هذا يبطل الصيام؟ وهل يجب الاغتسال لأداء الصلاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نزول المني نهاراً بعد جماع الليل لا يبطل الصيام، وقد أبيح لنا الأكل والشرب والجماع من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، قال تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ... ) البقرة/187. وقد نص العلماء رحمهم الله على أن نزول المني نهارا من جماع الليل لا يفسد الصوم. قال في "الجوهرة النيرة" (1/138) وهو من كتب الحنفية: " وَلَوْ خَشِيَ الْمَجَامِعُ طُلُوعَ الْفَجْرِ فَنَزَعَ فَأَمْنَى بَعْدَ الْفَجْرِ لَمْ يُفْطِرْ " انتهى. وقال في "حاشية الدسوقي" (1/523) وهو من كتب المالكية: " لَوْ جَامَعَ لَيْلا وَنَزَلَ مَنِيُّهُ بَعْدَ الْفَجْرِ، الظَّاهِرُ أَنَّهُ لا شَيْءَ عَلَيْهِ، كَمَنْ اكْتَحَلَ لَيْلا ثُمَّ هَبَطَ الْكُحْلُ لِحَلْقِهِ نَهَارًا " انتهى. ونحوه في "شرح مختصر خليل" (2/249) . وقال النووي في "المجموع" (6/348) وهو شافعي المذهب: " إذَا جَامَعَ قَبْلَ الْفَجْرِ ثُمَّ نَزَعَ مَعَ طُلُوعِهِ أَوْ عَقِبَ طُلُوعِهِ وَأَنْزَلَ لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ ; لأَنَّهُ تَوَلَّدَ مِنْ مُبَاشَرَةٍ مُبَاحَةٍ فَلَمْ يَجِبْ فِيهِ شَيْءٌ , كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ قِصَاصًا فَمَاتَ مِنْهُ " انتهى. ثانياً: إذا جامع واغتسل ثم خرج منه مني بعد الاغتسال فإنه لا يجب إعادة الغسل مرة أخرى، لأن السبب واحد فلا يوجب غُسليْن، وإنما يجب الغسل إذا نزل بشهوة جديدة. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (44945) و (12352) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49721 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2982 هل يتذوق القهوة في الصيام؟ [السُّؤَالُ] ـ[أعمل في شركة تنتج قهوة، كثير من الأحيان نقوم بتذوق القهوة لمقارنة الطعم والرائحة أنا أعلم أنه يجوز التذوق خلال الصيام إذا تأكدت عدم مرور الشراب إلى داخل الجسم، عندما أتذوق القهوة أحاول جاهدا عدم بلع أي كمية ولو كانت صغيرة، ولكن تذوق القهوة يترك طعماً ورائحة في الفم. هل تذوق القهوة خلال الصيام يبطل الصيام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا احتاج الصائم إلى تذوق الطعام أثناء الصيام فلا بأس بذلك، ولا يضر الصيام ما لم ينزل شيء من الطعام إلى جوف الصائم، ويستوي في هذا القهوة وغيرها. فإن ذاقه من غير حاجة إلى ذلك فإنه مكروه، ولا يبطل صومه بذلك. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لا بَأْسَ أَنْ يَتَطَعَّمَ الْقِدْرَ أَوْ الشَّيْءَ. رواه البخاري معلقاً. وقَالَ الإمام أَحْمَدُ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَجْتَنِبَ ذَوْقَ الطَّعَامِ , فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَضُرَّهُ , وَلا بَأْسَ بِهِ اهـ. المغني (4/359) . وقال شيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى (4/474) : وَذَوْقُ الطَّعَامِ يُكْرَهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ ; لَكِنْ لا يُفْطِرُهُ اهـ. وسئل الشيخ ابن عثيمين في فتاوى الصيام (ص356) هل يبطل الصوم بتذوق الطعام؟ فأجاب: لا يبطل الصوم ذوق الطعام إذا لم يبتلعه، ولكن لا تفعله إلا إذا دعت الحاجة إليه، وفي هذه الحال لو دخل منه شيء إلى بطنك بغير قصد فصومك لا يبطل اهـ. وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (10/332) لا حرج في تذوق الإنسان للطعام في نهار الصيام عند الحاجة، وصيامه صحيح إذا لم يتعمد ابتلاع شيء منه اهـ. ومجرد بقاء الرائحة أو الطعم لا يؤثر على الصيام، إذا لم يتعمد ابتلاع شيء. قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: لا بَأْسَ بِالسِّوَاكِ الرَّطْبِ –يعني للصائم- قِيلَ: لَهُ طَعْمٌ. قَالَ: وَالْمَاءُ لَهُ طَعْمٌ، وَأَنْتَ تُمَضْمِضُ بِهِ. وقال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع (3/261) : يكره أن يذوق طعاما كالتمر والخبز والمرق، إلا إذا كان لحاجة فلا بأس. ووجه هذا: أنه ربما نزل شيء من هذا الطعام إلى الجوف من غير أن يشعر به فيكون في ذوقه لهذا الطعام تعريض لفساد الصوم، وأيضا ربما يكون مشتهي الطعام كثيرا ثم يتذوقه لأجل أن يتلذذ به، وربما يمتصه بقوة، ثم ينزل إلى جوفه. والحاجة مثل: أن يكون طباخا يحتاج لينظر ملحه، أو حلاوته، أو ما أشبه ذلك اهـ. وعلى هذا؛ لا بأس أن تذوق القهوة وأنت صائم لأنك محتاج إلى ذلك، وعليك الاحتراز حتى لا يدخل شيء إلى حلقك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49658 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2983 لا حرج من وضع زيت الشعر في نهار رمضان [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم وضع زيت لشعر الرأس في نهار رمضان؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج من وضع زيت الشعر في نهار رمضان ولا يؤثر ذلك على الصيام. سئل الشيخ ابن باز (15/259) : ما حكم استعمال الكحل وبعض أدوات التجميل للنساء خلال نهار رمضان؟ وهل تفطر هذه أم لا؟ فأجاب: "الكحل لا يفطر النساء ولا الرجال في أصح قولي العلماء مطلقا، ولكن استعماله في الليل أفضل في حق الصائم. وهكذا ما يحصل به تجميل الوجه من الصابون والأدهان وغير ذلك مما يتعلق بظاهر الجلد، ومن ذلك الحناء والمكياج وأشباه ذلك، كل ذلك لا حرج فيه في حق الصائم، مع أنه لا ينبغي استعمال المكياج إذا كان يضر الوجه" اهـ. وقال الشيخ ابن عثيمين في فتاوى الصيام (228) : "الدهون بجميع أنواعها سواء في الوجه أو في الظهر أو في أي مكان لا تؤثر على الصائم ولا تفطره" اهـ. وسئلت اللجنة الدائمة (10/253) : هل يفطر الكحل ودهان المرأة في نهار رمضان أو لا؟ فأجابت: "من اكتحل في نهار رمضان وهو صائم لا يفسد صومه، وكذا من دهن رأسه في نهار رمضان وهو صائم لا يفسد صومه" اهـ. والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49640 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2984 ماذا يجوز للرجل من امرأته في نهار رمضان؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن ينام الرجل بجانب زوجته في رمضان؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، يجوز ذلك، بل يجوز للرجل أن يستمتع بزوجته وهو صائم ما لم يجامع أو ينزل. روى البخاري (1927) ومسلم (1106) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لأرَبِهِ (أي حاجته) . قال السندي: قَوْله (يُبَاشِر) أَيْ يَمَسّ بَشَرَة الْمَرْأَة بِبَشَرَتِهِ كَوَضْعِ الْخَدّ عَلَى الْخَدّ وَنَحْوه اهـ. فالمراد أنه يمس البشرة، وليس المراد بالمباشرة الجماع. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ماذا يجوز للصائم من زوجته الصائمة؟ فأجاب: الصائم صوماً واجبا لا يجوز له أن يستعمل مع زوجته ما يكون سبباً لإنزاله، والناس يختلفون في سرعة الإنزال، فمنهم من يكون بطيئاً، وقد يتحكم في نفسه تماماً، كما قالت عائشة رضي الله عنها في رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان أملككم لأربه) . ومنهم من لا يملك نفسه ويكون سريع الإنزال فهذا يحذر من مداعبة الزوجة ومباشرتها بقبلة أو غيرها في الصوم الواجب فإذا كان الإنسان يعرف من نفسه أنه يملك نفسه فله أن يقبل وأن يضم حتى في الصوم الواجب ولكن إياه والجماع فإن الجماع في رمضان ممن يجب عليه الصوم يترتب عليه أمور خمسة: الأول: الإثم. الثاني: فساد الصوم. الثالث: وجوب الإمساك فكل من أفسد صومه في رمضان بغير عذر شرعي فإنه يجب عليه الإمساك وقضاء ذلك اليوم. الرابع: وجوب القضاء لأنه أفسد عبادة واجبة فوجب عليه قضاؤها. الخامس: الكفارة وهي أغلظ الكفارات: عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً. أما إذا كان الصوم واجبا في غير نهار رمضان كقضاء رمضان وصوم الكفارة ونحوها فإنه يترتب على جماعه أمران: الإثم والقضاء. وأما إذا كان الصوم تطوعاً وجامع فيه فلا شيء عليه اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49614 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2985 استعمال الصائم لكريم مرطب للشفتين [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم استعمال الصائم مرهماً لإزالة الجفاف عن الشفتين؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " لا بأس أن يستعمل الإنسان ما يندي الشفتين والأنف من مرهم، أو يبله بالماء، أو بخرقة أو شبه ذلك، ولكن يحترز من أن يصل شيء إلى جوفه من هذا الذي أزال به الخشونة، وإذا وصل شيء من غير قصد فلا شيء عليه، كما لو تمضمض فوصل الماء إلى جوفه بلا قصد فإنه لا يفطر بهذا " انتهى. [الْمَصْدَرُ] "فتاوى ابن عثيمين" (19/224) . الحديث: 39210 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2986 حكم السباحة والغوص في الماء للصائم [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم العوم للصائم أو الغوص في الماء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " لا بأس أن يغوص الصائم في الماء، أو يعوم فيه ـ أي يسبح ـ لأن ذلك ليس من المفطرات، والأصل الحل حتى يقوم دليل على الكراهة، أو على التحريم، وليس هناك دليل على التحريم ولا على الكراهة، وإنما كرهه بعض أهل العلم خوفاً من أن يدخل إلى حلقه شيء وهو لا يشعر به " انتهى. "فتاوى ابن عثيمين" (19/285) . وقال أيضاً: " لا بأس للصائم أن يسبح، وله أن يسبح كما يريد، وينغمس في الماء، ولكن يحرص على أن لا يتسرب الماء إلى جوفه بقدر ما يستطيع " انتهى. "فتاوى ابن عثيمين" (19/284) . وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (10/282) : " تجوز السباحة في نهار رمضان، ولكن ينبغي للسابح أن يتحفظ من دخول الماء إلى جوفه " انتهى. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39232 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2987 المضمضة بالماء والملح في الصيام [السُّؤَالُ] ـ[زوجتي تعاني من آلام شديدة في أسنانها وهي حامل في شهرها الأخير، وكما تعلمون أنه لا يمكن خلع الأسنان أثناء الحمل، فهل يمكنها المضمضة بالماء والملح والقرنفل أثناء نهار رمضان ?.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج أن يتمضمض الصائم بالماء، أو بالماء والملح، لاسيما إذا كانت هناك حاجة لذلك كتخفيف الألم ونحوه، بشرط أن يتحرز من وصول شيء إلى جوفه، فإن وصل إلى جوفه شيء عن طريق الخطأ فلا إثم عليه، وصيامه صحيح. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " لو طار إلى جوف الصائم غبار أو دخل فيه شيء بغير اختياره أو تمضمض أو استنشق فنزل إلى جوفه شيء من الماء بغير اختياره فصيامه صحيح ولا قضاء عليه." مجالس شهر رمضان، المجلس الخامس عشر، والله أعلم. وسئل رحمه الله تعالى: عن التمضمض من شدة الحر هل يفسد الصوم؟ فأجاب بقوله: " لا يفسد الصوم بذلك؛ لأن الفم في حكم الظاهر، ولهذا يتمضمض الصائم في صيامه ولا يفطر به، ومن ثم كانت المضمضمة واجبة في الوضوء، ولو لم يكن الفم في حكم الظاهر من الجسد ما كان غسله واجبا في الوضوء، ثم إن المضمضمة بالماء إذا يبس الفم من شدة الحر مما ييسر الصوم ويسهله، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصب الماء على رأسه من العطش في شدة الحر وهو صائم، رواه أبو داود (2365) وصححه الألباني. وكان ابن عمر رضي الله عنهما يبل ثوبه في صومه ويلبسه ليبرد على جسده، وكان لأنس بن مالك رضي الله عنه حوض يملؤه ماء فيسبح فيه وهو صائم، كل هذا مما يدل على أن فعل ما يخفف الصوم على الإنسان جائز ولا بأس به، ولكن ليحذر هذا المتمضمض من تسرب الماء إلى داخل جوفه، فإن ذلك يكون خطرا، ولكن مع هذا لو تسرب الماء إلى جوفه على هذه الحال بدون اختياره فإنه ليس عليه في ذلك بأس " مجموع الفتاوى 19، والأثران عن ابن عمر وأنس رواهما البخاري في صحيحه تعليقاً. وانظر إجابة السؤال رقم (38907) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39017 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2988 يباح للصائم أن يغتسل [السُّؤَالُ] ـ[هل الاستحمام يفطر الصائم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يباح للصائم أن يغتسل (يستحم) ولا أثر لذلك على صومه. قال ابن قدامة في "المغني" (3/18) : لا بأس أن يغتسل الصائم. واستدل بما رواه والبخاري (1926) ومسلم (1109) عَنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُدْرِكُهُ الْفَجْرُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ أَهْلِهِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ وَيَصُومُ. وروى أبو داود (2365) عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ الْمَاءَ وَهُوَ صَائِمٌ مِنْ الْعَطَشِ أَوْ مِنْ الْحَرِّ. صححه الألباني في صحيح أبي داود. قال عون المعبود: فِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّهُ يَجُوز لِلصَّائِمِ أَنْ يَكْسِر الْحَرّ بِصَبِّ الْمَاء عَلَى بَعْض بَدَنه أَوْ كُلّه , وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ الْجُمْهُور وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْن الاغْتِسَال الْوَاجِبَة وَالْمَسْنُونَة وَالْمُبَاحَة اهـ. وقال البخاري رحمه الله: بَاب اغْتِسَالِ الصَّائِمِ وَبَلَّ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ثَوْبًا فَأَلْقَاهُ عَلَيْهِ وَهُوَ صَائِمٌ وَدَخَلَ الشَّعْبِيُّ الْحَمَّامَ وَهُوَ صَائِمٌ. . . وَقَالَ الْحَسَنُ لا بَأْسَ بِالْمَضْمَضَةِ وَالتَّبَرُّدِ لِلصَّائِمِ. قال الحافظ: قَوْلُهُ: (بَابٌ اِغْتِسَالُ الصَّائِمِ) أَيْ بَيَانُ جَوَازِهِ. قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنَيِّرِ: أَطْلَقَ الاغْتِسَالَ لِيَشْمَل الأَغْسَالَ الْمَسْنُونَةَ وَالْوَاجِبَة وَالْمُبَاحَة , وَكَأَنَّهُ يُشِير إِلَى ضَعْف مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ النَّهْي عَنْ دُخُول الصَّائِمِ الْحَمَّامَ أَخْرَجَهُ عَبْد الرَّزَّاق وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ اهـ. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38907 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2989 أخذ إبرة (الأنسولين) لمرضى السكر لا يُفطر [السُّؤَالُ] ـ[أخي مصاب بمرض السكر ويحتاج إلى أخذ أبرة أنسولين يومياً فهل الإبرة تفطر، وهل عليه الصيام أصلاً؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج عليك في أخذ الإبرة المذكورة نهاراً للعلاج، ولا قضاء عليك وإن تيسر أخذه ليلاً بدون مشقة عليك فهو أولى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 10 / 252 وبالنسبة لسؤالك الثاني عن حكم الصيام لمريض السكر فراجع سؤال رقم (1319) والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37892 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2990 العمل أيام السبت والأحد في رمضان [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن نعمل في أيام السبت والأحد في رمضان؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله العمل طيلة أيام الأسبوع جائز في رمضان وفي غير رمضان، وليس يوما السبت والأحد عند المسلمين بأيام يُمنع فيهما العمل. وعلى المسلم أن لا يكون همه الكسب والعمل على حساب صلاته وصومه، لذا فإن استطاع المسلم أن يخفف من العمل الدنيوي دون ضرر عليه أو على غيره فهذا من الحكمة وهو أمر محمود ليتفرغ المسلم في هذا الشهر للطاعة من صيام وقيام وقراءة قرآن. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37802 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2991 علاج الضرس في نهار رمضان [السُّؤَالُ] ـ[ضرس العقل بدأ يخرج الآن وهو مؤلم جداً فهل يجوز أن: 1- أضع مرهماً مسكناً للآلام على اللثة أثناء الصيام؟ 2- أقوم بإجراء عملية جراحية لنزعه وأبقى صائمة وأنا تحت المخدر؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، يجوز معالجة الأسنان، ووضع مرهم أو نحوه على اللثة في الصيام. لكن بشرط ألا يبتلعه. وفي كتاب " سبعون مسألة في الصيام " للشيخ محمد صالح المنجد حفظه الله: وهناك أشياء ليست من المفطّرات، نذكر منها على سبيل المثال: 1. الأقراص العلاجية التي توضع تحت اللسان لعلاج الذبحة الصدرية وغيرها إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق. 2. حفر السن، أو قلع الضرس، أو تنظيف الأسنان، أو السواك وفرشاة الأسنان، إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق. 3. المضمضة، والغرغرة، وبخاخ العلاج الموضعي للفم إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق. انتهى من كتاب سبعين مسألة في الصيام وكذلك لا بأس بإجراء عملية جراحية في نهار رمضان تحت تأثير المخدر، مادام التخدير لن يستغرق اليوم كله، أي: من طلوع الفجر إلى غروب الشمس. لأن حكم المخدر حينئذ حكم النوم. راجع سؤال رقم: (12425) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37744 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2992 الاجتماع على مائدة الإفطار [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكن الاجتماع على مائدة إفطار كاملة في مسجد ما في شهر رمضان، ولو ليوم واحد، بقصد التواصل والألفة بين جماعة المسجد؟ أم يعتبر ذلك بدعة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يعتبر ذلك من البدع. بل هو من الأمور المشروعة لأنها وسيلة لشيء مشروع وهو زيادة المودة والألفة بين المسلمين. وقد امتن الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بتأليفه بين قلوب المؤمنين، مما يدل على أنها من النعم العظيمة على هذه الأمة. قال الله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) الأنفال/62-63. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا) رواه البخاري (6064) ومسلم (2563) . فزيادة المودة والألفة بين المسلمين مما حرص عليه الشرع الحنيف، وشرع الوسائل الموصلة إلى ذلك، كإلقاء السلام والبشاشة في وجه المسلم وحسن الخُلُق والهدية. . . وغير ذلك من الأمور التي رغب فيها الإسلام. وكل ما كان سببا في حصول المودة بين المسلمين وزيادتها فهو من الأمور المشروعة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37702 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2993 وضع الطيب في رمضان [السُّؤَالُ] ـ[هل التطيب بالروائح مشروع في رمضان؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز التطيب في رمضان، ولا يفسد بذلك بالصيام. وفي فتاوى اللجنة الدائمة: (الروائح مطلقاً عطرية وغير عطرية لا تفسد الصوم في رمضان وغيره فرضاً أو نفلاً) اهـ وقالت اللجنة أيضاً: (من تطيب بأي نوع من أنواع الطيب في نهار رمضان وهو صائم لم يفسد صومه، لكنه لا يستنشق البخور والطيب المسحوق كمسحوق المسك) اهـ. فتاوى اللجنة الدائمة (10/271) . وقال الشيخ ابن عثيمين: وأما الطيب فجائز للصائم في أول النهار وفي آخره سواء كان الطيب بخوراً أو دهناً أو غير ذلك، إلا أنه لا يجوز أن يستنشق البخور لأن البخور له أجزاء محسوسة مشاهدة إذا استنشقته تصاعدت داخل أنفه ثم إلى معدته، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم للقيط بن صبرة: (بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) اهـ. فتاوى أركان الإسلام ص 469. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37706 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2994 زيارة المقابر أثناء الصيام [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لنا الذهاب للمقابر أثناء الصيام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا مانع من الذهاب إلى المقابر لزيارتها أثناء الصيام، فنص النبي صلى الله عليه وسلم " ألا فزوروها " يدل بظاهره من جهة الوقت على العموم. عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: " مَن أصبح منكم اليوم صائما فقال أبو بكر: أنا، قال: فمن تبع منكم اليوم جنازة؟ فقال أبو بكر: أنا، قال: هل فيكم من عاد مريضاً؟ قال أبو بكر: أنا، قال: هل فيكم من تصدق بصدقة؟ فقال أبو بكر: أنا، قال: ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة " رواه مسلم. والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37708 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2995 الكحل والإدهان لا يُبطل الصوم [السُّؤَالُ] ـ[هل يفطر الكحل ودهان المرأة في نهار رمضان أو لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من اكتحل في نهار رمضان وهو صائم فلا يفسد صومه، إلا أن يرى أثره في حلقه فالأحوط له القضاء والأولى ألا يكتحل نهاراً حال صيامه. ومن دهن رأسه في نهار رمضان وهو صائم فلا يفسد صومه. وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 10 / 253 الحديث: 34552 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2996 تأخير غسل الجنابة لبعد طلوع الفجر في رمضان [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز تأخير غسل الجنابة إلى طلوع الفجر وهل يجوز للنساء تأخير غسل الحيض أو النفساء إلى طلوع الفجر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا رأت المرأة الطهر قبل الفجر فإنه يلزمها الصوم ولا مانع من تأخير الغسل إلى بعد طلوع الفجر، ولكن ليس لها تأخيره إلى طلوع الشمس وهكذا الجنب ليس له تأخير الغسل إلى ما بعد طلوع الشمس ويجب على الرجل المبادرة بذلك حتى يدرك صلاة الفجر مع الجماعة. [الْمَصْدَرُ] فتاوى الشيخ ابن باز الحديث: 7310 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2997 الجماع في غير ساعات النهار بشهر رمضان [السُّؤَالُ] ـ[هل يباح الجماع في غير ساعات النهار بأيام شهر رمضان المبارك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله جماع الزوجة في رمضان جائز من المغرب إلى الفجر قال الله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ ءايَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187) سورة البقرة [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2555 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2998 حكم اللصقات الجلدية في رمضان [السُّؤَالُ] ـ[أنا مدخن وأدخن بشراهة، تقريبا عشرين سيجارة في اليوم، وأريد التوقف عن التدخين بشكل كامل، وقد أشار علي البعض باستعمال لصقات النيكوتين حيث تفيد جدا في هذا السبيل. وسؤالي هو فيما إذا كان يمكنني استعمال لصقات النيكوتين خلال شهر رمضان أوقات الصيام، إذ أن لصقات النيكوتين توضع على البشرة حيث يتم امتصاص النيكوتين إلى الجسم من خلال مسامات البشرة، وتكفي لصقة واحدة 24 ساعة، ونحتاج إلى استعمال 7 لصقات فقط. وأريد أن أؤكد لك أنني لا أشعر بالحاجة إلى التدخين وأنا صائم، ولكن في اللحظة التي أنتهي فيها من تناول إفطاري أشعر بيدي تمتد بشكل آلي لتتناول سيجارة، أرجوكم أن تنصحوني.]ـ [الْجَوَابُ] ليس من المفطرات ما يدخل الجسم امتصاصاً من الجلد كالدهونات والمراهم واللصقات العلاجية الجلدية المحملة بالمواد الدوائية أو الكيميائية مثل الملصقات الجلدية المستعملة في علاج مرض التدخين، واتق الله في جسدك ولا تجلب عليه الأضرار بهذا التدخين المحرم شرعاً فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وإن لجسدك عليك حقاً) ونسأل الله أن يعينك على ترك هذا الداء الخبث وأن يحفظنا وإياك من كل سوء وصلى الله عليه وسلم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 8226 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2999 الإبر الصينية: هل تؤثر في الصيام؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل الإبر الصينية المستعملة للتخسيس أو لزيادة الوزن تفطر الصائم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الوخز بالإبر طريقة صينية قديمة لتخفيف الألم، وعلاج مجموعة مختلفة من الأمراض، بغرز إبر في أجزاء متنوعة من الجسم. ويغرز الأخصائيون الذين يسمون "واخزي الإبر" إبراً ثاقبة في موضع واحد، أو أي موضع من مئات المواضع المحددة على طول دوائر الطول، ويسبب غرز الإبر شعورًا حادًا بالقرص، ولكن سرعان ما يزول هذا الشعور، ليعقبه وخز جلدي يسير عرضيًا، أو شعور بالتخدير أو التثاقل، أو التَّألم وذلك عندما تبقى الإبرة في مكانها. يستعمل وخز الإبر لتخفيف الألم، وعلاج الحالات المختلفة التي تشمل التهاب المفصل، والربو، والشقيقة (الصداع النصفي) ، والقروح، وأمراض العيون، بالإضافة إلى بعض الأمراض العقلية. وقد ظل الصينيون ومنذ أواخر الخمسينيات من القرن العشرين يستخدمون هذا النهج التقليدي في تخفيف الألم أثناء الجراحة الرئيسية، ويظل المريض في وعيه، يشعر بألم يسير، أو لا يشعر بألم على الإطلاق. ينظر: "الموسوعة العربية العالمية" مادة: (الوخز بالإبر) . ثانيا: قال أبو الوليد ابن رشد: " وأجمعوا على أنه يجب على الصائم الإمساك زمان الصوم عن المطعوم والمشروب والجماع، لقوله تعالى: (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) . واختلفوا من ذلك في مسائل: منها مسكوت عنها، ومنها منطوق بها؛ أما المسكوت عنها: إحداها فيما يرد الجوف مما ليس بمغذ، وفيما يرد الجوف من غير منفذ الطعام والشراب، مثل الحقنة ... وسبب اختلافهم في هذه: هو قياس المغذي على غير المغذي، وذلك أن المنطوق به هو المغذي؛ فمن رأى أن المقصود بالصوم معنى معقول: لم يلحق المغذي بغير المغذي، ومن رأى أنها عبادة غير معقولة، وأن المقصود منها إنما هو الإمساك فقط عما يرد الجوف: سوى بين المغذي وغير المغذي.. " انتهى. من " بداية المجتهد" (2/698) . ثالثا: الحقن التي يقصد بها العلاج، ولا يراد بها الغذاء: لا تفطر الصائم، سواء كانت عن طريق الوريد أو العضل، وأما التي يقصد بها الغذاء فهي مفطرة، كما ذهب إليه جمهور العلماء المعاصرين. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (65632) ، وينظر: مفطرات الصيام المعاصرة، د. أحمد الخليل (65-68) . رابعا: الإبر الصينية: ليست من الحقن المغذية، وليست في معنى الطعام أو الشراب، بل لا يتم عن طريقها إدخال شيء من المحاليل أو السوائل للجسم، كما هو الحال في الحقن العلاجية المعتادة، وإنما هي عبارة عن وخز، واستثارة لأماكن معينة في الجسم، دون أن يكون المقصود منها إدخال شيء من السوائل إليه، كما سبق نقله. وبناء على ذلك: فإنها لا تؤثر في الصيام، ولا حرج في استعمالها للتداوي، متى ثبت نفعها وفائدتها للمريض. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 141187 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3000 مات وعليه كفارة جماع في نهار رمضان، فماذا يصنع أولاده؟ [السُّؤَالُ] ـ[والدي متوفى رحمه الله تعالى وقد ترك مالاً وتم تقسيمه على الورثة. وبعد وفاته أخبرتني أمي أنه قد واقعها في شهر رمضان قبل ما يقرب من 25 إلى 30 سنة وقد كان ذلك بدون موافقة الوالدة فقد كانت كما تذكر خارجة للتو من المستشفى بعد عملية أجرتها وقد أخبرتني الوالدة أنها قالت له حينها إن ذلك لا يجوز وعليه السؤال في ذلك فأخبرها بتوبته وأن الله غفور رحيم، أمي أخبرتني أن الحياء منعها من السؤال أو إخبارنا وأرادت أمي أن تصوم شهرين وأخبرتها بأنها لا يد لها فيما حدث ولذا لا شيء عليها بالإضافة إلى أن وضعها الصحي لا يسمح لها بذلك. فماذا يجب علينا حيال والدنا المتوفى؟ وماذا يجب على الوالدة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إذا كانت الوالدة: قد أُكرهت على الجماع في رمضان من قِبل زوجها، فلا كفارة عليها؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) . رواه ابن ماجة (2043) وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجة". أما إذا كانت طاوعته فعليها القضاء والكفارة. قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء في حكم المجامع في رمضان: "الواجب عليه عتق رقبة، فإن لم يستطع فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً لكل مسكين مد بر (قمح) ، وعليه قضاء اليوم بدلا عن ذلك اليوم، وأما المرأة فإن كانت مطاوعة فحكمها حكم الرجل، وإن كانت مكرهة فليس عليها إلا القضاء " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (10 / 302) . وإذا كانت الكفارة واجبة عليها فقد ذكرت أنها لا تستطيع الصيام، وحينئذ يكفيها أن تطعم ستين مسكيناً وانظر جواب السؤال رقم (1672) لمعرفة كفارة الجماع في نهار رمضان. ثانياً: بالنسبة للوالد فقد كان الواجب عليه أن يصوم شهرين متتابعين، ويقضي ذلك اليوم الذي أفطر فيه بالجماع، وحيث إنه قد مات ولم يفعل، فإما أن يتبرع أحد بالصيام عنه، فيصوم شهرين متتابعين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ) رواه مسلم (1147) . ولا يجوز تقسيم الشهرين على أكثر من واحد، بل يشترط أن يصومها شخص واحد حتى يصدق على أنه صام شهرين متتابعين. أو تطعموا عنه عن كل يوم مسكيناً. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " إذا وجب على الميت صيام شهرين متتابعين، فإما أن ينتدب له واحد من الورثة ويصومها، وإما أن يطعموا عن كل يوم مسكيناً " انتهى. "الشرح الممتع" (6/453) . وقال أيضا: "ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من مات وعليه صيام فرض رمضان أو نذر أو كفارة فإن وليه يصوم عنه يعني إذا شاء" انتهى. "فتاوى نور على الدرب" (199/20) . وقال الشيخ السعدي رحمه الله: "من مَاتَ وَعَلَيهِ قَضَاءُ رَمَضَان، وقد عُوفِيَ وَلَم يَصُمه: فإِنه يَجِبُ أَنْ يُطْعَمَ عَنهُ كُلِّ يَومٍ مِسْكِينٌ، بعَدَدِ مَا عِلِيهِ. وعِندَ الشَّيخ تَقِيُ الدِّين [ابن تيمية] : إنْ صِيمَ عَنْهُ أيضًا أَجزَأَ، وَهُوَ قوي المأخَذِ " انتهى. "إرشاد أولى البصائر والألباب" (ص/79) . وهذا الإطعام واجب في التركة، فإن تبرع به أحد وأخرجه من ماله فلا حرج في ذلك. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131660 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3001 لا حرج على الصائم في استعمال دهن أو مرهم للبواسير [السُّؤَالُ] ـ[هل استعمال دهن أو مرهم خاص للبواسير سواء كان داخلياً أو خارجيا في رمضان يفطر ويوجب القضاء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "استعمال المرهم أو الدهان للبواسير لا يؤثر على الصيام. وبالله التوفيق، وصلى الله علي نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن باز. الشيخ عبد العزيز آل الشيخ. الشيخ عبد الله بن غديان. الشيخ صالح الفوزان. الشيخ بكر أبو زيد. "فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الثانية" (9/211) . [الْمَصْدَرُ] "فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الثانية" (9/211) الحديث: 129935 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3002 تأثير نزيف الفم على الصيام [السُّؤَالُ] ـ[عندي نزيف دم في الفم أثناء الصيام، ويظهر هذا النزيف مع الاستيقاظ من النوم، ومع المضمضة بالماء في أوقات الصلوات ومع المضمضة مرتين أو ثلاثة يخف الدم إلى أحمر خفيف، وأحياناً إلى أصفر، فكيف أبلع ريقي؟ مع العلم أن الدم قد يستمر لفترة، وما حكم ابتلاع الصفار إذا لم يكن هناك طعم للدم؟ مع العلم أني استشرت طبيباً وصرف لي دواء ولم يفد.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كان الواقع كما ذكرت فإنك تجتهد في التخلص من الدم المصاحب للريق، وذلك بالمضمضة، وتحترس من ابتلاع شيء من ذلك، وما بقي من آثار قليلة صفراء في الريق فلا حرج عليك فيه، وصيامك صحيح إن شاء الله. وبالله التوفيق، وصلى الله علي نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ عبد العزيز آل الشيخ.. الشيخ صالح الفوزان.. الشيخ بكر أبو زيد. "فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الثانية" (9/210) . [الْمَصْدَرُ] "فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الثانية" (9/210) الحديث: 129903 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3003 تأثير ارتجاع الطعام الذي يحصل من المعدة على الصيام [السُّؤَالُ] ـ[عندي مرض في المعدة يجعل الطعام يخرج منها عندما يكون سائلاً في الفم، وقد حصل هذا في رمضان فهل علي قضاء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا خرج شيء من المعدة إلى الفم فإنه يجب على الصائم تفله، فإن تعمد بلعه بطل صيامه، وإن بلعه غير متعمد فلا شيء عليه. وبالله التوفيق، وصلى الله علي نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز. الشيخ عبد العزيز آل الشيخ. الشيخ عبد الله بن غديان. صالح الفوزان. الشيخ بكر أبو زيد. "فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الثانية" (9/211) . [الْمَصْدَرُ] "فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الثانية" (9/211) الحديث: 129752 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3004 الآلام قبل العادة والصيام [السُّؤَالُ] ـ[أنا فتاة في العشرين من عمري، وقد تأتيني آلام العادة الشهرية في رمضان قبل صلاة الظهر لدرجة أنني لا أستطيع الوقوف للصلاة حتى وأنا جالسة لا أستطيع الصلاة، ولا تأتيني العادة إلا قبل أذان المغرب بخمس دقائق، مع العلم أني أظل صائمة طوال النهار. فهل يجوز لي قضاء هذا اليوم أو أعتبر صائمة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا نزل الحيض وخرج الدم قبل غروب الشمس فاعتبري نفسك مفطرة، وعليك أن تقضي هذا اليوم، أما التألم قبل ذلك فلا يبطل الصوم، التألم بقرب مجيء الدم لا يبطل الصوم، فإذا استمر معك التألم لكن ما خرج شيء حتى غابت الشمس فالصوم صحيح ولا تقضي هذا اليوم. أما إن خرج الدم قبل غروب الشمس ولو بخمس دقائق فإن هذا اليوم يبطل ويجب قضاؤه عليك، هذا هو الحكم الشرعي فيما نعلم، وأما الآلام فهذه لها دواء ولها علاج ينبغي أن تسألي عنه الطبيبات والأطباء لعلك تجدين عندهم ما يريحك من هذا الألم الذي تحسين به" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (3/1223) . [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز فتاوى نور على الدرب الحديث: 128853 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3005 متى يلزم الإمساك؟ وحكم من كان الإناء في يده عند سماع الأذان [السُّؤَالُ] ـ[متى بالتحديد يجب الانقطاع عن الأكل والشرب في حالة الصيام (هل الفيصل هو أذان الفجر عند قول المؤذن الله أكبر أم ما هو الفيصل؟) مع مراعاة فروق التوقيت، وماذا أفعل إذا كان الكوب على فمي وأنا أشرب وأَذَّن الأذان؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب في الصوم الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس. قال الله تعالى: (فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) البقرة/187. وروى البخاري (1919) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ بِلَالًا كَانَ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَإِنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ) . وعليه: فمن علم طلوع الفجر الصادق بالمشاهدة، أو بإخبار غيره، لزمه الإمساك. ومن سمع الأذان، لزمه الإمساك فور سماعه، إن كان المؤذن يؤذن على الوقت، ليس متقدما عليه. واستثنى بعض العلماء ما لو كان الإناء في يد الإنسان عند سماع الأذان فله أن يشرب منه حاجته؛ لما روى أبو داود (2350) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا سَمِعَ أَحَدُكُمْ النِّدَاءَ وَالْإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ فَلَا يَضَعْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ) قال الألباني في صحيح أبي داود: " إسناده حسن صحيح، وصححه الحاكم والذهبي وعبد الحق الإشبيلي، واحتج به ابن حزم " انتهى. وحمله الجمهور على أن المؤذن كان يؤذن قبل الوقت، وينظر تفصيل ذلك في جواب السؤال رقم (66202) . وغالب المؤذنين اليوم يعتمدون على الساعات والتقاويم، لا على رؤية الفجر، وهذا لا يعتبر يقينا في أن الفجر قد طلع، فمن أكل حينئذ، فصومه صحيح، لأنه لم يتيقن طلوع الفجر، والأولى والأحوط أن يمسك عن المفطرات عند سماع الأذان. وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: ما الحكم الشرعي في صيام من سمع أذان الفجر واستمر في الأكل والشرب؟ فأجاب: " الواجب على المؤمن أن يمسك عن المفطرات من الأكل والشرب وغيرهما إذا تبين له طلوع الفجر، وكان الصوم فريضة كرمضان وكصوم النذر والكفارات؛ لقول الله عز وجل: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) البقرة/187. فإذا سمع الأذان وعلم أنه يؤذن على الفجر وجب عليه الإمساك. فإن كان المؤذن يؤذن قبل طلوع الفجر، لم يجب عليه الإمساك، وجاز له الأكل والشرب حتى يتبين له الفجر. فإن كان لا يعلم حال المؤذن هل أذن قبل الفجر أو بعد الفجر، فإن الأولى والأحوط له أن يمسك إذا سمع الأذان، ولا يضره لو شرب أو أكل شيئا حين الأذان لأنه لم يعلم بطلوع الفجر. ومعلوم أن من كان داخل المدن التي فيها الأنوار الكهربائية لا يستطيع أن يعلم طلوع الفجر بعينه وقت طلوع الفجر، ولكن عليه أن يحتاط بالعمل بالأذان والتقويمات التي تحدد طلوع الفجر بالساعة والدقيقة، عملا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لا يَرِيبُكَ) وقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ) والله ولي التوفيق " انتهى نقلا عن "فتاوى رمضان" جمع أشرف عبد المقصود (ص 201) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: متى يمتنع الإنسان عن الأكل هل هو كما يقولون: عندما يهلل المؤذن؟ وما الحكم إذا شرب بعد الأذان متعمداً هل هو كمن شرب بعد العصر أم له صيام، فحجة بعض الناس يقول: بأن الفجر ليس كالمصباح يضيء بسرعة والأمر واسع فما الحكم؟ فأجاب: " إذا كان المؤذن يؤذن إذا تبين الفجر، فقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم، فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر) . فإذا قال المؤذن: أنا رأيت الفجر وأنا لا أؤذن حتى أرى الفجر؛ فإنه يجب على الإنسان أن يمسك من حين أن يسمع الأذان إلا في الحالة التي رُخص له فيها وهو ما إذا كان إناؤه في يده فله أن يقضي نهمته منه. وإما إذا كان الأذان حسب التوقيت، فالتوقيت ليس في الحقيقة مربوطاً بالأوقات الحسية الظاهرة، ولكنه توقيت بالحساب -المواقيت التي بأيدينا الآن توقيت أم القرى وغيره هو بالحساب- لأنهم لم يشاهدوا الفجر ولا الشمس ولا الزوال ولا دخول العصر ولا غروب الشمس " انتهى من "اللقاء الشهري" (1/214) . والحاصل: أنه ينبغي للإنسان أن يمسك عن المفطرات فور سماع الأذان، إن علم أن المؤذن يؤذن على الوقت، فإن شك في ذلك، فليقتصر على شرب ما في يده؛ لأنه لا يمكن أن يقال: إنه يستمر في الأكل والشرب حتى يتيقن طلوع الفجر، الحال أنه لا يملك وسيلة للتيقن مع وجود الأنوار والكهرباء وعدم مقدرة كثير من الناس على التمييز بين الفجر الصادق والكاذب. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 124608 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3006 جامع أهله والمؤذن يؤذن للفجر [السُّؤَالُ] ـ[جامعت زوجتي في فجر رمضان قبل الأذان وأذن وأنا على وضعي مع زوجتي لكن توقفت قبل أن ينتهي المؤذن من الأذان هل علي شيء؟ ظناً مني أن لي أن أجامعها قبل أن ينتهي المؤذن من الأذان؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا كان المؤذن يؤذن مع طلوع الفجر، فالواجب الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فإذا قال المؤذن: الله أكبر، لزم الكف عن الطعام والشراب والجماع وسائر المفطرات. قال النووي رحمه الله: " إذا طلع الفجر وفي فيه طعام فليلفظه , فإن لفظه صح صومه , فإن ابتلعه أفطر ... ولو طلع الفجر , وهو مجامع فنزع في الحال صح صومه، أما إذا طلع الفجر وهو مجامع، فعلم طلوعه , ثم مكث مستديما للجماع فيبطل صومه, ولا يعلم فيه خلاف للعلماء، وتلزمه الكفارة على المذهب " انتهى من "المجموع" (6/329) . وقال أيضاً (6/333) : " ذكرنا أن من طلع الفجر وفي فيه طعام فليلفظه ويتم صومه , فإن ابتلعه بعد علمه بالفجر بطل صومه , وهذا لا خلاف فيه , ودليله حديث ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن بلالا يؤذن بليل , فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم) رواه البخاري ومسلم , وفي الصحيح أحاديث بمعناه" انتهى. وعليه؛ فإذا كان المؤذن في حيك يؤذن إذا طلع الفجر، فيلزمك النزع عن الجماع، فور سماعك للتكبيرة الأولى من أذانه. وإن كنت تعلم أن المؤذن يؤذن قبل طلوع الفجر أو تشك، هل يؤذن قبل طلوع الصبح أم بعده، فليس عليك شيء، لأن الله تعالى أباح الأكل والشرب والجماع حتى يتبين الصبح، قال تعالى: (فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) . وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما حكم من أكمل سحوره وشرب ماء وقت الأذان أو بعد الأذان للفجر بربع ساعة؟ فأجابوا: "إن كان المذكور في السؤال يعلم أن ذلك قبل تبين الصبح فلا قضاء عليه، وإن علم أنه بعد تبين الصبح فعليه القضاء. أما إن كان لا يعلم هل كان أكله وشربه بعد تبين الصبح أو قبله فلا قضاء عليه، لأن الأصل بقاء الليل، ولكن ينبغي للمؤمن أن يحتاط لصيامه وأن يمسك عن المفطرات إذا سمع الأذان، إلا إذا علم أن هذا الأذان كان قبل الصبح" انتهى. "فتاوى إسلامية" (2/240) . ثانيا: إذا كنت جاهلا بهذا الحكم، وتظن أن الإمساك إنما يلزم بآخر الأذان، فلا كفارة عليك، لكن تقضي الصيام احتياطا، مع التوبة والاستغفار من تقصيرك في تعلم ما يجب عليك من أمر دينك. وانظر جواب السؤال رقم (93866) ورقم (37679) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 124290 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3007 هل تنفس الأكسجين الصناعي يفسد الصيام؟ [السُّؤَالُ] ـ[بعض المرضى الذين عندهم ضيق في التنفس يحتاجون أثناء الصيام إلى تنفس الأكسجين الصناعي، فهل هذا يؤثر على الصيام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله غاز الأكسجين الذي يعطي لبعض المرضى، لا يفسد الصيام، لأن هذا الأكسجين لا يضاف إليه أي مواد أخرى، فحكمه حكم تنفس الهواء الطبيعي. ولهذا جاء في قرار " مجمع الفقه الإسلامي": "الأمور الآتية لا تعتبر من المفطرات: ... غاز الأكسجين" انتهى. وانظر: "مجلة مجمع الفقه الإسلامي" (10/2/96، 454) ، "مفطرات الصيام المعاصرة" للدكتور أحمد خليل ص (50) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 124206 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3008 منظار المعدة هل يفسد الصيام؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل منظار المعدة يفسد الصيام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله منظار المعدة هو جهاز طبي يدخل إلى المعدة عن طريق الفم، ويستفاد منه إما في تصوير المعدة، أو أخذ عينة منها لفحصها، أو لغير ذلك من الأسباب الطبية، ثم يخرج الجهاز بعد إتمام عمله عن طريق الفم. وقد اختلف العلماء فيما لو وصل شيء إلى المعدة، هل يفسد الصيام على كل حال، سواء كان مغذياً أم غير مغذٍّ؟ أم لا يفسده إلا إذا كان مغذياً؟ فذهب إلى إفساد الصيام بكل ما وصل إلى المعدة المذاهب الفقهية الثلاثة: المالكي والشافعي والحنبلي. وبناء على هذا، فيكون هذا المنظار مفسداً للصيام. ووافقهم الحنفية على أن كل ما وصل إلى المعدة فهو مفسد للصيام، غير أنهم اشترطوا أن يكون مستقراً في المعدة. وبناء على هذا، لا يكون منظار المعدة مفسداً للصيام، لأنه لا يستقر فيها، بل يخرج منها بعد إتمام العملية. انظر: "تبيين الحقائق" للزيلعي (1/326) ، "المجموع" (6/317) ، "الشرح الكبير" (7/410) ، "شرح منتهى الإرادات" (1/448) ، "بداية المجتهد" (2/153) . واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، أنه لا يفطر إلا بوصول المغذي إلى المعدة، فقال رحمه الله: "والأظهر: أنه لا يفطر بابتلاع ما لا يغذي كالحصاة" انتهى من "مجموع الفتاوى" (20/528) . فعلى هذا القول؛ لا يكون هذا المنظار مفسداً للصوم، وهذا القول هو الراجح، لأن النص إنما دل على أن الأكل والشرب مفسداً للصيام، قال الله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) البقرة/187. وهذا المنظار ليس أكلاً ولا شرباً، ولا هو في معنى الأكل والشرب، لأن الجسم لا ينتفع ولا يتغذى به. لكن ... إذا كان هذا المنظار توضع عليه بعض المواد الدهنية لتسهيل دخوله إلى المعدة، أو يضخ عبر المنظار بعض المحاليل (كمحلول الملح) لإزالة العوالق عليه لتسهيل عملية التصوير، فإن الصائم يفسد صيامه بوصول هذه المواد إلى المعدة، لأن الجسم سوف يمتصها ويتغذى عليها، فتكون كالأكل والشرب. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (6/370، 371) ـ وهو يبين أن كل ما وصل إلى المعدة فهو مفسد للصيام، على مذهب الإمام أحمد ـ قال: " فلو أن الإنسان أدخل منظاراً إلى المعدة حتى وصل إليها، فإنه يكون بذلك مفطراً [يعني على المذهب الحنبلي] . والصحيح أنه لا يفطر إلا أن يكون في هذا المنظار دهن أو نحوه يصل إلى المعدة بواسطة هذا المنظار، فإنه يكون بذلك مفطراً، ولا يجوز استعماله في الصوم الواجب إلا للضرورة " انتهى. وجاء في قرار "مجمع الفقه الإسلامي": "الأمور الآتية لا تعتبر من المفطرات: ... منظار المعدة إذا لم يصاحبه إدخال سوائل (محاليل) أو مواد أخرى" انتهى. "مجلة المجمع" (10/2/453-455) . وخلاصة الجواب: أن منظار المعدة إذا أدخل إلى المعدة من غير أن يدخل معه أي مواد أخرى فهو غير مفسد للصيام، أما إذا أدخل معه بعض المواد الدهنية أو غيرها فهو مفسد للصيام. وانظر: "مفسدات الصيام المعاصرة" للدكتور أحمد الخليل" ص (39-46) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 124205 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3009 لماذا لا يعتبر بخاخ الربو مفسداً للصيام؟ [السُّؤَالُ] ـ[أريد إجابة بالتفصيل، لماذا لا يعتبر بخاخ الربو الذي يستعمله مرضى الربو مفسداً للصيام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله بخاخ الربو علبة فيها دواء سائل يحتوى على ثلاثة عناصر، وهي: مواد كيميائية (مستحضرات طبية) ، وماء، وأكسجين. وعند الضغط على البخاخ يخرج الدواء على هيئة رذاذ، فمع أخذ المريض شهيقاً عميقاً عند الضغط على البخاخ، يدخل هذا الرذاذ إلى القصبة الهوائية، ولكن يبقى منه جزء في البلعوم الفمي، وقد تدخل كمية قليلة جداً إلى المريء. وقد ذهب بعض العلماء المعاصرين إلى أن استعمال بخاخ الربو يفسد الصوم، قالوا: لأن محتوى البخاخ يصل إلى المعدة عن طريق الفم، فيكون مفطراً. وذهب أكثر العلماء المعاصرين إلى أن استعمال هذا البخاخ لا يفسد الصيام، وهذا القول هو الصحيح، واستدلوا على ذلك بعدة أدلة: 1- أن الأصل صحة الصيام، ولا يمكن العدول عن هذا الأصل إلا بيقين، ووصول شيء من رذاذ هذا البخاخ إلى المعدة أمر مشكوك فيه، فقد يدخل إلى المعدة وقد لا يدخل، لأن الأصل أن هذه المادة تذهب إلى الجهاز التنفسي، ولكن قد يدخل شيء منها إلى المعدة، فمع هذا الاحتمال لا يمكن القول بفساد الصيام، وبهذا أجيب عن دليل القول الأول. 2- على فرض أن جزءاً من هذا الدواء يدخل إلى المعدة فعلاً، فهو معفو عنه، ولا يفسد الصيام، قياساً على المضمضة واستعمال السواك. أما المضمضة فإن الصائم إذا تمضمض يتبقى في فمه شيء من ماء المضمضة، وينزل جزء من هذا الماء إلى المعدة، ولهذا لو تمضمض بماء به مادة مشعة، لظهرت تلك المادة المشعة في المعدة بعد قليل، مما يؤكد نزول شيء من ماء المضمضة إلى المعدة، ولكن هذا الجزء النازل إلى المعدة جزء يسير قد عفا الشرع عنه، وحكم بصحة الصيام مع المضمضة، والجزء النازل من بخاخ الربو إلى المعدة ـ إن نزل ـ أقل من الجزء النازل مع المضمضة، فيكون غير مفسد للصيام من باب أولى. وأما السواك، فإنه يحتوى على مواد تتحلل باللعاب وتنزل إلى البلعوم ثم إلى المعدة، ولكن عفا الشرع عنها، ولم يعتبرها مفسدة للصيام، لأنها قليلة وغير مقصودة، فكذلك الجزء الذي قد ينزل إلى المعدة من بخاخ الربو جزء قليل، وغير مقصود إنزاله إلى المعدة، فيكون غير مفسد للصيام قياساً على السواك. وبهذا يتبين قوة هذا القول الثاني، وقد اختاره من علمائنا المعاصرين: سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، والشيخ محمد بن العثيمين، والشيخ عبد الله بن جبرين، وعلماء اللجنة الدائمة، وقد نقلنا شيئاً من فتاويهم في هذا في جواب السؤال رقم (37650) . انظر: "مجلة مجمع الفقه الإسلامي" (المجلد العاشر، ففيه عدة بحوث عن مفطرات الصيام المعاصرة) ، "مفطرات الصيام المعاصرة" للدكتور أحمد الخليل ص (33-38) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 124204 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3010 حكم مشاهدة الأفلام والتلفاز ولعب الورق في نهار رمضان [السُّؤَالُ] ـ[بعض الصائمين يقضون معظم نهار رمضان في مشاهدة الأفلام والمسلسلات من الفيديو والتلفاز ولعب الورق، فما هو رأي الدين في ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الواجب على الصائمين وغيرهم من المسلمين أن يتقوا الله سبحانه فيما يأتون ويذرون في جميع الأوقات، وأن يحذروا ما حرم الله عليهم من مشاهدة الأفلام الخليعة التي يظهر فيها ما حرم الله، من الصور العارية وشبه العارية، ومن المقالات المنكرة، وهكذا ما يظهر في التلفاز مما يخالف شرع الله، من الصور والأغاني وآلات الملاهي والدعوات المضللة. كما يجب على كل مسلم صائما كان أو غيره أن يحذر اللعب بآلات اللهو، من الورق وغيرها من آلات اللهو, لما في ذلك من مشاهدة المنكر وفعل المنكر، ولما في ذلك أيضا من التسبب في قسوة القلوب ومرضها واستخفافها بشرع الله والتثاقل عما أوجب الله، من الصلاة في الجماعة أو غير ذلك من ترك الواجبات والوقوع في كثير من المحرمات، والله يقول سبحانه: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) لقمان/6، 7، ويقول سبحانه في سورة الفرقان في صفة عباد الرحمن: (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) الفرقان/72. والزور يشمل جميع أنواع المنكر. ومعنى (لا يشهدون) : لا يحضرون، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف) رواه البخاري في صحيحه، معلقا مجزوما به. والمراد بالحر: الفرج الحرام. والمراد بالمعازف: الغناء وآلات اللهو؛ ولأن الله سبحانه حرم على المسلمين وسائل الوقوع في المحرمات. ولا شك أن مشاهدة الأفلام المنكرة، وما يعرض في التلفاز من المنكرات من وسائل الوقوع فيها، أو التساهل في عدم إنكارها. والله المستعان" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (15/316) . وهذه المعاصي تنقص ثواب الصيام، بل قد تذهبه بالكلية. وانظر جواب السؤال رقم (50063) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 124203 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3011 حكم استعمال بخاخ الأنف للصائم [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم استعمال بخاخ الأنف في الصيام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا بأس بذلك عند الضرورة، فإن أمكن تأجيله إلى الليل فهو أحوط" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله. "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (15/264) . وجاء في قرار "مجمع الفقه الإسلامي": "الأمور الآتية لا تعتبر من المفطرات: ... قطرة العين، أو قطرة الأذن، أو غسول الأذن، أو قطرة الأنف، أو بخاخ الأنف، إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق" انتهى. "مجلة المجمع" (10/2/454) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 124202 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3012 الأقراص التي توضع تحت اللسان ويمتصها الجسم هل تفسد الصيام؟ [السُّؤَالُ] ـ[هناك نوع من الحبوب يستعمله بعض مرضى القلب، هذه الحبة توضع تحت اللسان ولا تبلع، ويمتصها الجسم، فهل هذه الحبة تفسد الصيام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله منطقة ما تحت اللسان ـ كما يقول الأطباء ـ هي أسرع مناطق البدن امتصاصاً للعلاج، ولهذا، فإن أسرع علاج لبعض الأزمات القلبية حبة توضع تحت اللسان، فتمتص بطريقة مباشرة وسريعة، ويحملها الدم إلى القلب فتوقف أزماته المفاجئة. وهذا النوع من الحبوب لا يفسد الصيام لأنه يُمتص في الفم، ولا يدخل شيء منه إلى المعدة. وعلى من يستعملها أن يحترز حتى لا يبتلع منها شيئاً بعد ذوبانها في الفم وقبل امتصاصها. وقد جاء في قرار "مجمع الفقه الإسلامي": "الأمور الآتية لا تعتبر من المفطرات: ... الأقراص العلاجية التي توضع تحت اللسان لعلاج الذبحة الصدرية وغيرها، إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق" انتهى. وانظر: "مجلة مجمع الفقه الإسلامي" (10/2/96، 454) ، "مفطرات الصيام المعاصرة" للدكتور أحمد الخليل ص (38، 39) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 124200 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3013 إجراء أشعة لفحص المبايض في نهار رمضان [السُّؤَالُ] ـ[عمري 15 عاما والدورة الشهرية في الثلاث شهور الأخيرة غير منتظمة.. والآن وقبل رمضان بيومين ما زلت حائضا منذ قرابة ست أسابيع متواصلة، ولم يتوقف الدم، هذا الدم مؤكد بأنه دم حيض وليس استحاضة كما تقول الطبيبة، والسبب في ذلك هو مشاكل في هرموناتي الأنثوية، وضعت الطبيبة لي موعدا "للآلرتا ساوند"، أو أشعة الموجات الصوتية، للفحص والتأكد من حالة المبايض لدي، وهذا اليوم هو في منتصف رمضان صباحا والمشكلة أنه يجب علي الإفطار في هذا اليوم لشرب الماء قبل الأشعة. سؤالي هو: هل يجوز الإبقاء على الموعد ويجوز لي الإفطار في هذا اليوم أم أنني يجب أن أؤجل الموعد لبعد رمضان؟ وهل أأثم إن لم أؤجله؟ مع العلم بأن المواعيد هنا صعبة جدا، وقد أنتظر شهرا آخرا لإجراء هذا الفحص.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا ً: يجوز للمريض أن يفطر في رمضان، ويقضي الأيام التي أفطرها؛ لقوله تعالى: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) البقرة/185. والاستحاضة واستمرار نزول الدم نوع من المرض المؤثر على النفس والبدن، ولهذا لا حرج في إجراء الفحص الذي ينبني عليه العلاج، ولو كان ذلك يقتضي الفطر في نهار رمضان، والأولى تأخيره إلى الليل إن أمكن ذلك. وليعلم أن نفس الفحص بالأشعة لا يفطر، ما لم يتناول المريض شرابا أو دواء عن طريق الفم أو الأنف. وقد سبق في جواب السؤال رقم (2299) تفصيل الأشياء التي تفطِّر الصائم والتي لا تفطِّره، فليراجع. فإن اقتضى الأمر شرب الماء أو الدواء، وأمكن شربه قبل الفجر، فافعلي، وإلا جاز لك الفطر. ثانياً: أكثر مدة للحيض عند أكثر العلماء هي خمسة عشر يوما، ولا يمكن أن يزيد على هذا. وعلى هذا، فما قالته لك الطبيبة هو الصحيح، أن الدم النازل عليك هو دم استحاضة وليس دم حيض، ولمعرفة حكم المستحاضة، ومتى يكون الدم النازل حيضا ينظر جواب السؤال رقم (68818) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 123493 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3014 قبلت طفلا صغيرا وتشك أنا ابتلعت شيئا من لعابه [السُّؤَالُ] ـ[في أحد أيام رمضان قبلت طفلاً صغيراً في فمه.. سؤالي: أنني لا أذكر إذا دخل شيء من لعاب الطفل في فمي أو لا.. وإذا دخل في فمي أغلب ظني أنني لم أكن أعلم أن هذا الفعل يفطر.. لأنني أعتقد أنني لو كنت أعلم لما فعلت هذا الأمر..هل علي قضاء تلك الأيام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صيامك صحيح، ولا يلزمك قضاء شيء منه؛ لعدم تيقنك من ابتلاع شيء من لعاب هذا الطفل، والعبادة لا تبطل بالشك. ولو فرض أنك ابتعلت شيئا منه، فلا شيء عليك، لجهلك بأن ذلك مبطل للصوم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 115155 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3015 من لاعب زوجته حتى أنزل فعليه القضاء ولا كفارة عليه [السُّؤَالُ] ـ[لقد كنت مريضًا جدًا خلال رمضان وطلب مني الطبيب الإفطار من الصوم وتناول بعض الأدوية، الأمر الذي قمت به. لقد طلب من الطبيب القيام بذلك لمدة 5 أيام وأصرت زوجتي، على أن أتبع تلك التعليمات. وفي أثناء رمضان كنا نداعب بعضنا البعض، ولم يكن يشكل ذلك مشكلة أبدًا كما أنني وزوجتي كنا نعرف حدودنا. وفي اليوم الرابع من مرضي، قررت الصوم دون أن أخبر زوجتي حيث إنها كانت ستعترض بسبب طلب الطبيب إنهاء كافة الأدوية. لقد كنت واثقًا من أن الله قد رد إلي صحتي وأنني أريد الصوم. لذلك صمت. وفي صباح ذلك اليوم داعبنا بعضنا البعض ولم تتوقف زوجتي حتى عندما طلبت منها ذلك. حتى تملكتني الشهوة وحدث قذف. وكما تتخيل فقد صُدمت لذلك. كما صُدمت زوجتي عندما قلت إنني كنت صائمًا. لذا هل يجب علي أن أصوم 60 يومًا متصلة؟ أم أصوم يومًا واحدًا؟ أم أن هذا يقع تحت حديث الإفطار عن سهو؛ حيث يعلم الله أنني لم أكن أنوي ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قد أحسنت في الإفطار عند اشتداد المرض بك كما أحسنت أيضا بالصيام حين رأيت أنك قادر عليه، وكان الأولى أن تستشير الطبيب، وما دمت قد صمت ذلك اليوم ولم تتضرر بالصيام فقد لزمك إتمامه. ولا مانع من أن يداعب الرجل زوجته حال صيامه إن أمن من إفساد صومه أو صومها، أما إذا لم يأمن ذلك فإنه لا يجوز له الإقدام عليه. قال العلامة مصطفى الرحيباني الحنبلي في "مطالب أولي النهى" (2/204) : " وَحَرُمَ نَحْوُ قُبْلَةٍ كَمُعَانَقَةٍ وَلَمْسٍ وَتَكْرَارِ نَظَرٍ لِمَنْ ظَنَّ إنْزَالًا, بِغَيْرِ خِلَافٍ " انتهى. فإذا كنت لاعبت زوجتك آمنا من إفساد الصوم فإنه لا إثم عليك في هذه الملاعبة وإن فسد الصوم. أما إن كنت تظن أنه سيحصل منك إنزال فقد أثمت بهذه الملاعبة، وعليك أن تتوب إلى الله تعالى. وأما الصوم فقد فسد على كلا الاحتمالين، لأنك أنزلت، سواء نويت الفطر أم لم تنو. قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: " إذا باشر زوجته سواء باشرها باليد، أو بالوجه بتقبيل، أو بالفرج [بدون جماع] فإنه إذا أنزل أفطر، وإذا لم ينزل فلا فطر بذلك" انتهى من "الشرح الممتع" (6/388) . وعليك أن تقضي يوماً مكان هذا اليوم، ولا كفارة عليك. قال النووي رحمه الله في "المجموع" (6/377) : " إذا أفسد صومه بغير الجماع كالأكل والشرب والاستمناء والمباشرات المفضيات إلى الإنزال فلا كفارة ; لأن النص ورد في الجماع , وهذه الأشياء ليست في معناه " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 110086 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3016 أصابه الرعاف وهو صائم [السُّؤَالُ] ـ[ما هو الحكم عندما يصاب الصائم بنزيف من الأنف، لأني قد أصبت بذلك؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الأمر كما ذكرت فصيامك صحيح؛ لأن إصابتك بالرعاف (النزيف) ناشئة بغير اختيارك فلا يترتب على وجودها الحكم عليك بالفطر، والذي يدل على ذلك أدلة يسر الشريعة ومنها قوله تعالى: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) سورة البقرة / 286، وقوله تعالى: (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج} سورة المائدة / 6. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 10 / 264 الحديث: 12687 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3017 التطعيم ضد الحمى الشوكية لا يُبطل الصيام [السُّؤَالُ] ـ[هل التطعيم ضد الحمى الشوكية يبطل الصيام؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله التطعيم ضد الحمى الشوكية لا يبطل الصيام. و (لا حرج في ذلك، وإن تيسر أن يكون التطعيم في الليل فهو أحوط) . وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 10 / 251 الحديث: 10901 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3018 هل يبطل الصيام ضرب الطلاب وتوبيخهم؟ [السُّؤَالُ] ـ[أعمل مدرسا، وأضطر أحيانا لضرب وتوبيخ الطلاب؛ لأن الجميع من المدرسين يفعل ذلك، وقد جاهدت نفسي على عدم فعل ذلك، لكن وقع ذلك اليوم، فهل يبطل الصيام بالضرب والتوبيخ والغضب؟ وهل تنصحني بترك المهنة لما فيها من عدم الاستقرار النفسي، وتؤثر على عبادتي لله بالتأنيب بعد الضرب أو التوبيخ، علما بأنني أريد ذلك لولا والدتي التي قد يؤثر عليها الترك.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الضرب والتوبيخ ليس من المفطرات، حتى لو كان على سبيل العدوان، فكيف إذا كان الضرب والتوبيخ للتربية والتعليم والتوجيه! لا شك أن الأمر حينئذ أظهر في عدم التفطير. وانظر جواب السؤال رقم: (106473) . ثانيا: ننصحك بالبقاء في هذا العمل – التعليم -، فهو من أشرف الأعمال وأهمها، ولا بد من العناية بالعلم والتعليم، والتضحية من أجل النهوض بمدارسنا وجامعاتنا نحو أعلى الدرجات وأرقى الغايات، وحاول أن تتجاوز كل مشكلة تصيبك في هذا العمل بالحكمة، والتأني، ومشاورة أهل الخبرة من المعلمين السابقين. نسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق في الدنيا، والنجاح في الآخرة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 108926 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3019 وضعت قناعا من العسل على وجهها ودخل إلى فمها وهي صائمة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز وضع قناع من العسل على الوجه؟ علما أنه لا يتطلب أكثر من ملعقة قهوة وقد وضعت هذا الماسك في رمضان على أساس فتوى قرأتها بأنه يحل وضع أي كريم على الجلد أو أي مستحضر بشرط لا يتم بلعه وتسبب في دخول بعض العسل إلى فمي وتذوقت الحلاوة لكن لم أبلعها فهل هذا مفطر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا حرج في استعمال العسل على الوجه لإزالة الكلف وتنعيم البشرة ونحو ذلك، بشرط عدم الإسراف. فقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: بعض صديقاتي يستعملن البيض والعسل واللبن في علاج النمش والكلف الذي يظهر في الوجه فهل يجوز لهن ذلك؟ فأجاب: "من المعلوم أن هذه الأشياء من الأطعمة التي خلقها الله عز وجل لغذاء البدن، فإذا احتاج الإنسان إلى استعمالها في شيء آخر ليس بنجس كالعلاج، فإن هذا لا بأس به؛ لقوله تعالى: (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا) فقوله تعالى: (لكم) يشمل عموم الانتفاع إذا لم يكن ما يدل على التحريم. وأما استعمالها للتجميل فهناك مواد أخرى يحصل التجميل بها سوى هذه، فاستعمالها أولى. وليعلم أن التجميل لا بأس به، بل إن الله سبحانه وتعالى جميل يحب الجمال، لكن الإسراف فيه حتى يكون أكبر هم الإنسان بحيث لا يهتم إلا به، ويغفل كثيرا من مصالح دينه ودنياه من أجله، فهذا أمر لا ينبغي لأنه داخل في الإسراف، والإسراف لا يحبه الله عز وجل" انتهى. نقلا عن "فتاوى المرأة" جمع محمد المسند (ص 238) . ثانيا: إذا دخل العسل إلى فمك وتذوقته دون بلع، فلا يضر صومك. والصائم يجوز له أن يتذوق الطعام للحاجة، ثم يمجه ولا يبلعه، وينظر جواب السؤال رقم (26837) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 108638 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3020 هل ترك الحجاب يفسد الصوم؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا بنت لست متحجبة هل ذلك يبطل صيامي في رمضان؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: المؤمنة مأمورة بالحجاب، وقد سبق في الموقع الكلام عن الحجاب في أكثر من جواب، وتلك الأجوبة جاءت على صور، منها ما كان بياناً لحكم الحجاب، وأنه واجب، كما في جواب السؤال رقم (21536) ، ومنها ما ذُكرت فيه الأدلة الدالة على وجوب الحجاب، كما في جواب السؤال رقم (13998) ، ورقم (11774) ، ومنها ما كان بياناً لصفة الحجاب الشرعي، كما في جواب السؤال رقم (6991) ، وغيرها من الأجوبة الدالة على أهمية الحجاب في حياة المرأة المؤمنة. ثانياً: إذا تركت المرأة الحجاب، فهي عاصية لربها بذلك، لكنّ صومها صحيح؛ لأن المعاصي، ومنها ترك الحجاب لا تفسد الصوم، غير أنها تنقص ثوابه، وقد تضيعه بالكلية. والذي ندعوك إليه هو الالتزام بالحجاب، مع الصيام، فإنه ليس المقصود من الصيام هو مجرد الامتناع عن الطعام والشراب، وإنما المقصود هو الصيام عن المحرمات، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس الصيام من الأكل والشرب، إنما الصيام من اللغو والرفث) رواه الحاكم وصححه الألباني في صحيح الجامع (5376) . واللغو هو الكلام الباطل. وقيل: ما لا فائدة فيه. والرفث: الكلام البذيء. فليكن صومك دافعاً لك إلى طاعة الله تعالى، والبعد عما نهى عنه. نسأل الله تعالى أن يوفقك إلى ما يحب ويرضى. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال جواب الحديث: 107624 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3021 خروج المذي لا يفسد الصوم [السُّؤَالُ] ـ[ما الحكم في صوم امرأة داعبها زوجها في نهار رمضان فتبلل فرجها، وهي لا تدري نوع السائل المبلل أمني هو أم غيره؟ ولا تدري عدد الأيام التي تمت فيها الملاعبة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يجوز للزوجين أن يداعب كل واحد منهما الآخر، بشرط أن يأمنا على نفسيهما من إنزال المني؛ لما روى البخاري (1927) ومسلم (1106) عن عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لأرْبِهِ) . وإذا داعب الرجل امرأته أو باشرها بما دون الجماع، فلا يخلو الحال من حالين: الأولى: أن ينشأ عن تلك المداعبة والمباشرة نزول المني، ففي هذه الحال يفسد الصيام، ويجب القضاء على من نزل منه المني. قال النووي في "المجموع" (6/349) :" إذَا قَبَّلَ أَوْ بَاشَرَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ بِذَكَرِهِ أَوْ لَمَسَ بَشَرَةَ امْرَأَةٍ بِيَدِهِ أَوْ غَيْرِهَا , فَإِنْ أَنْزَلَ الْمَنِيَّ بَطَلَ صَوْمُهُ وَإِلا فَلا , وَنَقَلَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ الإِجْمَاعَ عَلَى بُطْلانِ صَوْمِ مَنْ قَبَّلَ أَوْ بَاشَرَ دُونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله " إذا باشر الرجل زوجته سواء باشرها باليد، أو بالوجه بتقبيل، أو بالفرج (بدون جماع) فإنه إذا أنزل أفطر، وإذا لم ينزل فلا فطر بذلك " انتهى. "الشرح الممتع" (6/388) . الحال الثانية: أن ينشأ عن تلك المداعبة والمباشرة نزول المذي، ففي هذه الحال لا يفسد الصوم. قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: " تقبيل الرجل امرأته ومداعبته لها ومباشرته لها بغير الجماع وهو صائم، كل ذلك جائز ولا حرج فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبِّل وهو صائم، ويباشر وهو صائم، لكن إن خشي الوقوع فيما حرم الله عليه لكونه سريع الشهوة، كره له ذلك، فإن أمنى لزمه الإمساك والقضاء ولا كفارة عليه عند جمهور أهل العلم. أما المذي فلا يفسد به الصوم في أصح قولي العلماء، لأن الأصل السلامة وعدم بطلان الصوم، ولأنه يشق التحرز منه، والله ولي التوفيق " انتهى. "فتاوى الشيخ ابن باز" (15/315) . وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن رجل داعب زوجته، وهو صائم فخرج منه مذي، فما حكم صومه؟ فأجاب: " إذا داعب الرجل زوجته، فخرج منه مذي، فصومه صحيح، ولا شيء عليه على القول الراجح عندنا من أقوال أهل العلم؛ وذلك لعدم الدليل على أنه يفطر، ولا يصح قياسه على المني؛ لأنه دونه، وهذا القول الذي رجحناه هو مذهب الشافعي، وأبي حنيفة واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وقال في الفروع: هو أظهر، وقال في الإنصاف: هو الصواب " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (19/236) . وللفائدة راجع جواب السؤال رقم (37715) . ثالثاً: إذا اشتبه على الإنسان في مثل هذه الحال: هل الذي خرج منه مني أم مذي؟ فالغالب أنه مذي، لأن المذي هو الذي يخرج عند المداعبة، ولا يحكم بفساد الصوم بمجرد الشك. وقد سبق في الموقع بيان الفرق بين المذي والمني في جواب السؤال رقم (99507) ، ورقم (2458) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 107335 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3022 اغتصبها كافر في نهار رمضان [السُّؤَالُ] ـ[قام رجل كافر باغتصاب صديقتي وهي صائمة العام الماضي، وهي تريد أن تعرف هل أبطل ذلك الحادث صومها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الاغتصاب فيه معنى القهر والإكراه، والمكره على فعل شيء لا يؤاخذ عليه، قال الله تعالى: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) النحل / 106. فهذه الآية الكريمة ترفع الإثم والمؤاخذة عمن أظهر الكفر بلسانه مكرهاً بشرط أن يكون قلبه مطمئناً بالإيمان. وإذا كان في الكفر الذي هو أعظم المحرمات فما دونه من باب أولى، ألا يؤاخذ عليه فاعله إذا فعله مكرهاً. وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) رواه ابن ماجه (2033) وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (1664) . فالمرأة المغتصبة التي بذلت جهدها في المقاومة ولكنها لم تستطع الفرار والتخلص لا ذنب عليها، وصيامها صحيح ولا قضاء عليها ولا كفارة. قال الإمام أحمد رحمه الله: كلُّ أمر غُلِبَ عليه الصائم ليس عليه قضاءٌ ولا غيره اهـ المغني (4/376) . وسئل الشيخ ابن باز عمن جامع امرأته وهي غير راضية فأجاب: . . . أما المرأة فإن كانت مكرهة فلا شيء عليها وصومها صحيح أما إن كانت تساهلت معه فعليها قضاء اليوم مع التوبة ولا كفارة عليها اهـ. فتاوى الشيخ ابن باز (15/310) . وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (6/414) عن حكم الجماع في نهار رمضان: إذا كانت المرأة معذورة بجهل أو نسيان أو إكراه فلا قضاء عليها ولا كفارة اهـ. وبهذه المناسبة ننصح النساء بتقوى الله عز وجل، والبعد عن مخالطة الرجال لاسيما الكفار والفساق منهم، والبعد عن كل ما يطمع فيهن الرجال من التبرج بالزينة والخضوع والتكسر في القول والفعل، وأن تختار الزمان المناسب، ولا تغشى أماكن الريبة والمواضع المخيفة، وأن تلتزم بما أمرها الله تعالى به من الحجاب والتستر فإن في ذلك حفظها وصيانتها وخيرها في الدنيا والآخرة. والله تعالى المسئول أن يصلح أحوال المسلمين. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 26843 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3023 التدخين محرم ومفسد للصيام [السُّؤَالُ] ـ[يقول بعض الناس: إن تعاطي الدخان في نهار رمضان ليس من المفطرات، لأنه ليس أكلاً ولا شرباً. فما رأي فضيلتكم في هذا القول؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "أرى أنه قول لا أصل له، بل هو شرب، وهم يقولون: إنه يشرب الدخان، ويسمونه شرباً، ثم إنه لا شك يصل إلى المعدة وإلى الجوف، وكل ما وصل إلى المعدة والجوف فإنه مفطر، سواء كان نافعاً أم ضاراً، حتى لو ابتلع للإنسان خرزة سبحة مثلاً، أو شيئاً من الحديد، أو غيره فإنه يفطر، فلا يشترط في المفطر، أو في الأكل والشرب أن يكون مغذياً، أو أن يكون نافعاً، فكل ما وصل إلى الجوف فإنه يعتبر أكلاً وشرباً، وهم يعتقدون بل هم يعرفون أن هذا شرب، وهذا إن كان أحد قد قاله فإنما هو مكابر. ثم إنه بهذه المناسبة أرى أن شهر رمضان فرصة لمن صدق العزيمة، وأراد أن يتخلص من هذا الدخان الخبيث الضار، أرى أنها فرصة لأنه سوف يكون ممسكاً عنه طول نهار رمضان، وفي الليل بإمكانه أن يتسلى عنه بما أباح الله له من الأكل والشرب والذهاب يميناً وشمالاً إلى المساجد، وإلى الجلساء الصالحين، وأن يبتعد عمن ابتلوا بشربه، فهو إذا امتنع خلال الشهر فإن ذلك عون كبير على أن يدعه في بقية العمر، وهذه فرصة يجب أن لا تفوت المدخنين" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" فتاوى الصيام (203، 204) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106450 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3024 صامت وهي تشك في الطهر من الحيض [السُّؤَالُ] ـ[امرأة صامت وهي شاكة في الطهر من الحيض، فلما أصبحت فإذا هي طاهرة هل ينعقد صومها وهي لم تتيقن الطهر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "صيامها غير منعقد، ويلزمها قضاء ذلك اليوم، وذلك لأن الأصل بقاء الحيض، ودخولها في الصوم مع عدم تيقن الطهر دخول في العبادة مع الشك في شرط صحتها، وهذا يمنع انعقادها" انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" فتاوى الصيام (107، 108) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106452 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3025 هل يفسد صومه بالسب والشتم؟ [السُّؤَالُ] ـ[في رمضان إذا غضب الإنسان من شيء وفي حالة غضبه نهر أو شتم فهل يبطل صيامه أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا يبطل ذلك صومه، ولكنه ينقص أجره، فعلى المسلم أن يضبط نفسه، ويحفظ لسانه من السبب والشتم والغيبة والنميمة، ونحو ذلك، مما حرم الله في الصيام وغيره، وفي الصيام أشد وآكد محافظة على كمال صيامه، وبعداً عما يؤذي الناس، ويكون سبباً في الفتنة والبغضاء والفرقة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث يومئذ، ولا يسخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم) متفق عليه. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (10/332، 333) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106473 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3026 أصيب بنزيف وهو صائم [السُّؤَالُ] ـ[ما هو الحكم عندما يصاب صائم رمضان بالرعاف لمدة 28 يوماً من شهر رمضان، وأطلعكم بأن عمري 59 عاماً ولم أصب بالرعاف طيلة عمري إطلاقاً، وفي شهر رمضان في العام الماضي أصبت بالرعاف من ثلاث إلى ست مرات حين الصباح إلى إفطار المغرب، ويقع لي نزول الدم إلى الحلق ثم أدفعه جامداً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كان الأمر كما ذكرت فصيامك صحيح؛ لأن إصابتك بالرعاف ناشئة بغير اختيارك فلا يترتب على وجودها الحكم عليك بالفطر، والذي يدل على ذلك أدلة يسر الشريعة، ومنها قوله تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة/286، وقوله تعالى: (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ) المائدة/6. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (10/264، 265) . وجاء فيها أيضاً: "إذا نزف من الشخص دم بغير اختياره وهو صائم فإن صيامه صحيح" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (10/268) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106486 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3027 حكم استعمال بخاخ الأنف في الصيام [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم استعمال بخاخ الأنف، هل يؤثر ذلك على الصيام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا بأس بذلك عند الضرورة، فإن أمكن تأجليه إلى الليل فهو أحوط" انتهى. فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله. "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" (15/264) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106494 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3028 إذا أفطر بالأكل في نهار رمضان ليجامع زوجته فعليه كفارة [السُّؤَالُ] ـ[رجل أراد أن يجامع زوجته في شهر رمضان بالنهار، فأفطر بالأكل قبل أن يجامع، ثم جامع، فهل عليه كفارة أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اتفق العلماء على أن من أفطر في نهار رمضان بالجماع أن عليه الكفارة. واختلفوا فيمن أفطر بغير الجماع كالأكل والشرب، فذهب الإمامان أبو حنيفة ومالك رحمهما الله إلى أن عليه الكفارة أيضاً، وذهب الإمامان الشافعي وأحمد رحمهما الله إلى أنه لا كفارة عليه. ولكن هذا فيمن أفطر بغير الجماع ثم لم يجامع في ذلك اليوم، أما من أفطر بغير الجماع ثم جامع في ذلك اليوم فذهب جمهور العلماء (منهم أبو حنيفة ومالك وأحمد رحمهم الله) إلى أنه تجب عليه الكفارة. وهذا القول هو الذي لا ينبغي أن يفتى بغيره، ويدل على صحته أمور: 1- أن من أفطر في رمضان بدون عذر سواء أفطر بالأكل أو الشرب أو غير ذلك، وجب عليه الإمساك، فإذا جامع فقد جامع في يوم يلزمه إمساكه، فتجب عليه الكفارة، كما أن المحرم بالحج إذا أفسد إحرامه لزمه المضي فيه، ويمسك عن محظورات الإحرام، فإذا أتى شيئاً منها كان عليه ما عليه في الإحرام الصحيح. 2- أن هذا عاصي بفطره أولاً، ثم عصى مرة أخرى بالجماع، فصار عاصياً مرتين، فكانت الكفارة عليه أوكد. 3- أنه لو لم تجب الكفارة على مثل هذا صار ذريعة إلى ألا يكفر أحد، فإنه لا يشاء أحد أن يجامع في رمضان إلا أمكنه أن يأكل، ثم يجامع، بل ذلك أعون له على مقصوده. فكيف يكون جماعه قبل الغداء فيه الكفارة، وإذا تغدى هو وامرأته ثم جامعها لا كفارة عليه! فهذا شنيع في الشريعة لا تأتي بمثله، فإنه استقر في العقول والأديان أنه كلما عظم الذنب كانت العقوبة أبلغ. والله أعلم "مجموع فتاوى ابن تيمية" (25/260-263) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106531 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3029 كفارة من جامع في نهار رمضان ومقدار الإطعام [السُّؤَالُ] ـ[ما هي كفارة من جامع في نهار رمضان، وما هو مقدار الإطعام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا جامع الرجل زوجته في نهار رمضان فعلى كل واحد منهما كفارة، وهي عتق رقبة مؤمنة، فإن عجزا فعليهما صيام شهرين متتابعين على كل واحد منهما إذا كانت مطاوعة، فإن عجزا فعليهما إطعام ستين مسكينا، فيكون عليهما إطعام ستين مسكينا، ثلاثين صاعا على كل واحد منهما من قوت البلد، لكل فقير صاع، نصفه عن الرجل، ونصفه عن المرأة، عند العجز عن العتق والصيام، وعليهما قضاء اليوم الذي حدث فيه الجماع، مع التوبة إلى الله، والإنابة إليه، والندم والإقلاع والاستغفار؛ لأن الجماع في نهار رمضان منكر عظيم، لا يجوز من كل من يلزمه الصوم" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (15/302) . وعلى هذا: فمقدار الطعام الذي يعطى للفقير هو نصف صاع من الأرز أو غيره، أي: كيلو ونصف تقريباً. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106535 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3030 ابتلاع الصائم بقايا الطعام الذي في فمه [السُّؤَالُ] ـ[إذا بقي شيء من طعام بين أسنان الصائم، هل يعتبر ذلك من المفطرات إذا ابتلعها الصائم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا أصبح الصائم ووجد في أسنانه شيء من مخلفات الطعام، هذا لا يؤثر على صيامه، لكن عليه أن يلفظ هذه المخلفات ويتخلص منها، ولا تؤثر على صيامه، إلا إذا ابتلعها، فإذا ابتلع شيئاً مما تخلف في أسنانه متعمداً، فإن هذا يُفسد صيامه، أما لو ابتلعه جاهلاً أو ناسياً، هذا لا يؤثر على صيامه، وينبغي للمسلم أن يحرص على نظافة فمه وأسنانه بعد الطعام، سواء في حاله الصيام أو غيره، لأن النظافة مطلوبة للمسلم" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (2/401) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105467 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3031 كفارة من جامع زوجته الحائض في رمضان [السُّؤَالُ] ـ[كيف يكفر التائب عن جماعه لزوجته وهى حائض في دورتها في الأيام العادية وكفارة الجماع وهى حائض في شهر رمضان؟ فهذا حدث وعندنا علم بحرمة هذه الأفعال ونيتنا الآن التوبة لله وطلب المغفرة فأرجوكم دلوني على عمل أعمله ليغفر الله لي وجزاكم الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: جماع الحائض محرم بإجماع العلماء؛ لقوله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) البقرة/222، ولما روى الترمذي (135) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) . صححه الألباني في صحيح الترمذي. ومن فعل ذلك لزمته التوبة والكفارة، وهي أن يتصدق بدينار أو نصفه، على الفقراء والمساكين؛ لما روى أحمد (2032) وأبو داود (264) والترمذي (135) والنسائي (289) وابن ماجه (640) عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فيمن يأتي امرأته وهي حائض: (يتصدّق بدينار أو بنصف دينار) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. والدينار: أربع جرامات وربع من الذهب، فانظر قيمة هذا وتصدق به، أو بنصفه، مع العزم على عدم العود لذلك أبدا. ثانيا: إن كان مقصودك بالجماع في رمضان: جماع الحائض في ليالي رمضان، فالواجب هو ما سبق ذكره من التوبة والكفارة. وإن كان المقصود هو الجماع في نهار رمضان، فقد اجتمع هنا ذنبان كبيران، وهما الفطر في نهار رمضان، والمعاشرة أثناء الحيض. أما الجماع في الحيض فقد عرفت ما فيه. وأما الفطر في نهار رمضان بالجماع، فيترتب عليه خمسة أمور: 1- الإثم. 2- فساد الصوم. 3- لزوم الإمساك. 4- وجوب القضاء. 5 – وجوب الكفارة مع التوبة. فيجب عليك قضاء اليوم الذي أفسدت صيامه بالجماع وعليك مع ذلك: الكفارة. وهي: عتق رقبة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً. وانظر جواب السؤال (22938) . وفق الله الجميع لما يحب ويرضى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 104865 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3032 هل يجب الغسل بعد إدخال أنبوب التصوير لفرج المرأة [السُّؤَالُ] ـ[أنا أخضع لعلاج إخصاب منذ بضعة أشهر. أذهب إلى الدكتور باستمرار للتصوير والمراقبة الدورية. أثناء التصوير تقوم الممرضة بإدخال أنبوب إلى فرجي ليحصلوا على صورة قريبة، في بعض الأوقات يتم إدخال الدواء إلى فرجي أيضا. هل الغسل واجب بعد إدخال أنبوب التصوير للفرج؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سئلت اللجنة الدائمة: إذا أدخلت المرأة أو الطبيبة جهازاً أو علاجاً في الفرج، فهل يجب الاغتسال؟ وهل يفسد ذلك الصوم؟ فأجابت " إذا حصل ما ذُكر فلا يجب غسل الجنابة، ولا يُفسد الصوم ". [الْمَصْدَرُ] انظر الفتاوى الجامعة ج/1 ص/50 الحديث: 21611 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3033 إذا وصل الماء إلى حلقه بسبب الاستنشاق وهو صائم [السُّؤَالُ] ـ[هل جريان الماء فى أسفل الحلق عند تنظيف الأنف فى الوضوء يبطل الصيام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الصائم منهي عن المبالغة في الاستنشاق؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم للَقِيطِ بْنِ صَبِرَة رضي الله عنه: (أَسْبِغْ الْوُضُوءَ، وَخَلِّلْ بَيْنَ الأَصَابِعِ، وَبَالِغْ فِي الاسْتِنْشَاقِ إِلا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا) رواه أبو داود (142) والترمذي (788) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. والحديث يدل على تجنب المبالغة في الاستنشاق حال الصوم حتى لا ينزل الماء إلى جوف الصائم من غير اختياره. ثانياً: لو تمضمض الصائم أو استنشق فنزل شيء من الماء إلى حلقه من غير قصدٍ منه فإنه لا يفطر؛ لقول الله تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) الأحزاب/5. وهذا لم يتعمد قلبه فعل المفسد، فيكون صومه صحيحاً. وينظر: "الشرح الممتع" (6/240، 246) . وللفائدة راجع جواب رقم (40698) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98283 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3034 إذا نوى الفطر ثم عدل عن نيته [السُّؤَالُ] ـ[رجل مسافر وصائم في رمضان نوى الفطر, ثم لم يجد ما يفطر به ثم عدل عن نيته , وأكمل الصوم إلى المغرب , فما صحة صومه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من نوى الفطر وهو صائم، بطل صومه، جازماً غير متردد ثم لم يجد ما يفطر به فعدل عن نيته فقد أفطر ولزمه قضاء هذا اليوم، وهو مذهب المالكية والحنابلة. خلافا للحنفية والشافعية. ينظر: بدائع الصنائع 2/92، حاشية الدسوقي 1/528، المجموع 6/313، كشاف القناع 2/316. وعلى القول ببطلان صومه وهو الراجح لما سيأتي، فإن نوى الفطر, جازما غير متردد، ثم لم يجد ما يفطر به فعدل عن نيته , فقد أفطر، ولزمه قضاء هذا اليوم. أما إن تردد في الفطر، أو علقه على شيء، كإن وجدت طعاما أو شرابا أفطرت، ثم لم يجد، فصومه صحيح. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: رجل مسافر وصائم في رمضان، نوى الفطر ثم لم يجد ما يفطر به، ثم عدل عن نيته وأكمل الصوم إلى المغرب فما صحة صومه؟ فأجاب: " صومه غير صحيح، ويجب عليه القضاء؛ لأنه عندما نوى الفطر أفطر، أما لو قال: إن وجدت ماءً شربت وإلا فأنا على صومي، ولم يجد الماء، فهذا صومه صحيح؛ لأنه لم يقطع النية ولكنه علّق الفطر على وجود الشيء، ولم يوجد الشيء فبقي على نيته الأولى. فقال السائل: كيف نرد على من يقول: إنه لم يقل أحد من العلماء: إن النية من المفطرات؟ فأجاب: نقول للذي قال هذا: إنه لا يَعْرف عن كتب أهل العلم شيئاً - كتب أهل العلم في الفقه والمختصرات - ففي "زاد المستقنع" يقول: ومن نوى الإفطار أفطر. وأنا يا إخواني أحذركم من غير العلماء الراسخين المعروفين بالتقدم في العلم، وأحذركم منهم إذا قالوا، لا أعلم قائلاً بذلك، أو لم يقل أحد بذلك؛ لأنهم قد يكونون صادقين؛ لأنهم لا يعرفون كتب أهل العلم ولم يطالعوها، ولا يعرفون عنها شيئاً، ثم لو فرضنا أنه لم يوجد في كتب أهل العلم أليس النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما الأعمال بالنيات) ؟ بلى، قال ذلك، فإذا كان يقول: (إنما الأعمال بالنيات) وهذا الرجل نوى الإفطار هل يفطر؟ نعم، يفطر " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (29/20) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 95766 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3035 إذا أحس الصائم بطعم الدم في حلقه [السُّؤَالُ] ـ[هل عندما نحس بمذاق الدم في الحلق ونبصق قليلا منه في الصيام هل يجب علينا قضاؤه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا أحس الصائم بطعم الدم في حلقه، فلا يضره ذلك ولو ابتلعه، لكن إن خرج إلى الفم ثم ابتلعه، أفطر. ومثل هذا يقال في البلغم والنخامة وكل ما يعرض في الحلق. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "وأنبه على مسألة النخامة والبلغم، فإن بعض الصائمين يتكلف ويشق على نفسه فتجده إذا أحس بذلك في أقصى حلقه ذهب يحاول إخراجه، وهذا خطأ، وذلك لأن البلغم أو النخامة لا تفطر الصائم إلا إذا وصلت إلى فمه ثم ابتلعها فإنه يفطر عند بعض العلماء، وعند بعض العلماء لا يفطر أيضاً. وأما ما كان في حلقه ونزل في جوفه فإنه لا يفطر به ولو أحس به، فلا ينبغي أن يتعب الإنسان نفسه في محاولة أن يخرج ما في حلقه من هذا الأذى" انتهى من "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (19/356) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 95565 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3036 من غلبه القيء فلا قضاء عليه [السُّؤَالُ] ـ[صمت ستاً من شوال واليوم الخامس كان يوم الجمعة وعند صلاة الفجر استفرغت ما أكلته دون قصد فأكملت صيامي وصمت يوم السبت أيضا فهل كان صيامي صحيحا أم خطأ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صيامك صحيح، ولا يضرك ما حصل فيه من الاستفراغ، لأن من قاء بغير قصد وتعمد، فصومه صحيح، وأما من استقاء عمدا فقد أفطر، وذلك لما روى الترمذي (720) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ – أي: غلبه- فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَمَنْ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ) صححه الألباني في صحيح الترمذي. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (3/23) : "ومن استقاء فعليه القضاء , ومن ذرعه القيء فلا شيء عليه. معنى استقاء: تقيأ مستدعيا للقيء. وذرعه: خرج من غير اختيار منه , فمن استقاء فعليه القضاء ; لأن صومه يفسد به. ومن ذرعه فلا شيء عليه ; وهذا قول عامة أهل العلم. قال الخطابي: لا أعلم بين أهل العلم فيه اختلافا " انتهى. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن القيء في رمضان هل يفطر؟ فأجاب: " إذا قاء الإنسان متعمدا فإنه يفطر، وإن قاء بغير عمد فإنه لا يفطر، والدليل على ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه .... وذكر الحديث المتقدم. فإن غلبك القيء فإنك لا تفطر، فلو أحس الإنسان بأن معدته تموج وأنها سيخرج ما فيها، فهل نقول: يجب عليك أن تمنعه؟ لا. أو تجذبه؟ لا. لكن نقول: قف موقفا حياديا، لا تستقئ ولا تمنع، لأنك إن استقيت أفطرت، وإن منعت تضررت. فدعه إذا خرج بغير فعل منك، فإنه لا يضرك ولا تفطر بذلك " انتهى من "فتاوى الصيام" ص (231) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 95296 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3037 مباشرة الزوجة في الصوم من غير جماع [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من نام مع زوجته في نهار رمضان من غير ملابس وتمت ملامسة الأعضاء التناسلية من غير إيلاج؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا لم يتم الإيلاج، ولم ينزل المني، فصومك صحيح، ولا شيء عليك. وأما المذي فنزوله لا يبطل الصوم في أصح قولي العلماء، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي رحمهما الله، وراجع السؤال رقم (37715) . وللصائم أن يداعب زوجته وأن يقبل ويضم ويباشر (أي تمس بشرته بشرتها) إذا أمن ألا ينزل وألا يجامع، وانظر السؤال رقم (49614) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 95383 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3038 معنى الآية (ثم أتموا الصيام إلى الليل) [السُّؤَالُ] ـ[كنت أتساءل أثناء قراءتي للقرآن في سورة البقرة الآية (187) بأن الله قال: (ثم أتموا الصيام إلى الليل) فالكثير منا يفطر في وقت المغرب. هل ممكن أن تشرح لنا هذه المسألة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس هناك إشكال بين الآية وبين إفطار الصائم بعد غروب الشمس، وذلك لأن الليل يدخل بغروب الشمس، فأول الليل هو غروب الشمس، وآخره طلوع الفجر. ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ، وَأَدْبَرَ النَّهَارُ، وَغَابَتْ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ) . ومعنى الحديث: أنه إذا غربت الشمس فقد دخل الليل، وانتهى النهار، وحينئذ يحل للصائم أن يفطر. انظر: شرح مسلم للنووي (7/209) . والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 8691 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3039 إذا استيقظ الصائم وفي فمه طعام [السُّؤَالُ] ـ[كنت في السابق أدخن السجائر، والآن ولله الحمد تركتها، ولكن لدي مشكلة هي أني إذا رغبت في التدخين آخذ قطعة من السيجارة وأمضغها لكي تذهب هذه الرغبة وهي غير مجدية , المهم كنت في ليلة من ليالي رمضان أمضغ هذه الوصلة ونمت وهي في فمي، فلم أستيقظ إلا بعد صلاة الفجر فقمت وغسلت فمي. هل أنا مفطر أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا طلع الفجر وفي فم الصائم شيء، فلفظه، ولم يبتلع منه شيئا باختياره، صح صومه. قال النووي رحمه الله في "المنهاج": " ولو طلع الفجر وفي فمه طعام فلفظه: صح صومه ". وجاء في شرحه "مغني المحتاج" (2/161) : "لأنه لو وضعه في فمه نهارا لم يفطر، فبالأولى إذا جعله فيه ليلا. ولو ابتلع منه شيئا باختياره فإنه يفطر" انتهى بتصرف واختصار. ثانيا: حَذَّر الأطباء والباحثون من مضغ التبغ، وقرروا أن هذا لا يعد بديلاً آمناً عن التدخين، بل هو أخطر وأكثر ضرراً على الجسم من التدخين من بعض الوجوه، إذ يجعل الجسم عرضة للإصابة بمرض السرطان أكثر من التدخين. والذي ينبغي لصاحب العزيمة والإرادة أن يترك الدخان ولا يلتفت إليه، وليستعن بالله تعالى في ذلك، وقد ثبت بالتجربة والمشاهدة أن ترك الدخان ممكن، وأن الإقلاع عنه يسير، والمهم هو صدق التوبة، مع قوة العزيمة. نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد والرشاد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 95115 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3040 جامع أهله يظن أن الفجر لم يطلع [السُّؤَالُ] ـ[جامعت زوجتي ولم أكن أدري بأن الفجر قد أذن ولم أكن أدري بهذا وكان توقعي أنه سوف يؤذن بعد بضع دقائق على الساعة الخامسة ومن بعد ذلك اتضح أنه يؤذن على الخامسة إلا ربع فما هو الحل وهل علي الكفارة أنا وزوجتي علما بأنه كان برغبتنا نحن الاثنين كما أننا كنا للتو واصلين من السفر قبل 24 ساعة ولا ندرى بعد بمواقيت الصلاة وفوجئنا بإعلان رمضان صبيحة ثاني يوم وصولنا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الأمر كما ذكرت، فلا شيء عليكما، لأن من أتى شيئا من المفطرات ظانا أن الفجر لم يطلع، ثم تبين أنه قد طلع، فلا قضاء عليه، على الراجح من قولي العلماء، سواء كان المفطر أكلا أو شربا أو جماعا. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وأحب أن أبين أن المفطرات التي تفطر الصائم من الجماع والأكل والشرب وغيره لا يفطر بها الإنسان إلا بثلاثة شروط: 1- أن يكون عالما فإن لم يكن عالما لم يفطر، لقوله تعالى: (وليس عليكم جناح فيمآ أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما) . ولقوله تعالى: (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) ، فقال الله تعالى: قد فعلت، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) . والجاهل مخطئ، لو كان عالما ما فعل، فإذا فعل شيئا من المفطرات جاهلا فلا شيء عليه، وصومه تام وصحيح، سواء كان جهله بالحكم، أم بالوقت. مثال جهله بالحكم: أن يتناول شيئا من المفطرات يظنه أنه لا يفطر، كما لو احتجم يظن أن الحجامة لا تفطر، فنقول: إن صومك صحيح ولا شيء عليك. ومثال جهله بالوقت: أن يظن أن الفجر لم يطلع، فيأكل، فصومه صحيح. 2- أن يكون ذاكرا، فإن كان ناسيا لم يفطر. 3- أن يكون مختارا، فإن كان غير مختار لم يفطر " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (19/280) وسئل الشيخ رحمه الله: إنسان حديث عهد بالزواج، وأتى أهله في آخر الليل ظناً منه أن الليل باق، وإذا بالإقامة تقام فما تقولون؟ هل عليه شيء؟ فأجاب: " لا، ما عليه شيء، لا إثم، ولا كفارة، ولا قضاء؛ لأن الله تعالى قال: (فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ) أي: النساء (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) البقرة/187. فالثلاثة كلها سواء: مباشرة النساء والأكل والشرب، ولا دليل على التفريق بينها، كلها من محظورات الصيام، وإذا وقعت على وجه الجهل أو النسيان فلا شيء " انتهى من "اللقاء الشهري". وبهذا يتبين أنه لا شيء عليكما، لا قضاء ولا كفارة، هذا إن كنتما قد صمتما ذلك اليوم. أما إن كنتما لم تصوما وأفطرتما ظناً منكما أن الصيام قد فسد بالجماع، فليس عليكما إلا القضاء فقط. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93842 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3041 إذا تناول المفطر جاهلا بالحكم أو الوقت [السُّؤَالُ] ـ[لقد قرأت إجابتكم على سؤال رقم 80425، ولقد كنت أعاني من نفس مشكلة الأخ السائل، ولكن الفرق بيني وبينه أن الطعام إذا وصل لحلقي كنت أبتلعه ظناً مني أنه لا يفطر، لأن هذا الطعام مصدره المعدة فأرجعته لمصدره (جهلاً مني) ، ولقد قرأت أنه يجب علي القضاء لكن لا أذكر عدد الأيام التي فعلت فيها ذلك لأنها كانت في الماضي، والآن أنا قد تركت هذه العادة، فما الذي أفعله؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما دمت لا تعلم أن ابتلاع هذا الطعام مفطر، فلا قضاء عليك؛ لأن الجهل بالمفطرات عذر على الصحيح. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والمفطرات التي تكون باختيار المرء لا يفطر بها الإنسان إلا بشروط ثلاثة هي: الشرط الأول: أن يكون عالما، وضد العالم الجاهل. فإذا أكل الإنسان وهو جاهل فإنه لا قضاء عليه، والجهل نوعان: 1- جهل بالحكم: مثل أن يتقيأ الإنسان متعمدا لكن لا يدري أن القيء مفسد للصوم، فهذا لا قضاء عليه لأنه جاهل، والدليل على أن الجاهل بالحكم لا يفطر ما ثبت في الصحيحين من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه أنه جعل تحت وسادته عقالين أحدهما أسود، والثاني أبيض، والعقالان هما الحبلان اللذان تعقل بهما الإبل، فجعل ينظر إليهما، فلما تبين له الأبيض من الأسود، أمسك عن الأكل والشرب، فلما غدا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أخبره بذلك فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (إن وسادك لعريض، أنْ وسع الخيط الأبيض والأسود، إنما ذلك بياض النهار وسواد الليل) . ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء، لأنه كان جاهلا بمعنى الآية الكريمة. 2- جهل بالوقت: مثل أن يأكل الإنسان يظن أن الفجر لم يطلع، فيتبين أنه قد طلع، فهذا لا قضاء عليه، ومثل أن يفطر في آخر النهار يظن أن الشمس قد غربت ثم يتبين أنها لم تغرب، وهذا أيضا لا قضاء عليه، والدليل ما رواه البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنه قالت: (أفطرنا في يوم غيم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم طلعت الشمس) . ووجه الدلالة من هذا: لو كان الصوم فاسدا لكان القضاء واجبا، ولو كان القضاء واجبا لأمرهم بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، ولو أمرهم بذلك لنقل إلينا، لأن ذلك من حفظ الشريعة، فلما لم ينقل علم أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يأمرهم به، ولما لم يأمرهم به علم أن الصوم غير فاسد، فلا قضاء في هذه الحال، ولكن يجب على الإنسان متى علم أن يمسك عن الأكل والشرب، حتى لو كانت اللقمة في فمه وجب عليه لفظها " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (19/116) بتصرف يسير. ثم ذكر الشرط الثاني والثالث، وهو أن يكون ذاكرا، مختارا. وبهذا تعلم أنه لا قضاء عليك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93866 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3042 استنشاق الصائم لبخار الماء [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم صيام من يستحم في نهار رمضان بالماء الساخن ثم يتكون بخار ماء في حمامه والذي سيكون لا بد من استنشاقه؟ فقد احتلمت في نهار رمضان واضطررت لرش الماء الساخن على الفرج لخروج باقي المني! كذلك فإني أستحم أحياناً وأنا صائم بالماء الساخن حتى عندما لا أكون جنباً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: استنشاق الصائم للبخار الناتج عن استحمامه بالماء الساخن، لا يفطّر؛ لدخوله الجوف قهرا وغلبة بلا قصد. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة: أفيدكم بأنني أحد العاملين في المؤسسة العامة للتحلية، ويحل علينا شهر رمضان ونحن صائمون وعلى رأس العمل، والذي فيه بخار ماء من المحطة التي نعمل بها، وقد نستنشقه في كثير من الأحوال، فهل يبطل صيامنا؟ وهل يلزمنا قضاء ذلك اليوم الذي قد استنشقنا فيه بخار الماء سواء كان فريضة أم نافلة، وهل علينا عن كل يوم صدقة؟ فأجابوا: إذا كان الأمر كما ذكر؛ فصيامكم صحيح ولا شيء عليكم " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (10/275) ثانيا: قولك: " واضطررت لرش الماء الساخن على الفرج لخروج باقي المني! ". جوابه: أن إخراج المني بهذه الطريقة، هو من الاستمناء المحرم، وهو مبطل للصوم، ويلزم منه التوبة مع القضاء. وفعلك هذا من التعدي على حرمات الله، فإن الاحتلام لا يؤاخذ به الصائم، لأنه لا يد له فيه، وأما تعمده إخراج بقية المني، فهذه جناية على الصوم وإبطال له. نسأل الله أن يعفو عنا وعنك. والله أعلم. تنبيه: ثم أرسل إلينا السائل ما يلي: أنا صاحب سؤال رقم ( ... ) وقد أفتيتم لي أنه يجب علي أن أقضي صيام ذلك اليوم لأن ذلك يعتبر استمناء، علماً أني كنت جاهلاً تماماً بأن ذلك يعتبر استمناء، لأني لم أكن أحس بأي لذة أو شهوة عند فعل ذلك. والآن أريد أن أعرف بالنسبة لمسألة صيام الست من شوال. فعندما وصلتني إجابتكم كنت قد أنهيت صيام الأيام الستة وعندما قضيت ذلك اليوم المذكور، قضيته بتاريخ 23 شوال. وقد جعلني هذا أستنتج أن صيامي للأيام الست لم يكن صحيحاً لأني لم أكن أكملت صيام رمضان ولذا يجب علي إعادة صيام الست من شوال بعد قضاء ذلك اليوم. وغداً هو اليوم الـ 24 من شوال، أي أني يجب أن أعيد صيام الست غداً مباشرةً لكي أضمن صيام ستة أيام. سؤالي الآن بالنسبة للأيام الست التي صمتها سابقاً، هل ستعتبر لي صيام نافلة على الأقل؟ أم أنها غير صحيحة على الإطلاق؟ الحمد لله إذا كان استعمالك للماء الساخن لإخراج بقية المني الحاصل من الاحتلام، لا يصحبه لذة أو شهوة، فصيامك صحيح، لأن خروج المني من غير لذة لا يفسد الصوم. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "إذا نزل المني بغير شهوة فصومه صحيح ولا قضاء عليه" انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (19/238) . وقال أيضا: " والمني إذا خرج بغير شهوة فإنه لا يوجب الغسل " انتهى من "شرح الكافي". وبناء على ذلك، فصيامك ذلك اليوم من رمضان صحيح، ولا يجب عليك قضاؤه، وأما قضاؤك له بناء على الفتوى السابقة، فيحسب لك صيام نفل إن شاء الله تعالى، وصيامك للست من شوال حاصل بعد صيام رمضان تامّاً، والحمد لله، ولست بحاجة لإعادة صيامها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93821 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3043 خروج المني بغير شهوة لا يفسد الصوم [السُّؤَالُ] ـ[ينزل منى المنى بصفة يومية في شهر رمضان مما يمنعني من الصيام مع العلم أن هذا لا يحدث في الأيام العادية، فهل هذا بسبب ضعف الإيمان؟ مع العلم أني لست مصاباً بأي أمراض، وماذا علي أن أفعل خصوصاً أن أيام رمضان المباركة تمر دون أن أصوم؟ ملحوظة: ذهبت لأعتمر منذ شهر فحدث نفس الشيء. أيضا أرجو الإفادة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لم يتضح لنا مرادك بقولك: " ينزل منى المنى بصفة يومية في شهر رمضان " 1- فإن كان المقصود: أنك تحتلم، وينزل المني بذلك، فهذا لا يؤثر على الصوم، لأنه خارج بغير إرادة الإنسان. 2- وإن كان المقصود أن المني يخرج في اليقظة بغير فعل منك، بل يخرج بنفسه، وكنت متأكدا من كونه منيا، فهذا يكون عن مرض غالبا، وجمهور العلماء من الحنفية والمالكية والحنابلة - وهو الصحيح - أنه لا يوجب الغسل، وراجع جواب السؤال رقم (84409) . ولا يفسد الصوم بخروج هذا المني، لأنه خارج بدون إرادة واستدعاء. قال ابن قدامة رحمه الله: " ولو استمنى بيده فقد فعل محرما , ولا يفسد صومه به إلا أن ينزل , فإن أنزل فسد صومه. فأما إن أنزل لغير شهوة , كالذي يخرج منه المني أو المذي لمرض , فلا شيء عليه ; لأنه خارج لغير شهوة , أشبه البول , ولأنه يخرج من غير اختيار منه , ولا تسبب إليه , فأشبه الاحتلام " انتهى من "المغني" (3/21) باختصار. والحاصل: أن المني لو خرج بغير فعل من الصائم، لا بيده ولا بالمباشرة أو تكرار النظر، فإن صومه لا يفسد. وغالبا ما يكون خروج المني على هذه الصفة لعلة ومرض. 3- وأما من استمنى، أي استدعى خروج المني بيده، أو بتكرار النظر إلى ما يثير شهوته، فهذا يفسد صومه، مع الإثم الكبير، لأنه ارتكب محرمين: الأول الاستمناء، والثاني: تعمد الفطر في نهر رمضان، وهو ذنب عظيم كبير، وقد جاء فيه من الوعيد ما رواه ابن خزيمة (1986) وابن حبان (7491) عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (بينا أنا نائم إذ أتاني رجلان فأخذا بضبعيّ [الضبع هو العضد] فأتيا بي جبلا وعِرا، فقالا: اصعد فقلت: إني لا أطيقه. فقالا: إنا سنسهله لك. فصعدت حتى إذا كنت في سواء الجبل إذا بأصوات شديدة، قلت: ما هذه الأصوات؟ قالوا: هذا عواء أهل النار. ثم انطلقا بي فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم، مشققة أشداقهم، تسيل أشداقهم دما، قلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلة صومهم. صححه الألباني في صحيح موارد الظمآن برقم 1509. 4- وقد يكون الأمر مشتبها عليك، فلم تفرق بين المني، وبين المذي والودي، وكلاهما لا يفسد الصوم. وإليك الفرق بين هذه الأمور: فالمذي ماء رقيق لزج يخرج عند الملاعبة أو تذكر الجماع أو إرادته أو نظر، وقد لا يحس به الإنسان. والودي ماء أبيض ثخين، يخرج قطرات بيضاء بعد البول غالبا. وكلاهما نجس، ينقض الوضوء، إلا أن نجاسة المذي أخف، فيكفي فيه النضح، وهو أن يعم المحل الذي أصابه بالماء دون عصر أو فرك. ولا يجب الغسل منهما، ولا يفسد الصوم بهما. وأما المني فماء أبيض، يخرج على وجه الدفق والشدة، ويعقبه فتور، والرطب منه له رائحة كرائحة العجين أو طلع النخل، واليابس منه رائحته كرائحة بياض البيض، وهو طاهر، لكنه يوجب الغسل، إلا إذا خرج يقظة بلا شهوة، كما سبق، فلا يجب الاغتسال منه. وأما حصول ذلك معك وأنت مسافر للعمرة، فإن كان ذلك احتلاماً وأنت نائم، فيجب عليك الاغتسال، ولا يجوز دخول المسجد الحرام ولا الطواف بالكعبة للجنب، وإن كان ذلك نهاراً بدون شهوة، فلا يجب عليك إلا الوضوء فقط. ولعلنا بذلك نكون قد أجبنا سؤالك، فإن كان هناك إشكال، فأعد طرحه، ويسعدنا تواصلك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93769 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3044 أثر الكذب على الصوم [السُّؤَالُ] ـ[إذا قام الصائم بالحصول على إجازة عن طريق القول في العمل بأنه ذاهب إلى العمرة وهذا غير صحيح ويستتبع ذلك أن يريهم تأشيرة سفر (مختلقة) ، فما حكم صيامه وصلاته؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا أخذ الإجازة بناء على قوله إنه ذاهب للعمرة، والواقع أنه لا يريد الذهاب، فهذا من الكذب، وإن ترتب على ذلك حصوله على إجازة ليست له، كان الراتب المأخوذ في هذه مدة سحتاً لا يحل له. والواجب على من فعل ذلك أن يتوب إلى الله تعالى، وأن يعود إلى عمله. وأما أثر ذلك على الصلاة والصوم، فهما صحيحان، لكنه يدل على أن العبد لم يقم بهما كما أمر الله تعالى، إذا لو قام بالصلاة كما أمر الله، لنهته صلاته عن المنكرات، كما قال تعالى: (وَأَقِمْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) العنكبوت/45. ولا شك أن المعاصي من كذب وغش وسب وشتم وغير ذلك تنقص أجر الصائم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) رواه البخاري (6057) . ورواه الطبراني في معجمه الصغير والأوسط بلفظ: (من لم يدع الخنا والكذب فلا حاجة لله أن يدع طعامه وشرابه) وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب. وقد فُسر قول الزور بالكذب أيضا، وهذا دليل على قبح الكذب من الصائم، وأنه يعرض صومه للرد وعدم القبول. قال في عون المعبود: " (لَمْ يَدَعْ) : أَيْ لَمْ يَتْرُك (قَوْل الزُّور) : وَالْمُرَاد مِنْهُ الْكَذِب (فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَة) : قَالَ اِبْن بَطَّال: لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُؤْمَر بِأَنْ يَدَع صِيَامه وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ التَّحْذِير مِنْ قَوْل الزُّور وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ ... وَقَالَ اِبْن الْمُنِير: بَلْ هُوَ كِنَايَة عَنْ عَدَم الْقَبُول. وَقَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ: مُقْتَضَى هَذَا الْحَدِيث أَنْ لا يُثَاب عَلَى صِيَامه .......... وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى أَنَّ هَذِهِ الأَفْعَال تُنْقِص ثَوَاب الصَّوْم " انتهى. وانظر جواب السؤال (50063) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93660 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3045 إذا نوى قطع النية أثناء الوضوء أو الصلاة أو الصوم [السُّؤَالُ] ـ[قال العلامة السعدي في الفتاوي السعدية ص 228 " قطع نية العبادة نوعان، نوع لا يضره شيء وذلك بعد كمال العبادة ...... والثاني: قطع نية العبادة في حال تلبسه بها ..... فهذا لا تصح عبادته ... " فهل معني ذلك أني لو أتاني هاجس لأقطع صيام الفرض أكون مفطرا؟ وماذا لو أتاني ذلك الهاجس دون أن أنوي قطع الصيام فهل ذلك وارد؟ وحكمه؟ وكذا في الوضوء ففي وسطه قد يأتيني شك بأن هناك بول مثلا فلا أجد ذلك وأحيانا أكون نويت قطع الوضوء ثم أعود لتكملة الوضوء بعد ألا أجد شيئا، فهل كان علي البدء من جديد لانقطاع النية هنا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا نوى الإنسان قطع العبادة أثناء فعله لها بطلت، ولا يستثنى من ذلك إلا الحج والعمرة، فلا يبطلان بقطع النية ولا بالتصريح بالقطع، بل يظل المحرم على إحرامه حتى يؤدي نسكه أو يتحلل بالإحصار. قال في "المغني" (1/278) : " وإن تلبس بها –أي بالصلاة- بنية صحيحة , ثم نوى قطعها , والخروج منها , بطلت. وبهذا قال الشافعي " انتهى. وقال في "زاد المستقنع" في باب الصلاة: " فإن قطعها في أثناء الصلاة أو تردد بطلت ". وقال في باب الصوم: " ومن نوى الإفطار أفطر ". لكن رجح الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه أن التردد لا يبطل الصلاة. ينظر: "الشرح الممتع" (1/486) . ومَثَّل للتردد بما لو سمع قارعا يقرع الباب، فتردد أأقطع الصلاة أو أستمر؟ وبهذا يتبين أن من عزم على قطع العبادة بطلت، لكن لو كان ذلك مجرد هاجس فلا تبطل به العبادة. وبناء على ذلك فمجرد الهاجس بقطع الصيام لا يبطل الصيام حتى تعزم وتنوي الفطر. وكذلك لو شك أثناء الوضوء في خروج البول منه، فتوقف ونظر ولم ينو القطع، ولم يجد شيئا، فلا يبطل وضوؤه. وكذلك إذا نوى قطع الوضوء بطل وضوؤه، فلا يجوز له إكماله على ما مضى، بل يتوضأ وضوءاً جديداً. قال في "الإنصاف" (1/151) : " لو أبطل النية في أثناء طهارته , بطل ما مضى منها على الصحيح من المذهب , اختاره ابن عقيل , والمجد في شرحه , وقدمه في الرعايتين , والحاويين. وقيل: لا يبطل ما مضى منها , جزم به المصنف في المغني " انتهى. وينبغي الحذر من الوسوسة، فإن الشيطان يأتي الإنسان ويخيل إليه أنه خرج منه شيء، وقد يتمادى الإنسان في ذلك فلا يكاد يفعل عبادة إلا شك فيها، مما يوقعه في حرج وضيق شديد، وللأهمية راجع السؤال رقم (62839) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93529 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3046 حكم قطرة الأنف للصائم [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم استعمال قطرة الأنف في نهار رمضان؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (وَبَالِغْ فِي الاسْتِنْشَاقِ إِلا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا) رواه الترمذي (788) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (935) . فهذا الحديث يدل على أنه لا يجوز للصائم أن يوصل الماء إلى جوفه عن طريق الأنف. وعلى هذا، فقطرة الأنف إن كانت قليلة بحيث لا تصل إلى الحلق فلا بأس بها، أما إذا وصلت إلى الحلق ووجد طعمها فيه، فسد صيامه وعليه القضاء. قال الشيخ ابن باز: " وهكذا قطرة العين، والأذن، لا يَفطر بهما الصائم في أصح قولي العلماء، فإن وجد طعم القطور في حلقه: فالقضاء أحوط، ولا يجب؛ لأنهما ليسا منفذين للطعام والشراب، أما القطرة في الأنف: فلا تجوز؛ لأن الأنف منفذ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) . وعلى من فعل ذلك القضاء لهذا الحديث، وما جاء في معناه، إن وجد طعمها في حلقه " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (15 / 260، 261) . وقال الشيخ ابن عثيمين في "فتاوى رمضان" (ص511) جمع أشرف عبد المقصود: "قطرة الأنف إذا وصلت إلى المعدة أو إلى الحلق فإنها تفطر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث لقيط بن صبرة: (بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما) فلا يجوز للصائم أن يقطر في أنفه ما يصل إلى معدته، أو إلى حلقه وأما ما لا يصل إلى ذلك من قطرة الأنف فإنها لا تفطر. وأما قطرة العين ومثلها أيضا الاكتحال وكذلك القطرة في الأذن فإنها لا تفطر الصائم " انتهى. وعلى هذا فلا ينبغي للصائم استعمال هذه القطرة، إلا إن شق عليه تركها، فيستعملها ويحتاط في عدم بلع ما وصل إلى حلقه منها، فإن ابتلع منها شيئا قضى ذلك اليوم. وإن علم أنه لابد أن يبتلع منها شيئا، فلا يجوز له استعمالها إلا أن يبلغ حد المرض الذي يبيح له الفطر، وهو الذي يضر معه الصوم أو يلحقه به مشقة يشق تحمّلها، وراجع السؤال رقم (50555) و (38532) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93531 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3047 تأتيها الدورة عامة الشهر لضعف الغدد التناسلية [السُّؤَالُ] ـ[هناك امرأة بعائلتي تعاني من أن الدورة تأتي لها عامة الشهر لأنها تعاني من ضعف في الغدد التناسلية وهي الآن تمارس العلاج وصادفنا شهر رمضان.. فهي تتساءل ماذا تفعل هل تصوم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من استمر عليها نزول الدم عامة الشهر فهي مستحاضة، فترد إلى عادتها إن كان لها عادة مستقرة معلومة قبل ذلك، فتجلس قدر عادتها، ثم تغتسل وتصلي وتصوم بقية الشهر حتى ولو كان الدم نازلاً، فإن لم يكن لها عادة منضبطة أو نسيتها، فإنها تعمل بالتمييز إن أمكن، فتميز بين دم الحيض ودم الاستحاضة، باللون والرائحة والغلظ والخفة، فدم الحيض أسود أو غامق، وله رائحة كريهة، وهو غليظ بخلاف دم الاستحاضة. فالأيام التي يكون فيها الدم بصفات دم الحيض تعتبر حيضا، وما عدا ذلك تعتبر طاهرا، فتصلي وتصوم. فإن لم يمكنها التمييز بصفات الدم، فإنها تجلس ستة أيام أو سبعة أيام، لأن ذلك غالب الحيض عند النساء ثم تغتسل وتصلي وتصوم. ومما جاء في السنة في شأن المستحاضة وأنها ترد إلى عادتها الأولى- إن كانت معلومة لديها-: ما رواه البخاري (319) عن عائشة رضي الله عنها: أن فاطمة بنت أبي حبيش سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ فقال: (لا، إن ذلك عرق، ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها، ثم اغتسلي وصلي) . ومما جاء في الاعتماد على التمييز ما رواه النسائي (215) وأبو داود (304) عن فاطمة بنت أبي حبيش أنها كانت تستحاض فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان دم الحيض فإنه دم أسود يعرف، فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر فتوضئي، فإنما هو عرق) . وصححه الألباني في صحيح النسائي. ومما جاء في جلوس المستحاضة ستة أيام أو سبعة أيام - إذا لم يكن لها عادة ولا تمييز-: ما رواه الترمذي (128) وأبو داود (287) عن حمنة بنت جحش قالت: كنت أستحاض حيضة كثيرة شديدة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم أستفتيه وأخبره فقلت: يا رسول الله، إني أستحاض حيضة كثيرة شديدة فما تأمرني فيها؟ قد منعتني الصيام والصلاة، فقال: إنما هي ركضة من الشيطان فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله ثم اغتسلي فإذا رأيت أنك قد طهرت واستنقأت فصلي أربعا وعشرين ليلة أو ثلاثا وعشرين ليلة وأيامها وصومي وصلي فإن ذلك يجزئك وكذلك فافعلي كما تحيض النساء وكما يطهرن لميقات حيضهن وطهرهن) قال الترمذي: (وسألت محمدا [البخاري] عن هذا الحديث فقال: هو حديث حسن صحيح وهكذا قال أحمد بن حنبل هو حديث حسن صحيح) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93053 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3048 هل يفطر وضع المرأة أحمر الشفاه أثناء الصيام؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم وضع (الروج) الحُمرة في نهار رمضان؟ هل تفطر؟ علما بأن بعضها يكون له طعم بسيط، والبعض الآخر ليس له طعم، وبعض أنواع الروج تكون جافة، وبعضها تكون رطبة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله جميع الأدهان التي توضع على الجلد الخارجي، سواء كانت نفاذة أو غير نفاذة، وسواء كانت للعلاج أو للترطيب، أو للزينة والتجمل أو غير ذلك ليست من المفطرات إلا إذا ابتلعها الصائم. ومجرد وجود الطعم لا يؤثر في الصيام ما دام لم يصحبه ابتلاع شيء إلى المعدة. وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله "مجموع الفتاوى" (15/260) : ما حكم استعمال الكحل وبعض أدوات التجميل للنساء خلال نهار رمضان؟ وهل تفطر هذه أم لا؟ فأجاب: " الكحل لا يفطر النساء ولا الرجال في أصح قولي العلماء مطلقا، ولكن استعماله في الليل أفضل في حق الصائم. وهكذا ما يحصل به تجميل الوجه من الصابون والأدهان وغير ذلك مما يتعلق بظاهر الجلد، ومن ذلك الحناء والمكياج وأشباه ذلك، كل ذلك لا حرج فيه في حق الصائم، مع أنه لا ينبغي استعمال المكياج إذا كان يضر الوجه، والله ولي التوفيق " انتهى. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن حكم استعمال الصائم مرهماً لإزالة الجفاف عن الشفتين. فأجاب: " لا بأس أن يستعمل الإنسان ما يندِّي الشفتين والأنف من مرهم، أو يبله بالماء، أو بخرقة أو شبه ذلك، ولكن يحترز من أن يصل شيء إلى جوفه من هذا الذي أزال فيه الخشونة، وإذا وصل شيء من غير قصد فلا شيء عليه، كما لو تمضمض فوصل الماء إلى جوفه بلا قصد فإنه لا يفطر بهذا." انتهى. في "مجموع الفتاوى" (19/224) . وقال الشيخ ابن جبرين حفظه الله "فتاوى علماء البلد الحرام" (201) : " لا بأس بدهن الجسم مع الصيام عند الحاجة، فإن الدهن إنما يبل ظاهر البشرة ولا ينفذ إلى داخل الجسم، ثم لو قدر دخوله المسام لم يعدَّ مفطِّرا " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 92923 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3049 حكم المداعبة بين الزوجين في الصيام [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لي أن أقول لزوجي (أنا أحبك) وأنا صائمة؟ زوجي يطلب مني أن أقول له بأنني أحبه أثناء الصوم وقلت له بأن هذا لا يجوز ويقول هو بأنه يجوز.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فلا بأس من مداعبة الرجل لامرأته، أو المرأة لزوجها بالكلام في حال الصيام بشرط أن يأمنا على نفسيهما من الإنزال، فإن كانا لا يأمنان على نفسيهما من الإنزال كمن كان شديد الشهوة ويخشى أنه إذا داعب امرأته أن يفسد صومه بإنزال المني: فلا يجوز له فعل ذلك لأنه يعرض صومه للإفساد. وكذلك إذا كان يخشى خروج المذي (الشرح الممتع 6/390) والدليل على جواز القبلة والمداعبة لمن يأمن على نفسه من الإنزال، ما رواه البخاري (1927) ومسلم (1106) عن عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لأرْبِهِ "، وفي صحيح مسلم (1108) عن عمرو بن سلمة أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيقبل الصائم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سل هذه " – لأم سلمة – فأخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصنع ذلك ". قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وغير القبلة من دواعي الوطء كالضم ونحوه فنقول حكمها حكم القبلة ولا فرق ". أ. هـ من " الشرح الممتع " (6 /434) . وبناء على هذا فمجرد قولك لزوجك أنك تحبينه أو قوله لك ذلك لا يضر الصيام. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 20032 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3050 نزول المني بدون لذة [السُّؤَالُ] ـ[أشكو نزول السائل المنوي في أيام رمضان أثناء الصيام بدون أي احتلام أو ممارسة العادة السرية فهل في هذا تأثير على الصوم؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الأمر كما ذكر فإن نزول المني منك بدون لذة في نهار رمضان لا يؤثر على صيامك وليس عليك القضاء. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 10 / 278 الحديث: 12679 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3051 حامل نزل عليها الدم في رمضان فهل تفطر [السُّؤَالُ] ـ[أنا حامل وأصبت بنزيف في نهار رمضان وذهبت إلى الطبيبة وقامت بفحصي فحص داخلي وأعطتني إبرة لتثبيت الحمل وأخذت مني عينة دم للتحليل فهل صيامي صحيح؟ أم أنه بطل بفعل أحد هذه الأمور؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه الأمور المذكورة من الفحص الداخلي، وإبرة تثبيت الحمل، وعينة تحليل الدم، لا تفطر الصائم؛ لأنها ليست من المفطرات المنصوص عليها، ولا هي في معناها فتلحق بها. وأما النزيف، فقد اختلف العلماء في الحامل إذا نزل منها الدم هل يعتبر حيضا أم لا؟ وسبق في جواب السؤال (23400) أنه يعتبر حيضاً بشرط أن يكون مستمراً في وقته وشهره، أي: أنه نزل في موعد الحيض من الشهر وبعدد أيامه. فإن نزل في غير موعد الحيض، أو كان الحيض انقطع شهراً ثم نزل الدم في الشهر الثاني فهذا لا يعتبر حيضا، فلا يؤثر على الصيام، وصيامك صحيح إن شاء الله. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82920 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3052 تشك في صحة صلاتها وصيامها [السُّؤَالُ] ـ[أخجل أن أطرح سؤالي من شدة قبح ما كنت أفعله ولا أحب حتى ذكره. في الحقيقة أنني قبل عدة سنوات كنت أفعل أمرين قبيحين: الأول: هو أنني كنت مع إحدى قريباتي نداعب بعضنا واستمرينا على فعل هذا الأمر لمدة وبعد ذلك توقفنا. والأمر الثاني: أنني كنت أعامل ابن جيراننا الصغير معاملة قاسية كنت أضربه مرات ومرات وأجعله يقبلني أو يلامس شيئا من أعضائي..لا أحب حتى تذكر هذه الأمور لأنني أشعر كم أنا سيئة وأنا نادمة جداً على فعل هذا الأمور. ولي عدة أسئلة: 1- هل علي صيام تلك الأيام التي قمت فيها بتلك الأمور مع أنني لم أكن أعلم أنها تبطل صيامي وصلاتي؟ 2- وهل علي أن أعيد أيضا الصلوات؟ 3- أنا لا أتذكر إذا نزل شيء مني أم لا؟ 4- أنا في حيرة وشك ولا أتذكر إذا فعلت هذه الأمور في رمضان أم لا؟ 5- إذا وجب علي الصيام كيف أستطيع تقدير تلك الأيام لأنني حاولت جاهدة تقديرها ولكنني لا أتذكر متى فعلت تلك الأمور بالضبط. 6- متى تحاسب البنت على صيامها؟ هل بعد بلوغها؟ أقصد هل بعد أن تأتيها الدورة الشهرية أول مرة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: نحمد الله تعالى أن وفقك إلى التوبة من هذه الأفعال المحرمة، ونسأل الله تعالى أن يتقبل توبتك. ثانيا: لا يجب عليك قضاء شيء من الصلوات أو الصيام، وذلك للأسباب التالية: 1- أنك لم تكوني تعلمين أن ذلك يفسد الصيام والصلاة، والإنسان إذا فعل شيئا من المحرمات جاهلا فإنه يكون معذوراً، ولا يستحق العقاب على هذا الذنب، قال الله تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الأحزاب/5، والجهل نوع من الخطأ، لأن الجاهل لم يتعمد ارتكاب المعصية والمخالفة. انظري جواب السؤال (50017) ، (45648) 2- أنك لا تتيقنين نزول شيء منك، والمسلم إذا فعل عبادة من العبادات فالأصل أنه يُحكم بصحتها، ما لم يتيقن أنها كانت غير صحيحة، أما مجرد الشك فلا يبطل العبادة بعد فعلها. ثالثا: أما تكليف البنت بالصيام وغيره من الأحكام الشرعية، فيثبت ببلوغ البنت، وبلوغها يحصل إذا وجد أحد أربع علامات وهي: 1. بلوغ خمس عشرة سنة. 2. نبات الشعر الخشن حول القبل. 3. نزول المني. 4. نزول الحيض. ولا يشترط اجتماع كل هذه العلامات، ولكن يكفي علامة واحدة فقط، لثبوت البلوغ. وانظري جواب السؤال (21246) ونسأل الله تعالى أن يوفقك ِ لكل خير، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82662 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3053 كانت تمارس العادة السرية أثناء الصوم جهلا [السُّؤَالُ] ـ[أرسل إليكم برسالة خاصة بصديقتي فهي في حاجة لمن يدلها. وهى طفلة صغيرة تعرضت لاعتداء من أحد أصدقاء أبيها كان يأتي لينتظره وكان يجبرها على معاشرته وهي طفلة عمرها 5 سنوات كان تظن ذلك شيئاً جديداً. ولكن لا بد أنه شخص شاذ، أدى ذلك أنها كانت تفعل ذلك أثناء عمرها كله وهى لا تعرف شيئاً. فهل ذلك ما يسمى العادة السرية، وكان يأتيها هذه الحاجة أثناء الصيام وكانت تفعله فهي وقتها تكون مقيدة تريد أن تفعل ما تعودت علية طول العمر فهل صيام تلك الأيام لا يصح؟ وهل الكفارة أن تصوم فقط؟ حيث إنها لم تكن تعرف شيئاً اسمه العادة السرية. ادعوا لها بالشفاء السؤال: 1- كيف تكفر عن هذا الذنب في الصيام 2- كيف تشفى من هذا الشيء 3- إنها تقرا القرآن قبل النوم وترى نفسها بحاجة لفعل ذلك مع العلم أن سنها 34 ولم تتزوج.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: نسأل الله تعالى أن يغفر لصديقتك وأن يتجاوز عنها، وأن يعافيها من هذا الداء، وأن يرزقها الزوج الصالح والذرية الصالحة، إنه ولي ذلك والقادر عليه سبحانه. ثانيا: ما فعله صديق والدها، جرم عظيم وجناية كبيرة في حق هذه الطفلة، وهو شذوذ قبيح، وظلم بيّن للأب وابنته، نسأل الله العافية، ولا إثم عليها فيما جرى لها؛ لعدم تكليفها آنذاك. ومثل هذه المآسي يأخذ العاقل منها عبرة، فيجب على الرجل أن ينظر في أصدقائه الذين يأتمنهم على أسراره وأهل بيته، فقد يبدو بعضهم في صورة الصديق الناصح الأمين، وهو في حقيقة الأمر شيطان من شياطين الإنس، وقد نصحنا بذلك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله: (لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِنًا وَلا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيٌّ) رواه الترمذي (2395) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي. ثالثا: المقصود بالعادة السرية أو الاستمناء: العبث بالأعضاء وإثارة الشهوة حتى يتم إنزال المنيّ، سواء كان ذلك باليد أو بغيرها، وهي عادة قبيحة وفعل محرَّم، وسبق بيان أدلة تحريمها في السؤال رقم (329) ، وفيه أيضاً إرشاد للعلاج من هذا الداء. رابعا: إذا مارس الصائم العادة السرية أثناء صومه، وخرج منه المني، فسد صومه في قول جمهور العلماء، لكن إن كان يجهل أن ذلك مفسد للصيام، فهل يفسد صومه ويجب عليه القضاء؟ فيه خلاف بين الفقهاء، ورجح جماعة من أهل العلم منهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، أنه لا يفسد صومه، واختاره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، وتجدين ذلك مفصلا في الجواب رقم (50017) وينبغي لهذه الأخت أن تكثر من الاستغفار وفعل الطاعات، وتجنب المحرمات، ولزوم الاستقامة، لعل الله أن يتجاوز عنها، كما وعد سبحانه بقوله: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82. خامسا: الزواج – كغيره من أمور العبد – يجري بقدر الله تعالى، ولا يُدرى أين الخير، في تأخره أم في تعجله؟ وعلى الإنسان أن يرضى ويسّلم ويتخذ الأسباب الجالبة للرزق والفرج، ومنها الدعاء والإنابة والطاعة، وراجعي السؤال رقم (21234) وفق الله الجميع لما يحب ويرضى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82740 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3054 أعلن ردّته فراراً من الكفارة ثم تاب وندم!! [السُّؤَالُ] ـ[سأبدأ بطرح سؤالي مباشرة , والذي يؤرقني منذ مدة. عندما كنت في الخامسة عشر من عمري وفي إحدى ساعات نهار شهر رمضان المبارك استمنيت. وبعدها تداركت نفسي وصرت أبحث عن حكم الذنب الذي اقترفته , اعتقدت أن علي كفارة جماع , ولأني لا أستطيع لها جهدا فقلت لنفسي سأصبح كافرا, والعياذ بالله, ثم اسلم من جديد وبهذا سيغفر الله لي وتسقط عني الكفارة. وفعلا وكالمخبول قلت أنا الآن كافر وسأسلم غدا. والآن عمري ثلاثين سنة ولازلت أفكر في تلك الحادثة , وكلما أتذكرها أستغفر الله وأشهد أن لا إله إلا هو وأن محمدا عبده ورسوله. طوال عمري أصوم وصلي وإلى الآن والحمد لله. ولكن هل يجب إقامة الحد علي , وهو القتل, حتى يقبل الله توبتي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لم يزل الشيطان يزيِّن للإنسان الباطل ويستدرجه من حيث لا يشعر حتى يوقعه في أقبح القبائح وأكبر الكبائر (الشرك بالله) وهو يظن أنه بذلك يحسن إلى نفسه، وكيف يفر إنسان من صيام شهرين متتابعين إلى الكفر بالله العظيم الذي حرم الله تعالى الجنة على من لقيه به!! إن مثل من يفعل ذلك كمثل المستجير من الرمضاء بالنار، فَرَّ من شيء فوقع فيما هو أقبح منه وأشد. هذا، مع أن هذه الحيلة لا تنفعه في إسقاط ما وجب عليه، لأنه حيلة محرمة، بل هي أعظم المحرمات على الإطلاق، والقاعدة عند العلماء: (أن الحيلة لا تسقط واجباً ولا تبيح محرّماً) وهل يضمن الإنسان أنه إذا أقدم على هذا الذنب العظيم أن الله سيهمله حتى يتوب ويرجع، أفلا يمكن أن تكون آخر لحظات حياته هي تلك التي أعلن فيها كفره والعياذ بالله. فيكون ممن حبطت أعماله في الدنيا والآخرة، وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون. أفلا يخشى أن يعاقبه الله تعالى على هذه الفعلة الشنيعة فيحول بينه وبين التوبة والرجوع إلى الإسلام (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) الصف/5. والحاصل " أن الذي أقدمت عليه أمر عظيم تقشعرّ منه جلود الذين آمنوا، والحمد لله الذي وفقك للتوبة، ونرجو أن يكون الله تعالى قد قبِل توبتك وغفر لك ذنبك. ومن تمام توبتك الإكثار من الأعمال الصالحة من ذكر الله تعالى وقراءة القرآن والاستغفار وتعلُّم العلم وتعليمه والصدقة. والدعوة إلى الله.. إلخ وأبواب الطاعات كثيرة، فاجتهد فيها يغفر الله لك. قال الله تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82. ثانياً: عقوبة المرتد عن الإسلام هي القتل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ) رواه البخاري (3017) وجمهور العلماء (منهم الحنفية والشافعية والحنابلة) على أن هذه العقوبة تسقط عمن تاب ورجع إلى الإسلام، وهو الموافق لحالتك. وانظر: " المغني" (9/18) ، و "شرح مسلم للنووي" (12/208) ثالثاً: وأما حكم الاستمناء في نهار رمضان فهو مفسد للصيام والواجب عليك هو قضاء هذا اليوم فقط، وليس كفارة الجماع، وقد سبق في جواب السؤال (50632) أن الكفارة في إفساد الصيام لا تجب إلا بالجماع. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82033 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3055 استعمال التحاميل في نهار رمضان [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم استعمال التَّحاميل في نهار رمضان إذا كان الصائم مريضاً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " لا بأس أن يستعمل الإنسان التحاميل التي تكون من دبره إذا كان مريضاً، لأن هذا ليس أكلاً ولا شرباً ولا بمعنى الأكل والشرب. والشارع إنما حرّم علينا الأكل والشرب، فما قام مقام الأكل والشرب أعطي حُكم الأكل والشرب، وما ليس كذلك فإنه لا يدخل فيه لفظاً ولا معنى، فلا يثبت له حكم الأكل والشرب ". [الْمَصْدَرُ] فتاوى الشيخ ابن عثيمين ج/1 ص/502. الحديث: 22927 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3056 الأكل يصعد من معدته حتى الحنجرة فماذا يصنع؟ [السُّؤَالُ] ـ[لدي مشكلة مع صيامي، وهو أنني مع بداية كل يوم صوم يحصل لي أن الأكل يصعد من المعدة حتى الحنجرة، وأحيانا كثيرة يتعدى الحنجرة، وهذا الأمر يومي، فماذا عليَّ أن أفعل؟ هل أعيد صيام تلك الأيام؟ مع العلم أن هذا الأمر يحدث يوميّاً في رمضان.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله خروج بقايا من الطعام أو شيء من السوائل من المعدة إلى الحلق ليس من فعل الإنسان، لكن قد يكون مرضاً، وقد يكون بسبب امتلاء المعدة بالطعام. وهذا يسمى " القلَس " والواجب على من حصل له ذلك أن يخرجه من فمه إن استطاع، فإن لم يتمكن من إخراجه ورجع لمعدته: فلا حرج عليه، ولا يؤثر ذلك على صيامه. قال ابن حزم رحمه الله: "ولا يَنْقُضُ الصَّوْمَ قَلْسٌ خَارِجٌ مِنْ الْحَلْقِ , مَا لَمْ يَتَعَمَّدْ رَدَّهُ بَعْدَ حُصُولِهِ فِي فَمِهِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى رَمْيِهِ " انتهى. " المحلى " (4 / 335) . وانظر تفصيل هذه المسألة في جوابي السؤالين: (40696) و (12659) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 80425 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3057 الحقنة الشرجيّة هل تفطّر الصائم [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الحقنة الشرجية التي يحقن بها المريض وهو صائم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحقنة الشرجية التي يحتقن به المرضى ضد الإمساك اختلف فيها أهل العلم، فذهب بعضهم إلى أنها مفطرة بناء على كل ما يصل إلى الجوف فهو مُفطّر، وقال بعضهم: إنها ليست مفطرة، وممن قال بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية. يقول: إن هذا ليس أكلاً ولا شرباً ولا بمعنى الأكل والشرب. والذي أرى: أن يُنظر إلى رأي الأطباء في ذلك، فإذا قالوا إن هذه كالأكل والشرب وجب إلحاقه به وصار مُفطراً، وإذا قالوا إنه لا يُعطي الجسم ما يعطي الأكل والشرب فإنه لا يكون مفطراً. [الْمَصْدَرُ] فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين 1 / 516 الحديث: 22959 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3058 الرعاف إذا وصل للحلق [السُّؤَالُ] ـ[هل الدم (الرعاف) الذي ينزل من الأنف إذا دخل الحلق ولو الأجزاء الصغيرة منه تفطَر الصائم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا وصل الدم إلى المعدة بغير اختيار من الصائم فإنه لا يفطر به؛ لقول الله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) البقرة / 286، وجاء في الحديث أن الله قال: قد فعلت. أي تجاوزت عنكم. أما إذا أمكنه أن يمنعه، أو يخرجه فلم يفعل وابتلعه عمداً فإنه يفطر، والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم للقيط بن صبرة: " وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما ". أخرجه أبو داود (2366) ، والترمذي (788) والنسائي (87) وابن ماجه (407) . وصححه الألباني في صحيح الترمذي (631) قال الشيخ ابن عثيمين: وهذا يدل على أن الصائم لا يبالغ في الاستنشاق ولا نعلم لهذا علة إلا أن المبالغة تكون سبباً لوصول الماء إلى المعدة وهذا مخل بالصوم، وعلى هذا فنقول: كل ما وصل إلى المعدة عن طريق الأنف فإنه مفطر. الشرح الممتع (6 / 379) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 27003 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3059 نزول ماء الحمل في رمضان [السُّؤَالُ] ـ[يوجد امرأة عليها شهر رمضان، وهي حامل في الشهر التاسع، وكان في بداية الشهر ينزل عليها ماء، وليس بدم، وهي تصوم أثناء نزول الماء عليها، وهذا حصل قبل عشر سنوات، سؤالي: هل على المرأة القضاء، علماً بأنها صامت هذه الأيام والماء يتسرّب منها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الواقع كما ذكرت فصيامها صحيح ولا قضاء عليها. [الْمَصْدَرُ] فتوى اللجنة الدائمة من كتاب الفتاوى الجامعة ج/1 ص/355. الحديث: 22668 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3060 حكم المضمضة حال الصيام [السُّؤَالُ] ـ[في حال الصوم هل يجوز وضع الماء في الفم عند الوضوء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المؤمن مأمور بإسباغ الوضوء، وبذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أَسْبِغْ الْوُضُوءَ وَخَلِّلْ بَيْنَ الأَصَابِعِ وَبَالِغْ فِي الاسْتِنْشَاقِ إِلا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا) رواه الترمذي (الصوم / 788) , وأبو داود 142 وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (631) . أسبغ الوضوء: أي أكمله. فنبَّه عليه الصلاة والسلام على تجنب المبالغة في المضمضة والاستنشاق حال الصوم حتى لا يؤدي ذلك إلى المحظور وهو دخول الماء في الجوف حال الصيام. أما مجرَّد المضمضة حال الصوم فليس فيها شيء إذا لم يدخل الماء في جوف الصائم. ولذلك صح في الحديث أن عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ هَشَشْتُ فَقَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صَنَعْتُ الْيَوْمَ أَمْرًا عَظِيمًا قَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ قَالَ: (أَرَأَيْتَ لَوْ مَضْمَضْتَ مِنْ الْمَاءِ وَأَنْتَ صَائِمٌ) قُلْتُ: لا بَأْسَ بِهِ قَالَ فَمَهْ) رواه أبو داود (الصوم / 2037) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (2089) قال شارح الحديث في قوله صلى الله عليه وسلم: (أَرَأَيْت لَوْ مَضْمَضْت مِنْ الْمَاء) : فِيهِ إِشَارَة إِلَى فِقْه بَدِيع وَهُوَ أَنَّ الْمَضْمَضَة لا تَنْقُض الصَّوْم وَهِيَ أَوَّل الشُّرْب .... والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 14065 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3061 أخبر بأن الحقن مفطّرة فأفطر ثم قضى فماذا عليه؟ [السُّؤَالُ] ـ[لقد شاءت الأقدار الإلهية أن أصاب بمرض السل الرئوي، وبدأت العلاج بأخذ حقن يوميا لمدة سنة وأدوية أخرى مقسمة على 3 فترات يوميا. ولقد صادف العلاج دخول شهر رمضان المبارك، ورغم ذلك بدأت بصيام الشهر الكريم، وبعد مرور 15 يوما على الصيام توجهت كعادتي لأخذ العلاج-حقنة- من المركز الصحي وهنا سألني الممرض إن كنت أصوم، فكان جوابي بالإيجاب، فكان رده أن قال*من اليوم أفطر**وتبعا لذلك أفطرت ما بقي من الصيام. وقمت بعد ذلك بقضاء الأيام التي أفطرتها. وبعد معرفتي بأن الحقن لا تفطر، أصبت بالندم وبالذنب الكبير رغم أن نيتي واضحة في إتمام صيام ذلك الشهر رغم مرضي. وألوم كثيرا ذلك المعالج-الممرض- الذي أوصاني بإفطار ما بقي من الصيام. أرجوكم إفادتي بموقف الشريعة الإسلامية من ذلك.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الحقن التي يتناولها المريض على نوعين: الأول: ما كان منها مغذيا، فهذه تفطر الصائم إذا تعمد استعمالها. والثاني: ما ليس مغذيا، فلا أثر لها على الصوم، سواء أُخذت عن طريق الوريد أو العضل، في أصح قولي العلماء؛ لأنها ليست أكلا ولا شربا ولا في معنى الأكل والشرب. وانظر السؤال رقم (49706) (65632) ، ففيهما نقل لشيء من فتاوى أهل العلم في هذه المسألة. ولعل هذا الممرّض أخذ بقول من يرى أن الحقن تفطر الصائم إذا وصلت إلى الجوف. وعلى كل حال، فكونك أفطرت بناء على كلامه، ثم قضيت ما فاتك، فقد أديت ما عليك، ولا يلزمك شيء آخر. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن امرأة دهنت شعرها ثم أخبرتها أختها بأن ذلك مفطّر، فأفطرت ثم قضت، فأجاب: (الإجابة على هذا السؤال من وجهين: الوجه الأول: هذه المرأة التي أفتتها بلا علم، فإن ادهان المرأة وهي صائمة لا يبطل الصوم ... أما الوجه الثاني: من جهة هذه المرأة التي أفتيت بغير علم فأفطرت ثم قضت بناء على هذه الفتوى فإنه لا شيء عليها الآن؛ لأنها أدت ما يجب عليها) انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (19/226) . ثانيا: ورد في سؤالك، قولك: (شاءت الأقدار الإلهة) ، وهذا خطأ شائع، فإن الأقدار لا مشيئة لها، والصواب أن يقال: شاء الله، أو قَدَّر الله. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن قول: " شاءت الظروف أن يحصل كذا وكذا "، " وشاءت الأقدار كذا وكذا "؟ فأجاب: (قول: " شاءت الأقدار "، و " شاءت الظروف " ألفاظ منكرة، لأن الظروف جمع ظرف وهو الزمن، والزمن لا مشيئة له، وكذلك الأقدار جمع قدر، والقدر لا مشيئة له، وإنما الذي يشاء هو الله عز وجل، نعم لو قال الإنسان: " اقتضى قدر الله كذا وكذا ". فلا بأس به. أما المشيئة فلا يجوز أن تضاف للأقدار لأن المشيئة هي الإرادة، ولا إرادة للوصف، إنما الإرادة للموصوف) انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (3/113) . نسأل الله تعالى أن يشفيك ويعافيك، ويزيدك فقها وعلما. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 79178 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3062 هل نزول بقايا طعام في جوفه دون إرادته يفطره؟ [السُّؤَالُ] ـ[أضع مقوماً للأسنان بعد تناول السحور، لم أنتبه إلى علق بعض بقايا الطعام في المقوم بعد غسل أسناني، مما أدى إلى نزول قطعة في الحلق، وإخراجي قطعة أخرى، فهل يجب عليَّ القضاء أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ينبغي على المسلم الذي نوى الصوم أن ينظف أسنانه - ليلاً - مما قد يكون علق بها أو بينها من طعام، وعليه أن يحسن المضمضة في وضوئه لتزيل ما علق بالأسنان من طعام. ومن ابتلع بقايا الطعام التي بين أسنانه باختياره مع استطاعته إخراجها، فإنه يفطر بذلك، أما إذا ابتلعها من غير اختيار منه، كما لو جرت مع ريقه إلى حلقه ولم يستطع ردها، فصيامه صحيح ولا شيء عليه. قال النووي رحمه الله: "قال أصحابنا – أي: الشافعية -: إذا بقي في خلل أسنانه طعام: فينبغي أن يخلله في الليل، وينقي فمه، فإن أصبح صائماً وفي خلل أسنانه شيء فابتلعه عمداً: أفطر بلا خلاف عندنا، وبه قال مالك وأبو يوسف وأحمد ... . ودليلنا في فطره: أنه ابتلع ما يمكنه الاحتراز عنه، ولا تدعو حاجته إليه، فبطل صومه، كما لو أخرجه إلى يده ثم ابتلعه ... . أما إذا جرى به الريق فبلعه بغير قصد: فاختلف نقل الأصحاب عن الشافعي، فنقل بعضهم أنه يفطر، ونقل بعضهم أنه لا يفطر، والصحيح الذي قاله الأكثرون أنهما على حالين: فحيث قال " لا يفطر ": أراد إذا لم يقدر على تمييزه ومجِّه، وحيث قال " يفطر ": أراد إذا قدر فلم يفعل وابتلعه" انتهى بتصرف. " المجموع " (6 / 317) . وانظر جواب السؤال رقم (78438) ففيه كلام نفيس لابن قدامة، وانظر – أيضاً – جواب السؤال رقم (22981) ففيه ضوابط نافعة لمعرفة ما يفطر به الصائم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 79190 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3063 نزول الدم بسبب عملية هل يمنع الصيام؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا ولدت قبل أكثر من شهرين، ولم ينقطع دم النفاس إلى الآن، فاكتشفت طبيبة السونار وجود قطعة من مشيمة الطفل، فقمت بعملية لإزالتها، وهذا بعد مرور الأسبوع الأول من رمضان، وأنا لم أصم إلا بعد العملية، رغم أن الدم لم ينقطع، فماذا أفعل الآن؟ وهل صومي صحيح؟ وهل يمكن الجماع الآن والدم قليل جدّاً الآن بعد العملية؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أقصى مدة للنفاس هي أربعون يوماً، وبعدها تكون المرأة طاهراً، تصلي وتصوم ويأتيها زوجها ولو نزل الدم، وهذا الدم النازل بعد الأربعين يكون نزيفا وليس نفاساً. وقد سبق بيان ذلك بأدلته في جواب السؤال رقم (10488) . وعلى هذا، فصومك بعد إجراء العملية صحيح، ولو كان الدم نازلاً. وعليك قضاء الأسبوع الأول من رمضان الذي لم تصوميه. وأما الصلوات التي تركتيها بعد الأربعين يوماً، فلا يلزمك قضاؤها إن شاء الله تعالى. وانظري جواب السؤال رقم (45648) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 79202 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3064 تذوق الطعام للحاجة وابتلاعه نسياناً [السُّؤَالُ] ـ[لقد طلبت مني زوجتي مساعدتها في تحضير الإفطار وأثناء قيامي بمساعدتها تذوقت ملح الطعام ناسياً 0 فهل أفطرت بذلك لأنني قمت بعمل ليس واجب علي شرعاً ولا عرفاً 0 هذا والله يحفظكم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج على الصائم في تذوق الطعام للحاجة، بأن يجعله على طرف لسانه، ثم يمجه ويخرجه من فيه ولا يبتلع منه شيئا، سواء كان الصائم رجلا أو امرأة. فإن ابتلع الصائم منه شيئا ناسيا، فلا شيء عليه، وليتم صومه؛ وذلك لعموم الأدلة الدالة على عذر الناسي في الشريعة، ولقوله صلى الله عليه وسلم: " من نسي وهو صائم، فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه ". متفق عليه، البخاري 1399 ومسلم 1155. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 26837 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3065 حكم صيام من فكّر فأنزل [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان الرجل جالساً ثم فكّر، ثم نام ثم أنزل هو صائم في نهار رمضان فهل يفسد صيامه، وهل يقضي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من فكّر فأنزل، أو احتلم فأنزل لم يفسد صومه، وعليه غسل الجنابة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما سألته أم سليم: هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ قال: نعم إذا رأت الماء. وهكذا الرجل في الحكم. ولقوله عليه الصلاة والسلام: (الماء من الماء) , أما الصوم فصحيح، لأن الاحتلام ليس باختياره. وهكذا التفكير مما عفا الله عنه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ ما حدّثت به أنفسها ما لم تتكلّم أو تعمل) .. وهذا كلّه لطف من الله. [الْمَصْدَرُ] فتاوى الشيخ ابن باز ج/1 ص/243. الحديث: 22750 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3066 جامع زوجته من غير إنزال في نهار رمضان جاهلاً تحريم ذلك، ولا يغتسل بعد الجماع [السُّؤَالُ] ـ[تزوجت قبل تسع سنوات - خلال السنة الأولى من الزواج كنت أداعب زوجتي أثناء نهار رمضان ويتخلل ذلك جماع لها , جهلاً مني بتحريم ذلك حيث كنت أعتقد انه إذا لم يحصل إنزال فلا يفسد الصوم. - بعد السنة الأولى لم اكرر ما فعلت مره أخرى , وذلك كي أبعد نفسي عن الشبهات. - منذ أن تزوجت إلى الآن كنت أكرر ما حصل خلال السنة الأولى من مداعبة لزوجتي ولكن خلال ليل رمضان وباقي أيام السنة سواء ليل أو نهار ويتخلل ذلك الجماع من غير إنزال ولا أغتسل اعتقادا ًمني انه إذا لم يحصل إنزال فلا يوجب الغسل. ارجوا التكرم بالإجابة مع الأخذ بعين الاعتبار أن ما حصل هو جهل مني مع توضيح ما يلزمني أنا وزوجتي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هنا في السؤال مسألتان: الأولى: جماع الصائم. الثانية: أحكام من جامع ولم يغتسل. أولاً: جماع الصائم لزوجته في نهار رمضان لو حالان: الحال الأولى: أن يعتقد أن الجماع بدون إنزال غير محرَّم في نهار رمضان. فجامع وهو جاهل للحكم. الحالة الثانية: أن يعلم أن الجماع حرام ولكنه لا يعرف العقوبة. أما الحالة الأولى فقد قال فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " القول الراجح أن من فعل مفطراً من المفطرات أو محظوراً من المحظورات في الإحرام أو مفسداً من المفسدات في الصلاة وهو جاهل فإنه لا شيء عليه، لقول الله تعالى: (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) فقال الله: قد فعلت. فهذا الرجل الذي أتى أهله في نهار رمضان إذا كان جاهلاً بالحكم، يظن أن الجماع المحرَّم هو ما كان فيه إنزال فإنه لا شيء عليه. وأما الحال الثانية فإن كان يدري أن الجماع حرام ولكنه لا يعرف أن فيه الكفارة فإن عليه الكفارة، لأن هناك فرقاً بين الجهل بالحكم وبين الجهل بالعقوبة، فالجهل بالعقوبة لا يُعذر به الإنسان، والجهل بالحكم يعذر به الإنسان. ولهذا قال العلماء: لو شرب الإنسان مسكراً يظنُّ أنه لا يُسكر أو يظن أنه ليس بحرام فإنه ليس عليه شيء، ولو علم أنه يسكر وأنه حرام ولكن لا يدري أنه يُعاقب عليه، فعليه العقوبة ولا تسقط عنه، وبناء عليه نقول للسائل ما دمت لا تدري أنه يحرم عليك الجماع بدون إنزال فإنه لا شيء عليك ولا على زوجتك إذا كانت مثلك في الجهل. ثانياً: أثر هذا الفعل على الصيام والصلاة. أما الصيام فلا أثر للجنابة فيه، إذ أن الجنب يصح صومه، لكن ترك الغسل للصلاة هو المشكلة، فالصلاة لا تصح بدون اغتسال لبقاء الجنابة وأكثر العلماء على أنه يجب على هذا الإنسان أن يقضي جميع الصلوات التي لم يغتسل لها لكن من المعلوم أن هذا الرجل سوف يجامع فيحصل إنزال فيغتسل. إلا أنه قد يخفى عليه مقدار ما حصل فيه الخلل مما اغتسل له فنقول له تحرّ واقض احتياطاً وإذا كنت لا تعلم عن هذا شيئاً ولم يخطر ببالك أن الجماع المجرد عن الإنزال يوجب الغسل فنرجو أن لا يكون عليك شيء، أي أن لا يكون عليك قضاء لكن عليك التوبة، والاستغفار من التفريط في ترك السؤال. الشيخ ابن عثيمين، اللقاء الشهري ويراجع جواب سؤال رقم (9446) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 21806 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3067 الضابط في المفطرات التي تفطّر الصائم [السُّؤَالُ] ـ[فيمن يطحن الحبوب إذا تطاير إلى حلقه شيء من جرّاء ذلك وهو صائم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إنه لا يجرح صومهم، وصومهم صحيح، لأن تطاير هذه الأشياء بغير اختيارهم، وليس لهم قصد في وصولها أجوافهم، وأحب بهذه المناسبة أن أبيّن أن المفطرات التي تُفطر الصائم من الجماع والأكل والشرب وغيرها لا يفطر بها الصائم إلا بثلاثة شروط: أولاً: أن يكون عالماً فإن لم يكن عالماً لم يُفطر. لقول الله تعالى: (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمّدت قلوبكم) الأحزاب/5، ولقوله: (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) البقرة/286 فقال الله: (قد فعلت) . ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) ، والجاهل مخطئ، ولو كان عالماً ما فعل. فإذا فعل شيئاً من المفطرات جاهلاً فلا شيء عليه وصومه تام وصحيح سواء كان جهله في الحكم أم بالوقت. مثال جهله بالحكم: أن يتناول شيئاً من المُفطرات يظنّ أنه لا يفطر، كما لو احتجم يظنّ أن الحجامة لا تُفطّر فنقول صومك صحيح ولا شيء عليك. إلى غير ذلك من الأمور التي تقع للمرء بغير اختياره، فإنه لا حرج عليه ولا يُفطر بذلك لما ذكرنا. والخلاصة أن جميع المفطرات لا يفطر بها الإنسان إلا بشروط ثلاثة: أولاً: أن يكون عالماً. ثانياً: أن يكون ذاكراً. ثالثاً: أن يكون مختاراً. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] فتاوى الشيخ ابن عثيمين ج/1 ص/ 508. الحديث: 22981 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3068 إذا بلع بعض أجزاء جِلده فهل يفطر؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل إذا أكلت قطعة من جلدي صغيرة أصغر من ربع الظفر فهل هذا سيفطرني؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز للصائم أن يُدخل إلى جوفه شيئا من أكل أو شراب أو دواء، والأكل هو إدخال جامد إلى المعدة عن طريق الفم، ولو كان ضارا أو غير نافع كحصاة أو ظفر أو جلدة أو غير ذلك , وهذا قول الأئمة الأربعة لا يعرف بينهم خلاف. انظر: "حاشية ابن قاسم على الروض المربع" (3/389) . قال الشيرازي الشافعي رحمه الله: " ولا فرق بين أن يأكل ما يؤكل وما لا يؤكل , فإن استف تراباً أو ابتلع حصاةً أو درهماً أو ديناراً: بطل صومه؛ لأن الصوم هو الإمساك عن كل ما يصل إلى الجوف , وهذا ما أمسك ; ولهذا يقال: فلان يأكل الطين ويأكل الحجر " انتهى. وعلق النووي رحمه الله عليه فقال: " قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله: إذا ابتلع الصائم ما لا يؤكل في العادة كدرهم ودينار أو تراب أو حصاة، أو حشيشاً أو حديداً أو خيطاً أو غير ذلك: أفطر بلا خلاف عندنا، وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد وداود وجماهير العلماء من السلف والخلف " انتهى. " المجموع " (6 / 340) . وعليه، فابتلاع هذه القطعة من الجلد يعتبر مفسدا للصيام، لكن من ابتلعها من غير قصد منه ولا تعمد، فصيامه صحيح ولا شيء عليه. قال علماء اللجنة الدائمة: " وإذا كان في لثته قروح أو دميت بالسواك: فلا يجوز ابتلاع الدم، وعليه إخراجه، فإن دخل حلقه بغير اختياره ولا قصده: فلا شيء عليه، وكذلك القيء إذا رجع إلى جوفه بغير اختياره فصيامه صحيح " انتهى. " فتاوى اللجنة الدائمة " (10 / 254) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 78479 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3069 مريضة وتشعر بنزول دم في حلقها فماذا تصنع؟ [السُّؤَالُ] ـ[امرأة مصابة بمرض " تكسر خلايا الدم "، وعند صومها تشعر بطعم دم في حلقها وتتعرض لهذا الأمر ليس بشكل دائم ولكن غالباً، وعندما تقضي صومها يحصل لها نفس الأمر، فما عساها أن تفعل في صومها؟ وهل يفطِّر طعم الدم في الحلق أو إذا دخل منه شيء غلبة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ينبغي أن يعلم المريض الذي رُخص له بالإفطار أنه يُكره له الصوم إن كان يشق عليه، ويحرم عليه إن كان يضره، وقد رخص الله تعالى له بالفطر فلا يجوز له أن يشق على نفسه، ولا يحل له التسبب بضرر نفسه. وبلع الدم من المفطرات، لكن من دخل في حلقه شيء من الدم بغير اختيار ولا قصد فلا شيء عليه ولا يفطر بذلك، فإن تعمد بلعه فإنه يفطر بذلك. قال ابن قدامة رحمه الله: " فإن سال فمه دماً , فازدرده (يعني ابتلعه) أفطر , وإن كان يسيراً ; لأن الفم في حكم الظاهر , والأصل حصول الفطر بكل واصل منه , لكن عفي عن الريق ; لعدم إمكان التحرز منه , فما عداه يبقى على الأصل , وإن ألقاه من فيه , وبقي فمه نجساً أو تنجس فمه بشيء من خارج , فابتلع ريقه: فإن كان معه جزء من المنجس أفطر بذلك الجزء , وإلا فلا " انتهى. " المغني " (3 / 36) . وقال علماء اللجنة الدائمة: " وإذا كان في لثته قروح أو دميت بالسواك: فلا يجوز ابتلاع الدم، وعليه إخراجه، فإن دخل حلقه بغير اختياره ولا قصده: فلا شيء عليه، وكذلك القيء إذا رجع إلى جوفه بغير اختياره فصيامه صحيح " انتهى. " فتاوى اللجنة الدائمة " (10 / 254) . وقد سئل الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله: هل يفطر الإنسان بخروج الدم عند قلع الضرس؟ فأجاب: " خروج الدم من قلع الضرس لا يؤثر ولا يضر الصائم شيئاً، ولكن يجب على الصائم أن يتحرز من ابتلاع الدم؛ لأن الدم خارج طارىء غير معتاد، يكون ابتلاعه مفطراً، بخلاف ابتلاع الريق فإنه لا يفطر، فعلى الصائم الذي خلع ضرسه أن يحتاط وأن يحترز من أن يصل الدم إلى معدته؛ لأنه يفطر، لكن لو أن الدم تسرب بغير اختياره، فإنه لا يضره؛ لأنه غير متعمد لهذا الأمر " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (19 / السؤال رقم 213) . وقال الشيخ رحمه الله أيضاً: " إذا كان في الإنسان نزيف من أنفه وبعض الدم ينزل إلى جوفه وبعض الدم يخرج، فإنه لا يفطر بذلك؛ لأن الذي ينزل إلى جوفه ينزل بغير اختياره، والذي يخرج لا يضره " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (19 / السؤال رقم 328) . والخلاصة: أنه يستحب لها الفطر إن كان الصوم يشق عليها، ويجب عليها إن كان الصوم يضرها، وفي حال فطرها: عليها القضاء إن كانت تستطيع القضاء، وإن كانت لا تستطيع القضاء، فعليها الفدية، وهي إطعام مسكين عن كل يوم. ونسأل الله رب العالمين أن يكتب لها الأجر على صبرها، وأن يشفيها ويعافيها عاجلاً غير آجل. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 78484 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3070 المراسلة بين الجنسين وأثرها على الصيام [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم إذا أنا راسلت صديقتي على النت في رمضان طالما في حدود الاحترام وهي تفتح الكاميرا وأنا أراها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: من المقاصد الضرورية في الشريعة الإسلامية: حفظ النسل والأعراض؛ من أجل ذلك حرّم الله الزنا، وحرم وسائله التي قد تفضي إليه، من خلوة رجل بامرأة أجنبية منه، ونظرة آثمة، وسفر بلا محرم، وخروج المرأة من بيتها معطرة متبرجة كاسية عارية. ومن ذلك: حديث الرجل الخادع مع المرأة، وخضوعها له بالقول إغراء له وتغريراً به، وإثارة لشهوته، وليقع في حبالها، سواء كان ذلك عند لقاء في طريق، أو في محادثة هاتفية، أو مراسلة كتابية، أو غير ذلك. وقد حرم الله على نساء رسوله صلى الله عليه وسلم - وهن الطاهرات - أن يتبرجن تبرج الجاهلية الأولى، وأن يخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض، وأمرهن أن يقلن قولاً معروفاً، قال الله تعالى: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً) الأحزاب/32. راجع سؤال رقم (10221) . والمحادثات والمراسلات بين الرجل والمرأة، عن طريق النت هي باب من أبواب الفتنة والشر، وذلك لما يترتب على هذه المحادثات من تساهل في الحديث يدعو إلى الإعجاب والافتتان غالبا، ولهذا فإن الواجب هو الحزم والابتعاد عن ذلك، ابتغاء مرضاة الله، وحذرا من عقابه. وكم جَرَّت هذه المحادثات على أهلها من شر وبلاء، حتى أوقعتهم في عشق وهيام، وقادت بعضهم إلى ما هو أعظم من ذلك. راجع سؤال رقم (34841) . وقد سئل الشيخ ابن جبرين: ما حكم المراسلة بين الشبان والشابات علما بأن هذه المراسلة خالية من الفسق والعشق والغرام؟ فأجاب: " لا يجوز لأي إنسان أن يراسل امرأة أجنبية عنه؛ لما في ذلك من فتنة، وقد يظن المراسل أنه ليست هناك فتنة، ولكن لا يزال به الشيطان حتى يغريه بها، ويغريها به. وقد أمر صلى الله عليه وسلم من سمع بالدجال أن يبتعد عنه، وأخبر أن الرجل قد يأتيه وهو مؤمن ولكن لا يزال به الدجال حتى يفتنه. ففي مراسلة الشبان للشابات فتنة عظيمة وخطر كبير يجب الابتعاد عنها وإن كان السائل يقول: إنه ليس فيها عشق ولا غرام " انتهى. "فتاوى المرأة" جمع محمد المسند (ص 96) . ثانياً: الصائم مأمور بتقوى الله تعالى، وفعل ما أمر، واجتناب ما نهى عنه. فليس المقصود من الصيام مجرد الامتناع عن الطعام والشراب، وإنما المقصود تحقيق تقوى الله تعالى (لعلكم تتقون) ، وتهذيب النفس، والتخلي عن رذائل الأعمال، وسفاسف الأخلاق، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس الصيام من الأكل والشرب، إنما الصيام من اللغو والرفث) رواه الحاكم، وصححه الألباني في صحيح الجامع (5376) . وقد سبق في جواب السؤال رقم (50063) بيان أثر المعاصي على الصوم وأنها قد تذهب ثوابه بالكلية. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 78375 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3071 ابتلاع بقايا الطعام في فمه أثناء النهار [السُّؤَالُ] ـ[عندما يستيقظ الشخص في الصباح وهو صائم وكانت في فمه بقايا من سحوره فما الحكم إذا ابتلعه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لاشك أن الأكل من مفسدات الصيام، قال تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) البقرة/187. ومعلوم عند المسلمين أن الصيام هو الإمساك عن الأكل والشرب والجماع، وسائر المفطرات. "مجموع فتاوى شيخ الإسلام" (25/219) . والأكل هو إيصال جامد إلى المعدة عن طريق الفم. انظر: "حاشية ابن قاسم على الروض المربع" (3/389) . ولا يشترط في هذا الأكل أن يكون نافعاً أو كثيراً، بل لو ابتلع شيئا لا ينتفع به (خرزة مثلا) أو ابتلع شيئا قليلا، فإنه يكون قد أفطر وأفسد صيامه. وابتلاع بقايا الطعام التي تكون بين الأسنان يعتبر أكلا فيكون مفسدا للصيام. وهذا إذا ابتلعها الصائم مختاراً. بحيث تمكن من إخراجها ولكنه ابتلعها عمدا، أما إذا سبقت إلى حلقه وابتلعها ولم يتمكن من إخراجها فلا حرج عليه وصيامه صحيح، لأنه يشترط في جميع مفسدات الصيام أن يفعلها الصائم مختاراً، فإن فعلها مكرهاً بغير اختياره فصومه صحيح ولا شيء عليه. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (22981) . قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (3/260) : " ومن أصبح بين أسنانه طعام ; لم يخل من حالين: أحدهما: أن يكون يسيرا لا يمكنه لفظه , فازدرده (أي ابتلعه) , فإنه لا يفطر به ; لأنه لا يمكن التحرز منه , فأشبه الريق , قال ابن المنذر: أجمع على ذلك أهل العلم. الثاني: أن يكون كثيرا يمكن لفظه , فإن لفظه فلا شيء عليه , وإن ازدرده عامدا , فسد صومه في قول أكثر أهل العلم، لأنه بلع طعاما يمكنه لفظه باختياره , ذاكرا لصومه , فأفطر به , كما لو ابتدأ الأكل " انتهى بتصرف يسير. وخلاصة الجواب: أنه إذا تمكن من إخراجها ولكنه لم يفعل وابتلعها فقد أفسد صيامه، وإذا ابتلعها بغير اختياره فصومه صحيح ولا شيء عليه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 78438 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3072 هل يجوز الجماع خلال شهر رمضان [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز الجماع خلال شهر رمضان؟ وهل يجوز الجماع في ليالي رمضان والاستحمام قبل السحور؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الجماع خلال نهار رمضان حرام على الرجل والمرأة الواجب عليهما الصوم فيه، وفي فعله إثم وكفارة، والكفارة هي: عتق رقبة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما نحن جلوس عند النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله هلكتُ، قال: ما لك؟ قال: وقعتُ على امرأتي وأنا صائم [في رمضان] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل تجد رقبة تعتقها؟ قال: لا، قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، فقال: فهل تجد إطعام ستين مسكيناً؟ قال: لا، قال: فمكث النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم فبينا نحن على ذلك أُتي النَّبي صلَّى الله عليه وسلم بعَرَق – أي: قفة كبيرة – فيها تَمْر، قال: أين السائل؟ فقال: أنا، قال: خذها فتصدَّق به، فقال الرجل: أعلَى أفقر منِّي يا رسول الله؟ فو الله ما بين لابتيها - يريد الحرتين - أهل بيت أفقر من أهل بيتي، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال: أطعمه أهلك. رواه البخاري (1834) و (1835) ومسلم (1111) . ثانياً: وأما الجماع في ليالي رمضان فجائز غير ممنوع، وتستمر الإباحة إلى وقت دخول الفجر، فإن طلع الفجر حرُم الجماع. قال تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} البقرة / 187. والآية نص على إباحة الأكل والشرب والجماع في ليالي رمضان إلى الفجر. ويجب بعد الجماع الاغتسال ثم صلاة الفجر. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 23339 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3073 الاستمناء ومباشرة المرأة حتى الإنزال في نهار رمضان [السُّؤَالُ] ـ[إذا استمنى الرجل أو قبل امرأته حتى أنزل المني، ولكنه لم يجامع، فهل يفسد صومه بهذا، وماذا يجب عليه، وهل لذلك كفارة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الاستمناء محرم، وسبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (329) وهو في رمضان أشد تحريما. ثانياً: الاستمناء وكذلك مباشرة المرأة وتقبيلها حتى إنزال المني مفسد للصيام، وعلى من فعل ذلك أن يتوب إلى الله تعالى من هذا الفعل المحرم، ويقضي يوماً مكان هذا اليوم الذي أفسده، ولا تجب عليه كفارة، لأن الكفارة لا تجب إلا بالجماع في نهار رمضان. قال ابن قدامة في "المغني" (4/363) : " وَلَوْ اسْتَمْنَى بِيَدِهِ فَقَدْ فَعَلَ مُحَرَّمًا , وَلا يَفْسُدُ صَوْمُهُ بِهِ إلا أَنْ يُنْزِلَ , فَإِنْ أَنْزَلَ فَسَدَ صَوْمُهُ " انتهى. وقال أيضا (4/361) : " إذَا قَبَّلَ (أي زوجته) فَأَمْنَى فَيُفْطِرَ بِغَيْرِ خِلافٍ نَعْلَمُهُ " انتهى. وقال النووي في "المجموع" (6/349) :" إذَا قَبَّلَ أَوْ بَاشَرَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ بِذَكَرِهِ أَوْ لَمَسَ بَشَرَةَ امْرَأَةٍ بِيَدِهِ أَوْ غَيْرِهَا , فَإِنْ أَنْزَلَ الْمَنِيَّ بَطَلَ صَوْمُهُ وَإِلا فَلا , وَنَقَلَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ الإِجْمَاعَ عَلَى بُطْلانِ صَوْمِ مَنْ قَبَّلَ أَوْ بَاشَرَ دُونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ " انتهى باختصار. وقال في "بداية المجتهد" (1/382) : " كلهم يقولون: ـ يعني الأئمة ـ أن من قبل فأمنى فقد أفطر " انتهى. وقال ابن عبد البر في "الاستذكار" (3/296) : " لا أعلم أحدا أرخص في القبلة للصائم إلا وهو يشترط السلامة مما يتولد منها، وأن من يعلم أنه يتولد عليه منها ما يفسد صومه وجب عليه اجتنابها " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين في "فتاوى الصيام" (ص 237) : " ولا يحل لإنسان أن يداعب زوجته إذا عرف من نفسه أنه ينزل بهذه المداعبة، لأن بعض الناس يكون سريع الإنزال فبمجرد ما يداعب المرأة، أو يقبلها مثلاً أو ما أشبه ذلك ينزل. فنقول لهذا الرجل: لا يحل لك أن تداعب امرأتك ما دمت تخشى أن تنزل " انتهى. وقال أيضاً في "الشرح الممتع" (6/234-235) : " إذا طلب خروج المني بأي وسيلة، سواء بيده، أو بالتدلك على الأرض، أو ما أشبه ذلك حتى أنزل، فإنّ صومه يفسد بذلك، وهذا ما عليه الأئمة الأربعة رحمهم الله مالك، والشافعي، وأبو حنيفة، وأحمد. وأبى الظاهرية ذلك وقالوا: لا فطر بالاستمناء ولو أمنى، لعدم الدليل من القرآن والسنة على أنه يفطر بذلك، ولا يمكن أن نفسد عبادة عباد الله إلا بدليل من الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم. ولكن عندي والله أعلم أنه يمكن أن يستدل على أنه مفطر من وجهين: الوجه الأول النص: فإن في الحديث الصحيح أن الله سبحانه وتعالى قال في الصائم: (يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي) والاستمناء شهوة، وخروج المني شهوة، والدليل على أن المني يطلق عليه اسم شهوة قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (وفي بضع أحدكم صدقة قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في الحرام أكان عليه وزر؟ كذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر) والذي يوضع هو المني. الوجه الثاني: القياس، فنقول: جاءت السنة بفطر الصائم بالاستقاء إذا قاء، وبفطر المحتجم إذا احتجم وخرج منه الدم، وكلا هذين يضعفان البدن. أما خروج الطعام فواضحٌ أنه يضعف البدن؛ لأن المعدة تبقى خالية فيجوع الإنسان ويعطش سريعاً. وأما خروج الدم فظاهر أيضاً أنه يضعف البدن، وخروج المني يحصل به ذلك فيفتر البدن بلا شك، ولهذا أمر بالاغتسال ليعود النشاط إلى البدن، فيكون هذا قياساً على الحجامة والقيء. وعلى هذا نقول: إن المني إذا خرج بشهوة فهو مفطر للدليل والقياس " انتهى باختصار. وبهذين الدليلين: قضاء الشهوة، وإضعاف البدن، استدل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على أن الاستمناء مفسد للصيام. انظر "مجموع الفتاوى" (25/251) . وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " الاستمناء في نهار الصيام يبطل الصوم إذا كان متعمدا ذلك وخرج منه المني، وعليه أن يقضي إن كان الصوم فريضة، وعليه التوبة إلى الله سبحانه وتعالى؛ لأن الاستمناء لا يجوز لا في حال الصوم ولا في غيره، وهو التي يسميها الناس العادة السرية " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (15/267) . وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء (10/256) : " الاستمناء في رمضان وغيره حرام، لا يجوز فعله؛ لقوله تعالى: (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) ، وعلى من فعله في نهار رمضان وهو صائم أن يتوب إلى الله، وأن يقضي صيام ذلك اليوم الذي فعله فيه، ولا كفارة؛ لأن الكفارة إنما وردت في الجماع خاصة " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 71213 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3074 عدوان على طفلة، تتأثر به حياتها ثلاثين عاما!! [السُّؤَالُ] ـ[تعرضت صديقتي وهي طفلة صغيرة لاعتداء من أحد أصدقاء أبيها كان يأتي لينتظره، وكان يجبرها على معاشرته وهي طفلة عمرها 5 سنوات، كانت تظن ذلك شيئاً جديداً لا أستطيع الوصف بالضبط ولكنه لا بد أنه شخص شاذ، خلق عندها إحساس باللذة الجنسية أدى ذلك أنها كانت تفعل ذلك أثناء عمرها كله وهي لا تعرف شيئاً، فهل ذلك ما يسمَّى العادة السرية؟ وكانت تأتيها هذه الحاجة أثناء الصيام، وكانت تفعله، فهي وقتها تكون مقيدة تريد أن تفعل ما تعودت عليه طول العمر، فهل صيام تلك الأيام لا تجوز؟ وهل الكفارة أن تصوم فقط حيث إنها لم تكن تعرف شيئاً اسمه العادة السرية؟ ادع لها بالشفاء. السؤال: 1. كيف تكفر عن هذا الذنب في الصيام؟ . 2. كيف تشفى من هذا الشيء؟ . إنها تقرأ القرآن قبل النوم وترى نفسها بحاجة لفعل ذلك مع العلم أن سنها 34 ولم تتزوج.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا شك أن ما فعله هذا الخائن الغادر بالفتاة أمرٌ منكر، وهو من كبائر الذنوب، وهذا من نتائج تساهل الأسر وتفريطها في الأمور الشرعية، من حيث سماحهم للأجنبي بدخول المنزل في حال غياب رب البيت، ومن حيث تساهلهم في الخلوة المحرمة بين الرجال والنساء، ومن حيث ظهور البنات أو النساء بزينتهن أمام الرجال الأجانب، وهو بالضبط ما حدث مع صديقتكِ وذلك الخسيس الذي مُكِّن من دخول البيت بغياب والد الفتاة، وظهور الفتاة عليه وحدها، وهو ما مكَّنه من فعل تلك الأعمال الخسيسة بها. وهذا وغيره كثير من نتائج التساهل والتفريط في المنهيات الشرعية، ولم ينه الشرع عن أمرٍ إلا لحكَم بالغة، وبالتأمل فيها تجد أنها لحفظ الأعراض والأموال والأنساب والدين والعقل، وهي الضرورات الخمس التي جاءت الشرائع كلها لحفظها. ثانياً: العادة السرية هي استثارة الإنسان نفسه بنظرٍ أو احتكاك حتى ينزل المني، وهي من الأفعال المحرَّمة، وقد أوضحنا ذلك في جوابنا على السؤال (329) فليراجع. فأبلغي صديقتكِ أنه يجب عليها التوبة من هذا الفعل بالإقلاع عنه، والندم على فعله، والعزم على عدم العودة إليه. وعلاج هذه العادة السيئة المحرَّمة يكون بوقوفها على آثارها المدمرة، ويكون بالأخذ بالوصايا والنصائح الشرعية. فانصحيها بغض البصر عن النظر إلى الرجال، فالنظرة المحرَّمة سهم من سهام الشيطان وأن تبتعد عن المبيت أو العيش وحدها، وأن تكثر من الصيام؛ ففيه تهذيب للنفس وغض للبصر وحفظ للفرج، والإكثار من الذكر والاستغفار والتسبيح، والدعاء بصدق أن يُبعدها الله عن المحرمات وطرقها، ولا بدَّ لها من صحبة صالحة تعينها على طاعة الله تعالى، وتدلها على الخير وتنهاها عن المنكر والشر، كذلك يجب أن تسعى لحفظ فرجها بالزواج، فهو خير ما يعف الرجل والمرأة عن الوقوع في الحرام ومنه العادة السرية؛ وهنا يأتي دور مضاعف للرفقة الصالحة، التي تحاول أن تشغلها بالطاعة عن المعصية، وبالتوبة عن الاستمرار فيما هي فيه، ثم، مع ذلك كله، أن تسعى لإحصان فرجها بالبحث عن الزوج المناسب، وتشجيعها على الاقتران به. ويمكن الاطلاع على أجوبة المسائل: (20229) ففيه بيان الوسائل التي تعين على غض البصر، وفي جواب السؤال رقم (20161) فيه بيان حل مشكلة الشهوة وتصريفها. ثالثاً: ولمعرفة ما يتعلق بممارسة هذه العادة من أحكام في نهار رمضان للعالِم بحكمِها: ينظر جواب الأسئلة: (38074) و (37887) و (2571) . أما ما يتعلق بها من أحكام لمن فعلها جاهلا حكمَها: فهي مبينة في جواب السؤال (50017) وفيه تفصيل لا تحتاجين معه لغيره. ونسأل الله تعالى أن يهدي قلبها، ويطهر جوارحها، وأن يجبر كسرها، وأن يعينها على طاعته وحسن عبادته. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 70313 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3075 حكم قطرة العين للصائم [السُّؤَالُ] ـ[قطرة العين إذا دخل طعم مرارتها إلى الحلق هل تفطر؟ وإذا كانت تفطر وقد وضعتها في النهار ثم نمت ولم أدري أبتلعته أم لا فما الحكم؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف العلماء في قطرة العين هل تفطر الصائم أم لا؟ والذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وكذا الشيخ ابن عثيمين أنها لا تفطر. قال الشيخ ابن عثيمين: وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إلى أن الكحل لا يفطر ولو وصل طعم الكحل إلى الحلق، وقال إن هذا لا يسمى أكلاً وشرباً، ولا بمعنى الأكل والشرب، ولا يحصل به ما يحصل بالأكل والشرب، وليس عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث صحيح صريح يدل على أن الكحل مفطر، والأصل عدم التفطير، وسلامة العبادة حتى يثبت لدينا ما يفسدها، وما ذهب إليه رحمه الله هو الصحيح ولو وجد الإنسان طعمه في حلقه، ويناءً على ما اختاره شيخ الإسلام لو أنه قطر في عينيه وهو صائم فوجد الطعم في حلقه فإنه لا يفطر بذلك) الشرح الممتع (6 / 382) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 22199 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3076 أجرت عملية في رمضان فنزل عليها الدم أياماً [السُّؤَالُ] ـ[أجريت لي عملية جراحية في الجهاز التناسلي، ليست لها علاقة بإجهاض أو ولادة في رمضان، وأدميت لبضعة أيام بعد العملية، وقال لي الطبيب: إنني أستطيع الصوم، فصمت. فما حكم صومي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الدم الخارج من المرأة إما أن يكون دم حيض أو نفاس، فهذا لا يصح معه الصوم بالإجماع. لما روى البخاري (1951) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ – يعني المرأة - لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ؟) . وإما ألا يكون دم حيض ونفاس، كالدم الخارج بسبب نزيف من الرحم، أو إجراء عملية جراحية ونحو ذلك، فهذا لا يمنع من الصلاة والصيام، بل تكون المرأة طاهرة تفعل ما يفعله الطاهرات، إلا أنها تتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها. انظر السؤال (39494) . ولهذا لما سألت المرأةُ المستحاضة النبيَّ صلى الله عليه وسلم وقالت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لا أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ الصَّلاةَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ، وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَاتْرُكِي الصَّلاةَ، فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي) . رواه البخاري (306) ومسلم (333) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن امرأة أجرت عملية وبعد العملية وقبل العادة بأربعة أو خمسة أيام رأت دماً أسود غير دم العادة، وبعدها مباشرة جاءتها العادة مدة سبعة أيام فهل هذه الأيام التي قبل العادة تحسب منها؟ فأجاب: " المرجع في هذا إلى الأطباء، لأن الظاهر أن الدم الذي حصل لهذه المرأة كان نتيجة العملية، والدم الذي يكون نتيجة العملية ليس حكمه حكم الحيض، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في المرأة المستحاضة: (إن ذلك دم عرق) . وفي هذا إشارة إلى أن الدم الذي يخرج إذا كان دم عرق - ومنه دم العملية - فإن ذلك لا يعتبر حيضاً، فلا يحرم به ما يحرم بالحيض، وتجب فيه الصلاة والصيام إذا كان في نهار رمضان " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عيثمين" (11/277) . وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما حكم من نزف دماً وهو صائم؟ فأجابوا: " إذا نزف من الشخص دم بغير اختياره وهو صائم فإن صيامه صحيح " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (10/268) . وعلى هذا فصومك صحيح إن شاء الله تعالى. ونسأل الله تعالى الشفاء لجميع مرضى المسلمين. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 67777 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3077 إذا سافر الصائم أثناء النهار فله الفطر [السُّؤَالُ] ـ[إذا نويت الصيام من الليل وأصبحت صائماً، ثم أردت أن أسافر بالنهار فهل يجوز لي أن أفطر أم يجب علي أن أكمل الصيام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، يجوز للصائم أن يفطر إذا سافر أثناء النهار، وهو مذهب الإمام أحمد رحمه الله. انظر "المغني" (4/345) . وقد دل على ذلك الكتاب والسنة. أما الكتاب فقول الله تعالى: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/185. ومن سافر أثناء النهار فهو "على سفر" فله أن يفطر ويترخص برخص السفر. وأما السنة فقد روى أحمد (26690) أبو داود (2412) عَنْ عُبَيْدٍ بْنَ جَبْرٍ قَالَ: رَكِبْتُ مَعَ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفِينَةٍ مِنْ الْفُسْطَاطِ فِي رَمَضَانَ، فَدَفَعَ ثُمَّ قَرَّبَ غَدَاءَهُ (وفي رواية لأحمد: فَلَمَّا دَفَعْنَا مِنْ مَرْسَانَا أَمَرَ بِسُفْرَتِهِ فَقُرِّبَتْ) ثُمَّ قَالَ: اقْتَرِبْ. فَقُلْتُ: أَلَسْنَا نَرَى الْبُيُوتَ! فَقَالَ أَبُو بَصْرَةَ: أَرَغِبْتَ عَنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! "وَقَوْل الصَّحَابِيّ مِنْ السُّنَّة يَنْصَرِف إِلَى سُنَّة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" اهـ من عون المعبود. قال ابن القيم في "تهذيب السنن": "وَفِيهِ حُجَّة لِمَنْ جَوَّزَ لِلْمُسَافِرِ الْفِطْر فِي يَوْمٍ سَافَرَ فِي أَثْنَائِهِ. وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الإِمَام أَحْمَد , وَقَوْل عَمْرو بْن شُرَحْبِيل وَالشَّعْبِيّ وَإِسْحَاق. وَحَكَاهُ عَنْ أَنَس , وَهُوَ قَوْل دَاوُدَ وَابْن الْمُنْذِر" اهـ. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (25/212) : "وَإِذَا سَافَرَ فِي أَثْنَاءِ يَوْمٍ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَد. أَظْهَرُهُمَا: أَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ. كَمَا ثَبَتَ فِي السُّنَنِ أَنَّ مِنْ الصَّحَابَةِ مَنْ كَانَ يُفْطِرُ إذَا خَرَجَ مِنْ يَوْمِهِ وَيَذْكُرُ أَنَّ ذَلِكَ سُنَّةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ نَوَى الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ ثُمَّ إنَّهُ دَعَا بِمَاءِ فَأَفْطَرَ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إلَيْهِ" اهـ. وانظر: "الشرح الممتع" (6/217) . ولكن ليس له أن يفطر حتى يشرع في السفر ويفارق بلده، ولا يجوز له أن يفطر وهو في بلده. قال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (6/218) : "إذا سافر أثناء اليوم فله الفطر، ولكن هل يشترط أن يفارق قريته؟ أو إذا عزم على السفر وارتحل فله أن يفطر؟ الجواب: في هذا قولان عن السلف. والصحيح أنه لا يفطر حتى يفارق القرية، لأنه لم يكن الآن على سفر ولكنه ناوٍ للسفر , ولذلك لا يجوز أن يقصر حتى يخرج من البلد فكذلك لا يجوز أن يفطر حتى يخرج من البلد" اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 48975 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3078 هل يبطل صومه بانكشاف عورته ورؤية أحدهم لها؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا رآني أحد أصدقائي عاريا أو انكشفت عورتي أمامه أثناء الصيام فهل يبطل ذلك صيامي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إظهار العورة أمام من لا يحل له النظر إليها حرام، ولا يحل لأحدٍ فعله لا في رمضان ولا في غيره، فيحرم كشفها ويحرم النظر إليها. فعن بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ عن أَبِيه عَنْ جَدِّه رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ؟ قَالَ: (احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ) ، فَقَالَ: الرَّجُلُ يَكُونُ مَعَ الرَّجُلِ؟ قَالَ: (إِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ لا يَرَاهَا أَحَدٌ فَافْعَلْ) ، قُلْتُ: وَالرَّجُلُ يَكُونُ خَالِيًا؟ قَالَ: (فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ) رواه الترمذى (2794) وحسَّنه، وابن ماجه (1920) , وحسنه الألباني في " صحيح الترمذي ". وعن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَلا الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ) رواه مسلم (338) . قال النووي رحمه الله: " فيه تحريم نظر الرجل إلى عورة الرجل , والمرأة إلى عورة المرأة , وهذا لا خلاف فيه " انتهى. " شرح مسلم " (4 / 30) . وأما إن كانت المسألة ظهور العورة عن غير قصد فليس عليك إثم، ويجب على الآخر أن يغض بصره عنها. وليس الصوم بفاسد على كلا الحالتين – العمد والخطأ -، وقد سبق في جواب السؤال رقم (38023) بيان مفسدات الصيام، فلتنظر هناك. وقد سبق في جواب السؤال رقم (37658) بيان أثر المعاصي على الصيام، وأنها تنقص ثوابه، وقد تذهبه بالكلية. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 66888 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3079 يرى رأي ابن حزم في المباشرة فهل يجوز لزوجته مداعبته وهو صائم؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان الزوج يأخذ برأي الظاهرية وابن حزم والألباني في كون نزول المني من دون جماع لا يفطّر فهل يجوز للزوجة مداعبة زوجها في نهار رمضان حتى لو ترتب على ذلك نزول المذي أو المني منه؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يختلف حكم نزول المذي عن نزول المني، والراجح من أقوال أهل العلم أن نزول المذي لا يبطل الصوم، لا من الرجل ولا من المرأة، وقد سبق ذكر أقوال أهل العلم في هذه المسألة في جواب السؤال رقم: (49752) . ثانياً: ينبغي أن يعلم أنه لا يحل لأحد أن يأخذ بقول فلان أو فلان من العلماء لمجرد التشهي، أو لأن هذا القول يوافق هواه، والواجب عند اختلاف العلماء هو ما أمر الله تعالى به في قوله: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) النساء/59. فلا يحل لأحد أن يقول: أنا آخذ بقول فلان من العلماء، ويصادم بذلك حديثا ثابتاً عن النبي صلى الله عليه وسلم. ولذلك قال الإمام الشافعي رحمه الله: أجمع العلماء على أن من استبانت له سنة النبي صلى الله عليه وسلم لم يحل له أن يدعها لقول أحد اهـ. مدارج السالكين (2/335) . فإذا ثبت الحكم بالدليل الصحيح فلا قول لأحد كائنا من كان. والقول بأن الاستمناء ومباشرة المرأة حتى الإنزال من مفسدات الصيام هو قول جماهير العلماء (منهم الأئمة الأربعة: أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد) واستدلوا بأنه قضاء للشهوة، والصائم ممنوع من ذلك، لقول الله تعالى في الحديث القدسي عن الصائم: (يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي) رواه البخاري (1894) . وقد سبق بيان ذلك تفصيلا في جواب السؤال (71213) ، (65698) . ونحن لا ننكر وجود خلافٍ في المسألة، وقد رأى ابن حزم ورجحه الشيخ الألباني رحمهما الله أن إنزال المني بمباشرة الزوجة لا يفطر، فإن كان أحدٌ يرى هذا القول عن علم، ويتبنَّاه تديناً لا اتباعاً لهواه: فإنه لا حرج عليه في ذلك، لأن الإنسان لا يكلف إلا بما بلغه علمه، ولكن بشرط أن يكون إنما يرى ذلك على حسب ما ظهر له من الأدلة وأقوال العلماء، وليس لمجرد الترخص والأخذ بالأسهل. فلا يجوز لمسلم أن يتتبع زلات العلماء وأخطاءهم، فإنه بذلك يجتمع فيه الشر كله، ولهذا قال العلماء: " من تتبع ما اختلف فيه العلماء، وأخذ بالرخص من أقاويلهم، تزندق، أو كاد " انتهى "إغاثة اللهفان" (1/228) . والزندقة هي النفاق. وانظر إجابة السؤال رقم (22652) . فالذي ينصح به السائل أن يكتفي بما اتفق العلماء على جوازه وهو المباشرة باللمس، والتقبيل دون الإنزال، احتياطاً للصيام، وإبراءً للذمة، وخشيةً من الوقوع فيما هو محرم ومفسد للصيام بالإجماع وهو الجماع. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 66803 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3080 الأفضل للحامل والمرضع أن تفطر إذا وجدت مشقة من الصيام [السُّؤَالُ] ـ[هل الأفضل للحامل أن تفطر أو الأفضل لها أن تصوم وتتحمل المشقة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: من تأمل شريعة الصيام وجد أن الله تعالى شرعها على وجه اليسر، وأن اليسر فيها محبوب إلى الله تعالى، ولذلك قال الله تعالى في آيات الصيام: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) البقرة/185. وإذا زادت المشقة على الصائم إلى حدٍّ يخاف منه حصول الضرر فإنه يحرم الصيام حينئذٍ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في المسافر الذي صام مع شدة المشقة: (لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ) رواه البخاري (1946) ومسلم (1115) . وقال أيضاً لما صام بعض الصحابة في السفر مع المشقة، قال: (أُولَئِكَ الْعُصَاةُ، أُولَئِكَ الْعُصَاةُ) . رواه مسلم (1114) . قال النووي: " وَهَذَا مَحْمُول عَلَى مَنْ تَضَرَّرَ بِالصَّوْمِ " انتهى. وثبت عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: (مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ) رواه البخاري (3560) ومسلم (2327) . قال النووي رحمه الله: فِيهِ: اِسْتِحْبَاب الأَخْذ بِالأَيْسَرِ وَالأَرْفَق مَا لَمْ يَكُنْ حَرَامًا أَوْ مَكْرُوهًا اهـ. وروى أحمد (5832) عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ) ، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (564) . فهذه الأدلة تدل على أن العبادة كلما كانت أيسر على المكلف كانت أقرب إلى مقاصد الشريعة. ثانياً: وقد ذكر العلماء أن المريض الذي يشق عليه الصوم الأفضل له الفطر، بل قال القرطبي (2/276) : يستحب له الفطر ولا يصوم إلا جاهل اهـ. وذكر ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (4/404) : كراهة الصوم للمريض الذي يشق عليه الصوم. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (6/352) : وبهذا نعرف خطأ بعض المجتهدين والمرضى الذين يشقّ عليهم الصوم وربّما يضرّهم، ولكنهم يأبون أن يفطروا، فنقول: إن هؤلاء قد أخطأوا حيث لم يقبلوا كرم الله عز وجل، ولم يقبلوا رخصته، وأضرّوا بأنفسهم، والله عز وجل يقول: (وَلا تَقْتُلُوا) النساء/29. انتهى. انظر: السؤال رقم (1319) . وبهذا يتبين أن الحامل ومثلها المرضع إذا كان الصوم يشق عليها فإن الأفضل لها الفطر، بل صرح العلماء بتحريم صيامها، إذا كان الصوم يضر الجنين أو الولد. قال الجصاص في "أحكام القرآن" (1/252) : وَالْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ لا تَخْلُوَانِ مِنْ أَنْ يَضُرَّ بِهِمَا الصَّوْمُ أَوْ بِوَلَدَيْهِمَا , وَأَيُّهُمَا كَانَ فَالإِفْطَارُ خَيْرٌ لَهُمَا وَالصَّوْمُ مَحْظُورٌ عَلَيْهِمَا. وَإِنْ كَانَ لا يَضُرُّ بِهِمَا وَلا بِوَلَدَيْهِمَا فَعَلَيْهِمَا الصَّوْمُ وَغَيْرُ جَائِزٍ لَهُمَا الْفِطْرُ. وقال أيضاً (1/307) : الْمَرِيض وَالْحَامِل وَالْمُرْضِع وَكُلَّ مَنْ خَشِيَ ضَرَرَ الصَّوْمِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى الصَّبِيِّ , فَعَلَيْهِ أَنْ يُفْطِرَ ; لأَنَّ فِي احْتِمَالِ ضَرَرِ الصَّوْمِ وَمَشَقَّتِهِ ضَرْبًا مِنْ الْعُسْرِ , وَقَدْ نَفَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ نَفْسِهِ إرَادَةَ الْعُسْرِ بِنَا ; وَهُوَ نَظِيرُ مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَا خُيِّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إلا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا. وقال ابن مفلح في الفروع (3/35) : وَيُكْرَهُ صَوْمُ الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ مَعَ خَوْفِ الضَّرَرِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَوْ عَلَى الْوَلَدِ. . . . وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنْ خَافَتْ حَامِلٌ وَمُرْضِعٌ عَلَى حَمْلٍ وَوَلَدٍ حَالَ الرَّضَاعِ لَمْ يَحِلَّ الصَّوْمُ وَعَلَيْهَا الْفِدْيَةُ. وَإِنْ لَمْ تَخَفْ لَمْ يَحِلَّ الْفِطْرُ. وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " الحامل والمرضع حكمهما حكم المريض، إذا شق عليهما الصوم شرع لهما الفطر " " تحفة الإخوان بأجوبة مهمة تتعلق بأركان الإسلام " ص 171 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 66391 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3081 مهنته غطاس فكيف يصوم وقد يدخل في حلقه الماء؟ [السُّؤَالُ] ـ[أعمل غطاساً يوميّاً في البحر، بعض الأحيان يدخل رذاذ من ماء البحر في الفم يصل إلى الحلق، ولكن لا يدخل إلى الجوف، هل هذا يبطل الصيام؟ وهل في حالة عدم مقدرتي على الصيام بسبب الجهد ماذا أفعل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: سبق في جواب السؤال رقم (39232) أنه لا بأس أن يغوص الصائم في الماء، وعليه أن يحرص أن لا يتسرب الماء إلى جوفه بقدر ما يستطيع. ثانياً: صوم رمضان ركن من أركان الإسلام، فلا يجوز لمسلم أن يتهاون بصيامه أو يضيعه بمجرد حصول مشقة بسبب العمل، بل الواجب عليه أن يحاول الجمع بين الصيام والعمل إن أمكن، فإن لم يمكن ولم يكن مضطراً للعمل، فإنه يقدم الصيام، فيأخذ إجازة من العمل إن أمكن، فإن لم يمكن وكان مضطرا للعمل، فإنه ينوي الصيام من الليل ويصبح صائما، فإن شق عليه مشقة شديدة جاز له أن يفطر للضرورة، وعليه قضاء هذا اليوم، فإن لم يشق عليه وتمكن من إتمام الصيام وجب عليه ذلك. وانظر جواب السؤال رقم (43772) . وانظر "فتاوى اللجنة الدائمة" (10/234) . ثالثاً: إذا سبح الصائم في الماء ووصل الماء إلى حلقه بغير اختياره، فإنه لا يفطر، لعدم القصد، وهو مذهب الإمام أحمد رحمه الله. وانظر: "المغني" (3/358) ، "الإنصاف" (7/434) ، "الشرح الممتع" (6/393) . رابعاً: قول السائل: " أن الماء يصل إلى حلقه ولكنه لا يدخل إلى الجوف " لعل قصده بالجوف: المعدة. وقد اختلف العلماء في مفسدات الصيام: هل العبرة بوصول الطعام أو الشراب إلى الحلق أم إلى المعدة؟ قال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (6/393) : " ذكر المؤلف رحمه الله ست مسائل علق الحكم فيها بوصول الماء إلى حلق الصائم، فجعل مناط الحكم وصول الماء إلى الحلق لا إلى المعدة، وظاهر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية أن مناط الحكم وصول المفطر إلى المعدة، ولا شك أن هذا هو المقصود إذ لم يرد في الكتاب والسنة أن مناط الحكم هو الوصول إلى الحلق، لكن الفقهاء رحمهم الله قالوا: إن وصوله إلى الحلق مظنة وصوله إلى المعدة، أو إن مناط الحكم وصول المفطر إلى شيء مجوف والحلق مجوف " انتهى. والخلاصة: لا حرج في السباحة والغوص في الماء مع الصيام، وإذا وصل شيء من الماء إلى الحلق أو إلى المعدة من غير اختيارك فإنك لا تفطر بذلك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 66242 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3082 أذن المؤذن قبل الوقت بسبع دقائق فأفطروا [السُّؤَالُ] ـ[أفطرنا عندما أذن مؤذن الحي وبعد مرور 7 دقائق سمعنا مؤذنا آخر؛ وبعد سؤال مؤذن الحي أفادنا أنه أذن بالغلط معتقدا دخول الوقت فماذا يلزم أهل الحي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من أفطر ظانا غروب الشمس، ثم تبين له أنها لم تغرب، فعليه القضاء، في قول جمهور العلماء. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (4/389) : " هذا قول أكثر أهل العلم من الفقهاء وغيرهم " انتهى. وسئلت اللجنة الدائمة: عن رجل أفطر بناء على قول ابنتيه بغروب الشمس، ثم لما خرج إلى الصلاة سمع المؤذن يؤذن للمغرب. فأجابت: " إذا كان فطرك واقعاً بعد غروب الشمس فليس عليك قضاء، وإن تحققت أو غلب على ظنك أو شككت أن فطرك حاصل قبل غروب الشمس فعليك القضاء أنت ومن أفطر معك؛ لأن الأصل بقاء النهار، ولا ينتقل عن هذا الأصل إلا بناقل شرعي وهو الغروب هنا " انتهى. "فتاوى الجنة الدائمة" (10/288) . وسئل الشيخ ابن باز: عن بعض الناس أفطروا ثم تبين لهم أن الشمس لم تغرب. فأجاب: " على من وقع له ذلك أن يمسك حتى تغيب الشمس، وعليه القضاء عند جمهور أهل العلم، ولا إثم عليه إذا كان إفطاره عن اجتهاد وتحرٍّ لغروب الشمس، كما لو أصبح أثناء النهار في يوم الثلاثين من شعبان، ثم ثبت أنه من رمضان في أثناء النهار فإنه يمسك ويقضي عند جمهور أهل العلم، ولا إثم عليه، لأنه حين أكل أو شرب لم يعلم أنه من رمضان، فالجهل بذلك أسقط عنه الإثم، أما القضاء فعليه القضاء " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (15/288) . وذهب بعض أهل العلم إلى صحة الصوم حينئذ، وعدم لزوم القضاء، وهو مروي عن مجاهد والحسن، وقال به إسحاق وأحمد في رواية، والمزني وابن خزيمة، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، ورجحه الشيخ ابن عثيمين رحمهم الله جميعا. انظر: "فتح الباري" (4/200) ، "مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام" (25/231) ، "الشرح الممتع" (6/402- 408) . واحتجوا بما رواه البخاري (1959) عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ: أَفْطَرْنَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ غَيْمٍ ثُمَّ طَلَعَتْ الشَّمْسُ. قِيلَ لِهِشَامٍ: فَأُمِرُوا بِالْقَضَاءِ؟ قَالَ: لا بُدَّ مِنْ قَضَاءٍ. وَقَالَ مَعْمَرٌ: سَمِعْتُ هِشَامًا يقول: لا أَدْرِي أَقَضَوْا أَمْ لا؟ وقول هشام: لا بد من القضاء. قاله من عنده تفقهاً، ولم يقل: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالقضاء، ولهذا قال الحافظ: " وَأَمَّا حَدِيث أَسْمَاء فَلا يُحْفَظُ فِيهِ إِثْبَات الْقِضَاء وَلا نَفْيُهُ " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (6/402) : " فأفطروا في النهار بناء على أن الشمس قد غربت فهم جاهلون، لا بالحكم الشرعي، ولكن بالحال، لم يظنوا أن الوقت في النهار، ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء، ولو كان القضاء واجبا لكان من شريعة الله، ولكان محفوظا، فلما لم يحفظ، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم فالأصل براءة الذمة، وعدم القضاء " انتهى. وقال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (25/231) : " وهذا يدل على أنه لا يجب القضاء، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لو أمرهم بالقضاء لشاع ذلك كما نقل فطرهم، فلما لم ينقل ذلك دل على أنه لم يأمرهم به. فإن قيل: فقد قيل: لهشام بن عروة: أمروا بالقضاء؟ قال: أو بد من القضاء؟ قيل: هشام قال ذلك برأيه، لم يرو ذلك في الحديث، ويدل على أنه لم يكن عنده بذلك علم: أن معمراً روى عنه قال: سمعت هشاماً قال: لا أدري أقضوا أم لا؟ ذكر هذا عنه البخاري. وقد نقل هشام عن أبيه عروة أنهم لم يؤمروا بالقضاء، وعروة أعلم من ابنه " انتهى باختصار وتصرف يسير. وإذا أخذتم بالاحتياط وقضيتم يوماً مكانه فهو أحسن، وقضاء يوم أمر سهل والحمد لله، ولا إثم عليكم فيما حدث. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 66155 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3083 حكم استنشاق رائحة الطعام تعمدا [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من يستنشق رائحة الطعام متعمدا وهو صائم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج على الصائم في شم الروائح الطيبة، من طعام وطيب وغير ذلك، إلا أنه لا يستنشق البخور، ولا الأبخرة المتصاعدة من الطعام؛ لأن لها جرما (مادة) فقد تنفذ إلى المعدة. جاء في "حاشية الدسوقي" (1/525) : " متى وصل دخان البخور أو بخار القِدْر للحلق وجب القضاء. . . إذا وصل باستنشاق، سواء كان المستنشق صانعه أو غيره , وأما لو وصل واحد منهما للحلق بغير اختياره فلا قضاء لا على الصانع ولا على غيره على المعتمد " انتهى باختصار. وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: هل يجوز استعمال الطيب كدهن العود والكولونيا والبخور في نهار رمضان؟ فأجاب: " نعم، يجوز استعماله بشرط ألا يستنشق البخور " انتهى. "فتاوى ابن باز" (15/267) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم استعمال الصائم للروائح العطرية في نهار رمضان؟ فأجاب: " لا بأس أن يستعملها في نهار رمضان وأن يستنشقها إلا البخور لا يستنشقه، لأن له جرما يصل إلى المعدة وهو الدخان " انتهى. "فتاوى رمضان" (ص 499) . وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (10/271) : " من تطيب بأي نوع من أنواع الطيب في نهار رمضان وهو صائم لم يفسد صومه، لكنه لا يستنشق البخور والطيب المسحوق كسحوق المسك " انتهى. والحاصل: أن مجرد شم الطعام لا بأس به في الصيام، إلا أنه لا يستنشق الأبخرة المتصاعدة منه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 66079 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3084 يسأل عن مواضع الحجامة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الحجامة في رمضان؟ وما هي مواضع الحجامة؟ مع بيان الأمراض التي يعالجها كل موضع؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: سبق في جواب السؤال (38023) أن الحجامة من مفسدات الصيام، ولذلك لا يجوز للصائم فعلها إلا إذا كان مريضاً محتاجاً إليها، فيحتجم ويفطر، ويقضي يوماً مكانه. ثانياً: وأما مواضع الحجامة: 1- فقد روى البخاري (2156) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (احتجم النبي صلى الله عليه وسلم في رأسه وهو محرم من وجع كان به) . ورواه مسلم (1203) من حديث ابن بحينة رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم بطريق مكة وهو محرم وسط رأسه) . 2- وروى أبو داود (3860) والترمذي (390) وابن ماجه (3483) عن أنس رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم ثلاثا في الأخدعين والكاهل) . وصححه الألباني في صحيح أبي داود. قال في عون المعبود: " قال أهل اللغة: الأخدعان: عرقان في جانبي العنق يُحجم منه. والكاهل: ما بين الكتفين وهو مقدم الظهر ". وقال ابن القيم رحمه الله: " والحجامة على الأخدعين، تنفع من أمراض الرأس وأجزائه كالوجه والأسنان والأذنين والعينين والأنف والحلق إذا كان حدوث ذلك من كثرة الدم أو فساده أو عنهما جميعا " انتهى من "زاد المعاد" (4/51) . 3- وروى أبو داود (3863) عن جابر رضي الله عنه: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ عَلَى وِرْكِهِ، مِنْ وَثْءٍ كَانَ بِهِ) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. (الوَثْءٍ) : وجع يصيب العضو من غير كسر. 4- وروى النسائي (2849) عن أنس رضي الله عنه: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، عَلَى ظَهْرِ الْقَدَمِ، مِنْ وَثْءٍ كَانَ بِهِ) والحديث صححه الألباني في صحيح النسائي. فهذه خمسة مواضع ثابتة في السنة: الرأس، والأخدعان، والكاهل، والورك، وظهر القدم. وثمة مواضع أخرى يعرفها المختصون بالحجامة. قال ابن القيم رحمه الله: " والحجامة تحت الذقن تنفع من وجع الأسنان والوجه والحلقوم، إذا استعملت في وقتها، وتنقي الرأس والفكين. والحجامة على ظهر القدم تنوب عن فصد الصافن، وهو عرق عظيم عند الكعب، وتنفع من قروح الفخذين والساقين، وانقطاع الطمث، والحكة العارضة في الأنثيين. والحجامة في أسفل الصدر نافعة من دماميل الفخذ، وجربه وبثوره، ومن النقرس والبواسير " انتهى من "زاد المعاد" (4/53) . وأما تفصيل الكلام على الأمراض التي تعالج بالحجامة، والموضع المناسب لها، فيرجع فيه إلى العارفين بالحجامة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 66144 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3085 يعاني من الوسواس ويخشى بطلان صومه بالاستنشاق [السُّؤَالُ] ـ[أنا والعياذ بالله من المصابين بالوسوسة، وأثناء الوضوء وأنا صائم أحاول ألا أبالغ في الاستنشاق، ولكني أشعر بشي في جوفي، فهل يبطل صيامي بذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: قد أحسنت في عدم المبالغة في الاستنشاق؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم للَقِيطِ بْنِ صَبِرَة: (أَسْبِغْ الْوُضُوءَ، وَخَلِّلْ بَيْنَ الأَصَابِعِ، وَبَالِغْ فِي الاسْتِنْشَاقِ إِلا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا) رواه أبو داود (142) والترمذي (788) والنسائي (87) وابن ماجه (407) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. ثانياً: إذا تمضمض الصائم أو استنشق فنزل شيء من الماء إلى بطنه من غير قصدٍ منه فإنه لا يفطر، وذلك " لقول الله تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) الأحزاب/5. وهذا لم يتعمد قلبه فعل المفسد فيكون صومه صحيحاً ". انتهى من "الشرح الممتع" (6/240، 246) بتصرف. ثالثاً: خير علاج للوسوسة هو الإعراض عنها، وعدم الالتفات إليها، مع الإكثار من ذكر الله تعالى وطاعته، واجتناب معصيته. وانظر السؤال (1174) . نسأل الله أن يعافيك ويصرف عنك كيد الشيطان. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65893 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3086 استعمال العدسات اللاصقة بعد وضعها في محلول التنظيف لا يؤثر على الصيام [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز استخدام العدسات اللاصقة أثناء الصيام؟ لأنها وكما تعلمون توضع في محلول خاص لتنظيفها؟ أرجو الإجابة بالتفصيل.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز استعمال العدسات اللاصقة أثناء الصيام، ولا يضر كونها توضع أولا في محلول التنظيف؛ إذ غاية الأمر أن يتسرب شيء من المحلول إلى العين، فيكون بمثابة قطرة العين، وهي لا تفسد الصوم، على الصحيح من قولي أهل العلم. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " لا بأس للصائم أن يكتحل، وأن يقطر في عينه، وأن يقطر في أذنيه، حتى وإن وجد طعمه في حلقه، فإنه لا يفطر بهذا؛ لأنه ليس بأكل ولا شرب، ولا بمعنى الأكل والشرب. والدليل إنما جاء في منع الأكل والشرب، فلا يلحق بهما ما ليس في معناهما. وهذا الذي ذكرناه هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو الصواب " انتهى. "فقه العبادات" (ص 191) . وانظر السؤال (2299) ، (22199) ، (38023) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65693 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3087 حكم السباحة للصائم [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للشخص السباحة وهو صائم، إذا كان ذلك من متطلبات المدرسة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله حكم السباحة للصائم يتبع التفصيل التالي: أولاً: إذا كان يغلب على ظن السابح عدم دخول الماء إلى معدته من الفم أو الأنف، وكان يحسن السباحة بحيث يضمن الحفاظ على صيامه، فلا بأس عليه حينئذٍ من السباحة، ويكون حكمها حكم الاغتسال للصائم، وقد نص العلماء على جوازه، ولو للتبرد فقط. قال البخاري رحمه الله: بَاب اغْتِسَالِ الصَّائِمِ. وَبَلَّ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ثَوْبًا فَأَلْقَاهُ عَلَيْهِ وَهُوَ صَائِمٌ. وَدَخَلَ الشَّعْبِيُّ الْحَمَّامَ وَهُوَ صَائِمٌ.. وَقَالَ الْحَسَنُ: لا بَأْسَ بِالْمَضْمَضَةِ وَالتَّبَرُّدِ لِلصَّائِم ... وَقَالَ أَنَسٌ: إِنَّ لِي أَبْزَنَ أَتَقَحَّمُ فِيهِ وَأَنَا صَائِمٌ. قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (4/197) : " الأبزن: حجر منقور شبه الحوض، وكأن الأبزن كان ملآن ماءً فكان أنس إذا وجد الحر دخل فيه يتبرد بذلك " انتهى. فكأن الأبزن يشبه ما يسمى الآن بـ "البانيو". وروى أبو بكر الأثرم بإسناده: أن ابن عباس دخل الحمام وهو صائم، هو وأصحاب له، في شهر رمضان. "المغني" (3/18) . وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (10/281) : " تجوز السباحة في نهار رمضان، ولكن ينبغي للسابح أن يتحفظ من دخول الماء إلى جوفه " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " لا بأس للصائم أن يسبح، وله أن يسبح كما يريد، وينغمس في الماء، ولكن يحرص على أن لا يتسرب الماء إلى جوفه بقدر ما يستطيع، وهذه السباحة تنشط الصائم وتعينه على الصوم، وما كان منشطاً على طاعة الله فإنه لا يمنع منه، فإنه مما يخفف العبادة على العباد، وييسرها عليهم، وقد قال الله تبارك وتعالى في معرض آيات الصوم: (يُرِيدُ ?للَّهُ بِكُمُ ?لْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ?لْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ ?لْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ?للَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه) . والله أعلم " انتهى. وقال أيضًا: " لا بأس أن يغوص الصائم في الماء، أو يعوم فيه ـ أي يسبح ـ؛ لأن ذلك ليس من المفطرات، والأصل الحل حتى يقوم دليل على الكراهة أو على التحريم، وليس هناك دليل على التحريم ولا على الكراهة، وإنما كرهه بعض أهل العلم، خوفاً من أن يدخل إلى حلقه شيء وهو لا يشعر به " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (19/284، 285) . ثانياً: إذا غلب على ظنه دخول الماء إلى جوفه بسبب السباحة، فلا يجوز له هذا الفعل، ويحرم عليه أن يمارس السباحة في نهار رمضان. ودليل ذلك: ما جاء عَنْ لَقِيْطٍ بنِ صَبِرَة رَضِيَ اللَهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَخْبِرْنِي عَنْ الْوُضُوءِ؟ قَالَ: (أَسْبِغْ الْوُضُوءَ , وَخَلِّلْ بَيْنَ الأَصَابِعِ , وَبَالِغْ فِي الاسْتِنْشَاقِ , إِلا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا) . رواه أبو داود (142) والترمذي (788) وقال حسن صحيح وصححه ابن حجر والألباني. وقال الإمام أحمد في الصائم ينغمس في الماء إذا لم يخف أن يدخل في مسامعه. وكره الحسن والشعبي أن ينغمس في الماء خوفًا أن يدخل في مسامعه. "المغني" (3/18) . وقال الأذرعي (من فقهاء الشافعية) : " لو عرف من عادته أنه يصل الماء إلى جوفه من ذلك لو انغمس، ولا يمكنه التحرز عن ذلك، حرم عليه الانغماس " انتهى. "حاشية البجيرمي" (2/74) . والسؤال الآن: إذا بالغ في الاستنشاق – ومثله إذا انغمس في الماء وسبح في نهار رمضان - فدخل الماء إلى جوفه عن غير قصد منه، سواء كان يغلب على ظنه عدم دخول الماء أو لا، هل يحكم بإفطاره؟ اختلف في ذلك أهل العلم: القول الأول: قول جمهور أهل العلم من الأحناف والمالكية والشافعية، وهو بطلان صومه. القول الثاني: عدم البطلان، وهو قول لبعض التابعين، ووجه عند الحنابلة، اختاره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. "الشرح الممتع" (6/407) . وانظر: "المجموع" (6/338) ، و"المغني" (3/18) . ويجب التحفظ من كشف العورات أثناء السباحة، فلا يسبح في مكان تنكشف فيه العورات، ولا يتساهل في النظر إلى عورات الآخرين. وانظر جواب السؤال رقم (23464) ، (38907) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65734 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3088 يريد الزواج في شهر رمضان [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان هناك رجل يحب امرأةً، وأراد أن يتزوجها في شهر رمضان المبارك، وهو يريد أن يتحدث إليها، هل هناك أي قيود في الإسلام تمنع من زواجه بتلك الفتاة، وتمنع تحدثه إليها في رمضان؟ الرجل يحب تلك الفتاة كثيراً، ويريد أن يتزوجها، فأرجو أن تنصحني في ذلك.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس في الشريعة أي نهي عن الزواج في رمضان لذات رمضان، ولا في غيره من الأشهر، بل الزواج جائز في أي يوم من أيام السنة. لكن الصائم في رمضان يمتنع عن الطعام والشراب والجماع من الفجر إلى غروب الشمس، فإن كان يملك نفسه , ولا يخشى أن يفعل ما يفسد صيامه , فلا حرج عليه من الزواج في رمضان. والظاهر أن الذي يريد أن يبدأ حياته الزوجية في رمضان، - غالباً - لا يستطيع الصبر عن زوجته الجديدة طوال النهار، فيُخشى عليه من الوقوع في المحظور، وانتهاك حرمة هذا الشهر الفضيل، فيقع في الإثم الكبير، مع وجوب القضاء والكفارة المغلظة، وهي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا، وإذا تكرر الجماع في عدة أيام تكررت معه الكفارة بعدد الأيام. انظر سؤال رقم (1672) (22960) . فالنصيحة للسائل إذا خشي ألا يملك نفسه أن يؤجل زواجه إلى ما بعد رمضان مباشرة، وليشغل نفسه في رمضان بالعبادة وتلاوة القرآن وقيام الليل، ونحو ذلك من العبادات. أما حكم التحدث مع من يريد الزواج منها في رمضان، فقد سبق الجواب عليه، انظر الأسئلة (13791) (13918) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65736 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3089 إجازته في رمضان، فما الحل؟ [السُّؤَالُ] ـ[مشكلتي عويصة جداً، وهي تتعلق برمضان، فأنا من الهند، وأعمل في إحدى الدول العربية، ومتزوج وأهلي في الهند، والشركة تجبرني على أن آخذ إجازتي السنوية المكونة من 25 يومًا في رمضان. وقد حاولت تغيير ذلك لكن دون جدوى، وحيث إني حديث عهد بزواج، فأنا أشعر بتعاسة شديدة؛ لأن إجازتي تقع في شهر رمضان. وأتساءل: هل لي من عذر في رمضان؟ وإذا أفطرت يوماً واحداً من الشهر كيف أقضيه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نسأل الله تعالى أن يخفف عنك، وأن يجعل لك من أمرك يسراً. وهذه التعاسة التي تشعر بها ما هي إلا من وسوسة الشيطان، الذي لا يزال يتربص بالمؤمن ليفسد عليه دنياه وآخرته. قال الله تعالى: (إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئاً إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) المجادلة/10. قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي (ص/785) : " (لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا) : هذا غاية مَكْرِهِ وَمَقْصُودِه " انتهى. والمؤمن الصادق يستطيع بقوة إيمانه، وتوكله على ربه، وقناعته ورضاه بما قسم الله له، أن يتغلب على كل تعاسة أو هموم تصيبه. وأنت - أخي السائل – في سعة من أمرك، فقد أعطاك الله فرصة الليل الطويل، تقضي فيه حاجتك مع أهلك، وأما في النهار فتنشغل بتلاوة القرآن وعمل الخير وزيارة الإخوان , وقضاء حوائج المنزل , ومتابعة حلقات العلم ودروس العلم، وبهذا تنظم وقتك، وتكسب الخير كله إن شاء الله تعالى. كما أن لك رخصة في مباشرة زوجتك دون الجماع، بشرط أن تأمن على نفسك من الوقوع في المحظور. انظر جواب السؤال رقم (49614) (20032) . وليس لك رخصةٌ في إتيان أهلك في نهار رمضان، بل يجب الحذر من ذلك، فشهر رمضان حرمته عظيمة، لا يجوز انتهاكها بالفطر دون عذر من سفر أو مرض، ومن أفطر في نهار رمضان بالجماع فقد ارتكب إثماً عظيماً يوجب الكفارة المغلظة، وقد سبق بيانها في جواب السؤال رقم (1672) ، (49750) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65749 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3090 هل يفطر بأخذ حقنة البنج لإجراء عملية في رمضان؟ [السُّؤَالُ] ـ[خضعت لعمليتين غير جراحيتين خلال شهر رمضان، وأخذت مخدراً عن طريق الحقن خلال هاتين العمليتين. هل يفسد صومي بهذا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحقْن بالدواء لا يفطر الصائم، سواء كان في العضل أم في الوريد، ما لم تكن الحقنة مغذية، لأنها تكون حينئذ في معنى الأكل والشرب المحرمين على الصائم. جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (10/252) : " يجوز التداوي بالحقن في العضل والوريد للصائم في نهار رمضان. ولا يجوز للصائم تعاطي حقن التغذية في نهار رمضان؛ لأنه في حكم تناول الطعام والشراب، فتعاطي تلك الحقن يعتبر حيلة على الإفطار في رمضان، وإن تيسر تعاطي الحقن في العضل والوريد ليلا فهو أولى " انتهى. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن سريان البنج في الجسم، هل يفطّر؟ وعن خروج الدم عند قلع الضرس؟ فأجاب: " كلاهما لا يفطر، ولكن لا يبلع الدم الخارج من الضرس " انتهى. "فتاوى رمضان" (ص 525) . ولا فرق بين استعمال البنج الموضعي، والبنج الذي يؤدي إلى غياب الوعي، فقد نص كثير من الفقهاء على أن المغمى عليه إذا أفاق لحظة من النهار، صح صومه، ما دام قد نواه من الليل. قال الإمام الشافعي في "الأم" (8/153) : " وإذا أغمي على رجل فمضى له يوم , أو يومان من شهر رمضان ولم يكن أكل ولا شرب فعليه القضاء، فإن أفاق في بعض النهار فهو في يومه ذلك صائم " انتهى. وقال ابن قدامة في "المغني" (4/343) : " متى أغمي عليه جميع النهار , فلم يفق في شيء منه , لم يصح صومه , في قول إمامنا (يعني الإمام أحمد) والشافعي. . . ومتى أفاق المغمى عليه في جزء من النهار , صح صومه , سواء كان في أوله أو آخره " انتهى باختصار. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65632 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3091 رجل جامع زوجته في نهار رمضان بدون إنزال [السُّؤَالُ] ـ[رجل جامع زوجته بدون إنزال في نهار رمضان فما الحكم؟ وماذا على الزوجة إذا كانت جاهلة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المجامع في نهار رمضان وهو صائم مقيم عليه كفّارة مغلّظة، وهي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً. والمرأة مثله إذا كانت راضية. وإن كانت مكرهة فليس عليها شيء. وإن كانا مسافرين فلا إثم ولا كفارة ولا إمساك بقيّة اليوم، وإنما عليهما قضاء ذلك اليوم، لأن الصوم ليس بلازم لهما، وكذلك من أفطر لضرورة كإنقاذ معصوم من هلكة سيقع فيها، فإن جامع ذلك اليوم الذي أفطر فيه لضرورة فلا شيء عليه، لأنه لم ينتهك صوماً واجباً. والمجامع الصائم في بلده ممن يلزمه الصوم يترتب عليه خمسة أشياء: 1- الإثم. 2- فساد الصوم. 3- لزوم الإمساك. 4- وجوب القضاء. 5 – وجوب الكفارة. ودليل الكفارة ما جاء في حديث أبي هريرة في الرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان، وهذا الرجل لم يستطع الصوم ولا الإطعام، تسقط عنه الكفارة، لأن الله لا يكلّف نفساً إلا وسعها، ولا واجب مع العجز، ولا فرق بين أن يُنزل أو لا يُنزل ما دام الجماع قد حصل بخلاف ما لو حدث إنزال بدون جماع فليس فيه كفارة، وإنما فيه الإثم ولزوم الإمساك والقضاء. [الْمَصْدَرُ] الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة ج/1 ص/348. الحديث: 22938 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3092 دواء الغرغرة هل يُبطل الصوم [السُّؤَالُ] ـ[هل يبطل الصوم باستعمال دواء الغرغرة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يبطل الصوم إذا لم يبتلعه، ولكن لا تفعله إلا إذا دعت الحاجة ولا تفطر به إذا لم يدخل جوفك شيء منه. [الْمَصْدَرُ] فتاوى الشيخ ابن عثيمين ج/1 ص/514. الحديث: 22962 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3093 تريد الصيام وهي تكشف الوجه والشعر [السُّؤَالُ] ـ[أصوم بصفة دورية وأريد أن أعرف هل صيامي صحيح إذا لم أرتدي الحجاب الصحيح؟ عندما أذهب للعمل يكون شعري ورقبتي ويدي مكشوفين بينما أغطي ما عدا ذلك.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ننصحك بالالتزام بالحجاب التام أمام الرجال الأجانب حتى يُقبل الصيام ويكون مضاعفا، وكذلك الصلاة وبقية الأعمال الصالحة، وإذا صامت المسلمة مع ترك الحجاب يصح صيامها، وتأثم على ترك الحجاب، فالكشف لا يؤثر على صحة الصيام، ولكن المتبرجة مهددة بالعقوبة من الله على مخالفتها أمر الله، فننصحك يا أمة الله بالتزام أمر الله (يدنيين عليهن من جلابيبهن ... ) وبقوله تعالى (ولا يبدين زينتهن ... ) وبقوله تعالى: (وليضربن بخُمرهن على جيوبهن ... ) . [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 10394 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3094 هل ينكر على من رآه يأكل ناسياً في رمضان [السُّؤَالُ] ـ[يقول بعض الناس: إذا رأيت مسلماً يشرب أو يأكل ناسياً في نهار رمضان فلا يلزمك أن تخبره، لأن الله أطعمه وسقاه كما في الحديث، فهل هذا صحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من رأى مسلما يشرب في نهار رمضان أو يأكل أو يتعاطى شيئاً من المفطرات الأخرى، وجب إنكاره عليه، لأن إظهار ذلك في نهار الصوم منكر، ولو كان صاحبه معذوراً في نفس الأمر، حتى لا يجترئ الناس على إظهار ما حرّم الله من المفطرات في نهار الصيام بدعوى النسيان، وإذا كان من أظهر ذلك صادقاً في دعوى النسيان فلا قضاء عليه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتمّ صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه) متفق على صحته. وهكذا المسافر ليس له أن يُظهر تعاطي المفطرات بين المقيمين الذين لا يعرفون حاله، بل عليه أن يستتر بذلك حتى لا يتّهم بتعاطيه ما حرّم الله عليه، وحتى لا يجرؤ غيره على ذلك، وهكذا الكفار يمنعون من إظهار الأكل والشرب ونحوهما بين المسلمين، سدّاً لباب التساهل في هذا الأمر، ولأنهم ممنوعون من إظهار شعائر دينهم الباطل بين المسلمين. والله وليّ التوفيق. [الْمَصْدَرُ] فتاوى الشيخ ابن باز ج/4، ص/254. الحديث: 23423 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3095 يجوز الطبخ أثناء الصيام [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز الطبخ أثناء الصيام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز الطبخ أثناء الصيام. " ولا حرج في تذوّق الإنسان للطعام في نهار الصيام عند الحاجة، وصيامه صحيح إذا لم يتعمّد ابتلاع شيء منه ". [الْمَصْدَرُ] انظر فتاوى اللجنة الدائمة م/10 ص/332. الحديث: 20518 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3096 معانقة الرجل زوجته وهو صائم [السُّؤَالُ] ـ[تزوجت منذ مدة قصيرة، وأريد أن أستوضح عن أمر شغل بالي. ففي هذا الشهر المبارك، شهر رمضان، وبعد أن أكون قد أمسكت، فأنا أعود إلى السرير، حيث تكون زوجتي هي الأخرى مستلقية عليه في بعض الأوقات. وأنا أعانقها أحيانا، فهل يعني ذلك أن صومي فسد؟ هلا سلطت لي بعض الضوء حول الأمور التي يجوز لي فعلها وتلك التي يحرم علي فعلها.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب على المسلم أن يحفظ صومه مما يُفسده، وأن يحتسب الأجر في ترك الشهوة من الطعام والشراب والنكاح، كما جاء في الحديث في فضل الصائم (يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي) رواه البخاري (الصوم/1761) ، ولكن لو كان يملك نفسه ويسيطر عليها ولا يَنْزَلِقُ إلى ما يُسبب فساد صومه بخروج المنيِّ أو الجِماع، أو يُنقص صومه بخروج المذي فإنه يجوز له مداعبة زوجته في هذه الحالة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يداعب عائشة رضي الله عنه وكان يملك إربه (إي شهوته) قال الشيخ عبد العزيز بن باز: تقبيل الرجل امرأته ومداعبته لها ومباشرته لها بغير الجماع وهو صائم، كل ذلك جائز ولا حرج فيه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبِّل وهو صائم ويباشر وهو صائم. لكن إن خشي الوقوع فيما حرم الله عليه لكونه سريع الشهوة، كره له ذلك، فإن أمنى لزمه الإمساك والقضاء ولا كفارة عليه عند جمهور أهل العلم. أما المذي فلا يفسد به الصوم في أصح قولي العلماء، لأن الأصل السلامة وعدم بطلان الصوم، ولأنه يشق التحرز منه والله ولي التوفيق. فتاوى الشيخ ابن باز ج/4 ص/202 [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 14315 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3097 هل أخذ عينة من عنق الرَّحم يفطّر المرأة الصائمة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للصائمة إجراء "اختبار المسحة"، حيث تقوم ممرضة بأخذ عينة (مسحة) من عنق الرحم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختبار المسحة وأخذ عينة من عنق الرحم بالنسبة للصائمة إن ترتب على ذلك إنزال المني فإنه يفطر الصائمة لأن فيه شهوة، وإن كان مجرّد سحب عينة بدون شهوة فإنه لا يفطر لكن تأخيره إلى وقت الإفطار في الليل أولى. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد الكريم الخضير. الحديث: 13982 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3098 وصل رذاذ العطر إلى حلقه من غير قصد منه [السُّؤَالُ] ـ[يتعلق سؤالي بالأمور التي تفسد الصوم. في مدرستي طالبة دائما ما تقوم برش العطر بكمية كبيرة، مما يجعلني أشعر بأن رذاذه يصل إلى حلقي. وأنا أتساءل ما إذا كان ذلك يفسد صومي أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: يراجع للأهمية جواب سؤال رقم (1200) في حكم الاختلاط. ثانياً: لا يجوز للمرأة أن تخرج من بيتها متعطِّرة، ومن تفعل ذلك فإنها تعرض نفسها للوعيد الشديد، فقد جاء في الحديث عَنْ غُنَيْمِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا مِنْ رِيحِهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ "، رواه النسائي (الزينة/5036) ، وحسَّنه الألباني في " صحيح سنن " النسائي (4737) . وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة التي تخرج إلى المسجد بأن لا تمس طيباً، ومن فعلت ذلك فإن عليها أن تغتسل فقد جاء في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِذَا خَرَجَتْ الْمَرْأَةُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلْتَغْتَسِلْ مِنْ الطِّيبِ كَمَا تَغْتَسِلُ مِنْ الْجَنَابَةِ "، رواه النسائي (الزينة/5037) وصححه الألباني في " صحيح سنن النسائي " (4738) . ثالثاً: أما استنشاق العطر للصائم فلا شيء فيه فقد سئل الشيخ ابن عثيمين عن ذلك فقال: يجوز أن يستعملها في نهار رمضان وأن يستنشقها إلا البخور لا يستنشقه لأن له جرماً يصل إلى المعدة وهو الدخان. " فتاوى إسلامية " (2 / 128) . وإذا وجدت أثر رذاذ رائحة عطر تلك المرأة في الحلْق فإنه لا شيء عليك إن شاء الله، والعبرة في الإفطار وصول الشيء الذي له جِرْم إلى الجوف مع التعمد والرائحة ليس لها جِرْم، وكذلك فأنت لا اختيار لك في ذلك ولا تعمُّد والله عز وجل يقول: (ولكن ما تعمَّدت قلوبكم وكان الله غفوراً رحيماً) الأحزاب/ 5، وقد قال تعالى: (ربنا ولا تحمِّلنا ما لا طاقة لنا به) البقرة/286. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 13967 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3099 الاحتلام في نهار رمضان، ومعنى حديث: (الحلم من الشيطان) [السُّؤَالُ] ـ[في أحد أيام رمضان، نمت بعد الفجر فاحتلمت وخرج المني. وسؤالي هو: هل يُقبل صوم ذلك اليوم إذا أكملته، مع أنه لم يكن باستطاعتي أن أتحكم فيما حدث، إن أنا أكملت يومي صائما؟ السؤال الثاني: هذه الأنواع من الأحلام هي من إبليس، لكنه يُغل أثناء رمضان، (فكيف احتلمت) ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الاحتلام في نهار رمضان لا يبطل الصوم؛ لأنه أمر خارج عن قدرة الإنسان وطاقته، ولا يستطيع أن يمنعه، والله عز وجل يقول: (لا يكلّف الله نفساً إلا وسعها) . َ: " لَوْ احْتَلَمَ لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ , لِأَنَّهُ عَنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ مِنْهُ , فَأَشْبَهَ مَا لَوْ دَخَلَ حَلْقَهُ شَيْءٌ وَهُوَ نَائِمٌ." انظر: " المغني " لابن قدامة ج/3 ص/22. سئلت اللجنة الدائمة عن رجل احتلم في نهار رمضان فما هو الحكم؟ فأجابت: من احتلم وهو صائم أو محرم بالحج والعمرة فليس عليه إثم ولا كفارة، ولا يؤثر على صيامه، وعليه غسل الجنابة إذا كان قد أنزل منيّاً. فتاوى اللجنة الدائمة ج/10 ص/274 والاحتلام هو: " رُؤْيَا الْمُبَاشَرَةَ فِي الْمَنَامِ " وهو من الأشياء التي فطر الله الناس عليها من الرجال والنساء، ولذلك جاء عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ امْرَأَةُ أَبِي طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا هِيَ احْتَلَمَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ إِذَا رَأَتْ الْمَاءَ) رواه البخاري (الغسل/373) ومسلم (الحيض / 471) . والمراد بالاحتلام هو ما يراه النائم من تصوّر الجماع. الحديث الذي رواه البخاري عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيَّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (الرُّؤْيَا مِنْ اللَّهِ وَالْحُلْمُ مِنْ الشَّيْطَانِ فَإِذَا حَلَمَ أَحَدُكُمْ الْحُلُمَ يَكْرَهُهُ فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ وَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْهُ فَلَنْ يَضُرَّهُ) (التعبير/6488) ومسلم (الرؤيا / 4196) فليس المقصود أن الشيطان هو الذي دفع أو تسبب في ذلك. وكون مردة الجن تُغَلَّ في رمضان لا بعني توقف الشياطين عن الوسوسة والأمر بالشر، ولكن ذلك يكون في رمضان أقل منه في بقية الشهور، وآثار هذا محسوسة ومشاهدة. قال ابن حجر: وَإِضَافَة الْحُلُم إِلَى الشَّيْطَان بِمَعْنَى أَنَّهَا تُنَاسِب صِفَته مِنْ الْكَذِب وَالتَّهْوِيل وَغَيْر ذَلِكَ , بِخِلَافِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَة فَأُضِيفَتْ إِلَى اللَّه إِضَافَة تَشْرِيف وَإِنْ كَانَ الْكُلّ بِخَلْقِ اللَّه وَتَقْدِيره.. أهـ " فتح الباري " (12 / 393) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 14014 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3100 حكم تطعيم الكبد الوبائي في نهار رمضان [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم تطعيم الكبد الوبائي في الكتف الأيمن في نهار رمضان؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يضرُّ ذلك، ولا يؤثر في الصيام، حيث أن هذا التطعيم ليس من المغذيات. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 59863 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3101 تأخير الغسل من الجنابة في رمضان حتى يطلع الفجر لا يُبطل الصيام [السُّؤَالُ] ـ[احتلمت قبل السحور مرة.. ولم يكن باستطاعتي أن أغتسل.. وكنت أحس بالخجل الشديد من الاغتسال.. لأن والداي سيعلمان بالأمر (أني احتلمت) .. ولذلك فقد تناولت سحوري دون أن أغتسل، وللأسف فإني لم أصلي صلاة الفجر ذلك الصباح أيضا.. لكني اغتسلت وصليت الفجر لاحقا.. وأريد أن أعرف ما إذا كان صومي مقبولاً. لأني أظن أني أخطأت عندما تناولت سحوري وأنا جنب (من الاحتلام) .. فهل صومي مقبول؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يصح صيام من واقع زوجته ليلاً وأصبح جنباً، وكذا يصح صيام من أصابته جنابة في نومه ليلاً أو نهاراً ولا حرج عليه في تأخير الغسل حتى يطلع الفجر، وإنما يُفسد الصيام الجماع في نهار رمضان من طلوع الفجر إلى غروب الشمس. فتاوى اللجنة الدائمة 10/327 أما تأخيرك الصلاة حتى تطلع الشمس فإنه محرَّم عليك، والواجب تأدية الصلاة في وقتها، وخجلك الشديد من الاغتسال ليس عذراً يبيح لك تأخير الصلاة عن وقتها، والواجب عليك التوبة من ذلك والاستغفار. وفقنا الله وإياك لكل خير. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 14225 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3102 السحور ليس شرطاً في صحة الصيام [السُّؤَالُ] ـ[بغض النظر عن رمضان، إذا أردت أن أصوم الاثنين والخميس بدون أن أتسحر لأنني لا أستطيع أن أستيقظ للفجر وأتسحر، فهل يجوز الصيام بدون سحور؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ ابن باز رحمه الله: ".. السحور ليس شرطاً في صحة الصيام، وإنما هو مستحب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تسحروا فإن في السحور بركة) متفق عليه. [الْمَصْدَرُ] فتاوى الشيخ ابن باز ج/4 ص/259 الحديث: 20135 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3103 بلع الصائم للريق وللنخاعة [السُّؤَالُ] ـ[هل الريق يفطر في رمضان أم لا؟ حيث أنه يأتيني ريق كثير وخاصة إذا كنت أقرأ القرآن وفي المساجد.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ابتلاع الصائم ريقه لا يفسد صومه ولو كثر ذلك وتتابع في المسجد وغيره، ولكن إذا كان بلغماً غليظاً كالنخاعة فلا تبلعه، بل أبصقه في منديل ونحوه إذا كنت في المسجد. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 10 / 270 فإن قيل: هل يجوز بلع النخاعة (النخامة) متعمداً؟ فالجواب: يحرم بلع النخاعة على الصائم وغير الصائم، لأنها مستقذرة وربما تحمل أمراضاً خرجت من البدن. ولكنها لا تُفطر الصائم إذا ابتلعها؛ لأنها لم تخرج من الفم، ولا يُعد بلعها أكلاً ولا شرباً، فلو ابتلعها بعد أن وصلت إلى فمه فإنه لا يُفطر بها. انتهى من كلام الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله. أنظر الشرح الممتع (6/428) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 12597 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3104 الحجامة للصائم [السُّؤَالُ] ـ[هل يفطر الحاجم والمحجوم في نهار رمضان؟ وما الحكم هل يفطران ويقضيان ما فاتهما أم ماذا عليهما؟ آمل إفادتي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يُفطر الحاجم والمحجوم، وعليهما الإمساك والقضاء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أفطر الحاجم والمحجوم) رواه أبو داوود (2367) وابن ماجه (1679) وصححه الألباني في صحيح أبي داوود (2074) . وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 10 / 262 الحديث: 12610 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3105 الأكل والشرب نسياناً في نهار رمضان [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من أكل أو شرب في نهار رمضان ناسياً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس عليه بأس وصومه صحيح؛ لقول الله سبحانه في آخر سورة البقرة: (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) البقرة / 286. وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله سبحانه قال: " قد فعلت "، ولما ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه) متفق عليه. وهكذا لو جامع ناسياً فصومه صحيح في أصح قولي العلماء للآية الكريمة، ولهذا الحديث الشريف، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (من أفطر في رمضان ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة) خرجه الحاكم وصححه، وحسنه الألباني في صحيح الجامع 6070، وهذا اللفظ يعم الجماع وغيره من المفطرات إذا فعلها الصائم ناسياً، وهذا من رحمة الله وفضله وإحسانه فله الحمد والشكر على ذلك. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 12589 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3106 شرب بعد الأذان ظنا منه عدم طلوع الفجر [السُّؤَالُ] ـ[كنت نائما ولم اسمع أذان الفجر، والمنبه كان متأخرا عن التوقيت الصحيح وبعد أن شربت كوبا من الماء أقيمت الصلاة فماذا علي، أفتوني مأجورين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصحيح من أقوال أهل العلم، أن من أكل ظنا منه أن الفجر لم يطلع، ثم تبين له أن قد طلع، فلا شيء عليه، لأنه جاهل بالوقت فهو معذور. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " إذا تناول الصائم شيئا من هذه المفطرات جاهلا، فصيامه صحيح، سواء كان جاهلا بالوقت، أو كان جاهلا بالحكم، مثال الجاهل بالوقت، أن يقوم الرجل في آخر الليل، ويظن أن الفجر لم يطلع، فيأكل ويشرب ويتبين أن الفجر قد طلع، فهذا صومه صحيح لأنه جاهل بالوقت. ومثال الجاهل بالحكم، أن يحتجم الصائم وهو لا يعلم أن الحجامة مفطرة، فيقال له: صومك صحيح. والدليل على ذلك قوله تعالى: (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين) هذا من القرآن. ومن السنة حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما الذي رواه البخاري في صحيحه، قالت: (أفطرنا يوم غيم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم طلعت الشمس) فصار إفطارهم في النهار، ولكنهم لا يعلمون بل ظنوا أن الشمس قد غربت ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء، ولو كان القضاء واجبا لأمرهم به، ولو أمرهم به لنقل إلينا " مجوع الفتاوى 19 ويراجع السؤال رقم (38543) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 27227 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3107 أخذ الحقن للصائم [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم التداوي بالحقن في نهار رمضان سواء كانت للتغذية أم التداوي؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز التداوي بالحقن في العضل والوريد للصائم في نهار رمضان، ولا يجوز للصائم تعاطي حقن التغذية في نهار رمضان؛ لأنه في حكم تناول الطعام والشراب فتعاطي تلك الحقن يعتبر حيلة على الإفطار في رمضان وإن تيسر تعاطي الحقن في العضل والوريد ليلاً فهو أولى. وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 10 / 252 الحديث: 8652 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3108 سماع الموسيقى في رمضان [السُّؤَالُ] ـ[هل الموسيقى حرام أثناء الصيام؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سماع الموسيقى حرام، سواء في رمضان أو غير رمضان، وهي في رمضان أشد تحريماً، وأعظم إثماً، لأنه ليس المقصود من الصيام مجرد الامتناع عن الطعام والشراب، بل المقصود تحقيق تقوى الله تعالى، وصوم الجوارح وامتناعها عن معصية الله. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة/183. وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ليس الصيام من الأكل والشرب، إنما الصيام من اللغو والرفث..) رواه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم اهـ راجع سؤال (37989) . وقد دلت السنة الصريحة الصحيحة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على تحريم سماع آلات الموسيقى. روى البخاري تعليقاً أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ. . .) . والحديث وصله الطبراني والبيهقي. والمراد بـ (الحر) الزنى. والمعازف هي آلات الموسيقى. والحديث يدل على تحريم آلات الموسيقى من وجهين: الأول: قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يستحلون) فإنه صريح في أن الأشياء المذكورة محرمة، فيستحلها أولئك القوم. الثاني: قرن المعازف مع المقطوع حرمته وهو الزنا والخمر، ولو لم تكن محرمة لما قرنها معها. انظر: السلسلة الصحيحة للألباني حديث رقم (91) . والواجب على المؤمن أن ينتهز هذا الشهر المبارك، ويقبل فيه على ربه، ويتوب إلى الله تعالى، ويقلع عن المحرمات التي اعتاد فعلها قبل رمضان، لعل الله تعالى أن يتقبل صيامه، ويصلح أحواله. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 12647 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3109 الإغماء في رمضان [السُّؤَالُ] ـ[ما الواجب على من دخل عليه رمضان وهو في حال إغماء بسبب حادث سيارة ولم يُفق إلا بعد اثنين وعشرين يوماً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرض هذا السؤال على الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله فقال: على القول الراجح: أن زوال العقل بالإغماء من مرض أو غير مرض يُسقط وجوب الصلاة فلا يلزمه القضاء بالنسبة للصلاة، وأما الصيام فيجب عليه قضاء الأيام التي لم يصمها في حال إغمائه. والفرق بين الصلاة والصيام أن الصلاة تتكرر، فإذا لم يقضِّ ما فاته فسوف يصلي في اليوم التالي وأما الصوم فإنه لا يتكرر ولهذا كانت الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة. [الْمَصْدَرُ] اللقاء الشهري 17 الحديث: 12425 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3110 الدم الذي يخرج من الأسنان لا يُبطل الصوم [السُّؤَالُ] ـ[هل الدم الذي يخرج من بين الأسنان خطأ يفطر أم لا؟ وإذا كان من غير الإنسان نفسه أي من شخص آخر ضربه خطأ؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الدم الذي يخرج من بين الأسنان لا يُفطر، سواء خرج بنفسه أو بضربة إنسان له. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 10 / 267 ولكن يحرم على الصائم ابتلاع هذا الدم، فإن ابتلعه عامداً فقد أفطر. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 12487 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3111 حكم من قبّل فتاة أجنبية منه في رمضان [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من قبّل فتاة أجنبية منه في رمضان، وهل يجب عليه القضاء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الرجل الذي قبّل امرأة أجنبية منه لا شك أنه لم يأت بحكمة الصوم، لأن هذا الرجل فعل الزور، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) ، فإن فعل ذلك مُكرهاً إياها على ذلك فقد اجتمع في حقه فعل الزور والجهل، فصيامه في الحقيقة فاقد الحكمة ناقص الأجر بلا شك. ولكنه عند جمهور أهل العلم لا يَفسد بمعنى أننا لا نلزمه بقضائه. [الْمَصْدَرُ] فتاوى الشيخ ابن عثيمين ج/1 ص/516 الحديث: 22838 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3112 حكم تناول السحور والمؤذن يؤذن [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز الاستمرار في تناول السحور والمؤذن يؤذن للأذان الثاني أم أنه يمتنع؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا فيه تفصيل، إن كان المؤذن أذّن على الصبح (يؤذن إذا طلع الفجر حقيقة) وجب الامتناع والإمساك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يمنعنكم أذان بلال من سحوركم، فإنه يؤذّن بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم) . والأصل في هذا قوله تعالى: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) فإذا علم أن الفجر طلع حتى ولو ما أذن، كما في صحراء أو نحوه إذا رأى الفجر يمتنع ولو ما سمع أذان. أما إذا كان المؤذن يؤذن مبكراً أو يشك في أذانه هل وافق الصبح أم لا، فله أن يأكل ويشرب حتى يتحقق طلوع الفجر، إما بالساعات المعروفة التي ضبطت على أنها طلوع الفجر أو بأذان ثفة يعرف أنه يؤذن على الفجر، فله أن يأكل في حالة الأذان، أن يأكل أو يشرب أو يأكل ما في يده أو يشرب ما في يده لأن الأذان ليس على الصبح بل محتمل. [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى الشيخ ابن باز ج/15 ص/282 الحديث: 22844 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3113 هل حلق اللحية يبطل الصوم؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل حلق اللحية في نهار رمضان هل يبطل الصيام؟ عافانا الله وجميع المسلمين من حلقها.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يحرم على الرجل حلق لحيته في رمضان وفي غيره؛ للأحاديث الصحيحة الصريحة الآمرة بإعفائها منها: قوله صلى الله عليه وسلم: (خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ؛ وَفِّرُوا اللِّحَى، وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ) رواه البخاري (5892) ومسلم (259) . وقوله: (جُزُّوا الشَّوَارِبَ، وَأَرْخُوا اللِّحَى، خَالِفُوا الْمَجُوسَ) رواه مسلم (260) . وقال العلامة ابن مفلح رحمه الله: " وذكر ابن حزم الإجماع أن قص الشارب وإعفاء اللحية فرض " انتهى من الفروع (1/130) ثانياً: ليس حلق اللحية من المفطرات، لكنه ينقص أجر الصائم. وهكذا جميع المعاصي من كذب وغيبة، ونحو ذلك. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل تحدث المرء بكلام حرام في نهار رمضان يفسد صومه؟ فأجاب: " إذا قرأنا قول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة/183 عرفنا ما هي الحكمة من إيجاب الصوم وهي التقوى، والتقوى هي ترك المحرمات، وهي عند الإطلاق تشمل فعل المأمور به وترك المحظور، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ، وَالْعَمَلَ بِهِ، وَالْجَهْلَ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) رواه البخاري (6057) . وعلى هذا؛ يتأكد على الصائم اجتناب المحرمات من الأقوال والأفعال، فلا يغتاب الناس، ولا يكذب، ولا ينمّ بينهم، ولا يبيع بيعا محرما، ويجتنب جميع المحرمات. وإذا اجتنب الإنسان ذلك في شهر كامل فإن نفسه سوف تستقيم بقية العام، ولكن المؤسف أن كثيرا من الصائمين لا يفرقون بين يوم صومهم وفطرهم، فهم على العادة التي هم عليها من الأقوال المحرمة من كذب وغش وغيره، ولا تشعر أن عليه وقار الصوم، وهذه الأفعال لا تبطل الصيام، ولكن تنقص من أجره، وربما عند المعادلة تضيع أجر الصوم " انتهى من مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين ج19 سؤال رقم233. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50784 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3114 ستة مسائل عن الجماع في نهار رمضان [السُّؤَالُ] ـ[مما لا يخفى على الجميع أن حكم من جامع زوجته نهار رمضان عليه عتق رقبة أو صيام شهرين متتاليين أو إطعام ستين مسكيناً. والسؤال: 1 - إذا جامع الرجل زوجته أكثر من مرة وفي أيام متفرقة هل يصوم عن كل يوم شهرين، أم أن الشهرين تكفي عن كل ما جامع فيه من عدد الأيام. 2 - إذا كان لا يعلم أن من جامع زوجته عليه الحكم المذكور أعلاه، وإنما كان يعتقد أن كل يوم يجامع فيه زوجته يقضيه بيوم واحد فقط فما الحكم في ذلك؟ 3 - هل على الزوجة مثلما على الزوج؟ 4 - هل يجوز أن يدفع فلوساً بدلاً من الإطعام؟ 5 - هل يجوز أن يطعم مسكيناً واحداً عنه وعن زوجته؟ 6 - فيما لو لم يجد أحداً يطعمه هل يجوز أن يدفعها فلوساً لإحدى الجمعيات الخيرية مثل جمعية البر بالرياض، أو إحدى الجمعيات الأخرى؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من يجب عليه الصوم: أولاً: إذا جامع زوجته نهاراً في رمضان مرة أو مرات في يوم واحد فعليه كفارة واحدة إذا كان لم يكفر عن الأولى، وإذا جامع في أيام من رمضان نهاراً فعليه كفارات على عدد الأيام التي جامع فيها. ثانياً: تجب عليه الكفارة بالجماع ولو كان جاهلاً أنه تلزمه الكفارة بالجماع. ثالثاً: على الزوجة الكفارة بالجماع كذلك إذا كانت مطاوعة لزوجها في ذلك، أما المكرهة فلا شيء عليها. رابعاً: لا يجوز أن يدفع فلوساً عن الإطعام ولا يجزئه ذلك. خامساً: يجوز أن يطعم مسكيناً واحداً نصف صاع عن نفسه ونصف صاع عن زوجته، ويعتبر ذلك واحداً من ستين مسكيناً عنهما جميعاً. سادساً: لا يجوز دفعها إلى مسكين واحد، ولا إلى جمعية البر أو غيرها؛ لأنها قد لا توزعها على ستين مسكيناً، والواجب على المؤمن أن يحرص على براءة ذمته من الكفارات وغيرها من الواجبات. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 10/320 الحديث: 12329 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3115 هل يبطل الصوم بالإغماء [السُّؤَالُ] ـ[رجل أصيب بإغماء وهو صائم، فهل يبطل صومه؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله مذهب الإمامين الشافعي وأحمد أن من أصيب بإغماء في رمضان لا يخلو من حالين: الأولى: أن يستوعب الإغماء جميع النهار، بمعنى أنه يغمى عليه قبل الفجر ولا يفيق إلا بعد غروب الشمس. فهذا لا يصح صومه، وعليه قضاء هذا اليوم بعد رمضان. والدليل على عدم صحة صومه أن الصوم إمساك عن المفطرات مع النية، لقول الله تعالى في الحديث القدسي عن الصائم: (يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي) رواه البخاري (1894) ومسلم (1151) . فأضاف الترك إلى الصائم، والمغمى عليه لا يضاف إليه الترك. وأما الدليل على وجوب القضاء عليه فقول الله تعالى: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/185. الثانية: أن يفيق جزءً من النهار – ولو لحظة - فهذا يصح صيامه. سواء أفاق من أول النهار أو آخره أو وسطه. قال النووي رحمه الله وهو يذكر اختلاف العلماء في هذه المسألة: وأصح الأقوال: يشترط الإفاقة في جزءٍ منه اهـ. أي: يشترط لصحة صوم المغمى عليه أن يفيق جزءً من النهار. والدليل على صحة صومه إذا أفاق جزءً من النهار أنه قد وجد منه الإمساك عن المفطرات في الجملة. انظر: "حاشية ابن قاسم على الروض المربع" (3/381) . وخلاصة الجواب: أن الرجل إذا أغمي عليه جميع النهار –أي من طلوع الفجر إلى غروب الشمس- لم يصح صومه، وعليه القضاء. وإذا أفاق في أي جزء من النهار صح صومه. وهذا هو مذهب الشافعي وأحمد واختاره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. انظر: المجموع (6/346) ، والمغني (4/344) ، الشرح الممتع (6/365) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 9245 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3116 جامع زوجته وهي تقضي من رمضان فماذا يترتب عليهما؟ [السُّؤَالُ] ـ[جامعت زوجتي قبل رمضان وكانت تقضي بعض الأيام من شهر رمضان السابق، ولم تتمكن من قضاء جميع الأيام. ملاحظة: استأذنتني بالصيام وأذنت لها.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يجوز لمن شرع في صوم واجب كقضاء رمضان أو كفارة يمين أن يفطر إلا من عذر، كمرض أو سفر. فإن أفطر - بعذر أو من غير عذر- بقي الصوم في ذمته، فعليه أن يصوم يوما واحدا مكان اليوم الذي أفسده. فإن كان فطره من غير عذر وجب عليه – مع الصيام - التوبة إلى الله من هذا الفعل المحرم. وليس على زوجتك كفارة، لأن الكفارة لا تجب إلا بالجماع في نهار رمضان فقط. وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال (49985) فلينظر. ثانياً: وقد أسأت بإفساد صيام زوجتك، لأن الزوجة إذا صامت قضاء رمضان بإذن زوجها لم يكن له إفساد صيامها. فعليكما التوبة إلى الله، والندم على الفعل، والعزم على عدم العود، فإن كنت أجبرتها فلا إثم عليها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50632 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3117 تقيأ ثم ابتلع قيئه بغير عمد فهل بطل صومه؟ [السُّؤَالُ] ـ[صائم تقيأ ثم ابتلع شيئاً من قيئه بغير عمد فما حكمه؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا تقيأ عمداً فسد صومه، وإن غلبه القيء فلا يفسد صومه، وكذلك لا يفسد ببلعه مادام غير متعمد. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 10 / 254 الحديث: 12659 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3118 أخذ عينة دم للتحليل لا تفطر الصائم [السُّؤَالُ] ـ[هل أخذ عينة دم مقدارها 5 سم يؤثر على الصيام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يؤثر ذلك على الصيام لأنه قليل ولا يضعف الصائم. سئل الشيخ ابن باز عن حكم من سحب منه دم وهو صائم في رمضان وذلك بغرض التحليل؟ فأجاب: "مثل هذا التحليل لا يفسد الصوم بل يعفى عنه؛ لأنه مما تدعو الحاجة إليه، وليس من جنس المفطرات المعلومة من الشرع المطهر" اهـ. مجموع فتاوى ابن باز (15/274) . وسئل الشيخ ابن عثيمين في فتاوى أركان الإسلام (ص 478) : عن حكم تحليل الدم للصائم وهل يفطر؟ فأجاب: "لا يفطر الصائم بإخراج الدم من أجل التحليل، فإن الطبيب قد يحتاج إلى الأخذ من دم المريض ليختبره، فهذا لا يفطر؛ لأنه دم يسير لا يؤثر على البدن تأثير الحجامة فلا يكون مفطرا، والأصل بقاء الصيام ولا يمكن أن نفسده إلا بدليل شرعي، وهنا لا دليل على أن الصائم يفطر بمثل هذا الدم اليسير، وأما أخذ الدم الكثير من الصائم من أجل حقنه في رجل محتاج إليه مثلا، فإنه إذا أخذ من الدم الكثير الذي يفعل بالبدن مثل فعل الحجامة فإنه يفطر بذلك، وعلى هذا فإذا كان الصوم واجبا فإنه لا يجوز لأحد أن يتبرع بهذا الدم الكثير لأحد، إلا أن يكون هذا المتبَرَّع له في حالة خطرة لا يمكن أن يصبر إلى ما بعد الغروب وقرر الأطباء أن دم هذا الصائم ينفعه ويزيل ضرورته، فإنه في هذه الحال لا بأس أن يتبرع بدمه، ويفطر ويأكل ويشرب حتى تعود إليه قوته، ويقضي هذا اليوم الذي أفطره" اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50406 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3119 حكم من أتى زوجته في دبرها في نهار رمضان [السُّؤَالُ] ـ[في رمضان كنت حديث عهد بعرس، وكنت لا أصبر عن زوجتي، وكنت أستمتع بها في نهار رمضان من غير جماع، وأحسست مع فورة حماسي أنني أدخلته بالدبر وأنزلت. فما الحكم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إتيان الزوجة في دبرها كبيرة من كبائر الذنوب، بل قرنه النبي صلى الله عليه وسلم بإتيان الكهّان، وسمّاه كُفراً، فقال عليه الصلاة والسلام: (مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) . رواه الترمذي (135) وأبو داود (3904) وابن ماجه (639) . والحديث: صححه الشيخ الألباني في " صحيح الترغيب " (2433) . ولعن النبي صلى الله عليه وسلم من أتى امرأة في دبرها فقال: (مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا) . رواه أبو داود (2162) . والحديث: صححه الشيخ الألباني في " صحيح الترغيب " (2432) . ففي هذه الأحاديث بيان تحريم إتيان المرأة في دبرها، وهذا الفعل مناقض للفطرة، موجب لسخط الله وغضبه، ثم هو سبب للأمراض. سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: عما يجب على من وطئ زوجته في دبرها؟ وهل أباحه أحد من العلماء؟ فأجاب: الحمد لله رب العالمين، الوطء في الدبر حرام في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى ذلك عامة أئمة المسلمين، من الصحابة، والتابعين، وغيرهم؛ فإن الله قال في كتابه: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ) ، وقد ثبت في الصحيح: أن اليهود كانوا يقولون: إذا أتى الرجل امرأته في قُبلها من دبرها جاء الولد أحول، فسأل المسلمون عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله هذه الآية: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ) ، والحرث: موضع الزرع، والولد إنما يزرع في الفرج؛ لا في الدبر ... . " مجموع الفتاوى " (32 / 267) . وانظر جواب السؤال رقم: (1103) ففيه بيان حكم إتيان المرأة في دبرها والآثار النفسية والبدنية السيئة. وانظر جواب السؤال رقم: (6792) ففيه بيان الحكم بأدلته. وقد سبق في جواب السؤال رقم: (49614) بيان أن للزوج أن يستمتع بزوجه وهو صائم، ما لم يجامع أو ينزل، وأن الجماع في الفرج للزوجة محرم في نهار رمضان، فكيف إذا كان جماعاً في الدبر مع الإنزال؟! ثانياً: وأما ما يترتب على صيامك الذي فعلتَ فيه فعلتك: فإن فساد الصوم لا شك فيه، ولزم معه الإمساك عن الطعام والشراب، وقد أوجب جمهور أهل العلم القضاء والكفارة على من أولج في دبر امرأته، أنزل أم لم ينزل. وهذا الحكم تشترك فيه زوجتك معك، فعليها القضاء والكفارة؛ لأنه يظهر أنها كانت مطاوعة لك. قال ابن قدامة: ولا فرق بين كون الفرج قُبُلاً أو دبُراً من ذكر أو أنثى، وبه قال الشافعي. . . لأنه أفسد صوم رمضان بجماع فأوجب الكفارة كالوطء. انتهى من " المغني " (3/27) باختصار. وفي جواب السؤال رقم: (38023) : " فمن جامع في نهار رمضان عامداً مختاراً بأن يلتقي الختانان، وتغيب الحشفة في أحد السبيلين: فقد أفسد صومه، أنزل أو لم يُنزل، وعليه التوبة، وإتمام ذلك اليوم، والقضاء والكفارة المغلظة ". وعلى المسلم أن يحرص على تقوى الله تعالى، واجتناب حرماته، لاسيما في هذا الشهر، الذي شرع الله صيامه من أجل تحقيق التقوى، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة/183. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50452 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3120 إذا حاضت قبل الغروب ولو بلحظة بطل صومها ووجب عليها القضاء [السُّؤَالُ] ـ[هل لو جاءت الدورة الشهرية أثناء الصيام هل أتم اليوم صائمة أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا حاضت المرأة أثناء الصيام فسد صومها، ولو كان نزول الدم قبل المغرب بلحظة، ووجب عليها قضاؤه إن كان صومها واجباً، ويحرم عليها الاستمرار في الصيام وهي حائض. قال النووي رحمه الله في المجموع (2/386) : أَجْمَعَتْ الأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ الصَّوْمِ عَلَى الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ , وَعَلَى أَنَّهُ لا يَصِحُّ صَوْمُهَا. . . وَأَجْمَعَتْ الأُمَّةُ أَيْضًا عَلَى وُجُوبِ قَضَاءِ صَوْمِ رَمَضَانَ عَلَيْهَا , نَقَلَ الإِجْمَاعَ فِيهِ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَأَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ اهـ باختصار. وقال ابن قدامة في " المغني" (4/397) : " أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ لا يَحِلُّ لَهُمَا الصَّوْمُ , وَأَنَّهُمَا يُفْطِرَانِ رَمَضَانَ , وَيَقْضِيَانِ , وَأَنَّهُمَا إذَا صَامَتَا لَمْ يُجْزِئْهُمَا الصَّوْمُ , وَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ: (كُنَّا نَحِيضُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ , وَلا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلاةِ) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَالأَمْرُ إنَّمَا هُوَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (أَلَيْسَ إحْدَاكُنَّ إذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ , فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا) . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ سَوَاءٌ ; لأَنَّ دَمَ النِّفَاسِ هُوَ دَمُ الْحَيْضِ , وَحُكْمُهُ حُكْمُهُ. وَمَتَى وُجِدَ الْحَيْضُ فِي جُزْءٍ مِنْ النَّهَارِ فَسَدَ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ , سَوَاءٌ وُجِدَ فِي أَوَّلِهِ أَوْ فِي آخِرِهِ , وَمَتَى نَوَتْ الْحَائِضُ الصَّوْمَ , وَأَمْسَكَتْ , مَعَ عِلْمِهَا بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ , أَثِمَتْ , وَلَمْ يُجْزِئْهَا" اهـ. وقال الشيخ ابن عثيمين في رسالة "الدماء الطبيعية للنساء" (ص 28) : " وإذا حاضت وهي صائمة بطل صيامها ولو كان ذلك قبيل الغروب بلحظة، ووجب عليها قضاء ذلك اليوم إن كان فرضاً. أما إذا أحست بانتقال الحيض قبل الغروب لكن لم يخرج إلا بعد الغروب فإن صومها تام ولا يبطل على القول الصحيح" اهـ. وسئلت اللجنة الدائمة (10/155) عن امرأة صامت وقبل غروب الشمس وقبل الأذان بفترة قصيرة جاءها الحيض هل يبطل صومها؟ فأجابت: إذا كان الحيض أتاها قبل الغروب بطل الصيام وتقضيه، وإن كان بعد الغروب فالصيام صحيح ولا قضاء عليها اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50282 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3121 إذا طهرت النفساء قبل الأربعين فإنها تغتسل وتصلي وتصوم [السُّؤَالُ] ـ[لي زوجة وضعت قبل ما يقرب 15 يوم من شهر شعبان هل يجوز لها الصلاة والصوم والعمرة وتلاوة القرآن والقيام بكافة التكاليف الشرعية متى وقف دم النفاس وتأكدت من ذلك أو عليها الانتظار 40 يوما كما يقول البعض.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذهب جمهور العلماء ومنهم الأئمة الأربعة إلى أن النفاس لا حد لأقله، فمتى طهرت المرأة من النفاس وجب عليها الاغتسال وتصلي وتصوم ولو كان ذلك قبل مرور أربعين يوماً على ولادتها، " لأنه لم يرد في الشرع تحديده فيرجع فيه إلى الوجود وقد وجد قليلاً وكثيراً " قاله ابن قدامة في "المغني" (1/428) . بل نقل بعض العلماء الإجماع على ذلك، قال الترمذي رحمه الله: "و َقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى أَنَّ النُّفَسَاءَ تَدَعُ الصَّلاةَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا إِلا أَنْ تَرَى الطُّهْرَ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّهَا تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي" اهـ. وانظر "المجموع" للنووي (2/541) . وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله (15/195) هل يجوز للمرأة النفساء أن تصوم وتصلي وتحج قبل الأربعين يوماً إذا طهرت؟ فأجاب: نعم يجوز لها أن تصوم وتصلي وتحج وتعتمر ويحل لزوجها وطؤها في الأربعين إذا طهرت، فلو طهرت لعشرين يوماً اغتسلت وصلت وصامت وحلت لزوجها وما يروى عن عثمان بن أبي العاص أنه كره ذلك فهو محمول على كراهة التنزيه وهو اجتهاد منه رضي الله عنه ولا دليل عليه. والصواب أنه لا حرج في ذلك إذا طهرت قبل الأربعين يوماً فإن طهرها صحيح فإن عاد عليها الدم في الأربعين فالصحيح أنها تعتبره نفاساً في مدة الأربعين ولكن صومها الماضي في حال الطهارة وصلاتها وحجها كله صحيح لا يعاد شيء من ذلك ما دام وقع حال الطهارة اهـ. وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (5/458) : " إذا رأت المرأة النفساء الطهر قبل تمام الأربعين فإنها تغتسل وتصلي وتصوم ولزوجها جماعها" اهـ. وسئلت اللجنة الدائمة (10/155) عن امرأة ولدت قبل رمضان بسبعة أيام وطهرت وصامت رمضان. فأجابت: إذا كان الأمر كما ذكر وأن صيامها شهر رمضان في زمن الطهر فإن صيامها صحيح ولا يلزمها القضاء اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50308 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3122 خرج منها سائل أصفر أثناء الصوم بعد أن طهرت [السُّؤَالُ] ـ[امرأة طهرت في رمضان قبل طلوع الفجر فصامت ذلك اليوم، ثم قامت الظهر لتصلي فرأت صفرة هل صومها صحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الطهر حصل قبل طلوع الفجر ثم صامت فصيامها صحيح ولا أثر للصفرة بعد رؤية الطهر؛ لقول أم عطية رضي الله عنها: (كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئا) رواه البخاري (1/84) ، وأبو داود (307) واللفظ له. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (10/158) الحديث: 12689 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3123 استمنى جاهلاً أنه مفطر [السُّؤَالُ] ـ[لقد منّ الله علي بالتوبة قبل عام.. واليوم سمعت أن الاستمناء من المفطرات، ولم أكن أعرف ذلك سابقاً.. وقد اقترفت هذا الذنب في رمضان قبل الماضي.. ولا أعلم ماذا أفعل؟ علماً بأنني لا أعلم عدد الأيام التي قمت فيها بهذا الذنب.. أرجوكم أفيدوني ماذا علي فعله؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الحمد لله الذي مَنَّ عليك بالتوبة، ونسأله سبحانه أن يتقبل توبتك، ويغفر لك ذنبك، ويلهمك رشدك. ثانياً: اختلف العلماء فيمن فعل شيئا من مفسدات الصيام جاهلا، هل يفسد صومه بذلك أم لا على قولين: الأول: أنه يفسد صومه بذلك، وهو مذهب الشافعي وأحمد، إلا أن الشافعي استثنى إذا كان حديث عهد بالإسلام أو كان ناشئا ببادية بعيدا عن أهل العلم فلا يفسد صومه. قال النووي في "المجموع" (6/352) : " إذَا أَكَلَ الصَّائِمُ أَوْ شَرِبَ أَوْ جَامَعَ جَاهِلا بِتَحْرِيمِهِ - فَإِنْ كَانَ قَرِيبَ عَهْدٍ بِإِسْلامٍ أَوْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ بِحَيْثُ يَخْفَى عَلَيْهِ كَوْنُ هَذَا مُفْطِرًا - لَمْ يُفْطِرْ ; لأَنَّهُ لا يَأْثَمُ فَأَشْبَهَ النَّاسِيَ الَّذِي ثَبَتَ فِيهِ النَّصُّ , وَإِنْ كَانَ مُخَالِطًا لِلْمُسْلِمِينَ بِحَيْثُ لا يَخْفَى عَلَيْهِ تَحْرِيمُهُ أَفْطَرَ ; لأَنَّهُ مُقَصِّرٌ " اهـ. وانظر "المغني" (4/368) ، "الكافي" (2/244) . وقد اختار هذا القول علماء اللجنة الدائمة، فقد سئلت اللجنة عمن استمنى في نهار رمضان وهو جاهل أن هذا حرام، ولا يعلم عدد الأيام التي فعل فيها هذا المحرم. فأجابت: " يجب قضاء الأيام التي أفطرتها بسبب العادة السرية لأنها مفسدة للصيام، واجتهد في معرفة الأيام التي أفطرتها " اهـ. فتاوى اللجنة الدائمة (10/258) . والقول الثاني: لا يفسد صومه بذلك كما لا يفسد صوم الناسي. وقد اختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى" (2/19) : " الصَّائِمُ إذَا فَعَلَ مَا يُفْطِرُ بِهِ جَاهِلا بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ: فَهَلْ عَلَيْهِ الإِعَادَةُ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ. . . وَالأَظْهَرُ أَنَّهُ لا يَجِبُ قَضَاءُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ , وَلا يَثْبُتُ الْخِطَابُ إلا بَعْدَ الْبَلاغِ , لقوله تعالى: (لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) . وَقَوْلِهِ: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا) . وَلِقَوْلِهِ: (لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) وَمِثْلُ هَذَا فِي الْقُرْآنِ مُتَعَدِّدٌ , بَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ لا يُعَاقِبُ أَحَدًا حَتَّى يُبَلِّغَهُ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ. وَمَنْ عَلِمَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَآمَنَ بِذَلِكَ , وَلَمْ يَعْلَمْ كَثِيرًا مِمَّا جَاءَ بِهِ لَمْ يُعَذِّبْهُ اللَّهُ عَلَى مَا لَمْ يَبْلُغْهُ , فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يُعَذِّبْهُ عَلَى تَرْكِ الإِيمَانِ بَعْدَ الْبُلُوغِ , فَإِنَّهُ لا يُعَذِّبُهُ عَلَى بَعْضِ شَرَائِطِهِ إلا بَعْدَ الْبَلاغِ أَوْلَى وَأَحْرَى , وَهَذِهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُسْتَفِيضَةِ عَنْهُ فِي أَمْثَالِ ذَلِكَ. فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ أَنَّ طَائِفَةً مِنْ أَصْحَابِهِ ظَنُّوا أَنَّ قوله تعالى: (الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ) هُوَ الْحَبْلُ الأَبْيَضُ مِنْ الْحَبْلِ الأَسْوَدِ. فَكَانَ أَحَدُهُمْ يَرْبِطُ فِي رِجْلِهِ حَبْلا. ثُمَّ يَأْكُلُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ هَذَا مِنْ هَذَا فَبَيَّنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الْمُرَادَ بَيَاضُ النَّهَارِ , وَسَوَادُ اللَّيْلِ. وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالإِعَادَةِ اهـ. وقال ابن القيم في "إعلام الموقعين" (4/66) : " وَقَدْ عَفَا (يعني النبي صلى الله عليه وسلم) عَمَّنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ فِي نَهَارِ الصَّوْمِ عَمْدًا غَيْرَ نَاسٍ لَمَّا تَأَوَّلَ الْخَيْطَ الأَبْيَضَ وَالْخَيْطَ الأَسْوَدَ بِالْحَبْلَيْنِ الْمَعْرُوفَيْنِ , فَجَعَلَ يَأْكُلُ حَتَّى تَبَيَّنَا لَهُ وَقَدْ طَلَعَ النَّهَارُ , وَعَفَا لَهُ عَنْ ذَلِكَ , وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْقَضَاءِ , لِتَأْوِيلِهِ اهـ. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى عن شاب استمنى في رمضان جاهلاً بأنه يفطر وفي حالة غلبت عليه شهوته، فما الحكم؟ فأجاب: الحكم أنه لا شيء عليه، لأننا قررنا فيما سبق أنه لا يفطر الصائم إلا بثلاثة شروط: العلم، والذكر، والإرادة. راجع السؤال (28023) . ولكني أقول: إنه يجب على الإنسان أن يصبر عن الاستمناء، لأنه حرام لقول الله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ) المؤمنون/5-7. ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ) رواه البخاري (5065) ومسلم (1400) . ولو كان الاستمناء جائزاً لأرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه أيسر على المكلف، ولأن الإنسان يجد فيه متعة، بخلاف الصوم ففيه مشقة، فلما عدل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصوم، دل هذا على أن الاستمناء ليس بجائز اهـ. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (19/981) . والأحوط لك أن تقضي تلك الأيام، واجتهد في تحديد عددها بما يغلب على ظنك. قال الشيخ ابن باز في "مجموع الفتاوى" (15/304) : "أما من جامع في نهار رمضان وهو ممن يجب عليه الصيام، لكونه بالغا صحيحا مقيما، جهلا منه، فقد اختلف أهل العلم في شأنه، فقال بعضهم: عليه الكفارة؛ لأنه مفرط في عدم السؤال والتفقه في الدين، وقال آخرون من أهل العلم: لا كفارة عليه من أجل الجهل، وبذلك تعلم أن الأحوط لك هو الكفارة، من أجل تفريطك وعدم سؤالك عما يحرم عليك قبل أن تفعل ما فعلت" اهـ. فأمره بالكفارة احتياطاً، ووجوب الكفارة هنا لأنه أفطر بالجماع، والكفارة لا تجب بشيء من مفسدات الصيام إلا بالجماع في نهار رمضان، كما تقدم في إجابة السؤال (28023) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50017 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3124 حكم من أفطر ناسياً [السُّؤَالُ] ـ[حكم الإفطار ناسياً في صيام التطوع؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله روى البخاري (6669) ومسلم (1155) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ) . وورد أيضاً التصريح بعدم وجوب الكفارة والقضاء. روى اِبْن خُزَيْمَةَ (1999) عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ أَفْطَرَ فِي شَهْر رَمَضَان نَاسِيًا فَلَا قَضَاء عَلَيْهِ وَلا كَفَّارَة) حسنه الألباني في صحيح ابن خزيمة. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ أَكَلَ فِي شَهْر رَمَضَان نَاسِيًا فَلَا قَضَاء عَلَيْهِ) . قال الحافظ: "وَإِسْنَادُهُ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا لَكِنَّهُ صَالِحٌ لِلْمُتَابَعَةِ , فَأَقَلُّ دَرَجَاتِ الْحَدِيثِ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ أَنْ يَكُونَ حَسَنًا فَيَصْلُحُ لِلاحْتِجَاجِ بِهِ , وَقَدْ وَقَعَ الِاحْتِجَاج فِي كَثِير مِنْ الْمَسَائِل بِمَا هُوَ دُونه فِي الْقُوَّة , وَيَعْتَضِدُ أَيْضًا بِأَنَّهُ قَدْ أَفْتَى بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَة مِنْ غَيْر مُخَالَفَةٍ لَهُمْ مِنْهُمْ - كَمَا قَالَهُ اِبْن الْمُنْذِرِ وَابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُمَا - عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَبُو هُرَيْرَة وَابْن عُمَر , ثُمَّ هُوَ مُوَافِق لِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) فَالنِّسْيَان لَيْسَ مِنْ كَسْب الْقَلْب , وَمُوَافِقٌ لِلْقِيَاسِ فِي إِبْطَالِ الصَّلاةِ بِعَمْدِ الأَكْلِ لا بِنِسْيَانِهِ فَكَذَلِكَ الصِّيَام. وَفِي الْحَدِيثِ لُطْفُ اللَّهِ بِعِبَادِهِ وَالتَّيْسِير عَلَيْهِمْ وَرَفْعُ الْمَشَقَّةِ وَالْحَرَجِ عَنْهُم اهـ باختصار. فاستدل جمهور العلماء بهذه الأحاديث على أنه من نسي وهو صائم فأفطر فصومه صحيح، بل يتم صومه ولا قضاء عليه ولا كفارة، وعموم الحديث يشمل الصوم الواجب والتطوع، فلا فرق بينهما. قال الشافعي في الأم (2/284) : "وَإِذَا أَكَلَ الصَّائِمُ أَوْ شَرِبَ فِي رَمَضَانَ أَوْ نَذْرٍ أَوْ صَوْمِ كَفَّارَةٍ أَوْ وَاجِبٍ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ أَوْ تَطَوُّعٍ نَاسِيًا , فَصَوْمُهُ تَامٌّ وَلا قَضَاءَ عَلَيْهِ" اهـ. وقال النووي: "فِيهِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ الأَكْثَرِينَ: أَنَّ الصَّائِم إِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ جَامَعَ نَاسِيًا لَا يُفْطِرُ , وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَة وَدَاوُد وَآخَرُونَ اهـ. قال الحافظ: وَمِنْ الْمُسْتَظْرَفَاتِ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ: أَنَّ إِنْسَانًا جَاءَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَة فَقَالَ: أَصْبَحْت صَائِمًا فَنَسِيت فَطَعِمْت , قَالَ لا بَأْسَ. قَالَ: ثُمَّ دَخَلْت عَلَى إِنْسَانٍ فَنَسِيت وَطَعِمْت وَشَرِبْت , قَالَ: لا بَأْسَ اللَّهُ أَطْعَمَك وَسَقَاك. ثُمَّ قَالَ: دَخَلْت عَلَى آخَرَ فَنَسِيت فَطَعِمْت , فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنْتَ إِنْسَانٌ لَمْ تَتَعَوَّدْ الصِّيَامَ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50041 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3125 إذا رأت كدرة بعد الطهر فإنها تصلي وتصوم؟ [السُّؤَالُ] ـ[كانت الدورة قد انتهت كاملا واغتسلت ليلاً، ونويت الصوم من الليل، ولكن عندما قمت لأصلي الفجر وأنا على طهارة كاملة تفاجأت بنزول خيط أبيض ومعه جزء يسير لونه بني فاتح يكاد لا يلاحظ إلا من قرب، ولكن لم ينزل أثناء الغسل. فهل هذه الصلاة صحيحة أم لابد من إعادتها؟ وهل يصح الصوم في ذلك اليوم؟ مع العلم أنني لم أغتسل بعد نزول هذا الشيء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه الكدرة التي تنزل بعد الطهر ليست بشيء، ولا تعتبر حيضاً، فصومك صحيح، ولا يجب عليك الاغتسال بعد نزولها، لقول أُمِّ عَطِيَّةَ: (كُنَّا لا نَعُدُّ الْكُدْرَةَ وَالصُّفْرَةَ بَعْدَ الطُّهْرِ شَيْئًا) . رواه أبو داود (307) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. ورواه البخاري (326) بلفظ: (كُنَّا لَا نَعُدُّ الْكُدْرَةَ وَالصُّفْرَةَ شَيْئًا) . لكن هذه الكدرة ناقضة للوضوء، فإذا كنت توضأت لصلاة الفجر بعد نزولها فصلاتك صحيحة ولا شيء عليك، وإن كانت نزلت بعد الوضوء وقبل الصلاة ولم تعيدي الوضوء فعليك إعادة تلك الصلاة لأنك قد صليتها بلا وضوء. سئل الشيخ ابن باز في مجموع الفتاوى (10/214) : ألاحظ أنه عند اغتسالي من العادة الشهرية وبعد جلوسي للمدة المعتادة لها وهي خمسة أيام أنها في بعض الأحيان تنزل مني كمية قليلة جدا، وذلك بعد الاغتسال مباشرة، ثم بعد ذلك لا ينزل شيء، وأنا لا أدري هل آخذ بعادتي فقط خمسة أيام وما زاد لا يحسب، وأصلي وأصوم وليس علي شيء في ذلك، أم أنني أعتبر ذلك اليوم من أيام العادة فلا أصلي ولا أصوم فيه؟ علما أن ذلك لا يحدث معي دائما وإنما بعد كل حيضتين أو ثلاث تقريبا؟ فأجاب: إذا كان الذي ينزل عليك بعد الطهارة صفرة أو كدرة فإنه لا يعتبر شيئا، بل حكمه حكم البول. أما إن كان دما صريحا فإنه يعتبر من الحيض، وعليك: أن تعيدي الغسل؛ لما ثبت عن أم عطية رضي الله عنها وهي من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئا اهـ. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى في فتاوى الصيام (ص105) : امرأة تقول: جاءها الحيض، وتوقف عنها الدم في اليوم السادس من المغرب حتى الساعة الثانية عشرة ليلاً، واغتسلت هذا اليوم وصامت اليوم الذي بعده، ثم جاءتها كدرة بنية وصامت هذا اليوم، هل يعتبر هذا من الحيض مع أن عادتها تجلس سبعة أيام؟ فأجاب: هذه الكدرة ليست من الحيض، الكدرة التي تصيب المرأة من بعد طهارتها ليست بشيء، قالت أم عطية ـ رضي الله عنها ـ: «كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئاً» . وفي رواية أخرى: «كنا لا نعدها شيئاً» . ولم تذكر بعد الطهر. والحيض دم ليس بكدرة ولا صفرة، وعلى هذا فيكون صيام هذه المرأة صحيحاً، سواء في اليوم الذي لم تر فيه الكدرة، أو اليوم الذي رأت فيه الكدرة، لأن هذه الكدرة ليست بحيض اهـ. وسئلت اللجنة الدائمة (10/158) : عن امرأة طهرت في رمضان قبل طلوع الفجر فصامت ذلك اليوم، ثم قامت الظهر لتصلي فرأت صفرة هل صومها صحيح؟ فأجابت: إذا كان الطهر حصل قبل طلوع الفجر ثم صامت فصيامها صحيح ولا أثر للصفرة بعد رؤية الطهر؛ لقول أم عطية رضي الله عنها: (كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئا) اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50059 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3126 التصوير الطبي من الرجل للنساء وعلاقته بالصيام واللمس [السُّؤَالُ] ـ[أعمل في مجال التصوير الشعاعي، ومن ضمن أنواعه التصوير النسائي الذي يستلزم إجراء فحص للمريضة، فما حكم صيام من اضطرت لعمل الصورة هل تفطر وتعيد؟ وما حكم وضوئي إذا قمت أنا بفحصها للتصوير مع العلم أني أضع " قفازات " أثناء الفحص؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يؤثر التصوير الشعاعي على الصيام، ولا يعتبر من مفسدات الصيام إلا إن تناول المريض دواء، أو تناول طعاما أو شرابا قبله بأمر الطبيب فيفسد صومه بسبب الأكل والشرب. ثانياً: لا يؤثر الفحص على وضوء من يقوم به، وقد سبق في إجابة السؤال رقم (20710) (22757) أن الصحيح من أقوال العلماء أن مس المرأة الأجنبية لا ينقض الوضوء. ولا يجوز للرجل الأجنبي أن يعالج امرأة أجنبية ولا العكس إلا من ضرورة، وينبغي أن تقدَّر هذه الضرورة بقدرها، فلا يجوز الكشف لأدنى سبب ولأقل مرض، ولا يجوز النظر إلى أكثر من موضع الألم المراد الكشف عليه، ولا يجوز أن تكون خلوة بين المعالج والمريض. وقد سبق في جواب السؤال (2198) حكم علاج الرجال للنساء. ومس الأجنبي للمرأة والعكس محرَّم، ووضع القفازات أهون عندما تكون هناك ثمة ضرورة في العلاج. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49994 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3127 مبتلى بكثرة الاستمناء في رمضان فماذا يفعل؟ [السُّؤَالُ] ـ[ماذا عن المبتلى بكثرة الاستمناء يوميّاً، ماذا يفعل في رمضان؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصحيح من أقوال أهل العلم أن الاستمناء محرم، ولمعرفة بيان ذلك: فليراجع جواب السؤال رقم (329) . وأما يتعلق به من أحكام في نهار رمضان فلينظر جواب السؤال رقم: (38074) . والواجب على الشاب أن يتقي الله تعالى ربَّه، وأن يبتعد عن المثيرات لشهوته من سماع أو نظر، وأن يستفيد من شهر رمضان بتهذيب نفسه وتقويمها، فهو شهر القرآن وشهر التقوى، فلا يليق بالمسلم أن لا يستفيد منه في ترك شهوته المحرمة ابتغاء الأجر وخوفاً من ربه تعالى. قال الله تعالى في الحديث القدسي عن الصائم: (يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي) رواه البخاري (1894) ومسلم (1151) قال الشيخ ابن عثيمين: يجب على الإنسان أن يصبر عن الاستمناء؛ لأنه حرام لقول الله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافظونَ. إِلاَّ عَلى أَزواجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ. فَمَنِ ابْتَغَى وَرَآءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) . ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم ". ولو كان الاستمناء جائزاً لأرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أيسر على المكلف، ولأن الإنسان يجد فيه متعة، بخلاف الصوم ففيه مشقة، فلما عدل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصوم: دل هذا على أن الاستمناء ليس بجائز. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (19 / 189) . وعليك أن تبذل جهدك لتتزوج لتتخلص من هذه العادة السيئة، واستعن بربك تعالى بدعائه وطاعته ليخلصك من إثم هذه العادة. ونسأل الله تعالى أن يطهر قلبك وجوارحك، وأن يوفقك لما يحب ويرضى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49943 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3128 حكم جماع الزوجة في رمضان [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز نكاح الزوجة في شهر رمضان؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الظاهر أن مراد السائل بالنكاح الجماع. وجماع الزوجة في رمضان له حالان، إما أن يكون ليلاً، وإما أن يكون نهاراً. أما الجماع في الليل فمباح، (والليل من أول غروب الشمس إلى طلوع الفجر) . وقد كان الحكم في أول الإسلام إباحة الجماع في ليالي رمضان ما لم ينم، فإذا نام حرم عليه الجماع، ولو استيقظ قبل طلوع الفجر، ثم خفف الله تعالى هذا الحكم وأباح الجماع في ليالي رمضان مطلقاً، وقد دل على ذلك قول الله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) البقرة/187. قال السعدي (ص 87) : " كان في أول فرض الصيام، يحرم على المسلمين في الليل بعد النوم الأكل والشرب والجماع، فحصلت المشقة لبعضه م، فخفف الله تعالى عنهم ذلك، وأباح في ليالي الصيام كلها الأكل والشرب والجماع، سواء نام أو لم ينم، لكونهم يختانون أنفسهم بترك بعض ما أمروا به. {فتاب} الله {عليكم} بأن وسع لكم أمرا كان ـ لولا توسعته ـ موجبا للإثم {وعفا عنكم} ما سلف {فالآن} بعد هذه الرخصة والسعة من الله {باشروهن} وطأ وقبلة ولمسا وغير ذلك. {وابتغوا ما كتب الله لكم} أي: انووا في مباشرتكم لزوجاتكم التقرب إلى الله تعالى والمقصود الأعظم من الوطء، وهو حصول الذرية وإعفاف فرجه وفرج زوجته، وحصول مقاصد النكاح " اهـ. وقال الجصاص في "أحكام القرآن" (1/265) : فَأَبَاحَ الْجِمَاعَ وَالأَكْلَ وَالشُّرْبَ فِي لَيَالِي الصَّوْمِ مِنْ أَوَّلِهَا إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ"اهـ. وروى البخاري (4508) عن الْبَرَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا نَزَلَ صَوْمُ رَمَضَانَ كَانُوا لا يَقْرَبُونَ النِّسَاءَ رَمَضَانَ كُلَّهُ وَكَانَ رِجَالٌ يَخُونُونَ أَنْفُسَهُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ. قال الحافظ: قَوْله: (لَمَّا نَزَلَ صَوْم رَمَضَان كَانُوا لا يَقْرَبُونَ النِّسَاء) ظَاهِر سِيَاق الحَدِيث أَنَّ الْجِمَاع كَانَ مَمْنُوعًا فِي جَمِيع اللَّيْل وَالنَّهَار , بِخِلَافِ الأَكْل وَالشُّرْب فَكَانَ مَأْذُونًا فِيهِ لَيْلا مَا لَمْ يَحْصُل النَّوْم , لَكِنْ بَقِيَّة الأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي هَذَا الْمَعْنَى تَدُلّ عَلَى عَدَم الْفَرْق, فَيُحْمَل قَوْله " كَانُوا لا يَقْرَبُونَ النِّسَاء " عَلَى الْغَالِب جَمْعًا بَيْن الأَخْبَار اهـ باختصار. ومعنى: {تَخْتَانُونَ أَنْفُسكُمْ} : أي: تُجَامِعُونَ النِّسَاء وَتَأْكُلُونَ وَتَشْرَبُونَ فِي الْوَقْت الَّذِي كَانَ حَرَامًا عَلَيْكُمْ. ذَكَرَهُ الطَّبَرِيُّ. وعَنْ مُجَاهِد: {تَخْتَانُونَ أَنْفُسكُمْ} قَالَ: تَظْلِمُونَ أَنْفُسكُمْ اهـ من عون المعبود. وأما الجماع في نهار رمضان ممن يجب عليه الصوم، فقد أجمع العلماء على تحريمه وأنه من مفسدات الصيام. قال في المغني (4/372) : " لا نَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا , فِي أَنَّ مَنْ جَامَعَ فِي الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ , أَوْ دُونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ , أَنَّهُ يَفْسُدُ صَوْمُهُ إذَا كَانَ عَامِدًا , وَقَدْ دَلَّتْ الأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ عَلَى ذَلِكَ" اهـ. بل الجماع أعظم مفسدات الصيام، فإنه تجب فيه الكفارة. روى البخاري (2600) ومسلم (1111) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ هَلَكْتُ فَقَالَ وَمَا ذَاكَ قَالَ وَقَعْتُ بِأَهْلِي فِي رَمَضَانَ قَالَ تَجِدُ رَقَبَةً قَالَ لا قَالَ فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَ لا قَالَ فَتَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَ لا قَالَ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ بِعَرَقٍ وَالْعَرَقُ الْمِكْتَلُ فِيهِ تَمْرٌ فَقَالَ اذْهَبْ بِهَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ قَالَ عَلَى أَحْوَجَ مِنَّا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ مِنَّا قَالَ اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ ولمعرفة ما يترتب على الجماع في نهار رمضان يراجع السؤال رقم (49614) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49750 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3129 نزول المذي لا يفسد الصيام [السُّؤَالُ] ـ[بطبيعة عملي في مركز بيع فإني في نهار رمضان استقبل البنات وأكلمهن من غير شهوة ولكني أحس بشيء نزل من الذكر لا أعرف ما هو هل هو مني أو مذي فهل فسد صومي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا السائل متردد بين أن يكون منيا أو مذيا. و"الفرق بين المني والمذي: أن المني من الرجل ماء غليظ أبيض، ومن المرأة رقيق أصفر، وأما المذي فهو ماء رقيق أبيض لزج يخرج عند الملاعبة، أو تذكر الجماع، أو إرادته، أو نظر، أو غير ذلك، ويشترك الرجل والمرأة فيه" اهـ. "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/418) . والغالب أن هذا الذي نزل منك مذي وليس منياً لأن المني يخرج بدفق ويشعر به الرجل. والتسبب في إنزال المني من مفسدات الصيام كما لو جامع أو قَبَّل أو باشر، أو كرر النظر إلى النساء فأنزل منيا، فيفسد صومه. راجع السؤال (2571) . وأما المذي فقد اختلف العلماء في إفساد الصوم به إن تسبب في نزوله. فمذهب الحنابلة أنه يفطر به إن كان سبب نزوله المباشرة كاللمس باليد أو التقبيل وما أشبه ذلك. فإن كان سبب نزوله تكرار النظر فإنه لا يفطر به. وذهب أبو حنيفة والشافعي إلى أن نزول المذي لا يفطر به مطلقا سواء نزل بمباشرة أم بغيرها، وأن المفسد للصيام هو نزول المني لا المذي. انظر المغني (4/363) . قال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع (6/236) بعد أن ذكر مذهب الحنابلة في المسألة: " ولا دليل له صحيح، لأن المذي دون المني لا بالنسبة للشهوة ولا بالنسبة لانحلال البدن، فلا يمكن أن يلحق به. والصواب: أنه إذا باشر فأمذى، أو استمنى فأمذى أنه لا يفسد صومه، وأن صومه صحيح، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، والحجة فيه عدم الحجة (أي عدم الحجة على أن نزول المذي مفسد للصيام) ، لأن هذا الصوم عبادة شرع فيها الإنسان على وجه شرعي فلا يمكن أن نفسد هذه العبادة إلا بدليل اهـ. ومعنى: (استمنى فأمذى) أنه حاول إنزال المني ولكنه لم يُنزل وإنما أنزل مذياً. وسئل الشيخ ابن باز (15/267) : إذا قبل الإنسان وهو صائم أو شاهد بعض الأفلام الخليعة وخرج منه مذي، فهل يقضي الصوم؟ فأجاب: خروج المذي لا يبطل الصوم في أصح قولي العلماء؛ سواء كان ذلك بسبب تقبيل الزوجة، أو مشاهدة بعض الأفلام، أو غير ذلك مما يثير الشهوة. ولكن لا يجوز لمسلم مشاهدة الأفلام الخليعة، ولا استماع ما حرم الله من الأغاني وآلات اللهو، أما خروج المني عن شهوة، فإنه يبطل الصوم سواء حصل عن مباشرة، أو قبلة، أو تكرار النظر، أو غير ذلك من الأسباب التي تثير الشهوة كالاستمناء ونحوه، أما الاحتلام والتفكير فلا يبطل الصوم بهما ولو خرج مني بسببهما اهـ. وسئلت اللجنة الدائمة (10/273) : في أحد أيام رمضان كنت جالسا بجوار زوجتي ونحن صيام، حوالي نصف ساعة، وكنا نمزح وبعد أن ابتعدت عنها وجدت على سروالي نقطة مبتلة خارجة من الذكر، وقد تكررت مرة ثانية أرجو إفادتي هل علي كفارة؟ فأجابت: إذا كان الواقع كما ذكرت فليس عليك قضاء ولا كفارة مراعاة للبقاء مع الأصل، إلا أن يثبت أن ذلك البلل مني فعليك الغسل والقضاء دون الكفارة اهـ. والحاصل أنه لا يلزمك شيء وصيامك صحيح حتى تتيقن أن هذا الذي خرج منك مني. فإن كان منيا فعليك قضاء ذلك اليوم ولا كفارة عليك. وعليك بتجنب الكلام مع النساء من غير حاجة، وإذا احتجت للكلام معهن فعليك بغض البصر امتثالاً لقول الله تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) النور/30. وروى مسلم (2159) عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَظَرِ الْفُجَاءَةِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي. قال النووي: (الْفُجَاءَة) هِيَ الْبَغْتَة. وَمَعْنَى نَظَر الْفَجْأَة أَنْ يَقَع بَصَره عَلَى الْأَجْنَبِيَّة مِنْ غَيْر قَصْد فَلَا إِثْم عَلَيْهِ فِي أَوَّل ذَلِكَ , وَيَجِب عَلَيْهِ أَنْ يَصْرِف بَصَره فِي الْحَال , فَإِنْ صَرَفَ فِي الْحَال فَلَا إِثْم عَلَيْهِ , وَإِنْ اِسْتَدَامَ النَّظَر أَثِمَ لِهَذَا الْحَدِيث , فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ بِأَنْ يَصْرِف بَصَره مَعَ قَوْله تَعَالَى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ) اهـ. وإذا أمكن وجود امرأة تتولى البيع للنساء ومخاطبتهن فإن ذلك أولى وأسلم. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49752 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3130 يريد الزوجان القيام بعملية التلقيح الصناعي في رمضان [السُّؤَالُ] ـ[تزوجنا منذ مدة، ولم يرزقنا الله بأطفال حتى الآن سوف نقوم بعملية التلقيح الصناعي، ولكن الميعاد المناسب لهذه العملية سوف يكون إن شاء الله فى شهر رمضان المبارك، وذلك على حسب ميعاد التبويض وهذا سوف يضطرني أنا وزوجي أن نكون على غير طهارة ونفطر في رمضان، فلا أدري ماذا أفعل، وهل الله سوف يغفر لنا حيث إننا مضطرون لذلك؟ وهل هناك كفارة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ننبه إلى أن التلقيح الصناعي فيه مفاسد متعددة، وقد ثبتَ عن كثير من الأطباء أنهم يقومون عن عمد بتغيير ماء الرجل بماء آخر؛ وذلك عن خبث نفسي أو لجزمه بعدم صلاحية مائه للإنجاب فيؤديه طمعه في المال لهذا. وثبت في كثير من المستشفيات وقوع أخطاء في تبديل العينات، ومن هنا شدَّد العلماء في هذا الأمر ولم يجيزوه في حال حفظ العينات وتأخير وضع الماء في رحم المرأة، ومنعه آخرون مطلقاً لما تعتري هذه الطريقة من احتمال الخطأ وهو ما يؤدي إلى اختلاط الأنساب والوقوع في محاذير ومفاسد متعددة. ثانياً: ليس هذا الفحص من باب الضرورة حتى يتسبب الرجل في فطره وفطر زوجته، فيمكن تأجيل ذلك إلى الليل أو إلى ما بعد شهر رمضان. فالذي ينصح به هو الصبر على قدر الله تعالى والأخذ بالأسباب الشرعية للإنجاب، وفي حال إصراركم على التلقيح الصناعي فلا بد من أخذ أشد الاحتياطات من مراقبة العينة وإدخالها مباشرة في رحم المرأة من طبيبة موثوق في دينها، وأن يتجنب نهار رمضان لعدم الاضطرار إلى ذلك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49727 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3131 يحتاج إلى أخذ حقن في الوريد فهل يؤثر ذلك على الصيام؟ [السُّؤَالُ] ـ[أحد أصدقائي مصاب بداء السرطان ومضطر لأخذ جلسة العلاج في رمضان وهي عبارة عن عدد من الأدوية تتم إذابتها في محاليل ويتم إعطاؤها عن طريق الوريد. فهل يصح الصيام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أخذ الحقن في نهار رمضان للصائم له حالان: الأولى: أن تكون هذه الحقن مغذية بحيث تغني عن الطعام والشراب، فهذه الحقن مفطرة لأنها بمعنى الأكل والشرب. الثانية: ألا تكون مغذية، فهذه لا تفطر ولا تؤثر على الصيام. ولا فرق في ذلك بين أن تكون هذه الحقن في الوريد أو في العضل. وإذا أمكن أن تكون هذه الحقن ليلاً فهو أولى، احتياطاً للصيام. سئل الشيخ ابن باز (15/257) عن حكم من حقن حقنة في الوريد والعضل أثناء النهار بشهر رمضان وهو صائم وأكمل صومه، هل فسد صومه ووجب قضاؤه أم لا؟ فأجاب: صومه صحيح؛ لأن الحقنة في الوريد ليست من جنس الأكل والشرب، وهكذا الحقنة في العضل من باب أولى، لكن لو قضى من باب الاحتياط كان أحسن. وتأخيرها إلى الليل إذا دعت الحاجة إليها يكون أولى وأحوط؛ خروجا من الخلاف في ذلك اهـ. وسئل الشيخ ابن عثيمين في فتاوى الصيام (ص220) عن حكم حقن الإبر في العضل أو الوريد أو الورك؟ فأجاب: حقن الإبر في الوريد والعضل والورك ليس به بأس، ولا يفطر به الصائم، لأن هذا ليس من المفطرات، وليس بمعنى المفطرات، فهو ليس بأكل ولا شرب، ولا بمعنى الأكل والشرب، وقد سبق لنا بيان أن ذلك لا يؤثر، وإنما المؤثر حقن المريض بما يغني عن الأكل والشرب اهـ. وسئلت اللجنة الدائمة (10/252) عن حكم التداوي بالحقن في نهار رمضان سواء كانت للتغذية أم التداوي؟ فأجابت: يجوز التداوي بالحقن في العضل والوريد للصائم في نهار رمضان، ولا يجور للصائم تعاطي حقن التغذية في نهار رمضان، لأنه في حكم تناول الطعام والشراب فتعاطي تلك الحقن يعتبر حيلة على الإفطار في رمضان، وإن تيسر تعاطي الحقن في العضل والوريد ليلا فهو أولى اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49706 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3132 رياضي فهل يتناول الهرمونات في السحور؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا ألعب في لعبة كمال الأجسام وآخذ إبر تحقن في الدم بعد الإفطار في الصيام والإشكال أنها إبر هرمونات تجرى في الدم في وقت الصيام، فهل يؤثر هذا على الصيام.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نرجو أن تكون لاعباً لهذه اللعبة وفق الشروط الشرعية؛ لأن مبنى هذه اللعبة على عرض العورات أمام المشاهدين، فضلاً عن تناول الضار لتناسق الجسم كما يزعمون. وتناول المقويات أو الهرمونات أو عموم الطعام والشراب في الليل، وبقاء أثره طيلة النهار في الصيام أمرٌ جائز، والممنوع هو فعل ذلك بالنهار من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، قال الله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) البقرة/187 وقد حثّ الشرع على السحور وتأخيره إلى آخر الليل لما فيه من إعانة الصائم على الصيام. عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " تسحروا فإن في السحور بركة ". رواه البخاري (1823) ومسلم (1095) . سئل الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله تعالى -: ما المراد ببركة السحور المذكورة في الحديث؟ . فأجاب بقوله: بركة السحور المراد بها: البركة الشرعية، والبركة البدنية، أما البركة الشرعية فمنها: امتثال أمر الرسول والاقتداء به صلى الله عليه وسلم، وأما البركة البدنية فمنها: تغذية البدن وقوته على الصوم. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (19/السؤال رقم 339) . وفي جواب السؤال (26111) زيادة بيان فلينظر. ويبقى أمر يتعلق بالهرمونات المتناولة لهذه اللعبة وهو النظر في ضررها، فإن ثبت فيها الضرر: فلا يحل تناولها. عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن لا ضرر ولا ضرار. رواه ابن ماجه (2340) . قال النووي: حديث حسن، وله طرق يقوِّي بعضها بعضا. وصححه الشيخ الألباني في " إرواء الغليل " (896) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49686 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3133 يريد من زوجته أن تفطر وتقضي من غير عذر [السُّؤَالُ] ـ[شاءت الأقدار أن يكون الأسبوع الأول من رمضان هو أسبوع زواجي وزوجي لا يستطيع أن يسيطر على رغباته وأنا لا أريد أن أفطر، زوجي يقول لي أنه لا ضرر إن أفطرت يوما وأقضيه بعد ذلك.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: قول شاءت الأقدار غير صحيح، لأن الذي يشاء هو الله الواحد القهار سبحانه وتعالى. وقد تقدم بيان ذلك في إجابة السؤال رقم (8621) . ثانياً: الإفطار في رمضان من غير عذر من أكبر الكبائر، ويكون فاعله فاسقاً، ويجب عليه التوبة إلى الله تعالى من هذه المعصية الكبيرة. وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم الوعيد الشديد فيمن أفطر من رمضان من غير عذر. روى الحاكم أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى عذاب من يفطر في رمضان بغير عذر فقال: فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم، مشققة أشداقهم، تسيل أشداقهم دما. قلت: من هؤلاء؟! قال: هؤلاء الذين يفطرون قبل تَحِلَّة صومهم. صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (3951) . فعلى هذا يجب على هذا الزوج أن يتقي الله تعالى ولا يتهاون في أمر الصيام، فإن الأمر خطير. وعليك أن لا تطيعه في هذا الأمر فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. والفطر في رمضان وقضاء الصيام إنما شُرع لمن أفطر بعذر كالمرض والسفر وما أشبه ذلك، أما إفطار المسلم في رمضان من غير عذر فإنه يعرض نفسه لغضب الله تعالى وعذابه، نسأل الله السلامة والعافية. راجع السؤال رقم (38747) . ثالثاً: الجماع من مفسدات الصيام، بل هو أعظمها إثماً، ولهذا وجبت فيه الكفارة. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في فتاوى الصيام (ص337) : المجامع في نهار رمضان وهو صائم مقيم (أي غير مسافر) عليه كفارة مغلظة , وهي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا، والمرأة مثله إذا كانت راضية، وإن كانت مكرهة فليس عليها شيء، وإن كانا مسافرين فلا إثم، ولا كفارة، ولا إمساك بقية اليوم، وإنما عليهما قضاء ذلك اليوم، لأن الصوم ليس بلازم لهما. والمجامع الصائم في بلده ممن يلزمه الصوم يترتب عليه خمسة أشياء: أولا: الإثم. ثانيا: فساد الصوم. ثالثا: لزوم الإمساك. رابعا: وجوب القضاء. خامسا: وجوب الكفارة، ودليل الكفارة ما جاء في حديث أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ قَالَ مَا لَكَ قَالَ وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا قَالَ لا قَالَ فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَ لا فَقَالَ فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَ لا قَالَ فَمَكَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَقٍ فِيهَا تَمْرٌ وَالْعَرَقُ الْمِكْتَلُ قَالَ أَيْنَ السَّائِلُ فَقَالَ أَنَا قَالَ خُذْهَا فَتَصَدَّقْ بِهِ فَقَالَ الرَّجُلُ أَعَلَى أَفْقَرَ مِنِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَوَاللَّهِ مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا يُرِيدُ الْحَرَّتَيْنِ أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قَالَ أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ. رواه البخاري (1936) ومسلم (1111) وهذا الرجل إن لم يستطع الصوم ولا الإطعام تسقط عنه الكفارة؛ لأن الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها، ولا واجب مع العجز، ولا فرق بين أن ينزل أو لا ينزل ما دام الجماع قد حصل، بخلاف ما لو حدث إنزال بدون جماع، فليس فيه كفارة، وإنما فيه الإثم ولزوم الإمساك والقضاء اهـ. وسئل أيضاً: عن رجل يجبر زوجته على الجماع في نهار رمضان؟ فأجاب: يحرم عليها أن تطيع زوجها أو تمكنه من ذلك في هذه الحال، لأنها في صيام مفروض وعليها أن تدافعه بقدر الإمكان، ويحرم على زوجها أن يجامعها في هذه الحال وإذا كانت لا تستطيع أن تتخلص منه فإنه ليس عليها شيء لا قضاء ولا كفارة لأنها مكرهة اهـ. فتاوى الصيام (ص 339) . والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49615 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3134 مازح فتاة في رمضان فأفطر تأديبا لنفسه [السُّؤَالُ] ـ[كنت أعيش ببلد الاغتراب (أوروبا) لمدة طويلة منذ 16سنة حتى أنهيت دراساتي الجامعية وقد كان عمري 22سنة، في رمضان المعظم عندما التقيت على الصدفة بفتاة بالسكن الجامعي الذي كان مختلطا وكنت صائما إلا أنني هزمني شيطاني فحاولت ممازحتها ومداعبتها أو تقبيلها ولكنني تراجعت وعدت إلى غرفتي نادما على صنيعي ثم قلت أنا مسلم وأصنع هذا وفي رمضان أنا لا أستحق الانتماء بصنيعي هذا إلى الدعاة المخلصين الذين ألتقي معهم كل يوم، أنا لا أستحق هذا الخير وأنا بصنيعي هذا قد أفطرت حتما وكان علي أن أغتسل من مذي ربما، ثم تناولت الماء انتقاما من نفسي وأفطرت ذلك اليوم ... ماذا علي أفيدوني بارك الله فيكم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما حدث لك هو أثر من آثار الإقامة ببلاد الكفر والدراسة المختلطة بها، ولهذا كثُر تحذير أهل العلم من ذلك، ونحمد الله أن هداك وعصمك من الوقوع فيما هو أعظم من ذلك. وقد أخطأت خطأ عظيما بتعمدك الفطر في نهار رمضان، وكان عليك أن تستغفر الله مما بدر منك مع الفتاة، وأن تواصل صيامك. وأعلم أن من أعظم وسائل الشيطان التي تصدّ عن طريق الخير أن يعيقك عن صحبة الأخيار أو عن عمل الخير بحجة كونك لست أهلاً لذلك. وقد تكون نتيجة هذا البعد عن عمل الخير وأهله أعظم من الذنب الذي دفع لهذا البعد، ولهذا فإن العاقل هو الذي يمنع المعصية من أن تقوده لمعصية أخرى بل يسارع بالتوبة منها، ويزيد من قربه لأهل الخير ويكثر من الأعمال الصالحة الأخرى. (إن الحسنات يُذْهِبْنَ السيئات) أما بالنسبة لخروج المذي فإنه لا يبطل الصيام في أصح قولي العلماء، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. (المغني 3/20، الاختيارات الفقهية ص 97) . وراجع سؤال رقم (38074) (49752) مع أنك لم تجزم بخروج المذي منك. ولا يلزم في المذي اغتسال، وإنما هو نجس ينقض الوضوء، ويكفيك أن تنضح ما أصابك منه بالماء، وانظر السؤال رقم (34172) والواجب عليك قضاء ذلك اليوم الذي أفطرته، مع التوبة إلى الله تعالى، ولا يلزمك الكفارة المغلظة، لأنها مختصة بالوطء، على الراجح من قولي العلماء، كما هو مذهب الشافعي وأحمد. لكن إن كنت أخرت قضاء ذلك اليوم، حتى جاء رمضان آخر، وجب عليك مع القضاء كفارة للتأخير، وهي إطعام مسكين نصف صاع من طعام، وهو كيلو ونصف تقريبا، وانظر السؤال رقم 38867 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45793 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3135 نسيت أن تغتسل من الجنابة حتى غربت الشمس [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الإسلام في امرأة نسيت أن تتطهر من الجنابة في يوم من أيام شهر رمضان؟ مع ملاحظه أن الجماع قد حدث قبل أذان الفجر لكنها نسيت أن تتطهر قبل المغرب.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا أصبح الصائم جنبا من احتلام أو جماع فلا شيء عليه، طالما أن الجماع قد حصل قبل أذان الفجر، ويدل لذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (كان يدركه الفجر في رمضان وهو جنب من غير حلم - أي احتلام - فيغتسل ويصوم) رواه البخاري (1926) ، ومسلم (1109) من حديث عائشة - رضي الله عنها -] . وعلى هذا فصيامك ذلك اليوم صحيح، لكن كان الواجب عليك المبادرة إلى الاغتسال، لأن عليك صلوات لا بد أن تُصَلِّى في وقتها ولا يجوز تأخيرها. والصلاة في الإسلام شأنها عظيم، فهي أعظم وآكد من الصيام والزكاة والحجّ وسائر العبادات، فينبغي أن يكون اهتمام المسلم بها على قدر منزلتها. ولذلك فإن المتكاسل عن أداء الصلاة على خطر عظيم، حتى ذهب بعض أهل العلم إلى تكفير من ترك صلاة واحدة من غير عذر حتى خرج وقتها. وورد في الترهيب من ترك الصلاة قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ تَرَكَ صَلاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) رواه البخاري (553) وانظري لمعرفة شرحه السؤال رقم: (49698) فعلى السائلة أن تتوب إلى الله من تركها الصلاة وتكاسلها عن أدائها في وقتها، والله تعالى يتوب على من تاب، ويغفر لمن رجع إليه وأناب. والله تعالى أعلم. وانظري للمزيد من الفائدة السؤال رقم (21806) ، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 43307 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3136 ممارسة العادة السرية في رمضان [السُّؤَالُ] ـ[لي صديق سألني أنه وقع بالعادة السرية في شهر رمضان فما حكمه؟ وبعدما انتهى رمضان قضى هذا اليوم فما حكمه؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله على صديقك أن يعلم أن الوقوع في هذه العادة محرم شرعا، كما دل على ذلك كتاب الله تعالى، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وقد سبق تفصيل الأدلة في السؤال رقم (329) ، كما أن تلك العادة من الأمور المستقبحة فطرة وعقلا، ولا يليق بمسلم أن يدنو بنفسه لفعلها. وليعلم أن المعاصي لها شؤم على المرء، في عاجل دنياه، وفي أخراه، إن لم يتب، أو يتداركه الله برحمته، وقد سبق بيان ذلك في الأرقام التالية (23425، 8861) ثم إن أضرار تلك العادة كثيرة، فهي تضعف الجسم، وتقوي الفجوة بين العبد وربه، وهي عامل كبير من عوامل الاكتئاب. أما حكم المسألة الواردة في السؤال، فإنه إذا أنزل بممارسة العادة السرية فسد صيامه، ولزمه الإثم، وعليه الإمساك بقية اليوم، وعليه قضاء ذلك اليوم. وقد سبق بيان ذلك في السؤال رقم (38074، 2571) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 40589 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3137 ممارسة العادة السرية في رمضان دون إنزال [السُّؤَالُ] ـ[عند ما كنت في سن المراهقة كنت استمني في بعض أيام نهار رمضان ولكني لا أدع السائل المنوي يخرج من الذكر بحجزي إياه ولكني ابلغ المتعة والشهوة. فما حكم صيامي، وكيف يمكنني التكفير عن هذا الذنب العظيم، مع العلم أني لا أعرف عدد الأيام التي فعلت ذلك فيها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اعلم أن الوقوع في هذه العادة محرم شرعا، كما دل على ذلك كتاب الله تعالى، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وقد سبق تفصيل الأدلة في السؤال رقم (329) ، كما أن تلك العادة من الأمور المستقبحة فطرة وعقلا، ولا يليق بمسلم أن يدنو بنفسه لفعلها. ثم اعلم أن المعاصي لها شؤم على المرء، في عاجل دنياه، وفي أخراه، إن لم يتب، أو يتداركه الله برحمته، وقد سبق بيان ذلك في الأرقام التالية (23425، 8861، 45040) أما حكم المسألة الواردة في السؤال، فإنه إذا مارست العادة السرية ولم يخرج المني لأي سبب من الأسباب لم يفسد الصوم على الصحيح من أقوال أهل العلم، لأن المعتبر هو خروج المني، فإذا خرج فسد الصوم ولزم القضاء، وإن لم يخرج لم يفسد الصوم، لكن يلزمك على كل حال التوبة إلى الله عز وجل، والاستغفار من تضييع الصيام في مثل هذه الأمور. وقد يخرج المني بعد فترة حتى إذا منعته من الخروج، وحينئذ يفسد صيام ذلك اليوم ويلزمك القضاء، فإن كنت لا تدري عدد الأيام التي أفسدتها، فتحر ذلك، حتى يغلب على ظنك أنك قضيت ما عليك من أيام. قال الشيخ ابن عثيمين في شرح زاد المستقنع:" وهل يمكن أن ينتقل - يعني المني - بلا خروج؟ نعم يمكن؛ وذلك بأن تفتر شهوته بعد انتقاله بسبب من الأسباب فلا يخرج المني. ومثلوا بمثال آخر: بأن يمسك بذكره حتى لا يخرج المني، وهذا وإن مثل به الفقهاء فإنه مضر جدا، والفقهاء رحمهم الله يمثلون بالشيء للتصوير بقطع النظر عن ضرره أو عدم ضرره، على أن الغالب في مثل هذا أن يخرج المني بعد إطلاق ذكره. وقال بعض العلماء: لا غسل بالانتقال، وهذا اختيار شيخ الإسلام، وهو الصواب، والدليل على ذلك ما يلي: 1- حديث أم سلمة وفيه: " نعم، إذا هي رأت الماء " ولم يقل: أو أحست بانتقاله، ولو وجب الغسل بالانتقال لبينه صلى الله عليه وسلم لدعاء الحاجة لبيانه. 2- حديث أبي سعيد الخدري: " إنما الماء من الماء "، وهنا لا يوجد ماء، والحديث يدل على أنه إذا لم يكن ماء فلا ماء. 3- أن الأصل بقاء الطهارة، وعدم موجب الغسل، ولا يعدل عن هذا الأصل إلا بدليل. " [الشرح الممتع 1 / 280، وانظر الفروع 1 / 197، المبسوط 1 / 67، المغني 1 / 128، المجموع 2 / 159، الموسوعة الفقهية الكويتية 4 / 99] راجع الأسئلة رقم (38074، 2571) ، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 40664 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3138 كانت لا تقضي الصوم أيام حيضها من سنوات [السُّؤَالُ] ـ[امرأة تبلغ من العمر خمسين عاما وكانت إذا حاضت في رمضان تفطر أيام حيضها ثم لا تقضي تلك الأيام جهلا منها بوجوب القضاء ثم علمت الآن وجوب القضاء فماذا تفعل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عليها قضاء تلك الأيام، والأحوط أن تطعم عن كل يوم مسكيناً. سئل الشيخ ابن باز (15/184) : " لي أخت مرّ عليها عدة أعوام لم تقض ما أفطرته في العادة الشهرية لسبب جهلها بالحكم سيما أن بعض العاميين قالوا لها ليس عليها قضاء في الإفطار، فماذا عليها؟ عليها أن تستغفر الله وتتوب إليه، وعليها أن تصوم ما أفطرت من أيام وتطعم عن كل يوم مسكيناً كما أفتى بذلك جماعة من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو نصف صاع مقداره كيلو ونصف، ولا يسقط عنها ذلك بقول بعض الجاهلات لها أنه لا شيء عليها. قالت عائشة رضي الله عنه: (كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة) . متفق عليه. فإذا جاء رمضان الثاني قبل أن تقضي أثمت، وعليها القضاء والتوبة وإطعام مسكين عن كل يوم إن كانت قادرة، فإن كانت فقيرة لا تستطيع الإطعام أجزأها الصوم مع التوبة وسقط عنها الإطعام، وإن كانت لا تحصي الأيام التي عليها عملت بالظن، وتصوم الأيام التي تظن أنها أفطرتها من رمضان ويكفيها ذلك، ولقول الله عز وجل: (فاتقوا الله ما استطعتم) " اهـ. وسئلت اللجنة الدائمة (10/151) عن امرأة كبيرة تبلغ من العمر ستين سنة، وكانت جاهلة أحكام الحيض سنين عديدة مدة حيضها، لم تقض صوم رمضان ظناً منها أنه لا يقضى حسبما سمعت من أفواه العامة. فأجابت: عليها التوبة إلى الله من ذلك لأنها لم تسأل أهل العلم، وعليها مع ذلك القضاء فتقضي ما تركته من الصيام حسب غلبة ظنها في عدد الأيام وتكفّر عن كل يوم تركته بإطعام مسكين نصف صام من بر أو تمر أو أرز أو نحو ذلك من قوت البلد إذا استطاعت الإطعام فإن كانت لا تستطيع الإطعام سقط عنها وكفاها قضاء الصوم. اهـ. ولمعرفة حكم الإطعام يراجع السؤال رقم: (26865) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 40695 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3139 ارتجاع السوائل إلى المريء هل هو من المفطرات [السُّؤَالُ] ـ[أشكو من حموضة في المعدة مما يسبب لي ارتجاع سائل حامض إلى فم المريء فهل يعتبر هذا من مبطلات الصوم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ارتجاع سوائل المعدة يحدث بغير اختيار الإنسان، وقد يحس الشخص بالحموضة أو المرارة في المريء نفسه، ولا يخرج إلى الفم، ففي هذه الحال لا تعتبر من مفسدات الصوم لأنها لم تخرج إلى الفم. أما إذا خرجت إلى الفم فحكمها حينئذ حكم القلس أو القيء. والقلس قيل هو القيء. وقيل هو قليل القيء، فهو مَا خَرَجَ مِنْ الْجَوْفِ وَلَمْ يَمْلأْ الْفَمَ. وقيل: هو ما يخرج من فم المعدة عند امتلائها. انظر المجموع للنووي (4/4) . وحكمه أنه إذا رده إلى جوفه مع إمكان إخراجه أفطر، وإن ابتلعه لكونه لم يتمكن من إخراجه فلا يؤثر على صيامه. راجع السؤال رقم (12659) قال في الشرح الصغير: (1/700) عن القلس: "فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ طَرْحُهُ - بِأَنْ لَمْ يُجَاوِزْ الْحَلْقَ - فَلَا شَيْءَ فِيهِ" اهـ. وقال ابن حزم في المحلى (4/335) : "ولا يَنْقُضُ الصَّوْمَ قَلْسٌ خَارِجٌ مِنْ الْحَلْقِ , مَا لَمْ يَتَعَمَّدْ رَدَّهُ بَعْدَ حُصُولِهِ فِي فَمِهِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى رَمْيِهِ. . . ثم قال (4/348) : وَلَا نَعْلَمُ فِي الْقَلْسِ , وَالدَّمِ: الْخَارِجَيْنِ مِنْ الأَسْنَانِ لا يَرْجِعَانِ إلَى - الْحَلْقِ , خِلَافًا فِي أَنَّ الصَّوْمَ لا يَبْطُلُ بِهِمَا , وَحَتَّى لَوْ جَاءَ فِي ذَلِكَ خِلافٌ لَمَا اُلْتُفِتَ إلَيْهِ ; إذْ لَمْ يُوجِبْ بُطْلانَ الصَّوْمِ بِذَلِكَ نَصٌّ" اهـ باختصار. وقال في المنتقى شرح الموطأ (2/65) : "وروي عَنْ مَالِكٍ أنه قال: مَنْ قَلَسَ فَوَصَلَ الْقَلْسُ إلَى فِيهِ فَرَدَّهُ لا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: رَجَعَ مَالِكٌ , وَقَالَ: إنْ خَرَجَ إلَى مَوْضِعٍ لَوْ شَاءَ طَرَحَهُ , ثُمَّ رَدَّهُ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ إنْ ازْدَرَدَهُ (أي ابتلعه) بَعْدَ أَنْ ظَهَرَ عَلَى لِسَانِهِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ , وَإِنْ ازْدَرَدَهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ" اهـ. وقال في الإنصاف: لَوْ خَرَجَ إلَي فَمِهُ قَيْءٌ , أَوْ قَلَسٌ فَبَلَعَهُ أَفْطَرَ , نَصَّ عَلَيْهِ (يعني: الإمام أحمد) , وَإِنْ قَلَّ ; لإِمْكَانِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ اهـ. وقال في حاشية العدوي (1/448) بعد ما ذكر حكم القيء: "وَالْقَلْسِ كَالْقَيْءِ وَهُوَ مَا يَخْرُجُ مِنْ فَمِ الْمَعِدَةِ عَنْ امْتِلائِهَا" اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 40696 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3140 دخول الماء إلى الجوف خطأ [السُّؤَالُ] ـ[هل يتسبب دخول الماء إلى الجوف عند الاستنشاق في الوضوء بطريق الخطأ في بطلان الصوم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله جميع المفطرات - عدا الحيض والنفاس - لا يفسد بها الصوم إلا بثلاثة شروط: أولا: أن يكون الإنسان عالما غير جاهل. ثانيا: أن ذاكرا غير ناس. ثالثا: أن يكون مختارا غير مُكْرَه قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:" لو فعل الصائم شيئا من هذه المفطرات بغير إرادة منه واختيار فصومه صحيح، ولو أنه تمضمض ونزل الماء إلى بطنه بدون إرادة فصومه صحيح " مجموع الفتاوى 19 وقال رحمه الله: " لو طار إلى جوف الصائم غبار أو دخل فيه شيء بغير اختياره أو تمضمض أو استنشق فنزل إلى جوفه شيء من الماء بغير اختياره فصيامه صحيح ولا قضاء عليه." مجالس شهر رمضان، المجلس الخامس عشر وبناء على ما سبق، فإذا دخل الماء إلى الجوف بغير اختيار الإنسان فلا شيء عليه، لقوله تعالى: (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم) ، وينبغي أن يُعلم أن الصائم منهي عن المبالغة في الاستنشاق حتى لا ينزل الماء إلى جوفه من غير اختياره، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) والله أعلم وانظر السؤال رقم (38023) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 40698 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3141 هل تجب الكفارة بالجماع في قضاء رمضان؟ [السُّؤَالُ] ـ[جامعني زوجي يوما وأنا صائمة صوم قضاء. هل علي شيء؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قضاء رمضان من الصيام الواجب، الذي لا يجوز للإنسان أن يبطله إلا لضرورة، فإذا دخل الإنسان في قضاء، فإنه يلزمه أن يتمه، ولا يجوز له الفطر إلا لعذر شرعي. وقد ثبت عن أم هانئ رضي الله عنها أنها قالت: (يا رسول الله لقد أفطرت وكنت صائمة؟ فقال لها: أكنت تقضين شيئا، قالت لا، قال: فلا يضرك إن كان تطوعا) رواه أبو داود برقم (2456) ، وصححه الألباني، وهذا يدل على أنه يضرها إن أفطرت في صيام واجب، والضرر هنا هو الإثم. أما ما حصل بينكما، فإن كفارة الجماع لا تجب إلا بإبطال صيام رمضان نفسه، وعليه فلا يلزمك شيء، إلا إعادة قضاء ذلك اليوم من رمضان، مع التوبة إلى الله عز وجل، والعزم على عدم العودة إلى مثل ذلك. قال ابن رشد: " واتفق الجمهور: على أنه ليس في الفطر عمدا في قضاء رمضان كفارة لأنه ليس له حرمة زمان الأداء أعني: رمضان " بداية المجتهد 2/80 وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن امرأة أفطرت في قضاء رمضان، مجاملة لضيفوها، فأجاب: " هذا القضاء إذا كان قضاء عن واجب كقضاء رمضان، فإنه لا يجوز لأحد أن يفطر إلا لضرورة، وأما فطره لنزول الضيف به فإنه حرام؛ ولا يجوز؛ لأن القاعدة الشرعية: (أن كل من شرع (أي بدأ) في واجب فإنه يجب عليه إتمامه إلا لعذر شرعي) ، وأما إذا كان قضاء نفل فإنه لا يلزمها أن تتمه؛ لأنه ليس بواجب. فعلى هذا إذا كان الإنسان صائما صيام نفل وحصل له ما يقتضي الفطر فإنه يفطر، وهذا هو الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى الله عليه وسلم جاء إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فقال (هل عندكم شيء؟) فقالت: أهدي لنا حيس فقال: (فأرينيه فلقد أصبحت صائما) . فأكل منه صلى الله عليه وسلم، وهذا في النفل، وليس في الفرض. " انتهى من مجموع الفتاوى 20. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 40242 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3142 زنى في نهار رمضان، فماذا عليه؟! [السُّؤَالُ] ـ[ماذا عليه أن يفعل، ما حكم صيامه؟ كيف يقضي؟ كل هذا يتعلق بشاب زنى في نهار رمضان كيف يوجه بعد أن تاب بماذا ينصح من كتب وغيرها.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فإن الجماع في نهار رمضان من أعظم المفسدات، فمن أفسد صومه بالجماع لزمه الإثم، ولزوم الإمساك في ذلك اليوم، وجوب القضاء والكفارة المغلظة، ودليل ذلك حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: هَلَكْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: وَمَا أَهْلَكَكَ؟ قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ. قَالَ: هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً؟ قَالَ: لا. قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَالَ: لا. قَالَ: فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَالَ: لا.. . الحديث رواه البخاري (1936) ومسلم (1111) . وقد سبق شرح ذلك في الأسئلة (38023، 22938، 1672) هذا إذا كان جماعه لزوجه، فكيف بمن ينتهك حرمة الشهر بالزنى والعياذ بالله. إن من فعل ذلك فقد انتهك حرمتين، حرمة الشهر، وحرمة الفرج الحرام، والله المستعان. وعلى هذا الشاب التوبة العظيمة إلى الله عز وجل، والإحسان في العمل، والإكثار من فعل الصالحات، ومصاحبة الأخيار، وعليه السعي في إعفاف نفسه بالزواج إن كان يستطيع ذلك، أو الصوم فإنه يعف النفس، ويحفظ الفرج من الوقوع في الحرام. والذي عليه أن يفعله الآن، هو التوبة من ذلك الفعل الشنيع، وقضاء ذلك اليوم، والكفارة المغلظة على ما جاء في الحديث السابق، نسأل الله أن يغفر لنا وله، وأن يتوب علينا وعليه ... آمين. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39734 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3143 ظنّ أن صوم القضاء كصوم التطوع يجوز قطعه [السُّؤَالُ] ـ[أتيت زوجتي في نهار صيامها وهي تصوم قضاء أيام أفطرتها من رمضان وذلك لأني كنت أظن أن حكم صيام القضاء كحكم صيام التطوع. ثم سمعت غير ذلك. فما الحكم في هذه المسألة وهل يلزمني فيه شيء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قضاء رمضان من الصيام الواجب، الذي لا يجوز للإنسان أن يبطله إلا لعذر شرعي، فإذا دخل الإنسان في صيام قضاء، فإنه يلزمه أن يتمه، وليس كالمتنفل، فالمتنفل أمير نفسه، إن شاء أفطر، وإن شاء لم يفطر. راجع السؤال رقم: (49985) وقد ثبت عن أم هانئ رضي الله عنها أنها قالت: (يا رسول الله لقد أفطرت وكنت صائمة؟ فقال لها: أكنت تقضين شيئا، قالت لا، قال: فلا يضرك إن كان تطوعا) رواه أبو داود (2456) ، وصححه الألباني، وهذا يدل على أنه يضرها إن أفطرت في صيام واجب، والضرر هنا هو الإثم. أما ما حصل بينكما، فإن كفارة الجماع لا تجب إلا بالجماع في نهار رمضان نفسه، وعليه فلا يلزمك شيء، ولا يلزمها إلا إعادة قضاء ذلك اليوم، مع التوبة إلى الله عز وجل، والعزم على عدم العودة إلى مثل ذلك. قال ابن رشد:" واتفق الجمهور: على أنه ليس في الفطر عمدا في قضاء رمضان كفارة لأنه ليس له حرمة زمان الأداء أعني: رمضان " بداية المجتهد 2/80 وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (10/352) (الكفارة إنما تجب على من جامع في شهر رمضان لحرمة الزمان، أما القضاء فلا تجب فيه الكفارة في أصح قولي العلماء) اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39752 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3144 صامت في آخر أيام الدورة لأنها لم تر دماً [السُّؤَالُ] ـ[1- صمت في اليوم الخامس للعادة الشهرية وحيث لم أر أي دم خلالها ولكني صمت ولم أغتسل فقالوا لي إن صيام هذا اليوم باطل حيث يقولون في بلادنا إنه يجب على الفتاة الغير متزوجة أن تغتسل قبل المغرب وأن على المتزوجة أن تغتسل قبل الظهر فما الرأي الشرعي في هذا وهل يجب علي قضاء هذا اليوم. 2- إذا صمت في خامس يوم الدورة الشهرية واغتسلت ولكني رأيت دما بعد صلاة العشاء فهل يحسب لي هذا اليوم , أم على القضاء حيث قيل لي أيضا إنه وإن لم تري أو يكون هناك دم فإنه لا يجب عليك الصيام إلا بعد انقضاء اليوم السابع للعادة الشهرية، مع العلم أن أيام الدورة الشهرية تنتهي عندي في اليوم الخامس.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا أصل لهذا الكلام الذي قيل لك، فإذا طهرتِ قبل طلوع فجر اليوم الخامس، وجب عليك صومه، سواء اغتسلت أو لم تغسلي؛ إذ الطهارة ليست شرطا في صحة الصوم، لكن يلزمك الغسل لأداء الصلاة في وقتها، ولا يجوز لك تأخيره إلى قبل المغرب. فمن طهرت قبل الفجر، صح صومها، ولزمها أن تغتسل لتصلي الصبح في وقته، فإن أخرت الصلاة عن وقتها كانت آثمة إثما عظيما، لقوله تعالى:) فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّا إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً) مريم / 59، 60. والواجب عليك أن تتوبي إلى الله من تأخيرك للصلوات عن وقتها وأن تعزمي على عدم العود لذلك أبدا. 2- وإذا طهرت في اليوم الخامس وصمت ذلك اليوم، ثم رأيت الدم بعد صلاة العشاء، فصومك صحيح، بل لو نزل عليك الدم بعد الغروب بلحظة فصومك صحيح. أما إذا كنت قد طهرت في أثناء اليوم الخامس، فلا يصح صيام هذا اليوم وعليك قضاء يوم مكانه. وما قيل لك من أنك لا تطهرين إلا بعد اليوم السابع، كلام باطل لا أصل له، ولا يجوز لأحد أن يقول على الله ما لا يعلم. والعادة تختلف من امرأة إلى أخرى، فمن النساء من عادتها سبع، ومنهن من عادتها خمس، وكل امرأة تعمل بعادتها. بل من كانت عادتها سبعا، وطهرت في أثنائها طهرا صحيحا، فإنها تصلي وتصوم على الراجح من قولي العلماء. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله سؤالا مشابها لسؤالك، فأجاب: (إذا طهرت الحائض قبل طلوع الفجر ولو بدقيقة واحد ولكن تيقنت الطهر، فإنه إذا كان في رمضان، فإنه يلزمها الصوم، ويكون صومها ذلك اليوم صحيحا، ولا يلزمها قضاؤه؛ لأنها صامت وهي طاهر وإن لم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر فلا حرج، كما أن الرجل لو كان جنبا من جماع أو احتلام وتسحر ولم يغتسل إلا بعد طلوع الفجر كان صومه صحيحا. وبهذه المناسبة أود أن أنبه إلى أمر آخر عند النساء: إذا أتاها الحيض وهي قد صامت ذلك اليوم فإن بعض النساء يظن أن الحيض إذا أتاها بعد فطرها قبل أن تصلي العشاء فسد صوم ذلك اليوم. وهذا لا أصل له، بل إن الحيض لو أتاها بعد الغروب بلحظة فإن صومها تام صحيح) انتهى نقلا عن فتاوى رمضان ص 345 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] Islam Q&A; الحديث: 38932 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3145 احتلم وهو صائم ولم ير أثراً للمني [السُّؤَالُ] ـ[احتلمت وأنا صائم، ولكني عندما استيقظت لم أر شيئا قد نزل مني، فلقد حلمت دون أن أنزل، فهل أغتسل وأكمل صيامى أم أكمل بدون اغتسال أم أفطر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: من احتلم ثم لما استيقظ لم ير أثر المني في ثوبه فإنه لا يلزمه الاغتسال. قال ابن قدامة في "المغني": إذَا رَأَى أَنَّهُ قَدْ احْتَلَمَ , وَلَمْ يَجِدْ مَنِيًّا , فَلا غُسْلَ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ عَلَى هَذَا كُلُّ مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ... وَرَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ , هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إذَا هِيَ احْتَلَمَتْ؟ قَالَ: (نَعَمْ, إذَا رَأَتْ الْمَاءَ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ , وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لا غُسْلَ عَلَيْهَا إلا أَنْ تَرَى الْمَاءَ اهـ. ثانيا: لا يبطل الصوم بالاحتلام لأنه يحصل بدون اختيار الصائم. قال النووي في "المجموع": إذَا احْتَلَمَ فَلَا يُفْطِرُ بِالإِجْمَاعِ ; لأَنَّهُ مَغْلُوبٌ كَمَنْ طَارَتْ ذُبَابَةٌ فَوَقَعَتْ فِي جَوْفِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ , فَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي دَلِيلِ الْمَسْأَلَةِ، وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: (لا يُفْطِرُ مَنْ قَاءَ وَلا مَنْ احْتَلَمَ وَلا مَنْ احْتَجَمَ) فَحَدِيثٌ ضَعِيفٌ لا يُحْتَجُّ بِهِ اهـ. وقال في "المغني" (4/363) : وَلَوْ احْتَلَمَ لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ , لأَنَّهُ عَنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ مِنْهُ , فَأَشْبَهَ مَا لَوْ دَخَلَ حَلْقَهُ شَيْءٌ وَهُوَ نَائِمٌ اهـ. وسئل الشيخ ابن باز في مجموع الفتاوى (15/276) : عن شخص نام في نهار رمضان واحتلم وخرج منه المني، هل يقضي هذا اليوم؟ فأجاب: ليس عليه قضاء؛ لأن الاحتلام ليس باختياره، ولكن عليه الغسل إذا وجد المني اهـ. وسئل الشيخ ابن عثيمين في فتاوى الصيام (ص284) عمن احتلم في نهار رمضان؟ فأجاب: صيامه صحيح، فإن الاحتلام لا يبطل الصوم؛ لأنه بغير اختياره، وقد رفع القلم عنه في حال نومه اهـ. وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (10/274) : "من احتلم وهو صائم أو محرم بالحج أو العمرة فليس عليه إثم ولا كفارة ولا يؤثر على صيامه وحجه وعمرته وعليه غسل الجنابة إذا كان قد أنزل منياً اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38623 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3146 نزول دم يسير بعد الحيض بمدة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم نزول الدم من رحم المرأة أثناء الصيام علما بأن فترة العادة الشهرية قد انقضت لأكثر من عشرة أيام، وكانت المرأة تعاني من التهابات داخل الرحم، وأن هذا الدم ليس دم حيض حيث إنه كخيط سلك رقيق وقصير ولمرة واحدة ليوم واحد ثم انقطع؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الدم ليس بحيض، فلا يؤثر على الصيام، فلا تتركي من أجله الصلاة، وعليك أن تتوضئي لكل صلاة. سئل الشيخ ابن عثيمين: إذا نزل من المرأة في نهار رمضان نقط دم يسيرة، واستمر معها هذا الدم طوال شهر رمضان وهي تصوم، فهل صومها صحيح؟ فأجاب: نعم، صومها صحيح، وأما هذه النقط فليست بشيء لأنها من العروق، وقد أُثِر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: إن هذه النقط التي تكون كرعاف الأنف (أي نزيف الأنف) ليست بحيض، هكذا يذكر عنه رضي الله عنه. اهـ "رسالة 60 سؤالاً عن أحكام الحيض". وسئلت اللجنة الدائمة: أحيانا تأتيني العادة تسعة أيام وأحيانا عشرة وعندما أطهر وأقوم بعمل المنزل تعاودني مرة أخرى على فترات متقطعة، فهل إذا عاودتني بعد المدة المقررة لها شرعا يجوز لي الصوم والصلاة والعمرة؟ فأجابت: "مدة الحيض بالنسبة لك هي المدة التي جرت عادتك أن يأتيك فيها الحيض، وهي عشرة أيام أو تسعة، فإذا انقطع الدم بعد تسعة أو عشرة فاغتسلي وصلي وصومي وطوفي بالكعبة في حج أو عمرة أو تطوعا، ويحل لزوجك الاتصال بك، وما عاودك من الدم بعد مدة العادة من أجل مزاولة عمل أو طارئ آخر ـ فليس بدم حيض، بل دم علة وفساد، فلا يمنعك من الصلاة ولا الصوم ولا الطواف ونحوها من القربات، بل اغسليه عنك كسائر النجاسات، ثم توضئي لكل صلاة، وصلي وطوفي بالكعبة واقرئي القرآن" اهـ. "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/426) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38624 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3147 أكل بعد طلوع الفجر جاهلاً [السُّؤَالُ] ـ[في فجر أول يوم من رمضان أيقظتني زوجتي وقالت هل تريد أن تشرب ماء؟ وعندما أخذت منها الماء سألتها هل أذن؟ فقالت: لا، وبعد شرب الماء بحوالي 15-20 دقيقة أقيمت الصلاة، فإذا أنا شربت الماء بعد الأذان بحوالي 5-10 دقائق فهل عليَّ شيء؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف العلماء في حكم من أكل أو شرب ظاناً بقاء الليل وعدم طلوع الفجر، وكذلك من أكل أو شرب ظاناً غروب الشمس ثم تبين له خطؤه. فذهب كثير من العلماء إلى أنه يفسد صومه بذلك، ويلزمه صيام يوماً مكانه. وذهب آخرون إلى أن صيامه صحيح وأنه يتم صومه ولا قضاء عليه. وهو قول مجاهد والحسن من التابعين، ورواية عن الإمام أحمد، واختاره المزني من الشافعية، وشيخ الإسلام ابن تيمية ورجحه الشيخ محمد الصالح العثيمين – رحمهم الله -. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والذين قالوا لا يفطر في الجميع (يعني: إذا أخطأ أو نسي في أول النهار أو آخره) قالوا حجتنا أقوى، ودلالة الكتاب والسنَّة على قولنا أظهر: فإن الله تعالى قال: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} ، فجمع بين النسيان والخطأ؛ ولأن من فعل محظورات الحج والصلاة مخطئا كمن فعلها ناسيا، وقد ثبت في الصحيح " أنهم أفطروا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم طلعت الشمس " ولم يذكروا في الحديث أنهم أُمروا بالقضاء، ولكن هشام بن عروة قال: " لا بدَّ من القضاء "، وأبوه أعلم منه وكان يقول: " لا قضاء عليهم "، وثبت في الصحيحين " أن طائفة من الصحابة كانوا يأكلون حتى يظهر لأحدهم الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأحدهم إن وسادك لعريض، إنما ذلك بياض النهار وسواد الليل "، ولم ينقل أنه أمرهم بقضاء، وهؤلاء جهلوا الحكم فكانوا مخطئين، وثبت عن عمر بن الخطاب أنه أفطر ثم تبين النهار فقال: " لا نقضي فإنا لم نتجانف لإثم "، وروي عنه أنه قال: " نقضي "، ولكن إسناد الأول أثبت، وصح عنه أنه قال:" الخطْب يسير " فتأول ذلك مَن تأوله على أنه أراد خفة أمر القضاء، لكن اللفظ لا يدل على ذلك. وفى الجملة: فهذا القول أقوى أثراً ونظراً، وأشبه بدلالة الكتاب والسنَّة والقياس، " مجموع الفتاوى " (20 / 572، 573) . وانظر الشرح الممتع (6 / 411) وبهذا يظهر قوة أدلة القول بأن صيامه صحيح ولا قضاء عليه. ومع ذلك لو أخذ المسلم بالأحوط وقضى يوماً مكانه فقد أحسن. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38543 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3148 هل التجشؤ يفطر الصائم [السُّؤَالُ] ـ[هل التجشؤ يفطر الصائم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الجُشاء هو خروج الهواء بصوت من المعدة عن طريق الفم عند حصول الشبع. ومجرد خروج الجشاء لا يفطر الصائم، لكن إن خرج معه شيء من الطعام وجب عليه أن يلفظه، فإن ابتلعه مختاراً عامداً فسد صومه، فإن ابتلعه بلا قصد منه أو لم يتمكن من إخراجه، فصيامه صحيح. قال الرملي في نهاية المحتاج (3/171) : أَكَلَ أَوْ شَرِبَ لَيْلا كَثِيرًا وَعُلِمَ مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ إذَا أَصْبَحَ حَصَلَ لَهُ جُشَاءٌ يَخْرُجُ بِسَبَبِهِ مَا فِي جَوْفِهِ هَلْ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ كَثْرَةُ مَا ذُكِرَ أَوْ لا , وَهَلْ إذَا خَالَفَ وَخَرَجَ مِنْهُ يُفْطِرُ أَمْ لا؟ فِيهِ نَظَرٌ , وَالْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ لا يُمْنَعُ مِنْ كَثْرَةِ ذَلِكَ لَيْلا , وَإِذَا أَصْبَحَ وَحَصَلَ لَهُ الْجُشَاءُ الْمَذْكُورُ يَلْفِظُهُ وَيَغْسِلُ فَمَه وَلا يُفْطِرُ وَإِنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ ذَلِكَ مِرَارًا كَمَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ اهـ. راجع سؤال رقم (12659) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38565 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3149 إذا غلبه القيء ورجع بعضه القيء إلى المعدة من غير قصد فلا يفسد صومه [السُّؤَالُ] ـ[أنا حامل في الشهر الثاني وأتقيأ خلال شهر رمضان. أحياناً يكون التقيوء قبل المغرب بقليل، أحياناً أحس بأنه يرجع منى التقيوء إلى البلعوم. فما حكم ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا خلاف بين العلماء في أن التقيوء عمداً من المفطرات، وأنه إذا غلبه القيء فلا يفسد الصوم بذلك. ذكره الخطابي وابن المنذر. وانظر "المغني" (4/368) . ودليل ذلك من السنة ما رواه الترمذي (720) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ – أي: غلبه- فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَمَنْ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ) . صححه الألباني في صحيح الترمذي. قال شيخ الإسلام في الفتاوى (25/266) : أَمَّا الْقَيْءُ: فَإِذَا استقاء أَفْطَرَ، وَإِنْ غَلَبَهُ الْقَيْءُ لَمْ يُفْطِرْ اهـ. وسئل الشيخ ابن باز عن حكم من ذرعه القيء وهو صائم هل يقضي ذلك اليوم أم لا؟ فأجاب: لا قضاء عليه، أما إن استدعى القيء فعليه القضاء، واستدل بالحديث السابق اهـ. وسئل الشيخ ابن عثيمين في فتاوى الصيام (ص231) : عن القيء في رمضان هل يفطر؟ فأجاب: إذا قاء الإنسان متعمدا فإنه يفطر، وإن قاء بغير عمد فإنه لا يفطر، والدليل على ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه وذكر الحديث المتقدم. فإن غلبك القيء فإنك لا تفطر، فلو أحس الإنسان بأن معدته تموج وأنها سيخرج ما فيها، فهل نقول: يجب عليك أن تمنعه؟ لا. أو تجذبه؟ لا. لكن نقول: قف موقفا حياديا، لا تستقئ ولا تمنع، لأنك إن استقيت أفطرت، وإن منعت تضررت. فدعه إذا خرج بغير فعل منك، فإنه لا يضرك ولا تفطر بذلك اهـ. ثانيا: إذا رجع شيء من القيء إلى المعدة بدون قصد من الإنسان فصومه صحيح، لأنه رجع بدون اختياره. سئلت اللجنة الدائمة (10/254) : عن صائم تقيأ ثم ابتلع قيئه بغير عمد فما حكمه؟ فأجابت: إذا تقيأ عمدا فسد صومه، وإن غلبه القيء فلا يفسد صومه، وكذلك لا يفسد ببلعه ما دام غير متعمد اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38579 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3150 احتال على الجماع في نهار رمضان بالفطر قبله [السُّؤَالُ] ـ[سافرت لبلدي في إجازة لمدة أسبوع وقبل السفر بيوم اتصلت على زوجتي وطلبت منها أن لا تصوم يوم وصولي لأنني أريد أن أجامعها حال وصولي للبيت لأنني قليل الصبر، أطاعتني ولم تصم وحصل بيننا جماع في النهار، كلانا لم يصم فهل اقترفنا ذنباً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن كان ما حصل بينكما في شهر غير رمضان، فلا حرج فيه، لأن صيام النفل لا يلزم إتمامه، حتى وإن شرع المسلم فيه، فإن له أن يخرج منه على الصحيح. أما إن كان ما حصل في شهر رمضان، فهو إثم عظيم، إذ كيف يتهاون الإنسان في ترك صيام يوم بدون عذر ولا سبب معتبر شرعا، بل يتحيل على محارم الله بهذه الطريقة. وبناء على هذا، فإن كان ما حصل في شهر رمضان، فعلى تفصيل: أولا: إن وصلت قبل أذان الفجر، فإنه يلزمك صيام ذلك اليوم، ما دام سفرك قد انقطع برجوعك إلى بلدك، فإن تعمدت الإفطار، وأفطرت زوجتك معك، لأجل أن تجامعها، فإنكما تأثمان، ويلزمكما القضاء، والكفارة المغلظة في حال الجماع، على كل واحد منكما. ثانيا: إن وصلت في أثناء اليوم، فالصحيح أن المسافر إذا قدم مفطرا، لم يلزمه إمساك ذلك اليوم، لأنه لا يجمع عليه وجوب الإمساك ووجوب القضاء، وهذا القول رواية عن الإمام أحمد، وهو مذهب الشافعية [انظر شرح المشيقح على زاد المستقنع 4 / 282 - 285] ، لكن تأثم أنت بأمرها بالإفطار، وتأثم هي أيضا بطاعتها لك، وإن لم تصم لأجل أن تجامعها، فعليها القضاء، وعليها هي وحدها الكفارة المغلظة بسبب ما حصل من جماع، وقد سبق بيانها في الأسئلة رقم (38023، 22938، 1672) وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن رجل أراد أن يواقع زوجته في شهر رمضان بالنهار، فأفطر بالأكل قبل أن يجامع، ثم جامع، فهل عليه كفارة أم لا؟ وما على الذي يفطر من غير عذر؟ فأجاب: الحمد لله. هذه المسألة فيها قولان للعلماء مشهوران: أحدهما: تجب، وهو قول جمهورهم: كمالك وأحمد وأبي حنيفة وغيرهم. والثاني: لا تجب، وهو مذهب الشافعي .... ثم تنازعوا هل يشترط الفطر من الصوم الصحيح (أي لوجوب الكفارة المغلظة) ؟ فالشافعي وغيره يشترط ذلك، فلو أكل ثم جامع، أو أصبح غير ناو للصوم ثم جامع، أو جامع وكفر ثم جامع: لم يكن عليه كفارة (أي عند الشافعي) ; لأنه لم يطأ في صوم صحيح. وأحمد في ظاهر مذهبه وغيره يقول: بل عليه كفارة في هذه الصور، ونحوها، لأنه وجب عليه الإمساك في شهر رمضان، فهو صوم فاسد، فأشبه الإحرام الفاسد. وكما أن المحرم بالحج إذا أفسد إحرامه لزمه المضي فيه بالإمساك عن محظوراته، فإذا أتى منها شيئا كان عليه ما عليه في الإحرام الصحيح، وكذلك من وجب عليه صوم شهر رمضان إذا وجب عليه الإمساك فيه وصومه فاسد، لأكل أو جماع، أو عدم نية، فقد لزمه الإمساك عن محظورات الصيام. فإذا تناول شيئا منها كان عليه ما عليه في الصوم الصحيح. وفي كلا الموضعين عليه القضاء. وذلك لأن هتك حرمة الشهر حاصلة في الموضعين، بل هي في هذا الموضع أشد، لأنه عاص بفطره أولا، فصار عاصيا مرتين، فكانت الكفارة عليه أوكد، ولأنه لو لم تجب الكفارة على مثل هذا لصار ذريعة إلى أن لا يُكفِّر أحد، فإنه لا يشاء أحد أن يجامع في رمضان إلا أمكنه أن يأكل، ثم يجامع بل ذلك أعون له على مقصوده، فيكون قبل الغداء عليه كفارة، وإذا تغدى هو وامرأته ثم جامعها فلا كفارة عليه، وهذا شنيع في الشريعة لا ترد بمثله. والله أعلم. [الفتاوى الكبرى 2 / 471،ومجموع الفتاوى25/260 وانظر المجموع 6 / 321] . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38287 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3151 مصافحة النساء في رمضان [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم ملامسة النساء في الكف فقط في رمضان وخروج المني؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله حكم ملامسة النساء الأجنبيات حرام في رمضان وفي غير رمضان، وسواء في ذلك كانت الملامسة بالكف فقط أو بما هو أشد من ذلك، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له) رواه الطبراني في "الكبير" (486) وصححه الألباني في صحيح الجامع (5045) . راجع سؤال (2459) ، (21183) . والمعاصي عموماً – ومنها ملامسة النساء- في رمضان أشد تحريما، وأعظم إثماً، وتنقص ثواب الصيام، حتى قد يخرج الصائم من صيامه ولم يستفد منه إلا الجوع والعطش، لذلك كان الواجب على الصائم الاحتراز من المعاصي أشد الاحتراز. ولينتهز المؤمن شهر رمضان لإصلاح أحواله، والتوبة من المعاصي، والإقبال على الله، ولا يكون يوم صومه ويوم فطره سواء. قال جابر بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صيامك، ولا تجعل يوم فطرك وصومك سواء. رواه ابن المبارك في الزهد (1308) . راجع سؤال (37658) . وإذا صافح الرجل امرأة في نهار رمضان، فأنزل المني، فسد صومه بلا خلاف بين العلماء، وعليه التوبة إلى الله تعالى من هذه المعصية، وعليه الإمساك بقية يومه، وقضاء يوم مكانه. انظر: "المغني" لابن قدامة (4/361) . وأما خروج المني في الصيام فإن كان ذلك بدون شهوة كما لو خرج بسبب مرض، فإنه لا يؤثر على الصيام. سئلت اللجنة الدائمة: أشكو نزول السائل المنوي في أيام رمضان أثناء الصيام بدون أي احتلام أو ممارسة للعادة السرية فهل في هذا تأثير على الصوم؟ فأجابت: إذا كان الأمر كما ذُكِرَ فإن نزول المني منك بدون لذة في نهار رمضان لا يؤثر على صيامك، وليس عليك القضاء اهـ فتاوى اللجنة الدائمة (10/278) . أما إذا كان نزول المني بشهوة فله حالان: الأولى: أن يكون ذلك بفعل من الرجل يثير به شهوته، كتقبيل زوجته أو مصافحة امرأة بشهوة ونحو ذلك، فهذا مفسد للصيام وعليه قضاء هذا اليوم. الثانية: أن يخرج المني بدون فعل من الرجل، كمجرد التفكير في الشهوة، أو الاحتلام، فهذا لا يفطر، وصومه صحيح. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: أما خروج المني عن شهوة فإنه يبطل الصوم سواء حصل عن مباشرة أو قبلة أو تكرار نظر أو غير ذلك من الأسباب التي تثير الشهوة كالاستمناء ونحوه، أما الاحتلام والتفكير فلا يبطل بهما الصوم ولو خرج مني بسببهما اهـ فتاوى إسلامية (2/135) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38153 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3152 حكم تقيؤ الشيء القليل من الصائم [السُّؤَالُ] ـ[هل تقيؤ الشيء القليل يفسد الصيام؟ كان شيئاً بين البصق والتقيؤ. أرجو توضيح الحكم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله التقيؤ هو خروج الطعام ونحوه من الجوف إلى ظاهر البدن، قال في لسان العرب:" هو استِخْراجُ ما في الجَوْفِ عامداً " 1/135 وحكمه من جهة إفساده للصوم من عدمه، أنه إن تعمد القيء فسد صومه، ولزمه قضاء ذلك اليوم، أما إن غلبه القيء، فقاء بغير اختيار منه، فصومه صحيح، ولا شيء عليه، وقد سبق بيان هذا في السؤال رقم (38023) وإذا احتاج إلى التقيؤ بسبب مرضه وكان التقيؤ يساعد على العلاج، فإنه يجوز له ذلك ويلزمه قضاء هذا اليوم بعد رمضان لقوله تعالى (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) البقرة /185 ولا فرق في القيء بين القليل والكثير على الصحيح، فلو تعمد القيء، وخرج شيء قليل أفطر، قال في الفروع: " وإن استقاء فقاء أي شيء كان أفطر , لخبر أبي هريرة (من ذرعه القيء فليس عليه قضاء ومن استقاء عمدا فليقض) " الفروع 3/49، والحديث رواه أبو داود (2380) والترمذي (720) وقال العمل عند أهل العلم عليه، وصححه الألباني. لكن هناك فرق بين البصاق والتقيؤ، فالبصاق والبلغم ونحوهما لا يأتيان من الجوف، فلا حرج في إخراجهما أو تفلهما، أما التقيؤ، فهو خروج ما في الجوف على ما سبق بيانه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38205 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3153 مضغ العلك (اللبان) الذي فيه مواد سكرية للصائم [السُّؤَالُ] ـ[سمعت أن مضغ العلك أو اللبان غير جائز في رمضان، كيف وصلوا لهذه النتيجة؟ وما هي البدائل التي يمكن أن أستعملها إذا كان اللبان محرم في رمضان؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الظاهر أن السائل يقصد بالعلك ما هو معروف في هذا العصر، وهي مادة لدنة، تحتوي على مواد سكرية في الغالب، ونكهات صناعية، ومضغ هذا العلك يؤدي إلى الإفطار، حيث إن المواد السكرية، والنكهات المضافة للعلك، تتحلل مع اللعاب، وتدخل إلى الجوف، ولا شك أنه بهذا الوصف يفطر الإنسان، لأنه يدخل إلى جوفه غذاء. أما إذا لم تكن فيه مادة تتحلل وتدخل للجوف فإنه لا يفطر. أما بدائل العلك فإن كان المقصود من استعماله تحسين رائحة الفم فيستعمل المسلم السواك، فإنه من السنن الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن الممكن أن يتمضمض ليزيل أثر الرائحة من فمه، أو يستعمل معجون الأسنان بشرط ألا يصل إلى جوفه شيء منه، فإن خشي أن يدخل إلى جوفه شيء منه، لم يستعمله. ثم اعلم ـ أخي الكريم ـ أن هذه الرائحة التي تخرج بسبب خلوّ البطن، والتي قد يتأذى منها الإنسان لا تحصل إزالتها بالسواك ونحوه لأنها خارجة من الجوف بسبب الصيام وهي أطيب عند الله من ريح المسك، فعن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عيه وسلم قال: " لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك" رواه البخاري (5583) ، ومسلم (1151) ، ويراجع السؤال رقم 22913. وأما إذا كان المقصود من استعمال العلك معالجة الفك عن طريق تحريكه فيمكنك مراجعة السؤال رقم (38552) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38206 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3154 مفسدات الصيام [السُّؤَالُ] ـ[نريد ذكر ملخص مبطلات الصوم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فقد شرع الله تعالى الصوم على أتم ما يكون من الحكمة. فأمر الصائم أن يصوم صوماً معتدلاً، فلا يضر نفسه بالصيام، ولا يتناول ما يضاد الصيام. ولذلك كانت المفطرات على نوعين: فمن المفطّرات ما يكون من نوع الاستفراغ كالجماع والاستقاءة والحيض والاحتجام، فخروج هذه الأشياء من البدن مما يضعفه، ولذلك جعلها الله تعالى من مفسدات الصيام، حتى لا يجتمع على الصائم الضعف الناتج من الصيام مع الضعف الناتج من خروج هذه الأشياء فيتضرر بالصوم. ويخرج صومه عن حد الاعتدال. ومن المفطرات ما يكون من نوع الامتلاء كالأكل والشرب. فإن الصائم لو أكل أو شرب لم تحصل له الحكمة المقصودة من الصيام. مجموع الفتاوى 25/248 وقد جمع الله تعالى أصول المفطرات في قوله: (فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) البقرة/187. فذكر الله تعالى في هذه الآية الكريمة أصول المفطرات، وهي الأكل والشرب والجماع. وسائر المفطرات بينها النبي صلى الله عليه وسلم في سنته. ومفسدات الصيام (المفطرات) سبعة. وهي: 1- الجماع. 2- الاستمناء. 3- الأكل والشرب. 4- ما كان بمعنى الأكل والشرب. 5- إخراج الدم بالحجامة ونحوها. 6- القيء عمداً. 7- خروج دم الحيض أو النفاس من المرأة. فأول هذه المفطرات: الجماع وهو أعظم المفطرات وأكبرها إثما. فمن جامع في نهار رمضان عامدا مختارا بأن يلتقي الختانان، وتغيب الحشفة في أحد السبيلين، فقد أفسد صومه، أنزل أو لم يُنزل، وعليه التوبة، وإتمام ذلك اليوم، والقضاء والكفارة المغلظة، ودليل ذلك حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: هَلَكْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: وَمَا أَهْلَكَكَ؟ قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ. قَالَ: هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً؟ قَالَ: لا. قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَالَ: لا. قَالَ: فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَالَ: لا.. . الحديث رواه البخاري (1936) ومسلم (1111) . ولا تجب الكفارة بشيء من المفطرات إلا الجماع. وثاني المفطرات: الاستمناء وهو إنزال المني باليد أو نحوها. والدليل على أن الاستمناء من المفطرات: قول الله تعالى في الحديث القدسي عن الصائم: (يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي) رواه البخاري (1894) ومسلم (1151) . وإنزال المني من الشهوة التي يتركها الصائم. فمن استمنى في نهار رمضان وجب عليه أن يتوب إلى الله، وأن يُمسك بقية يومه، وأن يقضيه بعد ذلك. وإن شرع في الاستمناء ثمّ كفّ ولم يُنزل فعليه التوبة، وصيامه صحيح، وليس عليه قضاء لعدم الإنزال، وينبغي أن يبتعد الصائم عن كلّ ما هو مثير للشهوة وأن يطرد عن نفسه الخواطر الرديئة. وأما خروج المذي فالراجح أنه لا يُفطّر. الثالث من المفطرات: الأكل أو الشرب. وهو إيصال الطعام أو الشراب إلى المعدة عن طريق الفم. وكذلك لو أدخل إلى معدته شيئاً عن طريق الأنف فهو كالأكل والشرب. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وَبَالِغْ فِي الاسْتِنْشَاقِ إِلا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا) رواه الترمذي (788) . وصححه الألباني في صحيح الترمذي (631) . فلولا أن دخول الماء إلى المعدة عن طريق الأنف يؤثر في الصوم لم يَنْهَ النبيُ صلى الله عليه وسلم الصائمَ عن المبالغة في الاستنشاق. الرابع من المفطرات: ما كان بمعنى الأكل والشرب. وذلك يشمل أمرين: 1- حقن الدم في الصائم، كما لو أصيب بنزيف فحقن بالدم، فإنه يفطر لأن الدم هو غاية الغذاء بالطعام والشراب. 2- الإبر (الحقن) المغذية التي يُستغنى بها عن الطعام والشراب، لأنها بمنزلة الأكل والشرب. الشيخ ابن عثيمين "مجالس شهر رمضان" ص 70. وأما الإبر التي لا يُستعاض بها عن الأكل والشرب ولكنها للمعالجة كالبنسلين والأنسولين أو تنشيط الجسم أو إبر التطعيم فلا تضرّ الصيام سواء عن طريق العضلات أو الوريد. فتاوى محمد بن إبراهيم (4/189) . والأحوط أن تكون كل هذه الإبر بالليل. وغسيل الكلى الذي يتطلب خروج الدم لتنقيته ثم رجوعه مرة أخرى مع إضافة مواد كيماوية وغذائية كالسكريات والأملاح وغيرها إلى الدم يعتبر مفطّرا. فتاوى اللجنة الدائمة (10/19) . المفطر الخامس: إخراج الدم بالحجامة. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ) رواه أبو داود (2367) وصححه الألباني في صحيح أبي داود (2047) . وفي معنى إخراج الدم بالحجامة التبرع بالدم لأنه يؤثر على البدن كتأثير الحجامة. وعلى هذا لا يجز للصائم أن يتبرع بالدم إلا أن يوجد مضطر فيجوز التبرع له، ويفطر المتبرع، ويقضي ذلك اليوم. ابن عثيمين "مجالس شهر رمضان" ص 71. ومن أصابه نزيف فصيامه صحيح، لأنه بغير اختياره. فتاوى اللجنة الدائمة (10/264) . وأما خروج الدم بقلع السن أو شق الجرح أو تحليل الدم ونحو ذلك فلا يفطر لأنه ليس بحجامة ولا بمعناها إذ لا يؤثر في البدن تأثير الحجامة. المفطر السادس: التقيؤ عمداً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَمَنْ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ) . رواه الترمذي (720) صححه الألباني في صحيح الترمذي (577) . ومعنى ذرعه أي غلبه. وقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى إبْطَالِ صَوْمِ مَنْ اسْتَقَاءَ عَامِدًا اهـ المغني (4/368) . فمن تقيأ عمدا بوضع أصبعه في فمه، أو عصر بطنه، أو تعمد شمّ رائحة كريهة، أو داوم النظر إلى ما يتقيأ منه، فعليه القضاء. وإذا راجت معدته لم يلزمه منع القيء لأن ذلك يضره. "مجالس شهر رمضان" ابن عثيمين ص 71. المفطر السابع: خروج دم الحيض والنفاس لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ) . رواه البخاري (304) . فمتى رأت المرأة دم الحيض أو النفاس فسد صومها ولو كان قبل غروب الشمس بلحظة. وإذا أحست المرأة بانتقال دم الحيض ولكنه لم يخرج إلا بعد غروب الشمس صح صومها، وأجزأها يومها. والحائض أو النفساء إذا انقطع دمها ليلا فَنَوَت الصيام ثم طلع الفجر قبل اغتسالها فمذهب العلماء كافة صحة صومها. الفتح 4/148. والأفضل للحائض أن تبقى على طبيعتها، وترضى بما كتب الله عليها، ولا تتعاطى ما تمنع به الدم، وتقبل ما قَبِل الله منها من الفطر في الحيض والقضاء بعد ذلك، وهكذا كانت أمهات المؤمنين، ونساء السلف. فتاوى اللجنة الدائمة 10/151. بالإضافة إلى أنه قد ثبت بالطبّ ضرر كثير من هذه الموانع وابتليت كثير من النساء باضطراب الدورة بسبب ذلك، فإن فعلت المرأة وتعاطت ما تقطع به الدم فارتفع وصارت نظيفة وصامت أجزأها ذلك. فهذه هي مفسدات الصيام. وكلها -ماعدا الحيض والنفاس- لا يفطر بها الصائم إلا بشروط ثلاثة: ـ أن يكون عالما غير جاهل. ـ ذاكرا غير ناس. ـ مختارا غير مُكْرَه. وللفائدة نذكر بعض الأشياء التي لا تفطر: الحقنة الشرجية وقطرة العين والأذن وقلع السنّ ومداواة الجراح كل ذلك لا يفطر. مجموع فتاوى شيخ الإسلام 25/233، 25/245. الأقراص العلاجية التي توضع تحت اللسان لعلاج الذبحة الصدرية وغيرها إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق. ما يدخل المهبل من تحاميل (لبوس) ، أو غسول، أو منظار مهبلي، أو إصبع للفحص الطبي. إدخال المنظار أو اللولب ونحوهما إلى الرحم. ما يدخل مجرى البول للذكر أو الأنثى، من قثطرة (أنبوب دقيق) أو منظار، أو مادة ظليلة على الأشعة، أو دواء، أو محلول لغسل المثانة. حفر السن، أو قلع الضرس، أو تنظيف الأسنان، بالسواك أو فرشاة الأسنان، إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق. المضمضة، والغرغرة، وبخاخ العلاج الموضعي للفم إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق. غاز الأكسجين وغازات التخدير (البنج) ما لم يعط المريض سوائل (محاليل) مغذية. ما يدخل الجسم امتصاصاً من الجلد كالدهونات والمراهم واللصقات العلاجية الجلدية المحملة بالمواد الدوائية أو الكيميائية. إدخال قثطرة (أنبوب دقيق) في الشرايين لتصوير أو علاج أوعية القلب أو غيره من الأعضاء. إدخال منظار من خلال جدار البطن لفحص الأحشاء أو إجراء عملية جراحية عليها. أخذ عينات (خزعات) من الكبد أو غيره من الأعضاء ما لم تكن مصحوبة بإعطاء محاليل. منظار المعدة إذا لم يصاحبه إدخال سوائل (محاليل) أو مواد أخرى. دخول أي أداة أو مواد علاجية إلى الدماغ أو النخاع الشوكي. والله تعالى أعلم. انظر مجالس رمضان للشيخ ابن عثيمين وكتيب سبعون مسألة في الصيام الموجود في قسم الكتب في الموقع. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38023 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3155 إذا حاضت قبل المغرب بخمس دقائق فهل تكمل الصيام؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا بدأت الدورة الشهرية عند المرأة قبل أذان المغرب بخمس دقائق فهل تكمل الصيام أم تفطر؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا نزل الحيض من المرأة قبل غروب الشمس ولو بلحظة فسد صومها، وعليها قضاء هذا اليوم. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "مجالس شهر رمضان" ص 39: وإذا ظهر الحيض منها وهي صائمة ولو قبل الغروب بلحظة بطل صوم يومها، ولزمها قضاؤه اهـ ولا يجوز لها أن تصوم وهي حائض، فإذا فعلت لم يصح صومها. قال بن قدامة رحمه الله في "المغني" (4/397) : ومتى نوت الحائض الصوم وأمسكت مع علمها بتحريم ذلك أثمت ولم يجزئها اهـ. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38027 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3156 خروج الدم من الصائم هل يُبطل الصيام؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم سحب الدم سواءً كان كثيراً أو قليلا بالنسبة للصائم.هل يفطر أو لا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الدم الذي أخذ منه يسيراً عرفاً فصيامه صحيح ولا يجب عليه قضاء ذلك اليوم وإن كان ما أخذ كثيراً عرفاً فإنه يقضي ذلك اليوم خروجاً من الخلاف، وأخذاً بالاحتياط براءةً لذمته. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 10 / 263 الحديث: 38073 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3157 هل تفطر العادة السرية بدون إنزال [السُّؤَالُ] ـ[العادة السرية هل تفطر إذا كانت أثناء نهار رمضان ولم يخرج مني؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الاستمناء (العادة السرية) من مفسدات الصيام، وعلى من فعله قضاء هذا اليوم الذي أفطره، مع التوبة من هذا الذنب العظيم. قال الشيخ ابن باز: الاستمناء في نهار الصيام يبطل الصوم إذا كان متعمداً ذلك وخرج منه المني، وعليه أن يقضي إن كان الصوم فريضة، وعليه التوبة إلى الله سبحانه وتعالى، لأن الاستمناء لا يجوز في حال الصوم ولا في غيره، وهي التي يسميها الناس العادة السرية اهـ فتاوى الشيخ ابن باز (15/267) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا استمنى الصائم فأنزل أفطر، ووجب عليه قضاء اليوم الذي استمنى فيه، وليس عليه كفارة، لأن الكفارة لا تجب إلا بالجماع، وعليه التوبة مما فعل. اهـ فتاوى أركان الإسلام ص 478. وهذا إذا استمنى فأنزل المني، أما إذا لم ينزل المني فإنه لا يفطر. قال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (6/388) : لو استمنى بدون إنزال فإنه لا يفطر اهـ والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38074 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3158 لم تتسحر ولم تستيقظ لصلاة الفجر فهل تستمر في الصيام أم تفطر؟ [السُّؤَالُ] ـ[أسلمت قبل 3 أسابيع ومتحمسة جداً لصيام رمضان، تأخرت اليوم في النوم وفاتني السحور وصلاة الفجر، قال لي أحدهم بأنني إذا لم أتسحر ولم أصل الفجر فلا يجب أن أتم صيام ذلك اليوم، هل أفطر أم أستمر في الصيام؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نبشرك أولاً بهداية الله لك إلى الإسلام، ونسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى. ثانياً: إذا نام المسلم عن الصلاة ولم يستيقظ إلا بعد خروج وقتها فإنه لا يتركها، بل يصليها متى استيقظ، ولا إثم عليه في ذلك لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ نَسِيَ صَلاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا، لا كَفَّارَةَ لَهَا إِلا ذَلِكَ) رواه البخاري (597) ومسلم (684) . وأما بالنسبة لإجابة سؤالك: فهذا القول الذي قيل لك خطأ، فالواجب عليك إتمام صيام هذا اليوم. وكون المسلم لم يتسحر أو لم يستيقظ لصلاة الفجر لا يعتبر ذلك مانعاً من الصوم. فعليك الاستمرار في الصيام، وإذا كنت قد أفطرت ظناًّ منك أنه لا يجب الصوم، فعليك إذا انتهى رمضان أن تصومي يوماً مكانه. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37943 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3159 الرائحة المنبعثة من الفكس [السُّؤَالُ] ـ[أسال عن الرائحة المنبعثة من الفكس هل لها جرم يدخل إلى المعدة عند الادهان بالفكس على منطقة الجبهة والأنف أثناء الصيام؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الرائحة المنبعثة من الفكس لا تؤثر على الصيام، لأنها مجرد رائحة ولا جرم لها يدخل إلى المعدة. راجع سؤال (37706) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37949 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3160 يصوم ويكذب [السُّؤَالُ] ـ[رجل تعود منذ صغره على الكذب وهو يحاول الآن أن ينبذ هذه العادة المنكرة ولكنه يسهو فيأتي الكذب، ثم يعود فيستغفر الله، فهل يؤثر ذلك على صيامه؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله روى البخاري (1903) (6057) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْل فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) . الْمُرَاد بِقَوْلِ الزُّورِ: كل قول باطل، فيشمل الكذب والغيبة والنميمة وشهادة الزور. . . وكل قول محرم. وَالْعَمَلِ بِهِ أَيْ بالزور، وهو العمل بالفواحش والمنكرات. انظر: تحفة الأحوذي. والجهل هو العمل بالمعاصي كلها. قاله السندي في حاشية ابن ماجه. قال الحافظ: قَوْلُهُ: (فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) قَالَ اِبْن بَطَّال: لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنْ يُؤْمَرَ بِأَنْ يَدَعَ صِيَامَهُ , وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ التَّحْذِير مِنْ قَوْلِ الزُّورِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ. . . وهُوَ كِنَايَة عَنْ عَدَمِ الْقَبُولِ. . . فَالْمُرَاد رَدّ الصَّوْم الْمُتَلَبِّس بِالزُّورِ وَقَبُول السَّالِم مِنْهُ. . . وَقَالَ اِبْن الْعَرَبِيِّ: مُقْتَضَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ فَعَلَ مَا ذُكِرَ لا يُثَابُ عَلَى صِيَامِهِ , وَمَعْنَاهُ أَنَّ ثَوَاب الصِّيَام لا يَقُومُ فِي الْمُوَازَنَةِ بِإِثْم الزُّور وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ اهـ والمقصود أن جميع المعاصي تؤثر على الصيام، فينقص بذلك ثواب الصيام، وقد ينعدم الثواب بالكلية إذا كثرت المعاصي. فعليك يا أخي الاستمرار في مجاهدة نفسك حتى تترك هذه العادة القبيحة، وكلما أذنبت فعليك بالتوبة والاستغفار، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له. وفقنا الله تعالى لما يحب ويرضى. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37989 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3161 هل الكبائر تُبطل الصوم [السُّؤَالُ] ـ[هل يقبل الله صيام من لديه شهادات استثمار ويضارب في أسهم البنوك الربوية هو مرابي أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فإن الله تعالى يقول: " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين " البقرة / 278 هذا نداء من الله لعباده أن يتركوا الربا ويجتنبوه، لأنه سبحانه حرم الربا: {وأحل الله البيع وحرم الربا} . وآكل الربا سبب من أسباب هوان المسلمين وذلهم فقد قال عليه الصلاة والسلام: " إذا تبايعتم بالعينة ورضيتم بالزرع وأخذتم أذناب البقر وتركتم الجهاد في سبيل الله سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم " رواه أبو داوود (3462) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (11) . وقد تقدم في بعض الأسئلة التفصيل في مسألة المساهمة في البنوك الربوية. انظر السؤال (8590) و (4714) . وأما صوم من ارتكب كبيرة من الكبائر – كشراء أسهم البنوك الربوية - فإنه مجزئ إلا أنه ناقص، وقد لا يحصل له أجر الصيام. فتأمل قول الله تعالى: {يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} فقد ذكر الله تعالى في هذه الآية الحكمة من فرض الصيام وهي أن يكون وسيلة لتقوى الله عز وجل بفعل الواجبات وترك المحرمات. وقد قال عليه الصلاة والسلام: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) رواه البخاري (1903) ، أي لم يرد الله منا بالصوم أن نترك الطعام والشراب، إنما يريد الله عز وجل أن نتقي الله لقوله تعالى: {لعلكم تتقون} . أنظر الشرح الممتع (6/435) . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " قَوْلُهُ: (قَوْل الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ) َالْمُرَاد بِقَوْلِ الزُّورِ: الْكَذِبُ , وَالْعَمَلِ بِهِ أَيْ بِمُقْتَضَاهُ. َقَالَ اِبْن الْعَرَبِيِّ: مُقْتَضَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ فَعَلَ مَا ذُكِرَ لا يُثَابُ عَلَى صِيَامِهِ , وَمَعْنَاهُ أَنَّ ثَوَاب الصِّيَام لا يَقُومُ فِي الْمُوَازَنَةِ بِإِثْم الزُّور وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ. وَقَالَ الْبَيْضَاوِيّ: لَيْسَ الْمَقْصُود مِنْ شَرْعِيَّةِ الصَّوْمِ نَفْس الْجُوعِ وَالْعَطَشِ , بَلْ مَا يَتْبَعُهُ مِنْ كَسْرِ الشَّهَوَات وَتَطْوِيعِ النَّفْسِ الأَمَّارَةِ لِلنَّفْسِ الْمُطْمَئِنَّةِ , فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ لا يَنْظُرُ اللَّه إِلَيْهِ نَظَر الْقَبُولِ. وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الأَفْعَالَ تَنْقُصُ الصَّوْم." انتهى من فتح الباري. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37877 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3162 النوم طيلة النهار في رمضان [السُّؤَالُ] ـ[هل الإنسان في أيام رمضان إذا تسحر ثم صلى الصبح ونام حتى صلاة الطهر ثم صلاها ونام إلى صلاة العصر ثم صلاها ونام إلى وقت الفطر هل صيامه صحيح.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم صيامه صحيح. وقد أجمع العلماء على أن الصائم إذا استيقظ في النهار - ولو لحظة واحدة أن صيامه - صحيح، فإن لم يستيقظ واستغرق جميع النهار بالصيام فجماهير العلماء على أن صومه صحيح لأن النوم لا ينافي الصيام، فإنه لا يزيل الإحساس بالكلية بل متى نُبه انتبه. انظر: المجموع (6 / 346) والمغني (4 / 344) وقد سئلت اللجنة الدائمة في ذلك فأجابت: إذا كان الأمر كما ذكر فالصيام صحيح ولكن استمرار الصائم غالب النهار نائماً تفريط منه، لا سيما وشهر رمضان زمن شريف ينبغي أن يستفيد منه المسلم فيما ينفعه من كثرة قراءة القرآن وطلب الرزق وتعلم العلم. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه اللجنة الدائمة للبحوث العلمية (10/212) وهذه نصيحة للشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله للصائم وغيره باستغلال وقته وعدم إضاعته بالنوم فقال: " لا حرج في النوم نهاراً وليلاً إذا لم يترتب عليه إضاعة شيء من الواجبات ولا ارتكاب شيء من المحرمات، والمشروع للمسلم سواء كان صائماً أو غيره عدم السهر بالليل، والمبادرة إلى النوم بعدما يسّر الله له من قيام الليل، ثم القيام إلى السحور إن كان في رمضان، لأن السحور سنّة مؤكدّة وهو أكلة السحر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تسحروا فإن في السحور بركة) متفق على صحته. وقوله صلى الله عليه وسلم: (فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر) رواه مسلم في صحيحه. كما يجب على الصائم وغيره المحافظة على جميع الصلوات الخمس في الجماعة والحذر من التشاغل عنها بنوم أو غيره، كما يجب على الصائم وغيره أداء جميع الأعمال التي يجب أداؤها في أوقاتها للحكومة أو غيرها وعدم التشاغل عنها بنوم أو غيره، وهكذا يجب عليه السعي في طلب الرزق الحلال الذي يُحتاج إليه هو ومن يعول، وعدم التشاغل عن ذلك بنوم أو غيره. والخلاصة أن وصيتي للجميع من الرجال والنساء والصوام وغيرهم هي تقوى الله جل وعلا في جميع الأحوال، والمحافظة على أداء الواجبات في أوقاتها على الوجه الذي شرعه الله، والحذر كلّ الحذر من التشاغل عن ذلك بنوم أو غيره من المباحات أو غيرها، وإذا كان التشاغل عن ذلك بشيء من المعاصي صار الإثم أكبر والجريمة أعظم. أصلح الله أحوال المسلمين، وفقههم في الدين وثبتهم على الحق، وأصلح قادتهم إنه جواد كريم. فتاوى الشيخ ابن باز 4 / 156. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37886 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3163 داعب زوجته حتى أنزل [السُّؤَالُ] ـ[داعبت زوجتي في نهار رمضان - ونحن صائمون - حتى حصل عندي إنزال " مني " والله أعلم أحصل عندها أم لا! لكني أشعر بتأنيب شديد، وألم يعتصر قلبي لإحساسي بأننا قد أتينا جرما عظيما. فهل - فعلا - علينا وزر؟ وإن كان فما الكفارة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لقد ارتكبت ذنباً بمداعبتك زوجتك حتى الإنزال، لأنك بفعلك قد أبطلت صومك، وانتهكت حرمة هذا الشهر المعظم، وفاتك أجر الصيام الذي قال الله عنه: (يدع شهوته وطعامه من أجلي) رواه البخاري 1761. وندمك على هذا الفعل الذي صدر منك توبة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الندم توبة) رواه أحمد (3558) وابن ماجه (4252) ، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (3429) . وبما أنك أنزلت فقد فسد صومك لهذا اليوم الذي أنزلت فيه، فعليك أن تُمسك بقية اليوم إلى غروب الشمس، وعليك أن تقضي يوماً مكانه. أما الكفارة فإن كنت قد جامعت زوجتك فعليك الكفارة المغلظة وهي عتق رقبة، فإن لم تستطع فصيام شهرين متتابعين، فإن لم تستطع فإطعام ستين مسكينا. انظر السؤال (22938) أما إن أنزلت بدون جماع فلا تلزمك الكفارة وإنما عليك القضاء فقط. قال النووي رحمه الله: " إذا قبل أو باشر فيما دون الفرج بذكره أو لمس بشرة امرأة بيده أو غيرها فإن أنزل بطل صومه , وإلا فلا " المجموع 6/322. قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: " إذا باشر (الرجل) زوجته سواء باشرها باليد، أو بالوجه بتقبيل، أو بالفرج (بدون جماع) فإنه إذا أنزل أفطر، وإذا لم ينزل فلا فطر بذلك." الشرح الممتع (6/388) وهذا الحكم لك ولزوجتك فإن كانت قد أنزلت من هذه المداعبة فقد فسد صومها، وعليها التوبة إلى الله وقضاء يوم آخر، وإن لم تنزل فلا شيء عليها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37887 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3164 إذا وصل الماء إلى داخل البدن أثناء الاستنجاء [السُّؤَالُ] ـ[هل دخول الماء في فتحة الشرج أثناء الاستنجاء من الغائط يفطر؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله دخول الماء في فتحة الشرج أثناء الاستنجاء لا يفطر، لأن هذا ليس أكلاً ولا شرباً، ولا هم بمعنى الأكل والشرب، وقد سبق في إجابة السؤال رقم (22959) ، (22927) أن الحقنة الشرجية واللبوس الذي يوضع في الدبر ليس من المفطرات. وننصح السائل بعدم التكلف في مثل هذه المسائل، إذ لا داعي لأن يتقصد إدخال الماء داخل دبره بحجة الزيادة في الطهارة، لأن هذا من التنطع في الدين، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " هلك المتنطعون ". والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37890 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3165 ضابط الدم المفسد للصوم [السُّؤَالُ] ـ[أسأل عن مقدار الدّم الذي يخرج من جسم ابن آدم والذي يكون من المفطرات للصّيام، حيث أنّي أعاني من مرض "العذر" (انتفاخ العروق بالمخرج) وذلك منذ مدّة وبصفة غير منتظمة يكون مرفوقاً ببعض الدّم وهو ما مقداره تقريبا نصف فنجان.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نسأل الله أن يمن عليك بالشفاء العاجل.. بما أن هذا الدم يخرج بسبب المرض فإن صومك صحيح ولا يلزمك شيء حتى لو كان الدم كثيراً، ما دام أنه خرج بدون فعلك. والضابط في الدم المفسد للصوم كما يلي: الدم الخارج من الإنسان له حالان: أولاً: أن يخرج الدم بفعل الشخص واختياره ففيه تفصيل: 1- أن يخرج عن طريق الحجامة فإنه يُفطر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " أفطر الحاجم والمحجوم ". 2- أن يخرج بغير الحجامة كالفصد (وهو إخراج الدم من العرق) ، فإن كان كثيراً يؤثر على بدن الإنسان بطل صومه (كالتبرع بالدم) ، وإن كان قليلاً لا يضر الشخص فلا يبطل صومه، كالدم اليسير الذي يؤخذ للتحليل فإنه لا يُفسد الصوم. ثانياً: أن يخرج الدم بغير قصد، كأن يصاب بحادث أو رعاف أو جرح في أي مكان من جسمه فصومه صحيح ولو كثر الدم. هذا محصل فتوى للشيخ ابن عثيمين. انظر: فتاوى إسلامية 2/132. ولكن إن كان الدم الخارج بغير قصد الإنسان كثيراً بحيث يضعفه عن الصيام حل له الإفطار وقضى يوماً مكانه. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37918 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3166 ابتلع الدم وهو في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[استعملت السواك قبل صلاة الظهر، وفي وسط الصلاة أحسست أن الدم يخرج بشكل ضئيل، حاولت أن لا أبتلع شيئا لكنني لم أستطع، بعد الصلاة أخرجت بعض الريق الذي كان في فمي فوجدته حقا دما. فما الحكم إذاً هل أقضي هذا اليوم؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله كان الواجب عليك أن لا تبتلع هذا الدم، وأن تخرج منديلاً وأنت في الصلاة، وتبصق فيه الدم. وبما أنك ابتلعته بغير عمد فصومك صحيح أما إذا ابتلعته عمداً فعليك قضاء هذا اليوم. قال ابن قدامة رحمه الله: " فإن سال فمه دماً أو خرج إليه قلس (ما خرج من البطن إلى الفم وليس بقيء) فازدرده (أي ابتلعه) أفطر وإن كان يسيراً؛ لأن الفم في حكم الظاهر، والأصل حصول الفطر بكل واصلٍ منه، لكن عفي عن الريق لعدم إمكان التحرز منه، فما عداه يبقى على الأصل." المغني 4/356 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37937 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3167 لا يقبل صوم رمضان مع ترك الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[أنا أصوم رمضان ولكن لا أصلي فهل يكون صيامي صحيحا؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يقبل صوم رمضان، بل ولا أي عمل من الأعمال مع ترك الصلاة، وذلك لأن ترك الصلاة كفر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلاةِ) رواه مسلم (82) . راجع سؤال (5208) . والكافر لا يقبل منه أي عمل لقول الله تعالى: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا) الفرقان/23. وقوله سبحانه: (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ) الزمر/65. وروى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ تَرَكَ صَلاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) رواه البخاري (553) . ومعنى (حبط عمله) أي: بَطَلَ ولم ينتفع به. فهذا الحديث يدل على أن تارك الصلاة لا يقبل اللهُ منه عملاً، فلا ينتفعُ تاركُ الصلاةِ من عمله بشيء، ولا يَصْعَدُ له إلى الله عملٌ. وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في معنى هذا الحديث: " والذي يظهر في الحديث؛ أن الترك نوعان: تركٌ كليٌّ لا يصليها أبداً، فهذا يحبط العملُ جميعُه، وتركٌ معينٌ في يومٍ معينٍ، فهذا يحبط عملُ ذلك اليومِ، فالحبوطُ العامُّ في مقابلةِ التركِ العامِّ، والحبوطُ المعينُ في مقابلةِ التركِ المعينِ" اهـ من كتاب الصلاة ص 65. فالنصيحة للسائلة أن تتوب إلى الله تعالى، وتندم على تفريطها في حق الله، وتعريضها نفسها لمقت الله تعالى وغضبه وعقابه، والله تعالى يقبل توبة من تاب من عباده، ويغفر له ذنوبه، بل ويفرح بها سبحانه وتعالى أشد الفرح، وقد بشر النبي صلى الله عليه وسلم التائب بقوله: (التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لا ذَنْبَ لَهُ) رواه ابن ماجه (4250) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه 3424. ولتبادر إلى الاغتسال والصلاة لتجمع بين طهارة الظاهر وطهارة الباطن، ولا تؤجل التوبة وتقول سوف أتوب غداًّ أو بعد غد، فإن الإنسان لا يدري متى يأتيه الموت، ولتتب إلى الله قبل أن لا ينفع الندم (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا (27) يَا وَيْلَتِى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولا) الفرقان/27-29. [الْمَصْدَرُ] ألإسلام سؤال وجواب الحديث: 37820 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3168 حاضت بعد أسبوع من الحيضة السابقة [السُّؤَالُ] ـ[استخدم حبوب منع الحمل وحصل خطأ في مواعيد الحبوب مما أدى إلى حصول الدورة بعد أسبوع من انتهاء الدورة السابقة فهل يكون حكمها حكم الدورة الشهرية الاعتيادية؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، حكمها حكم الدورة الشهرية الاعتيادية، لأن الأصل في الدم الخارج من المرأة أنه دم حيض حتى يتبين أنه دم استحاضة. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن امرأة أتاها دم بعد تسعة أيام من الحيضة السابقة. فقال: متى جاء الحيض فهو حيض، سواء طالت المدة بينه وبين الحيضة السابقة أم قصرت، فإذا حاضت وطهرت وبعد خمسة أيام أو ستة أو عشرة جاءتها العادة مرة ثانية فإنها تجلس لا تصلي لأنه حيض، وهكذا أبداً كلما طهرت ثم جاء الحيض وجب عليها أن تجلس اهـ. فتاوى المرأة المسلمة (1/79) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37828 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3169 اليبوسة التي تحصل للمرأة أثناء عادتها [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من صامت يوماً بعد انقطاع الحيض ثم عاودها الحيض من جديد, هل تقضي اليوم أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا انقطع الحيض يوماً واحداً أو ليلة واحدة أثناء أيام حيضها فعليها أن تغتسل وتصلي الصلوات التي أدركت وقتها وهي طاهر لقول ابن عباس: " أما إذا رأت الدم البحراني فإنها لا تصلي، وإذا رأت الطهر ساعة فلتغتسل ". فتاوى اللجنة الدائمة (مجلة البحوث العلمية 12/102) والدَمٌ البَحْرَانيٌّ هو الدَّم الغليظ وقيل الكثير. لسان العرب (4/46) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37839 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3170 الكدرة التي قبل الحيض [السُّؤَالُ] ـ[إنني استخدم مانع حمل (لولب) لذلك قبل نزول الدم المعتاد بثلاث أيام تنزل كدرة فهل تفسد علي الصيام وعلي القضاء.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله: " إن كانت هذه الكدرة من مقدمات الحيض فهي حيض، ويُعرف ذلك بالأوجاع والمغص الذي يأتي الحائض عادة، أما الكدرة بعد الحيض فهي تنتظر حتى تزول لأن الكدرة المتصلة بالحيض حيض، لقول عائشة رضي الله عنها: لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء " رسالة الدماء الطبيعية 59. وعلى هذا فلو تبين لك أن هذه الكدرة من مقدمات الحيض فهي حيض وعليه اتركي الصوم والصلاة واقضي الصوم بعد الطهر. والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37840 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3171 التدخين في رمضان [السُّؤَالُ] ـ[أعلم أن بعض العلماء قد حرموا التدخين، ولكن لماذا يحرم التدخين أثناء الصيام مع أنه لا يوجد شيء من الطعام أو الشراب يدخل الحلق؟ سألت العديد من الناس ولم يجبني أحد غير أن قالوا بأنه محرم فأرجو أن تخبرني بما أفعل.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الدخان محرم ولا يشك في تحريمه – انظر السؤال رقم (10922) و (7432) -، وأما سبب كونه مفطراً فلأن له جرماً يصل إلى الجوف والمعدة. سئل الشيخ ابن عثيمين عن استنشاق العطر للصائم فقال: يجوز أن يستعملها في نهار رمضان وأن يستنشقها إلا البخور لا يستنشقه لأن له جرماً يصل إلى المعدة وهو الدخان. " فتاوى إسلامية " (2 / 128) . والدخان مثل البخور في كونهما لهما جرم لكنهما يختلفان من حيث حكم الأصل فالبخور حلال طيب والدخان محرم خبيث. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37765 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3172 يصح الصيام مع القيام بالإرضاع [السُّؤَالُ] ـ[هل إرضاع طفلي الجديد من صدري يفسد صيامي؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس الإرضاع من المفطرات، وقد اتفق الفقهاء على جواز صيام المرضع، مع قيامها بالإرضاع. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37773 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3173 سحب الدم هل يبطل الصيام؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يعتبر سحب الدم من جسم الإنسان عن طريق الحقنة مفطر أم لا؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " إذا كان الدم الذي أُخذ منه يسيراً عرفاً فلا يجب عليه قضاء ذلك اليوم، وإن كان كثيراً عرفاً فإنه يقضي ذلك اليوم خروجاً من الخلاف، وأخذاً بالاحتياط براءة للذمة " فتاوى اللجنة الدائمة 10/263 وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله عن سحب الدم في رمضان بغرض التحليل. فأجاب: مثل هذا التحليل لا يُفسد الصوم بل يُعفى عنه لأنه مما تدعو الحاجة إليه وليس من جنس المفطرات المعلومة من الشرع المطهر. فتاوى إسلامية 2/133 وقال الشيخ ابن جبرين: " إذا تبرع بالدم فأُخذ منه الكثير فإنه يبطل صومه قياساً على الحجامة وذلك أن يجتذب منه دم من العروق لإنقاذ مريض أو للاحتفاظ بالدم للطوارئ، فأما إن كان قليلاً فلا يفطر كالذي يؤخذ في الإبر للتحليل والاختبار." فتاوى إسلامية 2/133. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37780 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3174 لها عشيق يباشرها في ليالي رمضان [السُّؤَالُ] ـ[سمعت بأن الجماع يجوز في ليالي رمضان، مشكلتي بأنه لدي عشيق منذ 3 سنوات وحصل بيننا ضم وتقبيل وكل شيء عدا الجماع ولا أنوي هذا لأنه محرم جداً، أود أن أعرف هل ما أفعله محرم وما هي العقوبة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا شك أن اتخاذ العشيقات من قِبَل الرجال، واتخاذ العشَّاق من قِبل النساء من كبائر الذنوب، والجماع والمباشرة لا يحلان إلا للزوجين أو للزوج وأمَته، ويحرم عليكِ أن تتخذي عشيقاً، ويحرم عليكماِ المصافحة والخلوة فضلاً عن الضم والتقبيل والمباشرة وكل هذا من زنا الجوارح، وهو محرَّم في غير رمضان، وفي رمضان يكون أشد تحريماً تعظيماً للشهر سواء كان في الليل أو في النهار. وقوله تعالى {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم} إنما هو خطاب للأزواج. وعلى هذا العشيق أن يتوب إلى الله من فعله هذا معك، وعليك أنت أن تتوبي إلى الله، ثم بعدها يحل لكما الزواج، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " لم يُر للمتحابين مثل النكاح " والحديث صححه الألباني في " صحيح سنن ابن ماجه ". ونرجو الاطلاع على أجوبة الأسئلة التالية: (23349) و (1114) و (11195) و (9465) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37746 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3175 استعمل اللبوس لا يفسد الصيام [السُّؤَالُ] ـ[أحيانا أشعر بتعب وصداع في نهار رمضان فنصحني البعض بأخذ أقماع (لبوس) وذلك للتخفيف من حدة الصداع، فهل هذا العلاج مفطر أم لا أفيدوني أفادكم الله؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله استعمال اللبوس في نهار لا يفطر، وكذلك لو احتاج الصائم إلى الحقنة الشرجية، فإنها لا تفطر؛ لأنه لا دليل على كون ذلك من المفطرات، ولأن ذلك ليس أكلاً ولا شرباً ولا هو بمعنى الأكل والشرب. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الاختيارات" ص 193: ولا يفطر بالاكتحال والحقنة (يعني: الحقنة الشرجية) . . . وهو قول بعض أهل العلم اهـ. وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (6/381) : والراجح في هذه المسألة قول شيخ الإسلام ابن تيمية اهـ يعني: أن الحقنة الشرجية لا تفطر. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37749 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3176 نزول المذي لا يفسد الصيام [السُّؤَالُ] ـ[أعاني من شهوة تتحرك دائما لأتفه الأسباب كمروري في الطريق وألمح امرأة وعلى الفور أغض بصري ولكن يحدث أن ينزل شيء أو أجلس فتأتيني أفكار والتي أحاول قطعها على الفور ولكن يحدث أن ينزل شيء وهذا رغما عني فهل يفسد الصوم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نزول المذي لا يفسد الصوم، سواء نزل بسبب التفكير أو تقبيل الرجل لامرأته أو غير ذلك من الأسباب. وهذا هو مذهب الإمام الشافعي رحمه الله. انظر: "المجموع" للنووي (6/323) . قال شيخ الإسلام رحمه الله في "الاختيارات" ص 193: ولا يفطر بمذي بسبب قبلة أو لمس أو تكرار نظر، وهو قول أبي حنيفة والشافعي وبعض أصحابنا اهـ. وهو اختيار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله كما في "الشرح الممتع" (6/390) قال: والحجة فيه عدم الحجة على إفساد الصوم بذلك، لأن الصوم عبادة شرع فيها الإنسان على وجه شرعي فلا يمكن أن نفسد هذه العبادة إلا بدليل اهـ بتصرف. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37715 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3177 هل النظر إلى النساء يبطل الصيام [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم النظر إلى النساء في شهر رمضان؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا السؤال يشتمل على مسألتين: الأولى: حكم النظر إلى النساء. الثانية: هل النظر إلى النساء يبطل الصيام أو يوجب الكفارة؟ أما حكم النظر إلى النساء فهو محرم لأن الله عز وجل أمر المؤمنين بغض البصر فقال تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) النور/30، وأمر بذلك رسوله عليه الصلاة والسلام فعَنْ جَرِيرٍ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَظْرَةِ الْفَجْأَةِ فَقَالَ: (اصْرِفْ بَصَرَكَ) رواه أبو داود (النكاح/1836) وصححه الألباني في صحيح أبي داود برقم (1880) . ولذلك يجب امتثال أمر الله ورسوله قال تعالى: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) النور/63، أنظر السؤال (21784) و (20229) . أما المسألة الثانية: وهي تأثير النظر إلى النساء الأجنبيات على الصيام، فقد سألت اللجنة الدائمة عن هذا السؤال فأجابت: بأنه " ليس مبطلاً للصيام، وعليه أن يغض بصره " فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء 10/274 فالواجب على المسلم لاسيما الصائم صرف النظر عنهن حتى لا يخدش صومه بالمحرمات، ومن وقع في ذلك فعليه التوبة إلى الله. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37654 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3178 زادت أيام الحيض بسبب تركيب اللولب [السُّؤَالُ] ـ[وقت الدورة الشهرية ستة أيام قبل تركيب اللولب المانع للحمل، وبعد تركيب اللولب زادت مدة الدورة إلي تسعة أيام. فما حكم الصلاة والصيام في الأيام الزائدة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا زادت الدورة الشهرية للمرأة بعد تركيب اللولب فإن هذه الزيادة تعتبر حيضاً، فلا تصلي المرأة ولا تصوم حتى ترى الطهر. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله هذا السؤال: امرأة تسببت في نزول دم الحيض منها بالعلاج، وتركت الصلاة فهل تقضيها أم لا؟ فأجاب: لا تقضي المرأة الصلاة إذا تسببت لنزول الحيض فنزل، لأن الحيض دم متى وُجد وُجد حكمه، كما أنها لو تناولت ما يمنع الحيض ولم ينزل الحيض فإنها تصلي وتصوم لأنها ليست بحائض، فالحكم يدور مع علته، قال الله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى) البقرة/222. فمتى وُجد الأذى ثبت حكمه، ومتى لم يوجد لم يثبت حكمه اهـ فتاوى أركان الإسلام ص 254. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37656 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3179 لا يجوز للصائم أن يشتم أحداً [السُّؤَالُ] ـ[إذا كنت صائماً وأثناء الصيام شتمت أحداً أو أسأت الأدب مع شخص ما فهل يفسد هذا صيامي؟ أريد أن أعرف الجواب لأن أصدقائي يشتمون ويسيئون للناس أثناء الصيام وأريد أن أخبرهم لماذا يجب أن يتجنبوا المعاصي كالشتم وغيره.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ارتكاب المعاصي في نهار رمضان كالسب والشتم لا يفسد الصيام، بمعنى أن ذلك ليس من المفطرات، ولكنه يُنقص ثواب الصيام، وقد تذهب هذه المعاصي بالثواب جملةً، فيبقى الصائم لم يستفد شيئاً من صيامه إلا الجوع والعطش. والصائم مأمور بحفظ جوارحه عن معصية الله تعالى، وليس المقصود من الصيام مجرد الامتناع عن الطعام والشراب، بل المقصود هو الإمساك عن معصية الله تعالى، وتحقيق تقوى الله تعالى، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة/183. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْجَهْلَ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) رواه البخاري (1903) (6075) . وقول الزور يشمل كل قول محرم كالكذب والغيبة والنميمة والسب والشتم. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ يَوْمًا صَائِمًا فَلا يَرْفُثْ، وَلا يَجْهَلْ، فَإِنْ امْرُؤٌ شَاتَمَهُ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ إِنِّي صَائِمٌ) رواه البخاري (1894) ومسلم (1151) . قال الحافظ: قَوْله: (فَلا يَرْفُث) الْمُرَاد بِالرَّفَثِ هُنَا الْكَلام الْفَاحِش. قَوْله: (وَلا يَجْهَل) أَيْ لا يَفْعَل شَيْئًا مِنْ أَفْعَال أَهْل الْجَهْل كَالصِّيَاحِ وَالسَّفَه وَنَحْو ذَلِكَ. والْمُرَاد مِنْ الْحَدِيث أَنَّهُ لا يُعَامِلهُ بِمِثْلِ عَمَله بَلْ يَقْتَصِر عَلَى قَوْله: "إِنِّي صَائِم" اهـ فإذا كان الصائم مأمور بعدم الرد على من شتمه، فكيف يليق به أن يعتدي على الناس ويبتدئ الشتم هو؟! وقال النووي: اعْلَمْ أَنَّ نَهْيَ الصَّائِمِ عَنْ الرَّفَث وَالْجَهْل وَالْمُخَاصَمَةِ وَالْمُشَاتَمَة لَيْسَ مُخْتَصًّا بِهِ , بَلْ كُلّ أَحَد مِثْله فِي أَصْل النَّهْي عَنْ ذَلِكَ، لَكِنَّ الصَّائِم آكَدُ اهـ. وأخرج الحاكم عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس الصيام من الأكل والشرب، إنما الصيام من اللغو والرفث، فإن سابك أحد أو جهل عليك فقل: إني صائم، إني صائم) . وروى ابن ماجه (1690) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلا الْجُوعُ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلا السَّهَرُ) . يراجع سؤال (37989) عن الكذب في الصيام. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37658 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3180 نفساء أكملت أربعين يوما ولم تطهر فهل تصوم وتصلي؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجب على المرأة حديثة الولادة صيام رمضان علما بأنها قد أكملت أربعين يوما وما زالت في النفاس أي لم تطهر بعد؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف العلماء في أكثر مدة للنفاس، فذهب جمهور العلماء إلا أنها أربعون يوماً من الولادة. راجع سؤال (10488) . وعلى هذا. . فالمرأة التي استمر بها الدم أكثر من أربعين يوماً، إن وافق هذا الدم عادتها فتكون حائضاً، وإن لم يوافق عادتها فهو دم استحاضة فتغتسل بعد الأربعين وتصوم وتصلي وتكون طاهرة حكمها حكم الطاهرات من النساء. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37662 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3181 لا يجب نزع تقويم الفك من الفم لأجل الصيام [السُّؤَالُ] ـ[هل يجب عند الصيام أن أنزع تقويم الفك المتحرك، لأنه عندما أتحدث وهو في فمي يفرز لعاباً كثيراً، وأضطر إلى بلعه. أفيدونا جزاكم الله عنا كل خير؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجب نزع تقويم الفك المتحرك لأجل الصيام. لأنه لا ينزل منه شيء إلى المعدة، وكونه يسبب زيادة في إفراز اللعاب لا يجعله ذلك مفطراً. وقد نص العلماء على أنه يجوز للصائم أن يضع درهماً في فمه وهو صائم، وتقويم الفك أولى بالجواز من وضع الدرهم لأن تقويم الفك لا يضعه الإنسان إلا للحاجة. قال الإمام أحمد رحمه الله: مَنْ وَضَعَ فِي فِيهِ (أي فمه) دِرْهَمًا أَوْ دِينَارًا وَهُوَ صَائِمٌ , مَا لَمْ يَجِدْ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ , فَلا بَأْسَ بِهِ , وَمَا يَجِدُ طَعْمَهُ فَلا يُعْجِبُنِي اهـ. المغني (4/359) . ثم إن بلع الريق ولو كثر لا يضر الصوم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37665 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3182 هل الاستمناء في ليالي رمضان يفطر [السُّؤَالُ] ـ[بعض العلماء يقولون بأن الاستمناء مكروه والبعض يقول بأنه محرم، فإذا فعله شخص في إحدى ليالي رمضان فهل يفسد هذا صيام اليوم السابق؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصحيح من أقوال أهل العلم أن الاستمناء محرم. راجع سؤال رقم (329) . وإذا أقدم إنسان على هذا الأمر المحرم في ليالي رمضان فإنه لا يفسد صومه بذلك، لا اليوم السابق ولا اليوم اللاحق. ولكن الواجب على المسلم أن يجاهد نفسه، ويمنعها عن هذا المحرم وغيره، لا سيما في هذا الشهر المبارك. وعلى المسلم أن يستفيد من هذا الشهر المبارك في ذلك، فإن الصيام من أحسن العلاج لهذا الأمر المحرم، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم الشاب الذي لا يستطيع الزواج أن يصوم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ) رواه البخاري (5056) ومسلم (1400) . ومعنى (وِجَاء) أي: أَنَّ الصَّوْم يَقْطَع الشَّهْوَة. وعلى من ابتلي بذلك أن يتوب إلى الله تعالى، ويندم على ما فعل، ويعزم على عدم العود إلى ذلك مرة أخرى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37673 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3183 إذا سمع أذان الفجر وهو يجامع زوجته [السُّؤَالُ] ـ[ما الحكم إذا أذن الفجر والرجل يجامع زوجته؟ هل يكمل حتى يقضي وطره أم يقطع الجماع بمجرد سماع الأذان؟ أفتونا مأجورين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا طلع الفجر وهو يجامع زوجته فالواجب عليه الكف عن الجماع فوراً، وصيامه صحيح وليس عليه شيء. ولا يجوز له الاستمرار في الجماع بعد طلوع الفجر، فإن فعل ذلك فقد أفسد صومه، وعليها القضاء مع الكفارة. والكفارة هي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً. راجع السؤال (1672) . لكن هذا في طلوع الفجر أما أذان المؤذن: فإن كان المؤذن يؤذن مع طلوع الفجر فالواجب الكف عن الجماع بمجرد سماع الأذان، فإن لم يفعل فعليه القضاء مع الكفارة كما سبق. وإن كان المؤذن يؤذن قبل طلوع الفجر، كما يجتهد بعض المؤذنين اجتهاداً خاطئاً ويفعلون ذلك احتياطاً للصيام في زعمهم، فيجوز الاستمرار في الجماع حتى يتيقن طلوع الفجر. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله هذا السؤال: إذا شرب الصائم بعد سماعه أذان الفجر فهل يصح صومه؟ فأجاب: إذا شرب الصائم بعد سماعه أذان الفجر فإن كان المؤذن يؤذن بعد أن تبين له الصبح فإنه لا يجوز للصائم أن يأكل أو يشرب بعده. وإن كان يؤذن قبل أن يتبين له الصبح فلا بأس بالأكل والشرب حتى يتبين الصبح لقول الله تعالى: (فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر) ولهذا ينبغي للمؤذنين أن يتحروا في أذان الصبح ولا يؤذنوا حتى يتبين لهم الصبح أو يتيقنوا طلوعه بالساعات المضبوطة لئلا يغروا الناس فيحرموهم مما أحل الله لهم ويحلوا لهم صلاة الصبح قبل وقتها وفي هذا من الخطر ما فيه اهـ فتاوى إسلامية (1/122) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37679 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3184 استعمال البخاخ للربو لا يفطر الصائم [السُّؤَالُ] ـ[هل استعمال البخاخ في الفم في نهار رمضان يفسد الصوم لمن يعاني من أزمة في التنفس؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله استعمال بخاخ الربو في نهار رمضان لا يفسد الصيام. (وبخاخ الربو لا يفطّر لأنه غاز مضغوط يذهب إلى الرئة وليس بطعام، وهو محتاج إليه دائما في رمضان وغيره. فتاوى الدعوة: ابن باز عدد 979) . انظر: كتيب " سبعون مسألة في الصيام ". وقال الشيخ ابن عثيمين: هذا البخاخ يتبخر ولا يصل إلى المعدة، فحينئذٍ نقول: لا بأس أن تستعمل هذا البخاخ وأنت صائم، ولا تفطر بذلك اهـ فتاوى أركان الإسلام ص 475. وقال علماء الجنة الدائمة: دواء الربو الذي يستعمله المريض استنشاقاً يصل إلى الرئتين عن طريق القصبة الهوائية لا إلى المعدة، فليس أكلاً ولا شرباً ولا شبيهاً بهما. . . والذي يظهر عدم الفطر باستعمال هذا الدواء اهـ فتاوى إسلامية (1/130) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37650 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3185 وطء السجين الصائم لزوجته في نهار رمضان [السُّؤَالُ] ـ[أود منك أن تخبرني عن: أن لنا أخوة هنا في البرازيل رجعوا إلى الإسلام (والحمد لله) منذ سنة مضت، وهم في السجن. والسجين يستقبل زوجته خلال وقت الزيارة (الأحد) وينام معها من الساعة الحادية عشرة حتى الثانية. السؤال الآن: هو ماذا إذا سيفعلون في رمضان؟ زوجاتهم غير مسلمات. فضلاً هلا تكرمت بإخبارنا عن هذا السؤال مع الأخذ في الاعتبار استقامة المرأة خلال ثلاثين يوماً. إنهم حديثو عهد بالإسلام، خاصة وأنه لا شيخ عندنا. شكراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا أجد هناك من حلّ الآن إلا مناشدة إدارة السّجن بتغيير الموعد ليكون بين المغرب والفجر وهو الوقت الذي يجوز فيه للمسلم شرعا أن يأتي زوجته. ومهما كانت الاعتبارات فإنّه لا يجوز لمسلم - يجب عليه الصيام - أن يطأ زوجته في نهار رمضان، والجماع في نهار رمضان أسوأ المفطّرات ويجب بوقوعه عتق رقبة مؤمنة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا مع التوبة وقضاء اليوم الذي وطئ فيه. وأنتم عليكم التعليم والنصيحة بالحسنى فإن حصل بعد ذلك شيء فالتوبة والكفّارة، ولعلّ إدارة السّجن تستجيب للاقتراح المذكور خصوصا إذا كانوا يقدّرون الحقوق الشخصية والحرّيات الدينية. وفّقكم الله لكلّ خير وأثابكم على جهودكم، ونسأل الله الثبات لإخواننا المسلمين المساجين والهداية لزوجاتهم، والله الهادي إلى سواء السبيل. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 1051 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3186 أثر استعمال الأدوية والأدوات الطبيّة على الصيام [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك أقوال للأئمة تتعلق بالاستطبابات الجائزة والتي لا تتعارض والصيام. تحديدا: (1) الكبسولات/الشراب (2) بخاخ الربو والشعب الصدرية (3) التحاميل (4) الحقن الشريانية إن السؤال عن بخاخ الأزمات الصدرية في غاية الاهميه حيث يعاني ما يقرب من20% من الأطفال من الأزمات الصدرية. أرجو الشرح مع إعطاء أي متعلقات لاحقة]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فيما يلي ذكر عدد من الأشياء المستعملة في المجال الطبي وبيان ما يُفطّر منها وما لا يُفطّر وكانت تلك خلاصة لأبحاث شرعية قُدِّمت إلى مجمع الفقه الإسلامي في بعض دوراته وأصدر فيها الخلاصة التالية: أولاً: الأمور التالية لا تعتبر من المفطرات: 1- قطرة العين، أو قطرة الأذن، أو غسول الأذن، أو قطرة الأنف، أو بخاخ الأنف، إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق. 2- الأقراص العلاجية التي توضع تحت اللسان لعلاج الذبحة الصدرية وغيرها إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق. 3- ما يدخل المهبل من تحاميل (لبوس) ، أو غسول، أو منظار مهبلي، أو إصبع للفحص الطبي. 4- إدخال المنظار أو اللولب ونحوهما إلى الرحم. 5- ما يدخل الإحليل، أي مجرى البول الظاهر للذكر أو الأنثى، من قثطرة (أنبوب دقيق) أو منظار، أو مادة ظليلة على الأشعة، أو دواء، أو محلول لغسل المثانة. 6- حفر السن، أو قلع الضرس، أو تنظيف الأسنان، أو السواك وفرشاة الأسنان، إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق. 7- المضمضة، والغرغرة، وبخاخ العلاج الموضعي للفم إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق. 8- الحقن العلاجية الجلدية أو العضلية أو الوريدية، باستثناء السوائل والحقن المغذية. 9- غاز الأكسجين. 10- غازات التخدير (البنج) ما لم يعط المريض سوائل (محاليل) مغذية. 11- ما يدخل الجسم امتصاصاً من الجلد كالدهونات والمراهم واللصقات العلاجية الجلدية المحملة بالمواد الدوائية أو الكيميائية. 12- إدخال قثطرة (أنبوب دقيق) في الشرايين لتصوير أو علاج أوعية القلب أو غيره من الأعضاء. 13- إدخال منظار من خلال جدار البطن لفحص الأحشاء أو إجراء عملية جراحية عليها. 14- أخذ عينات (خزعات) من الكبد أو غيره من الأعضاء ما لم تكن مصحوبة بإعطاء محاليل. 15- منظار المعدة إذا لم يصاحبه إدخال سوائل (محاليل) أو مواد أخرى. 16- دخول أي أداة أو مواد علاجية إلى الدماغ أو النخاع الشوكي. 17- القيء غير المتعمد بخلاف المتعمد (الاستقاءة) . ثانياً: ينبغي على الطبيب المسلم نصح المريض بتأجيل ما لا يضره تأجيله إلى ما بعد الإفطار من صور المعالجات المذكورة فيما سبق. (حتى لا يؤثّر ذلك في صحة صيامه) [الْمَصْدَرُ] مجمع الفقه الإسلامي ص 213 الحديث: 2299 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3187 استمنى في نهار رمضان وأكل [السُّؤَالُ] ـ[أثناء صيامي أحد أيام شهر رمضان حدث أن مارست العادة السرية ثم قرأت في إجابة أحد الأسئلة الإسلامية بإحدى الجرائد ان العادة السرية تبطل الصيام لكن الأمر لا يتطلب أداء كفارة (تحرير رقبة أو إطعام ستين مسكينا) فهل هذا صحيح؟ أما سؤالي الثاني فهو أنى تناولت الطعام في ذلك الوقت لأني اعتقدت بأن صيامي باطل فهل إفطاري ذلك اليوم يتطلب كفارة أم لا؟؟ جزاكم الله خيرا على الإجابة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا شك أن العادة السرية محرمة عند أكثر أهل العلم كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فإذا كان استعمالها في شهر رمضان كان ذلك أعظم، فإذا وقع الإنزال بسبب العادة السرية كان انتهاك حرمة الصيام أشد إثماً، وعليه فمن أنزل المني فقد أفطر وعليه أن يمسك بقية يومه الذي أنزل فيه، ولا يجوز له الإفطار لحرمة الشهر الكريم، فعليك التوبة لإفساد صومك بالإنزال متعمّدا وعليك التوبة أيضا لأنّك لم تمسك بقيّة اليوم وانتهكت حرمة الصّيام بتناول مفطّر آخر وهو الطّعام وعليك بقضاء يوم بدل الذي أفسدته، وأكثر من الحسنات وصيام النّافلة فإنّ الحسنات يُذهبن السيئات، والله غفور رحيم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2571 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3188 هل مص الإبهام يبطل الصيام [السُّؤَالُ] ـ[عندي مشكلة وهي أني ما زلت أمص إبهامي منذ أن كنت طفلة وتزداد هذه العادة بكثرة في أوقات المرض، وانا في شك هل هذا حرام أم لا؟ وهل هذا يبطل صيامي؟ وقد قالت لي صديقة أن أي شيء يدخل للجسم يبطل الصيام. الرجاء إجابة سؤالي في أسرع وقت ممكن لأن رمضان سيبدأ قريباً وهذا الأمر يشعرني بالخجل ولا أستطيع أن أتحدث عنه مع أي شخص حتى زوجي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عليك بمجاهدة نفسك في ترك هذه العادة ونزع أصبعكِ من فيكِ كلما انتبهتِ لنفسكِ، وما حصل منك في حال النسيان فلا يضرّ صيامكِ، قال عليه الصلاة والسلام: " إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ. " رواه ابن ماجة 2033 وهو في صحيح الجامع 1731. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 3624 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3189 يقضي ما عليه أولاً ثم يصوم عن الميت [السُّؤَالُ] ـ[توفيت زوجتي رحمها الله قبل أسبوعين من تاريخ الرسالة، وعليها صوم سبعة أيام أفطرتها في رمضان الفائت بسبب الدورة الشهرية، وقد توفيت ولم تقضها. هل أصوم عنها أم لا؟ علماً أن علي شهراً لم أقضه، أم أصوم الذي علي ثم أصوم عنها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كان الواقع كما ذكر فإنه يجب عليك أن تصوم الذي عليك أولاً، ثم يشرع لك بعد ذلك أن تصوم الأيام التي على زوجتك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ) متفق على صحته. والولي هو القريب، وأنت مثله. وبالله التوفيق، وصلى الله علي نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ.. الشيخ بكر أبو زيد. "فتاوى اللجنة الدائمة. المجموعة الثانية" (9/261) . [الْمَصْدَرُ] "فتاوى اللجنة الدائمة. المجموعة الثانية" (9/261) الحديث: 134087 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3190 يريد تأجيل قضاء رمضان إلى الشتاء لأن أيامه قصيرة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم قضاء أيام رمضان في الشتاء وهي كما نعلم أيامه قصيرة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "يجب على من أفطر أياماً من رمضان أن يقضيها قبل رمضان الآخر سواء في أيام الشتاء أو غيرها من الأيام، لقوله تعالى: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/184. وثبت عن عائشة رضي الله عنها: (يكون عليها القضاء فما تقضيه إلا في شعبان لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم) . وبالله التوفيق، وصلى الله علي نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ عبد الرزاق عفيفي.. الشيخ عبد الله بن غديان. "فتاوى اللجنة الدائمة. المجموعة الثانية" (9/278) . [الْمَصْدَرُ] "فتاوى اللجنة الدائمة. المجموعة الثانية" (9/278) الحديث: 132421 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3191 هل يجب أن يطعم ستين مسكيناً دفعة واحدة؟ وهل يطعم أهله من الكفارة؟ [السُّؤَالُ] ـ[أفطرت يوماً من رمضان متعمدة، وأردت أن أطعم (60) مسكيناً. السؤال: هل يشترط إطعامهم دفعة واحدة أم أستطيع أن أطعم كل يوم 4 مساكين مثلاً أو ثلاثة، هل يجوز لي الإطعام إذا كان المساكين هم أفراد أسرتي: أبي أمي إخوتي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إن كان الإفطار في رمضان بغير الجماع فليس فيه كفارة على الصحيح، وإنما الواجب التوبة وقضاء ذلك اليوم الذي حصل فيه الإفطار، وإن كان الإفطار بجماع ففيه التوبة وقضاء ذلك اليوم، والكفارة هي عتق رقبة مؤمنة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً. وإذا صار إلى الإطعام لعجزه عما قبله من العتق والصيام جاز أن يدفع الطعام إلى المساكين دفعة واحدة، وأن يفرقه على دفعات حسب الإمكان، لكن لا بد من استيعاب عدد المساكين، ولا يجوز دفع الإطعام في الكفارة إلى الأصول وهم الآباء والأمهات والأجداد والجدات، ولا إلى الفروع وهم الأولاد وأولاد الأولاد من الذكور والإناث. وبالله التوفيق، وصلى الله علي نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ عبد الله بن غديان.. الشيخ صالح الفوزان.. الشيخ عبد العزيز آل الشيخ.. الشيخ بكر أبو زيد. "فتاوى اللجنة الدائمة. المجموعة الثانية" (9/221) . [الْمَصْدَرُ] "فتاوى اللجنة الدائمة. المجموعة الثانية" (9/221) الحديث: 132273 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3192 قطع التتابع في صيام الكفارة بسبب المرض لا يضر [السُّؤَالُ] ـ[وقعت في الجماع في نهار رمضان وبدأت في صيام الكفارة فصمت حتى أكملت صيام سبعة وخمسين يوماً، بعدها مرضت مرضاً شديداً لا أستطيع معه الصوم، فقطعت الصيام يومين، وبعدها استأنفت إلى أن أكملت ستين يوماً. فهل يكفي ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "قد أحسنت فيما فعلت والحمد لله، والقطع بسبب المرض لا يضر؛ لأن المرض عذر شرعي فالقطع به لا يضر، فلما أكملت ثلاثة الأيام بعد ذلك فقد صح الصوم وأديت الكفارة والحمد لله" انتهى. [الْمَصْدَرُ] سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (3/1231) الحديث: 130880 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3193 توفيت والدته وعليها قضاء رمضانين [السُّؤَالُ] ـ[توفيت والدتي وتذكر لي في حياتها بأن عليها صوم شهرين من رمضان من سنتين، حيث جاء شهر الصوم وهي في حالة ولادة، وتوفيت وما قد صامتها قضاء، فهل أصوم عنها أو أطعم؟ وما كيفية الإطعام؟ أذبح شيئاً من الماعز وأقسمه على ستين بيتاً، أو أدفع بقدر الطعام فلوساً؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الأحسن أن تصوم عن والدتكم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ) متفق على صحته، والولي هو القريب، فإن لم يتيسر لك الصوم ولا لغيرك من أقاربها فأطعم من تركتها أو من مالك مسكيناً عن كل يوم، ومقداره نصف صاع من قوت البلد، وإن جمعت الجميع ودفعته إلى فقير واحد أجزأ ذلك. وبالله التوفيق، وصلى الله علي نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ عبد الرزاق عفيفي.. الشيخ عبد الله بن غديان. [الْمَصْدَرُ] "فتاوى اللجنة الدائمة. المجموعة الثانية" (9/260) . الحديث: 130647 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3194 توفي وعليه يومان من رمضان بسبب المرض فماذا يلزم أولاده؟ [السُّؤَالُ] ـ[توفي والدي وعليه صيام يومين من رمضان بسبب المرض، لسنة سابقة لسنة وفاته، وقد توفي في شوال وقد ذكر أنه سوف يطعم عن يومين، فما الحكم وماذا يجب علينا نحوه؟ هل نصوم عنه ونطعم أم نطعم فقط؟ علماً أننا لا ندري هل أطعم عنها أم صام. حيث كان مصابا بالسكر وكان يصوم رمضان مع المشقة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كان والدكم يستطيع قضاء الصيام الذي عليه من رمضان السابق فتساهل في القضاء حتى دخل رمضان الذي توفي بعده ـ فالأفضل لكم أن يصوم أحدكم قضاء اليومين الذين عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ) متفق عليه. وإن أطعمتم عنه صاعاً من قوت البلد وهو ما يساوي ثلاث كيلوات تقريباً كفى ذلك. أما إن كان قبل رمضان لا يستطيع قضاء اليومين بسبب المرض فلا قضاء ولا إطعام لكونه لم يفرط. وبالله التوفيق، وصلى الله علي نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ عبد الله بن غديان.. الشيخ صالح الفوزان.. الشيخ عبد العزيز آل الشيخ.. الشيخ بكر أبو زيد. "فتاوى اللجنة الدائمة. المجموعة الثانية" (9/261) . [الْمَصْدَرُ] "فتاوى اللجنة الدائمة. المجموعة الثانية" (9/261) الحديث: 130283 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3195 حكم إخراج فدية تأخير الصيام قبل القضاء [السُّؤَالُ] ـ[امرأة تسأل عليها قضاء من رمضان وإطعام هل تطعم عن كل يوم أو تطعم عن جميع الأيام كلها بعد انتهائها من القضاء مرة واحدة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من أخر قضاء رمضان حتى دخل عليه رمضان ثان، فإن كان لعذر من مرض أو حمل أو رضاع، ونحو ذلك، فلا شيء عليه إلا القضاء فقط، وإن كان لغير لعذر، فقد أثم، وعليه القضاء، وهل تلزمه فدية أم لا؟ خلاف بين العلماء، والجمهور على لزوم الفدية، وهي إطعام مسكين عن كل يوم. وقد ذكرنا في جواب السؤال رقم (26865) أن الراجح عدم وجوب الفدية، لكن من أخرجها احتياطاً فحسن. وهذه الفدية – عند القائلين بها – تستقر في ذمة الإنسان بمجرد دخول رمضان الثاني، فله أن يخرجها حينئذ، وله أن يؤخرها مع القضاء، والأفضل أن يعجل بها إبراء لذمته. جاء في "الموسوعة الفقهية" (28/76) : " وقضاء رمضان يكون على التّراخي. لكن الجمهور قيّدوه بما إذا لم يفت وقت قضائه، بأن يهلّ رمضان آخر، لقول عائشة رضي الله تعالى عنها: (كان يكون عليّ الصّوم من رمضان، فما أستطيع أن أقضيه إلاّ في شعبان، لمكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم) . كما لا يؤخّر الصّلاة الأولى إلى الثّانية. ولا يجوز عند الجمهور تأخير قضاء رمضان إلى رمضان آخر من غير عذر يأثم به، لحديث عائشة هذا، فإن أخّر فعليه الفدية: إطعام مسكين لكلّ يوم، لما روي عن ابن عبّاس وابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم قالوا فيمن عليه صوم فلم يصمه حتّى أدركه رمضان آخر: (عليه القضاء، وإطعام مسكين لكلّ يوم) . وهذه الفدية للتّأخير، .... ويجوز الإطعام قبل القضاء ومعه وبعده " انتهى. وقال المرداوي الحنبلي رحمه الله: " يُطعم ما يجزئ كفارة، ويجوز الإطعام قبل القضاء، ومعه، وبعده، قال المجد - أي: ابن تيمية جد شيخ الإسلام -: الأفضل تقديمه عندنا؛ مسارعةً إلى الخير؛ وتخلصاً من آفات التأخير " انتهى من "الإنصاف" (3/333) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 122319 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3196 عليها قضاء أيام من رمضان لكن نسيت عددها [السُّؤَالُ] ـ[زوجتي كان عليها صيام أيام من قبل، ولكن نسيت كم يوم عليها بالضبط، فماذا تفعل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب على من أفطر أياما من رمضان لعذر السفر أو المرض أو الحيض أو النفاس أن يقضيها؛ لقوله تعالى: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/184. وروى مسلم (335) أن عَائِشَةَ رضي الله عنها سئلت: مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ، فَقَالَتْ: (كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ، فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ) . وإذا نسيت زوجتك عدد الأيام التي عليها، وشكت هل عليها ستة أو سبعة مثلا، لم يلزمها إلا ستة؛ لأن الأصل براءة ذمتها، ولكن إن صامت سبعة على سبيل الاحتياط فهو أولى؛ لتبرأ ذمتها بيقين. وإن لم تذكر شيئا عن عدد أيامها، فإنها تصوم ما يغلب على ظنها أنها تبرأ به. فقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: امرأة عليها قضاء من رمضان، ولكنها شكت هل هي أربعة أيام أم ثلاثة، والآن صامت ثلاثة أيام فماذا يجب عليها؟ فأجاب: " إذا شك الإنسان فيما عليه من واجب القضاء فإنه يأخذ بالأقل، فإذا شكَّت المرأة أو الرجل هل عليه قضاء ثلاثة أيام أو أربعة؟ فإنه يأخذ بالأقل، لأن الأقل متيقن، وما زاد مشكوك فيه، والأصل براءة الذمة، ولكن مع ذلك: الأحوط أن يقضي هذا اليوم الذي شك فيه, لأنه إن كان واجباً عليه فقد حصلت براءة ذمته بيقين، وإن كان غير واجب فهو تطوع، والله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا " انتهى من "فتاوى نور على الدرب". والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118281 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3197 لم تعرف علامات البلوغ فأفطرت رمضان جهلاً [السُّؤَالُ] ـ[جرت العادة في بعض بلاد المسلمين أن معرفة علامة بلوغ المرأة الظاهرة هو الحيض دون النظر إلى بقية العلامات الأخرى كظهور الشعر الخشن حول العانة وغير ذلك مما هو معروف في كتب الفقه. تأثرا بهذا النوع من الأعراف أو العادات، بدأت إحدى الأخوات صيام شهر رمضان صيام الفرض بعد رؤية دم الحيض مع العلم أنها كانت آنذاك تبلغ من العمر ثلاثة عشر عاما وأنه قد بدأ ينبت لها الشعر حول أماكن العورة قبل رؤية دم الحيض، ولكنها لم تعد تتذكر أكان ذلك الشعر خشنا أو غير ذلك، كذلك لم تعد تتذكر كم سنة قد أفطرت بعد ظهور ذلك الشعر. السؤال: 1- ما هي العلامات المعتبرة شرعا أو عرفا في معرفة بلوغ المرأة، 2- ثم ما حكم إفطار هذه الأخت لتلك الرمضانات التي بدأ فيها ظهور الشعر دون الحيض إذا لم يعتد بذلك العرف شرعا. وهل الجهل في مثل هذه الحالة العينية مقبول أو معتبر؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله بلوغ المرأة يحصل بواحد من أمور أربعة: 1- أن تُتِمَّ خمس عشرة سنة. 2- أن تنبت عانتها، وهو الشعر الخشن حول الفرج. 3- بإنزال المنيّ المعروف. 4- أن تحيض. فإذا حصل واحد من هذه الأربعة، فقد بلغت وكُلفت ووجبت عليها العبادات كما تجب على الكبيرة. وإذا لم تعلم المرأة أن البلوغ يحصل بذلك فليس عليها إثم حين تركت الصيام لأنها جاهلة، والجاهل لا إثم عليه ما لم يكن مفرطاً في التعلّم مع قدرته عليه، لكن يجب عليها أن تبادر بقضاء صيام الذي لم تصمه لأن المرأة متي بلغت أصبحت مكلّفة ويجب عليها قضاء ما تركته من الصيام في وقت التكليف، ويجب عليها أن تتحرى لمعرفة ما أفطرته بعد بلوغها من أيام، ولتبادر به حتى يزول عنها الإثم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 21246 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3198 شرب بعد الفجر في صيام التطوع فهل عليه كفارة؟ [السُّؤَالُ] ـ[أصوم كل يوم اثنين وخميس صيام تطوعاً، وحدث إنه في ليلة من الليالي تسحرت ونمت دون أن أشرب وبعد الفجر بساعة قمت من النوم وأنا شديد العطش فشربت، وأكملت الصيام إلى الليل، مع العلم أنني أعلم أنه قد مضى على الفجر ساعة، هل الصيام صحيح أم لا؟ وإن كان لا فهل يجب عليّ كفارة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الصيام ليس بصحيح، لأن الصيام لا بد أن يكون من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، لقول الله تعالى (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) . وعلى هذا؛ فليس لك أجر في هذا اليوم الذي صمته، لعدم موافقته الشرع، وليس عليك في ذلك إثم، لأن صوم النفل يجوز للإنسان أن يقطعه، وليس عليك كفارة أيضاً، والكفارة لا تجب في أي صوم كان حتى في الفرض إلا إذا جامع الإنسان زوجته في نهار رمضان، وهما ممن يجب عليهما الصوم، ففي هذه الحال تجب الكفارة عليه وعليها إن طاوعت، وهي عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً، وأما إذا كان الزوج والزوجة لا يجب عليهما الصيام مثل أن يكونا مسافرين في رمضان وجامعها فلا حرج عليه ولا عليها، لأن المسافر يحل له أن يفطر، ولكن عليهما قضاء ذلك اليوم إذا رجع من السفر، حتى لو فرض أنهما كانا صائمين في ذلك اليوم وهما مسافران سفراً يبيح لهما الفطر ثم جامعها فلا حرج عليهما في ذلك، وليس عليهما كفارة، وإنما عليهما قضاء ذلك اليوم الذي أفطراه " انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. "فتاوى نور على الدرب" [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112015 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3199 كيف يقضي ما فاته من الصيام؟ [السُّؤَالُ] ـ[كيف يقضي الإنسان ما فاته من الصيام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن كان ترك الصيام لعذر كمرض أو سفر أو الحيض بالنسبة للمرأة، وجب عليه قضاؤه بعد رمضان، فيقضي عدد الأيام التي أفطرها، لقول الله تعالى: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/185. وقالت عائشة رضي الله عنها: (كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ – تعني: الحيض - فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ) رواه البخاري (321) ومسلم (335) . ويمتد وقت القضاء إلى دخول رمضان التالي، فله أن يقضيه في كل هذه المدة، متتابعاً أو مفرقاً. ولا يجوز له تأخير القضاء بعد رمضان التالي إلا لعذر. وانظر جواب السؤال رقم (26865) . وأما إن كان ترك الصيام متعمداً بلا عذر، فهذا له حالان: الأولى: أن يكون عزم على الإفطار من الليل، ولم ينو الصيام، فهذا لا يصح منه القضاء، لأن الصيام عبادة مؤقتة بوقت، فمن تركها متعمداً فلا تصح منه بعد الوقت، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) رواه البخاري (2697) ومسلم (1718) . الحال الثانية: أن يكون نوى الصيام من الليل، وبدأ اليوم صائماً، ثم أفسد صيامه أثناء النهار بلا عذر، فهذا يجب عليه قضاء ذلك اليوم، لأن شروعه فيه، جعله كالنذر فيجب عليه قضاؤه، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم من جامع في نهار رمضان بقضاء ذلك اليوم فقال له: (صُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ) رواه ابن ماجة (1671) . وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة. ثم إن كان إفساد الصيام أثناء النهار بلا عذر بالجماع، وجب عليه القضاء ومع القضاء الكفارة، ولمعرفة الكفارة وأحكامها انظر جواب السؤال رقم (49614) . وعلى من أفسد صيامه بلا عذر التوبة إلى الله تعالى، والندم على هذا الفعل، والعزم على عدم العودة إليه، والإكثار من الأعمال الصالحة، من صيام النفل وغيره، فإن الله تعالى يقول: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112102 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3200 فقد الوعي بسبب حادث سيارة فهل يقضي ما فاته من رمضان [السُّؤَالُ] ـ[يوجد رجل صار عليه حادث اصطدام سيارة ووقع في درك الموت وأخذ مدة طويلة منها شهر رمضان المبارك وهو في غيبوبة الخطر لا يعرف شيئاً وبعد مدة منحه الخالق الكريم العظيم الشفاء، واكتملت صحته فماذا عليه من قضاء الصوم والصلاة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الواقع كما ذكرت من أن الرجل غاب عقله مدة طويلة لا يعي شيئا فيها من تأثر الصدمة - ومن هذه المدة شهر رمضان - فليس عليه قضاء ما مضى من الصوم والصلاة أيام غيبوبة عقله في أصح قولي العلماء لكونه غير مكلف بهما تلك المدة. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (6/18) الحديث: 22204 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3201 هل كان إفطارنا خاطئاً فيلزم قضاء يوم الثلاثين من رمضان؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يلزمنا قضاء اليوم الثلاثين من رمضان الفائت أو كفارة؟ فقد سمعت أن إفطارنا كان خاطئا وأن رمضان في سنة - 1428 هـ - كان 30 يوماً ولم يكن 29 يوماً؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يلزمكم قضاء اليوم الثلاثين؛ لأن رمضان كان 29 يوماً، بناءً على ثبوت الهلال بالرؤية الشرعية، وقد شهد بذلك ما يقارب العشرة، كما ذكر فضيلة الشيخ صالح بن محمد اللحيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى حفظه الله. ومن كان خارج المملكة واعتمد على رؤيتها، ففطره صحيح، ولا يلزمه شيء. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 110757 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3202 حكم من نسي القضاء وأدركه رمضان [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من نسي القضاء وأدركه رمضان؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اتفق الفقهاء على أن النسيان عذر يرفع الإثم والمؤاخذة في جميع المخالفات، لأدلة كثيرة جاءت في الكتاب والسنة، إلا أنهم يختلفون في رفعه ما يترتب على المخالفة من فدية ونحوها. وفي خصوص مسألة نسيان قضاء رمضان حتى يدخل رمضان التالي، اتفق العلماء أيضا على أن القضاء لازم بعد رمضان التالي، ولا يسقط بالنسيان. ولكنهم يختلفون في وجوب الفدية (وهي إطعام مسكين) مع القضاء، على قولين: القول الأول: لا تلزمه الفدية، فالنسيان عذر يرفع عنه الإثم والفدية. وذهب إلى هذا أكثر الشافعية وبعض المالكية. انظر: "تحفة المحتاج" لابن حجر الهيتمي (3/445) ، "نهاية المحتاج" (3/196) ، "منح الجليل" (2/154) ، "شرح مختصر خليل" (2/263) . القول الثاني: تلزمه الفدية، والنسيان عذر يرفع الإثم فقط. ذهب إليه الخطيب الشربيني من الشافعية، فقال في "مغني المحتاج" (2/176) : قال: "والظاهر أنه إنما يسقط عنه بذلك الإثم لا الفدية". ونص عليه بعض المالكية أيضاً. وانظر: "مواهب الجليل شرح مختصر خليل" (2/450) . والراجح هو القول الأول إن شاء الله تعالى، وذلك لأدلة ثلاثة: الأول: عموم الآيات والأحاديث التي ترفع المؤاخذة عن الناسي: كقوله تعالى: (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) البقرة/286. الثاني: الأصل براءة الذمة، ولا يجوز إشغالها بالكفارة أو الفدية إلا بدليل، ولا دليل يقوى في هذه المسألة. الثاني: أن هذه الفدية مختلف في وجوبها أصلا حتى على المتأخر عن القضاء عامدا، حيث ذهب الحنفية والظاهرية إلى عدم وجوبها، واختار الشيخ ابن عثيمين أنها مستحبة فقط، إذ لم يرد في مشروعيتها إلا عمل بعض الصحابة، وهذا لا يقوى على إلزام الناس بها، فضلا عن إلزامهم بها حال العذر الذي عذر الله به. وانظر جواب السؤال رقم (26865) . وخلاصة الجواب: عليه القضاء فقط، ولا طعام عليه فيقضي بعد رمضان الحالي. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 107780 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3203 صيام يوم الشك بنية قضاء ما فات من رمضان [السُّؤَالُ] ـ[أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم الشك، ونهى عن الصيام قبل رمضان بيومين. ولكن هل يجوز لي أن أقضي رمضان الفائت في هذه الأيام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، يجوز قضاء رمضان الفائت في يوم الشك وقبل رمضان بيوم أو يومين. وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يوم الشك، ونهى عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين. ولكن هذا النهي ما لم يكن للإنسان عادة بالصيام، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلا يَوْمَيْنِ إِلا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ) . رواه البخاري (1914) ومسلم (1082) فإذا اعتاد الإنسان صوم يوم الاثنين -مثلاً- ووافق ذلك آخر يوم من شعبان فإنه يجوز أن يصومه تطوعاً ولا يُنهى عن صيامه. فإذا جاز صيام التطوع المعتاد فجواز صيام قضاء رمضان من باب أولى، لأنه واجب، ولأنه لا يجوز تأخير القضاء إلى ما بعد رمضان التالي. قال النووي رحمه الله في المجموع (6/399) : قَالَ أَصْحَابُنَا: لا يَصِحُّ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ عَنْ رَمَضَانَ بِلا خِلافٍ. . . فَإِنْ صَامَهُ عَنْ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَجْزَأَهُ، لأَنَّهُ إذَا جَازَ أَنْ يَصُومَ فِيهِ تَطَوُّعًا لَهُ سَبَبٌ فَالْفَرْضُ أَوْلَى , كَالْوَقْتِ الَّذِي نُهِيَ عَنْ الصَّلاةِ فِيهِ , وَلأَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ , فَقَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ ; لأَنَّ وَقْتَ قَضَائِهِ قَدْ ضَاقَ اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 26860 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3204 تأخير قضاء الصوم [السُّؤَالُ] ـ[أفطرت في إحدى السنوات الأيام التي تأتي فيها الدورة الشهرية ولم أتمكن من الصيام حتى الآن وقد مضى عليّ سنوات كثيرة وأود أن أقضي ما علي من دين الصيام ولكن لا أعرف كم عدد الأيام التي عليّ فماذا أفعل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عليك ثلاثة أمور: الأمر الأول: التوبة إلى الله من هذا التأخير والندم على ما مضى من التساهل والعزم على ألا تعودي لمثل هذا، لأن الله يقول: (وتوبوا إلى الله جميعاً أيُّها المؤمنون لعلكم تفلحون) النور / 31، وهذا التأخير معصية والتوبة إلى الله من ذلك واجبة. الأمر الثاني: البدار بالصوم على حسب الظن لا يكلف الله نفساً إلا وسعها فالذي تظنين أنك تركته من أيام عليك أن تقضيه، فإذا ظننت أنها عشرة فصومي عشرة أيام وإذا ظننت أنها أكثر أو أقل فصومي على مقتضى ظنك، لقول الله سبحانه: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) البقرة / 286، وقوله عز وجل (فاتقوا الله ما استطعتم) التغابن / 16 الأمر الثالث: إطعام مسكين عن كل يوم إذا كنت تقدرين على ذلك يصرف كله ولو لمسكين واحد، فإن كنت فقيرة لا تستطيعين الإطعام فلا شيء عليك في ذلك سوى الصوم والتوبة. والإطعام الواجب عن كل يوم نصف صاع من قوت البلد ومقداره كيلو ونصف. [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى ومقالات للشيخ ابن باز 6/19 الحديث: 21710 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3205 تأخير قضاء رمضان حتى يدخل رمضان الثاني [السُّؤَالُ] ـ[أفطرت أياماً من رمضان بسبب الحيض، وهذا من عدة سنوات. ولم أصم هذه الأيام حتى الآن. فماذا عليّ أن أفعل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اتفق الأئمة على أنه يجب على من أفطر أياماً من رمضان أن يقضي تلك الأيام قبل مجيء رمضان التالي. واستدلوا على ذلك بما رواه البخاري (1950) ومسلم (1146) عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت: (كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلا فِي شَعْبَانَ، وَذَلِكَ لِمَكَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) . قال الحافظ: وَيُؤْخَذ مِنْ حِرْصهَا عَلَى ذَلِكَ فِي شَعْبَان أَنَّهُ لا يَجُوز تَأْخِير الْقَضَاء حَتَّى يَدْخُلَ رَمَضَان آخَرُ اهـ فإن أخر القضاء حتى دخل رمضان التالي فلا يخلو من حالين: الأولى: أن يكون التأخير بعذر، كما لو كان مريضاً واستمرَّ به المرض حتى دخل رمضان التالي، فهذا لا إثم عليه في التأخير لأنه معذور. وليس عليه إلا القضاء فقط. فيقضي عدد الأيام التي أفطرها. الحال الثانية: أن يكون تأخير القضاء بدون عذر، كما لو تمكن من القضاء ولكنه لم يقض حتى دخل رمضان التالي. فهذا آثم بتأخير القضاء بدون عذر، واتفق الأئمة على أن عليه القضاء، ولكن اختلفوا هل يجب مع القضاء أن يطعم عن كل يوم مسكيناً أو لا؟ فذهب الأئمة مالك والشافعي وأحمد أن عليه الإطعام. واستدلوا بأن ذلك قد ورد عن بعض الصحابة كأبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهم. وذهب الإمام أبو حنيفة رحمه الله إلى أنه لا يجب مع القضاء إطعام. واستدل بأن الله تعالى لم يأمر مَنْ أفطر من رمضان إلا بالقضاء فقط ولم يذكر الإطعام، قال الله تعالى: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/185. انظر: المجموع (6/366) ، المغني (4/400) . وهذا القول الثاني اختاره الإمام البخاري رحمه الله، قال في صحيحه: قَالَ إِبْرَاهِيمُ -يعني: النخعي-: إِذَا فَرَّطَ حَتَّى جَاءَ رَمَضَانُ آخَرُ يَصُومُهُمَا وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِ طَعَامًا، وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُرْسَلا وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ يُطْعِمُ. ثم قال البخاري: وَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهُ الإِطْعَامَ، إِنَّمَا قَالَ: (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) اهـ وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله وهو يقرر عدم وجوب الإطعام: وأما أقوال الصحابة فإن في حجتها نظراً إذا خالفت ظاهر القرآن، وهنا إيجاب الإطعام مخالف لظاهر القرآن، لأن الله تعالى لم يوجب إلا عدة من أيام أخر، ولم يوجب أكثر من ذلك، وعليه فلا نلزم عباد الله بما لم يلزمهم الله به إلا بدليل تبرأ به الذمة، على أن ما روي عن ابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهم يمكن أن يحمل على سبيل الاستحباب لا على سبيل الوجوب، فالصحيح في هذه المسألة أنه لا يلزمه أكثر من الصيام إلا أنه يأثم بالتأخير. اهـ الشرح الممتع (6/451) . وعلى هذا فالواجب هو القضاء فقط، وإذا احتاط الإنسان وأطعم عن كل يوم مسكيناً كان ذلك حسناً. وعلى السائلة - إذا كان تأخيرها القضاء من غير عذر- أن تتوب إلى الله تعالى وتعزم على عدم العودة لمثل ذلك في المستقبل. والله تعالى المسؤول أن يوفقنا لما يحب ويرضى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 26865 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3206 أغمي عليها في رمضان ثم ماتت [السُّؤَالُ] ـ[امرأة أصيبت بجلطة قبل رمضان ولم يغم عليها إغماء كاملاً، فكانت تبدأ بالصلاة وأثناء الصلاة تخاطب من حولها، ولما قرب رمضان أغمي عليها إغماء كاملاً، ولكن الأطباء قالوا: إنها تسمع ثم توفيت في رمضان، فهل يكفر عنها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "هذه المرأة التي أصيبت بجلطة قبل رمضان وبقيت مغمى عليها أو فاقدة الشعور، يطعم عنها لكل يوم مسكين، لأن الصحيح أن الإغماء لا يمنع وجوب الصوم، وإنما يمنع وجوب الصلاة، فلو أغمي على الإنسان بغير اختياره وبقي يومين أو ثلاثة فلا صلاة عليه، أما إذا كان باختياره كما لو أغمي عليه بواسطة البنج فإنه يلزمه القضاء" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" فتاوى الصيام (114) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106449 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3207 متى تجب الكفارة على من أفطر في رمضان بدون عذر؟ [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أعرف موجبات القضاء والكفارة في رمضان، علماً أنه سبق أن بحثت الموضوع، وانتهى بي البحث إلى رأيين: أحدهما يرى أن موجبات القضاء والكفارة هو الجماع لا غير، والدليل معروف من السنة المطهرة، أما الرأي الثاني فيجعل كل ما يصل إلى المعدة عمداً موجباً للقضاء والكفارة، إضافة إلى الجماع دون أن أعثر على دليل من الكتاب والسنة. لذا أرجو من فضيلتكم إفادتي بالجواب الشافي المدعم بالدليل من الكتاب والسنة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "نص النبي صلى الله عليه وسلم على الحكم بوجوب الكفارة على أعرابي لكونه جامع زوجته عمداً في نهار رمضان وهو صائم، فكان ذلك منه صلى الله عليه وسلم بياناً لمناط الحكم، ونصاً على علته، وانفق الفقهاء على أن كونه إعرابياً وصف طردي لا مفهوم له، ولا تأثير له في الحكم فتجب الكفارة بوطء التركي والأعجمي زوجته، واتفقوا أيضاً على أن وصف الزوجة في الموطوءة طردي غير معتبر، فتجب الكفارة بوطء الأمة وبالزنا، واتفقوا أيضاً على أن مجيء الواطئ نادماً لا أثر له في وجوب الكفارة، فلا اعتبار له أيضاً في مناط الحكم، ثم اختلفوا في الجماع هل هو وحده المعتبر في وجوب الكفارة بإفساد الصوم به فقط، أو المعتبر انتهاك حرمة رمضان بإفساد الصوم عمداً ولو بطعام وشراب، فقال الشافعي وأحمد بالأول، وقال أبو حنيفة ومالك ومن وافقهما بالثاني، ومنشأ الخلاف بين الفريقين اختلافهما في تنقيح مناط الحكم، هل هو انتهاك حرمة صوم رمضان بإفساده بخصوص الجماع عمداً، أو انتهاكه بإفساد صومه عمداً مطلقاً، ولو بطعام أو شراب؟ والصواب الأول؛ تمشياً مع ظاهر النص، ولأن الأصل براءة الذمة من وجوب الكفارة حتى يثبت الموجب بدليل واضح. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (10/300، 301) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106476 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3208 لا حرج على من قضى رمضان متفرقاً [السُّؤَالُ] ـ[على رجل قضاء صوم رمضان هل يجوز أن يصومه في أيام متفرقات؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "نعم، يجوز له أن يقضي ما عليه من ذلك في أيام متفرقات؛ لقوله تعالى: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/185، فلم يشترط سبحانه التتابع في القضاء. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (10/346) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106477 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3209 كان مرضها لا يرجى شفاؤه ثم شفاها الله منه [السُّؤَالُ] ـ[امرأة منعها الأطباء من الصوم لمرض في قلبها لم يكن يرجى شفاؤه فكانت تفطر في رمضان وتخرج الفدية عن كل يوم تفطره مباشرة، ثم شاء الله بتقدم الطب أن يُجرى لها عملية جراحية في صمام القلب ونجحت العملية والحمد لله ولكن بقيت فترة من الزمن تحت المراقبة وتحت العلاج المستمر، والآن بعد أن تحسنت صحتها ومكنها الله من صيام رمضان الماضي، وهي تسأل ماذا تعمل في الأيام التي أفطرتها؟ وهل عليها أن تقضي ما فاتها من صيام ويقدر بـ 180 يوماً أي ما يعادل ستة أعوام متوالية، أم أن إخراجها الفدية في حينها يجزئها عن الصوم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "يجزئها ما أخرجته من الفدية فيما مضى عن كل يوم أفطرته، ولا يجب عليها قضاء تلك الشهور؛ لأنها معذورة، وقد فعلت ما وجب عليها في حينه. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (10/195، 196) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106478 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3210 صام يوم عرفة بنية قضاء يوم من رمضان [السُّؤَالُ] ـ[صمت اليوم التاسع من ذي الحجة يوم عرفة ونويت صومه قضاء عن يوم من أيام رمضان هل يكفي صيام يوم عرفة إذا نويته عن القضاء أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "يجوز صيام يوم عرفه عن يوم من رمضان إذا نويته قضاء. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (10/346، 347) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106483 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3211 صامت قضاء رمضان بدون إذن زوجها [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم المرأة صامت بدون إذن زوجها (أي بدون علمه) يومين علماً أن هذا الصوم كان قضاء لشهر رمضان المبارك، وكانت عند الصيام خجلت أن تخبر زوجها بذلك، إن كان غير جائز هل عليها كفارة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "يجب على المرأة قضاء ما أفطرته من أيام رمضان ولو بدون علم زوجها، ولا يشترط للصيام الواجب على المرأة إذن الزوج فصيام المذكورة صحيح. وأما الصيام غير الواجب فلا تصوم المرأة وزوجها حاضر إلا بإذنه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تصوم المرأة وزوجها حاضر إلا بإذنه غير رمضان. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (10/353) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106484 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3212 هل يصوم عن والده المتوفى في رمضان؟ [السُّؤَالُ] ـ[توفى والدي يوم ثلاثة رمضان، فهل يجب علي إكمال رمضان له، يعني أصوم نيابة عنه سبعة وعشرين يوماً؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "ليس عليك شيء؛ لأن والدك لما توفى سقط عنه الواجب، فليس عليك أن تصوم عنه، ولا يشرع لك ذلك" انتهى. فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله. "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" (15/376) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106488 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3213 أفطر أياما متعددة بسبب العادة السرية [السُّؤَالُ] ـ[أنا شاب في العشرينات من العمر أصبت ببلاء ممارسة العادة السرية، وقد مضى أكثر من رمضان وأنا أمارس العادة السرية في نهار رمضان، ومع أنني أعلم حكمها إلا أنني لم أقم بالقضاء تقاعسا وكسلا، وهكذا حتى يأتي رمضان الذي بعده وأقوم بنفس العمل، وأنا في هذه الأيام وبمناسبة قدوم شهر رمضان المبارك عقدت العزم على التوبة إلى الله توبة نصوحا، ولكن ماذا علي بما ذهب من الأيام الفضيلة السابقة؟ وأذكر أنه في شهر رمضان الماضي مارست العادة حدود أربعة أيام، هل علي قضاؤها؟ وإذا كان يجب هل أستطيع القضاء بعد الشهر الفضيل؟ لأنني أدرس بالخارج بدولة غير إسلامية والصيام يكون مجهدا ومتعبا بحكم عدم تغير أوقات الدراسة وعدم تغير النظام.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: نسأل الله تعالى أن يتقبل توبتك، وأن يغفر ذنبك، وأن يثبتك على الطاعة والاستقامة. وتعمد الإفطار في نهار رمضان ذنب عظيم وجرم كبير؛ لأنه جناية على فريضة عظيمة فرضها الله تعالى على عباده، وكتبها علينا وعلى من قبلنا. وإذا كان هذا التعدي بذنب آخر، وهو العادة السرية المحرمة، اجتمعت الذنوب، وتعاظمت الأوزار، نسأل الله العافية. وقد سبق بيان تحريم هذه العادة وأثرها في إبطال الصوم في جواب السؤال رقم (40589) . ثانيا: يلزمك قضاء ما أفطرت من الأيام، وإذا لم تتمكن من قضائها قبل رمضان، بقيت دَيْناً في ذمتك، ولزمك القضاء بعد رمضان، والأحوط: أن تخرج مع القضاء كفارة عن كل يوم، وهي إطعام مسكين نصف صاع من أرز ونحوه، ونصف الصاع: كيلو ونصف تقريبا. قال ابن قدامة رحمه الله: "من عليه صوم من رمضان , فله تأخيره ما لم يدخل رمضان آخر ; لما روت عائشة قالت: كان يكون علي الصيام من شهر رمضان , فما أقضيه حتى يجيء شعبان. متفق عليه. ولا يجوز له تأخير القضاء إلى رمضان آخر من غير عذر ; لأن عائشة رضي الله عنها لم تؤخره إلى ذلك , ولو أمكنها لأخرته. فإن أخره عن رمضان آخر نظرنا ; فإن كان لعذر فليس عليه إلا القضاء , وإن كان لغير عذر , فعليه مع القضاء إطعام مسكين لكل يوم. وبهذا قال ابن عباس وابن عمر وأبو هريرة ومجاهد وسعيد بن جبير ومالك والثوري والأوزاعي والشافعي وإسحاق. وقال الحسن والنخعي وأبو حنيفة: لا فدية عليه ; لأنه صوم واجب , فلم يجب عليه في تأخيره كفارة , كما لو أخر الأداء والنذر" انتهى. من "المغني" (3/40) . وهذه الكفارة لا تتكرر بمضي الأعوام، فمن أخر قضاء أيام من رمضان أعواما، بغير عذر، لزمته كفارة واحدة عن كل يوم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105846 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3214 حكم من لم تقض ما عليها من صوم منذ عامين ولا تزال عاجزة عن القضاء [السُّؤَالُ] ـ[أفطرتْ أختى أثناء حملها منذ عامين بعض الأيام فى شهر رمضان، وهي لاتزال عاجزة عن قضائهم، فماذا يجب عليها أن تفعل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحامل – ومثلها المرضع – إذا خافت على نفسها، أو على جنينها: لها أن تفطر في رمضان، وعليها القضاء فحسب؛ لأنها بمنزلة المريض المعذور بمرضه. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (50005) (49848) . ثم إن تمكنت من القضاء قبل دخول رمضان التالي وجب عليها ذلك، ولا يجوز لها التأخير حتى يدخل رمضان التالي، فإن استمر عذرها بسبب حمل جديد أو إرضاع أو مرض أو سفر حتى دخل رمضان التالي، فلا حرج عليها، ويلزمها القضاء متى تمكنت من ذلك. وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: امرأة أفطرت في رمضان للنفاس، ولم تستطع القضاء من أجل الرضاع حتى دخل رمضان الثاني، فماذا يجب عليها؟ . فأجاب: " الواجب على هذه المرأة أن تصوم بدل الأيام التي أفطرتها، ولو بعد رمضان الثاني؛ لأنها إنما تركت القضاء بين الأول والثاني للعذر، لكن إن كان لا يشق عليها أن تقضي في زمن الشتاء ولو يوماً بعد يوم: فإنه يلزمها ذلك، وإن كانت ترضع، فلتحرص ما استطاعت على أن تقضي رمضان الذي مضى قبل أن يأتي رمضان الثاني، فإن لم يحصل لها: فلا حرج عليها أن تؤخره إلى رمضان الثاني " انتهى. (19 / جواب السؤال رقم 360) . وسئل رحمه الله أيضاً: امرأة أفطرت شهر رمضان بسبب الولادة، ولم تقض ذلك الشهر، ومرَّ على ذلك زمن طويل وهي لا تستطيع الصوم، فما الحكم؟ فأجاب: " الواجب على هذه المرأة أن تتوب إلى الله مما صنعت؛ لأنه لا يحل للإنسان أن يؤخر قضاء رمضان إلى رمضان آخر إلا لعذرٍ شرعي، فعليها أن تتوب، ثم إن كانت تستطيع الصوم ولو يوماً بعد يوم: فلتصم، وإن كانت لا تستطيع: فيُنظر، إن كان لعذر مستمر: أطعمت على كل يومٍ مسكيناً، وإن كان لعذر طارىء يرجى زواله: انتظرت حتى يزول ذلك العذر، ثم قضت ما عليها " انتهى. (19 / جواب السؤال رقم 361) . والسائلة لم تبين سبب عجز أختها عن القضاء، فإن كان العجر مؤقتاً ويرجى زواله (حمل أو إرضاع أو مرض) فعليها القضاء إذا تمكنت من ذلك. وإن كان العجز دائماً بسبب مرض مزمن لا يرجى حصول الشفاء منه، فلا قضاء عليها، وعليها أن تطعم عن كل يوم مسكيناً. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 101100 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3215 أجبرها أهلها على الإفطار لمرضها فهل يأثمون؟ وهل تصوم إذا أرادت؟ [السُّؤَالُ] ـ[خالتي أصيبت بحادثة عندما كانت طفلة صغيرة، وقد فقدت إحدى عينيها، وقد قرر الأطباء أن لا تبكي هذه الطفلة، ولا تجوع؛ لأنه قد يؤثر على عينها، فقام والدها بمنعها من الصيام عندما أصبح الصيام واجباً عليها حسب تقرير الطبيب، وهي امرأة محافظة على دينها جدّاً، فبعد زواجها رأت أن الصيام لا يؤثر عليها فكانت تصوم. السؤال: هي الآن تصوم في أغلب أيامها؛ لكي لا يكون على أبيها عذاب، فهي كانت تحب أباها جدّاً - رحمه الله -، وهي تسأل فضيلتكم: هل على والديها شيء من الحرام؟ وهل يجب عليها أن تصوم كل شهور الصيام التي فاتتها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المرض من الأعذار المبيحة للفطر، قال تعالى: (وَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/185. ويدور حكم الصيام للمريض بين الكراهة والتحريم، فيُكره إذا شق عليه الصيام مع مرضه، ويحرم إذا كان الصوم يضره. وينظر تفصيل ذلك: في جوابي السؤالين: (50555) و (38532) . ولا يفطر المريض إلا بشهادة طبيب ثقة من ذوي الاختصاص بالمرض نفسه، وبعض العلماء يشترط أن يكون مسلماً. ومن أفطر بناء على كلام الطبيب , فلا حرج عليه، فإن كان مرضاً مزمناً – مستمراً -: فيفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً، ومن كان مرضه مؤقتاً: فيفطر، ويقضي بعد شفائه. قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: "إذا قرَّر الأطباء المختصون أن مرضك هذا من الأمراض التي لا يُرجى برؤها: فالواجب عليك إطعام مسكين عن كل يوم من أيام رمضان، ولا صوم عليك، ومقدار ذلك نصف صاع من قوت البلد، من تمر، أو أرز، أو غيرهما، وإذا غديتَه أو عشيتَه: كفى ذلك، أما إن قرروا أنه يرجى برؤه: فلا يجب عليك إطعام، وإنما يجب عليك قضاء الصيام إذا شفاك الله من المرض، لقول الله سبحانه: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) . وأسأل الله أن يمنَّ عليك بالشفاء من كل سوء، وأن يجعل ما أصابك طهوراً وتكفيراً من الذنوب، وأن يمنحك الصبر الجميل، والاحتساب، إنه خير مسئول " انتهى. " فتاوى الشيخ ابن باز " (15 / 221) . والذي يظهر لنا من السؤال أن والد المريضة لا يأثم , لأنه إنما ألزمها بالفطر بناءً على كلام الأطباء. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: مرضتُ بمرض الكلى، وأُجريت لي عمليتان، ونصحني الأطباء أن أشرب الماء ليلاً ونهاراً، وبما لا يقل عن لترين ونصف يوميّاً، كما أخبروني أن الصيام والكف عن شرب الماء ثلاث ساعات متتالية يعرضني للخطر، هل أعمل بكلامهم، أو أتوكل على الله، وأصوم مع أنهم يؤكدون بأن عندي استعداداً لتخلق الحصى، أو ماذا أفعل؟ وإذا لم أصم فما الكفارة التي عليَّ دفعها؟ . فأجابوا: " إذا كان الأمر كما ذكرت، وكان هؤلاء الأطباء حذَّاقا بالطب: فالمشروع لك أن تفطر؛ محافظة على صحتك؛ ودفعاً للضرر عن نفسك، ثم إن عوفيت وقويت على القضاء دون حرج: وجب القضاء، وإن استمر بك ما أصابك من المرض، أو الاستعداد لتخلق الحصى عند عدم تتابع شرب الماء، وقرر الأطباء أن ذلك لا يُرجى برؤه: وجب عليك أن تُطعم عن كل يوم أفطرته مسكيناً " انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن منيع. " فتاوى اللجنة الدائمة " (10 / 179، 180) . وإذا شعرت الأخت المريضة بقدرتها على الصيام دون أن يكون لذلك تأثير على عينها: فإنه لا حرج عليها بالصوم، لكن ينبغي أن يكون ذلك باستشارة أطباء ثقات؛ خشية أن تغتر بظاهر حالها، ويكون لذلك الصوم تأثير على صحة عينها. وأما قضاؤها الأيام التي أفطرتها فيما سبق , فالذي يظهر أنه لا يلزمها ذلك , ويكفيها أن تطعم عن كل يوم مسكيناً , لأنها إنما أفطرت بناءً على قول الطبيب. وقد سئل الشيخ بن باز رحمه الله عن شخص أصابه مرض مزمن ونصحه الأطباء بعدم الصوم دائماً ولكنه راجع أطباء في غير بلده وشفي بإذن الله , وقد مر عليه خمس رمضانات وهو لم يصمها , فماذا يفعل بعد أن شفاه الله , هل يقضيها أم لا؟ فأجاب: " إذا كان الأطباء الذين نصحوه بعدم الصوم دائما أطباء من المسلمين، الموثوقين، العارفين بجنس هذا المرض، وذكروا له أنه لا يرجى برؤه: فليس عليه قضاء، ويكفيه الإطعام، وعليه أن يستقبل الصيام مستقبلاً ". " فتاوى الشيخ ابن باز " (15 / 355) . والخلاصة: ليس على والديها حرج فيما فعلاه من جعل ابنتهم تفطر؛ بناءً على كلام الأطباء، وعليها فدية إطعام مسكين مقابل كل يوم أفطرته بعد بلوغها، وإذا حكم الأطباء الثقات المختصون أنها قادرة الآن على الصوم من غير مشقة ولا مضرة وجب عليها صوم رمضان , ولا عذر لها في الفطر , وإن أرادت التطوع بالصيام فلا حرج عليها. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97798 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3216 عاشوا تحت الحكم الشيوعي ولم يدروا ما صلاة ولا صيام فهل عليهم قضاء؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا مسلمة من بلغاريا، وكنَّا تحت الحكم الشيوعي، ولم نكن نعرف أي شيء عن الإسلام، بل إن كثيراً من العبادات كانت ممنوعة، وأنا لم أعرف أي شيء عن الإسلام حتى بلغت 20 سنة، وبعد ذلك التزمت بشرع الله. سؤالي لكم: هل عليَّ قضاء ما فاتني من صلاة وصيام؟ وجزاكم الله خيراً]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا ً: نحمد الله تعالى أن خلصكم من الحكم الشيوعي الظالم الفاجر , بعد أن استمر في قمعه للمسلمين أكثر من أربعين سنة , عمل خلالها على هدم المساجد وتحويل بعضها إلى متاحف , واستولى على المدارس الإسلامية، وعمل على تغيير أسماء المسلمين , وطمس الهوية الإسلامية. لكن.. يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون. فها هو الحكم الشيوعي بجبروته وطغيانه قد زال عام 1989م , وفرح بذلك المسلمون فرحاً شديداً , وعادوا إلى مساجدهم القديمة يرممونها ويصلحون من شأنها , ورجعوا إلى تعليم أطفالهم القرآن، وعاد حجاب النساء المسلمات إلى الظهور في الشوارع والطرقات. ونسأل الله تعالى أن يرد المسلمين إلى دينهم رداً جميلاً , وأن ينصرهم ويعزهم ويكبت عدوهم. ثانياً: لقد نشأ جيل من المسلمين في بلغاريا تحت وطأة الحكم الشيوعي لا يعلمون شيئاً عن الإسلام , غير أنهم مسلمون , إذ حال الحكم الشيوعي بينهم وبين تعلم الإسلام , بل كان يمنع حتى دخول القرآن الكريم , والكتب الإسلامية إلى بلغاريا. وهؤلاء الذين لا يعرفون شيئاً عن أحكام الإسلام وعبادته وفروضه لا يلزمهم قضاء شيء من تلك العبادات، فإن المسلم إذا لم يتمكن من العلم الشرعي , ولم تبلغه الأحكام الشرعية فإنه لا يلزمه شيء , لقول الله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة/286. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "لا خلاف بين المسلمين أن من كان في دار الكفر وقد آمن وهو عاجز عن الهجرة لا يجب عليه من الشرائع ما يعجز عنها , بل الوجوب بحسب الإمكان , وكذلك ما لم يعلم حكمه , فلو لم يعلم أن الصلاة واجبة عليه , وبقي مدة لم يصلِّ , لم يجب عليه القضاء في أظهر قولي العلماء , وهذا مذهب أبي حنيفة وأهل الظاهر وهو أحد الوجهين في مذهب أحمد. وكذلك سائر الواجبات من صوم شهر رمضان , وأداء الزكاة , وغير ذلك. ولو لم يعلم تحريم الخمر فشربها لم يحد باتفاق المسلمين , وإنما اختلفوا في قضاء الصلوات ... وأصل هذا كله: أن الشرائع هل تلزم من لم يعلمها أم لا تلزم أحدا إلا بعد العلم؟ والصواب في هذا: أن الحكم لا يثبت إلا مع التمكن من العلم , وأنه لا يُقضَى ما لم يعلم وجوبه , فقد ثبت في الصحيح أن من الصحابة من أكل بعد طلوع الفجر في رمضان حتى تبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود , ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء , ومنهم من كان يمكث جنبا مدة لا يصلي , ولم يكن يعلم جواز الصلاة بالتيمم كأبي ذر وعمر بن الخطاب وعمار لما أجنب , ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أحدا منهم بالقضاء. ولا شك أن خلقا من المسلمين بمكة والبوادي صاروا يصلون إلى بيت المقدس حتى بلغهم النسخ ولم يؤمروا بالإعادة. ومثل هذا كثير. وهذا يطابق الأصل الذي عليه السلف والجمهور: أن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها , فالوجوب مشروط بالقدرة، والعقوبة لا تكون إلا على ترك مأمور , أو فعل محظور , بعد قيام الحجة" انتهى باختصار. "مجموع الفتاوى" (19/225) . وعلى هذا، لا يلزمكم قضاء شيء من العبادات التي لم تعلموا بوجوبها. والنصيحة لكم أن تُقبلوا على تعلّم الأحكام الشرعية، والتفقه في الدين، والحرص كل الحرص على تعلم الإسلام والعمل به، وتربية جيل مسلم، حتى تكونوا على قدر التحدِّيات التي تواجه المسلمين عموماً، وفي بلادكم خاصة. ونسأل الله تعالى أن يعزّ الإسلام والمسلمين. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97501 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3217 قضاء الصوم الواجب في أيام التشريق لا يصح [السُّؤَالُ] ـ[قررت وبجهل مني بأيام التشريق أن أصوم قضاء شهر رمضان، هل أعد اليوم الثاني من أيام التشريق الثلاثة التي بدأت الصيام عندها أم يجب أن أواصل الأيام العشرة (بسبب العادة أو مرض) بعد أيام التشريق؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أيام التشريق هي الأيام الثلاثة التالية ليوم عيد الأضحى، وهي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من شهر ذي الحجة، وهذه الأيام يحرم صومها. لقول النبي صلى الله عليه وسلم " أيام التشريق أيام أكل وشرب " رواه مسلم (1141) من حديث نُبَيْشة الهذلي. وقوله: " إن يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب " رواه النسائي (3004) والترمذي (773) وأبو داود (2419) من حديث عقبة بن عامر. وصححه الألباني في صحيح أبي داود. ولم يرخص النبي صلى الله عليه وسلم في صوم هذه الأيام إلا للمتمتع أو القارن الذي لم يجد الهدي، فقد روى البخاري (1998) عن عائشة وعن ابن عمر رضي الله عنهم قالا: لم يُرخص في أيام التشريق أن يُصمن إلا لمن لم يجد الهدي. لهذا فأن جمهور العلماء يمنعون صيام هذه الأيام تطوعا أو قضاء أو نذرا، ويرون بطلان الصوم لو وقع في هذه الأيام. والراجح ما عليه الجمهور، ولا يستثنى إلا صوم الحاج الذي لم يجد الهدي. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: (وكذلك يوم عيد النحر وأيام التشريق كلها لا تصام؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك إلا أن أيام التشريق قد جاء ما يدل على جواز صومها عن هدي التمتع والقران خاصة لمن لم يستطع الهدي ... أما كونها تصام تطوعا أو لأسباب أخرى فلا يجوز كيوم العيد) نقلا عن فتاوى رمضان، جمع أشرف عبد المقصود ص 716 وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (فيجوز للقارن والمتمتع إذا لم يجدا الهدي أن يصوما هذه الأيام الثلاثة حتى لا يفوت موسم الحج قبل صيامهما. وما سوى ذلك فإنه لا يجوز صومها، حتى ولو كان على الإنسان صيام شهرين متتابعين فإنه يفطر يوم العيد والأيام الثلاثة التي بعده ثم يواصل صومه) . فتاوى رمضان ص 727 وعليه فما صمته في هذه الأيام قضاء عن رمضان، لا يصح، ويلزمك إعادته. ولا يشترط في قضاء رمضان أن يكون صيام الأيام متتابعات، فلك أن تصوم القضاء أياماً متتابعة أو متفرقة. راجع سؤال رقم (21697) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 21049 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3218 تأخير القضاء إلى ما بعد رمضان الثاني، وهل يفدي قبل أن يقضي؟ [السُّؤَالُ] ـ[إحدى الأخوات دخل عليها رمضان، وعليها ستة أيام من رمضان الذي قبله , بعد انقضاء رمضان الثاني سألتني عما يلزمها , وبعد أن سألتُ وقرأتُ قلتُ لها إن عليها القضاء والفدية عن كل يوم، وقمنا بإخراج كيلو ونصف من القمح عن كل يوم، وأخرجنا فدية الستة أيام دفعة واحدة ليتامى بجوارنا، علماً أنها لا زالت لم تتم قضاء الأيام التي عليها، هل مقدار هذه الفدية صحيح؟ وهل إخراجها قبل القضاء يعتبر صحيحاً؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الفدية لا تدفع إلا إلى الفقراء والمساكين، فعلى هذا إن كان هؤلاء الأيتام فقراء جاز دفعها إليهم، وإن كانوا أغنياء فلا يجوز دفعها إليهم، وعليكم إعادة إخراجها. وقد أحسنتم في إخراجها طعاماً، فهذا هو الأصل فيما أوجبه الله طعاماً، ولا يجوز إخراج الفدية مالاً، وهكذا القول في الإطعام في كفارة اليمين، والظهار، وفي زكاة الفطر، وغيرها مما أوجب الله تعالى فيه الإطعام. ثانياً: وأما بخصوص أصل المسألة، وهي الإطعام مع القضاء لمن دخل عليه رمضان آخر ولم يقضِ ما عليه من الأيام: ففيها خلاف بين العلماء، وقد فصَّلنا القول فيها في جواب السؤال رقم (26865) وبيَّنا هناك أن تأخير القضاء إلى رمضان الآخر إن كان بعذر كاستمرار المرض أو السفر أو وجود حمل أو إرضاع: فلا يلزم إلا القضاء، وإن كان بغير عذر: فعلى المتأخر التوبة والاستغفار، وعليه - عند جمهور العلماء - فدية طعام مسكين لكل يوم مع القضاء، وقد ذكرنا هناك أن الراجح عدم وجوب الفدية، إلا أنه إن فعل ذلك احتياطاً فحسن. ونبيِّن هنا أمراً زائداً، وهو ما جاء في سؤالك، وهو أنه يجوز دفع الفدية قبل البدء في القضاء، لأن الفدية متعلقة بتأخير القضاء، وليست متعلقة بالبدء في القضاء. وعلى هذا، فيجوز إخراج الفدية في اليوم الذي سيصومه قضاءً، أو قبله أو بعده. جاء في " الموسوعة الفقهية " (28 / 76) : " وقضاء رمضان يكون على التّراخي. لكن الجمهور قيّدوه بما إذا لم يفت وقت قضائه، بأن يهلّ رمضان آخر، لقول عائشة رضي الله تعالى عنها: (كان يكون عليّ الصّوم من رمضان، فما أستطيع أن أقضيه إلاّ في شعبان، لمكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم) . كما لا يؤخّر الصّلاة الأولى إلى الثّانية. ولا يجوز عند الجمهور تأخير قضاء رمضان إلى رمضان آخر من غير عذر يأثم به، لحديث عائشة هذا، فإن أخّر فعليه الفدية: إطعام مسكين لكلّ يوم، لما روي عن ابن عبّاس وابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم قالوا فيمن عليه صوم فلم يصمه حتّى أدركه رمضان آخر: عليه القضاء، وإطعام مسكين لكلّ يوم، وهذه الفدية للتّأخير، .... ويجوز الإطعام قبل القضاء ومعه وبعده " انتهى. والأفضل - عند من يرى وجوب الفدية للتأخير، أو يراها احتياطاً -: أن يكون دفعها له قبل القضاء؛ مسارعة إلى الخير؛ وتخلصا من آفات التأخير، كالنسيان. قال المرداوي الحنبلي – رحمه الله -: " يُطعم ما يجزئ كفارة، ويجوز الإطعام قبل القضاء، ومعه، وبعده، قال المجد – أي: ابن تيمية جد شيخ الإسلام -: الأفضل تقديمه عندنا؛ مسارعةً إلى الخير؛ وتخلصاً من آفات التأخير " انتهى. " الإنصاف " (3 / 333) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 95736 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3219 ترك الصلاة سبب كل ضيق [السُّؤَالُ] ـ[أنا فتاة عمري 23 سنة، الصراحة أنا لا أصلي، وإن قمت للصلاة لا أصلي كل الفروض، والصراحة أنا أستمع للأغاني، ولكن - والله شاهد - أن هذا الموضوع يسبب لي حالة نفسية، أريد الصلاة، وأريد أن أطيع الله، وأنا أخافه، أنا أعتز بكوني مسلمة، وربي هو الله وحده لا شريك له، وأحب الحبيب المصطفى وسيرته، وأتأثر عند سماع قصصه، الحمد لله، أكرمني الله عز وجل بأن ذهبت إلى العمرة هذه السنة، وكنت فرحة لهذا، ولكني أحس أني جاحدة، أو لا فرق بيني وبين الكافرين لأني لا أصلي، حاولت كثيراً أن أداوم على الصلاة، لكن لا أدري لماذا يحدث معي هذا، مع العلم أني كنت لفترة طويلة جدّاً لا أصلي أبداً، وأحس أيضاً أني أجهل أموراً كثيرة بالدِّين، وأشعر أيضاً أن الله لن يتقبل مني أي عمل كان: صلاة أو زكاة أو عمرة أو غير ذلك من أمور الدين الإسلامي، وأن مثواي لا محالة النار، أحتاج إلى من يأخذ بيدي، ينصحني، ينتشلني من حالة الضياع التي أنا فيها، أكره كوني على هذه الحالة!! وفوق كل هذا هناك مشكلة أخرى، وهي أني أشعر أني لم أصم أياما من رمضان، وأنا لا أعاني من أي شيء، أي لا يوجد هناك مانع من الصوم!! والصراحة أني لست متأكدة إن كانت أياما من رمضان أو كانت من أيام شوال الستة، فعندنا عادة في منزلنا أن نصوم هذه الأيام الست كل سنة، فاختلطت الأمور علي، وهذه المشكلة حدثت لي في الفتره التي كنت فيها بعيدة عن الله، وأنا أعلم أنه من أفطر رمضان بدون سبب لا يقبل الله له صوما، وعليه كفارة، فماذا أفعل؟ أرجوك ساعدني وأفدني، أرجوك، أنا يائسة جدّاً، جعله الله في ميزان حسناتك إن شاء الله، وجزاك عن المسلمين جميعاً خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا بد – أختي الفاضلة – أن تُحَدِّدِي أولا مكان المشكلة ثم تنطلقي في العلاج، وإن طلبتِ منَّا المساعدة في تحديدها فسنقول لكِ: المشكلة في نفسك أنتِ وليس في شيءٍ آخر! ولن تكون المساعدة التي يقدمها لك الآخرون نافعة حتى تأخذي أنتِ بنفسكِ إلى النجاة. والمشاعر التي بثثتِيها في سؤالك تدل على أن مقومات الاستقامة والصلاح موجودةٌ فيك، فإن المؤمن هو الذي يحاسب نفسه ويعاتبها، ويبدو أنك تقومين بذلك. والمؤمن يخاف تقصيره وذنوبه، ويراها كأنها جبل يوشك أن يقع عليه، ويظهر أنك تشعرين بذلك أيضا. والمؤمن يرتفع بإسلامه وإيمانه، ويعتز بانتسابه إلى هذا الدين العظيم، ويحب نبيه الكريم محمداً صلى الله عليه وسلم، ورسالتك تنضح بذلك؟!! إذاً فكيف اجتمعت هذه الصفات مع التقصير في أعظم واجبات الدين، وهي الصلاة؟! ليس عندنا تفسير لذلك سوى سوء إدارة النفس وضعف التحكم فيها، وإلا فأداء الصلاة لا يستغرق جهدا ولا وقتا، ما هي إلا دقائق يخلو فيها المرء بربه، يناجيه بحاجته، ويبث إليه ثقل الدنيا، ويشكو إليه شوقه إليه وإلى رحمته. فإذا كانت أنفسنا لا تحتمل الالتزام بهذه الدقائق المعدودة، فلا أظننا ننجح في حياتنا أبدا، فإن قيادة النفس تحتاج إلى شيء من العزم والحزم، ونحن المسلمين لم يكلفنا ربنا فوق طاقتنا، بل لم يكلفنا ما يشق علينا، وهو سبحانه يحب أن يتوب علينا ويخفف عنا. قال سبحانه وتعالى: (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) البقرة/185 وقال سبحانه: (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. وَاللهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً. يُرِيدُ اللهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً) النساء/26-28 والصلاة رحمة فرضها الله علينا من جوده وكرمه، من حافظ عليها وقام بحق القيام بها: رأى فضل الله تعالى علينا حين كتبها علينا، وعرف أن الإنسان المحروم هو الذي حرم نفسه لذة الصلة بالله سبحانه. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الصَّلَاةُ خَيرٌ مَوضُوعٌ، فَمَنِ استَطَاعَ أَن يَستَكثِرَ فَلْيَستَكثِرْ) رواه الطبراني (1 / 84) وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " (390) . وانظري كيف عقب الله تعالى آيات فرض الطهارة للصلاة بقوله: (مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة/6. والنبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، الذي تحبينه وتحبين سيرته كان يقول: (جُعِلَت قُرَّةُ عَينِي فِي الصَّلَاةِ) رواه النسائي (3940) وحسنه الحافظ ابن حجر في " التلخيص الحبير " (3 / 116) وصححه الألباني في " صحيح النسائي ". فكيف يرضى المؤمن لنفسه أن تفوته تلك الخيرات والبركات؟. قال ابن القيم - رحمه الله -: فواأسفاه وواحسرتاه كيف ينقضي الزمان وينفذ العمر والقلب محجوب ما شم لهذا رائحة، وخرج من الدنيا كما دخل إليها، وما ذاق أطيب ما فيها، بل عاش فيها عيش البهائم، وانتقل منها انتقال المفاليس، فكانت حياته عجزاً، وموته كمداً، ومعاده حسرة وأسفاً، اللهم فلك الحمد، وإليك المشتكى، وأنت المستعان، وبك المستغاث، وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بك. " طريق الهجرتين " (ص 327) . ولا أذكر لك هذا الكلام لأزيد اليأس الذي تشعرين به، إنما كي تسعي جاهدة للتخلص منه، فهو لم يصبك إلا لعجزك عن أداء أسهل الفرائض، فعرفتِ أنكِ عن سواها أعجز. ويجب أن لا تجعلي في حياتك مجالاً لليأس في جنب الله؛ ويجب أن تعلمي أنه سبحانه يكره القنطين: (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) الحجر/56، ويحب عباده المستبشرين برحمته وفضله، ومن سعة كرمه أنه يغفر السيئات، ويصفح عن الزلات، بل قال سبحانه وتعالى: (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً. وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً) الفرقان/70-71، وقد قال بعض الحكماء: " لا يأتي بالأمل إلا العمل "، ولن يخرجك من حالة اليأس التي أوقعك الشيطان فيها إلا البدء بالعمل، ومحاولة الالتزام بالاستقامة، ولو تخللها في البداية بعض النقص. قال الله تعالى: (وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) ؛ فإن الرجاء يوجب للعبد السعي والاجتهاد فيما رجاه، والإياس: يوجب له التثاقل والتباطؤ، وأولى ما رجا العباد، فضل الله وإحسانه، ورحمته، وروحه. " إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون "؛ فإنهم ـ لكفرهم ـ يستبعدون رحمته، ورحمته بعيدة منهم، فلا تتشبهوا بالكافرين. ودل هذا على أنه بحسب إيمان العبد، يكون رجاؤه لرحمة الله وروحه." تفسير ابن سعدي. وأول ما يجب أن تبدئي به أن توجدي في نفسك همّاً كبيراً وحرصا عظيما للمحافظة على الصلاة، كما هو الهم الذي تستشعرينه لأمور الدنيا الأخرى من طعام وشراب ودراسة وزواج ونحو ذلك، فإن كل عمل يسبقه اهتمام وتفكر، وقد كان بعض السلف يجاهد نفسه على الإكثار من نوافل الصلاة مجاهدة عظيمة، حتى قال ثابت البناني رحمه الله: كَابَدتُ الصلاة [يعني: قيام الليل] عشرين سنة، واستمتعت بها عشرين سنة. ولا يكفي هذا الفكر والاهتمام حتى يقوم بموازاته فكر واهتمام بوسائل المحافظة على الصلاة، وكيف تحتالين على نفسك حتى تلتزم بما فرض الله تعالى، والإنسان يملك قدرة كبيرة في حسن اختيار الأساليب التي تعينه على ما يريد. احرصي أن تقومي مباشرة إذا سمعت صوت المؤذن بالتكبير، واستشعري أنه سبحانه أكبر من كل الدنيا التي أنت منشغلة بها، ثم اعمدي إلى محرابك لتصلي ما كتب الله لك، ولا تنسي أن تقولي الدعاء الذي علمنا إياه نبينا صلى الله عليه وسلم دبر كل صلاة: (اللهم أعِنِّي على ذِكْرِك وشُكْرِك وحُسْنِ عِبادتِك) . وقد ذكرتِ أنكم أهل بيت حريصون على صيام الست من شوال، وهذه أمارة صلاح وإحسان تعينك على أداء الصلاة في وقتها، حين ترين الوالدة والإخوة يقيمونها في وقتها، واحمدي الله تعالى على ذلك، فكم من شكاوى تأتي من أبناء يضربهم أهلهم على ترك الصلاة وخلع الحجاب، وأنت قد أكرمك الله تعالى بالأهل الذين يعينونك على تقوى الله تعالى. صاحبي الفتيات المصليات المستقيمات، واطلبي منهن العون على الصلاة، وتذكيرك بها، والتواصي عليها، وقد يكون ذلك خير معين لك. وأخيرا احذري المعاصي، فهي أساس كل داء، والمعصية تأتي بأختها وهكذا حتى تجتمع على الإنسان فتهلكه، فتثقل العبد عن صلاته، وتحرمه من نورها وبركتها، نسأل الله السلامة. قال ابن القيم - رحمه الله -: المعاصي تزرع أمثالها، وتولد بعضها بعضا، حتى يعِزَّ على العبد مفارقتُها والخروج منها، كما قال بعض السلف: إن من عقوبة السيئة السيئة بعدها، وإن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها. " الجواب الكافي " (ص 36) . ثانيا: أما سؤالك عن صيام رمضان، وأنك تشكين في تركك صيام أيام منه من غير عذر، فنقول لك: لا تلتفتي لهذه الشكوك، إذ يبدو أن الغالب على ظنك أنك أديت تلك العبادة في وقتها مع أسرتكِ، وغلبة الظن كافية لبراءة الذمة، ولا عبرة بالشك بعد ذلك. وفي " فتاوى اللجنة الدائمة " (7 / 143) : الشك بعد الانتهاء من الطواف والسعي والصلاة لا يلتفت إليه؛ لأن الظاهر سلامة العبادة. انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله -: إذا كان الشك بعد انتهاء العبادة: فإنه لا يلتفت إليه، ما لم يتيقن الأمر. " مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " (14 / السؤال رقم 746) . ثم إن ترك الصيام بغير عذر لا يوجب القضاء ولا الكفارة، وإنما يوجب التوبة والاستغفار، كما سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (50067) . أسأل الله تعالى أن يكتب لك أجرك، وأن يثبت قلبك على الحق والدين، وأن يعيذك من الشيطان الرجيم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83997 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3220 من عليه أيام من رمضان لا يذكر عددها [السُّؤَالُ] ـ[أفطرت في إحدى السنوات الأيام التي تأتي فيها الدورة الشهرية، ولم أتمكن من الصيام حتى الآن، وقد مضى عليَّ سنوات كثيرة، وأود أن أقضي ما عليَّ من دين الصيام، ولكن لا أعرف كم عدد الأيام التي عليَّ، فماذا أفعل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فيجب عليك ثلاثة أمور: الأمر الأول: التوبة إلى الله من هذا التأخير، والندم على ما مضى من التساهل، والعزم على ألا تعودي لمثل هذا؛ لأن الله يقول: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور: من الآية31) ، وهذا التأخير معصية، والتوبة إلى الله من ذلك واجبة. الأمر الثاني: البدار بالصوم على حسب الظن، لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، فالذي تظنين أنك تركتيه من أيامٍ عليك أن تقضيه، فإذا ظننت أنها عشرة فصومي عشرة أيام، وإذا ظننت أنها أكثر أو أقل فصومي على مقتضى ظنك؛ لقول الله سبحانه: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) (البقرة: من الآية286) . وقوله عز وجل: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (التغابن: من الآية16) . الأمر الثالث: إطعام مسكين عن كل يوم إذا كنت تَقْدِرين على ذلك، يُصرف كله ولو لمسكين واحد، فإن كنت فقيرة لا تستطيعين الإطعام، فلا شيء عليك في ذلك سوى الصوم والتوبة، والإطعام الواجب عن كل يوم نصف صاع من قوت البلد، ومقداره كيلو ونصف في حق من قدر على ذلك. والله ولي التوفيق. [الْمَصْدَرُ] ينظر: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ ابن باز رحمه الله (15 / 342) الحديث: 26212 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3221 قضاء الصيام عمن مات بعد أن أفطر في رمضان بسبب مرضه [السُّؤَالُ] ـ[أريد تفسيرا للحديث (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) ، حيث هناك أب مات هذا العام بسبب مرض مطول، ولم يكمل ما عليه من صيام في رمضان الفائت، فهل يصوم عنه أحد أولاده؟ أم لا داعي لذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان هذا الرجل مريضا مرضا لا يرجى الشفاء منه فلا صيام عليه ولا قضاء، وإنما يطعم مكان كل يوم مسكينا، فإن كان قد فعل ذلك في حياته، وإلا فعلى ورثته أن يطعموا عنه. أما إذا كان مرضه مما يرجى حصول الشفاء منه، فلا يجب عليه الصيام في رمضان بسبب المرض، وإنما عليه القضاء، فإن كان لم يتمكن من القضاء بسبب استمرار المرض، فلا شيء عليه، لا صيام ولا إطعام، ولا يلزم ورثته أن يصوموا عنه ولا أن يطعموا. أما إذا كان قد تمكن من القضاء ولكنه لم يفعل، فيستحب لورثته أن يصوموا عنه عدد الأيام التي أفطرها، فإن لم يفعلوا أطعموا عن كل يوم مسكينا. وعلى هذا فمعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من مات وعليه صيام) أي من أفطر لعذر كالحيض والسفر أو المرض الذي يرجى حصول الشفاء منه وتمكن من القضاء ولكنه لم يفعل، فإنه يستحب لأوليائه أن يصوموا عنه. قال في "عون المعبود" (7/26) : " واتفق أهل العلم على أنه إذا أفطر في المرض والسفر، ثم لم يفرط في القضاء حتى مات فإنه لا شيء عليه، ولا يجب الإطعام عنه، غير قتادة فإنه قال: يطعم عنه. وحُكي ذلك أيضا عن طاووس " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "جموع الفتاوى" (19/ما يكره ويستحب وحكم كم القضاء) : " من أفطر رمضان لمرض، ثم مات قبل التمكن من القضاء، المسألة ليس فيها بحمد الله إشكال: لا من جهة النصوص والآثار، ولا من جهة كلام أهل العلم. أما النصوص: فقد قال الله تعالى: (وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) فجعل الله تعالى الواجب عليه عدةً من أيام أخر، فإذا مات قبل إدراكها فقد مات قبل زمن الوجوب، فكان كمن مات قبل دخول شهر رمضان، لا يجب أن يُطعَمَ عنه لرمضان المقبل، ولو مات قبله بيسير. وأيضاً فإن هذا المريض ما دام في مرضه لا يجب عليه أن يصوم، فإذا مات قبل برئه فقد مات قبل أن يجب عليه الصوم، فلا يجب أن يُطعَمَ عنه؛ لأن الإطعامَ بدلٌ عن الصيام، فإذا لم يجب الصيام لم يجب بدله. هذا تقرير دلالة القرآن على أنه إذا لم يتمكن من الصيام فلا شيء عليه. وأما السنة: فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ) رواه البخاري (1952) ومسلم (1147) فمنطوق الحديث ظاهر، ومفهومه أن من مات ولا صيام عليه لم يُصم عنه، وقد علمت مما سبق أن المريض إذا استمر به المرض لم يجب عليه الصوم أداء ولا قضاء في حال استمرار مرضه. وأما كلام أهل العلم: فقال في "المغني" (ص241 ج 3 ط دار المنار) : " وجملة ذلك أن من مات وعليه صيام من رمضان لم يَخلُ من حالين: أحدهما: أن يموت قبل إمكان الصيام، إما لضيق الوقت، أو لعذر من مرض، أو سفر، أو عجز عن الصوم: فهذا لا شيء عليه في قول أكثر أهل العلم، وحكي عن طاوس وقتادة أنهما قالا: يجب الإطعام عنه، ثم ذكر علة ذلك وأبطلها. ثم قال (ص 341) : الحال الثاني: أن يموت بعد إمكان القضاء، فالواجب أن يُطعَمَ عنه لكل يوم مسكين، وهذا قول أكثر أهل العلم، رُوي ذلك عن عائشة وابن عباس ... ثم قال: وقال أبو ثور: يصام عنه، وهو قول الشافعي، ثم استدل له بحديث عائشة الذي ذكرناه أولاً. وقال في "شرح المهذب" (ص 343 ج 6 نشر مكتبة الإرشاد) : " فرع في مذاهب العلماء فيمن مات وعليه صوم فاته بمرض، أو سفر، أو غيرهما من الأعذار، ولم يتمكن من قضائه حتى مات: ذكرنا أن مذهبنا لا شيء عليه، ولا يصام عنه، ولا يطعم عنه، بلا خلاف عندنا. وبه قال أبو حنيفة ومالك والجمهور، قال العبدري: وهو قول العلماء كافةً إلا طاوساً وقتادة، فقالا: يجب أن يُطعِمَ عنه لكل يوم مسكينا، ثم ذكر علةَ ذلك وأبطلها، قال: واحتج البيهقي وغيرُه من أصحابنا لمذهبنا بحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) رواه البخاري ومسلم. وقال في "الفروع" (ص 39 ج 3 ط آل ثاني) : " وإن أخر القضاء حتى مات: فإن كان لعذر فلا شيء عليه، نص عليه، وفاقاً للأئمة الثلاثة؛ لعدم الدليل " وبهذا تبين أنه لا إشكال في المسألة، وأن الصوم لا يُقضى عمن استمر عذره حتى مات، وكذلك لا يُطَعمُ عنه، إلا أن يكون مريضاً مرضاً لا يُرجى زواله، فيكون حينئذ كالكبير الذي لا يستطيع الصوم، فيطعَمُ عنه؛ لأن هذا وجب عليه الإطعام في حال حياته بدلاً عن الصيام. وليس في النفس مما قرره أهل العلم في هذا شيء، وقد علمت مما كتبنا أنه يكاد يكون إجماعاً لولا ما روي عن طاوس وقتادة " انتهى. وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (10/372) السؤال الآتي: كانت والدتي مريضة في شهر رمضان عام 97هـ ولم تستطع صيام ثمانية أيام منه، وتوفيت بعد شهر رمضان بثلاة أشهر، فهل أصوم عنها ثمانية الأيام، وهل يمكن تأجيلها إلى ما بعد رمضان 98هـ أو أتصدق عنها؟ فكان الجواب: " إذا كانت والدتك شفيت بعد شهر رمضان الذي أفطرت فيه ثمانية أيام، ومر بها قبل وفاتها وقت تستطيع القضاء فيه، وماتت ولم تقض، استحب لك أو لأحد أقاربها صيام ثمانية الأيام عنها؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) متفق عليه، ويجوز تأجيل صيامها، والأَوْلى المبادرة به مع القدرة. أما إن كان المرض استمر معها، وماتت ولم تقدر على القضاء، فلا يُقضَى عنها لعدم تمكنها من القضاء، لعموم قوله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا) وقوله: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 81030 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3222 لا يتذكر عدد الصلوات ولا أيام الصيام الواجبة في ذمته فماذا يفعل؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان المسلم لا يتذكر أعداد الصلوات وأيام الصيام التي فاتته، فكيف يباشر قضاءها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الصلوات الفائتة لا تخلو من ثلاث حالات: الأولى: أن يكون ترك الصلاة لعذر كالنوم أو النسيان، ففي هذه الحالة يجب قضاؤها , لقوله صلى الله عليه وسلم: (من نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها) رواه البخاري (572) ومسلم (684) – واللفظ له -. ويصليها مرتبة كما وجبت عليه، الأولى فالأولى؛ لحديث جابر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم جاء يوم الخندق بعد ما غربت الشمس فجعل يسب كفار قريش قال: يا رسول الله ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: والله ما صليتها، فقمنا إلى بطحان فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها فصلَّى العصر بعد ما غربت الشمس , ثم صلى بعدها المغرب. رواه البخاري (571) ومسلم (631) . الحالة الثانية: أن يكون ترك الصلاة لعذر لا يكون معه إدراك , كالغيبوبة، ففي هذه الحالة تسقط الصلاة عنه، ولا يجب عليه قضاؤها. سئل علماء اللجنة الدائمة: وقع عليّ حادث سيارة ورقدت في المستشفى ثلاثة شهور ولم أع نفسي ولم أصل كل هذه المدة، هل تسقط عني أم أعيد كل الصلاة الماضية؟ فأجابوا: " تسقط عنك الصلاة في المدة المذكورة ما دمت لا تعقل في تلك المدة " انتهى. وسئلوا – أيضاً -: إذا أغمي على إنسان لمدة شهر ولم يصل طوال هذه الفترة، وأفاق بعده فكيف يعيد الصلوات الفائتة؟ فأجابوا: " لا يقض ما تركه من الصلوات في هذه المدة، لأنه في حكم المجنون والحال ما ذكر , والمجنون مرفوع عنه القلم " انتهى. " فتاوى اللجنة الدائمة " (6/21) . الحالة الثالثة: أن يكون ترك الصلاة عمداً من غير عذر، فهذا لا يخلو من حالين: إما أن يكون جاحداً لها غير معترف بوجوبها، فهذا لا خلاف في كفره , وأنه ليس من الإسلام في شيء، فعليه أن يدخل في الإسلام ثم يعمل بأركانه وواجباته , ولا يجب عليه قضاء ما ترك من الصلاة حال كفره. والثانية: أن يكون تركه للصلاة تهاونا وكسلا فهذا لا يصح منه قضاؤها , لأنه لم يكن له عذر حين تركها، وقد أوجبها الله عليه في زمن معلوم وبتوقيت محدود، قال سبحانه: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) النساء/103، أي: لها وقت محدد، ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) رواه البخاري (2697) ومسلم (1718) . وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: لم أصلِّ إلا بعد ما بلغت الرابعة والعشرين من عمري، وصرت الآن أصلي مع كل فرض فرضاً آخر، فهل يجوز لي ذلك؟ وهل أداوم على هذا، أم إن عليَّ حقوقاً أخرى؟ فأجاب: " الذي يترك الصلاة عمداً ليس عليه قضاء على الصحيح، وإنما عليه التوبة إلى الله عز وجل؛ لأن الصلاة عمود الإسلام، وتركها أعظم الجرائم، بل تركها عمداً كفر أكبر في أصح قولي العلماء؛ لما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح عن بريدة رضي الله عنه؛ ولقوله عليه الصلاة والسلام: (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وفي الباب أحاديث أخرى تدل على ذلك. فالواجب عليك يا أخي التوبة إلى الله التوبة الصادقة، وذلك بالندم على ما مضى منك، والإقلاع من ترك الصلاة، والعزم الصادق على أن لا تعود إلى ذلك، وليس عليك أن تقضي لا مع كل صلاة ولا في غير ذلك، بل عليك التوبة فقط، والحمد لله، من تاب تاب الله عليه، يقول الله سبحانه: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) . فعليك أن تصدُق في التوبة، وأن تحاسب نفسك، وأن تجتهد بالمحافظة على الصلاة في أوقاتها في الجماعة، وأن تستغفر الله عما جرى منك، وتكثر من العمل الصالح، وأبشر بالخير، يقول الله سبحانه: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) ، ولما ذكر الشرك والقتل والزنا في سورة الفرقان قال جل وعلا بعد ذلك: (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا. إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) . نسأل الله لنا ولك التوفيق، وصحة التوبة، والاستقامة على الخير " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (10 / 329، 330) . ثانياً: وأما قضاء الصيام؛ فإن كان تركك للصيام في الوقت الذي كنت فيه تاركاً للصلاة , فلا يجب عليك قضاء تلك الأيام التي أفطرتها , لأن تارك الصلاة كافر كفراً أكبر مخرج من الملة – كما سبق - والكافر إذا أسلم لا يلزمه أن يقضي ما تركه من العبادات حال كفره. أما إن كان تركك للصيام في وقت كنت تصلي فيه , فلا يخلو الأمر من احتمالين: الأول: أنك لم تنو الصيام من الليل , بل عزمت على الفطر , فهذا لا يصح منك قضاؤه , لأنك تركت فعل العبادة في الوقت المحدد لها شرعا من غير عذر. الثاني: أن تكون بدأت في صيام اليوم ثم أفطرت فيه , فهذا يجب عليك قضاؤه , لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر المجامع في نهار رمضان بالكفارة قال له: (صم يوماً مكانه) رواه أبو داود (2393) , وابن ماجه (1671) , وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (940) . وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى عن حكم الفطر في نهار رمضان بدون عذر؟ فأجاب: " الفطر في نهار رمضان بدون عذر من أكبر الكبائر، ويكون به الإنسان فاسقاً، ويجب عليه أن يتوب إلى الله، وأن يقضي ذلك اليوم الذي أفطره، يعني لو أنه صام وفي أثناء اليوم أفطر بدون عذر فعليه الإثم، وأن يقضي ذلك اليوم الذي أفطره؛ لأنه لما شرع فيه التزم به ودخل فيه على أنه فرض فيلزمه قضاؤه كالنذر، أما لو ترك الصوم من الأصل متعمداً بلا عذر: فالراجح: أنه لا يلزمه القضاء؛ لأنه لا يستفيد به شيئاً، إذ إنه لن يقبل منه، فإن القاعدة أن كل عبادة مؤقتة بوقت معين فإنها إذا أخرت عن ذلك الوقت المعين بلا عذر لم تقبل من صاحبها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) ولأنه مِن تعدي حدود الله عز وجل، وتعدي حدود الله تعالى ظلم، والظالم لا يقبل منه، قال الله تعالى: (وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ?للَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ ?لظَّلِمُونَ) ؛ ولأنه لو قدم هذه العبادة على وقتها - أي: فعلها قبل دخول الوقت - لم تقبل منه، فكذلك إذا فعلها بعده لم تقبل منه إلا أن يكون معذوراً " انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (19 / السؤال رقم 45) . والواجب عليه أن يتوب توبة صادقة من كل الذنوب، وأن يحافظ على الواجبات، ويترك المنكرات، ويكثر من النوافل والقربات. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 72216 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3223 هل يجوز له الإفطار بسبب مشقة العمل؟ [السُّؤَالُ] ـ[نحن في بلد غربي أي: لا يهتم بالصيام والصائمين، وزوجي يعمل لفترة سنة ليكمل سنته الأخيرة في مجال الصيدلة وهذا العمل هو المقرر الدراسي للسنة الأخيرة، أي: سنة تطبيقية في ميدان العمل، المشكلة التي تواجهنا هي أن العمل يبعد مسافة ساعة بالسيارة، ومكان مكتظ بالمرضى، وبدأ زوجي يشعر بالدوار والصداع أثناء العمل حيث بدأ يعطي الأدوية للمرضى بطريقة خطأ، فهو الآن يفكر بالإفطار لهذا السبب، علما أن مسافة الطريق من المنزل للعمل أقل من 48 ميلا كما ذكرتم في أحد الأجوبة، لكن الطريق يأخذ ساعة ذهابا وساعة أخرى إيابا، كما أن مدة العمل 12 ساعة متواصلة، فهل يجوز له الإفطار على أن يقضي بعد الانتهاء من هذه السنة الأخيرة من دراسته.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصوم ركن من أركان الإسلام ثابت بالكتاب والسنة وإِجماع الأُمة، ولا يجوز للمسلم أن يفطر بغير عذر شرعي من مرض أو سفر، وقد يحصل للإنسان أثناء الصوم مشقة فعليه أن يصبر ويستعين بالله عز وجل، فإذا عطش الإنسان في نهار رمضان فلا بأس أن يصب على رأسه الماء للتبرد وأن يتمضمض، فإذا سبب له العطش ضرراً بالغاً أو خشي الهلاك من العطش جاز له الفطر، وعليه القضاء فيما بعد. لكن لا يجوز أن يكون العمل هو السبب في المشقة الحاصلة له إذا كان يمكنه أخذ إجازة من العمل في شهر رمضان أو كان يستطيع تخفيف أعباء عمله فيه، أو تغييره إلى ما هو أسهل. قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: " من المعلوم من دين الإسلام بالضرورة أن صيام شهر رمضان فرض على كل مكلف وركن من أركان الإسلام، فعلى كل مكلف أن يحرص على صيامه تحقيقاً لما فرض الله عليه، رجاء ثوابه وخوفاً من عقابه دون أن ينسى نصيبه من الدنيا، ودون أن يؤثر دنياه على أخراه، وإذا تعارض أداء ما فرضه الله عليه من العبادات مع عمله لدنياه وجب عليه أن ينسق بينهما حتى يتمكن من القيام بهما جميعاً، ففي المثال المذكور في السؤال يجعل الليل وقت عمله لدنياه، فإن لم يتيسر ذلك أخذ إجازة من عمله شهر رمضان ولو بدون مرتب، فإن لم يتيسر ذلك بحث عن عمل آخر يمكنه فيه الجمع بين أداء الواجبين ولا يؤثر جانب دنياه على جانب آخرته، فالعمل كثير، وطرق كسب المال ليست قاصرة على مثل ذلك النوع من الأعمال الشاقة، ولن يعدم المسلم وجهاً من وجوه الكسب المباح الذي يمكنه معه القيام بما فرضه الله عليه من العبادة بإذن الله، (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً. ويرزقه من حيث لا يحتسب. ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدراً) الطلاق/2، 3. وعلى تقدير أنه لم يجد عملاً دون ما ذكر مما فيه حرج وخشي أن تأخذه قوانين جائرة وتفرض عليه ما لا يتمكن معه من إقامة شعائر دينه أو بعض فرائضه فليفر بدينه من تلك الأرض إلى أرض يتيسر له فيها القيام بواجب دينه ودنياه ويتعاون فيه مع المسلمين على البر والتقوى فأرض الله واسعة، قال الله تعالى: (ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة) النساء/100، وقال تعالى: (قل يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض الله واسعة إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) الزمر/ 10. فإذا لم يتيسر له شيء من ذلك كله واضطر إلى مثل ما ذكر في السؤال من العمل الشاق صام حتى يحس بمبادئ الحرج فيتناول من الطعام والشراب ما يحول دون وقوعه في الحرج ثم يمسك وعليه القضاء في أيام يسهل عليه فيها الصيام " انتهى. " فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (10 / 234 – 236) . وسئلوا – أيضاً -: عن رجل يعمل في مخبز ويواجه عطشاً شديداً وإرهاقاً في العمل هل يجوز له الفطر؟ فأجابوا: " لا يجوز لذلك الرجل أن يفطر، بل الواجب عليه الصيام، وكونه يخبز في نهار رمضان ليس عذراً للفطر، وعليه أن يعمل حسب استطاعته " انتهى. " فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (10 / 238) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65803 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3224 هل يجب على هؤلاء الصوم؟ وهل يلزمهم القضاء؟ [السُّؤَالُ] ـ[هناك صبي كان يصوم رمضان قبل أن يبلغ، وفي أثناء صومه في نهار رمضان بلغ فهل يجب عليه قضاء ذلك اليوم؟ وكذلك الكافر إذا أسلم؟ وكذلك الحائض إذا طهرت؟ وكذلك المجنون إذا أفاق؟ وكذلك المسافر إذا عاد وكان مفطراً؟ وكذلك المريض إذا تعافى وكان قد أفطر؟ فماذا على هؤلاء من حيث الإمساك في ذلك اليوم والقضاء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هؤلاء المذكورون في السؤال ليس حكمهم واحداً، وسبق أن ذكرنا اختلاف العلماء وشيئا من أقوالهم في جواب السؤال رقم (49008) . ويمكن تقسيم هؤلاء المذكورين في السؤال إلى مجموعتين: فالصبي إذا بلغ، والكافر إذا أسلم، والمجنون إذا أفاق لهم حكم واحد، وهو وجوب الإمساك ولا يجب عليهم القضاء. وأما الحائض إذا طهرت والمسافر إذا أقام والمريض إذا شفي فحكمهم واحد أيضا، فلا يجب عليهم الإمساك ولا يستفيدون بإمساكهم شيئاً، ويجب عليهم القضاء. والفرق بين المجموعة الأولى والثانية: أن المجموعة الأولى وجد فيهم شرط التكليف، وهو البلوغ والإسلام والعقل. وإذا ثبت تكليفهم وجب عليهم الإمساك , ولا يلزمهم القضاء لأنهم أمسكوا حين وجب عليهم الإمساك، أما قبل ذلك فلم يكونوا مكلفين بالصيام. وأما المجموعة الثانية فإنهم مخاطبون بالصيام لذا كان واجباً في حقهم، لكن وُجد عندهم عُذرٌ يبيح لهم الفطر , وهو الحيض والسفر والمرض فخفف الله عنهم وأباح لهم الفطر، فزالت حرمة اليوم في حقهم، فإذا زالت أعذارهم أثناء النهار لم يستفيدوا شيئا من إمساكهم، ولزمهم القضاء بعد رمضان. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى: " إذا قدم المسافر إلى بلده وهو مفطر: فإنه لا يجب عليه الإمساك، فله أن يأكل ويشرب بقية يومه؛ لأن إمساكه لا يفيده شيئاً لوجوب قضاء هذا اليوم عليه، هذا هو القول الصحيح، وهو مذهب مالك والشافعي، وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد رحمه الله لكن لا ينبغي له أن يأكل ويشرب علناً " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (19 / السؤال رقم 58) . وقال أيضا: " إذا طهرت الحائض أو النفساء أثناء النهار لم يجب عليها الإمساك، ولها أن تأكل وتشرب، لأن إمساكها لا يفيدها شيئاً لوجوب قضاء هذا اليوم عليها، وهذا مذهب مالك والشافعي وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد، وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (من أكل أول النهار فليأكل آخره) ، يعني: من جاز له الفطر أول النهار جاز له الفطر في آخره " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (19 / السؤال رقم 59) . وسئل الشيخ أيضا: من أفطر في نهار رمضان لعذر شرعي فهل يجوز له أن يأكل ويشرب بقية اليوم؟ فأجاب بقوله: " يجوز له أن يأكل ويشرب؛ لأنه أفطر بعذر شرعي، وإذا أفطر بعذر شرعي فقد زالت حرمة اليوم في حقه، وصار له أن يأكل ويشرب، بخلاف الرجل الذي أفطر في نهار رمضان بدون عذر، فإنا نلزمه بالإمساك، وإن كان يلزمه القضاء، فيجب التنبه للفرق بين هاتين المسألتين " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (19 / السؤال رقم 60) . وقال أيضا: " ذكرنا أثناء بحثنا في الصيام أن المرأة إذا كانت حائضاً وطهرت في أثناء النهار: فإن العلماء اختلفوا هل يجب عليها أن تمسك بقية اليوم فلا تأكل ولا تشرب، أو يجوز لها أن تأكل وتشرب بقية اليوم، وقلنا: إن في ذلك روايتين عن الإمام أحمد رحمه الله: إحداهما: - وهي المشهور من المذهب - أنه يجب عليها الإمساك، فلا تأكل ولا تشرب. والثانية: أنه لا يجب عليها الإمساك، فيجوز لها أن تأكل وتشرب، وقلنا: إن هذه الثانية هي مذهب مالك والشافعي رحمهما الله، وإن ذلك هو المروي عن ابن مسعود رضي الله عنه فإنه قال: (من أكل أول النهار فليأكل آخره) ، وقلنا: إن الواجب على طالب العلم في مسائل الخلاف الواجب عليه أن ينظر في الأدلة، وأن يأخذ بما ترجح عنده منها، وأن لا يبالي بخلاف أحد ما دام أن الدليل معه؛ لأننا نحن مأمورون باتباع الرسل؛ لقوله تعالى: (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ ?لْمُرْسَلِينَ) . وأما الاحتجاج بما صح به الحديث حيث أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصيام عاشوراء في أثناء اليوم، فأمسك الناس بقية يومهم، نقول: لا مستند لهم في هذا الحديث؛ لأن صوم يوم عاشوراء ليس فيه زوال مانع، وإنما فيه تجدد وجوب، وفرق بين زوال المانع وتجدد الوجوب؛ لأن تجدد الوجوب معناه أن الحكم لم يثبت قبل [وجود] سببه، وأما زوال المانع فمعناه أن الحكم ثابت مع المانع لولا هذا المانع، ومادام هذا المانع موجوداً مع وجود أسباب الحكم، فمعناه أن هذا المانع لا يمكن أن يصح معه الفعل لوجوده، ونظير هذه المسألة التي أوردها السائل نظيرها: ما لو أسلم إنسان في أثناء اليوم، فإن هذا الذي أسلم تجدد له الوجوب، ونظيرها أيضاً: ما لو بلغ الصبي في أثناء اليوم وهو مفطر، فإن هذا تجدد له الوجوب فنقول لمن أسلم في أثناء النهار: يجب عليك الإمساك، ولكن لا يجب عليك القضاء، ونقول للصبي إذا بلغ في أثناء النهار: يجب عليك الإمساك، ولا يجب عليك القضاء، بخلاف الحائض إذا طهرت، فإنه بإجماع أهل العلم يجب عليها القضاء، الحائض إذا طهرت أثناء النهار أجمع العلماء على أنها إن أمسكت بقية اليوم لا ينفعها هذا الإمساك ولا يكون صوماً، وأن عليها القضاء، وبهذا عرف الفرق بين تجدد الوجوب وبين زوال المانع، فمسألة الحائض إذا طهرت من باب زوال المانع، ومسألة الصبي إذا بلغ أو ما ذكره السائل من إيجاب صوم يوم عاشوراء قبل أن يفرض رمضان، هذا من باب تجدد الوجوب، والله الموفق " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (19 / السؤال رقم 60) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65635 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3225 لا يجوز لمن شرع في صوم واجب أن يفطر إلا لعذر [السُّؤَالُ] ـ[إذا نوى شخص أن يصوم قضاء ودعي للأكل عند زيارة بعض الأقارب فأكل، فهل عليه إثم أو عليه إعادة ذلك اليوم مادام قد نوى الصيام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا شرع الإنسان في صوم واجب حرم عليه الإفطار بدون عذر، فإن أفطر وجب عليه قضاء هذا اليوم. قال ابن مفلح في "الفروع": وَيَحْرُمُ فِطْرُ مَنْ صَوْمُهُ وَاجِبٌ اهـ. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "فتاوى الصيام" (ص 452) : عن امرأة كانت صائمة قضاء، ونزل عندها ضيوف ومن باب المجاملة أفطرت فهل هذا جائز؟ فأجاب: هذا القضاء إذا كان قضاء عن واجب كقضاء رمضان، فإنه لا يجوز لأحد أن يفطر إلا لضرورة، وأما فطره لنزول الضيف به فإنه حرام، ولا يجوز، لأن القاعدة الشرعية: "أن كل من شرع في واجب فإنه يجب عليه إتمامه إلا لعذر شرعي". وأما إذا كان قضاء نفل فإنه لا يلزمها أن تتمه، لأنه ليس بواجب اهـ. وقال أيضاً في "فتاوى الصيام" (ص 451) : إذا شرع الإنسان في صوم واجب كقضاء رمضان وكفارة اليمين وكفارة فدية الحلق في الحج إذا حلق المحرم قبل أن يحل وما أشبه ذلك من الصيام الواجب فإنه لا يجوز له أن يقطعه إلا لعذر شرعي وهكذا كل من شرع في شيء واجب فإنه يلزمه إتمامه ولا يحل له قطعه إلا بعذر شرعي يبيح قطعه اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49000 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3226 لا يجب التتابع في قضاء رمضان [السُّؤَالُ] ـ[أفطرت خمسة أيام من رمضان بسبب المرض، فهل يجب عليّ أن أصومها متتابعة، أو يمكن أن أصوم يوماً كل أسبوع؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اتفق الأئمة على أن الواجب في قضاء رمضان أن يصوم أياماً بعدد الأيام التي أفطرها، لقول الله تعالى: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/185. ولا يشترط في هذه الأيام أن تكون متتابعة، فلك أن تصومها متتابعة، ولك أن تصومها متفرقة، سواء صمت كل أسبوع يوماً أو كل شهر يوماً أو حسب ما يتيسر لك، والدليل على ذلك الآية السابقة، فإنها لم تشترط التتابع في قضاء رمضان، وإنما أوجبت فقط أن يكون بعدد الأيام التي أفطرها. انظر: "المجموع" (6/167) ، و "المغني" (4/408) . وسئلت اللجنة الدائمة هل يجوز أن يصوم قضاء رمضان في أيام متفرقات؟ فأجابت: نعم يجوز له أن يقضي ما عليه من أيام متفرقات، لقول الله تعالى: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/185. فلم يشترط سبحانه التتابع في القضاء. اهـ فتاوى اللجنة الدائمة (10/346) . وفي فتاوى الشيخ ابن باز (15/352) : إذا أفطر يومين أو ثلاث أو أكثر وجب عليه القضاء ولا يلزمه التتابع، إن تابع فهو أفضل، وإن لم يتابع فلا حرج عليه اهـ. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 21697 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3227 أفطرت أياماً كثيرة جاهلة حكمها وعددها [السُّؤَالُ] ـ[لا أعرف كم أفطرت في السنوات الماضية وأنا مع أهلي، حيث كنا نعيش في القرية، ولم يكن أحد يعرف عن أحكام الصوم شيئا، وقد أفطرت في هذه الأيام، ولا أعرف كم أفطرت، فقمت بدفع مبلغ من المال عن هذه الأيام، وبعد زمن عرفت من إحدى الأخوات أنه يجب أن أقضي هذه الأيام وأنا لا أعرف عدد هذه الأيام فماذا أفعل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب على المسلم تعلُّم الأحكام الشرعيَّة الضروريَّة، سواء النظريَّة منها مثل ما يتعلق بالعقائد وأصول الدين، أو العمليَّة كالطهارة والصلاة، فإذا كان من أصحاب المال فيجب عليه تعلم أحكام الزكاة، وإذا كان من أصحاب التجارات فيجب عليه تعلم أحكام البيوع، وهكذا، فإذا قَرُبَ شهر رمضان فإنه يجب على المسلم المكلَّف أن يتعلم أحكام الصوم حتى لو كان عاجزاً عن الصوم؛ وذلك ليتعلم ما يجب عليه من بدل عن الصوم. فالواجب عليكِ وعلى أهلك التوبة والاستغفار من تفريطكم في السؤال وطلب العلم في هذا الباب. ودفع المال لا يجوز حتى للعاجز عن الصيام كالكبير والمريض مرضاً مزمناً؛ لأن الواجب على هؤلاء في حال فطرهم في رمضان أن يُطعموا عن كل يومٍ مسكيناً واحداً، ولا يجزئ دفع المال ـ بدلا عن الإطعام ـ عن الأيام التي يفطرون فيها. وعليه: فما دُفع منك من مال نرجو أن يكون صدقة لك تجدين أجرها يوم القيامة. وأما الواجب عليكم فهو قضاء تلك الأيام التي أفطرتيها، ويمكنكم حسابها بالتروي حتى تصلي إلى عدد يقيني فإن لم تستطيعي فعلى غلبة الظن، فإن غلب على ظنك أنها 30 يوماً – مثلاً – فالواجب عليكم صيام هذه الأيام، وهكذا لو كانت أقل أو أكثر و (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا) البقرة/286 ولا يجب عليكم صومها متتابعة، بل يجوز لكم تفريقها بحسب الوسع والطاقة، لكن عليكم المبادرة لصيامها وعدم الوقوع في التأخير مرة أخرى. وعليك البداءة بقضاء رمضان من السنة الفائتة أولاً؛ حتى لا يدخل رمضان التالي قبل صيامها. وقد ذكر بعض أهل العلم أنه يجب عليكم مع الصيام إطعام مسكين عن كل يوم مقابل تأخير الصيام، لكن الراجح أن الواجب عليكم هو الصيام فقط، وخاصة إن كنتم فقراء، فإن استطعتم الإطعام مع الصيام فحسن. وانظري أجوبة الأسئلة: (39742) و (26212) و (47942) و (40695) . وهذا كله في حال أنكم أفطرتم بعذر شرعي كالحيض، أما إن لم تكونوا معذورين في إفطاركم: فلا قضاء عليكم، بل عليكم التوبة والاستغفار وتعويض هذه الأيام بصيام النوافل وأعمال الخير. وقد ذكرنا هذه المسألة وفتاوى أهل العلم في جواب السؤال رقم (50067) فلينظر. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50692 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3228 جامع زوجته وهي تقضي من رمضان فماذا يترتب عليهما؟ [السُّؤَالُ] ـ[جامعت زوجتي قبل رمضان وكانت تقضي بعض الأيام من شهر رمضان السابق، ولم تتمكن من قضاء جميع الأيام. ملاحظة: استأذنتني بالصيام وأذنت لها.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يجوز لمن شرع في صوم واجب كقضاء رمضان أو كفارة يمين أن يفطر إلا من عذر، كمرض أو سفر. فإن أفطر - بعذر أو من غير عذر- بقي الصوم في ذمته، فعليه أن يصوم يوما واحدا مكان اليوم الذي أفسده. فإن كان فطره من غير عذر وجب عليه – مع الصيام - التوبة إلى الله من هذا الفعل المحرم. وليس على زوجتك كفارة، لأن الكفارة لا تجب إلا بالجماع في نهار رمضان فقط. وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال (49985) فلينظر. ثانياً: وقد أسأت بإفساد صيام زوجتك، لأن الزوجة إذا صامت قضاء رمضان بإذن زوجها لم يكن له إفساد صيامها. فعليكما التوبة إلى الله، والندم على الفعل، والعزم على عدم العود، فإن كنت أجبرتها فلا إثم عليها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50632 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3229 حملت قبل أن تبدأ في القضاء ولا تستطيع الصوم [السُّؤَالُ] ـ[كان على زوجتي أيام حيض لم تصمها من رمضان الماضي، وقبل أن تنوى قضاء هذه الأيام قبل رمضان القادم حملت، والدكتورة المعالجة لها أخبرتها ألا تصوم نهائياً خلال فترة الحمل، واحتمال فترة الرضاعة أيضاً، نظراً لضعفها العام وخوفاً على الجنين، لذلك فهي لن تستطع أن تصوم هذه الأيام، فماذا تفعل بالنسبة لهذه الأيام؟ وماذا تفعل إذا لم تستطع قضاء أيام رمضان القادم قبل مجيء شهر رمضان التالي له؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله وسَّع الله تعالى في قضاء رمضان لمن أفطر بعذرٍ شرعي إلى دخول رمضان التالي، إلا أنه لا ينبغي لمسلم أن يغترَّ بهذا التأخير لتأجيل القضاء؛ لأنه قد تعرض له الحاجة أو التَّغير فيشق عليه القضاء أو يمتنع، وبخاصة النساء فإنهن معرَّضات للحمل والحيض والنفاس. ومن أخر القضاء بغير عذر إلى أن ضاق عليه الوقت فانقضى شعبان ولم يقضِ ما عليه: فهو آثم، وإن كان معذوراً فلا إثم عليه، وفي كلا الحالين يجب عليه القضاء بعد رمضان الثاني، وقد أوجب بعض أهل العلم عليه مع القضاء فدية طعام مسكين عن كل يوم، فإن تيسر له ذلك وفعله فهو أحوط، وإلا فالقضاء يكفيه. انظر السؤال (26865) ، (21710) . سئل فضيلة الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله: ما حكم من أخر القضاء حتى دخل رمضان التالي؟ فأجاب: تأخير قضاء رمضان إلى رمضان التالي لا يجوز على المشهور عند أهل العلم؛ لأن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان يكون عليَّ الصوم من رمضان فلا أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان) وهذا يدل على أن لا رخصة بعد رمضان الثاني، فإن فعل بدون عذر فهو آثم، وعليه أن يبادر بالقضاء بعد رمضان الثاني، واختلف العلماء هل يلزمه مع ذلك إطعام أو لا يلزمه؟ والصحيح: أنه لا يلزمه إطعام؛ لأن الله عز وجل يقول: (وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) فلم يوجب الله سبحانه وتعالى سوى القضاء. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (19 / السؤال 357) . وسئل الشيخ رحمه الله: امرأة أفطرت أياماً من رمضان العام الماضي ثم قضتها في آخر شعبان، وجاءتها العادة واستمرت معها حتى دخل رمضان هذا العام، وقد بقي عليها يوم واحد فماذا يجب عليها؟ فأجاب بقوله: يجب عليها أن تقضي هذا اليوم الذي لم تتمكن من قضائه قبل دخول رمضان هذا العام، فإذا انتهى رمضان هذه السنة قضت ما فاتها من رمضان العام الماضي. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (19 / السؤال 358) . وسئل رحمه الله أيضاً: امرأة أفطرت في رمضان للنفاس، ولم تستطع القضاء من أجل الرضاع حتى دخل رمضان الثاني، فماذا يجب عليها؟ فأجاب بقوله: الواجب على هذه المرأة أن تصوم بدل الأيام التي أفطرتها ولو بعد رمضان الثاني؛ لأنها إنما تركت القضاء بين الأول والثاني للعذر، لكن إن كان لا يشق عليها أن تقضي في زمن الشتاء ولو يوماً بعد يوم: فإنه يلزمها ذلك، وإن كانت ترضع، فلتحرص ما استطاعت على أن تقضي رمضان الذي مضى قبل أن يأتي رمضان الثاني، فإن لم يحصل لها فلا حرج عليها أن تؤخره إلى رمضان الثاني. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (19 / السؤال 360) . وخلاصة الجواب: أن هذه الأيام تبقى دَيْناً على زوجتك، يلزمها قضاؤها متى تمكنت من ذلك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50651 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3230 هل على تارك الصيام من غير عذر قضاء؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا عمري 28 سنة ولم أصم في حياتي رمضان كاملاً، وها أنا أنوي إن شاء الله أن أصوم في هذا العام، فكيف أقضي السنوات التي فاتتني؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صوم رمضان من أركان الإسلام، ولا يحل للمكلف بصيامه أن يتركه إلا من عذر، ومن أفطر بعذر شرعي كالمرض والسفر والحيض وهو يستطيع الصيام فالواجب عليه قضاء ما أفطره، لقول الله تعالى: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/185 وليس من تعمد الإفطار من غير عذر كالمعذور في هذا. فمن أخر العبادة عن وقتها من صلاة أو صيام بلا عذر فإنها لا تصح ولا تقبل منه إن فعلها بعد خروج وقتها المحدد شرعاً. سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله تعالى -: ما حكم المسلم الذي مضى عليه أشهر من رمضان يعني سنوات عديدة بدون صيام مع إقامة بقية الفرائض وهو بدون عائق عن الصوم أيلزمه القضاء إن تاب؟ . فأجاب بقوله: الصحيح: أن القضاء لا يلزمه إن تاب؛ لأن كل عبادة مؤقتة بوقت إذا تعمد الإنسان تأخيرها عن وقتها بدون عذر: فإن الله لا يقبلها منه، وعلى هذا فلا فائدة من قضائه، ولكن عليه أن يتوب إلى الله عز وجل ويكثر من العمل الصالح، ومن تاب تاب الله عليه. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (19 / السؤال رقم 41) . هذا حكم من أفطر بلا عذر أي أنه لم ينو الصيام ولم يشرع فيه من الأصل. أما من شرع في الصيام ثم أثناء النهار أفطر، فإن الواجب عليه قضاء هذا اليوم. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى -: عن حكم الفطر في نهار رمضان بدون عذر؟ . فأجاب بقوله: الفطر في نهار رمضان بدون عذر من أكبر الكبائر، ويكون به الإنسان فاسقاً، ويجب عليه أن يتوب إلى الله، وأن يقضي ذلك اليوم الذي أفطره، يعني لو أنه صام وفي أثناء اليوم أفطر بدون عذر فعليه الإثم، وأن يقضي ذلك اليوم الذي أفطره؛ لأنه لما شرع فيه التزم به ودخل فيه على أنه فرض فيلزمه قضاؤه كالنذر، أما لو ترك الصوم من الأصل متعمداً بلا عذر: فالراجح: أنه لا يلزمه القضاء؛ لأنه لا يستفيد به شيئاً، إذ إنه لن يقبل منه، فإن القاعدة أن كل عبادة مؤقتة بوقت معين فإنها إذا أخرت عن ذلك الوقت المعين بلا عذر لم تقبل من صاحبها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد "؛ ولأنه مِن تعدي حدود الله عز وجل، وتعدي حدود الله تعالى ظلم، والظالم لا يقبل منه، قال الله تعالى: (وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ?للَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ ?لظَّالِمُونَ) ؛ ولأنه لو قدم هذه العبادة على وقتها - أي: فعلها قبل دخول الوقت - لم تقبل منه، فكذلك إذا فعلها بعده لم تقبل منه إلا أن يكون معذوراً. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (19 / السؤال رقم 45) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50067 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3231 استمنى جاهلاً أنه مفطر [السُّؤَالُ] ـ[لقد منّ الله علي بالتوبة قبل عام.. واليوم سمعت أن الاستمناء من المفطرات، ولم أكن أعرف ذلك سابقاً.. وقد اقترفت هذا الذنب في رمضان قبل الماضي.. ولا أعلم ماذا أفعل؟ علماً بأنني لا أعلم عدد الأيام التي قمت فيها بهذا الذنب.. أرجوكم أفيدوني ماذا علي فعله؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الحمد لله الذي مَنَّ عليك بالتوبة، ونسأله سبحانه أن يتقبل توبتك، ويغفر لك ذنبك، ويلهمك رشدك. ثانياً: اختلف العلماء فيمن فعل شيئا من مفسدات الصيام جاهلا، هل يفسد صومه بذلك أم لا على قولين: الأول: أنه يفسد صومه بذلك، وهو مذهب الشافعي وأحمد، إلا أن الشافعي استثنى إذا كان حديث عهد بالإسلام أو كان ناشئا ببادية بعيدا عن أهل العلم فلا يفسد صومه. قال النووي في "المجموع" (6/352) : " إذَا أَكَلَ الصَّائِمُ أَوْ شَرِبَ أَوْ جَامَعَ جَاهِلا بِتَحْرِيمِهِ - فَإِنْ كَانَ قَرِيبَ عَهْدٍ بِإِسْلامٍ أَوْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ بِحَيْثُ يَخْفَى عَلَيْهِ كَوْنُ هَذَا مُفْطِرًا - لَمْ يُفْطِرْ ; لأَنَّهُ لا يَأْثَمُ فَأَشْبَهَ النَّاسِيَ الَّذِي ثَبَتَ فِيهِ النَّصُّ , وَإِنْ كَانَ مُخَالِطًا لِلْمُسْلِمِينَ بِحَيْثُ لا يَخْفَى عَلَيْهِ تَحْرِيمُهُ أَفْطَرَ ; لأَنَّهُ مُقَصِّرٌ " اهـ. وانظر "المغني" (4/368) ، "الكافي" (2/244) . وقد اختار هذا القول علماء اللجنة الدائمة، فقد سئلت اللجنة عمن استمنى في نهار رمضان وهو جاهل أن هذا حرام، ولا يعلم عدد الأيام التي فعل فيها هذا المحرم. فأجابت: " يجب قضاء الأيام التي أفطرتها بسبب العادة السرية لأنها مفسدة للصيام، واجتهد في معرفة الأيام التي أفطرتها " اهـ. فتاوى اللجنة الدائمة (10/258) . والقول الثاني: لا يفسد صومه بذلك كما لا يفسد صوم الناسي. وقد اختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى" (2/19) : " الصَّائِمُ إذَا فَعَلَ مَا يُفْطِرُ بِهِ جَاهِلا بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ: فَهَلْ عَلَيْهِ الإِعَادَةُ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ. . . وَالأَظْهَرُ أَنَّهُ لا يَجِبُ قَضَاءُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ , وَلا يَثْبُتُ الْخِطَابُ إلا بَعْدَ الْبَلاغِ , لقوله تعالى: (لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) . وَقَوْلِهِ: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا) . وَلِقَوْلِهِ: (لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) وَمِثْلُ هَذَا فِي الْقُرْآنِ مُتَعَدِّدٌ , بَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ لا يُعَاقِبُ أَحَدًا حَتَّى يُبَلِّغَهُ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ. وَمَنْ عَلِمَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَآمَنَ بِذَلِكَ , وَلَمْ يَعْلَمْ كَثِيرًا مِمَّا جَاءَ بِهِ لَمْ يُعَذِّبْهُ اللَّهُ عَلَى مَا لَمْ يَبْلُغْهُ , فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يُعَذِّبْهُ عَلَى تَرْكِ الإِيمَانِ بَعْدَ الْبُلُوغِ , فَإِنَّهُ لا يُعَذِّبُهُ عَلَى بَعْضِ شَرَائِطِهِ إلا بَعْدَ الْبَلاغِ أَوْلَى وَأَحْرَى , وَهَذِهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُسْتَفِيضَةِ عَنْهُ فِي أَمْثَالِ ذَلِكَ. فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ أَنَّ طَائِفَةً مِنْ أَصْحَابِهِ ظَنُّوا أَنَّ قوله تعالى: (الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ) هُوَ الْحَبْلُ الأَبْيَضُ مِنْ الْحَبْلِ الأَسْوَدِ. فَكَانَ أَحَدُهُمْ يَرْبِطُ فِي رِجْلِهِ حَبْلا. ثُمَّ يَأْكُلُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ هَذَا مِنْ هَذَا فَبَيَّنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الْمُرَادَ بَيَاضُ النَّهَارِ , وَسَوَادُ اللَّيْلِ. وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالإِعَادَةِ اهـ. وقال ابن القيم في "إعلام الموقعين" (4/66) : " وَقَدْ عَفَا (يعني النبي صلى الله عليه وسلم) عَمَّنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ فِي نَهَارِ الصَّوْمِ عَمْدًا غَيْرَ نَاسٍ لَمَّا تَأَوَّلَ الْخَيْطَ الأَبْيَضَ وَالْخَيْطَ الأَسْوَدَ بِالْحَبْلَيْنِ الْمَعْرُوفَيْنِ , فَجَعَلَ يَأْكُلُ حَتَّى تَبَيَّنَا لَهُ وَقَدْ طَلَعَ النَّهَارُ , وَعَفَا لَهُ عَنْ ذَلِكَ , وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْقَضَاءِ , لِتَأْوِيلِهِ اهـ. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى عن شاب استمنى في رمضان جاهلاً بأنه يفطر وفي حالة غلبت عليه شهوته، فما الحكم؟ فأجاب: الحكم أنه لا شيء عليه، لأننا قررنا فيما سبق أنه لا يفطر الصائم إلا بثلاثة شروط: العلم، والذكر، والإرادة. راجع السؤال (28023) . ولكني أقول: إنه يجب على الإنسان أن يصبر عن الاستمناء، لأنه حرام لقول الله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ) المؤمنون/5-7. ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ) رواه البخاري (5065) ومسلم (1400) . ولو كان الاستمناء جائزاً لأرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه أيسر على المكلف، ولأن الإنسان يجد فيه متعة، بخلاف الصوم ففيه مشقة، فلما عدل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصوم، دل هذا على أن الاستمناء ليس بجائز اهـ. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (19/981) . والأحوط لك أن تقضي تلك الأيام، واجتهد في تحديد عددها بما يغلب على ظنك. قال الشيخ ابن باز في "مجموع الفتاوى" (15/304) : "أما من جامع في نهار رمضان وهو ممن يجب عليه الصيام، لكونه بالغا صحيحا مقيما، جهلا منه، فقد اختلف أهل العلم في شأنه، فقال بعضهم: عليه الكفارة؛ لأنه مفرط في عدم السؤال والتفقه في الدين، وقال آخرون من أهل العلم: لا كفارة عليه من أجل الجهل، وبذلك تعلم أن الأحوط لك هو الكفارة، من أجل تفريطك وعدم سؤالك عما يحرم عليك قبل أن تفعل ما فعلت" اهـ. فأمره بالكفارة احتياطاً، ووجوب الكفارة هنا لأنه أفطر بالجماع، والكفارة لا تجب بشيء من مفسدات الصيام إلا بالجماع في نهار رمضان، كما تقدم في إجابة السؤال (28023) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50017 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3232 حكم الإفطار في قضاء الصوم الواجب [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الإفطار في قضاء الصوم الواجب؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من شرع في صوم واجب كقضاء رمضان أو كفارة اليمين فلا يجوز له الإفطار من غير عذر، كمرض أو سفر. فإن أفطر -بعذر أو من غير عذر- وجب عليه قضاء هذا اليوم فيصوم يوماً مكانه، ولا كفارة عليه، لأن الكفارة لا تجب إلا بالجماع في نهار رمضان. راجع السؤال (49750) . وإن كان فطره من غير عذر وجب عليه التوبة إلى الله من هذا الفعل المحرم. قال ابن قدامة (4/412) : "وَمِنْ دَخَلَ فِي وَاجِبٍ , كَقَضَاءِ رَمَضَان , أَوْ نَذْرٍ، أَوْ صِيَامِ كَفَّارَةٍ ; لَمْ يَجُزْ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ , وَلَيْسَ فِي هَذَا خِلافٌ بِحَمْدِ اللَّهِ" اهـ باختصار. قال النووي في " المجموع" (6/383) : "لَوْ جَامَعَ فِي صَوْمِ غَيْرِ رَمَضَانَ مِنْ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ غَيْرِهِمَا فَلا كَفَّارَةَ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ , وَقَالَ قَتَادَةُ: تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي إفْسَادِ قَضَاءِ رَمَضَانَ: اهـ. وانظر: المغني (4/378) . سئل الشيخ ابن باز (15/355) في مجموع الفتاوى: كنت في أحد الأيام صائمة صوم قضاء وبعد صلاة الظهر أحسست بالجوع فأكلت وشربت متعمدة غير ناسية ولا جاهلة؛ فما حكم فعلي هذا؟ فأجاب: " الواجب عليك إكمال الصيام، ولا يجوز الإفطار إذا كان الصوم فريضة كقضاء رمضان وصوم النذر، وعليك التوبة مما فعلت، ومن تاب تاب الله عليه" اهـ. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى (20/451) : سبق أن صمت في السنوات الماضية لقضاء دين علي فأفطرت متعمدة وبعد ذلك قضيت ذلك الصيام بيوم واحد، ولا أدري هل سيُقضى بيوم واحد كما فعلت؟ أم بصيام شهرين متتابعين؟ وهل تلزمني الكفارة؟ أرجو الإفادة. فأجاب: " إذا شرع الإنسان في صوم واجب كقضاء رمضان، وكفارة اليمين، وكفارة فدية الحلق في الحج إذا حلق المحرم قبل أن يحل، وما أشبه ذلك من الصيام الواجب، فإنه لا يجوز له أن يقطعه إلا لعذر شرعي، وهكذا كل من شرع في شيء واجب فإنه يلزمه إتمامه، ولا يحل له قطعه إلا بعذر شرعي يبيح قطعه، وهذه المرأة التي شرعت في القضاء ثم أفطرت في يوم من الأيام بلا عذر، وقضت ذلك اليوم، ليس عليها شيء بعد ذلك، لأن القضاء إنما يكون يوماً بيوم، ولكن عليها أن تتوب وتستغفر الله عز وجل لما وقع منها من قطع الصوم الواجب بلا عذر" اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49985 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3233 تزعم عدم وجود دليل يوجب على الحائض قضاء الصوم [السُّؤَالُ] ـ[فتاة بالغة لا تريد قضاء الأيام التي أفطرتها في رمضان بحجة أنه لا يوجد هناك دليل شرعي لا في الكتاب ولا في السنة يوجب قضاء تلك الأيام. أطلب من فضيلتكم موافاتي بدليل من القرآن أو السنة لكي أنصح به تلك الفتاة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله وجوب قضاء الصوم على الحائض حكم متفق عليه بين المسلمين، وقد دل عليه السنة الصحيحة والإجماع. روى البخاري (321) ومسلم (335) واللفظ له عَنْ مُعَاذَةَ قَالَتْ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ: مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلا تَقْضِي الصَّلاةَ؟ فَقَالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟! قُلْتُ: لَسْتُ بِحَرُورِيَّةٍ، وَلَكِنِّي أَسْأَلُ. قَالَتْ: كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ. قال النووي رحمه الله: هَذَا الْحُكْم مُتَّفَق عَلَيْهِ أَجْمَع الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْحَائِض وَالنُّفَسَاء لا تَجِب عَلَيْهِمَا الصَّلاة وَلا الصَّوْم فِي الْحَال , وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لا يَجِب عَلَيْهِمَا قَضَاء الصَّلاة , وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَجِب عَلَيْهِمَا قَضَاء الصَّوْم. قَالَ الْعُلَمَاء: وَالْفَرْق بَيْنهمَا أَنَّ الصَّلاة كَثِيرَة مُتَكَرِّرَة فَيَشُقّ قَضَاؤُهَا بِخِلَافِ الصَّوْم , فَإِنَّهُ يَجِب فِي السَّنَة مَرَّة وَاحِدَة , وَرُبَّمَا كَانَ الْحَيْض يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ اهـ. قال الحافظ: (أَحَرُورِيَّة) الْحَرُورِيّ مَنْسُوب إِلَى حَرُورَاء بَلْدَة عَلَى مِيلَيْنِ مِنْ الْكُوفَة. وَيُقَال لِمَنْ يَعْتَقِد مَذْهَب الْخَوَارِج حَرُورِيّ ; لأَنَّ أَوَّل فِرْقَة مِنْهُمْ خَرَجُوا عَلَى عَلِيٍّ بِالْبَلْدَةِ الْمَذْكُورَة فَاشْتُهِرُوا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا , وَهُمْ فِرَقٌ كَثِيرَة , لَكِنْ مِنْ أُصُولهمْ الْمُتَّفَق عَلَيْهَا بَيْنهمْ الأَخْذُ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآن وَرَدُّ مَا زَادَ عَلَيْهِ مِنْ الْحَدِيث مُطْلَقًا , وَلِهَذَا اِسْتَفْهَمَتْ عَائِشَة مُعَاذَة اِسْتِفْهَام إِنْكَار اهـ باختصار. وقال ابن قدامة في المغني (3/39) : أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ لا يَحِلُّ لَهُمَا الصَّوْمُ , وَأَنَّهُمَا يُفْطِرَانِ رَمَضَانَ , وَيَقْضِيَانِ , وَأَنَّهُمَا إذَا صَامَتَا لَمْ يُجْزِئْهُمَا الصَّوْمُ اهـ. قال النووي في "المجموع" (2/386) : وَأَجْمَعَتْ الأُمَّةُ أَيْضًا عَلَى وُجُوبِ قَضَاءِ صَوْمِ رَمَضَانَ عَلَيْهَا , نَقَلَ الإِجْمَاعَ فِيهِ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَأَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ اهـ. قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (25/219) : ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ وَاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ دَمَ الْحَيْضِ يُنَافِي الصَّوْمَ فَلا تَصُومُ الْحَائِضُ لَكِنْ تَقْضِي الصِّيَامَ اهـ. فهذه سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إجماع العلماء نقله غير واحد من أهل العلم. فكيف يقال بعد ذلك: ليس هناك دليل على وجوب قضاء الحائض الصوم! فعلى هذه المرأة التي أشارت إليها السائلة أن تتوب إلى الله تعالى من هذا القول المنكر، الذي فيه جرأة على شرع الله تعالى وأحكامه، والواجب على من لا يعلم أن يبحث ويسأل أهل العلم، ولا يجوز له أن يقول في دين الله تعالى بغير علم، فإن ذلك من المحرمات، قال الله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) الأعراف/33. وليعلم المسلم أنه مسئول عما يصدر عنه من قول، قال الله تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) ق/18. نسأل الله تعالى أن يرزقنا البصيرة والفقه في دينه. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49848 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3234 لا حرج من قضاء رمضان في النصف الثاني من شعبان [السُّؤَالُ] ـ[كانت عليّ أيام كثيرة من صيام رمضان بسبب الحمل والولادة الذي صادف أيام رمضان المبارك.. وقد قضيتها ولله الحمد باستثناء آخر سبعة أيام. وقد صمت ثلاثة منها بعد نصف شعبان، وأريد أن أكمل الباقي قبل رمضان. وقد قرأت على موقعكم أن صيام النصف الثاني لا يجوز إلا للشخص المتعود على الصيام. أفيدوني أفادكم الله حيث إنني أريد أن أعرف هل أتم صيام الأيام التي عليّ أم لا؟ وإذا كان الجواب لا.. فما حكم الأيام الثلاث التي صمتها هل علي قضاؤها مرة أخرى أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: (إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلا تَصُومُوا) . رواه أبو داود (3237) والترمذي (738) وابن ماجه (1651) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. وهذا النهي يستثنى منه: 1- من له عادة بالصيام، كرجل اعتاد صوم يومي الاثنين والخميس، فإنه يصومها ولو بعد النصف من شعبان ودليل هذا قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلا يَوْمَيْنِ إِلا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ) رواه البخاري (1914) ومسلم (1082) . 2- من بدأ بالصيام قبل نصف شعبان، فوصل ما بعد النصف بما قبله، فهذا لا يشمله النهي أيضا. ودليل هذا قول عائشة رضي الله عنها (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، يَصُومُ شَعْبَانَ إِلا قَلِيلا) . رواه البخاري (1970) ومسلم (1156) واللفظ لمسلم. قال النووي: قَوْلهَا: (كَانَ يَصُوم شَعْبَان كُلّه , كَانَ يَصُومُهُ إِلا قَلِيلا) الثَّانِي تَفْسِيرٌ لِلأَوَّلِ , وَبَيَان أَنَّ قَوْلهَا "كُلّه" أَيْ غَالِبُهُ اهـ. فهذا الحديث يدل على جواز الصيام بعد نصف شعبان، ولكن لمن وصله بما قبل النصف. 3- ويستثنى من هذا النهي أيضا من يصوم قضاء رمضان. قال النووي رحمه الله في المجموع (6/399) : قَالَ أَصْحَابُنَا: لا يَصِحُّ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ عَنْ رَمَضَانَ بِلا خِلافٍ. . . فَإِنْ صَامَهُ عَنْ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَجْزَأَهُ، لأَنَّهُ إذَا جَازَ أَنْ يَصُومَ فِيهِ تَطَوُّعًا لَهُ سَبَبٌ فَالْفَرْضُ أَوْلَى. . وَلأَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ , فَقَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ ; لأَنَّ وَقْتَ قَضَائِهِ قَدْ ضَاقَ اهـ. ويوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان إذا حال دون رؤية الهلال ليلة الثلاثين غيم أو غبار أو نحو ذلك، وسمي يوم الشك، لأنه مشكوك فيه، هل هو آخر يوم من شعبان أو أول يوم من رمضان. وخلاصة الجواب: لا حرج من قضاء رمضان في النصف الثاني من شعبان، وهذا لا يشمله نهي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الصيام إذا انتصف شعبان. فصيامك الأيام الثلاثة صحيح، وعليك بصيام الأيام المتبقية قبل دخول رمضان. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49884 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3235 الحامل والمرضع تفطران وتقضيان ولا يجزئهما الإطعام [السُّؤَالُ] ـ[قرأت أنه يجوز للحامل والمرضع ترك الصيام مع الإطعام بدون قضاء , ويستدل له بما ورد عن ابن عمر في ذلك , ما صحة هذا؟ أفيدونا بالدليل بارك الله فيكم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف العلماء في حكم الحامل والمرضع إذا أفطرتا على عدة أقوال: القول الأول: عليهما القضاء فقط، وهذا مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله. وقال به من الصحابة علي بن أبي طالب رضي الله عنه. القول الثاني: إن خافتا على أنفسهما فعليهم القضاء فقط، وإن خافتا على ولديهما فعليهما القضاء وإطعام مسكين عن كل يوم، وهو مذهب الإمامين الشافعي وأحمد. وحكاه الجصاص عن ابن عمر رضي الله عنهما. القول الثالث: عليهما الإطعام فقط، ولا قضاء عليهما. وقال به من الصحابة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وحكاه ابن قدامة في المغني (3/37) عن ابن عمر أيضاً رضي الله عنهما. روى أبو داود (2318) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ قَالَ كَانَتْ رُخْصَةً لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ وَهُمَا يُطِيقَانِ الصِّيَامَ أَنْ يُفْطِرَا وَيُطْعِمَا مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا وَالْحُبْلَى وَالْمُرْضِعُ إِذَا خَافَتَا قَالَ أَبُو دَاوُد يَعْنِي عَلَى أَوْلادِهِمَا أَفْطَرَتَا وَأَطْعَمَتَا. قال النووي: إسناده حسن. وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَزَادَ فِي آخِرِهِ: وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ لأُمِّ وَلَدٍ لَهُ حُبْلَى: أَنْتَ بِمَنْزِلَةِ الَّتِي لا تُطِيقُهُ فَعَلَيْك الْفِدَاءُ , وَلا قَضَاءَ عَلَيْك , وَصَحَّحَ الدَّارَ قُطْنِيُّ إسْنَادَهُ. قاله الحافظ في "التلخيص". وقد حكى الجصاص في " أحكام القرآن" اختلاف الصحابة في هذه المسألة فقال: " اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ ; فَقَالَ عَلِيٌّ:: عَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ إذَا أَفْطَرَتَا وَلا فِدْيَةَ عَلَيْهِمَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عَلَيْهِمَا الْفِدْيَةُ بِلا قَضَاءٍ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرُ: عَلَيْهِمَا الْفِدْيَةُ وَالْقَضَاءُ " اهـ. واستدل من قالوا بأن عليهما القضاء فقط بعدة أدلة: 1- ما رواه النسائي (2274) عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ الْمُسَافِرِ نِصْفَ الصَّلاةِ، وَالصَّوْمَ، وَعَنْ الْحُبْلَى وَالْمُرْضِعِ) . صححه الألباني في صحيح النسائي. فجعل النبي صلى الله عليه وسلم حكم الحامل والمرضع كالمسافر، والمسافر يفطر ويقضي فكذلك الحامل والمرضع. انظر: "أحكام القرآن" للجصاص. 2- القياس على المريض، فكما أن المريض يفطر ويقضي فكذلك الحامل والمرضع. انظر: المغني (3/37) ، "المجموع" (6/273) . وقد اختار هذا القول جماعة من العلماء. قال الشيخ ابن باز في مجموع الفتاوى (15/225) : "الحامل والمرضع حكمهما حكم المريض، إذا شق عليهما الصوم شرع لهما الفطر، وعليهما القضاء عند القدرة على ذلك، كالمريض، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يكفيهما الإطعام عن كل يوم: إطعام مسكين، وهو قول ضعيف مرجوح، والصواب أن عليهما القضاء كالمسافر والمريض؛ لقول الله عز وجل: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/184" اهـ. وقال أيضا في مجموع الفتاوى (15/227) : "الصواب في هذا أن على الحامل والمرضع القضاء وما يروى عن ابن عباس وابن عمر أن على الحامل والمرضع الإطعام هو قول مرجوح مخالف للأدلة الشرعية، والله سبحانه يقول: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/185. والحامل والمرضع تلحقان بالمريض وليستا في حكم الشيخ الكبير العاجز بل هما في حكم المريض فتقضيان إذا استطاعتا ذلك ولو تأخر القضاء " اهـ. وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (10/220) : " إن خافت الحامل على نفسها أو جنينها من صوم رمضان أفطرت وعليها القضاء فقط، شأنها في ذلك شأن المريض الذي لا يقوى على الصوم أو يخشى منه على نفسه مضرة، قال الله تعالى: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/185. وكذا المرضع إذا خافت على نفسها إن أرضعت ولدها في رمضان، أو خافت على ولدها إن صامت ولم ترضعه أفطرت وعليها القضاء فقط " اهـ. وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" أيضا (10/226) : " أما الحامل فيجب عليها الصوم حال حملها إلا إذا كانت تخشى من الصوم على نفسها أو جنينها فيرخص لها في الفطر وتقضي بعد أن تضع حملها وتطهر من النفاس. . . ولا يجزئها الإطعام عن الصيام، بل لا بد من الصيام ويكفيها عن الإطعام " اهـ. وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (6/220) بعد أن ذكر اختلاف العلماء في حكم المسألة، واختار أن عليهما القضاء فقط، قال: " وهذا القول أرجح الأقوال عندي، لأن غاية ما يكون أنهما كالمريض والمسافر يلزمهما القضاء فقط " اهـ. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49794 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3236 لا تتذكر هل قضت ما عليها من الصيام أم لا [السُّؤَالُ] ـ[في رمضان الماضي أفطرت بسبب العادة الشهرية، وأنا الآن لا أتذكر. هل قضيت أم لا؟ ولكن يغلب على ظني أنني قضيت. ماذا أفعل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يلزمك القضاء، ويكفيك العمل بغلبة الظن. والعمل بغلبة الظن في العبادات ورد به الشرع، فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ ثُمَّ لِيُسَلِّمْ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ) رواه البخاري (401) ومسلم (572) . قال النووي: فِيهِ دَلِيل لِأَبِي حَنِيفَة - رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى - وَمُوَافِقِيهِ مِنْ أَهْل الْكُوفَة وَغَيْرهمْ مِنْ أَهْل الرَّأْي عَلَى أَنَّ مَنْ شَكَّ فِي صَلَاته فِي عَدَد رَكَعَات تَحَرَّى وَبَنَى عَلَى غَالِب ظَنّه , وَلَا يَلْزَمُهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَقَلّ وَالْإِتْيَان بِالزِّيَادَةِ وَظَاهِر هَذَا الْحَدِيث - حُجَّة لَهُمْ اهـ. وصحح شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (23/5-16) أن المراد بالتحري في هذا الحديث العمل بغلبة الظن، وضعف ما قاله بعض العلماء من أن المراد العمل باليقين وهو البناء على الأقل، كما لو شك هل صلى ركعتين أم ثلاثا فيجعلها ركعتين. وقال الشيخ ابن عثيمين في منظومته في قواعد الفقه وأصوله: وإن تعذر اليقين فارجعا لغالب الظن تكن متبعاً والمعنى أن الإنسان إذا لم يمكنه العمل باليقين فإنه يعمل بغلبة الظن. فإذا كان يغلب على ظنك أنك قضيت فلا شيء عليك، ولا يلزمك قضاء هذه الأيام مرة أخرى. أما لو شكت المرأة هل قضت ما عليها أم لا؟ ولم يغلب على ظنها أحد الأمرين فإنه يلزمها القضاء. سئل الشيخ ابن عثيمين في فتاوى الصيام (ص372) إذا أفطرت المرأة أياما من رمضان ولكنها نسيت: هل صامت تلك الأيام أم لا؟ علما أن كل ما تذكره أنه لم يبق عليها إلا يوم واحد، فهل تعيد صيام تلك الأيام أم تبني على ما تتيقنه؟ فأجاب: إذا كانت لم تتيقن أن عليها إلا يوما واحدا فإنه لا يلزمها إلا صيام يوم واحد، ولكن إذا كانت تتيقن أن عليها يوما واحدا، ولكنها لا تدري أصامته أم لا؟ وجب عليها أن تصومه، لأن الأصل بقاؤه في ذمتها، وأنها لم تبرئ ذمتها منه فيجب عليها أن تصومه، بخلاف ما إذا شكت: هل عليها صوم يوم أو يومين؟ فإنه لا يلزمها إلا يوم، وأما من علمت أن عليها صوم يوم أو أكثر ولكنها شكت هل صامته أم لا فإنه يجب عليها أن تصومه، لأن الأصل بقاؤه اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49667 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3237 لم تصم ما عليها من قضاء رمضان تسع سنوات [السُّؤَالُ] ـ[أنا فتاة كنت ضائعة، والحمد الله اهتديت، ولكن سؤالي بأني قبل كنت أصوم رمضان ولكن الدَّيْن الذي عليَّ لم أصمه لمدة 9 سنوات أي: حوالي 50 يوماً، وأنا لا أستطيع أن أصومها كلها، وأستطيع النصف، والباقي سأتبرع به بمبلغ، هل يجوز؟ وكم يكون المبلغ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الحمد لله الذي أنعم عليك بالهداية، والتوفيق لما يحب ويرضى، وأبشري بمغفرة الله، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، ومن أقبل على الله أقبل الله عليه. ثانياً: من أفطر في رمضان لعذر شرعي كالمسافر والمريض والمرأة الحائض فإنه يجب عليه قضاء ما أفطر من الأيام، إذا كان قادراً على الصيام، ولا يجوز له العدول إلى الإطعام وهو يقدر على الصيام، لقول الله تعالى: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/185. أي: يجب عليه أن يصوم عدد الأيام التي أفطرها. وعَنْ مُعَاذَةَ قَالَتْ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ: مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلا تَقْضِي الصَّلاةَ؟ فَقَالَتْ: كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ، فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَلا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلاةِ. رواه مسلم (335) . ثالثاً: ولا يجب عليك أن تصوميها متتابعة، فلك أن تفرقيها، فتصومي يوماً وتفطري يوماً، أو تصومي عدة أيام متتابعة وتفطري عدة أيام وهكذا.. حسب الأيسر والأسهل لك حتى يوفقك الله وتتمي ما عليك من الصيام. وعليك البداءة بقضاء رمضان من السنة الفائتة أولاً، حتى لا يدخل رمضان التالي قبل صيامها. وانظري السؤال رقم (26865) فإنه مهم. واستعيني بالله تعالى واطلبي منه أن يعينك على عبادته، وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) . وفقك الله لكل خير. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 47982 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3238 حكم القول بأن أخلاق الكفّار أفضل من أخلاق المسلمين [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن يقول المسلم أن بعض الكفار أحسن خلقاً من بعض المسلمين؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا قال إن أخلاق الكفار أفضل من أخلاق المسلمين – بهذا الإطلاق - فهذا محرم لا شك في ذلك، بل يستتاب صاحبه، لأن رأس الأخلاق وأهمها الخلق مع الله تعالى، والأدب معه وترك عبادة ما سواه، وهذا متحقق في المسلمين دون الكافرين، كما أن فيه تعميما على كل المسلمين، ولا بد أن يكون منهم من هو قائم بأخلاق الإسلام، وبشرع الله تعالى. وإن فضل بعض أخلاق الكفار على أخلاق بعض المسلمين، فهذا من الخطأ، إذ يكفي الكفار سوء خلق ما فعلوه مع ربهم جل وعلا وأنبيائه عليهم الصلاة والسلام، فقد سبوا الله تعالى، وادعوا له الولد، وقدحوا في أنبيائه وكذبوهم، فأي خلق يفيدهم مع الناس إذا كانت أخلاقهم مع ربهم جل وعلا من أسوأ الأخلاق. ثم كيف نرى أخلاق عشرة أو مائة من الكفار، ونحكم عليهم بأن أخلاقهم جيدة، ونسينا أخلاق أكثرهم من اليهود والنصارى، فكم غدروا بالمسلمين، وكم أفسدوا ديارهم، وكم فتنوهم عن دينهم، وكم أضاعوا من ثرواتهم، وكم مكروا وتربصوا وتجبروا وطغوا .... إن خلق بعضهم الجيد لا يساوي شيئا أمام خلق أكثرهم القبيح، فضلا على أن خلقهم هذا لا يقصدون منه نفس الخلق، وإنما يقصدون منه نفع أنفسهم، واستقامة أمورهم الدنيوية، وتحصيل مصالحهم، في أغلب أحوالهم. وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن سائل يعقد مقارنة أو موازنة بين العمال من المسلمين وغير المسلمين فيقول: إن غير المسلمين هم من أهل الأمانة، وأستطيع أن أثق فيهم، وطلباتهم قليلة، وأعمالهم ناجحة، أما أولئك فهم على العكس تماما، فما رأيكم سماحة الشيخ؟ فأجاب: " هؤلاء ليسوا بمسلمين على الحقيقة، هؤلاء يدعون الإسلام، أما المسلمون في الحقيقة فهم أولى وأحق وهم أكثر أمانة وأكثر صدقا من الكفار، وهذا الذي قلته غلط لا ينبغي أن تقوله، والكفار إذا صدقوا عندكم وأدوا الأمانة حتى يدركوا مصلحتهم معكم، وحتى يأخذوا الأموال عن إخواننا المسلمين، فهذه لمصلحتهم؛ فهم ما أظهروا هذا لمصلحتكم ولكن لمصلحتهم هم، حتى يأخذوا الأموال وحتى ترغبوا فيهم. فالواجب عليكم ألا تستقدموا إلا الطيبين من المسلمين؛ وإذا رأيتم مسلمين غير مستقيمين فانصحوهم ووجهوهم فإن استقاموا وإلا فردُّوهم إلى بلادهم واستقدموا غيرهم، وطالبوا الوكيل الذي يختار لكم أن يختار الناس الطيبين المعروفين بالأمانة، المعروفين بالصلاة، المعروفين بالاستقامة؛ لا يستقدم من هبّ ودبّ. وهذا لا شك أنه من خداع الشيطان، أن يقول لكم: إن هؤلاء الكفار أحسن من المسلمين، أو أكثر أمانة، أو كذا أو كذا؛ كله لما يعلمه عدو الله وجنوده من الشر العظيم في استقدام الكفرة واستخدامهم بدل المسلمين؛ فلهذا يرُغِّب فيهم ويزين لكم استقدامهم حتى تدعوا المسلمين، وحتى تستقدموا أعداء الله، إيثارا للدنيا على الآخرة ولا حول ولا قوة إلا بالله. وقد بلغني عن بعضهم أنه يقول: إن المسلمين يصلون ويعطلون الأعمال بالصلاة، والكفار لا يصلون حتى يأتوا بأعمال أكثر، وهذا أيضا من جنس ما قبله، ومن البلاء العظيم؛ أن يعيب المسلمين بالصلاة ويستقدم الكفار لأنهم لا يصلون، فأين الإيمان؟ وأين التقوى؟ وأين خوف الله؟ أن تعيب إخوانك المسلمين بالصلاة! نسأل الله السلامة والعافية. " فتاوى نور على الدرب وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن وصف الكفار بالصدق والأمانة وحسن العمل؟ فأجاب بقوله: هذه الأخلاق إن صحت مع أن فيهم الكذب والغدر والخيانة والسطو أكثر مما يوجد في بعض البلاد الإسلامية وهذا معلوم، لكن إذا صحت هذه فإنها أخلاق يدعو إليها الإسلام، والمسلمون أولى أن يقوموا بها ليكسبوا بذلك حسن الأخلاق مع الأجر والثواب. أما الكفار فإنهم لا يقصدون بها إلا أمرا ماديا فيصدقون في المعاملة لجلب الناس إليهم. لكن المسلم إذا تخلق بمثل هذه الأمور فهو يريد بالإضافة إلى الأمر المادي أمرا شرعيا وهو تحقيق الإيمان والثواب من الله - عز وجل - وهذا هو الفارق بين المسلم والكافر. أما ما زعم من الصدق في دول الكفر شرقية كانت أم غربية فهذا إن صح فإنما هو نزر قليل من الخير في جانب كثير من الشر ولو لم يكن من ذلك إلا أنهم أنكروا حق من حقه أعظم الحقوق وهو الله - عز وجل – {إن الشرك لظلم عظيم} . فهؤلاء مهما عملوا من الخير فإنه نزر قليل مغمور في جانب سيئاتهم، وكفرهم، وظلمهم فلا خير فيهم. مجموع الفتاوى 3 وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:" ولا يستعان بأهل الذمة في عمالة ولا كتابة لأنه يلزم منه مفاسد أو يفضي إليها، وسئل أحمد في رواية أبي طالب في مثل الخراج فقال: لا يستعان بهم في شيء " الفتاوى الكبرى 5/539 وجاء في فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب مالك: " وتفضيل الكافر على المسلم إن كان من حيث الدين فهو ردة وإلا فلا " 2/348 وراجع السؤال رقم (13350) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 43270 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3239 كانت لا تقضي الصوم أيام حيضها من سنوات [السُّؤَالُ] ـ[امرأة تبلغ من العمر خمسين عاما وكانت إذا حاضت في رمضان تفطر أيام حيضها ثم لا تقضي تلك الأيام جهلا منها بوجوب القضاء ثم علمت الآن وجوب القضاء فماذا تفعل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عليها قضاء تلك الأيام، والأحوط أن تطعم عن كل يوم مسكيناً. سئل الشيخ ابن باز (15/184) : " لي أخت مرّ عليها عدة أعوام لم تقض ما أفطرته في العادة الشهرية لسبب جهلها بالحكم سيما أن بعض العاميين قالوا لها ليس عليها قضاء في الإفطار، فماذا عليها؟ عليها أن تستغفر الله وتتوب إليه، وعليها أن تصوم ما أفطرت من أيام وتطعم عن كل يوم مسكيناً كما أفتى بذلك جماعة من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو نصف صاع مقداره كيلو ونصف، ولا يسقط عنها ذلك بقول بعض الجاهلات لها أنه لا شيء عليها. قالت عائشة رضي الله عنه: (كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة) . متفق عليه. فإذا جاء رمضان الثاني قبل أن تقضي أثمت، وعليها القضاء والتوبة وإطعام مسكين عن كل يوم إن كانت قادرة، فإن كانت فقيرة لا تستطيع الإطعام أجزأها الصوم مع التوبة وسقط عنها الإطعام، وإن كانت لا تحصي الأيام التي عليها عملت بالظن، وتصوم الأيام التي تظن أنها أفطرتها من رمضان ويكفيها ذلك، ولقول الله عز وجل: (فاتقوا الله ما استطعتم) " اهـ. وسئلت اللجنة الدائمة (10/151) عن امرأة كبيرة تبلغ من العمر ستين سنة، وكانت جاهلة أحكام الحيض سنين عديدة مدة حيضها، لم تقض صوم رمضان ظناً منها أنه لا يقضى حسبما سمعت من أفواه العامة. فأجابت: عليها التوبة إلى الله من ذلك لأنها لم تسأل أهل العلم، وعليها مع ذلك القضاء فتقضي ما تركته من الصيام حسب غلبة ظنها في عدد الأيام وتكفّر عن كل يوم تركته بإطعام مسكين نصف صام من بر أو تمر أو أرز أو نحو ذلك من قوت البلد إذا استطاعت الإطعام فإن كانت لا تستطيع الإطعام سقط عنها وكفاها قضاء الصوم. اهـ. ولمعرفة حكم الإطعام يراجع السؤال رقم: (26865) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 40695 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3240 هل يبدأ بالست من شوال قبل القضاء إذا كان باقي الأيام لا يكفي [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز صيام الست من شوال قبل قضاء ما أفطر من رمضان إذا كان ما تبقى من الشهر لا يكفي لصومهما معا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صيام ست من شوال متعلق بإتمام صيام رمضان على الصحيح، ويدل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ) ، رواه مسلم (1164) فقوله " ثم " حرف عطف يدل على الترتيب والتعقيب، فيدل على أنه لا بد من إتمام صيام رمضان أولا (أداءً وقضاءً) ، ثم يكون بعده صيام ست من شوال، حتى يتحقق الأجر الوارد في الحديث. ولأن الذي عليه قضاء من رمضان يقال عنه: صام بعض رمضان، ولا يقال صام رمضان. لكن إذا حصل للإنسان عذر منعه من صيام ست من شوال في شوال بسبب القضاء، كأن تكون المرأة نفساء وتقضي كل شوال عن رمضان، فإن لها أن تصوم ستا من شوال في ذي القعدة، لأنها معذورة، وهكذا كل من كان له عذر فإنه يشرع له قضاء ست من شوال في ذي القعدة بعد قضاء رمضان، أما من خرج شهر شوال من غير أن يصومها بلا عذر فلا يحصل له هذا الأجر. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى عما إذا كان على المرأة دين من رمضان فهل يجوز أن تقدم الست على الدين أم الدين على الست؟ فأجاب بقوله: " إذا كان على المرأة قضاء من رمضان فإنها لا تصوم الستة أيام من شوال إلا بعد القضاء، ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال) ومن عليها قضاء من رمضان لم تكن صامت رمضان فلا يحصل لها ثواب الأيام الست إلا بعد أن تنتهي من القضاء، فلو فرض أن القضاء استوعب جميع شوال، مثل أن تكون امرأة نفساء ولم تصم يوما من رمضان، ثم شرعت في قضاء الصوم في شوال ولم تنته إلا بعد دخول شهر ذي القعدة فإنها تصوم الأيام الستة، ويكون لها أجر من صامها في شوال، لأن تأخيرها هنا للضرورة وهو (أي صيامها للست في شوال) متعذر، فصار لها الأجر. " انتهى مجموع الفتاوى 20/19، راجع الأسئلة (4082) ، (7863) يضاف إلى ذلك أن القضاء واجب في ذمة من أفطر لعذر بل هو جزء من هذا الركن من أركان الإسلام وعليه فتكون المبادرة إلى القيام به وإبراء الذمة منه مقدمة على فعل المستحب من حيث العموم. راجع السؤال (23429) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 40389 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3241 من أفطر في قضاء رمضان فليس عليه إلا صوم يوم واحد فقط [السُّؤَالُ] ـ[امرأة كانت تقضى يوم من الأيام أفطرت فيها من رمضان بسبب الحيض، فجاءتها العادة الشهرية في هذا اليوم التي تقضيه هل تقضى يوم واحد أم يومان.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يلزمها إلا قضاء الأيام التي أفطرتها من رمضان، فإن هذا القضاء الذي جاءها الحيض فيه، إنما هو بدل عما أفطرته في رمضان، وليس صياما واجبا متجددا. قال ابن حزم في المحلى (6/271) : " ومن أفطر عامدا في قضاء رمضان فليس عليه إلا قضاء يوم واحد فقط، لأن إيجاب القضاء إيجاب شرع لم يأذن به الله تعالى. وقد صح أنه عليه السلام قضى ذلك اليوم من رمضان فلا يجوز أن يزاد عليه غيره بغير نص ولا إجماع ".. وعن بعض السلف عليه قضاء يومين، يوم رمضان ويوم القضاء " اهـ وقال في التاج والإكليل:" من أفطر في قضاء رمضان فإنما يقضي يوما واحدا " 3/387 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39991 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3242 هل تلزم الكفارة مع القضاء فيمن أخره بلا عذر [السُّؤَالُ] ـ[أنا فتاة فاتني قضاء ما علي من صوم لبعض الأيام في السنوات الماضية من عمري فهل يجوز القضاء بالصوم فقط أم الصوم والكفارة وإذا كانت كفارة فما مقدارها؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز للإنسان أن يؤخر قضاء ما عليه من رمضان بلا عذر حتى يدخل رمضان آخر، فإن فعل ذلك لحقه الإثم، واختلف العلماء هل يلزمه مع القضاء كفارة بسبب هذا التأخير أم لا والنصيحة للأخت السائلة أن تحرص على قضاء ما عليها من أيام أولا بأول، حتى لا تتراكم عليها العبادات، وتصبح ذمتها مشغولة، ثم يصعب عليها حينئذ القضاء. وبخصوص مسألة الكفارة، فقد سبق بيان خلاف العلماء في هذه المسألة في السؤال رقم (26865، 21710) ومن السؤالين السابقين تعلمين أنه لا يجب عليك كفارة مع القضاء على القول الراجح، وإنما عليك التوبة إلى الله عز وجل، والعزم على عدم العودة إلى مثل ذلك، وإذا أخرجت الكفارة مع القضاء احتياطاً فلا بأس ومقدار الكفارة إطعام مسكين عن كل يوم من أيام القضاء. راجع السؤال رقم: (43268) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39742 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3243 من أفطر في يوم القضاء فهل يصوم ثلاثة أيام؟ !! [السُّؤَالُ] ـ[أفطرت في يوم قضاء بدون عذر، ما الواجب سمعت البعض يقول إنني أصوم ثلاثة أيام بعده.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قضاء رمضان من الصيام الواجب، الذي لا يجوز للإنسان أن يبطله إلا لعذر شرعي، فإذا دخل الإنسان في صوم قضاء، فإنه يلزمه أن يتمه. راجع السؤال (39752) (39991) وإذا أفطر في قضاء رمضان فإنه يلزمه قضاء ذلك اليوم. وإن كان فطره من غير عذر فإنه يلزمه مع القضاء التوبة إلى الله تعالى من هذه المعصية. أما ما ذكرته من صيام ثلاثة أيام بدلا عنه فهذا لا أصل له. وإنما قال بعض العلماء: عليه يوم يومين، يوم رمضان ويوم القضاء. والصحيح أنه ليس عليه إلا صوم يوم واحد فقط. قال ابن حزم في المحلى (6/271) : " ومن أفطر عامدا في قضاء رمضان فليس عليه إلا قضاء يوم واحد فقط، لأن إيجاب القضاء إيجاب شرع لم يأذن به الله تعالى. وقد صح أنه عليه السلام قضى ذلك اليوم من رمضان فلا يجوز أن يزاد عليه غيره بغير نص ولا إجماع " اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39864 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3244 لا يصح جمع قضاء رمضان مع ست شوال بنية واحدة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن أصوم الستة أيام من شوال بنفس النية بقضاء الأيام التي أفطرت فيها في رمضان بسبب الحيض؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يصح ذلك، لأن صيام ستة أيام من شوال لا تكون إلا بعد صيام رمضان كاملاً. قال الشيخ ابن عثيمين في "فتاوى الصيام" (438) : "من صام يوم عرفة، أو يوم عاشوراء وعليه قضاء من رمضان فصيامه صحيح، لكن لو نوى أن يصوم هذا اليوم عن قضاء رمضان حصل له الأجران: أجر يوم عرفة، وأجر يوم عاشوراء مع أجر القضاء، هذا بالنسبة لصوم التطوع المطلق الذي لا يرتبط برمضان، أما صيام ستة أيام من شوال فإنها مرتبطة برمضان ولا تكون إلا بعد قضائه، فلو صامها قبل القضاء لم يحصل على أجرها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر) ومعلوم أن من عليه قضاء فإنه لا يعد صائماً رمضان حتى يكمل القضاء" اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39328 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3245 لا يجوز إخراج نقود بدلا من الإطعام في فدية الصيام [السُّؤَالُ] ـ[رجل كبير مريض لا يستطيع الصوم فهل يجزيء إخراج النقود عن الإطعام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " يجب علينا أن نعلم قاعدة مهمة، وهي أن ما ذكره الله عز وجل بلفظ الإطعام أو الطعام وجب أن يكون طعاماً، وقد قال تعالى في الصوم: (وَعَلَى ?لَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) وقال في كفارة اليمين: (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذ?لِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَ?حْفَظُو?اْ أَيْمَا?نَكُمْ كَذ?لِكَ يُبَيِّنُ ?للَّهُ لَكُمْءَايَـ?تِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) . وفي زكاة الفطر: فرض النبي صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من طعام، فما ذكر في النصوص بلفظ الطعام أو الإطعام فإنه لا يجزىء عنه الدراهم. وعلى هذا فالكبير الذي كان فرضه الإطعام بدلاً عن الصوم لا يجزىء أن يخرج بدلاً عنه دراهم، لو أخرج بقدر قيمة الطعام عشر مرات لم يجزئه؛ لأنه عدول عما جاء به النص، كذلك الفطرة لو أخرج قدر قيمتها عشر مرات لم يجزىء عن صاع من الحنطة؛ لأن القيمة غير منصوص عليها. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) . وعلى هذا فنقول للأخ الذي لا يستطيع الصوم لكبره: أطعم عن كل يوم مسكيناً، ولك في الإطعام صفتان: الصفة الأولى: أن توزع عليهم في بيوتهم تعطي كل واحد ربع الصاع المعروف من الرز وتجعل معه ما يؤدمه. الصفة الثانية: أن تصنع طعاماً وتدعو إليه عدد المساكين الذين يجب أن تطعمهم، يعني يمكن إذا مضى عشرة أيام تصنع عشاء وتدعو عشرة من الفقراء يأكلون، وكذلك في العشر الثانية، والعشر الثالثة، كما كان أنس بن مالك رضي الله عنه حين كبر وصار لا يستطيع الصوم يطعم ثلاثين فقيراً في آخر يوم من رمضان " انتهى. [الْمَصْدَرُ] "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (19/116) . الحديث: 39234 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3246 صامت أيام الحيض جهلاَ فماذا عليها؟ [السُّؤَالُ] ـ[لقد صمت كل رمضان ولم أكن أعرف أن أيام الدورة لا تصام ولا أنه يجب قضاؤها بعد ذلك وأريد القضاء عن تلك الأيام بالصوم وإطعام مسكين عن كل يوم ولكنى لا أعرف أشخاصا محددين مساكين لكي أطعمهم فهل يجوز التبرع لأي جهة كالأيتام أو الجوامع بدلا من ذلك وكم يكون كفارة كل يوم بالجنيهات المصرية؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أجمع العلماء على أن الحائض لا يجب عليها الصيام، ولا يصح منها إن صامت. وأن عليها قضاء الأيام التي أفطرتها من رمضان بسبب الحيض. راجع السؤال رقم (33594) . فالواجب عليك هو قضاء تلك الأيام، مع التوبة إلى الله تعالى من تقصيرك في طلب العلم الذي أدى بك إلى الوقوع في هذا الفعل المحرم. وإذا كان قضاؤك لهذه الأيام سيكون في نفس العام قبل أن يأتي رمضان آخر، فليس عليك إلا القضاء فقط، ولا إطعام عليك. وإن كنت أخرت القضاء بدون عذر حتى دخل رمضان آخر فاختلف العلماء هل يجب مع القضاء إطعام أم لا؟ وسبق في إجابة السؤال (26865) أنه لا يجب الإطعام. وإذا أردت الأخذ بالأحوط وأطعمت مع القضاء كان ذلك حسناً. والمراد بالإطعام أن تطعمي عن كل يوم مسكيناً، نصف صاع من قوت البلد كالأرز والتمر. وقد قَدَّره الشيخ ابن باز بكيلو ونصف من الأرز على سبيل التقريب. "فتاوى رمضان" (ص 545) . وجمهور العلماء على أنه لا تجزيء القيمة في الفدية المخرجة في الصيام، فليس لك أن تخرجيها نقودا، وإنما تُخرج طعاما للمساكين، كما سبق. سئلت اللجنة الدائمة عن رجل كبير في السن لا يستطيع الصيام، فأجابت: يرخص لك في الإفطار ما دمت على حالك من العجز، وعليك عن كل يوم أفطرته إطعام مسكين، ولك أن تخرجها مجموعة، ولك أن توزعها متفرقة، لقوله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الحج / 78. ولا يجزئك إعطاء النقود بدلاً من الإطعام اهـ. " فتاوى اللجنة الدائمة " (10/163) . ولك أن تدفعي المال لإحدى الجمعيات الخيرية، أو لإمام مسجد معروف بالديانة والاستقامة، لينوب عنك في شراء الطعام وتوزيعه على المساكين، وما أكثرهم في هذه الأيام. ولك أن تصنعي طعاما يأكله مساكين بقدر ما عليك من الأيام، قال البخاري: وأما الشيخ الكبير إذا لم يطق الصيام فقد أطعم أنس بعد ما كبر عاما أو عامين كل يوم مسكينا خبزا ولحما وأفطر اهـ. ويجوز إخراج هذه الكفارة للأيتام إن كانوا فقراء؛ إذ ليس كل يتيم فقيرا أو مسكينا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38867 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3247 يجوز صيام اليوم الثاني من شوال [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز صيام القضاء في ثاني أيام العيد أو ثالث أيام العيد؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عيد الفطر هو يوم واحد فقط، وهو اليوم الأول من شوال. وأما ما اشتهر عند الناس من أن عيد الفطر ثلاثة أيام، فهذا مجرد عرف اشتهر بين الناس لا يترتب عليه حكم شرعي. قال البخاري رحمه الله بَاب صَوْمِ يَوْمِ الْفِطْرِ ثم روى (1992) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْفِطْرِ، وَالنَّحْرِ. فعلى هذا فيوم الفطر يوم واحد فقط، وهو الذي يحرم صومه، أما اليوم الثاني أو الثالث من شوال فلا يحرم صومهما، فيجوز صومهما عن قضاء رمضان أو تطوعاً. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38355 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3248 الصيام بنية القضاء والتطوع [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز صيام التطوع بنيتين نية قضاء ما فاته من رمضان ونية سنة؟ وما حكم الصوم بالنسبة للمسافر والمريض؟ إذا كانا قادرين على الصيام فهل يقبل منهما أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز صيام التطوع بنيتين، نية القضاء ونية السنة. والأفضل للمسافر سفر قصر أن يفطر، ولكنه لو صام أجزأه، والأفضل لمن يشق عليه الصوم مشقة فادحة لمرضه أن يفطر، وإن علم أو غلب على ظنه أنه يصيبه ضرر أو هلاك بصومه وجب عليه الفطر؛ دفعاً للحرج والضرر، وعلى كل من المسافر والمريض قضاء صيام ما أفطره من أيام رمضان في أيام أخر، ولكنه لو صام مع الحرج أجزأه. وبالله التوفيق [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (10/383) الحديث: 34564 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3249 خرج منها شيء بعد الفحص الطبي [السُّؤَالُ] ـ[هل يجب على المرأة أن تتطهر بعد أن يجرى عليها اختبار المسحة أو غيرها من الفحوصات الأخرى المتعلقة بأمراض النساء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لم يتضح ما هو اختبار المسحة. لكن إن كانت هناك فحوصات طبية تضطرها إلى أن يكون ذلك عن طريق الفرج كعلاج الرحم ونحوه، فإن خرج في أثناء ذلك شيء من الرحم أو المهبل إما دم أو سائل ونحوه فعليها أن تتطهر الطهارة الصغرى (الوضوء) ، أما إذا تبيّن أن الدم الخارج دم حيض كأن يكون وافق الدورة فعليها الاغتسال. [الْمَصْدَرُ] الشيخ سعد الحميد الحديث: 11780 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3250 هل تبدأ المرأة بقضاء رمضان أو بستّ شوال [السُّؤَالُ] ـ[بالنسبة لصيام ستة من أيام شوال بعد يوم العيد، هل للمرأة أن تبدأ بصيام الأيام التي فاتتها بسبب الحيض ثم تتبعها بالأيام الستة أم ماذا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا أرادت الأجر الوارد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: " مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ. " رواه مسلم رقم 1984 فعليها أن تتمّ صيام رمضان أولا ثم تتبعه بست من شوال لينطبق عليها الحديث وتنال الأجر المذكور فيه. أمّا من جهة الجواز فإنه يجوز لها أن تؤخرّ القضاء بحيث تتمكن منه قبل دخول رمضان التالي. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 4082 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3251 هل يشرع في صيام الست وعليه قضاء من رمضان [السُّؤَالُ] ـ[هل من صام ستة أيام من شوال بعد شهر رمضان إلا أنه لم يكمل صوم رمضان، حيث قد أفطر من شهر رمضان عشرة أيام بعذر شرعي، هل يثبت له ثواب من أكمل صيام رمضان وأتبعه ستاً من شوال، وكان كمن صام الدهر كله؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً..]ـ [الْجَوَابُ] تقدير ثواب الأعمال التي يعملها العباد لله هو من اختصاص الله جل وعلا، والعبد إذا التمس الأجر من الله جل وعلا واجتهد في طاعته فإنه لا يضيع أجره، كما قال تعالى: (إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً) ، والذي ينبغي لمن كان عليه شيء من أيام رمضان أن يصومها أولا ثم يصوم ستة أيام من شوال؛ لأنه لا يتحقق له اتباع صيام رمضان لست من شوال إلا إذا كان قد أكمل صيامه. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] فتاوى الجنة الدائمة 10/392. الحديث: 7863 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3252 حصل له مشقة في صيام النفل، فهل الأفضل أن يصوم أو يفطر؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل الأولى في صيام النفل عند وجود المشقة الإفطار أو إتمام الصيام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "صوم النفل صاحبه بالخيار بين إتمامه أو قطعه، وإتمامه أفضل، إلا إذا كان هناك مشقة في إتمامه؛ فقطعه أفضل أخذاً بالتيسير. وبالله التوفيق، وصلى الله علي نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ عبد العزيز آل الشيخ.. الشيخ صالح الفوزان.. الشيخ بكر أبو زيد. "فتاوى اللجنة الدائمة. المجموعة الثانية" (9/299) . [الْمَصْدَرُ] "فتاوى اللجنة الدائمة. المجموعة الثانية" (9/299) الحديث: 132444 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3253 حكم الدعوة إلى صيام جماعي في يوم معين والدعاء فيه [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الدعوة إلى صيام جماعي في يوم معين، والدعاء فيه جماعياً بدعاء معين (محدد ماذا يُقال في الدعاء) ، وفي وقت معين (كأن يقال: ندعو جميعاً في الساعة كذا بتوقيت مكة المكرمة) لنصرة إخوة مسلمين في فلسطين، أو غيرها من بلاد المسلمين، ويُطلب نشر وتوزيع هذه الدعوة سواء بالجوال أو الإنترنت.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله كانت الأزمات تمر بالمسلمين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن بعدهم، ولم يكونوا يتواعدون يوماً يصومون فيه، ويدعون فيه في وقت محدد بدعاء محدد، فعلم بذلك أن هذا الفعل بدعة، ولو كان خيراً لفعله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم الصيام الجماعي والاتفاق على الإفطار سواء كان في رمضان أو الاثنين والخميس؟ فأجاب: "لا، أهم شيء الاتفاق على الصيام، نحن نرى أن هذا مبدأ لم يكن عليه الصحابة أنهم يتواعدون أن يصوموا الاثنين والخميس وما أشبه ذلك، ويخشى أن تتطور المسألة حتى يرتقي إلى ما هو أشد، ثم نشبه أهل التصوف الذين يتفقون على ذكر معين يفعلونه جماعة، فلذلك يقال للشباب: من صام غداً فسيكون الإفطار عند فلان مثلاً، هذا لا بأس به، لكن الاتفاق على صوم يومٍ معين هذا ليس من هدي الصحابة، ثم كون الإنسان يعوّد نفسه أنه لا يصوم إلا إذا صام معه غيره، هذا يُعَدُّ مشكلة، فكون الإنسان يصوم من طوع نفسه سواء كان معه غيره أو لا، هذا هو الذي عليه السلف الصالح" انتهى. "لقاء الباب المفتوح" (174/29) . وسئل أيضاً عن قوم في شهر رمضان المبارك يجتمعون على قراءة بعض الأذكار والمأثورات، وذلك قبل موعد الإفطار وبصورة جماعية هل يجوز لنا ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: "لقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا خطب يوم الجمعة تحمرّ عيناه ويعلو صوته ويشتدّ غضبه فيقول: (أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة في النار) ولم يكن صلى الله عليه وآله وسلم عند الإفطار يجتمع إليه الناس حتى يذكروا الله عز وجل أو يدعوا الله عز وجل بصوت مرتفع جماعي، وإنما كان الإنسان يفطر مع أهله، ويدعو كل واحد منهم لنفسه بدعاء خفي بينه وبين ربه، وإذا لم تكن هذه العادة التي أشار إليها السائل معروفة في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنها تكون من البدع التي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبَيَّن أن كل بدعة ضلالة وأن كل ضلالة في النار" انتهى. "فتاوى نور على الدرب" (212/6-7) . وسئل الشيخ عبد الرحمن السحيم: في الفترة الماضية كانت دائما تصلنا رسائل على البريد الإلكتروني يطلبون منا صيام يوم معين والصلاة والقيام في ذلك اليوم من أجل نصرة إخوتنا في فلسطين، من باب الحث على الدعاء والتواصي بالحق. فهل هذا بدعة؟ أن نتفق مجموعة كل منا يقوم في بيته في ليلة معيّنة ندعو بما ورد في الكتاب والسنة؟ فأجاب: "أما أن يُعمل العمل الصالح من أجل نصرة إخواننا في فلسطين، فأظن أن أصل هذه البدعة جاءت من بلاد النصارى. وقد قُتِل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سبعون من القرّاء ومع ذلك ما حُفظ أنه صلى الله عليه وسلم صام لأجلهم أو صلّى، وإنما دعا الله عز وجل كما في الصحيحين. كما أنه صلى الله عليه وسلم بعث الجيش يوم مؤتة وعلِم بمقتل أصحابه ولم يُنقل عنه من ذلك شيء. وإنما كان مِن هديه لى الله عليه وسلم أنه يدعو ويجتهد في الدعاء. كذلك اجتهاده صلى الله عليه وسلم في الدعاء يوم بدر. وكذلك الدعاء من على منابر الجمعة يُذكّر الخطباء بذلك. وأما الاتفاق على قيام ليلة معيّنة فإن هذا ليس له أصل في الشرع. إلا أن يقوم شخص فيقوم بقيامه شخص أو أشخاص دون سابق موعد أو اتفاق مسبق. فقد صلّى النبي صلى الله عليه وسلم وصلّى بصلاته ابن عمه ابن عباس رضي الله عنهما، كما أنه عليه الصلاة والسلام صلّى مرّة وصلّى بصلاته حذيفة رضي الله عنه. ومرة اقتدى به ابن مسعود رضي الله عنه. وكل هذا دون اتفاق، ودون سابق موعد. ومثله ما إذا قام الرجل يُصلّي وقام معه من قام من أولاده. أو نام عند الإنسان رجل صالح فقام من الليل فإنه يجوز حينئذ الاقتداء به. وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تخصيص ليلة الجمعة بقيام دون بقية الليالي خشية أن يظن ظانّ أن لها مزية على غيرها. ولا أرى أن هناك حاجة للاتفاق على قيام ليلة معينة، بل كل منكن تُوصي صاحبتها أن تقوم الليل وتجتهد في الدعاء للمستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها " انتهى بتصرف يسير من موقع المشكاة. فالذي يظهر لنا أن هذه الدعوة غير مشروعة، ولا ينبغي المشاركة فيها ولا الدعوة إليها. والمطلوب من المسلم أن يدعو الله لإخوانه المسلمين في كل مكان، من غير أن يحدد ذلك بوقت محدد، أو يصوم من أجل ذلك. نسأل الله تعالى أن ينجي المستضعفين من المؤمنين، وأن يهلك الظالمين المعتدين. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 132417 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3254 صيام النذر مقدم على صيام الست من شوال [السُّؤَالُ] ـ[حدث أن أصبت بمرض ونذرت إن شفيت منه أن أصوم خمسة عشر يوماً لله عز وجل ولم أحدد في أي وقت، وقد شفيت والحمد لله وبدأت الصيام في شهر رجب، وصمت خمسة أيام وتعبت، ثم صمت خمسة أيام في شعبان وتعبت، ثم جاء رمضان، فصمته، ونحن الآن في شهر شوال. فهل الأولى أن أصوم الست من شوال أو أصوم الخمسة الأيام المتبقية من النذر؟ أفيدوني بارك الله فيكم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "عليك أولاً أن تصومي بقية النذر، ثم تصومي الستة من شوال إذا تمكنت من ذلك، وإن تركتيها فلا بأس، لأن الصوم للستة من شوال مستحب وليس بواجب. أما صوم النذر فهو واجب فريضة فالواجب عليك أن تبدئي بالفريضة قبل النافلة، وإذا كنت قد نويت التتابع؛ أنك تصومين خمسة عشر يوماً متتابعة فلابد أن تصوميها متتابعة، ولا يجوز تفريقها بل عليك أن تصوميها متتابعة، والصوم السابق يلغى. أما إذا نويت صيامها غير متتابعة فقد وجب عليك الباقي وهي خمسة أيام تصومينهن إن شاء الله وانتهى الأمر. ولا ينبغي أن تنذري بعد ذلك، فالنذر لا ينبغي، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا تَنْذِرُوا، فَإِنَّ النَّذْرَ لَا يَرُدُّ شَيْئًا مِنْ الْقَدَرِ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ) . فلا ينبغي النذر لا للمريض ولا غير المريض، ولكن متى نذر الإنسان طاعة لله وجب عليه الوفاء كالصوم والصلاة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ) رواه البخاري في الصحيح. فإذا نذر الإنسان صوم أيام معدودة، أو صلاة ركعتين، أو صدقة بكذا من المال لزمه أن يوفي بما نذر من الطاعات؛ لأن الله مدح المؤمنين فقال: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا) الإنسان/7. ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بالوفاء كما في الحديث السابق، فالنذر ليس هو سبباً للبرء، وليس سببا لحصول الحاجة المطلوبة، فلا حاجة إليه، ولكنه شيء يكلف الإنسان به نفسه، ويستخرج به من البخيل، ثم بعد ذلك يندم ويقع في الحرج ويود أنه لم ينذر، فالشريعة بحمد الله جاءت بما هو أرفق وأنفع للناس وهو النهي عن النذر" انتهى. [الْمَصْدَرُ] سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (3/1261) الحديث: 130136 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3255 لماذا يستحب الفقهاء صيام الحادي عشر مع يوم عاشوراء؟ [السُّؤَالُ] ـ[قرأت جميع الأحاديث عن يوم عاشوراء، ولم أجد في أحدها أن النبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى صيام يوم الحادي عشر لمخالفة اليهود، وإنما قال: (لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع والعاشر) مخالفة لليهود. كما أنه صلى الله عليه وسلم لم يوجّه أصحابه لصيام يوم الحادي عشر، وعليه: أفلا يكون بدعة أن نفعل ما لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه؟ وهل من فاته صيام التاسع يكتفي بصيام العاشر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله استحب العلماء صيام اليوم الحادي عشر من المحرم لأنه قد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم الأمر بصيامه، وذلك فيما رواه أحمد (2155) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (صُومُوا يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَخَالِفُوا فِيهِ الْيَهُودَ، صُومُوا قَبْلَهُ يَوْمًا أَوْ بَعْدَهُ يَوْمًا) . وقد اختلف العلماء في صحة هذا الحديث، فحسنه الشيخ أحمد شاكر، وضعفه محققو المسند. ورواه ابن خزيمة (2095) بهذا اللفظ، وقال الألباني: "إسناده ضعيف، لسوء حفظ ابن أبي ليلى، وخالفه عطاء وغيره فرواه عن ابن عباس موقوفاً، وسنده صحيح عند الطحاوي والبيهقي" انتهى. فإن كان الحديث حسناً فهو حسن، وإن كان ضعيفاً، فالحديث الضعيف في مثل هذا يتسامح فيه العلماء، لأن ضعفه يسير، فليس هو مكذوباً أو موضوعاً، ولأنه في فضائل الأعمال، لا سيما وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم الترغيب في الصيام من شهر المحرم، حتى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ) رواه مسلم (1163) . وقد روى البيهقي هذا الحديث في "السنن الكبرى" باللفظ السابق، وفي رواية أخرى بلفظ: (صوموا قبله يوماً وبعده يوماً) بالواو بدلاً من "أو". وأورده الحافظ ابن حجر في "إتحاف المهرة" (2225) بلفظ: (صوموا قبله يوماً وبعده يوماً) وقال: "رواه أحمد والبيهقي بسند ضعيف، لضعف محمد بن أبي ليلى، لكنه لم ينفرد به، فقد تابعه عليه صالح بن أبي صالح بن حي" انتهى. فتفيد هذه الرواية استحباب صيام التاسع والعاشر والحادي عشر. وقد ذكر بعض العلماء سبباً آخر لاستحباب صيام اليوم الحادي عشر، وهو الاحتياط لليوم العاشر، فقد يخطئ الناس في هلال محرم، فلا يُدرى أي يوم بالضبط هو اليوم العاشر، فإذا صام المسلم التاسع والعاشر والحادي عشر فقد تحقق من صيام عاشوراء، وقد روى ابن أبي شيبة في " المصنف " (2/313) عن طاوس رحمه الله أنه كان يصوم قبله وبعده يوما مخافة أن يفوته. وقال الإمام أحمد: "من أراد أن يصوم عاشوراء صام التاسع والعاشر إلا أن تشكل الشهور فيصوم ثلاثة أيام، ابن سيرين يقول ذلك" انتهى. " المغني " (4/441) . فتبين بهذا أنه لا يصح وصف صيام الأيام الثلاثة بأنه بدعة. وأما من فاته صيام اليوم التاسع، فإن صام العاشر وحده، فلا حرج في ذلك، ولا يكون ذلك مكروهاً، وإن ضم إليه صيام الحادي عشر فهو أفضل. قال المرداوي في "الإنصاف" (3/346) : "لا يكره إفراد العاشر بالصيام على الصحيح من المذهب، ووافق الشيخ تقي الدين [ابن تيمية] أنه لا يكره" انتهى باختصار. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128423 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3256 الجمع بين قضاء رمضان وصوم عاشوراء أو عرفة [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكنني أن أصوم صوم سُنَّة بنية قضاء أيام كانت عليّ في رمضان؟ وكذلك بنية التطوع (مثل يوم عاشوراء) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه المسألة تعرف عند أهل العلم بمسألة التشريك أو التداخل بين العبادات، ولها صور كثيرة، منها هذه الصورة، وهي الجمع بين الواجب والمستحب بنية واحدة، فمن نوى المستحب لم يجزه عن الواجب، فمن صام بنية عاشوراء لم يجزه عن قضاء رمضان، ومن نوى قضاء رمضان وأوقعه في يوم عاشوراء، صح قضاؤه، ويُرجى أن ينال ثواب عاشوراء عند بعض أهل العلم. قال الرملي رحمه الله في "نهاية المحتاج" (3/208) : " ولو صام في شوال قضاءً أو نذرا أو غيرهما أو في نحو يوم عاشوراء حصل له ثواب تطوعها، كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى تبعا للبارزي والأصفوني والناشري والفقيه علي بن صالح الحضرمي وغيرهم، لكن لا يحصل له الثواب الكامل المرتب على المطلوب، لا سيما من فاته رمضان وصام عنه شوالاً" انتهى. ومثله في "مغني المحتاج" (2/184) ، "حواشي تحفة المحتاج" (3/457) . وقال الشيخ ابن عثيمين في "فتاوى الصيام" (438) : "من صام يوم عرفة، أو يوم عاشوراء وعليه قضاء من رمضان فصيامه صحيح، لكن لو نوى أن يصوم هذا اليوم عن قضاء رمضان حصل له الأجران: أجر يوم عرفة، وأجر يوم عاشوراء مع أجر القضاء، هذا بالنسبة لصوم التطوع المطلق الذي لا يرتبط برمضان، أما صيام ستة أيام من شوال فإنها مرتبطة برمضان ولا تكون إلا بعد قضائه، فلو صامها قبل القضاء لم يحصل على أجرها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر) ومعلوم أن من عليه قضاء فإنه لا يعد صائماً رمضان حتى يكمل القضاء " انتهى. وينبغي أن يبادر الإنسان بقضاء ما عليه، فهذا أولى من فعل التطوع، لكن إن ضاق عليه الوقت ولم يتمكن من قضاء جميع ما عليه وخاف أن يفوته صوم يومٍ فاضلٍ كعاشوراء أو يوم عرفة، فليصم بنية القضاء، ولعله ينال ثواب عاشوراء وعرفة أيضا؛ فإن فضل الله واسع. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128256 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3257 هل يحتسب صيام كفارة اليمين من الستة أيام من شوال؟ [السُّؤَالُ] ـ[لدي سؤال فيما يخص القسم بالله، وهو أنني أقسمت بالله على أن لا أذهب إلى المكان الفلاني، ولكن بعد أسبوع من ذلك ذهبت إلى ذلك المكان، وقررت أن أصوم ثلاثة أيام في الست من الشوال، هل تعتبر كفارة عن اليمين أو ماذا؟ . وجزاكم الله خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ننبه الأخ السائل إلى أمور مهمة قبل الإجابة عن عين مسألته: 1. الأصل في المسلم أن يحفظ يمينه من إلقائها هنا وهناك على أمور لا تستحق أن يكون معها القسم بالله تعالى، قال تعالى: (وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) المائدة/ من الآية89. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله -: الأصل: أنه لا ينبغي إكثار اليمين؛ لقول الله تعالى (وَاحْفَظُوْا أَيْمَانَكُمْ) ، قال بعض العلماء في تفسيرها: أي: لا تكثروا الأيمان، ولا شك أن هذا أولى، وأسلمُ للإنسان، وأبرأُ لذمته. " الشرح الممتع " (15 / 117) . 2. أن المكان الذي أقسمتَ على عدم الذهاب إليه: إن مكاناً محرَّماً لا يحل لك الذهاب إليه في شرع الله تعالى: وجب عليك الوفاء بيمينك، وعدم الذهاب، وإن كان الذهاب واجباً – كصلة رحِم أو زيارة قريب: وجب عليك الحنث في يمينك إن كان ذهابك واجباً، واستُحب لك الحنث إن كان الذهاب مستحبّاً، وإن كان الذهاب إلى ذلك المكان مباحاً: فانظر الخير لدينك ودنياك، والأتقى لربك تعالى، وافعله، فإن كان الذهاب خيراً وأتقى: فاذهب وكفِّر عن يمينك، وإلا فابق على منع نفسك من الذهاب إليه. عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ) . رواه البخاري (6343) ومسلم (1652) . عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ وَلْيَفْعَلْ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ) . رواه مسلم (1650) . وفي " الموسوعة الفقهية " (8 / 63) : برُّ اليمين معناه: أن يصدق في يمينه , فيأتي بما حلف عليه، قال الله تعالى: (ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون) . وهو واجب في الحلف على فعل الواجب، أو ترك الحرام , فيكون يمين طاعة يجب البر به بالتزام ما حلف عليه , ويحرم عليه الحنث فيه. أما إن حلف على ترك واجب أو فعل محرم: فهو يمين معصية، يجب الحنث فيه. فإن حلف على فعل نفل , كصلاة تطوع، أو صدقة تطوع: فالتزام اليمين مندوب , ومخالفته مكروهة. فإن حلف على ترك نفل: فاليمين مكروهة , والإقامة عليها مكروهة , والسنَّة أن يحنث فيها، وإن كانت على فعل مباح: فالحنث بها مباح، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فأت الذي هو خير , وكفر عن يمينك) . انتهى. 3. قرارك في أنك ستصوم ثلاثة أيام مقابل الحنث في يمينك: لا يجوز إلا إن كنتَ عاجزاً عن إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، فكفارة اليمين هي: إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فمن لم يجد: صام ثلاثة أيام، قال الله تعالى: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة/ 89. وانظر السؤال (45676) . ثانياً: أما بخصوص سؤالك عن جعل صيام كفارة اليمين في شوال، واحتسابها من الأيام الستة منه، الوارد في فضل صومه مع رمضان أنه كصيام الدهر فرضاً: فنقول: إنه إن ترتب في ذمتك الصيام لعجزك عن الإطعام والكسوة: فلا تحسبها من الأيام الستة من شوال، ولا يجوز التشريك بين نية واجبة، ونية نفل، وصيام الكفارة مخصوص يحتاج لنية مستقلة، كما هو الحال في صيام الأيام الستة من شوال، وعليه: فصيامك للأيام الثلاثة كفارةً ليمينك لا تُحسب من صيام الأيام الستة من شوال. سئل علماء اللجنة الدائمة: هل صوم ستة من شوال، ويوم عاشوراء، ويوم عرفة، هل يجزئ عن الأيمان، وقد عجز المرء على حصرها؟ . فأجابوا: كفارة الأيمان هي: عتق رقبة مؤمنة، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، فإن لم تجد شيئاً من ذلك: فتصوم عن كل يمين ثلاثة أيام. وأما عجزك عن حصر الأيمان: فيجب عليك الاجتهاد في حصرها بالتقريب، ثم التكفير فيما حنثت فيه منها، ويكفيك ذلك إن شاء الله. ولا يجزئ صيام يوم عاشوراء، وعرفة، وستة من شوال، عن كفارة اليمين، إلا إذا نوى بصيامها أنه عن الكفارة لا التطوع. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان. " فتاوى اللجنة الدائمة " (23 / 37، 38) . وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: السائلة تذكر بأنها حلفت، وتريد أن تكفر عن هذا الحلف بصيام ثلاثة أيام، فهل يجوز أن أصومها مع صيام الست من شوال بحيث يكون صيامي ستة أيام؟ . فأجاب: أولاً: لا يجوز للحالف إذا حنث في يمينه أن يصوم، إلا إذا كان لا يجد إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ) ، وقد اشتهر عند كثير من العامة: أن كفارة اليمين إذا حنث الحالف: صيام ثلاثة أيام لمن يجد الإطعام، أو الكسوة، أو العتق، ومن لا يجد، وهذا غلط، بل لا يجوز الصيام إلا إذا كان الحالف الذي حنث لا يجد إطعام عشرة مساكين، أو يجد لكن لا يجد مساكين، فحينئذٍ يصوم ثلاثة أيام متتابعة. ثم إذا كان يندرج تحت صيام الأيام الثلاثة: فإنه لا يجزئ أن ينوي بها صيام ستة أيام من شوال؛ لأنهما عبادتان مستقلتان، فلا تغني إحداهما عن الأخرى، بل يصوم ستة أيام من شوال، ثم يصوم الأيام الثلاثة زائدة على صيام الأيام الستة. " فتاوى نور على الدرب " (/ 84، 85) . ولا يشترط في الأيام الثلاثة أن تكون متتابعة، وقد بينَّا ذلك في جواب السؤال رقم: (12700) ، فلينظر. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125811 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3258 كيف نعرف عاشوراء هذه السنة؟ [السُّؤَالُ] ـ[كيف نصوم عاشوراء هذه السنة؟ نحن لا نعلم إلى الآن متى دخل الشهر وهل ذو الحجة تسع وعشرون أم ثلاثون فكيف نحدد عاشوراء ونصومه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا لم نعرف هل كان شهر ذي الحجة تاماً (30 يوماً) أو ناقصاً (29 يوماً) ولم يخبرنا أحد برؤية هلال محرم متى كانت، فإننا نجري على الأصل وهو إكمال عدة الشهر ثلاثين يوماً فنعتبر ذي الحجة ثلاثين ثم نحسب عاشوراء بناء على ذلك. وإذا أراد المسلم أن يحتاط لصيام عاشوراء بحيث يصيبه قطعاً فإنه يصوم يومين متتاليين فيحسب متى يكون عاشوراء إذا كان ذو الحجة تسعاً وعشرين يوماً ومتى يكون عاشوراء إذا كان ذو الحجة ثلاثين يوماً ويصوم هذين اليومين، فيكون قد أصاب عاشوراء قطعاً، ويكون في هذه الحالة إما أنه صام تاسوعاء وعاشوراء، أو صام عاشوراء والحادي عشر، وكلاهما طيب، وإذا أراد الاحتياط لصيام تاسوعاء أيضاً فنقول له: صم اليومين الذيْن سبق الحديث عنهما ويوماً آخر قبلهما مباشرة فيكون إما أنه صام التاسع والعاشر والحادي عشر، أو صام الثامن والتاسع والعاشر وفي كلتا الحالتين يكون قد أصاب التاسع والعاشر بالتأكيد. ومن قال إن ظروف عملي وحالتي لا تسمح إلا بصيام يوم واحد فما هو أفضل يوم أصومه فنقول له: أكمل عدة ذي الحجة ثلاثين يوماً ثم احسب العاشر وصمه. هذا مضمون ما سمعته من شيخنا الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - لما سألته عن هذا الأمر. وإذا جاءنا خبر من مسلم ثقة بتعيين بداية محرم برؤيته لهلاله عملنا بخبره، وصيام شهر محرم عموماً سنة لقوله صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصيام بعد شهر رمضان صيام شهر الله المحرم) رواه مسلم/1163. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 10263 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3259 هل يثبت أجر عاشوراء لمن نوى صيامه أثناء اليوم [السُّؤَالُ] ـ[أعلم بفضيلة صيام يوم عاشوراء وأنه يكفِّر السنة التي قبله، ولكن لأن العمل عندنا جارٍ بالتقويم الميلادي لم أعلم بيوم عاشوراء إلا في صباحه ولم أكن أكلت شيئا فنويت الصيام، فهل صومي صحيح، وهل أحصَّل فضيلة هذا اليوم وتكفير السنة التي قبله؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحمد لله على ما يسَّر لك من الحرص على النوافل والطاعات ونسأله أن يثيبنا وإياك على ذلك. أما ما سألت عنه من عقد نية الصيام من الليل فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلَّم ما يدل على صحة نية صوم النافلة من النهار، ما دام الإنسان لم يتناول شيئا من المفطرات من بعد الفجر، فقد روت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلَّم دخل ذات يوم على أهله فقال: هل عندكم من شيء (أي من الطعام) ؟ قالوا: لا، قال: فإني إذن صائم " مسلم (170،1154) . وإذن ظرف للزمان الحاضر فدلَّ ذلك على جواز إنشاء نية صيام النفل من النهار، بخلاف صيام الفرض فإنه لا يصح إلا بتبييت النية من الليل لحديث " من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له " أبو داود (2454) الترمذي (726) وصححه الألباني في صحيح الجامع (6535) . والمراد هنا صوم الفرض. وعلى هذا فصيامك صحيح، أما حصول الأجر في الصيام فهل هو ثواب يوم كامل أو من وقت النية فقط؟ قال الشيخ العثيمين رحمه الله: (في هذا قولان للعلماء: الأول: أنه يثاب من أول النهار، لأن الصوم الشرعي لا بد أن يكون من أول النهار. الثاني: أنه لا يثاب إلا من وقت النية فقط، فإذا نوى عند الزوال فأجره نصف يوم. وهذا هو القول الصحيح لقول النبي صلى الله عليه وسلَّم " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى "، وهذا الرجل لم ينو إلا أثناء النهار فيحسب له الأجر من حين نيته. وبناء على القول الراجح لو كان الصوم يطلق على اليوم مثل: صيام الاثنين وصيام الخميس وصيام الأيام البيض وصيام ثلاثة أيام من كل شهر ونوى في أثناء النهار فإنه لا يثبت له ثواب ذلك اليوم) (الشرح الممتع 6/373) وينسحب الحكم على من لم ينو صوم عاشوراء إلا بعد طلوع الفجر فإنه لا يحصِّل الأجر المترتب على صيام عاشوراء وهو تكفير سنة؛ نظرا لأنه لا يصدق عليه أنه صام يوم عاشوراء وإنما صام بعضه ـ من أول ما نوى. لكن يثبت له عموم الأجر على الصيام في شهر الله المحرم وهو أفضل الصيام بعد رمضان (كما في صحيح مسلم 1163) . ولعل من أهم أسباب عدم معرفتك ومعرفة الكثيرين ليوم عاشوراء ـ ومثله الأيام البيض ـ إلا في أثناء اليوم؛ ما ذكرت من جريان العمل بالتقويم الميلادي، فلعل فوات مثل هذه الفضائل يكون باعثا لك ولعامة من منَّ الله عليهم بالاستقامة للعمل بالتقويم الهجري القمري ـ الذي شرعه الله لعباده وارتضاه لدينه ـ ولو في نطاق أعمالهم الخاصة وتعاملهم بينهم إحياءً لهذا التقويم وما يذكَّر به من مناسبات شرعية، ومخالفةً لأهل الكتاب الذين أُمرنا بمخالفتهم والتميُّز عنهم في شعائرهم وخصائصهم، لاسيما وأن هذا التوقيت القمري هو المعمول به حتى عند أمم الأنبياء السابقين كما استُنبط هذا من حديث تعليل اليهود صومهم لعاشوراء ـ وهو يوم يعرف عن طريق الشهور القمرية ـ بأنه اليوم الذي نجى الله فيه موسى فدل على عملهم به وليس بالشهور الإفرنجية الشمسية (الشرح الممتع 6/471) . وعسى الله أن يجعل في فوات مثل هذا الأجر الخاص عنك وعمَّن هم مثلك في الحرص خيراً، وذلك بما يقوم في القلب من الإحساس بفوات هذا الأجر فيدعو الإنسان للاجتهاد في العمل الصالح مما يورث طاعات عديدة قد يكون أثرها على القلب أبلغ مما قد يحصل للإنسان من الطاعة المعينة التي قد يركن إليها بعض الناس فتكون سبباً في تكاسلهم عن الطاعات وقد تكون سبباً في عجبه بنفسه وامتنانه على الله بهذه الطاعة. نسأل الله أن يرزقنا من فضله وأجره، وأن يعيننا على ذكره وشكره. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 21819 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3260 فضل صيام عاشوراء [السُّؤَالُ] ـ[سمعت بأن صيام يوم عاشوراء يكفر السنة الماضية، فهل هذا صحيح؟ وهل يكفر كل شيء حتى الكبائر؟ ثم ما هو السبب في تعظيم هذا اليوم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: صيام يوم عاشوراء يكفر السنة الماضية لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ " رواه مسلم 1162. وهذا من فضل الله علينا أن أعطانا بصيام يوم واحد تكفير ذنوب سنة كاملة والله ذو الفضل العظيم. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم عاشوراء؛ لما له من المكانة، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلا هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَهَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ. " رواه البخاري 1867 ومعنى " يتحرى " أي يقصد صومه لتحصيل ثوابه والرغبة فيه. ثانياً: وأما سبب صوم النبي صلى الله عليه وسلم ليوم عاشوراء وحث الناس على صومه فهو ما رواه البخاري (1865) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ مَا هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى، قَالَ فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ " قوله: (هذا يوم صالح) في رواية مسلم " هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه وغرّق فرعون وقومه ". قوله: (فصامه موسى) زاد مسلم في روايته " شكراً لله تعالى فنحن نصومه ". وفي رواية للبخاري " ونحن نصومه تعظيما له ". قوله: (وأمر بصيامه) وفي رواية للبخاري أيضا: " فقال لأصحابه أنتم أحق بموسى منهم فصوموا ". ثالثاً: تكفير الذنوب الحاصل بصيام يوم عاشوراء المراد به الصغائر، أما الكبائر فتحتاج إلى توبة خاصة. قال النووي رحمه الله: يُكَفِّرُ (صيام يوم عرفة) كُلَّ الذُّنُوبِ الصَّغَائِرِ , وَتَقْدِيرُهُ يَغْفِرُ ذُنُوبَهُ كُلَّهَا إلا الْكَبَائِرَ. ثم قال رحمه الله: صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ كَفَّارَةُ سَنَتَيْنِ , وَيَوْمُ عَاشُورَاءَ كَفَّارَةُ سَنَةٍ , وَإِذَا وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ... كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ صَالِحٌ لِلتَّكْفِيرِ فَإِنْ وَجَدَ مَا يُكَفِّرُهُ مِنْ الصَّغَائِرِ كَفَّرَهُ , وَإِنْ لَمْ يُصَادِفْ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً كُتِبَتْ بِهِ حَسَنَاتٌ وَرُفِعَتْ لَهُ بِهِ دَرَجَاتٌ ,.. وَإِنْ صَادَفَ كَبِيرَةً أَوْ كَبَائِرَ وَلَمْ يُصَادِفْ صَغَائِرَ , رَجَوْنَا أَنْ تُخَفِّفَ مِنْ الْكَبَائِرِ. المجموع شرح المهذب ج6 وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وَتَكْفِيرُ الطَّهَارَةِ , وَالصَّلاةِ , وَصِيَامِ رَمَضَانَ , وَعَرَفَةَ , وَعَاشُورَاءَ لِلصَّغَائِرِ فَقَطْ. الفتاوى الكبرى ج5. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 21775 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3261 استحباب صيام تاسوعاء مع عاشوراء [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أصوم عاشوراء هذه السنة، وأخبرني بعض الناس بأن السنة أن أصوم مع عاشوراء اليوم الذي قبله (تاسوعاء) . فهل ورد أن النبي صلى الله أرشد إلى ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله روى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ قَالَ فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رواه مسلم 1916 قال الشافعي وأصحابه وأحمد وإسحاق وآخرون: يستحب صوم التاسع والعاشر جميعا ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم صام العاشر , ونوى صيام التاسع. وعلى هذا فصيام عاشوراء على مراتب أدناها أن يصام وحده وفوقه أن يصام التاسع معه وكلّما كثر الصّيام في محرّم كان أفضل وأطيب. فإن قلت ما الحكمة من صيام التاسع مع العاشر؟ فالجواب: قال النووي رحمه الله: ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فِي حِكْمَةِ اسْتِحْبَابِ صَوْمِ تَاسُوعَاءَ أَوْجُهًا: (أَحَدُهَا) أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مُخَالَفَةُ الْيَهُودِ فِي اقْتِصَارِهِمْ عَلَى الْعَاشِرِ , وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ.. (الثَّانِي) أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ وَصْلُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ بِصَوْمٍ , كَمَا نَهَى أَنْ يُصَامَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَحْدَهُ.. (الثَّالِثَ) الاحْتِيَاطُ فِي صَوْمِ الْعَاشِرِ خَشْيَةَ نَقْصِ الْهِلالِ , وَوُقُوعِ غَلَطٍ فَيَكُونُ التَّاسِعُ فِي الْعَدَدِ هُوَ الْعَاشِرُ فِي نَفْسِ الأَمْرِ. انتهى وأقوى هذه الأوجه هو مخالفة أهل الكتاب، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: نَهَى صلى الله عليه وسلم عَنْ التَّشَبُّهِ بِأَهْلِ الْكِتَابِ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ مِثْلُ قَوْلِهِ.. فِي عَاشُورَاءَ: (لَئِنْ عِشْتُ إلَى قَابِلٍ لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ) . الفتاوى الكبرى ج6 وقال ابن حجر رحمه الله في تعليقه على حديث: (لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع) : " ما همّ به من صوم التاسع يُحتمل معناه أن لا يقتصر عليه بل يُضيفه إلى اليوم العاشر إما احتياطاً له وإما مخالفةً لليهود والنصارى وهو الأرجح وبه يُشعر بعض روايات مسلم " انتهى من فتح الباري 4/245. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 21785 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3262 حكم إفراد عاشوراء بالصيام [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن أصوم عاشوراء فقط دون صيام يوم قبله (تاسوعاء) أو يوم بعده؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال شيخ الإسلام: صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ كَفَّارَةُ سَنَةٍ وَلا يُكْرَهُ إفْرَادُهُ بِالصَّوْمِ.. الفتاوى الكبرى ج5 وفي تحفة المحتاج لابن حجر الهيتمي: وعاشوراء لا بأس بإفراده. ج3 باب صوم التطوع وقد سئلت اللجنة الدائمة هذا السؤال فأجابت بما يلي: " يجوز صيام يوم عاشوراء يوماً واحداً فقط، لكن الأفضل صيام يوم قبله أو يوم بعده، وهي السُنَّة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: " لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع " رواه مسلم (1134) . قال ابن عباس رضي الله عنهما: (يعني مع العاشر) . وبالله التوفيق. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/401) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 21776 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3263 كيف يكون يوم عرفة في البلدان مختلفة المواقع [السُّؤَالُ] ـ[كيف يكون صيام يوم عرفة مع اختلاف أوقات البلدان عن وقت وقوف الحجاج بعرفة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يوم عرفة وصيامه يكون لكلّ أهل بلد بحسب طلوع الفجر وغروب الشّمس لديهم. وصيامه يكفّر ذنوب سنتين كما قال عليه الصلاة والسلام: صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ (العاشر من شهر محرّم) أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ. رواه مسلم 1976 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 1890 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3264 شرب بعد الفجر في صيام التطوع فهل عليه كفارة؟ [السُّؤَالُ] ـ[أصوم كل يوم اثنين وخميس صيام تطوعاً، وحدث إنه في ليلة من الليالي تسحرت ونمت دون أن أشرب وبعد الفجر بساعة قمت من النوم وأنا شديد العطش فشربت، وأكملت الصيام إلى الليل، مع العلم أنني أعلم أنه قد مضى على الفجر ساعة، هل الصيام صحيح أم لا؟ وإن كان لا فهل يجب عليّ كفارة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الصيام ليس بصحيح، لأن الصيام لا بد أن يكون من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، لقول الله تعالى (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) . وعلى هذا؛ فليس لك أجر في هذا اليوم الذي صمته، لعدم موافقته الشرع، وليس عليك في ذلك إثم، لأن صوم النفل يجوز للإنسان أن يقطعه، وليس عليك كفارة أيضاً، والكفارة لا تجب في أي صوم كان حتى في الفرض إلا إذا جامع الإنسان زوجته في نهار رمضان، وهما ممن يجب عليهما الصوم، ففي هذه الحال تجب الكفارة عليه وعليها إن طاوعت، وهي عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً، وأما إذا كان الزوج والزوجة لا يجب عليهما الصيام مثل أن يكونا مسافرين في رمضان وجامعها فلا حرج عليه ولا عليها، لأن المسافر يحل له أن يفطر، ولكن عليهما قضاء ذلك اليوم إذا رجع من السفر، حتى لو فرض أنهما كانا صائمين في ذلك اليوم وهما مسافران سفراً يبيح لهما الفطر ثم جامعها فلا حرج عليهما في ذلك، وليس عليهما كفارة، وإنما عليهما قضاء ذلك اليوم الذي أفطراه " انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. "فتاوى نور على الدرب" [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112015 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3265 لا يستطيع صيام الاثنين والخميس معاً، فهل يصوم الاثنين فقط؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا لا أستطيع صيام يوم الخميس لأسباب خاصة، فهل يكفي أن أصوم يوم الاثنين من كل أسبوع، أم لا بد من صيامهما معا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا حرج في صوم أحد اليومين المذكورين دون الآخر، وصيامهما سنة وليس بواجب، فمن صامهما أو أحدهما فهو على خير عظيم، ولا يجب الجمع بينهما، بل ذلك مستحب؛ للأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، والله ولي التوفيق" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (15/386) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112139 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3266 حكم قضاء ستة شوال في ذي القعدة [السُّؤَالُ] ـ[إذا صام ستة أيام من شوال في ذي القعدة، فهل يحصل له الأجر الخاص بها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "أما إن كان له عذر من مرض أو حيض أو نفاس أو نحو ذلك من الأعذار التي بسببها أخر صيام قضائه أو أخر صيام الست، فلا شكَّ في إدراك الأجر الخاص، وقد نصُّوا على ذلك. وأما إذا لم يكن له عذر أصلاً، بل أخر صيامها إلى ذي القعدة أو غيره، فظاهر النص يدل على أنَّه لا يدرك الفضل الخاص، وأنَّه سنة في وقت فات محله، كما إذا فاته صيام عشر ذي الحجة أو غيرها حتى فات وقتها، فقد زال ذلك المعنى الخاص، وبقي الصيام المطلق" انتهى. فضيلة الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله. "الفتاوى السعدية" (ص230) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112141 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3267 صيام التطوع قبل قضاء صيام رمضان [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم صيام التطوع قبل قضاء صيام الواجب من رمضان؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف العلماء في حكم صيام التطّوع قبل القضاء. فذهب بعض أهل العلم إلى أنه " لا يصح التطوع قبل القضاء، وأن فاعله يأثم. وعللوا: أن النافلة لا تؤدى قبل الفريضة. وذهب بعض أهل العلم إلى جواز ذلك ما لم يضق الوقت، وقالوا: ما دام الوقت موسّعاً فإنه يجوز أن يتنفّل، كما لو تنفّل قبل أن يصلي، فمثلاً الظهر يدخل وقتها من الزوال وينتهي إذا صار ظل كلّ شيء مثله، فله أن يؤخّرها إلى آخر الوقت، وفي هذه المدّة يجوز له أن يتنفّل، لأن الوقت موسّع." وهذا القول هو قول جمهور الفقهاء، واختار هذا القول سماحة الشيخ محمد بن عثيمين، قال: " وهذا القول أظهر، وأقرب إلى الصواب، وأن صومه صحيح، ولا يأثم، لأن القياس فيه ظاهر ... والله تعالى يقول: (ومن كان مريضاً أو على سفر فعدّة من أيام أخر) البقرة/185، يعني فعليه عدّة من أيام أخر، ولم يقيّدها الله تعالى بالتتابع، ولو قيّدت بالتتابع للزم من ذلك الفورية، فدل هذا على أن الأمر فيه سعة." [الْمَصْدَرُ] انظر الشرح الممتع ج/6 ص/448. الحديث: 23429 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3268 جامع زوجته وهي صائمة صوم التطوع [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من جامع زوجته وهي صائمة صيام الست من شوال وهو غير صائم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصائم المتطوع أمير نفسه، فله أن يتم صومه، وله أن يفطر، إلا أن الإتمام أولى. روى أحمد (26353) عَنْ أُمِّ هَانِئٍ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا، فَدَعَا بِشَرَابٍ فَشَرِبَ، ثُمَّ نَاوَلَهَا فَشَرِبَتْ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَا إِنِّي كُنْتُ صَائِمَةً، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الصَّائِمُ الْمُتَطَوِّعُ أَمِيرُ نَفْسِهِ، إِنْ شَاءَ صَامَ، وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ) . صححه الألباني في صحيح الجامع (3854) . وينظر جواب السؤال رقم (49610) . فمن صام يوما من الست، وأحب أن يفطر فله ذلك، سواء أفطر بالأكل أو بالجماع أو بغيره. وهذه المرأة إذا كانت قد صامت بدون إذن زوجها، فله أن يدعوها إلى الفراش، ويلزمها الاستجابة لذلك. وإن كانت صامت بإذنه فليس له أن يفسد عليها صومها، لكن إن أراد ذلك، فالأفضل لها أن تستجيب له. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "إذا صامت نفلاً بإذنه، فإنه لا يحل له أن يفسد صومها؛ لأنه أذن لها. ولكن في هذه الحال وهي صائمة صيام نفل بإذنه لو طلب منها أن تأتي للفراش فهل الأفضل أن تستمر في الصوم وتمتنع أو أن تجيب الزوج؟ الثاني أفضل: أن تجيب الزوج؛ لأن إجابتها الزوج من باب المفروضات في الأصل، والصوم تطوع من باب المستحبات، ولأنه ربما لو أبت مع شدة رغبته، ربما يكون في قلبه شيءٌ عليها فتسوء العشرة بسبب ذلك " "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (21/174) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 110059 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3269 ضوابط التشبّه بالكفار [السُّؤَالُ] ـ[ما هي حدود التشبه بالغرب؟؟ هل كل ما هو حديث وجديد ويأتينا من الغرب فهو تشبه بهم؟؟ بمعنى آخر: كيف نطلق الحكم على شيء ما بأنه محرم لأنه تشبه بالكفار؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ) رواه أبو داود (اللباس / 3512) قال الألباني في صحيح أبي داود: حسن صحيح. برقم (3401) قَالَ الْمُنَاوِيُّ وَالْعَلْقَمِيّ: أَيْ تَزَيَّى فِي ظَاهِره بِزِيِّهِمْ , وَسَارَ بِسِيرَتِهِمْ وَهَدْيهمْ فِي مَلْبَسهمْ وَبَعْض أَفْعَالهمْ اِنْتَهَى. وَقَالَ الْقَارِي: أَيْ مَنْ شَبَّهَ نَفْسه بِالْكُفَّارِ مَثَلا مِنْ اللِّبَاس وَغَيْره , أَوْ بِالْفُسَّاقِ أَوْ الْفُجَّار أَوْ بِأَهْلِ التَّصَوُّف وَالصُّلَحَاء الأَبْرَار (فَهُوَ مِنْهُمْ) : أَيْ فِي الإِثْم وَالْخَيْر. قَالَ شَيْخ الإِسْلام اِبْن تَيْمِيَّةَ فِي الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم: وَقَدْ اِحْتَجَّ الإِمَام أَحْمَد وَغَيْره بِهَذَا الْحَدِيث , وَهَذَا الْحَدِيث أَقَلّ أَحْوَاله أَنْ يَقْتَضِيَ تَحْرِيم التَّشَبُّه بِهِمْ كَمَا فِي قَوْله {مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} وَهُوَ نَظِير قَوْل عَبْد اللَّه بْن عَمْرو أَنَّهُ قَالَ: مَنْ بَنَى بِأَرْضِ الْمُشْرِكِينَ وَصَنَعَ نَيْرُوزَهُمْ وَمِهْرَجَانَهمْ وَتَشَبَّهَ بِهِمْ حَتَّى يَمُوت حُشِرَ مَعَهُمْ يَوْم الْقِيَامَة فَقَدْ يُحْمَل هَذَا عَلَى التَّشَبُّه الْمُطْلَق فَإِنَّهُ يُوجِب الْكُفْر , وَيَقْتَضِي تَحْرِيم أَبْعَاض ذَلِكَ , وَقَدْ يُحْمَل عَلَى أَنَّهُ مِنْهُمْ فِي الْقَدْر الْمُشْتَرَك الَّذِي يُشَابِههُمْ فِيهِ , فَإِنْ كَانَ كُفْرًا أَوْ مَعْصِيَة أَوْ شِعَارًا لَهَا كَانَ حُكْمه كَذَلِكَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ اِبْن عُمَر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ التَّشَبُّه بِالأَعَاجِمِ , وَقَالَ: " مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ " وَذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى. وَبِهَذَا اِحْتَجَّ غَيْر وَاحِد مِنْ الْعُلَمَاء عَلَى كَرَاهَة أَشْيَاء مِنْ زِيّ غَيْر الْمُسْلِمِينَ. أهـ. انظر عون المعبود شرح سنن أبي داود. والتشبه بالكفار على قسمين: تشبه محرَّم، وتشبه مباح. القسم الأول: التشبه المحرّم: وهو فعل ما هو من خصائص دين الكفار مع علمه بذلك، ولم يرد في شرعنا.. فهذا محرّم، وقد يكون من الكبائر، بل إن بعضه يصير كفراً بحسب الأدلة. سواء فعله الشخص موافقة للكفار، أو لشهوة، أو شبهة تخيل إليه أنّ فعله نافع في الدنيا والآخرة. فإن قيل هل من عمل هذا العمل وهو جاهل يأثم بذلك، كمن يحتفل بعيد الميلاد؟ الجواب: الجاهل لا يأثم لجهله، لكنه يعلّم، فإن أصر فإنه يأثم. القسم الثاني: التشبه الجائز: وهو فعل عمل ليس مأخوذاً عن الكفار في الأصل، لكن الكفار يفعلونه أيضاً. فهذا ليس فيه محذور المشابهة لكن قد تفوت فيه منفعة المخالفة. " التشبه بأهل الكتاب وغيرهم في الأمور الدنيوية لا يباح إلا بشروط 1- أن لا يكون هذا من تقاليدهم وشعارهم التي يميّزون بها. 2- أن لا يكون ذلك الأمر من شرعهم ويثبت ذلك أنه من شرعهم بنقل موثوق به، مثل أن يخبرنا الله تعالى في كتابه أو على لسان رسوله أو بنقل متواتر مثل سجدة التحية الجائزة في الأمم السابقة. 3- أن لا يكون في شرعنا بيان خاص لذلك، فأما إذا كان فيه بيان خاص بالموافقة أو المخالفة استغنى عن ذلك بما جاء في شرعنا. 4- أن لا تؤدي هذه الموافقة إلى مخالفة أمر من أمور الشريعة. 5- أن لا تكون الموافقة في أعيادهم. 6- أن تكون الموافقة بحسب الحاجة المطلوبة ولا تزيد عنها." انظر كتاب السنن والآثار في النهي عن التشبه بالكفار لسهيل حسن ص 58- 59. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 21694 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3270 فضل صيام الاثنين والخميس على أيام البيض [السُّؤَالُ] ـ[والدتي تواظب ومنذ زمن طويل على صيام يومي الخميس والاثنين من كل أسبوع، وهي الآن تريد الاستفسار ومعرفة هل هذا العمل أفضل أم أن تصوم ثلاثة أيام من كل شهر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "هذا العمل أفضل وأكثر أجراً، وصيام الثلاثة الأيام داخل في ذلك، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم الاثنين والخميس ويقول: (إنهما يومان تعرض فيهما الأعمال على الله سبحانه، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم) والله ولي التوفيق" انتهى. فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله. "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" (15/387، 388) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109217 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3271 النهي عن الصيام في النصف الثاني من شعبان [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز الصيام بعد نصف شعبان؟ لأنني سمعت أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصيام بعد نصف شعبان؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله روى أبو داود (3237) والترمذي (738) وابن ماجه (1651) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلا تَصُومُوا) . صححه الألباني في صحيح الترمذي (590) . فهذا الحديث يدل على النهي عن الصيام بعد نصف شعبان، أي ابتداءً من اليوم السادس عشر. غير أنه قد ورد ما يدل على جواز الصيام. فمن ذلك: ما رواه البخاري (1914) ومسلم (1082) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلا يَوْمَيْنِ إِلا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ) . فهذا يدل على أن الصيام بعد نصف شعبان جائز لمن كانت له عادة بالصيام، كرجل اعتاد صوم يوم الاثنين والخميس، أو كان يصوم يوماً ويفطر يوماً. . ونحو ذلك. وروى البخاري (1970) مسلم (1156) عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، يَصُومُ شَعْبَانَ إِلا قَلِيلا) . واللفظ لمسلم. قال النووي: قَوْلهَا: (كَانَ يَصُوم شَعْبَان كُلّه , كَانَ يَصُومُهُ إِلا قَلِيلا) الثَّانِي تَفْسِيرٌ لِلأَوَّلِ , وَبَيَان أَنَّ قَوْلهَا "كُلّه" أَيْ غَالِبُهُ اهـ. فهذا الحديث يدل على جواز الصيام بعد نصف شعبان، ولكن لمن وصله بما قبل النصف. وقد عمل الشافعية بهذه الأحاديث كلها، فقالوا: لا يجوز أن يصوم بعد النصف من شعبان إلا لمن كان له عادة، أو وصله بما قبل النصف. هذا هو الأصح عند أكثرهم أن النهي في الحديث للتحريم. وذهب بعضهم –كالروياني- إلى أن النهي للكراهة لا التحريم. انظر: المجموع (6/399-400) . وفتح الباري (4/129) . قال النووي رحمه الله في رياض الصالحين (ص: 412) : (باب النهي عن تقدم رمضان بصومٍ بعد نصف شعبان إلا لمن وصله بما قبله أو وافق عادة له بأن كان عادته صوم الاثنين والخميس) اهـ. وذهب جمهور العلماء إلى تضعيف حديث النهي عن الصيام بعد نصف شعبان، وبناءً عليه قالوا: لا يكره الصيام بعد نصف شعبان. قال الحافظ: وَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ: يَجُوزُ الصَّوْمُ تَطَوُّعًا بَعْدَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ وَضَعَّفُوا الْحَدِيثَ الْوَارِدَ فِيهِ, وَقَالَ أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ إِنَّهُ مُنْكَرٌ اهـ من فتح الباري. وممن ضعفه كذلك البيهقي والطحاوي. وذكر ابن قدامة في المغني أن الإمام أحمد قال عن هذا الحديث: (لَيْسَ هُوَ بِمَحْفُوظٍ. وَسَأَلْنَا عَنْهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ , فَلَمْ يُصَحِّحْهُ , وَلَمْ يُحَدِّثْنِي بِهِ , وَكَانَ يَتَوَقَّاهُ. قَالَ أَحْمَدُ: وَالْعَلاءُ ثِقَةٌ لا يُنْكَرُ مِنْ حَدِيثِهِ إلا هَذَا) اهـ والعلاء هو العلاء بن عبد الرحمن يروي هذا الحديث عن أبيه عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وقد أجاب ابن القيم رحمه الله في "تهذيب السنن" على من ضَعَّفَ الحديثَ، فقال ما محصله: إن هذا الحديث صحيح على شرط مسلم، وإنَّ تفرد العلاء بهذا الحديث لا يُعَدُّ قادحاً في الحديث لأن العلاء ثقة، وقد أخرج له مسلم في صحيحه عدة أحاديث عن أبيه عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وكثير من السنن تفرد بها ثقاتٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقبلتها الأمة وعملت بها. . ثم قال: وَأَمَّا ظَنُّ مُعَارَضَته بِالأَحَادِيثِ الدَّالَّة عَلَى صِيَام شَعْبَان , فَلا مُعَارَضَة بَيْنهمَا , وَإِنَّ تِلْكَ الأَحَادِيث تَدُلّ عَلَى صَوْم نِصْفه مَعَ مَا قَبْله , وَعَلَى الصَّوْم الْمُعْتَاد فِي النِّصْف الثَّانِي , وَحَدِيث الْعَلاء يَدُلّ عَلَى الْمَنْع مِنْ تَعَمُّد الصَّوْم بَعْد النِّصْف , لا لِعَادَةٍ , وَلا مُضَافًا إِلَى مَا قَبْله اهـ وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن حديث النهي عن الصيام بعد نصف شعبان فقال: هو حديث صحيح كما قال الأخ العلامة الشيخ ناصر الدين الألباني، والمراد به النهي عن ابتداء الصوم بعد النصف، أما من صام أكثر الشهر أو الشهر كله فقد أصاب السنة اهـ مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (15/385) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرح رياض الصالحين (3/394) : وحتى لو صح الحديث فالنهي فيه ليس للتحريم وإنما هو للكراهة فقط، كما أخذ بذلك بعض أهل العلم رحمهم الله، إلا من له عادة بصوم، فإنه يصوم ولو بعد نصف شعبان اهـ وخلاصة الجواب: أنه يُنهى عن الصيام في النصف الثاني من شعبان إما على سبيل الكراهة أو التحريم، إلا لمن له عادة بالصيام، أوصل الصيام بما قبل النصف. والله تعالى أعلم. والحكمة من هذا النهي أن تتابع الصيام قد يضعف عن صيام رمضان. فإن قيل: وإذا صام من أول الشهر فهو أشد ضعفاً! فالجواب: أن من صام من أول شعبان يكون قد اعتاد على الصيام، فتقل عليه مشقة الصيام. قَالَ الْقَارِي: وَالنَّهْيُ لِلتَّنْزِيهِ، رَحْمَةً عَلَى الأُمَّةِ أَنْ يَضْعُفُوا عَنْ حَقِّ الْقِيَامِ بِصِيَامِ رَمَضَانَ عَلَى وَجْهِ النَّشَاطِ. وَأَمَّا مَنْ صَامَ شَعْبَانَ كُلَّهُ فَيَتَعَوَّدُ بِالصَّوْمِ وَيَزُولُ عَنْهُ الْكُلْفَةُ اهـ والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 13726 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3272 الحكمة من النهي عن إفراد الجمعة بالصوم [السُّؤَالُ] ـ[هل صيام النفل ليوم منفرد لا يجوز في الإسلام، وأن الواجب إقرانه بيوم آخر على الأقل بعلة مخالفة اليهود الذين يصومون يومًا منفردًا؟ أرى أن تلك العلة غير وجيهة، فما رأيكم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إفراد يوم بصيام النفل جائز، إلا إذا كان اليوم هو الجمعة، أو السبت، أو كان يوم عاشوراء وهو العاشر من محرم، فيستحب صيام قبله أو بعده. وأما يوم الأحد أو الاثنين أو الثلاثاء أو الأربعاء أو الخميس فلا حرج في صومه على الانفراد، بل من السنة صوم الاثنين والخميس. روى البخاري (1985) ومسلم (1144) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لَا يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَّا يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ) . وفي رواية لمسلم: (وَلَا تَخُصُّوا يَوْم الْجُمُعَة بِصِيَامٍ مِنْ بَيْن الْأَيَّام , إِلَّا أَنْ يَكُون فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ) . قال النووي رحمه الله: " وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيث الدَّلَالَة الظَّاهِرَة لِقَوْلِ جُمْهُور أَصْحَاب الشَّافِعِيّ وَمُوَافِقِيهِمْ , وَأَنَّهُ يُكْرَه إِفْرَاد يَوْم الْجُمُعَة بِالصَّوْمِ إِلَّا أَنْ يُوَافِقَ عَادَةً لَهُ , فَإِنْ وَصَلَهُ بِيَوْمٍ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ , أَوْ وَافَقَ عَادَةً لَهُ بِأَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ يَوْمَ شِفَاءِ مَرِيضِهِ أَبَدًا , فَوَافَقَ يَوْم الْجُمُعَة لَمْ يُكْرَهْ ; لِهَذِهِ الْأَحَادِيث ... قَالَ الْعُلَمَاء: وَالْحِكْمَة فِي النَّهْي عَنْهُ: أَنَّ يَوْم الْجُمُعَة يَوْم دُعَاء وَذِكْرٍ وَعِبَادَةٍ: مِنْ الْغُسْل وَالتَّبْكِير إِلَى الصَّلَاة وَانْتِظَارهَا وَاسْتِمَاع الْخُطْبَة وَإِكْثَار الذِّكْر بَعْدَهَا ; لِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى: (فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاةُ فَانْتَشَرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا) وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْعِبَادَات فِي يَوْمهَا , فَاسْتُحِبَّ الْفِطْر فِيهِ , فَيَكُون أَعْوَنَ لَهُ عَلَى هَذِهِ الْوَظَائِف وَأَدَائِهَا بِنَشَاطٍ وَانْشِرَاحٍ لَهَا , وَالْتِذَاذٍ بِهَا مِنْ غَيْر مَلَلٍ وَلَا سَآمَةٍ , وَهُوَ نَظِير الْحَاجّ يَوْم عَرَفَة بِعَرَفَةَ , فَإِنَّ السُّنَّة لَهُ الْفِطْر كَمَا سَبَقَ تَقْرِيره لِهَذِهِ الْحِكْمَة. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَزَلْ النَّهْي وَالْكَرَاهَة بِصَوْمٍ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ لِبَقَاءِ الْمَعْنَى , فَالْجَوَاب: أَنَّهُ يَحْصُل لَهُ بِفَضِيلَةِ الصَّوْم الَّذِي قَبْله أَوْ بَعْده مَا يَجْبُر مَا قَدْ يَحْصُل مِنْ فُتُورٍ أَوْ تَقْصِيرٍ فِي وَظَائِفِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِسَبَبِ صَوْمِهِ , فَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَد فِي الْحِكْمَة فِي النَّهْي عَنْ إِفْرَاد صَوْم الْجُمُعَة. وَقِيلَ: سَبَبه خَوْف الْمُبَالَغَة فِي تَعْظِيمه , بِحَيْثُ يُفْتَتَن بِهِ كَمَا اُفْتُتِنَ قَوْمٌ بِالسَّبْتِ , وَهَذَا ضَعِيفٌ مُنْتَقَضٌ بِصَلَاةِ الْجُمُعَة وَغَيْرهَا مِمَّا هُوَ مَشْهُور مِنْ وَظَائِف يَوْم الْجُمُعَة وَتَعْظِيمه. وَقِيلَ: سَبَب النَّهْي لِئَلَّا يُعْتَقَد وُجُوبُهُ , وَهَذَا ضَعِيف مُنْتَقَضٌ بِيَوْمِ الِاثْنَيْنِ فَإِنَّهُ يُنْدَبُ صَوْمُهُ وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى هَذَا الِاحْتِمَال الْبَعِيد , وَبِيَوْمِ عَرَفَة وَيَوْم عَاشُورَاء وَغَيْر ذَلِكَ , فَالصَّوَاب مَا قَدَّمْنَا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ " انتهى. وأما يوم السبت فيكره إفراده بالصيام، والحكمة من ذلك: أن الإنسان إذا صام ضعف عن العمل، فيترك بعض الأعمال التي كان يقوم بها، فيكون مشابهاً لليهود الذين يتركون الأعمال في يوم السبت، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم: (106500) . وأما عاشوراء: فروى مسلم (1134) عن عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ) قَالَ فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وفي رواية له: (لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ) . قال النووي رحمه الله: " قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء: وَلَعَلَّ السَّبَب فِي صَوْم التَّاسِع مَعَ الْعَاشِر أَلَّا يَتَشَبَّهَ بِالْيَهُودِ فِي إِفْرَاد الْعَاشِر. وَفِي الْحَدِيث إِشَارَة إِلَى هَذَا , وَقِيلَ: لِلِاحْتِيَاطِ فِي تَحْصِيل عَاشُورَاء , وَالْأَوّل أَوْلَى , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ " انتهى. وقد ظهر لك أن تعيين الحكمة والعلة أمر يجتهد فيه العلماء، وقد رأيت كيف خَطَّأ النوويُ رحمه الله كثيرا من الأقوال التي قيلت في تعليل النهي عن إفراد الجمعة بالصوم ولهذا فالواجب على المسلم أن يذعن لحكم الشرع، سواء فهم العلة والحكمة أم لم يفهمها، فيتلقى كلام الرسول صلى الله عليه وسلم بالتسليم والقبول والتنفيذ، كما قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا) الأحزاب/36. وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 107124 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3273 هل يجعل صيام ستة شوال يوم الاثنين والخميس؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يصح أن أصوم ستة شوال في يوم الاثنين والخميس، لأحصل على ثواب صيام الاثنين والخميس؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، لا حرج من ذلك، ويكتب لك ثواب صيام الستة أيام، وصيام الاثنين والخميس. قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: " إذا اتفق أن يكون صيام هذه الأيام الستة في يوم الاثنين أو الخميس فإنه يحصل على أجر الاثنين بنية أجر الأيام الستة، وبنية أجر يوم الاثنين أو الخميس، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) " انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. "فتاوى إسلامية" (2/154) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106468 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3274 الحكمة من النهي عن صوم يوم السبت [السُّؤَالُ] ـ[قرأت في موقعكم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يوم السبت، فما هو سبب هذا النهي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "يكره إفراد يوم السبت بالصوم. عَلَّلَ بعضهم بأنه عيد اليهود. ولكن الأولى وهو الذي يظهر أنه يوم تتخلى فيه اليهود من الأعمال، ويسبتون فيه، وإذا صامه المسلم فالصوم يقعد عن الأعمال، الصوم يترك من أجله عمله الذي كان يعمل، لأن الصيام بسبب العطش والجوع، فيكون مشابهاً لليهود في ترك العمل هذا اليوم" انتهى. "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله" (4/206) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106500 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3275 يتساءل: لماذا لا يكون إفراد يوم الجمعة بالصيام محرماً؟ [السُّؤَالُ] ـ[قرأت في موقعكم أنه يكره إفراد يوم الجمعة بالصيام، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، فلماذا لا يكون صومه حراماً؟ لأن الأصل في النهي أنه للتحريم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لعله لكونه رخص في الشرع في صيامه وصيام يوم معه، فلو كان حراماً لما ساغ صومه بالكلية" انتهى. "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله" (4/206) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106539 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3276 صيام يوم عرفة للمحرم الذي سيقف بعرفة ليلة العيد [السُّؤَالُ] ـ[إذا لم يصل المحرم بالحج إلى عرفات إلا ليلاً، فهل يستحب أنه يصوم يوم عرفة أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كان الإنسان حاجاً وكان بعرفة فإنه لا يصومه، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (نَهَى عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ) رواه أبو داود (2440) ، وإذا كان غير حاج، أو كان حاجاً وليس بعرفة، بل لم يأت إليها إلا متأخراً كبعد المغرب، فلا يدخل في النهي، وقد روى أبو قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ، وصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ) رواه مسلم (1162) والحديث الأول خاص، والثاني عام، فيخرج الخاص من العام" انتهى. "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله" (4/204) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106471 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3277 هل يستحب صيام شعبان كاملاً [السُّؤَالُ] ـ[هل السنة أن أصوم شعبان كله؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يستحب إكثار الصيام في شهر شعبان. وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان كله. روى أحمد (26022) , وأبو داود (2336) والنسائي (2175) وابن ماجه (1648) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ إِلا أَنَّهُ كَانَ يَصِلُ شَعْبَانَ بِرَمَضَانَ. ولفظ أبي داود: (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَصُومُ مِنْ السَّنَةِ شَهْرًا تَامًّا إِلا شَعْبَانَ يَصِلُهُ بِرَمَضَانَ) . صححه الألباني في صحيح أبي داود (2048) . فظاهر هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم شهر شعبان كله. لكن ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان إلا قليلاً. روى مسلم (1156) عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ صِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: كَانَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ قَدْ صَامَ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ قَدْ أَفْطَرَ، وَلَمْ أَرَهُ صَائِمًا مِنْ شَهْرٍ قَطُّ أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِ مِنْ شَعْبَانَ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلا قَلِيلا. فاختلف العلماء في التوفيق بين هذين الحديثين: فذهب بعضهم إلى أن هذا كان باختلاف الأوقات، ففي بعض السنين صام النبي صلى الله عليه وسلم شعبان كاملاً، وفي بعضها صامه النبي صلى الله عليه وسلم إلا قليلاً. وهو اختيار الشيخ ابن باز رحمه الله. انظر: مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (15/416) . وذهب آخرون إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يكمل صيام شهر إلا رمضان، وحملوا حديث أم سلمة على أن المراد أنه صام شعبان إلا قليلاً، قالوا: وهذا جائز في اللغة إذا صام الرجل أكثر الشهر أن يقال: صام الشهر كله. قال الحافظ: إن حديث عائشة [يُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ فِي حَدِيث أُمّ سَلَمَة (أَنَّهُ كَانَ لا يَصُوم مِنْ السَّنَة شَهْرًا تَامًّا إِلا شَعْبَانَ يَصِلُهُ بِرَمَضَان) أَيْ: كَانَ يَصُوم مُعْظَمَهُ , وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ اِبْن الْمُبَارَك أَنَّهُ قَالَ: جَائِزٌ فِي كَلام الْعَرَب إِذَا صَامَ أَكْثَرَ الشَّهْرِ أَنْ يَقُولَ صَامَ الشَّهْرَ كُلَّهُ ... وقال الطِّيبِيُّ: يُحْمَل عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَصُوم شَعْبَان كُلّه تَارَة وَيَصُوم مُعْظَمَهُ أُخْرَى لِئَلا يُتَوَهَّم أَنَّهُ وَاجِب كُلّه كَرَمَضَانَ. . ثم قال الحافظ: وَالأَوَّل هُوَ الصَّوَاب] اهـ يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصوم شعبان كاملاً. واستدل له بما رواه مسلم (746) عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: وَلا أَعْلَمُ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ فِي لَيْلَةٍ، وَلا صَلَّى لَيْلَةً إِلَى الصُّبْحِ، وَلا صَامَ شَهْرًا كَامِلا غَيْرَ رَمَضَانَ. وبما رواه البخاري (1971) ومسلم (1157) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: مَا صَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا كَامِلا قَطُّ غَيْرَ رَمَضَانَ. وقال السندي في شرحه لحديث أم سلمة: (يَصِل شَعْبَان بِرَمَضَان) أَيْ: فَيَصُومهُمَا جَمِيعًا، ظَاهِره أَنَّهُ يَصُوم شَعْبَان كُلّه. . . لَكِنْ قَدْ جَاءَ مَا يَدُلّ عَلَى خِلافه، فَلِذَلِكَ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَصُوم غَالِبه فَكَأَنَّهُ يَصُوم كُلّه وَأَنَّهُ يَصِلهُ بِرَمَضَان اهـ فإن قيل: ما الحكمة من الإكثار من الصيام في شهر شعبان؟ فالجواب: قال الحافظ: الأَوْلَى فِي ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ اِبْن خُزَيْمَةَ عَنْ أُسَامَة بْن زَيْدٍ قَالَ: (قُلْت: يَا رَسُول اللَّه، لَمْ أَرَك تَصُومُ مِنْ شَهْر مِنْ الشُّهُور مَا تَصُوم مِنْ شَعْبَان , قَالَ: ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاس عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَان , وَهُوَ شَهْر تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَال إِلَى رَبّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ) اهـ حسنه الألباني في صحيح النسائي (2221) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 13729 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3278 هل تطيع والدها وتترك الصيام؟ [السُّؤَالُ] ـ[أبلغ من العمر 29 سنة، وأحافظ على صيام أثنين والخميس، ووالدي يريد مني الاقتصار على يوم واحد فقط، وأنا أتحمل الصيام، فهل إذا خالفته أكون عاقة له؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كان الواقع كما ذكرت فأنت غير عاقة لوالدك بمخالفتك لإياه في نهيك عن الصيام يوم الاثنين والخميس جميعاً؛ لأن صومك اليومين طاعة، ما دمت تستطيعين ذلك، ولا طاعة لمخلوق في نهيه عن طاعة الله، ثم إن الظاهر من حاله أنه يريد الرفق بك لا إلزامك بترك الصيام. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرازق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (25/198) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105430 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3279 صلاة التوبة [السُّؤَالُ] ـ[كيف تصلى صلاة التوبة؟ وكم ركعة هي؟ وهل يمكن أن أصليها بعد صلاة العصر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فإنّ من رحمة الله تعالى بهذه الأمة أن فتح لها باب التوبة، فلا تنقطع حتى تبلغ الروح الحلقوم أو تطلع الشمس من مغربها. ومن رحمته تعالى بهذه الأمة كذلك أن شرع لهم عبادة من أفضل العبادات، يتوسل بها العبد المذنب إلى ربه، رجاء قبول توبته، وهي "صلاة التوبة" وهذه بعض المسائل المتعلقة بهذه الصلاة. 1- مشروعية صلاة التوبة أجمع أهل العلم على مشروعية صلاة التوبة، روى أبو داود (1521) عن أبي بَكْرٍ الصديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَا مِنْ عَبْدٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إِلَّا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: "وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ") . صححه الألباني في صحيح أبي داود. وروى أحمد (26998) عن أَبي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعًا (شك أحد الرواة) يُحْسِنُ فِيهِمَا الذِّكْرَ وَالْخُشُوعَ، ثُمَّ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، غَفَرَ لَهُ) قال محققو المسند: إسناده حسن. وذكره الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (3398) . 2- سبب صلاة التوبة سبب صلاة التوبة هو وقوع المسلمِ في معصية سواء كانت كبيرة أو صغيرة، فيجب عليه أن يتوب منها فوراً، ويندب له أن يصلي هاتين الركعتين، فيعمل عند توبته عملاً صالحاً من أجل القربات وأفضلها، وهو هذه الصلاة، فيتوسل بها إلى الله تعالى رجاء أن تقبل توبته، وأن يغفر ذنبه. 3- وقت صلاة التوبة يستحب أداء هذه الصلاة عند عزم المسلم على التوبة من الذنب الذي اقترفه، سواء كانت هذه التوبة بعد فعله للمعصية مباشرة، أو متأخرة عنه، فالواجب على المذنب المبادرة إلى التوبة، لكن إن سوّف وأخّرها قبلت، لأن التوبة تقبل ما لم يحدث أحد الموانع الآتية: 1- إذا بلغت الروح الحلقوم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ) حسنه الألباني في صحيح الترمذي (3537) . 2- إذا طلعت الشمس من مغربها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ) رواه مسلم (2703) . وهذه الصلاة تشرع في جميع الأوقات بما في ذلك أوقات النهي (مثل: بعد صلاة العصر) لأنها من الصلوات التي لها سبب، فتشرع عند وجود سببها. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ذوات الأسباب كلها تفوت إذا أخرت عن وقت النهي، مثل سجود التلاوة، وتحية المسجد، وصلاة الكسوف، ومثل الصلاة عقب الطهارة، كما في حديث بلال، وكذلك صلاة الاستخارة، إذا كان الذي يستخير له يفوت إذا أخرت الصلاة، وكذلك صلاة التوبة، فإذا أذنب فالتوبة واجبة على الفور، وهو مندوب إلى أن يصلي ركعتين، ثم يتوب، كما في حديث أبي بكر الصديق" انتهى من "مجموع الفتاوى" (23/215) . 4- صفة صلاة التوبة صلاة التوبة ركعتان، كما في حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه. ويشرع للتائب أن يصليها منفرداً، لأنها من النوافل التي لا تشرع لها صلاة الجماعة، ويندب له بعدها أن يستغفر الله تعالى، لحديث أبي بكر رضي الله عنه. ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يستحب تخصيص هاتين الركعتين بقراءة معينة، فيقرأ المصلي فيهما ما شاء. ويستحب للتائب مع هذه الصلاة أن يجتهد في عمل الصالحات، لقول الله تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82. ومن أفضل الأعمال الصالحة التي يفعلها التائب: الصدقة، فإن الصدقة من أعظم الأسباب التي تكفر الذنب، قال الله تعالى: (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ) . وثبت عن كعب بن مالك رضي الله عنه أنه قال لما تاب الله عليه: يا رسول الله إنّ من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله، قال رسول الله: (أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك) ، قال: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر. متفق عليه. والخلاصة: 1- ثبوت هذه الصلاة عن النبي صلى الله عليه وسلم. 2- أنها تشرع عند توبة المسلم من أي ذنب، سواء كان من الكبائر أم من الصغائر، وسواء كانت هذه التوبة بعد اقتراف المعصية مباشرة، أم بعد مضي زمن. 3- أن هذه الصلاة تؤدى في جميع الأوقات، بما في ذلك أوقات النهي. 4- أنه يستحب للتائب مع هذه الصلاة فعل بعض القربات، كالصدة وغيرها. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98030 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3280 صيام أكثر من ثلاثة أيام في الشهر [السُّؤَالُ] ـ[قرأت حديثاً أنه لا يجوز أن تصوم أكثر من ثلاث مرات في الشهر أو أن نصوم مثل صيام داود عليه السلام، ولكني قرأت مؤخراً قصصاً تتحدث عن كيف كان الصحابة يصومون أياماً عديدة للتعويض عن آثامهم، هل هذا جائز.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس صحيحاً ما قرأته من عدم جواز الزيادة على صيام ثلاثة أيام، أو أن تصوم صوم داود عليه السلام، بل الأمر واسع، فلك أن تصوم أقل من ثلاثة أيام أو أكثر، وهذه بعض الأحاديث في هذا الموضوع: 1. عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صومه قال: فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر رضي الله عنه: رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا وببيعتنا بيعة، قال: فسئل عن صيام الدهر، فقال: لا صام ولا أفطر - أو ما صام وما أفطر - قال: فسئل عن صوم يومين وإفطار يوم، قال: ومن يطيق ذلك؟ قال: وسئل عن صوم يوم وإفطار يومين، قال: ليت أن الله قوَّانا لذلك، قال: وسئل عن صوم يوم وإفطار يوم، قال: ذاك صوم أخي داود عليه السلام، قال: وسئل عن صوم يوم الاثنين، قال: ذاك يوم ولدت فيه ويوم بعثت – أو أنزل علي فيه – قال: فقال صوم ثلاثة من كل شهر ورمضان إلى رمضان: صوم الدهر، قال: وسئل عن صوم يوم عرفة، فقال: يكفِّر السنة الماضية والباقية، قال: وسئل عن صوم يوم عاشوراء، فقال: يكفِّر السنة الماضية. رواه مسلم (1162) . وواضح في الحديث الترغيب في الصوم: سواءً كان يوماً في السنة أو يومين، أو يوماً في الأسبوع، أو ثلاثة أيام في الشهر، أو صيام يوم وإفطار يومين أو العكس، أو صوم يوم وإفطار يوم، وكل ذلك واسع. 2. عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أنه حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " مَن صام رمضان ثم أتبعه ستّاً من شوال كان كصيام الدهر ". رواه مسلم (1164) . وهذا دليل على خطأ ما قرأه السائل، فهذا ترغيب في صوم ستة أيام في شهر واحد. 3. عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان. رواه البخاري (1868) ومسلم (1156) . والحديث واضح الدلالة أيضاً على عدم تحديد الصوم بعدد معين من الأيام. والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 8857 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3281 عليها كفارة قتل ولا تستطيع العتق أو الصيام فهل تطعم؟ [السُّؤَالُ] ـ[امرأة قتلت امرأة خطأ وعندما سألت عن الحكم قالوا لها أن تطعم ستين مسكينا ولكن تبين أن هذه الفتوى غير صحيحة وعليها صيام شهرين , لكن الآن هي كبيرة في السن ولا تستطيع الصيام فما العمل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله كفارة قتل الخطأ هي: عتق رقبة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فمن لم يستطع فلا شيء عليه، وليس فيها إطعام على الراجح. قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا) إلى قوله سبحانه: (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) النساء/92. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل علي الصوم بعد سداد الدية وما مقداره وهل هو متتابع أو لا، وهل يمكن تجزئته أو الإطعام عنه؟ فأجابوا: "تجب عليك كفارة القتل خطأ، وهي عتق رقبة مؤمنة، فإن لم تجدها فصم شهرين متتابعين، ولا يصح تجزئة صومهما، ولا يجزئ إطعام المساكين في كفارة القتل خطأ؛ لأنه لم يثبت ذلك في كفارة القتل في كتاب الله ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما كان ربك نسيا " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (21/273) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: رجل مريض بمرض السكر, وعليه كفارة صيام شهرين -كفارة قتل خطأ- ولا يستطيع أن يصوم لمرضه، فماذا عليه؟ فأجاب: "إذا كان لا يستطيع أن يصوم فلا شيء عليه؛ لأن كفارة القتل ليس فيها إلا عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين, كما في سورة النساء: (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) النساء/92. وليس فيه إطعام , فإن قدر على الصوم صام وإلا سقط عنه " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" 107 سؤال رقم (24) . وسئل أيضا: شخص عليه كفارة القتل لا يستطيع العتق ولا الصيام، هل يعدل إلى الإطعام، أم تسقط عنه الكفارة؟ فأجاب: "لا، تسقط عنه، كفارة القتل نوعان فقط: إما العتق وإما الصيام؛ لأن الله تعالى لم يذكر ثالثاً، ولو كان الثالث واجباً لذكره الله كما ذكره في كفارة الظهار، فقد ذكر الله في كفارة الظهار: عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً، وفي كفارة القتل لم يذكر الإطعام، وعلى هذا نقول: إذا عجز عن العتق والصيام سقطت عنه " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" 190 سؤال رقم 15. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93217 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3282 فضل الإكثار من صيام النافلة في شهر محرّم [السُّؤَالُ] ـ[هل من السنة الإكثار من الصيام في شهر محرم؟ وهل لهذا الشهر مزية على غيره من الشهور؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فإن شهر محرم هو أول الشهور العربية وهو من أشهر الله الحُرم الأربعة، قال تعالى: (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعةٌ حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم) التوبة / 36 أخرج البخاري (3167) ومسلم (1679) عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الزَّمَانُ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ ". وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن أفضل الصيام بعد رمضان صيام شهر محرم فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل " رواه مسلم 1163 قوله: (شهر الله) إضافة الشّهر إلى الله إضافة تعظيم، قال القاري: الظاهر أن المراد جميع شهر المحرَّم. ولكن قد ثبت أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يصم شهراً كاملاً قطّ غير رمضان فيُحمل هذا الحديث على الترغيب في الإكثار من الصّيام في شهر محرم لا صومه كله. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 21311 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3283 يصعب عليه الصيام ويريد تعاطي أدوية تخفف الشهوة [السُّؤَالُ] ـ[ي عن تخفيف الشهوة الجنسية، حيث أنني في بلد اتعرض فيه للاستثارة يومياً، ومهما حاولت غض البصر فإنني أشاهد … مما يؤدي إلى استثارتي وقد ينزل بعض القطرات الأمر الذي يؤذيني أيضاً في تأدية الصلاة والطهارة وقد اضطر إلى تأخيرها، وقد ذكرتم بان الاستمناء حرام، وأوصيتم بالصيام، ولا يمكنني مواصلة الصيام لأنه يتعبني ولا أستطيع التركيز كما أنني لا استطيع الزواج الآن، وسأبقى على هذه الحال لعدة سنوات، فهل لي أن اتناول علاجات لتخفيف الشهوة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصيام ليس علاجاً فحسب بل هو تطهير للنفس وسبب لكسب الأجر والثواب ونيل رضى الله وهو مجاهدة للنفس ويمكن أن يتعود المرء على الصيام بشيء من الصبر والاحتساب، وقوله تعالى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} قِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ عَلَى أَحَدِ الأَقْوَالِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الْمَعَاصِيَ لأَنَّ الصَّائِمَ أَظَلْفُ لِنَفْسِهِ وَأَرْدَعُ لَهَا مِنْ مُوَاقَعَةِ السُّوءِ , وَهُوَ أَحَدُ الْمَعَانِي فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم {فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ} فَفَهِمَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ أَنَّ ذَلِكَ لإِضْعَافِ الصَّوْمِ للْبَدَنَ فَتَضْعُفُ الشَّهْوَةُ , وَهُوَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَالْمَعْنَى الْمَذْكُورُ زَائِدٌ عَلَيْهِ حَاصِلٌ مَعَهُ وَهُوَ أَنَّ الصَّوْمَ يَكُونُ حَامِلا لَهُ عَلَى مَا يَخَافُهُ عَلَى نَفْسِهِ إمَّا لِبَرَكَةِ الصَّوْمِ وَإِمَّا لأَنَّ حَقِيقًا عَلَى الصَّائِمِ أَنْ يَكُفَّ فَإِنَّهُ إذَا أُمِرَ بِالْكَفِّ عَنْ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ الْمُبَاحَيْنِ فَالْكَفُّ عَنْ الْحَرَامِ أَوْلَى. فتاوى السبكي ج1: الصيام: حفظ الصيام عن فوت التمام. والشارع لما أمر الشاب غير القادر على الزواج بالصيام فإنه عليم حكيم وأثر الصيام واضح في هذا وأنه يُعين على ضبط الشّهوة ويخفف من الهيجان. وأمّا بالنسبة لما سألت عنه من تناول دواء يخفف الشهوة فإنّه لا يمنع أن تتناول بعض المركّبات أو المشتقات من الأعشاب وغيرها مما يحدّ من الشهوة إذا لم تكن ضارة ولكنّ هذا قد لا يُفيد كثيرا إذا لم تمارس العبادات التي تملأ الوقت والنشاطات التي تستهلك من طاقة الجسم كسائر أعمال البرّ من الدّعوة إلى الله وإعانة المحتاجين وتقلل من تناول الأطعمة الدسمة وتمارس شيئا من الرياضة وتشغل نفسك بأعمال مفيدة وتجعل لك برامج تصرف بها طاقة الجسم الزائدة، ولا تنس أن الابتعاد عن الإثارة أمر مهم، وتفاءل ولا تقل سأبقى على هذه الحال عدّة سنوات ولعلّ الله ييسر لك زواجا قريبا، وقانا الله وإياك السوء وهدانا إلى سواء السبيل. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 3159 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3284 استحباب صيام الثمانية من ذي الحجة للحاج وغيره [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم صيام الثماني أيام الأولى من ذي الحجة للحاج علما بأني أعلم أنه مكروه صيام يوم عرفة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صيام الأيام الثمان الأولى من ذي الحجة مستحب للحاج وغيره؛ لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ الْعَشْرِ. فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ) رواه البخاري (969) والترمذي (757) واللفظ له، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. وجاء في "الموسوعة الفقهية" (28/91) : " اتفق الفقهاء على استحباب صوم الأيام الثمانية التي من أول ذي الحجة قبل يوم عرفة .... وصرح المالكية والشافعية: بأنه يسن صوم هذه الأيام للحاج أيضا " انتهى. وقال في "نهاية المحتاج" (3/207) : " ويسن صوم الثمانية أيام قبل يوم عرفة، كما صرح به في "الروضة" سواء في ذلك الحاج وغيره , أما الحاج فلا يسن له صوم يوم عرفة بل يستحب له فطره ولو كان قويا، اقتداءً بالرسول صلى الله عليه وسلم , وليقوى على الدعاء " انتهى بتصرف والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 84271 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3285 من فاته صيام الست من شوال هل يصومها في ذي القعدة؟ [السُّؤَالُ] ـ[امرأة صامت أربعة من الأيام الست في شوال ثم جاءها الحيض في نهاية شوال ولم تكمل الست، ولم يبق لها سوى يومين، هل تستطيع أن تكمل الست من شوال بعد شوال أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله روى مسلم في صحيحه (1164) عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ) . وظاهر الحديث أن تحصيل هذا الأجر إنما يكون لمن صام الست في شوال. واختلف أهل العلم فيمن صام الست في غير شوال، لعذر أو غيره، هل يحصل له فضيلة صومها في شوال، على أقوال: القول الأول: ذهب جماعة من المالكية وبعض الحنابلة إلى أن الفضيلة تحصل لمن صام ستة أيام في شوال أو بعده، وأن الحديث إنما ذكر شوال من باب التيسير على المكلف، لأن صومها بعد رمضان أسهل من صومها بعد ذلك. قال العدوي في حاشيته على شرح الخرشي: (2/243) : " وإنما قال الشارع: (من شوال) للتخفيف باعتبار الصوم، لا تخصيص حكمها بذلك الوقت، فلا جرم أن فعلها في عشر ذي الحجة مع ما روي في فضل الصيام فيه أحسن؛ لحصول المقصود مع حيازة فضل الأيام المذكورة , بل فعلها في ذي القعدة حسن أيضا , والحاصل: أن كل ما بعد زمنه كثر ثوابه لشدة المشقة " انتهى. ونقل في "تهذيب فروق القرافي" لمحمد بن علي بن حسين مفتي المالكية بمكة، المطبوع مع الفروق (2/191) عن ابن العربي المالكي أن قوله صلى الله عليه وسلم: (من شوال) "على جهة التمثيل، والمراد: أن صيام رمضان بعشرة أشهر، وصيام ستة أيام بشهرين، وذلك المذهب [يعني مذهب الإمام مالك] ، فلو كانت من غير شوال لكان الحكم فيها كذلك، قال: وهذا من بديع النظر فاعلموه" انتهى. وقال ابن مفلح رحمه الله في "الفروع" (3/108) : " ويتوجه احتمال: تحصل الفضيلة بصومها في غير شوال , وفاقا لبعض العلماء , ذكره القرطبي , لأن فضيلتها كون الحسنة بعشر أمثالها , كما في خبر ثوبان , ويكون تقييده بشوال لسهولة الصوم لاعتياده رخصة , والرخصة أولى" انتهى. ونقله صاحب الإنصاف وتعقبه بقوله: " قلت: وهذا ضعيف مخالف للحديث , وإنما ألحق بفضيلة رمضان لكونه حريمه , لا لكون الحسنة بعشر أمثالها ; ولأن الصوم فيه يساوي رمضان في فضيلة الواجب " انتهى من "الإنصاف" (3/344) . القول الثاني: ذهب جماعة من الشافعية إلى أن من فاته صيام ست من شوال قضاها في ذي القعدة. لكن ثوابها يكون دون ثواب من صامها في شوال، فمن صام رمضان وأتبعه بست من شوال كان له ثواب صيام سنةٍ فرضا، بخلاف من صام رمضان وستة من غير شوال، فهذا له ثواب رمضان وثواب ستة أيام نفلا. قال ابن حجر المكي في "تحفة المحتاج" (3/456) : " من صامها مع رمضان كل سنة تكون كصيام الدهر فرضا بلا مضاعفة، ومن صام ستةً غيرها كذلك تكون كصيامه نفلا بلا مضاعفة" انتهى. القول الثالث: أنه لا تحصل فضيلتها إلا بصومها في شوال، وهو مذهب الحنابلة. قال في "كشاف القناع" (2/338) : " ولا تحصل الفضيلة بصيامها أي: الستة أيام في غير شوال، لظاهر الأخبار" انتهى. لكن يرجى لمن صام بعضها ولم يكملها لعذر أن ينال أجرها وفضيلتها. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " ولا يشرع قضاؤها بعد انسلاخ شوال؛ لأنها سنة فات محلها، سواء تركت لعذر أو لغير عذر ". وقال فيمن صامت أربعة أيام من شوال ولم تكمل الست لبعض الظروف: " صيام الأيام الستة من شوال عبادة مستحبة غير واجبة، فلك أجر ما صمت منها، ويرجى لك أجرها كاملة إذا كان المانع لك من إكمالها عذراً شرعياً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له ما كان يعمل مقيماً صحيحاً) رواه البخاري في صحيحه. وليس عليك قضاء لما تركت منها. والله الموفق " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (15/389، 395) . والحاصل: أن صيام الست من غير شوال، من أهل العلم من رآه كصيامها في شوال، ومنهم من أثبت لها فضلا لكن دون فضل الست في شوال. ومنهم من رجي الثواب لمن لم يكملها لعذر، وفضل الله واسع، وعطاؤه لا منتهى له، فلو أن هذه الأخت صامت يومين من ذي القعدة عوضا عما فاتها من شوال، كان ذلك حسنا، ويرجى لها الثواب والأجر إن شاء الله. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83292 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3286 حكم صوم يوم السبت [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم صوم يوم السبت في غير شهر رمضان وماذا لو صادف يوم عرفة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يكره إفراد يوم السبت بالصيام؛ لما روى الترمذي (744) وأبو داود (2421) وابن ماجه (1726) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ عَنْ أُخْتِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إِلا فِيمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلا لِحَاءَ عِنَبَةٍ، أَوْ عُودَ شَجَرَةٍ فَلْيَمْضُغْهُ) صححه الألباني في "الإرواء" (960) وقَالَ أَبُو عِيسَى الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَمَعْنَى كَرَاهَتِهِ فِي هَذَا أَنْ يَخُصَّ الرَّجُلُ يَوْمَ السَّبْتِ بِصِيَامٍ لأَنَّ الْيَهُودَ تُعَظِّمُ يَوْمَ السَّبْتِ " انتهى. و (لحاء عنبة) هي القشرة تكون على الحبة من العنب. (فليمضغه) وهذا تأكيد بالإفطار. وقال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (3/52) : " قال أصحابنا: يكره إفراد يوم السبت بالصوم ... والمكروه إفراده , فإن صام معه غيره ; لم يكره ; لحديث أبي هريرة وجويرية. وإن وافق صوما لإنسان , لم يكره " انتهى. ومراده بحديث أبي هريرة: ما رواه البخاري (1985) ومسلم (1144) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لا يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلا يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَه) . وحديث جويرية: هو ما رواه البخاري (1986) عَنْ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهِيَ صَائِمَةٌ، فَقَالَ: (أَصُمْتِ أَمْسِ؟ قَالَتْ: لا. قَالَ: تُرِيدِينَ أَنْ تَصُومِي غَدًا؟ قَالَتْ: لا. قَالَ: فَأَفْطِرِي) . فهذا الحديث والذي قبله يدلان دلالة صريحة على جواز صوم يوم السبت في غير رمضان، لمن صام الجمعة قبله. وثبت في الصحيحين أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (أَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ كان َيَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا) وهذا لا بد أن يوافق السبت منفرداً في بعض صومه، فيؤخذ منه أنه إذا وافق صوم السبت عادةً له كيوم عرفة أو عاشوراء، فلا بأس بصومه، ولو كان منفرداً. وقد ذكر الحافظ في الفتح أنه يستثنى من النهي عن صوم يوم الجمعة من له عادة بصوم يوم معين، كعرفة، فوافق الجمعة. فمثله يوم السبت، وقد سبق كلام ابن قدامة في هذا. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وليعلم أن صيام يوم السبت له أحوال: الحال الأولى: أن يكون في فرضٍ كرمضان أداء، أو قضاءٍ، وكصيام الكفارة، وبدل هدي التمتع، ونحو ذلك، فهذا لا بأس به ما لم يخصه بذلك معتقدا أن له مزية. الحال الثانية: أن يصوم قبله يوم الجمعة فلا بأس به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لإحدى أمهات المؤمنين وقد صامت يوم الجمعة: (أصمت أمس؟) قالت: لا، قال: (أتصومين غدا؟) قالت: لا، قال: (فأفطري) . فقوله: (أتصومين غدا؟) يدل على جواز صومه مع الجمعة. الحال الثالثة: أن يصادف صيام أيام مشروعة كأيام البيض ويوم عرفة، ويوم عاشوراء، وستة أيام من شوال لمن صام رمضان، وتسع ذي الحجة فلا بأس، لأنه لم يصمه لأنه يوم السبت، بل لأنه من الأيام التي يشرع صومها. الحال الرابعة: أن يصادف عادة كعادة من يصوم يوما ويفطر يوما فيصادف يوم صومه يوم السبت فلا بأس به، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما نهى عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين: (إلا رجلاً كان يصوم صوماً فليصمه) ، وهذا مثله. الحال الخامسة: أن يخصه بصوم تطوع فيفرده بالصوم، فهذا محل النهي إن صح الحديث في النهي عنه " انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين" (20/57) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 81621 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3287 الصوم في شهر رجب [السُّؤَالُ] ـ[هل ورد فضل معين للصيام في شهر رجب؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: شهر رجب هو أحد الأشهر الحرم التي قال الله تعالى فيها: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) التوبة/36 , والأشهر الحرم هي: رجب , وذو العقدة , وذو الحجة , والمحرم. وروى البخاري (4662) ومسلم (1679) عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا , مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ , ثَلاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ , وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ) . وقد سميت هذه الأشهر حرماً لأمرين: 1- لتحريم القتال فيها إلا أن يبدأ العدو. 2- لأن حرمة انتهاك المحارم فيها أشد من غيرها. ولهذا نهانا الله تعالى عن ارتكاب المعاصي في هذه الأشهر فقال: (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) التوبة/36 , مع أن ارتكاب المعصية محرم ومنهي عنه في هذه الأشهر وغيرها , إلا أنه في هذه الأشهر أشد تحريماً. قال السعدي رحمه الله (ص 373) : " (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) يحتمل أن الضمير يعود إلى الاثني عشر شهرا , وأن الله تعالى بَيَّن أنه جعلها مقادير للعباد , وأن تعمر بطاعته , ويشكر الله تعالى على مِنَّتِهِ بها , وتقييضها لمصالح العباد , فلتحذروا من ظلم أنفسكم فيها. ويحتمل أن الضمير يعود إلى الأربعة الحرم , وأن هذا نهي لهم عن الظلم فيها خصوصاً، مع النهي عن الظلم كل وقت , لزيادة تحريمها , وكون الظلم فيها أشد منه في غيرها " انتهى. ثانياً: وأما صوم شهر رجب , فلم يثبت في فضل صومه على سبيل الخصوص أو صوم شيء منه حديث صحيح. فما يفعله بعض الناس من تخصيص بعض الأيام منه بالصيام معتقدين فضلها على غيرها: لا أصل له في الشرع. غير أنه ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على استحباب الصيام في الأشهر الحرم (ورجب من الأشهر الحرم) فقَالَ صلى الله عليه وسلم: (صُمْ مِنْ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ) رواه أبو داود (2428) وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود. فهذا الحديث - إن صح - فإنه يدل على استحباب الصيام في الأشهر الحرم , فمن صام في شهر رجب لهذا , وكان يصوم أيضاً غيره من الأشهر الحرم فلا بأس , أما تخصيص رجب بالصيام فلا. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (25/290) : " وأما صوم رجب بخصوصه فأحاديثه كلها ضعيفة، بل موضوعة، لا يعتمد أهل العلم على شيء منها، وليست من الضعيف الذي يروى في الفضائل، بل عامتها من الموضوعات المكذوبات. . . وفي المسند وغيره حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بصوم الأشهر الحرم: وهي رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم. فهذا في صوم الأربعة جميعا لا من يخصص رجبا " انتهى باختصار. وقال ابن القيم رحمه الله: " كل حديث في ذكر صيام رجب وصلاة بعض الليالي فيه فهو كذب مفترى " انتهى من "المنار المنيف" (ص96) . وقال الحافظ ابن حجر في "تبيين العجب" (ص11) : " لم يرد في فضل شهر رجب , ولا في صيامه ولا صيام شيء منه معين , ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة " انتهى. وقال الشيخ سيد سابق رحمه الله في "فقه السنة" (1/383) : " وصيام رجب ليس له فضل زائد على غيره من الشهور , إلا أنه من الأشهر الحرم , ولم يرد في السنة الصحيحة أن للصيام فضيلة بخصوصه , وأن ما جاء في ذلك مما لا ينتهض للاحتجاج به " انتهى. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن صيام يوم السابع والعشرين من رجب وقيام ليلته. فأجاب: " صيام اليوم السابع العشرين من رجب وقيام ليلته وتخصيص ذلك بدعة , وكل بدعة ضلالة " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (20/440) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 75394 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3288 هل الأفضل صيام الاثنين والخميس أم ثلاثة أيام من كل شهر؟ [السُّؤَالُ] ـ[أيهما أفضل في الصيام: صيام 3 أيام من كل شهر أم صيام الاثنين والخمس؟ وما هي الأحاديث الواردة في هذا الصيام؟ ومتى تكون ثلاثة أيام من كل شهر هل هي 13، 14، 15 من كل شهر؟ وما هو الحديث؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا أردنا أن نفاضل بين صيام الاثنين والخميس وصيام ثلاثة أيام من كل شهر نجد أن صيام الاثنين والخميس أفضل من صيام ثلاثة أيام من كل شهر؛ لأن من صام الاثنين والخميس كل أسبوع فإنه يعني أنه قد صام ثمانية أيام من كل شهر، فيكون بذلك قد جمع بين الفضيلتين: صيام الاثنين والخميس، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر. والثلاثة أيام من كل شهر يصح صيامها من أول الشهر أو وسطه أو آخره، متفرقة أو متتابعة، إلا أن الأفضل أن يجعلها الأيام البِيض وهي الأيام التي يكون القمر فيها مكتملاً وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من الشهر القمري. وهذه طائفة من الأحاديث المرغبة في صيام الاثنين والخميس: أ. عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم الاثنين فقال: (فيه ولدتُ، وفيه أُنزل عليَّ) رواه مسلم (1162) . ب. وعن عائشة رضي الله عنه قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحرَّى صوم الاثنين والخميس) رواه الترمذي (745) والنسائي (2361) وابن ماجه (1739) وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (1044) . ج. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تُعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم) رواه الترمذي (747) وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (1041) . وهذه طائفة من الأحاديث المرغبة في صيام ثلاثة أيام من كل شهر: أ. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن حتى أموت: صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى، ونوم على وتر. رواه البخاري (1124) ومسلم (721) . ب. وعن معاذة العدوية أنها سألت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام؟ قالت: نعم. فقلت لها: من أي أيام الشهر كان يصوم؟ قالت: لم يكن يبالي من أي أيام الشهر يصوم. رواه مسلم (1160) . ج. وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر، وأيام البيض: صبيحة ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة) . رواه النسائي (2420) وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (1040) . د. وعن أبي أبا ذر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا صمتَ شيئا من الشهر فصم ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة) رواه الترمذي (761) والنسائي (2424) وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (1038) . فالأمر في صيام الأيام الثلاثة واسع، كما جاء في حديث عائشة رضي الله عنه، وأفضل أيام الشهر لصيامها: الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، كما جاء في الأحاديث الصحيحة الأخرى. وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، هل لابد أن تكون في الأيام البيض فقط؟ أم يجوز أن يصام منها ثلاثة أيام من أي يوم في الشهر؟ فأجاب: " يجوز للإنسان أن يصوم في أول الشهر، أو وسطه، أو آخره، متتابعة، أو متفرقة، لكن الأفضل أن تكون في الأيام البيض الثلاثة وهي: ثلاثة عشر، وأربعة عشر، وخمسة عشر، قالت عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام، لا يبالي أصامها من أوله، أو آخر الشهر " انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (20 /السؤال رقم 376) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69781 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3289 صيام يوم السبت [السُّؤَالُ] ـ[هل صحيح أنه لا يجوز صيام يوم السبت إلا في رمضان؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف أهل العلم في صوم يوم السّبت، فمنهم من قال: إنّه ليس بمكْرُوه وأطلَقَ، ومنهم من فَصّل، فقال: إنْ أُفرِدَ فهو مكروه، وإنْ جُمِع مع يوم الأحد الذي بعده، أو يوم الجمعة الذي قبله، فلا كراهة في ذلك، وهذا هو الأقرب، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] فتاوى منار الاسلام 2/366. الحديث: 9618 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3290 الأيام التي يشرع فيها صيام النافلة [السُّؤَالُ] ـ[كم يوماً من الشهر يصومه الفرد، وفي أي الأيام تحديدا من الأسبوع يصوم المسلم؟ كما أريد التعرف على التوقيت الصحيح لكل من الإفطار والسحور. أرجو أن تزودني بما يتعلق بالمسائل أعلاه بالتفصيل.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من حكمة الله تعالى أن شرع لعباده ما يتطوعون ويتقربون به إليه بعد أداء الفرائض من جنس العبادات التي افترضها عليهم، ورتَّب عليها الأجور العظيمة كما في قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ربه عزَّ وجلَّ (وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ) البخاري 6502 وصيام النافلة ينقسم إلى قسمين رئيسين: أولهما: التطوُّع المطلق (غير المحدد بوقت أو حالة معينة) فيمكن للمسلم أن يتطوع بصيام أي يوم أراد من أيام السنة، إلا ما ورد النهي عنه كيومي العيدين لأن صيامهما محرم، وأيام التشريق (الأيام الثلاثة بعد عيد الأضحى) فالصيام فيها محرم إلا في الحج لمن ليس عنده هدي، وماعدا تقصُّد صيام يوم الجمعة وحده لورود النهي عنه، ومن أفضل صور التطوع المطلق صيام يوم وفطر يوم لمن قدر عليه كما جاء في الحديث (أَحَبُّ الصَّلاةِ إِلَى اللَّهِ صَلاةُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلام وَأَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ وَكَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ وَيَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا) البخاري 1131 مسلم 1159 ويشترط في الأفضلية ألاَّ يضعفه عمّا هو أولى كما في روايةٍ للحديث (كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا وَلا يَفِرُّ إِذَا لاقَى) البخاري 1977 مسلم 1159. ثانيهما: التطوُّع المقيد: وهو أفضل من التطوُّع المطلق من حيث العموم وينقسم إلى قسمين: الأول: المقيّد بحال الشخص، كالشاب الذي لم يستطع الزواج كما في حديث عَبْد اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه (كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَابًا لا نَجِدُ شَيْئًا فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ) البخاري 5066 مسلم 1400. فإن مشروعية الصيام في حقه تتأكد مادام أعزب، ويزداد التأكد كلما ازدادت المثيرات له، من غير تحديد بأيام معينة. الثاني: المقيد بوقت معين، وهذا متنوع فبعضه أسبوعي، وبعضه شهري وبعضه سنوي. فالأسبوعي هو استحباب صيام الاثنين والخميس، فعن عَائِشَةَ قَالَتْ (إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَحَرَّى صِيَامَ الاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس) النسائيِ2320 وغيره وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير4897 وسئل صلى الله عليه وسلم عن صيام يَوْمَ الاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ قَال (َ ذَانِكَ يَوْمَانِ تُعْرَضُ فِيهِمَا الأَعْمَالُ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ) النسائي 2358 وابن ماجه 1740 وأحمد 8161 وصححه الألباني في صحيح الجامع 1583، وسُئِلَ عَنْ صَوْمِ الاثْنَيْنِ فَقَالَ (فِيهِ وُلِدْتُ وَفِيهِ أُنْزِلَ عَلَيَّ) مسلم1162. والشهري هو استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلَاثٍ لا أَدَعُهُنَّ حَتَّى أَمُوتَ صَوْمِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَصَلاةِ الضُّحَى وَنَوْمٍ عَلَى وِتْرٍ) البخاري 1178 مسلم 721. والمستحب كونها أوسط الشهر الهجري المسماة أيام البيض فعن أَبِي ذَرٍّ قَال (َ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صُمْتَ شَيْئًا مِنْ الشَّهْرِ فَصُمْ ثَلاثَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسَ عَشْرَةَ) النسائي 2424 ابن ماجه 1707 أحمد 210 وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير 673. والسنوي منه ما هو يوم معين ومنه ما هو فترة يسن الصوم فيها. فمن الأيام المعينة: 1 ـ يوم عاشوراء وهو اليوم العاشر من شهر محرم فعن ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَسُئِلَ عَنْ صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ فَقَالَ (مَا عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامَ يَوْمًا يَطْلُبُ فَضْلَهُ عَلَى الأَيَّامِ إِلاَّ هَذَا الْيَوْمَ وَلا شَهْرًا إِلا هَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي رَمَضَانَ) البخاري 2006 مسلم 1132. ويسن أن يصوم معه يوما قبله أو يوما بعده لمخالفة اليهود. 2 ـ يوم عرفة، وهو اليوم التاسع من ذي الحجة، واستحبابه خاص بمن لم يكن واقفاً بعرفة،كما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في فضل الثلاث الماضية كلها (ثَلاثٌ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ فَهَذَا صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ) مسلم 1162. أما الفترات التي يسن الصوم فيها فمنها: 1 ـ شهر شوال: يسن صيام ستة أيام منه لقول رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ) مسلم 1164. وراجع السؤال رقم 7859. 2 ـ شهر محرم: يسن صيام ما تيسَّر منه للحديث (أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ وَأَفْضَلُ الصَّلاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلاةُ اللَّيْلِ) مسلم 1163. 3 ـ شهر شعبان:كما ثبت عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لا يُفْطِرُ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لا يَصُومُ فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلا رَمَضَانَ وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إَِلا قَلِيلاً) البخاري 1969 مسلم 1156. وعلى المسلم الراغب في الخير أن يعلم عظم فضل التطوع لله بالصيام كما جاء في الحديث عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بَاعَدَ اللَّهُ وَجْهَهُ مِنْ جَهَنَّمَ سَبْعِينَ عَامًا) النسائي 2247 وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي 2121. نسأل الله أن يجعلنا ممن يباعدون عن جهنم وحرها ويكونون من أصحاب النعيم. أما التوقيت الصحيح للسحور والإفطار: فكما في تعريف الصيام أنه: التعبد لله تعالى بالإمساك عن الأكل والشرب وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، كما قال تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) البقرة/187 فيبدأ الصائم الإمساك عن المفطرات من تحقق طلوع الفجر وحتى غروب الشمس كما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن وقت الإفطار (إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ) البخاري 1818 مسلم 1841، أما وقت السحور فذهب جمهور الفقهاء إلى أنه ما بين نصف الليل الأخير إلى طلوع الفجر الثاني ويسن تأخيره عند جمهور العلماء ما لم يخش طلوع الفجر الثاني للآية السابقة ولقوله صلى الله عليه وسلم عليه وسلم (عجلوا الإفطار وأخروا السحور) رواه الطبراني وصححه الألباني في صحيح الجامع 3989، ولأن المقصود بالسحور التقوِّي على الصوم، وما كان أقرب إلى الفجر كان أعون على الصوم. نسأل الله أن يجعلنا من المتقيدين بشرعه العاملين به، وصلى الله وسلم على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 21979 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3291 صوم الأيام البيض على التقويم القمري لا الشّمسي [السُّؤَالُ] ـ[أنا مسلم جديد وقد بدأت بأداء شعائر الدين ومن بينها صوم رمضان الذي أسعدني جداً وأحببت أن أقوم بصيام تطوعي وعلمت أن صيام 13 و 14 و 15 من كل شهر هو من السنة وهي تسمى الأيام البيض فقمت بصيامها على التقويم الشمسي، فهل ما قمت به عمل صحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هنيئا لك بمنّة الله عليك بأن هداك لهذا الدّين وجعلك تتلذّذ بطاعته وتستمتع بعبادة الصّيام التي هي من أجلّ العبادات وأفضلها وهاك نبذة من الفضائل المتعلّقة بالصيام: فضل الصيام عظيم ومما ورد في ذلك من الأحاديث الصحيحة: أن الصيام قد اختصه الله لنفسه وأنه يجزي به فيضاعف أجر صاحبه بلا حساب لحديث: (إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به) البخاري 1904، (وأن الصوم لا عِدل له) النسائي 4/165 وهو في صحيح الترغيب 1/413، (وأن دعوة الصائم لا تُردّ) رواه البيهقي 3/345 وهو في السلسلة الصحيحة 1797، (وأن للصائم فرحتين إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربّه فرح بصومه) رواه مسلم 2/807، (وأن الصيام يشفع " للعبد يوم القيامة يقول: أي ربّ منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه) " رواه أحمد 2/174 وحسّن الهيثمي إسناده: المجمع 3/181 وهو في صحيح الترغيب 1/411، وأن (خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك) مسلم2/807، وأن (الصوم جُنّة وحصن حصين من النار) رواه أحمد 2/402 وهو في صحيح الترغيب 1/411 وصحيح الجامع 3880، وأنّ (من صام يوما في سبيل الله باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا) رواه مسلم 2/808، وأنّ (من صام يوما ابتغاء وجه الله خُتم له به دخل الجنّة) رواه أحمد 5/391 وهو في صحيح الترغيب 1/412. وأن (ّ في الجنة بابا يُقال له الريان يدخل منه الصائمون لا يدخل منه أحد غيرهم فإذا دخلوا أُغلق فلم يدخل منه أحد) البخاري 1797. وصيام التطوع يجبر نقص صيام الفريضة، ومن أمثلته عاشوراء وعرفة وأيام البيض والاثنين والخميس وست من شوال والإكثار من الصيام في محرم وشعبان. والمقصود بالأيام البيض هي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كلّ شهر قمري لقوله تعالى: (يسألونك عن الأهلّة قل هي مواقيت للناس والحجّ) فالعبادات والعُدَد (للمطلقة والمتوفى عنها زوجها وغير ذلك) كلّها مبنية على الأشهر القمرية لا الشّمسية، والصيام الذي صمته على التقويم الشّمسي الميلادي لا يُطابق - في الغالب - التقويم القمري وعلى أية حال أنت مأجور إن شاء الله على الأيّام التي صمتها باعتبار أنّك صمتها نافلة لله تعالى، ولكن إن أردتّ الأجر الخاص بصيام أيّام البيض بالذّات التي أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم فعليك أن تتعرّف على التقويم القمري وتضبط صيامك بناء عليه، ونسأل الله أن يزيدك من فضله ويُثبّتك على دينه ويوفقّك للعمل بمرضاته ويُجزل لك الأجر والمثوبة إنّه سميع مجيب ولا تنسنا يا أخي من دعائك في صيامك، وصلى الله على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2122 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3292 حكم إفراد يوم الجمعة بالصيام [السُّؤَالُ] ـ[لو سمحت هل تستطيع أن تخبرني هل يجوز لنا نصوم صيام التطوع يوم الجمعة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ثبت في الصحيحين من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لا يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلا يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ) رواه البخاري (1849) ومسلم (1929) ، وروى مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي وَلَا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الْأَيَّامِ إِلا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ) (الصيام/1930) . وفي الصحيح عَنْ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهِيَ صَائِمَةٌ فَقَالَ أَصُمْتِ أَمْسِ قَالَتْ لا قَالَ تُرِيدِينَ أَنْ تَصُومِي غَدًا قَالَتْ لا قَالَ فَأَفْطِرِي وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ الْجَعْدِ سَمِعَ قَتَادَةَ حَدَّثَنِي أَبُو أَيُّوبَ أَنَّ جُوَيْرِيَةَ حَدَّثَتْهُ فَأَمَرَهَا فَأَفْطَرَتْ) رواه البخاري (الصوم/1850) قال ابن قدامة: " يُكْرَهُ إفْرَادُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِالصَّوْمِ , إلا أَنْ يُوَافِقَ ذَلِكَ صَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ , مِثْلُ مَنْ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا فَيُوَافِقُ صَوْمُهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ , وَمَنْ عَادَتُهُ صَوْمُ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ الشَّهْرِ , أَوْ آخِرِهِ , أَوْ يَوْمِ نِصْفِهِ. المغني ج/3 ص/53 وقال النووي: قَالَ أَصْحَابُنَا (يعني الشافعية) : يُكْرَهُ إفْرَادُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِالصَّوْمِ فَإِنْ وَصَلَهُ بِصَوْمٍ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ وَافَقَ عَادَةً لَهُ بِأَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ شِفَاءِ مَرِيضِهِ , أَوْ قُدُومِ زَيْدٍ أَبَدًا , فَوَافَقَ الْجُمُعَةَ لَمْ يُكْرَهْ. المجموع شرح المهذب ج/6 ص/479 قال شيخ الإسلام رحمه الله: إن السنة مضت بكراهة إفراد رجب بالصوم، وكراهة إفراد يوم الجمعة..أ. هـ الفتاوى الكبرى ج/6 ص/180 قال الشيخ ابن عثيمين: " وأما الجمعة فلا يُسنّ صوم يومها، ويُكره أن يفرد صومه " ا. هـ. انظر الشرح الممتع ج/6 ص/465 ويستثنى من هذا النهي: ِمَنْ صَامَ قَبْله أَوْ بَعْده أَوْ اِتَّفَقَ وُقُوعُهُ فِي أَيَّامٍ لَهُ عَادَةٌ بِصَوْمِهَا كَمَنْ يَصُوم أَيَّام الْبِيضِ أَوْ مَنْ لَهُ عَادَةٌ بِصَوْمِ يَوْمٍ مُعَيَّنٍ كَيَوْمِ عَرَفَةَ فَوَافَقَ يَوْمَ الْجُمْعَةِ , وَيُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ صَوْمِهِ لِمَنْ نَذَرَ يَوْم قُدُوم زَيْدٍ مَثَلًا أَوْ يَوْم شِفَاء فُلَانٍ. انظر كتاب فتح الباري لابن حجر. وكذلك من عليه صوم قضاء من رمضان، " فيجوز للمسلم أن يصوم يوم الجمعة قضاء عن يوم رمضان ولو منفرداً " فتوى اللجنة الدائمة ج/10 ص/347 وكذلك لو وافق عاشوراء أو عرفة يوم جمعة، فيصومه، لأن نيّته عاشوراء وعرفة وليس الجمعة. والله الموفق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 20049 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3293 هل يستأذن الرجل زوجته في صوم التطوع كما هو الحال معها؟ [السُّؤَالُ] ـ[المرأة تستأذن زوجها في أن تصوم، أعني في غير شهر رمضان؛ وذلك لأنه من حقه أن يأتيها متى يشاء، ومن الواجب عليها أن تطيعه، فهل لها هي الأخرى حق بأن يستأذنها في أن يصوم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نهى النبي صلى الله عليه وسلم الزوجة أن تصوم تطوعاً وزوجها شاهد إلا بإذنه. عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلا بِإِذْنِهِ) . رواه البخاري (5195) ومسلم (1026) . ولفظ أحمد (9812) : (لا تَصُومُ الْمَرْأَةُ يَوْمًا وَاحِدًا وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلا بِإِذْنِهِ إِلا رَمَضَانَ) حسنه الألباني في "صحيح الترغيب" (1052) . قال النووي: هذا محمول على صوم التطوع والمندوب الذي ليس له زمن معين , وهذا النهي للتحريم صرح به أصحابنا , وسببه أن الزوج له حق الاستمتاع بها في كل الأيام , وحقه فيه واجب على الفور فلا يفوته بتطوع ولا بواجب على التراخي. " شرح مسلم " (7 / 115) . ثانياً: وأما سبب ورود النهي للمرأة دون الرجل فيمكن استنباط الحكمة من ذلك: 1- حق الزوج على زوجته آكد من حقها عليه، فلا يصح قياس الزوج على الزوجة في هذا. قال ابن قدامة في "المغني" (7/223) : " وَحَقُّ الزَّوْجِ عَلَيْهَا أَعْظَمُ مِنْ حَقِّهَا عَلَيْهِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) . وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (لَوْ كُنْت آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ , لأَمَرْت النِّسَاءَ أَنْ يَسْجُدْنَ لأَزْوَاجِهِنَّ ; لِمَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ الْحَقِّ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد " انتهى. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى" (3/144) : " وَلَيْسَ عَلَى الْمَرْأَةِ بَعْدَ حَقِّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَوْجَبَ مِنْ حَقِّ الزَّوْجِ , حَتَّى قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (لَوْ كُنْت آمِرًا لأَحَدٍ أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ لأَمَرْت الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا لِعِظَمِ حَقِّهِ عَلَيْهَا) " انتهى. 2- أن الزوج – غالباً – هو الطالب للجماع، والمرأة هي المطلوبة، فالأكثر والأغلب أن تكون الرغبة منه إليها، فناسب أن تستأذنه قبل صيام النفل، إذ قد تكون له رغبة في جماعها. 3- شهوة الرجال أكبر وأعظم من شهوة النساء، ولذا أبيح للرجل الزواج من أربع نسوة، وليس هذا الأمر في النساء ولا لهن، ولذا – أيضاً – كان صبر الرجال على ترك الجماع أضعف من صبر النساء، ولذا جاء الاستئذان لهن، وجاء الوعيد لهن في امتناعهن من الجماع في حال دعوة الزوج لهن. ومناسبة الحديث تؤيد هذه الحكمة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى المرأة عن صيام النفل لما اشتكى زوج امرأة عليها أنه يرغب بجماعها وهي تكثر الصوم فيتعطل حقه. عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ عِنْدَهُ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ زَوْجِي صَفْوَانَ بْنَ الْمُعَطَّلِ يَضْرِبُنِي إِذَا صَلَّيْتُ، وَيُفَطِّرُنِي إِذَا صُمْتُ، وَلا يُصَلِّي صَلاةَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ. قَالَ: وَصَفْوَانُ عِنْدَهُ. قَالَ: فَسَأَلَهُ عَمَّا قَالَتْ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمَّا قَوْلُهَا: يَضْرِبُنِي إِذَا صَلَّيْتُ، فَإِنَّهَا تَقْرَأُ بِسُورَتَيْنِ وَقَدْ نَهَيْتُهَا. قَالَ: فَقَالَ: لَوْ كَانَتْ سُورَةً وَاحِدَةً لَكَفَتْ النَّاسَ. وَأَمَّا قَوْلُهَا: يُفَطِّرُنِي، فَإِنَّهَا تَنْطَلِقُ فَتَصُومُ، وَأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ، فَلا أَصْبِرُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ: لا تَصُومُ امْرَأَةٌ إِلا بِإِذْنِ زَوْجِهَا. وَأَمَّا قَوْلُهَا: إِنِّي لا أُصَلِّي حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَإِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ قَدْ عُرِفَ لَنَا ذَاكَ، لا نَكَادُ نَسْتَيْقِظُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ. قَالَ: فَإِذَا اسْتَيْقَظْتَ فَصَلِّ. رواه أبو داود (2459) . والحديث: صححه ابن حبان (4 / 354) ، والحافظ ابن حجر في " الإصابة " (3 / 441) ، والألباني في " إرواء الغليل " (7 / 65) . قال الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله: ومن حقوقه عليها: أن لا تعمل عملا يضيع عليه كمال الاستمتاع حتى لو كان ذلك تطوعاً بعبادة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن لأحد في بيته إلا بإذنه) . " حقوق دعت إليها الفطرة وقررتها الشريعة " (ص 12) . وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: لا يجوز للمرأة أن تصوم تطوعًا وزوجها شاهد إلا بإذنه؛ لأن له عليه حق العشرة والاستمتاع، فإذا صامت فإنها تمنعه من حقوقه، فلا يجوز لها ذلك، ولا يصح صومها تنفلاً إلا بإذنه. " المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (4 / 73، 74) . 4- القيام بحقوق الزوج، ورعاية المنزل، وتربية الأبناء واجبات على الزوجة، فقد يرى الزوج تعارضاً بين تلك الواجبات وصيامها للنفل، وهذا مشاهد من قبل النساء – بل وبعض الرجال – أنه إن صامت تكاسلت وفرَّطت في واجبات بيتها، ولذلك جعل الاستئذان في صيام النفل دون الواجب. 5- أن الزوج – في العادة – يخرج للعمل والتكسب، بخلاف المرأة التي عملها في بيتها، فلم يشرع استئذان الزوج لعدم الحاجة إليه، بخلاف المرأة التي تستأذن وعلى كل حال: فأوامر الشرع ونواهيه كلها حكمة، ويجب على المسلم أن يقول سمعنا وأطعنا، والأصل اشتراك الرجال والنساء في الأحكام إلا ما فرَّق الله بينها لحكمة تتعلق بطبيعة خلقتها أو للابتلاء ليعلم المؤمن الصادق من غيره. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50732 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3294 الترغيب في صيام أيام البيض وشهر شعبان [السُّؤَالُ] ـ[لقد اعتدت صيام أيام البيض من كل شهر ولله الحمد ولكن هذا الشهر لم أصم وعندما أردت الصيام قيل لي إنه لا يجوز وإنها بدعة، (لقد صمت يوم الاثنين أول الشهر ثم صمت يوم الأربعاء 19 شعبان وبإذن الله سأصوم غداً الخميس وبذلك أكون صمت 3 أيام) فما الحكم؟ وما حكم إكثار الصيام في شهر شعبان؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: حرَّم الله تعالى القول عليه بغير علم، وقرن ذلك بالشرك وكبائر الذنوب، فقال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) الأعراف/33. ومن القول عليه بغير علم ما جاء في السؤال من قول بعضهم ببدعية صيام ثلاثة أيام من شهر شعبان على الوجه المذكور في السؤال. ثانياً: يستحب صيام ثلاثة أيام من كل شهر، والأفضل أن تكون أيام البيض وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن حتى أموت صوم ثلاثة أيام من كل شهر وصلاة الضحى ونوم على وتر. رواه البخاري (1124) ومسلم (721) . وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وإن بحسبك أن تصوم كل شهر ثلاثة أيام؛ فإن لك بكل حسنة عشر أمثالها فإن ذلك صيام الدهر كله ". رواه البخاري (1874) ومسلم (1159) . وعن أبي ذر قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا صمت شيئاً من الشهر فصم ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة ". رواه الترمذي (761) والنسائي (2424) . والحديث حسنه الترمذي ووافقه الألباني في " إرواء الغليل " (947) . سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله تعالى -: ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى أبا هريرة - رضي الله عنه - بصيام ثلاثة أيام من كل شهر فمتى تصام هذه الأيام؟ وهل هي متتابعة؟ . فأجاب: هذه الأيام الثلاثة يجوز أن تصام متوالية أو متفرقة، ويجوز أن تكون من أول الشهر، أو من وسطه، أو من آخره، والأمر واسع ولله الحمد، حيث لم يعين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد سئلت عائشة - رضي الله عنها -: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام؟ قالت: " نعم "، فقيل: من أي الشهر كان يصوم؟ قالت: " لم يكن يبالي من أي الشهر يصوم " – رواه مسلم (1160) -، لكن اليوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر أفضل، لأنها الأيام البيض. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (20 / السؤال رقم 376) . ثالثاً: لعل من أراد منعك من صيام هذه الأيام في هذا الشهر (شعبان) لعله قال ذلك لأنه علم أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن الصيام إذا انتصف شعبان. وقد سبق في إجابة السؤال (49884) أن هذا النهي إنما هو في حق من ابتدأ الصيام في النصف الثاني من شعبان، ولم تكن له عادة بالصيام. أما من ابتدأ الصيام في النصف الأول ثم استمر صائماً في النصف الثاني، أو كانت له عادة بالصيام فلا حرج من صيامه في النصف الثاني، كمن اعتاد صيام ثلاثة أيام من كل شهر أو صيام يومي الاثنين والخميس. وعلى هذا فلا حرج من صيامك ثلاثة أيام من شهر شعبان، حتى لو وقع بعضها في النصف الثاني من الشهر. رابعاً: ولا بأس من إكثار الصيام في شهر شعبان، بل هو من السنة، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُكثر من الصوم في هذا الشهر. عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان. رواه البخاري (1868) ومسلم (1156) . وعن أبي سلمة أن عائشة رضي الله عنها حدثته قالت: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهراً أكثر من شعبان فإنه كان يصوم شعبان كله وكان يقول خذوا من العمل ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا وأحب الصلاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما دووم عليه وإن قلَّت، وكان إذا صلى صلاة داوم عليها. رواه البخاري (1869) ومسلم (782) . راجع السؤال المشار إليه آنفاً (49884) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49867 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3295 كيفية صيام داود عليه السلام وكيف نوفق بينه وبين النهي عن صيام يوم الجمعة [السُّؤَالُ] ـ[أريد معرفة كيفية صيام نبي الله داود عليه الصلاة والسلام، حيث إن صومه - كما هو معروف - يصوم يوماً ويفطر يوماً كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن قد نُهي عن إفراد يوم الجمعة بالصوم، فكيف يكون نصوم يوماً ونفطر يوماً؟ وهل كان يوم الجمعة في عهد داود عليه الصلاة والسلام غير منهي عنه بالإفراد؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: جاء في الصحيحين عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن أفضل الصيام صيام داود: كان يصوم يوماً ويفطر يوماً ". ولا تتعارض هذه الأفضلية مع النهي عن صيام يوم الجمعة؛ لأن النهي عن صيام الجمعة إنما هو فيمن خصَّه من بين الأيام، والذي يصوم صيام داود عليه السلام (يصوم يوماً ويفطر يوماً) لم يتقصد يوم الجمعة بصيام. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: وفي حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - دليل على أن صوم يوم الجمعة أو السبت إذا صادف يوماً غير مقصود به التخصيص: فلا بأس به، لأنه إذا صام يوماً، وأفطر يوماً: فسوف يصادف الجمعة والسبت، وبذلك يتبين أن صومهما ليس بحرام، وإلا لقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: صم يوماً، وأفطر يوماً، ما لم تصادف الجمعة والسبت. " الشرح الممتع " (6 / 476) . ثانياً: وأما سؤالك عن حكم إفراد يوم الجمعة بالصيام في شريعة داود عليه السلام. فلا نعلم شيئاً عن الأحكام العملية في شريعة داود عليه السلام من حيث النهي عن صيام الجمعة أو غيره، والمعلوم أن لكل نبي شرعة ومنهاجاً، وهم – عليهم الصلاة والسلام – عقائدهم واحدة وشرائعهم مختلفة. قال الله تعالى: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً) المائدة/48 وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " والأنبياء إخوة لعَلاَّت، أمهاتهم شتَّى، ودينهم واحد ". رواه البخاري (3259) ومسلم (2365) . ومعنى الحديث: أن دين الأنبياء واحد، وهو توحيد الله تعالى وإفراده بالعبادة، وإن تفرقت شرائعهم، كمثل الإخوة الذين لهم أب واحد وأمهات شتى (وهم الإخوة لعَلاّت) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 47819 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3296 لا يصوم إلا شهر رمضان فقط ولا يصوم شيئاً من النوافل [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من يصوم شهر رمضان فقط، ولا يصوم المناسبات الأخرى؟ هل يجوز لي أن أخرج الصدقة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب على المسلم هو صوم شهر رمضان، وما عداه من الأيام الفاضلة، كيوم عرفة وعاشوراء وغيرهما لا يجب صومها إلا إذا نذرها، وأما من غير نذر فلا يجب صومها. وقد ثبت عن طلحة بن عبيد الله أنه قال: (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد ثائر الرأس يسمع دوي صوته ولا يفقه ما يقول حتى دنا فإذا هو يسأل عن الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس صلوات في اليوم والليلة، فقال هل علي غيرها؟ قال لا إلا أن تطوع، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وصيام رمضان، قال هل علي غيره؟ قال لا إلا أن تطوع، قال وذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة، قال هل علي غيرها؟ قال لا إلا أن تطوع، فأدبر الرجل وهو يقول والله لا أزيد على هذا ولا أنقص، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفلح إن صدق) رواه البخاري (46) ، ومسلم (11) وهذا يدل على أن الصوم الواجب هو صوم شهر رمضان، وما عداه من الأيام الفاضلة، ولا يأثم الإنسان بتركه. قال النووي في شرح مسلم: في هذا الحديث أنه لا يجب صوم عاشوراء ولا غيره سوى رمضان، وهذا مجمع عليه.اهـ ، لكن لا ينبغي له أن يترك صيام الأيام الفاضلة، كعاشوراء وعرفة وست من شوال ونحو ذلك، لعظيم أجرها وفضلها، ولأن صيام النافلة مكمل لما يحصل من النقص في صيام الفريضة. وقد ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته فإن صلحت فقد أفلح وأنجح وإن فسدت فقد خاب وخسر، فإن انتقص من فريضته شيء قال الرب عز وجل انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل بها ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر عمله على ذلك) رواه الترمذي برقم 413، والنسائي برقم 465، وصححه الألباني في صحيح الترمذي وهذا يدل على أن صيام النافلة يكمل ما حصل من نقص في صيام الفريضة. أما سؤالك عن الصدقة فغير واضح، لكن إن كان قصدك السؤال عن الصدقة على مثل ذلك الرجل، فالجواب: نعم تجوز الصدقة عليه، طالما أنه مسلم يصلي، وتركه للصيام للنوافل - كما سبق - ليس فيه إثم، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 43010 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3297 هل تصوم تطوعاً وعليها أيام من رمضان؟ [السُّؤَالُ] ـ[أفطرت في رمضان بسبب الدورة الشهرية ولم أقض ديني بعد هل لي أن أصوم العشر الأوائل من ذي الحجة..؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: هذه المسألة تعرف عند أهل العلم بصيام النافلة قبل قضاء رمضان، وفيها خلاف بين العلماء، فمن العلماء من حرم صيام النافلة قبل قضاء الأيام التي على الإنسان، لأن البدء بالفرض آكد من النفل، ومن العلماء من أجاز ذلك. وقد سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى: عما إذا اجتمع قضاء واجب ومستحب، فهل يجوز للإنسان أن يفعل المستحب ويجعل قضاء الواجب فيما بعد أو يبدأ بالواجب أولاً مثال: يوم عاشوراء وافق قضاء من رمضان؟ فأجاب ": بالنسبة للصيام الفريضة والنافلة لا شك أنه من المشروع والمعقول أن يبدأ بالفريضة قبل النافلة، لأن الفريضة دَيْنٌ واجب عليه، والنافلة تطوع إن تيسرت وإلا فلا حرج، وعلى هذا فنقول لمن عليه قضاء من رمضان: اقض ما عليك قبل أن تتطوع، فإن تطوع قبل أن يقضي ما عليه فالصحيح أن صيامه التطوع صحيح مادام في الوقت سعة، لأن قضاء رمضان يمتد إلى أن يكون بين الرجل وبين رمضان الثاني مقدار ما عليه، فمادام الأمر موسعا فالنفل جائز، كصلاة الفريضة مثلا إذا صلى الإنسان تطوعا قبل الفريضة مع سعة الوقت كان جائزا، فمن صام يوم عرفة، أو يوم عاشوراء وعليه قضاء من رمضان فصيامه صحيح، لكن لو نوى أن يصوم هذا اليوم عن قضاء رمضان حصل له الأجران: أجر يوم عرفة، وأجر يوم عاشوراء مع أجر القضاء، هذا بالنسبة لصوم التطوع المطلق الذي لا يرتبط برمضان، أما صيام ستة أيام من شوال فإنها مرتبطة برمضان ولا تكون إلا بعد قضائه، فلو صامها قبل القضاء لم يحصل على أجرها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر» ومعلوم أن من عليه قضاء فإنه لا يعد صائما رمضان حتى يكمل القضاء، وهذه مسألة يظن بعض الناس أنه إذا خاف خروج شوال قبل صوم الست فإنه يصومها ولو بقي عليه القضاء، وهذا غلط فإن هذه الستة لا تصام إلا إذا أكمل الإنسان ما عليه من رمضان " مجموع فتاوى ابن عثيمين (20/438) وعلى هذا، فيجوز لك أن تصومي العشر الأوائل من شهر ذي الحجة على أنها نافلة، والأفضل لك أن تصوميها بنيّة قضاء رمضان، ويحصل لك الأجران إن شاء الله تعالى. ويراجع السؤال رقم (23429) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 41901 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3298 إذا اختلفت البلاد في تحديد دخول شهر رمضان ويوم عرفة، فمع من أصوم؟! [السُّؤَالُ] ـ[انتقلنا بسبب ظروف معينة إلى السكن في دولة الباكستان، وقد تغيرت علي عدد من الأمور من أوقات الصلاة إلى غير ذلك ..... أردت أن أسألكم بأنني راغبة في صيام يوم عرفة، ولكن يختلف التاريخ الهجري في باكستان عن المملكة بحيث قد يكون التاريخ في باكستان 8 والذي يوافق 9 في المملكة ... فهل أصوم يوم 8 أي تاريخ 9 في المملكة أم أصوم على حسب تاريخ باكستان؟؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عما إذا اختلف يوم عرفة نتيجة لاختلاف المناطق المختلفة في مطالع الهلال فهل نصوم تبع رؤية البلد التي نحن فيها أم نصوم تبع رؤية الحرمين؟ فأجاب فضيلته بقوله: هذا يبنى على اختلاف أهل العلم: هل الهلال واحد في الدنيا كلها أم هو يختلف باختلاف المطالع؟ والصواب أنه يختلف باختلاف المطالع، فمثلا إذا كان الهلال قد رؤي بمكة، وكان هذا اليوم هو اليوم التاسع، ورؤي في بلد آخر قبل مكة بيوم وكان يوم عرفة عندهم اليوم العاشر فإنه لا يجوز لهم أن يصوموا هذا اليوم لأنه يوم عيد، وكذلك لو قدر أنه تأخرت الرؤية عن مكة وكان اليوم التاسع في مكة هو الثامن عندهم، فإنهم يصومون يوم التاسع عندهم الموافق ليوم العاشر في مكة، هذا هو القول الراجح، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا) وهؤلاء الذين لم ير في جهتهم لم يكونوا يرونه، وكما أن الناس بالإجماع يعتبرون طلوع الفجر وغروب الشمس في كل منطقة بحسبها، فكذلك التوقيت الشهري يكون كالتوقيت اليومي. [مجموع الفتاوى 20] وسئل رحمه الله من بعض موظفي سفارة بلاد الحرمين في إحدى الدول: ونحن هنا نعاني بخصوص صيام شهر رمضان المبارك وصيام يوم عرفة، وقد انقسم الأخوة هناك إلى ثلاثة أقسام: قسم يقول: نصوم مع المملكة ونفطر مع المملكة. قسم يقول نصوم مع الدولة التي نحن فيها ونفطر معهم. قسم يقول: نصوم مع الدولة التي نحن فيها رمضان، أما يوم عرفة فمع المملكة. وعليه آمل من فضيلتكم الإجابة الشافية والمفصلة لصيام شهر رمضان المبارك، ويوم عرفة مع الإشارة إلى أن دولة. . . وطوال الخمس سنوات الماضية لم يحدث وأن وافقت المملكة في الصيام لا في شهر رمضان ولا في يوم عرفة، حيث إنه يبدأ صيام شهر رمضان. بعد إعلانه في المملكة بيوم أو يومين، وأحيانا ثلاثة أيام. فأجاب: اختلف العلماء رحمهم الله فيما إذا رؤي الهلال في مكان من بلاد المسلمين دون غيره، هل يلزم جميع المسلمين العمل به، أم لا يلزم إلا من رأوه ومن وافقهم في المطالع، أو من رأوه، ومن كان معهم تحت ولاية واحدة، على أقوال متعددة، وفيه خلاف آخر. والراجح أنه يرجع إلى أهل المعرفة، فإن اتفقت مطالع الهلال في البلدين صارا كالبلد الواحد، فإذا رؤي في أحدهما ثبت حكمه في الآخر، أما إذا اختلفت المطالع فلكل بلد حكم نفسه، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى وهو ظاهر الكتاب والسنة ومقتضى القياس: أما الكتاب فقد قال الله تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون) فمفهوم الآية: أن من لم يشهده لم يلزمه الصوم. وأما السنة فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا) مفهوم الحديث إذا لم نره لم يلزم الصوم ولا الفطر. وأما القياس فلأن الإمساك والإفطار يعتبران في كل بلد وحده وما وافقه في المطالع والمغارب، وهذا محل إجماع، فترى أهل شرق آسيا يمسكون قبل أهل غربها ويفطرون قبلهم، لأن الفجر يطلع على أولئك قبل هؤلاء، وكذلك الشمس تغرب على أولئك قبل هؤلاء، وإذا كان قد ثبت هذا في الإمساك والإفطار اليومي فليكن كذلك في الصوم والإفطار الشهري ولا فرق. ولكن إذا كان البلدان تحت حكم واحد وأَمَرَ حاكمُ البلاد بالصوم، أو الفطر وجب امتثال أمره؛ لأن المسألة خلافية، وحكم الحاكم يرفع الخلاف. وبناء على هذا صوموا وأفطروا كما يصوم ويفطر أهل البلد الذي أنتم فيه سواء وافق بلدكم الأصلي أو خالفه، وكذلك يوم عرفة اتبعوا البلد الذي أنتم فيه. " [مجموع الفتاوى 19] . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 40720 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3299 إذا شرع في صيام نفل ثم أفطر هل يلزمه قضاؤه [السُّؤَالُ] ـ[رجل يريد صيام ستاً من شوال، وفي أحد الأيام نوى أن يصومه لكنه أفطر بدون عذر، ولم يتم صيامه فهل يقضى هذا اليوم بعد ما يصوم ست من شوال ويكون عدد الأيام التي صامها سبعاً أم يصوم ستاً من شوال فقط؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف العلماء فيمن شرع في صيام نفل هل يجب عليه إتمامه أم لا؟ على قولين: القول الأول: أنه لا يلزم إتمام صيام النفل، وهذا مذهب الشافعية والحنابلة، واستدلوا بما يلي: 1- عن عائشة أم المؤمنين قالت: (دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: هل عندكم شيء؟ فقلنا: لا، قال: فإني إذن صائم، ثم أتانا يوما آخر فقلنا: يا رسول الله أهدي لنا حيس، فقال أرينيه فلقد أصبحت صائما، فأكل) رواه مسلم برقم 1154 2- عن أبي جحيفة قال: ( ..... فجاء أبو الدرداء فصنع له - أي لسلمان - طعاما، فقال: كل فإني صائم، قال سلمان: ما أنا بآكل حتى تأكل، قال فأكل ..... فقال له سلمان: إن لربك عليك حقا ولنفسك عليك حقا ولأهلك عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال النبي صلى الله عليه وسلم صدق سلمان) رواه البخاري برقم 1968 3- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (صنعت للنبي صلى الله عليه وسلم طعاما، فلما وضع، قال رجل: أنا صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعاك أخوك، وتكلف لك، أفطر فصم مكانه إن شئت) رواه الدراقطني برقم 24، وحسنه الحافظ في الفتح 4 / 210 القول الثاني: أنه يلزم إتمام النفل، فإن أفسده فعليه القضاء، وهذا مذهب الحنفية، واستدلوا على وجوب القضاء بما يلي: 1- عن عائشة رضي الله عنها قالت: (أهدي لي ولحفصة طعام وكنا صائمتين فأفطرنا ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا له يا رسول الله إنا أهديت لنا هدية فاشتهيناها فأفطرنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا عليكما صوما مكانه يوما آخر) رواه أبو داود 2457، والترمذي 735، وفي إسناده زميل، قال في التقريب: مجهول، وضعفه النووي في المجموع 6 / 396، وابن القيم في زاد المعاد 2 / 84، وضعفه الألباني. 2- في حديث عائشة السابق في مسلم، زاد بعضهم: (فلقد أصبحت صائماً فأكل، وقال: أصوم يوما مكانه) . وأجيب بأن النسائي ضعف هذه الزيادة، وقال: هي خطأ، وكذا ضعفها الدارقطني والبيهقي. والقول الأول هو الراجح لقوة أدلته، ويؤيده ما ثبت عن أم هانئ رضي الله عنها أنها قالت: (يا رسول الله لقد أفطرت وكنت صائمة؟ فقال لها: أكنت تقضين شيئا، قالت لا، قال: فلا يضرك إن كان تطوعا) رواه أبو داود برقم 2456، وصححه الألباني. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " إذا كان الإنسان صائما صيام نفل وحصل له ما يقتضي الفطر فإنه يفطر، وهذا هو الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى الله عليه وسلم جاء إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فقال (هل عندكم شيء؟) فقالت: أهدي لنا حيس فقال: (فأرينيه فلقد أصبحت صائما) . فأكل منه صلى الله عليه وسلم، وهذا في النفل، وليس في الفرض. " انتهى من مجموع الفتاوى 20 وعليه فلا يلزمك قضاء ذلك اليوم الذي أفطرته، لأن المتطوع أمير نفسه، وإنما أكمل صيام ست من شوال. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39827 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3300 وصل شعبان برمضان [السُّؤَالُ] ـ[عفا الله عنى وتركت التدخين وبدأت الصيام من يوم 7 رجب وحتى نهاية شعبان ولم أفصل بين شعبان ورمضان حيث اختلفت الفتاوى في ذلك.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحمد لله الذي وفقك لترك هذا المحرم، ونسأل الله تعالى لنا ولك الثبات على دينه حتى الممات. ومواصلتك الصيام بين شعبان ورمضان جائزة، وقد أصبت السنة بفعلك هذا، راجع سؤال رقم (13726) , (26850) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38044 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3301 هل صيام ست من شوال مكروه كما يقول بعض العلماء؟ [السُّؤَالُ] ـ[ماذا ترى في صيام ستة أيام بعد رمضان من شهر شوال، فقد ظهر في موطأ مالك: أن الإمام مالك بن أنس قال في صيام ستة أيام بعد الفطر من رمضان: أنه لم ير أحداً من أهل العلم والفقه يصومها، ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف، وأن أهل العلم يكرهون ذلك، ويخافون بدعته، وأن يلحق برمضان ما ليس منه، هذا الكلام في الموطأ الرقم 228 الجزء الأول.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ثبت عن أبي أيوب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال فذاك صيام الدهر) رواه أحمد (5/417) ومسلم (2/822) وأبو داود (2433) والترمذي (1164) . فهذا حديث صحيح يدل على أن صيام ستة أيام من شوال سنة، وقد عمل به الشافعي وأحمد وجماعة من أئمة من العلماء، ولا يصح أن يقابل هذا الحديث بما يعلل به بعض العلماء لكراهة صومها من خشية أن يعتقد الجاهل أنها من رمضان، أو خوف أن يظن وجوبها، أو بأنه لم يبلغه عن أحد ممن سبقه من أهل العلم أنه كان يصومها، فإنه من الظنون، وهي لا تقاوم السنة الصحيحة، ومن علم حجة على من لم يعلم. وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (10/389) الحديث: 34780 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3302 الجمع بين نيتين في صيام واحد ومسألة تداخل العبادات [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكن الجمع في النية بين صيام ثلاثة أيام من الشهر وصيام يوم عرفة، وهل نأخذ الأجرين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تداخل العبادات قسمان: قسم لا يصح: وهو فيما إذا كانت العبادات مقصورة بنفسها، أو تابعة لغيرها، فهذا لا يمكن أن تتداخل العبادات فيه، مثال ذلك: إنسان فاتته سنة الفجر حتى طلعت الشمس، وجاء وقت صلاة الضحى، فهنا لا تجزئ سنة الفجر عن صلاة الضحى، ولا الضحى عن سنة الفجر، ولا الجمع بينهما أيضاً، لأن سنة الفجر مستقلة، وسنة الضحى مستقلة، فلا تجزئ إحداهما عن الأخرى. كذلك إذا كانت الأخرى تابعة لما قبلها، فإنها لا تتداخل، فلو قال إنسان: أنا أريد أن أنوي بصلاة الفجر صلاة الفريضة والراتبة، قلنا: لا يصح هذا، لأن الراتبة تابعة للصلاة فلا تجزي عنها. والقسم الثاني: أن يكون المقصود بالعبادة مجرد الفعل، والعبادة نفسها ليست مقصودة، فهذا يمكن أن تتداخل العبادات فيه، مثاله: رجل دخل المسجد والناس يصلون الفجر، فإن من المعلوم أن الإنسان إذا دخل المسجد لا يجلس حتى يصلي ركعتين، فإذا دخل مع الإمام في صلاة الفريضة أجزأت عن الركعتين، لماذا؟ لأن المقصود أن تصلي ركعتين عند دخول المسجد، وكذلك لو دخل الإنسان المسجد وقت الضحى وصلى ركعتين ينوي بهما صلاة الضحى، أجزأت عن تحية المسجد، وإن نواهما جميعاً فهو أكمل، فهذا هو الضابط في تداخل العبادات. ومنه الصوم، فصوم يوم عرفة مثلاً المقصود أن يأتي عليك هذا اليوم وأنت صائم، سواء كان نويته من الأيام الثلاثة التي تصام من كل شهر أو نويته ليوم عرفة، لكن إذا نويته ليوم عرفة لم يجزئ عن صيام الأيام الثلاثة، وإن نويته يوماً من الأيام الثلاثة أجزأ عن يوم عرفة، وإن نويت الجميع كان أفضل. [الْمَصْدَرُ] لقاء الباب المفتوح لابن عثيمين 51/19 الحديث: 1693 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3303 إقامة إفطار جماعي لتشجيع الناس على الصيام [السُّؤَالُ] ـ[ما رأيكم في تشجيع عامة الناس على صيام النافلة وإقامة الفطور الجماعي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أرى أنه لا بأس به، لكن الأولى تركه، لأن الصحابة رضي الله عنهم ما كانوا يسلكون هذه الأساليب، فإذا رُغب الناس في صيام النافلة بالقول، فهو كاف عن ترغيبهم بالفعل. [الْمَصْدَرُ] لقاء الباب المفتوح لابن عثيمين /247 الحديث: 1948 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3304 الجمع في النية بين صيام الأيام البيض وصيام الست من شوال [السُّؤَالُ] ـ[هل يحصل الفضل لمن صام ثلاث من الست من شوال مع البيض بنية واحدة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سألت شيخنا الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز عن هذه المسألة فأجاب بأنه يُرجى له ذلك لأنّه يصدق أنه صام الستّ كما يصدق أنه صام البيض وفضل الله واسع. وعن المسألة نفسها أجابني فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين بما يلي: نعم، إذا صام ست أيام من شوال سقطت عنه البيض، سواء صامها عند البيض أو قبل أو بعد لأنه يصدق عليه أنه صام ثلاثة أيام من الشهر، وقالت عائشة رضي الله عنها: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم ثلاثة أيام من كل شهر لا يبالي أصامها من أول الشهر أو وسطه أو آخره "، وهي من جنس سقوط تحية المسجد بالراتبة فلو دخل المسجد وصلى السنة الراتبة سقطت عنه تحية المسجد … والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 4015 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3305 الجمع بين صيام داود وصيام الإثنين والخميس [السُّؤَالُ] ـ[أعلم أن صيام يوم وترك يوم هو أفضل الصيام كما ذكر في الحديث أن هذا هو صيام النبي داود عليه السلام ولكن كيف أصوم الاثنين والخميس وأصوم يوماً وأترك يوماً؟ لأن الاثنين أو الخميس لن يكونا في ترتيب الأيام فإذا صمت يوما وأفطرت يوماً فسوف أصوم السبت والاثنين والأربعاء والجمعة أو الأحد والثلاثاء والخميس ثم السبت.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الإسلام جاء بعبادات متنوعة وهذا من كمال هذا الدين، وهناك عبادات يمكن الجمع بينهما وعبادات لا يمكن الجمع بينهما، وصيام يوم وترك يوم عبادة مستقلة، وهذا النوع من تطوعات الصوم هو أفضل الأنواع. وصيام يومي الاثنين والخميس نوع مستقل آخر ولا يتصور الجمع بين الأمرين باستمرار. فيُقدَّم الأفضل، لكن على الإنسان أن يعتبر حاله وطاقته، فلا يُقدم على عملٍ لا يكون بمقدوره تحمله والاستمرار عليه - من النوافل - لأن أحب الأعمال إلى الله أدومه وإن قل. والله الموفق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 5415 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3306 هل يشترط التتابع في صيام الست من شوال [السُّؤَالُ] ـ[بالنسبة لصيام ستة أيام من شوال بعد رمضان هل يُشترط أن تكون متتابعة أم يُمكن أن أفرّقها حيث أنني أريد أن أصومها على ثلاث دفعات يومين في الإجازة الأسبوعية في نهاية كل أسبوع.]ـ [الْجَوَابُ] - أنه لا يُشترط التتابع فيها فلو صامها متفرقة أو متتابعة فلا بأس بذلك وكلما بادر كان أفضل، قال الله تعالى: (فاستبقوا الخيرات) ، وقال: (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم) ، وقال موسى عليه السلام: (وعجلت إليك رب لترضى) ولما في التأخير من الآفات وإليه ذهب الشافعية وبعض الحنابلة، لكن لا حرج في عدم المبادرة، فلو أخرها إلى وسط الشهر أو آخره فلا بأس. قال النووي رحمه الله: قَالَ أَصْحَابُنَا: يُسْتَحَبُّ صَوْمُ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ، لِهَذَا الْحَدِيثِ قَالُوا: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَصُومَهَا مُتَتَابِعَةً فِي أَوَّلِ شَوَّالٍ فَإِنْ فَرَّقَهَا أَوْ أَخَّرَهَا عَنْ شَوَّالٍ جَازَ. وَكَانَ فَاعِلا لأَصْلِ هَذِهِ السُّنَّةِ، لِعُمُومِ الْحَدِيثِ وَإِطْلاقِهِ. وَهَذَا لا خِلافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَدَاوُد. المجموع شرح المهذب. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 7858 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3307 فضل صيام الستّ من شوال [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم صيام الستّ من شوال، وهل هي واجبة؟.]ـ [الْجَوَابُ] صيام ست من شوال بعد فريضة رمضان سنّة مستحبّة وليست بواجب، ويشرع للمسلم صيام ستة أيام من شوال، وفي ذلك فضل عظيم، وأجر كبير ذلك أن من صامها يكتب له أجر صيام سنة كاملة كما صح ذلك عن المصطفى صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي أيوب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر. " رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. وقد فسّر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: " من صام ستة أيام بعد الفطر كان تمام السنة: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) . " وفي رواية: " جعل الله الحسنة بعشر أمثالها فشهر بعشرة أشهر وصيام ستة أيام تمام السنة " النسائي وابن ماجة وهو في صحيح الترغيب والترهيب 1/421 ورواه ابن خزيمة بلفظ: " صيام شهر رمضان بعشرة أمثالها وصيام ستة أيام بشهرين فذلك صيام السنة ". وقد صرّح الفقهاء من الحنابلة والشافعية: بأن صوم ستة أيام من شوال بعد رمضان يعدل صيام سنة فرضا، وإلا فإنّ مضاعفة الأجر عموما ثابت حتى في صيام النافلة لأن الحسنة بعشرة أمثالها. ثم إنّ من الفوائد المهمّة لصيام ستّ من شوال تعويض النّقص الذي حصل في صيام الفريضة في رمضان إذ لا يخلو الصائم من حصول تقصير أو ذنب مؤثّر سلبا في صيامه ويوم القيامة يُؤخذ من النوافل لجبران نقص الفرائض كما قال صلى الله عليه وسلم: " إن أول ما يحاسب الناس به يوم القيامة من أعمالهم الصلاة قال يقول ربنا جل وعز لملائكته وهو أعلم انظروا في صلاة عبدي أتمها أم نقصها فإن كانت تامة كتبت تامة وإن انتقص منها شيئا قال انظروا هل لعبدي من تطوع فإن كان له تطوع قال أتموا لعبدي فريضته من تطوعه ثم تؤخذ الأعمال على ذاكم " رواه أبو داود. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 7859 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3308 متى يبدأ المسلم بصيام ستة أيام من شوال [السُّؤَالُ] ـ[متى يُمكن أن أبدا بصيام الستّ من شوال حيث أنه يوجد لدينا إجازة سنوية الآن؟.]ـ [الْجَوَابُ] يُمكن الشروع بصيام الستّ من شوال ابتداء من ثاني أيام شوال لأنّ يوم العيد يحرم صيامه ويُمكن أن تصوم الستّ في أيّ أيام شوال شئت وخير البرّ عاجله. وقد جاء إلى اللجنة الدائمة السؤال التالي: هل صيام الأيام الستة تلزم بعد شهر رمضان عقب يوم العيد مباشرة أو يجوز بعد العيد بعدة أيام متتالية في شهر شوال أو لا؟ فأجابت بما يلي: لا يلزمه أن يصومها بعد عيد الفطر مباشرة، بل يجوز أن يبدأ صومها بعد العيد بيوم أو أيام، وأن يصومها متتالية أو متفرقة في شهر شوال حسب ما يتيسر له، والأمر في ذلك واسع، وليست فريضة بل هي سنة. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 10/391. الحديث: 7860 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3309 هل يلزم صيام الست من شوال كل سنة؟ [السُّؤَالُ] ـ[شخص يصوم ستة أيام شوال، أتاه مرض أو مانع أو تكاسل عن صيامها في إحدى السنوات هل عليه إثم لأننا نسمع أنه من يصومها في عام يجب عليه عدم تركها.]ـ [الْجَوَابُ] صيام ستة أيام من شوال بعد يوم العيد سنة، ولا يجب على من صامها مرة أو أكثر أن يستمر على صيامها، ولا يأثم من ترك صيامها. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 10/391 الحديث: 7865 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3310 هل يشرع للمرأة أن تقول عند الجماع: اللهم جنبنا الشيطان [السُّؤَالُ] ـ[عندما يهم الرجل بجماع زوجته , فإنه يقول ما وصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم جنبنا الشيطان ...... ) سؤالي. هل للمرأة قول ذلك أيضا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " هذا الدعاء مشروع في حق الرجل إذا أراد أن يأتي أهله؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: (لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال: باسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن قضي بينهما ولد في ذلك لم يضره الشيطان أبدا) متفق عليه، ورواه أصحاب السنن وغيرهم، لكن لو دَعتْ به فلا بأس؛ لأن الأصل عدم الخصوصية. وبالله التوفيق " فتاوى اللجنة الدائمة (19/356) عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. عبد العزيز آل الشيخ.. صالح الفوزان.. عبد الله بن غديان..بكر أبو زيد والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 95742 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3311 صوم يوم الشك [السُّؤَالُ] ـ[في ليلة الثلاثين من شعبان خرجنا لرؤية الهلال، ولكن الجو كان غيما فلم نتمكن من الرؤية، هل نصوم يوم الثلاثين من شعبان لأنه يوم مشكوك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا ما يسمى بيوم الشك (لأنه مشكوك فيه، هل هو آخر يوم من شعبان أو أول يوم من رمضان) وصومه محرم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غُبِّيَ (أي خفي) عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين " رواه البخاري (1909) . وقال عمار بن ياسر من صام اليوم الذي يُشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم. رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الترمذي 553. قال الحافظ ابن حجر: استُدل به على تحريم صوم يوم الشك لأن الصحابي لا يقول ذلك من قبل رأيه فيكون من قبيل المرفوع. قال علماء اللجنة الدائمة عن يوم الشك: " دلت السنة على تحريم صومه " فتاوى اللجنة 10/117 وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله بعد ذكر الخلاف في حكم صوم يوم الشك: " وأصح هذه الأقوال هو التحريم، ولكن إذا ثبت عند الإمام وجوب صوم هذا اليوم وأمر الناس بصومه فإنه لا ينابذ وتحصل عدم منابذته بألا يُظهر الإنسان فطره، وإنما يُفطر سراً ". الشرح الممتع 6/318. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 13711 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3312 كيفية صيام داود عليه السلام وكيف نوفق بينه وبين النهي عن صيام يوم الجمعة [السُّؤَالُ] ـ[أريد معرفة كيفية صيام نبي الله داود عليه الصلاة والسلام، حيث إن صومه - كما هو معروف - يصوم يوماً ويفطر يوماً كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن قد نُهي عن إفراد يوم الجمعة بالصوم، فكيف يكون نصوم يوماً ونفطر يوماً؟ وهل كان يوم الجمعة في عهد داود عليه الصلاة والسلام غير منهي عنه بالإفراد؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: جاء في الصحيحين عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن أفضل الصيام صيام داود: كان يصوم يوماً ويفطر يوماً ". ولا تتعارض هذه الأفضلية مع النهي عن صيام يوم الجمعة؛ لأن النهي عن صيام الجمعة إنما هو فيمن خصَّه من بين الأيام، والذي يصوم صيام داود عليه السلام (يصوم يوماً ويفطر يوماً) لم يتقصد يوم الجمعة بصيام. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: وفي حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - دليل على أن صوم يوم الجمعة أو السبت إذا صادف يوماً غير مقصود به التخصيص: فلا بأس به، لأنه إذا صام يوماً، وأفطر يوماً: فسوف يصادف الجمعة والسبت، وبذلك يتبين أن صومهما ليس بحرام، وإلا لقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: صم يوماً، وأفطر يوماً، ما لم تصادف الجمعة والسبت. " الشرح الممتع " (6 / 476) . ثانياً: وأما سؤالك عن حكم إفراد يوم الجمعة بالصيام في شريعة داود عليه السلام. فلا نعلم شيئاً عن الأحكام العملية في شريعة داود عليه السلام من حيث النهي عن صيام الجمعة أو غيره، والمعلوم أن لكل نبي شرعة ومنهاجاً، وهم – عليهم الصلاة والسلام – عقائدهم واحدة وشرائعهم مختلفة. قال الله تعالى: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً) المائدة/48 وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " والأنبياء إخوة لعَلاَّت، أمهاتهم شتَّى، ودينهم واحد ". رواه البخاري (3259) ومسلم (2365) . ومعنى الحديث: أن دين الأنبياء واحد، وهو توحيد الله تعالى وإفراده بالعبادة، وإن تفرقت شرائعهم، كمثل الإخوة الذين لهم أب واحد وأمهات شتى (وهم الإخوة لعَلاّت) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 47819 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3313 النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين [السُّؤَالُ] ـ[سمعت أننا لا يجوز أن نصوم قبل رمضان، فهل ذلك صحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله وردت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم تنهى عن الصيام في النصف الثاني من شعبان، إلا في حالين: الأولى: من كانت له عادة بالصيام، ومثال من له عادة: أن يكون الرجل اعتاد أن يصوم يوم الاثنين والخميس -مثلاً-، فإنه يصومهما ولو كان ذلك في النصف الثاني من شعبان. الثانية: إذا وصل النصف الثاني من شعبان بالنصف الأول. بأن يبتدئ الصيام في النصف الأول من شعبان ويستمر صائما حتى يدخل رمضان، فهذا جائز. يراجع سؤال رقم (13726) . فمن هذه الأحاديث: ما روى البخاري (1914) مسلم (1082) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلا يَوْمَيْنِ إِلا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ) . وروى أبو داود (3237) والترمذي (738) وابن ماجه (1651) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلا تَصُومُوا) . صححه الألباني في صحيح الترمذي (590) . قال النووي: قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْم وَلا يَوْمَيْنِ إِلا رَجُل كَانَ يَصُوم صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ) , فِيهِ التَّصْرِيح بِالنَّهْيِ عَنْ اِسْتِقْبَال رَمَضَان بِصَوْمِ يَوْم وَيَوْمَيْنِ , لِمَنْ لَمْ يُصَادِف عَادَة لَهُ أَوْ يَصِلهُ بِمَا قَبْله , فَإِنْ لَمْ يَصِلهُ وَلا صَادَفَ عَادَة فَهُوَ حَرَام اهـ وروى الترمذي (686) والنسائي (2188) عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي يَشُكُّ فِيهِ النَّاسُ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. راجع سؤال (13711) . قال الحافظ في فتح الباري: اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى تَحْرِيم صَوْم يَوْمِ الشَّكِّ لأَنَّ الصَّحَابِيَّ لا يَقُولُ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ رَأْيِهِ اهـ ويوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان إذا لم يُرَ الهلال بسبب الغيم أو نحوه، وسُمِّي يوم شك لأنه يحتمل أن يكون يوم الثلاثين من شعبان، ويحتمل أن يكون اليوم الأول من رمضان. فيحرم صيامه إلا لمن وافق عادة صيامه. قال النووي رحمه الله في المجموع (6/400) عن حكم صيام يوم الشك: وَأَمَّا إذَا صَامَهُ تَطَوُّعًا، فَإِنْ كَانَ لَهُ سَبَبٌ بِأَنْ كَانَ عَادَتُهُ صَوْمَ الدَّهْرِ، أَوْ صَوْمَ يَوْمٍ وَفِطْرَ يَوْمٍ، أَوْ صَوْمَ يَوْمٍ مُعَيَّنٍ كَيَوْمِ الِاثْنَيْنِ فَصَادَفَهُ جَازَ صَوْمُهُ بِلا خِلافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا. . . وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: (لا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْم وَلا يَوْمَيْنِ إِلا رَجُل كَانَ يَصُوم صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ) ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سَبَبٌ فَصَوْمُهُ حَرَامٌ اهـ بتصرف. وقال الشيخ ابن عثيمين في شرحه لحديث: (لا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْم وَلا يَوْمَيْنِ..) : واختلف العلماء رحمهم الله في هذا النهي هل هو نهي تحريم أو نهي كراهة؟ والصحيح أنه نهي تحريم، لاسيما اليوم الذي يشك فيه اهـ. شرح رياض الصالحين (3/394) . وعلى هذا يكون الصيام في النصف الثاني من شعبان على قسمين: الأول: الصيام من اليوم السادس عشر إلى الثامن والعشرين، فهذا مكروه إلا لمن وافق عادته. الثاني: صيام يوم الشك، أو قبل رمضان بيوم أو يومين، فهذا حرام إلا لمن وافق عادته. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 26850 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3314 حكم صيام أيام التشريق [السُّؤَالُ] ـ[اعتدت أن أصوم كل خميس وصادف أنى صمت يوم الخميس الموافق 12 ذو الحجة وقد سمعت يوم الجمعة انه لا يجوز صيام أيام التشريق والخميس هو ثالث أيام التشريق. فهل على شئ أنى صمته؟؟ وهل فعلا لا يجوز صيام أيام التشريق أو فقط لا نصوم أول أيام العيد؟؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صيام يومي العيدين محرم، ويدل لذلك حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْفِطْرِ وَالنَّحْرِ) . رواه البخاري (1992) ، ومسلم (827) . وقد أجمع العلماء على أن صومهما محرم. كما يحرم صيام أيام التشريق وهي الأيام الثلاثة بعد يوم عيد الأضحى (الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر، من شهر ذي الحجة) لقوله صلى الله عليه وسلم: (أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله) رواه مسلم (1141) . وروى أبو داود (2418) عَنْ أَبِي مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَلَى أَبِيهِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَرَّبَ إِلَيْهِمَا طَعَامًا، فَقَالَ: كُلْ. فَقَالَ: إِنِّي صَائِمٌ. فَقَالَ عَمْرٌو: كُلْ فَهَذِهِ الأَيَّامُ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا بِإِفْطَارِهَا، وَيَنْهَانَا عَنْ صِيَامِهَا. قَالَ الإمام مَالِكٌ: وَهِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ. وصححه الألباني في صحيح أبي داود. لكن يجوز صوم أيام التشريق للحاج الذي لم يجد الهدي فعن عائشة وابن عمر رضي الله عنهم قالا: (لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي) رواه البخاري (1998) . قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " يجوز للقارن والمتمتع إذا لم يجدا الهدي أن يصوما هذه الأيام الثلاثة حتى لا يفوت موسم الحج قبل صيامهما. وما سوى ذلك فإنه لا يجوز صومها، حتى ولو كان على الإنسان صيام شهرين متتابعين فإنه يفطر يوم العيد والأيام الثلاثة التي بعده ثم يواصل صومه " فتاوى رمضان ص 727 ويراجع في ذلك الأسئلة (21049، 36950) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 42106 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3315 هل يستحب صيام عشر ذي الحجة بما فيها يوم العيد [السُّؤَالُ] ـ[قرأت في موقعكم عن فضل صيام يوم عرفة ولكنني قرأت أيضاً عن فضل صيام عشر ذي الحجة فهل هذا صحيح؟ إذا كان صحيحاً فهل يمكن أن تؤكد لي إذا كنا نصوم 9 أيام أم 10 لأن اليوم العاشر هو يوم العيد؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صيام تسع من ذي الحجة مستحب، ويدل لذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر يعني عشر ذي الحجة، فقالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ فقال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء) رواه البخاري 969، وعن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر أول اثنين من الشهر وخميسين) رواه الإمام أحمد 21829، وأبو داود 2437، وضعفه في نصب الراية 2 / 180، وصححه الألباني. أما صيام يوم العيد فهو محرم، ويدل لذلك حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعا: (نهى عن صوم يوم الفطر ويوم النحر) رواه البخاري برقم 1992، ومسلم برقم 827، وقد أجمع العلماء على أن صومهما محرم. فالعمل الصالح في هذه الأيام العشر أفضل من غيرها، وأما الصيام فلا يصام فيها إلا تسع فقط، واليوم العاشر هو يوم العيد يحرم صومه. وعلى هذا، فالمراد من (فضل صيام عشر ذي الحجة) صيام تسعة أيام فقط، وإنما أطلق عليها أنها عشر على سبيل التغليب. انظر شرح مسلم للنووي حديث رقم (1176) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 41633 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3316 يجوز صيام اليوم الثاني من شوال [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز صيام القضاء في ثاني أيام العيد أو ثالث أيام العيد؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عيد الفطر هو يوم واحد فقط، وهو اليوم الأول من شوال. وأما ما اشتهر عند الناس من أن عيد الفطر ثلاثة أيام، فهذا مجرد عرف اشتهر بين الناس لا يترتب عليه حكم شرعي. قال البخاري رحمه الله بَاب صَوْمِ يَوْمِ الْفِطْرِ ثم روى (1992) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْفِطْرِ، وَالنَّحْرِ. فعلى هذا فيوم الفطر يوم واحد فقط، وهو الذي يحرم صومه، أما اليوم الثاني أو الثالث من شوال فلا يحرم صومهما، فيجوز صومهما عن قضاء رمضان أو تطوعاً. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38355 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3317 وصل شعبان برمضان [السُّؤَالُ] ـ[عفا الله عنى وتركت التدخين وبدأت الصيام من يوم 7 رجب وحتى نهاية شعبان ولم أفصل بين شعبان ورمضان حيث اختلفت الفتاوى في ذلك.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحمد لله الذي وفقك لترك هذا المحرم، ونسأل الله تعالى لنا ولك الثبات على دينه حتى الممات. ومواصلتك الصيام بين شعبان ورمضان جائزة، وقد أصبت السنة بفعلك هذا، راجع سؤال رقم (13726) , (26850) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38044 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3318 حكم الوصال في الصيام [السُّؤَالُ] ـ[سؤلي يتعلق بصيام الوصال سمعت أنه صيام كان يصومه الرسول صلى الله عليه وسلم. المرجو أن أعرف ما هو صيام الوصال؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الوصال في الصيام هو أن يصوم يومين أو أكثر بدون أن يفطر، أي أنه يواصل الصيام في الليل فلا يأكل ولا يشرب. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يواصل الصيام، وكان الله تعالى يعطيه القوة على ذلك، ولكنه نهى أمته عن ذلك شفقة عليهم، ورحمة بهم. روى البخاري (7299) ومسلم (1103) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تُوَاصِلُوا. قَالُوا: إِنَّكَ تُوَاصِلُ. قَالَ: إِنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ، إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي. فَلَمْ يَنْتَهُوا عَنْ الْوِصَالِ، قَالَ: فَوَاصَلَ بِهِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَيْنِ أَوْ لَيْلَتَيْنِ ثُمَّ رَأَوْا الْهِلالَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ تَأَخَّرَ الْهِلالُ لَزِدْتُكُمْ، كَالْمُنَكِّلِ لَهُمْ) . قال ابن قدامة في "المغني" 4/436: " والوصال مكروه في قول أكثر أهل العلم " اهـ قال النووي في "المجموع" (6/357) : أَمَّا حُكْمُ الْوِصَالِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ بِلا خِلافٍ عِنْدَنَا , وَهَلْ هِيَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ أَمْ تَنْزِيهٍ؟ فِيهِ ْوَجْهَانِ. . (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ اهـ وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (6/443) : والذي يظهر في حكم الوصال التحريم اهـ والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37757 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3319 يصوم يوماً ويفطر يوماً ... فما هي الأيام المنهي عن صومها [السُّؤَالُ] ـ[لقد بدأت بصيام داوود والله المعين إن شاء الله لكن ما هي الأيام التي لا يجوز لي الصيام فيها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نسأل الله أن يعينك، وأن يتقبل منك. وقد جاء في فضل صيام داود عليه السلام ما رواه البخاري (1079) ومسلم (1159) عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام وأحب الصيام إلى الله صيام داود وكان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه ويصوم يوما ويفطر يوما ". وأما الأيام التي لا يجوز لك صومها، فيوم عيد الفطر، ويوم الأضحى، وأيام التشريق وهي الأيام الثلاثة بعده. وذلك لما روى البخاري (1889) ومسلم (1920) عن عبيد مولى بن أزهر قال: شهدت العيد مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: " هذان يومان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهما يوم فطركم من صيامكم واليوم الآخر تأكلون فيه من نسككم ". ولما روى البخاري (1894) عن عائشة وعن ابن عمر رضي الله عنهم قالا: " لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي". والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 32469 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3320 هل يجوز للمعتكف أن يخرج من المسجد لإيقاظ أهله للسحور ثم يعود؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا خرج المعتكف من معتكفه لإيقاظ أهله للسحور وذلك لعدم وجود أحد بالمنزل، هل يعتبر ذلك مخالفاً لشروط الاعتكاف؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "من دخل في الاعتكاف فإنه لا يخرج من معتكفه أثناء اعتكاف ه إلا لما لابد منه؛ لقضاء حوائجه الضرورية من إتيانه بمأكل ومشرب إذا لم يوجد من يأتيه بهما، وقضاء حاجته إن لم يكن في المسجد دورات مياه، ولا بأس بخروجه وقت السحور لإيقاظ أهله لإصلاح السحور وقت السحور، وليتهيئوا لصلاة الفجر إذا لم يستطيعوا الاستيقاظ من النوم بأنفسهم، ولم يوجد من يقوم بإيقاظهم؛ لأن ذلك من التواصي على الخير وأمرهم بالمعروف، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، لكن لا يجلس في البيت بعد أن يوقظ أهله ويرجع لمعتكفه في المسجد. وبالله التوفيق، وصلى الله علي نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ عبد العزيز آل الشيخ.. الشيخ عبد الله بن غديان.. الشيخ صالح الفوزان.. الشيخ بكر أبو زيد. [الْمَصْدَرُ] "فتاوى اللجنة الدائمة. المجموعة الثانية" (9/320) الحديث: 130626 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3321 يترك الصلاة في الحرم النبوي ليصلي خلف إمام يراه أخشع لقلبه [السُّؤَالُ] ـ[كنا مجاورين للمسجد النبوي في المدينة في العشر الأواخر من رمضان الماضي وأحد الشباب كان يذهب يصلي في الحرم كل الفروض إلا صلاة العشاء والتراويح وأيضاً القيام خارج المسجد بحجة أنه لا يجد قلبه في الصلاة ولا يرتاح لصوت بعض أئمة الحرم ويقول لا يريد أن يضيع العشر من رمضان وأهم شيء عندي قلبي. وأحد المعتكفين يقول أنا أعتكف اليوم كله إلا وقت صلاة العشاء والقيام أصليها خارج الحرم النبوي فما تعليلكم يا شيخ حفظك الله؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصلاة في المسجد النبوي تتضاعف أضعافاً كثيرة. فقد روى البخاري (1190) ومسلم (1394) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَام) وهذا الحديث يشمل الفرائض، والنوافل التي يُستحب أن تصلى جماعة في المساجد كالتراويح. قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: " تستحب صلاة النافلة في البيت سواء الرواتب أو غيرها، إلا ما شرع الله أداءه في المسجد كتحية دخوله، وهكذا ما شرع الله له الجماعة كالتراويح والكسوف فإنها تصلى في المسجد، وهكذا صلاة العيد وصلاة الاستسقاء فإنها تصلى في المصلى " انتهى مختصراً. "فتاوى اللجنة الدائمة" (7/239) . أما ترك صاحبك صلاة التراويح في المسجد النبوي للسبب الذي ذكرته فلا شك أن الخشوع في الصلاة، وإصلاح القلب بالصلاة أمر مطلوب، والصوت الحسن بالقرآن يساعد على ذلك. ويتأثر به السامع فإن كان صاحبك سيصلي في مسجد آخر ويكون ذلك أخشع لقلبه فلا حرج عليه، ويكون قد ترك فضيلة المكان، وحرص على فضيلة تتعلق بذات الصلاة وهي الخشوع، وعند تعارض الفضيلتين – كما هو الحال عند صاحبك – فينبغي تقديم الفضيلة المتعلقة بذات العبادة. قال الشيخ ابن جبرين: " إن الصوت الحسن، والقراءة الجيدة، لها وقع في النفس، وتأثير في حضور القلب، وخشوع البدن، والتأثُّر بكلام الله تعالى، والتّلذُّذ بسماعه. مما يكون سبباً في فهمه، وإدراك معانيه، وتدبره، ومعرفة إعجازه وبلاغته، وقوة أساليبه، وكل ذلك سبب في العمل به، وتقبّل إرشاداته، وتوجيهاته، فلا يُعاب من التمس قارئاً حسن الصّوت، مجوّداً للقرآن، حافظاً له، خاشعاً في قراءته، مطمئناً في صلاته، فإن مثل هذا يقصد للصلاة خلفه، ولو من مكان بعيد، ويفضل على غيره ممن لا يجيد القراءة، أو يلحن، أو يغلط كثيراً، أو لا يحسن صوته، ولا يتغنَّى بالقرآن، أو يقرأ بالهذرمة والسرعة الشديدة، أو لا يطمئن في صلاته، ولا يخشع في قراءته، ولو كان مسجده قريبا " انتهى. "فتاوى الشيخ ابن جبرين" (24/28) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " قول السائل هل الاعتكاف في المسجد الحرام أفضل من غيره؟ جوابه: نعم، الاعتكاف في المسجد الحرام أفضل من الاعتكاف في المساجد الأخرى، ويليه الاعتكاف في المسجد النبوي، ويليه الاعتكاف في المسجد الأقصى، ثم المساجد الأخرى الأفضل منها فالأفضل. ولكن ها هنا مسألة ينبغي أن نتفطن لها: وهي أن مراعاة ذات العبادة أولى من مراعاة زمانها ومكانها، أي: ما عاد إلى ذات العبادة من الفضائل أولى بالمراعاة مما عاد إلى مكانها أو زمانها، يعني أن الإنسان لو كان اعتكافه في مسجد آخر غير المساجد الثلاثة أكمل وأشد خشوعاً لله عز وجل وأكثر في العبادة كان اعتكافه في هذه المساجد أفضل؛ لأن هذا الفضل يعود إلى ذات العبادة. ويرى أهل العلم أن رمل الطائف في طواف القدوم أولى من دنوه من الكعبة، وعللوا ذلك بأن الرمل فضيلة تتعلق بذات العبادة والدنو من البيت فضيلة تتعلق بمكانها، ومراعاة ما يتعلق بذات العبادة أولى من مراعاة ما يتعلق بمكانها. وهذه نقطة ينبغي للإنسان ولا سيما طالب العلم أيلاحظها، وهي المحافظة على فضيلة ذات العبادة أكثر من المحافظة على مكانها وزمانها " انتهى. "فتاوى نور على الدرب" (205/4-5) . وقال الشيخ أيضا: " لا شك أن الاعتكاف إذا كان في المساجد الثلاثة التي تقصد وتشد الرحال إليها لا شك أنه أفضل، ولا أحد يعارض في ذلك، إلا إذا ترتب على ذلك أنه يكثر خشوعه في مسجده وإقباله على الله عز وجل، ويسلم من الضوضاء ومشاهدة من يكونون خطراً في مشاهدته إياهم فهنا نقول: مسجدك أفضل " انتهى مختصراً. "شرح الكافي" (4/159) . فالذي يظهر لنا: أنه لا حرج على صاحبك فيما فعل، مع أن أئمة الحرمين يختارون بعناية، ويكونون ممن يقرأون قرأه حسنة وبصوت حسن. وأما خروج بعض المعتكفين لصلاة العشاء والقيام خارج المسجد النبوي، فهذا لا يصح اعتكافه، لأنه خرج من المسجد من غير ضرورة إلى ذلك. والذي ينبغي له: إما أن يعتكف العشر الأواخر كلها في المسجد النبوي ولا يخرج إلا للضرورة وهذا هو الأفضل. وإما أن يعتكف في المسجد الذي سيصلي فيه، حتى ينال ثواب اعتكاف العشر الأواخر، ويكون قد اقتدى بالنبي صلى الله عليه وسلم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125601 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3322 هل يصح الاعتكاف في المصليات والمراكز الإسلامية؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز الاعتكاف في المصليات أو المراكز الإسلامية (يصلون فيها الصلوات الخمس والجمعة) أم يجوز في المساجد فقط؟ جزاكم الله خير.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يصح الاعتكاف إلا في المساجد، لقول الله تعالى: (وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) سورة البقرة/187. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "وَوَجَدَ الدَّلَالَة مِنْ الْآيَة أَنَّهُ لَوْ صَحَّ فِي غَيْر الْمَسْجِد لَمْ يَخْتَصَّ تَحْرِيم الْمُبَاشَرَةِ بِهِ , لِأَنَّ الْجِمَاع مُنَافٍ لِلِاعْتِكَافِ بِالْإِجْمَاعِ , فَعُلِمَ مِنْ ذِكْرِ الْمَسَاجِدِ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَكُون إِلَّا فِيهَا. وَنَقَلَ اِبْن الْمُنْذِر الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُبَاشَرَةِ فِي الْآيَة الْجِمَاعُ , وَرَوَى الطَّبَرِيُّ وَغَيْره مِنْ طَرِيق قَتَادَةَ فِي سَبَب نُزُولِ الْآيَةِ: كَانُوا إِذَا اِعْتَكَفُوا فَخَرَجَ رَجُلٌ لِحَاجَتِهِ فَلَقِيَ اِمْرَأَتَهُ جَامَعَهَا إِنْ شَاءَ فَنَزَلَتْ" انتهى. وقال ابن قدامة رحمه الله في المغني (3/65) : " لَا يَجُوزُ الِاعْتِكَافُ إلَّا فِي مَسْجِدٍ تُقَامُ الْجَمَاعَةُ فِيهِ؛ ... وَلَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ إذَا كَانَ الْمُعْتَكِفُ رَجُلًا. لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا , وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: (وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) " انتهى باختصار. وقال النووي في "المجموع" (6/505) : " لا يَصِحُّ الاعْتِكَافُ مِنْ الرَّجُلِ وَلا مِنْ الْمَرْأَةِ إلا فِي الْمَسْجِدِ , وَلا يَصِحُّ فِي مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَرْأَةِ وَلا مَسْجِدِ بَيْتِ الرَّجُلِ وَهُوَ الْمُعْتَزَلُ الْمُهَيَّأُ لِلصَّلاةِ " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين: " الاعتكاف الشرعي لابد أن يكون في المساجد لقوله تعالى: (وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) " انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (8/176) وانظر جواب السؤال رقم (48985) وبناء على هذا، فلا يصح الاعتكاف في المصليات أو المراكز الإسلامية. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 124291 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3323 هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الاعتكاف [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أعرف هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الاعتكاف. ]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله كان هديه صلى الله عليه وسلم في الاعتكاف أكمل هدي وأيسره. اعتكف مرة في العشر الأول ثم الأوسط يلتمس ليلة القدر، ثم تبين له أنها في العشر الأخير فداوم على اعتكاف العشر الأخير حتى لحق بربه عز وجل. وترك مرة اعتكاف العشر الأخير فقضاه في شوال فاعتكف العشر الأول منه. رواه البخاري ومسلم. ولما كان العام الذي قُبض فيه اعتكف عشرين يوماً. رواه البخاري (2040) . "قِيلَ: السَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِلْم بِانْقِضَاءِ أَجَلِهِ فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَكْثِرَ مِنْ أَعْمَالِ الْخَيْرِ لِيُبَيِّنَ لأُمَّتِهِ الاجْتِهَادَ فِي الْعَمَل إِذَا بَلَغُوا أَقْصَى الْعَمَل لِيَلْقَوْا اللَّهَ عَلَى خَيْرِ أَحْوَالِهِمْ , وَقِيلَ: السَّبَبُ فِيهِ أَنَّ جِبْرِيل كَانَ يُعَارِضُهُ بِالْقُرْآنِ فِي كُلّ رَمَضَانَ مَرَّةً , فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ عَارَضَهُ بِهِ مَرَّتَيْنِ فَلِذَلِكَ اِعْتَكَفَ قَدْرَ مَا كَانَ يَعْتَكِف مَرَّتَيْنِ. وَأَقْوَى مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ إِنَّمَا اِعْتَكَفَ فِي ذَلِكَ الْعَام عِشْرِينَ لأَنَّهُ كَانَ الْعَام الَّذِي قَبْلَهُ مُسَافِرًا , وَيَدُلُّ لِذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَاللَّفْظ لَهُ وَأَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ اِبْن حِبَّانَ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيث أُبَيّ بْن كَعْب " أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْر الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَان , فَسَافَرَ عَامًا فَلَمْ يَعْتَكِف , فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ اِعْتَكَفَ عِشْرِينَ " اهـ من فتح الباري. وكان صلى الله عليه وسلم يأمر بخباء (على مثل هيئة الخيمة) فيضرب له في المسجد، فيمكث فيه، يخلو فيه عن الناس، ويقبل على ربه تبارك وتعالى، حتى تتم له الخلوة بصورة واقعية. واعتكف مرة في قُبَّة تركية (أي خيمة صغيرة) وجعل على بابها حصيراً. رواه مسلم (1167) . قال ابن القيم في "زاد المعاد" (2/90) : "كل هذا تحصيلاً لمقصود الاعتكاف وروحه، عكس ما يفعله الجهال من اتخاذ المعتكف موضع عشرة، ومجلبة للزائرين، وأخذهم بأطراف الحديث بينهم، فهذا لون، والاعتكاف النبوي لون" اهـ. وكان دائم المكث في المسجد لا يخرج منه إلا لقضاء الحاجة، قال عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: (وَكَانَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلا لِحَاجَةٍ إِذَا كَانَ مُعْتَكِفًا) رواه البخاري (2029) ومسلم (297) . وفي رواية لمسلم: (إِلا لِحَاجَةِ الإِنْسَانِ) . وَفَسَّرَهَا الزُّهْرِيُّ بِالْبَوْلِ وَالْغَائِط. وكان صلى الله عليه وسلم يحافظ على نظافته فكان يخرج رأسه من المسجد إلى حجرة عائشة فتغسل له رأسه صلى الله عليه وسلم وتسرحه. روى البخاري (2028) ومسلم (297) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصْغِي إِلَيَّ رَأْسَهُ وَهُوَ مُجَاوِرٌ فِي الْمَسْجِدِ (أي: معتكف) فَأُرَجِّلُهُ وَأَنَا حَائِضٌ. وفي رواية للبخاري ومسلم: (فَأَغْسِلُهُ) . وترجيل الشعر تسريحه. قال الحافظ: "وَفِي الْحَدِيث جَوَاز التَّنَظُّفِ وَالتَّطَيُّبِ وَالْغَسْلِ وَالْحَلْقِ وَالتَّزَيُّن إِلْحَاقًا بِالتَّرَجُّلِ , وَالْجُمْهُور عَلَى أَنَّهُ لا يُكْرَهُ فِيهِ إِلا مَا يُكْرَه فِي الْمَسْجِدِ" اهـ. وكان من هديه صلى الله عليه وسلم إذا كان معتكفاً ألا يعود مريضاً ولا يشهد جنازة، وذلك من أجل التركيز الكلي لمناجاة الله تعالى، وتحقيق الحكمة من الاعتكاف وهي الانقطاع عن الناس والإقبال على الله تعالى. قالت عائشة: (السُّنَّةُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ أَنْ لا يَعُودَ مَرِيضًا، وَلا يَشْهَدَ جَنَازَةً، وَلا يَمَسَّ امْرَأَةً وَلا يُبَاشِرَهَا، وَلا يَخْرُجَ لِحَاجَةٍ إِلا لِمَا لا بُدَّ مِنْهُ) . رواه أبو داود (2473) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. "وَلا يَمَسَّ امْرَأَةً وَلا يُبَاشِرَهَا " تريد بذلك الجماع. قاله الشوكاني في "نيل الأوطار". وكانت بعض أزواجه تزوره وهو معتكف صلى الله عليه وسلم فلما قامت لتذهب قام معها ليوصلها، وكان ذلك ليلاً. فعن صَفِيَّةَ زَوْج النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزُورُهُ فِي اعْتِكَافِهِ فِي الْمَسْجِدِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً، ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهَا يَقْلِبُهَا. أي: ليردها إلى منزلها. رواه البخاري (2035) ومسلم (2175) . وخلاصة القول كان اعتكافه صلى الله عليه وسلم يتسم باليسر وعدم التشدد، وكان وقته كله ذكراً لله تعالى وإقبالاً على طاعته التماساً لليلة اقدر. انظر: "زاد المعاد" لابن القيم (2/90) ، "الاعتكاف نظرة تربوية" للدكتور عبد اللطيف بالطو. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 12658 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3324 لم يسمح له والده بالاعتكاف لأسباب غير مقنعة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من لم يسمح له والده بالاعتكاف لأسباب غير مقنعة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الاعتكاف سنة، وبر الوالدين واجب، والسنة لا يسقط بها الواجب، ولا تعارض الواجب أصلاً، لأن الواجب مقدم عليها، وقد قال الله تعالى في الحديث القدسي: (ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه) ؛ فإذا كان أبوك يأمرك بترك الاعتكاف ويذكر أشياء تقتضي ألا تعتكف لأنه محتاج إليك فيها، فإن ميزان ذلك عنده وليس عندك، لأنه قد يكون الميزان عندك غير مستقيم، وغير عدل، لأنك تهوى الاعتكاف، فتظن أن هذه المبررات ليست مبرراً، وأبوك يرى أنها مبرر. والذي أنصحك به ألا تعتكف، نعم، لو قال لك أبوك: لا تعتكف ولم يذكر مبررات لذلك، فإنه لا يلزمك طاعته في هذه الحال، لأنه لا يلزمك أن تطيعه في أمر ليس فيه ضرر عليه في مخالفتك إياه، وفيه تفويت منفعة لك" انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. "رسالة أحكام الصيام وفتاوى الاعتكاف" (ص 31) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106536 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3325 هل للمعتكف أن يقوم بإلقاء الدروس وحلقات العلم؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يصح للمعتكف أن يقوم بتعليم أحد أو إلقاء درس؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الأفضل للمعتكف أن يشتغل بالعبادات الخاصة كالذكر والصلاة وقراءة القرآن وما أشبه ذلك، لكن إذا دعت الحاجة إلى تعليم أحد أو التعلم فلا بأس، لأن هذا من ذكر الله عز وجل " انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. "رسالة أحكام الصيام وفتاوى الاعتكاف" (ص43) [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106537 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3326 هل يجوز للمعتكف الاتصال بالهاتف لقضاء حوائج المسلمين؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمعتكف الاتصال بالتليفون لقضاء حوائج المسلمين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "نعم، يجوز للمعتكف أن يتصل بالتليفون لقضاء بعض حوائج المسلمين، إذا كان في المسجد الذي هو معتكف فيه، لأنه لم يخرج من المسجد، أما إذا كان خارج المسجد فلا يخرج لذلك، وقضاء حوائج المسلمين إذا كان رجلاً معنياً بها فلا يعتكف، لأن قضاء حوائج المسلمين أهم من الاعتكاف، لأن نفعها متعدٍ، والنفع المتعدي أفضل من النفع القاصر، إلا إذا كان النفع القاصر من مهمات الإسلام وواجباته" انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. "رسالة أحكام الصيام وفتاوى الاعتكاف" (ص 35) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106538 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3327 لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة [السُّؤَالُ] ـ[سمعت حديثاً أن الاعتكاف لا يصح إلا في المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى، فهل هذا الحديث صحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: هذا الحديث الذي أشار إليه السائل رواه البيهقي (4/315) عن حذيفة أنه قال لعبد الله ابن مسعود رضي الله عنهما: مررت على أناس عكوف بين دارك، ودار أبي موسى، (يعني في المسجد) وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة: المسجد الحرام) . فقال عبد الله بن مسعود: لعلك نسيت وحفظوا، وأخطأت وأصابوا. صححه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (2876) . ثانياً: وأما حكم المسألة فذهب جماهير العلماء إلى أن الاعتكاف لا يشترط له أن يكون في أحد المساجد الثلاثة، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) البقرة/187. ولفظ المساجد في الآية عام فيشمل كل المساجد، إلا ما دل الدليل على عدم صحة الاعتكاف فيه كالمسجد الذي لا تقام فيه صلاة الجماعة إذا كان المعتكف ممن تجب عليه صلاة الجماعة. انظر السؤال رقم: (48985) وقد أشار الإمام البخاري رحمه الله إلى الاستدلال بعموم الآية، فقال: "بَاب الاعْتِكَافِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ وَالاعْتِكَافِ فِي الْمَسَاجِدِ كُلِّهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) " اهـ. ولم يزل عمل المسلمين على الاعتكاف في مساجد بلدانهم. كما ذكره الطحاوي رحمه الله في "مشكل الآثار" (4/205) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: عن حكم الاعتكاف في المساجد الثلاثة: المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى، وجزاكم الله خيراً؟ فأجاب: "الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة وهي المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى مشروع في وقته، ولا يختص بالمساجد الثلاثة، بل يكون فيها وفي غيرها من المساجد، هذا قول أئمة المسلمين أصحاب المذاهب المتبوعة كالإمام أحمد، ومالك، والشافعي، وأبي حنيفة وغيرهم رحمهم الله لقوله تعالى: (وَلاَ تباشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كذلك يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُون َ) ولفظ المساجد عام لجميع المساجد في أقطار الأرض، وقد جاءت هذه الجملة في آخر آيات الصيام الشامل حكمها لجميع الأمة في جميع الأقطار، فهي خطاب لكل من خوطبوا بالصوم، ولهذا ختمت هذه الأحكام المتحدة في السياق والخطاب بقوله تعالى: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كذلك يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) . ومن البعيد جداً أن يخاطب الله الأمة بخطاب لا يشمل إلا أقل القليل منهم، أما حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة) فهذا إن سلم من القوادح فهو نفي للكمال، يعني أن الاعتكاف الأكمل ما كان في هذه المساجد الثلاثة، وذلك لشرفها وفضلها على غيرها. ومثل هذا التركيب كثير، ـ أعني أن النفي قد يراد به نفي الكمال، لا نفي الحقيقة والصحة ـ مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة بحضرة طعام) وغيره. ولا شك أن الأصل في النفي أنه نفي للحقيقة الشرعية أو الحسية، لكن إذا وجد دليل يمنع ذلك تعين الأخذ به، كما في حديث حذيفة. هذا على تقدير سلامته من القوادح، والله أعلم" اهـ. "فتاوى الصيام" (ص 493) . وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: ما صحة الحديث (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة) وإن صح الحديث هل يعني فعلاً لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة؟ فأجاب: يصح الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة إلا أنه يشترط في المسجد الذي يعتكف فيه إقامة الجماعة فيه، فإن كانت لا تقام فيه صلاة الجماعة لم يصح الاعتكاف فيه، إلا إذا نذر الاعتكاف في المساجد الثلاثة فإنه يلزمه الاعتكاف بها وفاء لنذره" اهـ. "مجموع فتاوى ابن باز" (15/444) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49006 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3328 هل يصح الاعتكاف في كل مسجد؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يصح الاعتكاف في كل مسجد؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف العلماء في صفة المسجد الذي يجوز فيه الاعتكاف فذهب بعضهم إلى صحة الاعتكاف في كل مسجد ولو لم تقم فيه صلاة الجماعة، عملا بعموم قوله تعالى: (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) البقرة/187. وذهب الإمام أحمد إلى أنه يشترط في المسجد أن تقام فيه صلاة الجماعة، واستدل على ذلك بما يلي: 1- قول عائشة: (لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة) رواه البيهقي، وصححه الألباني في رسالة "قيام رمضان". 2- وقال ابْن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: (لا اعْتِكَافَ إلا فِي مَسْجِدٍ تُقَامُ فِيهِ الصَّلاةُ) . "الموسوعة الفقهية" (5/212) 3- ولأنه إذا اعتكف في مسجد لا تقام فيه صلاة الجماعة فإن ذلك يفضي إلى أحد أمرين: الأول: إما ترك صلاة الجماعة، ولا يجوز للرجل أن يترك صلاة الجماعة من غير عذر. الثاني: وإما كثرة خروجه لأداء الصلاة في مسجد آخر وهذا منافٍ للاعتكاف. انظر: "المغني" (4/461) . قال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (6/312) : " (ولا يصح –يعني الاعتكاف- إلا في مسجد يُجَمَّع فيه) هل المراد الذي تقام فيه الجمعة، أو تقام فيه الجماعة؟ الجواب: المسجد الذي تقام فيه الجماعة ولا يشترط الذي تقام فيه الجمعة لأن المسجد الذي لا تقام فيه الجماعة لا يصدق عليه كلمة مسجد بالمعني الصحيح مثل أن يكون هذا المسجد قد هجره أهله أو نزحوا عنه اهـ فلا يشترط أن يكون المسجد تقام فيه صلاة الجمعة، لأنها لا تتكرر فلا يضر الخروج إليها، بخلاف الصلوات الخمس فإنها تتكرر كل يوم وليلة. وهذا الشرط –أي كون المسجد تقام فيه صلاة الجماعة– إنما هو إذا كان المعتكف رجلاً، أما المرأة فيصح اعتكافها في كل مسجد ولو لم تقم فيه صلاة الجماعة، لأن صلاة الجماعة غير واجبة عليها. قال ابن قدامة في "المغني": وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَعْتَكِفَ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ. وَلا يُشْتَرَطُ إقَامَةُ الْجَمَاعَةِ فِيهِ ; لأَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَيْهَا. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ اهـ. وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (6/313) : لو اعتكفت المرأة في مسجد لا تقام فيه الجماعة فلا حرج عليها لأنه لا يجب عليها أن تصلي مع الجماعة اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 48985 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3329 يريد أن يعتكف الليالي الوتر فقط [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لي أن أعتكف الليالي الفردية من شهر رمضان لأنني لا أستطيع اعتكاف العشرة كاملة بسبب أني متزوج حديثا وزوجتي تبقى لوحدها في بيتي مع أنني أسكن بجوار أهلي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأفضل أن يعتكف المسلم العشر الأواخر كلها، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ. رواه البخاري (2025) ومسلم (1171) . وإذا لم يمكنه اعتكاف العشر الأواخر كلها، واقتصر على بعض أيامها أو لياليها فلا حرج في ذلك، وقد روى البخاري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه نذر أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالوفاء بنذره. رواه البخاري (2042) ومسلم (1656) ففيه دليل على صحة اعتكاف ليلة. وقد سبق في جواب السؤال (38037) أن الاعتكاف لا حد لأقله، ونقلنا فتوى الشيخ ابن باز في ذلك. والذي ينبغي هو الاجتهاد في العبادة في هذه العشر، والتزود منها بقدر الاستطاعة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93998 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3330 يريد الاعتكاف وعنده موعد مع الطبيب [السُّؤَالُ] ـ[أريد الجلوس للاعتكاف، لكن عندي موعد مهم مع الدكتور، فهل أستطيع الذهاب للدكتور في فترة الاعتكاف، أو أنه لا يجب علي الاعتكاف؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الاعتكاف هو لزوم المسجد والمكث فيه. والاعتكاف سنة مستحبة لا سيما في العشر الأواخر من رمضان، ولا يجب إلا إذا أو جبه المسلم على نفسه بالنذر، أما بدون النذر فلا يجب. وانظر جواب السؤال رقم (48999) . والأصل أن المعتكف لا يخرج من المسجد إلا لحاجة لا يستطيع فعلها في المسجد، كالوضوء والاغتسال وقضاء الحاجة، لحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا اعْتَكَفَ لا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلا لِحَاجَةِ الإِنْسَانِ. رواه مسلم (297) . وإذا كنت في حاجة إلى الذهاب للطبيب ولا يمكن تأجيل هذا الموعد إلى ما بعد رمضان، فالذي يظهر أنه لا حرج من الخروج من المسجد للذهاب للطبيب ثم تعود إلى المسجد، فقد ذكر النووي رحمه الله في "المجموع" (6/545) أن المعتكف المريض مرضاً " يشق معه الإقامة في المسجد لحاجته إلى الفُرُش والخادم وتردد طبيب ونحو ذلك يباح له الخروج " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "جلسات رمضانية" (لعام 1411هـ/المجلس السابع/144) : " من يحتاج إلى مراجعة الطبيب يَخرُج، وإلاَّ فيبقى في المسجد " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93546 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3331 أخذ حبوب منع الدورة لأجل الاعتكاف [السُّؤَالُ] ـ[أريد الجلوس للاعتكاف. ستكون هذه هي المرة الثالثة لي. الدورة الشهرية ستكون في وقت بالعشر الأواخر لرمضان. هناك حبوب موجودة لوقف الدورة الشهرية. لقد استخدمتها في أول مرة وأنا في الاعتكاف عندما كانت عادتي في تلك الفترة. لكن هذه المرة أنا أخاف استخدامها لأن عندي السرطان واستخدمت علاج الكيماوي. عندما شُخصت حالتي بالسرطان عقدت النية أن الله سيعافيني وأنني سأجلس في الاعتكاف. ماذا يجب علي أن أفعل؟ هل يجب أن أستشير الطبيب حتى أعرف هل الحبوب تؤذيني أو لا أجلس في الاعتكاف؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: نسأل الله تعالى لك الشفاء والعافية، والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا. ثانيا: يجوز أخذ حبوب منع الدورة للتمكن من أداء العبادة كالاعتكاف والعمرة والحج، ولكن بشرط ألا تكون مضرة بالبدن، وحيث إنك تعانين من المرض الذي ذكرت، فلابد من استشارة الطبيب قبل أخذ هذه الحبوب، للتأكد من عدم معارضتها لعلاجك، وعدم إضرارها بك، والمسلم مأمور بالمحافظة على بدنه، وعدم إلحاقه الضرر به؛ لقوله تعالى: (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) النساء/29، وقوله: (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلى التَّهْلُكَةِ) البقرة/195، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ) رواه أحمد وابن ماجه (2341) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه. وقال في الآداب الشرعية" (2/463) : " وتحرم المداواة بكل مضر " انتهى. وعلى هذا، فإن كانت هذه الحبوب مضرة فلا يجوز لك تناولها، ويمكنك البدء في الاعتكاف ثم إذا حصل الحيض خرجت من المسجد وقطعت الاعتكاف وهذا عذر لك في قطعه بل هذا هو الواجب عليك لأن الحائض لا يجوز لها أن تبقى في المسجد. أما إن كانت غير مضرة فلا حرج عليك في تناولها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93018 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3332 أقل زمن للاعتكاف [السُّؤَالُ] ـ[ما أقل مقدار للاعتكاف؟ فهل يمكن أن أعتكف وقتا قصيراً أم لا بد من اعتكاف عدة أيام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف العلماء في أقل زمن للاعتكاف. فذهب جمهور العلماء إلى أن أقله لحظة، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد. انظر: الدر المختار (1/445) ، المجموع (6/489) ، الإنصاف (7/566) . قال النووي في المجموع (6/514) : وَأَمَّا أَقَلُّ الاعْتِكَافِ فَالصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لُبْثٌ فِي الْمَسْجِدِ , وَأَنَّهُ يَجُوزُ الْكَثِيرُ مِنْهُ وَالْقَلِيلُ حَتَّى سَاعَةٍ أَوْ لَحْظَةٍ اهـ باختصار. واستدلوا على هذا بعدة أدلة: 1- أن الاعتكاف في اللغة هو الإقامة، وهذا يصدق على المدة الطويلة والقصيرة ولم يرد في الشرع ما يحدده بمدة معينة. قال ابن حزم: "والاعتكاف في لغة العرب الإقامة.. فكل إقامة في مسجد لله تعالى بنية التقرب إليه اعتكاف.. مما قل من الأزمان أو كثر، إذ لم يخص القرآن والسنة عدداً من عدد، ووقتاً من وقت" اهـ. المحلى (5/179) . 2- روى ابن أبي شيبة عن يعلى بن أمية رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: إني لأمكث في المسجد الساعة، وما أمكث إلا لأعتكف. احتج به ابن حزم في المحلى (5/179) وذكره الحافظ في الفتح وسكت عليه. والساعة هي جزء من الزمان وليست الساعة المصطلح عليها الآن وهي ستون دقيقة. وذهب بعض العلماء إلى أن أقل مدته يوم وهو رواية عن أبي حنيفة وقال به بعض المالكية. وقال الشيخ ابن باز في مجموع الفتاوى (15/441) : "الاعتكاف هو المكث في المسجد لطاعة الله تعالى سواء كانت المدة كثيرة أو قليلة، لأنه لم يرد في ذلك فيما أعلم ما يدل على التحديد لا بيوم ولا بيومين ولا بما هو أكثر من ذلك، وهو عبادة مشروعة إلا إذا نذره صار واجبا بالنذر وهو في المرأة والرجل سواء" اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49002 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3333 حول حديث: (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة) [السُّؤَالُ] ـ[قال الإمام الألباني في رسالته " قيام رمضان " في جزء الاعتكاف ما نصه: " ثم وقفت على حديث صحيح صريح يخصص هذه المساجد، وهو: (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة) وأشار إلى أنه من حديث حذيفة عند الطحاوى والبيهقى والإسماعيلي، ومن ثَمَّ هو في السلسلة الصحيحة، فما حكم هذا الحديث؟ وماذا يستفاد منه في بابه؟ أي: النفي نفي تحريم أم نفي كمال؟ وإن كان فما القرينة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد للَّه أولا: دل الكتاب والسنة والإجماع على استحباب الاعتكاف في المساجد. قال تعالى: (وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) البقرة/125 وقال تعالى: (وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) البقرة/187 ونقل الإجماع غير واحد من أهل العلم على ذلك، انظر: "الإجماع" لابن المنذر (47) ، "المغني" (3/122) والعلماء وإن اختلفوا في صفة المسجد الذي يشرع فيه الاعتكاف، إلا أن كل مسجد تقام فيه الجمعة والجماعة لا يكاد يختلف الفقهاء في جواز الاعتكاف فيه، ولم تنقل المخالفة إلا عن بعض التابعين في ذلك. وقد سبق تقرير المسألة في موقعنا جواب السؤال رقم (49006) ، (48985) ثانيا: أما الحديث المذكور في السؤال (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة) فهو من حديث الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان، جاء عنه من طريق سفيان بن عيينة عن جامع بن أبي راشد عن أبي وائل: (قَالَ حُذَيْفَةُ لِعَبْدِ اللَّهِ يَعْنِى ابْنَ مَسْعُودٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ: عَكُوفًا بَيْنَ دَارِكَ وَدَارِ أَبِى مُوسَى وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لاَ اعْتِكَافَ فِى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْ قَالَ فِى الْمَسَاجِدِ الثَّلاَثَةِ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَعَلَّكَ نَسِيتَ وَحَفِظُوا وَأَخْطَأْتَ وَأَصَابُوا) إلا أن أصحاب سفيان بن عيينة اختلفوا عليه: فمنهم من رواه عنه من قول النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: محمد بن الفرج عند الإسماعيلي في "معجم شيوخه" (2/112) . ومحمود بن آدم المروزي عند البيهقي في "السنن" (4/316) ، وهشام بن عمار عند الطحاوي في "بيان مشكل الآثار" (7/40) ، وسعيد بن منصور، كما في "التحقيق في أحاديث الخلاف" لابن الجوزي (2/127) ومنهم من رواه عنه وجعله من قول حذيفة موقوفا عليه، وهم: عبد الرزاق في "المصنف" (4/348) ، وسعيد بن عبد الرحمن ومحمد بن أبي عمر عند الفاكهي في "أخبار مكة" (2/149) . والراجح – والله تعالى أعلم – هي الرواية الموقوفة على حذيفة، يعني أنه قال هذا الكلام من رأيه واجتهاده، ولم يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لما يلي: 1- ورود هذا النص من قول حذيفة رضي الله عنه من طريق أخرى، فقد رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (2/337) وعبد الرزاق أيضا (4/347) من طريق سفيان الثوري عن واصل الأحدب عن إبراهيم النخعي قال: جاء حذيفة إلى عبد الله فقال: ألا أعجبك من قومك عكوف بين دارك ودار الأشعري يعني المسجد؟! قال عبد الله: ولعلهم أصابوا وأخطأت؟! فقال حذيفة: أما علمت أنه لا اعتكاف إلا في ثلاثة مساجد: المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أبالي أعتكف فيه أو في سوقكم هذه. ورواية إبراهيم النخعي عن عبد الله بن مسعود رواية مقبولة لدى أهل العلم. انظر: "جامع التحصيل" (141) ، "شرح العلل" (1/294) 2- اختلاف الروايات على حذيفة رضي الله عنه، فقد جاء عنه من طرق أخرى أنه قال: لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة. ولم يحصره في المساجد الثلاثة فقط. يقول ابن حزم رحمه الله "المحلى" (5/195) بعد أن ذكر هذا الاختلاف: " قلنا: هذا شك من حذيفة أو ممن دونه، ولا يقطع على رسول الله صلى الله عليه وسلم بشك، ولو أنه عليه السلام قال: (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة) لحفظه الله تعالى ولم يدخل فيه شك، فصح يقينا أنه عليه السلام لم يقله قط " انتهى. 3- أن أكابر الصحابة على خلافه، فقد أفتى علي بن أبي طالب وعائشة وابن عباس بالاعتكاف في كل مسجد تقام فيه الجماعة، ولم يثبت عن أحد من الصحابة مخالفة في ذلك، بل كان هذا العمل مشهوراً بينهم في كل الأمصار دون نكير، إلا ما جاء عن حذيفة رضي الله عنه والله أعلم. قاله الشيخ سليمان العلوان. فالخلاصة أنه لا يصح رفع هذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه من قول حذيفة واجتهاده ورأيه الذي خالف فيه باقي الصحابة رضوان الله عليهم، كما خالف فيه ظاهر القرآن الكريم الذي جاء بإطلاق محل الاعتكاف فقال: (وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) البقرة/187، ولا ينبغي مخالفة ظاهر القرآن وعمل أكثر الصحابة برواية موقوفة فيها بعض الاضطراب، لم يروها أهل الصحاح ولا السنن، ولم يفت بها أحد من الفقهاء المتقدمين، وإن ذهب إليها بعض العلماء المتأخرين، فقد أخطأ اجتهادُهم الصوابَ في هذه المسألة. يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (6/504) : " فكل مساجد الدنيا يُسن فيها الاعتكاف، وليس خاصا بالمساجد الثلاث، كما روي ذلك عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة) فإن هذا الحديث ضعيف. ويدل على ضعفه أن ابن مسعود رضي الله عنه وهَّنَه فقال: (لعلهم أصابوا فأخطأت، وذكروا فنسيت) فأوهن هذا حكما ورواية. أما حكما ففي قوله: (أصابوا فأخطأت) وأما رواية: (فذكروا ونسيت) والإنسان معرَّض للنسيان. وإن صح هذا الحديث فالمراد به: لا اعتكاف تام، أي أن المساجد الأخرى الاعتكاف فيها دون المساجد الثلاث، كما أن الصلاة في المساجد فيها دون الصلاة في المساجد الثلاثة. ويدل على أنه عام في كل مسجد قوله تعالى: (وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) ثم كيف يكون هذا الحكم في كتاب الله للأمة من مشارق الأرض ومغاربها ثم نقول: لا يصح إلا في المساجد الثلاثة، فهذا بعيد أن يكون حكم مذكور على سبيل العموم للأمة الإسلامية ثم نقول إن هذه العبادة لا تصح إلا في المساجد الثلاثة " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 81134 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3334 من اعتكف العشر الأواخر، متى يدخل ومتى يخرج؟ [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أعتكف العشر الأواخر من رمضان، وأريد أن أعرف متى أدخل المسجد ومتى أخرج منه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: أما دخول المعتكف فذهب جمهور العلماء (منهم الأئمة الأربعة أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رحمهم الله) إلى أن من أراد أن يعتكف العشر الأواخر من رمضان فإنه يدخل قبل غروب الشمس من ليلة إحدى وعشرين، واستدلوا على ذلك بعدة أدلة، منها: 1- أنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان. متفق عليه. وهذا يدل على أنه كان يعتكف الليالي لا الأيام، لأن العشر تمييز لليالي، قال الله تعالى: (وَلَيَالٍ عَشْرٍ) الفجر/2. والعشر الأواخر تبدأ من ليلة إحدى وعشرين. فعلى هذا، يدخل المسجد قبل غروب شمس ليلة إحدى وعشرين. 2- وقالوا: إن من أعظم ما يقصد من الاعتكاف التماس ليلة القدر، وليلة إحدى وعشرين من ليالي الوتر في العشر الأواخر فيحتمل أن تكون ليلة القدر، فينبغي أن يكون معتكفا فيها. قاله السندي في حاشيتة النسائي. وانظر: "المغني" (4/489) . لكن روى البخاري (2041) ومسلم (1173) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَلَّى الْفَجْرَ ثُمَّ دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ. وقد قال بظاهر هذا الحديث بعض السلف وأنه يدخل معتكفه بعد صلاة الفجر. وبه أخذ علماء اللجنة الدائمة (10/411) ، والشيخ ابن باز (15/442) . لكن أجاب الجمهور عن هذا الحديث بأحد جوابين: الأول: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان معتكفاً قبل غروب الشمس ولكنه لم يدخل المكان الخاص بالاعتكاف إلا بعد صلاة الفجر. قال النووي: (إِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِف صَلَّى الْفَجْر ثُمَّ دَخَلَ مُعْتَكَفه) اِحْتَجَّ بِهِ مَنْ يَقُول: يَبْدَأ بِالاعْتِكَافِ مِنْ أَوَّل النَّهَار , وَبِهِ قَالَ الأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ , وَاللَّيْث فِي أَحَد قَوْلَيْهِ , وَقَالَ مَالِك وَأَبُو حَنِيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد: يَدْخُل فِيهِ قَبْل غُرُوب الشَّمْس إِذَا أَرَادَ اِعْتِكَاف شَهْر أَوْ اِعْتِكَاف عَشْر , وَأَوَّلُوا الْحَدِيث عَلَى أَنَّهُ دَخَلَ الْمُعْتَكَف , وَانْقَطَعَ فِيهِ , وَتَخَلَّى بِنَفْسِهِ بَعْد صَلَاته الصُّبْح , لا أَنَّ ذَلِكَ وَقْت اِبْتِدَاء الاعْتِكَاف , بَلْ كَانَ مِنْ قَبْل الْمَغْرِب مُعْتَكِفًا لابِثًا فِي جُمْلَة الْمَسْجِد , فَلَمَّا صَلَّى الصُّبْح اِنْفَرَدَ اهـ. الجواب الثاني: أَجَابَ به الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى مِنْ الْحَنَابِلَة بِحَمْلِ الْحَدِيث عَلَى أَنَّهُ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَل ذَلِكَ فِي يَوْم الْعِشْرِينَ. قال السندي: وَهَذَا الْجَوَاب هُوَ الَّذِي يُفِيدهُ النَّظَر، فَهُوَ أَوْلَى وَبِالاعْتِمَادِ َأَحْرَى اهـ. وسئل الشيخ ابن عثيمين في "فتاوى الصيام" (ص 501) :متى يبتدئ الاعتكاف؟ فأجاب: "جمهور أهل العلم على أن ابتداء الاعتكاف من ليلة إحدى وعشرين لا من فجر إحدى وعشرين، وإن كان بعض العلماء ذهب إلى أن ابتداء الاعتكاف من فجر إحدى وعشرين مستدلاًّ بحديث عائشة رضي الله عنها عند البخاري: (فلما صلى الصبح دخل معتكفه) لكن أجاب الجمهور عن ذلك بأن الرسول عليه الصلاة والسلام انفرد من الصباح عن الناس، وأما نية الاعتكاف فهي من أول الليل، لأن العشر الأواخر تبتدىء من غروب الشمس يوم عشرين" اهـ. وقال أيضاً (ص 503) : "دخول المعتكِف للعشر الأواخر يكون دخوله عند غروب الشمس من ليلة إحدى وعشرين، وذلك لأن ذلك وقت دخول العشر الأواخر، وهذا لا يعارضه حديث عائشة لأن ألفاظه مختلفة، فيؤخذ بأقربها إلى المدلول اللغوي، وهو ما رواه البخاري (2041) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْتَكِفُ فِي كُلِّ رَمَضَانٍ وَإِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ دَخَلَ مَكَانَهُ الَّذِي اعْتَكَفَ فِيهِ. فقولها: (وَإِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ دَخَلَ مَكَانَهُ الَّذِي اعْتَكَفَ فِيهِ) يقتضي أنه سبق مكثُه دخولَه (أي سبق مكثُه في المسجد دخولَه مكان الاعتكاف) ، لأن قولها: (اعتكف) فعل ماض، والأصل استعماله في حقيقته اهـ. ثانياً: وأما خروجه: فإنه يخرج إذا غربت الشمس من آخر يوم من أيام رمضان. سئل الشيخ ابن عثيمين: متى يخرج المعتكف من اعتكافه أبعد غروب شمس ليلة العيد أم بعد فجر يوم العيد؟ فأجاب: "يخرج المعتكف من اعتكافه إذا انتهى رمضان، وينتهي رمضان بغروب الشمس ليلة العيد" اهـ فتاوى الصيام (ص 502) . وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (10/411) : "وتنتهي مدة اعتكاف عشر رمضان بغروب شمس آخر يوم منه" اهـ. وإذا اختار البقاء حتى يصلي الفجر ويخرج من معتكفه إلى صلاة العيد فلا بأس، فقد استحب ذلك بعض السلف. قال الإمام مَالِك رحمه الله إنَّهُ َأَى بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ إِذَا اعْتَكَفُوا الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ لا يَرْجِعُونَ إِلَى أَهَالِيهِمْ حَتَّى يَشْهَدُوا الْفِطْرَ مَعَ النَّاسِ. قَالَ مَالِك: وَبَلَغَنِي ذَلِكَ عَنْ أَهْلِ الْفَضْلِ الَّذِينَ مَضَوْا وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ. وقال النووي في "المجموع" (6/323) : "قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالأَصْحَابُ: وَمَنْ أَرَادَ الاقْتِدَاءَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الاعْتِكَافِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَةَ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ , لِكَيْ لَا يَفُوتَهُ شَيْءٌ مِنْهُ , ويَخْرُجُ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَةَ الْعِيدِ , سَوَاءٌ تَمَّ الشَّهْرُ أَوْ نَقَصَ , وَالأَفْضَلُ أَنْ يَمْكُثَ لَيْلَةَ الْعِيدِ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى يُصَلِّيَ فِيهِ صَلَاةَ الْعِيدِ , أَوْ يَخْرُجَ مِنْهُ إلَى الْمُصَلَّى لِصَلاةِ الْعِيدِ إنْ صَلُّوهَا فِي الْمُصَلَّى" اهـ. وإذا خرج من الاعتكاف مباشرة إلى صلاة العيد فيستحب له أن يغتسل قبل الخروج إليها ويتجمل، لأن هذا من سنن العيد. راجع تفصيل ذلك في السؤال (36442) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 14046 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3335 الهدف الأساسي من الاعتكاف، ولماذا ترك المسلمون تلك السنة؟ [السُّؤَالُ] ـ[لماذا ترك المسلمون الاعتكاف، مع أنه سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ وما هو الهدف من الاعتكاف؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الاعتكاف من السنن المؤكدة التي واظب عليها الرسول صلى الله عليه وسلم. وانظر الأدلة على مشروعيته في إجابة السؤال رقم (48999) . وقد اختفت هذه السنة من حياة المسلمين إلا من رحم ربي شأنها في ذلك شأن كثير من السنن التي أماتها المسلمون أو كادوا. ولذلك أسباب، منها: 1- ضعف الجانب الإيماني في كثير من النفوس. 2- الإقبال المتزايد على ملذات الحياة الدنيا وشهواتها، والذي أدى إلى عدم القدرة على الابتعاد عنها ولو لفترة قليلة. 3- هوان الجنة في نفوس كثير من الناس، وميلهم إلى الراحة والدعة، فلا يريدون تحمل مشقة الاعتكاف ولو كان ذلك في سبيل رضا الله سبحانه وتعالى. ومن علم عظم قدر الجنة ونعيمها بذل في الحصول عليها النفس والنفيس، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أَلا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ، أَلا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ) رواه الترمذي وصححه الألباني (2450) . 4- اقتصار محبة الرسول صلى الله عليه وسلم في كثير من النفوس على الجانب اللفظي دون العملي والذي يتمثل في تطبيق جوانب السنة المحمدية المتعددة ومنها الاعتكاف، قال الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) الأحزاب/21. قال ابن كثير رحمه الله (3/756) : هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله اهـ. وقد تعجب بعض السلف من ترك الناس للاعتكاف مع مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليه. قال اِبْن شِهَاب الزهري: عَجَبًا لِلْمُسْلِمِينَ , تَرَكُوا الاعْتِكَاف , وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَتْرُكْهُ مُنْذُ دَخَلَ الْمَدِينَةَ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ. ثانياً: الاعتكاف الذي واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حياته اعتكاف العشر الأواخر من رمضان، وهذه الأيام المعدودة تعتبر –بحق- بمثابة دورة تربوية مكثفة لها نتائجها الإيجابية الفورية في حياة الإنسان في أيام وليالي الاعتكاف، ولها أثرها الإيجابي على حياة الإنسان فيما يستقبله من أيام خلال حياته التي يحياها إلى رمضان آخر. فما أحوجنا معاشر المسلمين إلى إحياء هذه السنة وإقامتها على الوجه الصحيح الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه. فيا فوز المتمسكين بالسنة بعد غفلة الناس وفساد الأمة. ثالثاً: كان الهدف الأساسي من اعتكافه صلى الله عليه وسلم التماس ليلة القدر. روى مسلم (1167) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الأَوَّلَ مِنْ رَمَضَانَ، ثُمَّ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الأَوْسَطَ فِي قُبَّةٍ تُرْكِيَّةٍ (أي: خيمة صغيرة) عَلَى سُدَّتِهَا (أي: بابها) حَصِيرٌ. قَالَ: فَأَخَذَ الْحَصِيرَ بِيَدِهِ فَنَحَّاهَا فِي نَاحِيَةِ الْقُبَّةِ، ثُمَّ أَطْلَعَ رَأْسَهُ فَكَلَّمَ النَّاسَ، فَدَنَوْا مِنْهُ، فَقَالَ: إِنِّي اعْتَكَفْتُ الْعَشْرَ الأَوَّلَ أَلْتَمِسُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ، ثُمَّ اعْتَكَفْتُ الْعَشْرَ الأَوْسَطَ، ثُمَّ أُتِيتُ فَقِيلَ لِي: إِنَّهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَعْتَكِفَ فَلْيَعْتَكِفْ، فَاعْتَكَفَ النَّاسُ مَعَهُ. وفي هذا الحديث من الفوائد: 1- أن الهدف الأساسي من اعتكافه صلى الله عليه وسلم إلتماس ليلة القدر، والاستعداد لقيامها وإحيائها بالعبادة، وذلك لعظم فضل هذه الليلة، وقد قال الله تعالى: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) القدر/3. 2- اجتهاده صلى الله عليه وسلم في تحريها قبل معرفته بوقتها، فبدأ بالعشر الأول ثم الأوسط، ثم استمر معتكفاً حتى آخر الشهر حينما أُعلم أنها في العشر الأواخر، وهي القمة في الاجتهاد طلباً لليلة القدر. 3- متابعة الصحابة رضوان الله عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ إنهم بدأوا الاعتكاف واستمروا معه حتى نهاية الشهر، وذلك لشدة تأسيهم به صلى الله عليه وسلم. 4- شفقته صلى الله عليه وسلم على أصحابه ورحمته بهم، فلعلمه بمشقة الاعتكاف خَيَّرهم في الاستمرار معه أو الخروج فقال: (فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَعْتَكِفَ فَلْيَعْتَكِفْ) . وللاعتكاف مقاصد أخرى، منها: 1- الانقطاع عن الناس ما أمكن، حتى يتم أُنسه بالله عز وجل. 2- إصلاح القلب بالإقبال على الله تبارك وتعالى بكليته. 3- الانقطاع التام للعبادة الصرفة من صلاة ودعاء وذكر وقراءة قرآن. 4- حفظ الصيام من كل ما يؤثر عليه من حظوظ النفس والشهوات. 5- التقلل من المباح من الأمور الدنيوية والزهد في كثير منها مع القدرة عليها. انظر كتاب "الاعتكاف نظرة تربوية" للدكتور عبد اللطيف بالطو. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49007 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3336 هل يجوز للمرأة الاعتكاف عن والديها الأموات؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمرأة الاعتكاف عن والديها الأموات؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذهب بعض العلماء إلى جواز فعل أي عبادة وهبة ثوابها للأموات، وذهب آخرون إلى أنه يقتصر على ما ورد به النص من العبادات. سئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: ما هي الأشياء التي يَنتفع بها الميت من قبَل الأحياء؟ وهل هناك فرق بين العبادات البدنية وغير البدنية؟ نرجو أن توضحوا لنا هذه المسألة وتضعوا لنا فيها قاعدة نرجع إليها كلما أشكل علينا مثل هذه المسائل، أفتونا بارك الله فيكم. فأجاب: " ينتفع الميت من الحي بما دل عليه الدليل من الدعاء له والاستغفار له والتصدق عنه والحج عنه والعمرة عنه وقضاء الديون التي عليه وتنفيذ وصاياه الشرعية، كل ذلك قد دلت الأدلة على مشروعيته. وقد ألحق بها بعض العلماء كل قربة فعلها مسلم وجعل ثوابها لمسلم حي أو ميت، والصحيح الاقتصار على ما ورد به الدليل، ويكون ذلك مخصصًا لقوله تعالى: (وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى) النجم /39، والله أعلم " " المنتقى " (2 / 161) . وأما بخصوص الوالدين: فإن الشرع جعل الولد من كسب أبيه. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ: عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ، أَوْ بَيْتًا لابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ) . رواه ابن ماجه (242) ، وصححه ابن خزيمة (4 / 121) وحسَّنه المنذري والألباني كما في " صحيح الترغيب " (1 / 18) . قال السندي – في حاشيته على "سنن ابن ماجه ": " عَدُّ الولد الصالح من العمل والتعليم حسنٌ؛ لأن الوالد هو سبب في وجوده، وسبب لصلاحه بإرشاده إلى الهدى، كما جُعل نفس العمل في قوله تعالى: (إِنَه عَمَلٌ غَيْرُ صَالِح) " انتهى. وقال الشيخ الألباني رحمه الله: " ما يفعله الولد الصالح من الأعمال الصالحة فإن لوالديه مثل أجره، دون أن ينقص من أجره شيءٌ؛ لأن الولد من سعيهما وكسبهما، والله عز وجل يقول: (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) النجم /39، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه) - رواه أصحاب السنن الأربعة وصححه الشيخ رحمه الله بشواهده – " انتهى. "أحكام الجنائز" (ص 126، 217) . وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: ما هي الأعمال التي تنفع وتفيد الوالدين أحياءً وأمواتًا؟ فأجاب: " الأعمال هي: برهما في حياتهما، والإحسان إليهما بالقول والعمل، والقيام بما يحتاجانه من النفقة والسكن وغير ذلك والأنس بهما، والكلام الطيب معهما وخدمتهما؛ لقوله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) الإسراء / 23، خصوصًا في كبرهما، أما بعد الممات: فإنه يبقى من برهما أيضًا الدعاء، والصدقة لهما، والحج والعمرة عنهما، وقضاء الديون التي في ذمتهما، وصلة الرحم المتعلقة بهما، وكذلك برُّ صديقهما، وتنفيذ وصاياهما المشروعة " انتهى. " المنتقى " (2/162) . ثانيا ً: وأما بخصوص اعتكاف النساء: فإن الاعتكاف مستحب للرجال والنساء، ولكن ينبغي تقييده في حق النساء بأن يكون بإذن أهلها أو زوجها، وأن لا يكون في اعتكافها فتنة. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: " فالمرأة تعتكف ما لم يكن في اعتكافها فتنة، فإن كان في اعتكافها فتنة: فإنها لا تمكن من هذا؛ لأن المستحب إذا ترتب عليه الممنوع وجب أن يمنع، كالمباح إذا ترتب عليه الممنوع وجب أن يمنع، فلو فرضنا أنها إذا اعتكفت في المسجد صار هناك فتنة كما يوجد في المسجد الحرام، فالمسجد الحرام ليس فيه مكان خاص للنساء، وإذا اعتكفت المرأة فلا بد أن تنام إما ليلاً وإما نهاراً، ونومها بين الرجال ذاهبين وراجعين فيه فتنة. والدليل على مشروعية الاعتكاف للنساء: اعتكاف زوجات الرسول صلّى الله عليه وسلّم في حياته، وبعد مماته، لكن إن خيف فتنة: فإنها تمنع؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم منع فيما دون ذلك، فإنه لما أراد أن يعتكف صلّى الله عليه وسلّم خرج ذات يوم، وإذا خباء لعائشة، وخباء لفلانة، وخباء لفلانة، فقال صلّى الله عليه وسلّم: (آلبر يرِدْن؟!) ثم أمر بنقضها، ولم يعتكف تلك السنة، وقضاه في شوال، وهذا يدل على أن اعتكاف المرأة إذا كان يحصل فيه فتنة: فإنها تمنع من باب أولى " انتهى. "الشرح الممتع" (6/510، 511) . والخلاصة: أنه ينبغي للإنسان أن يكثر من الأعمال الصالحة عن نفسه، قبل انقضاء أجله، وانقطاع عمله. وسيكون لوالديه نصيب من أجور هذه الأعمال من غير أن تنقص أجور أولادهم، والاعتكاف من الأعمال الصالحة، ومن المرأة لا بدَّ أن يون وفق ضوابط وشروط كما في كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 66998 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3337 هل يعتكف في العشر الأواخر وحده أم يرجع عند أهله ويتعبد معهم؟ [السُّؤَالُ] ـ[أسافر كل يوم لمسافة حوالي 122 كيلومتر للذهاب إلى العمل، لكن أثناء رمضان أبقى في المدينة حيث أعمل، وذلك من الاثنين إلى الجمعة، ولا أذهب لرؤية أهلي طوال الأسبوع، هل يجوز لي الصوم أثناء الرحلة لأنها ليست رحلة شاقة خلال هذه الأيام؟ هل صومي صحيح؟ إذا أخذت آخر عشرة أيام من رمضان إجازة من العمل فهل أعتكف في نفس المدينة أم أعتكف مع أسرتي التي لم أتمكن من قضاء وقت كثير معها؟ وأيضًا لمساعدة زوجتي في أعمال البيت لأنها تتعب جدّاً ولا يمكنها أداء كثير من العبادة، هل الأفضل لي الاعتكاف أم قضاء الوقت مع أسرتي والتعبد معاً؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يجوز للمسافر أن يفطر في رمضان، لقول الله تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) البقرة/185، ولا فرق بين أن يكون السفر شاقاً أو سهلاً. وهل الأفضل له أن يصوم أو يفطر؟ الجواب: الأفضل له الصيام إلا إذا وجد مشقة فالأفضل الفطر. وتجد تفصيل هذا في جواب السؤال رقم (65629) و (20156) . ثانياً: والأفضل لك أيها الأخ أن ترجع لأهل بيتك وتقيم بينهم لمساعدة زوجتك على شئون البيت؛ ولإعانتها على القيام بالطاعة واستغلال العشر الأواخر، وبقاؤك بين أهل بيتك لحثهم على الطاعة والعبادة خير من اعتكافك وحدك مع حرمانهم منها بسبب بعدك، وقد أخبرت عائشة رضي الله عنها عن حال النبي صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر ومنه: " أيقظ أهله " أي: أيقظهم للطاعة والعبادة والصلاة والدعاء، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ليعتكف ويترك أهل بيته دون عناية ورعاية، وقد ثبت أن صفية رضي الله عنها زارته وهو معتكف، وثبت أنهن اعتكفن معه، والاعتكاف عبادة خاصة غير متعدية، وبقاؤك مع أهلك وحثهم على العبادة وحسن معاشرتهم هو من الأفعال المتعدية في نفعها لغيرك، ولن تُحرم أجر طاعتهم، ولن تَحرم نفسك من العبادة، إذ يمكنك مصاحبة أهل بيتك لقيام الليل في أحد المساجد، ويمكنك إيقاظهم آخر الليل للدعاء وقراءة القرآن، وهذا خير يعمك ويعم أهل بيتك، فننصحك بالرجوع إلى أهلك والبقاء في العشر الأواخر بينهم، وحثهم على الطاعة والعبادة، ويمكنك إذا رأيت استقامة حال أهلك، والتزامهم بالطاعات أن تعتكف بعض الليالي في مسجد حيك، فتجمع بين أنواع الطاعات، وتصيب خيراً عظيماً إن شاء الله، ونسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن يتقبل منك ومن أهل بيتك. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65956 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3338 حكم الاعتكاف وأدلة مشروعيته [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الاعتكاف؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الاعتكاف مشروع بالكتاب والسنة والإجماع. أما الكتاب: فقوله تعالى: (وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) البقرة/125 وقوله: (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) البقرة/187. وأما السنة فأحاديث كثيرة منها حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ) رواه البخاري (2026) ومسلم (1172) . وأما الإجماع، فنقل غير واحد من العلماء الإجماع على مشروعية الاعتكاف. كالنووي وابن قدامة وشيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهم. انظر المجموع (6/404) ، والمغني (4/456) ، وشرح العمدة (2/711) . وقال الشيخ ابن باز في مجموع الفتاوى (15/437) : "لا ريب أن الاعتكاف في المسجد قربة من القرب، وفي رمضان أفضل من غيره.. وهو مشروع في رمضان وغيره" اهـ باختصار. ثانيا: حكم الاعتكاف. الأصل في الاعتكاف أنه سنة وليس بواجب، إلا إذا كان نذرا فيجب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلا يَعْصِهِ) رواه البخاري (6696) . ولأن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. قَالَ: (أَوْفِ بِنَذْرِكَ) (6697) . وقال ابن المنذر في كتابه "الإجماع" (ص53) : "وأجمعوا على أن الاعتكاف سنة لا يجب على الناس فرضا إلا أن يوجبه المرء على نفسه نذرا فيجب عليه" اهـ. انظر كتاب "فقه الاعتكاف" للدكتور خالد المشيقح. ص 31. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 48999 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3339 ثواب الاعتكاف [السُّؤَالُ] ـ[ما ثواب الاعتكاف؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الاعتكاف مشروع، وهو قربة إلى الله جل وعلا. راجع السؤال رقم (48999) . فإذا ثبت هذا، فقد جاءت أحاديث كثيرة ترغب في التقرب إلى الله تعالى بنوافل العبادات، وهذه الأحاديث بعمومها تشمل كل عبادة ومنها الاعتكاف. فمن هذه الأحاديث: قول الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: (وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ) . رواه البخاري (6502) . ثانيا: وردت أحاديث في فضل الاعتكاف وبيان ثوابه إلا أنها كلها ضعيفة أو موضوعة. قال أبو داود: قلت لأحمد (يعني الإمام أحمد بن حنبل) : تعرف في فضل الاعتكاف شيئا؟ قال: لا، إلا شيئا ضعيفا اهـ. مسائل أبي داود (ص96) . ومن هذه الأحاديث: 1- روى ابن ماجه (1781) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْمُعْتَكِفِ: (هُوَ يَعْكِفُ الذُّنُوبَ، وَيُجْرَى لَهُ مِنْ الْحَسَنَاتِ كَعَامِلِ الْحَسَنَاتِ كُلِّهَا) . ضعفه الألباني في ضعيف ابن ماجه. (يَعْكِفُ الذُّنُوب) أي: يَمْنَع الذُّنُوب. قاله السندي. 2- روى الطبراني والحاكم والبيهقي وضعفه عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من اعتكف يوما ابتغاء وجه الله جعل الله بينه وبين النار ثلاث خنادق أبعد مما بين الخافقين) . ضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (5345) . والخافقان المشرق والمغرب. 3- روى الديلمي عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من اعتكف إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) ضعفه الألباني في ضعيف الجامع (5442) . 4- روى البيهقي وضعفه عن الحسين بن علي رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من اعتكف عشرا في رمضان كان كحجتين وعمرتين) . ذكره الألباني في "السلسلة الضعيفة" ". (518) وقال: موضوع. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49003 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3340 هل للرجل أن يمنع زوجته من الاعتكاف؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل من حق زوجها منعها من الاعتكاف؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز للمرأة أن تعتكف إلا بإذن زوجها، لأن اعتكافها في المسجد يفوت حق الزوج. فإن أذن لها فله الرجوع في الإذن وإخراجها من الاعتكاف. قال ابن قدامة (4/485) : وَلَيْسَ لِلزَّوْجَةِ أَنْ تَعْتَكِفَ إلا بِإِذْنِ زَوْجِهَا. . . فَإِنْ أَذِنَ الزَّوْجُ لَها , ثُمَّ أَرَادَ إخْرَاجَها مِنْهُ بَعْدَ شُرُوعِها فِيهِ , فَلَه ذَلِكَ فِي التَّطَوُّعِ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. . . فَإِنْ كَانَ مَا أُذِنَ فِيهِ مَنْذُورًا , لَمْ يَكُنْ لَهُ تَحْلِيلُهُا مِنْهُ ; لأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ , وَيَجِبُ إتْمَامُهُ , فَيَصِيرُ كَالْحَجِّ إذَا أَحْرَمَت بِهِ اهـ بتصرف. وقد دلت السنة على جواز منع الرجل امرأته من الاعتكاف إلا بإذنه. روى البخاري (2033) ومسلم (1173) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَلَّى الْفَجْرَ ثُمَّ دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ وَإِنَّهُ أَمَرَ بِخِبَائِهِ فَضُرِبَ أَرَادَ الاعْتِكَافَ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ فَأَمَرَتْ زَيْنَبُ بِخِبَائِهَا فَضُرِبَ وَأَمَرَ غَيْرُهَا مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِبَائِهِ فَضُرِبَ فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَجْرَ نَظَرَ فَإِذَا الأَخْبِيَةُ فَقَالَ آلْبِرَّ تُرِدْنَ فَأَمَرَ بِخِبَائِهِ فَقُوِّضَ وَتَرَكَ الاعْتِكَافَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى اعْتَكَفَ فِي الْعَشْرِ الأَوَّلِ مِنْ شَوَّالٍ. وفي رواية للبخاري: (فَاسْتَأْذَنَتْهُ عَائِشَة فَأَذِنَ لَهَا , وَسَأَلَتْ حَفْصَة عَائِشَة أَنْ تَسْتَأْذِن لَهَا فَفَعَلَتْ) . قال النووي: (نَظَرَ فَإِذَا الأَخْبِيَة فَقَالَ: الْبِرّ يُرِدْنَ؟ فَأَمَرَ بِخِبَائِهِ فَقُوِّضَ) (قُوِّضَ) أَيْ: أُزِيلَ. (الْبِرّ) أَيْ: الطَّاعَة. قَالَ الْقَاضِي: قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْكَلام إِنْكَارًا لِفِعْلِهِنَّ , وَقَدْ كَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ لِبَعْضِهِنَّ فِي ذَلِكَ , كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيّ , قَالَ: وَسَبَب إِنْكَاره أَنَّهُ خَافَ أَنْ يَكُنَّ غَيْر مُخْلِصَات فِي الاعْتِكَاف , بَلْ أَرَدْنَ الْقُرْب مِنْهُ ; لِغَيْرَتِهِنَّ عَلَيْهِ , أَوْ لِغَيْرَتِهِ عَلَيْهِنَّ , فَكَرِهَ مُلازَمَتهنَّ الْمَسْجِد مَعَ أَنَّهُ يَجْمَع النَّاس وَيَحْضُرهُ الأَعْرَاب وَالْمُنَافِقُونَ , وَهُنَّ مُحْتَاجَات إِلَى الْخُرُوج وَالدُّخُول لِمَا يَعْرِض لَهُنَّ , فَيَبْتَذِلْنَ بِذَلِكَ , أَوْ لأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَآهُنَّ عِنْده فِي الْمَسْجِد وَهُوَ فِي الْمَسْجِد فَصَارَ كَأَنَّهُ فِي مَنْزِله بِحُضُورِهِ مَعَ أَزْوَاجه , وَذَهَبَ الْمُهِمّ مِنْ مَقْصُود الاعْتِكَاف , وَهُوَ التَّخَلِّي عَنْ الأَزْوَاج وَمُتَعَلِّقَات الدُّنْيَا وَشِبْه ذَلِكَ ; أَوْ لأَنَّهُنَّ ضَيَّقْنَ الْمَسْجِد بِأَبْنِيَتِهِنَّ. وَفِي هَذَا الْحَدِيث دَلِيل لِصِحَّةِ اِعْتِكَاف النِّسَاء ; لأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَذِنَ لَهُنَّ , وَإِنَّمَا مَنَعَهُنَّ بَعْد ذَلِكَ لِعَارِضٍ , وَفِيهِ أَنَّ لِلرَّجُلِ مَنْع زَوْجَته مِنْ الاعْتِكَاف بِغَيْرِ إِذْنه , وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاء كَافَّة , فَلَوْ أَذِنَ لَهَا فَهَلْ لَهُ مَنْعهَا بَعْد ذَلِكَ؟ فِيهِ خِلاف لِلْعُلَمَاءِ , فَعِنْد الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَدَاوُد لَهُ مَنْعها وَإِخْرَاجهمَا مِنْ اِعْتِكَاف التَّطَوُّع اهـ. وَقَالَ اِبْن الْمُنْذِر وَغَيْرُهُ: فِي الْحَدِيث إِنَّ الْمَرْأَة لا تَعْتَكِف حَتَّى تَسْتَأْذِن زَوْجهَا وَأَنَّهَا إِذَا اِعْتَكَفَتْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهَا , وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِ فَلَهُ أَنَّ يَرْجِعَ فَيَمْنَعَهَا. وَعَنْ أَهْل الرَّأْي إِذَا أَذِنَ لَهَا الزَّوْجُ ثُمَّ مَنَعَهَا أَثِمَ بِذَلِكَ وَامْتَنَعَتْ , وَعَنْ مَالِك لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ , وَهَذَا الْحَدِيث حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ اهـ من "فتح الباري". [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 48956 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3341 الاعتكاف في أي يوم؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز الاعتكاف في أي وقت دون العشر الأواخر من رمضان؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم يجوز الاعتكاف في أي وقت، وأفضله ما كان في العشر الأواخر من رمضان؛ اقتداءً برسول الله عليه الصلاة والسلام وأصحابه رضي الله عنهم، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه اعتكف في شوال في بعض السنوات. وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 10/410 الحديث: 12646 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3342 شروط الاعتكاف [السُّؤَالُ] ـ[ما هي شروط الاعتكاف، وهل الصيام منها، وهل يجوز للمعتكف أن يزور مريضاً، أو يجيب الدعوة، أو يقضي حوائج أهله أو يتبع جنازة، أو يذهب إلى العمل؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يشرع الاعتكاف في مسجد تقام فيه صلاة الجماعة، وإن كان المعتكف ممن يجب عليهم الجمعة ويتخلل مدة اعتكافه جمعة ففي مسجد تقام فيه الجمعة أفضل. ولا يلزم له الصوم. والسنة ألا يزور المعتكف مريضاً أثناء اعتكافه، ولا يجيب الدعوة، ولا يقضي حوائج أهله، ولا يشهد جنازة، ولا يذهب إلى عمله خارج المسجد؛ لما ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: " السنة على المعتكف ألا يعود مريضاً، ولا يشهد جنازة ولا يمس امرأة، ولا يباشرها، ولا يخرج لحاجة إلا لما لابد منه " أخرجه أبو داوود 2473. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء (10/410) . الحديث: 12411 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3343 الاعتكاف مشروع في رمضان وغيره [السُّؤَالُ] ـ[هل الاعتكاف يكون في أي وقت؟ أم أنه لا يكون إلا في رمضان؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الاعتكاف سنة في كل وقت، في رمضان وغيره، لكنه في رمضان أفضل، وآكده في العشر الأخير من رمضان. ويدل على ذلك عموم أدلة استحباب الاعتكاف، فإنها تشمل رمضان وغيره. راجع السؤال رقم (48999) قال النووي في المجموع (6/501) : " الاعْتِكَافُ سُنَّةٌ بِالإِجْمَاعِ وَلا يَجِبُ إلا بِالنَّذْرِ بِالإِجْمَاعِ , وَيُسْتَحَبُّ الإِكْثَارُ مِنْهُ , وَيُسْتَحَبُّ وَيَتَأَكَّدُ اسْتِحْبَابُهُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ" اهـ. وقال أيضاً (6/514) : "وَأَفْضَلُهُ مَا كَانَ بصوم , وَأَفْضَلُهُ شَهْرُ رَمَضَانَ, وَأَفْضَلُهُ الْعَشْرُ الأَوَاخِرُ مِنْهُ" اهـ. قال الألباني في "قيام رمضان": "الاعتكاف سنة في رمضان وغيره من أيام السنة، والأصل في ذلك قوله تعالى: (وأنتم عاكفون في المساجد) ، مع توارد الأحاديث الصحيحة في اعتكافه صلى الله عليه وسلم، وتواتر الآثار عن السلف بذلك. . . وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف عشرا من شوال. متفق عليه. . وأن عمر قال للنبي صلى الله عليه وسلم: كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام؟ قال: (فأوف بنذرك) . فاعتكف ليلة. متفق عليه. وآكده في رمضان لحديث أبي هريرة: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوما) رواه البخاري. . وأفضله آخر رمضان، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل. متفق عليه اهـ باختصار وتصرف. وقال الشيخ ابن باز في مجموع الفتاوى (15/437) : "لا ريب أن الاعتكاف في المسجد قربة من القرب، وفي رمضان أفضل من غيره.. وهو مشروع في رمضان وغيره" اهـ باختصار. انظر كتاب "فقه الاعتكاف" للدكتور خالد المشيقح. ص 41. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50024 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3344 لا يصح اعتكاف الرجل والمرأة إلا في المسجد [السُّؤَالُ] ـ[هل للمرأة أن تعتكف في بيتها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اتفق العلماء على أن الرجل لا يصح اعتكافه إلا في المسجد، لقول الله تعالى: (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) البقرة/187. فخص الاعتكاف بأنه في المساجد. انظر المغني (4/461) . وأما المرأة فذهب جمهور العلماء إلى أنها كالرجل لا يصح اعتكافها إلا في المسجد للآية السابقة (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِد ِ) البقرة/187. ولأن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم استأذنه في الاعتكاف في المسجد فأذن لهن، وكُنَّ يعتكفن في المسجد بعد وفاته صلى الله عليه وسلم. ولو كان اعتكاف المرأة في بيتها جائزا لأرشدهن النبي صلى الله عليه وسلم إليه لأن استتار المرأة في بيتها أفضل من خروجها إلى المسجد. وذهب بعض العلماء إلى أن المرأة يصح اعتكافها في مسجد بيتها وهو الموضع الذي جعلته للصلاة في بيتها. ومنع جمهور العلماء ذلك وقالوا: إن مسجد بيتها لا يسمى مسجدا إلا على سبيل التجوز وليس هو مسجدا على سبيل الحقيقة فلا يأخذ أحكام المسجد ولذلك يجوز دخوله للجنب والحائض. انظر "المغني" (4/464) . قال النووي في المجموع (6/505) : " لا يَصِحُّ الاعْتِكَافُ مِنْ الرَّجُلِ وَلا مِنْ الْمَرْأَةِ إلا فِي الْمَسْجِدِ , وَلا يَصِحُّ فِي مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَرْأَةِ وَلا مَسْجِدِ بَيْتِ الرَّجُلِ وَهُوَ الْمُعْتَزَلُ الْمُهَيَّأُ لِلصَّلاةِ" اهـ. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى (20/264) : المرأة إذا أرادت الاعتكاف فأين تعتكف؟ فأجاب: المرأة إذا أرادت الاعتكاف فإنما تعتكف في المسجد إذا لم يكن في ذلك محذور شرعي، وإن كان في ذلك محذور شرعي فلا تعتكف اهـ. وفي "الموسوعة الفقهية" (5/212) : "اخْتَلَفُوا فِي مَكَانِ اعْتِكَافِ الْمَرْأَةِ: فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهَا كَالرَّجُلِ لا يَصِحُّ اعْتِكَافُهَا إلا فِي الْمَسْجِدِ , وَعَلَى هَذَا فَلا يَصِحُّ اعْتِكَافُهَا فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا , لِمَا وَرَدَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ امْرَأَةٍ جَعَلَتْ عَلَيْهَا (أَيْ نَذَرَتْ) أَنْ تَعْتَكِفَ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا , فَقَالَ: " بِدْعَةٌ , وَأَبْغَضُ الأَعْمَالِ إلَى اللَّهِ الْبِدَعُ. فَلا اعْتِكَافَ إلا فِي مَسْجِدٍ تُقَامُ فِيهِ الصَّلاةُ. وَلأَنَّ مَسْجِدَ الْبَيْتِ لَيْسَ بِمَسْجِدٍ حَقِيقَةً وَلا حُكْمًا , فَيَجُوزُ تَبْدِيلُهُ , وَنَوْمُ الْجُنُبِ فِيهِ , وَكَذَلِكَ لَوْ جَازَ لَفَعَلَتْهُ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ - رضي الله عنهن - وَلَوْ مَرَّةً تَبْيِينًا لِلْجَوَازِ" اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50025 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3345 هل تعتكف المرأة العشر الأواخر كلها؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا مسلمة جديدة ولدي استفسار عن اعتكاف المرأة، هل يجوز للمرأة أن تعتكف في المسجد إذا كان هناك مكان مخصص للنساء؟ إذا يجوز لهن فكم يوماً يمكن أن تعتكف (3 أيام أو 7 أو العشر جميعاً) ؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحمد لله الذي هداك للإسلام، ونسأل الله تعالى أن يزيدك إيماناً وهدى. نعم، يجوز للمرأة أن تعتكف في المسجد، بل الاعتكاف سنة في حق الرجال والنساء. راجع سؤال (37698) . والأفضل هو اعتكاف العشر الأواخر كلها، لأن هذا هو فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، روى البخاري (2026) ومسلم (1172) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ. وإذا لم يستطع المسلم اعتكاف العشر الأواخر كلها، فإنه يعتكف ما تيسر له، يومين أو ثلاثة أو أكثر من ذلك أو أقل ولو ليلة واحدة. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: الاعتكاف هو المكث في المسجد لطاعة الله تعالى، سواء كانت المدة كثيرة أو قليلة، لأنه لم يرد في ذلك – فيما أعلم- ما يدل على التحديد لا بيوم ولا بيومين ولا بما هو أكثر من ذلك اهـ فتاوى الشيخ ابن باز (15/441) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38037 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3346 هل يجوز للمعتكف الخروج من المسجد [السُّؤَالُ] ـ[أود أن أعرف كيفية الاعتكاف في المسجد في العشر الأواخر من رمضان علماً بأنني أعمل وعملي ينتهي الساعة الثانية ظهراً، وهل يجب أن أقيم إقامة دائمة في المسجد؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله خروج المعتكف من المسجد يبطل الاعتكاف، لأن الاعتكاف هو المكث في المسجد لطاعة الله تعالى. إلا إذا خرج لما لا بد منه، كقضاء الحاجة، والوضوء، والاغتسال، وإحضار الطعام إذا كان ليس له من يحضره له إلى المسجد، ونحو ذلك من الأمور التي لا بد منها ولا يمكن فعلها في المسجد. روى البخاري (2092) ومسلم (297) عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلا لِحَاجَةِ الإِنْسَانِ إِذَا كَانَ مُعْتَكِفًا. قال ابن قدامة رحمه الله في المغني: (4/466) : وَالْمُرَادُ بِحَاجَةِ الإِنْسَانِ الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ , كَنَّى بِذَلِكَ عَنْهُمَا ; لأنَّ كُلَّ إنْسَانٍ يَحْتَاجُ إلَى فِعْلِهِمَا , وَفِي مَعْنَاهُ الْحَاجَةُ إلَى الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ , إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يَأْتِيهِ بِهِ , فَلَهُ الْخُرُوجُ إلَيْهِ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ. . . وَكُلُّ مَا لا بُدَّ لَهُ مِنْهُ , وَلا يُمْكِنُ فِعْلُهُ فِي الْمَسْجِدِ , فَلَهُ الْخُرُوجُ إلَيْهِ , وَلا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ وَهُوَ عَلَيْهِ , مَا لَمْ يُطِلْ اهـ. وخروج المعتكف لعمله مما ينافي الاعتكاف. سئلت اللجنة الدائمة: هل يجوز للمعتكف أن يزور مريضاً أو يجيب الدعوة أو يقضي حوائج أهله أو يتبع جنازة أو يذهب إلى العمل؟ فأجابت: السنة ألا يزور المعتكف مريضاً أثناء اعتكافه، ولا يجيب الدعوة، ولا يقضي حوائج أهله، ولا يشهد جنازة، ولا يذهب إلى عمله خارج المسجد، لما ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (السُّنَّةُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ أَنْ لا يَعُودَ مَرِيضًا، وَلا يَشْهَدَ جَنَازَةً، وَلا يَمَسَّ امْرَأَةً وَلا يُبَاشِرَهَا، وَلا يَخْرُجَ لِحَاجَةٍ إِلا لِمَا لا بُدَّ مِنْهُ) رواه أبو داود (2473) اهـ. فتاوى اللجنة الدائمة (10/410) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37951 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3347 لا يصح اعتكاف المرأة في بيتها [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمرأة أن تعتكف في البيت؟ وماذا إذا احتاجت للطبخ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يصح الاعتكاف إلا في المسجد، لقول الله تعالى: (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) البقرة/187. وسواء في ذلك الرجل والمرأة. قال ابن قدامة في " المغني" (4/464) : وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَعْتَكِفَ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ. وَلا يُشْتَرَطُ إقَامَةُ الْجَمَاعَةِ فِيهِ ; لأَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَيْهَا. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَلَيْسَ لَهَا الاعْتِكَافُ فِي بَيْتِهَا؛ لقوله تعالى: (وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) . وَلأَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم اسْتَأْذَنَّهُ فِي الاعْتِكَافِ فِي الْمَسْجِدِ , فَأَذِنَ لَهُنَّ. اهـ. وقال النووي في "المجموع" (6/480) : لا يصح الاعتكاف من الرجل ولا من المرأة إلا في المسجد اهـ. وهذا هو ما اختاره الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (6/513) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37911 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3348 اعتكاف المرأة في المسجد [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمرأة أن تعتكف في المسجد في العشر الأواخر من رمضان؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، يجوز للمرأة أن تعتكف في المسجد في العشر الأواخر من رمضان. بل الاعتكاف سنة للرجال والنساء، وقد كانت أمهات المؤمنين رضي الله عنهن يعتكفن مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حياته، واعتكفن بعد وفاته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. روى البخاري (2026) ومسلم (1172) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ. قال في "عون المعبود": فِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ النِّسَاء كَالرِّجَالِ فِي الاعْتِكَاف اهـ قال الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله: " الاعتكاف سنة للرجال والنساء لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يعتكف في رمضان، واستقر أخيرا اعتكافه في العشر الأواخر، وكان يعتكف بعض نسائه معه، ثم اعتكفن من بعده عليه الصلاة والسلام، ومحل الاعتكاف المساجد التي تقام فيها صلاة الجماعة." انتهى من موقع الشيخ ابن باز على الانترنت والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37698 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3349 حكم مس يد الفتاة في رمضان [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من مس يد فتاة أو قامت تلك الفتاة بضمه أو تقبيله في نهار رمضان؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يحرم على الرجل أن يمس يد امرأة أجنبية عنه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له) رواه الطبراني من حديث معقل بن يسار رضي الله عنه، وصححه الألباني في صحيح الجامع (5045) . وإذا كان هذا في مجرد المس، فإن الضم والتقبيل أعظم وأشد. وإذا حاولت المرأة فعل ذلك، وجب على الرجل أن يمنعها، وألا يمكنها من فعل الحرام معه. وهذا حكم عام، يشمل الصائم وغيره، إلا أن الصائم يتأكد في حقه البعد عن جميع المحرمات والمغريات والمثيرات التي تنافي حكمة الصوم وأهدافه، وقد قال الله تعالى في بيان الحكمة من فرض الصيام: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة/183. وقال عز وجل في الحديث القدسي: (الصَّوْمُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَأَكْلَهُ وَشُرْبَهُ مِنْ أَجْلِي) . رواه البخاري (7492) ومسلم (1151) . فعلى من فعل ذلك أن يتوب إلى تعالى، ويعزم على عدم العود لذلك أبداً. وأما صومه ففيه تفصيل: إن خرج منه منيّ بسبب هذه الأعمال، فسد صومه، ووجب عليه قضاء هذا اليوم. وإن لم يخرج منه مني فصومه صحيح. ولكن ... ليس معنى صحة صومه أنه لا إثم عليه، أو أن صومه كامل. كلا! بل كل المعاصي التي يفعلها العبد تنقص من ثواب صيامه، وقد تذهب بثواب كله. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) رواه البخاري (6057) . وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم: (رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ) رواه ابن ماجه (1690) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه. وانظر السؤال (50063) . نسأل الله تعالى أن يصلح أحوالنا، ويعيذنا من مضلات الفتن. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36648 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3350 الاعتكاف في غرفةٍ داخل المسجد [السُّؤَالُ] ـ[هل تعتبر غرفة الحارس وغرفة لجنة الزكاة في المسجد صالحة للاعتكاف فيها؟ علماً بأن أبواب هذه الغرف في داخل المسجد.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الغرف التي داخل المسجد وأبوابها مفتوحة على المسجد لها حكم المسجد، وبناءً عليه فيجوز الاعتكاف فيها؛ لأنها من المسجد. أما لو كان بناءها خارج المسجد فلا يصح الاعتكاف فيها حتى لو كان لها باب داخل المسجد. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة (10/411) الحديث: 34499 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3351 حديث " من اعتكف يوما ... " ومتى يبدأ اعتكاف يوم. [السُّؤَالُ] ـ[من روى حديث: «من اعتكف يوماً ابتغاء وجه الله باعد الله بينه وبين النار ثلاثة خنادق كل خندق كما بين الخافقين» ، وما درجة هذا الحديث، وإذا أراد شخص أن يعتكف يوماً واحداً متى يكون بدء اعتكافه، ومتى يكون انتهاؤه، وكذلك إذا أراد أن يعتكف يومين فمتى يكون ابتداؤهما، ومتى يكون انتهاؤهما؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحديث ضعيف، وبدء اعتكاف يوم يكون بعد صلاة الفجر ونهايته غروب الشمس، وهكذا اليومان. وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (10/412) الحديث: 34762 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3352 يقضي ما عليه أولاً ثم يصوم عن الميت [السُّؤَالُ] ـ[توفيت زوجتي رحمها الله قبل أسبوعين من تاريخ الرسالة، وعليها صوم سبعة أيام أفطرتها في رمضان الفائت بسبب الدورة الشهرية، وقد توفيت ولم تقضها. هل أصوم عنها أم لا؟ علماً أن علي شهراً لم أقضه، أم أصوم الذي علي ثم أصوم عنها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كان الواقع كما ذكر فإنه يجب عليك أن تصوم الذي عليك أولاً، ثم يشرع لك بعد ذلك أن تصوم الأيام التي على زوجتك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ) متفق على صحته. والولي هو القريب، وأنت مثله. وبالله التوفيق، وصلى الله علي نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ.. الشيخ بكر أبو زيد. "فتاوى اللجنة الدائمة. المجموعة الثانية" (9/261) . [الْمَصْدَرُ] "فتاوى اللجنة الدائمة. المجموعة الثانية" (9/261) الحديث: 134087 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3353 هل يجزئ إطعام الأطفال في الكفارة [السُّؤَالُ] ـ[في كفارة اليمين هل الأطفال يعتبرون من المساكين؟ وهل الإطعام يكون بطعام معين أم أي طعام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "أولاً: إذا كان من يعول الأطفال شرعاً فقيراً ولم يكن للأطفال مال ينفق عليهم منه اعتبروا في عدد المساكين في الكفارة. ثانياً: والطعام المعتبر في الكفارات هو ما كان من أوسط الجنس الذي اعتاد المكفِّر أن يطعم منه ويطعم أهله من تمر أو بر أو ذرة أو أرز أو نحو ذلك. وبالله التوفيق، وصلى الله علي نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن باز.. الشيخ عبد الرزاق عفيفي.. الشيخ عبد الله بن غديان.. الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة. المجموعة الثانية" (9/219) . [الْمَصْدَرُ] "فتاوى اللجنة الدائمة. المجموعة الثانية" (9/219) الحديث: 133076 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3354 يريد تأجيل قضاء رمضان إلى الشتاء لأن أيامه قصيرة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم قضاء أيام رمضان في الشتاء وهي كما نعلم أيامه قصيرة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "يجب على من أفطر أياماً من رمضان أن يقضيها قبل رمضان الآخر سواء في أيام الشتاء أو غيرها من الأيام، لقوله تعالى: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/184. وثبت عن عائشة رضي الله عنها: (يكون عليها القضاء فما تقضيه إلا في شعبان لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم) . وبالله التوفيق، وصلى الله علي نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ عبد الرزاق عفيفي.. الشيخ عبد الله بن غديان. "فتاوى اللجنة الدائمة. المجموعة الثانية" (9/278) . [الْمَصْدَرُ] "فتاوى اللجنة الدائمة. المجموعة الثانية" (9/278) الحديث: 132421 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3355 هل يجب أن يطعم ستين مسكيناً دفعة واحدة؟ وهل يطعم أهله من الكفارة؟ [السُّؤَالُ] ـ[أفطرت يوماً من رمضان متعمدة، وأردت أن أطعم (60) مسكيناً. السؤال: هل يشترط إطعامهم دفعة واحدة أم أستطيع أن أطعم كل يوم 4 مساكين مثلاً أو ثلاثة، هل يجوز لي الإطعام إذا كان المساكين هم أفراد أسرتي: أبي أمي إخوتي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إن كان الإفطار في رمضان بغير الجماع فليس فيه كفارة على الصحيح، وإنما الواجب التوبة وقضاء ذلك اليوم الذي حصل فيه الإفطار، وإن كان الإفطار بجماع ففيه التوبة وقضاء ذلك اليوم، والكفارة هي عتق رقبة مؤمنة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً. وإذا صار إلى الإطعام لعجزه عما قبله من العتق والصيام جاز أن يدفع الطعام إلى المساكين دفعة واحدة، وأن يفرقه على دفعات حسب الإمكان، لكن لا بد من استيعاب عدد المساكين، ولا يجوز دفع الإطعام في الكفارة إلى الأصول وهم الآباء والأمهات والأجداد والجدات، ولا إلى الفروع وهم الأولاد وأولاد الأولاد من الذكور والإناث. وبالله التوفيق، وصلى الله علي نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ عبد الله بن غديان.. الشيخ صالح الفوزان.. الشيخ عبد العزيز آل الشيخ.. الشيخ بكر أبو زيد. "فتاوى اللجنة الدائمة. المجموعة الثانية" (9/221) . [الْمَصْدَرُ] "فتاوى اللجنة الدائمة. المجموعة الثانية" (9/221) الحديث: 132273 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3356 مات وعليه كفارة جماع في نهار رمضان، فماذا يصنع أولاده؟ [السُّؤَالُ] ـ[والدي متوفى رحمه الله تعالى وقد ترك مالاً وتم تقسيمه على الورثة. وبعد وفاته أخبرتني أمي أنه قد واقعها في شهر رمضان قبل ما يقرب من 25 إلى 30 سنة وقد كان ذلك بدون موافقة الوالدة فقد كانت كما تذكر خارجة للتو من المستشفى بعد عملية أجرتها وقد أخبرتني الوالدة أنها قالت له حينها إن ذلك لا يجوز وعليه السؤال في ذلك فأخبرها بتوبته وأن الله غفور رحيم، أمي أخبرتني أن الحياء منعها من السؤال أو إخبارنا وأرادت أمي أن تصوم شهرين وأخبرتها بأنها لا يد لها فيما حدث ولذا لا شيء عليها بالإضافة إلى أن وضعها الصحي لا يسمح لها بذلك. فماذا يجب علينا حيال والدنا المتوفى؟ وماذا يجب على الوالدة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إذا كانت الوالدة: قد أُكرهت على الجماع في رمضان من قِبل زوجها، فلا كفارة عليها؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) . رواه ابن ماجة (2043) وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجة". أما إذا كانت طاوعته فعليها القضاء والكفارة. قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء في حكم المجامع في رمضان: "الواجب عليه عتق رقبة، فإن لم يستطع فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً لكل مسكين مد بر (قمح) ، وعليه قضاء اليوم بدلا عن ذلك اليوم، وأما المرأة فإن كانت مطاوعة فحكمها حكم الرجل، وإن كانت مكرهة فليس عليها إلا القضاء " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (10 / 302) . وإذا كانت الكفارة واجبة عليها فقد ذكرت أنها لا تستطيع الصيام، وحينئذ يكفيها أن تطعم ستين مسكيناً وانظر جواب السؤال رقم (1672) لمعرفة كفارة الجماع في نهار رمضان. ثانياً: بالنسبة للوالد فقد كان الواجب عليه أن يصوم شهرين متتابعين، ويقضي ذلك اليوم الذي أفطر فيه بالجماع، وحيث إنه قد مات ولم يفعل، فإما أن يتبرع أحد بالصيام عنه، فيصوم شهرين متتابعين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ) رواه مسلم (1147) . ولا يجوز تقسيم الشهرين على أكثر من واحد، بل يشترط أن يصومها شخص واحد حتى يصدق على أنه صام شهرين متتابعين. أو تطعموا عنه عن كل يوم مسكيناً. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " إذا وجب على الميت صيام شهرين متتابعين، فإما أن ينتدب له واحد من الورثة ويصومها، وإما أن يطعموا عن كل يوم مسكيناً " انتهى. "الشرح الممتع" (6/453) . وقال أيضا: "ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من مات وعليه صيام فرض رمضان أو نذر أو كفارة فإن وليه يصوم عنه يعني إذا شاء" انتهى. "فتاوى نور على الدرب" (199/20) . وقال الشيخ السعدي رحمه الله: "من مَاتَ وَعَلَيهِ قَضَاءُ رَمَضَان، وقد عُوفِيَ وَلَم يَصُمه: فإِنه يَجِبُ أَنْ يُطْعَمَ عَنهُ كُلِّ يَومٍ مِسْكِينٌ، بعَدَدِ مَا عِلِيهِ. وعِندَ الشَّيخ تَقِيُ الدِّين [ابن تيمية] : إنْ صِيمَ عَنْهُ أيضًا أَجزَأَ، وَهُوَ قوي المأخَذِ " انتهى. "إرشاد أولى البصائر والألباب" (ص/79) . وهذا الإطعام واجب في التركة، فإن تبرع به أحد وأخرجه من ماله فلا حرج في ذلك. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131660 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3357 بدأ في صيام شهرين متتابعين ثم دخل رمضان فهل ينقطع التتابع [السُّؤَالُ] ـ[أنا أعلم أن كفارة من جامع أهله في نهار رمضان هي صيام شهرين أو إطعام ستين مسكينا..، هل يجب أن يكون الشهران متتابعين؟ وما الحكم فيما إذا بدء الصيام ثم أدركه شهر رمضان هل يواصل الصيام بعد رمضان من حيث توقف أم يبدأ من جديد؟ وفي حالة إطعام الستين مسكينا هل يجب إطعامهم في آن واحد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: من جامع في نهار رمضان أثم ولزمته الكفارة وهي عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع الصوم فإطعام ستين مسكينا، ولا يجوز أن يطعم وهو قادر على الصيام. وقد دل على وجوب الكفارة بالجماع: ما رواه البخاري (1936) عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكْتُ، قَالَ: مَا لَكَ؟ قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟ قَالَ: لا. قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَالَ: لا. فَقَالَ: فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ ... الحديث) . ودل هذا الحديث على أنه يجب أن يكون صيام الشهرين متتابعاً، لقوله صلى الله عليه وسلم: (فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) . ومن بدأ في الصوم ثم أدركه رمضان، صام رمضان وأفطر يوم العيد ثم أكمل صوم الشهرين، ولا يستأنف الصوم من أوله؛ لأن صوم رمضان لا يقطع التتابع. قال ابن قدامة رحمه الله: ": ومن ابتدأ صوم الظهار من أول شعبان , أفطر يوم الفطر , وبنى , وكذلك إن ابتدأ من أول ذي الحجة , أفطر يوم النحر وأيام التشريق. وبنى على ما مضى من صيامه. وجملة ذلك: أنه إذا تخلل صوم الظهار زمان لا يصح صومه عن الكفارة , مثل أن يبتدئ الصوم من أول شعبان , فيتخلله رمضان ويوم الفطر , أو يبتدئ من ذي الحجة , فيتخلله يوم النحر وأيام التشريق , فإن التتابع لا ينقطع بهذا , ويبني على ما مضى من صيامه" انتهى من "المغني" (8/29) . ثانياً: لا يجب إطعام الستين مسكينا في وقت واحد، بل له أن يطعم جماعة ثم جماعة في أوقات متفرقة، حتى يطعم الستين. وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (1672) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 124817 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3358 شرب بعد الفجر في صيام التطوع فهل عليه كفارة؟ [السُّؤَالُ] ـ[أصوم كل يوم اثنين وخميس صيام تطوعاً، وحدث إنه في ليلة من الليالي تسحرت ونمت دون أن أشرب وبعد الفجر بساعة قمت من النوم وأنا شديد العطش فشربت، وأكملت الصيام إلى الليل، مع العلم أنني أعلم أنه قد مضى على الفجر ساعة، هل الصيام صحيح أم لا؟ وإن كان لا فهل يجب عليّ كفارة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الصيام ليس بصحيح، لأن الصيام لا بد أن يكون من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، لقول الله تعالى (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) . وعلى هذا؛ فليس لك أجر في هذا اليوم الذي صمته، لعدم موافقته الشرع، وليس عليك في ذلك إثم، لأن صوم النفل يجوز للإنسان أن يقطعه، وليس عليك كفارة أيضاً، والكفارة لا تجب في أي صوم كان حتى في الفرض إلا إذا جامع الإنسان زوجته في نهار رمضان، وهما ممن يجب عليهما الصوم، ففي هذه الحال تجب الكفارة عليه وعليها إن طاوعت، وهي عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً، وأما إذا كان الزوج والزوجة لا يجب عليهما الصيام مثل أن يكونا مسافرين في رمضان وجامعها فلا حرج عليه ولا عليها، لأن المسافر يحل له أن يفطر، ولكن عليهما قضاء ذلك اليوم إذا رجع من السفر، حتى لو فرض أنهما كانا صائمين في ذلك اليوم وهما مسافران سفراً يبيح لهما الفطر ثم جامعها فلا حرج عليهما في ذلك، وليس عليهما كفارة، وإنما عليهما قضاء ذلك اليوم الذي أفطراه " انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. "فتاوى نور على الدرب" [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112015 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3359 كيف يقضي ما فاته من الصيام؟ [السُّؤَالُ] ـ[كيف يقضي الإنسان ما فاته من الصيام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن كان ترك الصيام لعذر كمرض أو سفر أو الحيض بالنسبة للمرأة، وجب عليه قضاؤه بعد رمضان، فيقضي عدد الأيام التي أفطرها، لقول الله تعالى: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/185. وقالت عائشة رضي الله عنها: (كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ – تعني: الحيض - فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ) رواه البخاري (321) ومسلم (335) . ويمتد وقت القضاء إلى دخول رمضان التالي، فله أن يقضيه في كل هذه المدة، متتابعاً أو مفرقاً. ولا يجوز له تأخير القضاء بعد رمضان التالي إلا لعذر. وانظر جواب السؤال رقم (26865) . وأما إن كان ترك الصيام متعمداً بلا عذر، فهذا له حالان: الأولى: أن يكون عزم على الإفطار من الليل، ولم ينو الصيام، فهذا لا يصح منه القضاء، لأن الصيام عبادة مؤقتة بوقت، فمن تركها متعمداً فلا تصح منه بعد الوقت، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) رواه البخاري (2697) ومسلم (1718) . الحال الثانية: أن يكون نوى الصيام من الليل، وبدأ اليوم صائماً، ثم أفسد صيامه أثناء النهار بلا عذر، فهذا يجب عليه قضاء ذلك اليوم، لأن شروعه فيه، جعله كالنذر فيجب عليه قضاؤه، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم من جامع في نهار رمضان بقضاء ذلك اليوم فقال له: (صُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ) رواه ابن ماجة (1671) . وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة. ثم إن كان إفساد الصيام أثناء النهار بلا عذر بالجماع، وجب عليه القضاء ومع القضاء الكفارة، ولمعرفة الكفارة وأحكامها انظر جواب السؤال رقم (49614) . وعلى من أفسد صيامه بلا عذر التوبة إلى الله تعالى، والندم على هذا الفعل، والعزم على عدم العودة إليه، والإكثار من الأعمال الصالحة، من صيام النفل وغيره، فإن الله تعالى يقول: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112102 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3360 قضاء كفارة القتل عن المتوفى وكيفية ذلك [السُّؤَالُ] ـ[لي أخ توفي وعليه كفارة القتل الخطأ، وهي صيام شهرين متتابعين، فهل يجوز صيامهما عنه؟ وهل يجوز اقتسامهما بالتتابع مع إخوتي الأحياء لنبرئ شقيقنا المتوفي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "يشرع لأحدكم أن يصوم عنه شهرين متتابعين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) متفق على صحته. والولي هو القريب، ولا يجوز تقسيمها على جماعة، وإنما يصومها شخص واحد متتابعين كما شرع الله ذلك، لقوله سبحانه في حق القاتل: (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) النساء/92، أما من استطاع العتق فعليه العتق، ولا يجزئه الصيام. وفق الله الجميع" انتهى. فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله. "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" (15/375) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109221 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3361 حكم من نسي القضاء وأدركه رمضان [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من نسي القضاء وأدركه رمضان؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اتفق الفقهاء على أن النسيان عذر يرفع الإثم والمؤاخذة في جميع المخالفات، لأدلة كثيرة جاءت في الكتاب والسنة، إلا أنهم يختلفون في رفعه ما يترتب على المخالفة من فدية ونحوها. وفي خصوص مسألة نسيان قضاء رمضان حتى يدخل رمضان التالي، اتفق العلماء أيضا على أن القضاء لازم بعد رمضان التالي، ولا يسقط بالنسيان. ولكنهم يختلفون في وجوب الفدية (وهي إطعام مسكين) مع القضاء، على قولين: القول الأول: لا تلزمه الفدية، فالنسيان عذر يرفع عنه الإثم والفدية. وذهب إلى هذا أكثر الشافعية وبعض المالكية. انظر: "تحفة المحتاج" لابن حجر الهيتمي (3/445) ، "نهاية المحتاج" (3/196) ، "منح الجليل" (2/154) ، "شرح مختصر خليل" (2/263) . القول الثاني: تلزمه الفدية، والنسيان عذر يرفع الإثم فقط. ذهب إليه الخطيب الشربيني من الشافعية، فقال في "مغني المحتاج" (2/176) : قال: "والظاهر أنه إنما يسقط عنه بذلك الإثم لا الفدية". ونص عليه بعض المالكية أيضاً. وانظر: "مواهب الجليل شرح مختصر خليل" (2/450) . والراجح هو القول الأول إن شاء الله تعالى، وذلك لأدلة ثلاثة: الأول: عموم الآيات والأحاديث التي ترفع المؤاخذة عن الناسي: كقوله تعالى: (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) البقرة/286. الثاني: الأصل براءة الذمة، ولا يجوز إشغالها بالكفارة أو الفدية إلا بدليل، ولا دليل يقوى في هذه المسألة. الثاني: أن هذه الفدية مختلف في وجوبها أصلا حتى على المتأخر عن القضاء عامدا، حيث ذهب الحنفية والظاهرية إلى عدم وجوبها، واختار الشيخ ابن عثيمين أنها مستحبة فقط، إذ لم يرد في مشروعيتها إلا عمل بعض الصحابة، وهذا لا يقوى على إلزام الناس بها، فضلا عن إلزامهم بها حال العذر الذي عذر الله به. وانظر جواب السؤال رقم (26865) . وخلاصة الجواب: عليه القضاء فقط، ولا طعام عليه فيقضي بعد رمضان الحالي. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 107780 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3362 كفارة من جامع زوجته في نهار رمضان [السُّؤَالُ] ـ[جامعت زوجتي في نهار رمضان عدة مرات وأنا نادم أشد الندم، وعلمت أن كفارة الجماع في نهار رمضان عتق رقبة وأنا لا أجد ما أدفعه لعتق الرقبة وصيام شهرين متتابعين يصعب علي جداً بسبب العمل فهل أطعم ستين مسكيناً كما جاء في الحديث؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله النصيحة أن تحاول صيام الشّهرين المتتابعين في الأيام الباردة أو المعتدلة حيث يقصر النهار وتخفّ المشقة أو في أيام الإجازة السنوية التي يمنحها لك العمل ونحو ذلك من الفُرص التي يمكن أن تُنتهز لأداء ما عليك، فإن عجزت عن الصّيام حقّا وحقيقة فيجوز لك عند ذلك أن تُطعم ستين مسكينا يُمكن صرف الطّعام لهم على دفعات - حسب قدرتك - حتى تستكمل عددهم، وعلى زوجتك كفّارة مماثلة إذا كانت مطاوعة لك في الجماع أثناء شهر رمضان، والجماع الذي حصل إن كان في أيام مختلفة فعليكما كفّارات مختلفة بعدد الأيام التي انتهكتما حرمتها من أيام الشّهر الكريم. قال صاحب " كفاية الطالب ": وتتعدد الكفارة بتعدد الأيام ولا تتعدد بتكررها في اليوم الواحد قبل إخراجها اتفاقاً. وقال في حاشية الدسوقي: فلا تتعدد بتعدد الأكلات أو الوطآت في يوم واحد. وقال صاحب مغني المحتاج ": تعدّد الكفارة بتعدّد الفساد.. (ومن جامع في يومين لزمه كفارتان) لأن كل يوم عبادة مستقلة فلا تتداخل كفارتاهما،.. فإن تكرّر الجماع في يوم واحد فلا تعدد. انتهى. ولا يُكلّف الله نفسا إلا وسعها، والحديث الذي أشرت إليه في سؤالك قد جاء عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ قَالَ مَا لَكَ قَالَ وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا قَالَ لا قَالَ فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَ لا فَقَالَ فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَ لا قَالَ فَمَكَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَقٍ فِيهَا تَمْرٌ وَالْعَرَقُ الْمِكْتَلُ (وهو الزنبيل الكبير) قَالَ أَيْنَ السَّائِلُ فَقَالَ أَنَا قَالَ خُذْهَا فَتَصَدَّقْ بِهِ فَقَالَ الرَّجُلُ أَعَلَى أَفْقَرَ مِنِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَوَ اللَّهِ مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا يُرِيدُ الْحَرَّتَيْنِ أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قَالَ أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ) رواه البخاري فتح 1936 وفي رواية لأحمد عن عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَا هُوَ جَالِسٌ فِي ظِلِّ فَارِعِ أُجُمِ (الأجم: الحِصْن) حَسَّانَ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ احْتَرَقْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَا شَأْنُكَ قَالَ وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ قَالَتْ وَذَاكَ فِي رَمَضَانَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْلِسْ فَجَلَسَ فِي نَاحِيَةِ الْقَوْمِ فَأَتَى رَجُلٌ بِحِمَارٍ عَلَيْهِ غِرَارَةٌ فِيهَا تَمْرٌ قَالَ هَذِهِ صَدَقَتِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْنَ الْمُحْتَرِقُ آنِفًا فَقَالَ هَا هُوَ ذَا أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ خُذْ هَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ قَالَ وَأَيْنَ الصَّدَقَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلا عَلَيَّ وَلِي فَوَ الَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَجِدُ أَنَا وَعِيَالِي شَيْئًا قَالَ فَخُذْهَا فَأَخَذَهَا المسند 6/276. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وأن يتوب علينا إنه هو التواب الرحيم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 1672 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3363 طريقة إخراج الكفارة [السُّؤَالُ] ـ[الفدية للمفطر في رمضان هل تكون عن كل يوم أم بعد رمضان تخرج مرة واحدة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من أفطر في رمضان لعذر لا يرجى زواله ككبير السن فإن عليه أن يطعم عن كل يوم مسكيناً، ويخير في هذا الإطعام، إما أن يطعم يوماً بيوم، وإما أن ينتظر حتى ينتهي الشهر فيطعم مساكين بعدد أيام الشهر. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (6/335) : ووقته – يعني وقت الإطعام - بالخيار إن شاء فدى عن كل يوم بيومه، وإن شاء أخر إلى آخر يوم لفعل أنس رضي الله عنه اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 12591 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3364 أغمي عليها في رمضان ثم ماتت [السُّؤَالُ] ـ[امرأة أصيبت بجلطة قبل رمضان ولم يغم عليها إغماء كاملاً، فكانت تبدأ بالصلاة وأثناء الصلاة تخاطب من حولها، ولما قرب رمضان أغمي عليها إغماء كاملاً، ولكن الأطباء قالوا: إنها تسمع ثم توفيت في رمضان، فهل يكفر عنها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "هذه المرأة التي أصيبت بجلطة قبل رمضان وبقيت مغمى عليها أو فاقدة الشعور، يطعم عنها لكل يوم مسكين، لأن الصحيح أن الإغماء لا يمنع وجوب الصوم، وإنما يمنع وجوب الصلاة، فلو أغمي على الإنسان بغير اختياره وبقي يومين أو ثلاثة فلا صلاة عليه، أما إذا كان باختياره كما لو أغمي عليه بواسطة البنج فإنه يلزمه القضاء" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" فتاوى الصيام (114) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106449 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3365 مريض ويحتاج إلى الدواء باستمرار [السُّؤَالُ] ـ[هناك رجل مريض بمرض القلب، ويحتاج إلى الدواء باستمرار، يعني تقريباً كل ثمان ساعات أو ست ساعات فهل يسقط عنه الصوم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "نعم. يسقط عنه الصوم، ويطعم عن كل يوم مسكيناً، إن شاء أعطى المساكين كل مسكين ربع صاع من الأرز، وإن جعل معه لحماً فهو أحسن، وإن شاء عشَّاهم في آخر ليلة من رمضان، أو غداهم في يوم آخر بعد رمضان، كل ذلك جائز" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" فتاوى الصيام (126) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106455 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3366 هل يطعم غير المسلمين في فدية الصيام؟ [السُّؤَالُ] ـ[مريض وجب عليه الإطعام، فهل يجوز له دفع هذا الطعام إلى غير مسلمين لأنه يقيم في دولة غير إسلامية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كان الإنسان في غير بلاد إسلامية ووجب عليه الإطعام فإن كان في هذه البلاد مسلمون من أهل الاستحقاق أطعمهم، وإلا فإنه يصرفه إلى أي بلد من بلاد المسلمين التي يحتاج أهلها إلى هذا الإطعام، والله أعلم" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" فتاوى الصيام (112) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106457 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3367 متى تجب الكفارة على من أفطر في رمضان بدون عذر؟ [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أعرف موجبات القضاء والكفارة في رمضان، علماً أنه سبق أن بحثت الموضوع، وانتهى بي البحث إلى رأيين: أحدهما يرى أن موجبات القضاء والكفارة هو الجماع لا غير، والدليل معروف من السنة المطهرة، أما الرأي الثاني فيجعل كل ما يصل إلى المعدة عمداً موجباً للقضاء والكفارة، إضافة إلى الجماع دون أن أعثر على دليل من الكتاب والسنة. لذا أرجو من فضيلتكم إفادتي بالجواب الشافي المدعم بالدليل من الكتاب والسنة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "نص النبي صلى الله عليه وسلم على الحكم بوجوب الكفارة على أعرابي لكونه جامع زوجته عمداً في نهار رمضان وهو صائم، فكان ذلك منه صلى الله عليه وسلم بياناً لمناط الحكم، ونصاً على علته، وانفق الفقهاء على أن كونه إعرابياً وصف طردي لا مفهوم له، ولا تأثير له في الحكم فتجب الكفارة بوطء التركي والأعجمي زوجته، واتفقوا أيضاً على أن وصف الزوجة في الموطوءة طردي غير معتبر، فتجب الكفارة بوطء الأمة وبالزنا، واتفقوا أيضاً على أن مجيء الواطئ نادماً لا أثر له في وجوب الكفارة، فلا اعتبار له أيضاً في مناط الحكم، ثم اختلفوا في الجماع هل هو وحده المعتبر في وجوب الكفارة بإفساد الصوم به فقط، أو المعتبر انتهاك حرمة رمضان بإفساد الصوم عمداً ولو بطعام وشراب، فقال الشافعي وأحمد بالأول، وقال أبو حنيفة ومالك ومن وافقهما بالثاني، ومنشأ الخلاف بين الفريقين اختلافهما في تنقيح مناط الحكم، هل هو انتهاك حرمة صوم رمضان بإفساده بخصوص الجماع عمداً، أو انتهاكه بإفساد صومه عمداً مطلقاً، ولو بطعام أو شراب؟ والصواب الأول؛ تمشياً مع ظاهر النص، ولأن الأصل براءة الذمة من وجوب الكفارة حتى يثبت الموجب بدليل واضح. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (10/300، 301) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106476 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3368 هل تجب كفارة الجماع في نهار رمضان على المرأة أيضاً؟ [السُّؤَالُ] ـ[من جامعها زوجها في نهار رمضان، هل تلزمها الكفارة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الجماع في نهار رمضان من أعظم مفسدات الصوم، وقد سبق بيان ذلك، في جواب السؤال رقم (38023) . ومن جامعها زوجها في نهار رمضان فلا تخلو من حالين: الحال الأولى: أن تكون المرأة حال الجماع معذورة بإكراه، أو نسيان، أو جهل بتحريم الجماع في نهار رمضان، ففي هذه الحال صومها صحيح، ولا يلزمها القضاء ولا الكفارة. وهي رواية عن الإمام أحمد، واختارها شيخ الإسلام، واختارها من المعاصرين: الشيخ ابن باز وابن عثيمين رحمهم الله. واستدلوا بأدلة منها: 1) قوله تعالى: (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) البقرة /286. 2) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا وَهُوَ صَائِمٌ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ) متفق عليه. قالوا: والجماع وسائر المفطرات تقاس على الأكل والشرب. 3) عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) رواه ابن ماجة (2045) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة. وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عمن جامع امرأته وهي غير راضية فأجاب: ". . . أما المرأة فإن كانت مكرهة، فلا شيء عليها وصومها صحيح " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (15/310) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (6/404) عن حكم الجماع في نهار رمضان: " إذا كانت المرأة معذورة بجهل أو نسيان أو إكراه فلا قضاء عليها ولا كفارة " انتهي. الحال الثانية: أن تكون المرأة غير معذورة، بل مطاوعة لزوجها في الجماع، ففي وجوب الكفارة عليها في هذه الحال خلاف بين العلماء على قولين: القول الأول: أنه يجب عليها القضاء والكفارة إذا كانت مطاوعة. وهو مذهب جمهور العلماء. واستدلوا بـ: 1) ما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الرجل الذي جامع امرأته في نهار رمضان بالكفارة، والأصل تساوي الرجل والمرأة في الأحكام، إلا ما استثناه الشارع الحكيم بالنص عليه. 2) ولأنها هتكت صوم رمضان بالجماع فوجبت عليها الكفارة كالرجل. 3) ولأنها عقوبة تتعلق بالجماع، فاستوى فيها الرجل والمرأة كحد الزنا. قال البهوتي رحمه الله في "شرح منتهى الإرادات" (1/486) : " وَامْرَأَةٌ طَاوَعَتْ غَيْرَ جَاهِلَةٍ الْحُكْمَ أَوْ غَيْرَ نَاسِيَةٍ الصَّوْمَ كَرَجُلٍ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ، لِأَنَّهَا هَتَكَتْ حُرْمَةَ صَوْمِ رَمَضَانَ بِالْجِمَاعِ مُطَاوِعَةً، فَأَشْبَهَتْ الرَّجُلَ" انتهى. القول الثاني: أن الكفارة تلزم الزوج خاصة عن نفسه فقط، ولا شيء على المرأة سواء كانت مكرهة أو مطاوعة. وهو مذهب الشافعية، ورواية عن الإمام أحمد. واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الرجل بالكفارة، ولم يذكر على المرأة كفارة، قالوا: وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز. وأُجيب عن هذا، بأن عدم ذكر الكفارة بالنسبة للمرأة؛ لأن الرجل هو المستفتي عن نفسه، والمرأة لم تستفت، وحالها تحتمل أن تكون معذورة بجهل أو إكراه. والراجح وجوب الكفارة على المرأة، كما تجب على الرجل، وقد اختار هذا القول الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله. انظر: "مجموع فتاوى ابن باز" (15/307) ، "الشرح الممتع" (6/402) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106532 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3369 هل تسقط كفارة الجماع عمن عجز عنها؟ [السُّؤَالُ] ـ[الأول: زوجي جامعني في نهار رمضان، في البداية أنا رفضت ثم استسلمت له ما الحكم علينا؟ مع العلم أننا ما نقدر نفك رقبة، ولا نصوم شهرين متتاليين، لأننا نخشى المشقة بالصوم. وإطعام ستين مسكينا رز كم كيلو؟ السؤال الثاني: أنا لست عاملة ولا يوجد لدي مصروف خاص بي كيف أتمكن من إطعام المساكين؟ هل يجب أن أدفعها مني أو زوجي هو يتكفل بها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الجماع في نهار رمضان من أعظم المفطرات، وأشنع المحرمات، وقد سبق في الموقع بيان حرمة ذلك، وأنه مفسد من مفسدات الصوم، كما في جواب السؤال رقم (38023) . ثانيا: يجب على من جامع أهله في نهار رمضان أن يعتق رقبة مؤمنة، فإن لم يقدر على ذلك فليصم شهرين متتابعين، فإن عجز عن ذلك فليطعم ستين مسكيناً، وهذه الكفارة على هذا الترتيب لا ينتقل من درجة منها إلى التي تليها إلا عند العجز عن السابقة؛ لما روى البخاري (1936) ومسلم (1111) عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: هَلَكْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: وَمَا أَهْلَكَكَ؟ قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ. قَالَ: هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً؟ قَالَ: لا. قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَالَ: لا. قَالَ: فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَالَ: لا.. . الحديث) . والكفارة في الجماع على الرجل والمرأة على السواء. فإذا عجز الرجل أو المرأة عن الكفارة، فإنها تسقط عنه؛ لقوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر الرجل بالكفارة، وأخبره أنه لا يستطيع، لم يذكر له بقاءها في ذمته، ولأن الواجب يسقط بالعجز. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (6/417) : " وسقوط الكفارة بدليل الكتاب، والسنّة، أمّا من الكتاب فقوله تعالى: (لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا) ، وهذا الرجل الفقير ليس عنده شيءٌ فلا يكلّف إلاّ ما آتاه الله، وقال تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ، ودليلٌ ثالثٌ: العموم، عموم القاعدة الشرعيّة، وهي أنّه لا واجب مع عجزٍ، فالواجبات تسقط بالعجز عنها، وهذا الرجل الذي جامع لا يستطيع عتق الرقبة ولا الصيام ولا الإطعام، نقول: إذاً لا شيء عليك وبرئت ذمّتك. فإن أغناه الله في المستقبل فهل يلزمه أن يكفر أو لا؟ فالجواب: لا يلزمه، لأنها سقطت عنه، وكما أنّ الفقير لو أغناه الله لم يلزمه أن يؤدي الزكاة عمّا مضى من سنواته؛ لأنّه فقير، فكذلك هذا الذي لم يجد الكفارة إذا أغناه الله تعالى لم يجب عليه قضاؤها. أمّا الدليل من السنّة: فهو أن الرجل لمّا قال: (لا أستطيع أن أطعم ستين مسكيناً) لم يقل النبي صلّى الله عليه وسلّم: أطعمهم متى استطعت، بل أمره أن يطعم حين وجد، فقال: (خذ هذا تصدّق به، فقال: أعلى أفقر مني يا رسول الله ... فقال: أطعمه أهلك) ، ولم يقل: والكفارة واجبة في ذمتك، فدل هذا على أنها تسقط بالعجز " انتهى بتصرف. تنبيه: قولك: (ولا نصوم شهرين متتاليين، لأننا نخشى المشقة بالصوم) . مجرد خوف المشقة لا يكون عذرا في ترك الصيام، بل لا بد من عدم الاستطاعة. وللفائدة انظري جواب السؤال رقم (12329) ، ورقم (1672) ، ورقم (93109) .والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106533 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3370 كفارة من جامع في نهار رمضان ومقدار الإطعام [السُّؤَالُ] ـ[ما هي كفارة من جامع في نهار رمضان، وما هو مقدار الإطعام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا جامع الرجل زوجته في نهار رمضان فعلى كل واحد منهما كفارة، وهي عتق رقبة مؤمنة، فإن عجزا فعليهما صيام شهرين متتابعين على كل واحد منهما إذا كانت مطاوعة، فإن عجزا فعليهما إطعام ستين مسكينا، فيكون عليهما إطعام ستين مسكينا، ثلاثين صاعا على كل واحد منهما من قوت البلد، لكل فقير صاع، نصفه عن الرجل، ونصفه عن المرأة، عند العجز عن العتق والصيام، وعليهما قضاء اليوم الذي حدث فيه الجماع، مع التوبة إلى الله، والإنابة إليه، والندم والإقلاع والاستغفار؛ لأن الجماع في نهار رمضان منكر عظيم، لا يجوز من كل من يلزمه الصوم" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (15/302) . وعلى هذا: فمقدار الطعام الذي يعطى للفقير هو نصف صاع من الأرز أو غيره، أي: كيلو ونصف تقريباً. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106535 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3371 أجبرها أهلها على الإفطار لمرضها فهل يأثمون؟ وهل تصوم إذا أرادت؟ [السُّؤَالُ] ـ[خالتي أصيبت بحادثة عندما كانت طفلة صغيرة، وقد فقدت إحدى عينيها، وقد قرر الأطباء أن لا تبكي هذه الطفلة، ولا تجوع؛ لأنه قد يؤثر على عينها، فقام والدها بمنعها من الصيام عندما أصبح الصيام واجباً عليها حسب تقرير الطبيب، وهي امرأة محافظة على دينها جدّاً، فبعد زواجها رأت أن الصيام لا يؤثر عليها فكانت تصوم. السؤال: هي الآن تصوم في أغلب أيامها؛ لكي لا يكون على أبيها عذاب، فهي كانت تحب أباها جدّاً - رحمه الله -، وهي تسأل فضيلتكم: هل على والديها شيء من الحرام؟ وهل يجب عليها أن تصوم كل شهور الصيام التي فاتتها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المرض من الأعذار المبيحة للفطر، قال تعالى: (وَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/185. ويدور حكم الصيام للمريض بين الكراهة والتحريم، فيُكره إذا شق عليه الصيام مع مرضه، ويحرم إذا كان الصوم يضره. وينظر تفصيل ذلك: في جوابي السؤالين: (50555) و (38532) . ولا يفطر المريض إلا بشهادة طبيب ثقة من ذوي الاختصاص بالمرض نفسه، وبعض العلماء يشترط أن يكون مسلماً. ومن أفطر بناء على كلام الطبيب , فلا حرج عليه، فإن كان مرضاً مزمناً – مستمراً -: فيفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً، ومن كان مرضه مؤقتاً: فيفطر، ويقضي بعد شفائه. قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: "إذا قرَّر الأطباء المختصون أن مرضك هذا من الأمراض التي لا يُرجى برؤها: فالواجب عليك إطعام مسكين عن كل يوم من أيام رمضان، ولا صوم عليك، ومقدار ذلك نصف صاع من قوت البلد، من تمر، أو أرز، أو غيرهما، وإذا غديتَه أو عشيتَه: كفى ذلك، أما إن قرروا أنه يرجى برؤه: فلا يجب عليك إطعام، وإنما يجب عليك قضاء الصيام إذا شفاك الله من المرض، لقول الله سبحانه: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) . وأسأل الله أن يمنَّ عليك بالشفاء من كل سوء، وأن يجعل ما أصابك طهوراً وتكفيراً من الذنوب، وأن يمنحك الصبر الجميل، والاحتساب، إنه خير مسئول " انتهى. " فتاوى الشيخ ابن باز " (15 / 221) . والذي يظهر لنا من السؤال أن والد المريضة لا يأثم , لأنه إنما ألزمها بالفطر بناءً على كلام الأطباء. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: مرضتُ بمرض الكلى، وأُجريت لي عمليتان، ونصحني الأطباء أن أشرب الماء ليلاً ونهاراً، وبما لا يقل عن لترين ونصف يوميّاً، كما أخبروني أن الصيام والكف عن شرب الماء ثلاث ساعات متتالية يعرضني للخطر، هل أعمل بكلامهم، أو أتوكل على الله، وأصوم مع أنهم يؤكدون بأن عندي استعداداً لتخلق الحصى، أو ماذا أفعل؟ وإذا لم أصم فما الكفارة التي عليَّ دفعها؟ . فأجابوا: " إذا كان الأمر كما ذكرت، وكان هؤلاء الأطباء حذَّاقا بالطب: فالمشروع لك أن تفطر؛ محافظة على صحتك؛ ودفعاً للضرر عن نفسك، ثم إن عوفيت وقويت على القضاء دون حرج: وجب القضاء، وإن استمر بك ما أصابك من المرض، أو الاستعداد لتخلق الحصى عند عدم تتابع شرب الماء، وقرر الأطباء أن ذلك لا يُرجى برؤه: وجب عليك أن تُطعم عن كل يوم أفطرته مسكيناً " انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن منيع. " فتاوى اللجنة الدائمة " (10 / 179، 180) . وإذا شعرت الأخت المريضة بقدرتها على الصيام دون أن يكون لذلك تأثير على عينها: فإنه لا حرج عليها بالصوم، لكن ينبغي أن يكون ذلك باستشارة أطباء ثقات؛ خشية أن تغتر بظاهر حالها، ويكون لذلك الصوم تأثير على صحة عينها. وأما قضاؤها الأيام التي أفطرتها فيما سبق , فالذي يظهر أنه لا يلزمها ذلك , ويكفيها أن تطعم عن كل يوم مسكيناً , لأنها إنما أفطرت بناءً على قول الطبيب. وقد سئل الشيخ بن باز رحمه الله عن شخص أصابه مرض مزمن ونصحه الأطباء بعدم الصوم دائماً ولكنه راجع أطباء في غير بلده وشفي بإذن الله , وقد مر عليه خمس رمضانات وهو لم يصمها , فماذا يفعل بعد أن شفاه الله , هل يقضيها أم لا؟ فأجاب: " إذا كان الأطباء الذين نصحوه بعدم الصوم دائما أطباء من المسلمين، الموثوقين، العارفين بجنس هذا المرض، وذكروا له أنه لا يرجى برؤه: فليس عليه قضاء، ويكفيه الإطعام، وعليه أن يستقبل الصيام مستقبلاً ". " فتاوى الشيخ ابن باز " (15 / 355) . والخلاصة: ليس على والديها حرج فيما فعلاه من جعل ابنتهم تفطر؛ بناءً على كلام الأطباء، وعليها فدية إطعام مسكين مقابل كل يوم أفطرته بعد بلوغها، وإذا حكم الأطباء الثقات المختصون أنها قادرة الآن على الصوم من غير مشقة ولا مضرة وجب عليها صوم رمضان , ولا عذر لها في الفطر , وإن أرادت التطوع بالصيام فلا حرج عليها. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97798 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3372 تأخير القضاء إلى ما بعد رمضان الثاني، وهل يفدي قبل أن يقضي؟ [السُّؤَالُ] ـ[إحدى الأخوات دخل عليها رمضان، وعليها ستة أيام من رمضان الذي قبله , بعد انقضاء رمضان الثاني سألتني عما يلزمها , وبعد أن سألتُ وقرأتُ قلتُ لها إن عليها القضاء والفدية عن كل يوم، وقمنا بإخراج كيلو ونصف من القمح عن كل يوم، وأخرجنا فدية الستة أيام دفعة واحدة ليتامى بجوارنا، علماً أنها لا زالت لم تتم قضاء الأيام التي عليها، هل مقدار هذه الفدية صحيح؟ وهل إخراجها قبل القضاء يعتبر صحيحاً؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الفدية لا تدفع إلا إلى الفقراء والمساكين، فعلى هذا إن كان هؤلاء الأيتام فقراء جاز دفعها إليهم، وإن كانوا أغنياء فلا يجوز دفعها إليهم، وعليكم إعادة إخراجها. وقد أحسنتم في إخراجها طعاماً، فهذا هو الأصل فيما أوجبه الله طعاماً، ولا يجوز إخراج الفدية مالاً، وهكذا القول في الإطعام في كفارة اليمين، والظهار، وفي زكاة الفطر، وغيرها مما أوجب الله تعالى فيه الإطعام. ثانياً: وأما بخصوص أصل المسألة، وهي الإطعام مع القضاء لمن دخل عليه رمضان آخر ولم يقضِ ما عليه من الأيام: ففيها خلاف بين العلماء، وقد فصَّلنا القول فيها في جواب السؤال رقم (26865) وبيَّنا هناك أن تأخير القضاء إلى رمضان الآخر إن كان بعذر كاستمرار المرض أو السفر أو وجود حمل أو إرضاع: فلا يلزم إلا القضاء، وإن كان بغير عذر: فعلى المتأخر التوبة والاستغفار، وعليه - عند جمهور العلماء - فدية طعام مسكين لكل يوم مع القضاء، وقد ذكرنا هناك أن الراجح عدم وجوب الفدية، إلا أنه إن فعل ذلك احتياطاً فحسن. ونبيِّن هنا أمراً زائداً، وهو ما جاء في سؤالك، وهو أنه يجوز دفع الفدية قبل البدء في القضاء، لأن الفدية متعلقة بتأخير القضاء، وليست متعلقة بالبدء في القضاء. وعلى هذا، فيجوز إخراج الفدية في اليوم الذي سيصومه قضاءً، أو قبله أو بعده. جاء في " الموسوعة الفقهية " (28 / 76) : " وقضاء رمضان يكون على التّراخي. لكن الجمهور قيّدوه بما إذا لم يفت وقت قضائه، بأن يهلّ رمضان آخر، لقول عائشة رضي الله تعالى عنها: (كان يكون عليّ الصّوم من رمضان، فما أستطيع أن أقضيه إلاّ في شعبان، لمكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم) . كما لا يؤخّر الصّلاة الأولى إلى الثّانية. ولا يجوز عند الجمهور تأخير قضاء رمضان إلى رمضان آخر من غير عذر يأثم به، لحديث عائشة هذا، فإن أخّر فعليه الفدية: إطعام مسكين لكلّ يوم، لما روي عن ابن عبّاس وابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم قالوا فيمن عليه صوم فلم يصمه حتّى أدركه رمضان آخر: عليه القضاء، وإطعام مسكين لكلّ يوم، وهذه الفدية للتّأخير، .... ويجوز الإطعام قبل القضاء ومعه وبعده " انتهى. والأفضل - عند من يرى وجوب الفدية للتأخير، أو يراها احتياطاً -: أن يكون دفعها له قبل القضاء؛ مسارعة إلى الخير؛ وتخلصا من آفات التأخير، كالنسيان. قال المرداوي الحنبلي – رحمه الله -: " يُطعم ما يجزئ كفارة، ويجوز الإطعام قبل القضاء، ومعه، وبعده، قال المجد – أي: ابن تيمية جد شيخ الإسلام -: الأفضل تقديمه عندنا؛ مسارعةً إلى الخير؛ وتخلصاً من آفات التأخير " انتهى. " الإنصاف " (3 / 333) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 95736 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3373 مقدار الفدية لمن عجز عن الصوم لكبر أو مرض [السُّؤَالُ] ـ[أفطر والدي شهر رمضان كاملا لعدم قدرته على الصيام لكبر سنه ومرضه ثم توفي دون أن يقضي صيام ذلك الشهر فكفرنا عنه عن طريق إخراج المال للفقراء ثم سمعنا بأن الكفارة لا تجزئ إلا بالإطعام فهل نعيد إخراج الكفارة عنه وكم مقدارها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة على أنه لا يجزئ إخراج النقود في فدية الصوم، والواجب أن تخرج طعاما. لقوله تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) البقرة/184 قال ابن عباس رضي الله عنهما: (هُوَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ لا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا) رواه البخاري (4505) . وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (10/198) : " ومتى قرر الأطباء أن هذا المرض الذي تشكو منه، ولا تستطيع معه الصوم لا يرجى شفاؤه، فإن عليك أن تطعم عن كل يوم مسكينًا نصف صاع من قوت البلد من تمر أو غيره عن الشهور الماضية والمستقبلة، وإذا عشيت مسكينًا أو غديته بعدد الأيام التي عليك كفى ذلك أما النقود فلا يجزئ إخراجها " انتهى. فيخرج الكبير أو المريض الذي لا يرجى شفاؤه عن كل يوم طعام مسكين، نصف صاع من بر أو تمر أو أرز أو نحو ذلك من قوت البلد. وهو ما يعادل كيلو ونصفا تقريبا. ينظر: "فتاوى رمضان" ص (545) . وله أن يخرجها جميعا في آخر الشهر، خمسة وأربعين كيلو جراماً من الأرز مثلا، وإن صنع طعاما ودعا إليه المساكين كان حسنا، لفعل أنس رضي الله عنه. ثانيا: إذا كنتم أخرجتم الفدية نقودا اعتمادا على قول من يفتي بذلك من العلماء، فلا يلزمكم إعادتها، وإن كنتم فعلتم ذلك بأنفسكم، فالواجب إعادة إخراجها، وهو الأحوط والأبرأ لوالدكم، رحمه الله وغفر له. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93243 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3374 جامع زوجته في نهار رمضان ويصعب عليه صيام الكفارة [السُّؤَالُ] ـ[لدي سؤال يتكون من جزأين الجزء الأول: جامعت زوجتي في نهار رمضان الماضي وتبنا إلى الله وندمنا على ما فعلنا ولكن نريد أن نكفر عن هذا اليوم وقد علمت من فتاوى العلماء أنه يجب عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين فإن لم يستطيع فإطعام 60 مسكيناً وعلى زوجتي مثل ذلك لو كانت راضية، ولكن أجد أنه من الصعب علي وعلى زوجتي صيام شهرين متتالين فهل أطعم 60 مسكيناً لي و 60 لزوجتي كفارة عن هذا اليوم هل يجوز ذلك؟ والشق الثاني من السؤال: هل يمكنني أن أطعم الصائمين المسافرين في السيارات والقطارات قبل الأذان أم يجب أن يصل الطعام إلى مساكين وفقراء فعلاً؟ لأني لا أعلم كيف أحصل على 120 مسكين لإطعامهم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب على من جامع أهله في نهار رمضان أن يعتق رقبة مؤمنة، فإن لم يقدر على ذلك فليصم شهرين متتابعين، فإن عجز عن ذلك فليطعم ستين مسكيناً، وهذه الكفارة على هذا الترتيب لا ينتقل من درجة منها إلى التي تليها إلا عند العجز عن السابقة، وبهذا الترتيب قال جمهور أهل العلم، فلا يجوز لكما العدول عن الصيام إلى الإطعام وأنتم تقدران على الصيام. فإن كنتما تستطيعان الصيام وجب عليكم ذلك. وإن عجزتما عن الصيام فإنكما تطعمان ستين مسكينا عن كل واحد منكما. ولابد فيمن يتم إطعامه أن يكون مسكينا. وعليه، فلا يجوز أن تطعم المسافرين بالطريقة التي ذكرتها، لأنك لا تدري هل كلهم مساكين أم لا؟ إلا إذا كنت تعطيها لمن يظهر من حاله أنه فقير، فهذا لا بأس به، أما إذا كنت ستعطيها لأي أحد مسافر، فلا يجوز ذلك. وإذا لم تتمكن من الوصول إلى المساكين فيمكنك توكيل إحدى الجمعيات الخيرية الموثوقة لتقوم بذلك عنك، أو إمام المسجد، أو تسأل أصحابك وهم يعرفونك بالمساكين. ونسأل الله تعالى أن يتقبل توبتكما. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93109 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3375 حاضت أثناء صومها شهرين متتابعين فهل ينقطع التتابع؟ [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أعرف كيف يمكن لامرأة أفطرت متعمدة أن تصوم شهرين متتابعين دون أي انقطاع؟ فما قولكم وهي تحيض كل شهر 7 أيام هل ستفطر هذه الأيام ثم تكمل بعدها مباشرة أم ماذا؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: صيام رمضان فريضة عظيمة فرضها الله على عباده المؤمنين بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة/183، فيجب على كل مسلم بالغ عاقل أن يصومه، إلا من له عذر شرعي، كالمريض والمسافر، فإنه يرخص لهما في الفطر، ويقضيان، وإلا الحائض والنفساء فإنه يجب عليهما الفطر، ويقضيان أيضا. ومن أفطر في رمضان بغير عذر فقد أتى كبيرة من الكبائر، ولزمته التوبة إلى الله تعالى، وهل يلزمه قضاء اليوم الذي أفطر فيه؟ في ذلك تفصيل: فإن نوى الصوم ثم أفطر خلال اليوم من غير عذر، فإنه يلزمه القضاء. وإن لم ينو الصوم من الأصل، فالراجح أنه لا يلزمه القضاء. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " الفطر في نهار رمضان بدون عذر من أكبر الكبائر، ويكون به الإنسان فاسقاً، ويجب عليه أن يتوب إلى الله، وأن يقضي ذلك اليوم الذي أفطره، يعني لو أنه صام وفي أثناء اليوم أفطر بدون عذر فعليه الإثم، وأن يقضي ذلك اليوم الذي أفطره؛ لأنه لما شرع فيه التزم به ودخل فيه على أنه فرض فيلزمه قضاؤه كالنذر، أما لو ترك الصوم من الأصل متعمداً بلا عذر: فالراجح: أنه لا يلزمه القضاء؛ لأنه لا يستفيد به شيئاً، إذ إنه لن يقبل منه، فإن القاعدة " أن كل عبادة مؤقتة بوقت معين فإنها إذا أُخِّرَت عن ذلك الوقت المعين بلا عذر لم تقبل من صاحبها "؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) ؛ ولأنه مِن تعدي حدود الله عز وجل، وتعدي حدود الله تعالى ظلم، والظالم لا يقبل منه، قال الله تعالى: (وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ?للَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ ?لظَّلِمُونَ) ؛ ولأنه لو قدم هذه العبادة على وقتها - أي: فعلها قبل دخول الوقت - لم تُقبل منه، فكذلك إذا فعلها بعده لم تُقبل منه إلا أن يكون معذوراً " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (19 / السؤال رقم 45) . ثانيا: من أفطر في رمضان بغير عذر، إن كان فطره بالجماع فإنه يلزمه مع القضاء الكفارة، وهي عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا، ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة إذا كانت مطاوعة في الجماع، وأما المكرهة فلا تلزمها الكفارة. وإن كان الفطر بغير الجماع، بل بالأكل والشرب ونحوه، فقد اختلف الفقهاء في لزوم الكفارة حينئذ، والراجح أنها لا تلزمه. لأنه لم يدل دليل على إيجاب الكفارة على من أفطر بها، ولا يصح قياسها على الجماع. قال ابن قدامة رحمه الله: " ولأنه لا نص في إيجاب الكفارة بهذا ولا إجماع , ولا يصح قياسه على الجماع " انتهى من "المغني" (3/22) . ثالثا: إذا وجب على المرأة صيام شهرين متتابعين، فشرعت في الصوم ثم جاءها الحيض، فإنه لا ينقطع تتابع صومها، فتفطر، ثم تقضي أيام الحيض، ثم تكمل الشهرين؛ لأن الحيض أمر كتبه الله على بنات آدم، ولا عمل لها فيه، وهذا مجمع عليه بين أهل العلم. قال ابن قدامة رحمه الله: " وأجمع أهل العلم على أن الصائمة متتابعاً، إذا حاضت قبل إتمامه , تقضي إذا طهرت , وتبني (يعني: تكمل على ما مضى) ، وذلك لأن الحيض لا يمكن التحرز منه في الشهرين إلا بتأخيره إلى الإياس , وفيه تغرير بالصوم ". انتهى من "المغني" (8/21) . وعليه فلو كان صومها للكفارة في شهري المحرم وصفر مثلا، وكان حيضها سبعة أيام في كل منهما، فإنها تفطر أيام الحيض، وتصوم بعدها مباشرة، وتواصل صيام أربعة عشر يوما من شهر جمادى الأولى، عوضا عن أيام الحيض. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82394 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3376 حكم من جامع زوجته في نهار رمضان عدة مرات جاهلاً بالحكم [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من جامع زوجته في نهار رمضان عدة مرات جاهلاً بالحكم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا شك أن الله سبحانه قد حرّم على عباده في نهار رمضان الأكل والشرب والجماع، وكل ما يفطر الصائم، وأوجب على من جامع في نهار رمضان وهو مكلّف صحيح مقيم غير مريض ولا مسافر الكفارة، وهي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد، أما من جامع في نهار رمضان وهو ممن يجب عليه الصيام لكونه بالغاً صحيحاً مقيماً جهلاً منه..، فقد اختلف أهل العلم في شأنه، فقال بعضهم: عليه الكفارة، لأنه مفرّط في عدم السؤال والتفقّه في الدين، وقال آخرون من أهل العلم: لا كفارة عليه من أجل الجهل، وبذلك تعلم أن الأحوط لك هو الكفارة، من أجل تفريطك وعدم سؤالك عما يحرم عليك قبل أن تفعل ما فعلت، وإذا كنت لا تستطيع العتق والصيام كفاك إطعام ستين مسكيناً عن كل يوم جامعت فيه، فإذا كنت جامعت في يومين فكفارتان، وإن كنت جامعت ثلاثة أيام فثلاث كفارات، وهكذا كل جماع في يوم عنه كفارة، أما الجماعات المتعددة في يوم واحد فيكفي عنها كفارة واحدة، هذا هو الأحوط لك والأحسن، حرصاً على براءة الذمّة، وخروجاً من خلاف أهل العلم، وجبراً لصيامك، وإذا لم تحفظ عدد الأيام التي جامعت فيها، فاعمل بالأحوط، وهو الأخذ بالزائد، فإذا شككت هل هي ثلاثة أيام أو أربعة فاجعلها أربعة، وهكذا، ولكن لا يتأكّد عليك إلا الشيء الذي تجزم به، وفقنا الله وإياك لما فيه رضاه، وبراءة الذمّة. [الْمَصْدَرُ] فتاوى الشيخ ابن باز ج/15 ص/304. الحديث: 22960 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3377 لم تجد مسكيناً لإطعامه عن فدية الصيام فهل تتصدق بالمال؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا امرأة مريضة بمرض مزمن نصحني طبيبي بعدم الصيام وأنا لم أجد أي مسكين لأطعمه فما هو المبلغ الذي أنفقه بالدرهم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نسأل الله تعالى أن يمنَّ عليك بالشفاء، وأن يجعل هذا المرض كفارة لذنوبك، ورفعةً لدرجاتك في الآخرة. والمريض مرضا مزمنا الذي لا يستطيع الصيام ولا القضاء لا يجب عليه الصيام، ويجب عليه أن يطعم عن كل يوم مسكيناً، لقول الله: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) البقرة/184. قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ، هُوَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ لا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا) رواه البخاري (4505) . والمريض الذي لا يرجى شفاؤه حكمه حكم الشيخ الكبير. قال ابن قدامة رحمه الله: " وَالْمَرِيضُ الَّذِي لا يُرْجَى بُرْؤُهُ: يُفْطِرُ , وَيُطْعِمُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا ; لأَنَّهُ فِي مَعْنَى الشَّيْخِ " انتهى. " المغني " (4 / 396) . وبلاد المسلمين مملوءة بالفقراء والمساكين الذين لا يجدون ما يكفيهم ويكفي أهلهم. ولا تخلو دولة منهم، ولو ندر وجودهم في بعض البلدان: فلن يعدم وجود لجان خير وصدقات يتكفلون بإيصال الزكوات والصدقات لمن يستحقها. وحتى لو لم تجدي مسكيناً تطعمينه فكيف ستتصرفين في المال الذي يعادل الطعام؟ ولمن سيُعطى هذا المال؟ وهذا يعني أن المشكلة ستبقى قائمة، فلا يجوز دفع هذا المال – لو جاز دفعه – إلا لمستحقه من الفقراء والمساكين. وعلى كل حال: فيجب عليك بذل الجهد في البحث عن الفقراء والمساكين في بلدك، وإن لم تكوني تعرفينهم فيمكنك توكيل من تثقين بدينه ليوصل هذا الطعام لمستحقيه، ولا فرق بين أن يكون هذا الوكيل شخصاً أو جمعية خيرية. واعلمي أنه لا يجوز لك دفع مالٍ - مهما بلغ – مقابل تلك الفدية التي وجبت عليكِ؛ لأن الله تعالى أوجب عليك (طعام مسكين) ولم يوجب عليك مالاً، قال تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) البقرة/184. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (39234) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 66822 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3378 من هو المسكين الذي يُعطى فدية الصيام؟ وكم وماذا يُعطى؟ [السُّؤَالُ] ـ[يقول الله تعالى: (ففدية طعام مسكين) هل يشترط في هذا المسكين البلوغ والتكليف؟ وهل لو أراد الإنسان أن يطعم ثلاثين مسكينا هل يدخل أبناء المسكين ومن يعول في العدد؟ وهل يجزئ بدل الطعام مال؟ وكيف يقدر هذا الإطعام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يجوز لأحدٍ يقدر على الصيام في رمضان وليس عنده عذر شرعي أن يفطر، وليس كل من أفطر برخصة من الشرع يطعم مقابل كل يوم مسكينا، وإنما الإطعام للشيخ الكبير والمريض مرضاً مزمناً لا يُرجى شفاؤه. قال الله تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) البقرة/184. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (هُوَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ لا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا) رواه البخاري (4505) . والمريض الذي لا يرجى شفاؤه حكمه حكم الشيخ الكبير. قال ابن قدامة رحمه الله: " وَالْمَرِيضُ الَّذِي لا يُرْجَى بُرْؤُهُ: يُفْطِرُ , وَيُطْعِمُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا ; لأَنَّهُ فِي مَعْنَى الشَّيْخِ " انتهى. " المغني " (4 / 396) . ثانياً: ولا يشترط في هذا المسكين أن يكون بالغاً، بل يُعطى الصغير الذي يأكل الطعام باتفاق الأئمة، وإنما اختلفوا في إعطائها للرضيع، فذهب إلى جوازه جمهور العلماء (منهم أبو حنيفة والشافعي وأحمد) لأنه مسكين فيدخل في عموم الآية، وظاهر كلام الإمام مالك رحمه الله أنها لا تعطى للرضيع، فإنه قال: يجوز الدفع إلى الفطيم، واختاره الموفق ابن قدامة رحمه الله. انظر: "المغني" (13/508) ، و"الإنصاف" (23/342) , و "الموسوعة الفقهية" (35/101– 103) . ثالثاً: وأبناء المسكين وزوجته وأهله الذين يجب عليه أن ينفق عليهم يدخلون في هذا العدد، إذا كانوا لا يجدون كفايتهم، ولا أحد ينفق عليهم غير هذا المسكين. ولهذا يعطى المسكين من زكاة المال ما يكفيه ويكفي أهله. قال في "الروض المربع" (3/311) : " فيعطى الصنفان – أي: الفقراء والمساكين - تمام كفايتهما وعائلتهما منه " انتهى. رابعاً: وأما الذي يُطعم ومقداره: فيدفع إلى المسكين نصف صاع (كيلو ونصف تقريباً) من قوت البلد، سواء كان أرزاً أم تمراً أم غير ذلك، وإذا أعطي معه إداماً أو لحماً فهو أحسن. فقد روى البخاري - معلقاً بصيغة الجزم عن أنس رضي الله عنه أنه كان بعد ما كبر وعجز عن الصوم يفطر ويطعم عن كل يوم مسكينا خبزا ولحما. ولا يجوز أن يدفع قيمة الطعام مالاً. قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: " والإطعام لا يكون بالنقود كما ذكرت، وإنما يكون الإطعام بدفع الطعام الذي هو قوت البلد؛ بأن تدفع عن كل يوم نصف الصاع من قوت البلد المعتاد، ونصف الصاع يبلغ الكيلو والنصف تقريباً. فعليك أن تدفع طعاماً من قوت البلد بهذا المقدار الذي ذكرنا عن كل يوم، ولا تدفع النقود؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) البقرة/184؛ نص على الطعام " انتهى. " المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان " (3/140) . وانظر جواب السؤال رقم (39234) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 66886 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3379 هل تعطي الفدية لأولادها وأبنائهم أو غيرهم كوجبة إفطار؟ [السُّؤَالُ] ـ[والدتي لا تستطيع الصيام في رمضان، ولهذا أخرج عنها فدية الصيام عن كل شهر رمضان، هل يجوز أن تكون الفدية على أولادها وأبنائهم كوجبة إفطار؟ أو هل يجوز أن تكون الفدية لإفطار طلاب أحد الصفوف؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: من لا يستطيع الصوم لكبر أو مرض لا يرجى شفاؤه، فإنه يفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً؛ لقوله تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) البقرة/184. قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ، هُوَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ لا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا) رواه البخاري (4505) . والمريض مرضاً لا يُرجى حصول الشفاء منه كالشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصيام. "المغني" (4/396) . وبهذا يُعلم أن هذه الفدية إنما تعطى للمساكين، لا لكل أحد. فإذا كان الأولاد وأولادهم والطلاب المذكورون في السؤال أغنياءَ، وليسوا فقراء فلا يجوز إعطاء الكفارة إليهم. ثانياً: وأما إعطاء الكفارة للأولاد وأبنائهم، فقد اعتبر أهل العلم رحمهم الله أن الكفارة في ذلك كالزكاة، لا يجوز أن يدفعها الإنسان إلى مَنْ تلزمه النفقة عليه. وممن يجب النفقة عليهم: الأصول والفروع. والأصول هم: الأب والأم والأجداد والجدات. والفروع هم: الأبناء والبنات وأولادهم. قال ابن قدامة في "المغني" (11/374) : " ويجب الإنفاق على الأجداد والجدات وإن عَلَوا (يعني الأجداد وآباءهم) , وولدِ الولد وإن سَفَلُوا (يعني الأولاد وأولادهم) , وبذلك قال الشافعي والثوري , وأصحاب الرأي " انتهى. وعلى هذا لا يجوز أن تعطي الكفارة المذكورة للأولاد وأولادهم لأنه يجب على (أمك) أن تنفق عليهم. وقال الشافعي في "الأم" (7/68) : " لا يجزئ أن يطعم في كفارات الأيمان إلا حرا مسلما محتاجا، فإن أطعم منها ذميا محتاجا , أو حرا مسلما غير محتاج لم يجزه ذلك , وكان حكمه حكم من لم يفعل شيئا، وعليه أن يعيد، وهكذا لو أطعم من تلزمه نفقته , ثم علم أعاد " انتهى باختصار. وقال في أسنى المطالب (3/369) : " ويعتبر في المسكين والفقير أن يكونا من أهل الزكاة، فلا يجزئ الدفع إلى كافر. . . ولا إلى من تلزمه نفقته. . . لأن الكفارة حق لله تعالى، فاعتبروا فيها صفات الزكاة " انتهى. ولكن.. إذا كانت (أمك) لا تستطيع النفقة عليهم، لقلة مالها، فلا يجب عليها أن تنفق عليهم، لقول الله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا) البقرة/286. وفي هذه الحال يجوز أن تخرج الكفارة إليهم. وقد ثبت في الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم للرجل الذي جامع امرأته في نهار رمضان لما أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم تمراً ليخرجه كفارة، ثم أخبر الرجلُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أنه أفقر أهل بيت في المدينة، قال النبي صلى الله عليه وسلم له: (أَطْعِمْهُ أَهْلَك) . قال الحافظ في "الفتح": " قَالَ اِبْن دَقِيق الْعِيد: تَبَايَنَتْ فِي هَذِهِ الْقِصَّة الْمَذَاهِب، فَقِيلَ: إِنَّهُ دَلَّ عَلَى سُقُوط الْكَفَّارَة بِالإِعْسَارِ، لأَنَّ الْكَفَّارَة لا تُصْرَفُ إِلَى النَّفْس وَلا إِلَى الْعِيَال. وَقَالَ الْجُمْهُور: لا تَسْقُط الْكَفَّارَة بِالإِعْسَارِ , وَاَلَّذِي أَذِنَ لَهُ فِي التَّصَرُّف فِيهِ لَيْسَ عَلَى سَبِيل الْكَفَّارَة (بل هو صدقة تصدق بها النبي صلى الله عليه وسلم على الرجل وأهله) . وَقِيلَ: لَمَّا كَانَ عَاجِزًا عَنْ نَفَقَة أَهْلِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَصْرِفَ الْكَفَّارَةَ لَهُمْ , وَهَذَا هُوَ ظَاهِر الْحَدِيث. قَالَ الشَّيْخ تَقِيُّ الدِّين (وهو شيخ الإسلام ابن تيمية) : وَأَقْوَى مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُجْعَلَ الإِعْطَاءُ لا عَلَى جِهَةِ الْكَفَّارَةِ، بَلْ عَلَى جِهَة التَّصَدُّقِ عَلَيْهِ وَعَلَى أَهْله بِتِلْك الصَّدَقَة لِمَا ظَهَرَ مِنْ حَاجَتهمْ " انتهى باختصار. فتَحَصَّلَ من ذلك أنه لا يجوز أن يُعطِي الكفارة لمن تلزمه النفقة عليه، وأنه إذا كان فقيرا لا يستطيع أن ينفق عليهم فقد ذهب بعض أهل العلم إلى جواز إعطائهم الكفارة. وقد سبق في جواب السؤال (20278) نقل فتوى للشيخ ابن عثيمين رحمه الله أنه يجوز إخراج الزكاة إلى أقاربه الذين لا يستطيع أن ينفق عليهم بسبب فقره وقلة ماله. ومما جاء فيها: " إن دفع الزكاة إلى الأقارب الذين هم من أهلها أفضل من دفعها إلى من هم ليسوا من قرابتك، لأن الصدقة على القريب صدقة وصلة. . إلا إذا كان هؤلاء الأقارب ممن تلزمك نفقتهم وأعطيتهم من الزكاة ما تحمي به مالك من الإنفاق فإن هذا لا يجوز. أما إذا كان مالك لا يتسع للإنفاق عليهم فلا حرج عليك أن تعطيهم من زكاتك " انتهى. والخلاصة: أنه إذا كانت (أمك) غنية تستطيع أن تنفق عليهم فلا يجوز أن تعطيهم الكفارة، وإذا كانت لا تستطيع أن تنفق عليهم جاز أن تعطيهم الكفارة. ثالثاً: وإما إعطاؤها كإفطار صائم، فلا بأس به، لإطلاق الآية الكريمة: (فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) ، ويُرجى أن يكون ذلك أكثر ثواباً لما فيه من تفطير الصائم. ولكن بشرط أن يكون ذلك الصائم مسكيناً كما سبق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 66138 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3380 بلغت ولم تصم رمضان [السُّؤَالُ] ـ[إنني فتاة في السادسة عشرة من عمري وقد جاءني الحيض وأنا في الثالثة عشرة ولكن خلال تلك السنة لم أصم رمضان كاملاً، وصمت سبعة أيام منه، ووالداي لم يضغطا عليّ لاعتقادهما أنني غير مكلفة فهل أصوم الأيام التي أفطرتها أو ماذا أفعل؟ أفيدوني وجزاكم الله خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب أن تصومي بكل حال ما دام أنك بلغت فالبلوغ للبنت يحصل بحصول الحيض أو الإنبات أو الاحتلام أو الحمل، فوجود الحيض هو أحد أسباب البلوغ فأنت بالغة ومكلفة فلا بد وأن تصومي شهر رمضان، والشهر الذي لم تصوميه يجب عليك قضاؤه بكل حال، ولا تبرأ ذمتك إلا بالقضاء والتوبة لأنك كنت مكلفة عندما أفطرت، وقد أخطأ أهلك في تسامحهم معك، فلست بصغيرة وعليك التوبة من هذا التفريط، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى سماحة الشيخ عبد الله بن حميد ص 176 الحديث: 9413 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3381 الإفطار عمدا في رمضان بلا عذر [السُّؤَالُ] ـ[تركت امرأة صيام ثلاثة أيام من رمضان بلا عذر، بل تهاوناً، فما حكم الله في ذلك وماذا يلزمها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الواقع كما ذكر من فطرها ثلاثة أيام من رمضان تهاوناً لا استحلالاً لذلك فقد ارتكبت إثماً عظيماً وذنباً كبيراً بانتهاكها حرمة رمضان، فإن صيامه ركن من أركان الإسلام لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) إلى أن قال تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه) البقرة / 183 – 185، وعليها أن تصوم ثلاثة أيام قضاءً عن الأيام التي أفطرتها، وإن وقع منها جماع في نهار يوم من الأيام الثلاثة التي أفطرتها فعليها كفارة عن ذلك اليوم مع قضائه، وإن كان الجماع في يومين فعليها كفارتان وهكذا مع القضاء، والكفارة عتق رقبة فإن لم تجد صامت شهرين متتابعين، فإن لم تستطع أطعمت ستين مسكيناً مما تطعمه (أي من طعام أهل البلد) ، وعليها أن تستغفر الله وتتوب إليه وتؤدي الصوم الذي فرض الله عليها والعزم الصادق على ألا تفطر في رمضان مرة أخرى وعليها إطعام مسكين عن كل يوم من الأيام الثلاثة لتأخيرها القضاء إلى ما بعد رمضان آخر. والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] انظر فتاوى اللجنة (10/141) الحديث: 26866 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3382 مقدار الفدية التي في آية الصيام [السُّؤَالُ] ـ[ما مقدار الفدية التي ذكرت في آية الصيام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: من أدركه رمضان وهو لا يستطيع الصيام لكونه شيخاً كبيراً، أو مريضاً لا يُرجى له الشفاء فإنه لا يجب عليه الصيام لعدم استطاعته، فيفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) البقرة/183-184. وروى البخاري (4505) عن ابْن عَبَّاسٍ قال: (لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ هُوَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ لا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا) . وقال ابن قدامة في "المغني" (4/396) : "الشَّيْخُ الْكَبِيرَ وَالْعَجُوزَ إذَا كَانَ يُجْهِدُهُمَا الصَّوْمُ , وَيَشُقُّ عَلَيْهِمَا مَشَقَّةً شَدِيدَةً , فَلَهُمَا أَنْ يُفْطِرَا وَيُطْعِمَا لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا. . . فَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ الإِطْعَامِ أَيْضًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ , وَ (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَهَا) . . . وَالْمَرِيضُ الَّذِي لا يُرْجَى بُرْؤُهُ , يُفْطِرُ , وَيُطْعِمُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا ; لأَنَّهُ فِي مَعْنَى الشَّيْخِ اهـ باختصار. وفي الموسوعة الفقهية (5/117) : "اتَّفَقَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ يُصَارُ إلَى الْفِدْيَةِ فِي الصِّيَامِ عِنْدَ الْيَأْسِ مِنْ إمْكَانِ قَضَاءِ الأَيَّامِ الَّتِي أَفْطَرَهَا لِشَيْخُوخَةٍ لا يَقْدِرُ مَعَهَا عَلَى الصِّيَامِ , أَوْ مَرَضٍ لا يُرْجَى بُرْؤُهُ , لقوله تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) وَالْمُرَادُ مَنْ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ الصِّيَامُ اهـ. وقال الشيخ ابن عثيمين في فتاوى الصيام (ص111) : "لا بد أن نعرف أن المريض ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: مريض يرجى برؤه مثل ذوي الأمراض الطارئة التي يرجى أن يشفى منها، فهذا حكمه كما قال الله تعالى: (فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى? سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) . ليس عليه إلا أن ينتظر البرء ثم يصوم، فإذا قدر أنه استمر به المرض في هذه الحال، ومات قبل أن يشفى فإنه ليس عليه شيء؛ لأن الله إنما أوجب عليه القضاء في أيام أخر وقد مات قبل إدراكها، فهو كالذي يموت في شعبان قبل أن يدخل رمضان لا يقضى عنه. القسم الثاني: أن يكون المرض ملازماً للإنسان مثل مرض السرطان ـ والعياذ بالله ـ ومرض الكلى، ومرض السكر وما أشبهها من الأمراض الملازمة التي لا يرجى انفكاك المريض منها، فهذه يفطر صاحبها في رمضان، ويلزمه أن يطعم عن كل يوم مسكيناً كالكبير والكبيرة اللذين لا يطيقان الصيام يفطران ويطعمان عن كل يوم مسكيناً، ودليل ذلك من القرآن قوله تعالى: (وَعَلَى ?لَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) " اهـ. ثانياً: أما صفة الإطعام فيخير بين أن يعطي كل مسكين نصف صاع من الطعام كالأرز ونحوه (أي كيلو جرام ونصف تقريباً) ، أو يصنع طعاماً ويدعو إليه المساكين. قال البخاري: وَأَمَّا الشَّيْخُ الْكَبِيرُ إِذَا لَمْ يُطِقْ الصِّيَامَ فَقَدْ أَطْعَمَ أَنَسٌ بَعْدَ مَا كَبِرَ عَامًا أَوْ عَامَيْنِ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا خُبْزًا وَلَحْمًا وَأَفْطَرَ اهـ. وسئل الشيخ ابن باز عن امرأة كبيرة في السن ولا تطيق الصوم فماذا تفعل؟ فأجاب: عليها أن تطعم مسكيناً عن كل يوم نصف صاع من قوت البلد من تمر أو أرز أو غيرهما، ومقداره بالوزن كيلو ونصف على سبيل التقريب. كما أفتى بذلك جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم ابن عباس رضي الله عنه وعنهم، فإن كانت فقيرة لا تستطيع الإطعام فلا شيء عليها، وهذه الكفارة يجوز دفعها لواحد أو أكثر في أول الشهر أو وسطه أو آخره، وبالله التوفيق" اهـ. "مجموع فتاوى ابن باز" (15/203) . وقال الشيخ ابن عثيمين في فتاوى الصيام (ص111) : "فيجب على المريض المستمر مرضه، وعلى الكبير من ذكر وأنثى إذا عجزوا عن الصوم أن يطعموا عن كل يوم مسكيناً، سواء إطعاماً بتمليك بأن يدفع إلى الفقراء هذا الإطعام، أو كان الإطعام بالدعوة يدعو مساكين بعدد أيام الشهر فيعشيهم كما كان أنس بن مالك رضي الله عنه يفعل حين كبر صار يجمع ثلاثين مسكيناً فيعشيهم فيكون ذلك بدلاً عن صوم الشهر" اهـ. وسئلت اللجنة الدائمة (11/164) : عن الإطعام للعاجز في رمضان كالشيخ العاجز والمرأة العاجزة من كبر، والمريض الذي لا يشفى. فأجابت: "من عجز عن صوم رمضان لكبر سن الشيخ الكبير والمرأة العجوز أو شق عليه الصوم مشقة شديدة رخص له في الفطر، ووجب عليه أن يطعم عن كل يوم مسكيناً، نصف صاع من بر (قمح) أو تمر أو أرز أو نحو ذلك مما يطعمه أهله، وكذا المريض الذي عجز عن الصوم أو شق عليه مشقة شديدة ولا يرجى برؤه لقوله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا) البقرة/286. وقوله: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الحج/78. وقوله: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) البقرة/184" اهـ. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49944 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3383 الحيض لا يقطع التتابع في صوم الكفارة [السُّؤَالُ] ـ[امرأة تكفر عن ّذنب بصيام شهرين متتابعين، وتسأل عن الأيام التي ستفطر فيها بسبب العادة الشهرية فهل يجب عليها قضاؤها بعد انقضاء الشهرين أم ماذا ?.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من لزمها صيام شهرين متتابعين، وجاءها الحيض، أفطرت، ثم أكملت صومها، وقضت أيام حيضها، إجماعا. قال ابن قدامة رحمه الله: (وأجمع أهل العلم على أن الصائمة متتابعاً , إذا حاضت قبل إتمامه , تقضي إذا طهرت , وتبني، وذلك لأن الحيض لا يمكن التحرز منه في الشهرين إلا بتأخيره إلى الإياس , وفيه تغرير بالصوم) انتهى من المغني 8/21 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45908 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3384 لا حرج من إعطاء الفدية كلها لمسكين واحد [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للعاجز عن الصوم أن يطعم مسكينا واحدا لمدة ثلاثين يوما أو يطعم ثلاثين مسكينا في يوم واحد؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله العاجز عن الصوم عجزا مستمرا يلزمه أن يطعم عن كل يوم أفطره مسكينا، لقوله تعالى (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) ، قال ابن عباس رضي الله عنهما:" ليست بمنسوخة هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكينا " رواه البخاري (4505) . قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "كيفية الإطعام، له كيفيتان: الأولى: أن يصنع طعاما فيدعو إليه المساكين، بحسب الأيام التي عليه، كما كان أنس بن مالك يفعله رضي الله عنه لما كبر. الكيفية الثانية: أن يطعمهم طعاما غير مطبوخ" اهـ الشرح الممتع (6/335) . راجع السؤال (49944) . وأما إطعام مسكين واحد لمدة ثلاثين يوما، فقد نص كثير من أهل العلم على جوازه وهو مذهب الشافعية والحنابلة وجماعة من المالكية، قال في الإنصاف (3/291) :" يجوز صرف الإطعام إلى مسكين واحد جملة واحدة " اهـ. وانظر تحفة المحتاج 3 / 446، كشاف القناع 2 / 313. وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (10/198) : " متى قال الأطباء أن هذا المرض الذي تشكو منه، ولا تستطيع معه الصوم – لا يرجى شفاؤه، فإن عليك أن تطعم عن كل يوم مسكيناً نصف صاع من قوت البلد من تمر أو غيره، وإذا عشيت مسكيناً أو غديته بعدد الأيام التي عليك كفى ذلك" اهـ. وبه تعلم أن إطعام مسكين واحد مدة الثلاثين يوما، أو جمع ثلاثين مسكينا على طعام واحد، جائز. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 43268 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3385 صامت أيام الحيض جهلاَ فماذا عليها؟ [السُّؤَالُ] ـ[لقد صمت كل رمضان ولم أكن أعرف أن أيام الدورة لا تصام ولا أنه يجب قضاؤها بعد ذلك وأريد القضاء عن تلك الأيام بالصوم وإطعام مسكين عن كل يوم ولكنى لا أعرف أشخاصا محددين مساكين لكي أطعمهم فهل يجوز التبرع لأي جهة كالأيتام أو الجوامع بدلا من ذلك وكم يكون كفارة كل يوم بالجنيهات المصرية؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أجمع العلماء على أن الحائض لا يجب عليها الصيام، ولا يصح منها إن صامت. وأن عليها قضاء الأيام التي أفطرتها من رمضان بسبب الحيض. راجع السؤال رقم (33594) . فالواجب عليك هو قضاء تلك الأيام، مع التوبة إلى الله تعالى من تقصيرك في طلب العلم الذي أدى بك إلى الوقوع في هذا الفعل المحرم. وإذا كان قضاؤك لهذه الأيام سيكون في نفس العام قبل أن يأتي رمضان آخر، فليس عليك إلا القضاء فقط، ولا إطعام عليك. وإن كنت أخرت القضاء بدون عذر حتى دخل رمضان آخر فاختلف العلماء هل يجب مع القضاء إطعام أم لا؟ وسبق في إجابة السؤال (26865) أنه لا يجب الإطعام. وإذا أردت الأخذ بالأحوط وأطعمت مع القضاء كان ذلك حسناً. والمراد بالإطعام أن تطعمي عن كل يوم مسكيناً، نصف صاع من قوت البلد كالأرز والتمر. وقد قَدَّره الشيخ ابن باز بكيلو ونصف من الأرز على سبيل التقريب. "فتاوى رمضان" (ص 545) . وجمهور العلماء على أنه لا تجزيء القيمة في الفدية المخرجة في الصيام، فليس لك أن تخرجيها نقودا، وإنما تُخرج طعاما للمساكين، كما سبق. سئلت اللجنة الدائمة عن رجل كبير في السن لا يستطيع الصيام، فأجابت: يرخص لك في الإفطار ما دمت على حالك من العجز، وعليك عن كل يوم أفطرته إطعام مسكين، ولك أن تخرجها مجموعة، ولك أن توزعها متفرقة، لقوله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الحج / 78. ولا يجزئك إعطاء النقود بدلاً من الإطعام اهـ. " فتاوى اللجنة الدائمة " (10/163) . ولك أن تدفعي المال لإحدى الجمعيات الخيرية، أو لإمام مسجد معروف بالديانة والاستقامة، لينوب عنك في شراء الطعام وتوزيعه على المساكين، وما أكثرهم في هذه الأيام. ولك أن تصنعي طعاما يأكله مساكين بقدر ما عليك من الأيام، قال البخاري: وأما الشيخ الكبير إذا لم يطق الصيام فقد أطعم أنس بعد ما كبر عاما أو عامين كل يوم مسكينا خبزا ولحما وأفطر اهـ. ويجوز إخراج هذه الكفارة للأيتام إن كانوا فقراء؛ إذ ليس كل يتيم فقيرا أو مسكينا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38867 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3386 لم تكن تقضي أيام حيضها [السُّؤَالُ] ـ[امرأة كبيرة تبلغ من العمر ستين سنة، وكانت جاهلة أحكام الحيض سنين عديدة مدة حيضها، لم تقض صوم رمضان ظناً منها أنه لا يُقضى حسبما سمعت من أفواه العامة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عليها التوبة إلى الله من ذلك لأنها لم تسأل أهل العلم وعليها مع ذلك القضاء فتقضي ما تركته من الصيام حسب غلبة ظنها في عدد الأيام وتكفر عن كل يوم تركته بإطعام مسكين نصف صاع من بر أو تمر أو أرز أو نحو ذلك من قوت البلد إذا استطاعت الإطعام فإن كانت لا تستطيع الإطعام سقط عنها وكفاها قضاء الصوم. وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (10/151) الحديث: 37991 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3387 أفطرت ولم تصم حياءً [السُّؤَالُ] ـ[عندما كنت صغيرة في سن الثالثة عشر صمت رمضان وأفطرت أربعة أيام بسبب الحيض ولم أخبر أحداً بذلك حياءً، والآن مضى على ذلك ثمان سنوات فماذا أفعل؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لقد أخطأت بترك القضاء طوال هذه المدة فإن هذا شيء كتبه الله على بنات آدم ولا حياء في الدين فعليك المبادرة بقضاء تلك الأيام الأربعة ثم عليك مع القضاء كفارة وهي إطعام مسكين عن كل يوم وذلك نحو صاعين من قوت البلد الغالب لمسكين أو مساكين. [الْمَصْدَرُ] فتاوى الشيخ ابن باز. الحديث: 7426 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3388 ماذا يفعل من ترك الصوم [السُّؤَالُ] ـ[أنا فتاة أبلغ من العمر 25 سنة ولكن منذ صغري إلى أن بلغ عمري 21 سنة وأنا لم أصم ولم أصل تكاسلاً ووالدي ينصحاني ولكن لم أبال فما الذي يجب عليّ أن أفعله علماً أن الله هداني وأنا الآن أصوم ونادمة على ما سبق؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله التوبة تهدم ما قبلها فعليك بالندم والعزم والصدق في العبادة والإكثار من النوافل من صلاة الليل والنهار وصوم تطوع وذكر وقراءة قرآن ودعاء والله يقبل التوبة من عباده ويعفو عن السيئات. [الْمَصْدَرُ] فتاوى الشيخ ابن باز الحديث: 7449 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3389 ترك الصيام لمرض [السُّؤَالُ] ـ[هناك امرأة أصيبت بمرض نفساني (حرارة واضطراب أعصاب وغير ذلك) على أثر ذلك تركت الصوم مدة أربع سنوات تقريباً فهل في مثل هذه الحالة تقضي الصوم أو لا وماذا يكون حكمها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كانت تركت الصوم لعدم قدرتها عليه وجب عليها قضاء ما أفطرته من رمضان في السنوات الأربع عند قدرتها على ذلك قال الله تعالى: (ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون) وإن كان مرضها وعجزها عن الصوم لا يرجى زواله حسب تقرير الأطباء أطعمت عن كل يوم أفطرته مسكيناً نصف صاع من بر أو تمر أو أرز أو نحو ذلك مما يأكله أهلها في بيوتهم كالشيخ الكبير والعجوز اللذين يجهدهما الصوم ويشق عليهما مشقة شديدة وليس عليها قضاء. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة الحديث: 7510 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3390 لم تقض ما عليها من صوم [السُّؤَالُ] ـ[إنني لم أقض الأيام التي يفوتني صيامها من شهر رمضان بسبب العادة الشهرية وأنا لا أستطيع إحصاءها فماذا علي أن أفعل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عليك أن تتحري أيتها الأخت في الله وأن تصومي ما غلب على ظنك أنك تركت صيامه وتسألين الله العون والتوفيق قال تعالى: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) . اجتهدي وتحري واحتاطي لنفسك حتى تصومي ما غلب على الظن أنك تركتيه وعليك التوبة إلى الله، والله ولي التوفيق. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى فضيلة الشيخ ابن باز يرحمه الله. الحديث: 11185 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3391 حكم من أفطر بسبب العمل في الحر الشديد [السُّؤَالُ] ـ[إنني أعمل في عمل شاق وهو البناء في السعودية ومع خمسة عشر رجلاُ، وعندما جاء شهر رمضان صمنا أول يوم من رمضان واليوم الثاني، ثم أفطر الجميع بقية الشهر وأنا معهم لأننا أتينا من مصر ولأول مرة تصادف اختلاف الجو، وفي السنة التالية صمت رمضان فما حكم ذلك علماً بأنه جاء رمضان الثاني وصمته ولم أقض ما فاتني من رمضان الماضي؟ أفيدونا مأجورين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا حرام عليك ولا يجوز لك لأن صيام رمضان ركن من أركان الإسلام الخمسة، فقد قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) البقرة /183، فما عذرك عند الله تبارك وتعالى إذا وقفت بين يديه في يوم القيامة وقد أعطاك الصحة والعافية ومع هذا لم تقم بأوامره ولم تعمل بآياته، فقد قال جل وعلا: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) البقرة /183، وقوله تعالى: (كُتب عليكم) يعني فرض عليكم الصيام كما فرض على الذين من قبلكم لعلكم تتقون فجعل التقوى غاية للصوم والصوم وسيلة لحصول التقوى فحرام عليك أن تعمل ذلك وعليك أن تتوب وتستغفر وتندم على ما فات. أما كونك تعمل، فهذا ليس بعذر، فيمكنك أن تعمل في الليل، وإذا لم تتمكن من ذلك اترك العمل لأنه ليس هناك من ضرورة، تترك العمل حتى ينتهي الشهر أو تعمل عملاً خفيفاً تستطيع معه الصوم، أما أنك تفطر في رمضان بحكم أنك عامل فهذا أمر لا يجوز فإن كان عليك أيام من رمضان الماضي لم تقضها وجاء رمضان الثاني فعليك القضاء والإطعام، أن تطعم عن كل يوم مداً من بر أو نصف صاع من غيره، وعليك ألا تعود لمثل هذا، فاستغفر الله وتذكر وقوفك بين يدي الله جل وعلا وتذكر أيضاً محاسبته لك جل وعلا، وفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى سماحة الشيخ عبد الله بن حميد ص 172 الحديث: 11539 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3392 اقتدى بإمامه في التراويح ليصلي العشاء ثم اقتدى به ثانية في الركعتين الأخريين [السُّؤَالُ] ـ[فاتتني صلاة العشاء، والإمام بدأ يصلي التراويح، فدخلت مع الإمام بنية العشاء، وصلَّى الإمام ركعتين، ثم سلم، وأنا بقيت جالساً، ولم أسلم، وعندما قام للصلاة قمتُ معه، وأكملت صلاة العشاء معه، هل طريقة صلاتي هذه صحيحة؟ وإذا كانت غير صحيحة ماذا عليَّ فعله؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف العلماء في حكم صلاة المفترض خلف إمام متنفل، وقد ذكرنا شيئاً من أقوال العلماء في هذه المسألة في جواب السؤال رقم (79136) . وذهب إلى جواز ذلك الإمام الشافعي وابن المنذر – وهو رواية عن أحمد - رحمهم الله، واختاره علماء اللجنة الدائمة، والشيخ ابن باز، ونقلنا عنهم جواز المسألة الواردة في السؤال، وهو صلاة العشاء خلف من يصلي التراويح، وأن على المأموم أن يُكمل صلاته وحده بعد سلام الإمام. أما ما فعله السائل من كونه جلس بعد سلام الإمام، حتى ائتم به في ركعتين أخريين من التراويح: ففيه القولان فيمن ابتدأ صلاته منفرداً هل له الاقتداء بإمام جماعة؟ فمِن العلماء مَن قال بالمنع منه، ومنهم من قال بالصحة. وقد توقف الشيخ العثيمين في حكم هذا الفعل، فقال – بعد أن بيَّن جواز صلاة المفترض خلف المتنفل، ومنه: جواز صلاة العشاء خلف من يصلي التراويح – قال: "إنما الذي أتوقف فيه: هو انتظارهم الإمام حتى يدخل في التسليمة الثانية [يعني الركعتين الأخريين] ، ويتمون الصلاة معه: فإن هذا أتوقف فيه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (فما أدركتم فصلُّوا وما فاتكم فأتموا) فإن ظاهره: أن الإنسان يتم ما فاته مع إمامه وحده، يعني: ما ينتظر حتى يشرع الإمام في التسليمة الثانية، وإنما نقول: إذا سلَّم الإمام في الصلاة التي أدركتَه فيها: فأتِمَّ، ولا تنتظر حتى يدخل في صلاةٍ أخرى" انتهى. "فتاوى نور على الدرب" (شريط رقم 15، وجه ب) . وقد رجح النووي رحمه الله جواز ذلك حيث قال: ولو صلَّى العشاء خلف التراويح: جاز، فإذا سلَّم الإمام: قام إلى ركعتيه الباقيتين، والأولى أن يتمها منفرداً، فلو قام الإمام إلى أخريين من التراويح، فنوى الاقتداء به ثانياً في ركعتيه: ففي جوازه القولان فيمن أحرم منفرداً ثم نوى الاقتداء، والأصح: الصحة" انتهى. "المجموع شرح المهذب" (4/270) . فعلى هذا، فالصلاة صحيحة وليس عليك إعادتها، غير أن الأفضل ـ فيما بعد ـ أن تكمل صلاتك وحدك، ولا تعيد الدخول مع الإمام مرة أخرى. فليس على الأخ السائل إعادة الصلاة، ولا إعادة ركعتين، وما فعله من صلاة العشاء خلف إمام التراويح صحيح، لكننا نرى أن الأولى أنه يتم ما بقي عليه من صلاته وحده، ولو اقتدى بالركعتين الأخريين مع الإمام مرة أخرى: جاز. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 141250 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3393 هل تختلف ليلة القدر باختلاف البلدان؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل ستكون ليلة القدر هي نفس الليلة لكل المسلمين، أم أنها ستختلف باختلاف البلدان؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تكون ليلة واحدة ولو اختلف دخولها بالنسبة للبلدان، فتدخل في البلاد العربية عند غروب شمس نهارهم وتدخل عند البلاد الإفريقية أيضا عند غروب شمس نهارهم وغيرها من البلاد، فكلما غربت عند قوم دخلت عندهم ولو استغرق ذلك أكثر من 20 ساعة فتحسب لهؤلاء ليلتهم، ولهؤلاء ليلتهم، ولا مانع من أن تنزل الملائكة عند هؤلاء، وهؤلاء أيضا. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله الحديث: 129688 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3394 المواظبة على القنوت في الوتر كل ليلة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم قراءة دعاء القنوت في كل ليلة بعد الوتر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا حرج في هذا. دعاء القنوت سنة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقنت، وقد علم الحسن القنوت وكلمات القنوت في الوتر، فهو سنة، فإذا قرأت في كل ليلة فلا بأس، وإن تركت في بعض الأحيان حتى يعلم الناس أنه ليس بواجب، فهذا لا بأس به، إذا ترك الإمام القنوت بعض الأحيان ليعلم الناس أنه ليس بواجب، فلا بأس، النبي صلى الله عليه وسلم لما علم الحسن القنوت لم يقل له: دعه في بعض الأيام، دل ذلك على أنه إذا استمر فلا حرج" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (2/1062) . [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز فتاوى نور على الدرب الحديث: 128688 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3395 هل يلزم من شرع في صلاة التراويح أن يكملها؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يلزم المسلم إذا شرع في صلاة التراويح أن يكملها؟ أم يصلي ما شاء ثم ينصرف؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا شك أن التراويح سنة وأنها نافلة، وهي قيام رمضان، وهكذا صلاة الليل، وهكذا صلاة الضحى، وهكذا الرواتب التي مع الفرائض كلها سنة، وكلها نافلة، إن شاء فعلها وإن شاء تركها، وفعلها أفضل. وإذا شرع مع الإمام في التراويح وأحب أن ينفتل منها قبل أن يكمل فلا بأس عليه، لكن بقاءه مع الإمام حتى ينصرف أفضل، ويكتب له بهذا قيام الليلة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ قِيَامَ لَيْلَةٍ) ، فإذا بقي مع الإمام حتى يكمل كان له فضل قيام الليلة كلها، وإذا انصرف بعد أن يصلي بعض الركعات فلا بأس، ولا حرج في ذلك لأنها نافلة" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (2/901) . [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز فتاوى نور على الدرب الحديث: 128165 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3396 صَلَّى التراويح مع الإمام قبل صلاة العشاء [السُّؤَالُ] ـ[إذا حضر المصلي لصلاة العشاء ووجد الناس يصلون فدخل معهم ثم تبين أنهم يصلون التراويح فأكمل معهم، ثم صلى العشاء، هل تجوز العشاء بعد التراويح؟ وهل تجوز التراويح قبل العشاء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "على كل حال السنة التراويح بعد العشاء، فقيام رمضان بعد العشاء لكن هذه نافلة فصلاته معهم قبل العشاء تعتبر صلاة نافلة بين العشائين، والصلاة بين العشائين جائزة لكن ليس هي القيام المعروف في رمضان، فقيام رمضان يكون بعد العشاء، فتعتبر هذه نافلة له بين العشائين، وصلاته العشاء بعد ذلك صحيحة، وإنما الأفضل والأولى أن يبدأ بالفريضة ثم يصلي معهم التراويح، هذا الذي ينبغي حتى يتبع السنة مع أداء الفريضة. ولو أنه صلى معهم بنية الفريضة فلما سلم الإمام من التراويح قام وأتم الفريضة أجزأه ذلك، فلو صلى الإمام الاثنتين الأوليين بنية التراويح وهو يصلي الفريضة، ثم إذا سلم قام فتم صلاته أجزأه ذلك. فالحاصل: أن هذا لا حرج فيه إن شاء الله، صلاته صحيحة، وصلاته التراويح صحيحة، وتعتبر نافلة، ليست هي التراويح وليست قيام رمضان المشهور، إنما قيام رمضان يكون بعد العشاء وهذا صلاها قبل العشاء، فتكون من النوافل التي تستحب بين المغرب والعشاء" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (2/903) . [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز فتاوى نور على الدرب الحديث: 128164 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3397 حكم رفع الصوت بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بين ركعات التراويح [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم رفع الصوت بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والترضي عن الخلفاء الراشدين بين ركعات التراويح؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا أصل لذلك- فيما نعلم- من الشرع المطهر، بل هو من البدع المحدثة، فالواجب تركه، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، وهو اتباع الكتاب والسنة، وما سار عليه سلف الأمة، والحذر مما خالف ذلك" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (11/369) . وانظر جواب السؤال رقم (50718) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121270 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3398 تقسيم قيام الليل في العشر الأواخر إلى قسمين [السُّؤَالُ] ـ[أرجو التكرم بذكر أقوال العلماء بشأن حكم تقسيم صلاة التراويح في العشر الأواخر من رمضان قسمين: في أول الليل، وآخره , كما يفعل كثير من المساجد، مع ذكر الأدلة إن أمكن.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المستحب في ليالي رمضان إحياؤها بالقيام والصلاة والعبادة، وتخصيص العشر الأواخر منه بمزيد تعبد واجتهاد، طلبا للمغفرة والرحمة، وتحريا لليلة القدر التي هي خير من ألف شهر. ثم إن صلاة التراويح تعتبر من قيام الليل، وتسميتها بالتراويح لما يتخللها من أخذ قسط يسير من الراحة بين الركعات، ولذلك فالأمر فيها واسع، يجوز للعبد أن يصلي في الليلة ما شاء من الركعات، وفي أي وقت من الليل شاء. جاء في "الموسوعة الفقهية" (34/123) : " لا خلاف بين الفقهاء في سنية قيام ليالي رمضان؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) وقال الفقهاء: إن التراويح هي قيام رمضان؛ ولذلك فالأفضل استيعاب أكثر الليل بها ; لأنها قيام الليل " انتهى. وما يقوم به كثير من الأئمة اليوم – خاصة في العشر الأواخر – من الصلاة بالناس التراويح بعد العشاء مباشرة، ثم الرجوع إلى المسجد في ساعة متأخرة من الليل للصلاة والقيام، هو من المشروع لا من الممنوع، وليس هناك ما يمنعه، والمطلوب هو الاجتهاد في العشر الأواخر على حسب الاستطاعة، فإذا قَسَّم المرء ليله ما بين صلاة وراحة ونوم وقراءة قرآن فقد أحسن. قال الشيخ عبد الله أبابطين – كما في "الدرر السنية" (4/364) -: " مسألة في الجواب عما أنكره بعض الناس على من صلى في العشر الأواخر من رمضان زيادة على المعتاد في العشرين الأول، وسبب إنكارها لذلك غلبة العادة، والجهل بالسنة وما عليه الصحابة والتابعون وأئمة الإسلام. فنقول: قد وردت الأحاديث عن النبي صلى الله وعليه وسلم بالترغيب في قيام رمضان، والحث عليه، وتأكيد ذلك في عشره الأخير. إذا تبين أنه لا تحديد في عدد التراويح، وأن وقتها عند جميع العلماء من بعد سنة العشاء إلى طلوع الفجر، وأن إحياء العشر سنة مؤكدة، وأن النبي صلى الله وعليه وسلم صلاها ليالي جماعة، فكيف ينكر على من زاد في صلاة العشر الأواخر عما يفعلها أول الشهر، فيصلي في العشر أول الليل، كما يفعل في أول الشهر، أو قليل، أو كثير، من غير أن يوتر، وذلك لأجل الضعيف لمن يحب الاقتصار على ذلك، ثم يزيد بعد ذلك ما يسره الله في الجماعة، ويسمى الجميع قياماً وتراويح. وربما اغتر المنكر لذلك بقول كثير من الفقهاء: يستحب أن لا يزيد الإمام على ختمة، إلا أن يؤثر المأمومون الزيادة، وعللوا عدم استحباب الزيادة على ختمة بالمشقة على المأمومين، لا كون الزيادة غير مشروعة، ودل كلامهم على أنهم لو آثروا الزيادة على ختمة كان مستحباً، وذلك مصرح به في قولهم: إلا أن يؤثر المأمومون الزيادة. وأما ما يجري على ألسنة العوام من تسميتهم ما يفعل أول الليل تراويح، وما يصلي بعد ذلك قياماً، فهو تفريق عامي، بل الكل قيام وتراويح، وإنما سمي قيام رمضان تراويح لأنهم كانوا يستريحون بعد كل أربع ركعات من أجل أنهم كانوا يطيلون الصلاة، وسبب إنكار المنكر لذلك لمخالفته ما اعتاده من عادة أهل بلده وأكثر أهل الزمان، ولجهله بالسنة والآثار، وما عليه الصحابة والتابعون وأئمة الإسلام، وما يظنه بعض الناس من أن صلاتنا في العشر هي صلاة التعقيب الذي كرهه بعض العلماء فليس كذلك؛ لأن التعقيب هو التطوع جماعة بعد الفراغ من التراويح والوتر. هذه عبارة جميع الفقهاء في تعريف التعقيب أنه التطوع جماعة بعد الوتر عقب التراويح، فكلامهم ظاهر في أن الصلاة جماعة قبل الوتر ليس هو التعقيب " انتهى باختصار. وقال الشيخ صالح الفوزان في كتاب "إتحاف أهل الإيمان بمجالس شهر رمضان": " وأما في العشر الأواخر من رمضان، فإن المسلمين يزيدون من اجتهادهم في العبادة، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وطلباً لليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، فالذين يصلون ثلاثاً وعشرين ركعة في أول الشهر يقسمونها في العشر الأواخر، فيصلون عشر ركعات في أول الليل، يسمونها تراويح، ويصلون عشراً في آخر الليل، يطيلونها مع الوتر بثلاث ركعات، ويسمونها قياماً، وهذا اختلاف في التسمية فقط، وإلا فكلها يجوز أن تسمى تراويح، أو تسمى قياماً، وأما من كان يصلى في أول الشهر إحدى عشرة أو ثلاث عشرة ركعة فإنه يضيف إليها في العشر الأواخر عشر ركعات، يصليها في آخر الليل، ويطيلها، اغتناماً لفضل العشر الأواخر، وزيادة اجتهاد في الخير، وله سلف في ذلك من الصحابة وغيرهم ممن كانوا يصلون ثلاثاً وعشرين كما سبق، فيكونون جمعوا بين القولين: القول بثلاث عشرة في العشرين الأول، والقول بثلاث وعشرين في العشر الأواخر " انتهى. وانظر للفائدة جواب السؤال رقم: (82152) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109768 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3399 مشابهة الوتر للمغرب [السُّؤَالُ] ـ[كتبت في مقالة " صلاة الليل في رمضان " أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم الصلاة للوتر كثلاث ركعات ووضح ذلك بقوله: لا تجعلوها تشابه صلاة المغرب. وعليه فإن من أراد أن يصلي الوتر ثلاثا عليه أن يجد طريقة تجعلها تختلف (عن صلاة المغرب) . وهناك طريقتان: إما بالتسليم عقب الركعتين الأوليين، وهو الأفضل، أو بعدم الجلوس بعد الركعتين الأوليين. أنا أيضا أصلي ثلاث ركعات للوتر لكني أجعل صلاتي تختلف عن المغرب برفع يدي للتكبير قبل دعاء القنوت. فهل يصح ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قبل الجواب على هذا السؤال نشكر لك حرصك على اتباع السنة، ونسأل الله أن يجعلنا وإياك ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه. ما ذكرته – وفقك الله - من إرادتك عدم المشابهة بأن ترفع يدك للتكبير قبل دعاء القنوت، فهذا ليس مرادا من نهي النبي صلى الله عليه وسلم في قوله في الحديث الذي أخرجه الحاكم (1/304) والبيهقي (3/31) والدارقطني (ص172) وصححه الحاكم على شرطهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا توتروا بثلاث تشبهوا المغرب ". ومراده صلى الله عليه وسلم – كما بينه أهل العلم – هو النهي عن الجلوس للتشهد الأول بحيث تشبه صلاة المغرب. انظر في ذلك: فتح الباري لابن حجر4/301 قال الحافظ: إسناده على شرط الشيخين، وعون المعبود شرح حديث رقم (1423) ، وصلاة التراويح للألباني ص97. ورفع اليدين للتكبير قبل دعاء القنوت ليس بفرق في الحقيقة؛ لأن مواضع رفع اليدين في الصلاة أربعة: 1- عند تكبيرة الإحرام. 2- عند الركوع. 3- عند الرفع من الركوع. 4- عند القيام من التشهد الأول. فلا يشرع للمصلي أن يرفع يديه في غير هذه المواضع الأربعة. انظر في ذلك فتاوى أركان الإسلام للشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله ص 312. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 26844 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3400 فضل قيام رمضان [السُّؤَالُ] ـ[ما فضل قيام رمضان؟.]ـ [الْجَوَابُ] فضل قيام ليالي رمضان: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُرغب في قيام رمضان، من غير أن يأمرهم بعزيمة، ثم يقول: " من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك (أي على ترك الجماعة في التراويح) ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، وصدرٍ من خلافة عمر رضي الله عنه. وعن عمرو بن مرة الجهني قال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من قضاعة فقال: يا رسول الله! أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا الله، وأنك محمد رسول الله، وصليت الصلوات الخمس، وصمت الشهر، وقمت رمضان، وآتيت الزكاة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " من مات على هذا كان من الصديقين والشهداء " ليلة القدر وتحديدها: 2- وأفضل لياليه ليلة القدر، لقوله صلى الله عليه وسلم: " من قام ليلة القدر {ثم وُفّقت له} ، إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه " 3- وهي ليلة سابع وعشرين من رمضان على الأرجح، وعليه أكثر الأحاديث منها حديث زر بن حبيش قال: سمعت أبي ابن كعب يقول - وقيل له: إن عبد الله بن مسعود يقول: من قام السنة اصاب ليلة القدر! - فقال أُبيّ رضي الله عنه: رحمه الله، أراد أن لا يتكل الناس، والذي لا إله إلا هو، إنها لفي رمضان - يحلف ما يستثني - ووالله إني لأعلم أي ليلة هي؟ هي الليلة التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها، هي ليلة صبيحة سبع وعشرين وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها. ورفع ذلك في رواية إلى النبي صلى الله عليه وسلم. أخرجه مسلم وغيره. مشروعية الجماعة في القيام: 4- وتشرع الجماعة في قيام رمضان، بل هي أفضل من الانفراد، لإقامة النبي صلى الله عليه وسلم لها بنفسه، وبيانه لفضلها بقوله، كما في حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: " صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان، فلم يقم بنا شيئاً من الشهر حتى بقي سبع فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل، فلما كانت السادسة لم يقم بنا، فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب شطر الليل، فقلت: يا رسول الله! لو نفّلتنا قيام هذه الليلة، فقال: " إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة " فلما كانت الرابعة لم يقم، فلما كانت الثالثة جمع أهله ونساءه والناس، فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح، قال: قلت: وما الفلاح؟ قال: السحور، ثم لم يقم بنا بقية الشهر) حديث صحيح، أخرجه أصحاب السنن. السبب في عدم استمرار النبي صلى الله عليه وسلم بالجماعة فيه: 5- وإنما لم يقم بهم عليه الصلاة والسلام بقية الشهر خشية أن تُفرض عليهم صلاة الليل في رمضان، فيعجزوا عنها كما جاء في حديث عائشة في الصحيحين وغيرهما، وقد زالت هذه الخشية بوفاته صلى الله عليه وسلم بعد أن أكمل الله الشريعة، وبذلك زال المعلول، وهو ترك الجماعة في قيام رمضان، وبقي الحكم السابق وهو مشروعية الجماعة، ولذلك أحياها عمر رضي الله عنه كما في صحيح البخاري وغيره. مشروعية الجماعة للنساء: 6- ويشرع للنساء حضورها كما في حديث أبي ذر السابق بل يجوز أن يُجعل لهن إمام خاص بهن، غير إمام الرجال، فقد ثبت أن عمر رضي الله عنه لما جمع الناس على القيام، جعل على الرجال أبيّ بن كعب، وعلى النساء سليمان بن أبي حثمة، فعن عرفجة الثقفي قال: (كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يأمر الناس بقيام شهر رمضان ويجعل للرجال إماماً وللنساء إماماً، قال: فكنت أنا إمام النساء " قلت: وهذا محله عندي إذا كان المسجد واسعاً، لئلا يشوش أحدهما على الآخر. عدد ركعات القيام: 7- وركعاتها إحدى عشرة ركعة، ونختار أن لا يزيد عليها اتباعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه لم يزد عليها حتى فارق الدنيا، فقد سئلت عائشة رضي الله عنها عن صلاته في رمضان؟ فقالت: " ما كان رسول الله يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعاً فلا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاُ فلا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً " أخرجه الشيخان وغيرهما 8- وله أن ينقص منها، حتى لو اقتصر على ركعة الوتر فقط، بدليل فعله صلى الله عليه وسلم وقوله. أما الفعل، فقد سئلت عائشة رضي الله عنها: بكم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر؟ قالت: " كان يوتر بأربع وثلاث، وست وثلاث، وعشر وثلاث، ولم يكن يوتر بأنقص من سبع، ولا بأكثر من ثلاث عشرة " رواه ابو داود وأحمد وغيرهما. وأما قوله صلى الله عليه وسلم فهو: " الوتر حق، فمن شاء فليوتر بخمس، ون شاء فليوتر بثلاث، ومن شاء فليوتر بواحدة ". القراءة في القيام: 9- وأما القراءة في صلاة الليل في قيام رمضان أو غيره، فلم يحُد فيها النبي صلى الله عليه وسلم حداً لا يتعداه بزيادة أو نقص، بل كانت قراءته فيها تختلف قصراً وطولاً، فكان تارة يقرأ في كل ركعة قدر (يا أيها المزمل) وهي عشرون آية، وتارة قدر خمسين آية، وكان يقول: " من صلى في ليلة بمائة آية لم يكتب من الغافلين "، وفي حديث آخر: ".. بمائتي آية فإنه يُكتب من القانتين المخلصين ". وقرأ صلى الله عليه وسلم في ليلة وهو مريض السبع الطوال، وهي سورة (البقرة) و (آل عمران) و (النساء) و (المائدة) و (الأنعام) و (الأعراف) و (التوبة) . وفي قصة صلاة حذيفة بن اليمان وراء النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعة واحدة (البقرة) ثم (النساء) ثم (آل عمران) ، وكان يقرؤها مترسلا متمهلاً وثبت بأصح إسناد أن عمر رضي الله عنه لما أمر أبيّ بن كعب أن يصلي للناس بإحدى عشرة ركعة في رمضان، كان أبيّ رضي الله عنه يقرأ بالمئين، حتى كان الذين خلفه يعتمدون على العصي من طول القيام، وما كانوا ينصرفون إلا في أوائل الفجر. وصح عن عمر أيضاً أنه دعا القراء في رمضان، فأمر أسرعهم قراءة أن يقرأ ثلاثين آية، والوسط خمساً وعشرين آية، والبطيء عشرين آية. وعلى ذلك فإن صلى القائم لنفسه فليطوّل ما شاء، وكذلك إذا كان معه من يوافقه، وكلما أطال فهو أفضل، إلا أنه لا يبالغ في الإطالة حتى يحيي الليل كله إلا نادراً، اتباعاً للنبي صلى الله عليه وسلم القائل: " وخير الهدي هدي محمد "، وأما إذا صلى إماماً، فعليه أن يطيل بما لا يشق على من وراءه لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا قام أحدكم للناس فليخفف الصلاة، فإن فيهم الصغير والكبير وفيهم الضعيف، والمريض، وذا الحاجة، وإذا قام وحده فليُطل صلاته ما شاء. وقت القيام: 10- ووقت صلاة الليل من بعد صلاة العشاء إلى الفجر، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله زادكم صلاة، وهي الوتر، فصلوها بين صلاة العشاء إلى صلاة الفجر " 11- والصلاة في آخر الليل أفضل لمن تيسر له ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: " من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل، فإن صلاة آخر الليل مشهودة، وذلك أفضل " 12- وإذا دار الأمر بين الصلاة أول الليل مع الجماعة، وبين الصلاة آخر الليل منفرداً، فالصلاة مع الجماعة أفضل، لأنه يحسب له قيام ليلة تامة. وعلى ذلك جرى عمل الصحابة في عهد عمر رضي الله عنه، فقال عبد الرحمن بن عبيد القاري: " خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرّهط، فقال: والله إني لأرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم، فجمعهم على أبيّ بن كعب، قال: ثم خرجت معه ليلة أخرى، والناس يصلون بصلاة قارئهم، فقال: عمر، نعمت البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون - يريد آخر الليل - وكان الناس يقومون أوله " وقال زيد بن وهب: (كان عبد الله يصلي بنا في شهر رمضان فينصرف بليل) 13- لما كان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن الإيتار بثلاث، وعلل ذلك بقوله: " ولا تشبهوا بصلاة المغرب " فحينئذ لا بد لمن صلى الوتر ثلاثاً من الخروج من هذه المشابهة، وذلك يكون بوجهين: أحدهما: التسليم بين الشفع والوتر، وهو الأقوى والأفضل. والآخر: أن لا يقعد بين الشفع والوتر، والله تعالى أعلم. القراءة في ثلاث الوتر: 14- ومن السنة أن يقرأ في الركعة الأولى من ثلاث الوتر: (سبح اسم ربك الأعلى) ، وفي الثانية: (قل يا أيها الكافرون) ، وفي الثالثة: (قل هو الله أحد) ويضيف إليها أحياناُ: (قل أعوذ برب الفلق) و (قل أعوذ برب الناس) . وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قرأ مرة في ركعة الوتر بمائة آية من سورة (النساء) دعاء القنوت: 15- و.. يقنت.. بالدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم سبطه الحسن بن علي رضي الله عنهما وهو: (اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، لا منجا منك إلا إليك) ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً، لما يأتي بعده. (ولا بأس أن يزيد عليه من الدعاء المشروع والطيّب الصحيح) . 16- ولا بأس من جعل القنوت بعد الركوع، ومن الزيادة عليه بلعن الكفرة، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء للمسلمين في النصف الثاني من رمضان، لثبوت ذلك عن الأئمة في عهد عمر رضي الله عنه، فقد جاء في آخر حديث عبد الرحمن بن عبيد القاري المتقدم: " وكانوا يلعنون الكفرة في النصف: اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك، ويكذبون رسلك، ولا يؤمنون بوعدك، وخالف بين كلمتهم، وألق في قلوبهم الرعب، وألق عليهم رجزك وعذابك، إله الحق) ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعو للمسلمين بما استطاع من خير، ثم يستغفر للمؤمنين. قال: وكان يقول إذا فرغ من لعنة الكفرة وصلاته على النبي واستغفاره للمؤمنين والمؤمنات ومسألته: (اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، ونرجو رحمتك ربنا، ونخاف عذابك الجد، إن عذابك لمن عاديت ملحق " ثم يكبر ويهوي ساجداً. ما يقول في آخر الوتر: 17- ومن السنة أن يقول في آخر وتره (قبل السلام أو بعده) : " اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما اثنيت على نفسك " 18- وإذا سلم من الوتر، قال: سبحان الملك القدوس، سبحان الملك القدوس، سبحان الملك القدوس (ثلاثاً) ويمد بها صوته، ويرفع في الثالثة. الركعتان بعده: 19- وله أن يصلي ركعتين (بعد الوتر إن شاء) ، لثبوتهما عن النبي صلى الله عليه وسلم فعلاً بل.. قال: " إن هذا السفر جهد وثقل، فإذا أوتر أحدكم، فليركع ركعتين، فإن استيقظ وإلا كانتا له ". 20- والسنة أن يقرأ فيهما: (إذا زلزلت الأرض) و (قل يا أيها الكافرون) . [الْمَصْدَرُ] من كتاب قيام رمضان للألباني. الحديث: 3452 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3401 هل يصلون التراويح في المساجد مع إصرار أهلها على بعض البدع؟ [السُّؤَالُ] ـ[ابتلينا ببعض العامة إذا ما سلم الإمام من ركعتين من صلاة القيام رفعوا أصواتهم بالتسبيح "سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم" وهكذا بين كل ركعتين إلى أن ينتهي الإمام من الصلاة فيدعون جميعا بدعاء خاص وبورد خاص. وقام بعض الإخوة بإعلام الناس ملتزمين في ذلك الحكمة والرفق ومستندين إلى الأدلة من الكتاب والسنة أن عملهم ذلك خلاف السنة وأنه ليس من هدي السلف، لكن لم ينصاعوا للحق واستمروا في ذلك. فما الذي علينا فعله؟ هل نفارقهم أم نبقى معهم ونذكرهم بين الفينة والأخرى؟ علما أنهم مصّرون على عملهم، والخطب جلل حيث ترك الكثير صلاة التراويح في المساجد متحججين بأنها سنة ترافقها بدعة ودرأ المفاسد مقدم على جلب المصالح. أفتونا حفظكم الله.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سبق في جواب السؤال رقم (50718) أن ما يفعله بعض الناس من الذكر الجماعي بعد كل ركعتين من صلاة التراويح: بدعة، لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا أحد من أصحابه. وقد أحسنتم بتعليم الناس السنة، وإنكار البدع، وكان الواجب عليهم أن يرجعوا إلى هدي النبي صلى الله عليه وسلم، الذي هو خير الهدي وأكمله. وينبغي لكم أن تستمروا في صلاتكم معهم، ودعوتهم إلى السنة، وسييسر الله لكم من يقبل الحق ويحرص عليه، وإن رفضه بعضهم، (فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ) الأنعام/89. لكن.. إن وجدتم من أهل المسجد عناداً واستكباراً ورفضاً للحق، فإن أمكنكم الصلاة في مسجد آخر، أهله حريصون على اتباع السنة، واجتناب البدعة فهو الأولى، فإن لم يتيسر ذلك، فصلاتكم في ذلك المسجد خير، وقد قمتم بالواجب عليكم، ولعلهم يهتدون، (قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) الأعراف/164. وإذا ترك أهل السنة المساجد من أجل مثل هذه البدع لكان سبباً في زيادة البدع وانتشارها، وانطماس السنة وموتها، فعليكم بالصلاة في المساجد، وبيان السنة للناس، ملتزمين في ذلك بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في الرفق بالجاهل واللين معه. وفقكم الله إلى كل خير. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 108506 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3402 تتبع المساجد من أجل الخشوع في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[أريد صحة حديث (ليصل أحدكم في المسجد الذي يليه، ولا يتبع المساجد) . وماذا نقول للذي يتتبع المساجد ليخشع في الصلاة وأقرب لحضور القلب دون أن يفوت صلاة العشاء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "هذا الحديث فيما أعرفه مُختلف في صحته، وعلى تقدير ثبوته فإنه يحمل على ما إذا كان في ذلك تفريق للمصلين عن المسجد الذي حولهم، وإلا فمن المعلوم أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يرتادون المسجد النبوي ليصلوا خلف النبي صلى الله عليه وسلم، بل كان معاذ رضي الله عنه يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء الآخرة، ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم، مع تأخر الزمن. وارتياد الإنسان المسجد من أجل حسن القراءة، واستعانته بحسن قراءة إمامه على القيام لا بأس به، اللهم إلا إذا خشي من ذلك فتنة، أو خشي من ذلك إهانة للإمام الذي حوله، مثل أن يكون هذا الرجل من كبراء القوم، وانصرافه عن مسجده إلى مسجد آخر يكون فيه شيء من القدح في الإمام، فهنا قد نقول: إنه ينبغي أن يراعي هذه المفسدة فيتجنبها" انتهى. والله أعلم. "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (14/241، 242) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 108614 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3403 هل يجوز القراءة من الحاسوب في صلاة التراويح؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز قراءة القرآن الكريم عن طريق الحاسوب (الكمبيوتر) خلال أداء صلاة التروايح؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله القراءة عن طريق الحاسوب في الصلاة لها حكم القراءة من المصحف في الصلاة، وهي مسألة مشهورة، وفيها خلاف بين العلماء، فأجازها الشافعية الحنابلة، وذهب أبو حنيفة إلى بطلان صلاة من قرأ من المصحف. جاء في " الموسوعة الفقهية " (33 / 57، 58) : "ذهب الشافعية والحنابلة إلى جواز القراءة من المصحف في الصلاة، قال الإمام أحمد: لا بأس أن يصلّي بالناس القيام وهو ينظر في المصحف، قيل له: الفريضة؟ قال: لم أسمع فيها شيئاً. وسئل الزّهريّ عن رجل يقرأ في رمضان في المصحف، فقال: كان خيارنا يقرؤون في المصاحف. وفي شرح " روض الطالب " للشيخ زكريا الأنصاريّ: إذا قرأ في مصحف، ولو قلَّب أوراقه أحياناً لم تبطل - أي: الصلاة - لأن ذلك يسير أو غير متوال لا يشعر بالإعراض، والقليل من الفعل الذي يبطل كثيره إذا تعمده بلا حاجة: مكروه. وذهب أبو حنيفة إلى فساد الصلاة بالقراءة من المصحف مطلقاً، قليلاً كان أو كثيراً، إماماً أو منفرداً، أمّيّاً لا يمكنه القراءة إلا منه أو لا، وذكروا لأبي حنيفة في علة الفساد وجهين: أحدهما: أن حمل المصحف والنظر فيه وتقليب الأوراق عمل كثير. الثاني: أنه تلقنٌ من المصحف، فصار كما لو تلقَّن من غيره، وعلى الثاني لا فرق بين الموضوع والمحمول عنده، وعلى الأول يفترقان. واستثني من ذلك ما لو كان حافظاً لما قرأه وقرأ بلا حمل فإنه لا تفسد صلاته ; لأن هذه القراءة مضافة إلى حفظه لا إلى تلقّنه من المصحف ومجرد النظر بلا حمل غير مفسد. وذهب الصاحبان - أبو يوسف ومحمد - إلى كراهة القراءة من المصحف إن قصد التشبّه بأهل الكتاب" انتهى باختصار. والقول بالجواز هو الذي يفتي به علماء اللجنة الدائمة للإفتاء، والشيخ العثيمين، والشيخ عبد الله الجبرين. وانظر جواب السؤال رقم (1255) و (69670) . ولا شك أن الأولى هو أن لا يؤم الناس إلا من هو حافظ لكتاب الله تعالى، وأن يقرأ عن ظهر قلب. سئل الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله: هل القراءة من المصحف أفضل من القراءة عن ظهر قلب؟ نرجو الإفادة؟ . فأجاب: "أما من جهة قراءة القرآن في غير الصلاة: فالقراءة من المصحف أولى؛ لأنه أقرب إلى الضبط، وإلى الحفظ، إلا إذا كانت قراءته عن ظهر قلب أحفظ لقلبه وأخشع له فليقرأ عن ظهر قلب. وأما في الصلاة: فالأفضل أن يقرأ عن ظهر قلب؛ وذلك لأنه إذا قرأ من المصحف فإنه يحصل له عمل متكرر في حمل المصحف، وإلقائه، وفي تقليب الورق، وفي النظر إلى حروفه، وكذلك يفوته وضع اليد اليمنى على اليسرى على الصدر في حال القيام، وربما يفوته التجافي في الركوع والسجود إذا جعل المصحف في إبطه، ومن ثَمَّ رجحنا قراءة المصلي عن ظهر قلب على قراءته من المصحف" انتهى. " المنتقى من فتاوى الفوزان " (2 / 35، السؤال رقم 16) . وانظر كلام الشيخ العثيمين في جواب السؤال رقم: (3465) . ومن مفاسد القراءة من المصحف – ومثله الحاسوب أو الجوال – في الصلاة أنها تقتل همَّة الإمام في حفظ القرآن، وتقضي على رغبته في حفظه، فإذا علم أنه سيفتح مصحفاً في صلاته، أو سينظر في الحاسوب أو الجوال: لم يبذل وقته في حفظ كتاب الله تعالى، ولم يحرص على إتقانه، فاحرص أخي على حفظ كتاب الله، واقرأ منه في صلاتك عن ظهر قلب. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 108242 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3404 هل نجمع العشاء والتراويح مع المغرب في رمضان إذا نزل المطر [السُّؤَالُ] ـ[إذا نزل المطر وقت المغرب في رمضان فهل نترك الجمع بين المغرب والعشاء أو نجمع المغرب مع العشاء ونؤخر التراويح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا هذا السؤال على سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله فأجاب: الأمر واسع إن شاء الله، والجمع (في هذه الحالة) قد يفوت به مصالح كثيرة للناس. انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 11643 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3405 التطويل في صلاة التراويح [السُّؤَالُ] ـ[إمام مسجد يصلي بالناس التراويح ويقرأ في كل ركعة صفحة كاملة أي ما يعادل حوالي 15 آية إلا أن بعض الناس يقول: إنه يطيل القراءة، والبعض يقول عكس ذلك. ما السنة في صلاة التراويح؟ وهل هناك حد يعرف به التطويل من عدمه، من نقول عن النبي صلى الله عليه وسلم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالليل إحدى عشرة ركعة في رمضان وغيره، ولكنه يطيل القراءة والأركان، حتى إنه قرأ مرة أكثر من خمسة أجزاء في ركعة واحدة، مع الترتيل والتأني. وثبت أنه كان يقوم عند انتصاف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل، ثم يستمر يصلي إلى قرب طلوع الفجر، فيصلي ثلاث عشرة ركعة في نحو خمس ساعات، وذلك يستدعي الإطالة في القراءة والأركان. وثبت أن عمر لما جمع الصحابة على صلاة التراويح كانوا يصلون عشرين ركعة، ويقرؤون في الركعة نحو ثلاثين آية من آي البقرة، أي: ما يقارب أربع صفحات أو خمساً، فيصلون بسورة البقرة في ثمان ركعات، فإن صلوا بها في ثنتي عشرة ركعة رأوا أنه قد خفف. هذه هي السنة في صلاة التراويح، فإذا خفف القراءة زاد في عدد الركعات إلى إحدى وأربعين ركعة، كما قال بعض الأئمة، وإن أحب الاقتصار على إحدى عشرة أو ثلاث عشرة زاد في القراءة والأركان، وليس لصلاة التراويح عدد محدود، وإنما المطلوب أن تصلي في زمن تحصل فيه الطمأنينة والتأني، بما لا يقل عن ساعة أو نحوها، ومن رأى أن ذلك إطالة فقد خالف المنقول، فلا يلتفت إليه " انتهى. فضيلة الشيخ ابن جبرين. "فتاوى إسلامية" (2/157، 158) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106461 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3406 دخول النساء المساجد بأطفالهن في صلاة التراويح [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم دخول النساء بالأطفال إلى المساجد في صلاة التراويح؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا تمنع النساء من إتيان المساجد بأطفالهن في رمضان، فقد دلت السنة على إتيان النساء المساجد ومعهن أطفالهن زمن النبي صلى الله عليه وسلم، لحديث: (إِنِّي لَأَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَا أُرِيدُ إِطَالَتَهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلَاتِي، مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ) . ومن ذلك: (حمل النبي صلى الله عليه وسلم أمامة في صلاة الفريضة وهو يؤم الناس في المسجد) . لكن عليهن الحرص على صيانة المسجد من النجاسة بالتحرز في حق الأطفال في نومهم وغير ذلك" انتهى. "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله" (4/214، 215) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106462 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3407 صلاة التراويح ركعتين ركعتين [السُّؤَالُ] ـ[بعض الأئمة في صلاة التراويح يجمعون أربع ركعات أو أكثر في تسليمة واحدة دون جلوس بين الركعتين، ويدّعون أن ذلك من السنة. فهل لهذا العمل أصل في شرعنا المطهر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "هذا العمل غير مشروع، بل مكروه أو محرم عند أكثر أهل العلم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى) متفق على صحته من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، ولما ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل إحدى عشر ركعة، يسلم من كل اثنتين، ويوتر بواحدة) متفق على صحته والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. وأما حديث عائشة المشهور: (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل أربعاً، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن) .. الحديث متفق عليه، فمرادها: أنه يسلم من كل اثنتين، وليس مرادها أنه يسرد الأربع بسلام واحد، لحديثها السابق، ولما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من قوله: (صلاة الليل مثنى مثنى) كما تقدم، والأحاديث يصدق بعضها بعضاً، فالواجب على المسلم أن يأخذ بها كلها، وأن يفسر المجمل بالمبين. والله ولي التوفيق" انتهى. فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله. "فتاوى إسلامية" (2/156) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106463 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3408 مراعاة حال الضعفاء من كبار السن ونحوهم في صلاة التراويح [السُّؤَالُ] ـ[هل ينبغي للإمام مراعاة حال الضعفاء من كبار السن ونحوهم في صلاة التراويح؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "هذا أمر مطلوب في جميع الصلوات، في التراويح وفي الفرائض، لقوله صلى الله عليه وسلم: (أيكم أمَّ الناس فليخفف فإن فيهم الضعيف والصغير وذا الحاجة) فالإمام يراعي المأمومين، ويرفق بهم في قيام رمضان، وفي العشر الأخيرة، وليس الناس سواء، فالناس يختلفون، فينبغي له أن يراعي أحوالهم، ويشجعهم على المجيء، وعلى الحضور، فإنه متى أطال عليهم شق عليهم، ونَفَّرهم من الحضور، فينبغي له أن يراعي ما يشجعهم على الحضور، ويرغبهم في الصلاة، ولو بالاختصار وعدم التطويل، فصلاة يخشع فيها الناس ويطمئنون فيها ولو قليلاً خير من صلاة يحصل فيها عدم الخشوع، ويحصل فيها الملل والكسل" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله" (11/336) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106526 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3409 تتبع المساجد طلباً لحسن الصوت [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم تتبع المساجد طلباً لحسن صوت الإمام لما ينتج عن ذلك من الخشوع وحضور القلب؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الأظهر - والله أعلم - أنه لا حرج في ذلك، إذا كان المقصود أن يستعين بذلك على الخشوع في صلاته، ويرتاح في صلاته ويطمئن قلبه، لأنه ما كل صوت يريح، فإذا كان قصده من الذهاب إلى صوت فلان أو فلان الرغبة في الخير، وكمال الخشوع في صلاته، فلا حرج في ذلك، بل قد يشكر على هذا ويؤجر على نيته، والإنسان قد يخشع خلف إمام، ولا يخشع خلف إمام، بسبب الفرق بين القراءتين والصلاتين، فإذا كان قَصَدَ بذهابه إلى المسجد البعيد أن يستمع لقراءته لحسن صوته، وليستفيد من ذلك، وليخشع في صلاته، لا لمجرد الهوى والتجول، بل لقصد الفائدة والعلم، وقصد الخشوع في الصلاة، فلا حرج في ذلك، وقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (أَعْظَمُ النَّاسِ أَجْرًا فِي الصَّلَاةِ: أَبْعَدُهُمْ فَأَبْعَدُهُمْ مَمْشًى) رواه البخاري (651) ومسلم (662) ، فإذا كان قصده أيضاً زيادة الخطوات فهذا أيضاً مقصد صالح" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله" (11/328، 329) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106530 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3410 تقليد الأصوات في صلاة التراويح [السُّؤَالُ] ـ[بعض أئمة المساجد في صلاة التراويح يقلدون قراءة غيرهم وذلك لتحسين أصواتهم بالقرآن، فهل هذا عمل مشروع وجائز.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تحسين الصوت بالقرآن أمر مشروع أمر به النبي صلى الله عليه وسلم واستمع النبي صلى الله عليه وسلم إلى قراءة أبي موسى الأشعري وأعجبته قراءته حتى قال له: (لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود) مسلم في صلاة المسافرين (793) . وعلى هذا فإذا قلد إمام المسجد شخصاً حسن الصوت والقراءة من أجل أن يحسن صوته وقراءته لكتاب الله عز وجل فإن هذا أمر مشروع لذاته ومشروع لغيره أيضاً لأن فيه تنشيطاً للمصلين خلفه، وسبباً لحضور قلوبهم واستماعهم وإنصاتهم للقراءة وفضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم. [الْمَصْدَرُ] كتاب الدعوة 5 ابن عثيمين 2/201 الحديث: 26196 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3411 يتعارض وقت العمل مع صلاة التراويح فكيف يصنع؟ [السُّؤَالُ] ـ[يحين موعد عملي قبل أن ينتهي الإمام من صلاة التراويح وأنا محتاج للذهاب للعمل، فماذا أفعل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صلّ معه ما استطعت من صلاة التراويح جماعة، ولا بأس أن تنصرف إلى عملك بعد ركعتين أو أربع أو ست ونحو ذلك ثم تكمل الصلاة في بيتك وتوتر في آخرها. وإذا وجدت مسجداً يصلي مبكراً واستطعت إكمال الصلاة معه ثم الذهاب للعمال فهذا أحسن لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ) رواه الترمذي (806) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 12208 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3412 إذا فاته شيء من أول التروايح فكيف يقضيها؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا دخلت المسجد في صلاة العشاء متأخراً وفاتتني صلاة العشاء جماعة وصليتها منفرداً وتأخرت عن صلاة التراويح أثناء أدائي لصلاة العشاء وسبقني الإمام بصلاة التراويح ركعتين فكيف أؤدي الركعتين؟ منفردا أم ماذا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا فاتتك صلاة العشاء، وجئت والإمام يصلي التراويح، فالأولى أن تدخل خلفه بنية العشاء، فإذا سلم أتممت صلاتك، ولا تصل منفردا، ولا مع جماعة أخرى، حتى لا تقام جماعتان في وقت واحد فيحصل بذلك تشويش وتداخل في الأصوات. ثانيا: أما ما فاتك من التراويح فإن أردت الإتيان به، فإنك تشفع الوتر مع الإمام، ثم تصلي ما فاتك، ثم توتر. ومعنى شفع الوتر مع الإمام: ألا تسلم معه في صلاة الوتر، بل تقوم وتأتي بركعة ثم تسلم. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا حضرت مع الناس وهم يصلون صلاة التراويح وقد فاتني شيء منها فهل أقضي ما فاتني بعد الوتر أم ماذا أصنع؟ فأجاب: " لا تقض ما فاتك بعد الوتر، لكن إن كنت تريد أن تقضي ما فاتك، فاشفع الوتر مع الإمام، ثم صل ما فاتك ثم أوتر. وهنا مسألة أنبه عليها: لو جئت والإمام يصلي التراويح وأنت لم تصلِ العشاء فماذا تفعل؟ هل تصلي العشاء وحدك أم تدخل مع الإمام في التراويح بنية العشاء؟ الجواب: أدخل مع الإمام في التراويح بنية العشاء، وإذا سلم الإمام من التراويح فقم واقض ما بقي عليك من صلاة العشاء، وقد نص الإمام أحمد رحمه الله على هذه المسألة بعينها، واختارها شيخ الإسلام ابن تيمية، وهي القول الراجح؛ لأن القول الراجح: أنه يجوز أن يأتمّ المفترض بالمتنفل بدليل حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلاة العشاء ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة، هي له نافلة ولهم فريضة " انتهى من "اللقاء الشهري". والأفضل قضاؤها جماعة إن تيسر، فإن لم يتيسر فلا حرج عليك من قضائها منفردا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93747 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3413 نسي الإمام وقام للثالثة في صلاة التراويح ثم جلس [السُّؤَالُ] ـ[إذا نسي الإمام في التراويح الجلوس للتشهد في الركعة الثانية وقام ولم يقرأ الفاتحة وجلس مرة أخرى سريعاً للتشهد بعد ثوان قليلة. فماذا عليه وماذا على المأموم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عليهم جميعاً سجود السهو لهذا العمل الزائد وهو القيام لركعة ثالثة. [الْمَصْدَرُ] كتبه الشيخ عبد الكريم الخضير الحديث: 8413 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3414 هل دعاء الوتر واجب وماذا يقول إذا لم يحفظه [السُّؤَالُ] ـ[أجد صعوبة في حفظ الأدعية عن ظهر قلب مثل دعاء القنوت في الوتر. فكنت أقرأ سورة مكانه ولما عرفت أنه فرض حاولت حفظه وجعلت في أثناء الصلاة أقرأه من كتاب أتناوله من على طاولة بجانبي وأنا ما أزال متجهاً إلى القبلة فهل هذا جائز؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله 1. لا بأس أن تقرأ دعاء القنوت من ورقة أو كتيب في صلاة الوتر حتى تتمكن من حفظه ثم تترك القراءة بعد ذلك وتدعو من حفظك كما أنه يجوز قراءة القرآن مِن المصحف في صلاة النافلة لمن لا يحفظ الكثير من القرءان. سئل الشيخ ابن باز رحمه الله ما حكم قراءة القرءان من المصحف في صلاة التراويح؟ وما الدليل على ذلك من الكتاب والسنة؟ فأجاب: لا حرج في القراءة من المصحف في قيام رمضان لما في ذلك من إسماع المؤمنين جميع القرآن؛ ولأن الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة قد دلت على شرعية قراءة القرءان في الصلاة، وهي تعم قراءته من المصحف وعن ظهر قلب وقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها أمرت مولاها ذكوان أن يؤمها في قيام رمضان وكان يقرأ من المصحف ذكره البخاري رحمه الله في صحيحه معلِّقا مجزوما به. " فتاوى إسلامية " (2 / 155) . 2- لا يجب في دعاء القنوت أن يكون باللفظ الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل يجوز للمصلي أن يدعو بغيره أو يزيد عليه، بل لو قرأ آيات من القرآن الكريم وهي مشتملة على الدعاء حصل المقصود، قال النووي رحمه الله: واعلم أن القنوت لا يتعين فيه دعاء على المذهب المختار، فأي دعاء دعا به حصل القنوت ولو قنت بآية، أو آيات من القرآن العزيز وهي مشتملة على الدعاء حصل القنوت، ولكن الأفضل ما جاءت به السنة.. الأذكار النووية ص 50 3- وأما ما ذكره الأخ السائل من أنه كان يقرأ بدلاً من دعاء القنوت قرءاناً فلا شك أن هذا لا ينبغي فعله، لأن المقصود من القنوت هو الدعاء، ولذلك لو كانت هذه الآيات مشتملة على الدعاء جاز قراءتها والقنوت بها كقوله تعالى: (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذا هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) آل عمران / 8 4- وأما ما ذكره الأخ السائل من فرضية القنوت: فليس بصحيح إذ القنوت سنة، وعلى هذا لو تركه المصلي فصلاته صحيحة. سئل الشيخ ابن باز رحمه الله ما حكم قراءة دعاء القنوت في الوتر في ليالي رمضان وهل يجوز تركه؟ . فأجاب: القنوت سنة في الوتر وإذا تركه في بعض الأحيان: فلا بأس. وسئل: عمن يستمر على القنوت في الوتر كل ليلة فهل أثر هذا عن سلفنا؟. فأجاب: لا حرج في ذلك بل هو سنة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما علم الحسين بن علي رضي الله عنهما القنوت في الوتر لم يأمر بتركه بعض الأحيان ولا بالمداومة عليه فدل ذلك على جواز الأمرين، ولذا ثبت عن أبي ابن كعب رضي الله عنه حين كان يصلي بالصحابة رضي الله عنهم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يترك القنوت بعض الليالي ولعل ذلك ليعلم الناس أنه ليس بواجب. والله ولي التوفيق. " فتاوى إسلامية " (2 / 159) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 9061 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3415 حكم القراءة من المصحف في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[هل تجوز القراءة من المصحف في صلاة التراويح وصلاة الكسوف أو لا؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج في القراءة من المصحف في قيام رمضان، لما في ذلك من إسماع المأمومين جميع القرآن، ولأن الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة قد دلت على شرعية قراءة القرآن في الصلاة، وهي تعم قراءته من المصحف وعن ظهر قلب، وقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها أمرت مولاها ذكوان أن يؤمها في قيام رمضان، وكان يقرأ من المصحف، ذكره البخاري رحمه الله في صحيحه معلقاً مجزوماً به. [الْمَصْدَرُ] فتاوى إسلامية م2 - الشيخ ابن باز رحمه الله الحديث: 1255 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3416 إذا زاد ركعة على وتر الإمام ليكمل بعد ذلك [السُّؤَالُ] ـ[بعض الناس إذا صلى مع الإمام الوتر وسلم الإمام قام وأتى بركعة ليكون وتره آخر الليل فما حكم هذا العمل؟ وهل يعتبر انصراف مع الإمام؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا نعلم في هذا بأساً نص عليه العلماء ولا حرج فيه حتى يكون وتره في آخر الليل. ويصدق عليه أنه قام مع الإمام حتى ينصرف لأنه قام معه حتى انصراف الإمام وزاد ركعة لمصلحة شرعية حتى يكون وتره آخر الليل فلا بأس بهذا ولا يخرج به عن كونه ما قام مع الإمام بل هو قام مع الإمام حتى انصرف لكنه لم ينصرف معه بل تأخر قليلاً. [الْمَصْدَرُ] من كتاب الجواب الصحيح من أحكام صلاة الليل والتراويح للشيخ عبد العزيز بن باز ص 41هـ الحديث: 3453 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3417 متابعة الإمام حتى ينصرف في التراويح [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان الأرجح في عدد ركعات التراويح هو أحد عشر ركعة وصليت في مسجد تقام فيه التراويح بإحدى وعشرين ركعة، فهل لي أن أغادر المسجد بعد الركعة العاشرة أم من الأحسن إكمال الإحدى وعشرين ركعة معهم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأفضل إتمام الصلاة مع الإمام حتى ينصرف ولو زاد على إحدى عشرة ركعة لأنّ الزيادة جائزة لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: ".. مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ قِيَامَ لَيْلَةٍ.. " رواه النسائي وغيره: سنن النسائي: باب قيام شهر رمضان. ولقوله صلى الله عليه وسلم: " صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ ". رواه السبعة وهذا لفظ النسائي. ولا شكّ أنّ التقيّد بسنة النبي صلى الله عليه وسلم هو الأولى والأفضل والأكثر أجرا مع إطالتها وتحسينها، ولكن إذا دار الأمر بين مفارقة الإمام لأجل العدد وبين موافقته إذا زاد فالأفضل أن يوافقه المصلي للأحاديث المتقدّمة، هذا مع مناصحة الإمام بالحرص على السنّة. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 3456 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3418 حكم صلاة التراويح للنساء [السُّؤَالُ] ـ[هل على النساء صلاة تراويح، وهل يستحسن لهن أداؤها في المنزل أم الذهاب للمسجد لهذا الغرض؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صلاة التروايح سنة مؤكدة، ويبقى الأفضل في حق النساء قيام الليل في بيوتهن لقوله صلى الله عليه وسلم: " لا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ. " رواه أبو داود في سننه باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد: باب التشديد في ذلك. وهو في صحيح الجامع 7458 بل كلّما كانت صلاتها في موضع أخفى وأكثر خصوصية كان ذلك أفضل كما قال صلى الله عليه وسلم: " صَلاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا وَصَلاتُهَا فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهَا فِي بَيْتِهَا " رواه أبو داود في سننه كتاب الصلاة باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد وهو في صحيح الجامع 3833 وعن أُمِّ حُمَيْدٍ امْرَأَةِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهَا جَاءَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُحِبُّ الصَّلاةَ مَعَكَ قَالَ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلاةَ مَعِي وَصَلاتُكِ فِي بَيْتِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي حُجْرَتِكِ وَصَلاتُكِ فِي حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلاتِكِ فِي دَارِكِ وَصَلاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ وَصَلاتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي مَسْجِدِي قَالَ فَأَمَرَتْ فَبُنِيَ لَهَا مَسْجِدٌ فِي أَقْصَى شَيْءٍ مِنْ بَيْتِهَا وَأَظْلَمِهِ فَكَانَتْ تُصَلِّي فِيهِ حَتَّى لَقِيَتْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ. رواه الإمام أحمد ورجال إسناده ثقات ولكنّ هذه الأفضلية لا تمنع من الإذن لهنّ من الذهاب إلى المساجد كما في حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ إِذَا اسْتَأْذَنَّكُمْ إِلَيْهَا قَالَ فَقَالَ بِلالُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَاللَّهِ لَنَمْنَعُهُنَّ قَالَ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ فَسَبَّهُ سَبًّا سَيِّئًا مَا سَمِعْتُهُ سَبَّهُ مِثْلَهُ قَطُّ وَقَالَ أُخْبِرُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقُولُ وَاللَّهِ لَنَمْنَعُهُنَّ رواه مسلم 667 ولكنّ ذهاب المرأة إلى المسجد يشترط فيه ما يلي: 1- أن تكون بالحجاب الكامل 2- أن تخرج غير متطيّبة 3- أن يكون ذلك بإذن الزّوج وأن لا يكون في خروجها أيّ مُحرّم آخر كالخلوة مع السّائق الأجنبي في السّيارة ونحو ذلك. فلو خالفت المرأة شيئا مما ذُكِر فإنه يحقّ لزوجها أو وليها أن يمنعها من الذّهاب بل يجب ذلك عليه. وقد سألت شيخنا الشيخ عبد العزيز عن صلاة التراويح هل لها على وجه الخصوص أفضلية للمرأة في صلاتها في المسجد فأجاب بالنفي وأنّ الأحاديث في أفضلية صلاة المرأة في بيتها عامة تشمل التراويح وغيرها هذا والله تعالى أعلم. ونسأل الله لنا ولسائر إخواننا المسلمين الإخلاص والقبول وأن يجعل عملنا على ما يحبّ ويرضى وصلى الله وسلم على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 3457 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3419 صلاة التراويح في البيت / ووضع الكريم على الجسم أثناء الصوم [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمسلم أن يصلي التراويح في البيت؟ وإذا كان يجوز فكم عدد الركعات؟ وهل هناك أدعية مخصوصة؟ هل يجوز وضع كريم على الوجه أو بقية الجسم في حال الصوم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صلاة التراويح تشرع جماعةً للرجال في المسجد في ليالي رمضان لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة " أخرجه الترمذي (806) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. ومع ذلك فلو صلاها الرجل في بيته فلا إثم عليه وصلاته صحيحة، وأما في غير رمضان فالمشروع أن يصلي الرجل قيام الليل في بيته. وأما المرأة فالأفضل في حقها أن تصلي في بيتها ولو أرادت الصلاة في المسجد فلا تُمنع لقوله صلى الله عليه وسلم: لا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ " رواه أبو داود (567) صححه الألباني. وقال صلى الله عليه وسلم: " لا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ " متفق عليه: البخاري (900) ـ مسلم (442) وأما وضع الكريم على الوجه والجسم، فلا بأس به، يُراجع السؤال رقم (2299) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 13617 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3420 القنوت في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أسألك عن القنوت في الصلاة (رفع اليدين بعد الركوع) هل هذا الفعل من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم أو أن هذا العمل كان استثنائياً بسبب الحالة التي كانوا عليها. لو سمحت أجبني لأن أمير مسجدنا قال أن الرسول سُئل أي الصلاة أفضل فأجاب عليه الصلاة والسلام الصلاة التي فيها قنوت أطول]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله القنوت في تعريف الفقهاء هو: " اسم للدعاء في الصلاة في محل مخصوص من القيام ". وهو مشروع في صلاة الوتر بعد الركوع على الصحيح من قولي العلماء. ومشروع إذا نزلت بالمسلمين نازلة فيدعو بعد الرفع من الركوع في آخر ركعة من كل فريضة من الصلوات الخمس، حتى يكشف الله النازلة، ويرفعها عن المسلمين. انظر كتاب تصحيح الدعاء للشيخ بكر أبو زيد ص 460 وأما القنوت في صلاة الصبح دائماً في جميع الأحوال فإنه " لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خص الصبح بالقنوت، ولا أنه داوم عليه في صلاة الصبح، وإنما الذي ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قنت في النوازل بما يناسبها، فقنت في صلاة الصبح وغيرها من الصلوات يدعو على رعل وذكوان وعُصَيَّة لقتلهم القراء الذين أرسلهم النبي صلى الله عليه وسلم إليهم ليعلموهم دينهم، وثبت في صلاة الصبح وغيرها يدعو للمستضعفين من المؤمنين أن ينجيهم الله من عدوهم، ولم يداوم على ذلك، وسار على ذلك الخلفاء الراشدون من بعده، فخير (للإمام) أن يقتصر على القنوت في النوازل اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ثبت عن أبي مالك الأشجعي قال: قلت لأبي: يا أبت قد صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلف أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أفكانوا يقنتون في الفجر؟ فقال: (أي بنيّ مُحدَث) رواه الخمسة إلا أبا داود (وصححه الألباني في الإرواء 435) ، وإن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (7/47) . فإن قلت: هل هناك صيغة محددة للقنوت في صلاة الوتر؟ والقنوت في النوازل؟ فالجواب: لدعاء القنوت في صلاة الوتر صيغ واردة منها: 1- الصيغة التي علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي رضي الله عنهما، وهي: (اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لني فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، لا منجى منك إلا إليك) أخرجه أبو داود (1213) والنسائي (1725) وصححه الألباني في الإرواء 429. 2- وعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي آخِرِ وِتْرِهِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ " رواه الترمذي 1727 وصححه الألباني في الإرواء 430 وصحيح أبي داود 1282. ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت عن بعض الصحابة رضي الله عنهم في آخر قنوت الوتر، منهم: أُبي بن كعب، ومعاذ الأنصاري رضي الله عنهما. أنظر تصحيح الدعاء للشيخ بكر أبو زيد ص460 القنوت عند النوازل: وعند القنوت للنوازل يدعو بما يناسب الحال كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن قبائل من العرب غدروا بأصحابه وقتلوهم، ودعا للمستضعفين من المؤمنين بمكة أن يُنجيهم الله تعالى , وورد عن عمر أنه قنت بهذا الدعاء: (اللهم إنا نستعينك ونؤمن بك، ونتوكل عليك ونثني عليك الخير ولا نكفرك، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك الجدَّ بالكفار مُلحق، اللهم عذِّب الكفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك " رواه البيهقي 2/210 وصححه الألباني في الإرواء 2/170 وقال الألباني: (هذه الرواية) عن عمر في قنوت الفجر، والظاهر أنه في قنوت النازلة كما يُشعر به دعاؤه على الكفار. فإن قلت: هل يمكنني أن أدعو بغير ما ذُكر؟ فالجواب: نعم، يجوز ذلك، قال النووي في المجموع (3/497) : الصحيح المشهور الذي قطع به لجمهور أنه لا تتعين بها (أي بهذه الصيغة) ، بل يحصل بكل دعاء. أ. هـ وبما أنَّ الصيغة الواردة لا تتعين بذاتها، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يدع بها، فلا حرج من الزيادة عليها، قال الشيخ الألباني رحمه الله: " ولا بأس من الزيادة عليه بلعن الكفرة ومن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والدعاء للمسلمين " قيام رمضان للألباني 31. بقي معنا مسألة مهمة وهي: هل دعاء القنوت يكون قبل الركوع أم بعده؟ الجواب: " أكثر الأحاديث والذي عليه أكثر أهل العلم: أن القنوت بعد الركوع , وإن قنت قبل الركوع فلا حرج، فهو مُخير بين أن يركع إذا أكمل القراءة، فإذا رفع وقال: ربنا ولك الحمد قنت ... وبين أن يقنت إذا أتم القراءة ثم يُكبر ويركع، كل هذا جاءت به السنة "انتهى كلام الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله من الشرح الممتع 4/64. تنبيه: قول السائل (أفضل الصلاة التي فيها قنوت أطول) لعله يُشير به إلى الحديث الذي رواه مسلم (1257) عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أفضل الصلاة طول القنوت ". قال النووي: المراد بالقنوت هنا طول القيام باتفاق العلماء فيما علمت. أ. هـ فليس المراد من الحديث بالقنوت: الدعاء بعد الرفع من الركوع، وإنما المراد به طول القيام. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 20031 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3421 صلاة التراويح جماعة في رمضان سنة وليس بدعة [السُّؤَالُ] ـ[هل تعتبر صلاة التراويح في جماعة بدعة لم تكن على عهد النبي وأن أول من أقامها عمر بن الخطاب رضي الله عنه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله القول بأن صلاة التراويح بدعة ليس بوارد، وإنما يُقال هل هي من سنن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأنها لم تكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفعلت في عهده أو هي من سنن النبي صلى الله عليه وسلم؟! فادعى بعض الناس أنها من سنن عمر، واستدل لذلك بأن عمر بن الخطاب " أمر أبيّ بن كعب وتميماً الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة " وخرج ذات ليلة والناس يُصلُّون فقال: نعمت البدعة هذه " وهذا يدل على أنه لم يسبق لها مشروعية ... ولكن هذا قول ضعيف غفل قائله عما ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم (قام بأصحابه ثلاث ليال وفي الثالثة أوفي الرابعة لم يُصلّ، وقال: إني خشيت أن تُفرض عليكم) رواه البخاري (872) وفي لفظ مسلم (ولكني خشيت أن تُفرض عليكم صلاة الليل فتعجزوا عنها) (1271) فثبتت التراويح بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم المانع من الاستمرار فيها، لا من مشروعيتها، وهو خوف أن تُفرض، وهذا الخوف قد زال بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه لما مات صلى الله عليه وسلم انقطع الوحي فأمن من فرضيتها، فلما زالت العلة وهو خوف الفريضة بانقطاع الوحي ثبت زوال المعلول وحينئذ تعود السنية لها.أهـ انظر الشرح الممتع لابن عثيمين ج/4 ص/78 وثبت في الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَدَعُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ خَشْيَةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ ... رواه البخاري (الجمعة/1060) ومسلم (صلاة المسافرين/1174) قال النووي: وَفِيهِ: بَيَان كَمَالِ شَفَقَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَأْفَته بِأُمَّتِهِ.أهـ فلا وجه للقول بأن صلاة التراويح ليست من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بل هي من سنة النبي صلى الله عليه وسلم تركها خشية أن تُفرض على الأمة فلما مات زالت هذه الخشية، وكان أبو بكر رضي الله عنه منشغلاً بحروب المرتدين وخلافته قصيرة (سنتان) ، فلما كان عهد عمر واستتب أمر المسلمين جمع الناس على صلاة التراويح في رمضان كما اجتمعوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقصارى ما فعله عمر رضي الله عنه العودة إلى تلك السنة وإحياؤها، والله الموفق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 21740 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3422 زاد ركعة في أحد تسليمات التراويح [السُّؤَالُ] ـ[قام الإمام في الركعة الثالثة في صلاة التراويح وأنهى الصلاة ثم أخبروه أنه صلى ثلاثة، فهل يسجد للسهو أم يكملها أربعاً؟.]ـ [الْجَوَابُ] عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله بقوله: يسجد للسهو، ثم يكمل الصلاة مثنى مثنى، كما لو كان هذا في الفريضة. انتهى والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن صالح العثيمين الحديث: 8825 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3423 الإطالة في الدعاء في صلاة التراويح [السُّؤَالُ] ـ[بعض أئمة المساجد في رمضان يطيلون في الدعاء ويعضهم يقصر، فما هو الصحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصحيح ألا يكون غلو ولا تقصير، فالإطالة التي تشق على الناس منهي عنها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه أن معاذ بن جبل أطال الصلاة في قومه غضب عليه غضباً شديداً لم يغضب في موعظة مثله قط، وقال لمعاذ بن جبل: (يا معاذ أفتان أنت) البخاري في الأدب (6106) ، ومسلم في الصلاة (465) ، فالذي ينبغي أن يقتصر على الكلمات الواردة أو يزيد. ولا شك في أن الإطالة شاقة على الناس وترهقهم، ولاسيما الضعفاء منهم، ومن الناس من يكون وراءه أعمال، ولا يحب أن ينصرف قبل الإمام ويشق عليه أن يبقى مع الإمام، فنصيحتي لإخواني الأئمة أن يكونوا بين بين، كذلك ينبغي أن يترك الدعاء أحياناً حتى لا يظن العامة أن الدعاء واجب. [الْمَصْدَرُ] كتاب الدعوة ج/5 الشيخ ابن عثيمين (2/198) . الحديث: 26149 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3424 هل يمنع الأطفال من القدوم إلى المسجد [السُّؤَالُ] ـ[هل نمنع الأطفال من المجيء للمسجد في التراويح مع الأمهات لكثرة الإفساد والإزعاج؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سألت الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله هذا السؤال فأجاب: يُتركون كما جاء في الأحاديث، (ويسع الآخرين ما وسع الأولين) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد العزيز بن باز يرحمه الله الحديث: 11605 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3425 حمل المصحف للمأموم مخالفة للسنة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم حمل المصحف من قبل المأمومين في صلاة التراويح في رمضان بحجة متابعة الإمام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله حمل المصحف لهذا الغرض فيه مخالفة للسنة وذلك من وجوه: الوجه الأول: أنه يفوت الإنسان وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى في حال القيام. والثاني: أنه يؤدي إلى حركة كثيرة لا حاجة لها وهي فتح المصحف وإغلاقه ووضعه تحت الإبط. والثالث: أنه يشغل المصلي في الحقيقة بحركاته هذه. والرابع: أنه يفوت المصلي النظر إلى موضع السجود وأكثر العلماء يرون أن النظر إلى موضع السجود هو السنة والأفضل. والخامس: أن فاعل ذلك ربما ينسى أنه في صلاة إذا لم يكن يستحضر قلبه أنه في صلاة، بخلاف ما إذا كان خاشعاً واضعاً يده اليمنى على اليسرى مطأطئاً رأسه نحو سجوده فإنه يكون أقرب إلى استحضار أنه يصلي وأنه خلف الإمام. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين لمجلة الدعوة العدد 1771 ص 45 الحديث: 10067 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3426 صلى بزوجته وأولاده قيام الليل في البيت سرّاً [السُّؤَالُ] ـ[نويت أن أحيى ليلة القدر فى المسجد، ولكن لم أستطع، فصليت التراويح فى بيتي أنا وزوجتي وأولادي. فهل تصح صلاتي هذه أم لا؟ سؤالي الثاني: لقد صليت ثنتي عشرة ركعة أنا وأسرتي، وكنت أنا الإمام، ولكن صليت بهم سرا وليس جهرا. أفيدونى أفادكم الله؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد للَّه أولا: صلاة التراويح في البيت جائزة لا حرج فيها، إلا أن صلاتها جماعة في المسجد أفضل. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: عندما يمر شهر رمضان وحان وقت صلاة التراويح، هل أذهب إلى المسجد أم أصلي في بيتي، وأنا لست إماما ولكن مأموم، وأحب أن أقرأ القرآن، وأفضل قراءتي عن استماعي، وإذا صليت في بيتي هل فيه ذنب علي، نقصد صلاة التراويح فقط؟ فأجابوا: "لا حرج عليك في صلاتها في البيت لكونها نافلة، لكن صلاتها مع الإمام في المسجد أفضل، تأسِّياً بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه لما صلى بهم التراويح في بعض الليالي إلى ثلث الليل وقال له بعضهم: لو نَفَّلتَنا بقيةَ ليلتنا: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له قيام ليلته) رواه أحمد (5/159) وأصحاب السنن بإسناد حسن من حديث أبي ذر رضي الله عنه " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (7/201-202) . ثانيا: الأصل في صلاة التراويح أنها من الصلوات الجهرية لما ثبت عن الصحابة رضوان الله عليهم في صلاتها زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث كان أبي بن كعب وغيره يقومون بالناس فيطيلون القراءة. ولكن الجهر في الصلاة الجهرية، والإسرار في الصلاة السرية بالنسبة للإمام هو من مندوبات الصلاة، وليس من واجباتها، كما هو مذهب جمهور أهل العلم من المالكية والشافعية والحنابلة. جاء في "الموسوعة الفقهية" (16/188) : " يرى جمهور الفقهاء أنّ الجهر فيما يجهر به والإخفات فيما يخافت فيه سنّة من سنن الصّلاة، وذهب الحنفيّة إلى أنّه يجب الجهر فيما يجهر به والمخافتة فيما يخافت فيه " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "نور على الدرب" (الصلاة/218) : " الجهر بالقراءة في الصلاة الجهرية ليس على سبيل الوجوب، بل هو على سبيل الأفضلية، فلو أن الإنسان قرأ سرّاً فيما يشرع فيه الجهر لم تكن صلاته باطلة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن) ولم يقيد هذه القراءة بكونها جهراً أو سراً، فإذا قرأ الإنسان ما تجب قراءته سرّاً أو جهراً فقد أتى بالواجب، لكن الأفضل فيما يسن فيه الجهر كالركعتين الأوليين من صلاتي المغرب والعشاء وكصلاة الفجر وصلاة الجمعة وصلاة العيد وصلاة الاستسقاء وصلاة التراويح وما أشبه ذلك مما هو معروف، ولو تعمد الإنسان وهو إمام أن لا يجهر فصلاته صحيحة، لكنها ناقصة، أما المنفرد إذا صلى صلاة جهرية فإنه يخير بين الجهر والإسرار، وينظر ما هو أنشط له وأقرب إلى الخشوع فيقوم به " انتهى وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (6/392) : "ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر بالقراءة في ركعتي الصبح، وفي الأوليين من صلاة المغرب وصلاة العشاء، فكان الجهر في ذلك سنة، والمشروع في حق أمته أن تقتدي به لقوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) الأحزاب/21، ولما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (صَلُّوا كَمَا رَأَيتُمُونِي أُصَلِّي) . وإن أسر في موضع الجهر كان تاركا للسنة، ولا تبطل صلاته بذلك " انتهى. والخلاصة: أن صلاتك صحيحة ولا شيء عليك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 81146 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3427 إحياء ليلة القدر وحكم الاحتفال بها [السُّؤَالُ] ـ[كيف يكون إحياء ليلة القدر؛ أبالصلاة أم بقراءة القرآن والسيرة النبوية والوعظ والإرشاد والاحتفال لذلك في المسجد؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في غيرها بالصلاة والقراءة والدعاء، فروى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم: (كان إذا دخل العشر الأواخر أحيا الليل وأيقظ أهله وشد المئزر) . ولأحمد ومسلم: (كان يجتهد في العشر الأواخر مالا يجتهد في غيرها) . ثانياً: حث النبي صلى الله عليه وسلم على قيام ليلة القدر إيماناً واحتساباً، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) . رواه الجماعة إلا ابن ماجه، وهذا الحديث يدل على مشروعية إحيائها بالقيام. ثالثاً: من أفضل الأدعية التي تقال في ليلة القدر ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها، فروى الترمذي وصححه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (قلت: يا رسول الله، أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها؟) قال: (قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني) . رابعاً: أما تخصيص ليلة من رمضان بأنها ليلة القدر فهذا يحتاج إلى دليل يعينها دون غيرها، ولكن أوتار العشر الأواخر أحرى من غيرها والليلة السابعة والعشرون هي أحرى الليالي بليلة القدر؛ لما جاء في ذلك من الأحاديث الدالة على ما ذكرنا. خامساً: وأما البدع فغير جائزة لا في رمضان ولا في غيره، فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) وفي رواية: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) . فما يفعل في بعض ليالي رمضان من الاحتفالات لا نعلم له أصلا، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها. وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة (10/413) . الحديث: 48965 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3428 هل للمأموم أن يقرأ من المصحف خلف إمامه بغير قراءة الإمام؟ [السُّؤَالُ] ـ[أصلي مقتدياً خلف الإمام في صلاة التراويح، ولكن بعد تأمينه وقراءتي الفاتحة أقرأ من مصحف في يدي من ختمتي الخاصة، ثم أتابع الإمام في سائر الصلاة، فهل يجوز قراءتي بعد الفاتحة من مصحفي مع العلم أني أقرأ بسورة مختلفة عما يقرأ الإمام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الواجب على المأموم أن يقرأ الفاتحة ثم ينصت لقراءة إمامه، ولا يجوز له أن يقرأ زيادة على الفاتحة، سواء قرأها من حفظه أم من مصحف. فقد أمرَ الله تعالى المصلِّين وغيرهم أن يستمعوا وينصتوا إذا قُرِئ عليهم القرآن، فقال تعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) الأعراف/204. وهكذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فعَنْ أَبِي موسى الأشعري رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا) رواه مسلم (404) . ولا يُستثنَى من هذا إلا قراءة الفاتحة فقط. فعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلاةِ الْفَجْرِ، فَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: (لَعَلَّكُمْ تَقْرَءُونَ خَلْفَ إِمَامِكُمْ؟) قُلْنَا: نَعَمْ، هَذًّا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: (لا تَفْعَلُوا إِلا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، فَإِنَّهُ لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا) رواه أبو داود (823) وصححه الشيخ ابن باز في "فتاواه" (11/221) . وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: " لا يجوز للمأموم في الصلاة الجهرية أن يقرأ زيادة على الفاتحة بل الواجب عليه بعد ذلك الإنصات لقراءة الإمام لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَعَلَّكُمْ تَقْرَءُونَ خَلْفَ إِمَامِكُمْ) قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: (لا تَفْعَلُوا إِلا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا) ، ولقول الله سبحانه: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) وقوله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا) . وإنما يستثنى من ذلك قراءة الفاتحة فقط للحديث السابق ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ) متفق على صحته " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (11 / 234) . ثانياً: وقد سبق في جواب السؤال رقم (52876) أنه ينبغي للمأموم ألا يحمل المصحف خلف إمامه، وأن حمله له خلاف السنة، هذا إذا كان سيتابع قراءة إمامه، إما إذا كان سيحمل المصحف ويقرأ غير قراءة الإمام فقد سبق أن ذلك حرام، لأنه لا يجوز للمأموم في الصلاة الجهرية أن يزيد على قراءة الفاتحة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 66742 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3429 هل يجوز صلاة الوتر تسع ركعات بتشهدين وسلام واحد؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم صلاة التراويح جماعة في المسجد تسع ركعات بتشهد بعد الثامنة، وآخر بعد التاسعة ثم السلام، فإن البعض قالوا إن هذا بدعة؟ أرجو ذكر الحكم بالدليل معضداً بأقوال العلماء المتقدمين والمتأخرين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأفضل في صلاة التراويح أن تُصلى إحدى عشرة ركعة , كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في رمضان وغيره , فيصلي ركعتين ركعتين. . ثم يوتر بثلاث , ولو زاد المصلي عن إحدى عشر أو نقص فلا حرج عليه , وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (9036) . وأما الصفة المسئول عنها فهي إحدى صفات صلاة الوتر , فعن عائشة رضي الله عنها – وسئلت عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم - فقالت: (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان َيُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ لا يَجْلِسُ فِيهَا إِلا فِي الثَّامِنَةِ فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ , ثُمَّ يَنْهَضُ وَلا يُسَلِّمُ , ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّ التَّاسِعَةَ , ثُمَّ يَقْعُدُ فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ , ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمًا يُسْمِعُنَا) رواه مسلم (746) . قال ابن القيم – في بيان أنواع قيام ووتر النبي صلى الله عليه وسلم -: " النوع الخامس: تسع ركعات يسرد منهن ثمانيا لا يجلس في شيء منهن إلا في الثامنة , يجلس يذكر الله تعالى ويحمده ويدعوه ثم ينهض ولا يسلم , ثم يصلي التاسعة ثم يقعد ويتشهد ويسلم ثم يصلي ركعتين جالسا بعدما يسلم " انتهى. " زاد المعاد " (1 / 317) . وقد ظن بعض الناس أن هذه الأحاديث معارضة لما ثبت في الصحيحين من قول النبي صلى الله عليه وسلم (صَلاَةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى) وليس الأمر كذلك؛ لأن هذا الحديث وارد في صلاة قيام الليل، والصورة التي ذكرناها والواردة في السؤال إنما هي في صلاة الوتر. قال ابن القيم رحمه الله بعد أن ساق أحاديث في أنواع وتره صلى الله عليه وسلم -: " وكلها أحاديث صحاح صريحة لا معارض لها , فَرُدَّتْ هذه بقوله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى) وهو حديث صحيح , ولكن الذي قاله هو الذي أوتر بالتسع والسبع والخمس , وسننه كلها حق يصدق بعضها بعضا , فالنبي صلى الله عليه وسلم أجاب السائل له عن صلاة الليل بأنها (مَثْنَى مَثْنَى) ولم يسأله عن الوتر، وأما السبع والخمس والتسع والواحدة: فهي صلاة الوتر، والوتر اسم للواحدة المنفصلة مما قبلها وللخمس والسبع والتسع المتصلة , كالمغرب اسم للثلاث المتصلة , فإن انفصلت الخمس والسبع بسلامين كالإحدى عشرة كان الوتر اسما للركعة المفصولة وحدها , كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى , فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ أَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ تُوتِرُ لَهُ مَا صَلَّى) فاتفق فعله صلى الله عليه وسلم وقوله، وصدَّق بعضُه بعضاً " انتهى. " إعلام الموقعين " (2 / 424، 425) . وقد سبق في جواب السؤال (52875) بيان أن صلاة الوتر من صلاة الليل , ولكنها تخالفها في الكيفية. وعلى هذا , فصلاة التراويح لا تصلى تسع ركعات متصلة بتشهدين وسلام واحد , وإنما الذي يُصلى كذلك هو صلاة الوتر. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 66652 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3430 القراءة في صلاة التراويح [السُّؤَالُ] ـ[إمامنا يقرأ من مواضع متفرقة من القرآن في صلاة التراويح في كل ليلة. فما حكم اختيار مواضع متفرقة من سور القرآن للتراويح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الأفضل في القراءة في صلاة التراويح أن يختم فيها القرآن مرة، وقد يستدل لذلك بما ثبت في الصحيحين من مدارسة جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم القرآن في رمضان، وعرضه عليه. قال الشيخ ابن باز (15/325) : " يمكن أن يفهم من ذلك أن قراءة القرآن كاملة من الإمام على الجماعة في رمضان نوع من هذه المدارسة لأن في هذا إفادة لهم عن جميع القرآن، ولهذا كان الإمام أحمد رحمه الله يحب ممن يؤمهم أن يختم بهم القرآن وهذا من جنس عمل السلف في محبة سماع القرآن كله، ولكن ليس هذا موجبا لأن يعجل ولا يتأنى في قراءته، ولا يتحرى الخشوع والطمأنينة بل تحري هذه الأمور أولى من مراعاة الختمة " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (11 / 331 – 333) . وجاء في الموسوعة الفقهية (27/148) : " ذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ مَا رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَخْتِمَ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ فِي صَلاةِ التَّرَاوِيحِ لِيَسْمَعَ النَّاسُ جَمِيعَ الْقُرْآنِ فِي تِلْكَ الصَّلاةِ. وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: السُّنَّةُ الْخَتْمُ مَرَّةً , فَلا يَتْرُكُ الإِمَامُ الْخَتْمَ لِكَسَلِ الْقَوْمِ , بَلْ يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ عَشَرَ آيَاتٍ أَوْ نَحْوَهَا , فَيَحْصُلُ بِذَلِكَ الْخَتْمُ (وهذا مبني على أنه سيصلي كل ليلة عشرين ركعة) وَقِيلَ: يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ثَلاثِينَ آيَةً لأَنَّ عُمَرَ رضي الله تعالى عنه أَمَرَ بِذَلِكَ , فَيَقَعُ الْخَتْمُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ فِي رَمَضَانَ. . . قَالَ الْكَاسَانِيُّ: مَا أَمَرَ بِهِ عُمَرُ رضي الله تعالى عنه هُوَ مِنْ بَابِ الْفَضِيلَةِ , وَهُوَ أَنْ يَخْتِمَ الْقُرْآنَ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ , وَهَذَا فِي زَمَانِهِمْ , وَأَمَّا فِي زَمَانِنَا فَالأَفْضَلُ أَنْ يَقْرَأَ الإِمَامُ عَلَى حَسَبِ حَالِ الْقَوْمِ , فَيَقْرَأُ قَدْرَ مَا لا يُنَفِّرُهُمْ عَنْ الْجَمَاعَةِ ; لأَنَّ تَكْثِيرَ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ ". انتهى. وما قاله الكاساني رحمه الله جيد، فعلى الإمام أن يراعي حال المأمومين. فلا يجوز أن يكون الإمامُ منفِّراً للناس فيطيل بهم الصلاة حتى يشق عليهم، ويظن أنه إن لم يفعل ذلك فقد أساء! بل الصواب له أن يشجِّع الناس على الصلاة ولو بالتخفيف بشرط أن يتم الصلاة. فلأن يصلي الناس صلاة خفيفة تامَّة خير لهم من ترك الصلاة. قال أبو داود: سئل أحمد بن حنبل عن الرجل يقرأ القرآن مرتين في رمضان يؤم الناس؟ قال: هذا عندي على قدر نشاط القوم، وإن فيهم العمَّال. قال ابن رجب الحنبلي: " وكلام الإمام أحمد يدل على أنه يراعي في القراءة حال المأمومين، فلا يشق عليهم، وهذا قاله أيضا غيره من الفقهاء من أصحاب أبي حنيفة وغيرهم ". " لطائف المعارف " (ص 18) . وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز: ما رأيكم فيما يفعله بعض الأئمة من تخصيص قدر معين من القرآن لكل ركعة ولكل ليلة؟ فأجاب: لا أعلم في هذا شيئاً؛ لأن الأمر يرجع إلى اجتهاد الإمام فإذا رأى أن من المصلحة أن يزيد في بعض الليالي أو بعض الركعات لأنه ينشط , ورأى من نفسه قوة في ذلك , ورأى من نفسه تلذذا بالقراءة فزاد بعض الآيات لينتفع وينتفع من خلفه , فإنه إذا حسن صوته وطابت نفسه بالقراءة وخشع فيها ينتفع هو ومن ورائه فإذا زاد بعض الآيات في بعض الركعات أو في بعض الليالي فلا نعلم فيه بأسا، والأمر واسع بحمد الله تعالى. " فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز " (11 / 335، 336) . وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز – أيضاً -: هل ينبغي للإمام مراعاة حال الضعفاء من كبار السن ونحوهم في صلاة التراويح؟ فأجاب: هذا أمر مطلوب في جميع الصلوات، في التراويح وفي الفرائض؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (أيكم أمَّ الناس فليخفف فإن فيهم الضعيف والصغير وذا الحاجة) ، فالإمام يراعي المأمومين ويرفق بهم في قيام رمضان وفي العشر الأخيرة، وليس الناس سواء، فالناس يختلفون، فينبغي له أن يراعي أحوالهم ويشجعهم على المجيء وعلى الحضور فإنه متى أطال عليهم شق عليهم ونفَّرهم من الحضور، فينبغي له أن يراعي ما يشجعهم على الحضور ويرغبهم في الصلاة ولو بالاختصار وعدم التطويل، فصلاة يخشع فيها الناس ويطمئنون فيها ولو قليلا خير من صلاة يحصل فيها عدم الخشوع ويحصل فيها الملل والكسل. " فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز " (11 / 336، 337) . ثالثاً: سبق في جواب السؤال (20043) أن قراءة بعض سورة في الصلاة جائز، غير أن الأفضل قراءة سورة كاملة، لأن هذا هو غالب فعل النبي صلى الله عليه وسلم. واستثنى بعض العلماء – كابن الصلاح – صلاة التراويح، فقال: إن قراءة بعض سورة فيها أفضل، حتى يتسنَّى له ختم القرآن فيها. قال في تحفة المحتاج شرح المنهاج (2/52) : يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَحَلَّ كَوْنِ الْبَعْضِ أَفْضَلَ إذَا أَرَادَ الصَّلاةَ بِجَمِيعِ الْقُرْآنِ فِي التَّرَاوِيحِ فَإِنْ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ فَالسُّورَةُ أَفْضَلُ. انتهى. وجاء في الموسوعة الفقهية (33/49) : وَكَرِهَ مَالِكٌ الاقْتِصَارَ عَلَى بَعْضِ السُّورَةِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ. . . . وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إلَى أَنَّهُ لا يُكْرَهُ قِرَاءَةُ بَعْضِ السُّورَةِ , لِعُمُومِ قوله تعالى: (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ) ولِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: كَانَ يَقْرَأُ فِي الأُولَى مِنْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ: (قُولُوا آمَنَّا بِاَللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْنَا) وَفِي الثَّانِيَةِ قوله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ) . لَكِنْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ السُّورَةَ الْكَامِلَةَ أَفْضَلُ مِنْ قَدْرِهَا مِنْ طَوِيلَةٍ. . . وَمَحَلُّهُ فِي غَيْرِ التَّرَاوِيحِ , أَمَّا فِيهَا فَقِرَاءَةُ بَعْضِ الطَّوِيلَةِ أَفْضَلُ , وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ السُّنَّةَ فِيهَا الْقِيَامُ بِجَمِيعِ الْقُرْآنِ. انتهى باختصار. والخلاصة: ما دام إمامكم لن يختم القرآن في صلاة التراويح، فقراءته من مواضع متفرقة من القرآن الكريم جائزة من غير كراهة، وإن كان الأكمل أن يقرأ سورة كاملة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 66504 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3431 قراءة دعاء الاستفتاح في صلاة التراويح [السُّؤَالُ] ـ[هل نقرأ دعاء الاستفتاح في أول كل ركعتين من صلاة التراويح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم. يُشرع لك قراءة دعاء الاستفتاح في أول كل ركعتين من صلاة التراويح، وغيرها من صلاة النافلة، لعموم الأدلة. ومما ورد من الأدعية في استفتاحات قيام الليل خاصة ما يلي: لا إله إلا الله (ثلاثاً) ، الله أكبر (ثلاثاً) " الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً " استفتح به رجل من الصحابة فقال صلى الله عليه وسلم: (عجبت لها فتحت لها أبواب السماء) " الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه " استفتح به رجل آخر فقال صلى الله عليه وسلم: (لقد رأيت اثني عشر ملكاً يبتدرونها أيهم يرفعها) " اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ مَلِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ الْحَقُّ، وَوَعْدُكَ حَقٌّ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، أنت ربنا وإليك المصير، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ، وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ، وَمَا أَعْلَنْتُ، وما أنت أعلم به مني، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ، وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، أنت إلهي، لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ، ولا حول ولا قوة إلا بك) " اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " كَانَ يُكَبِّرُ عَشْرًا، ويحمد عشراً، وَيُسَبِّحُ عَشْرًا، وَيُهَلِّلُ عَشْرًا، وَيَسْتَغْفِرُ عَشْرًا، وَيَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَاهْدِنِي، وَارْزُقْنِي، وعافني، عَشْرًا، وَيَقُولُ: " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الضِّيقِ يَوْمَ الْحِسَابِ عَشْرًا " " اللَّهُ أَكْبَرُ ثَلاثًا ذُو الْمَلَكُوتِ وَالْجَبَرُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ " انظر صفة صلاة النبي للألباني ص (94-95) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 66558 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3432 هل يصلي خلف من يصلي الوتر ثلاثاً بتشهدين وسلام ويقنتون قبل الركوع؟ [السُّؤَالُ] ـ[في المركز الإسلامي الذي أصلي فيه يتبعون المذهب الحنفي حيث يصلون الوتر ثلاث ركعات يفصل بينهما التشهد في الركعة الثانية ولا يسلمون ويقومون للركعة الثالثة ثم بعد قراءة الفاتحة وسورة يكبرون ولا يركعون بل يأتون بدعاء التهجد سرّاً ثم يكبرون ثانية للركوع فهل هذا صحيح؟ وإن كان لا فماذا نفعل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ما فعله الإمام والمصلون من صلاة الوتر ثلاث ركعات بتشهدين وسلام واحد، ومن القنوت قبل الركوع هما من مسائل الخلاف المشهورة بين الحنفية وبين جمهور العلماء، وصلاة الوتر بتلك الطريقة لا تخلو من كراهة، فالوتر بثلاث ركعات له صفتان كلتاهما مشروعة وهما: الأولى: أن يسرد الثلاث بتشهد واحد وتسليم واحد. والثانية: أن يصلي ركعتين ثم يسلم ثم يوتر بواحدة. وتجد تفصيل هاتين الصورتين بأدلتهما في جواب السؤال رقم (46544) فلينظر. وصلاة ثلاث ركعات بتشهدين وسلام ورد فيها نهي أقل أحواله الكراهة، وقد سبق ذكر فتاوى العلماء في المنع منها في جواب السؤال رقم: (72246) و (26844) فلينظرا. وأما القنوت قبل الركوع: فقد ورد في السنَّة الصحيحة ما يدل عليه، ولمن قال بالقنوت بعد الركوع دليل أيضاً، فليس في الأمر ما يسوِّغ الإنكار فضلاً عن المخالفة، فضلاً عما هو أشد وهو ترك الصلاة خلف ذلك الإمام. وقد سبق ذكر مسألة القنوت في الوتر في جواب السؤال رقم (14093) فلينظر. ثانياً: لا بأس أن تصلي خلفهم، ولو كانوا على الصفة التي ذكرتها، لأن ما يفعلونه إنما هو تقليد لإمام مجتهد فلا يسوغ ترك الصلاة خلفهم، ولا الفرقة بينكم، وبخاصة أنكم في ديار كفر، وما تفعلونه يُحسب على الإسلام. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وتنازعوا (يعني: العلماء) فيما إذا ترك الإمام ما يعتقد المأموم وجوبه مثل أن يترك قراءة البسملة والمأموم يعتقد وجوبها , أو يمس ذكره ولا يتوضأ والمأموم يرى وجوب الوضوء من ذلك , أو يصلي في جلود الميتة المدبوغة والمأموم يرى أن الدباغ لا يطهر , أو يحتجم ولا يتوضأ والمأموم يرى الوضوء من الحجامة، والصحيح المقطوع به: أن صلاة المأموم صحيحة خلف إمامه وإن كان إمامه مخطئاً في نفس الأمر , لما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يصلون لكم , فإن أصابوا فلكم ولهم وإن أخطأوا فلكم وعليهم) . وكذلك إذا اقتدى المأموم بمن يقنت في الفجر أو الوتر قنت معه سواء قنت قبل الركوع أو بعده , وإن كان لا يقنت لم يقنت معه , ولو كان الإمام يرى استحباب شيء والمأمومون لا يستحبونه فتركه لأجل الاتفاق والائتلاف كان قد أحسن. مثال ذلك: الوتر، فإن للعلماء فيه ثلاثة أقوال: أحدهما: أنه لا يكون إلا بثلاث متصلة، كالمغرب، كقول من قاله من أهل العراق. والثاني: أنه لا يكون إلا ركعة مفصولة عما قبلها كقول من قال ذلك من أهل الحجاز. والثالث: أن الأمرين جائزان , كما هو ظاهر مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما، وهو الصحيح، وإن كان هؤلاء يختارون فصله عما قبله. فلو كان الإمام يرى الفصل فاختار المأمومون أن يصلي الوتر كالمغرب فوافقهم على ذلك تأليفاً لقلوبهم كان قد أحسن , كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: (لولا أن قومَك حديثو عهد بجاهلية لنقضت الكعبة ولألصقتها بالأرض , ولجعلت لها بابين باباً يدخل الناس منه وباباً يخرجون منه) فترك الأفضل عنده لئلا ينفر الناس " انتهى. " الفتاوى الكبرى " (2 / 476) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 66613 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3433 هل يجتمعن في بيت إحداهن لأداء صلاة التراويح؟ [السُّؤَالُ] ـ[نحن في قرية لا يوجد فيها نساء يذهبن إلى الجامع , والجامع أيضاً لا يوجد فيه مكان مخصص للنساء , فهل يجوز لمجموعة من النساء التجمع في أحد المنازل لصلاة التراويح لوحدهن في جماعة؟ وإن جاز فهل الصلاة تكون سرية أو ماذا؟ وكيف يمكن لهن الصلاة في جماعة إذا كانت الصلاة جهرية كالصبح أو العشاء وكانت إحداهن إماماً فهل تجهر بالقراءة أو لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يجوز للنساء أن يجتمعن لأداء صلاة التراويح في بيت إحداهنَّ بشرط عدم التبرج والزينة في الخروج، وبشرط الأمن وعدم الفتنة. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ولا بأس بحضور النساء صلاة التراويح إذا أمنت الفتنة، بشرط أن يخرجن محتشمات غير متبرجات بزينة ولا متطيبات " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (14/السؤال رقم 808) . والأفضل لهن أن تصلي كل واحدة منهن في بيتها، بل في قعر بيتها، وقد نصَّ النبي صلى الله عليه وسلم على أن صلاة النساء للفرض في بيوتهن خير لهنَّ من الصلاة في المساجد، فأولى أن تكون النافلة مثله. عن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خَيْرُ مَسَاجِدِ النِّسَاءِ قَعْرُ بُيُوتِهِنَّ) . رواه أحمد (26002) وحسَّنه الألباني في "صحيح الترغيب" (341) . بل إن صلاة المرأة في بيتها خير من صلاة جماعة في المسجد الحرام أو النبوي خلف النبي صلى الله عليه وسلم. عَنْ أُمِّ حُمَيْدٍ امْرَأَةِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنهما أَنَّهَا جَاءَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُحِبُّ الصَّلاةَ مَعَكَ. قَالَ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلاةَ مَعِي، وَصَلاتُكِ فِي بَيْتِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي حُجْرَتِكِ، وَصَلاتُكِ فِي حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلاتِكِ فِي دَارِكِ، وَصَلاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ، وَصَلاتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي مَسْجِدِي. قَالَ: فَأَمَرَتْ، فَبُنِيَ لَهَا مَسْجِدٌ فِي أَقْصَى شَيْءٍ مِنْ بَيْتِهَا وَأَظْلَمِهِ، فَكَانَتْ تُصَلِّي فِيهِ حَتَّى لَقِيَتْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ. رواه أحمد (26550) وصححه ابن خزيمة (1689) ، وحسَّنه الألباني في "صحيح الترغيب" (340) . والحديث بوَّب عليه الإمام ابن خزيمة بقوله: باب اختيار صلاة المرأة في حجرتها على صلاتها في دارها، وصلاتها في مسجد قومها على صلاتها في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وإن كانت صلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم تعدل ألف صلاة في غيرها من المساجد، والدليل على أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: " صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد " أراد به صلاة الرجال دون صلاة النساء. وقال الشيخ عبد العظيم آبادي رحمه الله: ووجه كون صلاتهن في البيوت أفضل للأمن من الفتنة، ويتأكد ذلك بعد وجود ما أحدث النساء من التبرج والزينة. " عون المعبود " (2 / 193) . ثانياً: إذا اجتمعت النساء في بيتٍ وفق الشروط السابقة جاز أن يصلين جماعة، وتقف إمامتهن في وسطهن ولا تتقدّم عليهن، ولا تؤم الرجال ولو كانوا من محارمها، وتجهر بصلاتها كما يجهر الرجل في الصلوات الجهرية، على أن لا تُسمع صوتها الرجال إلا أن يكونوا من محارمها. عن أم ورقة بنت عبد الله بن نوفل الأنصارية أنها استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم أن تتخذ في دارها مؤذنا فأذن لها ... وأمرها أن تؤم أهل دارها. رواه أبو داود (591) وحسنة الشيخ الألباني في " إرواء الغليل " (493) . وعن عائشة أنها كانت تؤذن وتقيم وتؤم النساء وتقف وسطهن. وعن عائشة أنها أمت نسوة في المكتوبة فأمتهن بينهن وسطاً. وعَنْ حُجَيْرَة بنت حصين قَالَتْ: أَمَّتْنَا أُمُّ سَلَمَةَ قَائِمَةً وَسَطَ النِّسَاءِ. وعن أم الحسن أنها رأت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تؤم النساء تقوم معهن في صفهن. قال الشيخ الألباني رحمه الله بعد تخريج تلك الآثار: وبالجملة فهذه الآثار صالحة للعمل بها ولاسيما وهي مؤيدة بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: " إنما النساء شقائق الرجال " ... . " صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم " (ص 153 – 155) باختصار. وقال ابن قدامة رحمه الله: وتجهر في صلاة الجهر، وإن كان ثَمَّ (أي هناك) رجالٌ: لا تجهر، إلا أن يكونوا من محارمها، فلا بأس. " المغني " (2 / 17) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65965 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3434 يترك صلاة الجماعة بسبب العمل [السُّؤَالُ] ـ[والدي أحياناً لا يذهب إلى صلاة الفجر والتراويح بسبب الضغط الشديد في عمله، فهل هذا يجوز أم لا؟ مع العلم أن والدي - في العادة - في رمضان لا يترك صلاة التراويح إلا إذا كان مريضاً، وهو متدين أيضاً - والحمد لله - ولكن الآن من ضغط عمله فلا يذهب أحياناً إلى الصلاة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصلاة في الجماعة واجبة في جميع الأوقات لقول الله تعالى: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ) النساء/102. فأوجب سبحانه تعالى الصلاة في الجماعة في حال الحرب، فكيف بحال السلم؟ وروى البخاري (608) ومسلم (1040) أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ثم آمر رجلاً فيؤمَّ ثم أخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة فأُحرق عليهم بيوتهم) ، وفي صحيح مسلم (1044) (أن رجلاً أعمى جاء إلى النبي فقال: يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله أن يرخص له في بيته، فرخَّص له فلما ولَّى دعاه فقال: هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم. قال: فأجب) ، فينبغي للمسلم أن يحافظ على الصلاة في الجماعة في جميع الأوقات وأن لا يشغله عنها شاغل من شواغل الدنيا. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) المنافقون/9، فعليك أن تنصحي والدك وتذكريه بهذه الأدلة الصحيحة بالحكمة والموعظة الحسنة. وهذا الحكم هو لصلاة الجماعة في الصلوات الخمس، أما التراويح فأمرها أيسر من ذلك، فيجوز للمسلم أن يصليها في بيته، وإن كان الأفضل أن يصليها جماعة في المسجد. ولا يجوز للمسلم أن يرهق نفسه في أعمال الدنيا على حساب عبادته وصلاته، وقد وصف الله تعالى المؤمنين أنهم لا تلهيهم تجارتهم ولا بيعهم عن ذِكر الله وإقام الصلاة فقال تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآَصَالِ. رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ. لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) النور/36–38. وفي ختم الآيات بقوله تعالى (وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) إشارة إلى أمر ينبغي التفطن له لمن بذل وقته في التجارة والعمل على حساب طاعته لربه، وهو أن الرزق بيد الله يرزقه من يشاء بغير حساب، وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فقال: (أيها الناس، اتقوا الله وأجملوا في الطلب، فإن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقها، وإن أبطأ عنها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب خذوا ما حل ودعوا ما حرم) رواه ابن ماجه (2144) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الترغيب " (1698) . فلا مانع من بذل الأسباب في الرزق لكن ينبغي على المسلم أن لا يبالغ في العمل فيبذل له وقته كله على حساب طاعته وصحته وتربية أبنائه، وعليه أن يسدد ويقارب. فنرجو أن يقف والدك على ما قلناه ويتأمله حق التأمل، ونسأل الله تعالى أن يهديه لأحسن الأقوال والأفعال والأخلاق، وأن يرزقه رزقا حسناً طيبا مباركاً فيه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65783 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3435 تريد أن تتهجد آخر الليل فهل توتر مع الإمام في التروايح؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا امرأة مسلمة أحافظ على أداء صلاة التراويح. وفي الغالب إذا لم أذهب إلى الصلاة في المسجد فإن أخي الذي يصغرني سناً لا يذهب أيضاً. وإذا ذهبنا إلى المسجد نصلي الوتر مع الإمام. وقد اعتدت على الاستيقاظ في جوف الليل لصلاة التهجد وقراءة القرآن، ولكني بعد صلاة الوتر لا أستطيع أن أصلي صلاة التهجد. فما هو الخيار الأفضل بالنسبة لي؟ أداء صلاة التراويح في المسجد حتى يصلي أخي في المسجد أم البقاء في البيت لأصلي صلاة التهجد في جوف الليل؟ أيهما أكثر أجراً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذهابك للمسجد، وحضورك التروايح مع الجماعة، ولقاؤك بأخواتك المسلمات، كل ذلك خير وهدى والحمد لله. وكونك تعينين أخاك على هذا الخير، طاعة أخرى تضاف لذلك. ولا تعارض بين هذا وبين تهجدك آخر الليل، فبإمكانك أن تجمعي بين هذه الفضائل كلها. وذلك بأحد أمرين: الأول: أن توتري مع الإمام، ثم إذا تيسر لك التهجد بعد ذلك، فصلِّ ما كتب الله لك ركعتين ركعتين، دون أن تعيدي صلاة الوتر مرة أخرى، لأنه لا وتران في ليلة. الثاني: أن تؤخري الوتر إلى آخر الليل، فإذا سلم الإمام من صلاة الوتر فإنك لا تسلمين معه، بل تقومين وتزيدين ركعة، ليكون وترك آخر الليل. وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: بعض الناس إذا صلى مع الإمام الوتر وسلم الإمام قام وأتى بركعة ليكون وتره آخر الليل، فما حكم هذا العمل؟ وهل يعتبر انصرف مع الإمام؟ فأجاب: " لا نعلم في هذا بأساً، نص عليه العلماء، ولا حرج فيه حتى يكون وتره في آخر الليل. ويصدق عليه أنه قام مع الإمام حتى ينصرف، لأنه قام معه حتى انصرف الإمام وزاد ركعة لمصلحة شرعية حتى يكون وتره آخر الليل فلا بأس بهذا، ولا يخرج به عن كونه ما قام مع الإمام، بل هو قام مع الإمام حتى انصرف لكنه لم ينصرف معه، بل تأخر قليلا " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (11/312) . وسئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله سؤالا مشابها، فأجاب: " يفضّل في حق المأموم متابعة الإمام حتى ينصرف من التراويح والوتر؛ ليصدق عليه أنه صلى مع الإمام حتى انصرف، فيكتب له قيام ليلة، وكما فعله الإمام أحمد وغيره من العلماء. وعلى هذا فإن أوتر معه وانصرف معه، فلا حاجة إلى الوتر آخر الليل، فإن استيقظ آخر الليل صلى ما كُتب له شفعا (أي ركعتين ركعتين) ولا يعيد الوتر، فإنه لا وتران في ليلة ... وفضّل بعض العلماء أن يشفع الوتر مع الإمام (أي يزيد ركعة) ، بأن يقوم بعد سلام الإمام فيصلي ركعة ثم يسلم، ويجعل وتره آخر تهجده؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى) ، وكذا قوله: (اجْعَلُوا آخِرَ صَلاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا) " انتهى نقلا عن "فتاوى رمضان" (ص 826) . وأفتت اللجنة الدائمة بأن هذا الأمر الثاني: حسن. "فتاوى اللجنة الدائمة" (7/207) . نسأل الله لك التوفيق والسداد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65702 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3436 صلاة التراويح قبل العشاء [السُّؤَالُ] ـ[صليت صلاة القيام في المسجد وبعدها نوى لصلاة الوتر ثلاث ركعات دون الشفع، وأنا كنت أتيت متأخرة ففاتني صلاة العشاء.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صلاة القيام والوتر لا تصلَّيان إلا بعد صلاة العشاء، فكان ينبغي أن تصلِّي العشاء أولاً ثم تصلي القيام والوتر بعد ذلك. قال النووي في "المجموع" (3/526) : " يدخل وقت التراويح بالفراغ من صلاة العشاء، ذكره البغوي وغيره، ويبقى إلى طلوع الفجر " انتهى. وقال في "الإنصاف" (4/166) : " وأول وقتها – يعني التراويح – بعد صلاة العشاء وسنتها على الصحيح من المذهب، وعليه الجمهور، وعليه العمل " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين: " وقتها – يعني التراويح – من بعد صلاة العشاء، إلى طلوع الفجر " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (14/210) . وعلى هذا، فماذا يفعل من أتى المسجد متأخراً وقد انصرف الإمام من صلاة العشاء وشرع في صلاة التراويح؟ الصحيح أنه يدخل مع الإمام بنية العشاء، ويقوم ليتم صلاته (أربع ركعات) بعد سلام الإمام، ثم يدخل معه فيما بقي من صلاة التراويح. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " لا بأس أن يصلي العشاء خلف من يصلي التراويح، وقد نص الإمام أحمد رحمه الله على أن الرجل إذا دخل المسجد في رمضان وهم يصلون التراويح فإنه يصلي خلف الإمام بنية العشاء، فإذا سلم الإمام من الصلاة أتى بما بقي عليه من صلاة العشاء " انتهى بتصرف من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (12/443، 445) . وانظر جواب السؤال رقم (37829) ففيه المزيد حول صلاة التراويح قبل العشاء. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65561 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3437 هل يكرر السورة نفسها في الصلاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[لا أحفظ الكثير من سور القرآن لأني لا أزال أتعلم، فهل يجوز أن أعيد قراءة نفس السور في صلاة التراويح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج في إعادة قراءة نفس السورة في صلاة التراويح، أو غيرها من الصلوات، فيقرأ سورة في الركعة الأولى، ثم يعيد السورة نفسها في الركعة الثانية. ودليل ذلك عموم قول الله تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) المزمل/20. وروى أبو داود (816) عَنْ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجُهَنِيِّ أَنَّ رَجُلا مِنْ جُهَيْنَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ: (إِذَا زُلْزِلَتْ الأَرْضُ) فِي الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا. فَلا أَدْرِي أَنَسِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ قَرَأَ ذَلِكَ عَمْدًا؟ حسنه الألباني في صحيح أبي داود. قال عبد العظيم آبادي: تردد الصحابي في أن إعادة النبي صلى الله عليه وسلم للسورة هل كان نسيانا لكون المعتاد من قراءته أن يقرأ في الركعة الثانية غير ما قرأ به في الأولى فلا يكون مشروعا لأمته أو فعله عمد البيان الجواز؟ فتكون الإعادة مترددة بين المشروعية وعدمها وإذا دار الأمر بين أن يكون مشروعا أو غير مشروع فحمل فعله صلى الله عليه وسلم على المشروعية أولى لأن الأصل في أفعاله التشريع والنسيان على خلاف الأصل. " عون المعبود " (3 / 23) . بل لا حرج أن يكرر السورة نفسها أو الآية نفسها في الركعة الواحدة. روى النسائي (1010) وابن ماجه (1350) عن أَبي ذَرٍّ رضي الله عنه قال: قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِآيَةٍ حَتَّى أَصْبَحَ يُرَدِّدُهَا، وَالآيَةُ: (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) حسنه الألباني في صحيح النسائي. وروى البخاري (5014) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَجُلا سَمِعَ رَجُلا يَقْرَأُ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) يُرَدِّدُهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، وَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ) . وفي رواية: (أَنَّ رَجُلا قَامَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ مِنْ السَّحَرِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ لا يَزِيدُ عَلَيْهَا) . فأقره الرسول صلى الله عليه وسلم على تكرار السورة نفسها. قال الحافظ: " الْقَارِئ هُوَ قَتَادَةُ بْن النُّعْمَان , أَخْرَجَ أَحْمَد مِنْ طَرِيق أَبِي الْهَيْثَم عَنْ أَبِي سَعِيد قَالَ: (بَاتَ قَتَادَةُ بْن النُّعْمَان يَقْرَأ مِنْ اللَّيْل كُلّه قُلْ هُوَ اللَّه أَحَد لا يَزِيد عَلَيْهَا) الْحَدِيث. . . وَقَدْ أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيق إِسْحَاق بْن الطَّبَّاع عَنْ مَالِك فِي هَذَا الْحَدِيث بِلَفْظِ: (إِنَّ لِي جَارًا يَقُوم بِاللَّيْلِ فَمَا يَقْرَأ إِلا بـ قُلْ هُوَ اللَّه أَحَد) " انتهى. ونسأل الله أن يوفقك لحفظ كتابه، والعمل بما فيه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65562 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3438 هل تصلَّى التراويح مفردة أم جماعة؟ وهل ختم القرآن في رمضان بدعة؟ [السُّؤَالُ] ـ[سمعت أنه من المندوب إليه أن يؤدي المسلم التراويح مفردة كما صلاها النبي صلى الله عليه وسلم بمفرده عدا 3 مرات، هل هذا صحيح؟ كما أني سمعت أن من البدعة قراءة القرآن كاملا في التراويح في رمضان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل هذا، فهل هذا صحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: تشرع صلاة القيام في رمضان جماعةً، وتشرع مفردةً، وفعلها جماعةً أفضل من فعلها منفرداً، فقد صلاها النبي صلى الله عليه بأصحابه جماعةً عدة ليالٍ. فقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه ليالٍ، ولما كانت الثالثة أو الرابعة لَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: (لَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ) . رواه البخاري (1129) ، وفي لفظ مسلم (761) (وَلَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ صَلاةُ اللَّيْلِ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا) . فثبتت الجماعة في التراويح بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم المانع من الاستمرار في صلاتها جماعة، وهو خوف أن تُفرض، وهذا الخوف قد زال بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنه لما مات صلى الله عليه وسلم انقطع الوحي فأمن من فرضيتها، فلما زالت العلة وهو خوف الفريضة بانقطاع الوحي، فحينئذ تعود السنية لها. انظر " الشرح الممتع " للشيخ ابن عثيمين (4 / 78) . قال الإمام ابن عبد البر – رحمه الله -: وفيه: أن قيام رمضان سنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم، مندوب إليها، مرغوب فيها، ولم يسن منها عمر بن الخطاب إذ أحياها إلا ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه ويرضاه، ولم يمنع من المواظبة عليه إلا خشية أن يفرض على أمته، وكان بالمؤمنين رؤوفا رحيما - صلى الله عليه وسلم -، فلما علم ذلك عمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلم أن الفرائض لا يزاد فيها ولا ينقص منها بعد موته عليه الصلاة والسلام: أقامها للناس وأحياها وأمر بها، وذلك سنة أربع عشرة من الهجرة، وذلك شيء ادخره الله له وفضَّله به. "التمهيد " (8 / 108، 109) . وقد صلاها الصحابة رضي الله عنهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم جماعات وأفراداً حتى جمعهم عمر رضي الله عنه على إمام واحد. عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ، يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ، وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلاتِهِ الرَّهْطُ، فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ، ثُمَّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاةِ قَارِئِهِمْ، قَالَ عُمَرُ: نِعْمَ الْبِدْعَةُ هَذِهِ، وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنْ الَّتِي يَقُومُونَ - يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ - وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ. رواه البخاري (1906) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية - في معرض رده على الذين يحتجون بقول عمر: " نعمت البدعة " على تجويز البدع -: أما قيام رمضان فإن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سنَّه لأمَّته، وصلَّى بهم جماعة عدة ليالٍ، وكانوا على عهده يصلون جماعة وفرادى، لكن لم يداوموا على جماعة واحدة؛ لئلا تفرض عليهم، فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم استقرت الشريعة، فلما كان عمر رضي الله عنه جمعهم على إمامٍ واحدٍ، وهو أُبي بن كعب الذي جمع الناس عليها بأمر من عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعمر رضي الله عنه هو من الخلفاء الراشدين، حيث يقول صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ " يعنى الأضراس؛ لأنها أعظم في القوة، وهذا الذي فعله هو سنة لكنه قال " نعمت البدعة هذه "، فإنها بدعة في اللغة لكونهم فعلوا ما لم يكونوا يفعلونه في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني: من الاجتماع على مثل هذه، وهي سنة من الشريعة ". " مجموع الفتاوى " (22 / 234، 235) . وللمزيد: راجع السؤال (21740) ، (45781) ثانياً: ختم القرآن في رمضان في الصلاة وخارجها أمر محمود لصاحبه، وقد كان جبريل عليه السلام يدارس القرآن مع النبي صلى الله عليه وسلم في كل رمضان، فلما كان العام الذي توفي فيه دارسه إياه مرتين. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (66504) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65572 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3439 هل في السنة دعاء بعد ختم القرآن؟ [السُّؤَالُ] ـ[أرجو منكم إرسال دعاء ختم القرآن الكريم كما ورد في السنة النبوية.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس في السنة النبوية دعاء خاص بعد ختم القرآن الكريم، ولا حتى عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو الأئمة المشهورين، ومن أشهر ما ينسب في هذا الباب الدعاء المكتوب في آخر كثير من المصاحف منسوباً لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ولا أصل له عنه. انظر: "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (14/226) . والدعاء بعد ختم القرآن إما أن يكون بعد ختمه في الصلاة، أو خارجها، ولا أصل للدعاء بعد الختمة في الصلاة، وأما خارجها فقد ورد فعله عن أنس رضي الله عنه. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم دعاء ختم القرآن في قيام الليل في شهر رمضان؟ فأجاب: " لا أعلم في ختمة القرآن في قيام الليل في شهر رمضان سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن الصحابة أيضا، وغاية ما ورد في ذلك أن أنس بن مالك رضي الله عنه كان إذا ختم القرآن جمع أهله ودعا. وهذا في غير الصلاة " انتهى. "فتاوى أركان الإسلام" (ص 354) . وللشيخ بكر أبو زيد رسالة نافعة في هذه المسألة، ومما جاء في خاتمتها: من مجموع السياقات في الفصلين السالفين نأتي إلى الخاتمة في مقامين: المقام الأول: في مطلق الدعاء لختم القرآن: والمتحصل في هذا ما يلي: أولاً: أن ما تقدم مرفوعا وهو في مطلق الدعاء لختم القرآن: لا يثبت منه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم , بل هو إما موضوع أو ضعيف لا ينجبر، ويكاد يحصل القطع بعدم وجود ما هو معتمد في الباب مرفوعاً؛ لأن العلماء الجامعين الذين كتبوا في علوم القرآن وأذكاره أمثال: النووي , وابن كثير , والقرطبي , والسيوطي , لم تخرج سياقاتهم عن بعض ما ذكر، فلو كان لديهم في ذلك ما هو أعلى إسناداً لذكروه. ثانياً: أنه قد صح من فعل أنس بن مالك رضي الله عنه الدعاء عند ختم القرآن، وجمع أهله وولده لذلك , وأنه قد قفاه (أي: تابعه) على ذلك جماعة من التابعين , كما في أثر مجاهد بن جبر رحمهم الله تعالى أجمعين. ثالثاً: أنه لم يتحصل الوقوف على شيء في مشروعية ذلك في منصوص الإمامين: أبي حنيفة والشافعي رحمهما الله تعالى. وأن المروي عن الإمام مالك رحمه الله: أنه ليس من عمل الناس، وأن الختم ليس سنة للقيام في رمضان. رابعاً: أن استحباب الدعاء عقب الختم , هو في المروي عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى , كما ينقله علماؤنا الحنابلة , وقرره بعض متأخري المذاهب الثلاثة. المقام الثاني: في دعاء الختم في الصلاة: وخلاصته فيما يلي: أولاً: أنه ليس فيما تقدم من المروي حرف واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن أحد من صحابته رضي الله عنهم يفيد مشروعية الدعاء في الصلاة بعد الختم قبل الركوع أو بعده لإمام أو منفرد. ثانياً: أن نهاية ما في الباب هو ما يذكره علماء المذهب من الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى في رواية حنبل والفضل والحربي عنه - والتي لم نقف على أسانيدها -: من جعل دعاء الختم في صلاة التراويح قبل الركوع. وفي رواية عنه - لا يعرف مخرجها -: أنه سهل فيه في دعاء الوتر ... انظر: " مرويات دعاء ختم القرآن ". وانظر جواب السؤال رقم (12949) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65581 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3440 هل لا بد له من إتمام صلاة التراويح مع الإمام حتى يؤجر؟ [السُّؤَالُ] ـ[لقد ذكر أحد الأئمة أنه يجب أن تختم صلاة التراويح مع الإمام ولا تتركها في المنتصف لأنه لن تحسب لك ما قمته معه سواء ركعتين أو أربعة، فهل هذا صحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا شك أن هذا القول خطأ، ولا يحل لأحدٍ أن ينسب للشرع ما ليس فيه، وقد حرَّم الله تعالى القول عليه بغير علم فقال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) الأعراف/33. ومن قام مع إمامه حتى يتم صلاته كُتب له قيام ليلة. عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ) . رواه الترمذي (806) وأبو داود (1375) والنسائي (1605) وابن ماجه (1327) . والحديث: صححه الترمذي وابن خزيمة (3/337) وابن حبان (3/340) والألباني في "إرواء الغليل" (447) . ولا ينال هذا الثواب (وهو أجر قيام ليلة) إلا من قام مع الإمام في صلاتها كلها، حتى يتمها، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم. أما من صلى مع الإمام ما يتيسر له وانصرف قبل تمام صلاة الإمام فإنه يكتب له ما صلاه فقط، ولا يكتب له قيام ليلة. قال الله تعالى: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه) الزلزلة/7، 8. فلعل إمامكم أراد أن يقول ذلك فأخطأ في التعبير، أو لعلك لم تنتبه لمراده جيداً. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65501 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3441 هل تختلف صلاة الوتر عن صلاة الليل [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك فرق بين صلاة الوتر وصلاة الليل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صلاة الوتر هي من صلاة الليل، ومع ذلك فهناك فرق بينهما. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " الوتر من صلاة الليل، وهو سنة، وهو ختامها، ركعة واحدة يختم بها صلاة الليل في آخر الليل، أو في وسط الليل، أو في أول الليل بعد صلاة العشاء، يصلي ما تيسر ثم يختم بواحدة " انتهى. "فتاوى ابن باز" (11/309) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والسنة قولاً وفعلاً قد فرقت بين صلاة الليل وبين الوتر، وكذلك أهل العلم فرقوا بينهما حكماً، وكيفية: أما تفريق السنة بينهما قولاً: ففي حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً سال النبي صلى الله عليه وسلم كيف صلاة الليل؟ قال: (مثنى مثنى، فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة) رواه البخاري. وانظر "الفتح" (3/20) . وأما تفريق السنة بينهما فعلاً: ففي حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وأنا راقدة معترضة على فراشه، فإذا أراد أن يوتر أيقظني فأوتر. رواه البخاري. وانظر: "الفتح" (2/487) ، ورواه مسلم (1/51) بلفظ: (كان يصلي صلاته بالليل وأنا معترضة بين يديه فإذا بقي الوتر أيقظها فأوترت) . وروى (1/508) عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء إلا في آخرها) . وروى (1/513) عنها حين قال لها سعد بن هشام بن عامر: أنبئيني عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: (ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة فيذكر الله ويحمده، ويدعوه، ثم ينهض ولا يسلم، ثم يقوم فيصلي التاسعة، ثم يقعد فيذكر الله، ويحمده، ويدعوه، ثم يسلم تسليماً يسمعنا) . وأما تفريق العلماء بين الوتر وصلاة الليل حكماً: فإن العلماء اختلفوا في وجوب الوتر، فذهب أبو حنيفة إلى وجوبه، وهو رواية عن أحمد ذكرها في "الإنصاف" و "الفروع"، قال أحمد: من ترك الوتر عمداً فهو رجل سوء ولا ينبغي أن تقبل له شهادة. والمشهور من المذهب أن الوتر سنة، وهو مذهب مالك؛ والشافعي. وأما صلاة الليل فليس فيها هذا الخلاف، ففي "فتح الباري" (3/27) : "ولم أر النقل في القول بإيجابه إلا عن بعض التابعين. قال ابن عبد البر: شذ بعض التابعين فأوجب قيام الليل ولو قدر حلب شاة، والذي عليه جماعة العلماء أنه مندوب إليه " انتهى. وأما تفريق العلماء بين الوتر وصلاة الليل في الكيفية: فقد صرح فقهاؤنا الحنابلة بالتفريق بينهما فقالوا: صلاة الليل مثنى مثنى، وقالوا في الوتر: إن أوتر بخمس، أو سبع لم يجلس إلا في آخرها، وإن أوتر بتسع جلس عقب الثامنة فتشهد، ثم قام قبل أن يسلم فيصلي التاسعة، ثم يتشهد ويسلم، هذا ما قاله صاحب "زاد المستقنع" " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (13/262-264) . وبهذا يتبين أن صلاة الوتر من صلاة الليل، ولكنها تخالف صلاة الليل في بعض الفروقات، منها: الكيفية. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 52875 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3442 حمل المأموم للمصحف في صلاة التراويح [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمأموم في صلاة التراويح أن يمسك بالمصحف خلف الإمام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأفضل له ألا يفعل، ويستمع لقراءة إمامه وينصت لها. سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: ما حكم حمل المأموم للمصحف في صلاة التراويح؟ فأجاب: " لا أعلم لهذا أصلا، والأظهر أن يخشع ويطمئن ولا يأخذ مصحفا، بل يضع يمينه على شماله كما هي السنة، يضع يده اليمنى على كفه اليسرى الرسغ والساعد ويضعهما على صدره، هذا هو الأرجح والأفضل، وأخذ المصحف يشغله عن هذه السنن، ثم قد يشغل قلبه وبصره في مراجعة الصفحات والآيات وعن سماع الإمام، فالذي أرى أن ترك ذلك هو السنة، وأن يستمع وينصت ولا يستعمل المصحف، فإن كان عنده علم فَتَح على إمامه، وإلا فتح غيره من الناس، ثم لو قدر أن الإمام غلط ولم يُفتح عليه ما ضر ذلك في غير الفاتحة إنما يضر في الفاتحة خاصة؛ لأن الفاتحة ركن لا بد منها أما لو ترك بعض الآيات من غير الفاتحة ما ضره ذلك إذا لم يكن وراءه من ينبهه، ولو كان واحد يحمل المصحف على الإمام عند الحاجة فلعل هذا لا بأس به، أما أن كل واحد يأخذ مصحفا فهذا خلاف السنة " انتهى. وسئل رحمه الله: بعض المأمومين يتابعون الإمام في المصحف أثناء قراءته فهل في ذلك حرج؟ فأجاب: " الذي يظهر لي أنه لا ينبغي هذا، والأولى الإقبال على الصلاة والخشوع، ووضع اليدين على الصدر متدبرين لما يقرأه الإمام، لقول الله عز وجل: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) وقوله سبحانه: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ. الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا) " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (11 / 340 – 342) . وانظر جواب السؤال رقم (10067) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 52876 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3443 هل من فرق بين صلاة التراويح وصلاة القيام [السُّؤَالُ] ـ[وددت لو علمت الفرق بين القيام والتراويح؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صلاة التراويح هي من قيام الليل، وليستا صلاتين مختلفتين كما يظنّه كثير من العوامّ، وإنما سميّ قيام الليل في رمضان بصلاة التراويح لأنّ السّلف رحمهم الله كانوا إذا صلّوها استراحوا بعد كلّ ركعتين أو أربع من اجتهادهم في تطويل صلاة قيام الليل اغتناما لموسم الأجر العظيم وحرصا على الأجر المذكور في قوله صلى الله عليه وسلم: " مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ. " رواه البخاري رقم 36، والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2730 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3444 ماذا تفعل الحائض ليلة القدر [السُّؤَالُ] ـ[ماذا يمكن للحائض أن تفعل في ليلة القدر؟ هل يمكنها أن تزيد من حسناتها بانشغالها بالعبادة؟ إذا كان الجواب "بنعم"، فما هي الأمور التي يمكن أن تفعلها في تلك الليلة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحائض تفعل جميع العبادات إلا الصلاة والصيام والطواف بالكعبة والاعتكاف في المسجد. وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يحيي الليل في العشر الأواخر من رمضان، روى البخاري (2024) ومسلم (1174) عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله. وإحياء الليل ليس خاصاً بالصلاة، بل يشمل جميع الطاعات، وبهذا فسره العلماء: قال الحافظ: (وأحيا ليله) أي سهره بالطاعة. وقال النووي: أي استغرقه بالسهر في الصلاة وغيرها. وقال في عون المعبود: أي بالصلاة والذكر وتلاوة القرآن. وصلاة القيام أفضل ما يقوم به العبد من العبادات في ليلة القدر، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) رواه البخاري (1901) ، ومسلم (760) . ولما كانت الحائض ممنوعة من الصلاة، فإنه يمكنها إحياء الليل بطاعات أخرى غير الصلاة مثل: 1- قراءة القرآن راجع سؤال رقم (2564) 2- الذكر: من تسبيح وتهليل وتحميد وما أشبه ذلك، فتكثر من قول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله وبحمده، وسبحان الله العظيم ... ونحو ذلك 3- الاستغفار: فتكثر من قول (استغفر الله) . 4- الدعاء: فتكثر من دعاء الله تعالى وسؤاله من خير الدنيا والآخرة، فإن الدعاء من أفضل العبادات، حتى قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (الدعاء هو العبادة) رواه الترمذي (2895) وصححه الألباني في صحيح الترمذي (2370) فيمكن للحائض أن تقوم بهذه العبادات وغيرها في ليلة القدر. نسأل الله تعالى أن يوفقنا لما يحب ويرضى، وأن يتقبل الله منا صالح الأعمال. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 26753 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3445 عدد ركعات صلاة التراويح [السُّؤَالُ] ـ[لقد سألت هذا السؤال من قبل وأرجو الإجابة عنه بما يفيدني فإنني تلقيت إجابة غير مرضية والسؤال عن التراويح هل هي 11 ركعة أم 20 ركعة. فالسنة تقول 11 والشيخ الألباني رحمه الله في كتاب القيام والتراويح يقول 11 ركعة وبعض الناس يذهبون للمسجد الذي يصلي 11 ركعة والبعض الآخر يذهبون للمسجد الذي يصلي 20 ركعة وأصبحت المسألة حساسة هنا في الولايات المتحدة فمن يصلي 11 يلوم الذي يصلي 20 والعكس وصارت فتنة حتى في المسجد الحرام يصلون 20 ركعة. لماذا تختلف الصلاة في المسجد الحرام والمسجد النبوي عن السنة. لماذا يصلون التراويح 20 ركعة في المسجد الحرام والمسجد النبوي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا نرى أن يتعامل المسلم مع المسائل الاجتهادية بين أهل العلم بمثل هذه الحساسية فيجعل منها سبباً لحصول الفرقة والفتن بين المسلمين. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عند الكلام على مسألة من يصلي مع الإمام عشر ركعات ثم يجلس وينتظر صلاة الوتر ولا يكمل صلاة التراويح مع الإمام: ويؤسفنا كثيراً أن نجد في الأمة الإسلامية المتفتحة فئة تختلف في أمور يسوغ فيها الخلاف، فتجعل الخلاف فيها سبباً لاختلاف القلوب، فالخلاف في الأمة موجود في عهد الصحابة، ومع ذلك بقيت قلوبهم متفقة. فالواجب على الشباب خاصة، وعلى كل الملتزمين أن يكونوا يداً واحدةً ومظهراً واحداً؛ لأن لهم أعداءً يتربصون بهم الدوائر. " الشرح الممتع " (4 / 225) . وقد غلا في هذه المسألة طائفتان، الأولى أنكرت على من زاد على إحدى عشر ركعة وبدَّعت فعله، والثانية أنكروا على من اقتصر على إحدى عشر ركعة وقالوا: إنهم خالفوا الإجماع. ولنسمع إلى توجيه من الشيخ الفاضل ابن عثيمين رحمه الله حيث يقول: وهنا نقول: لا ينبغي لنا أن نغلو أو نفرط، فبعض الناس يغلو من حيث التزام السنة في العدد، فيقول: لا تجوز الزيادة على العدد الذي جاءت به السنَّة، وينكر أشدَّ النكير على من زاد على ذلك، ويقول: إنه آثم عاصٍ. وهذا لا شك أنه خطأ، وكيف يكون آثماً عاصياً وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل فقال: مثنى مثنى، ولم يحدد بعدد، ومن المعلوم أن الذي سأله عن صلاة الليل لا يعلم العدد؛ لأن من لا يعلم الكيفية فجهله بالعدد من باب أولى، وهو ليس ممن خدم الرسول صلى الله عليه وسلم حتى نقول إنه يعلم ما يحدث داخل بيته، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن له كيفية الصلاة دون أن يحدد له بعدد: عُلم أن الأمر في هذا واسع، وأن للإنسان أن يصلِّيَ مائة ركعة ويوتر بواحدة. وأما قوله صلى الله عليه وسلم " صلوا كما رأيتموني أصلي " فهذا ليس على عمومه حتى عند هؤلاء، ولهذا لا يوجبون على الإنسان أن يوتر مرة بخمس، ومرة بسبع، ومرة بتسع، ولو أخذنا بالعموم لقلنا يجب أن توتر مرة بخمس، ومرة بسبع، ومرة بتسع سرداً، وإنما المراد: صلوا كما رأيتموني أصلي في الكيفية، أما في العدد فلا إلا ما ثبت النص بتحديده. وعلى كلٍّ ينبغي للإنسان أن لا يشدد على الناس في أمر واسع، حتى إنا رأينا من الإخوة الذين يشددون في هذا مَن يبدِّعون الأئمة الذين يزيدون على إحدى عشرة، ويخرجون من المسجد فيفوتهم الأجر الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم " من قام مع الإمام حتى ينصرف كُتب له قيام ليلة " رواه الترمذي (806) وصححه الألباني في صحيح الترمذي (646) ، وقد يجلسون إذا صلوا عشر ركعات فتنقطع الصفوف بجلوسهم، وربما يتحدثون أحياناً فيشوشون على المصلين. ونحن لا نشك بأنهم يريدون الخير، وأنهم مجتهدون، لكن ليس كل مجتهدٍ يكون مصيباً. والطرف الثاني: عكس هؤلاء، أنكروا على من اقتصر على إحدى عشرة ركعة إنكاراً عظيماً، وقالوا: خرجتَ عن الإجماع قال تعالى: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً} ، فكل من قبلك لا يعرفون إلا ثلاثاً وعشرين ركعة، ثم يشدِّدون في النكير، وهذا أيضاً خطأ. " الشرح الممتع " (4 / 73 – 75) . أما الدليل الذي استدل القائلون بعدم جواز الزيادة في صلاة التراويح على ثمان ركعات فهو حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه سأل عائشة رضي الله عنها: " كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ فقالت: ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة يصلي أربعا فلا تسل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعا فلا تسل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثا فقلت يا رسول الله أتنام قبل أن توتر قال يا عائشة إن عينيَّ تنامان ولا ينام قلبي ". رواه البخاري (1909) ومسلم (738) . فقالوا: هذا الحديث يدل على المداومة لرسول الله في صلاته في الليل في رمضان وغيره. وقد ردَّ العلماء على الاستدلال بهذا الحديث بأن هذا من فعله صلى الله عليه وسلَّم، والفعل لا يدل على الوجوب. ومن الأدلة الواضحة على أن صلاة الليل ومنها صلاة التراويح غير مقيدة بعدد حديث ابن عمر أن رجلا سأل سول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام: " صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلَّى ". رواه البخاري (946) ومسلم (749) . ونظرة إلى أقوال العلماء في المذاهب المعتبرة تبين لك أن الأمر في هذا واسع، وأنه لا حرج في الزيادة على إحدى عشرة ركعة: قال السرخسي وهو من أئمة المذهب الحنفي: فإنها عشرون ركعة سوى الوتر عندنا. " المبسوط " (2 / 145) . وقال ابن قدامة: والمختار عند أبي عبد الله (يعني الإمام أحمد) رحمه الله، فيها عشرون ركعة، وبهذا قال الثوري، وأبو حنيفة، والشافعي، وقال مالك: ستة وثلاثون. " المغني " (1 / 457) . وقال النووي: صلاة التراويح سنة بإجماع العلماء، ومذهبنا أنها عشرون ركعة بعشر تسليمات وتجوز منفردا وجماعة. " المجموع " (4 / 31) . فهذه مذاهب الأئمة الأربعة في عدد ركعات صلاة التراويح وكلهم قالوا بالزيادة على إحدى عشرة ركعة، ولعل من الأسباب التي جعلتهم يقولون بالزيادة على إحدى عشرة ركعة: 1- أنهم رأوا أن حديث عائشة رضي الله عنها لا يقتضي التحديد بهذا العدد. 2- وردت الزيادة عن كثير من السلف. انظر: المغني (2 / 604) ، والمجموع (4 / 32) 3- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي إحدى عشرة ركعة وكان يطيلها جداً حتى كان يستوعب بها عامة الليل، بل في إحدى الليالي التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم صلاة التراويح بأصحابه لم ينصرف من الصلاة إلا قبيل طلوع الفجر حتى خشي الصحابة أن يفوتهم السحور، وكان الصحابة رضي الله عنهم يحبون الصلاة خلف النبي صلى الله عليه وسلم ولا يستطيلونها فرأى العلماء أن الإمام إذا أطال الصلاة إلى هذا الحد شق ذلك على المأمومين وربما أدى ذلك إلى تنفيرهم فرأوا أن الإمام يخفف من القراءة ويزيد من عدد الركعات. والحاصل: أن من صلى إحدى عشرة ركعة على الصفة الواردة عن الني صلى الله عليه وسلم فقد أحسن وأصاب السنة، ومن خفف القراءة وزاد عدد الركعات فقد أحسن، ولا إنكار على من فعل أحد الأمرين. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والتراويح إن صلاها كمذهب أبي حنيفة، والشافعي، وأحمد: عشرين ركعة أو: كمذهب مالك ستا وثلاثين، أو ثلاث عشرة، أو إحدى عشرة فقد أحسن، كما نص عليه الإمام أحمد لعدم التوقيف فيكون تكثير الركعات وتقليلها بحسب طول القيام وقصره. الاختيارات ص (64) . قال السيوطي: الذي وردت به الأحاديث الصحيحة والحسان الأمر بقيام رمضان والترغيب فيه من غير تخصيص بعدد، ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى التراويح عشرين ركعة، وإنما صلى ليالي صلاة لم يذكر عددها، ثم تأخر في الليلة الرابعة خشية أن تفرض عليهم فيعجزوا عنها. وقال ابن حجر الهيثمي: لم يصح أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى التراويح عشرين ركعة، وما ورد أنه " كان يصلي عشرين ركعة " فهو شديد الضعف. الموسوعة الفقهية (27 / 142 – 145) وبعد فلا تعجب أخي السائل من صلاة التراويح عشرين ركعة وقد سبقوا من أولئك الأئمة جيلا قبل جيل، وفي كلٍّ خير. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 9036 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3446 يقرأون القرآن قبيل صلاة التراويح ثم يكملون في الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[نحن في أمريكا، سيعقد حلقة قرآن بعد الإفطار في تمام الساعة 7:15 إلى الساعة 7:30 ثم تقام الصلاة للعشاء وبعدها التراويح، في حلقة القرآن سيقرأ أحد المسلمين ويستخدم الميكرفون ليسمعه الرجال والنساء، والتخطيط أن يقرأ 12 وجهاً، ثم يكملون في التراويح 8 أوجه، وبذلك يكملوا كل ليلة جزءً إلى أن يتم ختم القرآن في نهاية الشهر، هل الجلسة لقراءة القرآن بهذه الطريقة من السنة أم من البدعة؟ وهل من الأفضل قراءة القرآن على المأمومين أثناء التراويح أم في حلقة القرآن؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج عليكم من عمل هذه الجلسة، فقراءة القرآن من واحدٍ منكم واستماع الباقين له أمرٌ مشروع، وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم. عَن ابن مَسعودٍ رضي اللَّه عنه قالَ: قال لي النبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: " اقْرَأْ علَّي القُرآنَ " قلتُ: يا رسُولَ اللَّه، أَقْرَأُ عَلَيْكَ، وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ ، قالَ: " إِني أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي " فقرَأْتُ عليه سورَةَ النِّساء، حتى جِئْتُ إلى هذِهِ الآية: {فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّة بِشَهيد وِجئْنا بِكَ عَلى هَؤلاءِ شَهِيداً} النساء/40 قال: " حَسْبُكَ الآن " فَالْتَفَتَّ إِليْهِ، فَإِذَا عِيْناهُ تَذْرِفانِ. رواه البخاري (4763) ومسلم (800) . قال الشيخ عبد العزيز بن باز: ويشرع للمسلمين في هذا الشهر العظيم دراسة القرآن الكريم ومدارسته في الليل والنهار تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم، فإنه كان يدارس جبرائيل القرآن كل سنة في رمضان، ودارسه إياه في السنة الأخيرة مرتين، ولقصد القربة والتدبر لكتاب الله عز وجل والاستفادة منه والعمل به، وهو من فعل السلف الصالح فينبغي لأهل الإيمان من ذكور وإناث أن يشتغلوا بالقرآن الكريم تلاوة وتدبرا وتعقلا ومراجعة لكتب التفسير للاستفادة والعلم. " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (11 / 319، 320) . والأفضل أن يكون مع القراءة تعليم لأحكام القرآن، وفهم لمعانيه، فإذا أضفتم إلى القراءة تفسيراً لما تقرأون أو بعضه فقد جمعتم خيراتٍ متعددة، منها: إصابة السنة في فعلكم، ومدارستكم القرآن، وتعليمكم المسلمين، وإعانتهم على التدبر القرآن. . . وإذا كانت هذه الختمة في صلاة التراويح كانت أفضل من كونها خارجها. قال شيخ الإسلام في "الفتاوى الكبرى" (2/297) : " إِنَّ الأَمْرَ بِالْقِرَاءَةِ وَالتَّرْغِيبَ فِيهَا يَتَنَاوَلُ الْمُصَلِّيَ أَعْظَمَ مِمَّا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ , فَإِنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ فِي الصَّلاةِ أَفْضَلُ مِنْهَا خَارِجَ الصَّلاةِ , وَمَا وَرَدَ مِنْ الْفَضْلِ لِقَارِئِ الْقُرْآنِ يَتَنَاوَلُ الْمُصَلِّيَ أَعْظَمَ مِمَّا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ " انتهى. فإذا شقَّ على الناس ختم القرآن في الصلاة فيمكنكم أن تجمعوا بين الخيرين: المدارسة للقرآن قبل الصلاة، والقراءة لباقيه في الصلاة، كما تعتزمون. وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ. رواه البخاري (3048) ومسلم (2308) . وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: هل يمكن أن يستفاد من مدارسة جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم القرآن في رمضان أفضلية ختم القرآن؟ فأجاب: يستفاد منها المدارسة وأنه يستحب للمؤمن أن يدارس القرآن من يفيده وينفعه؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام دارس جبرائيل للاستفادة؛ لأن جبرائيل هو الذي يأتي من عند الله جل وعلا، وهو السفير بين الله والرسل. فجبرائيل لا بد أن يفيد النبي صلى الله عليه وسلم أشياء من جهة الله عز وجل، من جهة إقامة حروف القرآن ومن جهة معانيه التي أرادها الله، فإذا دارس الإنسان من يعينه على فهم القرآن ومن يعينه على إقامة ألفاظه فهذا مطلوب، كما دارس النبي صلى الله عليه وسلم جبرائيل، وليس المقصود أن جبرائيل أفضل من النبي عليه الصلاة والسلام، لكن جبرائيل هو الرسول الذي أتى من عند الله فيبلغ الرسول عليه الصلاة والسلام ما أمره الله به من جهة القرآن ومن جهة ألفاظه ومن جهة معانيه، فالرسول عليه الصلاة والسلام يستفيد من جبرائيل من هذه الحيثية، لا أن جبرائيل أفضل منه عليه الصلاة والسلام بل هو أفضل البشر وأفضل من الملائكة عليه الصلاة والسلام، لكن المدارسة فيها خير كثير للنبي صلى الله عليه وسلم وللأمة؛ لأنها مدارسة لما يأتي به من عند الله وليستفيد مما يأتي به من عند الله عز وجل. وفيه فائدة أخرى وهي: أن المدارسة في الليل أفضل من النهار، لأن هذه المدارسة كانت في الليل، ومعلو أن الليل أقرب إلى اجتماع القلب وحضوره والاستفادة أكثر من المدارسة نهاراً. وفيه أيضا من الفوائد: شرعية المدارسة وأنها عمل صالح حتى ولو في غير رمضان، لأن فيه فائدة لكل منهما ولو كانوا أكثر من اثنين فلا بأس يستفيد كل منهم من أخيه ويشجعه على القراءة وينشطه، فقد يكون لا ينشط إذا جلس وحده لكن إذا كان معه زميل له يدارسه أو زملاء كان ذلك أشجع له وأنشط له مع عظم الفائدة فيما يحصل بينهم من المذاكرة والمطالعة فيما قد يشكل عليهم كل ذلك فيه خير كثير. ويمكن أن يفهم من ذلك أن قراءة القرآن كاملة من الإمام على الجماعة في رمضان نوع من هذه المدارسة لأن في هذا إفادة لهم عن جميع القرآن، ولهذا كان الإمام أحمد رحمه الله يحب ممن يؤمهم أن يختم بهم القرآن وهذا من جنس عمل السلف في محبة سماع القرآن كله، ولكن ليس هذا موجبا لأن يعجل ولا يتأنى في قراءته، ولا يتحرى الخشوع والطمأنينة بل تحري هذه الأمور أولى من مراعاة الختمة. " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (11 / 331 – 333) . وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله - أيضاً -: يحرص كثير من الأئمة على أن يختموا القرآن في التراويح والتهجد لإسماع الجماعة جميع القرآن فهل في ذلك حرج؟ فأجاب: هذا عمل حسن فيقرأ الإمام كل ليلة جزءا أو أقل لكن في العشر الأخيرة يزيد حتى يختم القرآن ويكمله هذا إذا تيسر بدون مشقة ... وقد عقد العلامة ابن القيم رحمه الله بابا في كتابه: " جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام " ذكر فيه حال السلف في العناية بختم القرآن فنوصي بمراجعته للمزيد من الفائدة. " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (11 / 333، 334) . وانظر أجوبة الأسئلة: (46088) و (1505) و (4039) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50675 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3447 لا يمكن لأحدٍ أن يجزم بليلة بعينها أنها ليلة القدر [السُّؤَالُ] ـ[ما هو حكم التهجد في ليلة القدر دون الليالي الأخرى؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ورد الفضل العظيم في العبادة في ليلة القدر، فقد ذكر ربنا تبارك وتعالى أنها خير من ألف شهر، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من قامها إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه. قال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ. وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ. لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ. تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ. سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) القدر/1 – 5. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) . رواه البخاري (1901) ومسلم (760) . إيماناً: بفضلها وبمشروعية العمل فيها. واحتساباً: إخلاصاً للنية لله تعالى. ثانياً: اختلف العلماء في تحديد ليلة القدر على أقوال كثيرة، حتى وصلت الأقوال فيها إلى أكثر من أربعين قولاً كما في " فتح الباري "، وأقرب الأقوال للصواب أنها في وتر العشر الأخير من رمضان. فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنْ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ) . رواه البخاري (2017) – واللفظ له - ومسلم (1169) . والحديث: بوَّب عليه البخاري بقوله: " باب تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر ". والحكمة من إخفائها هي تنشيط المسلم لبذل الجهد في العبادة والدعاء والذكر في العشر الأخير كلها، وهي الحكمة ذاتها في عدم تحديد ساعة الإجابة يوم الجمعة، وعدم تحديد الأسماء التسعة والتسعين لله تعالى والتي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ) رواه البخاري (2736) ومسلم (2677) . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قوله – أي: الإمام البخاري -: " باب تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر ": في هذه الترجمة إشارة إلى رجحان كون ليلة القدر منحصرة في رمضان، ثم في العشر الأخير منه، ثم في أوتاره، لا في ليلة منه بعينها، وهذا هو الذي يدل عليه مجموع الأخبار الواردة فيها. " فتح الباري " (4 / 260) . وقال أيضاً: قال العلماء: الحكمة من إخفاء ليلة القدر ليحصل الاجتهاد في التماسها بخلاف ما لو عينت لها ليلة لاقتصر عليها، كما تقدم نحوه في ساعة الجمعة. " فتح الباري " (4 / 266) . ثالثاً: وعليه: فلا يمكن لأحدٍ أن يجزم بليلة بعينها أنها ليلة القدر، وخاصة إذا علمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يخبر أمته بها ثم أخبرهم أن الله تعالى رفع العلم بها. فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خَرَجَ يُخْبِرُ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَتَلاحَى رَجُلانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ: (إِنِّي خَرَجْتُ لأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَإِنَّهُ تَلاحَى فُلانٌ وَفُلانٌ فَرُفِعَتْ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ، الْتَمِسُوهَا فِي السَّبْعِ وَالتِّسْعِ وَالْخَمْسِ) . رواه البخاري (49) . (تَلاحَى) أي تنازع وتخاصم. قال علماء اللجنة الدائمة: أما تخصيص ليلة من رمضان بأنها ليلة القدر: فهذا يحتاج إلى دليل يعينها دون غيرها، ولكن أوتار العشر الأواخر أحرى من غيرها والليلة السابعة والعشرون هي أحرى الليالي بليلة القدر؛ لما جاء في ذلك من الأحاديث الدالة على ما ذكرنا. " فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (10 / 413) . لذا لا ينبغي للمسلم أن يتعاهد ليلة بعينها على أنها ليلة القدر، لما في ذلك من الجزم بما لا يمكن الجزم به؛ ولما في ذلك من تفويت الخير على نفسه، فقد تكون ليلة الحادي العشرين، أو الثالث والعشرين، وقد تكون ليلة التاسع والعشرين، فإذا قام ليلة السابع والعشرين وحدها فيكون قد ضاع عليه خير كثير، ولم يصب تلك الليلة المباركة. فعلى المسلم أن يبذل جهده في الطاعة والعبادة في رمضان كله، وفي العشر الأواخر أكثر، وهذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم. عن عائشة رضي الله عنها قالت: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ. رواه البخاري (2024) ومسلم (1174) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50693 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3448 هل يوجد ذكر معيَّن بعد كل صلاة ركعتين من التراويح؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل من ذكر معيَّن بعد كل صلاة ركعتين من التراويح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأذكار من العبادات، والأصل في العبادات المنع منها إلا بدليل يوجبها أو يستحبها، ولا يجوز إحداث ذِكر مع عبادة ولا قبلها ولا بعدها، وقد صلَّى النبي صلى الله عليه وسلم القيام مع أصحابه ليالي، وصلَّى الصحابة أفراداً ومجتمعين، في زمانه صلى الله عليه وسلم، وبعد موته، ولا يُعلم أنهم ذكروا الله تعالى بذِكرٍ معيَّن بعد كل تسليمة أو تسليمتين، وعدم نقل العلماء لذكر جماعي بين ركعات التراويح عن الصحابة ومن بعدهم دليل على عدم وقوعه، لأن العلماء كانوا ينقلون ما هو أخفى من مثل هذا الأمر الظاهر، وخير الهدي في اتباعه صلَّى الله عليه وسلَّم واتباع أصحابه في أمور العبادات بفعل ما فعلوه وترك ما تركوه. إلا أنه لا بأس للمصلي أن يدعو الله، أو يقرأ القرآن، أو يذكر ربَّه تعالى، من غير تخصيص آيات معينة أو سور أو ذِكرٍ بين الركعات، ومن دون أن يكون ذلك بصوتٍ واحد، ولا بقيادة الإمام أو غيره؛ لعدم ورود ذلك في الشرع المطهَّر، والأصل التوقيف في العبادات في كميتها وكيفيتها وزمانها ومكانها وسببها وصفتها. قال الشيخ محمد العبدري المشهور بابن الحاج في كتابه (المدخل) : فصل في الذِّكر بعد التسليمتين من صلاة التراويح: وينبغي له - أي: الإمام - أن يتجنب ما أحدثوه من الذكر بعد كل تسليمتين من صلاة التراويح، ومن رفع أصواتهم بذلك، والمشي على صوت واحد؛ فإن ذلك كله من البدع، وكذلك ينهى عن قول المؤذن بعد ذكرهم بعد التسلميتين من صلاة التراويح " الصلاة يرحمكم الله "؛ فإنه محدث أيضاً، والحدث في الدين ممنوع، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، ثم الخلفاء بعده ثم الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ولم يذكر عن أحد من السلف فعل ذلك فيسعنا ما وسعهم. " المدخل " (2 / 293، 294) . وانظر – لمزيد فائدة -: أجوبة السؤالين: (10491) و (21902) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50718 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3449 هل يترك عمله ويذهب لصلاة التراويح؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا أعمل في مركز شرطة، وأحياناً يحدث أن أستلم المناوبة مرتين بالأسبوع ولا أتمكن خلال الاستلام من مغادرة المركز لظروف العمل ولأوامر رؤسائي، فهل يجوز لي أن أغادر المركز وأخالف أوامرهم لأداء صلاة التراويح في المسجد القريب من المركز؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا شك أن حرص الإنسان على الاستزادة من أسباب الأجر والمغفرة في رمضان أمر محمود ومندوب إليه، إلا أن هذا مشروط بأن لا يؤدي البحث عن فضل إلى تفويت أو الإخلال بما هو أفضل منه. ولو كان عملُ الإنسان في محل تجاري أو مؤسسة مدنية لما جاز له ترك العمل من أجل القيام بنافلة، فكيف إذا كان عملُه يتعلق بالأمن وهو أمر مهم تتعلق به أرواح الناس وأمنهم؟ فلا تحرص على نافلة على حساب التفريط في واجب، ويمكنك أن تؤدي التراويح في مكان عملك مجزَّأة على حسب الفراغ والسعة، أو في آخر الليل في بيتك، وقد يُكتب لك الأجر كاملاً إن علم الله منك صدقاً في أدائها إن لم يتيسر أداؤها في العمل أو في البيت. وسئل الشيخ محمد الصالح العثيمين – رحمه الله -: أعمل في أحد المحلات التجارية ولا أستطيع أن أصلي صلاة التراويح في المسجد نظراً لأن مواعيد العمل تكون مِن بعد المغرب إلى قرب السحور، هل آثم على ذلك؟ وكيف أعوِّض هذا الثواب الذي فاتني؟ . فأجاب: لا تأثم بترك التراويح لأن التراويح سنَّة، إن أقامها الإنسان كان له أجر، وإن لم يقم بها فليس عليه إثم. وإذا علم الله تعالى من نيتك إنه لولا اشتغالك بما يجب عليك من عقد الأجرة على هذا العمل لقمت بهذه التراويح: فإن فضل الله واسع، يثيبك سبحانه وتعالى على ما كان من نيتك. " فتاوى إسلامية " (2 / 255) . وسئل الشيخ عبد العزيز آل الشيخ – حفظه الله -: بعض الناس يذهب ليعتمر فيترك عائلته أو وظيفته أو المسجد الذي يصلي به أو يؤذن به، فما كلمتكم لهم؟ . فأجاب: لا ينبغي أن نتقرب إلى الله بنافلة مع إخلالنا بواجب، النوافل لا يُتقرب بها إلا إذا أدينا الواجبات، فمن ضيَّع بيته أو ضيَّع عمله، أو إمام ضيع إمامته: فهذا لا يعتبر مأجوراً، بل يعتبر مأزوراً وآثماً. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50664 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3450 متى تبدأ صلاة التراويح لرمضان في الليلة الأولى أم الثانية؟ [السُّؤَالُ] ـ[متى نبدأ في القيام لصلاة التراويح: ليلة أول يوم من رمضان (ليلة الرؤية أو الإتمام) أم بعد صلاة العشاء من أول يوم في رمضان؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يُشرع للمسلم أداء صلاة التراويح بعد صلاة العشاء من الليلة الأولى لرمضان، وهي الليلة التي يُرى فيها الهلال، يُكمل المسلمون عدة شعبان ثلاثين يوماً. ومثل هذا نهاية شهر رمضان، فإنه لا تُصلَّى التراويح إذا ثبت انتهاء الشهر برؤية هلال العيد أو بإتمام عدة رمضان ثلاثين يوماً. فيتبين أن صلاة التراويح لا تتعلق بصيام نهار رمضان، بل بدخول الشهر من الليل ابتداءً، وبآخر يوم من رمضان انتهاءً. ولا ينبغي القول إن صلاة الترويح نافلة مطلقة فيجوز أن تؤدى في أي ليلة وجماعة؛ لأن صلاة التروايح مقصودة لشهر رمضان، ومصليها يقصد الأجر المترتب على قيامه، والجماعة فيها ليست كحكم الجماعة في غيرها، فيجوز في رمضان أن يصلى قيامه جماعة في كل ليلة مع الإعلان والتشجيع عليه، بخلاف القيام في غيره فإنه لا يسن إلا ما جاء من غير قصد أو بقصد التشجيع والتعليم، فيسن أحياناً دون الالتزام بفعله دائماً. قال الشيخ محمد الصالح العثيمين – رحمه الله -: التَّراويحَ في غير رمضان بِدْعةٌ، فلو أراد النَّاس أنْ يجتمعوا على قيام الليل في المساجد جماعة في غير رمضان لكان هذا من البِدع. ولا بأس أن يُصلِّي الإنسانُ جماعة في غير رمضان في بيته أحياناً؛ لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم: " فقد صَلَّى مرَّةً بابن عبَّاس، ومرَّةً بابن مسعود ومرَّةً بحذيفة بن اليمان، جماعة في بيته " لكن لم يتَّخذْ ذلك سُنَّة راتبةً، ولم يكن أيضاً يفعله في المسجد. " الشرح الممتع " (4 / 60، 61) . وعليه: فمن صلى صلاة التروايح قبل ثبوت دخول رمضان فهو كمن صلى الصلاة في غير وقتها، فلا يكتب له أجرها، هذا إن سلِم من الإثم إن تعمد ذلك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50547 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3451 ليس هناك قدر معين لا بد من قراءته في صلاة الترويح [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك قدر معين لا بد من قراءته في صلاة التراويح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس هناك قدر معين لا بد من قراءته في صلاة التراويح، غير أنه كلما أطال كان أفضل، ما لم يصل إلى حد يشق على المأمومين. قال الألباني رحمه الله: " وأما القراءة في صلاة الليل في قيام رمضان أو غيره، فلم يَحُدَّ فيها النبي صلى الله عليه وسلم حداً لا يتعداه بزيادة، أو نقص، بل كانت قراءته صلى الله عليه وسلم فيها تختلف قصراً وطولاً، فكان تارة يقرأ في كل ركعة قدر (يا أيها المزمل) ، وهي عشرون آية، وتارة قدر خمسين آية، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: (من صلى في ليلة بمئة آية لم يُكْتَبْ من الغافلين) . وفي حديث آخر: ( ... بمئتي آية فإنه يكتب من القانتين المخلصين) . وقرأ صلى الله عليه وسلم في ليلة وهو مريض السبع الطوال، وهي سورة (البقرة) ، و (آل عمران) ، و (النساء) ، و (المائدة) ، و (الأنعام) ، و (الأعراف) ، و (التوبة) . وفي قصة صلاة حذيفة بن اليمان وراء النبي عليه الصلاة والسلام أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعة واحدة (البقرة) ثم (النساء) ثم (آل عمران) ، وكان يقرؤها مترسلاً متمهلاً. وثبت بأصح إسناد أن عمر رضي الله عنه لما أمر أُبّيَّ بن كعب أن يصلي للناس بإحدى عشرة ركعة في رمضان، كان أُبيٌّ رضي الله عنه يقرأ بالمئين، حتى كان الذي خلفه يعتمدون على العِصِي من طول القيام، وما كانوا ينصرفون إلا في أوائل الفجر. وصح عن عمر أيضاً أنه دعا القُرَّاءَ في رمضان، فأمر أسرعهم قراءة أن يقرأ ثلاثين آية، والوسط خمساً وعشرين آية، والبطيء عشرين آية. وعلى ذلك فإن صلى القائم لنفسه فليطول ما شاء، وكذلك إذا كان معه من يوافقه، وكلما أطال فهو أفضل، إلا أنه لا يبالغ في الإطالة حتى يُحيي الليل كله إلا نادراً، اتباعاً للنبي صلى الله عليه وسلم القائل: (وخير الهدي هدي محمد) . وأما إذا صلى إماماً، فعليه أن يطيل بما لا يشق على من وراءه لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا قام أحدكم للناس فليخفف الصلاة، فإن فيهم الصغير والكبير وفيهم الضعيف، والمريض، وذا الحاجة، وإذا قام وحده فليطل صلاته ما شاء) " انتهى من رسالة قيام رمضان. وانظر السؤال رقم: (66504) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 43738 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3452 يجوز لمن تعاني من الوسواس في الصلاة إمامة النساء في صلاة التراويح [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لمن تعاني من الوسواس في الصلاة أن تصلي بأخواتها صلاة التراويح وتأمُّهن في البيت؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا بأس أن تصلي هذه المرأة بأخواتها صلاة التراويح جماعة، وتؤمهن ما دامت قائمة بشروط الصلاة وأركانها وواجباتها، ولعل هذه الإمامة تعينها على ضبط نفسها، وعدم الاستجابة للوسوسة. والمتوقع أن الشكوك ستنحسر، وضبطها للصلاة سيزيد مع وجود الجماعة اللاتي يصلين خلفها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 43795 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3453 هل يجوز أن يصلي التراويح في البيت؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل تجوز إقامة صلاة التراويح في البيت؟ وهل تجوز مع الزوجة ويكون الزوج هو الإمام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صلاة التراويح سنة مؤكدة، حث عليها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "من قام رمضان إيماناً واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه". رواه البخاري (37) ومسلم (759) . وقد صلاها النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه عدة ليال، ثم خاف أن تفرض عليهم فلم يخرج إليهم، ثم إن عمر رضي الله عنه جمعهم على إمام واحد، فهي تصلى في جماعة إلى يومنا هذا. وعن إسماعيل بن زياد , قال: مر علي رضي الله عنه على المساجد وفيها القناديل في شهر رمضان. فقال نور الله على عمر قبره , كما نور علينا مساجدنا. رواه الأثرم، ونقله في المغني 1/457. قال البهوتي في "دقائق أولي النهى" (1/2245) : وَالتَّرَاوِيحُ بِمَسْجِدٍ أَفْضَلُ مِنْهَا بِبَيْتٍ , لأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم جَمَعَ النَّاسَ عَلَيْهَا ثَلَاثَ لَيَالٍ مُتَوَالِيَةً , كَمَا رَوَتْهُ عَائِشَةُ. . . وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ حُسِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ) اهـ. وقال الشوكاني في "نيل الأوطار" (3/62) : قَالَ النَّوَوِيُّ: اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِهَا , قَالَ: وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الأَفْضَلَ صَلاتُهَا فِي بَيْتِهِ مُنْفَرِدًا أَمْ فِي جَمَاعَةٍ فِي الْمَسْجِدِ , فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرُهُمْ: الأَفْضَلُ صَلاتُهَا جَمَاعَةً كَمَا فَعَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَالصَّحَابَةُ رضي الله عنهم , وَاسْتَمَرَّ عَمَلُ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ , لأَنَّهُ مِنْ الشَّعَائِرِ الظَّاهِرَةِ اهـ. فصلاتها جماعةً المسجد أفضل، لكن لو صلاها الرجل في بيته منفرداً، أو جماعةً بأهله فهو جائز. قال النووي في "المجموع" (3/526) : صَلاةُ التَّرَاوِيحِ سُنَّةٌ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ. . . وَتَجُوزُ مُنْفَرِدًا وَجَمَاعَةً , وَأَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ. . . الصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِ الأَصْحَابِ أَنَّ الْجَمَاعَةَ أَفْضَلُ اهـ. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38922 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3454 هل يصلي الوتر مرتين في الليلة إذا صلى بعد الإمام [السُّؤَالُ] ـ[أما بعد أريد أن أسأل أنه في صلاة التراويح في نهايتها نصلي الشفع والوتر. وأنا سمعت أنه يجب أن تكون آخر صلاة نصليها هي الوتر. هل ذلك يعني أننا لو صلينا في الليل نعود مرة أخرى ونصلي الشفع والوتر أو أني أؤجلها إلى الليل ثم أصليها..؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا صلى المسلم الوتر ثم أراد أن يصلي بعد ذلك من الليل، فإنه يصلي ركعتين ركعتين ولا يعيد صلاة الوتر مرة أخرى. وأمْرُ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأن تكون آخر الصلاة بالليل هي الوتر، أمرٌ على سبيل الاستحباب لا الوجوب. راجع سؤال (37729) وسئل الشيخ ابن باز: إذا أوترت أول الليل ثم قمت في آخره فكيف أصلي؟ فأجاب: إذا أوترت من أول الليل ثم يسر الله لك القيام في آخره فصل ما يسر الله لك شفعاً – يعني ركعتين ركعتين - بدون وتر، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا وتران في ليلة) . ولما ثبت عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلي ركعتين بعد الوتر وهو جالس، والحكمة في ذلك -والله أعلم- أن يبين للناس جواز الصلاة بعد الوتر اهـ مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (11/311) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38400 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3455 تأخير صلاة العشاء في رمضان [السُّؤَالُ] ـ[إمام مسجدنا يؤخر صلاة العشاء نحو ساعة في شهر رمضان. هل يجوز هذا؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله وقت صلاة العشاء يمتد من غياب الشفق الأحمر الذي يكون في السماء بعد غروب الشمس إلى نصف الليل. والأفضل في صلاة العشاء تأخيرها ما لم يشق على الناس لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل، أو نصفه " رواه الترمذي 167 ففي هذا الحديث دليل على استحباب تأخير العشاء ما لم يشق على المأمومين فإن شقت على المأمومين فتُعجل. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: " أعتم النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة حتى ذهب عامة الليل حتى نام أهل المسجد، ثم خرج فصلى فقال: إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي " أخرجه مسلم 638. وعن جابر رضي الله عنهما لما ذكر مواقيت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم قال: " والعشاء أحياناً يؤخرها، وأحياناً يعجل، إذا رآهم اجتمعوا عجل، وإذا رآهم أبطأوا أخر " أخرجه البخاري 1/141 ومسلم 646. أنظر معرفة أوقات العبادات للدكتور خالد المشيقح 1/291 وقد اعتاد الناس في بعض البلاد تأخير صلاة العشاء في رمضان نصف ساعة أو نحواً من هذا عن أول وقتها، حتى يفطر الناس على مهل ويستعدوا لصلاة العشاء والتراويح. وهذا العمل لا بأس به، بشرط ألا يؤخر الإمام الصلاة إلى حد يشق على المأمومين كما سبق. والأولى في هذا الرجوع إلى أهل المسجد، والاتفاق معهم على وقت الصلاة، فهم أعلم بما يناسبهم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38270 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3456 إلقاء كلمة بعد أربع ركعات من صلاة التراويح [السُّؤَالُ] ـ[هو ما حكم الشرع في الدرس الذي يكون بعد الركعات الأربع في صلاة التراويح؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الدرس الذي يلقيه بعض الأئمة والوعاظ بين ركعات صلاة التراويح لا بأس به إن شاء الله، والأحسن أن لا يداوَم عليه، خشية أن يعتقد الناس أنه جزء من الصلاة، وخشية من اعتقادهم وجوبه حتى إنهم قد ينكرون على من لم يفعله. وللإمام أو للمدرس والواعظ أن ينبه الناس على ما يتيسر من أحكام الشرع وخاصة مما يحتاجونه في هذا الشهر من مسائل على أن يتركه أحياناً لما سبق ذكره. ولا شك أن مثل هذه الكلمات والمواعظ أنفع من الخروج أو من الحديث الدنيوي ورفع الصوت وخير من الذكر المبتدع الذي يحدثه بعض الأئمة بعد الأربع ركعات. قال الشيخ عبد الله الجبرين: ... وحيث إنَّ الناس في هذه الأزمنة يخففون الصلاة، فيفعلونها في ساعة أو أقل: فإنه لا حاجة بهم إلى هذه الاستراحة، حيث لا يجدون تعباً ولا مشقة، لكن إن فصل بعض الأئمة بين ركعات التراويح بجلوس، أو وقفة يسيرة للاستجمام، أو الارتياح: فالأولى قطع هذا الجلوس بنصيحة أو تذكير، أو قراءة في كتاب مفيد، أو تفسير آية يمرّ بها القارئ، أو موعظة، أو ذكر حكم من الأحكام، حتى لا يخرجوا أو لا يملّوا، والله أعلم. " الإجابات البهية في المسائل الرمضانية " (السؤال الثاني) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 38025 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3457 صلاة التراويح ليست بدعة وليس لها عدد معين [السُّؤَالُ] ـ[بمناسبة شهر رمضان المبارك يقبل الناس على صلاة التراويح، سؤالي هو كالتالي: هناك من يصلي إحدى عشرة ركعة بعد صلاة العشاء مباشرة اقتداءا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهناك من يصلي واحد وعشرين ركعة، عشر بعد العشاء، وعشر قبل صلاة الفجر ثم يوتر، فما حكم الشرع في هذه الصورة؟ علما بأن هناك من يرى بأن صلاة القيام قبل صلاة الصبح بدعة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صلاة التراويح سنة بإجماع المسلمين، كما ذكره النووي رحمه الله في "المجموع". ورغب فيها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمن ذلك قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) رواه البخاري (37) ومسلم (760) . فكيف تكون بدعة مع ترغيب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في فعلها وإجماع المسلمين على استحبابها؟! ولعل من قال إنها بدعة يقصد أن الاجتماع عليها في المساجد بدعة. وهذا أيضاً غير صحيح لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاها جماعة بأصحابه عدة ليالٍ، ثم ترك فعلها جماعة خشية أن تفرض على المسلمين، ثم لما مات النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وانقطع الوحي زالت هذه الخشية، لأنها لا يمكن أن تفرض بعد موت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجمع عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ المسلمين عليها. راجع السؤال رقم (21740) . ووقت صلاة التراويح من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر. راجع سؤال رقم (37768) . وليس لصلاة التراويح عدد معين من الركعات، بل تجوز بالقليل والكثير. فالصفتان اللتان سأل عنهما السائل كلاهما جائزة. ويكون ذلك حسب ما يرى أهل كل مسجد أنه أنسب لهم. والأفضل هو ما ثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه لم يكن يزيد في قيام الليل على إحدى عشرة ركعة، في رمضان وغيره. قال الشيخ ابن عثيمين بعد ما ذكر عدد ركعات صلاة التراويح: والأمر في هذا واسع، فلا ينكر على من صلى إحدى عشرة أو ثلاثاً وعشرين، بل الأمر في ذلك واسع والحمد لله اهـ فتاوى الشيخ ابن عثيمين (1/407) . راجع سؤال (9036) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38021 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3458 صلى التراويح قبل العشاء! [السُّؤَالُ] ـ[دخلت المسجد متأخراً وقد فاتني من صلاة التراويح 6 ركعات، بعد التراويح صليت العشاء، فهل يجب أن أقضي الركعات الست التي فاتتني من التراويح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس من الصواب أن تصلي التروايح ثم العشاء، وكان يمكنك الدخول مع الجماعة بنية العشاء، فإذا سلَّم الإمام بعد الركعتين تقوم لتقضي الركعتين الباقيتين، وصلاة القيام لا تكون قبل العشاء، بل بعدها، بل بعد سنة العشاء الراتبة، وما فعلتَه من صلاة هو من مطلق التطوع لا من صلاة القيام. سئل الشيخ عبد العزيز بن باز: إذا جاء المسلم إلى المسجد ووجد الجماعة يصلون التراويح وهو لم يصل العشاء فهل يصلي معهم بنية العشاء؟ فأجاب: لا حرج أن يصلي معهم بنية العشاء في أصح قولي العلماء، وإذا سلم الإمام قام فأكمل صلاته، لما ثبت في الصحيحين عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة ولم ينكر ذلك النبي عليه الصلاة والسلام، فدل على جواز صلاة المفترض خلف المتنفل، وفي الصحيح عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه في بعض أنواع صلاة الخوف صلى بطائفة ركعتين ثم سلم ثم صلى بالطائفة الأخرى ركعتين ثم سلم فكانت الأولى فرضه أما الثانية فكانت نفلا وهم مفترضون، والله ولي التوفيق. " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (12 / 181) . وقال الشيخ – أيضاً -: السنة أن يكون التهجد في رمضان وغيره بعد سنة العشاء الراتبة كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك. ولا فرق في ذلك بين كون التهجد في المسجد أو في البيت. " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (11 / 368) . وأما بالنسبة لصلاة ما فاتك من التراويح فأنت بالخيار إن شئتَ فعلتَ وإن شئتَ تركتَ، فالتراويح من النوافل، وليس قضاؤها واجباً كما هو الحال بالنسبة للصلوات الخمس. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 37829 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3459 لا يستطيع صلاة التراويح في المسجد لإنشغاله برعاية ابنته [السُّؤَالُ] ـ[أعود من العمل عند السادسة والنصف مساء لأرعى ابنتي وعمرها 8 سنوات، زوجتي وابني الصغير سافرا لتزور أمها المريضة بين الحياة والموت، ولهذا لا أستطيع أن أذهب للمسجد لأصلي التراويح، أرجو أن تنصحني فأنا لم أصل التراويح قط ولكن هذه السنة نويت أن أصلي ولكن مع الأسف فقد سافرت زوجتي لمدة شهرين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صلاة التروايح سنة يثاب فاعلها ولا يستحق العقوبة تاركها، فليس عليك حرج في عدم صلاتها مع الجماعة، وإذا علم الله صحة نيتك فقد تؤجر ولو لم تحضر مثل هذه النوافل وخاصة أن لم تفرط في تركها، بل وأحياناً يشتغل الإنسان بما هو أعظم كمن يرعى أما عاجزة أو أطفالاً أيتاماً يحتاجون لرعاية في مثل هذا الوقت، وقد يؤجر الشخص بمزيد من الأجر إذا اشتغل عنها بشيء من واجب الوقت. ولا بأس أن تصليها في البيت إن عجزت عن الذهاب إلى المسجد. ولا يشترط أن تلتزم عددا معينا، بل صل جهدك ونشاطك، والسنة أن تصليها إحدى عشرة ركعة، راجع سؤال رقم (9036) ، ولو صليت ركعتين فهو خير من عدم الصلاة، ونسأل الله تعالى أن يعوضك خيراً عما فاتك، وأن يكتب لك من الأجر ما هو أظم من صلاتك للتراويح. فسماحك لزوجتك بالذهاب لعيادة أمها ورعايتك ابنتك أمران عظيمان تثاب عليهما إن شاء الله. وانظر جواب السؤال (37742) . إلا أننا نود لفت انتباهك لأمرين مهمين: الأول: حرمة سفر زوجتك وحدها لبلادها من غير محرم. وانظر له جواب السؤال رقم (316) و (9370) . والثاني: حكم الإقامة في بلاد الكفر. وانظر له جواب السؤال رقم (11793) و (14235) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 37838 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3460 التلفظ بالنية في صلاة التراويح وغيرها بدعة [السُّؤَالُ] ـ[نصلي التراويح في رمضان ولكن ماذا يجب أن نقول عند بداية التراويح؟ مثلاً هل نقول (نويت أن أصلي لله العظيم في طاعة ربي الكريم ركعتين سنة .... ) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله التلفظ بالنية عند إرادة الصلاة بدعة، سواء كانت صلاة التراويح أو غيرها. قال ابن القيم في "زاد المعاد" (1/201) : كان صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة قال: الله أكبر، ولم يقل شيئاً قبلها، ولا تلفظ بالنية البتة، ولا قال: أصلي لله كذا، مستقبل القبلة، أربع ركعات، إماماً، أو مأموماً، ولا قال: أداءً، ولا قضاءً، ولا فرض الوقت، وهذه عشرُ بدعٍ لم يَنْقُلْ عنه أحدٌ قط بإسنادٍ صحيحٍ ولا ضعيفٍ ولا مُسْنَدٍ ولا مُرْسَلٍ لفظةً واحدةً منها البتة، بل ولا عن أحد من أصحابِه، ولا استحسنه أحدٌ من التابعين، ولا الأئمةُ الأربعة اهـ وراجع سؤال (13337) . فعلى المسلم أن يستحضر فعل صلاة التراويح بقلبه فقط، ولا يتلفظ بلسانه بشيء. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37841 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3461 وقت صلاة التراويح [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أداء صلاة التراويح قبل أذان الفجر بساعتين أو ما يقرب؟ أم يجب أداؤها بعد العشاء مباشرة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله وقت صلاة التراويح يمتد من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر. فيصح أداؤها في أي جزء من هذا الوقت. قال النووي رحمه الله في "المجموع": يَدْخُلُ وَقْتُ التَّرَاوِيحِ بِالْفَرَاغِ مِنْ صَلاةِ الْعِشَاءِ , ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ , وَيَبْقَى إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ اهـ ولكن إذا كان الرجل سيصلي في المسجد إماماً بالناس فالأولى أن يصليها بعد صلاة العشاء، ولا يؤخرها إلى نصف الليل أو آخره حتى لا يشق ذلك على المصلين، وربما ينام بعضهم فتفوته الصلاة. وعلى هذا جرى عمل المسلمين، أنهم يصلون التراويح بعد صلاة العشاء ولا يؤخرونها. وقال ابن قدامة في "المغني": قِيلَ للإمام أَحْمَدَ: تُؤَخِّرُ الْقِيَامَ يَعْنِي فِي التَّرَاوِيحِ إلَى آخِرِ اللَّيْلِ؟ قَالَ: لا , سُنَّةُ الْمُسْلِمِينَ أَحَبُّ إلَيَّ اهـ أما من كان سيصليها في بيته فهو بالخيار إن شاء صلاها في أول الليل وإن شاء صلاها آخره. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37768 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3462 صلاة التراويح غير واجبة، وحكم الإفطار مع أهل البدع [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من لم يصل التراويح طيلة شهر رمضان من دون عذر شرعي. وهل عليه إثم في ذلك؟ أنا أعمل في شركة أرامكو وبعض الأيام يتطلب العمل أن أبقى إلى ما بعد المغرب فأضطر إلى أن أفطر في العمل، وأنا تقريباً السني الوحيد، والباقي شيعة وإسماعيلية، فهل يجوز أن أُفطر معهم؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا ترك المسلم صلاة التراويح فلا إثم عليه في ذلك، سواء تركها بعذر أم بغير عذر، لأنها غير واجبة، وإنما هي سنة مؤكدة فعلها النبي صلى الله عليه وسلم وداوم عليها ورغب المسلمين فيها بقوله: (من قام رمضان إيمانا واحتساباً غُفِر له ما تقدم من ذنبه) رواه البخاري (37) ومسلم (760) . وينبغي للمسلم ألا يتركها، فإن لم يستطع أن يصليها مع الإمام في المسجد فإنه يصليها في البيت، فإن لم يستطع أن يصلي إحدى عشرة ركعة، صلى ما تيسر له ولو ركعتين، ثم يصلي الوتر. والله أعلم. أما الإفطار مع الشيعة والإسماعيلية، فإن رأيت أن إفطارك معهم فيه مصلحة تأليف قلوبهم لدعوتهم إلى السنة وترك البدع التي هم عليها، فإن ذلك عمل مشروع. أما إن رأيت أنه لا مصلحة في إفطارك معهم فالأفضل ألا تفطر معهم، وأن تجتنبهم، إنكارا لما هم عليه من البدع. وخشية أن يلقوا إليك بشبهاتهم ولا يكون عندك من العلم ما تعلم به بطلانها فتعرض نفسك للفتنة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37742 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3463 الدعاء الجماعي بعد صلاة التراويح [السُّؤَالُ] ـ[أسال عن السنة الصحيحة في صلاة التراويح والبدع المحدثة فيها والدعاء جماعياً بعد صلاة التراويح.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله بالنسبة للفقرة الأولى فيراجع قسم صلاة التروايح وليلة القدر تحت قسم الصوم في الموقع وأما الدعاء الجماعي بعد صلاة التراويح فإن هذا الفعل بدعة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) . رواه مسلم 3243. والوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم بعد صلاة التراويح هو قول: سبحان الملك القدوس ثلاث مرات، ويرفع صوته في الثالثة. روى أحمد (14929) أبو داود (1430) والنسائي (1699) عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْوِتْرِ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فَإِذَا سَلَّمَ قَالَ: سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ، سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ، سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ، وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ. صححه الألباني في صحيح النسائي (1653) . ثم في صلاة الوتر سوف يقنت الإمام ويؤمن المصلون خلفه، كما كان يفعل ذلك أبي بن كعب رضي الله عنه لما صلى بالناس التراويح في عهد عمر رضي الله عنه، وهذا يغني عن إحداث هذه البدعة. وصدق القائل: وكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37753 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3464 حكم الإئتمام بالإمام من البيت [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الصلاة في البيت وراء الإمام والمسجد مأذنته مجاورة لسطح المنزل؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصلاة في البيت خلف إمام المسجد، فلا تصح. ولا تصح الصلاة مع الإمام في المسجد إلا إذا كان المأموم داخل المسجد، أو كان خارج المسجد واتصلت الصفوف، كما لو كان امتلأ المسجد بالمصلين، وصلى بعضهم خارج المسجد فصلاتهم صحيحة. أما الصلاة خارج المسجد وفي المسجد مكان يمكن الصلاة فيه فإنها لا تصح. وقد سئلت اللجنة الدائمة عمن صلى جماعة في منزله مكتفياً بسماع مكبرات الصوت من المسجد، ولم يتصل بين الإمام والمأموم ولو بواسطة وذلك واقع مكة والمدينة في الموسم؟ فأجابت: " لا تصح الصلاة، وهذا مذهب الشافعية وبه قال الإمام أحمد، إلا إذا اتصلت الصفوف ببيته، وأمكنه الاقتداء بالإمام بالرؤية وسماع الصوت فإنها تصح، كما تصح صلاة الصفوف التي اتصلت بمنزله، أما بدون الشرط المذكور فلا تصح؛ لأن الواجب على المسلم أن يؤدي الصلاة في الجماعة في بيوت الله عز وجل مع إخوانه المسلمين، لقوله صلى الله عليه وسلم: " من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر " أخرجه ابن ماجه والحاكم، وقال الحافظ إسناده على شرط مسلم، ولقوله صلى الله عليه وسلم للأعمى الذي سأله أن يُصلي في بيته: " هل تسمع النداء بالصلاة؟ " قال نعم، قال: " فأجب " أخرجه مسلم في صحيحه. وبالله التوفيق." فتاوى اللجنة الدائمة (8/32) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37695 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3465 يصلي إماماً ويريد أن يؤخر الوتر [السُّؤَالُ] ـ[سأكون الإمام لمجموعة من الإخوة في صلاة التراويح، سنصلي ثمان ركعات ثم ثلاثاً للوتر، هل صحيح أن آخر شيء يجب أن أفعله قبل النوم هو صلاة الوتر أم أن هذا مستحب فقط لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم؟ إذا كنت أريد أن أصلي التهجد في الليل فهل من الأفضل بالنسبة لي تأخير الوتر لبعد التهجد وأن لا أصلي الوتر مع الجماعة؟ أم أصلي بهم وأنوي صلاة نافلة لركعة واحدة وتنوي الجماعة الوتر؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يستحب أن تكون آخر صلاة يصليها المسلم في الليل هي صلاة الوتر، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا) رواه البخاري (998) ومسلم (751) . وهذا الأمر من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على سبيل الاستحباب والأفضلية وليس على سبيل الوجوب والإلزام؛ لأنه ثبت في صحيح مسلم (738) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بعد الوتر وَهُوَ جَالِسٌ. قال النووي رحمه الله: الصَّوَاب: أَنَّ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ فَعَلَهُمَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد الْوِتْر جَالِسًا ; لِبَيَانِ جَوَاز الصَّلَاة بَعْد الْوِتْر , وَبَيَان جَوَاز النَّفْل جَالِسًا , وَلَمْ يُوَاظِب عَلَى ذَلِكَ , بَلْ فَعَلَهُ مَرَّة أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ مَرَّات قَلِيلَة. . . والرِّوَايَات الْمَشْهُورَة فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرهمَا عَنْ عَائِشَة مَعَ رِوَايَات خَلَائِق مِنْ الصَّحَابَة فِي الصَّحِيحَيْنِ مُصَرِّحَة بِأَنَّ آخِر صَلَاته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اللَّيْل كَانَ وِتْرًا , وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَحَادِيث كَثِيرَة مَشْهُورَة بِالأَمْرِ بِجَعْلِ آخِر صَلاة اللَّيْل وِتْرًا مِنْهَا: (اِجْعَلُوا آخِر صَلاتكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا) وَ (صَلاة اللَّيْل مَثْنَى مَثْنَى , فَإِذَا خِفْت الصُّبْح فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ) , وَغَيْر ذَلِكَ فَكَيْف يُظَنّ بِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ هَذِهِ الأَحَادِيث وَأَشْبَاههَا أَنَّهُ يُدَاوِم عَلَى رَكْعَتَيْنِ بَعْد الْوِتْر وَيَجْعَلهُمَا آخِر صَلاة اللَّيْل؟ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ بَيَان الْجَوَاز , وَهَذَا الْجَوَاب هُوَ الصَّوَاب اهـ. وقال الشيخ ابن باز أيضاً في بيان الحكمة من صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ركعتين بعد الوتر ما نصه: والحكمة في ذلك – والله أعلم- أن يبين للناس جواز الصلاة بعد الوتر اهـ فتاوى إسلامية (1/339) . وإذا كنت تريد أن تصلي التهجد بالليل، فإنه يجوز لك أن تصلي الوتر بالجماعة ثم تصلي بعد ذلك ما شئت من الركعات ركعتين ركعتين، ولا تعيد الوتر. ولك أن لا تصلي الوتر مع الجماعة، وتؤخر الوتر حتى يكون آخر صلاتك بالليل. وعليك في هذا مراعاة الجماعة الذين يصلون معك، فإن كان لا يوجد أحد يصلي بهم الوتر غيرك، وعدم صلاتك بهم سيؤدي إلى تركهم للوتر أو لا يحسنون صلاته، فصلّ بهم الوتر. سئل الشيخ ابن باز: إذا أوترت أول الليل ثم قمت في آخره فكيف أصلي؟ فأجاب: إذا أوترت من أول الليل ثم يسر الله لك القيام في آخره فصل ما يسر الله لك شفعاً –يعني ركعتين ركعتين- بدون وتر، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا وتران في ليلة) . ولما ثبت عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلي ركعتين بعد الوتر وهو جالس اهـ فتاوى إسلامية (1/339) وأما قولك إنك تصلي معهم ركعة وتنوي بها نافلة ولا تنوي الوتر، فهذا عمل غير مشروع. لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى) رواه البخاري (472) ومسلم (749) . انظر المغني (2/539) . قال الحافظ: وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى عَدَم النُّقْصَان عَنْ رَكْعَتَيْنِ فِي النَّافِلَة مَا عَدَا الْوِتْر اهـ والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37729 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3466 كيف نحيي ليلة القدر ومتى تكون؟ [السُّؤَالُ] ـ[كيف يكون إحياء ليلة القدر؛ أفي الصلاة أم بقراءة القرآن والسيرة النبوية والوعظ والإرشاد والاحتفال لذلك في المسجد؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر من رمضان مالا يجتهد في غيرها بالصلاة والقراءة والدعاء، فروى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم: (كان إذا دخل العشر الأواخر أحيا الليل وأيقظ أهله وشد المئزر) . ولأحمد ومسلم: (كان يجتهد في العشر الأواخر مالا يجتهد في غيرها) . ثانياً: حث النبي صلى الله عليه وسلم على قيام ليلة القدر إيماناً واحتساباً، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) متفق عليه، وهذا الحديث يدل على مشروعية إحيائها بالقيام. ثالثاً: من أفضل الأدعية التي تقال في ليلة القدر ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها، فروى الترمذي وصححه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (قلت يا رسول الله أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها؟) قال: (قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني) . رابعاً: أما تخصيص ليلة من رمضان بأنها ليلة القدر فهذا يحتاج إلى دليل يعينها دون غيرها، ولكن أوتار العشر الأواخر أحرى من غيرها والليلة السابعة والعشرون هي أحرى الليالي بليلة القدر؛ لما جاء في ذلك من الأحاديث الدالة على ما ذكرنا. خامساً: وأما البدع فغير جائزة لا في رمضان ولا في غيره، فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) ، وفي رواية: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) . فما يفعل في بعض ليالي رمضان من الاحتفالات لا نعلم له أصلا، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها. وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (10/413) الحديث: 36832 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3467 لماذا لم نذكر تصحيح الشيخ الألباني لحديث فضل النصف من شعبان؟ [السُّؤَالُ] ـ[عندما أجبتم عن السؤال حول صحة حديث أبي موسى: (إن الله تعالى ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن) : فأجبتم – بارك الله فيكم - ولكن لم تذكروا أن هذا الحديث قد صححه الشيخ الألباني - كما قرأت في بعض المواقع -، وأنا عندي ثقة كبرى بكم أكثر من كل المواقع؛ لنهجكم، وأمانتكم العلمية. فسؤالي: هل - فعلاً - صحَّح الشيخ الألباني هذا الحديث؟ لأنكم تذكرون في فتواكم رأي الشيخ الألباني رحمه الله، فلماذا لم تذكروه هنا؟ هل لم يذكره هو أصلاً؟ وما هو موجود في تلك المواقع غير صحيح، أم ماذا؟ علماً أن التصحيح - كما قرأته - موجود في " صحيح الجامع "، حديث رقم (1819) . وجزاكم الله خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نشكر لك ثقتك بموقعنا، ونسأل الله أن نكون عند حسن ظنك بنا، كما نسأله تعالى أن ينفع بهذا الموقع، وأن يجزي جميع القائمين عليه خيراً. ولا يخفى على أحد أننا غالبا ما نعتمد تصحيح الشيخ الألباني وتضعيفه؛ ولكن يحصل أحياناً أننا نبحث في الحديث فنجد حكماً لعالِمٍ آخر غير الشيخ الألباني رحمه الله، فربما ترجح لدينا ذلك في حديث معين، وربما كانت هناك أصول بحثية ترجح عدم متابعة الشيخ رحمه الله، في حديث ما؛ فربما رأينا شهرة حكم الشيخ الألباني على الحديث، وقلة المخالفين له، فذكرنا حكمه، وعلَّقنا عليه، وربما رأينا كثرة المخالفين لحكم الشيخ الألباني، فلم نهتم بذِكر حُكم الشيخ، والتعليق عليه؛ مكتفين بما ننقله من المخالفة لطائفة العلماء. وهذا الثاني هو الذي حصل معنا في عدم ذِكرنا لحكم الشيخ الألباني رحمه الله على الحديث، وقد نقلنا قول ابن رجب الحنبلي رحمه الله في تضعيف الأكثر من العلماء لأحاديث فضل النصف من شعبان. مع التنبيه هنا على فائدة مهمة، وهي أن الشيخ الألباني رحمه الله يرى تضعيف إسناد حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه! وهو موافق لما ذكرناه من كون إسناده ضعيفاً، لكننا لم ننقله عنه لأنه – رحمه الله – يرى تصحيح الحديث بمجموع طرقه. قال – رحمه الله -: وأما حديث أبي موسى: فيرويه ابن لهيعة أيضاً عن الزبير بن سليم عن الضحاك بن عبد الرحمن عن أبيه قال: سمعت أبا موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم (نحوه) . أخرجه ابن ماجه (1390) وابن أبي عاصم اللالكائي. قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ من أجل ابن لهيعة، وعبد الرحمن، وهو ابن عرزب، والد الضحاك: مجهول، وأسقطه ابن ماجه في رواية له عن ابن لهيعة. " السلسلة الصحيحة " (3 / 218) . وقد ذكر الشيخ رحمه الله طرق الحديث وشواهده في كتابه " السلسلة الصحيحة " (1144) وخلص إلى القول بصحة متن حديث أبي موسى رضي الله عنه. ولكننا لم يترجح لدينا ما ذكره الشيخ رحمه الله، ولم نرَ تلك الطرق تصلح لتقوية بعضها بعضاً، وقد أحلنا في آخر إجابتنا على رسالة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في " حكم الاحتفال بليلة النصف من شعبان "، وفيها قوله: والذي أجمع عليه جمهور العلماء: أن الاحتفال بها بدعة، وأن الأحاديث الواردة في فضلها كلها ضعيفة، وبعضها موضوع، وممَّن نبَّه على ذلك: الحافظ ابن رجب في كتابه " لطائف المعارف ". انتهى وهذا هو الذي ترجح لدينا، ومسألة تصحيح حديث، أو تضعيفه، في مثل ذلك هي من موارد الاجتهاد، التي يعمل فيها العالم بما ترجح لديه، ويتابع فيها طالب العلم ما ترجح لديه من أقوال أهل العلم، وليست من موارد الإنكار على المخالف. ولينظر جواب السؤال رقم: (113687) ففيه فوائد مهمة حول الشيخ الألباني. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 140084 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3468 التعليق على نشرة " ثلاثون دعاء لثلاثين يوماً في رمضان " [السُّؤَالُ] ـ[ظهر في بعض المواقع الإكترونية نشرة مشتهرة بعنوان " ثلاثون دعاء لثلاثين يوماً في رمضان " دعاء اليوم الأول: اَللهُمَّ اجْعَلْ صِيامي فيهِ صِيامَ الصّائِمينَ وَقِيامي فيِهِ قِيامَ القائِمينَ، وَنَبِّهْني فيهِ عَن نَوْمَةِالغافِلينَ، وَهَبْ لي جُرمي فيهِ يا اِلهَ العالمينَ، وَاعْفُ عَنّي يا عافِياً عَنِ المُجرِمينَ. دعاء اليوم الثاني: اَللهُمَّ قَرِّبْني فيهِ اِلى مَرضاتِكَ، وَجَنِّبْني فيهِ مِن سَخَطِكَ وَنَقِماتِكَ، وَوَفِّقني فيهِ لِقِراءةِ آياتِِكَ، بِرَحمَتِكَ يا أرحَمَ الرّاحمينَ. دعاءاليوم الثالث: اَللهُمَّ ارْزُقني فيهِ الذِّهنَ وَالتَّنْبيهِ، وَباعِدْني فيهِ مِنَ السَّفاهَةِ وَالتَّمْويهِ، وَاجْعَل لي نَصيباً مِن كُلِّ خَيْرٍ تُنْزِلُ فيهِ، بِجودِكَ يا أجوَدَ الأجْوَدينَ. دعاء اليوم الثلاثين: أللهُمَّ اجْعَلْ صِيامي فيهِ بالشُّكرِ وَالقَبولِ عَلى ماتَرضاهُ وَيَرضاهُ الرَّسولُ مُحكَمَةً فُرُوعُهُ بِالأُصُولِ، بِحَقِّ سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ، وَآلهِ الطّاهِرينَ، وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العالمين ". فما حكم اعتماد هذه النشرة لتوزيعها، ونشرها، وحكم الدعاء بها في رمضان؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله (الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَة) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، رواه الترمذي وغيره بإسناد صحيح، والأصل في العبادات التوقيف، والمنع، فلا يجوز إحداث عبادة، أو تقييدها بوقت أو مناسبة إلا إذا كان الشرع قد دل على ذلك. فلا يجوز لأحدٍ أن يشرع للناس أدعية يقولونها في أوقات مخصوصة. وانظر – في ذلك – جوابي السؤالين: (21902) و (27237) . والدعاء في رمضان مرَّغب فيه، إلا أن هذا الترغيب لا يُجوَّز لأحد من الناس أن يخترع أدعية من عنده، ويخصها بأوقات معينة، كأنها أدعية نبوية، بل يدعو المسلم بما شاء من خيري الدنيا والآخرة، بما تيسر له من كلمات، وفي أي الأوقات. ومثل ذلك: ما حذَّر العلماء من فعله، مما اشتهر عند العامَّة، من تخصيص دعاء معيَّن لكل شوط طواف، أو شوط سعي، في الحج، والعمرة. قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: ولا يجب في هذا الطواف، ولا غيره من الأطوفة، ولا في السعي: ذِكر مخصوص، ولا دعاء مخصوص، وأما ما أحدثه بعض الناس من تخصيص كلِّ شوطٍ من الطواف، أو السعي، بأذكار مخصوصة، أو أدعية مخصوصة: فلا أصل له، بل مهما تيسر من الذكر والدعاء كفى. "فتاوى الشيخ ابن باز" (16/61، 62) . وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: ليس هناك دعاء معين لكل شوط، بل تخصيص كل شوط بدعاء معيَّن: من البدع؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وغاية ما ورد: التكبير عند استلامِ الحجر الأسود، وقول: (رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخرة حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) البقرة/201 بين الركن اليماني والحجر الأسود، وأما الباقي: فهو ذِكر مطلق، وقرآن، ودعاء، لا يخصص به شوط دون آخر. "مجموع فتاوى الشيخ العثيمين" (22/336) . وأمر آخر: أنه قد جاء في دعاء اليوم الأخير ما هو منكر، ومخالف للشرع، من التوسل في الدعاء بحق النبي صلى الله عليه وسلم، وحق آل بيته. وقد سبق بيان بدعة هذا التوسل في الدعاء، وكلام أهل العلم فيه: في جواب السؤال رقم: (125339) ، فلينظر. فعلى المسلم ألا يشارك في نشر تلك النشرة، بل عليه أن يحذر منها بقدر استطاعته. وليعلم المسلم أنه لا خير في بدعة يتقرب بها المسلم إلى ربِّه، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ) رواه مسلم (867) . وانظر الأحاديث التي ثبتت في النهي عن الابتداع في الدين، وأقوال العلماء في التحذير من البدعة: في جوابي السؤالين: (118225) و (864) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 139822 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3469 كيف يتم تعويد الأطفال على الصوم؟ [السُّؤَالُ] ـ[يوجد عندي ولد عمره 9 سنوات، وأريد مساعدتي في كيف أعوِّد ابني على صوم رمضان، إن شاء الله؛ لأنه صام رمضان السنَة الماضية فقط 15 يوماً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: من المفرح أننا نرى مثل هذا السؤال، وهو يدل على عظيم الاهتمام بالأولاد، وتربيتهم على طاعة الله تعالى، وهذا من النصح للرعية التي استرعى الله الوالدين عليها. ثانياً: الابن في عمر 9 سنوات ليس من المكلفين شرعاً بالصيام؛ لعدم بلوغه، ولكنَّ الله تعالى كلَّف الوالدين بتربية أولادهم على العبادات، فأمرهم الله تعالى بتعليمهم الصلاة وهم أبناء سبع سنين، وضربهم عليها وهم أبناء عشر، كما كان الصحابة الكرام رضي الله عنهم يصوِّمون أولادهم في صغرهم تعويداً لهم على هذه الطاعة العظيمة، وكل ذلك يدل على عظيم الاهتمام بالذرية لتنشئتها على خير ما يكون من الصفات، والأفعال. ففي الصلاة: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ) رواه أبو داود (495) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود". وفي الصيام: عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ رضي الله عنها قَالَتْ: أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الأَنْصَارِ الَّتِى حَوْلَ الْمَدِينَةِ: (مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ) ، فَكُنَّا بَعْدَ ذَلِكَ نَصُومُهُ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ مِنْهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَنَذْهَبُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهَا إِيَّاهُ عِنْدَ الإِفْطَارِ رواه البخاري (1960) ومسلم (1136) . وقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِنَشْوَانٍ [أي: سكران] فِي رَمَضَانَ: "وَيْلَكَ! وَصِبْيَانُنَا صِيَامٌ! "، فَضَرَبَهُ. رواه البخاري – معلَّقاً – باب صوم الصبيان. والسن الذي يبدأ الوالدان بتعليم أولادهما الصيام فيه هو سن الإطاقة للصيام، وهو يختلف باختلاف بنية الولد، وقد حدَّه بعض العلماء بسن العاشرة. وانظر تفصيل ذلك في جواب السؤال رقم: (65558) وفيه فوائد مهمة. ثالثاً: أما بخصوص وسائل تعويد الصبيان على الصيام: فينتظم في أمور، منها: 1- تحديثهم بفضائل الصيام وأنه سبب مهم من أسباب دخول الجنة، وأن في الجنة باباً يسمى الريان يدخل منه الصائمون. 2- التعويد المسبق على الصيام، كصيام بضع أيام من شهر شعبان؛ حتى لا يفجؤهم الصوم في رمضان. 3- صيام بعض النهار، وتزاد المدة شيئاً فشيئاً. 4- تأخير السحور إلى آخر الليل، ففي ذلك إعانة لهم على صيام النهار. 5- تشجيعهم على الصيام ببذل جوائز تُدفع لهم كل يوم، أو كل أسبوع. 6- الثناء عليهم أمام الأسرة عند الإفطار، وعند السحور، فمن شأن ذلك أن يرفع معنوياتهم. 7- بذل روح التنافس لمن عنده أكثر من طفل، مع ضرورة عدم تأنيب المتخلف. 8- إلهاء من يجوع منهم بالنوم، أو بألعاب مباحة ليس فيها بذل جهد، كما كان الصحابة الكرام يفعلون مع صبيانهم، وهناك برامج أطفال مناسبة، وأفلام كرتونية محافظة في القنوات الإسلامية الموثوقة، يمكن إشغالهم بها. 9- يفضَّل أن يأخذ الأب ابنه – وخاصة بعد العصر – للمسجد لشهود الصلاة، وحضور الدروس، والبقاء في المسجد لقراءة القرآن، وذكر الله تعالى. 10- تخصيص الزيارات النهارية، والليلية، لأسر يصوم أولادهم الصغار؛ تشجيعاً لهم على الاستمرار في الصيام. 11- مكافأتهم برحلات مباحة بعد الإفطار، أو صنع ما تشتهيه نفوسهم من الأطعمة والحلويات، والفواكه، والعصائر. وننبه إلى أنه إذا بلغ الجهد من الطفل مبلغه أن لا يصرَّ عليه إكمال الصوم؛ حتى لا يتسبب ذلك في بغضه للعبادة، أو يتسبب له في الكذب، أو في مضاعفات مرضية، وهو ليس من المكلفين، فينبغي التنبه لهذا، وعدم التشدد في أمره بالصيام. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 139252 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3470 حكم التسحر على " حبَّة رمضان " التي تخفف من أثر الجوع أثناء نهار الصائم [السُّؤَالُ] ـ[هناك حديث في أوساط الناس عن بعض العقاقير التي تتحكم وتقلل من نسبة الشعور بالجوع، والعطش، في جسم الشخص، ويقوم بعض الناس باستخدام هذه العقاقير في شهر رمضان، فما حكم تناول هذه العقاقير؟ . ولمزيد معلومات عن هذه العقاقير زوروا الموقع التالي: http://fasting.ramadantablet.com/#]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرَّف العلماء الصيام بأنه: " التعبد لله بالإمساك عن المفطرات كالطعام والشراب والجماع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس "، كما قال تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) البقرة/ 187، وكما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (الصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَجْهَلْ، وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ. مَرَّتَيْنِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي، الصِّيَامُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا) رواه البخاري (1795) . قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: والمفسد للصوم يسمَّى عند العلماء " المفطرات "، وأصولها ثلاثة: ذكرها الله عزّ وجل في قوله: (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) البقرة/ 187، وقد أجمع العلماء على أن هذه الثلاثة تفسد الصوم. " الشرح الممتع " (6 / 235) . والعقاقير الوارد الإشارة إليها في السؤال هي – بحسب الموقع المحال عليه – حبة مكونة من أعشاب ومواد مباحة الاستعمال والتناول، وتسمَّى " حبة رمضان "، وفيها من أنواع الفيتامينات المتعددة (بي 1، بي 2، بي 6، بي 12) ، وغيرها من المواد النافعة للبدن، وهي تزود الجسم بالنشاط أثناء النهار، وتخفف عليه الجوع؛ لما في هذه المواد من قدرة على مساعدة المخ على إعطاء أوامر للجسم ليبحث عن الغذاء في الشحوم، والدهون الزائدة في الجسم، عوضاً عن المعدة الخاوية. ومما لا شك فيه أن تناول هذه الحبوب والعقاقير في نهار رمضان أنه مفطِّر، ولا يَختلف في ذلك أحد؛ لكونها من الطعام، والذي يصل الجوف مباشرة. والظاهر من السؤال أنه عن حكم تناولها في الليل قبل الفجر، وأنه لكون تلك العقاقير لها القدرة على جعل البدن في نشاط مستمر، ولها القدرة على منع إحساسه بالجوع: فإنه قد يظن ظانٌّ أنه لا يحل تناولها من الليل؛ لما لها من استمرار مفعول في النهار، وهذا ظن خطأ، بل هي جائزة الاستعمال، ما دام تناولها في وقت إباحة تناول الطعام والشراب. وأما أثرها المستمر في النهار فهو ليس بمانع من تناولها، ولا فرق بينها وبين طعام السحور، ومن الحكَم الجليلة في تأخير تناول السحور: هو إعطاء البدن قدرة أكبر وأكثر على تحمل الصيام في النهار. فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةٌ) رواه البخاري (1823) ومسلم (1095) . قال الحافظ ابن حجر: "قوله في حديث أنس: (تسحروا فإن في السحور بركة) المراد بالبركة: الأجر والثواب. أو البركة لكونه يقوي على الصوم، وينشِّط له، ويخفف المشقة فيه. وقيل: البركة ما يتضمن من الاستيقاظ، والدعاء في السَّحَر. والأولى: أن البركة في السحور تحصل بجهات متعددة: وهي اتِّباع السنَّة، ومخالفة أهل الكتاب، والتقوي به على العبادة، والزيادة في النشاط، ومدافعة سوء الخلق الذي يثيره الجوع، والتسبب بالصدقة على من يسأل إذ ذاك، أو يجتمع معه على الأكل، والتسبب للذِّكر، والدعاء، وقت مظنة الإجابة، وتدارك نية الصوم لمن أغفلها قبل أن ينام" انتهى باختصار "فتح الباري" (4/140) . وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في سياق ذِكر بركات السحور: "من بركته: أنه يغذِّي الجسم طوال النهار، ويحمل على الصبر عن الأكل والشرب، حتى في أيام الصيف الطويلة الحارة، بينما الإنسان في غير الصيام تجده يشرب في اليوم خمس، وست، مرات، ويأكل مرتين، لكن هذا السحور يجعل الله فيه بركة، فيتحمل الجسم" انتهى. "لقاء الباب المفتوح" (مقدمة اللقاء رقم 223) . والحاصل: أنه لا حرج من تناول هذه الحبوب. وانظر جواب السؤال رقم (49686) في إباحة تناول الهرمونات في السحور لرياضي. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 139126 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3471 هل يجوز للطبيب أن يفطر إذا تعب من علاج المرضى؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لطبيب في الأحوال العادية أن يفطر إذا تعب من علاج المرضى، وما الحكم إذا كان يجري عملية جراحية قد يستغرق بعضها وقتاً طويلاً، وهل يختلف الحكم إذا كانت الحالة حالة إسعافية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا يجوز للطبيب أن يفطر من أجل علاج المرضى إلا إذا كانت حالة المريض حالة خطرة وتوقف علاجها على إفطار الطبيب المعالج، فيجوز إفطار الطبيب في هذه الحالة؛ لأنه إنقاذ معصوم من هلكة. وبالله التوفيق، وصلى الله علي نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ صالح الفوزان.. الشيخ عبد العزيز آل الشيخ.. الشيخ بكر أبو زيد. "فتاوى اللجنة الدائمة. المجموعة الثانية" (9/203) . [الْمَصْدَرُ] "فتاوى اللجنة الدائمة. المجموعة الثانية" (9/203) الحديث: 132438 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3472 هل يشرع الصوم من أجل أن يقضي الله حاجته؟ [السُّؤَالُ] ـ[يقال عندنا: إن المرء إذا أراد أن يقضي الله حاجته فإنه يصوم، وما كيفية هذا الصوم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الصيام لأجل قضاء الحاجات بدعة لا أصل لها، وإنما على الإنسان أن يتقرب إلى الله بنوافل العبادات؛ طاعة لله، وابتغاء ثوابه مخلصاً بذلك لله وحده لا لأجل مقاصد دنيوية، والثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن من ضمن الذين لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، وأن للصائم عند فطره دعوة لا ترد. وبالله التوفيق، وصلى الله علي نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ صالح الفوزان.. الشيخ بكر أبو زيد. "فتاوى اللجنة الدائمة. المجموعة الثانية" (9/292) . [الْمَصْدَرُ] "فتاوى اللجنة الدائمة. المجموعة الثانية" (9/292) الحديث: 131898 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3473 أمر زوجته بتجهيز الطعام له في نهار رمضان!! [السُّؤَالُ] ـ[عندي بنت متزوجة، وقد جاءت عندنا هي وزوجها في شهر رمضان، وبعد أن صمنا أسبوعاً من الشهر، ذهب زوج ابنتي مع زملائه إلى البر وخالطهم الشيطان فأكلوا وشربوا في نهار رمضان، وفي صباح اليوم التالي طلب زوج ابنتي من زوجته أن تصنع له طعاماً فأبت، فحلف عليها بالطلاق أن تصنع، فحلفت هي الأخرى أن لا تصنع، وخروجاً من هذا الأمر، طلبت من زوجة ولدي أن تصنع له طعاماً فامتنعت، إلا أنني أرغمتها على ذلك، فصنعت له طعاماً وهي كارهة، فجلس يأكل وحده ولم نأكل معه، فهل نحن آثمون في ذلك؟ وما يلزمنا أن نفعل لنكفر عن هذا الإثم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا شك أن الإفطار في رمضان بدون عذر شرعي كبيرة من الكبائر، ومنكر من المنكرات العظيمة، أما إذا كان بعذر كالسفر وهو ما يعادل ثمانين كيلو أو سبعين كيلو تقريباً، وهي مسافة ليلة بالمطايا والأقدام، فهذا يسمى سفراً، ولا حرج في الإفطار فيه، أما ما كان في البيت أو ضواحي البلد فلا يسمى سفراً، والإفطار فيه كبيرة من الكبائر، ومن يعين المفطر على إفطاره شاركه في الإثم؛ لأن الله سبحانه يقول: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2. فالذي يساعد من أفطر في رمضان بغير عذر بتقديم الطعام أو القهوة أو الشاي أو غير ذلك من الأشربة أو المطعومات آثم مشارك للمفطر في الإثم، لكن صومه صحيح لا يبطل بالمعاونة، ولكن يكون آثماً وعليه التوبة إلى الله. وعليك أيها الأخ السائل الذي غصبت ابنتك أو زوجة ابنك على صنع الطعام أن تتوب إلى الله، فقد أخطأت حين أمرتها بصنع الطعام له، أما هي فأحسنت وأصابت في عدم طاعته؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ) . فإذا أمرها زوجها أن تقدم له طعاماً في نهار رمضان وليس له عذر يبيح له الفطر من مرض أو سفر فليس لها أن تعينه على ما حرم الله ولو غضب أو طلق؛ لأن طاعة الله مقدمة على طاعة الزوج وعلى طاعة الأب وعلى طاعة السلطان وعلى طاعة الأمير؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ) ، وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام: (لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ) . ولا يعتبر هذا الرجل مسافراً لأنه جلس معهم أسبوعاً، والظاهر أنه كان عازماً على الإقامة أكثر من أربعة أيام، فهذا يلزمه الصوم على الصحيح من أقوال أهل العلم، وهو قول جمهور أهل العلم؛ أنهم إذا عزموا على الإقامة أكثر من أربعة أيام عند أصهارهم فإنهم يصومون معهم، أما أربعة أيام فأقل فلا يلزمهم الصوم إذا كانوا مسافرين، وإن صاموا فلا بأس ولا حرج، أما إذا كانوا قد أرادوا الإقامة عندهم أكثر من أربعة أيام فالذي ينبغي في هذه الحال هو الصوم خروجاً من خلاف العلماء، وعملاً بقول الأكثر، ولأن الأصل الصوم، وشُكَّ في إجازة الإفطار" انتهى. [الْمَصْدَرُ] سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (3/1266) الحديث: 130828 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3474 لا بأس بتقديم الطعام والشراب لفاقد العقل في نهار رمضان [السُّؤَالُ] ـ[في أول يوم من شهر رمضان زارتني امرأة عجوز عمرها في حدود مائة سنة، أحياناً يكون وعيها معها وأحياناً لا تعي، فطلبت مني أن أصنع لها قهوة، ففعلت ذلك وأحضرت لها القهوة، فهل علي ذنب في هذا؟ مع العلم بأنني أخبرتها أننا في شهر رمضان. أفيدوني أفادكم الله.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كان ظاهرا أن عقلها مفقود، وأنها قد دخلت في التخريف والهرم فلا بأس بصنعك القهوة لها لأنه ليس عليها صيام، وحضور بعض العقل معها كأن تقول: افعلوا كذا أو أعطوني كذا. فهذا لا يدل على العقل، والغالب على من بلغ مائة سنة أنه يدخله التخريف والتغير، فإن ظهر لك من حالها أن عقلها مفقود وأنها غير منضبطة فإنه لا بأس أن تأكل وتشرب. أما إن ظهر لك أن عقلها معها وأنها متساهلة، فلا تعطيها قهوة ولا غيرها، لئلا تعيينها على الباطل، والله يقول: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2، فالذي يطلب الطعام في رمضان وهو صحيح من المسلمين لا يعطى، لا طعاماً ولا شراباً ولا دخاناً ولا يعان على الباطل. أما من كان فاقد العقل كالمعتوه والهرم والمجنون والهرمة فهؤلاء ليس عليهم جناح وقد سقط عنهم الصوم" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (3/1267) . [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز فتاوى نور على الدرب الحديث: 130290 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3475 ينبغي للصائم أن يحرص على السحور ولو كان قليلاً [السُّؤَالُ] ـ[كثيراً ما نسمع عن السحور في شهر رمضان المبارك، ونسمع في الأحاديث التي تلقى في المساجد أن السحور بركة، لكننا أحياناً لا نشتهي السحور بسبب العشاء المتأخر ونترك هذه البركة. فهل علينا إثم في ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " لا ريب أن السحور سنة وقربة؛ لأن الرسول أمر بذلك عليه الصلاة والسلام، قال: (تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً) ، وقال عليه الصلاة والسلام: (فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ) ، وكان يتسحر عليه الصلاة والسلام. فالسحور سنة وليس بواجب، من لم يتسحر فلا إثم عليه لكن ترك السنة. فينبغي أن يتسحروا ولو بقليل، ليس من اللازم أن يكون كثيراً، يتسحر بما تيسر ولو تمرات أو ما تيسر من أنواع الطعام في آخر الليل، فإن لم يتيسر أو لم يشته الطعام فليشرب شيئاً من اللبن أو على الأقل الماء، يحسو من الماء ما تيسر، ولا يدع السحور، فأكلته فيها بركة وفيها خير كثير، وهي عون للصائم على أعماله في النهار، فينبغي للصائم ألا يدع السحور ولو كان قليلاً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً) . هكذا يقول عليه الصلاة والسلام، وهذه هي البركة لا ينبغي أن تضيع، بل ينبغي للمؤمن أن يحرص عليها ولو بشيء قليل من الطعام أو من التمرات أو من اللبن، يستعين بذلك على أعمال النهار الدينية والدنيوية" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (3/1222) . [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز فتاوى نور على الدرب الحديث: 130209 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3476 نزول قطرات دم بعد الطهر لا تعتبر حيضاً [السُّؤَالُ] ـ[صمت أربعة أيام من رمضان، وجاءني الحيض، وبعد قضاء أيام الحيض تطهرت وبدأت الصوم، ولكن سقطت بعض القطرات من الدم وتتوقف، وعندما أتطهر وأصوم تنزل ثانية طيلة شهر رمضان، ما هو الجواب في هذا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كان الواقع كما ذكرت، فإن قطرات الدم التي نزلت عليك بعد الطهارة من العادة لا تعتبر حيضاً؛ لأنه ليس دماً مستمراً، فلا يأخذ حكم الحيض، ويجب عليك الصوم والصلاة والوضوء لوقت كل صلاة حال وجودها كسائر المستحاضات وأصحاب السلس الدائم، وصومك في تلك الأيام صحيح. وبالله التوفيق، وصلى الله علي نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ عبد العزيز آل الشيخ.. الشيخ صالح الفوزان.. الشيخ بكر أبو زيد. "فتاوى اللجنة الدائمة المجموعة الثانية" (9/83) . [الْمَصْدَرُ] "فتاوى اللجنة الدائمة المجموعة الثانية" (9/83) الحديث: 130021 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3477 هل يقدم صلاة المغرب على الطعام؟ أم يقدم الطعام على الصلاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[كيف يفطر المسلم؟ لأن كثيراً من الناس مشغول بالأكل حتى ينقضي وقت صلاة المغرب، وإذا سألتهم يقولون لك: لا صلاة بحضور الطعام، وهل يجوز الاستدلال بهذا القول لأن وقت المغرب ضيق؟ والآن ماذا أفعل؟ هل أفطر بالتمر ثم أصلي المغرب، وبعد ذلك أكمل الطعام؟ أو أكمل الطعام كله ثم أصلي المغرب؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "السنة أن يبادر الصائم إلى الإفطار إذا تحقق من غروب الشمس؛ لحديث: (لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ) ، ولحديث: (أحب عباد الله إلى الله أعجلهم فطراً) والأكمل في حق الصائم أن يفطر على تمرات ثم يؤخر تناول الطعام إلى بعد صلاة المغرب؛ حتى يجمع بين سنة تعجيل الفطر وصلا ة المغرب في أول وقتها في الجماعة؛ اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم. وأما حديث: (لا صلاة بحضرة الطعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان) وحديث: (إذا حضر العِشاء والعَشاء فابدؤوا بالعَشاء) وما جاء في معنى ذلك فالمراد به: من قدم إليه الطعام أو حضر إلى طعام، فإنه يبدأ به قبل الصلاة حتى يأتي الصلاة وقلبه قد فرغ من التطلع إلى الطعام، فيصلي بقلب خاشع، ولكن ليس له أن يطلب حضور الطعام أو تقديم الطعام قبل أن يصلي إذا كان ذلك يفوت الصلاة في أول الوقت أو الصلاة في الجماعة. وبالله التوفيق، وصلى الله علي نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن باز. الشيخ عبد العزيز آلا الشيخ. الشيخ عبد الله بن غديان. الشيخ صالح الفوزان. الشيخ بكر أبو زيد. "فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الثانية" (9/32) . [الْمَصْدَرُ] "فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الثانية" (9/32) الحديث: 129913 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3478 من هو الصائم الذي يثاب المسلم بتفطيره؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل الصائم الذي حث الرسول صلى الله عليه وسلم على تفطيره هو الصائم الفقير أو الغريب في البلد أو الذي نقوم بدعوته للإفطار لدينا في المنزل كالضيف من الأهل والأقارب، وهل يحصل الأجر لنا بتقديم الإفطار للصائمين الذين ندعوهم دعوة خاصة في رمضان؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا) رواه الترمذي (807) . والمراد بالصائم هنا: أي صائم من المسلمين، لا سيما من يستحق الصدقة عليه بالفطر؛ كالفقير والمسكين وابن السبيل، وهذا المعنى مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ غَزَا) رواه البخاري (2843) . وبالله التوفيق، وصلى الله علي نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ عبد العزيز آل الشيخ.. الشيخ صالح الفوزان.. الشيخ بكر أبو زيد "فتاوى اللجنة الدائمة المجموعة الثانية" (9/33) . ولمزيد الفائدة يراجع جواب السؤال رقم (50047) و (118145) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129869 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3479 لا يجوز الإفطار بسبب لعب كرة القدم أو غيرها من الألعاب [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز ترك الصوم يوماً واحداً بسبب كرة القدم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا يجوز الإفطار في نهار رمضان لأجل الأعمال الرياضية من كرة القدم أو غيرها؛ لأن ذلك ليس من الأعذار الشرعية المبيحة للإفطار. وبالله التوفيق، وصلى الله علي نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ عبد العزيز آل الشيخ.. الشيخ صالح الفوزان.. الشيخ بكر أبو زيد. "فتاوى اللجنة الدائمة المجموعة الثانية" (9/139) . [الْمَصْدَرُ] "فتاوى اللجنة الدائمة المجموعة الثانية" (9/139) الحديث: 129860 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3480 هل يجب الصيام على أصحاب المناطق الحارة جداًّ مع صعوبته عليهم؟ [السُّؤَالُ] ـ[في منطقة الصحراء الكبرى، قد يحل شهر رمضان على الناس في فصل الصيف ويصعب عليهم الصيام، وقد يكون عليهم مستحيلاً ويستمر ذلك لعدة سنوات، كيف يصوم هؤلاء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا دخل شهر رمضان وجب على كل مسلم مكلف مقيم صحيح أن يصومه، قال تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/185. فيجب الصيام ولو كان الوقت حاراً؛ لأن صوم رمضان ركن من أركان الإسلام، ومن صام ثم أصيب بعطش شديد خشي معه الهلاك فإنه يفطر بتناول ما يبقي على حياته، ثم يمسك ويقضي هذا اليوم في وقت آخر. والله أعلم. وبالله التوفيق، وصلى الله علي نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز. الشيخ عبد الله بن غديان. صالح الفوزان. الشيخ عبد العزيز آل الشيخ. الشيخ بكر أبو زيد. "فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الثانية" (9/145) . [الْمَصْدَرُ] "فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الثانية" (9/145) الحديث: 129831 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3481 حكم الإفطار للطيار الذي يقوم بمهمة الدوريات [السُّؤَالُ] ـ[يكلف بعض الطيارين بمهمة الدوريات على الحدود التي تشهد اضطرابات أو حروبا، وقد تصل مدة التحليق إلى ست ساعات أو أكثر على فترتين، وأحيانا يكون الطيار تحت الطلب لرجلة إضافية، مما يحتاج إلى جهد كبير من الطيارين للقيام بهذه المهمة للمحافظة على أمن البلاد وأرواح الناس وممتلكاتهم. فهل يجوز لهم الإفطار، ويكون هذا عذرا لهم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "أولاً: من كان من الطيارين المكلفين بمهمة الدوريات على الحدود يبعد عن مقر إقامته مسافة القصر، وهي ثمانون كيلو متر تقريباً ـ جاز له الفطر إذا غادر البنيان، وإن دعت الضرورة إلى أن يفطر قبل الإقلاع فلا بأس. ثانياًُ: ما كان دون هذه المسافة منهم وكان لابد من قيامه بمهمة الدوريات؛ حفاظاً على مصلحة الأمة، ولا يتمكن من القيام بهذه المهمة إلا وهو مفطر جاز له الفطر تحقيقاً للمصلحة، ودرءاً للمفسدة. ثالثاً: من عاد منهم إلى مقر إقامته أثناء النهار ولن يعود إلى القيام بهذه المهمة في بقية يومه وجب عليه الإمساك. رابعاً: على كل هؤلاء القضاء. وبالله التوفيق، وصلى الله علي نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ صالح بن فوزان الفوزان.. الشيخ عبد العزيز ابن محمد آل الشيخ. "فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الثانية" (9/141) . [الْمَصْدَرُ] "فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الثانية" (9/141) الحديث: 129788 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3482 من يصوم رمضان وهو نصراني [السُّؤَالُ] ـ[يوجد في القرية عندنا رجل مسيحي وهو يصوم شهر رمضان ولا يصلي. فهل صيامه هذا صحيح؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "هذا النصراني الذي يصوم ولا يصلي يُنظر في أمره ويدعى إلى الإسلام، فإن الصيام بدون دخوله الإسلام لا ينفعه؛ فالكفر يبطل الأعمال، كما قال عز وجل: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ) المائدة/5، ويقول سبحانه: (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الأنعام/88. فلابد أولاً من تصديقه بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ودخوله الإسلام، فإن صدق محمداً صلى الله عليه وسلم ودخل الإسلام فحينئذ يطالب بالصلاة والصوم والزكاة والحج وغير ذلك، أما كونه يصوم أو يصلي وهو على مسيحيته وعلى نصرانيته، فهذا لا يصح منه، وصلاته باطلة، وصومه باطل، ولا ينفعه ذلك؛ لأن شرط هذه العبادات: الإسلام، فإذا صلى وهو غير مسلم أو صام وهو غير مسلم فعبادته باطلة. فعليكم أيها الإخوة الذين بقربه أن تنصحوه وتوجهوه إلى الإسلام، وتعلموه أنه لابد من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وتصديقه، وأنه رسول الله حقاً إلى الناس عامة والجن والإنس، وأن عليه أن يلتزم بالإسلام بإخلاص العبادات لله وحده وترك ما عليه النصارى من القول بأن المسيح ابن الله أو بالأقانيم الثلاثة، يترك هذا كله ويؤمن بأن الله إله واحد ليس له شريك، وأن المسيح ابن مريم عبد الله ورسوله، وليس هو ابن الله ـ تعالى الله عن ذلك علوا كبيراً ـ فإن الله سبحانه ليس له صاحبة ولا ولد، قال الله عز وجل: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) الإخلاص. فإذا ترك ما عليه النصارى من هذا القول الشنيع وإذا آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم وصدق ما جاء به والتزم بالإسلام فهذا حينئذ يكون مسلماً، له ما للمسلمين وعليه ما على المسلمين، وعليه أن يصلي ويصوم، وعليه أن يزكي إذا كان عنده مال، وعليه أن يحج مع الاستطاعة، وهكذا سائر المسلمين" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (3/1217) . [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز فتاوى نور على الدرب الحديث: 128856 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3483 لا يجوز لك الإفطار بسبب العمل [السُّؤَالُ] ـ[أنا من عائلة متوسطة الدخل، وأشتغل في العطلة بعمل شاق جداً لأساعد عائلتي في مصاريفها، ويوافق عملي هذا صيام رمضان، ولا أستطيع التوفيق بين عملي والصيام. فهل يجوز لي أن أصوم في غير رمضان لأستمر في عملي؟ أفيدونا أفادكم الله.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الواجب على المؤمن إذا جاء رمضان أن يصوم رمضان، وإذا كان في أعمال شاقة فليخفف منها لأجل الصوم، وذلك بأن يعمل في الوقت الذي يناسبه في أول النهار، ثم يمسك عن العمل الذي يشق عليه حتى يكمل صيامه، فالله سبحانه وتعالى جعل ذلك الصيام فرضاً وركناً من أركان الإسلام الخمس. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَحَجَّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) . فالواجب على كل مسلم وعلى كل مسلمة صوم هذا الشهر، ويجب الحذر من كل ما يعوق من ذلك، والأعمال لا تنتهي ولها أوقات كثيرة، فبإمكان المؤمن أن يجعل عمله بالليل أو أول النهار حتى لا يشق عليه العمل في وسط النهار. والمقصود: أنه عليك أن تعمل الأسباب التي تعينك على الجمع بين الأمرين؛ بين الصيام والعمل على وجه لا يضرك، هذا هو الواجب عليك، أما الإفطار فلا يجوز لك" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (3/1233) . [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز فتاوى نور على الدرب الحديث: 128398 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3484 هل يكفي في السحور أن يشرب ماء؟ [السُّؤَالُ] ـ[السؤال: هل الاقتصار في السحور على الماء يسمى سحوراً؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الظاهر أنه يسمى سحوراً، لكن إذا لم يجد طعاماً، لحديث: (إذا أفطر أحدكم فليفطر على رطب، فإن لم يجد فعلى تمر، فإن لم يجد حسى حسوات من ماء) فإذا كان ليس عنده طعام يعني ليس عنده مأكول، أو عنده مأكول لكن لا يشتهيه، وشرب ماءاً فأرجو أن تحصل له السنة" انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. "فتاوى نور على الدرب" [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112142 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3485 هل يلزمه الإمساك عن الطعام في اليوم الذي أسلم فيه؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا أسلم الكافر في نهار رمضان فهل يلزمه إمساك باقي اليوم الذي أسلم فيه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "نعم، يلزمه أن يمسك بقية اليوم الذي أسلم فيه، لأنه صار الآن من أهل الوجوب فلزمه. وهذا بخلاف ارتفاع المانع فإنه إذا ارتفع المانع لم يلزم إمساك بقية اليوم، مثل: أن تطهر المرأة من حيضها في أثناء النهار، فإنه لا يلزمها أن تمسك بقية النهار، وكذلك لو برأ المريض المفطر من مرضه في أثناء النهار فإنه لا يلزمه الإمساك، لأن هذا اليوم قد أبيح له فطره مع كونه من أهل الالتزام – أي مسلماً – بخلاف الذي طرأ إسلامه في أثناء النهار، فإنه يلزمه الإمساك، ولا يلزمه القضاء، أما أولئك أعني: الحائض والمريض فإنه لا يلزمهم الإمساك، لكن يلزمهم القضاء" انتهى. فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. "الإجابات على أسئلة الجاليات" (1/7) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112150 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3486 للصائم أن يأكل وهو شاك في طلوع الفجر وليس له أن يفطر وهو شاك في غروب الشمس [السُّؤَالُ] ـ[1- لا يجوز للصائم أن يفطر إلا إذا تيقن أو غلب على ظنه غروب الشمس، فلو أفطر وهو شاك في غروب الشمس ثم تبين له أنها لم تغرب حين فطره فإنه يقضي ذلك اليوم. 2- من أكل أو شرب وهو شاك هل طلع الفجر أو لا فصيامه صحيح. السؤال: لماذا يجب القضاء في المسألة الأولى ولا يجب في الثانية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يقضي الصائم إذا أفطر وهو شاك في الغروب لقوله تعالى: (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) البقرة/187، والليل يبدأ من غروب الشمس , وهو كان على يقين أنه في نهار فلا يفطر إلا إذا تيقن أو غلب على ظنه غروب الشمس، لأن الأصل بقاء النهار، فلا ينتقل عن هذا الأصل إلا بيقين أو غلبة ظن. ولا يقضي الصائم إذا أكل أو شرب وهو شاك في طلوع الفجر، لقوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) البقرة/187، فقد قال تعالى: (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ) البقرة: من الآية187. مما يدل على جواز الأكل والشرب قبل تيقن طلوع الفجر, ولأنه كان على يقين أنه في ليل فلا يحرم عليه الأكل إلا إذا تيقن طلوع الفجر، لأن الأصل بقاء الليل. وينظر جواب السؤال رقم (38543) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111513 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3487 يصوم رمضان ثم يترك الصلاة بعد رمضان [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان الإنسان حريصاً على صيام رمضان والصلاة في رمضان فقط ولكن يتخلى عن الصلاة بمجرد انتهاء رمضان فهل له صيام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصلاة ركن من أركان الإسلام، وهي أهم الأركان بعد الشهادتين وهي من فروض الأعيان، ومن تركها جاحداً لوجوبها أو تركها تهاوناً وكسلاً فقد كفر، أما الذين يصومون رمضان ويصلون في رمضان فقط فهذا مخادعةً لله، فبئس القوم الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان، فلا يصح لهم صيام مع تركهم الصلاة في غير رمضان، بل هم كفار بذلك كفراً أكبر، وإن لم يجحدوا وجوب الصلاة في أصح قولي العلماء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) رواه الإمام أحمد (22428) والترمذي (2621) والنسائي (431) وابن ماجه (1079) بإسناد صحيح عن بريدة الأسلمي رضي الله عنه، وقوله صلى الله عليه وسلم: (رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله) رواه الإمام الترمذي (2616) بإسناد صحيح عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، وقوله صلى الله عليه وسلم: (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة) رواه الإمام مسلم في صحيحه (82) عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (10/140) . الحديث: 12675 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3488 تشك في حصول الطهر قبل الفجر فهل تصلي وتصوم؟ [السُّؤَالُ] ـ[في آخر يوم للدورة الشهرية رأيت نزول السائل الأصفر قبل أذان الفجر بحوالي ساعتين ثم نمت ولم أرى هل توقف نزوله قبل الفجر أم لا وفي الصباح لاحظت توقف نزول السوائل ثم انتظرت قليلا أترقب وقد أذن لصلاة الظهر وبعدها اغتسلت فهل يجب علي قضاء ما فاتني من صلاة أم أصلي صلاة الظهر فقط؟ وهل يحب عليّ أن اقضي صيام هذا اليوم بعد رمضان؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا حاضت المرأة فالأصل بقاء هذا الحيض حتى تتيقن زواله، ولا يجوز لها أن تصوم أو تصلي وهي تشك: هل انتهى الحيض أما لا؟ وقد بينا ذلك في جواب السؤال رقم (106452) . وقد كانت عائشة رضي الله عنها تأمر النساء بالتمهل وعدم الاستعجال حتى تتيقن الطهر، فكانت تقول: (لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ) تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضَةِ. وعلى هذا؛ لا يلزمك قضاء صلاة الفجر، وأما صلاة الظهر فتجب عليك لأنها أدركتك وأنت طاهرة من الحيض. وأما الصيام فلا يصح صيام ذلك اليوم – لو صمتيه – لأنك كنت حائضاً في أوله، وعليك قضاؤه بعد انتهاء رمضان. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 108549 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3489 لا يجد وقتاً لقراءة القرآن الكريم في رمضان [السُّؤَالُ] ـ[أهنئكم بحلول شهر رمضان الكريم، في بداية شهر رمضان عاهدت نفسي أن أختم قراءة القرآن الكريم ولكن للأسف أنا أستيقظ الساعة ال6 صباحا وأعود إلى منزلي الساعة 5:30 مساءا وبعد الإفطار يكون الإرهاق قد تملكني فأنام حتى ال10 تقريبا وأصحو حتى السحور وأكون شبة نائم وأنام حوالي الساعة 12 حتى أستطيع الاستيقاظ صباحا فماذا أفعل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نهنئك بهذا الشهر الكريم، ونسأل الله تعالى أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته. المطلوب من المسلم أن يجمع بين مصالح الدنيا والآخرة، فلا هو بالذي يترك الدنيا ويفسدها بحجة الإقبال على الآخرة، ولا هو بالذي يقبل على الدنيا ويعرض عن الآخرة. بل المقصود من الدنيا أن يتزود منها للآخرة، فإن الدنيا ليست دار استقرار، بل هي ممر ينتقل الإنسان منه – ولابد – إلى الآخرة. فالمؤمن العاقل هو الذي يستعد لذلك الانتقال، ولهذا سئل النبي صلى الله عليه وسلم: (من أكيس الناس وأحزم الناس؟ فقال: أكثرهم ذكراً للموت، وأشدهم استعدادا له) رواه الطبراني، وحسنه المنذري في "الترغيب والتهذيب" (4/197) والهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/312) ، وقال العراقي في "تخريج أحاديث الإحياء" (5/194) : إسناده جيد، وذكره الألباني في "ضعيف الترغيب" (1964) . فلابد من الاستعداد ليوم الرحيل، فهنالك المستقر، نسأل الله تعالى أن يجمعنا في مستقر رحمة. فينبغي للمسلم أن يجمع بين عمل الدنيا وعمل الآخرة، فالإنسان يحتاج إلى السكن والمال واللباس والطعام والشراب ليحيا بدنه، ويحتاج أيضاً إلى الإيمان الصحيح، والصلاة والصيام وذكر الله تعالى، وقراءة القرآن، والإحسان إلى الناس .... إلخ ليحيا قلبه. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) الأنفال/24. فالمسلم محتاج إلى قراءة القرآن في رمضان وغير رمضان. فينبغي أن يكون له ورده اليومي من القرآن الكريم، حتى يختم القرآن – على الأكثر – كل أربعين يوماً مرة. وأما في رمضان فالمطلوب منه أكثر ذلك، فإنه من أفضل مواسم الطاعات، وقراءة القرآن، (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) البقرة/185. فتستطيع أن تقتطع من يومك ساعة تقرأ فيها أكثر من جزئين من القرآن الكريم فتختمه في الشهر مرتين أو ثلاثة، ويمكنك الاستفادة من وقتك الذي تقضيه في المواصلات، فليكن المصحف صاحبك لا يفارق يدك، وستجد أنك ختمت القرآن عدة مرات، في هذا الوقت القصير، لو داومت عليه، ويمكنك الاتفاق مع صاحب العمل على تقليل ساعات العمل، ولو نقص الراتب في مقابل ذلك، فإن الله سيعوضك خيراً، ويمكنك أخذ إجازة في العشر الأواخر أو في بعضها، المهم أنك تجتهد في الاستفادة من هذا الشهر الكريم حسب وسعك وطاقتك، وما زالت الفرصة قائمة، والأيام باقية، ونسأل الله أن يستعملنا في طاعته. وإذا لم يمكنك تقليل ساعات العمل أو أخذ إجازة عدة أيام، فعليك بالاستفادة من وقتك قدر استطاعتك، وإذا علم الله تعالى منك الحرص على قراءة القرآن لولا العمل فسوف يثيبك على قدر نيتك. وفقك الله لما يحب ويرضى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 108455 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3490 هل تخرج المعتدة من وفاة زوجها لصلاة التراويح والعمل؟ [السُّؤَالُ] ـ[توفي زوجي منذ 45 يوما وقد اعتدت للذهاب لصلاة التراويح في شهر رمضان، فهل يجوز الذهاب للمسجد لأداء الصلاة دون أن أكمل عدتي؟ وهل يجوز أن أمارس عملي في البقالة؟ للعلم: البقالة في نفس المنزل. هل يجوز لزائر المقابر أن يأكل من أي شجرة مزروعة داخل المقبرة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: نسأل الله أن يأجركم في مصيبتك، وأن يخلف لك خيراً منها. ثانيا: المعتدة من وفاة لا تخرج ليلا إلا لضرورة، وليس خروجك لصلاة التراويح ضرورة، فعلى هذا، تصلين التراويح في بيتك. ثالثا: يجوز للمعتدة من وفاة أن تخرج نهاراً للعمل، فإذا جاء الليل لزمها البقاء في بيتها. فلا حرج عليك من العمل في البقالة، على أن يكون ذلك نهاراً فقط. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (8/130) : " وللمعتدة الخروج في حوائجها نهارا , سواء كانت مطلقة أو متوفى عنها. لما روى جابر قال: طُلقت خالتي ثلاثا , فخرجت تجذّ نخلها , فلقيها رجل , فنهاها , فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: (اخرجي , فجذي نخلك , لعلك أن تصدّقي منه , أو تفعلي خيرا) رواه النسائي وأبو داود. وروى مجاهد قال: (استشهد رجال يوم أحد فجاءت نساؤهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلن: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، نستوحش بالليل , أفنبيت عند إحدانا , فإذا أصبحنا بادرنا إلى بيوتنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تحدثن عند إحداكن , حتى إذا أردتن النوم , فلتؤب كل واحدة إلى بيتها) . وليس لها المبيت في غير بيتها , ولا الخروج ليلا , إلا لضرورة ; لأن الليل مظنة الفساد , بخلاف النهار , فإنه مظنة قضاء الحوائج والمعاش , وشراء ما يحتاج إليه " انتهى. وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (20/440) : "الأصل: أن تحد المرأة في بيت زوجها الذي مات وهي فيه، ولا تخرج منه إلا لحاجة أو ضرورة؛ كمراجعة المستشفى عند المرض، وشراء حاجتها من السوق كالخبز ونحوه، إذا لم يكن لديها من يقوم بذلك " انتهى. وأما الأكل من الأشجار المزروعة في المقابر فلا حرج فيه، ولكن ينبغي أن تعلمي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى النساء عن زيارة القبور، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (8198) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 108229 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3491 هل ترك الحجاب يفسد الصوم؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا بنت لست متحجبة هل ذلك يبطل صيامي في رمضان؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: المؤمنة مأمورة بالحجاب، وقد سبق في الموقع الكلام عن الحجاب في أكثر من جواب، وتلك الأجوبة جاءت على صور، منها ما كان بياناً لحكم الحجاب، وأنه واجب، كما في جواب السؤال رقم (21536) ، ومنها ما ذُكرت فيه الأدلة الدالة على وجوب الحجاب، كما في جواب السؤال رقم (13998) ، ورقم (11774) ، ومنها ما كان بياناً لصفة الحجاب الشرعي، كما في جواب السؤال رقم (6991) ، وغيرها من الأجوبة الدالة على أهمية الحجاب في حياة المرأة المؤمنة. ثانياً: إذا تركت المرأة الحجاب، فهي عاصية لربها بذلك، لكنّ صومها صحيح؛ لأن المعاصي، ومنها ترك الحجاب لا تفسد الصوم، غير أنها تنقص ثوابه، وقد تضيعه بالكلية. والذي ندعوك إليه هو الالتزام بالحجاب، مع الصيام، فإنه ليس المقصود من الصيام هو مجرد الامتناع عن الطعام والشراب، وإنما المقصود هو الصيام عن المحرمات، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس الصيام من الأكل والشرب، إنما الصيام من اللغو والرفث) رواه الحاكم وصححه الألباني في صحيح الجامع (5376) . واللغو هو الكلام الباطل. وقيل: ما لا فائدة فيه. والرفث: الكلام البذيء. فليكن صومك دافعاً لك إلى طاعة الله تعالى، والبعد عما نهى عنه. نسأل الله تعالى أن يوفقك إلى ما يحب ويرضى. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال جواب الحديث: 107624 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3492 حكم الجلوس قرب أجهزة لها بخار أو دخان وهو صائم [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الجلوس في نهار رمضان قرب أجهزة لها بخار أو دخان؟ وإذا كان ذلك من صميم عملي فما الحكم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "هذا لا بأس به، ولكنه لا يتعمد ويتقصد أن يستنشق هذا الدخان أو هذا الغبار، فإذا دخل إلى جوفه من غير قصد ولا إرادة فإنه لا بأس به ولا يضره" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" فتاوى الصيام (281) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106451 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3493 الإسراف في مائدة الإفطار هل يقلل من ثواب الصيام؟ [السُّؤَالُ] ـ[الإفراط في إعداد الأطعمة للإفطار هل يقلل من ثواب الصوم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " لا يقلل من ثواب الصيام، والفعل المحرم بعد انتهاء الصوم لا يقلل من ثوابه، ولكن ذلك يدخل في قوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأعراف/31. فالإسراف نفسه محظور، والاقتصاد نصف المعيشة، وإذا كان لديهم فضل فليتصدقوا به، فإنه أفضل " انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. "فتاوى إسلامية" (2/118) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106459 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3494 الإكثار من الاستحمام للصائم [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الاستحمام في نهار رمضان أكثر من مرة أو الجلوس عند مكيف طوال الوقت وهذا المكيف يفرز رطوبة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " ذلك جائز، ولا بأس به، وقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام يصب على رأسه الماء من الحر أو من العطش وهو صائم، وكان ابن عمرو يبل ثوبه وهو صائم بالماء، لتخفيف شدة الحر أو العطش، والرطوبة لا تؤثر، لأنها ليست ماء يصل المعدة " انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. "فتاوى إسلامية" (2/130) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106460 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3495 سافر أثناء رمضان إلى بلد اختلف مع بلده في بداية الشهر [السُّؤَالُ] ـ[إذا بدأت الصيام في بلدي ثم سافرت أثناء رمضان إلى بلد آخر صاموا بعدنا بيوم، فهل أواصل الصوم مع المسلمين هناك وبذلك أصوم اليوم الحادي والثلاثين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "العبرة في ابتداء الصيام في البلد التي سافر منها، وفي نهايته في البلد التي قدم إليها، وإذا كان مجموع ما صامه ثمانية وعشرين يوماً وجب عليه قضاء يوم؛ لأن الشهر القمري لا يكون أقل من 29 يوماً، وإن كان قد أتم صيام ثلاثين يوماً في البلد الذي سافر إليه وبقى على أهل البلد صيام يوم مثلاً وجب عليه أن يصوم معهم حتى يفطر بفطرهم يوم العيد، ويصلي معهم يوم العيد. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (10/129) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106482 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3496 كيف يصوم ويصلي من يطول نهارهم أو لا تغيب شمسهم؟ [السُّؤَالُ] ـ[كيف يصنع من يطول نهارهم إلى إحدى وعشرين ساعة؟ هل يقدرون قدراً للصيام وكذا ماذا يصنع من يكون نهارهم قصيراً جداً؟ وكذلك من يستمر عندهم النهار ستة أشهر والليل ستة أشهر؟ كيف يصلون؟ وكيف يصومون؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "من عندهم ليل ونهار في ظرف أربع وعشرين ساعة فإنهم يصومون نهاره، سواء كان قصيراً أو طويلاً، ويكفيهم ذلك، والحمد لله، ولو كان النهار قصيراً، أما من طال عندهم النهار والليل أكثر من ذلك كستة أشهر فإنهم يُقَدِّرون للصيام وللصلاة قدرهما، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في يوم الدجال الذي كالسنة، وهكذا يومه الذي كشهر، أو كأسبوع، يقدر للصلاة قدرها في ذلك. وقد نظر مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة في هذه المسألة وأصدر القرار رقم 61 وتاريخ 12/4/1398 هـ ونصه ما يلي: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه وبعد: أولاً: من كان يقيم في بلاد يتمايز فيها الليل من النهار بطلوع فجر وغروب شمس إلا أن نهارها يطول جداً في الصيف، ويقصر في الشتاء وجب عليه أن يصلي الصلوات الخمس في أوقاتها المعروفة شرعاً؛ لعموم قوله تعالى: (أَقِمْ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) الإسراء/78، وقوله تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) النساء/103. ولما ثبت عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بن العاص رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (وَقْتُ الظُّهْرِ إِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ وَكَانَ ظِلُّ الرَّجُلِ كَطُولِهِ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْعَصْرُ، وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ الْأَوْسَطِ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ، فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَأَمْسِكْ عَنْ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ) رواه مسلم (612) . إلى غير ذلك من الأحاديث التي وردت في تحديد أوقات الصلوات الخمس قولاً وفعلاً، ولم تفرق بين طول النهار وقصره، وطول الليل وقصره، ما دامت أوقات الصلوات متمايزة بالعلامات التي بَيَّنها رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذا بالنسبة لتحديد أوقات صلاتهم. وأما بالنسبة لتحديد أوقات صيامهم شهر رمضان فعلى المكلفين أن يمسكوا كل يوم منه عن الطعام والشراب وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس في بلادهم، ما دام النهار يتمايز في بلادهم من الليل، وكان مجموع زمانهما أربعاً وعشرين ساعة، ويحل لهم الطعام والشراب والجماع ونحوها في ليلهم فقط، وإن كان قصيراً، فإن شريعة الإسلام عامة للناس في جميع البلاد، وقد قال الله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) البقرة/187، ومن عجز عن إتمام صوم يومه لطوله، أو علم بالأمارات أو التجربة أو إخبار طبيب أمين حاذق، أو غلب على ظنه أن الصوم يفضي إلى إهلاكه أو مرضه مرضاً شديداً، أو يفضي إلى زيادة مرضه أو بطء برئه أفطر، ويقضي الأيام التي أفطرها في أي شهر تمكن فيه من القضاء. قال تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/185، وقال الله تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة/286، وقال: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الحج/78. ثانياً: من كان يقيم في بلاد لا تغيب عنها الشمس صيفاً ولا تطلع فيها الشمس شتاء، أو في بلاد يستمر نهارها إلى ستة أشهر، ويستمر ليلها ستة أشهر مثلاً، وجب عليهم أن يصلوا الصلوات الخمس في كل أربع وعشرين ساعة، وأن يقدروا لها أوقاتها، ويحددوها معتمدين في ذلك على أقرب بلاد إليهم تتمايز فيها أوقات الصلوات المفروضة بعضها من بعض، لما ثبت في حديث الإسراء والمعراج من أن الله تعالى فرض على هذه الأمة خمسين صلاة كل يوم وليلة فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه التخفيف حتى قال: (يَا مُحَمَّدُ، إِنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ) رواه مسلم (162) . ولما ثبت من حديث طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ ثَائِرُ الرَّأْسِ، نَسْمَعُ دَوِيَّ صَوْتِهِ وَلَا نَفْقَهُ مَا يَقُولُ، حَتَّى دَنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنْ الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ؟ قَالَ: لَا إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ. . . الحديث) رواه البخاري (46) ومسلم (11) . وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم حَدَّث أصحابه عن المسيح الدجال، فقالوا: مَا لَبْثُهُ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ: (أَرْبَعُونَ يَوْمًا، يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ. قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ؟ قَالَ: لَا، اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ) رواه مسلم (2937) ، فلم يعتبر اليوم الذي كالسنة يوماً واحداً يكفي فيه خمس صلوات، بل أوجب فيه خمس صلوات في كل أربع وعشرين ساعة، وأمرهم أن يوزعوها على أوقاتها اعتباراً بالأبعاد الزمنية التي بين أوقاتها في اليوم العادي في بلادهم، فيجب على المسلمين في البلاد المسئول عن تحديد أوقات الصلوات فيها أن يحددوا أوقات صلاتهم معتمدين في ذلك على أقرب بلاد إليهم يتمايز فيها الليل من النهار، وتعرف فيها أوقات الصلوات الخمس بعلاماتها الشرعية في كل أربع وعشرين ساعة. وكذلك يجب عليهم صيام شهر رمضان، وعليهم أن يقدروا لصيامهم فيحددوا بدء شهر رمضان ونهايته، وبدء الإمساك والإفطار في كل يوم منه ببدء الشهر ونهايته، وبطلوع فجر كل يوم وغروب شمسه، في أقرب البلاد إليهم يتميز فيها الليل من النهار، ويكون مجموعهما أربعاً وعشرين ساعة؛ لما تقدم في حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن المسيح الدجال، وإرشاده أصحابه فيه عن كيفية تحديد أوقات الصلوات فيه إذ لا فارق في ذلك بين الصوم والصلاة. والله ولي التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه. هيئة كبار العلماء" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (15/292/300) باختصار. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106527 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3497 إذا أفطر بالأكل في نهار رمضان ليجامع زوجته فعليه كفارة [السُّؤَالُ] ـ[رجل أراد أن يجامع زوجته في شهر رمضان بالنهار، فأفطر بالأكل قبل أن يجامع، ثم جامع، فهل عليه كفارة أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اتفق العلماء على أن من أفطر في نهار رمضان بالجماع أن عليه الكفارة. واختلفوا فيمن أفطر بغير الجماع كالأكل والشرب، فذهب الإمامان أبو حنيفة ومالك رحمهما الله إلى أن عليه الكفارة أيضاً، وذهب الإمامان الشافعي وأحمد رحمهما الله إلى أنه لا كفارة عليه. ولكن هذا فيمن أفطر بغير الجماع ثم لم يجامع في ذلك اليوم، أما من أفطر بغير الجماع ثم جامع في ذلك اليوم فذهب جمهور العلماء (منهم أبو حنيفة ومالك وأحمد رحمهم الله) إلى أنه تجب عليه الكفارة. وهذا القول هو الذي لا ينبغي أن يفتى بغيره، ويدل على صحته أمور: 1- أن من أفطر في رمضان بدون عذر سواء أفطر بالأكل أو الشرب أو غير ذلك، وجب عليه الإمساك، فإذا جامع فقد جامع في يوم يلزمه إمساكه، فتجب عليه الكفارة، كما أن المحرم بالحج إذا أفسد إحرامه لزمه المضي فيه، ويمسك عن محظورات الإحرام، فإذا أتى شيئاً منها كان عليه ما عليه في الإحرام الصحيح. 2- أن هذا عاصي بفطره أولاً، ثم عصى مرة أخرى بالجماع، فصار عاصياً مرتين، فكانت الكفارة عليه أوكد. 3- أنه لو لم تجب الكفارة على مثل هذا صار ذريعة إلى ألا يكفر أحد، فإنه لا يشاء أحد أن يجامع في رمضان إلا أمكنه أن يأكل، ثم يجامع، بل ذلك أعون له على مقصوده. فكيف يكون جماعه قبل الغداء فيه الكفارة، وإذا تغدى هو وامرأته ثم جامعها لا كفارة عليه! فهذا شنيع في الشريعة لا تأتي بمثله، فإنه استقر في العقول والأديان أنه كلما عظم الذنب كانت العقوبة أبلغ. والله أعلم "مجموع فتاوى ابن تيمية" (25/260-263) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106531 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3498 حكم صيام من لا يصلي إلا في رمضان [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم صيام من لا يصلي إلا في رمضان بل ربما صام ولم يصل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "كل من حُكِمَ بكفره بطلت أعماله، قال تعالى: (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) وقال تعالى: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) . وذهب جمع من أهل العلم إلى أنه لا يكفر كفرا أكبر إذا كان مقرا بالوجوب، ولكنه يكون كافرا كفرا أصغر، ويكون عمله هذا أقبح وأشنع من عمل الزاني والسارق ونحو ذلك، ومع هذا يصح صيامه وحجه عندهم إذا أداها على وجه شرعي، ولكن تكون جريمته عدم المحافظة على الصلاة، وهو على خطر عظيم من وقوعه في الشرك الأكبر عند جمع من أهل العلم، وحكى بعضهم قول الأكثرين أنه لا يكفر الكفر الأكبر إن تركها تكاسلا وتهاونا، وإنما يكون بذلك قد أتى كفرا أصغر، وجريمة عظيمة، ومنكرا شنيعا أعظم من الزنا والسرقة والعقوق وأعظم من شرب الخمر نسأل الله السلامة. ولكن الصواب والصحيح من قولي العلماء: أنه يكفر كفرا أكبر، نسأل الله العافية، لما تقدم من الأدلة الشرعية، فمن صام وهو لم يصل فلا صيام له، ولا حج له" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (15/179) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105362 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3499 احتلم ولم يستطع الغسل فتوضأ وصلى [السُّؤَالُ] ـ[أنا شاب مقعد وأجلس على كرسي متحرك والحمد لله. قد احتلمت في ليلة قبل صلاة الفجر ولضعف جسمي وقوتي لا أستطيع أن أغتسل ولا أستطيع أن أغير ملابسي إلا عند طلوع النهار ولا أريد أن أضيع صلاة الفجر فتوضأت وضوئي للصلاة وصليت هل هذا جائز أم لا؟ وماذا أفعل إن لم يكن جائزاً؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: نسأل الله تعالى لك المعافاة في الدنيا والآخرة. من أصابته جنابة من احتلام أو جماع، لزمه الغسل؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ... ) المائدة/6، فإن لم يستطع الغسل لعدم الماء، أو لعدم قدرته على استعماله، تيمم وصلى؛ لقوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة/6. وكذلك من احتلم وخشي حصول مرض من استعمال الماء البارد ولم يجد ما يسخنه به، أو كان الماء بعيدا عنه لا يمكنه الوصول إليه ولم يجد من يناوله إياه، فإنه يتيمم ويصلي. قال ابنُ قدامةَ رحمه الله في "المغني" (1/151) : " ومَن كان مريضًا لا يقدرُ على الحركةِ، ولا يجدُ من يناوله الماءَ، فهو كالعادم، لأنّه لا سبيلَ له إلى الماء .... وإن كانَ له من يناولُه الماءَ قبل خروجِ الوقتِ فهو كالواجد " انتهى. والمريض الذي لا يمكنه غسل جميع بدنه، لكن يمكنه غسل بعضه، يجب عليه أن يغسل ما استطاع من بدنه ثم يتيمم عن الباقي، لقول الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16، وأما الوضوء فلا يجزئ عن الغسل. وراجع السؤال رقم: (71202) لمزيد الفائدة. وعلى هذا فينبغي لك أن تعيد تلك الصلاة. ثانيا: المني طاهر في أصح قولي العلماء، ولهذا لا يلزمك غسل ملابسك ولا تبديلها، وراجع السؤال رقم (2458) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96919 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3500 هل تصوم نافلة مع منع زوجها الناشز لها؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا أحاول التقرب من الله بكل الوسائل، الصلاة فريضة، ونوافل، وقياما للثلث الأخير من الليل، والصوم كل اثنين وخميس، وغيرها، إلا أنني علمت أن المرأة يجب أن لا تصوم غير رمضان إلا بإذن من الزوج، وأنا لا أفعل ذلك لأسباب: أولها: أن زوجي تنطبق عليه كل ما ورد في جواب السؤال رقم (1859) ، كما أنه لا يعاشرني، لا وأنا صائمة، ولا مفطرة، يرفض أن أشاركه الفراش، بحجة أنني أقلق راحته عندما أستيقظ في الفجر، مما جعلني أنام في غرفة أخرى، حتى لا أفوت أجر الفجر وقيام الليل، وعندما آخذ الإذن منه يرفض أن أصوم فقط من أجل الرفض، مما جعلني أقول له غدا سأصوم فقط من باب العلم فقط، ولا أطلب الإذن، فهل كل صيامي باطل - مع العلم أنني أكثر من سنتين وأنا على هذا الحال؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الأصل أنه لا تصوم الزوجة تطوعاً وزوجها حاضر إلا بإذنه، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلا بِإِذْنِهِ) . رواه البخاري (5195) ومسلم (1026) . وهذا إنما شرِع لعظم حق الزوج على زوجته، والأفضل للزوج أن يأذن لزوجته بالصوم؛ لما فيه من إعانتها على الطاعة، ويكون هو بذلك مأجوراً، وإن لم يكن للزوج حاجة بزوجته في النهار: فإنه يُكره له منعها من الصيام. سئل الشيخ عبد الله بن جبرين – حفظه الله -: هل لي الحق في منع زوجتي من صيام أيام التطوع كأيام الست من شوال؟ وهل يلحقني إثم في ذلك؟ . فأجاب: ورد النهي للمرأة أن تصوم تطوعا ًوزوجها حاضر إلا بإذنه؛ لحاجة الاستمتاع، فلو صامت بدون إذنه: جاز له أن يفطرها إن احتاج إلى الجماع، فإن لم يكن له بها حاجة: كره له منعها إذا كان الصيام لا يضرها، ولا يعوقها عن تربية ولد، ولا رضاع، ونحوه، سواء في ذلك الست من شوال، أو غيرها من النوافل. " فتاوى إسلامية " (2 / 167) . ولو صامت المرأة بغير إذن زوجها صحَّ صومها، مع حرمة فعلها فقد جاء في " الموسوعة الفقهية " (28 / 99) : اتّفق الفقهاء على أنّه ليس للمرأة أن تصوم تطوّعاً إلاّ بإذن زوجها؛ لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: (لا تصم المرأة وبعلها شاهد، إلاّ بإذنه) ؛ ولأنّ حقّ الزّوج فرض، فلا يجوز تركه لنفل. ولو صامت المرأة بغير إذن زوجها صحّ مع الحرمة عند جمهور الفقهاء، والكراهة التّحريميّة عند الحنفيّة، إلاّ أنّ الشّافعيّة خصّوا الحرمة بما يتكرّر صومه، أمّا ما لا يتكرّر صومه كعرفة وعاشوراء وستّة من شوّال فلها صومها بغير إذنه، إلاّ إن منعها. ولا تحتاج المرأة إلى إذن الزّوج إذا كان غائباً، لمفهوم الحديث ولزوال معنى النّهي " انتهى. ثانياً: وفي حال كون الزوج هاجراً لزوجته، ومبطلاً لحقوقها في الفراش والعشرة، ويكون منعه لصومها من أجل التسلط فقط: فليس له إذن، وللزوجة أن تصوم ولو لم تستأذن منه، وموافقته وعدمها سواء قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين في " شرح بلوغ المرام " – مخطوط -: " لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، والحكمة ربما أنه يحتاج إلى الاستمتاع بها فيهاب أن يفسد عليها صومها، وهذا من تمام حقه وهل ذلك مقيد بما إذا كان الزوج ناشزاً - أي: يضيِّع حقوقها - فهل لها الصوم بلا إذنه وهو شاهد؟ . نعم؛ لأن ميزان العدل أنه إذا نشز: فلها أن تنشز؛ لقوله تعالى (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُم) البقرة/من الآية 194 " انتهى. وننبه الأخت السائلة إلى أن زوجها إن كان تاركاً للصلاة: فلا يحل لها البقاء معه؛ لأنه بتركه للصلاة يصير مرتداً، وانظري جوابي السؤالين: (33007) و (4131) . وإن كان مقترفاً لكبائر الذنوب: فالأفضل لك – إن لم ينفع النصح ولم تستطيعي الصبر – أن تفارقيه، وانظري جواب السؤال رقم (47335) ففيه الحكم والنصح للمتزوجة بمن يفعل المعاصي. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 95028 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3501 زادت أيام عادتها بسبب اللولب [السُّؤَالُ] ـ[أثناء شهر رمضان زوجتي ذهبت لتركيب لولب بعد أن أتتها الحيضة وزادت أيام الحيض وأفطرت أحد عشر يوما وثبت بعد ذلك أن أربعة أيام منها ليس بدم حيض ولكن دم نزيف ... ما حكم هذه الأيام؟ وهل هناك كفارة؟ وما هي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا زادت أيام نزول الدم بسبب اللولب، وكان الدم متصلا، فالجميع حيض، كأن تكون عادتها سبعة أيام فتزيد إلى أحد عشر يوما. أما إذا انقطع الدم بعد الأيام السبعة، وتحققت من الطهر، ثم جاءها أربعة أيام، مخالفا لدم الحيض المعروف، وكان ذلك بسبب اللولب، فهذه الأربعة لا تعد حيضا وإنما هي استحاضة. وكذلك إذا تبين بالطب أن الدم النازل دم نزيف لا دم حيض، فيكون استحاضة. ثانيا: إذا أفطرت المرأة عند رؤية الدم ظنا منها أنه دم حيض، ثم تبين أنه دم استحاضة، فلا شيء عليها غير قضاء الأيام التي أفطرتها. والحاصل: أنه إذا ثبت أن هذه الأيام لم تكن حيضاً فليس عليها إلا القضاء فقط. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 94824 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3502 ترى نقطة من الدم فهل تصوم؟ [السُّؤَالُ] ـ[عندما أدخل الخلاء لقضاء الحاجة أجد في المكان الذي قضيت فيه حاجتي نقطة من الدم مما يثير قلقي وشكي في أن أكون حائضاً فهل أصلى وأكمل صيامي أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الذي يظهر أن نزول نقطة دم لا يكون حيضا، فلا تمنع من الصلاة والصيام. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن امرأة نزل منها في رمضان نقط بسيطة واستمر معها هذا الدم طوال الشهر، وهو تصوم، فهل صومها صحيح؟ فأجاب: " نعم، صومها صحيح، وأما هذه النقط فليست بشيء لأنها من العروق " انتهى. "فتاوى المرأة المسلمة" (1/137) . وقال أيضاً: " القاعدة العامة أن المرأة إذا طهرت ورأت الطهر المتيقن في الحيض وفي النفاس وأعني الطهر في الحيض خروج القصة البيضاء، وهو ماء أبيض تعرفه النساء، فما بعد الطهر من كدرة، أو صفرة، أو نقطة، أو رطوبة، فهذا كله ليس بحيض، فلا يمنع من الصلاة، ولا يمنع من الصيام، ولا يمنع من جماع الرجل لزوجته، لأنه ليس بحيض" انتهى. 60 " سؤالا في الحيض". [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93793 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3503 مريضة ولا تعقل ولا تعي ما حولها، فهل عليها إطعام؟ [السُّؤَالُ] ـ[لدي أخت مريضة من ثلاث سنوات وهذه السنة والتي فاتت لم تصم، مرضها طبيا ضمور بالمخ ولا يرجى برؤه لا تتكلم ولا تعقل ولا تعي ما حولها لا تعرف سوا أسماءنا واسمها واسم بنتها..لا تتحكم بنفسها أقرب للمجنونة.. هي بسريرها دائما لا تصلي لأنها لا تعي أي شيء.. في حالتها ما هو حكم الشرع بالنسبة لعدم صيامها؟ وإذا كان إطعام مسكين كم يعني بالريال؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يشترط لوجوب الصيام: العقل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاثَةٍ: عَنْ الْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ حَتَّى يفِيقَ، وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ) رواه أبو داود (4399) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. فما دامت أختك قد وصلت إلى هذه الحال من عدم العقل والتمييز فلا يجب عليها الصيام، وليس عليها قضاء ولا إطعام. والصلاة كالصوم، فلا تجب عليها الصلاة. قال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (6/202) : " كل من ليس له عقل فإنه ليس بمكلف، وليس عليه واجب من واجبات الدين لا صلاة ولا صيام ولا إطعام، أي: لا يجب عليه شيء إطلاقاً، وعليه فالمهذري أي المخرف لا يجب عليه صوم ولا إطعام لفقد الأهلية وهي العقل " انتهى. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93752 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3504 كيف يحافظ على صيامه في ظل هذه المعاصي؟ [السُّؤَالُ] ـ[كيف أحافظ على صيامي في ظل هذه المعاصي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: قد أحسنت – أخي – غاية الإحسان في سؤالك هذا، فهو يدل على حرص منك على طاعتك أن تضيع أو أن تنقص بسبب هذه المعاصي المنتشرة. وعلينا أن نعلم جميعاً أن حقيقة الصوم ليس مجرد ترك الطعام والشراب، بل شرع الله تعالى الصيام لأجل أن نحصِّل التقوى، ولذا كان الصيام الحقيقي هو الصيام عن المعاصي بتركها وهجرها والكف عنها، وهو صوم القلب، لا فقط صوم الجوارح، وقد دلَْت عموم السنَّة وخصوصها على ما قلناه، وكذا جاء في كلام أهل العلم ما يبينه ويوضحه. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) رواه البخاري (1804) . وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ، وَرُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ السَّهَرُ) رواه أحمد (8693) . وصححه ابن حبان (8 / 257) والألباني في " صحيح الترغيب " (1 / 262) . وقد كان الصحابة وسلف الأمة يحرصون على أن يكون صيامهم طُهْرة للأنفس والجوارح، وتَنزُّهًا عن المعاصي والآثام. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ليس الصيام من الشراب والطعام وحده، ولكنه من الكذب والباطل واللغو. وقال جابر بن عبد الله الأنصاري: إذا صمتَ فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب، والمأثم، ودع أذى الخادم، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك، ولا تجعل يوم فطرك ويوم صومك سواء. وعن حفصة بنت سيرين – وكانت عالمة من التابعين - قالت: الصيام جُنَّة، ما لم يخرقها صاحبها، وخرقها الغيبة. وعن ميمون بن مهران: إن أهون الصوم ترك الطعام والشراب. ذكر هذه الآثار: ابن حزم في " المحلى " (4 / 308) . ولا نعجب بعدها إذا علمنا أن بعض أهل العلم قال ببطلان صوم من وقع في المعصية أثناء صيامه، وإن كان الصحيح أنه لا يبطل الصوم، لكن لا شك في نقصانه، ومخالفته لحقيقة الصوم. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "الغيبة تضر بالصيام، وقد حكي عن عائشة، وبه قال الأوزاعي: إن الغيبة تفطِّر الصائم، وتوجب عليه قضاء ذلك اليوم، وأفرط ابن حزم فقال: يبطله كل معصية من متعمِّد لها ذاكر لصومه، سواء كانت فعلاً، أو قولاً؛ لعموم قوله (فلا يرفث ولا يجهل) ؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) " انتهى. " فتح الباري " (4 / 104) . وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: "أما الذي يجب عنه الصوم: فلعلكم تستغربون إذا قلت: إن الذي يجب عنه الصوم هو: المعاصي , يجب أن يصوم الإنسان عن المعاصي؛ لأن هذا هو المقصود الأول في الصوم؛ لقول الله تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة/183، لم يقل: لعلكم تجوعون! أو لعلكم تعطشون! أو لعلكم تمسكون عن الأهل! لا، قال: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) , هذا هو المقصود الأول من الصوم , وحقَّق النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وأكده بقوله: (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) إذاً أن يصوم الإنسان عن معاصي الله عز وجل , هذا هو الصوم الحقيقي، أما الصوم الظاهري: فهو الصيام عن المفطرات , الإمساك عن المفطرات تعبداً لله عز وجل من طلوع الفجر إلى غروب الشمس؛ لقوله تعالى: (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) البقرة/187، هذا صوم نسميه الصوم الظاهري، صوم البدن فقط , أما صوم القلب الذي هو المقصود الأول: فهو الصوم عن معاصي الله عز وجل. وعلى هذا: فمن صام صوماً ظاهريّاً جسديّاً، ولكنه لم يصم صوماً قلبيّاً: فإنَّ صومه ناقص جدّاً جدّاً , لا نقول: إنه باطل، لكن نقول: إنه ناقص , كما نقول في الصلاة , المقصود من الصلاة الخشوع والتذلل لله عز وجل , وصلاة القلب قبل صلاة الجوارح , لكن لو أن الإنسان صلّى بجوارحه ولم يصلِ بقلبه، كأن يكون قلبه في كل وادٍ: فصلاته ناقصة جدّاً , لكنها مجزئة حسب الظاهر، مجزئة لكنها ناقصة جدّاً , كذلك الصوم ناقص جدّاً إذا لم يصم الإنسان عن معصية الله , لكنه مجزئ؛ لأن العبادات في الدنيا إنما تكون على الظاهر" انتهى. " لقاءات الباب المفتوح " (116 / ص 1) . ثانياً: وقد قسَّم العلماء الصبر إلى ثلاثة أقسام: الصبر على الطاعة، والصبر عن المعصية، والصبر على القدَر، وقد جمع الصيام جميع أنواع الصبر. قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله: "وأفضل أنواع الصبر: الصيام؛ فإنه يجمع الصبر على الأنواع الثلاثة؛ لأنه صبر على طاعة الله عز وجل، وصبر عن معاصي الله؛ لأن العبد يترك شهواته لله ونفسه قد تنازعه إليها، ولهذا جاء في الحديث الصحيح أن الله عز وجل يقول: (كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به؛ لأنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي) ، وفيه أيضاً: صبر على الأقدار المؤلمة بما قد يحصل للصائم من الجوع والعطش " انتهى. " جامع العلوم والحِكَم " (ص 219) . فمن حقَّق صيامه كما شرعه الله تعالى فإنه يحصِّل ثواباً عظيماً، وأجراً جزيلاً من ربه تبارك وتعالى، ويكفيه قوله تعالى: (إِنَّمَا يُوفَّى الصَّابِرونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ) الزمر/10. ثالثاً: ولكي يحافظ المسلم على صيامه من نقصانه بسبب فعل المعاصي: فإنه يجب عليه تحقيق الصبر عن المعصية، وقد قال بعض العلماء إن الصبر عن المعصية أعظم من نوعي الصبر الآخرين؛ وما ذلك إلا لاجتماع دواعي الشر عليه أن يقع في المعصية. قال ابن القيم رحمه الله: "وههنا مسألة تكلم فيها الناس وهي: أي الصبرين أفضل: صبر العبد عن المعصية، أم صبره على الطاعة؟ فطائفة: رجحت الأول، وقالت: الصبر عن المعصية من وظائف الصدِّيقين، كما قال بعض السلف: أعمال البر يفعلها البر والفاجر، ولا يقوى على ترك المعاصي إلا صدِّيق، قالوا: ولأن داعي المعصية أشد من داعي ترك الطاعة؛ فإن داعي المعصية إلى أمر وجودي تشتهيه النفس، وتلتذ به، والداعي إلى ترك الطاعة: الكسل، والبطالة، والمهانة، ولا ريب أن داعي المعصية أقوى، قالوا: ولأن العصيان قد اجتمع عليه داعي النفس، والهوى، والشيطان، وأسباب الدنيا، وقرناء الرجل، وطلب التشبه والمحاكاة، وميل الطبع، وكلُّ واحدٍ من هذه الدواعي يجذب العبد إلى المعصية، ويطلب أثره، فكيف إذا اجتمعت، وتظاهرت على القلب، فأي صبر أقوى من صبر عن إجابتها، ولولا أن الله يصبره لما تأتَّى منه الصبر. وهذا القول كما ترى حجته في غاية الظهور " انتهى. " طريق الهجرتين " (ص 414) . والصبر عن المعصية ينشأ من أسباب عديدة، فنرجو التأمل فيها، ففيها وصف دقيق للمرض، ووصف للعلاج. قال ابن القيم رحمه الله: "قاعدة الصبر عن المعصية ينشأ من أسباب عديدة: أحدها: عِلْم العبدِ بقبحها، ورذالتها، ودناءتها، وأن الله إنما حرَّمها، ونهى عنها صيانة، وحماية عن الدنايا، والرذائل، كما يحمي الوالدُ الشفيقُ ولدَه عما يضرُّه، وهذا السبب يحمل العاقل على تركها، ولو لم يعلق عليها وعيد بالعذاب. السبب الثاني: الحياء من الله سبحانه؛ فإن العبد متى علم بنظره إليه، ومقامه عليه، وأنه بمرأى منه ومسمع وكان حيِّيّاً: استحيى من ربه أن يتعرض لمساخطه. السبب الثالث: مراعاة نعَمه عليك، وإحسانه إليك؛ فإن الذنوب تزيل النعَم، ولا بد، فما أذنب عبدٌ ذنباً إلا زالت عنه نعمة من الله بحسب ذلك الذنب، فإن تاب، وراجع: رجعت إليه أو مثلها، وإن أصرَّ: لم ترجع إليه، ولا تزال الذنوب تزيل عنه نعمة حتى تُسلب النعمُ كلها، قال الله تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) ، وأعظم النعَم: الإيمان، وذنب الزنا، والسرقة، وشرب الخمر، وانتهاب النهبة: يزيلها، ويسلبها، وقال بعض السلف: أذنبتُ ذنباً فحرِمت قيام الليل سنَة، وقال آخر: أذنبتُ ذنباُ فحرمتُ فهم القرآن، وفي مثل هذا قيل: إذا كنتَ في نعمة فارعها ... فإن المعاصي تزيل النعَم وبالجملة: فإنَّ المعاصي نارُ النعم تأكلها، كما تأكل النار الحطب، عياذاً بالله من زوال نعمته، وتحويل عافيته. السبب الرابع: خوف الله، وخشية عقابه، وهذا إنما يثبت بتصديقه في وعده، ووعيده، والإيمان به، وبكتابه، وبرسوله، وهذا السبب يَقوى بالعلم واليقين، ويضعف بضعفهما، قال الله تعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء) ، وقال بعض السلف: كفى بخشية الله علماً، والاغترار بالله جهلاً. السبب الخامس: محبة الله، وهي أقوى الأسباب في الصبر عن مخالفته، ومعاصيه؛ فإن المحب لمن يحب مطيع، وكلما قوي سلطان المحبة في القلب: كان اقتضاؤه للطاعة، وترك المخالفة أقوى، وإنما تصدر المعصية والمخالفة من ضعف المحبة وسلطانها، وفرقٌ بين من يحمله على ترك معصية سيده خوفه من سوطه وعقوبته، وبين من يحمله على ذلك حبه لسيده ... . السبب السادس: شرف النفس، وزكاؤها، وفضلها، وأنفتُها، وحميتها أن تختار الأسباب التي تحطها، وتضع من قدرها، وتخفض منزلتها، وتحقرها، وتسوِّي بينها وبين السفلة. السبب السابع: قوة العلم بسوء عاقبة المعصية، وقبح أثرها، والضرر الناشيء منها من: سواد الوجه، وظلمة القلب، وضيقه، وغمِّه، وحزنه، وألمه، وانحصاره، وشدة قلقه واضطرابه، وتمزق شمله، وضعفه عن مقاومة عدوه، وتعريه من زينته، والحيرة في أمره، وتخلي وليه وناصره عنه، وتولي عدوه المبين له، وتواري العلم الذي كان مستعدّاً له عنه، ونسيان ما كان حاصلاً له أو ضعفه ولا بد، ومرضه الذي إذا استحكم به فهو الموت ولا بد؛ فإن الذنوب تميت القلوب ... . وبالجملة: فآثار المعصية القبيحة أكثر من أن يحيط بها العبد علماً، وآثار الطاعة الحسنة أكثر من أن يحيط بها علماً، فخير الدنيا والآخرة بحذافيره في طاعة الله، وشر الدنيا والآخرة بحذافيره في معصيته، وفي بعض الآثار يقول الله سبحانه وتعالى: (من ذا الذي أطاعني فشقي بطاعتي، ومن ذا الذي عصاني فسعد بمعصيتي) . السبب الثامن: قصر الأمل، وعلمه بسرعة انتقاله، وأنه كمسافر دخل قرية وهو مزمع على الخروج منها، أو كراكب قالَ في ظل شجرة ثم سار وتركها، فهو لعلمه بقلة مقامه وسرعة انتقاله حيص على ترك ما يثقله حمله ويضره ولا ينفعه، حريص على الانتقال بخير ما بحضرته، فليس للعبد أنفع من قصر الأمل، ولا أضر من التسويف وطول الأمل. السبب التاسع: مجانبة الفضول في مطعمه، ومشربه، وملبسه، ومنامه، واجتماعه بالناس؛ فإن قوة الداعي إلى المعاصي إنما تنشأ من هذه الفضلات، فإنها تطلب لها مصرفاً فيضيق عليها المباح فتتعداه إلى الحرام، ومن أعظم الأشياء ضرراً على العبد: بطالته، وفراغه؛ فإن النفس لا تقعد فارغة، بل إن لم يشغلها بما ينفعها شغلته بما يضره، ولا بد. السبب العاشر: وهو الجامع لهذه الأسباب كلها: ثبات شجرة الإيمان في القلب، فصبر العبد عن المعاصي إنما هو بحسب قوة إيمانه، فكلما كان إيمانه أقوى: كان صبره أتم، وإذا ضعف الإيمان: ضعف الصبر، فإن من باشر قلبَه الإيمانُ بقيام الله عليه، ورؤيته له، وتحريمه لما حرم عليه وبغضه له ومقته لفاعله، وباشر قلبه الإيمان بالثواب والعقاب والجنة والنار: امتنع من أن لا يعمل بموجب هذا العلم، ومن ظن أنه يقوى على ترك المخالفات والمعاصي بدون الإيمان الراسخ الثابت: فقد غلط، فإذا قوي سراج الإيمان في القلب وأضاءت جهاته كلها به وأشرق نوره في أرجائه: سرى ذلك النور إلى الأعضاء، وانبعث إليها، فأسرعت الإجابة لداعي الإيمان، وانقادت له طائعة مذللة غير متثاقلة ولا كارهة، بل تفرح بدعوته حين يدعوها، كما يفرح الرجل بدعوة حبيبه المحسن إليه إلى محل كرامته، فهو كلَّ وقتٍ يترقب داعيه، ويتأهب لموافاته، والله يختص برحمته من يشاء، والله ذو الفضل العظيم " انتهى. " طريق الهجرتين " (ص 408 – 414) باختصار. والمطلوب من المسلم أن يعرف حقيقة ما أراده الله من الصوم، ويعرف الدافع له لفعل المعصية، فيبتعد عنه، ويهجره، ويبغضه، وما نقلناه من كلام ابن القيم يوضح هذا ويبينه أحسن بيان. وانظر جواب السؤال رقم (12468) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93723 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3505 يفطر على أذان الإذاعة أم يتبع المؤذن القريب؟ [السُّؤَالُ] ـ[صديقي بقول بأنه يفطر مع الأذان الذي يذاع على التلفاز مع أن المسجد القريب منه والذي لا يسمع غيره يؤذن بعد ذلك ويقول إن هذا المسجد يؤذن بعد المساجد الأخرى.. علماً بأن مدينتنا تتبع الأذان المذاع في الإذاعة دائماً.. فهل يصح هذا أم أنه يجب أن يتبع المسجد القريب منه مع تأخره عن أذان الإذاعة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المدار في الإفطار على غروب الشمس، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ) رواه البخاري (1954) ومسلم (1100) . ولا بأس من الاعتماد على آذان المؤذن للإفطار، لأنه يفيد غلبة الظن بغروب الشمس. وبعض المؤذنين يتأخر قليلا في الأذان احتياطاً منه للصيام، وهذا التصرف خاطئ مخالف للسنة، كما سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (12470) . وإذا كانت مدينتكم تتبع الأذان المذاع في الإذاعة، فالأولى لك الاعتماد على أذان الإذاعة لأنه أكثر دقة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93566 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3506 إذا اختلف المؤذنون فمن يتبع في الإفطار؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا اختلف الأذان من مسجد إلى مسجد آخر والاثنان قريبان وفي نفس المنطقة فعلى أيهما يتم الإفطار؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المدار في الفطر على غروب الشمس، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ) رواه البخاري (1954) ومسلم (1100) . والمقصود بالغروب: هو سقوط قرص الشمس واختفاؤه، ولا عبرة بالحمرة الشديدة الباقية في الأفق، فحيث غاب جميع القرص، فقد حل الفطر. وأكثر المؤذنين اليوم يعتمد على التقاويم، وهذا لا بأس به، لكن منهم من يقصر في ضبط ساعته كما ينبغي. وإذا اختلف المؤذنون، فإما أن تنظروا أشدهم دقة في الوقت، بحيث يؤذن مع أول الوقت تماما، فلا يتقدم ولا يتأخر، وتعتمدوا على أذانه دون غيره. وإما أن تعتمدوا على التقويم بأنفسكم، بعد التأكد من ضبط الساعة، حتى وإن لم يؤذن المؤذن. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93577 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3507 هل يجوز له أن يعد الطعام لابن الكافر في نهار رمضان [السُّؤَالُ] ـ[زوجي كان متزوجا من امرأة أجنبية وله منها ولدان. منذ الصغر وهما مقيمان مع والدتهما وهم علي ديانة والدتهما (المسيحية) ويأتيان لرؤية والدهما نهاية الأسبوع ولكن منذ 4 أشهر الولد الكبير مقيم معنا وبالطبع هو ليس صائما في رمضان. السؤال: أحيانا والده يعد له الطعام (في النهار) ما حكم ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز للمسلم أن يقدم الطعام في نهار رمضان إلا للمعذور في ترك الصوم، كالمريض والمسافر، وأما من كان غير معذور فلا يجوز إطعامه، سواء كان مسلما أو كافرا. أما إطعام المسلم غير المعذور، فواضح؛ لأنه عاص بترك الصوم، فلا يجوز إعانته على معصيته. وأما الكافر، فإنه عاص أيضا بالإفطار في رمضان، لأن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة كما دلت عليه الأدلة، وهو مذهب جمهور أهل العلم. ومعنى المخاطبة بفروع الشريعة أنه يجب على الكافر أن يصلي ويصوم ويزكي ويفعل سائر الواجبات، كما يجب عليه أن يأتي بالأصل وهو الإيمان، وهو محاسب على الأمرين: الأصل والفرع، ويعذب على ترك هذه الفروع، كما يعذب على ترك الأصل، وإن كان إتيانه بالفرع لا يصح إلا بعد الإتيان بالأصل. فالكافر المستطيع للصوم يجب عليه الصوم، كما يجب عليه أن يسلم، فإذا أفطر كان عاصيا بالفطر، ولهذا لا تجوز إعانته على هذه المعصية، بل يترك ليجهز طعامه بنفسه. قال النووي رحمه الله: " والمذهب الصحيح الذي عليه المحققون والأكثرون: أن الكفار مخاطبون بفروع الشرع، فيحرم عليهم الحرير، كما يحرم على المسلمين " انتهى من "شرح مسلم" (14 / 39) . وقد ذكر الرملي رحمه الله في "نهاية المحتاج" (5/274) عن العلماء أنهم حرموا بيع الطعام للكافر في نهار رمضان. وراجعي السؤال رقم (49694) . ونسأل الله تعالى أن يهدي هذين الشابين وأن يصلح حالهما. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93435 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3508 سؤال من الصين عن وقت الإفطار [السُّؤَالُ] ـ[أنا طالب أدرس في الصين , والمدينة التي أقيم فيها تحيط بها الجبال من جهة الغرب , والجالية المسلمة هنا يعتمدون في إفطارهم على التوقيت المأخوذ من مواقع الإنترنت، لكن بالنسبة لي فأنا أراقب قرص الشمس , فأفطر حين يغيب قرص الشمس خلف الجبل وأصلي المغرب تحقيقا لسنَّة تعجيل الفطر والمغرب , ومخالفة اليهود، فهل عملي هذا صحيح؟ وهل يجب عليَّ أن أفترض أنه يتوجب عليَّ الصعود إلى مكان عال جدّاً مساوٍ لارتفاع الجبل لأراقب قرص الشمس؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز الاعتماد على التقاويم التي تبين أحكام الصلوات ما لم يثبت خطؤها، وقد ثبت خطأ كثير منها – إن لم نقل كلها – في صلاة الفجر، وبعضها في صلاة العشاء، وأما صلاة المغرب فالخطأ فيها يسير؛ لأنه يسهل على عامة الناس معرفة صوابها، واكتشاف الخطأ فيها، بمراقبة الشمس بأنفسهم. وعلى كل حال: فإن علامة غروب الشمس الذي به يفطر الصائم، ويدخل به وقت صلاة المغرب هي: غياب قرص الشمس في الأفق غياباً حقيقيّاً، وليس غيابها وراء جبل، أو عمارة. وقد نصَّ الصحابة رضي الله عنهم على وقت الغروب بذكرهم غياب الشمس في الحجاب، وتنوعت ألفاظهم في ذلك، فبعضهم يقول " غابت الشمس "، وآخر يقول " توارت بالحجاب "، وثالث يقول " وجبت الشمس "، وكلها ألفاظ تدل على معنى واحد، وهو الغياب الكلي لقرص الشمس. ولا يلزمك أن تصعد على الجبل أو على مكان مرتفع، بل المراد غروب الشمس بالنسبة للمكان الذي أنت فيه، وذلك بسقوطها في الأفق، أما مجرد اختفائها خلف الجبل فلا يعتبر ذلك غروباً. ونظرا لأنك لا تستطيع رؤية الشمس وقت الغروب بسبب الجبال، فيمكن معرفة وقت الغروب بعلامة أخرى ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي إقبال الظلام من جهة المشرق. روى البخاري (1954) ومسلم (1100) عن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا (جهة المشرق) وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا (جهة المغرب) وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ) . قال النووي: " قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَقْبَلَ اللَّيْل وَأَدْبَرَ النَّهَار وَغَرَبَتْ الشَّمْس) قَالَ الْعُلَمَاء: كُلّ وَاحِد مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَة يَتَضَمَّن الْآخَرَيْنِ وَيُلَازِمُهُمَا , وَإِنَّمَا جَمَعَ بَيْنَهَا ; لِأَنَّهُ قَدْ يَكُون فِي وَادٍ وَنَحْوه بِحَيْثُ لَا يُشَاهِد غُرُوب الشَّمْس , فَيَعْتَمِد إِقْبَال الظَّلَّام وَإِدْبَار الضِّيَاء. وَاَللَّه أَعْلَم " انتهى. فإن لم يمكن هذا أيضا فلا حرج من الاعتماد على التقاويم لأنها تفيد على الأقل غلبة الظن بدخول وقت الصلاة، ما لم يثبت أنها خطأ. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93148 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3509 وقت الفجر الصادق [السُّؤَالُ] ـ[ما هي الطرق التي أستطيع بها معرفة الفجر الصادق؟ أجتهد صباحاً في تحري الفجر الصادق , وذلك لمعرفة وقت الصلاة والإمساك، وذلك لي ولأصدقائي، لأني أقيم في الصين , والمسلمون هنا يعتمدون التوقيت من الإنترنت , لكنه غير دقيق، وبناء عليه فهم يصلون الفجر قبل دخول الوقت، ولكن فيما لو لم أستطع ضبط التوقيت بشكل صحيح (لأني أقربه إلى حين ذهاب العتمة وظهور الضوء) ، فهل عليَّ إثم في ذلك؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نسأل الله أن يجزيك خير الجزاء على تحريك الحق والصواب في عبادتك، ونسأله تعالى أن يوفقك ويزيدك من فضله على حبك للعلم وحرصك على التعلم. واعلم أن الفجر فجران: فجر كاذب لا يدخل معه وقت صلاة الفجر، ولا يمنع من الطعام والشراب والجماع لمن أراد الصوم، وفجر صادق، وهو الذي يدخل معه وقت صلاة الفجر، ويمنع من الطعام والشراب والجماع في الصيام، وهو المقصود بقوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) البقرة/187. وقد صرَّح النبي صلى الله عليه وسلم بالفرق بينهما في أحاديث كثيرة، بعضها في التفريق بينهما من حيث الأوصاف، وبعضها الآخر من حيث التفريق بينهما في الأحكام، وبعضها جمعت بين الأوصاف والأحكام. انظر هذه الأحاديث في جواب السؤال رقم (26763) . وقد جاء التفريق واضحاً بين الفجرين في كلام الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم من أئمة العلم. قال ابن كثير رحمه الله: "وقال عبد الرزاق: أخبرنا ابن جريج عن عطاء قال: سمعت ابن عباس يقول: هما فجران، فأما الذي يسطع في السماء: فليس يُحِلّ ولا يحرِّم شيئاً، ولكن الفجر الذي يستبين على رؤوس الجبال هو الذي يحرّم الشراب. قال عطاء: فأما إذا سطع سطوعاً في السماء - وسطوعه أن يذهب في السماء طولاً -: فإنه لا يحرم به شراب لصيام ولا صلاة، ولا يفوت به حج، ولكن إذا انتشر على رؤوس الجبال: حرم الشراب للصيَّام، وفات الحج. وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس وعطاء، وهكذا رُوي عن غير واحد من السلف رحمهم الله". " تفسير ابن كثير " (1 / 516) وقال ابن قدامة رحمه الله: "وجملته: أن وقت الصبح يدخل بطلوع الفجر الثاني إجماعاً، وقد دلَّت عليه أخبار المواقيت، وهو البياض المستطير المنتشر في الأفق، ويسمَّى " الفجر الصادق "؛ لأنَّه صدقك عن الصبح وبيَّنه لك، والصبح ما جمع بياضاً وحمْرة، ومنه سمِّي الرجل الذي في لونه بياض وحمرة: "أصبح" فأما الفجر الأول: فهو البياض المستدق صعداً من غير اعتراض فلا يتعلق به حكم، ويسمَّى " الفجر الكاذب " ثم لا يزال وقت الاختيار إلى أن يسفر النهار. " المغني " (1 / 232) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "وذكر العلماء أن بينه - أي: الفجر الكاذب - وبين الثاني ثلاثة فروق: الفرق الأول: أن الفجر الأول ممتد لا معترض، أي: ممتد طولاً من الشرق إلى الغرب، والثاني: معترض من الشمال إلى الجنوب. الفرق الثاني: أن الفجر الأول يظلم، أي: يكون هذا النور لمدة قصيرة ثم يظلم، والفجر الثاني: لا يظلم بل يزداد نوراً وإضاءة. الفرق الثالث: أن الفجر الثاني متصل بالأفق ليس بينه وبين الأفق ظلمة، والفجر الأول منقطع عن الأفق بينه وبين الأفق ظلمة. وهل يترتب على الفجر الأول شيء؟ لا يترتب عليه شيء من الأمور الشرعيَّة أبداً، لا إمساك في صوم، ولا حل صلاة فجر، فالأحكام مرتبة على الفجر الثاني" انتهى. " الشرح الممتع " (2 / 107، 108) . ثانياً: وأما ما يوجد في التقاويم فإنه ليس مصدر ثقة في معرفة وقت صلاة الفجر، فقد ثبت خطأ هذه التقاويم. فالواجب عليكم عدم اعتماد التقاويم في معرفة صلاة الفجر، وعليكم تحري الوقت الصحيح بما ذكرناه لك من فروق بين الفجر الكاذب والصادق، وإذا لم تستطع النظر في كل يوم في السماء: فإنه يمكنك وضع وقت احتياطي بعد أذان التقويم، وبلادنا يختلف فيها هذا الوقت من بلد لآخر، ومن فصل لآخر، فيمكنك اعتماد وقت " نصف ساعة " مثلاً لتصلي فيه الفجر، على أن تحتاط في الإمساك عن الطعام والشراب قبل ذلك. ويمكنكم وضع تقويم صحيح لتعتمده الأجيال بعدكم بعد أن تتحروا الفجر الصادق خلال عام كامل، وفي أوقات متفرقة، عسى أن يكتب لكم أجر تصحيح عبادات المسلمين. وعلى هذا، فإذا أمكنكم متابعة وقت الفجر بأنفسكم، فإنكم تعملون بذلك في الصلاة والصيام، وإن لم يمكن، فإنكم لا تصلون حتى يغلب على ظنكم دخول وقت الصلاة. وأما في الصيام فلكم أن تأكلوا وتشربوا حتى تتيقنوا طلوع الفجر، لقوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ) البقرة/187. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " فما دام لم يتيقن أن الفجر قد طلع فله الأكل ولو كان شاكاً حتى يتيقن" انتهى. "فتاوى الصيام" (ص299) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93160 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3510 حكم صوم الشخص الذي يظلم الناس [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم صيام المسلم وهو ظالم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يتأكد على الصائم اجتناب المحرمات، كالغيبة والكذب والنميمة والظلم وغيرها، فإن المقصود من الصيام ليس هو مجرد الامتناع عن الطعام والشراب والجماع، وإنما المقصود تحقيق تقوى الله تعالى كما قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة/183. وكل معصية يرتكبها الصائم فإنها تنقص من ثواب صيامه، فلا يزال الصائم يعصي وينقص ثوابه، حتى قد يضيع ثوابه من الصيام بالكلية، وفي هذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلا الْجُوعُ) رواه ابن ماجة (1690) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه. فالواجب على الصائم أن يتوب من المعاصي ويرجع إلى الله ويحسن عمله حتى يتقبل الله تعالى صيامه. أما من حيث صحة الصوم وعدم بطلانه، فلا يبطل الصوم بمجرد فعل المعصية كالظلم أو الكذب، ولكن ينقص بذلك ثوابه، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (50063) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93089 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3511 ظنت أنها نفساء فتركت الصوم والصلاة [السُّؤَالُ] ـ[مرت أربعون يوما تقريبا على نزول جنين من بطني ولم يتعدَّ الشهرين والنصف ووافق ذلك شهر رمضان ثم تركت الصلاة والصوم ولم يكن لي علم بالأمور الشرعية، وعلمت بعدها أنني لا أعتبر نفساء، فهل أقضي ما فاتني من الصلاة والصوم؟ وأنا الآن حائرة ولا أدري ما أفعل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا أسقطت المرأة فلا يعتبر الدم النازل منها دم نفاس إلا إذا أسقطت ما تبين فيه خلق الإنسان، من رأس أو يد أو رجل أو غير ذلك. والتخليق لا يبدأ في الحمل قبل ثمانين يوماً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ وَيُقَالُ لَهُ: اكْتُبْ عَمَلَهُ وَرِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوح) رواه البخاري (3208) . فدل هذا الحديث على أن الإنسان يمر بعدة مراحل في الحمل: أربعين يوماً نطفة، ثم أربعين أخرى علقة، ثم أربعين ثالثة مضغة. ثم ينفخ فيه الروح بعد تمام مائة وعشرين يوماً. والتخليق يكون في مرحلة المضغة، ولا يكون قبل ذلك، لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنْ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ) الحج/5. فعُلم من هذه الآية: أن المضغة قد تكون مخلقة وقد تكون غير مخلقة. قال ابن قدامة رحمه الله: "إذا رأت المرأة الدم بعد وضع شيء يتبين فيه خلق الإنسان , فهو نفاس. نص عليه [أي: الإمام أحمد] وإن رأته بعد إلقاء نطفة أو علقة , فليس بنفاس" انتهى من "المغني" (1/211) . وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: "إذا أسقطت المرأة ما تبين فيه خلق الإنسان من رأس أو يد أو رجل أو غير ذلك فهي نفساء، لها أحكام النفاس، فلا تصلي ولا تصوم ولا يحل لزوجها جماعها حتى تطهر أو تكمل أربعين يوما. . . أما إذا كان الخارج من المرأة لم يتبين فيه خلق الإنسان بأن كان لحمة ولا تخطيط فيه أو كان دما: فإنها بذلك تكون لها حكم المستحاضة لا حكم النفاس، لا حكم الحائض , وعليها أن تصلي وتصوم في رمضان وتحل لزوجها ... لأنها في حكم المستحاضة عند أهل العلم" انتهى من "فتاوى إسلامية " (1 / 243) . وقال الشيخ ابن عثيمين: "قال أهل العلم: إن خرج وقد تبيَّن فيه خلق إنسان: فإن دمها بعد خروجه يُعدُّ نفاساً، تترك فيه الصلاة والصوم ويتجنبها زوجها حتى تطهر، وإن خرج وهو غير مخلَّق: فإنه لا يعتبر دم نفاس بل هو دم فساد لا يمنعها من الصلاة ولا من الصيام ولا من غيرهما. قال أهل العلم: وأقل زمن يتبين فيه التخطيط واحد وثمانون يوما". "فتاوى المرأة المسلمة" (1/304، 305) . وعلى هذا؛ فالدم الذي نزل عليك ليس دم نفاس؛ لأن الجنين نزل قبل تمام ثمانين يوما، وكان عليك أن تصلي وتصومي في تلك الفترة؛ إلا إن جاءك الحيض. ثانيا: يجب عليك قضاء الصيام، وهذا لا إشكال فيه، سواء قلنا إنك كنت طاهرة، أو كنت نفساء، لأن من ترك الصيام لعذر (كمرض أو حيض أو سفر) فالواجب عليه القضاء، وأنت تركتيه لعذر، وهو ظنك أنك نفساء. أما قضاء الصلاة، فالظاهر أنه لا يلزمك القضاء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر المستحاضة التي تركت الصلاة أثناء نزول الدم بالقضاء، وإنما أرشدها إلى ما تصنع في المستقبل. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "المستحاضة إذا مكثت مدة لا تصلي لاعتقادها عدم وجوب الصلاة عليها، ففي وجوب القضاء عليها قولان، أحدهما: لا إعادة عليها - كما نقل عن مالك وغيره –؛ لأن المستحاضة التي قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: (إني حضت حيضةً شديدةً كبيرةً منكرةً منعتني الصلاة والصيام) أمرها بما يجب في المستقبل، ولم يأمرها بقضاء صلاة الماضي " انتهى من "مجموع الفتاوى" (22/102) وينظر جواب السؤال رقم (45648) . والحاصل: أنه يلزمك قضاء الصوم، وأما الصلاة فإن سهل عليك قضاؤها فافعلي، وإلا فنرجو أن يعفو الله عنك، ونوصيك بالحرص على طلب العلم والتفقه الدين. نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 81586 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3512 إمامهم يترك صلاة المغرب في المسجد ليفطر في بيته! [السُّؤَالُ] ـ[نحن في منطقه لا يصلي فيها الإمام صلاه المغرب؛ وذلك لأنه يذهب للإفطار، فما الحكم هل نأثم؟ أم نصليها في البيت وتحسب جماعة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يجب على المسلم أن يتقي الله تعالى ويؤدي الصلوات الخمس جماعة في المسجد، إلا إذا كان معذوراً بنوم أو مرض أو نحو ذلك. انظر السؤال رقم (8918) . وبخاصة صلاة المغرب في رمضان حيث يكثر التفريط فيها من عامة المصلين، ويجب على الإمام أن يكون على رأس المصلين في هذه الصلاة لسبب آخر غير وجوب الجماعة عليه، وهو أداء الأمانة التي أوكلت له، أو الوظيفة التي ائتمن عليها. وإذا كان هذا الإمام مفرطا في صلاة المغرب جماعة في المسجد، فإن هذا لا يعني أنكم تأثمون أو يجوز لكم أن تصلوا في البيت، بل يجب عليكم أداءها جماعة في المسجد، ولو لم يحضر الإمام، فإن كل إنسان يحاسب على عمله، فإن أساء هو فعليكم أن تحسنوا أنتم وتتجنبوا إساءته، محافظة على هذه الشعيرة التي هي من أركان الإسلام. وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ، فَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَنَ الْهُدَى، وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ إِلا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً، وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً، وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ. رواه مسلم (654) . وقال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: فلا أرخّص لمن قدر على صلاة الجماعة في ترك إتيانها إلا من عذر. " الأم " (1/277) وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: ومن تأمل السنَّة حق التأمل تبين له أن فعلها في المساجد فرض على الأعيان إلا لعارض يجوز معه ترك الجمعة والجماعة فترك حضور المسجد لغير عذر كترك أصل الجماعة لغير عذر , وبهذا تتفق جميع الأحاديث والآثار. ثم قال ابن القيم: فالذي ندين الله به أنه لا يجوز لأحد التخلف عن الجماعة في المسجد إلا من عذر. " كتاب الصلاة " (ص 166) . ثانياً: وقد كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل هدي؛ حيث كان يفطر على رطب، فإن لم يجد فعلى تمر، فإن لم يجد شرب الماء ثم قام ليصلي المغرب. فعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفْطِرُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى رُطَبَاتٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ فَتُمَيْرَاتٌ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تُمَيْرَاتٌ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ) رواه الترمذي (632) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ". فما يفعله هذا الإمام مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، فعليكم بمناصحته لعله يرجع إلى الصواب. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 78578 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3513 صام قبل البلوغ ونسي قضاء بعض الأيام فهل يقضيها بعد بلوغه؟ [السُّؤَالُ] ـ[عندما كنت في أول متوسط - وكان عمري آنذاك 13 عاماً - أفطرت ثلاثة أيام ونسيتها ولم أتذكرها إلا هذه السنة، عمري الآن 16 سنة، علماً بأني لم أبلغ، فهل أقضي بالصوم فقط أم عليَّ شيء آخر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يكلَّف الصبي بالواجبات الشرعية إلا بعد بلوغه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاثَةٍ: عَنْ الْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ حَتَّى يفِيقَ، وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ) رواه أبو داود (4399) . وصححه الألباني في " صحيح أبي داود "، وما يفعله الصبي من طاعات واجبة أو مستحبة قبل البلوغ فإنه يثاب عليها، فمن حجَّ وهو صبي أو صام أو صلَّى كُتب له أجر ذلك كله، ولكن الحج لا يجزئه عن حجة الإسلام، فعليه بعد البلوغ أن يحج حجة أخرى. عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَ رَكْبًا بِالرَّوْحَاءِ فَقَالَ: (مَنْ الْقَوْمُ؟ قَالُوا: الْمُسْلِمُونَ، فَقَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ، فَرَفَعَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ صَبِيًّا فَقَالَتْ: أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَكِ أَجْرٌ) رواه مسلم (1336) . قال النووي رحمه الله: " فيه حجة للشافعي ومالك وأحمد وجماهير العلماء أن حج الصبي منعقد صحيح يثاب عليه وإن كان لا يجزيه عن حجة الاسلام بل يقع تطوعا، وهذا الحديث صريح فيه " انتهى. " شرح النووي " (9 / 99) . وقال الخطابي: إنما كان له الحج من ناحية الفضيلة دون أن يكون محسوبا عن فرضه لو بقي حتى بلغ ويدرك مدرك الرجال، وهذا كالصلاة يؤمر بها إذا أطاقها وهي غير واجبة عليه وجوب فرض ولكن يكتب له أجرها تفضلا من الله سبحانه وتعالى، ويكتب لمن يأمره بها ويرشده إليها أجر. انظر: " عون المعبود " (5 / 110) . ولا يؤمر بقضاء ما أفطره وهو صبي، ولا يؤمر بقضاء ما تركه من صلوات. وقال ابن قدامة رحمه الله: فأما ما مضى من الشهر قبل بلوغه: فلا قضاء عليه، وسواء كان قد صامه أو أفطره، هذا قول عامة أهل العلم " المغني " (3 / 94) . وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: " صيام الصبي ليس بواجب عليه، ولكن على ولي أمره أن يأمره به ليعتاده، وهو – أي الصيام في حق الصبي الذي لم يبلغ – سنَّة، له أجر في الصوم، وليس عليه وزر إذا تركه " انتهى. " فقه العبادات " (ص 186) . وعلى هذا، فلا يلزمك قضاء هذه الأيام الثلاثة التي أفطرتها، لأن الصوم لم يكن واجباً عليك، وإن أردت قضاءها فلا حرج عليك، وتقضي بالصوم فقط، يوماً مكان يوم، وليس عليك شيء آخر. ثانياً: قولك في السؤال: "إن عمرك الآن 16 سنة ولم تبلغ" بل أنت الآن بالغ! لأن البلوغ يحصل بإحدى ثلاث علامات ـ بالنسبة للذكر ـ 1- إنزال المني 2- إنبات الشعر الخشن حول العانة. 3- بلوغ خمسة عشر سنة. وتزيد الأنثى علامة رابعة وهي نزول الحيض. فمتى وجدت إحدى هذه العلامات ثبت البلوغ، ولا يشترط وجود كل هذه العلامات. وانظر جواب السؤال رقم (70425) . وبما أن عمرك 16 سنة فإنك تعتبر بالغاً، فاعمل لذلك، فقد انتهى زمن الصغر وعدم التكليف، فإن الملائكة تكتب على كل شخص بالغ ما يفعله من خير أو شر (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ) الزلزلة/8. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 78591 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3514 هل يجوز لصاحب مطعم أن يبيع الطعام للمفطرين والكفار في نهار رمضان؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا مقيم في دولة أجنبية ولدي مطعم صغير، وأرى بعض المسلمين غير الصائمين - وهم كثيرون - يريدون أن يأكلوا عندي في مطعمي في وقت الظهيرة، فما هو حكم بيع الطعام لهؤلاء المفطرين وكذلك بيعه لغير المسلمين؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: سبق في كثير من الأجوبة بالموقع التحذير من الإقامة في دول الكفر، لما في ذلك من خطورة على دين الرجل وأسرته أيضا، فلا يستطيع الرجل أن يربي أولاده التربية الإسلامية التي يرجوها، وليس العمل عذراً للمسلم في إقامة في تلك الدول، وانظر جواب السؤال (38284) ، (13363) . ثانياً: وأما بخصوص مسألتك: فاعلم أنه لا يجوز لك أن تقدم الطعام لأحد ليأكله في نهار رمضان، إلا إذا كان معذوراً في الفطر، كمريض أو مسافر، ولا فرق بين مسلم وكافر في هذا الحكم، فالمسلم المفطر مخاطب بالصوم، وهو عاصٍ بفطره، وتمكينه من الطعام والشراب في نهار رمضان تعاون على الإثم والعدوان، والكافر مخاطب – أيضاً - بالصوم وسائر الأحكام، ولكنه مطالب قبل ذلك بالنطق بالشهادتين والدخول في الإسلام، ويوم القيامة يعذب الكافر على كفره، وعلى شرائع الإسلام التي لم يعمل بها، فيزداد عذابه في النار. قال النووي رحمه الله: " والمذهب الصحيح الذي عليه المحققون والأكثرون: أن الكفار مخاطبون بفروع الشرع، فيحرم عليهم الحرير، كما يحرم على المسلمين " انتهى. " شرح مسلم " (14 / 39) . وسئل الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله: كيف يحاسب الكافر يوم القيامة وهو غير مطالب بالتكاليف الشرعية؟ فأجاب: " هذا السؤال مبني على فهم ليس بصحيح؛ فإن الكافر مطالب بما يطالب به المؤمن، لكنه غير ملزم به في الدنيا، ويدل على أنه مطالب: قوله تعالى: (إلا أصحاب اليمين. في جنات يتساءلون. عن المجرمين. ما سلككم في سقر. قالوا لم نك من المصلين. ولم نك نطعم المسكين. وكنا نخوض مع الخائضين. وكنا نكذب بيوم الدين) فلولا أنهم عوقبوا بترك الصلاة وترك إطعام المساكين ما ذكروه؛ لأن ذكره في هذه الحال لا فائدة منه، وذلك دليل على أنهم يعاقبون على فروع الإسلام، وكما أن هذا هو مقتضى الأثر فهو أيضاً مقتضى النظر: فإذا كان الله تعالى يعاقب عبدَه المؤمن على ما أخل به من واجب في دينه فكيف لا يعاقب الكافر؟ بل إني أزيدك أن الكافر يعاقب على كل ما أنعم الله به عليه من طعام وشراب وغيره قال تعالى: (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين) فمنطوق الآية: رفع الجناح عن المؤمنين فيما طعموه، ومفهومها: وقوع الجناح على الكافرين فيما طعموه " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (2 / السؤال رقم 164) . وعليه: فلا يجوز للمسلم أن يقدم طعاماً لغير المسلم في نهار رمضان؛ لأن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة. وقد ذكر في "نهاية المحتاج" (5/274) عن العلماء أنهم حرموا بيع الطعام للكافر في نهار رمضان. وانظر جواب السؤال (49694) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 78494 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3515 هل يجوز أن يتعالج عند من يزعم أنه يتعامل مع طبيب من الجن المسلم؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا تعالجت عند رجل عنده أطباء مسلمون من الجن، فهل يفسد صومي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يجوز الاستعانة بالجن في العلاج أو غيره، ولا يجوز الذهاب لمن يزعم ذلك. ولا ينبغي لمسلم أن يغتر بنجاح علاج أحد ورؤية أثر ذلك في الواقع، فها هو الدجال يقول للسماء أمطري فتمطر، وللأرض أخرجي كنوزك فتخرج، فهل يغتر المسلم به ويصدقه في دعواه؟! فقد يكون فتنة واستدراجاً من الله تعالى لهم (سنستدرجهم من حيث لا يعلمون) . وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله عن حكم استخدام الجن من المسلمين في العلاج إذا لزم الأمر؟ فأجاب: " لا ينبغي للمريض استخدام الجن في العلاج ولا يسألهم، بل يسأل الأطباء المعروفين، وأما اللجوء إلى الجن فلا؛ لأنه وسيلة إلى عبادتهم وتصديقهم؛ لأن في الجن من هو كافر، ومن هو مسلم، ومن هو مبتدع، ولا تعرَف أحوالُهم، فلا ينبغي الاعتماد عليهم، ولا يسألون، ولو تمثلوا لك، بل عليك أن تسأل أهل العلم والطب من الإنس، وقد ذم الله المشركين بقوله تعالى: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنْ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) الجن/6؛ ولأنه وسيلة للاعتقاد فيهم والشرك، وهو وسيلة لطلب النفع منهم والاستعانة بهم، وذلك كله من الشرك " انتهى. " مجلة الدعوة " (العدد 1602، ربيع الأول 1418 هـ، ص 34) . وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: " لا يستعان بالجان، لا المسلم منهم ولا الذي يقول إنه مسلم؛ لأنه قد يقول مسلم وهو كذاب من أجل أن يتدخل مع الإنس، فيُسد هذا الباب من أصله، ولا يجوز الاستعانة بالجن ولو قالوا إنهم مسلمون؛ لأن هذا يفتح الباب. والاستعانة بالغائب لا تجوز سواء كان جنيّاً أو غير جني، وسواء كان مسلماً أو غير مسلم، إنما يستعان بالحاضر الذي يقدر على الإعانة، كما قال تعالى عن موسى: ( ... فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ ... ) القصص/15، هذا حاضر ويقدر على الإغاثة فلا مانع من هذا في الأمور العادية " انتهى. " السحر والشعوذة " (ص 86، 87) . ثانياً: وأما الصوم فصحيح إن شاء الله ولا يفسد بذلك، وإن كان ثواب الصيام يقل وقد ينعدم بالكلية بارتكاب المعاصي، وانظر جواب السؤال رقم (50063) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 78546 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3516 المراسلة بين الجنسين وأثرها على الصيام [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم إذا أنا راسلت صديقتي على النت في رمضان طالما في حدود الاحترام وهي تفتح الكاميرا وأنا أراها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: من المقاصد الضرورية في الشريعة الإسلامية: حفظ النسل والأعراض؛ من أجل ذلك حرّم الله الزنا، وحرم وسائله التي قد تفضي إليه، من خلوة رجل بامرأة أجنبية منه، ونظرة آثمة، وسفر بلا محرم، وخروج المرأة من بيتها معطرة متبرجة كاسية عارية. ومن ذلك: حديث الرجل الخادع مع المرأة، وخضوعها له بالقول إغراء له وتغريراً به، وإثارة لشهوته، وليقع في حبالها، سواء كان ذلك عند لقاء في طريق، أو في محادثة هاتفية، أو مراسلة كتابية، أو غير ذلك. وقد حرم الله على نساء رسوله صلى الله عليه وسلم - وهن الطاهرات - أن يتبرجن تبرج الجاهلية الأولى، وأن يخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض، وأمرهن أن يقلن قولاً معروفاً، قال الله تعالى: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً) الأحزاب/32. راجع سؤال رقم (10221) . والمحادثات والمراسلات بين الرجل والمرأة، عن طريق النت هي باب من أبواب الفتنة والشر، وذلك لما يترتب على هذه المحادثات من تساهل في الحديث يدعو إلى الإعجاب والافتتان غالبا، ولهذا فإن الواجب هو الحزم والابتعاد عن ذلك، ابتغاء مرضاة الله، وحذرا من عقابه. وكم جَرَّت هذه المحادثات على أهلها من شر وبلاء، حتى أوقعتهم في عشق وهيام، وقادت بعضهم إلى ما هو أعظم من ذلك. راجع سؤال رقم (34841) . وقد سئل الشيخ ابن جبرين: ما حكم المراسلة بين الشبان والشابات علما بأن هذه المراسلة خالية من الفسق والعشق والغرام؟ فأجاب: " لا يجوز لأي إنسان أن يراسل امرأة أجنبية عنه؛ لما في ذلك من فتنة، وقد يظن المراسل أنه ليست هناك فتنة، ولكن لا يزال به الشيطان حتى يغريه بها، ويغريها به. وقد أمر صلى الله عليه وسلم من سمع بالدجال أن يبتعد عنه، وأخبر أن الرجل قد يأتيه وهو مؤمن ولكن لا يزال به الدجال حتى يفتنه. ففي مراسلة الشبان للشابات فتنة عظيمة وخطر كبير يجب الابتعاد عنها وإن كان السائل يقول: إنه ليس فيها عشق ولا غرام " انتهى. "فتاوى المرأة" جمع محمد المسند (ص 96) . ثانياً: الصائم مأمور بتقوى الله تعالى، وفعل ما أمر، واجتناب ما نهى عنه. فليس المقصود من الصيام مجرد الامتناع عن الطعام والشراب، وإنما المقصود تحقيق تقوى الله تعالى (لعلكم تتقون) ، وتهذيب النفس، والتخلي عن رذائل الأعمال، وسفاسف الأخلاق، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس الصيام من الأكل والشرب، إنما الصيام من اللغو والرفث) رواه الحاكم، وصححه الألباني في صحيح الجامع (5376) . وقد سبق في جواب السؤال رقم (50063) بيان أثر المعاصي على الصوم وأنها قد تذهب ثوابه بالكلية. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 78375 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3517 حكم سب الشيطان في نهار رمضان [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من يسب الشيطان في نهار رمضان؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا ينبغي للمؤمن أن يعود لسانه على السب والشتم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلا اللَّعَّانِ وَلا الْفَاحِشِ وَلا الْبَذِيءِ) رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الترمذي. والصائم مأمور بحسن الخلق أكثر من غيره، ولذلك يتأكد عليه ترك السب، ولو كان محقاً، ولهذا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم الصائم أن لا يقابل العدوان بمثله، بل إذا سبه أحد أو قاتله، فيقول: إني صائم، إني صائم، متفق عليه. مع أن من رد العدوان بالمثل جائز، قال تعالى: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) البقرة/194. ولكن الصائم مأمور بفضائل الأعمال، والكف عن مساوئها أكثر من غيره. والمؤمن إذا أصابه نزغ من الشيطان وشيء من وسوسته، فإنه لا ينتفع من سبه بشيء، بل المشروع له أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم. قال تعالى: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) فصلت/36. وعَنْ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ رَجُلٍ قَالَ: كُنْتُ رَدِيفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَثَرَتْ دَابَّةٌ، فَقُلْتُ: تَعِسَ الشَّيْطَانُ. فَقَالَ: (لا تَقُلْ تَعِسَ الشَّيْطَانُ، فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ ذَلِكَ تَعَاظَمَ، حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ الْبَيْتِ، وَيَقُولُ: بِقُوَّتِي! وَلَكِنْ قُلْ: بِسْمِ اللَّهِ، فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ ذَلِكَ تَصَاغَرَ، حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ الذُّبَابِ) رواه أحمد (20068) وأبو داود (4982) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 78376 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3518 هل يجوز الإفطار قبل سماع الأذان؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز الأكل قبل الأذان بثواني مع العلم أني لا أسمع الأذان والمنطقة شيعية يؤذنون بعد أذاننا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا غربت الشمس فقد حل للصائم أن يفطر، سواء أذن المؤذن أم لم يؤذن، فالعبرة بغروب الشمس، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا، وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا، وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ) رواه البخاري (1954) ومسلم (1100) . قَالَ اِبْن دَقِيق الْعِيد: " فِي هَذَا الْحَدِيث رَدٌّ عَلَى الشِّيعَةِ فِي تَأْخِيرهمْ الْفِطْر إِلَى ظُهُور النُّجُوم " انتهى من "فتح الباري". وبعض المؤذنين قد يتأخر في الأذان بعد غروب الشمس بفترة، فلا عبرة بأذانه، وفعله هذا مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي حثنا على المبادرة بالإفطار بعد غروب الشمس، فقال: (لا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ) رواه البخاري (1957) ومسلم (1098) . ويجوز للصائم أن يفطر إذا غلب على ظنه غروب الشمس ولا يشترط حصول اليقين، بل يكفي غلبة الظن. فإذا غلب على ظن الصائم أن الشمس قد غربت، فأفطر، فلا شيء عليه. ولا يجوز له أن يفطر وهو شاك في غروبها. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وسن تعجيل فطر أي: المبادرة به إذا غربت الشمس، فالمعتبر غروب الشمس، لا الأذان، لاسيما في الوقت الحاضر حيث يعتمد الناس على التقويم، ثم يعتبرون التقويم بساعاتهم، وساعاتهم قد تتغير بتقديم أو تأخير، فلو غربت الشمس، وأنت تشاهدها، والناس لم يؤذنوا بعد، فلك أن تفطر، ولو أذنوا وأنت تشاهدها لم تغرب، فليس لك أن تفطر؛ لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال: (إذا أقبل الليل من هاهنا وأشار إلى المشرق، وأدبر النهار من هاهنا وأشار إلى المغرب، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم) . ولا يضر بقاء النور القوي، فبعض الناس يقول: نبقى حتى يغيب القرص ويبدأ الظلام بعض الشيء فلا عبرة بهذا، بل انظر إلى هذا القرص متى غاب أعلاه فقد غربت الشمس، وسن الفطر. ودليل سنية المبادرة: قوله صلّى الله عليه وسلّم: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر) ، وبهذا نعرف أن الذين يؤخرون الفطر إلى أن تشتبك النجوم كالرافضة أنهم ليسوا بخير. فإن قال قائل: هل لي أن أفطر بغلبة الظن، بمعنى أنه إذا غلب على ظني أن الشمس غربت، فهل لي أن أفطر؟ فالجواب: نعم، ودليل ذلك ما ثبت في صحيح البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: (أفطرنا في يوم غيم على عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم، ثم طلعت الشمس) ومعلوم أنهم لم يفطروا عن علم، لأنهم لو أفطروا عن علم ما طلعت الشمس، لكن أفطروا بناءً على غلبة الظن أنها غابت، ثم انجلى الغيم فطلعت الشمس " انتهى. "الشرح الممتع" (6/267) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 78416 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3519 ابتلاع بقايا الطعام في فمه أثناء النهار [السُّؤَالُ] ـ[عندما يستيقظ الشخص في الصباح وهو صائم وكانت في فمه بقايا من سحوره فما الحكم إذا ابتلعه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لاشك أن الأكل من مفسدات الصيام، قال تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) البقرة/187. ومعلوم عند المسلمين أن الصيام هو الإمساك عن الأكل والشرب والجماع، وسائر المفطرات. "مجموع فتاوى شيخ الإسلام" (25/219) . والأكل هو إيصال جامد إلى المعدة عن طريق الفم. انظر: "حاشية ابن قاسم على الروض المربع" (3/389) . ولا يشترط في هذا الأكل أن يكون نافعاً أو كثيراً، بل لو ابتلع شيئا لا ينتفع به (خرزة مثلا) أو ابتلع شيئا قليلا، فإنه يكون قد أفطر وأفسد صيامه. وابتلاع بقايا الطعام التي تكون بين الأسنان يعتبر أكلا فيكون مفسدا للصيام. وهذا إذا ابتلعها الصائم مختاراً. بحيث تمكن من إخراجها ولكنه ابتلعها عمدا، أما إذا سبقت إلى حلقه وابتلعها ولم يتمكن من إخراجها فلا حرج عليه وصيامه صحيح، لأنه يشترط في جميع مفسدات الصيام أن يفعلها الصائم مختاراً، فإن فعلها مكرهاً بغير اختياره فصومه صحيح ولا شيء عليه. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (22981) . قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (3/260) : " ومن أصبح بين أسنانه طعام ; لم يخل من حالين: أحدهما: أن يكون يسيرا لا يمكنه لفظه , فازدرده (أي ابتلعه) , فإنه لا يفطر به ; لأنه لا يمكن التحرز منه , فأشبه الريق , قال ابن المنذر: أجمع على ذلك أهل العلم. الثاني: أن يكون كثيرا يمكن لفظه , فإن لفظه فلا شيء عليه , وإن ازدرده عامدا , فسد صومه في قول أكثر أهل العلم، لأنه بلع طعاما يمكنه لفظه باختياره , ذاكرا لصومه , فأفطر به , كما لو ابتدأ الأكل " انتهى بتصرف يسير. وخلاصة الجواب: أنه إذا تمكن من إخراجها ولكنه لم يفعل وابتلعها فقد أفسد صيامه، وإذا ابتلعها بغير اختياره فصومه صحيح ولا شيء عليه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 78438 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3520 هل أجر الصيام على قدر المشقة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل الصيام جزاؤه عند الله متساوٍ أم يرتبط بالمشقة التي يتحملها الصائم؟ فهناك من يصوم في بلاد باردة لا يشعر بالعطش بينما آخر يصوم في بلاد حارة، هذا بغض النظر عن أعمال الخير المصاحبة للصيام، بل أقصد الصيام في حد ذاته؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كانت المشقة ملازمة للعبادة، بحيث لا يمكن القيام بالعبادة إلا مع تحمل هذه المشقة، فكلما زادت المشقة زاد معها الأجر والثواب، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: (إن لك من الأجر على قدر نصبك ونفقتك) رواه الحاكم وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1116) وأصل الحديث في الصحيحين. قال النووي في "شرح مسلم": " قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَلَى قَدْر نَصَبك أَوْ قَالَ: نَفَقَتك) هَذَا ظَاهِر فِي أَنَّ الثَّوَاب وَالْفَضْل فِي الْعِبَادَة يَكْثُر بِكَثْرَةِ النَّصَب وَالنَّفَقَة , وَالْمُرَاد النَّصَب الَّذِي لا يَذُمّهُ الشَّرْع , وَكَذَا النَّفَقَة " انتهى. وهذه القاعدة: "أن الأجر على قدر المشقة" ليس مطردة في كل شيء، بل هناك من الأعمال ما هو أخف وأعظم أجراً. قال الزركشي في " المنثور في القواعد " (2/415-419) : " العمل كلما كثر وشق كان أفضل مما ليس كذلك , وفي حديث عائشة رضي الله عنه: (أجرك على قدر نصبك) . وقد يفضل العملُ القليلُ على الكثير في صور: منها: قصر الصلاة أفضل من الإتمام للمسافر. ومنها: الصلاة مرة في الجماعة أفضل من فعلها وحده خمسا وعشرين مرة. ومنها: تخفيف ركعتي الفجر أفضل من تطويلهما. ومنها: التصدق بالأضحية بعد أكل لقم منها أفضل من التصدق بجميعها. ومنها: قراءة سورة قصيرة في الصلاة أفضل من قراءة بعض سورة , وإن طالت، لأنه المعهود من فعله صلى الله عليه وسلم غالباً " انتهى بتصرف واختصار. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 78247 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3521 طهرت بعد الظهر فهل تصوم بقية اليوم؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما الحكم اذا طَهُرتُ بعد الظهر ولم أنوِ صيامي من الليل، هل يجوز لي الصيام أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الحائض والنفساء لا يجوز لهما الصيام أثناء فترة الحيض والنفاس باتفاق العلماء. جاء في "الموسوعة الفقهية" (18/318) : " اتّفق الفقهاء على تحريم الصّوم على الحائض مطلقاً فرضاً أو نفلاً وعدم صحّته منها؛ لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد: (أليس إذا حاضت لم تصلّ، ولم تصم؟ قلن: بلى. قال: فذلك من نقصان دينها) فإذا رأت المرأة الدّم ساعةً من نهار، فسد صومها، وقد نقل ابن جرير والنّوويّ وغيرهما الإجماع على ذلك ........ كما اتّفق الفقهاء على وجوب قضاء رمضان عليها، لقول عائشة رضي الله عنها في الحيض: كان يصيبنا ذلك، فنؤمر بقضاء الصّوم ولا نؤمر بقضاء الصّلاة. ونقل التّرمذيّ وابن المنذر وابن جرير وغيرهم الإجماع على ذلك " انتهى. وبهذا يتضح أنه لا يصح صيام اليوم الذي طهرت فيه الحائض، وعليها قضاء هذا اليوم بعد رمضان. ثم اختلف العلماء: هل يجب عليها أن تمتنع عن الطعام والشراب بقية يومها احتراما لحرمة الشهر الفضيل أو لا يجب؟ على قولين لأهل العلم، الراجح منهما ما ذهب إليه المالكية والشافعية من عدم وجوب الإمساك عليهما. وهو ما اختاره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (6/344) . جاء في "الموسوعة الفقهية" (18/318) : " لا خلاف بين الفقهاء في أنّه إذا انقطع دم الحيض بعد الفجر، فإنّه لا يجزيها صوم ذلك اليوم ويجب عليها قضاؤه، ويجب عليها الإمساك حينئذ عند الحنفيّة والحنابلة، وعند المالكيّة يجوز لها التّمادي على تعاطي المفطر ولا يستحبّ لها الإمساك، وعند الشّافعيّة لا يلزمها الإمساك " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 68829 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3522 السفر من أجل الفطر [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم السفر في رمضان من أجل الفطر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ: ما حكم السفر في رمضان من أجل الفطر؟ فأجاب فضيلته بقوله: الصيام في الأصل واجب على الإنسان، بل هو فرض وركن من أركان الإسلام كما هو معلوم، والشيء الواجب في الشرع لا يجوز للإنسان أن يفعل حيلة ليسقطه عن نفسه، فمن سافر من أجل أن يفطر كان السفر حراماً عليه، وكان الفطر كذلك حراماً عليه، فيجب عليه أن يتوب إلى الله عز وجل، وأن يرجع عن سفره ويصوم، فإن لم يرجع وجب عليه أن يصوم ولو كان مسافراً، وخلاصة الجواب: أنه لا يجوز للإنسان أن يتحيَّل على الإفطار في رمضان بالسفر؛ لأن التحيل على إسقاط الواجب لا يسقطه، كما أن التحيل على المحرم لا يجعله مباحاً. [الْمَصْدَرُ] [مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين (19/133) ] . الحديث: 68992 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3523 ما حكم من يقول متى يأتي وقت الفطور؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الذي يقول متى يأتي وقت الفطور؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله وقت الإفطار هو وقت انتهاء الصيام، وهو وقت صلاة المغرب، ولا حرج على من يسأل عن وقت الإفطار ليتنعم بما أباحه الله له من الطعام والشراب الجماع، وليفرح بإتمام عبادته، فعن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ , وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ) رواه البخاري (1805) ومسلم (1151) . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " قال القرطبي: معناه فرح بزوال جوعه وعطشه حيث أبيح له الفطر، وهذا الفرح طبيعي وهو السابق للفهم , وقيل: إن فرحه بفطره إنما هو من حيث إنه تمام صومه , وخاتمة عبادته , وتخفيف من ربه , ومعونة على مستقبل صومه. قلت: ولا مانع من الحمل على ما هو أعم مما ذكر , ففرح كل أحد بحسبه لاختلاف مقامات الناس في ذلك , فمنهم من يكون فرحه مباحاً وهو الطبيعي , ومنهم من يكون مستحبّاً وهو من يكون سببه شيء مما ذكره " انتهى. " فتح الباري " (4 / 118) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 66827 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3524 هل يبطل صومه بانكشاف عورته ورؤية أحدهم لها؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا رآني أحد أصدقائي عاريا أو انكشفت عورتي أمامه أثناء الصيام فهل يبطل ذلك صيامي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إظهار العورة أمام من لا يحل له النظر إليها حرام، ولا يحل لأحدٍ فعله لا في رمضان ولا في غيره، فيحرم كشفها ويحرم النظر إليها. فعن بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ عن أَبِيه عَنْ جَدِّه رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ؟ قَالَ: (احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ) ، فَقَالَ: الرَّجُلُ يَكُونُ مَعَ الرَّجُلِ؟ قَالَ: (إِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ لا يَرَاهَا أَحَدٌ فَافْعَلْ) ، قُلْتُ: وَالرَّجُلُ يَكُونُ خَالِيًا؟ قَالَ: (فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ) رواه الترمذى (2794) وحسَّنه، وابن ماجه (1920) , وحسنه الألباني في " صحيح الترمذي ". وعن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَلا الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ) رواه مسلم (338) . قال النووي رحمه الله: " فيه تحريم نظر الرجل إلى عورة الرجل , والمرأة إلى عورة المرأة , وهذا لا خلاف فيه " انتهى. " شرح مسلم " (4 / 30) . وأما إن كانت المسألة ظهور العورة عن غير قصد فليس عليك إثم، ويجب على الآخر أن يغض بصره عنها. وليس الصوم بفاسد على كلا الحالتين – العمد والخطأ -، وقد سبق في جواب السؤال رقم (38023) بيان مفسدات الصيام، فلتنظر هناك. وقد سبق في جواب السؤال رقم (37658) بيان أثر المعاصي على الصيام، وأنها تنقص ثوابه، وقد تذهبه بالكلية. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 66888 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3525 هل يصح الاعتماد على الإمساكيات الرمضانية؟ [السُّؤَالُ] ـ[نحن في محافظة القنفذة، ومن زمن طويل نعتمد تقويم " أم القرى " في الإمساك والإفطار ومواقيت الصلاة، وبنفس مواقيت مكة المكرمة، ولكن منذ عام أو أكثر وزَّع الإخوة في المكتب التعاوني تقويماً خاصّاً بمحافظة القنفذة ويوجد به فارق في التوقيت في حدود عشر دقائق تقل أحياناً وتزيد أخرى، والمشكلة أن الناس الآن انقسموا إلى قسمين: بعض القرى تمسك على توقيت مكة المكرمة، والبعض الآخر يمسك على هذا التقويم الجديد الخاص بالمحافظة، والآن مشلكتنا في الصيام هل من يمسك على تقويم مكة المكرمة الذي يتأخر عن توقيت القنفذة بعشر دقائق يعتبر صيامه غير صحيح لأنه في هذه الحالة يعتبر أمسك بعد الأذان في حال كون التوقيت الجديد الخاص بالمحافظة صحيحاً؟ نأمل بحث المسألة بجدية لأن الناس في جدل واختلاف.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يجوز الاعتماد على الإمساكيات المنتشرة بين الناس إلا وفق شرطين: أولها: أن تكون الجهة المصدرة لها من أهل العلم والخبرة. وثانيها: أن تكون الإمساكية خاصة بالبلدة التي تصدرها الجهة لها، ولا يجوز لأحدٍ يعيش بعيداً عن تلك البلدة اعتماد إمساكيتها لما يوجد من فروق في التوقيت بينهما. ومن كان لا يتوفر عنده تقويم أو إمساكية ليعتمد عليها في إمساكه وإفطاره، فيمكنه التحقق بنفسه من طلوع الفجر الصادق وغروب الشمس عن طريق المشاهدة , أو يقلد مؤذناً أميناً عارفاً بالأوقات. فإذا عُرف أن المؤذن لا يؤذن إلا مع طلوع الفجر الصادق، فالواجب الإمساك بمجرد سماع أذانه، وإذا عُرف عنه أنه يؤذن بعد غروب الشمس فقد حلَّ للصائم أن يفطر، ولا عبرة بأذان من يؤذن قبل الفجر أو بعد غروب الشمس بمدة احتياطاً. ثانياًً: سبق في جواب السؤال رقم: (8048) عن الشيخ عبد الرحمن البراك: " وقد صار التقويم هو الوسيلة للناس في معرفة مواقيت الصلاة بالساعة والدقيقة، فينبغي العناية بذلك ". لكن هذا لا يعني عدم وجود أخطاء في هذه التقاويم، فقد سبق في جواب السؤال رقم: (26763) عن الشيخ الألباني بيان خطأ بعض التقاويم في الفجر خاصة، وكان ذلك بتحريه هو رحمه الله. ومن المعلوم أن " تقويم أم القرى " يحظى بمصداقية عالية، فقد أكد الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء ورئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء – في إحدى خطب الجمعة – " أن التوقيت الخاص بأم القرى توقيت دقيق وشرعي وموثق، ولا يمكن التشكيك فيه ". وقال: " لقد وثَّق علماء الأمة هذا التوقيت، وجُرِّب وطُبِّق وثبت أنه طبقاً للتوقيت الشرعي، وأن فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله أصدر بياناً في عام 1418هـ وثق فيه توقيت أم القرى " انتهى. وقد ذكر الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أنه يوجد فرق يسير فقط في الفجر بمقدار خمس دقائق، انظر جواب السؤال رقم (66202) . ثالثاً: بخصوص مدينة " القنفذة " فإنها تقع على ساحل البحر الأحمر في موقع متوسط بين مكة وجدة شمالا وجازان جنوباً، وتقع على مسافة 380 كم جنوب مكة وجدة، وتقع عند تقاطع خط طول 41.5 درجة شرقا بدائرة عرض 19.8 درجة شمالاً. وأما مكة فتقع على خط العرض: 21:27 شمالاً، وخط الطول: 39:49 شرقاً. وبالتأمل في أوقات الصلوات حسب تقويم " أم القرى " رأينا فرقاً في التوقيت يتناسب مع بعد المسافة بين مكة والقنفذة فلا يصح اعتماد أهل القنفذة على توقيت مكة وأذانها. ففي هذا اليوم – 30 رجب 1426 هـ - مثلاً – كانت نتائج الصلوات كالتالي: البلدة الفجر الشروق الظهر العصر المغرب العشاء مكة 4,44 6,04 12,19 3,44 6,34 8,04 القنفذة 4,34 6,01 12,15 3,37 6,28 7,58 وبه يتبين صحة ما وزعه عليكم الإخوة في المكتب التعاوني من تقويم يختص بمنطقتكم، والفروقات التي ذكرتم أنها موجودة هي صحيحة بالفعل، فعليكم مراعاة هذا، ونسأل الله تعالى أن يوفقكم ويهديكم لما فيه رضاه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 66891 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3526 تفوته أوقات الصلوات في رمضان بسبب النوم فماذا عليه؟ [السُّؤَالُ] ـ[في موسم الصيام أشعر بتعب بحيث إنني إذا نمت يفوتني فرضان أو أكثر وأشعر بالذنب , وسؤالي هو: إذا نمت عن صلاة الظهر والعصر حتى أتى وقت المغرب وأخاف خروج وقت المغرب فماذا أفعل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تضييع الصلوات عن وقتها أمر عظيم، وقد توعدَّ الله تعالى على ذلك بوعيد شديد فقال: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) مريم/59. ومعنى (غَيّاً) : قال ابن عباس رضي الله عنهما: خسرانا، وقال قتادة: شرّاً، وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: واد في جهنم بعيد القعر خبيث الطعم. انظر " تفسير ابن كثير " (3 / 172) . وقيل لابن مسعود رضي الله عنه: إن الله تعالى يكثر من ذكر الصلاة في القرآن: (الذين هم على صلاتهم دائمون) ، و (الذين هم على صلاتهم يحافظون) ، و (ويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون) ؛ قال: ذلك – أي: ذلك الوعيد - على مواقيتها؛ قالوا: ما كنا نرى يا أبا عبد الرحمن إلا على تركها؟ قال: تركها كفر. " تعظيم قدر الصلاة " للمروزي (2 / 5) وقال محققه سنده حسن. وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم النوم عن الصلاة المكتوبة ضمن الأسباب التي يعذب بها الإنسان في قبره، وانظر جواب السؤال رقم (46068) لتقف على هول هذا العذاب وشدته، نسأل الله تعالى العافية. وإليك هذه الموعظة من هذا الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، يتكلم في كلمات معدودات عن حكم صلاة الجماعة، وحال تاركها، وأجر الذاهب إليها، وحال من علت همته وهو معذور ليذهب للجماعة وليقام في الصف. قَالَ: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ، فَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَنَ الْهُدَى، وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ] هذا يقوله فيمن صلى الصلاة في وقتها، غير أنه ترك الجماعة في المسجد، وصلاها في بيته، فكيف يكون حال من تركها حتى خرج وقتها بالكلية! [، ثم قال: وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ إِلا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً، وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً، وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ) رواه مسلم (654) . ولا يليق بالمسلم أن لا يعرف الصيام إلا في شهر رمضان، فإن في العام أياماً فاضلة استحب فيها الصيام كيوم عرفة، وعاشوراء، وفي كل أسبوع يستحب صيام الاثنين والخميس، وفي كل شهر يستحب صيام ثلاثة أيام منه، فلو أنك عوَّدت نفسك على الصيام طيلة العام لم تره حملاً ثقيلاً يجعلك تنام النهار كلَّه وتضيع الصلوات. ويجب عليك أن تأخذ بالأسباب التي توقظك للصلاة، ولا يجوز لك تعمد ترك الصلاة بعذر النوم وأنت تستطيع الاستيقاظ في أوقات الصلوات. وينبغي أن تنظر في سبب تعبك في الصيام، فإن كان تعبك بسبب العمل: فعليك أن توازن بين العمل والصيام، وإذا لم تكن مضطرا للعمل، ولم تستطع القيام بالصيام والصلاة وسائر العبادات مع العمل، فإنك تأخذ إجازة من العمل خلال شهر الصيام. وانظر جواب السؤال رقم (65803) , (43772) ، وإن كان بسبب السهر: فيحرم عليك هذا السهر الذي يسبب لك ترك الصلوات حتى يخرج وقتها. ويجب عليك أن توصي من حولك من أهلك وزوجتك وأولادك بأن يوقظوك للصلاة، ويجب عليهم أن يعينوك على طاعة الله تعالى وأداء الصلوات في أوقاتها. وإن كنتَ أخذت بالأسباب ولم تستيقظ لتعب شديد أو مرض فخرج وقتان للصلاة فإنك تقضي ما فاتك من الصلاة بترتيبها المعهود فتصلي الظهر ثم العصر ..... وهكذا إلا أن تخشى خروج وقت الثانية فإنك تبدأ بها، فلو استيقظت قبل غروب الشمس ولم تكن صليت الظهر والعصر، وضاق وقت العصر حتى كادت الشمس تغيب فابدأ بالعصر، ثم صلِّ الظهر بعدها، فالمغرب. ونسأل الله تعالى أن يعينك على طاعته وحسن عبادته، وأن يعلي همتك في الخير. ونرجو منك النظر في جواب السؤالين (38158) و (47123) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 66900 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3527 هل يفطر المؤذن أولاً أم يؤذن؟ [السُّؤَالُ] ـ[متى يفطر المؤذن؟ قبل الأذان؟ أم بعده؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأصل في الإفطار للصائم أن يكون بعد غروب الشمس وإقبال الليل؛ لقوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) البقرة/187. قال الطبري: " وأما قوله: (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) فإنه تعالى ذِكْره حدَّ الصوم بأن آخر وقته إقبال الليل، كما حدّ الإفطار وإباحة الأكل والشرب والجماع وأول الصوم بمجيء أول النهار وأول إدبار آخر الليل، فدل بذلك على أن لا صوم بالليل، كما لا فطر بالنهار في أيام الصوم " انتهى. " تفسير الطبري " (3 / 532) . والسنَّة تعجيل الفطر لمن كان صائماً. فعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزال الناس بخير ما عجَّلوا الفطر) رواه البخاري (1856) ومسلم (1098) . قال ابن عبد البر رحمه الله: " من السنة تعجيل الفطر وتأخير السحور، والتعجيل إنما يكون بعد الاستيقان بمغيب الشمس، ولا يجوز لأحد أن يفطر وهو شاكٌ هل غابت الشمس أم لا؟ لأن الفرض إذا لزم بيقين، لم يخرج عنه إلا بيقين " انتهى. " التمهيد " (21 / 97، 98) . وقال النووي رحمه الله: " فيه الحث على تعجيل الفطر بعد تحقق غروب الشمس , ومعناه: لا يزال أمر الأمة منتظماً وهم بخير ما داموا محافظين على هذه السنَّة " انتهى. " شرح مسلم " (7 / 208) . وأما المؤذن فإذا كان هناك من ينتظر أذانه ليفطر عليه فإنه ينبغي له أن يبادر بالأذان حتى لا يكون سبباً في تأخير الناس إفطارهم , وفي ذلك مخالفة للسنة. إلا إذا كان فطره على شيء يسير (كشربة ماء) لن يترتب عليه تأخير الأذان، فلا بأس. وإذا كان المؤذن لا ينتظر أذانه أحد , كما لو كان يؤذن لنفسه (كرجل في الصحراء بمفرده) , أو يؤذن لجماعة حاضرين قريبين منه (كِجماعة مسافرين) فلا حرج عليه من الفطر قبل الأذان , لأن أصحابه سيفطرون معه ولو لم يؤذن، ولن ينتظروا أذانه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 66605 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3528 هل يلزم الإمساك عن الأكل والشرب بمجرد سماع أذان للفجر؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم تناول الطعام أثناء أذان الفجر؟ لقوله عليه الصلاة والسلام: (إذا أقيمت الصلاة والإناء في يد أحدكم فلا يدعه حتى يقضي حاجته) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الحديث الذي ذكره السائل لم يرو بهذا اللفظ، ولفظه: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا سَمِعَ أَحَدُكُمْ النِّدَاءَ وَالإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ فَلا يَضَعْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ) رواه أحمد (10251) وأبو داود (2350) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. وسيأتي معناه عند العلماء. ثانياً: يلزم الصائم الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الصادق، إلى غروب الشمس. فالعبرة بطلوع الفجر، لا بالأذان. قال الله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) البقرة/187. فمن تيقن طلوع الفجر الصادق لزمه الإمساك، وإن كان في فمه طعام لزمه أن يلفظه، فإن لم يفعل فسد صومه. وأما من لم يتيقن طلوع الفجر، فله أن يأكل حتى يتيقن. وكذا لو علم أن المؤذن يؤذن قبل الوقت، أو شك أنه يؤذن في الوقت أو قبله، فله أن يأكل حتى يتيقن، والأولى له أن يُمسك بمجرد سماع الأذان. وأما الحديث المذكور، فحمله العلماء على أن المؤذن كان يؤذن قبل طلوع الفجر. قال النووي رحمه الله في المجموع (6/333) : " ذكرنا أن من طلع الفجر وفي فيه (فمه) طعام فليلفظه ويتم صومه , فإن ابتلعه بعد علمه بالفجر بطل صومه , وهذا لا خلاف فيه , ودليله حديث ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ بِلالا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ) رواه البخاري ومسلم , وفي الصحيح أحاديث بمعناه. وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إِذَا سَمِعَ أَحَدُكُمْ النِّدَاءَ وَالإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ فَلا يَضَعْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ) وفي رواية: (وكان المؤذن يؤذن إذا بزغ الفجر) فروى الحاكم أبو عبد الله الرواية الأولى , وقال: هذا صحيح على شرط مسلم , ورواهما البيهقي، ثم قال: وهذا إن صح محمول عند عوام أهل العلم على أنه صلى الله عليه وسلم علم أنه ينادي قبل طلوع الفجر بحيث يقع شربه قبيل طلوع الفجر. قال: وقوله: (إذا بزغ) يحتمل أن يكون من كلام من دون أبي هريرة، أو يكون خبراً عن الأذان الثاني , ويكون قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا سَمِعَ أَحَدُكُمْ النِّدَاءَ وَالإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ) خبراً عن النداء الأول، ليكون موافقا لحديث ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم. قال: وعلى هذا تتفق الأخبار. وبالله التوفيق , والله أعلم " انتهى. وذكر ابن القيم رحمه الله في تهذيب السنن أن بعض السلف أخذ بظاهر الحديث الوارد في السؤال، وأجازوا الأكل والشرب بعد سماع أذان الفجر، ثم قال: " وَذَهَبَ الْجُمْهُور إِلَى اِمْتِنَاع السُّحُور بِطُلُوعِ الْفَجْر , وَهُوَ قَوْل الأَئِمَّة الأَرْبَعَة , وَعَامَّة فُقَهَاء الأَمْصَار , وَرَوَى مَعْنَاهُ عَنْ عُمَر وَابْن عَبَّاس. وَاحْتَجَّ الأَوَّلُونَ بِقَوْلِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّن اِبْن أُمّ مَكْتُوم , وَلَمْ يَكُنْ يُؤَذِّن إِلا بَعْد طُلُوع الْفَجْر) كَذَا فِي الْبُخَارِيِّ , وَفِي بَعْض الرِّوَايَات: (وَكَانَ رَجُلا أَعْمَى لا يُؤَذِّن حَتَّى يُقَال لَهُ: أَصْبَحْت أَصْبَحْت) . . . وَاحْتَجَّ الْجُمْهُور بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّن لَكُمْ الْخَيْط الأَبْيَض مِنْ الْخَيْط الأَسْوَد مِنْ الْفَجْر) , وَبِقَوْلِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّن اِبْن أُمّ مَكْتُوم) , وَبِقَوْلِهِ: (الْفَجْر فَجْرَانِ , فَأَمَّا الأَوَّل فَإِنَّهُ لا يُحَرِّم الطَّعَام، وَلا يُحِلّ الصَّلاة , وَأَمَّا الثَّانِي فَإِنَّهُ يُحَرِّم الطَّعَام، وَيُحِلّ الصَّلاة) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنه " انتهى وقد وردت آثار عن بعض السلف، تدل على إباحة الأكل للصائم، حتى يتيقن طلوع الفجر، وأورد ابن حزم رحمه الله منها جملة كثيرة، ومنها: (أن عمر بن الخطاب كان يقول: إذا شك الرجلان في الفجر فليأكلا حتى يستيقنا ... عن ابن عباس قال: أحل الله الشراب ما شككت ; يعني في الفجر. . . وعن مكحول قال: رأيت ابن عمر أخذ دلوا من زمزم وقال لرجلين: أطلع الفجر؟ قال أحدهما: قد طلع , وقال الآخر: لا ; فشرب ابن عمر) وقال ابن حزم معلقا على الحديث المسئول عنه وجملة من الآثار المشابهة: " هذا كله على أنه لم يكن يتبين لهم الفجر بعد ; فبهذا تتفق السنن مع القرآن " انتهى من المحلى (4/367) . ولاشك أن أكثر المؤذنين اليوم يعتمدون على الساعات والتقاويم، ل على رؤية الفجر، وهذا لا يعتبر يقينا في أن الفجر قد طلع، فمن أكل حينئذ، فصومه صحيح، لأنه لم يتيقن طلوع الفجر، والأولى والأحوط أن يمسك عن الأكل. وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله ما نصه: ما الحكم الشرعي في صيام من سمع أذان الفجر واستمر في الأكل والشرب؟ فأجاب: " الواجب على المؤمن أن يمسك عن المفطرات من الأكل والشرب وغيرهما إذا تبين له طلوع الفجر، وكان الصوم فريضة كرمضان وكصوم النذر والكفارات؛ لقول الله عز وجل: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) البقرة/187. فإذا سمع الأذان وعلم أنه يؤذن على الفجر وجب عليه الإمساك. فإن كان المؤذن يؤذن قبل طلوع الفجر، لم يجب عليه الإمساك، وجاز له الأكل والشرب حتى يتبين له الفجر. فإن كان لا يعلم حال المؤذن هل أذن قبل الفجر أو بعد الفجر، فإن الأولى والأحوط له أن يمسك إذا سمع الأذان، ولا يضره لو شرب أو أكل شيئا حين الأذان لأنه لم يعلم بطلوع الفجر. ومعلوم أن من كان داخل المدن التي فيها الأنوار الكهربائية لا يستطيع أن يعلم طلوع الفجر بعينه وقت طلوع الفجر، ولكن عليه أن يحتاط بالعمل بالأذان والتقويمات التي تحدد طلوع الفجر بالساعة والدقيقة، عملا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لا يَرِيبُكَ) وقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ) والله ولي التوفيق " انتهى نقلا عن "فتاوى رمضان" جمع أشرف عبد المقصود (ص 201) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ما نصه: (قلتم حفظكم الله إنه يجب الإمساك بمجرد سماع المؤذن ويحدث ومن عدة سنوات أنهم لا يمسكون عن الطعام حتى نهاية الأذان، فما حكم عملهم هذا؟ فأجاب فضيلته بقوله: الأذان لصلاة الفجر إما أن يكون بعد طلوع الفجر أو قبله، فإن كان بعد طلوع الفجر فإنه يجب على الإنسان أن يمسك بمجرد سماع النداء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إنَّ بِلالا كَانَ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَإِنَّهُ لا يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ) . فإذا كنت تعلم أن هذا المؤذن لا يؤذن إلا إذا طلع الفجر فأمسك بمجرد أذانه، أما إذا كان المؤذن يؤذن بناء على ما يعرف من التوقيت، أو بناء على ساعته فإن الأمر في هذا أهون. وبناء على هذا نقول لهذا السائل: إن ما مضى لا يلزمكم قضاؤه، لأنكم لم تتيقنوا أنكم أكلتم بعد طلوع الفجر، لكن في المستقبل ينبغي للإنسان أن يحتاط لنفسه، فإذا سمع المؤذن فليمسك) انتهى نقلا عن "فتاوى رمضان" (ص 204) . وقال الشيخ رحمه الله منبها على ما يقال عن التقويم وعدم دقته: (لأن بعض الناس الآن يشككون في التقويم الموجود بين أيدي الناس، يقولون: إنه متقدم على طلوع الفجر، وقد خرجنا إلى البر وليس حولنا أنوار، ورأينا الفجر يتأخر، حتى بالغ بعضهم وقال: يتأخر ثلث ساعة. لكن الظاهر أن هذا مبالغة لا تصح، والذي نراه أن التقويم الذي بين أيدي الناس الآن فيه تقديم خمس دقائق في الفجر خاصة، يعني لو أكلت وهو يؤذن على التقويم فلا حرج، إلا إذا كان المؤذن يحتاط ويتأخر، فبعض المؤذنين جزاهم الله خيرا يحتاطون ولا يؤذنون إلا بعد خمس دقائق من التوقيت الموجود الآن، وبعض جهال المؤذنين يتقدمون في أذان الفجر، زعما منهم أن هذا أحوط للصوم، لكنهم ينسون أنهم يهملون ما هو أشد من الصوم وهو صلاة الفجر، ربما يصلي أحد قبل الوقت بناء على أذانهم، والإنسان إذا صلى قبل الوقت ولو بتكبيرة الإحرام، ما صحت صلاته ... ) من مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله (ج 19 سؤال رقم 772) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 66202 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3529 هل في الشرع دعاء يقال عند السحور؟ [السُّؤَالُ] ـ[ظننت أيام المدرسة أن هناك دعاءً مخصصاً فقط للإفطار وليس للسحور؛ لأن في السحور النية محلها القلب لكن زوجي أخبرني أن هناك دعاءً مخصصاً للسحور أيضاً. رجاء التوضيح، هل هذا صحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، هناك أدعية خاصة وردت بها السنة يقوله الصائم عند فطره، فيقول: " ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله "، وله أن يدعو بما يشاء، لا لكون ذلك ورد في السنة تنصيصاً، بل لأنه محل نهاية عبادة، ويشرع للمسلم أن يدعو عند ذلك. سئل الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله: هل هناك دعاء مأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم عند وقت الإفطار؟ وما هو وقته؟ وهل يتابع الصائم المؤذن في الأذان أم يستمر في فطره؟ فأجاب: " إن وقت الإفطار موطن إجابة للدعاء؛ لأنه في آخر العبادة؛ ولأن الإنسان أشد ما يكون - غالباً - من ضعف النفس عند إفطاره، وكلما كان الإنسان أضعف نفساً وأرق قلباً كان أقرب إلى الإنابة والإخبات إلى الله عز وجل، والدعاء المأثور: (اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت) ، ومنه أيضاً: قول النبي عليه الصلاة والسلام: (ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله) ، وهذان الحديثان وإن كان فيهما ضعف لكن بعض أهل العلم حسنهما، وعلى كل حال فإذا دعوت بذلك أو بغيره عند الإفطار فإنه موطن إجابة " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (19 / السؤال رقم 341) . وانظر في تخريج حديث " ذهب الظمأ ... " و " اللهم لك صمت " جواب السؤال رقم (26879) ، وفيه بيان ضعف الأول وحسن الثاني، وفيه فتوى لشيخ الإسلام ابن تيمية في موضوع الدعاء. وأما السحور فليس هناك دعاء خاص يقال عنده، فالمشروع هو أن يسمي الله في أوله، ويحمده إذا فرغ من الطعام، كما يفعل ذلك عند كل طعام. لكن من أخَّر سحوره إلى الثلث الأخير من الليل فإنه يدرك بذلك وقت النزول الإلهي فيه، وهو وقت استجابة الدعاء. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ) . رواه البخاري (1094) ومسلم (758) . فيدعو في هذا الوقت لكونه وقت إجابة لا من أجل السحور. وأما النية فمحلها القلب ولا يشرع التلفظ بها باللسان، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " ومن خطر بقلبه أنه صائم غداً فقد نوى ". وانظر جواب السؤال (37643) و (22909) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65955 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3530 هل يفطر في المعهد أم يؤخر الإفطار والصلاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا أدرس الآن، وتكون بعض الأيام شاقةً، وأمضي وقتًا طويلًا في المعهد. وأتساءل: هل يجوز أن أفطر، وأن أصلي المغرب في المعهد، أم أؤخره حتى أصل للبيت؟ أنا أنهي دراستي قبل دقائق من المغرب، وأصل بيتي بعد ذلك بنصف ساعة. إن أنا صليت في المعهد، فسأفقد وسيلة المواصلات إلى بيتي، وسأتأخر نتيجة لذلك عن البيت. فبماذا تنصحوني والحال ما ذكر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المبادرة إلى أداء الصلاة في أول وقتها من أفضل الأعمال عند الله سبحانه وتعالى. فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا. قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ. قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. رواه البخاري (527) ومسلم (85) قال النووي رحمه الله: " وفي هذا الحديث: الحث على المحافظة على الصلاة في وقتها , ويمكن أن يؤخذ منه استحبابها في أول الوقت ; لكونه احتياطًا لها , ومبادرةً إلى تحصيلها في وقتها " انتهى. "شرح مسلم" (2/265) . وعَنْ أُمِّ فَرْوَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الصَّلاةُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا. رواه أبو داود (426) وصححه الألباني. وقال الإمام أحمد رحمه الله: " أول الوقت أعجب إِلَيَّ إلا في صلاتين، صلاة العشاء وصلاة الظهر يبرد بها في الحر " انتهى. "المغني" (1/398) . كما أن المبادرة إلى تعجيل الفطور مستحبة أيضًا، وقد جاء في ذلك عدة أحاديث منها: ما رواه البخاري (1957) ومسلم (1098) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ) . وانظر جواب السؤال رقم (50019) ، (13999) . وبهذا يتبين لك – أخي السائل – أن المستحب والمندوب في حقك المبادرة إلى الإفطار وصلاة المغرب في المعهد. ولكن ذلك يبقى في دائرة المندوب، فإن شق عليك، وخشيت أن تنقطع عنك المواصلات أو تتأخر في الوصول للبيت، فلا حرج عليك إذا أخرت الصلاة لتؤديها في المنزل، بشرط أن يغلب على ظنك الوصول قبل أذان العشاء، ويمكنك أن تفطر على تمرات تحملها معك في طريقك. أما إذا كان سؤالك عن الإفطار في رمضان بسبب مشقة العمل، فقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (43772) . وفقك الله لما يحب ويرضى، وشكر الله لك هذا الحرص على طاعته. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65711 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3531 حكم الإفطار في رمضان بسبب الامتحان [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان امتحان الشهادة الثانوية في رمضان، فهل يجوز للطالب أن يفطر في رمضان حتى يستطيع أن يركز في الامتحان؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز للمكلّف الإفطار في رمضان من أجل الامتحان، لأن ذلك ليس من الأعذار الشرعية، بل يجب عليه الصوم وجعل المذاكرة في الليل إذا شق عليه فعلها في النهار. وينبغي لولاة أمر الامتحان أن يرفقوا بالطلبة، وأن يجعلوا الامتحان في غير رمضان جمعاً بين مصلحتين، مصلحة الصيام، والتفرغ للإعداد للامتحان، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فشقّ عليهم فاشقق عليه) أخرجه مسلم في صحيحه. فوصيتي للمسؤولين عن الامتحان أن يرفقوا بالطلبة والطالبات، وألا تجعلوه في رمضان بل قبله أو بعده ونسأل الله للجميع التوفيق. [الْمَصْدَرُ] فتاوى الشيخ ابن باز ج /4 ص/223. الحديث: 13179 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3532 الفطر في نهار رمضان لأجل الامتحانات [السُّؤَالُ] ـ[منذ أيام الجامعة كنت لا أستطيع المذاكرة وأنا صائمة في رمضان فأفطرت في سنتين أياماً عديدة , فهل علي القضاء أم الكفارة أم هما معا؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: صوم رمضان أحد الأركان التي بني عليها الإسلام، روى البخاري (8) ومسلم (16) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَان) . فمن ترك الصوم فقد ترك ركناً من أركان الإسلام، وفعل كبيرة عظيمة من كبائر الذنوب، بل ذهب بعض السلف إلى كفره وردته، عياذا بالله من ذلك. قال الذهبي في الكبائر (ص 64) : " وعند المؤمنين مقرر أن من ترك صوم رمضان بلا مرض ولا غرض (أي بلا عذر يبيح ذلك) أنه شر من الزاني ومدمن الخمر، بل يشكون في إسلامه ويظنون به الزندقة والانحلال " انتهى. ثانياً: وأما الفطر لأجل الامتحان فقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن ذلك فأجاب: " لا يجوز للمكلّف الإفطار في رمضان من أجل الامتحان، لأن ذلك ليس من الأعذار الشرعية، بل يجب عليه الصوم وجعل المذاكرة في الليل إذا شق عليه فعلها في النهار. وينبغي لولاة أمر الامتحان أن يرفقوا بالطلبة، وأن يجعلوا الامتحان في غير رمضان جمعاً بين مصلحتين، مصلحة الصيام، والتفرغ للإعداد للامتحان، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فشقّ عليهم فاشقق عليه) أخرجه مسلم في صحيحه. فوصيتي للمسؤولين عن الامتحان أن يرفقوا بالطلبة والطالبات، وألا يجعلوه في رمضان بل قبله أو بعده ونسأل الله للجميع التوفيق " انتهى. "فتاوى الشيخ ابن باز" (4/223) . وكذلك سئلت اللجنة الدائمة: سأختبر في رمضان لمدة 6 ساعات ونصف الساعة، متواصلة يتخللها فترة راحة لمدة 45 دقيقة. وكنت قد قدمت الاختبار ذاته العام الماضي، لكني لم أركز بسبب الصيام. فهل يجوز لي أن أفطر في يوم الاختبار؟ فأجابت: " لا يجوز الإفطار لما ذكرت، بل يحرم ذلك؛ لعدم دخوله في الأعذار التي تبيح الإفطار في رمضان " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (10 /240) . ثالثاً: وأما وجوب القضاء , فالأمر يحتاج إلى تفصيل: فإن كنت أفطرت وأنت تظنين أن الفطر جائز بسبب الامتحانات فعليك القضاء , لأنك معذورة بهذا الظن الخاطئ , ولم تتعمدي ارتكاب المحرم. أما إن كنت أفطرت وأنت تعلمين تحريم ذلك , فالواجب عليك التوبة والندم، والعزم على عدم العودة إلى هذا الذنب العظيم. وأما القضاء , فإن كان إفطارك في أثناء اليوم بعد أن شرعت في صيامه , فعليك القضاء , وإن كنت لم تصومي من الأصل فلا قضاء عليك , وتكفيك التوبة النصوح إن شاء الله تعالى , وعليك الإكثار من الأعمال الصالحة من صيام التطوع غيره، فإن ذلك يسدد النقص الحاصل في الفريضة. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى عن حكم الفطر في نهار رمضان بدون عذر؟ فأجاب: " الفطر في نهار رمضان بدون عذر من أكبر الكبائر، ويكون به الإنسان فاسقاً، ويجب عليه أن يتوب إلى الله، وأن يقضي ذلك اليوم الذي أفطره، يعني لو أنه صام وفي أثناء اليوم أفطر بدون عذر فعليه الإثم، وأن يقضي ذلك اليوم الذي أفطره؛ لأنه لما شرع فيه التزم به ودخل فيه على أنه فرض فيلزمه قضاؤه كالنذر، أما لو ترك الصوم من الأصل متعمداً بلا عذر: فالراجح: أنه لا يلزمه القضاء؛ لأنه لا يستفيد به شيئاً، إذ إنه لن يقبل منه، فإن القاعدة أن كل عبادة مؤقتة بوقت معين فإنها إذا أخرت عن ذلك الوقت المعين بلا عذر لم تقبل من صاحبها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) ولأنه مِن تعدي حدود الله عز وجل، وتعدي حدود الله تعالى ظلم، والظالم لا يقبل منه، قال الله تعالى: (وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ?للَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ ?لظَّلِمُونَ) ؛ ولأنه لو قدم هذه العبادة على وقتها - أي: فعلها قبل دخول الوقت - لم تقبل منه، فكذلك إذا فعلها بعده لم تقبل منه إلا أن يكون معذوراً " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (19 / السؤال رقم 45) . رابعاً: عليك التوبة إلى الله من تأخير القضاء كل هذه السنوات، فإن الواجب على من عليه قضاء أيام من رمضان أن يقضيها قبل دخول رمضان التالي , فإن أخرها كان مرتكباً محرماً , وهل يجب عليه كفارة (إطعام مسكين عن كل يوم) بسبب هذا التأخير؟ فيه خلاف بين العلماء , والأقرب أنه لا يجب , ولو أخرجتيها احتياطاً كان ذلك حسناً. وانظري جواب السؤال (26865) . وخلاصة الجواب: أن عليك القضاء إن كنت ظننت أن الفطر جائز بسبب الاختبارات، أو كان فطرك في أثناء اليوم، ولا يلزمك مع القضاء كفارة. نسأل الله أن يتقبل توبتك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 60296 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3533 تغضب زوجها فهل ينقص أجر صومها؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل إغضابي لزوجي ينقص من أجر صيامي؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ينبغي أن تكون العلاقة بين الزوجين قائمة على حسن العشرة، والمودة والرحمة. قال الله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الروم/21. وقال: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) النساء/19. وقال: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) البقرة/228 وعلى هذا فينبغي لكل واحد من الزوجين أن يكون حريصاً على إرضاء الآخر، وعدم فعل ما يغضبه أو يؤذيه. وقد ورد عن الإمام أحمد رحمه الله أنه قال: أَقَامَتْ أُمُّ صَالِحٍ (زوجته) مَعِي عِشْرِينَ سَنَةً فَمَا اخْتَلَفْت أَنَا وَهِيَ فِي كَلِمَةٍ! وقد شرع الله تعالى للزوجين كلَّ ما يجلب المحبة والمودة بينهما ويقويها، ونهاهما عن كل ما يضاد ذلك. ولو علم الزوجان هذه القاعدة الشرعية في كيفية معاملة الزوجين أحدهما للآخر، لاستقامت الحياة، وكانت كما أرادها الله عز وجل سكنا ومودة ورحمة. فكل واحد من الزوجين مأمور شرعا بكل ما يجلب المحبة ويقويها، ومنهي عما يضاد ذلك. حتى نهى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل عن كثرة الصلاة والصيام إذا كان ذلك يضيع حق أهله روى البخاري (1153) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قال لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ؟ قُلْتُ: إِنِّي أَفْعَلُ ذَلِكَ. قَالَ: فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ هَجَمَتْ عَيْنُكَ، وَنَفِهَتْ نَفْسُكَ، وَإِنَّ لِنَفْسِكَ حَقًّا، وَلأَهْلِكَ حَقًّا، فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ. قوله: (هَجَمَتْ عَيْنُكَ) أي غارت أو ضعفت لكثرة السهر. قوله: (نَفِهَتْ) أي كَلَّت. ثانياً: الصائم مأمور بحسن الخلق، حتى أمره النبي صلى الله عليه وسلم إذا قاتله أحد أو سبه أن لا يرد بالمثل، وإنما يصبر ويكف نفسه، ويقول: إني صائم. روى البخاري (1894) ومسلم (1151) عن أبي هرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَلا يَرْفُثْ وَلا يَجْهَلْ، وَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ) . قال النووي: (الرَّفَث) هُوَ السُّخْف وَفَاحِش الْكَلام. . . وَالْجَهْل قَرِيب مِنْ الرَّفَث , وَهُوَ خِلاف الْحِكْمَة وَخِلاف الصَّوَاب , مِنْ الْقَوْل وَالْفِعْل. وَاعْلَمْ أَنَّ نَهْيَ الصَّائِمِ عَنْ الرَّفَث وَالْجَهْل وَالْمُخَاصَمَةِ وَالْمُشَاتَمَة لَيْسَ مُخْتَصًّا بِهِ , بَلْ كُلّ أَحَد مِثْله فِي أَصْل النَّهْي عَنْ ذَلِكَ لَكِنَّ الصَّائِم آكَدُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ " انتهى باختصار. وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس الصيام من الأكل والشرب، إنما الصيام من اللغو والرفث، فإن سابك أحد أو جهل عليك فقل: إني صائم، إني صائم) . صححه الألباني في صحيح الجامع (5376) . واللغو هو الكلام الباطل. وقيل: ما لا فائدة فيه. وروى البخاري (6057) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) . قال الحافظ: " َاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الأَفْعَالَ تَنْقُصُ الصَّوْم. . . قال السُّبْكِيّ الْكَبِير: ذكر هذه الأشياء في الحديث ينبهنا عَلَى أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: زِيَادَة قُبْحِهَا فِي الصَّوْمِ عَلَى غَيْرِهَا. وَالثَّانِي: الْبَحْث عَلَى سَلامَةِ الصَّوْمِ عَنْهَا , وَأَنَّ سَلامَتَهُ مِنْهَا صِفَة كَمَالِ فِيهِ. وَقُوَّة الْكَلامِ تَقْتَضِي أَنْ يُقَبَّحَ ذَلِكَ لأَجْلِ الصَّوْمِ , فَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ الصَّوْمَ يَكْمُلُ بِالسَّلامَةِ عَنْهَا. قَالَ: فَإِذَا لَمْ يَسْلَمْ عَنْهَا نَقَصَ " انتهى من فتح الباري بتصرف واختصار. ثالثاً: حق الزوج على زوجته عظيم، قال الله تعالى: (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) البقرة/228. وإن كان غضبه بسبب امتناعها عن فراشه، كان إثمها أشد وأعظم؛ لما روى ابن خزيمة في صحيحه عن عطاء بن دينار الهذلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة لا تقبل منهم صلاة ولا تصعد إلى السماء ولا تجاوز رؤوسهم. . ذكر منهم: وامرأة دعاها زوجها من الليل فأبت عليه) . والحديث صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (485) . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ فَبَات غَضْبَانَ عَلَيْهَا لَعَنَتْهَا الْمَلائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ) رواه البخاري (3237) ، ومسلم (1436) . وقد سبق في جواب السؤال (50063) بيان أن المعاصي تنقص ثواب الصوم، وقد تكثر المعاصي حتى تزيل ثواب الصيام بالكلية. وإذا قصر أحد الزوجين في حقوق الآخر أو أغضبه كان ذلك سببا لنقص صيامه. هذا ما لم يكن غضبه بغير حق، فإن بعض الأزواج يغضبون بغير حق، وبعضهم يغضب لاستقامة المرأة وصلاحها، فيكون مبطلا في غضبه، نسأل الله العافية. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50763 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3534 كيفية الصلاة والصوم في البلاد التي نهارها دائم أو ليلها دائم [السُّؤَالُ] ـ[بالنسبة للدول التي لا يحل فيها الظلام في فصل الصيف فكيف يصلون المغرب والعشاء؟ وماذا يفعلون في شهر رمضان حيث يحل في ذلك الوقت، فكيف يصوموا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صدرت فتوى رقم (2769) من هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة في هذه المسألة بمثل ما ذكرناه، وهذا نص السؤال والجواب: الحمد لله وحده والصلاة السلام على من لا نبي بعده.. وبعد: فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة الرئيس العام من المستفتي الأمين العام لاتحاد الطلبة المسلمين بهولندا، والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء والسؤال نصه: نرجو من سماحتكم التفضل بموافاتنا بالفتوى اللازمة لكيفية تعيين أوقات صلاة المغرب والعشاء والصبح، وكذلك تعيين أول رمضان، وأول أيام عيد الفطر المبارك، ذلك أنه بالنسبة إلى حركة شروق وغروب الشمس في بلدان شمال أوربا والقريبة من القطب الشمالي تختلف عن مثيلتها في بلدان الشرق الإسلامي، والسبب في ذلك يرجع إلى وقت مغيب الشفق الأحمر والأبيض، فيلاحظ أن الشفق الأبيض في الصيف يمتد حتى يكاد يستغرق الليل كله فيصعب تحديد وقت العشاء وكذلك طلوع الصبح؟ والجواب: لقد صدر قرار هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية في بيان تحديد أوقات الصلوات، وتحديد بدء صباح كل يوم ونهايته في رمضان في بلاد مماثلة لبلادكم هذا مضمونه: بعد الاطلاع والدراسة والمناقشة قرر المجلس ما يلي: أولاً: من كان يقيم في بلاد يتمايز فيها الليل من النهار بطلوع فجر وغروب شمس إلا أن نهارها يطول جداً في الصيف ويقصر في الشتاء وجب عليه أن يصلي الصلوات الخمس في أوقاتها المعروفة شرعاً. لعموم قوله تعالى {أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا} (الإسراء / 78) وقوله تعالى: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا} (النساء / 103) ولما ثبت عن بريدة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله رجل عن وقت الصلاة فقال له: «صل معنا هذين» يعني اليومين، فلما زالت الشمس أمر بلالا فأذن، ثم أمره فأقام الظهر، ثم أمره فأقام العصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية، ثم أمره فأقام المغرب حين غابت الشمس، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق، ثم أمره فأقام الفجر حين طلع الفجر، فلما كان اليوم الثاني أمره أن يبرد بالظهر فأبرد بها، ... وصلى العصر والشمس مرتفعة، أخرها فوق الذي كان وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق، وصلى العشاء بعد ما ذهب ثلث الليل، وصلى الفجر فأسفر بها ثم قال: «أين السائل عن وقت الصلاة» فقال الرجل أنا يا رسول الله قال: «وقت صلاتكم بين ما رأيتم» رواه البخاري ومسلم. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر، ووقت العصر مالم تصفر الشمس، ووقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق، ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط، ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس فإذا طلعت الشمس فأمسك عن الصلاة فإنها تطلع بين قرني شيطان» أخرجه مسلم في صحيحه. إلى غير ذلك من الأحاديث التي وردت في تحديد أوقات الصلوات الخمس قولاً وفعلاً ولم تفرق بين طول النهار وقصره وطول الليل وقصره ما دامت أوقات الصلوات متمايزة بالعلامات التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا بالنسبة لتحديد أوقات صلاتهم، وأما بالنسبة لتحديد أوقات صيامهم شهر رمضان فعلى المكلفين أن يمسكوا كل يوم منه عن الطعام والشراب وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس في بلادهم ما دام النهار يتمايز في بلادهم من الليل وكان مجموع زمانهما أربعاً وعشرين ساعة. ويحل لهم الطعام والشراب والجماع ونحوها في ليلهم فقط وإن كان قصيراً، فإن شريعة الإسلام عامة للناس في جميع البلاد وقد قال الله تعالى: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل} . ومن عجز عن إتمام صوم يوم لطوله، أو علم بالأمارات أو التجربة أو إخبار طبيب أمين حاذق، أو غلب على ظنه أن الصوم يفضي إلى إهلاكه أو مرضه مرضاً شديداً، أو يفضي إلى زيادة مرضه أو بطء برئه أفطر ويقضي الأيام التي أفطرها في أي شهر تمكن فيه من القضاء قال تعالى: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر} ، وقال الله تعالى: {لايكلف الله نفساً إلا وسعها} ، وقال: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} . ثانياً: من كان يقيم في بلاد لا تغيب عنها الشمس صيفاً ولا تطلع فيها الشمس شتاء، أو في بلاد يستمر نهارها إلى ستة أشهر، ويستمر ليلها ستة أشهر مثلاً وجب عليهم أن يصلوا الصلوات الخمس في كل أربع وعشرين ساعة، وأن يقدروا لها أوقاتها ويحددوها معتمدين في ذلك على أقرب بلاد إليهم تتمايز فيها أوقات الصلوات المفروضة بعضها من بعض، لما ثبت في حديث الإسراء والمعراج من أن الله تعالى فض على هذه الأمة خمسين صلاة كل يوم وليلة فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه التخفيف حتى قال: «يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر فذلك خمسون صلاة ... » إلى آخره. ولما ثبت من حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد ثائر الرأس نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول حتى دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خمس صلوات في اليوم والليلة» فقال: هل علي غيرهن قال: «لا، إلا أن تطوع ... » الحديث. ولما ثبت من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع فجاء رجل من أهل البادية فقال: يا محمد أتانا رسولك فزعم أنك تزعم أن الله أرسلك قال: «صدق» إلى أن قال: وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا قال: «صدق» قال فبالذي أرسلك: آلله أمرك بهذا؟ قال: «نعم ... » الحديث. وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم حدث أصحابه عن المسيح الدجال فقيل له ما لبثه في الأرض قال: «أربعون يوماً يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم» فقيل: يا رسول الله اليوم الذي كسنة أيكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: «لا، اقدروا له» فلم يعتبر اليوم الذي كسنة يوماً واحداً يكفي فيه خمس صلوات بل أوجب فيه خمس صلوات في كل أربع وعشرين ساعة، وأمرهم أن يوزعوها على أوقاتها اعتباراً بالأبعاد الزمنية التي بين أوقاتها في اليوم العادي في بلادهم. فيجب على المسلمين في البلاد المسئول عن تحديد أوقات الصلوات فيها أن يحددوا أوقات صلاتهم معتمدين في ذلك على أقرب بلاد إليهم يتمايز فيها الليل من النهار وتعرف فيها أوقات الصلوات الخمس بعلاماتها الشرعية في كل أربع وعشرين ساعة. وكذلك يجب عليهم صيام شهر رمضان وعليهم أن يقدروا لصيامهم فيحددوا بدء شهر رمضان ونهايته وبدء الإمساك والإفطار في كل يوم منه ببدء الشهر ونهايته، وبطلوع فجر كل يوم وغروب شمسه في أقرب بلاد إليهم يتميز فيها الليل من النهار ويكون مجموعها أربعاً وعشرين ساعة لما تقدم في حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن المسيح الدجال، وإرشاده أصحابه فيه عن كيفية تحديد أوقات الصلوات فيه إذ لا فارق في ذلك بين الصوم والصلاة. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء [الْمَصْدَرُ] " فتاوى اللجنة الدائمة " (6 / 130 – 136) الحديث: 5842 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3535 البيت ورمضان [السُّؤَالُ] ـ[أنا رب أسرة، وها هو رمضان قد أقبل، فكيف أقوم برعاية أسرتي وتربيتهم خلال هذا الشهر الكريم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فإن من نعم الله على المسلم أن يبلغه صيام رمضان ويعينه على قيامه، فهو شهر تتضاعف فيه الحسنات، وتُرفع فيه الدرجات، ولله فيه عتقاء من النار، فحري بالمسلم أن يستغل هذا الشهر بما يعود عليه بالخير، وأن يبادر ساعات عمره بالطاعة، فكم من شخص حُرِمَ إدراك هذا الشهر لمرض أو وفاة أو ضلال. وكما أنه يجب على المسلم أن يبادر ساعات عمره باستغلال هذا الشهر، فإن عليه تجاه أولاده واجباً لا بد له منه، بحسن رعايتهم وتربيتهم، وحثهم على أبواب الخير، وتعويدهم عليه؛ لأن الولد ينشأ على ما عوَّده عليه والده: وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوده أبوه وفي هذه الأيام المباركة لا بد أن يكون للأب والأم دور في استغلال هذا الأمر، ويمكن أن نوصي الأبوين بما يلي: 1. متابعة صيام الأولاد والحث عليه لمن قصَّر منهم في حقه. 2. تذكيرهم بحقيقة الصيام وأنه ليس فقط ترك الطعام والشراب وإنما هو طريق لتحصيل التقوى، وأنه مناسبة لمغفرة الذنوب وتكفير الخطايا. عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رقي المنبر فقال: آمين، آمين، آمين، فقيل له: يا رسول الله، ما كنت تصنع هذا؟ فقال: قال لي جبريل: أرغم الله أنف عبد أو بَعُدَ دخل رمضان فلم يغفر له، فقلت: آمين، ثم قال: رغم أنف عبدٍ أو بَعُدَ أدرك والديه أو أحدهما لم يدخله الجنة، فقلت: آمين، ثم قال: رغم أنف عبد أو بَعُدَ ذُكِرت عنده فلم يصل عليك، فقلت: آمين " رواه ابن خزيمة (1888) – واللفظ له -، والترمذي (3545) وأحمد (7444) وابن حبان (908) ، انظر " صحيح الجامع " (3510) . 3. تعليمهم آداب وأحكام الطعام من حيث الأكل باليمين ومما يليهم، وتذكيرهم بتحريم الإسراف وضرره على أجسادهم. 4. منعهم من الإطالة في تناول الإفطار بحيث تفوتهم صلاة المغرب جماعة. 5. التذكير بحال الفقراء والمعدمين ممن لا يجدون لقمة يطفئون بها نار جوعهم، والتذكير بحال المهاجرين والمجاهدين في سبيل الله في كل مكان. 6. وفي هذه الاجتماعات مناسبة لاجتماع الأقرباء وصلة الأرحام، ولا زالت هذه العادة موجودة في بعض البلدان، فهي فرصة للمصالحة وصلة الرحم المقطوعة. 7. إعانة الأم في إعداد المائدة وتجهيزها، وكذا في رفع المائدة وحفظ الطعام الصالح للأكل. 8. تذكيرهم بصلاة القيام والاستعداد لها بالتقليل من الطعام وبالتجهز قبل وقت كافٍ لأدائها في المسجد. 9. بالنسبة للسحور يُذكِّر الأبوان ببركة السحور وأنه يقوي الإنسان على الصيام. 10. إعطاء وقتٍ كافٍ قبل صلاة الفجر لكي يوتر من لم يوتر منهم، ولكي يصلي من أخَّر صلاته إلى آخر الليل، ولكي يدعو كل واحدٍ ربه بما يشاء. 11. الاهتمام بصلاة الفجر في وقتها جماعة في المسجد للمكلفين بها، وقد رأينا كثيراً من الناس يستيقظون آخر الليل لتناول الطعام ثم يرجعون إلى فرشهم تاركين صلاة الفجر. 12. كان من هديه صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر أنه " يحيي ليله ويوقظ أهله " وفي هذا دلالة على أن الأسرة يجب أن تهتم باستغلال هذه الأوقات المباركة فيما يرضي الله عز وجل، فعلى الزوج أن يوقظ زوجته وأولاده للقيام بما يقربهم عند ربهم عز وجل. 13. قد يوجد في البيت أولاد صغار وهم بحاجة للتشجيع على الصيام فعلى الأب أن يحثهم على السحور، ويُشجعهم على الصيام بالثناء والجوائز لمن أتم صيام الشهر أو نصفه.. وهكذا. عن الربيع بنت معوذ قالت: أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: مَن أصبح مفطراً فليتمَّ بقية يومه، ومن أصبح صائماً فليصُم، قالت: فكنا نصومه بعدُ ونصوِّم صبياننا [الصغار ونذهب بهم إلى المساجد] ، ونجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار. رواه البخاري (1859) ومسلم (1136) والزيادة بين المعكوفين له. العِهن: الصوف. قال النووي: وفي هذا الحديث: تمرين الصبيان على الطاعات، وتعويدهم العبادات، ولكنهم ليسوا مكلفين، قال القاضي: وقد روي عن عروة أنهم متى أطاقوا الصوم وجب عليهم، وهذا غلط مردود بالحديث الصحيح " رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يحتلم - وفي رواية يبلغ - "، والله أعلم. " شرح مسلم " (8 / 14) . 14. إن تيسر للأب والأم الذهاب بالأسرة إلى العمرة في رمضان فخيرٌ يقدمونه لأنفسهم ولأسرتهم، فالعمرة في رمضان لها أجر حجة، والأفضل الذهاب في أوله تجنباً للزحام. 15. وعلى الزوج أن لا يكلِّف زوجته بما لا طاقة لها به من حيث إعداد الطعام والحلويات، فإن كثيراً من الناس اتخذوا هذا الشهر للتفنن في الطعام والشراب والإسراف فيه، وهو ما يُذهب حلاوة هذا الشهر ويُفوِّت على الصائمين بلوغ الحكمة منه وهو تحصيل التقوى. 16. شهر رمضان شهر القرآن، فننصح بعمل مجلس في كل بيتٍ يُقرأ فيه القرآن ويقوم الأب بتعليم أهله القراءة ويوقفهم على معاني الآيات، وكذا أن يكون في المجلس قراءة كتاب في أحكام وآداب الصيام، وقد يسَّر الله تعالى لكثير من العلماء وطلبة العلم أن يؤلِّفوا كُتباً في مجالس رمضان، ويحوي الكتاب ثلاثين مجلساً، فيُقرأ في كل يوم موضوعٌ، فيتحصل منه خير عميم للجميع. 17. يحثهم على الإنفاق وتفقد الجيران والمحتاجين. عن ابن عباس قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلَرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة ". رواه البخاري (6) ومسلم (2308) . 18. وعلى الأبوين منع أهلهم وأولادهم من السهر الذي تضيع فيه الأوقات من غير فائدة فضلا عن السهر على المحرَّمات، فإن شياطين الإنس تخرج من أصفادها في هذا الشهر لتقدِّم للصائمين الشرور والفسق والفجور في ليالي رمضان ونهاره. 19. تذكر اجتماع الأسرة في جنة الله تعالى في الآخرة، فالسعادة العظمى هو اللقاء هناك تحت ظل عرشه سبحانه، وما هذه المجالس المباركة في الدنيا والاجتماع على طاعته في العلم والصيام والصلاة إلا من السبيل التي تؤدي إلى تحقيق هذه السعادة. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 26830 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3536 الإسراف في الأكل والشرب في رمضان [السُّؤَالُ] ـ[ما رأيكم فيمن يكثر أنواع الطعام والحلويات في رمضان؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الإسراف في كل شيء مذموم ومنهي عنه، لا سيما في الطعام والشراب، قال الله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأعراف/31. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ لُقَيْمَات يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لا مَحَالَةَ، فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ، وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ) رواه الترمذي (2380) وابن ماجه (3349) . وصححه الألباني في صحيح الترمذي (1939) . والإسراف في الطعام والشراب فيه مفاسد كثيرة: منها: أن الإنسان كلما تنعم بالطيبات في الدنيا قَلَّ نصيبه في الآخرة. روى الحاكم عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ شِبَعًا فِي الدُّنْيَا أَكْثَرُهُمْ جُوعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ) . ورواه ابن أبي الدنيا وزاد: فما أكل أبو جحيفة ملءَ بطنه حتى فارق الدنيا. صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (342) . وقال عمر رضي الله تعالى عنه: والله إني لو شئت لكنت من ألينكم لباسا، وأطيبكم طعاما، وأرَقِّكُم عيشا، ولكني سمعت الله عز وجل عَيَّرَ قوما بأمر فعلوه فقال: (أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ) الأحقاف / 20. حلية الأولياء (1/49) . ومنها: أن الإنسان ينشغل بذلك عن كثير من الطاعات، كقراءة القرآن الكريم، والتي ينبغي أن تكون هي الشغل الشاغل للمسلم في هذا الشهر الكريم، كما كانت عادة السلف. فتجد المرأة تقضي جزءاً كبيرا من النهار في إعداد الطعام، وجزءً كبيرا من الليل في إعداد الحلويات والمشروبات. ومنها: أن الإنسان إذا أكل كثيراً أصابه الكسل، ونام كثيرا، فيضيع على نفسه الأوقات. قال سفيان الثوري رحمه الله: إذا أردت أن يصح جسمك ويقل نومك أقلل من طعامك. ومنها: أن كثرة الأكل تورث غفلة القلب. قيل للإمام أحمد رحمه الله: هل يجد الرجل من قلبه رِقَّةً وهو شَبع؟ قال: ما أرى. أي: ما أرى ذلك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 11153 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3537 كيف ينوي المسلم الصوم [السُّؤَالُ] ـ[كيف ينوي الإنسان صيام رمضان؟ ومتى تجب النيّة في الصيام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " تكون النيّة بالعزم على الصيام. ولا بد من تبييت نيّة صيام رمضان ليلاً كلّ ليلة " فتاوى اللجنة الدائمة ج/10 ص/246 " وذهب بعض أهل العلم: إلى أن ما يُشترط فيه التتابع تكفي النية في أوله ما لم يقطعه لعذر فيستأنف النيّة، وعلى هذا فإذا نوى الإنسان أول يوم من رمضان أنه صائم هذا الشهر كلّه فإنه يجزئه عن الشهر كلّه ما لم يحصل عذر ينقطع به التتابع، كما لو سافر في أثناء رمضان، فإنه إذا عاد يجب عليه أن يجدد النيّة للصوم. وهذا هو الأصح، لأن المسلمين جميعاً لو سألتهم لقال كل واحد منهم أنا نويت الصوم أول الشهر إلى آخره، فإذا لم تتحقق النيّة حقيقة فهي محقّقة حكماً، لأن الأصل عدم القطع، ولهذا قلنا إذا انقطع التتابع لسبب يبيحه، ثم عاد إلى الصوم فلا بد من تجديد النيّة، وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس." [الْمَصْدَرُ] الشرح الممتع ج/6 ص/369-370. الحديث: 22909 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3538 الإمساك قبل الفجر بدقائق بدعة [السُّؤَالُ] ـ[في بعض البلاد هناك وقت يكون قبل الفجر بحوالي عشر دقائق يقولون إنه وقت الإمساك، يبدأ الناس فيه الصيام ويمسكون عن الطعام والشراب. فهل هذا الفعل صحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الفعل غير صحيح. لأن الله تعالى أباح للصائم أن يأكل ويشرب حتى يتبين طلوع الفجر. قال الله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ) البقرة / 187. وروى البخاري (1919) ومسلم (1092) عَنْ ابْنِ عُمَرَ وعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم أَنَّ بِلالا كَانَ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَإِنَّهُ لا يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ) . قال النووي رحمه الله: فِيهِ: جَوَاز الأَكْل وَالشُّرْب وَالْجِمَاع وَسَائِر الأَشْيَاء إِلَى طُلُوع الْفَجْر اهـ. قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (4/199) : من البدع المنكرة ما أحدث في هذا الزمان من إيقاع الأذان الثاني قبل الفجر بنحو ثلث ساعة في رمضان، وإطفاء المصابيح التي جعلت علامة لتحريم الأكل والشرب على من يريد الصيام زعما ممن أحدثه أنه للاحتياط في العبادة اهـ وسئل الشيخ ابن عثيمين عما يوجد في بعض التقاويم من تحديد وقت للإمساك قبل الفجر بنحو ربع ساعة فقال: هذا من البدع، وليس له أصل من السنة، بل السنة على خلافه، لأن الله قال في كتابه العزيز: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ) البقرة/187. وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم، فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر) . وهذا الإمساك الذي يصنعه بعض الناس زيادة على ما فرض الله عز وجل فيكون باطلاً وهو من التنطع في دين الله وقد قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ، هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ، هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ) رواه مسلم (2670) اهـ. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 12602 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3539 معنى الخيط الأبيض والخيط الأسود المذكورين في آية الصيام [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى قول الله تعالى: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) البقرة/187. ومعنى ذلك أن الله تعالى أباح للصائم الأكل والشرب ليلاً حتى يتبين له (أي يتيقن) طلوع الفجر. والمراد من الخيط الأبيض النهار، والخيط الأسود الليل. قال الحافظ: وَمَعْنَى الآيَةِ حَتَّى يَظْهَرَ بَيَاضُ النَّهَارِ مِنْ سَوَادِ اللَّيْلِ , وَهَذَا الْبَيَانُ يَحْصُلُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ. وَقَوْلُهُ: (مِنْ الْفَجْرِ) بَيَانٌ لِلْخَيْطِ الأَبْيَضِ , وَاكْتَفَى بِهِ عَنْ بَيَانِ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ لأَنَّ بَيَانَ أَحَدِهِمَا بَيَانٌ لِلآخَرِ اهـ. وقد فهم بعض الصحابة رضي الله عنهم الآية على خلاف معناها، ففهموا أن المراد منها الخيط الحقيقي، فكان أحدهم يجعل تحت وسادته أو يربط في رجله خيطين أحدهما أبيض والآخر أسود ويظل يأكل حتى يتبين له أحدهما من الآخر، وسبب هذا الخطأ في فهم معنى الآية أن الله تعالى أنزل الآية أولاً بدون قوله:) مِنَ الْفَجْرِ) ، ففهمها بعض الصحابة على المعنى المتبادر إلى الذهن من كلمة "الخيط" ثم أنزل الله تعالى بعد مدة (قال بعض العلماء إنها سنة) أنزل قوله: (مِنَ الْفَجْرِ) فعلموا أن المراد بالخيط الأبيض ضوء الفجر (النهار) وبالخيط الأسود الليل. روى البخاري (1917) ومسلم (1091) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: أُنْزِلَتْ (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ) وَلَمْ يَنْزِلْ (مِنْ الْفَجْرِ) فَكَانَ رِجَالٌ إِذَا أَرَادُوا الصَّوْمَ رَبَطَ أَحَدُهُمْ فِي رِجْلِهِ الْخَيْطَ الأَبْيَضَ وَالْخَيْطَ الأَسْوَدَ، وَلَمْ يَزَلْ يَأْكُلُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ رُؤْيَتُهُمَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدُ: (مِنْ الْفَجْرِ) فَعَلِمُوا أَنَّهُ إِنَّمَا يَعْنِي اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ. فهؤلاء الصحابة حَمَلُوا الْخَيْطَ عَلَى ظَاهِرِهِ , فَلَمَّا نَزَلَ (مِنْ الْفَجْرِ) عَلِمُوا الْمُرَادَ. وقد فهم عدي بن حاتم رضي الله عنه الآية كما فهمها هؤلاء حتى صحح له النبي صلى الله عليه وسلم هذا الفهم وبين له المعنى المراد من الآية. روى البخاري (1916) عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ عَمَدْتُ إِلَى عِقَالٍ أَسْوَدَ وَإِلَى عِقَالٍ أَبْيَضَ فَجَعَلْتُهُمَا تَحْتَ وِسَادَتِي فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ فِي اللَّيْلِ فَلا يَسْتَبِينُ لِي فَغَدَوْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ إِنَّمَا ذَلِكَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ. وفي رواية للبخاري (4510) : (إِنَّكَ لَعَرِيضُ) . وفي رواية أخرى له أيضاً (4509) : (إِنَّ وِسَادَكَ إِذًا لَعَرِيضٌ أَنْ كَانَ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ وَالأَسْوَدُ تَحْتَ وِسَادَتِكَ) . وفي أخرى (4510) : (إِنَّكَ لَعَرِيضُ الْقَفَا) . وقصة عدي رضي الله عنه وقعت بعد نزول قوله تعالى: (مِنَ الْفَجْرِ) أي بعد حديث سهل السابق. وقد اعتذر بعض العلماء عن خطأ عدي في هذا الفهم مع نزول قوله تعالى (مِنَ الْفَجْرِ) بأن عديا لم يبلغه حديث سهل، أو لم يكن من لغة قومه استعمال الخيط الأبيض والخيط الأسود للدلالة على الليل والنهار. ولذلك ترجم ابن حبان لحديث عدي بقوله: "ذِكْرُ الْبَيَانِ بِأَنَّ الْعَرَبَ تَتَفَاوَتُ لُغَاتُهَا" وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ عَدِيًّا لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ فِي لُغَتِهِ أَنَّ سَوَادَ اللَّيْلِ وَبَيَاضَ النَّهَارِ يُعَبَّرُ عَنْهُمَا بِالْخَيْطِ الأَسْوَدِ وَالْخَيْطِ الأَبْيَضِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: حَدِيث عَدِيٍّ مُتَأَخِّرٌ عَنْ حَدِيثِ سَهْلٍ , فَكَأَنَّ عَدِيًّا لَمْ يَبْلُغْهُ مَا جَرَى فِي حَدِيثِ سَهْلٍ، وَإِنَّمَا سَمِعَ الآيَةَ مُجَرَّدَةً فَفَهِمَهَا عَلَى مَا وَقَعَ لَهُ اهـ. وقال الحافظ: وَأَمَّا عَدِيٌّ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي لُغَةِ قَوْمِهِ اِسْتِعَارَةُ الْخَيْطِ لِلصُّبْحِ , أَوْ نَسِيَ قَوْلَهُ: (مِنْ الْفَجْرِ) حَتَّى ذَكَّرَهُ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اهـ. وقَالَ النَّوَوِيُّ تَبَعًا للقاضي عِيَاضٍ: وَإِنَّمَا حَمَلَ الْخَيْطَ الأَبْيَضَ وَالأَسْوَدَ عَلَى ظَاهِرِهِمَا بَعْضُ مَنْ لا فِقْهَ عِنْدَهُ مِنْ الأَعْرَابِ كَالرِّجَالِ الَّذِينَ حُكِيَ عَنْهُمْ سَهْلٌ وَبَعْضُ مَنْ لَمْ يَكُنْ فِي لُغَتِهِ اِسْتِعْمَالُ الْخَيْطِ فِي الصُّبْحِ كَعَدِيٍّ اهـ. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّكَ لَعَرِيضُ الْقَفَا) فقد زعم بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد بذلك أنه فِيهِ غَبَاوَةٌ وَغَفْلَةٌ. وادعى هؤلاء أن عُرْضَ الْقَفَا مِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الغباوة, وَأَنْشَدَوا فِي ذَلِكَ شِعْرًا. وَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ كَثِيرٌ من العلماء مِنْهُمْ الْقُرْطُبِيُّ والقاضي عياض والنووي. قال القرطبي: "حَمَلَهُ بَعْضُ النَّاسِ عَلَى الذَّمِّ لَهُ عَلَى ذَلِكَ الْفَهْمِ وَكَأَنَّهُمْ فَهِمُوا أَنَّهُ نَسَبَهُ إِلَى الْجَهْلِ وَالْجَفَاءِ وَعَدَمِ الْفِقْهِ , وَلَيْسَ الْأَمْرُ عَلَى مَا قَالُوهُ. . وَإِنَّمَا عَنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ وِسَادَك إِنْ كَانَ يُغَطِّي الْخَيْطَيْنِ اللَّذَيْنِ أَرَادَ اللَّهُ فَهُوَ إِذًا عَرِيضٌ وَاسِعٌ , وَلِهَذَا قَالَ فِي أَثَرِ ذَلِكَ: إِنَّمَا ذَلِكَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ , فَكَأَنَّهُ قَالَ: فَكَيْفَ يَدْخُلَانِ تَحْتَ وِسَادَتِك؟ وَقَوْلُهُ " إِنَّك لَعَرِيضُ الْقَفَا " أَيْ إِنَّ الْوِسَادَ الَّذِي يُغَطِّي اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَرْقُدُ عَلَيْهِ إِلا قَفًا عَرِيضٌ لِلْمُنَاسَبَةِ اهـ باختصار. وقَالَ الْقَاضِي: مَعْنَاهُ إِنْ جَعَلْت تَحْت وِسَادك الْخَيْطَيْنِ الَّذِينَ أَرَادَهُمَا اللَّه تَعَالَى وَهُمَا اللَّيْل وَالنَّهَار فَوِسَادُك يَعْلُوهُمَا وَيُغَطِّيهِمَا , وَحِينَئِذٍ يَكُون عَرِيضًا , وَهُوَ مَعْنَى الرِّوَايَة الأُخْرَى فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ (إِنَّك لَعَرِيض الْقَفَا) وَهُوَ مَعْنَى الرِّوَايَة الأُخْرَى: (إِنَّك لَضَخْمٌ) اهـ. انظر: فتح الباري شرح حديث رقم (1917) ، (1916) .، شرح مسلم للنووي حديث رقم (1090) ، (1091) . ومن الأحكام المستنبطة من الآية الكريمة أن من شك في طلوع الفجر فله أن بأكل ويشرب حتى يتيقن طلوعه لأن الله تعالى قال: (حَتَّى يَتَبَيَّنَ) . رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَحَلَّ اللَّهُ لَك الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ مَا شَكَكْت. قال الحافظ: إِسْنَاده صَحِيحٍ. وَرَوَى اِبْنُ أَبِي شَيْبَةَ عن أَبِي الضُّحَى قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ اِبْنَ عَبَّاسٍ عَنْ السُّحُورِ , فَقَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ: كُلْ مَا شَكَكْت حَتَّى لا تَشُكَّ. قَالَ اِبْنُ الْمُنْذِرِ: وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ صَارَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ. قال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع (6/247) . "من أتى مفطرا، وهو شاك في طلوع الفجر فصومه صحيح، لأن الله سبحانه وتعالى قال: (فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) البقرة/187. وضد التبين الشك والظن، فما دمنا لم يتبين لنا فلنا أن نأكل ونشرب، وهذه المسألة لها خمسة أقسام: 1- أن يتيقن أن الفجر لم يطلع، مثل: أن يكون طلوع الفجر في الساعة الخامسة، ويكون أكله وشربه في الساعة الرابعة والنصف فصومه صحيح. 2- أن يتيقن أن الفجر طلع، كأن يأكل الساعة الخامسة والنصف فهذا صومه فاسد. 3- أن يأكل وهو شاك هل طلع الفجر أو لا، ويغلب على ظنه أنه لم يطلع؟ فصومه صحيح. 4- أن يأكل ويشرب، ويغلب على ظنه أن الفجر طالع فصومه صحيح. 5- أن يأكل ويشرب مع التردد الذي ليس فيه رجحان فصومه صحيح" اهـ. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50120 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3540 يسأل عن بيع اللعب المجسمة، وهل يؤثر في الصيام [السُّؤَالُ] ـ[أعمل في محل لُعب ونبيع الدمى والألعاب التي على شكل البشر، فما حكم ذلك؟ وهل يجوز لي أن أبدأ صيامي فيما بعد بسبب عملي هذا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قد سبق بيان تحريم صنع الصور والتماثيل سؤال رقم 7222، وسبق أيضا بيان تحريم بيعها وشرائها سؤال رقم 49676. لكن إذا كانت هذه الصور والدمى لعبا للأطفال فقد دلت السنة على جوازها؛ ففي الصحيحين من حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: (كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،َ وَكَانَ لِي صَوَاحِبُ يَلْعَبْنَ مَعِي ... الحديث) البخاري 6130، مسلم 2440 قال ابن حجر: وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى جَوَاز اِتِّخَاذ صُوَر الْبَنَات وَاللَّعِب مِنْ أَجْل لَعِب الْبَنَات بِهِنَّ , وَخُصَّ ذَلِكَ مِنْ عُمُوم النَّهْي عَنْ اِتِّخَاذ الصُّوَر , وَبِهِ جَزَمَ عِيَاض وَنَقَلَهُ عَنْ الْجُمْهُور , وَأَنَّهُمْ أَجَازُوا بَيْع اللَّعِب لِلْبَنَاتِ لِتَدْرِيبِهِنَّ مِنْ صِغَرهنَّ عَلَى أَمْر بُيُوتهنَّ وَأَوْلادهنَّ وَقَدْ تَرْجَمَ اِبْن حِبَّان الإِبَاحَةُ لِصِغَارِ النِّسَاء اللَّعِب بِاللَّعَبِ..وفي رِوَايَة جرير عن هشام: " كُنْت أَلْعَب بِالْبَنَاتِ وَهُنَّ اللُّعِب " أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَة وَغَيْره , وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ وَجْه آخَر عَنْ عَائِشَة قَالَتْ: " قَدِمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَة تَبُوك أَوْ خَيْبَر " فَذَكَرَ الْحَدِيث فِي هَتْكه السِّتْر الَّذِي نَصَبَتْهُ عَلَى بَابهَا قَالَتْ: " فَكَشَفَ نَاحِيَة السِّتْر عَلَى بَنَات لِعَائِشَة لُعَب فَقَالَ: مَا هَذَا يَا عَائِشَة , قَالَتْ: بَنَاتِي. قَالَتْ: وَرَأَى فِيهَا فَرَسًا مَرْبُوطًا لَهُ جَنَاحَانِ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قُلْت فَرَس. قَالَ فَرَس لَهُ جَنَاحَانِ؟ قُلْت: أَلَمْ تَسْمَع أَنَّهُ كَانَ لِسُلَيْمَان خَيْل لَهَا أَجْنِحَة؟ فَضَحِكَ " انتهى مختصرا. [والرواية التي ذكرها ابن حجر عند أبي داود برقم 22813، وصححها الألباني في غاية المرام 129] قال الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله: (أما الذي لا يوجد فيه تخطيط كامل، وإنما يوجد فيه شيء من الأعضاء والرأس، ولكن لم تتبين فيه الخلقة، فهذا لاشك في جوازه، وأنه من جنس البنات اللاتي كانت عائشة، رضي الله عنها، تلعب بهن. وأما إذا كان كامل الخلقة، وكأنما تشاهد إنسانا، ولاسيما إن كان له حركة أو صوت، فإن في نفسي من جواز هذه شيئا، لأنه يضاهي خلق الله تماما، والظاهر أن اللعب التي كانت عائشة تلعب بهن ليست على هذا الوصف، فاجتنابها أولى؛ ولكني لا أقطع بالتحريم؛ نظرا لأن الصغار يرخص لهم ما لا يرخص للكبار في مثل هذه الأمور، فإن الصغير مجبول على اللعب والتسلي، وليس مكلفا بشيء من العبادات حتى نقول: إن وقته يضيع عليه لهوا وعبثا، وإذا أراد الإنسان الاحتياط في مثل هذا فليقلع الرأس، أو يحميه على النار حتى يلين، ثم يضغطه حتى تزول معالمه.) مجموع فتاوى الشيخ 2/277-278 وأما قول السائل: وهل يجوز لي أن أبدأ صيامي، فيما بعد، بسبب عملي هذا؟ فلم يتبين لنا مراده به تماما؛ فإن كان يعني أن هذا العمل يبطل الصيام، ويكون المشروع في حقه قضاء الصيام في وقت آخر لا يشتغل فيه بهذا العمل المحرم، فقد سبق بيان أن جميع المعاصي تؤثر في الصيام، فينقص بذلك أجره، وقد يحرم ثواب صومه بالكلية، إذا كثر عمله بالمعاصي، لكن صيامه لا يبطل، ولا يؤمر بقضائه، وإنما عليه أن يكف نفسه عن هذه المعاصي في كل وقت، وخاصة في رمضان. انظر السؤال رقم (37877) و (37989) . وإن كان يريد السؤال عن أمر آخر، فنرجو إيضاحه حتى نتمكن من الإجابة عليه. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49844 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3541 صام ثم سافر إلى بلد تأخر عنهم في الصيام فهل يصوم واحدا وثلاثين يوماً؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا صمت في بلد ثم سافرت أثناء الشهر إلى بلد كان قد تأخر يوماً في دخول الشهر، ففي آخر الشهر إذا صاموا ثلاثين يوماً، فهل أصوم معهم وأكون قد صمت واحداً وثلاثين يوماً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا سافر الإنسان من البلد التي صام فيها أول الشهر إلى بلد تأخر عندهم الفطر فإنه يبقى لا يفطر حتى يفطروا. سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: أنا من شرق آسيا، عندنا الشهر الهجري يتأخر عن المملكة العربية السعودية بيوم، وسأسافر إلى بلدي في رمضان، وقد بدأت الصوم في المملكة، وفي نهاية الشهر نكون قد صمنا واحدا وثلاثين يوماً، فما حكم صيامنا؟ وكم يوماً نصوم؟ فأجاب: " إذا صمتم في السعودية أو غيرها ثم صمتم بقية الشهر في بلادكم فأفطروا بإفطارهم، ولو زاد ذلك على ثلاثين يوماً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون) لكن إن لم تكملوا الشهر تسعة وعشرين يوما فعليكم إكمال ذلك، لأن الشهر لا ينقص عن تسع وعشرين " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (15/155) . وسئل الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله: ما حكم من صام في بلد مسلم ثم انتقل إلى بلد آخر تأخر أهله عن البلد الأول ولزم من متابعتهم صيام أكثر من ثلاثين يوماً أو العكس؟ فأجاب بقوله: إذا انتقل الإنسان من بلد إسلامي إلى بلد إسلامي وتأخر إفطار البلد الذي انتقل إليه فإنه يبقى معهم حتى يفطروا؛ لأن الصوم يوم يصوم الناس، والفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس، وهذا وإن زاد عليه يوم، أو أكثر فهو كما لو سافر إلى بلد تأخر فيه غروب الشمس، فإنه يبقى صائماً حتى تغرب، وإن زاد على اليوم المعتاد ساعتين، أو ثلاثاً، أو أكثر، ولأنه إذا انتقل إلى البلد الثاني فإن الهلال لم ير فيه وقد أمر النبي عليه الصلاة والسلام أن لا نصوم ولا نفطر إلا لرؤيته، فقال: (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته) . وأما العكس: وهو أن ينتقل من بلد تأخر فيه ثبوت الشهر إلى بلد تقدم ثبوت الشهر فيه فإنه يفطر معهم، ويقضي ما فاته من رمضان، إن فاته يوم قضى يوماً، وإن فاته يومان قضى يومين، فإذا أفطر لثمانية وعشرين يوماً قضى يومين إن كان الشهر تامًّا في البلدين، ويوماً واحداً إن كان ناقصاً فيهما أو في أحدهما. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (19 / السؤال رقم 24) . وسئل أيضاًَ: قد يقول قائل: لماذا قلتم يؤمر بصيام أكثر من ثلاثين يوماً في الأولى ويقضي في الثانية؟ فأجاب بقوله: يقضي في الثانية لأن الشهر لا يمكن أن ينقص عن تسعة وعشرين يوماً، ويزيد على الثلاثين يوماً لأنه لم يُر الهلال، وفي الأولى قلنا له: أفطر وإن لم تتم تسعة وعشرين يوماً؛ لأن الهلال رؤي، فإذا رؤي فلا بد من الفطر، لا يمكن أن تصوم يوماً من شوال، ولما كنت ناقصاً عن تسعة وعشرين لزمك أن تتم تسعة وعشرين بخلاف الثاني، فإنك لا تزال في رمضان إذا قدمت إلى بلد ولم ير الهلال فيه فأنت في رمضان، فكيف تفطر؟ فيلزمك البقاء، وإذا زاد عليك الشهر فهو كزيادة الساعات في اليوم. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (19 / السؤال رقم 25) . وانظر جواب السؤال رقم (38101) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45545 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3542 استعمال العمال غير المسلمين والسماح لهم بالأكل أمام المسلمين وقت الصيام [السُّؤَالُ] ـ[صاحب شركة لديه عمال غير مسلمين، فهل يجوز له أن يمنعهم من الأكل والشرب أمام غيرهم من العمال المسلمين في نفس الشركة خلال نهار رمضان؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: " لا ينبغي للإنسان أن يستخدم عمالاً غير مسلمين مع تمكنه من استخدام المسلمين، لأن المسلمين خير من غير المسلمين، قال الله تعالى: {وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَـ?ئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعواْ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَـ?تِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} ولكن إذا دعت الحاجة إلى استخدام عمال غير مسلمين، فإنه لا بأس به بقدر الحاجة فقط. ثانياً: وأما أكلهم وشربهم في نهار رمضان أمام الصائمين من المسلمين فإن هذا لا بأس به، لأن الصائم المسلم يحمد الله عز وجل أن هداه للإسلام الذي به سعادة الدنيا والا?خرة، ويحمد الله تعالى أن عافاه، فهو وإن حُرم عليه الأكل والشرب في هذه الدنيا شرعاً في أيام رمضان، فإنه سينال الجزاء يوم القيامة، حين يقال له: {كُلُواْ وَاشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِما أَسْلَفْتُمْ في الأَْيَّامِ الْخَالِيَةِ} لكن يمنع غير المسلمين من إظهار الأكل والشرب في الأماكن العامة لمنافاته للمظهر الإسلامي في البلد." [الْمَصْدَرُ] انتهى من كلام الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله – مجموع الفتاوى 8/79. الحديث: 43041 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3543 أركان الصيام [السُّؤَالُ] ـ[ما هي أركان الصيام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اتفق الفقهاء على أن الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس، ركن من أركان الصوم. واختلفوا في النية: فذهب الحنفية والحنابلة إلى أنها شرط في صحة الصوم. وذهب المالكية والشافعية إلى أنها ركن يضاف إلى الإمساك. وسواء اعتُبرت النية ركنا أو شرطا، فلا يصح الصوم – كغيره من العبادات – إلا بنية، مع الإمساك عن المفطرات. [البحر الرائق 2/276، مواهب الجليل 2/378، نهاية المحتاج 3/149، نيل المآرب شرح دليل الطالب 1/274] . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38927 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3544 هل الأفضل الإفطار في البيت أم في المسجد [السُّؤَالُ] ـ[هل الأفضل الإفطار في المسجد بعد الصلاة أم الصلاة ثم الذهاب للبيت والإفطار مع العائلة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان مراد السائل بالإفطار ما يأكله الصائم تفريقا بين وقت الصيام، ووقت إباحة الأكل، كأكل التمر وشرب الماء ونحو ذلك، فإن المستحب في مثل هذا التعجيل، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر) [رواه البخاري 1957، ومسلم 1098] ، انظر السؤال رقم 13999. أما إذا كان المراد، ما يأكله الناس بعد الصلاة (وجبة الإفطار) ، فلم يرد في السنة فيما أعلم شيئا محددا، لكن على الإنسان أن يوازن بين المتطلبات المختلفة، فالإفطار في المسجد مع جماعة المسجد فيه مصالح جمع المسلمين، وتأليف القلوب، ووحدة الصف، والتعارف، وإحياء روح التكافل وغير ذلك. والإفطار مع العائلة في المنزل فيه مصالح جمع الأسرة، ومدارسة أحوالها، وزيادة أصر الروابط بين أفرادها، وتعليم الأبناء آداب الأكل والحديث وغير ذلك، وزيادة الألفة والمحبة بين الزوج وزجه، وبين الوالدين وأبنائهما، وغير ذلك. والواجب على رب الأسرة الموازنة بين تلك المصالح، كأن يخصص أياما للإفطار مع أهله، وأياما للإفطار مع جماعة المسجد، مع مراعاة أن واجب العناية بالأسرة، والأولاد، وتعليمهم آداب الدين وتعاليمه، أولى وأوجب من نافلة مجرد لقاء الأصدقاء والأصحاب في المسجد، إذ يمكنه أن يلتقي بهم في صلاة التراويح، أو في مجلس علم، أو نحو ذلك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38264 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3545 هل لزوجها أن يترك الإفطار معها ليفطر في المسجد [السُّؤَالُ] ـ[هل الإفطار في المسجد مع الجماعة أهم من الإفطار في البيت مع الزوجة إذا كانت حامل ولا تستطيع مغادرة البيت بسبب التعب؟ تزوجت منذ أشهر وهذا أول رمضان أقضيه مع زوجي وحتى الآن لم يفطر معي ولا مرة واحدة في البيت، يفطر في المسجد ولا يرجع حتى العاشرة مساء، فهل هذا تصرف صحيح إسلامياً؟ أرجو أن تجيب فأنا مسلمة جديدة وزوجي مسلم في الأصل ويقول لي بأن هذه تعاليم الإسلام ولا أظن بأن هذا من تعاليم الإسلام.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا شك أن من معاشرة الزوجة بالمعروف أن يقوم الزوج بما يلزم زوجته في شؤون دينها ودنياها، وما يجب عليه تجاهها، ومن أولى الأشياء الواجبة على الزوج تجاه زوجه أن يعلمها أمر دينها وعقيدتها على الوجه الذي أمر الله تعالى به، ولا شك أن قول زوجك لك إن ما فعله هو ما تمليه عليه تعاليم الإسلام غير صحيح، وهو من القول على الله بلا علم، إذ إن النبي صلى الله عليه وسلم مع ما كان عليه من صحبته لأصحابه، واهتمامه بأمرهم وقضاء حوائجهم، كان في خدمة أهله ورعايتهم، فعن الأسود قال: سألت عائشة ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته قالت: (كان يكون في مهنة أهله تعني خدمة أهله فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة) رواه البخاري برقم 644، وقد قال تعالى: (وعاشروهن بالمعروف) ، وهذا يدل على أن العشرة بالمعروف أساس الحياة الزوجية التي أمر الله تعالى بها. ومن المعلوم أن الإفطار مع الزوجة ولو في بعض الأيام نوع من أنواع العشرة بالمعروف لاسيما في بدايات الحياة الزوجية التي يهدف الشرع إلى تحقيق كلّ ما يقويها، خاصة إذا كانت الزوجة تشعر بالوحشة من عدم هذا كما أنه فرصة لتعليمها بصورة تطبيقية جملة من سنن الإفطار وآدابه. وبناء على ما سبق فإننا نوجه الزوج الكريم إلى الاهتمام بأمر بيته وزوجه، ورعايتهم وعدم التقصير في حقهم، وليعلم أن قيامه على شؤون بيته له فيها أجر، أكثر من قيامه على شؤون من ليسوا من أهل بيته، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم اثنتان صدقة وصلة) رواه النسائي برقم 2528، وصححه الألباني وقال صلى الله عليه وسلم: (ابدأ بمن تعول) رواه البخاري برقم 1360، ومسلم برقم 1034، وليس معنى هذا أنه يجب عليه وجوبا شرعيا أن يفطر كل يوم مع زوجته، لكن لا شك أن من البر بالزوجة وأهل البيت أن يؤنسهم في وحشتهم، وأن يكون معهم إذا احتاجوه في بعض شؤونهم، لاسيما أن السائلة تقول إنها متعبة بسبب الحمل، كما إن من البر بالزوجة وأهل البيت أن يكون هينا لينا معهم، يسامرهم، ويقوم عليهم، وليس من البر ما يقوم به بعض الرجال، حيث تراهم يسهرون على راحة أصدقائهم، وبالمقابل لا يبالون بأهل بيتهم وأزواجهم، نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38135 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3546 الإفطار مع غير المسلمين [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز تناول طعام الإفطار مع غير المسلمين كالهندوس والنصارى؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز تناول طعام الإفطار مع غير المسلمين إذا كانت هناك مصلحة شرعية في ذلك، كدعوتهم إلى الدين الحق، أو تأليف قلوبهم على الإسلام أو نحو ذلك مما يرجى من حضورهم لتناول الإفطار من الموائد التي يضعها المسلمون للإفطار العام كما يحصل في بعض الدول، أما مجرد الأنس بهم والسرور بصحبتهم فهو أمر خطير، إذ إن عقيدة الولاء والبراء من آكد أصول الدين، وأولى الواجبات على المؤمنين، وقد دل على هذا الأصل عدة آيات من كتاب الله، وأحاديث من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فمن ذلك: قوله تعالى: (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون) المجادلة /22 وقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا) النساء /144 وقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين) المائدة /51 وقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون) آل عمران /118 وعلى هذا، فنية الاجتماع على هذا الإفطار هي التي تحدد حكمه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38125 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3547 كيف تقع المعاصي في رمضان مع أن الشياطين مقيدة بالسلاسل؟ [السُّؤَالُ] ـ[سمعت من الإمام بأن الشيطان غير موجود في شهر رمضان، إذا كان كلامه صحيحاً فلماذا يصعب على المسلمين ترك المعاصي في شهر رمضان؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: القول بأن الشيطان غير موجود في رمضان غير صحيح، والذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الشياطين تسلسل وتقيد في رمضان. روى البخاري (1899) ومسلم (1079) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِينُ) . راجع السؤال (39736) . ثانياً: قال القرطبي: "فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ نَرَى الشُّرُورَ وَالْمَعَاصِيَ وَاقِعَةً فِي رَمَضَان كَثِيرًا، فَلَوْ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ (أي: سلسلت) لَمْ يَقَعْ ذَلِكَ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّهَا إِنَّمَا تَقِلُّ عَنْ الصَّائِمِينَ الصَّوْم الَّذِي حُوفِظَ عَلَى شُرُوطِهِ وَرُوعِيَتْ آدَابُهُ , أَوْ الْمُصَفَّد بَعْض الشَّيَاطِينِ وَهُمْ الْمَرَدَةُ لا كُلُّهُمْ كَمَا جاء فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ , أَوْ الْمَقْصُودِ تَقْلِيل الشُّرُورِ فِيهِ، وَهَذَا أَمْر مَحْسُوس فَإِنَّ وُقُوع ذَلِكَ فِيهِ أَقَلّ مِنْ غَيْرِهِ , إِذْ لا يَلْزَمُ مِنْ تَصْفِيد جَمِيعهمْ أَنْ لا يَقَعُ شَرّ وَلا مَعْصِيَة لأَنَّ لِذَلِكَ أَسْبَابًا غَيْر الشَّيَاطِينِ كَالنُّفُوسِ الْخَبِيثَةِ وَالْعَادَات الْقَبِيحَة وَالشَّيَاطِينِ الإِنْسِيَّة اهـ. من فتح الباري. وسئل الشيخ ابن عثيمين في فتاوى الصيام (ص466) : كيف يمكن التوفيق بين تصفيد الشياطين في رمضان ووقوع المعاصي من الناس؟ فأجاب: المعاصي التي تقع في رمضان لا تنافي ما ثبت من أن الشياطين تصفد في رمضان، لأن تصفيدها لا يمنع من حركتها، ولذلك جاء في الحديث: (وَيُصَفَّدُ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، فَلَا يَخْلُصُوا إِلَى مَا كَانُوا يَخْلُصُونَ إِلَيْهِ فِي غَيْرِهِ) رواه أحمد (7857) والحديث ذكره الألباني في ضعيف الترغيب (586) وقال: ضعيف جداً. وليس المراد أن الشياطين لا تتحرك أبدا بل هي تتحرك، وتضل من تضل، ولكن عملها في رمضان ليس كعملها في غيره اهـ. والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37965 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3548 صام في لندن وأفطر في الرياض [السُّؤَالُ] ـ[بالنسبة للصيام فأنا جزاكم الله خيراً صمت في لندن وأفطرت في الرياض.. فما الحكم في فارق التوقيت؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صومك صحيح، إذ العبرة في الإفطار بالمكان الموجود به الصائم عند غروب الشمس، ولا عبرة بفروق التوقيت، سواء طال النهار أم قصر. وفي فتاوى اللجنة الدائمة (10/296) : أجمع أهل العلم قاطبة على أن الصوم من طلوع الفجر حتى غروب الشمس. . وعلى أن لكل صائم حكم المكان الذي هو فيه سواء كان على سطح الأرض أم كان على الطائرة في الجو اهـ. وفي فتوى أخرى (10/295) : الأصل أن لكل شخص في إمساكه في الصيام وإفطاره وأوقات صلاته حكم الأرض التي هو عليها، أو الجو الذي يسير فيه. . . وإن أقلعت الطائرة قبل غروب الشمس بدقائق واستمر معه النهار فلا يجوز له أن يفطر ولا أن يصلي المغرب حتى تغرب شمس الجو الذي يسير فيه حتى ولو مَرَّ بسماءِ بلدٍ أهلُها قد أفطروا وصلوا المغرب وهو في سمائها يرى الشمس اهـ وعلى هذا. . من صام ثم اتجه بالطائرة إلى جهة الغرب فإنه يفطر إذا غربت الشمس في المكان الذي هو موجود فيه. وهكذا أيضاً إذا اتجه بالطائرة جهة الشرق وأراد أن يصوم فإنه لا يفطر حتى تغرب الشمس في المكان الذي هو موجود فيه. ولا عبرة بفارق التوقيت. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38007 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3549 ليس هناك دعاء يدُعى به في أول الصيام [السُّؤَالُ] ـ[ما هو الدعاء الذي ندعو به عند بداية الصيام؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله روى الترمذي (3451) عن طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَأَى الْهِلالَ قَالَ: (اللَّهُمَّ أَهْلِلْهُ عَلَيْنَا بِالْيُمْنِ وَالإِيمَانِ، وَالسَّلامَةِ وَالإِسْلامِ، رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ) . صححه الألباني في صحيح الترمذي (2745) . واليُمن: البركة. وهذا الدعاء ليس خاصاً بهلال رمضان بل يقوله المسلم إذا رأى الهلال في أول كل شهر. وأما الدعاء كل يوم فليس هناك دعاء يدعو به المسلم عند بداية الصيام كل يوم. وإنما فقط ينوي بقلبه أنه صائم غداً. ويشترط في النية أن تكون في الليل، وقبل طلوع الفجر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ لَمْ يُجْمِعْ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلا صِيَامَ لَهُ) رواه الترمذي (730) ولفظ النسائي (2334) : (مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَلا صِيَامَ لَهُ) . صححه ألألباني في صحيح الترمذي (573) . والمعنى: من لم ينو الصيام ويعزم على فعله من الليل فلا صيام له. والنية عمل قلبي، فيعزم المسلم بقلبه أنه صائم غداً، ولا يشرع له أن يتلفظ بها ويقول: نويت الصيام أو نحو ذلك من الألفاظ التي ابتدعها بعض الناس. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37805 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3550 معنى الخيط الأبيض والخيط الأسود في آية الصيام [السُّؤَالُ] ـ[قال تعالى: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) هل هذا يعني بأننا يجب أن نمسك حتى تبدأ الشمس بالشروق؟ ولماذا نمسك عند أذان الفجر وهو قبل الشروق بحوالي ساعة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المراد بالخيط الأسود في الآية الكريمة هو الليل، والخيط الأبيض هو الفجر، وليس طلوع الشمس. وسمي الفجر خيطاً أبيض لأن أول ما يبدو من الفجر في السماء ضوءٌ كالخيط في الأفق، يمتد يميناً وشمالاً من الشمال إلى الجنوب، ثم لا يزال يزداد حتى ينتشر في السماء كلها. انظر فتح الباري شرح حديث رقم: (1917) وروى البخاري (1916) ومسلم (1090) عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ) عَمَدْتُ إِلَى عِقَالٍ أَسْوَدَ وَإِلَى عِقَالٍ أَبْيَضَ فَجَعَلْتُهُمَا تَحْتَ وِسَادَتِي فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ فِي اللَّيْلِ فَلَا يَسْتَبِينُ لِي فَغَدَوْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ: إِنَّمَا ذَلِكَ سَوَادُ اللَّيْلِ، وَبَيَاضُ النَّهَارِ. قال النووي رحمه الله: قَالَ أَبُو عُبَيْد: الْخَيْط الأَبْيَض: الْفَجْر الصَّادِق , وَالْخَيْط الأَسْوَد: اللَّيْل اهـ والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37790 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3551 عمل طبق خيري على مائدة الإفطار [السُّؤَالُ] ـ[هل ممكن عمل طبق خيري على مائدة الإفطار في مسجد ما لإنفاق ريعه على المساكين المجاورين للمسجد؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المراد بالطبق الخيري أن يقوم بعض الناس بإعداد طعامٍ ما في بيته، ثم يبيعه ويجعل الأموال التي تحصل من ذلك في أحد المشاريع الخيرية وأوجه البر والصدقة. وهذا العمل من الإحسان والصدقة، والمتعاون فيه له أجر وثواب على عمله، وكذا كل من ساهم فيه، سواء كانت مساهمته فيه بالمال أو العمل أو غير ذلك، فكل هذا مما يدخل في قول الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) . ويجب التنبه إلى أن يتم البيع خارج المسجد، لأن البيع والشراء محرم في المسجد لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا لا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ) رواه الترمذي (1321) وصححه الألباني في صحيح الترمذي (1066) . والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37701 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3552 الإفطار عند صاحب المال الحرام [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن نقبل دعوة الإفطار عند شخص أغلب ماله من الحرام؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان أغلب مال الرجل حراماً: فإنه يجوز قبول دعوته. وقد قبل النبي صلى الله عليه وسلم دعوة اليهود على طعام مع وصف الله لهم بأخذ الربا وأكل أموال الناس بالسحت، وقد قال بعض السلف في مثل هذا: لك غنمه وعليه غرمه. كما يجوز لك عدم قبول دعوته زجراً له وتبكيتاً على كسبه المحرَّم، وهذا هو الأفضل إذا كان هذا سيزجره ويؤثر فيه لترك ما هو عليه من منكر. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37711 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3553 نصرانية تريد أن تصوم [السُّؤَالُ] ـ[أنا نصرانية ولكنني لا أؤمن بديني وأنا آسفة لهذا، أمنت بالله وبرسوله وأريد أن أصوم رمضان، ولكنني لا زلت نصرانية فهل يمكن أن أصوم رمضان؟ لا أعلم كيف أصبح مسلمة، أشعر بهذا في قلبي، ولكنني أظن بأن هذا ليس كافياً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نسأل الله تعالى أن يشرح صدرك للإسلام. أيتها العاقلة إن صيامك من غير دخولك في الإسلام لن تستفيدي منه شيئاً إلا الجوع والعطش، لأن جميع العبادات لا يقبلها الله تعالى إلا إذا كانت مبنية على اعتقاد صحيح، ودين سليم. إن الأهم لك -ولا شيء أهم منه على الإطلاق- هو أن تبدئي بالخطوة الصحيحة ألا وهي الدخول في الإسلام. وبعد ذلك تقومين بالصلاة والصيام، وتقرئين القرآن، وتؤدين سائر العبادات، فيحيا بها قلبك، وينشرح صدرك. إن دخولك في الإسلام ليس بالأمر العسير، لا يحتاج منك فقط إلا إلى النطق بالشهادتين (أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله) . إن وجود الشعور في قلبك بدخولك في الإسلام هذا من علامة الخير، فعليك أن تتخذي الخطوة الأخيرة في ذلك بالقرار الحاسم الذي يترتب عليه سعادتك في الدنيا والآخرة. إنك لا تؤمنين بدينك -كما قلتِ في سؤالك- فما قيمة هذه الحياة إذا كان الإنسان بلا دين ولا قيم ولا نظام رباني يسير عليه الإنسان في حياته؟! أتظنين أن هذه الحياة الدنيا مجرد لهو ولعب وتمتع بالشهوات ثم ينتهي ذلك بالموت؟ كلا!! إن بعد الموت حساباً، وبعد الحساب جنة أو نار. فعليك السعي فيما يكون سبباً في نجاتك، ولا تتأخري ولا تنتظري فإن قطار العمر يسير، ولا يدري المرء متى يتوقف به هذا القطار. وهو لا يتوقف به إلا على أول مراحل الآخرة، فهنالك لا ينفع الندم. يتمنى الإنسان لو رجع إلى هذه الحياة الدنيا ليؤمن ويعمل صالحاً، (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) المؤمنون/99-100. (وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ) الأنعام/27. (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) فاطر/36-37. نسأل الله تعالى أن يلهمك رشدك ويوفقك لما فيه خيرك في الدنيا والآخرة. ونحن على أتم استعداد لتلقي أي سؤال منك والإجابة عنه إن شاء الله تعالى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37653 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3554 صفات من يحصل به أجر تفطير صائم [السُّؤَالُ] ـ[نعلم أن إفطار الصائم في رمضان فيه أجر كبير، ولكن سؤالي من فضلكم هو: من يكون هذا الصائم ? هل الذي لا يجد ما يفطر عليه ? أم هو عابر السبيل ? أم أي شخص آخر وإن كان ميسور الحال ? وسبب سؤالي هو أننا نعيش في أمريكا، وجل أفراد الجالية الإسلامية هنا يعيشون حياة ميسورة وإنما يتبادلون الدعوات في رمضان -حسب ما يظهر-من أجل المباهاة والافتخار ...... (فلان أكثر إكراما من فلان وفلانة تطبخ أحسن من فلانة ........... الخ.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ثواب تفطير الصائم كبير كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا) رواه الترمذي (708) وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1078) . راجع سؤال رقم (12598) وهذا الثواب يحصل لكل من فطر صائما، ولا يشترط أن يكون الصائم فقيرا، لأن هذا ليس من باب الصدقة وإنما هو من باب الهدية، ولا يشترط في الهدية أن يكون المهدَى إليه فقيراً، بل تصح الهدية للغني والفقير. وأما الدعوات التي يكون القصد منها المباهاة والمفاخرة فإنها مذمومة، وليس لصاحبها ثواب على هذا العمل، وقد حرم نفسه خيراً كثيراً. وأما من دُعِي إلى مثل هذه الدعوات فإنه لا ينبغي له أن يحضرها، ولا أن يشارك فيها، بل عليه الاعتذار عن الحضور، ثم إن تمكن من نصيحة صاحبها بأسلوب حسن أقرب إلى قبوله كان ذلك جيداً، وليتجنب الكلام المباشر، بأن يتلطف في العبارة ويأتي بكلام عامٍ ليس موجهاً إلى شخص بعينه. فإن الرفق في العبارة وحسن الأسلوب والبعد عن الكلمات القاسية والغليظة من أسباب قبول النصيحة، والمسلم حريص على أن يقبل أخوه المسلم الحق ويعمل به. كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك، فقد كان يفعل بعض أصحابه ما يُنكره النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه لا يواجههم بالإنكار بل كان يقول: ما بال أقوام يفعلون كذا؟ وهذا الأسلوب تحصل به المصلحة المطلوبة. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37666 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3555 متى يفطر راكب الطائرة [السُّؤَالُ] ـ[متي يفطر راكب الطائرة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله (إذا غربت الشمس فأفطر على الأرض ثم أقلعت به الطائرة فرأى الشمس لم يلزمه الإمساك لأنه أتمّ صيام يومه كاملا فلا سبيل إلى إعادته للعبادة بعد فراغه منها. وإذا أقلعت به الطائرة قبل غروب الشمس وأراد إتمام صيام ذلك اليوم في السفر فلا يُفطر إلا إذا غربت الشمس في المكان الذي هو فيه من الجوّ، ولا يجوز للطيار أن يهبط إلى مستوى لا تُرى فيه الشمس لأجل الإفطار لأنه تحايل لكن إن نزل لمصلحة الطيران فاختفى قرص الشمس أفطر) . من فتاوى الشيخ ابن باز مشافهة. انظر كتيب " سبعون مسألة في الصيام ". قالت اللجنة الدائمة: إذا كان الصائم في الطائرة واطلع بواسطة الساعة والتليفون عن إفطار البلد القريبة منه وهو يرى الشمس بسبب ارتفاع الطائرة فليس له أن يفطر لأن الله تعالى قال: (ثم أتموا الصيام إلى الليل) وهذه الغاية لم تتحقق في حقه ما دام يرى الشمس. وأما إذا أفطر بالبلد بعد انتهاء النهار في حقه فأقلعت الطائرة ثم رأى الشمس فإنه يستمر مفطراً لأن حكمه حكم البلد التي أقلع منها وقد انتهى النهار وهو فيها.اهـ وقالت اللجنة في فتوى أخرى: إذا كان الشخص بالطائرة في نهار رمضان وهو صائم ويريد الاستمرار بصيامه إلى الليل فإنه لا يجوز أن يفطر إلا بعد غروب الشمس اهـ مجموع فتاوى اللجنة الدائمة (10/136-137) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37670 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3556 التلفظ بالنية في الصيام بدعة [السُّؤَالُ] ـ[في الهند ننوي للصيام "اللهم أصوم جاداً لك فاغفر لي ما قدمت وما أخرت" لست أدري ما هو المعنى، ولكن هل هذه هي النية الصحيحة؟ إذا كانت صحيحة فأرجو أن تخبرني بالمعنى أو أخبرني بالنية الصحيحة من القرآن أو السنة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يصح صوم رمضان ولا غيره من العبادات إلا بالنية لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى. . . الخ الحديث) . رواه البخاري (1) ومسلم (1907) . ويشترط في النية أن تكون في الليل، وقبل طلوع الفجر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ لَمْ يُجْمِعْ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلا صِيَامَ لَهُ) رواه الترمذي (730) ولفظ النسائي (2334) : (مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَلا صِيَامَ لَهُ) . صححه الألباني في صحيح الترمذي (583) . والمعنى: من لم ينو الصيام ويعزم على فعله من الليل فلا صيام له. والنية عمل قلبي، فيعزم المسلم بقلبه أنه صائم غداً، ولا يشرع له أن يتلفظ بها ويقول: نويت الصيام أو أصوم جاداً لك. . . الخ، أو نحو ذلك من الألفاظ التي ابتدعها بعض الناس. والنية الصحيحة هي أن يعزم الإنسان بقلبه أنه صائم غداً. ولذلك قال شيخ الإسلام رحمه الله في "الاختيارات" ص 191: ومن خطر بقلبه أنه صائم غداً فقد نوى اهـ وسئلت اللجنة الدائمة: كيف ينوي الإنسان صيام رمضان؟ فأجابت: تكون النية بالعزم على الصيام، ولا بد من تبييت نية صيام رمضان ليلاً كل ليلة اهـ فتاوى اللجنة الدائمة (10/246) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37643 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3557 صيام النهار القصير [السُّؤَالُ] ـ[أعيش قريباً من الدائرة القطبية الشمالية للكرة الأرضية حيث يكون طول النهار أربع ساعات ونصف فقط ماذا نفعل في رمضان بالنسبة للصيام؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان في بلدك ليل متميز ونهار متميز فإنّ عليك أن تصوم نهار أيام رمضان من الفجر إلى غروب الشمس سواء أطال النهار أم قصر، وفقنا الله وإياك لطاعته وحسن عبادته. وللاستفادة والتوضيح يراجع السؤال رقم (1730) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 833 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3558 الصوم في البلاد ذات النهار القصير جدا أو الطويل جدا [السُّؤَالُ] ـ[في بعض جهات الدول الاسكندنافية يكون النهار أطول من الليل بكثير على مدار السنة، حيث يكون الليل ثلاث ساعات فقط، في حين يكون النهار واحداً وعشرين ساعة، فإذا صادف أن قدم شهر رمضان في الشتاء فإن المسلمين فيها يصومون مدة ثلاث ساعات فقط، وأما إذا كان شهر رمضان في فصل الصيف فإنهم يتركون الصوم لعدم قدرتهم عليه نظراً لطول النهار، فنرجوا تحديد مواعيد الإفطار والسحور، والمدة التي يصام فيها شهر رمضان؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله شريعة الإسلام كاملة وشاملة، قال تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً) سورة المائدة /3 وقال تعالى: (قل أي شيء اكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ) سورة الانعام /19 وقال تعالى: (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً) سورة سبأ /28، وقد خاطب الله المؤمنين بفرض الصيام فقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) سورة البقرة /183 وبيّن ابتداء الصيام وانتهاءه فقال تعالى: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل) سورة البقرة /187 ولم يخصص هذا الحكم ببلد ولا بنوع من الناس، بل شرعه شرعاً عاماً، وهؤلاء المسئول عنهم داخلون في هذا العموم، والله جل وعلا لطيف بعباده شرع لهم من طرق اليسر والسهولة ما يساعدهم على فعل ما وجب عليهم، فشرع للمسافر والمريض - مثلاً - الفطر في رمضان لدفع المشقة عنهما، قال تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليُسر ولا يريد بكم العسر) سورة البقرة /185. فمن شهد رمضان من المكلّفين وجب عليه أن يصوم، سواء طال النهار أو قصر، فإن عجز عن إتمام صيام يوم وخاف على نفسه الموت أو المرض جاز له أن يفطر بما يسدّ رمقه ويدفع عنه الضرر، ثم يمسك بقية يومه وعليه قضاء ما أفطره في أيام أخر يتمكن فيها من الصيام. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 10/114 الحديث: 1730 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3559 جامع أهله والمؤذن يؤذن للفجر [السُّؤَالُ] ـ[جامعت زوجتي في فجر رمضان قبل الأذان وأذن وأنا على وضعي مع زوجتي لكن توقفت قبل أن ينتهي المؤذن من الأذان هل علي شيء؟ ظناً مني أن لي أن أجامعها قبل أن ينتهي المؤذن من الأذان؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا كان المؤذن يؤذن مع طلوع الفجر، فالواجب الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فإذا قال المؤذن: الله أكبر، لزم الكف عن الطعام والشراب والجماع وسائر المفطرات. قال النووي رحمه الله: " إذا طلع الفجر وفي فيه طعام فليلفظه , فإن لفظه صح صومه , فإن ابتلعه أفطر ... ولو طلع الفجر , وهو مجامع فنزع في الحال صح صومه، أما إذا طلع الفجر وهو مجامع، فعلم طلوعه , ثم مكث مستديما للجماع فيبطل صومه, ولا يعلم فيه خلاف للعلماء، وتلزمه الكفارة على المذهب " انتهى من "المجموع" (6/329) . وقال أيضاً (6/333) : " ذكرنا أن من طلع الفجر وفي فيه طعام فليلفظه ويتم صومه , فإن ابتلعه بعد علمه بالفجر بطل صومه , وهذا لا خلاف فيه , ودليله حديث ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن بلالا يؤذن بليل , فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم) رواه البخاري ومسلم , وفي الصحيح أحاديث بمعناه" انتهى. وعليه؛ فإذا كان المؤذن في حيك يؤذن إذا طلع الفجر، فيلزمك النزع عن الجماع، فور سماعك للتكبيرة الأولى من أذانه. وإن كنت تعلم أن المؤذن يؤذن قبل طلوع الفجر أو تشك، هل يؤذن قبل طلوع الصبح أم بعده، فليس عليك شيء، لأن الله تعالى أباح الأكل والشرب والجماع حتى يتبين الصبح، قال تعالى: (فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) . وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما حكم من أكمل سحوره وشرب ماء وقت الأذان أو بعد الأذان للفجر بربع ساعة؟ فأجابوا: "إن كان المذكور في السؤال يعلم أن ذلك قبل تبين الصبح فلا قضاء عليه، وإن علم أنه بعد تبين الصبح فعليه القضاء. أما إن كان لا يعلم هل كان أكله وشربه بعد تبين الصبح أو قبله فلا قضاء عليه، لأن الأصل بقاء الليل، ولكن ينبغي للمؤمن أن يحتاط لصيامه وأن يمسك عن المفطرات إذا سمع الأذان، إلا إذا علم أن هذا الأذان كان قبل الصبح" انتهى. "فتاوى إسلامية" (2/240) . ثانيا: إذا كنت جاهلا بهذا الحكم، وتظن أن الإمساك إنما يلزم بآخر الأذان، فلا كفارة عليك، لكن تقضي الصيام احتياطا، مع التوبة والاستغفار من تقصيرك في تعلم ما يجب عليك من أمر دينك. وانظر جواب السؤال رقم (93866) ورقم (37679) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 124290 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3560 من لاعب زوجته حتى أنزل فعليه القضاء ولا كفارة عليه [السُّؤَالُ] ـ[لقد كنت مريضًا جدًا خلال رمضان وطلب مني الطبيب الإفطار من الصوم وتناول بعض الأدوية، الأمر الذي قمت به. لقد طلب من الطبيب القيام بذلك لمدة 5 أيام وأصرت زوجتي، على أن أتبع تلك التعليمات. وفي أثناء رمضان كنا نداعب بعضنا البعض، ولم يكن يشكل ذلك مشكلة أبدًا كما أنني وزوجتي كنا نعرف حدودنا. وفي اليوم الرابع من مرضي، قررت الصوم دون أن أخبر زوجتي حيث إنها كانت ستعترض بسبب طلب الطبيب إنهاء كافة الأدوية. لقد كنت واثقًا من أن الله قد رد إلي صحتي وأنني أريد الصوم. لذلك صمت. وفي صباح ذلك اليوم داعبنا بعضنا البعض ولم تتوقف زوجتي حتى عندما طلبت منها ذلك. حتى تملكتني الشهوة وحدث قذف. وكما تتخيل فقد صُدمت لذلك. كما صُدمت زوجتي عندما قلت إنني كنت صائمًا. لذا هل يجب علي أن أصوم 60 يومًا متصلة؟ أم أصوم يومًا واحدًا؟ أم أن هذا يقع تحت حديث الإفطار عن سهو؛ حيث يعلم الله أنني لم أكن أنوي ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قد أحسنت في الإفطار عند اشتداد المرض بك كما أحسنت أيضا بالصيام حين رأيت أنك قادر عليه، وكان الأولى أن تستشير الطبيب، وما دمت قد صمت ذلك اليوم ولم تتضرر بالصيام فقد لزمك إتمامه. ولا مانع من أن يداعب الرجل زوجته حال صيامه إن أمن من إفساد صومه أو صومها، أما إذا لم يأمن ذلك فإنه لا يجوز له الإقدام عليه. قال العلامة مصطفى الرحيباني الحنبلي في "مطالب أولي النهى" (2/204) : " وَحَرُمَ نَحْوُ قُبْلَةٍ كَمُعَانَقَةٍ وَلَمْسٍ وَتَكْرَارِ نَظَرٍ لِمَنْ ظَنَّ إنْزَالًا, بِغَيْرِ خِلَافٍ " انتهى. فإذا كنت لاعبت زوجتك آمنا من إفساد الصوم فإنه لا إثم عليك في هذه الملاعبة وإن فسد الصوم. أما إن كنت تظن أنه سيحصل منك إنزال فقد أثمت بهذه الملاعبة، وعليك أن تتوب إلى الله تعالى. وأما الصوم فقد فسد على كلا الاحتمالين، لأنك أنزلت، سواء نويت الفطر أم لم تنو. قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: " إذا باشر زوجته سواء باشرها باليد، أو بالوجه بتقبيل، أو بالفرج [بدون جماع] فإنه إذا أنزل أفطر، وإذا لم ينزل فلا فطر بذلك" انتهى من "الشرح الممتع" (6/388) . وعليك أن تقضي يوماً مكان هذا اليوم، ولا كفارة عليك. قال النووي رحمه الله في "المجموع" (6/377) : " إذا أفسد صومه بغير الجماع كالأكل والشرب والاستمناء والمباشرات المفضيات إلى الإنزال فلا كفارة ; لأن النص ورد في الجماع , وهذه الأشياء ليست في معناه " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 110086 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3561 خروج المذي لا يفسد الصوم [السُّؤَالُ] ـ[ما الحكم في صوم امرأة داعبها زوجها في نهار رمضان فتبلل فرجها، وهي لا تدري نوع السائل المبلل أمني هو أم غيره؟ ولا تدري عدد الأيام التي تمت فيها الملاعبة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يجوز للزوجين أن يداعب كل واحد منهما الآخر، بشرط أن يأمنا على نفسيهما من إنزال المني؛ لما روى البخاري (1927) ومسلم (1106) عن عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لأرْبِهِ) . وإذا داعب الرجل امرأته أو باشرها بما دون الجماع، فلا يخلو الحال من حالين: الأولى: أن ينشأ عن تلك المداعبة والمباشرة نزول المني، ففي هذه الحال يفسد الصيام، ويجب القضاء على من نزل منه المني. قال النووي في "المجموع" (6/349) :" إذَا قَبَّلَ أَوْ بَاشَرَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ بِذَكَرِهِ أَوْ لَمَسَ بَشَرَةَ امْرَأَةٍ بِيَدِهِ أَوْ غَيْرِهَا , فَإِنْ أَنْزَلَ الْمَنِيَّ بَطَلَ صَوْمُهُ وَإِلا فَلا , وَنَقَلَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ الإِجْمَاعَ عَلَى بُطْلانِ صَوْمِ مَنْ قَبَّلَ أَوْ بَاشَرَ دُونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله " إذا باشر الرجل زوجته سواء باشرها باليد، أو بالوجه بتقبيل، أو بالفرج (بدون جماع) فإنه إذا أنزل أفطر، وإذا لم ينزل فلا فطر بذلك " انتهى. "الشرح الممتع" (6/388) . الحال الثانية: أن ينشأ عن تلك المداعبة والمباشرة نزول المذي، ففي هذه الحال لا يفسد الصوم. قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: " تقبيل الرجل امرأته ومداعبته لها ومباشرته لها بغير الجماع وهو صائم، كل ذلك جائز ولا حرج فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبِّل وهو صائم، ويباشر وهو صائم، لكن إن خشي الوقوع فيما حرم الله عليه لكونه سريع الشهوة، كره له ذلك، فإن أمنى لزمه الإمساك والقضاء ولا كفارة عليه عند جمهور أهل العلم. أما المذي فلا يفسد به الصوم في أصح قولي العلماء، لأن الأصل السلامة وعدم بطلان الصوم، ولأنه يشق التحرز منه، والله ولي التوفيق " انتهى. "فتاوى الشيخ ابن باز" (15/315) . وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن رجل داعب زوجته، وهو صائم فخرج منه مذي، فما حكم صومه؟ فأجاب: " إذا داعب الرجل زوجته، فخرج منه مذي، فصومه صحيح، ولا شيء عليه على القول الراجح عندنا من أقوال أهل العلم؛ وذلك لعدم الدليل على أنه يفطر، ولا يصح قياسه على المني؛ لأنه دونه، وهذا القول الذي رجحناه هو مذهب الشافعي، وأبي حنيفة واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وقال في الفروع: هو أظهر، وقال في الإنصاف: هو الصواب " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (19/236) . وللفائدة راجع جواب السؤال رقم (37715) . ثالثاً: إذا اشتبه على الإنسان في مثل هذه الحال: هل الذي خرج منه مني أم مذي؟ فالغالب أنه مذي، لأن المذي هو الذي يخرج عند المداعبة، ولا يحكم بفساد الصوم بمجرد الشك. وقد سبق في الموقع بيان الفرق بين المذي والمني في جواب السؤال رقم (99507) ، ورقم (2458) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 107335 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3562 مباشرة الزوجة في الصوم من غير جماع [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من نام مع زوجته في نهار رمضان من غير ملابس وتمت ملامسة الأعضاء التناسلية من غير إيلاج؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا لم يتم الإيلاج، ولم ينزل المني، فصومك صحيح، ولا شيء عليك. وأما المذي فنزوله لا يبطل الصوم في أصح قولي العلماء، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي رحمهما الله، وراجع السؤال رقم (37715) . وللصائم أن يداعب زوجته وأن يقبل ويضم ويباشر (أي تمس بشرته بشرتها) إذا أمن ألا ينزل وألا يجامع، وانظر السؤال رقم (49614) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 95383 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3563 جامع أهله يظن أن الفجر لم يطلع [السُّؤَالُ] ـ[جامعت زوجتي ولم أكن أدري بأن الفجر قد أذن ولم أكن أدري بهذا وكان توقعي أنه سوف يؤذن بعد بضع دقائق على الساعة الخامسة ومن بعد ذلك اتضح أنه يؤذن على الخامسة إلا ربع فما هو الحل وهل علي الكفارة أنا وزوجتي علما بأنه كان برغبتنا نحن الاثنين كما أننا كنا للتو واصلين من السفر قبل 24 ساعة ولا ندرى بعد بمواقيت الصلاة وفوجئنا بإعلان رمضان صبيحة ثاني يوم وصولنا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الأمر كما ذكرت، فلا شيء عليكما، لأن من أتى شيئا من المفطرات ظانا أن الفجر لم يطلع، ثم تبين أنه قد طلع، فلا قضاء عليه، على الراجح من قولي العلماء، سواء كان المفطر أكلا أو شربا أو جماعا. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وأحب أن أبين أن المفطرات التي تفطر الصائم من الجماع والأكل والشرب وغيره لا يفطر بها الإنسان إلا بثلاثة شروط: 1- أن يكون عالما فإن لم يكن عالما لم يفطر، لقوله تعالى: (وليس عليكم جناح فيمآ أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما) . ولقوله تعالى: (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) ، فقال الله تعالى: قد فعلت، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) . والجاهل مخطئ، لو كان عالما ما فعل، فإذا فعل شيئا من المفطرات جاهلا فلا شيء عليه، وصومه تام وصحيح، سواء كان جهله بالحكم، أم بالوقت. مثال جهله بالحكم: أن يتناول شيئا من المفطرات يظنه أنه لا يفطر، كما لو احتجم يظن أن الحجامة لا تفطر، فنقول: إن صومك صحيح ولا شيء عليك. ومثال جهله بالوقت: أن يظن أن الفجر لم يطلع، فيأكل، فصومه صحيح. 2- أن يكون ذاكرا، فإن كان ناسيا لم يفطر. 3- أن يكون مختارا، فإن كان غير مختار لم يفطر " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (19/280) وسئل الشيخ رحمه الله: إنسان حديث عهد بالزواج، وأتى أهله في آخر الليل ظناً منه أن الليل باق، وإذا بالإقامة تقام فما تقولون؟ هل عليه شيء؟ فأجاب: " لا، ما عليه شيء، لا إثم، ولا كفارة، ولا قضاء؛ لأن الله تعالى قال: (فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ) أي: النساء (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) البقرة/187. فالثلاثة كلها سواء: مباشرة النساء والأكل والشرب، ولا دليل على التفريق بينها، كلها من محظورات الصيام، وإذا وقعت على وجه الجهل أو النسيان فلا شيء " انتهى من "اللقاء الشهري". وبهذا يتبين أنه لا شيء عليكما، لا قضاء ولا كفارة، هذا إن كنتما قد صمتما ذلك اليوم. أما إن كنتما لم تصوما وأفطرتما ظناً منكما أن الصيام قد فسد بالجماع، فليس عليكما إلا القضاء فقط. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93842 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3564 حكم المداعبة بين الزوجين في الصيام [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لي أن أقول لزوجي (أنا أحبك) وأنا صائمة؟ زوجي يطلب مني أن أقول له بأنني أحبه أثناء الصوم وقلت له بأن هذا لا يجوز ويقول هو بأنه يجوز.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فلا بأس من مداعبة الرجل لامرأته، أو المرأة لزوجها بالكلام في حال الصيام بشرط أن يأمنا على نفسيهما من الإنزال، فإن كانا لا يأمنان على نفسيهما من الإنزال كمن كان شديد الشهوة ويخشى أنه إذا داعب امرأته أن يفسد صومه بإنزال المني: فلا يجوز له فعل ذلك لأنه يعرض صومه للإفساد. وكذلك إذا كان يخشى خروج المذي (الشرح الممتع 6/390) والدليل على جواز القبلة والمداعبة لمن يأمن على نفسه من الإنزال، ما رواه البخاري (1927) ومسلم (1106) عن عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لأرْبِهِ "، وفي صحيح مسلم (1108) عن عمرو بن سلمة أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيقبل الصائم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سل هذه " – لأم سلمة – فأخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصنع ذلك ". قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وغير القبلة من دواعي الوطء كالضم ونحوه فنقول حكمها حكم القبلة ولا فرق ". أ. هـ من " الشرح الممتع " (6 /434) . وبناء على هذا فمجرد قولك لزوجك أنك تحبينه أو قوله لك ذلك لا يضر الصيام. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 20032 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3565 جامع زوجته من غير إنزال في نهار رمضان جاهلاً تحريم ذلك، ولا يغتسل بعد الجماع [السُّؤَالُ] ـ[تزوجت قبل تسع سنوات - خلال السنة الأولى من الزواج كنت أداعب زوجتي أثناء نهار رمضان ويتخلل ذلك جماع لها , جهلاً مني بتحريم ذلك حيث كنت أعتقد انه إذا لم يحصل إنزال فلا يفسد الصوم. - بعد السنة الأولى لم اكرر ما فعلت مره أخرى , وذلك كي أبعد نفسي عن الشبهات. - منذ أن تزوجت إلى الآن كنت أكرر ما حصل خلال السنة الأولى من مداعبة لزوجتي ولكن خلال ليل رمضان وباقي أيام السنة سواء ليل أو نهار ويتخلل ذلك الجماع من غير إنزال ولا أغتسل اعتقادا ًمني انه إذا لم يحصل إنزال فلا يوجب الغسل. ارجوا التكرم بالإجابة مع الأخذ بعين الاعتبار أن ما حصل هو جهل مني مع توضيح ما يلزمني أنا وزوجتي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هنا في السؤال مسألتان: الأولى: جماع الصائم. الثانية: أحكام من جامع ولم يغتسل. أولاً: جماع الصائم لزوجته في نهار رمضان لو حالان: الحال الأولى: أن يعتقد أن الجماع بدون إنزال غير محرَّم في نهار رمضان. فجامع وهو جاهل للحكم. الحالة الثانية: أن يعلم أن الجماع حرام ولكنه لا يعرف العقوبة. أما الحالة الأولى فقد قال فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " القول الراجح أن من فعل مفطراً من المفطرات أو محظوراً من المحظورات في الإحرام أو مفسداً من المفسدات في الصلاة وهو جاهل فإنه لا شيء عليه، لقول الله تعالى: (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) فقال الله: قد فعلت. فهذا الرجل الذي أتى أهله في نهار رمضان إذا كان جاهلاً بالحكم، يظن أن الجماع المحرَّم هو ما كان فيه إنزال فإنه لا شيء عليه. وأما الحال الثانية فإن كان يدري أن الجماع حرام ولكنه لا يعرف أن فيه الكفارة فإن عليه الكفارة، لأن هناك فرقاً بين الجهل بالحكم وبين الجهل بالعقوبة، فالجهل بالعقوبة لا يُعذر به الإنسان، والجهل بالحكم يعذر به الإنسان. ولهذا قال العلماء: لو شرب الإنسان مسكراً يظنُّ أنه لا يُسكر أو يظن أنه ليس بحرام فإنه ليس عليه شيء، ولو علم أنه يسكر وأنه حرام ولكن لا يدري أنه يُعاقب عليه، فعليه العقوبة ولا تسقط عنه، وبناء عليه نقول للسائل ما دمت لا تدري أنه يحرم عليك الجماع بدون إنزال فإنه لا شيء عليك ولا على زوجتك إذا كانت مثلك في الجهل. ثانياً: أثر هذا الفعل على الصيام والصلاة. أما الصيام فلا أثر للجنابة فيه، إذ أن الجنب يصح صومه، لكن ترك الغسل للصلاة هو المشكلة، فالصلاة لا تصح بدون اغتسال لبقاء الجنابة وأكثر العلماء على أنه يجب على هذا الإنسان أن يقضي جميع الصلوات التي لم يغتسل لها لكن من المعلوم أن هذا الرجل سوف يجامع فيحصل إنزال فيغتسل. إلا أنه قد يخفى عليه مقدار ما حصل فيه الخلل مما اغتسل له فنقول له تحرّ واقض احتياطاً وإذا كنت لا تعلم عن هذا شيئاً ولم يخطر ببالك أن الجماع المجرد عن الإنزال يوجب الغسل فنرجو أن لا يكون عليك شيء، أي أن لا يكون عليك قضاء لكن عليك التوبة، والاستغفار من التفريط في ترك السؤال. الشيخ ابن عثيمين، اللقاء الشهري ويراجع جواب سؤال رقم (9446) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 21806 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3566 هل يجوز الجماع خلال شهر رمضان [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز الجماع خلال شهر رمضان؟ وهل يجوز الجماع في ليالي رمضان والاستحمام قبل السحور؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الجماع خلال نهار رمضان حرام على الرجل والمرأة الواجب عليهما الصوم فيه، وفي فعله إثم وكفارة، والكفارة هي: عتق رقبة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما نحن جلوس عند النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله هلكتُ، قال: ما لك؟ قال: وقعتُ على امرأتي وأنا صائم [في رمضان] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل تجد رقبة تعتقها؟ قال: لا، قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، فقال: فهل تجد إطعام ستين مسكيناً؟ قال: لا، قال: فمكث النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم فبينا نحن على ذلك أُتي النَّبي صلَّى الله عليه وسلم بعَرَق – أي: قفة كبيرة – فيها تَمْر، قال: أين السائل؟ فقال: أنا، قال: خذها فتصدَّق به، فقال الرجل: أعلَى أفقر منِّي يا رسول الله؟ فو الله ما بين لابتيها - يريد الحرتين - أهل بيت أفقر من أهل بيتي، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال: أطعمه أهلك. رواه البخاري (1834) و (1835) ومسلم (1111) . ثانياً: وأما الجماع في ليالي رمضان فجائز غير ممنوع، وتستمر الإباحة إلى وقت دخول الفجر، فإن طلع الفجر حرُم الجماع. قال تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} البقرة / 187. والآية نص على إباحة الأكل والشرب والجماع في ليالي رمضان إلى الفجر. ويجب بعد الجماع الاغتسال ثم صلاة الفجر. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 23339 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3567 الاستمناء ومباشرة المرأة حتى الإنزال في نهار رمضان [السُّؤَالُ] ـ[إذا استمنى الرجل أو قبل امرأته حتى أنزل المني، ولكنه لم يجامع، فهل يفسد صومه بهذا، وماذا يجب عليه، وهل لذلك كفارة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الاستمناء محرم، وسبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (329) وهو في رمضان أشد تحريما. ثانياً: الاستمناء وكذلك مباشرة المرأة وتقبيلها حتى إنزال المني مفسد للصيام، وعلى من فعل ذلك أن يتوب إلى الله تعالى من هذا الفعل المحرم، ويقضي يوماً مكان هذا اليوم الذي أفسده، ولا تجب عليه كفارة، لأن الكفارة لا تجب إلا بالجماع في نهار رمضان. قال ابن قدامة في "المغني" (4/363) : " وَلَوْ اسْتَمْنَى بِيَدِهِ فَقَدْ فَعَلَ مُحَرَّمًا , وَلا يَفْسُدُ صَوْمُهُ بِهِ إلا أَنْ يُنْزِلَ , فَإِنْ أَنْزَلَ فَسَدَ صَوْمُهُ " انتهى. وقال أيضا (4/361) : " إذَا قَبَّلَ (أي زوجته) فَأَمْنَى فَيُفْطِرَ بِغَيْرِ خِلافٍ نَعْلَمُهُ " انتهى. وقال النووي في "المجموع" (6/349) :" إذَا قَبَّلَ أَوْ بَاشَرَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ بِذَكَرِهِ أَوْ لَمَسَ بَشَرَةَ امْرَأَةٍ بِيَدِهِ أَوْ غَيْرِهَا , فَإِنْ أَنْزَلَ الْمَنِيَّ بَطَلَ صَوْمُهُ وَإِلا فَلا , وَنَقَلَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ الإِجْمَاعَ عَلَى بُطْلانِ صَوْمِ مَنْ قَبَّلَ أَوْ بَاشَرَ دُونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ " انتهى باختصار. وقال في "بداية المجتهد" (1/382) : " كلهم يقولون: ـ يعني الأئمة ـ أن من قبل فأمنى فقد أفطر " انتهى. وقال ابن عبد البر في "الاستذكار" (3/296) : " لا أعلم أحدا أرخص في القبلة للصائم إلا وهو يشترط السلامة مما يتولد منها، وأن من يعلم أنه يتولد عليه منها ما يفسد صومه وجب عليه اجتنابها " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين في "فتاوى الصيام" (ص 237) : " ولا يحل لإنسان أن يداعب زوجته إذا عرف من نفسه أنه ينزل بهذه المداعبة، لأن بعض الناس يكون سريع الإنزال فبمجرد ما يداعب المرأة، أو يقبلها مثلاً أو ما أشبه ذلك ينزل. فنقول لهذا الرجل: لا يحل لك أن تداعب امرأتك ما دمت تخشى أن تنزل " انتهى. وقال أيضاً في "الشرح الممتع" (6/234-235) : " إذا طلب خروج المني بأي وسيلة، سواء بيده، أو بالتدلك على الأرض، أو ما أشبه ذلك حتى أنزل، فإنّ صومه يفسد بذلك، وهذا ما عليه الأئمة الأربعة رحمهم الله مالك، والشافعي، وأبو حنيفة، وأحمد. وأبى الظاهرية ذلك وقالوا: لا فطر بالاستمناء ولو أمنى، لعدم الدليل من القرآن والسنة على أنه يفطر بذلك، ولا يمكن أن نفسد عبادة عباد الله إلا بدليل من الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم. ولكن عندي والله أعلم أنه يمكن أن يستدل على أنه مفطر من وجهين: الوجه الأول النص: فإن في الحديث الصحيح أن الله سبحانه وتعالى قال في الصائم: (يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي) والاستمناء شهوة، وخروج المني شهوة، والدليل على أن المني يطلق عليه اسم شهوة قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (وفي بضع أحدكم صدقة قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في الحرام أكان عليه وزر؟ كذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر) والذي يوضع هو المني. الوجه الثاني: القياس، فنقول: جاءت السنة بفطر الصائم بالاستقاء إذا قاء، وبفطر المحتجم إذا احتجم وخرج منه الدم، وكلا هذين يضعفان البدن. أما خروج الطعام فواضحٌ أنه يضعف البدن؛ لأن المعدة تبقى خالية فيجوع الإنسان ويعطش سريعاً. وأما خروج الدم فظاهر أيضاً أنه يضعف البدن، وخروج المني يحصل به ذلك فيفتر البدن بلا شك، ولهذا أمر بالاغتسال ليعود النشاط إلى البدن، فيكون هذا قياساً على الحجامة والقيء. وعلى هذا نقول: إن المني إذا خرج بشهوة فهو مفطر للدليل والقياس " انتهى باختصار. وبهذين الدليلين: قضاء الشهوة، وإضعاف البدن، استدل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على أن الاستمناء مفسد للصيام. انظر "مجموع الفتاوى" (25/251) . وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " الاستمناء في نهار الصيام يبطل الصوم إذا كان متعمدا ذلك وخرج منه المني، وعليه أن يقضي إن كان الصوم فريضة، وعليه التوبة إلى الله سبحانه وتعالى؛ لأن الاستمناء لا يجوز لا في حال الصوم ولا في غيره، وهو التي يسميها الناس العادة السرية " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (15/267) . وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء (10/256) : " الاستمناء في رمضان وغيره حرام، لا يجوز فعله؛ لقوله تعالى: (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) ، وعلى من فعله في نهار رمضان وهو صائم أن يتوب إلى الله، وأن يقضي صيام ذلك اليوم الذي فعله فيه، ولا كفارة؛ لأن الكفارة إنما وردت في الجماع خاصة " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 71213 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3568 هل للزوجة أن تمتنع عن زوجها في رمضان للعبادة؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما الحكم في امرأة تأبى زوجها في رمضان نتيجة انشغالها بالعبادة والقُرب من الله؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: شهر رمضان مناسبة عظيمة للعابدين ليزيدوا في عباداتهم، وللعاصين أن يتركوا ما هم عليه من معاصٍ ويصطلحوا مع ربهم عز وجل بتركها والإكثار من الطاعة فيه لبداية طيبة لحياة أخرى غير التي كانوا عليها. وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بفضيلة الصيام والقيام والاعتكاف في هذا الشهر، كما أن فيه ليلة – وهي ليلة القدر – جعلها الله تعالى خيراً من ألف شهر. وعليه: فلا يُنكر على من أراد استغلال أيام هذا الشهر لطاعة ربه، فالنفوس فيه مهيأة لقراءة القرآن وطاعة الرحمن، وسواء كان ذلك من الرجال أم من النساء. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) رواه البخاري (37) ومسلم (760) . ثانياً: يجب أن تعلم المرأة أن لزوجها عليها حقّاً عظيماً، فلا يجوز لها أن تضرب بهذه الحقوق عرض الحائط، ولا يجوز لها أن تعارض حق زوجها بما تؤديه من نافلة العبادات. فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لا تُؤَدِّي الْمَرْأَةُ حَقَّ رَبِّهَا حَتَّى تُؤَدِّيَ حَقَّ زَوْجِهَا , وَلَوْ سَأَلَهَا نَفْسَهَا وَهِيَ عَلَى قَتَبٍ لَمْ تَمْنَعْهُ) . رواه ابن ماجه (1853) وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (1938) . " القَتَب للجمل كالإكاف لغيره، ومعناه: الحث لهن على مطاوعة أزواجهن، وأنه لا ينبغي لهن الامتناع في هذه الحالة، فكيف في غيرها؟ "حاشية السندي على ابن ماجه". ولعظم حق الزوج أُمرت المرأة باستئذانه قبل قيامها ببعض التطوعات التي قد تتعارض مع حقه، ومنها: 1. صوم النافلة: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (لا تَصُومُ الْمَرْأَةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ إِلا بِإِذْنِهِ) رواه البخاري (4896) ومسلم (1026) . قال النووي رحمه الله: " هذا محمول على صوم التطوع والمندوب الذي ليس له زمن معين , وهذا النهي للتحريم صرح به أصحابنا , وسببه أن الزوج له حق الاستمتاع بها في كل الأيام , وحقه فيه واجب على الفور فلا يفوته بتطوع ولا بواجب على التراخي " انتهى. " شرح مسلم " (7 / 115) . 2. الخروج للمسجد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (إِذَا اسْتَأْذَنَتْ امْرَأَةُ أَحَدِكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلا يَمْنَعْهَا) رواه البخاري (4940) ومسلم (442) . ثالثاً: ويجب على الزوج أن يتقي الله في امرأته، وأن لا يكلفها فوق طاقتها، إذ كثير من الرجال يشغلون نساءهم نهاراً بالطبخ، وليلاً بالحلويات، فتضيع الأيام والليالي على المرأة، فلا تحسن استغلال نهار صومها بطاعة، ولا ليله بعبادة، ومن حق الزوجة على زوجها أن يكون لها نصيب من عبادات هذا الشهر وطاعاته، فلا يمنعها من قراءة القرآن، ولا من قيام الليل، وأن يكون ذلك بتنسيق بينهما لئلا يحصل تعارض بين حقه وطاعة ربها وعبادته، وهذا – طبعاً – في عبادات النوافل، أما الفرائض فليس للزوج منعها منها. وقد كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم مع نسائه هو حثهن على الطاعة والعبادة، وخاصة في العشر الأواخر من رمضان. فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ , وَأَحْيَا لَيْلَهُ , وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ) رواه البخاري (1920) ومسلم (1174) . وإذا عرف كل واحد من الزوجين ما له وما عليه استراحا من الشقاق والنزاع غالباً , وإذا علما أن مثل هذه المناسبة قد لا تتكرر في حياتهما إلا قليلاً زاد ذلك من حرصهما على استغلال أيام رمضان ولياليه أحسن استغلال. ونسأل الله تبارك وتعالى أن يؤلف بين قلوبكما، وأن يعينكما على طاعته وحسن عبادته. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 66621 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3569 رجل جامع زوجته في نهار رمضان بدون إنزال [السُّؤَالُ] ـ[رجل جامع زوجته بدون إنزال في نهار رمضان فما الحكم؟ وماذا على الزوجة إذا كانت جاهلة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المجامع في نهار رمضان وهو صائم مقيم عليه كفّارة مغلّظة، وهي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً. والمرأة مثله إذا كانت راضية. وإن كانت مكرهة فليس عليها شيء. وإن كانا مسافرين فلا إثم ولا كفارة ولا إمساك بقيّة اليوم، وإنما عليهما قضاء ذلك اليوم، لأن الصوم ليس بلازم لهما، وكذلك من أفطر لضرورة كإنقاذ معصوم من هلكة سيقع فيها، فإن جامع ذلك اليوم الذي أفطر فيه لضرورة فلا شيء عليه، لأنه لم ينتهك صوماً واجباً. والمجامع الصائم في بلده ممن يلزمه الصوم يترتب عليه خمسة أشياء: 1- الإثم. 2- فساد الصوم. 3- لزوم الإمساك. 4- وجوب القضاء. 5 – وجوب الكفارة. ودليل الكفارة ما جاء في حديث أبي هريرة في الرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان، وهذا الرجل لم يستطع الصوم ولا الإطعام، تسقط عنه الكفارة، لأن الله لا يكلّف نفساً إلا وسعها، ولا واجب مع العجز، ولا فرق بين أن يُنزل أو لا يُنزل ما دام الجماع قد حصل بخلاف ما لو حدث إنزال بدون جماع فليس فيه كفارة، وإنما فيه الإثم ولزوم الإمساك والقضاء. [الْمَصْدَرُ] الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة ج/1 ص/348. الحديث: 22938 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3570 معانقة الرجل زوجته وهو صائم [السُّؤَالُ] ـ[تزوجت منذ مدة قصيرة، وأريد أن أستوضح عن أمر شغل بالي. ففي هذا الشهر المبارك، شهر رمضان، وبعد أن أكون قد أمسكت، فأنا أعود إلى السرير، حيث تكون زوجتي هي الأخرى مستلقية عليه في بعض الأوقات. وأنا أعانقها أحيانا، فهل يعني ذلك أن صومي فسد؟ هلا سلطت لي بعض الضوء حول الأمور التي يجوز لي فعلها وتلك التي يحرم علي فعلها.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب على المسلم أن يحفظ صومه مما يُفسده، وأن يحتسب الأجر في ترك الشهوة من الطعام والشراب والنكاح، كما جاء في الحديث في فضل الصائم (يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي) رواه البخاري (الصوم/1761) ، ولكن لو كان يملك نفسه ويسيطر عليها ولا يَنْزَلِقُ إلى ما يُسبب فساد صومه بخروج المنيِّ أو الجِماع، أو يُنقص صومه بخروج المذي فإنه يجوز له مداعبة زوجته في هذه الحالة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يداعب عائشة رضي الله عنه وكان يملك إربه (إي شهوته) قال الشيخ عبد العزيز بن باز: تقبيل الرجل امرأته ومداعبته لها ومباشرته لها بغير الجماع وهو صائم، كل ذلك جائز ولا حرج فيه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبِّل وهو صائم ويباشر وهو صائم. لكن إن خشي الوقوع فيما حرم الله عليه لكونه سريع الشهوة، كره له ذلك، فإن أمنى لزمه الإمساك والقضاء ولا كفارة عليه عند جمهور أهل العلم. أما المذي فلا يفسد به الصوم في أصح قولي العلماء، لأن الأصل السلامة وعدم بطلان الصوم، ولأنه يشق التحرز منه والله ولي التوفيق. فتاوى الشيخ ابن باز ج/4 ص/202 [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 14315 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3571 جامع زوجته وهي تقضي من رمضان فماذا يترتب عليهما؟ [السُّؤَالُ] ـ[جامعت زوجتي قبل رمضان وكانت تقضي بعض الأيام من شهر رمضان السابق، ولم تتمكن من قضاء جميع الأيام. ملاحظة: استأذنتني بالصيام وأذنت لها.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يجوز لمن شرع في صوم واجب كقضاء رمضان أو كفارة يمين أن يفطر إلا من عذر، كمرض أو سفر. فإن أفطر - بعذر أو من غير عذر- بقي الصوم في ذمته، فعليه أن يصوم يوما واحدا مكان اليوم الذي أفسده. فإن كان فطره من غير عذر وجب عليه – مع الصيام - التوبة إلى الله من هذا الفعل المحرم. وليس على زوجتك كفارة، لأن الكفارة لا تجب إلا بالجماع في نهار رمضان فقط. وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال (49985) فلينظر. ثانياً: وقد أسأت بإفساد صيام زوجتك، لأن الزوجة إذا صامت قضاء رمضان بإذن زوجها لم يكن له إفساد صيامها. فعليكما التوبة إلى الله، والندم على الفعل، والعزم على عدم العود، فإن كنت أجبرتها فلا إثم عليها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50632 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3572 حكم من أتى زوجته في دبرها في نهار رمضان [السُّؤَالُ] ـ[في رمضان كنت حديث عهد بعرس، وكنت لا أصبر عن زوجتي، وكنت أستمتع بها في نهار رمضان من غير جماع، وأحسست مع فورة حماسي أنني أدخلته بالدبر وأنزلت. فما الحكم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إتيان الزوجة في دبرها كبيرة من كبائر الذنوب، بل قرنه النبي صلى الله عليه وسلم بإتيان الكهّان، وسمّاه كُفراً، فقال عليه الصلاة والسلام: (مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) . رواه الترمذي (135) وأبو داود (3904) وابن ماجه (639) . والحديث: صححه الشيخ الألباني في " صحيح الترغيب " (2433) . ولعن النبي صلى الله عليه وسلم من أتى امرأة في دبرها فقال: (مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا) . رواه أبو داود (2162) . والحديث: صححه الشيخ الألباني في " صحيح الترغيب " (2432) . ففي هذه الأحاديث بيان تحريم إتيان المرأة في دبرها، وهذا الفعل مناقض للفطرة، موجب لسخط الله وغضبه، ثم هو سبب للأمراض. سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: عما يجب على من وطئ زوجته في دبرها؟ وهل أباحه أحد من العلماء؟ فأجاب: الحمد لله رب العالمين، الوطء في الدبر حرام في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى ذلك عامة أئمة المسلمين، من الصحابة، والتابعين، وغيرهم؛ فإن الله قال في كتابه: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ) ، وقد ثبت في الصحيح: أن اليهود كانوا يقولون: إذا أتى الرجل امرأته في قُبلها من دبرها جاء الولد أحول، فسأل المسلمون عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله هذه الآية: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ) ، والحرث: موضع الزرع، والولد إنما يزرع في الفرج؛ لا في الدبر ... . " مجموع الفتاوى " (32 / 267) . وانظر جواب السؤال رقم: (1103) ففيه بيان حكم إتيان المرأة في دبرها والآثار النفسية والبدنية السيئة. وانظر جواب السؤال رقم: (6792) ففيه بيان الحكم بأدلته. وقد سبق في جواب السؤال رقم: (49614) بيان أن للزوج أن يستمتع بزوجه وهو صائم، ما لم يجامع أو ينزل، وأن الجماع في الفرج للزوجة محرم في نهار رمضان، فكيف إذا كان جماعاً في الدبر مع الإنزال؟! ثانياً: وأما ما يترتب على صيامك الذي فعلتَ فيه فعلتك: فإن فساد الصوم لا شك فيه، ولزم معه الإمساك عن الطعام والشراب، وقد أوجب جمهور أهل العلم القضاء والكفارة على من أولج في دبر امرأته، أنزل أم لم ينزل. وهذا الحكم تشترك فيه زوجتك معك، فعليها القضاء والكفارة؛ لأنه يظهر أنها كانت مطاوعة لك. قال ابن قدامة: ولا فرق بين كون الفرج قُبُلاً أو دبُراً من ذكر أو أنثى، وبه قال الشافعي. . . لأنه أفسد صوم رمضان بجماع فأوجب الكفارة كالوطء. انتهى من " المغني " (3/27) باختصار. وفي جواب السؤال رقم: (38023) : " فمن جامع في نهار رمضان عامداً مختاراً بأن يلتقي الختانان، وتغيب الحشفة في أحد السبيلين: فقد أفسد صومه، أنزل أو لم يُنزل، وعليه التوبة، وإتمام ذلك اليوم، والقضاء والكفارة المغلظة ". وعلى المسلم أن يحرص على تقوى الله تعالى، واجتناب حرماته، لاسيما في هذا الشهر، الذي شرع الله صيامه من أجل تحقيق التقوى، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة/183. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50452 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3573 حكم جماع الزوجة في رمضان [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز نكاح الزوجة في شهر رمضان؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الظاهر أن مراد السائل بالنكاح الجماع. وجماع الزوجة في رمضان له حالان، إما أن يكون ليلاً، وإما أن يكون نهاراً. أما الجماع في الليل فمباح، (والليل من أول غروب الشمس إلى طلوع الفجر) . وقد كان الحكم في أول الإسلام إباحة الجماع في ليالي رمضان ما لم ينم، فإذا نام حرم عليه الجماع، ولو استيقظ قبل طلوع الفجر، ثم خفف الله تعالى هذا الحكم وأباح الجماع في ليالي رمضان مطلقاً، وقد دل على ذلك قول الله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) البقرة/187. قال السعدي (ص 87) : " كان في أول فرض الصيام، يحرم على المسلمين في الليل بعد النوم الأكل والشرب والجماع، فحصلت المشقة لبعضه م، فخفف الله تعالى عنهم ذلك، وأباح في ليالي الصيام كلها الأكل والشرب والجماع، سواء نام أو لم ينم، لكونهم يختانون أنفسهم بترك بعض ما أمروا به. {فتاب} الله {عليكم} بأن وسع لكم أمرا كان ـ لولا توسعته ـ موجبا للإثم {وعفا عنكم} ما سلف {فالآن} بعد هذه الرخصة والسعة من الله {باشروهن} وطأ وقبلة ولمسا وغير ذلك. {وابتغوا ما كتب الله لكم} أي: انووا في مباشرتكم لزوجاتكم التقرب إلى الله تعالى والمقصود الأعظم من الوطء، وهو حصول الذرية وإعفاف فرجه وفرج زوجته، وحصول مقاصد النكاح " اهـ. وقال الجصاص في "أحكام القرآن" (1/265) : فَأَبَاحَ الْجِمَاعَ وَالأَكْلَ وَالشُّرْبَ فِي لَيَالِي الصَّوْمِ مِنْ أَوَّلِهَا إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ"اهـ. وروى البخاري (4508) عن الْبَرَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا نَزَلَ صَوْمُ رَمَضَانَ كَانُوا لا يَقْرَبُونَ النِّسَاءَ رَمَضَانَ كُلَّهُ وَكَانَ رِجَالٌ يَخُونُونَ أَنْفُسَهُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ. قال الحافظ: قَوْله: (لَمَّا نَزَلَ صَوْم رَمَضَان كَانُوا لا يَقْرَبُونَ النِّسَاء) ظَاهِر سِيَاق الحَدِيث أَنَّ الْجِمَاع كَانَ مَمْنُوعًا فِي جَمِيع اللَّيْل وَالنَّهَار , بِخِلَافِ الأَكْل وَالشُّرْب فَكَانَ مَأْذُونًا فِيهِ لَيْلا مَا لَمْ يَحْصُل النَّوْم , لَكِنْ بَقِيَّة الأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي هَذَا الْمَعْنَى تَدُلّ عَلَى عَدَم الْفَرْق, فَيُحْمَل قَوْله " كَانُوا لا يَقْرَبُونَ النِّسَاء " عَلَى الْغَالِب جَمْعًا بَيْن الأَخْبَار اهـ باختصار. ومعنى: {تَخْتَانُونَ أَنْفُسكُمْ} : أي: تُجَامِعُونَ النِّسَاء وَتَأْكُلُونَ وَتَشْرَبُونَ فِي الْوَقْت الَّذِي كَانَ حَرَامًا عَلَيْكُمْ. ذَكَرَهُ الطَّبَرِيُّ. وعَنْ مُجَاهِد: {تَخْتَانُونَ أَنْفُسكُمْ} قَالَ: تَظْلِمُونَ أَنْفُسكُمْ اهـ من عون المعبود. وأما الجماع في نهار رمضان ممن يجب عليه الصوم، فقد أجمع العلماء على تحريمه وأنه من مفسدات الصيام. قال في المغني (4/372) : " لا نَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا , فِي أَنَّ مَنْ جَامَعَ فِي الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ , أَوْ دُونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ , أَنَّهُ يَفْسُدُ صَوْمُهُ إذَا كَانَ عَامِدًا , وَقَدْ دَلَّتْ الأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ عَلَى ذَلِكَ" اهـ. بل الجماع أعظم مفسدات الصيام، فإنه تجب فيه الكفارة. روى البخاري (2600) ومسلم (1111) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ هَلَكْتُ فَقَالَ وَمَا ذَاكَ قَالَ وَقَعْتُ بِأَهْلِي فِي رَمَضَانَ قَالَ تَجِدُ رَقَبَةً قَالَ لا قَالَ فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَ لا قَالَ فَتَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَ لا قَالَ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ بِعَرَقٍ وَالْعَرَقُ الْمِكْتَلُ فِيهِ تَمْرٌ فَقَالَ اذْهَبْ بِهَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ قَالَ عَلَى أَحْوَجَ مِنَّا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ مِنَّا قَالَ اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ ولمعرفة ما يترتب على الجماع في نهار رمضان يراجع السؤال رقم (49614) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49750 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3574 يريد الزوجان القيام بعملية التلقيح الصناعي في رمضان [السُّؤَالُ] ـ[تزوجنا منذ مدة، ولم يرزقنا الله بأطفال حتى الآن سوف نقوم بعملية التلقيح الصناعي، ولكن الميعاد المناسب لهذه العملية سوف يكون إن شاء الله فى شهر رمضان المبارك، وذلك على حسب ميعاد التبويض وهذا سوف يضطرني أنا وزوجي أن نكون على غير طهارة ونفطر في رمضان، فلا أدري ماذا أفعل، وهل الله سوف يغفر لنا حيث إننا مضطرون لذلك؟ وهل هناك كفارة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ننبه إلى أن التلقيح الصناعي فيه مفاسد متعددة، وقد ثبتَ عن كثير من الأطباء أنهم يقومون عن عمد بتغيير ماء الرجل بماء آخر؛ وذلك عن خبث نفسي أو لجزمه بعدم صلاحية مائه للإنجاب فيؤديه طمعه في المال لهذا. وثبت في كثير من المستشفيات وقوع أخطاء في تبديل العينات، ومن هنا شدَّد العلماء في هذا الأمر ولم يجيزوه في حال حفظ العينات وتأخير وضع الماء في رحم المرأة، ومنعه آخرون مطلقاً لما تعتري هذه الطريقة من احتمال الخطأ وهو ما يؤدي إلى اختلاط الأنساب والوقوع في محاذير ومفاسد متعددة. ثانياً: ليس هذا الفحص من باب الضرورة حتى يتسبب الرجل في فطره وفطر زوجته، فيمكن تأجيل ذلك إلى الليل أو إلى ما بعد شهر رمضان. فالذي ينصح به هو الصبر على قدر الله تعالى والأخذ بالأسباب الشرعية للإنجاب، وفي حال إصراركم على التلقيح الصناعي فلا بد من أخذ أشد الاحتياطات من مراقبة العينة وإدخالها مباشرة في رحم المرأة من طبيبة موثوق في دينها، وأن يتجنب نهار رمضان لعدم الاضطرار إلى ذلك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49727 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3575 يريد من زوجته أن تفطر وتقضي من غير عذر [السُّؤَالُ] ـ[شاءت الأقدار أن يكون الأسبوع الأول من رمضان هو أسبوع زواجي وزوجي لا يستطيع أن يسيطر على رغباته وأنا لا أريد أن أفطر، زوجي يقول لي أنه لا ضرر إن أفطرت يوما وأقضيه بعد ذلك.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: قول شاءت الأقدار غير صحيح، لأن الذي يشاء هو الله الواحد القهار سبحانه وتعالى. وقد تقدم بيان ذلك في إجابة السؤال رقم (8621) . ثانياً: الإفطار في رمضان من غير عذر من أكبر الكبائر، ويكون فاعله فاسقاً، ويجب عليه التوبة إلى الله تعالى من هذه المعصية الكبيرة. وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم الوعيد الشديد فيمن أفطر من رمضان من غير عذر. روى الحاكم أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى عذاب من يفطر في رمضان بغير عذر فقال: فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم، مشققة أشداقهم، تسيل أشداقهم دما. قلت: من هؤلاء؟! قال: هؤلاء الذين يفطرون قبل تَحِلَّة صومهم. صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (3951) . فعلى هذا يجب على هذا الزوج أن يتقي الله تعالى ولا يتهاون في أمر الصيام، فإن الأمر خطير. وعليك أن لا تطيعه في هذا الأمر فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. والفطر في رمضان وقضاء الصيام إنما شُرع لمن أفطر بعذر كالمرض والسفر وما أشبه ذلك، أما إفطار المسلم في رمضان من غير عذر فإنه يعرض نفسه لغضب الله تعالى وعذابه، نسأل الله السلامة والعافية. راجع السؤال رقم (38747) . ثالثاً: الجماع من مفسدات الصيام، بل هو أعظمها إثماً، ولهذا وجبت فيه الكفارة. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في فتاوى الصيام (ص337) : المجامع في نهار رمضان وهو صائم مقيم (أي غير مسافر) عليه كفارة مغلظة , وهي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا، والمرأة مثله إذا كانت راضية، وإن كانت مكرهة فليس عليها شيء، وإن كانا مسافرين فلا إثم، ولا كفارة، ولا إمساك بقية اليوم، وإنما عليهما قضاء ذلك اليوم، لأن الصوم ليس بلازم لهما. والمجامع الصائم في بلده ممن يلزمه الصوم يترتب عليه خمسة أشياء: أولا: الإثم. ثانيا: فساد الصوم. ثالثا: لزوم الإمساك. رابعا: وجوب القضاء. خامسا: وجوب الكفارة، ودليل الكفارة ما جاء في حديث أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ قَالَ مَا لَكَ قَالَ وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا قَالَ لا قَالَ فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَ لا فَقَالَ فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَ لا قَالَ فَمَكَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَقٍ فِيهَا تَمْرٌ وَالْعَرَقُ الْمِكْتَلُ قَالَ أَيْنَ السَّائِلُ فَقَالَ أَنَا قَالَ خُذْهَا فَتَصَدَّقْ بِهِ فَقَالَ الرَّجُلُ أَعَلَى أَفْقَرَ مِنِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَوَاللَّهِ مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا يُرِيدُ الْحَرَّتَيْنِ أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قَالَ أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ. رواه البخاري (1936) ومسلم (1111) وهذا الرجل إن لم يستطع الصوم ولا الإطعام تسقط عنه الكفارة؛ لأن الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها، ولا واجب مع العجز، ولا فرق بين أن ينزل أو لا ينزل ما دام الجماع قد حصل، بخلاف ما لو حدث إنزال بدون جماع، فليس فيه كفارة، وإنما فيه الإثم ولزوم الإمساك والقضاء اهـ. وسئل أيضاً: عن رجل يجبر زوجته على الجماع في نهار رمضان؟ فأجاب: يحرم عليها أن تطيع زوجها أو تمكنه من ذلك في هذه الحال، لأنها في صيام مفروض وعليها أن تدافعه بقدر الإمكان، ويحرم على زوجها أن يجامعها في هذه الحال وإذا كانت لا تستطيع أن تتخلص منه فإنه ليس عليها شيء لا قضاء ولا كفارة لأنها مكرهة اهـ. فتاوى الصيام (ص 339) . والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49615 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3576 هل تجب الكفارة بالجماع في قضاء رمضان؟ [السُّؤَالُ] ـ[جامعني زوجي يوما وأنا صائمة صوم قضاء. هل علي شيء؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قضاء رمضان من الصيام الواجب، الذي لا يجوز للإنسان أن يبطله إلا لضرورة، فإذا دخل الإنسان في قضاء، فإنه يلزمه أن يتمه، ولا يجوز له الفطر إلا لعذر شرعي. وقد ثبت عن أم هانئ رضي الله عنها أنها قالت: (يا رسول الله لقد أفطرت وكنت صائمة؟ فقال لها: أكنت تقضين شيئا، قالت لا، قال: فلا يضرك إن كان تطوعا) رواه أبو داود برقم (2456) ، وصححه الألباني، وهذا يدل على أنه يضرها إن أفطرت في صيام واجب، والضرر هنا هو الإثم. أما ما حصل بينكما، فإن كفارة الجماع لا تجب إلا بإبطال صيام رمضان نفسه، وعليه فلا يلزمك شيء، إلا إعادة قضاء ذلك اليوم من رمضان، مع التوبة إلى الله عز وجل، والعزم على عدم العودة إلى مثل ذلك. قال ابن رشد: " واتفق الجمهور: على أنه ليس في الفطر عمدا في قضاء رمضان كفارة لأنه ليس له حرمة زمان الأداء أعني: رمضان " بداية المجتهد 2/80 وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن امرأة أفطرت في قضاء رمضان، مجاملة لضيفوها، فأجاب: " هذا القضاء إذا كان قضاء عن واجب كقضاء رمضان، فإنه لا يجوز لأحد أن يفطر إلا لضرورة، وأما فطره لنزول الضيف به فإنه حرام؛ ولا يجوز؛ لأن القاعدة الشرعية: (أن كل من شرع (أي بدأ) في واجب فإنه يجب عليه إتمامه إلا لعذر شرعي) ، وأما إذا كان قضاء نفل فإنه لا يلزمها أن تتمه؛ لأنه ليس بواجب. فعلى هذا إذا كان الإنسان صائما صيام نفل وحصل له ما يقتضي الفطر فإنه يفطر، وهذا هو الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى الله عليه وسلم جاء إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فقال (هل عندكم شيء؟) فقالت: أهدي لنا حيس فقال: (فأرينيه فلقد أصبحت صائما) . فأكل منه صلى الله عليه وسلم، وهذا في النفل، وليس في الفرض. " انتهى من مجموع الفتاوى 20. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 40242 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3577 احتال على الجماع في نهار رمضان بالفطر قبله [السُّؤَالُ] ـ[سافرت لبلدي في إجازة لمدة أسبوع وقبل السفر بيوم اتصلت على زوجتي وطلبت منها أن لا تصوم يوم وصولي لأنني أريد أن أجامعها حال وصولي للبيت لأنني قليل الصبر، أطاعتني ولم تصم وحصل بيننا جماع في النهار، كلانا لم يصم فهل اقترفنا ذنباً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن كان ما حصل بينكما في شهر غير رمضان، فلا حرج فيه، لأن صيام النفل لا يلزم إتمامه، حتى وإن شرع المسلم فيه، فإن له أن يخرج منه على الصحيح. أما إن كان ما حصل في شهر رمضان، فهو إثم عظيم، إذ كيف يتهاون الإنسان في ترك صيام يوم بدون عذر ولا سبب معتبر شرعا، بل يتحيل على محارم الله بهذه الطريقة. وبناء على هذا، فإن كان ما حصل في شهر رمضان، فعلى تفصيل: أولا: إن وصلت قبل أذان الفجر، فإنه يلزمك صيام ذلك اليوم، ما دام سفرك قد انقطع برجوعك إلى بلدك، فإن تعمدت الإفطار، وأفطرت زوجتك معك، لأجل أن تجامعها، فإنكما تأثمان، ويلزمكما القضاء، والكفارة المغلظة في حال الجماع، على كل واحد منكما. ثانيا: إن وصلت في أثناء اليوم، فالصحيح أن المسافر إذا قدم مفطرا، لم يلزمه إمساك ذلك اليوم، لأنه لا يجمع عليه وجوب الإمساك ووجوب القضاء، وهذا القول رواية عن الإمام أحمد، وهو مذهب الشافعية [انظر شرح المشيقح على زاد المستقنع 4 / 282 - 285] ، لكن تأثم أنت بأمرها بالإفطار، وتأثم هي أيضا بطاعتها لك، وإن لم تصم لأجل أن تجامعها، فعليها القضاء، وعليها هي وحدها الكفارة المغلظة بسبب ما حصل من جماع، وقد سبق بيانها في الأسئلة رقم (38023، 22938، 1672) وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن رجل أراد أن يواقع زوجته في شهر رمضان بالنهار، فأفطر بالأكل قبل أن يجامع، ثم جامع، فهل عليه كفارة أم لا؟ وما على الذي يفطر من غير عذر؟ فأجاب: الحمد لله. هذه المسألة فيها قولان للعلماء مشهوران: أحدهما: تجب، وهو قول جمهورهم: كمالك وأحمد وأبي حنيفة وغيرهم. والثاني: لا تجب، وهو مذهب الشافعي .... ثم تنازعوا هل يشترط الفطر من الصوم الصحيح (أي لوجوب الكفارة المغلظة) ؟ فالشافعي وغيره يشترط ذلك، فلو أكل ثم جامع، أو أصبح غير ناو للصوم ثم جامع، أو جامع وكفر ثم جامع: لم يكن عليه كفارة (أي عند الشافعي) ; لأنه لم يطأ في صوم صحيح. وأحمد في ظاهر مذهبه وغيره يقول: بل عليه كفارة في هذه الصور، ونحوها، لأنه وجب عليه الإمساك في شهر رمضان، فهو صوم فاسد، فأشبه الإحرام الفاسد. وكما أن المحرم بالحج إذا أفسد إحرامه لزمه المضي فيه بالإمساك عن محظوراته، فإذا أتى منها شيئا كان عليه ما عليه في الإحرام الصحيح، وكذلك من وجب عليه صوم شهر رمضان إذا وجب عليه الإمساك فيه وصومه فاسد، لأكل أو جماع، أو عدم نية، فقد لزمه الإمساك عن محظورات الصيام. فإذا تناول شيئا منها كان عليه ما عليه في الصوم الصحيح. وفي كلا الموضعين عليه القضاء. وذلك لأن هتك حرمة الشهر حاصلة في الموضعين، بل هي في هذا الموضع أشد، لأنه عاص بفطره أولا، فصار عاصيا مرتين، فكانت الكفارة عليه أوكد، ولأنه لو لم تجب الكفارة على مثل هذا لصار ذريعة إلى أن لا يُكفِّر أحد، فإنه لا يشاء أحد أن يجامع في رمضان إلا أمكنه أن يأكل، ثم يجامع بل ذلك أعون له على مقصوده، فيكون قبل الغداء عليه كفارة، وإذا تغدى هو وامرأته ثم جامعها فلا كفارة عليه، وهذا شنيع في الشريعة لا ترد بمثله. والله أعلم. [الفتاوى الكبرى 2 / 471،ومجموع الفتاوى25/260 وانظر المجموع 6 / 321] . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38287 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3578 داعب زوجته حتى أنزل [السُّؤَالُ] ـ[داعبت زوجتي في نهار رمضان - ونحن صائمون - حتى حصل عندي إنزال " مني " والله أعلم أحصل عندها أم لا! لكني أشعر بتأنيب شديد، وألم يعتصر قلبي لإحساسي بأننا قد أتينا جرما عظيما. فهل - فعلا - علينا وزر؟ وإن كان فما الكفارة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لقد ارتكبت ذنباً بمداعبتك زوجتك حتى الإنزال، لأنك بفعلك قد أبطلت صومك، وانتهكت حرمة هذا الشهر المعظم، وفاتك أجر الصيام الذي قال الله عنه: (يدع شهوته وطعامه من أجلي) رواه البخاري 1761. وندمك على هذا الفعل الذي صدر منك توبة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الندم توبة) رواه أحمد (3558) وابن ماجه (4252) ، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (3429) . وبما أنك أنزلت فقد فسد صومك لهذا اليوم الذي أنزلت فيه، فعليك أن تُمسك بقية اليوم إلى غروب الشمس، وعليك أن تقضي يوماً مكانه. أما الكفارة فإن كنت قد جامعت زوجتك فعليك الكفارة المغلظة وهي عتق رقبة، فإن لم تستطع فصيام شهرين متتابعين، فإن لم تستطع فإطعام ستين مسكينا. انظر السؤال (22938) أما إن أنزلت بدون جماع فلا تلزمك الكفارة وإنما عليك القضاء فقط. قال النووي رحمه الله: " إذا قبل أو باشر فيما دون الفرج بذكره أو لمس بشرة امرأة بيده أو غيرها فإن أنزل بطل صومه , وإلا فلا " المجموع 6/322. قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: " إذا باشر (الرجل) زوجته سواء باشرها باليد، أو بالوجه بتقبيل، أو بالفرج (بدون جماع) فإنه إذا أنزل أفطر، وإذا لم ينزل فلا فطر بذلك." الشرح الممتع (6/388) وهذا الحكم لك ولزوجتك فإن كانت قد أنزلت من هذه المداعبة فقد فسد صومها، وعليها التوبة إلى الله وقضاء يوم آخر، وإن لم تنزل فلا شيء عليها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37887 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3579 إذا سمع أذان الفجر وهو يجامع زوجته [السُّؤَالُ] ـ[ما الحكم إذا أذن الفجر والرجل يجامع زوجته؟ هل يكمل حتى يقضي وطره أم يقطع الجماع بمجرد سماع الأذان؟ أفتونا مأجورين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا طلع الفجر وهو يجامع زوجته فالواجب عليه الكف عن الجماع فوراً، وصيامه صحيح وليس عليه شيء. ولا يجوز له الاستمرار في الجماع بعد طلوع الفجر، فإن فعل ذلك فقد أفسد صومه، وعليها القضاء مع الكفارة. والكفارة هي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً. راجع السؤال (1672) . لكن هذا في طلوع الفجر أما أذان المؤذن: فإن كان المؤذن يؤذن مع طلوع الفجر فالواجب الكف عن الجماع بمجرد سماع الأذان، فإن لم يفعل فعليه القضاء مع الكفارة كما سبق. وإن كان المؤذن يؤذن قبل طلوع الفجر، كما يجتهد بعض المؤذنين اجتهاداً خاطئاً ويفعلون ذلك احتياطاً للصيام في زعمهم، فيجوز الاستمرار في الجماع حتى يتيقن طلوع الفجر. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله هذا السؤال: إذا شرب الصائم بعد سماعه أذان الفجر فهل يصح صومه؟ فأجاب: إذا شرب الصائم بعد سماعه أذان الفجر فإن كان المؤذن يؤذن بعد أن تبين له الصبح فإنه لا يجوز للصائم أن يأكل أو يشرب بعده. وإن كان يؤذن قبل أن يتبين له الصبح فلا بأس بالأكل والشرب حتى يتبين الصبح لقول الله تعالى: (فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر) ولهذا ينبغي للمؤذنين أن يتحروا في أذان الصبح ولا يؤذنوا حتى يتبين لهم الصبح أو يتيقنوا طلوعه بالساعات المضبوطة لئلا يغروا الناس فيحرموهم مما أحل الله لهم ويحلوا لهم صلاة الصبح قبل وقتها وفي هذا من الخطر ما فيه اهـ فتاوى إسلامية (1/122) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37679 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3580 وطء السجين الصائم لزوجته في نهار رمضان [السُّؤَالُ] ـ[أود منك أن تخبرني عن: أن لنا أخوة هنا في البرازيل رجعوا إلى الإسلام (والحمد لله) منذ سنة مضت، وهم في السجن. والسجين يستقبل زوجته خلال وقت الزيارة (الأحد) وينام معها من الساعة الحادية عشرة حتى الثانية. السؤال الآن: هو ماذا إذا سيفعلون في رمضان؟ زوجاتهم غير مسلمات. فضلاً هلا تكرمت بإخبارنا عن هذا السؤال مع الأخذ في الاعتبار استقامة المرأة خلال ثلاثين يوماً. إنهم حديثو عهد بالإسلام، خاصة وأنه لا شيخ عندنا. شكراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا أجد هناك من حلّ الآن إلا مناشدة إدارة السّجن بتغيير الموعد ليكون بين المغرب والفجر وهو الوقت الذي يجوز فيه للمسلم شرعا أن يأتي زوجته. ومهما كانت الاعتبارات فإنّه لا يجوز لمسلم - يجب عليه الصيام - أن يطأ زوجته في نهار رمضان، والجماع في نهار رمضان أسوأ المفطّرات ويجب بوقوعه عتق رقبة مؤمنة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا مع التوبة وقضاء اليوم الذي وطئ فيه. وأنتم عليكم التعليم والنصيحة بالحسنى فإن حصل بعد ذلك شيء فالتوبة والكفّارة، ولعلّ إدارة السّجن تستجيب للاقتراح المذكور خصوصا إذا كانوا يقدّرون الحقوق الشخصية والحرّيات الدينية. وفّقكم الله لكلّ خير وأثابكم على جهودكم، ونسأل الله الثبات لإخواننا المسلمين المساجين والهداية لزوجاتهم، والله الهادي إلى سواء السبيل. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 1051 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3581 يريد الدخول في الإسلام، لكنه لا يستطيع أن يتمنع عن القهوة في الصيام! [السُّؤَالُ] ـ[أنا أمرأة لدي صديق يرغب في اعتناق الإسلام، ولكن عندما علم أنه يجب أن يصوم، وأنه خلال الصيام يجب أن يمتنع عن الأكل والشرب أحجم عن ذلك، لأنه مدمن على القهوة ويشربها باستمرار، لكونه يعاني من الشقيقة والصداع؛ فهي بمثابة العلاج له. فكيف أستطيع أن أساعده؟ وهل لديكم أي مقترحات؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إن أعظم نعم الله على عبده، وهي ـ أيضا ـ علامة سعادته وفلاحه: أن يوفقه ربه للدين، ويشرح صدره للإيمان به، والاستسلام له. قال تعالى: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) الأنعام/125. قال الشيخ السعدي رحمه الله: " يقول تعالى -مبينا لعباده علامة سعادة العبد وهدايته، وعلامة شقاوته وضلاله-: إن من انشرح صدره للإسلام، أي: اتسع وانفسح، فاستنار بنور الإيمان، وحيي بضوء اليقين، فاطمأنت بذلك نفسه، وأحب الخير، وطوعت له نفسه فعله، متلذذا به غير مستثقل، فإن هذا علامة على أن الله قد هداه، ومَنَّ عليه بالتوفيق وسلوك أقوم الطريق. وإن علامة من يريد الله أن يضله، أن يجعل صدره ضيقا حرجا. أي: في غاية الضيق عن الإيمان والعلم واليقين، قد انغمس قلبه في الشبهات والشهوات، فلا يصل إليه خير، لا ينشرح قلبه لفعل الخير، كأنه من ضيقه وشدته يكاد يصعد في السماء، أي: كأنه يكلف الصعود إلى السماء، الذي لا حيلة له فيه. وهذا سببه، عدم إيمانهم، هو الذي أوجب أن يجعل الله الرجس عليهم، لأنهم سدوا على أنفسهم باب الرحمة والإحسان، وهذا ميزان لا يعول، وطريق لا يتغير، فإن من أعطى واتقى، وصدق بالحسنى: يسره الله لليسرى، ومن بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسييسره للعسرى " انتهى. "تفسير السعدي" (272) . فنسأل الله أن يهدي هذا السائل، وأن يشرح صدره للإسلام، وأن يرزقه الإنابة إليه، والخضوع لدينه. ثانيا: ليعلم أن صيام شهر رمضان ليس بالأمر الهين في دين الله، بل هو أحد أركان الإسلام الخمسة، وأحد المباني العظام التي ينبني عليها هذا الدين، كما في الحديث المعروف عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ) . رواه البخاري (8) ومسلم (16) . وليعلم ـ أيضا ـ أن النطق بالشهادتين، والدخول في الإسلام يعني: أن يستسلم العبد بقلبه وجوارحه لرب العالمين، وأن يؤمن به وبما جاء من عنده، وأن يخضع لربه، ويقبل حكمه وأمره ونهيه، ويصدق خبره. قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا * فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) النساء/64-65. قال ابن كثير رحمه الله: " وقوله: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة: أنه لا يؤمن أحد حتى يُحَكم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطنا وظاهرا؛ ولهذا قال: {ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} أي: إذا حكموك يطيعونك في بواطنهم، فلا يجدون في أنفسهم حرجا مما حكم به، وينقادون له في الظاهر والباطن، فيسلمون لذلك تسليما كليا من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة " انتهى. "تفسير ابن كثير" (2/349) . والآيات في تقرير هذا الأصل، وتوضيح هذا المعنى كثيرة جدا في القرآن الكريم. ثالثا: إذا فهمنا هذا الأصل العظيم من أصول الإيمان، وهو الانقياد والقبول لكل ما جاء من عند الله تعالى، والاستسلام له باطنا وظاهرا، وعلمنا ـ أيضا ـ أن صوم رمضان ركن عظيم من أركان الإيمان، لا يصح لأحد إيمانه من غير أن يقبل به، كانت المهمة التالية في دعوة هذا الراغب في دين الله، أن نبين له أنه لا مشكلة أمامه تمنعه من الدخول في الإسلام، وأن الله تعالى ما جعل على عباده حرجا في دينهم، بل يسره عليهم، ورفع عنهم ما يوقعهم في الحرج والمشقة. فإذا كان هذا الرجل يشرب القهوة لأجل ما يصيبه من الصداع والشقيقة، فبإمكانه أن يأخذ القسط الكافي من ذلك في أثناء الليل، حتى إذا بدأ الصيام في النهار: امتنع عن ذلك حتى غروب الشمس، وبإمكانه أيضا أن يستعين بالأدوية المساعدة على الشفاء من صداعه، أو تخفيف آثاره. على أنه من المعلوم أن المريض الذي يشعر بمرضه أثناء النهار، ويتأثر مرضه بالصوم، من المعلوم أن مثل هذا معذور في دين الله، فإذا أصابه الصداع، واحتاج إلى الدواء، ولم يستطع الصوم ذلك: أمكنه أن يفطر ذلك اليوم، ثم إذا انتهى الشهر يقضي ما أفطره من الأيام بعذر المرض، كما قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) البقرة/183-184. وأما إذا كان الرجل راغبا في شرب القهوة، محبا له، لا يريد أن يترك شهوته لها، ورغبته فيها أثناء النهار، شهرا واحدا في كل سنة: فهذا ليس مستعدا لأن يؤمن ويستسلم، ولا أن يلتزم التزاما حقيقيا بالدين، لا دين الإسلام ولا غيره، لأن الدين، أي دين، يتطلب من صاحبه قدرا من الخضوع والاستسلام، وترك رغبات النفس وشهواتها. وهنا يأتي المحك، وهنا ـ أيضا ـ تأتي العقبة التي يفشل كثير من الناس في تجاوزها: عقبة الهوى، ومخالفة ما تشتهيه النفس، وهو الأمر الذي ذكره الله في كتابه لنبيه فقال: (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا) الفرقان/43. رابعا: إن الله عز وجل أرحم بعباده من الوالدة بولدها، ومتى أقبل العبد على ربه أقبل الله عليه أكثر مما فعل هو، كما في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً) رواه البخاري (7405) ومسلم (2675) . فكن على ثقة ـ يا عبد الله ـ أنك متى أقبلت على الله بصدق، أقبل الله عليك، وجبر كسرك، ويسر لك أمرك، وشرح صدرك، وكفاك شر ما أهمك، وأعانك من حيث لا تحتسب، فلعل الله أن يشفيك من دائك، ولعله أن يغنيك ويصرف عنك ذلك الإدمان لما تشربه، فأقبل على الله، وأحسن الظن بربك، وألق عليه حاجتك، لكن شريطة أن تكون جادا في الانقياد لأمر الله، والقبول لما جاء من عنده. قال الله تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى) الشمس/5-7. خامسا: ليُعلم أنه متى صدق العبد في إيمانه بربه، ثم عجز عن بعض التكاليف، أو غلبته نفسه وشهوته، فوقع في معصية، أن المعصية ليست نهاية الطريق، بل باب التوبة والإنابة إلى ربه مفتوح، ثم هو ـ على معصيته ـ في محل العفو من الله، والرجاء بالتجاوز عن ذنبه وزلته، لكن المشكلة التي لا حل لها هي أن يبقى على شركه وإعراضه عن دين ربه. قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا) النساء/48. سادسا: من المهم أن ننتبه إلى أنه ليس من المقبول أن تكون هناك علاقة صداقة بين الرجل والمرأة في الإسلام، بل ذلك من أعمال الجاهلية التي يتنزه المسلم عنها، بل منع الإسلام من مخالطة الرجال للنساء، والدخول عليهن، والخلوة بهن. وقد سبق بيان ذلك في أجوبة عديدة في قسم " العلاقات بين الجنسين " من الموقع، فلتراجع هناك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 140972 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3582 هل يجب الصيام على أصحاب المناطق الحارة جداًّ مع صعوبته عليهم؟ [السُّؤَالُ] ـ[في منطقة الصحراء الكبرى، قد يحل شهر رمضان على الناس في فصل الصيف ويصعب عليهم الصيام، وقد يكون عليهم مستحيلاً ويستمر ذلك لعدة سنوات، كيف يصوم هؤلاء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا دخل شهر رمضان وجب على كل مسلم مكلف مقيم صحيح أن يصومه، قال تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/185. فيجب الصيام ولو كان الوقت حاراً؛ لأن صوم رمضان ركن من أركان الإسلام، ومن صام ثم أصيب بعطش شديد خشي معه الهلاك فإنه يفطر بتناول ما يبقي على حياته، ثم يمسك ويقضي هذا اليوم في وقت آخر. والله أعلم. وبالله التوفيق، وصلى الله علي نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز. الشيخ عبد الله بن غديان. صالح الفوزان. الشيخ عبد العزيز آل الشيخ. الشيخ بكر أبو زيد. "فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الثانية" (9/145) . [الْمَصْدَرُ] "فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الثانية" (9/145) الحديث: 129831 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3583 الصيام ليس من خصائص هذه الأمة [السُّؤَالُ] ـ[شهر رمضان هل هو من خصائص هذه الأمة أم هو عند الأمم السابقة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة/183، دلت هذه الآية الكريمة على أن الصيام عبادة قديمة فرضت على من قبلنا كما فرضت علينا، ولكن هل هم متقيدون بالصيام في رمضان أم في غيره؟ هذا لا أعلم فيه نصا عن النبي صلى الله عليه وسلم" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (15/7) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 124201 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3584 هل من مات في رمضان يدخل الجنة بغير حساب؟ [السُّؤَالُ] ـ[يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين) فهل معنى ذلك أن من يموت في رمضان يدخل الجنة بغير حساب؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "ليس الأمر كذلك، بل معنى هذا أن أبواب الجنة تفتح تنشيطاً للعاملين، ليتسنى لهم الدخول، وتغلق أبواب النار، لأجل انكفاف أهل الإيمان عن المعاصي، حتى لا يلجوا هذه الأبواب، وليس معنى ذلك أن من مات في رمضان يدخل الجنة بغير حساب، إنما الذين يدخلون الجنة بغير حساب هم الذين وصفهم الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: (هم الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون) مع قيامهم بما يجب عليهم من الأعمال الصالحة" انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. "فتاوى إسلامية" (2/162) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112089 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3585 هل يلزمه قضاء ما مضى من رمضان قبل إسلامه؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يلزمه قضاء الأيام التي مضت من الشهر قبل إسلامه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا يلزمه قضاء الأيام التي كانت قبل إسلامه، لأنه حين ذاك لا يوجه إليه الأمر بالصيام، فليس من أهل وجوب الصيام حتى يلزمه قضاؤه" انتهى. فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. "الإجابات على أسئلة الجاليات" (1/8) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112104 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3586 تصفيد الشياطين في رمضان [السُّؤَالُ] ـ[أود الاستفسار عن أننا نعرف أن شهر رمضان تقيد فيه الشياطين والعياذ بالله منهم ... كذلك أود الاستفسار عن هل السحرة عليهم لعنة من الله يعملون في هذا الشهر الكريم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، قد توسوس الشياطين للإنسان في رمضان، وقد يعمل السحرة في رمضان، ولكن ذلك بلا شك أقل منه في غير رمضان. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِين) . رواه البخاري (3277) ومسلم (1079) . وعند النسائي (2106) (وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ) . والمردة جمع مارد، وهو المتجرد للشر. وهذا لا يعني أنه ينعدم تأثير الشياطين تماماً، بل يدل على أنهم يضعفون في رمضان ولا يقدرون فيه على ما يقدرون عليه في غير رمضان. ويحتمل أن الذي يغل هو مردة الشياطين وليس كلهم. قَالَ الْقُرْطُبِيّ: فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ نَرَى الشُّرُورَ وَالْمَعَاصِيَ وَاقِعَةً فِي رَمَضَان كَثِيرًا فَلَوْ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ لَمْ يَقَعْ ذَلِكَ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّهَا إِنَّمَا تَقِلُّ عَنْ الصَّائِمِينَ الصَّوْم الَّذِي حُوفِظَ عَلَى شُرُوطِهِ وَرُوعِيَتْ آدَابُهُ. أَوْ الْمُصَفَّد بَعْض الشَّيَاطِينِ وَهُمْ الْمَرَدَةُ لَا كُلُّهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ. أَوْ الْمَقْصُودِ تَقْلِيل الشُّرُورِ فِيهِ وَهَذَا أَمْر مَحْسُوس فَإِنَّ وُقُوع ذَلِكَ فِيهِ أَقَلّ مِنْ غَيْرِهِ , إِذْ لا يَلْزَمُ مِنْ تَصْفِيد جَمِيعهمْ أَنْ لا يَقَعُ شَرّ وَلا مَعْصِيَة لأَنَّ لِذَلِكَ أَسْبَابًا غَيْر الشَّيَاطِينِ كَالنُّفُوسِ الْخَبِيثَةِ وَالْعَادَات الْقَبِيحَة وَالشَّيَاطِينِ الإِنْسِيَّة اهـ. من فتح الباري. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 12653 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3587 مَنْ كان مِنْ أهل الصيام دُعِيَ من باب الرَّيَّان [السُّؤَالُ] ـ[يخبرني زوجي عن باب الرضوان، والذي يُفتح خلال شهر رمضان فقط. وقد نمى إلى علمي أنه عندما يُفتح هذا الباب، فإن الله يصب الثراء من خلاله. هلا أكدت/وضحت هذه المقولة وأرشدتنا كي نلم بهذه المسألة بشكل أفضل.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: فرض الله على المسلمين صيام شهر رمضان، ووعد بالأجر الجزيل للصائمين، ولما كان فضل الصيام عظيماً لم يعيِّن الله عز وجل أجره وإنما قال عز وجل – في الحديث القدسي -: (إلا الصوم فإنه لِي وأنا أجزي به) . وفضائل شهر رمضان كثيرة، ومنها ما أعده الله للصائمين وهو باب " الريان "، وهكذا ورد اسمه في الحديث المتفق عليه من حديث سَهْلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ يُقَالُ أَيْنَ الصَّائِمُونَ فَيَقُومُونَ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ) البخاري (1763) ومسلم (1947) . ومن الأحاديث التي تُبَيِّن أجر الصيام: عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) رواه البخاري (الإيمان / 37) عن أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ اللَّهُ: (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلا يَصْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ) رواه البخاري (1771) . ثانياً: ومن المعلوم أن للجنة أبواباً كثيرة كما قال تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ} الرعد/23. وقال سبحانه: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} الزمر/73. وقد جاء في صحيح السنة أنها ثمانية أبواب: عن سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " في الجنة ثمانية أبواب فيها باب يسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون ". رواه البخاري (3017) . عن عبادة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه والجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة من أبواب الجنة الثمانية أيها شاء على ما كان من العمل ".رواه البخاري (3180) ومسلم (41) . ومن فضل الله على هذه الأمة أنه سبحانه يفتح أبواب الجنة كلها في شهر رمضان، وليس باباً واحداً، ومن قال إن في الجنة باباً يقال له " باب الرضوان " فعليه الدليل. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين ". رواه البخاري (3035) ومسلم (1793) . نسأل الله أن يجعلنا من الداخلين جنّات النعيم وصلى الله على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 13934 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3588 جدول مقترح للمسلم في شهر رمضان [السُّؤَالُ] ـ[أولاً أهنئكم بدخول شهر رمضان الكريم، وأتمنى أن يتقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام. وأتمنى أن أستغل هذه الفرصة بقدر ما أستطيع في العبادة وتحصيل الأجر، فأرجو منكم إعطائي برنامجاً مناسباً لي ولأُسرتي حتى نستغل الشهر بالخير والطاعة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تقبل الله من الجميع صالح القول والعمل، ورزقنا الإخلاص في السر والعلن. وهذا جدول مقترح للمسلم في هذا الشهر المبارك: يوم المسلم في رمضان: يبدأ المسلم يومه بالسحور قبل صلاة الفجر , والأفضل أن يؤخر السحور إلى أقصى وقت ممكن من الليل. ثم بعد ذلك يستعد المسلم لصلاة الفجر قبل الآذان , فيتوضأ في بيته , ويخرج إلى المسجد قبل الآذان , فإذا دخل المسجد صلى ركعتين (تحية المسجد) , ثم يجلس ويشتغل بالدعاء , أو بقراءة القرآن , أو بالذكر , حتى يؤذن المؤذن , فيردد مع المؤذن ويقول ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم بعد الفراغ من الأذان , ثم بعد ذلك يصلي ركعتين (راتبة الفجر) , ثم يشتغل بالذكر والدعاء وقراءة القرآن إلى أن تُقام الصلاة , وهو في صلاة ما انتظر الصلاة. بعد أن يؤدي الصلاة مع الجماعة يأتي بالأذكار التي تشرع عقب السلام من الصلاة , ثم بعد ذلك إن أحب أن يجلس إلى أن تطلع الشمس في المسجد مشتغلا بالذكر وقراءة القرآن فذلك أفضل , وهو ما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم بعد صلاة الفجر. ثم إذا طلعت الشمس وارتفعت ومضى على شروقها نحو ربع ساعة فإن أحب أن يصلي صلاة الضحى (أقلها ركعتين) فذلك حسن , وإن أحب أن يؤخرها إلى وقتها الفاضل وهو حين ترمض الفصال، أي: عند اشتداد الحر وارتفاع الشمس فهو أفضل. ثم إن أحب أن ينام ليستعد للذهاب إلى عمله , فلينوي بنومه ذلك التَّقوِّي على العبادة وتحصيل الرزق , كي يؤجر عليه إن شاء الله تعالى، وليحرص على تطبيق آداب النوم الشرعية العملية والقولية. ثم يذهب إلى عمله , فإذا حضر وقت صلاة الظهر , ذهب إلى المسجد مبكرا , قبل الأذان أو بعده مباشرة , وليكن مستعدا للصلاة مسبقا , فيصلي أربع ركعات بسلامين (راتبة الظهر القبلية) , ثم يشتغل بقراءة القرآن إلى أن تقام الصلاة، فيصلي مع الجماعة , ثم يصلي ركعتين (راتبة الظهر البعدية) . ثم بعد الصلاة يعود إلى إنجاز ما بقي من عمله , إلى أن يحضر وقت الانصراف من العمل , فإذا انصرف من العمل فإن كان قد بقي وقت طويل على صلاة العصر ويمكنه أن يستريح فيه , فليأخذ قسطا من الراحة , وإن كان الوقت غير كاف ويخشى إذا نام أن تفوته صلاة العصر فليشغل نفسه بشيء مناسب حتى يحين وقت الصلاة , كأن يذهب إلى السوق لشراء بعض الأشياء التي يحتاجها أهل البيت ونحو ذلك , أو يذهب إلى المسجد مباشرة من حين ينتهي من عمله , ويبقى في المسجد إلى أن يصلي العصر. ثم بعد العصر ينظر الإنسان إلى حاله , فإن كان بإمكانه أن يجلس في المسجد ويشتغل بقراءة القرآن فهذه غنيمة عظيمة , وإن كان الإنسان يشعر بالإرهاق , فعليه أن يستريح في هذا الوقت , كي يستعد لصلاة التراويح في الليل. وقبل أذان المغرب يستعد للإفطار , وليشغل نفسه في هذه اللحظات بشيء يعود عليه بالنفع , إما بقراءة قرآن , أو دعاء , أو حديث مفيد مع الأهل والأولاد. ومن أحسن ما يشغل به هذا الوقت المساهمة في تفطير الصائمين , إما بإحضار الطعام لهم أو المشاركة في توزيعه عليهم وتنظيم ذلك , ولذلك لذة عظيمة لا يذوقها إلا من جرب. ثم بعد الإفطار يذهب للصلاة في المسجد مع الجماعة , وبعد الصلاة يصلي ركعتين (راتبة المغرب) , ثم يعود إلى البيت ويأكل ما تيسر له – مع عدم الإكثار - , ثم يحرص على أن يبحث عن طريقة مفيدة يملأ بها هذا الوقت بالنسبة له ولأهل بيته , كالقراءة من كتاب قصصي , أو كتاب أحكام عملية , أو مسابقة , أو حديث مباح , أو أي فكرة أخرى مفيدة تتشوق النفوس لها , وتصرفها عن المحرمات التي تبث في وسائل الإعلام , والتي يعد هذا الوقت بالنسبة لها وقت الذروة , فتجدها تبث أكثر البرامج جذبا وتشويقا , وإن حوت ما حوت من المنكرات العقدية والأخلاقية، فاجتهد يا أخي في صرف نفسك عن ذلك , واتق الله في رعيتك التي سوف تسأل عنها يوم القيامة , فأعد للسؤال جوابا. ثم استعد لصلاة العشاء , واتجه إلى المسجد , فاشتغل بقراءة القرآن , أو بالاستماع إلى الدرس الذي يكون في المسجد. ثم بعد ذلك أدِ صلاة العشاء , ثم صلِ ركعتين (راتبة العشاء) ثم صلِّ التراويح خلف الإمام بخشوع وتدبر وتفكر , ولا تنصرف قبل أن ينصرف الإمام , وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة ". رواه أبو داود (1370) وغيره، وصححه الألباني في "صلاة التراويح " (ص 15) . ثم اجعل لك برنامجا بعد صلاة التراويح يتناسب مع ظروفك وارتباطاتك الشخصية، وعليك مراعاة ما يلي: البعد عن جميع المحرمات ومقدماتها. مراعاة تجنيب أهل بيتك الوقوع في شيء من المحرمات أو أسبابها بطريقة حكيمة، كإعداد برامج خاصة لهم , أو الخروج بهم للنزه في الأماكن المباحة , أو تجنبيهم رفقة السوء والبحث لهم عن رفقة صالحة. أن تشتغل بالفاضل عن المفضول. ثم احرص على أن تنام مبكرا , مع الإتيان بالآداب الشرعية للنوم العملية والقولية , وإن قرأت قبل النوم شيئا من القرآن أو من الكتب النافعة فهذا أمر حسن، لا سيما إن كنت لم تنه وردك اليومي من القرآن , فلا تنم حتى تنهه. ثم استقيظ قبل السحور بوقت كاف للاشتغال بالدعاء , فهذا الوقت _ وهو ثلث الليل الأخير _ وقت النزول الإلهي , وقد أثنى الله عز وجل على المستغفرين فيه , كما وعد الداعين فيه بالإجابة والتائبين بالقبول , فلا تدع هذه الفرصة العظيمة تفوتك. يوم الجمعة: يوم الجمعة هو أفضل أيام الأسبوع , فينبغي أن يكون له برنامجا خاصا في العبادة والطاعة , يراعى فيه ما يلي: التبكير في الحضور إلى صلاة الجمعة. البقاء في المسجد بعد صلاة العصر , والاشتغال بالقراءة والدعاء حتى الساعة الأخيرة من هذا اليوم , فإنها ساعة ترجى فيها إجابة الدعاء. اجعل هذا اليوم فرصة لاستكمال بعض أعمالك التي لم تتمها في وسط الأسبوع , كإتمام الورد الأسبوعي من القرآن , أو إتمام قراءة كتاب , أو سماع شريط , ونحو ذلك من الأعمال الصالحة. العشر الأواخر: العشر الأواخر فيها ليلة القدر , التي هي خير من ألف شهر , لذا يشرع للإنسان أن يعتكف في هذه العشر في المسجد , كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل , طلبا لليلة القدر , فمن تيسر له الاعتكاف فيها , فهذه منة عظيمة من الله عليه. ومن لم يتيسر له اعتكافها كلها , فليعتكف ما تيسر له منها. وإن لم يتيسر له اعتكاف شيء منها فليحرص على إحياء ليلها بالعبادة والطاعة من قيام وقراءة وذكر ودعاء , وليستعد لذلك من النهار بإراحة جسمه ليتمكن من السهر في الليل. تنبيهات: هذا الجدول جدول مقترح , وهو جدول مرن يمكن لكل فرد أن يعدل فيه بحسب ظروفه الخاصة. هذا الجدول روعي فيه الالتزام بذكر السنن الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم , فلا يعني ذلك أن جميع ما فيه من الواجبات والفرائض , بل فيه كثير مع السنن والمستحبات. أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل , فالإنسان في أول الشهر قد يتحمس للطاعة والعبادة , ثم يصاب بالفتور , فاحذر من ذلك , واحرص على المداومة على جميع الأعمال التي تؤديها في هذا الشهر الكريم. ينبغي على المسلم أن يحرص على تنظيم وقته في هذا الشهر المبارك , حتى لا يضيع على نفسه فرص كبيرة للازدياد من الخير والعمل الصالح , فمثلا: يحرص الإنسان على شراء الأغراض التي يحتاجها أهل البيت قبل بداية الشهر , وكذلك الأغراض اليومية يحرص على شرائها في الأوقات التي لا يكون فيها زحام في الأسواق، ومثال آخر: الزيارات الشخصية والعائلية ينبغي أن تنظم بحيث لا تشغل الإنسان عن عبادته. اجعل الإكثار من العبادة والتقرب إلى الله هو همك الأول في هذا الشهر المبارك. اعقد العزم من بداية الشهر على التبكير إلى المسجد في أوقات الصلاة , وعلى ختم كتاب الله عز وجل تلاوة , وعلى المحافظة على قيام الليل في هذا الشهر العظيم، وعلى إنفاق ما تيسر من مالك. اغتنم فرصة شهر رمضان لتقوية صلتك بكتاب الله عز وجل , وذلك من خلال الوسائل التالية: ضبط القراءة الصحيحة للآيات , والسبيل إلى ذلك هو تصحيح القراءة على مقرئ جيد , فإن تعذر فمن خلال متابعة أشرطة القراء المتقنين. مراجعة ما مَنَّ الله عز وجل به عليك من حفظ , والاستزادة من الحفظ. القراءة في تفسير الآيات , وذلك إما بمراجعة الآيات التي تشكل عليك في كتب التفاسير المعتمدة كتفسير البغوي وتفسير ابن كثير وتفسير السعدي , وإما بأن تجعل لك جدولا للقراءة المنتظمة في كتاب من كتب التفسير , فتبدأ أولا بجزء عم , ثم تنتقل إلى جزء تبارك , وهكذا. العناية بتطبيق الأوامر التي تمر بك في كتاب الله عز وجل. نسأل الله عز وجل أن يتم علينا نعمة إدراك رمضان , بإتمام صيامه وقيامه , وأن يتقبل منا , وأن يتجاوز عن تقصيرنا. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 26869 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3589 حال المسلم في رمضان [السُّؤَالُ] ـ[ما هي الكلمة التي توجهونها للمسلمين بمناسبة دخول شهر رمضان؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الله تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون) البقرة / 185 هذا الشهر المبارك موسم عظيم للخير والبركة والعبادة والطاعة. فهو شهر عظيم، وموسم كريم، شهر تضاعف فيه الحسنات، وتعظم فيه السيئات، وتفتح فيه أبواب الجنات، وتقفل فيه أبواب النيران، وتقبل فيه التوبة إلى الله من ذوي الآثام والسيئات. فاشكروه على ما أنعم عليكم به من مواسم الخير والبركات، وما خصكم به من أسباب الفضل وأنواع النعم السابغات، واغتنموا مرور الأوقات الشريفة والمواسم الفاضلة بعمارتها بالطاعات وترك المحرمات تفوزوا بطيب الحياة وتسعدوا بعد الممات. والمؤمن الصادق كل الشهور عنده مواسم للعبادة والعمر كله عنده موسم للطاعة , ولكنه في شهر رمضان تتضاعف همته للخير وينشط قلبه للعبادة أكثر، ويقبل على ربه سبحانه وتعالى , وربنا الكريم من جوده وكرمه تفضل على المؤمنين الصائمين فضاعف لهم المثوبة في هذا الموقف الكريم وأجزل لهم العطاء والمكافئة على صالح الأعمال. ما أشبه الليلة بالبارحة.. هذه الأيام تمر بسرعة وكأنها لحظات، فقد استقبلنا رمضان ثم ودعناه، وما هي إلا فترة من الزمن وإذ بنا نستقبل رمضان مرة أخرى، فعلينا أن نبادر بالأعمال الصالحة في هذا الشهر العظيم، وأن نحرص على ملئه بما يرضي الله، وبما يُسعدنا يوم نلقاه. كيف نستعد لرمضان؟ إن الاستعداد في رمضان يكون بمحاسبة النفس على تقصيرها في تحقيق الشهادتين أو التقصير في الواجبات أو التقصير في عدم ترك ما نقع فيه من الشهوات أو الشبهات.. فيُقوم العبد سلوكه ليكون في رمضان على درجة عالية من الإيمان.. فالإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، فأول طاعة يحققها العبد هي تحقيق العبودية لله وحده وينعقد في نفسه ألا معبود بحق إلا الله، فيصرف جميع أنواع العبادة لله لا يشرك معه أحداً في عبادته، ويستيقن كل منا أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه وأن كل شيء بقدر. ونمتنع عن كل ما يناقض تحقيق الشهادتين وذلك بالابتعاد عن البدع والإحداث في الدين. وبتحقيق الولاء والبراء، بأن نوالي المؤمنين ونعادي الكافرين والمنافقين، ونفرح بانتصار المسلمين على أعدائهم، ونقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ونستن بسنته صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده، ونحبها ونحب من يتمسك بها ويدافع عنها في أي أرض وبأي لون وجنسية كان. بعد ذلك نحاسب أنفسنا على التقصير في فعل الطاعات كالتقصير في أداء الصلوات جماعة وذكر الله عز وجل وأداء الحقوق للجار وللأرحام وللمسلمين وإفشاء السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتواصي بالحق، والصبر على ذلك، والصبر عن فعل المنكرات، وعلى فعل الطاعات، وعلى أقدار الله عز وجل. ثم تكون المحاسبة على المعاصي واتباع الشهوات بمنع أنفسنا من الاستمرار عليها، أي معصية كانت صغيرة أو كبيرة سواءً كانت معصية بالعين بالنظر إلى ما حرم الله أو بالسماع للمعازف أو بالمشي فيما لا يرضي الله عز وجل، أو بالبطش باليدين في ما لا يرضي الله، أو بأكل ما حرم الله من الربا أو الرشوة أو غير ذلك مما يدخل في أكل أموال الناس بالباطل. ويكون نصب أعيننا أن الله يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، وقد قال سبحانه وتعالى: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين.الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين. والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون. أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين} . وقال تعالى: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم} . وقال تعالى: {ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً} . بهذه المحاسبة وبالتوبة والاستغفار يجب علينا أن نستقبل رمضان، " فالكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ". إن شهر رمضان شهر مغنم وأرباح، والتاجر الحاذق يغتنم المواسم ليزيد من أرباحه فاغتنموا هذا الشهر بالعبادة وكثرة الصلاة وقراءة القرآن والعفو عن الناس والإحسان إلى الغير والتصدق على الفقراء. ففي شهر رمضان تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النار وتصفد فيه الشياطين وينادي منادٍ كل ليلة: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر. فكونوا عباد الله من أهل الخير متبعين في ذلك سلفكم الصالح مهتدين بسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم حتى نخرج من رمضان بذنب مغفور وعمل صالح مقبول. واعلموا بأن شهر رمضان خير الشهور: قال ابن القيم: " ومن ذلك – أي المُفاضلة بين ما خَلَق الله – تفضيل شهر رمضان على سائر الشهور وتفضيل عشره الأخير على سائر الليالي" أهـ زاد المعاد 1/56. وفُضِّل هذا الشهر على غيره لأربعة أمور: أولاً: فيه خير ليلة من ليالي السنة، وهي ليلة القدر. قال تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر. وما أدراك ما ليلة القدر. ليلة القدر خير من ألف شهر. تنزّل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر. سلام هي حتى مطلع الفجر} سورة القدر. فالعبادة في هذه الليلة خير من عبادة ألف شهر. ثانياً: أُنزلت فيه أفضل الكتب على أفضل الأنبياء عليهم السلام. قال تعالى: {شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن هدى للناس وبيّنات من الهدى والفرقان} البقرة / 158. وقال تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين.فيها يُفرق كل أمر حكيم. أمراً من عندنا إنا كنا مرسِلين} الدخان / 1-2. وروى أحمد والطبراني في معجمه الكبير عن واثلة بن الأسقع - رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أُنزلت صحف إبراهيم أول ليلة من شهر رمضان، وأُنزلت التوراة لِسِتٍ مضت من رمضان، وأُنزل الإنجيل لثلاث عشرة مضت من رمضان، وأُنزل الزبور لثمان عشرة خلت من رمضان، وأُنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان) . حسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (1575) . ثالثاً: هذا الشهر تُفتح فيه أبواب الجنة وتُغلق أبواب جهنم وتُصفَّد الشياطين: فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصُفِّدت الشياطين) متفق عليه. وروى النَّسائي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا جاء رمضان فُتحت أبواب الرحمة وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين) وصححه الألباني في صحيح الجامع (471) . وروى الترمذي وابن ماجه وابن خزيمة في رواية: (إذا كان أول ليلة في شهر رمضان صُفِّدت الشياطين ومَرَدَة الجن، وغلقت أبواب النار فلم يُفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر. ولله عُتقاء من النار وذلك كل ليلة) . وحسنه الألباني في صحيح الجامع (759) . فإن قيل: كيف نرى الشرور والمعاصي واقعة في رمضان كثيراً، فلو صُفدت الشياطين لم يقع ذلك؟ فالجواب: أنها إنما تَقِل عن الذي حافظ على شروط الصيام وراعى آدابه. أو أن المُصفَّد بعض الشياطين وهم المَرَدة لا كلُّهم. أو المقصود تقليل الشرور فيه وهذا أمر محسوس، فإنَّ وقوع ذلك فيه أقل من غيره، إذ لا يلزم من تصفيد جميعهم أن لا يقع شر ولا معصية لأن لذلك أسباباً غير الشياطين كالنفوس الخبيثة والعادات القبيحة والشياطين الإِنسية. الفتح 4/145. رابعاًَ: فيه كثير من العبادات، وبعضها لا توجد في غيره كالصيام والقيام وإطعام الطعام والاعتكاف والصدقة وقراءة القرآن. أسأل الله العلي العظيم أن يوفقنا جميعاً لذلك ويعيننا على الصيام والقيام وفعل الطاعات وترك المنكرات. والحمد لله رب العالمين. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 12468 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3590 على من يجب صوم رمضان؟ [السُّؤَالُ] ـ[من الذي يجب عليه صوم رمضان؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب الصوم على الشخص إذا توفرت فيه خمسة شروط: أولاً / أن يكون مسلماً. ثانياً / أن يكون مكلفاً. ثالثاً / أن يكون قادراً على الصوم. رابعاً / أن يكون مقيماً. خامساً / الخلو من الموانع. فهذه الشروط الخمسة متى توفرت في الشخص وجب عليه الصوم. فخرج بالشرط الأول الكافر؛ فالكافر لا يلزمه الصوم ولا يصح منه، فإذا أسلم لم يؤمر بقضائه. والدليل على ذلك قوله تعالى: (وما منعهم أن تُقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا يُنفقون إلا وهم كارهون) فإذا كانت النفقات - ونفعها متعدٍ - لا تُقبل منهم لكفرهم، فالعبادات الخاصة من باب أولى. وكونه لا يقضي إذا أسلم لقوله تعالى: (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) وثبت عن طريق التواتر عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن يأمر من أسلم بقضاء ما فاته من الواجبات. وهل يعاقب الكافر في الآخرة على ترك الصيام إذا لم يسلم؟ الجواب: نعم يعاقب على تركه، وعلى ترك جميع الواجبات؛ لأنه إذا كان المسلم المطيع لله الملتزم بشرعه يعاقب عليها فالمستكبر من باب أولى، وإذا كان الكافر يُعذب على ما يتمتع به من نعم الله من طعام وشراب ولباس، ففعل المحرمات وترك الواجبات من باب أولى، وهذا من القياس. أما النص فيقول الله تعالى عن أصحاب اليمين أنهم يقولون للمجرمين: (ما سلككم في سقر. قالوا لم نك من المصلين. ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين) فهذه الأربعة هي التي أدخلتهم النار: {لم نكُ من المصلين} الصلاة، {لم نكُ نطعم المسكين} الزكاة، {وكنا نخوض مع الخائضين} مثل الاستهزاء بآيات الله. {وكنا نكذب بيوم الدين} . الشرط الثاني: أن يكون مكلفاً، والمكلف هو البالغ العاقل، لأنه لا تكليف مع الصغر ولا تكليف مع الجنون. والبلوغ يحصل بواحد من ثلاثة أمور تجدها في السؤال (20475) . والعاقل ضده المجنون، أي فاقد العقل من مجنون ومعتوه، فكل من ليس له عقل بأي وصف من الأوصاف فإنه ليس بمكلف، وليس عليه واجب من واجبات الدين لا صلاة ولا صيام ولا إطعام، أي لا يجب عليه شيء إطلاقاً. الشرط الثالث: " القادر " أي قادر على الصيام، أما العاجز فليس عليه صوم لقول الله تعالى: (ومن كان مريضا أو على سفر فعدةٌ من أيام أُخر) . لكن العجز ينقسم إلى قسمين: قسم طارئ وقسم دائم: فالقسم الطارئ هو المذكور في الآية السابقة (كالمريض مرضا يُرجى زواله والمسافر فهؤلاء يجوز لهم الإفطار ثم قضاء ما فاتهم) . والعجز الدائم (كالمريض مرضاً لا يُرجى شفائه، وكبير السن الذي يعجز عن الصيام) وهو المذكور في قوله تعالى: (وعلى الذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكين) حيث فسرها ابن عباس رضي الله عنهما " بالشيخ والشيخة إذا كانا لا يطيقان الصوم فيُطعمان عن كل يوم مسكينا ". الشرط الرابع: أن يكون مقيماً، فإن كان مسافرا فلا يجب عليه الصوم؛ لقوله تعالى: (ومن كان مريضاً أو على سفر فعدةٌ من أيامٍ أُخر) وقد أجمع العلماء أنه يجوز للمسافر الفطر. والأفضل للمسافر أن يفعل الأيسر، فإن كان في الصوم ضرر كان الصوم حراماً لقوله تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) فإن هذه الآية تدل على أن ما كان ضرراً على الإنسان كان منهياً عنه. راجع السؤال (20165) فإن قلت: ما هو مقياس الضرر الذي يُحرِّم الصيام؟ فالجواب: الضرر يكون بالحس، وقد يُعلم بالخَبَر، أما بالحس فأن يشعر المريض بنفسه أن الصوم يضره ويثير عليه الأوجاع، ويوجب تأخر الشفاء وما أشبه ذلك. وأما الخَبَر فأن يُخبره طبيب عالم ثقة بأنه يضره. الشرط الخامس: الخلو من الموانع، وهذا خاص بالنساء، فالحائض والنفساء لا يلزمها الصوم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم مقرراً ذلك: " أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم ". فلا يلزمها ولا يصح منها إجماعاً، ويلزمها قضاؤه إجماعاً. الشرح الممتع 6/330 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 26814 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3591 بلغت ولكنها لا تقوى على الصيام [السُّؤَالُ] ـ[فتاة أتاها الحيض في السنة الحادية عشر من عمرها فهل يلزمها الصيام؟ مع ملاحظة أنها لا تتمتع بصحة جيدة وفي حالة عدم قدرتها على الصيام ما الذي يترتب عليها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كان الواقع كما ذكرت لزمها الصيام لأن الحيض من علامات بلوغ النساء إذا جاءها وهي في التاسعة من عمرها فأكثر. فإذا استطاعت الصيام وجب عليها أداؤه في وقته، وإذا عجزت أو نالها منه مشقة شديدة أفطرت ووجب عليها قضاء ما أفطرته من الأيام عند القدرة على ذلك" انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (10/145، 145) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106479 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3592 حديث سلمان في فضائل شهر رمضان ضعيف [السُّؤَالُ] ـ[بعض خطباء المساجد بهذه المنطقة ألقى خطبة من ضمنها حديث سلمان الذي ذكر فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبهم في آخر يوم من شعبان.. إلخ. وقد اعترض عليه بعض الإخوان علناً أمام الجمهور بقوله: بأن حديث سلمان من الموضوعات، وكذلك قوله: من أشبع صائماً سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ بعدها حتى يدخل الجنة، وقوله: ومن خفف عن مملوكه غفر الله له وأعتقه من النار. وقال: إن هذه الكلمات كذب على الرسول، ومن كذب على الرسول فليتبوأ مقعده من النار.. إلخ. فهل هذا الحديث صحيح أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "حديث سلمان رواه ابن خزيمة في صحيحه فقال: باب في فضائل شهر رمضان إن صح الخبر، ثم قال: حدثنا على بن حجر السعدي حدثنا يوسف بن زياد حدثنا همام بن يحيى عن علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب عن سلمان قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان فقال: (أيها الناس، قد أظلكم شهر عظيم، شهر مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعاً، من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة، وشهر يزداد فيه رزق المؤمن، من فطر فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه، وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجره شيء. قالوا: ليس كلنا نجد ما يفطر الصائم، فقال: يعطي الله هذا الثواب من فطر صائماً على تمرة أو شربة ماء أو مذقة لبن، وهو شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، من خفف عن مملوكه غفر الله له، وأعتقه من النار، فاستكثروا فيه من أربع خصال: خصلتين ترضون بهما ربكم، وخصلتين لا غنى بكم عنهما: فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم: فشهادة أن لا إله إلا الله، وتستغفرونه، وأما اللتان لا غنى بكم عنهما: فتسألون الله الجنة، وتعوذون به من النار، ومن أشبع فيه صائماً سقاه الله من حوضي شربةً لا يظمأ حتى يدخل الجنة) وفي سنده على بن زيد بن جدعان وهو ضعيف لسوء حفظه، وفي سنده أيضاً يوسف بن زياد البصري وهو منكر الحديث، وفيه أيضاً همام بن يحيى بن دينار العودي قال فيه ابن حجر في التقريب: ثقة ربما وهم. وعلى هذا؛ فالحديث بهذا السند ليس بمكذوب، لكنه ضعيف، ومع ذلك ففضائل رمضان كثيرة ثابتة في الأحاديث الصحيحة. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (10/84- 86) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106480 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3593 حكم من يصلي ولا يزكي ولا يصوم، أو يحج ولا يصلي [السُّؤَالُ] ـ[قرأت في بعض أجوبتكم أن الذي يصوم ولا يصلي لا يجوز صومه، والآن العكس فهل الذي يصلي ولا يصوم تجوز صلاته، وهل الذي لا يزكي ويصلي تجوز صلاته. وهل الذي يحج ولا يصلي يجوز حجه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "من ترك صوم شهر رمضان جحداً لوجوبه كفر، ولا تصح صلاته، ومن تركه عمداً وتساهلاً فلا يكفر في الأصح وتصح صلاته، ومن ترك الزكاة المفروضة جحداً لوجوبها كفر ولا تصح صلاته، ومن تركها عمداً تساهلاً وبخلاً فلا يكفر وتصح صلاته، وهكذا الحج من تركه جحداً لوجوبه مطلقاً كفر أما من تركه مع الاستطاعة لم يكفر وتصح صلاته. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (10/143، 144) . ومن ترك الصلاة فهو كافر مرتد على الصحيح من أقوال أهل العلم، فلا تصح له عبادة من العبادات. وانظر: جواب السؤال رقم (5208) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106481 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3594 بلغت ثلاث عشرة سنة ولا تصوم رمضان [السُّؤَالُ] ـ[فتاة بلغ عمرها اثنتي عشرة أو ثلاث عشرة سنة ولا تصوم رمضان، فهل عليها شيء أو على أهلها؟ وهل تصوم وإذا ما صامت فهل عليها شيء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "المرأة تكون مكلفة بشروط وهي الإسلام والعقل والبلوغ، ويحصل البلوغ: بالحيض وإنزال المني بشهوة، وبالاحتلام إذا رأت المني، أو نبات شعر خشن حول القبل، أو بلوغ خمسة عشر عاماً. فهذه الفتاة إذا كانت توفرت فيها شروط التكليف فالصيام واجب عليها، ويجب قضاء ما تركته من الصيام في وقت تكليفها، وإذا اختل شرط من الشروط فليست بمكلفة ولا شيء عليها. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (10/146، 147) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106485 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3595 كيف نستقبل شهر رمضان؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك أمور خاصة مشروعة يستقبل بها المسلم رمضان؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "شهر رمضان هو أفضل شهور العام؛ لأن الله سبحانه وتعالى اختصه بأن جعل صيامه فريضة وركناً رابعاً من أركان الإسلام، وشرع للمسلمين قيام ليله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت) متفق عليه. وقال عليه الصلاة والسلام: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) متفق عليه. ولا أعلم شيئاً معيناً لاستقبال رمضان سوى أن يستقبله المسلم بالفرح والسرور والاغتباط وشكر الله أن بلغه رمضان، ووفقه فجعله من الأحياء الذين يتنافسون في صالح العمل، فإن بلوغ رمضان نعمة عظيمة من الله. ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدوم رمضان مبيناً فضائله، وما أعد الله فيه للصائمين والقائمين من الثواب العظيم، ويشرع للمسلم استقبال هذه الشهر الكريم بالتوبة النصوح والاستعداد لصيامه وقيامه، بنية صالحة، وعزيمة صادقة" انتهى. فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله. "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" (15/9) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106490 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3596 حديث (نوم الصائم عبادة) ضعيف [السُّؤَالُ] ـ[سمعت أحد الخطباء يقول حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم: (نوم الصائم عبادة) . فهل هذا الحديث صحيح؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث غير صحيح، لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم. رواه البيهقي في "شعب الإيمان" (3/1437) عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نوم الصائم عبادة، وصمته تسبيح، ودعاؤه مستجاب، وعمله مضاعف) . وضَعَّف إسناده البيهقي، فقال: معروف بن حسان (أحد رجال الإسناد) : ضعيف، وسليمان بن عمرو النخعي أضعف منه. وقال العراقي في "تخريج إحياء علوم الدين" (1/310) : سليمان النخعي أحد الكذابين. وضعفه المناوي في "فيض القدير" (9293) ، وذكره الألباني في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (4696) وقال: ضعيف. والواجب على المسلمين عموماً - ويتأكد ذلك على الخطباء والوعاظ - أن يتثبتوا قبل نسبة الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز أن ينسب إليه ما لم يقل، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ، مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ) رواه البخاري (1391) ورواه مسلم في مقدمة صحيحه (4) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106528 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3597 كيفية تهذيب الغريزة بالصيام [السُّؤَالُ] ـ[يتعلق سؤالي بالصيام في غير شهر رمضان المبارك. أعني الصيام عندما تكون لدى المسلم رغبة في الزواج لكنه لا يستطيعه في الوقت الراهن. أعلم أنه يُنصح بالصيام في مثل هذه الحالة، لكن ما هو الحكم الصحيح في ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله جاء هذا الدين الحنيف بتهذيب الغرائز حتى لا يبقى الإنسان المسلم المتميز بشخصيته أسيراً لشهواته كالحيوان، وشرع له من الشرائع الواجبة والمستحبة ما يحتمي بها من الآثار السيئة التي تنتج عن الانسياق وراء الشهوات، ومن هذه التشريعات مشروعية الصيام لمن لم يستطع الوصول إلى التصريف الطبيعي لهذه الشهوة من خلال الزواج، كما قال عَبْدُ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه (كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَابًا لا نَجِدُ شَيْئًا فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ) البخاري 5066 مسلم 1400.والمراد أن الصوم يخفف من تأثير الشهوة على الشاب. وهذا الحكم وإن كان مشروعاً لعموم الشباب فإن الحاجة إليه تزداد مع زيادة الفتن وتيسُّر أسباب المنكرات وكثرة المغريات، لاسيما لمن يعيش وسط مجتمعات يكثر فيها التبرج والانحلال، فينبغي الحرص على هذه العبادة للمحافظة على العفة والدين، ويستعين الإنسان مع الصيام بدعاء الله تعالى أن يحفظه في دينه وعرضه وأن ييسر له الزواج الذي يحصن به فرجه، ويستعين كذلك بتذكر ما أعدّه الله تعالى في الجنان من الحور العين لمن استقام على أمره تعالى وحفظ نفسه. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 26811 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3598 كيف نستعد لقدوم شهر رمضان؟ [السُّؤَالُ] ـ[كيف نستعد لرمضان؟ وما هي أفضل الأعمال لهذا الشهر الكريم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: قد أحسنت أخي الفاضل بسؤالك هذا، حيث سألت عن كيفية الاستعداد لشهر رمضان؛ حيث انحرف فهم كثير من الناس لحقيقة الصيام، فراحوا يجعلونه موسماً للأطعمة والأشربة والحلويات والسهرات والفضائيات، واستعدوا لذلك قبل شهر رمضان بفترة طويلة؛ خشية من فوات بعض الأطعمة؛ أو خشية من غلاء سعرها، فاستعد هؤلاء بشراء الأطعمة، وتحضير الأشربة، والبحث في دليل القنوات الفضائية لمعرفة ما يتابعون وما يتركون، وقد جهلوا - بحق – حقيقة الصيام في شهر رمضان، وسلخوا العبادة والتقوى عنه، وجعلوه لبطونهم وعيونهم. ثانياً: وانتبه آخرون لحقيقة صيام شهر رمضان فراحوا يستعدون له من شعبان، بل بعضهم قبل ذلك، ومن أوجه الاستعداد المحمود لشهر رمضان: 1- التوبة الصادقة. وهي واجبة في كل وقت، لكن بما أنه سيقدم على شهر عظيم مبارك فإن من الأحرى له أن يسارع بالتوبة مما بينه وبين ربه من ذنوب، ومما بينه وبين الناس من حقوق؛ ليدخل عليه الشهر المبارك فينشغل بالطاعات والعبادات بسلامة صدر، وطمأنينة فلب. قال تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) النور/ من الآية 31. وعَنْ الأَغَرَّ بن يسار رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ) رواه مسلم (2702) . 2- الدعاء. وقد ورد عن بعض السلف أنهم كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه خمسة أشهر بعدها حتى يتقبل منهم. فيدعو المسلم ربَّه تعالى أن يبلِّغه شهر رمضان على خير في دينه في بدنه، ويدعوه أن يعينه على طاعته فيه، ويدعوه أن يتقبل منه عمله. 3- الفرح بقرب بلوغ هذا الشهر العظيم. فإن بلوغ شهر رمضان من نِعَم الله العظيمة على العبد المسلم؛ لأن رمضان من مواسم الخير، الذي تفتح فيه أبواب الجنان، وتُغلق فيه أبواب النيران، وهو شهر القرآن، والغزوات الفاصلة في ديننا. قال الله تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) يونس/58. 4- إبراء الذمة من الصيام الواجب. عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَقُولُ: كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلا فِي شَعْبَانَ. رواه البخاري (1849) ومسلم (1146) . قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -: ويؤخذ من حرصها على ذلك في شعبان أنه لا يجوز تأخير القضاء حتى يدخل رمضان آخر. " فتح الباري " (4 / 191) . 5- التزود بالعلم ليقف على أحكام الصيام، ومعرفة فضل رمضان. 6- المسارعة في إنهاء الأعمال التي قد تشغل المسلم في رمضان عن العبادات. 7- الجلوس مع أهل البيت من زوجة وأولاد لإخبارهم بأحكام الصيام وتشجيع الصغار على الصيام. 8- إعداد بعض الكتب التي يمكن قراءتها في البيت، أو إهداؤها لإمام المسجد ليقرأها على الناس في رمضان. 9- الصيام من شهر شعبان استعداداً لصوم شهر رمضان. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لا يُفْطِرُ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لا يَصُومُ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ. رواه البخاري (1868) ومسلم (1156) . عَنْ أُسَامَة بْن زَيْدٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ، قَالَ: (ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ) . رواه النسائي (2357) وحسَّنه الألباني في " صحيح النسائي ". وفي الحديث بيان الحكمة من صوم شعبان، وهو: أنه شهر تُرفع فيه الأعمال، وقد ذكر بعض العلماء حِكمة أخرى، وهي أن ذلك الصوم بمنزلة السنة القبلية في صلاة الفرض، فإنها تهيئ النفس وتنشطها لأداء الفرض، وكذا يقال في صيام شعبان قبل رمضان. 10- قراءة القرآن. قال سلمة بن كهيل: كان يقال شهر شعبان شهر القراء. وكان عمرو بن قيس إذا دخل شهر شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القرآن. وقال أبو بكر البلخي: شهر رجب شهر الزرع، وشهر شعبان شهر سقي الزرع، وشهر رمضان شهر حصاد الزرع. وقال – أيضاً -: مثل شهر رجب كالريح، ومثل شعبان مثل الغيم، ومثل رمضان مثل المطر، ومن لم يزرع ويغرس في رجب، ولم يسق في شعبان فكيف يريد أن يحصد في رمضان. وها قد مضى رجب فما أنت فاعل في شعبان إن كنت تريد رمضان، هذا حال نبيك وحال سلف الأمة في هذا الشهر المبارك، فما هو موقعك من هذه الأعمال والدرجات. ثالثاً: ولمعرفة الأعمال التي ينبغي على المسلم فعلها في شهر رمضان: انظر جواب السؤال رقم (26869) و (12468) . والله الموفق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 92748 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3599 صام قبل البلوغ ونسي قضاء بعض الأيام فهل يقضيها بعد بلوغه؟ [السُّؤَالُ] ـ[عندما كنت في أول متوسط - وكان عمري آنذاك 13 عاماً - أفطرت ثلاثة أيام ونسيتها ولم أتذكرها إلا هذه السنة، عمري الآن 16 سنة، علماً بأني لم أبلغ، فهل أقضي بالصوم فقط أم عليَّ شيء آخر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يكلَّف الصبي بالواجبات الشرعية إلا بعد بلوغه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاثَةٍ: عَنْ الْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ حَتَّى يفِيقَ، وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ) رواه أبو داود (4399) . وصححه الألباني في " صحيح أبي داود "، وما يفعله الصبي من طاعات واجبة أو مستحبة قبل البلوغ فإنه يثاب عليها، فمن حجَّ وهو صبي أو صام أو صلَّى كُتب له أجر ذلك كله، ولكن الحج لا يجزئه عن حجة الإسلام، فعليه بعد البلوغ أن يحج حجة أخرى. عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَ رَكْبًا بِالرَّوْحَاءِ فَقَالَ: (مَنْ الْقَوْمُ؟ قَالُوا: الْمُسْلِمُونَ، فَقَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ، فَرَفَعَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ صَبِيًّا فَقَالَتْ: أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَكِ أَجْرٌ) رواه مسلم (1336) . قال النووي رحمه الله: " فيه حجة للشافعي ومالك وأحمد وجماهير العلماء أن حج الصبي منعقد صحيح يثاب عليه وإن كان لا يجزيه عن حجة الاسلام بل يقع تطوعا، وهذا الحديث صريح فيه " انتهى. " شرح النووي " (9 / 99) . وقال الخطابي: إنما كان له الحج من ناحية الفضيلة دون أن يكون محسوبا عن فرضه لو بقي حتى بلغ ويدرك مدرك الرجال، وهذا كالصلاة يؤمر بها إذا أطاقها وهي غير واجبة عليه وجوب فرض ولكن يكتب له أجرها تفضلا من الله سبحانه وتعالى، ويكتب لمن يأمره بها ويرشده إليها أجر. انظر: " عون المعبود " (5 / 110) . ولا يؤمر بقضاء ما أفطره وهو صبي، ولا يؤمر بقضاء ما تركه من صلوات. وقال ابن قدامة رحمه الله: فأما ما مضى من الشهر قبل بلوغه: فلا قضاء عليه، وسواء كان قد صامه أو أفطره، هذا قول عامة أهل العلم " المغني " (3 / 94) . وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: " صيام الصبي ليس بواجب عليه، ولكن على ولي أمره أن يأمره به ليعتاده، وهو – أي الصيام في حق الصبي الذي لم يبلغ – سنَّة، له أجر في الصوم، وليس عليه وزر إذا تركه " انتهى. " فقه العبادات " (ص 186) . وعلى هذا، فلا يلزمك قضاء هذه الأيام الثلاثة التي أفطرتها، لأن الصوم لم يكن واجباً عليك، وإن أردت قضاءها فلا حرج عليك، وتقضي بالصوم فقط، يوماً مكان يوم، وليس عليك شيء آخر. ثانياً: قولك في السؤال: "إن عمرك الآن 16 سنة ولم تبلغ" بل أنت الآن بالغ! لأن البلوغ يحصل بإحدى ثلاث علامات ـ بالنسبة للذكر ـ 1- إنزال المني 2- إنبات الشعر الخشن حول العانة. 3- بلوغ خمسة عشر سنة. وتزيد الأنثى علامة رابعة وهي نزول الحيض. فمتى وجدت إحدى هذه العلامات ثبت البلوغ، ولا يشترط وجود كل هذه العلامات. وانظر جواب السؤال رقم (70425) . وبما أن عمرك 16 سنة فإنك تعتبر بالغاً، فاعمل لذلك، فقد انتهى زمن الصغر وعدم التكليف، فإن الملائكة تكتب على كل شخص بالغ ما يفعله من خير أو شر (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ) الزلزلة/8. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 78591 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3600 أقسام الحكم التكليفي للصيام [السُّؤَالُ] ـ[ما هي أقسام الحكم التكليفي للصيام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأحكام التكليفية خمسة: الواجب، والمحرم، والمستحب، والمكروه، والمباح، وهذه الأحكام الخمسة تَرِد في الصيام، ولن نستقصي كل ما يدخل تحت كل حكم من هذه الأحكام، وإنما سنذكر ما تيسر. أولاً: الصوم الواجب: 1- صوم رمضان. 2- قضاء رمضان. 3- صوم الكفارات (كفارة القتل الخطأ , وكفارة الظهار , وكفارة الجماع في نهار رمضان، وكفارة اليمين) . 4- صوم المتمتع في الحج إذا لم يجد الهدي , (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ) البقرة/196. 5- صوم النذر. ثانياً: الصوم المستحب: 1 - صوم يوم عاشوراء. 2 - صوم يوم عرفة. 3 - صوم يوم الاثنين والخميس من كل أسبوع. 4 - صيام ثلاثة أيام من كل شهر. 5 - صيام ستة أيام من شوال. 6 - صوم أكثر شهر شعبان. 7 - صوم شهر المحرم 8 – صيام يوم وإفطار يوم، وهو أفضل الصيام. وكل ذلك ثابت في أحاديث حسنة وصحيحة وهي موجودة في الموقع. ثالثاً: الصوم المكروه: 1- إفراد يوم الجمعة بالصوم. لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (لا تصوموا يوم الجمعة إلا أن تصوموا يوماً قبله أو يوماً بعده) متفق عليه. 2- إفراد يوم السبت بالصوم: لقول الرسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إِلا فِيمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلا لِحَاءَ عِنَبَةٍ أَوْ عُودَ شَجَرَةٍ) . رواه الترمذي (744) وحسَّنه وأبو داود (2421) وابن ماجه (1726) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (960) . قال الترمذي: " وَمَعْنَى كَرَاهَتِهِ فِي هَذَا أَنْ يَخُصَّ الرَّجُلُ يَوْمَ السَّبْتِ بِصِيَامٍ لأَنَّ الْيَهُودَ تُعَظِّمُ يَوْمَ السَّبْتِ " انتهى. رابعاً: الصوم المحرم: 1- صوم يوم عيد الفطر , ويوم عيد الأضحى , وأيام التشريق , وهي: ثلاثة أيام بعد يوم النحر. 2- صوم يوم الشك. وهو يوم الثلاثين من شعبان، إذا كان في السماء ما يمنع رؤية الهلال، وأما إذا كانت السماء صحواً: فلا شكَّ. 3- صوم الحائض والنفساء. خامساً: الصوم المباح: هو ما لا يدخل تحت قسم من الأقسام الأربعة السابقة. والمراد بالإباحة هنا: أن هذا اليوم لم يرد أمر بصومه ولا نهي عن صومه على سبيل التعيين، كيومي الثلاثاء والأربعاء، وإن كان أصل التطوع بالصوم عبادة ًمستحبة. وانظر: "الموسوعة الفقهية" (28 / 10 – 19) ، و "الشرح الممتع" (6 / 457 – 483) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 66909 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3601 يريد أن يبدأ الصيام من اليوم الرابع [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن أبدأ صومي في اليوم الرابع من رمضان؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صوم رمضان واجب على كل مسلم بالغ عاقل مقيم قادر على الصوم. ومن كان كذلك فإنه يحرم عليه الفطر بغير عذر، لما في ذلك من المخالفة الصريحة لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، وانتهاك حرمة هذا الشهر العظيم. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة/183 وقال: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/185 فيلزم الصوم إذا ثبت دخول شهر رمضان، برؤية الهلال، أو بإكمال عدة شعبان ثلاثين يوما. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ , وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ , وَإِقَامِ الصَّلاةِ , وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ , وَالْحَجِّ , وَصَوْمِ رَمَضَان) رواه البخاري (8) ومسلم (16) . فإن كان سؤالك عن تأخير الصوم إلى اليوم الرابع بغير عذر، فقد علمت أن هذا أمر محرم لا يجوز الإقدام عليه، بل هو من كبائر الذنوب وانظر جواب السؤال رقم (38747) . وإن كان تأخير الصوم لعذر، كمرض أو سفر، فلا حرج عليك في ذلك، ويجب عليك الصوم بمجرد انتهاء عذرك سواء كان ذلك في اليوم الرابع أو غيره، مع قضاء الأيام التي أفطرتها؛ لما سبق من قوله تعالى: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) . أي: إذا أفطر المريض أو المسافر فالواجب عليه إذا انتهى رمضان أن يقضي عدد الأيام التي أفطرها. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65773 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3602 نصراني يسأل ماذا تفعلون في شهر رمضان؟ [السُّؤَالُ] ـ[ماذا تفعلون خلال شهر الصيام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله خص الله تعالى شهر رمضان بخصائص وفضائل ليست في غيره من الشهور، فهو سيد الشهور، ولله تعالى أن يختار بعض الشهور على بعض، وأن يفضل بعض الليالي على بعض، كما قال سبحانه: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ) القصص/68. وجعل الله تعالى في رمضان ليلة القدر، التي قال الله عز وجل عنها: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) القدر/3. أي أن العبادة فيها أكثر ثواباً وأجراً من العبادة في ألف شهر، وهو من عظيم فضل الله على هذه الأمة. وليلة القدر تكون في العشر الأخير من رمضان، ولهذا يجتهد المسلمون في هذه العشر في العبادة أكثر من غيرها التماساً لهذه الليلة المباركة. وأما ما نفعله - نحن المسلمين - في رمضان، فإننا نتقرب إلى الله، ونجتهد في عبادته، وقد شرع لنا أنواعاً من العبادات التي يحب أن نتقرب إليه بها، فمن ذلك: 1- الصيام، وهو الامتناع عن الأكل والشرب والجماع وما ألحق بها من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ولسنا الأمة الوحيدة التي فرض الله عليها الصيام، بل ما من أمة من الأمم السابقة إلا فرض الله عليها الصيام، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة/183. 2- الإكثار من الصلاة بالليل (صلاة التراويح) . وقيام الليل له أثر عجيب في تهذيب النفوس وإصلاحها، وهو أيضاً من أسباب مغفرة الذنوب. 3- قراءة القرآن. فرمضان هو شهر القرآن، ففيه بدأ نزول القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم. ولهذا تجد المسلمين يختمون القرآن قراءةً في رمضان، فمنهم من يختمه مرة أو مرتين، وأكثر من ذلك. وقد علم المسلم أن قراءة الحرف الواحد من القرآن الكريم بعشر حسنات، وأن قراءة صفحة واحدة فيها آلاف الحسنات. 4- الصدقة، وإطعام الطعام. كان نبينا صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان. ورغبنا نبينا صلى الله عليه وسلم في إطعام الطعام، وتفطير الصائم، حتى جعل ثواب من فَطَّر صائما مثل أجر الصائم، من غير أن ينقص من أجر الصائم شيئاً. 5- الدعاء. فرمضان شهر الدعاء، فدعوة الصائم مستجابة، وللصائم عند فطره دعوة لا ترد. 6- الاعتكاف. وهو المكث في المسجد لأجل التفرغ لطاعة الله تعالى وعبادته، وهو مسنون في العشر الأواخر من رمضان التماساً لليلة القدر. 7- وقد فرض الله في آخره زكاة تسمى زكاة الفطر، تطهر الصائم مما حصل في صومه من اللغو والرفث، وتكون طعمة وإعانة للمساكين. وهي فرض على الصغير والكبير والذكر والأنثى من المسلمين، وهي وسيلة من وسائل الشعور بوحدة المجتمع المسلم، وتماسكه وتراحمه. 8- ثم شرع الله للصائمين صلاة العيد، تكون خاتمة لأعمالهم الحسنة التي أدوها في رمضان، واجتماعا لهم يظهرون فيه الفرح والسرور والشكر لله تعالى. والحاصل أن المسلم الموفق يقضي شهر رمضان في صوم وصلاة وقيام وذكر وتلاوة للقرآن، ويختمه باعتكاف وزكاة، مع الحرص على صلة الأرحام، وبذل المعروف، وكثرة الإنفاق في سبيل الله، وغير ذلك من أعمال البر والخير. فيكون رمضان موسم خير له، يتزود فيه من الطاعات، ويتخلص فيه من الأوزار والسيئات، ففي كل ليلة من رمضان يعتق الله أناسا من النار، يتجاوز عن سيئاتهم، ويغفر لهم زلاتهم، ولهذا كان شهر رمضان أحب الشهور إلى المسلمين، وهم يشعرون فيه بالسعادة والسرور، والأنس والاطمئنان، ويتمنون أن تكون السنة كلها رمضان. ولعلك تزور أحد المراكز الإسلامية لترى بنفسك البهجة والفرحة التي يعيشها المسلمون في رمضان، صغارا وكبارا، وذلك من أثر الطاعة والعبادة كما سبق. نسأل الله أن يهديك لما فيه خيرك وسعادتك في الدنيا والآخرة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65517 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3603 لماذا نتثاءب في رمضان.. وقد صفدت الشياطين؟ وهل نقل التلفزيون للصور محرم؟ [السُّؤَالُ] ـ[المعروف أن الشياطين تصفد في رمضان، وأن التثاؤب من الشيطان ... فلماذا نتثاءب في رمضان؟ والمعروف أيضاً أن تصوير الإنسان محرم فهل يعتبر نقل التلفزيون للصور محرما؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله روى البخاري (6226) ومسلم (2994) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ، فَإِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ وَحَمِدَ اللَّهَ، كَانَ حَقًّا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ وَأَمَّا التَّثَاؤُبُ فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ؛ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا تَثَاءَبَ ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ) . قيل في معنى ذلك: إن الشَّيْطَان يُحِبّ أَنْ يَرَى الْإِنْسَان مُتَثَائِبًا، ويعجبه ذلك منه؛ لِأَنَّهَا حَالَة تَتَغَيَّر فِيهَا صُورَته فَيَضْحَك مِنْهُ، وليس المراد أَنَّ الْمُرَاد أَنَّ الشَّيْطَان هو الذي فَعَلَ التَّثَاؤُب. وقيل: إنما أضيف التثاؤب إلى الشيطان لأن التثاؤب ينشأ عن امتلاء البطن، وينتج عنه التكاسل؛ وَذَلِكَ إنما يكون بتأثير من الشَّيْطَان. قَالَ النَّوَوِيّ رحمه الله: أُضِيفَ التَّثَاؤُب إِلَى الشَّيْطَان لِأَنَّهُ يَدْعُو إِلَى الشَّهَوَات، إِذْ يَكُون عَنْ ثِقَل الْبَدَن وَاسْتِرْخَائِهِ وَامْتِلَائِهِ , وَالْمُرَاد التَّحْذِير مِنْ السَّبَب الَّذِي يَتَوَلَّد مِنْهُ ذَلِكَ وَهُوَ التَّوَسُّع فِي الْمَأْكَل. وقال المناوي رحمه الله: أضافه إليه لأنه الداعي إلى إعطاء النفس حظها من الشهوة، وأراد به التحذير من السبب الذي يتولد منه وهو التوسع في المطعم والشبع فيثقل البدن عن الطاعة. ولا إشكال في وجود التثاؤب من العبد في رمضان، مع تصفيد الشياطين فيه؛ لأنه على القول بأن معنى ذلك أن الشيطان يحبه ويرضاه، فليس من شرط محبته ورضاه أن يكون طليقا، بل يحصل ذلك منه ولو كان مصفدا. وعلى القول بأن ذلك يكون من تأثير الشيطان، تأثيرا مباشرا، أو غير مباشر، فقد قيل إن الذي يصفد في رمضان هم المردة من الشياطين فقط، وأما غيرهم فيبقى على حاله، فلعل التثاؤب يكون من فعل من لم يصفد منهم. وأما على القول بأن المراد بتصفيد الشياطين أن إغواءهم وتصرفهم بالشر في المؤمنين يقل في ذلك الشهر عن غيره، فلعل التثاؤب يكون من ذلك التصرف القليل الذي يتمكنون منه في رمضان. وللمزيد حول معنى تصفيد الشياطين في رمضان راجع السؤال رقم (39736) ، وراجع أيضا السؤال رقم (37965) لمعرفة الجواب عن: كيف تقع المعاصي في رمضان، مع تصفيد الشياطين. وأما السؤال عن حكم نقل الصور بالتلفزيون، فتجد جوابه في السؤال رقم (10326) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 14253 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3604 الحكمة من مشروعية الصيام [السُّؤَالُ] ـ[ما الحكمة من مشروعية الصيام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا بد أولاً أن نعلم أن الله تعالى من أسمائه الحسنى (الحكيم) والحكيم مشتق من الحُكْم ومن الحِكْمة. فالله تعالى له الحكم وحده، وأحكامه سبحانه في غاية الحكمة والكمال والإتقان. ثانياً: أن الله تعالى لم يشرع حكماً من الأحكام إلا وله فيه حكم عظيمة، قد نعلمها، وقد لا تهتدي عقولنا إليها، وقد نعلم بعضها ويخفى علينا الكثير منها. ثالثاً: قد ذكر الله تعالى الحكمة من مشروعية الصيام وفرضِه علينا في قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة / 183. فالصيام وسيلة لتحقيق التقوى، والتقوى هي فعل ما أمر الله تعالى به، وترك ما نهى عنه. فالصيام من أعظم الأسباب التي تعين العبد على القيام بأوامر الدين. وقد ذكر العلماء رحمهم الله بعض الحكم من مشروعية الصيام، وكلها من خصال التقوى، ولكن لا بأس من ذكرها، ليتنبه الصائم لها، ويحرص على تحقيقها. فمن حكم الصوم: 1- أَنَّ الصَّوْمَ وَسِيلَةٌ إلَى شُكْرِ النِّعْم , فالصيام هُوَ كَفُّ النَّفْسِ عَنْ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ , وهذه مِنْ أَجَلِّ النِّعَمِ وَأَعْلاهَا , وَالامْتِنَاعُ عَنْهَا زَمَانًا مُعْتَبَرًا يُعَرِّفُ قَدْرَهَا , إذْ النِّعَمُ مَجْهُولَةٌ , فَإِذَا فُقِدَتْ عُرِفَتْ, فَيَحْمِلُهُ ذَلِكَ عَلَى قَضَاءِ حَقِّهَا بِالشُّكْرِ. 2- أَنَّ الصَّوْمَ وَسِيلَةٌ إلَى ترك المحرمات , لأَنَّهُ إذَا انْقَادَتْ النَفْسٌ لِلامْتِنَاعِ عَنْ الْحَلالِ طَمَعًا فِي مَرْضَاةِ اللَّهِ تَعَالَى , وَخَوْفًا مِنْ أَلِيمِ عِقَابِهِ , فَأَوْلَى أَنْ تَنْقَادَ لِلامْتِنَاعِ عَنْ الْحَرَامِ , فَكَانَ الصَّوْمُ سَبَبًا لاتِّقَاءِ مَحَارِمِ اللَّهِ تَعَالَى. 3- أَنَّ فِي الصَّوْمِ التغلب على الشَّهْوَةِ , لأَنَّ النَّفْسَ إذَا شَبِعَتْ تَمَنَّتْ الشَّهَوَاتِ , وَإِذَا جَاعَتْ امْتَنَعَتْ عَمَّا تَهْوَى , وَلِذَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ: مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ ; فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ , وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ , وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ , فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ) . 4- أَنَّ الصَّوْمَ مُوجِبٌ لِلرَّحْمَةِ وَالْعَطْفِ عَلَى الْمَسَاكِينِ , فَإِنَّ الصَّائِمَ إذَا ذَاقَ أَلَمَ الْجُوعِ فِي بَعْضِ الأَوْقَاتِ , ذَكَرَ مَنْ هَذَا حَالُهُ فِي جَمِيعِ الأَوْقَاتِ , فَتُسَارِعُ إلَيْهِ الرِّقَّةُ عَلَيْهِ , وَالرَّحْمَةُ بِهِ , بِالإِحْسَانِ إلَيْهِ , فكان الصوم سبباً للعطف على المساكين. 5- فِي الصَّوْمِ قَهْرٌ لِلشَّيْطَانِ، وإضعاف له , فتضعف وسوسته للإنسان، فتقل منه المعاصي، وذلك لأن (الشَّيْطَان يَجْرِيَ مِنْ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فبالصيام تضيق مجاري الشيطان فيضعف، ويقل نفوذه. قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (25/246) : ولا ريب أن الدم يتولد من الطعام والشراب، وإذا أكل أو شرب اتسعت مجاري الشياطين - الذي هو الدم - وإذا صام ضاقت مجاري الشياطين، فتنبعث القلوب إلى فعل الخيرات، وترك المنكرات اهـ بتصرف. 6- أن الصائم يدرب نفسه على مراقبة الله تعالى، فيترك ما تهوى نفسه مع قدرته عليه، لعلمه باطلاع الله عليه. 7- وفي الصيام التزهيد في الدنيا وشهواتها، والترغيب فيما عند الله تعالى. 8- تعويد المؤمن على الإكثار من الطاعات، وذلك لأن الصائم في الغالب تكثر طاعته فيعتاد ذلك. فهذه بعض الحكم من مشروعية الصيام، نسأل الله تعالى أن يوفقنا لتحقيقها ويعيننا على حسن عبادته. والله أعلم. انظر: تفسير السعدي (ص 116) ، حاشية ابن قاسم على الروض المربع (3/344) ، الموسوعة الفقهية (28/9) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 26862 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3605 هل وردت أحاديث صحيحة في عتق الأحياء والأموات في رمضان؟ [السُّؤَالُ] ـ[سمعت من أحدهم أن الله يعتق من أموات المسلين كل ليلة واحداً فقط ولا يعتق من الأحياء إلا في آخر ليلة من رمضان بعدد ما أعتق خلال الشهر من أموات، فهل هذا صحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لم نجد – بعد البحث – أحاديث وردت بذلك. وقد وردت أحاديث أن لله تعالى عتقاء من النار في رمضان، وذلك كل ليلة. وهذه الأحاديث منها ما هو صحيح، ومنها ما هو ضعيف، ومنها ما هو موضوع. فمما صح من الأحاديث في ذلك: 1- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ، وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ، وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ) . رواه الترمذي (682) وابن ماجه (1642) . وحسَّنه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " (759) . 2- عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ لِلَّهِ عِنْدَ كُلِّ فِطْرٍ عُتَقَاءَ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ) . رواه أحمد (21698) وابن ماجه (1643) . وصححه الشيخ الألباني في " صحيح ابن ماجه ". وأما الأحاديث الضعيفة والموضوعة الواردة في ذلك، فمنها: 1- ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان أول ليلة من شهر رمضان نظر الله إلى خلقه، وإذا نظر الله إلى عبد لم يعذبه أبداً، ولله في كل يوم ألف ألف عتيق من النار، فإذا كانت ليلة تسع وعشرين أعتق الله فيها مثل جميع ما أعتق في الشهر كله) . وهو حديث موضوع. انظر: " ضعيف الترغيب " (591) و " السلسلة الضعيفة " (5468) . 2- وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الجنة لتبخر وتزين من الحول إلى الحول لدخول شهر رمضان، فإذا كانت أول ليلة من شهر رمضان هبت ريح من تحت العرش يقال لها المثيرة ... قال: ولله عز وجل في كل يوم من شهر رمضان عند الإفطار ألف ألف عتيق من النار كلهم قد استوجبوا النار، فإذا كان آخر يوم من شهر رمضان أعتق الله في ذلك اليوم بقدر ما أعتق من أول الشهر إلى آخره ... ) . وهو حديث موضوع. انظر: " ضعيف الترغيب " (594) . 3- وعن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لله عز وجل في كل ليلة من رمضان ستمائة ألف عتيق من النار، فإذا كان آخر ليلة أعتق الله بعدد من مضى) . وهو حديث ضعيف. انظر: " ضعيف الترغيب " (598) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50699 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3606 كيف يدعو المسلمين الذين لا يصومون في رمضان؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما هي كيفية التعامل مع المسلمين الذين لا يصومون رمضان؟ وما هي أفضل طريقة لدعوتهم إلي الصيام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب هو دعوة هؤلاء المسلمين إلى الصوم، وترغيبهم فيه، وتحذيرهم من التهاون والتفريط، وذلك باتباع الوسائل التالية: 1- إعلامهم بفرضية الصوم، وعظم مكانته في الإسلام، فهو أحد المباني العظيمة التي بني عليها الإسلام. 2- تذكيرهم بالأجر العظيم المترتب على الصوم، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) رواه البخاري (38) ومسلم (760) . وقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَصَامَ رَمَضَانَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ جَلَسَ فِي أَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا. فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلا نُبَشِّرُ النَّاسَ؟ قَالَ: إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ، وَأَعْلَى الْجَنَّةِ، وفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ) رواه البخاري (7423) . وقوله صلى الله عليه وسلم: (يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَأَكْلَهُ وَشُرْبَهُ مِنْ أَجْلِي. وَالصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ، فَرْحَةٌ حِينَ يُفْطِرُ، وَفَرْحَةٌ حِينَ يَلْقَى رَبَّهُ، وَلَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ) رواه البخاري (7492) ومسلم (1151) . 3- ترهيبهم من ترك الصوم، وبيان أن ذلك من كبائر الذنوب، فقد روى ابن خزيمة (1986) وابن حبان (7491) عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (بينا أنا نائم إذ أتاني رجلان فأخذا بضبعيّ (الضبع هو العضد) فأتيا بي جبلا وعِرا، فقالا: اصعد. فقلت: إني لا أطيقه. فقالا: إنا سنسهله لك. فصعدت حتى إذا كنت في سواء الجبل إذا بأصوات شديدة، قلت: ما هذه الأصوات؟ قالوا: هذا عواء أهل النار. ثم انطلق بي فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم، مشققة أشداقهم، تسيل أشداقهم دما، قلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلة صومهم. صححه الألباني في صحيح موارد الظمآن (1509) . وقال الألباني رحمه الله معلقاً: " أقول: هذه عقوبة من صام ثم أفطر عمدا قبل حلول وقت الإفطار، فكيف يكون حال من لا يصوم أصلا؟! نسأل الله السلامة والعافية في الدنيا والآخرة ". انظر السؤال (38747) . 5- بيان يسر الصوم وسهولته، وما فيه من الفرح والسرور والرضا، وطمأنينة النفس، وراحة القلب، مع لذة التعبد في أيامه ولياليه، بقراءة القرآن، وقيام الليل. 6- دعوتهم لسماع بعض المحاضرات، وقراءة شيء من النشرات، التي تتحدث عن الصوم وأهميته وحال المسلم فيه. 7- ألا تملي من دعوتهم وتذكيرهم، بالقول اللين، والكلمة الطيبة، مع الدعاء الصادق لهم بالهداية والمغفرة. نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50745 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3607 لماذا خص الصوم بقوله تعالى: (الصيام لي وأنا أجزي به) ؟ [السُّؤَالُ] ـ[لماذا خص الله جزاء الصوم به سبحانه وتعالى؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله روى البخاري (1761) ومسلم (1946) عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قَالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ. . . الحديث) . ولما كانت الأعمال كلها لله وهو الذي يجزي بها، اختلف العلماء في قوله: (الصيام لي وأنا أجزي به) لماذا خص الصوم بذلك؟ وقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله من كلام أهل العلم عشرة أوجه في بيان معنى الحديث وسبب اختصاص الصوم بهذا الفضل، وأهم هذه الأوجه ما يلي: 1- أن الصوم لا يقع فيه الرياء كما يقع في غيره، قال القرطبي: لما كانت الأعمال يدخلها الرياء، والصوم لا يطلع عليه بمجرد فعله إلا الله فأضافه الله إلى نفسه ولهذا قال في الحديث: (يدع شهوته من أجلي) . وقال ابن الجوزي: جميع العبادات تظهر بفعلها وقلّ أن يسلم ما يظهر من شوبٍ (يعني قد يخالطه شيء من الرياء) بخلاف الصوم. 2- أن المراد بقوله: (وأنا أجزى به) أني أنفرد بعلم مقدار ثوابه وتضعيف حسناته. قال القرطبي: معناه أن الأعمال قد كشفت مقادير ثوابها للناس وأنها تضاعف من عشرة إلى سبعمائة إلى ما شاء الله إلا الصيام فإن الله يثيب عليه بغير تقدير. ويشهد لهذا رواية مسلم (1151) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ) أي أجازي عليه جزاء كثيرا من غير تعيين لمقداره، وهذا كقوله تعالى: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) . 3- أن معنى قوله: (الصوم لي) أي أنه أحب العبادات إلي والمقدم عندي. قال ابن عبد البر: كفى بقوله: (الصوم لي) فضلا للصيام على سائر العبادات. وروى النسائي (2220) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لا مِثْلَ لَهُ) . صححه الألباني في صحيح النسائي. 4- أن الإضافة إضافة تشريف وتعظيم، كما يقال: بيت الله، وإن كانت البيوت كلها لله. قال الزين بن المنير: التخصيص في موضع التعميم في مثل هذا السياق لا يفهم منه إلا التعظيم والتشريف. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وَهَذَا الحديثُ الجليلُ يدُلُّ على فضيلةِ الصومِ من وجوهٍ عديدةٍ: الوجه الأول: أن الله اختصَّ لنفسه الصوم من بين سائرِ الأعمال، وذلك لِشرفِهِ عنده، ومحبَّتهِ له، وظهور الإِخلاصِ له سبحانه فيه، لأنه سِرُّ بَيْن العبدِ وربِّه لا يطَّلعُ عليه إلاّ الله. فإِن الصائمَ يكون في الموضِعِ الخالي من الناس مُتمكِّناً منْ تناوُلِ ما حرَّم الله عليه بالصيام، فلا يتناولُهُ؛ لأنه يعلم أن له ربّاً يطَّلع عليه في خلوتِه، وقد حرَّم عَلَيْه ذلك، فيترُكُه لله خوفاً من عقابه، ورغبةً في ثوابه، فمن أجل ذلك شكر اللهُ له هذا الإِخلاصَ، واختصَّ صيامَه لنفْسِه من بين سَائِرِ أعمالِهِ ولهذا قال: (يَدعُ شهوتَه وطعامَه من أجْلي) . وتظهرُ فائدةُ هذا الاختصاص يوم القيامَةِ كما قال سَفيانُ بنُ عُييَنة رحمه الله: إِذَا كانَ يومُ القِيَامَةِ يُحاسِبُ الله عبدَهُ ويؤدي ما عَلَيْه مِن المظالمِ مِن سائِر عمله حَتَّى إِذَا لم يبقَ إلاَّ الصومُ يتحملُ اللهُ عنه ما بقي من المظالِم ويُدخله الجنَّةَ بالصوم. الوجه الثاني: أن الله قال في الصوم: (وأَنَا أجْزي به) فأضافَ الجزاءَ إلى نفسه الكريمةِ؛ لأنَّ الأعمالَ الصالحةَ يضاعفُ أجرها بالْعَدد، الحسنةُ بعَشْرِ أمثالها إلى سَبْعِمائة ضعفٍ إلى أضعاف كثيرةٍ، أمَّا الصَّوم فإِنَّ اللهَ أضافَ الجزاءَ عليه إلى نفسه من غير اعتبَار عَددٍ، وهُوَ سبحانه أكرَمُ الأكرمين وأجوَدُ الأجودين، والعطيَّةُ بقدر مُعْطيها. فيكُونُ أجرُ الصائمِ عظيماً كثيراً بِلاَ حساب. والصيامُ صبْرٌ على طاعةِ الله، وصبرٌ عن مَحارِم الله، وصَبْرٌ على أقْدَارِ الله المؤلمة مِنَ الجُوعِ والعَطَشِ وضعفِ البَدَنِ والنَّفْسِ، فَقَدِ اجْتمعتْ فيه أنْواعُ الصبر الثلاثةُ، وَتحقَّقَ أن يكون الصائمُ من الصابِرِين. وقَدْ قَالَ الله تَعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) الزمر/10. . . " انتهى. "مجالس شهر رمضان" (ص 13) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50388 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3608 يصلي ولكنه لا يصوم رمضان فهل يكفر؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يكفر تارك الصوم مادام يصلي ولا يصوم بدون مرض وبدون أي عذر؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من ترك الصوم جحداً لوجوبه فهو كافر إجماعاً ومن تركه كسلاً وتهاوناً فقد ذهب بعض أهل العلم على تكفيره والصحيح أنه لا يكفر لكنه على خطر كبير بتركه ركناً من أركان الإسلام مجمع على وجوبه ويستحق العقوبة والتأديب من ولي الأمر بما يردعه وعليه قضاء ما تركه مع التوبة إلى الله سبحانه. والله اعلم. انظر فتاوى اللجنة (10/143) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 12654 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3609 متى يأتي رمضان وصيام غير المسلم [السُّؤَالُ] ـ[امرأة غير مسلمة تسأل عن موعد شهر رمضان وهل يمكنها أن تصوم مع المسلمين؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اهتمامك بشهر رمضان المبارك وسؤالك متى سيأتي وترقبك لمجيئه هو أمر جميل جدا يدلّ على تأثّرك بهذه العبادة الإسلامية العظيمة وهي الامتناع عن الأكل والشرب والجماع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس في أيام الشهر الكريم. وأمّا عن موعد قدومه فلعلك تعلمين أيتها السائلة الكريمة أننا نحن المسلمين ترتبط شعائرنا التعبدية في توقيتها بدليل حسيّ ظاهر وملموس؛ دليل مرئي غير حسابيّ ألا وهو رؤية الهلال. فإذا رأينا أو رأى الثقة منا هلال رمضان وجب على جميع أمّة الإسلام الشّروع في الصّوم في كلّ نهار من هذا الشّهر حتى نرى ولادة هلال شهر شوال - وهو الشّهر الذي يلي رمضان - فنعرف عند ذلك أنّ رمضان قد انتهى. والشّهر الهجري قد يكون تسعة وعشرين يوما وقد يكون ثلاثين يوما بحسب رؤية الدليل الماديّ الملموس وهو الهلال. ولكن اعلمي أيتها السائلة الراغبة في عبادة الصيام الذي شرع في الإسلام أن صيام شهر رمضان لا ينفع ولا يقبل عند الله إلا لمن دخل في دين الإسلام وترك الدين الذي هو عليه لأن الإسلام هو الدين الحق، والدخول في دين الإسلام لا يحصل إلا بالإقرار بالشهادتين شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإذا دخل الإنسان في الإسلام صحت منه العبادات التي شرعها الله فيه ونحن ندعوك أيتها السائلة المحبة للفضائل إلى الدخول في الإسلام لتفوزي بسعادة الدنيا والآخرة ونحن مستبشرون لك بحياة سعيدة وإيمان قويّ وعمر طيب ستقضينه في ظلال هذا الدّين، ونسأل الله أن يحفظك ويرعاك. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 756 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3610 لا يقبل الصيام مع تضييع الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز الصيام بدون صلاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تارك الصلاة لا يقبل منه عمل، لا زكاة ولا صيام ولا حج ولا شيء. روى البخاري (520) عن بُرَيْدَة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَرَكَ صَلاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) . ومعنى "حبط عمله" أي: بَطَلَ ولم ينتفع به. فهذا الحديث يدل على أن تارك الصلاة لا يقبل اللهُ منه عملاً، فلا ينتفعُ تاركُ الصلاةِ من عمله بشيء، ولا يَصْعَدُ له إلى الله عملٌ. قال ابن القيم رحمه الله تعالى في معنى هذا الحديث في كتابه الصلاة (ص/65) : " والذي يظهر في الحديث؛ أن الترك نوعان: تركٌ كليٌّ لا يصليها أبداً، فهذا يحبط العملُ جميعُه، وتركٌ معينٌ في يومٍ معينٍ، فهذا يحبط عملُ ذلك اليومِ، فالحبوطُ العامُّ في مقابلةِ التركِ العامِّ، والحبوطُ المعينُ في مقابلةِ التركِ المعينِ " اهـ. وسئل الشيخ ابن عثيمين في فتاوى الصيام (ص87) عن حكم صيام تارك الصلاة؟ فأجاب: تارك الصلاة صومه ليس بصحيح ولا مقبول منه؛ لأن تارك الصلاة كافر مرتد، لقوله تعالى: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) التوبة/11. ولقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلاةِ) رواه مسلم (82) . ولقوله صلى الله عليه وسلم: (الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ) رواه الترمذي (2621) . صححه الألباني في صحيح الترمذي. ولأن هذا قول عامة الصحابة إن لم يكن إجماعا منهم، قال عبد الله بن شقيق رحمه الله وهو من التابعين المشهورين: كان أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة، وعلى هذا فإذا صام الإنسان وهو لا يصلي فصومه مردود غير مقبول، ولا نافع له عند الله يوم القيامة، ونحن نقول له: صل ثم صم، أما أن تصوم ولا تصلي فصومك مردود عليك لأن الكافر لا تقبل منه العبادة اهـ. وسئلت اللجنة الدائمة (10/140) إذا كان الإنسان حريصا على صيام رمضان والصلاة في رمضان فقط، ولكن يتخلى عن الصلاة بمجرد انتهاء رمضان فهل له صيام؟ فأجابت: الصلاة ركن من أركان الإسلام، وهي أهم الأركان بعد الشهادتين وهي من فروض الأعيان، ومن تركها جاحدا لوجوبها أو تركها تهاونا وكسلا فقد كفر، وأما الذين يصومون رمضان ويصلون في رمضان فقط فهذا مخادعة لله، فبئس القوم الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان، فلا يصح لهم صيام مع تركهم الصلاة في غير رمضان، بل هم كفار بذلك كفرا أكبر وإن لم يجحدوا وجوب الصلاة في أصح قولي العلماء اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49698 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3611 بيان ضعف حديث في فضل رمضان [السُّؤَالُ] ـ[ما صحة الحديث المروي عن سلمان الفارسي رضي الله عنه أنه قال: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان فقال: أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعاً، من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدّى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار ... الحديث) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث رواه ابن خزيمة بلفظه في صحيحه 3/191 رقم (1887) وقال: إن صح الخبر، وسقطت (إن) من بعض المراجع مثل (الترغيب والترهيب) للمنذري (2/95) فظنوا أن ابن خزيمة قال: صح الخبر، وهو لم يجزم بذلك. رواه المحاملي في أماليه (293) والبيهقي في شعب الإيمان (7/216) وفي فضائل الأوقات ص 146 رقم 37 وأبو الشيخ ابن حبان في كتاب (الثواب) عزاه له الساعاتي في (الفتح الرباني) (9/233) وذكره السيوطي في (الدر المنثور) وقال: أخرجه العقيلي وضعفه) والأصبهاني في الترغيب، وذكره المنقي في (كنز العمال) 8/477، كلهم عن طريق سعيد بن المسيب عن سلمان الفارسي، والحديث ضعيف الإسناد لعلتين هما: 1- فيه انقطاع حيث لم يسمع سعيد بن المسيب من سلمان الفارسي رضي الله عنه. 2- في سنده " علي بن زيد بن جدعان " قال فيه ابن سعد: فيه ضعف ولا يحتج به، وضعفه أحمد وابن معين والنسائي وابن خزيمة والجوزجاني وغيرهم كما في (سير أعلام النبلاء) (5/207) وحكم أبو حاتم الرازي على الحديث بأنه منكر، وكذا قال العيني في (عمدة القاري) 9/20 ومثله قال الشيخ الألباني في (سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة) ج2/262 رقم (871) فيتبين ضعف إسناد هذا الحديث ومتابعته كلها ضعيفة، وحكم المحدثين عليه بالنكارة، إضافة إلى اشتماله على عبارات في ثبوتها نظر، مثل تقسيم الشهر قسمة ثلاثية: العشر الأولى عشر الرحمة ثم المغفرة ثم العتق من النار وهذه لا دليل عليها، بل فضل الله واسع، ورمضان كله رحمة ومغفرة، ولله عتقاء في كل ليلة، وعند الفطر كما ثبتت بذلك الأحاديث. وأيضاً: في الحديث (من تقرب فيه بخصلة من الخير كمن أدى فريضة) وهذا لا دليل عليه بل النافلة نافلة والفريضة فريضة في رمضان وغيره، وفي الحديث أيضاً: (من أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه) وفي هذا التحديد نظر، إذ الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف في رمضان وغيره، ولا يخص من ذلك إلا الصيام فإن أجره عظيم دون تحديد بمقدار، للحديث القدسي (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. فينبغي الحذر من الأحاديث الضعيفة، والتثبت من درجتها قبل التحديث بها، والحرص على انتقاء الأحاديث الصحيحة في فضل رمضان، وفق الله الجميع وتقبل منا الصيام والقيام وسائر الأعمال. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الدكتور / أحمد بن عبد الله الباتلي الحديث: 21364 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3612 معنى تصفيد الشياطين في رمضان [السُّؤَالُ] ـ[ماذا تقولون في تصفيد الشياطين في رمضان؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله روى البخاري (1899) ومسلم (1079) ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِينُ) . وقد اختلف العلماء في معنى تصفيد الشياطين في رمضان على أقوال. قال الحافظ ابن حجر نقلا عن الحليمي: " يحتمل أن يكون المراد أن الشياطين لا يخلصون من افتتان المسلمين إلى ما يخلصون إليه في غيره لاشتغالهم بالصيام الذي فيه قمع الشهوات وبقراءة القرآن والذكر، وقال غيره - أي غير الحليمي - المراد بالشياطين بعضهم وهم المردة منهم .... وقوله صفدت ... أي شدت بالأصفاد وهي الأغلال وهو بمعنى سلسلت .... قال عياض يحتمل أنه على ظاهره وحقيقته وأن ذلك كله علامة للملائكة لدخول الشهر وتعظيم حرمته ولمنع الشياطين من أذى المؤمنين، ويحتمل أن يكون إشارة إلى كثرة الثواب والعفو وأن الشياطين يقل اغواؤهم فيصيرون كالمصفدين، قال ويؤيد هذا الاحتمال الثاني قوله في رواية يونس عن بن شهاب عند مسلم فتحت أبواب الرحمة، قال ويحتمل أن يكون .... تصفيد الشياطين عبارة عن تعجيزهم عن الإغواء وتزيين الشهوات. قال الزين بن المنير والأول أوجه ولا ضرورة تدعو إلى صرف اللفظ عن ظاهره " فتح الباري 4/114 وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى عن قول النبي صلى الله عليه وسلم (وصفدت الشياطين) ومع ذلك نرى أناسا يصرعون في نهار رمضان، فكيف تصفد الشياطين وبعض الناس يصرعون؟ فأجاب بقوله: " في بعض روايات الحديث: (تصفد فيه مردة الشياطين) أو (تغل) وهي عند النسائي، ومثل هذا الحديث من الأمور الغيبية التي موقفنا منها التسليم والتصديق، وأن لا نتكلم فيما وراء ذلك، فإن هذا أسلم لدين المرء وأحسن عاقبة، ولهذا لما قال عبد الله ابن الإمام أحمد بن حنبل لأبيه: إن الإنسان يصرع في رمضان. قال الإمام: هكذا الحديث ولا تكلم في هذا. ثم إن الظاهر تصفيدهم عن إغواء الناس، بدليل كثرة الخير والإنابة إلى الله تعالى في رمضان. " انتهى كلامه [مجموع الفتاوى 20] وعلى هذا فتصفيد الشياطين تصفيد حقيقي الله أعلم به، ولا يلزم منه ألا يحصل شرور أو معاصي بين الناس. والله أعلم. يراجع السؤال رقم (12653) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39736 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3613 عقوبة الإفطار في رمضان من غير عذر [السُّؤَالُ] ـ[أنا لا أصوم هل أعذب يوم القيامة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صوم رمضان أحد الأركان التي بني عليها الإسلام، وقد أخبر الله أنه كتبه على المؤمنين من هذه الأمة، كما كتبه على من كان قبلهم، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة / 183 وقال: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) البقرة / 185 وروى البخاري (8) ومسلم (16) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَان) . فمن ترك الصوم فقد ترك ركناً من أركان الإسلام، وفعل كبيرة عظيمة من كبائر الذنوب، بل ذهب بعض السلف إلى كفره وردته، عياذا بالله من ذلك. وقد روى أبو يعلى في مسنده عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (عرى الإسلام وقواعد الدين ثلاثة عليهن أسس الإسلام من ترك واحدة منهن فهو بها كافر حلال الدم: شهادة أن لا إله إلا الله، والصلاة المكتوبة، وصوم رمضان) . والحديث صححه الذهبي، وحسنه الهيثمي في مجمع الزوائد (1/48) والمنذري في الترغيب والترهيب برقم 805، 1486، وضعفه الألباني في السلسة الضعيفة برقم 94. وقال الذهبي في الكبائر (ص 64) : وعند المؤمنين مقرر أن من ترك صوم رمضان بلا مرض ولا غرض (أي بلا عذر يبيح ذلك) أنه شر من الزاني ومدمن الخمر، بل يشكون في إسلامه ويظنون به الزندقة والانحلال اهـ. ومما صح من الوعيد على ترك الصوم ما رواه ابن خزيمة (1986) وابن حبان (7491) عن أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (بينا أنا نائم إذ أتاني رجلان فأخذا بضبعيّ (الضبع هو العضد) فأتيا بي جبلا وعِرا، فقالا: اصعد فقلت: إني لا أطيقه. فقالا: إنا سنسهله لك. فصعدت حتى إذا كنت في سواء الجبل إذا بأصوات شديدة، قلت: ما هذه الأصوات؟ قالوا: هذا عواء أهل النار. ثم انطلقا بي فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم، مشققة أشداقهم، تسيل أشداقهم دما، قلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلة صومهم. صححه الألباني في صحيح موارد الظمآن برقم 1509. قال الألباني رحمه الله: هذه عقوبة من صام ثم أفطر عمدا قبل حلول وقت الإفطار، فكيف يكون حال من لا يصوم أصلا؟! نسأل الله السلامة والعافية في الدنيا والآخرة اهـ. والعُرقوب هو العَصَب الذي فوق مؤخرة قدم الإنسان. والشِّدق هو جانب الفم. فالنصيحة للأخ السائل: أن يتقي الله تعالى، ويحذر نقمته وغضبه وأليم عقابه، ولتبادر إلى التوبة قبل أن يفاجأك هاذم اللذات ومفرق الجماعات، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل، واعلم أن من تاب تاب الله عليه، ومن تقرب إلى الله شبرا تقرب إليه باعا، فهو الكريم الحليم الرحيم سبحانه: (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) التوبة / 104 ولو جربت الصوم وعلمت ما فيه من اليسر، والأنس، والراحة، والقرب من الله، ما تركته. وتأمل قول الله تعالى في ختام آيات الصوم: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) وقوله (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) لتدرك أن الصوم نعمة تستحق الشكر، ولهذا كان جماعة من السلف يتمنون أن يكون العام كله رمضان. نسأل الله أن يوفقك، وأن يهديك، وأن يشرح صدرك لما فيه سعادتك في الدنيا والآخرة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38747 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3614 هل تضاعف السيئة والحسنة في رمضان [السُّؤَالُ] ـ[هل صحيح أن السيئة تضاعف في رمضان كما أن الحسنة تضاعف؟ وهل ورد دليل على ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، تضاعف الحسنة والسيئة في الزمان والمكان الفاضلين، ولكن هناك فرق بين مضاعفة الحسنة ومضاعفة السيئة، فمضاعفة الحسنة مضاعفة بالكم والكيف، والمراد بالكم: العدد، فالحسنة بعشر أمثالها أو أكثر، والمراد بالكيف أن ثوابها يعظم ويكثر، وأما السيئة فمضاعفتها بالكيف فقط أي أن إثمها أعظم والعقاب عليها أشد، وأما من حيث العدد فالسيئة بسيئة واحدة ولا يمكن أن تكون بأكثر من سيئة. قال في مطالب أولي النهى (2/385) : (وتضاعف الحسنة والسيئة بمكان فاضل كمكة والمدينة وبيت المقدس وفي المساجد , وبزمان فاضل كيوم الجمعة , والأشهر الحرم ورمضان. أما مضاعفة الحسنة ; فهذا مما لا خلاف فيه , وأما مضاعفة السيئة ; فقال بها جماعة تبعا لابن عباس وابن مسعود. . . وقال بعض المحققين: قول ابن عباس وابن مسعود في تضعيف السيئات: إنما أرادوا مضاعفتها في الكيفية دون الكمية) اهـ. وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: (الصيام هل يحصّل به المسلم تكفير الذنوب صغيرها وكبيرها؟ وهل إثم الذنوب يتضاعف في رمضان؟) فأجاب: (المشروع للمسلم في رمضان وفي غيره مجاهدة نفسه الأمارة بالسوء حتى تكون نفسا مطمئنة آمرة بالخير راغبة فيه، وواجب عليه أن يجاهد عدو الله إبليس حتى يسلم من شره ونزغاته، فالمسلم في هذه الدنيا في جهاد عظيم متواصل للنفس والهوى والشيطان، وعليه أن يكثر من التوبة والاستغفار في كل وقت وحين، ولكن الأوقات يختلف بعضها عن بعض، فشهر رمضان هو أفضل أشهر العام، فهو شهر مغفرة ورحمة وعتق من النار، فإذا كان الشهر فاضلا والمكان فاضلا ضوعفت فيه الحسنات، وعظم فيه إثم السيئات، فسيئة في رمضان أعظم إثما من سيئة في غيره، كما أن طاعة في رمضان أكثر ثوابا عند الله من طاعة في غيره. ولما كان رمضان بتلك المنزلة العظيمة كان للطاعة فيه فضل عظيم ومضاعفة كثيرة، وكان إثم المعاصي فيه أشد وأكبر من إثمها في غيره، فالمسلم عليه أن يغتنم هذا الشهر المبارك بالطاعات والأعمال الصالحات والإقلاع عن السيئات عسى الله عز وجل أن يمن عليه بالقبول ويوفقه للاستقامة على الحق، ولكن السيئة دائما بمثلها لا تضاعف في العدد لا في رمضان ولا في غيره، أما الحسنة فإنها تضاعف بعشر أمثالها إلى أضعاف كثيرة؛ لقول الله عز وجل في سورة الأنعام:) مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) الأنعام / 160 والآيات في هذا المعنى كثيرة. وهكذا في المكان الفاضل كالحرمين الشريفين تضاعف فيهما أضعافا كثيرة في الكمية والكيفية، أما السيئات فلا تضاعف بالكمية ولكنها تضاعف بالكيفية في الزمان الفاضل والمكان الفاضل كما تقدمت الإشارة إلى ذلك، والله ولي التوفيق) انتهى من مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (15/446) . وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (7/262) : تضاعف الحسنة والسيئة بمكان وزمان فاضل. فالحسنة تضاعف بالكم وبالكيف. وأما السيئة فبالكيف لا بالكم، لأن الله تعالى قال في سورة الأنعام وهي مكية: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) الأنعام/160. وقال: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) الحج/25. ولم يقل: نضاعف له ذلك. بل قال: (نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) فتكون مضاعفة السيئة في مكة أو في المدينة مضاعفة كيفية. (بمعنى أنها تكون أشد ألماً ووجعاً لقوله تعالى: وقال: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) الحج/25.اهـ والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38213 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3615 زوجته لا تريد أن تصوم [السُّؤَالُ] ـ[أخي متدين ولكن زوجته غير متدينة فهي لا تصوم ولا تدري أصلاً عن رمضان، لا يوجد أحد من أقربائنا يسكن قريباً منه ويجده من الصعب أن يؤثر على زوجته أو يجعلها تتغير، يدعو الله لها أن يهديها وأن يرزقه الصبر عليها، ولكن الذي يبدو أنها لا تريد أن تتغير أو أن تتصرف كالمسلمين. هل يمكن أن تخبرني كيف يتصرف معها لكي تقرب أكثر للإسلام وتصبح متدينة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب على أخيك أن يسعى بكل الوسائل لهداية زوجته إلى طريق الحق، فيستعمل معها أسلوب الترغيب والترهيب، ويذكرها بالله عز وجل وحقوقه، ويعظها وينبهها إلى خطر ما هي عليه، ثم ليسعى إلى ربطها بصحبة صالحة، ولو لم تكن من أقاربه، كأن يربطها بزوجات أصحابه المستقيمات الصالحات، ويحضر لها الأشرطة النافعة، والكتيبات المفيدة، فإن أطاعته فهذا هو المطلوب، وإلا فلا مانع من أن يستعمل معها أسلوب الهجر إذا كان مفيدا في مثل هذه الحالة، فإنه إذا شرع الهجر لأجل حق الزوج، فلأن يشرع لأجل حق الله من باب أولى. وقد ثبت عن أبي أمامة الباهلي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (بينا أنا نائم إذ أتاني رجلان فأخذا بضبعي فأتيا بي جبلا وعرا، فقالا لي اصعد، فقلت إني لا أطيقه، فقالا إنا سنسهله لك، فصعدت حتى إذا كنت في سواء الجبل، إذا أنا بأصوات شديدة، فقلت ما هذه الأصوات قالوا هذا عواء أهل النار، ثم انطلق بي فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم مشققة أشداقهم تسيل أشداقهم دما، فقلت من هؤلاء؟ قال هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلة صومهم) رواه البيهقي برقم 7796، وصححه الألباني فإذا كانت تلك عقوبة من يفطر قبل موعد الإفطار، فكيف بمن لا يصوم أصلا. أما إذا كانت تلك الزوجة تضيف إلى عدم صيامها عدم الصلاة بالكلية، فإنها بذلك تكون قد خرجت عن حظيرة الإسلام على الراجح من أقوال أهل العلم، وعليه فلا يجوز لأخيك أن يبقيها تحت عصمته. والله أعلم. يراجع السؤال رقم (12828) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38282 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3616 لماذا يصوم المسلمون؟ [السُّؤَالُ] ـ[أعيش في بريطانيا وكثيراً ما يسألني غير المسلمين لماذا يصوم المسلمون؟ فماذا أقول لهم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نصوم – نحن المسلمين- شهر رمضان لأن الله تعالى أمرنا بذلك، بقوله سبحانه تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة/183. فنحن نتعبد لله تعالى بهذه العبادة المحبوبة إلى الله تعالى، والتي أمرنا بها. والمؤمن يبادر إلى امتثال أمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم عملاً بقوله تعالى: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) النور/51. وقوله: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) الأحزاب /36. ثانياً: "من حكمة الله عز وجل، أن الله نوع العبادات في التكليف؛ ليختبر المكلف كيف يكون امتثاله لهذه الأنواع، فهل يمتثل ويقبل ما يوافق طبعه، أو يمتثل ما به رضا الله عز وجل؟ فإذا تأملنا العبادات الخمس: الشهادة والصلاة، والزكاة، والصوم، والحج وجدنا أن بعضها بدني محض، وبعضها مالي محض، وبعضها مركب، حتى يتبين الشحيح من الجواد، فربما يهون على بعض الناس أن يصلي ألف ركعة، ولا يبذل درهما، وربما يهون على بعض الناس أن يبذل ألف درهم ولا يصلي ركعة واحدة. فجاءت الشريعة بالتقسيم والتنويع حتى يعرف من يمتثل تعبدا لله، ومن يمتثل تبعا لهواه. فالصلاة مثلا عبادة بدنية محضة وما يجب لها مما يحتاج إلى المال كماء الوضوء الذي يشتريه الإنسان، والثياب لستر العورة تابع، وليس داخلا في صلب العبادة. والزكاة: مالية محضة، وما تحتاج إليه من عمل بدني كإحصاء المال وحسابه، ونقل الزكاة إلى الفقير والمستحق فهو تابع، وليس داخلا في صلب العبادة. والحج: مركب من مال وبدن إلا في أهل مكة فقد لا يحتاجون إلى المال، لكن هذا شيء نادر، أو قليل بالنسبة لغير أهل مكة. والجهاد في سبيل الله: مركب من مال وبدن، ربما يستحق المال وربما يستحق البدن. والتكليف أيضا ينقسم إلى: كف عن المحبوبات، وإلى بذل للمحبوبات، وهذا نوع من التكليف أيضا. كف عن المحبوبات مثل: الصوم، وبذل للمحبوبات كالزكاة؛ لأن المال محبوب إلى النفس، فلا يبذل المال المحبوب إلى النفس إلا لشيء أحب منه. وكذلك الكف عن المحبوبات، وربما يهون على المرء أن ينفق ألف درهم، ولا يصوم يوما واحدا أو بالعكس" اهـ قاله الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (6/190) . ثالثاً: لتشريع الصيام حكم عظيمة سبق ذكر بعضها في إجابة السؤال (26862) . وسئل الشيخ ابن عثيمين عن الحكمة من إيجاب الصوم؟ فأجاب: إذا قرأنا قول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة /183، عرفنا ما هي الحكمة من إيجاب الصوم، وهي التقوى والتعبد لله سبحانه وتعالى، والتقوى هي ترك المحارم وهو عند الإطلاق تشمل فعل المأمور به وترك المحظور، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) رواه البخاري (6057) . راجع السؤال رقم (37658) ، (37989) . وعلى هذا يتأكد على الصائم القيام بالواجبات وكذلك اجتناب المحرمات من الأقوال والأفعال، فلا يغتاب الناس ولا يكذب، ولا ينم بينهم، ولا يبيع بيعا محرما، ويجتنب جميع المحرمات، وإذا فعل الإنسان ذلك في شهر كامل فإن نفسه سوف تستقيم بقية العام. ولكن المؤسف أن كثيرا من الصائمين لا يفرقون بين يوم صومهم ويوم فطرهم فهم على العادة التي هم عليها من ترك الواجبات وفعل المحرمات، ولا تشعر أن عليه وقار الصوم، وهذه الأفعال لا تبطل الصوم، ولكن تنقص من أجره، وربما عند المعادلة ترجح على أجر الصوم فيضيع ثوابه اهـ. "فتاوى أركان الإسلام" (ص 451) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38064 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3617 خصائص شهر رمضان [السُّؤَالُ] ـ[ما هو رمضان؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله رمضان.. هو شهر من الأشهر العربية الاثني عشر، وهو شهر معظم في دين الإسلام وقد تميز عن بقية الشهور بجملة من الخصائص والفضائل ومن ذلك: 1- أن الله عز وجل جعل صومه الركن الرابع من أركان الإسلام , كما قال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْه) البقرة / 185 , وثبت في الصحيحين البخاري (8) ، ومسلم (16) من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله , وأن محمدا عبد الله ورسوله , وإقام الصلاة , وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان , وحج البيت ". 2- أن الله عز وجل أنزل فيه القرآن , كما قال تعالى في الآية السابقة: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) البقرة / 185، وَقَال سُبْحَانَهُ وتَعَالَى: {إنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} . 3- أن الله جعل فيه ليلة القدر , التي هي خير من ألف شهر , كما قال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ. وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ. لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ. تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ. سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) القدر / 1_5. وقال أيضا: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) الدخان / 3. فَضَّلَ اللَّهُ تَعَالَى رَمَضَانَ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ , وَفِي بَيَانِ مَنْزِلَةِ هَذِهِ اللَّيْلَةِ الْمُبَارَكَةِ نَزَلَتْ سُورَةُ الْقَدْرِ وَوَرَدَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ , تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ , وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ , وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ , لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ, مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ " رواه النسائي (2106) وأحمد (8769) صححه الألباني في صحيح الترغيب (999) . وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " " رواه البخاري (1910) ومسلم (760) . 4- أن الله عز وجل جعل صيامه وقيامه إيمانا واحتسابا سببا لمغفرة الذنوب , كما ثبت في الصحيحين البخاري (2014) ، ومسلم (760) من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ". وفيهما البخاري (2008) ومسلم (174) أيضا عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: " ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ". وقد أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى سُنِّيَّةِ قِيَامِ لَيَالِيِ رَمَضَانَ , وَقَدْ ذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِقِيَامِ رَمَضَانَ صَلَاةُ التَّرَاوِيحِ يَعْنِي أَنَّهُ يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ مِنْ الْقِيَامِ بِصَلَاةِ التَّرَاوِيحِ. 5- أن الله عز وجل يفتح فيه أبواب الجنان , ويُغلق فيه أبواب النيران , ويُصفِّد فيه الشياطين , كما ثبت في الصحيحين البخاري (1898) ، ومسلم (1079) من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة , وغلقت أبواب النار , وصُفِّدت الشياطين ". 6- أن لله في كل ليلة منه عتقاء من النار، روى الإمام أحمد (5/256) من حديث أبي أُمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لله عند كل فطر عتقاء ". قال المنذري: إسناده لا بأس به. وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (987) . وروى البزار (كشف_ 962) من حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن لله تبارك وتعالى عتقاء في كل يوم وليلة _ يعني في رمضان _ , وإن لكل مسلم في كل يوم وليلة دعوة مستجابة ". 7- أن صيامَ رمضان سببٌ لتكفير الذنوب التي سبقته من رمضان الذي قبله إذا اجتنبت الكبائر , كما ثبت في "صحيح مسلم" (233) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الصلوات الخمس , والجمعة إلى الجمعة , ورمضان إلى رمضان , مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر ". 8- أن صيامه يعدل صيام عشرة أشهر , كما يدل على ذلك ما ثبت في "صحيح مسلم" (1164) من حديث أبي أيوب الأنصاري قال: " من صام رمضان , ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر ". وروى أحمد (21906) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان فشهر بعشرة أشهر، وصيام ستة أيام بعد الفطر فذلك تمام السنة) 9- أن من قام فيه مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة، لما ثبت عند أبي داود (1370) وغيره من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة ". وصححه الألباني في "صلاة التراويح" (ص 15) 10- أن العمرة فيه تعدل حجة، روى البخاري (1782) ومسلم (1256) عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأة من الأنصار: " ما منعك أن تحجي معنا؟ " قالت: لم يكن لنا إلا ناضحان , فحج أبو ولدها وابنها على ناضح , وترك لنا ناضحا ننضح عليه , قال: " فإذا جاء رمضان فاعتمري , فإن عمرة فيه تعدل حجة " , وفي رواية لمسلم:" حجة معي ". والناضح هو بعير يسقون عليه. 11- أنه يُسن الاعْتِكَافُ فِيهِ , لِمُوَاظَبَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِ , كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ - رضي الله عنها – " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى , ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ " رواه البخاري (1922) ومسلم (1172) . 12- يُسْتَحَبُّ فِي رَمَضَانَ اسْتِحْبَابًا مُؤَكَّدًا مُدَارَسَةُ الْقُرْآنِ وَكَثْرَةُ تِلاوَتِهِ , وَتَكُونُ مُدَارَسَةُ الْقُرْآنِ بِأَنْ يَقْرَأَ عَلَى غَيْرِهِ وَيَقْرَأَ غَيْرُهُ عَلَيْهِ , وَدَلِيلُ الاسْتِحْبَابِ " أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يَلْقَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ " رواه البخاري (6) ومسلم (2308) . وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ مُسْتَحَبَّةٌ مُطْلَقًا , وَلَكِنَّهَا فِي رَمَضَانَ آكَدُ. 13- يستحب في رمضان تَفْطِيرُ الصَّائِمِ: لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ , غَيْرَ أَنَّهُ لا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا " رواه الترمذي (807) وابن ماجه (1746) وصححه الألباني في صحيح الترمذي (647) . راجع سؤال رقم (12598) والله تعالى اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 13480 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3618 التهنئة بدخول رمضان [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم التهنئة بدخول شهر رمضان بلفظ: (كل عام وأنت بخير) ؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس للتهنئة بدخول شهر رمضان لفظ معين لا ينبغي للمسلم أن يتعداه إلى غيره، فيجوز التهنئة بأي لفظ اعتاده الناس مثل: (كل عام وأنتم بخير) ونحو ذلك من الألفاظ التي ليس فيها محظور شرعي. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37930 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3619 نصرانية تريد أن تصوم [السُّؤَالُ] ـ[أنا نصرانية ولكنني لا أؤمن بديني وأنا آسفة لهذا، أمنت بالله وبرسوله وأريد أن أصوم رمضان، ولكنني لا زلت نصرانية فهل يمكن أن أصوم رمضان؟ لا أعلم كيف أصبح مسلمة، أشعر بهذا في قلبي، ولكنني أظن بأن هذا ليس كافياً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نسأل الله تعالى أن يشرح صدرك للإسلام. أيتها العاقلة إن صيامك من غير دخولك في الإسلام لن تستفيدي منه شيئاً إلا الجوع والعطش، لأن جميع العبادات لا يقبلها الله تعالى إلا إذا كانت مبنية على اعتقاد صحيح، ودين سليم. إن الأهم لك -ولا شيء أهم منه على الإطلاق- هو أن تبدئي بالخطوة الصحيحة ألا وهي الدخول في الإسلام. وبعد ذلك تقومين بالصلاة والصيام، وتقرئين القرآن، وتؤدين سائر العبادات، فيحيا بها قلبك، وينشرح صدرك. إن دخولك في الإسلام ليس بالأمر العسير، لا يحتاج منك فقط إلا إلى النطق بالشهادتين (أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله) . إن وجود الشعور في قلبك بدخولك في الإسلام هذا من علامة الخير، فعليك أن تتخذي الخطوة الأخيرة في ذلك بالقرار الحاسم الذي يترتب عليه سعادتك في الدنيا والآخرة. إنك لا تؤمنين بدينك -كما قلتِ في سؤالك- فما قيمة هذه الحياة إذا كان الإنسان بلا دين ولا قيم ولا نظام رباني يسير عليه الإنسان في حياته؟! أتظنين أن هذه الحياة الدنيا مجرد لهو ولعب وتمتع بالشهوات ثم ينتهي ذلك بالموت؟ كلا!! إن بعد الموت حساباً، وبعد الحساب جنة أو نار. فعليك السعي فيما يكون سبباً في نجاتك، ولا تتأخري ولا تنتظري فإن قطار العمر يسير، ولا يدري المرء متى يتوقف به هذا القطار. وهو لا يتوقف به إلا على أول مراحل الآخرة، فهنالك لا ينفع الندم. يتمنى الإنسان لو رجع إلى هذه الحياة الدنيا ليؤمن ويعمل صالحاً، (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) المؤمنون/99-100. (وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ) الأنعام/27. (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) فاطر/36-37. نسأل الله تعالى أن يلهمك رشدك ويوفقك لما فيه خيرك في الدنيا والآخرة. ونحن على أتم استعداد لتلقي أي سؤال منك والإجابة عنه إن شاء الله تعالى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37653 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3620 متى فرض الصيام؟ [السُّؤَالُ] ـ[في أي عام فرض الصيام على المسلمين؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فرض صيام شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة، وصام الرسول صلى الله عليه وسلم تسع رمضانات. قال النووي رحمه الله في "المجموع" (6/250) : صام رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان تسع سنين، لأنه فرض في شعبان في السنة الثانية من الهجرة وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة اهـ والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37649 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3621 إذا صامت المرأة وهي حامل وعليها نزيف [السُّؤَالُ] ـ[صمت من رمضان الشهر كله، وأنا غالب ظني أن صيامي غير سليم حيث كان عندي جنين في بطني ومعي نزيف، وأنا الآن صحتي ضعيفة ولا أستطيع الصيام. فإذا كان لم يصح صيامي فماذا أفعل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا صامت المرأة وفي بطنها جنين ومعها نزيف الدم فصومها صحيح؛ لأن هذا النزيف الذي معها وهي حامل لا يؤثر شيئاً ولا يعتبر حيضاً ولا نفاساً؛ لأن الولد موجود في البطن، فليس بنفاس، وليس بحيض؛ لأن الغالب أن الحامل لا تحيض، وعلى قول من قال: إن الحامل قد تحيض، فيشترطون أن يكون الدم مستقيماً على عادته الأولى. فإذا كانت المرأة التي سألت عن هذا السؤال إنما دمها ملتبس عليها ومتغير؛ نزيف يتقطع ويختلف ليس على عادته الأولى القديمة التي تراها قبل الحمل هذا كله دم فاسد، وصومها صحيح، وليس عليها قضاء الصوم والحمد لله؛ لأن الدم الذي مع الحامل في الغالب يكون دماً فاسداً مختلاً يزيد وينقص ويتقدم ويتأخر ويتنوع، فهو لا يعتبر. أما لو قدر أنه على حالته الأولى قبل الحمل لم يتغير بل جاء في عادته فهذا قال بعض أهل العلم: إنه حيض، وان عليها أن تجلس ولا تصوم، قاله جماعة من العلماء. وذهب آخرون من أهل العلم أنه ولو كان على عادته وعلى حاله الأولى لا يعتبر، وأن الحامل لا تحيض. هذا قول مشهور عن أهل العلم. لكن الغالب أن الحامل إنما يأتيها دم مضطرب متغير نزيف لا يستقر له قرار، فهذا لا يعتبر عند الجميع ولا يلتفت إليه، بل صومها صحيح وصلاتها صحيحة. وعليها في هذه الحالة أن تتحفظ بقطن ونحوه وتتوضأ لوقت كل صلاة، إذا دخل الوقت تتوضأ لكل صلاة وتصلي بطهارتها ولو أن الدم لا يزال يخرج معها؛ لأنها مبتلاة بهذا الشيء مثل صاحب سلس البول ومثل المستحاضة التي ليست حاملاً سواء بسواء؛ فهذا الدم الجاري معها دم فاسد لا يضرها. لكنها تستنجي بعد دخول الوقت وتتوضأ وضوء الصلاة وتصلي على حسب حالها. وإذا جمعت بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء كما علم النبي بعض الصحابيات عليه الصلاة والسلام، وإذا اغتسلت مع ذلك عند صلاة الظهر والعصر غسلاً واحداً والمغرب والعشاء غسلاً واحداً من باب النظافة والنشاط هذا حسن، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى به بعض النساء المستحاضات" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (3/1227) . [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز فتاوى نور على الدرب الحديث: 128804 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3622 حكم الدم قبل الولادة [السُّؤَالُ] ـ[امرأة جاءها دم أثناء الحمل قبل نفاسها بخمسة أيام في شهر رمضان هل يكون دم حيض أو نفاس وماذا يجب عليها؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الأمر كما ذكر من رؤيتها الدم وهي حامل قبل الولادة بخمسة أيام فإن لم تر علامة على قرب الوضع كالمخاض وهو الطلق فليس بدم حيض ولا نفاس بل دم فساد على الصحيح وعلى ذلك لا تترك العبادات بل تصوم وتصلي وإن كان مع هذا الدم أمارة من أمارات قرب وضع الحمل من الطلق ونحوه فهو دم نفاس تدع من أجله الصلاة والصوم ثم إذا طهرت منه بعد الولادة قضت الصوم دون الصلاة. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة. الحديث: 6944 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3623 منع العادة الشهرية في رمضان [السُّؤَالُ] ـ[تعمد بعض النساء أخذ حبوب في رمضان لمنع الدورة الشهرية - الحيض - والرغبة في ذلك حتى لا تقضي فيما بعد فهل هذا جائز وهل في ذلك قيود حتى لا تعمل بها هؤلاء النساء؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الذي أراه في هذه المسألة ألا تفعله المرأة وتبقى على ما قدره الله عز وجل وكتبه على بنات آدم فإن هذه الدورة الشهرية لله تعالى حكمة في إيجادها، هذه الحكمة تناسب طبيعة المرأة فإذا منعت هذه العادة فإنه لا شك يحدث منها رد فعل ضار على جسم المرأة وقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) هذا بغض النظر عما تسببه هذه الحبوب من أضرار على الرحم كما ذكر ذلك الأطباء، فالذي أرى في هذه المسألة أن النساء لا يستعملن هذه الحبوب والحمد لله على قدره وحكمته إذا أتاها الحيض تمسك عن الصوم والصلاة وإذا طهرت تستأنف الصيام والصلاة وإذا انتهى رمضان تقضي ما فاتها من الصوم. [الْمَصْدَرُ] فتاوى الشيخ ابن عثيمين. الحديث: 7416 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3624 صامت مع الشك في غسلها من الحيض فهل يلزمها القضاء؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا امرأة أعاني من مشكلة الوسواس القهري في العبادات وخصوصا في الطهارة فأنا عندما يأتيني الحيض لا أنتظر حتى أرى الطهر فمجرد الجفاف أغتسل لإحساسي بالذنب لعدم الصلاة وأعاود الاغتسال مرتين وأكثر فأنا قبل رمضان بيومين اغتسلت من الحيض وبعد أربعة وعشرين ساعة رأيت كدرة تميل إلى الاحمرار فتتبعت أثر الكدرة بمنديل واغتسلت في الليل بنية صيام أول أيام رمضان وصمت اليوم الأول وصمت اليوم الثاني من رمضان وعند صلاة العصر من اليوم الثاني من رمضان رأيت القليل من الصفرة مع مثل التراب فلم أعاود الغسل واستمريت في الصوم إلى نهاية رمضان. الآن بعد رمضان أحس بالذنب أن صومي غير صحيح وأنه علي إعادة الصوم لعدم الغسل مرة أخرى فأفتوني جزاكم الله خيرا هل صومي صحيح أم أنه علي إعادة الصوم مرة أخرى؟ وبماذا تنصحوني جزاكم الله عني خير جزاء.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: علاج الوسوسة بأمرين يسيرين: الأول: الإكثار من ذكر الله تعالى وطاعته، فهذا سبيل راحة النفس واستقرارها وطمأنيتها، ودفع أذى الشيطان ووسوته، كما قال تعالى: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) الرعد/28، وقال: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) النحل/97. 99، وقال سبحانه: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ. مَلِكِ النَّاسِ. إِلَهِ النَّاسِ. مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ. الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ. مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) سورة الناس. قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: " قال سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: (الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ) قال: الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس، فإذا ذكر الله خَنَس. وكذا قال مجاهد، وقتادة. وقال المعتمر بن سليمان، عن أبيه: ذُكرَ لي أن الشيطان، أو الوسواس ينفث في قلب ابن آدم عند الحزن وعند الفرح، فإذا ذكر الله خنس " انتهى. والأمر الثاني: هو الإعراض عن الوسوسة، والتشاغل عنها، وعدم الالتفات إليها، وترك التجاوب معها، فهذا كفيل برفعها والعافية منها. وهذا الدواء وإن كان صعبا في بادئ الأمر، فإنه سهل يسير بعد ذلك، وما عليك سوى الاجتهاد وبذل الوسع، وسؤال الله تعالى العون. قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) العنكبوت/69. وقد سئل ابن حجر المكي رحمه الله: عن داء الوسوسة هل له دواء؟ فأجاب: "له دواء نافع، وهو الإعراض عنها جملة كافية، وإن كان في النفس من التردد ما كان، فإنه متى لم يلتفت لذلك لم يثبت، بل يذهب بعد زمن قليل، كما جَرَّب ذلك الموفقون، وأما من أصغى إليها وعمل بقضياتها فإنها لا تزال تزداد به حتى تُخرجه إلى حيز المجانين، بل وأقبح منهم، كما شاهدناه في كثيرين ممن ابتلوا بها وأصغوا إليها وإلى شيطانها" انتهى من "الفتاوى الفقهية الكبرى" (1/149) . ثانياً: يحصل الطهر من الحيض بإحدى علامتين: الأولى: الجفاف التام بحيث لو احتشت المرأة بقطنة ونحوها خرجت نظيفة، لا أثر عليها من دم أو صفرة أو كدرة. والثانية: نزول القصة البيضاء، وهي ماء أبيض تعرفه النساء. ولا ينبغي التعجل في الغسل حتى يحصل اليقين بالطهر، قال البخاري رحمه الله في صحيحه: "بَاب إِقْبَالِ الْمَحِيضِ وَإِدْبَارِهِ وَكُنَّ نِسَاءٌ يَبْعَثْنَ إِلَى عَائِشَةَ بِالدُّرَجَةِ فِيهَا الْكُرْسُفُ فِيهِ الصُّفْرَةُ فَتَقُولُ: لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ. تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضَةِ". ورواه مالك في الموطأ برقم (130) . والدُّرْجة: هو الوعاء الذي تضع المرأة فيه طيبها ومتاعها، والكرسف: القطن، والصفرة: الماء الأصفر. ثالثاً: إذا رأيت الجفاف التام، واغتسلت، ثم نزلت كدرة أو صفرة، فلا يضرك ذلك؛ لأن الصفرة أو الكدرة بعد الطهر ليست حيضا؛ لحديث أم عطية رضي الله عنها قالت: (كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئاً) . رواه أبو داود (307) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. وليس هناك تقصير أو إثم على من أخرت الغسل والصلاة حتى تتأكد من طهرها، بل هذا هو الواجب عليها؛ لحرمة الصلاة حال الحيض. رابعاً: على فرض أنك اغتسلت قبل الطهر الصحيح، ثم لم تعيدي الغسل، فلا يصح صومك اليوم الأول والثاني، لأنك كنت حائضاً، أما ما بعد ذلك من الأيام فصومها صحيح، لأن الصوم لا يشترط له الغسل من الحيض ولا من الجنابة. وعلى هذا؛ فإن كنت رأيت الجفاف التام فاغتسالك صحيح، وصومك صحيح. وإن كنت تعجلت واغتسلت ومت قبل حصول الجفاف التام فعليك قضاء صوم اليومين الأول والثاني، وأما بقية الشهر فصيامك صحيح، ولا يلزمك فيه شيء. ونصيحتنا لك ما هو قدمناه من ضرورة علاج الوسوسة والتخلص منها وعدم الالتفات لها. نسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 110860 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3625 أخذ حبوب منع الحيض في العشر الأواخر من رمضان [السُّؤَالُ] ـ[إذا كانت المرأة يأتيها الحيض في العشر الأواخر من رمضان، فهل يجوز لها أن تستعمل حبوب منع الحمل لتتمكن من أداء العبادة في هذه الأيام الفاضلة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عُرض هذا السؤال على الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله فقال: لا نرى أنها تستعمل هذه الحبوب لتعينها على طاعة الله؛ لأن الحيض الذي يخرج شيءٌ كتبه الله على بنات آدم وقد دخل النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة وهي معه في حجة الوداع وقد أحرمت بالعمرة فأتاها الحيض قبل أن تصل إلى مكة فدخل عليها وهي تبكي، فقال ما يبكيك فأخبرته أنها حاضت فقال لها إن هذا شيءٌ قد كتبه الله على بنات آدم، فالحيض ليس منها فإذا جاءها في العشر الأواخر فلتقنع بما قدر الله لها ولا تستعمل هذه الحبوب وقد بلغني ممن أثق به من الأطباء أن هذه الحبوب ضارة في الرحم وفي الدم وربما تكون سبباً لتشويه الجنين إذا حصل لها جنين فلذاك نرى تجنبها. وإذا حصل لها الحيض وتركت الصلاة والصيام فهذا ليس بيدها بل بقدر الله. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله الحديث: 13738 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3626 عاد إليها دم النفاس وهي صائمة [السُّؤَالُ] ـ[إذا طهرت النفساء خلال أسبوع وصامت مع المسلمين في رمضان أياماً معدودة ثم عاد إليها الدم هل تفطر في هذه الحالة؟ وهل يلزمها قضاء الأيام التي صامتها والتي أفطرتها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا طهرت النفساء في الأربعين فصامت أياماً ثم عاد إليها الدم في الأربعين فإن صومها صحيح، وعليها أن تدع الصلاة والصيام في الأيام التي عاد فيهل الدم – لأنه نفاس – حتى تطهر أو تكمل الأربعين، ومتى أكملت الأربعين وجب عليها الغسل، وإن لم تر الطهر، لأن الأربعين هي نهاية النفاس في أصح قولي العلماء، وعليها بعد ذلك أن تتوضأ لوقت كل صلاة حتى ينقطع عنها الدم، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك المستحاضة، ولزوجها أن يستمتع بها بعد الأربعين، وإن لم تر الطهر، لأن الدم والحال ما ذكر دم فساد لا يمنع الصلاة ولا الصوم، ولا يمنع الزوج من استمتاعه بزوجته. لكن إن وافق الدم بعد الأربعين عادتها في الحيض فإنها تدع الصلاة والصوم وتعتبره حيضاً. والله ولي التوفيق" انتهى. فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله. "فتاوى إسلامية" (2/146) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106464 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3627 بلغت ولكنها لا تقوى على الصيام [السُّؤَالُ] ـ[فتاة أتاها الحيض في السنة الحادية عشر من عمرها فهل يلزمها الصيام؟ مع ملاحظة أنها لا تتمتع بصحة جيدة وفي حالة عدم قدرتها على الصيام ما الذي يترتب عليها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كان الواقع كما ذكرت لزمها الصيام لأن الحيض من علامات بلوغ النساء إذا جاءها وهي في التاسعة من عمرها فأكثر. فإذا استطاعت الصيام وجب عليها أداؤه في وقته، وإذا عجزت أو نالها منه مشقة شديدة أفطرت ووجب عليها قضاء ما أفطرته من الأيام عند القدرة على ذلك" انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (10/145، 145) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106479 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3628 بلغت ثلاث عشرة سنة ولا تصوم رمضان [السُّؤَالُ] ـ[فتاة بلغ عمرها اثنتي عشرة أو ثلاث عشرة سنة ولا تصوم رمضان، فهل عليها شيء أو على أهلها؟ وهل تصوم وإذا ما صامت فهل عليها شيء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "المرأة تكون مكلفة بشروط وهي الإسلام والعقل والبلوغ، ويحصل البلوغ: بالحيض وإنزال المني بشهوة، وبالاحتلام إذا رأت المني، أو نبات شعر خشن حول القبل، أو بلوغ خمسة عشر عاماً. فهذه الفتاة إذا كانت توفرت فيها شروط التكليف فالصيام واجب عليها، ويجب قضاء ما تركته من الصيام في وقت تكليفها، وإذا اختل شرط من الشروط فليست بمكلفة ولا شيء عليها. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (10/146، 147) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106485 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3629 طهرت من الحيض قبل الفجر فصامت دون أن تغتسل [السُّؤَالُ] ـ[طهرت قبل صلاة الفجر وانتظرت إلى ما بعد الصلاة فأخذني النوم واستيقظت الساعة العاشرة ولم أغتسل فنسيت وأخذت ابنتي المريضة إلى المستشفى واستغرق إلى صلاة العصر ثم اغتسلت وصليت ما فاتني من الصلاة.. ويعلم الله أنها أول مرة تحدث معي منذ بلغت ولكن السبب أن الدورة عادة تأتيني 9 أيام وفي هذا الشهر كانت 8 أيام فسوفت للتأكد ولكن كنت صائمة فماذا عليّ؟ هل أقضي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا تيقنت الطهر ونويت الصيام قبل الفجر، ولو بدقيقة واحدة، فصيامك صحيح، ولو تأخر اغتسالك. وانظري جواب السؤال رقم (7310) . وأما إذا كنت شاكة في حصول الطهر ومع ذلك نويت الصوم، فإن الصوم لا يصح من الشك في حصول الطهر من الحيض. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن امرأة صامت وهي شاكة في الطهر من الحيض، فلما أصبحت فإذا هي طاهرة هل ينعقد صومها وهي لم تتيقن الطهر؟ فأجاب: "صيامها غير منعقد، ويلزمها قضاء ذلك اليوم، وذلك لأن الأصل بقاء الحيض ودخولها في الصوم مع عدم تيقن الطهر دخول في العبادة مع الشك في شرط صحتها، وهذا يمنع انعقادها" انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (19/107) . وإذا علمت المرأة أنها طهرت من الحيض، وجب عليها أن تغتسل لأجل الصلاة، ولا يجوز لها تأخير ذلك بحيث يخرج وقت الصلاة، فإن فعلت فعليها التوبة، مع قضاء ما فاتها. فإن نسيت أنها طهرت من الحيض ـ كما ذكرت في سؤالك ـ فلا حرج عليها إن شاء الله من تأخير الصلاة، وعليها إذا تذكرت أن تغتسل وتصل ما فاتها من الصلوات ـ كما فعلت. ونسأل الله أن يعفو عنا وعنك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 94839 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3630 ظنت أن الدم النازل مع السقط دم نفاس فأفطرت [السُّؤَالُ] ـ[في يوم من رمضان ذهبت إلى المستشفى لإسقاط الحمل الذي لم يتم 3 أشهر تناولت بعض الأدوية وبعد الإجهاض أكلت بعض الأكل ظنا مني أنه جائز لي أن آكل. لكن بعد الرجوع إلى البيت بحثت عبر الإنترنت وعلمت أنه يجب علي الصوم وكذلك الصلاة لأن ذلك الدم دم فساد فقضيت ذالك اليوم بعد خروج رمضان. هل يكفي ما فعلته أم ماذا يجب علي القيام به؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: سبق بيان حكم الإجهاض المتعمد في جواب السؤال رقم (42321) فراجعيه. كما سبق بيان الأحكام المترتبة على سقوط الجنين في مراحله المختلفة في جواب السؤال رقم (12475) . ثانيا: إذا أسقطت المرأة جنينها ولم يتبين فيه خلق الإنسان كالرأس والأطراف، فالدم النازل معه دم فساد، لا يمنع الصلاة والصوم، وإن تبين فيه خلق إنسان فهو دم نفاس، وأقل مدة يتبين فيها خلق الإنسان هي واحد وثمانون يوما، كما هو مبين في الجواب رقم (37784) ثالثا: إذا أفطرت ظنا منك أن الدم النازل هو دم نفاس، ثم تبين أنه دم فساد، وقضيت الصوم والصلاة، فلا شيء عليك، وإن لم تكوني قضيت صلاة ذلك اليوم فبادري بقضائها. وفقنا الله وإياك لطاعته ومرضاته. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 81169 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3631 نزول الدم بسبب عملية هل يمنع الصيام؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا ولدت قبل أكثر من شهرين، ولم ينقطع دم النفاس إلى الآن، فاكتشفت طبيبة السونار وجود قطعة من مشيمة الطفل، فقمت بعملية لإزالتها، وهذا بعد مرور الأسبوع الأول من رمضان، وأنا لم أصم إلا بعد العملية، رغم أن الدم لم ينقطع، فماذا أفعل الآن؟ وهل صومي صحيح؟ وهل يمكن الجماع الآن والدم قليل جدّاً الآن بعد العملية؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أقصى مدة للنفاس هي أربعون يوماً، وبعدها تكون المرأة طاهراً، تصلي وتصوم ويأتيها زوجها ولو نزل الدم، وهذا الدم النازل بعد الأربعين يكون نزيفا وليس نفاساً. وقد سبق بيان ذلك بأدلته في جواب السؤال رقم (10488) . وعلى هذا، فصومك بعد إجراء العملية صحيح، ولو كان الدم نازلاً. وعليك قضاء الأسبوع الأول من رمضان الذي لم تصوميه. وأما الصلوات التي تركتيها بعد الأربعين يوماً، فلا يلزمك قضاؤها إن شاء الله تعالى. وانظري جواب السؤال رقم (45648) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 79202 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3632 هل تصوم المرأة المستحاضة؟ [السُّؤَالُ] ـ[ هل تصوم المرأة المستحاضة؟. ]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله في المدة التي تحكم فيها المستحاضة على الدم النازل بأنه دم حيض , فهي حائض تجري عليها أحكام الحائض , فإذا انتهى الحيض فهي طاهر، تغتسل وتصوم وتصلي ويأتيها زوجها , ولو كان الدم مستمراً في النزول. فعن عائشة قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني امرأة أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لاَ، إِنَّمَا ذَلك عِرْقٌ وَلَيْسَ بِحَيْضٍ، فَإذا أَقْبَلتْ حَيْضتُكِ فَدَعِي الصَّلاةَ , وَإِذَا أَدْبَرتْ فَاغْسِلي عنكِ الدمَ ثُمَّ صَلِّي) رواه البخاري (226) ومسلم (333) . قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في بيان معنى (إِنَّمَا ذَلك عِرْقٌ) : " وفي هذا إشارة إلى أن الدم الذي يخرج إذا كان دم عرق - ومنه دم العملية [الجراحية]- فإن ذلك لا يعتبر حيضاً، فلا يحرم به ما يحرم بالحيض، وتجب فيه الصلاة والصيام إذا كان في نهار رمضان " انتهى. " مجموع فتاوى ابن عيثمين " (11 / السؤال رقم 226) . وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف معه بعض نسائه , وهي مستحاضة ترى الدم , فربما وضعت الطست تحتها من الدم. رواه البخاري (303) . وانظر جواب السؤال رقم (7501) و (5595) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 66571 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3633 كيف تستغل وقتها وهي تطبخ في رمضان؟ [السُّؤَالُ] ـ[أود أن أعرف ما يستحب عمله في شهر رمضان الفضيل لزيادة الأجر.. من أذكار وعبادات وأمور مستحبة.. أعرف منها: صلاة التروايح، والإكثار من قراءة القرآن، وكثرة الاستغفار وصلاة الليل.. ولكن أريد أقوالاً أرددها في ممارستي اليومية، في حال الطبخ أو الانشغال بأمور المنزل، فلا أريد أن يضيع عليّ الأجر.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله جزاك الله خيراً على هذا الاهتمام والحرص على أعمال الخير والبر في هذا الشهر الكريم. وما ذكرتيه من الأعمال الصالحة، يضاف إليه: الصدقة، وإطعام الطعام، والذهاب للعمرة، والاعتكاف لمن تيسر له ذلك. وأما الأقوال التي يمكنك ترديدها أثناء العمل، فمنها: التسبيح والتهليل والتكبير والاستغفار والدعاء وإجابة المؤذن. فليكن لسانك رطباً بذكر الله تعالى، واغتنمي الأجر العظيم في كلمات يسيرة تنطقين بها، فلك بكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تهليلة صدقة. قال صلى الله عليه وسلم: (يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنْ الضُّحَى) رواه مسلم (720) . وقال صلى الله عليه وسلم: (كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ) رواه البخاري (6682) ومسلم (2694) . وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الْجَنَّةِ) رواه الترمذي (3465) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَالَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيَّ الْقَيُّومَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، غُفِرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ فَرَّ مِنْ الزَّحْفِ) رواه أبو داود (1517) والترمذي (3577) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. وقال صلى الله عليه وسلم: (مَا عَلَى الأَرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو اللَّهَ بِدَعْوَةٍ إِلا آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا، أَوْ صَرَفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا، مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ، أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ: إِذًا نُكْثِرُ. قَالَ: اللَّهُ أَكْثَرُ) رواه الترمذي (3573) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. وقال صلى الله عليه وسلم: (إِذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لا تَنْبَغِي إِلا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ) رواه مسلم (384) . وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه البخاري (614) . وانظري جواب السؤال رقم (4156) . رزقنا الله وإياك العلم النافع والعمل الصالح. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65875 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3634 تأتيها الدورة في ميعادها ويتوقف الدم يوما أو نصف يوم في أولها وآخرها [السُّؤَالُ] ـ[زوجتي تأتيها الدور في ميعادها. ولكن قد تبدأ بدم بسيط ثم يتوقف نصف يوم أو يوم كاملا. وكذلك عند انتهاء الدورة فمتى تبدأ تقف عن الصيام والصلاة ومتى تعود لهما؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا رأت المرأة دم الحيض لزمها ترك الصلاة والصوم، فإن انقطع الدم أثناء الحيض نُظر في ذلك: 1- فإن كان أثر الدم باقيا، بحيث لو احتشت بقطنة ونحوها خرجت وعليها أثر الدم، فلا يحكم بانقطاع الحيض، وتظل ممتنعة عن الصلاة والصيام، سواء حدث هذا في أول الدورة أو في آخرها. 2- إن حصل الجفاف والنقاء التام، بحيث لو احتشت بقطنة خرجت نظيفة ليس عليها أثر الدم، فهذا علامة انقطاع حيضها، فتكون طاهراً، فتغتسل وتصلي وتصوم وتفعل ما يفعله الطاهرات. ثم إن عاودها الدم أمسكت. والحكم بأن النقاء في فترة الحيض يعتبر طهرا هو مذهب المالكية والحنابلة. انظر: "مطالب أولي النهى" (1/260) . وقد سبق في جواب السؤال (37839) ذكر قول علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: " إذا انقطع الحيض يوماً واحداً أو ليلة واحدة أثناء أيام حيضها فعليها أن تغتسل وتصلي الصلوات التي أدركت وقتها وهي طاهر لقول ابن عباس: " أما إذا رأت الدم البحراني فإنها لا تصلي، وإذا رأت الطهر ساعة فلتغتسل " انتهى. "مجلة البحوث العلمية" (12/102) والدَمٌ البَحْرَانيٌّ هو الدَّم الغليظ، وقيل: الكثير. "لسان العرب" (4/46) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65852 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3635 ما زاد من أيام العادة على 15 يوماً هل تعتبره حيضاً أم تصوم؟ [السُّؤَالُ] ـ[أعاني من فرط الطمث وأيام العادة غير منتظمة، فإذا زادت الأيام عن 10 أو 15 يوماً هل يجوز لي أن أصلي أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس في الشرع دليل ثابت يبيِّن أقل مدة للحيض أو أكثره، وقد سئل الشيخ ابن عثيمين: هل لأقل الحيض وأكثره حد معلوم بالأيام؟ فأجاب: " ليس لأقل الحيض ولا لأكثره حدٌّ بالأيام على الصحيح؛ لقول الله عز وجل: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) البقرة/222. فلم يجعل الله غاية المنع أياماً معلومة، بل جعل غاية المنع هي الطهر، فدل هذا على أن علة الحكم هي الحيض وجوداً أو عدماً، فمتى وجد الحيض ثبت الحكم، ومتى طهرت منه زالت أحكامه، ثم إن التحديد لا دليل عليه، مع أن الضرورة داعية إلى بيانه، فلو كان التحديد بسنٍّ أو زمن ثابتاً شرعاً لكان مبيَّناً في كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، فبناء عليه: فكل ما رأته المرأة من الدم المعروف عند النساء بأنه حيض فهو دم حيض من غير تقدير ذلك بزمن معين، إلا يكون الدم مستمراً مع المرأة لا ينقطع أبداً، أو ينقطع مدة يسيرة كاليوم واليومين في الشهر، فإنه حينئذٍ يكون دم استحاضة. "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (11/271) . وعلى هذا فلا يجوز لكِ أن تصلي إلا بعد انقطاع الدورة الشهرية والاغتسال من الحيض، ويعرف انقطاع دم الحيض بإحدى علامتين: إما نزول القصة البيضاء - وهو سائل أبيض يخرج عند انتهاء الحيض -، وإما بالجفاف التام للدم. وللمزيد: يُراجع جواب السؤال رقم (5595) ففيه زيادة تفصيل. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65570 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3636 رأت الطهر ثم نزل عليها إفرازات فماذا تفعل؟ [السُّؤَالُ] ـ[إن دورتي الشهرية ستة أيام وفي اليوم السادس انقطع الدم، ووضعت منديل لأتأكد، وكان يخرج القصة البيضاء قليلا، فاغتسلت وجامعني زوجي في تلك الليلة، ثم اغتسلت وصمت (نحن في رمضان) وفي الظهر وجدت بعض الإفرازات فيها شيء يسير جدّاً من الاصفرار أو الاحمرار، فلا أدري ما الحكم؟ هل أقضي هذا اليوم أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا ندري ما المراد بقولك: "يخرج القصة البيضاء قليلاً". فإن كان مرادك أنك رأيت القصة البيضاء، فهي علامة على الطهر، فما نزل بعدها من الصفرة أو الحمرة لا يعتبر حيضاً، لقول أم عطية رضي الله عنها: كُنَّا لا نَعُدُّ الْكُدْرَةَ وَالصُّفْرَةَ بَعْدَ الطُّهْرِ شَيْئًا. رواه أبو داود (307) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. فعلى هذا؛ صومك صحيح، ولا حرج فيما وقع من الجماع، لأنك لم تكوني حائضاً. وإن كان مرادك أنك رأيت بقايا من الصفرة أو الحمرة، فهذا دليل على عدم انتهاء الحيض، ولا ينبغي للمرأة أن تتعجل فتحكم بانتهاء الحيض مع وجود الصفرة أو الحمرة، مهما كان قليلاً، فقد كانت النساء يبعثن إِلَى عَائِشَةَ بِالدُّرَجَةِ فِيهَا الْكُرْسُفُ فِيهِ الصُّفْرَةُ، فَتَقُولُ: لا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ. رواه مالك (130) . (الدُّرجَةِ) : ما تحتشي به المرأة من قطنة وغيرها لتعرف هل بقي من أثر الحيض شيء أم لا. وقيل: هي وعاء صغير. (الْكُرْسُفُ) هو القطن. وانظري السؤال (66062) . وعلى هذا، فعليك قضاء صيام هذا اليوم، لأنه لا يصح الصيام مع وجود الحيض. أما ما وقع من الجماع فيه، فلا حرج فيه إن شاء الله تعالى، لأنك كنت تظنين انتهاء الحيض، ولم تتعمدي فعل المحرم، وقد قال الله تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) الأحزاب/5. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65593 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3637 هل يجب على هؤلاء الصوم؟ وهل يلزمهم القضاء؟ [السُّؤَالُ] ـ[هناك صبي كان يصوم رمضان قبل أن يبلغ، وفي أثناء صومه في نهار رمضان بلغ فهل يجب عليه قضاء ذلك اليوم؟ وكذلك الكافر إذا أسلم؟ وكذلك الحائض إذا طهرت؟ وكذلك المجنون إذا أفاق؟ وكذلك المسافر إذا عاد وكان مفطراً؟ وكذلك المريض إذا تعافى وكان قد أفطر؟ فماذا على هؤلاء من حيث الإمساك في ذلك اليوم والقضاء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هؤلاء المذكورون في السؤال ليس حكمهم واحداً، وسبق أن ذكرنا اختلاف العلماء وشيئا من أقوالهم في جواب السؤال رقم (49008) . ويمكن تقسيم هؤلاء المذكورين في السؤال إلى مجموعتين: فالصبي إذا بلغ، والكافر إذا أسلم، والمجنون إذا أفاق لهم حكم واحد، وهو وجوب الإمساك ولا يجب عليهم القضاء. وأما الحائض إذا طهرت والمسافر إذا أقام والمريض إذا شفي فحكمهم واحد أيضا، فلا يجب عليهم الإمساك ولا يستفيدون بإمساكهم شيئاً، ويجب عليهم القضاء. والفرق بين المجموعة الأولى والثانية: أن المجموعة الأولى وجد فيهم شرط التكليف، وهو البلوغ والإسلام والعقل. وإذا ثبت تكليفهم وجب عليهم الإمساك , ولا يلزمهم القضاء لأنهم أمسكوا حين وجب عليهم الإمساك، أما قبل ذلك فلم يكونوا مكلفين بالصيام. وأما المجموعة الثانية فإنهم مخاطبون بالصيام لذا كان واجباً في حقهم، لكن وُجد عندهم عُذرٌ يبيح لهم الفطر , وهو الحيض والسفر والمرض فخفف الله عنهم وأباح لهم الفطر، فزالت حرمة اليوم في حقهم، فإذا زالت أعذارهم أثناء النهار لم يستفيدوا شيئا من إمساكهم، ولزمهم القضاء بعد رمضان. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى: " إذا قدم المسافر إلى بلده وهو مفطر: فإنه لا يجب عليه الإمساك، فله أن يأكل ويشرب بقية يومه؛ لأن إمساكه لا يفيده شيئاً لوجوب قضاء هذا اليوم عليه، هذا هو القول الصحيح، وهو مذهب مالك والشافعي، وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد رحمه الله لكن لا ينبغي له أن يأكل ويشرب علناً " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (19 / السؤال رقم 58) . وقال أيضا: " إذا طهرت الحائض أو النفساء أثناء النهار لم يجب عليها الإمساك، ولها أن تأكل وتشرب، لأن إمساكها لا يفيدها شيئاً لوجوب قضاء هذا اليوم عليها، وهذا مذهب مالك والشافعي وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد، وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (من أكل أول النهار فليأكل آخره) ، يعني: من جاز له الفطر أول النهار جاز له الفطر في آخره " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (19 / السؤال رقم 59) . وسئل الشيخ أيضا: من أفطر في نهار رمضان لعذر شرعي فهل يجوز له أن يأكل ويشرب بقية اليوم؟ فأجاب بقوله: " يجوز له أن يأكل ويشرب؛ لأنه أفطر بعذر شرعي، وإذا أفطر بعذر شرعي فقد زالت حرمة اليوم في حقه، وصار له أن يأكل ويشرب، بخلاف الرجل الذي أفطر في نهار رمضان بدون عذر، فإنا نلزمه بالإمساك، وإن كان يلزمه القضاء، فيجب التنبه للفرق بين هاتين المسألتين " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (19 / السؤال رقم 60) . وقال أيضا: " ذكرنا أثناء بحثنا في الصيام أن المرأة إذا كانت حائضاً وطهرت في أثناء النهار: فإن العلماء اختلفوا هل يجب عليها أن تمسك بقية اليوم فلا تأكل ولا تشرب، أو يجوز لها أن تأكل وتشرب بقية اليوم، وقلنا: إن في ذلك روايتين عن الإمام أحمد رحمه الله: إحداهما: - وهي المشهور من المذهب - أنه يجب عليها الإمساك، فلا تأكل ولا تشرب. والثانية: أنه لا يجب عليها الإمساك، فيجوز لها أن تأكل وتشرب، وقلنا: إن هذه الثانية هي مذهب مالك والشافعي رحمهما الله، وإن ذلك هو المروي عن ابن مسعود رضي الله عنه فإنه قال: (من أكل أول النهار فليأكل آخره) ، وقلنا: إن الواجب على طالب العلم في مسائل الخلاف الواجب عليه أن ينظر في الأدلة، وأن يأخذ بما ترجح عنده منها، وأن لا يبالي بخلاف أحد ما دام أن الدليل معه؛ لأننا نحن مأمورون باتباع الرسل؛ لقوله تعالى: (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ ?لْمُرْسَلِينَ) . وأما الاحتجاج بما صح به الحديث حيث أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصيام عاشوراء في أثناء اليوم، فأمسك الناس بقية يومهم، نقول: لا مستند لهم في هذا الحديث؛ لأن صوم يوم عاشوراء ليس فيه زوال مانع، وإنما فيه تجدد وجوب، وفرق بين زوال المانع وتجدد الوجوب؛ لأن تجدد الوجوب معناه أن الحكم لم يثبت قبل [وجود] سببه، وأما زوال المانع فمعناه أن الحكم ثابت مع المانع لولا هذا المانع، ومادام هذا المانع موجوداً مع وجود أسباب الحكم، فمعناه أن هذا المانع لا يمكن أن يصح معه الفعل لوجوده، ونظير هذه المسألة التي أوردها السائل نظيرها: ما لو أسلم إنسان في أثناء اليوم، فإن هذا الذي أسلم تجدد له الوجوب، ونظيرها أيضاً: ما لو بلغ الصبي في أثناء اليوم وهو مفطر، فإن هذا تجدد له الوجوب فنقول لمن أسلم في أثناء النهار: يجب عليك الإمساك، ولكن لا يجب عليك القضاء، ونقول للصبي إذا بلغ في أثناء النهار: يجب عليك الإمساك، ولا يجب عليك القضاء، بخلاف الحائض إذا طهرت، فإنه بإجماع أهل العلم يجب عليها القضاء، الحائض إذا طهرت أثناء النهار أجمع العلماء على أنها إن أمسكت بقية اليوم لا ينفعها هذا الإمساك ولا يكون صوماً، وأن عليها القضاء، وبهذا عرف الفرق بين تجدد الوجوب وبين زوال المانع، فمسألة الحائض إذا طهرت من باب زوال المانع، ومسألة الصبي إذا بلغ أو ما ذكره السائل من إيجاب صوم يوم عاشوراء قبل أن يفرض رمضان، هذا من باب تجدد الوجوب، والله الموفق " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (19 / السؤال رقم 60) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65635 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3638 ما الحكمة من تحريم الصوم على الحائض؟ [السُّؤَالُ] ـ[نريد أن نعرف الحكمة من عدم صيام المرأة مع أن الصيام لا دخل له بالنجاسة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يجب على المؤمن التسليم لحكم الله تعالى والانقياد له ولو لم يعرف الحكمة منه، بل يكفيه أنه أمر الله ورسوله، قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) الأحزاب/36. وقال: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) النور/51. ثانياً: يوقن المؤمن ويؤمن إيماناً جازماً أن الله تعالى حكيم، فلا يشرع شيئاً إلا لحكمة بالغة، فلا يأمر بشيء إلا لما فيه من المصلحة الخالصة أو الغالبة، ولا ينهى عن شيء إلا لما فيه من المفسدة الخالصة أو الغالبة، وما أحسنَ ما قاله ابن كثير رحمه الله في "البداية النهاية" (6/79) : "وجاءت شريعته (صلى الله عليه وسلم) أكمل شريعة، لم يبق معروف تعرف العقول أنه معروف إلا أمر به، ولا منكر تعرف العقول أنه منكر إلا نهى عنه، لم يأمر بشيء فقيل: ليته لم يأمر به، ولا نهى عن شيء فقيل: ليته لم ينه عنه" اهـ. لكن هذه الحكمة قد نعلمها، وقد تخفى علينا، وقد يخفى علينا أكثرها أو بعضها. ثالثاً: أجمع العلماء على تحريم الصوم على الحائض، وأنها يلزمها قضاء ما أفطرته بسبب الحيض إذا كان الصوم واجبا كصيام رمضان. وأجمعوا أيضا على أنها إذا صامت لم يصح صومها. انظر السؤال رقم (50282) . واختلف العلماء في الحكمة من عدم صحة الصوم من الحائض. فقال بعضهم: الحكمة غير معلومة لنا. قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: "وَكَوْنُ الصَّوْمِ لا يَصِحُّ مِنْهَا لا يُدْرَكُ مَعْنَاهُ , فَإِنَّ الطَّهَارَةَ لَيْسَتْ مَشْرُوطَةً فِيهَا" اهـ من "المجموع" (2/386) . وقال آخرون: بل الحكمة أن الله تعالى نهى الحائض عن الصيام وقت الحيض رحمةً بها، لأن خروج الدم يضعفها، فإذا صامت وهي حائض اجتمع عليها الضعف بسبب الحيض وبسبب الصيام، فيخرج الصوم بذلك عن حد الاعتدال، وقد يصل إلى حد الإضرار. قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (25/234) : " فَنَذْكُرُ حِكْمَةَ الْحَيْضِ وَجَرَيَانَ ذَلِكَ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ فَنَقُولُ: إنَّ الشَّرْعَ جَاءَ بِالْعَدْلِ فِي كُلِّ شَيْءٍ. وَالإِسْرَافُ فِي الْعِبَادَاتِ مِنْ الْجَوْرِ الَّذِي نَهَى عَنْهُ الشَّارِعُ وَأَمَرَ بِالاقْتِصَادِ فِي الْعِبَادَاتِ ; وَلِهَذَا أَمَرَ بِتَعْجِيلِ الْفِطْرِ وَتَأْخِيرِ السُّحُورِ وَنَهَى عَنْ الْوِصَالِ وَقَالَ: (أَفْضَلُ الصِّيَامِ وَأَعْدَلُ الصِّيَامِ صِيَامُ داود عليه السلام كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا وَلا يَفِرُّ إذَا لاقَى) فَالْعَدْلُ فِي الْعِبَادَاتِ مِنْ أَكْبَرِ مَقَاصِدِ الشَّارِعِ ; وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) المائدة/87. فَجَعَلَ تَحْرِيمَ الْحَلالِ مِنْ الاعْتِدَاءِ الْمُخَالِفِ لِلْعَدْلِ وَقَالَ تَعَالَى: (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ) فَلَمَّا كَانُوا ظَالِمِينَ عُوقِبُوا بِأَنْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الطَّيِّبَاتُ ; بِخِلَافِ الأُمَّةِ الْوَسَطِ الْعَدْلِ فَإِنَّهُ أَحَلَّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالصَّائِمُ قَدْ نُهِيَ عَنْ أَخْذِ مَا يُقَوِّيهِ وَيُغَذِّيهِ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، ونُهِيَ عَنْ إخْرَاجِ مَا يُضْعِفُهُ وَيُخْرِجُ مَادَّتَهُ الَّتِي بِهَا يَتَغَذَّى وَإِلا فَإِذَا مُكِّنَ مِنْ هَذَا ضَرَّهُ وَكَانَ مُتَعَدِّيًا فِي عِبَادَتِهِ لا عَادِلا. . . وَالْخَارِجَاتُ نَوْعَانِ: نَوْعٌ يَخْرُجُ لا يَقْدِرُ عَلَى الاحْتِرَازِ مِنْهُ أَوْ عَلَى وَجْهٍ لا يَضُرُّهُ فَهَذَا لا يُمْنَعُ مِنْهُ كَالأَخْبَثَيْنِ (البول والغائط) فَإِنَّ خُرُوجَهُمَا لا يَضُرُّهُ وَلا يُمْكِنُهُ الاحْتِرَازُ مِنْهُ أَيْضًا. وَلَوْ اسْتَدْعَى خُرُوجَهُمَا فَإِنَّ خُرُوجَهُمَا لا يَضُرُّهُ بَلْ يَنْفَعُهُ. وَكَذَلِكَ إذَا ذَرَعَهُ الْقَيْءُ (أي غلبه) لا يُمْكِنُهُ الاحْتِرَازُ مِنْهُ وَكَذَلِكَ الاحْتِلامُ فِي الْمَنَامِ لا يُمْكِنُهُ الاحْتِرَازُ مِنْهُ، وَأَمَّا إذَا استقاء فَالْقَيْءُ يُخْرِجُ مَا يَتَغَذَّى بِهِ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ. . وَكَذَلِكَ الاسْتِمْنَاءُ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الشَّهْوَةِ. . وَالدَّمُ الَّذِي يَخْرُجُ بِالْحَيْضِ فِيهِ خُرُوجُ الدَّمِ، وَالْحَائِضُ يُمْكِنُهَا أَنْ تَصُومَ فِي غَيْرِ أَوْقَاتِ الدَّمِ فِي حَالٍ لا يَخْرُجُ فِيهَا دَمُهَا فَكَانَ صَوْمُهَا فِي تِلْكَ الْحَالِ صَوْمًا مُعْتَدِلا لا يَخْرُجُ فِيهِ الدَّمُ الَّذِي يُقَوِّي الْبَدَنَ الَّذِي هُوَ مَادَّتُهُ وَصَوْمُهَا فِي الْحَيْضِ يُوجِبُ أَنْ يَخْرُجَ فِيهِ دَمُهَا الَّذِي هُوَ مَادَّتُهَا وَيُوجِبُ نُقْصَانَ بَدَنِهَا وَضِعْفَهَا وَخُرُوجَ صَوْمِهَا عَنْ الاعْتِدَالِ فَأُمِرَتْ أَنْ تَصُومَ فِي غَيْرِ أَوْقَاتِ الْحَيْضِ" اهـ باختصار. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50330 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3639 هل التبرج مبطل للصوم؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل التبرج مبطل للصوم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: شرع الله تعالى الصيام لحكم عظيمة، ومن أهم هذه الحكم والمصالح المترتبة على الصيام تحقيق تقوى الله تعالى، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة/183. والتقوى هي امتثال ما أمر الله به، واجتناب ما نهى عنه. فالصائم مأمور بفعل الطاعات، منهي عن فعل المحرمات نهيا مؤكدا، فإن المعاصي قبيحة من كل أحد وهي من الصائم أشد قبحا، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) رواه البخاري (6057) . راجع السؤال رقم (37989) ، (37658) وروى ابن خزيمة وابن حبان والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس الصيام من الأكل والشرب إنما الصيام من اللغو والرفث) . وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1082) . قال عُمَر بْن الْخَطَّابِ وعَلِيّ بْن أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنهما: لَيْسَ الصِّيَامُ مِنْ الشَّرَابِ وَالطَّعَامِ وَحْدَهُ ; وَلَكِنَّهُ مِنْ الْكَذِبِ , وَالْبَاطِلِ وَاللَّغْوِ. وقَالَ جَابِرٌ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ: إذَا صُمْت فَلْيَصُمْ سَمْعُكَ , وَبَصَرُكَ , وَلِسَانُكَ عَنْ الْكَذِبِ وَالْمَأْثَمِ , وَدَعْ أَذَى الْخَادِمِ وَلْيَكُنْ عَلَيْكَ وَقَارٌ وَسَكِينَةٌ يَوْمَ صِيَامِكَ , وَلا تَجْعَلْ يَوْمَ فِطْرِكَ وَيَوْمَ صَوْمِكَ سَوَاءً. وعَنْ طَلِيقِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ: إذَا صُمْت فَتَحَفَّظْ مَا اسْتَطَعْت. فَكَانَ طَلِيقٌ إذَا كَانَ يَوْمُ صِيَامِهِ دَخَلَ (يعني بيته) فَلَمْ يَخْرُجْ إلا إلَى صَلاةٍ. وكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَصْحَابُهُ رضي الله عنهم إذَا صَامُوا جَلَسُوا فِي الْمَسْجِدِ وَقَالُوا: نُطَهِّرُ صِيَامَنَا. انظر: "المحلى" (4/305) وقال بعض العلماء: يَجِبُ عَلَى الصَّائِمِ أَنْ يَصُومَ بِعَيْنَيْهِ فَلا يَنْظُرُ إلَى مَا لا يَحِلُّ، وَبِسَمْعِهِ فَلا يَسْمَعُ مَا لَا يَحِلُّ، وَبِلِسَانِهِ فَلا يَنْطِقُ بِفُحْشٍ وَلا يَشْتُمُ وَلا يَكْذِبُ وَلا يَغْتَبْ اهـ. فينبغي للمؤمن أن ينتهز هذا الشهر الكريم الذي تسلسل فيه الشياطين، وتفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب النار، وينادي مناد يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، فينتهز المؤمن هذا الشهر ليكون أقرب إلى الله، فيتوب توبة نصوحا من كل ذنوبه ومعاصيه، ويعاهد الله تعالى على الاستقامة على دينه وشرعه. ثانيا: والمعاصي (ومنها تبرج المرأة وإظهارها زينتها ومفاتنها للرجال الأجانب عنها) تنقص ثواب الصيام فكلما كثرت معاصيه وعظمت نقص ثواب صيامه، وقد يزول ثوابه بالكلية، فيكون قد منع نفسه من الطعام والشراب وسائر المفطرات وقد أضاع ثواب ذلك بمعصيته لله، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلا الْجُوعُ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلا السَّهَرُ) رواه ابن ماجه (1690) . وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه. قال السبكي في فتاويه (1/221-226) : هَلْ يَنْقُصُ الصَّوْمُ بِمَا قَدْ يَحْصُلُ فِيهِ مِنْ الْمَعَاصِي أَوْ لا؟ وَاَلَّذِي نَخْتَارُهُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ يَنْقُصُ وَمَا أَظُنُّ فِي ذَلِكَ خِلافًا. . . وَاعْلَمْ أَنَّ رُتْبَةَ الْكَمَالِ فِي الصَّوْمِ قَدْ تَكُونُ بِاقْتِرَانِ طَاعَاتٍ بِهِ مِنْ قِرَاءَةِ قُرْآنٍ وَاعْتِكَافٍ وَصَلاةٍ وَصَدَقَةٍ وَغَيْرِهَا وَقَدْ تَكُونُ بِاجْتِنَابِ مَنْهِيَّاتٍ. فَكُلُّ ذَلِكَ يَزِيدُهُ كَمَالا وَمَطْلُوبٌ فِيهِ اهـ. باختصار. ثالثا: وأما إفساد الصيام بالمعاصي (ومنها تبرج المرأة) فإن الصيام لا يفسد بذلك بل يكون صحيحا مسقطا للفرض عن الصائم، ولا يؤمر بقضائه، ولكن ينقص ثواب الصيام بفعل المعصية، وقد يذهب ثوابه بالكلية كما سبق. قال النووي في "المجموع" (6/398) : (يَنْبَغِي لِلصَّائِمِ أَنْ يُنَزِّهَ صَوْمَهُ عَنْ الْغِيبَةِ وَالشَّتْمِ) مَعْنَاهُ يَتَأَكَّدُ التَّنَزُّهُ عَنْ ذَلِكَ فِي حَقِّ الصَّائِمِ أَكْثَرُ مِنْ غَيْرِهِ لِلْحَدِيثِ , وَإِلا فَغَيْرُ الصَّائِمِ يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ أَيْضًا وَيُؤْمَرُ بِهِ فِي كُلِّ حَالٍ , وَالتَّنَزُّهُ التَّبَاعُدُ , فَلَوْ اغْتَابَ فِي صَوْمِهِ عَصَى وَلَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ عِنْدَنَا , وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَالْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلا الأَوْزَاعِيَّ فَقَالَ: يَبْطُلُ الصَّوْمُ بِالْغِيبَةِ وَيَجِبُ قَضَاؤُهُ اهـ. وسئل الشيخ ابن عثيمين في فتاوى الصيام (ص358) : هل تحدث المرء بكلام رام في نهار رمضان يفسد صومه؟ فأجاب: "إذا قرأنا قول الله عز وجل: (يا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) عرفنا ما هي الحكمة من إيجاب الصوم وهي التقوى، والتقوى هي ترك المحرمات، وهي عند الإطلاق تشمل فعل المأمور به وترك المحظور، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور، والعمل به، والجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه) . وعلى هذا يتأكد على الصائم اجتناب المحرمات من الأقوال والأفعال، فلا يغتاب الناس، ولا يكذب، ولا ينم بينهم، ولا يبيع بيعاً محرماً، ويجتنب جميع المحرمات. وإذا اجتنب الإنسان ذلك في شهر كامل فإن نفسه سوف تستقيم بقية العام، ولكن المؤسف أن كثيراً من الصائمين لا يفرقون بين يوم صومهم وفطرهم، فهم على العادة التي هم عليها من الأقوال المحرمة من كذب وغش وغيره، ولا تشعر أن عليه وقار الصوم، وهذه الأفعال لا تبطل الصيام، ولكن تنقص من أجره، وربما عند المعادلة تضيع أجر الصوم" اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50063 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3640 تنزل منها إفرازات وهي حامل فهل تترك الصلاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[زوجتي تنزل منها مادة قهوية وليس عليها الدورة الشهرية في بعض الأحيان هل تصوم وتصلي أم غير ذلك علما بأنها في بداية حمل لمدة شهر ونصف.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذهب كثير من أهل العلم إلى أن الحامل لا تحيض وهو مذهب الإمامين: أبي حنيفة وأحمد رحمهما الله. انظر: " المغني " (1/443) . وقد اختار هذا القول علماء اللجنة الدائمة للإفتاء. وذهب آخرون إلى أن الحامل قد تحيض وهو مذهب الإمامين مالك والشافعي رحمهما الله. انظر: " المجموع " (2/411-414) . وقد اختار هذا القول الشيخ محمد بن إبراهيم وابن عثيمين رحمهما الله. بشرط أن يكون الدم النازل على صفة دم الحيض وفي وقته. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (23400) . وعلى أيٍّ من القولين لا تكون هذه الإفرازات النازلة من زوجتك حيضاً، لأنها ليست بصفات دم الحيض وليست في وقته. فتكون زوجتك طاهراً، فتصلى وتصوم وتفعل ما يفعله الطاهرات. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38703 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3641 زوجته لا تريد أن تصوم [السُّؤَالُ] ـ[أخي متدين ولكن زوجته غير متدينة فهي لا تصوم ولا تدري أصلاً عن رمضان، لا يوجد أحد من أقربائنا يسكن قريباً منه ويجده من الصعب أن يؤثر على زوجته أو يجعلها تتغير، يدعو الله لها أن يهديها وأن يرزقه الصبر عليها، ولكن الذي يبدو أنها لا تريد أن تتغير أو أن تتصرف كالمسلمين. هل يمكن أن تخبرني كيف يتصرف معها لكي تقرب أكثر للإسلام وتصبح متدينة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب على أخيك أن يسعى بكل الوسائل لهداية زوجته إلى طريق الحق، فيستعمل معها أسلوب الترغيب والترهيب، ويذكرها بالله عز وجل وحقوقه، ويعظها وينبهها إلى خطر ما هي عليه، ثم ليسعى إلى ربطها بصحبة صالحة، ولو لم تكن من أقاربه، كأن يربطها بزوجات أصحابه المستقيمات الصالحات، ويحضر لها الأشرطة النافعة، والكتيبات المفيدة، فإن أطاعته فهذا هو المطلوب، وإلا فلا مانع من أن يستعمل معها أسلوب الهجر إذا كان مفيدا في مثل هذه الحالة، فإنه إذا شرع الهجر لأجل حق الزوج، فلأن يشرع لأجل حق الله من باب أولى. وقد ثبت عن أبي أمامة الباهلي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (بينا أنا نائم إذ أتاني رجلان فأخذا بضبعي فأتيا بي جبلا وعرا، فقالا لي اصعد، فقلت إني لا أطيقه، فقالا إنا سنسهله لك، فصعدت حتى إذا كنت في سواء الجبل، إذا أنا بأصوات شديدة، فقلت ما هذه الأصوات قالوا هذا عواء أهل النار، ثم انطلق بي فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم مشققة أشداقهم تسيل أشداقهم دما، فقلت من هؤلاء؟ قال هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلة صومهم) رواه البيهقي برقم 7796، وصححه الألباني فإذا كانت تلك عقوبة من يفطر قبل موعد الإفطار، فكيف بمن لا يصوم أصلا. أما إذا كانت تلك الزوجة تضيف إلى عدم صيامها عدم الصلاة بالكلية، فإنها بذلك تكون قد خرجت عن حظيرة الإسلام على الراجح من أقوال أهل العلم، وعليه فلا يجوز لأخيك أن يبقيها تحت عصمته. والله أعلم. يراجع السؤال رقم (12828) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38282 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3642 الحج لا يسقط الحقوق الواجبة كالكفارات والديون [السُّؤَالُ] ـ[أتيحت لي والحمد لله الفرصة في العام الماضي لأداء فريضة الحج. وكما تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث أن "الحج المبرور ليس له ثواب إلا الجنة" وأنه عندما يؤدي المسلم فريضة الحج فإن كل ما اقترفه من ذنوب يغفر له ويرجع من حجه كيوم ولدته أمه ويرجع على الفطرة. وسؤالي هو: أنا لدي أيام لم أقض صيامها كانت علي من رمضان منذ عامين ماضيين. فهل بعد أدائي للحج لا أزال أحتاج إلى قضاء تلك الأيام، أم أن الله يغفر لي ما مضى بسبب الحج الذي أديته؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ورد في فضل الحج أحاديث كثيرة تدل على أنه يمحو الذنوب، ويكفر السيئات، ويرجع منه الإنسان كيوم ولدته أمه. وينظر جواب السؤال رقم (34359) . لكن هذا الفضل والثواب لا يعني سقوط الحقوق الواجبة، سواء كانت حقوقا لله تعالى، كالكفارات والنذور وما ثبت في ذمة الإنسان من زكاة لم يؤدها، أو صيام يلزمه قضاؤه، أو كانت حقوقا للعباد كالديون ونحوها، فالحج يغفر الذنوب، ولا يسقط هذه الحقوق باتفاق العلماء. فمن أخر قضاء ما عليه من رمضان مثلا، وكان ذلك بغير عذر، ثم حج حجا مبروا، فإن حجه يسقط عنه ذنب التأخير، ولا يسقط قضاء الأيام. قال في "كشاف القناع" (2/ 522) : " وقال الدميري: في الحديث الصحيح (من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه) وهو مخصوص بالمعاصي المتعلقة بحقوق الله تعالى خاصة , دون العباد ولا يسقط الحقوق أنفسها، فمن كان عليه صلاة أو كفارة ونحوها من حقوق الله تعالى لا تسقط عنه ; لأنها حقوق لا ذنوب، إنما الذنب تأخيرها، فنفس التأخير يَسقط بالحج لا هي نفسها، فلو أخرها بعده تجدد إثم آخر , فالحج المبرور يسقط إثم المخالفة لا الحقوق. قاله في المواهب " انتهى. وقال ابن نجيم رحمه الله في "البحر الرائق" (2: 364) بعد أن ذكر الخلاف في تكفير الحج للكبائر: " فالحاصل: أن المسألة ظنية , وأن الحج لا يُقطع فيه بتكفير الكبائر من حقوق الله تعالى فضلا عن حقوق العباد. وإن قلنا بالتكفير للكل فليس معناه كما يتوهمه كثير من الناس أن الدَّين يسقط عنه , وكذا قضاء الصلوات والصيامات والزكاة؛ إذْ لم يقل أحد بذلك , وإنما المراد أن إثم مَطْل الدين وتأخيره يسقط، وبعد الوقوف بعرفة إذا مطل صار آثما الآن , وكذا إثم تأخير الصلاة عن أوقاتها يرتفع بالحج لا القضاء ثم بعد الوقوف بعرفة يطالب بالقضاء فإن لم يفعل كان آثما على القول بفوريته , وكذا البقية على هذا القياس، وبالجملة: فلم يقل أحد بمقتضى عموم الأحاديث الواردة في الحج كما لا يخفى " انتهى. والحاصل: أنه يلزمك قضاء ما عليك من رمضان، ولا تبرأ ذمتك إلا بذلك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 138630 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3643 الطواف مع وجود الشك في الطهارة [السُّؤَالُ] ـ[هل يصح طواف الوداع وأنا فى شك من الطهارة؟ الحمد لله أنا أديت فريضة الحج للمرة الأولى هذا العام ولكن لي شك في منسك من المناسك ألا وهو طواف الوداع. أنا أديت طواف الوداع يوم الخميس ولكن كنت نائما في الحرم من الأربعاء وكنت على طهارة والحمد لله ولكن عندما استيقظت فجر الخميس فذهبت للوضوء كنت في شك من أمري – هل أنا على جنب أم لا – لأنه قد ينزل المنى بكميه صغيره جدا ولا استطيع التأكد ومع ذلك تحريت بشده حتى أتأكد لدرجه أنني تحريت العضو الذكرى نفسه وليس الثياب فقط-آسف في التعبير- وبنظرتي قلت أنه لا يوجد شيء ولكنى وجدت جزء من الثياب قد يكون فيه بعض المنى ولكنى غير متأكد أيضا لأنه قد تكون أثار قديمه في الثياب. المهم أنني لم أغتسل وتوضأت فقط وصليت الفجر وأديت طواف الوداع ورجعت إلى الرياض حيث مقر عملي. هل عدم اغتسالي للخروج من الشك يعتبر إهمال في حق الله وسوء أدب مع الله؟ وأنه كان من المفروض عليا أنى كنت اصطحب معي ثياب جديدة للاغتسال بعد الاستيقاظ-سواء كنت جنب أم لا- خصوصا أنه كثيرا ما تحدث لي هذه الحالة من الجنابة؟ فما الحكم في صحة الحج؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: الجواب: أولا: الطواف من غير طهارة محل خلاف بين الفقهاء، والذي عليه جمهور أهل العلم عدم صحة الطواف من غير وضوء. وقد سبق بيان ذلك في السؤال (34695) . ثانياً: ما حصل لك من شك في وجود الجنابة وعدمها، لا تأثير له، لأنك لم تجزم بخروج المني، والأصل الطهارة وعدم الحدث حتى يوجد ما يثبت خلاف ذلك. قال النووي: " ومن أيقن بالطهارة وشك في الحدث فهو على الطهارة، لأن اليقين لا يبطل بالشك". انتهى " المجموع" (1 /331) . وقال الشيخ ابن عثيمين: " إذا تيقن أنه طاهر، وشك في الحدث فإنه يبني على اليقين، وهذا عام في موجبات الغسل، أو الوضوء .... ". ثم ضرب مثالا فقال: " استيقظ رجل فوجد عليه بللاً، ولم ير احتلاماً، فشك هل هو مني أم لا؟ فلا يجب عليه الغسل للشك ". انتهى "الشرح الممتع" (1/ 190) . وبناء على ذلك فطوافك صحيح، ولا حرج عليك فيما فعلت. وللاستزادة ينظر السؤال (83025) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128887 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3644 اعتمرت ولم تكمل السعي ثم اعتمرت بعد ذلك مرات [السُّؤَالُ] ـ[قبل فترة طويلة ذهبت مع أهلي للعمرة ولم أكمل السعي آنذاك بسبب تعبي.. ولا أذكر هل "كنت قد بلغت آنذاك أو لا" ونسيتها، وللعلم: اعتمرت بعدها أكثر من مرة، الحمد لله تمت خطبتني، وتملكت استمرت قرابة السنة وبسبب ظروف تم الانفصال منذ فترة، سمعت فتوى أن امرأة لم تكمل عمرتها وتزوجت فأفتى الشيخ بأن عقدها باطل ولابد لها من إعادته، بعد ما سمعتها تذكرت عمرتي الناقصة، أصبح الأمر يشغلني كثيراً ماذا علي الآن؟ وماذا أفعل بخصوص عمرتي الناقصة؟ وماذا عن الارتباط الذي حصل.. هل هو في دائرة الحرام؟ والأمر الآخر مستقبلاً إذا كتب الله وتمت خطبتي.. هل سيكون فيه مشكلة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله السعي ركن من أركان العمرة لا تصح ولا تتم بدونه، فمن اعتمر ولم يأت بالسعي ولم يكن محصراً بعدو أو مرض يمنعه من إتمام عمرته فهو باق على إحرامه، ويلزمه أن يعود فيسعى ويقصر من شعره. هذا في حق البالغ المكلف، وأما غير البالغ فالأمر فيه أيسر، فقد ذهب جمع من أهل العلم إلى أن إحرامه غير لازم، فيقبل منه ما جاء به، وإن قطع إحرامه ولم يتمه فلا شيء عليه، وهو قول الحنفية وابن حزم واختاره من المتأخرين الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. وينظر: "الشرح الممتع" (7/21) ، "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/148) . وعليه؛ فإذا كانت عمرتك هذه قبل البلوغ فلا شيء عليك. وإن كانت بعد البلوغ، واعتمرت بعدها عمرة تامة كفتك العمرة التامة عن العمرة الناقصة، وذلك أن إحرامك بالعمرة الثانية لاغٍ؛ لأنك محرمة بالفعل، فينصرف السعي والتقصير إلى العمرة الأولى، وتبرأ ذمتك بذلك. وقد سألنا الشيخ عبد الرحمن البراك حفظه الله عن امرأة اعتمرت ونسيت أن تقصر شعرها ثم ذهبت وأحرمت بعمرة جديدة وطافت وسعت وقصرت شعرها. فأجاب: "إدخال العمرة على العمرة ليس عند فقهاء المسلمين، فتكون العمرة الثانية لاغية، وتقصيرها يقع عن العمرة الأولى" انتهى. وإذا كان عقد نكاحك قد تم بعد العمرة الصحيحة – كما يفهم من سؤالك – فهو عقد صحيح؛ لأنه وقع بعد التحلل من العمرة. ولا حرج عليك في عقد النكاح مستقبلا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128712 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3645 إذا كان من حوله يلبون جماعة فهل يسكت [السُّؤَالُ] ـ[السؤل: سؤالي هو عن التلبية الجماعية؛ فأنا قرأت فتواكم، وقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، وأريد أن اعرف: ماذا يفعل الذي في الحافلة إذا صعب عليهم أن يلبوا واحدا واحداً، بل حتى لو بدؤوا بالأخير، يلبون مع بعض.. فالصحابة رضوان الله عليهم ما كانوا في نفس الراحلة، وربما كانوا ببعد عن بعض , فهل يكون للحجاج سبب أن يفعلوا ذلك؛ أي التلبية الجماعية؟ خاصة لأجل الفتنة التي ستحصل من مخالفة الناس الذين معظمهم يظنون بجواز ذلك؟ وأيضا أسأل: هل من الأفضل أن يسكت الرجل لأنه لا يستطيع أن يلبي إلا معهم، أم يلبي معهم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله التلبية الجماعية لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه، ولهذا صرح جماعة من أهل العلم بأن ذلك من البدع. جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/358) : " ما حكم التلبية الجماعية للحجاج؟ حيث أحدهم يلبي والآخرين يتبعونه. الجواب: لا يجوز ذلك لعدم وروده عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن خلفائه الراشدين رضوان الله عليهم، بل هو بدعة. عبد الله بن قعود ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز " انتهى. وهذا لمن قصد التلبية الجماعية وتعمدها، وأما من لبى وكان إلى جواره آخرون فاتفقت أصواتهم دون قصد، فلا شيء عليه. والغالب أنه إن لبى قوم مجتمعون وارتفعت أصواتهم أن يحصل اتفاق الصوت مرات. وإذا كان من حولك يلبون مجتمعين فلا ينبغي لك السكوت، بل تلبي وترفع صوتك. فإن خشيت من ذلك مفسدة، إذا انتبه من حولك أن تلبي بمفردك، فاخفض صوتك بالتلبية. وأما السكوت فلا ينبغي؛ لأن التلبية من الأعمال الصالحة والقربات النافعة. روى النسائي (2753) والترمذي (829) وأبو داود (1814) وابن ماجه (2923) عَنْ السَّائِبِ بْنِ خَلَّادِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (جَاءَنِي جِبْرِيلُ فَقَالَ لِي يَا مُحَمَّدُ مُرْ أَصْحَابَكَ أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّلْبِيَةِ) . وصححه الألباني في صحيح النسائي. ولفظ ابن ماجه: (فَلْيَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّلْبِيَةِ فَإِنَّهَا مِنْ شِعَارِ الْحَجِّ) . وروى الترمذي (827) وابن ماجه (2896) عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ: أَيُّ الْحَجِّ أَفْضَلُ؟ قَالَ: (الْعَجُّ وَالثَّجُّ) . وصححه الألباني في صحيح الترمذي. قَالَ وَكِيعٌ: يَعْنِي بِالْعَجِّ الْعَجِيجَ بِالتَّلْبِيَةِ، وَالثَّجُّ نَحْرُ الْبُدْنِ. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126707 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3646 يشترط تعيين صاحب الهدي من قبل الوكيل عنه في الذبح [السُّؤَالُ] ـ[هل يجب ذبح الهدي بنفسي أم يجوز التوكيل لأحد المكاتب أو البنوك الموجودة بمكة والمتخصصة في ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجب على الإنسان أن يذبح هديه بنفسه، ويجوز أن يوكل ثقة أمينا يتولى ذلك عنه. ولكن يجب التنبه إلى أمر يتعلق بالتوكيل، وهو أنه يلزم عند الذبح تعيين صاحب الهدي، فينوي الوكيل أنها عن فلان، ولا يصح أن يذبح مجموعة من الخراف مثلا عن مجموعة من الناس دون تعيين. وعليه؛ فلا يجوز توكيل المكاتب أو البنوك التي لا تعين أسماء المذبوح لهم إلا عند الضرورة، بحيث يتعذر على الإنسان أن يذهب إلى المذبح بنفسه، أو أن يجد وكيلا ثقة يذبح عنه. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: بعض الحملات يجمعون من الحجاج مبالغ للهدي ويذبحون عنهم هديهم، ولكن ربما تركوا التسمية عن كل واحد فهل هذا جائز؟ فأجاب: "هذا لا يجوز، لا بد أن تعين لمن هذه الذبيحة، فمثلاً: إذا كان في الحملة ثلاثون رجلاً واشترى لهم ثلاثين شاةً؛ فليكن بين يديه قائمة بأسمائهم، وكلما قدم شاةً قال: هذه عن فلان؛ لأنه لا بد من التعيين، أما أن يذبح الثلاثين عن ثلاثين رجلاً فلا يصلح هذا " انتهى من "اللقاء الشهري" (73/32) . وسئل رحمه الله: سمعنا عنكم يا فضيلة الشيخ أنكم قد حذرتم من إعطاء هذه الشركات، ولكن ما الحل فيما مضى فإنا قد حججنا أكثر من مرة ونعطيها هذه الشركات ولا يأخذون أسماءنا، فما الحكم فيما مضى هل يجزئ؟ فإن كان لا يجزئ فماذا يلزمنا؟ الجواب: "إننا لم نحذر من إعطاء الهدي؛ لأن الهدي في الحقيقة ضرورة، لأن الإنسان بين أمرين: إما أن يعطيها لهذه الشركات، وإما أن يذبحها ويدعها في الأرض لا ينتفع بها لا هو ولا غيره، أما إذا حصل أن الإنسان يذبح هديه ويأكل منه ويهدي ويتصدق فهذا لا شك أنه أفضل بكثير، وهذا يمكن لبعض الناس الذين لهم معارف في مكة يمكن أن يوكلوه ويقولوا: اذبحوا لنا الهدي، وحينئذٍ ينتفع به، أو هو ينزل إلى مكة ويذهب إلى المسلخ ويشتري ويذبح هناك فسيجد من يتزاحمون عنده ليأخذوا منه، لكن الذي أرى أن من الخطأ العظيم أن يرسل بقيمة الأضاحي إلى بلاد أخرى ليضحى بها هناك، هذا هو الذي ليس له أصل، والنبي عليه الصلاة والسلام كان يبعث بالهدي إلى مكة ليذبح في مكة ولم ينقل عنه لا في حديث صحيح ولا ضعيف أنه أرسل أضحيته لأي مكان، بل كان يذبحها في بيته ويأكلون ويهدون ويتصدقون " انتهى من "اللقاء الشهري" (34/17) . وإذا كانت الشركة تكتب اسم صاحب الذبيحة وتعلقها في رقبتها ـ كما تفعل بعض الشركات ـ ونوى الذابح أن هذه الذبيحة عن صاحب هذه الورقة، كان ذلك مجزئاً وصحيحاً، وحصل به التعيين المطلوب، ولا يشترط أن يذكر اسم صاحبها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126662 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3647 جاء من مصر إلى جدة في موسم الحج للعمل ثم أذن له في الحج فأحرم من جدة [السُّؤَالُ] ـ[أنا من مصر وذهبت إلى جدة للعمل في موسم الحج وبعدما قضيت عشرون يوما في جدة انتهي عملي- وأذن لي بالحج فنويت الحج في ساعتها وأحرمت من جدة بالعمرة متمتعا هل هذا صحيح أم علي الرجوع إلى ميقات أهل مصر]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من أراد الحج أو العمرة وكان خارج المواقيت، لزمه أن يحرم من الميقات، وأما من كان منزله دون الميقات كأهل جدة فإنه يحرم من منزله؛ لما روى البخاري (1524) ومسلم (1181) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: (إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الشَّأْمِ الْجُحْفَةَ، وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ، وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ، هُنَّ لَهُنَّ، وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ، مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ) . فقوله صلى الله عليه وسلم: (وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ) أي: يحرم من مكانه. وحيث إنك لم تنو الحج إلا بعد فراغك من العمل ووجودك حينئذ في جدة، فإنك تحرم من مكانك ولا يلزمك الذهاب إلى الميقات. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا انتدبت في الحج من قبل عملي، فأنا مشيت مع الحملة حتى منى، وأردت أن أستأذن من عملي لأداء الحج فهل أذهب إلى الميقات لأحرم من الميقات، أو من مكاني؟ فأجاب: "تحرم من مكانك في الحج، لأنك حينما مررت بالميقات لا تدري هل يؤذن لك أم لا؟ فلم تعزم على الحج، فمثلاً: إذا أذنوا لك في منى أحرم من منى، وإذا أذنوا لك في عرفة أحرم من عرفة " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (89/20) . وسئل أيضا: إن شاء الله سأنوي أداء العمرة يوم الحج، وهو مشارك في مهمة قال: إذا سمح لي عملي، وفي غالب الظن أن العمل لا يمانع، لكن نقول: بنسبة (10%) يضعها من باب الاحتياط، فتجاوز الميقات الآن، هل يلزمه الرجوع لأداء الإحرام من الميقات؟ فأجاب: "لا، الرجل الذي في مهمة ولا يدري أيؤذن له أم لا؟ لا يلزمه الإحرام من الميقات، فإن أُذن له أحرم من المكان الذي تم فيه الإذن " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (178/18) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126637 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3648 إذا ضحى عنه أهله وهو في الحج فهل يلزمه أضحية أخرى؟ [السُّؤَالُ] ـ[لدي صديق يقول أن أهله سيضحون عنه، فهل إذا حج يجب عليه الأضحية مرة أخرى؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحاج لا تجب عليه الأضحية، ولا يشرع له أن يذبحها في مكة، وإنما الواجب والمشروع في حقه: الهدي. فإن حج متمتعا أو قارنا، وجب عليه الهدي، وهو ذبيحة يشترط فيها ما يشترط في الأضحية؛ لأن دم التمتع والقران واجب، ومن لم يجده صام عشرة أيام، ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع إلى بلده، كما قال تعالى: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ) البقرة/196. وأما إن حج مفردا، فلا يلزمه هدي، وله أن يتطوع به، فقد أهدى النبي صلى الله عليه وسلم في حجه مائة بدنة. والمقصود أنه سواء ضحى عنه أهله أم لا، لا تستحب له الأضحية مادام سيحج. ثانيا: الحاج إن ترك أهله في بلده، شرع له أن يترك لهم مالا ليضحوا. فقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: كيف يجمع الإنسان بين الأضحية والحج، وهل هذا مشروع؟ فأجاب: "الحاج لا يضحي، وإنما يهدي هدياً، ولهذا لم يضحِ النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وإنما أهدى، ولكن لو فرض أن الحاج حج وحده وأهله في بلده فهنا يدع لأهله من الدراهم ما يشترون به أضحية ويضحون بها، ويكون هو يهدي، وهم يضحون، لأن الأضاحي إنما تشرع في الأمصار، أما في مكة فهو الهدي " انتهى من "اللقاء الشهري". والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126013 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3649 بركة ماء زمزم تحصل لكل من شربها سواء كان داخل مكة أم خارجها [السُّؤَالُ] ـ[هل الدعاء عند شرب ماء زمزم خاص بمن هو موجود بمكة، سواء كان مقيما أو زائرا أو حاجا أو معتمرا، أم أن الدعاء عند شربه هو عام يشمل جميع المسلمين في كل الأقطار، مع العلم أني سمعت فتوى للشيخ الألباني في " سلسلة الهدى والنور " يقول فيها بأنه يرى أن الدعاء عند شرب ماء زمزم خاص بمن هو موجود بمكة المكرمة، ولم يذكر رحمه الله دليلا في هذه المسألة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: البركة في ماء زمزم بركة أودعها الله عز وجل في الماء ذاته أينما كان، وليست متعلقة فقط في مكان زمزم أو زمان شربه أيام الحج والعمرة، فقد وصفها النبي صلى الله عليه وسلم نفسها بقوله: (إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ) رواه مسلم (2473) ، وفي رواية البزار والطبراني والبيهقي وغيرهم زيادة: (وشفاء سقم) : انظر: " السنن الكبرى " (5/147) . وظاهر الأدلة، إن شاء الله، أن هذه البركة عامة لكل ماء زمزم، سواء الموجود منه في مكة، أو المحمول منه إلى غيرها من البلدان، ولذلك نص غير واحد من أهل العلم على مشروعية نقل ماء زمزم خارج مكة، وبقاء بركته وخاصيته حتى بعد نقله. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وَمَنْ حَمَلَ شَيْئًا مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ جَاز فَقَدْ كَانَ السَّلَفُ يَحْمِلُونَهُ ". وقال الصاوي المالكي رحمه الله: " (ونُدب نقله – يعني ماء زمزم –) وخاصيته باقية خلافا لمن يزعم زوال خاصيته " انتهى. " حاشية الصاوي على الشرح الصغير " (2/44) ، ونحوه في " منح الجليل شرح مختصر خليل " (2/273) وقال الشيخ علي الشبراملسي الشافعي رحمه الله: " (قوله: ماء زمزم لما شرب له) هو شامل لمن شربه في غير محله " انتهى. " حاشية نهاية المحتاج " (3/318) . وقال ابن حجر الهيتمي رحمه الله في " تحفة المحتاج " (4/144) : " وأن ينقله إلى وطنه استشفاء وتبركا له ولغيره " انتهى. وقال السخاوي رحمه الله: " يذكر على بعض الألسنة أن فضيلته مادام في محله، فإذا نقل يتغير. وهو شيء لا أصل له؛ فقد كتب [صلى الله عليه وسلم] إلى سهيل بن عمرو: (إن وصل كتابي ليلا: فلا تصبحن، أو نهارا: فلا تمسين، حتى تبعث إلي بماء زمزم) . وفيه أنه بعث له مزادتين وكان حينئذ بالمدينة قبل أن يفتح مكة. وهو حديث حسن لشواهده، وكذا كانت عائشة رضي الله عنها تحمل وتخبر أنه كان يفعله، وأنه كان يحمله في الأداوي والقرب، فيصب منه على المرضى ويسقيهم، وكان ابن عباس إذا نزل به ضيف أتحفه بماء زمزم. وسئل عطاء عن حمله فقال قد حمله النبي والحسن والحسين رضي الله عنهما. وتكلمت على هذا في الأمالي. " انتهى. المقاصد الحسنة، للسخاوي (1/569) . بل قال الملا علي القاري، رحمه الله: " وأما نقل ماء زمزم للتبرك به فمندوب اتفاقا ". انتهى. مرقاة المفاتيح (9/194) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله السؤال الآتي: " هل يشترط أن يكون الشرب في مكة – يعني لماء زمزم كي تتحقق بركته -؟ فأجاب: " لا يشترط، ولهذا كان بعض السلف يأمر مَنْ يأتي به إليه في بلده فيشرب منه، وهو أيضاً ظاهر الحديث (ماء زمزم لما شرب له) ، ولم يقيده النبي صلى الله عليه وسلم بكونه في مكة " انتهى. " فتاوى نور على الدرب " (شروح الحديث والحكم عليها) وقال أيضا رحمه الله: " ظاهر الأدلة أن ماء زمزم مفيد سواء كان في مكة أم في غيرها، فعموم الحديث الوارد عن النبي عليه الصلاة والسلام في قوله: (ماء زمزم لما شرب له) يشمل ما إذا شرب في مكة أو شرب خارج مكة، وكان بعض السلف يتزودون بماء زمزم يحملونه إلى بلادهم " انتهى. " فتاوى نور على الدرب " (فتاوى الحج والجهاد/باب محظورات الإحرام) وجاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (1/298) : " أما ما ذكرت عن ماء زمزم من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ماء زمزم لما شرب له) فقد رواه الإمام أحمد وابن ماجه عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو حديث حسن، وهو أيضا عام، وأصح منه قول النبي صلى الله عليه وسلم في ماء زمزم: (إنها مباركة، وإنها طعام طعم وشفاء سقم) رواه مسلم وأبو داود وهذا لفظ أبي داود – يعني الطيالسي - فإذا أردت منه شيئا أمكنك أن توصي من يحج من بلدك ليأتي بشيء منه في عودته من حجه " انتهى. وانظر " الموسوعة الفقهية " (24/14) . ولعل الشيخ الألباني رحمه الله، قد تراجع عن المنع من حمل ماء زمزم، والتبرك به خارج مكة، أو ـ على أقل تقدير ـ نقول: إن له قولا آخر في المسألة، يوافق ما نقلناه هنا من كلام أهل العلم. قال الشيخ الألباني رحمه الله: " وله [أي: للحاج والمعتمر] : أن يحمل معه من ماء زمزم ما تيسر له تبركا به؛ فقد: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمله معه في الأداوي والقرب وكان يصب على المرضى ويسقيهم) [قال الشيخ في تخريج ذلك: أخرجه البخاري في (التاريخ) والترمذي وحسنه من حديث عائشة رضي الله عنها وهو مخرج في (الأحاديث الصحيحة) (883) ] بل إنه: (كان يرسل وهو بالمدينة قبل أن تفتح مكة إلى سهيل بن عمرو: أن أهد لنا من ماء زمزم ولا تترك فيبعث إليه بمزادتين) [قال في تخريجه: أخرجه البيهقي بإسناد جيد عن جابر رضي الله عنه. وله شاهد مرسل صحيح في (مصنف عبد الرزاق) (9127) وذكر ابن تيمية أن السلف كانوا يحملونه] ". مناسك الحج والعمرة (42) ، وقرر نحوا من ذلك في السلسلة الصحيحة، رقم (883) ، تحت عنوان: " حمل ماء زمزم، والتبرك به ". (2/543) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125862 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3650 نذرت فعل أكثر من عمرة فهل يجوز أن تفعلها في سفرة واحدة [السُّؤَالُ] ـ[أنا فتاة مصرية أعاني من ابتلاءات متعددة منذ ثمان سنوات والحمد لله على كل حال فنذرت لله إن رزقني العمرة أن أعتمر أيضا عن والدي المريض وعن عمي وخالي رحمهما الله فأخبرني بعض الأشخاص أن هذا غير جائز وأنني يجب أن أعتمر مرة واحدة فقط في كل سفر أي أعتمر عن نفسي فقط ثم أعود لمصر ثم أسافر مرة أخرى لأعتمر عن شخص آخر وهكذا فهل يجوز أن أوفي بنذري خلال سفر واحد؟ أم لا؟ مع العلم بأن مدة العمرة من مصر قد تكون أسبوع أو عشرة أيام على الأكثر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تكرار العمرة في السفرة الواحدة ليس من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ولا من هدي أصحابه، ولذا فهو مكروه، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم (111501) . ولكن نظرا لكونك نذرت العمرة عن والدك وعمك وخالك، وأنك تأتين للعمرة من مصر، فلا حرج عليك في الوفاء بنذرك في سفرة واحدة، لأنك قد لا يتيسر لك السفر إلى مكة عدة مرات، فإذا أردت العمرة وأنت في مكة خرجت إلى التنعيم أو غيره من الحِل، فأحرمت بالعمرة. واعلمي أن النذر مكروه، وأنه لا يأت بخير كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى البخاري (6608) ومسلم (1639) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّذْرِ وَقَالَ: (إِنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيل) . وروى البخاري (6609) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الله تعالى قال في الحديث القدسي: (لَا يَأْتِ ابْنَ آدَمَ النَّذْرُ بِشَيْءٍ لَمْ يَكُنْ قَدْ قَدَّرْتُهُ، وَلَكِنْ يُلْقِيهِ الْقَدَرُ، وَقَدْ قَدَّرْتُهُ لَهُ، أَسْتَخْرِجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ) . ومع كون النذر مكروها في الأصل إلا أن من نذَر نذْر طاعةٍ فإنه يلزمه الوفاء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ) رواه البخاري (6202) . ونسأل الله تعالى أن يجعل لك من كل ضيق فرجا ومخرجا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 124142 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3651 إذا أتى من مصر لزيارة والده في الدمام وفي نيته العمرة فمن أين يحرم؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا إن شاء الله ذاهب إلى الدمام لمدة خمسة أيام لرؤية أبى الذي يعمل هناك وهذه نيتي. السؤال: 1-هل يجوز أن أغير نيتي هناك وأحرم بعمرة من هناك؟ 2- إذا كانت الإجابة بنعم فهل يجب علي المكوث في الدمام ثلاثة أيام قبل أن أحرم بعمرة، ولا في أي وقت يمكن أن أحرم بعمرة؟ 3- ما هو الميقات الذي يجب على الإحرام منه ولبس ملابس الإحرام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا سافرت لزيارة والدك، ثم بدا لك أن تعتمر، فلا يشترط أن تبقى في الدمام ثلاثة أيام، بل تذهب للعمرة متى شئت، وتحرم من الميقات الذي يحرم منه أهل الدمام، وهو قرن المنازل (السيل الكبير) القريب من الطائف. والأصل: أن من أتى مريدا للعمرة، لزمه الإحرام من الميقات، وميقات أهل مصر هو الجحفة أو رابغ، لكن من كان سيذهب إلى مدينة أخرى كالمدينة أو الرياض أو الدمام، جاز أن يؤخر الإحرام، ثم يحرم من ميقات أهل البلد الذي وصل إليه، وينظر جواب السؤال رقم 96758. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 122973 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3652 الاشتراط في الحج والعمرة لمن خشيت نزول الحيض [السُّؤَالُ] ـ[امرأة تريد أن تأخذ عمرة واحتمال يأتيها الحيض بعد الدخول في النسك وقبل الطواف. هل لها أن تشترط لأنها تخاف أن تؤخر أهلها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا أرادت المرأة العمرة وخشيت نزول الحيض قبل إتمامها، فلها أن تشترط، فإن حاضت: حلّت من إحرامها ولا شيء عليها. والأصل في جواز الاشتراط: ما روى البخاري (5089) ومسلم (1207) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ لَهَا: (لَعَلَّكِ أَرَدْتِ الْحَجَّ؟ قَالَتْ: وَاللَّهِ، لَا أَجِدُنِي إِلَّا وَجِعَةً، فَقَالَ لَهَا:حُجِّي وَاشْتَرِطِي، وَقُولِي: اللَّهُمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي) . فإذا خشي الإنسان مرضا، أو خشيت المرأة مجيء الحيض اشترطت. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: بالنسبة للاشتراط في الحج، هل هناك حالات معينة يَشْتَرِط فيها الحاج ويقول: إن حَبَسَنِي حابسٌ فمحلي حيث حَبَسْتَنِي؟ فأجاب: "الاشتراط في الحج أن يقول عند عقد الإحرام: إن حَبَسَنِي حابسٌ فمحلي حيث حَبَسْتَنِي. وهذا الاشتراط لا يُسَنُّ إلا إذا كان هناك خوف مِن مرض أو امرأة تخاف من الحيض، أو إنسان متأخر يخشى أن يفوته الحج، ففي هذه الحالة ينبغي أن يشترط، وإذا اشترط وحصل ما يمنع من إتمام النسك، فإنه يتحلل وينصرف ولا شيء عليه. أما إذا كان الإنسان غير خائف فالسنة أن لا يشترط، بل يعزم، ويتوكل على الله، ويحسن الظن بالله عزَّ وجلَّ " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (25/18) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 122819 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3653 حكم السعي في المسعى الجديد [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم السعي في المسعى الجديد؟ لأنه قد اختلف أهل العلم في ذلك كثيرًا، فمن قائل لا بأس، ومن قائل لا يجوز السعي فيه للحج والعمرة ومن فعل ذلك لم يحل من إحرامه وعليه العودة وإعادة العمرة أو الحج، ومن قائل بل يجبر السعي بدم، ومن متوقف. فبم تنصحون؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عُرض موضوع السعي في المسعى الجديد على هيئة كبار العلماء، وصدر قرارهم كما يلي: "قرار رقم (227) وتاريخ 22/2/1427هـ الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد:- فإن مجلس هيئة كبار العلماء في دورته الرابعة والستين التي انعقدت في مدينة الرياض ابتداء من تاريخ 18/2/1427هـ. درس موضوع توسعة المسعى، من الناحية الشرعية .... وقد استعرض المجلس ما سبق أن صدر منه بالقرار رقم (21) ، وتاريخ 12/11/1393هـ المتضمن جواز السعي فوق سقف المسعى عند الحاجة، واطلع على البحوث المعدة حول مشعر المسعى من الناحية الشرعية والتاريخية. واطلع كذلك على الفتوى الصادرة من سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، المفتي الأسبق للمملكة العربية السعودية رحمه الله، حول ما أدخلته العمارة الجديدة للمسعى، وحول الصفا والمروة، بناء على قرارات اللجان المشكلة من عدد من العلماء الذين أمرهم - رحمه الله - بذلك، وهم: الشيخ عبد الملك بن إبراهيم آل الشيخ، والسيد علوي عباس المالكي، والشيخ عبد الله بن دهيش، والشيخ عبد الله بن جاسر، والشيخ يحيى أمان، والشيخ محمد الحركان - رحمهم الله جميعًا -، وذلك لمتابعة إدخال ما هو من المسعى، وإخراج ما ليس منه، مما هو منصوص عليه في كتب أهل العلم من محدثين وفقهاء ومؤرخين. أ. هـ. وقد نص العلماء على عرض المسعى بالذراع وجزء الذراع، فكان ذلك المنصوص حدًا لعرضه بما هو مذكور في كتب العلماء - رحمهم الله -. والمسعى بطوله يحكمه جبل الصفا وجبل المروة، وعرضه يحكمه عمل القرون المتتالية من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا. وبعد الدراسة والمناقشة والتأمل رأى المجلس بالأكثرية أن العمارة الحالية للمسعى شاملة لجميع أرضه، ومن ثم فإنه لا يجوز توسعتها، ويمكن عند الحاجة حل المشكلة رأسيًا بإضافة بناء فوق المسعى، وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه" انتهى. وينبني على هذا مسألتان: الأولى: أن من أراد العمرة أو الحج اشترطَ عند إحرامه قائلاً: إن حَبَسَنِي حابسٌ فَمَحِلِّي حيث حَبَسْتَنِي، فإن استطاعَ أنْ يُتِمَّ سعيه في المسعى القديم دونَ أن يُحْدِثَ ضرراً لنفسهِ، أو لغيره أتم نسكه والحمد لله، وإنْ لم يستطعِ السعيَ، ولم يستطعِ البقاءَ لوقتٍ يتمكنُ فيه من إتمامِ نُسُكِهِ فهو مُحْصَرٌ حِيلَ بينه وبين إتمامِ النُّسُك، فيتحلَّل من عمرتهِ أو حجه مجَّاناً لاشتراطهِ، ولا شيء عليه، كما دلَّ عليه حديثُ ضُباعةَ بنتِ الزبير رضي الله عنها، فقد روى البخاري (5089) ومسلم (1207) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ فَقَالَ لَهَا: (لَعَلَّكِ أَرَدْتِ الْحَجَّ؟ قَالَتْ: وَاللَّهِ، لَا أَجِدُنِي إِلَّا وَجِعَةً. فَقَالَ لَهَا: حُجِّي وَاشْتَرِطِي، وَقُولِي: اللَّهُمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي) . فإن لم يشترط فعليه دمٌ للإحصار يذبحه قبل أن يتحلَّل، ويوزعه على فقراء الحرم، ثم يحلق أو يقصِّر. هذا كلُّه على القولِ المعروفِ المشهورِ وهو قولُ الجمهور، وهو أنَّ السَّعيَ ركنٌ من أركان الحج والعمرة. وأما على القول بأن السعي واجب – وهو قول بعض العلماء – فإنه يسقط بالعجز، أو يُجبر تركه بدم. المسألة الثانية: أن من سعى في المسعى الجديد، إن كان قد أُفْتِيَ بذلك فهو على ذمَّةِ من أفتاه. وإن سعى جاهلا بالحكم معتمدا على سعي جمهور الناس حوله، فهو معذور كذلك. فإن كان عالما بالحكم لزمه أن يعيد السعي في المسعى القديم، فإن لم يستطع فهو محصر يذبح دم الإحصار في مكة ثم يتحلل. وانظر: بيان الشيخ علوي السقاف في ذلك، وقد قرئ على فضيلة الشيخ عبد الرحمن البراك وأقره وزاد فيه. http://www.dorar.net/art/102 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121215 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3654 مات ولم يحج فحج شخص عنه من تركته قبل أن يعلم بوجود وارث له [السُّؤَالُ] ـ[كان لي صديق وله مال ولكن ليس له ورثة، وعندما توفي قررت أن أحج عنه من ماله؛ لأنه مات ولم يحج، ولكن بعد فترة من الزمن تبين أنه له ابن عم فقط، فما حكم ذلك المال الذي حججت به عن هذا الشخص؟ وهل علي أن أرده إلى ابن عمه الذي يرثه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من كان لديه مال فاضل عن نفقته ونفقة عياله، يكفي لحجه، لزمه أن يحج بنفسه، فإن كان عاجزا لمرض أو كبر، لزمه أن ينيب من يحج عنه بماله، فإن مات ولم يحج، وجب أن يخرج من تركته ما يحج به عنه؛ لأن الحج دين في ذمته، ودين الله أحق بالقضاء، كما روى النسائي (2639) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبِي مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: (أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكَ دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ) ، والحديث صححه الألباني في صحيح النسائي. قال ابن قدامة رحمه الله: " متى توفي من وجب عليه الحج ولم يحج , وجب أن يخرج عنه من جميع ماله ما يحج به عنه ويعتمر , سواء فاته بتفريط أو بغير تفريط، وبهذا قال الحسن , وطاوس , والشافعي .... لما روى ابن عباس , (أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أبيها , مات ولم يحج؟ قال: حجي عن أبيك) ، وعنه: (أن امرأة نذرت أن تحج , فماتت , فأتى أخوها النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن ذلك؟ فقال: أرأيت لو كان على أختك دين , أما كنت قاضيه؟ قال: نعم. قال: فاقضوا دين الله , فهو أحق بالقضاء) رواهما النسائي، ولأنه حق استقر عليه تدخله النيابة , فلم يسقط بالموت كالدين " انتهى من "المغني" (3/101) مختصرا. وأما إن كان في حياته لا يملك نفقة الحج الفاضلة عن نفقته ونفقته عياله، فالحج لم يجب عليه، ولا يجب الحج عنه، إلا إن تبرع أحد بذلك. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: لي ابن أخ أصيب بمرض السرطان -أعيذكم بالله من ذلك وجميع المسلمين- وتوفي هذا العام وعمره تسع عشرة سنة ولم يؤد فريضة الحج، علماً بأنه أصيب بهذا المرض منذ خمس سنوات، فهل نحج عنه؟ وهل هناك كفارة؟ فأجاب: " لا بد أن نسأله: هل هذا الشاب عنده مال يستطيع أن يحج به؟ إن كان الأمر كذلك فلا بد أن يحج عنه، وإذا لم يكن عنده مال فالحج ليس بواجب عليه وقد مات بريئاً من الفريضة، لكن إن أرادوا أن يتطوعوا ويحجوا عنه فلا حرج " انتهى من "اللقاء الشهري" (62/5) . وبناء على ذلك؛ فما دام الرجل الذي توفي كان عنده من المال ما يكفي للحج، فالحج كان واجباً عليه، فما فعله السائل من الحج عنه عمل صحيح، وهو مقدم على حق الوارث في التركة، لكن ينبغي إعلام الوارث بذلك، حتى لا يحج عنه مرة أخرى، وهو يظن أن ذلك واجب عليه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120771 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3655 الواجب على من أفسد العمرة بالجماع [السُّؤَالُ] ـ[أنا مقيم في السعودية، وزوجتي قادمة من خارج السعودية، تقابلنا في جدة ونحن محرمان للعمرة فقط، وذهبنا إلى مكة، في الفندق حصل جماع قبل العمرة، ثم ذهبنا إلي التنعيم وأحرمنا وعملنا عمرة جديدة فما الحكم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز الجماع للمحرم بالحج أو العمرة، حتى يتحلل، وإذا جامع في العمرة قبل الفراغ من سعيها، فسدت العمرة، ولزم المضي والاستمرار فيها، ثم قضاؤها من مكان الإحرام بالأولى، مع ذبح شاة عن كل واحد منكما، تذبح وتوزع على فقراء مكة. وأما الجماع بعد السعي وقبل الحلق أو التقصير، فلا تفسد به العمرة، لكن تلزم فيه الفدية على التخيير. وذهابك إلى التنعيم لا يفيد، لأنك متلبس بالإحرام بالعمرة – حتى وإن كانت فاسدة – فلا يصح إدخال إحرام آخر عليه حتى تفرغ من الأول. وعليه؛ فما قمتما به من أعمال العمرة هو إتمام للعمرة الفاسدة، ويلزمكما قضاؤها، وتحرمان بها من الميقات الذي أحرمتم منه أولاً، مع ذبح شاة عن كل واحد منكما. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " فإن كنت جامعت زوجتك فسدت العمرة وعليك إتمامها ثم قضاؤها مرة أخرى من محل إحرامك بالأولى، وعليك دم وهو رأس من الغنم جذع ضأن أو ثني معز يذبح في مكة للفقراء، ويجزيء عن ذلك سُبع بدنة أو سُبع بقرة " انتهى من "فتاوى إسلامية". وذهب بعض أهل العلم إلى أن الواجب على من جامع في العمرة فدية على التخيير: دم أو صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين، سواء جامع قبل السعي أو بعده، كما في "شرح منتهى الإرادات" (1/556) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والعمرة التي وقع فيها الجماع عمرة فاسدة، ويجب عليك شاة تذبح في مكة وتوزع على الفقراء، أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، أو صيام ثلاثة أيام، ويجب -أيضاً- أن تقضي عمرة بدل العمرة التي فسدت " انتهى من "اللقاء الشهري" (54/9) . والحاصل أنه يلزمكما ثلاثة أمور: 1- التوبة إلى الله تعالى؛ لاقترافكما المحظور، وإفساد النسك الذي أمر الله بإتمامه. 2- الاعتمار مرة أخرى قضاءً عن العمرة الفاسدة، وأن يكون الإحرام بها من ميقات العمرة الفاسدة. 3- فدية على التخيير يفعل كل واحد منكما ما شاء: إما ذبح شاة، أو صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين من فقراء مكة، وإن ذبح كل واحد منكم شاة فهو أولى وأحوط. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 119134 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3656 إذا حج عن أخيه المتوفى فهل يكون كفارة له؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان الحج كفارة لكل ذنوب الحاج، فهل قياسا على ذلك يكون بإذن الله كفارة لأخي - رحمه الله - والذي أنوي أن أحج عنه إن شاء الله، وأهبه أجر ذلك وثوابه خالصا لوجه الله عز وجل، علما أنه سبق أن حججت والحمد لله عن نفسي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله دلت الأدلة الصحيحة على عظم شأن الحج وأنه يكفر الذنوب، ويعود منه صاحبه كيوم ولدته أمه، وهل هذا يشمل الكبائر والصغائر، أو خاص بالصغائر فقط؟ في ذلك خلاف بين أهل العلم، وجمهور العلماء على أن الحج لا يكفر إلا الصغائر فقط، وأن الكبائر لابد لها من توبة تخصها. وينظر جواب السؤال رقم (34359) . ثانيا: يجوز للإنسان أن يحج عن أخيه المتوفى الذي لم يحج عن نفسه حج الفريضة، ويكون أجر الحج وثوابه للمحجوج عنه، وللحاج أيضا مثل أجره عند بعض أهل العلم، ومنهم من يقول: إن له أجرا عظيما لكن ليس كأجر من جُعل الحج له. وينظر جواب السؤال رقم (111407) و (111794) . ولا شك أن الحج عن الغير يعتبر إحسانا ومعروفا وصلة، ولذلك يرجى لفاعله الثواب الجزيل، والعطاء الكبير، و (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) . وإذا كان ثواب الحج للمتوفي، فيُرجى أن يكون كفارة لذنوبه، وفضل الله تعالى واسع، ورحمته وسعت كل شيء. نسأل الله تعالى لك التوفيق والعون والسداد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 117168 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3657 الحكمة من تقبيل الحجر الأسود [السُّؤَالُ] ـ[هل الحكمة في تقبيل الحجر الأسود التبرك به؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الحكمة من الطواف بيَّنها النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: (إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله) فالطائف الذي يدور على بيت الله تعالى يقوم بقلبه من تعظيم الله تعالى ما يجعله ذاكراً لله تعالى، وتكون حركاته بالمشي والتقبيل واستلام الحجر والركن اليماني والإشارة إلى الحجر ذكراً لله تعالى لأنها من عبادته؛ وكل العبادات ذكر لله تعالى بالمعنى العام، وأما ما ينطق به بلسانه من التكبير والذكر والدعاء فظاهر أنه من ذكر الله تعالى، وأما تقبيل الحجر فإنه عبادة حيث يقبل الإنسان حجراً لا علاقة له به سوى التعبد لله تعالى بتعظيمه، واتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، كما ثبت أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال حين قَبَّل الحجر: (إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك) . أما ما يظنه بعض الجهال من أن المقصود بذلك التبرك به فإنه لا أصل له، فيكون باطلاً. وأما ما أورده بعض الزنادقة من أن الطواف بالبيت كالطواف على قبور أوليائهم وأنه وثنية، فذاك من زندقتهم وإلحادهم، فإن المؤمنين ما طافوا به إلا بأمر الله؛ وما كان بأمر الله فالقيام به عبادة لله تعالى. ألا ترى أن السجود لغير الله شرك أكبر، ولما أمر الله الملائكة أن يسجدوا لآدم كان السجود لآدم عبادة لله تعالى وكان ترك السجود له كفراً. وحينئذ يكون الطواف بالبيت عبادة من أجل العبادات، وهو ركن في الحج، والحج أحد أركان الإسلام. ولهذا يجد الطائف بالبيت إذا كان المطاف هادئاً من لذة الطواف وشعور قلبه بالقرب من ربه ما يتبين به علو شأنه وفضله والله المستعان" انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. "فتاوى العقيدة" (ص 28، 29) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118085 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3658 يريد تقديم الحج ووالده يريد تقديم الزواج [السُّؤَالُ] ـ[هل أكون عاقا لأبي للأسباب الآتية: 1- كان أبي رحمه الله يريد مني البدء في مشروع الزواج وكنت أرفض لأنني كنت أريد إكمال الدراسة العليا. 2- المبلغ الذي وفرته كان يكفي البدء في المشروع (العقد فقط) مع العلم بأنني موظف. 3-ثم لم أستطع السفر لإكمال الدراسة، فقررت بأن أدخل مشروعا صغيرا على أمل أن أجني منه مبلغا ثم الحج به، والمشروع مشترك بيني وبينه عبارة عن قطعة أرض مشتركة (وسعرها لا يفي بمبلغ الحج) كنا ننوي تغيير المسكن الذي نعيش فيه بسبب الأذى الذي نلقاه من الجيران هداهم الله. 5-رفض أبي الحج بهذا المبلغ لأنه قال إنه مُلكي وليس من ماله. 6- بعد النقاش (لم يثمر أي شيء) قلت سوف أحج أنا قال الزواج أولا. 7-الآن بعد موته في رمضان يطالبوني بأن أنفذ ما أراد وأنا أقول لهم الحج أولا. 8-الأرض الآن تؤتي المبلغ الكافي لإتمام فريضة الحج وقد انتهينا أنا وهو من سداد الدين (قيمة الأرض) قبل مماته.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الحج واجب على الفور في أصح قولي العلماء، كما هو مبين في الجواب رقم (41702) ، وإذا كان المال الموجود يكفي إما للحج وإما للزواج، فإنه يقدم الزواج إذا كان محتاجاً إليه، ويخشى الوقوع في الحرام، ويقدم الحج إذا لم يكن محتاجاً إلى الزواج. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (5/12) : " وَإِنْ احْتَاجَ إلَى النِّكَاحِ , وَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْعَنَتَ (أي المشقة) , قَدَّمَ التَّزْوِيجَ , لأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ , وَلا غِنَى بِهِ عَنْهُ , فَهُوَ كَنَفَقَتِهِ , وَإِنْ لَمْ يَخَفْ , قَدَّمَ الْحَجَّ ; لأَنَّ النِّكَاحَ تَطَوُّعٌ , فَلا يُقَدَّمُ عَلَى الْحَجَّ الْوَاجِبِ " انتهى. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجوز تأجيل الحج إلى ما بعد الزواج للمستطيع، وذلك لما يقابل الشباب في هذا الزمن من المغريات والفتن صغيرة كانت أم كبيرة؟ فأجاب: "لا شك أن الزواج مع الشهوة والإلحاح أولى من الحج لأن الإنسان إذا كانت لديه شهوة ملحة فإن تزوجه حينئذٍ من ضروريات حياته، فهو مثل الأكل والشرب، ولهذا يجوز لمن احتاج إلى الزواج وليس عنده مال أن يدفع إليه من الزكاة ما يُزوج به، كما يعطى الفقير ما يقتات به وما يلبسه ويستر به عورته من الزكاة. وعلى هذا فنقول: إذا كان محتاجاً إلى النكاح فإنه يقدم النكاح على الحج لأن الله سبحانه وتعالى اشترط في وجوب الحج الاستطاعة فقال: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) آل عمران / 97. أما من كان شاباً ولا يهمه أن يتزوج هذا العام أو الذي بعده فإنه يقدم الحج لأنه ليس في ضرورة إلى تقديم النكاح " انتهى من "فتاوى منار الإسلام" (2/375) . وعليه؛ فإن لم تخش على نفسك من تأخير الزواج، فبادر بالحج، والله يخلف عليك خيرا؛ لأن الحج فريضة عظيمة من فرائض الإسلام وشرائعه العظام. ولا يلزمك تنفيذ مراد أبيك في هذه المسألة، لا في حياته ولا بعد مماته، لأنه يترتب عليه تأخير الحج من غير ضرورة لذلك. ثانيا: كان ينبغي أن ترضي أباك، وتقدم الزواج على إكمال الدراسة العليا، فقد نقل عن الإمام أحمد رحمه الله ما ظاهره: أن النكاح يجب إذا أمر به أحد الوالدين. قال المرداوي: هل يجب (يعني النكاح) بأمر الأبوين , أو بأمر أحدهما به؟ قال الإمام أحمد رحمه الله: إن كان له أبوان يأمرانه بالتزويج: أمرته أن يتزوج , أو كان شابا يخاف على نفسه العنت: أمرته أن يتزوج. فجعل أمر الأبوين له بذلك بمنزلة خوفه على نفسه العنت" انتهى من "الإنصاف" (8/14) . ثالثا: لا حرج على الأب فيما لو حج بمال ابنه، بل لا حرج على الإنسان أن يحج بمال غيره مطلقا، لكن من لم يحج حج الفريضة لعجزه عن تكاليف الحج هل يصير قادرا ببذل غيره المال له، وهل يلزمه قبول هذا المال ليحج؟ في ذلك خلاف بين الفقهاء. قال ابن قدامة رحمه الله: " ولا يلزمه الحج ببذل غيره له , ولا يصير مستطيعا بذلك , سواء كان الباذل قريبا أو أجنبيا , وسواء بذل له الركوب والزاد , أو بذل له مالا. وعن الشافعي أنه إذا بذل له ولده ما يتمكن به من الحج , لزمه ; لأنه أمكنه الحج من غير مِنّة تلزمه , ولا ضرر يلحقه , فلزمه الحج , كما لو ملك الزاد والراحلة. ولنا أن قول النبي صلى الله عليه وسلم يوجب الحج (الزاد والراحلة) , يتعين فيه تقدير ملك ذلك , أو ملك ما يحصل به , بدليل ما لو كان الباذل أجنبيا , ولأنه ليس بمالك للزاد والراحلة , ولا ثمنهما , فلم يلزمه الحج , كما لو بذل له والده , ولا نسلم أنه لا يلزمه مِنّة , ولو سلمناه فيبطل ببذل الوالدة , وبذل من للمبذول عليه أياد كثيرة ونِعَم " انتهى من "المغني" (3/87) . وحاصل الجواب: أنه يلزمك المبادرة إلى الحج، ما لم تخف على نفسك الوقوع في الحرام بتأخير الزواج، وأن تستغفر الله تعالى من مخالفة والدك في أمر الزواج أولا. ونسأل الله لك التوفيق والسداد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 6830 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3659 يسأل عن قيمة فدية إزالة الشعر [السُّؤَالُ] ـ[ما هي قيمة الفدية بالريال المترتبة على إزالة الشعر أو تقليم الأظافر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من محظورات الإحرام: إزالة شعر الرأس أو البدن وتقليم الأظافر، ويلزم في كل منها الفدية، وهي على التخيير: ذبح شاة، أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، أو صيام ثلاثة أيام؛ لقوله تعالى: (وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) البقرة/196. ولحديث كعب بن عجرة رضي الله عنه لما احتاج أن يحلق رأسه وهو محرم، فقال له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَاحْلِقْ، وَصُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، أَوْ انْسُكْ نَسِيكَةً) رواه البخاري (4190) ومسلم (1201) . ولا يجوز إخراج الفدية نقودا، ولا يصح؛ لعدم وروده، بل يجب أن يخرج طعاما كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم. وإن كان السؤال عن الأخذ من الشعر والظفر بعد دخول شهر ذي الحجة لمن أراد أن يضحي ـ وهو ليس محرماً بالحج أو العمرة ـ فهذا مع تحريمه، لا فدية فيه، بل يجب الاستغفار والتوبة. وينظر جواب السؤال رقم (36567) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112877 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3660 فائدة الاشتراط عند الإحرام [السُّؤَالُ] ـ[ما الفائدة من قول من أراد أن يحرم بالحج أو العمرة: إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يشرع لمن أراد الإحرام بالحج أو العمرة أن يشترط عند الإحرام، إذا خاف أن يمنعه مانع من إتمام الحج والعمرة، فيقول: إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، لما رواه البخاري (5089) ومسلم (1207) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لضباعة بنت الزبير لما أرادت الحج وهي مريضة: (حجي واشترطي وقولي: اللهم محلي حيث حبستني) . والفائدة التي يستفيدها المحرم من ذلك: أنه إذا حصل له مانع يمنعه من إتمام النسك كمرض أو حادث، أو مُنع من دخول مكة لسبب ما فإنه يتحلل من إحرامه وليس عليه شيء، لا فدية، ولا هدي، ولا حلق الرأس. ولولا هذا الاشتراط لكان مُحْصَراً، والمحصر – وهو الممنوع من إتمام النسك – عليه أن يذبح هدياً، ويحلق رأسه، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية لما منعه المشركون من دخول مكة، فنحر النبي صلى الله عليه وسلم هديه، وحلق رأسه، وأمر الصحابة بذلك، فقال لهم: (قوموا فانحروا ثم احلقوا) رواه البخاري (2734) . وقال الله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) البقرة/196. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: "وفائدة هذا الشرط: أن المحرم إذا عرض له ما يمنعه من تمام نسكه من مرض أو صد عدو جاز له التحلل ولا شيء عليه" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (17/50) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "أما فائدة الاشتراط: فإن فائدته أن الإنسان إذا حصل له ما يمنعه من إتمام نسكه تحلل بدون شيء، بمعنى تحلل، وليس عليه فدية ولا قضاء" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/28) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111784 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3661 إصرار البعض على صلاة ركعتي الطواف خلف المقام حتى في أيام الزحام [السُّؤَالُ] ـ[أحياناً يكون في المطاف زحام شديد فيصلي هناك بعض الجهال قريباً من المقام، ويحولون بين الناس وبين طوافهم وقد يتحلق بعضهم على بعض، فهل علينا من شيء إذا دفعناهم خصوصاً في حال الزحام الشديد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "أولئك الذين يصلون خلف المقام ويصرون على أن يصلوا هناك، مع احتياج الطائفين إلى مكانهم قد ظلموا أنفسهم وظلموا غيرهم، وهم آثمون معتدون ظالمون، ليس لهم حق في هذا المكان، ولك أن تدفعهم، ولك أن تمر بين أيديهم، ولك أن تتخطاهم وهم ساجدون، لأنه لا حق لهم في هذا المكان أبداً، وكونهم يصرون على أن يكونوا في هذا المكان فهذا من جهلهم لا شك؛ لأن ركعتي الطواف تجوز في كل المسجد، فمن الممكن للإنسان أن يبتعد عن مكان الطائفين ويصلي ركعتين، حتى إن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه صلى ركعتي الطواف بذي طوى، وهي بعيدة عن المسجد الحرام، فضلاً عن أن تكون في المسجد الحرام. فالإنسان يجب عليه أن يتقي الله في نفسه، ويتقي الله في إخوانه؛ فلا يصلي خلف مقام إبراهيم عليه السلام، والناس يحتاجون إلى هذا المكان في الطواف، فإن فعل فلا حرمة له، ولنا أن ندفعه، ولنا أن نقطع صلاته عليه، ولنا أن نتخطاه وهو ساجد، لأنه هو المعتدي الظالم والعياذ بالله" انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. "فتاوى علماء البلد الحرام" (ص 220) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111888 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3662 الحج بمال أخذه من العمل في شركة تنتج الدخان [السُّؤَالُ] ـ[أعمل مهندسا في شركه للأدخنة لإنتاج المعسل، وكذلك زوجتي تعمل بنفس الشركة، ويوجد جمعية لتيسير الحج قمت بالاشتراك فيها منذ فترة طويلة، والحمد لله أمكن لنا أن نخرج للحج السياحي، وليس لنا مورد آخر غير هذا المرتب من تلك الشركة وعمرنا تجاوز الخمسين الرجاء معرفة هل هذا حلال مع أنه كل دخلنا حلال من عملنا؟ وللعلم قد حصلت وزوجتي على تذاكر السفر للحج ولا يسمح بإرجاعها أرجو سرعة الرد وأرجو عدم التعجل بالتحريم ولله الأمر من قبل ومن بعد.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: شرب الدخان والشيشة محرم؛ لما فيهما من المضرة والخبث، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (45271) . وما كان محرما شربه واستعماله، لم يجز تصنيعه ولا بيعه ولا الإعانة على ذلك. وعليه فالعمل في شركة إنتاج المعسّل عمل محرم، والراتب الناشيء عنه محرم كذلك. والواجب عليكما أن تتوبا إلى الله تعالى، بترك هذا العمل، والندم على ما فات، والعزم على عدم العود إليه. وإذا كنت لا تعلم بأن شرب الدخان حرام، أو تقلد بعض المفتين المتساهلين في هذا، فنرجو ألا يكون عليك حرج فيما مضى، ويكون المال الذي معك حلالاً لك. أما إذا كنت تعلم أن شرب الدخان محرم، فيلزمكم التخلص من هذه الأموال بإنفاقها في وجوه الخير والمصالح العامة للمسلمين، إلا أن تكون محتاجاً فتأخذ منها قدر حاجتك، وينظر جواب السؤال رقم (78289) . ثانيا: الواجب على من أراد الحج أَنْ تكون نفقته حلالاً طيبةً، ويُخشى على من حج بمال حرام ألا يتقبل الله تعالى حجه؛ لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلا طَيِّبًا) رواه مسلم (1015) . لكن إذا كنتما حصلتما على رخصة الحج وتذاكر السفر التي لا يمكن إرجاعها، فنرى أن تحجا، وتعتبرا هذا المال قرضا، فتخرجا بدله حين يمنّ الله عليكما – ولو بعد مدة - وتصرفاه في وجوه الخير والبر، وبهذا يرجى قبول حجكما، مع التوبة إلى الله تعالى والعزم على ترك العمل المحرم. ولا يخفي عليك أيها الأخ الكريم أن الرزق بيد الله تعالى، وأنه يعطي عباده الصالحين، ويرزق أولياءه المتقين، فليكن رجاؤك فيما عند الله عظيما، نسأل الله تعالى أن يتقبل توبتكما وحجكما، وأن يزيدكما من فضله وإحسانه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 110902 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3663 ما حكم الصيد في المدينة النبوية؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الصيد في الحرم النبوي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الصحيح أنه محرم، لكنه ليس كالصيد في حرم مكة، فإن صيد حرم مكة إذا صاده الإنسان فإثمه أكبر مما لو صاد صيدا في حرم المدينة، وحرم المدينة ليس في صيده جزاء، وحرم مكة يحصل فيه جزاء، وحرم المدينة إذا أدخل الإنسان الصيد فيه من خارج الحرم فله إمساكه وذبحه، وحرم مكة فيه خلاف، فمن العلماء من يقول: إذا أدخل الإنسان صيداً إلى حرم مكة وجب عليه إطلاقه، ومنهم من يقول: لا يجب، والصحيح أنه لا يجب عليه إطلاقه، فلو أدخل الإنسان أرنباً أو حمامة من خارج الحرم إلى الحرم فله استبقاؤها وذبحها؛ لأنها ملكه، بخلاف ما إذا صادها في الحرم، فإنه ليس له إبقاؤها وليس له ذبحها، إنما عليه أن يطلقها" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 228) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109171 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3664 لماذا عدل الخلفاء الراشدون من التمتع إلى الإفراد؟ [السُّؤَالُ] ـ[لماذا عدل الخلفاء الراشدون رضوان الله عليهم عن التمتع إلى الإفراد وهم من أحرص الناس على الخير؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "عدل الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم إلى الأمر بالإفراد بالحج تأولاً منهم رضي الله عنهم حيث رأوا أن الناس إذا تمتعوا وأخذوا الحج والعمرة في سفر واحد بقي البيت ليس له من يعمره بالطواف والسعي، لأن الأسفار في ذلك الوقت كانت شاقة، فيصعب على الإنسان أن يتردد إلى البيت، فإذا حصل لهم عمرة وحج في سفر واحد واقتصروا على ذلك بقي البيت بقية السنة مهجوراً، فرأوا أن الإفراد أفضل من أجل أن يبقى البيت معموراً طول السنة، وتأولوا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه من أجل أن تزول العقيدة الفاسدة التي كانت في الجاهلية، وهي أن أهل الجاهلية يقولون: لا يمكن العمرة في أشهر الحج، ويقولون: (إذا انسلخ صفر، وبرئ الدبر، وعفى الأثر، حلت العمرة لمن اعتمر) ، يعني لا تعمر إلا بعد أن تمضي مدة بعد الحج، والقصد في ذلك أن يبقى البيت دائماً معموراً، ولهذا قال شيخ الإسلام رحمه الله في منسكه: (إذا أفرد العمرة في سفر والحج في سفر؛ فإن الإفراد أفضل بلا خلاف) هكذا قال رحمه الله. ولعله أخذه من عمل الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، لكن في النفس من هذا شيء، فيقال: التمتع أفضل مطلقاً، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر به وحث عليه، ولم يقل إنه خاص بمن لم يأت من قبل، فلما لم يستثن عُلِم أن التمتع أفضل، وأن ما ذهب إليه الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم إنما هو على سبيل التأويل، ولكن الأخذ بعموم كلام الرسول صلى الله عليه وسلم أولى" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 63، 64) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109177 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3665 تكرار الحج [السُّؤَالُ] ـ[هل يستحسن الحج كل سنة لمن يرغب ذلك ولا يشق عليه أو الأفضل كل ثلاث سنوات مرة أو كل سنتين مرة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "فرض الله الحج على كل مكلف مستطيع مرة في العمر، وما زاد على ذلك فهو تطوع وقربة يتقرب بها إلى الله، ولم يثبت في التطوع بالحج تحديد بعدد، وإنما يرجع تكراره إلى وضع المكلف المالي والصحي، وحال من حوله من الأقارب والفقراء، وإلى اختلاف مصالح الأمة العامة ودعمه لها بنفسه وماله، وإلى منزلته في الأمة، ونفعه لها حضراً أو سفراً في الحج وغيره، فلينظر كلٌّ إلى ظروفه وما هو أنفع له فيقدمه على غيره. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/14) . وينبغي أن لا يمضى عليه خمس سنوات من غير أن يحج إذا كان مستطيعاً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله يقول: إن عبدا أصححت له جسمه، ووسعت عليه في المعيشة، تمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إلي لمحروم) رواه ابن حبان (960) وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" بمجموع طرقه (1662) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109270 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3666 حج ثم ترك الصلاة فهل يعيد الحج؟ [السُّؤَالُ] ـ[رجل حج، ثم بعد فترة تهاون بالصلاة وتركها، ثم تاب بعد ذلك، فهل حجته الأولى صحيحة وتكفيه عن حجة الإسلام، أم عليه أن يحج مرة أخرى؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "من حج وهو كافر كفراً أكبر ثم دخل بعد في الإسلام لم تجزئه حجته تلك عن حجة الإسلام، لكن من كان مسلماً ثم ارتد بارتكابه ما يخرجه من ملة الإسلام ثم تاب وعاد إلى الإسلام أجزأته حجته تلك عن حجة الإسلام، لكونه أدى الحج وهو مسلم، وقد دل القرآن على أن عمل المرتد قبل ردته إنما يحبط بموته على الكفر؛ لقوله سبحانه وتعالى: (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) البقرة/217. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/25-27) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109271 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3667 متى فرض الحج؟ [السُّؤَالُ] ـ[في أي سنة من الهجرة فرض الحج؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الصواب أن فرض الحج كان في السنة التاسعة، ولم يفرضه الله تعالى قبل ذلك؛ لأن فرضه قبل ذلك ينافي الحكمة، وذلك أن قريشاً منعت الرسول صلّى الله عليه وسلّم من العمرة فمن الممكن والمتوقع أن تمنعه من الحج، ومكة قبل الفتح بلاد كفر، ولكن تحررت من الكفر بعد الفتح، وصار إيجاب الحج على الناس موافقاً للحكمة. والدليل على أن الحج فرض في السنة التاسعة: أن آية وجوب الحج في صدر سورة آل عمران وهي قوله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) آل عمران/97، وصدر هذه السورة نزلت عام الوفود. فإن قيل: لماذا لم يحج النبي صلّى الله عليه وسلّم في التاسعة، وأنتم تقولون إنه واجب على الفور؟ فالجواب: لم يحج صلّى الله عليه وسلّم لأسباب: الأول: كثرة الوفود عليه في تلك السنة، ولهذا تسمى السنة التاسعة عام الوفود، ولا شك أن استقبال المسلمين الذين جاؤوا إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم ليتفقهوا في دينهم أمر مهم، بل قد نقول: إنه واجب على الرسول صلّى الله عليه وسلّم؛ ليبلغ الناس. الثاني: أنه في السنة التاسعة من المتوقع أن يحج المشركون، - كما وقع - فأراد النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يؤخر من أجل أن يتمحض حجه للمسلمين فقط، وهذا هو الذي وقع، (فإنه أَذَّن في التاسعة ألا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان) متفق عليه. وكان الناس في الأول يطوفون عراة بالبيت إلا من وجد ثوباً من قريش، فإنه يستعيره ويطوف به، أما من كان من غير قريش فلا يمكن أن يطوفوا بثيابهم بل يطوفون عراة" انتهى. "الشرح الممتع" (7/14، 15) . وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (11/10) : "اختلف العلماء في السنة التي فرض فيها الحج، فقيل في سنة خمس، وقيل: في سنة ست، وقيل: في سنة تسع، وقيل: في سنة عشر، وأقربها إلى الصواب القولان الأخيران، وهو أنه فرض في سنة تسع أو سنة عشر، والله أعلم. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109291 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3668 نذر أن يعمر والدته يوم العيد فهل يعمرها في رمضان؟ [السُّؤَالُ] ـ[نذر أن يعمّر والدته كل سنة يوم العيد، فهل يجوز له أن يعمرها في رمضان بدل يوم العيد بدون كفارة، وإذا لم ترغب ذلك فماذا يلزمه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إن أعمرت والدتك في رمضان فلا شيء عليك؛ لأنك أديت ما هو أفضل من وقت المنذور، كما لو نذر أن يصلي في المسجد الأقصى فصلى في المسجد الحرام أو المسجد النبوي؛ لكونه أداها في مكان أفضل، وقد جاء في الحديث الصحيح أنه لا شيء عليه في هذه المسألة الأخيرة، وهو عن جابر رضي الله عنه أن رجلاً قال يوم الفتح: (يا رسول الله، إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس. فقال: صل ههنا، فسأله فقال: صل ههنا، فسأله فقال: فشأنك إذاً) رواه أحمد وأبو داود وصححه الحاكم. أما لو امتنعت أمه من العمرة فإنه لا شيء عليه أيضاً لكونه أدى ما عليه وحصل الامتناع من غيره. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان. "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/339) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109297 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3669 يجوز أداء العمرة في أي وقت من السنة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أداء العمرة في أي وقت من السنة؟ أو لا يجوز أداؤها إلا في أشهر الحج؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "يجوز أداء العمرة في جميع أيام السنة، حتى في أشهر الحج، وإذا أداها في أشهر الحج وحج بعدها من عامه فهو متمتع بالعمرة إلى الحج، وإذا أداها مع حجه كان قارناً بين الحج والعمرة، وعلى كل من المتمتع والقارن هدي يجزئ أضحية، إذا لم يكن من حاضري المسجد الحرام، وإذا أداها الحاج في ذي الحجة بعد أيام التشريق جاز، ولا هدي عليه. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان. "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/316) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109313 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3670 تقبيل الكعبة غير مشروع [السُّؤَالُ] ـ[هل تقبيل الكعبة المشرفة في مناسك الحج أو العمرة حلال أم حرام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "المشروع تقبيل الحجر الأسود، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل الحجر الأسود ولم يقبل غيره من الكعبة المشرفة. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/228، 229) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109315 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3671 هل يجوز أن يتبرع بأجر الطواف لشخص آخر؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم التبرع بأجر الطواف لشخص آخر، حيث إن البعض إذا رأى شخصاً سيذهب إلى مكة يقول له: خذ لي سبعاً، أي: سبعة أشواط، ينوي أجرها له، هل هذا جائز أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الطواف بالكعبة لا يقبل النيابة، فلا يطوف أحد عن غيره إلا إذا كان حاجاً عنه أو معتمراً؛ فينوب عنه فيه تبعاً لجملة الحج أو العمرة. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/236) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109319 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3672 هل يجوز تكرار العمرة في السنة؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم تكرار العمرة في السنة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الصحيح أنه يجوز تكرار العمرة في السنة عدة مرات؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) متفق على صحته. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/334) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109321 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3673 الحكمة من تجرد المحرم من ثيابه المعتادة [السُّؤَالُ] ـ[ما الحكمة من تجرد المحرم من المخيط في الحج والعمرة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الحكمة من التجرد من أجل أن يكمل ذل الإنسان لربه عز وجل ظاهراً وباطناً، لأن كون الإنسان في رداء وإزار ذل، تجد أغنى الناس الذي يستطيع أن يلبس أفخر اللباس تجده مثل أفقر الناس لكمال الذل، وأيضاً: من أجل إظهار الوحدة بين المسلمين وأنهم أمة واحدة حتى في اللباس، ولهذا يطوفون على بناء واحد، ويقفون في مكان واحد، ويبيتون في مكان واحد، ويرمون في موضع واحد. الفائدة الثالثة: أن الإنسان يتذكر أنه إذا خرج من الدنيا فلن يخرج إلا بمثل هذا، لن يخرج بفاخر اللباس وإنما سيخرج في كفن، والله المستعان" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 136) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109350 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3674 حكم صيد الطيور في الأشهر الحرم أو في الحرم؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم صيد الطيور في الأشهر الحرم أو في الحَرم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صيد الطيور في الأشهر الحرم جائز؛ لأن الأشهر الحرم إنما يحرم فيها القتال، على أن كثيراً من العلماء أو أكثر العلماء يقولون: إن تحريم القتال في الأشهر الحرم منسوخ. ولكن إذا كانت الطيور داخل حدود الحرم فإنه لا يجوز صيدها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال حين فتح مكة: (لا ينفر صيدها) أي مكة، وإذا منع من التنفير فالقتل أولى، وقال عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) المائدة/95، وقال عز وجل: (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا) المائدة/96. فإذا كان الإنسان محرماً أو داخل حدود الحرم فإنه لا يحل له الصيد" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 230، 231) . وللفائدة راجع جواب السؤال رقم (97216) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109361 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3675 هل للإحرام ثياب تخصه؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل للإحرام ثياب تخصه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "ليس للإحرام ثياب تخصه بالنسبة للمرأة بل تلبس ما شاءت، إلا أنها لا تلبس النقاب ولا تلبس القفازين، والنقاب هو الذي يوضع على الوجه ويكون فيه نقب للعين، وأما القفازان فهما اللذان يلبسان في اليد. وأما الرجل فإن له لباساً خاصاً في الإحرام وهو الإزار والرداء، فلا يلبس القميص، ولا السراويل، ولا العمائم، ولا البرانس ولا الخفاف" انتهى. "مجموع الفتاوى" لابن عثيمين (22/13) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106571 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3676 هل تصلي المرأة في الروضة؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا ذهبت المرأة إلى المسجد النبوي، فهل يجوز لها أن تصلي في الروضة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "نعم؛ يجوز لها أن تصلي في كل المسجد، لكن بشرط أن لا تزاحم الرجال، فإن كان لا يتيسر لها ذلك إلا بمزاحمة الرجال فلا تفعل، والمسجد النبوي حكمه واحد في الثواب، حتى التوسعات التي طرأت عليه حكمها حكم الأصل في الثواب، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام) " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/422) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106574 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3677 أتم أعمال الحج إلا طواف الإفاضة ثم توفي فهل يطاف عنه؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من أتم أعمال الحج ماعدا طواف الإفاضة ثم توفي، هل يطاف عنه أو لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "من أتى أعمال الحج ما عدا طواف الإفاضة ثم مات قبل ذلك لا يطاف عنه؛ لقول ابن عباس رضي الله عنهما: بينما رجل واقف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ وقع عن راحلته فوقصته فمات، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: (اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تحنطوه ولا تخمروا رأسه، فإن الله تعالى يبعثه يوم القيامة ملبيا) رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن، فلم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالطواف عنه، بل أخبر بأن الله يبعثه يوم القيامة ملبياً؛ لبقائه على إحرامه بحيث لم يَطُفْ ولم يُطَفْ عنه. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن منيع. "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/250) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106590 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3678 أذان إبراهيم عليه السلام بالحج [السُّؤَالُ] ـ[قيل: إن الله تعالى أمر نبيه إبراهيم عليه السلام أن يؤذن للناس بالحج، وأن إبراهيم دعا الناس، ولباه الذين يحجون في أصلاب الرجال وأرحام النساء، وأن الذين لم يلبوه لا يحجون، ولو ملكوا القناطير المقنطرة من الذهب والفضة لا يحجون. هل هذا صحيح أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "أمر الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام بعد انتهائه من بناء البيت أن يؤذن للناس بالحج، فقال تعالى: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ) الحج/27، قال ابن كثير في تفسيرها: أي ناد في الناس داعياً لهم إلى الحج إلى البيت الذي أمرناك ببنائه، فذكر أنه قال: يا رب كيف أبلغ الناس وصوتي لا ينفذهم؟ فقال: ناد وعلينا البلاغ، فقام على مقامه، وقيل على الحجر، وقيل على الصفا، وقيل على أبي قبيس (جبل قريب من الكعبة) ، وقال: يا أيها الناس إن ربكم قد اتخذ بيتاً فحجوه، فيقال: إن الجبال تواضعت حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض، وأسمع من في الأرحام والأصلاب، وأجابه كل شيء سمعه من حجر ومدر وشجر، ومن كتب الله أنه يحج إلى يوم القيامة: لبيك اللهم لبيك. هذا مضمون ما ورد عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد وابن جبير وغير واحد من السلف، والله أعلم، وأوردها ابن جرير وابن أبي حاتم مطولة. انتهى كلام ابن كثير رحمه الله تعالى. والله أعلم بحقيقة الواقع. أما الأذان فلا شك فيه؛ لأن القرآن الكريم نص عليه. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/8-10) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106593 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3679 السن الواجب توفره في الهدي والأضحية [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك سن معينة للهدي لا يجوز ذبح أصغر منه؟ وما معنى قوله تعالى: (فما استيسر من الهدي) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "دلت الأدلة الشرعية على أنه يجزئ من الضأن ما تم ستة أشهر، ومن المعز ما تم له سنة، ومن البقر ما تم له سنتان، ومن الإبل ما تم له خمس سنين، وما كان دون ذلك فلا يجزئ هدياً ولا أضحية، وهذا هو المستيسر من الهدي؛ لأن الأدلة من الكتاب والسنة يفسر بعضها بعضاً. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/376) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106597 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3680 أنواع الطواف حول الكعبة [السُّؤَالُ] ـ[الطواف حول الكعبة أنواع، فما هي هذه الأنواع وما حكم كل نوع منها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "أنواع الطواف حول الكعبة كثيرة: منها طواف الإفاضة في الحج ويسمى أيضاً طواف الزيارة، ويكون بعد الوقوف بعرفات يوم عيد الأضحى أو بعده، وهو ركن من أركان الحج. ومنها: طواف القدوم للحج، ويكون للمحرم بالحج وللقارن بين الحج والعمرة حينما يصل الكعبة، وهو واجب من واجبات الحج أو سنة من سننه على خلاف بين العلماء. ومنها: طواف العمرة، وهو ركن من أركانها، لا تصح بدونه. ومنها: طواف الوداع، ويكون بعد انتهاء أعمال الحج والعزم على الخروج من مكة المكرمة، وهو واجب على الصحيح من قولي العلماء على كل حاج ما عدا الحائض والنفساء، فمن تركه وجب عليه ذبيحة تجزئ أضحية. ومنها: الطواف وفاءً بنذرِ مَنْ نذر الطوافَ بها، وهو واجب من أجل النذر. ومنها: الطواف تطوعاً. وكل منها سبعة أشواط، يصلي الطائف بعدها ركعتين خلف مقام إبراهيم إذا تيسر ذلك، فإن لم تيسر صلاهما في بقية المسجد. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/223، 224) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106598 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3681 أهمية مكة بالنسبة للمسلمين [السُّؤَالُ] ـ[ما هي أهمية مكة للعالم الإسلامي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "قد جعلها الله مثابة للناس وأمناً، وحرماً آمناً، يجتمع فيه الحجاج والعلماء لأداء مناسكهم في غاية الراحة والاطمئنان، يرجون ثواب الله سبحانه، ويخشون عقابه، ويتعارف فيها المسلمون ويتناصحون، ويتشاورون فيما يهمهم من أمر دينهم ودنياهم، وتضاعف لهم فيها الصلاة والأعمال الصالحة. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/8) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106609 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3682 تحية المسجد الحرام [السُّؤَالُ] ـ[ما أقوال المذاهب الأربعة في تحية المسجد الحرام , هل هي الطواف أم صلاة ركعتين؟ وما الراجح؟ وما صحة حديث: (تحية البيت الطواف) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يخلو حال الداخل إلى المسجد الحرام من حالين: الأول: أن يدخله بقصد الطواف، سواء كان للحج أو العمرة أو تطوعاً: فهذا أول ما يبدأ به الطواف، ولا يشرع له البدء بركعتي تحية المسجد قبل الطواف، إذ لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أحد من أصحابه، وهذا ما عليه جمهور الفقهاء، ولم يخالف في ذلك إلا أفراد، منهم ابن عقيل من الحنابلة – كما نقله عنه ابن تيمية في "شرح عمدة الفقه" -. ويستثنى من ذلك ما إذا منع مانعٌ كالزحام الشديد عن البدء بالطواف، فيصلي ركعتين تحية المسجد، وينتظر حتى ينجلي الزحام ليشرع في الطواف. الثاني: أن يدخله بقصد الصلاة أو الجلوس أو حضور حلق العلم أو الذكر أو قراءة القرآن أو غيرها من العبادات: فيستحب له أن يصلي ركعتي تحية المسجد؛ لعموم حديث أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) أخرجه البخاري (1167) ومسلم (714) وأما ما يرويه الناس من حديث (تحية البيت الطواف) فليس له أصل في كتب السنة، ولم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد أصلا، فلا يجوز نسبته إليه. قال الشيخ الألباني في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (رقم/1012) : " لا أعلم له أصلا وإن اشتهر على الألسنة، وأورده صاحب " الهداية " من الحنفية بلفظ: (من أتى البيت فليحيه بالطواف) ، وقد أشار الحافظ الزيلعي في تخريجه إلى أنه لا أصل له، بقوله (2/51) : " غريب جدا "، وأفصح عن ذلك الحافظ ابن حجر، فقال في "الدراية" (ص192) : " لم أجده ". قلت – أي الشيخ الألباني -: ولا أعلم في السنة القولية أو العملية ما يشهد لمعناه، بل إن عموم الأدلة الواردة في الصلاة قبل الجلوس في المسجد تشمل المسجد الحرام أيضا، والقول بأن تحيته الطواف مخالف للعموم المشار إليه، فلا يقبل إلا بعد ثبوته، وهيهات، لا سيما وقد ثبت بالتجربة أنه لا يمكن للداخل إلى المسجد الحرام الطواف كلما دخل المسجد في أيام المواسم، فالحمد لله الذي جعل في الأمر سعة، (وما جعل عليكم في الدين من حرج) . وإن مما ينبغي التنبه له أن هذا الحكم إنما هو بالنسبة لغير المحرم، وإلا فالسنة في حقه أن يبدأ بالطواف ثم بالركعتين بعده، انظر: بدع الحج والعمرة في رسالتي " مناسك الحج والعمرة " رقم البدعة (37) " انتهى. وقال الحطاب المالكي في "مواهب الجليل شرح مختصر خليل" (2/375) : " من دخل مسجد مكة فتحية المسجد الحرام في حقه الطواف بالبيت , وهذا في حق القادم المحرم، فإنه يطلب منه أنه إذا دخل المسجد الحرام البداءة بطواف القدوم - إن كان محرما بحج أو قران -، وبطواف العمرة - إن كان محرما بعمرة -، وبطواف الإفاضة - إذا دخله بعد الرجوع من عرفة - , ولا يطلب منه الركوع (أي: الصلاة) عند دخوله. وكذلك غير القادم - إذا دخل المسجد الحرام ونيته أن يطوف عند دخوله - فتحية المسجد في حقه الطواف , ولا يطلب منه حينئذ الركوع. وأما غير القادم إذا دخل المسجد الحرام ونيته الصلاة في المسجد أو مشاهدة البيت الشريف , ولم يكن نيته الطواف، فإنه يصلي ركعتين ... قال ابن رشد: الطواف بالبيت صلاة , فإذا دخله يريد الطواف بدأ بالطواف , وإن دخله لا يريد الطواف في وقت تنفل بدأ بالركعتين " انتهى باختصار. وجاء في "الموسوعة الفقهية" (10/306) : " ذهب جمهور الفقهاء إلى أن تحية المسجد الحرام الطواف للقادم لمكة , سواء كان تاجرا أو حاجا أو غيرهما , لقول عائشة رضي الله عنها عنها: (إن النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة توضأ , ثم طاف بالبيت) وركعتا تحية المسجد الحرام تجزئ عنهما الركعتان بعد الطواف. وأما المكي الذي لم يؤمر بطواف، ولم يدخله لأجل الطواف، بل للصلاة أو لقراءة القرآن أو للعلم، فتحية المسجد الحرام في حقه الصلاة، كتحية سائر المساجد" انتهى باختصار. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن: هل تحية المسجد الحرام صلاة ركعتين أو الطواف؟ فأجاب: "المسجد الحرام كغيره من المساجد من دخل ليصلي، أو ليستمع الذكر، أو ما أشبه ذلك من الإرادات فإنه يصلي ركعتين كغيره من المساجد، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ) رواه البخاري (1167) أما إذا دخل ليطوف كإنسان معتمر دخل ليطوف طواف العمرة، أو ليطوف تطوعاً فهنا يغني الطواف عن ركعتي تحية المسجد؛ لأنه إذا طاف فسوف يصلي ركعتين بعد الطواف" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/286) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106318 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3683 معنى أن العمرة في رمضان تعدل حجة [السُّؤَالُ] ـ[العمرة في شهر رمضان تعدل حجة، ما المقصود من ذلك، أريد شرحا مفصلا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: روى البخاري (1782) ومسلم (1256) عن ابْن عَبَّاسٍ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِامْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ: (مَا مَنَعَكِ أَنْ تَحُجِّي مَعَنَا؟ قَالَتْ: لَمْ يَكُنْ لَنَا إِلَّا نَاضِحَانِ [بعيران] ، فَحَجَّ أَبُو وَلَدِهَا وَابْنُهَا عَلَى نَاضِحٍ، وَتَرَكَ لَنَا نَاضِحًا نَنْضِحُ عَلَيْهِ [نسقي عليه] الأرض، قَالَ: فَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَاعْتَمِرِي، فَإِنَّ عُمْرَةً فِيهِ تَعْدِلُ حَجَّةً) وفي رواية لمسلم: (حجة معي) . ثانيا: اختلف أهل العلم فيمن يُحَصِّلُ الفضيلة المذكورة في الحديث، على ثلاثة أقوال: القول الأول: أن هذا الحديث خاص بالمرأة التي خاطبها النبي صلى الله عليه وسلم، وممن اختار هذا القول: سعيد بن جبير من التابعين، نقله عنه ابن حجر في "فتح الباري" (3/605) . ومما يستدل به لهذا القول ما جاء في حديث أم معقل أنها قالت: (الحج حجة، والعمرة عمرة، وقد قال هذا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أدري أَلِي خاصةً. – تعني: أم للناس عامة-) رواه أبو داود (1989) غير أن هذا اللفظ ضعيف، ضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود". القول الثاني: أن هذه الفضيلة يحصلها من نوى الحج فعجز عنه، ثم عوضه بعمرة في رمضان، فيكون له باجتماع نية الحج مع أداء العمرة أجر حجة تامة مع النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن رجب في "لطائف المعارف" (ص/249) : " واعلم أن مَن عجز عن عملِ خيرٍ وتأسف عليه وتمنى حصوله كان شريكا لفاعله في الأجر ... – وذكر أمثلة لذلك منها -: وفات بعضَ النساءِ الحجُّ مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قدم سألته عما يجزئ من تلك الحجة، قال: (اعتمري في رمضان، فإن عمرة في رمضان تعدل حجة أو حجة معي) " انتهى. ونحو ذلك قاله ابن كثير في التفسير (1/531) . وذكر هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية احتمالا في "مجموع الفتاوى" (26/293-294) . القول الثالث: ما ذهب إليه أهل العلم من المذاهب الأربعة وغيرهم، أن الفضل في هذا الحديث عام لكل من اعتمر في شهر رمضان، فالعمرة فيه تعدل حجة لجميع الناس، وليس مخصوصا بأشخاص أو بأحوال. انظر: "رد المحتار" (2/473) ، "مواهب الجليل" (3/29) ، "المجموع" (7/138) ، "المغني" (3/91) ، "الموسوعة الفقهية" (2/144) . والأقرب من هذه الأقوال – والله أعلم - هو القول الأخير، وأن الفضل عام لكل من اعتمر في رمضان، ويدل على ذلك: 1- ورود الحديث عن جماعة من الصحابة، فقد قال الترمذي: " وفي الباب عن ابن عباس وجابر وأبي هريرة وأنس ووهب بن خنبش "، وأكثر مروياتهم لا تذكر قصة المرأة السائلة. 2- عمل الناس عبر العصور، من الصحابة والتابعين والعلماء والصالحين، ما زالوا يحرصون على أداء العمرة في شهر رمضان كي ينالهم الأجر. وأما تخصيص الفضل بمن عجز عن أداء الحج في عامه لمانع، فيقال: إن من صدقت نيته وعزيمته وأخذ بالأسباب ثم منعه مانع فوق إرادته فإن الله سبحانه وتعالى يكتب له أجر العمل بفضل النية، فكيف يعلق النبي صلى الله عليه وسلم حصول الأجر بعمل زائد وهو أداء العمرة في رمضان وقد كانت النية الصادقة كافية لتحصيل الأجر! ثالثا: ويبقى السؤال في معنى الفضل المذكور، وأن العمرة في رمضان تعدل حجة، وبيان ذلك بما يلي: لا شك أن العمرة في رمضان لا تجزئ عن حج الفريضة، بمعنى أن من اعتمر في رمضان لم تبرأ ذمته من أداء الحج الواجب لله تعالى. فالمقصود من الحديث إذًا التشبيه من حيث الثواب والأجر، وليس من حيث الإجزاء. ومع ذلك، فالمساواة المقصودة بين ثواب العمرة في رمضان وثواب الحج هي في قدر الأجر، وليست في جنسه ونوعه، فالحج لا شك أفضل من العمرة من حيث جنس العمل. فمن اعتمر في رمضان تحصل على قدر أجر الحج، غير أن عمل الحج فيه من الفضائل والمزايا والمكانة ما ليس في العمرة، من دعاء بعرفة ورمي جمار وذبح نسك وغيرها، فهما وإن تساويا في قدر الثواب من حيث الكم – يعني العدد –، ولكنهما لا يتساويان في الكيف والنوع. وهذا هو توجيه ابن تيمية حين تكلم عن الحديث الذي فيه أن سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن، يمكن مراجعة كلامه في جواب السؤال رقم (10022) . قال إسحاق بن راهويه: " معنى هذا الحديث – يعني حديث (عمرة في رمضان تعدل حجة) - مثل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من قرأ: قل هو الله أحد فقد قرأ ثلث القرآن " "سنن الترمذي" (2/268) وجاء في "مسائل الإمام أحمد بن حنبل رواية أبي يعقوب الكوسج" (1/553) : " قلت: من قال: (عمرة في رمضان تعدل حجة) أثبت هو؟ قال: بلى، هو ثبت. قال إسحاق: ثبت كما قال، ومعناه: أن يكتب له كأجر حجة، ولا يلحق بالحاج أبدا " انتهى. وقال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (26/293-294) : " معلوم أن مراده: أن عمرتك فى رمضان تعدل حجة معي، فإنها كانت قد أرادت الحج معه، فتعذر ذلك عليها، فأخبرها بما يقوم مقام ذلك، وهكذا من كان بمنزلتها من الصحابة، ولا يقول عاقل ما يظنه بعض الجهال أن عمرة الواحد منا من الميقات أو من مكة تعدل حجة معه، فإنه من المعلوم بالاضطرار أن الحج التام أفضل من عمرة رمضان، والواحد منا لو حج الحج المفروض لم يكن كالحج معه، فكيف بعمرة!! وغاية ما يحصله الحديث أن تكون عمرة أحدنا في رمضان من الميقات بمنزلة حجة " انتهى. وانظر جواب السؤال (13480) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 104926 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3684 صفة العمرة عن الصبي غير المميز [السُّؤَالُ] ـ[أنوي أداء العمرة بإذن الله وسيكون معي زوجي وأبنائي الثلاثة وجميعهم دون سن الرابعة. فأرجو توضيح كيفية إحرامهم وأداء النسك لهم وكذلك التحلل هل يفضل لهم الحلق أم التقصير؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يصح الحج والعمرة من الصبي المميز وغير المميز في قول جمهور العلماء، بل حُكي الإجماع على ذلك. وصفة العمرة للصبي غير المميز وهو من دون السابعة، أن ينوي عنه وليه، بعد أن يلبسه الإحرام ويجنبه المحظورات، فينوي أن الصبي صار محرما. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " فيحرم عنه: أي ينوي أن هذا الصبي صار محرماً، لا أن ينوي أنه هو أحرم عن الصبي؛ لأن هذا لا يستقيم، لكن ينوي أن هذا الصبي دخل في الإحرام، وإذا فعل ذلك انعقد إحرام الصبي " انتهى من "شرح الكافي" للشيخ ابن عثيمين رحمه الله. وكذلك ينوي له الطواف والسعي، وله أن يحمله فيهما، والأفضل في حال حمله أن يطوف لنفسه، ثم يطوف للصبي، وإن اكتفى بطواف واحد أجزأ عنهما على الراجح. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " فإن نوى الحامل الطواف عنه وعن المحمول والسعي عنه وعن المحمول أجزأه ذلك في أصح القولين، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر التي سألته عن حج الصبي أن تطوف له وحده، ولو كان ذلك واجباً لبيّنه صلى الله عليه وسلم " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (5/257) . وسئل الشيخ ابن جبرين عن ذلك فقال: " حيث صح الإحرام بالصبي فإن الولي هو المسئول عنه، فيلبسه الثياب ويعقد عليه إحرامه وينوي عنه النسك ويلبي عنه ويمسك بيده في الطواف والسعي، فإن كان عاجزاً كصغير أو رضيع فلا بأس بحمله، ويكتفي بطواف واحد عن الحامل والمحمول على الصحيح، فإن فعل الصبي محظوراً عن جهل كلبس أو تغطية رأس فلا فدية لعدم القصد فإن كان عمداً كحاجة إلى اللباس لبرد ونحوه فدى عنه وليه " انتهى من "فتاوى إسلامية" (2/182) . فإذا طاف الصبي وسعى، بقي الحلق أو التقصير، والأفضل الحلق لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا للمحلقين ثلاثا وللمقصرين مرة. رواه مسلم (1303) ، إلا أن يخشى عليه من البرد ونحوه فيكتفي بالتقصير، ويجب أن يكون التقصير من جميع الرأس، كما هو مذهب مالك وأحمد رحمهما الله، وينظر جواب السؤال رقم (36847) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 104345 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3685 قطع العمرة ثم أكملها بعد سنوات فماذا يلزمه تجاه المحظورات [السُّؤَالُ] ـ[قام شخص بالإحرام للعمرة لأول مرة وكان ذلك وعمره 16 سنة ثم طاف وبعد ذلك نزع الإحرام ولم يكمل عمرته، ثم علم أنه يجب عليه أن يكمل عمرته، وبعد هذا العلم بعدة سنوات لبس الإحرام وأكمل عمرته , السؤال: ما الذي يجب عليه الآن من حيث الكفارة وكم عددها إذا كان هناك كفارة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من أحرم بالعمرة، لزمه إتمامها، لقوله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) البقرة/196، ولا يملك المحرم أن يفسخ عمرته، إلا إن كان قد اشترط وحصل له ما يمنعه من إكمال العمرة، أو حُصر بعدو أو مرض. والاشتراط أن يقول عند إحرامه: اللهم محلِّي حيث حبستني. ومن أحرم وطاف، ثم رفض عمرته، فهو باقٍ على عمرته ولا يتحلل منها إلا بإكمالها. وإذا كان المسئول عنه قد رجع بعد علمه بوجوب إكمال العمرة ـ ولو بعد سنوات ـ ولبس إحرامه وأكمل عمرته، فبهذا يكون قد تحلل، ولا شيء عليه فيما ارتكبه قبل ذلك من المحظورات جهلا أو نسيانا. فقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن امرأة أحرمت بالعمرة ثم فسخت العمرة واعتمرت بعدها بعدة أيام عمرة أخرى فهل هذا العمل صحيح؟ وما حكم ما فعلته من محظورات الإحرام؟ فأجاب: " هذا العمل غير صحيح، لأن الإنسان إذا دخل في عمرة أو حج حرم عليه أن يفسخه إلا لسبب شرعي، قال الله تعالى: (وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي) ، فعلى هذه المرأة أن تتوب إلى الله عز وجل مما صنعت، وعمرتها صحيحة، لأنها وإن فسخت العمرة فإنها لا تنفسخ العمرة، وهذا من خصائص الحج والعمرة، فلو أن المعتمر أثناء العمرة نوى إبطالها لم تبطل، أو نوى إبطال الحج أثناء تلبسه بالحج لم يبطل. ولهذا قال العلماء: إن النسك لا يرتفض برفضه. وعلى هذا نقول: إن هذه المرأة ما زالت محرمة منذ عقدت النية إلى أن أتمت العمرة، وتكون نيتها الفسخ غير مؤثرة فيه، بل هي باقية عليه. وخلاصة الجواب: بالنسبة للمرأة نقول: إن عمرتها صحيحة، وإن عليها أن لا تعود لرفض الإحرام مرة ثانية، لأنها لو رفضت الإحرام لم تتخلص منه. وأما ما فعلته من المحظورات ولنفرض أن زوجها جامعها، والجماع في النسك هو أعظم المحظورات فإنه لا شيء عليها، لأنها جاهلة، وكل إنسان يفعل محظوراً من محظورات الإحرام جاهلاً أو ناسياً أو مكرهاً فلا شيء عليه " انتهى من مجموع فتاوى ابن عثيمين (21/351) باختصار. وانظر للفائدة جواب السؤال رقم (36522) و (49026) . ولكنك ذكرت في سؤالك أنه لم يكمل عمرته إلا بعد علمه بوجوب إكمالها بسنوات، وهذا تفريط منه، وتعد لحدود الله، فعليه الفدية عما فعله من المحظورات في هذه المدة. ويلزمه لكل محظور فدية ولو كرره عدة مرات. فعليه فدية للبس المخيط، وإن استعمل الطيب لزمته فدية أخرى. وتلزم الفدية بحلق الشعر، كما تلزم بتقليم الأظفار. وكذا لو باشر فأنزل أو استمنى لزمته الفدية. وينظر جواب السؤال رقم (11356) لمعرفة محظورات الإحرام. وإذا كان جامع امرأته في هذه المدة فعليه فدية الجماع، وفسدت بذلك عمرته، وعليه قضاؤها، ولا يسقط بذلك ما عليه من الفدية للمحظورات التي ارتكبها. والفدية هي: ذبح شاة تعطى لفقراء الحرم، أو صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من قمح أو أرز أو غيره، ونصف الصاع ما يساوي كيلو ونصفاً تقريباً. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 104178 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3686 اشتراط المحرم في سفر المرأة ولو كان السفر قصيرا [السُّؤَالُ] ـ[نحن نسكن بمنطقة ريفية وفي بعض الأحيان أود زيارة بيت عمي والذي يقع في مدينة تبعد عنا 50كم ويلزمني ذلك استعمال وسائل نقل عمومية مختلطة وأذهب دائما دون محرم لأن أبي يرى أن مصاريف المواصلات مكلفة فإما أن أذهب وحدي أو لا أذهب، وأنا ليس لدي أي مكان آخر أذهب إليه، علما وأني أذهب كل 5 أو 8 أشهر مرة فهل يجوز لي الذهاب من دون محرم أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله دلت السنة الصحيحة على أنه لا يجوز للمرأة أن تسافر بلا محرم، وهذا يشمل السفر الطويل والقصير عند جمهور أهل العلم، فكل ما سمي سفرا مُنعت منه المرأة إلا مع محرم. روى البخاري (1729) ومسلم (2391) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ.فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا، وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ. فَقَالَ: اخْرُجْ مَعَهَا) . قال النووي رحمه الله في "شرح صحيح مسلم" مبينا أن السفر هنا لا يتقيد بمسافة معينة: "فالحاصل أن كل ما يسمى سفرا تنهى عنه المرأة بغير زوج أو محرم، سواء كان ثلاثة أيام أو يومين أو يوما أو بريدا أو غير ذلك؛ لرواية ابن عباس في صحيح مسلم: (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) وهذا يتناول جميع ما يسمى سفرا والله أعلم " انتهى بتصرف. وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (17/339) : " يحرم على المرأة السفر بدون محرم مطلقا، سواء قصرت المسافة أم طالت " انتهى. وعلى هذا، فإذا كانت هذه المسافة يعتبرها الناس في بلدكم سفراً، فلا يجوز لك السفر من غير محرم، وأنت مأجورة على نيتك إن شاء الله، ولتكن صلتك بعمك بالاتصال الهاتفي، فذلك يكفيك إن شاء الله. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103932 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3687 طاف للوداع ثم بات بمكة وصلى الجمعة [السُّؤَالُ] ـ[شخص أدى فريضة الحج قبل سنوات وذهب إلى مكة وطاف طواف الوداع ثم بات فيها وصلى الجمعة من الغد وغادر إلى أهله ... هل عليه شيء والحالة هذه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: طواف الوداع واجب على من أراد السفر من مكة بعد تمام النسك، لما رواه البخاري (1755) ومسلم (1328) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: (أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ، إِلا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنْ الْحَائِضِ) . فالواجب أن يكون الطواف آخر عمل يقوم به الإنسان قبل خروجه من مكة، فلو طاف طواف الوداع ثم بقي في مكة بعد طوافه، فطوافه لاغٍ، وعليه أن يأتي ببدله عند سفره. إلا لو أقام الإنسان في مكة بعد طواف الوداع لتحميل العفش أو انتظار رفقة فهذا لا بأس به، أما لو بات في مكة بعد طواف الوادع، فيلزمه الطواف مرة أخرى قبل خروجه، فإن لم يفعل لزمه دم يذبح في مكة ويوزع على فقرائها. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن رجل يقول إننا لم نتمكن من مغادرة مكة بعد طواف الوداع لأن الطواف كان ليلاً ومعنا أطفال وغادرنا مكة في اليوم التالي؟ فأجاب: " الواجب على من أراد السفر من مكة بعد حجه أو عمرته أن يجعل الطواف آخر عهده لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أُمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت الطواف) ، ولكن لو فرض أن الرجل طاف للوداع بناء على أنه مغادر، ولكنه اشتغل بشيء يتعلق بالسيارة بإصلاحها مثلاً أو انتظار رفقة أو ما أشبه ذلك، فلا تجب عليه إعادة الطواف. وكذلك قال العلماء لو اشترى حاجة في طريقه لا لقصد التجارة، فإنه لا تجب عليه إعادة الطواف. ولكن إذا قرر الإنسان بعد أن طاف طواف الوداع البقاء في مكة من الليل إلى النهار، أو من النهار إلى الليل، فإن عليه أن يعيد طواف الوداع من أجل أن يكون آخر عهده بالبيت " انتهى من " فتاوى نور على الدرب ". وسئل أيضا رحمه الله: " نسمع من أغلب الناس يقولون من طاف طواف الوداع لم يبت في حدود مكة نهائياً، وإن نام تلك الليلة في مكة لزمه طواف مرة أخرى بالبيت؛ فهل هذا صحيح أم لا؟ لأننا أحياناً نحرج في ذلك حيث نأتي متعبين ولم نستطع الخروج قبل أن نأخذ الراحة في مكة وأن الطواف مرة أخرى يصعب علينا لوجود الزحام المتواجد من الحجاج وشكراً لكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: طواف الوداع يجب أن يكون آخر أمور الإنسان، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت) ولأبي داود (حتى يكون أخر عهده الطواف بالبيت) وعلى هذا فَأعِدَّ نفسك بأنك لا تخرج أو لا تطوف للوداع حتى تنتهي من جميع أمورك، ثم تخرج مباشرة. لكن يُسمح للإنسان بعد طواف الوداع أن يصلي الصلاة، إذا كانت قد دخل وقتها، وأن يشتري حاجة في طريقه وهو ماشي، وأما كونه يبقى بمكة فإنه إن بقي يجب عليه إعادة طواف الوداع. وعلى هذا فلا حرج عليكم أن تخرجوا من حدود مكة المكرمة ثم تبيتون في الطريق وتستريحون ثم تستأنفون السير " انتهى من " فتاوى نور على الدرب ". ثانياً: تبين مما سبق أن الشخص المسئول عنه يلزمه دم، وهو شاة تذبح في مكة وتوزع على فقرائها، فإذا لم يستطع لعجزه صام عشرة أيام، كما هو المشهور من مذهب الإمام أحمد، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا شيء عليه حينئذ، لأنه لم يرد في ترك الواجب غير الدم. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله بعد تفصيل في حكم من ترك واجباً: " وحينئذ نقول لمن ترك واجباً: اذبح فدية في مكة ووزعها على الفقراء بنفسك أو وكِّل من تثق به من الوكلاء، فإن كنت غير قادر: فتوبتك تجزئ عن الصيام وهذا هو الذي نراه في المسألة " انتهى من "الشرح الممتع (7/441) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97795 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3688 هل تشرع الأضحية للحاج؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل أنحر أنا وزوجتي كبشا واحدا أم اثنين في الحج؟ وهل لنا أن نضحي في بلادنا أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا كنتما متمتعين أو قارنين، وجب على كل واحد منكما هدي مستقل، ولا يجزئ عنكما كبش واحد؛ لأن دم التمتع والقران واجب، ومن لم يجده صام عشرة أيام، ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع إلى بلده، كما قال تعالى: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ) البقرة/196. وأما إذا كنتما مفردين، فلا يلزمكما هدي، ولكما أن تتطوعا بما شئتما، بهدي واحد أو أكثر، وقد أهدى النبي صلى الله عليه وسلم في حجه مائة بدنة. ثانيا: أما الأضحية فلا تشرع للحاج، وإنما يشرع له الهدي. فقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: كيف يجمع الإنسان بين الأضحية والحج، وهل هذا مشروع؟ فأجاب: "الحاج لا يضحي، وإنما يهدي هدياً، ولهذا لم يضحِ النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وإنما أهدى، ولكن لو فرض أن الحاج حج وحده وأهله في بلده فهنا يدع لأهله من الدراهم ما يشترون به أضحية ويضحون بها، ويكون هو يهدي، وهم يضحون، لأن الأضاحي إنما تشرع في الأمصار، أما في مكة فهو الهدي " انتهى من "اللقاء الشهري". ولزيادة الفائدة انظر جواب السؤال (82027) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96644 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3689 الفرق بين الحج وبين الجلوس بعد الفجر وفيه أجر حجة تامة [السُّؤَالُ] ـ[ما الفرق بين الحج والجلوس بعد صلاة الفجر حتى طلوع الشمس ثم صلاة ركعتين كما أخبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن من فعل ذلك له مثل حجة تامة تامة تامة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الجلوس بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس وصلاة ركعتين، ورد فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ , تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ) رواه الترمذي (586) . وهذا الحديث مختلف في صحته، فضعفه جماعة من أهل العلم، وحسنه آخرون. وممن حسنه الألباني رحمه الله في صحيح سنن الترمذي. وسئل عنه الشيخ ابن باز رحمه الله , فقال: "هذا الحديث له طرق لا بأس بها، فيعتبر بذلك من باب الحسن لغيره، وتستحب هذه الصلاة بعد طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح، أي بعد ثلث أو ربع ساعة تقريبا من طلوعها " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (25/171) . وظاهر هذا الحديث أن من فعل ذلك له أجر حجة وعمرة تامة تامة، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ورد في الحديث: (من جلس في مصلاه بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس كان كحجة وعمرة تامة تامة) أو كما ورد في الحديث، هل معنى ذلك: أن من فعل هذا فله مثل أجر الحج والعمرة، أم كيف ذلك؟ فأجاب: " أولاً هذا الحديث فيه مقال، فإن كثيراً من الحفاظ ضعفوه. ثانياً: على تقدير صحته فالثواب لا قياس فيه، قد يثاب الإنسان على عمل قليل ثواب عمل كثير؛ لأن الثواب فضل من الله عز وجل يؤتيه من يشاء " انتهى من "اللقاء الشهري" (74/22) . وأما الفرق بين هذا الجلوس وبين أداء الحج والعمرة، فالحج فيه بذل المال، وسعي البدن، وتحمل المشاق، وهو فرض على القادر المستطيع، وركن من أركان الإسلام , وهذا الجلوس والذكر والصلاة يشابه الحج في الثواب فقط , وليس معنى الحديث أن من فعل ذلك فقد أتى بالحج والعمرة وسقط عنه وجوبهما. ونظير هذا: أن من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له في يوم مائة مرة كانت كعتق عشر رقاب , ولو كان عليه كفارة يمين (ومن خصالهما عتق رقبة) وقال هذا الذكر فإنه لا يجزئ عنه. وقد اشتهر عن أهل العلم قولهم في مثل هذا: المشابهة في الجزاء، لا في الإجزاء. والمقصود أن هذا الحديث فيه ترغيب في ذكر الله تعالى، والجلوس في المسجد إلى طلوع الشمس، وأداء ركعتين بعد ذلك. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 95782 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3690 إذا كرر العمرة ولم يكن له شعر يحلقه فماذا يفعل [السُّؤَالُ] ـ[قام بعمل عمرة ولبس الملابس العادية بدون حلق شعر الرأس، بحجة أنه ليس برأسه شعر، (حيث إنه قد قام بعمل عمرة قبلها بيومين) وقد سأل شيخا وقد نصحه بذلك وأن هذا هو إحلال إحرامه فهل هذا الحكم صحيح أم عليه فدية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من اعتمر وحلق رأسه وتحلل من عمرته، ثم اعتمر مرة أخرى قريبا، ولم ينبت له شعر، فلا يلزمه إمرار الموسى على رأسه، بل إذا فرغ من سعيه تحلل ولا شيء عليه. وأما إذا نبت شعر ولو يسيرا، فإنه يمر الموسى عليه. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ": الأفضل للمتمتع أن يُقصر فإذا حلق يحلق يوم العيد. السائل: يوم العيد ما يجد شيئاً. الشيخ: لكن لا بد أنه ينبت، الشعر يتبين خلال يوم وليلة، يكفي أن يمر الموسى على هذا " انتهى من "شرح كتاب الحج من صحيح البخاري". وقال في شأن الأصلع الذي لا شعر برأسه مطلقا: " وذكر أيضاً [أي ابن قدامة] في هذا الفصل أنه لو كان الإنسان أقرع الرأس ليس له شعر فإنه يسقط عنه الحلق والتقصير لعدم المحل كما لو قطعت يده فإنه لا يلزمه أن يغسل بدلها العضد ولكن يقول: يستحب أن يمر الموسى على رأسه. هذا فيه نظر، إلا إذا كان يخشى أن يكون هناك شعرات في هذا الصلع فيحتاط: فنعم، وعليه يحمل حديث ابن عمر إن كان ثبت عنه. وأما إذا تيقن أنه ليس هناك شعرات فإمرار الموسى على الرأس عبث، وهذا كقول بعض العلماء إن الرجل الأخرس إذا أراد أن يقرأ يحرك لسانه وشفتيه وهذا لا معنى له، والصواب أنه إذا كان أقرع الرأس فإنه لا يسن له إمرار الموسى على رأسه لعدم الفائدة فهو عبث، والشريعة لا تأتي بالعبث إلا إذا كان يخشى أن يكون هناك شعرات يسيرة فالأولى من باب الاحتياط أن يفعل " انتهى من "شرح كتاب الكافي لابن قدامة". وبناء على ذلك فإن كان المسئول عنه لم ينبت له شعر، لكونه حلق رأسه قبل يومين، فلا شيء عليه، وعمرته صحيحة، وإن كان نبت له شيء من الشعر فإنه كان يجب عليه أن يمر الموسى على رأسه، فإن لم يفعل، فإنه يظل على إحرامه، ويجب عليه الآن أن يتجرد من المخيط، ويحلق أو يقصر شعره، وبهذا يتحلل من عمرته، ولا شيء عليه فيما ارتكبه من محظورات جهلا بأن تحلله من العمرة لم يتم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 95439 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3691 تشك في طهارتها لطواف الإفاضة فماذا يلزمها الآن؟ [السُّؤَالُ] ـ[أحرمت بالحج وعند صباح اليوم الذي كنت سأقوم بطواف الإفاضة فيه استيقظت وشكيت بأني احتلمت ولكنى لم أكن متأكدة وأديت طواف الإفاضة بهذا الشك، أرجوكم أفتوني ماذا علي أن أفعل بالتحديد علما بأني مقيمة الآن بجده وعندما أحرمت بالحج أحرمت من مصر مع العلم أني لا أستطيع أن أعود وأحرم من مصر مرة أخرى أخشى ألا يكون حجي صحيحا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الطهارة - الكبرى والصغرى - شرط لصحة الطواف عند جمهور العلماء، فمن طاف جنبا أو محدثا لم يصح طوافه، وإذا كان هذا الطواف هو طواف الإفاضة، فإن الحاج يظل على إحرامه، فلا يكون متحللا التحلل الأكبر، فيُحظر عليه الجماع، ولا يتحلل من حجه حتى يأتي بالطواف. وللفائدة راجع جواب السؤال رقم (34695) . ثانيا: من شك في كونه جنبا ولم يتقين من ذلك، فإنه لا يلزمه الغسل؛ لأن الأصل الطهارة، وعليه فطوافك صحيح ما دمت لم تتيقني من الاحتلام برؤية المني. ولا داعي حينئذ للقلق. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83025 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3692 هل الأضحية واجبة على الحاج؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل الأضحية واجبة على الحاج؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف العلماء في حكم الأضحية، فذهب جمهور العلماء إلى أنها سنة مؤكدة، وذهب آخرون إلى أنها واجبة على القادر، وقد يبق بيان ذلك في جواب السؤال (36432) وهذا الخلاف إنما هو في حق غير الحاج، وأما الحاج فقد اختلف العلماء في حكم الأضحية له، بين قائلٍ بالمشروعية – سواء الاستحباب أم الوجوب -، ومنهم من قال بعدم المشروعية. والذين قالوا بعدم مشروعية الأضحية للحاج اختلفوا في سبب ذلك على قولين: الأول: أن الحاج ليس له صلاة عيد، ونسكه هو هدي التمتع أو القِران. والثاني: أن الحاج مسافر، والأضحية مشروعة للمقيمين، وهذا قول أبي حنيفة، وعنده أن الحاج إن كان من أهل مكة: فهو غير مسافر، وتجب عليه الأضحية. وهذا تفصيل مذاهبهم وبعض أقوالهم: 1. أما الحنفية: فقد جاء في " المبسوط " (6 / 171) : "وهي واجبة على المياسير والمقيمين عندنا". انتهى. وفي " الجوهرة النيرة " (5 / 285، 286) : "ولَا تجب عَلى الحَاجِّ الْمُسافر، فأَمَّا أَهلُ مكَّةَ فإِنَّهَا تَجِبُ عَلَيهِم وإِنْ حَجُّوا" انتهى. 2. وأما المالكية: فقد قالوا بأنه لا أضحية على الحاج لكونه حاجّاً لا لكونه مسافراً. ففي " المدونة " (4 / 101) : "قَالَ لِي مَالِكٌ: لَيس عَلَى الحَاجِّ أُضحِيةٌ وَإِن كَان مِن سَاكني مِنًى بَعدَ أَن يَكُون حاجًّا، قُلتُ: فالناسُ كلهُم عَلَيهِم الأَضَاحِي فِي قَولِ مَالِكٍ إلَّا الحَاجَّ؟ قَالَ: نَعَم" انتهى. 3. وقال الشافعية باستحباب الأضحية للحاج وغيره. قال الإمام الشافعي رحمه الله: "والحاج المكي والمنتوي [أي المنتقل المتحول من بلد إلى بلد] والمسافر والمقيم والذكر والأنثى ممن يجد ضحية: سواء كلهم، لا فرق بينهم، إن وجبت على كل واحد منهم: وجبت عليهم كلهم، وإن سقطت عن واحد منهم: سقطت عنهم كلهم، ولو كانت واجبة على بعضهم دون بعض: كان الحاج أولى أن تكون عليه واجبة؛ لأنها نسك وعليه نسك، وغيره لا نسك عليه، ولكنه لا يجوز أن يوجب على الناس إلا بحجة ولا يفرق بينهم إلا بمثلها" انتهى. " الأم " (2 / 348) . 4. وقال ابن حزم رحمه الله: "والأضحية للحاج مستحبة كما هي لغير الحاج. وقال قوم: لا يضحي الحاج ... . وقد حضَّ رسول الله عليه السلام على الأضحية فلا يجوز أن يمنع الحاج من الفضل والقربة إلى الله تعالى بغير نص في ذلك" انتهى باختصار. " المحلى " (5 / 314، 315) . 5. وأما الحنابلة: فالأضحية عندهم جائزة للحاج. قال ابن قدامة رحمه الله: "فَإِن لَم يَكُن مَعَه هَديٌ، وَعَلَيهِ هَديٌ، وَاجِبٌ، اشتَرَاهُ، وَإِن لَم يَكُن عَلَيهِ وَاجِبٌ، فَأَحَبَّ أَن يُضَحِّيَ، اشتَرَى ما يُضَحِّي بِه". " المغني " (7 / 180) . وقد جاء في الحديث عن عَائِشَةَ رضي الله عنها (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ضَحَّى عَنْ نِسَائِهِ بِمِنًى فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (5239) وَمُسْلِمٌ (1211) . وقد ردَّ بعض أهل العلم – كابن القيم - الاستدلال بهذا الحديث، وقالوا: إن المراد بالأضحية هنا: الهدي. وانظر: " زاد المعاد " (2 / 262 – 267) . واختار شيخ الإسلام ابن القيم وتلميذه ابن القيم أن الحاج لا يضحي، وانظر: " الإقناع " (1 / 409) و " الإنصاف " (4 / 110) . ورجح هذا القول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، فقد سئل رحمه الله: كيف يجمع الإنسان بين الأضحية والحج، وهل هذا مشروع؟ فأجاب: "الحاج لا يضحي، وإنما يهدي هدياً، ولهذا لم يضحِ النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وإنما أهدى، ولكن لو فرض أن الحاج حج وحده وأهله في بلده فهنا يدع لأهله من الدراهم ما يشترون به أضحية ويضحون بها، ويكون هو يهدي، وهم يضحون، لأن الأضاحي إنما تشرع في الأمصار، أما في مكة فهو الهدي " انتهى من "اللقاء الشهري". والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82027 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3693 إذا حاضت المعتمرة انتظرت حتى تطهر [السُّؤَالُ] ـ[قدمت للعمرة أنا وأهلي ولكن حين وصولي إلى جدة أصبحت زوجتي حائضا ولكني أكملت العمرة بمفردي دون زوجتي فما الحكم بالنسبة لزوجتي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله: " الحكم بالنسبة لزوجتك أن تبقى حتى تطهر ثم تقضي عمرتها لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما حاضت صفية رضي الله عنها قال: " أحابستنا هي؟ قالوا: إنها قد أفاضت، قال: فلتنفر إذن ". فقوله صلى الله عليه وسلم " أحابستنا هي " دليل على أنه يجب على المرأة أن تبقى إذا حاضت قبل طواف الإفاضة حتى تطهر ثم تطوف وكذلك طواف العمرة مثل طواف الإفاضة لأنه ركن من أركان العمرة فإذا حاضت المعتمرة قبل الطواف انتظرت حتى تطهر ثم تطوف. [الْمَصْدَرُ] انتهى من رسالة 60 مسألة في الحيض الحديث: 20465 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3694 " لبيك اللهم لبيك " معناها والمراد منها [السُّؤَالُ] ـ[" لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك.. إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك " هذه هي التلبية التي يلبي بها الحاج والمعتمر فما معناها وما الفائدة منها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحج شعار التوحيد من أول لحظة يتلبس به الحاج: قال جابر بن عبد الله في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم: " ثم أهل بالتوحيد لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك " رواه مسلم. وقال أنس في وصفه لإهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لبيك عمرة لا رياء فيها ولا سمعة ". ففي هذا تربية للنفس على توحيد الله والإخلاص له. فإن الحاج يبدأ حجه بالتوحيد، ولا يزال يلبي بالتوحيد، وينتقل من عمل إلى عمل بالتوحيد. وتحمل التلبية معان عديدة منها: 1• " لبيك اللهم لبيك " بمعنى إجابة بعد إجابة، وكُررت إيذانا بدوام الإجابة واستمرارها. 2• " لبيك اللهم لبيك " أي انقدت لك بعد انقياد. 3• أنها مأخوذة من لَبّ بالمكان، إذا أقام به ولزمه، والمعنى أنا مقيم على طاعتك ملازم لها، فتتضمن التزام دوام العبودية. 4• ومن معاني التلبية: حبا لك بعد حب، من قولهم " امرأة لَبًة " إذا كانت محبة لولدها، ولا يقال لبيك إلا لمن تحبه وتعظمه. 5• تتضمن الإخلاص مأخوذ من لُبِّ الشيء، وهو خالصه، ومنه لُب الرجل عقله وقلبه. 6• تتضمن الاقتراب مأخوذة من الإلباب وهو الاقتراب، أي اقتراب إليك بعد اقتراب. 7• أنها شعار التوحيد ملة إبراهيم، الذي هو روح الحج ومقصده، بل روح العبادات كلها والمقصود منها، ولهذا كانت التلبية مفتاح هذه العبادة التي يدخل فيها بها. • وتشتمل التلبية على: حمداً لله الذي هو من أحب ما يتقرب به العبد إلى الله. وعلى الاعتراف لله بالنعم كلها، ولهذا عرفها باللام المفيدة للاستغراق، أي النعم كلها لك، وأنت موليها والمنعم بها. وعلى الاعتراف بأن الملك كله لله وحده، فلا ملك على الحقيقية لغيره. (انظر مختصر تهذيب السنن لابن القيم (2/ 335-339) 5. يشعر الحاج وهو يلبي بترابطه مع سائر المخلوقات حيث تتجاوب معه في عبودية الله وتوحيده، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " ما من مسلم يلبي إلا لبى ما عن يمينه وعن شماله من حجر أو سخر أو صدر حتى تنقطع الأرض من ها هنا وها هنا " يعني عن يمينه وشماله. رواه الترمذي (828) وابن خزيمة والبيهقي بسند صحيح. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 21617 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3695 حكم طواف الوداع للعاجز والحائض [السُّؤَالُ] ـ[هل الحائض والنفساء والعاجز والمريض يلزمهم طواف الوداع؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس على الحائض ولا على النفساء طواف وداع، وأما العاجز فيطاف به محمولاً، وهكذا المريض؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ينفرن أحد منكم حتى يكون آخر عهده بالبيت) ولما ثبت في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن المرأة الحائض، وجاء في حديث آخر ما يدل على أن النفساء مثل الحائض ليس عليها وداع. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة 11/307 الحديث: 21645 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3696 فعل العادة السرية وهو محرم [السُّؤَالُ] ـ[ماذا على من فعل العادة السرية في اليوم الثامن من أيام الحج وهو محرم؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحج صحيح في أصح قولي العلماء. وعليك التوبة إلى الله من ذلك، لأن تعاطي العادية السرية، محرم في الحجّ وغيره، لقول الله عز وجل: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِين * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) المؤمنون / 5-7، ولما فيها من المضار الكثيرة التي أوضحها العلماء. نسأل الله لنا ولكم الهداية والتوفيق. وعليك دم يذبح في مكّة للفقراء. اهـ فتاوى الشيخ ابن باز 17/139 ولمعرفة حكم الاستمناء راجع سؤال رقم 329. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 40825 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3697 أيام التشريق [السُّؤَالُ] ـ[ما هي أيام التشريق؟ وما هي المزايا التي تتميز بها عن غيرها من سائر الأيام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أيام التشريق هي اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من شهر ذي الحجة، وقد ورد في فضلها آيات وأحاديث منها: 1- قول الله عز وجل: (واذكروا الله في أيام معدودات) ، الأيام المعدودات: هي أيام التشريق، قاله ابن عمر رضي الله عنه واختاره أكثر العلماء. 2- قول النبي صلى الله عليه وسلم عن أيام التشريق: " إنها أيام أكلٍ وشرب وذكرٍ لله عز وجل "، وذكر الله عز وجل المأمور به في أيام التشريق أنواع متعددة: منها: ذكر الله عزَّ وجل عقب الصلوات المكتوبات بالتكبير في أدبارها، وهو مشروعٌ إلى آخر أيام التشريق عند جمهور العلماء. ومنها: ذُكره بالتسمية والتكبير عند ذبح النُسك، فإن وقت ذبح الهدايا والأضاحي يمتدُّ إلى آخر أيَّام التشريق. ومنها: ذكر الله عزَّ وجل على الأكل والشرب، فإن المشروع في الأكل والشرب أن يُسمي الله في أوله، ويحمده في آخره، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله عزَّ وجل يرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشَّربة فيحمده عليها " رواه مسلم (2734) . ومنها: ذِكره بالتكبير عند رمي الجمار أيام التشريق، وهذا يختصُّ به الحجاج. ومنها: ذكر الله تعالى المطلق، فإنه يُستحب الإكثار منه في أيام التشريق، وقد كان عُمر رضي الله عنه يُكبر بمنىً في قبته، فيسمعه الناس فيُكبرون فترتج منىً تكبيراً، وقد قال تعالى: (فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آبائكم أو أشد ذكراً. فمن الناس من يقول ربَّنا آتنا في الدنيا وماله في الآخرة من خلاق ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) . وقد استحب كثيرٌ من السلف كثرة الدعاء بهذا في أيام التشريق. وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم: " إنها أيام أكل وشرب وذكر لله عزَّ وجل " إشارةٌ إلى أنَّ الأكل في أيام الأعياد والشُّرب إنما يستعان به على ذكر الله تعالى وطاعته وذلك من تمام شكر النعمة أن يُستعان بها على الطاعات. وقد أمر الله تعالى في كتابه بالأكل من الطيبات والشكر له، فمن استعان بنعم الله على معاصيه فقد كفر نعمة الله وبدَّلها كُفراً، وهو جدير أن يُسلبها، كما قيل: إذا كنت في نعمةٍ فارعها فإن المعاصي تزيل النعم وداوم عليها بشُكر الإله فشُكر الإله يُزيل النِّقم 3- نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صيامها " لا تصوموا هذه الأيام، فإنها أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل " رواه أحمد (10286) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (3573) . انظر لطائف المعارف لابن رجب ص500 اللهم وفقنا لفعل الصالحات، وثبتنا عند الممات، وارحمنا برحمتك يا جزيل العطايا والهبات. والحمد لله رب العالمين. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36950 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3698 إذا لبس خفا على خف أو جوربا على جورب فعلى أيهما يمسح؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز المسح على جوربين على بعضهما؟ وإن جاز ذلك ومسح ولكنه خلع الجورب الأول ثم انتقض عليه الوضوء هل له أن يمسح أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز أن يلبس الإنسان خفا على خف أو جوربا على جورب، فإن مسح على الأعلى – في الحال التي يجوز فيها ذلك كما سيأتي – ثم خلعه، وانتقض وضوؤه، جاز له أن يمسح على الأسفل، في قول بعض أهل العلم. وقد لخص الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أحوال لبس الخف على الخف أو الجورب على الجورب كما يلي: 1- إذا لبس جوربا أو خفا ثم أحدث، ثم لبس عليه آخر قبل أن يتوضأ، فالحكم للأول. أي إذا أراد أن يمسح بعد ذلك مسح على الأول، ولم يجز أن يمسح على الأعلى. 2- إذا لبس جوربا أو خفا، ثم أحدث، ومسحه، ثم لبس عليه آخر، فله مسح الثاني على القول الصحيح. قال في الفروع: ويتوجه الجواز وفاقاً لمالك. اهـ. وقال النووي: إن هذا هو الأظهر المختار لأنه لبسه على طهارة، وقولهم إنها طهارة ناقصة غير مقبول. اهـ. وإذا قلنا بذلك كان ابتداء المدة من مسح الأول. وله في هذه الحالة مسح الأول أيضا من غير شك. 3- إذا لبس خفا على خف أو جورب، ومسح الأعلى ثم خلعه، فهل يمسح بقية المدة على الأسفل؟ لم أر من صرح به، لكن ذكر النووي عن أبي العباس بن سريج فيما إذا لبس الجُرموق على الخف ثلاثة معان، منها: أنهما يكونان كخف واحد، الأعلى ظهارة، والأسفل بطانة. قلت: وبناء عليه يجوز أن يمسح على الأسفل حتى تنتهي المدة من مسحه على الأعلى، كما لو كشطت ظهارة الخف فإنه يمسح على بطانته ". انتهى من "فتاوى الطهارة" (ص 192) . والجُرموق: خف يلبس فوق الخف المعتاد، لاسيما في بلاد الباردة. "كشاف القناع" (1/130) . والمقصود بالظهارة والبطانة، فيما لو كان هناك خف مكون من طبقتين، فالعليا تسمى الظهارة، والسفلى تسمى البطانة. "الشرح الممتع" (1/211) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36737 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3699 أحرم بالحج ثم فاته الوقوف بعرفة [السُّؤَالُ] ـ[أحرم للحج، ولم يشترط ثم فاته الوقوف بعرفة (لو لمرض، أو لتأخر، أو بدون عذر) فماذا عليه، وكيف يتحلل من إحرامه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الوقوف بعرفة ركن من أركان الحج، بل هو ركنه الأعظم؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (الْحَجُّ عَرَفَةُ، فَمَنْ أَدْرَكَ لَيْلَةَ عَرَفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ جَمْعٍ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ) رواه الترمذي (889) والنسائي (3016) واللفظ له، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح النسائي. فمن لم يأت عرفة قبل طلوع فجر يوم النحر، ولو لحظة، ولو ماراً، فاته الحج بإجماع العلماء. قال النووي رحمه الله في "المجموع" (8/273) : " فإذا أحرم بالحج، فلم يقف بعرفة حتى طلع الفجر من يوم النحر فقد فاته الحج بالإجماع ... " انتهى. ثانياً: يلزم من فاته الحج - ولم يكن قد اشترط في أول إحرامه أن محله حيث حبس - أمور: 1ـ أن يتحلل من إحرامه بعمرة. 2ـ يجب عليه القضاء من العام القادم، ولو كان الحج الفائت تطوعاً. 3ـ يجب عليه أن يذبح هدياً مع القضاء. 4ـ تلزمه التوبة إن كان تأخره لغير عذر. هذا خلاصة ما يلزم من فاته الحج. وبيان ذلك بالأدلة: 1- من فاته الحج تحلل من إحرامه بطواف وسعي وتقصير أو حلق (عمرة) . لما رواه مالك في الموطأ (870) أن أبا أيوب الأنصاري رضي الله عنه: (خَرَجَ حَاجًّا حَتَّى إِذَا كَانَ بِالنَّازِيَةِ مِنْ طَرِيقِ مَكَّةَ أَضَلَّ رَوَاحِلَهُ، وَإِنَّهُ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَوْمَ النَّحْرِ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ عُمَرُ: اصْنَعْ كَمَا يَصْنَعُ الْمُعْتَمِرُ، ثُمَّ قَدْ حَلَلْتَ، فَإِذَا أَدْرَكَكَ الْحَجُّ قَابِلًا، فَاحْجُجْ وَأَهْدِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ) ، وصحح إسناده النووي رحمه الله. ينظر "المنتقى شرح الموطأ" (3/7) ، "المجموع" (8/ 274) . 2- أما وجوب القضاء والهدي، فلما رواه عِكْرِمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَجَّاجَ بْنَ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ كُسِرَ أَوْ عَرِجَ فَقَدْ حَلَّ، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ. قَالَ عِكْرِمَةُ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَا: صَدَقَ) رواه أبو داود (1862) وفي لفظ: (مَنْ كُسِرَ أَوْ عَرِجَ أَوْ مَرِضَ) . صححه الألباني في صحيح أبي داود. ولقول عمر لأبي أيوب رضي الله عنهما: (فَإِذَا أَدْرَكَكَ الْحَجُّ قَابِلًا، فَاحْجُجْ وَأَهْدِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ) ، وبهذا قال الحنفية ومالك والشافعي والحنابلة. وروى مالك عن نافع عن سليمان بن يسار (أَنَّ هَبَّارَ بْنَ الْأَسْوَدِ جَاءَ يَوْمَ النَّحْرِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَنْحَرُ هَدْيَهُ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَخْطَأْنَا الْعِدَّةَ، كُنَّا نَرَى أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمُ عَرَفَةَ، فَقَالَ عُمَرُ: اذْهَبْ إِلَى مَكَّةَ فَطُفْ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ، وَانْحَرُوا هَدْيًا، إِنْ كَانَ مَعَكُمْ، ثُمَّ احْلِقُوا أَوْ قَصِّرُوا، وَارْجِعُوا، فَإِذَا كَانَ عَامٌ قَابِلٌ فَحُجُّوا وَأَهْدُوا، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعَ) . ينظر "المجموع" (8/275) . وقال ابن قدامة في "المغني" (3/280) : " الهدي يلزم من فاته الحج في أصح الروايتين. وهو قول من سمينا من الصحابة , والفقهاء , إلا أصحاب الرأي , فإنهم قالوا: لا هدي عليه ... ، ولنا , حديث عطاء , وإجماع الصحابة ... " انتهى. وقال أيضاً (3/281) : " وإذا كان معه هدي قد ساقه نحره [يعني في السنة التي فاته الحج فيها] ، ولا يجزئه , بل عليه في السنة الثانية هدي أيضاً. نص عليه أحمد , وذلك؛ لحديث عمر رضي الله " انتهى. وينظر "المجموع" (8/ 275) . 3- لا فرق في الأحكام السابقة بين المعذور وغيره، لكن يفترقان في الإثم. فلا يأثم المعذور ويأثم غيره. كذا صرح بإثمه القاضي أبو الطيب وغيره. وانظر: "المجموع" (8/276) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136192 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3700 كذب وزعم أنه حج عن نفسه ثم حج ثلاث مرات عن غيره [السُّؤَالُ] ـ[سألني أحد من الأشخاص أنك حجيت فقلت نعم وأنا لم أحج فحجيت عن أشخاص آخرين 3 أعوام متتالية وأنا أعلم بالحكم وأنه لا يجوز إلا إذا حجيت أنا فما الحكم وما الذي يترتب علي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا يخفى أن ما قمت به كذب وخداع يترتب عليه تأخير الحج عمن أراده منك، والواجب أن تتوب إلى الله تعالى وتندم على ما قدمت. ثانيا: لا يجوز للإنسان أن يحج عن غيره حتى يحج عن نفسه أولا، فإن فعل قبل أن يحج عن نفسه انصرفت الحجة له، ولزمه رد المال إلى أصحابه. قال ابن قدامة رحمه الله: " (ومن حج عن غيره , ولم يكن حج عن نفسه , ردّ ما أخذ , وكانت الحجة عن نفسه) وجملة ذلك: أنه ليس لمن لم يحج حجة الإسلام أن يحج عن غيره , فإن فعل وقع إحرامه عن حجة الإسلام. وبهذا قال الأوزاعي , والشافعي , وإسحاق ... لما روى ابن عباس , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول: لبيك عن شبرمة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من شبرمة؟ قال: قريب لي. قال: هل حججت قط؟ قال: لا. قال: فاجعل هذه عن نفسك , ثم احجج عن شبرمة) رواه الإمام أحمد , وأبو داود , وابن ماجه , وهذا لفظه ... إذا ثبت هذا , فإن عليه رد ما أخذ من النفقة ; لأنه لم يقع الحج عنه , فأشبه ما لو لم يحج" انتهى من "المغني" (3/102) . وعليه؛ فإن الحجة الأولى تنصرف لك، ويلزمك رد المال إلى أهله، أو أن تحج هذا العام عنه، فإن لم تستطع فادفع المال لمن يحج عنه. وأما الحجة الثانية والثالثة، فالنيابة فيها صحيحة؛ لأنها وقعت بعد الحجة الأولى التي انصرفت لك. ثالثا: لا يجوز لأحدٍ أن يكون قصده من الحج عن غيره أخذ المال، وإنما يكون قصده الحج والوصول إلى الأماكن المقدسة، والإحسان إلى أخيه بالحج عنه. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: "النيابة في الحج جاءت بها السنَّة؛ فإن الرسول عليه الصلاة والسلام سألته امرأة وقالت: (إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: نعم) ، والاستنابة بالحج بعوض: إن كان الإنسان قصده العوض: فقد قال شيخ الإسلام رحمه الله: من حج ليأخذ المال فليس له في الآخرة من خلاق – أي: نصيبٌ - وأما من أخذ ليحج: فلا بأس به، فينبغي لمن أخذ النيابة أن ينوي الاستعانة بهذا الذي أخذ على الحج، وأن ينوي أيضاً قضاء حاجة صاحبه؛ لأن الذي استنابه محتاج، ويفرح إذا وجد أحداً يقوم مقامه، فينوي بذلك أنه أحسن إليه في قضاء الحج، وتكون نيته طيبة" انتهى من "لقاءات الباب المفتوح" (89/السؤال 6) . وقال رحمه الله: "وإن من المؤسف أن كثيراً من الناس الذين يحجون عن غيرهم إنما يحجون من أجل كسب المال فقط، وهذا حرام عليهم؛ فإن العبادات لا يجوز للعبد أن يقصد بها الدنيا، يقول الله تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ. أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ويقول تعالى: (فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ) ، فلا يقبل الله تعالى من عبد عبادة لا يبتغي بها وجهه، ولقد حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم أماكن العبادة من التكسب للدنيا، فقال صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد، فقولوا: لا أربح الله تجارتك) ، فإذا كان هذا فيمن جعل موضع العبادة مكاناً للتكسب يدعى عليه أن لا يربح الله تجارته: فكيف بمن جعل العبادة نفسها غرضاً للتكسب الدنيوي كأن الحج سلعة، أو عمل حرفة لبناء بيت، أو إقامة جدار؟ تجد الذي تعرض عليه النيابة يكاسر ويماكس هذه دراهم قليلة، هذه لا تكفي، ز، أنا أعطاني فلان كذا، أو أعطي فلان حجة بكذا، أو نحو هذا الكلام مما يقلب العبادة إلى حرفة وصناعة، ولهذا صرح فقهاء الحنابلة رحمهم الله بأن تأجير الرجل ليحج عن غيره غير صحيح، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: من حج ليأخذ المال، فليس له في الآخرة من خلاق، لكن إذا أخذ النيابة لغرض ديني مثل أن يقصد نفع أخيه بالحج عنه، أو يقصد زيادة الطاعة والدعاء والذكر في المشاعر: فهذا لا بأس به، وهي نية سليمة. إن على الذين يأخذون النيابة في الحج أن يخلصوا النية لله تعالى، وأن تكون نيتهم قضاء وطرهم بالتعبد حول بيت الله وذكره ودعائه، مع قضاء حاجة إخوانهم بالحج عنهم، وأن يبتعدوا عن النية الدنيئة بقصد التكسب بالمال، فإن لم يكن في نفوسهم إلا التكسب بالمال: فإنه لا يحل لهم أخذ النيابة حينئذ، ومتى أخذ النيابة بنية صالحة: فالمال الذي يأخذه كله له، إلا أن يشترط عليه رد ما بقي" انتهى من "الضياء اللامع من الخطب الجوامع" (2/477) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 133289 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3701 هل يعتمر الزوجان جميعاً، أو يدخرا المال ليحج الزوج وحده؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل الأولى الادخار للحج السنة القادمة أم العمرة الآن؟ الآن أنا وزوجي معنا مال يكفي لنعتمر معاً ولكن إذا لم نعتمر حتى العام القادم ممكن يتوفر بعض المال ليحج هو وحده ولكن هذا غير مؤكد فما هو الأولى؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الذي ننصحكما به هو المبادرة إلى أداء العمرة، ما دمتم مستطيعين وذلك لعدة أسباب: 1- أن المشروع للمؤمن أن يبادر إلى الأعمال الصالحة، قال الله تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) آل عمران/133، وقال تعالى: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ) الحديد/21. وقال بعض السلف: من فتح له باب من الخير فلينتهزه، فإنه لا يدري متى يغلق عنه. 2- أنك غير متأكدة من استطاعة زوجك الحج العام القادم بسبب كفاية المال، بل حتى لو وجد المال فقد توجد أمور أخرى كالانشغال أو غيره تمنعه من الحج، فيكون قد أخَّر العمرة من غير حاجة أو مصلحة أعظم، ولم يتمكن من الحج. 3- أنكما الآن تستطيعان العمرة، فهي واجبة عليكما، وأما الحج، فليس واجباً عليكما الآن ـ بسبب عدم الاستطاعة ـ وليس من الحكمة أن يؤجل الإنسان ما يجب عليه الآن، من أجل أن يأتي فيما بعد بما لم يكن واجباً عليه. فأنتما الآن مأموران بالعمرة، ـ ما دمتما مستطيعين ـ ولستما مأمورين بالحج، لعدم الاستطاعة، فعليكما الإتيان بالعمرة، امتثالا لأمر الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ) رواه البخاري (7288) ومسلم (1337) . 4- ثم إنك لم تذكري شيئاً عن هذا المبلغ المدخر، هل هو ملك لزوجك، أو ملك لكما ادخرتماه معاً؟ فإن كان المبلغ لكما، فقد ذكر العلماء رحمهم الله أنه لا يجوز الإيثار بالطاعات الواجبة، فليس لك أن تعطي مالك لزوجك ليحج هو به، ثم لا تعتمرين أنت. قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: "الإيثار بالقرب على نوعين: النوع الأول: القرب الواجبة: فهذه لا يجوز الإيثار بها، ومثاله رجل معه ماء يكفي لوضوء رجل واحد فقط، وهو على غير وضوء، وصاحبه الذي معه على غير وضوء ففي هذه الحال لا يجوز أن يؤثر صاحبه بهذا الماء؛ لأنه يكون قد ترك واجباً عليه وهو الطهارة بالماء، فالإيثار في الواجب حرام ... " انتهى. "لقاءات الباب المفتوح" اللقاء/35 ص 22. ونسأل الله لكما التوفيق إلى ما يحب ويرضى. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131681 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3702 هل يحج وعليه ديون يقدر على وفائها؟ [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أحج.. لكن علي ديون. وأنا لم أقابل الناس الذين أقرضوني منذ 7 سنوات. وقد حاولت الوصول إليهم عبر الرسائل وإجراء الاتصالات الهاتفية وعن طريق سؤال الناس عنهم، لكني لم أتمكن من ذلك. أنا أقيم في دولة غير التي يقيمون فيها. ماذا أفعل؟ لقد مضى علي 7 سنوات وأنا أحاول العثور عليهم (لكني لم أتمكن من ذلك) ، وكيف أحج والحال ما ذكر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يردّك ذلك عن الحج، حيث إنك متمكن من وفاء هذه الديون متى وجدت أهلها، وحيث إنك مستعد لوفاء الدين فلا يردّك ذلك عن الحج، وعليك بالبحث عنهم وإذا وجدتهم وفيتهم حقوقهم. والله أعلم فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله. [الْمَصْدَرُ] سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله الحديث: 130420 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3703 أيهما يقدم أداء العمرة أم سداد الدين؟ [السُّؤَالُ] ـ[أود عمل عمرة حيث إنني نويت أو نذرت إن زاد راتبي في العمل بأن أؤدي العمرة، ولكن علي ديون أسددها، فهل تصح العمرة، أم يجب أن أنتظر بعد أداء الدين؟ وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله حقوق العباد مقدمة في وجوب الأداء على الحج والعمرة، فلا يجوز أن يخرج المسلم حاجا أو معتمرا وثمة من يطالبه بماله الذي استدانه منه، وذلك من حفظ الشريعة الإسلامية العظيمة لحقوق الناس، وحرصها على بقاء روح المودة والتآلف بينهم، فلا يأكل بعضهم مال بعض، ولا يتعدى أحد على أحد. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله السؤال الآتي: أنا مدينٌ لعدة أشخاص، هل أذهب إلى مكة للصيام فيها مع أولادي، مع أن أجرة السكن سوف أتقاسمها أنا وأولادي؟ فكان جوابه رحمه الله: " إنني أسأل سؤالاً: هل الصدقة أفضل أو الزكاة الواجبة؟ الزكاة الواجبة. هل التطوع أفضل أو الواجب؟ الواجب. هل العقل أن أبدأ بالواجب قبل التطوع أو بالعكس؟ يقتضي أن أبدأ بالواجب قبل التطوع، فلا يجوز للإنسان أن يذهب إلى مكة للتطوع بالعمرة وعليه دَيْن، الدين يجب عليه الوفاء به، والتطوع في العمرة هل يجب عليه؟ لا يجب، حتى الفريضة تسقط مع وجود الدين. يا إخواني: الدِّين ليس عاطفة، الفرض الذي فرضه الله على العباد وهو حج البيت والعمرة إذا كان الإنسان مَديناً سقط عنه، ولقي ربه بغير ذنب، إنسان مدين ولم يحج لم يؤدِ الفريضة، نقول: كلمة: (لم يؤد الفريضة) غلط، لماذا غلط؟ لأن ما عليه فريضة، حتى الآن ما عليه فريضة، لكن لا يكون الحج فريضة إلا لمن سلم من الدَّيْن. ولذلك نقول لهذا الأخ: هوِّن على نفسك، أمسك عليك مالك، ابق في بلدك، وفِّر الدراهم لقضاء دينك، ولا تكن كالذي عمر قصراً وهدم مصراً. فنرى لهذا الأخ: أنه يجب عليه البقاء في بلده. نعم لو فرض أن أحداً من الناس تبرع له بكل النفقات، وقال: لا تعطني ولا درهماً واحداً. فهنا نقول: إذا كان سفره إلى العمرة لا يعطل شغلاً يحصل به على المال فليذهب؛ لأنه في هذه الحالة هل يضر غريمه أو لا يضره؟ لا. قال له شخص: أنا أعلم أن عليك عشرة آلاف ريال، وأعلم أن الدين يجب تقديمه على التطوع، لكن تفضل معي أنت وأهلك مجاناً من حين تركب حتى ترجع، هل له أن يذهب معه؟ هنا نقول: إذا كان صاحب عمل، وكان غيابه عن عمله ينقص من تحصيله فلا يذهب، أما إذا لم يكن صاحب عمل، وأن ذهابه معه لا ينقصه شيئاً، فلا بأس أن يذهب معه. لا يفرق بين كون الدين حالاً ولا مؤجلاً، إلا إذا كان مؤجلاً وهو يعرف من نفسه أنه إذا حلَّ الأجل فهو قادر على الوفاء فلا بأس، كرجلٍ موظف عليه دين يحل بعد شهرين مثلاً، ويعرف أنه إذا حل الدَّيْن فهو قادر على الوفاء، فحينئذٍ نقول: اذهب؛ لأن بقاءه في بلده لا يغني الغريم شيئاً " انتهى. "اللقاء الشهري" (رقم/33، سؤال رقم/4) وقد سبق بيان ذلك في موقعنا في جواب السؤال رقم: (11771) ، (36868) ، (36852) فالواجب عليك أن تنتظر حتى سداد الدين جميعه: ثم إن كان ما وقع منك نذر وجب عليك أداؤه؛ لأن نذر الطاعة واجب الأداء. وأما إن كان مجرد عزم على أداء العمرة شكرا لله تعالى من غير تلفظ بالنذر، فيستحب لك حينئذ وفاء النذر بأداء العمرة، فهي من أعظم العبادات التي يتقرب بها المسلمون إلى ربهم سبحانه وتعالى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114534 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3704 ممنوع من السفر خارج البلاد فهل يوكل من يحج عنه؟ [السُّؤَالُ] ـ[ماذا يفعل من كان يريد الحج ولم يحج قبل ذلك، ولكنه ممنوع من السفر، لا يستطيع السفر خارج البلاد، هل يمكن أن يطلب من أحد أن يحج عنه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله وردت السنة النبوية بجواز الحج عن الغير، في حالين: الأولى: أن يكون ميتاً. ودليل ذلك ما رواه مسلم (1149) أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أمها التي ماتت، وقالت: (يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهَا لَمْ تَحُجَّ قَطُّ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: حُجِّي عَنْهَا) . الحال الثانية: من كان عاجزا عن الحج ببدنه عجزاً لا يرجى زواله كالرجل الكبير الذي لا يستطيع السفر وتحمل مشاق الحج، أو المريض مرضاً مزمناً لا يُرجى حصول الشفاء منه. ودليل ذلك: أن امْرَأَةٌ َقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، (إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ) رواه البخاري (1513) ومسلم (1334) . وأما من كان عاجزا عن الحج لأنه ممنوع من السفر خارج البلاد، فهذا المنع يُرجى زواله، وكثير ممن كانوا ممنوعين من السفر خارج بلادهم، تمكنوا بعد مدة من السفر، إما لتغير الحكومة المانعة، أو لغير ذلك من الأسباب. وقد جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (11/51) : "يجوز للمسلم الذي قد أدى حج الفريضة عن نفسه أن يحج عن غيره إذا كان ذلك الغير لا يستطيع الحج بنفسه لكبر سنِّه أو مرض لا يرجى برؤه أو لكونه ميتًا؛ للأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك، أما إن كان من يراد الحج عنه لا يستطيع الحج لأمر عارض يرجى زواله كالمرض الذي يرجى برؤه، وكالعذر السياسي، وكعدم أمن الطريق ونحو ذلك: فإنه لا يجزئ الحج عنه" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود وعلى هذا؛ فلا يجوز لهذا الشخص الممنوع من السفر، أن يوكل من يحج عنه، بل ينتظر حتى يزول هذا المانع، ويتمكن من الحج بنفسه. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111788 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3705 والدها يمنعها من الذهاب للحج فهل لها أن تنيب من يحج عنها؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لمسلمة تتمتع بكامل صحتها أن ترسل غيرها ليحج أو يعتمر عنها حيث إن والدها لا يسمح لها بالذهاب؟ وما عساها أن تفعل إذا كانت لا تجد ما يكفي لأن تذهب بمفردها لأداء المناسك ولا ما يمكنها من إرسال من ينوب عنها؟ وهل لها أن تذهب للحج دون إذن والدها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجب الحج إلا على المستطيع، لقول الله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) آل عمران/97. ومن الاستطاعة بالنسبة للمرأة: أن تجد محرما يسافر معها، ويكون معها من النفقات ما يكفيها ومحرمها، لأن نفقة حج المحرم عليها هي، لأنه إنما سافر لمصلحتها. فإذا لم تجد المرأة محرماً يسافر معها، أو لم تجد المال الكافي لذلك، فالحج غير واجب عليها. وإذا كان الحج غير واجب عليها، فهي غير آثمة ولا مقصرة بتركه، وليس لها في هذه الحالة أن تنيب من يحج ويعتمر عنها، بل تنتظر حتى يغنيها الله وييسر لها محرما ثم تحج بنفسها. ثانياً: ليس للأب أن يمنع ابنته أو ابنه من حج الفريضة. فإذا كانت تستطيع الحج ببدنها ومالها، ومعها محرم سيسافر معها، فإنها تستأذن من أبيها، فإن لم يأذن فلتخرج بغير إذنه، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وليس منع الأب لها سببا لجواز توكيلها من يحج عنها. فإن هذا المنع يرجى زواله، وقد نقل الحافظ ابن حجر في فتح الباري (4/70) اتفاق العلماء على أن المحبوس لا ينيب من يحج عنه الفريضة، لأنه يرجى خلاصه من الحبس. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (41950) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111789 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3706 ضوابط وأحكام حج البدل [السُّؤَالُ] ـ[هناك في بلدنا بعض حملات الحج تقدم حج البدل , بحيث نعطيهم نقوداً - وهي تكلفة الحج - وسيقوم أناس من طلبة العلم بالحج بدلاً عنَّا , , فهل يجوز ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يتساهل كثيرون في حج البدل، وحج البدل له ضوابط وشروط وأحكام، سنذكر ما تيسر منها عسى الله أن ينفع بها: 1. لا يصح حج البدل في حجة الإسلام عن القادر الذي يستطيع الحج ببدنه. قال ابن قدامة رحمه الله: "لا يجوز أن يستنيب في الحج الواجب من يقدر على الحج بنفسه إجماعا، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن من عليه حجة الإسلام وهو قادر على أن يحج لا يجزئ عنه أن يحج غيره عنه" انتهى. " المغني " (3 / 185) . 2. حج البدل يكون عن المريض مرضاً لا يرجى برؤه، أو عن العاجز ببدنه، أو عن الميت، دون الفقير والعاجز بسبب ظرف سياسي أو أمني. قال النووي رحمه الله: "والجمهور على أن النيابة في الحج جائزة عن الميت والعاجز الميئوس من برئه، واعتذر القاضي عياض عن مخالفة مذهبهم – أي: المالكية - لهذه الأحاديث في الصوم عن الميت والحج عنه بأنه مضطرب، وهذا عذر باطل، وليس في الحديث اضطراب، ويكفى في صحته احتجاج مسلم به في صحيحه. " شرح النووي على مسلم " (8 / 27) . والحديث الذي أشار إليه النووي رحمه الله وذكر أن بعض المالكية حكم عليه بالاضطراب هو: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: بَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: إِنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ وَإِنَّهَا مَاتَتْ فَقَالَ: وَجَبَ أَجْرُكِ، وَرَدَّهَا عَلَيْكِ الْمِيرَاثُ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ قَالَ: صُومِي عَنْهَا، قَالَتْ: إِنَّهَا لَمْ تَحُجَّ قَطُّ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: حُجِّي عَنْهَا. رواه مسلم (1149) . وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "واتفق من أجاز النيابة في الحج على أنها لا تجزى في الفرض إلا عن موت أو عضَب – أي: شلل -، فلا يدخل المريض؛ لأنه يرجى برؤه، ولا المجنون؛ لأنه ترجى إفاقته، ولا المحبوس؛ لأنه يرجى خلاصه، ولا الفقير؛ لأنه يمكن استغناؤه" انتهى. " فتح الباري " (4 / 70) . وسئل علماء اللجنة الدائمة: هل يجوز للمسلم الذي أدى فرضه أن يحج عن أحد أقاربه في بلاد الصين لعدم تمكنه من الوصول لأداء فريضة الحج؟ . فأجابوا: "يجوز للمسلم الذي قد أدى حج الفريضة عن نفسه أن يحج عن غيره إذا كان ذلك الغير لا يستطيع الحج بنفسه لكبر سنِّه أو مرض لا يرجى برؤه أو لكونه ميتًا؛ للأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك، أما إن كان من يراد الحج عنه لا يستطيع الحج لأمر عارض يرجى زواله كالمرض الذي يرجى برؤه، وكالعذر السياسي، وكعدم أمن الطريق ونحو ذلك: فإنه لا يجزئ الحج عنه" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود " فتاوى اللجنة الدائمة " (11 / 51) . 3. حج البدل لا يكون عن العاجز ماليّاً؛ لأن الحج تسقط فرضيته عن الفقير، إنما حج البدل عن العاجز ببدنه. سئل علماء اللجنة الدائمة: هل يجوز لأحد أن يعتمر أو يحج عن قريبه الذي يكون بعيداً عن مكة، وليس لديه ما يصل به إليها، مع أنه قادر بالطواف؟ فأجابوا: "قريبك المذكور لا يجب عليه الحج مادام لا يستطيع الحج ماليّاً، ولا تصح النيابة عنه في الحج ولا في العمرة؛ لأنه قادر على أداء كل منهما ببدنه لو حضر بنفسه في المشاعر، وإنما تصح النيابة فيهما عن الميت، والعاجز عن مباشرة ذلك ببدنه" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان " فتاوى اللجنة الدائمة " (11/52) . 4. لا يجوز لأحدٍ أن يحج عن غيره إلا أن يكون قد حجَّ عن نفسه، فإن فعل فتقع حجته عن نفسه لا عن غيره. قال علماء اللجنة الدائمة: "لا يجوز للإنسان أن يحج عن غيره قبل حجه عن نفسه، والأصل في ذلك ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: لبيك عن شبرمة، قال: حججت عن نفسك؟ قال: لا، قال: حج عن نفسك، ثم عن شبرمة" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الله بن غديان. " فتاوى اللجنة الدائمة " (11 / 50) . 5. يجوز للمرأة أن تحج عن الرجل، كما يجوز للرجل أن يحج عن المرأة. قال علماء اللجنة الدائمة: "والنيابة في الحج جائزة، إذا كان النائب قد حج عن نفسه، وكذلك الحال فيما تدفعه للمرأة لتحج به عن أمك، فإن نيابة المرأة في الحج عن المرأة وعن الرجل جائزة؛ لورود الأدلة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك" انتهى. " فتاوى اللجنة الدائمة " (11 / 52) . 6. لا يجوز لأحدٍ أن يحج عن شخصين أو أكثر في حجة واحدة، وله أن يعتمر عن نفسه – أو عن غيره – ويحج عن آخر. قال علماء اللجنة الدائمة: "تجوز النيابة في الحج عن الميت، وعن الموجود الذي لا يستطيع الحج، ولا يجوز للشخص أن يحج مرة واحدة ويجعلها لشخصين، فالحج لا يجزئ إلا عن واحد، وكذلك العمرة، لكن لو حج عن شخص واعتمر عن آخر في سنة واحدة أجزأه إذا كان الحاج قد حج عن نفسه واعتمر عنها" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. " فتاوى اللجنة الدائمة " (11 / 58) . 7. لا يجوز لأحدٍ أن يكون قصده من الحج عن غيره أخذ المال، وإنما يكون قصده الحج والوصول إلى تلك الأماكن المقدسة، والإحسان إلى أخيه بالحج عنه. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: "النيابة في الحج جاءت بها السنَّة؛ فإن الرسول عليه الصلاة والسلام سألته امرأة وقالت: (إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: نعم) ، والاستنابة بالحج بعوض: إن كان الإنسان قصده العوض: فقد قال شيخ الإسلام رحمه الله: من حج ليأكل فليس له في الآخرة من خلاق – أي: نصيبٌ - وأما من أخذ ليحج: فلا بأس به، فينبغي لمن أخذ النيابة أن ينوي الاستعانة بهذا الذي أخذ على الحج، وأن ينوي أيضاً قضاء حاجة صاحبه؛ لأن الذي استنابه محتاج، ويفرح إذا وجد أحداً يقوم مقامه، فينوي بذلك أنه أحسن إليه في قضاء الحج، وتكون نيته طيبة" انتهى. " لقاءات الباب المفتوح " (89 / السؤال 6) . وقال رحمه الله: "وإن من المؤسف أن كثيراً من الناس الذين يحجون عن غيرهم إنما يحجون من أجل كسب المال فقط، وهذا حرام عليهم؛ فإن العبادات لا يجوز للعبد أن يقصد بها الدنيا، يقول الله تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ. أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ويقول تعالى: (فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ) ، فلا يقبل الله تعالى من عبد عبادة لا يبتغي بها وجهه، ولقد حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم أماكن العبادة من التكسب للدنيا، فقال صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد، فقولوا: لا أربح الله تجارتك) ، فإذا كان هذا فيمن جعل موضع العبادة مكاناً للتكسب يدعى عليه أن لا يربح الله تجارته: فكيف بمن جعل العبادة نفسها غرضاً للتكسب الدنيوي كأن الحج سلعة، أو عمل حرفة لبناء بيت، أو إقامة جدار؟ تجد الذي تعرض عليه النيابة يكاسر ويماكس هذه دراهم قليلة، هذه لا تكفي زد أنا أعطاني فلان كذا، أو أعطي فلان حجة بكذا، أو نحو هذا الكلام مما يقلب العبادة إلى حرفة وصناعة، ولهذا صرح فقهاء الحنابلة رحمهم الله بأن تأجير الرجل ليحج عن غيره غير صحيح، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: من حج ليأخذ المال، فليس له في الآخرة من خلاق، لكن إذا أخذ النيابة لغرض ديني مثل أن يقصد نفع أخيه بالحج عنه، أو يقصد زيادة الطاعة والدعاء والذكر في المشاعر: فهذا لا بأس به، وهي نية سليمة. إن على الذين يأخذون النيابة في الحج أن يخلصوا النية لله تعالى، وأن تكون نيتهم قضاء وطرهم بالتعبد حول بيت الله وذكره ودعائه، مع قضاء حاجة إخوانهم بالحج عنهم، وأن يبتعدوا عن النية الدنيئة بقصد التكسب بالمال، فإن لم يكن في نفوسهم إلا التكسب بالمال: فإنه لا يحل لهم أخذ النيابة حينئذ، ومتى أخذ النيابة بنية صالحة: فالمال الذي يأخذه كله له، إلا أن يشترط عليه رد ما بقي" انتهى. " الضياء اللامع من الخطب الجوامع " (2 / 477، 478) . 8. إذا مات المسلم ولم يقض فريضة الحج وهو مستكمل لشروط وجوبها وجب أن يحج عنه من ماله الذي خلفه سواء أوصى بذلك أو لم يوص. قال علماء اللجنة الدائمة: "إذا مات المسلم ولم يقض فريضة الحج وهو مستكمل لشروط وجوبها وجب أن يحج عنه من ماله الذي خلفه سواء أوصى بذلك أو لم يوص، وإذا حج عنه غيره ممن يصح منه الحج وكان قد أدى فريضة الحج عن نفسه: صح حجه عنه، وأجزأ في سقوط الفرض عنه" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن منيع. " فتاوى اللجنة الدائمة " (11/100) . 9. هل للذي يحج عن غيره أجر الحج كاملاً ويرجع كيوم ولدته أمه؟ . قال علماء اللجنة الدائمة: "وأما تقويم حج المرء عن غيره هل هو كحجه عن نفسه أو أقل فضلاً أو أكثر: فذلك راجع إلى الله سبحانه " انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن منيع. " فتاوى اللجنة الدائمة " (11 / 100) . وقالوا: "من حج أو اعتمر عن غيره بأجرة أو بدونها فثواب الحج والعمرة لمن ناب عنه، ويرجى له أيضًا أجر عظيم على حسب إخلاصه ورغبته للخير، وكل من وصل إلى المسجد الحرام وأكثر فيه من نوافل العبادات وأنواع القربات: فإنه يرجى له خير كثير إذا أخلص عمله لله" انتهى. " فتاوى اللجنة الدائمة " (11 / 77، 78) . وقال الإمام ابن حزم رحمه الله: عن داود أنه قال: قلت لسعيد بن المسيب: يا أبا محمد، لأيهما الأجر أللحاج أم للمحجوج عنه؟ فقال سعيد: إن الله تعالى واسع لهما جميعا. قال ابن حزم: صدق سعيد رحمه الله. " المحلى " (7 / 61) . وما يفعله الموكَّل من أعمال خارج النسك كالصلاة في احرم وقراءة القرآن وغيرها فأجرها له دون من وكَّله. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: "وثواب الأعمال المتعلقة بالنسك كلها لمن وكله، أما مضاعفة الأجر بالصلاة والطواف الذي يتطوع به خارجا عن النسك وقراءة القرآن لمن حج لا للموكل" انتهى. " الضياء اللامع من الخطب الجوامع " (2 / 478) . 10. الأفضل أن يحج الولد عن والديه، والقريب عن قريبه، فإن استأجر أجنبيّاً جاز. سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: توفيت والدتي وأنا صغير السن، وقد أجَّرت على حجتها شخصاً موثوقاً به، وأيضاً والدي توفي، وقد سمعت من بعض أقاربي أنه حج. هل يجوز أن أؤجر على حجة والدتي أم يلزمني أن أحج عنها أنا بنفسي، وأيضاً والدي هل أقوم بحجة له وأنا سمعت أنه قد حج؟ فأجاب: "إن حججت عنهما بنفسك واجتهدت في إكمال حجك على الوجه الشرعي: فهو الأفضل، وإن استأجرت من يحج عنهما من أهل الدين والأمانة: فلا بأس. والأفضل أن تؤدي عنهما حجّاً وعمرة، وهكذا من تستنيبه في ذلك يشرع لك أن تأمره أن يحج عنهما ويعتمر، وهذا من برِّك لهما وإحسانك إليهما، تقبل الله منا ومنك" انتهى. " فتاوى الشيخ ابن باز " (16 / 408) . 11. لا يشترط لمن يُحج عنه أن يُعرف اسمه، بل تكفي نية الحج عنه. سئل علماء اللجنة الدائمة: يوجد لدي حوالي أربعة أشخاص متوفين ما بين أعمام وأجداد، ما بين رجال ونساء، ولم أعرف أسماء البعض منهم، وأريد أن أرسل لكل واحد منهم من يحج لهم على حسابي الخاص؟ . فأجابوا: "إذا كان الأمر كما ذكر: فمن عرفتَ اسمه من الرجال والنساء: فلا إشكال فيه، ومن لم تعرف اسمه: فإنه يجوز لك أن تنوي عن الرجال والنساء من الأعمام والأخوال على حسب ترتيب أعمارهم وأوصافهم، وتكفي النية في ذلك، وإن لم تعرف الاسم" انتهى. " فتاوى اللجنة الدائمة " (11/172) . 12. لا يجوز لمن وُكِّل بالحج عن غيره أن يوكِّل غيره إلا برضا من وكَّله. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: "ولا يحل لمن أخذ النيابة أن يوكل غيره فيها لا بقليل، ولا بكثير إلا برضا من صاحبها الذي أعطاه إياها" انتهى. " الضياء اللامع من الخطب الجوامع " (2 / 478) . 13. هل تجوز الإنابة في حج النافلة؟ . في المسألة خلاف بين العلماء، وقد اختار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أنه لا تجوز النيابة إلا في حج الفريضة. قال الشيخ رحمه الله: "إذا كان الرجل قد أدى الفريضة، وأراد أن يوكل عنه من يحج أو يعتمر نافلة، فإن في ذلك خلافاً بين أهل العلم، فمنهم من أجازه، ومنهم من منعه، والأقرب عندي: المنع، وأنه لا يجوز لأحد أن يوكل أحداً يحج عنه أو يعتمر إذا كان ذلك نافلة؛ لأن الأصل في العبادات أن يقوم بها الإنسان بنفسه، وكما أنه لا يوكل الإنسان أحداً يصوم عنه - مع أنه لو مات وعليه صيام فرض صام عنه وليه -، كذلك في الحج، والحج عبادة يقوم فيها الإنسان ببدنه، وليست مالية يُقصد بها الغير، وإذا كانت عبادة بدنية يقوم بها الإنسان ببدنه: فإنها لا تصح من غيره عنه إلا فيما وردت به السنة، ولم ترد السنة في حج الإنسان عن غيره حج نفل، وهذه إحدى الروايتين عن أحمد: أعني أن الإنسان لا يصح أن يوكل غيره في نفل حج أو عمره سواء كان قادراً أو غير قادر. ونحن إذا قلنا بهذا القول صار في ذلك حث للأغنياء القادرين على الحج بأنفسهم؛ لأن بعض الناس تمضي عليه السنوات الكثيرة ما ذهب إلى مكة اعتماداً على أنه يوكل من يحج عنه كل عام، فيفوته الحج على أساس أنه يوكل من يحج عنه" انتهى. " فتاوى إسلامية " (2 / 192، 193) . 14. ينبغي تحري أهل الخير والصدق والأمانة والعلم بمناسك الحج لحج البدل. قال علماء اللجنة الدائمة: "ينبغي لمن يريد أن ينيب في الحج أن يتحرى فيمن يستنيبه أن يكون من أهل الدين والأمانة حتى يطمئن إلى قيامه بالواجب" انتهى. " فتاوى اللجنة الدائمة " (11/53) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111794 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3707 هل يُلزم كل من الولد والوالد بنفقة حج الآخر [السُّؤَالُ] ـ[هل يجب على الأب نفقة حج الفريضة لولده الفقير وهل يجب على الولد نفقة حج الفريضة لأبيه الفقير؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لقد عرضت هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب بما يلي: لا يجب، لأنّ العبادات مشروطة بالاستطاعة، والاستطاعة لا تتأتّى من الغير، فلا يجب على أي من الطرفين شيء في هذا للآخر، لكن إن طلب الوالد من الولد القادر نفقة الحجّ كانت إجابته من باب البر المأمور به فيكون واجبا بهذا الاعتبار. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن صالح العثيمين الحديث: 3463 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3708 تريد العمرة ولا تجد محرماً [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أذهب للعمرة ولكن لا يوجد لدي محرم وهذا الأمر يحزنني، فزوجي مشغول دائماً بعمله ولا يستطيع ترك عمله لمدة 8 أو 10 أيام، أرجو أن ترشدني كيف أستطيع أن أعتمر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المرأة التي لا تجد محرماً تسافر معه لا يجب عليها الحج ولا العمرة، وهي معذورة في ترك ذلك، ويحرم عليها السفر للحج أو لغيره من غير محرم، وعليها أن تصبر حتى ييسر الله أحد محارمها ليسافر معها. وسبل الخير كثيرة، فإذا لم يستطع المسلم فعل بعض العبادات، فإنه يجتهد فيما يستطيعه من العبادات حتى يوفقه الله وييسر له ما لا يستطيعه من العبادات. ومن فضل الله تعالى على عباده المؤمنين أن العبد إذا عزم على فعل طاعة ولكنه لم يستطع فعلها لعذر، فإنه يثاب الفاعل لها روى البخاري (4423) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَدَنَا مِنْ الْمَدِينَةِ فَقَالَ: (إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلا كَانُوا مَعَكُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ قَالَ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ) قال علماء اللجنة الدائمة: المرأة التي لا محرم لها لا يجب عليها الحج؛ لأن المحرم بالنسبة لها من السبيل، واستطاعة السبيل شرط في وجوب الحج، قال الله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً) ، ولا يجوز لها أن تسافر للحج أو غيره إلا ومعها زوج أو محرم لها؛ لما رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم "، فقام رجل فقال: يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، قال: " انطلِق فحج مع امرأتك "، وبهذا القول قال الحسن والنخعي وأحمد وإسحاق وابن المنذر وأصحاب الرأي، وهو الصحيح؛ للآية المذكورة، مع عموم أحاديث نهي المرأة عن السفر بلا زوج أو محرم، وخالف في ذلك مالك والشافعي والأوزاعي، واشترط كل منهم شرطاً لا حجة له عليه، قال ابن المنذر: تركوا القول بظاهر الحديث، واشترط كل منهم شرطاً لا حجة له عليه. " فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (11 / 90، 91) . وقالوا: إذا كان الواقع كما ذكر - من عدم تيسر سفر زوجك أو محرم لك معك لتأدية فريضة الحج - فلا يجب عليك مادمت على هذه الحال؛ لأن صحبة الزوج أو المحرم لك في السفر للحج شرط في وجوبه عليك، ويحرم عليك السفر للحج وغيره بدون ذلك، ولو مع زوجة أخيك ومجموعة من النساء، على الصحيح من قولي العلماء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) متفق على صحته، إلا إذا كان أخوك مع زوجته فيجوز السفر معه؛ لأنه محرم لك، واجتهدي في الأعمال الصالحات التي لا تحتاج إلى سفر، واصبري رجاء أن ييسر الله أمرك، ويهيء لك سبيل الحج مع زوج أو محرم. " فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (11 / 96) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 25841 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3709 ما هي الاستطاعة في الحج [السُّؤَالُ] ـ[ما هي الاستطاعة في الحج؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الاستطاعة بالنسبة للحج أن يكون صحيح البدن، وأن يملك من المواصلات ما يصل به إلى بيت الله الحرام من طائرة أو سيارة أو دابة أو أجرة ذلك بحسب حاله، وأن يملك زاداً يكفيه ذهاباً وإياباً، على أن يكون ذلك زائداً عن نفقات من تلزمه نفقته حتى يرجع من حجه وأن يكون مع المرأة زوج أو محرم لها في سفرها للحج أو العمرة. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى اللجنة الدائمة/كتاب الحج والعمرة والزيارة ص17 الحديث: 5261 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3710 هل يحج عن أبيه الذي ليس له مال يحج به؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا شاب أعمل في بلاد الحرمين، ودخلي محدود يكفيني للضروريات، وتكاليف المعيشة والحمد لله، وقد حججت عن نفسي ثلاث مرات والحمد لله، ولي والد في مصر لم يحج بعد، وذلك لعدم توفر نفقة الحج لديه، علماً بأنه طيب وصحيح ومعافى، ولكن بسبب عدم توفر نفقة الحج، هل يمكنني أن أحج عنه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كان الواقع ما ذكر من أن والدك صحيح معافى ولا يستطيع الحج من أجل عدم استطاعته المالية فلا يلزمه الحج؛ لقوله سبحانه وتعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) آل عمران/97، ولا يصح الحج عنه منك، ولا من غيرك، لكن يشرع لك إذا كنت مستطيعاً لنفقته على الحج أن تساعده بذلك ليحج بنفسه. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/31، 32) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109324 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3711 هل يحج عن قريبه الذي لا يستطيع السفر للحج؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمسلم الذي أدى فرضه أن يحج عن أحد أقاربه في بلاد الصين لعدم تمكنه من السفر لأداء فريضة الحج؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "يجوز للمسلم الذي قد أدى حج الفريضة أن يحج عن غيره إذا كان ذلك الغير لا يستطيع الحج بنفسه لكبر سنه أو مرض لا يرجى برؤه أو لكونه ميتاً؛ للأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك، أما إن كان من يراد الحج عنه لا يستطيع الحج لأمر عارض يرجى زواله كالمرض الذي يرجى برؤه، وكالعذر السياسي، وكعدم أمن الطريق ونحو ذلك؛ فإنه لا يجزئ الحج عنه. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/51) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109325 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3712 هل يلزم الزوج الغني تكاليف حج زوجته؟ [السُّؤَالُ] ـ[زوجة لا تملك نفقات الحج وزوجها غني، فهل هو ملزم شرعاً بنفقات حجها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا يلزم الزوج شرعاً بنفقات حجها وإن كان غنياً، وإنما ذلك من باب المعروف، وهي غير ملزمة بالحج لعجزها عن نفقته. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/35) . وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (11/94) أيضاً: "لا يجب على الزوج لزوجته نفقات حجها مثل ما تجب عليه نفقات أكلها وكسوتها وسكناها، ولكن بذله من باب حسن العشرة ومكارم الأخلاق، ويجب لها عليه في سفر حجها ما يقابل نفقتها حال كونها مقيمة" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن قعود. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109333 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3713 هل يلزمه الأخذ من رأسماله المحتاج إليه ليحج؟ [السُّؤَالُ] ـ[أعمل تاجرا، وربح التجارة يكاد يكفيني وأهلي، ولا أستطيع الحج حتى آخذ من رأسمال التجارة، مما يسبب نقص الربح، فلا يكفيني الربح الناتج لنفقات أولادي، فهل يجب علي الحج؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجب الحج إلا على المستطيع، لقول الله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) آل عمران/97. ومعنى الاستطاعة المالية: أن يكون عنده من النفقة ما يكفيه وأهله إلى أن يعود. ويكون له بعد عودته ما يقوم بكفايته وكفاية من ينفق عليهم كأجرة عقار أو راتب أو تجارة ونحو ذلك. ولذلك لا يلزمه أن يحج برأس مال تجارته الذي ينفق على نفسه وأهله من ربحها، إذا كان سيترتب على نقص رأس المال نقصُ الأرباح بحيث لا تكفيه وأهله. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (5/12) : "ومن له عقار يحتاج إليه لسكناه , أو سكنى عياله , أو يحتاجه إلى أجرته لنفقة نفسه أو عياله , أو بضاعة متى نقصها اختل ربحها فلم يكفهم , لم يلزمه الحج" انتهى. وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: أنا مواطن مصري ورب أسرة من طفلين وزوجة، وراتبي في مصر لا يكاد يكفي ضرورات الحياة، وليس لي أي دخل آخر، وعملت بإحدى دول الخليج 4 سنوات، وتوفر لي مبلغ من المال، ووضعته في بنك إسلامي ليدر علي دخلاً يساعد في مواجهة أعباء الحياة المختلفة، بحيث الراتب وهذا الدخل يكفيني بصورة معتدلة أنا وأسرتي، فهل أنا مكلف باقتطاع جزء من هذا المبلغ لنفقات الحج، وهل أنا مكلف بالحج في ضوء هذه الظروف؟ علماً بأنني إذا اقتطعت مبلغ نفقات الحج من حسابي في البنك سوف يؤثر هذا على دخلي الشهري، ويرهقني مادياً. فأجابوا: "إذا كانت حالتك كما ذكرت فلست مكلفاً بالحج؛ لعدم الاستطاعة الشرعية، قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) آل عمران/97، وقال: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16، وقال: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الحج/78. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/35، 36) . وعلى هذا؛ فلا يجب عليك الحج، ما دمت محتاجاً للمال الذي معك لنفقاتك ونفقات أولادك. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109334 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3714 زوجته ترضع فهل يؤخر الحج إلى العام القادم [السُّؤَالُ] ـ[نويت الحج هذا العام، لكن زوجتي ترضع، فقررت تأجيل الحج إلى السنة القادمة إن شاء الله، مع العلم أن حالتي المادية ميسرة والحمد لله؛ فهل علي شيء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كنت قد حججت حج الفريضة، فأنت مخير في حج التطوع بين أن تأتي به هذا العام، أو تؤخره لعام قادم نظرا لما ذكرت من انشغالك بأهلك أو رغبتك في مرافقتهم لك ونحو ذلك، ولك ألا تأتي به أصلا؛ لأنه تطوع غير مفروض. وإذا كان السؤال عن حج الفرض، فهذا ينبني على كون الحج واجبا على الفور أو على التراخي، وفي ذلك خلاف بين الفقهاء، والراجح أنه واجب على الفور، فمن ملك الزاد والراحلة وجب عليه أن يحج، ولم يجز له تأخيره، وانظر السؤال رقم (41702) . وبناء على ذلك: فإن كان تركك لأهلك لا يترتب عليه مضرة لها أو لرضيعها، لزمك الحج هذا العام، وليس لك تأخيره رغبة في ذهاب أهلك معك. وأما زوجتك فإن كان لديها من المال ما تحج به، أو تبرعتَ أنت لها بنفقة الحج، ولم يكن عليها أو على رضيعها مضرة في ذهابها للحج، أو كان يمكنها تركه لدى من يرعاه ويقوم عليه، لزمها الحج، وإلا جاز لها التأخير. والمقصود أنه قد يجب الحج على الزوج، ولا يجب على الزوجة، بالنظر لتوفر الشروط أو وجود الموانع، فلا يؤخر الزوج حجه الواجب رغبة في اصطحاب أهله للحج. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ما نصه: " زوجتي لم تؤد فريضة الحج إلى الآن، ولدينا طفل عمره أربعة أشهر وهو يرضع من أمه، فهل تحج أم تبقى عند طفلها، وهل الأفضل إذا حجت أن تأخذ حبوباً لإيقاف دم الحيض أم لا تأخذ أفيدونا وفقكم الله؟ فأجاب: " إذا كان الطفل لا يتأثر ولا يتضرر بسفرها عنه، بأن يرضع من لبن غير لبن أمه، وعنده من يحضنه حضانة تامة، فلا حرج عليها أن تحج خصوصاً إذا كانت فريضة، أما إذا كان يخشى على الطفل، فإنه لا يحل لها أن تحج ولو كانت حجة الفريضة؛ لأن المرضع يباح لها أن تدع صيام الفرض إذا خافت على ولدها، فكيف لا تدع المبادرة بالحج إذا خافت على الولد؟ فإذا خافت على الولد فإن الواجب أن تبقى، وإذا كبر في العام القادم حجت، ولا حرج عليها إذا بقيت وتركت الحج؛ لأن الحج في هذه الحالة لا يجب عليها على الفور. أما استعمال الحبوب في الحج أو في العمرة فلا بأس بها؛ لأن هذه حاجة، ولكن يجب أن تستأذن الطبيب وأن تراجعه؛ لأنه قد تكون الحبوب ضارة فتضرها " انتهى من "اللقاء الشهري" (10/25) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 108340 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3715 أحرم بالحج ومُنع من دخول مكة [السُّؤَالُ] ـ[ذهب أحد الزملاء إلى الحج، وأحرم من ميقات المدينة واتجه إلى مكة وهناك وعند نقطة الحراسة أمروه بالرجوع لأنه ليس معه تصريح للحج، فرجع وخلع ملابس الإحرام، هل تعتبر حجته عليها ثواب في ذلك بالرغم أنه لم يدخل مكة وكان قد أحرم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "أولاً: لا إثم عليه في تحلله من إحرامه ورجوعه دون أن يتم حجه؛ لأنه مغلوب على أمره، والله عليم بحاله رحيم بعباده، فيجزيه على قدر ما فعل من أعمال الحج بإخلاص. ثانياً: من كان قد اشترط عند إحرامه بأنه إن حبسه حابس فمحله حيث حبس فلا يلزمه شيء، وإن لم يكن قد اشترط ذلك فعليه هدي يذبحه حيث أحصر؛ لقوله تعالى: (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ) البقرة/196، ثم يحلق رأسه أو يقصر؛ وبذلك يكون حله من إحرامه. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/350) . وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن رجل حج بدون تصريح فمنع من دخول مكة فماذا يلزمه؟ فأجاب: "إن كان قال عند الإحرام: إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني فيحل ولا شيء عليه، وإذا لم يشترط فالواجب عليه أن يذبح هدياً لقوله تعالى: (فإن أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ) البقرة/196. ويتحلل [أي: يحلق أو يقصر] حيث أحصر" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/433) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106591 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3716 توفير السكن مقدم على الحج [السُّؤَالُ] ـ[أقيم الآن أنا وزوجتي في اليمن وإلى هذا الوقت لا نملك السكن في بلدنا، علماً أنني أملك مبلغاً من المال وإلى الآن لم نحج حجَّ الفريضة، فهل يجب علينا الحج الآن فوراً ما دمنا قادرين مادياً، ولو كنا لا نملك بيتاً؟ أم نشتري أولاً مسكناً نسكن فيه ثم بعد ذلك إن كنا قادرين على الحج حججنا، وإلا أجلناه إلى القدرة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " من المعلوم أن الله سبحانه وتعالى أوجب الحج على المستطيع، قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) آل عمران/97، وذلك بأن يملك الزاد والراحلة، ويكون هذا الزاد وهذا المركوب فاضلاً عن كفايته من مسكنه ومصروفه، ومصروف أولاده إلى أن يرجع، فإذا كان المبلغ الذي بأيديكم لا يُغطي حاجاتكم الضرورية، ومنها المسكن، فإنه لا يجب عليكم الحج حتى توفروا حوائجكم الضرورية؛ فإذا زاد بأيديكم شيء حججتم، ولا يجب عليكم الحج، ولا يلزمكم حتى يتوافر لديكم المال الزائد عن كفايتكم سكناً ونفقة لكم ولأولادكم ومن تجب عليكم نفقتهم" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (2/493) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105452 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3717 هل يؤجل الحج لحاجته إلى الأموال التي معه؟ [السُّؤَالُ] ـ[معي من الأموال ما يكفيني للحج، ولكنني بحاجة إليها، فهل يجوز لي أن أؤجل الحج؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من شروط وجوب الحج الاستطاعة (القدرة) ، لقول الله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) آل عمران/97. وهذا يشمل الاستطاعة البدنية والاستطاعة المالية. أما الاستطاعة البدنية فمعناها أن يكون صحيح البدن ويتحمل مشقة السفر إلى بيت الله الحرام وأداء المناسك. وأما الاستطاعة المالية فمعناها أن يملك النفقة التي توصله إلى بيت الله الحرام ذهاباً , وإياباً. قالت اللجنة الدائمة (11/30) : الاستطاعة بالنسبة للحج أن يكون صحيح البدن وأن يملك من المواصلات ما يصل به إلى بيت الله الحرام من طائرة أو سيارة أو دابة أو أجرة ذلك بحسب حاله، وأن يملك زاداً يكفيه ذهاباً وإياباً على أن يكون ذلك زائداً عن نفقات من تلزمه نفقته حتى يرجع من حجه، وأن يكون مع المرأة زوج أو محرم لها حتى في سفرها للحج أو العمرة اهـ. ويشترط أن تكون النفقة التي توصله إلى البيت الحرام فاضلةً عن حاجاته الأصلية، ونفقاته الشرعية، وقضاء ديونه. والمراد بالديون حقوق الله كالكفارات وحقوق الآدميين. فمن كان عليه دين، وماله لا يتسع للحج وقضاء الدين فإنه يبدأ بقضاء الدين ولا يجب عليه الحج. ويظن بعض الناس أن العلة هي عدم إذن الدائن، فإذا استأذنه وأذن له فلا بأس. قال الشيخ ابن عثيمين (الشرح الممتع 7/30) : وهذا الظن لا أصل له، بل العلة هي انشغال الذمة اهـ. بتصرف. فلو أذن الدائن للمدين بالحج فإن ذمة المدين تبقى مشغولة بالدين، ولا تبرأ ذمته بهذا الإذن، ولذلك يقال للمدين: اقض الدين أولاً ثم إن بقي معك ما تحج به وإلا فالحج غير واجب عليك. وإذا مات المدين الذي منعه سداد الدين عن الحج فإنه يلقى الله كامل الإسلام غير مضيع ولا مفرط، لأن الحج لم يجب عليه، فكما أن الزكاة لا تجب على الفقير فكذلك الحج. أما لو قدم الحج على قضاء الدين ومات قبل قضائه فإنه يكون على خطر، إذ إن الشهيد يغفر له كل شيء إلا الدين فكيف بغيره؟! والمراد بالنفقات الشرعية: النفقات التي يقرها الشرع كالنفقة على نفسه وأهله، من غير إسراف ولا تبذير، فإن كان متوسط الحال وأراد أن يظهر بمظهر الغني فاشترى سيارة ثمينة ليجاري بها الأغنياء، وليس عنده مال يحج به، وجب عليه أن يبيع السيارة ويحج من ثمنها، ويشتري سيارة تناسب حاله. لأن نفقته في ثمن هذه السيارة الثمينة ليست نفقة شرعية، بل هو إسراف ينهى الشرع عنه. والمعتبر في النفقة أن يكون عنده ما يكفيه وأهله إلى أن يعود. ويكون له بعد عودته ما يقوم بكفايته وكفاية من ينفق عليهم كأجرة عقار أو راتب أو تجارة ونحو ذلك. ولذلك لا يلزمه أن يحج برأس مال تجارته الذي ينفق على نفسه وأهله من ربحها، إذا كان سيترتب على نقص رأس المال نقصُ الأرباح بحيث لا تكفيه وأهله. سئلت اللجنة الدائمة (11/36) عن رجل له مبلغ من المال في بنك إسلامي وراتبه مع أرباح المال تكفيه بصورة معتدلة، فهل يجب عليه الحج من رأس المال مع العلم أن ذلك سيؤثر على دخله الشهري ويرهقه مادياً؟ فأجابت: إذا كانت حالتك كما ذكرت فلست مكلفاً بالحج لعدم الاستطاعة الشرعية، قال الله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً) . وقال: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) اهـ والمراد بالحاجات الأصلية: ما يحتاج إليه الإنسان في حياته كثيراً، ويشق عليه الاستغناء عنه. مثل: كتب العلم لطالب العلم، فلا نقول له: بع كتبك وحج بثمنها، لأنها من الحوائج الأصلية. وكذلك السيارة التي يحتاج إليه، لا نقول له بعها وحج بثمنها، لكن لو كان عنده سيارتان وهو لا يحتاج إلا إلى واحدة فيجب عليه أن يبيع إحداهما ليحج بثمنها. وكذلك الصانع لا يلزمه أن يبيع آلات الصنعة لأنه يحتاج إليها. وكذلك السيارة التي يعمل عليها وينفق على نفسه وأهله من أجرتها، لا يجب عليه بيعها ليحج. ومن الحوائج الأصلية: الحاجة إلى النكاح فإذا كان معه أموال ولكنه محتاج إلى النكاح وسوف يتزوج بها فإنه يقدم النكاح. راجع السؤال رقم (27120) . إذاً فالمراد من الاستطاعة المالية أن يفضل عنده ما يكفيه للحج بعد قضاء الديون، والنفقات الشرعية، والحوائج الأصلية. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 11534 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3718 ممنوع من السفر فهل ينيب من يحج عنه؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن أحج لأخي حيث إنه ممنوع من السفر بسبب قضية منذ عشرين عاما ولا زالت مستمرة إلى الآن ولا ندرى متى تنتهي وهو يخاف أن يتوفى دون أن يحج مع العلم أنها قضية لا تمس الشرف أو الأمانة بل قضية سياسية ويتدخل فيها ذوو النفوذ لمنع انتهاء القضية بالرغم من براءته منه ويشهد الله على ذلك وهو يبلغ الآن 56 عاما.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما دام أخوك يرجو أن يسمح له بالسفر، فيتمكن من الحج بنفسه، فليس له أن ينيب غيره ليحج عنه، بل يصبر وينتظر؛ لأن الإنابة إنما تكون من العاجز الميئوس من زوال سبب عجزه. وإن قُدّر أنه مات قبل ذلك فلا شيء عليه لأنه معذور، وحينئذ يُحج عنه من تركته، أو يتبرع من يحج عنه. قال ابن قدامة رحمه الله: " وجملة ذلك أن من وُجدت فيه شرائط وجوب الحج , وكان عاجزا عنه لمانع مأيوس من زواله , كزمانة , أو مرض لا يرجى زواله , أو كان ضعيف الخلق , لا يقدر على الثبوت على الراحلة إلا بمشقة غير محتملة , والشيخ الفاني , متى وجد من ينوب عنه في الحج , ومالاً يستنيبه به , لزمه ذلك. وبهذا قال أبو حنيفة , والشافعي ...... ومن يرجى زوال مرضه , والمحبوس ونحوه , ليس له أن يستنيب. فإن فعل , لم يجزئه. وبهذا قال الشافعي. لأنه يرجو القدرة على الحج بنفسه , فلم يكن له الاستنابة , ولا تجزئه إن فعل , وفارقَ المأيوس من برئه ; لأنه عاجز على الإطلاق , آيس من القدرة على الأصل , ولأن النص إنما ورد في الحج عن الشيخ الكبير , وهو ممن لا يرجى منه الحج بنفسه , فلا يقاس عليه إلا من كان مثله " انتهى بتصرف يسير من "المغني" (3/91) وما بعدها. وأخوك يأخذ حكم المحبوس الذي ذكره ابن قدامة رحمه الله. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 95068 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3719 هل للطبيبة أن تسافر مع حملة الحج دون محرم؟ [السُّؤَالُ] ـ[أعلم أن حج المرأة بغير محرم غير جائز , وقد سافرت العام الماضي مع إحدى الحملات للحج مع وجود المحرم. هذا العام لا يتوفر لدي محرم ليسافر معي , والحملة ملزمة بسفر طبيبة معها , علما بأنه لا يوجد وقت الآن حتى تجد الحملة طبيبة أخرى. أفيدوني ماذا أفعل أثابكم الله؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز للمرأة أن تسافر بدون محرم، ولو كان سفرها للحج الواجب أو العمرة الواجبة، لما روى البخاري (1729) ومسلم (2391) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، وَلا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا، وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ. فَقَالَ: اخْرُجْ مَعَهَا) . وأما حج النافلة، فتمنع المرأة من السفر إليه بلا محرم عند أكثر العلماء، بل حكى بعضهم اتفاق العلماء على ذلك. وكون الحملة ملزمة بسفر طبيبة معها، والوقت لا يتسع للبحث عن طبيبة أخرى، كل ذلك لا يبيح لك السفر معهم بلا محرم، وكيف يتقرب العبد إلى ربه بالحج أو بمساعدة الآخرين، عن طريق المعصية؟! نسأل الله لك التوفيق والثبات والسداد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83720 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3720 تعهد صديقه بوفاء دينه فما حكم حجه؟ [السُّؤَالُ] ـ[قبل أن أتمسك بالتعاليم الإسلامية، اقترضت من البنك قرضا بفائدة لأحد أصدقائي. وقد قطع صديقي عهدا على نفسه أن يقوم بسداد المبلغ. وأريد الآن أن أحج مع والدتي، إلا أنه لن يكون باستطاعته سداد المبلغ قبل الحج (مع العلم أن القرض باسمي) . فهل يؤثر ذلك على صحة أدائي لفريضة الحج؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحمد لله الذي هداك للتمسك بالإسلام، وما ذكرته لا يؤثّر ذلك على صحّة حجّك فإذا تحقّقت الاستطاعة لديك فاذهب إلى الحجّ، " والاستطاعة بالنسبة للحج أن يكون صحيح البدن وأن يملك من المواصلات ما يصل به إلى بيت الله الحرام من طائرة أو سيارة أو دابة أو أجرة، ذلك حسب حاله، وأن يملك زادا يكفيه ذهابا وإيابا، على أن يكون ذلك زائدا عن نفقات من تلزمه نفقته حتى يرجع من حجه " فتاوى اللجنة الدائمة 11/30 وعليك بالتوبة إلى الله من معاونتك صاحبك على الحرام وقد قال الله تعالى (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) ، وأن تبيّن لصاحبك حكم المسألة وتنصحه أن يتوب ولا يعود، وفّقنا الله وإياك لما يحبّ ويرضى، وصلى الله على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 6229 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3721 الحج على نفقة إحدى الدوائر الحكومية [السُّؤَالُ] ـ[أنا شاب أملك من المال ما يكفيني والحمد لله وقد وجدت فرصة للعمل أثناء الحج مع أداء هذه الفريضة العظيمة على حساب إحدى الدوائر الحكومية. هل تجوز حجتي أم لا؟ مع العلم أن هذه أول مرة لي في الحج.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز للإنسان أن يحج على نفقة غيره، سواء كان حج فريضة أو نافلةً، كما يجوز له أن يعمل ويتجر ويتكسّب أثناء الحج. وقد أخرج الطبري في تفسيره بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) البقرة/198 قال: (لا حرج عليكم في الشراء والبيع قبل الإحرام وبعده) . وقد سئل علماء اللجنة الدائمة ما الحكم فيمن يحج من نفقات الحاكم؟ بمعنى: إذا أراد حاكم من الحكام بأن يعطي رعاياه مبلغاً من المال وقال لهم: حجوا بهذا المال، فهل يجوز لهم بأن يحجوا به أم لا؟ وإذا حجوا به فهل تسقط عنهم حجة الإسلام؟ مع ذكر الدليل لما تقولون. فأجابوا: " يجوز لهم ذلك، وحجهم صحيح؛ لعموم الأدلة " انتهى. " فتاوى اللجنة الدائمة " (11/36) . انظر جواب السؤال رقم (36841) ونسأل الله أن يتقبل منا ومنك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82293 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3722 حكم الذهاب للحج والعمرة والدفع بواسطة قروض الائتمان [السُّؤَالُ] ـ[انتشرت في الآونة الأخيرة إعلانات من شركات السياحة التي تقوم بتنظيم رحلات الحج والعمرة والتي تعلن فيها عن قيامها بتقسيط تكاليف الرحلات من باب التيسير على راغبي الحج والعمرة، ولاجتذاب أكبر قدر منهم خاصة في ظل حالة الكساد التي تمر بها العديد من الدول، وقلة السيولة المالية في أيدي مواطنيها، وقد أعلنت أيضا بعض الشركات عن قبول الدفع عن طريق كروت الائتمان. السؤال هو: ما حكم الشرع فيمن يحج ويعتمر بهذه الطريقة؟ وهل يصح الحج أو العمرة في هذه الحالة - خاصة أن بعض الفقهاء قد أفتى بجواز تمويل الحج عن طريق القروض التي تسدد على أقساط مناسبة كنوع من التيسير في ظل الارتفاع الشديد في تكاليف الرحلات -؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحج أحد أركان الإسلام، ومبانيه العظام، وهو فرض ثابت بكتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأجمع المسلمون على ذلك. قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) آل عمران/97. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْس: شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ) رواه البخاري (8) ومسلم (16) . ولا يجب الحج إلا على المستطيع، ومن الاستطاعة: القدرة المالية، والقدرة البدنية للسفر وأداء المناسك. ولا يكلف الإنسان بالاستدانة للحج؛ ولا يستحب له أن يفعل ذلك، فإن خالف واستدان فالحج صحيح إن شاء الله تعالى. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: بعض الناس يأخذ سلفيات من الشركة التي يعمل بها، يتم خصمها من راتبه بالتقسيط ليذهب إلى الحج، فما رأيكم في هذا الأمر؟ فأجاب: " الذي أراه أنه لا يفعل؛ لأن الإنسان لا يجب عليه الحج إذا كان عليه دَيْن، فكيف إذا استدان ليحج؟! فلا أرى أن يستدين للحج؛ لأن الحج في هذه الحال ليس واجباً عليه، ولذا ينبغي له أن يقبل رخصة الله وسعة رحمته، ولا يكلف نفسه دَيْناً لا يدري هل يقضيه أو لا؟ ربما يموت ولا يقضيه ويبقى في ذمته " انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (21/93) . أما إن كانت استدانته بقرض ربوي ليحج، فإن هذا من أكبر الكبائر. وتحريم الربا أشهر من أن يُستدل له. قال الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278، 279. وقال تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) البقرة/275. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ. رواه مسلم (1597) . فكيف يرضى مسلم أن يفعل كبيرة توعد الله تعالى بالحرب عليها من أجل أن يحج، وهو غير واجب عليه إذا لم يكن مستطيعاً. وقد سبق في جواب السؤال (20107) ، (11179) بيان تحريم القروض الائتمانية وأنها نوع من الربا. أما من حيث صحة الحج فإنه يصح ولو كان المال الذي يحج به حراماً، ولكنه ليس حجاً مبرورا. حتى قال بعض الأئمة: إذَا حَجَجْت بِمَالٍ أَصْلُهُ سُحْتٌ فَمَا حَجَجْت وَلَكِنْ حَجَّتْ الْعِيرُ لا يَقْبَلُ اللَّهُ إلا كُلَّ طَيِّبَةٍ مَا كُلُّ مَنْ حَجَّ بَيْتَ اللَّهِ مَبْرُورُ. و (العير) الدابة التي يركبها الحاج. (أي: الحمار) . انظر السؤال (34517) . قال النووي رحمه الله: إذا حج بمال حرام أو راكباً دابة مغصوبة أثم وصح حجه وأجزأه عندنا، وبه قال أبو حنيفة ومالك والعبدري، وبه قال أكثر الفقهاء. " المجموع " (7 / 40) . وسئل علماء اللجنة الدائمة: ما حكم من حج من مال حرام – يعني: فوائد بيع المخدرات - ثم يرسلون تذاكر الحج لآبائهم ويحجون، مع علم بعضهم أن تلك الأموال جمع من تجارة المخدرات، هل هذا الحج مقبول أم لا؟ . فأجابوا: كون الحج من مال حرام لا يمنع من صحة الحج، مع الإثم بالنسبة لكسب الحرام، وأنه ينقص أجر الحج، ولا يبطله. " فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (11 / 43) . وفي الباب حديث مشهور لكنه ضعيف: عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن حج بمال حرام فقال: لبيك اللهم لبيك، قال الله عز وجل: لا لبيك ولا سعديك وحجك مردود عليك) . قال ابن الجوزي: وهذا لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. " العلل المتناهية " (2 / 566) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65494 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3723 هل يحج أم يكمل دراسته [السُّؤَالُ] ـ[منذ أيام قرأت سورة آل عمران التي يفرض الله الحج فيها على الرجال. وهذا آخر فصل دراسي لي في أمريكا. ومعي مبلغ حوالي 2000 دولار أمريكي ومع هذا أخشى إن أنفقت المبلغ في الحج فسوف تغضب أمي فإنه لا تحب التزامي بالإسلام وفي نفس الوقت لا أدري إن كان هناك فرص أخرى لذهابي إلى الحج والمال لدراستي تدفعه الحكومة وسوف أعود لأعمل 5 سنوات في الحكومة ولا أعرف إن كنت سوف يكون لدي المال الكافي مرة ثانية للحج أم لا. ومن ناحية أخرى إذا استطعت توفير بعض المال فسوف أشتري سيارة لكي تصبح أمي غنية. فقد ربتني منذ أن كان عمري 3 سنوات حين مات أبي ولم يكن هناك أقارب طيبون.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحج فرضٌ من فروض الإسلام، وركنٌ من أركانه، ودعامةٌ من دعائمه، لايجوز للمستطيع تأخيره ولا التردد في أدائه، ولا طاعة لأحدٍ في معصية الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا، ومن كفر فإن الله غنيٌّ عن العالمين) . وقال صلى الله عليه وسلم: " بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت ". فلا يجوز لك أن تُرضي والدتك في معصية الله سبحانه، عليك أن تبرها وتحسن إليها لكن في غير معصية، فمن أرضى الناس بسخط الله عليه، سخط الله عليه وأسخط عليه الناس. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد الكريم الخضير الحديث: 8796 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3724 هل تأخذ نفقة الحج من زوجها بائع المحرمات [السُّؤَالُ] ـ[زوجي يملك مطعماً يبيع فيه الخمر والخنزير، لي طفلان وأود الذهاب للحج إن شاء الله بعد سنتين، قال زوجي بأنه سيدفع التكاليف لأنه لا يوجد لي أي مصدر للدخل المالي ولا أريد أن يربي أطفالي أي شخص آخر، فهل هذا جائز؟ ماذا يجب أن أفعل؟ أعلم بأنني وأطفالي لا زلنا صغار في السن ولكنني أريد الحج فماذا أفعل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين: زوجها يبيع الخمر والخنزير هل يجوز أن تأخذ منه نفقة لحج الفريضة؟ فأجاب حفظه الله بقوله: لا ..... لا يجوز وتعتبر من غير القادرين. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد الله بن جبرين الحديث: 6493 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3725 حكم الحج قبل قضاء الدَّين [السُّؤَالُ] ـ[بسبب خسارة زوجي في التجارة، فإن عليه ديون كبيرة جدا تجاه البنوك وبعض الأقارب، وسوف يستغرق سداد تلك الديون سنوات عديدة. فهل يجوز لنا أن نذهب للحج أو العمرة ونحن في هذه الحالة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من شروط الحج الاستطاعة، ومن الاستطاعة: الاستطاعة المالية، ومن كان عليه دَيْن مطالبٌ به بحيث أن أهل الدَّين يمنعون الشخص عن الحج إلا بعد وفاء ديونهم فإنه لايحُجّ، لأنه غير مستطيع، وإذا لم يطالبوه ويعلم منهم التَّسامح فإنه يجوز الحج ويكون صحيحاً، ويجوز الحج كذلك إذا كان الدَّين غير محدد الوقت للقضاء بميعادٍ معيَّن، ويكون قضاؤه متى تيسر، وقد يكون الحج سبب خير لأداء الدين. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] انظر فتاوى اللجنة الدائمة 11/46، وفتاوى إسلامية 2/190. الحديث: 11771 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3726 عليه دين ويريد أن يحج [السُّؤَالُ] ـ[لدي قرض من البنك وأريد أن اذهب للعمرة وأعلم أنني يجب أن أسدد ديوني كلها قبل أن اذهب للحج أو العمرة. فهل يمكن أن تخبرني بالطريقة الصحيحة والحدود في ذلك إسلاميا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إن كان هذا القرض ربوياً فهو محرم وكبيرة من كبائر الذنوب وموبقة من الموبقات السبعة وقد حرمته الأمم كلها حتى الإغريق عبدة الأوثان قال أحدهم واسمه صولون: المال كالدجاجة العقيمة فالدرهم لا يلد درهماً. وجاء في عقيدة النصارى أن آكل الربا لا يكفن إذا مات حتى اليهود فإنهم يحرمون الربا. وأما الإسلام فقد حرمه بما لا يدع مجالاً لأحد أن يشك في التحريم. قال الله تعالى {وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} البقرة / 275. وقال {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين} البقرة / 278. وأبي جحيفة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الدم وثمن الكلب وكسب الأمة ولعن الواشمة والمستوشمة وآكل الربا وموكله ولعن المصور. رواه البخاري (2123) . وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله. رواه مسلم (1597) . وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اجتنبوا السبع الموبقات قالوا يا رسول الله وما هن قال الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات ". رواه البخاري (2615) ومسلم (89) . وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم وعلى وسط النهر رجل بين يديه حجارة فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد الرجل أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه (أي فمه) فرده حيث كان فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان فقلت ما هذا فقال الذي رأيته في النهر آكل الربا. رواه البخاري (1979) . فالواجب عليك التوبة إلى الله من هذا العمل أما إن كان هذا القرض قرضاً حسناً لا يدخله الربا فلا بأس به. ثانياً: أما الحج: فالذي لا يستطيع أن ينفق على نفسه لضيق ذات اليد لا يجب عليه الحج، ولكن أي الأمرين أولى الحج أم سداد الديون؟ الراجح: أن الدَّين أولى لأن المدين لا يلزمه الحج إذ من شروط الحج الاستطاعة. فإن تعارض حجك مع قضاء الدين فقدِّم قضاء الدين، ولكن إن لم يتعارض كتأخر وقت السداد، أو صبر صاحب الدين على دينه فالصحيح أنه لا بأس بالحج أو العمرة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: يجوز أن يحج المدين المُعسر إذا حجّجه غيره ولم يكن في ذلك إضاعة لحق الدين إما لكونه عاجزاً عن الكسب وإما لكون الغريم غائباً لا يمكن توفيته من الكسب. " مجموع الفتاوى " (26 /16) . وذلك كله بشرط الاستطاعة التامة مع سداد ديون من يطالبك وقد حل الأجل للقضاء إن كنت مديناً لأكثر من دائن مع تيسر الراحلة والزاد وما يلزمك لإصلاح شأنك في السفر غير مضيع لعيالك أو من تجب عليك نفقتهم. بحيث تترك لهم ما يسد حاجتهم وإن لم تفعل فقد أثمت وضيعت من ألزمك الله رعايته. عن خيثمة قال: كنا جلوسا مع عبد الله بن عمرو إذا جاءه قهرمان له فدخل فقال أعطيت الرقيق قوتهم قال لا قال فانطلق فأعطهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كفى بالمرء إثما أن يحبس عمن يملك قوته ". صحيح مسلم (996) . وقد جاء عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت ". رواه أبو داود (1692) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 3974 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3727 هل هناك سن لا تحتاج فيه المرأة لمحرم [السُّؤَالُ] ـ[أنا آنسة في سن 38، مدرِّسة، لم أتزوج بعدُ، الوالد متوفى، وأنا أعول والدتي إلى حد ما في نفقات المنزل، رغبت في الحج، وتقدمت، وفزت بالقرعة، ولكن أحتاج لمحرم، وأخي المحرم لا يملك النفقات الخاصة به، وأعلم أنني يجب أن أسدد عنه، ولكن أنا مستقبلا في حاجة لما معي، فقررت أن أؤجل الفريضة إلى سن لا أحتاج فيه لمحرم، ما جزاء هذا الفعل؟ أرجوكم إفادتي لشدة قلقي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يجب الحج إلا على المستطيع لقول الله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) آل عمران/97. ومن الاستطاعة بالنسبة للمرأة أن تجد محرماً ويوافق على السفر معها، فإذا لم تجد لم يجب عليها الحج. وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (11/93) : من شروط الحج الاستطاعة، ومن الاستطاعة وجود المحرم للمرأة، فإذا فقد المحرم فلا يجوز لها السفر، ولا يجب عليها الحج إلا بوجوده وموافقته على السفر معها، قال تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) آل عمران/97. راجع السؤال رقم (316) ، (5207) ، (34380) . ثانياً: ليس هناك سن تبلغه المرأة لا تحتاج فيه لمحرَم، بل في جميع سني عمرها بعد بلوغها لا يحل لها السفر إلا مع ذي محرم، من غير تفريق بين شابة وعجوز، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم) رواه البخاري ومسلم. وقد سبق بيان هذا في أجوبة الأسئلة: (47029) و (25841) . ثالثاً: إن وجدت المرأة محرَماً: وجبت عليها نفقته. قال ابن قدامة – رحمه الله -: ونفقة المحرم في الحج عليها، نص عليه أحمد؛ لأنه من سبيلها، فكان عليها نفقته كالراحلة، فعلى هذا يعتبر في استطاعتها أن تملك زادا وراحلة لها ولمحرمها. " المغني " (3 / 99) . وقال السرخسي: المحرم إذا كان يخرج معها فنفقته في مالها. " المبسوط " (4 / 163) . رابعاً: وأما تأخيرك للحج بسبب حاجتك للنفقة، فيراجع السؤال رقم (11534) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 52703 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3728 لديها طفل رضيع فهل يجب عليها الحج؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان للمرأة أولاد صغار، منهم طفل رضيع يصعب عليها أخذه معها في الحج، فهل يجب عليها الحج أو لها أن تؤجله؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " لا حرج على هذه المرأة التي هذه حالها أن تؤخر الحج إلى سنة قادمة، أولاً: لأن كثيراً من العلماء يقولون: إن الحج ليس واجباً على الفور، وأنه يجوز للإنسان أن يؤخره مع قدرته، وثانياً: أن هذه محتاجة للبقاء من أجل رعاية أولادها، ورعاية أولادها من الخير العظيم، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا) فأقول: تنتظر إلى العام القادم، ونسأل الله أن ييسر لها أمرها، ويقدر لها ما فيه الخير " انتهى. [الْمَصْدَرُ] "فتاوى ابن عثيمين" (21/66) . الحديث: 41806 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3729 الحج على نفقة الغير [السُّؤَالُ] ـ[امرأة قدمت إلى المملكة وتيسر لها أداء فريضة الحج على نفقة المضيف، وتسأل هل تجزئ هذه الحجة عن حجة الإسلام، والحال أنها لم تنفق على حجها من مالها شيئاً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أداؤها فريضة الحج لا يؤثر على صحته أنها لم تنفق عليه شيئاً من مالها، أو أنها أنفقت الشيء القليل، وقام غيرها بإنفاق الشيء الكثير من تكاليف حجها، وعليه فإذا كان حجها مستكملاً الشروط والأركان والواجبات فهو مسقط عنها فريضة الحج، وإن قام غيرها بتكاليفه. وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (فتاوى اللجنة 11/34) . الحديث: 36990 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3730 حج من عليه دين [السُّؤَالُ] ـ[أخذت من البنك العقاري مبلغاً قدره مائتان وواحد وخمسون ألف وتسعمائة ريال يدفع أقساطاً سنوية، هل يحق لي أن أحج وهذا المبلغ علي للبنك العقاري؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الاستطاعة على الحج شرط من شروط وجوبه، فإن قدرت عليه وعلى دفع القسط المطلوب منك حين الحج لزمك أن تحج، وإن تواردا عليك جميعاً ولا تستطيعهما معاً فقدم تسديد القسط الذي تطالب به، وأخر الحج إلى أن تستطيعه؛ لقول الله سبحانه وتعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً) آل عمران / 97. وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/45) الحديث: 36852 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3731 إذن الدائن للمدين بالحج [السُّؤَالُ] ـ[إذا أراد المسلم أن يؤدي فريضة الحج وهو عليه دين، فهل إذا استأذن من صاحب أو أصحاب الدين وسمح له بالحج فهل حجه صحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الواقع كما ذكر من سماح الدائن أو الدائنين لك في الحج قبل تسديد ما عليك لهم من الدين فلا حرج عليك في أداء الحج قبل التسديد، ولا تأثير لكونك مديناً لهم على صحة حجك في مثل هذه الحالة. وبالله التوفيق [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/46) الحديث: 36868 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3732 يساعد والديه على الحج وهو لم يحج [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للإنسان أن يرسل والديه إلى الحج قبل أن يذهب هو إلى الحج؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحج فريضة على كل مسلم حر عاقل بالغ مستطيع السبيل إلى أدائه، مرة في العمر. وبر الوالدين وإعانتهما على أداء الواجب أمر مشروع بقدر الطاقة، إلا أن عليك أن تحج عن نفسك أولاً، ثم تعين والديك إن لم يتيسر الجمع بين حج الجميع، ولو قدمت والديك على نفسك صح حجهما. وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/70) الحديث: 36637 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3733 ليس له مال ويريد الحج عن غيره بمقابل [السُّؤَالُ] ـ[رجل لم يحج عن نفسه، وليس عنده مال يحج به، هل يحوز له أن يأخذ مالاً ليحج عن رجل ميت أو كبير في السن؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز للإنسان أن يحج عن غيره قبل حجه عن نفسه، والأصل في ذلك ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: لبيك عن شبرمة، قال: (حججت عن نفسك؟) قال: لا، قال: (حج عن نفسك، ثم عن شبرمة) رواه أبو داوود وصححه الألباني في الإرواء (994) وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/50) الحديث: 36370 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3734 دخلي يساوي مصاريفي، فهل عليَّ حج؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا رب أسرة من طفلين وزوجة، وراتبي لا يكاد يكفي ضرورات الحياة، وليس لي أي دخل آخر، وعملت بإحدى دول الخليج 4 سنوات، وتوفر لي مبلغ من المال، ووضعته في بنك إسلامي ليدر علي دخلاً يساعد في مواجهة أعباء الحياة المختلفة، بحيث أن الراتب وهذا الدخل يكفيني بصورة معتدلة أنا وأسرتي، فهل أنا مكلف باقتطاع من هذا المبلغ نفقات الحج، وهل أنا مكلف بالحج في ضوء هذه الظروف؟ علماً بأنني إذا اقتطعت مبلغ نفقات الحج من حسابي في البنك سوف يؤثر هذا على دخلي الشهري، ويرهقني مادياً. فبماذا تشيرون عليَّ يا فضيلة الشيخ؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كانت حالتك كما ذكرت فلست مكلفاً بالحج؛ لعدم الاستطاعة الشرعية، قال الله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً) آل عمران / 97، وقال: (فاتقوا الله ما استطعتم) التغابن / 16، وقال: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) الحج / 78 وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/35) الحديث: 36437 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3735 هل يقترض من صاحب العمل ليحج؟ [السُّؤَالُ] ـ[صاحب العمل رجل يحب الخير وقد قام بإنشاء صندوق للحج للعاملين على أن يتحمل هو نصف مصاريف الحج لكل فرد، وباقي الأفراد يقومون بسداد النصف الآخر عن طريق القسط، فما هو مدى صحة هذا الحج؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نسأل الله تعالى أن يجزي صاحب هذا العمل خير الجزاء، وأن يكثر في المسلمين من أمثاله، الذين ييسرون على إخوانهم المسلمين، ويعينونهم على طاعة الله تعالى. وحجك بهذه الطريقة صحيح ولا حرج فيه إذا كنت قادراً على سداد هذا القسط من راتبك، أما إذا كان راتبك لا يكفي لسداد هذا القسط، بحيث ستقع بسبب هذا الدَّيْن في المماطلة أو التضييق على من تنفق عليهم فالأولى لك أن تؤجل الحج حتى ييسر الله لك. وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عمن يقترض ليحج، فأجاب: لا حرج في ذلك إذا كان يستطيع الوفاء اهـ. فتاوى ابن باز (16/393) . ونصف التكاليف الذي يتحمله صاحب العمل يعتبر هدية، ولا بأس في قبولها والحج بها. راجع السؤال رقم (36990) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 34502 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3736 السفر بدون محرم للضرورة [السُّؤَالُ] ـ[زوجة صديق تحتاج للسفر من تونس إلى فرنسا، حيث كانت تعيش مع عائلتها قبل الزواج، حتى يتسنى لها حضور موعد للحصول على الجنسية الفرنسية، حتى تستطيع فيما بعد زيارة عائلتها بدون مشاكل. علما بأن زوجها سيوصلها إلى المطار قبل السفر بالطائرة، وأن أباها سيستقبلها في المطار عند الوصول. هل يجوز لها ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأصل الذي قررناه في فتاوى عدة أنه لا يجوز للمرأة أن تسافر بلا محرم، سواء كان السفر سفرَ قربة كالحج وزيارة الوالدين وبرهما، أو سفراً مباحا لغير ذلك من الأغراض. وقد دل على ذلك النص والاعتبار، فمن ذلك: 1- قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ وَلا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ فَقَالَ اخْرُجْ مَعَهَا) رواه البخاري (1862) . وروى مسلم (1339) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ) وقد رويت أحاديث كثيرة في النهي عن سفر المرأة بلا محرم وهي عامة في جميع أنواع السفر. 2- ولأن السفر مظنة التعب والمشقة، والمرأة لضعفها تحتاج لمن يؤازرها ويقف إلى جوارها، وقد ينزل بها ما يفقدها صوابها، ويخرجها عن طبيعتها، في حال غياب محرمها، وهذا مشاهد معلوم اليوم لكثرة حوادث السيارات وغيرها من وسائل النقل. وأيضا: سفرها بمفردها يعرضها للإغراء والمراودة على الشر، لاسيما مع كثرة الفساد، فقد يجلس إلى جوارها من لا يخاف الله، ولا يتقيه، فيزين لها الحرام. فمن تمام الحكمة أن تصاحب محرما في سفرها؛ لأن الهدف من وجود محرمها حفظُها وصيانتها والقيام بأمرها، والسفر عرضة لوقوع الأشياء الطارئة بغض النظر عن المدة. قال النووي رحمه الله: " فَالْحَاصِل أَنَّ كُلّ مَا يُسَمَّى سَفَرًا تُنْهَى عَنْهُ الْمَرْأَة بِغَيْرِ زَوْج أَوْ مَحْرَم " انتهى. وقد حكى غير واحد من العلماء اتفاق الفقهاء على منع سفر المرأة بلا محرم، إلا في مسائل مستثناة. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " قال البغوي: لم يختلفوا في أنه ليس للمرأة السفر في غير الفرض (الحج الواجب) إلا مع زوج أو محرم، إلا كافرة أسلمت في دار الحرب أو أسيرة تخلصت. وزاد غيره: أو امرأة انقطعت من الرفقة فوجدها رجل مأمون فإنه يجوز له أن يصحبها حتى يبلغها الرفقة " انتهى من "فتح الباري" (4/76) . وسفر المرأة إلى الحج الواجب بلا محرم، اختلف العلماء في جوازه، والصحيح من أقوال العلماء: أنه لا يجوز، وسبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم 34380 هذا هو الأصل في هذا الباب، فليس للمرأة أن تسافر بلا محرم، ويجب أن يصحبها المحرم خلال السفر كله، ولا يكفي أن يوصلها زوجها إلى المطار ويستقبلها والدها في البلد الآخر، لكن حيث وجدت الضرورة فلا حرج؛ لأن الضرورات تبيح المحظورات. وعليه، فإذا كان حصول زوجة صديقك على الجنسية الفرنسية يرفع عنها ضررا معتبرا، ولم يمكن لمحرمها مرافقتها في السفر، فلا حرج أن تسافر بمفردها على النحو الذي ذكرت، كما لا حرج أن تحصل على هذه الجنسية. وقد سئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله: " ما حكم سفر المرأة وحدها في الطائرة لعذر، بحيث يوصلها المحرم إلى المطار ويستقبلها محرم في المطار الآخر؟ الجواب: لا بأس بذلك عند المشقة على المحرم، كالزوج أو الأب، إذا اضطرت المرأة إلى السفر، ولم يتيسر للمحرم صحبتها، فلا مانع من ذلك بشرط أن يوصلها المحرم الأول إلى المطار، فلا يفارقها حتى تركب الطائرة، ويتصل بالبلاد التي توجهت إليها، ويتأكد من محارمها هناك أنهم سوف يستقبلونها في المطار، ويخبرهم بالوقت الذي تَقْدُمُ فيه ورقم الرحلة.. لأن الضرورات لها أحكامها، والله أعلم وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم " انتهى من "فتاوى ابن جبرين". وينظر: سؤال رقم (14235) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 122630 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3737 هل تسافر بلا محرم أم تبقى وحدها أو في بيت خالها [السُّؤَالُ] ـ[أنا طالبة في الجامعة المصرية ومعي أهلي في مصر، وأنا لست أسكن معهم لأن الجامعة التي أدرس بها بعيدة عن بلدي وأسكن بمدينة الطالبات تابعة للجامعة، ووالدي يعمل في السعودية ونذهب إليه في الصيف، وكنت أذهب دائما برفقتهم إلى السعودية، وفي هذا العام ستنتهي دراستي في أول رمضان، وهم مضَطرون للذهاب حتى لا تنتهي إقامتهم ولا يسمح لهم بالدخول، وأستطيع الحصول على امتداد لإقامتي فقط من السفارة لأجل الدراسة، فهل يجوز أن أسافر بدون محرم بعد انتهاء الدراسة، وسيوصلني خالي إلى المطار، وينتظرني أبي بمطار جدة والمدة ساعة ونصف، وإذا لم أسافر سأعود للبيت وأبقى وحدي أو أبقى عند خالي، ولديه أبناء كبار وأنا محجبة، فما الحكم فى سفري؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز للمرأة أن تسافر بلا محرم، سواء كان السفر سفرَ قربة كالحج وزيارة الوالدين وبرهما أو سفراً مباحا كالسياحة وغير ذلك، والدليل على ذلك ما يلي: 1- قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ وَلا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ فَقَالَ اخْرُجْ مَعَهَا) رواه البخاري (1862) . وروى مسلم (1339) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ) وقد رويت أحاديث كثيرة في النهي عن سفر المرأة بلا محرم وهي عامة في جميع أنواع السفر. 2- ولأن السفر مظنة التعب والمشقة، والمرأة لضعفها تحتاج لمن يؤازرها ويقف إلى جوارها، وقد ينزل بها ما يفقدها صوابها، ويخرجها عن طبيعتها، في حال غياب محرمها، وهذا مشاهد معلوم اليوم لكثرة حوادث السيارات وغيرها من وسائل النقل. وقد حكى غير واحد من العلماء اتفاق الفقهاء على منع سفر المرأة بلا محرم، إلا في مسائل مستثناة. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " قال البغوي: لم يختلفوا في أنه ليس للمرأة السفر في غير الفرض (الحج الواجب) إلا مع زوج أو محرم، إلا كافرة أسلمت في دار الحرب أو أسيرة تخلصت. وزاد غيره: أو امرأة انقطعت من الرفقة فوجدها رجل مأمون فإنه يجوز له أن يصحبها حتى يبلغها الرفقة " انتهى من "فتح الباري" (4/76) . وسفر المرأة إلى الحج الواجب بلا محرم، اختلف العلماء في جوازه، والصحيح من أقوال العلماء: أنه لا يجوز، وسبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (34380) . وبخصوص حالتك: فإذا تمكن أحد إخوانك من تمديد إقامته، والعودة لاصطحابك في هذا السفر، فهو الواجب عليكم، حتى مع ما فيه من زيادة الكلفة المادية؛ فصيانة جانب الشرع أولى، والحفاظ على الحرمات مقصود شرعي تبذل فيه الأموال؛ وقد قال الله تعالى: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) سبأ /39. وأما حيث يتعذر عليكم ذلك، فالذي يظهر لنا أن سفرك ـ في هذه الحالة ـ بدون محرم، أثناء فترة الطائرة، هو حالة ضرورة، فنرجو ألا يكون عليك فيه حرج، ثم إنه أخف ضررا من بقائك في بلدك بعيدا عن الأسرة، أو إقامتك في بيت حالك، والحال ما ذكرت. وقد سئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله: " ما حكم سفر المرأة وحدها في الطائرة لعذر، بحيث يوصلها المحرم إلى المطار ويستقبلها محرم في المطار الآخر؟ فقال في جوابه: " لا بأس بذلك عند المشقة على المحرم، كالزوج أو الأب، إذا اضطرت المرأة إلى السفر، ولم يتيسر للمحرم صحبتها، فلا مانع من ذلك بشرط أن يوصلها المحرم الأول إلى المطار، فلا يفارقها حتى تركب الطائرة، ويتصل بالبلاد التي توجهت إليها، ويتأكد من محارمها هناك أنهم سوف يستقبلونها في المطار، ويخبرهم بالوقت الذي تَقْدُمُ فيه ورقم الرحلة ". انتهى. من فتاوى الشيخ ابن جبرين. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120291 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3738 اصطحاب الخادمة للحج دون محرم لها [السُّؤَالُ] ـ[يوجد لدينا خادمة في المنزل بدون محرم، وسوف أقوم بأداء فريضة الحج العام القادم، إن شاء الله، وأود أن أصطحب الخادمة مع عائلتي لأداء الفريضة متكفلاً بجميع لوازمها، فهل يجوز اصطحابها حيث إن الحج قد لا يتوفر لها أداؤه إلا معنا، أفيدونا وجزاكم الله خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قبل الرد على هذا السؤال أحذر إخواننا الذين أنعم الله عليهم في هذه البلاد بوفرة المال والخيرات من الانهماك في جلب الخادمات، لأن هذا من الترف، بل من الإسراف، حتى أننا نسمع أن بعض الناس لا يكون إلا هو وزوجته في البيت مع تمكن المرأة بالقيام بجميع شؤون المنزل ومع ذلك يجلب خادمة لهما، فأنا أحذر إخواني من هذا الأمر الجارف الذي أصبح لدينا أمراً يتسابق الناس إليه، تقول زوجته: أريد خادمة فيذهب ويأتي لها بخادمة، لذا أنصح ألا يأتي أحد بخادمة إلا للضرورة التي لا بد منها. ثم الذي أرى أنه إذا كان هناك ضرورة فلا يجلب الإنسان إلا خادمة مسلمة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب، وإذا أتى بخادمة فالذي أراه ألا تكون شابة جميلة، لأنها محل فتنة لا سيما إذا كان عنده شباب، لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وألا يجلب الخادمة إلا ومعها محرم، لأنه صلى الله عليه وسلم نهى أن تسافر المرأة بلا محرم. وإذا كانت بمحرم فلا يرد الإشكال الذي سأل عنه، فمحرمها سوف يحج معها، أما إذا لم يكن معها محرم أو أتى بها المحرم ثم عاد فلا يحجون بها، ولا يسافرون بها، بل تبقى عند من يثقون به، فإن لم يكن هناك من يثقون به فتحج معهم للضرورة وحجها صحيح. والله الموفق. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى منار الإسلام لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - 2/376. الحديث: 22031 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3739 حكم الحج من غير محرم [السُّؤَالُ] ـ[عندما كان عمر زوجتي 14 سنة حجت مع والدتها وأختيها وزوج أحد أختيها وهو ليس بمحرم لها، لم تكن تعلم ذلك الوقت بأن المرأة يجب أن تحج مع محرم، فهل حجها مقبول أم أنها يجب أن تعيد الحج؟ أرجو أن تذكر بعض الأدلة وبعض آراء العلماء في هذا الموضوع. جزاك الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: حجها صحيح إن شاء الله، ولكن سفرها بدون مْحرَم أمر مُحرّم ومعصية للرسول صلى الله عليه وسلم، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) وهذه سافرت بدون محرم، فإن كانت جاهلة فأرجو أن تكون معذورة وعليها الاستغفار، وإن كانت عالمة بالحكم فعليها التوبة والاستغفار. ولكن يأتي سؤال آخر وهو هل هذه الحجة كافية عن حجة الإسلام؟ إن كانت بالغة حينما حجت تلك المرة فحجتها كافية عن حجة الإسلام ولو بدون محرم، وإن كانت لم تبلغ فلا بد أن تحج مرة أخرى وتكون حجتها الأولى نافلة - والمقصود بالبلوغ أن تظهر إحدى علاماته كالحيض أو الإنبات أو الاحتلام. والغالب أن المرأة في الرابعة عشر تكون بالغة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 6057 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3740 تريد العمرة ولا تجد محرماً [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أذهب للعمرة ولكن لا يوجد لدي محرم وهذا الأمر يحزنني، فزوجي مشغول دائماً بعمله ولا يستطيع ترك عمله لمدة 8 أو 10 أيام، أرجو أن ترشدني كيف أستطيع أن أعتمر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المرأة التي لا تجد محرماً تسافر معه لا يجب عليها الحج ولا العمرة، وهي معذورة في ترك ذلك، ويحرم عليها السفر للحج أو لغيره من غير محرم، وعليها أن تصبر حتى ييسر الله أحد محارمها ليسافر معها. وسبل الخير كثيرة، فإذا لم يستطع المسلم فعل بعض العبادات، فإنه يجتهد فيما يستطيعه من العبادات حتى يوفقه الله وييسر له ما لا يستطيعه من العبادات. ومن فضل الله تعالى على عباده المؤمنين أن العبد إذا عزم على فعل طاعة ولكنه لم يستطع فعلها لعذر، فإنه يثاب الفاعل لها روى البخاري (4423) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَدَنَا مِنْ الْمَدِينَةِ فَقَالَ: (إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلا كَانُوا مَعَكُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ قَالَ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ) قال علماء اللجنة الدائمة: المرأة التي لا محرم لها لا يجب عليها الحج؛ لأن المحرم بالنسبة لها من السبيل، واستطاعة السبيل شرط في وجوب الحج، قال الله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً) ، ولا يجوز لها أن تسافر للحج أو غيره إلا ومعها زوج أو محرم لها؛ لما رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم "، فقام رجل فقال: يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، قال: " انطلِق فحج مع امرأتك "، وبهذا القول قال الحسن والنخعي وأحمد وإسحاق وابن المنذر وأصحاب الرأي، وهو الصحيح؛ للآية المذكورة، مع عموم أحاديث نهي المرأة عن السفر بلا زوج أو محرم، وخالف في ذلك مالك والشافعي والأوزاعي، واشترط كل منهم شرطاً لا حجة له عليه، قال ابن المنذر: تركوا القول بظاهر الحديث، واشترط كل منهم شرطاً لا حجة له عليه. " فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (11 / 90، 91) . وقالوا: إذا كان الواقع كما ذكر - من عدم تيسر سفر زوجك أو محرم لك معك لتأدية فريضة الحج - فلا يجب عليك مادمت على هذه الحال؛ لأن صحبة الزوج أو المحرم لك في السفر للحج شرط في وجوبه عليك، ويحرم عليك السفر للحج وغيره بدون ذلك، ولو مع زوجة أخيك ومجموعة من النساء، على الصحيح من قولي العلماء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) متفق على صحته، إلا إذا كان أخوك مع زوجته فيجوز السفر معه؛ لأنه محرم لك، واجتهدي في الأعمال الصالحات التي لا تحتاج إلى سفر، واصبري رجاء أن ييسر الله أمرك، ويهيء لك سبيل الحج مع زوج أو محرم. " فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (11 / 96) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 25841 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3741 هل يشترط المحرم في السفر القصير [السُّؤَالُ] ـ[هل المسافة بين القليوبية والقاهرة تعتبر سفراً فيجب أن يكون معي محرم؟ أبي متوفى وأخي الوحيد طالب ويسكن عند كليته، ولا يأتي إلا في نهاية الأسبوع مما يعطل الكثير من الأمور بالنسبة لي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله دلت السنة الصحيحة على أنه لا يجوز للمرأة أن تسافر بلا محرم، وهذا يشمل السفر الطويل والقصير عند جمهور أهل العلم، فكل ما سمي سفرا مُنعت منه المرأة إلا مع محرم. روى البخاري (1729) ومسلم (2391) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ، فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا، وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ. فَقَالَ: اخْرُجْ مَعَهَا) . قال النووي رحمه الله مبيناً أن السفر هنا لا يتقيد بمسافة معينة: "فالحاصل: أن كل ما يسمى سفرا تنهى عنه المرأة بغير زوج أو محرم، سواء كان ثلاثة أيام أو يومين أو يوما أو بريدا (12 ميلاً) أو غير ذلك؛ لرواية ابن عباس رضي الله عنهما: (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) ، وهذا يتناول جميع ما يسمى سفرا والله أعلم " انتهى كلام النووي "شرح مسلم" (9/103) . وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (17/339) : " يحرم على المرأة السفر بدون محرم مطلقا، سواء قصرت المسافة أم طالت " انتهى. وينظر جواب السؤال رقم (101520) . فالمرجع في هذا إلى ما تعارف الناس عليه، فما اعتبره الناس سفراً، فهو سفر، لا يجوز للمرأة الخروج إليه إلا مع محرم. والخروج من القليوبية إلى القاهرة لا يعتبر في العرف سفراً، بل هناك كثير من مناطق القليوبية الخروج إليها أسهل وأقرب من الخروج من حي من أحياء القاهرة إلى حي آخر. وعلى هذا، فلا حرج من الخروج من القليوبية إلى القاهرة؛ لقضاء حوائجك بلا محرم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 110929 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3742 لا يذهب بوالدته إلى المسجد الحرام خوفا عليها ولكنها تذهب مع السائق [السُّؤَالُ] ـ[شخص والدته محبة للخير، ولذا تشق على نفسها بكثرة الطاعات من صيام وقيام مما يسبب لها التعب والمرض، وقد نصحها الأطباء فلم تستجب؟ ولذا فإنه لا يوصلها إلى المسجد الحرام إذا طلبت كنوع من الاحتجاج على فعلها، ومع ذلك فهي تلجأ إلى السائق ليقوم بتوصيلها. فما رأيكم في تصرفها وفي تصرفه معها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "ليس من المشروع، بل ولا من المطلوب من المرء أن يتعبد لله تعالى بعبادات تشق عليه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما وقد قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنه يقوم الليل ولا ينام، ويصوم النهار ولا يفطر، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ) رواه مسلم (1159) . فالإنسان نفسه عنده أمانة، يجب عليه أن يرعاها حق رعايتها. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اكْلَفُوا مِنْ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا) . وإذا كان الإنسان في الشيء الواجب يقول الرسول صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين رضي الله عنه: (صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ) رواه البخاري (1117) . ولما رفع الصحابة رضي الله عنهم أصواتهم بالذكر قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ) رواه البخاري (2992) أي: لا تكلفوها، امشوا بطمأنينة، كما يمشي الناس في الربيع، والناس في الربيع يمشون بطمأنينة لا يستعجلون في المشي حتى ترتع الإبل، ولا تتكلف المشي. فنقول لهذه المرأة – نسأل الله تعالى أن يزيدها من فضله رغبة في طاعته – نقول لها: ينبغي لها أن تتمشى في طاعة الله على ما جاء في شريعة الله عز وجل، وألا تكلف نفسها، وأن تتقي الله في نفسها، وأن لا تشق على نفسها لا بالصيام ولا بالقيام ولا بغيره. وأما ركوبها مع السائق وحدها فهذا محرم، لأنه لا يجوز للمرأة أن تخلو برجل غير محرم لها في السيارة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ) رواه البخاري (5233) وهذا النهي عام، أما السفر فلا تسافر المرأة بلا محرم، ولو كان معها غيرها. فهنا أمران: خلوة وهي حرام في الحضر والسفر، وسفر وهو حرام إلا بمحرم. فهذه المرأة تقع فيما حرم الله عز وجل لإدراك أمر ليس بواجب عليها. أما بالنسبة لامتناع الابن عن إيصالها إلى المسجد الحرام فإن هذا إذا كان قصده لعلها تمتنع فهذا طيب، لكن المشكلة أنها مصرة على الذهاب، فأرى أن لا يمتنع ما دامت إذا لم يذهب بها طلبت من السائق أن يذهب معها، وهو غير محرم، فالذي أرى، ألا يمتنع إذا كانت مصممة على الذهاب" انتهى باختصار. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" فتاوى الصيام (127- 130) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106453 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3743 هل تجوز عمرة بناتها بلا محرم؟ [السُّؤَالُ] ـ[أريد السفر للعمرة مع أولاد أخي ومعي بناتي فهل تجوز عمرة بناتي؟]ـ [الْجَوَابُ] يجوز أن تسافري للعمرة مع أبناء أخيك لأنهم محارم لك. وأما بناتك فإن كن بالغات فلا يجوز لهن السفر من غير محرم؛ لما روى البخاري (1729) ومسلم (2391) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ، فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا، وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ. فَقَالَ: اخْرُجْ مَعَهَا) . ولا فرق بين سفر المرأة للحج أو للعمرة أو لغير ذلك، فالجميع يشترط له المحرم؛ لعموم الأحاديث، بل ولما جاء في هذا الحديث من أن المرأة خرجت للحج، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم زوجها أن يخرج معها ويدع الجهاد. وإذا لم تجد المرأة محرما، لم تجب عليها العمرة ولا الحج. وإذا خرجت بلا محرم، كانت آثمة بذلك. وينظر جواب السؤال رقم (25841) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105440 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3744 هل يكفي أن يوصلها زوجها إلى المطار ويستقبلها أخوها في بلدها؟ [السُّؤَالُ] ـ[أعيش أنا وزوجتي وأولادي في فرنسا لأسباب ما، لا أستطيع زيارة العائلة في بلدي هذا الصيف، ولكن زوجتي مصرة على الذهاب وحدها مع الأولاد (3 سنوات وسنة ونصف) رغم علمها بعدم جواز ذلك متعللة بصلة الرحم. 1- هل إذا أوصلتها إلى المطار وكان بانتظارها أخوها.هل هذا جائز؟ 2- ماذا علي أن أعمل إذا أصرت على الذهاب؟ مع العلم أني بإمكاني منعها ولكن سيؤدي إلي وقوع بعض المشاكل]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز للمرأة أن تسافر بلا محرم، سواء كان السفر سفرَ قربة كالحج وزيارة الوالدين وبرهما أو سفراً مباحا كالسياحة وغير ذلك، والدليل على ذلك ما يلي: 1- قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ وَلا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ فَقَالَ اخْرُجْ مَعَهَا) رواه البخاري (1862) . وروى مسلم (1339) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ) وقد رويت أحاديث كثيرة في النهي عن سفر المرأة بلا محرم وهي عامة في جميع أنواع السفر. 2- ولأن السفر مظنة التعب والمشقة، والمرأة لضعفها تحتاج لمن يؤازرها ويقف إلى جوارها، وقد ينزل بها ما يفقدها صوابها، ويخرجها عن طبيعتها، في حال غياب محرمها، وهذا مشاهد معلوم اليوم لكثرة حوادث السيارات وغيرها من وسائل النقل. وأيضا: سفرها بمفردها يعرضها للإغراء والمراودة على الشر، لاسيما مع كثرة الفساد، فقد يجلس إلى جوارها من لا يخاف الله، ولا يتقيه، فيزين لها الحرام. فمن تمام الحكمة أن تصاحب محرما في سفرها؛ لأن الهدف من وجود محرمها حفظُها وصيانتها والقيام بأمرها، والسفر عرضة لوقوع الأشياء الطارئة بغض النظر عن المدة. قال النووي رحمه الله: " فَالْحَاصِل أَنَّ كُلّ مَا يُسَمَّى سَفَرًا تُنْهَى عَنْهُ الْمَرْأَة بِغَيْرِ زَوْج أَوْ مَحْرَم " اهـ. وقد حكى غير واحد من العلماء اتفاق الفقهاء على منع سفر المرأة بلا محرم، إلا في مسائل مستثناة. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " قال البغوي: لم يختلفوا في أنه ليس للمرأة السفر في غير الفرض (الحج الواجب) إلا مع زوج أو محرم، إلا كافرة أسلمت في دار الحرب أو أسيرة تخلصت. وزاد غيره: أو امرأة انقطعت من الرفقة فوجدها رجل مأمون فإنه يجوز له أن يصحبها حتى يبلغها الرفقة " انتهى من "فتح الباري" (4/76) . وسفر المرأة إلى الحج الواجب بلا محرم، اختلف العلماء في جوازه، والصحيح من أقوال العلماء: أنه لا يجوز، وسبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (34380) ولا يكفي ما ذكرت من إيصال الزوجة إلى المطار واستقبال أخيها لها في البلد الآخر، بل لابد من مرافقة الزوج أو المحرم لها طول السفر. وعلى الزوجة أن تطيع زوجها، لا سيما إذا كان يأمرها بما هو طاعة لله تعالى، وينهاها عما هو معصية له سبحانه. وعليك أن تبين لها الحكم الشرعي، وأن المؤمن ليس له اختيار مع حكم الله تعالى أو حكم رسوله. قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) الأحزاب/36. وقال تعالى: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) النور/51. وليكن ذلك بالرفق واللين، دون الشدة والعنف. ونسأل الله لكما التوفيق والسداد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 102494 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3745 هل تذهب مع أمها للعمرة بلا محرم أو تبقى بمفردها في البيت [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لفتاة في سن 26 عام أن تذهب لأداء العمرة مع والدتها وصحبة آمنة، فليس لها محرم كأخ أو أب أو زوج، مع العلم أنها ترغب في أداء العمرة حتى لو لم تكن واجبة عليها بسبب عدم وجود محرم، وهي كذلك ستضطر للجلوس وحدها إذا سافرت أمها للعمرة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المرأة التي لا تجد محرماً تسافر معه لا يجب عليها الحج ولا العمرة، وهي معذورة في ترك ذلك، ويحرم عليها السفر للحج أو لغيره من غير محرم، وعليها أن تصبر حتى ييسر الله لها محرما يسافر معها. وسبل الخير كثيرة، فإذا لم يستطع المسلم فعل بعض العبادات، فإنه يجتهد فيما يستطيعه من العبادات حتى يوفقه الله وييسر له ما لا يستطيعه من العبادات. ومن فضل الله تعالى على عباده المؤمنين أن العبد إذا عزم على فعل طاعة ولكنه لم يستطع فعلها لعذر، فإنه يثاب الفاعل لها روى البخاري (4423) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَدَنَا مِنْ الْمَدِينَةِ فَقَالَ: (إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلا كَانُوا مَعَكُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ قَالَ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ) . جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (11 / 90) : " المرأة التي لا محرم لها لا يجب عليها الحج؛ لأن المحرم بالنسبة لها من السبيل، واستطاعة السبيل شرط في وجوب الحج، قال الله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً) ، ولا يجوز لها أن تسافر للحج أو غيره إلا ومعها زوج أو محرم لها؛ لما رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم "، فقام رجل فقال: يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجَّة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، قال: " انطلِق فحج مع امرأتك "، وبهذا القول قال الحسن والنخعي وأحمد وإسحاق وابن المنذر وأصحاب الرأي، وهو الصحيح؛ للآية المذكورة، مع عموم أحاديث نهي المرأة عن السفر بلا زوج أو محرم، وخالف في ذلك مالك والشافعي والأوزاعي، واشترط كل منهم شرطاً لا حجة له عليه، قال ابن المنذر: تركوا القول بظاهر الحديث، واشترط كل منهم شرطاً لا حجة له عليه " انتهى. وكما لا يجوز للفتاة السفر بلا محرم، لا يجوز لوالدتها أيضا، وعليها أن تتقي الله تعالى، وأن تبقى مع ابنتها، فإن أصرت على الذهاب، وترتب على ذلك بقاء البنت لوحدها، فإن كان بقاؤها في مكان آمن، فلا إشكال، وإن خيف عليها البقاء بمفردها، فلعل هذا يكون عذرا في ذهابها مع والدتها للضرورة، والإثم على أمها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 99539 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3746 لا يجوز للمرأة أن تسافر للحج إلا مع محرم [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمرأة أن تذهب للحج أو العمرة مع مجموعة من الناس أو مجموعة من النساء إذا لم يوجد محرم ليذهب معها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: اختلف العلماء قديماً وحديثاً في هذه المسألة فقال بعضهم: يجوز للمرأة إن أمنت الطريق وكانت مع رفقة مأمونة أن تحج من غير محرم. وقال بعضهم: لا يجوز لها السفر إلا بمحرم يحميها ولو كانت في رفقة مأمونة، وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد، واستدلوا بما يلي: أ. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم، فقال رجل: يا رسول الله، إني أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا وامرأتي تريد الحج، فقال: اخرج معها) رواه البخاري (1763) ومسلم (1341) . ب. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم عليها) رواه البخاري (1038) ومسلم (133) . وعند البخاري (1139) ومسلم (827) من حديث أبي سعيد: (مسيرة يومين) . قال ابن حجر: " وقيده في حديث أبي سعيد فقال: (مسيرة يومين) وفي حديث أبي هريرة مقيداً بـ (مسيرة يوم وليلة) وعنه روايات أخرى، وحديث ابن عمر فيه مقيداً بـ " ثلاثة أيام "، وعنه روايات أخرى أيضاً. وقد عمل أكثر العلماء في هذا الباب بالمطلق لاختلاف التقييدات. وقال النووي: ليس المراد من التحديد ظاهره بل كل ما يسمى سفراً فالمرأة منهية عنه إلا بالمحرم، وإنما وقع التحديد عن أمر واقع فلا يعمل بمفهومه، وقال ابن المنير: وقع الاختلاف في مواطن بحسب السائلين " انتهى. " فتح الباري " (4 / 75) . ثانياً: استدل القائلون بعدم وجوب المحرم بما يلي: أ. عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: (بينا أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة ثم أتاه آخر فشكا قطع السبيل فقال: يا عدي هل رأيت الحيرة؟ قلت: لم أرها وقد أنبئت عنها. قال: فإن طالت بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدا إلا الله، قال عدي: فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله) رواه البخاري (3400) . والظعينة: هي المرأة. ويجاب عن هذا الاستدلال بأن هذا إنما هو خبر من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوقوع هذا الأمر، ولا يعني الإخبار بحصول أمر ما أنه يكون جائزاً، بل قد يكون جائزاً، أو غير جائز، حسب الأدلة الشرعية، كما أخبر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن انتشار شرب الخمر والزنا وكثرة القتل قبل قيام الساعة، وهي أمور محرمة من كبائر الذنوب. فالمقصود من الحديث: أنه سينتشر الأمن، حتى إن بعض النساء تجترئ وتسافر وحدها من غير محرم، وليس المقصود أن سفرها بلا محرم جائز. قال النووي رحمه الله " لَيْسَ كُلّ مَا أَخْبَرَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَوْنِهِ مِنْ عَلامَات السَّاعَة يَكُون مُحَرَّمًا أَوْ مَذْمُومًا , فَإِنَّ تَطَاوُلَ الرِّعَاءِ فِي الْبُنْيَان. وَفُشُوَّ الْمَالِ , وَكَوْنَ خَمْسِينَ اِمْرَأَةً لَهُنَّ قَيِّمٌ وَاحِدٌ لَيْسَ بِحَرَامٍ بِلا شَكٍّ , وَإِنَّمَا هَذِهِ عَلامَات وَالْعَلامَة لا يُشْتَرَط فِيهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ; بَلْ تَكُون بِالْخَيْرِ وَالشَّرّ وَالْمُبَاح وَالْمُحَرَّم وَالْوَاجِب وَغَيْره وَاَللَّه أَعْلَمُ " انتهى. وينبغي أن يعلم أن اختلاف العلماء في اشتراط المحرم لسفر المرأة إلى الحج إنما هو في حج الفريضة، أما النافلة فقد اتفق العلماء على أنه لا يجوز لها السفر إلا مع محرم أو زوج، كما في "الموسوعة الفقهية" (17/36) . وقد قال علماء اللجنة الدائمة: " المرأة التي لا محرم لها لا يجب عليها الحج، لأن المحرم بالنسبة لها من السبيل، واستطاعة السبيل شرط في وجوب الحج، قال الله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) آل عمران / 97. ولا يجوز لها أن تسافر للحج أو غيره إلا ومعها زوج أو محرم لها؛ ... وبهذا القول قال الحسن والنخعي وأحمد وإسحاق وابن المنذر وأصحاب الرأي، وهو الصحيح؛ للآية المذكورة مع عموم أحاديث نهي المرأة عن السفر بلا زوج أو محرم، وخالف في ذلك مالك والشافعي والأوزاعي، واشترط كل منهم شرطاً لا حجة له عليه، قال ابن المنذر: تركوا القول بظاهر الحديث، واشترط كل منهم ما لا حجة له عليه " انتهى. " فتاوى اللجنة الدائمة " (11 / 90، 91) . وقالوا أيضاً: " الصحيح أنها لا يجوز لها أن تسافر للحج إلا مع زوجها أو محرم لها من الرجال، فلا يجوز لها أن تسافر مع نسوة ثقات غير محارم، أو مع عمتها أو خالتها أو أمها بل لا بد من أن تكون مع زوجها أو محرم لها من الرجال. فإن لم تجد من يصحبها منهما فلا يجب عليها الحج ما دامت كذلك " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (11 / 92) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 3098 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3747 أذِن لها زوجها في السفر لحج النافلة ثم تراجع فهل تسافر دون إذنه؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا متزوجة منذ أربع سنوات، ولكني لم أشعر بالسعادة يوماً طوال هذه الزيجة، لقد ارتكبت بعض الأخطاء التى تعلمت منها، لكن زوجي لم يغفر لي هذه الأخطاء، فهو أقرب لكونه ديكتاتوراً منه كزوج، قامت إحدى الصديقات بدفع مصاريف الحج ولكني لم أقبلها إلا بعد الحصول على إذن من زوجى لأنها ليست حجة الفريضة، ولكنه قام بالتراجع عن هذا الإذن بعد عمل جميع الترتيبات بسبب بعض الخلافات البسيطة التى بيننا، الآن إذا لم أذهب للحج ستغضب صديقتي لأنه قد تم غلق الباب أمام إصدار تأشيرة أخرى لشخص آخر. فهل لزوجي الحق في أن يفعل ذلك أم أنه يسيء استخدام سلطته كزوج؟ برجاء تقديم الإرشاد.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الواجب على الزوج أن يتقي الله في معاملته لزوجته، وأن يعاشرها بالمعروف، وإن كان كره منها خلُقاً فليعلم أن لها أخلاقاً أخرى تستحق رضاه عنها، وعليه أن يعلم أنه هو لا يسلم من الخطأ والزلل، فليعفُ عن خطئها، وليصفح عن زللها إن هي تابت لربها وأنابت، وليحسن معاملتها حتى يجعل الله تعالى بينه وبين زوجته مودة ورحمة. ثانياً: لا يحل للمرأة أن تسافر للحج أو لغيره إلا مع ذي محرَم، ولم يرِد في سؤالك أية إشارة إلى وجود محرم معك أو عدم وجوده، فإن لم يكن معك محرم في السفر فلا يجوز لك السفر سواء أذن زوجك أو لم يأذن، ولو كان ذلك في حج الفريضة. قال علماء اللجنة للإفتاء: " قد تقرر في الشرع المطهر تحريم سفر المرأة بلا محرم؛ للأدلة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن ذلك، وهذا يعم أي سفر كان، سواء لغرض مباح، أم واجب، أم مسنون، وقد صدرت منا فتوى في تقرير ذلك برقم (16042) هذا نصها: " لا يجوز للمرأة المسلمة أن تسافر بدون محرم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم) رواه أحمد والبخاري ومسلم، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو يخطب (لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، فقام رجل فقال: إن امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، فقال: انطلق فحج مع امرأتك) رواه أحمد والبخاري ومسلم. فالمرأة ممنوعة من كل ما يسمَّى سفراً، إلا إذا كان معها محرم يصونها ويحفظها ويقوم بمصالحها، والمحرم هو: زوجها، أو من تحرم عليه على التأبيد، لقرابة، أو رضاع، أو مصاهرة: كأبيها، وابنها، وأخيها، وابن أخيها، وعمها، وخالها، وأبي زوجها، وابن زوجها، وابنها من الرضاع، أو أخيها من الرضاع، ونحوهم، وسواء كانت المرأة شابة، أو عجوزاً، وسواء كانت وحدها، أو مع نساء، ومجموعة النساء لا تكفي عن المحرم؛ لعموم الأحاديث؛ ولعدم انتفاء المحذور. فالواجب على النساء وعلى أوليائهن تقوى الله، والمحافظة على أوامر الله ورسوله، وترك ما نهى الله عنه ورسوله، خصوصا في المحافظة على الحياء والعفة، وتجنب وسائل الشر والفساد، ولا يجوز أن يحملهم الطمع في الدنيا على التساهل في هذا الأمر ". لهذا: فإنه لا يجوز سفر المرأة لأداء فريضة الحج من غير محرم لها، ويجب منع أصحاب حملات الحج من ذلك؛ حذراً من إثم الوقوع فيما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وسدّاً لأبواب الشر والفساد، والله سبحانه وتعالى يقول: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) ، والمرأة من شروط استطاعتها: وجود محرمها، وبذله نفسه للسفر بها، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ بكر أبو زيد. " فتاوى اللجنة الدائمة " (17 / 334 – 336) . ثالثاً: كما ينبغي أن تعلمي أنه لا يجوز لك للمرأة أن تسافر إلا بإذن الزوج، وقد اتفق العلماء على أنه لا يجوز للمرأة الذهاب لحج النافلة إلا بإذن زوجها. قال ابن قدامة – رحمه الله -: فأما حج التطوع: فله منعها منه، قال ابن المنذر: أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم أن له منعها من الخروج إلى الحج التطوع. وذلك لأن حق الزوج واجب، فليس لها تفويته بما ليس بواجب. " المغني " (3 / 192) . ولا يجوز لك السفر للحج – ولو وجد المحرَم – إذا كان زوجك قد تراجع عن إذنه. ولا ينبغي للزوج أن يمنع زوجته من سفر الطاعة إن كان منعه لها من غير سبب شرعي، وهو شريك في الأجر الذي تحصله إن أذن لها، فإن أعانها ازداد أجره. وقد ذكر ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (3/283) : أن الزوج إذا أذن لزوته بالحج نافلة، فله الرجوع في الأذن قبل أن تحرم، فإن أحرمت لم يجز له الرجوع في الإذن. وعليك أن تعتذري لصديقتك وتبيني لها سبب عدم سفرك معها، وأن ذلك طاعة لله تعالى وفراراً من معصيته، وليس للمسلم أن يقدم إرضاء مخلوق كائناً من كان على إرضاء الله تعالى. نسأل الله تعالى أن ييسر أمرك، ويصلح ما بينك وبين زوجك. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96670 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3748 الشروط المعتبرة في المحرم الذي يصح معه السفر، وتندفع به الخلوة [السُّؤَالُ] ـ[هل أمر المحرم متوقف على العمر؟ أي أنه بعد عمر محدد (مثلا 0 إلى 9، 10 أو السبعينات والثمانينات إلخ) هل تنطبق شروط المحرم؟ ما هو حكم المحرم في الجنائز؟ (أي زيارة الجنازة إلخ) هل تنطبق نفس الشروط؟ أرجو الشرح.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله وبعد: فهذا السؤال يتضمن ثلاثة أمور: الأول: العمر المعتبر في الشخص حتى يصح أن يكون محرما للمرأة. فيقال: أما المحرم الذي يصح أن تسافر معه، فيشترط أن يكون: (مسلما، ذكرا بالغا، عاقلا) يحرم عليها على التأبيد كالأب والأخ والعم والأخ من الرضاع وأبي الزوج ... الخ الثاني: الخلوة بالأجنبية وأما بالنسبة للخلوة بالمرأة الأجنبية (داخل البلد) فإنها تندفع بوجود المحرم البالغ أو الكبير الذي يستحيا منه، ولا يكتفى بالطفل الصغير، كما تندفع الخلوة بوجود امرأة أخرى أو رجل آخر بشرط عدم الريبة، وأمن الخطر. (الفتاوى الجامعة للمرأة 3 / 935،938) . قال النووي رحمه الله (9 / 109) : " وأما إذا خلا أجنبي بالأجنبية من غير ثالث معهما فهو حرام باتفاق العلماء، وكذا لو كان معها من لا تستحي منه لصغره، لا تزول به الخلوة المحرمة " وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: " ولابد أن يكون الشخص الذي تزول به الخلوة كبيرا، فلا يكفي وجود الطفل، وما تظنه بعض النساء أنه إذا استصحبت معها طفلا زالت الخلوة ظن خاطئ (مجموع الفتاوى 10/ 52) . الثالث: زيارة النساء للقبور أما بالنسبة لزيارة المرأة للقبور فإن الصحيح من قولي العلماء أن زيارة القبور لا تجوز للنساء ويراجع السؤال رقم (8198) والسؤال رقم (14522) . نسأل الله أن يجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن.. آمين. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 22369 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3749 والدتها تطلبها لرؤيتها وهي لا تستطيع السفر إليها [السُّؤَالُ] ـ[أقيم في بلد غربي منذ 11 عاما بعيدا عن والديّ، وقد توفي أبي، وأمي وأخواتي الأربع يقمن في العراق، ولدي 8 أطفال سنهم يتراوح بين سنتين وثلاث عشرة سنة، وأمي مسنة ومريضة وهي تتصل بي دائما وتطلب مني أن أعود لبلدي لأراها قبل أن تموت، والعودة صعبة لأني لا أستطيع أن أترك أطفالي وحدهم، وزوجي لا يوافق على عودتي وتركي أولادي وحدهم، وليس لي محرم أسافر معه، وأنا أرسل لأمي نقودا، وأتصل بها كثيرا وأبكي دائما، وأنا أعلم أن عليّ أن أرضي أمي، ولكني لا أستطيع أن أترك أطفالي في بلد كافر، وزوجي يعمل بالنهار والليل، وليس لي أقارب هنا، ولا أدري ماذا أفعل، هل أطيع أمي وأترك أولادي وأعود إلى بلدي دون إذن زوجي؟ أم أطيع زوجي وأبقى مع أولادي؟ أرجو الإجابة بأسرع ما يمكن والسلام عليكم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أسأل الله تعالى المعافاة التامة لوالدتك، وأن يجمع بينكما على الخير والسعادة والعافية في الدنيا والآخرة. وأبشرك – أختي الكريمة – بأن الله سبحانه وتعالى حين يعلم منك حب الوفاء لوالدتك والسعي لتحقيق مرضاتها وطلب رضاها والعمل على برها سيكتب لك ثواب ذلك كله بمنه وكرمه وفضله. ومفتاح الأمر الصبر، إذ به تنال الرغبات وتفرج الكربات، فلعل الله سبحانه وتعالى ابتلاكم بهذا الفراق كي يرى منكم الصبر والتصبر، ثم يكون فرجه بأن ييسر أمر اجتماعكم من حيث لم تحتسبوا، وينعم عليك بقرب والدتك ولو بعد حين. إلا أنه لا يفوتني تنبيهك على بعض الأحكام الشرعية المهمة في هذا الشأن: 1- التذكير والتأكيد على حرمة سفر المرأة من غير محرم. قال البغوي: " لم يختلفوا في أنَّه ليس للمرأة السفر في غير الفرض إلا مع زوج أو محرم " انتهى. نقله في "فتح الباري" (4/76) وقد سبق بيان ذلك في موقعنا في أجوبة الأسئلة الآتية: (9370) ، (25841) ، (47029) ، (52703) ، (82392) 2- من حق الزوج أن يمنع زوجته من السفر لزيارة والديها إذا كان يترتب على سفرها بعض المفاسد، مثل الخوف على الأبناء، أو الخوف على حياة الزوجة إذا عدم الأمان في البلد الذي ستسافر إليه، أو عدم توفر محرم وانشغال الزوج بعمله، وحينئذ لا يجوز للمرأة أن تخالف زوجها فتسافر من غير إذنه، وقد نقل ابن المنذر الإجماع: على أن للرجل منع زوجته من الخروج في الأسفار كلها. وإنما اختلفوا في السفر لحج الفريضة. انظر "فتح الباري" (4/77) ، هذا في الأسفار التي يترتب عليها المفاسد السابقة. فإن أمنت جميع هذه المفاسد، وتوفر المحرم، فلا يجوز للزوج حينئذ أن يمنعها من بر والديها وزيارتهم بما يحقق المقصود، فإن بر الوالدين من أوجب الواجبات، ولا شك أن من البر زيارة الوالدة المريضة التي تسأل ابنتها أن تراها قبل أن يحل أجلها وقد طال غيابها عنها. جاء في "الموسوعة الفقهية" (19/110) : " ولا ينبغي للزّوج منع زوجته من عيادة والديها وزيارتهما؛ لأنّ في منعها من ذلك قطيعةً لهما، وحملاً لزوجته على مخالفته، وقد أمر الله تعالى بالمعاشرة بالمعروف، وليس هذا من المعاشرة بالمعروف " انتهى. وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (25/387) : " يجب على الزوج أن يحسن عشرة زوجته، امتثالا لقول الله تعالى: (وعاشروهن بالمعروف) ومن العشرة بالمعروف الإذن للزوجة بزيارة أهلها وإيصالها إليهم، ولا يكون سوء التفاهم لا سيما في الأمور الدنيوية حائلا دون ذلك، أما إذا كان يترتب على زيارة الزوجة لأهلها مفسدة فإن للزوج أن يمنع الزوجة من الزيارة؛ لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح " انتهى. فإن أصر الزوج على منع زوجته من زيارة الوالدين، فهل يجوز لها أن تخالفه وتخرج لزيارتهم؟ اختلف في ذلك أهل العلم على قولين سبق ذكرهما في موقعنا في جواب السؤال رقم (83360) . ونحن لا نختار للمرأة أن تخالف زوجها فتخرج من بيته بغير إذنه، لما في ذلك من المفاسد العظيمة على البيت والأسرة والعلاقة بين الزوجين، ودرء هذه المفسدة أولى من جلب المصلحة في زيارة الوالدين، خاصة وأن التأني ومحاولة التفاهم مع الزوج كي يسمح ويساعد في سفر المرأة لرؤية والدتها أمر قريب ممكن، ومع حسن الأدب والحوار والخطاب بالخير والحسنى يلين الله القلوب بإذنه، ويعطفها إلى الوفاق إن شاء الله تعالى. وانظري سؤال رقم (1426) (10680) 3- ونذكركم أيضا بما سبق تقريره في موقعنا تحت رقم (11793) ، (14235) ، (27211) من التحذير من الإقامة في بلاد الكفار، لما في ذلك من المفاسد العظيمة على الدين والأخلاق، نرجو الاطلاع عليها والاستفادة منها، فإن دين المسلم رأس ماله، ولا يجوز له أن يفرط فيه فيضيع نفسه وأبناءه مقابل دراهم يتلقاها من بلاد الكفر والرذيلة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 91975 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3750 هل للمدرس إعادة الامتحان لتحسين درجات الطلاب؟ [السُّؤَالُ] ـ[إحدى الطالبات تقول: نحن بالمدرسة اختبرنا رياضيات والعلامات اللي حصلنا عليها قليلة فطلبنا من المعلمة أنها تعمل لنا إعادة امتحان تحسين فرفضت بحجة أن أحد الشيوخ أفتى لها بأن التحسين حرام فما رأيك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا لم يترتب على عملية الإعادة مخالفة لنظام المدرسة، أو ظلم لغيركم، فلا حرج في ذلك، والظلم هنا تارة يكون للفصول الأخرى الموجودة بالمدرسة، إذا لم تعط فرصة الإعادة أيضا، وتارة يكون لبعض طلاب الفصل نفسه، أو الفصول الأخرى، ممن حصّل درجة مرضية، ويكون في إعادته للامتحان تكليف وإرهاق له، أو احتمال نقص درجاته. فإذا أمكن إعادة الامتحان من غير وقوع في الظلم، فلا حرج حينئذ، وبعض أنظمة التعليم تسمح لمن شاء من الطلبة من إعادة الاختبار، وتسجل له الدرجة الأعلى من الاختبارين. وإذا كان نظام المدرسة يمنع الإعادة، فلابد من إذن الإدارة وموافقتها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 85190 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3751 لديها مال يكفي للحج ولا تجد محرما [السُّؤَالُ] ـ[أنا آنسة من المغرب أبلغ من العمر 35 سنة، توفر لدي قدر من المال (لا أظن أني سأملك مثله يوما ما) ، بعد تفكير طويل لم أجد خيرا من صرفه في الذهاب إلى بيت الله الحرام، لأداء فريضة الحج علما أني أتشوق لزيارة ذلك المقام، هذه هي أمنيتي في الحياة وأتمنى أن لا يحرمني الله من هذا الأمل , المشكلة هي أنني لا أتوفر على محرم، أخي لا يمكنه الذهاب نظرا لضائقته المالية وكذلك والدي. أرجو منكم أن ترشدوني وتجدوا لي حلا لهذه المشكلة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز للمرأة أن تسافر بدون محرم، ولو كان سفرها للحج الواجب أو العمرة الواجبة، لما روى البخاري (1729) ومسلم (2391) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، وَلا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ. فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا، وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ. فَقَالَ: اخْرُجْ مَعَهَا) . فلهذا الحديث وغيره من الأحاديث التي تدل على تحريم سفر المرأة بلا محرم ذهب جماعة من العلماء إلى أن وجود المحرم شرط لوجوب الحج على المرأة، فإذا لم تجدي محرما يسافر معك، فالحج غير واجب عليك، وأنت معذورة، مأجورة على نيتك إن شاء الله. وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله عن امرأة موسرة , لم يكن لها محرم , هل يجب عليها الحج؟ فقال: لا. "المغني" (3/97) . وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: إن لي مشكلة أريد أن أجد لها حلاً من عند الله الرحيم بعباده، وهي خاصة بأمر تأديتي لفريضة الحج. فأنا امرأة في الخمسين من عمري، وأريد من فترة سنتين أن أسافر لأداء فريضة الحج، والذي يعوق سفري هو أنني ليس لي محرم لكي يسافر معي، فزوجي لا هم له سوى الأموال والدنيا ولا ينوي السفر للحج، اللهم إلا إن كانت منحة من الشركة التي يعمل بها، وهذا أمر لن يتأتى له إلا حينما يأتي دوره وأخاف أن يأتيني الأجل وأكون مقصرة في ذلك، وقد ملكت الزاد والراحلة ... خلاصة الأمر: أن محارمي جميعاً لا يستطيعون السفر معي لمشاغلهم، وعدم إمكانية السفر. فأجابوا: " إذا كان الواقع كما ذكر - من عدم تيسر سفر زوجك أو محرم لك معك لتأدية فريضة الحج - فلا يجب عليك ما دمت على هذه الحال؛ لأن صحبة الزوج أو المحرم لك في السفر للحج شرط في وجوبه عليك، ويحرم عليك السفر للحج وغيره بدون ذلك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) متفق على صحته. واجتهدي في الأعمال الصالحات التي لا تحتاج إلى سفر، واصبري رجاء أن ييسر الله أمرك، ويهيئ لك سبيل الحج مع زوج أو محرم " انتهى باختصار. "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/95) . نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83762 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3752 هل حجت زوجات النبي صلى الله عليه وسلم بدون محرم؟ [السُّؤَالُ] ـ[زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم حججن أكثر من مرة بعد وفاته، فهل يمكن لهذا أن يكون دليلا على جواز حج المرأة بدون محرم ولكن مع مجموعة نساء معهم محارمهم؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصحيح من أقوال أهل العلم هو مذهب الحنفية والحنابلة القائلين بعدم جواز سفر المرأة للحج أو غيره من غير محرم؛ وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تُسَافِر الْمَرْأَةُ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ) رواه البخاري (1862) ومسلم (1341) . وقد سبق بيان ذلك في أجوبة الأسئلة: (3098) و (34380) و (47029) . إلا أن بعض أهل العلم كالشافعية، والمالكية، وبعض السلف، قالوا بجواز سفر المرأة للحج من غير محرم إذا وجدت الرفقة المأمونة. واستدلوا بما ذكره السائل من أن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم حججن من غير محرم، وذلك فيما أخرجه البخاري رحمه الله (1860) أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أذِن لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حجة حجها، فبعث معهن عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف. وللعلماء أصحاب القول الأول عدة أجوبة على هذا الاستدلال، فمن ذلك: 1. قالوا: ليس في الحديث أنه لم يكن معهن محرم، فلعل محارمهن كانوا معهن في قافلة الحج نفسها، وبعثُ عمرَ بنِ الخطاب معهنَّ عثمانَ بن عفان وعبدَ الرحمن بن عوف زيادةٌ في الإكرام والاطمئنان، ولا يُظن بالصحابة مخالفة نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن سفر المرأة من غير محرم، خاصة وقد جاء في بعض الروايات – وإن كان في سندها مقال – ما يدل على وجود محارمهن. فقد روى ابن الجوزي في " المنتظم " في حوادث سنة (23 هـ) عن أبي عثمان وأبي حارثة والربيع بإسنادهم قالوا: حجَّ عمر بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم معهن أولياؤهن ممَنْ لا تحتجبن منه، وجعل في مقدم قطارهن: عبد الرحمن بن عوف، وفي مؤخره: عثمان بن عفان.. الخ. ثم إنه يبعد جدا ألا يكون معهن أحد من محارمهن، مع كثرة المسافرين للحج معهن من المدينة، فالغالب أنه لن يخلو الأمر من أخ أو جد أو خال أو عم أو أحد المحارم من الرضاعة، وقد كانت الرضاعة كثيرة في ذلك الوقت. 2. ثم على فرض أنه لم يكن معهن محرم: فهو اجتهاد منهن، ومعلوم أن اجتهاد الصحابي لا يُقبل إذا خالف نصّاً صحيحاً عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال الصنعاني رحمه الله: " ولا تنهض حجة على ذلك؛ لأنه ليس بإجماع ". " سبل السلام " (2 / 930) . 3. وأجاب فريق ثالث من أهل العلم بخصوصية ذلك بزوجات النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنهن أمهات المؤمنين، وجميع الرجال محارم لهن. قال أبو حنيفة رحمه الله: "كان الناس لعائشة محرماً، فمع أيهم سافرت فقد سافرت بمحرم، وليس الناس لغيرها من النساء كذلك " انتهى. " عمدة القاري " (10 / 220) . إلا أن جواب أبي حنيفة هذا غير مُسَلَّم؛ لأن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم في مقام أمهات المؤمنين في تحريم النكاح، وليس في المحرمية، وإلا فلو كن أمهاتٍ للمؤمنين في المحرمية أيضا لجاز لهن خلع الحجاب أمامهم والخلوة بهم ونحو ذلك من أحكام المحرمية، وذلك ما لم يقل به أحد. يقول ابن تيمية في " منهاج السنة " (4 / 207) عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: " إنهن أمهات المؤمنين في التحريم دون المحرمية " انتهى. والمعتمد في الجواب هو الجواب الأول. والحاصل: أنه لا يجوز أن تُرد الأحاديث الصحيحة الصريحة بما يستنبط من بعض أفعال الصحابة المحتملة، والواجب هو اتباع ما ثبت وليس ما هو محتمل. سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: يقولون إن عائشة رضي الله عنها حجت مع عثمان بدون محرم؟ فأجاب: "هذا يحتاج إلى دليل، لا يجوز أن يقال: حجت بدون محرم بغير دليل، لا بد أن يكون معها محرم، فعندها أبناء أخيها، عندها عبد الرحمن أخوها، عندها أبناء أختها أسماء، الذي يقول إنها حجت بدون محرم يكون قوله كذباً إلا بدليل، ثم لو فرضنا أنها حجت بدون محرم فهي غير معصومة، كل واحد من الصحابة غير معصوم، الحجة في قال الله وقال رسوله، ما هو بحجة قول فلان أو فلان، ما خالف السنة فلا حجة فيه، الحجة في السنة المطهرة الصحيحة، هذا هو المعروف عند أهل العلم، وهو المجمع عليه. يقول الشافعي رحمه الله: أجمع الناس على أنه من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس. وقال مالك رحمه الله: ما منَّا إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر، (يعني: النبي صلى الله عليه وسلم) . المقصود: أن الواجب على أهل الإسلام والمؤمنين هو الأخذ بالسنَّة، لا يجب أن تعارض لقول فلان أو فلان أو فلانة، ثم لا يظن بعائشة رضي الله عنها وهي الفقيهة المعروفة أفقه نساء العالم، لا يظن بها أن تخالف السنَّة وتحج بغير محرم، وهي التي سمعت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى. " فتاوى الشيخ ابن باز" (25 / 361، 362) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "إذا قال قائل: هذا الحجيج ليس فيه أن معهن محرَماً، فهل يقال هذا خاص بزوجات النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأنهن أمهات المؤمنين، ليس بمحرمية ولكن باحترام. أو يقال المحرم هنا مسكوت عنه، وأُرسل معهن هذان الصحابيان الفاضلان مع المحارم؟ الأول محتمل، والثاني محتمل. فإذا أخذنا بالقاعدة أن يُحمل المتشابه على المُحكم ماذا نقول؟ الجواب: نقول بالاحتمال الثاني ونقول: لابد أن محارمهن معهن لكن جُعل معهن هذان الصحابيان الجليلان تشريفاً وتعظيماً لأمهات المؤمنين رضي الله عنهن " انتهى. " شرح كتاب الحج من صحيح البخاري " (شريط رقم 19، الوجه الثاني) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 81941 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3753 تحريم سفر المرأة بغير محرم وشروط المحرم [السُّؤَالُ] ـ[أمي تريد الذهاب لأداء العمرة إن شاء الله تعالى، وزوجها وإخوتها لا يستطيعون الذهاب معها، وابن عمها وهو أخو زوجها وهو زوج أختها أيضاً سيذهب للحج مع زوجته فهل يجوز لأمي أن تذهب معهما لأداء مناسك العمرة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من صيانة الإسلام للمرأة أنّه أوجب المحرم لسفرها ليحفظها ويصونها من أصحاب الشهوات والأغراض الدنيئة وأن يُعينها لضعفها في السّفر الذي هو قطعة من العذاب، فلا يجوز سفر المرأة بغير محرم لما روى ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إِلا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا وَخَرَجَتِ امْرَأَتِي حَاجَّةً قَالَ اذْهَبْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ) البخاري فتح 3006 ومما يدلّ على وجوب المحرم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أمر هذا الرّجل بترك الجهاد مع أنّه قد كُتب اسمه في إحدى الغزوات، وأنّ سفر المرأة في طاعة وقُربة وهو الحجّ وليس في سياحة أو سفر مشبوه، ومع ذلك أمره أن ينصرف ليحجّ مع امرأته. وقد اشترط العلماء في المحرم خمسة شروط وهي: أن يكون ذكرا – مسلما – بالغا - عاقلا – وأن يحرم عليها تحريما مؤبدا كالأب والأخ والعم والخال وأبي الزوج وزوج الأم والأخ من الرضاع ونحوهم (بخلاف المُحرَم المؤقت كزوج الأخت وزوج العمة وزوج الخالة) . وبناء على هذا فإن أخا زوجها وكذا ابن عمها أو ابن خالها ليسوا من المحارم فلا يجوز لها أن تُسافر معهم. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 316 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3754 بيع تأشيرات الحج [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم بيع تأشيرات الحج التي تستخرج بشِقّ الأنفس؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز للإنسان أن يأخذ تأشيرة لنفسه وهو لا يريد الحج، فإن أخذ تأشيرة لنفسه وهو يريد الحج ثم عدل عن ذلك، فليس له أن يبيعها إلا بنفس التكلفة التي بذلها في سبيل الحصول عليها. ومعنى ذلك أنه لا يجوز أن تتخذ تأشيرات الحج تجارة يستغلّ بها ضعفاء المسلمين والحريصين على الحج، بل ينبغي للمسلم أن يكون معيناً على الخير، وأن يساعد إخوانه المسلمين لا أن يستغلهم والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ: عبد الرحمن البراك. الحديث: 14228 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3755 حكم خروجها من البيت دون إذن زوجها وسفرها دون محرم؟ [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أسأل إلى أي درجة تصل واجبات الزوج تجاه أهل زوجته؟ سؤالي هذا لأنني عانيت مشكلة كبيرة مع زوجي نظراً إلى تعامله السيئ جدّاً مع أمي عندما قامت بزيارتنا (نتيجة لمشاجرة حدثت بين حماتي وأمي) وانتهت بأن زوجي طرد أمي أو ما شابه، وأنا نتيجة إلى هذا اضطررت أن أغادر مع أمي البيت ضد رغبة زوجي في البقاء معه (علما بأنني كنت أقطن في بلد آخر وسافرت مع أمي إلى بلادنا) ومعاملة زوجي لي جيدة غير أنى غضبت من معاملته لها بهذا الشكل، مع أنه تأسف لها في اليوم التالي , لكنها لم تسامحه، فهل تصرفي كان صحيحاً، أم أنني لم أطع زوجي كما وصى الله سبحانه وتعالى؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ينبغي للزوج أن يصل أهل زوجته، ويحسن إليهم، فإن هذا من حسن معاشرة زوجته، وفعله هذا يُدخل السرور إلى قلبها، ويجعله محل احترامها وتقديرها، ويزيد في المحبة والمودة بينهما. قال الله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِ?لْمَعْرُوفِ) النساء/19. قال ابن كثير: " أي: طيِّبوا أقوالَكم لهنَّ، وحسِّنوا أفعالَكم وهيئاتكم حسب قدرتكم كما تحبُّ ذلك منها، فافعل أنت بها مثله كما قال تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ ?لَّذِى عَلَيْهِنَّ بِ?لْمَعْرُوفِ) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) صححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (285) " انتهى. "تفسير ابن كثير" (1/477) . ثانياً: وأما طرد زوجكِ لأمكِ من بيته فقد اعتذر عن ذلك، وينبغي لمن اعتذر له أخوه أن يقبل اعتذاره ويتجاوز عن زلته. ولتعلم المرأة المتزوجة أن طاعة زوجها مقدمة على طاعة والديها، فالرجل لا يقدِّم أحداً على أمه في البرِّ، والزوجة لا ينبغي لها أن تقدِّم أحداً على زوجها في الطاعة؛ وذلك لعِظَم حقه عليها، ومن عظم حق الرجل على المرأة أن الشرع كاد يأمرها بالسجود له لولا أنه لا يجوز لأحد أن يسجد لأحد من البشر. ولا يحق للزوج منع أهل زوجته من زيارة ابنتهم، إلا إن كان يخشى منهم إفساداً لها أو تحريضاً على النشوز، فله – حينئذٍ – منعهم. ثالثاً: وأنتِ قد أخطأتِ مرتين ووقعتِ في مخالفة الشرع فيهما، أما الأولى فهي خروجكِ من البيت من غير إذن زوجك، والثانية هي سفركِ من غير محرَم. أما الخروج من البيت دون إذن الزوج فهو من المحرمات، بل إن الله تعالى منع المرأة المطلقة رجعيّاً أن تخرج من بيتها فكيف إن لم تكن كذلك؟! قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) الطلاق/1. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " وقال زيد بن ثابت: الزوج سيد في كتاب الله , وقرأ قوله تعالى: (وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ) يوسف/25، وقال عمر بن الخطاب: النكاح رق , فلينظر أحدكم عند من يرق كريمته، وفي الترمذي وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٍ عِنْدَكُمْ – أي: أسيرات-) ، فالمرأة عند زوجها تشبه الرقيق والأسير , فليس لها أن تخرج من منزله إلا بإذنه سواء أمرها أبوها أو أمها أو غير أبويها باتفاق الأئمة " انتهى. "الفتاوى الكبرى" (3/148) . قال ابن مفلح الحنبلي: " ويحرم خروج المرأة من بيت زوجها بلا إذنه إلا لضرورة، أو واجب شرعي " انتهى. "الآداب الشرعيَّة" (3/375) . وأما سفر المرأة من غير محرم، فهو حرام، وقد جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال النووي: " فالحاصل أن كل ما يسمى سفراً تُنهى عنه المرأة بغير زوج أو محرم سواء كان ثلاثة أيام أو يومين أو يوماً أو بريداً أو غير ذلك لحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) وهذا يتناول جميع ما يسمى سفراً، والله أعلم " انتهى بتصرف من "شرح مسلم" (9/103) . والبريد: مسافة تقدر بنحو عشرين كيلو متر تقريباً. ونرجو النظر في جواب السؤال (10680) ففيه بيان حقوق الزوج وحقوق الزوجة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69937 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3756 سفر المرأة بغير محرم [السُّؤَالُ] ـ[أعلم أن سفر المرأة بدون محرم لمدة يوم وليلة محرم. هل يجوز للمرأة أن يوصلها المحرم لمكان إقلاع الطائرة ويستقبلها محرم آخر عند النزول من الطائرة؟ المدة كاملة تستغرق 10 ساعات.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز للمرأة أن تسافر من غير محرم لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم) ولأن الهدف من وجوده حفظها وصيانتها والقيام بأمرها ولا سيما حيث يقع شيء من الأمور الإضرارية والسفر عرضة لذلك بغض النظر عن المدة، فما عده الناس سفراً كان كذلك، وتنطبق عليه أحكام السفر حينئذٍ. وللمزيد عن أحكام المحارم أنظر سؤال رقم (5538) . [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 4523 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3757 تريد السّفر للحجّ مع حملة دون محْرم [السُّؤَالُ] ـ[أنا البنت الوحيدة لأهلي، متزوجة ولي بنتان، أعيش مع زوجي في أمريكا، جميع أقاربنا يعيشون في الشرق الأوسط، محرمي الوحيد هو زوجي والذي لا يستطيع أن يسافر خارج أمريكا لأسباب لا أستطيع ذكرها في هذه الرسالة. أريد الحج لأنه لديّ الاستطاعة، فهل يجوز لي السفر للحج مع حملة؟ إذا لا فكيف لي أن أؤدي هذا الركن من أركان الإسلام حيث لا يوجد لي أي محرم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجب الحج على المرأة إلا إذا كانت مستطيعة، ووجود محرم يرافقها هو من الاستطاعة بالنسبة إليها، فإذا لم يتيسر لها محرم تحجّ معه، فهي غير مستطيعة شرعاً، لأن الشرع قد نهاها أن تسافر بغير محرم، وعليه فإن الحج لا يجب عليك إلا إذا وجدت محرماً، فاصبري حتى ييسّر الله لك محرما تحجّين معه، وأنت معذورة ولا إثم عليك في ذلك، وأمّا الذّهاب مع حملة بدون محرم فلا يجوز لما جاء عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ وَلا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ فَقَالَ اخْرُجْ مَعَهَا. " رواه البخاري 1729. وكان الحجّاج يخرجون من المدينة في قافلة مثل الحمْلة ومع ذلك لم يأْذن النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة أن تُسافر بدون محْرم والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 5207 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3758 سفر المرأة مع المرأة بدون محرم [السُّؤَالُ] ـ[هل تعد المرأة محرماً للمرأة الأجنبية في السفر، ونحو ذلك أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليست المرأة محرماً لغيرها، وإنما المحرم: هو الرجل الذي تحرم عليه المرأة بنسب، كأبيها، وأخيها، أو بسبب مباح، كالزوج وأبي الزوج وابن الزوج، وكالأب من الرضاع، والأخ من الرضاع ونحوهم. ولا يجوز للرجل أن يخلو بالمرأة الأجنبية، ولا أن يسافر بها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم) متفق على صحته، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يخلون رجل بامرأة، فإن ثالثهما الشيطان) رواه الإمام أحمد وغيره، من حديث عمر رضي الله عنه بإسناد صحيح. والله ولي التوفيق. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/8ص / 336 الحديث: 9370 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3759 حكمُ سَفَر المرأة بدون محرمٍ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكمُ سَفَر المرأة بدون محرمٍ لأنَّ عملَها يتطلَّب ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله حرامٌ لأنَّ النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم قالَ: (لا تُسافِرِ المرأةُ إلاَّ معَ ذي مَحْرَمٍ) رواه البخاري (1763) ومسلم (1341) . حتى لو كان عملها يتطلَّب ذلك، وعليه نقول إذا كانتْ لا تجد مَحْرَماً فلا تُسافرْ. [الْمَصْدَرُ] إعلام المسافرين ببعض آداب وأحكام السفر وما يخص الملاحين الجويين لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ص 8. الحديث: 9708 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3760 حكم استقدام الخادمة بدون محرم [السُّؤَالُ] ـ[أنا امرأة أعيش في بلد غير مسلم لظروف عمل زوجي وأريد أن أحضر عاملة من بلد آخر لتعينني في المنزل فهل يجوز لي أن أحضرها من غير محرم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " استقدام الخادمة بدون محرم معصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه صحّ عنه أنه قال: " لا تسافر امرأة إلا مع محرم "، ولأن قدومها بلا محرم قد يكون سبباً للفتنة منها وبها، وأسباب الفتنة ممنوعة، فإن ما أفضى إلى المحرّم محرّم. وأما تساهل بعض الناس في ذلك، فإنه من المصائب ولا حجّة لهم في قولهم إنه ضرورة، لأننا لو قدرنا الضرورة للخادمة فليس من الضرورة أن تأتي بلا محرم. كما أنه لا حجّة لقول بعضهم إن إثم سفرها بلا محرم عليها هي أو على مكتب الاستقدام، لأن من فتح الباب لفاعل المحرم كان شريكاً له في الإثم لإعانته عليه، وقد قال الله تعالى: (وتعاونوا على البرّ والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) المائدة /2، وأمر الله تعالى ورسوله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واستقدام الخادمة بلا محرم إقرار للمنكر لا إنكار له " فتوى الشيخ ابن عثيمين من كتاب مجموعة رسائل وفتاوى نصيحة المسلمين بشأن الخدم والسائقين ص/57 أما حكم الإقامة في بلاد الكفار فيراجع الأسئلة (12866) و (10175) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 22980 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3761 هل هناك سن لا تحتاج فيه المرأة لمحرم [السُّؤَالُ] ـ[أنا آنسة في سن 38، مدرِّسة، لم أتزوج بعدُ، الوالد متوفى، وأنا أعول والدتي إلى حد ما في نفقات المنزل، رغبت في الحج، وتقدمت، وفزت بالقرعة، ولكن أحتاج لمحرم، وأخي المحرم لا يملك النفقات الخاصة به، وأعلم أنني يجب أن أسدد عنه، ولكن أنا مستقبلا في حاجة لما معي، فقررت أن أؤجل الفريضة إلى سن لا أحتاج فيه لمحرم، ما جزاء هذا الفعل؟ أرجوكم إفادتي لشدة قلقي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يجب الحج إلا على المستطيع لقول الله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) آل عمران/97. ومن الاستطاعة بالنسبة للمرأة أن تجد محرماً ويوافق على السفر معها، فإذا لم تجد لم يجب عليها الحج. وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (11/93) : من شروط الحج الاستطاعة، ومن الاستطاعة وجود المحرم للمرأة، فإذا فقد المحرم فلا يجوز لها السفر، ولا يجب عليها الحج إلا بوجوده وموافقته على السفر معها، قال تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) آل عمران/97. راجع السؤال رقم (316) ، (5207) ، (34380) . ثانياً: ليس هناك سن تبلغه المرأة لا تحتاج فيه لمحرَم، بل في جميع سني عمرها بعد بلوغها لا يحل لها السفر إلا مع ذي محرم، من غير تفريق بين شابة وعجوز، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم) رواه البخاري ومسلم. وقد سبق بيان هذا في أجوبة الأسئلة: (47029) و (25841) . ثالثاً: إن وجدت المرأة محرَماً: وجبت عليها نفقته. قال ابن قدامة – رحمه الله -: ونفقة المحرم في الحج عليها، نص عليه أحمد؛ لأنه من سبيلها، فكان عليها نفقته كالراحلة، فعلى هذا يعتبر في استطاعتها أن تملك زادا وراحلة لها ولمحرمها. " المغني " (3 / 99) . وقال السرخسي: المحرم إذا كان يخرج معها فنفقته في مالها. " المبسوط " (4 / 163) . رابعاً: وأما تأخيرك للحج بسبب حاجتك للنفقة، فيراجع السؤال رقم (11534) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 52703 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3762 هل تسافر بلا محرم لزيارة الوالدين؟ [السُّؤَالُ] ـ[أعيش في بلاد الغربة منذ ثلاث سنوات ولم أزر بلدي منذ ذاك الوقت. عندي طفلان لم يرهما والديّ حتى الآن. ووالديّ يفتقدان لرؤية أطفالي كثيرًا. وزوجي لا يستطيع أن يأخذ إجازة من عمله. فهل يجوز لي في هذه الحالة السفر إلى والديّ دون محرم؟ علمًا بأن هذا السفر فقط لأجل إدخال السرور على أبوي وإسعادهما.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز للمرأة أن تسافر بلا محرم، سواء كان السفر سفرَ قربة كالحج وزيارة الوالدين وبرهما أو سفراً مباحا كالسياحة وغير ذلك، والدليل على ذلك ما يلي: 1- عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ وَلا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ فَقَالَ اخْرُجْ مَعَهَا ". رواه البخاري (1862) . وروى مسلم (1339) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ " وقد رويت أحاديث كثيرة في النهي عن سفر المرأة بلا محرم وهي عامة في جميع أنواع السفر. 2- ومن المعقول أن السفر مظنة التعب والمشقة، والمرأة لضعفها تحتاج لمن يؤازرها ويقف إلى جوارها، وقد ينزل بها ما يفقدها صوابها، ويخرجها عن طبيعتها، في حال غياب محرمها، وهذا مشاهد معلوم اليوم لكثرة حوادث السيارات وغيرها من وسائل النقل. وأيضا: سفرها بمفردها يعرضها للإغراء والمراودة على الشر، لاسيما مع كثرة الفساد، فقد يجلس إلى جوارها من لا يخاف الله، ولا يتقيه، فيزين لها الحرام. وكذلك لو فرض أنها تسافر وحدها في سياراتها، فهي معرضة لمخاطر أخرى من نحو تعطل سيارتها، أو تآمر أهل السوء عليها، وغير ذلك. فمن تمام الحكمة أن تصاحب محرما في سفرها؛ لأن الهدف من وجود محرمها حفظُها وصيانتها والقيام بأمرها ولاسيما حيث يقع شيء من الأمور الضارة والسفر عرضة لذلك بغض النظر عن المدة. قال النووي رحمه الله: (فَالْحَاصِل أَنَّ كُلّ مَا يُسَمَّى سَفَرًا تُنْهَى عَنْهُ الْمَرْأَة بِغَيْرِ زَوْج أَوْ مَحْرَم) اهـ. وسئلت اللجنة الدائمة عن جواز سفر المرأة للحج بدون محرم فأجابت بما يلي: " لا يجوز أن تسافر المرأة لحج أو غيره بدون محرم " فتاوى اللجنة الدائمة 11/97. وبهذا يتضح أن الإسلام سبق النظم كلها في رعاية المرأة وحفظها واحترامها وتقديرها، واعتبارها درة ثمينة يجب أن تصان عن المفاسد والشرور. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 47029 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3763 إذا جاز للمرأة أن تسكن بمفردها فلم لا تسافر دون محرم؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمرأة أن تعيش بمفردها؟ إذا كان يجوز لها السكن بمفردها فلماذا لا يجوز لها السفر بمفردها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله للمرأة أن تعيش بمفردها بشرط أن تأمن على نفسها، وليست من أهل التهمة والريبة، وأما سفرها بلا محرم، فهو منهي عنه نهيا صريحا، كما في الحديث الذي رواه البخاري (1729) ومسلم (2391) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ وَلا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ فَقَالَ اخْرُجْ مَعَهَا) . وهذا من تمام الحكمة، فإن السفر مظنة التعب والمشقة، والمرأة لضعفها تحتاج لمن يؤازرها ويقف إلى جوارها، وقد ينزل بها ما يفقدها صوابها، ويخرجها عن طبيعتها، في حال غياب محرمها، وهذا مشاهد معلوم اليوم لكثرة حوادث السيارت وغيرها من وسائل النقل. وأيضا: سفرها بمفردها يعرضها للإغراء والمراودة على الشر، لاسيما مع كثرة الفساد، فقد يجلس إلى جوارها من لا يخاف الله، ولا يتقيه، فيزين لها الحرام. ولو فرض أنها تسافر وحدها في سياراتها، فهي معرضة لمخاطر أخرى من نحو تعطل سيارتها، أو تآمر أهل السوء عليها، وغير ذلك. وبهذا يتضح أن الإسلام سبق النظم كلها في رعاية المرأة وحفظها واحترامها وتقديرها، واعتبارها درة ثمينة يجب أن تصان عن المفاسد والشرور. ونحن نسلم لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، ونعلم أن فيه تمام الحكمة والرحمة، لأن الله تعالى لا يحرم على عباده إلا ما فيه مفسدة ومضرة لهم. ولا يصح أن يقال السفر على إقامة المرأة في بيت بمفردها في بلدها، لأن المخاطر في السفر أكثر منها في بلد الإقامة، فإنها في بلدها لو حدث لها شيء أو احتاجت من يغيثها لوجدت من يساعدها، ويخشى أهل الشر والفساد من الاعتداء عليها وهي في بلدها وبيتها ما لا يخشون في حال سفرها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45917 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3764 يجوز للمرأة أن تأخذ ما يمنع الحيض من أجل الحج [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمرأة أن تأخذ حبوباً تمنع الدورة لتتمكن من الحج مع الناس؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " لا حرج أن تأخذ المرأة حبوب منع الحمل تمنع الدورة الشهرية أيام رمضان حتى تصوم مع الناس، وفي أيام الحج حتى تطوف مع الناس ولا تتعطل عن أعمال الحج، وإن وجد غير الحبوب شيء يمنع من الدورة فلا بأس إذا لم يكن فيه محذور شرعاً أو مضرة " انتهى كلام الشيخ عبد العزيز بن باز. [الْمَصْدَرُ] فتاوى ابن باز (17/60) الحديث: 36600 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3765 يشترط تعيين صاحب الهدي من قبل الوكيل عنه في الذبح [السُّؤَالُ] ـ[هل يجب ذبح الهدي بنفسي أم يجوز التوكيل لأحد المكاتب أو البنوك الموجودة بمكة والمتخصصة في ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجب على الإنسان أن يذبح هديه بنفسه، ويجوز أن يوكل ثقة أمينا يتولى ذلك عنه. ولكن يجب التنبه إلى أمر يتعلق بالتوكيل، وهو أنه يلزم عند الذبح تعيين صاحب الهدي، فينوي الوكيل أنها عن فلان، ولا يصح أن يذبح مجموعة من الخراف مثلا عن مجموعة من الناس دون تعيين. وعليه؛ فلا يجوز توكيل المكاتب أو البنوك التي لا تعين أسماء المذبوح لهم إلا عند الضرورة، بحيث يتعذر على الإنسان أن يذهب إلى المذبح بنفسه، أو أن يجد وكيلا ثقة يذبح عنه. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: بعض الحملات يجمعون من الحجاج مبالغ للهدي ويذبحون عنهم هديهم، ولكن ربما تركوا التسمية عن كل واحد فهل هذا جائز؟ فأجاب: "هذا لا يجوز، لا بد أن تعين لمن هذه الذبيحة، فمثلاً: إذا كان في الحملة ثلاثون رجلاً واشترى لهم ثلاثين شاةً؛ فليكن بين يديه قائمة بأسمائهم، وكلما قدم شاةً قال: هذه عن فلان؛ لأنه لا بد من التعيين، أما أن يذبح الثلاثين عن ثلاثين رجلاً فلا يصلح هذا " انتهى من "اللقاء الشهري" (73/32) . وسئل رحمه الله: سمعنا عنكم يا فضيلة الشيخ أنكم قد حذرتم من إعطاء هذه الشركات، ولكن ما الحل فيما مضى فإنا قد حججنا أكثر من مرة ونعطيها هذه الشركات ولا يأخذون أسماءنا، فما الحكم فيما مضى هل يجزئ؟ فإن كان لا يجزئ فماذا يلزمنا؟ الجواب: "إننا لم نحذر من إعطاء الهدي؛ لأن الهدي في الحقيقة ضرورة، لأن الإنسان بين أمرين: إما أن يعطيها لهذه الشركات، وإما أن يذبحها ويدعها في الأرض لا ينتفع بها لا هو ولا غيره، أما إذا حصل أن الإنسان يذبح هديه ويأكل منه ويهدي ويتصدق فهذا لا شك أنه أفضل بكثير، وهذا يمكن لبعض الناس الذين لهم معارف في مكة يمكن أن يوكلوه ويقولوا: اذبحوا لنا الهدي، وحينئذٍ ينتفع به، أو هو ينزل إلى مكة ويذهب إلى المسلخ ويشتري ويذبح هناك فسيجد من يتزاحمون عنده ليأخذوا منه، لكن الذي أرى أن من الخطأ العظيم أن يرسل بقيمة الأضاحي إلى بلاد أخرى ليضحى بها هناك، هذا هو الذي ليس له أصل، والنبي عليه الصلاة والسلام كان يبعث بالهدي إلى مكة ليذبح في مكة ولم ينقل عنه لا في حديث صحيح ولا ضعيف أنه أرسل أضحيته لأي مكان، بل كان يذبحها في بيته ويأكلون ويهدون ويتصدقون " انتهى من "اللقاء الشهري" (34/17) . وإذا كانت الشركة تكتب اسم صاحب الذبيحة وتعلقها في رقبتها ـ كما تفعل بعض الشركات ـ ونوى الذابح أن هذه الذبيحة عن صاحب هذه الورقة، كان ذلك مجزئاً وصحيحاً، وحصل به التعيين المطلوب، ولا يشترط أن يذكر اسم صاحبها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126662 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3766 تقيم في جدة واعتمرت في أشهر الحج فهل تكون متمتعة إذا حجت؟ [السُّؤَالُ] ـ[زوجي يعمل في جده ونحن مقيمون بها منذ ما يقرب من سنه وقمنا بأداء العمرة في شهر ذي القعدة ثم تحللنا وعدنا إلى جده وننوي الحج هذا العام إن شاء الله وسوف نذهب يوم الثامن من ذي الحجة إلى مكة فهل علينا حج التمتع وهل يعتبر هذا سفر واحد وهل يجوز أن أحج بمال زوجي برضاه أرجو الإيضاح في المسالتين بالتفصيل والسلام عليكم]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: التمتع: هو أن يحرم الإنسان بالعمرة في أشهر الحج ويحل منها ثم يحرم بالحج من عامه، ويلزمه بذلك هدي؛ لقوله تعالى: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ) البقرة/196. فإن عاد إلى بلده بعد العمرة، ثم أنشأ سفرا جديدا للحج فهو مفرد، وليس متمتعا عند جمهور أهل العلم. وعليه؛ فرجوعكما بعد العمرة من مكة إلى جدة يقطع حكم التمتع. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: إني أديت مناسك العمرة في شهر شوال 1395هـ، وبعد تأديتها رجعت إلى بلدتي، وبما أني عازم إن شاء الله على تأدية فريضة الحج هذا العام 1395هـ، فهل يكون علي فدي أم لا؟ فأجابوا: "جمهور الفقهاء يرون أنه ليس عليك هدي؛ لأنك لم تتمتع بالعمرة إلى الحج في سفرة واحدة، حيث ذكرت أنك رجعت بعد أداء العمرة في شوال عام 95هـ إلى بلدك، ولم تبق بمكة حتى تؤدي الحج. ويرى بعض الفقهاء أن عليك الهدي إذا حججت من عامك ولو رجعت إلى بلدك أو إلى أبعد منها؛ لعموم قوله تعالى: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) البقرة/196. والفتوى والعمل جاريان على قول الجمهور من عدم وجوب الهدي في ذلك " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/366) . وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن رجل أدى العمرة في شوال ثم رجع إلى أهله، ثم عاد إلى مكة بنية الحج مفرداً، هل يكون متمتعاً ويجب عليه الهدي؟ فأجاب: " إذا أدى الإنسان العمرة في شوال ثم رجع إلى أهله ثم أتى بالحج مفرداً فالجمهور على أنه ليس بمتمتع، وليس عليه هدي، لأنه ذهب إلى أهله ثم رجع بالحج مفرداً، وهذا هو المروي عن عمر وابنه رضي الله عنهما، وهو قول الجمهور، والمروي عن ابن عباس أنه يكون متمتعاً، وأن عليه الهدي، لأنه جمع بين الحج والعمرة في أشهر الحج في سنة واحدة، أما الجمهور فيقولون: إذا رجع إلى أهله، وبعضهم يقول: إذا سافر مسافة قصر ثم جاء بحج مفرد فليس بمتمتع، والأظهر ـ والله أعلم ـ أن الأرجح ما جاء عن عمر وابنه رضي الله عنهما، أنه إذا رجع إلى أهله فإنه ليس بمتمتع، ولا دم عليه، وأما من جاء للحج وأدى العمرة ثم بقي في جدة أو الطائف وهو ليس من أهلهما ثم أحرم بالحج فهذا متمتع، فخروجه إلى الطائف أو جدة أو المدينة لا يخرجه عن كونه متمتعاً، لأنه جاء لأدائهما جميعاً، وإنما سافر إلى جدة أو الطائف لحاجة، وكذا من سافر إلى المدينة للزيارة كل ذلك لا يخرجه عن كونه متمتعاً في الأظهر والأرجح فعليه هدي التمتع، ويسعى للحج كما سعى لعمرته " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (17/96) . وأنتم الآن من أهل جدة، فرجوعكما إليها رجوع إلى بلدكما ومحل إقامتكما. ثانيا: يجوز للإنسان أن يحج على نفقة غيره، من والد أو زوج أو ابن أو غيرهم، ولزوجك الأجر على تمكينك من الحج وإعانتك عليه، وليس من شرط الحج أن يكون من نفقة الإنسان نفسه، وينظر جواب السؤال رقم (36841) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126660 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3767 مختصر صفة الحج عن النفس أو الغير، وأنواع النسك [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أحج هذا العام بالنيابة عن والدي المتوفى علما بأني حججت عن نفسي قبل عدة سنوات، فأرجو أن توضح لي أفضل طريقة لأداء الحج حسب السنَّة، وما هي الفروق بين أنواع الحج؟ وأيها الأفضل أن يؤديها الإنسان لنفسه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: هذا ملخص لما يقوم به الحاج وفق السنَّة الصحيحة: 1. يحرم الحاج في اليوم الثامن من ذي الحجة من مكة أو قربها من الحرم، ويفعل عند إحرامه بالحج كما فعل عند إحرامه بالعمرة من الغسل والطيب والصلاة فينوي الإحرام بالحج ويلبي , وصفة التلبية في الحج كصفة التلبية في العمرة إلا أنه يقول هنا: لبيك حجا بدل قوله: لبيك عمرة , وإن كان خائفا من عائق يمنعه من إتمام حجه اشترط فقال: وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني وإن لم يكن خائفا من عائق لم يشترط. 2. ثم يذهب إلى " مِنى " فيبيت بها، ويصلي بها خمس صلوات الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر. 3. فإذا طلعت الشمس من اليوم التاسع سار إلى " عرفة "، وصلى بها الظهر والعصر جمع تقديم قصراً، ثم يجتهد في الدعاء والذكر والاستغفار إلى أن تغرب الشمس. 4. فإذا غربت سار إلى " مزدلفة "، فصلى بها المغرب والعشاء حين وصوله، ثم يبيت بها إلى أن يصلي الفجر، فيذكر الله تعالى ويدعوه إلى قبيل طلوع الشمس. 5. ثم يسير منها إلى " مِنى " ليرمي جمرة العقبة، وهي الأخيرة مما يلي مكة بسبع حصيات متعاقبات واحدة بعد الأخرى كل واحدة بقدر نواة التمر تقريبا يكبر مع كل حصاة. 6. ثم يذبح الهدي، وهو شاة أو سبع بدنة أو سبع بقرة. 7. ثم يحلق رأسه إن كان ذكراً , وأما المرأة فحقها التقصير دون الحلق، ويكون تقصيرها بمقدار أنملة من جميع شعرها. 8. ثم يذهب إلى مكة فيطوف طواف الحج. 9. ثم يرجع إلى " منى " فيبيت فيها تلك الليالي، أي: ليلة الحادي عشر والثاني عشر من شهر ذي الحجة، ويرمي الجمرات الثلاث بعد زوال الشمس كل واحدة بسبع حصيات متعاقبات، يبدأ بالصغرى - وهي البعيدة من مكة - ثم الوسطى، ويدعو بعدهما، ثم جمرة العقبة وليس بعدها دعاء. 10. فإذا أتم رمي الجمار في اليوم الثاني عشر فإن شاء تعجل ونزل من منى , وإن شاء تأخر فبات بها ليلة الثالث عشر ورمى الجمار الثلاث بعد الزوال كما سبق , والتأخر أفضل , ولا يجب إلا أن تغرب الشمس من اليوم الثاني عشر وهو بمنى , فإنه يلزمه التأخر حتى يرمي الجمار الثلاث بعد الزوال , لكن لو غربت عليه الشمس بمنى في اليوم الثاني عشر بغير اختياره مثل أن يكون قد ارتحل وركب ولكن تأخر بسبب زحام السيارات ونحوه فإنه لا يلزمه التأخر لأن تأخره إلى الغروب بغير اختياره. 11. فإذا انتهت تلك الأيام وأراد السفر: لم يسافر حتى يطوف بالبيت طواف الوداع سبعة أشواط، إلا المرأة الحائض والنفساء فلا وداع عليهما. 12. إذا كان الحاج متطوعا بالحج نيابة عن غيره سواء أكان قريباً له أو غير قريب فإنه لا بد أن يكون قد حج عن نفسه قبل ذلك، ولا يتغير من صفة الحج إلا النية بأن ينوي الحج عن هذا الشخص ويسميه في التلبية فيقول (لبيك عن فلان) ، ثم في الدعاء في المناسك يدعو لنفسه ويدعو لهذا الذي يحج عنه. ثانياً: أما أنواع الحج فهي ثلاثة: التمتع , والقِرَان , والإفراد التمتع: هو الإحرام بالعمرة في أشهر الحج – وهي: شوال , ذو القعدة , عشر من ذي الحجة - ويفرغ منها الحاج، ثم يحرم بالحج من مكة أو قربها يوم التروية في عام عُمرته. القران: وهو الإحرام بالعمرة والحج معا ولا يحل منهما الحاج إلا يوم النحر أو يُحرم بالعمرة ثم يدخله عليها قبل الشروع في طوافها. الإفراد: وهو أن يحرم بالحج من الميقات أو من مكة إذا كان مقيما بها أو بمكان آخر دون الميقات ثم يبقى على إحرامه إلى يوم النحر إذا كان معه هديٌ فإن لم يكن معه هديٌ شُرع له فسخ حجه إلى العمرة فيطوف ويسعى ويقصّر ويحل كما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم الذين أحرموا بالحج وليس معهم هدي. وهكذا القارن إذا لم يكن معه هدي يشرع له فسخ قرانه إلى العمرة لما ذكرنا وأفضل الأنساك التمتع لمن لم يسق الهدي لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به أصحابه وأكده عليهم. وننصحك – للمزيد في معرفة أحكام الحج والعمرة – بالرجوع إلى كتاب مناسك الحج والعمرة للشيخ ابن عثيمين رحمه الله، ويمكنك التحصُّل عليه من خلال موقع الشيخ على الشبكة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 27090 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3768 القارن يلزمه طواف واحد وسعي واحد [السُّؤَالُ] ـ[ذهبت إلى الحج بنية القران وانتهيت من العمرة فنصحني بعض الإخوة بالسعي مرة واحدة فقط فهل يجوز ذلك؟ وإن لم يكن فما الحكم مع أنني سألت؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله القارن بين الحج والعمرة لا يلزمه إلا طواف واحد وسعي واحد، كالمفرد. والطواف اللازم في حقه هو طواف الإفاضة، وأما طواف القدوم فسنة. والسعي له أن يأتي به بعد طواف القدوم أو يؤخره ليكون بعد طواف الإفاضة. وهذا ما دلت عليه السنة الصحيحة، وذهب إليه جمهور أهل العلم. قال ابن قدامة رحمه الله: " المشهور عن أحمد , أن القارن بين الحج والعمرة , لا يلزمه من العمل إلا ما يلزم المفرد , وأنه يجزئه طواف واحد , وسعي واحد , لحجه وعمرته. وهذا قول ابن عمر , وجابر بن عبد الله , وبه قال عطاء , وطاوس , ومجاهد , ومالك , والشافعي , وإسحاق , وأبو ثور , وابن المنذر. وعن أحمد رواية ثانية , أن عليه طوافين وسعيين. وبه قال الثوري , وأبو حنيفة. وقد روي عن علي , ولم يصح عنه ". ثم ذكر أدلة الجمهور فقال: " عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (وأما الذين كانوا جمعوا بين الحج والعمرة , فإنما طافوا لهما طوافا واحدا) . متفق عليه. وفي مسلم (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة , لما قرنت بين الحج والعمرة: يسعك طوافك لحجك وعمرتك) . وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحرم بالحج والعمرة , أجزأه طواف واحد , وسعي واحد عنهما جميعا) . وعن جابر (أن النبي صلى الله عليه وسلم قرن بين الحج والعمرة , فطاف لهما طوافا واحدا) . رواهما الترمذي , وقال في كل واحد منهما: حديث حسن. وروى ابن ماجه عن جابر وابن عمر وابن عباس (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يطف بالبيت هو وأصحابه لعمرتهم وحجهم إلا طوافا واحدا) " انتهى بتصرف من "المغني" (3/241) . وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: " أما الجمهور المفرقون بين القارن والمتمتع القائلون: بأن القارن يكفيه لحجه وعمرته طواف زيارة واحد، وهو طواف الإفاضة، وسعي واحد، فاحتجوا بأحاديث صحيحة ليس مع مخالفيهم ما يقاومها ". انتهى من "أضواء البيان" (4/430) . وبهذا يتبين أن ما ذُكر لك من أن القارن عليه سعي واحد هو الصواب. ولا يخفى أن القارن إذا طاف للقدوم وسعى، فإنه يظل على إحرامه، ولا يأخذ من شعره، ولا يسمى ما أتى به عمرة؛ بل هي أعمال للحج والعمرة معا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111312 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3769 صفة الحج عن الغير ونوع النسك فيها [السُّؤَالُ] ـ[الذي ينوي عن العاجز لمرض أو وفاة في أداء المناسك، ما هي صفة ما يقوم به هذا النائب؟ وهل يلزمه أن يختار حج التمتع أو الإفراد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله النائب يقول: (لبيك عن فلان) ويجب على النائب أن يتمتع لأن التمتع هو أفضل الأنساك، وكل إنسان وُكِّل في شيء فالواجب عليه اتباع الأفضل، إلا إذا اختار موكّله خلاف ذلك، لأن الوكيل مؤتمن ويجب عليه فعل الأصلح. [الْمَصْدَرُ] لقاء الباب المفتوح لابن عثيمين /170 الحديث: 1745 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3770 يجب على المتمتع سعيان أحدهما للعمرة والثاني للحج [السُّؤَالُ] ـ[هل المتمتع يكفيه سعي واحد بين الصفا والمروة للعمرة والحج أم يجب عليه أن يسعى مرتين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب على المتمتع أن يسعى سعيين بين الصفا والمروة، الأول للعمرة والثاني للحج. " ولا يكفي سعي واحد في أصح أقوال العلماء؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت الحديث، وفيه فقال: (ومن كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا. . . إلى أن قالت: فطاف الذين أهلوا بالعمرة بالبيت وبالصفا والمروة ثم حلوا ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم) رواه البخاري ومسلم. وقولها رضي الله عنها - عن الذين أهلوا بالعمرة -: (ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم) تعني به: الطواف بين الصفا والمروة، على أصح الأقوال في تفسير هذا الحديث، وأما قول من قال: أرادت بذلك طواف الإفاضة، فليس بصحيح؛ لأن طواف الإفاضة ركن في حق الجميع وقد فعلوه، وإنما المراد بذلك: ما يخص المتمتع، وهو الطواف بين الصفا والمروة مرة ثانية بعد الرجوع من منى لتكميل حجه، وذلك واضح بحمد الله، وهو قول أكثر أهل العلم، ويدل على صحة ذلك أيضا ما رواه البخاري في الصحيح تعليقا مجزوما به، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه سئل عن متعة الحج، فقال: أَهَّل المهاجرون والأنصار وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، في حجة الوداع وأهللنا، فلما قدمنا مكة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة إلا من قلد الهدي) ، فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة، وأتينا النساء، ولبسنا الثياب، وقال: (من قلد الهدي فإنه لا يحل حتى يبلغ الهدي محله) ، ثم أمرنا عشية التروية أن نهل بالحج، فإذا فرغنا من المناسك جئنا فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة) . انتهى المقصود منه، وهو صريح في سعي المتمتع مرتين. والله أعلم. وأما ما رواه مسلم عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يطوفوا بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا طوافهم الأول، فهو محمول على من ساق الهدي من الصحابة؛ لأنهم بقوا على إحرامهم مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى حلوا من الحج والعمرة جميعا، والنبي صلى الله عليه وسلم قد أهل بالحج والعمرة وأمر من ساق الهدي أن يهل بالحج مع العمرة، وألا يحل حتى يحل منهما جميعا. والقارن بين الحج والعمرة ليس عليه إلا سعي واحد، كما دل عليه حديث جابر المذكور وغيره من الأحاديث الصحيحة. وهكذا من أفرد الحج وبقي على إحرامه إلى يوم النحر ليس عليه إلا سعي واحد، فإذا سعى القارن والمفرد بعد طواف القدوم كفاه ذلك عن السعي بعد طواف الإفاضة، وهذا هو الجمع بين حديثي عائشة وابن عباس وبين حديث جابر المذكور رضي الله عنهم، وبذلك يزول التعارض ويحصل العمل بالأحاديث كلها. ومما يؤيد هذا الجمع أن حديثي عائشة وابن عباس حديثان صحيحان، وقد أثبتا السعي الثاني في حق المتمتع، وظاهر حديث جابر ينفي ذلك، والمثبت مقدم على النافي، كما هو مقرر في علمي الأصول ومصطلح الحديث، والله سبحانه وتعالى الموفق للصواب، ولا حول ولا قوة إلا بالله" انتهى. فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله. "مجموع فتاوى ابن باز" (16/79- 81) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109230 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3771 إدخال الحج على العمرة قبل الحلق [السُّؤَالُ] ـ[إذا أحرم المتمتع من الميقات، وأدى مناسك العمرة، ولم يحل إحرامه منها، بل ظل في إحرامه، ونوى به الحج. فما حكمه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن كان مرادك بقولك: (لم يحل إحرامه منها) ، أنه طاف للعمرة وسعى، وحلق أو قصر من شعره، ولم يخلع ثياب الإحرام، بل أحرم بالحج فورا، بملابس إحرام العمرة، فهذا لا شيء عليه؛ لأنه متمتع انتهى من أفعال العمرة ثم أحرم بالحج؛ فعمرته صحيحة وكذلك حجه. فإن كان إحرامه بالحج قبل يوم التروية فهو قد استعجل، وغايته أنه خالف السنة بتعجله، ولكن لا شيء عليه لذلك، وعليه دم؛ لتمتعه، كغيره. وإن كان مرادك بقولك: (لم يحل إحرامه منها) ، أنه أدخل الحج على العمرة بعد ما طاف وسعى لها وقبل أن يحلق أو يقصر من شعره، فقد اختلف العلماء في هذا: والمشهور من المذهب أن حجه غير صحيح؛ لأنه لا يصح إدخال الحج على العمرة بعد الشروع في طوافها؛ لأنه شرع بالتحلل من العمرة بذلك. صرح بذلك الفقهاء رحمهم اللَّه إلا لمن كان معه هدي. وفي قول ثان ذكره الموفق في «المغني» وغيره: أنه يصح حجه، وعليه دم، ويكون بذلك قارنا. قال في «المغني» (5/ 244) .: وإن أحرم بالحج قبل التقصير، فقد أدخل الحج على العمرة؛ فيصير قارنا. اهـ. مع أن الموفق ذكر فيما سبق أنه لا يصح. وقد استشكل العلماء هذا، فقال بعضهم: إن ذلك سهو من الموفق رحمه اللَّه. وبعضهم قال: إنه غير سهو، وإنما أخذ بقول آخر. وقال آخرون: إن المراد من كان معه هدي. والقول بصحة حجه مذهب المالكية. وممن قال به من الحنابلة: الموفق في «المغني» وصاحب «الشرح الكبير» (3/ 424) . «والمستوعب» (4/291) «والمبدع» (3/327) ، وقال به الشيخ أبو المواهب والشيخ سليمان بن علي، ذكره في «مفيد الأنام» ، واختاره إذا كان ناسيا أو جاهلا، وعليه دم؛ لتركه الحلق، أو التقصير. واللَّه أعلم. الشيخ عبد الله بن عبد العزيز بن عقيل. وقد اختار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أنه يصح حجه، ويكون متمتعاً، عملاً بنيته، ويكون عليه أن يذبح شاة لأنه ترك واجباً من واجبات العمرة وهو الحلق أو التقصير، فقد سئل رحمه الله: المتمتع إذا نسى التقصير من شعره ثم دخل في الحج وتذكر بعد ما دخل في الحج فما الحكم؟ فأجاب: "هذه مسألة عظيمة، بعض العلماء يقول: لا حج له؛ لأنه أحرم بالحج في غير موضعه، إذ إنه لو كان يريد أن يكون قارناً لأحرم بالحج قبل الطواف، فهو الآن لا قارن، ولا متمتع، والذي نرى أنه متمتع، وأنه يلزمه فدية لترك التقصير، وحجه صحيح إن شاء الله" انتهى. "فتاوى ابن عثيمين" (22/474، 475) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109267 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3772 لا يجوز تغيير نية الإحرام من القران إلى الإفراد [السُّؤَالُ] ـ[في أحد الأعوام نويت بالحج والعمرة معاً وقت الإحرام، وعندما سارت السيارة من قريتنا حوالي اثنين كيلو متر وجدت أن رفقاءنا في الحج أحرموا بالحج فقط – أي بالإفراد – فعملت مثلهم؛ فهل على شيء في ذلك أم لا؟ أفيدوني جزاكم الله خيراً، علماً بأنني ذهبت للعمرة بعد ذلك في رمضان عدة مرات.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كان تحول نيتك من الإحرام بالحج والعمرة معاً إلى الإحرام بالحج فقط حصل قبل الإحرام فلا شيء عليك، وإن كان ذلك بعد عقد الإحرام بالحج والعمرة فلا يسقط ذلك عنك حكم القران، ودخلت أعمال عمرتك في أعمال حجك، وعليك هدي التمتع. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/162) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109284 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3773 لا يصح تغيير النية من التمتع إلى الإفراد. [السُّؤَالُ] ـ[كنا ننوي الحج متمتعين، وحصل أن تأخرنا في الطريق فغيرنا الإحرام إلى إفراد وذهبنا إلى عرفات مباشرة، فهل يجوز ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المتمتع إذا لم يتمكن من الاعتمار قبل الحج، فإنه يغير نيته من التمتع إلى القران، فينوي أنه صار قارناً بين الحج والعمرة معاً. وهذا هو ما وقع لعائشة رضي الله عنها، فإنها كانت متمتعة ثم حاضت ولم تتمكن من الاعتمار قبل الحج فأدخلت الحج على العمرة فصارت قارنة. رواه البخاري ومسلم. ولا يجوز للمتمتع تغيير النية إلى إفراد، لأنه لما نوى العمرة وجب عليه إتمامها، لقوله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) البقرة/196. ومعنى الإفراد أنه لن يعتمر وإنما يحج فقط، وعلى هذا، فتغييركم النية إلى الإفراد غير صحيح، وتكونون بذلك قارنين، فيلزمكم الهدي. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن مجموعة من الشباب خافوا ألا يتمكنوا من الاعتمار قبل الحج، فغيروا النية إلى الإفراد. فأجاب: "إن كان تغيير النية قبل الإحرام فلا حرج في ذلك، وإن كان بعد الإحرام فإن حجهم كان قراناً، ولم يكن إفراداً، ومعنى أنه كان قراناً أنه لما أدخلوا الحج على العمرة صاروا قارنين، فإن القران له صورتان: الأولى: أن يحرم بالحج والعمرة جميعاً من أول عقد الإحرام. الثانية: أن يحرم بالعمرة أولاً ثم يدخل الحج عليها قبل الشروع في طوافها. وعلى هذا ما دمتم أحرمتم بالعمرة أولاً ثم بدا لكم أن تجعلوها حجاً فإنكم تكونون قارنين، فإن كنتم قد ذبحتم هدياً في عيد الأضحى من حجكم ذلك العام فقد أتيتم بالواجب وتم لكم الحج والعمرة، فإن لم تكونوا قد ذبحتموه فإن عليكم أن تذبحوه الآن بمكة وتأكلوا منه وتتصدقوا. فمن لم يجد الهدي منكم ـ أي ما يشتري به الهدي ـ فإن عليه أن يصوم عشرة أيام الآن" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/39) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109336 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3774 حجت مثل ما يحج الناس ولم تكن تعلم الأنساك الثلاثة [السُّؤَالُ] ـ[امرأة لا تعلم بأنساك الحج الثلاثة ولا تعلم النية فيها، ولها خمس حجج وهي تحج يوم التروية، وتذهب مع الناس، إذا ذهبوا عرفة وكذلك مزدلفة، وترمي الجمار، ليس له نية محددة من الأنساك الثلاثة، فهل حجها في هذه الأعوام صحيح؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الظاهر أن حجها صحيح، لأنها كانت تقول: أحرمت بما الناس محرمون به، والإحرام بما أحرم به فلان جائز، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب في حجة الوداع وكان قدم من اليمن مع أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما فقال له: (بما أهللت) فقال: بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: فإن معي الهدي، فجعله قارناً، وأما أبو موسى الأشعري فقال: إنه أهل بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن لما لم يكن معه هدي أمره أن يجعلها عمرة، لأن التمتع أفضل من القران. فهذه المرأة لا شك مما يظهر لنا أنها أحرمت بما أحرم به الناس، وإنها تقول: دربي درب الناس، لكن الواجب على الإنسان إذا أراد العبادة سواء حجا أو صوماً أو صدقة أو غير ذلك الواجب أن يتعلم قبل أن يتقدم، أما بعد أن فعل يأتي ويقول: ما الحكم؟ هذا لا شك أنه خلاف الأولى " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/22) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109357 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3775 العمرة في أشهر الحج [السُّؤَالُ] ـ[هل تجوز العمرة في أشهر الحج على أن لا أحج في نفس السنة، مثال: لقد ذهبت إلى مكة المكرمة قبل الحج بنصف شهر تقريبا، وقضيت مناسك العمرة وبعدها سافرت هل تجوز؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تجوز العمرة في أشهر الحج من غير خلاف بين العلماء، لا فرق في ذلك بين أن ينوي الحج في عامه أو لا ينوي ذلك. وقد اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم أربع مرات، كلهن في شهر ذي القعدة، وهو من أشهر الحج التي هي شوال وذو القعدة وذو الحجة. ولم يحج إلا مع عمرته الأخيرة في حجة الوداع. روى البخاري (4148) ومسلم (1253) عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عُمر كلهن في ذي القعدة إلا التي مع حجته:عمرة من الحديبية أو زمن الحديبية في ذي القعدة، وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة، وعمرة من جِعْرانة حيث قسم غنائم حنين في ذي القعدة، وعمرة مع حجته ". قال النووي رحمه الله في شرحه: (فالحاصل من رواية أنس وابن عمر اتفاقهما على أربع عمر وكانت إحداهن في ذي القعدة عام الحديبية سنة ست من الهجرة وصُدُّوا فيها فتحللوا وحسبت لهم عمرة، والثانية في ذي القعدة وهي سنة سبع وهي عمرة القضاء، والثالثة في ذي القعدة سنة ثمان وهي عام الفتح، والرابعة مع حجته وكان إحرامها في ذي القعدة وأعمالها في ذي الحجة) . وقال: (قال العلماء وإنما اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم هذه العمر في ذي القعدة لفضيلة هذا الشهر ولمخالفة الجاهلية في ذلك فإنهم كانوا يرونه من أفجر الفجور. . . ففعله صلى الله عليه وسلم مرات في هذه الأشهر ليكون أبلغ في بيان جوازه فيها وأبلغ في إبطال ما كانت الجاهلية عليه والله أعلم) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 22658 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3776 إذا اعتمر في أشهر الحج ثم سافر قبل أن يحج هل ينقطع تمتعه؟ [السُّؤَالُ] ـ[قمت بالعمرة في شهر شوال هذا العام وأنوي إن شاء الله أن أحج فهل يعتبر هذا حج تمتع ويلزم الهدي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من اعتمر في شوال، وأقام بمكة ثم حج من عامه، فهو متمتع، يلزمه دم التمتع. وذلك أن التمتع هو " أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ويفرغ منها، ثم يحرم بالحج في عامه " وأشهر الحج هي: شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة. فإن سافر بين العمرة والحج، ففيه خلاف بين الفقهاء، والصحيح في ذلك: أنه إذا رجع إلى بلده انقطع تمتعه، وإذا سافر إلى غير بلده فهو باقٍ على تمتعه، فإن حج من عامه وجب عليه الهدي. سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: إني أديت مناسك العمرة في شهر شوال 1395هـ، وبعد تأديتها رجعت إلى بلدتي، وبما أني عازم إن شاء الله على تأدية فريضة الحج هذا العام 1395هـ، فهل يكون علي فدي أم لا؟ فأجابوا: جمهور الفقهاء يرون أنه ليس عليك هدي؛ لأنك لم تتمتع بالعمرة إلى الحج في سفرة واحدة، حيث ذكرت أنك رجعت بعد أداء العمرة في شوال عام 95هـ إلى بلدك، ولم تبق بمكة حتى تؤدي الحج. ويرى بعض الفقهاء أن عليك الهدي إذا حججت من عامك ولو رجعت إلى بلدك أو إلى أبعد منها؛ لعموم قوله تعالى: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) البقرة/196. والفتوى والعمل جاريان على قول الجمهور من عدم وجوب الهدي في ذلك " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/366) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "إذا أحرم الإنسان بالتمتع ووصل إلى مكة فالواجب عليه أن يطوف ويسعى ويقصر، وبذلك يحل من عمرته، وله بعد ذلك أن يخرج إلى جدة، أو إلى الطائف، أو إلى المدينة، أو إلى غيرها من البلاد، ولا ينقطع تمتعه بذلك، حتى لو رجع محرماً بالحج، فإن التمتع لا ينقطع. أما لو سافر إلى بلده ثم عاد من بلده محرماً بالحج فإن تمتعه ينقطع، فإن عاد محرماً بعمرة بعد أن رجع إلى بلده صار متمتعاً بالعمرة الثانية لا بالعمرة الأولى؛ لأن العمرة الأولى انقطعت عن الحج بكونه رجع إلى بلده. وخلاصة القول: أن من كان متمتعاً فله أن يسافر بين العمرة والحج إلى بلده أو غيره، لكن إن سافر إلى بلده ثم عاد محرماً بالحج فقد انقطع تمتعه ويكون مفرداً، وإن سافر إلى غير بلده ثم عاد محرماً بالحج فإنه لا يزال على تمتعه وعليه الهدي كما هو معروف " انتهى من "اللقاء الشهري" (16/4) . والحاصل: أنك إن رجعت إلى بلدك بعد العمرة انقطع التمتع، ولم يلزمك الهدي، وإن بقيت في مكة أو سافرت إلى بلد آخر غير بلدك، كالمدينة مثلا، لم ينقطع تمتعك. وينبغي أن يُعلم أن أفضل الأنساك التمتع، فهو الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، وتمنى أنه كان فعله. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (31822) . فإن كنت رجعت إلى بلدك وانقطع تمتعك فالأفضل لك أن تحرم من الميقات بعمرة عند سفرك إلى الحج لتكون متمتعا. وينبغي أن يُعلم أيضاً: أن الهدي ليس غرامة يتهرب منها الإنسان، بل هو عبادة يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى، ويزداد بها تقوى وعملاً صالحا، وشكراً لله تعالى على تيسيره أداء النسكين (الحج والعمرة) في سفر واحد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 95571 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3777 هل له أن يحرم بعمرة فقط ثم ينوي الحج من مكة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن يؤدي المسلم عمرة فقط لأنه سيتجاوز الميقات ويبقى في مكة ثم يؤدي حج الفريضة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، يجوز للمسلم أن يحرم من الميقات بعمرة فقط، فإذا فرغ منها تحلل، وبقي في مكة حتى يحرم بالحج من موضعه في مكة في اليوم الثامن من شهر ذي الحجة، ويسمى هذا حج التمتع، لأنه أتى في سفرته بعمرة وحجة، وتحلل بينهما من الإحرام. فالتمتع هو أن يأتي الإنسان بعمرة في أشهر الحج: شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة، ثم يحج في نفس السنة. والمتمتع يلزمه ذبح هدي في مكة، يوزع على الفقراء هناك؛ فإن لم يجد ثمن الهدي صام ثلاثة أيام أثناء الحج، وسبعة بعد رجوعه إلى بلده؛ لقوله تعالى: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ) البقرة/196. ويجوز للإنسان أن يحج حجا مفردا، بأن ينوي الحج عند الميقات، ولا ينوي العمرة، ويستمر على إحرامه حتى اليوم الثامن، ثم يكمل حجه، ولا هدي عليه. كما يجوز أن يحج قارنا، بأن ينوي الحج والعمرة معا من الميقات، ثم إذا وصل مكة طاف وسعى، ولم يتحلل، بل يستمر على إحرامه حتى يكمل أعمال الحج، ويلزمه هدي كالمتمتع. فهذه الأنساك الثلاثة، كلها جائزة، ولكن أفضلها هو التمتع. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (31822) و (27090) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 70240 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3778 هل يجوز للقارن أن يقلب نيته إلى إفراد [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من غير رأيه ولبى بالحج مفردا بعد الميقات؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أجاب سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله على سؤال عن حكم من نوى بالحج متمتعا وبعد الميقات غير رأيه ولبى بالحج مفردا وهل عليه هدى 0 وقال سماحته: هذا يختلف فإن كان نوى قبل وصوله إلى الميقات نوى أنه يتمتع وبعد وصوله إلى الميقات غير نيته وأحرم بالحج وحده فهذا لا حرج عليه ولا فدية أما إن كان قد لبى بالعمرة والحج جميعا من الميقات أو قبل الميقات ثم أراد أن يجعله حجا فليس له ذلك ولكن لا مانع أن يجعله عمرة أما أن يجعله حجا فلا فالقران لا يفسخ إلى حج ولكن يفسخ إلى عمرة لأنه أرفق بالمؤمن ولانها هى التى أمر بها النبى أصحابه عليه الصلاة والسلام فإذا أحرم بهما جميعا من الميقات ثم أراد أن يجعله حجا مفردا فليس له ذلك ولكن له ان يجعل ذلك عمرة وهو الأفضل له فيطوف ويسعى ويقصر ويحل ثم يلبى بالحج بعد ذلك فيكون متمتعا. انتهى [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد العزيز بن باز الحديث: 12187 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3779 اعتمر في أشهر الحج ثم رجع إلى بلده فهل يكون متمتعاً؟ [السُّؤَالُ] ـ[برجاء الإفادة في عمل عمرة في أشهر الحج مع نية الحج في نفس العام، هل بالضرورة عند رجوعنا للحج أن نكون متمتعين وعلينا هدى أم لا؟ مع العلم أننا ننوي الحج مفردين، وإقامتنا في المدينة النبوية.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المتمتع هو من أحرم بالعمرة في أشهر الحج وفرغ منها ثم أحرم بالحج من عامه. ومن شرط التمتع ألا يسافر من مكة بعد العمرة إلى بلده، فإن سافر إلى بلده ثم رجع بالحج مفرداً فهو مفرد، ولا يكون متمتعاً، ولا يلزمه هدي، لأنه أنشأ للحج سفراً جديداً، وإذا أراد هذا الحاج أن يكون متمتعاً فإنه يحرم بعمرة من الميقات في سفره الثاني للحج. أما إذا سافر من مكة بعد العمرة إلى غير بلده كما لو سافر إلى جدة ثم رجع محرماً بالحج، فهو متمتع، وسفره إلى جدة لا يبطل تمتعه، لأنه لم يسافر إلى أهله. سئل الشيخ ابن باز عن رجل أدى العمرة في شوال ثم رجع إلى أهله، ثم عاد إلى مكة بنية الحج مفرداً، هل يكون متمتعاً ويجب عليه الهدي. فأجاب: إذا أدى الإنسان العمرة في شوال ثم رجع إلى أهله ثم أتى بالحج مفرداً فالجمهور على أنه ليس بمتمتع، وليس عليه هدي، لأنه ذهب إلى أهله ثم رجع بالحج مفرداً، وهذا هو المروي عن عمر وابنه رضي الله عنهما، وهو قول الجمهور، والمروي عن ابن عباس أنه يكون متمتعاً، وأن عليه الهدي، لأنه جمع بين الحج والعمرة في أشهر الحج في سنة واحدة، أما الجمهور فيقولون: إذا رجع إلى أهله، وبعضهم يقول: إذا سافر مسافة قصر ثم جاء بحج مفرد فليس بمتمتع، والأظهر والله أعلم أن الأرجح ما جاء عن عمر وابنه رضي الله عنهما، أنه إذا رجع إلى أهله فإنه ليس بمتمتع، ولا دم عليه، وأما من جاء للحج وأدى العمرة ثم بقي في جدة أو الطائف وهو ليس من أهلهما ثم أحرم بالحج فهذا متمتع، فخروجه إلى الطائف أو جدة أو المدينة لا يخرجه عن كونه متمتعاً، لأنه جاء لأدائهما جميعاً، وإنما سافر إلى جدة أو الطائف لحاجة، وكذا من سافر إلى المدينة للزيارة كل ذلك لا يخرجه عن كونه متمتعاً في الأظهر والأرجح فعليه هدي التمتع، ويسعى للحج كما سعى لعمرته اهـ مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (17/96) . وفي فتاوى الشيخ ابن باز أيضاً (17/98) : وإن رجع محرماً بالعمرة - يعني في سفره الثاني- وحل منها ثم أقام حتى يحج فهذا متمتع، وعمرته الأولى لا تجعله متمتعاً عند الجمهور، ولكن صار متمتعاً بالعمرة الأخيرة التي أداها ثم بقي في مكة حتى حج اهـ. وقال الشيخ ابن عثيمين: إذا رجع المتمتع إلى بلده ثم أنشأ سفراً للحج من بلده فهو مفرد، وذلك لانقطاع ما بين العمرة والحج برجوعه إلى أهله، فإنشاؤه السفر معناه أنه أنشأ سفراً جديداً للحج وحينئذ يكون حجه إفراداً، فلا يجب عليه هدي التمتع حينئذ، لكن لو فعل ذلك تحيلاً على إسقاط الهدي فإنه لا يسقط، لأن التحيل على إسقاط الواجب لا يقتضي إسقاطه، كما أن التحيل على المحرم لا يقتضي حله اهـ فتاوى أركان الإسلام (ص 524) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 40356 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3780 هل يمكن إلغاء فريضة الحج والعمرة بسبب انتشار مرض "انفلونزا الخنازير"؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكن إلغاء فريضة الحج والعمرة بسبب انتشار مرض " انفلونزا الخنازير "؟ وهل يعتبر ذلك طاعوناً؟ وهل مكة والمدينة في مأمن من الأوبئة بحفظ الله أو يمكن انتقال العدوى في هذه الأماكن؟ وهل قوله تعالى: (ومن دخله كان آمناً) يشمل أيضا الأوبئة، أي: يكون آمناً من الأوبئة؟ . أفيدونا مأجورين؛ لأني مقدم على العمرة خلال شهر.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا ريب أن الأمراض والأوبئة الفتاكة التي من طبيعتها الانتشار بالعدوى: تقاس على مرض الطاعون، من حيث أحكامه المتعلقة بما يسمَّى " الحجر الصحي ". فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ حَتَّى إِذَا كَانَ بِسَرْغَ لَقِيَهُ أُمَرَاءُ الأَجْنَادِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَأَصْحَابُهُ، فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِأَرْضِ الشَّأْمِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقَالَ عُمَرُ: ادْعُ لِي الْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ ... . فجاء عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رضي الله عنه، وَكَانَ مُتَغَيِّبًا فِي بَعْضِ حَاجَتِهِ فَقَالَ: إِنَّ عِنْدِي فِي هَذَا عِلْماً، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَاراً مِنْهُ) رواه البخاري (5397) ومسلم (2219) . قال النووي رحمه الله: وأما الطاعون: فهو قروح تخرج في الجسد، فتكون في المرافق، أو الآباط، أو الأيدي، أو الأصابع، وسائر البدن , ويكون معه ورم، وألَم شديد , وتخرج تلك القروح مع لهيب، ويسودّ ما حواليه، أو يخضر، أو يحمر حمرة بنفسجية، كدرة، ويحصل معه خفقان القلب، والقيء , وأما الوباء: فقال الخليل وغيره: هو الطاعون، وقال: هو كل مرض عام , والصحيح الذي قاله المحققون: أنه مرض الكثيرين من الناس في جهة من الأرض، دون سائر الجهات , ويكون مخالفاً للمعتاد من أمراض في الكثرة، وغيرها , ويكون مرضهم نوعاً واحداً، بخلاف سائر الأوقات؛ فإن أمراضهم فيها مختلفة، قالوا: وكل طاعون وباء، وليس كل وباء طاعوناً , والوباء الذي وقع في الشام في زمن عمر كان طاعوناً , وهو طاعون " عمواس " , وهى قرية معروفة بالشام. " شرح النووي " (14 / 204) . وعليه: فكل مرض فتاك من شأنه الانتقال للآخرين بالعدوى التي يقدِّرها الله فيه: فإن له حكم الطاعون؛ لأن الشريعة لا تفرِّق بين متماثلين. ثانياً: أخذ العلماء من الحديث السابق أنه لا يجوز القدوم على أرض بها وباء فتَّاك ينتقل بالعدوى , ولا الخروج من أرض وقع فيها، كما هو ظاهر النص السابق. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وفِي هذا الحَدِيث جَوَاز رُجُوع مَن أَرَادَ دُخُول بَلدَة فَعَلِمَ أَنَّ بِهَا الطَّاعُون، وَأَنَّ ذَلِكَ لَيسَ مِن الطِّيَرَة، وَإِنَّمَا هِيَ مِن مَنْع الإِلقَاء إِلَى التَّهْلُكَة، أَو سَدّ الذَّرِيعَة ... . وَفِي الحَدِيث أَيضاً: مَنْع مَنْ وَقَعَ الطَّاعُون بِبَلَدٍ هُوَ فِيها مِن الخُرُوج مِنهَا. " فتح الباري " (10 / 186، 187) . وقال ابن القيم رحمه الله: "وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم للأمة في نهيه عن الدخول إلى الأرض التي هو بها , ونهيه عن الخروج منها بعد وقوعه: كمال التحرز منه؛ فإن في الدخول في الأرض التي هو بها تعرضاً للبلاء , وموافاة له في محل سلطانه , وإعانة للإنسان على نفسه , وهذا مخالف للشرع والعقل، بل تجنب الدخول إلى أرضه من باب الحمية التي أرشد الله سبحانه إليها، وهي حمية عن الأمكنة، والأهوية المؤذية" انتهى. " زاد المعاد " (4 / 42 - 44) . ثالثاً: اختلف العلماء في المقصود بالأمن في قوله تعالى: (وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا) آل عمران/97 على أقوال، ومنها ما هو مقبول، ومنها ما هو ضعيف لا يلتفت إليه. أما الأقوال الضعيفة، أو الباطلة في معنى الآية: 1. فمنها قول من قال: إن من دخله يأمن من عذاب النار في الآخرة! . 2. وكقول من قال: إن من دخله يأمن من الموت على غير الإسلام! . 3. وكقول من قال: إن المعنى: أن من دخل الحرم يأمن من الأمراض. 4. وكقول من قال: إن معنى الآية: الأمن من القتل. لوجود كل ذلك في واقع الأمر، كمن مات على الكفر، والردة، وكان قد دخل الحرم، ولوجود المرض، والوباء فيه، وكذا حصول القتل فيه، قديماً، وحديثاً. 05 وقيل: إن (مَن) ها هنا لمن لا يعقل، والآية في أمان الصيد. وأما الأقوال المعتبرة في الآية: 1. أن معنى الآية: أن هذا الأمن على النفس من آيات الحرم؛ لأن الناس كانوا يُتخطفون من حواليه، ولا يصل إليه جبار، فقصد الله تعالى بذلك تعديد النعم على كل مَن كان بها جاهلاً، ولها منكراً من العرب، كما قال تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) العنكبوت/ 67، فكانوا في الجاهلية من دخله ولجأ إليه: أمِن من الغارة، والقتل. 2. أنه أراد به: أن مَنْ دخله عام " عمرة القضاء " مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كان آمِناً، كما قال تعالى: (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَآءَ اللَّهُ آمِنِينَ) الفتح/ 27. 3. أنها خبر بمعنى الأمر، تقديره: " ومَن دخله: فأمِّنوه "، كقوله تعالى: (فلا رفثَ ولا فسوقَ ولا جدال في الحج) البقرة/ 197، أي: لا ترفثوا، ولا تفسقوا. قال ابن القيم رحمه الله: وهذا إما خبر بمعنى الأمر؛ لاستحالة الخُلْفِ في خبره تعالى، وإما خبرٌ عن شرعه ودينه الذي شرَعه في حرمه، وإما إخبارٌ عن الأمرِ المعهود المستمِرِّ في حرمه في الجاهلية والإسلام، كما قال تعالى: (أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) العنكبوت/ 67، وقوله تعالى: (وَقَالُواْ إن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا، أَوَ لَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيءٍ) القصص/ 57، وما عدا هذا من الأقوال الباطلة: فلا يُلتفت إليه، كقول بعضهم: " ومَن دخله كان آمناً مِن النار "، وقول بعضهم: " كان آمناً مِن الموت على غير الإسلام "، ونحو ذلك، فكم ممن دخله وهو في قعر الجحيم. " زاد المعاد في هدي خير العباد " (3 / 445) . والقول الأول الذي ذكره ابن القيم هو الأليق بمعنى الآية. قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: ويقول سبحانه: (وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا) يعني: وجب أن يؤمَّن , وليس المعنى أنه لا يقع فيه أذى لأحدٍ , ولا قتل , بل ذلك قد يقع , وإنما المقصود: أن الواجب تأمين من دخله , وعدم التعرض له بسوء. وكانت الجاهلية تعرف ذلك , فكان الرجل يلقى قاتل أبيه أو أخيه فلا يؤذيه بشيء حتى يخرج. " فتاوى الشيخ ابن باز " (3 / 380) . وعلى هذا: ليس المقصود بالأمنِ الأمنَ مِنَ الأمراض والأوبئة؛ فالأمراض والأوبئة قد تنزل أرض الحرم المكي والمدني , وهذا معروف، قديماً، وحديثاً. وقد سبق في جواب السؤال رقم (131887) أن مكة والمدينة محفوظتان من الطاعون، وليستا محفوظتين من سائر الأوبئة والأمراض العامة. رابعاً: نحمد لله على أن هذا الوباء لم يبلغ مكة، أو المدينة، وإنما هي بضع حالات في عموم المملكة العربية السعودية، كما هو في أكثر الدول، مع الوجود الكبير اليومي من المصلين، والمعتمرين، ومع ذلك فلا بأس أن يأخذ الإنسان بأسباب السلامة، كلبس الكمامات , وغير ذلك من أسباب الوقاية من المرض. والملاحظ أن بعض وسائل الإعلام تهول من هذا الأمر , ويستغل بعض الحاقدين والمتربصين ذلك للتنفير من شعائر الإسلام , مع أن هناك تجمعات كبيرة مماثلة - كملاعب كرة القدم، والمهرجانات الغنائية - ولم نر، أو نسمع، من أولئك التحذير والتنفير من تلك التجمعات، بل على العكس من ذلك، نرى التشجيع على الحضور، والمشاركة. وإن تعجب فعجب من بعض العلماء حيث يفتون بعدم جواز الذهاب إلى الحج هذا العام بسبب ظهور بضع حالات في المملكة العربية السعودية! وكانوا يشددون أن النص النبوي في الطاعون لا يقبل الجدال أنه منطبق على هذه الحالة! وقد ظهر المرض في كثير من الدول، وشفي كثير منها، ولم يصل الأمر إلى إغلاق الدول الأبواب على نفسها. وبكل حال: فإذا صارت بلد موبوءة بمرض " انفلونزا الخنازير "، أو " الطاعون ": فالحكم واحد، ولا فرق بين المملكة العربية السعودية، وغيرها، لكن ليس الحكم في هذا لأحدٍ من الناس، إلا أن يُعلن من مختصين أن تلك البقعة صارت موبوءة، فحينئذٍ نطبق عليها الحكم الشرعي، من تحريم دخولها، وتحريم خروج أحدٍ منها، لكن لا يتعجلن أحد بالحكم على موسم الحج، أو العمرة بالإلغاء، قبل دارسة ذلك من أهل الاختصاص من الأطباء، ثم اعتماد علمائنا ذلك وإصدارهم فتوى في الموضوع. قال الدكتور أحمد الريسوني - الخبير في " مجمع الفقه الإسلامي " -: إن مسألة إلغاء العمرة في رمضان أو موسم الحج المقبل بسبب " إنفلونزا الخنازير ": يرجع القرار فيها إلى الأطباء المسلمين المختصين. وقال: إن " منظمة المؤتمر الإسلامي "، أو " مجمع الفقه الإسلامي الدولي " مطالبان في هذه الحالة بتنظيم لقاء للأطباء المسلمين من عدد من الدول الإسلامية؛ ليتدارسوا الوضعية، ويقدروا الاحتمالات، ويصدروا توصياتهم، وبناء عليها يقرر الفقهاء في " مجمع الفقه الإسلامي "، أو أي هيئة فقهية تشكَّل لهذا الغرض ما إذا كانت الضرورة تدعو لإلغاء الشعيرتين. وقال: إن تقدير أطباء غير مسلمين، من أمريكا، أو كندا، أو غيرهما: لا يكفي؛ لأن الأمر يتعلق بالعالم الإسلامي، والحجاج والمعتمرين القادمين منه، ويتعلق كذلك بموازنة بين فريضة الحج وشعيرة العمرة، وما لهما من أهمية، مع احتمالات الخطورة، وانتشار الوباء. وقال: إذا قرر الأطباء المسلمون أن هناك احتمالات مرتفعة لانتشار الوباء بواسطة تجمع الحج، والعمرة: فيتعين حينئذ على جميع الدول الإسلامية، وعلى المملكة العربية السعودية على الخصوص، اتخاذ التدابير اللازمة لوقف هذه التجمعات، وتعليقها إلى حين انجلاء هذا الوباء. وقال: إن هذا الإجراء لا غبار عليه، وعلى مشروعيته، ووجوبه؛ لأن الله تعالى يقول: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان الوباء - أو الطاعون - في بلد فلا تخرجوا منه ولا تدخلوا إليه) ، وكذلك سيدنا عمر رضي الله عنه أوقف سير جيش بكامله كان يتجه إلى الشام لما علم أن بها وباء الطاعون. وقال: لكن لا ينبغي التعجل، بل اتخاذ الخطوات اللازمة التي تبتدئ بتقرير، وتقدير الأطباء المختصين بشكل جماعي، وتنتهي بفتوى الفقهاء، ثم بتنفيذ المسؤولين السياسيين في البلدان المعنية، وخاصة المملكة العربية السعودية. انتهى من موقعه. http://www.raissouni.org/affdetail.asp?codelangue=6&info;=300 فالنصيحة للسائل أن يتوكل على الله , ويتوجه لأداء العمرة , والحج، وأن يأخذ بأسباب السلامة - كما تقدم -، إلا أن يظهر – لا قدَّر الله – ما يستوجب التوقف عن دخول البلد الحرام، ويظهر ذلك بفتاوى أهل العلم الثقات، والله هو المأمول أن يحفظنا وإياكم من كل سوء وشر. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 137801 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3781 متمتعة تركت سعي الحج وتزوجت بعد ذلك فماذا يلزمها؟ [السُّؤَالُ] ـ[حججت أنا وخالي ووالدتي متمتعين فأخذنا العمرة وحللنا وأحرمنا وأدينا مناسك الحج كلها ماعدا سعي الحج ظناً من والدتي أن سعي العمرة يكفي وهي جاهلة عن الحكم وأنا كنت في الثالثة عشرة من عمري ولكن كنت بالغة حينها وبعدها تزوجت ولم أعلم أن علي شيئاً إلا بالصدفة من بعض الداعيات فما علي أن أفعل الآن علماً بأن خالي توفي. وسأذهب بإذن الله إلى مكة لأداء العمرة فبماذا أبدأ وهل علي أن أذهب إلى الميقات بعد فعل سعي الحج السابق إذا كان علي ذلك والإحرام بالعمرة الجديدة وماذا عن عقد الزواج إذا لم أكن تحللت من النسك حتى الآن علماً بأن لي 38 سنة متزوجة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: السعي ركن من أركان الحج، لا يتم الحج بدونه، ولا يتحلل المحرم التحلل الأكبر حتى يأتي به، وأما التحلل الأصغر الذي يباح به كل شيء إلا النساء فيحصل بالرمي والحلق، ثم إذا طاف المحرم وسعى تحلل التحلل الأكبر، وحل له كل شيء. والمفرد والقارن لا يلزمهما إلا سعي واحد، فإن سعيا بعد طواف القدوم كفاهما هذا السعي. وأما المتمتع فيلزمه سعيان، سعي لعمرته، وسعي لحجه. وعليه؛ فإذا لم تكوني سعيت سعي الحج، فأنت على إحرامك الآن، لم تتحللي التحلل الأكبر، ولا يجوز لزوجك أن يجامعك حتى تتحلي بفعل السعي. وأما عقد النكاح: فما دام قد وقع بعد التحلل الأول الذي يحصل بالرمي والحلق أو التقصير، فإنه عقد صحيح على ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ورجحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. قال الشيخ ابن عثيمين: " وهذا من الأمور التي ينبغي أن يسلك الإنسان فيها الاحتياط، فإذا جاءنا رجل ابتلي وعقد النكاح قبل أن يطوف طواف الإفاضة أو خطب امرأة قبل أن يطوف طواف الإفاضة، فنقول: لا تعد؛ لأن التحريم وإبطال العقد بعد أن وقع فيه صعوبة، ولكن لو جاءنا يستشير ويقول: هل تفتونني بأن أخطب أو أعقد النكاح وقد حللت التحلل الأول؟ فنقول له: لا " انتهى من "الشرح الممتع" (7/ 330) . وإن كان قد وقع الجماع في هذه المدة عن جهل، فلا شيء عليكما، والأحوط أن تخرجي فدية، وهي ذبح شاة أو إطعام ستة مساكين يعطى لفقراء مكة، أو صيام ثلاثة أيام. فقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: أنا من سكان مكة حججت العام الماضي وطفت ولكن لم أسع، فما الحكم؟ فأجاب: عليك السعي، وهذا غلط منك، ولا بد من السعي سواء كنت من أهل مكة أو من غيرهم، لا بد من السعي بعد الطواف بعد النزول من عرفات تطوف وتسعى، فالذي ترك السعي يسعى الآن، وإذا كان أتى زوجته عليه ذبيحة يذبحها في مكة للفقراء؛ لأنه لن يحصل له التحلل الثاني إلا بالسعي، فعليه أن يسعى الآن بنية الحج السابق، وعليه دم إن كان قد أتى زوجته " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (17/341) . وقال رحمه الله - فيمن سافرت وقد بقي عليها من أشواط السعي - قال: "يجب عليكِ أن تعودي إلى مكة، وأن تسعي سبعة أشواط بين الصفا والمروة بنية الحج السابق، وعليك دم يذبح في مكة للفقراء إن كان لديكِ زوج قد جامعك، فإن لم يكن لديك زوج أو لديك ولم يحصل جماع فليس عليك دم. وعليك أن تطوفي للوداع عند السفر من مكة " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (17/345) . ثانيا: وما دمت تنوين العمرة فإنك تحرمين بها من الميقات، ثم إذا فرغت منها بالطواف والسعي والتقصير، فإنك تأتين بسعي الحج. وانظري جواب السؤال رقم (109368) . ويلزمك عند الخروج من مكة طواف الوداع؛ لأن وداعك الأول غير معتبر لوقوعه قبل الانتهاء من أعمال الحج. ثالثا: لا يلزم فعل شيء عن خالك، ولا يقضى عنه ما فاته من السعي، وهذا هو الصحيح فيمن مات في الحج سواء مات قبل التحلل الأول أو بعده. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا) ، دليل على أنه لا يقضى عنه ما بقي من نسكه ولو كان الحج فريضة خلافا لما ذهب إليه بعض أهل العلم، وقالوا: إن يقضى عنه ما بقي من النسك إذا كان الحج فريضة؛ فإننا نقول ردا على هذا القول: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل لهم: اقضوا عنه بقية النسك، ولو كان قضاء بقية النسك واجبا لبينه النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولأننا لو قضينا عنه بقية نسكه لفوتنا عليه فائدة كبيرة جدا، وهي أنه يبعث يوم القيامة ملبيا؛ لأنه لو قضي عنه بقية النسك لتحلل وانتهى من النسك، فيكون في قضاء بقية النسك عنه إساءة للميت " انتهى من "الشرح الممتع" (5/ 286) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 134861 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3782 هل تُغطَّى رِجلا المحرِم الميت بكفنه أم تُكشفان؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل الميت المحرِم - حاج أو معتمر - تُغطَّى رِجله أم تبقى مكشوفة مثل رأسه ووجهه؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لم يأت دليل من السنة النبوية على كشف رجلي الرجل المحرم إذا مات، وإنما جاءت السنة بوجوب كشف رأسه، وفي بعض الألفاظ: (ووجهه) وأما الرجلان فتستران كما يُستر سائر البدن. وعمدة المسألة: حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: بَيْنَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ، إِذْ وَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَوَقَصَتْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْه وَلَا تُحَنِّطُوهُ، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّياً) رواه البخاري (1206) ومسلم (1206) . وتفرد مسلم بزيادة "الوجه"، فرواه مرة: (وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ وَلاَ وَجْهَهُ) . (فوقصته) من الوقص وهو كسر العنق. (سدر) ورق شجر، يدق ويستعمل في الغسل والتنظيف. (ولا تحنطوه) لا تضعوا له الحَنوط، وهو طيب يخلط للميت خاصة، وهو يدل على أن جميع أنواع الطيب لا تحل للمحرم. فهذا الحديث يدل على أنه يستر بدنه كله بالكفن إلا الرأس والوجه. وقد نُقل عن الإمام أحمد أنه تكشف رجلاه أيضا، غير أن علماء المذهب الحنبلي ضعفوا هذه الرواية عن الإمام أحمد، وجزموا بوهم من نقلها عنه. قال ابن قدامة رحمه الله: "واختلف عنه – أي: عن الإمام أحمد - في تغطية رجليه، فروى حنبل عنه: " لا تُغطى رجلاه "، وهو الذي ذكره " الخِرَقي "، وقال الخلاَّل: " لا أعرف هذا في الأحاديث، ولا رواه أحدٌ عن أبي عبد الله [الإمام أحمد] غير حنبل، وهو عندي وهم من حنبل ". والعمل على أنه يغطى جميع المحرم إلا رأسه؛ لأن إحرام الرجل في رأسه، ولا يمنع من تغطية رجليه في حياته، فكذلك في مماته" انتهى. " المغني " (2 / 404) . ومذهب الإمام الشافعي رحمه الله أنه يُكشف رأس المحرِم فقط، ويُغطى سائر بدنه. وأما مذهب الإمامين أبي حنيفة ومالك رحمهما الله فهو: تكفين المحرم كتكفين غيره من الأموات فيستر جميع بدنه، وعندهم أن حديث ابن عباس خاص بذلك الصحابي. جاء " الموسوعة الفقهية " (13 / 244، 245) : "قال الشافعية والحنابلة: إذا مات المحرم، والمحرمة: حرُم تطييبهما، وأخذ شيء من شعرهما، أو ظفرهما، وحرُم ستر رأس الرجل، وإلباسه مخيطاً، وحرُم ستر وجه المحرمة؛ لما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المحرم الذي وقصته ناقته فمات: (اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، اللذين مات فيهما، ولا تمسوه بطيب، ولا تخمروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيّاً) . وعند الحنفية والمالكية: يكفَّن المحرم، والمحرمة، كما يكفن غير المحرِم، أي: يُغطَّى رأسه، ووجهه، ويطيَّب، لما روي عن عطاء عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في المحرم يموت: (خمِّروهم ولا تشبهوهم باليهود) ، وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال في المحرم: (إذا مات انقطع إحرامه) ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: ولد صالح يدعو له، أو صدقة جارية، أو علم ينتفع به) ، والإحرام ليس من هذه الثلاثة" انتهى. وحديث: (خمِّروهم ولا تشبهوهم باليهود) ، حديث ضعيف، رواه الدارقطني في " سننه " (2/296) من طريق: لي بن عاصم عن ابن جريح عن عطاء عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن الجوزي رحمه الله: "حديث لا يصح، قال يزيد بن هارون: ما زلنا نعرف " علي بن عاصم " بالكذب، وكان أحمد: سيىء الرأي فيه، وقال يحيى: ليس بشيء، وقال النسائي: متروك الحديث" انتهى. " التحقيق في أحاديث الخلاف " (2 / 5) . وضعفه الشيخ الألباني في " السلسلة الضعيفة " (3556) . والخلاصة: أن رجلي المحرم إذا مات تستران بالكفن ولا تكشفان. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127608 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3783 إذا حاضت قبل طواف الإفاضة ولم يمكنها البقاء [السُّؤَالُ] ـ[إن شاء الله سوف أقوم بأداء فريضة الحج لهذا العام. ماذا أفعل في فترة الحيض أثناء المناسك أعلم أن المناسك مثل أي حاج ولكن فقط عدم الطواف بالبيت .... سؤالي هو أريد أن أستعمل موانع الدورة الشهرية وزوجي طبيب ويرفض هذه الطريقة حيث يقول لي ممكن أن تحدث نزيفاً غير متوقع عند بعض النساء مما يسبب لي ربكة شديدة لكن أود أن أسال عن طواف الإفاضة ماذا أفعل لو أني حائض حيث إنني مرتبطة مع حملة طوافة وزوجي عنده شغل بعد الحج وأنا من مدينة حائل ومعي أطفال بمعني هناك صعوبة أن يتركني زوجي عند إخوته في جدة لحين طهارتي وطوافي بالبيت بعد أن أطهر دلوني علي الخير حيث إنني في حيرة من أمري.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الحائض لا يصح طوافها؛ لما روى البخاري (305) ومسلم (1211) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أنها لما حاضت قبيل دخول مكة في حجة الوداع قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي) . وروى البخاري (4401) ومسلم (1211) عن عَائِشَةَ أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاضَتْ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟ فَقُلْتُ: إِنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَطَافَتْ بِالْبَيْتِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَلْتَنْفِرْ) . فهذا يدل على أن الحائض ممنوعة من الطواف، وعليها أن تبقى حتى تطهر، فإن سافرت لزمها الرجوع لتطوف، وهذا ما ذهب إليه جماهير أهل العلم. وإذا خافت المرأة نزول الحيض قبل طوافها للإفاضة وكان لا يمكنها البقاء في مكة ولا العودة إليها بعد الذهاب منها، فلها أن تستعمل دواء لمنع الحيض لتتمكن من الطواف، والضرر الذي قد يلحقها من ذلك ضرر مغتفر في سبيل تحقيق هذه العبادة العظيمة وأدائها على الوجه المشروع. وقد روى عبد الرزاق في مصنفه (1/318) أن ابن عمر رضي الله عنه سئل عن امرأة تطاول بها دم الحيضة فأرادت أن تشرب دواء يقطع الدم عنها فلم ير ابن عمر باسا، ونعت ابن عمر ماء الأراك [أي وصف لها ذلك دواء لها] ، قال معمر: وسمعت ابن أبي نجيح يسأل عن ذلك فلم ير به باسا. وروى عن عطاء أنه سئل عن امرأة تحيض، يجعل لها دواء فترتفع حيضتها وهي في قرئها كما هي، تطوف؟ قال: نعم، إذا رأت الطهر، فإذا هي رأت خفوقا ولم تر الطهر الأبيض، فلا. والخفوق: الدم القليل أو الخفيف قرب الانقطاع. وإذا لم يمكنها أخذ هذا الدواء أو خافت حصول ضرر عليها منه، فقد ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أنه إن لم يمكنها البقاء في مكة لذهاب رفقتها، ولم يمكنها الرجوع للطواف، فهي مضطرة، تستثفر وتتحفظ بما يمنع سقوط الدم وتطوف، وبهذا أفتى بعض أهل العلم. فقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: قدمت امرأة محرمة بعمرة، وبعد وصولها إلى مكة حاضت. ومحرمها مضطر إلى السفر فوراً وليس لها أحد بمكة، فما الحكم؟ فأجابت: "إذا كان الأمر كما ذكر من حيض المرأة قبل الطواف وهي محرمة، ومحرمها مضطر للسفر فوراً وليس لها محرم ولا زوج بمكة، سقط عنها شرط الطهارة من الحيض لدخول المسجد وللطواف للضرورة، فتستثفر وتطوف وتسعى لعمرتها، إلا إنْ تيسر لها أن تسافر وتعود مع زوج أو محرم، لقرب المسافة ويسر المؤونة فتسافر وتعود فور انقطاع حيضها لتطوف طواف عمرتها وهي متطهرة، فإن الله تعالى يقول: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) . وقال: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) . وقال: (وما جعل عليكم في الدين من حرجٍ) . وقال: (فاتقوا الله ما استطعتم) . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم) ، الحديث، إلى غير ذلك من نصوص التيسير ورفع الحرج، وقد أفتى بما ذكرنا جماعة من أهل العلم منهم شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم رحمة الله عليهما " انتهى نقلا عن "فتاوى إسلامية" (2/238) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: امرأة حاضت ولم تطف طواف الإفاضة وتسكن خارج المملكة وحان وقت مغادرتها المملكة ولا تستطيع التأخر ويستحيل عودتها للمملكة مرة أخرى فما الحكم؟ فأجاب: "إذا كان الأمر كما ذكر امرأة لم تطف طواف الإفاضة وحاضت ويتعذر أن تبقى في مكة أو أن ترجع إليها لو سافرت قبل أن تطوف، ففي هذه الحالة يجوز لها أن تستعمل واحداً من أمرين: فإما أن تستعمل إبراً توقف هذا الدم وتطوف، وإما أن تتلجم بلجام يمنع من سيلان الدم إلى المسجد وتطوف للضرورة، وهذا القول الذي ذكرناه هو القول الراجح والذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وخلاف ذلك واحد من أمرين: إما أن تبقى على ما بقي من إحرامها بحيث لا تحل لزوجها ولا أن يعقد عليها إن كانت غير مزوجة، وإما أن تعتبر محصرة تذبح هدياً وتحل من إحرامها، وفي هذه الحال لا تعتبر هذه الحجة لها، وكلا الأمرين أمر صعب، فكان القول الراجح هو ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله في مثل هذه الحال للضرورة، وقد قال الله تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) . وقال: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) . أما إذا كانت المرأة يمكنها أن تسافر ثم ترجع إذا طهرت فلا حرج عليها أن تسافر فإذا طهرت رجعت فطافت طواف الحج وفي هذه المدة لا تحل للأزواج لأنها لم تحل التحلل الثاني " انتهى من "فتاوى إسلامية" (2/237) . وطواف المرأة الحائض للضرورة يمكن أن تُفتى به امرأة أتت من بلاد بعيدة ولا يمكنها لا البقاء في مكة ولا العودة مرة أخرى لتطوف، أما من كانت تقيم في بلاد الحرمين، أو إحدى دول الخليج، فإنه يمكنها الرجوع إلى مكة لتطوف طواف الإفاضة، فإذا تعذر عليها الإقامة بمكة حتى تطهر، فإنها تسافر ثم إذا طهرت رجعت لتطوف، وفي هذه الفترة تتجنب معاشرة زوجها لأنها لم تتحلل التحلل الثاني. وهذا هو ما ينطبق على حالتك، فلا يجوز لك الطواف مع الحيض، ولكنك ترجعين إن طهرت للطواف. وقد سئل الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم: حاضت امرأة قبل طواف الإفاضة، وهي مرتبطة بالسفر مع رحلة الحج التي أتت معها قبل أن تطهر من الحيض، فماذا عليها أن تفعل؟ علماً أنها لا تستطيع التأخر عن رحلتها في العودة، وجزاكم الله خيراً. فأجاب: "بالنسبة للمرأة التي حاضت قبل طواف الإفاضة لا تخلو من حالين: الأول: أن تكون قادمة من بلاد بعيدة؛ كبلاد المغرب وباكستان، والهند، ونحو ذلك من البلاد البعيدة، فهذه على رأي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لها أن تتحفظ وأن تطوف للضرورة. الثاني: أن تكون قادمة من بلاد قريبة؛ كأن تكون داخل المملكة العربية السعودية، أو تكون من بلاد الخليج، فهذه لا يجوز لها أن تطوف وهي حائض، بل تنتظر حتى تطهر، أو تذهب ثم بعد ذلك ترجع إذا طهرت، وإذا ذهبت فإنها لا تزال محرمة ولم تحل التحلل الثاني، فلا يجوز لزوجها أن يقربها حتى تحل التحلل الثاني" انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112271 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3784 هل يجوز التنقل بين المشاعر بملابس الإحرام بقصد التعليم؟ [السُّؤَالُ] ـ[عندنا في " مكة " تقوم بعض المدارس بإقامة رحلة تعليمية للأطفال بالحج، وذلك بإلباس الأولاد الإحرام، وصحبهم إلى المشاعر، ويقومون بالتلبية، وذلك خلال يوم دراسي في ذي القعدة، فما حكم ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: كان للنبي صلى الله عليه طرق متعددة في تعليم أصحابه رضي الله عنهم، وفي كل هذه الطرق كان القصد من سلوك سبيلها: تقريب المادة إلى الذهن حتى كأنه يراها، أو ليؤدي الطاعة والعبادة على وجهها الأكمل، وهذا من حُسن تعليمه صلى الله عليه وسلم، والذي أثنى عليه أصحابه به، فقال معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه: (فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي، مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ) . رواه مسلم (537) . مثال الأول: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: خَطَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا مُرَبَّعًا، وَخَطَّ خَطًّا فِي الْوَسَطِ خَارِجًا مِنْهُ، وَخَطَّ خُطَطًا صِغَارًا إِلَى هَذَا الَّذِي فِي الْوَسَطِ مِنْ جَانِبِهِ الَّذِي فِي الْوَسَطِ وَقَالَ: (هَذَا الْإِنْسَانُ، وَهَذَا أَجَلُهُ مُحِيطٌ بِهِ - أَوْ قَدْ أَحَاطَ بِهِ - وَهَذَا الَّذِي هُوَ خَارِجٌ أَمَلُهُ، وَهَذِهِ الْخُطَطُ الصِّغَارُ: الْأَعْرَاضُ، فَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا: نَهَشَهُ هَذَا، وَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا: نَهَشَهُ هَذَا) رواه البخاري (6054) . ومثال الثاني: عن سَهْل بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ قال: وَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ عَلَيْهِ (يعني: المنبر) فَكَبَّرَ وَكَبَّرَ النَّاسُ وَرَاءَهُ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، ثُمَّ رَفَعَ فَنَزَلَ الْقَهْقَرَى حَتَّى سَجَدَ فِي أَصْلِ الْمِنْبَرِ، ثُمَّ عَادَ حَتَّى فَرَغَ مِنْ آخِرِ صَلَاتِهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي صَنَعْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا بِي، وَلِتَعَلَّمُوا صَلَاتِي) رواه البخاري (875) ومسلم (544) . وهو ما فعله الصحابة رضي الله عنهم من تعليم الناس بالعمل، كما فعله عثمان بن عفان رضي الله عنه في تعليم الناس الوضوء عمليّاً، وكما فعل مالك بن الحويرث وعقبة بن عمرو رضي الله عنهما عندما علَّما الناس صلاة النبي صلى الله عليه وسلم عمليّاً، وحديث عثمان في الصحيحين، وحديث مالك في البخاري، وحديث عقبة في أبي داود والنسائي. وقد كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر صلاةً شرعية حقيقية، وليست حركات من أجل التعليم، وهكذا كان وضوء عثمان، وصلاة مالك بن الحويرث وعقبة بن عمرو رضي الله عنهم. عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ: جَاءَنَا مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ فِي مَسْجِدِنَا هَذَا فَقَالَ: إِنِّي لَأُصَلِّي بِكُمْ وَمَا أُرِيدُ الصَّلَاةَ، أُصَلِّي كَيْفَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي.رواه البخاري (645) . وبوَّب عليه البخاري: باب مَن صلَّى بالناس وهو لا يريد إلا أن يعلِّمهم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وسنَّته. انتهى وحمل قوله " وما أريد الصلاة " على أنه لم يُرد الصلاة بهم إماماً، وحُمل على أنه لم تكن ذمته مشغولة بصلاة، فصلاها بهم نافلة. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: استشكل نفي هذه الإرادة؛ لما يلزم عليها من وجود صلاة غير قُربة، ومثلها لا يصح، وأجيب: بأنه لم يرد نفي القربة، وإنما أراد بيان السبب الباعث له على الصلاة في غير وقت صلاة معينة جماعة، وكأنه قال: ليس الباعث لي على هذا الفعل حضور صلاة معينة من أداء، أو إعادة، أو غير ذلك، وإنما الباعث لي عليه: قصد التعليم، وكأنه كان تعين عليه حينئذ؛ لأنه أحد من خوطب بقوله (صلوا كما رأيتموني أصلي) - كما سيأتي - ورأى أن التعليم بالفعل أوضح من القول، ففيه دليل على جواز مثل ذلك، وأنه ليس من باب التشريك في العبادة. " فتح الباري " (2 / 163) . ثانياً: هذا، ولا يُمنع أن يقوم المعلِّم بشرح الطاعات والعبادات العمليَّة، ولو لم يؤدها على أنها عبادة وقربة، وقد يستدعي منه هذا – مثلاً - أن لا يتجه للقبلة، أو أن يتكلم أثناء الركوع والسجود، موضِّحاً ومعلِّماً، وليس في ذلك ما يُنكر، ومثله من أراد أن يعلِّم الأذان، أو الخطابة. وعليه: فلا مانع من قيام المعلِّم بتعليم الطلبة مناسك الحج عمليّاً في بعض أفعاله، كتعليمهم كيف يلبسون ملابس الإحرام، وأين يقفون في عرفة، وكيف يدفعون منها، وكيف يدعون في مزدلفة، وهكذا في باقي المناسك التي تحتاج إلى اطلاع على واقعها المكاني، ولا يشترط أن يكونوا محرمين حقيقة – بنزع كامل ملابسهم – ولا أن يتركوا محظورات الإحرام على الحقيقة، كما أنه قد يتم تعليم بعض المسلمين الصلاة بحركاتها العملية ولا يلزم أن يكونوا على وضوء، ولا باتجاه القبلة. وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: لي أطفال لم يتجاوز أكبرهم ثلاثة أعوام، يقون خلفي أثناء صلاتي بالمنزل؛ وذلك لأعلمهم كيفية الصلاة، ويكون ذلك بدون وضوء منهم، فهل يجوز ذلك؟ . فأجاب: "يجوز للإنسان أن يعلِّم أولاده الصلاة بالقول، وبالفعل، ولهذا لمَّا صنع المنبر للنبي صلى الله عليه وسلم صعد عليه، وجعل يصلي عليه، فإذا أراد السجود نزل وسجد على الأرض، ثم قال عليه الصلاة والسلام: (إنما فعلت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي) ، وينبغي أيضاً أن يعلَّم هؤلاء الوضوء ما داموا يفقهون، ويفهمون، لكن الذين في السنِّ التي ذكرها السائل - وهو أن أكبرهم له ثلاث سنوات - لا أظنهم يعقلون كما ينبغي، والنبي عليه الصلاة والسلام أمر أن نأمر أولادنا بالصلاة لسبع سنين، وأن نضربهم عليها لعشر" انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (13 / جواب السؤال رقم 644) . والأمر في الحج أوسع منه في الصلاة، فالصلاة لا يمكن أن يكون الإمام فيها إلا مصليّاً على الحقيقة – وهو الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر ومالك وعمرو – ولا يلزم ذلك من يقود الحجاج إلى المناسك، وهو ما يُسمَّى " المطوِّف "؛ فلا يلزمه أن يكون محرماً فضلا، وهو عندما يعلِّم هؤلاء ويدلهم على المناسك قد ينوي العبادة في الطواف، لكنه لا يستطيع أن ينويها في عرفة ومزدلفة وهو غير محرِم. قال ابن رجب الحنبلي – شارحاً لحديث مالك بن الحويرث -: ولا يصح حمل كلامه عَلَى ظاهره، وأنه لَمْ ينو الصلاة بالكلية بل كَانَ يقوم، ويقعد، ويركع ويسجد، وَهُوَ لا يريد الصلاة: فإن هَذَا لا يجوز، وإنما يجوز مثل ذَلِكَ فِي الحج، يجوز أن يكون الَّذِي يقف بالناس، ويدفع بهم غير محرم، ولا مريداً للحج بالكلية، لكنه يكره. قَالَ أصحابنا وغيرهم من الفقهاء فِي " الأحكام السلطانية ": لأن الوقوف، والدفع يجوز للمحرم، وغيره، بخلاف القيام، والركوع، والسجود: فإنه لا يجوز إلا فِي الصلاة بشروطها. " فتح الباري " لابن رجب (4 / 116) . والخلاصة: أنه يجوز تعليم الأطفال والشباب مناسك الحج على واقعها المكاني بحقيقتها العملية. ومن باب الفائدة: فقد منع كثير من أهل العلم صنع مجسَّم للكعبة يُطاف حوله للتعليم، وهذا ليس هو موضوع السؤال؛ لأن السؤال عن الذهاب لأماكن المناسك حقيقة، وليس تمثيلاً لها وتجسيماً لأماكنها. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111689 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3785 رجل جامع زوجته في صيام واجب غير رمضان [السُّؤَالُ] ـ[ما الحكم في رجل جامع أهله في صيام واجب غير رمضان؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سئل فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله: ما الحكم في رجل جامع أهله في صيام واجب غير رمضان؟ فأجاب: اتفق العلماء على أن الكفارة تجب بالجماع في نهار رمضان سواء أنزل الماء أو لم ينزل. ولا يستثنى من ذلك إلا المكره والجاهل والناسي في أصح قولي العلماء. وإذا أنزل ولم يولج لزمه القضاء عند أكثر أهل العلم وإذا أولج ولم ينزل لزمته الكفارة والقضاء. فالكفارة مربوطة بالإيلاج وليست بالإنزال. ولا تجب الكفارة إلا في الجماع بنهار رمضان فلو جامع في قضاء واجب أو نذر أو نحو ذلك لم تجب عليه الكفارة وبه قال الجمهور وهذا ظاهر الأدلة. وقد قال غيرُ واحد من أهل العلم. لو أن رجلاً وطيء في آخر يوم من رمضان فتبين له أنه من شوال لم تلزمه كفارة لأنه تبين أن صومه لم يكن فرضاً عليه والله أعلم. اهـ انظر السؤال (40242) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49040 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3786 مصاب بالسلس فماذا يصنع في الحج [السُّؤَالُ] ـ[أعاني منذ سنوات قلائل من سلس البول غير الدائم، تخرج مني قطرات من البول بعد التبول، خلال السنوات الفائتة اعتدت أن أستخدم مناشف ورقية مع ملابسي الداخلية وأنظف نفسي بالماء ثم أتوضأ قبل كل صلاة. أنوي الذهاب للحج هذا العام إن شاء الله، أسئلتي هي: - هل أرتدي ملابس داخلية حال الإحرام؟ - هل يجوز لي جمع كل صلاتين معا أثناء سفري لأداء الحج أو خلال تأديتي للمناسك؟ - هل أنظف نفسي مرتين وأتوضأ مرتين قبل جمع صلاتين معا أثناء الحج؟ - أشعر أحيانا أنني متأكد أن شيئا لم يخرج مني، فهل علي في هذه الحالة أن أنظف نفسي مرة أخرى قبل جمع الصلاتين التاليتين؟ - هل علىّ أن أستخدم الماء لتنظيف نفسي قبل كل صلاة حتى ولم لم أتبول؟ هل يجوز استخدام المناشف الورقية فقط؟ - هل يجوز لي الاستمرار في أخذ الأدوية أثناء الإحرام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: من كان حدثه دائما مستمرا، كصاحب سلس البول والريح، يتوضأ لوقت كل صلاة، ويصلي بوضوئه ما شاء من الفروض والنوافل، حتى يدخل وقت الصلاة الأخرى، ولا يضره لو خرج منه شيء بعد وضوئه ولو أثناء الصلاة. وأما إن كان البول ينقطع عنه في وقت يتسع لطهارته وصلاته فإنه يلزمه تأخير الصلاة لذلك الوقت. وينبغي أن يذهب إلى الخلاء قبل الصلاة أو الأذان بربع ساعة مثلاً ثم يضع شيئاً يأمن معه التلوث بعد استنجائه، ثم إذا انقطع البول استنجي وتوضأ وصلى. وينظر جواب السؤال: 39494 و 6656. ثانيا: يمكنك أثناء الإحرام أن تلف على ذكرك مناشف ورقية وأن تضع عليها كيسا يمنعها من السقوط ويمنع البول من الخروج، ولا يعد هذا من المحظورات. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم أن يضع المحرم صاحب السلس شيئاً على العضو - مثل الكيس - حتى لا تنتشر النجاسة؟ هل هو من محظورات الإحرام؟. فأجاب: بأن هذا ليس من محظورات الإحرام. وينظر جواب السؤال رقم 11013 فإن شق ذلك عليك فالبس حفاظة أو ملابس داخلية، ولا حرج عليك، لكن تلزمك الفدية وهي على التخيير: ذبح شاة أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع أو صيام ثلاثة أيام. لحديث كعب بن عجرة رضي الله عنه لما احتاج أن يحلق رأسه وهو محرم، قال له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَاحْلِقْ، وَصُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، أَوْ انْسُكْ نَسِيكَةً) رواه البخاري (4190) ومسلم (1201) . ثالثا: يجوز لك الجمع بين الصلاتين لعذر السفر، وكذلك إذا شق عليك الدخول للخلاء ثم الخروج منه والعودة إليه لا سيما مع وجود الزحام، فحيث وجد الحرج والمشقة شرع الجمع. ومن جمع بين الصلاتين، فإنه يتوضأ لهما وضوءا واحدا، سواء كان صاحب سلس أو لم يكن. وكذلك التنظف والتطهر قبل الوضوء، يكون مرة واحدة. وإذا تأكدت من طهارة المحل وعدم خروج شيء منك فإنه لا يلزمك الاستنجاء ولا التطهر. ويجوز الاقتصار على استعمال المناديل الورقية للتطهر، وإن كان استعمال الماء أفضل. رابعا: لا حرج في استعمال الأدوية أثناء الإحرام. ونسأل الله تعالى لك الشفاء والمعافاة وأن يرزقنا وإياك حجا مبرورا وذنبا مغفورا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111091 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3787 ليس للاشتراط عند الإحرام صيغة محددة [السُّؤَالُ] ـ[هل يلزم المشترط أن يأتي بالصيغة التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم أم يشترط بأي كلام يعبر به عن نفسه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا يلزمه أن يأتي بالصيغة الواردة، لأن هذا مما لا يتعبد بلفظه، والشيء الذي لا يتعبد بلفظه يكتفى فيه بالمعنى" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/26) . والمقصود أنه لو أتى بالمعنى كقوله: (إن لم أستطع إكمال العمرة فأنا حلال أو متحلل) فهذا يكفي. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109175 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3788 لا يستطيع لبس الإحرام لأنه معاق [السُّؤَالُ] ـ[رجل يرغب في أداء العمرة ولكن لا يستطيع لبس الإحرام لأنه معاق ومشلول: فهل يستطيع العمرة بثيابه؟ وهل عليه كفارة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "نعم؛ إذا كان الإنسان لا يستطيع أن يلبس ثياب الإحرام فإنه يلبس ما يناسبه من اللباس الآخر والجائز، وعليه عند أهل العلم إما أن يذبح شاة يوزعها على الفقراء، أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، أو يصوم ثلاثة أيام. هكذا قال أهل العلم قياساً على ما جاء في حلق الرأس حيث قال الله تعالى: (وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) البقرة/196، وقد بَيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن الصيام ثلاثة أيام، وأن الصدقة إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، وأن النسك ذبح شاة، ويكون الذبح والإطعام في هذه المسألة بمكة احتياطاً، لأن انتهاك محظور اللبس سيستمر إلى التحلل" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 138) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109180 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3789 لا يجوز اصطحاب الخادمة الكافرة إلى الحرم [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم استصحاب الخادمة الكافرة وإدخالها إلى الحرم وما العمل إذا قدم بها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "كيف يذهب بامرأة كافرة إلى المسجد الحرام، والله عز وجل يقول: (فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) التوبة/23. هذا حرام عليه، وإذا قدر أنه اضطر لهذا يقول لها: أسلمي، فإن أسلمت فهذا هو المطلوب، وإن لم تسلم إما أن يبقى معها، وإما أن يرسلها إلى أهلها. وأما أن يأتي بها إلى مكة فهذا لا يجوز، أولاً: معصية لله عز وجل. ثانياً: امتهان الحرم، فيرجع هو وإياها أو يردها هي إلى بلدها" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/433) . وللفائدة راجع جواب السؤال رقم (2192) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109184 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3790 نصائح للحاج قبل سفره إلى الحج [السُّؤَالُ] ـ[هل من نصيحة لمن أراد السفر للحج، ماذا يفعل قبل سفره؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا عزم المسلم على السفر إلى الحج أو العمرة استحب له أن يوصي أهله وأصحابه بتقوى الله عز وجل، وهي: فعل أوامره، واجتناب نواهيه. وينبغي أن يكتب ما له وما عليه من الدين، ويشهد على ذلك، ويجب عليه المبادرة إلى التوبة النصوح من جميع الذنوب؛ لقوله تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) النور/31. وحقيقة التوبة: الإقلاع من الذنوب وتركها، والندم على ما مضى منها، والعزيمة على عدم العود فيها، وإن كان عنده للناس مظالم من نفس أو مال أو عرض ردها إليهم، أو تحللهم منها قبل سفره؛ لما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من كانت عنده مظلمة لأخيه من مال أو عرض فليتحلل اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه) . وينبغي أن ينتخب لحجه وعمرته نفقة طيبة من مال حلال؛ لما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا) ، وروى الطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا خرج الرجل حاجا بنفقة طيبة ووضع رجله في الغرز فنادى: لبيك اللهم لبيك، ناداه مناد من السماء: لبيك وسعديك، زادك حلال، وراحلتك حلال، وحجك مبرور غير مأزور. وإذا خرج الرجل بالنفقة الخبيثة فوضع رجله في الغرز فنادى: لبيك اللهم لبيك، ناداه مناد من السماء: لا لبيك ولا سعديك، زادك حرام، ونفقتك حرام، وحجك غير مبرور) . وينبغي للحاج الاستغناء عما في أيدي الناس والتعفف عن سؤالهم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله) ، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم) . ويجب على الحاج أن يقصد بحجته وعمرته وجه الله والدار الآخرة، والتقرب إلى الله بما يرضيه من الأقوال والأعمال في تلك المواضع الشريفة، ويحذر كل الحذر من أن يقصد بحجه الدنيا وحطامها، أو الرياء والسمعة والمفاخرة بذلك، فإن ذلك من أقبح المقاصد وسبب لحبوط العمل وعدم قبوله، كما قال تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) هود/15-16. وقال تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا) الإسراء/18-20. وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: قال الله تعالى: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه) . وينبغي له أيضا أن يصحب في سفره الأخيار من أهل الطاعة والتقوى والفقه في الدين، ويحذر من مصاحبة السفهاء والفساق. وينبغي له أن يتعلم ما يشرع له في حجه وعمرته، ويتفقه في ذلك ويسأل عما أشكل عليه؛ ليكون على بصيرة، فإذا ركب دابته أو سيارته أو طائرته أو غيرها من المركوبات استحب له أن يسمي الله سبحانه ويحمده، ثم يكبر ثلاثا، ويقول: (سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ) الزخرف/13-14. اللهم إني أسألك في سفري هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا، واطو عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل؛ لصحة ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، أخرجه مسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. ويكثر في سفره من الذكر والاستغفار، ودعاء الله سبحانه، والتضرع إليه، وتلاوة القرآن وتدبر معانيه، ويحافظ على الصلوات في الجماعة، ويحفظ لسانه من كثرة القيل والقال، والخوض فيما لا يعنيه، والإفراط في المزاح، ويصون لسانه أيضا من الكذب والغيبة والنميمة والسخرية بأصحابه وغيرهم من إخوانه المسلمين. وينبغي له بذل البر في أصحابه، وكف أذاه عنهم، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة على حسب الطاقة" انتهى. فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله. "مجموع فتاوى ابن باز" (16/32- 37) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109226 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3791 نوى الحج لنفسه ثم بدا له أن يغير النية لقريب له فهل له ذلك؟ [السُّؤَالُ] ـ[رجل نوى الحج لنفسه وقد حج من قبل ثم بدا له أن يغير النية لقريب له وهو في عرفة فما حكم ذلك وهل يجوز له ذلك أم لا؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الإنسان إذا أحرم بالحج عن نفسه فليس له بعد ذلك أن يغير لا في الطريق ولا في عرفة ولا في غير ذلك بل يلزمه أن يكمل لنفسه ولا يغير لا لأبيه ولا لأمه ولا لغيرهما بل يتعين الحج له؛ لقول الله سبحانه وتعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) البقرة/196، فإذا أحرم لنفسه وجب أن يتمه لنفسه، وإذا أحرم لغيره وجب أن يتمه لغيره ولا يغير بعد الإحرام إذا كان قد حج عن نفسه وهكذا العمرة" انتهى. فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله. "مجموع فتاوى ابن باز" (17/78) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109228 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3792 هل الأفضل أن يحج عن والديه أم يساهم في بناء مسجد؟ [السُّؤَالُ] ـ[حججت الفريضة والحمد لله وأريد أن أحج عن والدي وعندنا مسجد يحتاج إلى إكمال البناء، فهل الأفضل أن أحج عن والدي أو أساهم في بناء المسجد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كانت الحاجة ماسة إلى تعمير المسجد فتصرف نفقة الحج تطوعا في عمارة المسجد؛ لعظم النفع واستمراره وإعانة المسلمين على إقامة الصلاة جماعة. أما إذا كانت الحاجة غير ماسة إلى صرف نفقة الحج التطوع في عمارة المسجد لوجود من يعمره غير صاحب الحج، فحجه تطوعا عن والديه بنفسه وبغيره من الثقات أفضل إن شاء الله، لكن لا يجمعان في حجة واحدة، بل يحج لكل واحد وحده" انتهى. فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله. "مجموع فتاوى ابن باز" (16/372) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109229 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3793 ما المنافع التي يشهدها الناس في الحج؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما المنافع التي يشهدها الناس في الحج؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "المنافع التي يشهدها المسلمون في الحج منافع كثيرة منافع دينية، ومنافع اجتماعية، ومنافع دنيوية. أما المنافع الدينية: فهي ما يقوم به الحجاج من أداء المناسك، وما يحصل من التعليم والتوجيه من العلماء من هنا ومن هناك، وما يحصل كذلك من الإنفاق في الحج، فإنه من الإنفاق في سبيل الله عز وجل. وأما المنافع الاجتماعية: فهي ما يحصل من تعارف الناس بينهم، وائتلاف قلوبهم، واكتساب بعضهم من أخلاق بعض، وحسن المعاملة والتربية بعضهم البعض، كما هو مشاهد لكل لبيب تأمل ذلك. وأما الفوائد الدنيوية: فما يحصل من المكاسب لأصحاب السيارات وغيرها مما يستأجر لأداء الحج، وكذلك ما يحصل للحجاج من التجارة التي يوردونها معهم ويستوردونها من مكة، وغير هذا من المنافع العظيمة، ولهذا قال الله تعالى: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ) الحج/28، فأتى فيها بالجمع الذي هو صيغة منتهى الجموع، ولكن مع الأسف الشديد أن الحج في هذه الأزمنة عند كثير من الناس لا يستفاد منه هذه الفوائد العظيمة، بل كأن الحج أفعال وأقوال جرداء، ليس فيها إلا مجرد الصور فقط، ولهذا لا تكسب القلب خشوعاً، ولا تكسب ألفة بين المؤمنين، ولا تعلماً لأمور دينهم، بل ربما يكره بعضهم أن يسمع كلمة وعظ من ناصح لهم، بل ربما يكون مع بعضهم سوء نية في دعوة الناس إلى الباطل، إما بالمقال، وإما بالفعال بتوزيع النشرات المضلة الفاسدة وهذا لا شك أنه مما يحزن، ومما يجعل هذا الحج خارجاً عن نطاقه الشرعي الذي شرع من أجله، لذا أنصح إخواني الحجاج بما يلي: أولاً: إخلاص النية لله تعالى في الحج، بأن لا يقصدوا من حجهم إلا الوصول إلى ثواب الله تعالى ودار كرامته. ثانياً: الحرص التام على اتباع النبي صلى الله عليه وسلم في حجه، فإنه صلى الله عليه وسلم كان يقول: (لتأخذوا عني مناسككم) . ثالثاً: الحرص التام على التآلف والتقارب بين المسلمين، وتعريف بعضهم بعضاً بما ينبغي أن يعرفوه من مشاكل دينية واجتماعية وغيرها. رابعاً: الرفق بالحجاج عند المشاعر، وعند الطواف، وعند السعي، وعند رمي الجمرات، وعند الدفع من مزدلفة ومن عرفة وغير ذلك. خامساً: الحرص على أداء المناسك بهدوء وطمأنينة، وألا يكون الواحد كأنما أتى ليقابل جيشاً، أو جندياً محارباً، ويظهر ذلك عند رمي الجمرات فإن بعض الناس تجدهم مقبلين إلى الجمرات والواحد منهم ممتلئ غضباً وحنقاً، وربما يتكلم بكلمات نابية لا تليق بغير هذا الموضع فكيف بهذا الموضع؟! . سادساً: أن يبتعد كل البعد عن الإيذاء الحسي والمعنوي بمعنى أنه يجتنب إلقاء القاذورات في الطرقات، وإلقاء القمامة في الطرقات وغير ذلك، الإيذاء المعنوي أن يتجنب شرب الدخان مثلاً بين أناس يكرهون ذلك، مع أن شرب الدخان محرم في حال الإحرام وغير حال الإحرام، وإذا وقع في الإحرام أنقص الإحرام وأنقص أجر الحج والعمرة؛ لأن الله تعالى يقول: (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) البقرة/197، والدخان محرم، والإصرار عليه يؤدي إلى أن يكون كبيرة من الكبائر. فالمهم أن الإنسان ينبغي له في هذا الحج أن يكون على أكمل ما يكون من دين وخلق حتى يجد طعم وحلاوة هذا الحج" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/7-9) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109233 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3794 من فوائد الحج [السُّؤَالُ] ـ[ما هي فوائد الحج؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إن الله تعالى بحكمته نَوَّع العبادات على الخلق ليبلوهم أيهم أحسن عملاً، وأقوم سبلاً، فإن الناس يختلفون في مواردهم ومصادرهم، فمنهم من يتقبل القيام بنوع من العبادات لأنه يلائمه ولا يتقبل النوع الآخر لأنه لا يلائمه، فتجده في النوع الأول منقاداً مسرعاً، وفي الثاني متثاقلاً ممانعاً، والمؤمن حقاً هو الذي ينقاد لما يرضي مولاه لا لما يوافق هواه. ومن تنوع العبادات تنوع أركان الإسلام، فمنها ما هو بدني محض يحتاج إلى عمل وحركة جسم كالصلاة، ومنها ما هو بدني لكنه كف عن المحبوبات التي تميل إليها النفس كالصيام، ومنها ما هو مالي محض كالزكاة، ومنها ما هو بدني مالي كالحج. فالحج جامع للتكليف البدني والمالي، ولما كان يحتاج إلى سفر وتعب أكثر من غيره لم يوجبه الله تعالى في العمر إلا مرة واحدة، ونص على اشتراط الاستطاعة فيه، والاستطاعة شرط للوجوب فيه وفي غيره، لكن الحج أمس بها من غيره، هذا وللحج فوائد عظيمة منها: 1- أنه قيام بأحد أركان الإسلام التي لا يتم إلا بها، وهذا يدل على أهميته ومحبة الله له. 2- أنه نوع من الجهاد في سبيل الله، ولذلك ذكره الله تعالى بعد ذكر آيات الجهاد. وثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة حين سألته هل على النساء جهاد؟ قال: (نعم؛ عليهن جهاد لا قتال فيه، الحج والعمرة) . 3- الثواب الجزيل والأجر العظيم لمن قام به على الوجه المشروع، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) وقال: (من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه) , وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحجاج والعمار وفد الله، إن دعوه أجابهم، وإن استغفروه غفر لهم) رواه النسائي وابن ماجة. 4- ما يحصل فيه من إقامة ذكر الله وتعظيمه وإظهار شعائره مثل التلبية، والطواف بالبيت وبالصفا والمروة، والوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة، ورمي الجمار وما يتبع ذلك من الذكر والتكبير والتعظيم، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله) . 5- ما يكون فيه من اجتماع المسلمين من جميع الأقطار وتبادل المودة والمحبة والتعارف بينهم، وما يتصل بذلك من المواعظ والتوجيه والإرشاد إلى الخير والحث على ذلك. 6- ظهور المسلمين بهذا المظهر الموحد في الزمان والمكان والعمل والهيئة، فكلهم يقفون في المشاعر بزمن واحد، وعملهم واحد، وهيئتهم واحدة، إزار ورداء، وخضوع، وذلك بين يدي الله عز وجل. 7- ما يحصل في الحج من مواسم الخير الديني والدنيوي وتبادل المصالح بين المسلمين، ولذلك قال الله تعالى: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ) الحج/28. وهذا يعم منافع الدين والدنيا. 8- ما يحصل من الهدايا الواجبة والمستحبة من تعظيم حرمات الله، والتنعم بها أكلاً وإهداء وصدقة للفقراء، فمصالح الحج وحكمه وأسراره كثيرة" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (24/239) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109234 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3795 هل العمل إذا كان شاقاً على النفس أعظم للأجر؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل العمل إذا كن شاقاً على النفس أعظم للأجر؟ وما رأيك فيمن يقول أحج على قدمي لأنه أعظم للأجر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "المشقة إن كانت من لازم فعل العمل فإنك تؤجر عليها، وإن كانت من فعلك فإنك لا تؤجر عليها، بل ربما تأثم عليها. مثلاً: إذا كان الإنسان حج على سيارة أو طائرة لكن في أثناء المناسك حصل له تعب من الشمس أو من البرد أيام الشتاء أو ما أشبه ذلك، فإنه يؤجر على هذه المشقة لأنها بغير فعله، أما لو كانت المشقة بفعله مثل أن يتعرض هو بنفسه للشمس، فإنه لا يؤجر على هذا، ولهذا لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً قد نذر أن يقف في الشمس منعه من ذلك ونهاه، لأن تعذيب الإنسان لنفسه إساءة إليها وظلم لها، والله سبحانه وتعالى لا يحب الظالمين. فالحاصل أن المشقة الحاصلة في العبادة إن كانت بفعلك، فأنت غير مأجور عليها، وإن كانت بغير فعلك فأنت مأجور عليها" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (24/44) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109237 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3796 هل يحج عن أحد من الصحابة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن يحج عن أحد من الصحابة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا بأس أن يحج الإنسان عنهم كما يحج عن أي مسلم، لكن مع ذلك نرى الدعاء للأموات أفضل بكثير من الأعمال الصالحة، حتى الأب والأم إذا دعوت الله لهما فهو أفضل من أن تحج عنهما، إذا لم يكن فرضاً، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما تحدث عن عمل الإنسان بعد موته قال: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) ولم يقل عليه الصلاة والسلام: (يحج عنه، ولا يتصدق عنه، ولا يصوم عنه، ولا يزكي، ولا يحج) بل قال: (ولد صالح يدعو له) وهل تظن أيها المؤمن أحداً أنصح للأحياء والأموات من الرسول صلى الله عليه وسلم؟! لا والله لا نظن، بل نظن ونعتقد أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنصح الخلق للأحياء والأموات، ومع ذلك قال: (أو ولد صالح يدعو له) " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (24/23) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109240 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3797 هل يستحب الاشتراط لكل من أراد الإحرام بالحج أو العمرة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يستحب لكل من أراد الحج أو العمرة أن يشترط عند الإحرام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الاشتراط في الحج هو أن يشترط الإنسان عند عقد الإحرام: إن حبسه حابس فمحله حيث حبس. وقد اختلف العلماء رحمهم الله في مشروعية الاشتراط فمنهم من قال: إنه ليس بمشروع مطلقاً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم حج واعتمر ولم ينقل عنه أنه اشترط في حجه ولا في عمرته. ومن المعلوم أنه يكون معه المرضى ولم يرشد الناس إلى الاشتراط، فها هو كعب بن عجرة رضي الله عنه في عمرة الحديبية أتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وفيه مرض والقمل يتناثر على وجهه من رأسه فقال صلى الله عليه وسلم: (ما كنت أرى الوجع بلغ بك ما أرى) وأمره أن يحلق رأسه وأن يفدي، أو يصوم، أو يطعم، والقصة معروفة في الصحيحين وغيرهما. ومن العلماء من قال: إنه مشروع مطلقاً، وأن الإنسان يستحب له عند عقد الإحرام أن يشترط: إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، وعللوا ذلك بأنه لا يأمن العوارض التي تحدث له في أثناء إحرامه وتوجب له التحلل، فإذا كان قد اشترط على الله سهل عليه التحلل. ومن العلماء من قال: إن خاف من عائق اشترط وإلا فلا. والصحيح أن الاشتراط ليس بمشروع إلا أن يخاف الإنسان من عائق يحول دونه وإتمام نسكه، مثل أن يكون مريضاً ويشتد به المرض فلا يستطيع أن يتم نسكه فهنا يشترط، وأما إذا لم يكن خائفاً من عائق يمنعه، أو من عائق يحول بينه وبين إتمام نسكه فلا يشترط، وهذا القول تجتمع به الأدلة، ووجه ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر وحج ولم يشترط، ولم يقل للناس على سبيل العموم: اشترطوا عند الإحرام، ولكن لما أخبرته ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب رضي الله عنها أنها تريد الحج وهي شاكية، أي: مريضة، قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني، فإن لك على ربك ما استثنيت) فمن كان في مثل حالها فإنه يشترط، ومن لم يكن فإنه لا يشترط" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/26- 28) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109241 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3798 يدخله صاحبه في أحد المخيمات المجانية [السُّؤَالُ] ـ[هناك مخيمات خاصة بالحج في بعض الجهات وفيها جميع الخدمات حتى الأكل والشرب، بدون مقابل، وقد يحدث أن يأتي حاج يعرف شخصاً من منسوبي هذه الجهات فيستطيع أن يدخله ضمن مخيمات الحج، فهل يحق له هذا، ويجوز فعله، وهل حجي صحيح؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الخيام التي تحجز ويتحجرها أصحابها في منى، لا حرج على الإنسان أن يطلب خيمة منها، لأن له الحق في أن ينزل في منى، وأما الأكل والشرب والكهرباء وما أشبهها فإن أذن المسئول عن هذه المخيمات، فلا بأس بذلك، وإن لم يأذن، فإنه لا يجوز أن يأكل أو أن ينتفع بالكهرباء والمكيفات التي جعلت في هذه الأماكن. والغالب أن المسئول عن هذه الخيام الغالب أنه يسمح للإنسان أن ينتفع ويأكل ويشرب ضمن الناس وتكون هذه بمنزلة الضيافة، وحينئذ يكون الأكل والشرب والانتفاع بالكهرباء وكذلك النزول في الخيمة يكون جائزاً ما دام صدر الإذن به من المسئول عنها " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (24/75) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109242 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3799 حديث أم سلمة فيمن لم يطف طواف الإفاضة يوم العيد حتى غربت الشمس [السُّؤَالُ] ـ[سمعت أن طواف الإفاضة لا بد أن يكون يوم العيد قبل غروب الشمس، وأن من لم يطف قبل غروب الشمس فإنه يرجع إلى الإحرام مرة أخرى ولا يجوز له لبس المخيط ولا التطيب.. حتى يطوف. فهل هذا صحيح؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قد ورد في ذلك حديث رواه أحمد (25321) وأبو داود (1708) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مساء يوم النحر: (إِنَّ هَذَا يَوْمٌ رُخِّصَ لَكُمْ إِذَا أَنْتُمْ رَمَيْتُمْ الْجَمْرَةَ أَنْ تَحِلُّوا يَعْنِي مِنْ كُلِّ مَا حُرِمْتُمْ مِنْهُ إِلَّا النِّسَاءَ، فَإِذَا أَمْسَيْتُمْ قَبْلَ أَنْ تَطُوفُوا هَذَا الْبَيْتَ صِرْتُمْ حُرُمًا كَهَيْئَتِكُمْ قَبْلَ أَنْ تَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطُوفُوا بِهِ) . إلا أن هذا الحديث ضعفه أكثر العلماء، وحُكي الإجماع على عدم العمل به. وقد سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله عن هذا الحديث، فأجاب: "سؤالكم عن حديث أم سلمة رضي الله عنها أن من لم يطف طواف الإفاضة قبل غروب الشمس من يوم العيد عاد محرماً. أفيدكم بأنه حديث ضعيف لا تقوم به حجة، ولا يثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وذلك من وجوه: الأول: من جهة سنده، فإن مداره عند الإمام أحمد وأبي داود وابن خزيمة على محمد بن إسحاق صاحب السير المعروف، قال: أخبرنا أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة عن أبيه وعن أمه عن أم سلمة رضي الله عنها، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إذا أنتم أمسيتم قبل أن تطوفوا بهذا البيت عدتم حرماً كهيئتكم قبل أن ترموا الجمرة حتى تطوفوا به) . فأما ابن إسحاق ففي مفاريده بعض النكارة، فقد سئل الإمام أحمد عن الحديث ينفرد به ابن إسحاق تقبله؟ قال: لا والله. وقال محمد بن يحيى: حسن الحديث عنده غرائب. وقال الدارقطني: اختلف الأئمة فيه، وليس بحجة، وإنما يعتبر به اهـ "تهذيب" (9/39-46) . ولعل هذا الحديث من مفاريده المنكرة. وأما أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة فقال فيه في "التقريب" (2/448) : مقبول من الثالثة. وقال فيه في "المحلي" (7/142) : ليس معروفاً بنقل الحديث، ولا معروفاً بالحفظ، ولو صح يعني: حديث أم سلمة لقلنا به مسارعين إلى ذلك. وقد أخرج الطحاوي في شرح "معاني الآثار" (2/228) نحو حديث أم سلمة لكنه عن طريق عبد الله بن لهيعة، قال فيه في "التقريب" (1/144) : صدوق من السابعة خلط بعد احتراق كتبه، ورواية ابن المبارك وابن وهب عنه أعدل من غيرهما اهـ قلت: وقد ضعفه بعض الحفاظ مطلقاً، وبعضهم فيما روى عنه غير العبادلة. فإذا كان هذا سند الحديث لم يروه إلا من في روايتهم نظر ومقال، وأعرض عنه الأئمة الكبار من نقلة الحديث وحفاظه من رجال البخاري ومسلم وأمثالهم مع أنه في أمر تعم البلوى به، وتتوافر الدواعي على نقله، كان ذلك دليلاً على أنه لا أصل له. الوجه الثاني: من جهة متنه، فمتنه شاذ، لأن الأحاديث في الصحيحين وغيرهما ظاهرة متضافرة في أن التحلل الأول يحصل قبل الطواف بالبيت، بدون قيد وقوعه قبل الغروب، مثل قول عائشة رضي الله عنها: (كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم لحله قبل أن يطوف بالبيت) ولا يمكن أن تقيد بمثل هذا الحديث الشاذ، ولهذا قال الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (2/229) لما ذكر حديث عائشة رضي الله عنها: "فقد عارض ذلك حديث ابن لهيعة الذي بدأنا بذكره في هذا الباب، فهذه أولى، لأن معها من التواتر وصحة المجيء ما ليس مع غيرها مثله " اهـ. الوجه الثالث: من جهة العمل به، إذ لم يعمل به من الأمة [من] أئمتها وعلمائها إلا نفر قليل من الصحابة. إن صح النقل عنهم. فقد قال الطبري في كتابه "القرى لقاصدي أم القرى" (ص472) حين ذكر الحديث: "وهذا حكم لا أعلم أحداً قال به" اهـ. ونقل النووي في "شرح المهذب" (8/165) عن البيهقي قوله: "لا أعلم أحداً من الفقهاء قال به. قلت (النووي) : فيكون منسوخاً، دل الإجماع على نسخه، فإن الإجماع لا يَنْسخ ولا يُنْسخ، لكن يدل على ناسخ اهـ فوافق البيهقيَّ النوويُّ على نفي العلم بالمخالف، بل جعله إجماعاً دالاً على نسخ الحديث، يعني: لأن الأمة لم تعمل به، لكن في كلام النووي رحمه الله نظر، لأن دعوى النسخ تستلزم ثبوت المنسوخ، والحديث لم يثبت أصلاً حتى يدعى فيه النسخ. هذا وقد نقل بعض الناس عن عروة بن الزبير أحد الفقهاء السبعة أنه قال به ولعله فهم ذلك من قوله فيما نقله عنه الطبري في كتابه "القرى" (ص470) إنه لا يحل الطيب لمن لم يطف بالبيت بعد عرفة وإن قصر. أخرجه سعيد بن منصور. وإنما قلت ذلك لأنه يبعد جداً أن يكون عروة بن الزبير قال بمقتضى حديث أم سلمة ثم يخفى قوله على مثل الطبري والبيهقي. وعلى هذا؛ يكون معنى قول عروة: إنه لا يحل له الطيب حتى يطوف بالبيت، وهذا قول مشهور والنزاع في هذا معروف، والفرق بينه وبين مقتضى حديث أم سلمة بل صريحة أن حديث أم سلمة يدل على أنه يحل قبل الطواف بالبيت لكن إن أخر الطواف عن غروب الشمس يوم العيد عاد محرماً. أما ما نقله الطبري عن عروة فيدل على توقف حل الطيب على الطواف وبين هذا وذاك فرق ظاهر. الوجه الرابع: أن مقتضاه مخالف لمقتضى الأصول الشرعية والقواعد المرعية، فإن مقتضاها أن العامل متى حل من العبادة لم يعد إليها إلا بنية جديدة، وهذا مما يضعف ثبوت الحديث، ولو ثبت لكان القول به واجباً، وكل قاعدة لها مستثنيات" انتهى من فتوى مكتوبة بخط الشيخ رحمه الله بتاريخ 5/12/1415هـ. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109268 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3800 لا يجوز تغيير نية الإحرام من القران إلى الإفراد [السُّؤَالُ] ـ[في أحد الأعوام نويت بالحج والعمرة معاً وقت الإحرام، وعندما سارت السيارة من قريتنا حوالي اثنين كيلو متر وجدت أن رفقاءنا في الحج أحرموا بالحج فقط – أي بالإفراد – فعملت مثلهم؛ فهل على شيء في ذلك أم لا؟ أفيدوني جزاكم الله خيراً، علماً بأنني ذهبت للعمرة بعد ذلك في رمضان عدة مرات.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كان تحول نيتك من الإحرام بالحج والعمرة معاً إلى الإحرام بالحج فقط حصل قبل الإحرام فلا شيء عليك، وإن كان ذلك بعد عقد الإحرام بالحج والعمرة فلا يسقط ذلك عنك حكم القران، ودخلت أعمال عمرتك في أعمال حجك، وعليك هدي التمتع. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/162) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109284 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3801 لا يشترط التتابع في الصيام لمن لم يجد الهدي [السُّؤَالُ] ـ[هل يشترط في صيام الأيام السبعة لمن لم يجد الهدي، أن تكون متتابعة؟ أم يجوز أن يفرق بينها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "يجوز أن تصام سبعة الأيام المذكورة في قوله: (وسبعة إذا رجعتم) ، متتابعة أو متفرقة. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/388) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109285 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3802 لا يصح طواف الوداع إلا بعد إكمال الحج [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن يطوف الحاج للوداع صباح اليوم الثاني عشر، ثم يرجع إلى منى لرمي الجمار ثم يسافر إلى بلده؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الوداع آخر أعمال الحج، فلا يجوز أن يتقدم على شيء منها؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: (أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت) . وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/302) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109287 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3803 لن يتمكن من لبس ملابس الإحرام بسبب طبيعة عمله [السُّؤَالُ] ـ[أقيم بالمملكة للعمل، وأنوي أداء فريضة الحج، وجهة عملي ندبتني هذا العام للعمل بالمشاعر المقدسة، وعملي هناك لا يمنعني من أداء جميع المناسك، إلا أنني لن أتمكن من لبس ملابس الإحرام؛ لأن طبيعة عملي ونظامه تفرض علي ملبساً معيناً من المخيط. فماذا أفعل؟ وهل يكون حجي صحيحاً إذا ذبحت فداء دون أن ألبس ملابس الإحرام طوال أيام الحج؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كان الواقع كما ذكر فحجك صحيح؛ ولا إثم عليك في لبسك ملابس غير ملابس الإحرام؛ دفعاً للحرج عن نفسك، ولكن تلزمك فدية لذلك وهي إطعام ستة مساكين من مساكين الحرم، أو ذبح ذبيحة تصلح أضحية تطعمها مساكين مكة أو سائر الحرم، ولا تأكل منها، أو تصوم ثلاثة أيام، أي ذلك فعلت أجزأك، وعليك مثل ذلك عند غطاء الرأس، إن كنت غطيت رأسك. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/182، 183) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109289 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3804 ما حكم صعود جبل الرحمة في يوم عرفات والصلاة عليه؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك ثواب معين في صعود جبل الرحمة في يوم عرفات والصلاة عليه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حث على صعود جبل عرفات الذي اشتهر عند الناس باسم: جبل الرحمة، ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم صعود هذا الجبل في حجه ولا اتخذه منسكاً، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (خذوا عني مناسككم) ، ودرج على ذلك الخلفاء الراشدون وسائر الصحابة ومن تبعهم بإحسان، فلم يكونوا يصعدون على هذا الجبل في حجهم ولا اتخذوه منسكاً لهم؛ اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي ثبت أنه صلى الله عليه وسلم وقف تحت هذا الجبل عند الصخرات الكبار، وقال: (وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف، وارفعوا عن بطن عرنة) ولذا قال كثير من العلماء: إن صعود هذا الجبل في الحج على وجه النسك بدعة، منهم الإمام النووي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، والشيخ صديق خان، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم أن يصلي نفلاً بموقف عرفات، بل اكتفى بصلاة الظهر والعصر في مسجد نمرة، جمعاً وقصراً، ولا اتخذ مصلى بما يسمى جبل الرحمة ليصلي فيه من صعد على هذا الجبل نافلة أو فريضة في يوم عرفات، بل اشتغل بعد صلاته الظهر والعصر بذكر الله تسبيحاً وتهليلاً وتحميداً وتكبيراً وتلبية، وبدعاء ربه والضراعة إليه، حتى غربت الشمس. فاتخاذ مصلى أو مسجد على هذا الجبل ليصلي فيه من صعد عليه من البدع التي أحدثها الجهال. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ إبراهيم بن محمد آل الشيخ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن منيع. "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/206-208) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "الصعود على جبل عرفات ليس من الأمور المشروعة، بل هو إن اتخذه الإنسان عبادة بدعة، لا يجوز للإنسان أن يعتقده عبادة، ولا أن يعمل به على أنه عبادة، والرسول صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على فعل الخير، وأبلغ الناس في تبليغ الرسالة، وأعلم الناس بدين الله، لم يصعده ولم يأمر أحداً بصعوده، ولا أقر أحداً بصعوده فيما أعلم، وعلى هذا فإن صعود هذا الجبل ليس بمشروع، بل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وقف خلفه من الناحية الشرقية قال: (وقفت هاهنا، وعرفة كله موقف) وكأنه صلى الله عليه وسلم يشير بهذا إلى أن كل إنسان يقف في مكانه، ولا يزدحمون على هذا المكان الذي وقف فيه الرسول صلى الله عليه وسلم" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/32) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109290 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3805 نذر أن يحج كل عام ورئيسه في العمل يمنعه من ذلك [السُّؤَالُ] ـ[عاهدت الله أن أحج كل عام، وكنت قبل ذلك لست موظفاً، وتوظفت عسكرياً، ولم يسمح لي مرجعي أن أحج كل عام، أرجو الإفادة هل علي إثم أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كان المانع الذي يمنعك عن الحج في بعض السنوات من الأمور القهرية التي لا تستطيع التغلب عليها فليس عليك إثم؛ لقوله تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة/286، وقوله تعالى: (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ) المائدة/6. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/15، 16) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109296 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3806 نسي صيام اليوم الثالث في الحج فصامه بعد برجوعه [السُّؤَالُ] ـ[صمت يومين في الحج لأنني لم أجد الهدي، ونسيت صيام اليوم الثالث، فصمته مع الأيام السبعة، هل علي شيء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "ليس على من نسي يوماً من الأيام الثلاثة شيء إذا صامه بعد رجوعه إلى أهله. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/388) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109298 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3807 نوى التمتع وبعد العمرة مرض فرجع ولم يحج [السُّؤَالُ] ـ[ذهبت إلى الحج متمتعاً هذا العام، وبعد أن أديت العمرة، أحسست بألم في ركبتي مع تورم أقعدني عن الحركة والمشي، وقد ذهبت إلى الطبيب وقد نصحني بعدم مواصلة الحج، وبعد ذلك رجعت ولم أحج، فهل علي دم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كان الواقع ما ذكر من أنك تحللت من عمرتك وعدلت عن الحجة، وعدت إلى بلدك قبل أن تحرم به فلا شيء عليك؛ لأن العمرة انتهت بأدائها والتحلل منها، والحج لم تحرم به بعد. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/355) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109299 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3808 من نزل خارج منى وغربت عليه شمس اليوم الثاني هل له أن يتعجل؟ [السُّؤَالُ] ـ[من نزل في العزيزية في مكة المكرمة في أيام التشريق؛ لعدم قدرته على النزول في منى، وغابت عليه شمس اليوم الثاني من أيام التشريق، هل يلزمه البقاء في منزله إلى زوال شمس اليوم الثالث كأهل منى أم لا يلزمه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا حرج على من نزل في العزيزية ومزدلفة أو غيرهما من الأراضي الخارجة عن منى إذا لم يجد منزلاً في منى أيام الحج، ومن غربت عليه الشمس منكم في اليوم الثاني عشر ممن كان في العزيزية أو شبهها فليس عليه البقاء في منزله إلى اليوم الثالث عشر، كما أنه ليس عليكم الرمي في الثالث عشر. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي. "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/272) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109300 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3809 هل الأفضل الحج تطوعاً أو التبرع للمجاهدين في سبيل الله؟ [السُّؤَالُ] ـ[حججت الفريضة والحمد لله واعتمرت، فهل الأفضل أن أسافر للعمرة، أو أتصدق بهذا المال للمجاهدين في سبيل الله؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "كل من السفر للعمرة والإنفاق في سبيل الله عمل طيب مشكور، لكن العمرة نفعها قاصر على المؤدي لها، وأما الإنفاق في الجهاد فنفعه متعدي؛ فيكون البذل فيه أولى وأفضل. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان. "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/328) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109301 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3810 هل تحج وتتصدق عن أمها التي كانت لا تصلي؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للابنة أن تحج وتتصدق عن أمها المتوفية علماً بأن الأم في حياتها لم تكن تصلي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "من ترك الصلاة جحداً لوجوبها كفر بالإجماع، ومن تركها تهاوناً وكسلاً كفر على الراجح من قولي العلماء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلَاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ) مع أدلة أخرى من الكتاب والسنة في ذلك؛ وعلى ذلك لا يجوز الحج ولا التصدق عمن مات وهو لا يصلي، كما لا يحج ولا يتصدق عن جميع الكفرة. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/113) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109302 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3811 هل على الحاج أن يصلي صلاة عيد الأضحى؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل على الحاج أن يصلي صلاة عيد الأضحى؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "ليس على الحجاج صلاة عيد الأضحى، ومن صلاها منهم مع الناس فهو مأجور. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن قعود. فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/69، 70) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109304 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3812 يقترح توسيع منى! [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكن أن يتم توسيع منى، بحيث تسع الحجاج كلهم، لأن كثيرا من الحجاج لا يجد له مكاناً في منى؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "أماكن الحج وأزمنته محددة من الشارع، وليس فيها مجال للاجتهاد، وقد حج رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع وقال فيها: (خذوا عني مناسككم، فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا) ، وبَيَّن فيها الأزمنة والأمكنة. وحدود منى: من وادي مُحَسِّر إلى جمرة العقبة، فعلى من حج أن يلتمس مكاناً له داخل حدود منى، فإن تعذر عليه حصول المكان نزل في أقرب مكان يلي منى ولا شيء عليه. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان. "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/265) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109306 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3813 يعمل في الدفاع المدني فهل يحج في ثياب العمل؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا جندي في الدفاع المدني وأحضر كل عام في موسم الحج في منى وعرفة، ولكن علي اللباس الرسمي العسكري، ولم أتجرد من المخيط، فهل يحصل لي حج إذا نويت الحج وأنا باللباس العسكري ولم أتجرد من المخيط أسوة بالحجاج؟ لأن طبيعة عملي تتطلب الالتزام باللباس العسكري.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا حرج أن تحج في لباسك العسكري وأنت مكلف بأعمال الحج كما ذكر في السؤال، ولا تستطيع أداء العمل بلباس الإحرام؛ لأن الجهة المختصة لا تسمح بذلك، وعليك بسبب ذلك الكفارة، وهي: إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من تمر أو أرز وغيرها من قوت البلد، أو صيام ثلاثة أيام، أو ذبح شاة عن لبس المخيط، وعليك مثل ذلك عن تغطية الرأس. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان. "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/343) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109307 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3814 يشك في صحة حج والده، فهل يحج عنه بعد وفاته؟ [السُّؤَالُ] ـ[والدي حج حجة واحدة سابقاً على الأقدام قبل ما يقارب من 40 عاماً، وقد اعتمر عمرتين، واحدة قبل وفاته بثلاث سنوات على الأقل، حيث إنه رجل لا يقرأ ولا يكتب، ولم أدر كيف أدى هذا الحج، فهل يلزمني أن أحج عنه؟ وما رأي فضيلتكم في ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الحج لا يجب في العمر إلا مرة واحدة، والأصل في تأدية الأعمال والمناسك السلامة، فلا يجب الحج ثانية، لكن إذا حججت عن أبيك صارت نافلة، وفي ذلك لك وله أجر عظيم إذا تقبل الله منك. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/15) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109309 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3815 يريد أن يصلي نوافل بعد صلاة الظهر والعصر بعرفة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز بعد صلاة الحاج الظهر والعصر مع الإمام في عرفات أن يصلي نوافل حتى المغرب؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لم يصل الرسول صلى الله عليه وسلم نافلة يوم عرفات بعد صلاته الظهر والعصر جمع تقديم في عرفات، ولو كانت مشروعة لكان أحرص عليها منا، والخير كل الخير في الاقتداء به واتباع سنته. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/211، 212) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109311 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3816 يأخذ مالاً ليحج عن مريض أو متوفي [السُّؤَالُ] ـ[بعض الناس يأخذ مالاً ليحج عن شخص إما لمرض أو عن ميت، فدفعوا أهله مبلغاً من المال لإسقاط فرضه، وهذا المال يقارب 3000- 4000 ريال، فيصرف منها مقدار ما يصرف من نفقات للحج كالفدي وغيره، والباقي يضعه في ملكه الخاص به يشتري بها زاداً وغيره، هل يصح له ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا أعطى شخصٌ مالاً لشخص ليحج عنه لعجزه عن مباشرة الحج بنفسه، أو ليحج عن ميت صح ذلك إذا كان النائب قد حج عن نفسه، وله أن ينفق من هذا المال في حجه عنه، ويملك ما بقي، أما إن أُعطيه ليحج ويرد الباقي أنفق منه ما يحتاجه في حجه عنه ويرد ما بقي. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/69، 70) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109312 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3817 هل يحجج أخته الفقيرة أو يقضي ديون زوجها؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا رجل موسر الحال، ولي شقيقة، زوجها معسر الحال، وصار معه حادث وأصبح مديوناً وغير قادر على سداد الدين؛ لأن عائلته كبيرة جداً، وهو المعيل الوحيد لعائلته، وأنا أديت فريضة الحج، وحججت ثانياً، والآن أريد أن أحج للمرة الثالثة وأحجج شقيقتي على نفقتي الخاصة؛ لأنها لا تقدر أن تؤدي فريضة الحج، ما هو أفضل عند الله تعالى: أحجج شقيقتي وأنا معها، أو أفك عسر زوجها بمصاريف الحج وتكاليفه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كان الواقع كما ذكر من أن زوج أختك تحمل ديوناً وليس لديه سدادها، فالأولى أن تقضي ديونه بما لديك، وتؤجل تحجيج أختك؛ لأن قضاء دين زوجها وتفريج كربتهما جميعاً أهم من تحجيجها، وأنفع لهما جميعاً، وليس عليها حج حتى تستطيع. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/44) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109326 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3818 هل يحرم البيع والشراء بعد طواف الوداع؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل طواف الوداع، يحرم البيع والشراء في مكة أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا يحرم البيع ولا الشراء بعد طواف الوداع، لكن لو ودع الحاج ثم تأخر كثيراً عرفاً شرع أن يعيد الطواف. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/298-299) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109327 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3819 هل يخرج من منى إلى الطائف ثم يعود بعد الزحام للوداع؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للحاج أيام منى أن يذهب إلى الطائف وبعد مضي عشرين يوماً يعود فيودع؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا يجوز لمن حج البيت الحرام أن يسافر حتى ينهي أعمال الحج ومناسكه، ومنها طواف الوداع. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان. "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/307) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109329 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3820 هل يصح أن يعتمر قبل أن يحج؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يصح للإنسان أن يعتمر قبل أن يحج حج الفريضة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "نعم؛ يجوز للإنسان أن يعتمر قبل أن يحج؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا قبل أن يحجوا حجة الفريضة. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/318) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109330 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3821 هل يلزم الحجاج زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم والبقيع وأحد وقباء؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يلزم الحجاج، من رجال ونساء، زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم والبقيع وأحد وقباء، أم الرجال فقط؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا يلزم الحجاج - رجالاً أو نساءً - زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا البقيع، بل يحرم شد الرحال إلى زيارة القبور مطلقاً، ويحرم ذلك على النساء، ولو بلا شد الرحال؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى) متفق عليه، ولأنه صلى الله عليه وسلم لعن زائرات القبور، ويكفي النساء يصلين في المسجد النبوي، ويكثرن من الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم في المسجد وغيره. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان. "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/362) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109332 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3822 لا يعرف مناسك الحج ويريد الحج [السُّؤَالُ] ـ[لا أعرف مناسك الحج وأريد أن أحج، فماذا أفعل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب على من أراد أن يحج أن يتعلم صفة الحج، أو على الأقل يحمل معه كتيباً صغير الحجم سهل العبارة، لأحد العلماء الموثوقين المعروفين باتباع السنة والحرص عليها، ويعمل بما فيه. ومن الكتب المفيدة في ذلك: 1- التحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة للشيخ ابن باز رحمه الله. 2- مناسك الحج والعمرة للشيخ ابن عثيمين رحمه الله. وإذا أشكل عليه شيء سأل أهل العلم، وينبغي أن يصحب أحد العلماء أو طلبة العلم ليعلمه المناسك أولاً بأول. فيسأل عن الحملات التي تحرص على أن يكون معها أحد الدعاة أو طلبة العلم ويخرج معها. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين عن مثل ذلك فأجاب: "جوابي على هذا أن الله سبحانه وتعالى قد أجابه في قوله تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) النحل/43. والواجب على من أراد عبادة يجهلها أن يسأل أهل العلم عنها حتى يعبد الله على بصيرة، لأن من شروط العبادة الإخلاص لله عز وجل، والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تمكن المتابعة إلا بمعرفة ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم به من أعمال العبادة القولية والفعلية، ولهذا أقول لهذا السائل: إذا أردت الحج وأنت لا تعرف أحكامه ولا تعرف المناسك فالواجب عليك أن تسأل أهل العلم بذلك، وإنني أؤكد على من أراد الحج أن يصحب أحداً من أهل العلم من طلبة العلم الذين عرفوا بمعرفة الأحكام التي تتعلق بالحج من أجل أن يكون مقتدياً فيما يرشدونه إليه" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/50) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109337 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3823 هل يشترط أن تكون ثياب الإحرام جديدة؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما السنة في الإزار والرداء للمحرم وهل يشترط أن يكونا جديدين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله السنة في الإزار والرداء للرجل في الإحرام، أن يكونا أبيضين نظيفين، ولا يشترط أن يكونا جديدين. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (10/76) : "ويلبس ثوبين نظيفين، يعني: إزارا ورداء , فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (وليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين) . ويستحب أن يكونا نظيفين ; إما جديدين , وإما غسيلين ; لأننا أحببنا له التنظف في بدنه , فكذلك في ثيابه , والأولى أن يكونا أبيضين ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (خير ثيابكم البياض , فألبسوها أحياءكم , وكفنوا فيها موتاكم) " انتهى باختصار. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "لا يشترط في الإزار والرداء أن يكونا جديدين، ولكن يستحب أن يحرم في ثوبين نظيفين أبيضين، وكلما كانا أنظف فهو أحسن؛ لأن الله تعالى جميل يحب الجمال " انتهى. "مجموع الفتاوى" لابن عثيمين (22/12) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109341 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3824 إذا شك في الطواف فهل يسجد للسهو؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا شك الإنسان في الطواف فهل يسجد للسهو باعتبار أن الطواف بالبيت صلاة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا يسجد؛ لأنه لا يتعبد في الطواف بالسجود، فإذا كان الأصل ليس فيه سجود، فكيف إذا كان فيه شك؟! كيف يجبر بالسجود وهو أصلاً ليس فيه سجود؟! " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 347) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109343 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3825 استأجروا عمارة في مكة ليبقوا فيها أيام منى نهاراً [السُّؤَالُ] ـ[بعض الحملات يستأجرون خياماً في منى وعمارة في مكة فيبيتون في منى ويرجعون نهاراً إلى عمارتهم في مكة المكرمة ترفهاً منهم فما حكم عملهم هذا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا شك أن عملهم هذا من حيث القواعد الفقهية جائز، لكن عندي أن هؤلاء في الحقيقة إنما جاؤوا للنزهة؛ لأنهم لم يتبعوا السنة كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم جلس في منى ليلاً ونهاراً، والحج جهاد، وليس ترفهاً، ولا أدري كيف يشعر هؤلاء بالعبادة والإنابة إلى الله، وأنهم مستمرون في الحج وهم ينتقلون إلى البيت رفاهية، وربما يكون عندهم آلات لهو، ثم يرجعون إلى منى جزءاً من الوقت، أنا لا أدري كيف يشعرون بأنهم في عبادة، ولهذا ينبغي أن ينبه المسلمون على هذه المسألة التي انهمك فيها كثير من الناس، أخذوا بقواعد الفقهاء، أو بما يقتضيه كلام الفقهاء، ونسوا أن المسألة عبادة، لذا ينبغي للإنسان أن يفعلها كما فعلها النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: (خذوا عني مناسككم) ، فنقول: ابق في خيمتك ولو كانت حارة، ولو حصل عليك عرق، ولو حصل عليك مشقة وأذية، فهو في طاعة الله، والمسألة أيام، كل الحج لا يتجاوز ستة أيام، الثامن، والتاسع، والعاشر، والحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر لمن تأخر، وأنت آتٍ من بلدك، مغادر أهلك، ومالك، ومخاطر في الأسفار وتعجز عن أن تحبس نفسك ستة أيام، أو خمسة أيام، أو أقل من أربعة أيام، فوالله يؤسفني هذا جداً، ويؤلمني جداً، وإن كان بعض الناس يفتي بما يقتضيه كلام الفقهاء، فإنه سيتحول الحج بعدئذ إلى نزهة، فنسأل الله لنا ولهم الهداية، فأرى أن هؤلاء الذي مر ذكرهم في السؤال حجهم ناقص ولا شك، لأنهم لم يتبعوا السنة في البقاء في منى ليلاً ونهاراً " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/248) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109345 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3826 أصاب ثياب الإحرام دم من ذبح الهدي [السُّؤَالُ] ـ[عند ذبح الهدي، أصاب الدم ثياب الإحرام، فهل يجوز لبسه وعليه دم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الدم إذا كان طاهراً فإنه لا يضر إذا وقع على الإحرام أو غيره من الثياب، والدم الطاهر من البهيمة هو الذي يبقى في اللحم والعروق بعد ذبحها: كدم القلب ودم الفخذ ونحو ذلك، وأما إذا كان الدم نجساً فإنه يغسل سواءً في ثوب الإحرام أو غيره، وذلك الدم المسفوح، فلو ذبح شاة مثلاً وأصابه من دمها فإنه يجب عليه أن يغسل هذا الذي أصابه، سواء وقع على ثوبه أو على ثوب الإحرام، أو على بدنه، إلا أن العلماء رحمهم الله قالوا: يعفى عن الدم اليسير لمشقة التحرز منه" انتهى. "مجموع الفتاوى" لابن عثيمين (22/11) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109347 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3827 العبرة بما في النية وإن أخطأ اللسان [السُّؤَالُ] ـ[عند الإحرام كانت نيتي عمرة متمتعة بها إلى الحج، ولكن لفظت حجاً متمتعة به إلى العمرة، والعمل كان بالنية لا باللفظ، فما هو الموقف من هذا العمل وهذا الحج وهل هو صحيح بالنية أم باللفظ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كان الذي لفظت به سبقة لسان غير مقصود منك فلا أثر له، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) رواه البخاري (1) ومسلم (1907) . فإذا كانت نيتك أن تحرمي بالعمرة متمتعة بها إلى الحج ولكن غلطت وقلت: أحرمت بالحج متمتعة به إلى العمرة، أو ما أشبه ذلك، فهذا لا يضر، لأن العبرة بما في القلب، وسبق اللسان بغير ما قصد الإنسان لا يضره شيئاً، والله الموفق" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/20) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109351 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3828 توفيت ولم تصم الأيام السبعة، فهل يصوم عنها زوجها؟ [السُّؤَالُ] ـ[حججت أنا وزوجتي قبل عشرة أعوام وفي ذلك الحين لم يكن لنا نقود لشراء الفدية وقمنا بصيام ثلاثة أيام في الحج، وعندما عدنا إلى البلد حصل منا الإهمال بسبب مشاغل الدنيا ولم نكمل الصوم وبقينا على هذا الحال حتى توفيت زوجتي وأنا الآن محتار كيف أعمل هل يجب عليَّ الصوم في الوقت الحاضر عني وعن زوجتي المتوفاة أم ماذا أعمل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "هذا العمل الذي عملتم من صيام ثلاثة أيام في الحج حين كنتم لا تجدون هدياً هو عمل صحيح، لكن تأخيركم صيام الأيام السبعة إلى هذه المدة أمر لا ينبغي، والذي ينبغي للإنسان أن يسارع في إبراء ذمته وأن يقضي ما عليه، والواجب الآن أن تصوم أنت عن نفسك سبعة أيام. أما المرأة فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) ، وإذا صام عنها أحد أولادها، أو أبوها، أو أمها أو صمت أنت فإن ذلك يكفي، فإن لم يصم منكم أحد فأطعموا عن كل يوم مسكيناً" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 210، 211) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109355 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3829 حكم المناقشة العلمية في الطواف والسعي [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم المناقشة العلمية بين شخصين فأكثر في أثناء الطواف أو السعي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "المناقشة العلمية في الطواف أو السعي لا بأس بها، لا تبطل الطواف ولا السعي، لكن الأفضل أن يشتغل الإنسان بالذكر؛ لأن الطواف ينتهي ويزول، والمناقشة ليس لها وقت، أما الإجابة الخاطفة على سؤال من الأسئلة في أثناء الطواف أو السعي فإنها لا يفوت بها شيء ما لم يكثر السائلون، ولهذا نقول: لا حرج على الإنسان إذا سأله سائل في الطواف أن يقول: انتظر حتى أفرغ من الطواف، من أجل أن يفرِّغ نفسه للذكر" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 346) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109359 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3830 حكم ترديد الأدعية وراء المطوف بصوت مرتفع [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم ترديد بعض الأدعية وراء المطوف بصوت مرتفع إذا حصل من رفع الصوت تشويش على المصلين والطائفين هناك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الدعاء من شخص يتبعه جماعة خلفه، أو عن يمينه، أو عن شماله لا أصل له من عمل الصحابة رضي الله عنهم. وأما رفع الصوت به فإن كان فيه تشويش على الطائفين وإزعاج لهم فيكون منهياً عنه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه وقد سمعهم يقرأون جهراً وهم يصلون في المسجد فقال عليه الصلاة والسلام: (لا يجهر بعضكم على بعض في القرآن) أو قال: (في القراءة) فهكذا نقول لهؤلاء الطائفين: لا تجهروا على الناس فتؤذوهم، ولكن كلٌّ يدعو بما يحب، ولهذا لو أن هؤلاء المطوفين وُجِّهوا إلى أن يقولوا للناس: طوفوا فكبروا عند الحجر الأسود وقولوا: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) البقرة/201، وادعوا بما شئتم في بقية الطواف، واذكروا الله، واقرأوا القرآن وصاروا يتابعونهم على هذا، لكان هذا أحسن، وأفيد للناس، لأن كل إنسان يدعو ربه بما يحتاج إليه، وهو يعرف المعنى الذي يتكلم به بخلاف ما يفعله المطوفون الآن بالدعاء الذي لا يعرفه الداعي خلفه، فلو سألت هذا الداعي خلف المطوف ما معنى ما يقول؟ لم يفدك -في الغالب – فكون الناس يدعون ربهم دعاء يعرفون معناه ويستفيدون منه خير من هذا" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 336، 337) . وانظر جواب السؤال رقم (34644) ، (36628) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109360 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3831 سكن مكة من أجل الدراسة، فهل عليه هدي إذا تمتع؟ [السُّؤَالُ] ـ[رجل قدم مكة للدراسة وسكن مكة من أجل الدراسة فقط ومتى انتهت الدراسة رجع إلى وطنه وتمتع فهل عليه هدي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "نعم؛ عليه الهدي لأن إقامته في مكة ليست إقامة استيطان، والذي يسقط عنه هدي التمتع هو المستوطن مكة قال الله تعالى: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ) " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 72) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109367 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3832 يتحلقون حول النساء في الطواف، فلا تكون الكعبة عن يسارهم [السُّؤَالُ] ـ[يعمد كثير من الرجال إذا كان معهم نساء أن يمسك بعضهم بيد بعض في الطواف ويتحلقوا على من معهم من النساء حتى إن بعضهم ربما طاف على قفاه أو الكعبة عن يمينه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "هذا من الأمر الخطير من وجه، والمؤذي من وجه آخر، أما كونه مؤذياً فلأنه إذا جاءوا هكذا مجتمعين آذوا الناس ومن المعلوم أنه لا يحل للإنسان أن يتعمد ما فيه أذية المسلمين. وأما الخطر فلأنه كما قال السائل بعض الناس يطوف والكعبة خلف ظهره، أو الكعبة أمام وجهه، ومن شرط الطواف أن تجعل الكعبة عن يسارك، وإذا جعلتها خلف ظهرك، أو عن يمينك، أو أمامك فإن الطواف لا يصح" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 287، 288) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106554 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3833 هل يعتمر أو ينفق نفقة العمرة على الجهاد ونشر العلم وللمساكين؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل إنفاق نفقة عمرة التطوع في الجهاد ونشر العلم وقضاء حوائج الضعفاء أفضل من الاعتمار أو الاعتمار أفضل؟ وهل يشمل ذلك عمرة رمضان؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "يمكن الجمع بينهما فيما يظهر إذا اقتصد في نفقات العمرة ولا سيما العمرة في رمضان، فإن لم يمكن الجمع فما كان نفعه متعدياً فهو أفضل، وعلى هذا يكون الجهاد ونشر العلم وقضاء حوائج المحتاجين أولى" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 260) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106555 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3834 هل يصح وقوف المغمى عليه بعرفة؟ [السُّؤَالُ] ـ[من أغمي عليه قبل عرفة، ثم حمل إلى عرفة في يوم عرفة وهو مغمي عليه فهل يصح حجه مع عدم علمه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "ذكر العلماء ـ رحمهم الله ـ أن وقوف المغمى عليه مجزئ، وأن الإنسان لو أغمي عليه قبل طلوع الفجر يوم عرفة، ولم يفق إلى بعد طلوع الفجر يوم النحر، وهو في عرفة وقد وقف في عرفة فإن حجه صحيح" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/21) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106557 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3835 هل يشرع للمعتمر أن يذبح هدياً بعد العمرة؟ [السُّؤَالُ] ـ[قرأت في بعض كتب الفقه أنه يشرع للمعتمر أن يذبح هدياً بعد عمرته استحباباً فهل هذه من السنن المندثرة في هذا الوقت؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "هذه من السنن المندثرة، لكن ليس السنة أنك إذا اعتمرت اشتريت شاة وذبحتها، السنة أن تسوق الشاة معك، تأتي بها من بلادك، أو على الأقل من الميقات، أو من أدنى الحل عند بعض العلماء، ويسمى هذا سوق الهدي، أما أن تذبح بعد العمرة بدون سوق فهذا ليس من السنة" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/372) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106558 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3836 هل يجوز للمرأة أن تلبس ملابس ملونة في الإحرام؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمرأة أن تلبس في الحج ملابس ملونة كالأبيض والأخضر والأسود؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "نعم؛ يجوز للمرأة في الإحرام أن تلبس ما شاءت من الثياب غير أن لا تتبرج بزينة أمام الرجال الأجانب؛ لأنه ليس للمرأة ثياب مخصوصة بالإحرام، خلافاً للرجل فإن الرجل لا يلبس القميص، ولا السراويل، ولا العمائم، ولا البرانس ولا الخفاف، أما المرأة فالممنوع في حقها لبس القفازين والانتقاب والتبرج بالزينة" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/181) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106559 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3837 هل يجوز للمحرم أن يغتسل، ويغير ثياب الإحرام؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمحرم أن يغتسل من أجل النظافة؟ وهل يجوز أن يغير ثياب الإحرام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "المحرم يجوز له أن يغتسل من أجل النظافة؛ لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل وهو محرم، ويجوز للمحرم أن يغير ثياب الإحرام إلى ثياب أنظف منها أو أجدد، ويجوز له أيضاً أن يترفه بالتكييف وغيره من أسباب الراحة" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 144) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106563 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3838 هل يجوز للمحرم أن يضع رباطاً على ركبته لأنها تؤلمه؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمعتمر أن يضع رباطاً على ركبته لأنه يشعر بألم فيها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "نعم؛ يجوز للمعتمر وللحاج أيضاً أن يربط رجله بسير يشده عليها إن كانت تؤلمه، بل إن لم تؤلمه إذا كان له مصلحة في ذلك، والسير وشبهه لا يعد لباساً" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 139) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106564 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3839 هل يجوز للمحرم أن يشرب القهوة التي بها الزعفران؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمحرم أن يشرب القهوة التي بها زعفران؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كانت قد بقيت رائحة الزعفران فلا يجوز استعماله للمحرم؛ لأن الزعفران من الطيب، أما إذا كانت ذهبت رائحته بالطبخ فلا بأس به" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/160) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106565 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3840 هل يجوز للمحرم أن يستظل بالمظلة (الشمسية) ؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم استعمال المظلة للمحرم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "حمل المظلة على الرأس وقاية من حر الشمس لا بأس به ولا حرج فيه، ولا يدخل هذا في نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تغطية الرأس – رأس الرجل – لأن هذا ليس تغطية، بل هو تظليل من الشمس والحر، وقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان معه أسامة بن زيد وبلال أحدهما آخذ بخطام ناقة النبي صلى الله عليه وسلم والآخر رافع ثوباً يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة، وفي رواية: (والآخر رافع ثوبه على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشمس) وهذا دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد استظل بهذا الثوب وهو محرم قبل أن يتحلل" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 147، 148) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106566 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3841 نسي أنه كان جنباً، فهل يكفيه غسل الإحرام عن غسل الجنابة؟ [السُّؤَالُ] ـ[شخص تذكر أنه كان عليه جنابة وهو مسافر في حجته الأولى، فلما وصل الميقات نسى أن عليه جنابة واغتسل للإحرام فقط، ولم ينو الاغتسال للجنابة، وهكذا أحرم للحج فلم ينو الاغتسال من الجنابة، فهل يكفي عن الإحرام وعن الاغتسال من الجنابة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "اغتساله للإحرام يجزئ عن اغتساله للجنابة؛ لأنه غسل مشروع، وخصوصاً مع النسيان، وقد نص على ذلك الفقهاء بقولهم: (وإن نوى غسلاً مسنوناً أجزأ عن الواجب) وقيده بعضهم بما إذا كان ناسياً، وحالة الرجل المذكور منطبق على كلا القولين بأن ذلك يجزئه" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 373، 374) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106579 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3842 من الذين يعذرون لترك المبيت في منى؟ [السُّؤَالُ] ـ[عذر الرسول صلى الله عليه وسلم في المبيت خارج منى السقاة وغيرهم، فما الذي يقاس عليهم في وقت الحاضر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للعباس أن يبيت في مكة من أجل سقاية الحاج، وهذا عمل عام، وكذلك رخص للرعاة أن يتركوا المبيت بمنى؛ لأنهم يرعون رواحل الحجيج، ويشبه هؤلاء من يترك المبيت لرعاية مصالح الناس كالأطباء وجنود الإطفاء، وما أشبه ذلك، فهؤلاء ليس عليهم مبيت، لأن الناس في حاجة إليهم. وأما من بهم عذر خاص كالمريض والممرض له وما أشبه ذلك فهل يلحقون بهؤلاء؟ على قولين للعلماء: فمن العلماء من يقول: إنهم يلحقون؛ لوجود العذر. ومن العلماء من يقول: إنهم لا يلحقون؛ لأن عذر هؤلاء خاص، وعذر أولئك عام. والذي يظهر لي أن أصحاب الأعذار يلحقون بهؤلاء، مثل إنسان مريض احتاج أن يرقد في المستشفى هاتين الليلتين إحدى عشرة واثنتي عشرة فلا حرج عليه، ولا فدية لأن هذا عذر، وكون الرسول صلى الله عليه وسلم يرخص للعباس رضي الله عنه مع إمكانه أن ينيب أحداً من أهل مكة الذين لم يحجوا يدل على أن مسألة المبيت أمرها خفيف، يعني ليس وجوبها بذلك الوجوب المحتم، حتى إن الإمام أحمد رحمه الله رأى أن من ترك ليلة من ليالي منى فإنه لا فدية عليه، وإنما يتصدق بشيء. يعني عشرة ريالات أو خمسة ريالات حسب الحال" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/237) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106585 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3843 حاج مات بعرفة فهل يتم عنه الحج أو يحج عنه؟ [السُّؤَالُ] ـ[حاج مات بعرفة فهل يتم عنه الحج أو يحج عنه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " لا يحج عنه؛ لأن هذا أدى الواجب عليه، والنبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الرجل الذي وقصته ناقته في عرفة قال لهم صلى الله عليه وسلم: (اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تحنطوه ولا تخمِّروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا) ولم يقل أتموا عنه. اهـ [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى ابن عثيمين رقم 1063 (23/31) . الحديث: 49049 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3844 هل من فضل أو ميزة لمجيء عرفة يوم الجمعة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل صحيح أن لو عرفة كان يوم جمعة فصادف صلاة الجمعة تعادل 7 حجات؟ . وجزاكم الله ألف خير]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا نعلم حديثاً أنه إن وافق عرفة يوم الجمعة أنه تكون الحجة في ذلك العام تعدل سبع حجات، بل الوارد " سبعون حجة " و " اثنتان وسبعون حجة " لكنهما لا يصحان بحال! أما الأول فقد ورد متنه في حديث، لكنه باطل لا يصح، وأما الثاني فلم نقف له على سند ولا متن، فهو لا أصل له. ونص الحديث الوارد: " أفضل الأيام يوم عرفة إذا وافق يوم الجمعة، وهو أفضل من سبعين حجة في غير جمعة ". وقد حكم عليه الأئمة ببطلانه، وعدم صحته: 1. قال ابن القيم – رحمه الله -: وأما ما استفاض على ألسنة العوام بأنها تعدل ثنتين وسبعين حجة: فباطل لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة والتابعين والله أعلم. " زاد المعاد " (1 / 65) . 2. قال الشيخ الألباني – رحمه الله – في " السلسلة الضعيفة " (207) - بعد أن حكم على الحديث بأنه باطل لا أصل له -: وأما قول الزيلعي - على ما في " حاشية ابن عابدين " (2 / 348) : رواه رزين ابن معاوية في " تجريد الصحاح " -: فاعلم أن كتاب رزين هذا جمع فيه بين الأصول الستة: الصحيحين، وموطأ مالك، وسنن أبي داود، والنسائي، والترمذي، على نمط كتاب ابن الأثير المسمى " جامع الأصول من أحاديث الرسول "، إلا أن في كتاب " التجريد " أحاديث كثيرة لا أصل لها في شيء من هذه الأصول، كما يعلم مما ينقله العلماء عنه مثل المنذري في " الترغيب والترهيب "، وهذا الحديث من هذا القبيل، فإنه لا أصل له في هذه الكتب، ولا في غيرها من كتب الحديث المعروفة، بل صرح العلامة ابن القيم في " الزاد " (1 / 17) ببطلانه، فإنه قال بعد أن أفاض في بيان مزية وقفة الجمعة من وجوه عشرة ذكرها: وأما ما استفاض على ألسنة العوام بأنها تعدل اثنتين وسبعين حجة: فباطل لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من الصحابة والتابعين. وأقره المناوي في " فيض القدير " (2 / 28) ثم ابن عابدين في " الحاشية ". انتهى وفي " السلسلة الضعيفة " (1193) قال – رحمه الله -: قال السخاوي في " الفتاوى الحديثية " (ق 105/2) : " ذكره رزين في " جامعه " مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر صحابيه، ولا مَن خرَّجه، والله أعلم ". انتهى وفي " السلسة الضعيفة " (3144) قال – رحمه الله -: قال الحافظ في " الفتح " (8 / 204) بعد أن عزاه لرزين في " الجامعة " مرفوعاً: " لا أعرف حاله؛ لأنه لم يذكر صحابيه، ولا من أخرجه ". وقال الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي في جزء " فضل يوم عرفة ": " حديث " وقفة الجمعة يوم عرفة أنها تعدل اثنتين وسبعين حجة " حديث باطل لا يصح، وكذلك لا يثبت ما روي عن زر بن حبيش: أنه أفضل من سبعين حجة في غير يوم جمعة ". انتهى 3. وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: هل ورد شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل كون الحج حج الجمعة؟ . فأجاب: لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل الجمعة إذا صادف يوم عرفة، لكن العلماء يقولون: إن مصادفته ليوم الجمعة فيه خير. أولاً: لتكون الحجة كحجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم صادف وقوفه بعرفة يوم الجمعة. ثانياً: أن في يوم الجمعة ساعةً لا يوافقها عبدٌ مسلم وهو قائمٌ يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياها، فيكون ذلك أقرب للإجابة. ثالثاً: أن يوم عرفة عيد ويوم الجمعة عيد، فإذا اتفق العيدان كان في ذلك خير. وأما ما اشتهر من أن حجة الجمعة تعادل سبعين حجة: فهذا غير صحيح. " اللقاء الشهري " (34 / السؤال رقم 18) . 4. وسئل علماء اللجنة الدائمة: يقول بعض الناس: إن يوم عرفة إذا صادف يوم جمعة كهذا العام يكون كمن أدى سبع حجات، هل هناك دليل من السنة في ذلك؟ . فأجابوا: ليس في ذلك دليل صحيح، وقد زعم بعض الناس: أنها تعدل سبعين حجة، أو اثنتين وسبعين حجة، وليس بصحيحٍ أيضاً. " فتاوى اللجنة الدائمة " (11 / 210، 211) . وانظر: " فتح الباري " (8 / 271) ، " تحفة الأحوذي " (4 / 27) . ثانياً: هذا، ولعله من أسباب انتشار هذا الأمر بين الناس أنه ذُكر في كتب الحنفية والشافعية. قال الحنفية: لوقفة الجمعة مزية سبعين حجة، ويغفر فيها لكل فرد بلا واسطة. وقالوا: أفضل الأيام يوم عرفة إذا وافق يوم جمعة، وهو أفضل من سبعين حجة في غير جمعة. " رد المحتار على الدر المختار " (2 / 621) . وقال الشافعية: وقيل: إذا وافق يوم الجمعة يوم عرفة: غَفر الله تعالى لكل أهل الموقف، أي: بلا واسطة، وغير يوم الجمعة بواسطة، أي: يهب مسيئهم لمحسنهم. " مغني المحتاج " (1 / 497) . ثالثاً: ولا يعني بطلان الحديث أنه ليس لوقوف عرفة يوم الجمعة مزية، بل قد ذكر ابن القيم رحمه الله عشر مزايا لذلك، ونوردها لعظَم فائدتها. قال – رحمه الله -: والصواب: أن يوم الجمعة أفضل أيام السبوع، ويوم عرفة ويوم النحر أفضل أيام العام، وكذلك ليلة القدر وليلة الجمعة، ولهذا كان لوقفة الجمعة يوم عرفة مزية على سائر الأيام من وجوه متعددة: أحدها: اجتماع اليومين اللذيْن هما أفضل الأيام. الثاني: أنه اليوم الذي فيه ساعة محققة الإجابة، وأكثر الأقوال أنها آخر ساعة بعد العصر، وأهل الموقف كلهم إذ ذاك واقفون للدعاء والتضرع. الثالث: موافقته ليوم وقفة رسول الله صلى الله عليه وسلم. الرابع: أن فيه اجتماع الخلائق من أقطار الأرض للخطبة، وصلاة الجمعة، ويوافق ذلك اجتماع أهل عرفة يوم عرفة بعرفة، فيحصل من اجتماع المسلمين في مساجدهم وموقفهم من الدعاء والتضرع ما لا يحصل في يوم سواه. الخامس: أن يوم الجمعة يوم عيد، ويوم عرفة يوم عيد لأهل عرفة، ولذلك كُره لمن بعرفة صومه ... . قال شيخنا – أي: ابن تيمية -: وإنما يكون يوم عرفة عيداً في حق أهل عرفة؛ لاجتماعهم فيه بخلاف أهل الأمصار؛ فإنهم إنما يجتمعون يوم النحر، فكان هو العيد في حقهم، والمقصود: أنه إذا اتفق يوم عرفة ويوم جمعة: فقد اتفق عيدان معاً. السادس: أنه موافق ليوم إكمال الله تعالى دينه لعباده المؤمنين وإتمام نعمته عليهم، كما ثبت في صحيح البخاري عن طارق بن شهاب قال: جاء يهودي إلى عمر بن الخطاب فقال: يا أمير المؤمنين آية تقرؤونها في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت ونعلم ذلك اليوم الذي نزلت فيه لاتخذناه عيداً قال: أي آية؟ قال: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) المائدة/3، فقال عمر بن الخطاب: إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه، والمكان الذي نزلت فيه، نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة، يوم جمعة، ونحن واقفون معه بعرفة. السابع: أنه موافق ليوم الجمع الأكبر، والموقف الأعظم يوم القيامة؛ فإن القيامة تقوم يوم الجمعة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها وفيه تقوم الساعة وفيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله خيرا إلا أعطاه إياه) ... الثامن: أن الطاعة الواقعة من المسلمين يوم الجمعة وليلة الجمعة أكثر منها في سائر الأيام، حتى إن أكثر أهل الفجور يحترمون يوم الجمعة وليلته، ويرون أن من تجرأ فيه على معاصي الله عز وجل عجل الله عقوبته ولم يمهله، وهذا أمرٌ قد استقر عندهم، وعلِموه بالتجارب، وذلك لعظم اليوم وشرفه عند الله واختيار الله سبحانه له من بين سائر الأيام، ولا ريب أن للوقفة فيه مزية على غيره. التاسع: أنه موافق ليوم المزيد في الجنة ... وهو يوم جمعة، فإذا وافق يوم عرفة كان له زيادة مزية واختصاص وفضل ليس لغيره. العاشر: أنه يدنو الرب تبارك وتعالى عشية يوم عرفة من أهل الموقف، ثم يباهي بهم الملائكة ... . فبهذه الوجوه وغيرها فضلت وقفة يوم الجمعة على غيرها. وأما ما استفاض على ألسنة العوام بأنها تعدل ثنتين وسبعين حجة فباطل لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة والتابعين والله أعلم. " زاد المعاد " (1 / 60 – 65) باختصار. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 95283 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3845 حاضت أثناء الحج ولا تستطيع البقاء [السُّؤَالُ] ـ[امرأة قدمت للحج فحاضت بعدما أحرمت بالحج ومحرمها مضطر إلى السفر فورا، وليس لها أحد بمكة فما الحكم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تسافر معه وتبقى على إحرامها، ثم ترجع إذا طهرت وهذا إذا كانت في بلاد الحرمين لأن الرجوع سهل ولا يحتاج إلى تعب ولا إلى جواز سفر ونحوه، أما إذا كانت أجنبية ويشق عليها الرجوع فإنها تتحفظ (أي تشد على فرجها خرقة حتى لا يسيل الدم فيلوث المسجد) وتطوف وتسعى وتقصر وتنهي عمرتها في نفس السفر لأن طوافها حينئذ صار ضرورة والضرورة تبيح المحظور. وأما طواف الوداع فلا يلزمك؛ لأن الحائض لا يلزمها طواف الوداع لحديث ابن عباس - رضي الله عنهما-: " أمر الناس أن يكون عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض ". ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم -لما أخبر أن صفية طافت طواف الإفاضة قال: " فلتنفر إذا " ودل هذا أن طواف الوداع يسقط عن الحائض أما طواف الإفاضة فلا بد لك منه انظر فتوى الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله رسالة 60 سؤال في الحيض. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 14217 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3846 كيف أسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم عند زيارة قبره؟ [السُّؤَالُ] ـ[إنني أريد أن أزور مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة النبوية، فكيف السلام على الرسول صلى الله عليه وسلم، وهل زيارة المسجد واجبة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد: ليست زيارة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم واجبة، ولكن إذا أردت السفر إلى المدينة من أجل الصلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم؛ فذلك سنة. وإذا دخلت مسجده فابدأ بالصلاة ثم ائت قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقل: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، وصلى الله عليك وعلى آلك وأصحابك) ، وأكثر من الصلاة والسلام عليه لما ثبت من قوله عليه الصلاة والسلام: " وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم " [رواه أبوداود (2042) ] ثم سلِّم على أبي بكر، وعمر وترضَّ عنهما، ولا تتمسح بالقبر، ولا تدعُ عنده، بل انصرف وادع الله حيث شئت من المسجد وغيره، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "َ لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى " رواه الإمام أحمد (1751) والبخاري (1189) ومسلم (1397) [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (9 / 117) الحديث: 26286 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3847 حجت قبل استقامتها فهل تعيد الحج؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا كنت قد أديت فريضة الحج قبل أن ألتزم دينيا بسنوات وقبل أن أرتدي الحجاب. الحمد لله قد أصبحت الآن على قدر من الالتزام وأرتدي الحجاب والنقاب. هل علي تأدية فريضة الحج أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحمد لله أولا: نحمد الله تعالى أن وفقك وهداك، وأخذ بيدك إلى طاعته ومرضاته، ونسأله سبحانه لنا ولك الثبات حتى نلقاه. ثانيا: حجك الماضي يكفيك عن حجة الإسلام، ولا يلزمك إعادته، حتى لو كنت مقصرة في التزامك وتمسكك بالدين وارتداء الحجاب، إلا إذا كنت في تلك الفترة تتركين الصلاة، واستمر تركك لها أثناء الحج أيضا، فحينئذ لا يعتدّ بحجك، لأن ترك الصلاة كفر، ولا يصح الحج مع وجود الكفر. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا حج من لا يصلي ولا يصوم فما حكم حجه وهو على تلك الحال؟ فأجاب: " ترك الصلاة كفر مخرج عن الملة، موجب للخلود في النار، كما دل على ذلك الكتاب والسنة وقول السلف رحمهم الله، وعلى هذا فهذا الرجل الذي لا يصلي لا يحل له أن يدخل مكة؛ لقوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) . وحجه وهو لا يصلي غير مجزئ ولا مقبول، وذلك لأنه وقع من كافر، والكافر لا تصح منه العبادات؛ لقوله تعالى: (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلا وَهُمْ كَارِهُونَ) " انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (21/45) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83473 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3848 الوقوف بعرفة لا تشترط له الطهارة [السُّؤَالُ] ـ[ماذا يفعل الحاج إذا خرجت منه ريح وهو متوجه إلى الطّواف أو عرفات؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: ذهب جمهور العلماء إلى أن الطواف لا يصح من غير طهارة، وقد سبق بيان اختلاف العلماء في ذلك في جواب السؤال رقم (34695) ، فمن انتقض وضوؤه وهو متوجه للطواف فإنه يذهب ويتوضأ ثم يشرع في طوافه. هذا هو الأولى والأحوط بلا شك. ثانيا: أما الوقوف بعرفات فلا تشترط له الطهارة، فلا حرج على الحاج أن يقف بعرفات وهو غير متوضئ، ولا يلزمه الوضوء إلا عند إرادة الصلاة، وقد اتفق العلماء على أنه يصح وقوف الحائض والجنب. قال النووي رحمه الله في "المجموع" (8/140) : " قال ابن المنذر: أجمع العلماء على أنه يصح وقوف غير الطاهر من الرجال والنساء كالجنب والحائض وغيرهما " انتهى. غير أنه يستحب أن يقف طاهراً من الحدثين: الأكبر والأصغر، لأنه سيذكر الله تعالى، ويستحب الوضوء عند ذكر الله تعالى. وانظر: كشاف القناع" (2/494) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82029 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3849 اقترضت بالربا، وتريد أن تحجّ من راتبها [السُّؤَالُ] ـ[قامت امرأة بأخذ قرض ربوي وتقوم بسداد القرض من راتبها والآن تريد الحج فهل لها أن تحج من راتبها؟ فما حكم حجها؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يحرم الاقتراض بالربا، وعلى من ابتلي بذلك أن يتوب إلى الله تعالى، ويندم على ما اقترف من هذا الذنب العظيم، وينبغي أن يسارع في سداد هذا القرض ليتخلص من الربا وآثاره، ولا يلزمه إلا سداد رأس المال، أما الفائدة المحرمة فلا يجوز دفعها إلا أن يخشى الإنسان الضرر فيدفعها مكرهاً. وانظر جواب السؤال (60185) ثانياً: لهذه المرأة أن تحج من راتبها، وراتبها جزء من مالها الذي تملكه، وهو مباح إن كان في مقابل عمل مباح. ثالثاً: إن كان هذا الدين على أقساط وكان سفرها للحج يؤثر على دفع هذه الأقساط فلا يجب عليها الحج، بل الواجب عليها أن تبدأ سداد الدَّين أولاً ثم تحج، وإن كان سفرها إلى الحج لا يؤثر على سداد هذه الأقساط فلا حرج عليها أن تحج، لكن الأولى لها إن كان الحج نفلاً، وسبق أن حجّت أن تبذل هذا المال في سداد الدين حتى تتخلص من هذا الربا المحرّم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 81465 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3850 إذا أحرم بالحج أو العمرة عن شخصين [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن أجمع في نية العمرة أن تكون لوالدي معا حيث إنهما متوفَّيان أم يجب أن تكون لكل واحد على حدة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله النسك – حجا كان أو عمرة – لا يقع إلا عن شخص واحد، فليس لك أن تجعل العمرة عن والديك، بل تجعل لكل منهما عمرة، والأولى أن تقدم عمرة الأم؛ لما لها من مزيد الحق والبر، إلا إن كانت عمرتها نفلا، وعمرة أبيك واجبة؛ لعدم أدائه للعمرة في حياته، فتقدم العمرة عن الأب حينئذ. قال في "كشاف القناع" (2/377) : " ويستحب أن يحج عن أبويه إن كانا ميتين أو عاجزين , زاد بعضهم: إن لم يحجا، ونص الإمام أحمد على أنه يقدم أمه ; لأنها أحق بالبر , ويقدم واجب أبيه على نفلها " انتهى. ومن أحرم بحج أو عمرة عن شخصين، وقع النسك عن نفسه. قال الشافعي رحمه الله في "الأم" (2/137) : " ولو استأجر رجلان رجلا يحج عن أبويهما , فأهلّ بالحج عنهما معا كان مبطلا لإجارته , وكان الحج عن نفسه , لا عن واحد منهما , ولو نوى الحج عن نفسه وعنهما أو عن أحدهما كان عن نفسه وبطلت إجارته " انتهى. وقال ابن قدامة في "المغني" (3/97) : " فإن استنابه اثنان في نسك , فأحرم به عنهما , وقع عن نفسه دونهما ; لأنه لا يمكن وقوعه عنهما , وليس أحدهما بأولى من صاحبه. وإن أحرم عن نفسه وغيره , وقع عن نفسه ; لأنه إذا وقع عن نفسه ولم ينوها , فمع نيته أولى " انتهى. وقال النووي رحمه الله في "المجموع" (7/126) : " قال أصحابنا: لو استأجر رجلان رجلا يحج عنهما , فأحرم عنهما معا انعقد إحرامه لنفسه تطوعا , ولا ينعقد لواحد منهما ; لأن الإحرام لا ينعقد عن اثنين , وليس أحدهما أولى من الآخر , ولو أحرم عن أحدهما وعن نفسه معا انعقد إحرامه عن نفسه ; لأن الإحرام عن اثنين لا يجوز , وهو أولى من غيره فانعقد , هكذا نص عليه الشافعي في الأم وتابعه الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب والأصحاب " انتهى. نسأل الله أن يتقبل منا ومنك صالح الأعمال. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 79681 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3851 شكت في قص شعرها للتحلل من الحج، فماذا تفعل؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا امرأة كبيرة السن، قمت والحمد لله بأداء فريضة الحج في العام الماضي، وبعد طواف الإفاضة طلبت من إحدى الأخوات أن تقص لي من شعري من أجل التحلل، وبعد أن عدنا إلى بلادنا أصابتني شكوك بأنه هل قصت هذه السيدة لي شعري أم لا بالشكل المطلوب؟ وأنا أطلب منكم إفادتي حتى يرتاح ضميري حول صحة حجتي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قرر العلماء أن من فعل العبادة انتهى منها، ثم أصابه الشك هل أتمها أم لا؟ ولم يصِل هذا الشك إلى مرتبة اليقين، فهو شك غير معتبر، والعبادة صحيحة تامة إن شاء الله تعالى. وخاصةً إذا كان من قام بالعبادة كثير الشكوك، فمثله لا يجوز له أن يلتفت إلى شكوكه، فهي حبائل الشيطان. قال ابن قدامة في "المغني" (3/187) : " إذا شك في الطهارة وهو في الطواف لم يصح طوافه ذلك؛ لأنه شك في شرط العبادة قبل الفراغ منها، فأشبه ما لو شك في الطهارة في الصلاة وهو فيها. وإن شك بعد الفراغ منه لم يلزمه شيء؛ لأن الشك في شرط العبادة بعد فراغها لا يؤثر فيها " انتهى. قال الزركشي في "المنثور في القواعد الفقهية" (2/257) : " فرق الإمام الشافعي بين الشك في الفعل وبين الشك بعد الفعل، فلم يوجب إعادة الثاني؛ لأنه يؤدى إلى المشقة، فإن المصلي لو كُلف أن يكون ذاكرًا لما صلى لتعذر عليه ذلك ولم يطقه أحد، فسومح فيه " انتهى. وقد سئلت اللجنة الدائمة السؤال التالي: هل يُلتفت إلى الشك في عدد الركعات، أو عدد أشواط الطواف، أو السعي، بعد الانتهاء منها، وكذلك الحال بالنسبة للوضوء أم لا؟ بمعنى أنه لا ينظر إلى الشك بعد الانتهاء من العبادة؟ فأجابت: " الشك بعد الانتهاء من الطواف والسعي والصلاة لا يلتفت إليه؛ لأن الظاهر سلامة العبادة " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (7/143) . وسئل الشيخ ابن عثيمين عن شخص كثير الشكوك في الصلاة، فما توجيهكم؟ فجاب: " الشكوك الكثيرة يجب طرحها وعدم الالتفات لها؛ لأنها تلحق الإنسان بالموسوس، ولا يقتصر الشيطان على تشكيكه في ذلك، بل يشككه في أمور أخرى، حتى إنه قد تبلغ به الحال إلى أن تشككه الوساوس فيما يتعلق بالتوحيد، وصفات الله عز وجل، ويشككه في طلاق زوجته وبقائها معه، وهذا خطير على عقل الإنسان وعلى دينه. ولهذا قال العلماء: إن الشكوك لا يلتفت إليها في ثلاث حالات: الأولى: أن تكون مجرد وهم لا حقيقة له، فهذه مطرحة ولا يلتفت إليها إطلاقًا. الثانية: أن تكثر الشكوك، ويكون الإنسان كلما توضأ شك، وكلما صلى شك، وكلما فعل فعلًا شك، فهذا أيضًا يجب طرحه وعدم اعتباره. الثالثة: إذا كان الشك بعد انتهاء العبادة، فإنه لا يلتفت إليه ما لم يتيقن الأمر. مثال ذلك: لو شك بعد أن سلم من صلاته هل صلى ثلاثاً أم أربعاً في رباعية، فإنه لا يلتفت إلى هذا الشك؛ لأن العبادة قد فرغت، إلا إذا تيقن أنه لم يصل إلا ثلاثًا فليأت بالرابعة ما دام الوقت قصيرًا وليسجد للسهو بعد السلام، فإن طال الفصل أعاد الصلاة كلها من جديد " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (14/سؤال 746) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 67728 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3852 هل يجوز أن أعتمر للأحياء القادرين؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن أعتمر للأحياء القادرين؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز أن تحج أو تعتمر عن أحد وهو قادر على الحج والاعتمار بنفسه. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: " تَوَسُّعُ الناسِ في الاستنابة في الحج أمرٌ يؤسف له في الواقع، وقد يكون غير صحيح شرعاً، وذلك لأن الاستنابة في النفل في جوازها روايتان عن الإمام أحمد رحمه الله، رواية: أن الإنسان لا يجوز أن ينيب عنه أحداً في النفل ليحج عنه أو يعتمر عنه، سواء كان مريضاً، أو صحيحاً، وما أجدر هذه الرواية بالصحة والقوة، لأن العبادات يطلب من المكلف أن يقوم بها بنفسه، حتى يحصل له من العبادة والتذلل لله ما يحصل، وأنت ترى الفرق بين إنسان يحج بنفسه، وإنسان يعطي دراهم ليحج عنه. الثاني ليس له فضل من العبادة في إصلاح قلبه وتذلله لله عز وجل، وكأنه عقد صفقة بيع، وَكَّلَ فيها مَنْ يشترى له أو يبيع له، وإذا كان مريضاً وأراد أن يستنيب في النفل، فيقال: هذا لم تأت به السنة، وإنما جاءت السنة في الاستنابة في الفرض فقط، والفرق بين الفرض والنفل أن الفرض أمر لازم على الإنسان، فإذا لم يستطعه وَكَّلَ مَنْ يحج عنه ويعتمر، لكن النفل ليس بواجب، فيقال: ما دمت مريضاً وأديت الفريضة فاحمد الله على ذلك، وابذل المال الذي تريد أن تعطيه من يحج عنك أو يعتمر في مصارف أخرى، أَعِنْ إنساناً فقيراً لم يحج الفرض بهذا المال، فهو خير لك من أن تقول: خذ هذا حج عني، ولو كنت مريضاً، أما الفرض فالناس والحمد لله لم يتهاونوا فيه، لا تكاد تجد أحداً يوكل عنه من يحج فريضة إلا وهو غير قادر، وهذا جاءت به السنة، كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده بالحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: (نعم) . والخلاصة: أن الاستنابة في النفل فيها روايتان عن الإمام أحمد: إحداهما: أنها لا تصح الاستنابة، والرواية الثانية: أنها تصح الاستنابة من القادر وغير القادر، والأقرب للصواب بلا شك عندي أن الاستنابة في النفل لا تصح لا للعاجز ولا للقادر. وأما الفريضة للعاجز الذي لا يرجو زوال عجزه فقد جاءت بها السنة " انتهى. "فتاوى ابن عثيمين" (21/140) . وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/68) : " يجب على المسلم المكلف المستطيع أداء الحج على الفور ولا يجوز في هذه الحالة أن ينيب عنه من يحج، ولا يكفي حج غيره عنه مادام مستطيعاً أداء الحج بنفسه" انتهى. وقد اختار علماء اللجنة الدائمة جواز الاعتمار والحج عن الحي العاجز عن فعلهما ولو كان ذلك نافلة. جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/81) : " إذا اعتمرت عن نفسك جاز لك أن تعتمر عن أمك وأبيك إذا كانا عاجزين، لكبر أو مرض لا يرجى برؤه " انتهى. وهو ما اختاره أيضاً الشيخ ابن باز رحمه الله، فإنه سئل: أريد أن أحج عن والدتي، فهل لا بد أن أستأذنها، علماً بأنها سبق أن أدت حجة الفريضة؟ فأجاب: " إذا كانت والدتك عاجزة عن الحج لكبر سنها أو مرض لا يرجى برؤه فلا بأس أن تحج عنها ولو بغير إذنها، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استأذنه رجل قائلاً: يا رسول الله، إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج والعمرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حج عن أبيك واعتمر) واستأذته امرأة قائلة: يا رسول الله، إن أبي شيخ كبير ولا يستطيع الحج ولا الظعن أفأحج عنه؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (حجي عن أبيك) . وهكذا الميت يحج عنه لأحاديث صحيحة وردت في ذلك، ولهذين الحديثين " انتهى. "فتاوى ابن باز" (16/414) . والحاصل: أنه لا يجوز الحج ولا العمرة عن أحد من الأحياء القادر على فعلهما، وأما العاجز، فإن كان ذلك في الفريضة فهو جائز، وأما في النافلة فهو موضع خلاف بين العلماء. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65641 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3853 من يدفع تكاليف مرافق المعوق في العمرة [السُّؤَالُ] ـ[أنا مسلم معاق، وسأذهب لتأدية العمرة هذا العام إن شاء الله. وأرغب أن يقابلني أخي في جدة ليأخذني إلى مكة والمدينة. وهو يريد أن يعتمر أيضاً، لكنه يصر على أن يدفع قيمة تذكرة سفره بنفسه، مع أني سأدفع عن إقامتنا في الفندق وعن الطعام وعن المصاريف الأخرى. هل يمكنه أن يدفع قيمة تذكرته، أم عليَّ أنا أن أدفع تذكرته أيضا، كما فعلت في جميع مصاريفه الأخرى، لأنه سيأتي ليساعدني؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا بأس أن تدفع أنت ثمن تذكرته، ولا بأس أن يدفع هو ثمن تذكرته بنفسه، وما دام مصراً وراغباً في الأجر فليدفعها وهو مأجور أيضاً على مرافقتك إن شاء الله. وأنت ستؤجر أيضاً إن شاء الله عن دفع بقية النفقة عنكما، والله الموفق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 11884 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3854 المعصية وأثرها على صاحبها [السُّؤَالُ] ـ[حججت عن نفسي وبعد الحج بأشهر لم أر علامات القبول من الإقبال على الطاعات بل عملت الكثير من المعاصي وفي العام المنصرم عقدت العزم على الحج عن أمي المتوفاة، سألت أحد المشايخ فأفتاني بالحج عنها كما نويت والكثرة من الاستغفار والتضرع فحججت عن أمي في إحدى الحملات وفي طواف الوداع كان الزحام شديدا فطفنا شوطا وجزء من شوط ثم صعدنا إلى السطح، لشدة الزحام لم نعلم الموقع الذي وقفنا عنده بالضبط في الأسفل ولكن اجتهدنا في بداية الطواف من السطح أن يكون من الموضع الذي انتهينا عنده أسفل وطفنا حتى أتممنا الطواف.. بعد حجي الأخير إن اتجهت للمعاصي - وقد وقعت في كثير منها - شعرت بقسوة وضيق صدر وإن اتجهت إلى الطاعات أحسست بلذةٍ وأحمل عاطفة صادقة ومتأثرة نحو حال الإسلام وأهله في هذا الزمن.. وأنا قلق بشأن الحجين وشأن الطواف.. أفتوني مأجورين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ننصحك أيها السائل بالبعد عن المعاصي صغيرها وكبيرها والحذر كل الحذر منها؛ فإن للمعصية شؤماً على صاحبها، فإليك بعض آثارها من كلام ابن القيم رحمه الله: 1- " حرمان العلم، فإن العلم نور يقذفه الله في القلب، والمعصية تُطفئ ذلك النور. ولما جلس الشافعي بين يدي مالك وقرأ عليه أعجبه ما رأى من وفور فطنته، وتوقُّد ذكائه، وكمال فهمه، فقال: إني أرى الله قد ألقى على قلبك نوراً، فلا تُطفئه بظلمة المعصية. 2- حرمان الرزق ففي مسند الإمام أحمد عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " إن الرجل ليُحرم الرزق بالذنب يُصيبه " رواه ابن ماجه (4022) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه. 3- وحشة تحصل للعاصي بينه وبين ربه، وبينه وبين الناس.قال بعض السلف: إني لأعصي الله، فأرى ذلك في خلق دابتي وامرأتي. 4- تعسير أموره عليه، فلا يتوجه لأمرٍ إلا ويجده مغلقاً دونه أو متعسراً عليه، وهذا كما أن من اتقى الله جعل له من أمره يسرا. 5- أن العاصي يجد ظلمةً في قلبه، يُحس بها كما يحس بظلمة الليل، فتصير ظلمة المعصية لقلبه كالظلمة الحسية لبصره، فإن الطاعة نور، والمعصية ظلمة، وكلما قويت الظلمة ازدادت حيرته حتى يقع في البدع والضلالات والأمور المهلكة وهو لا يشعر، كأعمى خرج في ظلمة الليل يمشي وحده، وتقوى هذه الظلمة حتى تظهر في العين، ثم تقوى حتى تعلو الوجه، وتصير سواداً يراه كل أحد. قال عبد الله بن عباس: " إن للحسنة ضياءً في الوجه، ونوراً في القلب، وسعةً في الرزق، وقوةً في البدن، ومحبةً في قلوب الخلق، وإن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمةً في القلب، ووهناً في البدن , ونقصاً في الرزق، وبغضةً في قلوب الخلق ". 6- حرمان الطاعة، فلو لم يكن للذنب عقوبةٌ إلا أن يُصدَّ عن طاعةٍ تكون بدله، وتقطع طريق طاعة أخرى، فينقطع عليه بالذنب طريقٌ ثالثة ثم رابعة وهلم جرا، فينقطع عنه بالذنب طاعات كثيرة، كل واحدة منها خير له من الدنيا وما عليها، وهذا كرجل أكل أكلةً أوجبت له مرضاً طويلا منعه من عدة أكلات أطيب منها والله المستعان. 7- أن المعاصي تزرع أمثالها، ويُولِّد بعضها بعضاً، حتى يعز على العبد مفارقتها والخروج منها. 8- أن المعاصي تُضعف القلب عن إرادته، فتقوى إرادة المعصية، وتضعف إرادة التوبة شيئاً فشيئاً إلى أن تنسلخ من قلبه إرادة التوبة بالكلية، ... فيأتي من الاستغفار وتوبة الكذابين باللسان بشيءٍ كثير، وقلبه معقودٌ بالمعصية، مُصرٌ عليها، عازم على مواقعتها متى أمكنه، وهذا من أعظم الأمراض وأقربها إلى الهلاك. 9- أنه ينسلخ من القلب استقباح المعصية فتصير له عادة، لا يستقبح من نفسه رؤية الناس له،ولا كلامهم فيه. وهذا عند أرباب الفسوق هو غاية التهتك وتمام اللذة، حتى يفتخر أحدهم بالمعصية، ويُحدِّث بها من لم يعلم أنه عملها، فيقول: يا فلان، عملت كذا وكذا. وهذا الضرب من الناس لا يعافون، ويُسدُّ عليهم طريق التوبة،وتغلق عنهم أبوابها في الغالب. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " كلُّ أمتي معافى إلا المجاهرون، وإنَّ من المجاهرة: أن يستر الله العبد ثم يُصبح يفضح نفسه ويقول: يا فلان عملت يوم كذا.. كذا وكذا، فيهتك نفسه وقد بات يستره ربه " رواه البخاري (5949) ومسلم (2744) . 10- أن الذنوب إذا تكاثرت طُبِعَ على قلب صاحبها، فكان من الغافلين. كما قال بعض السلف في قوله تعالى: {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون} قال: هو الذنب بعد الذنب. وأصل هذا أن القلب يصدأ من المعصية، فإذا زادت غلب الصدأ حتى يصير راناً، ثم يغلب حتى يصير طبعاً وقفلاً وختماً، فيصير القلب في غشاوة وغلاف، فإذا حصل له ذلك بعد الهدى والبصيرة انتكس فصار أعلاه أسفله، فحينئذٍ يتولاه الشيطان ويسوقه حيث أراد. ثانياً: قولك إنك " حججت ولم تر علامات القبول، بل ازددت من المعاصي " يجاب عليه: بأن القبول إنما هو من الله، ولا يستطيع أحدٌ أن يجزم لك بأن عملك قد قبل أم لا؟ فالمؤمن يعمل الأعمال الصالحة وهو لا يعلم هل قبل الله منه أم لا؟ حتى قال ابن عمر لو علمت بأن الله قبل مني حسنة واحدة لكان الموت أحب غائب إليَّ؛ لأن الله يقول: " إنما يتقبل الله من المتقين ". والإنسان مطلوب منه أن يُكثر من العمل الصالح، وأن يجتهد في العمل بحيث يكون موافقاً لأمر الله ورسوله، ويكون بذلك قد أبرأ ذمته، ثم يسأل الله القبول. فأنت أيها السائل إذا كان حجك صحيحاً خالياً من المحظورات فلا يلزمك إعادته، وأما وقوعك في المعاصي فليس له تعلق بصحة الحج من عدمه، ولكنك محاسب عليها، فعليك بالمبادرة بالتوبة منها قبل حلول الأجل. ثالثاً: قولك بأنك طفت ثم صعدت إلى السطح لشدة الزحام. هذه مسألة الموالاة في الطواف، وقد سُئلت اللجنة الدائمة عن سؤالٍ مشابهٍ لمسألتك فأجابت بأنه لا بأس من قطع الطواف وإكماله في الدور الأعلى.انظر فتاوى اللجنة الدائمة (11/230، 231، 232) . وأما بداية الطواف فيكون من الموضع الذي انتهيت إليه، وبالنسبة لاجتهادك في تحديد الموضع فإنه إذا تعذر اليقين عمل الإنسان بغلبة الظن لقول النبي صلى الله عليه وسلم فيمن شك فتردد هل صلى ثلاثاً أم أربعاً قال: " فليتحرَّ الصواب، ثم ليُتم عليه – أي يبني على التحري – ثم ليُسلم ثم ليسجد سجدتين بعد أن يُسلم " رواه البخاري (401) ومسلم (572) ، أنظر الشرح الممتع (3/461) . وبناءً عليه فإكمال الطواف من السطح واجتهادك في البداية من الموضع الذي قطعت طوافك منه لا شيء عليك فيه إن شاء الله، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 23425 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3855 أخذ النقود للحج عن الغير بنية جمع الدراهم [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من أخذ نقودًا ليحج عن غيره وليس في نيته إلا جمع الدراهم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرض هذا السؤال على الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله فقال: " يقول العلماء: إن الإنسان إذا حج للدنيا لأخذ الدراهم، فإن هذا حرام عليه، ولا يحل له أن ينوي بعمل الآخرة شيئا من الدنيا؛ لقوله تعالى: {من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نُوفِّ إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون} . قال شيخ الإسلام ابن تيمية: من حج ليأخذ، فليس له في الآخرة من خلاق، وأما إذا أخذ ليحج أو ليستعين به على الحج، فإن ذلك لا بأس به ولا حرج عليه. وهنا يجب على الإنسان أن يحذر من أن يأخذ الدراهم للغرض الأول، فإنه يُخشى ألا يُقبَل منه وألا يُجزِئ الحج عمن أخذه عنه، وحينئذٍ يلزمه أن يُعيد النفقة والدراهم إلى صاحبها إذا قلنا بأن الحج لم يصح ولم يقع عن المستنيب. ولكن يأخذ الإنسان الدراهم والنفقة ليحج بها عن غيره، ليستعين بها على الحج، ويجعل نيته في ذلك أن يقضي غرض صاحبها وأن يتقرب إلى الله تعالى بما يتعبد به في المشاعر وعند بيت الله. [الْمَصْدَرُ] انتهى من كتاب دليل الأخطاء التي يقع فيها الحاج والمعتمر. الحديث: 21698 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3856 حج بمال حرام [السُّؤَالُ] ـ[هل من حج بمال حرام يصح حجه أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يصح حجه، فيكون قد أدى الحج الواجب عليه، لكن حجه ليس مبروراً، وثوابه ناقص نقصاً كبيراً. راجع السؤال رقم (34517) . قال النووي في المجموع (7/62) : إذا حج بمال حرام أثم وصح حجه وأجزأه، وبه قال أكثر الفقهاء اهـ. بتصرف. وفي الموسوعة الفقهية (17/131) : فَإِنْ حَجَّ بِمَالٍ فِيهِ شُبْهَةٌ أَوْ بِمَالٍ مَغْصُوبٍ صَحَّ حَجُّهُ فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ , لَكِنَّهُ عَاصٍ وَلَيْسَ حَجًّا مَبْرُورًا , وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ , وَأَبِي حَنِيفَةَ رحمهم الله وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ , وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: لا يُجْزِيهِ الْحَجُّ بِمَالٍ حَرَامٍ. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى يَصِحُّ مَعَ الْحُرْمَةِ. وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم: ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ , أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ , يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ , وَمُشْرَبُهُ حَرَامٌ , وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ , وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ , فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ اهـ. وقال الشيخ ابن باز: الحج صحيح إذا أداه كما شرعه الله، ولكنه يأثم لتعاطيه الكسب الحرام، وعليه التوبة إلى الله من ذلك ويعتبر حجه ناقصاً بسبب تعاطيه الكسب الحرام، لكنه يسقط عنه الفرض اهـ. فتاوى ابن باز (16/387) . وفي فتاوى اللجنة الدائمة (11/43) كون الحج من مال حرام لا يمنع من صحة الحج، مع الإثم بالنسبة لكسب الحرام، وانه ينقص أجر الحج، ولا يبطله اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 48986 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3857 إذا أخذ المال للحج عن شخص فنقص أو زاد فما الحكم؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا أعطى رجل رجلاً مبلغاً معيناً لكي يحج عن ميت، ثم ذهب الرجل إلى الحج ثم نقص عليه هذا المبلغ أو زاد، ما حكم ذلك؟ كما أرجو الإفادة هل له أجر إذا أحسن هذه المواقف عن الميت؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المسلمون على شروطهم، فإذا حصل اشتراط بين الدافع والآخذ على أن الآخذ يرد الزائد وعلى أن الدافع يكمل النقص، فعلى كلٍّ أن يفي بالتزامه، وإذا لم يكن بينهما شرط فإنه يأخذ الزائد ويكمل النقص، أما الأجر فله أجر إن شاء الله إذا أخذ المال بنية صالحة وأدى الواجب عليه. وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/59) الحديث: 26342 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3858 الصعوبات التي تواجه الحاج [السُّؤَالُ] ـ[ما هي الصعوبات التي تواجه من أراد الحج؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يمكن إجمال الصعوبات بما يلي: 1. الطواف: حيث يكثر الطائفون، ويشتد الزحام، وبالأخص عند الحجر الأسود، لذا لا ننصح بمزاحمة الناس لتقبيل أو استلام الحجر الأسود، حيث سيترتب على ذلك من الأذى ما هو أعظم من أجر هذا الفعل، وكذا يختار المسلم الوقت المناسب للطواف حيث يخف الزحام ويستطيع أداء العبادة على الوجه المطلوب. وقد أفتى العلماء بجواز الطواف على الطابق العلوي وهو وإن كان شاقا لكنه أدعى للقيام بأداء العبادة كما ينبغي، ويبتعد به المسلم عن مزاحمة الناس وما يترتب عليه من مفاسد. 2. السعي: ويقال فيه ما قيل في الطواف، وهو أضيق مكاناً من الطواف وأشد صعوبة. 3. الوقوف بعرفة: حيث يجتمع الحجاج كلهم في وقت واحد على مكان واحد، ثم يكون الدفع في آن واحد، وهو ما يسبب مشقة لكثير من الناس، سواء في الوقوف أو في الدفع من عرفة. 4. مزدلفة: والصعوبة تكمن في عدم توفر الخدمات التي توجد في الأماكن الأخرى، وأهمها أماكن قضاء الحاجة. لذا ننصح في عرفة ومزدلفة أن يقلل الحاج من الطعام والشراب، حتى لا يحتاج معه إلى قضاء الحاجة فيشق عليه أن يجد فيقع في حرج. 5. رمي الجمرات: وهناك تقتتل الناس ويظهر جهلهم في مدافعتهم للناس، وفي رمي الجمار من أماكن بعيدة، وفي رمي الأحذية والخشب مما يسبب ضرراً للحجاج، ويجتمع الناس هناك في وقت واحد مما يسبب زيادة في الازدحام. لذا ننصح الحاج تجنب وقت الذروة في الزحام وهو وقت الفجر في يوم العيد، ووقت الزوال من باقي أيام التشريق، وأن يرمي الجمرات في الليل حيث يخف الزحام جدا، ويستطيع معه إقامة ذكر الله بهدوء وطمأنينة، وقد أفتى العلماء بأن وقت الرمي يمتد من الزوال إلى الفجر، فلا حاجة بعده للذهاب في وقت اجتماع الناس والتسبب في أذية النفس وأذية الآخرين. 6. وفي طواف الوداع: يحاول الحجاج أن ينصرفوا إلى أهليهم مبكرين، لذا يجتمع الجميع - تقريباً – في وقت واحد مما يسبب لهم الأذى والضرر سواء في الذهاب إلى الحرم أو في الطواف نفسه أو في الخروج من مكة. لذا ننصح الحجاج بتأخير نسكه إلى اليوم الثالث من أيام التشريق لا أن يعجِّل، فيستفيد أجراً زائداً على مَن عجَّل، وننصحه أن يحاول تأخير رجوعه ولو أياماً قلائل إلى أن ينصرف أكثر الحجاج فيستطيع أداء طواف الوداع كما يحب ربنا ويرضى. هذا مجمل ما يصيب الحاج من صعوبة، وحكمة الله تعالى اقتضت أن تكون المناسك في تلك البقعة المقفرة من النبات والزرع، والشديدة الحرارة حتى يميز الله عباده بعضهم من بعض، فلا يلبي نداء الحق إلا من أخلص نيته لربه. ولا نخلو المقام من التذكير أن هذه الصعوبات لا تصد المسلم عن أداء هذه العبادة التي فرضها الله في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الأجر يكون على قدر المشقة، فكلما زادت المشقة والصعوبات كلما زاد الأجر والثواب. عن أم المؤمنين قالت: قلت يا رسول الله يصدر الناس بنسكين وأصدر بنسك واحد قال " انتظري فإذا طهرت فاخرجي إلى التنعيم فأهلي منه ثم القينا عند كذا وكذا قال أظنه قال غدا ولكنها على قدر نصبك أو قال نفقتك ". رواه البخاري (1695) ومسلم (1211) . قال النووي: قوله صلى الله عليه وسلم " ولكنها على قدر نصبك أو قال نفقتك " هذا ظاهر في أن الثواب والفضل في العبادة يكثر بكثرة النصب والنفقة والمراد النصب الذي لا يذمه الشرع وكذا النفقة. " شرح مسلم " (8 / 152، 153) . وعلق الحافظ ابن حجر على كلامه فقال: وهو كما قال، لكن ليس ذلك بمطرد فقد يكون بعض العبادة أخف من بعض وهو أكثر فضلا وثوابا بالنسبة إلى الزمان كقيام ليلة القدر بالنسبة لقيام ليال من رمضان غيرها وبالنسبة للمكان كالصلاة ركعتين في المسجد الحرام بالنسبة لصلاة ركعات في غيره وبالنسبة إلى شرف العبادة المالية والبدنية كصلاة الفريضة بالنسبة إلى أكثر من عدد ركعاتها أو أطول من قراءتها ونحو ذلك من صلاة النافلة وكدرهم من الزكاة بالنسبة إلى أكثر منه من التطوع أشار إلى ذلك بن عبد السلام في القواعد قال وقد كانت الصلاة قرة عين النبي صلى الله عليه وسلم وهي شاقة على غيره وليست صلاة غيره مع مشقتها مساوية لصلاته مطلقا والله أعلم. " فتح الباري " (3 / 611) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 2808 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3859 هل يجزئ غسل الإحرام عن غسل الجنابة؟ [السُّؤَالُ] ـ[شخص أجنب في أثناء سفره للحج، ولما وصل إلى الميقات نسي ما عليه من الجنابة، واغتسل للإحرام فقط، ثم طاف بالبيت، وأدى سائر المناسك وهو كذلك؟ فهل يصح حجه ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه المسألة سئل عنها الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله، فقال: (اغتساله للإحرام يجزئ عن اغتساله للجنابة؛ لأنه غسل مشروع، خصوصا مع النسيان، وقد نص الفقهاء على ذلك بقولهم: " وإن نوى غسلا مسنونا أجزأ عن واجب "، وقيده بعضهم بما إذا كان ناسيا. وحالة الرجل المذكور منطبقة على كلا القولين، بأن ذلك يجزئه.) فتاوى ابن عثيمين 22/373. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49035 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3860 أيهما أولا حج الفريضة أو قضاء دين الأب [السُّؤَالُ] ـ[هل يقدم حج الفريضة أم أداء دين أبيه المطالب به؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله، فأجاب بما يلي: الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد: يقدِّم حج الفريضة لأنه لا يلزمه أداء الدين عن أبيه، ولكن أباه إن كان خلّف تركةً وجب قضاء دينه منها وإن لم يخلف تركةً فأمره إلى الله عز وجل لكن ليبشر الولد بأن أباه إذا كان أخذ أموال الناس يريد أداءها فإن الله يؤدي عنه فيتحمل عنه ما يكون لدائنه فلا يقلق ولا يتعب ضميره، والخلاصة أنه يجب أن يؤدي فريضة الحج لأنه استطاع إليه سبيلا.. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن صالح العثيمين الحديث: 3469 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3861 أخذ المال مقابل الحج عن الغير [السُّؤَالُ] ـ[زوجي رحمه الله متوفى، وأريد بإذن الله أن أوكل شخصاً يحج له حجة هذا العام، هل يصح لمن يقوم بالحج عنه أن يأخذ مالاً عن تعبه غير المال الذي يأخذه كأجر المواصلات وثمن الغذاء والأكل والشرب، أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز لمن وُكِّل أن يحج عن غيره أن يأخذ ما جُعل له من الأجر عن قيامه بذلك الحج، ولو كان أكثر مما أنفقه في المواصلات والطعام والشراب، ونحو ذلك مما يحتاجه لأداء الحج، ويشرع له أن يقصد بذلك المشاركة في الخير وأداء ما ييسر الله له من العبادات في الحرم الشريف، وألا يكون قصده المال فقط. وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/60) . الحديث: 26978 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3862 صحة حديث الحج كل خمس سنوات ومعناه [السُّؤَالُ] ـ[كيف نفهم الحديث الموجود في صحيح الترغيب والترهيب للألباني وهو حديث قدسي، ويقول الله " من أعطاه الله الصحة ولم يزر بيت الله كل خمس سنوات فهو محروم "؟ . هل يقصد الحج أم العمرة أم كلاهما؟ ماذا نفهم من الحديث؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نص الحديث: عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله: " إنَّ عبداً أصححتُ له جسمه ووسعتُ عليه في المعيشة تمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إليَّ لمحروم ". رواه أبو يعلى (2 / 304) والبيهقي (5 / 262) . ثانياً: الكلام عليه: قد تكلم بعض أهل العلم على الحديث فذهب بعضهم - كابن العربي المالكي - إلى أنه موضوع، وضعفه آخرون كالدارقطني والعقيلي والسبكي، وقد ذهب ابن حبان والشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (1662) إلى أنه صحيح. ثالثاً: حمل بعض العلماء معنى الحديث على الحج أو العمرة، وعلى هذا بوَّب الهيثمي للحديث في كتابه " موارد الظمآن "، فقال: " باب فيمن مضت عليه خمسة أعوام وهو غني ولم يحج أو يعتمر ". " موارد الظمآن " (ص 239) . وحمله آخرون على الحج فقط كما بوب له المنذري في الترغيب والترهيب بقوله: (ترهيب من قدر على الحج فلم يحج) ا. هـ وقد استدلَّ بعض العلماء بالحديث على وجوب الحج في كل خمس سنوات مرة على المستطيع، وهو قول ضعيف، إما لضعف الحديث وعدم صحته أو لأن الحديث محمول على الاستحباب لا الوجوب. قال السبكي: وقد اتفق العلماء على أن الحج فرض عين على كل مكلف حر مسلم مستطيع مرة في العمر إلا من شذ فقال: إنه يجب كل خمسة أعوام مرة , ومتعلقه ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " على كل مسلم في كل خمسة أعوام أن يأتي بيت الله الحرام " حكاه ابن العربي، وقال: قلنا: رواية هذا الحديث حرام فكيف إثبات حكم به، انتهى كلامه. وقال الدارقطني: وقد روي من غير طريق، ولا يصح منها شيء. " فتاوى السبكي " (1 / 263) . وقال الحطاب: (وقال بعض من شذ: إنه يجب في كل سنة وعن بعضهم أنه يجب في كل خمسة أعوام لما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال " على كل مسلم في كل خمسة أعوام أن يأتي بيت الله الحرام "، قال ابن العربي: رواية هذا الحديث حرام فكيف إثبات حكم به؟ , يعني أنه موضوع , وقال النووي: هذا خلاف الإجماع فقائله، محجوج بإجماع من قبله. ا. هـ وعلى تسليم وروده فيحمل على الاستحباب والتأكد في مثل هذه المدة. أ. هـ " مواهب الجليل " (2 / 466) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20653 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3863 هل يجوز أن يحج عن شخص ويعتمر عن آخر في نفس العام؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من سافر إلى الحج ونوى عمرته لأمه وحجه لأبيه، والعام الثاني يعكس يحج لأمه ويعتمر لأبيه، فهل يجوز أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " كل من الحج والعمرة نسك مستقل، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم كيفية أدائهما قِراناً وإفراداً وتمتعاً بالعمرة إلى الحج، فمن أراد الإحرام بالعمرة عن أمه مثلاً والإحرام بالحج بعد التحلل من العمرة عن أبيه أو العكس فله ذلك، وإذا أحرم بأحد النسكين عن نفسه، وبعد أن تحلل منه أحرم بالآخر عن أبيه مثلاً كان جائزاً؛ لأن الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى " انتهى. [الْمَصْدَرُ] "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/58) . الحديث: 47624 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3864 هل الأفضل أن يكرر الحج عن نفسه أم يحج عن أقاربه؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل الأفضل للإنسان تكرار الحج لنفسه تطوعاً أو ينوي ذلك لأحد أقاربه المتوفين أو الأحياء العاجزين عن الحج بعض السنين؟ أي: سنة يحج لنفسه، والحجة التي تليها ينويها لأحدهم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " الأفضل أن يحج عن نفسه؛ لأنه الأصل، ويدعو لنفسه ولغيره من الأقارب وسائر المسلمين، إلا إذا كان أحد والديه أو كلاهما لم يحج الفريضة فله أن يحج عنهما بعد حجه عن نفسه، براً بهما، وإحساناً إليهما عند العجز أو الموت، على أن يحج أو يعتمر عن كل واحد على حدة، وليس له جمعهما بعمرة (واحدة) ولا حج (واحد) " انتهى. فتاوى اللجنة الدائمة" (11/66) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: امرأة أرادت أن تحج عن والدتها وهي متوفاة ووالدتها قد حجت الفريضة، فما هو الأفضل: أن تحج أو تدعو لها؟ فأجاب: " الأفضل أن تحج لنفسها، وأن تدعو لأمها، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما قال: (إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ) لم يقل: ولد صالح يحج عنه أو يصوم عنه أو يتصدق عنه أو يصلى عنه، فإذا سألنا سائل: أيهما أفضل أن أصلي وأجعل الثواب لأبي، أو أتصدق وأجعل الثواب لأبي، أو أن أدعو لأبي؟ قلنا: الأفضل أن تدعو لأبيك، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أعلم منا، وأنصح منا، وأفصح منا، ولم يقل: أو ولد صالح يعمل له، بل قال: ولد صالح يدعو له، هذا ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى "فتاوى ابن عثيمين" (21/251) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 46547 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3865 حج عن غيره فهل له فضائل الحج؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا حج الشخص عن غيره، فهل يناله ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: (من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه) ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " يتوقف الجواب على هذا السؤال: هل هذا الرجل حج عن نفسه أو عن غيره؟ الجواب: أنه إنما حج عن غيره، ولم يحج لنفسه، فلا يدرك الأجر الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه إنما قام بالحج عن غيره، لكنه إن شاء الله إذا قصد نفع أخيه، وقضاء حاجته فإن الله تعالى يثيبه " انتهى. [الْمَصْدَرُ] "فتاوى ابن عثيمين" (21/34) . الحديث: 45766 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3866 نذرت أن تحج ولم تحج الفريضة [السُّؤَالُ] ـ[امرأة نذرت إن رزقها الله بمولود أن تحج ورزقها الله به فهل عليها الحج للنذر؟ علماً بأنها لم تحج الفرض.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " يجب أن يعلم أن النذر منهي عنه، نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (إِنَّهُ لا يَأْتِي بِخَيْرٍ) . ولهذا ذهب بعض العلماء إلى أن النذر حرام. فلماذا تنذر؟ ولماذا تكلف نفسك؟ وهل الله عز وجل لا يمن عليك بالشفاء أو على قريبك بالشفاء إلا إذا اشترط له شرطاً؟ سبحان الله! لا تنذر، بل اسأل الله الشفاء والعافية، فإن كان الله أراد أن يشفي شفى سواء نذرت أم لم تنذر، فإذا فعلت ونذرت فإن كان نذر طاعة وجب عليك الوفاء به، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ) وبناء على هذا نقول لهذه المرأة المذكورة: يجب أن تحجي. لكن تبدأ بحج الفريضة، ثم تأتي بحج النذر وجوباً، فإن لم تفعل فقد عرضت نفسها لعقوبة عظيمة، ذكرها الله في قوله: (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) التوبة/75، 76. عاهدوا الله إن الله أغناهم أن يتصدقوا، وأن يكونوا من الصالحين، أعطاهم الله ذلك، ولكنهم بخلوا بالمال، وأعرضوا عن الصلاح (فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ) إلى متى؟ (إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ) إلى الموت (بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ) التوبة/77. والخلاصة: احذروا النذر، لا تنذروا فأنتم في عافية، ولا تلزموا أنفسكم ما لم يلزمكم الله به إلا بفعلكم، فمن كان عنده مريض فليقل: اللهم اشفه، ومن كان يريد الاختبار فليقل: اللهم نجحني، لأن بعض الطلبة إذا كانت الدروس صعبة وخاف من السقوط يقول: لله عليَّ نذر إن نجحت لأفعل كذا وكذا. من الطاعات، ثم إذا نجح أخذ يسأل ويجيء للعالم الفلاني يقول: خلصوني خلصوني، ولكن لا مفر لا بد من الوفاء بالنذر " انتهى. [الْمَصْدَرُ] "فتاوى ابن عثيمين" (21/54) . الحديث: 44679 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3867 جاءته صدقه من أموال ربوية فهل يحج بها؟ [السُّؤَالُ] ـ[لم أحج الفريضة، وقد أعطاني أحد الأشخاص مالاً لأحج به، وهو معروف بأنه يتعامل بالربا، فهل يجوز لي أن أحج بهذا المال؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " لا حرج على الإنسان إذا تصدق عليه أحد المرابين أن يحج بما تصدق به عليه، ولا حرج عليه أن يقبل ما أهدى إليه، لأن ذنب الربا على صاحبه. أما الذي أخذه بطريق شرعي: بطريق الهبة، بطريق الصدقة (فلا ذنب عليه) . والدليل على هذا أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبل الهدية من اليهود، وأكل طعام اليهود، واشترى من اليهود، مع أن اليهود معروفون بالربا وأكل السحت. نعم، لو فرضنا أن شخصاً سرق شاة من غَنَمِ رجلٍ، وجاء وأهداها إليه، فهنا تحرم، لأنك تعرف أن هذه الشاة ليس ملكاً له، أما إذا كان يتعامل الربا فإثمه على نفسه، ومن أخذ منه بطريق شرعي فهو مباح له، فنقول لهذه المرأة: لا حرج عليك أن تحجي بالمال الذي أعطاك إياه من كان معروفاً بالربا " انتهى. [الْمَصْدَرُ] فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. "فتاوى ابن عثيمين" (21/105) . الحديث: 42475 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3868 الحج عن الميت أفضل أم الصدقة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل الأفضل أن أحج عن والدي المتوفيين، مع العلم أنهما قد حجا الفريضة؟ أو أصرف ذلك في بناء المساجد والجهاد في سبيل الله؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " أحسن ما يبر به الوالدان ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم وهو الدعاء لهما، والاستغفار لهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا صلة لك فيها إلا بهما، هذه هي التي نص عليها الرسول صلى الله عليه وسلم حين سأله السائل: فقال: يا رسول الله، هل عليَّ من بر أبوي شيء بعد موتهما؟ فأجابه بذلك، وأما الحج عنهما والأضحية عنهما والصدقة عنهما فهي جائزة لا شك، ولا نقول: إنها حرام، لكنها مفضولة، إذ إن الدعاء لهما أفضل من هذا، واجعل هذه الأعمال التي تريد أن تجعلها لوالديك اجعلها لنفسك، حج أنت لنفسك، تصدق لنفسك، ضح لنفسك وأهلك، ابذل في المساجد والجهاد في سبيل الله لنفسك، لأنك سوف تكون محتاجاً إلى العمل الصالح كما احتاج إليه الوالدان، والوالدان قد أرشدك النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما هو أنفع وأفضل، هل تظنون أن الرسول صلى الله عليه وسلم غاب عنه أن الأفضل أن تحج وتتصدق؟! أبداً لا نعتقد أن الرسول غاب عنه ذلك، فلنعلم أن الرسول اختار هذه الأشياء الأربعة: الدعاء، والاستغفار، وإكرام الصديق، وصلة الرحم، لأنها هي البر حقيقة، ولهذا صح عنه أنه قال: (إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثَةٍ: إِلا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ) لم يقل: أو ولد صالح يتصدق عنه، أو يضحي عنه، أو يحج عنه، أو يصوم عنه، مع أن الحديث عن الأعمال، فعدل النبي عليه الصلاة والسلام عن جعل الأعمال للميت إلى الدعاء، ونحن نشهد الله، ونعلم علم اليقين أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لن يعدل إلى شيء مفضول ويدع الشيء الفاضل أبداً، لأنه صلوات الله وسلامه عليه أعلم الخلق، وأنصح الخلق، فلو كانت الصدقة أو الأضحية، أو الصلاة، أو الحج، لو كانت مشروعة لأرشد إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا أقول: إنه ينبغي لطلبة العلم في مثل هذه الأمورالتي يكون فيها العامة سائرين على الطريق المفضول ينبغي لطالب العلم أن يبين، وأن يوضح، وأن يقول: ائتوني بنص واحد يأمر فيه النبي صلى الله عليه وسلم أن يتطوع الإنسان لوالديه بصوم أو صدقة، أبداً لا يوجد، لكن قال: (مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ) فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن نصوم الفرض عن الميت، ولكن التطوع أبداً، قلّب في السنة كلها من أولها إلى آخرها هل تجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر أن يتصدق الإنسان عن والديه، أو يصوم تطوعاً عن والديه، أو يحج تطوعاً عن والديه، أو يبذل دراهم في المصالح العامة لوالديه؟ أبداً، لا يوجد، غاية ما هنالك أن الرسول صلى الله عليه وسلم أقر هذا الشيء، وإقرار الشيء لا يعني أنه مشروع، فقد أقر سعد بن عبادة حين استأذن منه أن يجعل مخرافه يعني بستانه صدقة لأمه، قال: (نعم) ، وكذلك أقر عليه الصلاة والسلام الرجل الذي قال: إن أمي افتلتت نفسها وأظنها لو تكلمت لتصدقت، أفأتصدق عنها؟ قال: "نعم"، لكن هل أمر أمته أن يتطوعوا لله ويجعلوها للأموات؟ هذا لا يوجد، ومن عثر على شيء من ذلك فليتحفنا به، إلا بالشيء الواجب، فالواجب لابد منه " انتهى. [الْمَصْدَرُ] "فتاوى ابن عثيمين" (21/267) . الحديث: 42088 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3869 معنى الحديث: (من حج فلم يرفث. .) [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى قوله عليه الصلاة والسلام: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه) ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث رواه البخاري (1521) ومسلم (1350) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ) . وفي رواية للترمذي (811) : (غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبه) . صححه الألباني في صحيح الترمذي. وهذا الحديث كقوله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) البقرة/197. وَالرَّفَث: اِسْم لِلْفُحْشِ مِنْ الْقَوْل , وَقِيلَ: هُوَ الْجِمَاع. قال الحافظ: " وَاَلَّذِي يَظْهَر أَنَّ الْمُرَاد بِهِ فِي الْحَدِيث مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ , وَإِلَيْهِ نَحَا الْقُرْطُبِيّ , وَهُوَ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ فِي الصِّيَام (فَإِذَا كَانَ صَوْم أَحَدكُمْ فَلا يَرْفُث) " انتهى. أي أن الرفث في الحديث يشمل الفحش في القول والجماع معاً. (وَلَمْ يَفْسُقْ) أَيْ لَمْ يَأْتِ بِسَيِّئَةٍ وَلا مَعْصِيَةٍ. وَمَعْنَى (كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمّه) : أَيْ بِغَيْرِ ذَنْب. وَظَاهِره غُفْرَان الصَّغَائِر وَالْكَبَائِر. قاله الحافظ. " وإليه ذهب القرطبي والقاضي عياض، وقال الترمذي: هو مخصوص بالمعاصي المتعلقة بحق الله لا العباد " قاله المناوي في "فيض القدير". وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: معنى قوله عليه الصلاة والسلام: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه) : أن الإنسان إذا حج واجتنب ما حرم الله عليه من الرفث وهو إتيان النساء، والفسوق وهو مخالفة الطاعة، فلا يترك ما أوجب الله عليه، ولا يفعل أيضاً ما حرم الله عليه، فإن خالف فهذا هو الفسوق. فإذا حج الإنسان ولم يفسق ولم يرفث فإنه يخرج من ذلك نقياً من الذنوب، كما أن الإنسان إذا خرج من بطن أمه فإنه لا ذنب عليه، فكذلك هذا الرجل إذا حج بهذا الشرط فإنه يكون نقياً من ذنوبه". "فتاوى ابن عثيمين" (21/20) . وقال أيضاً (21/40) : "ظاهر الحديث أن الحج يكفر الكبائر، وليس لنا أن نعدو الظاهر إلا بدليل، وقال بعض العلماء: إذا كانت الصلوات الخمس لا تُكَفِّر إلا إذا اجْتُنِبَت الكبائر وهي أعظم من الحج وأحب إلى الله، فالحج من باب أولى، لكن نقول: هذا ظاهر الحديث، ولله تعالى في حكمه شئون، والثواب ليس فيه قياس " انتهى بتصرف يسير. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 41811 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3870 كيف يكون حجك مقبولاً؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما هي الأمور التي ينبغي أن يعملها المسلم ليكون حجه مقبولاً إن شاء الله؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " الأمور التي ينبغي أن يعملها ليكون حجه مقبولاً: أن ينوي بالحج وجه الله عز وجل وهذا هو الإخلاص. وأن يكون متبعاً في حجه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا هو المتابعة، وكل عمل صالح فإنه لا يقبل إلا بهذين الشرطين الأساسيين: الإخلاص، والمتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم. لقول الله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) البينة/5. ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) ولقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) . فهذا أهم ما يجب على الحاج أن يعتمد عليه: الإخلاص، والمتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم. وكان النبي عليه الصلاة والسلام يقول في حجته: (لِتَأْخُذُوا عني مَنَاسِكَكُمْ) . ومنها: أن يكون الحج بمال حلال، فإن الحج بمال حرام محرم، لا يجوز، بل قد قال بعض أهل العلم: إن الحج لا يصح في هذه الحالة، ويقول بعضهم: إذا حججت بمال أصله سحت فما حججت ولكن حجت العير يعني حجت الإبل. ومنها: أن يتجنب ما نهى الله عنه، لقوله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) البقرة/197. فيتجنب ما حرم الله عليه تحريماً عاماً في الحج وغيره من الفسوق والعصيان، والأقوال المحرمة، والأفعال المحرمة، والاستماع إلى آلات اللهو ونحو ذلك، ويجتنب ما حرم الله عليه تحريماً خاصاً في الحج: كالرفث وهو إتيان النساء، وحلق الرأس، واجتناب ما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لبسه في الإحرام. وبعبارة أعم: يجتنب جميع محظورات الإحرام. وينبغي أيضاً للحاج أن يكون ليناً سهلاً كريماً في ماله وعمله، وأن يحسن إلى إخوانه بقدر ما يستطيع، ويجب عليه أن يجتنب إيذاء المسلمين، سواء كان ذلك في المشاعر، أو في الأسواق، فيجتنب الإيذاء عند الازدحام في المطاف، وعند الازدحام في المسعى، وعند الازدحام في الجمرات، وغير ذلك. فهذه الأمور التي ينبغي على الحاج، أو يجب للحاج أن يقوم بها، ومن أقرب ما يحقق ذلك: أن يصحب الإنسان رجلاً من أهل العلم حتى يذكره بدينه، وإذا لم يتيسر ذلك فليقرأ من كتب أهل العلم ما كان موثوقاً قبل أن يذهب إلى الحج، حتى يعبد الله على بصيرة " انتهى. فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله "فتاوى ابن عثيمين" (21/20) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 41833 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3871 سافر إلى الحج ولكنه مات قبل الحج فهل يعتبر حاجاً؟ [السُّؤَالُ] ـ[رجل نوى الحج وعندما ذهب وافته المنية، وقد كان باع ما عنده من أجل الحج، فما حكم هذا؟ وهل يعتبر حاجاً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا عزم الرجل على الحج ثم مات فلا يخلو إما أن يموت قبل الإحرام أو بعده. فإن مات قبل الإحرام فإن الله تعالى يثيبه على نيته، ولكن يجب أن يحج عنه حجة الإسلام. وإن كان مات بعد الإحرام فإن له ثواب الحج، بل يبعث يوم القيامة ملبياً، وعلى هذا فلا يحج عنه. سئل الشيخ ابن عثيمين عمن جمع مالاً للحج ثم مات قبل أن يحج، فأجاب: " هذا الرجل الذي عزم على الحج فباع ما عنده ليحج به فوافته المنية قبل أن يقوم بالحج، نرجو الله عز وجل أن يكتب له أجر الحجاج، لأنه نوى العمل الصالح، وفعل ما قدر عليه من أسبابه، ومن نوى العمل وفعل ما قدر عليه من أسبابه فإنه يكتب له، قال الله تبارك وتعالى: (وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) النساء/100. وإذا كان هذا الرجل الذي باع ماله ليحج، لأن الحج فريضة الإسلام فإنه يحج عنه بعد موته بهذه الدراهم التي هيأها، إما أن يحج عنه أحد من أوليائه أو أحد من غيرهم، ففي حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت فأحج عنها؟ قال: (نعم) وكان ذلك في حجة الوداع " انتهى. "فتاوى ابن عثيمين" (21/232) . وسئل أيضاً: رجل جاء من بلده للحج ثم تحطمت الطائرة قبل أن يصل هل يعتبر حاجاً؟ فأجاب: " إذا هلك من سافر للحج قبل أن يخرج فليس بحاج، لكن الله عز وجل يثيبه على عمله، أما إذا أحرم وهلك فهو حاج، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي وقصته ناقته وهو واقف بعرفة فقال: (اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تحنطوه، ولا تخمروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً) . ولم يأمرهم بقضاء حجه، وهذا يدل على أنه يكون حاجاً " انتهى. "فتاوى ابن عثيمين" (21/252) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 41849 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3872 هل يحج عن أمه أو عن أبيه؟ [السُّؤَالُ] ـ[قد حججت والحمد لله، ولكن والدي ماتا ولم يحجا، وأنا أريد أن أحج عنهما، فهل أبدأ بأمي؟ وإن حججت عن أحدهما فأنا أريد أن أقترض للآخر وأوكل من يحج عنه.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله حق الأم في البر أعظم من حق الأب. روى البخاري (5971) ومسلم (2548) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أَبُوكَ. " قَالَ اِبْن بَطَّال: مُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُون لِلأُمِّ ثَلاثَة أَمْثَال مَا لِلأَبِ مِنْ الْبِرّ , قَالَ: وَكَانَ ذَلِكَ لِصُعُوبَةِ الْحَمْل ثُمَّ الْوَضْع ثُمَّ الرَّضَاع , فَهَذِهِ تَنْفَرِد بِهَا الأُمّ وَتَشْقَى بِهَا , ثُمَّ تُشَارِك الأَب فِي التَّرْبِيَة. وَقَدْ وَقَعَتْ الإِشَارَة إِلَى ذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى: (وَوَصَّيْنَا الإِنْسَان بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمّه وَهْنًا عَلَى وَهْن وَفِصَاله فِي عَامَيْنِ) فَسَوَّى بَيْنهمَا فِي الْوِصَايَة , وَخَصَّ الأُمّ بِالأُمُورِ الثَّلاثَة. قَالَ الْقُرْطُبِيّ: الْمُرَاد أَنَّ الأُمّ تَسْتَحِقّ عَلَى الْوَلَد الْحَظّ الأَوْفَر مِنْ الْبِرّ , وَتُقَدَّمَ فِي ذَلِكَ عَلَى حَقّ الأَب عِنْد الْمُزَاحَمَة. وَقَالَ عِيَاض: وَذَهَبَ الْجُمْهُور إِلَى أَنَّ الأُمّ تَفْضُل فِي الْبِرّ عَلَى الأَب , وَقِيلَ: يَكُون بِرّهمَا سَوَاء , وَالصَّوَاب الأَوَّل " انتهى من "فتح الباري". وقال النووي في "شرح مسلم": " الصَّحَابَة هُنَا بِمَعْنَى الصُّحْبَة. قَالَ الْعُلَمَاء: وَسَبَب تَقْدِيم الأُمّ كَثْرَة تَعَبهَا عَلَيْهِ , وَشَفَقَتهَا , وَخِدْمَتهَا , وَمُعَانَاة الْمَشَاقّ فِي حَمْله , ثُمَّ وَضْعه , ثُمَّ إِرْضَاعه , ثُمَّ تَرْبِيَته وَخِدْمَته وَتَمْرِيضه , وَغَيْر ذَلِكَ " انتهى. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن مثل هذا السؤال، فأجاب: " حج عن أمك أولاً، لأن الأم أحق بالبر عن الأب، وهذا في الفريضة، أما لو كان حج الأم نفلاً والأب فريضة فتبدأ بالفريضة للأب، لكن لا تقترض لتنيب من يحج عن أبيك، فإذا كان العام القادر وأنت قادر فحج عن أبيك، وكونك الذي تؤدي الحج خير من كونك تنيب غيرك، لأن إخلاصك لأبيك أكبر من إخلاص غيرك لأبيك، لهذا نقول: لا يجوز لك أن تقترض من أجل أن تنيب من يحج عن أبيك، بل حج عن أمك هذا العام ما دمت قادراً، وفي العام القادم إن كنت قادراً فحج عن أبيك " انتهى. "فتاوى ابن عثيمين" (21/ 134) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 41855 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3873 مكانة الحج في الإسلام وشروط وجوبه [السُّؤَالُ] ـ[ما هي مكانة الحج في الإسلام؟ وعلى من يجب؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " الحج إلى بيت الله الحرام أحد أركان الإسلام، ومبانيه العظام، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ وَحَجِّ ْبَيْتِ الله الحرام) وهو فرض بكتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإجماع المسلمين. قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) آل عمران/97. وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَرَضَ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ فَحُجُّوا) ، وأجمع المسلمون على ذلك، وهو من المعلوم من الدين بالضرورة، فمن جحد وجوبه وهو ممن عاش بين المسلمين فإنه يكون كافراً، وأما من تركه تهاوناً فإنه على خطر عظيم؛ لأن من العلماء من قال: إنه يكفر. وهذا القول رواية عن الإمام أحمد رحمه الله، ولكن القول الراجح: أنه لا يكفر بترك الأعمال إلا الصلاة فقط، قال عبد الله بن شقيق رحمه الله - وهو من التابعين -: (ما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة) فمن تهاون بالحج حتى مات فإنه لا يكفر على القول الراجح، ولكنه على خطر. فعلى المسلم أن يتقي الله، وأن يبادر بأداء الحج إذا تمت شروط الوجوب في حقه، لأن جميع الواجبات تجب المبادرة بها إلا بدليل، فكيف تطيب نفس المسلم أن يترك الحج إلى بيت الله الحرام مع قدرته عليه، وسهولة الوصول إليه؟! وكيف يؤخره وهو لا يدري لعله لا يستطيع الوصول إليه بعد عامه؟! فقد يكون عاجزاً بعد القدرة، وقد يكون فقيراً بعد الغنى، وقد يموت وقد وجب عليه الحج، ثم يفرط الورثة في قضائه عنه. أما شروط الوجوب فخمسة: الشرط الأول: الإسلام، وضده الكفر، فالكافر لا يجب عليه الحج، بل لو حج الكافر لم يقبل منه. الشرط الثاني: البلوغ، فمن لم يبلغ فلا حج عليه، ولو حج صح حجه تطوعاً وله أجره، فإذا بلغ أدى الفريضة، لأن حجة قبل البلوغ لا يسقط به الفرض. الشرط الثالث: العقل، وضده الجنون، فالمجنون لا يجب عليه الحج، ولا يحج عنه. الشرط الرابع: الحرية، فالرقيق المملوك لا يجب عليه الحج، ولو حج صح حجه تطوعاً، وإذا عتق وجب عليه أن يؤدي الفريضة، لأن حجة قبل أن يتحرر لا يجزئ عن الفرض. وقال بعض العلماء: إذا حج الرقيق بإذن سيده أجزأه عن الفريضة، وهذا القول هو الراجح. الشرط الخامس: الاستطاعة بالمال والبدن، ومن الاستطاعة أن يكون للمرأة محرم، فإن لم يكن لها محرم فلا حج عليها " انتهى. [الْمَصْدَرُ] فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. "فتاوى ابن عثيمين" (21/9-11) . الحديث: 41949 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3874 قول بعض الناس: من حج فليترك المجال لغيره! [السُّؤَالُ] ـ[تتوق النفس للحج ولكن نسمع كلمات من الناس لا ندري أهي صحيحة أم لا؟ يقولون: من حج فليترك المجال لغيره، فهل هذا القول صحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " هذا القول ليس بصحيح، أعني القول بأن من حج فرضه ليترك المجال لغيره، لأن النصوص دالة على فضيلة الحج، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) . والإنسان العاقل يمكن أن يذهب إلى الحج ولا يؤذي ولا يتأذى إذا كان يعامل الناس بالرفق، فإذا وجد مجالاً فسيحاً فعل ما يقدر عليه من الطاعة، وإذا كان المكان ضيقاً عامل نفسه وغيره بما يقتضيه هذا الضيق، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم حين دفع من عرفة يأمر الناس بالسكينة، وشنق لناقته الزمام يعنى جذبه حتى لا تسرع، لكنه إذا وجد فجوة نَصَّ. قال العلماء: يعني إذا وجد متسعاً أسرع، فدل هذا على أن الحاج ينبغي له أن يتعامل مع الحالة التي هو عليها، فإذا وجد الضيق فليتأن في مشيه، وليرفق بالناس، وبهذا لا يتأذى ولا يؤذي، فهذا الذي نراه في هذه المسألة، يحج ويستعين الله تعالى على الحج، ويقوم بما يلزمه من واجبات، ويحرص على أن لا يؤذي أحداً، ولا يتأذى بقدر المستطاع. ولو فرض أن هناك مصلحة أنفع من الحج مثل أن يكون بعض المسلمين محتاجاً إلى الدراهم للجهاد في سبيل الله، فالجهاد في سبيل الله أفضل من الحج النافلة، وحينئذ يصرف هذه الدراهم إلى المجاهدين، أو كان هناك مسغبة يعني جوعاً شديداً على المسلمين، فهنا صرف الدراهم في إزالة المسغبة أفضل من الحج بها " انتهى. [الْمَصْدَرُ] "فتاوى ابن عثيمين" (21/28، 29) . الحديث: 41977 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3875 هل يستخير قبل الحج؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل تستحب الاستخارة لمن أراد أن يسافر للحج؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " الحديث الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الاستخارة شامل عام في كل أمر يهم به الإنسان، ولا يدري الخيرة في فعله أم في تركه، فيستخير الله تعالى، ولكنه لا يتناول الأمور المفروضة على المرء، لأن فعل الأمور المطلوبة على المرء خير بلا تردد، وعلى هذا فإذا وجب الحج على الإنسان وتمت شروط الوجوب فإن عليه أن يحج بدون استخارة، كما أنه إذا أذن لصلاة الظهر مثلاً، فإنه يجب عليه أن يصلي بدون استخارة، وكذلك إذا وجب عليه الجهاد فصار فرض عين عليه، فإنه يجب عليه أن يجاهد بدون استخارة، ولكن إذا كان الشيء مشروعاً وليس بواجب عليه فإنه يمكن أن تدخل فيه الاستخارة، بمعني أن المشروعات بعضها أفضل من بعض، فقد يريد الإنسان أن يعتمر عمرة تطوع، أو يحج حج تطوع، ولكن لا يدري: الحج أفضل أم بقاؤه في بلده للدعوة إلى الله والإرشاد وتوجيه المسلمين، والقيام بمصالح أهل بيته أفضل؟ فيستخير الله سبحانه وتعالى، لا لأنه قد شك في فضل العمرة، ولكن لأنه قد شك هل الذهاب للعمرة أفضل أم البقاء في بلده أفضل؟ وهذا أمر وارد، ويمكن فيه الاستخارة، فمن تأمل حديث الاستخارة، وهدي النبي صلى الله عليه وسلم علم أنها لا تشرع إلا في الأمر الذي يتردد فيه الإنسان: أما الأمر الذي ليس فيه تردد فإنه لا استخارة فيه، وكما أسلفت: أن الأمور الواجبة لا تحتمل التردد والشك في فعلها، لوجوب القيام بها على من توفرت فيه شروط الوجوب " انتهى. [الْمَصْدَرُ] "فتاوى ابن عثيمين" (21/26، 27) . الحديث: 41709 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3876 حكم الاستنابة في الحج والعمرة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الاستنابة في الحج أو العمرة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " توكيل الإنسان من يحج عنه لا يخلو من حالين: الحال الأولى: أن يكون ذلك في فريضة. والحال الثانية: أن يكون ذلك في نافلة، فإن كان ذلك في فريضة فإنه لا يجوز أن يوكل غيره ليحج عنه ويعتمر، إلا إذا كان في حال لا يتمكن بنفسه من الوصول إلى البيت لمرض مستمر لا يرجى زواله، أو لكبر ونحو ذلك، فإن كان يرجى زوال هذا المرض فإنه ينتظر حتى يعافيه الله ويؤدى الحج بنفسه، وإن لم يكن لديه مانع من الحج بل كان قادراً على أن يحج بنفسه فإنه لا يحل له أن يوكل غيره في آداء النسك عنه، لأنه هو المطالب به شخصياً. قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) آل عمران/97. فالعبادات يقصد بها أن يقوم الإنسان بنفسه فيها، ليتم له التعبد والتذلل لله سبحانه وتعالى، ومن المعلوم أن من وكل غيره فإنه لا يحصل على هذا المعنى العظيم الذي من أجله شرعت العبادات. وأما إذا كان الموكل قد أدى الفريضة وأراد أن يوكل عنه من يحج أو يعتمر فإن في ذلك خلافاً بين أهل العلم: فمنهم من أجازه، ومنهم من منعه، والأقرب عندي: المنع، وأنه لا يجوز لأحد أن يوكل أحداً يحج عنه، أو يعتمر إذا كان ذلك نافلة، لأن الأصل في العبادات أن يقوم بها الإنسان بنفسه، وكما أنه لا يوكل أحداً يصوم عنه، مع أنه لو مات وعليه صيام فرض صام عن وليه، فكذلك في الحج، والحج عبادة يقوم فيها الإنسان ببدنه، وليست عبادة مالية يقصد بها نفع الغير، وإذا كان عبادة بدنية يقوم الإنسان فيها ببدنه فإنها لا تصح من غيره عنه، إلا فيما وردت به السنة، ولم ترد السنة في حج الإنسان عن غيره حج نفل، وهذه إحدى الروايتين عن الإمام أحمد رحمه الله - أعني أن الإنسان لا يصح أن يوكل غيره في نفل حج أو عمرة سواءً كان قادراً أو غير قادر. ونحن إذا قلنا بهذا القول صار في ذلك حث للأغنياء القادرين على الحج بأنفسهم، لأن بعض الناس تمضي عليه السنوات الكثيرة ما ذهب إلى مكة، اعتماداً على أنه يوكل من يحج عنه كل عام، فيفوته المعنى الذي من أجله شرع الحج، بناء على أنه يوكل من يحج عنه " انتهى. "فتاوى ابن عثيمين" (21/136) . وقد اختار علماء اللجنة الدائمة جواز الاعتمار والحج عن الحي العاجز عن فعلهما ولو كان ذلك نافلة. جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/81) : إذا اعتمرت عن نفسك جاز لك أن تعتمر عن أمك وأبيك إذا كانا عاجزين، لكبر أو مرض لا يرجى برؤه " انتهى. وهو ما اختاره أيضاً الشيخ ابن باز رحمه الله، فإنه سئل: أريد أن أحج عن والدتي، فهل لا بد أن أستأذنها، علماً بأنها سبق أن أدت حجة الفريضة؟ فأجاب: " إذا كانت والدتك عاجزة عن الحج لكبر سنها أو مرض لا يرجى برؤه فلا بأس أن تحج عنها ولو بغير إذنها، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استأذنه رجل قائلاً: يا رسول الله، إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج والعمرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حج عن أبيك واعتمر) واستأذته امرأة قائلة: يا رسول الله إن أبي شيخ كبير ولا يستطيع الحج ولا الظعن أفأحج عنه؟ فقال صلى الله عليه وسلم: حجي عن أبيك. وهكذا الميت يحج عنه لأحاديث صحيحة وردت في ذلك، ولهذين الحديثين " انتهى. "فتاوى ابن باز" (16/414) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 41732 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3877 هل يحج عن جدته ولو لم يرض أبوه؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل طاعة الوالدين تجب في كل شيء، إذا أمراني بترك النافلة كصيام تطوع أو صلاة النافلة فهل طاعتهم واجبة؟ فقد عزمت على أن أحج عن جدتي لأمي فرفض والدي وقال: أولادها أحق بها فهل تلزمني طاعته في هذا الأمر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " طاعة الوالدين تجب في كل ما فيه منفعة لهما ولا ضرر عليك به، فأما إذا أمراك بترك النوافل نظرنا؛ إذا كانا يحتاجان إلى عمل لا تقوم به إذا كنت منشغلاً بهذه النافلة فأطعهما، مثل أن يقول لك أبوك: يا فلان، انتظر الضيوف، ولا تصل النافلة، فهنا يجب عليك أن تطيعه لأن هذا لغرضٍ له، وأما إذا قال: لا تصل الضحى، لأنه يكره مثل هذه الأمور، يكره النوافل لأنه ليس عنده إيمان قوي، فلا تطعه، ولكن دارِهِ ما استطعت، بمعنى أن تخفي عنه ما تفعله من الخير. فنقول للسائل: حج عنها، وإذا قال لك أبوك: لا تحج. فقل: لا بأس، وحج، وليس في هذا كذب إذا كنت تستطيع التأويل، والتأويل معناه: أن تقول له: لا أحج، يعني العام القادم، لأن هذا الأب يأمر بقطيعة الرحم، أو هو جاهل، فقل: نعم، لا أحج عنها إرضاء لك، وتنوي لا أحج عنها في العام القادم. لأنك سوف تحج هذا العام، ومثل ذلك بعض الأمهات إذا رأت العلاقة بين ابنها وزوجته طيبة، قالت: يا ولدي إما أنا وإما هي، ليطلقها، كذلك الأب ربما يكون معه سوء تفاهم من الزوجة يقول طلقها. فلا يطلقها. وسأل رجل الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله فقال: إن أبي أمرني أن أطلق امرأتي وأنا أحبها. قال: لا تطلقها. فقال السائل: إن ابن عمر لما أمره أبوه عمر رضي الله عنه أن يطلق زوجته وسأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: طلق زوجتك، فأمر عبد الله بن عمر أن يطيع والده في تطليق زوجته، فقال له الإمام أحمد قولاً سديداً: وهل أبوك عمر؟! وهذه الكلمة لها معنى، لأن عمر رضي الله عنه لم يأمر ابنه أن يطلق زوجته إلا أنه رأى سبباً شرعياً يقتضي ذلك، لكن أباك لعله لحاجة شخصية بينه وبين المرأة " انتهى بتصرف يسير. [الْمَصْدَرُ] "فتاوى ابن عثيمين" (21/265) . الحديث: 40583 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3878 حكم الطواف أثناء خطبة الجمعة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن أطوف طواف الوداع بالحرم والإمام يخطب خطبة الجمعة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف العلماء في حكم الطواف أثناء خطبة الجمعة، سواء كان الطواف واجبا كطواف الإفاضة والوادع وطواف العمرة، أم كان مستحباً. فذهب المالكية إلى منعه، قياساً على الصلاة، فإن المأموم منهي عن الصلاة أثناء خطبة الجمعة إلا تحية المسجد، وذلك لما فيها من الإعراض عن الخطيب والانشغال عن الخطبة، والطواف كالصلاة في هذا. انظر "مواهب الجليل" (3/78) . وذهب الشافعية إلى جواز الطواف أثناء خطبة الجمعة، ومنعوا قياسه على الصلاة، لأن الطواف لا ينافي الاستماع للخطبة، بخلاف الصلاة فالانشغال بها أقوى. وانظر: "الغرر البهية" (2/ 29) ، " الفتاوى الفقهية الكبرى " (1/ 239) . واختار الشيخ ابن جبرين المنع من الطواف أثناء خطبة الجمعة، فقد سئل: ما حكم الطواف تطوعاً للمقيم والمسافر والخطيب يخطب يوم الجمعة؟ فأجاب: " إذا ابتدأ الخطيب يخطب وجب على المصلين الإنصات للخطبة والبقاء في أماكنهم ولم يجز الاشتغال بغير ذلك إلا لمن دخل والخطيب يخطب، فإنه يصلي ركعتين يخففهما، سواء كان من أهل مكة أو من غيرهم، فالأدلة عامة في النهي عن الحركة والكلام حال خطبة الخطيب، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب فقد لغوت) . هكذا حذر من هذه الكلمة مع أنها للصلاة، فعلى هذا نرى أنه لا يجوز الطواف على كل حال ما دام الإمام يخطب خطبة الجمعة، وقد كان الأئمة قديماً يمنعون من الطواف حال الخطبة، ولكن تساهل المتأخرون وادعوا أنهم عاجزون عن حجز أولئك الذين يطوفون، والذين يتعللون بأنهم مسافرون يودّعون البيت بهذا الطواف، أو يرون فضل الطواف على الإنصات لسماع الخطبة، ولكن هذا غير صحيح، فنرى لزوم منعهم حتى يفرغ من الصلاة، وأما خطبة العيد فلا بأس بالطواف حال خطبته وذلك لأنها سنة، ولا يلزم البقاء للمصلين إلى انتهائها " انتهى نقلا عن مجلة الحرس الوطني، عدد 272 بتاريخ 1/1/2005. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38592 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3879 الحج على نفقة الغير [السُّؤَالُ] ـ[حججت مع ابني وأنفق هو كل تكاليف الحج، وكنت أريد أن أحج على نفقتي الخاصة. فهل يؤثر ذلك على صحة الحج؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا بأس أن يحج الإنسان على نفقة غيره، سواء كان ذلك الغير ابنه أو أخاه أو صديقه. . الخ، ولا يؤثر ذلك على صحة الحج، وليس من شروط صحة الحج أن ينفق الإنسان على الحج من ماله. سئلت اللجنة الدائمة عن امرأة تكلف مضيفها بنفقة الحج كاملة هل يصح حجها؟ فأجابت: أداؤها الفريضة لا يؤثر على صحته أنها لم تنفق عليه شيئاً من مالها، أو أنها أنفقت الشيء القليل وقام غيرها بإنفاق الشيء الكثير من تكاليف حجها، وعليه فإذا كان حجها مستكملاً الشروط والأركان والواجبات فهو مسقط عنها فريضة الحج وإن قام غيرها بتكاليفه اهـ. فتاوى اللجنة الدائمة (11/34) . وسئلت اللجنة الدائمة (11/36) عن حكم الحج من نفقات الحاكم. فأجابت: يجوز لهم ذلك، وحجهم صحيح، لعموم الأدلة اهـ وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة أيضاً (11/37) : إذا حج الولد فرضه من مال أبيه فحجه صحيح اهـ. وقالت اللجنة الدائمة أيضاً (11/40) عمن فاز في مسابقة دينية وكانت جازتها الحج: يجزئ حجك، ويعتبر أداء الفريضة عن نفسك اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36841 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3880 هل يكثر من الطواف أم الصلاة في المسجد الحرام؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل الأفضل لمن كان بمكة أن يكثر من الصلاة في المسجد الحرام أم يكثر من الطواف؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصلاة في المسجد الحرام والطواف بالكعبة كلاهما له فضل عظيم، روى أحمد (14284) وابن ماجه (1406) عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (صَلاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلاةٍ فِيمَا سِوَاهُ) . قال الحافظ: رجال إسناده ثقات اهـ وصححه الألباني في إرواء الغليل (1129) . وروى الترمذي (959) عَنْ عبد الله بْن عُمَرَ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ أُسْبُوعًا (أي سبعة أشواط) فَأَحْصَاهُ كَانَ كَعِتْقِ رَقَبَةٍ، لا يَضَعُ قَدَمًا وَلا يَرْفَعُ أُخْرَى إِلا حَطَّ اللَّهُ عَنْهُ خَطِيئَةً وَكَتَبَ لَهُ بِهَا حَسَنَةً) . صححه الألباني في صحيح الترمذي. وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: هل الأحسن للمقيم بمكة الطواف بالبيت أم الصلاة؟ فأجاب: . . أما تفضيل الصلاة على الطواف أو الطواف على الصلاة فهذا محل نظر (أي فيه تفصيل) ، فقد ذكر جمع من أهل العلم أن الغريب الأفضل له أن يكثر من الطواف، لأن الصلاة يمكنه الإتيان بها في كل مكان، ولا تختص بالمسجد الحرام، أما الطواف فلا يحصل له الطواف إلا بمكة، وهو ليس مقيماً في مكة بل سوف يخرج ويبتعد عنها فاغتنامه الطواف أولى. أما المقيم بمكة فالصلاة له أفضل لأن جنس الصلاة أفضل من جنس الطواف، فإذا أكثر من الصلاة كان أفضل اهـ بتصرف. مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (16/367) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36636 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3881 فضل يوم النحر [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك مزايا خاصة لليوم العاشر من ذي الحجة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كان لهم يومان يلعبون فيهما، فقال: " إن الله قد أبدلكم يومين خيراً منهما، يوم الفطر، والأضحى " رواه أبو داود (1134) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2021) . فأبدل الله هذه الأمة بيومي اللعب واللهو يومي الذِّكر والشكر والمغفرة والعفو. ففي الدنيا للمؤمنين ثلاثة أعياد: عيدٌ يتكرر كلَّ أسبوع، وعيدان يأتيان في كل عام مرَّةً مرَّة، من غير تكرر في السنة. فأما العيد المتكرر كل أسبوع فهو يوم الجمعة. وأما العيدان اللذان لا يتكرران في العام، وإنما يأتي كلُّ واحدٍ منهما في العام مرةً واحدة. فأحدهما: عيد الفطر من صوم رمضان، وهو مرتب على إكمال صيام رمضان، وهو الركن الثالث من أركان الإسلام ومبانيه، فإذا استكمل المسلمون صيام شهرهم المفروض عليهم، شرع الله لهم عقيب إكمالهم لصيامهم عيداً يجتمعون فيه على شكر الله وذكره وتكبيره على ما هداهم له. وشرع لهم في ذلك العيد الصَّلاة والصَّدقة. والعيد الثاني: عيد النحر وهو اليوم العاشر من شهر ذي الحجة، وهو أكبر العيدين وأفضلهما، وهو مترتب على إكمال الحجِّ، فإذا أكمل المسلمون حجَّهم غُفر لهم. وإنما يكمُلُ الحجُّ بيوم عرفة والوقوف بعرفة؛ فإنه ركن الحجِّ الأعظم، كما قال صلى الله عليه وسلم: " الحج عرفة " رواه الترمذي (889) وصححه الألباني في إرواء الغليل (1064) . ويوم عرفة هو يوم العتق من النار، فيُعتق الله فيه من النار من وقف بعرفة ومن لم يقف بها من أهل الأمصار من المسلمين، فلذلك صار اليوم الذي يليه عيداً لجميع المسلمين في جميع أمصارهم، من شهد الموسم منهم ومن لم يشهده. وشُرع للجميع التقرُّب إليه بالنُّسُك، وهو إراقة دماء القرابين. وتتلخص فضائل هذا اليوم بما يلي: 1- أنه خير الأيام عند الله: قال ابن القيم – رحمه الله – في زاد المعاد (1/54) : " خير الأيام عند الله يوم النحر، وهو يوم الحج الأكبر كما في سنن أبي داود (1765) عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إن أعظم الأيام عند الله يوم النحر " وصححه الألباني في صحيح أبي داود. 2- أنه يوم الحج الأكبر.. فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ وَقَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ بَيْنَ الْجَمَرَاتِ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي حَجَّ وَقَالَ هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الأَكْبَرِ " رواه البخاري 1742 وذلك لأن معظم أعمال الحج تكون في هذا اليوم، ففيه يفعل الحجاج ما يلي: 1- رمي جمرة العقبة. 2- النحر. 3- الحلق أو التقصير. 4- الطواف. 5- السعي. 3- أنه يوم عيد المسلمين: قال صلى الله عليه وسلم: " يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب " رواه الترمذي (773) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36477 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3882 يخرج من منى نهارا ويعود إليها ليلاً أيام التشريق [السُّؤَالُ] ـ[أنا من أهل الرياض، وأريد الحج مع بعض الزملاء لي في جدة , وخلال أيام التشريق في منى أريد الذهاب إلى جدة للراحة والرجوع لمنى بالليل لأقضي معظم الليل في منى ما بين الساعة 10 إلى 4 صباحا. سؤالي: هل يجوز أن أذهب إلى جدة كل يوم أثناء أيام التشريق والرجوع إلى منى بالليل؟ وكم ساعة يجب أن أقضي من الليل في منى حتى أكون قد بت في منى؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: السنة للحاج أن يبقى في منى طوال اليوم، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم فإنه لم يخرج من منى إلا لطواف الإفاضة، ويجب عليه أن يبيت بمنى معظم الليل. ولا حرج عليه لو خرج من منى أثناء النهار إلى مكة أو غيرها، لاسيما إذا كان ذلك لعدم وجود مكان يجلس فيه. وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: شخص أفاض من عرفات ثم رمى الجمرة الأولى ثم طاف وسعى فجلس في منزله بمكة حتى العصر ثم رجع لمنى وذبح هديه، هل عليه شيء في هذا الجلوس؟ فأجاب: " لا حرج عليه في ذلك، فمن جلس في مكة في نهار يوم العيد أو في أيام التشريق في بيته، أو عند أصحابه فلا حرج عليه في ذلك، وإنما الأفضل البقاء في منى إذا تيسر ذلك، تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، فإذا لم يتيسر له ذلك أو شق عليه ذلك ودخل مكة وأقام بها في النهار ثم رجع في الليل لمنى وبات فيها فلا بأس بهذا ولا حرج " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (17/365) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن بعض الحجاج من سكان العزيزية ينزلون إلى مساكنهم في النهار أيام التشريق. فأجاب: " الذي أرى أنه لا ينبغي لساكن العزيزية أن ينزل إلى بيته بالنهار، فمن السنة بلا شك أن يبقى في الخيمة بمنى؛ لأن الحج نوع من الجهاد في سبيل الله عز وجل كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها عندما قالت: هل على النساء جهاد؟ فقال: (نعم جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة) فالمشروع في حق الحاج أن يبقى ليلا ونهارا في منى " انتهى. وسئل رحمه الله أيضاً: هل الخروج في أيام التشريق إلى ما قرب من مكة كجدة مثلا غير مخلّ بالحج؟ فأجاب: " لا يخل بالحج، ولكن الأفضل أن يبقى الإنسان ليلا ونهارا بمنى كما بقي النبي صلى الله عليه وسلم فيها ليلا ونهارا ". انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (23/241، 243) . ثانيا: ضابط المبيت بمنى: أن يبقى فيها الحاج أكثر من نصف الليل، وتحسب ساعات الليل من غروب الشمس إلى طلوع الفجر. وعليه: فتحسب الزمن من المغرب إلى الفجر، حسب التوقيت في منى، فإن كان جلوسك ست ساعات في منى هو أكثر من نصف الزمن، فقد أتيت بالواجب. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما مقدار مبيت الحاج في منى ليالي التشريق؟ فأجاب: ذكر العلماء رحمهم الله أن المبيت في منى يجب أن يكون معظم الليل، فإذا قدَّرنا أن الليل عشر ساعات فليكن خمس ساعات ونصف كلها في منى، وما زاد على ذلك فهو سنة " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (23/244) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36244 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3883 الحج بمال حرام [السُّؤَالُ] ـ[زوجتي كانت تعمل بوظيفة بائعة في محل للألبسة النسائية المحرمة شرعاً، ولكن الحمد لله تركت العمل. وطبيعي أن يكون لها من المستحقات المالية علي فترة العمل السابقة، وبهذا المبلغ اتفقنا أنا وزوجتي وبرضاها وموافقتها أن نوفره لمصاريف الحج لأبي وأمي علي الرغم أن أبي حج من قبل لكن أمي لم تحج، لكن هم في سن كبير الآن فهل يجوز ذلك أم الأولى أن نحج أنا وزوجتي. مع العلم أنه أنا وزوجتي نرغب بالحج العام الذي يليه إن شاء الله. ومع العلم أيضا أنه لا توجد لدينا أي مدخرات مالية سوي هذا المبلغ فهل يجوز أصلا أن نستغل هذا المبلغ للحج في أي الحالتين. أرجو الإفادة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الواجب على من أراد الحج أَنْ تكون نفقته حلالاً طيبةً ; لِأَنَّ الْحَلَالَ يُعِينُ عَلَى الطَّاعَةِ، وَيُكَسِّلُ عَنْ الْمَعْصِيَةِ. ويُخشى على من حج بمال حرام ألا يتقبل الله تعالى حجه، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلا طَيِّبًا) رواه مسلم (1015) . (قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ رحمه الله: وَاعْلَمْ أَنَّ عِمَادَ الدِّينِ وَقِوَامَهُ هُوَ طِيبُ الْمَطْعَمِ، فَمَنْ طَابَ مَكْسَبُهُ زَكَا عَمَلُهُ، وَمَنْ لَمْ يُصَحِّحْ طيبَ مَكْسَبِهِ خِيفَ عَلَيْهِ أَنْ لا تُقْبَلَ صَلاتُهُ وَصِيَامُهُ وَحَجُّهُ وَجِهَادُهُ وَجَمِيعُ عَمَلِهِ ; لأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ: (إنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ) . وَنَظَرَ عُمَرُ إلَى الْمُصَلِّينَ فَقَالَ: لا يَغُرُّنِي كَثْرَةُ رَفْعِ أَحَدِكُمْ رَأْسَهِ وَخَفْضِهِ، الدِّينُ الْوَرَعُ فِي دِينِ اللَّهِ، وَالْكَفُّ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ، وَالْعَمَلُ بِحَلالِ اللَّهِ وَحَرَامِهِ. وقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَفْضَلُ الْحُجَّاجِ أَخْلَصُهُمْ نِيَّةً، وَأَزْكَاهُمْ نَفَقَةً، وَأَحْسَنُهُمْ يَقِينًا) اهـ من "المدخل" (4/210) لابن الحاجب المالكي. وَيُرْوَى لِبَعْضِ الأَئِمَّةِ: إذَا حَجَجْت بِمَالٍ أَصْلُهُ سُحْتٌ فَمَا حَجَجْت وَلَكِنْ حَجَّتْ الْعِيرُ لا يَقْبَلُ اللَّهُ إلا كُلَّ طَيِّبَةٍ مَا كُلُّ مَنْ حَجَّ بَيْتَ اللَّهِ مَبْرُورُ. و (العير) الدابة التي يركبها الحاج. (أي: الجمل) . وفي "مواهب الجليل شرح مختصر خليل" (2/530) : مَنْ حَجَّ بِمَالٍ حَرَامٍ فَحَجُّهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَذَلِكَ لِفِقْدَانِ شَرْطِ الْقَبُولِ، لقوله تعالى: (إنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ) . . . وَقَدْ أَشَارَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى عَدَمِ الْقَبُولِ مِنْهُمْ الْغَزَالِيُّ وَالْقَرَافِيُّ وَالْقُرْطُبِيُّ وَالنَّوَوِيُّ وَنَقَلَهُ الْغَزَالِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَكَفَى بِهِ حَجَّةً. وَقال الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ رُشَيْدٍ الْبَغْدَادِيُّ فِي قَصِيدَتِهِ الَّتِي فِي الْمَنَاسِكِ الْمُسَمَّاةِ بِالذَّهَبِيَّةِ: وَحُجَّ بِمَالٍ مِنْ حَلَالٍ عَرَفْتَهُ وَإِيَّاكَ وَالْمَالَ الْحَرَامَ وَإِيَّاهُ فَمَنْ كَانَ بِالْمَالِ الْمُحَرَّمِ حَجُّهُ فَعَنْ حَجِّهِ وَاَللَّهِ مَا كَانَ أَغْنَاهُ إذَا هُوَ لَبَّى اللَّهَ كَانَ جَوَابُهُ مِنْ اللَّهِ لا لَبَّيْكَ حَجٌّ رَدَدْنَاهُ اهـ باختصار. ثانياً: لا يجوز الانتفاع بالمال الحرام، والتوبة منه تكون بالتخلص منه وإنفاقه في وجوه الخير. وإنفاقك هذا المال على أبيك وأمك فيه انتفاع لك بهذا المال لأنه مقابل النفقة الواجبة وهذا غير جائز. ثالثاً: إذا لم يكن عندك من المال الحلال ما تحج به أنت وزوجتك فانتظر حتى تكتسب مالاً حلالاً تحج به لقول الله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) آل عمران / 98. فإذا رزقكما لله رزقا حلالاً طيباً فعليكما المبادرة بالحج. نسأل الله تعالى أن يتقبل منا منكم، ويعيننا على التوبة النصوح. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 34517 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3884 صفة العمرة [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أعرف صفة العمرة بالتفصيل.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله العبادة لا تكون مقبولة عند الله تعالى إلا إذا توفر فيها شرطان، وهما: الأول: الإخلاص لله عز وجل، بأن يقصد بها وجه الله والدار الآخرة، لا يقصد بها رياءً ولا سمعة ولا حظاً من الدنيا. الثاني: اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فيها قولا وعملا. واتباع النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن تحقيقه إلا بمعرفة سنته صلى الله عليه وسلم. لذلك فالواجب على من أراد أن يتعبد لله تعالى بعبادة –سواء كانت العمرة أو الحج أو غيرهما- أن يتعلم هدي النبي صلى الله عليه وسلم فيها؛ حتى يكون عمله موافقاً للسنة. وسنلخص في هذه الأسطر صفة العمرة كما وردت في السنة. والعمرة تتكون من أربعة أشياء وهي: الإحرام، والطواف بالبيت الحرام، والسعي بين الصفا والمروة، والحلق أو التقصير. أولاً: الإحرام الإحرام هو نية الدخول في النسك –الحج أو العمرة-. إذا أراد أن يحرم فالسنة أن يتجرد من ثيابه ويغتسل كما يغتسل للجنابة، ويتطيب بأطيب ما يجد من مسك أو غيره، في رأسه ولحيته، ولا يضره بقاء ذلك بعد الإحرام لما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يحرم تطيب بأطيب ما يجد، ثم أرى وبيص المسك في رأسه ولحيته بعد ذلك. رواه البخاري (271) ومسلم (1190) . والوبيص هو البريق واللمعان. والاغتسال عند الإحرام سنة في حق الرجال والنساء، حتى النفساء والحائض لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أسماء بنت عميس حين نفست أن تغتسل عند إحرامها وتستثفر بثوب وتحرم. رواه مسلم (1209) . ثم بعد الاغتسال والتطيب يلبس ثياب الإحرام، ثم يصلي غير الحائض والنفساء الفريضة إن كان في وقت فريضة، وإلا صلى ركعتين ينوي بهما سنة الوضوء، فإذا فرغ من الصلاة استقبل القبلة وأحرم، وله أن يؤخر الإحرام حتى يركب دابته (سيارته) ويستعد للمسير، فيحرم قبل انطلاقه من الميقات إلى مكة. ثم يقول: لبيك اللهم بعمرة. ثم يلبي بما لبى النبي صلى الله عليه وسلم به وهو: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك) ، وكان من تلبيته صلى الله عليه وسلم: (لبيك إله الحق) ، وكان ابن عمر يزيد في التلبية: (لبيك وسعديك، والخير بيديك، والرغباء إليك والعمل) . يرفع الرجل صوته بذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي ومن معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية) صححه الألباني في صحيح أبي داوود (1599) ، وقوله صلى الله عليه وسلم: (أفضل الحج العجُّ والثج) حسنه الألباني في صحيح الجامع (1112) . والعج رفع الصوت بالتلبية، والثج سيلان دماء الهدي. والمرأة تقول بقدر ما يسمع من بجنبها، إلا أن يكون بجانبها رجل ليس من محارمها فإنها تلبي سراً. وإذا كان من يريد الإحرام خائفا من عائق يعوقه عن إتمام نسكه (كمرض أو عدو أو حبس أو غير ذلك) فإنه ينبغي أن يشترط عند الإحرام فيقول: إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني - أي: إن منعني مانع من إتمام نسكي من مرض أو تأخر أو غيرهما فإني أحل من إحرامي - لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ضباعة بنت الزبير حين أرادت الإحرام وهي مريضة أن تشترط وقال: إن لك على ربك ما استثنيت. رواه البخاري (5089) ومسلم (1207) . فمتى اشترط وحصل له ما يمنعه من إتمام نسكه فإنه يحل من إحرامه ولا شيء عليه. وأما من لا يخاف من عائق يعوقه عن إتمام نسكه فإنه لا ينبغي له أن يشترط لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشترط ولم يأمر بالاشتراط كل أحد، وإنما أمر به ضباعة بنت الزبير لوجود المرض بها. وينبغي للمحرم أن يكثر من التلبية خصوصا عند تغير الأحوال والأزمان، مثل أن يعلو مرتفعا أو ينزل منخفضا أو يقبل الليل أو النهار، وأن يسأل الله بعدها رضوانه والجنة، ويستعيذ برحمته من النار. والتلبية مشروعة في العمرة من الإحرام إلى أن يبدأ في الطواف، فإذا بدأ في الطواف قطع التلبية. الاغتسال لدخول مكة وينبغي إذا قرب من مكة أن يغتسل لدخولها إن تيسر له ذلك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل عند دخوله مكة. رواه مسلم (1259) . ثانياً: الطواف فإذا دخل المسجد الحرام قدم رجله اليمنى وقال: بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك، أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وبسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، ثم يتقدم إلى الحجر الأسود ليبتدئ الطواف فيستلم الحجر بيده اليمنى ويقبله، فإن لم يتيسر تقبيله استلمه بيده وقَبَّل يده (والاستلام هو مسح الحجر بيده) فإن لم يتيسر استلامه بيده فإنه يستقبل الحجر ويشير إليه بيده ويكبر، ولا يقبل يده. وفي استلام الحجر الأسود فضل كبير؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ليبعثن الله الحجر يوم القيامة وله عينان يبصر بهما، ولسان ينطق به، يشهد على من استلمه بحق) صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1144) . والأفضل أن لا يزاحم فيؤذي الناس ويتأذى بهم، لما في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أه قال لعمر: (يا عمر إنك رجل قوي لا تزاحم على الحجر فتؤذي الضعيف، إن وجدت خلوة فاستلمه، وإلا فاستقبله وكبر) رواه أحمد (191) وقواه الألباني في رسالة مناسك الحج والعمرة ص 21. ثم يأخذ ذات اليمين ويجعل البيت عن يساره فإذا بلغ الركن اليماني (وهو ثالث الأركان بعد الحجر الأسود) استلمه من غير تقبيل ولا تكبير، فإن لم يتيسر له استلامه انصرف، ولا يزاحم عليه. ويقول بين الركن اليماني والحجر الأسود: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) رواه أبو داوود وحسنه الألباني في صحيح أبي داوود (1666) . وكلما مر بالحجر الأسود استقبله وكبر، ويقول في بقية طوافه ما أحب من ذكر ودعاء وقراءة قرآن فإنما جعل الطواف بالبيت لإقامة ذكر الله تعالى. وفي هذا الطواف ينبغي للرجل أن يفعل شيئين: أحدهما: الاضطباع من ابتداء الطواف إلى انتهائه , والاضطباع أن يكشف كتفه الأيمن بأن يجعل وسط ردائه تحت إبطه الأيمن وطرفيه على كتفه الأيسر فإذا فرغ من الطواف أعاد رداءه إلى حالته قبل الطواف، لأن الاضطباع محله الطواف فقط. والثاني: الرمل في الأشواط الثلاثة الأولى فقط، والرمل هو إسراع المشي مع مقاربة الخطوات، وأما الأشواط الأربعة الباقية فليس فيها رمل وإنما يمشي كعادته. فإذا أتم الطواف سبعة أشواط غطى كتفه الأيمن ثم يتقدم إلى مقام إبراهيم فيقرأ: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) ثم يصلي ركعتين خلف المقام يقرأ في الأولى بعد الفاتحة (قل يا أيها الكافرون) وفي الثانية (قل هو الله أحد) بعد الفاتحة. ثم إذا فرغ من الصلاة ذهب إلى الحجر الأسود واستلمه إن تيسر له، والمشروع هنا الاستلام فقط، فإن لم يتمكن من الاستلام انصرف ولا يشير إليه. ثالثاً: السعي ثم يخرج إلى المسعى فإذا دنا من الصفا قرأ: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) ويقول: (نبدأ بما بدأ الله به) ثم يرقى على الصفا حتى يرى الكعبة فيستقبلها ويرفع يديه فيحمد الله ويدعو بما شاء أن يدعو. وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم هنا: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. لا إله إلا الله وحده أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده) رواه مسلم (1218) . يكرر ذلك ثلاث مرات ويدعو بين ذلك. فيقول هذا الذكر ثم يدعو، ثم يقوله الثانية ثم يدعو، ثم يقوله الثالثة وينزل إلى المروة ولا يدعو بعد الثالثة. فإذا بلغ العلم الأخضر ركض ركضا شديدا بقدر ما يستطيع ولا يؤذي أحداً لما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم سعى بين الصفا والمروة وهو يقول: (لا يُقطع الأبطح إلا شَدًّا) أي: إلا عَدْواً. رواه ابن ماجه وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (2419) . والأبطح هم المسافة بين العلمين الأخضرين الموجودين الآن. فإذا بلغ العلم الأخضر الثاني مشى كعادته حتى يصل إلى المروة فيرقى عليها ويستقبل القبلة ويرفع يديه ويقول ما قاله على الصفا، ثم ينزل من المروة إلى الصفا فيمشي في موضع مشيه ويسعى في موضع سعيه، فإذا وصل الصفا فعل كما فعل أول مرة، وهكذا المروة حتى يُكَمِّل سبعة أشواط , ذهابه من الصفا إلى المروة شوط , ورجوعه من المروة إلى الصفا شوط آخر، ويقول في سعيه ما أحب من ذكر ودعاء وقراءة قرآن. تنبيه: قوله تعالى: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) يقولها من أراد السعي إذا اقترب من الصفا في بداية السعي فقط، ولا يستحب تكرارها كلما اقترب من الصفا والمروة كما يفعله بعض الناس. رابعاً: الحلق أو التقصير فإذا أتم سعيه سبعة أشواط حلق رأسه إن كان رجلاً، أو قصر من شعره. ويجب أن يكون الحلق شاملا لجميع الرأس، وكذلك التقصير يعم به جميع جهات الرأس، والحلق أفضل من التقصير لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا للمحلقين ثلاثا وللمقصرين مرة. رواه مسلم (1303) . وأما المرأة فإنها تُقصِّر من شعرها بمقدار أنملة. وبهذه الأعمال تمت العمرة فتكون العمرة: الإحرام والطواف والسعي والحلق أو التقصير. نسأل الله تعالى أن يوفقنا لصالح الأعمال، وأن يتقبل منا إنه قريب مجيب. انظر كتاب مناسك الحج والعمرة للألباني، وكتاب صفة الحج والعمرة وكتاب المنهج لمريد العمرة والحج لابن عثيمين رحم الله الجميع. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 31819 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3885 تاريخ الحج [السُّؤَالُ] ـ[أريد منكم أن تخبروني عن تاريخ الحج ومشاعرها؟ مثالاً على ذلك أن المسلمون يسعون بين الصفا والمروة هي ما فعلته هاجر أما عن الباقي فلا أدري فأرجو إفادتي كرمي الجمار والطواف والوقوف بعرفة وشرب ماء زمزم والمبيت بمنى ومزدلفة وذبح الهدي ... الخ. ولكم جزيل الشكر.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فمن المجمع عليه بين أهل الإسلام قاطبة قديماً وحديثاً، سلفاً وخلفا، أن الحج إلى بيت الله الحرام أحد أركان الإسلام الخمس كما ثبت ذلك في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما وغيره. ومن المعروف أن الحج كسائر العبادات، له أعمال خاصة به، وكل عمل من هذه الأعمال له هيئة يجب أن تؤتى على وجهها الصحيح، كالإحرام من الميقات، والطواف، والسعي بين الصفا والمروة، والوقوف بعرفة، والمبيت بمزدلفة، ومن رمي الجمار والذبح، إلى غير ذلك من أعمال الحج المعروفة، فالواجب في هذه الأعمال أن تؤدى وفق هدي النبي صلى الله عليه وسلم , والأحاديث التي تبين صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة جدا , وقد توسع الإمام ابن القيم في "زاد المعاد" والحافظ ابن كثير في كتابه "البداية والنهاية" في جمع هذه الأحاديث , وبيان ما تدل عليه وتفيده من أحكام، وعلى المسلم أن يهتم بمعرفة هذه الأحكام والعمل بها. ثم ليعلم أن المقصود الأساسي من أعمال الحج إقامة ذكر الله تعالى , كما قال تعالى: (فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ. ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) ... إلى أن قال تعالى: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) البقرة / 198- 203. وجاء عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: إنما جعل الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله عز وجل. علقه البيهقي (5/145) , وروي مرفوعا وفيه ضعف. والمسلم إنما يعظم مشاعر الحج لأن الله عز وجل أمره بتعظيمها، كما قال تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) الحج / 32، وروى البخاري (1610) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قبل الحجر الأسود وقال: لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك. يقول ابن الجوزي رحمه الله تعالى وهو في معرض كلامه عن أعمال الحج وشرحها وبسط الكلام عنها: «ثم زالت تلك الأشياء وبقيت آثارها وأحكامها وربما أشكلت هذه الأمور على من يرى صورها ولا يعرف أسبابها فيقول: هذا لا معنى له، فقد بينت لك الأسباب من حيث النقل، وها أنا أمهد لك من المعنى قاعدة تبنى عليها ما جاءك من هذا. اعلم أن أصل العبادة معقول، وهو ذل العبد لمولاه بطاعته، فإن الصلاة فيها من التواضع والذل ما يفهم منه التعبد. وفي الزكاة إرفاق ومواساة يفهم معناه. وفي الصوم كسر شهوة النفس لتنقاد طائعة إلى مخدومها. وفي تشريف البيت ونصبه مقصداً وجعل ما حوله حرماً تفخيماً له، وإقبال الخلق شعثاً غبراً كإقبال العبد إلى مولاه ذليلاً معتذراً أمر مفهوم، والنفس تأنس من التعبد بما تفهمه، فيكون ميل الطبع إليه مُعيناً على فعله وباعثا، فوظفت لها وظائف لا يفهمها، ليتم انقيادها كالسعي والرمي، فإنه لا حظ في ذلك للنفس، ولا أُنس فيه للطبع، ولا يهتدي العقل إلى معناه، فلا يكون الباعث إلى امتثال الأمر فيه سوى مجرد الأمر والانقياد المحض، وبهذا الإيضاح تعرف أسرار العبادات الغامضة» اهـ. انظر: مثير العزم الساكن (1/285-286) . إذا تبين هذا فإن الكثير من تاريخ أعمال الحج قبل الرسول الله صلى الله عليه وسلم غير معلوم لنا , وهذه الأمور لا يضر الجهل بها , وهناك بعض الأمور وردت الإشارة إلى شيء من تاريخها في بعض النصوص، ونذكر هنا شيئا من ذلك: 1- متى فرض الحج؟ أو: متى كان بدء الحج؟ يقول تعالى ? وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ? الحج / 27. يقول ابن كثير في تفسيره (3/221) لهذه الآية «أي نادِ (يا إبراهيم) في الناس بالحج، داعيا لهم إلى الحج إلى هذا البيت الذي أمرناك ببنائه، فذكر أنه قال: " يا رب كيف أبلغ الناس وصوتي لا ينفذهم؟ " فقال: " نادِ وعلينا البلاغ " فقام على مقامه، وقيل على الحجر، وقيل على الصفا، وقيل على أبي قبيس، وقال: " يا أيها الناس إن ربكم قد اتخذ بيتاً فحجوه " فيقال إن الجبال تواضعت حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض، وأسمع من في الأرحام والأصلاب، وأجابه كل شيء سمعه من حجر ومدر وشجر، ومن كتب اله أنه يحج إلى يوم القيامة، ليبك اللهم لبيك، هذا مضمون ما ورد عن ابن عباس، ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وغير واحد من السلف والله أعلم.» أ. هـ. ونقل ابن الجوزي في كتابه " مثير العزم الساكن (1/354) نحواً من ذلك مختصراً وعزاه إلى أهل السير. هذا عن تاريخ فرض الحج قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، أما عن تاريخ فرض الحج في الإسلام فقد اختلف فيه، فقيل: فرض سنة ست، وقيل سنة سبع، وقيل سنة تسع، وقيل سنة عشر، وجزم الإمام ابن القيم رحمه الله بأن فرضه كان في العام التاسع أو العاشر، قال رحمه الله تعالى: في زاد المعاد: «لا خلاف أنه لم يحج - أي النبي صلى الله عليه وسلم - بعد هجرته إلى المدينة سوى حجة واحدة وهي حجة الوداع، ولا خلاف أنها كانت سنة عشر ... ولما نزل فرض الحج بادر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحج من غير تأخير، فإن فرض الحج تأخر إلى سنة تسع أو عشر ... فإن قيل: فمن أين لكم تأخير نزول فرضه إلى التاسعة أو العاشرة؟ قيل: لأن صدر سورة آل عمران نزل عام الوفود، وفيه قدم وفد نجران على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصالحهم على أداء الجزية، والجزية إنما نزلت عام تبوك سنة تسع، وفيها نزل صدر سورة آل عمران ... » أ. هـ. قال القرطبي في تفسيره (2/4/92) : «وقد كان الحج معلوماً عند العرب مشهوراً لديهم؛ فلما جاء الإسلام خوطبوا بما علموا وألزموا بما عرفوا.» وانظر كذلك أحكام القرآن لابن العربي (1/286) . انظر السؤال رقم (32662) 2- الطواف بالبيت: قال تعالى: (وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ) البقرة / 125 , وهذه الآية تفيد أن الطواف بالبيت كان على عهد إبراهيم عليه السلام. 3- الرمل. والرمل هو الإسراع في المشي مع تقارب الخطى. وهو سنة للرجال دون النساء في طواف القدوم وهو أول طواف يطوفه إذا قدم مكة. - كيف كان بدء الرمل؟ أخرج البخاري في صحيحه (2/469-470) (1602) ومسلم (2/991-992) (1262) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقال المشركون: إنه يقدم عليكم قوم قد وهنتهم حُمى يثرب. فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا الأشواط الثلاثة ... ) . وفي رواية زيادة: (قال: ارملوا ليرى المشركون قوتكم ... ) . 4- ماء زمزم والسعي بين الصفا والمروة. أخرج البخاري في صحيحه (6/396-397) (3364) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء إبراهيم بهاجر وابنها إسماعيل - وهي ترضعه - حتى وضعها عند البيت، عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء، فوضعها هنالك، ووضع عندهما جراباً فيه تمرٌ، وسقاءً فيه ماءً. ثم قضى - أي رجع - إبراهيم منطلقا، فتبعته أم إسماعيل فقالت: يا إبراهيم! أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء، فقالت له ذلك مراراً، وجعل لا يلتفت إليها، فقالت له: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذن لا يضيعنا. ثم رجعت، فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت ثم دعا بهؤلاء الكلمات ورفع يديه فقال: (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون) إبراهيم / 37. وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل، وتشرب من ذلك الماء، حتى إذا نفد ما في السقاء عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى - أو قال: يتلبط - فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبل من الأرض يليها، فقامت عليه، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحداً، فلم تر أحداً فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها، ثم سعت سعي الإنسان المجهود؛ حتى جاوزت الوادي. ثم أتت المروة، فقامت عليها فنظرت هل ترى أحداً، فلم تر أحداً، ففعلت ذلك سبع مرات. قال ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم (فذلك سعى الناس بينهما) فلما أشرفت على المروة سمعت صوتاً فقالت: صه - تريد نفسها - ثم تسمعت أيضا فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث، فإذا هي بالملك عند موضع زمزم، فبحث بعقبه - أو قال: بجناحه - حتى ظهر الماء، فجعلت تحوضه وتقول بيديها هكذا، وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعدما تغرف قال ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: يرحم الله أم إسماعيل، لو تركت زمزم - أو قال: لو لم تغرف من الماء - لكانت زمزم عينا معينا. قال: فقال لها الملك، لا تخافوا الضيعة، فإن ها هنا بيت الله يبنيه هذا الغلام وأبوه، وإن الله لا يضيع أهله ... ) الحديث. قال ابن الجوزي في كتابه " مثير العزم الساكن " (2/47) : " وهذا الحديث قد بان فيه معنى تسميتها بزمزم، فإن الماء لما فاض زمته هاجر، قال ابن فارس اللغوي: زمزم من قولك زممت الناقة، إذا جعلت لها زماماً تحبسها به) اهـ. 5- الوقوف بعرفة: روى أبو داود والترمذي (883) من حديث يزيد بن شيبان قال: كنا وقوفا بعرفة مكانا بعيدا من الموقف , فأتانا ابن مِربع الأنصاري , فقال: إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم يقول لكم: " كونوا على مشاعركم , فإنكم على إرث من إرث أبيكم إبراهيم " وصححه الألباني في "صحيح أبي داود " (1688) . والكثير من أعمال الحج كان على عهد إبراهيم عليه السلام , ولكن المشركين ابتدعوا بعض الأمور التي لم تكن مشروعة , فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم , خالفهم في ذلك وين المشروع من أعمال الحج. فهذه نبذة يسيرة عن تاريخ الحج وتاريخ بعض مشاعره، وللزيادة يمكنك الرجوع إلى كتاب الحافظ ابن الجوزي رحمه الله المسمى بـ " مثير العزم الساكن إلى أشرف الأماكن " المجلد الأول منه كاملاً مع بداية المجلد الثاني. وبإمكان السائل مراجعة السؤال رقم (3748) لمعرفة نبذة عن تاريخ المسجد الحرام. والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 30897 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3886 سبب جعل الكعبة عن يسار الطائفين [السُّؤَالُ] ـ[أود أن أعرف مغزى الطواف حول الكعبة المشرفة والغرض منه، ولم جُعِلت الكعبة عن يسار الطائف؟ وهل الطواف في مكة فقط أم أنه يتم يومياً أيضاً؟ أشكركم جزيل الشكر على أية معلومات يمكن أن توافوني بها.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله االسبب الأساس لجعل الكعبة عن يسار الطائف والدوران حولها هو اتباع النبي صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: (وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون) ، وقال عزّ وجلّ: (قل إن كنتم تحبّون الله فاتبّعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم) . وقال النبي صلى الله عليه وسلم في شأن أعمال الحجّ والعمرة: " لتأخذوا عني مناسككم " رواه مسلم/1297 ويكفي هذا سببا للمسلم ليطوف في هذا الاتجّاه المعيّن ولسنا بحاجة إلى أسباب أخرى كربط ذلك بحركة الأفلاك أو النجوم أو دوران الكواكب وغير ذلك لأنّ من طبيعة المسلم الإيمان والتسليم والتنفيذ لكلّ ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم فإذا عرف سببا أو حكمة فالحمد لله وإلاّ فهو مستسلم لأمر الله ورسوله مأجور على الاتّباع والتنفيذ. وهذا الدوران خاصّ بالكعبة ولا يُفعل في غيرها تعبدّا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 481 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3887 هل يمكن إرسال شخص للحج عن المتوفى بدلا من ابنه [السُّؤَالُ] ـ[تُوفي والدي في العام الماضي. وكان ينوي أداء الحج هذا العام. فهل يمكن أن أرسل شخصا آخر ليحج عنه؟ وهل يجب أن يكون هذا الشخص من الأقارب؟ ماذا عن التضحية (القربان) الذي يُؤدى وقت الحج، هل يجب أن يكون باسم والدي أم باسم الشخص الموكل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا مات المسلم بعد القدرة على الحج، فعلى وارثه أن يحج عنه بنفسه، أو يوكل من يحج عنه من مال الميت لأنه دينٌ عليه، وهو أحقُّ بالقضاء ولايلزم أن يكون الوكيل من الأقارب، والهدي _ القربان _ الذي يُؤدى وقت الحج يكون باسم الوالد المتوفى لا بإسم المُوكَّل، إذا كان من مستلزمات الحج، وإن كان الحج إفراداً فلا هدي (واجبا) إلا إذا ارتكب المُوكَّل محظوراً فيه الفدية، فعليه الفدية. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد الكريم الخضير الحديث: 9124 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3888 وضع مزيل العرق المعطر أثناء الإحرام جاهلا بالحكم [السُّؤَالُ] ـ[اعتمرت ولله الحمد - اسأل الله القبول - لكني قبل أن أحل إحرامي وضعت مزيلاً للعرق وهو معطر، جهلاً مني بحكم ذلك فهل علي شيء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز للمحرم استعمال الطيب في بدنه أو ملابسه؛ لحديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْا أَنَّ رَجُلًا وَقَصَهُ بَعِيرُهُ وَنَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلَا تُمِسُّوهُ طِيبًا، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا) رواه البخاري (1267) ومسلم (1206) . قال ابن قدامة رحمه الله: "أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من الطيب" انتهى. "المغني" (3/147) . ويدخل في الطيب الممنوع على المحرم: مزيل العرق المعطر. ولكن من فعل ذلك ناسياً أو جاهلاً فلا شيء عليه؛ لقوله تعالى: (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) البقرة/286، وقوله تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الأحزاب/5. وينظر جواب السؤال رقم (49026) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131005 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3889 أقام في مكة ستة أشهر بعد الحج ثم سافر إلى المدينة، فهل عليه وداع؟ [السُّؤَالُ] ـ[حججت هذا العام وأكملت جميع فرائض الحج، ولكن بدون طواف الوداع، علما بأنني من سكان مكة لأنني بقيت بها ستة أشهر وتركت طواف الوداع مجبرا نظرا لارتباطي مع الكفيل بعمل، والذي نقلت إلى المدينة المنورة فجأة. فما الحكم في ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كنت من أهل مكة – كما ذكرت – وأقمت في مكة بعد انتهاء الحج فليس عليك طواف وداع , فإذا أردت أن تسافر من مكة لزمك أن تطوف. قال النووي رحمه الله: " قال أصحابنا: من فرغ من مناسكه، وأراد المقام بمكة، ليس عليه طواف الوداع، وهذا لا خلاف فيه، سواء كان من أهلها، أو غريبا، وإن أراد الخروج من مكة إلى وطنه أو غيره طاف للوداع " المجموع 8/254 ". وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "إذا كان الرجل من أهل مكة، وحج وسافر بعد الحج، فليطف للوداع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ينفرن أحدكم حتى يكون آخر عهده بالبيت) مسلم 1327، وهذا عام، فنقول لهذا المكي: ما دمت سافرت في أيام الحج، وقد حججت، فلا تسافر حتى تطوف" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/339) . فعلى هذا؛ كان يلزمك أن تطوف للوداع قبل السفر إلى المدينة، فإن كنت لم تطف فالواجب عليك أن تذبح شاة في مكة وتوزعها على المساكين. قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: "من ترك طواف الوداع أو شوطاً منه فعليه دم يذبح في مكة ويوزع على فقرائها" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (16/158) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120714 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3890 من فعل شيئا من المحظورات، جاهلا بما يترتب عليها [السُّؤَالُ] ـ[ما الحكم فيمن ارتكب شيئا من محظورات الإحرام، وهو جاهل ما يجب عليه من الكفارة إذا فعل هذا المحظور؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: ينبغي أن ننبه هنا إلى أن جهل كثير من الحجاج والمعتمرين بأحكام المناسك، هو الذي يوقعهم في ارتكاب المحظورات، أو أداء العبادة على غير الصفة المطلوبة منه؛ فترى الواحد منهم أنفق أموالا كثيرة، خاصة إذا كان يأتي من دول بعيدة ثم أهدر أجره، أو نقصه بسبب جهله بما يجب عليه من أحكام. فلذلك كان الواجب على من أراد أن يؤدي المناسك أن يتعلم أحكامها قبل الشروع فيها. وقد جاء عن أنس، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) رواه ابن ماجة وغيره، وصححه الألباني في تخريج مشكلة الفقر؛ قال الإمام أحمد: معناه أن يلزمه طلب علم ما يحتاج إليه، من وضوئه، وصلاته، وزكاته، إن كان له مال، وكذلك الحج وغيره. جامع بيان العلم، لابن عبد البر 1/52، وقال الحسن بن شقيق: سألت عبد الله بن المبارك: ما الذي يجب على الناس من تعلم العلم؟ قال: أن لا يقدم الرجل على الشيء إلا بعلم؛ يسأل ويتعلم، فهذا الذي يجب على الناس من تعلم العلم.. الفقيه والمتفقه، للبغدادي /45، ولهذا بوب الإمام البخاري، رحمه الله، في صحيحه: (باب العلم قبل القول والعمل) . وليس معنى ذلك أنه يجب على كل أحد أن يحفظ كتابا من كتب المناسك، عن ظهر قلب، بل الواجب على كل مسلم أن يتعلم من ذلك ما يناسب حاله، إما بنفسه، إن كان عنده أهلية ذلك، أو بسؤال أهل العلم، أو بصحبة من يدله على أحكام المناسك، ويعرفه بالواجب عليه، كلما احتاج. وأما محظورات الإحرام فقد سبق بيانها في السؤال [11356] . لكن من فعل شيئا من هذه المحظورات جاهلا بأن الله، تعالى، حرم عليه ذلك في حال الإحرام، فلا شيء عليه؛ قال الله تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الأحزاب/5. لكن إن كان يعلم أن الفعل الذي فعله محظور من محظورات الإحرام، التي يحرم عليه فعلها ما دام محرما، لكنه لم يظن أن تترتب عليه كل هذه الأحكام فقد قال الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله: (هذا ليس بعذر؛ لأن العذر أن يكون الإنسان جاهلا بالحكم، لا يدري أن هذا الشيء حرام، وأما الجهل بما يترتب على الفعل، فليس بعذر، ولذلك لو أن رجلا محصنا يعلم أن الزنا حرام، وهو بالغ عاقل، وقد تمت شروط الإحصان في حقه، لوجب عليه الرجم، ولو قال: أنا لم أعلم أن الحد هو الرجم، ولو علمت أن الحد هو الرجم ما فعلت، قلنا له هذا ليس بعذر، فعليك الرجم، وإن كنت لا تدري ما عقوبة الزنى، ولهذا لما جاء الرجل الذي جامع في نهار رمضان يستفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ماذا يجب عليه، ألزمه النبي صلى الله عليه وسلم بالكفارة، مع أنه كان حين جماعه جاهلا بما يجب عليه، فدل ذلك على أن الإنسان إذا تجرأ على المعصية، وانتهك حرمات الله، عز وجل، ترتب عليه آثار تلك المعصية، وإن كان لا يعلم بآثارها حين فعلها.) الفتاوى 22/173-174. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49026 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3891 يسأل عن التخيير في الفدية [السُّؤَالُ] ـ[بعض الناس يظن أنه حين يقع في شيء من محظورات الإحرام، فالواجب عليه دم، أو صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين، وله أن يختار من هذه الثلاثة ما يشاء.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يحرم على المحرم بحج أو عمرة حلق الشعر، وقلم الأظفار، وتغطية الرأس بما يلاصقها، ولبس المخيط للرجل، والبرقع والقفازين للمرأة، والطيب في البدن أو الثوب، وقتل الصيد، وعقد النكاح، والجماع ومقدماته. [راجع السؤال 11356] فإذا وقع المحرم في شيء من هذه المحظورات، فإنه لا يخلو من أحوال: (الأولى: أن يفعله ناسيا، أو جاهلا، أو مكرها، أو نائما، فلا شيء عليه. الثانية: أن يفعله عمدا، ولكن لعذر يبيح فعل المحظور، فلا إثم عليه، ويلزمه فدية ذلك المحظور، ويأتي بيانها. الثالثة: أن يفعله عمدا بلا عذر، فهو آثم، وفديته على أقسام: القسم الأول: ما ليس فيه فدية، وهو عقد النكاح. القسم الثاني: ما فديته بَدَنة (بعير) ، وهو الجماع في الحج قبل التحلل الأول. القسم الثالث: ما فديته صيام ثلاثة أيام، إن شاء متوالية، وإن شاء متفرقة، أو ذبح شاة مما يجزئ في الأضحية، أو ما يقوم مقامه من سُبع بدنة، أو سُبع بقرة، ويفرق اللحم على الفقراء، ولا يأكل منه شيئا، أو إطعام ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع مما يطعم. فهو مخير بين هذه الأشياء الثلاثة في إزالة الشعر والظفر، والطيب، والمباشرة لشهوة [يعني مباشرة المرأة من غير جماع] ، ولبس القفازين، وانتقاب المرأة، ولبس الذكر المخيطَ، وتغطية رأسه. القسم الرابع: ما فديته جزاؤه، أو ما يقوم مقامه، وهو قتل الصيد؛ فإن كان للصيد مثل خير بين ثلاثة أشياء: 1- إما ذبح المثل، وتفريق لحمه على فقراء الحرم. 2- أن ينظر كم يساوي المثل، ويخرج ما يقابل قيمته طعاما يفرق على المساكين، لكل مسكين نصف صاع. 3- أن يصوم عن إطعام كل مسكين يوما. أما إذا لم يكن للصيد مثل، فإنه يخير بين شيئين: 1- أن ينظر كم يساوي الصيد المقتول، ويخرج ما يقابلها طعاما، يفرقه على المساكين، لكل مسكين نصف صاع. 2- أن يصوم عن إطعام كل مسكين يوما) [فتاوى الشيخ ابن عثيمين 22/205-206) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49027 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3892 حكم صيام النّفل بنيّة القضاء [السُّؤَالُ] ـ[إذا كانت المسلمة متعودة على صيام الإثنين والخميس، فهل يجوز لها أن تستغل صيامها لتلك الأيام لقضاء ما فاتها من شهر رمضان؟ أم أن النية يجب أن تكون منفصلة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا بأس في صيام يومي الاثنين والخميس لقضاء ما فاتها من الأيام في شهر رمضان بشرط أن يكون الصيام بنيّة القضاء،.. ولعلّها تدرك الأجرين معاً أجر القضاء، وأجر النافلة وفضل الله واسع، وعلى فرض أنها لا تدرك إلا القضاء فإن القضاء أفضل من النفل. وأما إذا نوت بصيامها التطوع، ولم تنو القضاء فإنه لا يسقط بها الفرض، وعليها أن تصوم الأيام التي أفطرتها من رمضان. والله أعلم وصلى الله على نبيّنا محمد وآله وصحبه. [الْمَصْدَرُ] كتاب فتاوى إسلامية ج/2 ص/149-150، فتاوى اللجنة الدائمة ج/10 ص/383. الحديث: 11784 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3893 مرض ولم يستطع أن يُحرم بثياب الإحرام [السُّؤَالُ] ـ[قد حج والدي في سنة ماضية، وكان مريضاً مرضاً شديداً ولم يقدر على لبس ثياب الإحرام فما الواجب عليه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا أحرم الحاج بملابسه لدعاء الحاجة إلى ذلك بسبب برد ومرض ونحو ذلك فهو مأذون له في ذلك شرعاً، والواجب عليه بالنسبة إلى لبس المخيط صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين؛ لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد، أو ذبح شاة تجزئ أضحية، وكذلك الحكم إذا غطى رأسه، ويجزئه الصيام في كل مكان، أما الإطعام والشاة فإن محلها الحرم المكي. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (فتاوى اللجنة 11/180) . الحديث: 20870 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3894 تسريح الشعر للمرأة المحرمة [السُّؤَالُ] ـ[سأذهب للحج هذه السنة إن شاء الله.. الكثير قالوا لي: إن تسريح الشعر لا يجوز في الإحرام، مع العلم أنه من الصعب علي ترك شعري دون تسريح.. وقد قمت بالبحث عن إجابة لسؤالي، ولم أجد إلا فتوى تخص المحرم الرجل، وهي أنه لا ينبغي ذلك. فما حكم تسريح الشعر للمرأة المحرمة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إزالة شعر الرأس من محظورات الإحرام، بأي وسيلة كانت تلك الإزالة، بالحلق أو التقصير أو النتف أو الحك ونحوه، لقوله سبحانه وتعالى: (وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) البقرة/196. وقد اتفق أهل العلم على هذا الحكم، كما اتفقوا على أن تسريح الشعر وتمشيطه مُحرَّم إذا جزم بتساقط بعض الشعر بسبب امتشاطه. جاء في "الموسوعة الفقهية" (11/179) : " إذا تيقَّنَ المُحرِم سقوط الشعر بالترجيل: فلا خلاف بين الفقهاء في حرمته حينئذ " انتهى. فإن كان شعره لا يتساقط بالتسريح: فقد اختلف أهل العلم في على ثلاثة أقوال: القول الأول: الجواز والإباحة: وهو مذهب ابن حزم الظاهري، حيث يقول في "المحلى" (5/186) : " أما نقض الرأس والامتشاط فلا يكره ذلك في الإحرام، بل هو مباح مطلق " انتهى. واستدل بعض العلماء لهذا القول بالحديث الذي يرويه البخاري (316) ومسلم (1211) عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: أَهْلَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَكُنْتُ مِمَّنْ تَمَتَّعَ وَلَمْ يَسُقِ الْهَدْىَ، فَزَعَمَتْ أَنَّهَا حَاضَتْ، وَلَمْ تَطْهُرْ حَتَّى دَخَلَتْ لَيْلَةُ عَرَفَةَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَذِهِ لَيْلَةُ عَرَفَةَ، وَإِنَّمَا كُنْتُ تَمَتَّعْتُ بِعُمْرَةٍ. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: انْقُضِى رَأْسَكِ، وَامْتَشِطِى، وَأَمْسِكِى عَنْ عُمْرَتِكِ. قالوا: فقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة بالامتشاط مع أنها محرمة، وإنما أمرها بالاغتسال لإحرام الحج، فقد كان إحرامها في أصله للعمرة. يقول الشوكاني في "نيل الأوطار" (5/94) : " قوله: (وامتشطي) فيه دليل على أنه لا يكره الامتشاط للمحرم , وقيل: إنه مكروه. قال النووي: وقد تأول العلماء فعل عائشة هذا على أنها كانت معذورة، بأن كان برأسها أذى فأباح لها الامتشاط كما أباح لكعب بن عجرة الحلق للأذى. وقيل: ليس المراد بالامتشاط هنا حقيقة الامتشاط بالمشط بل تسريح الشعر بالأصابع عند الغسل للإحرام بالحج لا سيما إن كانت لبدت رأسها كما هو السنة وكما فعله النبي صلى الله عليه وسلم فلا يصح غسلها إلا بإيصال الماء إلى جميع شعرها ويلزم من هذا نقضه " انتهى. القول الثاني: التحريم: وهو قول بعض الحنفية، مستدلين بحديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَامَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَنِ الحَاجُّ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: الشَّعِثُ التَّفِلُ. رواه الترمذي (2998) . قالوا: والمراد بالشعث انتشار شعر الحاج، فلا يجمعه بالتسريح والدهن والتغطية ونحوه. انظر: "الاختيار لتعليل المختار" (1/143) ، "الموسوعة الفقهية" (11/179) . إلا أن الحديث ضعيف، قال عنه الألباني في ضعيف سنن الترمذي: ضعيف جدا. القول الثالث: الكراهة: لما فيه من تعرُّضٍ لمحظور من محظورات الإحرام، وهو قول الشافعية والحنابلة. قال النووي في "المجموع" (7/374) : " ويكره مشط رأسه ولحيته , لأنه أقرب إلى نتف الشعر " انتهى. وقال البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (2/424) : "للمحرم غسل رأسه وبدنه فعل ذلك عمر وابنه وأرخص فيه علي وجابر بلا تسريح، لأن تسريحه تعريض لقطعه " انتهى بتصرف. ونحوه في "الإنصاف" (3/460) . وهذا القول الأخير بالكراهة هو أعدل الأقوال وأوسطها، إذ ينبغي أن يكون المسلم حريصا على عبادته، فلا يتعرض لما قد يخرمها ولو من وجه بعيد. قال الشيخ ابن عثيمين – كما في "فتاوى نور على الدرب" (فتاوى الحج والجهاد/ باب محظورات الإحرام) : " تمشيط المحرم رأسه لا ينبغي؛ لأن الذي ينبغي للمحرم أن يكون أشعث أغبر، ولا حرج عليه أن يغسله، وأما تمشيطه فإنه عرضة لتساقط الشعر " انتهى باختصار. ثانيا: إذا امتشطت المرأة أو الرجل ورأى في مشطه شعرات لا يدري هل قطعت بسبب المشط أو كانت ساقطة أصلا، فلا تلزمه الفدية في هذه الحالة، لاحتمال أن تكون مقطوعة من الأصل، ولا يجب على العبد الفدية بمجرد الشك والاحتمال. وقد نص على ذلك النووي رحمه الله في "المجموع" (7/262) ، ونحوه في "كشاف القناع" (2/423) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112507 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3895 استعمال الكريمات غير المعطّرة أثناء الإحرام [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكن أن نستعمل السواك أو معجون الأسنان أو المرطبات الجلدية أو الكريمات غير المعطرة أثناء الحج؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا خلت هذه الأشياء من الطيب فلا يحرم استعمالها، لأن المحظور في الإحرام هو الطيب أو التدهّن بشيء فيه طيب ـ عطر ـ قال ابن قدامة في الكلام على محظورات الإحرام: وإن طيّب بدنه أو ثوبه، (أو ادّهن بمطيّب) . والمقصود من الادهان بالمطيّب: إذا مسح على جلده بدهن فيه طيب، فإنه لا يجوز، لأن ذلك سوف يعلق به وتبقى رائحته. [الْمَصْدَرُ] انظر الشرح الممتع لابن عثيمن ج/7 ص/158. الحديث: 20019 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3896 شرب المحرم بالحج أو العمرة لقهوة فيها زعفران [السُّؤَالُ] ـ[كنا محرمين وفي طريقنا إلى مكة شربنا الشاي والقهوة، وكان في القهوة زعفران، فهل يلزمنا شيء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كان ذلك عن جهل منهم فإنه لا يلزمهم شيء، وإذا كان عندهم شك هل هذا زعفران أو لا؟ فلا يلزمهم شيء، وإن تيقنوا أنه زعفران وقد علموا أن المحرم لا يجوز أن يشرب القهوة التي فيها الزعفران، فإنه إن كانت الرائحة موجودة فقد أساءوا، وإن كانت غير موجودة وليس فيه إلا مجرد لون فلا حرج عليهم في هذا. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله http://www.ibnothaimeen.com/all/noor/article_6040.shtml. وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: امرأة محرمة بالعمرة شربت قهوة في زعفران قبل أن تكمل العمرة. هل الزعفران من أنواع الطيب؟ وهل يخل بالعمرة أم لا؟ فأجاب: "المحرم الذي يشرب القهوة وفيها زعفران يكون قد أساء؛ لأن الزعفران طيب فلا ينبغي استعماله في القهوة في حق المحرم، كما لا ينبغي استعماله في ملابسه ولا في بدنه وهو محرم، فإذا فعل ذلك الرجل المحرم أو المرأة المحرمة جهلا أو نسيانا فلا شيء عليهما، أما إن تعمد ذلك وهو يعلم أنه محرم ولا يجوز، فإنه يتصدق بإطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من التمر أو الحنطة، أو يصوم ثلاثة أيام، أو يذبح شاة" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (17/129) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112017 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3897 محظورات الإحرام [السُّؤَالُ] ـ[ما هي الأمور التي يجب على المحرم أن يمتنع عنها ?.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله محظورات الإحرام: هي الممنوعات التي يمنع منها الإنسان بسبب الإحرام، ومنها: 1- حلق شعر الرأس، لقوله تعالى: (ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محلَّه) البقرة/196، وألحق العلماء بحلق الرأس حلق سائر شعر الجسم، وألحقوا به أيضاً تقليم الأظافر، وقصها. 2- استعمال الطيب بعد عقد الإحرام، سواء في ثوبه أو بدنه، أوفي أكله أو في تغسيله أو في أي شيء يكون. فاستعمال الطيب محرم في الإحرام، لقوله صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي وقصته ناقته: (اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تخمروا رأسه، ولا تحنطوه) والحنوط أخلاط من الطيب تجعل على الميت. 3- الجماع. لقوله تعالى: (فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) البقرة/197 4- المباشرة لشهوة. لدخولها في عموم قوله (فلا رفث) ولأنه لا يجوز للمحرم أن يتزوج ولا أن يخطب، فلأن لا يجوز أن يباشر من باب أولى. 5- قتل الصيد. لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) المائدة/95، وأما قطع الشجر فليس بحرام على المحرم، إلا ما كان داخل الأميال (وهي حدود الحرم) ، سواء كان محرماً أو غير محرم، ولهذا يجوز في عرفة أن يقلع الأشجار ولو كان محرماً، لأن قطع الشجر متعلق بالحرم لا بالإحرام. 6- من المحظورات الخاصة بالرجال لبس القميص والبرانس والسراويل والعمائم والخفاف، لقول النبي صلى الله عليه وسلم وقد سئل ما يلبس المحرم؟ فقال: (لا يلبس القميص ولا البرانس ولا السراويل ولا العمائم ولا الخفاف) إلا أنه صلى الله عليه وسلم استثنى من لم يجد إزاراً فليلبس السراويل، ومن لم يجد النعلين فليلبس الخفين. وهذه الأشياء الخمسة صار العلماء يعبرون عنها بلبس المخيط، وقد توهم بعض العامة أن لبس المخيط هو لبس ما فيه خياطة، وليس الأمر كذلك، وإنما قصد أهل العلم بذلك أن يلبس الإنسان ما فصل على البدن، أو على جزء منه كالقميص والسراويل، هذا هو مرادهم، ولهذا لو لبس الإنسان رداءً مرقّعاً، أو إزاراً مرقّعاً فلا حرج عليه، ولو لبس قميصاً منسوجاً بدون خياطة كان حراماً. 7- ومن محظورات الإحرام وهو خاص بالمرأة النقاب، وهو أن تغطي وجهها، وتفتح لعينيها ما تنظر به، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهي عنه، ومثله البرقع، فالمرأة إذا أحرمت لا تلبس النقاب ولا البرقع، والمشروع أن تكشف وجهها إلا إذا مرّ الرجال غير المحارم بها، فالواجب عليها أن تستر وجهها ولا يضرها إذا مس وجهها هذا الغطاء. وبالنسبة لمن فعل هذه المحظورات ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً، فلا شيء عليه، لقول الله تعالى: (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمّدت قلوبكم) الأحزاب/5 وقال تعالى في قتل الصيد وهو من محظورات الإحرام: (يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل من النعم) المائدة /95 فهذه النصوص تدل على أن من فعل المحظورات ناسياً أو جاهلاً فلا شيء عليه. وكذلك إذا كان مكرهاً لقوله تعالى: (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم) النحل / 106 فإذا كان هذا من الإكراه على الكفر، فما دونه أولى. ولكن إذا ذكر من كان ناسياً وجب عليه التخلي عن المحظور، وإذا علم من كان جاهلاً وجب عليه التخلي عن المحظور، وإذا زال الإكراه عمن كان مكرهاً وجب عليه التخلي عن المحظور، مثال ذلك لو غطى المحرم رأسه ناسياً ثم ذكر فإنه يزيل الغطاء، ولو غسل يده بالطيب ثم ذكر وجب عليه غسلها حتى يزول أثر الطيب وهكذا. [الْمَصْدَرُ] من كتاب فتاوى منار الإسلام للشيخ ابن عثيمين ج/2 ص/391-394. الحديث: 11356 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3898 فدية المحظور تخرج في الحرم أو في محل ارتكاب المحظور؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا صاحب السؤال رقم 104178 وسؤالي هو بالنسبة لكفارات محظورات الإحرام هل إطعام الستة مساكين يكون في مكة أو مدينتي التي أقيم فيها؟ حيث إني فعلت المحظورات التي فعلتها كانت في مكة وأيضا بلدي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما وجب من الفدية بسبب ارتكاب محظور من محظورات الإحرام، يخيّر فيه الإنسان بين فعله في الحرم، أو في محل ارتكاب المحظور، إلا جزاء الصيد فإنه يكون في الحرم. قال في "الروض المربع": " وفدية الأذى أي الحلق واللبس ونحوهما كطيب وتغطية رأس وكل محظور فعله خارج الحرم ودم الإحصار: حيث وجد سببه من حل أو حرم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم نحر هديه في موضعه بالحديبية وهي من الحل، ويجزئ بالحرم أيضا. ويجزئ الصوم والحلق بكل مكان؛ لأنه لا يتعدى نفعه لأحد، فلا فائدة لتخصيصه " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "شرح الكافي": " ما وجب لفعل محظور كحلق الرأس ولبس الثياب وما أشبه ذلك غير جزاء الصيد فهذا على المذهب يخيّر بين أن يذبحه في مكان فعل المحظور لأنه مكان سببه أو في مكة؛ لأن الأصل في الهدايا أن تبلغ الكعبة، وهذا هو المذهب وهو الصحيح، أن الإنسان يخير فيما وجب لفعل محظور سوى جزاء الصيد بين أن يذبحه في مكانه لوجود سببه فيه، أو ينقله إلى مكة لأن الأصل في الهدايا أن تكون بالغة الكعبة " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111320 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3899 ما حكم استعمال المحرم المناديل المعطرة؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم استعمال المناديل المعطرة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "المناديل المعطرة إذا كانت رطبة وفيها طيب رطب يعلق باليد فلا يجوز للمحرم أن يستعملها، أما إذا كانت جافة وكانت مجرد رائحة تفوح كرائحة النعناع والتفاح فلا بأس" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 155) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109172 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3900 لن يتمكن من لبس ملابس الإحرام بسبب طبيعة عمله [السُّؤَالُ] ـ[أقيم بالمملكة للعمل، وأنوي أداء فريضة الحج، وجهة عملي ندبتني هذا العام للعمل بالمشاعر المقدسة، وعملي هناك لا يمنعني من أداء جميع المناسك، إلا أنني لن أتمكن من لبس ملابس الإحرام؛ لأن طبيعة عملي ونظامه تفرض علي ملبساً معيناً من المخيط. فماذا أفعل؟ وهل يكون حجي صحيحاً إذا ذبحت فداء دون أن ألبس ملابس الإحرام طوال أيام الحج؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كان الواقع كما ذكر فحجك صحيح؛ ولا إثم عليك في لبسك ملابس غير ملابس الإحرام؛ دفعاً للحرج عن نفسك، ولكن تلزمك فدية لذلك وهي إطعام ستة مساكين من مساكين الحرم، أو ذبح ذبيحة تصلح أضحية تطعمها مساكين مكة أو سائر الحرم، ولا تأكل منها، أو تصوم ثلاثة أيام، أي ذلك فعلت أجزأك، وعليك مثل ذلك عند غطاء الرأس، إن كنت غطيت رأسك. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/182، 183) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109289 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3901 هل يجوز للمرأة أن تتطيب وهي محرمة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمرأة أن تتطيب وهي محرمة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا يجوز لمحرم التطيب بعد الإحرام، سواء كان رجلاً أو امرأة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (ولا تلبسوا شيئاً من الثياب مسه الزعفران أو الورس) ، وقول عائشة رضي الله عنها: (طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت) متفق عليه، ولقوله صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي مات وهو محرم: (لا تمسوه طيباً) متفق على صحته. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/190- 192) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109331 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3902 لا يجوز تطييب ثياب الإحرام [السُّؤَالُ] ـ[بعض الناس إذا أراد أن يحرم يطيب جسمه ورأسه، ويطيب ملابس الإحرام، ثم يلبسها ويحرم، ما حكم ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أما تطييب الرأس والبدن فهو سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سبق بيانه في جواب السؤال رقم (106550) . وأما تطيب ملابس الإحرام فلا يجوز، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى المحرم عن لبس ثوب مسه طيب، وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن تطييب ملابس الإحرام فقال: "لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تلبسوا ثوباً مسه الزعفران ولا الورس) " انتهى. "مجموع الفتاوى" لابن عثيمين (22/9) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109335 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3903 حكم استعمال المحرم للصابون المعطر [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الاغتسال بالصابون المعطر وقت الإحرام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا بأس به؛ لأن هذه الرائحة ليست طيباً ولا تستعمل للطيب، وإنما هي لتطييب النكهة فقط" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 160) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109358 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3904 حكم مسك الإحرام بالدبابيس [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم ما يفعله بعض الناس من مسك الإحرام بالدبابيس أو المشابك حتى يصل البعض أن يجعلها كالثياب؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " الأولى ألا يشبك الإنسان رداءه، بل يجعله على كتفيه، لكن إذا كان يعمل كالطباخ والقهوجي وما أشبه ذلك وأراد أن يزره بمشبك، فلا بأس بذلك، أما ما أشار إليه السؤال من أن بعض الناس يزره بمشابك من الرقبة إلى السرة، حتى يكون كأنه قميص، فأنا أشك في جواز هذا؛ لأنه حينذاك يشبه القميص، والنبي صلى الله عليه وسلم قال في المحرم: (لا يلبس القميص) " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 135، 136) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109362 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3905 هل يجوز للمحرم لبس الكمامة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمحرم لبس الكمامة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الكمامة للمحرم للحاجة لا بأس بها، مثل أن يكون في الإنسان حساسية في أنفه فيحتاج للكمامة، أو يمر بدخان كثيف فيحتاج للكمامة، أو يمر برائحة فيحتاج للكمامة، فلا بأس" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 130، 131) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106560 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3906 هل يجوز للمحرم أن يلبس الحزام الطبي؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم استعمال الحزام الطبي وذلك أثناء الطواف، فبعض الناس لا يمكنه التحرك والمشي بدونه وهذا الحزام مخيط، فهل يجوز له أن يستخدم ذلك الحزام في الحج؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "نعم؛ يجوز أن يستخدم الإنسان الحزام في الحج وفي العمرة أيضاً ولو كان مخيطاً. ويجب أن نعلم أن قول العلماء – رحمهم الله -: يحرم على الرجل لبس المخيط. أن مرادهم لبس القميص والسراويل وما أشبهه، فلهذا يجب أن نفهم كلام العلماء على ما أرادوه، ثم هذه العبارة: (لبس المخيط) ليست مأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قيل: إن أول من قال بها أحد فقهاء التابعين إبراهيم النخعي رضي الله عنه وأما النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقل للأمة لا تلبسوا المخيط. بل سئل: ما يلبس المحرم؟ قال: (لا يلبس القميص ولا السراويل، ولا العمائم ولا البرانس ولا الخفاف) ولم يذكر لفظ المخيط إطلاقاً، فيجب أن نفهم النصوص على ما أرادها المتكلم" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 140) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106561 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3907 هل يجوز للمحرم أن يغطي رأسه عند النوم؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمحرم أن يغطي رأسه عند النوم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إن كان أنثى فمعروف أنه يجوز أن تغطي رأسها، أما إذا كان رجلا فلا يجوز لا عند النوم ولا في حال اليقظة، لكن لو أنه غطاه وهو نائم ثم استيقظ وجب عليه كشف رأسه ولا شيء عليه؛ لأن النائم مرفوع عنه القلم" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 128) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106562 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3908 هل للمحرم أن يتنظف بالصابون والشامبو؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم التنظيف للمحرم بصابون أو شامبو ذي الرائحة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا بأس باغتسال المحرم فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل وهو محرم. وأما الشامبو فالظاهر أن رائحته ليست عطرية، وإنما هي رائحة ونكهة محبوبة للنفس كما في النعناع وورق التفاح وما أشبه ذلك، والمهم أن ما كان طيباً لا يجوز استعماله للمحرم" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 160) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106570 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3909 حكم لبس النقاب الأفغاني للمحرمة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم لبس النقاب الأفغاني للمحرمة؟ وهو عبارة عن غطاء كامل للوجه، وجهة العينين تكون قطعة قماش أخف من باقي النقاب وتكون مثبتة به ولا يمكن فتحها.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المرأة المحرمة تمنع من لبس النقاب والبرقع؛ لما روى البخاري (1741) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين) قال ابن قدامة رحمه الله: " قال ابن المنذر: وكراهية البرقع ثابتة عن سعد وابن عمر وابن عباس وعائشة، ولا نعلم أحداً خالف فيه ...... ، فأما إذا احتاجت إلى ستر وجهها لمرور الرجال قريباً منها فإنها تسدل الثوب من فوق رأسها على وجهها، روي ذلك عن عثمان وعائشة، وبه قال عطاء ومالك والثوري والشافعي وإسحاق ومحمد بن الحسن، ولا نعلم فيه خلافاً، وذلك لما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه) رواه أبو داود " المغني " (3 / 154) ، وحديث عائشة صححه الألباني في كتابه حجاب المرأة المسلمة. وعليه، فالمحرمة تستر وجهها بشيء تسدله من على رأسها، لا بالنقاب ولا بالبرقع، والنقاب الأفغاني فيما بلغنا هو كالبرقع. فلا يجوز لبسه للمرأة المحرمة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97204 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3910 حكم لبس الملابس الداخلية للمحرِم [السُّؤَالُ] ـ[أنا ذاهب للحج هذا العام، ولكن حالتي الصحية تستوجب أن أقوم بارتداء ملابس داخلية ضيقة (ملابس داخلية عادية) لمنع قطرات من البول تخرج مني أثناء القيام ببعض الحركات، كما يحدث في الصلاة من أن تلوث ملابسي الخارجية، ونظراً لهذه الظروف فهل يجوز لي ارتداء ملابس داخلية عادية تحت ثوب الإحرام؟ وفي حال ما لم يكن جائزاً فما هو الحل البديل؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: اختلف العلماء في حكم لبس اللباس الداخلي للرجل الذي يغطي العورة المغلظة وهو ما يسميه العلماء بـ " التُّبَّان " فذهب بعضهم إلى جوازه من غير ضرورة ولا حاجة، وقالوا: بأنه لم يرد النص في المنع منه فيما لا يلبسه المحرم. وذهب الجمهور إلى أن لبسه ممنوع، وأنه يقاس على السراويل، بل ذهب بعض العلماء إلى أنه أولى بالمنع منه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: " وكذلك التبان أبلغ من السراويل " انتهى. " مجموع الفتاوى " (21 / 206) . وقال ابن القيم – رحمه الله -: " قال المزني: الفقهاء من عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا وهلم جرّاً استعملوا المقاييس في الفقه في جميع الأحكام في أمر دينهم. قال: وأجمعوا بأن نظير الحق حق، ونظير الباطل باطل، فلا يجوز لأحد إنكار القياس، لأنه التشبيه بالأمور والتمثيل عليها ... . ومن ذلك: نهي النبي صلى الله عليه وسلم المُحرم عن لبس القميص والسراويل والعمامة والخفين، ولا يختص ذلك بهذه الأشياء فقط، بل يتعدى النهي إلى الجباب والأقبية والطاقية والجوربين والتبان، ونحوه" انتهى باختصار. " إعلام الموقعين " (1 / 205 – 207) . وبه يتبين خطأ من استدل بجواز لبس التبان بكونه لم يُنص عليه في الحديث الذي بيَّن فيه النبي صلى الله عليه وسلم ما لا يلبسه المحرم. قال ابن عبد البر – رحمه الله -: وفي معنى ما ذكر في هذا الحديث من القمص والسراويلات والبرانس يدخل المخيط كله بأسره، فلا يجوز لباس شيء منه للمحرم، عند جميع أهل العلم. " التمهيد " (15 / 104) . وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -: " قال عياض: أجمع المسلمون على أن ما ذُكر في هذا الحديث لا يلبسه المحرم، وأنه نبَّه بالقميص والسراويل على كل مخيط، وبالعمائم والبرانس على كل ما يغطي الرأس به مخيطاً أو غيره، وبالخفاف على كل ما يستر الرجل. انتهى. وخصَّ ابن دقيق العيد الإجماع الثاني بأهل القياس، وهو واضح. والمراد بتحريم المخيط: ما يلبس على الموضع الذي جعل له، ولو في بعض البدن " انتهى. " فتح الباري " (3 / 402) . واستدل من قال بجواز لبس المحرم للتبان بما ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها أجازت لبسه للحمَّالين، وما ورد عن عمَّار بن ياسر رضي الله عنه أنه كان يلبسه. أ. أثر عائشة: قال البخاري – رحمه الله – في " صحيحه " (2 / 558) -: باب الطيب عند الإحرام وما يلبس إذا أراد أن يحرم ... ولم تر عائشة رضي الله عنها بالتُبَّانِ بأساً للذين يرحلون هودجها. انتهى قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -: " وقد وصل أثر عائشة: سعيد بن منصور، من طريق عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة: " أنها حجت ومعها غلمان لها، وكانوا إذا شدوا رحلها يبدو منهم الشيء، فأمرتهم أن يتخذوا التبابين، فيلبسونها وهم محرمون ". وفي هذا رد على ابن التين في قوله " أرادت النساء "؛ لأنهن يلبسن المخيط، بخلاف الرجال، وكأن هذا رأي رأته عائشة، وإلا فالأكثر على أنه لا فرق بين التبان والسراويل في منعه للمحرم ". انتهى من " فتح الباري " (3 / 397) وقد يُجاب عن هذا بأن عائشة رضي الله عنها أمرتهم بلبسه للضرورة، لأن عورتهم كانت تنكشف، فلا يدل على جواز لبسه بدون ضرورة. ب. أثر عمار: روى ابن أبي شيبة عن حبيب بن أبي ثابت قال: رأيت على عمار بن ياسر تُبَّاناً، وهو بعرفات. " مصنف ابن أبي شيبة " (6 / 34) . وهذا محمول على الضرورة، حيث ورد عند ابن شبة في " أخبار المدينة " (3 / 1100) ما يدل على إصابة عمار بن ياسر رضي الله عنه زمن عثمان بن عفان رضي الله، وفيه قوله " فلا يستمسك بولي ". وفي " النهاية في غريب الأثر " (2 / 126) : وفي حديث عبد خير قال: رأيت على عمار دقرارة، وقال: " إني ممثون " الدقرارة: التبَّان، وهو السراويل الصغير الذي يستر العورة وحدها، والممثون: الذي يشتكي مثانته. وفي " لسان العرب " (13 / 71) : وفي حديث عمار أنه صلَّى في تبَّان، فقال: إني ممثون، أي: يشتكي مثانته. انتهى وهذه الآثار لو فرض عدم ثبوت آحادها: فهو يدل على أن لها أصلاً. والصحيح: أنه يمنع الرجل المحرم من لبس التبَّان، ويُحمل ما ورد عن عائشة رضي الله عنها أنه للضرورة، وليس فيه نفي الفدية عمن لبسه. ويُحمل ما ورد عن عمار بن ياسر أنه كان للضرورة بسبب إصابته في المثانة قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله -: " وما ذُكر عن عائشة رضي الله عنها ظاهره أنها إنما رخّصت في التبان لمن يُرَحِّل هودجها لضرورة انكشاف العورة، وهو يدل على أنه لا يجوز لغير ضرورة، والعلم عند الله تعالى ". انتهى " أضواء البيان " (5 / 464) . ثانياً: يجوز لبس التبان لمن كان يعمل في التحميل – مثلاً - ويَخشى انكشاف عورته، كما يجوز لبسه لمن يتمزق جلده بسبب الاحتكاك، ويخشى على نفسه الضرر، ويجوز كذلك لمن به جرح في عورته ويحتاج لتغطيته، ومثله من كان مبتلى بسلس البول – وهي حالة مشابهة لحالة عمار بن ياسر -، وفي كل تلك الأحوال – وما يشبهها – على لابسه الفدية، وهي: إطعام ستة مساكين، أو صيام ثلاثة أيام، أو ذبح شاة قال تعالى: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) البقرة/ 196. وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَسَأَلْتُهُ عَنْ الْفِدْيَةِ فَقَالَ نَزَلَتْ فِيَّ خَاصَّةً وَهِيَ لَكُمْ عَامَّةً، حُمِلْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي فَقَالَ: (مَا كُنْتُ أُرَى الْوَجَعَ بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى - أَوْ: مَا كُنْتُ أُرَى - الْجَهْدَ بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى، تَجِدُ شَاةً؟ فَقُلْتُ: لَا. فَقَالَ: فَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ) رواه البخاري (1721) ومسلم (1201) وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: عن لبس المحرم للتبان، لأنه إذا لم يلبسه لحقه ضرر. فأجاب: إن خاف أن يلحقه ضرر فلا بأس أن يلبسه، ولكن إن حَصَّل أن يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع فهو أحسن. " لقاءات الباب المفتوح " (177 / السؤال 16) . وانظر أجوبة الأسئلة: (20870) و (49033) والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96679 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3911 اعتمرت ونسيت التقصير من شعرها وجامعها زوجها [السُّؤَالُ] ـ[كنت مع زوجتي في مكة لأداء العمرة، وبعد عودتنها إلى البيت تمت عملية الجماع بيننا، ثم تذكرت زوجتي أنها لم تتحلل؟ فما هو الحكم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحلق أو التقصير من واجبات العمرة، ومن نسيه أتى به عند تذكره، فإن فعل قبل ذلك شيئا من المحظورات جاهلا أو ناسيا فلا شيء عليه، على الراجح من كلام أهل العلم. وعليه، فيلزم زوجتك الآن أن تقصر من شعرها، وتحل بذلك من عمرتها، ولا شيء عليها فيما حصل من الجماع؛ لأنها إنما فعلت ذلك وهي تعتقد أنها تحللت من العمرة. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في امرأة لم تتم عمرتها: " وأما ما فعلته من المحظورات ولنفرض أن زوجها جامعها - والجماع في النسك هو أعظم المحظورات - فإنه لا شيء عليها؛ لأنها جاهلة، وكل إنسان يفعل محظوراً من محظورات الإحرام جاهلاً أو ناسياً أو مكرهاً فلا شيء عليه " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (21/351) باختصار. وذهب بعض أهل العلم إلى أن الجماع بعد السعي وقبل الحلق أو التقصير فيه الفدية، ولو كان عن نسيان أو جهل، وهي فدية على التخيير، كفدية الأذى، أي كمن حلق شعره للتأذي من القمل ونحوه، كما دل عليه قوله تعالى: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) البقرة/196. فيصوم ثلاثة أيام، أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من بر أو غيره، أو يذبح شاة توزع على فقراء الحرم (مكة) . وانظر: "شرح منتهى الإرادات" (1/556) . فلو أخذت زوجتك بهذا القول احتياطاً، فحسن، فتصوم ثلاثة أيام، أو تطعم ستة مساكين أو تذبح شاة تعطى لفقراء الحرم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 95860 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3912 نوم المحرم مع زوجته في فراش واحد ولمسها بدون شهوة [السُّؤَالُ] ـ[هل النوم مع الزوجة بعد الإحرام حرام إذا كان في فراش واحد ولمسها بدون شهوة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المحظور على المحرم هو الجماع، والمباشرة بشهوة، لمسا أو تقبيلا؛ لقوله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) البقرة/197. قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (1/319) : " وقوله (فلا رفث) أي من أحرم بالحج أو العمرة فليجتنب الرفث، وهو الجماع، كما قال تعالى: (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم) وكذلك يحرم تعاطي دواعيه من المباشرة والتقبيل ونحو ذلك، كذلك التكلم به بحضرة النساء " انتهى. وقال النووي رحمه الله: " اتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على أنه يحرم على المحرم المباشرة بشهوة كالمفاخذة والقبلة واللمس باليد بشهوة ... وأما اللمس بغير شهوة فليس بحرام بلا خلاف " انتهى. وفي "الموسوعة الفقهية" (2/168) : " يحرم على المحرم باتفاق العلماء وإجماع الأمة الجماع ودواعيه الفعلية أو القولية وقضاء الشهوة بأي طريق " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (7/184) أثناء ذكره لمحظورات الإحرام: المحظور التاسع: مباشرة النساء لشهوة أم المباشرة لغير شهوة كما لو أمسك الرجل بيد امرأته فهذا ليس حراماً. اهـ وعليه فإذا نام المحرم مع زوجته في فراش واحد، أو لمسها دون شهوة، فلا حرج عليه، إلا إن خشي أن يؤدي ذلك إلى وقوعه في المحظور، فعليه أن ينام في فراش مستقل. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93234 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3913 لبست النقاب والقفازين أثناء طواف الإفاضة [السُّؤَالُ] ـ[لدي استفسارات متعلقة بالحج، أرجو التفضل على إجابتها مأجورين. وهو: أني حججت هذا العام وكنت قد نويتها قرانا، ولدي في حجتي هذه إشكالان: في أول مجيئنا لمكة المكرمة لم نعتمر وأجلناها إلى اليوم الثامن، وخلال أيام إحرامي نزلنا عند جماعة هم بنات مثلنا وأجبروني وأنا محرمة على أن يضعوا لي مكياج وأنا كنت منكرة هذا الأمر إنكاراً فقط ليس بناء على أنه لا يجوز الزينة في الإحرام لأن هذا ذهب عن بالي، ثم بعد ذلك استخدمت كريم نيفيا لإزالة آثار المكياج، فما أدري هل عليّ شيء بصنعي هذا؟ مع العلم أنني كنت متحرزة شديدة التحرز من الروائح ولم نستخدم الصابون ولا أي شيء له رائحة ولم أعمل أي محظور سوى هذا. ثم بعد ذلك لما أردنا في اليوم الثامن أن نعتمر أصبت عذراً حتى اليوم الثاني من أيام التشريق، مع العلم أنني في اليوم الأول من أيامه قد رمى ولينا عنا وهي جمرة العقبة، وأحللنا قبل طواف الإفاضة، وهذا جائز لمن قد اعتمر، أما أنا فقارنة لم أعتمر فقد أحللت إحرامي ناسية ثم ذبحت دما، وقبل انصرافنا من مكة طاف من معي الوداع وأنا طفت الإفاضة وسعيت على اعتبار أنها عمرة الحج – وقد كنت لابسة النقاب والقفازين، ثم خلعتها بعد الطواف وأنا مترددة في أمري فلست أدري هل علي شيء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: القارن بين الحج والعمرة لا يعتمر عند قدومه مكة، وإنما يطوف للقدوم وهو سنة ليس واجباً، ثم إن شاء سعى بعده أو يؤخر هذا السعي بعد طواف الإفاضة، ويكفي هذا السعي عن الحج والعمرة جميعاً، وعليه فكونك لم تطوفي ولم تسعي عند وصولك إلى مكة لا شيء فيه. ويلزم القارن أيضاً طوافان: الأول طواف الإفاضة بعد رجوعه من عرفات والمزدلفة، وطواف الوداع عند خروجه من مكة، وله أن يؤخر طواف الإفاضة فيطوف عند خروجه من مكة طوافاً واحداً للإفاضة والوداع معاً، كما فعلت. ثانيا: استعمال المحرمة للزينة التي ليست طيبا، لا حرج فيه. والمحظور هو استعمال الطيب. وعليه فلا حرج فيما صنعت من وضع المكياج، واستعمال الكريم لإزالته، وإن كان الأحوط عدم استعمال هذا الكريم لأجل ما فيه من الرائحة، لكنه ليس طيبا في الأظهر، ولا يسمى صاحبه متطيبا. ثالثا: إذا رمى الحاج جمرة العقبة، وقصر من شعره، فقد تحلل التحلل الأول، سواء كان مفردا أو متمتعا أو قارنا، فيباح له كل شيء إلا النساء، فيجوز له استعمال الطيب، وتقليم الأظافر، ولبس المخيط إن كان رجلا، وتلبس المرأة النقاب والقفازين , وإنما يمنع بعد هذا التحلل من الجماع فقط. ويجوز التوكيل في الرمي للضعفة والنساء عند شدة الزحام. وقد ذكرت أنك تحللت بعد الرمي، ولم تبيني مرادك بالتحلل، ولم تذكري شيئا عن تقصير الشعر، فإن كنت قد قصرت من شعرك فقد تحللت التحلل الأول، فيحل لك كل شيء إلا الجماع، ويكون لبسك للنقاب والقفازين في طواف الإفاضة جائزاً، أما إذا كنت لم تقصري شعرك قبل الطواف فأنت باقية على إحرامك ويكون لبسك للنقاب والقفازين في طواف الإفاضة غير جائز، وعليك الفدية، وهي صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين من مساكين الحرم، أو ذبح شاة توزع على فقراء الحرم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 91979 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3914 لم يكمل طواف العمرة، وهو متمتع؟ [السُّؤَالُ] ـ[رجل دخل في الإحرام بنية التمتع، وطاف طواف العمرة، غير أنه لم يكمل الأشواط السبعة، ثم سعى، وقصر، ثم تحلل وأتى أهله، ثم أدى مناسك الحج كاملة بعد ذلك، فهل يصح حجه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الطواف ركن من أركان العمرة، لا تصح إلا به، والطواف المجزئ في العمرة سبعة أشواط تبدأ من الحَجَر الأسود، وتنتهي به، لأن النبي، صلى الله عليه وسلم، طاف هكذا، وقد قال: (خذوا عني مناسككم) . قال النووي، رحمه الله: (شرط الطواف أن يكون سبع طوفات، كل مرة من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود، ولو بقيت خطوة من السبع لم يحسب طوافه، سواء كان باقيا في مكة أو انصرف عنها وصار في وطنه، ولا ينجبر شيء منه بالدم، ولا بغيره) المجموع 8/21. وبناء على ذلك، فإن عمرته لم تتم، ولم يتحلل منها، وما فعله من التحلل وإتيان أهله، محظورات ارتكبها وهو لا يزال محرماً بالعمرة، وقد فعل تلك المحظورات وهو يظن أنه قد أنهى عمرته وتحلل منها، ولذلك لا شيء عليه في هذه المحظورات. راجع السؤال (36522) ، ثم هذا الرجل قد أحرم بالحج على أنه متمتع، ولكنه في الواقع لم يتم عمرته فيكون قد أدخل الحج على العمرة، فيصير قارنا. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين ن رحمه الله، عن رجل حج متمتعا، وطاف طوافا ناقصا، أي أربعة أشواط، ثم سعى وقصر، وحل، وحصل منه جماع، وأكمل حجه؟ فأجاب: (هذا يصير قارنا، لأنه أدخل الحج على العمرة قبل طوافها؛ لأن الطواف الأول لاغٍ، وإدخال الحج على العمرة قبل الطواف يجعل النسك قرانا، ويبقى النظر الآن في كونه حل، ولبس , وجامع، لكنه جاهل، فلا شيء عليه، وعلى هذا فيكون حجه تاما، لكنه قارن، وليس متمتعا) . الفتاوى 22/178. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49029 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3915 لبس الجوارب في الإحرام للرجل والمرأة [السُّؤَالُ] ـ[أحْرَمْتُ بالعمرة فكان الجو بارداً، فلبِسْتُ الجوربين، فماذا يلزمني؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز للرجل المحرم أن يلبس الجوربين. أما المرأة فيجوز لها ذلك. قال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع (7 / 154) : مسألة: هل يحرم عليها (أي المرأة المحرمة) الجوارب؟ الجواب: لا. الجوارب حرام على الرجل. اهـ. فإن احتاج الرجل المحرم إلى لبسهما، جاز له لبسها، وعليه فدية، وهي إما ذبح شاة أو إطعام ستة مساكين أو صيام ثلاثة أيام، يفعل ما يشاء من هذه الأمور الثلاثة. سئلت اللجنة الدائمة ما حكم لبس الشراب في الرجلين والطواف بها طواف القدوم في الحج، وطواف العمرة في العمرة؟ الجواب: لا يجوز للرجل لبس الشراب وهو محرم بالحج أو العمرة، فإن احتاج إلى لبسها لمرض ونحوه جاز ووجب عليه فدية، وهي صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من تمر ونحوه، أو ذبح شاة. فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/183) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49034 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3916 لا يستطيع أن يلبس لبس الإحرام، فهل له أن يحرم في ثيابه [السُّؤَالُ] ـ[رجل يرغب في أداء العمرة ولكن لا يستطيع لبس الإحرام لأنه معاق ومشلول: فهل يستطيع العمرة بثيابه وهل عليه كفارة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " نعم إذا كان الإنسان لا يستطيع أن يلبس ثياب الإحرام فإنه يلبس ما يناسبه من اللباس الآخر والجائز وعليه عند أهل العلم إما أن يذبح شاة يوزعها على الفقراء، أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، أو يصوم ثلاثة أيام. هكذا قال أهل العلم قياسا على ما جاء في حلق الرأس حيث قال الله تعالى: (وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) البقرة/196 وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الصيام صيام ثلاثة أيام، وأن الصدقة إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، وأن النسك ذبح شاة. ويكون الذبح والإطعام في هذه المسالة بمكة احتياطا، لأن انتهاك محظور اللبس سيستمر إلى التحلل ". [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى ابن عثيمين (21/138) . الحديث: 49033 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3917 قبل الطيب من غيره، مجاملة له، وهو محرم [السُّؤَالُ] ـ[ما الحكم فيمن قبل الطيب من غيره وهو محرم، مع علمه بأن المُحْرِم لا يجوز له استعمال الطيب؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المحرم ليس له أن يستعمل شيئا من الطيب في بدنه أو ثوبه: أما بدنه فلقول النبي، صلى الله عليه وسلم، في الذي مات محرما: (اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلا تُحَنِّطُوهُ ... ُ فَإِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا) رواه البخاري 1265 ومسلم 1206 وقوله: (وَلا تُحَنِّطُوهُ) أَيْ: لا تُمِسُّوه حَنُوطًا , وَالْحَنُوط َ أَخْلَاط مِنْ طِيب تُجْمَع لِلْمَيِّتِ خَاصَّة , لا تُسْتَعْمَل فِي غَيْره. وفي رواية لمسلم: (ولا تمسوه بطيب) ، فنهي النبي، صلى الله عليه وسلم عن أن يُمَسَّ هذا الميت بحنوط، وهو الطيب كما في رواية مسلم، مع أن وضع الطيب في غسل الميت وكفنه مستحب وذكر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علة ذلك وهي أنه يبعث يوم القيامة ملبياً: أي أن إحرامه لم يبطل بموته، وهذا يدل على أن المحرم ممنوع من الطيب. وعلى هذا أجمع العلماء. قال ابن قدامة: (أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من الطيب) المغني 5/140. وأما ثوبه، فلقول النبي، صلى الله عليه وسلم: (ولا تلبسوا شيئا مسه زعفران ولا الورس) البخاري 1838 ومسلم 1177. قال ابن قدامة: (لا نعلم بين أهل العلم اختلافا في هذا) المغني 5/142. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين عن رجل نوى الحج، ثم طيبه آخر، فقبل منه الطيب، مجاملة، وهو يعرف أن الطيب ممنوع على المحرم، فما الحكم؟ فأجاب: (لا يجوز للإنسان أن يجامل في معصية الله، عز وجل؛ فيعصي الله من أجل المجاملة، فالواجب عليك حين عرض عليك الطيب، أن تقول: إنه لا يجوز للمحرم الطيب. وهذا الرجل [الذي أعطى الطيب لغيره] قد يخفى عليه أن المحرم يحرم عليه استعمال الطيب، وربما ينسى فيطيبك ... وبناء على أنك لم تفعل هذا وجاملته في معصية الله، فإنه يجب عليك التوبة إلى الله مما صنعت، والعلماء يقولون: يجب عليك واحد من أمور ثلاثة: إما ذبح شاة في مكة؛ تتصدق بها على الفقراء، وإما إطعام ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع، بمكة أيضا، وإما أن تصوم ثلاثة أيام، ولو في بلدك. وقالوا أيضا: يجوز أن يذبح الشاة، وأن يطعم المساكين في مكة، ويجوز في المكان الذي وقع فيه المحظور) الفتاوى 22/153-154. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49032 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3918 حجت وهي منتقبة فماذا عليها؟ [السُّؤَالُ] ـ[حججت واعتمرت في العام الماضي، كنت أعلم أن النقاب لا يجوز، ومع هذا فكان علي أن أتنقب لأنه كان كثير من الناس حولي وقت الحج، قيل لي بأن ما فعلتُه كان خطأ وأنني كان من المفترض أن أغطي وجهي بشيء آخر، ماذا يجب أن أفعل الآن لأصحح هذا الخطأ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لبس النقاب من محظورات الإحرام، ويمكن للمرأة أن تغطي وجهها أمام الأجانب بعد الإحرام بشيء من الثياب تسدله من أعلى رأسها على وجهها، من غير أن ترتكب المحظور الذي هو لبس النقاب. عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قام رجل فقال يا رسول الله ماذا تأمرنا أن نلبس من الثياب في الإحرام فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تلبسوا القميص ولا السراويلات ولا العمائم ... ولا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين " رواه البخاري (1741) . قال ابن قدامة: قال ابن المنذر: وكراهية البرقع ثابتة عن سعد وابن عمر وابن عباس وعائشة، ولا نعلم أحداً خالف فيه، وقد روى البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ولا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين "، فأما إذا احتاجت إلى ستر وجهها لمرور الرجال قريباً منها فإنها تسدل الثوب من فوق رأسها على وجهها، روي ذلك عن عثمان وعائشة، وبه قال عطاء ومالك والثوري والشافعي وإسحاق ومحمد بن الحسن، ولا نعلم فيه خلافاً، وذلك لما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: " كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه " رواه أبو داود (1833) والأثرم) " المغني " (3 / 154) ، وحديث عائشة صححه الألباني في رسالة جلباب المرأة. وفِعل إحدى محظورات الإحرام عمداً لعذر: يوجب الفدية وهي: إما صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين من مساكين الحرم، أو ذبح شاة في الحرم، وليس عليه إثم لوجود العذر في فعله للمحظور. والظاهر أن حالك من هذا النوع لأنك ذكرتِ فيه أنك احتجتِ للانتقاب بسبب كثرة الرجال فيلزمك الفدية التي سبق ذكرها ولا إثم عليكِ، هذا إذا كنت تعنين بالانتقاب في سؤالكِ لبس النقاب لا التغطية للوجه بغير اللبس المعتاد للنقاب، أما كان الذي وقع منك إنما هو تغطية بغير النقاب أو بغير طريقة لبسه المعتادة فلا يلزمكِ شيء وتؤجرين إن شاء الله على حرصك على التستر والبعد عن نظر الرجال. قال الشيخ ابن عثيمين: وإذا فعل المُحرم شيئاً من المحظورات السابقة من الجماع أو قتلِ الصيد أو غيرهما فله ثلاث حالاتٍ: الأولى: أن يكون ناسياً أو جاهلاً أو مُكرَهاً أو نائماً، فلا شيء عليه، لا إثم ولا فدية ولا فساد نسك؛ لقوله تعالى: (رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَآ إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلَنَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَفِرِينَ) البقرة/286، وقوله: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الأحزاب/5 الثانية: أن يفعل المحظور عمداً لكن لِعُذرٍ يبيحُه، فعليه ما يترتب على فعل المحظور، ولا إثم عليه؛ لقوله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) البقرة/196 الثالثة: أن يفعل المحظور عَمداً بلا عُذرٍ يبيحه، فعليه ما يترتب على فعله مع الإثم. " مناسك الحج والعمرة " (الفصل الخامس / محظورات الإحرام) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 12516 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3919 هل يجوز تغطية وسط الجسم بقطعة قماش تلف حوله في ملابس الإحرام؟ [السُّؤَالُ] ـ[إن شاء الله أنا ذاهب لأداء العمرة وبعض منتجي ملابس الإحرام في مصر يصنعون غطاء للعورة بدون مخيط أسفل القطعتين العلوية والسفلية أي تصبح الملابس ثلاث (3) قطع، هل يصح ارتداؤها؟ وإن كان هناك كفارة بالفدو - مثلاً - أرجو الرد للاحتياج الشديد.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأصل للمحرم أنه يلبس ما يشاء إلا ما نصَّ الشرع على منعه، وهو ما كان مفصَّلاً على قدر أي عضو من أعضاء جسمه، أو على قدر البدن كله، وهو الذي يُسمَّى في كتب الفقهاء " المخيط "، وكذا لا يلبس المحرم ثياباً عليها الطيب، ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عما يلبسه المحرِم ذكَر ما لا يلبسه. فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنْ الثِّيَابِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ الْقَمِيصَ وَلَا السَّرَاوِيلَ وَلَا الْبُرْنُسَ وَلَا الْخُفَّيْنِ إِلَّا أَنْ لَا يَجِدَ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ مَا هُوَ أَسْفَلُ مِنْ الْكَعْبَيْنِ وَلاَ ثَوْباً مَسَّهُ زَعْفَران وَلاَ وَرْس) رواه البخاري (5458) ومسلم (1177) . البرنس: ثوب ملتصق به غطاء الرأس. الورس: نبت أصفر يُصبغ به طيب الرائحة. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: المخيط عند الفقهاء: كل ما خيط على قياس عضو، أو على البدن كله، مثل: القميص، والسراويل، والجبة، والصدرية، وما أشبهها، وليس المراد بالمخيط ما فيه خياطة، بل إذا كان مما يلبس في الإحرام فإنه يلبس ولو كان فيه خياطة. " الشرح الممتع " (7 / 126) . وقال: لا بد أن يلبس على عادة اللبس، فلو وضعه وضعاً فليس عليه شيء، أي: لو ارتدى بالقميص (أي: وضعه على كتفيه) فإن ذلك لا يضر؛ لأنه ليس لبساً له. والدليل على هذا: حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أن النبي صلّى الله عليه وسلّم سئل ما يلبس المحرم؟ فقال: (لا يلبس القميص، ولا السراويل، ولا البرانس، ولا العمائم، ولا الخفاف) ، فذكر خمسة أشياء لا تلبس مع أنه سئل عن الذي يلبس، فأجاب بما لا يلبس، ومعنى هذا أنه يلبس المحرم ما سوى هذه الخمسة، وإنما عدل عن ذكر ما يلبس إلى ذكر ما لا يلبس لأن ما لا يلبس أقل مما يلبس. " الشرح الممتع " (7 / 126،127) . وقطعة اللباس التي تلف على الجسم يغطى بها منطقة العورة: لا يظهر أنها محظورة، بل هي جائزة؛ لأن المحظور هو لبس " السراويل " ويشبهه في المحظور أن يلبس " التُبَّان " وهي الثياب الداخلية التي يلبسها الناس، بخلاف القطعة التي جاءت في السؤال، وهي تشبه الإزار في كونها تلف على الجسم، وليست مفصلة على قدر عضو من الجسم. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: المهم أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم عد ما يحرم عدًّا، فما كان بمعناه ألحقناه به، وما لم يكن بمعناه لم نُلحقه به، وما شككنا فيه فالأصل الحل، ومما نشك فيه الإزار المخيط، فبعض الناس يلبس إزاراً مخيطاً، أي: لا ينفتح، ثم يلفه على بدنه ويشده بحبل، فهل نقول: إن هذا جائز، أو أنه يشبه القميص أو السراويل؟ . نقول: إنه جائز؛ لأنه لا يشبه القميص ولا السراويل، فالسراويل لكل قدمٍ كمٌّ، والقميص في أعلى البدن، ولكل يدٍ كُمٌّ - أيضاً -، وبهذا خرج عن مشابهة السراويل والقميص فكان لا بأس به، ويستعمله بعض الناس الآن؛ لأنه أبعد عن انكشاف العورة، فنقول: ما دام يطلق عليه اسم إزار فهو إزار، ويكون حلالاً. " الشرح الممتع " (7 / 133، 134) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 79025 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3920 المرور على الميقات من غير إحرام وهو يريد العمرة أو الحج [السُّؤَالُ] ـ[انتدبت للعمل كطبيب خلال موسم الحج ولا أستطيع عمل عمرة عند دخولي مكة ولا أستطيع ارتداء ملابس الإحرام، فماذا عليَّ أن أفعله إذا تبقى لديَّ يومان بعد انتهائي من عملي لكي أقوم بأداء عمرة قبل عودتي إلى مدينتي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إذا لم تكن جازماً بعمل العمرة في ذلك السفر، فإنه لا يلزمك الإحرام من الميقات، فإذا عزمت عليها وأنت في مكة فإنك تخرج إلى خارج الحرم (التنعيم أو غيره) لتحرم بالعمرة. أما إذا كنت جازماً بفعل العمرة في ذلك السفر فكان الواجب عليك أن تحرم من الميقات، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: وقَّت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، فهنَّ لهنَّ ولمن أتى عليهنَّ من غير أهلهن لمن كان يريد الحج والعمرة، فمن كان دونهن فمهلُّه من أهله، وكذاك حتى أهل مكة يهلون منها. رواه البخاري (1454) ومسلم (1181) . فمن مرَّ على ميقات من هذه المواقيت مريداً الحج أو العمرة فإنه يجب عليه أن يُحرم منه، فإن كان يسكن دون هذه المواقيت فإنه يُحرم من مكانه، فإن كان في مكة فإنه يُحرم للحج من مكانه، ويحرم للعمرة من أي مكان من الحل كالتنعيم أو عرفة؛ لحديث عائشة رضي الله عنها لما أرادت العمرة بعد حجها، أمر النبي صلى الله عليه وسلم أخاها أن يخرج بها إلى الحل لتحرم بالعمرة من هناك. متفق عليه. وانظر السؤال (32845) . ثانياً: إن مرَّ مريد الحج والعمرة على الميقات دون أن ينوي الإحرام منه: فإنه يلزمه أن يرجع إلى الميقات الذي مرَّ عليه ليحرم منه، فإن لم يفعل وأحرم من مكانه فإنه يلزمه – على قول جمهور العلماء – ذبح شاة في مكة وتوزيعها على مساكين الحرم. سئل علماء اللجنة الدائمة عمن سافر من أجل العمل في موسم الحج، ويقيمون خارج مكة، ولم يحرموا من الميقات، فمن أين يحرمون؟ فأجابت: " بالنسبة للإحرام للعمرة أو الحج مادام أنكم ذهبتم للعمل وتجاوزتم الميقات فإذا أراد أحد الإحرام فإنه يحرم من مكانه داخل الميقات؛ لأنه دخل بنية العمل، وقد قال صلى الله عليه وسلم عند ذكر المواقيت: (ومن كان دون ذلك فمهله من حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة) إلا من كان منكم عازماً على الحج أو العمرة حين مروره على الميقات فإن عليه أن يرجع إلى الميقات ليحرم منه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما وقَّت المواقيت: (هنَّ لهنَّ ولمن أتى عليهنَّ من غير أهلهنَّ ممن أراد الحج والعمرة) " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/140، 141) . وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: " من تجاوز الميقات بدون إحرام فلا يخلو من حالين: إما أن يكون مريداً للحج والعمرة: فحينئذٍ يلزمه أن يرجع إليه ليحرم منه بما أراد من النسك – الحج أو العمرة - فإن لم يفعل فقد ترك واجباً من واجبات النسك، وعليه عند أهل العلم فدية: دم يذبحه في مكة، ويوزعه على الفقراء هناك. وأما إذا تجاوزه وهو لا يريد الحج والعمرة: فإنه لا شيء عليه " انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (21/السؤال رقم 341) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69934 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3921 لبس حمالة الطفل أثناء الإحرام [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم لبس حمالة الأطفال التي تعلق على الجسم أثناء أداء فريضة العمرة " تسمى بالإنجليزية " Kangoro".؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج في لبس ما يسمى بحمالة الأطفال، أثناء الإحرام؛ لأن ذلك ليس من الألبسة المنصوص على منعها حال الإحرام، ولا هي في معنى المنصوص. وهي أشبه ما تكون بحمل قربة الماء، أو وعاء النفقة، أو بحمل المتاع على الظهر مع شده بحبل على الصدر، وهذا لا محظور فيه كما سيأتي. والألبسة التي منع منها المحرم: هي القميص (الثوب) ، السراويل، البرانس (وهي ثياب واسعة لها غطاء يغطى به الرأس متصل بها) العمائم، الخفاف (جمع خف، وهو ما يلبس على الرِّجْل من جلد) . وقد دل على ذلك: ما رواه البخاري (5805) ومسلم (1177) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عمر رضي الله عنهما قَالَ: قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا تَأْمُرُنَا أَنْ نَلْبَسَ إِذَا أَحْرَمْنَا؟ قَالَ: (لا تَلْبَسُوا الْقَمِيصَ وَالسَّرَاوِيلَ وَالْعَمَائِمَ وَالْبَرَانِسَ وَالْخِفَافَ إِلا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ لَيْسَ لَهُ نَعْلَانِ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ، وَلا تَلْبَسُوا شَيْئًا مِنْ الثِّيَابِ مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ وَلا وَرْسٌ) . ويلحق بذلك ما كان في معناه، كالجبة والعباءة، والتبان (السراويل القصير) ، والطاقية، والجورب، وكل ما كان مفصلا على الجسم أو بعض الجسم مما يلبس عادة. قال الشيخ ابن باز رحمه الله مبينا اللباس الذي يمنع منه المحرم: " ويتضح بالحديث المذكور أن المراد بالمخيط ما خيط أو نسج على قدر البدن كله كالقميص، أو نصفه الأعلى كالفنيلة، أو نصفه الأسفل كالسراويل. ويلحق بذلك ما يخاط أو ينسج على قدر اليد كالقفاز أو الرجل كالخف) انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (17/118) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ولو تقلد الإنسان بسيف أو مسدس جاز؛ لأنه لا يدخل فيما نص عليه الرسول صلى الله عليه وسلم لا لفظا ولا معنى. ولو ربط بطنه بحزام جاز. ولو علق على كتفه قربة ماء جاز، أو وعاء نفقة جاز. المهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم عدّ ما يحرم عدا، فما كان بمعناه ألحقناه به، وما لم يكن بمعناه لم نلحقه به، وما شككنا فيه فالأصل الحل) انتهى من "الشرح الممتع" (7/152) . فحمالة الطفل المسئول عنها لا تزيد على ما ذكره الشيخ من تعليق القربة على الكتف، وهي شبيهة أيضا بحمل المتاع مع شده بحبل ونحوه. وقد نص بعض العلماء على أنه يجوز للمحرم أن يحمل متاعه على ظهره، ويشده بحبل على صدره إذا احتاج لذلك، هذا يشبه إلى حد بعيد حمالة الطفل. انظر: "منح الجليل شرح مختصر خليل" (2/308) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 60186 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3922 لماذا يحرم على الحاج لبس المخيط [السُّؤَالُ] ـ[لماذا حرم الله على الحجاج لبس المخيط، وما الحكمة من ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: فرض الله الحج على من استطاع إليه سبيلاً من المكلفين، مرة في العمر، وجعله ركناً من أركان الإسلام، لما هو معلوم من الدين بالضرورة، فعلى المسلم أن يؤدي ما فرضه الله عليه؛ إرضاءً لله وامتثالاً لأمره، رجاءَ ثوابه وخوف عقابه، مع الثقة بأن الله تعالى حكيم في تشريعه وجميع أفعاله، رحيم بعباده، فلا يشرع لهم إلا ما فيه مصلحتهم وما يعود عليهم بالنفع العميم في الدنيا والآخرة، فإلى ربنا الملك الحكيم سبحانه التشريع، وعلى العبد الامتثال مع التسليم. ثانياً: لمشروعية التجرد من المخيط في الحج والعمرة حكم كثيرة منها: تذكر أحوال الناس يوم البعث، فإنهم يبعثون يوم القيامة حفاة عراة ثم يكسون، وفي تذكر أحوال الآخرة عظة وعبرة، ومنها: إخضاع النفس، وإشعارها بوجوب التواضع، وتطهيرها من درن الكبرياء، ومنها إشعار النفس بمبدأ التقارب والمساواة والتقشف، والبعد عن الترف الممقوت، ومواساة الفقراء والمساكين ... إلى غير ذلك من مقاصد الحج على الكيفية التي شرعها الله وبينها رسوله صلى الله عليه وسلم. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (فتاوى اللجنة 11/179) (* تنبيه: ليس المراد بالمخيط ما كان فيه خيوط، بل المراد بالمخيط هو ما فُصِّل على أعضاء الجسم كالجاكيت – المفصل على اليدين والصدر – والسروال – المفصل على الرجلين – والخفين – المفصل على القدمين – والقفازين للمرأة – المفصل على الكفين -، وبناءً عليه فيجوز لبس الساعة التي فيها خيوط، والحذاء الذي فيه خيوط، والحزام الذي فيه خيوط ... الخ) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 20501 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3923 تقليم الأظافر للمحرم [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للرجل عندما يحرم من الميقات أن يجلس ويقلم أظافره، أم لا يجوز له ذلك إلا بعد أن يذبح الهدي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا فعل ذلك قبل الإحرام فلا حرج في ذلك، إلا أن يكون أراد أن يضحي وقد دخل شهر ذي الحجة فلا يجوز له ذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، وأما فعل ذلك بعد الإحرام أي بعد نية الدخول في الإحرام فلا يجوز مطلقاً؛ لأن المحرم ليس له أن يقلم أظفاره أو يأخذ شيئاً من شعره إلا إذا فرغ من طوافه وسعيه للعمرة، فإنه يتحلل من إحرامه بالحلق أو التقصير، وهكذا في الحج إذا رمى جمرة العقبة، فإنه يشرع له أن يحلق أو يقصر، والحلق أفضل، ثم يتحلل سواء كان ذلك قبل الذبح أو بعده، وكونه بعد الذبح أفضل إذا تيسر ذلك. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (فتاوى اللجنة 11/178) . الحديث: 26715 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3924 قبل وباشر زوجته وهو محرم [السُّؤَالُ] ـ[شخص حاج، وقع في محذور، وهو تقبيل زوجته وإنزاله خارج القبل بشهوة بعد رمي جمرة العقبة والحلق وقبل طواف الإفاضة، وهي غير حاجة، أفتونا مأجورين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز لمسلم أحرم لحج أو عمرة أو بهما أن يتعرض لما يفسد إحرامه، أو ينتقص عمله، والقبلة حرام على من أحرم بالحج حتى يتحلل التحلل الكامل، وذلك برمي جمرة العقبة، والحلق أو التقصير وطواف الإفاضة والسعي إن كان عليه سعي؛ لأنه لا يزال في حكم الإحرام الذي يحرم عليه النساء، ولا يفسد حج من قبل امرأته وأنزل بعد التحلل الأول، وعليه أن يستغفر الله ولا يعود لمثل هذا العمل، ويجبر ذلك بذبح رأس من الغنم يجزئ في الأضحية يوزعه على فقراء الحرم المكي، والواجب المبادرة إلى ذلك حسب الإمكان. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (فتاوى اللجنة 11/188) . الحديث: 26331 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3925 لبس الإحرام ثم أراد ترك الحج [السُّؤَالُ] ـ[إذا لبس الإحرام لعمرة أو لحج ثم فسخها ماذا يجب عليه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا لبس الإزار والرداء ولم ينو الدخول في الحج أو العمرة ولم يلب بذلك فهو بالخيار: إن شاء دخل في الحج أو العمرة، وإن شاء ترك ذلك، ولا حرج عليه إذا كان قد أدى حجة وعمرة الإسلام، أما إن كان قد نوى الدخول في الحج أو العمرة فليس له فسخ ذلك والرجوع عنه، بل يجب عليه أن يكمل ما أحرم به على الوجه الشرعي؛ لقول الله سبحانه: {وأتموا الحج والعمرة لله} البقرة196، وبهذا يتضح لك: أن المسلم إذا دخل في حج أو عمرة بالنية فليس له رفض ذلك، بل يجب عليه أن يكمل ما شرع فيه؛ للآية الكريمة المذكورة، إلا أن يكون قد اشترط، وحصل المانع الذي خاف منه فله أن يتحلل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لضباعة بنت الزبير لما قالت: يارسول الله إني أريد الحج وأنا شاكية، قال: «حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني» متفق على صحته. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (فتاوى اللجنة 11/166) . الحديث: 20663 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3926 أصلع تضره الشمس فهل يغطي رأسه وهو محرم؟ [السُّؤَالُ] ـ[إنني أرغب في الحج إن شاء الله ومشكلتي هي: أنني رجل أصلع - بدون شعر يغطي الرأس -، وبشرتي حساسة جداً، وأي أشعة شمس تؤثر على صحتي، وتسبب التهاباً شديداً في بشرة الرأس، وظهور الشرايين بالرأس خاصة وبالوجه عامة، وكما تعلم أن من محظورات الإحرام تغطية الرأس، أرجو من سماحتكم إفتائي عن هذه الحالة، علماً أنني رجل قصير القامة، ولا أستطيع أن أحمل المظلة؛ لأنها تؤذي من حولي. هذا والله يرعاكم ويسدد خطاكم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الأمر كما ذكر فإنك تغطي رأسك وأنت محرم، وتفدي فتذبح شاة تطعمها الفقراء في مكة، أو تطعم ستة مساكين بالحرم: لكل مسكين نصف صاع من تمر أو غيره من قوت البلد، أو تصوم ثلاثة أيام. هذا بالنسبة للإحرام بالحج، وكذلك لو أحرمت بالعمرة فعليك فدية أخرى. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (فتاوى اللجنة الدائمة 11/181) الحديث: 26724 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3927 تغيير ملابس الإحرام [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمحرم من الرجال والنساء تغيير إحرامه بإحرام آخر، سواء كان في وقت الحج أو العمرة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز للمحرم بحج أو عمرة تغيير إحرامه بملابس أخرى للإحرام، ولا تأثير لهذا التغيير على إحرامه بالحج أو العمرة. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (فتاوى اللجنة 11/185) الحديث: 26722 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3928 هل يلبس القفازين في الطواف حتى لا يمس النساء؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لبس القفازات أثناء الإحرام؟ خصوصاً أثناء الطواف والسعي بسبب التقارب الشديد بين النساء والرجال والذي قد يسبب اللمس ونقض الوضوء.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز للمحرم أن يلبس القفازين، رجلاً كان أم امرأة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تَنْتَقِبْ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ وَلا تَلْبَسْ الْقُفَّازَيْنِ) . رواه البخاري (1838) . والحديث وإن كان في حق المرأة إلا أن العلماء اتفقوا على تحريم لبس الرجل القفازين وهو مُحرم. انظر "المغني" (5/120) . وفتح الباري (4/53) . وأما لمس النساء في الطواف والسعي، فإن لمس المرأة الأجنبية حرام، فعلى الرجل أن يحتاط، ويبتعد عن أماكن النساء، ثم إذا لمس امرأة من غير قصد فلا حرج عليه، لقول الله تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) الأحزاب/5. وأما نقض الوضوء بلمس المرأة فقد سبق في إجابة السؤال رقم (2178) أن الأرجح من أقوال العلماء أن لمس المرأة لا ينقض الوضوء. سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن حكم طواف من لامس امرأة أجنبية فقال: لمس الإنسان جسم المرأة حال طوافه أو حال الزحمة في أي مكان لا يضر طوافه، ولا يضرّ وضوءه، في أصح قولي العلماء، وقد تنازع الناس في لمس المرأة هل ينقض الوضوء؟ على أقوال: قيل: لا ينقض مطلقاً. وقيل: ينقض مطلقاً. وقيل: ينقض إن كان مع الشهوة. والأرجح من هذه الأقوال والصواب منها أنه لا ينقض الوضوء مطلقاً، وأن الرجل إذا مس المرأة أو قبّلها لا ينتقض وضوؤه في أصح الأقوال، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قَبَّل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ، ولأن الأصل سلامة الوضوء، وسلامة الطهارة .... وبهذا يُعلم أن الذي مسّ جسمه جسم امرأة في الطواف أن طوافه صحيح، وهكذا الوضوء، ولو مسّ امرأته أو قبّلها فوضوؤه صحيح ما لم يخرج منه شيء، لكن ليس له أن يمس جسم امرأة ليست محرماً له على وجه العمد " اهـ. مجموع فتاوى ومقالات متنوعة ج/17ص/218-219. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20710 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3929 لماذا يلبس الحجاج تلك الملابس؟ [السُّؤَالُ] ـ[لماذا الحاج يرتدي تلك الملابس في الحج؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أمرنا الله على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بارتداء الإزار والرداء في الحج وفي العمرة لحكمة يعلمها، فوجب علينا الامتثال؛ رجاءَ الثواب، سواء علمنا الحكمة أم لم نعلمها، ومما ذكره العلماء في ذلك: التذكير بحال الناس يوم الجمع والنشور يوم القيامة، وإشعار الحاج بالتواضع والتساوي بين الغني والفقير، نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد والثبات على الحق حتى نلقاه. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (فتاوى اللجنة 11/171) الحديث: 21237 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3930 انتقبت في حجها فهل عليها شيء [السُّؤَالُ] ـ[ذهبت للحج منذ سنتين وكنت منقبة ثم علمت انه لا يجوز تغطية الوجه خلال الحج، ولكني عندما لبست النقاب كان قد قيل لي ومن مصدر موثوق به أنه يجوز تغطية الوجه.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله 1. ستر الوجه للمرأة خلق حسن ورحم الله المتنقبات رحمة كبيرة ولعلك أختي في الله لم تسألي إلا حرصاً على دينك – زادك الله حرصاً – إلا أن من الحرص الأعظم أن نحافظ على أوامر الدين التي تأمر النساء بنزع النقاب عن وجوههن عند الصلاة وفي الحج ولكن في الصلاة خاصة فإنه لا يحل ستر الوجه بحال إلا إن حضر من الرجال من هو من غير المحارم وفي الحج يجوز للمرأة أن تسدل على وجهها الغطاء إن لم يكن مفصلاً على حدود وجهها فالنقاب وهو ما يسمى (البرقع) لا يحل للمحرمة اتخاذه ويحل لها أن تسدل على وجهها غطاءاً تلقيه من رأسها على وجهها إلا إن تعذر غير النقاب (البرقع) وحضر من لا يحل له النظر إلى وجه المرأة فإنه يحل لها النقاب (البرقع) وإلا فلا. عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: " قام رجل فقال يا رسول الله ماذا تأمرنا أن نلبس من الثياب في الإحرام فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تلبسوا القميص ولا السراويلات ولا العمائم ولا البرانس إلا أن يكون أحد ليست له نعلان فليلبس الخفين وليقطع أسفل من الكعبين ولا تلبسوا شيئا مسه زعفران ولا الورس ولا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين ". رواه البخاري (1468) ومسلم (1177) . 2. وأما جواز السدل على الوجه بغير النقاب أو خشية الرجال الأجانب، فقد صحَّ ذلك عن بعض الصحابيات الجليلات: عن عائشة قالت: كنا نخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن محرمات فإذا التقينا الركبان سدلنا الثوب على وجوهنا سدلاً. رواه أبو داود (1833) وابن ماجه (2935) . يقول الشيخ ابن عثيمين: لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حرّم على المحرمة تغطية وجهها وإنما حرم عليها النقاب فقط لأنه لباس الوجه وفرق بين النقاب وتغطية الوجه وعلى هذا فلو أن المرأة المحرمة غطت وجهها لقلنا: هذا لا بأس به ولكن الأفضل أن تكشفه ما لم يكن حولها رجال أجانب فيجب عليها أن تستر وجهها عنهم. " الشرح الممتع " (7/153) . 3. أما بالنسبة لما مضى من حجك بالصورة التي ذكرتِ فلاشيء عليك لعذر الجهل، وكل محظورات الإحرام من فعلها جاهلاً أو ناسياً: فلا إثم عليه ولا فدية. فعن يعلى بن أمية رضي الله عنه أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة قد أهل بالعمرة وهو مُصفر لحيته ورأسه وعليه جبة فقال يا رسول الله إني أحرمت بعمرة وأنا كما ترى فقال انزع عنك الجبة واغسل عنك الصفرة وما كنت صانعا في حجك فاصنعه في عمرتك. رواه البخاري (1697) ومسلم (1180) . قال الشيخ ابن عثيمين: ومثل النسيان: الجهل والإكراه، أي: لو أن الإنسان نسي فلبس ثوباً وهو محرم فليس عليه شيء، ولكن عليه متى ذكر أن يخلعه ويلبس الإزار والرداء، وكذلك الطيب، فلو تطيب وهو محرم ناسياً فلا شيء عليه، لكن عليه إذا ذكر أن يبادر بغسله. " الشرح الممتع " (7/222) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 4182 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3931 تغطية الرأس للمحرم، والتظليل بالشمسية [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز تغطية الرأس بمظلة أثناء الحج لتحمي الجسم من أشعة الشمس؟ هذه المظلة يمكن أن توضع على الكتف وتكون اليدان طليقتين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: اتفق العلماء على أن ستر الرأس محرم على الرجل في الإحرام، وقد دل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي مات بعرفة وهو محرم: (اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ وَلا تُمِسُّوهُ طِيبًا وَلا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا) . رواه البخاري (1267) ومسلم (1206) . ومعنى: (لا تخمروا رأسه) أي: لا تغطوه. وروى البخاري (1542) ومسلم (1177) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنْ الثِّيَابِ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا يَلْبَسُ الْقُمُصَ، وَلا الْعَمَائِمَ، وَلا السَّرَاوِيلاتِ، وَلا الْبَرَانِسَ، وَلا الْخِفَافَ) . والبرنس ثوب يلبسه أهل المغرب، له رأس متصلة به. ثانياً: تغطية المحرم رأسه على أقسام: الأول: أن يغطيها بما يلاصق الرأس، كالطاقية والعمامة وما أشبه ذلك فهذا حرام، ودليل تحريمه الحديثان السابقان. الثاني: أن يغطي رأسه بما لا يلاصقه كالشمسية والخيمة وسقف السيارة ونحو ذلك، فلا بأس به، لقول أم حصين رضي الله عنها: حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ فَرَأَيْتُهُ حِينَ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَانْصَرَفَ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَمَعَهُ بِلالٌ وَأُسَامَةُ أَحَدُهُمَا يَقُودُ بِهِ رَاحِلَتَهُ وَالآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الشَّمْسِ. رواه ومسلم (1298) . قال النووي: فِيهِ: جَوَاز تَظْلِيل الْمُحْرِم عَلَى رَأْسه بِثَوْبٍ وَغَيْره , وَهُوَ مَذْهَبنَا وَمَذْهَب جَمَاهِير الْعُلَمَاء اهـ. وقال الشيخ ابن عثيمين: وهذا كالشمسية تماماً اهـ وقال الشيخ ابن باز: لا حرج على المحرم أن يستعمل الشمسية اتقاءً للشمس، كما يستظل في الخيمة وسقف السيارة اهـ فتاوى ابن باز (17/115) . الثالث: حمل المتاع على الرأس، فلا بأس به لأنه لا يقصد به الستر غالباً، لكن إن قصد به الستر فهو حرام. قال الشيخ ابن باز: وأما حمل المتاع فليس من الغطاء المحرم كحمل الطعام ونحوه إذا لم يفعل ذلك حيلة، لأن الله سبحانه وتعالى قد حرم على عباده التحيل لفعل ما حرم اهـ فتاوى ابن باز (17/115) . والله أعلم انظر: الشرح الممتع (7/141-143) مناسك الحج والعمرة (ص 52-53) للشيخ ابن عثيمين. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 7268 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3932 وقع في العادة السرية في ليالي منى في الحج! [السُّؤَالُ] ـ[رجل - في دينه رقة - أدى الحج ووقع في العادة السرية مرة واحدة في إحدى ليالي المبيت بمنى، فهل عليه شيء؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يتعجب المرء حين يسمع عن حجاج تركوا ديارهم وأهلهم، وأقبلوا بقلوبهم وأبدانهم على أداء النسك الذي جعله الله تعالى ركناً من أركان الإسلام، ثم يعصي الواحد منهم ربَّه تعالى، وأين؟ في المشاعر! بل وفي الحرم، فـ " منى " من المشاعر وهي داخلة في حدود الحرم، وقد سبق في جواب السؤال (329) حرمة العادة السرية، ومما لا شك فيه أن المعصية تعظم بعظم الزمان والمكان، وهو ما حصل في تلك المعصية، والتي فُعلت في الحرم وفي زمان معظَّم وهي أيام التشريق أيام المناسك وذكر الله تعالى. والمعصية في الحج تنقص ثوابه، وقد قال العلماء عن الحج المبرور: إنه الذي لا يخالطه إثم. ويدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ) أي: بغير ذنب. رواه البخاري (1521) ومسلم (1350) . فالواجب على الشخص المسئول عنه أن يتوب إلى الله ويستغفر، وأن يندم ندماً صادقاً على فعله، وأن يعزم على عدم العوْد لهذا الذنب، مع الإكثار من الطاعات ودعاء الله تعالى أن يتقبل منه. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " المعصية مطلقا تنقص من ثواب الحج، لقوله تعالى:) فمن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) البقرة/197. بل إن بعض أهل العلم قال: إن المعصية في الحج تفسد الحج؛ لأنه منهي عنها في الحج، ولكن جمهور أهل العلم على قاعدتهم المعروفة أن التحريم إذا لم يكن خاصا بالعبادة فإنه لا يبطلها، والمعاصي ليست خاصة بالإحرام، إذ المعاصي حرام في الإحرام وغير الإحرام، وهذا هو الصواب، وأن هذه المعاصي لا تبطل الحج ولكنها تُنْقِصُ الحج " اهـ. "فتاوى أركان الإسلام" ص 571. وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله عن رجل زاول العادة السرية بعد أن أحرم بالحج وقبل الذهاب إلى عرفات، فأجاب: " الحج صحيح في أصح قولي العلماء. وعليك التوبة إلى الله من ذلك؛ لأن تعاطي العادة السرية محرم في الحج وغيره، لقول الله عز وجل: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) المؤمنون/5 – 7. [الْمَصْدَرُ] الحديث: 44833 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3933 هل يجوز أن يلبس الجاكيت في الإحرام إذا كان الجو بارداً؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن نتغطى بالجاكيت أو أي شيء آخر أثناء الإحرام إذا كان الجو بارداً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلا قال: يا رسول الله ما يلبس المحرم من الثياب؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يلبس المحرم القميص ولا السراويل ولا البرنس ولا الخفين إلا أن لا يجد النعلين فليلبس ما هو أسفل من الكعبين) رواه البخاري (5458) ومسلم (1177) . ففي الحديث: نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن لبس أشياء مخصوصة للمحرِم، وإباحة ما سواها، ويقاس على ما نهى عنه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما كان مثله، فالجاكيت أو العباءة إذا وضعهما المحرم على كتفيه فهو لباس منهي عنه، ويجوز له أن يلتحف بهما إذا أراد الدفء دون لبسهما. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " وكذلك يجوز أن يلبس كل ما كان من جنس الإزار والرداء، فله أن يلتحف بالقباء والجبة والقميص ونحو ذلك، ويتغطى به - باتفاق الأئمة - عرضا، ويلبسه مقلوباً، يجعل أسفله أعلاه ويتغطى باللحاف وغيره، ولكن لا يغطي رأسه إلا لحاجة " انتهى. " مجموع الفتاوى " (26 / 110) . وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – في بيان ما يحرم على المحرم من الرجال لبسه -: " لا يلبس القميص ولا العمائم ولا البرانس ولا السراويل ولا الخفاف إلا إذا لم يجد إزاراً فيلبس السراويل، أو لم يجد نعلين فيلبس الخفاف. ولا يلبس ما كان بمعنى ما سبق، فلا يلبس العباءة ولا القباء ولا الطاقية ولا الفنيلة ونحوها " انتهى. " كيف يؤدي المسلم مناسك الحج والعمرة " (ص 7، 8) . وقال أيضاً: ولا بأس أن يلف القميص على جسمه بدون لبس، ولا بأس أن يجعل العباءة رداءً بحيث لا يلبسها كالعادة. " مناسك الحج والعمرة " (ص 64) . وعلى هذا، فإذا كان الجو بارداً فللمحرم أن يلتحف بعباءة أو غيرها من غير أن يلبسها على الوجه المعتاد، فإذا احتاج إلى لبس جاكيت لكونه لا يجد شيئاً يدفع به البرد إلا هو فلا حرج عليه في لبسه، وعليه أن يخرج الفدية: ذبح شاة أو صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين. يفعل أي واحد من هذه الأشياء الثلاثة لحديث كعب بن عجرة رضي الله عنه لما احتاج أن يحلق رأسه وهو محرم، قال له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَاحْلِقْ، وَصُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، أَوْ انْسُكْ نَسِيكَةً) رواه البخاري (4190) ومسلم (1201) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 41140 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3934 فعل العادة السرية وهو محرم [السُّؤَالُ] ـ[ماذا على من فعل العادة السرية في اليوم الثامن من أيام الحج وهو محرم؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحج صحيح في أصح قولي العلماء. وعليك التوبة إلى الله من ذلك، لأن تعاطي العادية السرية، محرم في الحجّ وغيره، لقول الله عز وجل: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِين * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) المؤمنون / 5-7، ولما فيها من المضار الكثيرة التي أوضحها العلماء. نسأل الله لنا ولكم الهداية والتوفيق. وعليك دم يذبح في مكّة للفقراء. اهـ فتاوى الشيخ ابن باز 17/139 ولمعرفة حكم الاستمناء راجع سؤال رقم 329. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 40825 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3935 هل يجوز للمحرم أن يسرح شعره؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمحرم أن يسرح شعره بالمشط؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال ابن عثيمين رحمه الله: تمشيط المحرم شعره لا ينبغي لأن الذي ينبغي للمحرم أن يكون أشعث أغبر، ولا حرج عليه أن يغسله، وأما تمشيطه فإنه عرضة لتساقط الشعر، ولكن إذا سقط شعر من المحرم بدون قصد إما لحك رأسه أو لفركه وما أشبه ذلك فإنه لا حرج عليه في هذا، لأنه غير متعمد إزالته، وليعلم أن جميع محظورات الإحرام إذا لم يتعمدها الإنسان ووقعت منه على سبيل الخطأ أو على سبيل النسيان فإنه لا حرج عليه فيه، لأن الله سبحانه وتعالى قال في كتابه: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الأحزاب / 5. وقال سبحانه وتعالى: (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) البقرة / 286. فقال الله: قد فعلت اهـ. [الْمَصْدَرُ] فتاوى أركان الإسلام (ص521-522) الحديث: 36897 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3936 لا بأس بلبس الحزام في الإحرام [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لبس الحزام لأضع فيه النفقة والأوراق التي أحتاج إليها، مع أنه مخيط؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ ابن عثيمين: وضع الحزام على الإزار لا بأس به، ولا حرج فيه. أما قول السائل: " أنه مخيط " هذا القول مبني على فهم خاطئ من بعض العامة، حيث ظنوا أن المراد به ما كان فيه خياطة، وليس كذلك بل مراد أهل العلم بلبس المخيط ما كان مصنوعاً على قدر العضو وليس على هيئته المعتادة كالقميص والسراويل والفنيلة، وما أشبه ذلك، وليس مراد أهل العلم ما كان به خياطة، ولهذا لو أن الإنسان أحرم برداء مرقع أو بإزار مرقع لم يكن عليه في ذلك بأس وإن كان قد خيط بعضه ببعض اهـ. [الْمَصْدَرُ] فتاوى أركان الإسلام (ص525) الحديث: 36854 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3937 من فعل محظوراً من محظورات الإحرام ناسياً أو جاهلاً [السُّؤَالُ] ـ[إذا فعل المحرم شيئاً من محظورات الإحرام ناسياً أو جاهلاً أنه حرام فما الحكم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ ابن عثيمين: إذا فعل شيئاً من محظورات الإحرام ناسياً أو جاهلاً فلا شيء عليه، ولكن يجب عليه بمجرد ما يزول العذر أن يتخلى عن ذلك المحظور والواجب تذكير الناسي، وتعليم الجاهل. مثال هذا: لو أن رجلاً نسي فلبس ثوباً وهو محرم فلا شيء عليه، ولكن من حين ما يذكر يجب عليه أن يخلع هذا الثوب، وكذلك لو نسي فأبقى سرواله عليه، ثم تذكر بعد أن عقد النيّة ولبى، فإنه يجب عليه أن يخلع سرواله فوراً ولا شيء عليه، وكذلك لو كان جاهلاً فإنه لا شيء عليه مثل أن يلبس فنيلة ليس فيها خياطة، ظناً منه أن المُحَرَّم لبس ما فيه خياطة فإنه لا شيء عليه، ولكن إذا تبيّن له أن الفنيلة وإن لم يكن بها خياطة فإنها من اللباس الممنوع فإنه يجب عليه أن يخلعها. والقاعدة العامة في هذا أن جميع محظورات الإحرام إذا فعلها الإنسان ناسياً أو جاهلاً أو مكرها فلا شيء عليه لقوله تعالى: (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) البقرة /286. فقال الله تعالى: قد فعلت. ولقوله تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الأحزاب /5. ولقوله تعالى في خصوص الصيد، هو من محظورات الإحرام: (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً) المائدة /95. ولا فرق في ذلك بين أن يكون محظور الإحرام من اللباس، والطيب ونحوهما، أو من قتل الصيد وحلق شعر الرأس ونحوهما، وإن كان بعض العلماء فرّق بين هذا وهذا، ولكن الصحيح عدم التفريق، لأن هذا من المحظور الذي يعذر فيه الإنسان بالجهل والنسيان والإكراه. [الْمَصْدَرُ] فتاوى أركان الإسلام (ص 536-537) الحديث: 36522 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3938 إصدار خطاب تعريف بالراتب لمن يشتري عن طريق البنك [السُّؤَالُ] ـ[الذين يشترون السيارات عن طريق البنوك أو الإيجار المنتهي بالتمليك يطلبون من جهة العمل خطاب تعريف بالراتب، الشخص المسؤول عن إصدار هذه الخطابات هل يجوز له أن يمنحها لهم أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله: إذا كان يعلم أنهم إنما يريدون ذلك ليتوصلوا به إلى هذه المعاملة المحرمة صار ذلك حراماً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه، وقد نهى الله تعالى عن ذلك فقال: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) . والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الحديث: 8949 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3939 غسل الجسم للتبرد أثناء الإحرام [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمحرم أن يغسل جسمه كله للتبرد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز للمسلم أن يغسل جسمه كله للتبرد إذا كان فيه حر، وهذا فيه تنشيط له على هذه العبادة، ويحرص في أثناء الغسل على أنه لا يتساقط شيء من شعره أو بشرته. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (فتاوى اللجنة 11/184) الحديث: 20707 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3940 هل يجوز للمحرم لبس النِّعال [السُّؤَالُ] ـ[أرجو أن تفيدني ما إذا كان يجوز للمحرم أن يلبس النعال ذات الشريطين. وهل ورد أي تحريم بخصوص ما ينتعل به المحرم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله السنة أن يُحرم الذكر في نعلين لأنه جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين) فالأفضل أن يُحرم في نعلين حتى يتوقى الشوك والرمضاء والشيء البارد، فإن لم يُحرم في نعلين فلا حرج عليه. انظر فتاوى إسلامية ج/2 ص/232. والنعال هو الحذاء قال الفيروزأبادي: ما وُقيت به القدم من الأرض. القاموس المحيط ج/ ص/1374 فكلُّ ما يصدق عليه أنه نعال فإنه يجوز له أن يُحرم فيه. ولا عبرة في الخيطان الموجودة، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 14263 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3941 النعناع ليس من الطيب [السُّؤَالُ] ـ[هل النعناع يعد من الطيب المحظور في الإحرام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله النعناع ليس من الطيب، بل هو أولى من الريحان الفارسي، الريحان الفارسي يشبه اليشموم، وهو وإن كانت رائحته طيبة فليس من الطيب، بخلاف الريحان المعروف فإنه طيب طرياً ويابساً. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله. الحديث: 21180 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3942 هل من المحظورات وضع كيس على عضو من به سلس [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم أن يضع المحرم صاحب السلس شيئاً على العضو - مثل الكيس - حتى لا تنتشر النجاسة؟ هل هو من محظورات الإحرام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله بأن هذا ليس من محظورات الإحرام. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن صالح العثيمين الحديث: 11013 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3943 أحرم بالعمرة في آخر شعبان وأداها في رمضان فهل له أجر عمرة في رمضان؟ [السُّؤَالُ] ـ[رجل أحرم بالعمرة قبل أذان المغرب في آخر يوم في شعبان، وبعد المغرب أُعلن دخول رمضان، فهل تحسب له عمرة في رمضان أم لا؟ والمقصود: أنه دخل في نية الإحرام قبل المغرب، وأدى العمرة في الليل - ليلة رمضان -.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله للعمرة في رمضان ثواب جليل، وهو أجر حجة. فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لِامْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ: (مَا مَنَعَكِ أَنْ تَحُجِّي مَعَنَا؟ قَالَتْ: لَمْ يَكُنْ لَنَا إِلَّا نَاضِحَانِ [بعيران] ، فَحَجَّ أَبُو وَلَدِهَا وَابْنُهَا عَلَى نَاضِحٍ، وَتَرَكَ لَنَا نَاضِحًا نَنْضِحُ عَلَيْهِ، قَالَ: فَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَاعْتَمِرِي، فَإِنَّ عُمْرَةً فِيهِ تَعْدِلُ حَجَّةً) وفي رواية لمسلم: (حجة معي) رواه البخاري (1782) ومسلم (1256) . وحتى يحصِّل المسلم ذلك الأجر العظيم: فإن عليه أن يحرم للعمرة، ويؤدي مناسكها في شهر رمضان، لا أن يحرم لها في اليوم الأخير لشعبان، ولو أدى مناسكها في رمضان، ولا أن يحرم لها في رمضان، ويؤدي مناسكها في شوال. فهما صورتان لا يكون لمؤدي العمرة فيهما أجر حجة: الصورة الأولى: أن يحرم للعمرة في آخر شهر شعبان، ويؤدي المناسك بعد دخول شهر رمضان. الصورة الأخرى: أن يحرم للعمرة قبل غروب شمس اليوم الأخير من رمضان، ويؤدي مناسكها في ليلة العيد. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: "والمعتمر في رمضان لا بد أن تكون عمرته من ابتداء الإحرام إلى انتهائه في رمضان، وبناء على ذلك نأخذ مثالاً آخر: لو أن رجلاً وصل إلى الميقات في آخر ساعة من شعبان، وأحرم بالعمرة، ثم غربت الشمس، ودخل رمضان بغروب الشمس، ثم قدم مكة، وطاف، وسعى، وقصَّر، هل يقال: إنه اعتمر في رمضان؟ . الجواب: لا؛ لأنه ابتدأ العمرة قبل دخول شهر رمضان. مثال ثالث: رجل أحرم بالعمرة قبل غروب الشمس من آخر يوم من رمضان، وطاف، وسعى للعمرة في ليلة العيد، فهل يقال: إنه اعتمر في رمضان؟ . الجواب: لا، لأنه لم يعتمر في رمضان؛ لأنه أخرج جزءاً من العمرة عن رمضان، والعمرة في رمضان من ابتداء الإحرام إلى انتهائه" انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " (21 / 352، 353) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 141234 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3944 هل يعتمر الزوجان جميعاً، أو يدخرا المال ليحج الزوج وحده؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل الأولى الادخار للحج السنة القادمة أم العمرة الآن؟ الآن أنا وزوجي معنا مال يكفي لنعتمر معاً ولكن إذا لم نعتمر حتى العام القادم ممكن يتوفر بعض المال ليحج هو وحده ولكن هذا غير مؤكد فما هو الأولى؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الذي ننصحكما به هو المبادرة إلى أداء العمرة، ما دمتم مستطيعين وذلك لعدة أسباب: 1- أن المشروع للمؤمن أن يبادر إلى الأعمال الصالحة، قال الله تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) آل عمران/133، وقال تعالى: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ) الحديد/21. وقال بعض السلف: من فتح له باب من الخير فلينتهزه، فإنه لا يدري متى يغلق عنه. 2- أنك غير متأكدة من استطاعة زوجك الحج العام القادم بسبب كفاية المال، بل حتى لو وجد المال فقد توجد أمور أخرى كالانشغال أو غيره تمنعه من الحج، فيكون قد أخَّر العمرة من غير حاجة أو مصلحة أعظم، ولم يتمكن من الحج. 3- أنكما الآن تستطيعان العمرة، فهي واجبة عليكما، وأما الحج، فليس واجباً عليكما الآن ـ بسبب عدم الاستطاعة ـ وليس من الحكمة أن يؤجل الإنسان ما يجب عليه الآن، من أجل أن يأتي فيما بعد بما لم يكن واجباً عليه. فأنتما الآن مأموران بالعمرة، ـ ما دمتما مستطيعين ـ ولستما مأمورين بالحج، لعدم الاستطاعة، فعليكما الإتيان بالعمرة، امتثالا لأمر الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ) رواه البخاري (7288) ومسلم (1337) . 4- ثم إنك لم تذكري شيئاً عن هذا المبلغ المدخر، هل هو ملك لزوجك، أو ملك لكما ادخرتماه معاً؟ فإن كان المبلغ لكما، فقد ذكر العلماء رحمهم الله أنه لا يجوز الإيثار بالطاعات الواجبة، فليس لك أن تعطي مالك لزوجك ليحج هو به، ثم لا تعتمرين أنت. قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: "الإيثار بالقرب على نوعين: النوع الأول: القرب الواجبة: فهذه لا يجوز الإيثار بها، ومثاله رجل معه ماء يكفي لوضوء رجل واحد فقط، وهو على غير وضوء، وصاحبه الذي معه على غير وضوء ففي هذه الحال لا يجوز أن يؤثر صاحبه بهذا الماء؛ لأنه يكون قد ترك واجباً عليه وهو الطهارة بالماء، فالإيثار في الواجب حرام ... " انتهى. "لقاءات الباب المفتوح" اللقاء/35 ص 22. ونسأل الله لكما التوفيق إلى ما يحب ويرضى. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131681 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3945 يقوم البنك بعمل قرعة ويعطي الفائز مالاً يؤدي به العمرة [السُّؤَالُ] ـ[كل سنة يقوم أحد البنوك بعمل قرعة والفائزون يحصلون على أموال للعمرة، فهل يجوز أداء العمرة بهذه الأموال من البنك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان البنك إسلاميا تنضبط معاملاته بالشرع، ودفع هذه الجوائز من ماله للتشجيع على التعامل معه، فلا حرج عليك في أخذ المال وأداء العمرة به. وأما إن كان البنك ربويا، فإنه لا يجوز الإيداع فيه إلا لضرورة حفظ المال، ولا يجوز الانتفاع بالفائدة التي يقدمها، بل تصرف في المصالح العامة. وعليه؛ فما جاءك من هذا المال لا يجوز أن تعتمر منه ولا أن تنتفع به لنفسك، بل تتخلص منه بإنفاقه في وجوه الخير ومصالح المسلمين. وهذه الجوائز التي تعطيها البنوك للمودعين فيها هي صورة من صور الربا، وحيلة من الحيل حتى يخدعوا بها الناس، ليقبلوا على التعامل الربوي مع هذا البنك. وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: عن بعض البنوك التجارية بدول الخليج تقوم بوضع جوائز مثل: سيارات أو بيوت جاهزة لمن يفتح في البنك حساب توفير لحفظ أمواله، وتعمل قرعة بين زبائن البنك، ثم يفوز بالجائزة أحد الزبائن، فما حكم هذه الجائزة سواء كانت عينية أو مادية؟ فأجابوا: " إذا كان الأمر كما ذكر، فإن هذه الجوائز غير جائزة؛ لأنها فوائد ربوية مقابل إيداع الأموال في البنوك الربوية، وتغيير الأسماء لا يغير الحقائق " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (15/196) . وينظر جواب السؤال رقم (72413) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121136 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3946 حجت مفردة مع زوجها وتركا السعي [السُّؤَالُ] ـ[حججت مع زوجي مفردة، وأنا من سكان مكة، ولم نقم بالسعي، فماذا علينا؟ وإن كان هناك فدي فما هي الجهة التي يمكن الاعتماد عليها في توزيعه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله السعي ركن من أركان الحج، لا يتم الحج بدونه، ولا يتحلل المحرم التحلل الأكبر حتى يأتي به، وأما التحلل الأصغر الذي يباح به كل شيء إلا النساء فيحصل بالرمي والحلق، فإذا طاف المحرم وسعى تحلل التحلل الأكبر، وحل له كل شيء. والمفرد لا يلزمه إلا سعي واحد، فإن سعى بعد طواف القدوم كفاه هذا السعي. وعليه؛ فإذا لم تكوني سعيت بعد طواف القدوم، فأنت على إحرامك الآن، لم تتحللي التحلل الأكبر، ولا يجوز لزوجك أن يجامعك حتى تتحللا، وذلك بفعل السعي. وإن كان قد وقع الجماع في هذه المدة عن جهل، فلا شيء عليكما، والأحوط أن تخرجا فدية، وهي ذبح شاة أو إطعام ستة مساكين أو صيام ثلاثة أيام، عن كل واحد منكما. ولا يحصل لكما التحلل إلا بالسعي. وعليكما الاستغفار والتوبة من هذا التقصير والتفريط، فلا أنتما فعلتما النسك كما أمر الله، ولا سألتما أهل العلم خلال هذه المدة الطويلة، مع وجودكما في مكة ويسر إتيانكما بالسعي. وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: أنا من سكان مكة حججت العام الماضي وطفت ولكن لم أسع، فما الحكم؟ فأجاب: "عليك السعي، وهذا غلط منك، ولا بد من السعي سواء كنت من أهل مكة أو من غيرهم، لا بد من السعي بعد الطواف بعد النزول من عرفات تطوف وتسعى، فالذي ترك السعي يسعى الآن، وإذا كان أتى زوجته عليه ذبيحة يذبحها في مكة للفقراء؛ لأنه لن يحصل له التحلل الثاني إلا بالسعي، فعليه أن يسعى الآن بنية الحج السابق، وعليه دم إن كان قد أتى زوجته " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (17/341) . وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله فيمن حج وترك السعي لعجزه عن المشي واستئجار عربة: " وأما بالنسبة لترك السعي، فهذا غلط؛ لأنه يجب عليك إتمام المناسك، والسعي ركن من أركان الحج لا يتم الحج إلا به، فإن كنت قد أحرمت مفردًا بالحج أو قارنًا بين الحج والعمرة وسعيت بعد طواف القدوم فإنه ليس عليك سعي آخر بعد طواف الإفاضة، أما إن كنت متمتعًا أو كنت قارنًا أو مفردًا ولم تسع بعد طواف القدوم فإن السعي باق عليك، فيجب عليك أن تذهب وأن تسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط بنية سعي الحج، وإذا كان حصل منك مواقعة لزوجتك في هذه المدة، فإنك تذبح شاة دم جبران توزعه على فقراء مكة، وإذا أردت العودة إلى بلدك فإنك تطوف للوداع " انتهى من "المنتقى من فتاوى الفوزان". والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 119335 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3947 الحكمة من تشريع الحج مرة واحدة في العمر [السُّؤَالُ] ـ[لماذا ينبغي على المسلمين أن يزوروا مكة على الأقل مرة واحدة في العمر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله وبعد: فنحن المسلمين نشعر بالشرف، والفخر أننا عبيدٌ لله الواحد الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، وأنه ربنا ولا رب لنا سواه، ولذا فإننا نتلقى أوامر الرب الكريم ونحن في غاية الخضوع والتسليم لما يأمرنا به؛ لأننا نعلم أنه هو الحكيم الذي ليس فوق حكمته حكمةُ أحد، ونعلم أنه هو الرحيم الذي لا أحد أرحم منه سبحانه وبحمده، ولذا فنحن نحبه حبا يُلزمنا بطاعته فيما يأمرنا به، ولو كان هذا الأمر فيه مشقة علينا؛ فنحن نشعر بالفخر والسعادة والراحة ونحن نؤدِّي ما يأمرُنا به. وإذا كان الإنسان إذا أحب إنساناً آخر فإنه يحب أن يخدمه، وربما يسعد بذلك، فما بالك بالرب الكبير العظيم الذي خلقنا ورزقنا وكل ما بأيدينا فهو نعمة منه سبحانه ـ وله المثل الأعلى ـ فنحن مدينون لربنا بكل شيء، فيجب علينا أن نسارع لكل ما يأمرنا به، لعلنا نشكر شيئاً يسيراً جدّاً من نعمه العظيمة، ولن نستطيع لكن الله الكريم بفضله الواسع يقبل منا أعمالنا القليلة، ويجازينا عليها بالكثير. فمثلًا: (الحج) : لو أنَّ مسلما أدَّى الحج على الوجه الذي طلبه منه ربه فإن الله وعده بأن يغفر له ذنبه، ويدخله الجنة بشرط أن لا يفسد هذا العمل بارتكاب مخالفات عظيمة تغضب الله جل جلاله. ومن زيادة رحمة الله بهذه الأمة، أن الله جعل وجوب طاعته فيما يأمرنا به أو يأمرنا به رسوله صلى الله عليه وسلم معلقاً بالاستطاعة، فمتى كان العبد مستطيعاً قادراً وجب عليه أن يأتي بالأمر المطلوب منه وإلا سقط عنه، وهو معذور، قال تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا) البقرة/286 أي: طاقتها، وفي " الحج " – خاصة - قال تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) آل عمران/97. ومن رحمته أن أوجبه على عباده مرة واحدة في العمر حتى لا يشق عليهم، لكنه حث من كان لديه قدرة وطاقة أن يكثر من الحج والعمرة فقال صلى الله عليه وسلم: " تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد " رواه النسائي (2 / 4) وهو حديث صحيح كما قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " (1200) . وهذه العبادة العظيمة إنما شرعها الله لنعظّمه ونكبّره ونشكرَه على جميل نعمه، وعظيم فضله، فليس المقصود من الطواف بالكعبة هو مجرد الدوران على هذه الأحجار ‍! لا، بل المقصود هو أن الله أمرنا أن نطوف بها سبعا فنحن نطيع الله ونطوف بها سبعا لا نزيد ولا ننقص بل نفعل ما أمرنا به ونحن نشعر أننا عبيد له أذلاء بين يديه فنكبره ونعظمه ونشكره أن شرفنا بعبوديتنا له عن كثير من بني البشر الذين يعبدون آلهة شتى، بل ربما يعبدون ذواتهم أو شهواتهم. وهكذا في جميع مناسك الحج، بل في جميع العبادات التي شرعها الله لنا، فالحمد لله الذي شرفنا بهذا الدين العظيم. ثم إن اهتمامك بالسؤال عن الحج وأنت بهذا السن يدل على حرص منك على المعرفة والتعلم، فننصحك بمزيد التعرف على الإسلام والقراءة حوله وستكتشف بنفسك أنه دين الفطرة الذي يضع قدمك على الطريق الموصلة لرضا ربك العظيم، الذي خلقك ورزقك فهو يستحق منك أن تعبده وحده دون غيره. ولعل من المناسب أن تعلم أن نبينا صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا أن أخاه نبيّ الله عيسى عليه السلام سوف ينزل في آخر الزمان وسوف يحج لهذا البيت العظيم وهو يعلن التوحيد لله سبحانه، ونحن نؤمن أن هذا سيقع كما أخبرنا عليه الصلاة والسلام، كما نؤمن أن الشمس تطلع في وضح النهار، قال صلى الله عليه وسلم: " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُهِلَّنَّ ابْنُ مَرْيَمَ بِفَجِّ الرَّوْحَاءِ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا أَوْ لَيَثْنِيَنَّهُمَا " رواه مسلم (1252) ، ومعنى (ليهلن) : أي: ليلبين بالحج أو بالعمرة أو بهما معا، و (فج الروحاء) : مكان بين مكة والمدينة. نسأل الله أن يشرح صدرك للهدى.. آمين. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 22466 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3948 الذي يحج عن غيره هل يأخذ مالاً؟ وهل يدعو لنفسه؟ وهل الأجر كاملاً؟ [السُّؤَالُ] ـ[في حالة الحج بالإنابة عن شخص ما، هل ينصرف أجر الذِّكر والدعاء في الطواف والسعي ويوم عرفة للشخص المنيب أم للشخص الذي يقوم بالحج؟ وهل يجوز للذي يحج عن غيره أن يدعو لنفسه ولأهله خلال الحج في الطواف أو السعي أو يوم عرفة أم لا؟ وما هي الأعمال التي يمكن أن يقوم بها من يحج عن غيره خلال الحج ويكون ثوابها له؟ وهل له أجر أم أن أجره المال الذي أخذه مقابل الحج فقط؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الحج بالإنابة ثابت في السنَّة الصحيحة عن المريض في بدنه العاجز عن الوصول لمكة لأداء المناسك، وعن الميت الذي لم يحج، بشرط أن يكون النائب حج عن نفسه أولاً. ولا يجوز الحج عمن لا يستطيع الحج إذا كان عذره مؤقتا ويرجى زواله، كامرأة لا يوجد محرم لها يسافر معها، أو رجل ليس عنده إثبات شخصية، أو رجل تمنعه دولته من السفر، فهؤلاء يمكن أن تتغير أحوالهم، وتتبدل ظروفهم إلى أن يستطيعوا القيام بالنسك بأنفسهم، بخلاف العاجز في بدنه عجزاً مزمناً. ثانياً: لا يجوز لمن يحج عن غيره أن يكون قصده المال، فليست العبادة عرضة للتجارة، ولا من مجالات الربح، والأفضل لمن أراد أن يحج عن غيره أن يتبرع بها كاملة من غير أن يأخذ مالاً، وهذا له أجر عظيم، وهو في أعلى المراتب، كما يجوز أن يطلب من أهل من سيحج عنهم تكاليف السفر وأداء المناسك، دون أن يستوفي زيادة على قدر تلك التكاليف، إلا أن يعطوه شيئاً منهم عن طيب نفسٍ منهم، وله أجر على فعله ذاك، وهو في أوسط المراتب، وأما من قصد بالحج عن غيره المال والدنيا: فلا ثواب له على عمله ذلك. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "الحاجَّة عن الميت: إن كان قصدها الحج، أو نفع الميت: كان لها في ذلك أجرٌ، وثواب، وإن كان ليس مقصودها إلا أخذ الأجرة: فما لَها في الآخرة مِن خلاق [أي: نصيب] " انتهى. " مجموع الفتاوى " (26 / 18) . وقال رحمه الله: "الحاج عن الغير لأن يوفي دَيْنه: فقد اختلف فيها العلماء أيهما أفضل، والأصح: أن الأفضل: الترك؛ فإن كون الإنسان يحج لأجل أن يستفضل شيئاً من النفقة: ليس من أعمال السلف، حتى قال الإمام أحمد: ما أعلم أحداً كان يحج عن أحدٍ بشيءٍ، ولو كان هذا عملاً صالحاً: لكانوا إليه مبادرين، والارتزاق بأعمال البر ليس من شأن الصالحين، أعني: إذا كان إنما مقصوده بالعمل اكتساب المال. وهذا المَدين يأخذ من الزكاة ما يوفي به دَيْنه خير له من أن يقصد أن يحج ليأخذ دراهم يوفي بها دَيْنه، ولا يستحب للرجل أن يأخذ مالاً يحج به عن غيره إلا لأحد رجلين: إما رجل يحب الحج، ورؤية المشاعر، وهو عاجز، فيأخذ ما يقضي به وطره الصالح، ويؤدي به عن أخيه فريضة الحج. أو رجل يحب أن يُبرئ ذمَّة الميت عن الحج، إما لصلة بينهما، أو لرحمة عامة بالمؤمنين، ونحو ذلك، فيأخذ ما يأخذ ليؤدي به ذلك. وجِماع هذا: أن المستحب أن يأخذ ليحج، لا أن يحج ليأخذ، وهذا في جميع الأرزاق المأخوذة على عمل صالح، فمن ارتزق ليتعلم، أو ليعلِّم، أو ليجاهد: فحسن ... . وأمَّا من اشتغل بصورة العمل الصالح لأن يرتزق: فهذا من أعمال الدنيا، ففرق بين من يكون الدين مقصوده، والدنيا وسيلة، ومن تكون الدنيا مقصوده، والدِّين وسيلة، والأشبه: أن هذا ليس له في الآخرة مِن خلاق، كما دلت عليه نصوص" انتهى. " مجموع الفتاوى " (26 / 19، 20) . وسئل الشيخ عبد العزيز باز رحمه الله: هل الحج عن الآخرين مشروع على الإطلاق أم خاص بالقرابة؟ ثم هل يجوز أخذ الأجرة على ذلك؟ ثم إذا أخذ الأجرة على حجة عن غيره فهل له أجر في عمله هذا؟ . فأجاب: "الحج عن الآخرين ليس خاصّاً بالقرابة، بل يجوز للقرابة، وغير القرابة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم شبَّهه بالدَّيْن، فدل ذلك على أنه يجوز للقرابة، وغير القرابة. وإذا أخذ المال وهو يقصد بذلك المشاهدة للمشاعر العظيمة، ومشاركة إخوانه الحجاج، والمشاركة في الخير: فهو على خير إن شاء الله، وله أجر. أما إذا كان لم يقصد إلا الدنيا: فليس له إلا الدنيا، ولا حول ولا قوة إلا بالله؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) متفق على صحته" انتهى. " مجموع فتاوى ابن باز " (16 / 423) . ثالثاً: إذا حج الإنسان عن غيره فإنَّ أجر المناسك من طواف وسعي والوقوف بعرفة ومزدلفة وغيرها هو لمن جُعل الحج له، وأما الصلاة والدعاء: فهما لمن قام بالحج إلا ركعتي الطواف فهما تابعتان للحج لأنهما من المناسك، والأفضل أن يشرك معه في الدعاء من يحج عنه، ويُرجى أن يكون للمحجوج عنه أجر تلك الصلاة والدعاء؛ لأنه السبب في طاعة من قام بالحج. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: "الذي يحج عن غيره: إنما يجعل الحج وما يتعلق به للغير، أما الدعاء: فهو لنفسه، ولكن من الأحسن أن يشرك غيرَه، أي: يشرك الذي حج عنه، أو اعتمر، بالدعاء، فيقول: اللهم اغفر لمن كانت له هذه الحجة، أو كانت له هذه العمرة؛ اغفر له ولي، وارحمنا، ويدعو بما يشمل نفسه، ون أعطاه المال ليحج به، أما بقية الأفعال كالطواف والسعي والوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة ورمي الجمرات، والمبيت بمنى، وطواف الوداع: فكل هذا للذي حج عنه، وليس له منه شيء" انتهى. " اللقاء الشهري " (16 / 15) . وسئل الشيخ رحمه الله: شخص حج عن غيره ولكنه ظل يدعو لنفسه في الحج دون غيره؟ . فأجاب: "لا حرج في هذا، يعني: لو أن الإنسان حج عن غيره، ولكنه عند الميقات قال: " لبيك عن فلان " ونوى أن هذا النسك لفلان، وكان في طوافه وسعيه ووقوفه بعرفة يدعو لنفسه: فحجه صحيح؛ لأن الدعاء ليس شرطاً في صحة الحج، ولكننا نرى أن الأولى: أن يدعو لنفسه ولأخيه؛ لأن أخاه هو الذي تكفل بمؤونة الحج، فلا يحرمه من الدعاء، وأما النسك: فقد تم بدون دعاء" انتهى. " لقاءات الباب المفتوح " (88 / السؤال رقم 9) . رابعاً: اختلف العلماء فيمن حجَّ عن غيره، هل يأخذ أجر الحج عن غيره وعن نفسه، ويرجع كيوم ولدته أمه أم أن هذا فقط للمحجوج عنه؟ ولا شك أن هذا الخلاف هو فيمن حج عن غيره ولم يكن قصده بذلك تحصيل المال، والذي ذكرناه عن الشيخين ابن باز والعثيمين أن له أجراً، لكن ليس كأجر الحج عن نفسه – وينظر كلام الشيخ العثيمين أيضاً في جواب السؤال رقم (45766) ، وهو قول علماء اللجنة الدائمة للإفتاء. فقد سئلوا عن الرجل الذي يحج بأجرة عن ميت؛ سواء كان رجلا أو امرأة، أو عن عاجز، لكبر سنٍّ، أو مرض لا يرجى برؤه، هل هذا المؤجر له أجر من الله؟ . فأجابوا: "مَن حجَّ أو اعتمر عن غيره بأجرة أو بدونها: فثواب الحج والعمرة لمن ناب عنه، ويُرجى له أيضا أجر عظيم، على حسب إخلاصه ورغبته للخير، وكل من وصل إلى المسجد الحرام وأكثر فيه من نوافل العبادات وأنواع القربات: فإنه يُرجى له خيرٌ كثيرٌ إذا أخلص عمله لله" انتهى. الشيخ عبد العزيز باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان. " فتاوى اللجنة الدائمة " (11 / 77، 78) . وخالف بعض العلماء في ذلك، فقالوا بأن له ولمن حج عنه الأجر كاملاً؛ لعموم حديث (مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوم وَلَدَتْهُ أُمُّهُ) متفق عليه، وإذا كان (مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ) كما صحَّ الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: فأولى لمن قام بالفعل حقيقة أن يأخذ الأجر كاملاً. وفضل الله تعالى واسع، يعطي من يشاء بغير حساب. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111407 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3949 حكم من أحس بتعب قبل إكمال الطواف [السُّؤَالُ] ـ[أنا امرأة مريضة ذهبت إلى العمرة وعندما طفت ثلاثة أشواط أصبت بالدوخة ماذا يجب علي أن أفعل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "عليك أن تستريحي وتكملي الطواف، فإن طال الفصل فأعيدي الطواف من أوله. أما إذا زالت الدوخة بسهولة وسرعة فكملي الطواف ويكفي والحمد لله" انتهى. فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله. "مجموع فتاوى ابن باز" (17/435، 436) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109222 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3950 لا يجب الإحرام على من دخل مكة إلا إذا كان مريداً للنسك [السُّؤَالُ] ـ[هل يجب على من دخل مكة للعمل أن يحرم بالحج أو العمرة عند دخوله إليها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "من توجه إلى مكة ولم يرد حجا ولا عمرة؛ كالتاجر، والحطَّاب، والبريد ونحو ذلك فليس عليه إحرام إلا أن يرغب في ذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر المواقيت: (هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة) ، فمفهومه أن من مر على المواقيت ولم يرد حجا ولا عمرة فلا إحرام عليه. وهذا من رحمة الله بعباده وتسهيله عليهم، فله الحمد والشكر على ذلك، ويؤيد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أتى مكة عام الفتح لم يحرم، بل دخلها وعلى رأسه المغفر؛ لكونه لم يرد حينذاك حجا ولا عمرة، وإنما أراد افتتاحها وإزالة ما فيها من الشرك" انتهى. فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله. "مجوع فتاوى ابن باز" (16/44، 45) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109223 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3951 اعتمر وترك السعي [السُّؤَالُ] ـ[معتمر قبل سبع سنوات ترك السعي ليخرج مع رفقته معتقداً أنه إذا أبطل هذا العمل بطل حجه، وحج بعد ذلك واعتمر ماذا يلزمه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "تأخير هذا السائل سؤاله إلى ما بعد سبع سنوات خطأ عظيم، يجب على المرء أن يسأل عن دينه أولاً قبل أن يعمل، ثم إذا عمل وشك في نفسه من بعض الأفعال التي فعلها فليسأل عنها مباشرة، ولكن الأمر وقد وقع الآن، فالذي أرى أنه يجب عليه أن يذهب إلى مكة، ويأتي بعمرة فيطوف ويسعى ويقصر، ثم يأتي بالسعي الأول، لأنه ما زال دَيْناً في ذمته، والحجات التي حجها بعد ذلك هي حجات منفصلة ما نواها قضاء عما سبق" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (24/59، 60) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109231 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3952 زوجته ترضع فهل يؤخر الحج إلى العام القادم [السُّؤَالُ] ـ[نويت الحج هذا العام، لكن زوجتي ترضع، فقررت تأجيل الحج إلى السنة القادمة إن شاء الله، مع العلم أن حالتي المادية ميسرة والحمد لله؛ فهل علي شيء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كنت قد حججت حج الفريضة، فأنت مخير في حج التطوع بين أن تأتي به هذا العام، أو تؤخره لعام قادم نظرا لما ذكرت من انشغالك بأهلك أو رغبتك في مرافقتهم لك ونحو ذلك، ولك ألا تأتي به أصلا؛ لأنه تطوع غير مفروض. وإذا كان السؤال عن حج الفرض، فهذا ينبني على كون الحج واجبا على الفور أو على التراخي، وفي ذلك خلاف بين الفقهاء، والراجح أنه واجب على الفور، فمن ملك الزاد والراحلة وجب عليه أن يحج، ولم يجز له تأخيره، وانظر السؤال رقم (41702) . وبناء على ذلك: فإن كان تركك لأهلك لا يترتب عليه مضرة لها أو لرضيعها، لزمك الحج هذا العام، وليس لك تأخيره رغبة في ذهاب أهلك معك. وأما زوجتك فإن كان لديها من المال ما تحج به، أو تبرعتَ أنت لها بنفقة الحج، ولم يكن عليها أو على رضيعها مضرة في ذهابها للحج، أو كان يمكنها تركه لدى من يرعاه ويقوم عليه، لزمها الحج، وإلا جاز لها التأخير. والمقصود أنه قد يجب الحج على الزوج، ولا يجب على الزوجة، بالنظر لتوفر الشروط أو وجود الموانع، فلا يؤخر الزوج حجه الواجب رغبة في اصطحاب أهله للحج. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ما نصه: " زوجتي لم تؤد فريضة الحج إلى الآن، ولدينا طفل عمره أربعة أشهر وهو يرضع من أمه، فهل تحج أم تبقى عند طفلها، وهل الأفضل إذا حجت أن تأخذ حبوباً لإيقاف دم الحيض أم لا تأخذ أفيدونا وفقكم الله؟ فأجاب: " إذا كان الطفل لا يتأثر ولا يتضرر بسفرها عنه، بأن يرضع من لبن غير لبن أمه، وعنده من يحضنه حضانة تامة، فلا حرج عليها أن تحج خصوصاً إذا كانت فريضة، أما إذا كان يخشى على الطفل، فإنه لا يحل لها أن تحج ولو كانت حجة الفريضة؛ لأن المرضع يباح لها أن تدع صيام الفرض إذا خافت على ولدها، فكيف لا تدع المبادرة بالحج إذا خافت على الولد؟ فإذا خافت على الولد فإن الواجب أن تبقى، وإذا كبر في العام القادم حجت، ولا حرج عليها إذا بقيت وتركت الحج؛ لأن الحج في هذه الحالة لا يجب عليها على الفور. أما استعمال الحبوب في الحج أو في العمرة فلا بأس بها؛ لأن هذه حاجة، ولكن يجب أن تستأذن الطبيب وأن تراجعه؛ لأنه قد تكون الحبوب ضارة فتضرها " انتهى من "اللقاء الشهري" (10/25) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 108340 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3953 ما هو الحجّ [السُّؤَالُ] ـ[ما الحج؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحج هو قصد الكعبة بيت الله الحرام لأداء المناسك وهي أفعال وأقوال جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة حجّه كالطواف سبعا بالبيت الحرام والسعي سبعا بين جبلي الصّفا والمروة والوقوف في عرفة ورمي الجمرات بمنى وغير ذلك، وفيه منافع عظيمة للعباد من إعلان التوحيد لله والمغفرة العظيمة للحجاج والتعارف بين المسلمين وتعلّم أحكام الدّين وغير ذلك. واهتمامك بالسّؤال عن الحجّ أيّها الفتى مع صغر سنّك وبُعْد مكانك في كندا هو أمر جيد تُشكر عليه، ونسأل الله لك التمكين من حجّ بيته وقضاء فرضه، وصلى الله على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2804 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3954 أثر الحج على نفس المسلم وحياته [السُّؤَالُ] ـ[ما أثر أداء الحج على نفس المسلم وحياته؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لأداء مناسك الحج فضائل متعددة وحِكَم بالغة من وفق لفهمهما والعمل بها وفق لخير عظيم، وسنحاول هنا ذكر ما تيسر: 1. سفر الإنسان إلى الحج لأداء المناسك: يتذكر سفره إلى الله والدار الآخرة، وكما أن في السفر فراق الأحبة والأهل والأولاد والوطن؛ فإن السفر إلى الدار الآخرة كذلك. 2. وكما أن الذاهب في هذا السفر يتزود من الزاد الذي يبلغه إلى الديار المقدسة، فليتذكر أن سفره إلى ربه ينبغي أن يكون معه من الزاد ما يبلغه مأمنه، وفي هذا يقول الله تعالى: (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى) البقرة/197. 3. وكما أن السفر قطعة من العذاب فالسفر إلى الدار الآخرة كذلك، وأعظم منه بمراحل، فأمام الإنسان النزع والموت والقبر والحشر والحساب والميزان والصراط ثم الجنة أو النار، والسعيد من نجَّاه الله تعالى. 4. وإذا لبس المحرم ثوبي إحرامه فإنه يذكر كفنه الذي سيكفن فيه، وهذا يدعوه إلى التخلص من المعاصي والذنوب، وكما تجرد من ثيابه فعليه أن يتجرد من الذنوب، وكما لبس ثوبين أبيضين نظيفين، فكذلك ينبغي أن يكون قلبه وأن تكون جوارحه بيضاء لا يشوبها سواد الإثم والمعصية. 5. وإذا قال في الميقات " لبيك اللهم لبيك " فهو يعني أنه قد استجاب لربه تعالى، فما باله باقٍ على ذنوب وآثام لم يقل لربه بها " لبيك اللهم لبيك " يعني: استجبت لنهيك لي عنها وهذا أوان تركها؟ 6. وتركه للمحظورات أثناء إحرامه، واشتغاله بالتلبية والذكر: يبين له حال المسلم الذي ينبغي أن يكون عليه، وفيه تربية له وتعويد للنفس على ذلك، فهو يروض نفسه ويربيها على ترك مباحات في الأصل لكن الله حرمها عليه ها هنا، فكيف يتعدى على محرمات حرمها الله عليه في كل زمان ومكان؟ 7. ودخوله لبيت الله الحرام الذي جعله الله أمناً للناس يتذكر به العبد الأمن يوم القيامة، وأنه لا يحصله الإنسان إلا بكد وتعب، وأعظم ما يؤمن الإنسان يوم القيامة التوحيد وترك الشرك بالله، وفي هذا يقول الله تعالى: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) الأنعام/81. وتقبيله للحجر الأسود وهو أول ما يبدأ به من المناسك يربي الزائر على تعظيم السنة، وأن لا يتعدى على شرع الله بعقله القاصر، ويعلم أن ما شرع الله للناس فيه الحكمة والخير، ويربي نفسه على عبوديته لربه تعالى، وفي هذا يقول عمر رضي الله عنه بعد أن قبَّل الحجر الأسود: (إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبِّلُك ما قبلتك) رواه البخاري (1520) ومسلم (1720) . 8. وفي طوافه يتذكر أباه إبراهيم عليه السلام، وأنه بنى البيت ليكون مثابة للناس وأمناً، وأنه دعاهم للحج لهذا البيت، فجاء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ودعا الناس لهذا البيت أيضاً، وكذا كان يحج إليه موسى وعيسى عليهما السلام، فكان هذا البيت شعاراً لهؤلاء الأنبياء، وكيف لا وقد أمر الله تعالى إبراهيم عليه السلام ببنائه وتعظيمه. 9. وشربه لماء زمزم يذكره بنعمة الله تعالى على الناس في هذا الماء المبارك والذي يشرب منه ملايين الناس على مدى دهور طويلة ولم ينضب، ويحثه على الدعاء عند شربه لما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم (أن ماء زمزم لما شرب له) رواه ابن ماجه (3062) وأحمد (14435) وهو حديث حسن حسَّنه ابن القيم رحمه الله في " زاد المعاد " (4 / 320) . 10. ويعلمه السعي بين الصفا والمروة عظيم تحمل أمنا هاجر للابتلاء، وكيف أنها كانت تتردد بين الصفا والمروة بحثاً عن نفسٍ تخلصها مما هي فيه من محنة، وخاصة في شربة ماء لولدها الصغير – إسماعيل -، فإذا صبرت هذه المرأة على هذا الابتلاء ولجأت لربها فيه، فلنا فيها أسوة حسنة، فالرجل يتذكر جهاد المرأة وصبرها فيخفف عليه ما هو فيه، والمرأة تتذكر من هي من بنات جنسها فتهون عليها الشدائد. 11. والوقوف بعرفة يذكر الحاج بازدحام الخلائق يوم المحشر، وأنه إن كان الحاج ينصب ويتعب من ازدحام آلاف فكيف بازدحام الخلائق حفاة عراة غرلا – غير مختونين –؟ 12. ومثل ما قلنا في تقبيل الحجر الأسود نقول في رمي الجمار حيث يعوِّد المسلم نفسه على الطاعة، والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وفي هذا إظهار للعبودية المحضة. 13. وأما ذبح الهدي فيذكره بالحادثة العظيمة في تنفيذ أبينا إبراهيم لأمر الله تعالى بذبح ولده البكر إسماعيل، وأنه لا مكان للعاطفة التي تخالف أمر الله ونهيه، ويعلمه كذلك خلق الاستجابة لما أمر الله بقول الذبيح إسماعيل: (يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين) الصافات/102. 14. فإذا ما تحلل من إحرامه وحلَّ له ما حرمه الله عليه بسبب الإحرام، رباه ذلك على الصبر، وأن مع العسر يسراً، وأن عاقبة المستجيب لأمر الله الفرح والسرور وهذه فرحة لا يشعر بها إلا من ذاق حلاوة الطاعة، كالفرحة التي يشعرها الصائم عند فطره، أو القائم في آخر الليل بعد صلاته. 15. وإذا انتهى من مناسك الحج وجاء به على ما شرع الله وأحب، وأكمل مناسكه رجا ربه أن يغفر له ذنوبه كلها كما وعد بذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (مَن حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه) رواه البخاري (1449) ومسلم (1350) ، ودعاه ذلك ليفتح صفحة جديدة في حياته خالية من الآثام والذنوب. 16. وإذا رجع إلى أهله وبنيه وفرح بلقائهم ذكَّره ذلك بالفرح الأكبر بلقائهم في جنة الله تعالى، وعرَّفه ذلك بأن الخسارة هي خسارة النفس والأهل يوم القيامة، كما قال تعالى: (قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين) الزمر/15. هذا ما تيسر ذكره والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 2807 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3955 إذا كان لديه مال يكفي للحج أو الهجرة الواجبة فأيهما يقدم؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا توفر لي مال يكفي للحج الواجب أو الهجرة من بلد كافر وتبرج عظيم ... إلى بلاد إسلام فماذا أختار؟ مع العلم أن والدي مقيمان الآن في هذا البلد الكافر.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الحج واجب على الفور في أصح قولي العلماء، ومعنى ذلك: أنه يجب على المكلف الحج بمجرد التمكن من فعله، ولا يجوز له تأخيره من غير عذر، وراجع السؤال رقم (41702) ثانيا: الهجرة من بلاد الكفر تكون واجبة أو مستحبة بحسب حال الإنسان، فإن قدر على إظهار دينه، وأمن الفتنة على نفسه، لم تجب عليه الهجرة، وإن لم يقدر على إظهار دينه، أو خشي الفتنة على نفسه، وجبت. وإذا وجبت الهجرة، ولم يجد الإنسان مالا ليهاجر ويحج، فالهجرة مقدمة، لأن الحج لا يجب إلا عند وجود نفقة زائدة على الحوائج الأساسية، والهجرة الواجبة تدخل في الحوائج الأساسية، فتقدم على الحج. وأيضا: تأخير الهجرة بعد وجوبها ضرر على المسلم في دينه، وأما الحج فيجوز تأخيره بعذر، ولا ضرر في ذلك. وهذا الكلام إنما يتصور في حال وجوب الهجرة في وقت الحج، وإلا فإن وجبت الهجرة قبل الحج، تعين فعلها، ثم إن جاء الحج، وتوفر المال، وجب، وإن لم يكن مال لم يجب. ونسأل الله تعالى أن يحفظك بحفظه، وأن يثبتك على طاعته. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 87962 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3956 تأخير الحج بدون عذر [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من أخر الحج بدون عذر وهو قادر عليه ومستطيع؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: من قدر على الحج ولم يحج الفريضة وأخره لغير عذر، فقد أتى منكراً عظيماً ومعصية كبيرة، فالواجب عليه التوبة إلى الله من ذلك والبدار بالحج؛ لقول الله سبحانه: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن غني عن العالمين) آل عمران/97 ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: " بني الإسلام على خمس: شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت" متفق على صحته (خ/ 8، م/ 16) ولقوله صلى الله عليه وسلم لما سأله جبرائيل عليه السلام عن الإسلام، قال:" أن تشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا " أخرجه مسلم في صحيحه (8) ، من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه. والله ولي التوفيق. ا. هـ. [الْمَصْدَرُ] من مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز رحمه الله (16 /359) الحديث: 26714 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3957 حجت قبل استقامتها فهل تعيد الحج؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا كنت قد أديت فريضة الحج قبل أن ألتزم دينيا بسنوات وقبل أن أرتدي الحجاب. الحمد لله قد أصبحت الآن على قدر من الالتزام وأرتدي الحجاب والنقاب. هل علي تأدية فريضة الحج أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحمد لله أولا: نحمد الله تعالى أن وفقك وهداك، وأخذ بيدك إلى طاعته ومرضاته، ونسأله سبحانه لنا ولك الثبات حتى نلقاه. ثانيا: حجك الماضي يكفيك عن حجة الإسلام، ولا يلزمك إعادته، حتى لو كنت مقصرة في التزامك وتمسكك بالدين وارتداء الحجاب، إلا إذا كنت في تلك الفترة تتركين الصلاة، واستمر تركك لها أثناء الحج أيضا، فحينئذ لا يعتدّ بحجك، لأن ترك الصلاة كفر، ولا يصح الحج مع وجود الكفر. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا حج من لا يصلي ولا يصوم فما حكم حجه وهو على تلك الحال؟ فأجاب: " ترك الصلاة كفر مخرج عن الملة، موجب للخلود في النار، كما دل على ذلك الكتاب والسنة وقول السلف رحمهم الله، وعلى هذا فهذا الرجل الذي لا يصلي لا يحل له أن يدخل مكة؛ لقوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) . وحجه وهو لا يصلي غير مجزئ ولا مقبول، وذلك لأنه وقع من كافر، والكافر لا تصح منه العبادات؛ لقوله تعالى: (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلا وَهُمْ كَارِهُونَ) " انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (21/45) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83473 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3958 أتاها الحيض قبل أن تقوم بعمرتها [السُّؤَالُ] ـ[ذهبت أنا وزوجتي إلى مكة قبل يومين لأداء العمرة، وفي الطائرة نوينا الإحرام للعمرة، وعند وصولنا إلى مكة ذهبنا للفندق لوضع الحقائب هناك، وبعد ذلك اكتَشَفَت زوجتي أنها أتتها الدورة الشهرية عندما وصلنا للفندق. فما الحكم في ذلك؟ هل عليها فدية؟ وكم مقدار الفدية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحيض لا يمنع المرأة من الإحرام بالحج والعمرة، ولكن يحرم عليها الطواف بالبيت إلا بعد أن تطهر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله عنها لما حاضت قبل دخول مكة: (افْعَلِي كَمَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي) متفق عليه. وثبت في صحيح البخاري أنها لما طهرت طافت بالبيت، وسعت بين الصفا والمروة، وهذا يدل على أنه إذا حاضت المرأة قبل الطواف فإنها لا تطوف ولا تسعى حتى تطهر. وعلى هذا فالواجب على زوجتك أن تنتظر حتى تطهر ثم تطوف بالبيت، وتسعى بين الصفا والمروة، ثم تقصر شعرها، وبهذا تكون قد أتمت عمرتها، وليس عليها فدية من أجل حيضها وهي محرمة. وانظر جواب السؤال (40608) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82012 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3959 حكم أداء العمرة عن الغير بين العمرة والحج للمتمتع [السُّؤَالُ] ـ[حججت حج تمتع هذه السنة، فهل يجوز للشخص أن يؤدي العمرة بالنيابة عن شخص آخر خلال الفترة بين الحج والعمرة (أذهب للتنعيم وأعتمر من هناك) ؟ قيل لي بأنه لا يجوز ولكنني أعرف ناس حجوا حج تمتع وبين عمرتهم وحجهم قاموا بعدة عمرات بالنيابة عن أشخاص آخرين وكذلك عمرة نفل لأنفسهم، فهل يجوز هذا أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا جائز، لكنه ليس من السنة، السنة للإنسان أن لا يكرر العمرة في السفرة الواحدة، إنما يكتفي بنسكٍ واحد فقط؛ لأن هذا هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم، أما الشخص يريد أن يعتمر عنه، فإن الأفضل أن يدعو له، هذا هو الأفضل في ذلك. [الْمَصْدَرُ] الشيخ / خالد المشيقح الحديث: 21469 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3960 تغيير الرأي لمن كان يريد الحج والعمرة [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان الشخص يفكر في الذهاب في إجازة، وأتته فكرة الذهاب لتأدية العمرة، فإذا قرر عدم الذهاب للعمرة، لكنه ذهب بدلا عن ذلك إلى مكان آخر، فهل من بأس في ذلك؟ لقد أُخبرت دائما بأن الشخص يذهب للعمرة والحج فقط إذا كان هناك طلب (نداء) وحان الوقت لذهابه. ومجرد مناقشة إمكانية الذهاب، وبعدها لا يذهب، فإن ذلك لا يعني أن الوقت (وقت قيام الشخص بالعمرة أو الحج) قد حان، أليس كذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أما حجّ الفريضة فينبغي المبادرة فيه لقوله عليه الصلاة والسلام: " تعجلوا الحج، فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له "، ولقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: من مات ولم يحج وله جدة فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا. وأما حجّ النافلة أو العمرة فللإنسان أن يغير رأيه، ولا يأثم مادام لم يدخل في النسك لقوله تعالى: (وأتموا الحج والعمرة لله) ، وله أن يختار الوقت الذي يناسبه ولو عزم على السفر ثم تراجع فلا حرج عليه. [الْمَصْدَرُ] الشيخ ابراهيم الخضيري. الحديث: 12213 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3961 بلغت وتوفيت قبل موسم الحج [السُّؤَالُ] ـ[بلغت ابنته ثم توفيت قبل أن يأتي موسم الحج، هل يجب أن يحج عنها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله: هل خلّفت مالا؟ -: إذا كان الجواب نعم. فأجاب: يُحجّ عنها والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن صالح العثيمين الحديث: 11668 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3962 لا يجب الحج على من اعتمر في أشهر الحج [السُّؤَالُ] ـ[قال لي أحد الأشخاص بأن الحج وجب عليَّ لأني اعتمرت قبل دخول شهر ذي الحجة، مع أني حججت قبل عامين، فهل ما قاله صحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما قاله لك هذا الشخص غير صحيح، لأن الحج لا يجب إلا مرة واحدة في العمر، لحديث ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ الْحَجُّ فِي كُلِّ سَنَةٍ أَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً؟ قَالَ: بَلْ مَرَّةً وَاحِدَةً، فَمَنْ زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ) رواه أَبُو دَاوُد (1721) وصححه الألباني وحيث إنك قد حججت قبل ذلك فلا يجب عليك الحج مرة أخرى. وأشهر الحج ثلاثة وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة، ولعل هذا الشخص فهم من تسميتها أشهر الحج أن من اعتمر فيها وجب عليه الحج، وهذا الفهم غير صحيح، بل معنى كونها أشهر الحج أن الحج لابد أن يقع فيها لا قبلها ولا بعدها. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين عن رجل حج متمتعا، ثم بعد أدائه للعمرة رجع إلى بلده ولم يحج، فهل عليه شيء ? فأجاب: لا شيء عليك لأن المتمتع إذا أحرم بالعمرة ثم بدا له أن لا يحج قبل أن يحرم بالحج فلا شيء عليه إلا أن ينذر أن يحج هذا العام، فإذا نذر وجب عليه الوفاء بنذره. اهـ. فتاوى ابن عثيمين (2/679) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 42507 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3963 هل يجوز تبديل ملابس الإحرام؟ [السُّؤَالُ] ـ[احتلمت وأنا نائم في " منى " عندما كنت في الحج، عندما استيقظت اغتسلت وغيرت ملابس الإحرام فهل فعلت الشيء الصحيح؟ وهل حجي صحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، يجوز للمحرم أن يغير ملابس إحرامه، وقد سبق ذكر فتوى علماء اللجنة الدائمة في جواب السؤال رقم (26722) ، ونزيد هنا فتوى للشيخ ابن عثيمين – رحمه الله -. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين: يجوز للمحرم بحج أو عمرة رجلاً كان أو أنثى تبديل ثياب الإحرام التي أحرم بها ولبس ثياب غيرها إذا كانت الثياب الثانية مما يجوز للمحرم لباسه. " المنهج لمريد العمرة والحج " (الفائدة الخامسة) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 42441 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3964 حج المرأة عن الرجل [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمرأة أن تحج عن أبيها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، يجوز أن ت حج المرأة عن الرجل. روى البخاري (1513) ومسلم (1334) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. قال ابن حزم في "المحلى" (5/317) : " وَجَائِزٌ أَنْ تَحُجَّ الْمَرْأَةُ عَنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ , وَالرَّجُلُ عَنْ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ , لأَمْرِ النَّبِيِّ عليه السلام الْخَثْعَمِيَّةَ أَنْ تَحُجَّ عَنْ أَبِيهَا , وَأَمْرِهِ عليه السلام الرَّجُلَ أَنْ يَحُجَّ عَنْ أُمِّهِ ; وَالرَّجُلَ أَنْ يَحُجَّ عَنْ أَبِيهِ , وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ يَنْهَى عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ , وَقَالَ تَعَالَى: (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ) وَهَذَا خَيْرٌ , فَجَائِزٌ أَنْ يَفْعَلَهُ كُلُّ أَحَدٍ عَنْ كُلِّ أَحَدٍ " انتهى. وقال ابن قدامة في "المغني" (5/27) : " يَجُوزُ أَنْ يَنُوبَ الرَّجُلُ عَنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ , وَالْمَرْأَةُ عَنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ , فِي الْحَجِّ , فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ. لا نَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا , إلا الْحَسَنَ بْنَ صَالِحٍ , فَإِنَّهُ كَرِهَ حَجَّ الْمَرْأَةِ عَنْ الرَّجُلِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: هَذِهِ غَفْلَةٌ عَنْ ظَاهِرِ السُّنَّةِ , فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ الْمَرْأَةَ أَنْ تَحُجَّ عَنْ أَبِيهَا " انتهى. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجوز للمرأة أن تحج عن والدها ولو كان لها إخوة ذكور بالغون؟ فأجاب: " يجوز للمرأة أن تحج عن والدها، ولو كان لها إخوة ذكور بالغون، والنيابة يقوم بها الرجال والنساء، ولهذا سألت امرأة من خثعم النبي صلى الله عليه وسلم. . وذكر الحديث المتقدم ثم قال: فأذن لها أن تحج، وهي امرأة عن رجل. ولكن لابد من المحرم في كل سفر، سواء سفر الحج أو غيره، وسواء سافرت المرأة لحجها عن نفسها، أو لحجها عن غيرها " انتهى. "فتاوى ابن عثيمين" (21/247) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 41897 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3965 مات ولم يحج تفريطا فهل يحج عنه؟ [السُّؤَالُ] ـ[من مات ولم يحج وهو في الأربعين، وكان مقتدراً على الحج مع أنه محافظ على الصلوات الخمس، وكان في كل سنة يقول: سوف أحج هذه السنة، ومات وله ورثة هل يحج عنه؟ وهل عليه شيء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " اختلف العلماء في هذا، فمنهم من قال: إنه يحج عنه وأن ذلك ينفعه، ويكون كمن حج لنفسه، ومنهم من قال: لا يحج عنه، وأنه لو حج عنه ألف مرة لم تقبل. يعني لم تبرأ بها ذمته، وهذا القول هو الحق، لأن هذا الرجل ترك عبادة واجبة عليه مفروضة على الفور بدون عذر، فكيف يذهب عنها، ثم نلزمه إياها بعد الموت، ثم التركة الآن تعلق بها حق الورثة، كيف نحرمهم من ثمن هذه الحجة وهي لا تجزئ عن صاحبها، وهذا هو ما ذكره ابن القيم رحمه الله في "تهذيب السنن"، وبه أقول: إن من ترك الحج تهاوناً مع قدرته عليه لا يجزئ عنه الحج أبداً، لو حج عنه الناس ألف مرة، أما الزكاة فمن العلماء من قال: إذا مات وأديت الزكاة عنه برأت الذمة، ولكن القاعدة التي ذكرتها تقتضي ألا تبرأ ذمته من الزكاة، لكني أرى أن تخرج الزكاة من التركة، لأنه تعلق بها حق الفقراء والمستحقين للزكاة، بخلاف الحج، فلا يؤخذ من التركة، لأنه لا يتعلق به حق إنسان، والزكاة يتعلق بها حق الإنسان، فتخرج الزكاة لمستحقيها، ولكنها لا تجزئ عن صاحبها، سوف يعذب بها عذاب من لم يزك، نسأل الله العافية، كذلك الصوم إذا علم أن هذا الرجل ترك الصيام وتهاون في قضائه، فإنه لا يقضى عنه، لأنه تهاون وترك هذه العبادة، التي هي ركن من أركان الإسلام بدون عذر، فلو قضي عنه لم ينفعه، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ) . فهذا فيمن لم يفرط، وأما من ترك القضاء جهراً وجهاراً بدون عذر شرعي فما الفائدة أن نقضي عنه " انتهى. [الْمَصْدَرُ] "فتاوى ابن عثيمين" (21/226) . الحديث: 41663 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3966 وجوب الحج على الفور [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للشخص القادر على الحج أن يؤخر الحج عدة سنوات؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من استطاع الحج وتوفرت فيه شروط وجوبه، وجب عليه الحج على الفور، ولا يجوز له تأخيره. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني": " من وجب عليه الحج , وأمكنه فعله , وجب عليه على الفور , ولم يجز له تأخيره. وبهذا قال أبو حنيفة ومالك، لقول الله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) آل عمران/97. والأمر على الفور، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ) . رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه. وفي رواية أحمد وابن ماجه: (فَإِنَّهُ قَدْ يَمْرَضُ الْمَرِيضُ، وَتَضِلُّ الضَّالَّةُ، وَتَعْرِضُ الْحَاجَةُ) حسنه الألباني في صحيح ابن ماجه " انتهى بتصرف. ومعنى أن الأمر على الفور: أنه يجب على المكلف فعل المأمور به بمجرد التمكن من فعله، ولا يجوز له تأخيره من غير عذر. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: هل وجوب الحج على الفور أم علي التراخي؟ فأجاب: " الصحيح أنه واجب على الفور، وأنه لا يجوز للإنسان الذي استطاع أن يحج بيت الله الحرام أن يؤخره، وهكذا جميع الواجبات الشرعية، إذا لم تُقيد بزمن أو سبب، فإنها واجبة على الفور " انتهى. "فتاوى ابن عثيمين" (21/13) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 41702 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3967 هل يلزم الزوج أن يحج بزوجته؟ [السُّؤَالُ] ـ[زوجتي لم تحج الفريضة، فهل يجب علي أن أذهب بها للحج؟ وهل تلزمني نفقتها في الحج؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " إن كانت الزوجة قد اشترطت عليه في العقد أن يحج بها وجب عليه أن يفي بهذا الشرط، وأن يحج بها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ) ، وقد قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) المائدة/1. وقال: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً) الإسراء/34. أما إذا لم تشترط عليه ذلك، فإنه لا يلزمه أن يحج بها، ولكني أشير عليه أن يحج بها لأمور: أولاً: طلباً للأجر، لأنه يكتب له من الأجر مثل ما كتب لها، وهي قد أدت فريضة. ثانياً: أن ذلك سبب للألفة بينهما، وكل شيء يوجب الألفة بين الزوجين فإنه مأمور به. ثالثا: أن يمدح ويثني عليه بهذا العمل، ويُقتدى به. فليستعن بالله ويحج بزوجته. سواء شرطت عليه أم لم تشترط. وأما إذا اشترطت فيجب عليه أن يوفي به " انتهى. [الْمَصْدَرُ] فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. "فتاوى ابن عثيمين" (21/114) . الحديث: 41730 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3968 آداب السفر إلى الحج أو غيره [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك آداب معينة ينبغي مراعاتها على المسافر لاسيما من سافر إلى الحج؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله آداب المسافر كثيرة جداً، وقد اعتنى العلماء بجمعها، وممن جمعها جمعاً حسناً النووي رحمه الله في كتابه " المجموع" (4/264- 287) فقد ذكر اثنين وستين أدباً، ونذكر بعض هذه الآداب مختصرة، ومن أراد التوسع فعليه بمراجعة كلام النووي رحمه الله. قال رحمه الله: " بَابُ آدَابِ السَّفَرِ. هَذَا بَابٌ مُهِمٌّ، تَتَكَرَّرُ الْحَاجَةُ إلَيْهِ، وَيَتَأَكَّدُ الِاهْتِمَامُ بِهِ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا الإِشَارَةُ إلَى آدَابِهِ مُخْتَصَرَةً: 1- إذَا أَرَادَ سَفَرًا اُسْتُحِبَّ أَنْ يُشَاوِرَ مِنْ يَثِقُ بِدِينِهِ وَخِبْرَتِهِ وَعِلْمِهِ فِي سَفَرِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَيَجِبُ عَلَى الْمُسْتَشَارِ النَّصِيحَةُ وَالتَّخَلِّي مِنْ الْهَوَى وَحُظُوظِ النُّفُوسِ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْر) وَتَظَاهَرَتْ الأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانُوا يُشَاوِرُونَهُ فِي أُمُورِهِمْ. 2- إذَا عَزَمَ عَلَى السَّفَرِ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَسْتَخِيرَ اللَّهَ تَعَالَى فَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ يَدْعُو بِدُعَاءِ الاسْتِخَارَةِ. 3- إذَا اسْتَقَرَّ عَزْمُهُ لِسَفَرِ حَجٍّ أَوْ غَزْوٍ أَوْ غَيْرِهِمَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَبْدَأَ بِالتَّوْبَةِ مِنْ جَمِيعِ الْمَعَاصِي وَالْمَكْرُوهَاتِ وَيَخْرُجَ عَنْ مَظَالِمِ الْخَلْقِ وَيَقْضِيَ مَا أَمْكَنَهُ مِنْ دُيُونِهِمْ , وَيَرُدَّ الْوَدَائِعَ وَيَسْتَحِلَّ كُلَّ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مُعَامَلَةٌ فِي شَيْءٍ أَوْ مُصَاحَبَةٌ وَيَكْتُبَ وَصِيَّتَهُ وَيُشْهدَ عَلَيْهِ بِهَا وَيُوَكِّلَ مَنْ يَقْضِي مَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ قَضَائِهِ مِنْ دُيُونِهِ وَيَتْرُكَ لأَهْلِهِ وَمَنْ يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ نَفَقَتَهُمْ إلَى حِينِ رُجُوعِهِ. 4- إرْضَاء وَالِدَيْهِ وَمَنْ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ بِرُّهُ وَطَاعَتُهُ. 5- إذَا سَافَرَ لِحَجٍّ أَوْ غَزْوٍ أَوْ غَيْرِهِمَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْرِصَ أَنْ تَكُونَ نَفَقَتُهُ حَلالا خَالِصَةً مِنْ الشُّبْهَةِ , فَإِنْ خَالَفَ وَحَجَّ أَوْ غَزَا بِمَالٍ مَغْصُوبٍ عَصَى وَصَحَّ حَجُّهُ وَغَزْوُهُ فِي الظَّاهِرِ , لَكِنَّهُ لَيْسَ حَجًّا مَبْرُورًا. 6- يُسْتَحَبُّ لِلْمُسَافِرِ فِي حَجٍّ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يَحْمِلُ فِيهِ الزَّادَ أَنْ يَسْتَكْثِرَ مِنْ الزَّادِ وَالنَّفَقَةِ لِيُوَاسِيَ مِنْهُ الْمُحْتَاجِينَ , وَلْيَكُنْ زَادُهُ طَيِّبًا لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ) وَالْمُرَادُ بِالطَّيِّبِ هُنَا: الْجَيِّدُ , وَالْخَبِيثُ: الرَّدِيءُ , وَيَكُونُ طَيِّبَ النَّفْسِ بِمَا يُنْفِقُهُ لِيَكُونَ أَقْرَبَ إلَى قَبُولِهِ. 7- إذَا أَرَادَ سَفَرَ حَجٍّ أَوْ غَزْوٍ لَزِمَهُ تَعَلُّمُ كَيْفِيَّتِهِمَا ; إذْ لا تَصِحُّ الْعِبَادَةُ مِمَّنْ لا يَعْرِفُهَا , وَيُسْتَحَبُّ لِمُرِيدِ الْحَجِّ أَنْ يَسْتَصْحِبَ مَعَهُ كِتَابًا وَاضِحًا فِي الْمَنَاسِكِ جَامِعًا لِمَقَاصِدِهَا وَيُدِيمَ مُطَالَعَتَهُ , وَيُكَرِّرَهَا فِي جَمِيعِ طَرِيقِهِ لِتَصِيرَ مُحَقَّقَةً عِنْدَهُ , وَمَنْ أَخَلَّ بِهَذَا مِنْ الْعَوَامّ يُخَافُ أَنْ لا يَصِحَّ حَجُّهُ لإِخْلَالِهِ بِشَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ أَرْكَانِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ , وَرُبَّمَا قَلَّدَ بَعْضُهُمْ بَعْضَ عَوَامِّ مَكَّةَ وَتَوَهَّمَ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ الْمَنَاسِكَ مُحَقَّقَةً فَاغْتَرَّ بِهِمْ , وَذَلِكَ خَطَأٌ فَاحِشٌ , وَكَذَا الْغَازِي وَغَيْرُهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَصْحِبَ مَعَهُ كِتَابًا مُعْتَمَدًا مُشْتَمِلا عَلَى مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ , وَيَعْلَمُ الْغَازِي مَا يَحْتَاجُ مِنْ أُمُورِ الْقِتَالِ وَأَذْكَارِهِ , وَتَحْرِيمِ الْغَدْرِ وَقَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ , وَيَتَعَلَّمُ الْمُسَافِرُ لِتِجَارَةٍ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْبُيُوعِ وَمَا يَصِحُّ وَمَا يَبْطُلُ وَمَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ. . . وهكذا. 8- يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ رَفِيقًا رَاغِبًا فِي الْخَيْرِ كَارِهًا لِلشَّرِّ، إنْ نَسِيَ ذَكَّرَهُ , وَإِنْ ذَكَرَ أَعَانَهُ , وَإِنْ تَيَسَّرَ لَهُ مَعَ هَذَا كَوْنُهُ عَالِمًا فَلْيَتَمَسَّكْ بِهِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُهُ بِعِلْمِهِ وَعَمَلِهِ مِنْ سُوءِ مَا يَطْرَأُ عَلَى الْمُسَافِرِ مِنْ مَسَاوِئِ الأَخْلاقِ وَالضَّجَرِ وَيُعِينُهُ عَلَى مَكَارِمِ الأَخْلاقِ وَيَحُثُّهُ عَلَيْهَا. ثُمَّ يَنْبَغِي أَنْ يَحْرِصَ عَلَى إرْضَاءِ رَفِيقِهِ فِي جَمِيعِ طَرِيقِهِ , وَيَحْتَمِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ وَيَرَى لِصَاحِبِهِ عَلَيْهِ فَضْلا وَحُرْمَةً , وَيَصْبِرَ عَلَى مَا يَقَعُ مِنْهُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ. 9- يُسْتَحَبُّ أَنْ يُوَدِّعَ أَهْلَهُ وَجِيرَانَهُ وَأَصْدِقَاءَهُ وَسَائِرَ أَحْبَابِهِ وَأَنْ يُوَدِّعُوهُ وَيَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ لِصَاحِبِهِ: أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ دِينَكَ وَأَمَانَتَكَ وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ , ويقول المقيم للمسافر: زَوَّدَكَ اللَّهُ التَّقْوَى وَغَفَرَ لَكَ ذَنْبَكَ وَيَسَّرَ الْخَيْرَ لَكَ حَيْثُمَا كُنْتَ. 10- السُّنَّةُ أَنْ يَدْعُوَ إذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ: (بِاسْمِ اللَّهِ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلا بِاَللَّهِ، اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ، أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ، أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ، أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلِيَّ) . 11- السُّنَّةُ: إذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ وَأَرَادَ رُكُوبَ دَابَّتِهِ أَنْ يَقُولَ: بِسْمِ اللَّهِ , فَإِذَا اسْتَوَى عَلَيْهَا قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ , ثُمَّ يقول: الْحَمْدُ لِلَّهِ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ، اللَّهُ أَكْبَرُ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ، سُبْحَانَكَ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي إنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلا أَنْتَ. ويقول: اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى وَمِنْ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا , وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ , اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ , وَالْخَلِيفَةُ فِي الأَهْلِ , اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ , وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ , وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ فِي الْمَالِ وَالأَهْلِ وَإِذَا رَجَعَ قَالَهُنَّ , وَزَادَ فِيهِنَّ: آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ. مَعْنَى مُقْرِنِينَ: مُطِيقِينَ , وَالْوَعْثَاءُ - هِيَ الشِّدَّةُ، وَالْكَآبَةُ: هِيَ تَغَيُّرُ النَّفْسِ مِنْ خَوْفٍ وَنَحْوِهِ، وَالْمُنْقَلَبُ: الْمَرْجِعُ. 12- يُسْتَحَبُّ أَنْ يُرَافِقَ فِي سَفَرِهِ جَمَاعَةً لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (لَوْ أَنَّ النَّاسَ يَعْلَمُونَ مِنْ الْوَحْدَةِ مَا أَعْلَمُ مَا سَارَ رَكْبٌ بِلَيْلٍ وَحْدَهُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. 13- يُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَمِّرَ الرِّفْقَةُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَفْضَلَهُمْ وَأَجْوَدَهُمْ رَأْيًا , وَيُطِيعُوهُ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إذَا خَرَجَ ثَلاثَةٌ فِي سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ) حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ. 14- يُسْتَحَبُّ السُّرَى (السير ليلاً) فِي آخِرِ اللَّيْلِ لِحَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (عَلَيْكُمْ بِالدُّلْجَةِ فَإِنَّ الأَرْضَ تُطْوَى بِاللَّيْلِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ , وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ: هُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ , وَقَالَ فِي رِوَايَةٍ: (ِإنَّ الأَرْضَ تُطْوَى بِاللَّيْلِ لِلْمُسَافِرِ) . وَالدُّلْجَة سَيْر آخِر اللَّيْل , وَقِيلَ سَيْر اللَّيْل كُلّه. 15- يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ الرِّفْقَ وَحُسْنَ الْخُلُقِ , وَيَتَجَنَّبَ الْمُخَاصَمَةَ وَمُزَاحَمَةَ النَّاسِ فِي الطُّرُقِ , وَأَنْ يَصُونَ لِسَانَهُ مِنْ الشَّتْمِ وَالْغِيبَةِ وَلَعْنَةِ الدَّوَابِّ وَجَمِيعِ الْأَلْفَاظِ الْقَبِيحَةِ. 16- يُسْتَحَبُّ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يُكَبِّرَ إذَا صَعِدَ مكانا عالياً من الأرض، وَيُسَبِّحَ إذَا هَبَطَ الأَوْدِيَةَ وَنَحْوَهَا. 17- يُسْتَحَبُّ إذَا أَشْرَفَ عَلَى قَرْيَةٍ يُرِيدُ دُخُولَهَا أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ أَهْلِهَا وَخَيْرَ مَا فِيهَا , وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ أَهْلِهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا. 18- يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَدْعُوَ فِي سَفَرِهِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الأَوْقَاتِ ; لأَنَّ دَعْوَتَهُ مُجَابَةٌ. 19- يَنْبَغِي لَهُ الْمُحَافَظَةُ عَلَى الطَّهَارَةِ وَعَلَى الصَّلاةِ فِي أَوْقَاتِهَا , وَقَدْ يَسَّرَ اللَّهُ - تَعَالَى بِمَا جَوَّزَهُ مِنْ التَّيَمُّمِ وَالْجَمْعِ وَالْقَصْرِ. 20- السُّنَّةُ أَنْ يَقُولَ: إذَا نَزَلَ مَنْزِلًا مَا رَوَتْهُ خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ قَالَتْ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (مَنْ نَزَلَ مَنْزِلا ثُمَّ قَالَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ يُضَرَّ بِشَيْءٍ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ. 21- يُسْتَحَبُّ لِلرِّفْقَةِ فِي السَّفَرِ أَنْ يَنْزِلُوا مُجْتَمِعِينَ وَيُكْرَهُ تََرُّقُهُمْ لِغَيْرِ حَاجَةٍ لِحَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّاسُ إذَا نَزَلُوا مَنْزِلا تَفَرَّقُوا فِي الشِّعَابِ وَالأَوْدِيَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إنَّ تَفَرُّقَكُمْ فِي هَذِهِ الشِّعَابِ وَالأَوْدِيَةِ إنَّمَا ذَلِكُمْ مِنْ الشَّيْطَانِ، فَلَمْ يَنْزِلُوا بَعْدَ ذَلِكَ مَنْزِلا إلا انْضَمَّ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ. 22- السُّنَّةُ لِلْمُسَافِرِ إذَا قَضَى حَاجَتَهُ أَنْ يُعَجِّلَ الرُّجُوعَ إلَى أَهْلِهِ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ، يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ، فَإِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ نَهْمَتَهُ مِنْ سَفَرِهِ فَلِيُعَجِّلْ إلَى أَهْلِهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. نَهْمَتُهُ: مَقْصُودُهُ. 23- السُّنَّةُ أَنْ يَقُولَ فِي رُجُوعِهِ مِنْ السَّفَرِ مَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا قَفَلَ مِنْ غَزْوٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ يُكَبِّرُ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ مِنْ الأَرْضِ (مكان مرتفع) ثَلاثَ تَكْبِيرَاتٍ , ثُمَّ يَقُولُ: لا إلَهَ إلا اللَّهُ، وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ , لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ , وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ , آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ , وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى إذَا كُنَّا بِظَهْرِ الْمَدِينَةِ قَالَ: (آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ , فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ ذَلِكَ حَتَّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ. 24- السُّنَّةُ إذَا وَصَلَ مَنْزِلَهُ أَنْ يَبْدَأَ قَبْلَ دُخُولِهِ بِالْمَسْجِدِ الْقَرِيبِ إلَى مَنْزِلِهِ فَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ بِنِيَّةِ صَلاةِ الْقُدُومِ , لِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. 25- يُسْتَحَبُّ النَّقِيعَةُ , وَهِيَ طَعَامٌ يُعْمَلُ لِقُدُومِ الْمُسَافِرِ , وَيُطْلَقُ عَلَى مَا يَعْمَلُهُ الْمُسَافِرُ الْقَادِمُ , وَعَلَى مَا يَعْمَلُهُ غَيْرُهُ لَهُ , وَمِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ لَهَا حَدِيثُ جَابِرٍ صلى الله عليه وسلم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ مِنْ سَفَرِهِ نَحَرَ جَزُورًا أَوْ بَقَرَةً. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. 26 - يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تُسَافِرَ من غير محرم مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، سَوَاءٌ بَعُدَ أَمْ قَرُبَ , لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ عَلَيْهَا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ ". انتهى كلام النووي رحمه الله ملخصاً مع تصرف يسير. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: " آداب سفر الحج تنقسم إلى قسمين: آداب واجبة، وآداب مستحبة. فأما الآداب الواجبة: فهي أن يقوم الإنسان بواجبات الحج وأركانه، وأن يتجنب محظورات الإحرام الخاصة، والمحظورات العامة، الممنوعة في الإحرام وفي غير الإحرام. لقوله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) البقرة/197. وأما الآداب المستحبة في سفر الحج: أن يقوم الإنسان بكل ما ينبغي له أن يقوم به؛ من الكرم بالنفس والمال والجاه، وخدمة إخوانه وتحمل أذاهم، والكف عن مساوئهم، والإحسان إليهم، سواء كان ذلك بعد تلبسه الإحرام، أو قبل تلبسه بالإحرام، لأن هذه الآداب عالية فاضلة، تطلب من كل مؤمن في كل زمان ومكان، وكذلك الآداب المستحبة في نفس فعل العبادة، كأن يأتي الإنسان بالحج على الوجه الأكمل، فيحرص على تكميله بالآداب القولية والفعلية " انتهى "فتاوى ابن عثيمين" (21/16) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 41734 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3969 هل يكثر من الحج أم يكتفي بمرة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل الأفضل أن نحج أكثر من مرة واحدة أم الحج مرة واحدة أفضل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أما الوجوب فلا يجب الحج إلا مرة واحدة في العمر، عن أبي هريرة قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا، فقال رجل: أكلَّ عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم، ثم قال: ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه". رواه مسلم (1337) . وعن ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْحَجُّ فِي كُلِّ سَنَةٍ أَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً؟ قَالَ: بَلْ مَرَّةً وَاحِدَةً، فَمَنْ زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ) رواه أَبُو دَاوُد (1721) وصححه الألباني وأما الأفضلية فكلما أكثر المسلم من الحج فهو أفضل، حتى لو استطاع أن يحج كل سنة، وقد ورد الترغيب في كثرة أداء الحج، ومن ذلك: أ. عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي العمل أفضل؟ فقال: إيمان بالله ورسوله، قيل: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور. رواه البخاري (26) ومسلم (83) . ب. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه ". رواه البخاري (1449) ومسلم (1350) . ج. عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة ". رواه الترمذي (810) والنسائي (2631) . وصححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (1200) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 41143 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3970 حكم العمرة [السُّؤَالُ] ـ[هل العمرة واجبة أو سنة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أجمع العلماء على مشروعية العمرة وفضلها. واختلفوا في وجوبها، فذهب الإمامان أبو حنيفة ومالك –واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية- إلى أنها سنة مستحبة وليست واجبة. واستدلوا بما رواه الترمذي (931) عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الْعُمْرَةِ أَوَاجِبَةٌ هِيَ؟ قَالَ: لا، وَأَنْ تَعْتَمِرُوا هُوَ أَفْضَلُ. غير أن هذا الحديث ضعيف، ضعفه الشافعي وابن عبد البر وابن حجر والنووي، والألباني في ضعيف الترمذي، وغيرهم. قال الشافعي رحمه الله: هُوَ ضَعِيفٌ , لا تَقُومُ بِمِثْلِهِ الْحُجَّةُ , وَلَيْسَ فِي الْعُمْرَةِ شَيْءٌ ثَابِتٌ بِأَنَّهَا تَطَوُّعٌ اهـ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: رُوِيَ ذَلِكَ بِأَسَانِيدَ لا تَصِحُّ , وَلا تَقُومُ بِمِثْلِهَا الْحُجَّةُ اهـ. وقال النووي في "المجموع" (7/6) : اتفق الحفاظ على أنه ضعيف اهـ. ومما يدل على ضعفه أن جابراً رضي الله عنه ثبت عنه القول بوجوب العمرة كما سيأتي. وذهب الإمامان الشافعي وأحمد إلى وجوبها. واختار هذا القول الإمام البخاري، رحم الله الجميع. واستدل القائلون بالوجوب بعدة أدلة: 1- ما رواه ابن ماجه (2901) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ لا قِتَالَ فِيهِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ. قال النووي في "المجموع" (7/4) : إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم اهـ. وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه. ووجه الاستدلال من الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم (عَلَيْهِنَّ) وكلمة (على) تفيد الوجوب. 2- حديث جبريل المشهور لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان والساعة وعلاماتها، فقد رواه ابن خزيمة والدارقطني عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفيه زيادة ذكر العمرة مع الحج، ولفظه: (الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتحج البيت وتعتمر، وتغتسل من الجنابة، وتتم الوضوء، وتصوم رمضان) قال الدارقطني: هذا إسناد ثابت صحيح. 3- ما رواه أبو داود (1799) والنسائي (2719) عَنْ الصُّبَيّ بْن مَعْبَدٍ قال كُنْتُ أَعْرَابِيًّا نَصْرَانِيًّا. . . فَأَتَيْتُ عُمَرَ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنِّي أَسْلَمْتُ، وَإِنِّي وَجَدْتُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ مَكْتُوبَيْنِ عَلَيّ فَأَهْلَلْتُ بِهِمَا، فَقَالَ عُمَرُ: هُدِيتَ لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 4- قول جماعة من الصحابة منهم ابن عباس وابن عمر وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم. قال جابر: لَيْسَ مُسْلِم إِلا عَلَيْهِ عُمْرَة. قال الحافظ: رَوَاه اِبْن الْجَهْم الْمَالِكِيّ بِإِسْنَادٍ حَسَن اهـ. وقال البخاري رحمه الله: بَاب وُجُوبِ الْعُمْرَةِ وَفَضْلِهَا، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لَيْسَ أَحَدٌ إِلا وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: إِنَّهَا لَقَرِينَتُهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) اهـ وقوله: (لَقَرِينَتُهَا) أي: قرينة فريضة الحج. وقال الشيخ ابن باز: الصواب أن العمرة واجبة مرة في العمر كالحج اهـ مجموع فتاوى ابن باز (16/355) . وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (7/9) : اختلف العلماء في العمرة، هل هي واجبة أو سنة؟ والذي يظهر أنها واجبة اهـ. وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (11/317) : الصحيح من قولي العلماء أن العمرة واجبة، لقوله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) البقرة/166، ولأحاديث وردت في ذلك اهـ. والله تعالى أعلم. انظر: "المغني" (5/13) ، "المجموع" (7/4) ، "فتاوى ابن تيمية" (26/5) ، "الشرح الممتع" للشيخ ابن عثيمين (7/9) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39524 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3971 أتاها الحيض قبل الميقات فذهبت إلى جدة، ثم أرادت العمرة فمن أين تحرم؟ [السُّؤَالُ] ـ[أما بعد امرأة قدمت من اليمن بنية العمرة وقبل أن تصل إلى الميقات ظهر عليها دم الحيض فذهبت إلى جدة ومكثت فيها أسبوعا وهي الآن تريد أن تعتمر. فهل تحرم من جدة أم تذهب إلى ميقات يلملم لتحرم منه.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ينبغي أن يُعلم أن الإحرام لا تشترط له الطهارة، فللحائض أن تحرم بالعمرة أو الحج، وتفعل ما يفعل الحاج غير أنها لا تطوف بالبيت، لما ورد في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: " نفست أسماء بنت عميس بمحمد بن أبي بكر بالشجرة فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر يأمرها أن تغتسل وتهل " رواه مسلم 1209، والحائض والنفساء حكمهما واحد، ولأمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة لما قدمت وهي حائض أن تصنع مثل ما يصنع الحاج غير ألا تطوف بالبيت. رواه البخاري 1516 وهذه المرأة إن كانت قد عدلت عن العمرة حين أصابها الحيض، وتجاوزت الميقات لا تنوي النسك، فلما أتت جدة بدا لها أن تعتمر، فلا حرج عليها في ذلك، وتحرم من محلها في جدة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ " رواه البخاري 1524 ومسلم 1181، أي من كان دون المواقيت، فيحرم من مكانه. أما إن كانت تنوي العمرة لحظة مرورها أو محاذاتها للميقات، ولم تحرم منه فيجب عليها أن ترجع لتحرم من الميقات فإذا لم تفعل وأحرمت من جدة فيجب عليها دم، فتذبح شاة في مكة وتوزعها على فقراء ومساكين الحرم. قال ابن قدامة رحمه الله: (وجملة ذلك أن من جاوز الميقات مريدا للنسك غير محرم , فعليه أن يرجع إليه ليحرم منه , إن أمكنه , سواء تجاوزه عالما به أو جاهلا , علم تحريم ذلك أو جهله. فإن رجع إليه , فأحرم منه , فلا شيء عليه، لا نعلم في ذلك خلافا. وبه يقول جابر بن زيد , والحسن , وسعيد بن جبير , والثوري , والشافعي , وغيرهم ; لأنه أحرم من الميقات الذي أمر بالإحرام منه , فلم يلزمه شيء , كما لو لم يتجاوزه وإن أحرم من دون الميقات فعليه دم) . انتهى من المغني 3/115 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38870 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3972 استحباب العمرة في جميع رمضان [السُّؤَالُ] ـ[هل العمرة مستحبة في العشر الأواخر من رمضان؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله رَغَّبَ النبيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أداء العمرة في شهر رمضان، روى البخاري (1782) ومسلم (1256) عن ابْنِ عَبَّاسٍ قال: قَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عُمرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةٌ) . وهذا يشمل جميع رمضان، وليس مختصًّا بالعشر الأواخر. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38221 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3973 تفسير قوله تعالى: (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى قوله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) البقرة /197؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه الآية الكريمة يذكر الله تعالى فيها بعض الأحكام والآداب المتعلقة بالحج. يقول الله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ) أي: وقت الحج أشهر معلومات وهي شوال وذو القعدة وعشر ذي الحجة. وذهب بعض العلماء إلى أن شهر ذي الحجة كله من أشهر الحج. وقوله تعالى: (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ) أي: أحرم به، لأنه إذا أحرم بالحج وجب عليه إتمامه، لقوله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) البقرة /196. وقوله تعالى: (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) أي: إذا أحرم بالحج وجب عليه تعظيمه فيصونه عن كل ما يفسده أو ينقصه من الرفث والفسوق والجدال. والرفث هو الجماع، ومقدماته القولية والفعلية كالتقبيل والكلام المتعلق بالجماع والشهوة ونحو ذلك. ويطلق الرفث أيضاً على الكلام الفاحش البذيء. والفسوق هو المعاصي كلها كعقوق الوالدين وقطيعة الرحم وأكل الربا وأكل مال اليتيم والغيبة والنميمة.. الخ. ومن الفسوق: محظورات الإحرام. والجدال معناه المخاصمة والمنازعة والمماراة بغير حق، فلا يجوز للمحرم بالحج أو العمرة أن يجادل بغير حق. أما المجادلة بالتي هي أحسن لبيان الحق فهذا مما أمر الله به في قوله: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن) النحل /125. فهذه الأشياء (الفحش في القول والمعاصي والجدال بالباطل) وإن كانت ممنوعة في كل مكان وزمان فإنه يتأكد المنع منها في الحج، لأن المقصود من الحج الذل والانكسار لله والتقرب إليه بما أمكن من الطاعات، والتنزه عن مقارفة السيئات، فإنه بذلك يكون مبروراً، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة. نسأل الله تعالى أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته. والله أعلم. انظر: فتح الباري (3/382) ، تفسير السعدي (ص 125) ، فتاوى ابن باز (17/144) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36808 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3974 تكرار الحج [السُّؤَالُ] ـ[هل يستحسن الحج كل سنة لمن يرغب ذلك ولا يشق عليه، أو الأفضل كل ثلاث سنوات مرة أو كل سنتين مرة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فرض الله الحج على كل مكلف مستطيع مرة في العمر، وما زاد على ذلك فهو تطوع وقربة يتقرب بها إلى الله، ولم يثبت في التطوع بالحج تحديد بعدد، وإنما يرجع تكراره إلى وضع المكلف المالي والصحي وحال من حوله من الأقارب والفقراء، وإلى اختلاف مصالح الأمة العامة ودعمه لها بنفسه وماله، وإلى منزلته في الأمة ونفعه لها حضراً أو سفراً في الحج وغيره، فلينظر كلٌّ إلى ظروفه وما هو أنفع له وللأمة فيقدمه على غيره. وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/14) الحديث: 36707 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3975 وجوب الحج ولو برفقة المبتدعة [السُّؤَالُ] ـ[نحن من أهل السنة، ونعيش في دولة شيعية، ونريد أداء فريضة الحج، ولا نستطيع أن نسافر مع أهل البلد لكونهم من الشيعة تحسباً لما ينجم من مشاكل في الطريق.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب عليكم أن تحجوا ولو مع الشيعة إذا كنتم مستطيعين للحج، وعليكم مع ذلك الحذر من شبهات الشيعة ومذهبهم الباطل، وإن تمكنتم أن تنصحوهم وتدعوهم إلى اعتناق مذهب أهل السنة وجب عليكم ذلك؛ لقول الله سبحانه: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) النحل / 125، وغيرها من الآيات الدالة على وجوب الدعوة إلى الله سبحانه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. أصلح الله حال الجميع. انظر اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/18) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36472 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3976 المبادرة في أداء الفريضة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لي تأجيل تأدية فريضة الحج لعام آخر أو عامين، وأنا الذي قد توفر لي شرط الاستطاعة، من أجل زيارة الأهل والزوجة التي سأتغيب عنها مدة سنتين إذا ما أديت فريضة الحج هذا العام، ولن يتيسر لي أداء الحج وزيارة الأهل معاً، فإما أن أحج وإما أن أزور الأهل فأؤجل الحج. أفتونا مشكورين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب على المسلم المبادرة إلى تأدية فريضة الحج متى كان مستطيعاً؛ لأنه لا يدري ماذا يحدث له لو أخَّرَه، وقد قال الله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً) آل عمران / 97 وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (تعجلوا إلى الحج - يعني الفريضة - فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له) خرجه الإمام أحمد رحمه الله (1/314) وحسَّنه الألباني في إرواء الغليل (990) . وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/17) الحديث: 36526 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3977 آثار الحج ومقاصده بين الواقع والمطلوب [السُّؤَالُ] ـ[رأيت في التلفاز مشاهد الحجاج وهي تتوافد على بيت الله الحرام، فتحركت الأشجان، ودمعت العينان على هذا المشهد العظيم.. فيا ليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيماً.. سؤالي يا شيخ: هل لهذا التجمع العظيم، من آثار على المسلم وعلى أهل الإسلام؟ وما هو المطلوب من الحاج أن يتذكره وهو متوجه إلى بيت الله الحرام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نشكرك على هذا السؤال وهذا الاهتمام، ونسأل الله التوفيق لمن حج بمغفرة الذنوب، ولمن لم يحج بحصول المرغوب والنجاة من المرهوب.. آمين.. آمين. أما مقاصد الحج فهي مقاصد عظيمة، وأهدافه سامية، إليك شيئاً منها: 1. الارتباط بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام من لدن أبينا إبراهيم وبنائه للبيت إلى نبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمه لحرمة مكة، فيتذكر الحاج حين تردده في المشاعر وأداء للشعائر تردد أولئك المطهرين في هذه البقاع الشريفة. روى مسلم (241) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ رسول الله صلى الله عليه وسلم بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَمَرَرْنَا بِوَادٍ فَقَالَ: أَيُّ وَادٍ هَذَا فَقَالُوا: وَادِي الأَزْرَقِ فَقَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مُوسَى رسول الله صلى الله عليه وسلم ... وَاضِعًا إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ لَهُ جُؤَارٌ إِلَى اللَّهِ بِالتَّلْبِيَةِ مَارًّا بِهَذَا الْوَادِي. قَالَ ثُمَّ سِرْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى ثَنِيَّةٍ فَقَالَ أَيُّ ثَنِيَّةٍ هَذِهِ قَالُوا هَرْشَى أَوْ لِفْتٌ فَقَالَ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى يُونُسَ عَلَى نَاقَةٍ حَمْرَاءَ عَلَيْهِ جُبَّةُ صُوفٍ خِطَامُ نَاقَتِهِ لِيفٌ خُلْبَةٌ مَارًّا بِهَذَا الْوَادِي مُلَبِّيًا. 2. بياض اللباس ونقاؤه إشارة إلى طهارة الباطن ونقاء القلب وبياض الرسالة والمنهج، وفيه طرح للزينة، وإظهار للمسكنة، وتذكر الموت حين يلبس الإحرام ذلكم اللباس الشبيه بالكفن فكأنه مستعد للقدوم على الله جل وعلا. 3. الإحرام من الميقات، يجسد التعبد والرق لله بطاعته والاستسلام لأمره وشرعه، فلا يتجاوزه أحد لأنه أمر الله، والشرع شرعه سبحانه، وفي هذا وحدة الأمة وانتظامها وضبطها لئلا يحصل التفرق والاختلاف في تحديد المواقيت. 4. الحج شعار التوحيد من أول لحظة يتلبس به الحاج: قال جابر بن عبد الله في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم: " ثم أهل بالتوحيد لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك " رواه مسلم (2137) . أنظر السؤال (21617) . 5. تذكر الآخرة حين يجتمع الناس في صعيد واحد في عرفات وغيرها ليس بينهم تفاضل ولا تغاير الكل في هذا البلد سواء لا فضل لأحد على أحد فيه. 6. الحج شعار الوحدة فإن الحج جعل الناس سواسية في لباسهم وأعمالهم وشعائرهم وقبلتهم وأماكنهم، فلا فضل لأحد على أحد: الملك والمملوك، الغني والفقير في ميزان واحد. فالناس سواسية في الحقوق والواجبات، وهم سواسية في هذا البيت الحرام لا فرق بين الألوان والجنسيات وليس لأحد أن يفرق بينهم. وحدة في المشاعر.. ووحدة في الشعائر. وحدة في الهدف.. وحدة في العمل. وحدة في القول "الناس من آدم، وآدم من تراب لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى " أكثر من مليوني مسلم يقفون كلهم في موقف واحد.. وبلباس واحد.. لهدف واحد.. وتحت شعار واحد.. يدعون ربا واحدا.. ويتبعون نبيا واحدا.. وأي وحدة أعظم من هذه. قال تعالى: {إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم} 7. تربية على القناعة في اللباس والسكن حيث يلبس خرقة من قطعيتين فتكفيه، ويسكن في مكان بقدر نومه فيغنيه. 8. إرهاب أهل الكفر والضلال بهذا الاجتماع العظيم للمسلمين فإنهم وإن كانوا متفرقين مختلفين فإن مجرد اجتماعهم على اختلافهم في وقت معين ومكان معين يدل على إمكان اجتماعهم في غيره. 9. بيان أهمية الاجتماع والتآلف بين المسلمين فإن كل إنسان تجده يسافر وحده، بينما عند الحج تجده مع مجموعة .... 10. التعرف على أحوال المسلمين من خلال المصادر الموثوقة، حيث يسمع المسلم من أخيه مباشرة عن أحوال إخوانه المسلمين في البلاد التي قدم منها. 11. تبادل المنافع والخبرات بين المسلمين عامة. 12. اجتماع أهل الرأي والعلم والحل والعقد من جميع البلدان وتدارس أحوال المسلمين وحاجاتهم، وأهمية تضامنهم وتعاونهم. 13. تحقيق عبودية الله تعالى في وقوفه في المشاعر إذ يترك المسجد الحرام، الذي هو أفضل البقاع ويقف بعرفات. 14. غفران الذنوب لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه ". 15. فتح باب الأمل لأهل المعاصي وتربيتهم على تركها ونبذها في تلك المشاعر؛ حيث يتركون كثيرا من عاداتهم السيئة خلال فترة الحج وفي المشاعر. 16. بيان أن الإسلام دين النظام ففي احج ترتيب للمناسك والوقت، كل عمل في مكانه وفي وقته المحدد له. 17. تربية النفس على النفقة في وجوه الخير والبعد عن الشح فالحاج يبذل الأموال الكثيرة من أجل الحج في الراحلة وفي الطريق وفي المشاعر. 18. اكتساب تقوى القلوب وصلاحها بتعظيم شعائر الله، يقول الله تعالى: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) 19. تربية للأغنياء بترك تميزهم في لباسهم وسكنهم ومساواتهم للفقراء في اللباس والمشاعر من طواف وسعي ورمي، وفي هذا تربية لهم على التواضع، ومعرفة حقارة الدنيا. 20. مداومة الحاج على الطاعة وذكر الله تعالى في أيام الحج وهو ينتقل من مشعر إلى مشعر ومن عمل إلى آخر، وهذا بمثابة دورة سنوية مكثفة في طاعة الله وذكره. 21. تربية النفس على الإحسان إلى الناس فيرشد الضال، ويعلم الجاهل، ويساعد الفقير، ويقف مع العاجز والضعيف. 22. التخلق بالأخلاق الحسنة من الحلم وتحمل الأذى من الخلق، فإن الحاج لابد له من أن يتعرض لمزاحمة أو مخاصمة أو غير ذلك، قال تعالى: (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) 23. التربية على الصبر وتحمل المشقة كالحر وطول الطريق والبعد عن الأهل والتردد بين المشاعر والزحام فيها. 24. التدرب على ترك العادات والتقاليد والمألوفات، فإن الحاج ملزم بكشف رأسه وترك لباسه. وسيترك ما اعتاده من سكن وطعام وشراب. 25. في سعي الحاج بين الصفا والمروة يتذكر أن من أطاع الله وتوكل عليه واعتصم به فإنه لا يضيعه بل يرفع ذِكْرَهُ، فهذه هاجر أم إسماعيل عليهما السلام لما قالت لإبراهيم: " آلله أمرك بهذا " قال: " نعم " قالت: اذاً فلن يضيعنا " فرفع الله ذِكْرَها وبدأ الناس يسعون مثلها بما فيهم الأنبياء عليهم السلام. 26. تربية النفس على عدم اليأس من روح الله مهما اشتدت الخطوب وعظمت الكروب فإن الله بيده الفرج فهذه أم إسماعيل كاد وليدها أن يهلك، وبدأت تركض من جبل إلى آخر تتطلع للفرج فأتاها من حيث لا تحتسب إذ نزل الملك فضرب الأرض فخرج ماء زمزم وما فيه من شفاء لأمراض القلوب والأبدان. 27. يتذكر الحاج أنه في هذه المشاعر في ضيافة الرحمن فاجتماع الحج لم تدع له حكومة ولا هيئة ولا ملك ولا رئيس، إنما دعا إليه رب العالمين، وجعله مقاما يلتقي فيه المسلمون على قدم المساواة لا فضل فيه لأحد على أحد، قال تعالى: (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم..) . وروى النسائي (2578) عن أبي هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وَفْدُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثَلاثَةٌ الْغَازِي وَالْحَاجُّ وَالْمُعْتَمِرُ. صححه الألباني في صحيح النسائي (2462) . 28. الموالاة للمؤمنين، يتمثل ذلك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن دماءكم وأعراضكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا " رواه البخاري (65) ومسلم (3180) . 29. موسم الحج تبرز فيه المفاصلة التامة مع أهل الشرك والكفر ويحظر عدم حضورهم بأي وجه كان. حيث حُظِرَ عليهم دخول منطقة الحرم في كل وقت مهما كان المقصد قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيم} وروى البخاري أن أبا هريرة قال: " بعثني أبو بكر رضي الله عنه في تلك الحجة في المؤذنين، بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنى: أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ". والله تعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] د. يحي بن إبراهيم اليحي المصدر موقع الشيخ يحيى اليحيى الحديث: 34778 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3978 فضل الحج [السُّؤَالُ] ـ[الحج المبرور هل يغفر كبائر الذنوب؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه) رواه البخاري (1521) ومسلم (1350) ، وقال صلى الله عليه وسلم: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) رواه البخاري (1773) ومسلم (1349) . فالحج وغيره من صالح الأعمال من أسباب تكفير السيئات، إذا أداها العبد على وجهها الشرعي، وقد ذهب جمهور أهل العلم إلى أن الأعمال الصالحة لا تكفر إلا الصغائر، أما الكبائر فلابد لها من توبة واستدلوا بما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر) رواه مسلم (1/209) . وذهب الإمام ابن المنذر رحمه الله وجماعة من أهل العلم إلى أن الحج المبرور يكفر جميع الذنوب؛ لظاهر الحديثين المذكورين. والله اعلم انظر: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/13) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 34359 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3979 متى فرض الحج؟ [السُّؤَالُ] ـ[في أي سنة من الهجرة فُرض الحج؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف العلماء في السنة التي فرض فيها الحج، فقيل في سنة خمس، وقيل في سنة ست، وقيل في سنة تسع، وقيل في سنة عشر، وأقربها إلى الصواب القولان الأخيران، وهو أنه فرض في سنة تسع أو سنة عشر. (والدليل قوله تعالى: (ولله على الناس حجُّ البيت من استطاع إليه سبيلا) ففي هذه الآية وجوب الحج وقد نزلت عام الوفود أواخر سنة تسع، فيكون الحج فرض أواخر سنة تسع. انظر زاد المعاد 3/595) والله أعلم. وبالله التوفيق. أنظر فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 11/10. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 32662 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3980 يسافر ليحج ويتاجر [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن أسافر للحج واشتري بضاعة من مكة وأبيعها في بلدي لأربح منها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز الاتجار في مواسم الحج، أخرج الطبري في تفسيره بسنده، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم) البقرة / 198. قال: لا حرج عليكم في الشراء والبيع قبل الإحرام وبعده. وبالله التوفيق [الْمَصْدَرُ] انظر فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/13) الحديث: 32629 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3981 كم مرة يزور البيت الحرام في العمر [السُّؤَالُ] ـ[سمعت مؤخرا من مصدرين أن السنة تحتوي على إشارة بضرورة تحقيق مبدأ إسلامي يدعو إلى زيارة مكة المكرمة 7 مرات والقدس مرة واحدة في العمر. هل لكم أن تتفضلوا بمساعدتي في التأكد من صحة ما سبق حيث أني لم أجد له دليلا بمفردي]ـ [الْجَوَابُ] 1. جاءت الأحاديث في بيان فضل الصلاة في بيت الله الحرام في مكة، وفي المسجد النبوي، وفي المسجد الأقصى. = عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ". رواه البخاري (1133) ومسلم (1394) . = عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه. رواه ابن ماجه (1406) وأحمد (14847) . والحديث صححه البوصيري في " الزوائد " - هامش سنن ابن ماجه -. = أما الصلاة في المسجد الأقصى: فالصحيح أنها على الربع من فضل الصلاة في مسجد المدينة. عن أبي ذر رضي الله عنه قال: تذاكرنا ونحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أيهما أفضل: مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مسجد بيت المقدس؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه، ولَنِعْم المصلَّى ...... ". رواه الحاكم (4 / 509) وصصححه ووافقه الذهبي والألباني كما في " السلسلة الصحيحة " في آخر الكلام على حديث رقم (2902) . وأما الحديث المشهور أن الصلاة فيه بخمسمائة صلاة: فضعيف. انظر " تمام المنة " للشيخ الألباني رحمه الله (ص 292) . 2. وقد ورد في توقيت زيارة بيت الله الحرام حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيه: " إن الله يقول: إنَّ عبداً أصححتُ له جسمَه، ووسعتُ عليه في المعيشة، تمضي عليه خمسة أعوام لا يفدُ إليَّ لمحروم ". رواه ابن حبان (960) وأبو يعلى (1 / 289) والبيهقي (5 / 262) . والحديث: صححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (1662) . وكلما كثر التردّد على بيت الله الحرام كان أفضل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " تابعوا بين الحجّ والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب.." رواه الترمذي 810 وأما ما أشرت إليه في سؤالك من ادّعاء زيارة الكعبة سبع مرات في العمُر ومرّة للمسجد الأقصى فطالب الذي أخبرك بذلك بمصدره ودليله كما قال الله: (قل هاتوا برهانكم) ، فإنه لا يجوز إيجاب شيء أو ادّعاء أفضلية لأمر دون دليل صحيح، وفقنا الله وإياك لما يحبّ ويرضى وصلى الله على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 7100 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3982 لا يحجّ المسلم عن غيره إلا بعد أن يحجّ عن نفسه [السُّؤَالُ] ـ[توفيت والدتي في أول شهر رمضان ولم تكن قد أدت فريضة الحج من قبل. ولذلك فإنني أنوي الحج عنها، علما بأنني لم أؤدِ فريضة الحج عن نفسي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أسأل الله تعالى أن يُثيبك على مشاعرك الطيبة تجاه والدتك وعلى حرصك على نفعها وبرّها بعد موتها، أما بالنسبة لسؤالك فإنّ المسلم إذا أراد أن يحجّ عن غيره فلا بدّ أن يكون قد حجّ عن نفسه أولا، والدليل على ذلك حديث ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ رَجُلا يَقُولُ لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ قَالَ مَنْ شُبْرُمَةُ قَالَ أَخٌ لِي أَوْ قَرِيبٌ لِي قَالَ حَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ قَالَ لا قَالَ حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ رواه أبو داود في سننه: كتاب المناسك باب الرجل يحجّ عن غيره وهو حديث صحيح، نسأل الله أن يغفر لوالدتك وأن يُدخلها في رحمته والله وليّ المتقين. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 1463 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3983 اعتمرت قبل عشر سنوات وهي حائض حرجا ثم تزوجت واعتمرت عدة مرات [السُّؤَالُ] ـ[ذهبت للعمرة قبل عشر سنوات وعندما وصلت للميقات كنت حائضا فمن الحياء لم أخبر من معي وأتممت معهم مناسك العمرة وكنت حينها غير متزوجة وبعد أربع سنوات من حينها تزوجت وذهبت للعمرة مع زوجي خمس مرات وأنا طاهرة فهل علي شيء أو كفارة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا يجوز للمرأة الحائض أن تدخل المسجد الحرام، ولا أن تطوف بالكعبة، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة وقد حاضت قبل دخول مكة في حجة الوداع: (افْعَلِي كَمَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي) رواه البخاري (1650) ومسلم (1211) . والله تعالى أحق أن يستحيى منه، فلا يجوز للحائض الطواف بالبيت بدعوى أنها استحيت أن تخبر أهلها. ثم إننا نعيب على السائلة أنها لم تسأل عن حكم ذلك إلا بعد عشر سنوات، وكان الواجب عليها أن تبادر بالسؤال حتى تستدرك ما فاتها. ثانياً: إذا طافت المرأة وهي حائض فطوافها غير صحيح، وعمرتها لم تتم، وهي باقية على إحرامها حتى تتم عمرتها، وقد ذكرت أنك اعتمرت بعد ذلك عدة مرات، فتقع الأولى من هذه العمرات إتماماً لهذه العمرة التي طفت فيها وأنت حائض، غير أنك ذكرت أنك تزوجت قبل الاعتمار، وهذا يعني أنه قد تم عقد النكاح وأنت محرمة. وعلى هذا فالذي يلزمك ما يلي: 1- إعادة عقد النكاح لأن العقد على المُحْرِم أو المُحْرِمة لا يصح. 2- وجوب إتمام العمرة، وقد تم ذلك. 3- إن كان حصل جماع قبل إتمام العمرة الأولى ـ وهو الظاهر من السؤال ـ فهذا يعني أن العمرة قد فسدت، فعليك قضاؤها، وتبقى هذه العمرة في ذمتك حتى يتم قضاؤها، ولا يكفي ما اعتمرتيه بعد ذلك عن القضاء، لأن القضاء لا بد فيه من نية. 4- وعليك فدية عن الجماع، وهي شاة، تذبح وتوزع على مساكين الحرم. وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: لي قريبة اعتمرت في رمضان، ولما دخلت الحرم أحدثت حدثا أصغر، خرج منها ريح وخجلت أن تقول لأهلها أريد أن أتوضأ، ثم طافت ولما انتهت من الطواف ذهبت لوحدها وتوضأت ثم أتت بالسعي، فهل عليها دم أم كفارة؟ فأجاب: "طوافها غير صحيح؛ لأن من شرط صحة الطواف الطهارة كالصلاة، فعليها أن ترجع إلى مكة وأن تطوف بالبيت، ويستحب لها أن تعيد السعي؛ لأن أكثر أهل العلم لا يجيز تقديمه على الطواف، ثم تقصر من جميع رأسها وتحل، وإن كانت ذات زوج وقد جامعها زوجها فعليها دم يذبح في مكة للفقراء، وعليها أن تأتي بعمرة جديدة من الميقات الذي أحرمت منه للعمرة الأولى؛ لأن العمرة الأولى فسدت بالجماع، فعليها أن تفعل ما ذكرنا ثم تأتي بالعمرة الجديدة من الميقات الذي أحرمت للعمرة الأولى منه، سواء كان ذلك في الحال أو في وقت آخر، حسب طاقتها" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (17/214-215) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هناك امرأة طافت حول الكعبة وهي حائض، ولم تخبر والدها وأهلها بذلك وأكملت عمرتها، فما عليها؟ فأجاب: "طواف العمرة ركن، وهي الآن على إحرامها تماماً، فيجب عليها أن تتجنب جميع محظورات الإحرام. السائل: لكن هي اعتمرت وحجت بعدها مرات. الشيخ: اعتمرت وحجت هل نوت القضاء؟ إن نوت القضاء فهذا مقبول، وإن لم تنو القضاء فيبقى هل صحت عمرها التي وقعت في جوف العمرة الأولى أو لم تصح؟ أنا أقول أسأل الله لي العفو العافية: إن هذه العمرة صحيحة إن شاء الله لأنها جاهلة، وإلا لكان إحرامها بعمرة في جوف عمرة لا يصح، فنقول: إحرامها إن شاء الله صحيح وعمرتها صحيحة، وما دامت لم تنو القضاء فعليها القضاء" انتهى باختصار. "اللقاء الشهري" (4/417-418) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 140351 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3984 سعيا للعمرة أربعة عشر شوطا جهلا، فهل تصح عمرتهما؟ [السُّؤَالُ] ـ[ذهب والداي للعمرة هذا العام بعد أن ظلا يحلمان بها لما يقارب عشرة أعوام أو أكثر وعندما وصلا إلى السعي بين الصفا والمروة سعيا 14 مرة بدلاً من سبع مرات ظناً منهما أن السعية الواحدة الكاملة هي بالسعي من الصفا الى المروة ثم العكس. فهل عمرتهما صحيحة على هذا النحو ام يلزمهما اداءها من جديد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الواجب على كل مسلم أن يتعلم ما يحتاجه من أمر دينه ما تصح به عقيدته وعبادته، وهو ما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه إليه، في حجته التي حجها بالناس، فقال لهم: (لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ؛ فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ) . رواه مسلم (1297) من حديث جابر. قال النووي رحمه الله: " هَذِهِ اللَّام لَام الْأَمْر , وَمَعْنَاهُ: خُذُوا مَنَاسِككُمْ, وَتَقْدِيره: هَذِهِ الْأُمُور الَّتِي أَتَيْت بِهَا فِي حَجَّتِي مِنْ الْأَقْوَال وَالْأَفْعَال وَالْهَيْئَات هِيَ أُمُور الْحَجّ وَصِفَته وَهِيَ مَنَاسِككُمْ، فَخُذُوهَا عَنِّي، وَاقْبَلُوهَا وَاحْفَظُوهَا، وَاعْمَلُوا بِهَا وَعَلِّمُوهَا النَّاس. قيل للإمام أحمد: طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، لِأَمْرِ دِينِك وَمَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ، مِنْ أَنْ يَنْبَغِيَ أَنْ تَعْلَمَهُ. وَقَالَ أيضا: يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَطْلُبَ مِنْ الْعِلْمِ مَا يَقُومُ بِهِ دِينُهُ، وَلَا يُفَرِّطُ فِي ذَلِكَ. قيل: فَكُلُّ الْعِلْمِ يَقُومُ بِهِ دِينُهُ؟ قَالَ: الْفَرْضُ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ، لَا بُدَّ لَهُ مِنْ طَلَبِهِ. قيل: مِثْلُ أَيِّ شَيْءٍ؟ قَالَ: الَّذِي لَا يَسَعُهُ جَهْلُهُ: صَلَاتُهُ وَصِيَامُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ. "الآداب الشرعية" لابن مفلح (2/99-100) . ثانيا: حيث أن الوالدين قد زادا في عدد الأشواط عن جهل منهما بالحكم: فعمرتهما صحيحة، وقد تم سعيهما بالأشواط السبعة المطلوبة، وما زاد على ذلك فهو لاغ، لا حكم له. وقد سئل الشخ ابن باز رحمه الله: لقد سعيت بين الصفا والمروة، ولكن عملت الشوط من الصفا إلى الصفا على أنه واحد، هل علي شيء في ذلك؟ فأجاب الشيخ: " هذه زيادة منك، فقد سعيت أربعة عشر شوطا والواجب سبعة، والسبعة الأخرى لا تجوز؛ لأنها خلاف الشرع، لكنك معذور بالجهل، وعليك التوبة إلى الله من ذلك، وعدم العود إلى مثلها إذا حججت أو اعتمرت؛ لأن الذي حصل به المقصود سبعة من الصفا للمروة ثم من المروة للصفا، تبدأ بالصفا وتختم بالمروة، سبعة أشواط " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (17 / 341-342) . وينظر: فتاوى الشيخ ابن عثيمين (22/424) . وراجع لصفة العمرة إجابة السؤال رقم: (31819) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 137928 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3985 الاعتمار لأكثر من شخص في سفرة واحدة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز الاعتمار لأكثر من شخص؟ علماً أن المعتمر يعتمر لأول مرة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ليس من السنة، ولا من هدي السلف، تكرار العمرة في سفرة واحدة، لا عن نفسه، ولا عن غيره؛ إذ الأصل أن لكل عمرة سفرة. فمن سافر للعمرة أداها مرة واحدة في سفره هذا، ولا يشرع في حقه تكرارها، إلا إذا خرج من مكة مسافراً ثم رجع إليها. قال ابن القيم رحمه الله: "ولم يكن في عُمَره صلى الله عليه وسلم عمرةٌ واحدةٌ خارجاً من مكة، كما يفعل كثير من الناس اليوم، وإنما كانت عمَرُه كلُها داخلاً إلى مكة، وقد أقام بعد الوحي بمكة ثلاث عشرة سنة، لم ينقل عنه أنه اعتمر خارجاً من مكة في تلك المدة أصلاً، فالعمرة التي فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرعها هي عمرة الداخل إلى مكة، لا عمرة من كان بها فيخرج إلى الحل ليعتمر، ولم يَفعل هذا على عهده أحدٌ قط، إلا عائشة وحدها بين سائر من كان معه؛ لأنها كانت قد أهلت بالعمرة فحاضت فأمرها فأدخلت الحج على العمرة وصارت قارنة، وأخبرها أن طوافها بالبيت وبين الصفا والمروة قد وقع عن حجتها وعمرتها، فوجدت في نفسها أن يرجع صواحباتها بحج وعمرة مستقلين - فإنهن كن متمتعات، ولم يحضن، ولم يقرنَّ - وترجع هي بعمرة في ضمن حجتها، فأمر أخاها أن يُعمرها من التنعيم؛ تطييباً لقلبها، ولم يعتمر هو من التنعيم في تلك الحجة، ولا أحدٌ ممن كان معه " انتهى. " زاد المعاد " (2 / 89، 90) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: بعض الناس يأتي من مكان بعيد لهدف العمرة إلى مكة، ثم يعتمرون ويحلون، ثم يذهبون إلى التنعيم ثم يؤدون العمرة، يعني: في سفره عدة عمرات، فكيف هذا؟ فأجاب: "هذا بارك الله فيك من البدع في دين الله؛ لأنه ليس أحرص من الرسول صلى الله عليه وسلم ولا من الصحابة، والرسول صلى الله عليه وسلم كما نعلم جميعاً دخل مكة فاتحاً في آخر رمضان، وبقي تسعة عشر يوماً في مكة ولم يخرج إلى التنعيم ليحرم بعمرة، وكذلك الصحابة، فتكرار العمرة في سفر واحد من البدع" انتهى. لقاء الباب المفتوح - (121 / 28) . وقال الشيخ الألباني رحمه الله: " الإحرام بعمرة من التنعيم، حيث أحرمت منه السيدة عائشة، فهذا حكمٌ خاص بعائشة ومن يكون مثلها، وأنا أعبر عن هذه العمرة من التنعيم بأنها عمرة الحائض، ذلك لأن عائشة رضي الله عنها لما خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم حاجة في حجة الوداع وكانت قد أحرمت بالعمرة، فلما وصلت إلى مكان قريب من مكة، يعرف بـ " سَرِف " دخل عليها الرسول عليه السلام فوجدها تبكي، فقال لها: (ما لكِ تبكين؟ أنفستِ؟) قالت: نعم، يا رسول الله، قال عليه السلام: (هذا أمر كتبه الله على بنات آدم، فاصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي ولا تصلي) فما طافت ولا صلت حتى طَهُرَتْ في عرفات، ثم تابعت مناسك الحج وأدت الحج بكامله، لما عزم الرسول عليه السلام على السفر والرجوع إلى المدينة، دخل عليها في خيمتها فوجدها أيضاً تبكي، قال: (مالكِ؟) قالت: مالي؟ يرجع الناس بحج وعمرة، وأرجع بحج دون عمرة، ذلك لأنه بسبب حيضها انقلبت عمرتها إلى حج، حج مفرد [هذا ما اختاره الشيخ الألباني رحمه الله، واختار غيره من العلماء أنها صارت قارنة، وليست مفردة] ، فأشفق الرسول عليه السلام عليها , وأمر أخاها عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق أن يردفها خلفه على الناقة وأن يخرج بها إلى التنعيم ففعل ورجعت واعتمرت فطابت نفسها، فلذلك نحن نقول: من أصابها مثل ما أصابها (أي عائشة) من النساء حيث حاضت وهي معتمرة ولا تستطيع أن تكمل العمرة , فتنقلب عمرتها إلى حج , فتعوِّض ما فاتها بنفس الأسلوب الذي شرعه الله على لسان رسوله لعائشة , فتخرج هذه الحائض الأخى إلى التنعيم وتأتي بالعمرة، أما الرجال فهم والحمد لله لا يحيضون , فما لهم ولحكم الحائض؟ والدليل أنه كما يقول بعض العلماء بالسيرة وبأحوال الصحابة: حج مع الرسول مئة ألف من الصحابة ما أحد منه جاء بعمرة كعمرة عائشة رضي الله عنها" انتهى. فلا يشرع لمن كان في مكة أن يخرج إلى التنعيم ليحرم بعمرة، وإنما يشرع له إذا خرج من مكة لحاجة، كما لو خرج إلى المدينة أو جدة أو الطائف.. ثم أراد الرجوع إلى مكة، فلا حرج عليه أن يرجع بعمرة. وقد يرخص لمن كان بمكة في الخروج إلى التنعيم ليحرم بعمرة عن غيره إذا كان قد جاء من بلاد بعيدة يحتاج إلى تأشيرة ونفقات كثيرة لدخول بلاد الحرمين الشريفين، ولا يدري هل سيتيسر له ذلك أم لا؟ فمثل هذا قد يرخص له في الاعتمار عن غيره من التنعيم، أما من يتيسر العودة إلى مكة فلا يعتمر في السفرة الواحدة أكثر من مرة، سواء عن نفسه أو غيره. ثانياً: الاعتمار عن الغير يجوز إذا كان هذا الغير عاجزاً لكبر سن أو مرض لا يرجى برؤه، أو كان ميتاً، بشرط أن يكون المعتمر قد اعتمر عن نفسه أولاً. فقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: أريد العمرة لبيت الله الحرام، وأردت إذا ما فرغت من عمرتي فحينئذ أعتمر عن والدي -وهما على قيد الحياة، والحمد لله- وعن والديهما - وهما قد ماتا رحمهما الله – هل هذه الطريقة صحيحة لي أم لا؟ فأجابوا: "إذا اعتمرت عن نفسك جاز لك أن تعتمر عن أمك وأبيك إذا كانا عاجزين لكبر سن أو مرض لا يرجى برؤه. كما يجوز لك أن تعتمر عن والدي والديك المتوفين" انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (11 / 80-81) . ولمزيد الفائدة: يراجع جواب السؤال رقم: (111501) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 134276 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3986 حكم من رمى الجمار ثم تبين له في بلده أنها أقل من سبع حصيات [السُّؤَالُ] ـ[عندما ذهبتْ والدتي إلى الحج: ذهبت لرمي الجمرات، فأخذتْ بعض الحصوات في جيبها، فرمتها، ثم عادت إلى الفندق، وخلعت العباءة التي كانت ترتديها، عندما عادت إلى " هولندا ": وجدت أنه بقي بعض الحصى في جيب العباءة، فهل عليها من شيء في هذا؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا خلاف بين العلماء في أن النبي صلى الله عليه وسلم قد رمى الجمار بسبع حصيات، وأن هذا هو هديه، ولا ريب. قال ابن القيم رحمه الله: "قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رمَى الجمرة بسبع حصيات، من رواية عبد الله بن عباس , وجابر بن عبد الله , وعبد الله بن عمر" انتهى. " حاشية ابن القيم على مختصر سنن أبي داود " (5 / 312) . وقد اختلف أهل العلم في حكم من نقص من حصيات الرمي في الحج اختلافاً كثيراً، وليس في المسألة نص يُرجع إليه ليحسم الخلاف. جاء في " الموسوعة الفقهية " (17 / 80، 81) : مذهب الشافعية والحنابلة أنه يجب الدم على من ترك الرمي كلَّه، أو ترك رمي يوم، أو يومين، أو ترك ثلاث حصيات من رمي أي جمرة. وعند الشافعية في الحصاة: يجب مدٌّ واحد، وفي الحصاتين: ضعف ذلك. وعند الحنابلة في الحصاة، أو الحصاتين: روايات. قال في " المغني ": الظاهر عن أحمد أنه لا شيء عليه في حصاة، ولا حصاتين. وذهب الحنفية إلى أنه يجب الدم إن ترك الحاج رمي الجمار كلها في الأيام الأربعة، أو ترك رمي يوم كامل، ويلحق به ترك رمي أكثر حصيات يوم أيضا؛ لأن للأكثر حكم الكل، فيلزم فيه الدم، أما إن ترك الأقل من حصيات يوم: فعليه صدقة، لكل حصاة نصف صاع من بُرٍّ، أو صاع من تمر، أو شعير. ومذهب المالكية: يلزمه دم في ترك حصاة، أو في ترك الجميع. انتهى. والذي يظهر لنا ـ والله أعلم ـ أنها إن تيقنت أنها تركت ثلاث حصيات فأكثر من جمرة واحدة، أنها توكل من يذبح عنها شاة بمكة ويوزعها على مساكين الحرم، فإن لم تتيقن ذلك فلا شيء عليها. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128422 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3987 حكم التلبية الجماعية بصوت واحد [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن يقوم واحد بالتلبية بعد الإحرام ويردد المعتمرون وراءه أم ماذا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله التلبية بصوت جماعي بأن يشرع المعتمرون جميعا بالتلبية معا يبتدوؤن وينتهون بصوت واحد من الأخطاء التي يقع فيها كثير من الناس اليوم، إذ لم يعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أنهم كانوا يلبون بصوت واحد، وإنما يلبي كل منهم بصوته سواء وافق أصوات الملبين الآخرين أو خالفهم. وانظر جواب السؤال رقم: (33746) . وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: ما حكم التلبية الجماعية للحجاج؟ حيث أحدهم يلبي والآخرين يتبعونه؟. فأجابت: "لا يجوز ذلك، لعدم وروده عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن خلفائه الراشدين رضوان الله عليهم، بل هو بدعة " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " قول أنس رضي الله عنه: (حججنا مع النبي صلّى الله عليه وسلّم فمنا المُكبِّر ومنا المُهل) – متفق عليه - يدل على أنهم ليسوا يلبون التلبية الجماعية، ولو كانوا يلبون التلبية الجماعية لكانوا كلهم مهلين أو مكبّرين، لكن بعضهم يكبر، وبعضهم يهل، وكل يذكر ربه على حسب حاله " انتهى. " الشرح الممتع " (7/111) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125399 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3988 اعتمر ولم يحلق شعره جهلا ولبس ثيابه [السُّؤَالُ] ـ[من لم يحلق شعره جاهلا الحكم وقد لبس ثيابه ما الحكم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من اعتمر ولم يحلق شعره أو يقصرْه جاهلا ثم لبس ثيابه، فإنه يلزمه إذا علم أن ينزع ثيابه، ويحلق أو يقصر، ولا شيء عليه فيما ارتكبه من محظور اللبس أو غيره، على الراجح؛ لكونه جاهلا، لكن عليه أن يتوب إلى الله تعالى من تقصيره في تعلم ما يجب عليه، فإن من أراد عبادة أو معاملة لزمه تعلم حكمها، وهذا من العلم المفروض عليه. وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: ما حكم من نسي الحلق أو التقصير في العمرة فلبس المخيط ثم ذكر أنه لم يقصر أو يحلق؟ فأجاب: "من نسي الحلق أو التقصير في العمرة فطاف وسعى ثم لبس قبل أن يحلق أو يقصر فإنه ينزع ثيابه إذا ذكر ويحلق أو يقصر ثم يعيد لبسهما، فإن قصر أو حلق وثيابه عليه جهلا منه أو نسيانا فلا شيء عليه، وأجزأه ذلك، ولا حاجة إلى الإعادة للتقصير أو الحلق، لكن متى تنبه فإن الواجب عليه أن يخلع حتى يحلق أو يقصر وهو محرم " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (17/436) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 122795 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3989 اعتمرت ونسيت أن تقصر شعرها ثم اعتمرت مرة أخرى [السُّؤَالُ] ـ[اعتمرت ونسيت أن أقصر شعري ثم ذهبت وأحرمت بعمرة جديدة وطفت وسعيت وقصرت شعري. فما حكم عمرتي الأولى والثانية وماذا يجب علي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سألت عن هذا شيخنا عبد الرحمن البراك فأجاب: إدخال العمرة على العمرة ليس عند فقهاء المسلمين، فتكون العمرة الثانية لاغية، وتقصيره يقع عن العمرة الأولى. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 48961 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3990 طاف للإفاضة والوداع في اليوم العاشر [السُّؤَالُ] ـ[إنني من أهل جدة ولقد من علي الله بحج البيت هذا العام وحججت أنا وزوجتي (علما أننا حججنا دون حملة ولا يوجد لنا مكان هناك) وأدينا النسك ليوم عرفة ومزدلفة وفي اليوم العاشر أدينا جميع نسكه من رمي وتقصير وسعي وطواف الإفاضة مع الوداع أديناه في اليوم العاشر. ثم نزلنا إلي جدة وجلسنا فيها إلى التاسعة مساءا وطلعنا إلي مني لنقيم بها ليلنا ثم نزلنا إلى جدة بعدما صلينا فجرنا في مني ليوم الحادي عشر ثم نزلنا جدة وطلعنا مرة أخرى إلى مني مغرب الحادي عشر ورمينا جمارنا لذلك اليوم وأقمنا في مني إلى الساعة الثانية بعد منتصف الليل ثم رجعنا إلى جدة ثم طلعنا إلى مني بعد صلاة ظهر الثاني عشر ورمينا الجمار ثم خرجنا من مني الرابعة عصرا ذلك اليوم ورجعنا إلى جدة هل علينا طواف وداع في شهر الحج؟ هل علينا دم في شيء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: السنة للحاج أن يبقى في منى نهارا، لفعله صلى الله عليه وسلم، وله أن يخرج منها إلى مكة أو جدة ونحوها، لا سيما إذا كان ذلك لعدم وجود مكان له في منى. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل الخروج في أيام التشريق إلى ما قرب من مكة كجدة مثلا غير مخلّ بالحج؟ فأجاب: "لا يخل بالحج، ولكن الأفضل أن يبقى الإنسان ليلا ونهارا بمنى كما بقي النبي صلى الله عليه وسلم فيها ليلا ونهارا ". انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (23/241، 243) . وينظر جواب السؤال رقم 36244. ثانيا: طواف الوداع إنما يكون بعد فراغ الإنسان من نسكه، أي بعد أيام منى ورمي الجمرات، ولا يجوز ولا يصح تقديمه على ذلك، فمن طاف للوداع في اليوم العاشر أو الحادي عشر، لم يجزئه. ويجوز تأخير طواف الإفاضة لوقت الوداع، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم 36870. قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: " وأما من مسكنه في جدة وطاف طواف الإفاضة قبل أن يخلّص الرجم ونوى في طوافه أن الطواف طواف إفاضة ووداع، فهذا لا يجزيه عن الوداع، لأنه لم يكمل أعمال الحج بعد. ولو كان طوافه للإفاضة المذكور بعد فراغه من الرمي ونواه للإفاضة، واكتفى به عن الوداع، ولم يقم بعده بل سافر في الحال. كفاه عن الوداع " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن إبراهيم" (6/108) . والحاصل: أن طوافكم للوداع غير صحيح، وانصرافكم إلى جدة بعد المناسك دون طواف، يلزمكم فيه دم، وهو شاة تذبح في الحرم وتوزع على فقرائه. وكذلك الزوجة يلزمها ذبح شاة، ما لم تكن في وقت الوداع حائضا؛ لأن الوداع يسقط عن الحائض، لما روى البخاري (1755) ومسلم (1328) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: (أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ إِلَّا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنْ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ) . ولا يصح طوافكم للوداع الآن، ولا يسقط عنكم الدم بفعله، لأنكم غادرتم مكة بلا وداع. فقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: نحن من سكان جدة قدمنا العام الماضي للحج، وأكملنا جميع المناسك ما عدا طواف الوداع، فقد أجلناه إلى نهاية شهر ذي الحجة، وبعد أن خف الزحام عدنا، هل حجنا صحيح؟ فأجاب: "إذا حج الإنسان وأخر طواف الوداع إلى وقت آخر فحجه صحيح، وعليه أن يطوف للوداع عند خروجه من مكة، فإن كان في خارج مكة كأهل جدة وأهل الطائف والمدينة وأشباههم فليس له النفير حتى يودع البيت بطواف سبعة أشواط حول الكعبة فقط ليس فيه سعي؛ لأن الوداع ليس فيه سعي بل طواف فقط، فإن خرج ولم يودع البيت فعليه دم عند جمهور أهل العلم، يذبح في مكة ويوزع على الفقراء والمساكين وحجه صحيح كما تقدم، هذا هو الذي عليه جمهور أهل العلم، فالحاصل أن طواف الوداع نسك واجب في أصح أقوال أهل العلم، وقد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: " من ترك نسكا أو نسيه فليهرق دما " وهذا نسك تركه الإنسان عمدا، فعليه أن يريق دما يذبحه في مكة للفقراء والمساكين، وكونه يرجع بعد ذلك لا يسقطه عنه، هذا هو المختار، وهذا هو الأرجح عندي والله أعلم " انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (17/ 397) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112913 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3991 حكم تكرار العمرة من مكة، وحكم طواف الإفاضة للحائض [السُّؤَالُ] ـ[أنوي الحج هذا العام، وكما يعلم الجميع ليس من السهل الحصول عليه؛ لتكاليفه؛ ووجود القرعة، وأريد أن أستفيد من الحج إلى أقصى مدى، حيث أنني أنوي أن أجري العمرة عدة مرات لأبي، وجدي، وعمي، وعمتي، الذين ماتوا قبل أن أولد ولم يحجوا. وسؤالي: أني إذا أحرمت بالتمتع، وأجريت العمرات: لا أستطيع إجراء طواف الحج لوجود عذر شرعي ما بين 9 و 17 ذي الحجة، ويوم 17 يجب أن أذهب إلى المدينة مع البعثة، علماً بأني مع زوجي، هل أنوي أقرن وأجري العمرات ولا حرج عليَّ؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: اختلف أهل العلم في حكم تكرار العمرة في السفرة الواحدة، والصحيح: أنها لا تشرع، وأنه لا يجوز الإتيان بأكثر من عمرة في السفرة الواحدة، ومن دخل مكة ليعتمر فلا يشرع له تكرارها لا عن نفسه، ولا عن غيره، إلا أن يخرج من مكة بغير قصد الرجوع إليها بعمرة، فيجوز له إن دخلها ثانية أن يعتمر عن نفسه، أو عمن لم يعتمر من أقربائه أو أهله، وما يفعله الآن كثيرون من تكرار العمرة في السفرة الواحدة ليس من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ولا من هدي أصحابه رضي الله عنهم، وهم الذين كانوا يبذلون الجهد للوصول لمكة المكرمة، ويحدوهم الشوق للاعتمار؛ لما له من أجر جزيل. قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: قال أبو طالب: قلت لأحمد قال طاوس: " الذين يعتمرون من التنعيم لا أدري يؤجرون أو يعذبون "، قيل له: لم يعذبون؟ قال: لأنه ترك الطواف بالبيت، ويخرج إلى أربعة أميال، ويخرج، إلى أن يجيء من أربعة أميال قد طاف مائتي طواف، وكلما طاف بالبيت كان أفضل من أن يمشي في غير شيء ". فقد أقرَّ أحمد قول طاوس هذا الذي استشهد به أبو طالب لقوله، رواه أبو بكر في الشافي. " مجموع الفتاوى " (26 / 265) . وقال – رحمه الله -: مثل أن يعتمر من يكون منزله قريباً من الحرم كل يوم، أو كل يومين، أو يعتمر القريب من المواقيت التي بينها وبين مكة يومان، في الشهر خمس عمَر، أو ست عمَر، ونحو ذلك، أو يعتمر من يرى العمرة من مكة كل يوم عمرة أو عمرتين: فهذا مكروه باتفاق سلف الأمة، لم يفعله أحدٌ من السلف، بل اتفقوا على كراهيته، وهو وإن كان استحبه طائفة من الفقهاء من أصحاب الشافعي وأحمد: فليس معهم في ذلك حجةٌ أصلاً إلا مجرد القياس العام، وهو أن هذا تكثيرٌ للعبادات أو التمسك بالعمومات في فضل العمرة، ونحو ذلك. " مجموع الفتاوى " (26 / 270) . وقال ابن القيم – رحمه الله -: ولم يكن في عُمَره عمرةٌ واحدةٌ خارجا من مكة، كما يفعل كثير من الناس اليوم، وإنما كانت عمَرُه كلُها داخلاً إلى مكة، وقد أقام بعد الوحي بمكة ثلاث عشرة سنة، لم ينقل عنه أنه اعتمر خارجاً من مكة في تلك المدة أصلاً، فالعمرة التي فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرعها هي عمرة الداخل إلى مكة، لا عمرة من كان بها فيخرج إلى الحل ليعتمر، ولم يفعل هذا على عهده أحدٌ قط، إلا عائشة وحدها بين سائر من كان معه؛ لأنها كانت قد أهلت بالعمرة فحاضت فأمرها فأدخلت الحج على العمرة وصارت قارنة، وأخبرها أن طوافها بالبيت وبين الصفا والمروة قد وقع عن حجتها وعمرتها، فوجدت في نفسها أن يرجع صواحباتها بحج وعمرة مستقلين - فإنهن كن متمتعات، ولم يحضن، ولم يقرنَّ - وترجع هي بعمرة في ضمن حجتها، فأمر أخاها أن يُعمرها من التنعيم؛ تطييباً لقلبها، ولم يعتمر هو من التنعيم في تلك الحجة، ولا أحدٌ ممن كان معه. " زاد المعاد " (2 / 89، 90) . وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله –: ما هي المدة المحددة بعد أخذ العمرة، أتى شخص بعد أسبوع مثلاً، اعتمر قبل أسبوع، فهل يعتمر الآن؟ فأجاب: ذكر الإمام أحمد رحمه الله حدّاً مقارباً، قال رحمه الله: إذا حمم رأسه، أي: إذا اسود رأسه بعد حلقه فإنه يأخذ العمرة؛ لأن العمرة لا بد فيها من تقصير أو حلق، ولا يتم ذلك إلا بعد نبات الشعر، وأما ما يفعله بعض الناس اليوم في رمضان، أو في أيام الحج من تكرار العمرة كل يوم: فهذا بدعة، وهم إلى الوزر أقرب منهم إلى الأجر، فلذلك يجب على طلبة العلم أن يبينوا لهؤلاء أن ذلك أمر محدَث، وأنه بدعي، فليسوا أحرص من الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولا من الصحابة، ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقي في مكة تسعة عشرة يوماً في غزوة الفتح ولم يحدِّث نفسه أن يخرج ويعتمر، وكذلك في عمرة القضاء أدى العمرة وبقي ثلاثة أيام، ولم يعتمر، وكذلك الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا يكررون العمرة. " لقاءات الباب المفتوح " (72 / السؤال رقم 20) . وينظر خلاف العلماء في حكم تكرار العمرة في السنَة الواحدة: جواب السؤال رقم: (109321) . ثانياً: الأصل فيمن أصابها الحيض أنها تمتنع عن الطواف بالبيت، فإذا كانت طافت طواف الإفاضة: فإنها تنفر، ويسقط عنها طواف الوداع، وإن لم تكن قد طافت طواف الإفاضة: فإنه يجب عليها الانتظار حتى تطهر ثم تطوف بالبيت، ووجودها في قافلة ليس بعذرٍ لترك الطواف، أو للطواف على حالها، إن كان يمكنهم انتظارها، أو كان مكنها تأخير الخروج من مكة برفقة وليها. وينبغي التفريق بين من يمكنها الرجوع إلى مكة لأداء ذلك الطواف، وبين من لا يمكنها ذلك إلا بحرج شديد، فمن كانت قريبة الدار من مكة، أو كان يمكنها الرجوع لمكة لأداء ما عليها من طواف الإفاضة: فإنه يمكنها النفير مع قافلتها – إن لم تستطع البقاء في مكة – على أن ترجع لأداء ذلك الطواف، وبشرط أن لا يقربها زوجها – إن كانت متزوجة -؛ لأنها لم تحل التحلل الأكبر، فترجع لمكة، وتطوف طواف الإفاضة، وتُنهي بذلك حجها. وأما من لا يمكنها البقاء في مكة، ولا الرجوع إليها إلا بحرج شديد: فإنه يجوز لها الطواف على حالها، فتغتسل، وتشد على نفسها ثياباً تمنع نزول الدم، ثم تطوف طواف الإفاضة. وانظر جواب السؤال رقم: (14217) . وينظر جواب السؤال رقم (20465) في حيض المرأة في العمرة. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111501 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3992 كيف تقصر المرأة من شعرها في الحج والعمرة؟ [السُّؤَالُ] ـ[السؤال: بعد أن أدت والدتي العمرة قصت خصلة واحدة من شعرها جهلاً منها فما الحكم في ذلك؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحلق أو التقصير من واجبات العمرة، وليس على النساء حلق، وإنما المشروع لهن التقصير. ويلزم التقصير من جميع الشعر، على الراجح، وهو مذهب المالكية والحنابلة، فإن كان لها ضفائر أخذت من أطرافها جميعاً، وإلا جمعت شعرها وأخذت من جميعه، والمستحب أن تأخذ قدر أنملة، ولها أن تقصر أقل من ذلك؛ لأنه لم يرد تحديد له في الشرع. قال الباجي رحمه الله في "المنتقى" (3/29) : " وأما المرأة فإنها إذا أرادت الإحرام أخذت من قرونها لتقصر فإذا حلت قصرت. وكم مقدار ما تقصر؟ روي عن ابن عمر أنه قال: مقدار أنملة. وقد روى ابن حبيب عن مالك قدر الأنملة أو فوق ذلك بقليل أو دونه بقليل. قال مالك: ليس لذلك عندنا حد معلوم وما أخذت منه أجزأها ولا بد من أن تعم بالتقصير الشعر كله طويله وقصيره " انتهى باختصار. وقال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (3/196) : " يلزم التقصير أو الحلق من جميع شعره , وكذلك المرأة. نص عليه. وبه قال مالك " انتهى. وقال: " وأي قدر قصّر منه أجزأه. وقال أحمد: يقصر قدر الأنملة. وهو قول ابن عمر , والشافعي , وإسحاق , وأبي ثور. وهذا محمول على الاستحباب ; لقول ابن عمر " انتهى. وقال في (3/226) : " والمرأة تقصر من شعرها مقدار الأنملة. الأنملة: رأس الإصبع من المفصل الأعلى. والمشروع للمرأة التقصير دون الحلق. لا خلاف في ذلك. قال ابن المنذر: أجمع على هذا أهل العلم. وقد روى ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس على النساء حلق , إنما على النساء التقصير) رواه أبو داود. وعن علي رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحلق المرأة رأسها) رواه الترمذي. وكان أحمد يقول: تقصر من كل قرن قدر الأنملة. وهو قول ابن عمر , والشافعي , وإسحاق , وأبي ثور. وقال أبو داود: سمعت أحمد سئل عن المرأة تقصر من كل رأسها؟ قال: نعم , تجمع شعرها إلى مقدم رأسها , ثم تأخذ من أطراف شعرها قدر أنملة " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (7/329) : " قوله: " وتقصر منه المرأة قدر أنملة "، أي: أنملة الأصبع وهي مفصل الإصبع، أي أن المرأة تمسك ضفائر رأسها إن كان لها ضفائر، أو بأطرافه إن لم يكن لها ضفائر، وتقص قدر أنملة، ومقدار ذلك اثنان سنتيمتر تقريباً، وأما ما اشتهر عند النساء أن الأنملة أن تطوي المرأة طرف شعرها على إصبعها فمتى التقى الطرفان فذاك الواجب فغير صحيح " انتهى. وبناء على ذلك، فمن قصرت من خصلة واحدة فإنها لم تقصر التقصير المعتبر، ويلزمها الآن أن تقصر من شعرها على نحو ما ذكرنا، ولا شيء عليها فيما ارتكبته من محظورات الإحرام فيما سبق. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في امرأة لم تتم عمرتها: " وأما ما فعلته من المحظورات ولنفرض أن زوجها جامعها والجماع في النسك هو أعظم المحظورات فإنه لا شيء عليها، لأنها جاهلة، وكل إنسان يفعل محظوراً من محظورات الإحرام جاهلاً أو ناسياً أو مكرهاً فلا شيء عليه " انتهى من مجموع فتاوى ابن عثيمين (21/351) باختصار. وسئل رحمه الله عن: رجل قصر شعره من جانب واحد بعد العمرة، ثم رجع إلى أهله وتبين له أن فعله غير صحيح، فماذا عليه؟ فأجاب: " إن فعل هذا الأمر جاهلاً فالواجب عليه أن يخلع ملابسه الآن (ويلبس إحرامه) ويحلق حلقاً كاملاً أو يقصر، ويكون ما فعله في محل العفو؛ لأنه كان جاهلاً، والحلق أو التقصير لا يشترط أن يكون في مكة، بل يكون في مكة وفي غيرها. أما إن كان ما فعله بناءً على فتوى من أحد العلماء، فليس عليه شئ؛ لأن الله يقول (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) ، وبعض العلماء يرى: أن التقصير من بعض الرأس كالتقصير من كل الرأس " انتهى من "اللقاء الشهري" رقم 10. والمرأة لا يلزمها أن تخلع ملابسها قبل التقصير؛ لأنه لا يحرم عليها لبس الثياب المعتادة في الإحرام، وإنما تمنع فقط من النقاب والقفازين. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 110804 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3993 لا يشرع استقبال قبر النبي صلى الله عليه وسلم عند الدعاء [السُّؤَالُ] ـ[رأيت في المسجد النبوي أن الناس يستقبلون قبر النبي صلى الله عليه وسلم عند الدعاء ويرفعون أيديهم، فهل هذا من السنة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " ما يفعله بعض الزوار وغيرهم من تحري الدعاء عند قبره صلى الله عليه وسلم مستقبلا للقبر رافعا يديه يدعو، فهذا خلاف ما عليه السلف الصالح من أصحاب رسول الله وأتباعهم بإحسان. بل هو من البدع المحدثات، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) أخرجه أبو داود، والنسائي بإسناد حسن، وقال صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) أخرجه البخاري ومسلم، وفي رواية لمسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) . ورأى علي بن الحسين زين العابدين رضي الله عنهما رجلا يدعو عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فنهاه عن ذلك، وقال: ألا أحدثك حديثا سمعته من أبي، عن جدي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تتخذوا قبري عيدا، ولا بيوتكم قبورا، وصلوا علي، فإن تسليمكم يبلغني أينما كنتم) أخرجه الحافظ محمد بن عبد الواحد المقدسي في كتابه: "الأحاديث المختارة". وهكذا ما يفعله بعض الزوار عند السلام عليه صلى الله عليه وسلم من وضع يمينه على شماله فوق صدره أو تحته كهيئة المصلي فهذه الهيئة لا تجوز عند السلام عليه صلى الله عليه وسلم، ولا عند السلام على غيره من الملوك والزعماء وغيرهم؛ لأنها هيئة ذل وخضوع وعبادة لا تصلح إلا لله، كما حكى ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح عن العلماء، والأمر في ذلك جلي واضح لمن تأمل المقام وكان هدفه اتباع هدي السلف الصالح. وأما من غلب عليه التعصب والهوى والتقليد الأعمى وسوء الظن بالدعاة إلى هدي السلف الصالح فأمره إلى الله، ونسأل الله لنا وله الهداية والتوفيق لإيثار الحق على ما سواه، إنه سبحانه خير مسئول" انتهى. فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله. "مجموع فتاوى ابن باز" (16/108- 110) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109224 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3994 نصيحة إلى الحجاج الذين يؤذون جيرانهم بالتدخين والأغاني [السُّؤَالُ] ـ[هل من نصيحة توجه إلى الحجاج الذين يؤذون الناس بالمحرمات كالتدخين أو أصوات الأغاني؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا ريب أن إيذاء المسلمين من المحرمات المعلومة من الدين، كما قال الله سبحانه: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) الأحزاب/58، وإذا كان الإيذاء بالتدخين أو بفتح الراديو أو المسجلات على الأغاني كان الأذى أكبر والإثم أعظم؛ لأن الغناء محرم وهكذا التدخين من المحرمات المضرة بالدين والدنيا والصحة. وقد قال الله عز وجل: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ الآية بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) لقمان/6. قال أكثر العلماء: المراد بلهو الحديث الغناء وآلات اللهو. وقال عز وجل: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ) المائدة/4، وقال في وصف نبيه صلى الله عليه وسلم: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) الأعراف/157، فبين المولى سبحانه أنه لم يحل لعباده إلا الطيبات، وأن نبيه صلى الله عليه وسلم إنما أحل لأمته الطيبات، وهي الأشياء النافعة بلا مضرة، والدخان من الأشياء الضارة الخبيثة، وقد أجمع العارفون به من الأطباء وغيرهم على أنه مضر بالصحة، خبيث العاقبة، خبيث الرائحة. وفق الله الجميع للفقه في الدين والثبات عليه وأعاذ الجميع من نزغات الشيطان" انتهى. فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله. "مجموع فتاوى ابن باز" (16/351، 352) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109227 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3995 بعض الحجاج يلتقطون الصور في المشاعر المقدسة [السُّؤَالُ] ـ[بعض الناس يلتقطون الصور في المشاعر المقدسة وربما رفع الشخص يديه في الدعاء من أجل التصوير فقط فهل هذا جائز؟ وهل يخل بالحج أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "التقاط الصور للحجاج في مكان العبادة غير جائز من وجهين: الوجه الأول: أنهم يفعلون ذلك للاحتفاظ بالصور والذكرى، وكل تصوير يقصد منه الاحتفاظ للذكرى فإنه حرام. الوجه الثاني: أنه لا يسلم غالباً من الرياء؛ لأن الإنسان يأخذ الصور ليريها للناس أنه حج، ولهذا يفعل كما قال السائل يرفع يديه للدعاء، وهولا يدعو لكن من أجل أن تلتقط له صورة. أما إذا احتيج إلى ذلك لكون هذا الرجل نائباً عن شخص فقال: ألتقط الصورة لأثبت أنني حججت، فإذا وصل إلى صاحبه الذي أنابه مزق الصورة، فإن ذلك لا بأس به؛ لأن الحاجة داعية إلى ذلك، ولم يقصد به مجرد الذكرى، أو الاقتناء" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (24/70، 71) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109232 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3996 هل يجوز أن يحج للرسول صلى الله عليه وسلم؟ [السُّؤَالُ] ـ[من باب المحبة للرسول صلى الله عليه وسلم هل يجوز للإنسان أن يحج عنه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إهداء القرب للرسول صلى الله عليه وسلم من السفه من حيث العقل، ومن البدعة من حيث الدين، أما كونه بدعة في الدين فلأن الصحابة رضي الله عنهم الذين شاهدوا الرسول صلى الله عليه وسلم ولازموه وأحبوه أكثر منا، ما كانوا يفعلون [ذلك] ، ثم نأتي نحن في آخر الدنيا ونهدي للرسول بالحج عنه، أو بالصدقة عنه هذا غلط من ناحية شرعية. ومن الناحية العقلية هو سفه، لأن كل عمل صالح يقوم به العبد فالنبي صلى الله عليه وسلم له مثله؛ لأن من دل على خير فله مثل فاعله، وإذا أهديت ثواب العمل الصالح للرسول صلى الله عليه وسلم فهذا يعني أنك حرمت نفسك فقط، لأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم منتفع بعملك، له مثل أجرك سواء أعطيته أم لم تعطه، وأظن هذه البدعة لم تحدث إلا في القرن الرابع، وعلى ذلك أنكرها العلماء، وقالوا: لا وجه لها، وإذا كنت صادقاً في محبة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم – وأرجو أن تكون صادقاً – فعليك باتباعه واتباع سنته وهديه" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (24/23) . وللفائدة انظر جواب السؤال رقم (52772) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109239 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3997 حج قارنا وضحى ولم يؤدِّ الهدي [السُّؤَالُ] ـ[رجل قرن الحج بالعمرة وفعل جميع مناسك الحج، وفي أيام منى ذبح أضحية ولم يؤدِّ الهدي لجهله حتى انتهت أيام منى، فهل عليه الهدي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كان الواقع كما ذكرت وجب عليه أن يذبح هدياً عن القران بمكة، وله أن يأكل منه، وله أن يُوَكِّل أميناً يذبحه عنه بمكة المكرمة، ولا يجزئ عنه ما ذبح بنية الضحية. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/370) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109272 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3998 حكم التلبية الجماعية [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم التلبية الجماعية للحجاج؟ حيث أحدهم يلبي والآخرين يتبعونه.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا يجوز ذلك لعدم وروده عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن خلفائه الراشدين رضوان الله عليهم، بل هو بدعة. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/358) . وانظر جواب السؤال (33746) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109273 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3999 طاف في الحج من داخل الحجر [السُّؤَالُ] ـ[حججت لأول مرة، وعند الطواف بالكعبة اقتصرت في أكثر الأشواط على الطواف بالكعبة، وتركت الجدار الفاصل والمجاور للكعبة من الجهة الشمالية، فما هو حكم حجي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كان الطواف الذي سألت عنه هو طواف الإفاضة -وهو الذي يكون بعد الوقوف بعرفات- فطوافك غير صحيح، ولا يجزئك هذا الحج إلا إذا أعدت هذا الطواف؛ لأن طواف الإفاضة ركن من أركان الحج، فلا بد من رجوعك إلى المسجد الحرام لتطوف بالكعبة سبعة أشواط تبدأ الشوط من الحجر الأسود وينتهي السابع عند الحجر الأسود، ويكون طوافك الأشواط كلها خارج حجر إسماعيل من وراء الجدار، بهذا يجزئك حجك، أما إن كان الطواف طواف الوداع فعليك دم يذبح بمكة للفقراء؛ تكميلاً لحجك، وليس عليك الرجوع إلى البيت، ولو رجعت لم يجزئك عن الدم، أما إذا كان الطواف نافلة فليس عليك شيء. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/234) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109275 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4000 طافوا للوداع وسافروا يوم الحادي عشر ووكلوا من يرمي عنهم اليوم الثاني عشر [السُّؤَالُ] ـ[بعض الحجاج عندما رموا جميع الجمرات يوم الحادي عشر من ذي الحجة، استأجروا من يرمي عنهم يوم الثاني عشر، وذهبوا إثر ذلك إلى مكة وطافوا طواف الوداع، وذهبوا إلى جدة وركبوا الطائرة؛ ولأن تذكرة الطائرة محددة بذلك الوقت فلا بد من الحضور. هل حجهم صحيح؟ وهل عليهم دم؟ وكم عدد الذبائح عليهم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كان الواقع كما ذكر فحجهم صحيح لكنه ناقص بمقدار ما نقصوه من انصرافهم قبل أن يبيتوا بمنى ليلة الثاني عشر، ويرموا الجمرات الثلاث بعد زوال ذلك اليوم، ويودعوا بعده، وهم بلا شك آثمون لفعلهم هذا، المخالف لقوله تعالى: (وأتموا الحج والعمرة لله) ، وقوله عليه الصلاة والسلام: (خذوا عني مناسككم) ، وعليهم أن يستغفروا الله ويتوبوا إليه من ذلك، وعلى كل واحد منهم على القول الراجح دم يجزئ في الأضحية عن ترك المبيت، وآخر عن ترك رمي الجمرات، وثالث عن ترك الوداع؛ لأنهم في حكم من لم يرم؛ لنفرهم قبل الرمي، وفي حكم من لم يودع؛ لوقوع طواف الوداع قبل إكمال مناسكهم. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان. "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/292) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109278 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4001 ما حكم صعود جبل الرحمة في يوم عرفات والصلاة عليه؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك ثواب معين في صعود جبل الرحمة في يوم عرفات والصلاة عليه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حث على صعود جبل عرفات الذي اشتهر عند الناس باسم: جبل الرحمة، ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم صعود هذا الجبل في حجه ولا اتخذه منسكاً، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (خذوا عني مناسككم) ، ودرج على ذلك الخلفاء الراشدون وسائر الصحابة ومن تبعهم بإحسان، فلم يكونوا يصعدون على هذا الجبل في حجهم ولا اتخذوه منسكاً لهم؛ اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي ثبت أنه صلى الله عليه وسلم وقف تحت هذا الجبل عند الصخرات الكبار، وقال: (وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف، وارفعوا عن بطن عرنة) ولذا قال كثير من العلماء: إن صعود هذا الجبل في الحج على وجه النسك بدعة، منهم الإمام النووي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، والشيخ صديق خان، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم أن يصلي نفلاً بموقف عرفات، بل اكتفى بصلاة الظهر والعصر في مسجد نمرة، جمعاً وقصراً، ولا اتخذ مصلى بما يسمى جبل الرحمة ليصلي فيه من صعد على هذا الجبل نافلة أو فريضة في يوم عرفات، بل اشتغل بعد صلاته الظهر والعصر بذكر الله تسبيحاً وتهليلاً وتحميداً وتكبيراً وتلبية، وبدعاء ربه والضراعة إليه، حتى غربت الشمس. فاتخاذ مصلى أو مسجد على هذا الجبل ليصلي فيه من صعد عليه من البدع التي أحدثها الجهال. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ إبراهيم بن محمد آل الشيخ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن منيع. "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/206-208) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "الصعود على جبل عرفات ليس من الأمور المشروعة، بل هو إن اتخذه الإنسان عبادة بدعة، لا يجوز للإنسان أن يعتقده عبادة، ولا أن يعمل به على أنه عبادة، والرسول صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على فعل الخير، وأبلغ الناس في تبليغ الرسالة، وأعلم الناس بدين الله، لم يصعده ولم يأمر أحداً بصعوده، ولا أقر أحداً بصعوده فيما أعلم، وعلى هذا فإن صعود هذا الجبل ليس بمشروع، بل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وقف خلفه من الناحية الشرقية قال: (وقفت هاهنا، وعرفة كله موقف) وكأنه صلى الله عليه وسلم يشير بهذا إلى أن كل إنسان يقف في مكانه، ولا يزدحمون على هذا المكان الذي وقف فيه الرسول صلى الله عليه وسلم" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/32) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109290 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4002 هل ممكن أن يوكل من يرمي عنه الجمرات ثم يسافر إلى بلده؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للحاج أن يوكل من يرمي الجمرات عنه يوم العيد أو اليوم الثاني، ثم يعود إلى بلده؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "أمر الله سبحانه في كتابه الكريم بإتمام الحج والعمرة بقوله: (وأتموا الحج والعمرة لله) ، وتمامهما لا يحصل إلا بإخلاصهما لله، والمتابعة فيهما لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز لمسلم أحرم بحج أو عمرة أن يخل بشيء من أعمالهما، أو أن يرتكب من الأمور المنهي عنها ما ينقصهما، ومن وكل في رمي جمراته أيام التشريق أو أحد أيام التشريق ونفر يوم النحر يعتبر مخطئاً مستهتراً بشعائر الله، ومن يوكل في رمي الجمرات اليوم الحادي عشر أو الثاني عشر من أيام التشريق ويطوف طواف الوداع ليتعجل بالسفر فقد خالف هدي الرسول صلى الله عليه وسلم، وما أمر به في أداء المناسك وترتيبها، وعليه التوبة والاستغفار من ذلك، ويلزم من فعل ذلك دم عن ترك المبيت بمنى، ودم عن تركه رمي الجمرات التي وكل فيها ونفر، ودم ثالث عن طواف الوداع وإن كان طاف بالبيت لدى مغادرته؛ لوقوع طوافه في غير وقته؛ لأن طواف الوداع إنما يكون بعد انتهاء رمي الجمرات. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/288-289) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109316 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4003 بعض الأخطاء التي تحدث في الذهاب إلى منى وفي المبيت بها ليلة عرفة [السُّؤَالُ] ـ[ما هي الأخطاء التي تحدث في الذهاب إلى منى وفي المبيت فيها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "من الأخطاء التي تكون في الذهاب إلى منى: أن بعض الناس لا يجهر بالتلبية مع مشروعية الجهر بها، فتمر بك أفواج الحجاج ولا تكاد تسمع واحداً يلبي، وهذا خلاف السنة، وخلاف ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، فالسنة للإنسان في التلبية أن يجهر بها ويرفع صوته بذلك ما لم يشق عليه، وليعلم أنه لا يسمعه شيء من حجر أو مدر، إلا شهد له يوم القيامة عند الله سبحانه وتعالى. ومن ذلك أيضاً: أن بعض الحجاج يذهب رأساً إلى عرفة ولا يبيت في منى، وهذا وإن كان جائزاً؛ لأن المبيت في منى قبل يوم عرفة ليس بواجب، لكن الأفضل للإنسان أن يتبع السنة التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحيث ينزل في منى من ضحى يوم الثامن إلى أن تطلع الشمس لليوم التاسع، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك وقال: (لتأخذوا عني مناسككم) رواه مسلم (1218) . لكنه لو تقدم إلى عرفة ولم يبت في منى في ليلة التاسع فلا حرج عليه؛ لحديث عروة بن المضرس أنه أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر يوم العيد في مزدلفة وقال: يا رسول الله، أكللت راحلتي وأتعبت نفسي، فلم أر جبلاً إلا وقفت عنده فهل لي من حج؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً، فقد تم حجه وقضى تفثه) رواه أبو داود (1950) . ولم يذكر الرسول صلى الله عليه وسلم المبيت بمنى ليلة التاسع، وهذا يدل على أنه ليس بواجب. ومن الأخطاء في بقاء الناس في منى في اليوم الثامن: أن بعض الناس يقصر ويجمع في منى، فيجمع الظهر مع العصر، والمغرب مع العشاء، وهذا خلاف السنة، فإن المشروع للناس في منى أن يقصروا الصلاة بدون جمع، هكذا جاءت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان الجمع جائزاً؛ لأنه في سفر، والمسافر يجوز له الجمع نازلاً وسائراً، لكن الأفضل لمن كان نازلاً من المسافرين أن لا يجمع إلا لسبب، ولا سبب يقتضي الجمع في منى، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجمع في منى، ولكن يقصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين، فيصلي الظهر ركعتين في وقتها، والعصر ركعتين في وقتها، والمغرب ثلاثاً في وقتها، والعشاء ركعتين في وقتها، والفجر في وقتها" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/16) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109353 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4004 تعجل ثم تبين له أنه أخطأ في الرمي فرجع ورمى ليلاً فهل يبقى على التعجل؟ [السُّؤَالُ] ـ[حاج تعجل ثم تبين له أن رميه في اليوم الثاني عشر كان خطأ فرجع ليلاً ورمى هل لا يزال متعجلاً، أم يلزمه المبيت في منى والرمي من الغد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "هذا الرجل الذي تعجل، وخرج من منى قبل غروب الشمس، ثم بان له أن رميه كان فيه خطأ، فعاد فقضاه فإن له أن يرمي ثم يخرج من منى، لأن هذا الرمي كان قضاءاً لما فات، والله سبحانه وتعالى يقول: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنْ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) البقرة/203. أما لو أخر الرمي يوم الثاني عشر إلى الليل، فإنه يبقى في تلك الليلة ليبيت في منى، ثم يرمي الجمرات في اليوم الثالث عشر" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/303) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109354 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4005 خرج من عرفات قبل المغرب بسبب المرض؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من خرج من عرفة قبل غياب قرص الشمس لمرض، أو ضعف، أو كبر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "القول الراجح أن البقاء بعرفة حتى تغرب الشمس واجب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدفع قبل أن تغرب الشمس، ولو كان جائزاً لدفع قبل أن تغرب الشمس؛ لأنه نهار وأيسر للناس، وأيضاً إذا دفع الإنسان قبل أن تغرب الشمس فقد خرج عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم إلى سنة الجاهلية؛ لأن أهل الجاهلية هم الذين يدفعون من عرفة قبل غروب الشمس، ومن فعل ذلك فإن كان متعمداً ترتب على فعله أمران: الأول: الإثم. الثاني: عند أكثر العلماء فدية يذبحها في مكة، ويوزعها على الفقراء، أما إذا خرج قبل غروب الشمس من عرفة وهو جاهل فإنه يسقط عنه الإثم، لكن يجب عليه عند أكثر العلماء البدل، وهو أن يذبح شاة في مكة، يوزعها على الفقراء" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/29) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109363 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4006 طاف طواف الإفاضة وهو جنب [السُّؤَالُ] ـ[حاج أصابته جنابة ليلة عرفة ومضى في حجه حتى انتهى ورجع إلى بلده فماذا عليه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "على هذا الإثم العظيم الكبير حيث أمضى كل هذه الأيام وهو يصلي على غير طهارة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة بغير طهور) فالواجب عليه نحو صلاته أن يعيد كل ما صلى قبل اغتساله. أما بالنسبة للحج فعليه أن يعيد طواف الإفاضة، لأنه طاف وعليه جنابة ولا يصح الطواف من الإنسان وهو عليه جنابة، لأن من عليه جنابة ممنوع من اللبث في المسجد كما قال تعالى: (وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ) النساء/43، وعليه إذا كان متزوجاً أن يتجنب أهله حتى يرجع إلى مكة ويطوف طواف الإفاضة، وفي هذا الحال يحرم من الميقات بالعمرة، ثم يطوف ويسعى ويقصر، ثم يأتي بطواف الإفاضة وعليه – مع ذلك كله – التوبة إلى الله بالندم على ما حصل منه، وأن يرى نفسه مقصراً، مفرطاً في حق الله، وأن يعزم على أن لا يعود إلى مثل هذا" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 363، 364) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109368 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4007 أحوال وأحكام من قصد " جدة " لعمل أو زيارة ثم اعتمر [السُّؤَالُ] ـ[سافر أبي من الأردن إلى جدة لمؤتمر له هناك، وقيل لهم: إنهم سوف يؤدون العمرة بعد أن يبيتوا ليلة أو ليلتين في جدة بعد انتهاء المؤتمر، وفي الطائرة أعلن عن وصول الميقات لمن أراد أن يحرم، ولم يحرم، ولكن عندما وصل جدة تفاجأ أن البرنامج قد تغير، وأنه في ليلة وصولهم عليهم أداء العمرة، فأحرم من جدة، وأدَّى العمرة، ولم يخرج كفارة، هل عليه شيء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يخلو من قصد جدة للعمل، واعتمر من حالين: الأولى: أن ينوي العمرة قبل وصوله لها، فيكون في سفره إلى جدة قاصداً العمل والعمرة معاً، بقطع النظر أيهما يكون أولاً. والثانية: أن يقصد جدة ولم ينو العمرة، ثم يبدو له أن يعتمر. ففي الحال الأولى يجب عليه أن يُحرم من الميقات، ثم يقضي عمله في جدة، ثم يعتمر، والأفضل له أن يبدأ بالاعتمار. فإن تعذر عليه أن يبدأ بالعمرة، وشق عليه أن يبقى أياما في جدة بثياب الإحرام فله ألا يحرم من الميقات عند مروره عليه، لكن إذا أراد الإحرام بالعمرة بعد انتهاء عمله في جدة وجب عليه أن يخرج إلى الميقات ليحرم منه، فإن لم يفعل وأحرم من جدة، فقد ترك واجباً من واجبات الإحرام، ويجب عليه أن يذبح شاة في مكة ويوزعها على فقراء الحرم. وأما الحال الثانية: فلا يلزمه أن يُحرم في الميقات؛ لأنه لا يقصد العمرة أصلاً، ولو نوى العمرة بعد انتهاء عمله في جدة: فإنه يُحرم من مكانه في جدة. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: إنني في عطلة الربيع الماضية اصطحبت أهلي وأولادي بنية زيارة أختي في الطائف، ونأخذ عمرة والعلاج في جدة، هذه هي النية أساساً، الذي حصل أننا أقمنا في الطائف يوماً، ثم ذهبنا إلى جدة مارين بمكة ولم نحرم من السيل، حيث كنت أعتقد أن ما في ذلك شيء، فأخرنا العمرة حتى العودة من جدة، وفعلاً بعد انتهائنا من جدة أحرمنا بالعمرة، ... فأرجو من سماحتكم توجيهنا للصواب، وماذا يترتب علينا؟ . فأجابوا: " الواجب على مَن نوى العمرة ثم مرَّ بالميقات: أن يُحرم منه، ولا يجوز له مجاوزته بدون إحرام، وحيث لم تحرموا من الميقات: فإنه يجب على كل منكم دم، وهو ذبح شاة تجزئ في الأضحية تُذبح بمكة المكرمة، وتقسم على فقرائها، ولا تأكلوا منها شيئاً " انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان. " فتاوى اللجنة الدائمة " (11 / 176، 177) . وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: مَن سافر مِن بلده إلى جدة ثم أراد العمرة فهل يحرم من جدة؟ فأجاب: " لا يخلو الأمر مِن حالين: 1. أن يكون الإنسان قد سافر إلى جدة بدون نية العمرة، ولكن طرأت له العمرة وهو في جدة: فإنه يُحرم من جدة، ولا حرج في ذلك؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما حين ذكر المواقيت قال: (ومَن كان دون ذلك: فمِن حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة) . 2. أن يكون سافر من بلده بنية العمرة عازماً عليها: فإنه يجب في هذه الحالة أن يُحرم من الميقات الذي يمر به، ولا يجوز الإحرام من جدة؛ لأنها دون الميقات، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وقَّت المواقيت فقال: (هنَّ لهنَّ ولمن مرَّ عليهن مِن غير أهلهن لمن أراد الحج والعمرة) . فإن أحرم من جدة ونزل إلى مكة في هذه الحال: فإن عليه عند أهل العلم فدية، دماً يذبحه في مكة، ويتصدق به على الفقراء، وعمرته صحيحة، فإن لم يحرم من جدة بعد وصوله إليها، وهو ناوٍ العمرة قبل وصوله: فإنه يرجع إلى الميقات، ويحرم منه، ولا شيء عليه. "فتاوى أركان الإسلام " (السؤال رقم 467) . وسئل الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله: القادم بالطائرة من الرياض، ويريد العمرة ومرَّ بمدينة جدة لزيارة بعض الأهل، أو الأصدقاء ليوم أو ليومين، هل يلزمه أن يحرم مما يحاذي الميقات من الجو؟ فأجاب: " يجب عليه أن يحرم من هذا الميقات إذا مرَّ به أو مرَّ محاذياً له من الأرض أو من الجو، فإنه لا يتجاوزه إلا بإحرام، فالذي يذهب بالطائرة يتهيأ للإحرام قبل الركوب بما يريد أن يتهيأ به، وإذا حاذى الميقات إما أن يسأل الملاحين أو هم يعلنون ذلك للناس أو هو يحتاط ويحرم إذا غلب على ظنه بأنه قرب من الميقات، فيحرم من الجو، أما أن يتعداه إلى أن ينزل في مطار جدة: فهذا خطأ، وإذا فعل هذا فيكون عليه دم " انتهى بتصرف. وسئل – حفظه الله -: حتى لو كان سيبقى في جدة ليوم أو ليومين للزيارة؟ . فأجاب: " ولو كان، سيبقى في جدة ليوم أو ليومين إن أراد أن يبقى في جدة قبل أداء النسك، يبقى في إحرامه، وإن نزل إلى مكة وأدَّى النسك ثم رجع إلى جدة إلى عمله: فهذا أحسن؛ لأن المبادرة بأداء النسك أحسن، يعني: ما دام نوى العمرة لا يجوز له أن يتعدى الميقات إلا بإحرام، لا شك في هذا، ثم هو بعد ذلك هو في خيار، إن شاء بقي في جدة بإحرامه، وإن شاء نزل إلى مكة، وعاد إلى جدة لعمله " انتهى. " المنتقى من فتاوى الفوزان " (4 / 119، 120، السؤال رقم 118 و 119) . والخلاصة: إذا كان والدك في سفره من الأردن إلى جدة ناوياً للعمرة – وهذا هو الظاهر -، فكان الواجب عليه أن يحرم من الميات أو يخرج من جدة للإحرام من الميقات، وبما أنه لم يفعل واحداً من الأمرين، فعليه أن يذبح شاة في مكة ويوزعها على الفقراء، فإن كان قد غادر مكة ورجع إلى الأردن، فيبحث عمن يرسل له الأموال ويوكله في الذبح في مكة. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106771 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4008 طاف للعمرة من داخل الحِجْر [السُّؤَالُ] ـ[امرأة وزوجها أخذا عمرة وطافا ستة أشواط وفي الشوط السابع دخلا ما بين الكعبة والحِجْر ثم رجعا إلى بلدهما. فما الحكم في هذه الحالة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الطواف الذي يدخل فيه الإنسان بين الحِجْر وبين الكعبة طواف ناقص، لأن الواجب أن يكون الطواف بجميع الكعبة مع الحِجْر لقول الله تعالى: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) الحج/29، وإذا كان ناقصاً لم يكن عليه أمر الله ورسوله. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي مردود عليه. وبهذا يتبين أن طواف هذين الشخصين – الرجل وزوجته – طواف غير صحيح، فيجب عليهما الآن، فوراً أن يلبسا ثياب الإحرام، وأن يذهبا إلى مكة فيطوفا بنية العمرة، ويسعيا ويقصرا، أو يحلق الرجل وتقصر المرأة، وبذلك يحلان من إحرامهما. هذا هو الواجب عليهما الآن. وأما ما ارتكباه من فعل المحظور وهو صادر عن جهل منهما فلا إثم عليهما فيه ولا فدية، لقول الله تبارك وتعالى: (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) البقرة/286، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى قال: (قد فعلت) " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 352، 353) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106544 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4009 يريد أن يسافر من مكة ثم يعود لطواف الوداع بعد خفة الزحام [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لأهل جدة أن يتركوا طواف الوداع ثم يعودون إلى مكة للإتيان به بعد خفة الزحام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز لأحد من الحجاج أن يسافر من مكة قبل طواف الوداع. سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ هل يصح لأهل جدة النفر من منى إلى جدة دون طواف الوداع ومن ثم الرجوع بعد أيام لطواف الوداع؟ فأجاب ـ رحمه الله ـ: لا يجوز لأهل جدة ولا غيرهم أن يذهبوا إلى بلادهم قبل طواف الوداع ثم يرجعوا إلى مكة إذا خف الزحام يجب ألا يغادوا مكة حتى يطوفوا الوداع، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ينفر أحدكم حتى يكون آخر عهده بالبيت) وقال ابن عباس: كان الناس ينصرفون من كل وجه يعني من كل ناحية، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا ينفر أحدكم حتى يكون آخر عهده بالبيت) . مجموع فتاوى ابن عثيمين (23/353) بل إذا رجع بعد ذلك لطواف الوداع فإنه لا ينفعه، قال الشيخ ابن عثيمين (إذا خرج من مكة يريد جدة ووصل جدة فإنه لو أتى به (يعني طواف الوداع) لا ينفعه؛ لأنه خرج وودع فكيف ينفعه بعد أن ودع وذهب) اهـ مجموع فتاوى ابن عثيمين (23/353) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 14307 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4010 لا يستطيع إخراج تأشيرة حج لوالدته إلا بدفع مال للموظف [السُّؤَالُ] ـ[أنا بألمانيا بإحدى الدول الأوروبية أريد أن أحجج أمي من هنا نظرا لأن الحج في بلادنا العربية لا يتم إلا بالقرعة ولكن لكي أتحصل على تأشيرة لوالدتي من السفارة السعودية طلب مني دفع إضافة 300 يورو لأن أمي غير مقيمة في ألمانيا، هذا المبلغ المالي لا يذهب إلى ميزانية السفارة وإنما إلى موظف في السفارة لكي يتدبر أمر التأشيرة لوالدتي فهل يعتبر هذا المبلغ رشوة أم أجرا مقابل إسداء خدمة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان هذا المال يعطى للموظف، ولا يذهب إلى ميزانية السفارة، فهو من الرشوة، وهدايا العمال المحرمة ويأخذه الموظف سحتاً ومالاً حراماً؛ لكن إذا لم تتمكن من استخراج التأشيرة إلا بدفع هذا المبلغ له فلا حرج عليه إن شاء الله، والإثم عليه. فقد استثنى الفقهاء من الرشوة المحرمة ما دفعه الإنسان ليتوصل به إلى حقه، فتحرم حينئذ على الآخذ دون المعطي. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فأما إذا أهدى له هدية ليكف ظلمه عنه أو ليعطيه حقه الواجب كانت هذه الهدية حراما على الآخذ , وجاز للدافع أن يدفعها إليه , كما كان النبي يقول: (إني لأعطي أحدهم العطية فيخرج بها يتأبطها نارا. قيل: يا رسول الله , فلم تعطيهم؟ قال: يأبون إلا أن يسألوني ويأبى الله لي البخل) انتهى من "الفتاوى الكبرى" (4/174) . وقال تقي الدين السبكي رحمه الله: " والمراد بالرشوة التي ذكرناها ما يعطى لدفع حق أو لتحصيل باطل، وإن أعطيت للتوصل إلى الحكم بحق فالتحريم على من يأخذها , وأما من لم يعطها فإن لم يقدر على الوصول إلى حقه إلا بذلك جاز وإن قدر إلى الوصول إليه بدونه لم يجز. وهكذا حكم ما يعطى على الولايات والمناصب يحرم على الآخذ مطلقا ويفَصَّل في الدافع على ما بينا " انتهى من "فتاوى السبكي" (1/204) . ولزيادة التفصيل راجع السؤال رقم (72268) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 95756 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4011 لبست النقاب والقفازين أثناء طواف الإفاضة [السُّؤَالُ] ـ[لدي استفسارات متعلقة بالحج، أرجو التفضل على إجابتها مأجورين. وهو: أني حججت هذا العام وكنت قد نويتها قرانا، ولدي في حجتي هذه إشكالان: في أول مجيئنا لمكة المكرمة لم نعتمر وأجلناها إلى اليوم الثامن، وخلال أيام إحرامي نزلنا عند جماعة هم بنات مثلنا وأجبروني وأنا محرمة على أن يضعوا لي مكياج وأنا كنت منكرة هذا الأمر إنكاراً فقط ليس بناء على أنه لا يجوز الزينة في الإحرام لأن هذا ذهب عن بالي، ثم بعد ذلك استخدمت كريم نيفيا لإزالة آثار المكياج، فما أدري هل عليّ شيء بصنعي هذا؟ مع العلم أنني كنت متحرزة شديدة التحرز من الروائح ولم نستخدم الصابون ولا أي شيء له رائحة ولم أعمل أي محظور سوى هذا. ثم بعد ذلك لما أردنا في اليوم الثامن أن نعتمر أصبت عذراً حتى اليوم الثاني من أيام التشريق، مع العلم أنني في اليوم الأول من أيامه قد رمى ولينا عنا وهي جمرة العقبة، وأحللنا قبل طواف الإفاضة، وهذا جائز لمن قد اعتمر، أما أنا فقارنة لم أعتمر فقد أحللت إحرامي ناسية ثم ذبحت دما، وقبل انصرافنا من مكة طاف من معي الوداع وأنا طفت الإفاضة وسعيت على اعتبار أنها عمرة الحج – وقد كنت لابسة النقاب والقفازين، ثم خلعتها بعد الطواف وأنا مترددة في أمري فلست أدري هل علي شيء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: القارن بين الحج والعمرة لا يعتمر عند قدومه مكة، وإنما يطوف للقدوم وهو سنة ليس واجباً، ثم إن شاء سعى بعده أو يؤخر هذا السعي بعد طواف الإفاضة، ويكفي هذا السعي عن الحج والعمرة جميعاً، وعليه فكونك لم تطوفي ولم تسعي عند وصولك إلى مكة لا شيء فيه. ويلزم القارن أيضاً طوافان: الأول طواف الإفاضة بعد رجوعه من عرفات والمزدلفة، وطواف الوداع عند خروجه من مكة، وله أن يؤخر طواف الإفاضة فيطوف عند خروجه من مكة طوافاً واحداً للإفاضة والوداع معاً، كما فعلت. ثانيا: استعمال المحرمة للزينة التي ليست طيبا، لا حرج فيه. والمحظور هو استعمال الطيب. وعليه فلا حرج فيما صنعت من وضع المكياج، واستعمال الكريم لإزالته، وإن كان الأحوط عدم استعمال هذا الكريم لأجل ما فيه من الرائحة، لكنه ليس طيبا في الأظهر، ولا يسمى صاحبه متطيبا. ثالثا: إذا رمى الحاج جمرة العقبة، وقصر من شعره، فقد تحلل التحلل الأول، سواء كان مفردا أو متمتعا أو قارنا، فيباح له كل شيء إلا النساء، فيجوز له استعمال الطيب، وتقليم الأظافر، ولبس المخيط إن كان رجلا، وتلبس المرأة النقاب والقفازين , وإنما يمنع بعد هذا التحلل من الجماع فقط. ويجوز التوكيل في الرمي للضعفة والنساء عند شدة الزحام. وقد ذكرت أنك تحللت بعد الرمي، ولم تبيني مرادك بالتحلل، ولم تذكري شيئا عن تقصير الشعر، فإن كنت قد قصرت من شعرك فقد تحللت التحلل الأول، فيحل لك كل شيء إلا الجماع، ويكون لبسك للنقاب والقفازين في طواف الإفاضة جائزاً، أما إذا كنت لم تقصري شعرك قبل الطواف فأنت باقية على إحرامك ويكون لبسك للنقاب والقفازين في طواف الإفاضة غير جائز، وعليك الفدية، وهي صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين من مساكين الحرم، أو ذبح شاة توزع على فقراء الحرم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 91979 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4012 نسي طواف الإفاضة وعاد إلى بلده ولم يمكنه الرجوع إلى مكة [السُّؤَالُ] ـ[خالي شيخ متقدم في السن أعمى حج منذ 4 سنوات ونسي القيام بطواف الإفاضة ولم يقدر على القيام بطواف الوداع فماذا عليه أن يفعل ليتم حجه؟ هل يجوز له أن يوكل من يعوضه لقضاء الطواف؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: طواف الإفاضة ركن من أركان الحج لا يتحلل المحرم التحلل الأكبر إلا بفعله، وبناء على ذلك فخالك لا يزال محرما، والواجب في حقه أمور: 1- الامتناع عن الجماع حتى يطوف للإفاضة، ويتحلل التحلل الأكبر. وإن كان قد جامع وهو لا يدري أنه لا يزال محرماً فلا شيء عليه، لكن يلزمه الامتناع عن الجماع من الآن. 2- الذهاب إلى مكة، والطواف للإفاضة. ويستحب أن يكون الدخول إلى مكة بعمرة، ثم إذا فرغ منها وقصر من شعره، طاف للإفاضة، وذلك حتى لا يدخل مكة بغير إحرام. ينظر: "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/194) . 3- أما طواف الوداع فإذا طاف للإفاضة ثم خرج من مكة عقب الطواف أجزأ طواف الإفاضة عن طواف الوداع. ثانيا: لا يجوز له أن يوكل من يطوف عنه؛ لأن الطواف ركن، فلا تدخله النيابة. لكن إن عجز عن المجيء لمكة، لمرض أو عجز عجزا ماليا، فإن بعض أهل العلم يعتبرونه في حكم المحصر، فيذبح شاة في مكانه ويوزعها على الفقراء والمساكين، وبهذا يتحلل، ولا شيء عليه بعد ذلك. لكن إن كانت هذه هي حجة الإسلام، فإنها تبقى في ذمته؛ لأن حجه هذا لم يكتمل، فمتى ما استطاع الحج وجب عليه. قال الرملي في حاشيته على "أسنى المطالب" (1/529) : " استنبط البلقيني من الإحصار عن الطواف أن الحائض إذا لم تطف للإفاضة , ولم تمكنها الإقامة حتى تطهر وجاءت بلدها , وهي محرمة وعدمت النفقة , ولم يمكنها الوصول إلى البيت أنها كالمحصر فتتحلل بالنية والذبح والحلق " انتهى. ومثله في "مغني المحتاج" (2/314) و "نهاية المحتاج" (3/317) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 85667 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4013 الوشم على الجسم هل يمنع من أداء الحج [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الوشم على الجسم وهل هو مانع إذا ما أراد الموشوم أداء فريضة الحج؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يحرم الوشم في الجسم لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: (لعن الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة) والوشم يكون في الخد والشفة وغيرهما من الجسم بأن يغير لونها بزرقة أو خضرة أو سواد ولا يمنع الوشم من أداء الحج. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 5/198 الحديث: 1199 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4014 نزل عليها دم فاسد فظنته حيضاً ولم تطف طواف الوداع [السُّؤَالُ] ـ[لما أرادت طواف الوداع نزل عليها دم فظنته حيضاً، فسافرت، ثم تبين لها بعد رجوعها أنها حامل، وأن الدم دم فساد، فهل يلزمها شيء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله: لا شيء عليها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن صالح العثيمين الحديث: 12089 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4015 الذهاب للمزارات والمساجد التي صلى بها الرسول صلى الله عليه وسلم [السُّؤَالُ] ـ[أرى بعض الناس عند زيارة المدينة المنورة يأتون المساجد السبعة بالإضافة إلى المسجد النبوي ومسجد قباء، وفي الطائف يحرصون على أن يأتوا مسجد عداس وكذلك مساجد في مكة للصلاة فيها، فما حكم ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قصد المسجد النبوي بالسفر عمل مشروع دل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاث مساجد: مسجدي هذا ومسجد الحرام والمسجد الأقصى " رواه البخاري ومسلم واللفظ له، وأيضا الصلاة فيه خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام. ومما يضاف إليه من الأماكن المشروع زيارتها دون قصدها بالسفر زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه وزيارة قبور أهل البقيع وقبور شهداء أحد وآخر ذلك: زيارة مسجد قباء. أما زيارة تلك القبور فمشروعيتها داخلة في عموم قوله صلى الله عليه وسلم " إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها " رواه مسلم. قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: " ويستحب أيضا زيارة قبور أهل البقيع وشهداء أحد للدعاء لهم والاستغفار لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصد ذلك مع أن هذا مشروع لجميع موتى المسلمين " (مجموع الفتاوى 17/470) وأما زيارة مسجد قباء فدليل ذلك ما جاء في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي قباء راكبا وماشيا " وفي رواية: " فيصلي فيه ركعتين " رواه البخاري ومسلم ولقوله صلى الله عليه وسلم: " من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء وصلى فيه صلاة كان له كأجر عمرة " رواه أحمد والنسائي وابن ماجه والحاكم وصححه ووافقه الذهبي وصححه الألباني في صحيح الجامع (6154) . أما زيارة بقية المساجد والأماكن الأثرية وادعاء أنها " مما ينبغي أن يزورها المرء " فهذا لا أصل له، ويجب المنع من زيارتها للوجوه التالية: الوجه الأول: عدم ورود الدليل الشرعي على تخصيص تلك المساجد بالزيارة كما هو الحال بالنسبة لمسجد قباء , والعبادات كما هو معلوم مبناها على الاتباع لا على الابتداع. الوجه الثاني: أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا أحرص الناس على اقتفاء سنة النبي صلى الله عليه وسلم ومع ذلك لم يعرف عنهم زيارة تلك المساجد أو الأماكن الأثرية، ولو كان خيرا لسبقونا إليه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: (كان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار يذهبون من المدينة إلى مكة حجاجا وعمارا ومسافرين ولم يقل أحد منهم أنه تحرى الصلاة في مصليات النبي صلى الله عليه وسلم ومعلوم أن هذا لو كان عندهم مستحبا لكانوا إليه أسبق فإنهم أعلم بسنته وأتبع لها من غيرهم) (اقتضاء الصراط المستقيم 2/748) . الوجه الثالث: المنع من زيارتها سدا للذريعة، وهذا المنع يدل عليه عمل السلف الصالح وعلى رأسهم الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فعن المعرور بن سويد رحمه الله قال: " خرجنا مع عمر بن الخطاب فعرض لنا في بعض الطريق مسجد فابتدره الناس يصلون فيه فقال عمر: ما شأنهم؟ فقالوا: هذا مسجد صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر: أيها الناس إنما هلك من كان قبلكم باتباعهم مثل هذا حتى أحدثوها بيعا فمن عرضت له فيه صلاة فليصل ومن لم تعرض له فيه صلاة فليمض " (أخرجه ابن وضاح في كتابه البدع والنهي عنها وصححه ابن تيمية في المجموع 1/281) . قال شيخ الإسلام - رحمه الله - معلقا على هذه القصة: (لما كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يقصد تخصيصه بالصلاة فيه، بل صلى فيه لأنه موضع نزوله رأى عمر أن مشاركته في صورة الفعل من غير موافقة له في قصده ليس متابعة، بل تخصيص ذلك المكان بالصلاة من بدع أهل الكتاب التي هلكوا بها، ونهى المسلمين عن التشبه بهم في ذلك، ففاعل ذلك متشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم في الصورة، ومتشبه باليهود والنصارى في القصد الذي هو عمل القلب، وهذا هو الأصل فإن المتابعة في النية أبلغ من المتابعة في صورة العمل " (مجموع الفتاوى 1/281) وورد في قصة أخرى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بلغه أن ناسا يأتون الشجرة التي بويع تحتها النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بها فقطعت " (أخرجه ابن وضاح في كتابه البدع والنهي عنها، وابن أبي شيبة في مصنفه 2/375، وصحح إسناده ابن حجر في فتح الباري 7/448، وقال الألباني رحمه الله: رجال إسناده ثقات) ، قال ابن وضاح القرطبي رحمه الله: (وكان مالك ابن أنس وغيره من علماء المدينة يكرهون إتيان المساجد وتلك الآثار للنبي صلى الله عليه وسلم ما عدا قباء وأحدا) (البدع والنهي عنها ص43) والمراد بقوله أحدا: زيارة قبور شهداء أحد. قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: (ولهذا لم يستحب علماء السلف من أهل المدينة وغيرها قصد شيء من المزارات التي بالمدينة وما حولها بعد مسجد النبي صلى الله عليه وسلم إلا مسجد قباء لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقصد مسجدا بعينه يذهب إليه إلا هو) (مجموع الفتاوى 17/469) . وقال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - بعد أن ذلك المواضع التي يشرع زيارتها في المدينة: (أما المساجد السبعة ومسجد القبلتين وغيرها من المواضع التي يذكر بعض المؤلفين في المناسك زيارتها فلا أصل لذلك ولا دليل عليه والمشروع للمؤمن دائما هو الاتباع دون الابتداع) (فتاوى إسلامية 2/313) . وقال فضيلة الشيخ العلامة محمد بن عثيمين حفظه الله: (ليس هناك شيء يزار في المدينة سوى هذه: زيارة المسجد النبوي، زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، زيارة البقيع، زيارة شهداء احد، زيارة مسجد قباء، وما عدا ذلك من المزارات فإنه لا أصل له) (فقه العبادات ص 405) . وقد يظن بعضهم أن اشتراط عدم اعتقاد فضلها كاف في تسويغ الذهاب إليها أو إلى غيرها من الأماكن الأثرية وهذا مردود للأسباب التالية: أولا: السلف الصالح - رحمهم الله - منعوا الذهاب إليها مطلقا دون تفصيل. ثانيا: أن الذهاب إليها وتخصيصها بالزيارة لكونها على أرض المدينة التي شهدت ظهور الدعوة وبها مواقع بعض الغزوات دليل اعتقاد فضلها إذ لولا قيام هذا الاعتقاد في القلب لما انبعث القلب لتخصيصها بالزيارة. ثالثا: لو سلمنا جدلا عدم وجود اعتقاد فضيلتها عند زيارتها فإن زيارتها ذريعة إلى ذلك وإلى حدوث ما لا يشرع، وسد الذرائع مما جاءت به الشريعة كما لا يخفى بل إن العلامة ابن القيم - رحمه الله - ذكر تسعة وتسعين وجها يدل على هذه القاعدة ثم بعد أن ذكر الوجه التاسع والتسعين قال: " وباب سد الذرائع أحد أرباع التكليف، فإنه أمر ونهي، والأمر نوعان أحدهما: مقصود لنفسه، والثاني: وسيلة إلى المقصود، والنهي نوعان أحدهما: ما يكون النهي عنه مفسدة في نفسه، والثاني: ما يكون وسيلة إلى المفسدة، فصار سد الذرائع المفضية إلى الحرام أحد أرباع الدين " (إعلام الموقعين 3/143) رابعا: التغرير بالجهال عندما يشاهدون كثرة من يزور تلك المساجد أو الأماكن الأثرية فيعتقدون أنه عمل مشروع. خامسا: أن التوسع في ذلك والدعوة إلى زيارة الأماكن الأثرية كجبل أحد وجبل النور بقصد السياحة والترفيه ذريعة من ذرائع الشرك، وقد جاء في فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء رقم (5303) المنع من صعود غار حراء لهذا الأمر، والله المستعان. [الْمَصْدَرُ] مجلة الدعوة العدد/1754 ص/55. الحديث: 11669 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4016 حكم تقبيل أستار الكعبة والمصحف والحجر الأسود [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم تقبيل أستار الكعبة – الحجر الأسود – المصحف؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تقبيل أي مكان في الأرض بدعة إلا الحجر الأسود ولولا الإتباع لكان تقبيل الحجر الأسود بدعة وكان عمر رضي الله عنه الله عنه يقول (إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا النبي صلى الله عليه وسلم قبلّك ما قبلتك) لذلك لا يجوز تقبيل أستار الكعبة أو الحجرات أو الركن اليماني أو المصحف وكذلك التمّسح به إذا كان من أجل التبرك به إذ أن مسحه للتعبد فقط. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله. الحديث: 21392 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4017 أخطأ فرمى قبل وقت الرمي [السُّؤَالُ] ـ[ماذا يجب على من رمى الجمار ضحى ثاني يوم العيد، ثم علم بعد ذلك أن وقت الرمي هو بعد الظهر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من رمى الجمار ثاني يوم عيد الأضحى قبل الزوال فعليه أن يعيد رميها بعد زوال ذلك اليوم، فإن لم يعلم خطأه إلا في اليوم الثالث أو الرابع أعاد رميها بعد الزوال من اليوم الثالث أو الرابع بعد الزوال، قبل أن يرمي لذلك اليوم الذي ذكر فيه، فإن لم يعلم إلا بعد غروب شمس اليوم الرابع لم يرم، وعليه دم يذبح بالحرم ويطعمه الفقراء. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة (فتاوى اللجنة 11/273) . الحديث: 26725 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4018 حكم تجاوز الميقات بدون إحرام [السُّؤَالُ] ـ[حكم تجاوز الميقات بدون إحرام]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الإحرام من الميقات من واجبات الحج والعمرة، فلا يجوز لأحد تجاوزُ الميقاتِ بدون إحرام وهو يريد أحد هذين النسكين (الحج أو العمرة) ، سواء أتى برا أم بحرا أم جوا. وقد سئل الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله عن حكم من تجاوز الميقات بدون إحرام فأجاب بقوله: " من تجاوز الميقات بدون إحرام فلا يخلو من حالين: إما أن يكون مريدا للحج أو العمرة، فحينئذ يلزمه أن يرجع إليه ليحرم منه بما أراد من النسك، الحج أو العمرة، فإن لم يفعل فقد ترك واجبا من واجبات النسك، وعليه عند أهل العلم فدية؛ دم يذبحه في مكة، ويوزعه على الفقراء هناك. وأما إذا تجاوزه وهو لا يريد الحج ولا العمرة، فإنه لا شيء عليه، سواء طالت مدة غيابه عن مكة أم قصرت، وذلك لأننا لو ألزمناه بالإحرام من الميقات لكان الحج يجب عليه أكثر من مرة أو العمرة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الحج لا يجب في العمر إلا مرة، وأن ما زاد فهو تطوع، وهذا هو القول الراجح من أقوال أهل العلم فيمن تجاوز الميقات بغير إحرام أي أنه إذا كان لا يريد الحج ولا العمرة، فليس عليه شيء، ولا يلزمه الإحرام من الميقات ". فقه العبادات ص 283 وفتاوى أركان الإسلام ص 513. وعلى هذا، فكان الواجب عليك أن تعود إلى الميقات بعد هبوط الطائرة لتحرم منه، فإن لم ترجع وأحرمت بعد مجاوزة الميقات فالواجب عليك عند أهل العلم أن تذبح شاة وتوزعها على الفقراء في مكة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 47357 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4019 أحرمت وطافت وسعت وهي حائض ... [السُّؤَالُ] ـ[ي عن امرأة حجت منذ سنوات، وأحرمت من الميقات وطافت وسعت وهي حائض (لا أدري هل عن جهل) أرجو الإفادة في كل الأحوال , ثم إنها اعتمرت بعد ذلك مرات عديدة , فما الحكم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يشترط في الإحرام والسعي الطهارةُ من الحيض، غير أن المرأة الحائض ممنوعة من الطواف بالبيت حتى تطهر. وعلى هذا فإن المرأة التي تريد الحج أو العمرة تحرِمُ من الميقات وهي حائض وينعقد إحرامها، والدليل على ذلك أن أسماء بنت عميس زوجة أبي بكر رضي الله عنها ولدت والنبي صلى الله عليه وسلم نازل في ذي الحليفة (ميقات أهل المدينة) يريد الحج، فأرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم كيف أصنع؟ قال: " اغْتَسِلِي وَاسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ وَأَحْرِمِي " رواه مسلم (1218) ومعناه أنها تشد على فرجها خرقة وتربطها ثم تحرم سواء بالحج أو بالعمرة، ودم الحيض كدم النفاس فالمرأة الحائض إذا مرت بالميقات تغتسل وتستثفر بثوب وتحرم عملا بالحديث. وكذلك يصح السعي بين الصفا والمروة من المرأة وهي حائض، أما الطواف فغير صحيح، والدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله عنها حين حاضت في أثناء العمرة: (افْعَلِي كَمَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي) رواه البخاري (1650) ومسلم (1211) . وعلى هذا، فهذه المرأة لم تتحلل التحلل الثاني من إحرامها بالحج ويلزمها إعادة الطواف ولا يباشرها زوجها إن كانت متزوجة حتى تطوف. هذا هو حكم هذه المسألة سواء فعلت ذلك بعلم أم فعلته جاهلة، غير أنها إذا فعلت ذلك بعلم فإنها تأثم لارتكابها هذا المنكر بلا عذر، أما إذا كانت جاهلة فإنها لا إثم عليها، لكن يلزمها الإتيان بهذا الطواف ولا تتحلل التحلل الثاني حتى تأتي به كما سبق، وكونها اعتمرت بعد هذا مرات عديدة لا يسقط عنها هذا الطواف. سئلت اللجنة الدائمة عن حكم حجة الحائض فأجابت: " الحيض لا يمنع من الحج، وعلى من تحرم وهي حائض أن تأتي بأعمال الحج، غير أنها لا تطوف بالبيت إلا إذا انقطع حيضها واغتسلت، وهكذا النفساء، فإذا جاءت بأركان الحج فحجها صحيح ". فتاوى اللجنة الدائمة 11/172 وسئل الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله عمن دخلت الحرم وطافت وسعت وصلَّت وهي حائض فأجاب بقوله: " لا يحل للمرأة إذا كانت حائضا أو نفساء أن تصلي، سواء في مكة أو في بلدها أو في أي مكان لقول النبي صلى الله عليه وسلم في المرأة: (أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم) ، وقد أجمع المسلمون على أنه لا يحل لحائض أن تصوم ولا يحل لها أن تصلي، وعلى هذه المرأة التي فعلت ذلك عليها أن تتوب إلى الله وأن تستغفر مما وقع منها، وأما طوافها حال الحيض فهو غير صحيح وأما سعيها فصحيح، لأن القول الراجح جواز تقديم السعي على الطواف في الحج وعلى هذا فيجب عليها أن تعيد الطواف؛ لأن طواف الإفاضة ركن من أركان الحج، ولا يتم التحلل الثاني إلا به، وبناء عليه فإن هذه المرأة لا يباشرها زوجها إن كانت متزوجة حتى تطوف ولا يعقد عليها النكاح إن كانت غير متزوجة حتى تطوف) مجموعة فتاوى الشيخ محمد صالح بن عثيمين 22/382. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 47289 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4020 المرور بالحِجر أثناء الطواف [السُّؤَالُ] ـ[بعض الناس أثناء الطواف يدخل من باب الحِجْر، ولا يكمل الطواف من خارج الحِجر، لاسيما في أوقات الزحام، فهل يصح طوافهم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ محمد ابن عثيمن – رحمه الله -: " هذا خطأ عظيم جدًا؛ أن بعض الناس يدخل في الطواف من باب الحجر، ويخرج من الباب الثاني في أيام الزحام، يرى أن هذا أقرب وأسهل وهذا خطأ عظيم؛ لأن الذي يفعل ذلك لا يعتبر طائفًا بالبيت، والله تعالى يقول: (وليطَّوفوا بالبيت العتيق) الحج / 29. والنبي صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت من وراء الحجر، فإذا طاف الإنسان من داخل الحجر، فإنه لا يعتبر طائفاً بالبيت، فلا يصح طوافه، وهذه مسألة خطيرة، لاسيما إذا كان الطواف ركنا، كطواف العمرة وطواف الإفاضة. ودواء ذلك أن نُبين للحجاج أنه لا يصح الطواف إلا بجميع البيت، ومنه الحِجر. تسمية الحجر بحجر إسماعيل: وبهذه المناسبة أود أن أبين أن كثيرًا من الناس يطلقون على هذا الحجر اسم (حجر إسماعيل) والحقيقة أن إسماعيل لا يعلم به، وأنه ليس حجرًا له، وإنما هذا الحجر حصل حين قصرت النفقة على قريش، حين أرادوا بناء الكعبة، فلم تَكفِ النفقة لبناء الكعبة على قواعد إبراهيم، فأخرجوا منها هذا الجانب،، وسُمِّي حَطيمًا وحجرًا. فليس لإسماعيل فيه أي علم أو أي عمل. وهناك بعض الناس لا يلتزم بجعل الكعبة عن يساره، فتجده يطوف معه نساؤه، ويكون قد وضع يده مع زميله لحماية النساء، فتجده يطوف والكعبة خلف ظهره، وزميله الآخر يطوف والكعبة بين يديه وهذا خطأ عظيم أيضا، لأن أهل العلم يقولون: من شرط صحة الطواف أن يجعل الكعبة عن يساره، فإذا جعلها خلف ظهره، أو جعلها أمامه، أو جعلها يمينه وعكس الطواف، فكل هذا طواف لا يصح. والواجب على الإنسان أن يعتني بهذا الأمر، وأن يحرص على أن تكون الكعبة عن يساره في جميع طوافه. ومن الناس من تجعل الكعبة خلف ظهره أو أمامه لبضع خطوات من أجل الزحام، وهذا خطأ، فالواجب على المرء أن يحتاط لدينه، وأن يعرف حدود الله تعالى في العبادة قبل أن يتلبس بها، حتى يعبد الله تعالى على بصيرة. وإنك لتعجب أن الرجل إذا أراد أن يسافر إلى بلد يجهل طريقه، فإنه لا يسافر إليها حتى يسأل ويبحث عن هذا الطريق، وعن الطريق السهل، ليصل إليها براحة وطمأنينة، وبدون ضياع أو ضلال، أما في أمور الدين، فإن كثيرا من الناس- مع الأسف- يتلبس بالعبادة وهو لا يدري حدود الله تعالى فيها، وهذا من القصور، بل من التقصير، نسأل الله لنا ولإخواننا المسلمين الهداية، وأن يجعلنا ممن يعلمون حدود ما أنزل الله على رسوله. [الْمَصْدَرُ] انتهى من دليل الأخطاء التي يقع فيها الحاج والمعتمر. الحديث: 46597 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4021 يجب طوف الوداع على أهل جدة [السُّؤَالُ] ـ[نحن من جدة وبعد الحج، قال بعض من معنا ليس على أهل جدة طواف وداع، وتركنا طواف الوداع، فماذا نفعل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: طواف الوداع واجب على من أراد السفر من مكة بعد تمام النسك، لما رواه البخاري (1755) ومسلم (1328) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ، إِلا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنْ الْحَائِضِ. قال الحافظ في الفتح: " فِيهِ دَلِيل عَلَى وُجُوب طَوَاف الْوَدَاع لِلأَمْرِ الْمُؤَكَّد بِهِ وَلِلتَّعْبِيرِ فِي حَقّ الْحَائِض بِالتَّخْفِيفِ , وَالتَّخْفِيف لا يَكُون إِلا مِنْ أَمْر مُؤَكَّد " انتهى. ونحوه قاله النووي في "شرح مسلم". واختلف العلماء فيمن يجب عليه طواف الوداع، فذهب بعضهم إلى أنه من سافر وتجاوز الميقات، أما من دون الميقات فلا يجب عليه طواف الوداع. انظر " "رد المحتار" (3/545) . وذهب آخرون إلى أنه يجب على من سافر مسافة قصر (80 كم تقريباً) ، أما من دونها فلا يجب عليه. وذهب الشافعي وأحمد إلى أنه واجب على كل من سافر من مكة وخرج عنها. قال النووي في "المجموع" (8/236) : " ذكرنا عن البغوي أن طواف الوداع يتوجه على كل من أراد مفارقة مكة إلى مسافة القصر. قال: ولو أراد دون مسافة القصر لا وداع عليه , والصحيح المشهور أنه يتوجه على من أراد مسافة القصر ودونها , سواء كانت مسافة بعيدة أم قريبة , لعموم الأحاديث " انتهى. وقال ابن قدامة في "المغني" (5/337) : " ومن كان منزله في الحرم فهو كالمكي , لا وداع عليه. ومن كان منزله خارج الحرم , قريباً منه , فظاهر كلام الخرقي أنه لا يخرج حتى يودع البيت. وهذا قول أبي ثور وقياسُ قول مالك. لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت) . ولأنه خارج من مكة , فلزمه التوديع , كالبعيد " انتهى بتصرف يسير. فالقول بأن أهل جدة ليس عليهم طواف وداع قد قال به بعض أهل العلم، غير أن الصحيح وجوبه عليهم، وعلى هذا يكون على من تركه دم (شاة أو سُبْع بقرة) يذبح بمكة ويوزع على فقراء الحرم، وهكذا كل من ترك واجباً من واجبات النسك. قال الشيخ ابن عثيمين: " من كان من أهل جدة فإنه يجب عليه أن لا يخرج من مكة حتى يودع " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/353) . وسئل الشيخ ابن باز عن جماعة من أهل جدة تركوا طواف الوداع ورجعوا إلى جدة. فأجاب: " الحج صحيح، ولكن أسأتم في ترك الوداع، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر الحاج بالوداع، فقال: (لا ينفرن أحد منكم حتى يكون آخر عهده بالبيت) وهذا خطاب للحجاج يشمل أهل جدة وغيرهم، فالواجب على جميع أهل البلدان – سواء في جدة أو الطائف وغيرهم – أن يودعوا البيت، وقد تسامح بعض العلماء بالنسبة لمن منزله دون مسافة قصر كأهل بحرة وأشباههم، قالوا: إنه لا وداع عليه، والأحوط لكل من كان خارج الحرم أن يودع إذا انتهى حجه، وأهل جدة بعيدون، وهكذا أهل الطائف، فالواجب عليهم أن يودعوا قبل أن يخرجوا، لأنهم يشملهم الحديث، وعليهم دم يذبح في مكة عن كل واحد منهم ترك طواف الوداع، توزع على الفقراء، شاة أو سُبْع بدنه أو سُبْع بقرة " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (17/394) . وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (11/303) : " إذا حججت فلا تسافر عقب حجك إلى جدة حتى تطوف طواف الوداع، وإذا سافرت قبل الوداع فعليك هدي تذبحه في الحرم، ولا تأكل منه، بل أطعمه الفقراء، لأن طواف الوداع واجب بعد الحج، لعموم حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض) متفق على صحته، وعليك التوبة إلى الله من خروجك إلى جدة قبل طواف الوداع " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45684 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4022 يدرس في جدة ويقيم في الرياض وينوي العمرة بعد الاختبارات فمن أين يحرم؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا موظف في الرياض وأدرس منتسباً في جدة وأنوي العمرة من الرياض، ولكن بعد الاختبارات، فهل يجب عليَّ أن أذهب من جدة إلى " السيل الكبير " وأحرم للعمرة أو أني أحرم من جدة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب على من مرَّ على الميقات وهو يريد الحج أو العمرة أن يحرم منه. راجع السؤال رقم (33798) و (36646) . ولك أن تؤخر إحرامك بالعمرة حتى تنقضي مدة إقامتك في جدة ثم تعود إلى الميقات فتحرم منه، ولا يجوز لك الإحرام من جدة. سئلت اللجنة الدائمة عن طالب يدرس في مدينة جدة، ويسكن في القنفذة تبعد عنها مسافة 350 كم، وفي خلال يومي الخميس والجمعة يذهب إلى القنفذة ثم يعود إلى جدة فإذا أراد العمرة فمن أين يحرم؟ فأجابت: " إذا أنشأت العمرة من جدة فأحرم من جدة، وإذا نويتها وأنت في القنفذة فإنك تحرم من ميقات أهل اليمن" اهـ. فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/136) وسئل الشيخ ابن عثيمين عن رجل سافر من بلده إلى جدة ثم أراد العمرة فهل يحرم من جدة؟ الجواب: لا يخلو الأمر من حالين: الحالة الأولى: أن يكون الإنسان قد سافر إلى جدة بدون نية العمرة، ولكن طرأت له العمرة وهو في جدة، فإنه يحرم من جدة ولا حرج في ذلك، لحديث ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ حيث ذكر المواقيت قال: " وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ " رواه البخاري (1524) ومسلم (1181) الحالة الثانية: أن يكون سافر من بلده بنية العمرة عازما عليها فإنه يجب في هذه الحالة أن يحرم من الميقات الذي يمر به، ولا يجوز الإحرام من جدة؛ لأنها دون الميقات، وقد ثبت عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه وقت المواقيت فقال: " هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أهلهن مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ " فإن أحرم من جدة ونزل إلى مكة في هذه الحال فإن عليه عند أهل العلم فديةً دماً، يذبحه في مكة ويتصدق به على الفقراء وعمرته صحيحة. فإن لم يحرم من جدة بعد وصوله إليها وهو ناوٍ العمرة قبل وصوله فإنه يرجع إلى الميقات ويحرم منه ولا شيء عليه. والله أعلم. مجموع فتاوى ابن عثيمين (21/291) وسئل الشيخ ابن عثيمين أيضا عن مجموعة من الحجاج عقدوا العزم على الحج وهم من أهل الرياض وقد كلفوا للعمل في مطار جدة وبعضهم عقد نية الإفراد وبعضهم تمتع والآخرون بالقران لكنهم تجاوزوا الميقات ولم يحرموا حيث إن هناك زمنا طويلا بين بداية عملهم وبين موسم الحج بما يقارب الشهر فهل عليهم دم كلهم أو بعضهم حسب النية؟ الجواب: أما من أراد منهم التمتع فإن عدم إحرامه من الميقات خطأ مخالف للحكمة؛ لأن الأولى به أن يحرم من الميقات ويأت بالعمرة ويخرج، إلى جدة، وأما من أراد القران والإفراد فصحيح أنه يشق عليه أن يجلس شهرا كاملا في إحرامه، وإذا جاء وقت الحج خرجوا إلى الميقات الذي تجاوزوه وأحرموا منه، فإن قُدِّرَ أن تَعَذَّر هذا ولم يتمكنوا من الذهاب إلى الميقات فلهم أن يحرموا من جدة، وعليهم عند أهل العلم دم يذبح في مكة ويوزع على الفقراء، والتمتع مثلهم ما دام إلى الآن لم يحرم فإذا أراد الإحرام بالعمرة فلا بد أن يذهب إلى السيل (ميقات أهل الرياض) ويحرم منه ويطوف ويسعى ويقصر ويحل. مجموع فتاوى ابن عثيمين (21/291) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 44835 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4023 هل يجب طواف الوداع على أهل جدة؟ [السُّؤَالُ] ـ[نحن مقيمون في جدة وأردنا الحج، وذهبنا للحج، ولم نطف طواف الوداع لأن والدي رفض وقال لنا: لا يطوفه إلا المسافر، فماذا نفعل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سئل علماء اللجنة الدائمة: أقيم في مدينة جدة، وأذهب إلى مكة دائماً فهل أودع البيت الحرام بعد الحج، أم أُأخر لحين سفري إلى بلدي، وهل في تأخير طواف الوداع كفارة؟ فأجابوا: " إذا حججت فلا تسافر عقب حجِّك إلى جدة حتى تطوف طواف الوداع، وإذا سافرت قبل الوداع فعليك هدي تذبحه في الحرم، ولا تأكل منه، بل أطعمه الفقراء، لأن طواف الوداع واجب بعد الحج، لعموم حديث ابن عباس رضي الله عنهما: " أُمِرَ الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض " متفق على صحته، وعليك التوبة إلى الله من خروجك إلى جدة قبل طواف الوداع. فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/303) وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: هل يجوز للحاج أن يسافر إلى جدة دون أن يطوف طواف الوداع؟ وما الذي يلزم من فعل ذلك؟ فأجاب: لا يجوز للحاج أن ينفر من مكة بعد الحج إلا بعد طواف الوداع لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا ينفرن أحد منكم حتى يكون آخر عهده الطواف بالبيت " رواه مسلم، وفي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: " أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض" فلا يجوز لأهل جدة ولا لأهل الطائف ولا غيرهم الخروج من مكة بعد الحج إلا بعد الوداع. فمن سافر قبل الوداع فإن عليه دماً لكونه ترك واجباً، وقيل في ذلك أقوال أخرى، ولكن هذا هو الصواب عند أهل العلم في هذه المسألة، وقال بعض أهل العلم: لو رجع بنيّة طواف الوداع أجرأه ذلك وسقط عنه الدم، ولكن هذا فيه نظر، والأحوط للمؤمن ما دام سافر مسافة قصر ولم يودع فإن عليه دماً يجبر به حجه " (مجلة الدعوة العدد 1685) وإذا لم يستطع ذبح شاة لعجزه فلا شيء عليه ولا يلزمه الصيام. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله بعد تفصيل علمي في حكم من ترك واجباً: وحينئذ نقول لمن ترك واجباً: اذبح فدية في مكة ووزعها على الفقراء بنفسك أو وكِّل من تثق به من الوكلاء، فإن كنت غير قادر: فتوبتك تجزئ عن الصيام وهذا هو الذي نراه في المسألة. اهـ. الشرح الممتع (7/441) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 42314 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4024 اعتمرت عدة مرات ولم تكن تأخذ من شعرها فما الحكم؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من عملت عمرة أو أكثر ولكنها لم تقصر من شعرها، وبعدها عملت أكثر من عمرة وقصرت، فهل عليها شيء فيما مضى؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من ترك واجباً من واجبات الحج أو العمرة كالحلق أو التقصير فعليه عند العلماء فدية (دم) يذبح في مكة ويوزع على الفقراء سئل الشيخ ابن عثيمين عمن اعتمر ولم يحلق أو لم يقصر ناسيا أو جاهلا فما حكم عمرته؟ فأجاب: العمرة صحيحة وإن لم يحلق أو يقصر، وذلك لأن الحلق أو التقصير ليس من أركان العمرة، وإنما هو من الواجبات، وإذا تركه الإنسان ناسيا فإنه يحلق متى ذكر إلا إذا فات الأوان، فإنه يذبح في مكة فدية يتصدق بها على الفقراء، ولا إثم عليه [في] هذه الحال ما دام ناسيا أو جاهلا. اهـ. مجموع فتاوى ابن عثيمين (22/466) 1000 وسئل أيضاً عن رجل تحلل من عمرته بعد أن طاف وسعى ولم يحلق ولم يقصر ثم أحرم بالحج، ماذا يلزمه؟ فأجاب: الظاهر أنه باق على تمتعه، ولكنه يلزمه عن ترك الحلق أو التقصير فدية، بناء على ما هو مشهور عند الفقهاء من أن ترك الواجب تلزم فيه الفدية فإذا كان موسرا قادرا وجب عليه أن يذبح فدية في مكة وتوزع كلها على الفقراء، وإن لم يكن قادرا فلا شيء عليه، أما النسك فهو تمتع، لأن هذه هي نيته. اهـ. مجموع فتاوى ابن عثيمين (22/468) 1004. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39730 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4025 طافت ابنته الصغيرة شوطين ولم تكمل العمرة لمرضها [السُّؤَالُ] ـ[أنا من قاطني مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية ذهبت في شهر رمضان لأداء العمرة أنا وزوجتي وأبنائي الثلاثة وأحرمت بنتي الكبرى (10 سنوات) ونوت العمرة ولم تشترط وكانت مريضة فطافت شوطين ولم تستطع أن تكمل عمرتها وعدنا إلى الرياض، فهل علي شيء وماذا أفعل.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كانت ابنتك قد بلغت وقت قطعها إحرامها: فإنه يلزمها الفدية – وهي شاة تُذبح في مكة وتوزع على فقراء الحرم - عند جمهور العلماء، وهو حكم كل من أُحصر بعدو أو مرض أو نحوهما مما يعيقه عن تتمة نسكه ولم يكن قد اشترط. وللمسلم أن يشترط في إحرامه إذا كان يخشى أن يعيقه أي ظرف طارئ عن إتمام عمرته وحجه كالمرض أو الخوف أو غير ذلك، فيقول بعد إحرامه: " إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني "، وفائدة هذا الاشتراط أنه لو عاقه شيء فإنه يحل من إحرامه بلا فدية. سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -: إذا تجاوز الميقات ملبيا بحج أو عمرة ولم يشترط وحصل له عارض كمرض ونحوه يمنعه من إتمام نسكه فماذا يلزمه أن يفعل؟ فأجاب: هذا يكون محصراً، إذا كان لم يشترط ثم حصل عليه حادث يمنعه من التمام: إن أمكنه الصبر لعله يزول أثر الحادث ثم يكمل: صبر، وإن لم يتمكن من ذلك: فهو محصَر على الصحيح، والله قال في المحصر: {فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي} البقرة / 196، والصواب أن الإحصار يكون بالعدو ويكون بغير العدو، فيهدي ويحلق ويقصر ويتحلل، هذا هو حكم المحصر: يذبح ذبيحة في محله الذي أحصر فيه، سواء كان في الحرم أو في الحل ويعطيها الفقراء في محله ولو كان خارج الحرم. فإن لم يتيسر حوله أحد نقلت إلى فقراء الحرم أو إلى من حوله من الفقراء أو إلى فقراء بعض القرى ثم يحلق أو يقصر ويتحلل، فإن لم يستطع الهدي صام عشرة أيام ثم حل أو قصر وتحلل. " تحفة الإخوان بأجوبة مهمة تتعلق بأركان الإسلام ". وإن كانت غير بالغة: فقد اختار بعض أهل العلم بأنه ليس عليك ولا عليها شيء؛ وذهبوا إلى عدم لزوم المضي فيما أحرم به الصبي؛ وذلك لأن الصبي ليس من أهل الالتزام؛ ولأنه أرفق بالناس؛ إذ قد يظن الولي أن الإحرام به سهل ثم يتبين له أن الأمر بخلاف ذلك. وهذا قول الحنفية وابن حزم واختاره من المتأخرين الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 37995 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4026 اعتمرت وصلت وهي حائض [السُّؤَالُ] ـ[حججت وجاءتني الدورة الشهرية قبل طواف الإفاضة فاستحييت أن أخبر أحدا ودخلت الحرم فصليت وطفت وسعيت فماذا عليّ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله: " لا يحل للمرأة إذا كانت حائضا أو نفساء أن تصلي سواء في مكة أو في بلدها أو في أي مكان لقول النبي صلى الله عليه وسلم في المرأة: " أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم ". . وقد أجمع المسلمون على أنه لا يحل لحائض أن تصوم ولا يحل لها أن تصلي، وعلى هذه المرأة التي فعلت ذلك عليك أن تتوب إلى الله وأن تستغفر مما وقع منها وأما طوافها حال الحيض فهو غير صحيح وأما سعيها فصحيح لأن القول الراجح جواز تقديم السعي على الطواف في الحج وعلى هذا فيجب عليها أن تعيد الطواف لأن طواف الإفاضة ركن من أركان الحج ولا يتم التحلل الثاني إلا به وبناء عليه فإن هذه المرأة لا يباشرها زوجها إن كانت متزوجة حتى تطوف ولا يعقد عليها النكاح إن كانت غير متزوجة حتى تطوف والله تعالى أعلم " [الْمَصْدَرُ] انتهى من رسالة 60 مسألة في الحيض الحديث: 36929 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4027 إذا طاف للوداع خرج ومشى كعادته ولا يمشي ووجهه للكعبة [السُّؤَالُ] ـ[بعض الحجاج بعد طواف الوداع لا يعطي الكعبة ظهره بل يمشي بظهره ووجهه إلى الكعبة حتى يخرج من المسجد. فهل هذا من السنة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الفعل ليس من السنة، بل هو من البدع المنكرة، وهذا يفعله بعض الناس ويزعمون أنهم بذلك يعظمون الكعبة، ولو كان هذا حقاًّ لكان أولى الناس بفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولكنه لم ينقل عنهم شيء من ذلك. قال الشيخ ابن باز: فإذا فرغ من توديع البيت وأراد الخروج من المسجد مضى على وجهه حتى يخرج، ولا ينبغي له أن يمشي القهقرى (أي يمشي بظهره) لأن ذلك لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه، بل هو من البدع المحدثة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) رواه مسلم (1718) . وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ) رواه أبو داود (4607) ، وصححه الألباني في صحيح أبي داود. نسأل الله الثبات على دينه، والسلامة مما خالفه، إنه جواد كريم اهـ. وقال الشيخ ابن عثيمين وهو يعدد الأخطاء التي تقع من بعض الناس في طواف الوداع: خروجهم من المسجد بعد طواف الوداع على أقفيتهم يزعمون بذلك تعظيم الكعبة، وهذا خلاف السنة بل هو من البدع التي حذرنا منها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال فيها: (كل بدعة ضلالة) . والبدعة: كل ما أحدث من عقيدة أو عبادة على خلاف ما كان عليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخلفاؤه الراشدون، فهل يظن هذا الراجع على قفاه تعظيماً للكعبة على زعمه أنه أشدُّ تعظيماً لها من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو يظن أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكن يعلم أن في ذلك تعظيماً لها، لا هو ولا خلفاؤه الراشدون؟!! اهـ. (مناسك الحج والعمرة ص 135) . فتاوى الشيخ ابن باز (16/98) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36769 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4028 يحرم على النساء زيارة قبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للنساء زيارة قبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ ابن باز رحمه الله: لا يجوز لهن ذلك، لعموم الأحاديث الواردة في نهي النساء عن زيارة القبور ولعنهن على ذلك، والخلاف في زيارة النساء لقبر النبي صلى الله عليه وسلم مشهور، ولكن تركهن لذلك أحوط وأوفق للسنة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يستثن قبره ولا قبر غيره، بل نهاهن نهياً عاماً، ولعن من فعل ذلك منهن، والواجب الأخذ بالتعميم ما لم يوجد نص يخص قبره بذلك وليس هناك ما يخص قبره. والله ولي التوفيق اهـ. [الْمَصْدَرُ] فتاوى الشيخ ابن باز (17/419) الحديث: 36812 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4029 أخطاء تقع في طواف الوداع [السُّؤَالُ] ـ[ما هي الأخطاء التي يقع فيها بعض الحجاج في طواف الوداع؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ محمد ابن عثيمين – رحمه الله -: " ثبت في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: أُمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن الحائض " رواه البخاري (1755) ومسلم (1328) . فالواجب أن يكون الطواف آخر عمل يقوم به الإنسان من أعمال الحج. والناس يخطئون في طواف الوداع في أمور: الأول: أن بعض الناس لا يجعل الطواف آخر أمره؛ بل ينزل إلى مكة ويطوف طواف الوداع، وقد بقي عليه رمي الجمرات، ثم يخرج إلى منى فيرمي الجمرات ثم يغادر، وهذا خطأ، ولا يجزئ طواف الوداع في مثل هذه الحال، وذلك لأنه لم يكن آخر عهد الإنسان بالبيت الطواف؛ بل كان آخر عهده رمي الجمرات. الثاني: أن بعض الناس يطوف للوداع ويبقى في مكة بعده، وهذا يوجب إلغاء طواف الوداع، وأن يأتي ببدله عند سفره. نعم لو أقام الإنسان في مكة بعد طواف الوداع لشراء حاجة أو لتحميل العفش أو ما أشبه ذلك فهذا لا بأس به. الثالث: أن بعض الناس إذا طاف للوداع وأراد الخروج من المسجد رجع القهقرى، أي: رجع على قفاه، يزعم أنه يتحاشى بذلك تولية الكعبة ظهره، وهذا بدعة لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أشد منا تعظيما لله تعالى ولبيته، ولو كان هذا من تعظيم الله وبيته لفعله صلى الله عليه وسلم. وحيئذ فإن السنة إذا طاف الإنسان للوداع أن يخرج على وجهه ولو ولى البيت ظهره في هذه الحالة. الرابع: أن بعض الناس إذا طاف للوداع ثم انصرف ووصل إلى باب المسجد الحرام اتجه إلى الكعبة وكأنه يودّعها، فيدعو أو يُسلِّم أو ما أشبه ذلك، وهذا من البدع أيضا لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعله، ولو كان خيرا لفعله النبي صلى الله عليه وسلم " [الْمَصْدَرُ] انتهى من دليل الأخطاء التي يقع فيها الحاج والمعتمر " الحديث: 36823 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4030 أخطاء تقع في الحلق والتقصير [السُّؤَالُ] ـ[ما هي الأخطاء التي يرتكبها بعض الناس أثناء الحلق أو التقصير؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " من الأخطاء التي تكون في الحلق أو التقصير ما يلي: الأول: أن بعض الناس يحلق بعض رأسه حلقًا تامًا بالموسى، ويبقي البقية، وقد شاهدت ذلك بعيني، فقد شاهدت رجلاً يسعى بين الصفا والمروة، وقد حلق نصف رأسه تمامًا وأبقى بقية شعره، فأمسكت به وقلت له: لماذا صنعت هذا؟ فقال: صنعت هذا، لأني أريد أن أعتمر مرتين، فحلقت نصفه للعمرة الأولى، وأبقيت نصفه لعمرتي هذه. وهذا جهل وضلال لم يقل به أحد من أهل العلم. الثاني: أن بعض الناس إذا أراد أن يتحلل من العمرة، قصَّر شعرات قليلة من رأسه، ومن جهة واحدة، وهذا خلاف ظاهر الآية الكريمة، فإن الله تعالى يقول: (مُحلقِّين رؤوسكم ومقصِّرين) الفتح / 27، فلا بد أن يكون للتقصير أثرٌ بيِّن على الرأس، ومن المعلوم أن قص شعرة أو شعرتين أو ثلاث شعرات لا يؤثر، ولا يظهر على المعتمر أنه قصر، فيكون مخالفا لظاهر الآية الكريمة. ودواء هذين الخطأين أن يحلق جميع الرأس إذا أراد حلقه، وأن يقصر من جميع الرأس إذا أراد تقصيره ولا يقتصر على شعرة أو شعرتين. الثالث: من الناس من إذا فرغ من السعي ولم يجد من يحلق عنده أو يقصر، ذهبَ إلى بيته، فتحلل ولبس ثيابه، ثم حلق أو قصر بعد ذلك. وهذا خطأ عظيم؛ لأن الإنسان لا يحل من العمرة إلا بالحلق أو التقصير؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم حين أمر أصحابه في حجة الوداع ممن لم يسق الهدي أن يجعلها عمرة، قال: (فليقصر ثم ليحلل) رواه البخاري (1691) ، ومسلم (1229) . وهذا يدل على أنه لا حل إلا بعد التقصير. وعلى هذا، فإذا فرغ من السعي ولم يجد حلاقًا أو أحدًا يقصر رأسه، فليبق على إحرامه حتى يحلق أو يقصر، ولا يحل له أن يتحلل قبل ذلك، فلو قُدِّر أن شخصًا فعل هذا جاهلا بأن تحلل قبل أن يحلق أو يقصر، ظنًا منه أن ذلك جائز، فإنه لا حرج عليه لجهله، ولكن يجب عليه حين يعلم أن يخلع ثيابه ويلبس ثياب الإحرام؛ لأنه لا يجوز التمادي في التحلل من الإحرام مع علمه بأنه لم يحل، ثم إذا حلق أو قصر تحلل " [الْمَصْدَرُ] انتهى من دليل الأخطاء التي يقع فيها الحاج والمعتمر للشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله الحديث: 36847 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4031 مخالفات تقع عند زيارة المسجد النبوي [السُّؤَالُ] ـ[لاحظت في زيارة للمسجد النبوي أن بعض الناس يتمسح بجدران الحجرة النبوية، والبعض يقف كأنه يصلي فتجده يضع يديه على صدره وهو مستقبل القبر، فهل ما يعملونه صحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تقدمت الإشارة إلى آداب الزيارة لمسجد النبي صلى الله عليه وسلم في السؤال (36863) ومما ينبه عليه ما يقع فيه بعض الزوار من المخالفات: المخالفة الأولى: دعاء الرسول أو نداؤه أو الاستغاثة به أو الاستعانة به كقول بعضهم: " يا رسول الله اشف مريضي، يا رسول الله اقض ديني، يا وسيلتي، يا باب حاجتي " أو غير ذلك من الأقوال الشركية، المضادَّة للتوحيد الذي هو حق الله على العبيد. المخالفة الثانية: الوقوف أمام القبر كهيئة المصلي، بوضع اليمين على الشمال على الصدر أو تحته، وذلك فعل محرّم؛ لأن تلك الهيئة هيئة ذل وعبادة لا تجوز إلا لله عز وجل. المخالفة الثالثة: الانحناء عند القبر أو السجود أو غير ذلك مما لا يجوز فعله إلا لله، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله: (لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر) أخرجه أحمد (3/158) وصححه الألباني في صحيح الترغيب (1936، 1937) وإرواء الغليل (1998) . المخالفة الرابعة: دعاء الله عند القبر، أو اعتقاد أن الدعاء عنده مستجاب، وذلك فعل محرَّم لأنه من أسباب الشرك، ولو كان الدعاء عند القبور أو عند قبر النبي أفضل وأصوب وأحبَّ إلى الله لرغبنا فيه رسول الله؛ لأنه لم يترك شيئًا يقرب إلى الجنة إلا وحث أمته عليه، فلما لم يفعل ذلك عُلم أنه فعل غير مشروع، وعمل محرم وممنوع، وقد روى أبو يعلى والحافظ الضياء في المختارة أن علي بن الحسين رضي الله عنهما رأى رجلاً يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل فيها فيدعو، فنهاه وقال: ألا أحدثكم حديثًا سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تتخذوا قبري عيدًا ولا بيوتكم قبورًا، وصلوا عليَّ فإن تسليمكم يبلغني أين كنتم " رواه أبو داود (2042) وصححه الألباني في صحيح أبي داود (1796) . المخالفة الخامسة: إرسال من عجز عن الوصول إلى المدينة سلامه لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع بعض الزوار، وقيام بعضهم بتبليغ هذا السلام، وهذا فعل مُبتدع، وأمر مخترع، فيا مرسل السلام، ويا مبلغه كفّا عن ذلك، فقد كُفيتما بقوله: (صلوا عليَّ فإن تسليمكم يبلغني أين كنتم) . وبقوله عليه الصلاة والسلام: (إن لله في الأرض ملائكة سياحين يبلِّغوني من أمتي السلام) أخرجه أحمد (1/441) ، والنسائي (1282) وصححه الألباني في صحيح الجامع (2170) المخالفة السادسة: التكرار والإكثار من زيارة قبره، كأن تكون الزيارة بعد كل فريضة، أو في كل يوم بعد صلاة بعينها، وفي هذا مخالفة لقوله عليه الصلاة والسلام: (لا تجعلوا قبري عيدًا) قال ابن حجر الهيتمي في شرح المشكاة: " العيد اسم من الأعياد، يقال: عاده واعتاده وتعوّده صار له عادة، والمعنى: لا تجعلوا قبري محلاً لاعتياد المجيء إليه متكررًا تكرارًا كثيرًا، فلهذا قال: (وصلوا عليَّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم) فإن فيها كفاية عن ذلك " انتهى كلامه رحمه الله تعالى. وفي كتاب الجامع للبيان لابن رشد: " سئل مالك رحمه الله تعالى عن الغريب يأتي قبر النبي كل يوم، فقال: ما هذا من الأمر، وذكر حديث: (اللهم لا تجعل قبري وثنًا يُعبد) صححه الألباني في: تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد (ص24-26) . قال ابن رشد: فيُكره أن يُكثر المرور به والسلام عليه، والإتيان كل يوم إليه لئلا يُجعل القبر كالمسجد الذي يؤتى كل يوم للصلاة فيه، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله: (اللهم لا تجعل قبري وثنًا) " انظر البيان والتحصيل لابن رشد (18/444-445) . انتهى كلامه رحمه الله. وسئل القاضي عياض عن أناس من أهل المدينة يقفون على القبر في اليوم مرة أو أكثر، ويسلمون ويدعون ساعة، فقال: " لم يبلغني هذا عن أحد من أهل الفقه، ولا يُصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولَها، ولم يبلغني عن أول هذه الأمة وصدرها أنهم كانوا يفعلون ذلك " الشفا بتعريف حقوق المصطفى (2/676) . المخالفة السابعة: التوجه إلى قبره الشريف من كل نواحي المسجد، واستقباله له كلما دخل المسجد أو كلما فرغ من الصلاة، ووضع اليدين على الجنبين، وتنكيس الرؤوس والأذقان أثناء السلام عليه في تلك الحال، وهذه من البدع المنتشرة، والمخالفات المشتهرة. فاتقوا الله عباد الله، واحذروا سائر البدع والمخالفات، واحذروا الهوى والتقليد الأعمى، وكونوا من أمركم على بينة وهدى، قال جل في علاه: {أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيّنَةٍ مّن رَّبّهِ كَمَن زُيّنَ لَهُ سُوء عَمَلِهِ وَاتَّبَعُواْ أَهْوَاءهُمْ} محمد/ 14. نسأل الله أن يجعلنا من الهداة المهتدين، المتبعين لسنة سيد المرسلين. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36860 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4032 أخطاء تقع في الطريق إلى مزدلفة وفي مزدلفة [السُّؤَالُ] ـ[ما هي الأخطاء التي تنصحونا بتجنبها أثناء ذهابنا إلى مزدلفة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ محمد ابن عثيمين – رحمه الله -: " من الأخطاء التي تقع في الانصراف من عرفة إلى مزدلفة ": الأول: أنه في دفعهم من عرفة إلى المزدلفة تحدث المضايقات من بعضهم لبعض، ومنها الإسراع الشديد الذي يؤدي أحيانا إلى تصادم السيارات، وقد دفع النبي صلى الله عليه وسلم من عرفة بسكينة، وكان عليه الصلاة والسلام دفع وقد شنق لناقته القصواء الزمام، وهو يقول بيده الكريمة: أيها الناس، السكينة السكينة؛ ولكنه صلى الله عليه وسلم مع ذلك إذا أتى فجوة أسرع، وإذا أتى حبلا من الحبال – أي مرتفعاً - أرخى لناقته الزمام حتى تصعد فكان صلى الله عليه وسلم يراعي الأحوال في مسيره هذا، ولكن إذا دار الأمر بين كون الإسراع أفضل أو التأني، فالتأني أفضل. الثاني: أن بعض الناس ينزلون قبل أن يصلوا إلى مزدلفة، ولا سيما المشاة منهم، يعييهم المشي ويتعبهم، فينزلون قبل أن يصلوا إلى مزدلفة، ويبقون هنالك حتى يصلوا الفجر ثم ينصرفوا منه إلى منى، ومن فعل هذا فإنه قد فاته المبيت في المزدلفة، وهذا أمر خطير جدا؛ لأن المبيت بمزدلفة ركن من أركان الحج عند بعض أهل العلم، وواجب من واجباته عند جمهور أهل العلم، وسنة في قول بعضهم، والصواب أنه واجب من واجبات الحج، وأنه يجب على الإنسان أن يبيت في مزدلفة، وألا ينصرف إلا في الوقت الذي أجاز الشارع له فيه الانصراف كما سيأتي إن شاء الله تعالى. الثالث: أن بعض الناس يصلي المغرب والعشاء في الطريق على العادة، قبل أن يصل إلى مزدلفة، وهذا خلاف السنة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل في أثناء الطريق وبال وتوضأ، قال له أسامة بن زيد الصلاة يا رسول الله؟ قال: " الصلاة أمامك " أخرجه البخاري (1669) ومسلم (1280) . وبقي صلى الله عليه وسلم ولم يصل إلا حين وصل إلى مزدلفة، وكان قد وصلها بعد دخول وقت العشاء فصلى فيها المغرب والعشاء جمع تأخير. الرابع: إن بعض الناس لا يصلي المغرب والعشاء حتى يصل إلى مزدلفة ولو خرج وقت صلاة العشاء، وهذا لا يجوز وهو حرام من كبائر الذنوب، لأن تأخير الصلاة عن وقتها محرم بمقتضى دلالة الكتاب والسنة، قال الله تعالى: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) النساء / 103، وبين النبي صلى الله عليه وسلم هذا الوقت وحدده، وقال الله تعالى: {ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه} الطلاق / 1، وقال سبحانه: {ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون} البقرة / 229. فإذا خشي الإنسان خروج وقت العشاء قبل أن يصل إلى مزدلفة، فإن الواجب عليه أن يصلي وإن لم يصل إلى مزدلفة، يصلي على حسب حاله، إن كان ماشيا وقف وصلى الصلاة بقيامها وركوعها وسجودها، وإن كان راكبا ولم يتمكن من النزول فإنه يصلي ولو على ظهر سيارته، لقوله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} التغابن / 16، وإن كان عدم تمكنه من النزول في هذه الحال أمرا بعيدا؛ لأنه بإمكان كل إنسان أن ينزل ويقف على جانب الخط من اليمين أو اليسار ويصلي. وعلى كل حال فإنه لا يجوز لأحد أن يؤخر صلاة المغرب والعشاء حتى يخرج وقت العشاء، بحجة أنه يريد أن يطبق السنة فلا يصلي إلا في مزدلفة، فإن تأخيره هذا مخالف للسنة، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أخر، لكنه صلى الصلاة في وقتها. الخامس: أن بعض الحجاج يصلون الفجر قبل وقته، فيصلون وينصرفون، وهذا خطأ عظيم، فإن الصلاة قبل وقتها غير مقبولة؛ بل محرمة، لأنها اعتداء على حدود الله عز وجل، فإن الصلاة موقتة بوقت حدد الشرع أوله وآخره؛ فلا يجوز لأحد أن يتقدم بالصلاة قبل دخول وقتها. فيجب على الحاج أن ينتبه لهذه المسألة، وألا يصلي الفجر إلا بعد أن يتيقن أو يغلب على ظنه دخول وقت الفجر، صحيح أنه ينبغي المبادرة بصلاة الفجر في المزدلفة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بادر بها، ولكن لا يعني ذلك أن تصلى قبل الوقت. فليحذر الحاج من هذا العمل. السادس: أن بعض الحجاج يدفعون من مزدلفة قبل أن يمكثوا فيها أدنى مكث، فتجده يمر بها مرورا ويستمر ولا يقف، ويقول: إن المرور كاف، وهذا خطأ عظيم، فإن المرور غير كاف؛ بل السنة تدل على أن الحاج يبقى في مزدلفة حتى يصلي الفجر، ثم يقف عند المشعر الحرام يدعو الله تعالى حتى يسفر جدا، ثم ينصرف إلى منى (والإسفار هو انتشار ضوء النهار قبل طلوع الشمس) ، ورخص النبي صلى الله عليه وسلم للضعفة من أهله أن يدفعوا من مزدلفة بليل. وكانت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما ترقب غروب القمر فإذا غاب القمر دفعت من مزدلفة إلى منى. وهذا - الدفع بعد غروب القمر - ينبغي أن يكون هو الحد الفاصل، لأنه فعل صحابي، والنبي صلى الله عليه وسلم أذن للضعفة من أهله أن يدفعوا بليل، ولم يبين في هذا الحديث حد هذا الليل، ولكن فعل الصحابي قد يكون مبينا له ومفسرا له. وعليه، فالذي ينبغي أن يحدد الدفع للضعفة ونحوهم ممن يشق عليهم مزاحمة الناس، ينبغي أن يقيد بذلك بغروب القمر، وغروب القمر في الليلة العاشرة يكون قطعا بعد منتصف اليل، يكون بمضي ثلثي الليل تقريبا. السابع: أن بعض الناس في ليلة المزدلفة يحيي هذه الليلة بالقيام والقراءة والذكر، وهذا خلاف السنة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة لم يتعبد لله عز وجل بمثل هذا، بل في صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى العشاء اضطجع حتى طلع الفجر ثم صلى الصبح. وهذا يدل على أن تلك الليلة ليس فيها تهجد أو تعبد أو تسبيح أو ذكر أو قرآن. الثامن: أن بعض الحجاج يبقون في مزدلفة حتى تطلع الشمس، ويصلون صلاة الشروق أو الإشراق، ثم ينصرفون بعد ذلك، وهذا خطأ؛ لأن فيه مخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، وموافقة لهدي المشركين، فإن النبي صلى الله عليه وسلم دفع من مزدلفة قبل أن تطلع الشمس حين أسفر جدا. والمشركون كانوا ينتظرون حتى تطلع الشمس. فمن بقي في مزدلفة تعبدا لله عز وجل حتى تطلع الشمس، فقد شابه المشركين، وخالف سنة سيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليه " [الْمَصْدَرُ] انتهى من دليل الأخطاء التي يقع فيها الحاج والمعتمر الحديث: 36883 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4033 الحج عن والدٍ متوفَّى كان لا يصلي [السُّؤَالُ] ـ[والدي توفي من مدة طويلة، وأعلم أنه كان لا يصلي، وقد حضرت إلى السعودية وقمت بأداء فريضة الحج ثلاث مرات، وقد نويت في المرة الأخيرة أن تكون لوالدي المتوفًّى، ولكنني سمعت عن حكم من لم يصلِّ أنه في حكم الشرع كافر، وقد حزنت كثيرًا عندما فكرت في موقف والدي، وسؤالي: هل تجوز له هذه الحجة؟ وهل تكفر عنه هذا التقصير في الصلاة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرض هذا السؤال على الشيخ محمد ابن عثيمين – رحمه الله – فقال: " إن هذه السائلة ذكرت في سؤالها أنها قد أدت فريضة الحج ثلاث مرات، والصحيح أن فريضة الحج مرة واحدة في العمر لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الحج مرة فما زاد فهو تطوع) . وكونك عبَّرت بهذا التعبير ثلاث مرات فهذا خطأ. وأما كونك قد حججت لوالدك وهو لا يصلي فالكفار لا ينتفعون بالأعمال الصالحة، ولا يجوز الاستغفار لهم، لقوله تعالى: (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم) التوبة / 113. ولكن نظرًا لأن والدك قد يصلي في بعض الأحيان، أو يُشك في كفره فإنه لا حرج أن تحجي عنه وتقولي: اللهم اجعل أجر ذلك لوالدي إن كان مؤمنًا، وتعلِّقي ذلك بكون أبيك مؤمنًا، فمثل ذلك لا حرج فيه، فإن تعليق الأمر جائز في العبادات وفي الدعاء. أما في العبادات: فلقول النبي صلى الله عليه وسلم لضباعة بنت الزبير رضي الله عنهما، وقد أرادت أن تحج وهي مريضة قال لها صلى الله عليه وسلم: (حجي واشترطي فإن لك على ربك ما استثنيت) رواه البخاري (5089) ومسلم (1207) . وأما في الدعاء: فلقوله تعالى في آية اللعان: (والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين) النور/7. [الْمَصْدَرُ] انتهى من دليل الأخطاء التي يقع فيها الحاج والمعتمر الحديث: 36577 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4034 الحج بدون إذن الزوج [السُّؤَالُ] ـ[امرأة متزوجة، وعدها زوجها بالحج، ولكنه لم يفِ بالوعد فمرَّ عليها أهلها في طريق سفرهم إلى مكة وأخذوها معهم دون علم الزوج، ولا رضاه، فهل حجها صحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ محمد ابن عثيمين – رحمه الله -: " قبل الإجابة أود أن أبين أنه لا يجوز للمرأة أن تخرج بدون رضا زوجها، حتى ولو كان في البلد، فكيف تحج بدون رضاه، هذا حرام، ولا يجوز لها، ويجب على الزوج الذي وعد زوجته بالحج أن يفي بوعده، فيحج بها، لاسيما إن كان هذا مشروطا عليه في العقد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج) رواه البخاري (2729) ومسلم (1418) . وإذا كان هذا الوعد بعد العقد، فإن العلماء اختلفوا بالوفاء به، والصواب وجوب الوفاء به إذا لم يكن على الواعد ضرر؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل إخلاف الوعد من صفات المنافقين. تحذيرا من إخلافه. انظر دليل الأخطاء التي يقع فيها الحاج والمعتمر. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36595 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4035 الدعاء الجماعي أثناء الطواف [السُّؤَالُ] ـ[نلاحظ أن بعض الطائفين يسيرون خلف رجلٍ يقال له (مُطَوِّف) حيث يدعو والبقية تُؤمن على دعائه فما رأيكم بهذا العمل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ محمد ابن عثيمين – رحمه الله -: " من الخطأ الذي يرتكبه بعض الطائفين أن يجتمع جماعة على قائد يطوف بهم ويُلَقِنَهُم الدعاء بصوت مرتفع فيتبعه الجماعة بصوت واحد، فتعلو الأصوات، وتحصل الفوضى، ويتشوش بقية الطائفين، فلا يدرون ما يقولون، وفي هذا إذهاب للخشوع، وإيذاءٌ لعباد الله في هذا المكان الآمن. ويا حبذا لو أن هذا القائد إذا أقبل بهم على الكعبة وقف بهم وقال: افعلوا كذا، وقولوا كذا، ادعوا بما تحبون، وصار يمشي معهم في المطاف حتى لا يخطئ منهم أحد، فطافوا بخشوع وطمأنينة، يدعون ربهم خوفاً وطمعاً، وتضرعاً وخفيةً بما يحبونه، وما يعرفون معناه ويقصدونه،وسلم الناس من أذاهم. (وكذلك) رفع الصوت بالدعاء فإن بعض الطائفين يرفع صوته بالدعاء رفعاً مزعجاً، يُذهب الخشوع، ويُسقط هيبة البيت، ويُشوش على الطائفين؛ والتشويش على الناس في عباداتهم أمر منكر، (فعن أبي سعيد قال اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر وقال ألا إن كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضا ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة أو قال في الصلاة) أخرجه أبو داوود (1332) وصححه الألباني في صحيح أبي داوود 1183. ولكن بعض الناس - نسأل الله لنا ولهم الهداية - في المطاف يرفعون أصواتهم بالدعاء، وهذا كما أن فيه المحذورات التي ذكرناها، وهي إذهاب الخشوع، وسقوط هيبة البيت، والتشويش على الطائفين، فهو مخالف لظاهر قوله تعالى: (ادعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36628 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4036 التمسح بالكعبة [السُّؤَالُ] ـ[في أثناء الطواف يشاهد بعض الناس يتمسحون بجدار الكعبة وبكسوتها، وبمقام إبراهيم، فما حكم ذلك العمل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرض هذا السؤال على الشيخ محمد ابن عثيمين – رحمه الله – فقال: " هذا العمل يفعله الناس، يريدون به التقرب إلى الله عز وجل والتعبد له، وكل عمل تريد به التقرب إلى الله والتعبد له، وليس له أصل في الشرع فإنه بدعة، حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة " رواه الترمذي (2676) وأبو داوود (4607) . ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح سوى الركن اليماني والحجر الأسود. وعليه فإذا مسح الإنسان أي ركن من أركان الكعبة أو جهة من جهاتها، غير الركن اليماني والحجر الأسود، فإنه يعتبر مبتدعا، ولما رأى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما يمسح الركنين الشماليين، نهاه، فقال له معاوية رضي الله عنه: ليس شيء من البيت مهجورا، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) الأحزاب / 21 وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح الركنين اليمانيين، يعني الركن اليماني والحجر الأسود، فرجع معاوية رضي الله عنه إلى قول ابن عباس. ومن باب أولى في البدعة، ما يفعله بعض الناس من التمسح بمقام إبراهيم، فإن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تمسح في أي جهة من جهات المقام. وكذلك ما يفعله بعض الناس من التمسح بزمزم، والتمسح بأعمدة الرواق – وهي أعمدة المبنى العثماني القديمة -، وكل ذلك مما لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم فكله بدعة، وكل بدعة ضلالة " [الْمَصْدَرُ] انتهى من دليل الأخطاء التي يقع فيها الحاج والمعتمر الحديث: 36644 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4037 الأخطاء التي تقع في زيارة المسجد النبوي [السُّؤَالُ] ـ[ما هي الأخطاء التي تقع عند زيارة المسجد النبوي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " الأخطاء التي يقع فيها بعض الحجاج في زيارة المسجد النبوي تقع في أمور: الأول: اعتقاد بعض الحجاج بأن زيارة المسجد النبوي من متعلقات الحج وأن الحج لا يجوز بدونها بل ربما جعلها بعض الجهال أوكد من الحج! وهذا اعتقاد باطل؛ فلا علاقة بين الحج وزيارة المسجد النبوي، فالحج يتم بدونها، وهي تتم بدون الحج، ولكن الناس اعتادوا من قديم أن يجعلوها في سفر الحج لمشقة تكرار الأسفار عليهم، وكذا ليست أوكد من الحج؛ فالحج من أركان الإسلام ومبادئه العظام وليست الزيارة كذلك. ولا نعلم أحدا من أهل العلم قال بوجوب زيارة المسجد النبوي أو قبر النبي صلى الله عليه وسلم. وأما ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من حج ولم يزرني فقد جفاني) فحديث كَذِب على الرسول صلى الله عليه وسلم مُناف للمعلوم من الدين إذ لو صح لكانت زيارة قبره من أوجب الواجبات. الثاني: أن بعض الزائرين للمسجد النبوي يطوفون بقبر النبي صلى الله عليه وسلم، ويتمسحون بشباك الحجرة وجدرانها، وربما قبلوها بشفاههم ووضعوا خدودهم عليها وكل هذا من البدع المنكرة؛ فإن الطواف بغير الكعبة بدعة محرمة، وكذلك الاستلام والتقبيل ووضع الخدود إنما يشرع في مكانه من الكعبة؛ فالتعبد لله تعالى بمثل ذلك في جدران الحجرة لا يزيد المرء من الله إلا بعدا. الثالث: أن بعض الزائرين يتمسح بالمحراب والمنبر وجدران المسجد، وكل هذا من البدع. الرابع: وهو الأدهى والأعظم نكرا، أن بعض الزائرين يدعو النبي صلى الله عليه وسلم لكشف الكربات أو حصول الرغبات، وهذا شرك أكبر مُخرِجٌ عن الملة لا يرضى به الله ورسوله؛ قال الله تعالى: (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا) الجن / 18، وقال تعالى: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) غافر / 60، وقال تعالى: (إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر) الزمر/7. وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على رجل قال له: ما شاء الله وشئت فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أجعلتني لله ندا، ما شاء الله وحده) رواه ابن ماجه (2118) . فكيف بمن يدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم لكشف الضر وحصول النفع وهو الذي قال الله له: (قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله) الأعراف / 188، وقال: (قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا) الجن / 21. فعلى المؤمن أن يعلق رجاءه ورغبته بخالقه وفاطره الذي يملك له تحقيق ما يرجوه وكشف ما يخافه، وأن يعرف لنبيه صلى الله عليه وسلم حقه من الإيمان به ومحبته واتباعه ظاهراً وباطناً، ويسأل الله الثبات على ذلك، ولا يتعبد لله تعالى بغير ما شرع " [الْمَصْدَرُ] انتهى من كلام الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله – كتاب أخطاء يقع فيها الحاج والمعتمر. الحديث: 36647 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4038 لا يشرع للمفرد أن يعتمر بعد الحج [السُّؤَالُ] ـ[هل السنة للحاج إذا انتهى من الحج أن يخرج إلى التنعيم ليعتمر كما فعلت ذلك عائشة رضي الله عنها؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ ابن باز رحمه الله: وأما ما يفعله بعض الناس من الإكثار من العمرة بعد الحج من التنعيم أو الجعرانة أو غيرهما وقد سبق أن اعتمر قبل الحج فلا دليل على شرعيته بل الأدلة تدل على أن الأفضل تركه، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه لم يعتمروا بعد فراغهم من الحج، وإنما اعتمرت عائشة من التنعم لكونها لم تعتمر مع الناس حين دخول مكة بسبب الحيض، فطلبت من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تعتمر بدلاً من عمرتها التي أحرمت بها من الميقات فأجابها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى ذلك وقد حصلت لها العمرتان: العمرة التي مع حجها، وهذه العمرة المفردة، فمن كان مثل عائشة فلا بأس أن يعتمر بعد فراغه من الحج، عملاً بالأدلة كلها، وتوسيعاً على المسلمين. ولا شك أن اشتغال الحجاج بعمرة أخرى بعد فراغهم من الحج سوى العمرة التي دخلوا بها مكة يشق على الجميع، ويسبب كثرة الزحام والحوادث، مع ما فيه من المخالفة لهدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسنته اهـ. [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى ابن باز (16/46) الحديث: 36364 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4039 أخطاء تقع عند دخول الحرم [السُّؤَالُ] ـ[نشاهد بعض المحرمين عند دخول الحرم يقومون بقراءة أدعية معينة لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك يلتزمون بالدخول من باب معين، فهل هذا العمل صحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه من الأخطاء التي تقع عند دخول الحرم، ويمكن توضيحها على النحو التالي: " أولاً: أن بعض الناس يظن أنه لا بد أن يدخل الحاج أو المعتمر من باب معين في المسجد الحرام، فيرى بعض الناس مثلا أنه لا بد أن يدخل، إذا كان معتمرا، من الباب الذي يسمى: باب العمرة، وأن هذا أمر لا بد منه أو أمر مشروع، ويرى آخرون أنه لا بد أن يدخل من باب السلام، وأن الدخول من غيره يكون إثمًا أو مكروهًا، وهذا لا أصل له، فللحاج والمعتمر أن يدخل من أي باب كان، وإذا دخل المسجد فليقدم رجله اليمنى وليقل ما ورد في الدخول لسائر المساجد، فيسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: " اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك " رواه مسلم (713) . ثانياً: أن بعض الناس يبتدع أدعية معينة عند دخول المسجد ورؤية البيت، يبتدع أدعية لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم فيدعو الله بها، وهذا من البدع، فإن التعبد لله تعالى بقول أو فعل أو اعتقاد لم يكن عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بدعة وضلالة، وحذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثالثاً: يخطئ بعض الناس- حتى من غير الحجاج - حيث إنهم يعتقدون أن تحية المسجد الحرام الطواف، بمعنى أنه يسن لكل من دخل المسجد الحرام أن يطوف اعتمادًا على قول بعض الفقهاء في أن سنة المسجد الحرام الطواف، والواقع أن الأمر ليس كذلك، فالمسجد الحرام كغيره من المساجد التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين " رواه البخاري (444) ومسلم (714) . ولكن إذا دخلت المسجد الحرام للطواف سواء كان الطواف طواف نسك كطواف العمرة والحج، أو كان طواف تطوع كالأطوفة في غير النسك، فإنه يجزئك أن تطوف وإن لم تصل ركعتين، هذا هو معنى قولنا إن المسجد الحرام تحيته الطواف، وعلى هذا فإذا دخلت بغير نية الطواف ولكن لانتظار الصلاة أو لحضور مجلس علم أو ما أشبه ذلك، فإن المسجد الحرام كغيره، يسن فيه أن تصلي ركعتين قبل أن تجلس لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك " [الْمَصْدَرُ] انتهى من دليل الأخطاء التي يقع فيها الحاج والمعتمر للشيخ ابن عثيمين رحمه الله. الحديث: 34869 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4040 أخطاء تقع في الطواف [السُّؤَالُ] ـ[في الطواف نلاحظ أن بعض الناس يقف في بداية المطاف ويتلفظ بنية الطواف، كما أننا نلاحظ أن بعضهم يزاحم مزاحمة شديدة من أجل الوصول إلى الحجر، وربما اقتتلوا عليه، فما رأيكم في هذه الأعمال؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه من الأخطاء التي تقع في الطواف وهي على وجوه: " الأول: النطق بالنية عند إرادة الطواف، فتجد الحاج يقف مستقبلا الحَجَر إذا أراد الطواف، فيقول: اللهم إني نويت أن أطوف سبعة أشواط للعمرة، أو اللهم إني نويت أن أطوف سبعة أشواط للحج، أو اللهم إني نويت أن أطوف سبعة أشواط تقربًا إليك. والتلفظ بالنية بدعة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعله، ولم يأمر أمته به، وكل من تعبد لله بأمر لم يتعبد به رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يأمر أمته به، فقد ابتدع في دين الله ما ليس منه، فالتلفظ بالنية عند الطواف خطأ وبدعة، وكما أنه خطأ من ناحية الشرع فهو خطأ من ناحية العقل، فما الداعي إلى أن تتلفظ بالنية مع أن النية بينك وبين ربك، والله سبحانه وتعالى عالم بما في الصدور وعالم بأنك سوف تطوف هذا الطواف، وإذا كان الله سبحانه وتعالى عالماً بذلك فلا حاجة أن تظهر هذا لعباد الله. والنبي صلى الله عليه وسلم قد طاف قبلك ولم يتكلم بالنية عند طوافه، والصحابة رضي الله عنهم قد طافوا قبلك ولم يتكلموا بالنية عند طوافهم، ولا عند غيره من العبادات؛ فهذا خطأ. الثاني: أن بعض الطائفين يزاحم مزاحمة شديدة عند استلام الحَجَر والركن اليماني، مزاحمة يتأذى بها ويؤذي غيره، مزاحمة قد تكون مع امرأة، وربما ينزغه من الشيطان نزع فتحصل في قلبه شهوة عندما يزاحم هذه المرأة في هذا المقام الضنك، والإنسان بشر قد تستولي عليه النفس الأمارة بالسوء، فيقع في هذا الأمر المنكر تحت بيت الله عز وجل، وهذا أمر يكبر ويعظم باعتبار مكانه كما أنه فتنة في أي مكان كان. والمزاحمة الشديدة عند استلام الحجر أو الركن اليماني ليست مشروعة، بل إن تيسر لك بهدوء فذلك المطلوب، وإن لم يتيسر فإنك تشير إلى الحجر الأسود. أما الركن اليماني فلم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أشار إليه، ولا يمكن قياسه على الحجر الأسود؛ لأن الحجر الأسود أعظم منه، والحجر الأسود ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أشار إليه. والمزاحمة كما أنها غير مشروعة في هذه الحال، وكما أنه يُخشى من الفتنة فيما إذا كان الزحام مع امرأة، فهي أيضًا تُحدث تشويشاً في القلب والفكر، لأن الإنسان لا بد عند المزاحمة من أن يسمع كلاما يكرهه، فتجده يشعر بامتعاض وغضب على نفسه إذا فارق هذا المحل. والذي ينبغي للطائف أن يكون دائما في هدوء وطمأنينة، من أجل أن يستحضر ما هو متلبس به من طاعة الله، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله. الثالث: أن بعض الناس يظنون أن الطواف لا يصح بدون تقبيل الحجر، وأن تقبيل الحجر شرط لصحة الطواف، ولصحة الحج أيضًا أو العمرة، وهذا ظن خطأ، وتقبيل الحجر سنة وليست سنة مستقلة أيضًا، بل هي سنة للطائف، ولا أعلم أن تقبيل الحجر يسن في غير الطواف، وعلى هذا فإذا كان تقبيل الحجر سنة وليس بواجب ولا شرط، فإن من لم يقبل الحجر لا نقول إن طوافه غير صحيح أو إن طوافه ناقص نقصا يأثم به؛ بل طوافه صحيح وإذا وُجد زحام شديد فإن الإشارة أفضل من الاستلام؛ لأنه هو العمل الذي فعله الرسول صلى الله عليه وسلم عند الزحام، ولأن الإنسان يتقي به أذى يكون منه لغيره، أو يكون من غيره له. فلو سألنا سائل وقال: إن المطاف مزدحم فماذا ترون: هل الأفضل أن أُزاحم فأستلم الحجر وأقبله، أم الأفضل أن أشير إليه؟ قلنا: الأفضل أن تشير إليه؛ لأن السنة هكذا جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم. الرابع: تقبيل الركن اليماني. وتقبيل الركن اليماني لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعبادة إذا لم تثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي بدعة وليست بقربة، وعلى هذا فلا يشرع للإنسان أن يقبل الركن اليماني، لأن ذلك لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما ورد فيه حديث ضعيف لا تقوم به الحجة. الخامس: بعض الناس عندما يمسح الحجر الأسود أو الركن اليماني يمسحه بيده اليسرى كالمتهاون به، وهذا خطأ فإن اليد اليمنى أشرف من اليد اليسرى، واليد اليسرى لا تُقدَّم إلا للأذى، كالاستنجاء بها والاستجمار بها، والامتخاط بها وما أشبه ذلك، وأما مواضع التقبيل والاحترام، فإنه يكون لليد اليمنى. السادس: أنهم يظنون أن استلام الحجر والركن اليماني للتبرك لا للتعبد، فيتمسحون به تبركًا وهذا بلا شك خلاف ما قصد به، فإن المقصود بالتمسح بالحجر الأسود أو بمسحه وتقبيله تعظيم الله عز وجل، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استلم الحجر قال: الله أكبر، إشارة إلى أن المقصود بهذا تعظيم الله عز وجل، وليس المقصود التبرك بمسح هذا الحجر، ولهذا قال أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه عند استلامه الحجر: والله إني لأعلم أنك حجر، لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك. هذا الظن الخاطئ من بعض الناس- وهو أنهم يظنون أن المقصود بمسح الركن اليماني والحجر الأسود التبرك- أدى ببعضهم إلى أن يأتي بابنه الصغير فيمسح الركن أو الحجر بيده، ثم يمسح ابنه الصغير أو طفله بيده التي مسح بها الحجر أو الركن اليماني، وهذا من الاعتقاد الفاسد الذي يجب أن يُنهى عنه، وأن يُبَيَّن للناس أن مثل هذه الأحجار لا تضر ولا تنفع، وأن المقصود بمسحها تعظيم الله عز وجل وإقامة ذكره، والاقتداء برسوله صلى الله عليه وسلم. .... وكل هذه الأمور وأمثالها مما لا شرعية فيه، بل هو بدعة ولا ينفع صاحبه بشيء؛ لكن إن كان صاحبه جاهلا ولم يطرأ على باله أنه من البدع، فيُرجى أن يعفى عنه، وإن كان عالمًا أو متهاونًا لم يسأل عن دينه، فإنه يكون آثما. السابع: أن بعض الناس يخصص كل شوط بدعاء معين، وهذا من البدع التي لم ترد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يخص كل شوط بدعاء، ولا أصحابه أيضًا، وغاية ما في ذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول بين الركن اليماني والحجر الأسود: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) وقال صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الطواف بالبيت والصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله) . وتزداد هذه البدع خطأ، إذا حمل الطائف كتيبا، كُتب فيه لكل شوط دعاء، وهو يقرأ هذا الكتيب، ولا يدري ماذا يقول؛ إما لكونه جاهلا باللغة العربية، ولا يدري ما المعنى، وإما لكونه عربيًا ينطق باللغة العربية ولكنه لا يدري ما يقول، حتى إننا نسمع بعضهم يدعو بأدعية هي في الواقع مُحرَّفة تحريفًا بينًا، من ذلك أننا سمعنا من يقول: اللهم أغنني بجلالك عن حرامك، والصواب: بحلالك عن حرامك. ومن ذلك أيضًا أننا نشاهد بعض الناس يقرأ هذا الكتيب، فإذا انتهى دعاء الشوط وقف ولم يدع في بقية شوطه، وإذا كان المطاف خفيفًا، وانتهى الشوط قبل انتهاء الدعاء، قطع الدعاء. ودواء ذلك أن نبين للحجاج، بأن الإنسان في الطواف يدعو بما شاء وبما أحب، ويذكر الله تعالى بما شاء، فإذا بُيِّن للناس هذا زال الإشكال. حكم من وقع في هذه البدع: الناس في هذه الأمور التي يفعلونها: إما جاهل جهلاً مطبقًا لا يطرأ بباله أن هذا محرم، فهذا يُرجى أن لا يكون عليه شيء. وإما عالم متعمد ليَضلَّ ويُضلَّ الناس، فهذا آثم بلا شك وعليه إثم من اتبعه واقتدى به. وإما رجل جاهل ومتهاون في سؤال أهل العلم، فيُخشى أن يكون آثما بتفريطه وعدم سؤاله. هذه الأخطاء التي سقناها في الطواف نرجو الله سبحانه وتعالى أن يهدي إخواننا المسلمين لإصلاحها، حتى يكون طوافهم موافقا لما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم. وليس الدين يؤخذ بالعاطفة والميل، ولكنه يؤخذ بالتلقي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. [الْمَصْدَرُ] انتهى من دليل الأخطاء التي يقع فيها الحاج والمعتمر للشيخ ابن عثيمين رحمه الله. الحديث: 34644 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4041 حديث ضعيف في فضل الصلاة في المسجد النبوي أربعين يوماً [السُّؤَالُ] ـ[سمعت أن من صلى في المسجد النبوي أربعين صلاة تكتب له براءة من النفاق. فهل هذا الحديث صحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث رواه أحمد (12173) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (مَنْ صَلَّى فِي مَسْجِدِي أَرْبَعِينَ صَلاةً لا يَفُوتُهُ صَلاةٌ كُتِبَتْ لَهُ بَرَاءَةٌ مِنْ النَّارِ، وَنَجَاةٌ مِنْ الْعَذَابِ، وَبَرِئَ مِنْ النِّفَاقِ) . وهو حديث ضعيف. ذكره الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (364) وقال: ضعيف اهـ. وذكره في "ضعيف الترغيب" (755) وقال: منكر اهـ. وذكر الألباني في كتابه "حجة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" (ص185) أن من بدع زيارة المدينة النبوية "التزام زوار المدينة الإقامة فيها أسبوعا حتى يتمكنوا من الصلاة في المسجد النبوي أربعين صلاة، لتكتب لهم براءة من النفاق وبراءة من النار" اهـ. وقال الشيخ ابن باز: أما ما شاع بين الناس من أن الزائر يقيم ثمانية أيام حتى يصلي أربعين صلاة فهذا وإن كان قد روي في بعض الأحاديث: (أن من صلى فيه أربعين صلاة كتب الله له براءة من النار، وبراءة من النفاق) إلا أنه حديث ضعيف عند أهل التحقيق لا تقوم به الحجة ولا يعتمد عليه. والزيارة ليس لها حد محدود، وإذا زارها ساعة أو ساعتين، أو يوماً أو يومين، أو أكثر من ذلك فلا بأس اهـ باختصار. فتاوى ابن باز (17/406) . ويغني عن هذا الحديث الضعيف حديثٌ حسن رواه الترمذي (241) في فضل المحافظة على تكبيرة الإحرام مع الجماعة عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَلَّى لِلَّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي جَمَاعَةٍ يُدْرِكُ التَّكْبِيرَةَ الأُولَى كُتِبَتْ لَهُ بَرَاءَتَانِ بَرَاءَةٌ مِنْ النَّارِ وَبَرَاءَةٌ مِنْ النِّفَاقِ " حسنه الألباني في صحيح الترمذي (200) . والفضل المترتب على هذا الحديث عام في كل مسجد جماعة، في أي بلد، وليس خاصاً بالمسجد الحرام أو المسجد النبوي. وبناءً عليه فمن حافظ على صلاة أربعين يوماً يدرك فيها تكبيرة الإحرام مع الجماعة كتبت له براءتان براءة من النار وبراءة من النفاق، سواء كان مسجد المدينة أو مكة أو غيرهما من المساجد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 34752 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4042 أخطأ وتعجل في اليوم الحادي عشر [السُّؤَالُ] ـ[من ترك الرمي في اليوم الثاني عشر ظناً منه أن هذا هو التعجّل وغادر ولم يطف للوداع فما حكم حجه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " حجّه صحيح، لأنه لم يترك فيه ركناً من أركان الحجّ، ولكنه ترك فيه ثلاث واجبات إن كان لم يبت ليلة الثاني عشر بمنى. الواجب الأول: المبيت بمنى ليلة الثاني عشر. والواجب الثاني: رمي الجمار في اليوم الثاني عشر. والواجب الثالث: طواف الوداع. ويجب عليه لكل واحد منها دمّ يذبحه في مكّة ويوزعه على الفقراء ". "فتاوى أركان الإسلام" (ص 566) . لأن من ترك واجباً من واجبات الحج لزمه دم ويذبحه في مكة ويفرقه على الفقراء. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 34761 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4043 زيارة مقابر الشهداء [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم زيارة بعض مقابر المدينة كالبقيع وشهداء أحد؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " زيارة القبور سنة في كل مكان، ولاسيما زيارة البقيع التي دُفن فيه كثير من الصحابة رضي الله عنهم، ومنهم أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، وقبره هناك معروف. وكذلك يُسنُّ أن يخرج إلى أُحد ليزور قبور الشهداء هنالك، ومنهم حمزة بن عبد المطلب، عم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكذلك ينبغي أن يزور مسجد قباء، يخرج متطهرا فيصلي فيه ركعتين فإن في ذلك فضلا عظيما. (فقد قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " صلاة في مسجد قباء كعمرة " صحيح الترغيب 1180، وقال عليه الصلاة والسلام: " من تطهر في بيته، ثم أتى مسجد قباء، فصلى فيه صلاة؛ كان له كأجر عمرة ". صحيح الترغيب 1181.) وليس هناك شيء يُزار في المدينة سوى هذه: زيارة المسجد النبوي، وزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وزيارة البقيع، وزيارة شهداء أحد، وزيارة مسجد قباء، وما عدا ذلك من المزارات كالمساجد السبعة ومسجد الغمامة فإنه لا أصل له وزيارتها بقصد التعبد لله بدعة؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز لأحد أن يُثبت لزمان أو مكان أو عمل أن فعله أو قصده قُربة إلا بدليل من الشرع. [الْمَصْدَرُ] انتهى من كلام الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله – كتاب: دليل الأخطاء التي يقع فيها الحاج والمعتمر. الحديث: 34358 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4044 حج المرأة في رفقة نساء دون محرم [السُّؤَالُ] ـ[امرأة تقول: إنني مقيمة في المملكة بحكم عملي بها، وقد ذهبت للحج العام الماضي، وكان معي اثنتان من زميلاتي وليس معنا محرم. فما هو الموقف من ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ محمد ابن عثيمين – رحمه الله -: " هذا العمل وهو الحج بدون مَحرم: مُحرَّم لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو يخطب: لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، فقام رجل فقال: يا رسول الله، إن امرأتي خرجت حاجة، وإنني قد اكتُتِبتُ في غزوة كذا وكذا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: انطلق فحج مع امرأتك " رواه البخاري (3006) ومسلم (1341) . فلا يجوز للمرأة السفر بدون محرم، والمحرم: من تحرم عليه على التأبيد بنسب أو سبب مباح، ويشترط أن يكون بالغا عاقلا، وأما الصغير فلا يكون محرما، وغير العاقل لا يكون محرما أيضا، والحكمة من وجود المحرم مع المرأة حفظها وصيانتها، حتى لا تعبث بها أهواء مَن لا يخافون الله عز وجل ولا يرحمون عباد الله. ولا فرق بين أن يكون معها نساء أو لا، أو تكون آمنة أو غير آمنة، حتى ولو ذهبت مع نساء من أهل بيتها وهي آمنة غاية الأمن، فإنه لا يجوز لها أن تسافر بدون محرم؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر الرجل بالحج مع امرأته لم يسأله ما إذا كان معها نساء وهل هي آمنة أم لا، فلما لم يستفسر عن ذلك دل على أنه لا فرق، وهذا هو الصحيح. وقد تساهل بعض الناس في وقتنا الحاضر فسوَّغ أن تذهب المرأة في الطائرة بدون محرم، وهذا لا شك أنه خلاف النصوص العامة الظاهرة، والسفر في الطائرة كغيره تعتريه الأخطار. فإن المسافرة في الطائرة إذا شيعها محرمها في المطار فإنه ينصرف بمجرد دخولها صالة الانتظار، وهي وحدها بدون محرم وقد تغادر الطائرة في الوقت المحدد وقد تتأخر. وقد تقلع في الوقت المحدد فيعتريها سبب يقتضي رجوعها، أو أن تنزل في مطار آخر غير المطار المتجهة إليه، وكذلك ربما تنزل في المطار الذي تقصده بعد الوقت المحدد لسبب من الأسباب، وإذا قُدِّر أنها نزلت في وقتها المحدد فإن المحرم الذي يستقبلها قد يتأخر عن الحضور في الوقت المعين لسبب من الأسباب، إما لنوم أو زحام سيارات أو عطل في سيارته أو لغير ذلك من الأسباب المعلومة، ثم لو قدر أنه حضر في الوقت المحدد واستقبل المرأة فإن من يكون إلى جانبها في الطائرة قد يكون رجلا يخدعها ويتعلق بها وتتعلق به. والحاصل أن المرأة عليها أن تخشى الله وتخافه فلا تسافر لا إلى الحج ولا إلى غيره إلا مع محرم يكون بالغًا عاقلا. والله المستعان " انتهى. [الْمَصْدَرُ] المرجع كتاب دليل الأخطاء التي يقع فيها الحاج والمعتمر الحديث: 34380 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4045 أخطاء تقع عند رمي الجمرات [السُّؤَالُ] ـ[ما هي الأخطاء التي يرتكبها بعض الحجاج أثناء رمي الجمرات؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رمى جمرة العقبة وهي الجمرة القصوى التي تلي مكة بسبع حصيات، ضُحى يوم النحر، يكبِّر مع كل حصاة منها، مثل حصا الخذف؛ أي: فوق الحِمَّص قليلا. وروى ابن ماجه (3029) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة العقبة وهو واقف على راحلته: هات الْقُطْ لي قال: فلقطت له حصيات هن حصى الخذف، فوضعهن في يده، وقال: بأمثال هؤلاء فارموا ... ، وإياكم والغلو فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين " وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (2455) . وروى أحمد وأبو داود عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله. هذه هي الحكمة من مشروعية رمي الجمرات. والأخطاء التي يرتكبها بعض الحجاج في رمي الجمرات تكون من وجوه متعددة: الأول: أن بعض الناس يظنون أنه لا يصح الرمي إلا إذا كانت الحصى من مزدلفة، ولهذا تجدهم يتعبون كثيرا في لقط الحصى من مزدلفة، قبل أن يذهبوا إلى منى، وهذا ظن خاطئ، فالحصى يؤخذ من أي مكان، من مزدلفة، من منى، من أي مكان يؤخذ، المقصود أن يكون حصى. ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه التقط الحصى من مزدلفة حتى نقول: إنه من السنة. فليس من السنة. ولا من الواجب أن يلتقط الإنسان الحصى من مزدلفة؛ لأن السنة إما قول الرسول صلى الله عليه وسلم أو فعله أو إقراره، وكل هذا لم يكن في لقط الحصى من مزدلفة. الثاني: أن بعض الناس إذا لقط الحصى غسله، إما احتياطا لخوف أن يكون أحد قد بال عليه، وإما تنظيفا لهذا الحصى؛ لظنه أن كونه نظيفا أفضل. وعلى كل حال فغسل حصى الجمرات بدعة، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعله، والتعبد بشيء لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم بدعة، وإذا فعله الإنسان من غير تعبد كان سفها وضياعا للوقت. الثالث: أن بعض الناس يظنون أن هذه الجمرات شياطين، وأنهم يرمون شياطين، فتجد الواحد منهم يأتي بعنف شديد وحنق وغيظ، منفعلا انفعالا عظيما، كأن الشيطان أمامه، ثم يرمي هذه الجمرات، ويحدث من ذلك مفاسد عظيمة: 1- أن هذا ظن خاطئ فإنما نرمي هذه الجمرات إقامة لذكر الله تعالى، واتباعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتحقيقا للتعبد، فإن الإنسان إذا عمل طاعة وهو لا يدري فائدتها، إنما يفعلها تعبدا لله، كان هذا أدل على كمال ذله وخضوعه لله عز وجل. 2- أن الإنسان يأتي بانفعال شديد وغيظ وحنق وقوة واندفاع، فتجده يؤذي الناس إيذاء عظيما، حتى كأن الناس أمامه حشرات لا يبالي بهم، ولا يسأل عن ضعيفهم، وإنما يتقدم كأنه جمل هائج. 3- أن الإنسان لا يستحضر أنه يعبد الله عز وجل أو يتعبد لله عز وجل بهذا الرمي، ولذلك يعدل عن الذكر المشروع إلى قول غير مشروع، فتجده يقول حين يرمي: اللهم غضبا على الشيطان ورضى للرحمن. مع أن هذا ليس بمشروع عند رمي الجمرة، بل المشروع أن يكبر كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم. 4- أنه بناء على هذه العقيدة الفاسدة تجده يأخذ أحجارا كبيرة يرمي بها، بناء على ظنه أنه كلما كان الحجر أكبر كان أشد أثرا وانتقاما من الشيطان. وتجده أيضا يرمي بالنعال والخشب وما أشبه ذلك مما لا يشرع الرمي به. إذن: إذا قلنا: إن هذا الاعتقاد اعتقاد فاسد، فما الذي نعتقده في رمي الجمرات؟ نعتقد في رمي الجمرات أننا نرمي الجمرات تعظيما لله عز وجل، وتعبدا له، واتباعا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. الرابع: أن بعض الناس يتهاون ولا يبالي هل وقعت الحصاة في المرمى أم لا؟ والحصاة إذا لم تقع في المرمى فإن المرمى لا يصح، ويكفي أن يغلب على ظنه وقوع الحصاة في المرمى ولا يشترط اليقين لأن اليقين في هذه الحال قد يتعذر، وإذا تعذر اليقين عمل بغلبة الظن؛ ولأن الشارع أحال على غلبة الظن فيما إذا شك الإنسان في صلاته: كم صلى، ثلاثا أم أربعا؟ فقال عليه الصلاة والسلام: " ليتحر الصواب ثم ليتم عليه " أخرجه أبو داوود (1020) وهذا يدل على أن غلبة الظن في أمور العبادة كافية، وهذا من تيسير الله عز وجل؛ لأن اليقين أحيانا يتعذر. وإذا وقعت الحصاة في الحوض، فقد برئت بها الذمة، سواء بقيت في الحوض أو تدحرجت منه. الخامس: أن بعض الناس يظن أنه لا بد أن تصيب الحصاة العمود الموجود بالمرمى، وهذا ظن خطأ، فإنه لا يشترط لصحة الرمي أن تصيب الحصاة هذا العمود، فإن هذا العمود إنما جعل علامة على المرمى الذي تقع فيه الحصى، فإذا وقعت الحصاة في المرمى أجزأت سواء أصابت العمود أم لم تصبه. السادس: وهو من الأخطاء العظيمة الفادحة، أن بعض الناس يتهاون في الرمي، فيوكل من يرمي عنه مع قدرته عليه، وهذا خطأ عظيم، وذلك لأن رمي الجمرات من شعائر الحج ومناسكه، وقد قال الله تعالى: (وأتموا الحج والعمرة لله) البقرة / 196، وهذا يشمل إتمام الحج بجميع شعائره؛ فيجب على الإنسان أن يقوم بها بنفسه، وألا يوكل فيها أحدا. يقول بعض الناس: إن الزحام شديد، وإنه يشق علي. فنقول له: إذا كان الزحام شديدا أول ما يقدم الناس إلى منى من مزدلفة، فإنه لا يكون شديدا في آخر النهار، ولا يكون شديدا في الليل، وإذا فاتك الرمي في النهار فارم في الليل؛ لأن الليل وقت للرمي، وإن كان النهار أفضل، لكن كون الإنسان يأتي بالرمي في الليل بطمأنينة وهدوء وخشوع أفضل من كونه يأتي به في النهار، وهو ينازع الموت من الزحام والضيق والشدة، وربما يرمي ولا تقع الحصاة في المرمى، المهم أن من احتج بالزحام نقول له: إن الله قد وسع الأمر، فلك أن ترمي في الليل. وكذلك المرأة إذا كانت تخشى من شيء في الرمي مع الناس، فلتؤخر الرمي إلى الليل، ولهذا لم يرخص النبي صلى الله عليه وسلم للضعفة من أهله - كَسَوْدة بنت زمعة وأشباهها - أن يَدَعُوا الرمي ويوكلوا من يرمي عنهم - لو كان من الأمور الجائزة - بل أذن لهم أن يدفعوا من مزدلفة في آخر الليل، ليرموا قبل حَطَمة الناس؛ وهذا أكبر دليل على أن المرأة لا توكل لكونها امرأة. نعم لو فرض أن الإنسان عاجز ولا يمكنه الرمي بنفسه، لا في النهار ولا في الليل، فهنا يتوجه القول بجواز التوكيل؛ لأنه عاجز، وقد ورد عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يرمون عن صبيانهم، لعجز الصبيان عن الرمي. على كل حال: التهاون في هذا الأمر - أعني: التوكيل في رمي الجمرات إلا من عذر لا يتمكن معه الحاج من الرمي - خطأ كبير؛ لأنه تهاون في العبادة، وتخاذل عن القيام بالواجب. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 34420 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4046 حكم تسمية جبل عرفة بجبل الرحمة [السُّؤَالُ] ـ[يطلق على جبل عرفة: جبل الرحمة، فما حكم هذه التسمية وهل لها أصل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أجاب الشيخ محمد ابن عثيمين - رحمه الله – على هذا السؤال فقال: " هذه التسمية لا أعلم لها أصلا من السنة، أي: أن الجبل الذي في عرفة، الذي وقف عنده النبي صلى الله عليه وسلم يسمى جبل الرحمة، وإذا لم يكن له أصل من السنة فإنه لا ينبغي أن يُطلق عليه ذلك، والذين أطلقوا عليه هذا الاسم لعلهم لاحظوا أن هذا الموقف موقف عظيم، تتبين فيه مغفرة الله ورحمته للواقفين في عرفة فسموه بهذا الاسم، والأولى ألا يسمى بهذا الاسم، وليقال: جبل عرفة، أو الجبل الذي وقف عنده النبي صلى الله عليه وسلم، وما أشبه ذلك " [الْمَصْدَرُ] انتهى من دليل الأخطاء التي يقع فيها الحاج والمعتمر الحديث: 34154 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4047 تجاوز الميقات بدون إحرام لمن أراد الحج أو العمرة [السُّؤَالُ] ـ[رجلٌ قدم من بلده إلى جدة وهو يريد الحج والعمرة ولكنه لم يُحرم من الميقات بل أحرم في مطار جدة فما الحكم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ محمد ابن عثيمين – رحمه الله -: عين النبي صلى الله عليه وسلم للإحرام أماكن مخصوصة يحرم منها من أراد الحج والعمرة ولا يحل له أن يتعداها حتى يحرم؛ لأن تعديها قبل الإحرام من تعدي حدود الله تعالى، وقد قال الله سبحانه: (ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون) البقرة / 229، وقال في آية أخرى: (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) الطلاق / 1. وفي الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم (وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، وقال: هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن كان يريد الحج أو العمرة، ومن كان دون ذلك فمهله من أهله) رواه البخاري (1524) ومسلم (1181) . وفيهما أيضا من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مُهَلُّ أهل المدينة من ذي الحليفة) رواه مسلم (1183) ، وهو خبر بمعنى الأمر لكنه صيغ بلفظ الخبر تأكيدا لتنفيذه. وعن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق ذات عرق) أخرجه أبو داوود (1739) وصححه الألباني في صحيح أبي داوود (1531) وفي صحيح البخاري (1531) : (أن أهل الكوفة والبصرة أتوا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقالوا: يا أمير المؤمنين، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حد لأهل نجد قرنا، وهو جورٌ عن طريقنا وإنا إن أردنا قرنا شق علينا. قال: فانظروا حذوها من طريقكم) . جور: أي مائل فإحرام من أراد الحج أو العمرة واجب من هذه المواقيت إذا أتى عليها أو حاذاها، سواء أتى من طريق البر أو البحر أو الجو. فإن كان من طريق البر نزل فيها إن مر بها أو فيما حاذاها إن لم يمر بها، وأتى بما ينبغي أن يأتي به عند الإحرام، من الاغتسال وتطييب بدنه ولبس ثياب إحرامه، ثم يحرم قبل مغادرته. وإن كان من طريق البحر، فإن كانت الباخرة تقف عند محاذاة الميقات اغتسل وتطيب ولبس ثياب إحرامه حال وقوفها، ثم أحرم قبل سيرها، وإن كانت لا تقف عند محاذاة الميقات اغتسل وتطيب ولبس ثياب إحرامه قبل أن تحاذيه، ثم يحرم إذا حاذته. وإن كان من طريق الجو، اغتسل عند ركوب الطائرة وتطيب ولبس إحرامه قبل محاذاة الميقات، ثم أحرم قبيل محاذاته، ولا ينتظر حتى يحاذيه؛ لأن الطائرة تمر به سريعة فلا تعطي فرصة، وإن أحرم قبله احتياطا فلا بأس. [الْمَصْدَرُ] دليل الأخطاء التي يقع فيها الحاج والمعتمر. الحديث: 34219 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4048 أخطاء تقع في الإحرام بالحج يوم التروية [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان اليوم الثامن (يوم التروية) نلاحظ أمرين على بعض الناس: 1- أنهم يحرمون للحج من المسجد الحرام. 2- أنهم لا يُحرمون بملابس الإحرام التي أحرموا بها في العمرة. فهل هذا العمل صواب أم خطأ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه من الأخطاء التي تقع في إحرام الحج وسنتناولها بشيء من التفصيل: قال الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله: " من الأخطاء التي تقع في إحرام الحج يوم التروية ما يلي: أولا: بعض الناس يعتقد أنه يجب أن يحرم من المسجد الحرام، فتجده يتكلف ويذهب إلى المسجد الحرام ليحرم منه، وهذا ظن خطأ؛ فإن الإحرام من المسجد الحرام لا يجب، بل السنة أن يحرم بالحج من مكانه الذي هو نازل فيه، لأن الصحابة الذين حلوا من العمرة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ثم أحرموا بالحج يوم التروية، لم يأتوا إلى المسجد الحرام ليحرموا منه؛ بل أحرم كل إنسان منهم من موضعه، وهذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون هذا هو السنة، فالسنة للمحرم بالحج أن يكون إحرامه من المكان الذي هو نازل فيه، سواء كان في مكة أو في منى، كما يفعله بعض الناس الآن حيث يتقدمون إلى منى من أجل حماية الأمكنة لهم. ثانياً: أن بعض الحجاج يظن أنه لا يصح أن يحرم بثياب الإحرام التي أحرم بها في عمرته إلا أن يغسلها وهذا ظن خطأ أيضا لأن ثياب الإحرام لا يشترط أن تكون جديدة أو نظيفة، صحيح أنه كلما كانت أنظف فهو أولى، وأما أنه لا يصح الإحرام بها لأنه أحرم بها في العمرة، فإن هذا ظن ليس بصواب. هذا ما يحضرني الآن بالنسبة للأخطاء التي يرتكبها بعض الحجاج في الإحرام بالحج ". [الْمَصْدَرُ] انتهى من كتاب دليل الأخطاء التي يقع فيها الحاج والمعتمر الحديث: 34270 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4049 أخطاء تقع في الذهاب إلى عرفة وفي عرفة [السُّؤَالُ] ـ[ما هي الأخطاء التي يرتكبها بعض الحجاج يوم عرفة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ محمد بن عثيمين – رحمه الله -: " ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مكث يوم عرفة بنمرة (وهو موضع قبل عرفة) حتى زالت الشمس (وهو أول وقت الظهر) ، ثم ركب، ثم نزل في بطن وادي عرنة (وهو واد بين نمرة وعرفات) ، فصلى الظهر والعصر ركعتين ركعتين جمع تقديم، بأذان واحد وإقامتين، ثم ركب حتى أتى موقفه فوقف، وقال: وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف، فلم يزل واقفا مستقبل القبلة رافعًا يديه يذكر الله ويدعوه حتى غربت الشمس وغاب قرصها فدفع إلى مزدلفة. ومن الأخطاء التي يرتكبها الحجاج في عرفة ما يلي: الأول: أن الحجاج يمرون بك ولا تسمعهم يلبون، فلا يجهرون بالتلبية في مسيرهم من منى إلى عرفة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة في يوم العيد. الثاني: ومن الأخطاء العظيمة الخطيرة أن بعض الحجاج ينزلون خارج عرفة، ويبقون في منزلهم حتى تغرب الشمس، ثم ينطلقون منه إلى مزدلفة، وهؤلاء الذين وقفوا هذا الموقف ليس لهم حج، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " الحج عرفة " رواه الترمذي (889) وصححه الألباني في إرواء الغليل (1064) . فمن لم يقف في عرفة في المكان الذي هو منها، وفي الزمان الذي عين للوقوف بها فإن حجه لا يصح للحديث الذي أشرنا إليه، وهذا أمر خطير. وقد جُعلت علامات واضحة لحدود عرفة لا تخفى إلا على رجل مفرط متهاون، فالواجب على كل حاج أن يتفقد الحدود حتى يعلم أنه وقف في عرفة لا خارجها. ويا حبذا لو أن القائمين على الحجِّ أعلنوا للناس بوسيلة تبلغ جميعهم، وبلغات متعددة، وعهدوا إلى المُطَوّفين بتحذير الحُجّاج من ذلك، ليكون الناس على بصيرة من أمرهم، ويُؤَدُّوا حجَّهم على الوجه الذي تبرأ به الذِّمةُ. الثالث: أن بعض الناس إذا اشتغلوا بالدعاء في آخر النهار، تجدهم يتجهون إلى الجبل الذي وقف عنده رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أن القبلة تكون خلف ظهورهم أو عن أيمانهم أو عن شمائلهم، وهذا أيضًا جهل وخطأ؛ فإن المشروع في الدعاء يوم عرفة أن يكون الإنسان مستقبل القبلة، سواء كان الجبل أمامه أو خلفه، أو عن يمينه أو عن شماله، وإنما استقبل النبي صلى الله عليه وسلم الجبل؛ لأن موقفه كان خلف الجبل، فكان صلى الله عليه وسلم مستقبل القبلة، وإذا كان الجبل بينه وبين القبلة فبالضرورة سيكون مستقبلا له. الرابع: أن بعضهم يظن أنه لا بد أن يذهب الإنسان إلى موقف الرسول صلى الله عليه وسلم الذي عند الجبل ليقف هناك، فتجدهم يتجشَّمون المصاعب، ويركبون المشاق، حتى يصلوا إلى ذلك المكان، وربما يكونون مشاة جاهلين بالطرق فيعطشون ويجوعون إذا لم يجدوا ماء وطعاما، ويضلُّون في الأرض، ويحصل عليهم ضرر عظيم بسبب هذا الظن الخاطئ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف ". وكأنه صلى الله عليه وسلم يشير إلى أنه: ينبغي للإنسان ألا يتكلف ليقف في موقف النبي صلى الله عليه وسلم، بل يفعل ما تيسر له، فإن عرفة كلها موقف. الخامس: أن بعض الناس يعتقدون أن الأشجار في عرفة كالأشجار في منى ومزدلفة، أي: لا يجوز للإنسان أن يقطع منها ورقة أو غصنًا أو ما أشبه ذلك؛ لأنهم يظنون أن قطع الشجر له تعلق بالإحرام كالصيد، وهذا ظن خاطئ، فإن قطع الشجر لا علاقة له بالإحرام، وإنما علاقته بالمكان، فما كان داخل حدود الحرم - أي: داخل الأميال - من الأشجار فهو محترم، لا يعضد ولا يقطع منه ورق ولا أغصان، وما كان خارجًا عن حدود الحرم فإنه لا بأس بقطعه ولو كان الإنسان محرما، وعلى هذا فقطع الأشجار في عرفة لا بأس به ... ، (وأما الأشجار التي غرسها الناس فلا يشملها تحريم قطع الشجرة من أجل الحرم، ولكنها قد يحرم قطعها بسبب آخر وهو الاعتداء على حق من غرسها، وعلى حق الحجاج أيضاً إذا كانت إنما غرست من أجل أن تلطف الجو ويستظل بها الناس من حر الشمس. وعلى هذا فالأشجار المغروسة بعرفة لا يجوز قطعها لا من أجل الحرم وإنما لأن قطعها اعتداء على حق المسلمين عموماً) . السادس: أن بعض الحجاج يعتقدون أن للجبل الذي وقف عنده النبي صلى الله عليه وسلم قدسية خاصة، ولهذا يذهبون إليه، ويصعدونه، ويتبركون بأحجاره وترابه، ويعلقون على أشجاره قصاصات الخرق، وغير ذلك مما هو معروف، وهذا من البدع، فإنه لا يشرع صعود الجبل ولا الصلاة فيه، ولا أن تعلق قصاصات الخرق على أشجاره؛ لأن ذلك كله لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل فيه شيء من رائحة الوثنية، فإن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ على شجرة للمشركين يعلقون بها أسلحتهم، فقال من معه: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الله أكبر، إنها السنن، لتركبن سنَن من كان قبلكم، قلتم- والذي نفسي بيده- كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة. رواه الترمذي (2180) وحسنه الألباني في صحيح السنة للابن أبي عاصم. وذا الجبل ليس له قدسية، بل هو كغيره من الروابي التي في عرفة، والسهول التي فيها، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم وقف هناك، فكان المشروع أن يقف الإنسان في موقف الرسول صلى الله عليه وسلم إن تيسر له، وإلا فليس بواجب، ولا ينبغي أن يتكلف الإنسان الذهاب إليه لما سبق. السابع: أن بعض الناس يظن أنه لا بد أن يصلي الإنسان الظهر والعصر مع الإمام في المسجد، ولهذا تجدهم يذهبون إلى ذلك المكان من أماكن بعيدة ليكونوا مع الإمام في المسجد، فيحصل عليهم من المشقة والأذى والتيه ما يجعل الحج في حقهم حرجا وضيقا، ويضيق بعضهم على بعض، ويؤذي بعضهم بعضا، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الوقوف: " وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف "، وقال صلى الله عليه وسلم أيضا: " جُعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ". فإذا صلى الإنسان في خيمته صلاة يطمئن فيها بدون أذى عليه ولا منه، وبدون مشقة تلحق الحج بالأمور المحرجة، فإن ذلك خير وأولى. الثامن: أن بعضهم يخرج من عرفة قبل أن تغرب الشمس، فيدفع منها إلى المزدلفة، وهذا خطأ عظيم، وفيه مشابهة للمشركين الذين كانوا يدفعون من عرفة قبل غروب الشمس، ومخالفة للرسول صلى الله عليه وسلم الذي لم يدفع من عرفة إلا بعد أن غابت الشمس وذهبت الصفرة قليلا، كما جاء في حديث جابر رضي الله عنه. وعلى هذا فإنه يجب على المرء أن يبقى في عرفة داخل حدودها حتى تغرب الشمس؛ لأن هذا الوقوف مؤقت بغروب الشمس، فكما أنه لا يجوز للصائم أن يفطر قبل غروب الشمس، فلا يجوز للواقف بعرفة أن ينصرف منها قبل أن تغرب الشمس. التاسع: إضاعة الوقت في غير فائدة، فتجد الناس من أول النهار إلى آخر جزء منه وهم في أحاديث قد تكون بريئة سالمة من الغيبة والقدح في أعراض الناس، وقد تكون غير بريئة لكونهم يخوضون في أعراض الناس ويأكلون لحومهم، فإن كان الثاني فقد وقعوا في محظورين: أحدهما: أكل لحوم الناس وغيبتهم، وهذا خلل حتى في الإحرام؛ لأن الله تعالى يقول: {فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج} . والآخر: إضاعة الوقت. أما إن كان الحديث بريئا لا يشتمل على محرم ففيه إضاعة الوقت، لكن لا حرج على الإنسان أن يشغل وقته بالأحاديث البريئة فيما قبل الزوال، وأما بعد الزوال وصلاة الظهر والعصر فإن الأولى أن يشتغل بالدعاء والذكر وقراءة القرآن، وكذلك الأحاديث النافعة لإخوانه إذا مل من القراءة والذكر، فيتحدث إليهم أحاديث نافعة؛ في بحث من العلوم الشرعية أو نحو ذلك مما يدخل السرور عليهم، ويفتح لهم باب الأمل والرجاء لرحمة الله سبحانه وتعالى، ولكن لينتهز الفرصة في آخر ساعات النهار، فيشتغل بالدعاء ويتجه إلى الله عز وجل متضرعا إليه، مخبتا منيبا طامعا في فضله راجيا، لرحمته، ويلح في الدعاء، ويكثر من الدعاء الوارد في القرآن وفي السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن هذا خير الأدعية، وإن الدعاء في هذه الساعة حري بالإجابة " [الْمَصْدَرُ] انتهى من دليل الأخطاء التي يقع فيها الحاج والمعتمر الحديث: 34293 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4050 الأخطاء التي يقع فيها المُحرم [السُّؤَالُ] ـ[نأتي إلى جدة بالطائرة، فهل يجوز لنا أن نؤخر الإحرام بالحج حتى نصل إلى جدة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ محمد ابن عثيمين – رحمه الله -: " من الأخطاء التي يقع فيها بعض الحجاج في الإحرام الأمر الأول: ترك الإحرام من الميقات، فإن بعض الحجاج ولا سيما القادمون بطريق الجو، يدعون الإحرام من الميقات حتى نزولهم إلى جدة، مع أنهم يمرون فوقه، وقد وقت النبي صلى الله عليه وسلم المواقيت لأهلها وقال: " هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن " رواه البخاري (1524) ومسلم (1181) وثبت في صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه لما شكا إليه أهل العراق أن قرن المنازل التي وقتها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل نجد جَوْرٌ عن طريقهم، أي بعيدة ومائلة عن الطريق، قال رضي الله عنه: " انظروا إلى حذوها من طريقكم " أخرجه البخاري (1531) وهذا يدل على أن محاذاة الميقات كالمرور به، والذي يأتي محاذيا للميقات من فوق الطائرة كالمار به، فعليه أن يحرم إذا حاذى الميقات، ولا يجوز له أن يتعدى الميقات لينزل في جدة ويحرم منها. والطريق لتصحيح هذا الخطأ أن يغتسل الإنسان في بيته أو في المطار، ويتأهب في الطائرة فيلبس ثوب الإحرام ويخلع ثيابه المعتادة، فإذا حاذى الميقات أحرم منه، فلبى بما يريد أن يحرم به من عمرة أو حج، ولا يحل له أن يؤخر ذلك إلى جدة، فإن فعل فقد أخطأ، وعليه عند جمهور أهل العلم فدية يذبحها في مكة، ويوزعها على الفقراء؛ لأنه ترك واجبا من الواجبات. الأمر الثاني: أن بعض الناس يعتقد أنه لا بد أن يحرم بالنعلين، وأنه إذا لم يكن النعلان عليه حين الإحرام، فإنه لا يجوز له لبسهما، وهذا خطأ، فإن الإحرام في النعلين ليس بواجب ولا شرط، فالإحرام ينعقد بدون أن يكون عليه النعلان، ولا يمنع إذا أحرم من غير نعلين أن يلبسهما فيما بعد؛ فله أن يلبس النعلين فيما بعد، وإن كان لم يحرم بهما، ولا حرج عليه في ذلك. الأمر الثالث: أن بعض الناس يظن أنه لا بد أن يحرم بثياب الإحرام، وتبقى عليه إلى أن يحل من إحرامه، وأنه لا يحل له تبديل هذه الثياب، وهذا خطأ؛ فإن الإنسان المحرم يجوز له أن يغير ثياب الإحرام لسبب أو لغير سبب، إذا غيرها إلى شيء يجوز لبسه في الإحرام. ولا فرق في ذلك بين الرجال والنساء، فكل من أحرم بشيء من ثياب الإحرام وأراد أن يغيره فله ذلك، لكن أحيانا يجب عليه تغييره كما لو تنجس بنجاسة لا يمكن غسله إلا بخلعه، وأحيانا يكون تغييره أحسن إذا تلوث تلوثا كثيرا بغير نجاسة، فينبغي أن يغيره إلى ثوب إحرام نظيف. وتارة يكون الأمر واسعا، إن شاء غير وإن شاء لم يغير. المهم أن هذا الاعتقاد غير صحيح، وهو أن يعتقد الحاج أنه إذا أحرم بثوب لا يجوز له خلعه حتى يحل من إحرامه. الأمر الرابع: أن بعض الناس يضطبعون بالإحرام من حين الإحرام، أي من حين عقد النية، والاضطباع أن يخرج الإنسان كتفه الأيمن ويجعل طرفي الرداء على كتفه الأيسر، فنرى كثيرا من الحجاج- إن لم يكن أكثر الحجاج- يضطبعون من حين أن يحرموا إلى أن يحلوا وهذا خطأ؛ لأن الاضطباع إنما يكون في طواف القدوم فقط، ولا يكون في السعي ولا فيما قبل الطواف. الأمر الخامس: اعتقاد بعضهم أنه يجب أن يصلي ركعتين عند الإحرام، وهذا خطأ أيضا؛ فإنه لا يجب أن يصلي الإنسان ركعتين عند الإحرام؛ بل القول الراجح الذي ذهب إليه أبو العباس شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، أنه لا يسن للإحرام صلاة خاصة؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم. فإذا اغتسل الإنسان ولبس ثياب الإحرام أحرم بدون صلاة، إلا إذا كان وقت صلاة مثل أن تكون صلاة الفريضة قد حان وقتها أو قرب وقتها، وهو يريد أن يمكث في الميقات حتى يصلي، فهنا الأفضل أن يكون إحرامه بعد الصلاة، أما أن يتعمد صلاة معينة في الإحرام، فإن القول الراجح أنه ليس للإحرام صلاة تخصه. [الْمَصْدَرُ] انتهى من كتاب دليل الأخطاء التي يقع فيها الحاج والمعتمر. الحديث: 33738 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4051 التلبية الجماعية [السُّؤَالُ] ـ[هل السنة أن يلبي الحجاج بصون واحد، أو يلبي كل رجل بمفرده؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: التلبية بصوت جماعي لم يرد عن الصحابة رضي الله عنهم؛ بل قال أنس بن مالك: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم - يعني في حجة الوداع- فمنا المكبر، ومنا المهلل، ومنا الملبي. وهذا هو المشروع للمسلمين؛ أن يلبي كل واحد بنفسه، وألا يكون له تعلق بغيره. والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 33746 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4052 الوقوف على الحجر الأسود وتعطيل الطواف [السُّؤَالُ] ـ[بعض الحجاج إذا جاء إلى هذا الخط الذي وضع علامة على ابتداء الطواف وقف طويلا فيضيق على إخوانه الطائفين ويؤذيهم. فما حكم الوقوف على هذا الخط والدعاء الطويل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرض هذا السؤال على الشيخ محمد ابن عثيمين – رحمه الله – فقال: " الوقوف عند هذا الخط لا يحتمل وقوفا طويلا؛ بل يستقبل الإنسان الحجر ويشير إليه ويكبر ويمشي، وليس هذا موقفا يطال فيه الوقوف، لكني أرى بعض الناس يقفون ويقولون: نويت أن أطوف لله تعالى سبعة أشواط، طواف العمرة، أو تطوعا، أو ما أشبه ذلك، وهذا يرجع إلى الخطأ في النية، وأن التكلم بالنية في العبادات بدعة، لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه؛ فأنت تؤدي العبادة لله سبحانه وتعالى، وهو عالم بنيتك فلا يحتاج إلى أن تجهر بها " [الْمَصْدَرُ] انتهى من دليل الأخطاء التي يقع فيها الحاج والمعتمر الحديث: 33784 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4053 ابتداء الطواف من باب الكعبة [السُّؤَالُ] ـ[بعض الناس يبدأ الطواف من باب الكعبة، ولا يبدأ من الحجر الأسود فهل طوافه صحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ محمد ابن عثيمين – رحمه الله -: " الذي يبتدئ من عند باب الكعبة ويُتم طوافه على هذا الأساس لا يعتبر متماً للطواف؛ لأن الله يقول: (وليطوفوا بالبيت العتيق) الحج / 29. وقد بدأ النبي صلى الله عليه وسلم من الحجر الأسود وقال للناس: " لتأخذوا عني مناسككم " أخرجه مسلم (1297) . وإذا ابتدأ الطواف من عند الباب أو من دون محاذاة الحجر الأسود ولو بقليل، فإن هذا الشوط الأول الذي ابتدأه يكون ملغياً؛ لأنه لم يتم، وعليه أن يأتي ببدله إن ذكر قريباً، وإلا فليُعِد الطواف من أوله. (والواجب عليه أن يبدأ من محاذاة الحجر الأسود) . وقد وضع خط على الأرض محاذاة الحجر الأسود إلى آخر المطاف، ليكون علامة على ابتداء الطواف ونهايته، والناس من بعد وجود هذا الخط صار خطؤهم في هذه الناحية قليلا، لكنه يوجد من بعض الجهال، وعلى كل حال فعلى المرء أن ينتبه لهذا الخطأ، لئلا يقع في خطر عظيم من عدم تمام طوافه " [الْمَصْدَرُ] انظر دليل الأخطاء التي يقع فيها الحاج والمعتمر الحديث: 33786 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4054 حكم ذبح الهدي في غير مكة [السُّؤَالُ] ـ[بعض الحجاج يدفع نقودا لبعض المؤسسات الخيرية التي تتولى ذبح هديه وتوزيعه في شرق الأرض وغربها. فما حكم هذا العمل أثابكم الله؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرض هذا السؤال على الشيخ محمد ابن عثيمين – رحمه الله – فقال: " هذا عمل خاطئ مخالف لشريعة الله، وتغرير بعباد الله عز وجل، وذلك أن الهدي محل ذبحه مكة، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ذبح هديه بمكة، ولم يذبحه في المدينة ولا في غيرها من البلاد الإسلامية، والعلماء نصوا على هذا وقالوا: إنه يجب أن يذبح هدي التمتع والقران والهدي الواجب- لترك واجب - يجب أن يذبح في مكة، وقد نص الله على ذلك في جزاء الصيد، فقال تعالى: (يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة) فما قُيِّد في الشرع بأماكن معينة لا يجوز أن ينقل إلى غيرها، بل يجب أن يكون فيها، فيجب أن تكون الهدايا في مكة، وتوزع في مكة، وإن قدر أنه لا يوجد أحد يقبلها في مكة، وهذا فرض قد يكون محالا فإنه لا حرج أن تذبح في مكة، وتنقل لحومها إلى من يحتاجها من بلاد المسلمين، الأقرب فالأقرب، أو الأشد حاجة فالأشد " [الْمَصْدَرُ] انتهى من كتاب دليل الأخطاء التي يقع فيها الحاج والمعتر الحديث: 33795 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4055 زيارة جبل عرفة [السُّؤَالُ] ـ[يلتزم بعض الحجاج زيارة هذا الجبل قبل الحج أو بعده ويصلون في أعلاه، فما حكم زيارة هذا الجبل وما حكم الصلاة فيه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرض هذا السؤال على الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله فقال: " حكمه كما يعلم من القاعدة الشرعية، بأن كل من تعبد الله تعالى بما لم يشرعه الله فهو مبتدع، فُيعلَم من هذا أن قصد هذا الجبل للصلاة عليه أو عنده والتمسح به، وما أشبه ذلك مما يفعله بعض العامة بدعة، ينكر على فاعلها، ويقال له: لا خصيصة لهذا الجبل. إلا أنه يسن أن يقف الإنسان يوم عرفة عند الصخرات، كما وقف النبي صلى الله عليه وسلم، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف هناك عند الصخرات وقال: وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف. وبناء على ذلك فلا ينبغي أيضا أن يشق الإنسان على نفسه في يوم عرفة، ليذهب إلى ذلك الجبل، فربما يضيع عن قومه، ويتعب بالحر والعطش، ويكون بهذا آثما، حيث شق على نفسه في أمر لم يوجبه الله عليه " [الْمَصْدَرُ] دليل الأخطاء التي يقع فيها الحاج والمعتمر الحديث: 32846 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4056 التلفظ بالنية في الحج والعمرة [السُّؤَالُ] ـ[بما أن التلفظ بالنية بدعة فما الحكمة من تلفظ النية في الحج والعمرة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله النية محلها القلب، والتلفظ بها بدعة، ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قد تلفظوا بالنية قبل أي عبادة. والتلبية في الحج والعمرة ليست هي النية. قال الشيخ ابن باز – رحمه الله -: التلفظ بالنية بدعة، والجهر بذلك أشد في الإثم، وإنما السنَّة النيَّة بالقلب؛ لأن الله سبحانه وتعالى يعلم السرَّ وأخفى، وهو القائل عز وجل: {قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} الحجرات / 16. ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحدٍ من أصحابه ولا عن الأئمة المتبوعين التلفظ بالنية، فعلم بذلك أنه غير مشروع بل من البدع المحدَثة، والله ولي التوفيق. " فتاوى إسلامية " (2 / 315) . قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله -: التلفظ بالنية لم يرِد عن النبي صلى الله عليه وسلم لا في الصلاة ولا في الطهارة ولا في الصيام ولا في أي شيء من عباداته صلى الله عليه وسلم، حتى في الحج والعمرة لم يكن صلى الله عليه وسلم يقول إذا أراد الحج والعمرة " اللهم إني أريد كذا وكذا " ما ثبت عنه ذلك ولا أمَر به أحداً من أصحابه، غاية ما ورد في هذا الأمر أن ضباعة بنت الزبير رضي الله عنها شَكَت إليه أنها تريد الحج وهي شاكية " مريضة " فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم " حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني، فإن لكِ على ربِّك ما استثنيتِ " إنما كان الكلام هنا باللسان؛ لأن عقد الحج بمنزلة النذر، والنذر يكون باللسان؛ لأن الإنسان لو نوى أن ينذر في قلبه: لم يكن ذلك نذراً ولا ينعقد النذر، ولما كان الحج مثل النذر في لزوم الوفاء عند الشروع فيه أمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تشترط بلسانها وأن تقول: " إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني ". وأما ما ثبت به الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن قوله: " إن جبريل أتاني وقال: صلِّ في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرة في حجة، أو عمرة وحجة ": فليس معنى ذلك أنه يتلفظ بالنية، ولكن معنى ذلك أنه يذكر نسكه في تلبيته، وإلا فالنبي عليه الصلاة والسلام ما تلفَّظ بالنية. " فتاوى إسلامية " (2 / 216) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 31821 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4057 لا يحجّ المسلم عن غيره إلا بعد أن يحجّ عن نفسه [السُّؤَالُ] ـ[توفيت والدتي في أول شهر رمضان ولم تكن قد أدت فريضة الحج من قبل. ولذلك فإنني أنوي الحج عنها، علما بأنني لم أؤدِ فريضة الحج عن نفسي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أسأل الله تعالى أن يُثيبك على مشاعرك الطيبة تجاه والدتك وعلى حرصك على نفعها وبرّها بعد موتها، أما بالنسبة لسؤالك فإنّ المسلم إذا أراد أن يحجّ عن غيره فلا بدّ أن يكون قد حجّ عن نفسه أولا، والدليل على ذلك حديث ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ رَجُلا يَقُولُ لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ قَالَ مَنْ شُبْرُمَةُ قَالَ أَخٌ لِي أَوْ قَرِيبٌ لِي قَالَ حَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ قَالَ لا قَالَ حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ رواه أبو داود في سننه: كتاب المناسك باب الرجل يحجّ عن غيره وهو حديث صحيح، نسأل الله أن يغفر لوالدتك وأن يُدخلها في رحمته والله وليّ المتقين. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 1463 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4058 حج هو وامرأته ولم يتما حجهما بسبب قلقهما على ابنتهما المريضة [السُّؤَالُ] ـ[حججت أنا وزوجتي ووقفنا بعرفة حتى الساعة الثانية ظهراً وبسبب قلقنا على ابنتنا المريضة التي كانت برفقة الخادمة لم نكمل حجتنا، مع العلم أننا حججنا حجة الفريضة فماذا يجب علينا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب عليكم إتمام الحج، فانصرافكم قبل الليل عليكم فيه دم، وإذا تركتم المبيت في مزدلفة فعليكم دم آخر، وإذا تركتم المبيت في منى فعليكم دم ثالث، وإذا تركتم الرمي فعليكم دم رابع، وإذا تركتم طواف الوداع فعليكم كل واحد منكم دم خامس، وكذلك إذا لم تطوفوا طواف الحج ولم تؤدوا سعي الحج فإنه لا يتم حجّكم، وتبقون على إحرامكم وتحرم زوجتك عليك حتى تكمل حجتك بالطواف والسعي، وعليك أن تأتي بهذه الذبائح التي عليك حتى يتم بذلك حجك وحجّ امرأتك. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله. الحديث: 1162 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4059 حكم الإحرام فوق الميقات لمن كان في الطّائرة [السُّؤَالُ] ـ[أنا أعمل في طيارات خاصة بالقاعدة الجويّة، ويركب معنا ناس نوصلهم من منطقة إلى منطقة، وفي رحلة كانت متجهة إلى جدة، ركب معنا رجال متجهون إلى مكة، قالوا لنا: إذا وصلنا فوق الميقات قولوا لنا، فنسينا أن نخبرهم وما ذكرناهم، فلما بقي قليل على الوصول إلى جدة، ذَكَرْتُهم فسألت الكابتن، فقال: قل لهم: إنا الآن فوق الميقات، فهل عليهم شيء؟ وإذا عليهم شيء ماذا يفعلون؟ وعلى من الذنب؟ وشكرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إنّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم حدّد المواقيت المكانيّة في حديث ابن عبّاس رضي الله عنهما بقوله: وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ - صلّى الله عليه وسلّم - لأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ، وَلأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ، وَلأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ. قَالَ «فَهُنَّ لَهُنَّ، وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمِنْ أَهْلِهِ، وَكَذَا فَكَذَلِكَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا» . أخرجه البخاريّ برقم (1524) ، ومسلم برقم (1181) . وقد أجمع الفقهاء على هذه المواقيت، وعلى أنّها لأهلها، ولمن أتى عليها. ينظر: الإشراف لابن المنذر (3/177) ، ومراتب الإجماع (ص42) ، والاستذكار (11/76) ، والمغني (5/56) . وعلى هذا فلا يجوز لمن يريد الحجّ أو العمرة أن يتجاوز الميقات المحدّد له، سواء كان من طريق البرّ أو البحر أو الجوّ؛ لأثر ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا – قَالَ: (لَمَّا فُتِحَ هَذَانِ الْمِصْرَانِ، أَتَوْا عُمَرَ فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدَّ لِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنًا، وَهُوَ جَوْرٌ عَنْ طَرِيقِنَا، وَإِنَّا إِنْ أَرَدْنَا قَرْنًا شَقَّ عَلَيْنَا؟ قَالَ: فَانْظُرُوا حَذْوَهَا مِنْ طَرِيقِكُمْ، فَحَدَّ لَهُمْ ذَاتَ عِرْقٍ) . أخرجه البخاريّ برقم (1531) . فجعل عمر رضي الله عنه ميقات من لم يمرّ بالميقات محاذاته، ومن حاذاه جواً فهو كمن حاذاه براً. فالواجب على من حاذى الميقات في الطّائرة أن يحرم، والأولى له أن يحرم قبل المحاذاة؛ لسرعة الطّائرة. وينظر جواب السؤال رقم (4635) . أمّا من سألت عنهم فالواجب عليهم أن يلبسوا الإحرام، ويُهلوا بالعمرة، أو الحج، وإن كانوا لابسين لملابس الإحرام، فما عليهم إلا أن يهلوا بالنسك، فور إخباركم لهم بالميقات، ولا شيء عليهم سوى ذلك، ما داموا لم يتعمدوا تجاوز الميقات بلا إحرام، بل لم يعلموا ـ أصلا ـ أنهم تجاوزوه من غير إحرام، وإنما ظنوا أن المكان الذي أحرموا منه هو ميقاتهم، بناء على خبركم. وأما بالنسبة لكم، فقد كان الواجب عليكم أن تنبهوهم قبل وصول الميقات بزمن يكفي لاستعدادهم للإحرام، فهذه هي أمانتكم أنتم ومسؤوليتكم. وحيث إنكم نسيتم ذلك، فليس عليكم إثم في هذا النسيان، لقول الله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) البقرة/286. وفي الحديث القدسي: قال الله تعالى: (قد فعلت) . رواه مسلم (126) . وعَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) . رواه ابن ماجة (2043) وصححه الألباني. لكن المشكلة الكبيرة بالنسبة لكم هي أنه كان الواجب عليكم أن تعلموهم بحقيقة الحال، وأنكم قد تجاوزتم الميقات فعلا، وحينئذ كان يجب عليهم أن يؤخروا إحرامهم إلى أن ينزلوا من الطائرة، ثم يعودوا إلى الميقات فيحرموا منه. فإن أحرموا، وقد علموا أنهم تجاوزوا الميقات: كان عليهم أن يذبحوا فدية. والواقع أن الإثم الذي وقعتم فيه، أنت والكابتن، هو في غشكم لهم، وعدم إخبارهم بحقيقة الحال، وحيث إن الأمر لم يعد ممكنا تداركه: فالواجب عليك ـ أنت ومن شارك في ذلك ـ أن تتوبوا إلى الله تعالى من تدليسكم عليهم، خاصة والأمر يتعلق بصحة العبادة، وحدود الله فيها. وينبغي عليكم ـ مع توبتكم إلى الله تعالى من ذلك ـ أن تحصوا عدد هؤلاء المعتمرين، ولو على وجه التقريب، وتذبحوا عن كل واحد منهما هديا، لأنكم أنتم الذين تسببتم في تعدي من معكم للميقات بدون إحرام، ثم قطعتم عليهم فرصة الرجوع لاستدراك ما فاتهم. سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى عن جماعة ذهبوا للحج بالنقل الجماعي، ولم ينتبه السائق للميقات إلا بعد أن تجاوزه بمائة كيلو، فطالبه الركاب بالرجوع للميقات ليحرموا منه، فرفض العودة إليه، وواصل الرحلة حتى وصلوا إلى جدة فماذا يلزمهم؟ فأجاب: " الواجب على السائق أن يتوقف عند الميقات ليحرم الناس منه؛ فإن نسي ولم يذكر إلا بعد مائة كيلو، كما قال السائل، فإن الواجب عليه أن يرجع بالناس حتى يحرموا من الميقات، لأنه يعلم أن هؤلاء يريدون العمرة أو يريدون الحج؛ فإذا لم يفعل وأحرموا من مكانهم، أي بعد تجاوز الميقات بمائة كيلو، فإن عليهم على كل واحد فدية يذبحها في مكة، ويوزعها على الفقراء، لأنهم تركوا واجباً من واجبات النسك، سواء في حج أو عمرة. وفي هذه الحال لو حاكموا هذا السائل، لربما حكمت المحكمة عليه بغرم ما ضمنوه من هذه الفدية، لأنه هو الذي تسبب لهم في غرمها، وهذا يرجع إلى المحكمة؛ إذا رأى القاضي أن من المصلحة أن يقول للسائق: عليك قيمة الفدى التي ذبحها هؤلاء، لأنك أنت الذي اعتديت عليهم، والنسيان منك، أنت فرطت أولا، ثم اعتديت عليهم ثانيا بمنعهم من حق الرجوع ". "مجموع فتاوى الشيخ" (21/368) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 132269 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4060 يعيش في جدة وأحرم للحج من مكة [السُّؤَالُ] ـ[أعيش في جدة وفي السنة الماضية أديت فريضة الحج أنا وزوجتي، لكننا قمنا بأداء العمرة قبل الحج بثمانية أيام، وأحرمنا من مسجد عائشة في مكة بدلاً من أن نحرم من منزلنا. فهل ما فعلناه صحيح، أم إن علينا فدية؟ وكيف، ولمن تقدم هذه الفدية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من كان من أهل جدة وأنشأ الحج أو العمرة منها فإنه يحرم منها؛ لأنها تعتبر داخل الميقات، فحكم أهلها حكم من جاوروا مكة، ممن هم دون المواقيت، يحرمون من حيث أنشأوا النية. وذلك لما رواه البخاري (1526) ومسلم (1181) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: " وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الشَّأْمِ الْجُحْفَةَ وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ، فَهُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ لِمَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمُهَلُّهُ مِنْ أَهْلِهِ، وَكَذَاكَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا ". قال سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله: " الواجب على المعتمر ... الإحرام من الميقات الذي يمر عليه حين قدومه إلى مكة، إن كان خارج المواقيت. أما إن كان داخل المواقيت كأهل جدة وأم السلم وبحره ولزيمة والشرائع ونحوها، فإنه يلزمه الإحرام من محله الذي أنشأ فيه نية الدخول في الحج أو العمرة " انتهى. "فتاوى إسلامية" (2/690) وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " الذي قصد أن يعتمر، وهو من أهل جدة: فيجب أن يحرم من جدة ولا يؤخر " انتهى. "لقاء الباب المفتوح" (121/24) . وعلى ما تقدم: كنت تقصد بالإحرام من مسجد عائشة: الإحرام بالعمرة التي قمتما بأدائها قبل الحج، فقد تجاوزتما الميقات الذي يلزمكما الإحرام منه، وهو مكان إقامتكما: جدة. والأحوط لكما: أن تذبحا، عن كل واحد منكما شاة، تذبح في مكة، ويوزع لحمها على الفقراء، ولا يأكل منه شيئا. قال ابن عثيمين: " إذا أحرم الإنسان لحجٍ أو عمرة من غير الميقات الذي عينه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فالإحرام لازم وصحيح، والحج والعمرة صحيحان، لكن العلماء يقولون: إن إيقاع الإحرام من الميقات من واجبات الحج أو العمرة، وأن من ترك واجباً من واجبات الحج أو العمرة فعليه فدية يفدي بها ليجبر هذا النقص، تذبح في مكة وتوزع على الفقراء ولا يأكل منها شيئاً، ثم إن لم يستطع فبعضهم قال: يصوم عشرة أيام، وبعضهم قال: لا شيء عليه. والصحيح: أنه لا شيء عليه إذا لم يستطع؛ لأنه ليس هناك دليل صحيح على أن من عجز عن فدية ترك الواجب أن يصوم عشرة أيام ". "لقاء الباب المفتوح" (175/14) وأما إن كان الإحرام الذي وقع منكما في مسجد عائشة، هو إحرامكما للحج، بعد أداء العمرة، وكان إحرامكما للعمرة من جدة: فلا شيء عليكما في ذلك، مع أن إحرامكما بالحج إنما يجب من حيث تنزلون، في مكة، أو في غيرها، من غير حاجة إلى الخروج إلى مسجد عائشة، أو إلى غيره من الحل. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127499 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4061 مزيد من الإيضاح في حكم نظر الكافرة إلى المسلمة [السُّؤَالُ] ـ[قلت بأن الكافرات يجوز لهن أن ينظرن إلى المسلمة بدون حجاب, وأنا لست مقتنعة بعد لأنك ذكرت حديثا واحدا أن عائشة رضي الله عنها ظهرت أمام يهودية. أرجو أن تتوسع في توضيح الموضوع حيث أن أقاربي بحكم الزوجية هم من الكفار.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فحرصك أيتها السائلة على الحشمة والاحتشام في الملبس حتى أمام الكافرات مما يستحق الإشادة والشكر خاصة في زمن قل فيه الحياء، وضعفت فيه الغيرة. وأما ما يتعلق بمسألة نظر الكافرة إلى ما يظهر عادةً من المسلمة فهذه المسألة اختلف فيها العلماء قديماً وحديثاً، وتجدين في السؤال (2198) ملخصاً لأقوال العلماء وأدلة كل قول، وستلحظين أن من قال بجواز نظر الكافرة إلى المسلمة دون حجاب؛ لديهم أكثر من دليل على ذلك. ولكن مما تجدر الإشارة إليه ما يلي: 1- أن المسلم الصادق إذا ثبت عنده الدليل الصحيح في أي مسألة شرعية، وكانت دلالته على المسألة ظاهرةً واضحةً لزمه العمل به، ولا يلزم وجود دليلين أو أكثر في كل مسألة. 2- أن المرأة الكافرة إذا كانت غير مأمونة فخُشِي منها أن تصف المرأة المسلمة أو تسيء إلى عرضها لزم المسلمة التحرز منها بالحجاب أو بالامتناع عن مجالستها ونحو ذلك. 3- أن القول باحتجاب المرأة المسلمة عن الكافرات قول معتبر وله وجه من الصحة، وقد قال به كثير من السلف؛ فلو رغبت المسلمة أن تحتاط لدينها وتعمل بهذا القول فلها ذلك، ويرجى لها الخير لتورِّعها، وحرصها على البعد عن الشبهات. لكن لا ينبغي لها أن تنكر على من خالفها في ذلك مادامت المسألة محل اجتهاد ونظر بين العلماء. وخصوصاً إذا أمنت الفتنة من هذه الكافرة. 4- ينبغي للنساء ألا يتوسعن في التكشف أمام محارمهن أو النساء المسلمات فضلاً عن الكافرات، بل لا يُظهرن إلا ما ينكشف في العادة من اليدين والساقين والرقبة والشعر، (والحياء شعبة من الإيمان) وفي السؤال (6596) مزيد من التوضيح والفائدة. والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 9934 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4062 أتى جدة بنية الذهاب للمدينة والإحرام منها فمنع من الذهاب للمدينة وأحرم من جدة [السُّؤَالُ] ـ[أنا وزوجتي ذهبنا للحج الماضي. لم نلبس ملابس الإحرام حتى وصلنا إلى جدة بسبب أننا كنا نفترض أن نذهب إلى المدينة أولاً. لكن السلطات في جدة لم تسمح لنا بالذهاب إلى المدينة بسبب توقيت الحج. كان خمسة أيام قبل الحج. كانت نيتنا أن نلبس الإحرام من المدينة قبل أن نعود إلى جدة. هل يجب علينا أن نذبح، كلانا؟ وكيف علينا أن ندفع المال للذبيحتين من الولايات المتحدة الأمريكية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الأمر كما ذكرت من وصولكم جدة دون إحرام لعزمكم على الذهاب إلى المدينة أولا ثم الإحرام منها، وأن السلطات منعتكم من الذهاب إلى المدينة، فأحرمتم من جدة، فلا حرج عليكم؛ لأن ذهابكم إلى جدة أولا لم تكونوا قاصدين به الحج، فلم يلزمكم الإحرام من الميقات عند مروركم عليه، وإنما قصدتم الحج من سفركم من المدينة، فيلزمكم الإحرام من ميقاتها (ذو الحليفة) . وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: رجل جاء من جدة ولم يحرم، أولاً ذهب إلى المدينة المنورة لزيارة المسجد النبوي، ثم أحرم من ميقات أهل المدينة، هل هذا صحيح؟ فأجاب: " لا بأس، يعني: لو أن الإنسان جاء من بلده قاصداً المدينة أولاً، ونزل في جدة، ثم سافر من جدة إلى المدينة، ثم رجع من المدينة محرماً من ميقات أهل المدينة فلا بأس " انتهى من " لقاء الباب المفتوح " (121/29) . وحيث تعذر السفر إلى المدينة، وعزمتم على الحج فإنكم تحرمون من مكانكم، أي من جدة، وهذا ما فعلتم والحمد لله، فلا يلزمكم شيء. ونسأل الله لنا ولكم القبول. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 115121 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4063 حكم من أحرم بعد تجاوز الميقات [السُّؤَالُ] ـ[ذهبت هذه السنة أنا وزوجي إلى الحج، كانت الرحلة متجهة من أبو ظبي إلى جدة، وكان كابتن الطائرة ليس مسلمًا، واخبرنا أنه خلال 45 دقيقة سوف نحاذي الميقات، وبعد انتهاء المدة لم يخبرنا بمحاذاة الميقات، وسمعنا أن ركاب الطائر بدؤوا بالتلبية، فهل يكون علينا دم أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن كنتم أحرمتم بعد تجاوز الميقات، فالواجب عليك أن تذبح شاة عن نفسك وأخرى عن زوجتك، تذبحان في مكة وتوزعان على المساكين هناك. جاء في "الموسوعة الفقهية" (22/140) : " من جاوز الميقات غير محرم وجب عليه أن يرجع إليه ليحرم منه إن أمكنه، فإن رجع إليه فأحرم منه فلا دم عليه، وهذا باتفاق؛ لأنه أحرم من الميقات الذي أمر بالإحرام منه. وإن تجاوز الميقات وأحرم فعليه دم، سواء رجع إلى الميقات أو لم يرجع، وهذا عند المالكية والحنابلة" انتهى. وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: ما حكم تجاوز الميقات في الحج والعمرة؟ فأجاب: " لا يجوز للمسلم إذا أراد الحج أو العمرة أن يتجاوز الميقات الذي يمر به إلا بإحرام. فإن تجاوزه بدون إحرام لزمه الرجوع إليه والإحرام منه. فإن ترك ذلك وأحرم من مكان دونه أو أقرب منه إلى مكة فعليه دم عند الكثير من أهل العلم، يذبح في مكة ويوزع بين الفقراء؛ لكونه ترك واجبا وهو الإحرام من الميقات الشرعي " انتهى باختصار. "مجموع فتاوى ابن باز" (17/9) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ركبت الطائرة من الرياض إلى جدة بنية العمرة، ثم أعلن قائد الطائرة أنه بعد خمس وعشرين دقيقة سنمر فوق الميقات، ولكن غفلت عن زمن المرور فوق الميقات بمقدار أربع أو خمس دقائق، وأتممنا مناسك العمرة، فما الحكم يا فضيلة الشيخ؟ فأجاب: "الحكم أنه على ما ذكره العلماء يلزم هذا السائل أن يذبح شاةً في مكة ويوزعها على الفقراء، فإن لم يجد فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها. لكني أنصح الإخوة: أنه إذا أعلن القائد أنه بقي خمسةً وعشرين دقيقة أو عشر دقائق أن يحرموا؛ لأن بعض الناس ينام بعد هذا الإعلان ولا يشعر إلا وهو قريب من مطار جدة، وأنت إذا أحرمت قبل الميقات بخمس دقائق أو عشر دقائق أو ساعة أو ساعتين فلا عليك شيء، إنما المحذور أن تؤخر الإحرام حتى تتجاوز الميقات، والخمس الدقائق للطيارة تبلغ مسافة طويلة. فأقول للأخ السائل: اذبح فدية في مكة ووزعها على الفقراء عن كل واحد منكم لم يحرم إلا بعد الميقات، لكن في المستقبل انتبهوا إذا أعلن قائد الطائرة فالأمر واسع أحرموا، حتى إذا نمتم بعد ذلك لم يضركم " انتهى. "اللقاء الشهري" (رقم/56، سؤال رقم/4) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 113877 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4064 يعمل في الرياض وله منزل في خليص فمن أين يحرم؟ [السُّؤَالُ] ـ[نويت الحج هذا العام إن شاء الله وسؤالي بالتحديد من أين أقوم بالإحرام؟ حيث إني أعمل بالرياض وأسكن أنا وزوجتي في شقة إيجار , وفي الإجازات مثل إجازة الحج وإجازة عيد الفطر دائما أتوجه إلى منطقتنا خليص في الغربية قرب مكة وأسكن في بيتي الذي أملكه فهل أحرم من بيتي في خليص حيث لا أمر بأي ميقات أو أحرم من أي ميقات أم ماذا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من له سكنان أحدهما خارج الميقات والثاني دون الميقات، وأراد السفر إلى مكة لأداء المناسك فله أن يحرم من البعيد أو القريب، والأولى أن يحرم من البعيد. قال ابن قدامه رحمه الله: "إذا كان للمتمتع قريتان، قريبة بعيدة ... له أن يحرم من القريبة ... وقال القاضي: له حكم القرية التي يقيم بها أكثر" انتهى من "المغني" (3/246) . وهذا الذي اختاره القاضي هو مذهب الشافعية. قال في تحفة المحتاج (4/151) : "ومن له مسكنان قريب من الحرم وبعيد عنه اعتبر ما مقامه به أكثر" انتهى. وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: أنا طلب أدرس في المنطقة الشرقية وأهلي في جدة وأريد الحج فمن أين أحرم؟ هل من قرن المنازل أو من سكني في جدة؟ فأجاب: "أنت مخير ما دمت من سكان جدة دون الميقات وإذا أحرمت من قرن المنازل فهو أفضل وأولى، لكونك وافداً، وأخذت بالأكمل والأحوط، وإن أنت قصدت أهلك ثم أحرمت منهم فلا بأس" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (17/54) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111778 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4065 من تجاوز الميقات ونسي أن يحرم وجب عليه الرجوع إلى ميقاته [السُّؤَالُ] ـ[شخص ذهب للعمرة بالطائرة وأعلن قائد الطائرة أن محاذاة الميقات ستكون بعد ثلث ساعة ولكنه نام ولم يستيقظ إلا في المطار فذهب إلى السيل وأحرم من هناك وأتى بعمرته فهل عليه شيء أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كان هذا من أهل الرياض وذهب إلى السيل وأحرم فلا شيء عليه؛ لأنه أحرم من ميقاته، وأما إذا كان جاء من المدينة فالواجب أن يذهب إلى ميقات أهل المدينة ويحرم منه، فإن أحرم من السيل فعليه فدية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما وقت المواقيت قال: (هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن) فتجاوز ميقات أهل المدينة لمن مر به من غيرهم، كتجاوز أهل نجد ميقات أهل نجد وهم لم يحرموا" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (21/309) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111779 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4066 نسي أن يحرم في الطائرة فهل يعود إلى الميقات ليحرم منه؟ [السُّؤَالُ] ـ[من نسي الإحرام أو انشغل عنه في الطائرة حتى تجاوز الميقات فلم يحرم وأراد الرجوع بالسيارة إلى الميقات الذي تجاوزه فهل يجوز له ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "نعم، يجوز، والقاعدة: إذا تجاوز الإنسان الميقات وقد أراد الحج أو العمرة ولم يحرم منه، فإن أحرم من مكانه الذي دون الميقات لزمه الدم، وإذا رجع إلى الميقات وأحرم منه فلا شيء عليه. وبناء على ذلك لو فرضنا أنه ركب طائرة من مطار القصيم وهو يريد العمرة، ثم نزل إلى جدة قبل أن يحرم، نقول له: إما تذهب إلى السيل الكبير وتحرم منه، وإن أحرمت من جدة فعليك دم" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (21/302) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وحواب الحديث: 111780 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4067 تجاوز السائق الميقات ورفض أن يعود إليه [السُّؤَالُ] ـ[ذهبنا إلى العمرة بالباص، ولم ينتبه السائق للميقات إلا بعد تجاوزه بمائة كيلو، فرفض العودة إليه وواصل الرحلة حتى وصلت جدة. فماذا علينا والحال هكذا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الواجب على السائق أن يتوقف عند الميقات ليحرم الناس منه، فإن نسي ولم يذكر إلا بعد مائة كيلو كما قال السائل فإن الواجب عليه أن يرجع بالناس حتى يحرموا من الميقات؛ لأنه يعلم أن هؤلاء يريدون العمرة أو يريدون الحج. فإذا لم يفعل وأحرموا من مكانهم، أي بعد تجاوز الميقات بمائة كيلو فإن على كل واحد فدية يذبحها في مكة ويوزعها على الفقراء؛ لأنهم تركوا واجباً من واجبات النسك سواء في حج أو عمرة. وفي هذه الحال لو حاكموا هذا السائق لربما حكمت المحكمة عليه بغرم ما ضمنوه من هذه الفدية لأنه هو الذي تسبب لهم في غرمها، وهذا يرجع إلى رأي القاضي إذ يمكنه أن يلزم السائق بقيمة الفدية التي دفعها هؤلاء، لأنه فرط في حقهم بنسيانه، ثم اعتدى عليهم بمنعهم من حق الرجوع للإحرام" انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. "فتاوى علماء البلد الحرام" (ص 218) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111880 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4068 من سكان الجبيل وله أهل بمكة فمن أين يحرم بالحج؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا من سكان الجبيل وأريد الحج مفردا وعندي أهل في مكة وأريد الذهاب إليهم ثاني يوم في الشهر قبل بدء الحج فهل لابد من الإحرام من الميقات السيل الكبير؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان مقامك واستقرارك في الجبيل، وعزمت على الحج وأنت به، فيلزمك الإحرام من الميقات، وهو قرن المنازل (وادي السيل) ؛ لما روى البخاري (1524) ومسلم (1181) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: (إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الشَّأْمِ الْجُحْفَةَ، وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ، وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ، هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ) . وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: رجل من أهل جدة سكن في الجبيل ويريد الحج متمتعا فمن أين يحرم للعمرة؟ هل يحرم من الميقات أو من بيت أهله في جدة؟ وإذا كان اليوم الثامن من ذي الحجة فمن أين يحرم بالحج؟ وهل يلزمه أن يرجع للميقات فيحرم منه؟ فأجاب: " إذا كان الإنسان من أهل جدة وكان يعمل في بلاد أخرى كالجبيل أو الظهران أو الرياض وغيرها فإنه إذا أراد الحج يحرم من أول ميقات يمر به، يحرم بالعمرة، فإذا كان في اليوم الثامن أحرم من جدة، ولا يلزمه أن يأتي الميقات مرة أخرى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقت المواقيت وقال: (من كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة) فيكون جواب هذا السؤال: أن السائل يجوز له إذا حل من عمرته أن يذهب إلى أهله في جدة فإذا كان اليوم الثامن أحرم مع أهله أو أحرم بنفسه من جدة وخرج إلى منى " انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (21/327) . وسئل أيضا رحمه الله: رجل متزوج ويسكن مع زوجته وأولاده في الرياض، وأمه وأبوه في جدة فما الحكم؟ فأجاب: "هذا إذا جاء إلى جدة فهو مسافر، فهنا إذا أراد أن يذهب إلى أهله للزيارة، وهو مريد أن يعتمر نقول: لابد أن تحرم من الميقات؛ لأن وطنك الرياض، أما جدة فهي وطن أبيه وأمه، ولهذا لو كان في رمضان فله أن يفطر إذا سافر إلى مقر أبيه وأمه وهو ساكن في بلد آخر " انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (21/329) . وأنت مخير بين أن تحرم بالحج مفردا، وتظل على إحرامك إلى أن تتحلل يوم النحر، وبين أن تحرم بالعمرة متمتعا بها إلى الحج، وهذا أفضل وأيسر، فإذا فرغت من عمرتك حللت من إحرامك، ثم إذا كان اليوم الثامن أحرمت بالحج من مكانك في مكة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111664 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4069 متى يحرم راكب الطائرة؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا أريد الحج هذه السنة بإذن الله وأريد أن أسافر من الرياض إلى جدة عن طريق الجو "بالطائرة" فمتى أحرم بالضبط؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ميقاتك في هذه الحالة هو (قرن المنازل) ويسمى الآن (السيل الكبير) . ويجب الإحرام من الميقات لمن مَرَّ به، فإن لم يمر به وجب عليه الإحرام إذا حاذاه براً أو بحراً أو جواً. فيجب عليك أن تحرم إذا حاذيت الميقات بالطائرة، ونظراً لأن الطائرة تمر على الميقات بسرعة فلا بأس أن تحرم قبله بقليل احتياطاً. قال الشيخ بن جبرين: ومن لم يكن في طريقه ميقات: أحرم إذا حاذى أقربها إليه سواء كان طريقه برّاً أو بحراً أو جوّاً ويحرم راكب الطائرة إذا حاذى الميقات أو يحتاط قبله حتى لا يجاوزه قبل إحرامه، فمن أحرم بعد ما جاوز الميقات فعليه دم جبران، والله أعلم اهـ " فتاوى إسلامية " (2 / 198) . ومن فتاوى اللجنة الدائمة: جدة ليست ميقاتاً لحج أو عمرة إلا للمستوطنين أو المقيمين بها، وكذا من وصل إليها لحاجة غير عازم على حج أو عمرة، ثم بدا له أن يحج أو يعتمر. أما من كان له ميقات قبلها كذي الحليفة بالنسبة لأهل المدينة وما وراءها، أو حاذاها براً أو جواً، وكالجحفة لأهلها ومن حاذاها براً أو بحراً أو مر بها جواً، وكيلملم كذلك، فإنه يجب عليه أن يحرم من ميقاته أو مما يحاذيه جواً أو بحراً أو براً اهـ. "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/130) . والدليل على الإحرام مما يحاذي الميقات ما أخرجه البخاري (1458) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لما فُتح هذا المصران – يعني: الكوفة والبصرة - أتَوا عمر فقالوا: يا أمير المؤمنين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدَّ لأهل نجد قرناً وهو جورٌ عن طريقنا، وإذا أردنا قرناً شق علينا قال: فانظروا حذوها من طريقكم فحدَّ لهم ذات عرق. قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (3/389) : " فانظروا حذوها " أي: اعتبروا ما يقابل الميقات من الأرض التي تسلكونها من غير مَيل فاجعلوه ميقاتاً اهـ وينبغي أن يعلم أنه ليس من السنة أن يحرم الإنسان قبل الميقات، لأنَّ هذا لم يفعله النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وخير الهدي هدي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلا إذا كان الرجل في طائرة فلا يتمكن من الوقوف عند محاذاة الميقات فهذا يحتاط بما يغلب على ظنه أنه لن يتجاوز الميقات إلا وهو محرم. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: فلم يُنقل عن أحدٍ ممن حجَّ مع النَّبي صلى الله عليه وسلم أنه أحرم قبل ذي الحليفة، ولولا تعين الميقات لبادروا إليه لأنه يكون أشق فيكون أكثر أجراً. "فتح الباري" (3 / 387) . والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 4635 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4070 هل لها أن تأتي جدة دون إحرام ثم ترجع إلى ميقاتها فتحرم؟ [السُّؤَالُ] ـ[امرأة قادمة من مصر إلى السعودية يوم 7/12/1428 وتريد الحج إلا أنها تريد جدة قبل الحج للقاء زوجها القادم من جنوب المملكة: والسؤال: ما الحكم لو حصلت هناك عشرة زوجية (في جدة) ما الأحكام المترتبة على ذلك؟ السؤال الثاني: من أين تحرم يوم التروية للذهاب إلى الحج؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الأمر كما ذكرت، فأمامها خياران، تفعل الأنسب لها: الأول وهو الأفضل: أن تحج متمتعة، فتنوي العمرة عند مرورها بالميقات، وتأتي جدة وهي محرمة فلا يعاشرها زوجها، ثم تذهب إلى مكة، فإذا فرغت من عمرتها قصرت من شعرها، وتحللت، وجاز لزوجها معاشرتها إذا لم يكن محرما. ثم في اليوم الثامن (يوم التروية) تحرم بالحج من مكانها سواء كانت في مكة أو جدة. الثاني: أن تأتي جدة من مصر دون إحرام، ولزوجها معاشرتها في هذه الحالة ما لم يكن محرماً، ثم إذا أرادت الحج ذهبت إلى ميقاتها، [رابغ] لتحرم منه بالحج. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: من تجاوز الميقات عالماً عامداً لكنه أراد الراحة، مثلاً: تجاوز ميقات قرن إلى الشرائع؛ ليرتاح عند أقربائه، ثم يرجع إلى الميقات ويحرم منه، وهو يريد نسكاً، هل يأثم بهذا التجاوز أم أن الأمر فيه سهولة؟ الجواب: "لا، الأمر فيه سهولة، يعني: الأفضل ألا يتجاوز الميقات حتى يحرم، ويمكنه أن يستريح عند أقاربه وهو محرم، والناس لا يرون في هذا بأساً ولا خجلاً ولا حياء، لكن لو فعل، وقال: سأذهب أستريح الآن، وأرجع إلى الميقات وأحرم منه؛ فلا حرج. السائل: تكون مدة أسبوع؟ الشيخ: ما هناك مانع أبداً، المهم أنه يتجاوز الميقات ونيته أن يرجع ويحرم منه. السائل: يلزمه أن يرجع إلى الميقات الذي تجاوزه. الشيخ: يلزمه أن يرجع إلى الميقات الذي تجاوزه. السائل: بعُد أم قرُب؟ الشيخ: سواء بعد أم قرب " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (93/26) . وليعلم أن المُحْرم بحج أو عمرة يحرم عليه الجماع ومقدماته، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (11356) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111318 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4071 لا يلزم من أراد الحج أو العمرة شيء إذا تجاوز الميقات ونسي أن يحرم ثم رجع إليه وأحرم [السُّؤَالُ] ـ[ذهبت للعمرة مؤخرا من الرياض. لقد لبست إحرامي وأنا في البيت ولم أنو، ظانا أني سأنوي وأنا في الطائرة قبل المرور بمحاذاة الميقات. وللأسف، فإني لم أسمع الإعلان عن الميقات في الطائرة ولم أتمكن من النية لأن الطائرة كانت قد تجاوزت الميقات. وقررت الذهاب لمكة. وعندما وصلت إلى مكة، خلعت إحرامي ولبست ملابسي العادية وسقت السيارة إلى قرن المنازل (القريبة من) الطائف. وارتديت إحرامي هناك مرة أخرى ونويت للعمرة ورجعت إلى مكة وأديت مناسك عمرتي. أرجو أن تخبرني ما إذا كانت قد أديت عمرتي بشكل صحيح، أم أن علي أن أدفع كفارة؟ وإذا كان علي دفع كفارة، فماذا علي أن أفعل. أرجو أن ترد علي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من تجاوز الميقات بغير إحرام فعليه أن يرجع إليه ليحرم من هناك فإذا نزل من الطائرة بجدة ركب سيارة إلى ميقات أهل نجد وأحرم منه، فإن أحرم من جدة وهو عازم على الحج والعمرة لزمه دم جبران عن تجاوز الميقات. فتوى الشيخ ابن جبرين وانظر فتاوى مشابهة في كتاب فتاوى إسلامية 2/202 وأنت أيها السائل قد أصبت في رجوعك إلى الميقات وإحرامك من هناك، ولا يعتبر خلعك لملابس الإحرام موجباً للدَّم لأنك لم تُحرم أصلاً، فإن الإحرام هو نية الدخول في النسك لا لبس الإحرام، وبناء عليه فإن فعلك صحيح وليس عليك كفارة ولله الحمد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 12239 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4072 لا يجب الإحرام على من دخل مكة إلا إذا كان مريداً للنسك [السُّؤَالُ] ـ[هل يجب على من دخل مكة للعمل أن يحرم بالحج أو العمرة عند دخوله إليها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "من توجه إلى مكة ولم يرد حجا ولا عمرة؛ كالتاجر، والحطَّاب، والبريد ونحو ذلك فليس عليه إحرام إلا أن يرغب في ذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر المواقيت: (هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة) ، فمفهومه أن من مر على المواقيت ولم يرد حجا ولا عمرة فلا إحرام عليه. وهذا من رحمة الله بعباده وتسهيله عليهم، فله الحمد والشكر على ذلك، ويؤيد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أتى مكة عام الفتح لم يحرم، بل دخلها وعلى رأسه المغفر؛ لكونه لم يرد حينذاك حجا ولا عمرة، وإنما أراد افتتاحها وإزالة ما فيها من الشرك" انتهى. فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله. "مجوع فتاوى ابن باز" (16/44، 45) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109223 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4073 قدم إلى جدة غير ناوٍ للعمرة، ثم نوى العمرة وأحرم من جدة [السُّؤَالُ] ـ[حضرت من الأردن بالطائرة إلى جدة قاصداً مدينة بيشة، وليس بنيتي أداء العمرة ولا حتى الذهاب إلى مكة، ولكن تأخرت الطائرة إلى بيشة فجلست في جدة يومين، وعند ذلك قمت بالإحرام من جدة وتوجهت إلى مكة لأداء العمرة، فهل هذه العمرة صحيحة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "هذا الإحرام صحيح؛ لأنك أنشأته من جدة، ولم تنو العمرة قبل ذلك، ولا دم عليك فيه، والأصل في ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: وَقَّت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، قال: (فهن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن كان يريد الحج والعمرة، فمن كان دونهن فمهله من أهله وكذلك أهل مكة يهلون منها) متفق عليه. وما دل عليه عموم هذا الحديث من أن من أراد الإحرام بالعمرة فإنه يحرم من مكة ليس على ظاهره، فقد جاء ما يدل على أن من أراد الإحرام بالعمرة وهو بمكة فإنه يحرم من الحل، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم المُحَصَّب فدعا عبد الرحمن بن أبي بكر فقال: (اخرج بأختك من الحرم فتهل بعمرة ثم لتطف بالبيت، فإني أنتظركما هنا) قالت: فخرجنا، فأهللت ثم طفت بالبيت وبالصفا والمروة، فجئنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في منزله في جوف الليل فقال: (هل فرغت؟) قلت: نعم، فأَذَّن في أصحابه بالرحيل، فخرج فمر بالبيت فطاف به قبل صلاة الصبح ثم خرج إلى المدينة. متفق عليه. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/150، 151) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109279 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4074 مسافر من المدينة إلى جدة بالطائرة فكيف يصنع في الإحرام بالعمرة؟ [السُّؤَالُ] ـ[من ركب الطائرة من المدينة إلى جدة وهو يريد العمرة، ماذا يفعل، هل يلبس الإحرام من مطار المدينة وينوي العمرة من حين ركوبه، أم ماذا يفعل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا أردت السفر بالطائرة من المدينة إلى مكة للعمرة فإنه يشرع لك أن تغتسل وتتوضأ وضوء الصلاة وتلبس إحرامك، وبعد إقلاع الطائرة من المطار تلبي بالعمرة، وذلك قبل مجاوزة ميقات أهل المدينة، وهو آبار علي. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/151، 152) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109293 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4075 من أهل القنفدة ويدرس في جدة فمن أين يحرم للعمرة؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا طالب أدرس في مدينة جدة، وأسكن في القنفذة تبعد عنها 350 كم، وفي خلال يومي الخميس والجمعة أذهب إلى القنفذة. والسؤال: هل من السنة في إقامتي في القنفذة أن أقصر من الصلاة أم ماذا؟ وإذا أردت العمرة من جدة هل يجوز هذا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا أنشأت العمرة من جدة فأحرم من جدة، وإذا نويتها وأنت في القنفذة فإنك تحرم من ميقات أهل اليمن (السعدية) ، وليس لك أن تقصر الصلاة في بلدك؛ لأنها وطنك، بل عليك أن تصلي أربعاً، وهكذا في جدة عليك أن تصلي أربعاً عند جمهور العلماء؛ لأنك تنوي الإقامة أكثر من أربعة أيام. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/136) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109294 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4076 ميقات أهل اليمن والجنوب إذا جاؤوا من طريق الساحل [السُّؤَالُ] ـ[أرجو إفادتي عن ميقات أهل الجنوب عن طريق الساحل، وهل يجوز لي الإحرام من جدة؟ لأن طريقي على الساحل.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "ميقات أهل اليمن الذين أتوا عن طريق الساحل يلملم المسماة اليوم بالسعدية، فلا يجوز لمن مر عليه أو حاذاه مريداً الحج أو العمرة أن يتجاوزه بدون إحرام، وليست جدة ميقاتاً لهم، وإنما هي ميقات لأهلها ولمن أراد الحج والعمرة وهو مقيم بها، أو وافد عليها بدون نية الحج أو العمرة ثم عزم على الحج. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/134) . وانظر جواب السؤال رقم (107988) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109295 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4077 يعسكرون في الشرائع لحفظ الأمن، فمن أين يحرمون؟ [السُّؤَالُ] ـ[نحن من أفرد القوات المسلحة، ونشارك في مهمة الحج سنوياً، ونقيم في منطقة الشرائع مدة المشاركة ما يقارب شهراً، وفي أثناء أدائنا للمهمة نذهب على شكل قافلة، ولا يسمح للقافلة بالتوقف في الميقات، ونتعدى الميقات إلى منطقة الشرائع خارج مكة، فهل نخرج إلى الجعرانة للإحرام منها، أم نرجع إلى السيل الكبير ونحرم منه؛ لأننا اجتزناه في أثناء مسيرنا أو نحرم من مكان معسكرنا الذي هو الشرائع خارج مكة قرب الأميال؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "ما دام أنكم ذهبتم للعمل وتجاوزتم الميقات فإذا أراد أحد الإحرام فإنه يحرم من مكانه داخل الميقات؛ لأنه دخل بنية العمل، وقد قال صلى الله عليه وسلم عند ذكر المواقيت: (ومن كان دون ذلك فمهله من حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة) إلا من كان منكم عازماً على الحج أو العمرة حين مروره على الميقات؛ فإن عليه أن يرجع إلى الميقات ليحرم منه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما وقت المواقيت: (هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج أو العمرة) . وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/140- 142) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109308 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4078 هل يجب على النائب أن يحج من مكان من يحج عنه؟ [السُّؤَالُ] ـ[امرأة من اليمن أوصت ورثتها قبل موتها أن يجعلوا من يحج عنها من مالها الخاص، فهل يجوز الحج عن هذه المرأة ممن هم في مدينة جدة؟ وهل يحرم من بيته في جدة، أو يذهب إلى ميقات أهل اليمن الساحلي ويحرم من هناك، أو أنه يجب على الذي سيحج عن هذه المرأة أن يكون من اليمن؛ أي خروجه للحج يكون من اليمن؟ وهل يجب أن يكون هذا الحاج من بلدة هذه المرأة صاحبة الوصية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجب على النائب أن يحج من بلد مَنْ يحج عنه، ولا أن يحرم من ميقاته، بل يُحرم النائب من ميقاته هو، ولا حرج أن يحج من جدة عن امرأة من أهل اليمن، ويحرم النائب من جدة. وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن رجل من أهل أفريقيا يريد أن يكلف شخصاً بالحج عن أمه، فأجابت: "يجوز للشخص المذكور أن يقيم من مكة أو غيرها من الثقات من يحج عن أمه إذا كانت متوفاة أو عاجزة عن مباشرة الحج بنفسها؛ لكبر سن أو مرض لا يرجى برؤه. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/80) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109318 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4079 ميقات أهل الباحة إذا جاءوا مكة من طريق الساحل [السُّؤَالُ] ـ[نحن من سكان مدينة الباحة وقبل سنتين تقريبا نزلنا إلى مكة من طريق الباحة - الطائف وعلمنا أن ميقات أهل الباحة هو ميقات أهل الطائف (السيل الكبير " قرن المنازل ") فمررنا به وأحرمنا بعمرة وأتممنا العمرة ولله الحمد. أما الآن فسوف ننزل إلى مكة من طريق المخواة – طريق الساحل، وهذا يمر بميقات أهل اليمن (يلملم) . هل يجوز لنا الإحرام منه بالعمرة؟ أم علينا الذهاب إلى ميقات قرن المنازل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما دمتم ستأخذون طريق الساحل، فميقاتكم (يلملم) ميقات أهل اليمن، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل اليمن يلملم، ثم قال بعد ذكر المواقيت: (هُنَّ لَهُنَّ، وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ، مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ) رواه البخاري (1524) ومسلم (1181) . وهذا هو ميقاتكم الأصلي، وأما ميقات السيل الكبير فإنكم تحرمون منه إن أتيتم مكة من طريق الطائف. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 107988 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4080 أحوال وأحكام من قصد " جدة " لعمل أو زيارة ثم اعتمر [السُّؤَالُ] ـ[سافر أبي من الأردن إلى جدة لمؤتمر له هناك، وقيل لهم: إنهم سوف يؤدون العمرة بعد أن يبيتوا ليلة أو ليلتين في جدة بعد انتهاء المؤتمر، وفي الطائرة أعلن عن وصول الميقات لمن أراد أن يحرم، ولم يحرم، ولكن عندما وصل جدة تفاجأ أن البرنامج قد تغير، وأنه في ليلة وصولهم عليهم أداء العمرة، فأحرم من جدة، وأدَّى العمرة، ولم يخرج كفارة، هل عليه شيء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يخلو من قصد جدة للعمل، واعتمر من حالين: الأولى: أن ينوي العمرة قبل وصوله لها، فيكون في سفره إلى جدة قاصداً العمل والعمرة معاً، بقطع النظر أيهما يكون أولاً. والثانية: أن يقصد جدة ولم ينو العمرة، ثم يبدو له أن يعتمر. ففي الحال الأولى يجب عليه أن يُحرم من الميقات، ثم يقضي عمله في جدة، ثم يعتمر، والأفضل له أن يبدأ بالاعتمار. فإن تعذر عليه أن يبدأ بالعمرة، وشق عليه أن يبقى أياما في جدة بثياب الإحرام فله ألا يحرم من الميقات عند مروره عليه، لكن إذا أراد الإحرام بالعمرة بعد انتهاء عمله في جدة وجب عليه أن يخرج إلى الميقات ليحرم منه، فإن لم يفعل وأحرم من جدة، فقد ترك واجباً من واجبات الإحرام، ويجب عليه أن يذبح شاة في مكة ويوزعها على فقراء الحرم. وأما الحال الثانية: فلا يلزمه أن يُحرم في الميقات؛ لأنه لا يقصد العمرة أصلاً، ولو نوى العمرة بعد انتهاء عمله في جدة: فإنه يُحرم من مكانه في جدة. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: إنني في عطلة الربيع الماضية اصطحبت أهلي وأولادي بنية زيارة أختي في الطائف، ونأخذ عمرة والعلاج في جدة، هذه هي النية أساساً، الذي حصل أننا أقمنا في الطائف يوماً، ثم ذهبنا إلى جدة مارين بمكة ولم نحرم من السيل، حيث كنت أعتقد أن ما في ذلك شيء، فأخرنا العمرة حتى العودة من جدة، وفعلاً بعد انتهائنا من جدة أحرمنا بالعمرة، ... فأرجو من سماحتكم توجيهنا للصواب، وماذا يترتب علينا؟ . فأجابوا: " الواجب على مَن نوى العمرة ثم مرَّ بالميقات: أن يُحرم منه، ولا يجوز له مجاوزته بدون إحرام، وحيث لم تحرموا من الميقات: فإنه يجب على كل منكم دم، وهو ذبح شاة تجزئ في الأضحية تُذبح بمكة المكرمة، وتقسم على فقرائها، ولا تأكلوا منها شيئاً " انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان. " فتاوى اللجنة الدائمة " (11 / 176، 177) . وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: مَن سافر مِن بلده إلى جدة ثم أراد العمرة فهل يحرم من جدة؟ فأجاب: " لا يخلو الأمر مِن حالين: 1. أن يكون الإنسان قد سافر إلى جدة بدون نية العمرة، ولكن طرأت له العمرة وهو في جدة: فإنه يُحرم من جدة، ولا حرج في ذلك؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما حين ذكر المواقيت قال: (ومَن كان دون ذلك: فمِن حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة) . 2. أن يكون سافر من بلده بنية العمرة عازماً عليها: فإنه يجب في هذه الحالة أن يُحرم من الميقات الذي يمر به، ولا يجوز الإحرام من جدة؛ لأنها دون الميقات، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وقَّت المواقيت فقال: (هنَّ لهنَّ ولمن مرَّ عليهن مِن غير أهلهن لمن أراد الحج والعمرة) . فإن أحرم من جدة ونزل إلى مكة في هذه الحال: فإن عليه عند أهل العلم فدية، دماً يذبحه في مكة، ويتصدق به على الفقراء، وعمرته صحيحة، فإن لم يحرم من جدة بعد وصوله إليها، وهو ناوٍ العمرة قبل وصوله: فإنه يرجع إلى الميقات، ويحرم منه، ولا شيء عليه. "فتاوى أركان الإسلام " (السؤال رقم 467) . وسئل الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله: القادم بالطائرة من الرياض، ويريد العمرة ومرَّ بمدينة جدة لزيارة بعض الأهل، أو الأصدقاء ليوم أو ليومين، هل يلزمه أن يحرم مما يحاذي الميقات من الجو؟ فأجاب: " يجب عليه أن يحرم من هذا الميقات إذا مرَّ به أو مرَّ محاذياً له من الأرض أو من الجو، فإنه لا يتجاوزه إلا بإحرام، فالذي يذهب بالطائرة يتهيأ للإحرام قبل الركوب بما يريد أن يتهيأ به، وإذا حاذى الميقات إما أن يسأل الملاحين أو هم يعلنون ذلك للناس أو هو يحتاط ويحرم إذا غلب على ظنه بأنه قرب من الميقات، فيحرم من الجو، أما أن يتعداه إلى أن ينزل في مطار جدة: فهذا خطأ، وإذا فعل هذا فيكون عليه دم " انتهى بتصرف. وسئل – حفظه الله -: حتى لو كان سيبقى في جدة ليوم أو ليومين للزيارة؟ . فأجاب: " ولو كان، سيبقى في جدة ليوم أو ليومين إن أراد أن يبقى في جدة قبل أداء النسك، يبقى في إحرامه، وإن نزل إلى مكة وأدَّى النسك ثم رجع إلى جدة إلى عمله: فهذا أحسن؛ لأن المبادرة بأداء النسك أحسن، يعني: ما دام نوى العمرة لا يجوز له أن يتعدى الميقات إلا بإحرام، لا شك في هذا، ثم هو بعد ذلك هو في خيار، إن شاء بقي في جدة بإحرامه، وإن شاء نزل إلى مكة، وعاد إلى جدة لعمله " انتهى. " المنتقى من فتاوى الفوزان " (4 / 119، 120، السؤال رقم 118 و 119) . والخلاصة: إذا كان والدك في سفره من الأردن إلى جدة ناوياً للعمرة – وهذا هو الظاهر -، فكان الواجب عليه أن يحرم من الميات أو يخرج من جدة للإحرام من الميقات، وبما أنه لم يفعل واحداً من الأمرين، فعليه أن يذبح شاة في مكة ويوزعها على الفقراء، فإن كان قد غادر مكة ورجع إلى الأردن، فيبحث عمن يرسل له الأموال ويوكله في الذبح في مكة. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106771 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4081 لا حرج أن يصلي ركعتين سنة الوضوء ليحرم بعدهما وإن لم يكن من عادته فعلهما [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان الإنسان ليس من عادته أن يصلي ركعتين بعد الوضوء، فهل يصليهما عند الإحرام من أجل أن يحرم بعدهما؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، لا حرج من صلاتهما ليحرم بعدهما، حتى يكون إحرامه بعد صلاة. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: قلتم يجعل الإحرام بعد سنة الوضوء إن كان من عادته أنه يصليها. فإذا لم يكن من عادته أنه يصليها فما الحكم؟ فأجاب: "أرى أنه لا بأس، فلا يلزم أن الإنسان إذا فعل شيئاً أن يفعله في كل حال، فما دام السنة في الوضوء مشروعة وأراد أن يصلي فهذا لا بأس به ولا حرج حتى لو كان من عادته أنه لا يصليها" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/14) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106547 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4082 حكمة تحريم الذهب على الرجال [السُّؤَالُ] ـ[يسأل أحد زملائي الهندوس في العمل عن الحكمة وراء عدم جواز ارتداء الرجال المسلمين للذهب؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن شريعة الله عز وجل جاءت بأحكام تنطوي على مصالح العباد في دنياهم وأخراهم، لأنها الشريعة المنزلة من خالق هذا الإنسان العالم بما يصلحه ويفسده، لكن الحكمة من وراء التشريع قد تظهر لكل أحد وقد لا تظهر، والمؤمن مأمور بالتسليم والإذعان لأحكام الله لأن ذلك مقتضى إيمانه بالله ربا وإلهاً، ومن ثم فالكافر ينبغي أن يكون الجدال معه في إثبات هذا الإيمان أولاً، ثم بعد ذلك يخوض المرء في الحديث عن الحِكَم من وراء التشريعات. وفي الجواب عن هذا السؤال بخصوصه نقول: إن الله جل شأنه خلق الإنسان وجعله زوجين، ذكراً وأنثى، وجعل لكل واحد منهما خصائص تتناسب مع الوظيفة الموكلة إليه في هذه الحياة، فللرجل وظائف وأعمال لا تطيقها المرأة، وللمرأة وظائف وأعمال لا يطيقها الرجل. وإذا كان الأمر كذلك فإن من تمام الحكمة أن يهيئ كل واحد منهما لتلك الوظائف، التي تطلب منه. ومن المعلوم أن الذهب مما يتجمل به الإنسان ويتزين به فهو زينة وحلية، والرجل غير مقصودٍ بهذا الأمر، أي ليس إنسانا يتكمل بغيره، بل الرجل كامل بنفسه، لما فيه من الرجولة، فليس بحاجة إلى أن يتزين لشخص آخر تتعلق به رغبته، بخلاف المرأة، فإن المرأة محتاجة إلى التجمل، حتى يكون ذلك مدعاة للعشرة بينها وبين زوجها، ولهذا أبيح لها أن تتجمل بالذهب وغيره حتى تتعلق بها رغبة الرجل، فيطلبها، فيتحقق المقصود من النكاح، وهو المحافظة على الجنس البشري، فالتنشئة في الزينة والنعومة إنما تليق بالمرأة، أما الرجل فإن ذلك في حقه من المذام والمعايب، ولذلك قال الله تعالى: (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ) الزخرف/18. هذا خلاصة ما أجاب به أهل العلم عن هذا السؤال كما ذكر ذلك العلامة ابن عثيمين رحمه الله في مجموع فتاويه (11/60) . وإذا كان الذهب والتزين به أمراً يوافق طبيعة المرأة والوظيفة التي خلقت لها فإن من الحكمة الظاهرة أن يمنع الرجل من التشبه بالمرأة في ذلك، يقول العلامة ابن القيم رحمه الله في " إعلام الموقعين" (2/109) : " وكذلك تحريم الذهب والحرير على الرجال حُرِّم لسد ذريعة التشبه بالنساء " انتهى. ومن العجائب الآن: أنك ترى كثيراً من الشباب يتجملون بلبس سلاسل الذهب وغيرها، بل تجدهم يضعون المكياج على وجوههم، وهذا انتكاس في الفطرة، ويتنافى مع الرجولة والحزم اللذين يجب أن يتصف بهما الرجل، ولذلك لا تجد عاقلاً صاحب أعمال جادة يفعل ذلك، وإنما هم إما من الشواذ، أو ممن عندهم نقص في نفوسهم، وفراغ في أوقاتهم، فيحاولون ملأ نقص نفوسهم وفراغ أوقاتهم بذلك. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 101549 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4083 له منزل في الشرائع وآخر في الطائف فمن أين يحرم [السُّؤَالُ] ـ[إنسان له مسكنان إحداهما في مكة (الشرائع) والآخر في الطائف ولا يذهب إلى مسكنه الثاني في مكة إلا في أيام الإجازات وليس كل الإجازات وأيام الشتاء ونوى الحج.. فمن أين يحرم؟ ثم هل يجوز له إذا لم يطف طواف الوداع أن يأتي لوالدته في الطائف ويسلم عليها ثم يذهب إلى بيته في مكة ويطوف طواف الوداع..؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا كان الأمر كما ذكرت، فإنك تحرم بالحج من المكان الذي نويت فيه الحج، فإن كنت في الطائف ونويت الحج لزمك الإحرام من الميقات (السيل الكبير) ، وإن كنت في الشرائع وأردت الحج، أحرمت من مكانك؛ لما روى البخاري (1526) ومسلم (1181) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: (وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الشَّأْمِ الْجُحْفَةَ وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ فَهُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ لِمَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمُهَلُّهُ مِنْ أَهْلِهِ وَكَذَاكَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا) . ثانيا: إذا فرغت من أعمال الحج، فليس لك الخروج إلى الطائف إلا بعد طواف الوداع، لما رواه البخاري (1755) ومسلم (1328) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ، إِلا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنْ الْحَائِضِ) . قال ابن قدامة في "المغني" (5/337) : " ومن كان منزله في الحرم فهو كالمكي , لا وداع عليه. ومن كان منزله خارج الحرم , قريباً منه , فظاهر كلام الخرقي أنه لا يخرج حتى يودع البيت. وهذا قول أبي ثور وقياسُ قول مالك. لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت) . ولأنه خارج من مكة , فلزمه التوديع , كالبعيد " انتهى بتصرف يسير. وسئل الشيخ ابن باز عن جماعة من أهل جدة تركوا طواف الوداع ورجعوا إلى جدة. فأجاب: " الحج صحيح، ولكن أسأتم في ترك الوداع، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر الحاج بالوداع، فقال: (لا ينفرن أحد منكم حتى يكون آخر عهده بالبيت) وهذا خطاب للحجاج يشمل أهل جدة وغيرهم، فالواجب على جميع أهل البلدان - سواء في جدة أو الطائف وغيرهم - أن يودعوا البيت، وقد تسامح بعض العلماء بالنسبة لمن منزله دون مسافة قصر كأهل بحرة وأشباههم، قالوا: إنه لا وداع عليه، والأحوط لكل من كان خارج الحرم أن يودع إذا انتهى حجه، وأهل جدة بعيدون، وهكذا أهل الطائف، فالواجب عليهم أن يودعوا قبل أن يخرجوا، لأنهم يشملهم الحديث، وعليهم دم يذبح في مكة عن كل واحد منهم ترك طواف الوداع، توزع على الفقراء، شاة أو سُبْع بدنه أو سُبْع بقرة " انتهى "مجموع فتاوى ابن باز" (17/394) . ثالثا: وأما قبل الفراغ من أعمال الحج، فلك الذهاب إلى الطائف دون وداع، ثم العودة لإكمال النسك، كالخروج إلى الطائف نهار يوم النحر أو في أيام التشريق. وراجع السؤال رقم (36244) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97595 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4084 يأتي من مصر إلى جدة ثم يذهب إلى المدينة ويحرم من ذي الحليفة [السُّؤَالُ] ـ[قرأت في أحد الأسئلة عما يفعله بعض الحجاج وتجاوزهم للميقات دون إحرام ثم بقاؤهم في جدة لثلاثة أيام وإحرامهم منها! وقد بينتم أن هذا الفعل غير جائز، لكن حدث معي وأسرتي أننا ذهبنا لنعتمر العام الماضي، ولكن والديّ أرادا زيارة المدينة أولاً ثم الذهاب إلى مكة، حتى يمكننا أن نصلي الجمعة في الحرم (يبدو أن لدى أهلي اعتقاداً أن صلاة الجمعة في المسجد الحرام أفضل منها في المسجد النبوي) ، وفعلاً ركبنا الطائرة وتجاوزنا الميقات من دون أن نحرم فبتنا في جدة ليلة واحدة وبعد ذلك توجهنا للمدينة وبتنا فيها ليلتين. وعندما أردنا الرحيل إلى مكة قمت أنا ولبست إحرامي في فندق المدينة، وكذلك أحرمت النسوة اللواتي كن معنا من الفندق، بينما أحرم والدي وإخوتي من ميقات أهل المدينة (ذو الحليفة) ، ومن ثم توجهنا إلى مكة وأدينا العمرة. فهل ما فعلناه كان خطئاً مشابهاً لخطأ أولئك الذين يتوجهون إلى مكة بنية الحج ويتجاوزون الميقات من دون إحرام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج عليكم فيما فعلتم، لأن سفركم إلى جدة لم تكونوا قاصدين به العمرة، فلم يلزمكم الإحرام من الميقات عند مروركم عليه، وإنما قصدتم العمرة من سفركم من المدينة، فيلزمكم الإحرام من ميقاتها (ذو الحليفة) . وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: رجل جاء من جدة ولم يحرم، أولاً ذهب إلى المدينة المنورة لزيارة المسجد النبوي، ثم أحرم من ميقات أهل المدينة، هل هذا صحيح؟ فأجاب: " لا بأس، يعني: لو أن الإنسان جاء من بلده قاصداً المدينة أولاً، ونزل في جدة، ثم سافر من جدة إلى المدينة، ثم رجع من المدينة محرماً من ميقات أهل المدينة فلا بأس " انتهى من " لقاء الباب المفتوح " (121/29) . وسئل أيضا عن رجل قدم للحج وميقاته يلملم، ولكنه لم يحرم من الميقات، ونزل جدة، وذهب إلى المدينة للزيارة، ثم عاد إلى مكة وأحرم من ذي الحليفة، فهل عليه شيء؟ فأجاب: "إن كان قصده المدينة من الأصل ثم يرجع فيحرم من ذي الحليفة فلا شيء عليه" انتهى باختصار. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (21/345) . ثانيا: الصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة بالمسجد النبوي؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام) رواه البخاري (1190) ومسلم (1394) ، وهذا يشمل الجمعة وغيرها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96758 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4085 هل يقدم هدية لصديقة بمناسبة شراء منزل بقرض ربوي؟ [السُّؤَالُ] ـ[أود السؤال عن حكم إعطاء هدية لشخص بمناسبة شرائه لبيت عن طريق القرض الربوي علما أني قد نصحت هذا الشخص قبل شرائه البيت ولكنه أصر فهل يجوز أن ألبي دعوته لحفلة بمناسبة شراء البيت الجديد وأن أهديه هدية للمنزل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الأمر كما ذكرت من وقوعه في هذا الذنب العظيم، وإصراره عليه، رغم نصحك له، فلا ينبغي أن تلبي دعوته في حضور احتفاله بشراء هذا البيت، ولا أن تهدي له شيئا بهذه المناسبة، وهو في الحقيقة يحتاج إلى من يعزيه لا إلى من يهنيه، فإن الربا من أكبر الكبائر وأعظم الذنوب، قال الله تعالى: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) البقرة/276، وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278، 279. وروى مسلم (1598) عن جابر رضي الله عنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه. وقال: هم سواء. وقال صلى الله عليه وسلم: (درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله من ستة وثلاثين زنية) رواه أحمد والطبراني، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3375) . وينبغي أن تستمر في نصحه ليتوب إلى الله تعالى مما اقترف. نسأل الله أن يغفر لنا وله، وأن يصلح أحوال المسلمين أجمعين. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 95300 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4086 حكم التسجيل في حملة تبيت خارج منى [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم النزول مع الحملات التي تذهب للحج وتكون خيامهم بمزدلفة خارج حدود منى؟ هل هذه الخيام امتداد لمنى أم لا؟ وهل هناك حرج إن ذهبت مع هذه الحملات؟ وهل يؤثر على صحة الحج في شيء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: المبيت في منى ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر من ذي الحجة، واجب في قول جمهور العلماء، ويلزم من تركه بدون عذر: دم، شاة تذبح في مكة وتوزع على فقرائها. وإذا لم يجد الإنسان مكانا في منى نزل حيث انتهت الخيام، ولو في مزدلفة؛ لقوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16، وقوله: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة/286. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: شخص حج وسكن خارج منى فماذا يلزمه؟ وما الضابط في المبيت في منى؟ فأجاب: " إذا لم يجد الإنسان مكانا في منى فلينزل حيث انتهت الخيام، أما إذا كان يجد مكانا فإن الواجب أن يبيت فيها. أما الضابط في المبيت فإنه يكون في منى معظم الليل، يعني أكثر الليل. لكن من نزل من منى مثلا لطواف الإفاضة في أول الليل ثم لم يتيسر له من الزحام أن يرجع إلا بعد طلوع الفجر فإنه لا شيء عليه ". وقال رحمه الله: " فالواجب على الإنسان أن يبحث عن مكان في منى قبل أن ينزل في مزدلفة، فإذا لم يجد مكانا فلينزل في مزدلفة ويبقى فيها، ولا يلزمه أن يذهب إلى منى يدور فيها بسيارته معظم الليل، أو يجلس على الأرصفة بين السيارات، وقد يكون ذلك خطرا عليه، فنقول: إذا لم تجد مكانا في منى فاجلس في مزدلفة، عند منتهى الخيام، ولا يلزمك شيء ما دمت بحثت عن مكان ولم تجد؛ لأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها " انتهى من " فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (23/240، 241) . وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " إذا اجتهد الحاج في التماس مكان في منى ليبيت فيه فلم يجد فلا حرج عليه أن ينزل خارجها، ولا فدية عليه؛ لعموم قول الله سبحانه: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (16/149) . وعلى هذا، فالواجب عليه أن يسجل في حملة تبيت في منى. أو يسجل في حملة تبيت في مزدلفة وفي نيته أنه سيبحث عن مكان في منى. فإن وجد بات فيه نصف الليل وإن لم يجد فلا حرج عليه من البقاء في مزدلفة. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 95374 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4087 يسكن في الظهران ووالداه في جدة فهل يحرم للعمرة من جدة؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا من جدة وانتقلت للعمل في الظهران حاليا وبصفة دائمة ووالدتي وإخوتي لازالوا هناك.. سؤالي.. إجازتي السنوية بعد أسبوعين (والهدف الأساسي هو الذهاب إليهم) وأفكر بالعمرة.. هل يلزمني الذهاب للميقات أم أني أحسب من أهل جدة خصوصا وأن الغرض الأساسي من ذهابي هناك هو زيارة أهلي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما دامت إقامتك في الظهران دائمة، فإذا سافرت لزيارة والديك في جدة، وأنت عازم على أداء العمرة، لزمك أن تحرم من الميقات الذي تمر عليه. أما إن كانت إقامتك في الظهران مؤقتة فأنت مخير بين الإحرام من الميقات، وبين إنشاء العمرة من جدة. قال في مطالب أولى النهى (2/298) : " ومن له منزلان , جاز أن يحرم من أقربَ لمكة وإحرامه من أبعدَ عن مكة أفضل , لأنها أشق على النفس ". سئل الشيخ ابن باز رحمه الله كما في "مجموع الفتاوى" (17/54) : أنا طالب أدرس في المنطقة الشرقية وأهلي في جدة وأريد الحج فمن أين أحرم هل من قرن المنازل أو من سكني في جدة؟ فأجاب: أنت مخير ما دمت من سكان جدة دون الميقات، وإذا أحرمت من قرن المنازل فهو أفضل وأولى لكونك وافداً وأخذت بالأكمل والأحوط، وإن قصدت أهلك ثم أحرمت منهم فلا بأس " انتهى. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن رجل متزوج ويسكن مع زوجته وأولاده في الرياض وأمه وأبوه في جدة فما الحكم؟ فأجاب: " هذا إذا جاء إلى جدة فهو مسافر، فهنا إذا أراد أن يذهب إلى أهله للزيارة، وهو مريد أن يعتمر نقول لا بد أن تحرم من الميقات؛ لأن وطنك الرياض، أما جدة فهي وطن أبيه وأمه، ولهذا لو كان في رمضان فله أن يفطر إذا سافر إلى مقر أبيه وأمه وهو ساكن في بلد آخر " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (21/ 329) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93418 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4088 المكي إذا خرج إلى الطائف وفي نيته الحج هل يلزمه الإحرام؟ [السُّؤَالُ] ـ[قمت أنا وزوجتي وعمتي ولله الحمد بأداء فريضة الحج للعام المنصرم1426 هـ أنا وزوجتي من سكان مكة المكرمة أما عمتي فهي من سكان مدينة الباحة وقد قامت بالسفر إلى مدينة الطائف حيث ذهبت أنا وزوجتي لإحضارها من مدينة الطائف إلى مكة المكرمة في اليوم السادس من ذي الحجة حيث أحرمت من ميقات " وادي محرم " وفي اليوم السابع قامت بأداء طواف القدوم وفي اليوم الثامن قمت أنا وزوجتي بالإحرام من منزلنا في مكة للحج وانطلقنا نحن الثلاثة لأداء فريضة الحج في إحدى الحملات .... سؤالي: هل يلزمنا فدية لأننا لم نحرم من ميقات " وادي محرم " أي أننا تجاوزناه أنا وزوجتي بدون أن نحرم منه لأننا من سكان مكة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج عليكم في تجاوز الميقات دون إحرام؛ لكونكم لم تريدوا الحج أو العمرة في ذلك الوقت، وفي نيتكم الإحرام في اليوم الثامن من منازلكم، لمفهوم قوله صلى الله عليه وسلم في المواقيت: (هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ) رواه البخاري (1524) ومسلم (1181) . وهكذا إذا خرج المكي إلى الطائف أو جدة، ثم رجع وهو غير مريد للنسك، فلا يلزمه الإحرام، على الراجح من قولي العلماء. جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/122) : " من مر على أي واحد من المواقيت التي ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو حاذاها جوا أو برا أو بحرا وهو يريد الحج أو العمرة وجب عليه الإحرام، وإذا كان لا يريد حجا ولا عمرة فلا يجب عليه أن يحرم " انتهى. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا خرج المكي إلى جدة مثلا ثم رجع إلى مكة في اليوم الخامس من ذي الحجة وهو يريد الحج من عامه فهل يلزمه الإحرام من جدة؟ وهل له أن يحرم بالعمرة ويكون متمتعا؟ فأجاب: " له أن يحرم بالعمرة ويكون متمتعا، وإذا كان يريد الحج لم يلزمه (يعني الإحرام من جدة) ؛ لأن أهله في مكة " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (21/326) . وقوله رحمه الله: " لأن أهله في مكة " المقصود أنه من أهل مكة أو المقيمين بها، فلا يؤثر كون أهلك خرجوا معك إلى الطائف، فالحكم واحد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 90074 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4089 أحرمت بالعمرة من مكة ونسيت شوطا أو شوطين من السعي [السُّؤَالُ] ـ[في السنة الماضية أخذت عمرة، ولكن بعد ثلاثة أو أربعة أيام من قدومي إلى مكة، وهناك قال لي البعض: إن الإحرام يكون من مكة وأنا زائرة؟ ثم أخذت العمرة بعد الإحرام من مكة، ولكن أظن أنني نسيت شوطين من السعي، وذلك بعد مراجعة نفسي، أو ربما شوطاً؟ وأنا أريد أن أذهب يوم الثلاثاء القادم إلى العمرة فماذا علي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا أحرمت بالعمرة من داخل مكة، ولم تخرجي إلى موضعٍ من الحِلِّ، كالتنعيم أو ما يسمى بمسجد عائشة رضي الله عنها، فقد فاتك واجب من واجبات العمرة، وهو الإحرام من الميقات، وميقات العمرة لأهل مكة ومن كان بها هو الحِلُّ، فيلزم من كان بها وأراد العمرة أن يخرج إلى أي مكان في الحِلِّ ليحرم منه، فإن لم يفعل لزمه دم، شاة تذبح وتوزع على فقراء الحرم، وراجعي السؤال رقم (48955) . ثانيا: ما ذكرتيه من نقص أشواط السعي إن كان مجرد شك أو ظن حصل بعد فراغك من السعي، فلا عبرة به؛ لأن الشك بعد الفراغ من العبادة لا يؤثر. قال ابن قاسم العبادي في حاشيته على "تحفة المحتاج" (4/81) : " ولو شك في العدد قبل تمامه أخذ بالأقل إجماعا , وإن ظن خلافه أو شك في ذلك بعده أي بعد فراغه لم يؤثر " انتهى. وإن تيقنت أنك سعيت ستة أشواط أو خمسة، فإن سعيك لم يكتمل، وتحللك من عمرتك لا يصح، لبقاء ركن من أركان العمرة وهو السعي، فلا تزالين على إحرامك، ويلزمك ثلاثة أمور: الأول: أن تجتنبي جميع محظورات الإحرام؛ لأنك لازلت على إحرامك. الثاني: أن تعودي إلى مكة فتأتي بالسعي من أوله. الثالث: أن تتحللي بالأخذ من شعرك قدر أنملة؛ لأن تحللك الأول وقع قبل تمام النسك، فلم يُعتدّ به. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن رجل أدى عمرة ولكن سعيه ناقص شوطاً فماذا يلزمه؟ فأجاب: "هذا الرجل لا يزال على إحرامه، يجب أن يخلع ثيابه ويتجنب محظورات الإحرام، ويلبس ثياب الإحرام من بلده الذي هو فيها فوراً، ويذهب إلى مكة ويسعى من جديد، لأنه إلى الآن في عمرته" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (22/435) . وما ارتكبتيه من محظورات الإحرام خلال هذه المدة، إن كان عن جهل بالحكم، فلا شيء عليك فيه، وإن كان مع علمك بأنك لا تزالين محرمة، فتلزمك الفدية عنه. وراجعي السؤال رقم (36522) . ثالثا: لا يشرع لك الإحرام بالعمرة من الميقات في سفرك القريب المذكور (يوم الثلاثاء) ؛ لأنك لا زلت على إحرامك بالعمرة الأولى كما سبق، لكن إذا وصلت مكة، وأتممت عمرتك الأولى وتحللتِ منها، ثم أردت الاعتمار ثانيا، فإنك تخرجين إلى التنعيم أو أي موضعٍ من الحل، وتحرمين بالعمرة. نسأل الله تعالى أن يتقبل منا ومنك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 79347 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4090 أحرمت بالعمرة من مكة فماذا عليها؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا من سكان مكة وأردت العمرة ولم أذهب للميقات لإصرار أخي أنه لا يلزم ذلك، ولكن أنا أعلم بوجوب الميقات. ما الحكم؟ وإذا كان عليّ دم عمرة وأردت إرساله لخارج المملكة فهل يجوز ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: من كان بمكة وأراد أن يعتمر فإنه يجب عليه الخروج إلى الحل (خارج حدود الحرم) ليحرم بالعمرة، ولا يجوز له أن يحرم بالعمرة من مكة، فإن فعل ذلك فعليه عند جمهور العلماء دم أي: يذبح شاة في مكة ويوزعها على مساكين الحرم. روى البخاري (1556) ومسلم (1211) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. . . فذكرت الحديث وقالت: فَلَمَّا قَضَيْنَا الْحَجَّ أَرْسَلَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ إِلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرْتُ. وروى البخاري (1215) ومسلم (1211) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْتَمَرْتُمْ وَلَمْ أَعْتَمِرْ. فَقَالَ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، اذْهَبْ بِأُخْتِكَ فَأَعْمِرْهَا مِنْ التَّنْعِيمِ، فَأَحْقَبَهَا عَلَى نَاقَةٍ فَاعْتَمَرَتْ. (أَحْقَبَهَا) أي أركبها خلفه. وفي رواية للبخاري ومسلم: قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن: (اخْرُجْ بِأُخْتِكَ مِنْ الْحَرَمِ فَلْتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ) . قال النووي: (اُخْرُجْ بِأُخْتِك مِنْ الْحَرَم فَلْتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ) فِيهِ دَلِيل لِمَا قَالَهُ الْعُلَمَاء أَنَّ مَنْ كَانَ بِمَكَّة وَأَرَادَ الْعُمْرَة فَمِيقَاته لَهَا أَدْنَى الْحِلّ , وَلا يَجُوز أَنْ يُحْرِم بِهَا مِنْ الْحَرَم. . . قَالَ الْعُلَمَاء: وَإِنَّمَا وَجَبَ الْخُرُوج إِلَى الْحِلّ لِيَجْمَع فِي نُسُكه بَيْن الْحِلّ وَالْحَرَم , كَمَا أَنَّ الْحَاجّ يَجْمَع بَيْنهمَا فَإِنَّهُ يَقِف بِعَرَفَاتٍ وَهِيَ فِي الْحِلّ , ثُمَّ يَدْخُل مَكَّة لِلطَّوَافِ وَغَيْره هَذَا تَفْصِيل مَذْهَب الشَّافِعِيّ , وَهَكَذَا قَالَ جُمْهُور الْعُلَمَاء أَنَّهُ يَجِب الْخُرُوج لإِحْرَامِ الْعُمْرَة إِلَى أَدْنَى الْحِلّ , وَأَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِهَا فِي الْحَرَم وَلَمْ يَخْرُج لَزِمَهُ دَم. وَقَالَ عَطَاء: لا شَيْء عَلَيْهِ. وَقَالَ مَالِك: لا يُجْزِئهُ حَتَّى يَخْرُج إِلَى الْحِلّ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: وَقَالَ مَالِك: لا بُدّ مِنْ إِحْرَامه مِنْ التَّنْعِيم خَاصَّة. قَالُوا: وَهُوَ مِيقَات الْمُعْتَمِرِينَ مِنْ مَكَّة , وَهَذَا شَاذّ مَرْدُود , وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْجَمَاهِير أَنَّ جَمِيع جِهَات الْحِلّ سَوَاء , وَلا تَخْتَصّ بِالتَّنْعِيمِ. وَاَللَّه أَعْلَم اهـ. وأما من كان بمكة وأراد أن يحرم بالحج فإنه يحرم من موضعه بمكة ولا يلزمه الخروج إلى الحل. ودليل ذلك ما رواه البخاري (1524) ومسلم (1181) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلأَهْلِ الشَّأْمِ الْجُحْفَةَ وَلأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ وَلأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ. قال الحافظ: (حَتَّى أَهْل مَكَّة مِنْ مَكَّة) أَيْ لَا يَحْتَاجُونَ إِلَى الْخُرُوج إِلَى الْمِيقَات لِلإِحْرَامِ مِنْهُ بَلْ يُحْرِمُونَ مِنْ مَكَّة, وَهَذَا خَاصّ بِالْحَاجِّ. وَأَمَّا الْمُعْتَمِر فَيَجِب عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُج إِلَى أَدْنَى الْحِلّ. قَالَ الْمُحِبّ الطَّبَرِيُّ: لا أَعْلَم أَحَدًا جَعَلَ مَكَّة مِيقَاتًا لِلْعُمْرَةِ اهـ. وقال الشيخ ابن عثيمين في "مناسك الحج والعمرة" (ص 27) بعد أن ذكر المواقيت، قال: ومن كان أقرب إلى مكة من هذه المواقيت فميقاته مكانه فيحرم منه، حتى أهل مكة يحرمون من مكة إلا في العمرة فيحرم من كان في الحرم من أدنى (أي أقرب) الحل اهـ. ثم استدل بحديث عائشة المتقدم مع أخيها عبد الرحمن. ثانيا: يجب ذبح الشاة بمكة وتوزيعها على مساكين الحرم، ولا يجوز توزيعها خارج مكة. وذلك لقول الله تعالى في جزاء الصيد في الإحرام: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ) المائدة /95. وقوله تعالى: (ثُمَّ مَحِلُّهَا إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) . وسئلت اللجنة الدائمة عن جماعة أحرموا بالعمرة من كدى (مكان بمكة) ولم يخرجوا إلى التنعيم. فأجابت: أخطأ هؤلاء الذين أحرموا بالعمرة من كدى، لأن كدى ليست من الحل، بل من الحرم، وليست كالتنعيم، ولا الجعرانة، لأن كلا من التنعيم والجعرانة من الحل، وقد اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم من الجعرانة، ولم يعتمر من التنعيم، وإنما أمر عبد الرحمن بن أبي بكر أن يذهب مع أخته عائشة لتحرم بالعمرة من التنعيم، لأنها أقرب مكان من الحل إلى الحرم، ولو كان الإحرام بالعمرة داخل حدود الحرم جائزا شرعا لأذن لعائشة أن تحرم من مكانها بالأبطح، ولم يكلفها وأخاها الذهاب إلى التنعيم للإحرام منه بالعمرة، لما في ذلك من المشقة دون حاجة وهم على سفر، وكان صلى الله عليه وسلم إذا خير بين أمرين اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، وقياس كدى على التنعيم والجعرانة غير صحيح،لأن الإحرام من المواقيت تعبدي وعمرتهم صحيحة، وعلى كل منهم ذبيحة لإحرامهم بالعمرة من الحرم اهـ. وقال الشيخ ابن عثيمين في فتاوى أركان الإسلام (صـ 515) : فيجب على من أراد الحج أو العمرة إذا مر بالميقات أن يهل منه، ولا يتجاوزه، فإن فعل وتجاوز وجب عليه أن يرجع ليحرم منه، وإذا رجع وأحرم منه فلا فدية عليه، فإن أحرم من مكانه ولم يرجع فعليه عند أهل العلم فدية يذبحها ويوزعها على فقراء مكة اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 48955 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4091 المرور على الميقات من غير إحرام وهو يريد العمرة أو الحج [السُّؤَالُ] ـ[انتدبت للعمل كطبيب خلال موسم الحج ولا أستطيع عمل عمرة عند دخولي مكة ولا أستطيع ارتداء ملابس الإحرام، فماذا عليَّ أن أفعله إذا تبقى لديَّ يومان بعد انتهائي من عملي لكي أقوم بأداء عمرة قبل عودتي إلى مدينتي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إذا لم تكن جازماً بعمل العمرة في ذلك السفر، فإنه لا يلزمك الإحرام من الميقات، فإذا عزمت عليها وأنت في مكة فإنك تخرج إلى خارج الحرم (التنعيم أو غيره) لتحرم بالعمرة. أما إذا كنت جازماً بفعل العمرة في ذلك السفر فكان الواجب عليك أن تحرم من الميقات، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: وقَّت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، فهنَّ لهنَّ ولمن أتى عليهنَّ من غير أهلهن لمن كان يريد الحج والعمرة، فمن كان دونهن فمهلُّه من أهله، وكذاك حتى أهل مكة يهلون منها. رواه البخاري (1454) ومسلم (1181) . فمن مرَّ على ميقات من هذه المواقيت مريداً الحج أو العمرة فإنه يجب عليه أن يُحرم منه، فإن كان يسكن دون هذه المواقيت فإنه يُحرم من مكانه، فإن كان في مكة فإنه يُحرم للحج من مكانه، ويحرم للعمرة من أي مكان من الحل كالتنعيم أو عرفة؛ لحديث عائشة رضي الله عنها لما أرادت العمرة بعد حجها، أمر النبي صلى الله عليه وسلم أخاها أن يخرج بها إلى الحل لتحرم بالعمرة من هناك. متفق عليه. وانظر السؤال (32845) . ثانياً: إن مرَّ مريد الحج والعمرة على الميقات دون أن ينوي الإحرام منه: فإنه يلزمه أن يرجع إلى الميقات الذي مرَّ عليه ليحرم منه، فإن لم يفعل وأحرم من مكانه فإنه يلزمه – على قول جمهور العلماء – ذبح شاة في مكة وتوزيعها على مساكين الحرم. سئل علماء اللجنة الدائمة عمن سافر من أجل العمل في موسم الحج، ويقيمون خارج مكة، ولم يحرموا من الميقات، فمن أين يحرمون؟ فأجابت: " بالنسبة للإحرام للعمرة أو الحج مادام أنكم ذهبتم للعمل وتجاوزتم الميقات فإذا أراد أحد الإحرام فإنه يحرم من مكانه داخل الميقات؛ لأنه دخل بنية العمل، وقد قال صلى الله عليه وسلم عند ذكر المواقيت: (ومن كان دون ذلك فمهله من حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة) إلا من كان منكم عازماً على الحج أو العمرة حين مروره على الميقات فإن عليه أن يرجع إلى الميقات ليحرم منه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما وقَّت المواقيت: (هنَّ لهنَّ ولمن أتى عليهنَّ من غير أهلهنَّ ممن أراد الحج والعمرة) " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/140، 141) . وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: " من تجاوز الميقات بدون إحرام فلا يخلو من حالين: إما أن يكون مريداً للحج والعمرة: فحينئذٍ يلزمه أن يرجع إليه ليحرم منه بما أراد من النسك – الحج أو العمرة - فإن لم يفعل فقد ترك واجباً من واجبات النسك، وعليه عند أهل العلم فدية: دم يذبحه في مكة، ويوزعه على الفقراء هناك. وأما إذا تجاوزه وهو لا يريد الحج والعمرة: فإنه لا شيء عليه " انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (21/السؤال رقم 341) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69934 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4092 ميقات أهل مكة في العمرة [السُّؤَالُ] ـ[من أين يحرم أهل مكة للعمرة؟ وإذا كان مصيفهم في الهدا (وهو قبل الميقات) أين يحرمون للعمرة أيضاً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أهل مكة يحرمون للعمرة من خارج الحرم كالتنعيم، وإذا سكنوا في الهدا وقت الصيف فإنهم يحرمون للعمرة من مكانهم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما وقت المواقيت: (.. ومن كان دون ذلك فمهله من حيث أنشأ، حتى أهل مكة يهلون من مكة) متفق عليه، وثبت في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم أمر عائشة لمَّا أرادت العمرة وهي في مكة أن تحرم من الحل. (أي: خارج الحرم) وبالله التوفيق [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/129) . الحديث: 43065 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4093 ميقات أهل السودان والصومال وأثيوببيا [السُّؤَالُ] ـ[من أين يحرم أهل أثيوبيا والصومال والسودان؟ وما حكم من آتى منهما للحج أو العمرة بدون إحرام ثم أحرم بعد أيام وذهب إلى مكة مباشرة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ميقات أهل أثيوبيا والصومال إذا جاءوا من الجنوب فإنهم يحاذون يلملم التي وقتها النبي صلى الله عليه وسلم لأهل اليمن، فيحرمون إذا حاذوها، وإن جاءوا من شمال جدة فميقاتهم الجحفة التي وقتها النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الشام، وجعل الناس بدلاً منها رابغ، لأنها خربت، أما إذا جاءوا من بين ذلك قصداً إلى جدة فإن ميقاتهم جدة، لأنهم يصلون إلى جدة قبل محاذات الميقاتين المذكورين، وكذلك أهل السودان إذا جاءوا قصداً إلى جدة فميقاتهم جدة، وإن جاءوا من الناحية الشمالية فإن ميقاتهم إذا حاذوا الجحفة أو رابغاً، وإن جاءوا من الناحية الجنوبية فإن ميقاتهم إذا حاذوا يلملم، فيكون ميقات أهل تلك البلاد مختلف بحسب الطريق الذي جاءوا منه. هذا إذا جاءوا للعمرة أو للحج. أما من جاء للعمل وقد أدى فريضة العمرة والحج فإنه لا يجب أن يحرم؛ لأن الحج والعمرة لا يجبان إلا مرة واحدة في العمر، فإذا أداهما الإنسان لم يجبا عليه مرة أخرى، اللهم إلا بنذر. ومن قدم للحج أو للعمرة ولم يحرم إلا بعد أن جاوز الميقاتين وقد مر بأحدهما فإن أهل العلم يقولون: إن إحرامه صحيح، ولكن عليه دم يذبح في مكة ويوزع على الفقراء؛ لأنه ترك واجباً من واجبات الإحرام وهو كونه من الميقات، فمن حصل له مثل ذلك فعليه ذبح الدم في مكة يوزع على الفقراء إن كان غنياً، وإن كان فقيراً فليس عليه شيء، لقول الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16. انظر: "فتاوى ابن عثيمين" (21/283، 284) . وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن ميقات أهل السودان، فأجاب: " على حسب الطريق، إن كان طريقهم يمر بميقات الجحفة لزمهم الإحرام إذا حاذوها، وإن كان طريقهم لا يحاذي ميقاتاً قبل جدة فإنهم يحرمون منها، إذا كانوا ممن أراد الحج والعمرة " انتهى. "فتاوى ابن باز" (17/35) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 41978 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4094 من أين يحرم من لم يمر على الميقات؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا لم يمر المحرم على شيء من المواقيت المعروفة فمن أين يحرم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " إذا كان لا يمر بشيء من هذه المواقيت فإنه ينظر إلى حذو الميقات الأقرب إليه (فيحرم منه) ، إذا مر في طريق بين يلملم وقرن المنازل ينظر أيهما أقرب إليه، فإذا حاذى أقربهما إليه أحرم من محاذاته، ويدل لذلك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جاءه أهل العراق وقالوا: يا أمير المؤمنين إن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل نجد قرناً، وإنها جَوْر عن طريقنا - يعني فيها ميول وبعد عن طريقنا - فقال رضي الله عنه: انظروا إلى حذوها من طريقكم. فأمرهم أن ينظروا إلى محاذاة قرن المنازل ويحرموا، هكذا جاء في صحيح البخاري، وفي حكم عمر رضي الله عنه - هذا فائدة جليلة، وهي أن الذين يأتون عن طريق الطائرات وقد نووا الحج أو العمرة ويمرون بهذه المواقيت إما فوقها أو عن يمينها أو يسارها يجب عليهم أن يحرموا إذا حاذوا هذه المواقيت، ولا يحل لهم أن يؤخروا الإحرام حتى ينزلوا في جدة، كما يفعله كثير من الناس، فإن هذا خلاف ما حدده النبي عليه الصلاة والسلام، وقد قال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) الطلاق/1. وقال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) البقرة/229. فعلى الإنسان إذا جاء عن طريق الجو وهو يريد الحج أو العمرة أن يكون متهيئاً للإحرام في الطائرة، فإذا حاذى أول ميقات يمر به وجب عليه أن يحرم، أي أن ينوي الدخول في النسك ولا يؤخر هذا حتى يدخل في مطار جدة " انتهى. [الْمَصْدَرُ] "فتاوى ابن عثيمين" (21/276) . الحديث: 40965 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4095 ميقات العمرة لأهل جدة [السُّؤَالُ] ـ[أنا ساكن في جدة وأنا طالب في الجامعة ومتزوج وأهلي يسكنون (أبي وأمي) في مكة وسوف أذهب إلى مكة لزيارتهم والبقاء عندهم إلى يوم السبت , فهل يجوز لي ولزوجتي الإحرام للعمرة يوم السبت من جعرانة لأنها قريبة من سكن أهلي في الشرائع.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كنت عازما على العمرة في سفرك هذا فالواجب عليك أن تحرم بها من جدة، لأن جدة أقرب إلى مكة من الميقات، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن ذكر المواقيت: (فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمُهَلُّهُ مِنْ أَهْلِهِ،.. حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا) . رواه البخاري (1526) . وفي حديث آخر: (وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ) . رواه البخاري (1524) . قال الشيخ ابن باز رحمه الله: جدة ميقات لأهلها والمقيمين بها اهـ فتاوى ابن باز (17/34) . وفي فتاوى اللجنة الدائمة (11/126) : وأما جدة فهي ميقات لأهل جدة والمقيمين بها إذا أراد حجاً أو عمرة اهـ والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37734 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4096 العبرة بميقات الوكيل [السُّؤَالُ] ـ[لقد توفي رجل قبل سنتين ولم يستطع إلى الحج سبيلاً، والآن عائلته وأولاده يرغبون في الحج نيابة عنه، ولكن ليس عندهم فلوس بقدر ما يكفي لهم لإركاب أحد من باكستان ليقوم بالحج عنه، ولذلك يريدون توكيل أحد المسلمين الموجودين بمكة المكرمة ويعطونه مصاريف الحج والهدي. فهل يتم الحج هكذا عنه، ويناله من ثوابه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصحيح من قولي العلماء أن العبرة بميقات النائب عن غيره وهو الذي يباشر الحج بنفسه، وليست العبرة بميقات من يحج ويعتمر عنه، وعلى هذا يجوز أن توكلوا من يحج عن والدكم من أهل مكة ونحوها من البلاد القريبة من الحرم. [الْمَصْدَرُ] انظر فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/134) الحديث: 36946 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4097 يشق عليه الإحرام في الطائرة فماذا يفعل [السُّؤَالُ] ـ[إذا أراد الحج أو العمرة، ويشق عليه الإحرام بالطائرة، ثم هو مع ذلك لا يعرف مقدار الميقات، فهل له تأخير الإحرام إلى جدة أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا أراد الحج والعمرة وهو في الطائرة فله أن يغتسل في بيته، ويلبس الإزار والرداء إن شاء، وإذا بقي على الميقات شيء قليل أحرم بما يريد من حج أو عمرة، وليس في ذلك مشقة، وإذا كان لا يعرف الميقات فإنه يسأل قائد الطائرة، أو أحد المساعدين له، أو أحد المضيفين، أو الركاب ممن يثق به من أهل الخبرة بذلك. وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/153) الحديث: 36606 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4098 أقام في جدة ثلاثة أيام ثم أحرم منها [السُّؤَالُ] ـ[بعض الناس يقول للقادمين إلى جدة للحج أو العمرة: اجلسوا في جدة ثلاثة أيام ثم أحرموا منها، وكثير من الناس يفعلون هذا. فهل هذا الفعل صحيح؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الفعل غير صحيح، والواجب عليهم أن يحرموا من الميقات، فإذا تجاوزوه من غير إحرام وجب عليهم الرجوع إليه ليحرموا منه، فإذا لم يفعلوا وأحرموا من جدة فعليهم ذبح شاة، تذبح وتوزع في مكة على المساكين. وقد سئل الشيخ ابن باز عن هذه المسألة، فأجاب: يلزمهم أن يعودوا إلى ميقاتهم إذا كانوا قادمين للحج أو العمرة ولا يجوز لهم تجاوز الميقات بدون إحرام؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام لما وقّت المواقيت لأهل المدينة والشام ونجد واليمن وغيرهم قال: (هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة) فلا بد أن يحرموا من الميقات الذي يمرون عليه إذا كانوا قاصدين الحج أو العمرة فيحرموا منه، فإذا تجاوزوه فإن عليهم الرجوع إليه، فإن تجاوزوه ولم يرجعوا وأحرموا بعده لزمهم دم، وهكذا إن عجزوا عن الرجوع إليه أحرموا من مكانهم وعليهم دم يجزئ في الأضحية يذبح في مكة للفقراء ويقسم بينهم اهـ. فتاوى الشيخ ابن باز (17/36) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36646 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4099 سيسافر إلى جدة ولا يدري هل يتمكن من الحج أو لا؟ [السُّؤَالُ] ـ[سأسافر إلى جدة للعمل قبل الحج إن شاء الله تعالى، وفي نيتي أن أحج إذا تمكنت من ذلك، مع العلم أني قد لا أتمكن من الحج بسبب ظروف العمل. فمن أين أحرم بالحج؟ هل أرجع إلى الميقات أم أحرم من جدة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس عليك الرجوع إلى الميقات، بل تحرم من مكانك الذي عزمت على الحج وأنت فيه، سواء كان من جدة أو غيرها، وذلك لأنك لما مررت بالميقات لم تكن عازماً عزماً جازماً على الحج. قال الشيخ ابن باز: من أتى مكة وهو ينوي الحج إن تيسر له ثم تيسر له ذلك فعزم على الحج فإنه يحرم من مكانه سواء كان داخل المواقيت أو في مكة. أما إن كان يعلم أنه يسمح له بذلك فإنه يلزمه الإحرام بالحج من الميقات الذي يمر عليه إذا مر عليه وهو عازم على الحج، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة، ومن كان دون ذلك فمهله من حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة) . متفق عليه اهـ. فتاوى ابن باز (17/53) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36359 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4100 الاستعداد للإحرام قبل الميقات بنحو (3) ساعات [السُّؤَالُ] ـ[نبعد عن مكة حوالي (300) كيلو متر وهذه المسافة لا تستغرق بالسفر في السيارة أكثر 3 ساعات، فهل يجوز لنا أن نغتسل ونلبس ثياب الإحرام في بيوتنا ثم نسافر إلى مكة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم يجوز ذلك، ولكن لا تحرموا إلا عند المرور بالميقات. وقد سئل الشيخ ابن باز عمن يبعد عن مكة (350) كيلو متر ويسافر إليها بالسيارة هل يجوز له أن يستعد للإحرام في بلده بالاغتسال ولبس ثياب الإحرام؟ وهل يجوز أن يحرم من بلده؟ فأجاب: لا حرج في الاغتسال ولبس ملابس الإحرام والتطيب من منازلهم لقربهم من الميقات بواسطة السيارات لكن المشروع لهم ألا يحرموا إلا من الميقات، والإحرام هو نية الدخول في النسك هذا هو الإحرام، ثم يشرع لهم مع النية التلفظ بالنسك فيقول لبيك عمرة أو لبيك حجاً، ثم يلبي التلبية الشرعية وهي: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك. وفق الله الجميع لما فيه رضاه اهـ. فتاوى ابن باز (17/51) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36402 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4101 من أين أحرم النبي صلى الله عليه وسلم [السُّؤَالُ] ـ[هل الرسول صلى الله عليه وسلم أحرم واغتسل من المدينة المنورة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أحرم النبي صلى الله عليه وسلم من ذي الحليفة (وتسمى الآن أبيار علي) ، أي: أهلَّ بالنسك ولبَّى به منها لا من المدينة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت المواقيت المكانية لنسك الحج والعمرة، فجعل ذا الحليفة ميقاتاً لأهل المدينة، وما كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بشيء ويخالفه، وقد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة، ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة) رواه البخاري (1524) ومسلم (1181) وثبت عن سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم أنه سمع أباه يقول: (ما أهلَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من عند المسجد، يعني: مسجد ذي الحليفة) رواه البخاري (1541) ومسلم (1186) ، واغتسل بذي الحليفة أيضاً؛ لما روي عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم تجرد لإهلاله واغتسل. رواه الترمذي وحسنه (وصححه الألباني في المشكاة 2547) وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/124) . الحديث: 34902 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4102 يريد أن يعتمر عن نفسه وعن أبيه المتوفى [السُّؤَالُ] ـ[ما هي الخطوات السليمة لأداء مناسك العمرة عن أبى المتوفى بعد أدائها لنفسى؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عليك أن تحرم بالعمرة عن نفسك من الميقات الذي ستمر به، ثم إذا أتممت العمرة عن نفسك بالطواف والسعي والتقصير من شعرك تخرج إلى التنعيم أو غيره من الحل (خارج الحرم) ثم تحرم عن أبيك بالعمرة فتقول: لبيك اللهم بعمرة عن أبي، ثم تطوف وتسعى وتحلق أو تقصر، والحلق أفضل. ولا يلزمك الرجوع إلى الميقات للإحرام بالعمرة عن أبيك. قال الشيخ ابن باز: إذا أردت الحج أو العمرة لك أو لغيرك من الأموات أو العاجزين عن أدائها لكبر سن أو مرض لا يرجى برؤه، فإن الواجب عليك أن تحرم من الميقات الذي تمر عليه وأنت قاصد الحج أو العمرة فإذا فرغت من أعمال العمرة أو الحج فلا حرج عليك أن تأخذ عمرة لنفسك من أدنى الحل كالتنعيم والجعرانة ونحوهما، ولا يلزمك الرجوع إلى الميقات؛ لأن عائشة رضي الله عنها أحرمت بالعمرة من ميقات المدينة مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فلما فرغت من حجها وعمرتها استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة مفردة فأمر أخاها عبد الرحمن أن يذهب بها إلى التنعيم فاعتمرت بعد الحج ولم يأمرها بالرجوع إلى الميقات. وكانت قد أدخلت الحج على عمرتها التي أحرمت بها من الميقات بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لما حاضت قبل أن تؤدي أعمالها. وبالله التوفيق اهـ فتاوى ابن باز (17/15) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 34594 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4103 ميقات حجاج استراليا [السُّؤَالُ] ـ[نحن نعيش في استراليا، وفي هذا العام يريد وفد كبير من مسلمي استراليا القيام بفريضة الحج، ونحن نسافر من سدني مثلاً وأول محطة لنا وهي أحد ثلاث موانئ جوية: جدة، أبو ظبي، البحرين، فأين ميقات إحرامنا؟ هل نحرم من سدني أو من أي مكان آخر؟ أرجو الإجابة ولكم الشكر.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليست سدني ولا أبو ظبي ولا البحرين ميقاتاً لحج ولا عمرة، وليست جدة ميقاتاً لمثلكم، وإنما هي ميقاتٌ لأهلها. ويجب أن تحرموا إذا كنتم مررتم جواً فوق أول ميقات تمرون عليه قاصدين إلى مكة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا وقت المواقيت: (هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة) ، وبإمكانكم أن تسألوا مُضِيف الطائرة قبل المرور عليه، وإن نويتم الدخول في الإحرام بالحج أو العمرة ولبيتم بذلك قبل الميقات الذي ستمرون عليه خشية أن تتجاوزوه غير محرمين فلا بأس، أما التهيؤ للإحرام بتنظيف أو غسل أو ارتداء ملابس الإحرام فيجوز في أي مكان. وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/131) . الحديث: 34183 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4104 تجاوز الميقات لمن نوى الحج أو العمرة ثم الرجوع إليه [السُّؤَالُ] ـ[حاج ينوي الحج ولكنه له غرض في مكة ثم إلى المدينة، وتجاوز الميقات ولم يحرم، ودخل مكة ثم سافر إلى المدينة وأحرم من ميقات المدينة حاجاً. فما حكم تصرفه هذا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله مادام أن الحاج خرج إلى ميقات أهل المدينة، وأتى محرماً فلا شيء عليه في دخوله بدون إحرام، وكان الأولى له أن يدخل من ميقاته الأول محرماً. وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/155) الحديث: 34296 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4105 تجاوز الميقات من غير أن يحرم [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من تجاوز الميقات من غير أن يحرم وهو يريد الحج؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من مَرَّ على الميقات وهو يريد الحج أو العمرة وجب عليه الإحرام من الميقات، فإن تجاوزه ولم يحرم وجب عليه الرجوع ليحرم منه، فإن لم يفعل وأحرم بعد مجاوزته للميقات فالمشهور عند العلماء أن عليه دماً، فيذبح شاة في مكة ويوزعها على المساكين. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: من جاوز الميقات لحجٍّ أو عمرة ولم يحرم وجب عليه الرجوع والإحرام بالحج والعمرة من الميقات؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بذلك بقوله: " يهل أهل المدينة من ذي الحليفة ويهل أهل الشام من الجحفة ويهل أهل نجد من قرن ويهل أهل اليمن من يلملم " … . فإذا كان قصده الحج أو العمرة يلزمه الإحرام من الميقات الذي يمر عليه فإذا كان من طريق المدينة أحرم من ذي الحليفة، وإن كان من طريق الشام أو مصر أو المغرب أحرم من الجحفة من رابغ الآن وإن كان من طريق اليمن أحرم من يلملم وإن كان من طريق نجد أو الطائف أحرم من وادي قرن ويسمى حاليا " السيل " ويسميه بعض الناس " وادي محرم " فيحرم من ذلك بحجة أو عمرة أو بهما جميعا..إلخ فتاوى إسلامية (2 / 201) . قال الشيخ بن جبرين: فمن أحرم بعد ما جاوز الميقات فعليه دم جبران، والله أعلم اهـ "فتاوى إسلامية" (2/198) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 33798 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4106 إشكال في ميقات أهل مكة للعمرة [السُّؤَالُ] ـ[ماذا يقول العلماء في حديث عائشة رضي الله عنها الذي ورد فيه خروجها إلى التنعيم للعمرة وحديث ابن عباس رضي الله عنهما الذي ورد فيه: «حتى أهل مكة يهلون منها، ممن أراد الحج أو العمرة» ، وكيف نجمع بينهما؟ بينوا لنا الرأي الصحيح الموافق للكتاب والسنة، ومن أين يحرم أهل مكة للعمرة، من التنعيم أم من مكة المكرمة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يحسن أن نذكر أولاً لفظ الحديثين ثم نبين وجه الجمع بينهما. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (وقّت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، قال: «فهن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة، ومن كان دونهن فمهله من أهله، وكذلك أهل مكة من مكة» رواه البخاري ومسلم. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم المحصب (اسم مكان) ، فدعا عبد الرحمن بن أبي بكر فقال: «اخرج بأختك من الحرم (وفي رواية إلى التنعيم) فلتهل بالعمرة، ثم لتطف بالبيت، فإني أنتظركما هاهنا» ، قالت: فخرجنا فأهللت، ثم طفت بالبيت وبالصفا والمروة، فجئنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في منزله في جوف الليل، فقال: «هل فرغت؟» فقلت: نعم، فأذن في أصحابه بالرحيل، فخرج فمر بالبيت فطاف به قبل صلاة الفجر، ثم خرج إلى المدينة. رواه البخاري ومسلم. وعلى هذا يقال: إن حديث ابن عباس رضي الله عنهما عام في أن أهل مكة يحرمون من مكة بالحج مفرداً وبالعمرة مفردة وبالحج والعمرة قراناً، وحديث خروج عائشة من الحرم مع أخيها عبد الرحمن لتحرم من التنعيم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وإرشاده خاص، والقاعدة المعروفة المسلمة عند العلماء: أن العام والخاص إذا تعارضا حُمِل العام على الخاص، فيُعمل بالخاص، وهو هنا الإحرام بالعمرة من التنعيم، أو غيره من الحل، فيكون معنى «حتى أهل مكة من مكة» : أن أهل مكة يحرمون بالحج مفرَدَاً أو بالحج والعمرة قراناً، لا يحتاجون إلى الخروج إلى الحل، أو إلى ميقات من المواقيت الأخرى المذكورة في الحديث؛ ليحرموا منه بذلك. أما العمرة مفردة فعلى من أراد الإحرام بها وهو في مكة أو داخل حدود الحرم أن يخرج إلى الحل -التنعيم أو غيره - ليحرم بها، وبهذا قال جمهور العلماء، بل قال المحب الطبري: لا أعلم أحداً جعل مكة ميقاتاً للعمرة. اهـ. فيتعين حمل قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس رضي الله عنهما: «حتى أهل مكة من مكة» على القارن والمفرد، دون المعتمر عمرة مفردة. ويؤيد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، فلو كان الإحرام بالعمرة مفردة من الحرم مأذوناً فيه لاختاره لعائشة؛ لكونه أيسر وأقل التزاماً وكلفة بالنسبة له ولعائشة وأخيها، ولم يأمرها بالخروج إلى الحل أو التنعيم؛ لتحرم منه، فعدوله عن الإحرام من الحرم وهو أيسر للجميع إلى الإحرام من الحل مع ما فيه من المشقة والكلفة التي لا توجد في الأمر الأول دليل على أن الإحرام بالعمرة من الحل دون الحرم مقصود إليه مأمور به شرعاً لمن أراد أن يعتمر عمرة مفردة وهو بالحرم. وبالله التوفيق. انظر اللجنة الدائمة (11/143) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 32845 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4107 هل تضاعف الصلاة في حرم المدينة؟ [السُّؤَالُ] ـ[الصلاة في حدود الحرم النبوي أجرها مثل الصلاة في الحرم , وكذلك مكة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: ثبت تضعيف أجر الصلاة في المسجد الحرام والمسجد النبوي فيما رواه أحمد وابن ماجه (1406) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ) . والحديث صححه المنذري والبوصيري، وقال الألباني: " سنده صحيح على شرط الشيخين " انتهى من "إرواء الغليل" (4/146) . ثانيا: سبق في جواب السؤال رقم (124812) ذكر الخلاف في " المسجد الحرام " الذي ثبت فيه التضعيف هل يختص بمسجد الكعبة أم يشمل ما كان داخل حدود الحرم، وبَيَّنَّا أن الراجح هو الأول. ثالثا: حرم المدينة لا تضعيف فيه، بل التضعيف مختص بالمسجد الذي بناه الرسول صلى الله عليه وسلم، واختلف الفقهاء في حصول ذلك في الزيادة التي طرأت على المسجد بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، والجمهور على أن الصلاة تضاعف فيها كما تضاعف في أصل المسجد. واستدلوا على ذلك ببعض الآثار. قال ابن رجب رحمه الله: " وحكم الزيادة حكم المزيد فيه في الفضل أيضا، فما زيد في المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم كله سواء في المضاعفة والفضل. وقد قيل: إنه لا يعلم عن السلف في ذلك خلاف، إنما خالف فيه بعض المتأخرين من أصحابنا، منهم ابن عقيل وابن الجوزي، وبعض الشافعية. ولكن قد روي عن الإمام أحمد التوقف في ذلك: قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: الصف الأول في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أي صف هو، فإني رأيتهم يتوخون دون المنبر، ويدعون الصف الأول؟ قال: ما أدري. قلت لأبي عبد الله: فما زيد في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فهو عندك منه؟ فقال: وما عندي، إنما هم أعلم بهذا - يعني: أهل المدينة. وقد روى عمر بن شبة في كتاب أخبار المدينة بإسناد فيه نظر عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو بني هذا المسجد إلى صنعاء لكان مسجدي) فكان أبو هريرة يقول: لو مد هذا المسجد إلى باب داري ما عدوت أن أصلي فيه. وبإسناد فيه ضعف عن أبي عمرة قال: زاد عمر في المسجد في شاميه، ثم قال: لو زدنا فيه حتى نبلغ الجبانة كان مسجد النبي صلى الله عليه وسلم. وبإسناده عن ابن أبي ذئب قال: قال عمر: لو مد مسجد النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذي الحليفة كان منه " انتهى من "فتح الباري" لابن رجب (2/479) . وفي "الموسوعة الفقهية" (37/251) : " طرأت على بناء المسجد النبوي توسعة وزيادات في بنائه عما كان عليه في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، وقد بحث العلماء حكم هذه الزيادة من جهة نيل الثواب، فمنهم من قال إن الفضل الثابت لمسجده صلى الله عليه وسلم ثابت لما زيد فيه. وإلى هذا ذهب الحنفية والحنابلة وهو اختيار ابن تيمية، قال ابن عابدين: " ومعلوم أنه قد زيد في المسجد النبوي، فقد زاد فيه عمر ثم عثمان ثم الوليد ثم المهدي، والإشارة بهذا [يعني في قول النبي صلى الله عليه وسلم (ومسجدي هذا) ] إلى المسجد المضاف إليه صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن جميع المسجد الموجود الآن يسمى مسجده صلى الله عليه وسلم، فقد اتفقت الإشارة والتسمية على شيء واحد فلم تلغ التسمية فتحصل المضاعفة المذكورة في الحديث، فيما زيد فيه ". ونقل الجراعي عن ابن رجب مثل ذلك، وأنه قد قيل إنه لا يعلم عن السلف في ذلك خلاف. وروي عن الإمام أحمد التوقف. ورجح السمهودي - من المالكية - أن ما زيد في المسجد النبوي داخل في الأفضلية الواردة بالحديث، ونقل عن الإمام مالك أنه سئل عن حد المسجد الذي جاء فيه الخبر هل هو على ما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أو هو على ما عليه الآن؟ فقال بل هو على ما هو الآن، وقال لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بما يكون بعده وزويت له الأرض فأري مشارق الأرض ومغاربها، وتحدث بما يكون بعده فحفظ ذلك من حفظه في ذلك الوقت ونسي ذلك من نسيه، ولولا هذا ما استجاز الخلفاء الراشدون المهديون أن يزيدوا فيه بحضرة الصحابة ولم ينكر عليهم ذلك منكر. وذهب الشافعية إلى أن هذه الفضيلة مختصة بنفس مسجده صلى الله عليه وسلم الذي كان في زمانه دون ما زيد فيه بعده. وإلى هذا ذهب ابن عقيل وابن الجوزي وجمع من الحنابلة " انتهى باختصار. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136578 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4108 هل مكة والمدينة محفوظتان من الطاعون والأوبئة العامة كانفلونزا الخنازير؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكن لمرض انفلونزا الخنازير أو غيره من الأوبئة أو الطاعون أن ينتشر في مكة والمدينة، أم أنهما محفوظتان من الأوبئة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليست مكة والمدينة في مأمن من الأوبئة، فقد وقع بالمدينة وباء في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقد روى البخاري (2643) عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ قَالَ: (أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ وَقَدْ وَقَعَ بِهَا مَرَضٌ، وَهُمْ يَمُوتُونَ مَوْتًا ذَرِيعًا، فَجَلَسْتُ إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ... إلخ) . ومعنى: ذريعاً: أي: سريعاً. غير أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن المدينة لا يدخلها الطاعون، وجاء في بعض ألفاظ الحديث أنه لا يدخل مكة أيضاً. روى البخاري (1880) ومسلم (1379) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَلَى أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ مَلَائِكَةٌ لَا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلَا الدَّجَّالُ) . قال الحافظ في "الفتح": "وَوَقَعَ فِي بَعْض طُرُق حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة: (الْمَدِينَة وَمَكَّة مَحْفُوفَتَانِ بِالْمَلَائِكَةِ عَلَى كُلّ نَقْب مِنْهُمَا مَلَك لَا يَدْخُلهُمَا الدَّجَّال وَلَا الطَّاعُون) أَخْرَجَهُ عُمَر بْن شَبَّة فِي " كِتَاب مَكَّة " عَنْ شُرَيْح عَنْ فُلَيْح عَنْ الْعَلَاء بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا وَرِجَاله رِجَال الصَّحِيح" انتهى. وقد ذكر النووي رحمه الله عن أبي الحسن المدائني أن مكة والمدينة لم يقع بهما طاعون قط. "الأذكار" ص 139. ولكن.. ذكر بعض العلماء أن مكة قد دخلها طاعون عام 749 هـ. وأجاب الحافظ ابن حجر رحمه الله عن ذلك بأنه لم يكن طاعوناً، وإنما كان وباء آخر، فظن من نقل ذلك أنه طاعون. فالحاصل: أن مكة والمدينة محفوظتان من الطاعون، وليستا محفوظتان من غيره من الأمراض والأوبئة. نسأل الله تعالى السلامة والعافية لجميع المسلمين. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131887 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4109 هل الأفضل أن يؤم الناس للتروايح أو يصلي مأموماً في المسجد الحرام [السُّؤَالُ] ـ[أنا شاب من سكان مكة وأحفظ 10 أجزاء من القرآن فأيهما أفضل أصلي التراويح في المسجد الحرام أم الإمامة بالناس؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: أولاً: إذا كان الإنسان قائماً على مسجد، ومكلفاً بإمامة المصلين فيه من الجهات المسئولة أو القائمين على المسجد، ويتقاضى على ذلك مكافأة شهرية، لزمه القيام بواجب الإمامة كما ينبغي، ولا يجوز له الإخلال بها، ولا التخلّف عنها إلا لعذر غالب. وليس له ترك المسجد القائم عليه، للصلاة في مسجد آخر، ولو كان المسجد الحرام، اللهم إلا أن يقيم مقامه الكفء الذي يرضى عنه أهل المسجد، وتوافق عليه الجهات المسئولة عن المسجد. قال الشيخ ابن عثيمين: " إذا كان الإنسان موظفاً، أو كان إماماً في مسجد فإنه لا يدع الوظيفة، أو يدع الإمامة ويذهب إلى الصلاة في المسجد الحرام، لأن الصلاة في المسجد الحرام سنة، وأما القيام بالواجب الوظيفي فإنه واجب، ولا يمكن أن يترك الواجب من أجل فعل السنة. وقد بلغني أن بعض الأئمة يتركون مساجدهم ويذهبون إلى مكة من أجل الاعتكاف في المسجد الحرام، أو من أجل صلاة التراويح، وهذا خطأ؛ لأن القيام بالواجب واجب، والذهاب إلى مكة لإقامة التراويح أو الاعتكاف ليس بواجب ". انتهى من " مجموع الفتاوى والرسائل" (14/241) . ثانياً: أما إذا كان الإنسان متطوعاً بالإمامة، ويوجد من يقوم مقامه في هذا الأمر، فالأفضل له أن يصلي في المسجد الحرام لعظم أجر الصلاة فيه. وليس لمن كان مقيماً في مكة أن يزهد في هذا الفضل، بناء على أن فضل الصلاة في المسجد الحرام يشمل جميع مساجد الحرم. قال الشيخ ابن باز: " الصلاة في المسجد الحرام الذي قرب الكعبة أفضل من وجوه: لكثرة الجمع، ولقربه من الكعبة ومشاهدتها، وللاحتياط في ذلك، واليقين بأنه تضاعف له الصلاة إذا قبلها الله منه، بخلاف من كان في المساجد الأخرى، فإن في ذلك خلافا بين العلماء ".. انتهى "مجموع الفتاوى" ابن باز (30 /78) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129405 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4110 يجوز أخذ لقطة الحرم إذا كانت يسيرة [السُّؤَالُ] ـ[وجدت لقطة في مكة حوالي عشرة إلى خمسة عشر ريالا، ما حكمها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "اللقطة الحقيرة لا قيمة لها، إن عرفها فلا بأس، وإن أكلها فلا بأس، وإن تصدق بها فلا بأس؛ لأنها حقيرة ما تتحمل التعريف، العشرة والعشرين والثلاثين أو ما أشبه ذلك، هذه اللقطة اليوم ليس لها أهمية فإن تصدق بها عن صاحبها فلا بأس، وإن استعملها فلا بأس، وإن تركها فلا بأس" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (19/441) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126502 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4111 اللقطة اليسيرة لا تعرف ولو كانت في مكة [السُّؤَالُ] ـ[وجدت خمسين ريالاً أثناء رمي الجمار في الحج فماذا أفعل بها؟ وهل أتصدق بها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "هذا مبلغ قليل لا يتحمل التعريف، ولا يتحمل التكلف والتعريف، لكن لو أعطيتها المسؤولين عن اللقطات فلا بأس، وإن عرفتها ما تيسر لك ذلك تقول: من له الدراهم حول المرمى، وفي مجامع الناس لعله يأتيك أحد يصفها ثم تعطيه إياها إذا وافق الوصف فلا بأس، ولو تصدقت بها فلا بأس؛ لأنه مبلغ قليل إن تصدقت بها عن صاحبها فلا بأس إن شاء الله، ولك أجر" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (19/438) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126387 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4112 الأعمال الصالحة في مكة أفضل من غيرها، لكن لا ندري مقدار تفضيلها إلا الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[ (صوم رمضان في مكة يعدل صيام ألف شهر فيما سواه) ، هل هذا حديث صحيح؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "ليس بصحيح، فقد ورد حديث ضعيف لا يصح، إنما الثابت في الصلاة فقط، الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة فيما سواه، وفي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم خير من ألف صلاة فيما سواه، وأما الصوم فلم يثبت فيه شيء، سوى حديث ضعيف، أنه خير من مائة ألف فيما سواه، لكنه ضعيف، لكن الأعمال الصالحة لها فضل في مكة، الصوم والصدقة والأذكار وغير هذا من الأعمال الصالحة لها فضل، لكن ليس هناك دليل على بيان المضاعفة لكميتها ما عدا الصلاة" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (25/211) . [الْمَصْدَرُ] موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118128 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4113 من هم حاضرو المسجد الحرام؟ [السُّؤَالُ] ـ[قال الله تعالى: (ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) البقرة/196، من هم حاضرو المسجد الحرام؟ هل هم أهل مكة أم أهل الحرم؟ وما رأيكم فيمن قال: إن المكي لن يتمتع ولن يقرن بدون أهله؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "هذا الذي ذكره السائل هو جزء من آية ذكرها الله سبحانه وتعالى فيمن تمتع فقال: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ) البقرة/196، وقد اختلف العلماء رحمهم الله في المراد بحاضري المسجد الحرام. فقيل: هم من كان داخل حدود الحرم، فمن كان خارج حدود الحرم فليسوا من حاضري المسجد الحرام. وقيل: هم أهل المواقيت ومن دونهم. وقيل: هم أهل مكة ومن بينه وبينها دون مسافة القصر. والأقرب أن حاضري المسجد الحرام هم أهل الحرم. فمن كان من حاضري المسجد الحرم فإنه إذا تمتع بالعمرة إلى الحج فليس عليه هدي مثل: لو سافر الرجل من أهل مكة إلى المدينة مثلاً في أشهر الحج ثم رجع من المدينة فأحرم من ذي الحليفة بالعمرة مع أنه قد نوى أن يحج هذا العام فإنه لا هدي عليه هنا؛ لأنه من حاضري المسجد الحرام، وكذلك أهل مكة يمكن أن يقرنوا ولكن لا هدي عليهم مثل: أن يكون أحد من أهل مكة في المدينة ثم يحرم من ذي الحليفة في أيام الحج بعمرة وحج قارناً بينهما، فهذا قارن ولا هدي عليه أيضاً، لأنه من حاضري المسجد الحرام" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 70، 71) . وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/389) : "اختلف أهل العلم في المعنى بـ: (حاضري المسجد الحرام) ، والراجح أنهم أهل الحرم. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112003 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4114 ما هو الشيء الذي في الجنة يوجد في الكعبة؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما هو الشيء الذي في الجنة يوجد في الكعبة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا نعرف شيئاً في الكعبة ورد في السنة النبوية أنه من الجنة إلا شيئين: 1- الحجر الأسود، وقد ورد ذلك من حديث ابْن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (نَزَلَ الحَجَرُ الأَسْوَدُ مِنَ الجَنَّةِ، وَهُوَ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، فَسَوَّدَتْهُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ) رواه الترمذي (877) . قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وصححه ابن خزيمة (4/219) ، والضياء المقدسي في "المختارة" (10/260) ، وحسنه ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام" (5/732) ، والحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (3/540) ، والألباني في "السلسلة الصحيحة" (2618) . وجاء من قول ابن عباس وابن عمرو وغيرهما أيضا، انظر "مصنف ابن أبي شيبة" (4/35) ، ومن قول أنس رضي الله عنه في "مسند أحمد" (3/277) . وانظر جواب السؤال رقم: (1902) ، (21402) ، (45643) . 2- مقام إبراهيم: وقد ورد ذلك في حديث عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ الرُّكْنَ وَالمَقَامَ يَاقُوتَتَانِ مِنْ يَاقُوتِ الجَنَّةِ، طَمَسَ اللَّهُ نُورَهُمَا، وَلَوْ لَمْ يَطْمِسْ نُورَهُمَا لأَضَاءَتَا مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ) . جاء من طريق مسافع بن شيبة الحجبي عن عبد الله بن عمرو بن العاص. وقد رواه عن مسافع جماعة من الرواة على وجهين: أ- موقوفا من كلام عبد الله بن عمرو بن العاص: كذا رواه الزهري وشعبة، كما ذكره أبو حاتم في "العلل" (1/300) دون أن يورد الأسانيد. ب- مرفوعا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم: رواه رجاء أبو يحيى عن مسافع. كما في "مسند أحمد" (2/213) ، وسنن الترمذي (878) ، وصحيح ابن خزيمة (4/219) وصحيح ابن حبان (9/24) ، ومستدرك الحاكم (1/627) . ورجاء هو ابن صبيح الحَرَشي، قال فيه ابن معين: ضعيف، وقال أبو حاتم: ليس بقوي، وقال ابن خزيمة: لست أعرف أبا رجاء هذا بعدالة ولا جرح، ولست أحتج بخبر مثله. وقد وثقه الإمام البخاري وابن حبان، وقد اختار توثيقهما الشيخ أحمد شاكر في تحقيق المسند. انظر: "تهذيب التهذيب" (3/268) . ورواه مرفوعا أيضا: شبيب بن سعيد الحبطي، وأيوب بن سويد، عن يونس بن يزيد، عن الزهري عن مسافع، الأول عند البيهقي في "السنن الكبرى" (5/75) ، والثاني عند ابن خزيمة في "صحيحه" (4/219) ، والحاكم في "المستدرك" (1/626) ومن طريقه البيهقي في "السنن الكبرى" (5/75) ، وهذا السند صحيح، فإن شبيب بن سعيد ثقة، وثقة ابن المديني. انظر ترجمة في: "تاريخ بغداد" (11/329) و "تاريخ الإسلام" (28/381) . وقد صححه النووي في "المجموع" (8/36) وقال: صحيح على شرط مسلم. وابن تيمية في "المناسك من شرح العمدة" (2/434) ،. وقال الألباني في تحقيقه لصحيح ابن خزيمة (2731) : إسناده حسن لغيره، فإن أيوب بن سويد سيء الحفظ، وقد تابعة شبيب بن سعيد الحبطي عند البيهقي، وهو ثقة، عن رواية ابنه أحمد عنه، فإسناده صحيح. انتهى. وقال عنه شعيب الأرنؤوط في تحقيقه لابن حبان (3710) : حديث حسن لغيره، وصححه الألباني أيضاً في صحيح الترمذي (878) . وقد صححه الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تحقيقه المسند (7000) وأطال في تخريجه. وقد اختار محققو مسند الإمام أحمد أن الأصح وقفه على عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وأن إسناد المرفوع ضعيف، وكأن الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في "فتح الباري" (3/540) يميل إلى هذا القول. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 108553 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4115 هل يجوز جلب حصى أو تراب من مزدلفة أو من الحرم؟ [السُّؤَالُ] ـ[أديت فريضة الحج العام الماضي، وعندما كنا في مزدلفة أخذت صخرتين واحتفظت بهم، إلى الآن، فهل في هذا شيء؟ هل يجب عليَّ التخلص منهما؟ وكيف؟ هل تعد مزدلفة من الحرم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نسأل الله أن يتقبل حجك، وأن تكوني من المغفور لهم ذنوبهم، والذين رجعوا من حجهم بلا ذنب ولا إثم. ثانياً: " المزدلفة " من المشاعر، وهي في حدود الحرم، وقد سمَّاها الله تعالى في كتابه " المشعر الحرام " فقال: (فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ) البقرة/198. قال ابن حزم الأندلسي رحمه الله: وأما مزدلفة: فهي المشعر الحرام، وهي من الحرم. " المحلى " (7 / 188) . وقال النووي رحمه الله: واعلم أن المزدلفة كلها من الحرم. " شرح مسلم " (8 / 187) . ثالثاً: لا ينبغي أخذ شيء من آثار مكة أو المدينة؛ لعدم ثبوت ذلك عن أحد من سلف هذه الأمَّة؛ لأن ذلك مظنة تعظيم هذه الآثار واعتقاد نفعها، وهو ما جاءت الشريعة بمحاربته، وإغلاق طرقه، نعم، لو كانت الوصية بإحضار ماء زمزم لكان ذلك جائزاً؛ لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ لأنه أخبرنا أنها ماء مباركة، وأن فيها شفاء بإذن الله، وأما ما عداها كترابٍ من عرفة، أو حصى من مزدلفة، أو ما يشبه ذلك: فليس لأحد حمله معه إلى بلاده. وقد اختلف العلماء في حكم إخراج التراب والحجارة من الحرم إلى ثلاثة أقوال: الجواز، والكراهة، والتحريم، وإلى الجواز ذهب الحنفية، وإلى الكراهة ذهب بعض الشافعية، والتحريم هو قول جمهور الشافعية، وهو الذي لا ينبغي القول بغيره، إذا عُلم أن من يخرجه يريد التبرك به أو تعظيمه. لأن تراب الحرم وحجارته لا يُتبرك بها لا وهي في مكانها في الحرم، ولا هي خارجة عنه. والخلاف المذكور بين العلماء إنما هو في مجرد الإخراج من الحرم، وليس في التبرك بها، والتعظيم لها. قال الإمام الشافعي رحمه الله: "لا خيرَ في أن يُخرج من حجارة الحرم، ولا ترابه شيء إلى الحل؛ لأنَّ له حرمة ثبتت بايَنَ بها ما سواها من البلدان، ولا أرى - والله تعالى أعلم - أن جائزاً لأحد أن يزيله من الموضع الذي باين به البلدان إلى أن يصير كغيره" انتهى. " الأم " (7 / 155) . وقال ابن حزم رحمه الله: "ولا يخرج شيء من تراب الحرم ولا حجارته إلى الحل، ... عن عطاء قال: يُكره أن يُخرج من تراب الحرم إلى الحل، أو يدخل تراب الحل إلى الحرم. وهو قول ابن أبى ليلى، وغيره، ولا بأس بإخراج ماء زمزم؛ لأن حرمة الحرم إنما هي للأرض، وترابها، وحجارتها، فلا يجوز له إزالة حرمتها، ولم يأت في الماء تحريم" انتهى. " المحلى " (7 / 262، 263) . وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: يريد أن يحج، ومحمل عدة وصايا، يقول: إنه قد طَلب منه مجموعة من الناس أن يأتي لهم بشيء من مكة، والمدينة، مثل حجر، أو ماء، أو قليل تراب، أو ما شابه ذلك، فكيف أصنع؟ . فأجاب: "هذه الوصايا التي أشار إليها، أن يأتي إلى من أوصوه بتراب، أو ماء، أو أحجار من الحرم: لا يلزمه أن يفي بها، وله أن يردها عليهم، ولو كانت وصاياهم بأن يدعو الله لهم في هذه المشاعر: لكان ذلك أولى وأجدر. إذا استبدل هذه الوصايا بأن يدعو الله لهم في هذه المشاعر بما فيه خيرهم في دينهم ودنياهم: كان ذلك أولى، وأجدر، وأحسن" انتهى. " فتاوى نور على الدرب ". رابعاً: من أخذ شيئا من تراب الحرم إلى خارجه فعليه أن يستغفر الله تعالى من فعله أولاً، ثم عليه أن يرجعه إلى أي بقعة في الحرم إن استطاع، ولا يجب أن يردَّه بنفسه، بل لو أعطاه لمن يوثق به ليرده: جاز له ذلك، فإن لم يستطع هذا ولا ذاك: فيضعها في أي مكان طاهر، وقد قال تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة/ 286. جاء في " الموسوعة الفقهية " (17 / 195) : "صرح الشافعية بحرمة نقل تراب الحرم، وأحجاره، وما عمل من طينه - كالأباريق وغيرها - إلى الحل، فيجب رده إلى الحرم" انتهى. وقال الماوردي رحمه الله: "فإن أخرج من حجارة الحرم، أو من ترابه شيئاً: فعليه ردُّه إلى موضعه، وإعادته إلى الحرم" انتهى. " الحاوي في الفقه الشافعي " (4 / 314) . ونقله عنه النووي في " المجموع " (7 / 460) وأقرَّه. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 107466 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4116 قامت بأخذ عيّنة من نباتات في مكة لعمل بحث، فهل تجب عليها كفارة؟ [السُّؤَالُ] ـ[قبل حوالي أربع سنوات وأنا طالبة في الجامعة، قمت بعمل بحث على أنواع النباتات، وقد أخذت عينه من نباتات مكة (من 3 إلى 5) أوراق شجر من داخل منطقة الحرم، مع العلم أنني لم أقم بقطع غصن أو ما شابه ذلك، مع علمي بحرمة البلد الحرام؛ ولكن عللت فعلي بأنه في سبيل العلم، وأنه جائز؟! أفيدوني بارك الله فيكم: هل تجب علي كفارة؟ وإذا وجبت بكم تقدر وكيف توزع؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فقد وردت الأحاديث الكثيرة في الصحيحين وغيرهما في تحريم شجر الحرم المكي، من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم عن مكة: (أَلَا وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، أَلَا وَإِنَّهَا حَلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ؛ أَلَا وَإِنَّهَا سَاعَتِي هَذِهِ حَرَامٌ؛ لَا يُخْتَلَى [أي: لا يحصد] شَوْكُهَا وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا وَلَا تُلْتَقَطُ سَاقِطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ) رواه البخاري (112) ومسلم (1355) . قال الإمام ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (3/161) : " أجمع أهل العلم على تحريم قطع شجر الحرم , وإباحة أخذ الإذخر , وما أنبته الآدمي من البقول والزروع والرياحين. حكى ذلك ابن المنذر" انتهى. وهم وإن أجمعوا على تحريم قطع شجر الحرم، فقد اختلفوا في مسائل، منها: هل يحرم كل شيء في الحرم، أم التحريم خاص لما نبت بنفسه؟ فأكثر أهل العلم يقولون المحرم إنما هو ما نبت بنفسه، أما ما غرسه الآدمي فليس بحرام. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (7/218) : " المحرم ما كان من شجر الحرم، لا من شجر الآدمي، وعلى هذا فما غرسه الآدمي أو بذره من الحبوب فإنه ليس بحرام، لأنه مُلْكه ولا يضاف إلى الحرم، بل يضاف إلى مالكه." انتهى. ومنها: هل يحرم أخذ الورق من الشجر المحرم أم لا؟ فالحنابلة لا يجيزون أخذ الورق، خلافاً لجمهور أهل العلم القائلين بجواز أخذه؛ لأنه لا يضر بالشجر، وعلى هذا المذاهب الثلاثة. قال ابن قدامة في "المغني" (3/170) : " وليس له أخذ ورق الشجر. وقال الشافعي: له أخذه ; لأنه لا يضر به. وكان عطاء يرخص في أخذ ورق السَّنَى [نبت يُتداوى به] , يستمشي به [أي يُشرَبُ ماؤُه للمَشِيِّ، كما في تاج العروس] , ولا يُنزع من أصله. ورخص فيه عمرو بن دينار. ولنا , أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {لا يخبط شوكها , ولا يعضد شجرها} , رواه مسلم. ولأن ما حرم أخذه حرم كل شيء منه , كريش الطائر. وقولهم: لا يضر به. لا يصح فإنه يضعفها , وربما آل إلى تلفها " انتهى. وعلى هذا فإن كان ما أخذته الأخت السائلة من الأوراق قد أخذته من شجر لم يغرسه الأدمييون، فإن أخذها له محل خلاف بين العلماء؛ والجمهور على جوازه، ويمنعه الحنابلة، إن لم تكن هناك حاجة عامة تدعو إلى أخذه؛ فإن كانت قد أخذته مع إمكان أن تستغني عنه بغيره من أشجار الحل، فينبغي أن تستغفر وتتوب إلى الله تعالى، وإن كانت هناك حاجة تعليمية تعود على عموم الناس بالنفع ولا يقوم شجر الحل مقامها، فلا حرج إن شاء الله. وعلى كل الاحتمالات، لا ضمان عليها ولا كفارة، لأن الفقهاء الذين يمنعون أخذ الورق وهم الحنابلة، لا يوجبون ضمان شجر الحرم، وبهذا أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء. جاء فيها: " وإذا أتلف شيئاً من شجر الحرم أو حشائشه مملوكاً لأحد فكذلك عليه قيمته لمالكه، وإن لم يكن مملوكاً لأحد فلا شيء عليه، ولا ينبغي له تعمد ذلك؛ لنهيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك " "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/209) ... أما إن كان هذا الشجر مملوكاً فلا حرج في أخذ هذه الأوراق إن شاء الله لأن هذا مما جرت العادة بالمسامحة فيه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98564 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4117 هل الحجر الأسود من السماء [السُّؤَالُ] ـ[عن عمر أنه قبَّل الحجر وقال: إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُك ما قبلتك. هل الحجر الأسود نزل من السماء؟ أو هو حجر كسائر الأحجار؟ وما المراد بوضع هذا الحجر في ذلك الموضع؟ وبعض الناس يظنون أنها هي قبلة المسلمين في صلاتهم، معاذ الله.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحجر الأسود اختصه الله سبحانه بما شرعه لنا من تقبيله واستلامه، وأراد أن يكون في ركن الكعبة التي نستقبلها في صلاتنا، وشرع تقبيله واستلامه للطائفين؛ مع القدرة، فإن لم يتيسر فالإشارة إليه عند محاذاته مع التكبير، وقد ورد حديث رواه الترمذي وغيره في أنه نزل من الجنة، لكن في سنده ضعف ........ (والحديث رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الترمذي 695) . وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (فتاوى اللجنة 11/228) . الحديث: 21402 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4118 حكم إدخال الخادمات غير المسلمات لمكة في موسم الحج [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز إدخال غير المسلمين إلى مكة المكرمة كالخادمات لفترة الحج أو العمرة، بحجة أن الشخص لا يجد لها مكاناً يبقيها فيه خلال فترة غيابه عن بلده؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: اتخاذ خادمات في البيوت له مفاسد لم تعد تخفى على أحد، وكم تسبب وجود الخادمات في كثير من المشكلات في بيوت المسلمين، ووقع كثيرون في المعاصي الصغيرة والكبيرة بسبب ذلك، فمنهن من يستعملن السحر لتثبيت وجودها في المنزل، أو لكف الأذى عنها، ومنهن من توقع صاحب المنزل أو أبناءه في غرامها، وتُفعل الفواحش في تلك البيوت، ومنهن من تتسبب بالأذى والضرر للأطفال الصغار سواء في بدنه أو في دينه، وهكذا في مفاسد يصعب حصرها. ويرجى النظر في جواب السؤال رقم (26282) ففيه زيادة بيان حول مفاسد إحضار الخادمات، وشروط جواز ذلك. ثانياً: إذا كانت الأسرة مضطرة لوجود خادمة في البيت، بسبب كثرة الأعمال البيتية، وبشرط الالتزام بالشروط الشرعية: فإنه يجوز لصاحب البيت إحضار خادمة للعمل، ويُفضَّل أن تكون مسلمة؛ لما في اتخاذها كافرة من مخاطر كبيرة على الأسرة. ولينظر جواب السؤال رقم (31242) ففيه شروط استخدام خادم غير مسلم. وأما إن كانت الأسرة تعيش في " الجزيرة العربية " فإنه لا يجوز لهم إحضار الخادمات الكافرات للعمل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإخراج المشركين من جزيرة العرب. فعن عُمَر بْن الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، حَتَّى لاَ أَدَعَ فِيهَا إِلَّا مُسْلِماً) رواه مسلم (1767) . وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَوْصَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ مَوْتِهِ بِثَلَاثٍ منها: (أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ) رواه البخاري (2888) ومسلم (1637) . وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (1 04806) . ثالثاً: أما جلب الخادمات الكافرات وغيرهن من الكفار إلى الحرم: فلا يجوز سواء للعمرة أو للحج أو لغيرهما، وهذا وجه آخر في المنع من دخولهم الحرم، فهو من جهة داخل قطعاً في " جزيرة العرب " التي نص النبي صلى الله عليه وسلم على تحريم دخولهم فيها، وكذلك من وجه آخر أنه قد وردت النصوص بتخصيص الحرم من منع دخولهم فيه، وهو المعمول به منذ أزمان بعيدة بفضل الله تعالى وتوفيقه. ومعنى هذا أنه من كان لوجوده في جزيرة العرب من الكفار مصلحة للمسلمين، أو كان أحدٌ قد تساهل في جلب الكفار لها: فإنه لا يجوز التعدي على الشرع من الجهة الأخرى بإدخالهم إلى حدود الحرم. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) التوبة/28. والمسجد الحرام هنا هو: الحرم كله. قال النووي رحمه الله: والمراد بالمسجد الحرام ها هنا: الحرم كله، فلا يمكَّن مشرك من دخول الحرم بحال، حتى لو جاء في رسالة أو أمر مهم لا يمكَّن من الدخول، بل يُخرج إليه من يقضى الأمر المتعلق به، ولو دخل خفية ومرض ومات: نبش وأخرج من الحرم. " شرح مسلم " (9 / 116) . وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: بالنسبة لحكم استصحاب الخادمة الكافرة وإدخالها إلى الحرم؟ . فأجاب: أجبني: كيف يذهب بامرأة كافرة إلى المسجد الحرام والله عز وجل يقول: (فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ) التوبة/28؟ لا، هذا حرام عليه، وإذا قدِّر أنه اضطر إلى هذا يقول لها: أسلمي، فإن أسلمت: فهذا المطلوب، وإن لم تسلم: إما أن يبقى معها، وإما أن يرسلها إلى أهلها، وأما أن يأتي بها إلى مكة: فهذا لا يجوز، أولاً: معصية لله عز وجل، ثانياً: امتهان للحرم. السائل: هو يا شيخ من غير هذه البلاد، وجاء بها، وعندما سأل عن الحكم وقيل له: لا يجوز، هل يرجع هو وإياها؟ . الشيخ: نعم، يرجع هو وإياها، أو يردها إلى بلدها. " لقاءات الباب المفتوح " (196 / السؤال رقم 18) . والخلاصة: أن جلب الخادمات وعملهن في بيوت المسلمين فيه محاذير ومخالفات شرعية كثيرة، وتزداد هذه المحاذير إذا كانت الخادمة غير مسلمة، وأنه لا يجوز جلب الخادمات الكافرات إلى جزيرة العرب، ولا دخولهن حدود الحرم. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 81897 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4119 ليس على الحائض حرج في دخولها للمدينة النبوية؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمرأة أن تدخل الحرم المدني وهي حائض؟ وماذا عليها إذا كانت حائضاً وهي في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا تُمنع المرأة الحائض من دخول مكة ولا المدينة، وليس في النصوص ما يمنعها من دخولهما، بل النصوص تدل على عكس ذلك، فالنساء اللاتي يأتين للحج والعمرة يمكن أن يكنَّ حيَّضاً وهنَّ ممنوعات من الطواف بالبيت فقط، وقد كانت عائشة رضي الله عنها مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وحاضت قبل دخول مكة، ولم يمنعها صلى الله عليه وسلم من دخولها حتى تطهر! بل أمرها أن تفعل جميع مناسك الحج إلا الطواف بالبيت، فإنها تؤجله حتى تطهر، فقال صلى الله عليه وسلم: (افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي) رواه البخاري (305) ومسلم (1211) . والنساء اللاتي يسكنَّ المدينة ألم يكن يصيبهن الحيض؟ فهل كانوا يخرجن من المدينة؟! فالحاصل أنه لا حرج في دخول الحائض مكة والمدينة وبقائها فيهما، والأمر أوضح من أن يستدل له. وأما دخول الحائض المسجد (سواء كان المسجد الحرام بمكة، أو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، أو غيرهما من المساجد) فقد سبق في جواب السؤال (33649) أنه لا يحل لها دخول المسجد، فلينظر. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69758 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4120 ما حكم إرسال السلام للنبي صلى الله عليه وسلم مع الذاهبين للمدينة؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم إرسال السلام مع الحجاج للنبي صلى الله عليه وسلم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الفعل غير مشروع، ولم يكن هذا من فعل أهل القرون الفاضلة، ولا عقلاء المسلمين؛ لأنه يمكن لأي أحدٍ أن يسلِّم على النبي صلى الله عليه وسلم في أي مكانٍ كان، وقد تكفَّل الله تعالى بتوصيل هذا السلام مع ملائكة جعل الله هذا الأمر وظيفتهم، وعليه: فإن من يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم في أي مكان فإن سلامه سيصل يقيناً، فأين هذا من تكليف زائر للمدينة النبوية بالسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يُدرى أيصل أم لا، ولا يُدرى أيذكر أم ينسى؟ فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام) رواه النسائي (1282) وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " (1664) . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تجعلوا قبري عيداً، وصلُّوا عليَّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم) رواه أبو داود (2042) وصححه الألباني في " صحيح الجامع " (7226) . قال علماء اللجنة الدائمة: تحميل الإنسان غيره السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم أو غيره من الأموات: ليس مشروعاً، بل هو بدعة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار) . فالواجب ترك هذا العمل وتنبيه من يقع فيه إلى أنه لا يجوز، ومِن فضل الله علينا أن جعلَ سلامَنا على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يبلغه أينما كنَّا، في مشارق الأرض ومغاربها، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن لله في الأرض ملائكة سياحين يبلغوني من أمتي السلام) رواه الإمام أحمد والنسائي وغيرهما، وقال صلى الله عليه وسلم: (خير أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم) ، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا تجعلوا قبري عيداً، ولا بيوتكم قبوراً، وصلُّوا عليَّ، فإن صلاتكم تبلغني أين كنتم) ، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد. " فتاوى اللجنة الدائمة " (16 / 29، 30) . قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك حفظه الله - عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية -: إرسال السلام على النبي صلى الله عليه وسلم مع مَن يسافر إلى المدينة: لا أصل له، فلم يكن من عادة السلف الصالح من الصحابة رضي الله عنهم، والتابعين، وأهل العلم إرسال السلام، ولم ينقل عن أحد منهم شيء من ذلك؛ لأنه صلى الله عليه وسلم يُبلَّغُ صلاة أمته وسلامها عليه، كما في الحديث الصحيح: (لا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا، وَلا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا، وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلاتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ) أخرجه أبو داود (2042) ، وفي لفظ: (فإنَّ تَسْلِيمَكُمْ يَبْلُغُنِي أَيْنَمَا كُنْتُمْ) أخرجه أبو يعلى (469) . وعلى هذا: فالتعبد بإرسال السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم: بدعة، بل ولا يشرع إرسال السلام إلى الميت، وإنما يسلم على الميت من يزوره، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يزور أهل البقيع ويسلم عليهم ويدعو لهم، ويُعلِّمُ أصحابه رضي الله عنهم كيف يقولون إذا زاروا القبور، كقوله صلى الله عليه وسلم: (السَّلامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَلاحِقُونَ، أَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمْ الْعَافِيَةَ) أخرجه مسلم (975) وقال لعائشة رضي الله عنها: (قُولِي: السَّلامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَيَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَلاحِقُونَ) أخرجه مسلم (974) ، وإنما يبلغ السلام من الغائب للحي. والمقصود: أن الله يسَّر على هذه الأمة أن يصلُّوا ويسلِّموا على نبيِّهم صلى الله عليه وسلم، ويكثروا من ذلك في أي بقعة من الأرض، وقد ورد أن الله وكّل بقبره صلى الله عليه وسلم ملائكة يبلغونه من أمته صلاتهم وسلامهم عليه، صلى الله عليه وسلم، والله أعلم. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ومع هذا نقول: أنتَ لو سلَّمتَ عليه في أقصى الدنيا فإن سلامك سوف يبلغه؛ لأن الله وكَّل ملائكة سيَّاحين في الأرض إذا سلَّم أحدٌ على الرسول صلى الله عليه وسلم نقلوا السلام إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فنحن الآن إذا قلنا: " اللهم صلِّ وسلِّم على رسول الله ": نُقل سلامنا إليه، في الصلاة تقول: " السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته " يُنقل السلام إليه. . . سمعتُ بعض الناس يقول في المدينة: إن أبي وصَّاني أن أسلِّم على الرسول، وقال: سلِّم لي على الرسول، وهذا غلط، والرسول صلى الله عليه وسلم ليس حيّاً حتى يُنقل سلام الحي له، ثم إذا سلَّم أبوك على الرسول نَقل سلامَه مَن هو أقدر منك على إبلاغه وأوثق منك، وهم الملائكة. إذن: لا حاجة إلى هذا، ونقول: أنت في مكانك، في أي مكان من الأرض تقول " السلام عليك أيها النبي " وسيبلغه بأسرع من هذا وأوثق وأحسن. "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (23/416، 417) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69807 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4121 الركن اليماني [السُّؤَالُ] ـ[يتعلق سؤالي بالكعبة المشرفة , فقد ذهبت لأداء العمرة منذ سنتين ومن حسن حظي أنني قمت بالطواف قريبا جدا من جدران الكعبة. ولدهشتي وجدت أن للركن اليماني للكعبة شيئا غريبا يشبه الحجر وعليه علامات. أود أن أعرف ما هذا الشيء , وما هو اسمه , وهل يسمح لنا بتقبيله , كما نقبل الحجر الأسود؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قد جاء في كتاب (التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم) لمؤلفه محمد طاهر الكردي المكي ج3 ص 256 أن حجر الركن اليماني يرجع عهده إلى بناء عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، وأنه باق إلى يومنا هذا، وأن كل من جدد بناء الكعبة حافظ على هذا الركن. وذكر أنه في عام 1040 هـ في عهد السلطان مراد الرابع الذي جدد بناء الكعبة، انكسر طرف حجر الركن، فوُضع في محل ذلك رصاص مذاب. وقد سبق ذلك إلصاق قطع الركن وتسميرها، في عهد الفاطميين. فلعل ما شاهدته هو ذلك الرصاص وأثر المسامير، مع تغير لونها من أثر الطيب واستلام الطائفين. والمشروع هو استلام هذا الركن دون تقبيل أو تكبير فإن لم يتمكن من استلامه فإنه لا يشير إليه؛ لعدم ورود ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: الركن اليماني كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستلمه ولم يكن يكبر، وعلى هذا فلا يسن التكبير عند استلامه. الشرح الممتع 7/283 وقال الشيخ الألباني رحمه الله: ويستلم الركن اليماني بيده في كل طوافة، ولا يقبله، فإن لم يتمكن من استلامه لم تشرع الإشارة إليه بيده. مناسك الحج والعمرة ص 22 أما الاستلام فقد دل عليه ما رواه الحاكم من حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا طاف بالبيت استلم الحجر والركن في كل طواف " صحيح الجامع رقم 4751. وجاء في فضل استلام الركن اليماني قوله صلى الله عليه وسلم: " إن مسح الحجر الأسود والركن اليماني يحطان الخطايا حطا " رواه أحمد عن ابن عمر وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 2194 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20425 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4122 حِجر إسماعيل، تسمية لا أصل لها [السُّؤَالُ] ـ[هل دفنَ إسماعيل عليه السلام والدته هاجر في "حِجْرِ إسماعيل"؟ فقد سمعت ذلك من أحد شيوخنا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ننبه أولا إلى أن تسمية الناس للحِجر بحِجر إسماعيل تسمية لا أصل لها، ولا علم لإسماعيل عليه السلام بهذا الحجر، فقد بنى إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام الكعبة بناء كاملا مشتملا على هذا الحجر، ثم إن جدران الكعبة تصدعت من أثر حريق وسيل جارف حدث قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، فهدمت قريش ما بقي من جدرانها، ثم أعادت بناءها، فقصرت بها النفقة الطيبة عن إتمام البناء على قواعد إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، فأخرجوا منها الحِجر، وبنوا عليه جدارا قصيرا دلالة على أنه منها، وكانوا قد شرطوا على أنفسهم ألا يدخلوا في بنائها إلا نفقة طيبة، لا يدخلها مهر بغي ولا بيع ربا، ولا مظلمة لأحد. وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الجَدْر أمن البيت هو؟ قال نعم. قلت: فما بالهم لم يدخلوه في البيت؟ قال إن قومك قصرت بهم النفقة " رواه البخاري 1584 ومسلم 1333. والجَدر: لغة في الجدار، والمراد به الحِجر. فالصواب أن يقال: الحجر، دون أن ينسب إلى إسماعيل عليه السلام. ولم يثبت في حديث مرفوع أن هذا الحجر دفن فيه إسماعيل عليه السلام، أو دفنت فيه هاجر. لكن وردت آثار موقوفة بأسانيد واهية تفيد أن قبر إسماعيل عليه السلام في الحجر. وانظر في ذلك: تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد للشيخ اللأباني رحمه الله ص 75، 76 وكون إسماعيل عليه السلام يدفن أمه داخل الكعبة، أو يدفنه أبناؤه فيها أمر مستبعد غاية الاستبعاد، والقول به فرع عن ثبوته، ولم يثبت شيء من ذلك ولله الحمد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 22004 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4123 هل يجوز دخول غير المسلم المدينة المنورة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز دخول غير المسلم المدينة المنورة أي: داخل الحرم (للحاجة) ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يجوز أن يمكَّن الكفار من السكنى في جزيرة العرب، وقد اختلف أهل العلم في تحديد الجزيرة، لكنهم لم يختلفوا في كون المدينة النبوية منها. قال ابن قدامة: ولا يجوز لأحد منهم (يعني: الكفار) سكنى الحجاز، وبهذا قال مالك , والشافعي، إلا أن مالكا قال: أرى أن يجلوا من أرض العرب كلها ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يجتمع دينان في جزيرة العرب "، وروى أبو داود بإسناده عن عمر أنه " سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب , فلا أترك فيها إلا مسلما " قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وعن ابن عباس قال: " أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاثة أشياء , قال: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب , وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم، وسكت عن الثالث " رواه أبو داود. " المغني " (9 / 285، 286) . ثانياً: يجوز للكفار دخول المدينة للتجارة دون الإقامة، ويُعطون وقتا كافياً ثم يؤمرون بالمغادرة. قال ابن قدامة – رحمه الله -: ويجوز لهم دخول الحجاز للتجارة ; لأن النصارى كانوا يتجرون إلى المدينة في زمن عمر رضي الله عنه وأتاه شيخ بالمدينة , فقال: أنا الشيخ النصراني , وإن عاملك عَشَّرَني (أي: أخذ مني العشر) مرتين، فقال عمر: وأنا الشيخ الحنيف، وكتب له عمر: أن لا يُعَشِّروا في السنة إلا مرة، ولا يؤذن لهم في الإقامة أكثر من ثلاثة أيام - على ما روي عن عمر , رضي الله عنه - ثم ينتقل عنه، وقال القاضي: يقيم أربعة أيام حد ما يتم المسافر الصلاة. " المغني " (9 / 286) . ثالثاً: ما ذكرناه في المدينة وحرمها لا ينطبق على الحرم المكي، إذ الكفار ممنوعون من دخوله على كل حال. جاء في " الموسوعة الفقهية " (3 / 130، 131) : يرى الجمهور , ومعهم محمد بن الحسن من الحنفية: أنه لا يجوز للكافر دخول الحرم المكي بحال، ومذهب الحنفية أن ذلك جائز بصلح أو إذن. وأما حرم المدينة فإنه لا يمنع من دخوله لرسالة أو تجارة أو حمل متاع، وأما ما عدا ذلك - من أرض العرب - فلا يدخله الكافر إلا بإذن أو صلح، وللفقهاء في ذلك تفصيل ... انتهى والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 47736 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4124 ما هو الملتزَم؟ وما هي كيفية الدعاء عنده؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما هو الملتزم؟ وما كيفية الدعاء عنده؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الملتزم: هو من الكعبة المشرَّفة ما بين الحجر الأسود وباب الكعبة، ومعنى التزامه أي: وضع الداعي صدره ووجهه وذراعيه وكفيه عليه ودعاء الله تعالى بما تيسر له مما يشاء. وليس هناك دعاء معين يدعوه المسلم في ذلك المكان، وله أن يلتزمه عند دخوله الكعبة (إن تيسَّر له دخولها) ، وله أن يفعله قبل طواف الوداع، وله أن يفعله في أي وقت شاء، وينبغي للداعي أن لا يضيِّق على غيره فيطيل الدعاء، كما لا يجوز مزاحمة الناس وأذيتهم من أجله، فإن رأى فسحة ومجالاً دعا وإلا فيكفيه الدعاء في الطواف وسجود الصلاة. والذي جاء عن الصحابة – رضي الله عنهم – في الالتزام أصح مما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم. عن عبد الرحمن بن صفوان قال: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قلت: لألبسن ثيابي، وكانت داري على الطريق فلأنظرن كيف يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلقت فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم قد خرج من الكعبة هو وأصحابه وقد استلموا البيت من الباب إلى الحطيم وقد وضعوا خدودهم على البيت ورسول الله صلى الله عليه وسلم وسطهم. رواه أبو داود (1898) وأحمد (15124) . وفيه: يزيد بن أبي زياد، ضعَّفه ابن معين وأبو حاتم وأبو زرعة وغيرهم. وعن عمرو بن شعيب عن أبيه قال: طفت مع عبد الله فلما جئنا دبر الكعبة قلت: ألا تتعوذ؟ قال: نعوذ بالله من النار، ثم مضى حتى استلم الحجر، وأقام بين الركن والباب، فوضع صدره ووجهه وذراعيه وكفيه هكذا وبسطهما بسطا، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله. رواه أبو داود (1899) وابن ماجه (2962) . وفيه: المثنى بن الصباح، ضعَّفه الإمام أحمد وابن معين الترمذي والنسائي وغيرهم. والحديثان يشهد كلٌّ منهما للآخر. وقد صححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (2138) وذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: " الملتزم بين الركن والباب ". قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وإنْ أحبَّ أنْ يأتيَ الملتزم - وهو ما بين الحجر الأسود والباب - فيضع عليه صدره ووجهه وذراعيه وكفيه ويدعو ويسأل الله تعالى حاجته فعل ذلك، وله أنْ يفعل ذلك قبل طواف الوداع فإنَّ هذا الالتزام لا فرق بين أنْ يكون حالَ الوداع أو غيره، والصحابة كانوا يفعلون ذلك حين دخول مكة، وإنْ شاء قال في دعائه الدعاء المأثور عن ابن عباس: اللهمَّ إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك حملتني على ما سخرتَ لي مِن خلقك وسيرتَني في بلادك حتى بلغتَني بنعمتِك إلى بيتِك وأعنتَني على أداء نسكي فإنْ كنتَ رضيتَ عني فازدَدْ عني رضا وإلا فمِن الآن فارضَ عني قبل أنْ تنآى عن بيتك داري فهذا أوان انصرافي إنْ أذنتَ لي غير مستبدلٍ بك ولا ببيتِك ولا راغبٍ عنك ولا عن بيتِك اللهمَّ فأصحبني العافيةَ في بدني والصحةَ في جسمي والعصمة في ديني وأحسن منقلبي وارزقني طاعتك ما أبقيتَني واجمع لي بين خيري الدنيا والآخرة إنك على كل شيء قدير. ولو وقف عند الباب ودعا هناك من غير التزام للبيت كان حسناً. " مجموع الفتاوى " (26 / 142، 143) . وقال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله -: وهذه مسألة اختلف فيها العلماء مع أنها لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم (يعني لم ترد في حديث صحيح، بناءً على تضعيف الأحاديث الواردة في هذا) ، وإنما عن بعض الصحابة رضي الله عنهم، فهل الالتزام سنة؟ ومتى وقته؟ وهل هو عند القدوم، أو عند المغادرة، أو في كل وقت؟ . وسبب الخلاف بين العلماء في هذا: أنه لم ترد فيه سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن الصحابة – رضي الله عنهم – كانوا يفعلون ذلك عند القدوم. والفقهاء قالوا: يفعله عند المغادرة فيلتزم في الملتزم، وهو ما بين الركن الذي فيه الحجر والباب ... وعلى هذا: فالالتزام لا بأس به ما لم يكن فيه أذية وضيق. " الشرح الممتع " (7 / 402، 403) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 47756 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4125 أسئلة عن الحجر الأسود [السُّؤَالُ] ـ[قرأت مقالة عن " الحجر الأسود " وأريد أن أتأكد من صحة الأحاديث والروايات هل هي صحيحة ويؤخذ بها أم أنها موضوعة جزاك الله كل خير؟ والمقالة هي: " صدِّق أو لا تصدق " نعم، هناك حجر واحد فقط على وجه الأرض يطفو فوق الماء، إنه " الحجر الأسود " الموجود في الركن الجنوبي الشرقي من الكعبة المشرفة في الحرم الشريف في مكة المكرمة، قال جلال السيوطي: يقال إنه لما اشترى المطيع لله الحجر الأسود من أبي طاهر القرمطي جاء عبد الله بن عُكيم المحدث وقال: إن لنا في حجرنا آيتين: إنه يطفو على الماء، ولا يحمو بالنار، فأتى بحجر مضمخ بالطيب مغشي بالديباج ليوهموه بذلك، فوضعوه في الماء فغرق، ثم جعلوه في النار فكاد أن يتشقق، ثم أتي بحجر آخر ففعل به ما فعل بما قبله فوقع له ما وقع له، ثم أتي بالحجر الأسود فوضع في الماء فطفا، ووضع في النار فلم يحم، فقال عبد الله: هذا حجرنا، فعند ذلك عجب أبو طاهر القرمطي وقال: من أين لكم؟ فقال عبد الله: ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الحجر الأسود يمين الله في أرضه يأتي يوم القيامة له لسان يشهد لمن قبَّله بحق أو باطل لا يغرق في الماء ولا يحمى بالنار ... ". و" الحجر الأسود " هو الذي يبدأ منه الطواف في الركن الجنوبي الشرقي من الكعبة المشرفة، وأصله من يواقيت الجنة، ولونه المغمور أبيض كلون المقام، وهو موضع سكب العبرات، واستجابة الدعاء، ويُسن استلامه وتقبيله، وهو يمين الله في الأرض بمعنى أنه مقام مصافحة العهد مع الله على التوبة، ويشهد يوم القيامة لكل من استلمه، ومن فاوضه فإنما يعاهد يد الرحمن، ومسحه يحط الخطايا حطّاً، وهو ملتقى شفاه الأنبياء والصالحين والحجاج والمعتمرين والزوار فسبحان الله العظيم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الحجر الأسود هو: الحجر المنصوب في الركن الجنوبي الشرقي للكعبة المشرفة من الخارج في غطاء من الفضة وهو مبدأ الطواف ويرتفع عن الأرض الآن متراً ونصف المتر. وما ذُكر في المقال الوارد ضمن السؤال فيه حق عليه أدلة صحيحة، وفيه ما لا أصل له. وقد ذكرنا في جواب السؤال رقم (1902) أكثر ما ورد في السنة الصحيحة عن " الحجر الأسود "، ومنه: أن الحجر الأسود أنزله الله تعالى إلى الأرض من الجنة، وكان أشد بياضا من اللبن فسودته خطايا بني آدم، وأنه يأتي يوم القيامة له عينان يبصر بهما ولسان ينطق به يشهد لمن استلمه بحق، وأن استلامه أو تقبيله أو الإشارة إليه: هو أول ما يفعله من أراد الطواف سواء كان حاجا أو معتمراً أو متطوعاً، وقد قبَّله النبي صلى الله عليه وسلم، وتبعه على ذلك أمته، فإن عجز عن تقبيله فيستلمه بيده أو بشيء ويقبل هذا الشيء، فإن عجز: أشار إليه بيده وكبَّر، ومسح الحجر مما يكفِّر الله تعالى به الخطايا. ثانياً: وأما بخصوص سرقة القرامطة للحجر الأسود له ومكثه عندهم فترة كبيرة: فصحيح. قال ابن كثير – في حوادث 278 هـ -: وفيها تحركت القرامطة، وهم فرقة من الزنادقة الملاحدة أتباع الفلاسفة من الفرس الذين يعتقدون نبوة زرادشت ومزدك، وكانا يبيحان المحرمات. ثم هم بعد ذلك أتباع كل ناعق إلى باطل، وأكثر ما يفسدون من جهة الرافضة ويدخلون إلى الباطل من جهتهم؛ لأنهم أقل الناس عقولاً، ويقال لهم: الإسماعيلية؛ لانتسابهم إلى إسماعيل الأعرج بن جعفر الصادق. ويقال لهم: القرامطة، قيل: نسبة إلى قرمط بن الأشعث البقار، وقيل: إن رئيسهم كان في أول دعوته يأمر من اتبعه بخمسين صلاة في كل يوم وليلة ليشغلهم بذلك عما يريد تدبيره من المكيدة ... والمقصود: أن هذه الطائفة تحركت في هذه السنة، ثم استفحل أمرهم وتفاقم الحال بهم - كما سنذكره - حتى آل بهم الحال إلى أن دخلوا المسجد الحرام فسفكوا دم الحجيج في وسط المسجد حول الكعبة وكسروا الحجر الأسود واقتلعوه من موضعه، وذهبوا به إلى بلادهم في سنة سبع عشرة وثلاثمائة، ثم لم يزل عندهم إلى سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة، فمكث غائباً عن موضعه من البيت ثنتين وعشرين سنة، فإنا لله وإنا إليه راجعون. " البداية والنهاية " (11 / 72، 73) . ثالثاً: وأما ما ذكر من وصف الحجر الأسود بأنه موضع سكب العبرات، فقد ورد في ذلك حديث عند ابن ماجه (2945) عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: اسْتَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَجَرَ ثُمَّ وَضَعَ شَفَتَيْهِ عَلَيْهِ يَبْكِي طَوِيلًا ثُمَّ الْتَفَتَ فَإِذَا هُوَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَبْكِي، فَقَالَ: (يَا عُمَرُ، هَاهُنَا تُسْكَبُ الْعَبَرَاتُ) . ولكنه حديث ضعيف ذكره الألباني في "إرواء الغليل" (1111) وقال: ضعيف جدا اهـ. وأما حديث " الحجر الأسود يمين الله في الأرض " فالجواب عنه: أنه حديث باطل لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن الجوزي في " العلل المتناهية ": " هذا حديث لا يصح ". " العلل لابن الجوزي " (2 / 575) ، وانظر " تلخيص العلل " للذهبي (ص 191) ، وقال ابن العربي:حديث باطل فلا يلتفت إليه، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " روي عن لنبي صلى الله عليه وسلم بإسناد لا يثبت، وعلى هذا فلا حاجة للخوض في معناه ". " مجموع الفتاوى " (6 / 397) . وأما ما ذكرت من وصف الحجر الأسود بأنه موضع سكب العبرات، فقد ورد في ذلك حديث عند ابن ماجة ولكنه حديث ضعيف لا يصح. رابعاً: وأما ما ذُكر من وصف الحجر الأسود بأنه " يطفو على الماء "، وأنه " لا يحمو بالنار " و " استجابة الدعاء ": فمما لا أصل له في السنَّة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45643 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4126 هل تضاعف السيئة والحسنة في رمضان [السُّؤَالُ] ـ[هل صحيح أن السيئة تضاعف في رمضان كما أن الحسنة تضاعف؟ وهل ورد دليل على ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، تضاعف الحسنة والسيئة في الزمان والمكان الفاضلين، ولكن هناك فرق بين مضاعفة الحسنة ومضاعفة السيئة، فمضاعفة الحسنة مضاعفة بالكم والكيف، والمراد بالكم: العدد، فالحسنة بعشر أمثالها أو أكثر، والمراد بالكيف أن ثوابها يعظم ويكثر، وأما السيئة فمضاعفتها بالكيف فقط أي أن إثمها أعظم والعقاب عليها أشد، وأما من حيث العدد فالسيئة بسيئة واحدة ولا يمكن أن تكون بأكثر من سيئة. قال في مطالب أولي النهى (2/385) : (وتضاعف الحسنة والسيئة بمكان فاضل كمكة والمدينة وبيت المقدس وفي المساجد , وبزمان فاضل كيوم الجمعة , والأشهر الحرم ورمضان. أما مضاعفة الحسنة ; فهذا مما لا خلاف فيه , وأما مضاعفة السيئة ; فقال بها جماعة تبعا لابن عباس وابن مسعود. . . وقال بعض المحققين: قول ابن عباس وابن مسعود في تضعيف السيئات: إنما أرادوا مضاعفتها في الكيفية دون الكمية) اهـ. وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: (الصيام هل يحصّل به المسلم تكفير الذنوب صغيرها وكبيرها؟ وهل إثم الذنوب يتضاعف في رمضان؟) فأجاب: (المشروع للمسلم في رمضان وفي غيره مجاهدة نفسه الأمارة بالسوء حتى تكون نفسا مطمئنة آمرة بالخير راغبة فيه، وواجب عليه أن يجاهد عدو الله إبليس حتى يسلم من شره ونزغاته، فالمسلم في هذه الدنيا في جهاد عظيم متواصل للنفس والهوى والشيطان، وعليه أن يكثر من التوبة والاستغفار في كل وقت وحين، ولكن الأوقات يختلف بعضها عن بعض، فشهر رمضان هو أفضل أشهر العام، فهو شهر مغفرة ورحمة وعتق من النار، فإذا كان الشهر فاضلا والمكان فاضلا ضوعفت فيه الحسنات، وعظم فيه إثم السيئات، فسيئة في رمضان أعظم إثما من سيئة في غيره، كما أن طاعة في رمضان أكثر ثوابا عند الله من طاعة في غيره. ولما كان رمضان بتلك المنزلة العظيمة كان للطاعة فيه فضل عظيم ومضاعفة كثيرة، وكان إثم المعاصي فيه أشد وأكبر من إثمها في غيره، فالمسلم عليه أن يغتنم هذا الشهر المبارك بالطاعات والأعمال الصالحات والإقلاع عن السيئات عسى الله عز وجل أن يمن عليه بالقبول ويوفقه للاستقامة على الحق، ولكن السيئة دائما بمثلها لا تضاعف في العدد لا في رمضان ولا في غيره، أما الحسنة فإنها تضاعف بعشر أمثالها إلى أضعاف كثيرة؛ لقول الله عز وجل في سورة الأنعام:) مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) الأنعام / 160 والآيات في هذا المعنى كثيرة. وهكذا في المكان الفاضل كالحرمين الشريفين تضاعف فيهما أضعافا كثيرة في الكمية والكيفية، أما السيئات فلا تضاعف بالكمية ولكنها تضاعف بالكيفية في الزمان الفاضل والمكان الفاضل كما تقدمت الإشارة إلى ذلك، والله ولي التوفيق) انتهى من مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (15/446) . وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (7/262) : تضاعف الحسنة والسيئة بمكان وزمان فاضل. فالحسنة تضاعف بالكم وبالكيف. وأما السيئة فبالكيف لا بالكم، لأن الله تعالى قال في سورة الأنعام وهي مكية: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) الأنعام/160. وقال: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) الحج/25. ولم يقل: نضاعف له ذلك. بل قال: (نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) فتكون مضاعفة السيئة في مكة أو في المدينة مضاعفة كيفية. (بمعنى أنها تكون أشد ألماً ووجعاً لقوله تعالى: وقال: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) الحج/25.اهـ والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38213 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4127 هل يودع حمام المدينة المنورة الكعبة قبل موته [السُّؤَالُ] ـ[سمعت أحد حجاج بيت الله الحرام يقول: إن أي حمامة بالمدينة المنورة إذا قرب أجل موتها تطير إلى مكة المكرمة وتشق سماء الكعبة المشرفة كوداع لها ثم تموت بعد أن تطير مسافة من الأميال فهل هذا صحيح أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس لحمام المدينة ولا لحمام مكة ميزة تخصها دون غيرها من الحمام سوى أنه لا يجوز صيده ولا تنفيره لمحرم بالحج أو العمرة أو غير محرم ما دام في حرم مكة أو حرم المدينة، فإذا خرج عنهما حل صيده لغير المحرم بالحج أو العمرة كسائر الصيد، لعموم قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم " ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم: " إن الله حرم مكة فلم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي وإنما أحلت لي ساعة من نهار لا يختلى خلاها ولا يعضد شجرها ولا ينفر صيدها.. الحديث رواه البخاري، وقوله صلى الله عليه وسلم: " إن إبراهيم حرم مكة وإني حرمت المدينة ما بين لابتيها لا يقطع عضاهُها ولا يصاد صيدها " رواه مسلم، فمن ادعى أن أي حمامة بالمدينة المنورة إذا دنا أجلها طارت إلى مكة ومرت بهواء الكعبة فهو جاهل قد ادعى شيئا لا أساس له من الصحة فإن الآجال لا يعلمها إلا الله، قال الله تعالى: " وما تدري نفس بأي أرض تموت " ووداع الكعبة إنما يكون بطواف من حج أو اعتمر حولها، فدعوى أن الحمام يعلم دنو أجله، وأنه يوادع الكعبة بالطيران فوقها دعوى كاذبة لا يجرؤ عليها إلا جاهل يفتري الكذب على الله وعلى عباده والله المستعان. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 3/64 الحديث: 9337 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4128 مخالفات تقع عند زيارة المسجد النبوي [السُّؤَالُ] ـ[لاحظت في زيارة للمسجد النبوي أن بعض الناس يتمسح بجدران الحجرة النبوية، والبعض يقف كأنه يصلي فتجده يضع يديه على صدره وهو مستقبل القبر، فهل ما يعملونه صحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تقدمت الإشارة إلى آداب الزيارة لمسجد النبي صلى الله عليه وسلم في السؤال (36863) ومما ينبه عليه ما يقع فيه بعض الزوار من المخالفات: المخالفة الأولى: دعاء الرسول أو نداؤه أو الاستغاثة به أو الاستعانة به كقول بعضهم: " يا رسول الله اشف مريضي، يا رسول الله اقض ديني، يا وسيلتي، يا باب حاجتي " أو غير ذلك من الأقوال الشركية، المضادَّة للتوحيد الذي هو حق الله على العبيد. المخالفة الثانية: الوقوف أمام القبر كهيئة المصلي، بوضع اليمين على الشمال على الصدر أو تحته، وذلك فعل محرّم؛ لأن تلك الهيئة هيئة ذل وعبادة لا تجوز إلا لله عز وجل. المخالفة الثالثة: الانحناء عند القبر أو السجود أو غير ذلك مما لا يجوز فعله إلا لله، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله: (لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر) أخرجه أحمد (3/158) وصححه الألباني في صحيح الترغيب (1936، 1937) وإرواء الغليل (1998) . المخالفة الرابعة: دعاء الله عند القبر، أو اعتقاد أن الدعاء عنده مستجاب، وذلك فعل محرَّم لأنه من أسباب الشرك، ولو كان الدعاء عند القبور أو عند قبر النبي أفضل وأصوب وأحبَّ إلى الله لرغبنا فيه رسول الله؛ لأنه لم يترك شيئًا يقرب إلى الجنة إلا وحث أمته عليه، فلما لم يفعل ذلك عُلم أنه فعل غير مشروع، وعمل محرم وممنوع، وقد روى أبو يعلى والحافظ الضياء في المختارة أن علي بن الحسين رضي الله عنهما رأى رجلاً يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل فيها فيدعو، فنهاه وقال: ألا أحدثكم حديثًا سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تتخذوا قبري عيدًا ولا بيوتكم قبورًا، وصلوا عليَّ فإن تسليمكم يبلغني أين كنتم " رواه أبو داود (2042) وصححه الألباني في صحيح أبي داود (1796) . المخالفة الخامسة: إرسال من عجز عن الوصول إلى المدينة سلامه لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع بعض الزوار، وقيام بعضهم بتبليغ هذا السلام، وهذا فعل مُبتدع، وأمر مخترع، فيا مرسل السلام، ويا مبلغه كفّا عن ذلك، فقد كُفيتما بقوله: (صلوا عليَّ فإن تسليمكم يبلغني أين كنتم) . وبقوله عليه الصلاة والسلام: (إن لله في الأرض ملائكة سياحين يبلِّغوني من أمتي السلام) أخرجه أحمد (1/441) ، والنسائي (1282) وصححه الألباني في صحيح الجامع (2170) المخالفة السادسة: التكرار والإكثار من زيارة قبره، كأن تكون الزيارة بعد كل فريضة، أو في كل يوم بعد صلاة بعينها، وفي هذا مخالفة لقوله عليه الصلاة والسلام: (لا تجعلوا قبري عيدًا) قال ابن حجر الهيتمي في شرح المشكاة: " العيد اسم من الأعياد، يقال: عاده واعتاده وتعوّده صار له عادة، والمعنى: لا تجعلوا قبري محلاً لاعتياد المجيء إليه متكررًا تكرارًا كثيرًا، فلهذا قال: (وصلوا عليَّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم) فإن فيها كفاية عن ذلك " انتهى كلامه رحمه الله تعالى. وفي كتاب الجامع للبيان لابن رشد: " سئل مالك رحمه الله تعالى عن الغريب يأتي قبر النبي كل يوم، فقال: ما هذا من الأمر، وذكر حديث: (اللهم لا تجعل قبري وثنًا يُعبد) صححه الألباني في: تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد (ص24-26) . قال ابن رشد: فيُكره أن يُكثر المرور به والسلام عليه، والإتيان كل يوم إليه لئلا يُجعل القبر كالمسجد الذي يؤتى كل يوم للصلاة فيه، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله: (اللهم لا تجعل قبري وثنًا) " انظر البيان والتحصيل لابن رشد (18/444-445) . انتهى كلامه رحمه الله. وسئل القاضي عياض عن أناس من أهل المدينة يقفون على القبر في اليوم مرة أو أكثر، ويسلمون ويدعون ساعة، فقال: " لم يبلغني هذا عن أحد من أهل الفقه، ولا يُصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولَها، ولم يبلغني عن أول هذه الأمة وصدرها أنهم كانوا يفعلون ذلك " الشفا بتعريف حقوق المصطفى (2/676) . المخالفة السابعة: التوجه إلى قبره الشريف من كل نواحي المسجد، واستقباله له كلما دخل المسجد أو كلما فرغ من الصلاة، ووضع اليدين على الجنبين، وتنكيس الرؤوس والأذقان أثناء السلام عليه في تلك الحال، وهذه من البدع المنتشرة، والمخالفات المشتهرة. فاتقوا الله عباد الله، واحذروا سائر البدع والمخالفات، واحذروا الهوى والتقليد الأعمى، وكونوا من أمركم على بينة وهدى، قال جل في علاه: {أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيّنَةٍ مّن رَّبّهِ كَمَن زُيّنَ لَهُ سُوء عَمَلِهِ وَاتَّبَعُواْ أَهْوَاءهُمْ} محمد/ 14. نسأل الله أن يجعلنا من الهداة المهتدين، المتبعين لسنة سيد المرسلين. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36860 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4129 توجيهات إسلامية لزوار المدينة النبوية [السُّؤَالُ] ـ[أعرف مجموعة من الإخوة سيقومون بزيارة المسجد النبوي بعد حجهم هذا العام، ويريدون منكم النصيحة والتوجيه.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أيها الوافدون على مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قدِمتم خير مقدَم، وغنمتم خيرَ مغنم، وطاب في طيبة بقاؤكم، وتقبّل الله صالح أعمالكم، وبلّغكم خير آمالكم، حُيِّيتم في دار الهجرة والنصرة بلد المصطفى المختار، ومهاجَر الصحابة الأخيار، وديار الأنصار. وهذه توجيهات يسيرة لمن أراد زيارة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم: 1- أيها الوافدون لطابة، إنكم في بلد هي بعد مكة خير البقاع، وأشرف الأماكن والأصقاع، فاعرفوا حقَّها، واقدروا قدرها، وراعوا حرمتَها وقداستها، وتأدبوا فيها بأحسن الآداب، واعلموا أن الله توعد من أحدث فيها بأشدِّ العذاب، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي أنه قال: (المدينة حرم، فمن أحدث فيها حدثًا أو آوى محدِثًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفًا ولا عدلاً) رواه البخاري (1867) ومسلم (1370) واللفظ له. فمن أتى فيها إثمًا أو آوى من أتاه وضمّه إليه وحماه فقد عرّض نفسه للعذاب المهين وغضب إله العالمين. وإن من أعظم الإحداث تكدير صفوها بإظهار البدع والمحدثات، وتعكيرها بالخرافات والخزعبلات، وتدنيس أرضها الطاهرة بنشر المقالات البدعية، والكتب الشركية، وما يخالف الشريعة الإسلامية من ألوان المنكرات والمحرمات، والمحِدث والمؤوي له في الإثم سواء. 2- زيارة المسجد النبوي سنة من المسنونات، وليست واجبًا من الواجبات، ليس لها علاقة بالحج ولا هي له من المتمِّمات، وكل ما يُروى من أحاديث في إثبات علاقتها أو علاقة زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم بالحج فهو من الموضوعات والمكذوبات، ومن قصد بشدِّ رحله إلى المدينة زيارة المسجد والصلاة فيه فقصده مبرور، وسعيه مشكور، ومن لم يقصد بشدّ رحله إلا زيارة القبور والاستعانة بالمقبور فقصده محظور، وفعله منكور، فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تُشَدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى) رواه البخاري (1189) ومسلم (1397) . وعن جابر رضي الله عنهما، عن رسول الله أنه قال: (إن خير ما رُكبت إليه الرواحل مسجدي هذا والبيت العتيق) أخرجه أحمد (3/350) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1648) . 3- الصلاة في مسجد المدينة مضاعفة الجزاء، فرضًا ونفلاً في أصحّ قولي العلماء، يقول عليه الصلاة والسلام: (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواها إلا المسجد الحرام) رواه البخاري (1190) ومسلم (1394) . إلا أن صلاة النافلة في البيت أفضل من صلاتها في المسجد حتى ولو كانت مضاعفة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة) رواه البخاري (731) ومسلم (781) . 4- أيها الزائر المكرَّم لهذا المسجد المعظم، اعلم أنه لا يجوز التبرك بشيء من أجزاء المسجد النبوي، كالأعمدة أو الجدران أو الأبواب أو المحاريب أو المنبر، بالتمسح بها أو تقبيلها، كما لا يجوز التبرك بالحجرة النبوية باستلامها أو تقبيلها أو مسح الثياب بها، ولا يجوز الطواف بها، ومن فعل شيئًا من ذلك وجب عليه التوبة وعدم العودة. 5- ويُشرع لمن زار المسجد النبوي أن يُصلي في الروضة الشريفة ركعتين أو ما شاء من النفل لما ثبت فيها من الفضل، فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي) رواه البخاري (1196) ومسلم (1391) . وعن يزيد بن أبي عبيد قال: كنت آتي مع سلمة بن الأكوع فيصلِّي عند الأسطوانة التي عند المصحف، أي في الروضة الشريفة، فقلت: يا أبا مسلم، أراك تتحرّى الصلاة عند هذه الأسطوانة! فقال: فإني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرّى الصلاة عندها. رواه البخاري (502) ومسلم (509) . والحرص على الصلاة في الروضة لا يسوِّغ الاعتداء على الناس، أو مدافعة الضعاف، أو تخطّي الرقاب. 6- ويُشرع لزائر المدينة والساكن بها إتيان مسجد قباء للصلاة فيه؛ اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم وتحصيلاً لأجر عمرة، فعن سهل بن حنيف قال: قال رسول الله: (من خرج حتى يأتي هذا المسجد ـ يعني: مسجد قباء ـ فيصلي فيه كان كعدل عمرة) أخرجه أحمد (3/487) ، والنسائي (699) وصححه الألباني في صحيح الترغيب (1180، 1181) . وعند ابن ماجه: (من تطهّر في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه صلاة كان له أجر عمرة) رواه ابن ماجه (1412) . وفي الصحيحين أن رسول الله كان يأتي مسجد قباء كل سبت ماشيًا وراكبًا فيصلي فيه ركعتين رواه البخاري (1191) ومسلم (1399) 7- أيها الزائر المكرَّم، لا يُشرع زيارة شيء من المساجد في المدينة النبوية سوى هذين المسجدين: مسجد رسول الله ومسجد قباء، ولا يشرع للزائر ولا لغيره قصد بقاع بعينها، يرجو الخير بقصدها أو التعبد عندها لم يرد في زيارتها دليل من كتاب أو سنة أو فعل الصحابة رضي الله عنهم. وليس من المشروع تتبع مواطن أو مساجد صلى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أو غيره من الصحابة الكرام لقصد الصلاة فيها أو التعبد بالدعاء ونحوه عندها، وهو لم يأمر بقصدها، ولم يحث على زيارتها، فعن المعرور بن سويد رحمه الله تعالى قال: خرجنا مع عمر بن الخطاب، فعرض لنا في بعض الطريق مسجد، فابتدره الناس يصلون فيه، فقال عمر: (ما شأنهم؟!) فقالوا: هذا مسجد صلى فيه رسول الله، فقال عمر: (أيها الناس، إنما هلك من كان قبلكم باتباعهم مثل هذا، حتى أحدثوها بيعًا، فمن عرضت له فيه صلاة فليصل، ومن لم تعرض له فيه صلاة فليمض) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (7550) . ولما بلغ عمر بن الخطاب أن ناسًا يأتون الشجرة التي بُويع تحتها النبي أمر بها فقطعت. أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (7545) . 8- شرع لزوار المسجد النبوي من الرجال زيارةُ قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، للسلام عليهم والدعاء لهم، أما النساء فلا يجوز لهن زيارة القبور في أصح قولي العلماء لما رواه أبو داود (3236) والترمذي (320) وابن ماجه (1575) عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي لعن زائرات القبور " صححه الألباني في إصلاح المساجد. ولما رواه الترمذي (1056) عن أبي هريرة أن رسول الله لعن زوارات القبور " وقال: " حسن صحيح "، وأخرجه أيضاً أحمد (2/337) ، وابن ماجه (1574) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (843) ومشكاة المصابيح (1770) . وصفة الزيارة أن يأتي الزائر القبر الشريف فيستقبله بوجهه ويقول: " السلام عليك يا رسول الله " ثم يتقدم إلى يمينه قدر ذراع فيسلم على أبي بكر ويقول: "السلام عليك يا أبا بكر " ثم يتقدم قليلاً إلى يمينه قدر ذراع للسلام على عمر بن الخطاب فيقول: " السلام عليك يا عمر" 9- ويُشرع لزوار المدينة من الرجال زيارة أهل بقيع الغرقد وشهداء أحد؛ للسلام عليهم والدعاء لهم، فعن بريدة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا المقابر يقول: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية) أخرجه مسلم في صحيحه (974،975) . 10- زيارة القبور إنما شرعت لمقصدين عظيمين: أولهما: للزائر لغرض الاعتبار والادكار. وثانيهما: للمزور بالدعاء له والترحم عليه والاستغفار. ويُشترط لجواز زيارة القبور عدم قول الهُجر وأعظمه الشرك أو الكفر، فعن بريدة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فمن أراد أن يزور فليزر، ولا تقولوا هُجْرًا) أخرجه النسائي (2033) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (886) . وقد أخرجه مسلم برقم (977) دون قوله: (ولا تقولوا هجراً) . فلا يجوز الطواف بهذه القبور ولا غيرها، ولا الصلاة إليها ولا بينها، ولا التعبد عندها بقراءة القرآن أو الدعاء أو غيرهما؛ لأن ذلك من وسائل الإشراك برب الأملاك والأفلاك، ومن اتخاذها مساجد حتى ولو لم يُبن عليها مسجد، فعن عائشة وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما قالا: لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم الموت، طفق يطرح خميصةً على وجهه، فإذا اغتمّ بها كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك: (لعنة الله على اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) يحذر ما صنعوا. أخرجه البخاري (436) ومسلم (529) . وقال عليه الصلاة والسلام: (إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجد) أخرجه أحمد (1/405) . وأصله في البخاري معلقاً: كتاب الفتن، باب ظهور الفتن (7067) ، ومسلم: كتاب الفتن، باب قرب الساعة (2949) دون ذكر اتخاذ القبور مساجد. وعن أبي مرثد الغنوي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: (لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها) أخرجه مسلم (972) . وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام) أخرجه أحمد (3/83) ، والترمذي (317) وصححه الألباني في إرواء الغليل (1/320) . وفي حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يُصلَّى بين القبور. أخرجه ابن حبان (1698) قال عنه الهيثمي في مجمع الزوائد (2/27) "رجاله رجال الصحيح". ولا يجوز السجود على المقابر، بل ذلك وثنية جاهلية، وشذوذ فكري، وتخلف عقلي، ولا يجوز لزائر تلك القبور ولا غيرها التبرك بها بمسحها أو تقبيلها أو إلصاق شيء من أجزاء البدن بها أو الاستشفاء بتربتها بالتمرغ عليها، أو أخذ شيء منها للاغتسال بها، ولا يجوز لزائرها أو غيرها دفن شيء من شعره أو بدنه أو مناديله أو وضع صورته أو غير ذلك مما معه في تربتها لقصد البركة، ولا يجوز رمي النقود أو شيء من الطعام كالحبوب ونحوها عليها، ومن فعل شيئًا من ذلك وجب عليه التوبة وعدم العودة، ولا يجوز تطييبها، ولا القسم على الله بأصحابها، ولا يجوز سؤال الله بهم أو بجاههم وحقهم، بل ذلك توسل محرم من وسائل الشرك، ولا يجوز رفع القبور ولا البناء عليه؛ لأن ذلك وسيلة إلى تعظيمها والافتتان بها، ولا يجوز بيع طعام أو طيب أو غير ذلك لمن عُلم استخدامه لها في تلك المخالفات العظيمة. والاستغاثة بالأموات أو الاستعانة بهم أو طلب المدد منهم أو نداؤهم وسؤالهم سدَّ الفاقات وإغاثة اللهفات وجلب الفوائد ودفع الشدائد شركٌ أكبر يخرج صاحبه عن ملة الإسلام، ويجعله من عُبَّاد الأوثان، إذ لا يفرِّج الهموم ولا يكشف الغموم إلا الله وحده لا شريك له جل في علاه: (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَاَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ. إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُواْ مَا اسْتَجَابُواْ لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلاَ يُنَبّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) فاطر / 13، 14. ويقول جل في علاه: (قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرّ عَنْكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً. أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبّكَ كَانَ مَحْذُورًا) الإسراء / 56، 57. [الْمَصْدَرُ] الشيخ صلاح البدير – إمام وخطيب المسجد النبوي الحديث: 36863 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4130 هل المسجد الأقصى يعتبر حرماً؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل المسجد الأقصى يعتبر حرماً كحرم مكة والمدينة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: المسجد الأقصى له فضيلة على غيره من المساجد، فأفضل المساجد على الإطلاق المسجد الحرام، ثم المسجد النبوي، ثم المسجد الأقصى. وهذه المساجد الثلاثة هي المساجد التي يشرع السفر إليها للعبادة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلا إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى، وَمَسْجِدِي هَذَا) رواه البخاري (1996) . والصلاة في المسجد الأقصى بمائتين وخمسين صلاة. عن أبي ذر رضي الله عنه قال: تذاكرنا ونحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أيهما أفضل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أم بيت المقدس؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة في مسجدي أفضل من أربع صلوات فيه ولنعم المصلى هو، وليوشكن أن يكون للرجل مِثْل شطن فرسه من الأرض حيث يَرى منه بيت المقدس خيراً له من الدنيا جميعاً ". رواه الحاكم (4 / 509) وصححه ووافقه الذهبي والألباني كما في " السلسلة الصحيحة " في آخر الكلام على حديث رقم (2902) . (شطن فرسه) هو حبل الفرس. والصلاة في المسجد النبوي بألف صلاة، فتكون الصلاة في المسجد الأقصى بمائتين وخمسين صلاة. وأما الحديث المشهور أن الصلاة فيه بخمسمائة صلاة: فضعيف. انظر " تمام المنة " للشيخ الألباني رحمه الله (ص 292) . ثانياً: الحرم له أحكام تخصه، شرعها الله تعالى. منها: تحريم القتال فيه. ومنها: أنه يحرم صيد الحيوانات والطيور الموجودة به، ويحرم قطع نباته الذي نبت بفعل الله تعالى ولم يزرعه أحد. وقد امتن الله تعالى على أهل مكة بأن جعل لهم مكة حرما آمناً، يأمن فيه الناس والدواب، قال الله تعالى: (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) القصص/57. وقال: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) العنكبوت / 67. وقال تعالى: (وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا) البقرة / 97. وروى مسلم (1362) عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ، وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ. . . لا يُقْطَعُ عِضَاهُهَا وَلا يُصَادُ صَيْدُهَا) . والعضاه كل شجر فيه شوك، وإذا حُرِّم قطعُ الشجر الذي فيه شوك فتحريم قطع الشجر الذي لا شوك فيه من باب أولى. وروى مسلم (1374) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَجَعَلَهَا حَرَمًا، وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ. . . أَنْ لا يُهْرَاقَ فِيهَا دَمٌ، وَلا يُحْمَلَ فِيهَا سِلاحٌ لِقِتَالٍ، وَلا تُخْبَطَ فِيهَا شَجَرَةٌ إِلا لِعَلْفٍ. . . الحديث) . قال النووي: فِيهِ: جَوَاز أَخْذ أَوْرَاق الشَّجَر لِلْعَلْفِ , وَهُوَ الْمُرَاد هُنَا بِخِلَافِ خَبْط الْأَغْصَان وَقَطْعهَا ; فَإِنَّهُ حَرَام اهـ. والقدس ليس حرماً بهذا المعنى باتفاق المسلمين، وقد توسع الناس في إطلاق هذا الوصف (أعني: الحرم) فصارت القدس حرماً! وصار مسجد إبراهيم الخليل في فلسطين حرما! بل صارت الجامعات يقال عنها: الحرم الجامعي!!! وليس هناك حرم في الأرض إلا حرم مكة، والمدينة، ووادٍ بالطائف اسمه (وُج) اختلف العلماء فيه هل هو حرم أم لا؟ قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (27/14-15) : وليس ببيت المقدس مكان يسمى حرما ولا بتربة الخليل ولا بغير ذلك من البقاع، إلا ثلاثة أماكن: أحدها: هو حرم باتفاق المسلمين، وهو حرم مكة، شرفها الله تعالى. والثاني: حرم عند جمهور العلماء، وهو حرم النبي (يعني المدينة النبوية) فإن هذا حرم عند جمهور العلماء، كمالك والشافعي وأحمد، وفيه أحاديث صحيحة مستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم. والثالث: وُج، وهو وادٍ بالطائف، فإن هذا رُوِيَ فيه حديث، رواه أحمد في المسند، وليس في الصحاح، وهذا حرم عند الشافعي لاعتقاده صحة الحديث، وليس حرماً عند أكثر العلماء، وأحمد ضعف الحديث المروى فيه فلم يأخذ به. وأما ما سوى هذه الأماكن الثلاثة فليس حرماً عند أحد من علماء المسلمين، فإن الحرم ما حرم اللهُ صيده ونباته، ولم يحرم الله صيد مكان ونباته خارجا عن هذه الأماكن الثلاثة اهـ. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 34751 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4131 زيارة المسجد النبوي [السُّؤَالُ] ـ[إذا أراد الحاج والمعتمر أن يزور المسجد النبوي فهل ينوي زيارة المسجد أم زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وما هي آداب زيارة المسجد النبوي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ محمد بن عثيمين – رحمه الله -: " إذا أحب الحاج أن يزور المسجد النبوي قبل الحج أو بعده فلينو زيارة المسجد النبوي لا زيارة القبر؛ فإن شد الرحل على وجه التعبد لا يكون لزيارة القبور وإنما يكون للمساجد الثلاثة المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى كما في الحديث الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى " رواه البخاري (1189) ومسلم (1397) فإذا وصل المسجد النبوي قدم رجله اليمنى لدخوله وقال: بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وبسلطانه القديم من الشيطان الرجيم , ثم يصلي ما شاء. والأولى أن تكون صلاته في الروضة وهي ما بين منبر النبي صلى الله عليه وسلم وحجرته التي فيها قبره لأن ما بينهما روضة من رياض الجنة , فإذا صلى وأراد زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم فليقف أمامه بأدب ووقار وليقل: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد , اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. أشهد أنك رسول الله حقا وأنك قد بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة وجاهدت في الله حق جهاده , فجزاك الله عن أمتك أفضل ما جزى نبيا عن أمته. ثم يأخذ ذات اليمين قليلا فيسلم على أبي بكر الصديق ويترضى عنه. .. ثم يأخذ ذات اليمين قليلا أيضا فيسلم على عمر بن الخطاب ويترضى عنه وإن دعا له ولأبي بكر رضي الله عنهما بدعاء مناسب فحسن. ولا يجوز لأحد أن يتقرب إلى الله بمسح الحجرة النبوية أو الطواف بها، ولا يستقبلها حال الدعاء بل يستقبل القبلة لأن التقرب إلى الله لا يكون إلا بما شرعه الله ورسوله، والعبادات مبناها على الاتباع لا على الابتداع. والمرأة لا تزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولا قبر غيره لأن النبي صلى الله عليه وسلم لَعَنَ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ " رواه الترمذي وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (843) لكن تصلي وتسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهي في مكانها فيبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في أي مكان كانت ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: صلوا عليَّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم، وقال: إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام " رواه النسائي (1282) وصححه الألباني في صحيح النسائي (1215) . (فائدة: زُوَّارات بمعنى زائرات، لأن زُوَّارات جمع زُوّار أي زائر. انظر زايارة القبور للنساء ص 17 للشيخ أبو بكر أبو زيد) . وينبغي للرجل خاصة أن يزور البقيع وهو مقبرة المدينة فيقول: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين نسأل الله لنا ولكم العافية اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم. وإن أحب أن يأتي (جبل أُحد) ويتذكر ما جرى للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في تلك الغزوة من جهاد وابتلاء وتمحيص وشهادة ثم يسلم على الشهداء هناك مثل حمزة بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم فلا بأس بذلك فإن هذا قد يكون من السير في الأرض المأمور به والله أعلم " [الْمَصْدَرُ] كتاب المنهج لمريد العمرة والحج. الحديث: 34464 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4132 هل يقدم الحج على الزواج بثانية؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا ما كان رجل لديه زوجة وأطفال وأراد أن يتزوج مرة أخرى من امرأة أخرى، ولكنه لم يقض فريضة الحج بعد، فهل يكون عليه أن ينفق ماله في الحج أولاً ثم بعد ذلك يتزوج من أخرى؟ ولكنه يريد الزواج من أخرى في الوقت الحالي وأن يحج ولكنه لا يملك المال الكافي للأمرين معاً. أرجو أن تخبروني أي الأمرين أفضل، مع العلم بأن لديه زوجة وأطفالاً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذكر أهل العلم أن الرجل إذا لم يكن متزوجاً فإنه يقدم الحج على الزواج، إلا أن يخاف العنت، وهو الوقوع في الفاحشة أو المشقة، فيقدم حينئذ الزواج على الحج. قال الشيرازي في "المهذب" (1 / 197) . " وإن احتاج إلى النكاح وهو يخاف العنت قدم النكاح " انتهى. وقال المرداوي في "الإنصاف" (3/404) : " إذَا خَافَ الْعَنَتَ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْحَجِّ: قَدَّمَ النِّكَاحَ عَلَيْهِ , عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ , نَصَّ عَلَيْهِ [يعني الإمام أحمد] , وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ , وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ لِوُجُوبِهِ إذَنْ , وَحَكَاهُ الْمَجْدُ إجْمَاعًا , لَكِنْ نُوزِعَ فِي ادِّعَاءِ الْإِجْمَاعِ " انتهى. وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: "إن كان المسلم لا يخاف على نفسه من الزنا وجب عليه تقديم الحج على الزواج، وإن كان يخاف على نفسه من ذلك قدم الزواج على الحج من أجل إعفاف نفسه، ولأن الحج إنما يجب على المستطيع، وهذا يعتبر غير مستطيع حتى يعف نفسه " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (23 / 320) . وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: "من اشتدت حاجته إلى الزواج وجبت عليه المبادرة به قبل الحج؛ لأنه في هذه الحال لا يسمى مستطيعاً، إذا كان لا يستطيع نفقة الزواج والحج جميعاً فإنه يبدأ بالزواج حتى يعف نفسه" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (16 / 359) . وانظر جواب السؤال رقم (27120) . أما من كان متزوجاً، فقد أعف نفسه بالزواج، فالواجب عليه المبادرة بالحج قبل الزواج بثانية؛ فإنه ركن من أركان الإسلام، وقد قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) آل عمران/97. وقد يكون الرجل متزوجاً ولكنه يحتاج إلى أخرى، إما لكونه قوي الشهوة، أو لكون الأولى مريضة أو غير ذلك من الأسباب، ففي هذه الحالة يقدم الزواج بثانية على الحج، لحاجته إليه. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "لو كان الأب نفسه يحتاج إلى نكاح ويخشى على نفسه إن لم يتزوج وليس في يده إلا هذه الدراهم فهو إما أن يحج بها وأما أن يتزوج فحينئذٍ نقول: قدم الزواج. ولا تعجب إذا قلت إن الأب محتاج إلى الزواج وليس عنده إلا هذه الدراهم؛ لأن هذا يقع كثيرا قد يكون الرجل كثير الشهوة لم تغنه المرأة الأولى، أو تكون المرأة الأولى قد ماتت أو طلقت فيحتاج إلى زوجة أخرى" انتهى. "فتاوى نور على الدرب" (227 / 30) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 132653 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4133 هل يجب حج المدين على نفقة غيره [السُّؤَالُ] ـ[أنا رجلٌ مدين وقد عرض علي أخٌ في الله أن أحج معه ويتكفل بالنفقة فهل يجب علي الحج؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سُئل الشيخ محمد بن عثيمين هذا السؤال فقال رحمه الله: إذا كان هذا الأخ يريد أن يتحمل عنك نفقة الحج بحيث لا يضرك الذهاب معه فلا بأس أن تحج معه لكنه لا يجب عليك الحج معه وإنما قلنا لا يجب لأن فيه مِنَّةًً عليك يُخشى في يوم من الأيام أن لا يكون أخاً لك في الله ثم بعد ذلك يمن عليك ويقول هذا جزائي حججت بك في العام الفلاني وتفعل بي ما تفعل. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 13500 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4134 هل يقدم الحج أم الزواج؟ [السُّؤَالُ] ـ[أيهما أولى للشخص؛ أن يحج بما معه من مال أم يتزوج به؟ لأن هذا الوقت وقت فتن يخاف فيه المرء على نفسه.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الرجل يحتاج إلى الزواج، ويشق عليه تأخيره فإنه يقدم الزواج على الحج. أما إذا كان لا يحتاج إلى الزواج فإنه يقدم الحج. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (5/12) : وَإِنْ احْتَاجَ إلَى النِّكَاحِ , وَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْعَنَتَ (أي المشقة) , قَدَّمَ التَّزْوِيجَ , لأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ , وَلا غِنَى بِهِ عَنْهُ , فَهُوَ كَنَفَقَتِهِ , وَإِنْ لَمْ يَخَفْ , قَدَّمَ الْحَجَّ ; لأَنَّ النِّكَاحَ تَطَوُّعٌ , فَلا يُقَدَّمُ عَلَى الْحَجَّ الْوَاجِبِ اهـ. وانظر أيضاً: "المجموع" (7/71) للنووي. وسئل الشيخ ابن عثيمن رحمه الله: هل يجوز تأجيل الحج إلى ما بعد الزواج للمستطيع، وذلك لما يقابل الشباب في هذا الزمن من المغريات والفتن صغيرة كانت أم كبيرة؟ فأجاب: لا شك أن الزواج مع الشهوة والإلحاح أولى من الحج لأن الإنسان إذا كانت لديه شهوة ملحة فإن تزوجه حينئذٍ من ضروريات حياته، فهو مثل الأكل والشرب، ولهذا يجوز لمن احتاج إلى الزواج وليس عنده مال أن يدفع إليه من الزكاة ما يُزوج به، كما يعطى الفقير ما يقتات به وما يلبسه ويستر به عورته من الزكاة. وعلى هذا فنقول: إنه إذا كان محتاجاً إلى النكاح فإنه يقدم النكاح على الحج لأن الله سبحانه وتعالى اشترط في وجوب الحج الاستطاعة فقال: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) آل عمران / 97. أما من كان شاباً ولا يهمه أن يتزوج هذا العام أو الذي بعده فإنه يقدم الحج لأنه ليس في ضرورة إلى تقديم النكاح اهـ فتاوى منار الإسلام (2/375) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 27120 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4135 حكم من حجج والديه ولم يحج عن نفسه [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من حجج والديه ولم يحج بنفسه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من استطاع الحج، وتوفرت فيه شروطه، وجب عليه أن يحج في عامه، ولا يجوز له تأخير الحج، لأجل والديه أو غيرهما؛ لأن الحج واجب على الفور في أصح قولي العلماء، وفرض العين مقدم على بر الوالدين؛ لقوله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) آل عمران /97، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (عجلوا الخروج إلى مكة، فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له من مرض أو حاجة) رواه أبو نعيم في الحلية، والبيهقي في شعب الإيمان، وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (3990) . وينظر جواب السؤال رقم (41702) . لكن حج الوالدين في هذه الحالة صحيح، وعلى هذا الابن أن يبادر بالحج عند الاستطاعة. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل يجوز للإنسان أن يرسل والديه إلى الحج قبل أن يذهب هو إلى الحج؟ فأجابوا: الحج فريضة على كل مسلم حر عاقل بالغ مستطيع السبيل إلى أدائه، مرة في العمر. وبر الوالدين وإعانتهما على أداء الواجب أمر مشروع بقدر الطاقة، إلا أن عليك أن تحج عن نفسك أولاً، ثم تعين والديك إن لم يتيسر الجمع بين حج الجميع، ولو قدمت والديك على نفسك صح حجهما، وبالله التوفيق " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/70) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 101590 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4136 لديه مال لو اشترى به سيارة لم يتمكن من الحج [السُّؤَالُ] ـ[أصبحت بحمد الله قادرا على الحج ولكنني أود شراء سيارة , فهل يجوز شراؤها؟ علما بأن هذا قد يؤجل الحج.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كنت بحاجة إلى السيارة، فلا حرج عليك في شرائها ولو أدى ذلك إلى تأخير الحج؛ لأن من شرط وجوب الحج الاستطاعة المالية، وهي ملك مال فائض عن حوائج الإنسان الأصلية، ومن هذه الحوائج: السيارة التي يركبها الإنسان، إذا كانت تناسب حاله، ولم يبالغ في شراء ما غلا ثمنه، تقليدا ومباهاة لغيره، وراجع شروط الحج في جواب السؤال رقم (41957) . أما إذا كنت غير محتاج للسيارة فيجب عليك تقديم الحج على شرائها. ونسأل الله تعالى أن يوسع عليك ويرزقك رزقاً طيبا مباركا فيه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 90223 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4137 هل يحج حج الفريضة أم يزوج ابنه بهذا المال [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان هناك رجل يريد أن يحج حج الفريضة (لأول مرة) وكان لديه ابن أعزب في عمر الزواج، وكان لدى هذا الرجل مبلغ من المال يكفي فقط لأن يحج أو يزوج ابنه، في هذه الحالة أيهما أولى: أن يقوم بأداء فريضة الحج؟ أم يقوم بتزويج ابنه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: يلزم الرجل أن يزوج ولده إذا كان الولد محتاجاً إلى الزواج، وعاجزاً عن تكاليفه، في أصح قولي العلماء؛ لأن الحاجة إلى النكاح قد لا تقل عن الحاجة إلى الأكل والشرب، فتدخل في النفقة الواجبة. قال المرداوي في "الإنصاف" (9/204) : " يجب على الرجل إعفاف من وجبت نفقته عليه من الآباء والأجداد والأبناء وأبنائهم وغيرهم , ممن تجب عليه نفقتهم. وهذا الصحيح من المذهب - يعني مذهب الإمام أحمد - " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " حاجة الإنسان إلى الزواج ملحة قد تكون في بعض الأحيان كحاجته إلى الأكل والشرب، ولذلك قال أهل العلم: إنه يجب على من تلزمه نفقة شخص أن يزوجه إن كان ماله يتسع لذلك، فيجب على الأب أن يزوج ابنه إذا احتاج الابن للزواج ولم يكن عنده ما يتزوج به، لكن سمعت أن بعض الآباء الذين نسوا حالهم حال الشباب إذا طلب ابنه منه الزواج قال له: تزوج من عرق جبينك. وهذا غير جائز، وحرام عليه إذا كان قادراً على تزويجه، سوف يخاصمه ابنه يوم القيامة إذا لم يزوجه مع قدرته على تزويجه " انتهى من " فتاوى أركان الإسلام" (ص440-441) . ثانيا: إذا تعارض حج الوالد مع زواج الابن، لكون المال الذي يملكه الأب لا يكفي إلا لأحدهما، فإنه ينظر في نكاح الابن هل يجب الآن أم يمكن تأخيره؟ فإن كان الابن محتاجا للنكاح ويخشى على نفسه الوقوع في الحرام، فإن زواجه مقدم على حجه هو لنفسه، ومقدم على حج أبيه كذلك لأمرين: الأول: أن إعفافه وصيانته عن الوقوع في الحرام أمر واجب لا يحتمل التأخير، أما الحج فيمكن تأخيره إلى أن ييسر الله له. والثاني: أن الحج لا يجب على الأب إلا إذا ملك مالا فائضاً عن نفقته ونفقة من تلزمه نفقته، وقد لزمه هنا تزويج ابنه حتى لا يقع في الحرام. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (5/12) : " وَإِنْ احْتَاجَ إلَى النِّكَاحِ , وَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْعَنَتَ (أي المشقة) , قَدَّمَ التَّزْوِيجَ – يعني: على الحج - لأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ , وَلا غِنَى بِهِ عَنْهُ , فَهُوَ كَنَفَقَتِهِ. وَإِنْ لَمْ يَخَفْ , قَدَّمَ الْحَجَّ ; لأَنَّ النِّكَاحَ تَطَوُّعٌ , فَلا يُقَدَّمُ عَلَى الْحَجَّ الْوَاجِبِ " انتهى. وانظر أيضاً: "المجموع" (7/71) للنووي. وانظر السؤال رقم (27120) . أما إن كان الولد لا يحتاج إلى النكاح أو لا يخاف على نفسه الوقوع في الحرام لو أخر النكاح، فإنه لا يلزم تزويجه الآن، وعليه فيكون الحج واجبا على الأب؛ لأنه ملك مالا فائضا عن نفقته ونفقة من يعول، قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) آل عمران/ 97. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83191 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4138 هل يحج قبل أن يسدد فاتورة الكهرباء والهاتف؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا صدرت فاتورة مثل فاتورة جوال أو كهرباء وغيره هل يلزم بتسديدها قبل الحج؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ينبغي للإنسان أن يسدد ديونه قبل سفره – سواء كان سفره إلى الحج أم غيره – أو يترك من الأموال ما يكفي لسدادها، حتى تبرأ ذمته، ولا يكون مطالباً عند الله بشيء من حقوق العباد. وأما السفر إلى الحج لمن عليه دين، فيقال إن الديون على ثلاثة أنواع: الأول: دين غير مؤجل وجاء وقت سداده ويطالب به أصحابه، فيجب سداده، ولا يجوز تأخيره لأجل الحج أو غيره، لأن ذلك يدخل في المَطْل المحرم. وقد قال صلى الله عليه وسلم: (مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ) رواه البخاري (2287) ومسلم (1564) . وقال صلى الله عليه وسلم: (لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ) رواه النسائي (4689) وأبو داود (3628) وابن ماجه (2427) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود. و (لَيُّ الْوَاجِدِ) بمعنى (مطل الغني) وهو مماطلة الغني القادر على سداد الدين وتأخيره للسداد من غير عذر. والمقصود بحل عرضه: أن يقال: مطلني فلان، أو يا ظالم يا معتدي، وعقوبته: حبسه. ولو فرض أن سداد هذا الدين يؤدي إلى عدم الحج، فإنه يجب السداد، ولا إثم في ترك الحج حينئذ؛ لأنه لا يجب إلا على المستطيع له ماديا وبدنيا. الثاني: دين يتسامح فيه أهله، ويرضون بتأخيره، ويأذنون لصاحبه في الحج، وهذا لا إشكال فيه، لكن الأفضل هو السداد؛ حتى تبرأ الذمة؛ لأن الدائن لو أذن للمدين بالحج فإن ذمة المدين تبقى مشغولة بالدين، ولا تبرأ ذمته بهذا الإذن، ولذلك يقال للمدين: اقض الدين أولاً ثم إن بقي معك ما تحج به وإلا فالحج غير واجب عليك. وإذا مات المدين الذي منعه سداد الدين عن الحج فإنه يلقى الله كامل الإسلام غير مضيع ولا مفرط، لأن الحج لم يجب عليه، أما لو قَدَّم الحج على قضاء الدين ومات قبل قضائه فإنه يكون على خطر، إذ إن الشهيد يغفر له كل شيء إلا الدين، فكيف بغيره؟! الثالث: دين مؤجل، لم يحن وقته في زمن الحج، فهذا لا يمنع المدين من الحج، إلا إن علم أن بذله المال في الحج سيمنعه من سداد الدين، إما لقرب موعد السداد، أو لقلة ذات اليد ونحو ذلك، فهذا إن حج كان مفرطا متهاونا في أداء ما عليه من حق. جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/46) : " من شروط الحج: الاستطاعة، ومن الاستطاعة: الاستطاعة المالية. ومن كان عليه دَيْن مطالبٌ به بحيث أن أهل الدَّين يمنعون الشخص عن الحج إلا بعد وفاء ديونهم فإنه لا يحُجّ، لأنه غير مستطيع، وإذا لم يطالبوه ويعلم منهم التَّسامح فإنه يجوز الحج ويكون صحيحاً. ويجوز الحج كذلك إذا كان الدَّين غير محدد الوقت للقضاء بميعادٍ معيَّن، ويكون قضاؤه متى تيسر، وقد يكون الحج سبب خيرٍ لأداء الدين. والله أعلم " انتهى. والذي يظهر أن فاتورة الكهرباء والهاتف ونحو ذلك هي من الدين المؤجل، وذلك لأنهم يحددون فترة تسدد فيها الفاتورة، قد تكون قريبة من الشهر، فإن استطاع الإنسان أن يحج ثم إذا رجع سدَّد الفاتورة، فلا حرج عليه، أما إذا كان وقت السداد ينتهي قبل رجوعه من الحج، فليبدأ أولاً بسداد الفاتورة، ثم إن بقي معه مال يكفي للحج، فالحمد لله، وإن لم يكف فإنه يؤجل الحج إلى أن ييسر الله له. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83006 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4139 هل يحج أم يفي بوعده لأخيه ويعطيه المال؟ [السُّؤَالُ] ـ[قبل فترة من الزمن طلب مني أخي نقودا فوعدته بإعطائه الذي أملك وبعد ذلك بأسبوعين اتصل علي خالي وطلب سلفة هو الآخر وقمت بإعطائه المال الذي طلبه ولم أستطع رده لأن له جميلا سابقا، طبعا المال الذي وهبته هو جزء من المال الذي وعدت به أخي. السؤال: أني نويت الحج فما أفعل: هل أخلف الوعد مع أخي علما بأنه محتاج له وأحج به؟ هل أعطيه المال وأستلف للحج؟ طبعا لا يجوز، أم هل يتم تأجيل الحج الى السنة القادمة بمشيئة الله؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: نشكر لك حسن صنيعك وصلتك للرحم ومساعدتك لأقاربك بالمال، ونسأل الله تعالى أن يجزيك خيراً. ثانيا: يجوز للإنسان أن يقترض ليتمكن من الحج، إذا كان واثقاً من قدرته على الوفاء، كما لو كان موظفاً وله راتب، ويعلم أن راتبه يكفيه لقضاء الدين، أو كان صاحب تجارة ونحو ذلك. قال في "مواهب الجليل" (2/531) : " وفي منسك ابن جماعة الكبير: " وإن اقترض للحج مالا حلالا في ذمته وله وفاء به ورضي المقرض فلا بأس به " انتهى. وبهذا أفتت اللجنة الدائمة، والشيخ ابن باز رحمه الله. انظر: " فتاوى اللجنة الدائمة " (11/41) ، " فتاوى الشيخ ابن باز " (16/393) . فإذا فعلت ذلك فإنك تكون قد جمعت بين جميع المصالح: حججت، وأحسنت إلى أخيك، ووفيت بما وعدته به. ثالثا: أما إذا لم تجد من يقرضك فإنك تحاول النظر في المصالح وتقدم الأهم منها، وتقدم أيضاً المصلحة التي لا تحتمل التأخير على تلك التي يمكن تأخيرها. فتنظر في الحج: هل هو واجب عليك؟ أم سبق لك أن حججت الفريضة، وتريد أن تحج النافلة. وتنظر في حاجة أخيك: هل هي حاجة ماسة أم لا؟ وهل يمكن تأجيلها شهراً أو شهرين أم لا؟ وهل يمكنك أن تقضي له جزءً من حاجته الآن وتؤجل الباقي أم لا؟ ......... إلخ. ونسأل الله تعالى أن يوفقك لما فيه الخير. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83008 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4140 أخذت قرضا ربويا وأعطته لأخيها ليحج [السُّؤَالُ] ـ[كان أخي مشتاقا للذهاب إلى الحج وليس له الإمكانيات المادية لذلك فقد قررت مساعدته. لي أموال في البنك، ولكني فضلت الاحتفاظ بها لأنني أخشى أن أحتاج إليها في أشياء أكثر أهمية، وأخذت قرضاً من البنك وساعدت به أخي، فسؤالي هو ما حكم عمل الخير الذي أردت فعله؟ وهل لي جزاء في ذلك أو بما أن القرض من البنوك حرام فليس لي أي حسنة في هذا العمل؟ وماذا عن حج أخي، هل هو صحيح ما دام ليس مسئولا عن مصدر المال؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: بذل المال لمساعدة الأخ أو غيره في الحج عمل عظيم من أعمال البر؛ لأنه إعانة على أداء هذه الطاعة العظيمة، التي يترتب عليها رفع الدرجات ومحو السيئات، لكن لا يجوز أن تكون هذه المساعدة سببا لوقوعك فيما حرم الله تعالى، كالاقتراض من البنك الربوي، فإن الربا شأنه عظيم، وقد ورد فيه من الوعيد ما لم يرد في غيره من الذنوب والمعاصي. وانظري لمعرفة ذلك السؤال رقم (6847) ورقم (9054) . والواجب عليك أن تتوبي إلى الله تعالى من التعامل بالربا. واعلمي أنه لا يجوز الإيداع في البنك الربوي إلا عند الخوف على المال، وعدم وجود بنك إسلامي، ويجب أن يكون الإيداع حينئذ من غير فوائد؛ لما تقرر في قواعد الشريعة من أن "الضرورات تبيح المحظورات"، وأن "الضرورة تقدر بقدرها". ثانيا: حج أخيك صحيح إن شاء الله، لأنه أخذ المال منك بطريق مباح، إما الصدقة أو الهبة أو القرض الحسن. وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن المال الذي اكتسبه الإنسان بطريق محرم – كالربا – يحرم على من اكتسبه فقط، ولا يحرم على من أخذه منه بعد ذلك بطريق مباح كالبيع والهدية ونحو ذلك. وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال (45018) . فالتحريم إنما يتوجه لما قمت به من الاقتراض بالربا، ولا يتوجه إلى أخيك. وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82659 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4141 يخاف أن يفصل من عمله ولديه مال فهل يجب الحج منه؟ [السُّؤَالُ] ـ[بمشيئة الله تعالى خلال العام القادم سيتوفر معي مبلغ من المال يكفى لقيامي بالحج بمفردي دون زوجتي، وهذا المبلغ سوف يكون سنداً لي لأية ظروف، وخاصة أني أعمل بالقطاع الخاص، ربما يفصلوني من العمل في أي وقت فهل يجب عليّ الحج أم لا؟ مع العلم أنني الآن معي مبلغ آخر ولكنه يلزمني لإتمام البناء (أنا عاقد قران) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يشترط لوجوب الحج على المكلف: الاستطاعة المالية والبدنية؛ لقوله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) آل عمران / 97. وقد فسر الفقهاء الاستطاعة المالية بأنها ملك الزاد والراحلة، أي النفقة التي توصله إلى بيت الله الحرام ذاهبا وإيابا، إذا كانت هذه النفقة فاضلة عن حاجاته الأصلية، ونفقاته الشرعية، وقضاء ديونه. والمعتبر في النفقة أن يكون عنده ما يكفيه وأهله إلى أن يعود، وأن يكون له بعد عودته ما يقوم بكفايته وكفاية من ينفق عليهم كأجرة عقار أو راتب أو تجارة ونحو ذلك، ولذلك لا يلزمه أن يحج برأس مال تجارته الذي ينفق على نفسه وأهله من ربحها، إذا كان سيترتب على نقص رأس المال نقصُ الأرباح بحيث لا تكفيه وأهله. وانظر بيان ذلك في جواب السؤال رقم (11534) . فإذا كان لديك المال الذي يكفي لحجك، وهو زائد عن حاجتك، فإنه يلزمك الحج، إلا إذا كان الخوف من ترك العمل خوفاً حقيقياً له قرائن تقوِّيه، فلا يجب عليك الحج حينئذ، أما إذا كان هذا الخوف مجرد أوهام وظنون لا أساس لها، فإنه يلزمك الحج. وأما المال الذي رصدته للنكاح، فلا يلزمك الحج منه إذا خشيت على نفسك العَنَََت والمشقة بتأخير النكاح، بل تقدم النكاح، فإن بقي مال آخر حججت منه، وإلا فالحج غير واجب عليك لعدم استطاعتك. قال ابن قدامة رحمه الله: " وإن احتاج إلى النكاح , وخاف على نفسه العنت , قدم التزويج (يعني على الحج) ؛ لأنه واجب عليه , ولا غنى به عنه , فهو كنفقته. وإن لم يخف , قدم الحج ; لأن النكاح تطوع , فلا يقدم على الحج الواجب " انتهى من "المغني" (3/88) . وانظر جواب السؤال رقم (27120) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 81916 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4142 مريض بالصرع فهل يجب عليه الحج [السُّؤَالُ] ـ[أنا رجل مريض بمرض الصرع منذ 17 عاما وحالتي غير مستقرة مع تعاطي الأدوية، فنوبات الصرع شديدة وليس لها وقت معين وليست منتظمة وأبول على نفسي أريد أن أسألكم عن الحج في حالتي؟ هل يجوز أن أبعث أحدا ليحج عني؟ مع العلم أن هناك مبلغا كبيرا لإخوتي علي، وهم يرثوني لأني ليس لدي أولاد؟ وكذلك هم سامحوني فيه لأنهم عالجوني به.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: نسأل الله تعالى أن يشفيك ويعافيك ويأجرك على ما أصابك. ثانيا: يشترط لوجوب الحج: الاستطاعة المالية والبدنية؛ لقوله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) آل عمران/97. فمن كان مريضا لا يستطيع السفر إلى الحج، أو لا يستطيع تأدية النسك، أو يشق عليه ذلك مشقة شديدة، فإنه لا يجب الحج عليه بنفسه. قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: " ولا ينبغي أن يختلف في أن المرض القوي الذي يشق معه السفر مشقة فادحة، مسقط لوجوب الحج " انتهى من "أضواء البيان". وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: رجل مريض بمرض الصرع منذ ثلاث عشرة سنة ويستعمل دواء يمنع بقدرة الله تعالى حدوث نوبة الصرع، ولكن إذا تعب وأجهد حدث له الصرع فهل يجوز له أن يوكل أحدا يحج عنه؟ أم يحج ويتحمل؟ فأجاب: " إذا كان هذا لا يرجى أن يزول، فليوكل من يحج ويعتمر عنه إن كان عنده مال. وإن لم يكن عنده مال فالحج غير واجب عليه. أما إذا كان يرجى زواله باستمرار الدواء فلينتظر حتى يشفيه الله، وأسأل الله تبارك وتعالى أن يشفيه ويعافيه ويرفع عنه ما يجد " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (21/167) . وما ذكره الشيخ رحمه الله من الإنابة في هذه المسألة هو قول جمهور العلماء، قال ابن قدامة رحمه الله: " من وجدت فيه شرائط وجوب الحج , وكان عاجزا عنه لمانع مأيوس من زواله , كزمانة , أو مرض لا يرجى زواله , أو كان نضو الخلق (أي: ضعيف وهزيل) ، لا يقدر على الثبوت على الراحلة إلا بمشقة غير محتملة، والشيخ الفاني، ومن كان مثله، متى وجد من ينوب عنه في الحج، ومالا يستنيبه به، لزمه ذلك. وبهذا قال أبو حنيفة، والشافعي " انتهى من "المغني" (3/91) . والدليل في ذلك ما رواه البخاري (1513) ومسلم (1334) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ) . وبناء على ذلك: فإنه لا يلزمك الذهاب إلى الحج بنفسك الآن، ثم إن كان مرضك هذا مما يرجى زواله حسب نظر الأطباء الثقات، فلا شيء عليك حتى يشفيك الله وتجد مالا تحج به. أما إن كان المرض لا يرجى زواله، وكان لديك المال الكافي، فإنه يجب أن تنيب من يحج عنك، بشرط أن يكون قد حج عن نفسه أولا. ثالثا: طالما أن إخوتك قد سامحوك في هذا المبلغ الكبير الذي أخذته منهم، فلا أثر له على حكم حجك، والحمد لله. نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 71466 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4143 حجّ من عليه أقساط شراء ربوية [السُّؤَالُ] ـ[والداي اشتريا بيتا بالتقسيط وهم يدفعون فوائد على هذا القرض، وقررا الآن أن يذهبا للحج وقد بقي 15 سنة لكي يتموا دفع الأقساط فهل يجوز لهم الحج مع انهم مدينين؟ أم انهم يجب أن ينتظروا 15 سنة أولا؟ وهل لهم أن يعتمروا خلال هذا الوقت إذا كان الحج غير جائز لهم حاليا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز لهم الحج إذا سددوا القسط الحالّ، وليس عليهم أن ينتظروا إلى آخر الأقساط، بل إذا كانا قادرين على تسديد القسط الذي حلّ، وقادرين على الحج وجب ذلك عليهما - وكذلك العمرة، مع التوبة إلى الله من الربا الذي ورّطا أنفسهما فيه، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 4241 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4144 التوكيل في العمرة والحج [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لشخص مقيم في السعودية أن يؤدي العمرة لشخص في بلده الأصلي: أ) إذا كان ذلك الشخص قادراً على القدوم للملكة حتى لو في المستقبل؟ ب) إذا كان لا يستطيع القدوم للمملكة إما لسبب صحي أو مادي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا تصح النيابة عن القادر الذي يستطيع أداء العمرة ببدنه، (لو حضر بنفسه) . أما الذي لا يستطيع لسبب مادي فهذا لا يجب عليه الحج ولا العمرة، وإنما تصح النيابة في العمرة والحج عن العاجز عن مُبَاشَرةِ ذلك بِبَدَنِهِ، والميِّت، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 11/52. الحديث: 10318 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4145 ذهاب المريض إلى الحج [السُّؤَالُ] ـ[أنا رجل ياباني ولكني غير مسلم ولي صديق أسلم منذ فترة قصيرة ويريد الذهاب لأداء مناسك الحج ولكن في إحدى رجليه جرح كبير، ولا يستطيع المشي إلا بعكاز فهل يحج؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الله تعالى في كتابه العزيز: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) آل عمران / 97. وكلام العلماء في الاستطاعة يدور على وجود المركب الذي يوصله ونفقة الطريق ذهابا وإيابا بعد أن يترك نفقة عياله ومن تلزمه نفقتهم مدة غيابه وبعد قضاء ما عليه من الديون مع الصحّة وأمن الطريق والمحرم للمرأة. وحيث أنّ قضية صاحبك المسلم تدور على الصحّة فنتوقّف عندها قليلا: جاء عن عكرمة رحمه الله في تفسير الآية السابقة قوله: السبيل الصحة (تفسير بن كثير سورة آل عمران آية 97) فسلامة البدن من الأمراض والعاهات التي تعوق عن الحج شرط لوجوب الحجّ فلو كان الشخص مريضا مرضا مزمنا أو مصابا بعاهة دائمة أو مُقعدا أو شيخا كبيرا لا يمكنه التنقّل فلا يجب عليه أداء فريضة الحجّ. ومن كان قادرا على الحجّ بمساعدة غيره وجب عليه الحجّ إذا تيسّر له من يُعينه (الموسوعة الفقهية 17/34) . قال ابن كثير رحمه الله: " وأما الاستطاعة فأقسام، تارة يكون الشخص مستطيعا بنفسه، وتارة بغيره كما هو مقرر في كتب الأحكام ". (التفسير في الموضع المتقدّم) . ومن أُصيب بعاهة تمنعه من الحجّ ولا يُرجى زوالها فيجب عليه أن ينيب من يحجّ عنه، أما إذا أُصيب بعاهة يُرجى زوالها فإنّه ينتظر حتى تزول ثمّ يحجّ بنفسه ولا يجوز له أن يوكّل من يحجّ عنه. (الموسوعة الفقهية 17/34) . وبناء على ما تقدّم يتبيّن لك جواب مسألتك أيها السائل الكريم لتخبر به صاحبك المسلم ولا يفوتني أن أشكرك على اهتمامك بمعرفة الحكم الشرعي لهذه المسألة المتعلّقة بالركن الخامس من أركان الإسلام وأنتهزها فرصة لأناشدك وأدعوك للانضمام إلى ركب هذه القافلة العظيمة: قافلة الإسلام. والسلام. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 965 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4146 هل للحامل أن تحج [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للحامل أن تؤدي مناسك العمرة والحج؟ وهل لمدة الحمل تأثير على ذلك (مثلا كونها في شهرها الرابع مقارنة بالشهر الثامن) ؟ حيث يمكن أن تسقط المرأة أو تمرض نتيجة للازدحام.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله 1. لا مانع من ذهاب المرأة الحامل إلى الحج، والحامل طاهر يلزمها الصلاة والصيام وطلاقها طلاق سنَّة. 2. بل قد ثبت في السنَّة أن أسماء بنت عميس رضي الله عنها قد خرجت للحج مع النبي صلى الله عليه وسلم وهي حامل مُتِمٌّ، حتى أنها ولدت في الميقات. عن عائشة رضي الله عنها قالت: نُفست أسماء بنت عميس – زوجة أبي بكر - بمحمد بن أبي بكر بالشجرة فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر يأمرها أن تغتسل وتهل. رواه مسلم (1209) . نفست أي: ولدت. بالشجرة أي بذي الحليفة وهي ميقات أهل المدينة. قال النووي – في فوائد الحديث -: وفيه: صحة إحرام النفساء والحائض، واستحباب اغتسالهما للإحرام، وهو مجمع على الأمر به، لكن مذهبنا ومذهب مالك وأبي حنيفة والجمهور أنه مستحب، وقال الحسن وأهل الظاهر: هو واجب. والحائض والنفساء يصح منهما جميع أفعال الحج إلا الطواف وركعتيه لقوله صلى الله عليه وسلم " اصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي ". " شرح مسلم " (8 / 133) . وإذا كانت المرأة لم تحج حجة الإسلام فليس الحمل عذراً لها في ترك الحج، لأنه بإمكانها تجنب مواضع الزحام والمدافعة، فإذا لم تستطع رمي الجمار بنفسها فإنها توكل من يرمي عنها، وإذا لم تستطع الطواف والسعي ماشية فإنها تطوف وتسعى على العربة ... وهكذا. وكثير من الناس يحجون وهم في حالة كبيرة من الراحة، من حيث الطريق والمسكن وأداء المناسك. 3. نعم، لو وجدت امرأة حامل وأخبرها طبيب ثقة أن في خروجها إلى الحج خطراً عليها أو على جنينها لكونها مريضة أو ضعيفة أو لغير ذلك من الأسباب فإنها تُمنع من أداء الحج في عامها هذا، ويدل على هذا المنع قوله صلى الله عليه وسلم " لا ضرر ولا ضرار " رواه ابن ماجه (2340) وهو حديث حسن، وانظر تخريجه في " جامع العلوم والحكم " لابن رجب (1 / 302) . 4. وبعض الأطباء يفرِّق بين كون الحمل في أوله، فيخشى عليها وعلى جنينها، وبين أن يكون في أشهره الأخيرة، فيكون الخوف من غير مخوِّف. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 2983 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4147 تأخير الدورة الشهرية من أجل الحج [السُّؤَالُ] ـ[أنا مسلمة سأذهب للحج هذه السنة إن شاء الله وأتوقع أن تبدأ دورتي الشهرية عند وصلي مكة، نصحني الناس بأن أستعمل حبوباً يصفها لي الطبيب لتؤخر موعد الدورة حتى أنتهي من الحج. ما هو موقف الشرع من أخذ مثل هذه الحبوب التي تؤخر الدورة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يباح استخدام هذه الحبوب إذا لم يكن فيها ضرر على المرأة، ويعرف ذلك باستشارة الطبيب المختص. وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن هذا الأمر فأجابت: يجوز للمرأة أن تستعمل حبوب منع الحيض وقت الحج خوفا من العادة، ويكون ذلك بعد استشارة طبيب مختص على سلامة المرأة، وهكذا في رمضان إذا أحبت الصوم مع الناس. الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة 2/495. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20467 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4148 إذن الوالدين لحج التطوع والفريضة [السُّؤَالُ] ـ[هل له الحج بغير إذن والديه، ويصح حجه، والخروج في طلب العلم، وهل يأثمان بمنعه؟]ـ [الْجَوَابُ] لهما منعه من حج التطوع، ولا يأثمان بذلكم، وليس لهما منعه من الحج المفروض، ويأثمان بمنعه، ومتى حج بغير إذنهما صح حجه مطلقاً - وإن كان عاصياً في التطوع - وله السفر في طلب العلم بغير إذنهما. [الْمَصْدَرُ] من كتاب فتاوى الإمام النووي ص 94 الحديث: 3482 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4149 هل يؤجل الحج من أجل الاختبارات؟ [السُّؤَالُ] ـ[من المعلوم أن اختبارات بعض الجامعات بعد الحج مباشرة، فهل يجوز تأجيل الحج إلى العام القادم من أجل الاختبارات؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " القول الراجح من أقوال أهل العلم: أن الحج واجب على الفور، وأنه لا يجوز للإنسان أن يؤخره إلا بعذر شرعي، لأن الإنسان لا يدري ما يعرض له، فقد يؤخر الحج هذه السنة ثم يموت ويبقى الحج دينا في ذمته، ولكن إذا كان حجه يؤثر عليه في الامتحان فله أن يؤخره إلى السنة القادمة، ولكني أشير عليه أن يأخذ دروسه معه ويحج، هذا إن كان يسافر إلى الحج مبكراً، ويمكنه أن يؤخر سفره إلى الحج، ثم يتعجل في أيام الرمي، وبهذا لا يستغرق الحج إلا أياماً يسيرة لا تضره إن شاء الله. فالإنسان الحريص يمكنه أن يحج، ولا يؤثر ذلك عليه شيئاً، كما أن الإنسان إذا اعتمد على الله وتوكل عليه، وأتى بالحج واثقاً بالله عز وجل فغن الله سييسر له الأمر " انتهى. "فتاوى ابن عثيمين" (21/63) بتصرف. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 41881 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4150 هل يجب استئذان الوالدين في الذهاب إلى الحج؟ [السُّؤَالُ] ـ[ هل يجب استئذان الوالدين في الذهاب إلى الحج؟. ]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " أما إذا كان فرضاً فإنه لا يشترط رضاهما ولا إذنهما، بل لو منعاه من الحج وهو فرض وجب عليه أن يحج ولا يطيعهما، لقول الله: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً) لقمان/15. ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ) . أما إذا كان نفلاً فلينظر إلى المصلحة: إن كان أبوه وأمه لا يستطيعان الصبر عنه، ولا أن يغيب عنهما فبقاؤه عندهما أولى، لأن رجلاً استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في الجهاد، فقال له: (أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟) قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: (فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ) . ففي الفريضة لا يطاعان، والنافلة ينظر ما هو الأصلح " انتهى. [الْمَصْدَرُ] "فتاوى ابن عثيمين" (21/68) . الحديث: 41950 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4151 شروط وجوب الحج [السُّؤَالُ] ـ[ما هي شروط وجوب الحج؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذكر العلماء رحمهم الله شروط وجوب الحج، والتي إذا توفرت في شخص وجب عليه الحج، ولا يجب الحج بدونها، وهي خمسة: الإسلام، العقل، البلوغ، الحرية، الاستطاعة. 1- الإسلام. وهذا الشأن في جميع العبادات، وذلك لأن العبادة لا تصح من الكافر، لقول الله تعالى: (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ) التوبة/54. وفي حديث معاذ لما بعثه النبي صلى الله عليم وسلم إلى اليمن: (إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ) متفق عليه. فالكافر يؤمر أولاً بالدخول في الإسلام، فإذا أسلم أمرناه بالصلاة والزكاة والصيام والحج وسائر شرائع الإسلام. 2، 3 - العقل والبلوغ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاثَةٍ: عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ) . رواه أبو داود (4403) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. فالصبي لا يجب عليه الحج، لكن لو حج به وليه صح حجه وللصبي أجر الحج، ولوليه أجر أيضاً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما رفعت إليه امرأة صبيا وقالت: ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر. رواه مسلم. 4- الحرية. فلا يجب الحج على العبد لأنه مشغول بحق سيده. 5- الاستطاعة (القدرة) قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) آل عمران/97. وهذا يشمل الاستطاعة البدنية والاستطاعة المالية. أما الاستطاعة البدنية فمعناها أن يكون صحيح البدن ويتحمل مشقة السفر إلى بيت الله الحرام. وأما الاستطاعة المالية فمعناها أن يملك النفقة التي توصله إلى بيت الله الحرام ذهاباً , وإياباً. قالت اللجنة الدائمة (11/30) : الاستطاعة بالنسبة للحج أن يكون صحيح البدن وأن يملك من المواصلات ما يصل به إلى بيت الله الحرام من طائرة أو سيارة أو دابة أو أجرة ذلك بحسب حاله، وأن يملك زاداً يكفيه ذهاباً وإياباً على أن يكون ذلك زائداً عن نفقات من تلزمه نفقته حتى يرجع من حجه، وأن يكون مع المرأة زوج أو محرم لها حتى في سفرها للحج أو العمرة اهـ. ويشترط أن تكون النفقة التي توصله إلى البيت الحرام فاضلةً عن حاجاته الأصلية، ونفقاته الشرعية، وقضاء ديونه. والمراد بالديون حقوق الله كالكفارات وحقوق الآدميين. فمن كان عليه دين، وماله لا يتسع للحج وقضاء الدين فإنه يبدأ بقضاء الدين ولا يجب عليه الحج. ويظن بعض الناس أن العلة هي عدم إذن الدائن، فإذا استأذنه وأذن له فلا بأس. وهذا الظن لا أصل له، بل العلة هي انشغال الذمة، ومعلوم أن الدائن لو أذن للمدين بالحج فإن ذمة المدين تبقى مشغولة بالدين، ولا تبرأ ذمته بهذا الإذن، ولذلك يقال المدين: اقض الدين أولاً ثم إن بقي معك ما تحج به وإلا فالحج غير واجب عليك. وإذا مات المدين الذي منعه سداد الدين عن الحج فإنه يلقى الله كامل الإسلام غير مضيع ولا مفرط، لأن الحج لم يجب عليه، فكما أن الزكاة لا تجب على الفقير فكذلك الحج. أما لو قَدَّم الحج على قضاء الدين ومات قبل قضائه فإنه يكون على خطر، إذ إن الشهيد يغفر له كل شيء إلا الدين، فكيف بغيره؟! والمراد بالنفقات الشرعية: النفقات التي يقرها الشرع كالنفقة على نفسه وأهله، من غير إسراف ولا تبذير، فإن كان متوسط الحال وأراد أن يظهر بمظهر الغني فاشترى سيارة ثمينة ليجاري بها الأغنياء، وليس عنده مال يحج به، وجب عليه أن يبيع السيارة ويحج من ثمنها، ويشتري سيارة تناسب حاله. لأن نفقته في ثمن هذه السيارة الثمينة ليست نفقة شرعية، بل هو إسراف ينهى الشرع عنه. والمعتبر في النفقة أن يكون عنده ما يكفيه وأهله إلى أن يعود. ويكون له بعد عودته ما يقوم بكفايته وكفاية من ينفق عليهم كأجرة عقار أو راتب أو تجارة ونحو ذلك. ولذلك لا يلزمه أن يحج برأس مال تجارته الذي ينفق على نفسه وأهله من ربحها، إذا كان سيترتب على نقص رأس المال نقصُ الأرباح بحيث لا تكفيه وأهله. سئلت اللجنة الدائمة (11/36) عن رجل له مبلغ من المال في بنك إسلامي وراتبه مع أرباح المال تكفيه بصورة معتدلة، فهل يجب عليه الحج من رأس المال مع العلم أن ذلك سيؤثر على دخله الشهري ويرهقه مادياً؟ فأجابت: " إذا كانت حالتك كما ذكرت فلست مكلفاً بالحج لعدم الاستطاعة الشرعية، قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) . وقال: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) " انتهى. والمراد بالحاجات الأصلية: ما يحتاج إليه الإنسان في حياته كثيراً، ويشق عليه الاستغناء عنه. مثل: كتب العلم لطالب العلم، فلا نقول له: بع كتبك وحج بثمنها، لأنها من الحوائج الأصلية. وكذلك السيارة التي يحتاج إليها، لا نقول له بعها وحج بثمنها، لكن لو كان عنده سيارتان وهو لا يحتاج إلا إلى واحدة فيجب عليه أن يبيع إحداهما ليحج بثمنها. وكذلك الصانع لا يلزمه أن يبيع آلات الصنعة لأنه يحتاج إليها. وكذلك السيارة التي يعمل عليها وينفق على نفسه وأهله من أجرتها، لا يجب عليه بيعها ليحج. ومن الحوائج الأصلية: الحاجة إلى النكاح. فإذا احتاج إلى النكاح قدم النكاح على الحج وإلا قدم الحج. انظر جواب السؤال (27120) . إذاً فالمراد من الاستطاعة المالية أن يفضل عنده ما يكفيه للحج بعد قضاء الديون، والنفقات الشرعية، والحوائج الأصلية. فمن كان مستطيعاً ببدنه وماله وجب عليه المبادرة بالحج. ومن كان غير مستطيع ببدنه وماله، أو كان مستطيعاً ببدنه ولكنه فقير لا مال له، فلا يجب عليه الحج. ومن كان مستطيعاً بماله، غير أنه لا يستطيع ببدنه نظرنا: فإن كان عجزه يرجى زواله كمريض يرجى شفاء مرضه فإنه ينتظر حتى يشفيه الله ثم يحج. وإن كان عجزه لا يرجى زواله كمريض السرطان أو كبير السن الذي لا يستطيع الحج فهذا يجب عليه أن يقيم من يحج عنه، ولا يسقط عنه الحج لعدم استطاعته ببدنه إذا كان مستطيعاً بماله. والدليل على ذلك: ما رواه البخاري (1513) أن امرأة قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. فأقرها النبي صلى الله عليه وسلم على قولها إن الحج فرض على أبيها مع أنه لا يستطيع الحج ببدنه. ويشترط لوجوب الحج على المرأة أن يكون لها محرم ولا يحل لها أن تسافر للحج فرضاً كان أو نفلاً إلا مع ذي محرم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ) رواه البخاري (1862) ومسلم (1341) . والمحرم هو زوجها ومن تحرم عليه على التأبيد بنسب أو رضاع أو مصاهرة. وزوج الأخت أو زوج الخالة أو العمة ليس من المحارم، وبعض النساء تتساهل فتسافر مع أختها وزوج أختها، أو مع خالتها وزوج خالتها، وهذا حرام. لأن زوج أختها، أو زوج خالتها ليس من محارمها. فلا يحل لها أن تسافر معه. ويُخشى أن يكون حجها غير مبرور، فإن الحج المبرور هو الذي لا يخالطه إثم، وهذه آثمة في سفرها كله إلى أن تعود. ويشترط في المحرم أن يكون عاقلاً بالغاً. لأن المقصود من المحرم حفظ المرأة وصيانتها والصبي والمجنون لا يحصل منهما ذلك. فإذا لم يوجد للمرأة محرم، أو وجد ولكن امتنع من السفر معها، فلا يجب عليها الحج. وليس من شروط الوجوب على المرأة إذن زوجها، بل يجب عليها الحج إذا توفرت شروط الوجوب ولو لم يأذن الزوج. قالت اللجنة الدائمة (11/20) : حج الفريضة واجب إذا توفرت شروط الاستطاعة، وليس منها إذن الزوج، ولا يجوز له أن يمنعها، بل يشرع له أن يتعاون معها في أداء هذا الواجب اهـ. وهذا في حج الفريضة أما النافلة فنقل ابن المنذر الإجماع على أن الزوج له منع زوجته من حج النافلة، لأن حق الزوج واجب عليها فلا تفوته بما لا يجب عليها. المغني (5/35) . انظر الشرح الممتع (7/5-28) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 41957 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4152 هل يحج من عليه ديون طويلة الأجل؟ [السُّؤَالُ] ـ[أعلم أن الحج لا يجب على من عليه دين، فهل هذا ينطبق على الديون طويلة الأجل؟ فقد يكون على بعض الناس دين للبنك العقاري يستغرق عمره كله في تسديده، فهل يجب عليه الحج؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " الدين إذا كان حالاً فإنه مقدم على الحج، لسبقه وجوب الحج، فيوفي الدين ويحج، وإذا لم يكن عنده شيء بعد وفاء الدين ينتظر حتى يغنيه الله، وإذا كان مؤجلاً نظامياً فإن كان الإنسان واثقاً من نفسه أنه إذا حل الأجل يسدده فإن الدين هنا لا يمنع وجوب الحج، سواء أذن له الدائن أم لم يأذن، وإن كان لا يضمن القدرة على الوفاء فإنه ينتظر حتى يحل الأجل. وبناء على ذلك نقول: من عنده دين لصندوق التنمية العقارية إذا كان يعلم من نفسه أنه إذا حل الأجل أوفى يجب عليه الحج، ولو كان عليه دين ". "فتاوى ابن عثيمين" (21/96) . وانظر جواب السؤال (36852) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 41739 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4153 استئذان الزوج في الحج [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمرأة أن تحج ولو لم يأذن لها زوجها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الحج فريضة عليها ومنعها زوجها منه فإنها تحج ولو لم يأذن زوجها، ولا يجوز لزوجها أن يمنعها من حج الفريضة، أما إذا كان نافلة فإنها لا تحج إلا إذا أذن لها زوجها. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (5/35) : " وليس للرجل منع امرأته من حجة الإسلام. وبهذا قال النخعي , وإسحاق , وأبو ثور , وأصحاب الرأي , وهو الصحيح من قولي الشافعي، لأنه فرض , فلم يكن له منعها منه , كصوم رمضان , والصلوات الخمس. ويستحب أن تستأذنه في ذلك. نص عليه أحمد. فإن أذن وإلا خرجت بغير إذنه. فأما حج التطوع , فله منعها منه. قال ابن المنذر: أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم أن له منعها من الخروج إلى الحج التطوع. وذلك لأن حق الزوج واجب , فليس لها تفويته بما ليس بواجب " انتهى باختصار. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: إذا منع الزوج زوجته فهل يأثم؟ فأجاب: " نعم، يأثم إذا منع زوجته من الحج الذي تمت شروطه، فهو آثم، يعنى لو قالت: هذا مَحْرَمٌ، هذا أخي يحج بي، وأنا عندي نفقة، ولا أريد منك قرشاً، وهي لم تؤد الفريضة فيجب أن يأذن لها، فإن لم يفعل حجت ولو لم يأذن، إلا أن تخاف أن يطلقها فتكون حينئذ معذورة " انتهى. "فتاوى ابن عثيمين" (21/115) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 40525 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4154 إعطاء الفقير من الزكاة ليحج [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز إعطاء الفقير من الزكاة لأداء فريضة الحج؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذكر الله تعالى مصارف الزكاة في قوله: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) واتفق العلماء على أن قوله تعالى: (وفي سبيل الله) المراد به الجهاد في سبيل الله. ثم اختلفوا هل يشمل مع الجهاد الحج أم لا؟ فذهب أكثر العلماء إلى أنه خاص بالجهاد ولا يشمل الحج، وذهب الإمام أحمد إلى أنه يدخل فيه الحج واستدل بما رواه أبو داود (1988) عن أُمِّ مَعْقَلٍ أنها قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عَلَيَّ حَجَّةً وَإِنَّ لأَبِي مَعْقَلٍ بَكْرًا (والبكر هو الفتي من الإبل) قَالَ أَبُو مَعْقَلٍ صَدَقَتْ جَعَلْتُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطِهَا فَلْتَحُجَّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. صححه الألباني في صحيح أبي داود. وثبت عن ابن عمر أنه قال: أَمَا إِنَّ الْحَجَّ مِنْ سَبِيلِ اللَّهِ. قال الحافظ: أَخْرَجَهُ أَبُو عُبَيْد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ اهـ. انظر: المغني (9 / 328) والمجموع (6/212) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الاختيارات" (105) : ومن لم يحج حجة الإسلام وهو فقير أعطى ما يحج به اهـ يعني من الزكاة. وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (10 / 38) : (يجوز صرف الزكاة في إركاب فقراء المسلمين لحج فريضة الإسلام، ونفقتهم فيه، لدخوله في عموم قوله تعالى: (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) من آية مصارف الزكاة اهـ. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 40023 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4155 هل يشترط في المحرم للسفر أن يكون زوجاً؟ وهل للزوجة رفضها له محرماً لها؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن أرفض أن أذهب لأداء فريضة الحج في صحبة زوجي، ويرجع السبب من سؤالي هذا في أني لا أريد أن أذهب معه للحج: هو أنه منذ 8 سنوات - هي عمر زواجنا - وهو يؤذيني في مشاعري كزوجة، ولقد آذاني كثيراً، وأرى أن الذهاب لأداء الحج يعد فريضة خاصة، وعظيمة، واجب عليَّ أدائها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يحل للمرأة أن تسافر للحج، ولا لغيره، إلا مع ذي محرم، ولا تخرج للحج، ولا لغيره، إلا بإذن زوجها. وقد سبق بيان ذلك في جوابي السؤالين: (96670) و (99539) . ثانياً: لا يُلزم الزوج بأن يحج مع امرأته، كما لا تلزمه نفقة حجها، إلا أن يكون اشتُرط عليه ذلك عند عقد الزواج. فقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: هل يجب على الرجل أن يحج بزوجته فيكون محرماً لها؟ وهل هو مطالب بنفقة زوجته أيام الحج؟ فأجاب: "لا يجب على الزوج أن يحج بزوجته، إلا أن يكون مشروطاً عليه حال عقد الزواج، فيجب عليه الوفاء به، وليس مطالباً بنفقة زوجته، إلا أن يكون الحج فريضة، ويأذن لها فيه، فإنه يلزمه الإنفاق عليها بقدر نفقة الحضر فقط" انتهى. " فتاوى الشيخ العثيمين " (21 / 208) . ثالثاً: لا يشترط في محرم المرأة أن يكون زوجاً. وتعريف المحرم عند العلماء: هو من حرُم عليه نكاحها على التأبيد، بسبب مباح؛ لحرمتها، أي: بسبب نسب، أو رضاع، أو مصاهرة. مثل: الأب والجد والابن والأخ والعم والخال وابن الأخ وابن الأخت .... أو أبوها أو أخوها من الرضاعة، أو أبو زوجها أو ابنه. انظر: " مغني المحتاج " (1 / 681) ، و " المغني " لابن قدامة (5 / 32) . وينبغي أن يكون مأموناً، عاقلاً، وقد اشترط الجمهور أن يكون بالغاً. وجاء في " الموسوعة الفقهية " (17 / 36، 37) : "المحرم الأمين المشروط في استطاعة المرأة للحج هو كل رجل مأمون، عاقل، بالغ، يحرم عليه بالتأبيد التزوج منها، سواء كان التحريم بالقرابة، أو الرضاعة، أو الصهرية" انتهى. رابعاً: نظراً لأن المحرَم لا يشترط أن يكون الزوج: فلا تُلزم المرأة بالسفر معه للحج، ويمكنها اختيار غيره ليحج معها. وعليه: فما ذكرته الأخت السائلة من طبيعة علاقة زوجها به: يعد عذراً لها – إن شاء الله – لئلا تسافر للحج مع زوجها، على أن تجد محرماً آخر يسافر معها. وللزوج أن يمنع من يرى أنه لا يصلح محرماً لزوجته، بسبب فسقه – مثلاً -، أو ضعفه، أو مرضه. جاء في " الموسوعة الفقهية " (17/37) : "إذا وجدتْ محرَماً: لم يكن للزوج منعها من الذهاب معه لحج الفرض" انتهى. وإذا أصرَّ الزوج على منع سفر أحدٍ من محارمك إلا أن يكون هو ذلك المحرم لك: فإننا ننصحك بقبول ذلك منه، لما يترتب على مخالفته من آثار سيئة، ولما يمكن أن يكون حجه سبباً في هدايته، فعسى الله أن يغيِّر من حاله، وأخلاقه، ولا يدري الإنسان أين الخير المقدَّر له، ولا سببه. ونسأل الله أن يهديه لأحسن الأخلاق، وأن يجمع بينكما على خير. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129345 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4156 أعطى لزوجته مالاً لتحج ثم مات فهل لها أن تصرفه في غير الحج [السُّؤَالُ] ـ[لو أن شخصاً دفع لزوجته مبلغاً لكي تحج، ثم مات قبل أن يأتي موسم الحج، فهل يجب على المرأة أن تحج بهذا المبلغ؟ أم إنها تستطيع أن تستخدم هذا المبلغ في أشياء أخرى، آمل بيان السبب في كلا الحالين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، يلزم المرأة أن تحج بهذا المال متى استطاعت ووجدت محرما، لأن الزوج إنما أعطاها المال لتحج به، فالظاهر أنه لو كان يعلم منها أنها لن تحج بالمال لم يعطها إياه. والأصل في أموال التبرعات أن تنفق فيما حدده المنفق من أوجه البر، فلا تتعدى إلى غيرها؛ بخلاف التبرعات العامة التي لم يقصد بها غرض معين، فإنها تصرف في كافة أعمال البر. قال الشيخ زكريا الأنصاري رحمه الله: " (وَلَوْ أَعْطَاهُ دَرَاهِمَ وَقَالَ اشْتَرِ لَك) بِهَا (عِمَامَةً أَوْ اُدْخُلْ بِهَا الْحَمَّامَ) أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ (تَعَيَّنَتْ) لِذَلِكَ مُرَاعَاةً لِغَرَضِ الدَّافِعِ هَذَا (إنْ قَصَدَ سَتْرَ رَأْسِهِ) بِالْعِمَامَةِ (وَتَنْظِيفَهُ) بِدُخُولِهِ الْحَمَّامَ لِمَا رَأَى بِهِ مِنْ كَشْفِ الرَّأْسِ وَشَعَثِ الْبَدَنِ وَوَسَخِهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ بِأَنْ قَالَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّبَسُّطِ الْمُعْتَادِ (فَلَا) تَتَعَيَّنُ لِذَلِكَ بَلْ يَمْلِكُهَا أَوْ يَتَصَرَّفُ فِيهَا كَيْفَ شَاءَ " انتهى. ""أسنى المطالب شرح روض الطالب" (2/479-480) . وقال الشيخ سليمان بن عمر الجمل رحمه الله: " لَوْ دَفَعَ لَهُ تَمْرًا لِيُفْطِرَ عَلَيْهِ تَعَيَّنَ لَهُ عَلَى مَا يَظْهَرُ فَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي غَيْرِهِ نَظَرًا لِغَرَضِ الدَّافِعِ " انتهى. "حاشية الجمل على شرح المنهج" (2/328) . والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126221 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4157 إذا كان وجه المرأة عورة، فلماذا أمرت بكشفه في الإحرام؟ [السُّؤَالُ] ـ[المرأة – المحرمة - مأمورة بكشف وجهها في الحج والعمرة، فهل هذا يدل على أن وجه المرأة ليس بعورة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يصح الاستدلال بنهي النبي صلى الله عليه وسلم المرأة المحرمة أن تلبس النقاب على أن وجه المرأة ليس عورة. وبيان ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر المرأة المحرمة بكشف وجهها، وإنما نهاها عن لبس النقاب، وفرق بين الأمرين، فإنها لا تلبس النقاب ولكن تستر وجهها بغير النقاب، كالسدال أو الطرحة. وهذا، كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل المحرم أن يلبس القميص، فليس معناه أن يمشي عارياً، بل يستر بدنه بغير القميص، كالإزار والرداء. ولهذا كانت النساء على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يغطين وجوههن في الإحرام بغير النقاب، إذا كُنَّ قريبات من الرجال. فعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: (كنا نغطي وجوهنا من الرجال في الإحرام) رواه الحاكم، وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، قال الألباني: " إنما هو على شرط مسلم وحده " انتهى. "حجاب المرأة المسلمة" (ص108) . وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْرِمَاتٌ، فَإِذَا حَاذَوْا بِنَا سَدَلَتْ إِحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا، فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَاهُ) رواه أحمد (23501) وأبو داود (1833) ، قال الألباني: " سنده حسن من الشواهد، ومن شواهده حديث أسماء المتقدم " انتهى. "حجاب المرأة المسلمة" (ص107) . ولهذا قال من قال من العلماء: إن وجه المرأة كبدن الرجل، أي أنها تستره ولكن بغير النقاب. قال ابن القيم رحمه الله في "بدائع الفوائد" (3/664) : " وأما المرأة المحرمة فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع لها كشف الوجه في الإحرام ولا غيره، وإنما جاء النص بالنهي عن النقاب خاصة، كما جاء بالنهي عن القفازين، وجاء النهي عن لبس القميص والسراويل، ومعلوم أن نهيه عن لبس هذه الأشياء لم يُرِدْ أنها تكون مكشوفة لا تستر البتة، بل قد أجمع الناس على أن المحرمة تستر بدنها بقميصها ودرعها، وأن الرجل يستر بدنه بالرداء، وأسافله بالإزار، مع أن مخرج النهي عن النقاب والقفازين والقميص والسراويل واحد، وكيف يزاد على موجب النص ويفهم منه أنه شرع لها كشف وجهها بين الملأ جهاراً، فأي نص اقتضى هذا أو مفهوم أو عموم أو قياس أو مصلحة! بل وجه المرأة كبدن الرجل يحرم ستره بالمُفَصَّل على قَدْرِه كالنقاب والبرقع، بل وكيَدِها يحرم سترها بالمُفَصَّل على قَدْرِ اليد كالقفاز، وأما سترها بالكم وستر الوجه بالملاءة والخمار والثوب فلم ينه عنه البته. ومن قال: إن وجهها كرأس المحرم، فليس معه بذلك نص ولا عموم، ولا يصح قياسه على رأس المحرم، لما جعل الله بينهما من الفرق. وقول من قال من السلف: إحرام المرأة في وجهها، إنما أراد به هذا المعنى، أي: لا يلزمها اجتناب اللباس كما يلزم الرجل، بل يلزمها اجتناب النقاب فيكون وجهها كبدن الرَّجل، ولو قُدِّر أنه أراد وجوب كشفه فقوله ليس بحجة، ما لم يثبت عن صاحب الشرع أنه قال ذلك وأراد به وجوب كشف الوجه، ولا سبيل إلى واحد من الأمرين " انتهى. وقال أيضاً في حاشيته على مختصر سنن أبي داود: "وأما نهيه صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر المرأة أن تنتقب، وأن تلبس القفازين، فهو دليل على أن وجه المرأة كبدن الرجل لا كرأسه، فيحرم عليها فيه ما وضع وفُصَّل على قَدْر الوجه، كالنقاب والبرقع، ولا يحرم عليها سترة بالمقنعة والجلباب ونحوهما، وهذا أصح القولين. فإن النبي صلى الله عليه وسلم سَوَّى بين وجهها ويديها، ومنعها من القفازين والنقاب، ومعلوم أنه لا يحرم عليها ستر يديها، وأنهما كبدن المحرم، يحرم سترهما بالمُفَصِّل على قَدْرِهما، وهما القفازان، فهكذا الوجه، إنما يحرم ستره بالنقاب ونحوه، وليس عن النبي صلى الله عليه وسلم حرف واحد في وجوب كشف المرأة وجهها عند الإحرام، إلا النهي عن النقاب، وهو كالنهي عن القفازين، فنسبة النقاب إلى الوجه كنسبة القفازين إلى اليد سواء وهذا واضح بحمد الله. وقد ثبت عن أسماء أنها كانت تغطي وجهها وهي محرمة، وقالت عائشة كانت الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها على وجهها فإذا جاوزونا كشفنا ذكره أبو داود " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم نهي المرأة [المحرمة] عن تغطية وجهها، وإنما ورد النهي عن النقاب، والنقاب أخص من تغطية الوجه، لكون النقاب لباس الوجه، فكأن المرأة نهيت عن لباس الوجه، كما نهي الرجل عن لباس الجسم " انتهى. "الشرح الممتع" (7/165) . وبهذا يظهر أن القول بأن المرأة المحرمة أُمرت بكشف وجهها، غير صحيح. وعليه؛ فالاستدلال بذلك على أن وجه المرأة ليس عورة غير صحيح أيضاً. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120377 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4158 تقبيل المرأة للحجر الأسود [السُّؤَالُ] ـ[هل يصح للمرأة حين تقبيل الحجر أن تكشف وجهها وبجوارها الرجال؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تقبيل الحجر الأسود في الطواف سنة مؤكدة من سنن الطواف إن تيسر فعلها بدون مزاحمة أو إيذاء لأحد بفعلك؛ اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، وإن لم يتيسر إلا بمزاحمة وإيذاء تعين الترك والاكتفاء بالإشارة إليه باليد، ولا سيما المرأة؛ لأنها عورة، ولأن المزاحمة في حق الرجال لا تشرع، ففي حق النساء أولى، كما أنه لا يجوز لها عند تيسر التقبيل بدون مزاحمة أن تكشف وجهها أثناء تقبيل الحجر الأسود؛ لوجود من ليس هو بمحرم لها في ذلك الموقف. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 11/229 الحديث: 21644 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4159 متى تطوف الحائض والنفساء [السُّؤَالُ] ـ[المرأة النفساء إذا بدأ نفاسها يوم التروية وأكملت أركان الحج عدا الطواف والسعي إلا أنها لاحظت أنها طهرت مبدئيا بعد عشرة أيام فهل تتطهر وتغتسل وتؤدي الركن الباقي الذي هو طواف الحج؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " لا يجوز لها أن تغتسل وتطوف حتى تتيقن الطهر. والذي يفهم من السؤال حين قالت (مبدئيا) أنها لم ترى الطهر كاملا فلا بد أن ترى الطهر كاملا، فمتى طهرت اغتسلت وأدت الطواف والسعي، وإن سعت قبل الطواف فلا حرج لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل في الحج عمن سعى قبل أن يطوف فقال: لا حرج " [الْمَصْدَرُ] انتهى من رسالة 60سؤال في الحيض الحديث: 21646 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4160 تريد العمرة ولا تجد محرماً [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أذهب للعمرة ولكن لا يوجد لدي محرم وهذا الأمر يحزنني، فزوجي مشغول دائماً بعمله ولا يستطيع ترك عمله لمدة 8 أو 10 أيام، أرجو أن ترشدني كيف أستطيع أن أعتمر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المرأة التي لا تجد محرماً تسافر معه لا يجب عليها الحج ولا العمرة، وهي معذورة في ترك ذلك، ويحرم عليها السفر للحج أو لغيره من غير محرم، وعليها أن تصبر حتى ييسر الله أحد محارمها ليسافر معها. وسبل الخير كثيرة، فإذا لم يستطع المسلم فعل بعض العبادات، فإنه يجتهد فيما يستطيعه من العبادات حتى يوفقه الله وييسر له ما لا يستطيعه من العبادات. ومن فضل الله تعالى على عباده المؤمنين أن العبد إذا عزم على فعل طاعة ولكنه لم يستطع فعلها لعذر، فإنه يثاب الفاعل لها روى البخاري (4423) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَدَنَا مِنْ الْمَدِينَةِ فَقَالَ: (إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلا كَانُوا مَعَكُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ قَالَ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ) قال علماء اللجنة الدائمة: المرأة التي لا محرم لها لا يجب عليها الحج؛ لأن المحرم بالنسبة لها من السبيل، واستطاعة السبيل شرط في وجوب الحج، قال الله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً) ، ولا يجوز لها أن تسافر للحج أو غيره إلا ومعها زوج أو محرم لها؛ لما رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم "، فقام رجل فقال: يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، قال: " انطلِق فحج مع امرأتك "، وبهذا القول قال الحسن والنخعي وأحمد وإسحاق وابن المنذر وأصحاب الرأي، وهو الصحيح؛ للآية المذكورة، مع عموم أحاديث نهي المرأة عن السفر بلا زوج أو محرم، وخالف في ذلك مالك والشافعي والأوزاعي، واشترط كل منهم شرطاً لا حجة له عليه، قال ابن المنذر: تركوا القول بظاهر الحديث، واشترط كل منهم شرطاً لا حجة له عليه. " فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (11 / 90، 91) . وقالوا: إذا كان الواقع كما ذكر - من عدم تيسر سفر زوجك أو محرم لك معك لتأدية فريضة الحج - فلا يجب عليك مادمت على هذه الحال؛ لأن صحبة الزوج أو المحرم لك في السفر للحج شرط في وجوبه عليك، ويحرم عليك السفر للحج وغيره بدون ذلك، ولو مع زوجة أخيك ومجموعة من النساء، على الصحيح من قولي العلماء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) متفق على صحته، إلا إذا كان أخوك مع زوجته فيجوز السفر معه؛ لأنه محرم لك، واجتهدي في الأعمال الصالحات التي لا تحتاج إلى سفر، واصبري رجاء أن ييسر الله أمرك، ويهيء لك سبيل الحج مع زوج أو محرم. " فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (11 / 96) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 25841 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4161 كيف تقصر المرأة من شعرها في الحج والعمرة؟ [السُّؤَالُ] ـ[السؤال: بعد أن أدت والدتي العمرة قصت خصلة واحدة من شعرها جهلاً منها فما الحكم في ذلك؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحلق أو التقصير من واجبات العمرة، وليس على النساء حلق، وإنما المشروع لهن التقصير. ويلزم التقصير من جميع الشعر، على الراجح، وهو مذهب المالكية والحنابلة، فإن كان لها ضفائر أخذت من أطرافها جميعاً، وإلا جمعت شعرها وأخذت من جميعه، والمستحب أن تأخذ قدر أنملة، ولها أن تقصر أقل من ذلك؛ لأنه لم يرد تحديد له في الشرع. قال الباجي رحمه الله في "المنتقى" (3/29) : " وأما المرأة فإنها إذا أرادت الإحرام أخذت من قرونها لتقصر فإذا حلت قصرت. وكم مقدار ما تقصر؟ روي عن ابن عمر أنه قال: مقدار أنملة. وقد روى ابن حبيب عن مالك قدر الأنملة أو فوق ذلك بقليل أو دونه بقليل. قال مالك: ليس لذلك عندنا حد معلوم وما أخذت منه أجزأها ولا بد من أن تعم بالتقصير الشعر كله طويله وقصيره " انتهى باختصار. وقال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (3/196) : " يلزم التقصير أو الحلق من جميع شعره , وكذلك المرأة. نص عليه. وبه قال مالك " انتهى. وقال: " وأي قدر قصّر منه أجزأه. وقال أحمد: يقصر قدر الأنملة. وهو قول ابن عمر , والشافعي , وإسحاق , وأبي ثور. وهذا محمول على الاستحباب ; لقول ابن عمر " انتهى. وقال في (3/226) : " والمرأة تقصر من شعرها مقدار الأنملة. الأنملة: رأس الإصبع من المفصل الأعلى. والمشروع للمرأة التقصير دون الحلق. لا خلاف في ذلك. قال ابن المنذر: أجمع على هذا أهل العلم. وقد روى ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس على النساء حلق , إنما على النساء التقصير) رواه أبو داود. وعن علي رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحلق المرأة رأسها) رواه الترمذي. وكان أحمد يقول: تقصر من كل قرن قدر الأنملة. وهو قول ابن عمر , والشافعي , وإسحاق , وأبي ثور. وقال أبو داود: سمعت أحمد سئل عن المرأة تقصر من كل رأسها؟ قال: نعم , تجمع شعرها إلى مقدم رأسها , ثم تأخذ من أطراف شعرها قدر أنملة " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (7/329) : " قوله: " وتقصر منه المرأة قدر أنملة "، أي: أنملة الأصبع وهي مفصل الإصبع، أي أن المرأة تمسك ضفائر رأسها إن كان لها ضفائر، أو بأطرافه إن لم يكن لها ضفائر، وتقص قدر أنملة، ومقدار ذلك اثنان سنتيمتر تقريباً، وأما ما اشتهر عند النساء أن الأنملة أن تطوي المرأة طرف شعرها على إصبعها فمتى التقى الطرفان فذاك الواجب فغير صحيح " انتهى. وبناء على ذلك، فمن قصرت من خصلة واحدة فإنها لم تقصر التقصير المعتبر، ويلزمها الآن أن تقصر من شعرها على نحو ما ذكرنا، ولا شيء عليها فيما ارتكبته من محظورات الإحرام فيما سبق. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في امرأة لم تتم عمرتها: " وأما ما فعلته من المحظورات ولنفرض أن زوجها جامعها والجماع في النسك هو أعظم المحظورات فإنه لا شيء عليها، لأنها جاهلة، وكل إنسان يفعل محظوراً من محظورات الإحرام جاهلاً أو ناسياً أو مكرهاً فلا شيء عليه " انتهى من مجموع فتاوى ابن عثيمين (21/351) باختصار. وسئل رحمه الله عن: رجل قصر شعره من جانب واحد بعد العمرة، ثم رجع إلى أهله وتبين له أن فعله غير صحيح، فماذا عليه؟ فأجاب: " إن فعل هذا الأمر جاهلاً فالواجب عليه أن يخلع ملابسه الآن (ويلبس إحرامه) ويحلق حلقاً كاملاً أو يقصر، ويكون ما فعله في محل العفو؛ لأنه كان جاهلاً، والحلق أو التقصير لا يشترط أن يكون في مكة، بل يكون في مكة وفي غيرها. أما إن كان ما فعله بناءً على فتوى من أحد العلماء، فليس عليه شئ؛ لأن الله يقول (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) ، وبعض العلماء يرى: أن التقصير من بعض الرأس كالتقصير من كل الرأس " انتهى من "اللقاء الشهري" رقم 10. والمرأة لا يلزمها أن تخلع ملابسها قبل التقصير؛ لأنه لا يحرم عليها لبس الثياب المعتادة في الإحرام، وإنما تمنع فقط من النقاب والقفازين. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 110804 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4162 لا يشرع للمرأة الهرولة لا في الطواف ولا في السعي [السُّؤَالُ] ـ[هل تهرول المرأة في الطواف بين العلمين الأخضرين في السعي بين الصفا والمروة، كما يفعل ذلك الرجل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أنه لا رَمَل على النساء حول البيت، ولا بين الصفا والمروة، وليس عليهن اضطباع؛ وذلك لأن الأصل فيهما إظهار الجَلَد [القوة] ، ولا يقصد ذلك في النساء؛ ولأن النساء يقصد فيهن الستر، وفي الرمل والاضطباع تعرض للكشف. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/226، 227) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109286 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4163 لبست البرقع وهي محرمة وكانت لا تعلم أنه حرام [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمرأة أن تلبس البرقع وهي محرمة؟ فقد لبسه أهلي فلما رجعوا من الحج قيل لهم: إن حجكم غير مقبول؛ لأنكم لبستم البرقع.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لبس البرقع لا يجوز للمرأة في الإحرام؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (لا تنتقب المرأة ولا تلبس قفازين) رواه البخاري، ولا شيء على من تبرقعت في الإحرام جاهلة للتحريم وحجتها صحيحة. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/190- 192) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109288 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4164 هل تقبل المرأة الحجر الأسود؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يصح للمرأة حين تقبيل الحجر أن تكشف وجهها ويكون الرجال حولها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "تقبيل الحجر الأسود في الطواف سنة مؤكدة من سنن الطواف؛ إن تيسر فعلها بدون مزاحمة أو إيذاء لأحد بفعلك؛ اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، وإن لم يتيسر إلا بمزاحمة وإيذاء تعين الترك، والاكتفاء بالإشارة إليه باليد، ولا سيما المرأة؛ لأنها عورة، ولأن المزاحمة في حق الرجال لا تشرع، ففي حق النساء أولى، كما أنه لا يجوز لها عند تيسر التقبيل لها بدون مزاحمة أن تكشف وجهها أثناء تقبيل الحجر الأسود؛ لوجود من ليس هو بمحرم لها في ذلك الموقف. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/229) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109303 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4165 هل يجوز للمرأة أن تحرم وهي تلبس الذهب؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يصح لها الإحرام بالذهب؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "يجوز للمرأة أن تحرم وبيدها أسورة ذهب أو خواتم ونحو ذلك، ويشرع لها ستر ذلك عن الرجال غير المحارم؛ خشية الفتنة بها. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/190- 192) . وقد قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 201) : "لا بأس أن تلبس المرأة حال الإحرام من الذهب ما شاءت إذا لم يخرج إلى حد الإسراف حتى الخواتم والأساور في اليدين، لكن في هذه الحال تستره عن الرجال الأجانب خوفاً من وقوع الفتنة" انتهى. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109322 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4166 هل يلزم الزوج الغني تكاليف حج زوجته؟ [السُّؤَالُ] ـ[زوجة لا تملك نفقات الحج وزوجها غني، فهل هو ملزم شرعاً بنفقات حجها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا يلزم الزوج شرعاً بنفقات حجها وإن كان غنياً، وإنما ذلك من باب المعروف، وهي غير ملزمة بالحج لعجزها عن نفقته. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/35) . وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (11/94) أيضاً: "لا يجب على الزوج لزوجته نفقات حجها مثل ما تجب عليه نفقات أكلها وكسوتها وسكناها، ولكن بذله من باب حسن العشرة ومكارم الأخلاق، ويجب لها عليه في سفر حجها ما يقابل نفقتها حال كونها مقيمة" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن قعود. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109333 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4167 هل توكل المرأة من يرمي عنها خوفاً من الزحام؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل توكل المرأة من يرمي عنها الجمار، نظراً لشدة الزحام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الزحام الشديد الذي يخشى على النساء منه لا يجوز أن تخوض المرأة غماره؛ لأن ذلك تعب عليها، ولأنها سترمي الجمرة وهي لا تشعر من شدة الزحام، فمثلاً إذا كان يريد أن يتعجل في يومين ويحب أن يرمي من حين الزوال وينصرف، هنا لا يمكن أن ترمي المرأة أبداً، لأنه خطر عليها، فنقول في هذه الحال: توكل ولا حرج، أما في غير ذلك، مثلاً: في اليوم الحادي عشر يمكن أن تؤخر الرمي عن الزوال إلى العصر، أو إلى الليل، ولها إلى الفجر فالأمر والحمد لله واسع". "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/122) . وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل يجوز رمي الجمار أيام الحج في وقتنا هذا عن النساء؛ نظراً لشدة الزحام؟ فأجابوا: "قال تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) ، وقال تعالى: (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج) ، فالعسر والحرج منفيان عن هذه الشريعة بهاتين الآيتين، وما جاء في معناهما، والنساء تختلف أحوالهن: فمنهن الحامل، وضخمة الجسم جداً، والهزيلة، والمريضة، والمسنة العاجزة، ومنهن القوية، فأما المرأة التي يوجد فيها عذر من الأعذار المشار إليها ونحوها فتجوز النيابة عنها، ولا إشكال في ذلك، والذي يرمي عنها لا ينوب عنها إلا بإذنها قبل الرمي عنها، فيرمي عن نفسه ثم عنها. وأما القوية فإذا حصلت مشقة غير مألوفة جازت النيابة عنها على الوصف الذي سبق في كيفية النيابة، وأنه يرمي عنها بعد ما يرمي عن نفسه. والشخص الذي يكون نائباً في الرمي عن غيره يكون من الحجاج. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن منيع. "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/283) . وجاء فيها أيضاً (11/284) : "يجوز عند الزحام في رمي الجمرات أن توكل المرأة من يرمي عنها، ولو كانت حجتها حجة الفريضة، وذلك من أجل مرضها أو ضعفها، أو المحافظة على حملها إن كانت حاملاً، وعلى عرضها وحرمتها؛ حتى لا تَنتهك حرمتها شدة الزحام. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن منيع. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109339 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4168 إذا تعجلت المرأة فلا حرج أن توكل من يرمي عنها لشدة الزحام [السُّؤَالُ] ـ[يخاف بعض الرجال على نسائهم من شدة الزحام عند رمي الجمرات فيوقفهم على الجمرات فإن كانت الجمرات زحام رمى عنهن وإذا قل الزحام رمين فهل يصح لهن أن يرمين الجمرات إذا خف الزحام، أم أن رمي الرجال عنهن أثناء الزحام كان كافياً؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كان هذا الزحام لابد منه مثل أن يكون في اليوم الثاني عشر، وهم يميلون إلى أن يتعجلوا، ولا يمكن أن يتأخروا حتى يخف، فلا حرج أن تؤكل المرأة، بل لابد أن توكل في هذه الحال؛ لأن دخولها غمار الزحام، لا شك أنه خطر عليها. أما بقية الأيام فيمكن أن تؤخر الرمي إلى آخر الليل ويكون يسيراً" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/116) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109342 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4169 استعملت مانعاً للحيض ونزلت عليها كدرة [السُّؤَالُ] ـ[امرأة استعملت مانعاً للحيض من أجل الحج ومع التعب نزل عليها شيء مثل الكدرة فما حكمه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "هذا ليس بشي، قالت أم عطية رضي الله عنها: (كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئاً) حتى وإن استمر، ما دام لم يكن دماً خالصاً فليس بشي" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 91، 92) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109346 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4170 امرأة حاضت بعد طواف العمرة [السُّؤَالُ] ـ[ما الحكم لو حاضت المرأة بعد نهاية طواف العمرة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا أتاها الحيض بعد الطواف فإنها تمضي في عمرتها ولا يضرها شيء، لأن ما بعد الطواف لا يشترط فيه الطهارة من الحدث ولا الطهارة من الحيض" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 95) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109352 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4171 هل يجوز استعمال إبرة توقف الحيض لمدة ساعات، من أجل الطواف؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم استعمال الإبرة الموقفة للعادة الشهرية أو الحبوب الموقفة للعادة الشهرية علماً بأنها توقف لمدة ساعات فقط؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا بأس به للضرورة، لكن بشرط أن يكون هذا بعد موافقة الطبيب، فإذا قال الطبيب لا بأس أن تستعملي هذه الإبرة أو الحبوب فلا بأس أن تستعملها من أجل الضرورة. سواء كان لساعات أو أيام" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 392) . وسئل الشيخ أيضاً: عن امرأة في أثناء طواف الإفاضة نزلت عليها العادة فأخبرت طبيبة الحملة بذلك فقالت: سوف أعطيك إبرة توقف عنك الدم لمدة ست ساعات وفعلا توقف الدم ست ساعات، فطافت من جديد وسعت، بعد ست ساعات جاءت الدورة، فهل ما فعلته صحيح أم ماذا؟ فأجاب: "إذا كان الوقوف طهراً كاملاً – والنساء يعرفن الطهر – فلا بأس، ويكون طوافها صحيحاً، وأما إذا لم يكن طهراً صحيحاً فقد طافت قبل أن تطهر، وطواف المرأة قبل طهرها غير صحيح" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 393، 394) . وللفائدة راجع جواب السؤال رقم (20467) ، (36600) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106567 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4172 هل للمرأة أن تربط غطاء الوجه في الإحرام؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل بإمكان المرأة أن تربط غطاء الوجه أو تضع غطاء على الرأس دون أن تربطه، ذلك أنه أثناء الطواف والسعي ليس من السهل الرؤية بوضوح حينما نسدل الجلباب على الوجه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا بأس بربط غطاء الوجه إذا كان يمكن إلا بشده أو ربطه في حال الإحرام أو غيره" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 194) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106569 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4173 هل تجوز عمرة بناتها بلا محرم؟ [السُّؤَالُ] ـ[أريد السفر للعمرة مع أولاد أخي ومعي بناتي فهل تجوز عمرة بناتي؟]ـ [الْجَوَابُ] يجوز أن تسافري للعمرة مع أبناء أخيك لأنهم محارم لك. وأما بناتك فإن كن بالغات فلا يجوز لهن السفر من غير محرم؛ لما روى البخاري (1729) ومسلم (2391) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ، فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا، وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ. فَقَالَ: اخْرُجْ مَعَهَا) . ولا فرق بين سفر المرأة للحج أو للعمرة أو لغير ذلك، فالجميع يشترط له المحرم؛ لعموم الأحاديث، بل ولما جاء في هذا الحديث من أن المرأة خرجت للحج، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم زوجها أن يخرج معها ويدع الجهاد. وإذا لم تجد المرأة محرما، لم تجب عليها العمرة ولا الحج. وإذا خرجت بلا محرم، كانت آثمة بذلك. وينظر جواب السؤال رقم (25841) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105440 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4174 لم لا تكون المساجد فيها اختلاط النساء بالرجال مثل الطواف؟! [السُّؤَالُ] ـ[لماذا لا يجوز للنساء الصلاة مع الرجال فى المسجد بينما يعبد الله فى مكة كل من الرجال والنساء جنبا إلى جنب؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: هذا الإشكال مبني على خطأ في معرفة حكم الشرع في اختلاط الرجال والنساء في الطواف، فالأخ السائل يعتقد أن الشريعة تبيح اختلاط الرجال بالنساء " جنباً إلى جنب " في الطواف! وهو يستشكل عدم وجود هذا في الصلاة، ومعنى كلامه أنه يريد صفوف النساء والرجال متداخلة، فيتراص الرجال والنساء في صفوف الصلاة الكعب بالكعب، والمنكب بالمنكب! وهذا لا يمكن تصور وجوده في الشريعة المحكمة التي تغلق أبواب الفتنة، وتسد على الشيطان طرقه في الغواية. وحتى يزول أصل الخلل لا بدَّ من توضيح مسألة طواف النساء والرجال حكماً وواقعاً. أما حكماً: فهو أن يكون طواف النساء خلف الرجال وحدهن، أو في الليل حيث لا يكون أحد في الطواف من الرجال. وأما الواقع: فهو مخالف للشرع، وما نراه من اختلاط الرجال بالنساء بالصورة الموجودة اليوم مرفوض في الشرع، ولا يزال العلماء ينكرونه، ويحاولون إصلاحه، ولصعوبة الأمر فإن كثيراً من المحاولات لم تنجح، بسبب جهل الناس وعدم تعاونهم، وبسبب الازدحام الشديد، وعدم القدرة على ضبط الناس في الطواف. وقد حاول بعض الحكام الأمويين الفصل التام بين الرجال والنساء في الطواف، واستدل عليه بالفعل الموجود في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وبيَّن أهل العلم أنه لا يلزم من الإذن لهن بالطواف مع الرجال أن يكون اختلاط ومماسة! ومما يدل على هذا الذي ذكرناه: 1. ما رواه البخاري (1539) عن ابْن جُرَيْجٍ قال: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ إِذْ مَنَعَ ابْنُ هِشَامٍ النِّسَاءَ الطَّوَافَ مَعَ الرِّجَال قَال: كَيْفَ يَمْنَعُهُنَّ وَقَدْ طَافَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مَعَ الرِّجَال؟ قُلتُ: أَبَعْدَ الحِجَابِ أَوْ قَبْلُ؟ قَال: إِي لعَمْرِي لقَدْ أَدْرَكْتُهُ بَعْدَ الحِجَابِ، قُلتُ: كَيْفَ يُخَالطْنَ الرِّجَال؟ قَال: لمْ يَكُنَّ يُخَالطْنَ، كَانَتْ عَائِشَةُ رَضِي الله عَنْهَا تَطُوفُ حَجْرَةً مِنَ الرِّجَال لا تُخَالطُهُمْ، فَقَالتِ امْرَأَةٌ: انْطَلقِي نَسْتَلمْ يَا أُمَّ المُؤْمِنِينَ – أي: الحجر الأسود - قَالتِ: انْطَلقِي عَنْكِ وَأَبَتْ، يَخْرُجْنَ مُتَنَكِّرَاتٍ بِالليْل فَيَطُفْنَ مَعَ الرِّجَال، وَلكِنَّهُنَّ كُنَّ إِذَا دَخَلنَ البَيْتَ قُمْنَ حَتَّى يَدْخُلنَ وَأُخْرِجَ الرِّجَالُ. حَجرة من الرجال: بعيدة عنهم. قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -: وظاهر هذا أن ابن هشام أول من منع ذلك، لكن روى الفاكهي من طريق زائدة عن إبراهيم النخعي قال: نهى عمر أن يطوف الرجال مع النساء، قال فرأى رجلا معهن فضربه بالدِّرة، وهذا إن صح لم يعارض الأول؛ لأن ابن هشام منعهن أن يطفن حين يطوف الرجال مطلقاً، فلهذا أنكر عليه عطاء، واحتج بصنيع عائشة، وصنيعها شبيه بهذا المنقول عن عمر. قال الفاكهي: ويُذكر عن ابن عيينة أن أول من فرَّق بين الرجال والنساء في الطواف: خالد بن عبد الله القسري. ا. هـ. وهذا إن ثبت فلعله منَعَ ذلك وقتاً، ثم تركه؛ فإنه كان أمير مكة في زمن عبد الملك بن مروان، وذلك قبل ابن هشام بمدة طويلة. " فتح الباري " (3 / 480) . فهذا إنكارٌ لواقع الطواف الذي تختلط فيه النساء بالرجال، ولم يكن ليرضَ أحدٌ بذلك من الولاة فضلاً عن العلماء. قال ابن جُماعة - رحمه الله -: ومن أكبر المنكرات: ما يفعله جهلة العوام في الطواف من مزاحمة الرجال بأزواجهم سافرات عن وجههن، وربما كان ذلك في الليل، وبأيديهم الشموع متقدة ... . إلى أن قال: " نسأل الله أن يلهم ولي الأمر إزالة المنكرات ". وقال ابن حجر الهيتمي - بعد أن نقل كلامه -: فتأمله تجده صريحاً في وجوب المنع حتى من الطواف عند ارتكابهن دواعي الفتنة. " الفتاوى الفقهية " (1 / 201، 202) . وقد علَّق الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله - على هذا الحديث من صحيح البخاري بقوله: طواف النساء مع الرجال لا بأس به، ولا يمكن منعه خصوصاً في أوقاتنا هذه؛ لأن كل امرأة مع محرمها، ولو مُنع النساء من الاختلاط مع الرجال: لضاعت النساء، وحصل من الشر أكثر، ولكن لو جُعلن كما تفعل عائشة حَجرة، يعني: بعيدات عن الرجال: لكان هذا طيباً، وكانوا هنا يفعلونه في الأيام التي ليس فيها زحام شديد، يجعلون النساء على الجانب، وهو عمل طيب، وأما أن تُمنع النساء ويقال لهن: لا تطفن إلا في الليل مثلاً: فهذا صعب، وفي وقتنا هذا الأمر أصعب، لو قلنا: الرجال وحدهم والنساء وحدهن: لحصل فتنة كبيرة، كل إنسان يستطيع أن يصيد المرأة بدون من يعارضه، ولكن على الإنسان أن يتقي الله عز وجل ويتجنب زحام النساء بقدر المستطاع، وعلى المرأة أيضاً أن تنتبه لأولئك الفجار الذين يتصيدون النساء في المطاف - والعياذ بالله - وتجد الرجل يلتصق بها من أول الطواف إلى آخر الطواف - نسأل الله العافية - وكم ضُبط من قضية. انتهى من " شرح صحيح البخاري " كتاب الحج، بَاب طَوَافِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَال، الشريط السابع، الوجه الثاني. 2. عَنْ أُمِّ سَلمَةَ رَضِي الله عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَالتْ شَكَوْتُ إِلى رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَنِّي أَشْتَكِي فَقَال طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ فَطُفْتُ وَرَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ حِينَئِذٍ يُصَلي إِلى جَنْبِ البَيْتِ وَهُوَ يَقْرَأُ وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ. رواه البخاري (452) ومسلم (1276) . قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -: أمَرها أن تطوف من وراء الناس ليكون أستر لها، ولا تقطع صفوفهم أيضاً، ولا يتأذون بدابتها. " فتح الباري " (3 / 481) . وقال الشيخ سليمان الباجي المالكي – رحمه الله -: وأما طواف النساء من وراء الرجال فهو للحديث الذي ذكرناه (طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَة) ولم يكن لأجل البعير ... وأما المرأة فإن مِن سنَّتها أن تطوف وراء الرجال ; لأنها عبادة لها تعلق بالبيت، فكان مِن سنَّة النِّساء أن يكنَّ وراء الرجال، كالصلاة. " المنتقى شرح الموطأ " (2 / 295) . وقال علماء اللجنة الدائمة - ردّاً على من قال بجواز الاختلاط قياساً على الاختلاط في الطواف -: أما قياس ذلك على الطواف بالبيت الحرام: فهو قياس مع الفارق؛ فإن النساء كن يطفن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مِن وراء الرجال متسترات، لا يداخلنهم ولا يختلطن بهم.. . الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود، الشيخ عبد الله بن غديان. " فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 164، 165) . ثانياً: أما صلاة النساء مع الرجال في المسجد: فإن لها ضوابط وأحكاماً تؤدي كلها إلى حفظ الأعراض، وتساهم في بناء المجتمعات على معالي الأخلاق، ومن هذه الضوابط والأحكام: 1. أن يكون للنساء باب للدخول منه إلى المسجد غير باب الرجال. عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَوْ تَرَكْنَا هَذَا الْبَابَ لِلنِّسَاءِ) قَالَ نَافِعٌ: فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ ابْنُ عُمَرَ حَتَّى مَاتَ. رواه أبو داود (462) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ". وفي " عون المعبود " (2 / 92) : (لو تركنا هذا الباب) : أي باب المسجد الذي أشار النبي صلى الله عليه وسلم. (للنساء) : لكان خيراً، وأحسن؛ لئلا تختلط النساء بالرجال في الدخول والخروج من المسجد، والحديث فيه دليل أن النساء لا يختلطن في المساجد مع الرجال، بل يعتزلن في جانب المسجد، ويصلين هناك بالاقتداء مع الإمام , فكان عبد الله بن عمر أشد اتباعا للسنة , فلم يدخل من الباب الذي جعل للنساء حتى مات. انتهى 2. جعل النساء في صفوف خاصة خلف الرجال، حتى لو كانت امرأة واحدة. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ لَهُ فَأَكَلَ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ قُومُوا فَلِأُصَلِّ لَكُمْ قَالَ أَنَسٌ فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدْ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَفْتُ وَالْيَتِيمَ وَرَاءَهُ وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ. رواه البخاري (373) ومسلم (658) . قال النووي – رحمه الله -: وفيه: أن المرأة تقف خلف الرجال , وأنها إذا لم يكن معها امرأة أخرى: تقف وحدها متأخرة. " شرح مسلم " (5 / 163) . 3. الترغيب في الصفوف الخلفية للنساء والترغيب في الصفوف الأولى للرجال. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا) . رواه مسلم (440) . قال النووي – رحمه الله -: وإنما فضل آخر صفوف النساء الحاضرات مع الرجال لبعدهن من مخالطة الرجال، ورؤيتهم، وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم، وسماع كلامهم، ونحو ذلك , وذم أول صفوفهن لعكس ذلك. " شرح مسلم " (4 / 159، 160) . 4. جعل صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد، ولو كان المسجد الحرام. عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خَيْرُ مَسَاجِدِ النِّسَاءِ قَعْرُ بُيُوتِهِنَّ) . رواه أحمد (26002) وحسَّنه الشيخ الألباني في " صحيح الترغيب " (341) . 5. انتظار الرجال بعد الصلاة قليلاً، وإسراع خروج النساء قليلاً. عن أُمّ سَلَمَة زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ النِّسَاءَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنَّ إِذَا سَلَّمْنَ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ قُمْنَ، وَثَبَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ صَلَّى مِنْ الرِّجَالِ مَا شَاءَ اللَّهُ، فَإِذَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ الرِّجَالُ. رواه البخاري (828) . وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَلَّمَ قامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي تَسْلِيمَهُ وَمَكَثَ يَسِيراً قَبْلَ أَنْ يَقُومَ ". قَالَ ابْنُ شِهَابٍ (وهو الزهري) : فَأُرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مُكْثَهُ لِكَيْ يَنْفُذَ النِّسَاءُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ مَنِ انْصَرَفَ مِنَ الْقَوْمِ. رواه البخاري (802) . قال بدر الدين العيني – رحمه الله -: فيه: خروج النساء إلى المساجد، وسبقهن بالانصراف، والاختلاط بهن مظنة الفساد، ويمكث الإمام في مصلاه والحالة هذه. " عمدة القاري " (6 / 122) . قال السندي – رحمه الله – في بيان سبب مكثه صلى الله عليه وسلم بعد السلام -: أي: ليتبعه الرجال في ذلك، حتى تنصرف النساء إلى البيوت، فلا يحصل اجتماع الطائفتين في الطريق. " حاشية سنن ابن ماجه " (حديث 932) . 6. الحفاظ على الحجاب والستر في القدوم للمسجد والانصراف منه. عن عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنَّ نِسَاءُ الْمُؤْمِنَاتِ يَشْهَدْنَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْفَجْرِ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ (أي: متسترات بثوب يغطي جسدهن كله) . رواه البخاري (553) ومسلم (645) . وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: فإنَّ النساء كنَّ يطفن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من وراء الرجال متسترات، لا يداخلنهم، ولا يختلطن بهم، وكذا حالهن مع الرجال في مصلى العيد، فإنهن كنَّ يخرجن متسترات، ويجلسن خلف الرجال في المصلى، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب الرجال خطبة العيد انصرف إلى النساء، فذكَّرهن ووعظهن، فلم يكن اختلاط بين الرجال والنساء، وكذا الحال في حضورهن الصلوات في المساجد، كنَّ يخرجن متلفعات بمروطهن، ويصلين خلف الرجال، لا تخالط صفوفهن صفوف الرجال. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود، الشيخ عبد الله بن غديان. " فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 164، 165) . ونرجو أن نكون بذلك قد أزلنا الخلل الذي يستدل به بعض الناس على جواز اختلاط الرجال بالنساء الاختلاط المستهتر، ظناً منهم أن الشرع يبيح ذلك الاختلاط في الطواف فهذا الواقع مخالف للشرع، نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98313 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4175 أذِن لها زوجها في السفر لحج النافلة ثم تراجع فهل تسافر دون إذنه؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا متزوجة منذ أربع سنوات، ولكني لم أشعر بالسعادة يوماً طوال هذه الزيجة، لقد ارتكبت بعض الأخطاء التى تعلمت منها، لكن زوجي لم يغفر لي هذه الأخطاء، فهو أقرب لكونه ديكتاتوراً منه كزوج، قامت إحدى الصديقات بدفع مصاريف الحج ولكني لم أقبلها إلا بعد الحصول على إذن من زوجى لأنها ليست حجة الفريضة، ولكنه قام بالتراجع عن هذا الإذن بعد عمل جميع الترتيبات بسبب بعض الخلافات البسيطة التى بيننا، الآن إذا لم أذهب للحج ستغضب صديقتي لأنه قد تم غلق الباب أمام إصدار تأشيرة أخرى لشخص آخر. فهل لزوجي الحق في أن يفعل ذلك أم أنه يسيء استخدام سلطته كزوج؟ برجاء تقديم الإرشاد.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الواجب على الزوج أن يتقي الله في معاملته لزوجته، وأن يعاشرها بالمعروف، وإن كان كره منها خلُقاً فليعلم أن لها أخلاقاً أخرى تستحق رضاه عنها، وعليه أن يعلم أنه هو لا يسلم من الخطأ والزلل، فليعفُ عن خطئها، وليصفح عن زللها إن هي تابت لربها وأنابت، وليحسن معاملتها حتى يجعل الله تعالى بينه وبين زوجته مودة ورحمة. ثانياً: لا يحل للمرأة أن تسافر للحج أو لغيره إلا مع ذي محرَم، ولم يرِد في سؤالك أية إشارة إلى وجود محرم معك أو عدم وجوده، فإن لم يكن معك محرم في السفر فلا يجوز لك السفر سواء أذن زوجك أو لم يأذن، ولو كان ذلك في حج الفريضة. قال علماء اللجنة للإفتاء: " قد تقرر في الشرع المطهر تحريم سفر المرأة بلا محرم؛ للأدلة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن ذلك، وهذا يعم أي سفر كان، سواء لغرض مباح، أم واجب، أم مسنون، وقد صدرت منا فتوى في تقرير ذلك برقم (16042) هذا نصها: " لا يجوز للمرأة المسلمة أن تسافر بدون محرم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم) رواه أحمد والبخاري ومسلم، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو يخطب (لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، فقام رجل فقال: إن امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، فقال: انطلق فحج مع امرأتك) رواه أحمد والبخاري ومسلم. فالمرأة ممنوعة من كل ما يسمَّى سفراً، إلا إذا كان معها محرم يصونها ويحفظها ويقوم بمصالحها، والمحرم هو: زوجها، أو من تحرم عليه على التأبيد، لقرابة، أو رضاع، أو مصاهرة: كأبيها، وابنها، وأخيها، وابن أخيها، وعمها، وخالها، وأبي زوجها، وابن زوجها، وابنها من الرضاع، أو أخيها من الرضاع، ونحوهم، وسواء كانت المرأة شابة، أو عجوزاً، وسواء كانت وحدها، أو مع نساء، ومجموعة النساء لا تكفي عن المحرم؛ لعموم الأحاديث؛ ولعدم انتفاء المحذور. فالواجب على النساء وعلى أوليائهن تقوى الله، والمحافظة على أوامر الله ورسوله، وترك ما نهى الله عنه ورسوله، خصوصا في المحافظة على الحياء والعفة، وتجنب وسائل الشر والفساد، ولا يجوز أن يحملهم الطمع في الدنيا على التساهل في هذا الأمر ". لهذا: فإنه لا يجوز سفر المرأة لأداء فريضة الحج من غير محرم لها، ويجب منع أصحاب حملات الحج من ذلك؛ حذراً من إثم الوقوع فيما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وسدّاً لأبواب الشر والفساد، والله سبحانه وتعالى يقول: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) ، والمرأة من شروط استطاعتها: وجود محرمها، وبذله نفسه للسفر بها، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ بكر أبو زيد. " فتاوى اللجنة الدائمة " (17 / 334 – 336) . ثالثاً: كما ينبغي أن تعلمي أنه لا يجوز لك للمرأة أن تسافر إلا بإذن الزوج، وقد اتفق العلماء على أنه لا يجوز للمرأة الذهاب لحج النافلة إلا بإذن زوجها. قال ابن قدامة – رحمه الله -: فأما حج التطوع: فله منعها منه، قال ابن المنذر: أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم أن له منعها من الخروج إلى الحج التطوع. وذلك لأن حق الزوج واجب، فليس لها تفويته بما ليس بواجب. " المغني " (3 / 192) . ولا يجوز لك السفر للحج – ولو وجد المحرَم – إذا كان زوجك قد تراجع عن إذنه. ولا ينبغي للزوج أن يمنع زوجته من سفر الطاعة إن كان منعه لها من غير سبب شرعي، وهو شريك في الأجر الذي تحصله إن أذن لها، فإن أعانها ازداد أجره. وقد ذكر ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (3/283) : أن الزوج إذا أذن لزوته بالحج نافلة، فله الرجوع في الأذن قبل أن تحرم، فإن أحرمت لم يجز له الرجوع في الإذن. وعليك أن تعتذري لصديقتك وتبيني لها سبب عدم سفرك معها، وأن ذلك طاعة لله تعالى وفراراً من معصيته، وليس للمسلم أن يقدم إرضاء مخلوق كائناً من كان على إرضاء الله تعالى. نسأل الله تعالى أن ييسر أمرك، ويصلح ما بينك وبين زوجك. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96670 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4176 حج النفساء [السُّؤَالُ] ـ[إذا طهرت النفساء قبل الأربعين فهل يصح حجها؟ وإذا لم تر الطهر فماذا تصنع مع العلم أنها ناوية الحج؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله: " إذا طهرت النفساء قبل الأربعين فإنها تغتسل وتصلي وتفعل كل ما تفعله الطاهرات حتى الطواف لأن النفاس لا حد لأقله. أما إذا لم تر الطهر فإن حجها صحيح أيضا لكن لا تطوف بالبيت حتى تطهر لأن النبي صلى الله عليه وسلم منع الحائض من الطواف بالبيت والنفاس مثل الحيض في هذا ". [الْمَصْدَرُ] انتهى من رسالة 60 مسألة في الحيض الحديث: 21618 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4177 هل لثياب المرأة في الإحرام لون أو تفصيل خاص [السُّؤَالُ] ـ[تعتقد بعض النساء أن للإحرام ثياباً خاصة فما صحة ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المرأة تحرم بما شاءَت من الثياب الساترة وتجتنب لباس الشهرة والثياب الضيقة التي تصف تقاطيع الجسم وتجتنب الطيب والنقاب ولبس القفازين ولا حرج عليها في لبس الحلي وتغيير الثياب متى ما شاءَت. والاعتقاد السائد في بعض البلاد أن المرأة تحرم من الثياب بلون كذا وكذا ليس له أصل في الشرع. وقد قالت عائشة رضي الله عنها: المحرمة تلبس من الثياب ما شاءَت إلا ثوباً مسه ورس أو زعفران ... ) رواه البخاري في صحيحه معلقاً ووصله البيهقي في السنن (5 / 47) من طريق شعبة عن يزيد الرشك عن معاذة عن عائشة ورواته ثقات. [الْمَصْدَرُ] الشيخ سليمان بن ناصر العلوان. الحديث: 12931 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4178 مرت بالميقات وهي حائض ولم تُحرم [السُّؤَالُ] ـ[ذهبت للعمرة ومررت بالميقات وأنا حائض فلم أحرم وبقيت في مكة حتى طهرت فأحرمت من مكة فهل هذا جائز أم ماذا أفعل وما يجب علي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله: " هذا العمل ليس بجائز، والمرأة التي تريد العمرة لا يجوز لها مجاوزة الميقات إلا بإحرام، حتى لو كانت حائضا فإنها تحرم وهي حائض وينعقد إحرامها ويصح؛ والدليل لذلك أن أسماء بنت عميس زوجة أبي بكر رضي الله عنهما ولدت - والنبي صلى الله عليه وسلم نازل في ذي الحليفة يريد حجة الوداع - فأرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم كيف أصنع؟ قال: "اغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي ". ودم الحيض كدم النفاس، فنقول للمرأة الحائض: إذا مررت بالميقات وأنت تريدين العمرة أو الحج فاغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي " والاستثفار معناه: أنها تشد على فرجها خرقة وتربطها ثم تحرم، سواء بالحج أو بالعمرة ". ولكنها إذا أحرمت ووصلت إلى مكة لا تأتي إلى البيت ولا تطوف به حتى تطهر ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة حين حاضت في أثناء العمرة قال لها: " افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي في البيت حتى تطهري " هذه رواية البخاري ومسلم، وفي صحيح البخاري أيضا ذكرت عائشة أنها لما طهرت طافت بالبيت وبالصفا والمروة، فدل هذا على أن المرأة إذا أحرمت بالحج أو العمرة وهي حائض أو أتاها الحيض قبل الطواف فإنها لا تطوف ولا تسعى حتى تطهر وتغتسل أما لو طافت وهي طاهرة وبعد أن انتهت من الطواف جاءها الحيض فإنها تستمر وتسعى ولو كان عليها الحيض وتقص من رأسها وتنهي عمرتها لأن السعي بين الصفا والمروة لا يشترط له الطهارة." [الْمَصْدَرُ] انتهى من رسالة 60 سؤال في الحيض الحديث: 21638 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4179 تريد العمرة وتخشى من الزحام مع الرجال [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أعمل عمرة في شهر رمضان، لكن هذا الاختلاط الشديد بالرجال بل الالتصاق أيضا، هل هذا جائز؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الاختلاط بين الرجال والنساء حرام، وقد سبق تفصيل هذا في جواب السؤال رقم (1200) فلينظر. ثانياً: قد راعت الأحكام الشرعية طبيعة المرأة، واستغلال الشيطان لفتنتها، فجاءت النصوص الشرعية الصحيحة تأمرها بأن تقر في بيتها، وأن لا تتبرج، وأن لا تزاحم الرجال، بل إن النصوص الشرعية لم توجب عليها ما أوجبته على الرجال مثل حضور صلاة الجمعة والجماعات. ومزاحمة المرأة للرجال من أعظم أسباب الفتن , ولذلك جاء الشرع بسد هذا الباب من أبواب الفتن , وحماية العبادات عن كل ما ينافيها , ففي صلاة العيد: أمر الرسول صلى الله عليه وسلم النساء بالخروج إليها , ولكن يكنَّ في مصلىً خاص بهن بعيداً عن الرجال. وفي الحج والعمرة أيضاً جاء الشرع بمنع اختلاط الرجال والنساء , وبما يحفظ النساء عن مزاحمة الرجال , ويتبين ذلك من وجوه: أولها: أن الشارع لم يوجب على المرأة حجّاً أو عمرة إلاّ إذا كان معها محرم. فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم، فقال رجل: يا رسول الله إني أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا وامرأتي تريد الحج، فقال: اخرج معها) رواه البخاري (1763) ومسلم (1341) . ثانيها: أن الشارع رخَّص لمن كان معه نساء , أن يدفع من مزدلفة بليل. فعن عبد الله مولى أسماء عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّهَا نَزَلَتْ لَيْلَةَ جَمْعٍ عِنْدَ الْمُزْدَلِفَةِ فَقَامَتْ تُصَلِّي فَصَلَّتْ سَاعَةً ثُمَّ قَالَتْ: يَا بُنَيَّ هَلْ غَابَ الْقَمَرُ؟ قُلْتُ: لا، فَصَلَّتْ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَتْ: يَا بُنَيَّ هَلْ غَابَ الْقَمَرُ؟ قُلْت: نَعَمْ، قَالَتْ: فَارْتَحِلُوا، فَارْتَحَلْنَا، وَمَضَيْنَا حَتَّى رَمَتْ الْجَمْرَةَ، ثُمَّ رَجَعَتْ، فَصَلَّتْ الصُّبْحَ فِي مَنْزِلِهَا، فَقُلْتُ لَهَا: يَا هَنْتَاهُ مَا أُرَانَا إِلا قَدْ غَلَّسْنَا، قَالَتْ: يَا بُنَيَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ لِلظُّعُنِ. رواه البخاري (1595) . والحديث بوَّب عليه الإمام البخاري بقوله: " بَاب مَنْ قَدَّمَ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ بِلَيْلٍ فَيَقِفُونَ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَيَدْعُونَ وَيُقَدِّمُ إِذَا غَابَ الْقَمَرُ ". يا هَنْتاه: يا هذه. الظُّعُن: جمع ظعينة، وهي المرأة. ثالثها: استحباب البعد عن البيت في الطواف لئلا تختلط بالرجال، ولو كان في البعد عدم استلام الحجر الأسود. فعن عَطَاء قَالَ: طَافَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الرِّجَالِ. قيل له: كَيْفَ يُخَالِطْنَ الرِّجَالَ؟ قَالَ: لَمْ يَكُنَّ يُخَالِطْنَ كَانَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَطُوفُ حَجْرَةً مِنْ الرِّجَالِ لا تُخَالِطُهُمْ، فَقَالَتْ امْرَأَةٌ: انْطَلِقِي نَسْتَلِمْ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: انْطَلِقِي عَنْكِ وَأَبَتْ. رواه البخاري (1539) . حَجرة من الرجال: بعيدة عنهم. وقال ابن جماعة رحمه الله: " ومن أكبر المنكرات ما يفعله جهلة العوام في الطواف من مزاحمة الرجال بأزواجهم سافرات عن وجههن، وربما كان ذلك في الليل، وبأيديهم الشموع متقدة ... " إلى أن قال: " نسأل الله أن يلهم ولي الأمر إزالة المنكرات ". وقال ابن حجر الهيتمي - بعد أن نقل كلامه -: " فتأمله تجده صريحاً في وجوب المنع حتى من الطواف عند ارتكابهن دواعي الفتنة ". " الفتاوى الفقهية " (1 / 201، 202) . ثالثاً: وإذا أرادت المرأة أن تعتمر فيجب عليها أن تسافر ع محرم لها , حتى يحفظها ويصونها , وعليها أن تختار الأوقات التي يكون الحرم فيها غير مزدحم , أما مواسم الزحام كشهر رمضان فالأحسن لها أن تجتنب أداء العمرة فيها , لما يحصل من مزاحمتها للرجال، ولا يمكنها التحفظ منهم. وفي جواب السؤال رقم (36514) ذكرنا كلام الشيخ ابن باز رحمه الله أن الأفضل للمرأة الآن في ظل الزحام الشديد ألا تكرر الحج لأن ذلك أسلم لدينها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 66800 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4180 هل يلزم الزوج نفقة حج زوجته [السُّؤَالُ] ـ[هل يجب على المسلم أن يرسل زوجته للحج إذا كان يملك من المال ما يكفي لذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجب على الزوج أن يتحمل عن زوجته نفقة الحج ولو كان غنياً، وإنما ذلك مستحب يؤجر عليه ولا يأثم بتركه. إذ لم يوجب ذلك كتاب ولا سنة، والزوجة جعل الإسلام لها المهر حقّاً خالصاً لها، وأباح لها التصرف في مالها. وإنما أوجب الشرع على الزوج أن ينفق على زوجته بالمعروف، ولم يوجب عليه قضاء ديْنها، ولا دفع الزكاة عنها، ولا دفع ما تتكلفه في الحج وغيره. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين: هل يؤجر الزوج إذا وكل من يحج عن زوجته وقد توفيت ولم تحج … … ..؟ . فقال: الأفضل أن يقوم هو بالحج عنها من أجل أن يقوم بالنسك على الوجه الأكمل الذي يحب … .. ثم قال: أما الوجوب فلا يجب عليه. " اللقاء الشهري " (34) رقم السؤال (579) . فما دام أنه لا يجب القضاء عنها بعد موتها فكذلك لا يجب عليه حجها في حياتها. هذا من حيث الوجوب، أما من حيث البر بها والعشرة بالمعروف: فإنه إن فعل فإن الله لا يضيع أجر المحسنين، ويكتب الله تعالى له أجر حجها. وقد ذكر الفقهاء رحمهم الله أنه يجب على الزوج نفقة زوجته في حالة أن يتعمد إفساد حجها كمن أكرهها على الجماع قبل التحلل الأول – مثلاً -. قال الشيخ عبد الكريم زيدان: وليس من حقوق الزوجة على زوجها أن يتحمل نفقة حجها، أو يشاركها في هذه النفقة. " المفصل في أحكام المرأة " (2 / 177) . وقد سئل الشيخ الألباني رحمه الله عن هذه المسألة بعينها فأجاب: أنه لا يجب على الزوج دفع نفقات حج زوجته. هذا بالنسبة للرجل أما المرأة فإن كان عندها من الأموال ما يكفيها للحج وجب عليها الحج، وإن لم يكن عندها لم يجب عليها الحج. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 8916 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4181 هل هناك سن لا تحتاج فيه المرأة لمحرم [السُّؤَالُ] ـ[أنا آنسة في سن 38، مدرِّسة، لم أتزوج بعدُ، الوالد متوفى، وأنا أعول والدتي إلى حد ما في نفقات المنزل، رغبت في الحج، وتقدمت، وفزت بالقرعة، ولكن أحتاج لمحرم، وأخي المحرم لا يملك النفقات الخاصة به، وأعلم أنني يجب أن أسدد عنه، ولكن أنا مستقبلا في حاجة لما معي، فقررت أن أؤجل الفريضة إلى سن لا أحتاج فيه لمحرم، ما جزاء هذا الفعل؟ أرجوكم إفادتي لشدة قلقي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يجب الحج إلا على المستطيع لقول الله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) آل عمران/97. ومن الاستطاعة بالنسبة للمرأة أن تجد محرماً ويوافق على السفر معها، فإذا لم تجد لم يجب عليها الحج. وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (11/93) : من شروط الحج الاستطاعة، ومن الاستطاعة وجود المحرم للمرأة، فإذا فقد المحرم فلا يجوز لها السفر، ولا يجب عليها الحج إلا بوجوده وموافقته على السفر معها، قال تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) آل عمران/97. راجع السؤال رقم (316) ، (5207) ، (34380) . ثانياً: ليس هناك سن تبلغه المرأة لا تحتاج فيه لمحرَم، بل في جميع سني عمرها بعد بلوغها لا يحل لها السفر إلا مع ذي محرم، من غير تفريق بين شابة وعجوز، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم) رواه البخاري ومسلم. وقد سبق بيان هذا في أجوبة الأسئلة: (47029) و (25841) . ثالثاً: إن وجدت المرأة محرَماً: وجبت عليها نفقته. قال ابن قدامة – رحمه الله -: ونفقة المحرم في الحج عليها، نص عليه أحمد؛ لأنه من سبيلها، فكان عليها نفقته كالراحلة، فعلى هذا يعتبر في استطاعتها أن تملك زادا وراحلة لها ولمحرمها. " المغني " (3 / 99) . وقال السرخسي: المحرم إذا كان يخرج معها فنفقته في مالها. " المبسوط " (4 / 163) . رابعاً: وأما تأخيرك للحج بسبب حاجتك للنفقة، فيراجع السؤال رقم (11534) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 52703 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4182 إذا حاضت المعتمرة انتظرت حتى تطهر [السُّؤَالُ] ـ[قدمت للعمرة أنا وأهلي ولكن حين وصولي إلى جدة أصبحت زوجتي حائضا ولكني أكملت العمرة بمفردي دون زوجتي فما الحكم بالنسبة لزوجتي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله: " الحكم بالنسبة لزوجتك أن تبقى حتى تطهر ثم تقضي عمرتها لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما حاضت صفية رضي الله عنها قال: " أحابستنا هي؟ قالوا: إنها قد أفاضت، قال: فلتنفر إذن ". فقوله صلى الله عليه وسلم " أحابستنا هي " دليل على أنه يجب على المرأة أن تبقى إذا حاضت قبل طواف الإفاضة حتى تطهر ثم تطوف وكذلك طواف العمرة مثل طواف الإفاضة لأنه ركن من أركان العمرة فإذا حاضت المعتمرة قبل الطواف انتظرت حتى تطهر ثم تطوف. [الْمَصْدَرُ] انتهى من رسالة 60 مسألة في الحيض الحديث: 20465 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4183 هل تحرم بالعمرة وهي حائض؟ [السُّؤَالُ] ـ[سنسافر لأداء العمرة لمدة 10 أيام سنسافر أولاً للمدينة النبوية ثم إلى مكة، إلا أنني سيكون عندي الدورة عندما نذهب من المدينة إلى مكة وبالتالي طبعاً كل من معنا سيحرمون من أبيار علي، فهل يصح لي الإحرام مثلهم برغم وجود الدورة، وستنتهي الدورة ونحن في مكة، فمن أي مكان أحرم من مكة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحائض إذا مرت على الميقات وهي تريد الحج أو العمرة وجب عليها أن تحرم من الميقات ولا يجوز لها تأخير الإحرام حتى تصل إلى مكة وتطهر. وقد دلت السنة وإجماع العلماء على أن الحيض لا ينافي الإحرام، فتحرم المرأة وهي حائض ثم لا تؤدي العمرة حتى تطهر وتغتسل. روى مسلم (1210) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي حَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ حِينَ نُفِسَتْ بِذِي الْحُلَيْفَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُهِلَّ. قال النووي: (نُفِسَتْ) أَيْ: وَلَدَتْ. وَفِيهِ: صِحَّة إِحْرَام النُّفَسَاء وَالْحَائِض , وَاسْتِحْبَاب اِغْتِسَالهمَا لِلإِحْرَامِ اهـ. وروى البخاري (1556) ومسلم (1211) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. . فَقَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَلا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: انْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ. . . الحديث. ورواه البخاري في باب كيف تهل (أي: تحرم) الحائض والنفساء. قال النووي: فِي هَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ الْحَائِض وَالنُّفَسَاء وَالْمُحْدِث وَالْجُنُب يَصِحّ مِنْهُمْ جَمِيع أَفْعَال الْحَجّ وَأَقْوَاله وَهَيْئَاته إِلا الطَّوَاف وَرَكْعَتَيْهِ , فَيَصِحّ الْوُقُوف بِعَرَفَاتٍ وَغَيْره كَمَا ذَكَرْنَا , وَكَذَلِكَ الأَغْسَال الْمَشْرُوعَة فِي الْحَجّ تُشْرَع لِلْحَائِضِ وَغَيْرهَا مِمَّنْ ذَكَرْنَا. وَفِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ الطَّوَاف لا يَصِحّ مِنْ الْحَائِض , وَهَذَا مُجْمَع عَلَيْهِ اهـ. وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ إِذَا أَتَتَا عَلَى الْوَقْتِ (أَيْ: الْمِيقَات) تَغْتَسِلانِ وَتُحْرِمَانِ وَتَقْضِيَانِ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا غَيْرَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (1744) وصححه الألباني في سنن أبي داود. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى" (1/447) : "الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ , أَمَرَهُمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالإِحْرَامِ وَالتَّلْبِيَةِ , وَمَا فِيهِمَا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ , وَشُهُودِهِمَا عَرَفَةَ مَعَ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ , وَرَمْيِ الْجِمَارِ , مَعَ ذِكْرِ اللَّهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ , وَلا يُكْرَهُ لَهَا ذَلِكَ , بَلْ يَجِبُ عَلَيْهَا" اهـ. وقال الشيخ ابن باز رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (16/126) : إذا وصلت الحائض أو النفساء للميقات وجب عليهما أن تحرما إذا كان الحج فريضة أو العمرة، أما إن كان مستحبين وقد أدتا حجة الإسلام وعمرة الإسلام فإنه يشرع لهما الإحرام من الميقات كغيرهما من الطاهرات في الحج والعمرة اهـ. وقال الشيخ ابن عثيمين: "المرأة التي حاضت قبل أن تحرم يمكنها أن تحرم وهي حائض لأن النبي صلى الله عليه وسلّم أمر أسماء بنت عميس امراة أبي بكر رضي الله عنهما حين نفست في ذي الحليفة أمرها أن تغتسل وتسثفر بثوب وتحرم، وهكذا الحائض أيضاً، وتبقى على إحرامها حتى تطهر، ثم تطوف بالبيت وتسعى) اهـ. "رسالة 60 سؤالاًَ في أحكام الحيض". [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49992 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4184 هل يؤثر نزول الكدرة على الحج والعمرة؟ [السُّؤَالُ] ـ[كنت حاملاً في الشهر الثاني وسقط الجنين قبل ذهابي للحج بيومين، وكنت طاهرة إلا أنه في يوم التروية في الليل وجدت قليلا من الإفرازات الغامقة تشبه الإفرازات التي تكون في آخر أيام الدورة الشهرية، أي: إنها ليست دماً بل وسخ بني، إلا أني أكملت حجي، فهل حجي صحيح؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما رأيتِهِ من الإفرازات لا يؤثر على حجك ولا عمرتك، فهو ليس دم حيض ولا نفاس، بل إفرازات تسمى " الكدرة "، وحكم هذه الإفرازات أنها توجب الوضوء عند جمهور العلماء، فإذا توضأت عند طواف الإفاضة فطوافك صحيح بإجماع العلماء، فإن لم تكوني توضأت فقد اختلف العلماء: هل يصح الطواف من غير طهارة أم لا؟ وسبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (34695) ، والذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وتابعه الشيخ ابن عثيمين أنه لا يشترط. وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: " فما بعد الطهر من كدرة، أو صفرة، أو نقطة، أو رطوبة، فهذا كله ليس بحيض، فلا يمنع من الصلاة، ولا يمنع من الصيام، ولا يمنع من جماع الرجل لزوجته؛ لأنه ليس بحيض. قالت أم عطية: (كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئاً) أخرجه البخاري، وزاد أبو داود: (بعد الطهر) وسنده صحيح، وعلى هذا نقول: كل ما حدث بعد الطهر المتيقن من هذه الأشياء فإنها لا تضر المرأة ولا تمنعها من صلاتها وصيامها ومباشرة زوجها إياها، ولكن يجب أن لا تتعجل حتى ترى الطهر؛ لأن بعض النساء إذا جف الدم عنها بادرت واغتسلت قبل أن ترى الطهر، ولهذا كان نساء الصحابة يبعثن إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بالكرسف - يعني: القطن - فيه الدم فتقول لهن: لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء " انتهى. " 60 سؤالاً عن أحكام الحيض " (السؤال رقم 24) . والحاصل: أن حجك صحيح إن شاء الله تعالى، وهذه الإفرازات التي نزلت ليست حيضاً ولا نفاساً. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 42373 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4185 هل تذهب للحج في عدة وفاة زوجها؟ [السُّؤَالُ] ـ[امرأة مات عنها زوجها، وظهر اسمها في قرعة الحج ولم تكمل العدة، فهل يجوز لها السفر إلى الحج؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اتفق الأئمة على أنه لا يجوز للمرأة المتوفى عنها زوجها أن تسافر إلى الحج في فترة العدة (الحداد) . وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: عن امرأة عزمت على الحج هي وزوجها، فمات زوجها فى شعبان، فهل يجوز لها أن تحج؟ . فأجاب: " ليس لها أن تسافر فى العدة عن الوفاة إلى الحج في مذهب الأئمة الأربعة " انتهى. " مجموع الفتاوى " (34 / 29) . وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: " ليس للمرأة التي في الحداد السفر للحج، كما هو مذهب الأئمة الأربعة، أما ما ذكرتَ من أنه لا يحصل لك إجازة إلا في هذا الوقت: فليس بمسوغ شرعي يجيز السفر بالمرأة التي في عدة الوفاة " انتهى. " فتاوى المرأة المسلمة " (2 / 899، 900) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 41610 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4186 أحرمت للعمرة ثم بدا لها أن لا تفعل فماذا يجب عليها؟ [السُّؤَالُ] ـ[كنت في الطائف وقررت أن أذهب إلى مكة لقضاء بعض الأيام هناك، وفي اليوم المحدد فكرت في الإحرام للعمرة، وبالفعل اغتسلت وقلت: " لبيك اللهم بعمرة لبيك اللهم لبيك " ثم قبل مغادرة المنزل طرأ لي ما جعلني أؤجل فكرة العمرة، وحيث إني امرأة فإنه لا يتغير كثير من حالي حين الإحرام، لذلك نسيت أني قد نطقت بالتلبية، فنزلت مكة ولم أعتمر، وقضيت هناك أياماً ثم رجعت إلى الطائف ليوم واحد ومنها أحرمت للعمرة ونزلت مكة واعتمرت (ولم أتذكر أنني قد لبيت المرة الأولى إلا عندما لبيت عند الميقات في المرة الثانية) ، فماذا عليَّ في ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب على كل من أحرم بالعمرة والحج أن يتم نسكهما وإن كانا نفليْن؛ لقوله تعالى: (وأتموا الحج والعمرة لله) ، ومن نوى الإحرام وترك تتمة النسك لغير عذر شرعي وقع في المحظور. قال علماء اللجنة الدائمة: إذا كان لبس الإزار والرداء ولم ينو الدخول في الحج أو العمرة ولم يلب بذلك فهو بالخيار: إن شاء دخل في الحج أو العمرة، وإن شاء ترك ذلك، ولا حرج عليه إذا كان قد أدى حجة وعمرة الإسلام، أما إن كان قد نوى الدخول في الحج أو العمرة فليس له فسخ ذلك والرجوع عنه، بل يجب عليه أن يكمل ما أحرم به على الوجه الشرعي؛ لقول الله سبحانه: (وأتموا الحج والعمرة لله) ، وبهذا يتضح لك: أن المسلم إذا دخل في حج أو عمرة بالنية فليس له رفض ذلك، بل يجب عليه أن يكمل ما شرع فيه؛ للآية الكريمة المذكورة، إلا أن يكون قد اشترط، وحصل المانع الذي خاف منه فله أن يتحلل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لضباعة بنت الزبير لما قالت: يارسول الله إني أريد الحج وأنا شاكية، قال: " حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني " متفق على صحته. فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (11 / 166، 167) . وبناء على هذا، فإن العمرة التي أديتها تقع عن العمرة التي أحرمت بها أولاً. وأما محظورات الإحرام التي فعلتيها في تلك الأيام فإنها معفو عنها. لأن الظاهر أنك كنت لا تعلمين تحريم فسخ نية العمرة بعد عقدها. وقد سبق في إجابة السؤال (36522) أن من فعل محظوراً من محظورات الإحرام جاهلاً أو ناسياً أنه لا شيء عليه. سئل الشيخ ابن عثيمين عن امرأة أحرمت بالعمرة ثم فسخت العمرة واعتمرت بعدها بعدة أيام عمرة أخرى فهل هذا العمل صحيح؟ وما حكم ما فعلته من محظورات الإحرام؟ فأجاب: هذا العمل غير صحيح، لأن الإنسان إذا دخل في عمرة أو حج حرم عليه أن يفسخه إلا لسبب شرعي قال الله تعالى: (وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي) ، فعلى هذه المرأة أن تتوب إلى الله عز وجل مما صنعت، وعمرتها صحيحة لأنها وإن فسخت العمرة فإنها لا تنفسخ العمرة، وهذا من خصائص الحج، والحج له خصائص عجيبة لا تكون في غيره، فالحج إذا نويت إبطاله لم يبطل، وغيره من العبادات إذا نويت إبطال بطل، فلو أن الإنسان وهو صائم نوى إبطال صومه بطل صومه، ولو أن المتوضئ أثناء وضوئه نوى إبطال الوضوء بطل الوضوء. لو أن المعتمر أثناء العمرة نوى إبطالها لم تبطل، أو نوى إبطال الحج أثناء تلبسه بالحج لم يبطل. ولهذا قال العلماء: إن النسك لا يرتفض برفضه. وعلى هذا نقول: إن هذه المرأة ما زالت محرمة منذ عقدت النية إلى أن أتمت العمرة، ويكون نيتها الفسخ غير مؤثرة فيه، بل هي باقية عليه. وخلاصة الجواب: بالنسبة للمرأة نقول: إن عمرتها صحيحة، وإن عليها أن لا تعود لرفض الإحرام مرة ثانية، لأنها لو رفضت الإحرام لم تتخلص منه. وأما ما فعلته من المحظورات ولنفرض أن زوجها جامعها والجماع في النسك هو أعظم المحظورات فإنه لا شيء عليها، لأنها جاهلة، وكل إنسان يفعل محظوراً من محظورات الإحرام جاهلاً أو ناسياً أو مكرهاً فلا شيء عليه. اهـ من مجموع فتاوى ابن عثيمين (21/351) باختصار. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 40512 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4187 استئذان الزوج في الحج [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمرأة أن تحج ولو لم يأذن لها زوجها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الحج فريضة عليها ومنعها زوجها منه فإنها تحج ولو لم يأذن زوجها، ولا يجوز لزوجها أن يمنعها من حج الفريضة، أما إذا كان نافلة فإنها لا تحج إلا إذا أذن لها زوجها. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (5/35) : " وليس للرجل منع امرأته من حجة الإسلام. وبهذا قال النخعي , وإسحاق , وأبو ثور , وأصحاب الرأي , وهو الصحيح من قولي الشافعي، لأنه فرض , فلم يكن له منعها منه , كصوم رمضان , والصلوات الخمس. ويستحب أن تستأذنه في ذلك. نص عليه أحمد. فإن أذن وإلا خرجت بغير إذنه. فأما حج التطوع , فله منعها منه. قال ابن المنذر: أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم أن له منعها من الخروج إلى الحج التطوع. وذلك لأن حق الزوج واجب , فليس لها تفويته بما ليس بواجب " انتهى باختصار. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: إذا منع الزوج زوجته فهل يأثم؟ فأجاب: " نعم، يأثم إذا منع زوجته من الحج الذي تمت شروطه، فهو آثم، يعنى لو قالت: هذا مَحْرَمٌ، هذا أخي يحج بي، وأنا عندي نفقة، ولا أريد منك قرشاً، وهي لم تؤد الفريضة فيجب أن يأذن لها، فإن لم يفعل حجت ولو لم يأذن، إلا أن تخاف أن يطلقها فتكون حينئذ معذورة " انتهى. "فتاوى ابن عثيمين" (21/115) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 40525 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4188 ما تفعله الحائض من الميقات إلى آخر الحج [السُّؤَالُ] ـ[ماذا تفعل المرأة إذا أتتها الدورة الشهرية في بداية أيام الحج قبل دخول مكة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا مرت الحائض بالميقات وهي تريد الحج فإنها تحرم من الميقات ثم إذا أتت مكة فإنها تفعل جميع أفعال الحج غير الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة فإنها تؤخرهما حتى تطهر. وهكذا تفعل من أتاها الحيض بعد الإحرام وقبل الطواف. أما من حاضت بعد الطواف فإنها تسعى بين الصفا والمروة ولو كانت حائضاً. سئل علماء اللجنة الدائمة: ما حكم حجة الحائض؟ . فأجابوا: الحيض لايمنع من الحج، وعلى من تحرِم وهي حائض أن تأتي بأعمال الحج، غير أنها لاتطوف بالبيت إلا إذا انقطع حيضها واغتسلت، وهكذا النفساء، فإذا جاءت بأركان الحج فحجها صحيح. " فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (11 / 172، 173) . وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين: والمرأة التي تريد العمرة لا يجوز لها مجاوزة الميقات إلا بإحرام حتى لو كانت حائضاً، فإنها تحرم وهي حائض وينعقد إحرامها ويصح، والدليل لذلك أن أسماء بنت عميس زوجة أبي بكر - رضي الله عنهما – ولدت والنبي صلى الله عليه وسلّم نازل في ذي الحليفة يريد حجة الوداع، فأرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلّم كيف أصنع؟ قال: " اغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي ". ودم الحيض كدم النفاس، فنقول للمرأة الحائض - إذا مرت بالميقات وهي تريد العمرة أو الحج نقول لها -: اغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي، والاستثفار معناه: أنها تشد على فرجها خرقة وتربطها ثم تحرم سواء بالحج أو بالعمرة، ولكنها إذا أحرمت ووصلت إلى مكة لا تأتي إلى البيت ولا تطوف به حتى تطهر، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلّم لعائشة حين حاضت في أثناء العمرة قال لها: " افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي في البيت حتى تطهري " هذه رواية البخاري ومسلم، وفي صحيح البخاري أيضاً ذكرت عائشة أنها لما طهرت طافت بالبيت وبالصفا والمروة، فدل هذا على أن المرأة إذا أحرمت بالحج أو العمرة وهي حائض أو أتاها الحيض قبل الطواف: فإنها لا تطوف ولا تسعى حتى تطهر وتغتسل، أما لو طافت وهي طاهرة وبعد أن انتهت من الطواف جاءها الحيض: فإنها تستمر وتسعى ولو كان عليها الحيض، وتقص من رأسها، وتنهي عمرتها؛ لأن السعي بين الصفا والمروة لا يشترط له الطهارة. " 60 سؤالاً في الحيض " (السؤال 54) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 40608 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4189 لم تطف طواف العمرة لأنها كانت حائضاً [السُّؤَالُ] ـ[أديت العمرة في آخر يومين من رمضان ولكن وقتها كان لدي الحيض، فأحرمت من الميقات وسعيت بين الصفا والمروة وقصرت، ومنعني الحيض من الطواف، وبعد انتهاء الحيض بحوالي يوم أديت صلاة العيد، وأديت طواف الوداع، ورجعنا إلى بلادنا، فهل هذه العمرة صحيحة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أصبتِ في أشياء وأخطأتِ في أخرى، فقد أصبتِ في الإحرام من الميقات – وأنتِ حائض -، وأصبتِ في الامتناع عن الطواف، لكنك أخطأتِ في السعي والتقصير، وأخطأتِ في عدم الإتيان بطواف العمرة والسعي بعد طهارتك. وتقديم السعي على الطواف يرى بعض العلماء أنه جائز في الحج دون العمرة. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين: "يشترط تقديم الطواف على السعي، فلو بدأ بالسعي قبل الطواف: وجب عليه إعادته بعد الطواف؛ لأنه وقع في غير محله. فإن قال قائل: ما تقولون فيما صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل، فقال له رجل: سعيتُ قبل أن أطوف قال: " افعل ولا حرج "؟ فالجواب: أن هذا في الحج وليس في العمرة .... " انتهى. " الشرح الممتع " (7 / 310) . وأنت الآن لا تزالين على إحرامك بالعمرة، لأنها لم تتم، والواجب عليكِ: الرجوع إلى مكة والقيام بطواف العمرة الذي تركتيه، وإعادة السعي مرة أخرى، وعليك التقصير بعده، ولا عبرة بتقصيرك السابق لأنه وقع في غير محله. قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء فيمن طاف على غير طهارة: "لا تزال محرماً بالعمرة؛ إذا كنت لم تعد للطواف وأنت طاهر، وعليك: أن تتوجه إلى مكة محرماً في أسرع وقت، وتطوف بالبيت وتسعى ثم تحلق أو تقصر، وبذلك تمت عمرتك" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان. "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/237، 238) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39814 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4190 المسعى ليس من المسجد الحرام [السُّؤَالُ] ـ[هل المسعى من المسجد الحرام؟ وهل تقربه الحائض؟ وهل يجب على من دخل الحرم من المسعى أن يصلي تحية المسجد؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله: " الذي يظهر أن المسعى ليس من المسجد ولذلك جعلوا جدارا فاصلا بينهما لكنه جدار قصير، ولا شك أن هذا خير للناس لأنه لو أدخل في المسجد وجعل منه لكانت المرأة إذا حاضت بين الطواف والسعي امتنع عليها أن تسعى.. والذي أفتي به أنها إذا حاضت بعد الطواف وقبل السعي فإنها تسعى لأن المسعى لا يعتبر من المسجد. وأما تحية المسجد فقد يقال إن الإنسان إذا سعى بعد الطواف ثم عاد إلى المسجد فإنه يصليها ولوترك تحية المسجد فلا شيء عليه والأفضل أن ينتهز الفرصة ويصلي ركعتين لما في الصلاة في هذا المكان من الفضل " [الْمَصْدَرُ] انتهى من رسالة 60 مسألة في الحيض الحديث: 36905 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4191 يجوز للحائض قراءة القرآن والدعاء [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للحائض أن تقرأ الأدعية في عرفات، وبها آيات قرآنية؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " لا حرج أن تقرأ الحائض والنفساء الأدعية المكتوبة في مناسك الحج، ولا بأس أن تقرأ القرآن على الصحيح أيضاً؛ لأنه لم يرد فيها نص صريح يمنع الحائض والنفساء من قراءة القرآن، إنما ورد في الجنب خاصة بأن لا يقرأ القرآن وهو جنب، أما الحائض والنفساء فورد فيهما حديث ابن عمر: "لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً " ولكنه ضعيف، ولكنها تقرأ بدون مس المصحف عن ظهر قلب، فمن باب أولى أن تقرأ الكتب التي فيها الأدعية المخلوطة من الأحاديث والآيات إلى غير ذلك، هذا هو الصواب، وهو أصح قولي العلماء رحمهم الله في ذلك " اهـ من كلام الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله. [الْمَصْدَرُ] فتاوى ابن باز (17/66) الحديث: 36829 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4192 خصوصيات النساء في الحج [السُّؤَالُ] ـ[لقد عزمت على الحج هذا العام إن شاء الله، فأرجو تزويدي ببعض النصائح والتوجيهات التي تنفعني في الحج. كما أود طرح هذا السؤال: هل للنساء خصوصيات في الحج تتميز بها عن الرجال؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أختي المسلمة هنيئا لك ما عزمت عليه من الذهاب إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج، تلك الفريضة التي غابت عن كثير من نساء المسلمين، فبعضهن يجهلن أن الحج فريضة عليهن، وبعضهن يعلمن ولكن يركبن مركب التسويف حتى يفجأهن الأجل وهن تاركات للحج، وبعضهن لا يدرين شيئا عن المناسك، فيقعن في المحظور والمحرم، وربما بطل حجهن دون أن يشعرن، والله المستعان. والحج فريضة الله على عباده، وهو ركن الإسلام الخامس، وهو جهاد المرأة؟ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: "جهادكن الحج " رواه البخاري - وهذه أختي المسلمة- بعض النصائح والتوجيهات والأحكام التي تختص بها من أرادت الحج، وهي مما يعين على جعل الحج متقبلا مبرورا، والحج المبرور كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " ليس له ثواب إلا الجنة " متفق عليه. 1- الإخلاص لله شرط في صحة وقبول أي عبادة ومنها الحج، فأخلصي لله تعالى في حجك، وإياك والرياء فإنه يحبط العمل ويوجب العقوبة. 2- متابعة السنة ووقوع العمل وفق هدي النبي صلى الله عليه وسلم شرط ثان في صحة وقبول العمل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " رواه مسلم. وهذا يدعوك إلى تعلم أحكام الحج وفق سنة النبي صلى الله عليه وسلم مستعينة على ذلك بالكتب المفيدة التي تعتمد على الأدلة الصحيحة من الكتاب والسنة. 3- احذري الشرك الأكبر والأصغر والمعاصي بجميع أنواعها، فإن الشرك الأكبر يوجب الخروج من الإسلام وحبوط العمل والعقوبة، والشرك الأصغر يوجب حبوط العمل والعقوبة، والمعاصي توجب العقوبة. 4- لا يجوز للمرأة أن تسافر للحج أو لغيره بدون محرم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم " متفق عليه. والمحرم هو الزوج وكل من تحرم عليه المرأة تحريما دائما بقرابة أو رضاعة أو مصاهرة، وهو شرط في وجوب الحج على المرأة، فإذا لم يكن للمرأة محرم يسافر معها لم يجب عليها الحج. 5- للمرأة أن تحرم فيما شاءت من الثياب من أسود أو غيره، مع الحذر مما فيه تبرج أو شهرة كالثياب الضيقة والشفافة والقصيرة والمشقوقة والمزخرفة، وكذلك يجب على المرأة الحذر مما فيه تشبه بالرجال، أو مما هو من ألبسة الكفار. ومن هنا نعلم أن تخصيص بعض العامة من النساء للإحرام لونا معينا كالأخضر أو الأبيض ليس عليه دليل، بل هو من البدع المحدثة. 6- يحرم على المحرمة بعد عقد نية الإحرام التطيب بجميع أنواع الطيب، سواء كان في البدن أو في الثياب. 7- يحرم على المحرمة إزالة الشعر من الرأس وجميع البدن بأي وسيلة وكذلك تقليم الأظافر. 8- يحرم على المحرمة لبس البرقع والنقاب، ولبس القفازين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين " رواه البخاري. 9- المحرمة لا تكشف وجهها ولا يديها أمام الرجال الأجانب، متعللة بأن النقاب والقفازين من محظورات الإحرام، لأنها يمكن أن تستر وجهها وكفيها بأي شيء كالثوب والخمار ونحوهما، فقد قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: " كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات، فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه " رواه أبو داود وصححه الألباني في حجاب المرأة المسلمة. 10- بعض النساء إذا أحرمن يضعن على رءوسهن ما يشبه العمائم أو الرافعات حتى لا يلامس الوجه شيء من الخمار أو الجلباب، وهذا تكلف لا داعي له؛ لأنه لا حرج في أن يمس الغطاء وجه المحرمة. 11- يجوز للمحرمة أن تلبس القميص والسراويل والجوارب للقدمين، وأساور الذهب والخواتم والساعة ونحوها، ولكن يتعين عليها ستر زينتها عن الرجال غير المحارم في الحج وفي غير الحج. 12- بعض النساء إذا مرت بالميقات تريد الحج أو العمرة وأصابها الحيض، قد لا تحرم ظنا منها أن الإحرام تشترط له الطهارة من الحيض، فتتجاوز الميقات بدون إحرام، وهذا خطأ واضح، لأن الحيض لا يمنع الإحرام، فالحائض تحرم وتفعل ما يفعله الحاج غير أنها لا تطوف بالبيت، فتؤخر الطواف إلى أن تطهر، وإن أخرت الإحرام وجاوزت الميقات بدونه، فالواجب عليها الرجوع لتحرم من الميقات، فإن لم ترجع فعليها دم لترك الواجب عليها. 13- للمرأة أن تشترط عند الإحرام إذا خافت من عدم إكمال نسكها فتقول: " إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني " فلو حدث لها ما يمنعها من إتمام الحج تحللت ولا شيء عليها. 14- تذكري أعمال الحج: أولا:- إذا كان يوم التروية، وهو اليوم الثامن من ذي الحجة، اغتسلي وأحرمي ولبي قائلة: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك. ثانياً: اخرجي إلى منى، وصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر مع قصر الصلاة الرباعية ركعتين بدون جمع. ثالثاً:- إذا طلعت شمس يوم التاسع سيري إلى عرفة، وصلي بها الظهر والعصر جمعا وقصرا في وقت الظهر، وامكثي في عرفة داعية ذاكرة مبتهلة تائبة إلى غروب الشمس. رابعاً:- إذا غربت الشمس اليوم التاسع سيري من عرفة إلى مزدلفة، وصلي بها المغرب والعشاء جمعا وقصرا، وامكثي بها إلى صلاة الفجر، واجتهدي بعد الفجر في الذكر والدعاء والمناجاة حتى يسفر جدا. خامساً:- انطلقي من مزدلفة إلى منى قبل شروق شمس يوم العيد، فإذا وصلت إلى منى فافعلي ما يلي: أ - أرمي جمرة العقبة بسبع حصيات، وكبري مع كل حصاة. ب - اذبحي الهدي بعد ارتفاع الشمس. ج - قصري من كل أطراف شعرك قدر أنملة. (2 سنتيمتر تقريبا) د - انزلي إلى مكة، وطوفي طواف الإفاضة، واسعي بين الصفا والمروة سعي الحج إذا كنت متمتعة، أو لم تسعي مع طواف القدوم إذا كنت مفردة أو قارنة. سادساً: ارمي الجمرات في اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر بعد الزوال إذا أردت التأخر، أو الحادي عشر والثاني عشر إذا أردت التعجل، مع المبيت بمنى تلك الليالي. سابعاًَ: إذا أردت الرجوع إلى بلدك فطوفي للوداع، وبهذا تنتهي أعمال الحج. 15- المرأة لا تجهر بالتلبية، بل تسر بها فتسمع نفسها ومن بجوارها من النساء، ولا تسمع الرجال الأجانب حذرا من الفتنة ولفت الأنظار إليها. ووقت التلبية يبدأ من بعد الإحرام بالحج ويستمر إلي رمى جمرة العقبة يوم النحر. 16- إذا حاضت المرأة بعد الطواف وقبل السعي، فإنها تكمل بقية المناسك فتسعى ولو كان عليها الحيض؛ لأن السعي لا يشترط له الطهارة. 17- يجوز للمرأة استعمال حبوب منع الحيض لتتمكن من أداء نسكها بشرط عدم حدوث ضرر عليها. 18- احذري مزاحمة الرجال في جميع مناسك الحج، وبخاصة في الطواف عند الحجر الأسود والركن اليماني، وكذلك في السعي وعند رمي الجمرات، وتخيري الأوقات التي يخف فيها الزحام، فقد كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تطوف في ناحية منفردة عن الرجال، وكانت لا تستلم الحجر أو الركن إن كان هناك زحام. 19- ليس على المرأة رمل في الطواف ولا ركض في السعي: والرمل هو إسراع الخطا في الأشواط الثلاثة الأولى من الطواف، والركض يكون بين العلمين الأخضرين في جميع أشواط السعي، وهما سنة للرجال. 20- احذري هذا الكتاب: وهو كتاب صغير يحوي بعض الأدعية المبتدعة، وفيه دعاء مخصوص لكل شوط من أشواط الطواف أو السعي، وليس في ذلك دليل من كتاب أو سنة، فالدعاء مشروع في حال الطواف والسعي بما شاء الإنسان من خيري الدنيا والآخرة، وإن كان دعاء مأثورا عن النبي صلى الله عليه وسلم كان أولى. 21- للمرأة الحائض أن تقرأ كتب الأدعية والأذكار الشرعية، ولو كان بها آيات من القرآن، ويجوز لها أيضا أن تقرأ القرآن دون أن تمس المصحف. 22- احذري كشف شيء من بدنك: وبخاصة في الأماكن التي يمكن أن يراك فيها الرجال، كأماكن الوضوء العامة، فإن بعض النساء لا تبالي بوجود الرجال قريبا من تلك الأماكن، فينكشف منها حال الوضوء ما لا يجوز كشفه من وجه وذراعين وساقين، وربما خلعت ما على رأسها من خمار، فتظهر الرأس والرقبة، وكل ذلك محرم لا يجوز، وفيه فتنة عظيمة لها ولغيرها من الرجال. 23- يجوز للنساء الدفع من مزدلفة قبل الفجر: فقد رخص النبي صلى الله عليه وسلم لبعض النساء ولا سيما الضعيفات بالانصراف من مزدلفة بعد مغيب القمر في آخر الليل، وذلك حتى يرمين جمرة العقبة قبل الزحام، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن سودة رضي الله عنها استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم ليلة جمع- أي مزدلفة- أن تدفع قبل حطمة الناس، وكانت امرأة ثبطة - أي ثقيلة- فأذن لها. 24- يجوز تأخير الرمي إلى الليل إذا رأى ولي المرأة أن الزحام قد اشتد حول جمرة العقبة، وأن في ذلك خطرا على من معه من النساء، فيجوز تأخير رميهن الجمرة حتى يخف الزحام أو يزول، ولا شيء عليهن في ذلك. وكذلك الحال عند الرمي في أيام التشريق الثلاثة، يمكن أن يرمين الجمرات بعد العصر، وهو وقت يخف فيه الزحام جدا كما هو مشاهد ومعلوم، فإن لم يمكن فلا حرج في تأخير الرمي إلى الليل. 25- احذري احذري: لا يجوز للمرأة أن تمكن زوجها من جماعها أو مباشرتها طالما أنها لم تتحلل التحلل الكامل، ويحصل هذا التحلل بثلاثة أمور: الأول: رمي جمرة العقبة بسبع حصيات. الثاني: " التقصير من جميع الشعر قدر أنملة، وهي ما يقدر بـ (2 سنتيمتر) . الثالث: طواف الحج (طواف الإفاضة) . * فإذا فعلت المرأة هذه الثلاثة مجتمعة جاز لها كل شيء حرم عليها بالإحرام حتى الجماع، وإذا فعلت اثنين منها جاز لها كل شيء إلا الجماع. 26- لا يجوز للمرأة أن تبدي شعرها للرجال الأجانب وهي تقصر من أطرافه، كما تفعل كثير من النساء عند المسعى؛ لأن الشعر عورة لا يجوز كشفه أمام أحد من الرجال الأجانب. 27- احذري النوم أمام الرجال: وهذا ما نشاهده من كثير من النساء اللاتي يحججن مع أهاليهن دون مخيم أو أي شيء يسترهن عن أعين الرجال، فينمن في الطرقات وعلى الأرصفة وتحت الجسور العلوية وفي مسجد الخيف مختلطين مع الرجال، أو قريبا من الرجال، وهذا من أعظم المنكرات التي يجب منعها والقضاء عليها. 28- ليس على الحائض والنفساء طواف وداع، وهذا من تخفيف الشرع وتيسيره على النساء، فللمرأة الحائض أن تعود مع أهلها وإن لم تطف طواف الوداع، فاحمدي الله أيتها المرأة المسلمة واشكريه على هذا التيسير وتلك النعمة. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36619 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4193 الحائض وركعتا الإحرام [السُّؤَالُ] ـ[كيف تصلي الحائض ركعتي الإحرام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: ينبغي أن نعلم أن الإحرام ليس له صلاة فإنه لم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه شرع لأمته صلاة للإحرام لا بقوله ولا بفعله ولا بإقراره. ثانيا: إن هذه المرأة الحائض التي حاضت قبل أن تحرم يمكنها أن تحرم وهي حائض لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أسماء بنت عميس امرأة أبي بكر رضي الله عنه وعنها - حين نفست في ذي الحليفة - أن تغتسل بثوب وتحرم،وهكذا الحائض أيضا وتبقى على إحرامها حتى تطهر ثم تطوف بالبيت وتسعى. انتهى من كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، رسالة 60 سؤال في الحيض أنظر السؤال (2564) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36439 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4194 هل الأفضل للمرأة أن تحج نافلة مع تعرضها لمزاحمة الرجال؟ [السُّؤَالُ] ـ[لا يخفى على فضيلتكم ما تجده المرأة من مشقة في الحج من مزاحمة الرجال والاختلاط بهم، في الطواف والسعي وغير ذلك من المشاعر، فهل الأفضل للمرأة التي حجت الفريضة أن تكرر الحج أم تكتفي بحجة الفريضة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ ابن باز رحمه الله: لا شك أن تكرار الحج فيه فضل عظيم للرجال والنساء، ولكن بالنظر إلى الزحام الكثير في هذه السنين الأخيرة بسبب تيسر المواصلات، واتساع الدنيا على الناس، وتوفر الأمن، واختلاط الرجال بالنساء في الطواف، وأماكن العبادة، وعدم تحرز الكثير منهن عن أسباب الفتنة، نرى أن عدم تكرارهن الحج أفضل لهن، وأسلم لدينهن، وأبعد عن المضرة على المجتمع الذي قد يفتن ببعضهن، وهكذا الرجال إذا أمكن ترك الاستكثار من الحج لقصد التوسعة على الحجاج، وتخفيف الزحام عنهم، فنرجو أن يكون أجره في الترك أعظم من أجره في الحج، إذا كان تركه بسبب هذا القصد الطيب اهـ. [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى ابن باز (16/361) الحديث: 36514 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4195 معتمرة تريد تأخير تقصير شعرها حتى تعودها لبلدها [السُّؤَالُ] ـ[امرأة من الرياض سوف تعتمر في رمضان ثم تعود بعد يومين وتقصر تقصير العمرة عند مشغل نسائي في الرياض، هل يجوز لها ذلك؟ وإذا كان يجوز ما هي المحظورات؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله التقصير من شعر الرأس واجب من واجبات العمرة، ولا تتحلل المرأة من إحرامها إلا به، وللرجل أن يحلق أو يقصر، والحلق له أفضل. ولا حرج فيما ذكرت من تأخير المرأة تقصير شعرها إلى حين عودتها إلى الرياض، لكن يلزمها اجتناب محظورات الإحرام من الطيب وقص الأظافر وغير ذلك حتى تقصّر. وينظر في صفة تقصير الشعر جواب السؤال رقم (110804) . وينظر في محظورات الإحرام جواب السؤال رقم (11356) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 138178 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4196 خرج من مكة قبل أن يطوف ويسعى للحج [السُّؤَالُ] ـ[ما الحكم في الخروج من مكة قبل أن يطوف ويسعى للحج، علماً بأن الحاج من أهل مكة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ينبغي على المسلم أن يحرص على تمام حجه على وفق السنة، وخاصة إذا كانت حجة الفريضة، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، ومن بره تحري إتمامه على السنة، ومن السنة أن يتم النسك على تواليه دون قطعه بعارض إلا أن يضطر إليه. والوقت المفضل لطواف الإفاضة والسعي في الحج هو يوم النحر اقتداء به صلى الله عليه وسلم، لأنه طاف وسعى يوم النحر، وقال: (خذوا عني مناسككم) . رواه مسلم (1297) أما آخر وقته، فقد قال ابن قدامة رحمه الله: "الصَّحِيحُ أَنَّ آخِرَ وَقْتِهِ غَيْرُ مَحْدُودٍ ; فَإِنَّهُ مَتَى أَتَى بِهِ صَحَّ بِغَيْرِ خِلَافٍ , وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي وُجُوبِ الدَّم " انتهى. "المغني" (3/227) . وجاء في الموسوعة الفقهية: " فَلَيْسَ لِآخِرِهِ حَدٌّ مُعَيَّنٌ لِأَدَائِهِ فَرْضًا , بَلْ جَمِيعُ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي وَقْتُهُ إجْمَاعًا. لَكِنَّ الْإِمَامَ أَبَا حَنِيفَةَ أَوْجَبَ أَدَاءَهُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ , فَلَوْ أَخَّرَهُ حَتَّى أَدَّاهُ بَعْدَهَا صَحَّ , وَوَجَبَ عَلَيْهِ دَمٌ جَزَاءَ تَأْخِيرِهِ عَنْهَا. وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِالتَّأْخِيرِ شَيْءٌ إلَّا بِخُرُوجِ ذِي الْحِجَّةِ , فَإِذَا خَرَجَ لَزِمَهُ دَمٌ. وَذَهَبَ الصَّاحِبَانِ , وَالشَّافِعِيَّةُ , وَالْحَنَابِلَةُ , إلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِالتَّأْخِيرِ أَبَدًا ". انتهى. "الموسوعة الفقهية" (17/52) ، وينظر: أضواء البيان، للشنقيطي (4/406) ، فتاوى اللجنة الدائمة (11/227) . وسئل الشيخ ابن عثيمين: عن رجل سافر إلى أرضه ولم يطف طواف الإفاضة؟ فأجاب: " يجب على هذا الرجل أن يمتنع عن أهله، لأنه قد حلّ التحلل الأول دون الثاني، ومن تحلل التحلل الأول دون الثاني أبيح له كل شيء إلا النساء، ويلزمه أن يذهب إلى مكة ويطوف طواف الإفاضة لإنهاء نسكه " انتهى. "فتاوى نور على الدرب" (223/15-16) . والخلاصة: أن هذا الذي خرج من مكة قبل أن يطوف ويسعى للحج، إن كان قد عاد في أيام الحج، أو في شهر ذي الحجة، فطاف وسعى: فقد صح حجه، ولا شيء عليه. وإن كان قد أخره حتى خرج شهر ذي الحجة، ثم عاد فأداه: فقد فعل الواجب عليه، وصح حجه، إلا أن الأحوط له أن يذبح دما عن هذا التأخير، كما سبق نقله المالكية وغيرهم، ولأن بعض أهل العلم يرى أن وقت الطواف والسعي، وهكذا سائر أعمال الحج، ينتهي بخروج شهر ذي الحجة، لقول الله تعالى: (الحج أشهر معلومات) . وينظر: مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله (21/379) . والله تعالى أعلم. وينظر جوال السؤال رقم (26254) و (106551) [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127736 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4197 أحرم ولم يشترط ومنع من دخول مكة فعاد لبلده [السُّؤَالُ] ـ[أحرمت من ذي الحليفة ولم أشترط ومنعت من قبل الشرطة لانتهاء الفيزا، ورجعت إلى بلدي، ماذا علي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من أحرم بالحج أو العمرة ومنعه مانع من الوصول للبيت الحرام وإتمام نسكه، فإن كان قد اشترط عند إحرامه بأن قال: اللهم محلي حيث حبستني، تحلل ولا شيء عليه، وإن لم يكن قد اشترط فهو محصر، فيذبح شاة في مكانه الذي أحصر فيه، سواء كان في الحرم أو في الحل، ويعطيها الفقراء في مكانه أو ينقلها إلى فقراء الحرم، ثم يحلق أو يقصر شعره، ويتحلل. قال الله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) البقرة/196. قال ابن قدامة رحمه الله: "أجمع أهل العلم على أن المحرم إذا حصره عدو من المشركين , أو غيرهم , فمنعوه الوصول إلى البيت , ولم يجد طريقا آمنا , فله التحلل. وقد نص الله تعالى عليه بقوله: (فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي) . وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه يوم حصروا في الحديبية أن ينحروا , ويحلقوا , ويحلوا. وسواء كان الإحرام بحج أو بعمرة , أو بهما , في قول إمامنا (الإمام أحمد) , وأبي حنيفة , والشافعي ..... وعلى من تحلل بالإحصار: الهدي , في قول أكثر أهل العلم، لقول الله تعالى: (فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي) . قال الشافعي: لا خلاف بين أهل التفسير أن هذه الآية نزلت في حصر الحديبية" انتهى من "المغني" (3/172) . وذهب بعض العلماء إلى أن المحصر إذا لم يجد الهدي فإنه يصوم عشرة أيام، قياساً على المتمتع. واختار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أن المحصر إذا لم يجد الهدي لا يلزمه الصيام، لأن الله تعالى لم يذكر الصيام في آية الإحصار. ولأن الظاهر من حال الصحابة في صلح الحديبية أنهم كانوا فقراء، ولم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من ليس معه هدي منهم أن يصوم عشرة أيام. وانظر: "الشرح الممتع" (7/184، 185) . وعلى هذا؛ فالواجب عليك الآن أن توكل من يذبح عنك ذبيحة في مكة توزع على فقراء الحرم، ثم تحلق أو تقصر وتتحلل. ويلزمك اجتناب محظورات الإحرام كلها حتى يتم تحللك. وما وقع منك من المحظورات أثناء هذه المدة جهلا منك فلا يلزمك فيه شيء. فإن لم تستطع ذبح الهدي فإنك تحلق أو تقصر وبذلك تكون قد تحللت من إحرامك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127398 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4198 إذا اعتمر ليحج متمتعا وكرر العمرة قبل الحج، فهل يتضاعف عليه الدم؟ [السُّؤَالُ] ـ[بالنسبة للمتمتع الذي أتم عمرته وفي انتظار يوم التروية للإحرام بالحج هل يجوز له القيام بعمرة أخرى؟ فعندنا من يدعي بأن ذلك جائز للمتحلل ما دام ينتظر الحج. وإذا كان ذلك جائزا فهل عليه هدي على كل عمرة عملا بالآية (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز للمتمتع الذي أنهى عمرته وجلس في مكة ينتظر الحج أن يعتمر خلال هذه المدة، لا سيما إذا خرج من مكة إلى المدينة ونحوها ثم عاد إلى مكة، ولا يترتب على ذلك مضاعفة دم التمتع، لأن المقصود من الآية الكريمة أن من حج متمتعا فعليه دم، وهذا وإن كرر العمرة إلا أنه لن يحج إلا مرة واحدة، فلا يلزمه غير دم واحد. وهل يشرع تكرار العمرة لمن جلس في مكة ولم يخرج منها كما يفعله كثير من الناس اليوم، يخرجون إلى التنعيم للإحرام بالعمرة؟ في ذلك خلاف بين أهل العلم، فمنهم من رخص فيه، ومنهم من كرهه ورآه مخالفا لفعل السلف. وينظر جواب السؤال رقم (49897) ، ورقم (111501) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126752 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4199 المجزئ في رمي الجمرات أن تسقط في الحوض [السُّؤَالُ] ـ[هل يكفي أن تقع الحجارة في الحوض أو الصحن المخصص للرمي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله رمي الجمار هو رمي الحصيات المعينة العدد في الأماكن الخاصة بالرمي في منى (الجمرات) ، وهي إحدى شعائر الحج العظيمة التي ينشغل بها الحجاج في أيام معدودات في منى، وليست الجمرة هي الشاخص (العمود) الذي يوجد في منتصف المرمى , بل الجمرة هي المرمى المحيط بذلك الشاخص، فمن وقعت حصاته في الحوض، أو الصحن، المخصص للرمي فقد صح رميه وأجزأه باتفاق العلماء. يقول الإمام الشافعي رحمه الله: " أقل ما عليه في الرمي أن يرمي حتى يوقع حصاه في موضع الحصى , وإن رمى بحصاة فغابت عنه فلم يدر أين وقعت: أعادها، ولم تجز عنه حتى يعلم أنها قد وقعت في موضع الحصى " انتهى. " الأم " (2/235) ويقول ابن قدامة رحمه الله: " لا يجزئه الرمي إلا أن يقع الحصى في المرمى , فإن وقع دونه لم يجزئه في قولهم جميعا ; لأنه مأمور بالرمي ولم يرم. وإن طرحها طرحا ; أجزأه ; لأنه يسمى رميا. وهذا قول أصحاب الرأي وقال ابن القاسم: لا يجزئه. وإن رمى حصاة فالتقمها طائر قبل وصولها لم يجزه ; لأنها لم تقع في المرمى. وإن وقعت على موضع صلب في غير المرمى , ثم تدحرجت على المرمى , أو على ثوب إنسان , ثم طارت فوقعت في المرمى , أجزأته , لأن حصوله بفعله. وإن رمى حصاة فشك: هل وقعت في المرمى أو لا؟ لم يجزئه ; لأن الأصل بقاء الرمي في ذمته , فلا يزول بالشك. وإن كان الظاهر أنها وقعت فيه أجزأته ; لأن الظاهر دليل " انتهى. " المغني " (3/219-220) ويقول الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: " لا يشترط بقاء الحصى في المرمى ولكن يشترط وقوعه فيه، فلو وقعت الحصاة في المرمى ثم خرجت منه أجزأت في ظاهر كلام أهل العلم، وممن صرح بذلك النووي رحمه الله في المجموع. ولا يشرع رمي الشاخص بل السنة الرمي في الحوض " انتهى. " مجموع فتاوى ابن باز " (16/144-145) ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " من شرط الرمي أن تقع الحصاة في الحوض، وإذا وقعت الحصاة في الحوض، فقد برئت بهذا الذمة، سواء بقيت في الحوض أو تدحرجت منه، ومن الأخطاء أيضا في الرمي: أن بعض الناس يظن أنه لا بد أن تصيب الحصاة الشاخص، أي: العمود، وهذا ظن خطأ؛ فإنه لا يشترط لصحة الرمي أن تصيب الحصاة هذا العمود، فإن هذا العمود إنما جعل علامة على المرمى الذي تقع فيه الحصى، فإذا وقعت الحصاة في المرمى، أجزأت سواء أصابت العمود أم لم تصبه " انتهى. " فقه العبادات " (ص 383، السؤال رقم 279) . ويقول أيضا رحمه الله: " المقصود أن تقع الحصاة في الحوض، سواءٌ ضربت العمود أم لم تضربه " انتهى. " الشرح الممتع " (7/321) ويقول الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: " ولا بد أن تقع كل حصاة في الحوض، سواء استقرت فيه، أو سقطت منه بعد ذلك، فإن لم تقع في الحوض لم تجز " انتهى. " الملخص الفقهي " (1/446) وانظر جواب السؤال رقم: (34420) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126231 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4200 الدليل على شعيرة رمي الجمرات في الحج [السُّؤَالُ] ـ[ما هو الدليل من الكتاب والسنة على رمي الجمرات؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله رمي الجمرات من شعائر الحج الواجبة والمشروعة لكل من قصد هذا المنسك العظيم؛ وقد ورد التصريح بهذه الشعيرة العظيمة في السنة النبوية المتفق على صحتها بين أهل العلم: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضى الله عنهما أَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَرْدَفَ الْفَضْلَ، فَأَخْبَرَ الْفَضْلُ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى الْجَمْرَةَ. رواه البخاري (1685) ومسلم (1282) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضى الله عنه أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى جَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ، وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ، وَرَمَى بِسَبْعٍ، وَقَالَ: هَكَذَا رَمَى الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري (1748) ومسلم (1296) عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ كَانَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الدُّنْيَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ عَلَى إِثْرِ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ حَتَّى يُسْهِلَ فَيَقُومَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فَيَقُومُ طَوِيلاً، وَيَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَرْمِي الْوُسْطَى، ثُمَّ يَأْخُذُ ذَاتَ الشِّمَالِ فَيَسْتَهِلُ وَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فَيَقُومُ طَوِيلاً وَيَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، وَيَقُومُ طَوِيلاً، ثُمَّ يَرْمِي جَمْرَةَ ذَاتِ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، وَلاَ يَقِفُ عِنْدَهَا ثُمَّ يَنْصَرِفُ. فَيَقُولُ: هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُهُ. رواه البخاري (1751) قال ابن المنذر رحمه الله: " وأجمعوا على أن من رمى الجمار في أيام التشريق بعد زوال الشمس أن ذلك يجزئه". الإجماع، لابن المنذر (11) . وقال ابن حزم رحمه الله: " واتفقوا أن ثلاثة أيام بعد يوم النحر هي أيام رمي الجمار وأن من رماها فيها بعد الزوال أجزأه ". مراتب الإجماع، لابن حزم (46) . وقال ابن قدامة رحمه الله: " إذا وصل منى بدأ بجمرة العقبة , وهي آخر الجمرات مما يلي منى وأولها مما يلي مكة , وهي عند العقبة , وكذلك سميت جمرة العقبة، فيرميها بسبع حصيات , يكبر مع كل حصاة , ويستبطن الوادي , ويستقبل القبلة , ثم ينصرف ولا يقف. وهذا بجملته قول من علمنا قوله من أهل العلم " انتهى. " المغني " (3/218) قال أبو حامد الغزالي رحمه الله: " أما رمي الجمار فاقصد به الانقياد للأمر، إظهارا للرق والعبودية، وانتهاضا لمجرد الامتثال، من غير حظ للعقل والنفس فيه، ثم اقصد به التشبه بإبراهيم عليه السلام، حيث عرض له إبليس لعنه الله تعالى في ذلك الموضع ليُدخل على حَجِّه شبهة، أو يفتنه بمعصية، فأمره الله عز وجل أن يرميه بالحجارة طردا له وقطعا لأمله، فإن خطر لك أن الشيطان عرض له وشاهده فلذلك رماه، وأما أنا فليس يعرض لي الشيطان فاعلم أن هذا الخاطر من الشيطان، وأنه الذي ألقاه في قلبك ليفتر عزمك في الرمي، ويخيل إليك أنه فعل لا فائدة فيه، وأنه يضاهي اللعب فَلِمَ تشتغل به، فاطرده عن نفسك بالجد والتشمير في الرمي فيه برغم أنف الشيطان، واعلم أنك في الظاهر ترمي الحصى إلى العقبة، وفي الحقيقة ترمي به وجه الشيطان وتقصم به ظهره، إذ لا يحصل إرغام أنفه إلا بامتثالك أمر الله سبحانه وتعالى تعظيما له بمجرد الأمر من غير حظ للنفس والعقل فيه " انتهى. " إحياء علوم الدين " (1/270) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125711 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4201 فرغت من عمرتها وذهبت مع الناس إلى منى وأكملت المناسك دون أن تحرم بالحج [السُّؤَالُ] ـ[ذهبت والدتي والتي تبلغ من العمر 57 سنة إلى الحج وكانت تنوي أن تؤدي حجا متمتعا وبعد أن أدت العمرة في الثامن من شهر ذي الحجة قامت بقص شعرها ولكنها لم تحرم من جديد وذلك لعدم معرفة منها، وأكملت باقي مناسك الحج وذبحت في آخره، فهل عليها من فدية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المتمتع إذا تحلل من عمرته، ثم جاء وقت الحج، أحرم به، والإحرام هو نية الدخول في النسك، والنية محلها القلب، ولا يشترط التلفظ بها ولا يستحب، كما لا يشترط الاغتسال والتنظف، وإن كان الأفضل أن يغتسل عند الإحرام. والمرأة تحرم في ثيابها، ولا يلزمها لباس معين. فإن كان مرادك أنها لم تغتسل أو لم تتلفظ بالنية أو لم تلبي، أو لم تلبس لبسا خاصا، فهذا لا يضر. وخروجها مع الناس إلى منى، ثم عرفة، وأداؤها المناسك، وامتناعها من المحظورات، كل ذلك يدل على وجود نية الحج. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: امرأة لا تعلم بأنساك الحج الثلاثة ولا تعلم النية فيها، ولها خمس حجج وهي تحج يوم التروية، وتذهب مع الناس، إذا ذهبوا عرفة وكذلك مزدلفة، وترمي الجمار، ليس لها نية محددة من الأنساك الثلاثة، فهل حجها في هذه الأعوام صحيح؟ فأجاب: "الظاهر أن حجها صحيح، لأنها كأنها تقول: أحرمت بما الناس محرمون به، والإحرام بما أحرم به فلان جائز، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب في حجة الوداع وكان قدم من اليمن مع أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما فقال له: (بما أهللت) فقال: بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: فإن معي الهدي، فجعله قارناً، وأما أبو موسى الأشعري فقال: إنه أهل بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن لما لم يكن معه هدي أمره أن يجعلها عمرة، لأن التمتع أفضل من القران. فهذه المرأة لا شك مما يظهر لنا أنها أحرمت بما أحرم به الناس، وإنها تقول: دربي درب الناس، لكن الواجب على الإنسان إذا أراد العبادة سواء حجا أو صوماً أو صدقة أو غير ذلك الواجب أن يتعلم قبل أن يتقدم، أما بعد أن فعل يأتي ويقول: ما الحكم؟ هذا لا شك أنه خلاف الأولى" انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/22) . فالذي يظهر أن هذه المرأة حجها صحيح، وليس عليها شيء. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 113948 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4202 لم يصلوا مزدلفة إلا بعد طلوع الشمس [السُّؤَالُ] ـ[ذهبت هذه السنة أنا وزوجي إلى الحج وعندما أراد أصحاب الحملة الذهاب إلى مزدلفة سألوا الجميع من يريد البيات في مزدلفة ومن لا يريد وعندما علم أن هناك مجموعة من الأشخاص تريد البقاء والمبيت في مزدلفة قالوا لنا انتظروا إلى أن يحضر الباص وحضر الباص الساعة العاشرة ليلا وركبنا وكان الباص بطيئا جدا بحيث وصلنا إلى مزدلفة الساعة السابعة صباحا فهل علي دم لأني لم أستطع دخول مزدلفة والمبيت فيها وكذالك الصلاة فيها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: المبيت بمزدلفة واجب عند جمهور العلماء، وذهب بعضهم إلى أنه ركن. واختُلف في القدر الواجب على أقوال، ومذهب الشافعية والحنابلة: أن الوجود بمزدلفة واجب ولو لحظة , بشرط أن يكون ذلك في النصف الثاني من الليل بعد الوقوف بعرفة , ولا يشترط المكث , بل يكفي مجرد المرور بها. فإذا كنتم دخلتم داخل حدود مزدلفة ولو لحظة فيما بين منتصف الليل إلى الفجر، فقد أتيتم بالواجب. وإن لم تتمكنوا من دخول مزدلفة، لزحمة السير، فلا شيء عليكم؛ لأن الواجبات تسقط بالعذر، قال تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة/286. وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: لم نستطع المبيت في مزدلفة لأننا لم نجد مكاناً إلا على الطريق ولا يسمحون لأحد بالوقوف على الطريق. فانصرفنا إلى منى فهل علينا شيء؟ فأجاب: "إن كان لم يجد مكاناً في مزدلفة أو منعه الجنود من النزول بها فلا شيء عليه؛ لقول الله سبحانه: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ، وإن كان ذلك على تساهل منه فعليه دم مع التوبة" انتهى من "فتاوى ابن باز" (17/287) . وينظر جواب السؤال رقم 14632. ثانيا: قد أخطأتم خطأ عظيما بتأخير الصلاة عن وقتها؛ لأن ذلك محرم، بل كبيرة من كبائر الذنوب، قال الله تعالى: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) النساء / 103، وقال سبحانه: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) مريم/59، والسنة تأخير المغرب وجمعها مع العشاء في مزدلفة، لكن إذا خشي الإنسان خروج وقت العشاء قبل أن يصل إلى مزدلفة، فإن الواجب عليه أن يصلي في الطريق، ويصلي على حسب حاله، إن كان ماشيا وقف وصلى الصلاة بقيامها وركوعها وسجودها، وإن كان راكبا ولم يتمكن من النزول فإنه يصلي وهو راكب سيارته، لقوله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) التغابن / 16. ومن بقي في عرفة إلى نحو الساعة العاشرة ليلا، وهو يعلم ازدحام السير، فإن الأولى له أن يصلي المغرب والعشاء في عرفة، لا سيما إن كان معه نساء، يصعب عليهن النزول والصلاة أثناء الطريق. والمقصود أنه لا يُترك الواجب لأجل تحصيل السنة. والواجب عليكم هو التوبة إلى الله تعالى من تأخير الصلاة، ولا شيء عليكم غير هذا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 113879 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4203 مختصر صفة الحج عن النفس أو الغير، وأنواع النسك [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أحج هذا العام بالنيابة عن والدي المتوفى علما بأني حججت عن نفسي قبل عدة سنوات، فأرجو أن توضح لي أفضل طريقة لأداء الحج حسب السنَّة، وما هي الفروق بين أنواع الحج؟ وأيها الأفضل أن يؤديها الإنسان لنفسه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: هذا ملخص لما يقوم به الحاج وفق السنَّة الصحيحة: 1. يحرم الحاج في اليوم الثامن من ذي الحجة من مكة أو قربها من الحرم، ويفعل عند إحرامه بالحج كما فعل عند إحرامه بالعمرة من الغسل والطيب والصلاة فينوي الإحرام بالحج ويلبي , وصفة التلبية في الحج كصفة التلبية في العمرة إلا أنه يقول هنا: لبيك حجا بدل قوله: لبيك عمرة , وإن كان خائفا من عائق يمنعه من إتمام حجه اشترط فقال: وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني وإن لم يكن خائفا من عائق لم يشترط. 2. ثم يذهب إلى " مِنى " فيبيت بها، ويصلي بها خمس صلوات الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر. 3. فإذا طلعت الشمس من اليوم التاسع سار إلى " عرفة "، وصلى بها الظهر والعصر جمع تقديم قصراً، ثم يجتهد في الدعاء والذكر والاستغفار إلى أن تغرب الشمس. 4. فإذا غربت سار إلى " مزدلفة "، فصلى بها المغرب والعشاء حين وصوله، ثم يبيت بها إلى أن يصلي الفجر، فيذكر الله تعالى ويدعوه إلى قبيل طلوع الشمس. 5. ثم يسير منها إلى " مِنى " ليرمي جمرة العقبة، وهي الأخيرة مما يلي مكة بسبع حصيات متعاقبات واحدة بعد الأخرى كل واحدة بقدر نواة التمر تقريبا يكبر مع كل حصاة. 6. ثم يذبح الهدي، وهو شاة أو سبع بدنة أو سبع بقرة. 7. ثم يحلق رأسه إن كان ذكراً , وأما المرأة فحقها التقصير دون الحلق، ويكون تقصيرها بمقدار أنملة من جميع شعرها. 8. ثم يذهب إلى مكة فيطوف طواف الحج. 9. ثم يرجع إلى " منى " فيبيت فيها تلك الليالي، أي: ليلة الحادي عشر والثاني عشر من شهر ذي الحجة، ويرمي الجمرات الثلاث بعد زوال الشمس كل واحدة بسبع حصيات متعاقبات، يبدأ بالصغرى - وهي البعيدة من مكة - ثم الوسطى، ويدعو بعدهما، ثم جمرة العقبة وليس بعدها دعاء. 10. فإذا أتم رمي الجمار في اليوم الثاني عشر فإن شاء تعجل ونزل من منى , وإن شاء تأخر فبات بها ليلة الثالث عشر ورمى الجمار الثلاث بعد الزوال كما سبق , والتأخر أفضل , ولا يجب إلا أن تغرب الشمس من اليوم الثاني عشر وهو بمنى , فإنه يلزمه التأخر حتى يرمي الجمار الثلاث بعد الزوال , لكن لو غربت عليه الشمس بمنى في اليوم الثاني عشر بغير اختياره مثل أن يكون قد ارتحل وركب ولكن تأخر بسبب زحام السيارات ونحوه فإنه لا يلزمه التأخر لأن تأخره إلى الغروب بغير اختياره. 11. فإذا انتهت تلك الأيام وأراد السفر: لم يسافر حتى يطوف بالبيت طواف الوداع سبعة أشواط، إلا المرأة الحائض والنفساء فلا وداع عليهما. 12. إذا كان الحاج متطوعا بالحج نيابة عن غيره سواء أكان قريباً له أو غير قريب فإنه لا بد أن يكون قد حج عن نفسه قبل ذلك، ولا يتغير من صفة الحج إلا النية بأن ينوي الحج عن هذا الشخص ويسميه في التلبية فيقول (لبيك عن فلان) ، ثم في الدعاء في المناسك يدعو لنفسه ويدعو لهذا الذي يحج عنه. ثانياً: أما أنواع الحج فهي ثلاثة: التمتع , والقِرَان , والإفراد التمتع: هو الإحرام بالعمرة في أشهر الحج – وهي: شوال , ذو القعدة , عشر من ذي الحجة - ويفرغ منها الحاج، ثم يحرم بالحج من مكة أو قربها يوم التروية في عام عُمرته. القران: وهو الإحرام بالعمرة والحج معا ولا يحل منهما الحاج إلا يوم النحر أو يُحرم بالعمرة ثم يدخله عليها قبل الشروع في طوافها. الإفراد: وهو أن يحرم بالحج من الميقات أو من مكة إذا كان مقيما بها أو بمكان آخر دون الميقات ثم يبقى على إحرامه إلى يوم النحر إذا كان معه هديٌ فإن لم يكن معه هديٌ شُرع له فسخ حجه إلى العمرة فيطوف ويسعى ويقصّر ويحل كما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم الذين أحرموا بالحج وليس معهم هدي. وهكذا القارن إذا لم يكن معه هدي يشرع له فسخ قرانه إلى العمرة لما ذكرنا وأفضل الأنساك التمتع لمن لم يسق الهدي لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به أصحابه وأكده عليهم. وننصحك – للمزيد في معرفة أحكام الحج والعمرة – بالرجوع إلى كتاب مناسك الحج والعمرة للشيخ ابن عثيمين رحمه الله، ويمكنك التحصُّل عليه من خلال موقع الشيخ على الشبكة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 27090 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4204 كيف تقصر المرأة من شعرها في الحج والعمرة؟ [السُّؤَالُ] ـ[السؤال: بعد أن أدت والدتي العمرة قصت خصلة واحدة من شعرها جهلاً منها فما الحكم في ذلك؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحلق أو التقصير من واجبات العمرة، وليس على النساء حلق، وإنما المشروع لهن التقصير. ويلزم التقصير من جميع الشعر، على الراجح، وهو مذهب المالكية والحنابلة، فإن كان لها ضفائر أخذت من أطرافها جميعاً، وإلا جمعت شعرها وأخذت من جميعه، والمستحب أن تأخذ قدر أنملة، ولها أن تقصر أقل من ذلك؛ لأنه لم يرد تحديد له في الشرع. قال الباجي رحمه الله في "المنتقى" (3/29) : " وأما المرأة فإنها إذا أرادت الإحرام أخذت من قرونها لتقصر فإذا حلت قصرت. وكم مقدار ما تقصر؟ روي عن ابن عمر أنه قال: مقدار أنملة. وقد روى ابن حبيب عن مالك قدر الأنملة أو فوق ذلك بقليل أو دونه بقليل. قال مالك: ليس لذلك عندنا حد معلوم وما أخذت منه أجزأها ولا بد من أن تعم بالتقصير الشعر كله طويله وقصيره " انتهى باختصار. وقال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (3/196) : " يلزم التقصير أو الحلق من جميع شعره , وكذلك المرأة. نص عليه. وبه قال مالك " انتهى. وقال: " وأي قدر قصّر منه أجزأه. وقال أحمد: يقصر قدر الأنملة. وهو قول ابن عمر , والشافعي , وإسحاق , وأبي ثور. وهذا محمول على الاستحباب ; لقول ابن عمر " انتهى. وقال في (3/226) : " والمرأة تقصر من شعرها مقدار الأنملة. الأنملة: رأس الإصبع من المفصل الأعلى. والمشروع للمرأة التقصير دون الحلق. لا خلاف في ذلك. قال ابن المنذر: أجمع على هذا أهل العلم. وقد روى ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس على النساء حلق , إنما على النساء التقصير) رواه أبو داود. وعن علي رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحلق المرأة رأسها) رواه الترمذي. وكان أحمد يقول: تقصر من كل قرن قدر الأنملة. وهو قول ابن عمر , والشافعي , وإسحاق , وأبي ثور. وقال أبو داود: سمعت أحمد سئل عن المرأة تقصر من كل رأسها؟ قال: نعم , تجمع شعرها إلى مقدم رأسها , ثم تأخذ من أطراف شعرها قدر أنملة " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (7/329) : " قوله: " وتقصر منه المرأة قدر أنملة "، أي: أنملة الأصبع وهي مفصل الإصبع، أي أن المرأة تمسك ضفائر رأسها إن كان لها ضفائر، أو بأطرافه إن لم يكن لها ضفائر، وتقص قدر أنملة، ومقدار ذلك اثنان سنتيمتر تقريباً، وأما ما اشتهر عند النساء أن الأنملة أن تطوي المرأة طرف شعرها على إصبعها فمتى التقى الطرفان فذاك الواجب فغير صحيح " انتهى. وبناء على ذلك، فمن قصرت من خصلة واحدة فإنها لم تقصر التقصير المعتبر، ويلزمها الآن أن تقصر من شعرها على نحو ما ذكرنا، ولا شيء عليها فيما ارتكبته من محظورات الإحرام فيما سبق. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في امرأة لم تتم عمرتها: " وأما ما فعلته من المحظورات ولنفرض أن زوجها جامعها والجماع في النسك هو أعظم المحظورات فإنه لا شيء عليها، لأنها جاهلة، وكل إنسان يفعل محظوراً من محظورات الإحرام جاهلاً أو ناسياً أو مكرهاً فلا شيء عليه " انتهى من مجموع فتاوى ابن عثيمين (21/351) باختصار. وسئل رحمه الله عن: رجل قصر شعره من جانب واحد بعد العمرة، ثم رجع إلى أهله وتبين له أن فعله غير صحيح، فماذا عليه؟ فأجاب: " إن فعل هذا الأمر جاهلاً فالواجب عليه أن يخلع ملابسه الآن (ويلبس إحرامه) ويحلق حلقاً كاملاً أو يقصر، ويكون ما فعله في محل العفو؛ لأنه كان جاهلاً، والحلق أو التقصير لا يشترط أن يكون في مكة، بل يكون في مكة وفي غيرها. أما إن كان ما فعله بناءً على فتوى من أحد العلماء، فليس عليه شئ؛ لأن الله يقول (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) ، وبعض العلماء يرى: أن التقصير من بعض الرأس كالتقصير من كل الرأس " انتهى من "اللقاء الشهري" رقم 10. والمرأة لا يلزمها أن تخلع ملابسها قبل التقصير؛ لأنه لا يحرم عليها لبس الثياب المعتادة في الإحرام، وإنما تمنع فقط من النقاب والقفازين. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 110804 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4205 متمتع أحرم بالحج يوم التروية من عرفة [السُّؤَالُ] ـ[متمتع أحرم بالحج يوم التروية من عرفة فهل عليه شيء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا شيء عليه، لأن الإحرام بالحج يجوز أن يكون من الحرم ومن الحل" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/9) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109170 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4206 ما الدليل على وجوب المبيت بمزدلفة؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما الدليل على وجوب المبيت بمزدلفة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الدليل على وجوبه قوله تعالى: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنْ الضَّالِّينَ) البقرة/198. والأصل في الأمر الوجوب حتى يقوم دليل على صرفه عن الوجوب، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لعروة بن مضرس رضي الله عنه وقد اجتمع به في صلاة الفجر يوم مزدلفة فقال: يا رسول الله، إني أتعبت نفسي وأكللت راحلتي، وما تركت جبلاً إلا وقفت عنده، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً، فقد تم حجه، وقضى تفثه) . ولأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للضعفة أن يدفعوا من مزدلفة في آخر الليل، والترخيص يدل على أن الأصل العزيمة والوجوب، بل إن بعض أهل العلم ذهب إلى أن الوقوف بمزدلفة ركن من أركان الحج، لأن الله تعالى أمر به في قوله: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنْ الضَّالِّينَ) البقرة/198. والنبي صلى الله عليه وسلم حافظ عليه، وقال: (وقفت هاهنا وجَمْع ـ أي مزدلفة ـ كلها موقف) رواه مسلم. ولكن القول الوسط من أقوال أهل العلم أن المبيت بها واجب وليس بركن، ولا بسنة " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/52) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109173 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4207 ليس هناك دعاء معين لكل شوط في الطواف أو السعي [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم التزام دعاء معين لكل شوط من أشواط الطواف أو السعي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "ليس هناك دعاء معين لكل شوط، بل تخصيص كل شوط بدعاء معين من البدع؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وغاية ما ورد التكبير عند استلام الحجر الأسود وقول: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) البقرة/201، بين الركن اليماني والحجر الأسود، وأما الباقي فهو ذكر مطلق وقرآن ودعاء لا يخصص به شوط دون آخر" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 336، 337) . وانظر جواب السؤال رقم (34644) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109174 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4208 له بيت في الطائف وآخر في مكة، فهل عليه هدي إذا تمتع؟ [السُّؤَالُ] ـ[رجل له بيت في الطائف يسكن فيه هو وأهله في الصيف لمدة أربعة أشهر تقريباً وبيت آخر في مكة يسكن فيه بقية العام فإذا تمتع فهل عليه هدي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "ليس عليه هدي لأنه من حاضري المسجد الحرام، إذ إن لأكثر إقامته بمكة" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 72) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109176 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4209 لا يلزم من سعى من الدور الثاني أو الثالث أن يدور على قبة الصفا وقبة المروة [السُّؤَالُ] ـ[هل يلزم الإنسان إذا سعى في الدور الثاني أو السطح أن يدور على قبة الصفا وقبة المروة أو أن ذلك ليس بلازم حيث نرى الزحام في الدوران عليهما؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الدوران على قبة الصفا أو المروة ليس بلازم؛ لأن الواجب استيعاب السعي إلى نهاية ممر العربيات، وممر العربيات دون مكان الدوران بكثير" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 437، 438) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109178 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4210 لا يشرع النطق بالنية في الحج ولا في العمرة [السُّؤَالُ] ـ[إذا قال الحاج لبيك عمرة أو لبيك حجاً، فهل هذا يكون نطقاً بالنية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا قال في النسك: لبيك حجاً، لبيك عمرة، ليس هذا من باب ابتداء النية، لأنه قد نوى من قبل، ولهذا لا يشرع أن نقول: اللهم إني أريد العمرة، اللهم إني أريد الحج، بل انو بقلبك ولب بلسانك، وأما التكلم بالنية في غير الحج والعمرة فهذا أمر معلوم أنه ليس بمشروع، فلا يسن للإنسان إذا أراد أن يتوضأ أن يقول: اللهم إني أريد أن أتوضأ، اللهم إني نويت أن أتوضأ أو بالصلاة: اللهم إني أريد أن أصلى، اللهم إني نويت أن أصلى. كل هذا غير مشروع، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/20) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109179 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4211 لا يجوز نحر هدي التمتع خارج الحرم [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز نحر هدي التمتع خارج الحرم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "يقول أهل العلم: إن الواجب نحر هدي التمتع داخل حدود الحرم لقوله تعالى: (ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) الحج/33، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم نحر هديه في منى وقال: (لتأخذوا عني مناسككم) . ولأن الهدي دم يجب للنسك فوجب أن يكون في مكانه وهو الحرم، وعلى هذا فمن نحر خارج الحرم لم يجزئه الهدي وتلزمه إعادته في الحرم، ثم إن كان جاهلاً فلا إثم عليه وإن كان عالماً فعليه الإثم. وقد أشار صاحب الفروع (3/465) إلى أن وجوب الذبح في الحرم باتفاق الأئمة الأربعة، لكن قال الشيرازي في "المهذب" (ص 411) : "إذا وجب على المحرم دم لأجل الإحرام كدم التمتع والقران، ودم الطيب وجزاء الصيد وجب عليه صرفه لمساكين الحرم لقوله تعالى: (هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ) المائدة/95، فإن ذبحه في الحل وأدخله الحرم نظر فإن تغير وأنتن لم يجزئه، لأن المستحق لحم كامل غير متغير فلا يجزئه المنتن المتغير، وإن لم يتغير ففيه وجهان: أحدهما: لا يجزئه، لأن الذبح أحد مقصودي الهدي فاختص بالحرم كالتفرقة. والثاني: يجزئه؛ لأن المقصود هو اللحم، وقد أوصل ذلك إليهم" أهـ. قال النووي: وهو الصحيح. ولكن الأحوط المنع؛ للأدلة التي ذكرناها في صدر الجواب" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 226، 227) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109181 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4212 لا يجوز للمتمتع أن يقدم سعي الحج على الوقوف بعرفة والمزدلفة [السُّؤَالُ] ـ[رجل متمتع أدى العمرة ثم ذهب إلى جدة وفي اليوم الثامن أتى إلى مكة فطاف وسعى بقصد أن يسقط عنه السعي يوم العيد أيسقط عنه أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "المتمتع من المعلوم أنه يحل بالعمرة يطوف ويسعى ويقصر ويحل، فإذا كان يوم الثامن أحرم بالحج وخرج إلى منى، ولا ينفعه إذا سعى قبل ذلك، لأن سعي الحج لا يجوز تقديمه على الوقوف بعرفة أو مزدلفة، إلا إذا كان قارناً أو مفرداً وسعي بعد طواف القدوم، وعلى هذا الرجل الذي فعل السعي قبل وقته أن يتجنب أهله إن كان عنده أهله، ويجب عليه أن يسافر إلى مكة ويأتي بالسعي، لأنه في غير وقته، والأفضل أن يحرم بعمرة إذا وصل الميقات ويطوف ويسعى ويقصر ثم يأتي بسعي الحج" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/87، 88) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109182 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4213 لا يجوز تحويل الإحرام من التمتع إلى الإفراد [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن يتحول من التمتع إلى الإفراد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "التحول من التمتع إلى الإفراد لا يجوز ولا يمكن، وإنما يجوز أن يتحول من الإفراد إلى التمتع، بمعنى أن يكون محرماً للحج مفرداً، ثم بعد ذلك يحول إحرامه بالحج إلى عمرة ليصير متمتعاً. وكذلك القارن يجوز أن يحول نيته من القران إلى العمرة ليصير متمتعاً إلا من ساق الهدي في الصورتين، فإنه لا يجوز له ذلك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه الذين معه أن يجعلوا إحرامهم بالحج المفرد أو المقرون بالعمرة أن يجعلوه عمرة ليصيروا متمتعين إلا من ساق الهدي" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 88، 89) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109183 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4214 لا حرج من ذبح الهدي في مزدلفة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز ذبح الهدي في مزدلفة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الذبح في مزدلفة وفي مكة وفي منى كله جائز، فكل ما كان داخل الحرم فإن ذبح الهدي فيه جائز ولا حرج لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل فجاج مكة طريق ومنحر) " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/248) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109185 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4215 ماذا يفعل من أراد الحج أو العمرة عند الميقات؟ [السُّؤَالُ] ـ[ماذا يفعل من أراد الحج أو العمرة عند الميقات؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا وصل إلى الميقات استحب له أن يغتسل ويتطيب؛ لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم تجرد من المخيط عند الإحرام واغتسل، ولما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت) ، وأمر صلى الله عليه وسلم عائشة لما حاضت وقد أحرمت بالعمرة أن تغتسل وتحرم بالحج، وأمر صلى الله عليه وسلم أسماء بنت عميس لما ولدت بذي الحليفة أن تغتسل وتستثفر بثوب وتحرم، فدل ذلك على أن المرأة إذا وصلت إلى الميقات وهي حائض أو نفساء تغتسل وتحرم مع الناس، وتفعل ما يفعله الحاج غير الطواف بالبيت، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وأسماء بذلك. ويستحب لمن أراد الإحرام أن يتعاهد شاربه وأظافره وعانته وإبطيه، فيأخذ ما تدعو الحاجة إلى أخذه؛ لئلا يحتاج إلى أخذ ذلك بعد الإحرام وهو محرم عليه، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم شرع للمسلمين تعاهد هذه الأشياء في كل وقت، كما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وقلم الأظافر، ونتف الآباط) ، وفي صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: (وُقِّتَ لنا في قص الشارب، وقلم الأظافر، ونتف الإبط، وحلق العانة: أن لا نترك ذلك أكثر من أربعين ليلة) . وأخرجه النسائي بلفظ: (وَقَّت لنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم) ، وأخرجه أحمد وأبو داود والترمذي بلفظ النسائي، وأما الرأس فلا يشرع أخذ شيء منه عند الإحرام، لا في حق الرجال ولا في حق النساء. وأما اللحية فيحرم حلقها أو أخذ شيء منها في جميع الأوقات، بل يجب إعفاؤها وتوفيرها؛ لما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خالفوا المشركين، وفروا اللحى، وأحفوا الشوارب) ، وأخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (جزوا الشوارب، وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس) . وقد عظمت المصيبة في هذا العصر بمخالفة كثير من الناس هذه السنة ومحاربتهم للحى، ورضاهم بمشابهة الكفار والنساء، ولا سيما من ينتسب إلى العلم والتعليم، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ونسأل الله أن يهدينا وسائر المسلمين لموافقة السنة والتمسك بها، والدعوة إليها، وإن رغب عنها الأكثرون، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ثم يلبس الذكر إزارا ورداء، ويستحب أن يكونا أبيضين نظيفين، ويستحب أن يحرم في نعلين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين) ، أخرجه الإمام أحمد رحمه الله. وأما المرأة فيجوز لها أن تحرم فيما شاءت من أسود أو أخضر أو غيرهما، مع الحذر من التشبه بالرجال في لباسهم، لكن ليس لها أن تلبس النقاب والقفازين حال إحرامها، ولكن تغطي وجهها وكفيها بغير النقاب والقفازين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى المرأة المحرمة عن لبس النقاب والقفازين، وأما تخصيص بعض العامة إحرام المرأة في الأخضر أو الأسود دون غيرهما فلا أصل له. ثم بعد الفراغ من الغسل والتنظيف ولبس ثياب الإحرام، ينوي بقلبه الدخول في النسك الذي يريده من حج أو عمرة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) . ويشرع له التلفظ بما نوى، فإن كانت نيته العمرة قال: (لبيك عمرة) أو (اللهم لبيك عمرة) ، وإن كانت نيته الحج قال: (لبيك حجا) أو (اللهم لبيك حجا) ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، وإن نواهما جميعا لبى بذلك فقال: (اللهم لبيك عمرة وحجا) ، والأفضل أن يكون التلفظ بذلك بعد استوائه على مركوبه من دابة أو سيارة أو غيرهما؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أهل بعد ما استوى على راحلته، وانبعثت به من الميقات للسير، هذا هو الأصح من أقوال أهل العلم. ولا يشرع له التلفظ بما نوى إلا في الإحرام خاصة؛ لوروده عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأما الصلاة والطواف وغيرهما فينبغي له ألا يتلفظ في شيء منها بالنية، فلا يقول: نويت أن أصلي كذا وكذا، ولا نويت أن أطوف كذا، بل التلفظ بذلك من البدع المحدثة، والجهر بذلك أقبح وأشد إثما، ولو كان التلفظ بالنية مشروعا لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم، وأوضحه للأمة بفعله أو قوله، ولسبق إليه السلف الصالح. فلما لم ينقل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه رضي الله عنهم علم أنه بدعة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة) . أخرجه مسلم في صحيحه، وقال عليه الصلاة والسلام: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) . متفق على صحته، وفي لفظ لمسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) " انتهى. فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله. "مجموع فتاوى ابن باز" (16/37- 42) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109225 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4216 يجب على المتمتع سعيان أحدهما للعمرة والثاني للحج [السُّؤَالُ] ـ[هل المتمتع يكفيه سعي واحد بين الصفا والمروة للعمرة والحج أم يجب عليه أن يسعى مرتين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب على المتمتع أن يسعى سعيين بين الصفا والمروة، الأول للعمرة والثاني للحج. " ولا يكفي سعي واحد في أصح أقوال العلماء؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت الحديث، وفيه فقال: (ومن كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا. . . إلى أن قالت: فطاف الذين أهلوا بالعمرة بالبيت وبالصفا والمروة ثم حلوا ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم) رواه البخاري ومسلم. وقولها رضي الله عنها - عن الذين أهلوا بالعمرة -: (ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم) تعني به: الطواف بين الصفا والمروة، على أصح الأقوال في تفسير هذا الحديث، وأما قول من قال: أرادت بذلك طواف الإفاضة، فليس بصحيح؛ لأن طواف الإفاضة ركن في حق الجميع وقد فعلوه، وإنما المراد بذلك: ما يخص المتمتع، وهو الطواف بين الصفا والمروة مرة ثانية بعد الرجوع من منى لتكميل حجه، وذلك واضح بحمد الله، وهو قول أكثر أهل العلم، ويدل على صحة ذلك أيضا ما رواه البخاري في الصحيح تعليقا مجزوما به، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه سئل عن متعة الحج، فقال: أَهَّل المهاجرون والأنصار وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، في حجة الوداع وأهللنا، فلما قدمنا مكة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة إلا من قلد الهدي) ، فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة، وأتينا النساء، ولبسنا الثياب، وقال: (من قلد الهدي فإنه لا يحل حتى يبلغ الهدي محله) ، ثم أمرنا عشية التروية أن نهل بالحج، فإذا فرغنا من المناسك جئنا فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة) . انتهى المقصود منه، وهو صريح في سعي المتمتع مرتين. والله أعلم. وأما ما رواه مسلم عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يطوفوا بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا طوافهم الأول، فهو محمول على من ساق الهدي من الصحابة؛ لأنهم بقوا على إحرامهم مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى حلوا من الحج والعمرة جميعا، والنبي صلى الله عليه وسلم قد أهل بالحج والعمرة وأمر من ساق الهدي أن يهل بالحج مع العمرة، وألا يحل حتى يحل منهما جميعا. والقارن بين الحج والعمرة ليس عليه إلا سعي واحد، كما دل عليه حديث جابر المذكور وغيره من الأحاديث الصحيحة. وهكذا من أفرد الحج وبقي على إحرامه إلى يوم النحر ليس عليه إلا سعي واحد، فإذا سعى القارن والمفرد بعد طواف القدوم كفاه ذلك عن السعي بعد طواف الإفاضة، وهذا هو الجمع بين حديثي عائشة وابن عباس وبين حديث جابر المذكور رضي الله عنهم، وبذلك يزول التعارض ويحصل العمل بالأحاديث كلها. ومما يؤيد هذا الجمع أن حديثي عائشة وابن عباس حديثان صحيحان، وقد أثبتا السعي الثاني في حق المتمتع، وظاهر حديث جابر ينفي ذلك، والمثبت مقدم على النافي، كما هو مقرر في علمي الأصول ومصطلح الحديث، والله سبحانه وتعالى الموفق للصواب، ولا حول ولا قوة إلا بالله" انتهى. فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله. "مجموع فتاوى ابن باز" (16/79- 81) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109230 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4217 نوى السعي أثناء الشوط الأول [السُّؤَالُ] ـ[رجل ذهب إلى المسعى وسعى وهو يظن أنه مكان الطواف فلما وصل إلى العلم الأخضر عرف أنه في المسعى فنوى السعي فما حكم ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "يجب عليه أن يعود من الأول، فإن لم يكن فعل ذلك فليعد السعي الآن، لأن السعي الأول لم يصح، حيث إنه لم ينوه من أوله، نواه من أثنائه فعليه الآن أن يعيد السعي" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (24/100) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109235 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4218 هل الأفضل صلاة التراويح مع الإمام أم الطواف؟ لأن النساء يمنعن من الطواف عند صلاة التراويح [السُّؤَالُ] ـ[بما أن النساء يمنعن من الطواف أثناء صلاة التراويح فهل الأفضل للرجل الطواف أم الاستمرار في صلاة التراويح؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الأفضل أن يستمر في صلاة التراويح ليكتب له قيام الليلة كلها، والطواف له وقت آخر" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (24/53) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109236 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4219 هل الحجاج من أهل مكة يقصرون الصلاة في عرفة ومزدلفة ومنى؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يقصر الحاج من أهل مكة الصلاة في المشاعر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "المشهور عند أصحاب الأئمة الثلاثة: الشافعي ومالك وأحمد رحمهم الله أن المكي لا يقصر ولا يجمع لأنه غير مسافر، إذ إن السفر ما بلغ ثلاثة وثمانين كيلو، أو أكثر، والمعروف أن عرفة هي أبعد المشاعر عن مكة لا تبلغ هذا المبلغ، فعلى هذا لا يجمع أهل مكة ولا يقصرون، بل يتمون ويصلون كل صلاة في وقتها، سواء في عرفة، أو في مزدلفة، أو في منى. وذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى أنهم يجمعون ويقصرون، وقال: إن الجمع والقصر سببه النسك، وليس سببه السفر، فيقصرون، ولو كانوا في منى وهي أقرب المشاعر إلى مكة. ولكن الصحيح أن القصر في منى وفي عرفة ومزدلفة، ليس سببه النسك بل سببه السفر، والسفر لا يتقيد بالمسافة، بل يتقيد بالحال وهو أن الإنسان إذا خرج وتأهب واستعد لهذا الخروج وحمل معه الزاد والشراب فهو مسافر. وبناء على ذلك نقول: إن الناس في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا يتزودون للحج، أهل مكة وغير أهل مكة، ولهذا كان أهل مكة مع الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، يجمعون ويقصرون تبعاً للرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يقل: يا أهل مكة أتموا. وهذا هو القول الراجح، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .... وعلى القول الثاني الذي رجحناه فإن الإنسان إذا كان في مزدلفة أو في عرفة يكون في مكان منفصل عن مكة فيترخص برخص السفر، أما إذا كان في منى فإن منى في الوقت الحاضر صارت كأنها حي من أحياء مكة، فلهذا نرى أن الاحتياط للمكي أن لا يجمع ولا يقصر في منى، مع أنه لا جمع في منى حتى لغير المكيين، إذ إن منى السنة فيها لغير المكيين القصر بدون جمع، أما مزدلفة وعرفة فهي منفصلة عن مكة ولم تتصل بها حسب ما رأيت أنه لم يتصل البناء، وعلى كل حال لو فرض أن مكة كبرت في المستقبل وصارت المزدلفة منها مثل منى فالحكم واحد" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (24/61-63) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109238 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4220 هل يستحب الاشتراط لكل من أراد الإحرام بالحج أو العمرة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يستحب لكل من أراد الحج أو العمرة أن يشترط عند الإحرام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الاشتراط في الحج هو أن يشترط الإنسان عند عقد الإحرام: إن حبسه حابس فمحله حيث حبس. وقد اختلف العلماء رحمهم الله في مشروعية الاشتراط فمنهم من قال: إنه ليس بمشروع مطلقاً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم حج واعتمر ولم ينقل عنه أنه اشترط في حجه ولا في عمرته. ومن المعلوم أنه يكون معه المرضى ولم يرشد الناس إلى الاشتراط، فها هو كعب بن عجرة رضي الله عنه في عمرة الحديبية أتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وفيه مرض والقمل يتناثر على وجهه من رأسه فقال صلى الله عليه وسلم: (ما كنت أرى الوجع بلغ بك ما أرى) وأمره أن يحلق رأسه وأن يفدي، أو يصوم، أو يطعم، والقصة معروفة في الصحيحين وغيرهما. ومن العلماء من قال: إنه مشروع مطلقاً، وأن الإنسان يستحب له عند عقد الإحرام أن يشترط: إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، وعللوا ذلك بأنه لا يأمن العوارض التي تحدث له في أثناء إحرامه وتوجب له التحلل، فإذا كان قد اشترط على الله سهل عليه التحلل. ومن العلماء من قال: إن خاف من عائق اشترط وإلا فلا. والصحيح أن الاشتراط ليس بمشروع إلا أن يخاف الإنسان من عائق يحول دونه وإتمام نسكه، مثل أن يكون مريضاً ويشتد به المرض فلا يستطيع أن يتم نسكه فهنا يشترط، وأما إذا لم يكن خائفاً من عائق يمنعه، أو من عائق يحول بينه وبين إتمام نسكه فلا يشترط، وهذا القول تجتمع به الأدلة، ووجه ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر وحج ولم يشترط، ولم يقل للناس على سبيل العموم: اشترطوا عند الإحرام، ولكن لما أخبرته ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب رضي الله عنها أنها تريد الحج وهي شاكية، أي: مريضة، قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني، فإن لك على ربك ما استثنيت) فمن كان في مثل حالها فإنه يشترط، ومن لم يكن فإنه لا يشترط" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/26- 28) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109241 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4221 ما يقول أثناء الطواف؟ [السُّؤَالُ] ـ[هذه الأذكار جمعها أحد محبي العمرة، وكان يريد نشرها بين المعتمرين، فتوقف حتى يعود إليكم مشكورين فى بيان الصحيح والسقيم، منها أذكار يحتاج إليها المعتمر: ما يقول أثناء الطواف: تبدأ الشوط الأول بحمد الله والثناء عليه، ثم الصلاة على نبيه، ثم الدعاء، مع تقديم دعوات الدين على الدنيا، مع حضور القلب.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ـ فيما نعلم ـ أدعية أو أذكار تقال في الطواف، إلا فيما بين الركن اليماني والحجر الأسود: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار) ، رواه أحمد في "المسند" (3/411) وصححه ابن حبان (9/134) ، والحاكم (1/625) ، والتكبير كلما حاذى الحجر الأسود، رواه البخاري (4987) . أما في باقي الطواف فهو مخير بين الذكر والدعاء وقراءة القرآن. قال ابن قدامة في "المغني" (3/187) : " ويستحب الدعاء في الطواف , والإكثار من ذكر الله تعالى ; لأن ذلك مستحب في جميع الأحوال , ففي حال تلبسه بهذه العبادة أولى، ويستحب أن يَدَعَ الحديثَ [الكلام] , إلا ذكرَ الله تعالى , أو قراءةَ القرآن , أو أمرا بمعروف , أو نهيا عن منكر , أو ما لا بد منه " انتهى. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – كما في "مجموع الفتاوى" (26/122) -: " وليس فيه - يعني الطواف - ذكر محدود عن النبي صلى الله عليه وسلم، لا بأمره، ولا بقوله، ولا بتعليمه، بل يدعو فيه بسائر الأدعية الشرعية، وما يذكره كثير من الناس من دعاء معين تحت الميزاب، ونحو ذلك فلا أصل له، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يختم طوافه بين الركنين بقوله: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) ، كما كان يختم سائر دعائه بذلك، وليس في ذلك ذكر واجب باتفاق الأئمة " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يكبر الله تعالى كلما أتى على الحجر الأسود، وكان يقول بين الركن اليماني والحجر الأسود: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) البقرة/201. ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الطواف دعاء مخصص لكل شوط. وعلى هذا؛ فيدعو الطائف بما أحب من خيري الدنيا والآخرة ويذكر الله تعالى بأي ذكر مشروع من تسبيح أو تحميد أو تهليل أو تكبير أو قراءة قرآن" انتهى باختصار. "مجموع الفتاوى" (24/327) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109246 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4222 سعى للعمرة قبل طوافها [السُّؤَالُ] ـ[سافرت للعمرة، ولم أكن أعرف أن الطواف قبل السعي، وسعيت قبل الطواف، فما حكم عمرتي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "ليس عليه إعادة السعي؛ لما روى أبو داود في سننه بإسناد صحيح إلى أسامة بن شريك قال: خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم حاجاً، فكان الناس يأتونه، فمن قائل: يا رسول الله سعيت قبل أن أطوف، أو قدمت شيئاً وأخرت شيئاً، فكان يقول: (لا حرج، لا حرج، إلا على رجل اقترض عرض رجل مسلم وهو ظالم، فذلك الذي حَرِجَ وهَلكَ) . وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/320) . (لَا حَرَج لَا حَرَج) : أَيْ لَا إِثْم. (اِقْتَرَضَ) : أَيْ اِقْتَطَعَ. (عِرْض رَجُل مُسْلِم) : أَيْ نَالَ مِنْهُ وَقَطَعَهُ بِالْغِيبَةِ أَوْ غَيْرهَا. (فَذَلِكَ الَّذِي حَرِجَ) : أَيْ وَقَعَ مِنْهُ حَرَج (وَهَلَكَ) : أَيْ بِالْإِثْمِ. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109274 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4223 طاف في صحن المسجد ثم أكمل الطواف في الطابق العلوي [السُّؤَالُ] ـ[طفنا للوداع ستة أشواط حول الكعبة، وكان الزحام شديداً جداً، فصعدنا إلى الدور العلوي وأكملنا الشوط المتبقي، وأثناء ذلك شربنا من ماء زمزم، فقال لنا بعض الناس إن الطواف والحج غير صحيح.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كان الواقع كما ذكر فحجكم وطوافكم كلاهما صحيح، ولا شيء عليكم في طوافكم الشوط السابع في الدور العلوي من المسجد، ولا في الفصل بينه وبين الأشواط الستة الأولى بالصلاة أو بشرب أو بكلام. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/231) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109276 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4224 طاف للوداع ليلاً ولم يتمكن من الخروج من مكة إلا صباح اليوم التالي [السُّؤَالُ] ـ[حججت هذا العام وأديت طواف الوداع بالليل، ولم أتمكن من الذهاب خارج مكة المكرمة وبت، وفي الصباح سافرت، فما الحكم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "المشروع أن يكون طواف الحاج للوداع عند مغادرته لمكة المكرمة؛ لحديث ابن عباس المتفق عليه: (أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض) ، وما دمت طفت بنية الخروج بالليل ولم تتمكن إلا في الصباح فلا شيء عليك في ذلك إن شاء الله، ولو كنت أعدت الطواف عند خروجك لكان أحوط. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/303) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109277 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4225 كم المدة التي يجب مكثها في منى بعد النحر؟ [السُّؤَالُ] ـ[كم المدة التي يجب مكثها في منى بعد النحر؟ وفيه آية كريمة في ذلك: (فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "المدة التي يجب على الحاج أن يمكثها في منى بعد يوم النحر يومان، هي: الحادي عشر، والثاني عشر من ذي الحجة، أما اليوم الثالث عشر من ذي الحجة فلا يجب عليه أن يمكثه في منى، ولا يجب عليه رمي الجمرات فيه، بل يستحب فقط، إلا إذا غربت عليه شمس اليوم الثاني عشر وهو في منى، فيجب عليه المبيت ليلة الثالث عشر ثم رمي الجمرات الثلاث بعد الزوال. وأما معنى ما ذكر من الآية: فمن تعجل بالنزول من منى بعد أن بات ليلتين بها عقب يوم النحر، وبعد رمي الجمرات الثلاث في اليوم الحادي عشر والثاني عشر فلا إثم عليه ولا يجب عليه دم؛ لأنه أدى ما وجب عليه، ومن تأخر بمنى فبات بها ليلة الثالث عشر ورمى الجمرات الثلاث في اليوم الثالث عشر فلا إثم عليه، بل مبيته بمنى هذه الليلة ورميه الجمرات في يومها أفضل وأعظم أجراً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك. ثم ختم سبحانه وتعالى الآية بالحث على التقوى والإيمان باليوم الآخر، وما فيه من حساب وجزاء؛ ليكون باعثاً لمن تذكر ما فيه على الإكثار من الأعمال الصالحات، وعلى اجتناب المنكرات؛ رجاءَ رحمة الله وخوف عقابه. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن منيع. "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/266) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109280 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4226 لا حرج في الذهاب إلى عرفة ليلة تسع خوفاً من الزحام [السُّؤَالُ] ـ[ذهبت للحج مع حملة وبتنا في منى ليلة تسع من ذي الحجة، وغادرناها إلى عرفة قبل صلاة الفجر حيث صلينا في عرفة الفجر، حيث القائمين على الحملة قاموا بهذا الإجراء خوفاً من الزحام، هل علينا شيء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "ليس عليكم شيء، ولكن الأفضل للحاج أن يذهب من منى إلى عرفة بعد طلوع الشمس من اليوم التاسع من شهر ذي الحجة. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم". اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/210، 211) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109281 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4227 لا يجب على المعتمر طواف الوداع؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا كنت ألزم المعتمرين بطواف الوداع عند خروجهم من مكة، وقد سمعت أنه لا وداع لها، فأرجو زيادة البيان في هذا الموضوع.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "يجب طواف الوداع على من حج بيت الله الحرام عند سفره؛ لقول ابن عباس رضي الله عنهما: (أُمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن الحائض) متفق عليه، ولقوله: (كان الناس ينصرفون من كل وجهة؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا ينصرف أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت) رواه أحمد ومسلم، وهذا أمر للحجاج بقرينة الحال، فإنه صلى الله عليه وسلم قاله عند الفراغ من الحج؛ إرشاداً للحجاج. أما المعتمر فلا يجب عليه طواف الوداع، لكن يسن له أن يطوفه عند سفره؛ لعدم الدليل على الوجوب، ولأنه صلى الله عليه وسلم لم يطف للوداع عند خروجه من مكة بعد عمرة القضاء فيما علمنا من سنته في ذلك. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/336) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109282 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4228 لا يجوز تأخير رمي جمرة العقبة إلى أيام التشريق بلا عذر [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للحاج تأخير رمي جمرة العقبة الأولى إلى اليوم الثاني أو الثالث من أيام التشريق بدون عذر أم لا، وما حكم من فعل ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا يجوز للحاج تأخير رمي جمرة العقبة إلى اليوم الثاني أو الثالث من أيام التشريق بدون عذر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رماها يوم العيد، وتبعه في ذلك الصحابة فلم يؤخروها إلى أيام التشريق بلا عذر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خذوا مني مناسككم) ، ومن أخرها إلى أيام التشريق بلا عذر فقد خالف السنة، وحُرِمَ من بعض أجر نسكه، وعليه أن يستغفر الله لما مضى، ويحرص على أداء نسكه على وجهه الشرعي في المستقبل. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/217) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109283 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4229 متى يتحلل الحاج والمعتمر من الإحرام؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما هو موعد فك لبس الإحرام؛ هل بعد الحج وطواف الإفاضة والسعي والتقصير – إذا كانت النية حج فقط – أي الإفراد بالحج (تحللاً كاملاً) تحلل أكبر، أم لا تتحلل من الإحرام إلا بعد ثلاثة أيام التشريق ورمي الجمرات؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "التحلل من الإحرام بالحج للرجل والمرأة يكون بعد رمي جمرة العقبة وحلق الرجل رأسه أو تقصير شعره، وليس للمرأة إلا التقصير، فيحل لكل منهما بذلك كل شيء كان محرماً عليهما بالإحرام إلا الجماع، أما التحلل الأكبر فيكون بالفراغ من طواف الإفاضة والسعي إذا كان عليه سعي، فيحل لهما كل شيء كان محرماً عليهما بالإحرام حتى الجماع. وأما التحلل من العمرة فيكون لكل من الرجل والمرأة بعد الفراغ من طوافهما وسعيهما، وحلق الرجل رأسه أو تقصير شعره، أما المرأة فالمشروع لها التقصير لا الحلق، فيحل لهما بذلك كل شيء كان حراماً عليهما بالإحرام، والقارن بين الحج والعمرة حكمه في التحلل حكم المفرد. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/222، 223) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109292 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4230 هل للعمرة طواف وداع؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل للعمرة في غير وقت الحج طواف وداع أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "يشرع للمعتمر ولا سيما إن أقام بمكة بعد أداء عمرته أن يطوف طواف الوداع لدى خروجه من مكة المكرمة، ولا يلزمه ذلك على الصحيح من قولي العلماء. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/298-299) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109305 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4231 بات خارج المزدلفة بسبب الزحام [السُّؤَالُ] ـ[أديت مناسك الحج، ولكن ظهر أنه وقع لنا خطأ بالنسبة للوقوف بمزدلفة بسبب الزحام في المرور. ومكثنا في مكاننا خارج مزدلفة إلى صباح يوم العيد، وتوجهنا من هناك وقت شروق الشمس إلى منى، وبناء على هذا فإننا لم نقف ليلة العيد بمزدلفة فما حكم حجنا هذا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كان الواقع لك في حجك ما ذكر فلا هدي عليك من أجل عدم مبيتك بمزدلفة؛ لأنك معذور وحجك صحيح. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/213، 214) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109314 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4232 هل يجب أن يدخل المسجد من باب السلام ويخرج من باب الوداع؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل الخروج من باب الوداع لازم لمن ودع أم لا؟ وهل الدخول من باب السلام لازم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا يلزم المودع الخروج من الباب المسمى: باب الوداع، ولا يلزم القادم أن يدخل من باب السلام. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/299) . وانظر السؤال رقم (34869) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109317 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4233 هل يجوز تأخير السعي عن الطواف بساعتين أو أكثر؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لنا أن نفرق بين الطواف والسعي بساعتين فأكثر ثم نسعى بعد ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، لا حرج من تأخير السعي عن الطواف، وإن كان الأفضل أن يكون السعي عقب الطواف. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (10/240) : "ولا تجب الموالاة بين الطواف والسعي. قال الإمام أحمد: لا بأس أن يؤخر السعي حتى يستريح أو إلى العشي. وكان عطاء , والحسن لا يريان بأسا لمن طاف بالبيت أول النهار أن يؤخر الصفا والمروة إلى العشي. وفعله القاسم , وسعيد بن جبير" انتهى. وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة: "السنة أن يكون السعي متصلاً بالطواف بقدر الاستطاعة، فإن أخر السعي كثيراً ثم سعى أجزأه. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/263) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "لا تشترط الموالاة بين الطواف والسعي حتى وإن لم يكن ضرورة، فلو فرض أن الإنسان طاف في أول النهار وسعى في آخره فلا حرج عليه، أو طاف في أول الليل وسعى في النهار فلا حرج، لأن الموالاة بين الطواف والسعي سنة وليست بواجبة" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/201) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109320 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4234 هل يختتم الطواف بالتكبير عند الحجر الأسود؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يختم الطواف بالتكبير عند الحجر الأسود كما بدأ به أولا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الطواف بالكعبة من العبادات المحضة، والأصل في العبادات التوقيف، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يكبر في طوافه كلما حاذى الحجر الأسود، ولا شك أن الطائف يحاذيه في نهاية الشوط السابع، فيسن له أن يكبر كما سن له التكبير في بدء كل شوط عند محاذاته إياه؛ اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم مع استلام الحجر وتقبيله إذا تيسر ذلك. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/224، 225) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109328 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4235 لا يصح تغيير النية من التمتع إلى الإفراد. [السُّؤَالُ] ـ[كنا ننوي الحج متمتعين، وحصل أن تأخرنا في الطريق فغيرنا الإحرام إلى إفراد وذهبنا إلى عرفات مباشرة، فهل يجوز ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المتمتع إذا لم يتمكن من الاعتمار قبل الحج، فإنه يغير نيته من التمتع إلى القران، فينوي أنه صار قارناً بين الحج والعمرة معاً. وهذا هو ما وقع لعائشة رضي الله عنها، فإنها كانت متمتعة ثم حاضت ولم تتمكن من الاعتمار قبل الحج فأدخلت الحج على العمرة فصارت قارنة. رواه البخاري ومسلم. ولا يجوز للمتمتع تغيير النية إلى إفراد، لأنه لما نوى العمرة وجب عليه إتمامها، لقوله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) البقرة/196. ومعنى الإفراد أنه لن يعتمر وإنما يحج فقط، وعلى هذا، فتغييركم النية إلى الإفراد غير صحيح، وتكونون بذلك قارنين، فيلزمكم الهدي. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن مجموعة من الشباب خافوا ألا يتمكنوا من الاعتمار قبل الحج، فغيروا النية إلى الإفراد. فأجاب: "إن كان تغيير النية قبل الإحرام فلا حرج في ذلك، وإن كان بعد الإحرام فإن حجهم كان قراناً، ولم يكن إفراداً، ومعنى أنه كان قراناً أنه لما أدخلوا الحج على العمرة صاروا قارنين، فإن القران له صورتان: الأولى: أن يحرم بالحج والعمرة جميعاً من أول عقد الإحرام. الثانية: أن يحرم بالعمرة أولاً ثم يدخل الحج عليها قبل الشروع في طوافها. وعلى هذا ما دمتم أحرمتم بالعمرة أولاً ثم بدا لكم أن تجعلوها حجاً فإنكم تكونون قارنين، فإن كنتم قد ذبحتم هدياً في عيد الأضحى من حجكم ذلك العام فقد أتيتم بالواجب وتم لكم الحج والعمرة، فإن لم تكونوا قد ذبحتموه فإن عليكم أن تذبحوه الآن بمكة وتأكلوا منه وتتصدقوا. فمن لم يجد الهدي منكم ـ أي ما يشتري به الهدي ـ فإن عليه أن يصوم عشرة أيام الآن" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/39) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109336 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4236 إذا وصل إلى مزدلفة صلى المغرب والعشاء جمع تقديم أو تأخير [السُّؤَالُ] ـ[نحن جماعة وصلنا إلى مزدلفة بعد غروب الشمس مباشرة وقالوا نصلي المغرب والعشاء جمع تقديم لكن قلت لهم: نصليها جمع تأخير لأنه فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولأني أعلم أن بعض العلماء قالوا بجمع التأخير بمزدلفة وذكر بعضهم أنه لو قدمها لم تجزئه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الصحيح أن الإنسان إذا وصل إلى مزدلفة يصلي من حين أن يصل؛ لأن هذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم، لكن كان يجمع جمع تأخير بالنسبة للرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن المسافة بعيدة وهو قد جاء على بعير ثم إنه نزل في أثناء الطريق وبال وتوضأ، ومثل هذا لا يصل إلى مزدلفة إلا بعد دخول العشاء ولذلك جمع بينهما جمع تأخير، لكن إذا وصل الآن قبل دخول وقت العشاء فصلِّ المغرب، ولكن هل نقول صلِّ المغرب وانتظر للعشاء حتى يدخل وقتها أو نقول اجمعها معها؟ في وقتنا الحاضر نرى أن الأرفق بالإنسان أن يجمع العشاء مع المغرب؛ لأنه يسلم من التعب في تحصيل الماء فربما ينتقص وضوؤه فيحتاج إلى وضوء ولا يجد الماء، وإذا وجده ربما يضيع إذا انطلق من مكانه، فنقول: الأرفق بالناس أن يصلوا العشاء مع المغرب ولو كانوا وصلوا إلى مزدلفة في وقت المغرب، وكان ابن مسعود رضي الله عنه إذا وصل إلى مزدلفة قبل وقت العشاء يصلي المغرب ثم يدعو بعشاء فيتعشى ثم يأمر مؤذنه فيؤذن ثم يصلي العشاء، وهذا يدل على أنه رضي الله عنه يرى أن الإنسان إذا وصل إلى مزدلفة في وقت المغرب يصليها ولا يجمع إليها العشاء" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/63) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109344 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4237 اعتمر متمتعاً، ثم خرج من مكة فهل يلزمه الرجوع محرماً بالحج؟ [السُّؤَالُ] ـ[من أدى العمرة في أشهر الحج متمتعاً ثم زار المسجد النبوي بين العمرة والحج أو خرج إلى الطائف هل يلزمه الإحرام إذا رجع إلى مكة وهو متمتع؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا يلزمه الإحرام، فإذا أدى المتمتع العمرة وخرج من مكة إلى الطائف، أو إلى جدة، أو إلى المدينة، ثم رجع، فإنه لا يلزمه الإحرام بالحج لأنه رجع إلى مقره، فإنه لما جاء حاجاً صار مقره مكة، فإذا سافر إلى المدينة ثم رجع فقد رجع إلى مقره فيحرم بالحج يوم التروية من مكة، كما لو كان من أهل مكة وذهب إلى المدينة في أشهر الحج ثم رجع من المدينة وهو في نيته أن يحج في هذا العام، فإنه لا يلزمه الإحرام بالحج إلا من مكة" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 78) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109348 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4238 الأصلع الذي لا شعر له يمرر الموسى على رأسه؟ [السُّؤَالُ] ـ[الرجل الأصلع الذي ليس له شعر ماذا يفعل إذا أراد التحلل بعد جمرة العقبة؟ وهل يلزمه أن يمر الموسى على رأسه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان لا شعر له فلا يلزمه شيء، ولا يمر الموسى على رأسه، ويتحلل بدون حلق. أما إذا كان له شعر مهما كان قليلاً فإنه يمر الموسى عليه ويحلقه، وبهذا يتحلل. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن الأصلع الذي لا شعر له مطلقاً، ماذا يفعل عند التحلل، وهل يمر الموسى على رأسه؟ فأجاب: "ليس عليه شيء، ولا يمر الموسى، وبعض العلماء قال: يمر الموسى عليه، لكن هذا ليس بصحيح" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/159) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109349 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4239 تعجل ثم تبين له أنه أخطأ في الرمي فرجع ورمى ليلاً فهل يبقى على التعجل؟ [السُّؤَالُ] ـ[حاج تعجل ثم تبين له أن رميه في اليوم الثاني عشر كان خطأ فرجع ليلاً ورمى هل لا يزال متعجلاً، أم يلزمه المبيت في منى والرمي من الغد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "هذا الرجل الذي تعجل، وخرج من منى قبل غروب الشمس، ثم بان له أن رميه كان فيه خطأ، فعاد فقضاه فإن له أن يرمي ثم يخرج من منى، لأن هذا الرمي كان قضاءاً لما فات، والله سبحانه وتعالى يقول: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنْ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) البقرة/203. أما لو أخر الرمي يوم الثاني عشر إلى الليل، فإنه يبقى في تلك الليلة ليبيت في منى، ثم يرمي الجمرات في اليوم الثالث عشر" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/303) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109354 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4240 جلس أثناء الطواف ساعة ليستريح [السُّؤَالُ] ـ[رجل طاف من الطواف شوطين ولكثرة الزحام خرج من الطواف وارتاح لمدة ساعة أو ساعتين ثم رجع للطواف ثانية فهل يبدأ من جديد أو يكمل طوافه من حيث انتهى؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كان الفصل طويلاً كالساعة والساعتين فإن الواجب عليه إعادة الطواف، وإذا كان قليلاً فلا بأس، وذلك لأنه يشترط في الطواف وفي السعي الموالاة وهي تتابع الأشواط، فإذا فصل بينهما بفاصل طويل بطل أول الأشواط، ويجب عليه أن يستأنف الطواف من جديد، أما إذا كان الفصل ليس طويلاً جلس لمدة دقيقتين أو ثلاث ثم أكمل فلا بأس" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 293) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109356 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4241 حجت مثل ما يحج الناس ولم تكن تعلم الأنساك الثلاثة [السُّؤَالُ] ـ[امرأة لا تعلم بأنساك الحج الثلاثة ولا تعلم النية فيها، ولها خمس حجج وهي تحج يوم التروية، وتذهب مع الناس، إذا ذهبوا عرفة وكذلك مزدلفة، وترمي الجمار، ليس له نية محددة من الأنساك الثلاثة، فهل حجها في هذه الأعوام صحيح؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الظاهر أن حجها صحيح، لأنها كانت تقول: أحرمت بما الناس محرمون به، والإحرام بما أحرم به فلان جائز، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب في حجة الوداع وكان قدم من اليمن مع أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما فقال له: (بما أهللت) فقال: بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: فإن معي الهدي، فجعله قارناً، وأما أبو موسى الأشعري فقال: إنه أهل بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن لما لم يكن معه هدي أمره أن يجعلها عمرة، لأن التمتع أفضل من القران. فهذه المرأة لا شك مما يظهر لنا أنها أحرمت بما أحرم به الناس، وإنها تقول: دربي درب الناس، لكن الواجب على الإنسان إذا أراد العبادة سواء حجا أو صوماً أو صدقة أو غير ذلك الواجب أن يتعلم قبل أن يتقدم، أما بعد أن فعل يأتي ويقول: ما الحكم؟ هذا لا شك أنه خلاف الأولى " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/22) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109357 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4242 خرج من عرفات قبل المغرب بسبب المرض؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من خرج من عرفة قبل غياب قرص الشمس لمرض، أو ضعف، أو كبر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "القول الراجح أن البقاء بعرفة حتى تغرب الشمس واجب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدفع قبل أن تغرب الشمس، ولو كان جائزاً لدفع قبل أن تغرب الشمس؛ لأنه نهار وأيسر للناس، وأيضاً إذا دفع الإنسان قبل أن تغرب الشمس فقد خرج عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم إلى سنة الجاهلية؛ لأن أهل الجاهلية هم الذين يدفعون من عرفة قبل غروب الشمس، ومن فعل ذلك فإن كان متعمداً ترتب على فعله أمران: الأول: الإثم. الثاني: عند أكثر العلماء فدية يذبحها في مكة، ويوزعها على الفقراء، أما إذا خرج قبل غروب الشمس من عرفة وهو جاهل فإنه يسقط عنه الإثم، لكن يجب عليه عند أكثر العلماء البدل، وهو أن يذبح شاة في مكة، يوزعها على الفقراء" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/29) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109363 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4243 دفع من مزدلفة إلى مكة وسعى وأَخَّر طواف الإفاضة ليجمعه مع الوداع [السُّؤَالُ] ـ[رجل حج مع والديه حج إفراد واتجهوا إلى عرفات مباشرة وباتوا في مزدلفة ولكنهم يوم العيد اتجهوا إلى مكة وسعوا سعي الحج ولم يطوفوا الإفاضة حتى يجمعوه مع الوداع لعجز والديه ثم حلقوا ثم حلوا جهلاً ثم رموا جمرة العقبة يوم العيد فهل عليهم شيء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا شيء في هذا، إذا أحرم الرجل بالإفراد أو بالقران، وخرج إلى عرفة ووقف بها، ثم بمزدلفة ثم قدم إلى منى، ونزل إلى مكة وسعى سعي الحج، وأخر الطواف إلى عند السفر فلا حرج، ولكن هذا الرجل تحلل قبل الرمي فإذا كان جاهلاً فلا شيء عليه" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/158) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109364 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4244 دفعوا من مزدلفة آخر الليل ورموا الجمار وطافوا وسعوا قبل الفجر؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا جاز لجماعة من الحجاج الضعفة الدفع من مزدلفة بعد مغيب القمر مباشرة وتمكنوا من الرمي والطواف والسعي قبل الفجر فما الحكم في ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "عملهم جائز، ولا بأس به؛ لأنه إذا جاز للإنسان أن يدفع من مزدلفة جاز له أن يفعل كل ما يترتب على ذلك، فإذا دفعوا مثلاً من مزدلفة في آخر الليل بعد مغيب القمر ووصلوا إلى منى فليرموا الجمرة ولينزلوا إلى مكة ويطوفوا ويسعوا، ويرجعوا، ولو رجعوا قبل طلوع الشمس فلا بأس، لأنه إنما جاز الدفع للضعفة من أجل أن يأتوا بمناسك الحج قبل زحمة الناس" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/76) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109365 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4245 سعى شوطاً واحداً ثم صعد إلى السطح ليكمل السعي [السُّؤَالُ] ـ[رجل سعى الشوط الأول ومن شدة الزحام انتقل إلى السطح هل يلغي الشوط الأول أو يبني عليه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا بأس أن يبني على الأول إذا كان سعى ثم شق عليه للزحام فانتقل إلى فوق بلا حرج، ويكمل على الشوط الأول؛ لأنه كله مسعى، وليس هناك مدة طويلة بين انتقاله إلى السطح الأعلى من السطح الأسفل" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 429، 430) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109366 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4246 سعى يوم العيد وأَخَّر طواف الإفاضة إلى اليوم التالي [السُّؤَالُ] ـ[رجل في يوم العيد سعى من دون أن يطوف وأَخَّر الطواف إلى اليوم الثالث واحتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (افعل ولا حرج) فهل فعله صحيح؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "فعله صحيح؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما سأل فقال له رجل: سعيت قبل أن أطوف قال: (لا حرج) " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/186) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109369 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4247 حكم الاجتماع للدعاء في يوم عرفة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الاجتماع في الدعاء في يوم عرفة سواء كان ذلك في عرفات أو في غيرها؟ وذلك بأن يدعو إنسان من الحجاج الدعاء الوارد في بعض كتب الأدعية المسمى بدعاء يوم عرفة أو غيره، ثم يردد الحجاج ما يقول هذا الإنسان دون أن يقولوا آمين. هذا الدعاء بدعة أم لا؟ نرجو توضيح ذلك مع ذكر الدليل.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الأفضل للحاج في هذا اليوم العظيم أن يجتهد في الدعاء والضراعة إلى الله سبحانه وتعالى ويرفع يديه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم اجتهد في الدعاء والذكر في هذا اليوم حتى غربت الشمس، وذلك بعد ما صلى الظهر والعصر جمعاً وقصراً في وادي عرنة , ثم توجه إلى الموقف فوقف هناك عند الصخرات وجبل الدعاء. ويسمى جبل إلال , واجتهد في الدعاء والذكر رافعاً يديه مستقبلاً القبلة وهو على ناقته، وقد شرع الله سبحانه لعباده الدعاء بتضرع وخفية وخشوع لله عز وجل ورغبة ورهبة، وهذا الموطن من أفضل مواطن الدعاء، قال الله تعالى: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) وقال تعالى: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ) ، وفي الصحيحين: قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: رفع الناس أصواتهم بالدعاء. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيها الناس أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائبا، إنما تدعون سميعا بصيرا، إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته) . وقد أثنى الله جل وعلا على زكريا عليه السلام في ذلك. قال تعالى: (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا) وقال عز وجل: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) والآيات والأحاديث في الحث على الذكر والدعاء كثيرة، ويشرع في هذا الموطن بوجه خاص الإكثار من الذكر والدعاء بإخلاص وحضور قلب ورغبة ورهبة، ويشرع رفع الصوت به وبالتلبية، كما فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه رضي الله عنهم، وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال في هذا اليوم: (خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير) . أما الدعاء الجماعي فلا أعلم له أصلاً، والأحوط تركه؛ لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه رضي الله عنهم فيما علمت، لكن لو دعا إنسان في جماعة وأمنوا على دعائه فلا بأس في ذلك، كما في دعاء القنوت ودعاء ختم القرآن الكريم ودعاء الاستسقاء ونحو ذلك. أما التجمع في يوم عرفة في عرفة أو في غير عرفة فلا أصل له عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) أخرجه مسلم في صحيحه، والله ولي التوفيق " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (17/272) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106518 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4248 طاف على سطح المسعى من أجل الزحام [السُّؤَالُ] ـ[رجل في طواف الوداع في الحج طاف من ناحية المسعى على الجدار الذي بين المسعى والمطاف وفي أحد الأشواط طاف مع المسعى، فهل هذا صحيح أم لا؟ وإن كان غير صحيح فما يلزمه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " أما الطواف على سطح المسعى فلا يجوز؛ لأن المسعى خارج المسجد الحرام، ولذلك لو أن امرأة طافت للعمرة ثم حاضت قبل السعي جاز لها أن تسعى لأن السعي لا يشترط له الطهارة، والمسعى ليس مسجداً حتى نقول لا تمكث فيه، وكذلك لو أن امرأة جاءت مع أهلها وعليها الحيض وجلست في المسعى تنتظرهم وهي حائض فلا بأس، وكذلك الجنب يمكث فيه بدون وضوء؛ لأنه ليس بمسجد، وكذلك المعتكف في المسجد الحرام لا يخرج إلى المسعى، لأن المسعى خارج المسجد، ولا يجوز الطواف خارج المسجد، لأن الله تعالى قال: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) الحج/29، ومن طاف خارج حدود المسجد يقال طاف بالمسجد لا طاف بالبيت، لكن نرى في هذه الأزمنة المتأخرة وكثرة الحجاج والزحام الشديد نرى أنه إذا طاف في سطح المسجد وامتلأ المضيق الذي بجانب المسعى ولم يجد بداً من النزول إلى المسعى أو الطواف فوق الجدار نرى إن شاء الله تعالى أنه لا بأس به، لكن يجب أن ينتهز الفرصة من حين ما يجد فرجة يدخل في المسجد" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 289، 290) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106543 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4249 قارن قصر شعره بعد السعي جاهلاً [السُّؤَالُ] ـ[رجل حج بنية القران فلما طاف القدوم سعى وقصر حيث رأى الناس يقصرون وبقي على إحرامه حتى أكمل الحج؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا شيء عليه؛ فهذا الرجل الذي أحرم قارناً ثم طاف وسعى ورأى الناس يقصرون فقصر لا بنية التحلل واستمر على إحرامه، فليس عليه شيء، لأن غاية ما حصل منه أنه قص شعره جاهلاً؛ ففعل محظوراً من محظورات الإحرام جاهلاً، ومحظورات الإحرام إذا فعلها الإنسان ناسياً، أو جاهلاً، أو مكرهاً فلا شيء عليه" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 119) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106545 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4250 قصر شعره ثم علم ثواب الحلق فهل يحلق بعد التقصير؟ [السُّؤَالُ] ـ[قصرت بعد التحلل والآن أريد أن أحلق بعد طواف الإفاضة فهل يكون لي ثواب المحلقين الذين دعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "هذا الرجل لما قصر أدى النسك فلا يمكن أن يعيده فيحلق، لكن في الأعوام القادمة إن شاء الله يحرص على أن يحلق في الحج، ويقصر في العمرة إذا جاء متمتعاً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا للمحلقين ثلاثاً، وبعد مراجعة الصحابة دعا في الرابعة للمقصرين" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/161) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106546 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4251 لا حرج من الدفع من مزدلفة إلى مكة مباشرة لطواف الإفاضة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لمن أراد تقديم طواف الإفاضة على بقية مناسك يوم النحر أن يدفع من مزدلفة إلى مكة مباشرة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "نعم؛ يجوز لمن دفع من مزدلفة أن يذهب إلى مكة مباشرة، ويطوف ويسعى، ويرجع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يُسأل عن شيء قدم ولا أخر، إلا قال: (افعل ولا حرج) ، فالأمر والحمد لله واسع، قد وسع الله على العباد تخفيفاً عليهم" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/84) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106548 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4252 لا حرج من دفع الأقوياء مع الضعفاء من مزدلفة إذا كانوا رفقة واحدة [السُّؤَالُ] ـ[كثير من الحملات يدفعون من مزدلفة آخر الليل وقبل الفجر لأن معهم نساء وكبار السن، فهل يجوز للأقوياء أن يدفعوا معهم، أو يجب عليهم البقاء حتى يصلوا الفجر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كان الناس في سيارة واحدة فحكمهم واحد، إذا دفعوا في آخر الليل من أجل الضعفة والنساء فإنهم يدفعون جميعاً؛ لأن في تفرقهم مشقة عليهم، والدين دين اليسر والسهولة، فإذا كانت هذه الحافلة فيها ستون راكباً، مثلاً عشرون منهم من الضعفاء الذين يحتاجون إلى التقدم، ليرموا الجمرة قبل طلوع الفجر، فإنه يجوز للباقين، وهم أربعون أن يذهبوا معهم في هذه الحافلة لأنهم رفقة واحدة، وتفرقهم يحصل به المشقة" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/80) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106549 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4253 يستحب التطيب قبل الإحرام [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم وضع الطيب قبل الإحرام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "التطيب عند الإحرام بعد الاغتسال سنة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم تطيب لإحرامه، قالت عائشة رضي الله عنها: (كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم) وكان يُرى وبيص (بريق) المسك في مفارق رأسه صلى الله عليه وسلم وهو محرم " انتهى. "مجموع الفتاوى" لابن عثيمين (22/9) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106550 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4254 يريد الخروج إلى الطائف ثم يعود لطواف الإفاضة والوداع [السُّؤَالُ] ـ[أنا حاج ومعي والدتي وأرغب في تأجيل طواف الإفاضة والوداع وأذهب إلى الطائف ثم أعود في آخر شهر ذي الحجة فأطوف طواف الإفاضة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إن كان من أهل الطائف فلا يجوز، وإن كان من غير أهل الطائف فلا بأس، لأنه إذا كان من أهل الطائف فمعناه أنه رجع إلى بلده قبل انتهاء حجه، وإن كان من غير أهل الطائف فهو لا يزال في السفر فلا بأس، ولكن لا داعي أن يؤخر إلى آخر ذي الحجة، لأنه يمكن في نصف الشهر الزحام يقل جداً، لأن الناس إذا أنهوا حجهم مشوا" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/185) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106551 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4255 يدعو بهم جماعة في عرفات لأنهم لا يحسنون الدعاء [السُّؤَالُ] ـ[في يوم عرفة جماعة لا يحسنون الدعاء ويدعو أحدهم ممن يحسن جوامع الدعاء وهم يؤمنون خلفه ما حكم هذا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا حرج في هذا، مثلاً إذا كان الإنسان بين أناس لا يحسنون الدعاء ودعا بهم وهم يؤمنون فلا حرج في هذا " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/37) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106552 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4256 يحج من مكة، فهل يطوف نافلةً ليسعى سعي الحج قبل الوقوف بعرفة؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا حاج مكي هل يصح لي طواف النافلة ثم أسعى سعي الحج قبل الوقوف في عرفة فهل هذا صحيح؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "هذا ليس بصحيح، يعني أن الحاج المكي لو أراد أن يطوف طواف تطوع ثم يسعى للحج قبل أن يقف بعرفة فهذا ليس بصحيح، لأن السعي إنما يصح بعد طواف القدوم، والمكي ليس في حقه طواف القدوم، وعليه فلا يصح فعله هذا، فإذا كان قد فعل فعليه أن يعيد السعي، لأن السعي وقع في غير محله" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/206) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106553 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4257 هل له أن يغتسل للعمرة قبلها بيوم؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجب على الإنسان أن يغتسل في اليوم الذي ينوي فيه العمرة، أم أن له أن يغتسل قبلها بيوم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الاغتسال عند الإحرام سنة، فإنه صلى الله عليه وسلم تجرد لإهلاله واغتسل، ولأن أسماء بنت عميس رضي الله عنها نفست فأمرها صلى الله عليه وسلم أن تغتسل وتحرم، ومن اغتسل قبل الإحرام بيوم لم ينفعه ذلك، ولكن الحج أو العمرة صحيح، لأن الاغتسال ليس بشرط في الحج أو العمرة، بل إنه سنة إن فعله الإنسان أثيب عليه، وإن تركه فلا إثم عليه " انتهى. "مجموع الفتاوى" لابن عثيمين (22/10) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106568 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4258 هل سائق الحافلة يعذر في ترك المبيت بمنى؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل سائق الحافلة يعذر من المبيت بمنى ليالي التشريق؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "ينظر: هل السائق يستعمل سيارته في مصلحة الحجاج أو لا؟ فإن كان في مصلحة الحجاج فلا بأس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للرعاة في ترك المبيت في منى، وإن كان لمصلحة نفسه فلابد أن يبيت في منى" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/239) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106572 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4259 هل تقبيل الحجر الأسود مشروع بدون طواف؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل تقبيل الحجر الأسود مشروع بدون طواف؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الذي يظهر لي أن تقبيل الحجر الأسود من سنن الطواف وأن تقبيله بدون طواف ليس بمشروع" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 326) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106573 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4260 هل تحج المرأة قارنة لأنه أسهل من التمتع؟ [السُّؤَالُ] ـ[رجل معه نساء كبيرات في السن فأيهما أفضل التمتع أو القران؟ لأن القران يسقط منه سعي، ويمكن أيضاً أن تجمع المرأة بين طواف الإفاضة وطواف الوداع فيكون ذلك أيسر على المرأة كبيرة السن وهل تنصحون كبيرات السن بالتمتع أم بالقران؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا شك أنه في هذه الأزمنة يصعب على كثير من الحجاج إذا كانوا متمتعين أن يأتوا بطواف للعمرة وسعي للعمرة، ثم طواف للحج وسعي للحج، ثم طواف للوداع، فيرى بعض النساء أن يكن قارنات، فإذا وصلن مكة طفن طواف القدوم وسعين سعي الحج والعمرة، ولا يعدن السعي مرة ثانية، فيكون من هذه الناحية أسهل من التمتع، كذلك هو أسهل من التمتع من وجه آخر لأنه إذا كان قارناً فله أن يؤخر الطواف إلى ما بعد انقضاء الحج يعني يجوز أن لا يطوف للقدوم وأن لا يسعى، بل يحرم بالحج والعمرة ثم يخرج إلى منى ويكمل الحج ثم بعد ذلك يطوف ويسعى متى تيسر له حتى إن كان بعد اليوم الثالث عشر، أو بعد اليوم الرابع عشر، أو بعد اليوم الخامس عشر، أو في آخر الشهر. فصار القران أيسر من التمتع من وجهين: الوجه الأول: أنه ليس فيه إلا طواف واحد وسعي واحد. الوجه الثاني: أنه يمكن للقارن أن لا يطوف بالبيت أول ما يصل ولا يسعى بل يخرج إلى منى ويكمل الحج ومتى تيسر له طاف وسعى. وبناء على ذلك نقول: إذا كان هذا أيسر فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخير بين شيئين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً. والقران ليس بإثم، بل هو أحد مناسك الحج، وقد حصل على عمرة وحج وحصل أيضاً على هدي، لأن القارن يذبح الهدي كما يذبحه المتمتع" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 58- 60) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106575 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4261 هل المفرد يأتي بعد الحج بعمرة؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من ينتهي من الإفراد ثم يعتمر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "هذا العمل لا أصل له في السنة، فلم يكن الصحابة رضي الله عنهم مع حرصهم على الخير، يأتون بهذه العمرة بعد الحج وهم خير القرون، وإنما جاء ذلك في قضية معينة في قصة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، حيث كانت محرمة بعمرة ثم حاضت قبل الوصول إلى مكة، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تحرم بالحج ليكون نسكهاً قراناً، وقال لها: (طوافك بالبيت وبالصفا والمروة يسعك لحجك وعمرتك) فلما انتهى الحج ألحت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تأتي بعمرة بدلاً من عمرتها التي حولتها إلى قران، فأذن لها وأمر أخاها عبد الرحمن بن أبي بكر أن يخرج بها من الحرم إلى الحل، فخرجت بها وأتت بعمرة. فإذا وجدت الصورة التي حصلت لعائشة رضي الله عنها وأرادت المرأة أن تأتي بعمرة فحينئذ نقول: لا حرج أن تأتي المرأة بعمرة، كما فعلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، ويدل على أن هذا أمر ليس بمشروع أن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه وهو مع أخته لم يحرم بالعمرة، لا بتفقه من عنده، ولا بإذن الرسول صلى الله عليه وسلم ولو كان هذا من الأمور المشروعة لكان رضي الله عنه يأتي بالعمرة، لأن ذلك أمر سهل عليه من حيث إنه قد خرج مع أخته. والمهم أن ما يفعله بعض الحجاج كما جاء في السؤال ليس له أصل من السنة. نعم، لو فرض أن بعض الحجاج يصعب عليه أن يأتي إلى مكة بعد مجيئه هذا، وهو قد أتى بحج مفرد فإنه في هذه الحال في ضرورة بأن يأتي بعد الحج بالعمرة ليؤدي واجب العمرة، فإن العمرة واجبة على القول الراجح من أقوال أهل العلم، وحينئذ يخرج إلى التنعيم أو إلى غيره من الحل فيحرم بعمرة منه ثم يطوف ويسعى ويحلق أو يقصر" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/36) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106576 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4262 هل الفصل بين الطواف والسعي له زمن محدود؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل للفصل بين الطواف والسعي زمن محدود؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "ليس للفصل بين الطواف والسعي زمن محدود، فالموالاة بينهما ليست بشرط، لكن لا شك أن الأفضل أنه إذا طاف يسعى، فإن النبي صلى الله عليه وسلم والى بين سعيه وطوافه، لكن لو أخر فطاف في أول النهار وسعى في آخره، أو بعد يوم أو يومين، فلا حرج عليه في هذا، لأن المولاة بين الطواف وبين السعي، ليست واجبة" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 421) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106577 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4263 هل العمرة يوم وقفة عرفات مكروهة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل العمرة يوم الوقفة في عرفات مكروهة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كان الإنسان لم يحج وأتى بعمرة يوم عرفة أو يوم العيد فإن هذا لا بأس به، فإن العمرة جائزة في كل وقت ليس لها وقت محدد كالحج، ففي أي وقت جاء بها الإنسان فهي عمرة صحيحة، ونسأل الله لنا وله القبول" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 264) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106578 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4264 نحر الهدي قبل يوم العيد، فهل يعيده؟ [السُّؤَالُ] ـ[بعض الناس ينحر هديه قبل يوم العيد فمن نحر قبل يوم العيد وسألنا هل نأمره بالإعادة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "من نحر هديه قبل يوم العيد وجاء يسألنا، نسأله هل فعل ذلك تقليداً واتباعاً لجواب عالم من العلماء أو تهاوناً، فإن كان فعله مقلداً أو اتباعاً لجواب عالم من العلماء فإنه لا يلزمه أن يعيده؛ لأن من العلماء من يرى أنه يجوز أن يذبح هدي التمتع قبل العيد، فإذا كان هذا الرجل يقلد هؤلاء العلماء، أو سأل واحداً من هؤلاء العلماء الذين يرون هذا الرأي. وقالوا له: إن ذبحك صحيح، فإننا لا نأمره بإعادة الذبح. أما إذا كان قد ذبح قبل يوم العيد تهاوناً، وليس مبنياً على علم، ولا على تقليد عالم فإنه يلزمه أن يعيد الذبح، لأنه لا يجوز أن يذبح هدي التمتع والقران إلا في يوم العيد فما بعده، والدليل على هذا: أنه لو كان يمكن ذبح الهدي قبل يوم العيد، لذبح النبي صلى الله عليه وسلم هديه وحل من إحرامه كما أمر بذلك أصحابه، بل قال صلى الله عليه وسلم: (إن معي الهدي فلا أحل حتى أنحر) ولو كان يجوز تقديم نحر الهدي على يوم العيد لنحره ثم حل" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/163) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106580 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4265 من وصل إلى مكة ظهر يوم عرفة خرج إلى عرفات ولا يطوف للقدوم؟ [السُّؤَالُ] ـ[من وصل إلى مكة بعد الظهر من يوم عرفة، هل الأفضل له أن يذهب إلى مكة ويطوف طواف القدوم، ويسعى سعي الحج، ثم يخرج إلى عرفة، أو أن الأفضل أن يذهب إلى عرفة مباشرة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الأفضل أن يذهب إلى عرفة مباشرة؛ لأن هذا اليوم يوم عرفة، ليس يوم الطواف، والرجل الذي أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وصلى معه الفجر في مزدلفة، وهو عروة بن المضرس أتى من جبال طي، من عند حائل وصادف النبي صلى الله عليه وسلم وهو في صلاة الفجر في مزدلفة وقال: يا رسول الله أتعبت نفسي، وأكللت راحلتي، وإني ما تركت جبلاً إلا وقفت عنده فهل لي من حج؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (من صلى صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه، وقضى تفثه) ولم يذكر أنه طاف طواف القدوم، وعلى هذا إذا وصلت إلى مكة يوم عرفة فإلى عرفة" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/22) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106581 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4266 من لم يجد مكاناً في منى لا يلزمه الجلوس على الأرصفة أو الدوران بسيارته [السُّؤَالُ] ـ[بعض الناس في الحج يسكن خارج منى بدون أن يكلف نفسه ويبحث عن مكان في منى، وإذا أتى في الساعة الواحدة في الليل أو الثانية أتى إلى منى وقضى الليل في السيارة يقطع الوقت إلى الفجر، فهل يعتبر هذا قد بات في منى أم لم يتحقق المبيت؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "المبيت في منى ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر من ذي الحجة، واجب على القول الراجح، يدل لوجوبه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد العباس رضي الله عنه أن ينزل إلى مكة لسقاية الحاج رخص له. قال العلماء: وكلمة (رخص) تدل على أن الأصل الوجوب لأن الرخصة لا تقال إلا في مقابل أمر واجب، فالواجب على الإنسان أن يبحث عن مكان في منى قبل أن ينزل في مزدلفة، فإذا لم يجد مكاناً فلينزل في مزدلفة، ويبقى فيها، ولا يلزمه أن يذهب إلى منى يدور فيها بسيارته معظم الليل، أو يجلس على الأرصفة بين السيارات، وقد يكون ذلك خطراً عليه فنقول: إذا لم تجد مكاناً في منى، فاجلس في مزدلفة، عند منتهى الخيام، ولا يلزمك شيء ما دمت بحثت عن مكان ولم تجد، لأن الله تعالى لا يكلف نفساً إلى وسعها " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/241) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106582 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4267 من لم يجد مكاناً في منى بات قريباً منها؟ [السُّؤَالُ] ـ[الحاج لا يجد مكاناً في منى هل يجزئه أن يبيت خارج منى؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا حرج عليه أن يبيت خارج منى، لكن يكون منزله متصلاً بمنازل الحجاج؛ لقوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ، وقوله: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) وقوله: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ) ، ولكن يكون منزله متصلاً بمنازل الحجاج، كالجماعة إذا امتلأ المسجد يصفون عند نهاية الصفوف، ويكون لهم حكم المصلين داخل المسجد " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/240) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106583 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4268 من ساق الهدي فلا يتحلل حتى يبلغ الهدي محله [السُّؤَالُ] ـ[قالت عائشة رضي الله عنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما بال الناس حلوا ولم تحل يا رسول الله) قال: (لبدت رأسي وسقت الهدي فلم أحل حتى يبلغ الهدي محله) والناس الآن يتحللون قبل ذبح الهدي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لأن النبي صلى الله عليه وسلم ساق الهدي، أما من لم يسق الهدي فله أن يقدم ويؤخر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن التقديم والتأخير فلم ير في هذا بأساً" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/160) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106584 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4269 معنى قوله تعالى: (وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى قول الله تعالى: (وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) البقرة/196. أليس هذا صريحاً في أن النحر يكون قبل الحلق وإلا فما معنى الآية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "قوله تعالى: (وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) البقرة/196. يعني: لا تحلقوا الرأس إلا إذا ذبحتم، هذا معنى الآية، لكن جاءت السنة بأنه لا حرج أن يحلق قبل النحر، وما دامت السنة جاءت بذلك فيكون هذا تخفيفاً من الله عز وجل، أو يقال: (حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) أي وقت حلوله، لا أن المراد أن يذبحه فعلاً، وحينئذ لا منافاة بين الحديث وبين الآية فلنا في ذلك توجيهان: التوجيه الأول: أن يقال إن معنى قوله: (حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) ليس هو أن يذبح الهدي بل أن يأتي وقت الذبح. التوجيه الثاني: أن يقال: (حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) أي حتى يذبح، لكن السنة جاءت بجواز تقديم الحلق على النحر" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/162) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106586 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4270 معنى: (الحج عرفة) . [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (الحج عرفة) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الحج عرفة) : أنه لا بد في الحج من الوقوف بعرفة، فمن لم يقف بعرفة فقد فاته الحج، وليس معناه أن من وقف بعرفة لم يبق عليه شيء من أعمال الحج بالإجماع، فإن الإنسان إذا وقف بعرفة بقي عليه من أعمال الحج كالمبيت بمزدلفة، وطواف الإفاضة، والسعي بين الصفا والمروة، ورمي الجمار، والمبيت في منى، ولكن المعنى: أن الوقوف بعرفة لابد منه في الحج، وإن لم يقف بعرفة فلا حج له، ولهذا قال أهل العلم: من فاته الوقوف فاته الحج" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/24) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106587 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4271 مرض يوم العيد فهل يوكل من يرمي عنه أو يؤخر الرمي إلى آخر أيام التشريق؟ [السُّؤَالُ] ـ[رجل مرض يوم العيد فهل له أن يؤخر الرمي إلى آخر يوم التشريق أو يوكل من يرمي عنه أفضل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا صار عند الإنسان مانع يمنعه من الرمي يوم العيد، فإنه يؤخره حتى يقوى على ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن للرعاة أن يرموا يوماً، ويدعوا يوماً، ولم يقل لهم: وكلوا. والتوكيل في الرمي لا يجوز أن يتهاون به؛ لأن الرمي من مناسك الحج وقد قال الله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) البقرة/196. فلا يمكن أن يوكل إنسان فيه لمجرد أنه تعبان، أو لمجرد الزحام، فنقول: أما التعب فإن كان تعباً دائماً كالمرأة الحامل، أو الرجل الكبير السن، أو عجوز كبيرة السن فليوكل، أما إذا كان أصابه مرض خفيف يرجو أن يبرأ منه في آخر أيام التشريق فلا يجوز أن يوكل" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/115) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106588 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4272 متمتع سعى سعياً واحداً تقليداً لمن يقول ذلك من العلماء [السُّؤَالُ] ـ[حاج يقول: قدمت زوجتي من مصر للإقامة معي بجدة في الرابع من ذي الحجة، وقامت بأداء العمرة والحج ثم تحللت بنية التمتع ثم قمنا بأداء الحج غير أنها لم تكرر السعي، بل اكتفينا بسعي العمرة عملاً بمن قال ذلك من العلماء، حيث قرأنا أن فيه خلافاً بين العلماء، وأرشدنا أحد الإخوة إلى قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن سعي العمرة يجزئ عن سعي الحج لمن لم يكرر السعي، وبناء عليه لم نسع ورجعنا إلى جدة، أفيدونا جزاكم الله خيراً؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الواقع أن كثيراً من المسائل في الفقه في الدين لا تخلو من خلاف، وإذا كان العامي الذي لا يعرف يطالع كتب العلماء ويعمل بالأسهل عنده، فهذا حرام، ولهذا قال العلماء: "من تتبع الرخص فقد فسق" أي صار فاسقاً. ومن المعلوم أن اختيار شيخ الإسلام رحمه الله هو ما ذكره السائل أن المتمتع يكفيه السعي الأول الذي في العمرة، وله أدلة فيها شبهة، ولكن الصحيح أن المتمتع يلزمه سعيان: سعي للحج، وسعي للعمرة، كما دل ذلك حديثا عائشة رضي الله عنها وابن عباس رضي الله عنهما وهما في البخاري، وعليهما جماهير أهل العلم. والنظر يقتضي ذلك؛ لأن الحج والعمرة في حج المتمتع كل عبادة منفردة عن الأخرى، ولهذا لو أفسد العمرة لم يفسد الحج، ولو أفسد الحج لم تفسد العمرة، ولو فعل محظوراً من المحظورات في العمرة لم يلزمه حكمه في الحج. بل الحج منفرد بأركانه وواجباته ومحظوراته، والعمرة منفردة بأركانها وواجباتها ومحظوراتها، فالأثر والنظر يقتضي انفراد كل من العمرة والحج بسعي في حق المتمتع. وعلى هذا؛ إن كنت متبعاً لقول شيخ الإسلام رحمه الله بناء على استفتاء من تثق به وبأمانته فليس عليك شيء، لكن لا تعد إلى مثل ذلك والتزم سعيين، سعياً في الحج، وسعياً في العمرة إذا كنت متمتعاً" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/198) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106589 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4273 أخر السعي لما بعد أيام التشريق [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من طاف طواف الإفاضة ولم يسع حتى غربت الشمس، بعد آخر أيام التشريق؟ وما حكم السعي إذا سعى بعد غروب الشمس من ذلك اليوم، أو بعد أيام التشريق؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "سعيك آخر أيام التشريق أو بعد أيام التشريق صحيح، ولا حرج عليك في تأخيره؛ لأنه ليس من شروط صحته أن يكون متصلاً بالطواف، لكن من الكمال أن يكون بعد الطواف متصلاً به؛ تأسياً بالنبي وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/262) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106592 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4274 التحلل الأول والثاني في الحج [السُّؤَالُ] ـ[متى يتحلل الحاج من الإحرام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "أولاً: أعمال يوم النحر ثلاثة للمفرد هي: رمي جمرة العقبة، والحلق أو التقصير، وطواف الإفاضة والسعي إن لم يكن سعى بعد طواف القدوم. وأما المتمتع والقارن فيزيد بذبح الهدي، ويزيد المتمتع سعياً بعد طواف الإفاضة. ثانياً: تكون هذه الأعمال مرتبة: الرمي، فالذبح، فالحلق أو التقصير، ثم الطواف والسعي، هذا هو الأفضل؛ تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم، فإنه رمى ثم نحر ثم حلق رأسه، ثم طيبته عائشة، ثم أفاض إلى البيت، وسئل عن ترتيب هذه الأمور، ومن قدم بعضها على بعض، فقال: (لا حرج، لاحرج) . ثالثاً: ومن فعل اثنين سوى الذبح حصل بذلك التحلل الأول؛ وبذلك يحل له كل ما حرم عليه بالإحرام ماعدا النساء، وإذا فعل الثلاثة حل له كل شيء حرم عليه حتى النساء، والأحاديث في هذا كثيرة دالة على ما ذكرنا. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الله بن غديان. "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/349) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106594 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4275 التوفيق بين الأحاديث في تحديد مكان إحرام أهل مكة بالعمرة [السُّؤَالُ] ـ[ورد في حديث عائشة رضي الله عنها أنها خرجت إلى التنعيم للعمرة، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما ورد فيه: (حتى أهل مكة من مكة، ممن أراد الحج أو العمرة) ، فكيف نجمع بينهما؟ ومن أين يحرم أهل مكة للعمرة، من الحل أم من مكة المكرمة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "يحسن أن نذكر بعض روايات الحديثين تمهيداً للجمع بينهما، وبيان ما يترتب على ذلك من ميقات الإحرام بالعمرة مفردة بالنسبة لأهل مكة، ومن في حكمهم ممن كان داخل الحرم. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، قال: فهن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة، ومن كان دونهن فمهله من أهله، وكذلك أهل مكة من مكة) رواه البخاري ومسلم. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم المحصب، فدعا عبد الرحمن بن أبي بكر فقال: (اخرج بأختك من الحرم فلتهل بالعمرة، ثم لتطف بالبيت، فإني أنتظركما هاهنا) ، قالت: فخرجنا فأهللت، ثم طفت بالبيت وبالصفا والمروة، فجئنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في منزله في جوف الليل، فقال: (هل فرغت؟) فقلت: نعم، فأذن في أصحابه بالرحيل، فخرج فمر بالبيت فطاف به قبل صلاة الفجر، ثم خرج إلى المدينة. رواه البخاري ومسلم. وفي رواية أخرى عنها أنها قالت: فلما كانت ليلة الحصبة قلت: يا رسول الله يرجع الناس بحجة وعمرة، وأرجع بحجة، قالت: فأمر عبد الرحمن فأردفني على جمله، ثم ذكر عمرتها من التنعيم. وفي رواية عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها يوم النفر: (يسعك طوافك لحجك وعمرتك) ، فأبت، فبعث بها مع عبد الرحمن إلى التنعيم، فاعتمرت بعد الحج، وفي رواية: (يجزئ عنك طوافك بالبيت وبالصفا والمروة عن حجك وعمرتك) ، وفي رواية لمسلم في صحيحه: (وكان صلى الله عليه وسلم رجلاً سهلاً، إذا هويَتْ الشيء تابعها عليه، فأرسلها مع عبد الرحمن بن أبي بكر فأهلت بعمرة من التنعيم) . وعلى هذا يقال: إن حديث ابن عباس رضي الله عنهما عام في أن أهل مكة يحرمون من مكة بالحج مفرداً، وبالعمرة مفردة، وبالحج والعمرة قراناً، وحديث خروج عائشة من الحرم مع أخيها عبد الرحمن لتحرم من التنعيم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وإرشاده خاص، والقاعدة المعروفة المسلمة عند العلماء: أن العام والخاص إذا تعارضا حمل العام على الخاص، فيعمل بالخاص، وهو هنا الإحرام بالعمرة من التنعيم، أو غيره من الحل، ولا يعمل بما يقابله من أفراد العام، وهو هنا الإحرام بالعمرة مفردة من مكة، فيكون معنى (حتى أهل مكة من مكة) : أن أهل مكة يحرمون بالحج مفرَدَاً، أو بالحج والعمرة قراناً، لا يحتاجون إلى الخروج إلى الحل، أو إلى ميقات من المواقيت الأخرى المذكورة في الحديث؛ ليحرموا منه بذلك. أما العمرة مفردة فعلى من أراد الإحرام بها وهو في مكة أو داخل حدود الحرم أن يخرج إلى الحل، التنعيم أو غيره؛ ليحرم بها، وبهذا قال جمهور العلماء، بل قال المحب الطبري: لا أعلم أحداً جعل مكة ميقاتاً للعمرة. اهـ. فيتعين حمل قوله في حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (حتى أهل مكة من مكة) على القارن والمفرد، دون المعتمر عمرة مفردة. ويؤيد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، فلو كان الإحرام بالعمرة مفردة من الحرم مأذوناً فيه لاختاره لعائشة؛ لكونه أيسر وأقل التزاماً وكلفة بالنسبة له ولعائشة وأخيها، ولم يأمرها بالخروج إلى الحل أو التنعيم؛ لتحرم منه، بل كان يكفيها أن تذهب معه صلى الله عليه وسلم حينما يأتي البيت ليطوف طواف الوداع، وهي محرمة بالعمرة من الأبطح، فتطوف وتسعى العمرة وقت طوافه صلى الله عليه وسلم طواف الوداع، وفي ذلك الكفاية لتحقيق رغبة عائشة وتطييب خاطرها، فإنها إنما قصدت أن تعتمر عمرة مفردة دون الخروج إلى الحل، أو مكان معين منه، لكنه صلى الله عليه وسلم أمرها بالخروج إلى التنعيم فاحتاجت إلى محرم فأرسل معها أخاها عبد الرحمن، وكان ذلك ليلاً حيث يحتاج الناس إلى الراحة، واضطر النبي صلى الله عليه وسلم أن يحدد معها مكاناً للقاء بعد الفراق، فعدوله عن الإحرام من الحرم وهو أيسر للجميع إلى الإحرام من الحل مع ما فيه من المشقة والكلفة التي لا توجد في الأمر الأول دليل على أن الإحرام بالعمرة من الحل دون الحرم مقصود إليه، مأمور به شرعاً لمن أراد أن يعتمر عمرة مفردة وهو بالحرم. ويرى بعض العلماء أن العمرة وإن كانت سنة أو واجبة على كل مسلم مكلف مستطيع ينبغي لمن أراد [أن يعتمر] وهو بالحرم أن يجعلها مع الحج، فيحرم قارناً العمرة بالحج، ولا يخرج من الحرم إلى الحل، التنعيم أو غيره ليحرم منه بعمرة مفردة؛ لأنه لم يأذن فيه النبي صلى الله عليه وسلم إلا لعائشة؛ تطييباً لخاطرها، ولم يعهد من الصحابة الخروج من الحرم للإحرام بالعمرة من الحل. ويرى جماعة: الإحرام بالعمرة مفردة من مكة ونحوها من الحرم؛ لعموم حديث ابن عباس. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ إبراهيم بن محمد آل الشيخ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان. "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/143-147) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106595 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4276 الرمل بين العلمين في السعي يكون في الأشواط كلها [السُّؤَالُ] ـ[الرمل في السعي يكون في الذهاب إلى المروة، وهل يكون في الرجوع إلى الصفا أيضاً؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، يكون السعي الشديد بين العَلَمين في أشواط السعي كلها، من الصفا إلى المروة، ومن المروة إلى الصفا. قال ابن قدامة في "المغني" (10/236) وهو يذكر صفة السعي بين الصفا والمروة: "وهو أن ينزل من الصفا , فيمشي حتى يحاذي العَلَم، وهو الميل الأخضر المعلق في ركن المسجد , فإذا كان منه نحوا من ستة أذرع , سعى سعيا شديدا , حتى يحاذي العلم الآخر , ثم يترك السعي , ويمشي حتى يأتي المروة , فيستقبل القبلة , ويدعو بمثل دعائه على الصفا. . . ثم ينزل فيمشي في موضع مشيه , ويسعى في موضع سعيه" انتهى باختصار. وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء عن ذلك، فقالوا: "نعم، يكون في الذهاب من المروة إلى الصفا، كما هو في الذهاب من الصفا إلى المروة؛ لفعله عليه الصلاة والسلام الثابت في الأحاديث الصحيحة. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/258) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106596 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4277 تذكر بعد خروجه من المسجد أنه نسي شوطاً من طواف الإفاضة [السُّؤَالُ] ـ[إذا طاف الحاج طواف الإفاضة، ونسي أحد الأشواط ولم يعلم إلا بعد خروجه من المسجد الحرام، فما الحكم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا طاف الحاج طواف الإفاضة ونسي أحد الأشواط، وطال الفصل فإنه يعيد الطواف، وإن كان الفصل قريباً فإنه يأتي بالشوط الذي نسيه. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/253) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106611 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4278 تعجل وطاف للوداع ثم اضطر للرجوع إلى منى والمبيت بها [السُّؤَالُ] ـ[من رمى الجمرات ثاني أيام التشريق، ثم نزل في الحال، وطاف طواف الوداع، ثم عاد لمنى بنية الرحيل فوجد بعض رفقته قد ضاعوا، فبات في منى ليلة الثالث من أيام التشريق، وفي اليوم الثالث نزل وطاف للوداع مرة ثانية، لكنه لم يرم الجمار ذلك اليوم فماذا يلزمه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "مادام أنه رجع إليها بعد ما نفر من منى يوم الثاني عشر قبل غروب الشمس بنية الرحيل، ولكنه اضطر للمبيت لفقد رفقته فلا شيء عليه. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/290) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106612 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4279 للمحرم أن يحلق أو يقص شعره بنفسه عند التحلل [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن يقص الرجل شعره بنفسه للتحلل من العمرة وأيضا بالنسبة للمرأة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز للحاج والمعتمر أن يقص شعره بنفسه للتحلل من حجه أو عمرته، سواء كان رجلا أو امرأة، كما يجوز له أن يقص شعر غيره ممن يريد التحلل. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ويحلق هو بيده، أو يكلف من يحلقه، خلافاً لما قاله بعض العلماء: إنه إذا حلق نفسه بنفسه فعل محظوراً، فنقول: لم يفعل محظوراً، بل حلق للنسك " انتهى من "الشرح الممتع" (7/328) . وسئل رحمه الله: المرأة إذا قصرت شعرها بنفسها هل يلزمها شيء؟ فأجاب: "لا، إذا قصرت المرأة شعرها بنفسها، أو حلق الرجل رأسه بنفسه، أو حلقه له مُحْرِم، أو حلقه له مُحِلٌّ، كل هذا جائز " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (224/42) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 104197 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4280 لا يشترط ذكر اسم المنوب عنه في الحج والعمرة [السُّؤَالُ] ـ[هل يشترط التلفظ بالنية عندما أنوي العمرة لأحد أقاربي وهو متوفى بأن أقول: لبيك اللهم عمرة لجدي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يجوز للإنسان أن يحج أو يعتمر عن غيره بشرط أن يكون قد حج واعتمر عن نفسه؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول: (لبيك عن شبرمة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَن شبرمة؟ قال: قريب لي، قال: هل حججتَ قط؟ قال: لا، قال: فاجعل هذه عن نفسكَ، ثم حُجَّ عن شبرمة) رواه أبو داود (1811) وابن ماجه (2903) - واللفظ له -. والحديث: صححه الشيخ الألباني في " إرواء الغليل " (4 / 171) . ثانياً: الحج والعمرة عن الغير لا يشترط فيهما ذكر اسم الشخص المنوي عنه الحج أو العمرة، ولا التلفظ بذلك، بل تكفي النية عنه، والنية محلها القلب. ولكن الأفضل أن يقول عند أول تلبية: لبيك اللهم عن فلان – كما في حديث ابن عباس السابق -. جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء: " الحج عن الغير يكفي فيه النية عنه، ولا يلزم فيه تسمية المحجوج عنه، لا باسمه فقط ولا باسمه واسم أبيه أو أمه، وإن تلفظ باسمه عند بدء الإحرام أو أثناء التلبية أو عند ذبح دم التمتع إن كان متمتعا أو قارنا – فحسن؛ لما روى أبو داود وابن ماجه، وصححه ابن حبان، عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول: لبيك عن شبرمة، قال: " من شبرمة "؟ قال: أخ لي أو قريب لي، قال: " حججت عن نفسك "؟ قال: لا. قال: " حج عن نفسك، ثم حج عن شبرمة ". انتهى بتصرف. " فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء " (11/82) . وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: رجل حج عن امرأة وعندما أراد الإحرام من الميقات نسي اسمها ماذا يصنع؟ فأجاب: "إذا حج عن امرأة أو عن رجل ونسي اسمه فإنه يكفيه النية ولا حاجة لذكر الاسم، فإذا نوى عند الإحرام أن هذه الحجة عمن أعطاه الدراهم أو عمن له الدراهم كفى ذلك، فالنية تكفي؛ لأن الأعمال بالنيات، كما جاء بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (17/79) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103849 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4281 ما هو الحجّ [السُّؤَالُ] ـ[ما الحج؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحج هو قصد الكعبة بيت الله الحرام لأداء المناسك وهي أفعال وأقوال جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة حجّه كالطواف سبعا بالبيت الحرام والسعي سبعا بين جبلي الصّفا والمروة والوقوف في عرفة ورمي الجمرات بمنى وغير ذلك، وفيه منافع عظيمة للعباد من إعلان التوحيد لله والمغفرة العظيمة للحجاج والتعارف بين المسلمين وتعلّم أحكام الدّين وغير ذلك. واهتمامك بالسّؤال عن الحجّ أيّها الفتى مع صغر سنّك وبُعْد مكانك في كندا هو أمر جيد تُشكر عليه، ونسأل الله لك التمكين من حجّ بيته وقضاء فرضه، وصلى الله على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2804 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4282 أحرمت بالعمرة وخافت لوجود الجراد بالحرم فلم تكملها [السُّؤَالُ] ـ[لقد نويت العمرة وذهبت إلى مكة لأدائها , وكثر الجراد في الحرم ولشدة خوفي منه لم أستطع أن أعمل العمرة لدرجة أنني بكيت. قالت لي بعض الصديقات: إن علي أن أذبح وأن ما فعلته ذنب خصوصا أنني لم أقل (وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني) ماذا أفعل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من أحرم بالعمرة، لزمه إتمامها، لقوله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) البقرة/196 والحصر (وهو المنع من إكمال العمرة) إنما يكون بوجود مانع ظاهر من عدو أو مرض، وما ذكرتِه لا يعد مانعا من إتمام العمرة. وعليه، فالواجب عليك أن تعودي لإتمام عمرتك، فتأتين بالطواف والسعي ثم تقصرين من شعرك، وبهذا تتحللين من عمرتك. وأنت الآن باقية على إحرامك، ويلزمك البعد عن محظورات الإحرام من الطيب وقص الشعر والأظافر ولبس القفازين والنقاب وعقد النكاح والجماع ومقدماته. ولو فرض أنك وقعت في شيء من هذه المحظورات جهلا أو نسيانا، فلا شيء عليك. وراجعي جواب السؤال رقم (36522) و (49026) وفي حال عودتك إلى مكة لا يلزمك الإحرام من الميقات لأنك لا زلت محرمة بإحرامك الأول، بل تتوجهين إلى الطواف مباشرة. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن امرأة أحرمت بالعمرة ثم فسخت العمرة واعتمرت بعدها بعدة أيام عمرة أخرى فهل هذا العمل صحيح؟ وما حكم ما فعلته من محظورات الإحرام؟ فأجاب: " هذا العمل غير صحيح، لأن الإنسان إذا دخل في عمرة أو حج حرم عليه أن يفسخه إلا لسبب شرعي، قال الله تعالى: (وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي) ، فعلى هذه المرأة أن تتوب إلى الله عز وجل مما صنعت، وعمرتها صحيحة، لأنها وإن فسخت العمرة فإنها لا تنفسخ العمرة، وهذا من خصائص الحج والعمرة، فلو أن المعتمر أثناء العمرة نوى إبطالها لم تبطل، أو نوى إبطال الحج أثناء تلبسه بالحج لم يبطل. ولهذا قال العلماء: إن النسك لا يرتفض برفضه. وعلى هذا نقول: إن هذه المرأة ما زالت محرمة منذ عقدت النية إلى أن أتمت العمرة، وتكون نيتها الفسخ غير مؤثرة فيه، بل هي باقية عليه. وخلاصة الجواب: بالنسبة للمرأة نقول: إن عمرتها صحيحة، وإن عليها أن لا تعود لرفض الإحرام مرة ثانية، لأنها لو رفضت الإحرام لم تتخلص منه. وأما ما فعلته من المحظورات ولنفرض أن زوجها جامعها، والجماع في النسك هو أعظم المحظورات فإنه لا شيء عليها، لأنها جاهلة، وكل إنسان يفعل محظوراً من محظورات الإحرام جاهلاً أو ناسياً أو مكرهاً فلا شيء عليه " انتهى من مجموع فتاوى ابن عثيمين (21/351) باختصار. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 101688 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4283 حكم رمي الجمار بالليل وقبل الزوال [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز الرمي في أيام التشريق قبل الزوال لما فيه من مشقة وزحام ومعي أمي المسنة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله جمهور الفقهاء على أن الرمي قبل الزوال لا يجزئ، لما ثبت من رمي النبي صلى الله عليه وسلم بعد الزوال، وقد قال: (خذوا عني مناسككم) رواه مسلم (1297) . وكون الرسول صلى الله عليه وسلم يؤخر الرمي ـ إلى هذا الوقت ـ مع أنه في شدّة الحر، ويدع أول النهار مع أنه أبرد وأيسر، دليل على أنه لا يحل الرمي قبل هذا الوقت. ويدل لذلك أيضاً: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يرمي من حين تزول الشمس قبل أن يصلي الظهر، وهذا دليل على أنه لا يحل أن يرمي قبل الزوال وإلا لكان الرمي قبل الزوال أفضل، لأجل أن يصلي الصلاة ـ صلاة الظهر ـ في أوّل وقتها، لأن الصلاة في أول وقتها أفضل قال ابن قدامة رحمه الله (3/233) : " ولا يرمي في أيام التشريق إلا بعد الزوال , فإن رمى قبل الزوال أعاد. نصّ عليه [أي الإمام أحمد] . وروي ذلك عن ابن عمر، وبه قال مالك , والثوري , والشافعي , وإسحاق , وأصحاب الرأي. وروي عن الحسن , وعطاء , إلا أن إسحاق وأصحاب الرأي , رخصوا في الرمي يوم النفر قبل الزوال , ولا ينفر إلا بعد الزوال. وعن أحمد مثله. ورخص عكرمة في ذلك أيضا. وقال طاوس: يرمي قبل الزوال , وينفر قبله ". ثم استدل على أنه لا يجوز الرمي قبل الزوال بـ: " أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما رمى بعد الزوال ; لقول عائشة: يرمي الجمرة إذا زالت الشمس. وقول جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة ضحى يوم النحر , ورمى بعد ذلك بعد زوال الشمس. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خذوا عني مناسككم) . وقال ابن عمر: كنا نتحين إذا زالت الشمس رمينا. وأي وقت رمى بعد الزوال أجزأه , إلا أن المستحب المبادرة إليها حين الزوال , كما قال ابن عمر. وعلى هذا فالرمي بعد الزوال هو الراجح دليلا، والأكثر مذهبا، وهو الأحوط للعبادة، لأن من أتى به صح رميه اتفاقا، وأما من رمى قبل الزوال، فرميه مختلف فيه، بل لا يصح عند أكثر العلماء. وأما ما ذكرت من الزحام، فإن الزحام موجود قبل الزوال أيضا، لا سيما مع تساهل كثير من الناس وأخذهم بهذا القول الضعيف. وقد يكون الرمي قبيل العصر أو بعده أخف منه زحاما. واعلم أنه يجوز لك الرمي ليلا، لا سيما مع وجود أمك المسنّة، وهو أفضل من الرمي قبل الزوال، لعدم ورود دليل يحدد نهاية وقت الرمي بغروب الشمس، ولذهاب جماعة من الفقهاء للقول به، كما هو مذهب الحنفية والشافعية. انظر: بدائع الصنائع (2/138) ، البحر الرائق (2/374) ، تحفة المحتاج (4/125) ، نهاية المحتاج (3/311) . وروى البخاري (1723) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رَمَيْتُ بَعْدَ مَا أَمْسَيْتُ. فَقَالَ: لَا حَرَجَ) . ولم يرد دليل يحدد آخر وقت للرمي، فدل على إجزائه في الليل. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " لم يثبت دليل على منع الرمي ليلا والأصل جوازه، والأفضل الرمي نهارا في يوم العيد كله وبعد الزوال في الأيام الثلاثة إذا تيسر ذلك، والرمي في الليل إنما يصح عن اليوم الذي غربت شمسه، ولا يجزئ عن اليوم الذي بعده. فمن فاته الرمي نهار العيد رمى ليلة إحدى عشرة على آخر الليل، ومن فاته الرمي قبل غروب الشمس في اليوم الحادي عشر رمى بعد غروب الشمس في ليلة اليوم الثاني عشر، ومن فاته الرمي في اليوم الثاني عشر قبل غروب الشمس رمى بعد غروب الشمس في ليلة اليوم الثالث عشر، ومن فاته الرمي نهارا في اليوم الثالث عشر حتى غابت الشمس فاته الرمي ووجب عليه دم؛ لأن وقت الرمي كله يخرج بغروب الشمس من اليوم الثالث عشر " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز (16/144) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: فضيلة الشيخ تعلمون ما يكون على النساء في وقت الحج من الزحام، وعدم القدرة على أداء المناسك في بعض الأماكن، وقد أفتى أهل العلم بالنسبة للمرأة بأنها ترمي في الليل، فهل لوليِّها أن يذهب ويرمي لنفسه معها في الليل، أو يذهب في النهار ويصاحبها فقط في الليل؟ فأجاب: " الصحيح أن الرمي في الليل جائز، إلا ليلة العيد فإنه لا يجوز إلا في آخر الليل، وكذلك في اليوم الثاني عشر لا يؤخره إلى الليل (إذا كان يريد أن يتعجل) ، لأنه لو أخره إلى الليل لزم أن يبقى إلى اليوم الثالث عشر، كذلك رمي الثالث عشر لا يؤخر إلى الليل؛ لأن أيام التشريق تنتهي بغروب ليلة الثالث عشر. فيجوز حتى لغير المرأة أن يرمي ليلاً، ونرى أن الرمي ليلاً مع الطمأنينة والإتيان بالرمي على وجه الخشوع، أفضل من كونه يذهب ليرمي في النهار وهو لا يدري أيرجع إلى خيمته أو يموت، ولا يؤدي العبادة -حين يؤديها- عبادةً، بل يؤديها وكأنه مشغول البال بالخوف على نفسه، وقد قررنا قاعدة دلت عليها الشريعة: أن المحافظة على ذات العبادة أولى من المحافظة على زمانها أو مكانها ما دام الوقت متسعاً، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا صلاة بحضرة الطعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان) ، فمن كان يدافع الأخبثين نقول له: أخِّر الصلاة إلى آخر الوقت حتى تقضي حاجتك، وإن كانت الصلاة في أول الوقت أفضل؛ لكن إذا صليت وأنت تدافع الأخبثين فإنك لا تحصل على الخشوع الذي يتعلق بذات العبادة. لهذا نرى في الوقت الحاضر أن الرمي في الليل أفضل من الرمي في النهار، إذا كان الرمي في النهار لا يحصل به الخشوع وأداء العبادة على الوجه المطلوب، فيجوز للرجل أن يؤخِّر الرمي إلى الليل من أجل أن يذهب هو وأهله ليرموا الجمرة " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (21/18) . والحاصل أنه لا يجوز رمي الجمار أيام التشريق قبل الزوال، وأن في الرمي ليلا مخرجاً وسعةً، والحمد لله. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96095 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4284 نسي شوطا من الطواف ففعله بعد الفراغ من السعي [السُّؤَالُ] ـ[طفت بالكعبة الشريفة في العمرة ستة أشواط ناسياًً أن الطواف هو سبعة أشواط وتذكرت ذلك خلال السعي فجئت بهذا الشوط بعد إكمال السعي. هل علي شيء؟]ـ [الْجَوَابُ] أولا: الطواف للعمرة أو الحج يجب أن يكون سبعة أشواط، ولا يجزئ أقل من ذلك؛ لأن الله تعالى أمر بالطواف فقال: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) الحج/29. وبينه النبي صلى الله عليه وسلم بفعله، فطاف سبعة أشواط، مع قوله: (لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ) رواه مسلم (2286) . قال النووي رحمه الله: " شرط الطواف أن يكون سبع طوفات، كل مرة من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود، ولو بقيت خطوة من السبع لم يحسب طوافه، سواء كان باقيا في مكة أو انصرف عنها وصار في وطنه، ولا ينجبر شيء منه بالدم، ولا بغيره " انتهى من المجموع" (8/21) . ثانيا: الموالاة بين أشواط الطواف شرط عند المالكية والحنابلة، فلو فصل بين الأشواط بزمن طويل لزمه أن يعيد طوافه. قال في "كشاف القناع" (2/483) : " إذا قطع الطواف بفصل طويل عرفا ولو سهوا أو لعذر لم يجزئه ; لأنه صلى الله عليه وسلم والى بين طوافه وقال: (خذوا عني مناسككم) " انتهى بتصرف. وانظر: "مواهب الجليل" (3/75) ، "الموسوعة الفقهية" (29/132) . وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/253) : " إذا طاف الحاج طواف الإفاضة ونسي أحد الأشواط، وطال الفصل فإنه يعيد الطواف، وإن كان الفصل قريباً فإنه يأتي بالشوط الذي نسيه " انتهى. ثالثا: جمهور الفقهاء (ومنهم الأئمة الأربعة) على أنه لا يجوز تقديم السعي على الطواف، وأن من قدمه لم يجزئه. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (3/194) : " والسعي تبع للطواف , لا يصح إلا أن يتقدمه طواف , فإن سعى قبله , لم يصح. وبذلك قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي " انتهى. وبناء على ذلك، فطوافك للشوط السابع بعد الفراغ من السعي، لا يعتد به؛ لطول الفصل بينه وبين بقية الأشواط. وكذلك سعيك لا يعتد به لأنه وقع قبل الانتهاء من الطواف. وعليه فأنت باق على إحرامك الآن، ويلزمك اجتناب محظورات الإحرام كلها، والعودة إلى مكة، لتطوف وتسعى ثم تحلق أو تقصر، وبهذا تنتهي عمرتك. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن امرأة طافت طواف الإفاضة ستة أشواط وكانت تعتقد أنها سبعة وبعد السعي والتقصير قامت بطواف الشوط الواحد فهل هذا جائز؟ فأجاب: " إن كانت متيقنة أنها ستة أشواط فإن إلحاق الشوط السابع بعد الفصل الطويل لا ينفع. فعليها الآن أن تعيد الطواف سبعة أشواط من أوله، أما إذا كان مجرد شك بعد أن انتهى الطواف ظنت أنها لم تكمل فلا تلتفت إلى هذا " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (22/293) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 23876 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4285 خرج منه المذي مراراً أثناء الطواف [السُّؤَالُ] ـ[رجل اعتمر بعد زواجه وكثر معه المذي فتوضأ ليطوف فخرج معه المذي ثم توضأ مرة أخرى وخرج معه المذي فطاف وأكمل عمرته معتبر ذلك ضرورة. وقد عاد إلى بلده وجامع زوجته فما الحكم جزاكم الله كل خير.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المذي نجس عند أهل العلم وناقض للوضوء، لكن إذا استمر ولم يتوقف فحكمه حينئذ حكم سلس البول والإستحاضة لدى النساء، فعلى المسلم إذا أراد الطواف في هذه الحالة أن يشدّ على فرجه شيئا يمنع الخارج من تجاوز موضعه، ويطوف ويصلي على حسب حاله. وطوافه السابق صحيح وحكمه حكم من صلى وعليه نجاسة ناسيا لها فصلاته صحيحة وحكم الناسي هو حكم الجاهل. الشيخ عبد الكريم الخضير. فتكرر خروج المذي قد يكون بسببٍ مرضيٍّ وقد تبيّن حكمه، وقد يكون بسبب الشهوة والتفكير وملامسة النساء. فيجب على المسلم أن يحذر من ذلك أشد الحذر وهو يطوف ببيت الله، وعليه أن يجتنب أسباب خروجه ويتقي الله، والله بكل شيء عليم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 21270 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4286 رمت الجمار قبل الزوال جهلا وتقليدا [السُّؤَالُ] ـ[أنا فتاة من أسرة شيعية وأنا على مذهب أهل السنة والجماعة سرا أديت الحج السنة الماضية مع حملة شيعية واضطررت إلى رمي الجمار اليوم الحادي عشر والثاني عشر قبل الزوال على مذهبهم ولم يكن عندي علم باختلافهم مع السنة في ذلك فهل علي فدية؟ وهل يجب ذبحها داخل الحرم وتفريقها على مساكين الحرم؟ وكيف يمكنني ذلك من غير علم أهلي؟ كذلك المبيت بمنى فمن أجل الزحام بلغناها ليلة الثاني عشر الساعة الواحدة بعد منتصف الليل فهل يجزئ ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: نسأل الله تعالى أن يثبتك على الحق، وأن يهدي أهلك. ثانياً: السنة هي رمي الجمار في أيام التشريق بعد الزوال، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، وهو مذهب جمهور أهل العلم. وحيث وقع الرمي منك قبل الزوال وأنت لا تعلمين بخطأ ذلك، فنرجو ألا يكون عليك في ذلك حرج. وإذا أردت الاحتياط، فإن كنت مستطيعة فلتذبحي شاة في مكة وتوزيعها على فقراء الحرم. ويمكنك فعل ذلك من غير أن يعلم أهلك بأن توكلي من يقوم بالذبح عنك في مكة. ثالثاً: كونك تأخرت في دخول منى ليلة الثاني عشر إلى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، وذلك بسبب الزحام، لا يلزمك فيه شيء أيضا؛ لأنك معذورة في ذلك. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " من نزل من منى مثلا لطواف الإفاضة في أول الليل ثم لم يتيسر له من الزحام أن يرجع إلا بعد طلوع الفجر فإنه لا شيء عليه " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (23/240) . ونسأل الله لك التوفيق والسداد والرشاد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 87761 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4287 نسي شوطا من الطواف ففعله بعد الفراغ من السعي [السُّؤَالُ] ـ[طفت بالكعبة الشريفة في العمرة ستة أشواط ناسياًً أن الطواف هو سبعة أشواط وتذكرت ذلك خلال السعي فجئت بهذا الشوط بعد إكمال السعي. هل علي شيء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الطواف للعمرة أو الحج يجب أن يكون سبعة أشواط، ولا يجزئ أقل من ذلك؛ لأن الله تعالى أمر بالطواف فقال: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) الحج/29. وبينه النبي صلى الله عليه وسلم بفعله، فطاف سبعة أشواط، مع قوله: (لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ) رواه مسلم (2286) . قال النووي رحمه الله: " شرط الطواف أن يكون سبع طوفات، كل مرة من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود، ولو بقيت خطوة من السبع لم يحسب طوافه، سواء كان باقيا في مكة أو انصرف عنها وصار في وطنه، ولا ينجبر شيء منه بالدم، ولا بغيره " انتهى من المجموع" (8/21) . ثانيا: الموالاة بين أشواط الطواف شرط عند المالكية والحنابلة، فلو فصل بين الأشواط بزمن طويل لزمه أن يعيد طوافه. قال في "كشاف القناع" (2/483) : " إذا قطع الطواف بفصل طويل عرفا ولو سهوا أو لعذر لم يجزئه ; لأنه صلى الله عليه وسلم والى بين طوافه وقال: (خذوا عني مناسككم) " انتهى بتصرف. وانظر: "مواهب الجليل" (3/75) ، "الموسوعة الفقهية" (29/132) . وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/253) : " إذا طاف الحاج طواف الإفاضة ونسي أحد الأشواط، وطال الفصل فإنه يعيد الطواف، وإن كان الفصل قريباً فإنه يأتي بالشوط الذي نسيه " انتهى. ثالثا: جمهور الفقهاء (ومنهم الأئمة الأربعة) على أنه لا يجوز تقديم السعي على الطواف، وأن من قدمه لم يجزئه. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (3/194) : " والسعي تبع للطواف , لا يصح إلا أن يتقدمه طواف , فإن سعى قبله , لم يصح. وبذلك قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي " انتهى. وبناء على ذلك، فطوافك للشوط السابع بعد الفراغ من السعي، لا يعتد به؛ لطول الفصل بينه وبين بقية الأشواط. وكذلك سعيك لا يعتد به لأنه وقع قبل الانتهاء من الطواف. وعليه فأنت باق على إحرامك الآن، ويلزمك اجتناب محظورات الإحرام كلها، والعودة إلى مكة، لتطوف وتسعى ثم تحلق أو تقصر، وبهذا تنتهي عمرتك. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن امرأة طافت طواف الإفاضة ستة أشواط وكانت تعتقد أنها سبعة وبعد السعي والتقصير قامت بطواف الشوط الواحد فهل هذا جائز؟ فأجاب: " إن كانت متيقنة أنها ستة أشواط فإن إلحاق الشوط السابع بعد الفصل الطويل لا ينفع. فعليها الآن أن تعيد الطواف سبعة أشواط من أوله، أما إذا كان مجرد شك بعد أن انتهى الطواف ظنت أنها لم تكمل فلا تلتفت إلى هذا " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (22/293) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 85368 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4288 التكبير عند نهاية الطواف [السُّؤَالُ] ـ[هل يختم الطواف بالتكبير عند الحجر الأسود كما بدأ به أولا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الطواف بالكعبة من العبادات المحضة، والأصل في العبادات التوقيف، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يكبر في طوافه كلما حاذى الحجر الأسود، ولا شك أن الطائف يحاذيه في نهاية الشوط السابع، فيسن له أن يكبر كما سن له التكبير في بدء كل شوط عند محاذاته إياه؛ اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم مع استلام الحجر وتقبيله إذا تيسر ذلك. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (فتاوى اللجنة 11/224) . الحديث: 26228 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4289 القدر المجزئ في الحلق والتقصير في النسك [السُّؤَالُ] ـ[أنهيت نسك العمرة في رمضان.. وقمت بقص شعري.. مرة من الأمام ومرة من الخلف ومن اليمين والشمال ... هل تكون العمرة صحيحة أم ماذا؟؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا خلاف بين الفقهاء في أفضلية حلق جميع الرأس على التقصير، لما ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حلق جميع رأسه، ودعا للمحلقين ثلاثا، وللمقصرين مرة واحدة. انظر: الموسوعة الفقهية (18/98) . واختلفوا في أقل ما يجزئ من الحلق أو التقصير: فذهب المالكية والحنابلة إلى أنه لا يجزئ حلق بعض الرأس , لأن النبي صلى الله عليه وسلم حلق جميع رأسه، فكان تفسيرا لمطلق الأمر بالحلق. فوجب الرجوع إليه. وذهب الحنفية إلى أن المجزئ حلق ربع الرأس , فإن حلق أقل من ربع الرأس لم يجزئه. وقال الشافعية: أقل ما يجزئ ثلاث شعرات حلقا أو تقصيرا من شعر الرأس. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (3/196) : " يلزم التقصير أو الحلق من جميع شعره، وكذلك المرأة. نص عليه [أي الإمام أحمد] ، وبه قال مالك. وعن أحمد , يجزئه البعض ... وقال الشافعي: يجزئه التقصير من ثلاث شعرات. واختار ابن المنذر أنه يجزئه ما يقع عليه اسم التقصير ; لتناول اللفظ له. ولنا قول الله تعالى: (مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ) وهذا عام في جميعه، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم حلق جميع رأسه، تفسيرا لمطلق الأمر به، فيجب الرجوع إليه " انتهى. وقال في "التاج والإكليل" (مالكي) (4/181) : " ومن حلق رأسه أو قصره فليعم بذلك رأسه كله، ولا يجزيه الاقتصار على بعضه " انتهى. ولاشك أن هذا القول هو الأحوط وأنه لا ينبغي الاقتصار على أخذ شعر من الأمام ومن الخلف واليمين والشمال كما فعلت. ثانيا: من أخذ من بعض شعره فقط، يُنظر في حاله: فإن كان فعل ذلك اتباعا لمن أفتاه من أهل العلم بذلك، فلا شيء عليه. وإن كان فعل ذلك من نفسه، ففعله غير مجزئ، وهو باقٍ على إحرامه لم يتحلل منه، فيلزمه الآن أن ينزع ثيابه (المخيطة) ، وأن يحلق أو يقصر من جميع رأسه، وبهذا يكون قد تحلل، ولا شيء عليه في المحظورات التي ارتكبها في تلك المدة؛ لجهله. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن رجل قصر شعره من جانب واحد بعد العمرة، ثم رجع إلى أهله وتبين له أن فعله غير صحيح، فماذا عليه؟ أجاب: " إن فعل هذا الأمر جاهلاً فالواجب عليه أن يخلع ملابسه الآن (ويلبس إحرامه) ويحلق حلقاً كاملاً أو يقصر، ويكون ما فعله في محل العفو؛ لأنه كان جاهلاً، والحلق أو التقصير لا يشترط أن يكون في مكة، بل يكون في مكة وفي غيرها. أما إن كان ما فعله بناءً على فتوى من أحد العلماء، فليس عليه شئ؛ لأن الله يقول: (فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) النحل/43، وبعض العلماء يرى: أن التقصير من بعض الرأس كالتقصير من كل الرأس " انتهى من "اللقاء الشهري" رقم 10. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82077 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4290 من أفطر رمضان كله هل يقضي 30 يوما أو بعدد أيام الشهر؟ [السُّؤَالُ] ـ[زوجتي في شهر رمضان كانت نفساء ولم تصم أي يوم وسوف تقضيه إن شاء الله فيما بعد. سؤالي هل تقضي عدد الأيام التي صامها الناس في هذا الشهر فقط، بمعني أن الشهر كان 29يوما أو 28 يوما ولم يكتمل 30 يوما فهل يكون القضاء كما صام الناس أم يجب عليها صيام 30 يوم على أي حال؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا لم يصم المسلم شهر رمضان كله، لعذرٍ من سفرٍ أو مرضٍ أو نفاسٍ، فإنه يقضيه بعدد أيامه، لقوله تعالى: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/184، فإن كان رمضان تاما قضى ثلاثين يوما، وإن كان تسعة وعشرين يوما قضاه كذلك، ولا يمكن أن يكون الشهر الهلالي ثمانية وعشرين يوما. وذهب بعض العلماء إلى أنه يلزمه أن يصوم ثلاثين يوماً، أو يصوم شهراً هلالياً. قال في "الإنصاف" (3/333) : " من فاته رمضان كاملا , سواء كان تاما أو ناقصا , لعذر كالأسير وونحوه: قضى عدد أيامه مطلقا , كأعداد الصلوات، على الصحيح من المذهب. وعند القاضي: إن قضى شهرا هلاليا أجزأه. سواء كان تاما أو ناقصا , وإن لم يقض شهرا صام ثلاثين يوما. فعلى القول الأول: من صام من أول شهرٍ كاملٍ , أو من أثناء شهرٍ , تسعةً وعشرين يوما. وكان رمضان الفائت ناقصا: أجزأه عنه , اعتبارا بعدد الأيام , وعلى القول الثاني: يقضي يوما تكميلا للشهر بالهلال , أو العدد ثلاثين يوما " انتهى باختصار. وقال في "منح الجليل" (2/152) : " فمن أفطر رمضان كله وكان ثلاثين، وقضاه في شهر بالهلال وكان تسعة وعشرين: صام يوما آخر , وبالعكس فلا يلزمه صوم اليوم الأخير؛ لقوله تعالى: (فعدة من أيام أخر) هذا هو المشهور. وقال ابن وهب: إن صام بالهلال كفاه ما صامه ولو كان تسعة وعشرين ورمضان ثلاثين " انتهى. وينظر: "الموسوعة الفقهية" (28/75) . والحاصل أن على زوجتك قضاء عدد أيام الشهر، ولو كان تسعة وعشرين يوماً. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 81093 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4291 أحرمت بالعمرة من مكة ونسيت شوطا أو شوطين من السعي [السُّؤَالُ] ـ[في السنة الماضية أخذت عمرة، ولكن بعد ثلاثة أو أربعة أيام من قدومي إلى مكة، وهناك قال لي البعض: إن الإحرام يكون من مكة وأنا زائرة؟ ثم أخذت العمرة بعد الإحرام من مكة، ولكن أظن أنني نسيت شوطين من السعي، وذلك بعد مراجعة نفسي، أو ربما شوطاً؟ وأنا أريد أن أذهب يوم الثلاثاء القادم إلى العمرة فماذا علي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا أحرمت بالعمرة من داخل مكة، ولم تخرجي إلى موضعٍ من الحِلِّ، كالتنعيم أو ما يسمى بمسجد عائشة رضي الله عنها، فقد فاتك واجب من واجبات العمرة، وهو الإحرام من الميقات، وميقات العمرة لأهل مكة ومن كان بها هو الحِلُّ، فيلزم من كان بها وأراد العمرة أن يخرج إلى أي مكان في الحِلِّ ليحرم منه، فإن لم يفعل لزمه دم، شاة تذبح وتوزع على فقراء الحرم، وراجعي السؤال رقم (48955) . ثانيا: ما ذكرتيه من نقص أشواط السعي إن كان مجرد شك أو ظن حصل بعد فراغك من السعي، فلا عبرة به؛ لأن الشك بعد الفراغ من العبادة لا يؤثر. قال ابن قاسم العبادي في حاشيته على "تحفة المحتاج" (4/81) : " ولو شك في العدد قبل تمامه أخذ بالأقل إجماعا , وإن ظن خلافه أو شك في ذلك بعده أي بعد فراغه لم يؤثر " انتهى. وإن تيقنت أنك سعيت ستة أشواط أو خمسة، فإن سعيك لم يكتمل، وتحللك من عمرتك لا يصح، لبقاء ركن من أركان العمرة وهو السعي، فلا تزالين على إحرامك، ويلزمك ثلاثة أمور: الأول: أن تجتنبي جميع محظورات الإحرام؛ لأنك لازلت على إحرامك. الثاني: أن تعودي إلى مكة فتأتي بالسعي من أوله. الثالث: أن تتحللي بالأخذ من شعرك قدر أنملة؛ لأن تحللك الأول وقع قبل تمام النسك، فلم يُعتدّ به. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن رجل أدى عمرة ولكن سعيه ناقص شوطاً فماذا يلزمه؟ فأجاب: "هذا الرجل لا يزال على إحرامه، يجب أن يخلع ثيابه ويتجنب محظورات الإحرام، ويلبس ثياب الإحرام من بلده الذي هو فيها فوراً، ويذهب إلى مكة ويسعى من جديد، لأنه إلى الآن في عمرته" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (22/435) . وما ارتكبتيه من محظورات الإحرام خلال هذه المدة، إن كان عن جهل بالحكم، فلا شيء عليك فيه، وإن كان مع علمك بأنك لا تزالين محرمة، فتلزمك الفدية عنه. وراجعي السؤال رقم (36522) . ثالثا: لا يشرع لك الإحرام بالعمرة من الميقات في سفرك القريب المذكور (يوم الثلاثاء) ؛ لأنك لا زلت على إحرامك بالعمرة الأولى كما سبق، لكن إذا وصلت مكة، وأتممت عمرتك الأولى وتحللتِ منها، ثم أردت الاعتمار ثانيا، فإنك تخرجين إلى التنعيم أو أي موضعٍ من الحل، وتحرمين بالعمرة. نسأل الله تعالى أن يتقبل منا ومنك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 79347 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4292 هل يجوز تغطية وسط الجسم بقطعة قماش تلف حوله في ملابس الإحرام؟ [السُّؤَالُ] ـ[إن شاء الله أنا ذاهب لأداء العمرة وبعض منتجي ملابس الإحرام في مصر يصنعون غطاء للعورة بدون مخيط أسفل القطعتين العلوية والسفلية أي تصبح الملابس ثلاث (3) قطع، هل يصح ارتداؤها؟ وإن كان هناك كفارة بالفدو - مثلاً - أرجو الرد للاحتياج الشديد.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأصل للمحرم أنه يلبس ما يشاء إلا ما نصَّ الشرع على منعه، وهو ما كان مفصَّلاً على قدر أي عضو من أعضاء جسمه، أو على قدر البدن كله، وهو الذي يُسمَّى في كتب الفقهاء " المخيط "، وكذا لا يلبس المحرم ثياباً عليها الطيب، ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عما يلبسه المحرِم ذكَر ما لا يلبسه. فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنْ الثِّيَابِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ الْقَمِيصَ وَلَا السَّرَاوِيلَ وَلَا الْبُرْنُسَ وَلَا الْخُفَّيْنِ إِلَّا أَنْ لَا يَجِدَ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ مَا هُوَ أَسْفَلُ مِنْ الْكَعْبَيْنِ وَلاَ ثَوْباً مَسَّهُ زَعْفَران وَلاَ وَرْس) رواه البخاري (5458) ومسلم (1177) . البرنس: ثوب ملتصق به غطاء الرأس. الورس: نبت أصفر يُصبغ به طيب الرائحة. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: المخيط عند الفقهاء: كل ما خيط على قياس عضو، أو على البدن كله، مثل: القميص، والسراويل، والجبة، والصدرية، وما أشبهها، وليس المراد بالمخيط ما فيه خياطة، بل إذا كان مما يلبس في الإحرام فإنه يلبس ولو كان فيه خياطة. " الشرح الممتع " (7 / 126) . وقال: لا بد أن يلبس على عادة اللبس، فلو وضعه وضعاً فليس عليه شيء، أي: لو ارتدى بالقميص (أي: وضعه على كتفيه) فإن ذلك لا يضر؛ لأنه ليس لبساً له. والدليل على هذا: حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أن النبي صلّى الله عليه وسلّم سئل ما يلبس المحرم؟ فقال: (لا يلبس القميص، ولا السراويل، ولا البرانس، ولا العمائم، ولا الخفاف) ، فذكر خمسة أشياء لا تلبس مع أنه سئل عن الذي يلبس، فأجاب بما لا يلبس، ومعنى هذا أنه يلبس المحرم ما سوى هذه الخمسة، وإنما عدل عن ذكر ما يلبس إلى ذكر ما لا يلبس لأن ما لا يلبس أقل مما يلبس. " الشرح الممتع " (7 / 126،127) . وقطعة اللباس التي تلف على الجسم يغطى بها منطقة العورة: لا يظهر أنها محظورة، بل هي جائزة؛ لأن المحظور هو لبس " السراويل " ويشبهه في المحظور أن يلبس " التُبَّان " وهي الثياب الداخلية التي يلبسها الناس، بخلاف القطعة التي جاءت في السؤال، وهي تشبه الإزار في كونها تلف على الجسم، وليست مفصلة على قدر عضو من الجسم. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: المهم أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم عد ما يحرم عدًّا، فما كان بمعناه ألحقناه به، وما لم يكن بمعناه لم نُلحقه به، وما شككنا فيه فالأصل الحل، ومما نشك فيه الإزار المخيط، فبعض الناس يلبس إزاراً مخيطاً، أي: لا ينفتح، ثم يلفه على بدنه ويشده بحبل، فهل نقول: إن هذا جائز، أو أنه يشبه القميص أو السراويل؟ . نقول: إنه جائز؛ لأنه لا يشبه القميص ولا السراويل، فالسراويل لكل قدمٍ كمٌّ، والقميص في أعلى البدن، ولكل يدٍ كُمٌّ - أيضاً -، وبهذا خرج عن مشابهة السراويل والقميص فكان لا بأس به، ويستعمله بعض الناس الآن؛ لأنه أبعد عن انكشاف العورة، فنقول: ما دام يطلق عليه اسم إزار فهو إزار، ويكون حلالاً. " الشرح الممتع " (7 / 133، 134) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 79025 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4293 تقصير بعض الشعر في العمرة أو الحج [السُّؤَالُ] ـ[رجل قصر شعره من جانب واحد بعد العمرة ثم رجع إلى أهله وتبين له أن فعله غير صحيح فماذا عليه؟.]ـ [الْجَوَابُ] عرض هذا السؤال على الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله فقال: إن فعل هذا الأمر جاهلاً فالواجب عليه أن يخلع ملابسه الآن (ويلبس إحرامه) ويحلق حلقاً كاملاً أو يقصر ويكون ما فعله في محل العفو لأنه كان جاهلاً، والحلق أو التقصير لا يشترط أن يكون في مكة، بل يكون في مكة وفي غيرها. أما إن كان ما فعله بناءً على فتوى من أحد العلماء، فليس عليه شئ؛ لأن الله يقول {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} ، وبعض العلماء يرى: أن التقصير من بعض الرأس كالتقصير من كل الرأس. [الْمَصْدَرُ] المرجع اللقاء الشهري رقم 10. الحديث: 10713 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4294 نهاية وقت طواف الإفاضة [السُّؤَالُ] ـ[متى ينتهي وقت طواف الإفاضة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يبدأ طواف الإفاضة بعد منتصف الليل من ليلة النحر للضعفة ومن في حكمهم، وليس لنهايته وقت محدد، لكن الأولى أن يبادر الحاج بالطواف للإفاضة قدر استطاعته، مع مراعاة الرفق بنفسه، وتحين الأوقات التي يكون المطاف فيها خفيفاً من الزحام؛ حتى لا يؤذي ولا يؤذى. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (فتاوى اللجنة 11/227) . الحديث: 26254 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4295 حكم الرمي عن الغير [السُّؤَالُ] ـ[رجمت عن شخص عجوز ماذا يلزمني؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان هذا الشخص الذي وكلك في الرمي عنه لا يستطع الرمي بسبب المشقة والزحام جاز لك أن ترمي عنه، وقد ذكرت أنه عجوز، فالغالب أنه لا يستطيع الرمي بنفسه. جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/286) : " من عجز عن الرمي فإنه يوكل من يرمي عنه، وجمرة العقبة وغيرها سواء في ذلك، ويكون التوكيل لشخص ثقة حج في ذلك العام ... " اهـ. وعلى هذا فرميك عن الشخص العجوز مجزئ وليس عليك شيء. وعليك أن تبدأ في رمي كل جمرة بنفسك ثم ترمي عنه، وهكذا تفعل في كل جمرة، ولا يلزمك أن ترمي الجمار الثلاثة عن نفسك ثم تعود لترمي عنه، بل يمكنك أن ترمي عنه وعن نفسك كل جمرة في موقف واحد، ولكنك تبدأ بالرمي عن نفسك. راجع السؤال (36853) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49036 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4296 متى يذبح الحاج؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا ذهب حاج لتأدية مناسك الحج, هل يجب عليه أن يذبح "قربانا"؟ وهل يذبح أيضا في بلده؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله 1. الحج على ثلاثة أنواع: الإفراد، والتمتع، والقِران. فالإفراد أن يأتي بحج فقط، والمتمتع أن يأتي بعمرة ثم يتحلل منها ثم يأتي بالحج، والقران أن يقرن بين الحج والعمرة في إحرام واحد ويكفيه طواف واحد وسعي واحد لحجه وعمرته. عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم موافين لهلال ذي الحجة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحب أن يُهلَّ بعمرة فليهل، ومن أحب أن يهل بحجة فليهل، ولولا أني أهديت لأهللت بعمرة فمنهم من أهل بعمرة ومنهم من أهل بحجة ... ) رواه البخاري (1694) ومسلم (1211) . 2. والإفراد - وهو الحج وحده من غير عمرة قبله -. ولا يجب على المفرد ذبح الهدي ولكن يستحب. 3. وأما التمتع والقران ففيه ذبح واجب، وهو دم شكران، يشكر فيها الحاج ربَّه تعالى على أن شرع له هذا النسك، وفي التمتع يجمع الحاج بين العمرة والحج، ويتحلل بينهما ويتمتع بالطيب واللباس والجماع. عن سالم بن عبد الله أن ابن عمر رضي الله عنهما قال: تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وأهدى فساق معه الهدي من ذي الحليفة، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة، ثم أهل بالحج فتمتع الناس مع النبي صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج فكان من الناس من أهدى فساق الهدي ومنهم من لم يهد، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة قال للناس: من كان منكم أهدى فإنه لا يحل لشيء حرم منه حتى يقضي حجه ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر وليحلل ثم ليهل بالحج فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله … رواه البخاري (1606) ومسلم (1227) . 4. والهدي هو ما يهديه الحاج إلى البيت العتيق من بهيمة الأنعام - الغنم والبقر والإبل - من الحلِّ قبل أن يُحرم، ومن الفروق بين المتمتع والقارن: أن القارن لا يتحلل بعد الانتهاء من عمرته، فيظل على إحرامه إلى حين الثامن من ذي الحجة وهو يوم دخوله في نية الحج. والسنة ذبح الهدي يوم عيد النحر العاشر من ذي الحجة. عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وأهدى فساق معه الهدي … فانصرف فأتى الصفا فطاف بالصفا والمروة سبعة أطواف ثم لم يحلل من شيء حرم منه حتى قضى حجه ونحر هديه يوم النحر وأفاض فطاف بالبيت ثم حلّ من كل شيء حرم منه.. . رواه البخاري (1606) ومسلم (1227) . 5. وليس على أحدٍ من الحجاج ذبحٌ في بلده، إذ الذبح من المناسك، وهو لا يكون إلا في مكة، وحتى لو كان على الحاج ذبح لوقوعه في بعض محظورات الحج فإنه لا يذبح في بلده بل يكون ذبحه في منى أو مكة. قال عبد العظيم آبادي: ويجوز ذبح جميع الهدايا في أرض الحرم بالاتفاق، إلا أن مِنى أفضل لدماء الحج، ومكة - لا سيما المروة - لدماء العمرة. انتهى لكن لو كان للحاج أهل يتركهم في بلده فأبقى لهم مالاً يشترون به أضحية يوم العيد فهذا حسن. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 10549 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4297 هل يلزم طوافان للصبي ولحامله أم يكفي طواف واحد [السُّؤَالُ] ـ[قد عزمت على الحج ومعي صبي فهل يجب أن أطوف عن نفسي ثم أطوف عنه طوافاً آخر أو أكتفي بطواف واحد وسعي واحد؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اتفق العلماء على صحة حج الصبي وقال أبو حنيفة ولا يتعلق به وجوب الكفارات واتفقوا على أنه لا يجزئه عن حجة الإسلام فعليه بعد بلوغه حجة أُخرى. والحالات المتعلقة بحج الصبي ثلاث. الأولى: أن يكون الصبي قادراً على المشي فيطوف حينئذٍ عن نفسه ويسعى عن نفسه. الحالة الثانية: أن يكون غير قادر على المشي وله تمييز فينوى حينئذٍ كل من الحامل والمحمول عن نفسه ويجزئ عنهما طواف واحد وسعي واحد. الحالة الثالثة: أن يكون الصبي صغيراً لا يميز فحينئذٍ يحمله وليه أو غيره وينوي عنه ويجزئ عنهما طواف واحد وسعي واحد وشأنهما قريب من شأن الراكب. وقال بعض العلماء يطوف عن نفسه ثم يطوف طوافاً آخر عن الصبي. والصحيح الأول: فقد جاء في صحيح مسلم (1336) من طريق ابن عيينة عن إبراهيم بن عقبة عن كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لقي ركباً بالروحاء فقال. من القوم؟ قالوا المسلمون. فقالوا من أنت؟ قال رسول الله. فرفعت إليه امرأة صبياً فقالت: ألهذا حج؟ قال (نعم ولك أجر)) . ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم طوفي طوافين عنه وعن نفسك وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز. وهذا مذهب أبي حنيفة واختاره ابن المنذر وقال أبو محمد بن حزم رحمه الله في المحلى (5 / 320) ونستحب الحج بالصبي وإن كان صغيراً جداً أو كبيراً وله حج وأجر وهو تطوع وللذي يحج به أجر ويجتنب ما يجتنب المحرم ولا شيء عليه إن واقع من ذلك مالا يحل له ويطاف به ويرمى عنه الجمار إن لم يطق ذلك ويجزئ الطائف به طوافه ذلك عن نفسه .... ) . لأنه لا فرق بين هذا وبين الراكب فيجزئ عن الحامل وعن المحمول، والله أعلم. الشيخ سليمان بن ناصر العلوان قال الشيخ ابن باز رحمه الله: فإن نوى الحامل الطواف عنه وعن المحمول والسعي عنه وعن المحمول أجزأه ذلك في أصح القولين، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر التي سألته عن حج الصبي أن تطوف له وحده، ولو كان ذلك واجباً لبينه صلى الله عليه وسلم. انظر مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز 5/257. وسئل الشيخ ابن جبرين عن ذلك فقال: حيث صح الإحرام بالصبي فإن الولي هو المسئول عنه، فيلبسه الثياب ويعقد عليه إحرامه وينوي عنه النسك ويلبي عنه ويمسك بيده في الطواف والسعي، فإن كان عاجزاً كصغير أو رضيع فلا بأس بحمله، ويكتفي بطواف واحد عن الحامل والمحمول على الصحيح ... انظر فتاوى إسلامية ج2/ص182. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 12945 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4298 نسيان السعي [السُّؤَالُ] ـ[أديت فريضة الحج وكنت متمتعاً، وأديت العمرة وأحللت من إحرامي، وفي اليوم الثامن أحرمت وأديت جميع أركان الحج، ولكني نسيت السعي غير عامد، فماذا علي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب عليك الرجوع إلى مكة للسعي للحج؛ لأن المتمتع يلزمه سعيان: سعي للعمرة، وسعي للحج. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (فتاوى اللجنة 11/257) . الحديث: 26224 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4299 تأخير رمي الجمار أيام التشريق للضرورة [السُّؤَالُ] ـ[رميت الجمار ثاني ليلة، الساعة العاشرة مساءً، مع العلم أنني مضطر إلى ذلك، فهل عليَّ إثم في ذلك أم لا؟ حيث أن معي امرأتين ورجل وكلهم مرضى.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من أخر رمي الجمار في اليوم الحادي عشر حتى أدركه الليل - وتأخيره لعذر شرعي - ورمى الجمار ليلاً فليس عليه في ذلك شيء. وهكذا من أخر الرمي في اليوم الثاني عشر فرماه ليلاً أجزأه ذلك ولا شيء عليه، وعليه تلك الليلة المبيت في منى والرمي لليوم الثالث عشر بعد الزوال؛ لكونه لم ينفر في اليوم الثاني عشر قبل غروب الشمس، ولكن الأحوط أن يجتهد في الرمي نهاراً في المستقبل. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (فتاوى اللجنة الدائمة 11/281) . الحديث: 26214 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4300 سافر وترك الرمي في اليوم الثاني عشر [السُّؤَالُ] ـ[كنت قد حجزت للسفر بعد الحج الساعة 4 عصراً من اليوم الثاني عشر، وكنت أظن أنني سأتمكن من الرمي في هذا اليوم، وخشيت إن رميت بعد الزوال يفوت مني موعد السفر فرميت صباحا وطفت للوداع وسافرت، فماذا علي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ ابن عثيمين: لا يجوز الرمي قبل الزوال، ولكن يمكن أن نسقط عنه الرمي في هذه الحال للضرورة، ونقول له: يلزمك فدية تذبحها في منى أو مكة، أو توكل من يذبحها عنك، وتوزع على الفقراء اهـ. [الْمَصْدَرُ] "فتاوى أركان الإسلام" (ص 564) . الحديث: 48994 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4301 ترك المبيت في منى ليالي أيام التشريق [السُّؤَالُ] ـ[أرجو بيان حكم عدم المبيت في منى أيام التشريق وإن كان الجواب يجب عليه دم فهل يذبح عن كل ليله شاه أم تجزئ واحدة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الْمَبِيتُ بِمِنًى لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَاجِبٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ , يَلْزَمُ الدَّمُ لِمَنْ تَرَكَهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ. وَالْقَدْرُ الْوَاجِبُ لِلْمَبِيتِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ هُوَ مُكْثُ أَكْثَرِ اللَّيْلِ. الموسوعة الفقهية ج/17 ص/58 وترك المبيت بمنى ليال أيام التشريق على تفصيل: الحالة الأولى: إذا كان ترك المبيت بمنى لعذر. سئل الشيخ ابن باز عن حكم من لم يستطع المبيت في منى أيام التشريق فقال: لا شيء عليه لقول الله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) سواء كان تركه المبيت لمرض أو عدم وجود مكان أو نحوهما من الأعذار الشرعية كالسقاة والرعاة ومن في حكمهما. الحالة الثانية: إذا ترك المبيت ليال أيام التشريق لغير عذر. قال الشيخ رحمه الله: " من ترك المبيت بمنى أيام التشريق بدون عذر فقد ترك شيئاً شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله وبدلالة ترخيصه لبعض أهل الأعذار مثل الرعاة وأهل السقاية. والرخصة لا تكون إلا مقابل العزيمة، ولذلك اعتبر المبيت بمنى أيام التشريق من واجبات الحج في أصح قولي أهل العلم، ومن تركه بدون عذر شرعي فعليه دم، لما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال (من ترك نسكاً أو نسيه فليرق دماً) ويكفيه دم واحد عن ترك المبيت أيام التشريق ". مجموع فتاوى الشيخ ابن باز رحمه الله ج/5 ص/182 . ويذبحه (أي الهدي) ويفرّقه في الحرم على الفقراء ولا يأكل منه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 21258 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4302 هل للدعاء يوم عرفة فضل لغير الحاج؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل الدعاء يوم عرفة مستجاب لغير الحاج؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عن عائشة رضي الله عنه قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما مِن يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء) رواه مسلم (1348) . وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيّون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير) رواه الترمذي (3585) وحسَّنه الألباني في " صحيح الترغيب " (1536) . وعن طلحة بن عبيد بن كريز مرسلا: (أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة) رواه مالك في " الموطأ " (500) وحسَّنه الألباني في " صحيح الجامع " (1102) . وقد اختلف العلماء هل هذا الفضل للدعاء يوم عرفة خاص بمن كان في عرفة أم يشمل باقي البقاع، والأرجح أنه عام، وأن الفضل لليوم، ولا شك أن من كان على عرفة فقد جمع بين فضل المكان وفضل الزمان. قال الباجي رحمه الله: قوله: " أفضل الدعاء يوم عرفة " يعني: أكثر الذكر بركة وأعظمه ثوابا وأقربه إجابة، ويحتمل أن يريد به الحاج خاصة؛ لأن معنى دعاء يوم عرفة في حقه يصح، وبه يختص، وإن وصف اليوم في الجملة بيوم عرفة فإنه يوصف بفعل الحاج فيه، والله أعلم " انتهى. " المنتقى شرح الموطأ " (1 / 358) . وقد ثبت عن بعض السلف أنهم أجازوا " التعريف " وهو الاجتماع في المساجد للدعاء وذكر الله يوم عرفة، وممن فعله ابن عباس رضي الله عنهما، وأجازه الإمام أحمد وإن لم يكن يفعله هو. قال ابن قدامة رحمه الله: قال القاضي: ولا بأس بـ " التعريف " عشية عرفة بالأمصار (أي ِ: بغير عرفة) ، وقال الأثرم: سألت أبا عبد الله – أي: الإمام أحمد - عن التعريف في الأمصار يجتمعون في المساجد يوم عرفة، قال: " أرجو أن لا يكون به بأس قد فعله غير واحد "، وروى الأثرم عن الحسن قال: أول من عرف بالبصرة ابن عباس رحمه الله وقال أحمد: " أول من فعله ابن عباس وعمرو بن حُرَيث ". وقال الحسن وبكر وثابت ومحمد بن واسع: كانوا يشهدون المسجد يوم عرفة، قال أحمد: لا بأس به؛ إنما هو دعاء وذكر لله. فقيل له: تفعله أنت؟ قال: أما أنا فلا، وروي عن يحيى بن معين أنه حضر مع الناس عشية عرفة " انتهى. " المغني " (2 / 129) . وهذا يدل على أنهم رأوا أن فضل يوم عرفة ليس خاصاً بالحجاج فقط، وإن كان الاجتماع للذكر والدعاء في المساجد يوم عرفة، لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك كان الإمام أحمد لا يفعله، وكان يرخص فيه ولا ينهى عنه لوروده عن بعض الصحابة، كابن عباس وعمرو بن حريث رضي الله عنهم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 70282 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4303 وقت رمي الجمار [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أعرف بالتحديد وقت رمي الجمار، أوله وآخره.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ ابن عثيمين: وقت الرمي بالنسبة لجمرة العقبة يوم العيد يكون لأهل القدرة والنشاط من طلوع الشمس يوم العيد، ولغيرهم من الضعفاء ومن لا يستطيع مزاحمة الناس من الصغار والنساء يكون وقت الرمي في حقّهم من آخر الليل، وكانت أسماء بنت أبي بكر ـ رضي الله عنها ـ ترتقب غروب القمر ليلة العيد فإذا غاب دفعت من مزدلفة إلى منى، ورمت الجمرة، أما آخره فإنه إلى غروب الشمس من يوم العيد، وإذا كان زحام أو كان بعيداً عن الجمرات وأحب أن يؤخره إلى الليل فلا حرج عليه في ذلك، ولكنه لا يؤخره إلى طلوع الفجر من اليوم الحادي عشر. وأما بالنسبة لرمي الجمار في أيام التشريق وهي اليوم الحادي عشر، واليوم الثاني عشر، واليوم الثالث عشر فإن ابتداء الرمي يكون من زوال الشمس أي من انتصاف النهار عند دخول وقت الظهر، ويستمر إلى الليل، وإذا كان هناك مشقة من زحام وغيره فلا بأس أن يرمي بالليل إلى طلوع الفجر، ولا يحل الرمي في اليوم الحادي عشر والثاني عشر، الثالث عشر قبل الزوال، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرم إلا بعد الزوال، وقال للناس: " خذوا عني مناسككم " وكون الرسول صلى الله عليه وسلم يؤخر الرمي ـ إلى هذا الوقت ـ مع أنه في شدّة الحر، ويدع أول النهار مع أنه أبرد وأيسر، دليل على أنه لا يحل الرمي قبل هذا الوقت، ويدل لذلك أيضاً أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يرمي من حين تزول الشمس قبل أن يصلي الظهر، وهذا دليل على أنه لا يحل أن يرمي قبل الزوال وإلا لكان الرمي قبل الزوال أفضل، لأجل أن يصلي الصلاة ـ صلاة الظهر ـ في أوّل وقتها، لأن الصلاة في أول وقتها أفضل، والحاصل أن الأدلة تدل على أن الرمي في أيام التشريق لا يجوز قبل الزوال. "فتاوى أركان الإسلام" (ص 560) . وقال أيضاً: رمي جمرة العقبة يوم العيد ينتهي بطلوع الفجر من اليوم الحادي عشر ويبتدئ من آخر الليل من ليلة النحر للضعفاء ونحوهم من الذين لا يستطيعون مزاحمة الناس. وأما رميها في أيام التشريق فهي كرمي الجمرتين اللتين معها يبتدئ الرمي من الزوال (أول وقت صلاة الظهر) وينتهي بطلوع الفجر من الليلة التي تلي اليوم إلا إذا كان في آخر أيام التشريق فإن الليل لا رمي فيه وهو ليلة الرابع عشر، لأن أيام التشريق انتهت بغروب شمسها، ومع ذلك فالرمي في النهار أفضل إلا أنه في هذه الأوقات مع كثرة الحجيج وغشمهم، وعدم مبالاة بعضهم ببعض إذا خاف على نفسه من الهلاك أو الضرر أو المشقة الشديدة فإنه يرمي ليلاً ولا حرج عليه، كما أنه لو رمى ليلاً بدون أن يخاف هذا فلا حرج عليه، ولكن الأفضل أن يراعي الاحتياط في هذه المسألة ولا يرمي ليلاً إلا عند الحاجة إليه اهـ. فتاوى أركان الإسلام (ص557-558) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49022 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4304 اختلاف العمرة والحج في نفس العام حيث يعتمر لشخص ويحج لآخر [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من سافر إلى الحج ونوى عمرته لأمه وحجه لأبيه، والعام الثاني يعكس يحج لأمه ويعتمر لأبيه، فهل يجوز أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله كل من الحج والعمرة نسك مستقل، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم كيفية أدائهما قراناً وإفراداً وتمتعاً بالعمرة إلى الحج، فمن أراد الإحرام بالعمرة عن أمه مثلاً والإحرام بالحج بعد التحلل من العمرة عن أبيه أو العكس فله ذلك، وإذا أحرم بأحد النسكين عن نفسه، وبعد أن تحلل منه أحرم بالآخر عن أبيه مثلاً كان جائزاً؛ لأن الأعمال بالنيات، ولكل امرئ مانوى. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (فتاوى اللجنة 11/58) . الحديث: 26241 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4305 نسي أحد الأشواط من طواف الإفاضة [السُّؤَالُ] ـ[إذا طاف الحاج طواف الإفاضة، ونسي أحد الأشواط ولم يعلم إلا بعد خروجه من المسجد الحرام، فما الحكم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا طاف الحاج طواف الإفاضة ونسي أحد الأشواط، وطال الفصل فإنه يعيد الطواف، وإن كان الفصل قريباً فإنه يأتي بالشوط الذي نسيه. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (فتاوى اللجنة 11/253) . الحديث: 26213 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4306 السعي بلا طهارة [السُّؤَالُ] ـ[وعندما سعيت بين الصفا والمروة انتقض الوضوء، ولم أستطع أن أخرج لأجدد الوضوء، وحصل لي هذا في طواف الوداع أيضاً. فما حكم من طاف وسعى ولم يكن على وضوء؟ جزاكم الله خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سعيك بين الصفا والمروة صحيح، ولو كان بدون طهارة؛ لأنها لا تشترط في السعي، أما طواف الوداع فغير صحيح؛ لأن من شروط الطواف الطهارة، وعليك إعادته ما دمت في مكة، فإن كنت سافرت إلى بلدك فعليك دم يُذبح في مكة للفقراء. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (فتاوى اللجنة 11/264) . الحديث: 13369 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4307 حج الصغير [السُّؤَالُ] ـ[إذا أردت أن يحج معي ابني الذي لم يبلغ الحلم، هل ألبسه ملابس الإحرام وأقوم نيابة عنه بجميع المناسك كأن أطوف عنه..إلخ، أم ألبسه ملابسه العادية ولا أقوم عنه بشيء طالما أنه صغير ولا حج عليه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصبي المميز الذي لم يبلغ الحلم إذا أراد وليه أن يحج به فإنه يأمره بأن يلبس ملابس الإحرام، ويفعل (الصبي) بنفسه جميع مناسك الحج ابتداءً من الإحرام من الميقات إلى آخر أعمال الحج، ويرمي عنه (وليه) إن لم يستطع الرمي بنفسه، ويأمره بأن يجتنب المحظورات في الإحرام، وإذا لم يكن مميزاً فإنه (أي وليه) ينوي عنه الإحرام بعمرة أو حج، ويطوف ويسعى به ويُحضره معه في بقية المناسك ويرمي عنه. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (فتاوى اللجنة 11/22) . الحديث: 14621 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4308 حاول المبيت بمزدلفة ولم يتمكن، فما الحكم؟ [السُّؤَالُ] ـ[بعد غروب شمس يوم عرفة نزلنا أنا وصاحبي كل منا معه سيارة محملة بالنساء وقليل من الرجال والصبية، من عرفات إلى مزدلفة ضمن الحجيج، وبعد مضي هزيع من الليل لم يبلغ نصفه وصلنا إلى مزدلفة، ولم يسمحوا لنا بالدخول إلى الأراضي الخالية في بدايتها، ... ولما انتهينا إلى منتصف مزدلفة لم نجد مداخل إلى الأراضي الخالية، وأُخرجنا من مزدلفة وبعد إخراجنا من مزدلفة افترقنا رغماً عنا، فأما صاحبي فذهب لرمي جمرة العقبة وأداء طواف الإفاضة حيث لا يستطيع العودة إلى مزدلفة لعدم معرفته طرق العودة إليها، أما أنا فذهبت تبعاً لخطوط السير إلى منى ثم إلى مكة ومنها إلى عرفات ونزلنا مرة أخرى إلى مزدلفة قرب نهاية الليل، بعد جهد جهيد وتعب مضني. والسؤال: 1 - هل يجب على صاحبي ومن معه دم لعدم تحقق المبيت بمزدلفة وهو مرغم على ذلك أم لا؟ 2 - هل يلزمني مثل هذا الدوران طوال الليل مع ما فيه من مشقة عظيمة ولم يتحقق المبيت على الوجه المطلوب إذ هو جزء قليل من الليل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الأمر كما ذكر فلا يجب على واحد منكما، وكذلك من معكما من الحجاج فدية لعدم المبيت في مزدلفة؛ لأنكم بذلتم ما وسعكم للحصول على المبيت ولم تتمكنوا من ذلك، قال تعالى: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) البقرة/286، وقال تعالى: (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج) المائدة/6 وقال تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) التغابن/16 أما من رمى جمرة العقبة وطاف للإفاضة وسعى قبل منتصف الليل فإن ذلك لا يجزئه، وعليه أن يعيد الطواف والسعي والرمي، وليس لإعادة الطواف والسعي حد محدود، إنما الأمر الواجب البدار بذلك بعد العلم، أما الرمي فعليهم هدي لمن تركه إذا كانوا لم يعيدوه في أيام منى الأربعة يوم العيد وأيام التشريق. وإن كان بعد منتصف الليل أجزأه ولا إثم عليكم في ذلك إن شاء الله، وأنت مأجور بما فعلت من الاجتهاد وما حصل عليك من المشقة. [الْمَصْدَرُ] وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم (فتاوى اللجنة 11/202) . الحديث: 14632 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4309 ترك طواف الإفاضة [السُّؤَالُ] ـ[تركت طواف الإفاضة، وكنت أظن أن الطواف الأول يكفي عنه، فماذا يلزمني؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ ابن عثيمين: طواف الإفاضة ركن من أركان الحج لا يتم الحج إلا به، فإذا تركه الإنسان فإن حجّه لم يتم، لا بدّ أن يأتي به فيرجع ولو من بلده فيطوف طواف الإفاضة، وفي هذه الحال ما دام لم يطف لا يجوز أن يستمتع بزوجته، لأنه لم يتحلل التحلل الثاني، إذ إنه لا يحل التحلل الثاني إلا بعد طواف الإفاضة والسعي إن كان متمتعاً، أو كان قارناً أو مفرداً ولم يكن سعى مع طواف القدوم اهـ. [الْمَصْدَرُ] "فتاوى أركان الإسلام" (ص 541) . الحديث: 49012 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4310 ماذا تفعل الحائض إذا أحرمت [السُّؤَالُ] ـ[ماذا تفعل المرأة إذا أتتها الدورة أثناء أدائها للعمرة ماذا تؤدي وماذا لا تؤدي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا أحرمت المرأة وعليها الدورة الشهرية فإنها تفعل جميع ما يفعله الحاج والمعتمر على أن لا تطوف بالبيت، وتؤجل الطواف حتى تطهر. الشيخ عبد الكريم الخضير. ويمكنها أن تذكر الله وتدعو وتلبي وتفعل الخيرات، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 11574 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4311 هل يجوز تكرار العمرة؟ وكم يكون بينهما؟ [السُّؤَالُ] ـ[سنقوم بأداء رحلة العمرة في نهاية شهر شعبان وبداية رمضان إن شاء الله وسؤالي: هل يمكن عمل أكثر من عمرة؟ بمعنى عمل عمرة ثم الانتظار فترة والإحرام مرة أخرى ثم القيام بعمرة أخرى- وكم الفترة التي يجب انتظارها بين العمرتين؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج من تكرار العمرة. فقد رَغَّب النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة إلى العمرة، ولم يحدد وقتاً بين العمرتين. قال ابن قدامة في المغني: وَلا بَأْسَ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي السَّنَةِ مِرَارًا، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ , وَابْنِ عُمَرَ , وَابْنِ عَبَّاسٍ , وَأَنَسٍ , وَعَائِشَةَ , وَعَطَاءٍ , وَطَاوُسٍ , وَعِكْرِمَةَ , وَالشَّافِعِيِّ لأَنَّ عَائِشَةَ اعْتَمَرَتْ فِي شَهْرٍ مَرَّتَيْنِ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (الْعُمْرَةُ إلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وسئل الشيخ ابن باز في مجموع الفتاوى (17/432) : هل يجوز تكرار العمرة في رمضان طلبا للأجر المترتب على ذلك؟ فأجاب: " لا حرج في ذلك، النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلا الْجَنَّةُ) رواه البخاري (1773) ومسلم (1349) . إذا اعتمر ثلاث أو أربع مرات فلا حرج في ذلك. فقد اعتمرت عائشة رضي الله عنها في عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حجة الوداع عمرتين في أقل من عشرين يوما " اهـ. وسئلت اللجنة الدائمة (11/337) : إنني أسكن في قرية تبعد عن مكة 100 كيلو متر، وفي شهر رمضان المبارك من كل عام أذهب إلى مكة معتمرا، وأصلي صلاة الجمعة والعصر، ثم أعود إلى قريتي، وقد تناقشت بها مع بعض إخواني فقالوا لي: لا تجوز العمرة كل أسبوع في شهر رمضان المبارك. فأجابت: إذا كان الواقع كما ذكرت فذلك جائز، لأنه لم يرد نص في تحديد فترة بين العمرة والتي تليها اهـ. وقد ذهب بعض العلماء إلى تحديد المدة بين العمرتين بما إذا ظهر له شعر يحلقه في العمرة الثانية، وهذه المدة قد تكون نحواً من أسبوع أو عشرة أيام. قال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع (7/242) : قال الإمام أحمد: " لا يعتمر إلا إذا حَمَّم رأسه" حمم أي: اسود من الشعر. وبناء على هذا يكون ما يفعله العامة الآن من تكرار العمرة، ولاسيما في رمضان كل يوم إن لم يكن بعضهم يعتمر في النهار عمرة وفي الليل عمرة خلاف ما عليه السلف اهـ. قال ابن قدامة في "المغني": "وَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه فِي كُلٍّ شَهْرٍ مَرَّةً. وَكَانَ أَنَسٌ إذَا حَمَّمَ رَأْسَهُ خَرَجَ فَاعْتَمَرَ. رَوَاهُمَا الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: يَعْتَمِرُ إذَا أَمْكَنَ الْمُوسَى مِنْ شَعْرِهِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: إنْ شَاءَ اعْتَمَرَ فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّتَيْنِ. وقَالَ أَحْمَدُ: إذَا اعْتَمَرَ فَلا بُدَّ مِنْ أَنْ يَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ , وَفِي عَشَرَةِ أَيَّامٍ يُمْكِنُ حَلْقُ الرَّأْسِ" اهـ. وقال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (26/45) : والذي نص عليه أَحْمَد أَنَّهُ لا يُسْتَحَبُّ الإِكْثَارُ مِنْ الْعُمْرَةِ لا مِنْ مَكَّةَ وَلا غَيْرِهَا بَلْ يَجْعَلُ بَيْنَ الْعُمْرَتَيْنِ مُدَّةً وَلَوْ أَنَّهُ مِقْدَارُ مَا يَنْبُتُ فِيهِ شَعْرُهُ وَيُمْكِنُهُ الْحِلاقُ (يعني الحلق) اهـ. بتصرف. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49897 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4312 الشرب من زمزم مستحب وليس واجبا [السُّؤَالُ] ـ[أنوي إن شاء الله أن أعتمر في شهر رمضان المبارك، ومن المقرر أن أصل لمكة ظهرا براً، كما هو معلوم بأنه يجب أن يرتوي المعتمر بماء زمزم بعد الصلاة خلف مقام إبراهيم في الأيام العادية، لكن في رمضان وأنا أنوي الصوم وعدم الإفطار فكيف أشرب ماء زمزم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الشرب من ماء زمزم ليس واجبا، بل هو مستحب وليس استحبابه خاصا بما بعد صلاة الركعتين خلف المقام، بل الشرب من زمزم مستحب في كل وقت. قال شيخ الإسلام في " مجموع الفتاوى" (26/144) : وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَشْرَبَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَيَتَضَلَّعَ مِنْهُ وَيَدْعُوَ عِنْدَ شُرْبِهِ بِمَا شَاءَ مِنْ الأَدْعِيَةِ الشَّرْعِيَّةِ اهـ. وقال الموفق في "المغني". وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْتِيَ زَمْزَمَ , فَيَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا لِمَا أَحَبَّ , وَيَتَضَلَّعَ مِنْهُ. قَالَ جَابِرٌ , فِي صِفَةِ حَجِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: ثُمَّ أَتَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ , وَهُمْ يَسْقُونَ , فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا , فَشَرِبَ مِنْهُ اهـ. ومعنى (يَتَضَلَّعَ) أي يكثر من الشرب حتى يمتلئ جنبه وأضلاعه. حاشية السندي على ابن ماجه. وقال النووي في "المجموع": قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالأَصْحَابُ وَغَيْرُهُمْ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَشْرَبَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ , وَأَنْ يُكْثِرَ مِنْهُ , وَأَنْ يَتَضَلَّعَ مِنْهُ - أَيْ يَتَمَلَّى - وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَشْرَبَهُ لِمَطْلُوبَاتِهِ مِنْ أُمُورِ الآخِرَةِ وَالدُّنْيَا , فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَشْرَبَهُ لِلْمَغْفِرَةِ أَوْ الشِّفَاءِ مِنْ مَرَضٍ وَنَحْوِهِ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى , ثُمَّ قَالَ (اللَّهُمَّ إنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَك صلى الله عليه وسلم قَالَ: {مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ} اللَّهُمَّ إنِّي أَشْرَبُهُ لِتَغْفِرَ لِي , اللَّهُمَّ فَاغْفِرْ لِي أَوْ اللَّهُمَّ إنِّي أَشْرَبُهُ مُسْتَشْفِيًا بِهِ مِنْ مَرَضٍ , اللَّهُمَّ فَاشْفِنِي) وَنَحْوَ هَذَا , وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَنَفَّسَ ثَلاثًا كَمَا فِي كُلِّ شُرْبٍ , فَإِذَا فَرَغَ حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى اهـ. وقال الشيخ ابن باز في مجموع الفتاوى (16/138) : يستحب للحاج والمعتمر وغيرهما أن يشرب من ماء زمزم إذا تيسر له ذلك اهـ. فعلى هذا إذا اعتمرت وأنت صائم فلا حرج عليك من عدم الشرب من زمزم، وليكن شربك منها بعد الإفطار. ثانياً: إذا كنت مسافراً إلى مكة للعمرة فإن المسافر يجوز له الفطر والصيام بإجماع العلماء، واختلفوا في الأفضل، وسبق في إجابة السؤال (20165) أن الأفضل هو الأيسر، فمن لم يشق عليه فالصوم أفضل. ومن شق عليه الصيام مع السفر فالفطر أفضل، لاسيما والمعتمر يحتاج إلى قوة ونشاط حتى يؤدي العمرة على وجه كامل، بدعائها وخشوعها. ويخطئ بعض المعتمرين حيث يشقون على أنفسهم فيعتمرون وهم صائمون مع مشقة الصيام عليهم مما يؤثر على أدائهم العمرة، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مفطراً يوم عرفة. قال الشوكاني: صَوْم ْيَوْم عرفة مُسْتَحَبّ لِكُلِّ أَحَد، مَكْرُوه لِمَنْ كَانَ بِعَرَفَاتٍ حَاجًّا. وَالْحِكْمَة فِي ذَلِكَ أَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ مُؤَدِّيًا إِلَى الضَّعْف عَنْ الدُّعَاء وَالذِّكْر يَوْم عَرَفَة هُنَالِكَ وَالْقِيَام بِأَعْمَالِ الْحَجّ اهـ. وثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يوم الجمعة منفرداً. قال النووي: يُكْرَه إِفْرَاد يَوْم الْجُمُعَة بِالصَّوْمِ إِلا أَنْ يُوَافِقَ عَادَةً لَهُ , فَإِنْ وَصَلَهُ بِيَوْمٍ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ , أَوْ وَافَقَ عَادَةً لَهُ بِأَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ يَوْمَ شِفَاءِ مَرِيضِهِ أَبَدًا , فَوَافَقَ يَوْم الْجُمُعَة لَمْ يُكْرَهْ.. قَالَ الْعُلَمَاء: وَالْحِكْمَة فِي النَّهْي عَنْهُ: أَنَّ يَوْم الْجُمُعَة يَوْم دُعَاء وَذِكْرٍ وَعِبَادَةٍ: مِنْ الْغُسْل وَالتَّبْكِير إِلَى الصَّلَاة وَانْتِظَارهَا وَاسْتِمَاع الْخُطْبَة وَإِكْثَار الذِّكْر بَعْدَهَا ; لِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى: {فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانْتَشَرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا} وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْعِبَادَات فِي يَوْمهَا , فَاسْتُحِبَّ الْفِطْر فِيهِ , فَيَكُون أَعْوَنَ لَهُ عَلَى هَذِهِ الْوَظَائِف وَأَدَائِهَا بِنَشَاطٍ وَانْشِرَاحٍ لَهَا , وَالْتِذَاذٍ بِهَا مِنْ غَيْر مَلَلٍ وَلا سَآمَةٍ , وَهُوَ نَظِير الْحَاجّ يَوْم عَرَفَة بِعَرَفَةَ , فَإِنَّ السُّنَّة لَهُ الْفِطْر كَمَا سَبَقَ تَقْرِيره لِهَذِهِ الْحِكْمَة , فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَزُلْ النَّهْي وَالْكَرَاهَة بِصَوْمٍ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ لِبَقَاءِ الْمَعْنَى , فَالْجَوَاب: أَنَّهُ يَحْصُل لَهُ بِفَضِيلَةِ الصَّوْم الَّذِي قَبْله أَوْ بَعْده مَا يَجْبُر مَا قَدْ يَحْصُل مِنْ فُتُورٍ أَوْ تَقْصِيرٍ فِي وَظَائِفِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِسَبَبِ صَوْمِهِ , فَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَد فِي الْحِكْمَة فِي النَّهْي عَنْ إِفْرَاد صَوْم الْجُمُعَة اهـ. باختصار. وسئل الشيخ ابن عثيمين في فتاوى أركان الإسلام (ص464) : عن المسافر إذا وصل إلى مكة صائما فهل يفطر ليتقوى على أداء العمرة؟ فأجاب: نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة في العشرين من رمضان من عام الفتح، وكان عليه الصلاة والسلام مفطرا. . وقد ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مفطرا بقية الشهر، لأنه كان مسافرا، فلا ينقطع سفر المعتمر بوصوله إلى مكة، ولا يلزمه الإمساك إذا قدم مفطرا، وقد يكون بعض الناس مستمرا في صيامه حتى في السفر، نظرا إلى أن الصيام في السفر في الوقت الحاضر ليس بشاق على الأمة، فيستمر في صيامه في سفره ثم يقدم مكة ويكون متعبا، فيقول في نفسه هل أستمر على صيامي، وأؤجل العمرة إلى ما بعد الفطر، أم أفطر لأجل أن أؤدي العمرة فور وصولي إلى مكة؟ فنقول له في هذه الحال: الأفضل أن تفطر لأجل أن تؤدي العمرة فور وصولك إلى مكة وأنت نشيط؛ لأن السنة لمن قدم مكة لأداء نسك أن يبادر فورا لأداء هذا النسك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل مكة وهو في نسك بادر إلى المسجد، حتى كان ينيخ راحلته عند المسجد، ويدخله ليؤدي نسكه الذي كان متلبسا به، فكونك أيها المعتمر تفطر لتؤدي العمرة بنشاط في النهار، أفضل من كونك تبقى صائما، ثم إذا أفطرت في الليل قضيت عمرتك، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان صائما في سفره لغزوة الفتح فجاء إليه الناس وقالوا: يا رسول الله إن الناس قد شق عليهم الصيام، وإنهم ينتظرون ماذا تفعل، وكان ذلك بعد العصر، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بماء فشربه، والناس ينظرون، فأفطر النبي صلى الله عليه وسلم في أثناء السفر، بل أفطر في آخر اليوم، كل هذا من أجل أن يبين للأمة أن ذلك جائز، وتكلف بعض الناس الصوم في السفر مع المشقة خلاف السنة لا شك، وينطبق عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم (ليس من البر الصيام في السفر) اهـ. فإذا كان صومك في السفر سيؤثر على أدائك العمرة فالأفضل لك الإفطار وقضاء ذلك اليوم. والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49791 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4313 الإخلاص في الحج [السُّؤَالُ] ـ[كيف يكون الحاج مخلصا لله في أداء المناسك، وهل إذا أراد مع الحج التجارة وطلب الرزق، هل يكون بذلك غير مخلص لله تعالى؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " الإخلاص شرط في جميع العبادات، فلا تصح العبادة مع الإشراك بالله تبارك وتعالى، (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) الكهف/110. وقال الله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) البينة/5. وقال الله تعالى: (فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ * أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ) الزمر/2، 3. وفي الحديث القدسي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ) . والإخلاص لله في العبادة معناه: ألا يحمل العبد إلى العبادة إلا حب الله تعالى وتعظيمه ورجاء ثوابه ورضوانه، ولهذا قال الله تعالى عن محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً) الفتح/39. فلا تقبل العبادة حجاً كانت أم غيره إذا كان الإنسان يرائي بها عباد الله، أي يقوم بها من أجل أن يراه الناس، فيقولون: ما أتقى فلاناً! ما أعبد فلاناً لله! وما أشبه هذا. ولا تقبل العبادة إذا كان الحامل عليها رؤية الأماكن، أو رؤية الناس، أو ما أشبه ذلك مما ينافي الإخلاص، ولهذا يجب على الحجاج الذين يقصدون البيت الحرام أن يخلصوا نيتهم لله عز وجل، وألا يكون غرضهم أن يشاهدوا العالم الإسلامي، أو أن يتجروا، أو أن يقال: فلان يحج كل سنة، وما أشبه ذلك. ولا حرج على الإنسان أن يبتغي فضلاً من الله بالتجارة، وهو قاصد البيت الحرام، لقول الله تبارك وتعالى: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) البقرة/198. وإنما الذي يخل بالإخلاص ألا يكون له قصد إلا الاتجار والتكسب، فهذا يكون ممن أراد الدنيا بعمل الآخرة، وهذا يوجب بطلان العمل، أو نقصانه نقصاً شديداً، قال الله تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) الشورى/20 " انتهى. [الْمَصْدَرُ] "فتاوى ابن عثيمين" (21/18) . الحديث: 48027 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4314 وقفات النبي صلى الله عليه وسلم للدعاء في الحج [السُّؤَالُ] ـ[ما الوقفات التي وقف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها للدعاء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الذي يظهر لنا أن الوقفات المقصودة في السؤال هي ما ورد في وقفاته صلى الله عليه وسلم للدعاء في الحج، وقد ذكر أهل العلم أنها ست وقفات. قال ابن القيم: فقد تضمنت حجته ست وقفات للدعاء: الموقف الأول: على الصفا، والثاني: على المروة، والثالث: بعرفة، والرابع: بمزدلفة، والخامس: عند الجمرة الأولى، والسادس: عند الجمرة الثانية. " زاد المعاد " (2 / 287، 288) . وتفصيل هذه الوقفات: 1. الدعاء على الصفا والمروة: يكون باستقبال البيت في الدعاء بعد التكبير ثلاثاً، ثم يقول الذكر الوارد في السنة ثلاثاً، ويدعو بين ذلك. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: يقول الله أكبر وهو رافع يديه كرفعهما في الدعاء ثلاث مرات، ويقول ما ورد ومنه: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده " ثم يدعو بما أحب، ثم يعيد الذكر مرة ثانية، ثم يدعو بما أحب، ثم يعيد الذكر مرة ثالثة، وينزل متجهاً إلى المروة. " الشرح الممتع " (7 / 268) . ويكون الدعاء في ابتداء الأشواط لا في انتهائها، إذ ليس ثمة دعاء على المروة عند نهاية الأشواط. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: وبه نعرف أيضاً أن الدعاء على الصفا والمروة يكون في ابتداء الأشواط لا في انتهائها، وأن آخر شوط على المروة ليس فيه دعاء؛ لأنه انتهى السعي، وإنما يكون الدعاء في مقدمة الشوط كما كان التكبير أيضاً في الطواف في مقدمة الشوط، وعليه فإذا انتهى من السعي عند المروة ينصرف، وإذا انتهى من الطواف عند الحجر ينصرف، ولا حاجة إلى التقبيل، أو الاستلام، أو الإشارة، والذي نعلل به دون أن يعترض معترض أن نقول هكذا فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم. " الشرح الممتع " (7 / 352) . 2. والدعاء يوم عرفة يستمر إلى غروب الشمس، وعلى الحاج أن يكثر من الدعاء في هذا اليوم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له ". رواه الترمذي (3585) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي. 3. ويسن للحاج أن يدعو في مزدلفة رافعاً يديه مستقبل القبلة من بعد صلاة الفجر إلى أن يسفر الصبح جدّاً، قال الله تعالى: (فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ) البقرة/198. 4. الدعاء بعد الجمرة الأولى (وهي الصغرى) ، والثانية (وهي الوسطى) ، ويكون ذلك في أيام التشريق، ولا يشرع الدعاء بعد رمي الجمرة الكبرى لا في يوم النحر ولا بعده. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 47732 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4315 كيف يتعجل من كانت خيمته خارج منى؟ [السُّؤَالُ] ـ[الحجاج الذين تقع حملاتهم وخيامهم داخل حدود مزدلفة، ولم يجدوا مكاناً في منى، كيف يفعلون إذا أردوا التعجل؟ وهل لهم أن يذهبوا من أماكنهم في أي وقت إذا رموا قبل المغرب؟ وما هو الحال بالنسبة للذين يسكنون في أماكن أخرى من أحياء مكة؟ بالنسبة للتعجل.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سألنا فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين حفظه الله فأجاب: بأن الحجاج النازلين في مزدلفة في امتداد خيام منى حكمهم حكم أهل منى، فيلزمهم إذا أرادوا التعجل أن يغادروا أماكنهم قبل المغرب، ويجوز لهم الخروج إذا تأهبوا قبل المغرب وحبسهم الزحام كأهل منى إذا تأهبوا للخروج وعزموا عليه وحبسهم الزحام وأما الذين يسكنون في أماكن منفصلة عن منى كبعض أحياء مكة لأنهم لم يجدوا أماكن في منى فإنه يكفيهم نية التعجل وأن يكونوا قد رموا وخرجوا من حدود منى قبل المغرب، وإذا حبسهم الزحام فلهم المواصلة في التعجل كما تقدم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين الحديث: 45531 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4316 إذا رجع المتعجل إلى منى ليلاً فهل لا يزال متعجلاً؟ [السُّؤَالُ] ـ[رمينا الجمار في اليوم الثاني عشر ثم خرجنا من منى قبل غروب الشمس ونوينا التعجل، ثم عدنا إلى منى ليلاً من أجل القيام ببعض الأعمال، فهل نعتبر متعجلين أم يلزمنا المبيت والرمي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله بل تكونون متعجلين. ولا يلزمكم المبيت ولا الرمي بعد التعجل. سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين: إذا خَرج الحاج من منى قبلَ غروب الشمس يومَ الثاني عشر بنية التعجل، ولديه عملٌ في " منى " سيعودُ له بعد الغروب، فهل يُعتبر مُتعجلاً؟ . فأجاب: نعم؛ يُعتبر متعجلاً لأنه أنهى الحج، ونية رجوعه إلى منى لعملِه فيها لا يمنعُ التعجل؛ لأنه إنما نوى الرجوعَ للعملِ المنُوطِ به لا للنسك. " الحج والعمرة " (السؤال رقم 10) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45051 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4317 الأوقات التي دعا فيها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحج والعمرة [السُّؤَالُ] ـ[ما الأوقات التي دعا فيها النبي صلى الله عليه وسلم في حجه وعمرته؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اعلم أخي السائل وفقك الله أن الحاج والمعتمر ضيوف الله ووفده القادمون عليه، فهو سبحانه ما دعاهم إلا ليعطيهم وما طلبهم إلا ليكرمهم. وفي الحديث الصحيح: (الغازي في سبيل الله والحاج والمعتمر وفد الله دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم) رواه ابن ماجه وانظره في السلسلة الصحيحة (1920) . وأعظم أعطياته لهم - وكلها عظيمة - أنهم يرجعون كيوم ولدتهم أمهاتهم بعد أن جاءوا بالذنوب مثقلين، وبالأوزار والخطايا متلبسين، فما يغادرون موقعهم ومشاعرهم إلا وقد خرجوا من الذنوب متخففين، وبرحمة الله ورضوانه راجعين، بعد أن حطوا رحالهم عند باب الكريم الرحيم.. وفي الحديث الصحيح: (من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه) . فسبحانه ما أعظمه وأجله! تطوى تلك الصحائف التي امتلأت بالذنوب! بخطوات يخطوها المسلم إلى بيت الله فيا لها من رحلة من فاتته فأي شيء حصَّل! ومن حصلها وسار إليها فأي شيء فَقَد! قال صلى الله عليه وسلم: (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) . وأما الأوقات التي دعا فيها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حجه وعمرته، فهي كالآتي: 1.الدعاء عند الصفا: لما جاء في الحديث الطويل حديث جابر رضي الله عنه في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: (فبدأ بالصفا فرقي حتى رأى البيت فاستقبل القبلة، فوحد الله وكبره، وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم دعا بين ذلك، قال مثل هذا ثلاث مرات) رواه مسلم (1218) . 2.الدعاء عند المروة: للحديث السابق وفيه: (ثم نزل إلي المروة، حتى إذا انتصبت قدماه في بطن الوادي سعى، حتى أتى المروة ففعل على المروة كما فعل الصفا) رواه مسلم (1218) . 3.الدعاء عند المشعر الحرام: كما جاء في الحديث السابق وفيه: (ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة فدعاه، وكبره، وهلله، ووحده، فلم يزال واقفاً حتى أسفر جداً) رواه مسلم (1218) . 4.الدعاء يوم عرفه: قال عليه الصلاة والسلام: (خير دعاء يوم عرفة) رواه الترمذي (3585) ، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (4274) . 5.الدعاء بعد رمي الجمرة الصغرى والوسطى: فقد روى البخاري في صحيحه عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات ثم يكبر على إثر كل حصاة، ثم يتقدم فَيُسْهِل، فيقوم مستقبل القبلة قياما طويلا، فيدعو، ويرفع يديه، ثم يرمي الجمرة الوسطى كذلك، فيأخذ ذات الشمال فَيُسْهِل، ويقوم مستقبل القبلة قياما طويلا، فيدعو، ويرفع يديه، ثم يرمي جمرة ذات العقبة في بطن الوادي، ولا يقف عندها، ويقول: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل. رواه البخاري (1752) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 43640 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4318 ظن أن التعجل من منى هو الخروج منها ولو لم يرمِ! [السُّؤَالُ] ـ[تعجلنا في الحج وخرجنا من منى قبل الغروب حتى لا نتأخر لليوم الثالث وعدنا بعد الخروج ورمينا بعد الغروب فهل هذا العمل جائز؟ وهل يشترط للمتعجل أن يرمي قبل غروب اليوم الثاني أم أن الرمي لا علاقة له والمهم هو الخروج قبل غروب الشمس؟ وماذا علينا إن كنا قد أخطأنا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الفهم لمعنى التعجل غير صحيح، ولا يسمى الحاج متعجلاً إلا أن يخرج من " منى " قبل غروب شمس اليوم الثاني من أيام التشريق بعد أن يكون قد رمى الجمرات، ومجرد خروجه من " منى " قبل الغروب لا يكون بذلك متعجلاً إذا لم يرمِ وخاصة أنه قد رجع إليها بعد الغروب ليرمي الجمرات. قال علماء اللجنة الدائمة: إذا رمى الحاج جمرات اليوم الثاني عشر بعد الزوال، ونفر إلى مكة أو غيرها قبل غروب الشمس لا يلزمه رمي جمرات اليوم الثالث عشر، ولا يشرع في حقه. " فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (11 / 274) . وفي تفسير قوله تعالى: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى) البقرة/203، قال علماء اللجنة الدائمة: وأما معنى ما ذكر من الآية: فمن تعجل بالنزول من منى بعد أن بات ليلتين بها عقب يوم النحر، وبعد رمي الجمرات الثلاث في اليوم الحادي عشر والثاني عشر: فلا إثم عليه، ولا يجب عليه دم؛ لأنه أدى ما وجب عليه، ومن تأخر بمنى فبات بها ليلة الثالث عشر ورمى الجمرات الثلاث في اليوم الثالث عشر: فلا إثم عليه، بل مبيته بمنى هذه الليلة ورميه الجمرات في يومها أفضل وأعظم أجراً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك. " فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (11 / 267) . وقال الشيخ صالح الفوزان: أقصر مدة للإقامة بمنى في أيام الحج هي اليوم الحادي عشر والثاني عشر - يومان بعد العيد - وهذا هو التعجل، والأكمل أن يبقى اليوم الثالث عشر، وهذا هو التأخر، قال تعالى: (فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا َإِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى) البقرة/203. فالتعجل معناه: أن يخرج وينفر من منى بعد رمي الجمرات في اليوم الثاني عشر بعد الزوال من قبل غروب الشمس،هذا التعجل، وإذا أدركه الغروب ولم يرحل من منى فإنه يتعين عليه المبيت فيها ليلة الثالث عشر والرمي في اليوم الثالث عشر بعد الظهر، والله أعلم. فتوى رقم (16386) . وسئل الشيخ ابن عثيمين: حاج ترك الرمي في اليوم الثاني عشر ظانا أن هذا هو التعجيل وترك المبيت بمنى وطواف الوداع جاهلا؟ فأجاب: حجك صحيح، لأنك لم تترك فيه ركنا، من أركان الحج لكنك تركت فيه ثلاثة واجبات الواجب الأول: المبيت بمنى ليلة الثالث عشر، والواجب الثاني: رمي الجمرات في اليوم الثاني عشر، والواجب الثالث: طواف الوداع، والواجب عند أهل العلم إذا تركه الإنسان في الحج عليه دم، يذبحه بمكة ويفرقه على الفقراء لكن ترك المبيت بمنى ليلة واحدة لا يوجب الدم، وبهذه المناسبة أود أن أنبه إخواني الحجاج على هذا الخطأ الذي ارتكبه أخونا السائل، فإن كثيرا من الحجاج يفهمون من قوله تعالى {فمن تعجل في يومين} أي خرج في اليوم الحادي عشر، يعتبرون اليومين يوم العيد واليوم الحادي عشر، والأمر ليس كذلك بل هذا خطأ في الفهم، لأن الله تعالى قال: {واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه} والأيام المعدودات هي أيام التشريق وأيام التشريق أولها اليوم الحادي عشر وعلى هذا فيكون قوله تعالى {فمن تعجل في يومين} أي من أيام التشريق وهو اليوم الثاني عشر فينبغي أن يصحح الإنسان مفهومه نحو هذه المسألة حتى لا يخطئ. " فتاوى الحج " (السؤال رقم 40) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 43274 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4319 نسي التقصير في الحج وعقد قرانه [السُّؤَالُ] ـ[حججت أنا ووالدتي قبل عامين ونسينا التقصير ولم نذكره إلا الآن أثناء مشاهدة برنامج فتاوى السؤال: ما الواجب فعله الآن؟ وهل نقصر الآن؟ وهل يبطل عقد قراني لهذا السبب - حيث تم في هذا العام -؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عليك أن تقصر الآن، وليس عليك شيء آخر، وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: عن امرأة حجت وفعلت جميع أعمال الحج إلا أنها لم تقصر شعرها حتى الآن جهلاً أو نسياناً وقد وصلت إلى بلدها وتسأل ماذا يلزمها؟ فأجابوا: "إذا كان الأمر كما ذكره السائل من أنها فعلت كل شيء إلا التقصير نسياناً منها أو جهلاً فيلزمها أن تقصر رأسها في بلدها ولا شيء عليه لقاء تأخيره لجهلها أو نسيانها بنية إتمام الحج، ونسأل الله للجميع التوفيق والقبول" انتهى باختصار. "فتاوى إسلامية" (2/264) . وأما عقد النكاح فهو صحيح، لأن الحاج إذا فعل جميع المناسك وترك الحلق، فقد حلت له جميع محظورات الإحرام، (ومنها عقد النكاح) إلا الجماع فقط. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 42402 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4320 متى يشرع الاضطباع والرمل؟ [السُّؤَالُ] ـ[طفت طواف الإفاضة يوم العيد بعد النفرة من مزدلفة مباشرة أي قبل رمي جمرة العقبة أو الحلق، هل في هذا الطواف اضطباع على اعتبار أني لا زلت محرماً. وفقكم الله.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يشرع الاضطباع والرمل إلا في طواف العمرة، وطواف القدوم للمفرد والقارن. أما فيما عدا ذلك فلا يشرعان، فطواف الإفاضة لا رمل فيه اضطباع سواء طفته وأنت محرم أم غير محرم. روى أبو داود (2001) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَرْمُلْ فِي السَّبْعِ الَّذِي أَفَاضَ فِيهِ. صححه الألباني في صحيح أبي داود. والاضطباع هو كشف المنكب الأيمن. والرمل هو مقاربة الخطا مع إسراع المشي. والاضطباع والرمل متلازمان، فحيث شرع الرمل شرع الاضطباع، وحيث لم يشرع الرمل لم يشرع الاضطباع. قال النووي رحمه الله في "المجموع" (8/43) : وَالاضْطِبَاعُ مُلازِمٌ لِلرَّمَلِ , فَحَيْثُ اسْتَحْبَبْنَا الرَّمَلَ فَكَذَا الاضْطِبَاعُ , وَحَيْثُ لَمْ نَسْتَحِبَّهُ فَكَذَا الاضْطِبَاعُ , وَحَيْثُ جَرَى خِلافٌ جَرَى فِي الرَّمَلِ وَالاضْطِبَاعِ جَمِيعًا , وَهَذَا لا خِلافَ فِيهِ اهـ. وقَالَ أَيضاً: لَكِنْ يَفْتَرِقُ الرَّمَلُ وَالاضْطِبَاعُ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّ الاضْطِبَاعَ مَسْنُونٌ فِي جَمِيعِ الطَّوْفَاتِ السَّبْعِ , وَأَمَّا الرَّمَلُ إنَّمَا يُسَنُّ فِي الثَّلَاثِ الأُوَلِ وَيَمْشِي فِي الأَرْبَعِ الأَوَاخِرِ اهـ. "المجموع" (8/20) . وذكر ابن قدامة في "المغني" (5/221) استحباب الرمل والاضطباع في طواف العمرة وفي طواف القدوم ثم قال: وَلا يُسَنُّ الرَّمَلُ وَالاضْطِبَاعُ فِي طَوَافٍ سِوَى مَا ذَكَرْنَاهُ ; لأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ إنَّمَا رَمَلُوا وَاضْطَبَعُوا فِي ذَلِكَ اهـ. وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (11/225) : يسن الاضطباع في الأشواط كلها في طواف القدوم خاصة، كما يشرع الرمل في الأشواط الثلاثة الأولى من طواف القدوم للحاج والمعتمر اهـ. وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: ويرمل في جميع الثلاثة الأُول من الطواف الأول، وهو الطواف الذي يأتي به أول ما يقدم مكّة، سواء كان معتمراً أو متمتعاً، أو محرماً بالحج وحده، أو قارناً بينه وبين العمرة، ويمشي في الأربعة الباقية، يبتدئ كل شوط مع مقاربة الخطى، ويستحب له أن يضطبع في جميع هذا الطواف دون غيره اهـ. فتاوى ابن باز (16/60) . والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 42153 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4321 هل على أهل مكة طواف وداع إذا خرجوا منها بعد الحج؟ [السُّؤَالُ] ـ[خادمة عملت في مكة خمس سنوات وتريد الحج وبعد الحج ترغب في السفر إلى بلدها خروجاً نهائيّاً، هل عليها طواف وداع؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أهل مكة ليس عليهم أن يطوفوا للوداع؛ لأن الطواف وجب توديعا للبيت، وهذا المعنى لا يوجد في أهل مكة لأنها وطنهم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية، في بيانه أن طواف الوداع ليس من أركان الحج التي لا بد منها: " ولهذا لم يكن على أهل مكة طواف قدوم، ولا طواف وداع؛ لانتفاء معنى ذلك في حقهم، فإنهم ليسوا بقادمين إليها ولا مودعين لها ما داموا فيها " مجموع الفتاوى " (26 / 261) وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " ليس على أهل مكة طواف وداع " اهـ. الفتاوى 17/393 " وهذا الأمر يشمل كل من كان داخل حدود الحرم. وقال ابن قدامة: " ومن كان منزله في الحرم فهو كالمكي , لا وداع عليه " اهـ. المغني " (3 / 237) لكن إذا أراد شخص من أهل مكة أن يسافر منها بعد أداء المناسك فإنه يلزمه طواف الوداع قبل الخروج من مكة. قال النووي رحمه الله: " قال أصحابنا: من فرغ من مناسكه، وأراد المقام بمكة، ليس عليه طواف الوداع، وهذا لا خلاف فيه، سواء كان من أهلها، أو غريبا، وإن أراد الخروج من مكة إلى وطنه أو غيره طاف للوداع " المجموع 8/254 ". وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا كان الرجل من أهل مكة، وحج وسافر بعد الحج، فليطف للوداع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا ينفرن أحدكم حتى يكون آخر عهده بالبيت) مسلم 1327، وهذا عام، فنقول لهذا المكي: ما دمت سافرت في أيام الحج، وقد حججت، فلا تسافر حتى تطوف. " اهـ. الفتاوى 23/339 ". وعلى هذا فيلزم السائلة أن تطوف للوداع إذا أرادت السفر بعد أدائها المناسك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 41894 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4322 حكم طواف الوداع للعاجز والحائض [السُّؤَالُ] ـ[هل الحائض والنفساء والعاجز والمريض يلزمهم طواف الوداع؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس على الحائض ولا على النفساء طواف وداع، وأما العاجز فيطاف به محمولاً، وهكذا المريض؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ينفرن أحد منكم حتى يكون آخر عهده بالبيت) ولما ثبت في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن المرأة الحائض، وجاء في حديث آخر ما يدل على أن النفساء مثل الحائض ليس عليها وداع. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة 11/307 الحديث: 21645 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4323 أحرمت للعمرة ثم بدا لها أن لا تفعل فماذا يجب عليها؟ [السُّؤَالُ] ـ[كنت في الطائف وقررت أن أذهب إلى مكة لقضاء بعض الأيام هناك، وفي اليوم المحدد فكرت في الإحرام للعمرة، وبالفعل اغتسلت وقلت: " لبيك اللهم بعمرة لبيك اللهم لبيك " ثم قبل مغادرة المنزل طرأ لي ما جعلني أؤجل فكرة العمرة، وحيث إني امرأة فإنه لا يتغير كثير من حالي حين الإحرام، لذلك نسيت أني قد نطقت بالتلبية، فنزلت مكة ولم أعتمر، وقضيت هناك أياماً ثم رجعت إلى الطائف ليوم واحد ومنها أحرمت للعمرة ونزلت مكة واعتمرت (ولم أتذكر أنني قد لبيت المرة الأولى إلا عندما لبيت عند الميقات في المرة الثانية) ، فماذا عليَّ في ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب على كل من أحرم بالعمرة والحج أن يتم نسكهما وإن كانا نفليْن؛ لقوله تعالى: (وأتموا الحج والعمرة لله) ، ومن نوى الإحرام وترك تتمة النسك لغير عذر شرعي وقع في المحظور. قال علماء اللجنة الدائمة: إذا كان لبس الإزار والرداء ولم ينو الدخول في الحج أو العمرة ولم يلب بذلك فهو بالخيار: إن شاء دخل في الحج أو العمرة، وإن شاء ترك ذلك، ولا حرج عليه إذا كان قد أدى حجة وعمرة الإسلام، أما إن كان قد نوى الدخول في الحج أو العمرة فليس له فسخ ذلك والرجوع عنه، بل يجب عليه أن يكمل ما أحرم به على الوجه الشرعي؛ لقول الله سبحانه: (وأتموا الحج والعمرة لله) ، وبهذا يتضح لك: أن المسلم إذا دخل في حج أو عمرة بالنية فليس له رفض ذلك، بل يجب عليه أن يكمل ما شرع فيه؛ للآية الكريمة المذكورة، إلا أن يكون قد اشترط، وحصل المانع الذي خاف منه فله أن يتحلل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لضباعة بنت الزبير لما قالت: يارسول الله إني أريد الحج وأنا شاكية، قال: " حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني " متفق على صحته. فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (11 / 166، 167) . وبناء على هذا، فإن العمرة التي أديتها تقع عن العمرة التي أحرمت بها أولاً. وأما محظورات الإحرام التي فعلتيها في تلك الأيام فإنها معفو عنها. لأن الظاهر أنك كنت لا تعلمين تحريم فسخ نية العمرة بعد عقدها. وقد سبق في إجابة السؤال (36522) أن من فعل محظوراً من محظورات الإحرام جاهلاً أو ناسياً أنه لا شيء عليه. سئل الشيخ ابن عثيمين عن امرأة أحرمت بالعمرة ثم فسخت العمرة واعتمرت بعدها بعدة أيام عمرة أخرى فهل هذا العمل صحيح؟ وما حكم ما فعلته من محظورات الإحرام؟ فأجاب: هذا العمل غير صحيح، لأن الإنسان إذا دخل في عمرة أو حج حرم عليه أن يفسخه إلا لسبب شرعي قال الله تعالى: (وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي) ، فعلى هذه المرأة أن تتوب إلى الله عز وجل مما صنعت، وعمرتها صحيحة لأنها وإن فسخت العمرة فإنها لا تنفسخ العمرة، وهذا من خصائص الحج، والحج له خصائص عجيبة لا تكون في غيره، فالحج إذا نويت إبطاله لم يبطل، وغيره من العبادات إذا نويت إبطال بطل، فلو أن الإنسان وهو صائم نوى إبطال صومه بطل صومه، ولو أن المتوضئ أثناء وضوئه نوى إبطال الوضوء بطل الوضوء. لو أن المعتمر أثناء العمرة نوى إبطالها لم تبطل، أو نوى إبطال الحج أثناء تلبسه بالحج لم يبطل. ولهذا قال العلماء: إن النسك لا يرتفض برفضه. وعلى هذا نقول: إن هذه المرأة ما زالت محرمة منذ عقدت النية إلى أن أتمت العمرة، ويكون نيتها الفسخ غير مؤثرة فيه، بل هي باقية عليه. وخلاصة الجواب: بالنسبة للمرأة نقول: إن عمرتها صحيحة، وإن عليها أن لا تعود لرفض الإحرام مرة ثانية، لأنها لو رفضت الإحرام لم تتخلص منه. وأما ما فعلته من المحظورات ولنفرض أن زوجها جامعها والجماع في النسك هو أعظم المحظورات فإنه لا شيء عليها، لأنها جاهلة، وكل إنسان يفعل محظوراً من محظورات الإحرام جاهلاً أو ناسياً أو مكرهاً فلا شيء عليه. اهـ من مجموع فتاوى ابن عثيمين (21/351) باختصار. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 40512 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4324 ليس على القارن إلا سعي واحد فقط [السُّؤَالُ] ـ[عن حج بيت الله الحرام .... بالنسبة للحاج القارن هل ممكن أن نقوم بالإحرام بالعمرة والحج معاً على أن يكون السعي بين الصفا والمروة (بعد طواف القدوم) هو السعي الذي كنا ننويه بعد طواف الإفاضة؟ أي أنه لا سعي علينا بعد طواف الإفاضة طالما سعينا بعد طواف القدوم؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله القارن هو من أحرم بالعمرة والحج جميعاً، والقارن ليس عليه إلا سعي واحد فقط، وهذا السعي يكفيه للحج والعمرة. والأفضل أن يسعى بعد طواف القدوم كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، وله تأخيره حتى يكون مع طواف الإفاضة. وقد دل على أن القارن ليس عليه إلا سعي واحد عدة أدلة، منها: 1- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قارناً، ولم يسع بين الصفا والمروة إلى سعياً واحدا فقط بعد طواف القدوم. روى مسلم (1215) عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: لَمْ يَطُفْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا أَصْحَابُهُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إِلا طَوَافًا وَاحِدًا، طَوَافَهُ الأَوَّلَ. قال النووي رحمه الله: (لَمْ يَطُفْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا أَصْحَابه) يَعْنِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابه قَارِنًا, فَهَؤُلاءِ لَمْ يَسْعَوْا بَيْن الصَّفَا وَالْمَرْوَة إِلا مَرَّة وَاحِدَة , وَأَمَّا مَنْ كَانَ مُتَمَتِّعًا فَإِنَّهُ سَعَى سَعْيَيْنِ , سَعْيًا لِعُمْرَتِهِ, ثُمَّ سَعْيًا آخَر لِحَجِّهِ يَوْم النَّحْر. وَفِي هَذَا الْحَدِيث دَلالَة ظَاهِرَة لِلشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ فِي أَنَّ الْقَارِن لَيْسَ عَلَيْهِ إِلا طَوَاف وَاحِد لِلإِفَاضَةِ وَسَعْي وَاحِد اهـ. 2- وروى البخاري (1556) ومسلم (1211) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: فَطَافَ الَّذِينَ كَانُوا أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ (وهم المتمتعون) بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حَلُّوا ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى، وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ (وهم القارنون) فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا. ومرادها رضي الله عنها بالطواف الواحد السعي بين الصفا والمروة، فإن السعي يطلق عليه طواف. قال ابن القيم: وَفِي الْحَدِيث دَلِيل عَلَى تَعَدُّد السَّعْي عَلَى الْمُتَمَتِّع , فَإِنَّ قَوْلهَا: "ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَر بَعْد أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى لِحَجِّهِمْ" تُرِيد بِهِ الطَّوَاف بَيْن الصَّفَّا وَالْمَرْوَة، وَلِهَذَا نَفَتْهُ عَنْ الْقَارِنِينَ , وَلَوْ كَانَ الْمُرَاد بِهِ الطَّوَاف بِالْبَيْتِ لَكَانَ الْجَمِيع فِيهِ سَوَاء فَإِنَّ طَوَاف الإِفَاضَة لا يَفْتَرِق فِيهِ الْقَارِن وَالْمُتَمَتِّع اهـ. وسئل الشيخ ابن عثيمين: هل يكفي طواف واحد وسعي واحد للقارن؟ فأجاب: إذا حج الإنسان قارناً فإنه يجزئه طواف الحج، وسعي الحجّ عن العمرة والحج جميعاً، ويكون طواف القدوم طواف سنّة وإن شاء قدم السعي بعد طواف القدوم كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وإن شاء أخره إلى يوم العيد، بعد طواف الإفاضة، ولكن تقديمه أفضل لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا كان يوم العيد فإنه يطوف طواف الإفاضة فقط، ولا يسعى لأنه سعى من قبل، والدليل على أن الطواف والسعي يكفيان للعمرة والحج جميعاً قول الرسول صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها وكانت قارنة: (طوافك بالبيت وبالصفا والمروة يسعك لحجِك وعمرتك) رواه أبو داود (1897) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1984) . فبيّن النبي عليه الصلاة والسلام أن طواف القارن وسعي القارن يكفي للحج والعمرة جميعاً اهـ "فتاوى أركان الإسلام" (ص 563) . والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 40223 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4325 اعتمرت عدة مرات ولم تكن تأخذ من شعرها فما الحكم؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من عملت عمرة أو أكثر ولكنها لم تقصر من شعرها، وبعدها عملت أكثر من عمرة وقصرت، فهل عليها شيء فيما مضى؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من ترك واجباً من واجبات الحج أو العمرة كالحلق أو التقصير فعليه عند العلماء فدية (دم) يذبح في مكة ويوزع على الفقراء سئل الشيخ ابن عثيمين عمن اعتمر ولم يحلق أو لم يقصر ناسيا أو جاهلا فما حكم عمرته؟ فأجاب: العمرة صحيحة وإن لم يحلق أو يقصر، وذلك لأن الحلق أو التقصير ليس من أركان العمرة، وإنما هو من الواجبات، وإذا تركه الإنسان ناسيا فإنه يحلق متى ذكر إلا إذا فات الأوان، فإنه يذبح في مكة فدية يتصدق بها على الفقراء، ولا إثم عليه [في] هذه الحال ما دام ناسيا أو جاهلا. اهـ. مجموع فتاوى ابن عثيمين (22/466) 1000 وسئل أيضاً عن رجل تحلل من عمرته بعد أن طاف وسعى ولم يحلق ولم يقصر ثم أحرم بالحج، ماذا يلزمه؟ فأجاب: الظاهر أنه باق على تمتعه، ولكنه يلزمه عن ترك الحلق أو التقصير فدية، بناء على ما هو مشهور عند الفقهاء من أن ترك الواجب تلزم فيه الفدية فإذا كان موسرا قادرا وجب عليه أن يذبح فدية في مكة وتوزع كلها على الفقراء، وإن لم يكن قادرا فلا شيء عليه، أما النسك فهو تمتع، لأن هذه هي نيته. اهـ. مجموع فتاوى ابن عثيمين (22/468) 1004. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39730 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4326 لم تطف طواف العمرة لأنها كانت حائضاً [السُّؤَالُ] ـ[أديت العمرة في آخر يومين من رمضان ولكن وقتها كان لدي الحيض، فأحرمت من الميقات وسعيت بين الصفا والمروة وقصرت، ومنعني الحيض من الطواف، وبعد انتهاء الحيض بحوالي يوم أديت صلاة العيد، وأديت طواف الوداع، ورجعنا إلى بلادنا، فهل هذه العمرة صحيحة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أصبتِ في أشياء وأخطأتِ في أخرى، فقد أصبتِ في الإحرام من الميقات – وأنتِ حائض -، وأصبتِ في الامتناع عن الطواف، لكنك أخطأتِ في السعي والتقصير، وأخطأتِ في عدم الإتيان بطواف العمرة والسعي بعد طهارتك. وتقديم السعي على الطواف يرى بعض العلماء أنه جائز في الحج دون العمرة. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين: "يشترط تقديم الطواف على السعي، فلو بدأ بالسعي قبل الطواف: وجب عليه إعادته بعد الطواف؛ لأنه وقع في غير محله. فإن قال قائل: ما تقولون فيما صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل، فقال له رجل: سعيتُ قبل أن أطوف قال: " افعل ولا حرج "؟ فالجواب: أن هذا في الحج وليس في العمرة .... " انتهى. " الشرح الممتع " (7 / 310) . وأنت الآن لا تزالين على إحرامك بالعمرة، لأنها لم تتم، والواجب عليكِ: الرجوع إلى مكة والقيام بطواف العمرة الذي تركتيه، وإعادة السعي مرة أخرى، وعليك التقصير بعده، ولا عبرة بتقصيرك السابق لأنه وقع في غير محله. قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء فيمن طاف على غير طهارة: "لا تزال محرماً بالعمرة؛ إذا كنت لم تعد للطواف وأنت طاهر، وعليك: أن تتوجه إلى مكة محرماً في أسرع وقت، وتطوف بالبيت وتسعى ثم تحلق أو تقصر، وبذلك تمت عمرتك" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان. "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/237، 238) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39814 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4327 المسعى ليس من المسجد الحرام [السُّؤَالُ] ـ[هل المسعى من المسجد الحرام؟ وهل تقربه الحائض؟ وهل يجب على من دخل الحرم من المسعى أن يصلي تحية المسجد؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله: " الذي يظهر أن المسعى ليس من المسجد ولذلك جعلوا جدارا فاصلا بينهما لكنه جدار قصير، ولا شك أن هذا خير للناس لأنه لو أدخل في المسجد وجعل منه لكانت المرأة إذا حاضت بين الطواف والسعي امتنع عليها أن تسعى.. والذي أفتي به أنها إذا حاضت بعد الطواف وقبل السعي فإنها تسعى لأن المسعى لا يعتبر من المسجد. وأما تحية المسجد فقد يقال إن الإنسان إذا سعى بعد الطواف ثم عاد إلى المسجد فإنه يصليها ولوترك تحية المسجد فلا شيء عليه والأفضل أن ينتهز الفرصة ويصلي ركعتين لما في الصلاة في هذا المكان من الفضل " [الْمَصْدَرُ] انتهى من رسالة 60 مسألة في الحيض الحديث: 36905 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4328 لم يستطع المبيت في مزدلفة [السُّؤَالُ] ـ[لم نستطع المبيت في مزدلفة لأننا لم نجد مكاناً إلا على الطريق ولا يسمحون لأحد بالوقوف على الطريق. فانصرفنا إلى منى فهل علينا شيء؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ ابن باز: إن كان لم يجد مكاناً في مزدلفة أو منعه الجنود من النزول بها فلا شيء عليه؛ لقول الله سبحانه: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ، وإن كان ذلك على تساهل منه فعليه دم مع التوبة اهـ. [الْمَصْدَرُ] فتاوى ابن باز (17/287) الحديث: 36943 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4329 ليس هناك دعاء يدعى به عند مقام إبراهيم [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك دعاء معين أدعو به عند مقام إبراهيم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: بعض المعتمرين والحجاج يقف عند مقام إبراهيم ويدعو بدعاء لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام، وربما يدعو بدعاء بصوت مرتفع، فيشوش على الذين يصلون ركعتي الطواف خلف المقام، وليس للمقام دعاء بل السنة تخفيف الركعتين خلفه، ثم يقوم بعد التسليم مباشرة ليترك المكان لمن هو أحق به منه من الذين يريدون صلاة ركعتي الطواف اهـ [الْمَصْدَرُ] فتاوى أركان الإسلام (ص 547) الحديث: 36948 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4330 لا يصح أن يشترط بعد الإحرام بمدة [السُّؤَالُ] ـ[نسيت أن أشترط عند الإحرام فأقول: إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، وتذكرت عند الدخول إلى مكة، فقلت ذلك، فهل هذا الاشتراط صحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يصح ذلك لأن الاشتراط يكون مع عقد الإحرام، ولا يكون بعد ذلك. سئل الشيخ ابن باز عن الاشتراط بعد عقد الإحرام بمدة فقال: ليس له ذلك وإنما يقال ذلك عند عقد الإحرام، والمراد بعقد الإحرام هو: أن ينوي الدخول فيه بقلبه اهـ. فتاوى ابن باز (17/73) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37055 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4331 يوم الحج الأكبر [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى يوم الحج الأكبر والحج الأكبر؟ وهل هما في معنى واحد، أو يختلف أحدهما عن الآخر؟ وهل كل منهما موجود في القرآن الكريم والسنة الصحيحة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يوم الحج الأكبر هو يوم النحر (وهو اليوم العاشر من شهر ذي الحجة) ، (فقد) أخرج أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف يوم النحر في الحجة التي حج فيها فقال: (أي يوم هذا؟) فقالوا: يوم النحر، فقال: (هذا يوم الحج الأكبر) ، (سنن أبي داوود (1945) وصححه الألباني في صحيح أبي داود (1700)) وأخرج البخاري (369) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بعثني أبو بكر الصديق رضي الله عنه فيمن يؤذن يوم النحر بمنى: (لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان) . وسمي يوم النحر يوم الحج الأكبر؛ لما في ليلته من الوقوف بعرفة، والمبيت بالمشعر الحرام، والرمي في نهاره والنحر والحلق والطواف والسعي من أعمال الحج، ويوم الحج هو الزمن، والحج الأكبر هو العمل فيه، وقد ورد ذكر يوم الحج الأكبر في القرآن قال تعالى: (وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر) التوبة / 3 وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/220) الحديث: 36775 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4332 هل يعود محرماً إذا لم يطف طواف الإفاضة يوم العيد؟ [السُّؤَالُ] ـ[سمعت أن من لم يطف للإفاضة يوم العيد، يعود محرما مرة أخرى حتى يطوف، فهل هذا صحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا قد روي فيه حديث عن أم سلمة رضي الله عنها، وقد سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن هذه المسألة، فأجاب: " سؤالكم عن حديث أم سلمة رضي الله عنها أن من لم يطف طواف الإفاضة قبل غروب الشمس من يوم العيد عاد محرما. أفيدكم بأنه حديث ضعيف لا تقوم به حجة، ولا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك من وجوه: الأول: من جهة سنده، فإن مداره عند الإمام أحمد وأبي داود وابن خزيمة على محمد بن إسحاق صاحب السير المعروف، قال: أخبرنا أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة عن أبيه وعن أمه عن أم سلمة رضي الله عنها، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أنتم أمسيتم قبل أن تطوفوا بهذا البيت عدتم حرما كهيئتكم قبل أن ترموا الجمرة حتى تطوفوا به) . فأما ابن إسحق ففي مفاريده بعض النكارة، فقد سئل الإمام أحمد عن الحديث ينفرد به ابن إسحق تقبله، قال: لا والله. وقال محمد بن يحيى: حسن الحديث عنده غرائب. وقال الدارقطني: اختلف الأئمة فيه، وليس بحجة , وإنما يعتبر به. انتهى. "تهذيب" (9/39-46) . ولعل هذا الحديث من مفاريده المنكرة. وأما أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة فقال فيه في "التقريب" (2/448) : مقبول من الثالثة. وقال فيه في "المحلى" (7/142) : " ليس معروفا بنقل الحديث، ولا معروفا بالحفظ، ولو صح يعني حديث أم سلمة لقلنا به مسارعين إلى ذلك " انتهى. وقد أخرج الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (2/228) نحو حديث أم سلمة لكنه من طريق عبد الله بن لهيعة، قال فيه في التقريب (1/144) : " صدوق من السابعة خلط بعد احتراق كتبه ورواية ابن المبارك وابن وهب عنه أعدل من غيرهما " انتهى. قلت: وقد ضعفه بعض الحفاظ مطلقا، وبعضهم فيما إذا روي عنه غير العبادلة. فإذا كان هذا سند الحديث، لم يروه إلا من في روايتهم نظر ومقال، وأعرض عنه الأئمة الكبار من نقلة الحديث وحفاظه من رجال البخاري ومسلم وأمثالهم، مع أنه في أمر تعم البلوى به وتتوافر الدواعي على نقله، كان ذلك دليلا على أنه لا أصل له. الوجه الثاني: من جهة متنه، فمتنه شاذ، لأن الأحاديث في الصحيحين وغيرهما ظاهرة متضافرة في أن التحلل الأول يحصل قبل الطواف بالبيت بدون قيد وقوعه قبل الغروب، مثل قول عائشة رضي الله عنها: (كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم لحله قبل أن يطوف بالبيت) ولا يمكن أن تقيد بمثل هذا الحديث الشاذ، ولهذا قال الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (2/229) لما ذكر حديث عائشة رضي الله عنها: " فقد عارض ذلك حديث ابن لهيعة الذي بدأنا بذكره في هذا الباب، فهذه أولى، لأن معها من التواتر وصحة المجيء ما ليس مع غيرها مثله " انتهى. الوجه الثالث: من جهة العمل به. إذ لم يعمل به من الأمة: أئمتها وعلمائها إلا نفر قليل من بعد الصحابة إن صح النقل عنهم، فقد قال الطبري في كتابه "القرى لقاصدي أم القرى" (ص472) حين ذكر الحديث: " وهذا حكم لا أعلم أحدا قال به " انتهى. ونقل النووي في "شرح المهذب" (8/165) عن البيهقي قوله: " لا أعلم أحدا من الفقهاء قال به. قلت (النووي) : فيكون منسوخا دل الإجماع على نسخه، فإن الإجماع لا يَنْسخ، ولا يُنسخ، لكن يدل على ناسخ " انتهى. فوافق البيهقيَّ النوويُّ على نفي العلم بالمخالف، بل جعله إجماعا دالا على نسخ الحديث، يعني: لأن الأمة لم تعمل به، لكن في كلام النووي رحمه الله نظر لأن دعوى النسخ تستلزم ثبوت المنسوخ، والحديث لم يثبت أصلا حتى يُدَّعَى فيه النسخ. هذا وقد نقل بعض الناس عن عروة بن الزبير أحد الفقهاء السبعة أنه قال به، ولعله فهم ذلك من قوله فيما نقله عنه الطبري في كتابه "القرى" (ص470) : إنه لا يحل الطيب لمن لم يطف بالبيت بعد عرفة وإن قصر. أخرجه سعيد بن منصور. وإنما قلت ذلك لأنه يبعد جدا أن يكون عروة بن الزبير قال بمقتضى حديث أم سلمة ثم يخفي قوله على مثل الطبري والبيهقي. وعلى هذا يكون معنى قول عروة: إنه لا يحل له الطيب حتى يطوف بالبيت، وهذا قول مشهور، والنزاع في ذلك معروف، والفرق بينه وبين مقتضى حديث أم سلمة بل صريحه: أن حديث أم سلمة يدل على أنه يحل قبل الطواف بالبيت، لكن إن أخر الطواف عن غروب الشمس يوم العيد عاد محرما. أما ما نقله الطبري عن عروة فيدل على توقف حل الطيب على الطواف وبين هذا وذاك فرق ظاهر. الوجه الرابع: أن مقتضاه مخالف لمقتضى الأصول الشرعية والقواعد المرعية. فإن مقتضاها: أن العامل متى حل من العبادة لم يعد إليها إلا بنية جديدة، وهذا مما يضعف ثبوت الحديث، ولو ثبت لكان القول به واجبا، وكل قاعدة لها مستثنيات. هذا ما يسر الله كتابته على عجل. أسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعا للصواب، والعمل بما دلت عليه السنة والكتاب، إنه على ذلك قدير " انتهى من رسالة مكتوبة بخط الشيخ رحمه الله. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36833 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4333 إذا أقيمت الصلاة وهو في الطواف أو السعي [السُّؤَالُ] ـ[إذا أقيمت الصلاة وأنا أطوف أو أسعى، فماذا أفعل هل أكمل الطواف أو أصلي ثم أعيد الطواف؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا أقيمت الصلاة أثناء الطواف أو السعي، فإنك تقطع الطواف وتصلي مع الإمام، ثم تكمل الطواف من حيث انتهيت، ولا يلزمك أن تعيد الطواف ولا أن تعيد الشوط الذي قطعته من أجل الصلاة. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: إذا قطع الطواف لحاجة كمن طاف ثلاثة أشواط ثم أقيمت الصلاة فإنه يصلي ثم يرجع فيبدأ من مكانه ولا يلزمه الرجوع إلى الحجر الأسود، بل يبدأ من مكانه ويكمل، خلافاً لما قاله بعض أهل العلم أنه يبدأ من الحجر الأسود. والصواب لا يلزمه ذلك، كما قال جماعة من أهل العلم، وكذا لو حضر جنازة وصلى عليها، أو أوقفه أحد يكلمه، أو زحام، أو ما أشبه ذلك، فإنه يكمل طوافه، ولا حرج عليه في ذلك اهـ. مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (17/216) . وقال الشيخ ابن باز أيضاً: إذا أقيمت الصلاة وهو في الطواف أو السعي يصلي مع الناس ثم يكمل طوافه وسعيه من حيث انتهى اهـ. فتاوى إسلامية (2/250) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا أقيمت الصلاة والإنسان يطوف سواء طواف عمرة أو طواف حج، أو طواف تطوع فإنه ينصرف من طوافه ويصلي، ثم يرجع ويكمل الطواف، ولا يستأنفه من جديد، ويكمل الطواف من الموضع الذي انتهى إليه من قبل، ولا حاجة إلى إعادة الشوط من جديد، لأن ما سبق بني على أساس صحيح وبمقتضى إذن شرعي فلا يمكن أن يكون باطلاً إلا بدليل شرعي اهـ. فتاوى أركان الإسلام (ص 539) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36850 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4334 يرمي الجمار عن نفسه ثم عمن وَكَّلَه في نفس الموقف [السُّؤَالُ] ـ[إذا وكلني أحد في رمي الجمار عنه، فهل لا بد أن أرمي الجمرات الثلاثة عن نفسي ثم أعود وأرمي عنه أم يجوز أن أرمي الأولى عن نفسي ثم أرميها عنه، ثم أرمي الثانية والثالثة كذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ ابن باز: يجوز للنائب أن يرمي عن نفسه ثم عن مستنيبه كل جمرة من الجمار الثلاث، وهو في موقف واحد، ولا يجب عليه أن يكمل رمي الجمار عن نفسه ثم يرجع فيرمي عن مستنيبه في أصح قولي العلماء، لعدم الدليل الموجب لذلك، ولما في ذلك من المشقة والحرج، والله سبحانه وتعالى يقول: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الحج /78. وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَسِّرُوا وَلا تُعَسِّرُوا) رواه البخاري (96) ومسلم (1734) ، ولأن ذلك لم ينقل عن أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين رموا عن صبيانهم والعاجز منهم، ولو فعلوا ذلك لنقل لأنه مما تتوافر الدواعي على نقله. اهـ فتاوى ابن باز (16/86) . وقال الشيخ ابن عثيمين: ولا بأس أن يرمي عن نفسه وعمن وَكَّلَه في موقف واحد، فلا يلزمه أن يكمل الثلاث عن نفسه ثم يرجع فيرمي عن موكله لعدم الدليل على وجوب ذلك اهـ. مناسك الحج والعمرة ص 95. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36853 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4335 لا يشرع السعي بين الصفا والمروة إلا في الحج أو العمرة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز التطوع بالسعي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ ابن عثيمين: لا يجوز التطوع بالسعي، لأن السعي إنما يُشرع في النُّسك، الحج والعمرة، لقول الله تعالى: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ) البقرة / 158. [الْمَصْدَرُ] "فتاوى أركان الإسلام" (ص540) الحديث: 36869 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4336 تأخير طواف الإفاضة حتى يكون عند الوداع [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن أؤخر طواف الإفاضة ثم أطوف طوافاً واحداً للوداع والإفاضة ثم أسافر من مكة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم يجوز تأخير طواف الإفاضة ثم تطوف طوفاً واحداً يجزئ عن الإفاضة والوداع، والأولى أن تطوف طوافين للإفاضة والوداع. والأكمل من هذا كله أن تطوف للإفاضة يوم العيد بعد أن ترمي جمرة العقبة وتذبح الهدي وتحلق أو تقصر. ثم إذا أردت السفر من مكة تطوف للوداع، وهكذا فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقد سئل الشيخ ابن باز عن هذه المسألة فقال: لا حرج في ذلك، لو أن إنساناً أخّر طواف الإفاضة فلما عزم على السفر طاف عند سفره بعدما رمى الجمار وانتهى من كل شيء، فإن طواف الإفاضة يجزئه عن طواف الوداع، وإن طافهما – طواف الإفاضة وطواف الوداع – فهذا خير إلى خير، ولكن متى اكتفى بواحد ونوى طواف الحج أجزأه ذلك اهـ. فتاوى ابن باز (17/332) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36870 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4337 الحج أفضل أم الصدقة؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا حج الإنسان الفريضة، فهل الأفضل أن يكرر الحج ويحج نافلة أو يتصدق بهذا المال؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأصل أن الحج النافلة أفضل من الصدقة بالمال الذي سينفقه في الحج. لكن قد يعرض من الأسباب ما يجعل الصدقة بالمال أفضل من حج النافلة، كما لو كانت الصدقة في الجهاد في سبيل الله، أو في الدعوة إلى الله، أو على قوم مضطرين لا سيما إذا كانوا من أقاربه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الاختيارت" (ص 206) : وَالْحَجُّ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ الَّتِي لَيْسَتْ وَاجِبَةً. وَأَمَّا إنْ كَانَ لَهُ أَقَارِبُ مَحَاوِيجُ فَالصَّدَقَةُ عَلَيْهِمْ أَفْضَلُ , وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ هُنَاكَ قَوْمٌ مُضْطَرُّونَ إلَى نَفَقَتِهِ , فَأَمَّا إذَا كَانَ كِلاهُمَا تَطَوُّعًا فَالْحَجُّ أَفْضَلُ لأَنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ مَالِيَّةٌ وَكَذَلِكَ الأُضْحِيَّةُ وَالْعَقِيقَةُ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ بِقِيمَةِ ذَلِكَ , لَكِنْ هَذَا بِشَرْطِ أَنْ يُقِيمَ الْوَاجِبَ فِي الطَّرِيقِ وَيَتْرُكَ الْمُحَرَّمَاتِ وَيُصَلِّيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ , وَيَصْدُقُ الْحَدِيثَ وَيُؤَدِّي الأَمَانَةَ وَلا يَتَعَدَّى عَلَى أَحَدٍ اهـ. وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: الحج والعمرة أفضل من الصدقة بنفقتهما لمن أخلص لله القصد، وأتى بهذا النسك على الوجه المشروع، وقد صح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: (الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلا الْجَنَّةُ) رواه البخاري (1773) ومسلم (1349) ، وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عُمْرَةٌ فِي رَمَضَان تَعْدِلُ حَجَّة) رواه البخاري (1782) مسلم (1256) اهـ. وقال أيضاً: من حج الفريضة فالأفضل له أن يتبرع بنفقة الحج الثاني للمجاهدين في سبيل الله، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما سئل أي الأعمال أفضل؟ قَالَ إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ. قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: حَجٌّ مَبْرُورٌ. رواه البخاري (26) ومسلم (83) . فجعل الحج بعد الجهاد، والمراد به حج النافلة لأن الحج المفروض ركن من أركان الإسلام مع الاستطاعة، وفي الصحيحين عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: (مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَه فِي أَهْلِهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا) ولا شك أن المجاهدين في سبيل الله في أشد الحاجة إلى المساعدة المادية، والنفقة فيهم أفضل من النفقة في التطوع للحديثين المذكورين وغيرهما اهـ. وقال أيضاً: الأفضل لمن أدى فريضة الحجّ والعمرة أن ينفق ما يقابل حج التطوع وعمرة التطوع في مساعدة المجاهدين في سبيل الله، لأن الجهاد الشرعي أفضل من حجّ التطوع وعمرة التطوّع اهـ. وسئل الشيخ ابن باز: هل الأفضل أن يتبرع لبناء مسجد أو يحج عن والديه؟ فأجاب: إذا كانت الحاجة ماسة إلى تعمير المسجد فتصرف نفقة الحج تطوعاً في عمارة المسجد لعظم النفع واستمراره وإعانة المسلمين على إقامة الصلاة جماعة. أما إن كانت الحاجة غير ماسة إلى صرف النفقة ـ أعني نفقة الحج التطوع ـ في عمارة المسجد لوجود من يعمره غير صاحب الحجّ، فحجه تطوعاً عن والديه بنفسه وبغيره من الثقات أفضل إن شاء الله، لكن لا يجمعان في حجة واحدة بل يحج لكل واحد وحده اهـ. انظر مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (16/368-372) . وقال الشيخ ابن عثيمين: الذي نرى أن بذل النفقة في الجهاد أفضل من بذلها في حج التطوع، لأن نفل الجهاد أفضل من نفل الحج اهـ بتصرف. فتاوى ابن عثيمين (2/677) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36875 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4338 معنى الآية (فمن تعجل في يومين) [السُّؤَالُ] ـ[ي بالنسبة للتعجل في الحج، لماذا يسافر المتعجل في اليوم الثاني عشر، والمتأخر في اليوم الثالث عشر؟ مع أن الله يقول: (فمن تعجل في يومين) . فالتعجل يكون في اليوم الحادي عشر.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله معنى الآية: فمن تعجل في يومين من أيام التشريق، وهي اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر. فيكون التعجل في اليوم الثاني عشر. ولعل السائل فهم أن اليوم الأول هو يوم العيد. وهذا الفهم غير صحيح. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: أود أن أنبه إخواننا الحجاج على هذا الخطأ، فإن كثيراً من الحجاج يفهمون أن معنى قوله تعالى: (فمن تعجّل في يومين) أي خرج في اليوم الحادي عشر فيعتبرون اليومين: يوم العيد واليوم الحادي عشر، والأمر ليس كذلك، بل هذا خطأ في الفهم، لأن الله تعالى قال: (واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجّل في يومين فلا إثم عليه) والأيام المعدودات هي أيام التشريق، وأيام التشريق أولها الحادي عشر، وعلى هذا يكون قوله: (فمن تعجّل في يومين) أي من أيام التشريق، وهو اليوم الثاني عشر فينبغي للإنسان أن يصحح مفهومه حول هذه المسألة حتى لا يخطئ اهـ. "فتاوى أركان الإسلام" (ص 566) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36617 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4339 وقت رمي الجمار [السُّؤَالُ] ـ[ما هو وقت رمي الجمار؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: جمرة العقبة جمرة العقبة: هي أول الجمرات رمياً، وتُرمى يوم العيد بعد طلوع الشمس. ويجوز للضعفاء من النساء والصبيان وغيرهم من الضعفاء أن يرموها ليلة العيد (آخر الليل) ، لأن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها كانت ترتقب غروب القمر ليلة العيد فإذا غاب دفعت من مزدلفة إلى منى ورمت الجمرة. - آخر وقت رمي جمرة العقبة. يمتد وقت رمي جمرة العقبة إلى غروب شمس يوم العيد. ولا حرج لمن أخره إلى آخر الليل نظراً لشدة الزحام أو كان بعيداً عن الجمرات، ولكنه لا يؤخره إلى طلوع الفجر من اليوم الحادي عشر. ثانياً: الرمي في أيام التشريق (11، 12، 13) - ابتداء الرمي يبدأ الرمي في أيام التشريق من زوال الشمس (أي دخول وقت صلاة الظهر) . - انتهاؤه ينتهي وقت الرمي إلى آخر الليل، فإذا كان مشقة وزحام وغيره فلا بأس أن يرمي بالليل إلى طلوع الفجر ولا يحل تأخيره إلى ما بعد الفجر. ولا يحل الرمي في اليوم الحادي عشر والثاني عشر، والثالث عشر قبل الزوال، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرم إلا بعد الزوال، وقال للناس: " خذوا عني مناسككم " وكون الرسول صلى الله عليه وسلم يؤخر الرمي ـ إلى هذا الوقت ـ مع أنه في شدّة الحر، ويدع أول النهار مع أنه أبرد وأيسر، دليل على أنه لا يحل الرمي قبل هذا الوقت، ويدل لذلك أيضاً أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يرمي من حين تزول الشمس قبل أن يصلي الظهر، وهذا دليل على أنه لا يحل أن يرمي قبل الزوال وإلا لكان الرمي قبل الزوال أفضل، لأجل أن يصلي الصلاة ـ صلاة الظهر ـ في أوّل وقتها، لأن الصلاة في أول وقتها أفضل، والحاصل أن الأدلة تدل على أن الرمي في أيام التشريق لا يجوز قبل الزوال. انظر فتاوى أركان الإسلام (ص 560) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36436 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4340 نوى التمتع فاعتمر ثم سافر ولم يحج [السُّؤَالُ] ـ[أحرمت بالعمرة متمتعاً، ثم لما رأيت شدة الزحام أنهيت العمرة وسافرت ولم أحرم بالحج. فهل علي شيء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كنت حججت حجة الإسلام من قبل فلا شيء عليك، وإن كنت لم تحج من قبل فكان الواجب عليك أن تبقى حتى تؤدي الفريضة وعليك المبادرة بالحج متى ما استطعت إلى ذلك سبيلاً. قال الشيخ ابن عثيمين: المتمتع إذا أحرم بالعمرة فأتمها ثم بدا له أن لا يحجّ قبل أن يُحرم بالحجّ فلا شيء عليه، إلا أن ينذر، فإذا نذر أن يحجّ هذا العام وجب عليه الوفاء بنذره، فإن كان بدون نذر فإنه لا حرج عليه إذا ترك الحج بعد أداء العمرة اهـ. [الْمَصْدَرُ] "فتاوى أركان الإسلام" (ص550-551) الحديث: 36438 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4341 حكم الحج [السُّؤَالُ] ـ[ما هو حكم الحج، وما حكم من أنكر وجوبه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحج ركن من أركان الإسلام، فمن جحده أو أبغضه بعد البيان فهو كافر، يستتاب فإن تاب وإلا قتل، ويجب على المستطيع أن يُعجِّل بأداء فريضة الحج؛ لقوله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) آل عمران 97. وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11 / 11) . الحديث: 34972 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4342 هل تشترط الطهارة للطواف والسعي؟ [السُّؤَالُ] ـ[أثناء طوافي للعمرة انتقض وضوئي، فلم أدر ماذا أصنع، فخرجت وتوضأت وأعدت الطواف ثم سعيت بين الصفا والمروة. فهل ما فعلته صحيح؟ وماذا كان عليّ أن أفعل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لقد أحسنت بإعادتك الوضوء والطواف، وأخذت بالأحسن والأحوط، وقد ذهب أكثر العلماء إلى أن الطهارة من الحدث شرط لصحة الطواف كالصلاة، فكما لا تصح الصلاة من المحدث حتى يتوضأ فكذلك الطواف. قال ابن قدامة: الطَّهَارَة مِنْ الْحَدَثِ شرط لِصِحَّةِ الطَّوَافِ , فِي الْمَشْهُورِ عَنْ أَحْمَدَ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ اهـ. واستدل الجمهور لهذا القول بعدة أدلة، منها: 1- قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلاةٌ , إلا أَنَّكُمْ تَتَكَلَّمُونَ فِيهِ) . رواه الترمذي (960) وصححه الألباني في إرواء الغليل (121) . 2- ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: (لما أراد صلى الله عليه وسلم أن يطوف توضأ) . وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خذوا عني مناسككم) . رواه مسلم (1297) . فتاوى الشيخ ابن باز (17/213-214) . 3- ثبت في الصحيحين أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لعائشة لما حاضت: (افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي) . وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: لي قريبة اعتمرت في رمضان ولما دخلت الحرم أحدثت حدثاً أصغر، خرج منها ريح وخجلت أن تقول لأهلها أريد أن أتوضأ، ثم طافت ولما انتهت من الطواف ذهبت لوحدها وتوضأت ثم أتت بالسعي، فهل عليها دم أم كفارة؟ فأجاب: طوافها غير صحيح، لأن من شرط صحة الطواف الطهارة كالصلاة، فعليها أن ترجع إلى مكة وأن تطوف بالبيت ويستحب لها أن تعيد السعي، لأن أكثر أهل العلم لا يجيز تقديمه على الطواف، ثم تقصّر من جميع رأسها وتحلّ، وإن كانت ذات زوج وقد جامعها زوجها فعليه دم يذبح في مكة للفقراء، وعليها أن تأتي بعمرة جديدة من الميقات الذي أحرمت منه للعمرة الأولى، لأن العمرة الأولى فسدت بالجماع، فعليها أن تفعل ما ذكرنا ثم تأتي بالعمرة الجديدة من الميقات التي أحرمت للعمرة الأولى منه، سواء كان ذلك في الحال أو في وقت آخر حسب طاقتها. والله وليّ التوفيق اهـ. فتاوى الشيخ ابن باز (17/214-215) . وسئل أيضاً: رجل شرع في الطواف فخرج منه ريح، هل يلزمه قطع طوافه أم يستمر؟ فأجاب: إذا أحدث الإنسان في الطواف بريح أو بول أو منيّ أو مس فرج أو ما أشبه ذلك انقطع طوافه كالصلاة يذهب فيتطهر ثم يستأنف الطواف، هذا هو الصحيح، والمسألة فيها خلاف، لكن هذا هو الصواب في الطواف والصلاة جميعاً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا فسا أحدكم في الصلاة فلينصرف وليتوضأ وليعد الصلاة) . رواه أبو داود وصححه ابن خزيمة، والطواف من جنس الصلاة في الجملة .... اهـ. مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (17/216-217) . وذهب بعض العلماء إلى أن الطهارة من الحدث ليست شرطاً للطواف. وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية. وأجابوا عن أدلة القول الأول بالآتي: أما حديث (الطواف بالبيت صلاة) فقالوا: لا يصح من قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنما هو من قول ابن عباس رضي الله عنهما. قال النووي في المجموع: الصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ , كَذَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْحُفَّاظِ اهـ. وأما فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنه طاف متطهراً فقالوا: هذا لا يدل على الوجوب، وإنما يدل على الاستحباب فقط، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعله ولم يَرِد أنه أمر أصحابه بذلك. وأما قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعائشة: (افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي) فإنما منعها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الطواف لأنها حائض، والحائض ممنوعة من دخول المسجد. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والذين أوجبوا الوضوء للطواف ليس معهم حجة أصلاً؛ فإنه لم يَنقل أحدٌ عن النَّبي صلى الله عليه وسلم لا بإسناد صحيح ولا ضعيف أنه أمر بالوضوء للطواف، مع العلم بأنه قد حج معه خلائق عظيمة، وقد اعتمر عمَراً متعددة والناس يعتمرون معه فلو كان الوضوء فرضاً للطواف لبيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم بياناً عامّاً، ولو بيَّنه لنَقل ذلك المسلمون عنه ولم يهملوه، ولكن ثبت في الصحيح أنه لما طاف توضأ، وهذا وحده لا يدل على الوجوب؛ فإنه قد كان يتوضأ لكل صلاة، وقد قال: " إني كرهتُ أن أذكر الله إلا على طهر " ... .اهـ. "مجموع الفتاوى" (21 / 273) . وهذا القول –أي عدم اشتراط الطهارة للطواف- مع قوته واحتمال الأدلة له لا ينبغي للإنسان أن يقدم على الطواف بلا طهارة، وذلك لأن الطواف متطهراً أفضل بلا شك، وأحوط وأبرأ للذمة. وبه يسلم الإنسان من مخالفة جمهور العلماء. ولكن يسع الإنسان العمل به مع المشقة الشديدة في مراعاة الوضوء، وذلك يكون في أيام المواسم، أو إذا كان الرجل مريضاً أو كبيراً في السن يشق عليه أن يحافظ على طهارته مع شدة الزحام والمدافعة. . ونحو ذلك. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله بعد أن أجاب عن أدلة الجمهور: وعليه: فالقول الراجح الذي تطمئن إليه النفس: أنه لا يشترط في الطواف الطهارة من الحدث الأصغر، لكنها بلا شك أفضل وأكمل واتباعاً للنبي صلى الله عليه وسلم، ولا ينبغي أن يخل بها الإنسان لمخالفة جمهور العلماء في ذلك، ولكن أحياناً يضطر الإنسان إلى القول بما ذهب إليه شيخ الإسلام، مثل: لو أحدث أثناء طوافه في زحام شديد، فالقول بأنه يلزمه أن يذهب ويتوضأ ثم يأتي في هذا الزحام الشديد، لا سيما إذا لم يبق عليه إلا بعض شوط: فيه مشقة شديدة، وما كان فيه مشقة شديدة ولم يظهر فيه النص ظهوراً بيِّناً: فإنه لا ينبغي أن نُلزم الناس به، بل نتبع ما هو الأسهل والأيسر؛ لأن إلزام الناس بما فيه مشقة بغير دليل واضح منافٍ لقوله تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) . البقرة / 185 اهـ. " الشرح الممتع " (7 / 300) . وأما بالنسبة للسعي: فلا يشترط فيه الوضوء وهو مذهب الأئمة الأربعة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، بل يجوز للحائض أن تسعى بين الصفا والمروة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع الحائض إلا من الطواف فقال لعائشة – رضي الله عنها – لما حاضت -: " افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت ". انظر المغني 5 / 246. قال الشيخ ابن عثيمين: فلو سعى محدثاً، أو سعى وهو جنب، أو سعت المرأة وهي حائض: فإن ذلك مجزئ، لكن الأفضل أن يسعى على طهارة. " الشرح الممتع " (7 / 310، 311) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 34695 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4343 مواضع وصيغ الدعاء في العمرة [السُّؤَالُ] ـ[أنا ذاهبة إلى مكة لعمل عمرة، ولا أعرف أدعية، ممكن المساعدة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ورد في السنة الصحيحة أدعية وأذكار تقال في مناسك العمرة، ويمكن أن يستفيد منها المسلم في حفظها وفهمها والعمل بمقتضاها، ومنها: أ- في الميقات عند الإهلال. يسن للمسلم أن يسبِّح ويهلل ويكبر قبل إحرامه بالعمرة والحج. عن أنس رضي الله عنه قال: صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن معه بالمدينة الظهر أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين ثم بات بها حتى أصبح ثم ركب حتى استوت به على البيداء حمد الله وسبح وكبر ثم أهل بحج وعمرة وأهلَّ الناس بهما. رواه البخاري (1476) . قال الحافظ ابن حجر: وهذا الحكم - وهو استحباب التسبيح وما ذكر معه قبل الإهلال - قلّ من تعرض لذكره مع ثبوته. " فتح الباري " (3 / 412) . ب- في الطريق إلى مكة – بين الميقات والوصول إلى الكعبة -. يسن التلبية والإكثار منها ورفع الصوت بها للرجال أما المرأة فتخفض صوتها حتى لا يسمعها الرجال الأجانب عنها. عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استوت به راحلته قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهلَّ فقال: لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك. رواه البخاري (5571) ومسلم (1184) . ج- أثناء الطواف. يقول كلما حاذى الحجر الأسود في كل شوط: الله أكبر. روى البخراي (1613) عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طاف بالبيت. كلما أتى الركن (أي الحجر الأسود) أشار إليه بشيء كان عنده وكبَّر. ويقول بين الركن اليماني والحجر والأسود. ما ورد عن عبد الله بن السائب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما بين الركنين: " ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ". رواه أبو داود (1892) . وحسَّنه الشيخ الألباني في " صحيح أبي داود ". د- قبل الصعود إلى الصفا وعليه. عن جابر بن عبد الله قال: ... ثم خرج – أي: النبي صلى الله عليه وسلم - من الباب إلى الصفا فلما دنا من الصفا قرأ {إن الصفا والمروة من شعائر الله} أبدأ بما بدأ الله به، فبدأ بالصفا فرقي عليه حتى رأى البيت، فاستقبل القبلة فوحَّد الله وكبَّره وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده، ثم دعا بين ذلك، قال مثل هذا ثلاث مرات. رواه مسلم (1218) . هـ- في الصعود على المروة. يفعل مثل ما فعل على الصفا دون ذكره للآية قبل الصعود عليه. قال جابر رضي الله عنه: ثم نزل إلى المروة حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى حتى إذا صعدتا مشى حتى أتى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا. رواه مسلم (1218) . عند شربه لماء زمزم يدعو بما شاء من خير الدنيا والآخرة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم " ماء زمزم لما شُرب له " – رواه ابن ماجه (3062) وصححه الشيخ الألباني في (5502) وكذلك يشرع الإكثار من ذكر الله تعالى ـ ومنه الدعاء ـ في الطواف والسعي، فليدع المسلم فيهما بما يفتح الله تعالى عليه، ولا بأس بأن يقرأ القرآن في طوافه وسعيه، وما يذكره بعض الناس من وجود أدعية مخصوصة لكل شوط في الطواف والسعي: فمما لا أصل له في الشرع. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ويستحب له في الطواف أن يذكر الله تعالى ويدعوه بما يشرع، وإن قرأ القرآن سرّاً فلا بأس، وليس فيه ذكر محدود عن النبى صلى الله عليه وسلم لا بأمره ولا بقوله ولا بتعليمه، بل يدعو فيه بسائر الأدعية الشرعية، وما يذكره كثير من الناس من دعاء معيَّن تحت الميزاب ونحو ذلك: فلا أصل له. وكان النبى صلى الله عليه وسلم يختم طوافه بين الركنين بقوله " ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " كما كان يختم سائر دعائه بذلك، وليس في ذلك ذكر واجب باتفاق الأئمة. " مجموع الفتاوى " (26 / 122، 123) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 34744 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4344 آداب الحج والعمرة [السُّؤَالُ] ـ[قد قرأت في موقعك صفة الحج والعمرة، فهل هناك آدابٌ ينبغي أن يتحلى بها الحاج أو المعتمر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال تعالى: (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير زاد التقوى واتقون يا أولي الألباب) . - فينبغي للعبد أن يقوم بشعائر الحج على سبيل التعظيم والإجلال والمحبة والخضوع لله رب العالمين فيؤديها بسكينة ووقار واتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم. - وينبغي أن يشغل هذه المشاعر العظيمة بالذكر والتكبير والتسبيح والتحميد والاستغفار لأنه في عبادة من حين أن يشرع في الإحرام حتى يحل منه فليس الحج نزهة للهو واللعب يتمتع به الإنسان كما شاء من غير حد كما يُشَاهد من بعض الناس، فترى بعضهم يفرط في اللعب والضحك والاستهزاء بالخلق وغير ذلك من الأعمال المنكرة كأنما شرع الحج للمرح واللعب. - ويجب على الحاج وغيره أن يحافظ على ما أوجبه الله عليه من الصلاة جماعة في أوقاتها والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. - وينبغي أن يحرص على نفع المسلمين والإحسان إليهم بالإرشاد والمعونة عند الحاجة وأن يرحم ضعيفهم خصوصا في مواضع الرحمة كمواضع الزحام ونحوها فإن رحمة الخلق جالبة لرحمة الخالق وإنما يرحم الله من عباده الرحماء. - ويتجنب الرفث والفسوق والعصيان والجدال لغير نصرة الحق، أما الجدال من أجل نصرة الحق فهذا واجب في موضعه. ويتجنب الاعتداء على الخلق وإيذاءهم فيتجنب الغيبة والنميمة والسب والشتم والضرب والنظر إلى النساء الأجانب فإن هذا حرام في الإحرام وخارج الإحرام فيتأكد تحريمه حال الإحرام. - وليتجنب ما يحدثه كثير من الناس من الكلام الذي لا يليق بالمشاعر كقول بعضهم إذا رمى الجمرات رمينا الشيطان وربما شتم المشعر أو ضربه بنعل ونحوه مما ينافي الخضوع والعبادة ويناقض المقصود برمي الجمار وهو إقامة ذكر الله عز وجل. المرجع كتاب المنهج لمريد العمرة والحج للشيخ محمد ابن عثيمين. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 34188 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4345 صفة الحج [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أعرف صفة الحج بالتفصيل.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحج من أفضل العبادات، وأجل الطاعات، وهو أحد أركان الإسلام الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم، والتي لا يتم دين العبد إلا بها. والعبادة لا يتم التقرب بها إلى الله ولا تكون مقبولة إلا بأمرين: أحدهما: الإخلاص لله عز وجل بأن يقصد بها وجه الله والدار الآخرة، لا يقصد بها رياءً ولا سمعة ولا حظاً من الدنيا. الثاني: اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فيها قولا وعملا، والاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن تحقيقه إلا بمعرفة سنته صلى الله عليه وسلم. لذلك فالواجب على من أراد أن يتعبد لله تعالى بعبادة -الحج أو غيره- أن يتعلم هدي النبي صلى الله عليه وسلم فيها؛ حتى يكون عمله موافقاً للسنة. وسنلخص في هذه الأسطر صفة الحج كما وردت في السنة. وقد سبق في إجابة السؤال رقم 31819 بيان صفة العمرة، فليرجع إليه. أنواع الأنساك الأنساك ثلاثة أنواع: تمتع – إفراد – قران فالتمتع: أن يحرم بالعمرة وحدها في أشهر الحج (وأشهر الحج هي شوال وذو القعدة وذو الحجة. انظر الشرح الممتع 7/62) فإذا وصل مكة طاف وسعى للعمرة وحلق أو قصر من شعره وتحلل من إحرامه، فإذا كان يوم التروية وهو اليوم الثامن من ذي الحجة أحرم بالحج وحده وأتى بجميع أفعاله. فالمتمتع يأتي بعمرة كاملة وحج كامل. والإفراد: أن يحرم بالحج وحده فإذا وصل مكة طاف للقدوم وسعى للحج ولا يحلق ولا يقصر ولا يحل من إحرامه بل يبقى محرما حتى يحل بعد رمي جمرة العقبة يوم العيد، وإن أخر سعي الحج إلى ما بعد طواف الحج فلا بأس. والقران: أن يُحرم بالعمرة والحج جميعاً أو يحرم بالعمرة أولاً ثم يُدخل الحج عليها قبل الشروع في طوافها. (وذلك بأن ينوي أن طوافه وسعيه عن حجه وعمرته) . وعمل القارن كعمل المفرد سواء إلا أن القارن عليه هدي والمفرد لا هدي عليه. وأفضل هذه الأنواع الثلاثة التمتع، وهو الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم به أصحابه وحثهم عليه، حتى لو أحرم الإنسان قارناً أو مفرداً فإنه يتأكد عليه أن يقلب إحرامه إلى عمرة ثم يتحلل ليصير متمتعاً ولو كان ذلك بعد أن طاف للقدوم وسعى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما طاف وسعى عام حجة الوداع ومعه أصحابه أمر كل من ليس معه هدي أن يقلب إحرامه إلى عمرة ويقصر ويتحل وقال: لولا أنِّي سقت الهدي لفعلت الذي أمرتكم به. الإحرام يفعل هنا من سنن الإحرام ما سبق ذكره في السؤال المشار إليه آنفاً من الاغتسال والتطيب والصلاة. ثم يحرم بعد فراغه من الصلاة أو بعد ركوبه دابته. ثم إن كان متمتعاً قال: "لبيك اللهم بعمرة". وإن كان قارناً قال: "لبيك اللهم بحجة وعمرة". وإن كان مُفرداً قال: "لبيك اللهم حجاً". ثم يقول: اللهم هذه حجة لا رياء فيها ولا سمعة. ثم يلبي بما لبى النبي صلى الله عليه وسلم به وهو: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك"، وكان من تلبيته صلى الله عليه وسلم: "لبيك إله الحق" وكان ابن عمر يزيد في التلبية قوله: "لبيك وسعديك، والخير بيديك، والرغباء إليك والعمل". يرفع الرجل صوته بذلك، وأما المرأة فتقول بقدر ما يسمع من بجنبها، إلا أن يكون بجانبها رجل ليس من محارمها فإنها تلبي سراً. - وإذا كان من يريد الإحرام خائفا من عائق يعوقه عن إتمام نسكه (كمرض أو عدو أو حبس أو غير ذلك) فإنه ينبغي أن يشترط عند الإحرام فيقول: إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني - أي منعني مانع عن إتمام نسكي من مرض أو تأخر أو غيرهما فإني أحل من إحرامي - لأن النبي صلى الله عليه وسلم " أمر ضباعة بنت الزبير حين أرادت الإحرام وهي مريضة أن تشترط وقال: إن لك على ربك ما استثنيت " رواه البخاري (5089) ومسلم (1207) فمتى اشترط وحصل له ما يمنعه من إتمام نسكه فإنه يحل من إحرامه ولا شيء عليه. وأما من لا يخاف من عائق يعوقه عن إتمام نسكه فإنه لا ينبغي له أن يشترط لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشترط ولم يأمر بالاشتراط كل أحد، وإنما أمر به ضباعة بنت الزبير لوجود المرض بها. وينبغي للمحرم أن يكثر من التلبية خصوصا عند تغير الأحوال والأزمان مثل أن يعلو مرتفعا أو ينزل منخفضا أو يقبل الليل أو النهار وأن يسأل الله بعدها رضوانه والجنة ويستعيذ برحمته من النار. والتلبية مشروعة في العمرة من الإحرام إلى أن يبدأ في الطواف. وفي الحج من الإحرام إلى أن يرمي جمرة العقبة يوم العيد. الاغتسال لدخول مكة: وينبغي إذا قرب من مكة أن يغتسل لدخولها إن تيسر له ذلك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل عند دخوله مكة. رواه مسلم (1259) . ثم إذا دخل المسجد الحرام قدم رجله اليمنى وقال: بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وبسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، ثم يتقدم إلى الحجر الأسود ليبتدئ الطواف. . . وقد سبق ذكر صفة الطواف في السؤال رقم (31819) . ثم بعد الطواف وصلاة ركعتين يأتي المسعى فيسعى بين الصفا والمروة، وقد سبق في السؤال رقم (31819) بيان صفة السعي. أما المتمتع فيسعى للعمرة، وأما المفرد والقارن فيسعيان للحج، ولهما أن يؤخرا السعي إلى ما بعد طواف الإفاضة. الحلق أو التقصير فإذا أتم المتمتع سعيه سبعة أشواط حلق رأسه إن كان رجلاً، أو قصر من شعره، ويجب أن يكون الحلق شاملا لجميع الرأس، وكذلك التقصير يعم به جميع جهات الرأس، والحلق أفضل من التقصير لأن النبي صلى الله عليه وسلم: " دعا للمحلقين ثلاثا وللمقصرين مرة " رواه مسلم (1303) . إلا أن يكون وقت الحج قريبا بحيث لا يتسع لنبات شعر الرأس فإن الأفضل التقصير ليبقى له شعر يحلقه في الحج، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم: أمر أصحابه في حجة الوداع أن يقصروا للعمرة؛ لأن قدومهم كان صباح اليوم الرابع من ذي الحجة. وأما المرأة فإنها تُقصِّر من شعرها بمقدار أنملة. وبهذه الأعمال تمت العمرة للمتمتع، ويتحلل بعدها إحلالا كاملا، ويفعل كما يفعل المحلون من اللباس والطيب وإتيان زوجته وغير ذلك. وأما المفرد والقارن فإنها لا يحلقان ولا يقصران ولا يتحللان من إحرامهما، بل يبقيان محرمان حتى يحلاً يوم العيد بعد رمي جمرة العقبة والحلق أو التقصير. ثم إذا كان يوم التروية وهو اليوم الثامن من ذي الحجة يحرم المتمتع بالحج ضُحَىً من مكانه الذي هو فيه من مكة، ويُستحب أن يفعل عند إحرامه بالحج ما فعل عند إحرامه بالعمرة من الغسل والطيب والصلاة فينوي الإحرام بالحج ويلبي، فيقول: " لبيك اللهم حجاً ". وإن كان خائفا من عائق يمنعه من إتمام حجه اشترط فقال: وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني وإن لم يكن خائفا من عائق لم يشترط. ويُستحب له الجهر بالتلبية إلى أن يبتدئ برمي جمرة العقبة يوم العيد. الذهاب إلى منى ثم يخرج إلى منى فيصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر قصرا من غير جمع لأن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يقصر بمنى ولا يجمع " والقصر: جعل الصلاة الرباعية ركعتين , ويقصر أهل مكة وغيرهم بمنى وعرفة ومزدلفة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالناس في حجة الوداع ومعه أهل مكة ولم يأمرهم بالإتمام ولو كان واجباً عليهم لأمرهم به كما أمرهم به عام الفتح. لكن حيث امتد عمران مكة فشمل منى وصارت كأنها حي من أحيائها فإن أهل مكة لا يقصرون فيها. الذهاب إلى عرفة فإذا طلعت الشمس يوم عرفة سار من منى إلى عرفة فنزل بنمرة إلى وقت الظهر (ونمرة مكان قبل عرفة مباشرة) إن تيسر له وإلا فلا حرج لأن النزول بنمرة سنة وليس بواجب، فإذا زالت الشمس (أي دخل وقت صلاة الظهر) صلى الظهر والعصر ركعتين ركعتين يجمع بينهما جمع تقديم كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ليطول وقت الوقوف والدعاء. ثم يتفرغ بعد الصلاة للذكر والدعاء والتضرع إلى الله عز وجل ويدعو بما أحب رافعا يديه مستقبل القبلة ولو كان جبل عرفات خلفه لأن السنة استقبال القبلة لا الجبل وقد وقف النبي صلى الله عليه وسلم عند الجبل وقال: "وقفت ههنا وعرفة كلها موقف". وكان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الموقف العظيم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. فإن حصل له ملل وأراد أن يستجم بالتحدث مع أصحابه بالأحاديث النافعة أو قراءة ما تيسر من الكتب المفيدة خصوصا فيما يتعلق بكرم الله وجزيل هباته ليقوي جانب الرجاء في ذلك اليوم كان ذلك حسنا , ثم يعود إلى التضرع إلى الله ودعائه ويحرص على اغتنام آخر النهار بالدعاء فإن خير الدعاء دعاء يوم عرفة. - الذهاب إلى مزدلفة: فإذا غربت الشمس سار إلى مزدلفة. .. فإذا وصلها صلى المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين. وإن كان يخشى أن لا يصل مزدلفة إلا بعد نصف الليل فإنه يصلي في الطريق، ولا يجوز أن يؤخر الصلاة إلى ما بعد نصف الليل. ويبيت بمزدلفة فإذا تبين الفجر صلى الفجر مبكرا بأذان وإقامة ثم قصد المشعر الحرام (وهو موضع المسجد الموجود بمزدلفة) فوحد الله وكبره ودعا بما أحب حتى يسفر جدا (والإسفار هو ظهور ضوء النهار قبل طلوع الشمس) وإن لم يتيسر له الذهاب إلى المشعر الحرام دعا في مكانه لقول النبي صلى الله عليه وسلم وقفت ههنا وجمعٌ (أي مزدلفة) كلها موقف. ويكون حال الذكر والدعاء مستقبل القبلة رافعا يديه. - الذهاب إلى منى: فإذا أسفر جدا سار قبل أن تطلع الشمس إلى منى ويسرع في وادي محسر (وهو وادٍ بين مزدلفة ومنى) فإذا وصل إلى منى رمى جمرة العقبة وهي الأخيرة مما يلي مكة (فهي أقرب الجمرات إلى مكة) بسبع حصيات متعاقبات واحدة بعد الأخرى كل واحدة بقدر حبة الفول تقريبا يُكبر مع كل حصاة (والسنة عند رمي جمرة العقبة أن يستقبل الجمرة ويجعل مكة عن يساره، ومنى عن يمينه) فإذا فرغ من الرمي ذبح هديه ثم حلق رأسه أو قَصَّر إن كان ذكرا , وأما المرأة فتقصر من شعرها بمقدار أنملة (وبهذا يتحل المُحْرِم التحلل الأول، فيحل له كل شيء إلا جماع زوجته) ثم ينزل إلى مكة فيطوف ويسعى للحج (ثم يتحلل التحلل الثاني فيحل له كل شيء حرم عليه بسبب الإحرام) . والسنة أن يتطيب إذا أراد النزول إلى مكة للطواف بعد الرمي والحلق لقول عائشة رضي الله عنها: " كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت " رواه البخاري (1539) ومسلم (1189) . ثم بعد الطواف والسعي يرجع إلى منى فيبيت بها ليلتي اليوم الحادي عشر والثاني عشر ويرمي الجمرات الثلاث في اليومين إذا زالت الشمس , والأفضل أن يذهب للرمي ماشيا وإن ركب فلا بأس فيرمي الجمرة الأولى وهي أبعد الجمرات عن مكة وهي التي تلي مسجد الخيف بسبع حصيات متعاقبات واحدة بعد الأخرى ويكبر بعد كل حصاة ثم يتقدم قليلا ويدعو دعاء طويلا بما أحب فإن شق عليه طول الوقوف والدعاء دعا بما يسهل عليه ولو قليلا ليحصل السنة. ثم يرمي الجمرة الوسطى بسبع حصيات متعاقبات يكبر مع كل حصاة ثم يأخذ ذات الشمال فيقف مستقبل القبلة رافعا يديه ويدعو دعاء طويلا إن تيسر له وإلا وقف بقدر ما يتيسر ولا ينبغي أن يترك الوقوف للدعاء لأنه سنة وكثير من الناس يهمله إما جهلا أو تهاونا وكلما أضيعت السنة كان فعلها ونشرها بين الناس أوكد لئلا تترك وتموت. ثم يرمي جمرة العقبة بسبع حصيات متعاقبات يكبر مع كل حصاة ثم ينصرف ولا يدعو بعدها. فإذا أتم رمي الجمار في اليوم الثاني عشر فإن شاء تعجل وخرج من منى , وإن شاء تأخر فبات بها ليلة الثالث عشر ورمى الجمار الثلاث بعد الزوال كما سبق , والتأخر أفضل , ولا يجب إلا أن تغرب الشمس من اليوم الثاني عشر وهو بمنى , فإنه يلزمه التأخر حتى يرمي الجمار الثلاث بعد الزوال من الغد، لكن لو غربت عليه الشمس بمنى في اليوم الثاني عشر بغير اختياره مثل أن يكون قد ارتحل وركب ولكن تأخر بسبب زحام السيارات ونحوه فإنه لا يلزمه التأخر لأن تأخره إلى الغروب بغير اختياره. فإذا أراد الخروج من مكة إلى بلده لم يخرج حتى يطوف للوداع لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا ينفر أحدٌ حتى يكون آخر عهده بالبيت " رواه مسلم (1327) ، وفي رواية: " أُمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خُفف عن الحائض " رواه البخاري (1755) ومسلم (1328) . فالحائض والنفساء ليس عليهما طواف وداع، ولا ينبغي لهما أن يقفا عند باب المسجد الحرام للوداع لعدم وروده عن النبي صلى الله عليه وسلم. ويجعل طواف الوداع آخر عهده بالبيت إذا أراد أن يرتحل للسفر فإن بقي بعد الوداع لانتظار رفقة أو تحميل رحله أو اشترى حاجة في طريقه فلا حرج عليه ولا يعيد الطواف إلا أن ينوي تأجيل سفره مثل أن يريد السفر أول النهار فيطوف للوداع ثم يؤجل السفر إلى آخر النهار مثلا فإنه يلزمه إعادة الطواف ليكون آخر عهده بالبيت. فائدة يجب على المحرم بحج أو عمرة ما يلي: 1- أن يكون ملتزما بما أوجب الله عليه من شرائع دينه كالصلاة في أوقاتها مع الجماعة. 2- أن يتجنب ما نهى الله عنه من الرفث والفسوق والعصيان لقوله تعالى {فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج} البقرة / 197. 3- أن يتجنب أذية المسلمين بالقول أو الفعل عند المشاعر أو غيرها. 4- أن يتجنب جميع محظورات الإحرام. (أ) فلا يأخذ شيئاً من شعره أو ظفره، فأما نقش الشوكة ونحوه فلا بأس به وإن خرج دم. (ب) ولا يتطيب بعد إحرامه في بدنه أو ثوبه أو مأكله أو مشربه ولا يتنظف بصابون مطيب فأما ما بقي من أثر الطيب الذي تطيب به قبل إحرامه فلا يضر. (ج) ولا يقتل الصيد. (د) ولا يجامع امرأته. (هـ) ولا يباشر لشهوة بلمس أو تقبيل أو غيرهما. (و) ولا يعقد النكاح لنفسه ولا غيره ولا يخطب امرأة لنفسه ولا لغيره. (ز) ولا يلبس القفازين. فأما لف اليدين بخرقة فلا بأس به. وهذه المحظورات السبعة محظورات على الذكر والأنثى. ويختص الرجل بما يلي: - لا يغطي رأسه بملاصق فأما تظليله بالشمسية وسقف السيارة والخيمة وحمل العفش عليه فلا بأس به. - ولا يلبس القميص ولا العمائم ولا البرانس ولا السراويل ولا الخفاف إلا إذا لم يجد إزاراً فيلبس السراويل أو لم يجد نعلين فيلبس الخفاف. - ولا يلبس ما كان بمعنى ما سبق فلا يلبس العباءة ولا القباء ولا الطاقية ولا الفنيلة ونحوهما. - ويجوز أن يلبس النعلين والخاتم ونظارة العين وسماعة الأذن وأن يلبس الساعة في يده أو يتقلدها في عنقه ويلبس الحزام ليجعل فيه النفقة. - ويجوز أن يتنظف بغير ما فيه طيب وأن يغسل ويحك رأسه وبدنه وإن سقط بذلك شعر بدون قصد فلا شيء عليه. والمرأة لا تلبس النقاب وهو ما تستر به وجهها منقوباً لعينيها فيه، ولا تلبس البرقع أيضاً. والسنة أن تكشف وجهها إلا أن يراها رجال غير محارم لها فيجب عليها ستره في حال الإحرام وغيرها … ." انظر كتاب مناسك الحج والعمرة للألباني وكتاب صفة الحج والعمرة وكتاب المنهج لمريد العمرة والحج لابن عثيمين رحم الله الجميع. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 31822 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4346 حكم جمع طواف الحامل والمحمول بطواف واحد؟ [السُّؤَالُ] ـ[نويت الذهاب إلى العمرة إن شاء الله، واصطحبت معي زوجتي وولدي، الأكبر له من العمر سنتان، والأصغر له ثلاثة أشهر، ولي بعض الأسئلة التي أرجو أن أجد لها جوابًا شافيًا عندكم بإذن الله: هل لا بد من طواف لي، ثم طواف لأحدهما، ثم طواف للآخر، وسعي لي، ثم لأحدهما، ثم للآخر، أم يجزئ لنا كلنا طواف وسعي واحد، وإن كان لا بد من طواف وسعي لكل منا، هل يجوز مثلاً أن أطوف بأحدهم، ثم يسعى به خاله أو أمه، بحيث نفرق أعمال العمرة علينا، لما في تكرارها من مشقة كبيرة لا تخفى عليكم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف العلماء فيمن حمل غيره وطاف به، هل يقع الطواف عنهما معاً أو عن أحدهما؟ على قولين: القول الأول: أنه لا يصح ذلك، بل لابد من طواف مستقل للحامل، وطواف آخر للمحمول، وهو قول جمهور العلماء. قال ابن قدامة رحمه الله: " إن نوى الطواف عن نفسه وعن الصبي: احتمل وقوعه عن نفسه .... واحتمل أن يقع عن الصبي .... لكون المحمول أولى. واحتمل أن يلغو لعدم التعيين , لكون الطواف لا يقع عن غير معين " انتهى. "المغني" (3/108) . وقال البهوتي رحمه الله: "فإن نوى الطائف بالصغير، الطواف عن نفسه، وعن الصبي، وقع الطواف عن الصبي، كالكبير يطاف به محمولا لعذر؛ لأن الطواف فعلٌ واحدٌ لا يصح وقوعه عن اثنين " انتهى. "كشاف القناع" (2/381) . وقال أبو إسحاق الشيرازي (الشافعي) : "وإن حَمَلَ مُحرِمٌ مُحرمًا، وطاف به، ونويا، لم يجز عنهما جميعا؛ لأنه طواف واحد، فلا يسقط به طوافان .... ) " انتهى. "المجموع" (8/39) . القول الثاني: أنه يصح طواف واحد عن الحامل والمحمول، وهو قول الحنفية، وقول عن الإمام الشافعي. واختاره كثير من علمائنا المعاصرين، كالشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله والشيخ ابن جبرين. قال ابن نجيم الحنفي رحمه الله: " وذكر الإسبيجابي: ومن طِيف به محمولا أجزأه ذلك الطواف عن الحامل والمحمول جميعا, وسواء نوى الحامل الطواف عن نفسه وعن المحمول أو لم ينو " انتهى. "البحر الرائق" (2/381) ، "المجموع" (8/39) . وقد نقلنا فتوى الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ بن جبرين في ذلك، في جواب السؤال رقم (12945) . ونزيد هنا فتوى للشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله، فقد سئل: إذا حج بالصبي وحمله في الطواف والسعي فهل يجزئ؟ فأجاب: "الصواب أن الطواف الواحد يجزئ عن الحامل والمحمول، عن الرجل وعن الصبي؛ لأنه نوى عن نفسه وعن الصبي، وبعض العلماء يرى أنه لا يكفي إلا عن واحد، ولكنه قول ضعيف" انتهى. "الفتاوى السعدية" (ص/239) . فعلى هذا؛ يكفيك طواف واحد وسعي واحد، عنك وعن الصبي الذي تحمله، ولو وضعتها على عربة ونويت الطواف والسعي عنها وأنت تطوف وتسعى معها، أجزأ ذلك إن شاء الله. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121548 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4347 أحرم بالعمرة لطفلته ولم تكملها [السُّؤَالُ] ـ[أحرمنا للعمرة مع طفلتي ذات السنة ولم تؤد المناسك وذلك للخوف من الأمراض المعدية وخشية الإرهاق, مع العلم أنا اشترطنا التحلل عند وجود حابس.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كنت أحرمت بالعمرة لطفلتك، ثم لم تكملها، فلا شيء عليك، لأن إحرام الصبي غير لازم، لعدم تكليفه، وهذا مذهب الحنفية، واختاره بعض أهل العلم. وينظر: السؤال رقم (49028) ورقم (37995) . وأما الاشتراط فإنه يفيد إذا وجد المانع والحابس، كالمرض، ولا يكفي مجرد الخشية من المرض أو الإرهاق. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 100794 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4348 يسأل عن إحرام الصبيان [السُّؤَالُ] ـ[إذا أحرمت بابني الصغير، ثم واجهتنا صعوبات الزحام، ونحو ذلك مما هو مشاهد في الحج، في هذه الأيام، فهل لنا أن نفسخ إحرامه، بعد ما تلبس به؟ وما الذي يلزمنا حينما نفسخه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قد سبق بيان مشروعية حج الصغير، وبيان أن هذه الحجة لا تجزئه عن حجة الإسلام، وسبق بيان ما يفعله الولي بصبيه، [انظر الأسئلة 13636، 36862، 14621] . ومع ذلك فينبغي أن يراعي الولي ظروف الوقت الذي يريد أن يحرم فيه بالصبي؛ فإن كان في وقت لا يشق فيه الإحرام بالصبي، لقلة الزحام، ونحو ذلك، فإنه يحرم به، وإن كان في وقت يشق فيه الإحرام بالصبي، لشدة الزحام في الحج، أو العمرة في رمضان، أو ضعف وليه، ونحو ذلك، فالأولى في حقه ألا يحرم به؛ لأنه ربما يشغله عن أداء نسكه الذي هو مطالب به على الوجه الأكمل. انظر الشرح الممتع 7/24. لكن كثيرا من الأولياء لا يحسنون تقدير هذه الصعوبات، أو يغلب على ظنهم أنهم يستطيعون تحملها، ثم يكون الأمر على خلاف ما قدروه، وربما لم يتحمل الصبي نفسه البقاء في الإحرام، ويشق على الولي أن يلزمه بالاستمرار فيه، فما الحكم في هذه الحالة؟ قال الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله: المشهور من المذهب [يعني مذهب الحنابلة] أنه يلزمه الإتمام؛ لأن الحج والعمرة يجب إتمام فعلهما. والقول الثاني، وهو مذهب أبي حنيفة، رحمه الله تعالى، أنه لا يلزمه الإتمام؛ لأنه غير مكلف، ولا ملزم بالواجبات. وهذا القول هو الأقرب للصواب، وهو ظاهر ما يميل إليه صاحب الفروع [يعني ابن مفلح، تلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية] . وعلى هذا له أن يتحلل، ولا شيء عليه، وهو في الحقيقة أرفق بالناس؛ لأنه ربما يظن الولي أن الإحرام بالصبي سهل، ثم يكون على خلاف ما يتوقع، فتبقى المسألة مشكلة، وهذا يقع كثيرا من الناس اليوم، فإذا أخذنا بهذا القول، الذي هو أقرب للصواب لعلته الصحيحة، زالت عنا هذه المشكلة.) الشرح الممتع 7/25، وانظر الفتاوى 22/148. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49028 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4349 هل يكتب للأطفال حج؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل اصطحاب الأطفال للحج. هل تكتب لهم حجة إذا أديت المناسك عنهم أو ماذا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله دلت السنة الصحيحة على أن الصبي له حج يثاب عليه، لكن لا يجزئه عن حجة الإسلام، فقد روى مسلم (2378) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: رَفَعَتْ امْرَأَةٌ صَبِيًّا لَهَا فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: (نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ) . قال النووي في "شرح مسلم": " فِيهِ حُجَّة لِلشَّافِعِيِّ وَمَالِك وَأَحْمَد وَجَمَاهِير الْعُلَمَاء أَنَّ حَجّ الصَّبِيّ مُنْعَقِد صَحِيح يُثَاب عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ لَا يُجْزِيه عَنْ حَجَّة الْإِسْلَام , بَلْ يَقَع تَطَوُّعًا , وَهَذَا الْحَدِيث صَرِيح فِيهِ. . . قَالَ الْقَاضِي: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئهُ إِذَا بَلَغَ عَنْ فَرِيضَة الْإِسْلَام إِلَّا فِرْقَة شَذَّتْ فَقَالَتْ: يُجْزِئهُ , وَلَمْ تَلْتَفِت الْعُلَمَاء إِلَى قَوْلهَا. . . وقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَلَك أَجْر) مَعْنَاهُ بِسَبَبِ حَمْلهَا وَتَجْنِيبهَا إِيَّاهُ مَا يَجْتَنِبهُ الْمُحْرِم وَفِعْل مَا يَفْعَلهُ الْمُحْرِم " انتهى. وقال الخطابي: " إِنَّمَا كَانَ لَهُ الْحَجّ مِنْ نَاحِيَة الْفَضِيلَة دُون أَنْ يَكُون مَحْسُوبًا عَنْ فَرْضه لَوْ بَقِيَ حَتَّى بَلَغَ وَيُدْرِك مَدْرَك الرِّجَال , وَهَذَا كَالصَّلَاةِ يُؤْمَر بِهَا إِذَا أَطَاقَهَا وَهِيَ غَيْر وَاجِبَة عَلَيْهِ وُجُوب فَرْض وَلَكِنْ يُكْتَب لَهُ أَجْرهَا تَفَضُّلًا مِنْ اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى وَيُكْتَب لِمَنْ يَأْمُرهُ بِهَا وَيُرْشِدهُ إِلَيْهَا أَجْر فَإِذَا كَانَ لَهُ حَجّ فَقَدْ عُلِمَ أَنَّ مِنْ سُنَنه أَنْ يُوقَف بِهِ الْمَوَاقِف وَيُطَاف بِهِ حَوْل الْبَيْت مَحْمُولًا إِنْ لَمْ يُطِقْ الْمَشْي وَكَذَلِكَ السَّعْي بَيْن الصَّفَا وَالْمَرْوَة وَنَحْوهَا مِنْ أَعْمَال الْحَجّ " انتهى نقلاً من "عون المعبود". وروى الترمذي (926) عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: (حَجَّ بِي أَبِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ) صححه الألباني في صحيح الترمذي. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيما صبي حج ثم بلغ فعليه حجة أخرى) رواه الشافعي في مسنده، وصححه الألباني في إرواء الغليل (686) . وقد سبق الكلام على حج الصبي، وما يترتب عليه في جواب السؤال رقم (3240) و (49028) والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 85299 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4350 صحة حج الصغير [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أحج بولدي الصغير الذي لم يبلغ بعد، فهل يقبل حجه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اتفق أهل العلم على عدم وجوب الحج والعمرة على غير البالغ؛ لأن الصبي مرفوع عنه القلم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ " رواه أبو داوود (4403) وابن ماجه (2041) وأما صحة حج الصبي فالصحيح أن حجه صحيح ويثاب عليه، وهو قول جمهور أهل العلم بل حُكى هذا القول إجماعاً. لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَ رَكْبًا بِالرَّوْحَاءِ فَقَالَ مَنْ الْقَوْمُ؟ قَالُوا: الْمُسْلِمُونَ. فَقَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ. فَرَفَعَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ صَبِيًّا فَقَالَتْ: أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ " رواه مسلم (1336) . أنظر السؤال (14621) . للاستزادة راجع كتاب مناسك الصبيان ص6. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 13636 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4351 لا يجزئ حج الصغير عن حجة الإسلام [السُّؤَالُ] ـ[إذا حج الإنسان وهو صغير فهل عليه أن يحج مرةً أُخرى؟ أم تكفيه عن حجة الإسلام؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله حج الصغير صحيح كما تقدم في السؤال رقم (13636) إلا أنها لا تُجزئه عن حجة الإسلام بل عليه إذا بلغ وكان قادراً أن يحج حجةً أُخرى. وهذا قول جمهور أهل العلم من المذاهب الأربعة بل حكي إجماعاً. لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما صبي حج ثم بلغ فعليه حجة أخرى " رواه ابن أبي شيبة وصححه ابن حجر في التلخيص (2/220) والألباني في الإرواء (4/159) قال ابن قدامة في المغني (5/44) : " قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم – إلا من شذَّ عنهم ممن لا يُعتد بقوله خلافاً – على أن الصبي إذا حج في حال صغره، والعبد إذا حجَّ في حال رقه، ثم بلغ الصبي وعتق العبد، أن عليهما حجة الإسلام، إذا وجدا إليهما سبيلا " انتهى وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة ما نصه: " تعتبر العمرة والحج من غير البالغ تطوعاً، ولا تكفي عن حجة الإسلام وعمرته " فتاوى اللجنة (11/24) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36862 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4352 الحلف بالطاعات محرم ولا كفارة فيه [السُّؤَالُ] ـ[لقد حلفت بصيامي أني لن أفعل ذلك، ولكن أريد أن أفعل ذلك الشيء. ما هي الفتوى في هذا الحلف؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز الحلف إلا باسم من أسماء الله تعالى الحسنى، أو صفاته العلى، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ) رواه البخاري (2679) . وجعل النبي صلى الله عليه وسلم الحلف بغير الله شركاً أصغر، وذلك لما فيه من تعظيم غير الله، لأن الحلف لا يكون إلا بشيء معظم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ) رواه أبو داود (3251) وصححه الألباني في "سنن أبي داود". والحلف بالصيام أو الصلاة أو غير ذلك من الطاعات هو حلف بغير الله فيكون محرماً. جاء في "تبيين الحقائق" (3/109) : "والحلف بالطاعة لا يكون يميناً، لأنه حلف بغير الله تعالى" انتهى. وقال ابن الهمام في "فتح القدير" (5/71) : "والحلف بالطاعات حلف بغيره وغير صفته [أي: حلف بغير الله وبغير صفته] فلا يكون يميناً" انتهى. فعلى من فعل ذلك، أن يتوب إلى الله تعالى، ويندم على ما فعل، ويعزم على عدم العودة إلى ذلك مرة أخرى. واليمين بغير الله تعالى ليست يميناً منعقدة، فلا يجب الوفاء بها، ولا كفارة فيها. قال ابن حزم في "المحلى" (9/125) : "من حلف بغير الله فليس حالفاً، ولا هي يميناً، وهو باطل ليس فيه إلا استغفار الله تعالى والتوبة فقط" انتهى. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "الحلف بالمخلوقات كالكعبة والملائكة، والمشايخ والملوك والأباء وتربتهم ونحو ذلك يمين غير منعقدة ولا كفارة فيها باتفاق العلماء، بل هي منهي عنها باتفاق أهل العلم، والنهي نهي تحريم في أصح قوليهم" انتهى. "الفتاوى الكبرى" (3/222) . فعلى هذا، لا حرج عليك في فعل ما حلفت على عدم فعله إذا كان مباحاً، ولا كفارة عليك. ولكن عليك التوبة من هذا اليمين المحرم. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 141164 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4353 نسيان النذر، وعدم الالتزام به [السُّؤَالُ] ـ[إنني كلما أمر بأزمة أوعد نفسي ـ مثلا ـ أصلي ركعتين، أو أستغفر 100 مره بعد كل صلاة، ولكنني لم ألتزم. وأيضا فإنني أنسى ما نذرت وما وعدت، ولم أذكر، فماذا عليّ أن أفعله. وأيضا أنقذني الله تعالى من أزمه، فقلت: كل يومين أصلي ركعتين له تعالى حمدا وشكرا إذا استطعت، والتزمت بها لمده سنتين، ولكني تخلفت عنها منذ أشهر، لأن البعض يقول لا تجوز هذه الصلاة، وإنما الحمد الله هو أن تسجد فقط له؟! وأما من نذر صلاة أو صياما ـ مثلا ـ ونسي قدره، فقد نقلت ما يوافق كلامه.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إن مجرد وعد النفس، بتعبير السائل، أو العزم على فعل معين، أو تحديث النفس به، كل ذلك لا يدخل في باب النذر، ولا يلزم المكلف أن يفعل ما عزم عليه أو نواه، إذا لم يجعله نذرا على نفسه، بصيغة تدل على ذلك؛ مثل أن يقول: إن ذلك نذر عليه، أو: لله عليه أن يفعل كذا، أو نحو من ذلك؛ فمجرد النية لا تجعل الأمر المنوي نذرا، ما لم يذكر معه قولا يدل على ذلك. قال الشيخ زكريا الأنصاري رحمه الله في بيان أركان النذر: "الرُّكْنُ الثَّانِي: الصِّيغَةُ؛ فَلَا بُدَّ مِنْهَا فِي النَّذْرِ؛ فَلَا يَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ، وَيَنْعَقِدُ بِإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ الْمُفْهِمَةِ، وَيَنْبَغِي انْعِقَادُهُ بِكِتَابَةِ النَّاطِقِ مَعَ النِّيَّةِ.. " انتهى. "أسنى المطالب" (1/576) . وقال المرداوي رحمه الله: " ولا يصح إلا بالقول فإن نواه من غير قول لم يصح بلا نزاع " انتهى. "الإنصاف" (11/90) . وجاء في الموسوعة الفقهية: " اعْتَبَرَ الْفُقَهَاءُ فِي صِيغَةِ النَّذْرِ أَنْ تَكُونَ بِاللَّفْظِ مِمَّنْ يَتَأَتَّى مِنْهُمُ التَّعْبِيرُ بِهِ، وَأَنْ يَكُونَ هَذَا اللَّفْظُ مُشْعِرًا بِالاِلْتِزَامِ بِالْمَنْذُورِ، وَذَلِكَ لأَِنَّ الْمُعَوَّل عَلَيْهِ فِي النَّذْرِ هُوَ اللَّفْظُ، إِذْ هُوَ السَّبَبُ الشَّرْعِيُّ النَّاقِل لِذَلِكَ الْمَنْدُوبِ الْمَنْذُورِ إِلَى الْوُجُوبِ بِالنَّذْرِ، فَلاَ يَكْفِي فِي ذَلِكَ النِّيَّةُ وَحْدَهَا بِدُونِهِ. وَيَقُومُ مَقَامَ اللَّفْظِ الْكِتَابَةُ الْمَقْرُونَةُ بِنِيَّةِ النَّذْرِ، أَوْ بِإِشَارَةِ الأَْخْرَسِ الْمُفْهِمَةِ الدَّالَّةِ أَوِ الْمُشْعِرَةِ بِالْتِزَامِ كَيْفِيَّةِ الْعُقُودِ " انتهى. "الموسوعة الفقهية الكويتية" (40/140) . فعلى ذلك لا يلزم السائل أن يفعل ما وعد نفسه به، أو نواه، ما لم يقترن بذلك صيغة تدل على النذر. ثانيا: من نذر طاعة من الطاعات، صلاة أو زكاة أو غير ذلك، سواء نذر ذلك ابتداء، أو علقه على حصول أمر، وحصل ما علق عليه نذره: وجب عليه الوفاء بذلك، وحرم عليه الإخلال بما نذر به؛ لمار ورى البخاري (6696) وغيره، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ) . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " الطَّاعَة أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُون فِي وَاجِب أَوْ مُسْتَحَبّ , وَيُتَصَوَّر النَّذْر فِي فِعْل الْوَاجِب بِأَنْ يُؤَقِّتَهُ , كَمَنْ يَنْذُر أَنْ يُصَلِّيَ الصَّلَاةَ فِي أَوَّل وَقْتهَا، فَيَجِب عَلَيْهِ ذَلِكَ بِقَدْرِ مَا أَقَّتَهُ. وَأَمَّا الْمُسْتَحَبّ مِنْ جَمِيع الْعِبَادَات الْمَالِيَّة وَالْبَدَنِيَّة فَيَنْقَلِب بِالنَّذْرِ وَاجِبًا، وَيَتَقَيَّد بِمَا قَيَّدَهُ بِهِ النَّاذِر. وَالْخَبَر صَرِيح فِي الْأَمْر بِوَفَاءِ النَّذْر إِذَا كَانَ فِي طَاعَة , وَفِي النَّهْي عَنْ تَرْك الْوَفَاء بِهِ إِذَا كَانَ فِي مَعْصِيَة. " انتهى. "فتح الباري" (11/582) . قال ابن المنذر رحمه الله: " وأجمعوا أن كل من قال: إن شفى الله عليلي، أو قدم غائبي، أو ما أشبه ذلك، فعلي من الصوم كذا، ومن الصلاة كذا، فكان كما قال، أن عليه الوفاء بنذره. " انتهى. "الإجماع" لابن المنذر (157) . قال ابن عبد البر رحمه الله: " ولا خلاف بين العلماء أن النذر بالطاعة يلزم صاحبه الوفاء به، ولا كفارة فيه " انتهى. "الاستذكار" (15/41) . فتبين بذلك أن نذر العبادات التي وضعها الشارع قربةً لعباده: صحيح في نفسه، وأنه لازم للمكلف، وأن من نذر أن يصلي لله كذا ركعة، أو يستغفر كذا مرة، أو يصوم أياما معينة، أو غير ذلك من الطاعات: فعليه أن يوفي بنذره، وليس له كفارة إلا الوفاء به، وأن ما ذكره القائل في السؤال من عدم جواز هذه الصلاة المنذورة: خطأ، مخالف لإجماع العلماء. ثالثا: من نذر، ثم نسي ما نذره: هل كان صلاة أو صياما، أو غير ذلك؛ فإنه يجتهد في معرفة ما كان نذره، إن كانت هناك قرينة أو علامة تدل عليه، فإن لم يتذكر شيئا من ذلك، فعليه كفارة يمين، كما هو مذهب جمهور العلماء في النذر المبهم الذي لم يسم صاحبه ما يلتزمه من الأعمال. ينظر ـ في حكم النذر المبهم ـ: "الموسوعة الفقهية" (40/158) . وأما إن كان يذكر أنه نذر صلاة، أو صياما، أو غير ذلك، لكنه نسي صفة ما نذره أو عدده، فالواجب عليه أقل ما يصدق عليه ذلك النذر؛ فيصلي ركعتين، أو يصوم يوما، أو نحو ذلك. قال الشيخ مصطفى الرحيباني رحمه الله: " (وَ) مَنْ أَحْرَمَ (بِنُسُكٍ) تَمَتُّعٍ، أَوْ إفْرَادٍ أَوْ قِرَانٍ، أَوْ أَحْرَمَ بِنَذْرٍ (وَنَسِيَهُ) ، أَيْ: مَا أَحْرَمَ بِهِ، أَوْ نَسِيَ مَا نَذَرَهُ (قَبْلَ طَوَافٍ، صَرَفَهُ لِعُمْرَةٍ نَدْبًا) ، لِأَنَّهَا الْيَقِينُ " انتهى. "مطالب أولي النهى" (2/318) . وينظر: "الموسوعة الفقهية" (40/163-165) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 140754 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4354 من قال في طاعة: أعاهد الله على كذا لزمته لزوم النذر واليمين [السُّؤَالُ] ـ[أنا كنت مريضة، والحمد لله شفيت من المرض، وقلت: عهد مني أمام الله ما أحضر صالات الأفراح. وزوجي طلب مني الحضور في حفل زفاف شقيقه، وأتمني منكم الجواب. وفقكم الله.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: قول العبد: أعاهد الله، أو عليّ عهد الله، أو لله عليّ عهد، ونحو ذلك: حكمه حكم النذر واليمين. قال الله تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ) التوبة / 75. وقال تعالى: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا) الإسراء / 34 قال شيخ الإسلام رحمه الله: " إِذَا قَالَ: أُعَاهِدُ اللَّهَ أَنِّي أَحُجُّ الْعَامَ فَهُوَ نَذْرٌ وَعَهْدٌ وَيَمِينٌ " انتهى. "الاختيارات العلمية" (ص 286) وقال أيضا: " أمر سبحانه بالوفاء بالعقود وهذا عام، وكذلك أمر بالوفاء بعهد الله وبالعهد. وقد دخل في ذلك ما عقده المرء على نفسه بدليل قوله: (ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل) ، فدل على أن عهد الله يدخل فيه ما عقده المرء على نفسه، وإن لم يكن الله قد أُمِر بنفس ذلك المعهود عليه قبل العهد، كالنذر والبيع إنما أمر بالوفاء به " انتهى. "مجموع الفتاوى" (29 / 138) وقال ابن حزم رحمه الله: " لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ عَمَلُ بِرٍّ: فَيُجْزِيهِ تَسْبِيحَةٌ، أَوْ تَكْبِيرَةٌ، أَوْ صَدَقَةٌ، أَوْ صَوْمٌ، أَوْ صَلاَةٌ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ. وَسَوَاءٌ قَالَ عَلَيَّ ذَلِكَ نَذْرًا، أَوْ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ، أَوْ قَالَ عَلَى للَّهِ كَذَا وَكَذَا، كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ " انتهى. "المحلى" (8 / 27) . ثانيا: صالات الأفراح التي عاهدت ربك ألا تذهبي إليها لا تخلو عادة من منكرات الاختلاط والموسيقى والتبرج والسفور، وغير ذلك مما هو معلوم؛ وهو الأمر الذي جعلت تعاهدين ربك على ألا تشاركي فيه، شكرا له على نعمة الشفاء؛ وحينئذ: فلا يجوز لك الذهاب إلى هذه الصالات، بل هي محرمة عليك من وجهين: من جهة ما فيها من المنكرات، ومن جهة أنك عاهدت ربك على ألا تذهبي إليها. قد روى البخاري (6696) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ) . وأما إذا قدر أن الصالة التي يعقد فيها حفل شقيق زوجك: ليس فيها شيء من المنكرات الشرعية، من الغناء والموسيقى والاختلاط بالنساء، وغير ذلك من المنكرات. أو أنهم منعوا وجود هذه المنكرات في حفلهم: فذهاب إليه مباح من حيث الأصل، لكنك منعت نفسك منه بالنذر الذي نذرتيه. ولك أن تذهبي مع زوجك إلى هذه الصالة، ويلزمك كفارة يمين عن ذلك نذرك. ويترجح جانب الزواج إذا كان فيه رضى لزوجك، وخشيت المفسدة من عدم ذهابك. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا أراد العبد من ربه حاجة، ثم اتجه إلى ربه يدعوه وقال: يا ربي، لك علي عهد إذا حققت طلبي ألا أفعل كذا أو كذا، ثم حقق الله لعبده الحاجة، وندم العبد على ما عاهد الله عليه؛ لأن في ذلك العهد مضايقة له، هل يجوز ترك هذا العهد مع الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: " لابد أن نعلم ما الذي عاهد الله عليه أن يتركه: إن كان شيئاً مباحا، مثل أن يقول: علي عهد الله ألا آكل الطعام الفلاني، فهنا نقول: كله وكفر عن نذرك؛ لأن هذا نذر مباح. وأما إذا كان شيئا محرما، وقال: عليَّ عهد الله ألا أغتاب الناس. فإنه يجب عليه ألا يغتاب وتكون الغيبة عليه محرمة من وجهين: الوجه الأول: أنها في الأصل محرمة بل من كبائر الذنوب. والثاني: أنه عاهد الله على تركها إذا تحققت له الحاجة الفلانية وقد تحققت " انتهى. "فتاوى نور على الدرب" (11/292-293) . وأما إذا لم يكن الحفل في صالة من هذه الصالات أصلا، وإنما في المنزل، أو في غيره من الأماكن: فلا حرج عليك في الذهاب إلى هذا الحفل مع زوجك. رابعا: في الحال التي يحرم عليك أن تذهبي إلى هذه الصالات بحكم نذرك، وبحكم ما فيها من المنكرات: لا يحق لزوجك أن يجبرك على الذهاب إليها، بل عليه أن يتفهم موقفك، وأن يعرف أن طاعة الله أولى من طاعته. كما عليك أيضا أنت أن تحسني عشرة زوجك، وأن تتلطفي في إقناعه بذلك، وتفهيمه ما عليك في هذا الأمر، ولو أمكنك أن تعوضيه عن ذلك بزيارة منزلية للعروس بعد تمام عرسه، أو نحو ذلك مما جرت به عادتكم في التواصل: فهو أمر حسن، إن شاء الله. وينظر: إجابة السؤال رقم: (20419) ، (38934) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 139465 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4355 هل يخرج في كفارة اليمين طعاما لا يأكله عادة لكنه يكفي الفقراء لشهر؟ [السُّؤَالُ] ـ[علي كفارة يمين وقد عرضت على بعض العمال أن أؤديها لهم فاقترحوا علي أن أشتري بقيمة الأكل الذي سوف آتيهم به أن أشتري مواد غذائية لهم تكفيهم لمدة شهر علماً أن نوع المواد هو ليس مما آكله عادة وكذلك القيمة إذا لم تكن مساوية فهي أقل. فهل ألبي طلبهم بشراء المواد لهم أم أشتري لهم ما آكله عادة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب في كفارة اليمين فعل واحد من ثلاث خصال: عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام، قال تعالى: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة / 89. ولا يجوز أن تخرج الكفارة نقودا، في قول جمهور الفقهاء. ومن أخرجها طعاما فهو مخير بين أن يخرج طعاما بلا تقدير، كأن يغذيهم أو يعشيهم، أو يخرج شيئا مقدراً من الأرز أو البر أو التمر، فيخرج كيلو ونصف الكيلو (احتياطاً) لكل مسكين، وينبغي أن يجعل مع ذلك إداما. وينظر جواب السؤال رقم (45676) . وليس لهذه المسألة تقدير محدد في الشرع، وإنما اجتهد الفقهاء فقاسوا كفارة اليمين على كفارة الحج، كما في حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يخرج نصف صاع عن كل مسكين، ونصف الصاع يساوي كيلو ونصفا تقريبا، ولكن لما كانت الآية آمرة بالإطعام من الوسط، وكان أكثر الناس لا يأكلون الأرز أو البر مجردا، استحبوا أن يكون مع ذلك إدام أو لحم ونحوه. وعليه؛ فلو أعطيت الفقير من هؤلاء طعاما - مما لا تأكل عادة - لكنه يعادل وجبة غذاء أو عشاء متوسطة، أو يعادل الكيلو والنصف من الأرز مع الإدام، فقد أديت ما عليك، والمسألة مبنية على التقريب كما سبق. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والإطعام له كيفيتان: الأولى: أن يصنع طعاما يكفي عشرة مساكين ـ غداء أو عشاء ـ ثم يدعوهم؛ وذلك لأن الله تعالى أطلق فقال: (إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ) فإذا صنع طعاما وتغدوا، أو تعشوا فقد أطعمهم. الثانية: التقدير، وقد قدرناه بنحو كيلو من الأرز لكل واحد، فيكون عشرة كيلوات للجميع، ويحسن في هذه الحال أن يجعل معه ما يؤدمه من لحم أو نحوه، ليتم الإطعام؛ لأن الله تعالى يقول: (إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ) . فإن قيل: ما الدليل على تقديره بالكيلو؟ ولماذا لا نقول: نعطيه ما يسد كفايته؟ في الحقيقة ليس هناك دليل واضح في الموضوع، إلا أن يقول قائل: إن دليلنا حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه، حين أذن له النبي صلى الله عليه وسلم أن يحلق، ويطعم ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع، فعيّن لكل مسكين نصف صاع، فيقاس عليه البقية، والمسألة تقريبية، وليست حدا معروفا. وإذا تأملت وجدت أن الإطعام والمُطعم له ثلاث حالات: تارة يقدر المعطَى دون الآخذ، وتارة يقدر الآخذ دون المعطى، وتارة يقدر المعطَى والآخذ: مثال ما قدر فيه المعطى دون الآخذ: زكاة الفطر، فهي مقدرة بصاع على كل شخص، لكن لم يقدر فيها من يدفع له، ولهذا يجوز أن توزع الفطرة على أكثر من مسكين، ويجوز أن تعطى عدة فطرات لمسكين واحد، فهذا قُدر فيه المعطَى دون الآخذ، وإن شئت قلت: قُدر فيه المدفوع دون المدفوع إليه. ومثال ما قدر فيه المدفوع والمدفوع إليه: فدية الأذى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع) . ومثال ما قدر فيه المدفوع إليه دون المدفوع: كفارة اليمين، ولهذا قال شيخ الإسلام رحمه الله: ما دام الشرع لم يقدر لنا، فإن ما يسمى إطعاما يكون مجزئا، حتى الغداء أو العشاء. " انتهى من "الشرح الممتع" (15/160) . وعلى هذا، فإخراجك كفارة اليمين بالطريقة التي ذكرتها صحيح مجزئ، لا سيما وأن هذا أنفع للفقراء حسب طلبهم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 139050 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4356 حلف بالطلاق أن لا يدخل على الشات، ثم دخل. [السُّؤَالُ] ـ[أنا شاب كنت مدمنا على غرف الشات قبل الزواج ومحادثة الفتيات عبر الانترنت، فلما تزوجت أقسمت بالطلاق ألا أتعمد فعل هذا الأمر إلا أني أنسى أو يسهى علي. ومنذ هذا القسم وأنا أخاف حتى من مجرد النظر إلى غرف الشات، ولكنى نسيت صيغة القسم هل كان القسم على مجرد الدخول إلى الشات أو على الشات نفسه. ومنذ أيام كنت على الانترنت وكان الشاب الجالس قبلى يحدث فتاة على الشات وترك إميله مفتوحا، فأخذنى الفضول أن أشاهد صورة هذه الفتاة، أستغفر الله، ولم يكن فى خاطرى أن أعمل شات معها أبدا. ففتحت غرفة الشات التي تركها الشاب واطلعت عليها، ومن يومها وأنا أتعذب: هل وقع الطلاق أم لا؟ أحيانا أقول لنفسى: أنت تخاف من مجرد الدخول إلى الشات وهذا يدل على أن القسم كان على دخول الشات، ثم بعدها أقول لنفسي إن مجرد الخوف من الدخول ليس دليلا على أن قسم الطلاق كان على مجرد الدخول، وأحيانا أخرى أقول لنفسي أراجع زوجتى وأحتسبها طلقة على نفسى، ثم أرجع وأقول: كيف أحسب على نفسي طلقة، ولعلها ليست طلقة ما دمت لست متذكرا بالضبط صيغة القسم؟!]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لقد أسأت ـ يا عبد الله ـ إلى نفسك، وأسأت إلى زوجتك، وأسأت إلى هذا الذي تجسست على خصوصياته، وتلصصت على غرفته. فما ذنب زوجتك ـ أيها الرجل ـ حتى تجعل زواجك بها في مهب الريح، كلما دفعتك نزوتك وطيشك إلى الدخول إلى الشات، أو كلام النساء: كان جزاء زوجك منك: أنها طالق؟ فيالله للعجب!! ولقد كان عليك أن تجعل زواجك فرصة للتوبة من تلك القاذورة، والاستغناء بما أحل الله لك عما حرم عليك، من عبث الصبيان، وأفعال المراهقين، نسأل الله أن يهدينا وإياك سواء السبيل. ومن الحق أن هذا الذي كان يتحدث، وترك غرفته مفتوحة، قد وقع في محرم، وأساء، إن كان فعلا يحادث فتاة أجنبية عنه؛ لكن ذلك لا يعني أن تشاركه أنت أيضا في المحرم، ولا أن تجسس عليه، فلا أنت آمر بمعروف، ولا ناه عن منكر، ولا أنت تارك لما عليه غيرك. ثانيا: بخصوص يمينك إن كنت حلفت بالطلاق لتمنع نفسك من الدخول على الشات، وتصرفها عن هذا الأمر بهذا اليمين، ولم تقصد طلاق زوجتك: فلا تطلق زوجتك، وعليك كفارة يمين. وينظر لبيان مقدار كفارة اليمين إجابة السؤال رقم (9985) ، (45676) . وإن كنت قصدت بيمينك طلاق زوجتك إن أنت فعلت ذلك، عقابا لنفسك على سوء فعلها: احتسبت عليك طلقة. قال شيخ الإسلام رحمه الله: " قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الطَّلَاقُ عَنْ وَطَرٍ وَالْعِتْقُ مَا اُبْتُغِيَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ. ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ. بَيَّنَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ الطَّلَاقَ إنَّمَا يَقَعُ بِمَنْ غَرَضُهُ أَنْ يُوقِعَهُ؛ لَا لِمَنْ يَكْرَهُ وُقُوعَهُ كَالْحَالِفِ بِهِ وَالْمُكْرَهِ عَلَيْهِ وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: كُلُّ يَمِينٍ وَإِنْ عَظُمَتْ فَكَفَّارَتُهَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ. وَهَذَا يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْأَيْمَانِ: مِنْ الْحِلْفِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالنَّذْرِ. وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْحَالِفَ بِالطَّلَاقِ لَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ مَذْهَبُ خَلْقٍ كَثِيرٍ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ؛ لَكِنْ فِيهِمْ مَنْ لَا يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ: كدَاوُد وَأَصْحَابِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ: كَطَاوُوسِ وَغَيْرِهِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ " انتهى. "مجموع الفتاوى" (33 / 61) وسئل علماء اللجنة عن رجل كان يشرب الدخان بكثرة، وكان يريد الإقلاع عن التدخين، فقال لنفسه: والله لتكون زوجتي علي حرام إذا لم أقلع عن شرب الدخان، ولكنه لم يستطع الإقلاع عن التدخين. فأجاب علماء اللجنة: " إذا كان قصدك من تحريم زوجتك منع نفسك من التدخين ولم تقصد الطلاق - فإنه لا يقع طلاق بهذا الحلف، وإنما يلزمك كفارة يمين، وإن كان قصدك من التحريم وقوع الطلاق إن عدت إلى شرب الدخان فإنه يقع على زوجتك طلقة واحدة، ولك مراجعتها ما دامت في العدة إذا لم تكن هذه التطليقة الثالثة. كما يلزمك كفارة يمين عن الحنث في يمينك، والكفارة هي: إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة مؤمنة، فإن لم تجد فصم ثلاثة أيام " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (20 / 99-100) وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " إذا كان هذا الرجل قصد بقوله " عليّ الطلاق " اليمين، فإن ذلك يمين له حكم اليمين؛ إن حنث فيه فعليه كفارة اليمين، وإن لم يحنث فلا شيء عليه، وإن قصد به الطلاق كان طلاقاً، فإذا حنث فيه وقع الطلاق منه على امرأته " انتهى. "فتاوى نور على الدرب" (/ 17) . راجع إجابة السؤال رقم: (39941) ، (132586) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 138147 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4357 إذا تعارض أمر والده مع فعل النذر فأيهما يقدم؟ [السُّؤَالُ] ـ[أرجو منكم أن تفتوني مشكورين في هذه الحالات. شخص ما نذر طاعة يعملها في كل مرة يعمل فيها معصية معينة (شرب الخمر مثلا) حتى يردع نفسه عنها وكان يتصور أنه قد يخطئ مرات فيكون في طاعته تلك دواء له ولكنه أسرف على نفسه بحيث أن عمره لن يفي بقضائها. فما حكمه في هذه الحالة؟ هل اذا شغل المسلم وقته بالعبادة بصورة لا تمنعه من مواصلة الدراسة ولكنها لا تجعله متفوقا فيها. هل يثاب على ذلك ويكون من الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله؟ ماذا لو كان نذره يلزمه بذلك؟ إذا تعارض نذري مع طاعة والدي فماذا أختار؟ إذا رأيت أن تدرجي في التزامي بهذا النذر هو أصلح لي فهل يجوز لي إتباع ذلك الأسلوب؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: شرب الخمر محرم تحريما شديدا؛ لما في الخمر من الخبث والضرر والمفسدة، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) المائدة/90، 91. وَبَّين النبي صلى الله عليه وسلم أن الخمر ملعون شاربها ومن يعين عليها، كما جاء في الحديث الذي رواه أبو داود (3674) وابن ماجه (3380) عن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ) . وصححه الألباني في صحيح أبي داود. وفي سنن النسائي (5570) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لا يَشْرَبُ الْخَمْرَ رَجُلٌ مِنْ أُمَّتِي فَيَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَلاةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (709) . فالواجب الإقلاع عن شرب الخمر وتركها ابتغاء مرضاة الله وحذرا من عقابه. ثانيا: إذا نذر المسلم طاعة لله تعالى معلقة على فعله معصيةً ما، ثم وقع في تلك المعصية، فقد ذكر العلماء رحمهم الله أنه يخير بن فعل الطاعة أو إخراج كفارة يمين. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (11/180) : إذا أخرج النذر مخرج اليمين بأن يمنع نفسه أو غيره به شيئا أو يحث به على شيء مثل أن يقول إن كلمت زيدا فلله علي الحج أو صدقة مالي أو صوم سنة فهذا يمين حكمة أنه مخير بين الوفاء بما حلف عليه فلا يلزمه شيء وبين أن يحنث فيتخير بين فعل المنذور وبين كفارة يمين. انتهى وعلى هذا فإما أن تخرج كفارة يمين، إما أن تفعل الطاعة التي نذرت فعلها. ثالثا: ينبغي لمن كان في دراسة أن يجتهد فيها وأن لا يبخس نفسه بالتقصير والتفريط، وليس هذا من الإلهاء عن ذكر الله، بل من باب (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه) . لكن إن كان النذر يقتضي انشغاله بعبادة معينة، وذلك لا يفسد دراسته ولا يعطله عنها بل يؤدي إلى عدم تفوقه فيها، فليعمل بنذره، تقديما للواجب على غيره. رابعا: تلزم طاعة الوالدين في غير المعصية، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةٍ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ) رواه البخاري (7257) ومسلم (1840) ، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) رواه أحمد (1098) . فإن تعارض ذلك مع فعل واجب كالنذر، ولم يمكن الجمع بينهما، قُدّم الواجب. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "الاختيارات" ص 114: " ويلزم الإنسان طاعة والديه في غير المعصية، وإن كانا فاسقين ... وهذا فيما فيه منفعة لهما، ولا ضرر عليه، فإن شق عليه ولم يضره وجب، وإلا فلا " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 135739 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4358 نذر أن يتبرع بأول راتب له وعليه ديون [السُّؤَالُ] ـ[نذرت لله أن أتبرع بأول راتب لي من العمل في السعودية وعندما قدمت إلى السعودية كانت علي ديون لإكمال السفر إلى السعودية فهل سداد الدين مقدم على النذر أم أن الدين هذا يسقط النذر وإن كان لا يسقط النذر فهل يجوز أن أقوم بسداد هذا النذر إلى أهلي وأقاربي في صورة هدايا أم لابد أن يكون مالا وهل يجب أن يكون عاجلاً أم مؤجلاً؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ينبغي للمسلم أن يحفظ لسانه عن النذر؛ لورود النهي عنه كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه (نَهَى عَنْ النَّذْرِ، وَقَالَ: إِنَّهُ لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ) رواه مسلم (1639) . ولمزيد الفائدة ينظر جواب السؤال رقم (32724) . ثانياً: الدين لا يسقط النذر، فكلاهما حق ثابت لا يسقط أحدهما الآخر. ومن اجتمع عليه ديون للآدميين، وديون لله تعالى كالنذر والكفارة ... ، وضاق ماله؛ بأن لم يسع جميع الحقوق، فهل يقدم حقوق الله تعالى أو حقوق الآدميين، فيه تفصيل؟ فإن كان الدين مؤجلاً ولم يأت أجله، قُدم النذر؛ لوجوب النذر على الفور، ولأن الدين المؤجل ليس لصاحبه المطالبة به، حتى يحل الأجل، فقدم النذرُ. وإذا كان الدين غير مؤجل فقد اختار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أنه يقدم الأسبق منهما، إلا إذا كان النذر بشيء معين، فإنه يقدمه، ولو كان الدين هو الأسبق. فقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "نور على الدرب": إذا كان عليَّ دين لناس، فهل الأول يسدد الدين أم يوفي النذر؟ فأجاب: " إذا كان الدين سابقاً على النذر قدمه، وإذا كان النذر سابقاً عن الدين قدمه؛ لأن هذا يتعلق بالذمة، وما كان متعلقاً بالذمة، فإن انشغال الذمة بالأول، فإنه يوجب أن تكون غير قابلةٍ بالانشغال بالثاني حتى يفرغ منه، هذا إذا لم ينذر شيئاً معيناً؛ بأن يقول هذه مثلاً لله علي نذر أن أتصدق بهذه الدراهم أو بهذا الطعام المعين، فإنه في هذه الحال يُقدم النذر؛ لأنه عينه وصار هذا الشيء المعين مشغولاً بالنذر " انتهى وجاء في دقائق " أولي النهي " (1/398) : "لو أفلس حي، وله أضحية معينة أو نذر معين، فيخرج، ثم دين برهن" انتهى. يعني: تقدم الأضحية المعينة والنذر المعين على الدين. والذي يظهر لنا: أن نذرك هذا من النذر المعين، فيجب تقديمه على الدين. ثالثاً: إن كنت عينت جهة لنذرك وجب عليك صرفه لتلك الجهة، ولا يجوز لك العدول عنها إلا إذا تعذر الوصول إلى تلك الجهة، وإن لم تكن حددت جهة، فلك صرفه حيث شئت ويخص بذلك الفقراء والمساكين ... ولك أن تنفقه في أهلك وأقاربك إن كانوا فقراء ... ، والواجب عليك إخراجه نقوداً، ولا يجوز أن تشتري بها هدايا لهم. قال النووي في "المنهاج": "وإن نذر التصدق على أهل بلد معين لزمه" انتهى. قال الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج" (6/250) : " قد يفهم من كلامه أنه لا فرق في أهل البلد بين الغني والفقير.. وليس مراداً , فقد نص [الإمام الشافعي] في الأم على التخصيص بالمساكين" انتهى. وفي "مطالب أولي النهى" (6/427) : "وإن نذرها [الصدقة] بمال ... يصرفه للمساكين، ويجزئ لواحد، كنذر" انتهى. رابعاً: متى تمكنت من الوفاء بنذرك وجب عليك الوفاء به فوراً من غير تأخير. فقد نصَّ في "كشاف القناع" (6/279) على أنه يجب إخراج النذر فوراً. وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: لقد نذرت الله - سبحانه وتعالى - نذراً وهو أن أصلى 10 ركعات إذا خفت رجلي من الألم، والآن لا أدري أيجوز أن أصلي العشر ركعات كل يوم ركعتين إلى أن أتمها فيصبح إتمامهم بخمسة أيام؟ أم يجب أن أصلي العشر في وقت واحد بمعنى في يوم واحد؟ فأجاب: " إذا وجد الشرط المذكور وهو خفة الألم، فالواجب عليك الوفاء بالنذر فوراً فتصلي عشر ركعات في غير وقت النهي، تسلم من كل ركعتين لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى) ولقوله صلى الله عليه وسلم: (من نذرأن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه) رواه البخاري في صحيحه" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (23/166) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 134771 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4359 هل الحلف بالطلاق حلف بغير الله؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل الحلف بالطلاق محرم، لأنه حلف بغير الله؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الحلف بغير الله منكر، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ) ، وقال عليه الصلاة والسلام: (مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ) وهو حديث صحيح، وقال عليه الصلاة والسلام: (مَنْ حَلَفَ بِالْأَمَانَةِ فَلَيْسَ مِنَّا) ، وقال: (لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ وَلَا بِأُمَّهَاتِكُمْ وَلَا بِالْأَنْدَادِ، وَلَا تَحْلِفُوا بِاللَّهِ إِلَّا وَأَنْتُمْ صَادِقُونَ) . هذا حكمه عليه الصلاة والسلام، وهو منع الحلف بغير الله كائناًَ من كان، فلا يجوز الحلف بالنبي عليه الصلاة والسلام، ولا بالكعبة، ولا بالأمانة، ولا بحياة فلان، ولا بشرف فلان، وكل هذا لا يجوز؛ لأن الأحاديث الصحيحة دلت على منع ذلك ... وقد نقل أبو عمر بن عبد البر الإمام المشهور رحمه الله إجماع أهل العلم على أنه لا يجوز الحلف بغير الله، فالواجب على المسلمين أن يحذروا ذلك. أما الطلاق فليس من الحلف في الحقيقة، وإن سماه الفقهاء حلفاً، لكن ليس من جنس هذا، الحلف بالطلاق معناه تعليقه على وجه الحث أو المنع أو التصديق أو التكذيب، مثل لو قال: والله ما أقوم، أو والله ما أكلم فلاناً فهذا يسمى يميناً، فإذا قال: علي الطلاق ما أقوم، أو علي الطلاق ما أكلم فلاناً. فهذا يسمى يميناً من هذه الحيثية، يعني من جهة ما يتضمنه من الحث أو المنع أو التصديق أو التكذيب، سمي يميناً لهذا المعنى، وليس فيه الحلف بغير الله، فهو ما قال: بالطلاق ما أفعل كذا، أو بالطلاق لا أكلم فلاناً، فهذا لا يجوز. ولكن إذا قال: علي الطلاق لا أكلم فلاناً، أو علي الطلاق ما تذهبي إلى كذا وكذا، أي زوجته، أو علي الطلاق ما تسافري إلى كذا وكذا، فهذا طلاق معلق، يسمى يميناً لأنه في حكم اليمين من جهة الحث أو المنع أو التصديق أو التكذيب، فالصواب فيه أنه إذا كان قصد منعها، أو منع نفسه، أو منع غيره من هذا الشيء الذي حلف عليه فيكون حكمه حكم اليمين، وفيه كفارة يمين. وليس في هذا مناقضة لقولنا: إن الحلف بغير الله ما يجوز، لأن هذا شيء، وهذا شيء، فالحلف بغير الله مثل أن يقول: باللات والعزى، بفلان، بحياة فلان، وحياة فلان، هذا حلف بغير الله، أما هذا فطلاق معلق ليس حلفاً في المعنى الحقيقي بغير الله، ولكنه حلف في المعنى من جهة منعه وتصديقه وتكذيبه. فإذا قال عليه الطلاق ما يكلم فلاناً، فكأنه قال: والله ما أكلم فلاناً، أو لو قال: علي الطلاق ما تكلمين فلاناً – يخاطب زوجته – فكأنه قال: والله ما تكلمين فلاناً – فإذا حصل الخلل وحنث في هذا الطلاق، فالصواب أنه يكفر عن يمينه بكفارة يمين، أي أن له حكم اليمين إذا كان قصد منع الزوجة أو منع نفسه، وما قصد إيقاع الطلاق، إنما نوى منع هذا الشيء، منع نفسه، أو منع الزوجة من هذا الفعل، أو من هذا الكلام، فهذا الكلام يكون له حكم اليمين عند بعض أهل العلم، وهو الأصح، وعند الأكثرين يقع الطلاق. لكن عند جماعة من أهل العلم لا يقع الطلاق وهو الأصح، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، وجماعة من السلف رحمة الله عليهم؛ لأنه له معنى اليمين من جهة الحث أو المنع أو التصديق أو التكذيب، وليس له معنى اليمين في تحريم الحلف بغير الله، لأنه ليس حلفاً بغير الله، وإنما هو تعليق، فينبغي فهم الفرق بين هذا وهذا. والله أعلم" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (1/181 – 183) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 134281 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4360 حلف أن لا يدخل على "الماسنجر" فأمر أحد إخوانه أن يفتحه له فهل حنث في يمينه؟ [السُّؤَالُ] ـ[السؤال: أنا حلفت أن لا أدخل موقعاً من مواقع الإنترنت، ولا الماسنجر، ولكني في بعض الأحيان أحتاج لهذا الموقع، ولهذا الماسنجر، فآمر أحد إخواني أن يدخل الموقع، ويفتحه لي حتى أتصفح فيه، هل يعتبر هذا الفعل جائزاً؟ وإذا لم يكن جائزاً هل عليَّ كفارة اليمين؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كنت حلفت على عدم دخول ذلك الموقع، أو "الماسنجر"لأن دخولك عليه يوقعك في معصية الله أو يضيع وقتك فيما لا يفيد فعليك حفظ يمينك، لأن ترك معصية الله أمر واجب، فيزداد تركها تأكيداً، إذا أقسمت عليه. وأما بخصوص توكيلك لأخيك في فتح ذلك الموقع، والماسنجر: فينظر في ذلك إلى نيتك عند الحلف، فإن قصدت عدم فتحهما بنفسك: فلا بأس من التوكيل , ولا يعد ذلك حنثاً في اليمين، وإن قصدت عدم الدخول فيهما: فلا يصح توكيلك، وسواء دخلت عليهما بنفسك، أو عن طريق غيرك: فهو حنث لليمين، وهذا هو الظاهر من يمينك، ولا نظن أنك قصدت عدم مباشرة فتحهما، بل قصدت عدم رؤيتهما، وعدم الانشغال بهما، وبما أن ذلك قد حصل: فقد ترتب عليك كفارة اليمين. وللوقوف على أحكام كفارة اليمين: انظر جواب السؤال رقم: (45676) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 132586 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4361 نذرت أن تتصدق بمال لو رزقت بطفل [السُّؤَالُ] ـ[ماذا لو نوت زوجتي فعل عمل خير، مثل: لو نذرت أن تتصدق بقدر من المال لإطعام الفقراء إن رزقت بطفل، فهل هذا جائز أم أن في هذا ما يشبه فعل الهندوس من تقديم القرابين؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ليس تقديم القرابين مما يختص به الهندوس، حتى يكون فاعله متشبهاً بهم، بل لم يزل المؤمنون الموحدون يقدمون القرابين لله، شكراً على نعمه، وابتغاء مرضاته، ففي قصة ابني آدم يقول الله تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ) المائدة/27. فإذا كان الهندوس يقربون القرابين لألهتهم - وهي كثيرة، ذكوراً وإناثاً - فإن المسلمين يقدمون القرابين لله الواحد الأحد. ثانياً: إذا كانت زوجتك قد تلفظت بالنذر، فإذا رُزقت بطفل وجب عليها الوفاء بالنذر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ) رواه البخاري (6696) . أما إذا كانت زوجتك قد نوت الصدقة فقط، ولم تتلفظ فهذا لا يعتبر نذراً، لأن النذر لا ينعقد بمجرد النية، بل لابد من اللفظ، وحينئذٍ تكون مخيرة في هذه الصدقة، فإن شاءت تصدقت، وإن شاءت لم تتصدق. قال النووي في "المجموع" (8/435) : "هَلْ النذر يَصِحُّ بِالنِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ قَوْلٍ؟ فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، الصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالْقَوْلِ , وَلَا تَنْفَعُ النِّيَّةُ وَحْدَهَا" انتهى باختصار. وقال المرداوي في "الإنصاف" (11/118) : "وَلَا يَصِحُّ – يعني النذر - إلَّا بِالْقَوْلِ. فَإِنْ نَوَاهُ مِنْ غَيْرِ قَوْلٍ: لَمْ يَصِحَّ بِلَا نِزَاعٍ" انتهى. وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: رجل نوى بقلبه أن يصوم سبعة أيام متواليات، ولم يستطع الإكمال، فهل عليه شيء؟ فأجابوا: "النذر لا ينعقد إلا بالتلفظ به قاصداً له؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ) متفق على صحته. فمن نوى النذر ولم يتلفظ به فإنه لا يلزمه شيء" انتهى. "فتاوى اللجنة" (23/302-303) . ثالثاً: ينبغي للمسلم إذا أراد أن يعبد الله تعالى بالصدقة أو غيرها أن يفعل ذلك بلا نذر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر. روى البخاري (6608) ومسلم (1639) – واللفظ له - عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ النَّذْرِ وَقَالَ: (إِنَّهُ لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ) . قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "اعلم أن النذر لا يأتي بخير ولو كان نذر طاعة، وإنما يستخرج به من البخيل، ولهذا نهى عنه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبعض العلماء يحرمه، وإليه يميل شيخ الإسلام ابن تيمية للنهي عنه، ولأنك تلزم نفسك بأمر أنت في عافية منه، وكم من إنسان نذر وأخيراً ندم، وربما لم يفعل. ويدل لقوة القول بتحريم النذر قوله تعالى: (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ) النور/53؛ فهذا التزام موكد بالقسم، فيشبه النذر، قال الله تعالى: (قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ) النور/53 أي: عليكم طاعة معروفة بدون يمين، والإنسان الذي لا يفعل الطاعة إلا بنذر، أو حلف على نفسه يعني أن الطاعة ثقيلة عليه. ومما يدل على قوة القول بالتحريم أيضاً خصوصاً النذر المعلق: أن الناذر كأنه غير واثق بالله عز وجل؛ فكأنه يعتقد أن الله لا يعطيه الشفاء إلا إذا أعطاه مقابله ولهذا إذا أيسوا من البرء ذهبوا ينذرون، وفي هذا سوء ظن بالله عز وجل. والقول بالتحريم قول وجيه " انتهى. "مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (9/242) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 132579 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4362 حكم قضاء صيام النذر، إذا فات لعذر [السُّؤَالُ] ـ[نذرت أن أصوم ثلاثة أيام من كل شهر، وقد وفيت بالنذر إلى أن صرت حاملا، وبعد الحمل أرضعت طفلي عاما ونصف، خلال كل هذه المدة (الحمل والرضاعة) توقفت عن الصيام لعدم استطاعتي؛ وبعد ذلك استأنفت صيامي، فماذا أفعل خلال هذه المدة؟ أرجو أن تفيدوني جزاكم الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله النّذر هو إلزام المكلّف نفسه عبادة لم تكن واجبة عليه بأصل الشّرع، ونذر صيام ثلاثة أيام من كلّ شهر يعدّ نذر طاعة، يجب عليك الوفاء به؛ لقول النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ ". أخرجه البخاريّ برقم (6696) . جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية (40 / 137) : (لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي صِحَّةِ النَّذْرِ فِي الْجُمْلَةِ، وَوُجُوبِ الْوَفَاءِ بِمَا كَانَ طَاعَةً مِنْهُ) . وينظر: المجموع (8/437) ، والمغني (13/622) . وبناءً على ذلك يجب عليك قضاء هذه الأيّام التي تركت صيامها لأجل الحمل والرّضاعة، متى زال عذرك، وتمكنت من الصوم. وورد في فتاوى اللجنة الدائمة (23 / 294) الفتوى رقم (13278) ما يأتي: س: امرأة نذرت أن تصوم من كلّ شهر ثلاثة أيّام، وأحيانا يتعارض ذلك مع العادة الشهرية أو الوضع، فهل يلزمها القضاء بعد الطّهر أم لا؟ ج: يجب على المرأة التي نذرت صيام ثلاثة أيام من كل شهر أن تصومها؛ لأنه نذر طاعة، وإن تعذّر عليها الصيام في شهر بسبب وضع ونحوه فإنها تقضيها؛ لأنّه صيام واجب بالنذر. وبالله التوفيق، وصلّى الله على نبيّنا محمّد، وآله وصحبه وسلّم. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 132323 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4363 النذر لأحد الأئمة [السُّؤَالُ] ـ[منذ مدة صادفتني مشكلة فنذرت نذراً لأحد الأئمة إن انحلت هذه المشكلة، وقد علمت أنه لا يجوز النذر لغير الله، علماً بأن المكان الذي فيه الإمام بعيد عني، فهل يجوز أن أدفع النذر للفقراء أو أكفر عنه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "هذا النذر باطل؛ لأنه عبادة لغير الله، وعليك التوبة إلى الله من ذلك، والرجوع إليه، والإنابة والاستغفار والندم، فالنذر عبادة، قال الله تعالى: (وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ) البقرة/270، يعني فيجازيكم عليه، وقَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ) . فهذا النذر باطل وشرك بالله عزَّ وجلَّ، هذا النذر الذي نذرتيه لأحد الأئمة الأموات، لعلي، أو للحسين، أو لشيخ عبد القادر أو غيرهم نذر باطل وشرك بالله، وهكذا النذور لغير هؤلاء: للسيد البدوي أو للسيدة زينب أو للسيدة نفيسة، أو غير ذلك كله باطل، وهكذا النذر لرسول الله صلى الله عليه وسلم باطل أيضاً، فالنذر لا يجوز إلا لله وحده، لأنه عباده، فالصلاة والذبح والنذر والصيام والدعاء كلها لله وحده سبحانه وتعالى، كما قال سبحانه وتعالى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ، وقال سبحانه: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) الإسراء/23، يعني: أمر ألا تعبدوا إلا إياه، وقال سبحانه: (فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) غافر/14، وقال عز وجل: (فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) الجن/18. فالعبادة حق الله، والنذر عبادة، والصوم عبادة، والصلاة عبادة، والدعاء عبادة، والذبح عبادة، فيجب إخلاصها لله وحده، فهذا النذر باطل، وليس عليك شيء، لا للفقراء ولا لغيرهم، بل عليك التوبة، وليس عليك الوفاء بهذا النذر، لكونه باطلاً وشركاً، وعليك بالتوبة الصادقة والعمل الصالح، وفقك الله وهداك لما فيه رضاه ومَنَّ عليك بالتوبة النصوح" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (1/120، 121) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 132288 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4364 نذر أن يتصدق بمال ولا يتوفر لديه الآن [السُّؤَالُ] ـ[أنا طالب عمري 16 سنة وقد ذهبت برفقة أحد أصدقائي في الصيف الماضي لحضور محاضرة عن أحوال المسلمين الفقراء في بعض الدول وكان من ضمن ما عُرض بعض المشاهد التي أثرت في الحاضرين فنذرت أنا وصديقي أن نتصدق بمبلغ من المال والمبلغ هذا في الحقيقة ليس صغيراً. كما أسلفت فأنا طالب وليس لدي أي مصدر دخل كذلك الحال مع صديقي وقد عملنا جاهدين خلال الفترة الماضية أن نوفر المبلغ ولكن بعد ذلك كله لم يتوفر منه إلا الثلث. في شهر يونيو حزيران المقبل سأنتقل إلى بلد آخر إن شاء الله ولا أدري إن كنت سأستطيع أن أوفر المبلغ بحلول هذا التاريخ أم لا فهل يظل الدين في عنقي حتى ولو سافرت أم لا وكيف أوفي بهذا النذر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نشكرك على اهتمامك بأحوال المسلمين والحرص على معرفة أحوالهم ومساعدتهم، وهذا دليل على ما أنعم الله به عليك وعلى صديقك من الإيمان والإخاء الصادق، ونسأل الله تعالى أن يبارك فيكما وأن يعينكما على طاعته ومرضاته، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى) . رواه البخاري (6011) ومسلم (2586) . وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ) رواه البخاري (13) ومسلم (45) . ثانياً: من نَذر نُذر طاعة وجب عليه الوفاء به، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلا يَعْصِهِ) رواه البخاري (6202) . ونذر الصدقة من نذر الطاعة الذي يجب الوفاء به، فإن عجزتما عن الوفاء بقي دينا في ذمتكما حتى تقدرا عليه، ولا تأثير لسفرك في هذا. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: لقد نذرت إن توظفت أن أدفع مبلغ (600) ريال كفالة يتيم عن والدي ووالدتي، وذلك في كل شهر، وبعد ذلك كفلت يتيماً واحداً لمدة سنة ونصف بواقع (2400) سنوياً، ثم انقطعت لظروف مالية، والآن وبعد انقطاعي وعزمي مرة أخرى على كفالة يتيم حسب المبلغ المتراكم فوجدته (25000) ريالاً. فسؤالي لسماحتكم: ماذا علي أن أفعل؟ فأجابوا: "يجب عليك الوفاء بنذرك؛ لأنه نذر طاعة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه) ، وعليك قضاء المبلغ عن الأشهر التي لم تخرجي عنها شيئا؛ لأنها واجبة عليك بالنذر، تقبل الله منك، وأخلف عليك ما هو أكثر وأنفع، وقد قال الله سبحانه: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) . ونوصيك مستقبلاً بعدم النذر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تنذروا؛ فإن النذر لا يرد من قدر الله شيئا، وإنما يستخرج به من البخيل) متفق على صحته" انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (23/342) . نسأل الله لكما التوفيق والسداد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129623 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4365 حلف أن لا يحضروا طعاما فخالفوه، فهل تجب عليه الكفارة؟ [السُّؤَالُ] ـ[كثيرا ما يأتيني ضيوف وأحلف عليهم بأن يأكلوا عندي وأن أعشيهم أو أغديهم طمعا في إكرام الضيف لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه..) . وأيضا كثيرا ما أزور أقارب أو أصدقاء وأحلف عليهم بأن لا يحضروا لي أي شيء من الطعام ولكن أفاجأ بأنهم أحضروا طعاما بل وتكلفوا به كثيرا ...... هل علي كفارة يمين؟ وهل على كل حالة أو موقف كفارة يمين أم تجزئ كفارة اليمين مرة واحدة عن جميع الحالات الماضية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: اعلم أنه "يجب احترام اليمين بالله وتوقيرها، وألا يحلف المسلم إلا وهو صادق، ولا يحلف إلا عند الحاجة، وكثرة الحلف تدل على التهاون باليمين، قال تعالى: (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ) القلم/10 ". "المنتقى من فتاوى الفوزان" (96/1) . فعليك أن لا تكثر من الحلف، وينبغي أيضاً إذا زرت قوماً أن لا تحلف عليهم أن لا يكرموك، فإنهم يحبون إكرامك كما تحب أنت إكرامهم إذا جاؤوا لزيارتك. ومتى أردت الحلف على شيء: فالأولى أن تقول في يمينك: إن شاء الله , فتقول: والله لا أفعل كذا إن شاء الله. أو: والله لا تفعلون كذا إن شاء الله، فإنك إن قلت ذلك لم تلزمك كفارة إذا لم يتحقق المحلوف عليه. لما روى ابْن عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ) رواه الترمذي (1531) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (2571) . وقال الترمذي: "وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ: أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إِذَا كَانَ مَوْصُولًا بِالْيَمِينِ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَقَ" انتهى. ثانياً: إذا حلفت أنك ستفعل شيئاً ما، ثم لم تفعله، أو حلفت على شخص أنه لا يفعل شيئاً ما ففعله فعليك كفارة يمين في الحالين. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: عمن حلف أنه سيذبح لضيفه ذبيحة، ثم لم يفعل. فأجابوا: "إذا كان الأمر كما ذكر، فإنك تكفر كفارة يمين، وهي: عتق رقبة مؤمنة، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، فإن لم تجد فإنك تصوم ثلاثة أيام، قال تعالى: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ) الآية" انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (23/73) . وقال الشيخ ابن باز: "إذا حلفت على أولادك أو غيرهم حلفاً مقصوداً أن يفعلوا شيئاً أو ألا يفعلوه فخالفوك فعليك كافرة يمين" انتهى. "فتاوى إسلامية" (3/657) . وسئل الشيخ ابن عثيمين: عندما نجلس أنا ومجموعة من الأصدقاء في مطعم وأريد أن أدفع الحساب يقوم أحدهم ليدفع الحساب لكنني أقسم بأن أدفع الحساب وأقول بالله ما تدفع أنت، لكنه يدفع دون مبالاة بالقسم فهل هذا يجوز؟ وهل يعتبر قسمي هذا يمين وعليه كفارته؟ فأجاب رحمه الله تعالى: " أولاً: أنصح هذا السائل وغيره من أن يقسمو على غيرهم بفعل شيء أو تركه؛ لأن في هذا القسم إحراجاً لهم أو لمن أقسموا عليهم. أما كونه إحراجاً لهم فلأن هذا المحلوف عليه إذا خالف لزمته الكفارة. وأما كونه إحراجاً لمن حلفوا عليه فلأنه قد يفعل ذلك مع المشقة وربما مع المشقة والضرر مجاملة لهذا الذي أقسم عليه، وفي ذلك من الإحراج والإعنات ما فيه. وأما بالنسبة للكفارة: فإن الإنسان إذا حلف على فعل شيء من نفسه أو من غيره أو على تركه: فإما أن يقرن يمينه بالمشيئة أي بمشيئة الله فيقول: والله إن شاء الله لتفعلن كذا أو لأفعلنّ كذا، وإما أن لا يقرنها. فإن قرن يمينه بالمشيئة فلا حنث عليه ولا كفارة، ولو تخلف المحلوف عليه. وإن لم يقرنها بالمشيئة فإنه يحنث إذا ترك ما حلف على فعله أو فعل ما حلف على تركه. والذي ينبغي للإنسان إذا حلف على شيء سواء من فعل نفسه أو من فعل غيره أن يقول إن شاء الله؛ فإن في قول إن شاء الله فائدتين عظمتين: إحداهما: أن ذلك سبب لتسهيل ما حلف عليه. والثانية: أنه لو حنث في يمينه فلم يفعل ما حلف عليه أو فعل ما حلف على تركه فإنه لا كفارة عليه .... أما فيما يتعلق بسؤال السائل الذي حلف على صاحبه أن لا يحاسب صاحب المطعم فحاسبه فإنه يجب عليه أن يكفر كفارة يمين؛ لأن صاحبه لم يبر قسمه" انتهى. "فتاوى نور على الدرب" (11/256-257) . وأما تعدد الكفارة، فإن حلف المسلم على شيء واحد عدة أيمان ثم حنث فعليه كفارة واحدة، وإن كانت الأيمان على أشياء متعددة، فعليه لكل يمين كفارة، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم: (46868) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129401 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4366 إذا تعارض البر باليمين مع بر الوالدين [السُّؤَالُ] ـ[ما هو حكم نقض اليمين عند عدم الاستطاعة؟ وما هو الحكم إذا تعارض البر باليمين مع بر الوالدين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: اليمين التي يحلفها الحالف، وينعقد القلب عليها، يجب تحقيقها بفعل ما حلف الحالف على فعله , أو ترك ما حلف على تركه , فإن لم يعقل ذلك فالواجب عليه كفارة يمين، وقد سبق بيان كفارة اليمين بالتفصيل في جواب السؤال رقم (45676) . ثانياً: أما إذا تعارض البر باليمين مع بر الوالدين، فينبغي تقديم بر الوالدين، والحنث في اليمين، وأداء الكفارة ما لم يكن في ذلك إثم. روى مسلم (1650) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِهَا، وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ) . قال النووي: " فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث دَلَالَة عَلَى مَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْل شَيْء أَوْ تَرْكه , وَكَانَ الْحِنْث خَيْرًا مِنْ التَّمَادِي عَلَى الْيَمِين , اُسْتُحِبَّ لَهُ الْحِنْث , وَتَلْزَمهُ الْكَفَّارَة وَهَذَا مُتَّفَق عَلَيْهِ " انتهى. وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (23/124) : "إذا حلفت بالله على أمر مستقبل أن لا تأخذي شيئا فإنها تعتبر من الأيمان المنعقدة التي يجب الالتزام بها إن كان الالتزام بها طاعة لله، أما إن كان في الالتزام بها معصية لله ورسوله، أو رأيت غيرها خيرا منها - فلك أن تحنثي في يمينك بمخالفة ما حلفت عليه" انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (23/124) . وانظر جواب السؤال رقم: (9985) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128946 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4367 من حلف أن لا يفعل شيئا ثم فعله ناسيا [السُّؤَالُ] ـ[اختلفت أنا وزميلي في العمل فحلفت أن لا آكل ولا أشرب في بيته، وفي مرة ذهبت معه إلى منزله وأكلت بعض الفواكه ناسياً، وبعدما ذهبت تذكرت بأنني حلفت، فأرجو الإفادة، وبعد الكفارة هل آكل وأشرب في بيته أم لا؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كنت ناسيا فما عليك شيء، أي: ما عليك كفارة، لكن الأحسن أن تأكل مع أخيك إذا كان طيبا، وتكفر [عن يمينك] ، إذا كان هذا الصديق طيبا في دينه، فالأحسن أن تكفر وتعود إلى الأكل في بيته، أما إن كان ليس بطيب فاحمد الله على هذا اليمين ولا تأكل معه ولا تأتيه، وابتعد عنه، إذا كان ممن يظهر المعاصي، ويدعو إلى المعاصي، فاحمد الله على البعد عنه، أما إذا كان طيبا فإنك تكفر عن يمينك، تطعم عشرة مساكين، أو تكسوهم والحمد لله، وأت أخاك، وكُلْ في بيته، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فكفر عن يمينك وأت الذي هو خير) ، ويقول صلى الله عليه وسلم: (والله إني إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها، إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير) " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (23/113) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128676 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4368 حلفت أن لا تدخل بيت ابنها ثم اشترته [السُّؤَالُ] ـ[امرأة حلفت على ألا تدخل بيت ابنها من بعد وفاة والده وأرادت الأم شراء البيت، والابن موافق فهل للأم شراء البيت والسكن فيه؟ وإن كان لا يجوز فهل هناك كفارة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا مانع من شرائها البيت إذا سمح مالكوه بالبيع، وإذا دخلته بعد الشراء فليس عليها كفارة لأنه صار بيتها، وليس بيت ولدها، فإذا دخلت بيت ولدها الذي يسكن فيه فعليها كفارة يمين، سواء كان بيتا بالملك أو بالأجرة، وكفارة اليمين: إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام، كما نص الله سبحانه على ذلك في سورة المائدة، والذي يعطاه المسكين الواحد نصف صاع من قوت البلد من تمر أو أرز أو غيرهما، ومقداره كيلو ونصف تقريبا، وإن غداهم أو عشاهم أو كسا كل واحد منهم كسوة تجزئه في الصلاة كفى ذلك. وإذا كان ولدها ساكنا في البيت بعد الشراء ودخلت عليه قبل أن ينتقل فعليها الكفارة المذكورة، وبالله التوفيق" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (23/120) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128642 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4369 تحلف على أولادها فيخالفونها، فهل عليها كفارة؟ [السُّؤَالُ] ـ[لدي أولاد وكثيرا ما أحلف عليهم بأن لا يعملوا كذا، لكنهم لا يستجيبون لأمري، فهل علي كفارة في هذه الحال؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا حلفت على أولادك أو غيرهم حلفا مقصودا أن يفعلوا شيئا أو ألا يفعلوه فخالفوك فعليك كفارة يمين، لقول الله سبحانه: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) المائدة/89. وهكذا لو حلفت على فعل شيء أو تركه، ثم رأيت أن المصلحة في خلاف ذلك فلا بأس بأن تحنثي في يمينك وتؤدي الكفارة المذكورة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فكفر عن يمينك وأت الذي هو خير) متفق على صحته" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (23/119) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127982 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4370 هل يجوز أن تصرف النذر لأبيها الفقير؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا حامل بعد 5 سنوات فنذرت إن أتممت الثلاثة شهور الأولى من الحمل أن أتصدق بمبلغ من المال وأنا الحمد لله تم شرط النذر وأريد أن أخرج المبلغ إلى والدي علما أن وضعه المادي صعب جدا فباقي لديه من إخوتي 4 بنات طالبات وولد يدرس بالجامعة وأمي، وعليه ديون وساكن بالإيجار علما أنه توظف من جديد ولكن الراتب غير منتظم ولا يكفي لنهاية الشهر فهل يجوز إعطاء والدي المبلغ أم أنه لا تجوز عليه الصدقة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله النذر الذي يعلقه المسلم على حصول شيء له، نذر مكروه، نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم - بل ذهب بعض العلماء إلى تحريمه – ويظن بعض الناس أن هذا النذر يكون سبباً لحصول ما يطلبون، وهذا الظن غير صحيح. روى البخاري (6608) ومسلم (1639) – واللفظ له - عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ النَّذْرِ، وَقَالَ: (إِنَّهُ لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ) . وقوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّهُ لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ) يعني أن النذر ليس سبباً لحصول الخير الذي يرجوه. وقوله: َإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ) فيه ذم لهذا الناذر، ووصفه بأنه بخيل، لأن البخيل لا يخرج شيئاً من ماله إلا بمقابل يستوفيه أولاً، وهذا الناذر قد فعل ذلك، فإنه لا يتصدق حتى يحصل له مطلبه. ونظر: "فتح الباري" (11/578-580) . وقال الشيخ ابن عثيمين: " اعلم أن النذر لا يأتي بخير ولو كان نذر طاعة، وإنما يستخرج به من البخيل، ولهذا نهى عنه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبعض العلماء يحرمه، وإليه يميل شيخ الإسلام ابن تيمية للنهي عنه، ولأنك تلزم نفسك بأمر أنت في عافية منه، وكم من إنسان نذر وأخيرا ندم، وربما لم يفعل. ويدل لقوة القول بتحريم النذر قوله تعالى: (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ) النور/53؛ فهذا التزام موكد بالقسم، فيشبه النذر. قال الله تعالى: (قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ) النور/53 أي: عليكم طاعة معروفة بدون يمين، والإنسان الذي لا يفعل الطاعة إلا بنذر، أو حلف على نفسه يعني أن الطاعة ثقيلة عليه. ومما يدل على قوة القول بالتحريم أيضا خصوصا النذر المعلق: أن الناذر كأنه غير واثق بالله عز وجل؛ فكأنه يعتقد أن الله لا يعطيه الشفاء إلا إذا أعطاه مقابله ولهذا إذا أيسوا من البرء ذهبوا ينذرون، وفي هذا سوء ظن بالله عز وجل. والقول بالتحريم قول وجيه " انتهى. "مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (9/242) . وأما إعطاء النذر لوالدك، والصدقة عليه بها، فإن كان عندك من الأموال ما تستطيعين به النفقة على والدك وسد حاجته، وجب عليك ذلك، وحينئذٍ لا يجوز لك دفع النذر إليه، لأن نفقته واجبة عليك. أما إذا كانت أموالك لا تكفي للنفقة عليه، فلا حرج عليك من إعطائه النذر، لأن سد حاجته في هذه الحالة أو بعضها أفضل من سد حاجة غيره، وأما إخوانك وأخواتك فيجوز لك أن تعطيهم من النذر ما داموا محتاجين إلى المال، لأن نفقتهم غير واجبة عليك في حال وجود الأب. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127660 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4371 إذا شرع في الصوم للكفارة ثم قدر على الإطعام أو الكسوة [السُّؤَالُ] ـ[كفارة اليمين إذا لم تتوفر الاستطاعة لإطعام مساكين أو عتق رقبة هي الصيام صحيح؟ ولكن إذا بدأت الصيام وأنا في اليوم الأول منه توفر لدي المال هل أكمل الصيام أم أطعم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله كفارة اليمين بَيَّنها الله تعالى بقوله: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة / 89. فيخيّر بين الإطعام والكسوة والعتق، فإن لم يجد شيئا من ذلك صام ثلاثة أيام. وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (45676) . ثانياً: من شرع في الصوم لعجزه عن العتق والإطعام والكسوة، ثم قدر على واحد منها لم يلزمه الرجوع إليه عند جمهور العلماء، لكن لو أراد ذلك فلا حرج، لأنه انتقال للأعلى والأكمل. قال ابن قدامة رحمه الله: " إذا شرع في الصوم , ثم قدر على العتق أو الإطعام أو الكسوة , لم يلزمه الرجوع إليها. روي ذلك عن الحسن , وقتادة وبه قال مالك , والشافعي , وإسحاق , وأبو ثور وابن المنذر. وروي عن النخعي , والحكم , أنه يلزمه الرجوع , إلى أحدها، وبه قال الثوري , وأصحاب الرأي ; لأنه قدر على المُبْدَل قبل إتمام البدل. ولنا: أنه بدل لا يبطل بالقدرة على المُبْدَل , فلم يلزمه الرجوع إلى المُبْدَل بعد الشروع فيه , كما لو شرع المتمتع العاجز عن الهدي في صوم السبعة الأيام , فإنه لا يخرج , بلا خلاف. والدليل على أن البدل لا يبطل , أن البدل الصوم , وهو صحيح مع قدرته اتفاقا ". ثم قال: "إن أحب الانتقال إلى الأعلى , فله ذلك , في قول أكثرهم" انتهى من "المغني" (10/22) . وعليه؛ فلو توفر لديك المال وقد شرعت في الصوم، فلا يلزمك الإطعام أو الكسوة، ولك الاستمرار على الصوم إلا أن تختار الإطعام. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126139 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4372 نذر أن يذبح (حاشي) فكم يشترط في سنّه؟ [السُّؤَالُ] ـ[بفضل الله أمي حملت وسوف تنجب ولداً ولله الحمد فنذرت إن قامت بالسلامة وكان المولود معافىً بأن أذبح حاشي وهو كما تعلمون عمره يكون ثلاث سنوات، فهل إن ذبحته وفيت بنذري؟ أم هنالك شروط للذبيحة مثل الأضحية؟ يعني لها سن معين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا نذرت ذبح (حاشي) إن أنجبت والدتك مولودا معافىً، فتم ذلك، لزمك الوفاء بالنذر، ويتحدد سن الحاشي بما نويته عند نذرك، وإلا فما يسمى في عرف الناس كذلك، فإنه يجزئك ذبحه ولا يشترط فيه شروط الأضحية، إلا إن كنت نويت أن يكون عقيقة للمولود، لأن العقيقة يشترط فيها ما يشترط في الأضحية، فإن كانت من الإبل لم يجزئ فيها إلا ما تم له خمس سنوات. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: نذرت والدتي أن تذبح بعيراً بعدما نسكن بيتاً يكون ملكاً لنا، والحمد لله قد نزلنا في البيت الذي هو ملك لنا، فما هو البعير أهو الجمل الكبير أم (الحاشي) أم يكون من أي نوع من أنواع الإبل؟ وإذا ذبحت هذا البعير فماذا نصنع به: هل يوزع أم نأكله أو نجعله في البيت أو نجعله عشاءً؟ أرجو التفصيل وفقك الله. فأجاب: "قبل أن أجيب على الوفاء بهذا النذر أقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر وقال: (إنه لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل) وقال: (إنه لا يرد قضاءً) وما أكثر الذين ينذرون ولا يوفون، وعدم الوفاء بالنذر إذا كان نذر طاعة له عواقب وخيمة، اسمعوا قول الله تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ ـ أي: ولم يتصدقوا ـ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) التوبة/75-77. عاقبة وخيمة، جعل الله في قلوبهم نفاقاً إلى الموت؛ لأنهم لم يفوا بالعهد. وإذا كان النذر منهياً عنه وقد تكون عاقبته وخيمة فإن المؤمن العاقل لا ينذر، إذا كان الله قد أذن لك بالشفاء شفيت بدون نذر، وإذا كان الله لم يأذن لك بالشفاء؛ فإنك لا تشفى ولو نذرت. كذلك أيضاً إذا كان الله قد يسر لك بيتاً يكون ملكاً لك تسكنه فإنه سيكون بلا نذر، وإذا لم يأذن الله بذلك فلن يكون. أما بالنسبة للجواب على هذا السؤال فإن الواجب أن تذبح بعيراً كما نذرت، ثم إن كان في ذهنها ونيتها في ذلك الوقت أنه أيُّ بعير فلتذبح أي بعير ولو (حاشياً) صغيراً، وإن لم يكن في ذهنها شيء، فإنها تذبح بعيراً تصح أن تكون أضحية أي: ثنية لها خمس سنين. وإذا ذبحتها فرقتها على الفقراء؛ لأن هذا شكرٌ لله على تيسيره، إلا إذا كان من نيتها أنها تذبحها لإظهار الفرح والسرور كما يفعله بعض الناس إذا نزل بيتاً جديداً صنع وليمة، فهنا نقول: لا بأس أن تأكل منها وتطعم وتتصدق (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) " انتهى من "اللقاء الشهري" (36/11) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126001 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4373 حلف أن لا يفعل معصية معينة ثم فعلها ناسياً لليمين [السُّؤَالُ] ـ[حلفت ألا أفعل معصية معينة، ثم فعلتها وأنا ناسي اليمين، فهل تجب علي كفارة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا كفارة عليك في ذلك ولكن تبقى اليمين منعقدة كما هي، فمتى فعلت تلك المعصية عامداً ذاكراً، فعليك كفارة يمين. فقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: رجل حلف بالله ألا يصافح الحريم بيده، وبعد مدة دخل مجلساً فيه حريم، جيران لهم، وصافحهم وهو ناسي يمنيه السابق، ويسأل ماذا يترتب عليه؟ فأجابوا: "إذا كان الأمر كما ذكره السائل من أنه صافح بيده الحريم بعد حلفه اليمين لعدم مصافحتهن، وأن ذلك كان منه على سبيل النسيان: فلا حرج عليه، لقوله تعالى: (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأناً) الآية، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (عُفي من أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) . وإن حصل منه شيء مستقبلاً وهو ذاكر عامد: لزمته كفارة اليمين، مع العلم أنه لا يجوز له شرعاً مصافحة النساء، إلا أن يكنَّ من محارمه، كأمه، وأخته، وبنته، ونحوهن" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن منيع. " فتاوى اللجنة الدائمة " (23 / 62) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125937 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4374 هل يحتسب صيام كفارة اليمين من الستة أيام من شوال؟ [السُّؤَالُ] ـ[لدي سؤال فيما يخص القسم بالله، وهو أنني أقسمت بالله على أن لا أذهب إلى المكان الفلاني، ولكن بعد أسبوع من ذلك ذهبت إلى ذلك المكان، وقررت أن أصوم ثلاثة أيام في الست من الشوال، هل تعتبر كفارة عن اليمين أو ماذا؟ . وجزاكم الله خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ننبه الأخ السائل إلى أمور مهمة قبل الإجابة عن عين مسألته: 1. الأصل في المسلم أن يحفظ يمينه من إلقائها هنا وهناك على أمور لا تستحق أن يكون معها القسم بالله تعالى، قال تعالى: (وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) المائدة/ من الآية89. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله -: الأصل: أنه لا ينبغي إكثار اليمين؛ لقول الله تعالى (وَاحْفَظُوْا أَيْمَانَكُمْ) ، قال بعض العلماء في تفسيرها: أي: لا تكثروا الأيمان، ولا شك أن هذا أولى، وأسلمُ للإنسان، وأبرأُ لذمته. " الشرح الممتع " (15 / 117) . 2. أن المكان الذي أقسمتَ على عدم الذهاب إليه: إن مكاناً محرَّماً لا يحل لك الذهاب إليه في شرع الله تعالى: وجب عليك الوفاء بيمينك، وعدم الذهاب، وإن كان الذهاب واجباً – كصلة رحِم أو زيارة قريب: وجب عليك الحنث في يمينك إن كان ذهابك واجباً، واستُحب لك الحنث إن كان الذهاب مستحبّاً، وإن كان الذهاب إلى ذلك المكان مباحاً: فانظر الخير لدينك ودنياك، والأتقى لربك تعالى، وافعله، فإن كان الذهاب خيراً وأتقى: فاذهب وكفِّر عن يمينك، وإلا فابق على منع نفسك من الذهاب إليه. عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ) . رواه البخاري (6343) ومسلم (1652) . عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ وَلْيَفْعَلْ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ) . رواه مسلم (1650) . وفي " الموسوعة الفقهية " (8 / 63) : برُّ اليمين معناه: أن يصدق في يمينه , فيأتي بما حلف عليه، قال الله تعالى: (ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون) . وهو واجب في الحلف على فعل الواجب، أو ترك الحرام , فيكون يمين طاعة يجب البر به بالتزام ما حلف عليه , ويحرم عليه الحنث فيه. أما إن حلف على ترك واجب أو فعل محرم: فهو يمين معصية، يجب الحنث فيه. فإن حلف على فعل نفل , كصلاة تطوع، أو صدقة تطوع: فالتزام اليمين مندوب , ومخالفته مكروهة. فإن حلف على ترك نفل: فاليمين مكروهة , والإقامة عليها مكروهة , والسنَّة أن يحنث فيها، وإن كانت على فعل مباح: فالحنث بها مباح، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فأت الذي هو خير , وكفر عن يمينك) . انتهى. 3. قرارك في أنك ستصوم ثلاثة أيام مقابل الحنث في يمينك: لا يجوز إلا إن كنتَ عاجزاً عن إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، فكفارة اليمين هي: إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فمن لم يجد: صام ثلاثة أيام، قال الله تعالى: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة/ 89. وانظر السؤال (45676) . ثانياً: أما بخصوص سؤالك عن جعل صيام كفارة اليمين في شوال، واحتسابها من الأيام الستة منه، الوارد في فضل صومه مع رمضان أنه كصيام الدهر فرضاً: فنقول: إنه إن ترتب في ذمتك الصيام لعجزك عن الإطعام والكسوة: فلا تحسبها من الأيام الستة من شوال، ولا يجوز التشريك بين نية واجبة، ونية نفل، وصيام الكفارة مخصوص يحتاج لنية مستقلة، كما هو الحال في صيام الأيام الستة من شوال، وعليه: فصيامك للأيام الثلاثة كفارةً ليمينك لا تُحسب من صيام الأيام الستة من شوال. سئل علماء اللجنة الدائمة: هل صوم ستة من شوال، ويوم عاشوراء، ويوم عرفة، هل يجزئ عن الأيمان، وقد عجز المرء على حصرها؟ . فأجابوا: كفارة الأيمان هي: عتق رقبة مؤمنة، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، فإن لم تجد شيئاً من ذلك: فتصوم عن كل يمين ثلاثة أيام. وأما عجزك عن حصر الأيمان: فيجب عليك الاجتهاد في حصرها بالتقريب، ثم التكفير فيما حنثت فيه منها، ويكفيك ذلك إن شاء الله. ولا يجزئ صيام يوم عاشوراء، وعرفة، وستة من شوال، عن كفارة اليمين، إلا إذا نوى بصيامها أنه عن الكفارة لا التطوع. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان. " فتاوى اللجنة الدائمة " (23 / 37، 38) . وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: السائلة تذكر بأنها حلفت، وتريد أن تكفر عن هذا الحلف بصيام ثلاثة أيام، فهل يجوز أن أصومها مع صيام الست من شوال بحيث يكون صيامي ستة أيام؟ . فأجاب: أولاً: لا يجوز للحالف إذا حنث في يمينه أن يصوم، إلا إذا كان لا يجد إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ) ، وقد اشتهر عند كثير من العامة: أن كفارة اليمين إذا حنث الحالف: صيام ثلاثة أيام لمن يجد الإطعام، أو الكسوة، أو العتق، ومن لا يجد، وهذا غلط، بل لا يجوز الصيام إلا إذا كان الحالف الذي حنث لا يجد إطعام عشرة مساكين، أو يجد لكن لا يجد مساكين، فحينئذٍ يصوم ثلاثة أيام متتابعة. ثم إذا كان يندرج تحت صيام الأيام الثلاثة: فإنه لا يجزئ أن ينوي بها صيام ستة أيام من شوال؛ لأنهما عبادتان مستقلتان، فلا تغني إحداهما عن الأخرى، بل يصوم ستة أيام من شوال، ثم يصوم الأيام الثلاثة زائدة على صيام الأيام الستة. " فتاوى نور على الدرب " (/ 84، 85) . ولا يشترط في الأيام الثلاثة أن تكون متتابعة، وقد بينَّا ذلك في جواب السؤال رقم: (12700) ، فلينظر. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125811 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4375 حكم إخراج كفارة اليمين مالا [السُّؤَالُ] ـ[قال تعالى: (فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم..) هل يجوز إخراج قيمة كفارة اليمين مالا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف الفقهاء في إخراج المال في الكفارات على قولين: القول الأول: قول جمهور أهل العلم من المالكية والشافعية والحنابلة: أنه لا يجزئ المال عن الطعام، اقتصارا على النص الوارد ووقوفا عنده، حيث قال الله تعالى: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة/89. جاء في " مواهب الجليل " (3/272) من كتب المالكية: " لا تجزئ القيمة عن الإطعام والكسوة " انتهى. وقال ابن قدامة الحنبلي رحمه الله: " لا يجزئ في الكفارة إخراج قيمة الطعام , ولا الكسوة , في قول إمامنا، ومالك , والشافعي , وابن المنذر، وهو ظاهر من قول عمر بن الخطاب، وابن عباس , وعطاء , ومجاهد , وسعيد بن جبير , والنخعي. ويدل على ذلك: 1- قول الله تعالى: (إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم) ، وهذا ظاهر في عين الطعام والكسوة , فلا يحصل التكفير بغيره لأنه لم يؤد الواجب إذ لم يؤد ما أمره الله بأدائه. 2- ولأن الله تعالى خير بين ثلاثة أشياء، ولو جازت القيمة لم ينحصر التخيير في الثلاثة. 3- ولأنه لو أريدت القيمة لم يكن للتخيير معنى ; لأن قيمة الطعام إن ساوت قيمة الكسوة فهما شيء واحد , فكيف يخير بينهما؟ وإن زادت قيمة أحدهما على الآخر فكيف يخير بين شيء وبعضه؟ 4- ثم ينبغي أنه إذا أعطاه في الكسوة ما يساوي إطعامه أن يجزئه , وهو خلاف الآية. وكذلك لو غلت قيمة الطعام , فصار نصف المد يساوي كسوة المسكين , ينبغي أن يجزئه نصف المد، وهو خلاف الآية. 5- ولأنه أحد ما يكفَّرُ به، فلا تجزئ فيه القيمة كالعتق. فعلى هذا لو أعطاهم أضعاف قيمة الطعام لا يجزئه؛ لأنه لم يؤد الواجب فلا يخرج عن عهدته " انتهى باختصار من "المغني" (11/257) . القول الثاني: وهو مذهب الحنفية: أنه يجزئ إخراج المال في الكفارات. قال السرخسي [الحنفي] رحمه الله: " أداء القيمة مكان المنصوص عليه في الزكاة والكفارات جائز عندنا". والراجح من القولين هو القول الأول، أنه لا تجزئ القيمة في كفارة اليمين، وغيرها من الكفارات. وانظر جواب السؤال رقم (20881) ، (45676) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 124274 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4376 نذرت فعل أكثر من عمرة فهل يجوز أن تفعلها في سفرة واحدة [السُّؤَالُ] ـ[أنا فتاة مصرية أعاني من ابتلاءات متعددة منذ ثمان سنوات والحمد لله على كل حال فنذرت لله إن رزقني العمرة أن أعتمر أيضا عن والدي المريض وعن عمي وخالي رحمهما الله فأخبرني بعض الأشخاص أن هذا غير جائز وأنني يجب أن أعتمر مرة واحدة فقط في كل سفر أي أعتمر عن نفسي فقط ثم أعود لمصر ثم أسافر مرة أخرى لأعتمر عن شخص آخر وهكذا فهل يجوز أن أوفي بنذري خلال سفر واحد؟ أم لا؟ مع العلم بأن مدة العمرة من مصر قد تكون أسبوع أو عشرة أيام على الأكثر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تكرار العمرة في السفرة الواحدة ليس من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ولا من هدي أصحابه، ولذا فهو مكروه، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم (111501) . ولكن نظرا لكونك نذرت العمرة عن والدك وعمك وخالك، وأنك تأتين للعمرة من مصر، فلا حرج عليك في الوفاء بنذرك في سفرة واحدة، لأنك قد لا يتيسر لك السفر إلى مكة عدة مرات، فإذا أردت العمرة وأنت في مكة خرجت إلى التنعيم أو غيره من الحِل، فأحرمت بالعمرة. واعلمي أن النذر مكروه، وأنه لا يأت بخير كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى البخاري (6608) ومسلم (1639) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّذْرِ وَقَالَ: (إِنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيل) . وروى البخاري (6609) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الله تعالى قال في الحديث القدسي: (لَا يَأْتِ ابْنَ آدَمَ النَّذْرُ بِشَيْءٍ لَمْ يَكُنْ قَدْ قَدَّرْتُهُ، وَلَكِنْ يُلْقِيهِ الْقَدَرُ، وَقَدْ قَدَّرْتُهُ لَهُ، أَسْتَخْرِجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ) . ومع كون النذر مكروها في الأصل إلا أن من نذَر نذْر طاعةٍ فإنه يلزمه الوفاء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ) رواه البخاري (6202) . ونسأل الله تعالى أن يجعل لك من كل ضيق فرجا ومخرجا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 124142 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4377 الحلف بحياة الله جائز [السُّؤَالُ] ـ[جاءتني رسالة من شخص ويقول فيها باللفظ: " وحياة من أنزل القرآن ". فهل يجوز الحلف بهذا اللفظ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحلف بحياة من أنزل القرآن هو حلف بصفة من صفات الله عز وجل، وهي صفة الحياة، وقد دلَّت النصوص الواردة في السنة النبوية على جواز الحلف بصفات الله تعالى، وهي نصوص صحيحة واردة في صحيحي البخاري ومسلم، استدل بها العلماء على ذلك: يقول الإمام البخاري رحمه الله: " باب الحلف بعزة الله وصفاته وكلماته. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أعوذ بعزتك. وقال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (يبقى رجل بين الجنة والنار فيقول: يا رب اصرف وجهي عن النار، لا وعزتك لا أسألك غيرها) وقال أبو سعيد رضي الله عنه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (قال الله: لك ذلك وعشرة أمثاله) . وقال أيوب عليه السلام: (وعزتك لا غنى بي عن بركتك) " انتهى. " صحيح البخاري " (كتاب الأيمان والنذور، باب رقم/12) وهذه الأحاديث وإن علقها البخاري في هذا الموضع، إلا أنه أسندها في مواضع أخر. وقد أورد الإمام البيهقي أيضا في " السنن الكبرى " (10/41) هذه الأحاديث، وبوَّب عليها بقوله: " باب ما جاء في الحلف بصفات الله تعالى: كالعزة، والقدرة، والجلال، والكبرياء، والعظمة، والكلام، والسمع، ونحو ذلك " وأورد تحته أثرا عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سئل عن الخمر فقال: لا وسمعِ الله عز وجل، لا يحل بيعها ولا ابتياعها. يقول الحافظ ابن عبد البر رحمه الله: " الحلف بصفات الله تعالى جائز تجب فيها الكفارة؛ لأنها – أي الصفات - منه تعالى ذكره " انتهى. " الاستذكار " (5/205) وقال ابن رشد رحمه الله: " وأما مَن منع الحلف بصفات الله وبأفعاله فضعيف " انتهى. " بداية المجتهد " (1/298) يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فمعلوم أنَّ مَن حلف بصفاته كالحلف به , كما لو قال: وعزة الله تعالى , أو لعمر الله , أو والقرآن العظيم , فإنه قد ثبت جواز الحلف بالصفات ونحوها عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة , ولأن الحلف بصفاته كالاستعاذة بها , وإن كانت الاستعاذة لا تكون إلا بالله , في مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أعوذ بوجهك) , و (أعوذ بكلمات الله التامات) , و (أعوذ برضاك من سخطك) ونحو ذلك , وهذا أمر متقرر عند العلماء " انتهى. " الفتاوى الكبرى " (4/130) وهذا ما ينص عليه أيضا فقهاء المذاهب الأربعة المتبوعة: يقول الكاساني الحنفي رحمه الله: " إذا قال: (وعزة الله، وعظمة الله، وجلاله، وكبريائه) يكون حالفا؛ لأن هذه الصفات إذا ذكرت في العرف والعادة لا يراد بها إلا نفسها، فكان مراد الحالف بها الحلف بالله تعالى، وكذا الناس يتعارفون الحلف بهذه الصفات، ولم يرد الشرع بالنهي عن الحلف بها " انتهى. " بدائع الصنائع " (3/6) ويقول أبو العباس القرطبي رحمه الله: " وقوله صلى الله عليه وسلم: (من كان حالفًا فليحلف بالله) لا يُفهم منه قَصْرُ اليمين الجائزة على الحلف بهذا الاسم فقط، بل حكم جميع أسماء الله تعالى حكم هذا الاسم. فلو قال: والعزيز، والعليم، والقادر، والسميع، والبصير؛ لكانت يمينًا جائزة. وهذا متفق عليه. وكذلك الحكم في الحلف بصفات الله تعالى؛ كقوله: وعزة الله، وعلمه، وقدرته، وما أشبه ذلك مما يَتَمَحَّضُ فيه الصفة لله، ولا ينبغي أن يختلف في هذا النوع أنها أيمان كالقسم الأول " انتهى. " المفهم لما أشكل من تلخيص صحيح مسلم " (4/623) ويقول شيخ الإسلام زكريا الأنصاري إمام الشافعية في زمانه رحمه الله: " (وينعقد) اليمين (بقوله: وعلم الله، وقدرته، وحقه، وعظمته، وسمعه، وبصره) ونحوها " " انتهى. " أسنى المطالب شرح روض الطالب " (4/244) ويقول ابن قدامة إمام الحنابلة في زمانه رحمه الله: " والقسم بصفات الله تعالى كالقسم بأسمائه " انتهى. " المغني " (9/395) ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " القسم بقول الإنسان: " وحياة الله " لا بأس بها؛ لأن القسم يكون بالله سبحانه وتعالى، وبأي اسم من أسمائه، ويكون كذلك بصفاته: كالحياة، والعلم، والعزة، والقدرة، وما أشبه ذلك , فيجوز أن يقول الحالف: وحياة الله، وعلم الله، وعزة الله، وقدرة الله، وما أشبه هذا مما يكون من صفات الله سبحانه وتعالى " انتهى. " مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين " (2/219-220) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 122729 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4378 قال لزوجته: إن ذهبت إلى بيت أبيك فأنت حرام علي كأمي [السُّؤَالُ] ـ[لي زوجة تحب أن تذهب إلى منزل أبيها كثيرا، وهذا الموضوع ضايقني جدا، حلفت عليها يمينا: (تكوني حرمانة علي زي أمي لو رحتي ثاني) فما الحكم، هل هذا طلاق؟ وما هو الحل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: قول الرجل لزوجته: أنت حرام علي كأمي أو مثل أمي، ظهار، وليس طلاقاً، وهو منكر من القول وزور، كما قال تعالى: (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا) المجادلة/2. والمظاهر يلزمه كفارة الظهار إذا عاد لما قال، ولا يجوز له أن يقرب أهله حتى يكفر كفارة الظهار، كما قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ. فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ) المجادلة/3، 4. فالكفارة: عتق رقبة، فإن لم يجدها، فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع لمرض أو كبر فإطعام ستين مسكينا. ثانيا: إذا قال الرجل لزوجته: إن فعلت كذا أو إن لم تفعلي كذا، فأنت حرام علي كأمي، أو تكونين حراما كأمي، أو كظهر أمي، فهذا ظهار معلق على شرط، والجمهور على أنه إن وقع الشرط وقع الظهار. وذهب بعض أهل العلم إلى أن الظهار المعلق كالطلاق المعلق، يحتمل أن يكون ظهارا، ويحتمل أن يكون يمينا، بحسب نية قائله، فإن أراد بكلامه الحث أو المنع، ولم يرد الظهار، فهو يمين، وإن أراد الظهار فهو ظهار، وهذا ما عليه جماعة من أهل العلم. وقد سئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: ما الحكم الشرعي فيمن حلف على زوجته بالطلاق أو الظهار ألا تفعل شيئًا ثم سافر عنها ولا يعلم هل خالفت يمينه أم لا؟ وإن فعلت وهو لا يعلم بذلك فما الحكم؟ فأجاب: "إذا حلف على زوجته بالطلاق أو الظهار يقصد منعها من عمل شيء فهذا يأخذ حكم اليمين، يكفّر كفارة يمين على الصحيح وينحل. أما لو فعلت في غيبته ما نهاها عنه وحلف عليها ألا تفعله فإنه يحنث بذلك، ولو لم يعلم، لأنه حلف عليها ألا تفعل فخالفت اليمين، وإذا خالفت اليمين متعمدة ذاكرة لهذا الحلف فإن الحالف يحنث بذلك، وتكون عليه الكفارة، سواء علم أو لم يعلم " انتهى من "المنتقى من فتاوى الفوزان". فعلى هذا القول: فإن كنت أردت الظهار فهو ظهار، وعليك كفارة الظهار، وإن كنت أردت منعها من الذهاب إلى بيت أبيها ولم تقصد الظهار، فهذا له حكم اليمين، فإن ذهبت فعليك كفارة يمين، وإن لم تذهب، فليس عليك شيء. والواجب عليك أن تتجنب هذه الألفاظ؛ لما فيها من المنكر والزور، فإن الزوجة ليست أما لك ولن تكون كذلك، ولما فيه من تعريض الحياة الزوجية للخطر. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121556 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4379 من حلف على شيء مكرها فلا كفارة عليه [السُّؤَالُ] ـ[لي أخت أجبرها زوجها تحت التهديد بالطلاق وحرمانها من أطفالها أن تقسم ألا تفعل شيئا معينا (هذا الشيء غير محرم) . ما مدى إلزامها بقسم حلفته تحت التهديد وخوفا من زوجها؟ وإن فعلت ما أقسمت مكرهةً أنها لن تفعله فما هو إثمها؟ وهل تجب عليها كفارة اليمين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الحمد لله ليست ملزمة بقسم حلفته تحت التهديد والإكراه، لأن من شروط وجوب الكفارة أن يحلف الشخص مختارا ثم يحنث. جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (23/121) : "من شروط وجوب الكفارة في اليمين: أن يحلف مختارا، أما من أكره على الحلف فلا كفارة عليه؛ لقول الله سبحانه: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ) النحل/106؛ ولما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (عفي لأمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) " انتهى. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ بكر أبو زيد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 119719 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4380 نذر أن يذبح عقيقة لابنه، ثم عجز عن الوفاء، فماذا يلزمه؟ [السُّؤَالُ] ـ[نذر أن يقوم بعمل عقيقة إذا رزقه الله الولد، ولما رزقه لم يجد معه مالاً، فهو غير قادر على ثمن الذبيحة، فماذا يفعل؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النَّذر، وأخبر أنه يُستخرج به من البخيل، ويتأكد هذا النهي في حق من يعتقد أن غرضه يحصل له بسبب النذر، أو أن الله تعالى يفعل ذلك الغرض لأجل نذره! . جاء في " الموسوعة الفقهية " (40 / 140) – في بيان حكم النذر -: "قال القرطبي: الذي يظهر لي هو التحريم في حقِّ من يُخاف عليه اعتقاد أن النذر يوجب حصول غرض معجل، أو أن الله يفعل ذلك الغرض لأجل النذر، فيكون الإقدام على النذر - والحالة هذه - محرَّماً، وتكون الكراهة في حق من لم يعتقد ذلك" انتهى. وكم تلقينا أسئلة من أناس نذروا طاعات ثم لم يقدروا عليها، فالذي ينبغي على المسلم أن يحفظ لسانه عن النذر، ومن أراد أن يتصدق أو يصوم أو يذبح فليفعل ذلك من غير نذر، حتى يكون في سعة من أمره، إن شاء أن يترك ذلك يتركه ولا حرج عليه، بدلاً من أن يعرض نفسه لعدم الوفاء بالنذر وهو أمر عظيم. وانظر جواب السؤال رقم (42178) . ثانياً: العقيقة سنة مؤكدة، لا ينبغي تركها لمن قدر عليها، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (12448) . ومن نذر أن يعق عن ولده وجب عليه ذلك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ) رواه البخاري (6696) . فإن عجز عن الوفاء بهذا النذر، فلا يخلو من حالين: 1- إما أن يكون قد حَدَّد وقتاً معيناً لذبح العقيقة، سواء تلفظ بهذا التحديد أو نواه، كمن نوى أن يذبحها في الأسبوع الأول أو الشهر الأول بعد الولادة، فإن مضى هذا الوقت المحدد وهو عاجز عن الوفاء بنذره، فعليه كفارة يمين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ) رواه مسلم (1645) . 2- وإما أن لا يكون حدد وقتاً معيناً لذبح العقيقة، فتبقى العقيقة دَيْناً في ذمته حتى يستطيع الوفاء، لأن العقيقة ليس لها وقت معين تفوت بفواته، بل يصح ذبحها في أي وقت، ولو بعد سنوات من الولادة. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 119562 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4381 الحلف بغير لله هل تلزم فيه الكفارة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكنكم أن تلقوا الضوء على هذه القضية؟ لو أن شخصا يحلف برأسه، هل يعد هذا يمينا أم عهدا؟ وإذا أخل به هل عليه كفارة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحلف لا يكون إلا بالله تعالى، أو باسم من أسمائه، أو صفة من صفاته، وأما الحلف بغير الله فلا يجوز، وهو من الشرك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ) رواه الترمذي (1535) وأبو داود (3251) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ) رواه البخاري (2679) ومسلم (1646) . ويدخل في ذلك الحلف بحياة الإنسان ورأسه وشرفه، والحلف بأمه وأبيه، والحلف بالكعبة وغير ذلك من المخلوقات. واليمين بغير الله يمين غير منعقدة، ولا تلزم فيها كفارة عند أكثر العلماء. قال ابن قدامة رحمه الله: " ولا تنعقد اليمين بالحلف بمخلوق ; كالكعبة , والأنبياء , وسائر المخلوقات , ولا تجب الكفارة بالحنث فيها. وهو قول أكثر الفقهاء " انتهى من "المغني" (9/405) . وعلى هذا، فمن حلف برأسه، فقد ارتكب أمراً محرماً، وعليه التوبة إلى الله تعالى، والندم على ما فعل، والعزم على عدم العودة إلى ذلك مرة أخرى، وليس عليه كفارة إذا أخل بما حلف عليه، لأن هذه اليمين يمين محرمة لا يترتب عليها ما يترتب على الحلف بالله. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 115474 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4382 إعتاق الرقبة عمن لزمته [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكن للولد أن يقضي عن أبيه شراء عبد ثم يعتقه؟ وهل يمكن للولد أن يقضي عن أمه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أداء الكفارات بالإطعام أو العتق عمَّن لزمتهم يكون على أحد وجهين: 1- إما أن يكون بإذنِ مَن لَزِمَته الكفارة وطَلَبِه: فحينئذ يصح ويجزئ أداءُ أي شخص عنه، دليله ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: هَلَكْتُ. قَالَ: مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِى فِى رَمَضَانَ. قَالَ: تَسْتَطِيعُ تُعْتِقُ رَقَبَةً؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: اجْلِسْ. فَجَلَسَ. فَأُتِىَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ -وَالْعَرَقُ الْمِكْتَلُ الضَّخْمُ - قَالَ: خُذْ هَذَا، فَتَصَدَّقْ بِهِ. قَالَ أَعَلَى أَفْقَرَ مِنَّا، فَضَحِكَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ. قَالَ: أَطْعِمْهُ عِيَالَكَ) رواه البخاري (6709) ومسلم (2564) . يقول الشيخ عبد الله آل بسام رحمه الله في فوائد هذا الحديث: " (منها) أن الكفارة لا تسقط مع الإعسار؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسقطها عنه بفقره، وليس في الحديث ما يدل على السقوط. (ومنها) جواز التكفير عن الغير ولو من أجنبي " انتهى. "تيسير العلام" (1/296) 2- وإما أن يكون بغير إذنه ولا علمه: فلا يجزئ ما أطعم أو أعتق عنه. وهذا تفصيل الشافعية والحنابلة والقاضي أبي يوسف، قالوا: لأن العبادة لا تصح إلا بنية، فإذا لم ينشئ من لزمته الكفارة النية والعزيمة على التكفير بالإطعام أو الإعتاق: فَقَد سقط ركن العبادة الأول، فلم تقع العبادة مجزئة عنه. يقول الإمام الشافعي رحمه الله: " ولو كان على رجل ظهار، فأعتق عنه رجل عبدا للمعتق بغير أمره: لم يجزئه " انتهى. "الأم" (6/709ـ ط الوفاء المحققة) ، وانظر: "تحفة المحتاج" (8/189) ، "أسنى المطالب" (3/363) . ويقول البهوتي الحنبلي رحمه الله: " (ومن أعتق غيرُه عنه عبدا بغير أمره) في كفارة أو غيرها (لم يعتق عن المعتَق عنه إذا كان حيا) لأنه لم يحصل منه عتق ولا أمر به مع أهليته (ولا يجزى عن كفارته) أي كفارة المعتق عنه. (وإن نوى) المعتِق (ذلك) لأن العتق لم يصدر ممن وجبت عليه الكفارة حقيقة , ولا حكما , (وكذا من كفر عنه غيره بالإطعام) بغير إذنه فإنه لا يجزئه لعدم النية ممن وجبت عليه الكفارة " انتهى. "كشاف القناع" (5/382) . ووجه اشتراط النية في الكفارات عند أهل العلم: أن الكفارة ليس المقصود منها أنها غرامة مالية مجردة، بل فيها جانب العبادة والقربة إلى الله عز وجل. قال العز ابن عبد السلام رحمه الله: " وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي بَعْضِ الْكَفَّارَاتِ هَلْ هِيَ زَوَاجِرُ أَمْ جَوَابِرُ فَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهَا زَوَاجِرَ عَنْ الْعِصْيَانِ لِأَنَّ تَفْوِيتَ الْأَمْوَالِ وَتَحْمِيلَ الْمَشَاقِّ رَادِعٌ زَاجِرٌ عَنْ الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا جَوَابِرُ [يعني: أن المقصود منها: جبر = تعويض، ما نقص من دين المرء أو عباده، بسبب تعديه أو تفريطه] ، لِأَنَّهَا عِبَادَاتٌ وَقُرُبَاتٌ لَا تَصِحُّ إلَّا بِالنِّيَّاتِ، وَلَيْسَ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ زَاجِرًا، بِخِلَافِ الْحُدُودِ وَالتَّعْزِيرَاتِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِقُرُبَاتٍ إذْ لَيْسَتْ فِعْلًا لِلْمَزْجُورِ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُهَا الْأَئِمَّةُ وَنُوَّابُهُمْ " انتهى. قواعد الأحكام في مصالح الأنام (1/178) . والحاصل أنه يجزئ الوالدين أن يعتق عنهما ولدهما إذا أذنا بذلك، والأجر متحصل لهذا الولد البار الذي حرص على تخليص أبويه من الالتزامات المالية بين يدي الله تعالى. فنسأل الله لك الأجر والمثوبة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114449 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4383 صامت كفارة يمين ولم تعلم أن الواجب عليها الإطعام؟ [السُّؤَالُ] ـ[صمت أياما كفارةً عن يمين، ثم سمعت بأن الصوم آخر كفارة، والأولى هو إخراج المال، هل علي أن أتصدق بقيمة الأيام التى صمتها؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله كفارة اليمين على الترتيب الذي ذكره الله عز وجل في سورة المائدة، في قوله عز وجل: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة/89. فيختار واحدة من هذه الخصال الثلاثة ويفعلها: إطعام عشرة مساكين من أوسط ما يطعم أهله أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، ومن فعل واحدة منها فقد برئت ذمته وفعل ما وجب عليه، فإن عجز عن جميع الخصال الثلاثة، انتقل إلى الصوم، فيصوم ثلاثة أيام. ولا يجوز له الانتقال إلى الصيام وهو مستطيع الإطعام أو الكسوة أو العتق، لقوله تعالى: (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) المائدة/89. قال ابن المنذر رحمه الله: "أجمعوا على أن الحالف الواجد للإطعام، أو الكسوة، أو الرقبة، لا يجزئه الصوم إذا حنث في يمينه " انتهى. "الإجماع" (ص/157) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن رجلٍ حلف على شيء ثم حنث في يمينه، وصام مع قدرته على الإطعام، فما الحكم؟ هل يجزئه الصيام مع أن الله بدأ بالإطعام وجعل الصيام عند عدم الاستطاعة، ولو كان غير عالم بالحكم هل يختلف الحكم؟ فأجاب: " إذا صام الإنسان في كفارة اليمين وهو قادر على إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فإن الصوم يكون نافلة، وعليه أن يأتي بالكفارة، لكن الصوم لا يضيع، يكون نافلة له، وليطعم. ولقد اشتهر عند كثير من الناس أن كفارة اليمين هي الصيام، ولهذا إذا حلف على أخيه وقال: والله أن تفعل كذا، يقول: لا تجعلني أصوم ثلاثة أيام، وهذا خطأ، الإطعام مقدم أو الكسوة أو عتق الرقبة، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعة " انتهى. "اللقاء الشهري" (لقاء رقم/70، سؤال رقم/10) . وقد ذكرنا في جواب السؤال رقم (42804) فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء في ذلك أيضاً. فالواجب عليك أن تطعمي عشرة مساكين لتكفري عن يمينك. ولمعرفة تفاصيل كفارة اليمين، يراجع جواب السؤال رقم: (45676) . وينبغي التنبه إلى أن كفارة اليمين لا يجوز أن تخرج نقوداً عند جمهور العلماء، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (89954) ، فيجب أن تخرج طعاما أو كسوة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112403 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4384 حلف بالمصحف ألا يفعل معصية ثم فعلها [السُّؤَالُ] ـ[كنت أرتكب معصية فوضعت يدي على المصحف، وأقسمتُ أني لن أعود إلى هذا الفعل مرة أخرى، علماً أنى أريد إرضاء الله، والتشديد على نفسي بالامتناع عن ذلك الفعل بالقسم، ثم وقعت في تلك المعصية، مرة ناسياً القسم، ومرتين متذكراً القسم، فهل من توبة؟ هل من كفارة؟ وما هي؟ علماً بأني طالب، ومازلت آخذ أموالي من والدتي، ولا أعلم مساكين في بلدي - لكن يوجد أكيد الكثيرين، لكن لست أعرفهم - كما أن تلك الأموال قد ترهق أمي ماديّاً، ولكنها ستعطيني إياها إن طلبتها، وأسألكم الدعاء لي بأن تدمع عيني، ويخشع قلبي، ويستجاب لي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نسأل الله تعالى أن يطهِّر قلبك وجوارحك، وأن يحفظ عليك دينك، وأن يجنبك الفتن، ما ظهر منها وما بطن. أما فعلك للمعصية نسياناً لليمين، فلا كفارة عليك فيه. وأما فعلك للمعصية عامداً، ذاكراً ليمينك مرتين: فإن عليك كفارة يمين واحدة. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: "الواجب على من حلف على ألا يفعل معصية: أن يثبت على يمينه، وألا يعصي الله عز وجل، فإن عاد إلى المعصية مع حلِفه ألا يفعلها: فعليه كفارة يمين، وهي عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، والصوم لا يجزئ في كفارة اليمين إلا مَن عجز عن هذه الأشياء الثلاثة: العتق، والإطعام، والكسوة، وأما مَن قدِر: فلو صام ثلاثة أشهر: لا يجزئه. وإني أنصح هذا الأخ أن يكون قوي العزيمة، ثابتاً، وألا يجالس أهل المعصية التي تاب منها، بل يبتعد عنهم، حتى يستقر ذلك في نفسه" انتهى. " فتاوى نور على الدرب " لابن عثيمين - (الشريط رقم 374، وجه ب) . وبما أنك تخبر أنك طالب، وأنك لا تستطيع الإطعام ولا الكسوة: فعليك بصيام ثلاثة أيام، كفارةً لهذا اليمين، والأولى أن تكون متتابعة، ولو صمتها مفرقة فلا حرج في ذلك. وانظر جواب السؤال رقم: (103424) . مع التنبيه على أن هذه الكفارة هي مقابل حنثك في يمينك، لا في مقابل المعصية، وإنما تحتاج لتوبة صادقة من فعل تلك المعصية. ثانياً: أما تغليظ اليمين بوضع اليد على المصحف: فلم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحدٍ من أصحابه، بل الظاهر أنه بدعة، واليمين ينعقد بالقسم نفسه، ولا حاجة لتغليظه بوضع اليد على المصحف. قال القرطبي رحمه الله: وزاد أصحاب الشافعي التغليظ بالمصحف، قال ابن العربي: وهو بدعة، ما ذكرها أحد قطُّ من الصحابة. " تفسير القرطبي " (6 / 354) . وقال ابن قدامة المقدسي رحمه الله رادّاً على من أجاز تغليظ اليمين بالمصحف -: قال الشافعي: رأيتهم يؤكدون بالمصحف، ورأيتُ " ابن مازن " وهو قاضي بصنعاء يغلظ بالمصحف. قال أصحابه: فليغلظ عليه بإحضار المصحف؛ لأنه يشتمل على كلام الله تعالى وأسمائه. (قال ابن قدامة) : وهذا زيادة على ما أمر به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في اليمين، وفعلَه الخلفاء الراشدون، وقضاتُهم، من غير دليل، ولا حجة يستند إليها، ولا يترك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لفعل ابن مازن، ولا غيره. " المغني " (12 / 119) . واعلم أن الله تعالى يقبل التوبة من عباده النادمين، وأنه تعالى يحب التوابين، ويحب المتقين، فإذا أريت الله صدقاً في توجهك وتقربك لك: أعانك، ووفقك، وسددك، ورقق قلبك، وأدمع عينك. واعلم أنه إن قسا القلب: قحطت العين، فإذا أردت رقة القلب، ودمع العين: فعليك بالطاعات، فافعلها، وبالمعاصي، فاهجرها، واحرص على الصحبة الطيبة، ومجالس العلم، وعلى أذكار الصباح والمساء، وعلى ورد قرآني تقرأه كل يوم، واحرص على القيام والصيام، فهما يرققان القلب، ويهذبان الجوارح، بتوفيق الله، وفضله. واحذر من القنوط من رحمة الله، فالله تعالى عفوٌّ، يحب العفو، فسارع إلى ربك بتوبة صادقة، واعزم على عدم العود لكل ما يُسخط ربك تعالى. وللفائدة: انظر جواب السؤال رقم: (23491) . ونسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياك ممن يخشونه حق خشيته. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112080 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4385 نذرت أن تحفظ سورة يوسف ثم حفظتها لكنها تنسى بعض الآيات [السُّؤَالُ] ـ[نذرتُ أن أحفظ سورة يوسف إذا تخرجت من الجامعة، وعندما تخرجت بفترة قمت بحفظ السورة، ولكن هناك بعض الآيات عند التسميع أكون قد نسيتها، هل وفيت بالنذر بمجرد ما قمت بحفظها، أم ما زلت مقصرة ولم أوف بنذري؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من نذر حفظ سورة من سور القرآن الكريم، فحفظها، فقد وفى بنذره، ولو كان يخطئ أو ينسى بعض المواضع منها بعد ذلك، وهذا الخطأ والنسيان يرد على أكثر الحفاظ، ويمكن تداركه بالمراجعة المنتظمة. فننصحك بتعهد القرآن، والانتظام في مراجعته، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تَعَاهَدُوا الْقُرْآنَ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنْ الْإِبِلِ فِي عُقُلِهَا) رواه البخاري (5033) ومسلم (791) ولفظه (لهو أشد تفلُّتاً) . والمعنى أن القرآن إن لم يُتعاهد بالمراجعة، تفلت من صاحبه، كما تتفلّت الإبل من عقُلها الذي تُربط بها. نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112138 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4386 لا يجزئ الصوم في كفارة اليمين إلا عند العجز عن الإطعام والكسوة والعتق [السُّؤَالُ] ـ[أبي حلف بالله لأحد من أقاربنا على أن لا يقول ما نقله له من كلام وبعدها بيومين تفاجأنا بأن أبي لم يف بيمينه، وقال ما نقل له فأصبح عليه كفارة يمين. سؤالي: هل أستطيع الصوم عن أبي الثلاثة أيام؛ لأنه لا يريد صيام كفارة يمينه بحجة أنه لا يستطيع الصيام بسبب الجو الحار ومرض السكري؟ مع العلم أنه قد صام شهر رمضان بأكمله؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله كفارة اليمين هي كما ذكر الله تعالى: عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام. قال تعالى: (لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة/89. وبذلك يُعلم أنه لا يصح التكفير بالصوم، إلا لمن لم يجد ما يطعم به عشرة مساكين، أو يكسوهم به، أو يعتق رقبة. وينظر جواب السؤال رقم (45676) لمعرفة كفارة اليمين على التفصيل. ثانيا: إذا لم يكن لأبيك قدرة على الإطعام أو الكسوة أو العتق، وقدر على الصوم لزمه الصوم، ولا يصح صومك عنه، ومن صام رمضان كاملا لم يعجز عن صيام ثلاثة أيام متتابعة أو متفرقة. وإن عجز عن الصوم، سقط عنه. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " إذا لزم الإنسان كفارة يمين ولم يجد ما يطعم، ولم يستطع الصوم، فإنها تسقط عنه؛ لقوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ، وقوله: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) ، ولا يلزمه شيء؛ لأن من القواعد المقررة أن الواجبات تسقط بالعجز عنها إلى بدلها إن كان لها بدل، أو إلى غير شيء إذا لم يكن لها بدل، وإذا تعذر البدل سقطت عنه نهائياً " انتهى من "فتاوى نور على الدرب". وعلى كل حال، لا يصح صومك عنه، لأنه هو المخاطب بكفارة اليمين. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 110250 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4387 قالت لزوجها: تحرم علي إلى يوم الدين [السُّؤَالُ] ـ[امرأة حلفت على زوجها وقالت له: تحرم علي ليوم الدين. فما حكم الدين في ذلك؟ وما المفروض أن تفعل لتفادي الحلفان؟ وهل ستحاسب على ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قول الزوجة لزوجها: أنت علي حرام، أو تحرم علي ليوم الدين، لا يترتب عليه ظهار أو طلاق، لأن الظهار والطلاق لا يكون إلا من الزوج، وإنما هو من باب تحريم الحلال، كتحريم شيء من اللباس أو الطعام، فيلزمها عند الحنث كفارة يمين؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ) التحريم/1، 2. فجعل الله تعالى تحريم الحلال يميناً. وكفارة اليمين هي: عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فمن لم يجد شيئا من ذلك صام ثلاثة أيام. وإنما تحنث إذا جامعها زوجها وهي طائعة. وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: إذا قالت امرأة لزوجها: إن فعلت كذا فأنت محرم علي كحرمة أبي علي، فما حكم ذلك؟ فأجاب: "تحريم المرأة لزوجها أو تشبيهها له بأحد محارمها حكمه حكم اليمين، وليس حكمه حكم الظهار، لأن الظهار إنما يكون من الأزواج لنسائهم بنص القرآن الكريم. وعلى المرأة في ذلك كفارة يمين، وهي إطعام عشرة مساكين، لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد، ومقداره كيلو ونصف تقريباً، وإن غداهم أو عشاهم أو كساهم كسوة تجزئ في الصلاة كفى ذلك، لقول الله تعالى: (لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) المائدة/89. وتحريم المرأة لما أحل الله لها حكمه حكم اليمين، وهكذا تحريم الرجل ما أحل الله سوى زوجته حكمه حكم اليمين؛ لقول الله سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) التحريم/1-2" انتهى من "فتاوى إسلامية" (3/301) . وعلى الزوجة أن تتوب إلى الله تعالى من قولها ذلك، فإن تحريم الحلال لا يجوز. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 110010 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4388 نذر أن يحج كل عام ورئيسه في العمل يمنعه من ذلك [السُّؤَالُ] ـ[عاهدت الله أن أحج كل عام، وكنت قبل ذلك لست موظفاً، وتوظفت عسكرياً، ولم يسمح لي مرجعي أن أحج كل عام، أرجو الإفادة هل علي إثم أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كان المانع الذي يمنعك عن الحج في بعض السنوات من الأمور القهرية التي لا تستطيع التغلب عليها فليس عليك إثم؛ لقوله تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة/286، وقوله تعالى: (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ) المائدة/6. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/15، 16) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109296 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4389 نذر أن يعمر والدته يوم العيد فهل يعمرها في رمضان؟ [السُّؤَالُ] ـ[نذر أن يعمّر والدته كل سنة يوم العيد، فهل يجوز له أن يعمرها في رمضان بدل يوم العيد بدون كفارة، وإذا لم ترغب ذلك فماذا يلزمه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إن أعمرت والدتك في رمضان فلا شيء عليك؛ لأنك أديت ما هو أفضل من وقت المنذور، كما لو نذر أن يصلي في المسجد الأقصى فصلى في المسجد الحرام أو المسجد النبوي؛ لكونه أداها في مكان أفضل، وقد جاء في الحديث الصحيح أنه لا شيء عليه في هذه المسألة الأخيرة، وهو عن جابر رضي الله عنه أن رجلاً قال يوم الفتح: (يا رسول الله، إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس. فقال: صل ههنا، فسأله فقال: صل ههنا، فسأله فقال: فشأنك إذاً) رواه أحمد وأبو داود وصححه الحاكم. أما لو امتنعت أمه من العمرة فإنه لا شيء عليه أيضاً لكونه أدى ما عليه وحصل الامتناع من غيره. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان. "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/339) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109297 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4390 نذر أن يصوم يوم الاثنين والخميس ثم أراد أن يصوم يوما وبفطر يوما [السُّؤَالُ] ـ[رجل نذر أنه يصوم الاثنين والخميس، ثم بدا له أن يصوم يوماً؛ ويفطر يوماً، فهل يجوز له أن يفعل ذلك؟ مع أنه سيؤدي إلى أنه لم يف بالنذر وهو صيام الاثنين والخميس.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا انتقل من صوم الاثنين والخميس إلى صوم يوم وفطر يوم، فقد انتقل إلى ما هو أفضل، وفيه نزاع، والأظهر أن ذلك جائز. كما لو نذر الصلاة في المسجد المفضول، وصلى في الأفضل، مثل أن ينذر الصلاة في المسجد الأقصى، فيصلي في مسجد أحد الحرمين. والله أعلم " انتهى. "مجموع فتاوى ابن تيمية" (25/289، 290) . فلا حرج عليه من صيام يوم وفطر يوم، وإن أدى ذلك إلى ترك صيام يوم الاثنين أو الخميس، لأنه ترك صيامه وفعل ما هو أفضل. وأفضل الصيام: صيام يوم وفطر يوم. كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم رواه البخاري (1976) ومسلم (1159) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109213 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4391 كيف يكفر عن يمينه؟ [السُّؤَالُ] ـ[في لحظة غضب حلفت بالله أن أمي ما تذهب معي في السيارة لمدة شهر، لكن بعد ذلك ندمت، وحتى الآن لم تذهب معي، ولكن أريد التوبة، فماذا عليَّ أن أفعل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من حلف على يمينِ إثمٍ أو قطيعةٍ أو فسادٍ حَرُمَ عليه الوفاء بهذا اليمين، بل يجب الحنث، وتجب عليه الكفارة، وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنِّي وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ ثُمَّ أَرَى خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا كَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي، وَأَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ) رواه البخاري (3133) ومسلم (1649) . فعليك أن تكفر عن يمينك، وتركب والدتك معك في السيارة. ونذكرك الله في والدتك، فقد قرن الله حقها بحقه سبحانه، فلا ترد لها طلبا، ولا تخيب لها ظنا، ولا تغضبها في صغير ولا كبير، بل احمد الله تعالى أن أكرمك بفرصة البر بها، وكسب حبها ورضاها، فالجنة في لزومك قدميها، بالعناية والرعاية وحسن المعاملة. نسأل الله تعالى أن يعيننا جميعا على الخير، وأن يتقبل منا التوبة. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 108862 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4392 نذر أن يكفل أسرة العامل ثم لم يجد الوفاء [السُّؤَالُ] ـ[كان لدى أحدهم عامل، ومات العامل رحمه الله على رأس العمل، وبما أنه كان يرسل لأهله مبلغ (500) ريال شهريا، فقد نذر كفيله أن يرسلها لأهله بعد وفاته، ولا يدعهم يفتقدون له، ومع مرور الأيام والسنين، أصبحت لديه بعض الظروف التي تَحُولُ بينه وبين الوفاء بنذره، فماذا عليه الآن؟ هل هو ملزم بإرسال هذا المبلغ كل شهر ويضغط على نفسه، حتى لو تدين المبلغ، أم يكفر عن نذره، أم ماذا يفعل؟ وإن كان هناك كفارة فما هي، وكيف يخرجها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من نذر نذر طاعة وجب عليه الوفاء به، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلا يَعْصِهِ) رواه البخاري (6202) . فإن عجز عن الوفاء به رُفع عنه الإثم والحرج، ولم يكن مقصرا في حق الله تعالى، لقول الله تعالى: (لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) البقرة/286. قال الجصّاص: في هذه الآية نصّ على أنّ الله تعالى لا يكلّف أحداً ما لا يقدر عليه ولا يطيقه، ولو كلّف أحداً ما لا يقدر عليه ولا يستطيعه لكان مكلّفاً له ما ليس في وسعه " انتهى. لكن ارتفاع الإثم لا يعني ارتفاع المطالبة ببدل للنذر، فالعجز عن الوفاء به عذرٌ ينقل الناذر إلى البدل، وهو هنا الكفارة، فإن قاعدة الأيمان والنذور في هذا الشأن واحدة، وهي وجوب الكفارة عند الحنث، ولو كان بعذر. فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (النذور أربعة: من نذر نذرا لم يسمه فكفارته كفارة يمين، ومن نذر في معصية فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرا فيما لا يطيق فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرا فيما يطيق فليوف بنذره) . رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (3/472) ورواته ثقات، وروي مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن الأصح أنه من كلام ابن عباس رضي الله عنهما. كما قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (11/587) . وقال ابن قدامة في "المغني" (10/72) : "من نذر طاعة لا يطيقها، أو كان قادرا عليها، فعجز عنها، فعليه كفارة يمين " انتهى. فالذي نذر أن يتصدق بمبلغ معين كل شهر، وجب عليه الوفاء بذلك. فإن عجز في بعض الأشهر فلا إثم عليه، وعليه كفارة يمين، ثم إن أغناه الله بعد ذلك فعليه التصدق بما أوجبه على نفسه، لأن هذا الحق يتجدد كل شهر، كما ألزم نفسه بذلك. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: لقد نذرت إن توظفت أن أدفع مبلغ (600) ريال كفالة يتيم عن والدي ووالدتي، وذلك في كل شهر، وبعد ذلك كفلت يتيما واحدا لمدة سنة ونصف بواقع (2400) سنويا، ثم انقطعت لظروف مالية، والآن وبعد انقطاعي وعزمي مرة أخرى على كفالة يتيم حسب المبلغ المتراكم فوجدته (25000) ريالا. فسؤالي لسماحتكم: ماذا علي أن أفعل؟ فأجابوا: "يجب عليك الوفاء بنذرك؛ لأنه نذر طاعة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه) ، وعليك قضاء المبلغ عن الأشهر التي لم تخرجي عنها شيئا؛ لأنها واجبة عليك بالنذر، تقبل الله منك، وأخلف عليك ما هو أكثر وأنفع، وقد قال الله سبحانه: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) . ونوصيك مستقبلا بعدم النذر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تنذروا؛ فإن النذر لا يرد من قدر الله شيئا، وإنما يستخرج به من البخيل) متفق على صحته" انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (23/342) . وخلاصة الجواب: يجب عليه الاستمرار في الوفاء بالنذر، ولا يجوز له التهاون في ذلك. أما الأشهر الماضية التي لم يرسل لهم فيها هذا المبلغ، فإن كان ترك ذلك عجزاً لكونه ليس معه مال فلا شيء عليه إلا كفارة يمين، وإن كان ترك ذلك تهاوناً فعليه قضاء ما فات، فيحسب المبلغ الذي لم يدفعه ثم يرسله إليهم. وانظر جواب السؤال رقم (42178) ، (104059) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 108281 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4393 وكلت الجمعية في إخراج كفارة اليمين طعاما فأخرجتها نقودا [السُّؤَالُ] ـ[حلفت أيمانا، وأردت إخراج الكفارة عنها وأعطيت مبلغا من المال لجمعية مختصة بهذا الشأن ليخرجوها طعاما بهذا المبلغ، لكن ما حصل أنهم أخرجوها كما هي نقودا للفقراء، هل يجب عليّ إعادة إخراج الكفارة مرة أخرى؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا يجوز إخراج كفارة اليمين نقودا، في قول جمهور الفقهاء؛ لأن الله تعالى بين الكفارة بقوله: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة/89. فمن أخرج القيمة أو النقود لم تجزئه. قال ابن قدامة رحمه الله: "لا يجزئ في الكفارة إخراج قيمة الطعام، ولا الكسوة، في قول إمامنا (يعني: الإمام أحمد) ، ومالك، والشافعي، وابن المنذر، وهو ظاهر من قول عمر بن الخطاب وابن عباس. لقول الله تعالى: (إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم) . وهذا ظاهر في عين الطعام والكسوة، فلا يحصل التكفير بغيره، لأنه لم يؤد الواجب إذ لم يؤد ما أمره الله بأدائه، ولأن الله تعالى خير بين ثلاثة أشياء ولو جازت القيمة لم ينحصر التخيير في الثلاثة، ولأنه لو أريدت القيمة لم يكن للتخيير معنى ; لأن قيمة الطعام إن ساوت قيمة الكسوة، فهما شيء واحد، فكيف يخير بينهما؟ وإن زادت قيمة أحدهما على الآخر، فكيف يخير بين شيء وبعضه؟ فعلى هذا، لو أعطاهم أضعاف قيمة الطعام، لا يجزئه لأنه لم يؤد الواجب فلا يخرج عن عهدته " انتهى من "المغني" (10/6) . وعلى هذا؛ فيلزمك إخراج الكفارة مرة أخرى، وكان ينبغي لك أن تشترطي على الجمعية أن تخرج الكفارة طعاماً. ونظراً لأن الخطأ الذي فعلته الجمعية يتكرر كثيراً في الزكاة والكفارات، فتصرف في غير مصرفها الشرعي، فينبغي للإنسان أن يخرج زكاة ماله أو الكفارة بنفسه، ولا يوكل في إخراجها أحداً، حتى يتأكد أنها وصلت إلى مستحقها، على الوجه الذي يجزئه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106762 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4394 نذرت أن تترك سماع الأغاني ثم سمعتها [السُّؤَالُ] ـ[إحدى صديقاتي نذرت قبل عدة أشهر أنها إذا نجحت في امتحان من الامتحانات ستترك سماع الأغاني، والحمد لله نجحت وتركت سماع الأغاني لعدة أشهر، ولكنها في الفترة الأخيرة عادت إلى سماعها. هل عليها التكفير كلما سمعت الأغاني أم التكفير مرة واحدة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب عليها ترك سماع الأغاني سواء نذرت ذلك أم لم تنذر، ويتأكد عليها تركها من أجل النذر، وعقوبة مخالفة النذر عظيمة، قال الله تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) التوبة/75-77. فيجب عليها التوبة إلى الله تعالى من سماع الأغاني، والتوبة من عدم الوفاء بالنذر. وسماع الأغاني والمعازف تفسد القلب، حتى يقع في النفاق، ولهذا قال من قال من السلف: الغناء ينبت النفاق في القلب. وصدقوا، والواقع شاهد بهذا، فإن من يسمع الأغاني يحب سماعها، ويفضلها على سماع القرآن الكريم وتلاوته، وهذا من النفاق، وكلما زاد من السماع زاد من النفاق. وقد يعجل الله تعالى العقاب لسامعي الغناء والمعازف في الدنيا، وهو عقاب شديد. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ خَسْفٌ وَمَسْخٌ وَقَذْفٌ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَتَى ذَاكَ؟ قَالَ: إِذَا ظَهَرَتْ الْقَيْنَاتُ وَالْمَعَازِفُ وَشُرِبَتْ الْخُمُورُ) رواه الترمذي (2138) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. فالأمة مهددة بهذه العقوبات إذا ظهرت المعازف والقينات (المغنيات) . وأخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم عن جماعة يذهبون إلى أصل جبل، يسمعون المعازف ويشربون الخمر، فيخسف الله بهم الجبل، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة. رواه البخاري. ورواه ابن ماجه بلفظ (4020) : (لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ، يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا، يُعْزَفُ عَلَى رُءُوسِهِمْ بِالْمَعَازِفِ وَالْمُغَنِّيَاتِ، يَخْسِفُ اللَّهُ بِهِمْ الْأَرْضَ، وَيَجْعَلُ مِنْهُمْ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه. فعلى المؤمن أن يجتنب ما يغضب الله تعالى. وأما بالنسبة للكفارة، فيجب عليها كفارة واحدة. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106722 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4395 قال لزوجته تحرمي علي لو كلمت فلانة [السُّؤَالُ] ـ[حدثت مشاجرة بيني وبين زوجتي وقلت لها: لو كلمت فلانة تحرمي علي، وذلك على سبيل التهديد، وبعدها قامت الأخرى بالاتصال بزوجتي دون أن تعرف، فما موقفي؟ وهل يعتبر ظهارا أم طلاقا؟ أم أنه يوجب كفارة حلف اليمين حيث إنني لم أقصد بكلامي الطلاق أو الظهار.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا قال الزوج لزوجته: أنت حرام علي، ولم يقصد طلاقا ولا ظهارا، فالراجح من كلام أهل العلم أن هذا حكمه حكم اليمين، ولا يقع به طلاق أو ظهار. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (81984) . وعلى هذا؛ فإذا كلمت زوجتك هذه المرأة، فعليك كفارة يمين، ولمعرفة هذه الكفارة بالتفصيل راجع جواب السؤال رقم (45676) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106043 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4396 هل يجزئ إخراج الثياب المستعملة في كفارة اليمين؟ [السُّؤَالُ] ـ[في كفارة اليمين هل تكفي مائة ريال تعطى للجمعيات الخيرية دون البحث عن أشخاص وإطعامهم؟ وهل إعطاء الجمعيات الخيرية ملابس قديمة عند الشخص وزائدة عن حاجته بغرض إيصالها للمحتاجين يكفي لكفارة اليمين من باب الكسوة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: كفارة اليمين بينها الله تعالى بقوله: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة/89. وسبق بيانها بالتفصيل في جواب السؤال رقم (45676) . ويجوز أن توكل من يطعم المساكين أو يكسوهم، سواء كان الوكيل جمعية خيرية أو شخصا تعرفه، مع التأكد من أن الوكيل لن يخرجها نقودا، وإنما سيخرجها طعاما لعشرة مساكين. وينبغي أن يعلم: أن الواجب في كفارة اليمين إذا كان سيخرجها طعاما، أن تكون من وسط طعامه، فلا يلزمه أن يخرجها من أفضل ما يأكل، ولا يجوز له أن يخرجها من الأقل، بل من الوسط، لقول الله تعالى: (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ) المائدة/89. وحينئذ؛ يكون تحديدها بـ 100 ريال غير دقيق، لأنه قد يكون غنياًّ، فيكون الوسط من طعامه قيمته أكثر من ذلك بكثير، وقد يكون فقيرا، فيكون طعامه دون ذلك، فكل إنسان يخرج الكفارة من أوسط طعامه، سواء كان غنيا أو فقيرا. ثانيا: الكسوة المجزئة في كفارة اليمين هي ما يصلح للصلاة، كقميص (ثوب) أو إزار ورداء، ولا يشترط أن يكون جديدا، فيجوز إخراج ثياب مستعملة إذا لم تكن قد بليت وذهب نفعها. قال ابن قدامة رحمه الله: " ويجوز أن يكسوهم لبيساً أو جديداً , إلا أن يكون مما قد بلي وذهبت , منفعته , فلا يجزئ ; لأنه معيب" انتهى من "المغني" (10/9) . وقال العدوي في حاشيته على شرح الرسالة (2/26) : " وهل يشترط أن تكون الكسوة جديدة أو لا؟ والظاهر: أنه لا يشترط، بل حيث كانت قوية لم تذهب فهي بمنزلة الجديدة " انتهى. فإذا أخرجت عشرة أثواب، واعطيتها للجمعية لتوزعها على عشرة مساكين، جاز ذلك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105953 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4397 حلف أن يسمي ولده باسم صديقه ويريد الرجوع عن ذلك [السُّؤَالُ] ـ[كنت مع أحد الزملاء وحلفت له إذا أتاني مولود ذكر سوف أسميه على اسمك، واسمه خالد، وأنا أريد أن أسميه بتال، وللعلم هذا المولود هو أول مولود لي يرزقني الله به وأخاف عليه.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا حلفت أن تسمي المولد خالدا، ثم رأيت أن تسميه باسم آخر، فكفر كفارة يمين، لقوله تعالى: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة/39. وانظر تفصيل الكلام على هذه الكفارة في جواب السؤال رقم (45676) . ولم يتضح لنا المقصود بقولك: هذا المولود هو أول مولود لي يرزقني الله به وأخاف عليه. فلا علاقة لهذا بتسميته خالدا أو بتالا، بل سل الله تعالى أن يحفظه. وعليك أن تختار له الاسم الحسن، فإن هذا من الأمور المندوب إليها شرعا، وانظر جواب السؤال رقم (7180) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105787 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4398 الوفاء بالنذر المكروه [السُّؤَالُ] ـ[نذرت جدتي أن تصوم شهر رجب مدى الحياة نذراً خالصاً لله، إن تحققت أمانيها، وبعد أن تحققت صامت كما نذرت إلى أن بلغت سنا ًيصعب معها الصيام ويشقُّ عليها المرض والكبر، فما الحكم في هذه الحالة؟ وهل يلزمها الاستمرار، أم تكفرِّ وتعفي من هذا النَّذر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إفراد رجب بالصيام مكروه، فهذه المرأة نذرت شيئاً مكروهاً وإذا نذر الإنسان شيئاً مكروهاً فالأولى أن لا يفعله ويكفر كفارة يمين، فعليها أن تُكِّفر كفارة يمين، بأن تعتق رقبة، أو تطعم عشرة مساكين، أو تكسو عشرة مساكين، لكل مسكين نصف صاع طعاماً، أو ثوب يجزيه في صلاته، فإن لم تقدر على واحدة من الثلاثة خصال المذكورة فإنها تصوم ثلاثة أيام، هذا هو الأحسن لها، ولا تفعل هذا النذر". "مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (1/105) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105279 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4399 نذرت أن تصوم تسع ذي الحجة وزوجها يمنعها [السُّؤَالُ] ـ[امرأة نذرت منذ حوالي ثلاث سنوات وقبل أن تتزوج، نذرت لله تعالى أن تصوم أيام التسع الأولى من شهر ذي الحجة من كل عام متتابعة وكانت لا تعلم بكراهية النذر ولم تذكر إن كانت استثنت ما بعد زواجها أو أحالت أمره إلى زوجها أم لا، ولكنها الآن قد تزوجت وزوجها يمانع من صيامها لأنه صيام نفل، ولا يجوز لها أن تصومه بدون رضاه، إضافةً إلى عدم تمكنها صحياً من الصيام، فهي تسأل هل هي ملزمة بالاستمرار في هذا النذر بالصيام مع معارضة زوجها وضعف حالتها الصحية، أم عليها أن تكفر كفارة يمين وتتخلص منه أو تقضيه فيما بعد في غير وقته المحدد متفرقاً أم ماذا تفعل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "أولاً: ينبغي التنبيه على أن النذر مكروه أو محرم الدخول فيه،لأنه يلزم المسلم بشيء قد لا يستطيعه، وقد يشق عليه وهو بعافية منه. وعلى المسلم أن يفعل الخير من صيام وغيره بدون نذر، ويكون في سعة، إن شاء تركه، أما إذا نذر فإنه ألزم نفسه ووجب عليه أن يفي بنذره إذا كان نذر طاعة، لقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ) ، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (أوف بنذرك) ، ولقوله تعالى: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) الإنسان/7، ولقوله تعالى: (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) الحج/29، ولقوله تعالى: (وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ) البقرة/27. والنذر إذا وقع وكان نذر طاعة، فإنه يلزم ويجب العمل به، أما قبل الدخول فيه، فلا ينبغي للمسلم أن يلزم نفسه وأن يدخل فيه. وهذا الذي ذكرته السائلة أنها نذرت أن تصوم التسعة الأولى من ذي الحجة باستمرار، فهذا نذر طاعة، يلزمها الوفاء به، وليس لزوجها أن يمنعها من ذلك، لأن زوجها إنما يمنعها من صيام التطوع، أما الصيام الواجب المؤقت بوقت محدد فإنه لا يجوز لزوجها أن يمنعها منه، وهي نذرت أن تصوم هذه الأيام المعنية، فيجب عليها الوفاء بذلك، وإذا كانت تقول: إنها لا تستطيع ذلك صحياً، فإن كان القصد أن ذلك يشق عليها، فهذا لا يمنع من أداء الواجب حتى وإن كان فيه مشقة فإنها تصوم، لأنها ألزمت نفسها بذلك، ومعلوم أن الصيام فيه مشقة حتى على القوي. أما إذا كان قصدها من ذلك أنها لا تستطيع الصيام، فإنها في العام الذي لا تستطيع فيه الصيام لمرض أو ضعف في الجسم تكفر كفارة يمين، لكن إذا قويت في العام الآخر، يجب عليها الصيام وهكذا. فلا يجوز لها ترك ما نذرته، لأنها ألزمت نفسها بذلك، ولا ينبغي للمسلم أن يتلاعب بالنذر، ينذر ويُلزم نفسه، ثم بعد ذلك يلتمس المخارج، ويلتمس الحيل، هذا لا يجوز، لأن النذر أصبح واجباً من الواجبات، لا يجوز التخلص منه بدون مبرر شرعي. وإذا صادفت هذه الأيام وقت عادتها الشهرية، فإنها تكون معذورة بتركها، لأن هذا من الأعذار الشرعية، مثل لو كانت مريضة، فإن هذا عذر شرعي يسقط عنها صيام هذه الأيام، ولكن إذا جاءت هذه الأيام وليس عندها عذر شرعي بأن كانت صحيحة وطاهرة من الحيض يجب عليها ذلك" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (1/90) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105285 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4400 نذرت إذا نجحت أن تصوم أياما متتابعة [السُّؤَالُ] ـ[أثناء الامتحانات نذرت إن نجحت أن أصوم سبعة أيام متتالية، بعد أن وفقني الله ونجحت بدأت أصوم النذر، لكنني لم أستطع مواصلة الأيام السبعة، فصمتها متفرقة، فهل فعلي هذا صحيح أم يجب على إعادتها متتابعة؟ وما العمل لو كنت لا أستطيع صيامها متتابعة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا نذر الإنسان صيام أيام متتابعة، وجب عليه الوفاء بنذره وأن يصوم هذه الأيام متتابعة، ولا يجوز له تفريقها، لقوله صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه) ، وهذا نذر طاعة، وما ذكرت السائلة من أنها صامت الأيام ولم تستطع المتابعة، تكون قد أخلت بالوفاء بنذرها، فهي إذا كان قطعها للتتابع لعذر كما ذكرت فإنها تخير بين أمرين: إما أن تستأنف (تصوم الأيام من جديد متتابعة) ، وإما أن تكمل ما بقي ويكون عليها كفارة يمين، وكفارة اليمين معروفة، عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين، لكل مسكين نصف صاع من الطعام المعتاد في البلد، أو كسوة عشرة مساكين، لكل مسكين ثوب يستره في صلاته. تخير بين هذه الأمور الثلاثة، فإذا لم تستطع واحداً منها فإنها تصوم ثلاثة أيام". "مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (1/89) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105286 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4401 نذرت أن تذبح شاة عن أمها فهل يكفيها الصدقة بالمال؟ [السُّؤَالُ] ـ[كانت والدتي مريضة عندي، وقد توفيت قبل عامين، فنذرتُ إن رزقني الله من واسع فضله أن أتصدق بذبيحة في شهر رمضان من تلك السنة، وأن أهب ثوابها لوالدتي، وأنا أعمل في إحدى المدارس، وأتقاضى راتباً شهرياً قدره خمسة آلاف ريال، ولكني أعطيه زوجي المحتاج، وصاحب الأسرة الكبيرة وقليل الدخل، وقد بنى لنا منزلاً وتحمَّل ديوناً كثيرة للناس، ولذلك فأنا أساعده براتبي الشهري، ولم أتمكن تلك السنة من الوفاء بنذري، ولكني كنت أعطي أختي من الراتب مبلغ ألف ريال لتتصدق به على الفقراء، وأحتسب أجر هذه الصدقة لوالدتي، فهل تكفي هذه عن النذر، أم لا بد أن أتصدَّق بذبيحة كما حدَّدت، ولو بعد فوات السنة التي حدَّدتها لذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "أولاً: ننبه أنه لا ينبغي للمسلم أن ينذر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ النَّذْرَ لَا يُقَدِّمُ شَيْئًا وَلَا يُؤَخِّر، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِالنَّذْرِ مِنْ الْبَخِيلِ) . ينبغي للمسلم أن يفعل الخير وأن يتصدق، وأن يتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بما يسر الله بدون نذرٍ، لكنه إذا ألزم نفسه بذلك وجب عليه الوفاء، إذا كان نذره نذر طاعة، قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ) ، وقال الله تعالى: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا) الإنسان/7، وقال تعالى: (وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ) البقرة/270. فإذا نذر الإنسان نذر طاعة، وجب عليه الوفاء به، والسائلة تذكر أنها نذرت أن تذبح شاة في سنةٍ معينة وتوزعها على الفقراء، هذا نذر طاعة، لأنَّ ذبح الشاة فيه قربة إلى الله سبحانه وتعالى، والتصدُّق بلحمها فيه قربة أيضاً، وقد عيَّنته في وقت محدّد، كان يجب عليها أن توفي في وقته، وما دام أنَّها أخرَّته عن وقته، فإنَّه يجب عليها تنفيذه قضاءً، يجب عليها أن تذبح ما نذرته تقرباً إلى الله سبحانه وتعالى، وتتصدق بلحمه، ويكون هذا قضاء، وعليها بدل التأخير كفارة يمين. إذاً يلزمها شيئان: أولاً: تنفيذ النذر الذي نذرته قضاءً. ثانياً: كفارة يمين تكون عن تأخيره عن وقته. وكفارة اليمين، كما قال الله تعالى: (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ) المائدة/89، هذه كفارة اليمين. وأمَّا أنَّها تتصدَّق وتُعطي أختها تتصدَّق بدراهم، فهذا لا يكفي عن النذر، لأن النذر معيَّن بذبيحة، وليس هو صدقة مطلقة، فلا يكفي عن النذر، وصدقتها التي ذكرت فيها أجر، وفيها خير إن شاء الله، ونرجو أن يصل ثوابها إلى المتوفاة، ولكنها لا تكفي عن النّذر، والله أعلم" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (1/96) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105311 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4402 نذر أن يصوم شهراً فهل يصوم ثلاثين يوماً متفرقة؟ [السُّؤَالُ] ـ[نذرت صيام شهر لله تعالى، ولكن لم أحدد أي شهر، فهل يجزئ أن أصوم ثلاثين يوماً متفرقةً أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "من نذر صوم شهر وأطلق، قد ذكر الفقهاء أنَّه يخير بين أمرين، إما أن يصوم شهراً بالهلال حينئذٍ يلزمه التتابع، ويجزيه ولو كان هذا الشهر تسعة وعشرين يوماً لأن هذا مسمى الشهر. ويجوز له أن يصوم بالعدد غير متقيد بالشهر الهلالي، وحينئذ يلزمه أن يصوم ثلاثين يوماً، لأنه إذا صام بالعدد فلابد أن يكون ثلاثين يوماً، ويجوز له أن يُفرق هذه الأيام. فهو مخير بين أن يصوم شهراً هلالياً وحينئذ يتقيَّد بالشهر، ويجوز له أن يصوم بالعدد، وحينئذ يلزمه أن يصوم ثلاثين يوماً، سواء كانت متفرقة أو متتالية". "مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (1/102) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105312 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4403 نذر أن يبني مسجدا ويريد أن يبيع الأرض [السُّؤَالُ] ـ[لقد منَّ الله عليَّ واشتريت قطعة أرض لبناء بيت عليها وذلك منذ ثلاث سنوات، وبعد شرائها وشعوري بنعمة الله عليَّ نذرتُ أنني عند بنائها سأعمل الطابق الأرضي كله مسجداً، ويكون البيت في الدور العلوي، وقلت أمام أقاربي وأصدقائي: نذرت أن أعمل هذا العمل، ولكنني وجدتُ أن إمكانياتي المالية لن تسمح لي بالبناء، نظراً لتكاليف البناء الكبيرة، وسوف أقوم في الشهور القادمة ببيع هذه القطعة فهل يسقط عنِّي، أم لابد من عمل شيء بدلاً عنه. ثانياً: بالنسبة للزكاة عن هذه القيمة، هل أخرج قيمة الزكاة عن المبلغ الذي اشتريتها به فقط، ومن تاريخ شرائها، أم أخرج الزكاة عن المبلغ الذي ستباع به، أفيدوني جزاكم الله كل خير؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الذي يظهر من سؤالك أنك تريد أن تبني هذه الأرض التي اشتريتها وتجعل الدور الأرضي منها مسجداً، وأنك نذرت هذا النذر شكر اًلله على أن يسر لك هذه الأرض، ولكنك في الوقت الحاضر لا تستطيع عمارتها وتسأل هل يجوز لك بيعها؟ لا، لا يجوز لك بيعها، لأنك نذرت أن تجعل الدور الأرضي منها مسجداً، وأن تجعل ما فوقه سكناً، فما دام أنك لا تستطيع بناءها في الوقت الحاضر، فإنَّك تنتظر إلى أن ييسر الله سبحانه وتعالى بناءها وتنفِّذ ما نذرت، لأنك لم تيأس حتى الآن من عدم القدرة على بنائها وتنفيذ هذا النذر الذي نذرته. وليس عليك زكاة في هذه الفترة لأنك لم تقصد بها التجارة، ولكنك قصدت البناء عليها". "مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (1/104) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105313 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4404 نذر أن يصوم خمسة أيام كلما شرب الدخان [السُّؤَالُ] ـ[نذرت أن أصوم خمسة أيام كلما قمت بشرب سيجارة من الدخان، وكان ذلك من باب العزم على الامتناع عنه ورغبةً منِّي في تركه إلى الأبد، ومرت الأيام والسنين، ثم عدتُ إليه وشربته مرة أخرى، فتذكرت النَّذر، فصمت خمسة أيام، فهل هذا يكفي ويُلغي النَّذر، أم أنَّه يلزمني أن أصوم عن كل سيجارة واحدة خمسة أيام، كما نصصت في نذري، فإنني شربت الآن الكثير، فإذا كان يلزمني عن كل سيجارة خمسة أيام، فمعناه أنني سأصوم أكثر من ألف يوم تقريباً، وكيف أستطيع ذلك؟ وما هو الحل؟ وهل من مخرج من هذه الكفارة بالصدقة أو نحوها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "أولاً: ننصح السائل وغيره ممن ابتلوا بتناول الدخان أن يتوبوا إلى الله سبحانه وتعالى، وأن يتركوا هذا الخبيث الذي يضرهم في دينهم ودنياهم، وفي صحتهم وأبدانهم، لأنه ضرر محض لا فائدة فيه بوجه من الوجوه، وهو خبيث من الخبائث، والله تعالى يقول في وصف نبيه عليه الصلاة والسلام: (وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ) الأعراف/157، والواجب على المسلم أن يكون عنده عزم وقوة وشهامة وقوة إيمان، يترك ما حرم الله عليه حتى وإن كان من أغلى الأشياء عليه، كيف وهو تافه وخبيث، فإنه يجب على المسلم أن يتوب إلى الله منه، وأن يتركه حفاظاً على صحته وعلى ماله وعلى دينه، لأنه لا يأتي بخير. أما من ناحية النذر الذي نذرت، فأنت نذرت ترك محرم وهذا واجبٌ عليك، والإنسان إذا نذر أن يترك المحرم فإنه يجب عليه الوفاء بنذره، لأنه إذا نذر الإنسان فعل الواجب أو نذر ترك المحرم، فقد نذر واجباً عليه، يجب عليه الوفاء به، وأنت يجب عليك أن تتركه ولو لم تنذرُ، فكيف وقد نذرت! إذاً، يتعين عليك تركه نصيحة لنفسك، ووفاء بنذرك (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) الطلاق/3،2. هذا الذي ننصحك به ولا نرى لك غيره أبداً، لا نرى لك أن تنقض اليمين، وأن تتعاطى هذا الدخان، لأنه جريمة وضرر، فعليك أن تتوب إلى الله وأن تتركه، وأن تمضي في عزيمتك، وأن تخلِّص نفسك من أضراره. قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّكَ لَنْ تَدَعَ شَيْئًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا بَدَّلَكَ اللَّهُ بِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ مِنْهُ) ". وقولك: كلما شربت أصوم خمسة أيام، معناه: أن النذر باق لم ينحل، وأنه كلما شربت سيجارة يلزمك صيام خمسة أيام، فيتكرر عليك النذر كلما تناولت سيجارة، وهذا مما يؤكد عليك ترك هذا الخبيث". "مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (1/100) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105314 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4405 حكم الحلف بحق القرآن [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الحلف بحق القرآن؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " ليس لأحد أن يحلف بحق القرآن، لأن حق القرآن تعظيمه منا، واتباعه، والإيمان بأنه كلام الله سبحانه، وهذه كلها من أفعالنا، والمخلوق لا يحلف به ولا بأفعاله، وإنما الحلف يكون بالله سبحانه أو باسم من أسمائه أو صفة من صفاته سبحانه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان حالفاً فلا يحلف إلا بالله أو ليصمت) . وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (24/363) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105375 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4406 النذر بالنيّة لا يلزم الوفاء به [السُّؤَالُ] ـ[نذرت قبل ثماني سنوات أن أصوم شهراً كاملاً وكان بالنية وبعد فترة وجيزة تراجعت عن ذلك النذر لما رأيت من صعوبة الوفاء به، ونذرت أن أصوم ثلاثة أيام من كل شهر وتلفظت به وقد استمررت في الوفاء بالنذر الثاني المتلفظ به من خلال السنوات الثماني الماضية، فهل يلزمني الوفاء بالنذر الأول (النية) أم الثاني المتلفظ به؟ وفي حالة الوفاء بالنذر الثاني هل يسقط عني الأول؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " النذر الأول بدون تلفظ لا يلزم الوفاء به، والنذر الثاني الذي تلفظت به وعاهدت الله بأن عليَّ أن أصوم كذا أو أقرأ كذا أو أتصدق بكذا، فهذا عمل طاعة فإذا نذرت وجب الوفاء بهذا النذر، وأما إذا كان مجرد (نيّة) في غير تلفظ فلا يلزم الوفاء به " انتهى. "من فتاوى الشيخ عبد الله بن جبرين" (مجلة الدعوة/47) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105385 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4407 نذرت أن تصوم كل خميس [السُّؤَالُ] ـ[أنا طالبة عمري 14 سنة، كنت قد نذرت نذرا، أن أصوم كل خميس على مدى العمر، ولكنني لم أفكر فيه جيدا، مثلا: عندما يأتيني الحيض كيف سأفعل، وعند الزواج مثلا هل سيوافق زوجي على ذلك أم لا، أو عند حدوث أي شيء يمنعني من الوفاء بنذري، فهل ينطبق علي قوله صلى الله عليه وسلم: (لا نذر فيما لا يملك) ، فهل في هذه الحالة لا يجب علي الوفاء بنذري لأنه نذر خاطئ من الأساس؟ في نفس هذا النذر عند مجيء الخميس وهو اليوم، كنت ناوية أن أصوم، ولكنني لم أستأذن من أبي، فعندما ضبطت المنبه حتى أقوم للتسحر فلم أستيقظ، واستيقظت بعد أذان الفجر بنصف ساعة، فكنت محتارة أصوم أم لا، ولكنني قررت الصوم، ولكن أبي كان غضبان مني، ولم يكن موافقا أن أصوم، لأنني لم أتسحر، وأنا أصلا جسمي ضعيف، وكان عندي صداع في رأسي، ولكن كان قليلا، فأفطرت، وأبي حلف أن لا أصوم أي خميس؛ لأنه غير موافق، فماذا أفعل؟ هل أكفر عن نذري أم لا؛ لأن هذا النذر أصلا هل هو صحيح أم خاطئ كما قلت؟ هل إذا لم أقدر على وسائل التكفير الأولى مثل إطعام 10 مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة: أصوم 3 أيام؟ علما بأن أبي مثلا إذا لم يوافق على إخراج الكفارة أصوم 3 أيام، ما هو الرد على ذلك؟ ملاحظة: لا أعرف عدد أيام الخميس التي مضت حتى أصومها إذا كان علي صيامها.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لما كان النذر سببا للمشقة والعنت – لما يترتب عليه من وجوب لم يكن واجباً في الأصل – جاءت الشريعة بالنهي عنه، وانظري جواب السؤال (27303) . فمن اختار لنفسه بعد ذلك النذرَ وجبَ عليه تحمل ما التزمه، طاعة لله تعالى، يحتسب أجره عنده سبحانه وتعالى. فمن نذر أن يصوم كل خميس وجب عليه الوفاء به؛ لأنه نذر قربة وطاعة، ولا يجوز نقضه والحنث فيه، لقول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ) رواه البخاري (6696) . ونقل في "الموسوعة الفقهية" (40/146-147) : اتفاق أهل العلم على هذا. فلا يجوز تضييع النذر وعدم الوفاء به من غير عذر، ولمعرفة عقوبة إخلاف النذر؛ يراجع جواب السؤال (42178) . وليس هناك عذر في تركك الوفاء بالنذر إلا في إحدى حالتين: 1- أن تكوني صبية غير بالغة، فشرط صحة النذر البلوغ. قال النووي في "المجموع" (8/433) : " فأما الصبي فلا يصح نذره " انتهى بتصرف. وقد ذكرت أن عمرك 14 سنة، فيحتمل أنك بالغة، ويحتمل أنك لم تبلغي بعد، ولمعرفة علامات البلوغ راجعي جواب السؤال رقم (70425) . 2- أن يصيبك من الصيام حرج ومرض ومشقة كبيرة غير معتادة بسبب ضعف جسمك ـ كما ذكرت ـ يقدرها الطبيب المسلم، فإن قرر أن الصيام يضرك فيجوز لك حينئذ ترك النذر، والتكفير عنه بكفارة اليمين، التي هي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام. قال ابن قدامة في "المغني" (10/72) : " مَن نذر طاعة لا يطيقها أو كان قادرا عليها فعجز عنها فعليه كفارة يمين " انتهى. أما إذا كانت المشقة التي تلحقك بسبب الصيام مشقة عادية محتملة كالتي تصيب كل صائم، فهذا لا يجيز لك تركه. ثانياً: وأما بالنسبة لأيام الأعذار: فإذا كان ترك الصيام بسبب الحيض، فلا قضاء عليك ولا كفارة، لأن أيام الحيض تكون مستثناة من النذر، لتعذر صيامها شرعاً. وأما إذا كان ترك الصيام بسبب المرض، فقد أفتى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله بوجوب قضائه. http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=FullContent&audioid;=112667 ولا يجب مع القضاء كفارة يمين لأن فطرك كان بعذر. وأما إذا كان ترك الصيام بدون عذر فيجب قضاؤه، وإخراج كفارة يمين، لمخالفة النذر بلا عذر. قال الشيخ ابن عثيمين في امرأة نذرت أن تصوم كل يوم اثنين وخميس ثم تركت ذلك: "يجب عليها أن توفي بالنذر تصوم الاثنين والخميس، وهذا لا يضر إن شاء الله، لأنهما يومان في الأسبوع، وما مضى فإنها تقضيه وتكفر كفارة يمين عن فوات الزمن الذي عينته، فإذا كان مضى عليها أربعون اثنين وأربعون خميس، وجب أن تقضي ثمانين يوما مع كفارة اليمين، لفوات الوقت الذي عينته ثم تستقبل أمرها فتصوم كل يوم اثنين وخميس" انتهى. فعلى هذا؛ فما مضى من الأيام لم تصوميها، عليك أن تجتهدي في معرفة عددها، وتقضيها، وعليك مع ذلك كفارة يمين. ثالثاً: ليس للوالد أن يمنع ولده من صوم النذر، بل ولا صوم التطوع إذا كان مستطيعا ولا يضره الصوم، ويتأكد هذا في صوم النذر لأنه صوم واجب. وأما الزوج ففي حالتك ليس له المنع أيضاً، لأن النذر كان سابقاً على حقه، لأنه كان قبل الزواج. قال الحافظ العراقي في "طرح التثريب" (4/141) : " لا يحتاج في صوم رمضان إلى إذنه – يعني الزوج - ولا يمتنع بمنعه، وفي معنى صوم رمضان كل صوم واجب مضيَّق: كقضاء رمضان، أو نذرت قبل النكاح أو بعده بإذنه صيام أيام بعينها " انتهى. وقد نقلنا في جواب السؤال رقم (105285) فتوى الشيخ صالح الفوزان فيمن نذرت قبل الزواج أن تصوم تسع ذي الحجة، أنه يس لزوجها أن يمنعها من هذا الصوم. رابعاً: كفارة اليمين هي: إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، أي خصلة من هذه الخصال فعلتها أجزأ ذلك عنك، فإن عجزت عن الخصال الثلاثة فإنك تصومين ثلاثة أيام، فإذا كان الصوم يضرك بسبب ضعف جسمك، فلا شيء عليك وتسقط عنك الكفارة لعدم الاستطاعة، ولا يجب على والدك أن يخرج الكفارة عنك، بل الكفارة واجبة عليك أنت. والله أعلم. نسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 104056 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4408 هل يصح الرجوع في النذر؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا طالبة وكنت أدعو الله أن أحصل على المركز الأول على الفصل، ونذرت إن تحقق ذلك أن أصوم يوماً حددته، وكان يوم الخميس، وقبل ابتداء النصف الثاني للدراسة الذي تظهر فيه النتائج علمت أن المدرسة سترتب الأوائل على المدرسة وليس على الفصول، فغيرت نذري، أنني سوف أصوم نفس اليوم الخميس إذا حصلت على المركز الأول على المدرسة، وليس على الفصل. وظهرت النتائج وحصلت على المركز الثاني على المدرسة، والمركز الأول على الفصل، ولهذا لم أصم هذا اليوم، لأنني لم أحصل على المركز الأول على المدرسة. فهل أنا في مذنبة في هذه الحالة؟ وماذا أفعل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نذرك إن كان ترتيبك الأول على فصلك أن تصومي يوم الخميس، هو من نذر الطاعة الذي يجب الوفاء به عند تحقق الشرط، وحيث إنك أتيت الأولى على فصلك فيلزمك صيام يوم كما نذرت؛ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (مَن نذر أن يطيع الله فليطعه) رواه البخاري (6318) . والنذر لا يصح الرجوع فيه، لما سبق من لزوم الوفاء به، ولقول عمر رضي الله عنه: (أربع جائزة في كل حال [أي ماضية نافذة] : العتق والطلاق والنكاح والنذر) رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (4/82) . وعن علي رضي الله عنه: (أربع لا رجوع فيهن إلا بالوفاء: النكاح , والطلاق , والعتاق , والنذر) ذكره ابن حزم في المحلى (8/197) . وينظر: "الموسوعة الفقهية" (7/267) . وأما نذرك الثاني وهو ما يتعلق بالترتيب على المدرسة، فلا يلزمك فيه شيء؛ لعدم تحقق الشرط. وعلى هذا؛ فإن كان نذرك أنك تصومين أي يوم خميس، فيلزمك الوفاء به. وإن كان نذرك أنك تصومين يوماً محدداً وقد فات فيلزمك قضاء هذا اليوم، فتصومين يوم خميس آخر، وعليك مع ذلك كفارة يمين، لأنك لم تصومي اليوم الذي حددت صيامه بالنذر. قال المرداوي في "الإنصاف" (28/212) : "وإن نذر صوم شهر معين فلم يصمه لغير عذر، فعليه القضاء وكفارة يمين ـ بلا نزاع ـ وإن لم يصمه لعذر، فعليه القضاء ـ بلا نزاع ـ وفي الكفارة روايتان (يعني عن الإمام أحمد) والمذهب: أن عليه الكفارة أيضاً، وصححه ابن قدامه وغيره" انتهى بتصرف. واعلمي أن النذر مكروه وإن لزم الوفاء به؛ لما روى البخاري (6608) ومسلم (1639) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّذْرِ. وَقَالَ: (إِنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيل) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 104059 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4409 عليه صيام نذر فهل يجوز أن يصومه مع رمضان [السُّؤَالُ] ـ[علي صيام من نذر نذرته فهل يجوز أن أصومه مع رمضان؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب الوفاء بنذر الطاعة والبر، كمن نذر أن يصوم يوما أو أكثر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (مَن نذر أن يطيع الله فليطعه) رواه البخاري (6318) . وهذا النذر إن كان معينا بوقت، وجب الوفاء به في وقته، كمن نذر صوم ثلاثة أيام من أول الشهر، وإن كان مطلقا غير معين، جاز صومه في أي وقت، إلا رمضان ويومي عيدي الفطر والأضحى وأيام التشريق. أما رمضان، فلأن الزمان فيه مشغول بصوم الفرض، فلا يصح أن يوقع فيه صوما آخر. وأما يوما العيد وأيام التشريق فللنهي عن صومها، فقد روى البخاري (6212) عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ، فَسَأَلَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: نَذَرْتُ أَنْ أَصُومَ كُلَّ يَوْمِ ثَلاثَاءَ أَوْ أَرْبِعَاءَ مَا عِشْتُ، فَوَافَقْتُ هَذَا الْيَوْمَ، يَوْمَ النَّحْرِ، فَقَالَ: أَمَرَ اللَّهُ بِوَفَاءِ النَّذْرِ، وَنُهِينَا أَنْ نَصُومَ يَوْمَ النَّحْرِ، فَأَعَادَ عَلَيْهِ، فَقَالَ مِثْلَهُ لا يَزِيدُ عَلَيْه. قال الحافظ ابن حجر: " انعقد الإجماع على أنه لا يجوز له أن يصوم يوم الفطر ولا يوم النحر لا تطوعا ولا نذرا " انتهى. وروى البخاري (1998) عَنْ عَائِشَةَ وَعَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَا: لَمْ يُرَخَّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ إِلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ. وقد نَبَّه أهل العلم على أن رمضان لا يصح أن يصام فيه غيره: قال النووي رحمه الله في "المجموع" (6/315) : " قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله تعالى: يتعيّن رمضان لصوم رمضان , فلا يصح فيه غيره , فلو نوى فيه الحاضر أو المسافر أو المريض صوم كفارة أو نذر أو قضاء أو تطوع أو أطلق نية الصوم لم تصح نيته , ولا يصح صومه , لا عما نواه , ولا عن رمضان " انتهى. وقال ابن قدامة رحمه الله في "المغني": " وليس للمسافر أن يصوم في رمضان عن غيره , كالنذر والقضاء ; لأن الفطر أبيح رخصة وتخفيفا عنه , فإذا لم يرد التخفيف عن نفسه , لزمه أن يأتي بالأصل. فإن نوى صوما غير رمضان , لم يصح صومه , لا عن رمضان , ولا عن ما نواه. هذا الصحيح في المذهب , وهو قول أكثر العلماء" انتهى. وقال أيضاً (13/645) : "فإن قال: لله عليّ أن أصوم شهرا، فنوى صيام شهر رمضان لنذره ورمضان، لم يجزئه، كما لو نذر أن يصلي ركعتين، لم تجزئه صلاة الفجر عن نذره وعن صلاة الفجر" انتهى باختصار. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " الواجب لمن نذر الصيام إذا كان معلقاً بشرط أن يوفي به من حين أن يوجد الشرط ولا يتأخر، مثال ذلك: قال: إن شفاني الله من هذا المرض فلله عليَّ نذر أن أصوم ثلاثة أيام، فشفي من المرض، فالواجب أن يبادر الإنسان بالصوم ولا يتأخر؛ لأن الله تعالى قال: (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ) التوبة/76-77. أما النذر الذي ليس معلقاً بشرط، إنسان أراد أن يحمل نفسه على الصوم فقال: لله علي نذر أن أصوم ثلاثة أيام. من غير سبب، فهذا يجب عليه أن يبادر لكن ليس كوجوب الأول، فإذا أتاه رمضان وهو لم يصم فمن المعلوم أنه يبدأ برمضان، وإذا انتهى رمضان صام النذر، لكن لو أنه صام النذر في رمضان لم يصح صوم نذره ولا صوم رمضان. إنسان عليه نذر ثلاثة أيام فصام من رمضان ثلاثة أيام للنذر، فماذا عليه؟ لا ينفعه عن النذر ولا عن رمضان، أما كونه لا ينفعه عن النذر فلأن رمضان وقته مضيَّق لا يصح أن يصوم غيره فيه، وأما كونه لا يجزئ عن رمضان فلأنه لم ينو عن رمضان، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) " انتهى من "اللقاء الشهري" (52/4) . والحاصل: أن شهر رمضان يتعين فيه صوم الفريضة خاصة، ولا يجوز أن يصام فيه غيره، لا تطوعا ولا نذرا، لا للحاضر ولا للمسافر، كما لا يجوز تشريك النية فيه، بأن ينوي الفرض والنذر معا؛ لأنهما عبادتان مقصودتان، فلا يفعلان بنية واحدة. وعلى هذا، فلا يجوز لك أن تصوم النذر مع رمضان. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 104077 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4410 كرر اليمين وحنث فهل تلزمه كفارة واحدة أم كفارات؟ [السُّؤَالُ] ـ[أقسمت يمينا) أقسم بالله العظيم) ومع القسم وضعت يدي على كتاب الله حيث إنني أعدت القسم بنية أن كل قسم منفصل عن الآخر وفي كل قسم واضعا يدي على كتاب الله ولا أعرف عدد الأيمان بالضبط ألا أفعل معصية معينة وبصراحة ألا أنظر إلى الحرام أو ما شابه كي لا أقع في الإثم مع العلم أنني أعزب حيث إنني فعلت الحرام وبعكس ما أردت القسم عليه فما عليّ؟ هل أكفر عن يمين واحد أم الأيمان التي لا أعرف عددها؟ وهل عند وفاة الشخص أو استشهاده يبقى معلقا حتى يفي بالقسم؟ مع العلم أن الوضع المادي صعب وأريد الزواج.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: كراهتك للحرام، وحلفك بالله على تركه، يدل على ما فيك من الخير والإيمان، والخوف من الله تعالى، فنسأل الله أن يقوي إيمانك، ويزيد في عزمك، ويصرف عنك السوء، وييسر لك الزواج والعفة والإحصان. ونوصيك أن تلجا إلى الله تعالى، وأن تكثر من سؤاله أن يحفظ عليك دينك وإيمانك، وأن يقيك الفتن ما ظهر منها وما بطن. ثانيا: من كرر اليمين على شيء واحد، ثم حنث لزمته كفارة واحدة. سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: أنا شاب حلفت بالله أكثر من ثلاث مرات على أن أتوب من فعل محرم، سؤالي: هل علي كفارة واحدة أم ثلاث، وما هي كفارتي؟ فأجاب: "عليك كفارة واحدة، وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام؛ لقول الله سبحانه: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) المائدة/89، وهكذا كل يمين على فعل واحد أو ترك شيء واحد، ولو تكررت ليس فيها إلا كفارة واحدة، إذا كان لم يكفر عن الأولى منهما. أما إذا كان كفر عن الأولى ثم أعاد اليمين فعليه كفارة ثانية إذا حنث، وهكذا لو أعادها ثالثة وقد كفر عن الثانية فعليه كفارة ثالثة. أما إذا كرر الأيمان على أفعال متعددة أو ترك أفعال متعددة فإن عليه في كل يمين كفارة، كما لو قال: والله لا أكلم فلانا، والله لا آكل طعاما، والله لا أسافر إلى كذا، أو قال: والله لأكلمن فلانا، والله لأضربنه، وأشباه ذلك. والواجب في الإطعام لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد وهو كيلو ونصف تقريبا. وفي الكسوة ما يجزئه في الصلاة كالقميص أو إزار ورداء. وإن عشاهم أو غداهم كفى ذلك؛ لعموم الآية الكريمة المذكورة آنفا. والله ولي التوفيق " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (23/145) . ثالثا: أما قولك: إن الشخص عند موته أو استشهاده يبقى معلقا حتى يفي بالقسم، فإن كنت تقصد الكفارة، أي أنه يكون محبوسا أو معلقا لأنه لم يخرج الكفارة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْنَ) رواه مسلم (1886) . فالجواب: أن المراد بالدين هنا الدين الذي يكون للآدميين. قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: " (إِلَّا الدَّيْن) فَفِيهِ تَنْبِيه عَلَى جَمِيع حُقُوق الْآدَمِيِّينَ , وَأَنَّ الْجِهَاد وَالشَّهَادَة وَغَيْرهمَا مِنْ أَعْمَال الْبِرّ لَا يُكَفِّر حُقُوق الْآدَمِيِّينَ , وَإِنَّمَا يُكَفِّر حُقُوق اللَّه تَعَالَى " انتهى. ومن كان عليه كفارة يمين، ولم يخرجها حتى مات، فإنها تخرج من تركته، قبل قسمتها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103424 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4411 حنث في أيمان لا يذكر عددها كيف يفعل؟ [السُّؤَالُ] ـ[مررت بفترة كنت أفعل فيها فعلا خاطئا وهو أني كنت إذا احترت بين فعلين أقسم ألا أفعل واحدا منهما لكي أخرج من هذه الحيرة وكنت أحيانا أحنث بكثير من الأقسام وهي من الكثرة والتنوع بحيث لا أستطيع أن أذكر عددها وأنا الآن أريد أن أكفر عنها فكيف أفعل ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: صدقت أخي في وصف فعلك بأنه خاطئ، إذ ينبغي للمسلم تعظيم أمر اليمين فلا يكثر منه فقد ذم الله تعالى المكثرين من الأيمان، فقال: (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ) القلم/10، وقال سبحانه: (وَلَا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) البقرة/224. قال أبو بكر الجصاص في "أحكام القرآن" (1/483) : "فكأن المعنى: إن الله ينهاكم عن كثرة الأيمان، والجرأة على الله تعالى، لما في توقي ذلك من البر والتقوى فتكونون بررة أتقياء" انتهى. وقد صرح أهل العلم بكراهة الإكثار من الأيمان، قال ابن قدامة في المغني (9/386) : "ويكره الإفراط في الحلف بالله تعالى (أي الإكثار منه) ، لقول الله تعالى: (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ) وهذا ذم له يقتضي كراهة فعله" انتهى. وما دمت قد حلفت أيماناً متعددة على أشياء مختلفة فتلزمك كفارة يمين لكل شيء حلفت عليه وحنثت، قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (9/406) : "وإن حلف أيماناً على أجناس، فقال: والله لا أكلت، والله لا شربت، والله لا لبست، وحنث في الجميع، فعليه في كل يمين كفارة، وهو قول أكثر أهل العلم" انتهى بتصرف يسير. وعليك أن تجتهد وتتحرى في تقدير عدد الأيمان التي حلفتها، فما غلب على ظنك أنه عدد الأيمان التي حلفتها وحنثت فيها كَفَّرت عنها، وبهذا أفتى علماء اللجنة الدائمة للإفتاء كما بيناه في جواب السؤال رقم (34730) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103041 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4412 تقديم النذر على حصول الشرط المعلق عليه [السُّؤَالُ] ـ[كان لي مبلغ 8 آلاف جنيه عند شخص ما، ويئست من استردادهم ونذرت إذا رجع هذا المبلغ سأقوم بدفع ألف جنيه صدقة، وألف أخرى للمسجد وأن أقوم بالعُمرة، وبالفعل وصلني منهم ألف جنيه قمت بدفعهم للمسجد ثم وصلني 3 آلاف جنيه وأريد عمل عُمرة (تكملة باقي ثمن العمرة من مالي الخاص) ثم عند الحصول على باقي المبلغ آخذ ما دفعته للعمرة وأدفع الصدقة وآخذ باقي المبلغ لي، فهل هذا جائز أن أستكمل باقي مبلغ العمرة من مالي الخاص أم الأفضل دفع الـ 1000 جنيه (الصدقة) ويتم تأجيل العمرة؟ ملحوظة: عندما نذرت هذا النذر لم أكن أعرف أن النذر غير مستحب.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نذر الصدقة والعمرة هو من نذر الطاعة والتبرر، سواء كان مطلقا، كقول الإنسان: لله علي أن أتصدق بكذا أو أعتمر، أو كان معلقا على شرط، كقولك: إن رجع المال تصدقت واعتمرت، ونذر الطاعة يجب الوفاء به؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه) رواه البخاري (6202) . لكن النذر المعلق لا يجب الوفاء به إلا عند حصول الشرط، فلا يلزمك أداء العمرة ولا الصدقة حتى يرجع مالك، لكن إن أردت فعل العمرة الآن أو الصدقة فلا حرج عليك؛ لأنه يجوز فعل النذر قبل حصول الشرط، كما يجوز تقديم كفارة اليمين قبل الحنث، ولا حرج أن تدفع من مالك ما يكمل نفقة العمرة، فإذا جاء المال أخذت ما دفعت، وتصدقت بالألف، وكان الباقي لك. قال في "كشاف القناع" (6/277) عن النذر المعلق: " ويجوز فعل النذر قبل وجود شرطه، كإخراج الكفارة بعد اليمين وقبل الحنث " انتهى بتصرف. وقال في "مغني المحتاج" (6/234) : " ويجوز تقديم المنذور على حصول المعلق عليه إن كان ماليا " انتهى. ولا حرج عليك إن قدمت العمرة على الصدقة أو العكس، لأنك لم تشترط في النذر أن تقوم بهذه الأعمال على ترتيب معين، فسواء بدأت بالصدقة أو بالعمرة فكله جائز. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 102991 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4413 اليمين الغموس لا تكفرها إلا التوبة الصادقة [السُّؤَالُ] ـ[سمعت أن يمين الغموس تَغمِسُ صاحبها في النار، وأنها ليس لها كفارة، هل هذا يعني أن لا توبة من هذا الذنب؟ وهل الله يغفر كل الذنوب إذا كانت التوبة صحيحة وصادقة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: اليمين الغموس هي اليَمين الكاذِبة الفاجرة، كالتي يَقْتَطِع بها الحالفُ مالَ غيره، سُمِّيت غَمُوسا لأنها تَغْمِس صاحِبَها في الإثْمِ ثم في النار. كذا قال ابن الأثير في "النهاية" (3/724) . ثانيا: جاء في "الموسوعة الفقهية" (35/41) : " اختلف الفقهاء في وجوب الكفّارة في اليمين الغموس، على قولين: القول الأوّل: عدم وجوب الكفّارة في اليمين الغموس: وإليه ذهب جمهور الفقهاء: الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة. القول الثّاني: وجوب الكفّارة في اليمين الغموس: وإليه ذهب الشّافعيّة .... وقد استدلّ كل فريقٍ بأدلّة تؤيّد ما ذهب إليه " انتهى. وانظر: "بدائع الصنائع" (3/3) ، "التاج والإكليل" (3/266) ، "كشاف القناع" (6/235) . وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (23/133) : " اليمين الغموس من كبائر الذنوب، ولا تجدي فيها الكفارة لعظيم إثمها، ولا تجب فيها الكفارة على الصحيح من قولي العلماء، وإنما تجب فيها التوبة والاستغفار " انتهى. وسواء قيل بوجوب الكفارة أم لا؟ فإن الكفارة لا تكفر إثم اليمين الغموس، بل لا بد من التوبة النصوح. ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (34/139) بعد أن نقل الخلاف في كفارة اليمين الغموس: " واتفقوا على أن الإثم لا يسقط بمجرد الكفارة " انتهى. ثالثاً: واليمين الغموس كغيرها من الذنوب تكفرها التوبة الصادقة، وليس هناك ذنب لا تقبل التوبة منه، فقد فتح الله تعالى باب التوبة أمام كل عاصٍ، والله تعالى يتوب على من تاب قال عز وجل: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر/53 قال ابن كثير رحمه الله: هذه الآية دعوة لجميع العصاة من الكفرة وغيرهم إلى التوبة والإنابة، وإخبار بأن الله يغفر الذنوب جميعاً لمن تاب منها ورجع عنها، وإن كانت مهما كانت، وإن كثرت وكانت مثل زبد البحر .... والآيات من هذا كثيرة جداً انتهى. وانظر جواب السؤال رقم (46683) ففيه زيادة بيان. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 100449 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4414 هل تبيع من حليها لتكفر كفارة اليمين أم يجوز لها الصوم؟ [السُّؤَالُ] ـ[لي عدد من الأيمان لا أعرف عددها فكيف أكفر عنها؟ وهل الزوج مجبر على دفع الكفارة عن زوجته إذا لم يتوفر لديها المال؟ وهل لي أن أنتظر حتى أحصل على المال ثم أكفر. أم أصوم؟ علما أن لدي شيئا من الحلي، فهل علي بيعه لأحصل على المال؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الأيمان إذا تعددت وكانت على شيء واحد، ففيها كفارة واحدة، مثل أن يقول: (والله لا أكلم فلانا) ويكرر ذلك كثيرا ثم يكلمه، فعليه كفارة واحدة. وإن تعدد المحلوف عليه فلكل يمين كفارة، مثل أن يقول: (والله لا أكلم فلانا) ثم يكلمه، (والله لا أسافر إلى كذا) ثم يسافر، وهكذا. فعليه كفارتان. وإذا جهلت عددها، فعليك الاحتياط، فتكفّرين بما يغلب على ظنك براءة ذمتك به. وينظر: جواب السؤال رقم (36749) . ثانيا: لا يجبر الزوج على سداد ديون زوجته، سواء كانت ديونا في حق الله تعالى كالزكاة والكفارات، أو ديونا في حق المخلوقين، فالزوجة هي التي تكفر عن الأيمان التي حلفتها. وإن تبرع الزوج بدفع الكفارة فلا بأس بذلك، وهذا من حسن خلقه وعشرته لزوجته، ولكنه لا يلزمه ذلك. ثالثا: كفارة اليمين هي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فمن لم يجد شيئا من ذلك صام ثلاثة أيام؛ لقوله تعالى: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة/39. والقدر الواجب في الإطعام هو نصف صاع لكل مسكين، أي كيلو ونصف تقريبا من الأرز ونحوه، وإن كان معه شيء من الإدام فهو أفضل، ويجزئك في ذلك أن تغدي عشرة مساكين، أو تعشيهم. ويكفي في الكسوة قميص (ثوب) لكل مسكين. ينظر جواب السؤال رقم (45676) . فإذا لم تجدي المال الكافي لإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فصومي ثلاثة أيام، ولا يلزمك انتظار الحصول على المال، بل الأفضل التعجيل بكفارة اليمين وعدم تأخيرها. والضابط في إباحة الانتقال إلى الصوم: ألا يجد الإنسان ما يكفّر به فاضلا عن قوت يومه وليلته وعن حوائجه الأصلية من المسكن والمركب والخادم الذي يحتاج إليه. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (10/18- 20) : "ويكفّر بالصوم من لم يفضل عن قوته وقوت عياله , يومه وليلته , مقدارُ ما يكفر به". إلى أن قال: " والكفارة إنما تجب فيما يفضل عن حاجته الأصلية , والسكنى من الحوائج الأصلية , وكذلك الدابة التي يحتاج إلى ركوبها. . . وكذلك الخادم الذي يحتاج إلى خدمته. إذا ثبت هذا , فإنه إن كان في شيء من ذلك فضل عن حاجته , مثل من له دار كبيرة تساوي أكثر من دار مثله , ودابة فوق دابة مثله , وخادم فوق خادم مثله , يمكن أن يحصل به قدر ما يحتاج إليه وتفضل فضلة يكفر بها , فإنه يباع منه الفاضل عن كفايته , أو يباع الجميع , ويشترى له قدر ما يحتاج إليه , ويكفر بالباقي. وإن تعذر بيعه , أو أمكن البيع ولم يمكن شراء ما يحتاج إليه , ترك ذلك , وكان له الانتقال إلى الصيام " انتهى. ومن الحوائج الأصلية للمرأة: الحلي الذي تتزين به، فإن كان ما معها من الحلي على قدر حاجتها من غير زيادة، ولا إسراف، فلا يلزمها أن تبيعه لتكفر عن يمينها، ويكفيها في هذه الحالة أن تكفر عن يمينها بالصوم. وإن كان زائدا عن حاجتها باعت من الزيادة لتكفر عن يمينها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 100322 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4415 حلف على المصحف ألا يذهب لأكثر من طبيب ويريد الحنث [السُّؤَالُ] ـ[أنا منذ 15سنة مبتلى بمرض نفسي، وهو أني أحس بضيق في التنفس، وعدم النوم إلا بمنوم، وأشعر بنوبات فزع اضطر إلى الذهاب إلى أكثر من الطبيب مما جعل زوجتي تغضب علي، فحلفت لها بالمصحف ألا أذهب إلا لطبيب واحد، ولكني احتجت بعد فترة أن أذهب أكثر من طبيب، فما الحكم في ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: نسأل الله تعالى لك الشفاء والمعافاة، ونوصيك بملازمة الذكر وقراءة القرآن، وسؤال الله تعالى والالتجاء إليه، فإن الأمر كله بيده سبحانه. وانظر في علاج الضيق والقلق: سؤال رقم (21677) . ثانيا: إذا حلفت ألا تذهب إلا لطبيب واحد، ثم دعت الحاجة لذهابك لأكثر من طبيب، فلا حرج عليك في ذلك، وتلزمك كفارة يمين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ) رواه مسلم (1650) . لكن ينبغي أن تُعلم الطبيب بحاجتك للدواء، وتطلب منه زيادة الجرعة، ولا تفعل ذلك من تلقاء نفسك، لما قد يترتب عليه من آثار ضارة في المستقبل. ثالثا: الذي يحلف بالمصحف، إما أن يريد الحلف بما فيه من كلام الله، فهي يمين منعقدة تجب الكفارة بالحنث فيها، وإما أن يريد الحلف بالأوراق، فهذه يمين بغير الله، وهي شرك تجب التوبة منها والعزم على عدم العود إليها، ولا تجب بالحنث فيها كفارة؛ لأنها يمين محرمة غير منعقدة. راجع جواب السؤال رقم (98194) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98654 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4416 حكم الحلف بالمصحف، وكفارة الحنث فيه [السُّؤَالُ] ـ[حلفت في المصحف، مع وضع يدي عليه، ولم أستطع الوفاء بالقسم هل من كفارة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا تنعقد اليمين إلا إذا كانت باسم من أسماء الله تعالى أو صفة من صفاته. والحلف بالقرآن، حلفٌ بكلام الله تعالى الذي هو صفة من صفاته، وأما الحلف بالمصحف، فإن أراد ما فيه من كلام الله، فهي يمين مشروعة، وإن أراد الورق والمداد، فهذا حلف بغير الله تعالى، وهو شرك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ) رواه الترمذي (1535) وأبو داود (3251) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. ولهذا كان الأولى ألا يحلف الإنسان بالمصحف، لأن المصحف فيه كلام الله، وفيه المداد والورق. وأما وضع اليد على المصحف أو داخله، فهذا أمر محدث، ويفعله بعض الناس للتغليظ والتشديد ليتهيب الحالف من الكذب. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " عن حكم الحلف على المصحف؟ . فأجاب رحمه الله تعالى: الحلف والقسم لا يجوز إلا بالله تعالى أو صفة من صفاته، فإذا حلف الإنسان بالله سبحانه وتعالى فإنه لا حاجة إلى أن يأتي بالمصحف ليحلف عليه، فالحلف على المصحف لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عهد الصحابة، حتى بعد تدوين المصحف؛ لم يكونوا يحلفون على المصحف، بل يحلف الإنسان بالله سبحانه وتعالى بدون أن يكون ذلك على المصحف " انتهى بتصرف من "فتاوى نور على الدرب". وجاء في قرار "مجمع الفقه الإسلامي": " 2- وضع الحالف يده عند القسم على المصحف أو التوراة أو الإنجيل أو غيرهما ليس بلازم لصحة القسم، لكن يجوز إذا رآه الحاكم لتغليظ اليمين ليتهيب الحالف من الكذب. 3- لا يجوز لمسلم أن يضع يده عند الحلف على التوراة أو الإنجيل، لأن النسخ المتداولة منهما الآن محرفة، وليست الأصل المنزل على موسى وعيسى عليهما السلام، ولأن الشريعة التي بعث الله - تعالى - بها نبيه محمداً، - صلى الله عليه وسلم -، قد نسخت ما قبلها من الشرائع " انتهى نقلا عن "فتاوى إسلامية" (3/463) . ثانياً: إذا حلف الإنسان على يمين ثم لم يستطع الوفاء بتلك اليمين فإنها تلزمه الكفارة، وقد سبق بيان كفارة اليمين في سؤال رقم (45676) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98194 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4417 نذر ألا يتزوج حتى تحفظ أمه قدراً من القرآن ويشق ذلك عليها [السُّؤَالُ] ـ[لقد نذرت بأن لا أتزوج حتى تتم والدتي حفظ ثلاثة أجزاء من القرآن الكريم وذلك ضايقها كثيراً ولمدة ستة أشهر لم تحفظ سوى (النبأ والنازعات وعبس) ويكاد يشق عليها ذلك فهل هذا من العقوق لأني ضايقتها؟ وهل يجوز أن أتزوج قبل أن تتم الحفظ؟ ماذا أفعل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز لأحد أن يلزم أمه بما لا يلزمها شرعاً، حتى يشق ذلك عليها، فما دامت أمك لا تستطيع الحفظ إلا بمشقة شديدة، فليس لك أن تلزمها بذلك، فعليك الاعتذار لها واسترضائها، وإخراج كفارة يمين، لأن النذر الذي يراد منه حث إنسان على فعل معين حكمه حكم اليمين، وإذا أخرجت كفارة يمين فقد انحل النذر، ولم يكن على والدتك حفظ ما لا تستطيعه. قال ابن قدامة رحمه الله في بيان أنواع النذر: " والنذر الذي يخرجه مخرج اليمين، للحث على فعل شيء أو المنع منه، غير قاصد به النذر ولا القربة فهذا حكمه حكم اليمين" انتهى بتصرف من المغني (10/67) . فعليك أن ترضي أمك، وتكفّر كفارة يمين، وتتزوج. ولمعرفة كفارة اليمين بالتفصيل انظر جواب السؤال رقم (45676) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97919 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4418 أفطر بعذرٍ في صوم نذر متتابع فهل ينقطع تتابعه؟ [السُّؤَالُ] ـ[نذرت نذراً العام الماضي أثناء الاختبارات بأن أقوم بصيام 10 أيام متتالية فى الصيف إذا جاءت الدروس التى ذاكرتها فى الاختبارات، وهو ما حدث، ولذلك فقد شرعت فى صيام العشرة أيام، ولكن في منتصف قيامي بالصيام قررت أسرتى أن تذهب لأداء العمرة، حتى إنني قمت بالصيام أثناء سفري من مدينتي إلى مكة، ولكن أثناء عودتي شعرت بالتعب الشديد، وكان عليَّ الإفطار لشرب الماء، ثم أكملت الأيام المتبقية بعد ذلك اليوم، فهل تعتقدون أن نذري قد قُبِل أم أن عليَّ إعادة صيام العشرة أيام؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا ينبغي للمسلم أن يسارع إلى النذر كلما أراد حصول شيء، فإن النذر لا يقدِّم شيئاً ولا يؤخره، وليس هو من أسباب حصول المطلوب، وقد يُلزم المسلم نفسه بفعل عبادة ثم لا يفي بما عاهد الله عليه فيعرض نفسه للإثم الشديد ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النذر. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (43396) ثانياً: اختلف العلماء فيمن نذر صيام أيام متتابعة ثم قطع التتابع بسبب مرض أو سفر، هل يلزمه إعادة الصيام، أم يكفيه أن يكمل على ما سبق من أيام ولا يكون الإفطار لعذر قاطعاً للتتابع؟ والذي يظهر أن كل ما أبيح الفطر من أجله في رمضان فإنه لا يقطع التتابع، وهو قول الحنابلة خلافاً للجمهور، فمن أفطر في صوم التتابع لعذرٍ: لم ينقطع تتابعه، ومن أفطر لغير عذرٍ: انقطع تتابعه، ولزمه الاستئناف من جديد، ولا كفارة عليه. وعلى هذا، فإفطارك بسبب السفر لا حرج فيه، ولا يقطع تتابع الأيام العشرة، وما دمت أكملت الصيام بعد هذا اليوم، فقد وفيت بالنذر، وليس عليك شيء آخر. جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء (21/320) : " الأصل في صفة أداء كفارة القتل خطأ أن يكون الصيام متتابعاً، والذي لا يقطع التتابع يكون اضطراريّاً كالمرض الذي لا يستطيع الصيام معه، وكالحيض بالنسبة للمرأة، وهذا لا يقطع التتابع، بل يبني على ما مضى، وقد يكون اختياراً كالمسألة التي سأل عنها السائل، وهي مسألة السفر لحاجة، فلا يقطع أيضاً؛ لأنه عذر شرعي إذا كان السفر ليس من أجل الفطر، بل لمسوغٍ شرعيٍّ، كما ذكر في السؤال " انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: " ولا يقطع التتابع إذا أفطرت المرأة للحيض؛ لأن هذا فطر لابد منه، ولا يقطع التتابع - أيضاً - إذا أفطر للسفر، ولا يقطع التتابع إذا مرض فشق عليه الصوم، وهنا نقول القاعدة: أن ما يجب عليه التتابع من الصيام إذا قطعه لعذر شرعي: فإنه لا ينقطع التتابع، فإذا زال العذر أكمل الصيام، ولا يلزمه أن يستأنف من جديد " انتهى. " لقاءات الباب المفتوح " (93 / السؤال رقم 16) . وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: إذا نذرت صيام شهرين متتابعين، وبعد مضي خمسة وأربعين يوماً من الصيام أفطرت لعذر شرعي، وبعد أن أردت أن أتم بقية الشهرين بعد انقضاء العذر وقعت في خلاف بين الناس: فمنهم من قال: يجب عليك إعادة الصيام، ومنهم من قال: أتمم صومك، والآن وقد مضى وقت طويل بين الخمسة والأربعين يوماً وبقية الشهرين ماذا عليَّ أن أفعل؟ . فأجاب: " إذا كان الإفطار بعذر شرعي كالحيض والنفاس وغيرهما: فإنه لا يقطع التتابع. لكن؛ بما أنه قد مضى وقت طويل بعد انقطاع العذر - حسبما ذكرت -، ولم تصم خلاله: فإن التتابع قد انقطع، وعليك باستئناف صيام الشهرين المتتابعين من جديد؛ لأن التتابع مشروط في النذر كما ذكرت؛ فلا بد منه " انتهى. " المنتقى من فتاوى الفوزان " (3 / 152، 153، السؤال رقم 233) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96821 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4419 نذرت صيام شهر إذا أصلح الله زوجها وإلى الآن لم ينصلح [السُّؤَالُ] ـ[امرأة نذرت بأن الله إذا أصلح زوجها وأصبح عالما أن تصوم شهرا. ولكن إلى الآن لم يصلح زوجها. فقد سمعنا أنه يجب عليها أن تصوم شهرا تأديبا لنفسها حتى ولو لم يصلح زوجها، لأن هذا النذر يعتبر من نذر البخيل. فما رأيك يا شيخ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: النذر في الأصل مكروه، لا ينبغي الإقدام عليه؛ لما روى البخاري (6608) ومسلم (1639) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ نَهَى: النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّذْرِ وَقَالَ: (إِنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيل) . وروى البخاري (6609) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَأْتِ ابْنَ آدَمَ النَّذْرُ بِشَيْءٍ لَمْ يَكُنْ قَدْ قَدَّرْتُهُ، وَلَكِنْ يُلْقِيهِ الْقَدَرُ وَقَدْ قَدَّرْتُهُ لَهُ، أَسْتَخْرِجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ) . ومع كراهة النذر فإنه يجب الوفاء بنذر الطاعة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (مَن نذر أن يطيع الله فليطعه، ومَن نذر أن يعصيه فلا يعصه) رواه البخاري (6318) . ثانيا: قولك: إذا أصلح الله زوجي وأصبح عالما صمت شهرا، هو من نذر الطاعة المعلق على شرط فمتى حصل الشرط وجب الوفاء بالنذر، وإذا لم يتحقق الشرط فلا يلزمك شيء. قال ابن قدامة رحمه الله عن نذر الطاعة والتبرر: " وهو ثلاثة أنواع، أحدها: التزام طاعة في مقابل نعمة استجلبها أو نقمة استدفعها، كقوله: إن شفاني الله فلله علي صوم شهر، فتكون الطاعة الملتزمة مما له أصل في الوجوب بالشرع، كالصوم والصلاة والصدقة والحج، فهذا يلزم الوفاء به بإجماع أهل العلم " انتهى من "المغني" (13/622) . وجاء في "الموسوعة الفقهية" (12/315) : " اتفق الفقهاء على جواز تعليق النذر بالشرط , ولا يجب الوفاء قبل حصول المعلق عليه ; لعدم وجود سبب الوفاء , فمتى وجد المعلق عليه وجد النذر ولزم الوفاء به " انتهى. وبهذا يتبين أن ما سمعتيه ليس صحيحا كله، فالنذر يستخرج به من البخيل، ولكن لا يجب الوفاء بالنذر المعلق على شرط إلا إذا تحقق الشرط. وكان الأفضل لك من النذر أن تناصحي زوجك وتساعديه وتأخذي بيده إلى الصلاة والاستقامة وطلب العلم وتكثري له من الدعاء. نسأل الله تعالى أن يوفقكما لما يحب ويرضى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 95387 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4420 نذر أن يصوم رجب وشعبان ورمضان ولا يستطيع بسبب عمله؟ [السُّؤَالُ] ـ[نذرتُ لئن أراد الله ووصلت الديار المقدسة وزرت البيت الحرام، أن أصوم ثلاثة أشهر رجب وشعبان ورمضان، وقد أديتُ فرضي والحمد لله، ولكن نظراً لظروف عملي لم أستطع إكمال الصيام فهل يجزئ عن ذلك صيام الاثنين والخميس من كل أسبوع أم لا؟ وهل يُشترط التتابع في الصيام أم لا؟ وإذا لم أستطع فهل يجزئ عنَّي كفارة أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "أولاً: ننبه أنه لا ينبغي للإنسان أن ينذر، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وقال: (إِنَّ النَّذْرَ لَا يُقَدِّمُ شَيْئًا وَلَا يُؤَخِّرُ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِالنَّذْرِ مِنْ الْبَخِيلِ) . فلا ينبغي للإنسان أن ينذر، الإنسان ينبغي له أن يتقرب إلى الله بالطاعات والقربات من غير نذر، ولا يُلزم نفسه إلا ما أوجبه الله عليه في أصل الشريعة، أما أن يدخل نفسه في حرج، ويُحمِّلها واجباً ثقيلاً من صيام أو عبادة لا تجب عليه بأصل الشرع، ثمَّ بعد ذلك يتحرج ويطلب المخارج فهذا شيء يجب عليه أن يحذر منه من البداية وألا ينذر، لكن إذا نذر وعقد النَّذر وهو نذر طاعة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ) ، والله تعالى يقول: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا) الإنسان/ 7، ويقول تعالى: (وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ) البقرة/270، ويقول تعالى: (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) الحج/29، فإذا نذر الإنسان طاعة وجب عليه أن يؤديه، لأنه أوجبه على نفسه فوجب عليه أداؤه، وما ذكرته السائلة من أنها نذرت أن تصوم ثلاثة أشهر، رجب وشعبان ورمضان: أما رمضان فهذا واجبٌ عليها في أصل الشرع أن تصومه، فقد نذرته فيكون واجباً من ناحتين: بأصل الشرع وبالنذر، فهذا لابد من صيامه، وأما صيام رجب وشعبان، فهذا يجب عليها صيامهما بالنذر فقط، ويجب عليها أن تصوم ما دامت نذرت أن تصوم رجب وشعبان ورمضان، لأن هذا نذر طاعة. وإذا كانت عينت سنة معينة، قالت: من سنة كذا فيجب عليها أن تصوم رجب وشعبان من السنة المعنية، أما إذا كانت نذرت رجب وشعبان غير معين من سنة، فإنها تصوم رجب وشعبان من أي سنة تمرُّ عليها. الحاصل: لا بد لها من صيام هذا النذر، ولو كان فيه عليها مشقة، لأنها هي التي ألزمت نفسها بهذا، فتصوم ما دامت تستطيع الصيام، ولو كان عليها مشقة، ولا يجزئ عنها أن تصوم الاثنين والخميس من كل أسبوع كما ذكرت، لا بد من صيام رجب وشعبان ورمضان، ولا يجزئ عنها الإطعام أيضاً، لأنها تستطيع أن تصوم ولو مع المشقة. وإذا كان قصدها رجب وشعبان من سنة يعني متواليين، يجب عليها أن تصومهما متواليين، أما إذا كان قصدها رجب من أي سنة، وشعبان من أي سنة، فلا مانع أن تصوم رجب مثلاً في سنة، وشعبان في سنةٍ أخرى، إذا لم تكن قد نوت سنة معينة، أو في سنة واحدة". "مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (1/98) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 92780 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4421 إخبار الشخص بنقض اليمين ليكفر [السُّؤَالُ] ـ[إذا كسر شخص يمين شخص آخر دون أن يدري الحالف فهل يجب عليه أن يخبره لكي يكفر؟ .]ـ [الْجَوَابُ] عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله: لابد أن يخبره. سؤال: يجب عليه. الجواب: نعم. سؤال: لو كفّر عنه ثم أخبره فرضي ووافق فهل يجزئه أم لا؟ جواب: الصحيح أنه يجزئ. سؤال: وهل يشترط إخباره بأنه كفّر عنه لتبرأ الذمة؟ جواب: نعم لابد أن يخبره، وإن أخبره قبل أن يكفر لكان أحسن. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن صالح العثيمين الحديث: 7032 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4422 القسم برفع اليد فقط هل يعتبر قسماً؟ [السُّؤَالُ] ـ[أستفسر منكم عن القسم (اليمين) عند غير المسلمين وهل يعتبر قسما إذا أداه المسلم؟ مثال لذلك أن يرفع يده ويقول هذه المعلومات صحيحة هل يعتبر قسم أم لا الرجاء التوضيح.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا تنعقد اليمين إلا إذا كانت باسم من أسماء الله تعالى أو صفة من صفاته. وأما رفع اليد فليس يمينا، سواء فعل ذلك عند المسلمين أو عند غيرهم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 26870 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4423 نذرت أن تصوم شهراً فهل تقضي أيام الحيض؟ [السُّؤَالُ] ـ[لقد نذرت صوم شهر، فهل الأيام التي أكون فيها حائضة يلزمني قضاؤها بعد انتهاء النذر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا نذرت المرأة أن تصوم شهراً، فإنها تقضي أيام حيضها، كما أنها تقضي أيام حيضها في شهر رمضان. انظر المغني لابن قدامة (10/86) . وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء مثل هذا السؤال فأجابت: " يجب عليك صوم الشهر الذي نذرت صيامه، وإن أفطرت منه شيئا بسبب الحيض فعليك قضاء عدد الأيام التي أفطرتيها من الشهر. وبالله التوفيق " اهـ. "فتاوى اللجنة الدائمة" (23/336) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 21848 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4424 حلف أيمانا كثيرة ولم يكفر عنها [السُّؤَالُ] ـ[أنا سريع الغضب والحلف وكثيرا ما تسقط الأيمان التي حلفتها ولا أعلم كم علي من كفارات الأيمان ولا أحصي رقما وأريد أن أوفي ما علي من كفارات؟ فماذا أفعل؟ وهل يجوز أن تكون كفارة اليمين عبارة عن دعوة غداء للأهل والأقارب؟ وهل الحلف بالطلاق مع سقوط اليمين يوجب الكفارة؟ مع العلم أن النية عند الحلف بالطلاق غير معلومة، ولكن غالب الظن أنها ليست بقصد الطلاق.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: يكره الإكثار من الحلف؛ لقول الله تعالى: (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَهِينٍ) القلم / 10، وهذا ذم له يقتضي كراهة فعله، كما قال ابن قدامة رحمه الله. "المغني" (13/439) . ثانيا: من حلف أيمانا متعددة، وحنث ولم يكفّر عن شيء منها، فله حالان: الأول: أن تكون الأيمان على شيء واحد، كأن يقول: والله لا أشرب الدخان، ثم يحنث ولا يكفر، ثم يعود فيحلف كذلك، فهذا تلزمه كفارة واحدة. والثاني: أن تكون الأيمان على أفعال مختلفة، كقوله: والله لا شربت، والله لا لبست، والله لا أذهب إلى مكان كذا، ويحنث في الجميع ولم يكفّر عن شيء منها، فهل تلزمه كفارة واحدة أو كفارات؟ فيه خلاف بين الفقهاء، فجمهور العلماء على تعدد الكفارة. وهو الصحيح؛ لأنها أيمان على أفعال مختلفة، كل يمين مستقلة بنفسها. وينظر: "المغني" (9/406) . وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: أنا شاب حلفت بالله أكثر من ثلاث مرات على أن أتوب من فعل محرم، سؤالي: هل علي كفارة واحدة أم ثلاث، وما هي كفارتي؟ فأجاب: "عليك كفارة واحدة، وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام؛ لقول الله سبحانه: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) المائدة/89، وهكذا كل يمين على فعل واحد أو ترك شيء واحد، ولو تكررت ليس فيها إلا كفارة واحدة، إذا كان لم يكفر عن الأولى منهما. أما إذا كان كفر عن الأولى ثم أعاد اليمين فعليه كفارة ثانية إذا حنث، وهكذا لو أعادها ثالثة وقد كفر عن الثانية فعليه كفارة ثالثة. أما إذا كرر الأيمان على أفعال متعددة أو ترك أفعال متعددة فإن عليه في كل يمين كفارة، كما لو قال: والله لا أكلم فلانا، والله لا آكل طعاما، والله لا أسافر إلى كذا، أو قال: والله لأكلمن فلانا، والله لأضربنه، وأشباه ذلك. والواجب في الإطعام لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد وهو كيلو ونصف تقريبا. وفي الكسوة ما يجزئه في الصلاة كالقميص أو إزار ورداء. وإن عشاهم أو غداهم كفى ذلك؛ لعموم الآية الكريمة المذكورة آنفا. والله ولي التوفيق " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (23/145) . ثالثا: إذا جهلت عدد الأيمان بيقين، فاجتهد في تقديرها على وجه التقريب، ثم أخرج كفارات على عددها التقريبي – إذا كانت على أشياء مختلفة - حتى يغلب على ظنك أنك أخرجت الواجب عليك. رابعا: إذا كان أقاربك فقراء ومساكين، ودعوت عشرة منهم إلى غداء أو عشاء، أجزأ ذلك عن كفارة يمين، سواء دعوتهم في مجلس واحد أو في أوقات مختلفة. ومن لم يستطع العتق أو الإطعام أو إخراج الكسوة، فإنه يصوم ثلاثة أيام، كما سبق في الآية الكريمة. خامسا: الحلف بالطلاق أمره عظيم، وينبني عليه وقوع الطلاق عند الحنث، في قول جمهور الفقهاء، ولهذا يجب الحذر من ذلك. وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يرجع فيه إلى نية الحلف، فإن نوى التهديد أو الحث أو المنع أو التصديق أو التكذيب، ثم حنث، فعليه كفارة يمين، وإن نوى الطلاق وقع الطلاق، وكل أدرى بنيته. وإذا غلب على ظنه أحد الأمرين، فليعمل بما غلب على ظنه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 89677 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4425 أخرج كفارة اليمين نقودا فهل يلزمه إعادتها؟ [السُّؤَالُ] ـ[أخرجت 3 كفارات أيمان متفرقة نقدا وقمت بإعطاء كل كفارة لـ 10 مساكين دون أن أحدد أنها للإطعام أو للكسوة، ولكن حددت أنها كفارة لليمين، فهل يجب إعادة إخراج هذه الكفارات؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إخراج كفارة اليمين نقودا، لا يجزئ عند جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة. ويجزئ عند الحنفية. قال ابن قدامة الحنبلي رحمه الله: " لا يجزئ في الكفارة إخراج قيمة الطعام , ولا الكسوة , في قول إمامنا، ومالك , والشافعي , وابن المنذر ... وهو ظاهر من قول عمر بن الخطاب وابن عباس , وعطاء , ومجاهد , وسعيد بن جبير , والنخعي. وأجازه الأوزاعي , وأصحاب الرأي ; لأن المقصود دفع حاجة المسكين , وهو يحصل بالقيمة. ويدل على أنه يجب الإطعام أو الكسوة أو العتق، ولا يجزئ إخراج القيمة نقوداً؛ قول الله تعالى: (إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم) . وهذا ظاهر في عين الطعام والكسوة , فلا يحصل التكفير بغيره لأنه لم يؤد الواجب إذا لم يؤد ما أمره الله بأدائه , ولأن الله تعالى خير بين ثلاثة أشياء ولو جازت القيمة لم ينحصر التخيير في الثلاثة " انتهى من "المغني" (10/6) بتصرف. وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " كفارة اليمين تكون طعاما لا نقودا، لأن ذلك هو الذي جاء به القرآن الكريم والسنة المطهرة، والواجب في ذلك نصف صاع من قوت البلد، من تمر أو بر أو غيرهما، ومقداره كيلو ونصف تقريبا، وإن غديتهم أو عشيتهم أو كسوتهم كسوة تجزئهم في الصلاة كفى ذلك، وهي قميص أو إزار ورداء " انتهى نقلا عن "فتاوى إسلامية" (3/481) . لكن إن كنت اعتمدت في هذا على قول الحنفية، أو من أفتاك بقولهم، أجزأك ذلك، وإلا فأعد إخراجها، وفي ذلك خير لك ولإخوانك الفقراء. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 89954 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4426 قال والله عشرة أيمان لا أفعل فما الحكم [السُّؤَالُ] ـ[قال بالنص: والله عشرة أيمان لا أفعل كذا، هل يعتبر يمين أم عشرة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، فأجاب حفظه الله: (يعتبر) يمينا واحد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن صالح العثيمين الحديث: 12086 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4427 نذرت ولا تذكر هل قصدته مستمراً أم مرة واحدة [السُّؤَالُ] ـ[عندما كنت صغيرة ولكن بالغة وبالطبع غير عالمة بالدين كثيرا وغير عالمة بعاقبة النذر وبدافع حب الخير نذرت نذورا ولا أدري أنذرت فعلها حتى أموت أم كانت هذه هي نيتي والآن أريد الخروج منها وعدم العودة إلى أمثالها أبدا فإن كان هناك مخرج مثل هذا فأتمنى بيانه وجزاكم الله كل خير.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان هناك شك في قصد استمرار النذر فالأصل براءة الذمّة، فتبرأ الذمّة بفعل المنذور مرّة واحدة، علما بأن النذر مكروه، وإنما يستخرج (به) من البخيل كما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام، وهو لا يأتي بخير لكن الوفاء إذا كان نذر طاعة واجب. [الْمَصْدَرُ] الشيخ: عبد الكريم الخضير. الحديث: 27057 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4428 حلف ولعن نفسه إن عاد إلى التدخين [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لشخص أن يحلف بالله بأن لا يدخن سيجارة أخرى وضمن الحلف لعن نفسه إذا دخن مرة أخرى؟ إذا كان الجواب لا، فماذا يفعل الشخص الذي فعل هذا عن جهل؟.]ـ [الْجَوَابُ] 1. لا بدَّ أن يعلم السائل أولاً أن شرب الدخان حرام، ويبدو أن السائل على علم بهذا، فإن كان لا يعلم بذلك، فليعلمه الآن، وهذا ما اتفق عليه العلماء والعقلاء والأطباء. 2. وأخطأ السائل بلعنه نفسه، وقد جاء الوعيد الشديد في الشرع المطهر لمن خرج منه اللعن، ومن ذلك: أ. عن أبي سعيد الخدري قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو فطر إلى المصلى فمر على النساء فقال يا معشر النساء تصدقن فإني أريتكن أكثر أهل النار فقلن وبم يا رسول الله قال تكثرن اللعن!! وتكفرن العشير ... ". رواه البخاري (298) ومسلم (80) . ب. عن أبي الدرداء سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن اللعانين لا يكونون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة ". رواه مسلم (2598) . واللعن هو الطّرد والإبعاد من رحمة الله فكيف يدعو المسلم على نفسه بهذا؟!! 3. والسائل إذا عاد إلى شرب الدخان: فإنه يأثم على شربه له، وعليه التوبة وعليه أيضاً كفارة يمين، وذلك لحنثه في يمينه، وكفارة اليمين: إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فإن لم يستطع ذلك: فليصم ثلاثة أيام. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 6270 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4429 حكم وضع اليد على التوراة والإنجيل حين القسم [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم وضع المسلم يده على التوراة أو الإنجيل أو كليهما عند أداء اليمين القضائية أمام المحاكم في البلاد الغير الإسلامية إذا كان النظام القضائي فيها يوجب ذلك على الحالف.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله - لا يجوز الحلف إلا بالله تعالى دون شيء آخر لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت ". - وضع الحالف يده عند القسم على المصحف ليس بلازم لصحة القسم لكن بعضهم يفعله لتغليظ اليمين ليتهيب الحالف من الكذب. - لا يجوز لمسلم أن يضع يده عند الحلف على التوراة أو الإنجيل لأن النسخ المتداولة منهما الآن محرفة، وليست الأصل المنزل على موسى وعيسى عليهما السلام ولأن الشريعة التي بعث الله تعالى بها نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم قد نسخت ما قبلها من الشرائع. - إذا كان القضاء في بلد ما حكمه غير إسلامي يوجب على من توجهت عليه اليمين وضع يده على التوراة أو الإنجيل أو كليهما فعلى المسلم أن يطلب من المحكمة أن يحلف بالله ولا بأس أن يقسم بالقرآن الكريم لأنه كلام الله تعالى وهو صفة من صفاته، فإن لم يُستجب لطلبه وأُجبر على الحلف بالتوراة أو الإنجيل فإنّه يُعتبر مكرهاً، ولا بأس عليه أن يضع يده عليهما أو على أحدهما دون أن ينوي بذلك تعظيماً. والله أعلم. يُنظر ملخص فتاوى المجمع الفقهي الإسلامي. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 4023 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4430 عاهدت زوجها أن لا تتزوج بعده أحداً!! [السُّؤَالُ] ـ[امرأة أعطت لزوجها عهداً على أنه إذا مات لن تتزوج بعده أحداً، حتى يجمع الله بينهما برحمته وفضله، فهل يصح لها أن تتزوج بعده؟ وهل يعتبر هذا من عدم الوفاء بالعهد الذي هو صفة من صفات المنافقين؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجور لهذه المرأة أن تتزوج بعد وفاة زوجها، وتكفِّر عن يمينها، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (َإِنِّي وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ ثُمَّ أَرَى خَيْرًا مِنْهَا إِلا كَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي وَأَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ) رواه البخاري (3133) ومسلم (1649) ، وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ وَائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ) رواه البخاري (2622) ومسلم (1652) والزواج خير لهذه المرأة من بقائها بدونه لما فيه من المصالح الكثيرة. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء (23/24) . الحديث: 12528 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4431 حلَّفها زوجها على ذنب فعلته [السُّؤَالُ] ـ[زوجها حلفها على شيء محرم فعلته في الماضي، فماذا تفعل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين فأجاب حفظه الله: إذا خشيت من محذور أو ضرر كالطلاق وشيوع السمعة السيئة عنها، حلفت واستغفرت وأكثرت من الأعمال الصالحة. وليس عليها كفارة لأن هذا حلف على ماضٍ مع كذب، والكفارة هي التوبة النصوح. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد الله بن جبرين الحديث: 3139 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4432 قال لزوجته: الكلام بيني وبينك حرام لو ذهبت إلى مكان كذا [السُّؤَالُ] ـ[كل عمل أقوم به مرتين على الأقل للتأكد من القيام به. حدثت مشادة بيني وبين زوجتي لأنها كانت تريد العمل في بنك، فأردت أن أقول لها أنت علي كأمي لو فعلتها ولكني لم أقلها خوفا من شدة الكلمة، فقلت لها إن الكلام بيني وبينك حرام لو ذهبت. أرجو الإجابة على الأسئلة التالية أثابكم الله: 1- في بعض الأوقات أتخيل أنني لم أقل عبارة: " لو ذهبت " ما حكم الشرع في الحالتين علما بأني كانت نيتي أنها إذا ذهبت سوف أخاصمها " أي إنني كنت أهددها. 2- هل عندما أسأل سؤالا وأكرر ما قلته أو ما أشك فيه للسؤال عليه فإني أحاسب عليه شرعا ما حكم الحمل لزوجتي إذا كانت هناك أي نواهي شرعية من خلال ما قلته لها.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: يفهم من سؤالك أنك تعاني من الوسوسة، وتحتاج إلى تكرار العمل لتقوم به مرتين، وتتخيل أنك قلت كذا، أو ما قلت. وخير علاج للوسوسة أمران: الأول: الإكثار من الطاعة ومن ذكر الله تعالى. الثاني: عدم الالتفات للوسوسة، وعدم الاستجابة لها. وانظر السؤال رقم: (62839) ، (25778) ولهذا نقول: الأصل أنك قلت لزوجتك: إن الكلام بيني وبينك حرام لو ذهبت. فلا تلتفت للشك الحاصل بعد ذلك بسبب الوسوسة. ثانيا: إذا قال الرجل لزوجته: إن الكلام بيني وبينك حرام لو ذهبت إلى مكان كذا: فإن لم تذهب، فلا شيء عليه. وإن ذهبت، فيُنظر: إن أراد الطلاق، وقعت طلقة؛ لأن كلامه هذا يدخل في كنايات الطلاق. وإن لم يرد الطلاق – كما في سؤالك -، فعليه كفارة يمين، وهي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام. والأصل في ذلك أن تحريم الحلال: يمين؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) التحريم/1، 2، فجعل الله تعالى تحريم الحلال يميناً. قال في "البحر الرائق" (4/317) : " فعُلم أنَّ تحريم الحلال يمينٌ موجب للكفارة ... فيدخل فيه ما إذا قال: كلامك علي حرام , أو معي أو الكلام معك حرام " انتهى. ثالثا: إذا قال الرجل لزوجته: الكلام بيني وبينك حرام، ولم يقل: لو ذهبت إلى مكان كذا. فإن نوى الطلاق، وقع الطلاق في الحال، ذهبت أو لم تذهب. وإن لم ينو الطلاق، فعليه كفارة يمين. رابعا: إذا قلت كلاما أو سألت سؤالا، وكررته، فلا شيء عليك، والمهم أن يكون الكلام مباحا. خامسا: إذا كانت زوجتك حاملا حين تكلمت بكلامك السابق، فلا أثر للحمل على ذلك، والذي ورد الشرع بتحريمه هو طلاق المرأة وهي حائض، أما الحامل فلا أثر لحملها على الطلاق مع أنك لم تطلق بالفعل. سادسا: لا يجوز العمل في بنك ربوي، لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء. رواه مسلم (1598) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 88085 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4433 هل القسم شرط في التوبة [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك أمل في أن يُغفر لنا إذا لم نقسم أو ننذر بأننا لن نفعل هذا الذنب مرة ثانية أبداً؟ أنا أسأل هذا لأنك إذا كنت تعلم أنك يمكن أن تفعل نفس الذنب ثانية فهل هناك فائدة من القسم أو النذر على أنك لن تفعل الذنب مرة أخرى؟ مع العلم أن الحنث باليمن مع الله يتطلب صيام 3 أيام.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فإن المولى جلت قدرته، وعظم سلطانه، لا يتعاظمه ذنب أن يغفره مهما كان هذا الذنب، ما دام أن العبد قد تاب منه , قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر / 53 فباب التوبة مفتوح ما لم يعاين المرء الموت، وما لم تطلع الشمس من مغربها. عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله عز وجل يقبل توبة العبد ما لم يغرغر " أخرجه أحمد (2 / 132، 153) والترمذي (3537) وحسنه، وحسنه أيضا الألباني في صحيح الترغيب (3 / 318) (3413) . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه " أخرجه مسلم (3073) . فعلى المسلم أن يغتنم هذه الفرصة وهذا الفضل العظيم من الله جل جلاله ويعجل بالتوبة ما دام في زمن الإمهال ولا يسوف بالتوبة. ولكن يجب أن تكون هذه التوبة توبة نصوحا , كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) التحريم / 8. وذكر العلماء أن التوبة النصوح هي التي جمعت خمسة شروط: 1- أن تكون خالصة لله عز وجل. 2- أن يكون نادماً حزنا على ما سلف من ذنبه , يتمنى أنه لم يحصل منه. 3- أن يقلع عن المعصية فوراً، فإن كانت المعصية بفعل محرم تركه في الحال , وإن كانت المعصية بترك واجب فعله في الحال , وإذا كانت المعصية فيما يتعلق بحقوق الخلق لم تصح التوبة منها حتى يتخلص من تلك الحقوق. 4- أن يعزم على أن لا يعود في المستقبل إلى المعصية. 5- أن لا تكون بعد انتهاء وقت قبول التوبة , كما سبق. [ينظر: مجالس شهر رمضان لابن عثيمين 143] . وبهذا يعلم أنه ليس من شرط التوبة عدم العود إلى الذنب , وإنما شرطه العزم الجازم الصادق على أن لا يعود، فإن تاب العبد من الذنب الذي هو عليه ثم لعب به الشيطان ونكص على عقبيه ـ ولا حول ولا قوة إلا بالله ـ فلا ييأس من روح الله، وليجدّ في التوبة مرة أخرى فإن الله يقبله، فهو سبحانه واسع الفضل عظيم المغفرة. عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل؛ حتى تطلع الشمس من مغربها " أخرجه مسلم (2759) . وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إِنَّ عَبْدًا أَصَابَ ذَنْبًا فَقَالَ: رَبِّ أَذْنَبْتُ فَاغْفِرْ لِي. فَقَالَ رَبُّهُ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ غَفَرْتُ لِعَبْدِي. ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَصَابَ ذَنْبًا، فَقَالَ: رَبِّ أَذْنَبْتُ فَاغْفِرْهُ. فَقَالَ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ غَفَرْتُ لِعَبْدِي. . . الحديث. رواه البخاري (7505) ومسلم (2753) . ولكن ينبغي على المسلم العاقل أن يكون صادق التوبة مع الله، صادق العزم على عدم العودة مرة أخرى، نادمًا على ما قد جناه، ولا تكون توبته بلسانه فقط دون جوارحه، فهذه توبة الكذابين. وأما القسم أو النذر بأن لا يفعل العبد هذا الذنب مرة أخرى , فلا حاجة إليه , فالتوبة النصوح تحصل باجتماع الشروط السابقة. بقي أن يشار إلى ما ذكره السائل من أن من حنث في يمينه فعليه صيام ثلاثة أيام , فهذا ليس على إطلاقه , وإنما الواجب على من حنث في يمينه هو: عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم , فإن لم يجد صام ثلاثة أيام , فالصيام يكون عند تعذر الأمور الثلاثة الأولى , أما مع إمكان الإتيان بأحدها فإنه لا يجوز له الانتقال إلى الصيام، كما دل عليه قوله تعالى: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة / 89. هذا والله تعالى أعلم , وصل الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20661 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4434 هل في نذر المعصية كفارَّة؟ [السُّؤَالُ] ـ[نذرت أن لا أكلم خالي ولا أدخل بيته ثم ندمت فهل عليّ كفارة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " النذر نذران: فما كان لله فكفارته الوفاء، وما كان للشيطان فلا وفاء فيه، وعليه كفارة يمين ". رواه ابن الجارود في " المنتقى " (935) والبيهقي (10 / 72) . والحديث: صححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (479) . قال الشيخ الألباني: [وفي الحديث] دليل على أمرين اثنين: الأول: أن النذر إذا كان طاعة لله وجب الوفاء به، وأن ذلك كفارته، وقد صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه ". متفق عليه. والآخر: أنَّ من نذر نذراً فيه عصيان للرحمن وإطاعة للشيطان: فلا يجوز الوفاء به، وعليه الكفارة كفارة اليمين، وإذا كان النذر مكروهاً أو مباحاً: فعليه الكفارة من باب أولى، ولعموم قوله - عليه الصلاة والسلام - " كفَّارة النَّذر كفَّارة اليمين ". أخرجه مسلم وغيره من حديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه - وهو مخرَّج في " الإرواء " (8 / 210) . وما ذكرنا من الأمر الأول والثاني: متفق عليه بين العلماء، إلا في وجوب الكفَّارة في المعصية ونحوها، فالقول به مذهب الإمام أحمد وإسحاق، كما قال الترمذي (1 / 288) ، وهو مذهب الحنفيَّة أيضاً، وهو الصواب، لهذا الحديث وما في معناه ممَّا أشرنا إليه. " السلسلة الصحيحة " (الحديث: 479) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 21833 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4435 حلف لا يشتري لحما [السُّؤَالُ] ـ[حلف لا يشتري لحما، فاشترى طعام فيه لحم، هل يحنث أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن كان اللحم مستهلك في الطعام لم يحنث وإلا فيحنث. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] فتاوى الإمام النووي 202. الحديث: 6058 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4436 لا يُشترط التتابع في صيام كفارة اليمين [السُّؤَالُ] ـ[هل صيام ثلاثة أيام في كفارة اليمين يجب أن تكون متتابعة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجب في صيام ثلاثة الأيام في كفارة اليمين أن تكون متتابعة، فلو صامها متفرقة أجرأ ذلك، لإطلاق قول الله تعالى: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ..) المائدة/89، فلم يقيِّدها الله تعالى بالتتابع. قال ابن حزم في " المحلى " (6/345) وَيُجْزِئُ الصَّوْمُ لِلثَّلاثَةِ الأَيَّامِ مُتَفَرِّقَةٍ إنْ شَاءَ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ ... فَإِذْ لَمْ يَخُصَّ اللَّهُ تَعَالَى تَتَابُعًا مِنْ تَفْرِيقٍ , فَكَيْفَمَا صَامَهُنَّ أَجْزَأَهُ. اهـ وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (23/22) : " الأفضل أن يكون صيام كفارة اليمين متتابعاً، ولكن لو قطع التتابع فلا حرج في ذلك " اهـ. انظر الإنصاف (11/42) والمغني (10/15) والمدونة (1/280) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 12700 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4437 احمد ربك على الهداية [السُّؤَالُ] ـ[أنا شاب متزوج وكنت أشتري أشرطة غنائية فحلفت بالطلاق ذات مرة ألا أشتري شريط أغاني، والآن أريد أن أشتري أشرطة دينية؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أحمد ربك أن منّ عليك بالهداية والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، وأنت إنما حلفت بالطلاق عن شراء الأشرطة الغنائية وليس عن كل شريط فاشتر أشرطة دينية واستمع إليها ولاتشتري الأشرطة التي حلفت عليها بالطلاق. [الْمَصْدَرُ] مجلة الدعوة العدد 1801 ص 37. الحديث: 21892 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4438 النذر لا ينعقد بمجرد النية [السُّؤَالُ] ـ[لقد وعدت نفسياً أن أصوم إذا نجحت في الامتحان، لكني لم أستطع بعد ذلك صيام تلك الأيام , فماذا أفعل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا ينبغي للإنسان أن ينذر شيئاً، ومن أراد أن يفعل طاعة فليفعلها من غير نذر، لأنه بالنذر يوجب على نفسه هذه العبادة ويعرض نفسه للإثم والتقصير واستحقاق العقاب إذا لم يف بما نذره، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر. وانظري جواب السؤال رقم (67886) . ثانياً: إذا كان المقصود أنك نذرت الصوم إن نجحت، وقد نجحت والحمد لله، فيلزمك الصوم، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع فليطعه) رواه البخاري (6696) ، فإن لم تقدري عليه لمرض ونحوه، فليزمك كفارة يمين، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ومن نذر نذرا لا يطيقه فكفارته كفارة يمين) رواه أبو داود (3322) من حديث ابن عباس. قال الحافظ في الفتح: (رواه ثقات، لكن أخرجه ابن أبي شيبة موقوفا وهو أشبه) . قال ابن قدامة في المغني (10/72) : " من نذر طاعة لا يطيقها أو كان قادرا عليها فعجز عنها فعليه كفارة يمين ". وينظر: "فتاوى اللجنة الدائمة" (23/201) . وأما إن كان المقصود أنك عزمت على الصوم، دون أن تتلفظي بالنذر أو بالعهد، فلا يلزمك شيء حينئذ، لأن النذر لا ينعقد بمجرد النية، بل لابد من التلفظ. قال في "المهذب": " ولا يصح النذر إلا بالقول ". قال النووي رحمه الله في شرحه: " وهل يصح (النذر) بالنية من غير قول؟ الصحيح باتفاق الأصحاب أنه لا يصح إلا بالقول , ولا تنفع النية وحدها " انتهى من "المجموع" (8/435) . وقال في "الإنصاف" (11/118) : " ولا يصح (النذر) إلا بالقول، فإن نواه من غير قول: لم يصح بلا نزاع " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 87767 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4439 نذرت أن تزوج ابنتها بمهر كبير وتريد التيسير الآن [السُّؤَالُ] ـ[والدتي نذرت بأنها إذا ولدت بنتا ستعمل لها العرس 7 أيام والمهر سيكون 7000 ريال عماني. والآن كما نعلم كثرة المهور على الشباب وكثرة العنوسة، فما الحكم إذا لم نوف بهذه الشروط المطلوبة ونيسر زواج البنت؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: تيسير الزواج، وعدم المغالاة في المهر وفي تكاليف العرس، أمر محمود، وهو خير وبركة للزوجين، وفيه رحمة بالزوج وعدم إثقال كاهله بالدين، ورحمة بعامة الشباب، وإنقاذهم من الفتن، وتسهيل طريق العفة لهم، ولهذا فتخفيفكم في المهر، عمل طيب، ويرجى لكم به التوفيق والهناء بإذن الله. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " يكره التغالي في مهور النساء، ويسن التخفيف في ذلك والتيسير " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (21/87) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما رأيكم في غلاء المهور والإسراف في حفلات الزواج خاصة الإعداد لما يقال عنه شهر العسل بما فيه من تكاليف باهظة، هل الشرع يقر هذا؟ فأجاب: " إن المغالاة في المهور وفي الحفلات كل ذلك مخالف للشرع، فإن أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة، وكلما قلت المؤونة عظمت البركة ..... وكذلك أيضا المغالاة في الحفلات مما نهى عنه الشرع وهو يدخل تحت قوله سبحانه وتعالى: (ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) . والواجب في مثل هذا الأمر أن يكون على الوجه المشروع، ولا يتعدى فيه الإنسان حده، ولا يسرف؛ لأن الله تعالى نهى عن الإسراف وقال: (إنه لا يحب المسرفين) . أما ما يقال عن شهر العسل فهو أخبث وأبغض؛ لأنه تقليد لغير المسلمين، وفيه إضاعة لأموال كثيرة، وفيه أيضا تضييع لكثير من أمور الدين خصوصا إذا كان يُقْضَى في بلاد غير إسلامية، فإنهم يرجعون بعادات وتقاليد ضارة لهم ولمجتمعهم، وهذه أمور يخشى منها على الأمة، أما لو سافر الإنسان بزوجته للعمرة أو لزيارة المدينة فهذا لا بأس به إن شاء الله " انتهى نقلا عن "فتاوى إسلامية" (3/175) . وراجع السؤال رقم (10525) و (12572) ثانيا: في حال عدم الوفاء بالنذر – وهذا هو الخير لكم كما سبق – فإنه يلزم الوالدة كفارة يمين، لأن نذر المباح لا يجب الوفاء به، بل يخير فيه الإنسان بين الوفاء، وبين أن يكفر كفارة يمين، وهي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين من أوسط طعامكم، أو كسوتهم، فإن لم تجد شيئا من ذلك صامت ثلاثة أيام. قال ابن قدامة رحمه الله: " نذر المباح ; كلبس الثوب , وركوب الدابة ... فهذا يتخير الناذر فيه , بين فعله فيبرّ بذلك .... وإن شاء تركه وعليه كفارة يمين ... " انتهى من "المغني" (10/70) بتصرف. وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 87823 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4440 نذرت أن تضرب ابنها [السُّؤَالُ] ـ[نذرت في حالة غضب أن اضرب ابني حتى يسيل دمه، ولكني لم أفعل. فماذا علي جزاكم الله خيراً؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عليك كفارة يمين، لأن هذا الضرب ليس قربة إلى الله عز وجل، بل هو محل اجتهاد ونظر، فإن لم تفعلي فعليك كفارة يمين، ولأن ضربه حتى يسيل دمه لا يجوز. فيكون والحال ما ذكر من نذر المعصية، ونذر المعصية لا يجوز الوفاء به، وكفارته كفارة يمين وهي: إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو عتق رقبة مؤمنة، فمن عجز عن الأمور الثلاثة: صام ثلاثة أيام. والإطعام يكون نصف صاع من قوت أهل البلد من تمر أو بر أو أرز أو غيرها، ومقداره: كيلو جرام ونصف على سبيل التقريب. والله ولي التوفيق. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/8 ص / 393. الحديث: 10018 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4441 حلفت أن تنفصل عن زوجها فما الحكم؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا امرأة متزوجة وفي الفترة الأخيرة دار بيني وبين زوجي شجار مما أدى إلى انفعالات وأثناء الشجار أقسمت بالله بأني سأنفصل عنه (أي زوجي) لكن بعد ذلك لم يحصل ذلك , أريد منكم ماذا أفعل حتى يصبح ارتباطي بزوجي شرعيا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما حدث من القسم على الانفصال، لا يؤثر على العلاقة الزوجية بينكما؛ لأن الانفصال والطلاق بيد الزوج لا بيد الزوجة، فلو أن المرأة أتت بلفظ الطلاق الصريح لم يترتب على ذلك شيء. وينبغي أن يحسن كل منكما للآخر، وأن تتجنبا الحديث عن الانفصال مطلقا؛ لأن الزوج قد يثيره تصريح الزوجة بذلك، فيوقع الطلاق، وهذا ما يريده الشيطان، ويسعى إليه؛ ليمزق شمل الأسرة، ويهدم البيت، كما أن شعور أحد الزوجين بكراهة الآخر للبقاء معه، شعور مؤذٍ للنفس، مكدر للعيش، فينبغي اجتناب ذلك ما أمكن. وأما إقسامك على الانفصال عن زوجك , فالأحسن لك العدول عن ذلك , لأن الطلاق مكروه لله تعالى، والأفضل لك البقاء مع زوجك , وعليك كفارة يمين. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ) رواه مسلم (1650) . وكفارة اليمين هي المذكورة في قوله تعالى: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة/89. وانظري جواب السؤال رقم (45676) . نسأل الله أن يؤلف بينك وبين زوجك وأن يجمع بينكما على الخير والهدى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 87654 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4442 لا كفارة عليك إذا لم تحلف [السُّؤَالُ] ـ[أنا شاب قد عاهدت الله على أن أقرأ من مختصر تفسير ابن كثير عدداً من الصفحات في اليوم ولكنني لم أف بهذا العهد علماً بأني قد حددت هذه المدة وقد انتهت فماذا يجب علي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عليك أن تجتهد في ذلك، وإذا حصل خلل في بعض الأيام فعليك التوبة إلى الله من ذلك ولا كفارة عليك إذا كنت لم تحلف، أما إن كان هذا العهد بلفظ اليمين مثل: والله وتالله وبالله فعليك كفارة اليمين لقول الله سبحانه في سورة المائدة: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون) المائدة/89. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/9 ص/43. الحديث: 13024 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4443 يريد ترك التدخين هل يحلف على نفسه [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لإنسان مدخن أن يحلف بالله أن لا يدخن، ويقول: لعنة الله علي إن عدت إلى التدخين؟ لأنه لا يجد وسيلة لحمل نفسه إلا هذا؟ أم أن هذا كلام منكر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله: لا يحلف على ترك التدخين، ولا يدعو على نفسه باللعنة. قال الله تعالى: (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) . س: لكن يا شيخ هذا في حق المنافقين، وصاحبنا يريد صادقاً من قلبه. ج:هذا عام، كل إنسان يريد أن يتعبد لله لا يحلف، فليسعَ طوعاً لا كرهاً. س: وهذه طريقة منكرة يأثم عليها لو فعلها؟ ج: لا، ما ينكر عليه لأنه قصده بذلك زيادة توكيد. س: لكن نقول: عمل غير مشروع؟ ج: نعم. لا شك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن صالح العثيمين الحديث: 11163 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4444 هل يخرج نقوداً في كفارة اليمين لأنها الآن أنفع من الطعام [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن أوزع نقوداً معادلة لقيمة الطعام في كفارة اليمين؟ حيث إن فائدة النقود في الوقت الحاضر أكثر، ولا يجد الإنسان عشرة مساكين في وقت واحد معاً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجزئ توزيع نقود في كفارة اليمين أو كفارة الظهار، أو إفساد صيام رمضان بجماع بدلاً من الإطعام، ولو كانت النقود في ظنّه أكثر فائدة، بل عليه أن يكفِّر من جنس ما يطعمه أهله من بر (قمح) أو تمر أو شعير أو أرز أو نحوها، لأن الكفارة من التعبدات التي يجب أن يحافظ على أدائها والقيام بها على الكيفية التي أمر بها الشرع، والفقراء الذين يتقبلون الطعام كثير، وإنما يبحث الناس عما لا يكلفهم عملاً ولو يسيراً لا حرج فيه عليهم، ولا يلزم من وجبت عليه الكفارة أن يوزعها في وقت واحد بل ذلك حسب ما يتيسر له. من فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء (23/8) وإذا كان الشخص لا يجد عشرة مساكين، أو يشق عليه إخراج الكفارة بنفسه، فإن بعض الجمعيات الخيرية تتولى إخراج الكفارات نيابة عن الناس، وإيصالها إلى المستحقين لها. فيمكنه إعطاء قيمة الكفارة لإحدى الجمعيات الخيرية الموثوقة لتتولى عنه إخراج الكفارة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20881 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4445 حلفت أمّه أن لا تعطيه مالا ثم أرادت إعطاءه [السُّؤَالُ] ـ[أقسمت والدتي ألا تعطيني أي مال, لكنها تريد الآن أن تعطيني مالا. وأنا لا أريد أن آخذه. ماذا علي أن أفعل, هل آخذ المال أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا بأس أن تأخذ المال منها براً بها وفي هذه الحالة يجب عليها أن تكفر عن يمينها لأنها قد حنثت فيه وكفارة اليمين إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تأكل أنت وأهلك أو كسوتهم أو تحرير رقبة، والواجب في الإطعام نصف صاع من قوت البلد من تمر أو بر أو غيرهما ومقداره كيلو ونصف تقريباً من الرز مع شيء من الإدام للمسكين الواحد والواجب أن يكون العشرة مختلفين، فلو وجدت أسرة من فقراء المسلمين عدد أفرادها عشرة أو أسرتين أو ثلاثا مجموع أفرادها عشرة وأعطيتهم ما مجموعه خمسة عشر كيلو غراما من الرز مع شيء من اللحم مثلا كان ذلك كافيا أو وزّعت عليهم عشر وجبات غداء أو عشاء مطبوخة تكفي كل وجبة لغداء الشخص المتوسط كان ذلك كافيا , والكسوة ما يجزئ في الصلاة فإن عجَزت أمّك عن الطعام والكسوة والعتق صامت ثلاثة أيام لقول الله عز وجل (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم ... ) المائدة وننصحك أن تجتنب ما يُغضب أمّك فإنها بالتأكيد لم تحلف إلا وقد فعَلْت بالمال شيئا لا يرضيها وفقنا الله وإياك لكل خير. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 9985 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4446 مقدار كفارة اليمين وحكم إخراجها نقداً [السُّؤَالُ] ـ[قال تعالى (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام.. الآية) المائدة 89. وبناء على معنى الآية الواردة أعلاه, فإن عندي بعض الشكوك. وهي ما يلي: 1- "إطعام عشرة مساكين" يعني بتقديم الطعام لكل واحد منهم بما يساوي ما أطعم به عائلتي بجميع الأفراد الذين أعولهم, أم ما يساوي مقدار ما أطعمه لفرد واحد من عائلتي في وجبة واحدة أو في يوم واحد؟ 2- وهل يجوز تقديم ثمن الطعام نقدا, أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب في الإطعام نصف صاع من قوت البلد من تمر أو بر أو غيرهما ومقداره كيلو ونصف تقريباً من الأرز راجع سؤال رقم 9985 أما دفع ثمن الطعام بدلا من الطّعام فإن الصّواب أنه لا تجزئ القيمة في الكفارة وهذا الذي عليه جمهور العلماء , قال ابن قدامة في المغني: " لا يُجْزِئُ في الكفارة إِخراج قيمة الطعام ولا الكسوة، لأن الله ذكر الطعام فلا يحصل التكفير بغيره، ولأن الله خَيَّرَ بين الثلاثة أشياء ولو جاز دفع القيمة لم يكن التَخْيِِيرُ منحصراً في هذه الثلاث ... " انتهى المغني لابن قدامة 11/256 وانظر فتاوى إسلامية 3/ 464، وكتاب الأيمان والنذور: محمد عبد القادر/87، [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 9943 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4447 هل يفي بالعهد مع وثني [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الوفاء بالعهد مع الهندوسي إذا أعطى عهدا ما فيما لا يخالف شرع الله تعالى؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الوفاء بالعهد فيما لا يخالف شرع الله تعالى واجب، قال تعالى: " وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا " الإسراء: 31، سواء كان مع الهندوس أو مع غيرهم، مالم يحصل منهم إخلال بالعهد أو إساءة إلى الإسلام. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 12/45. الحديث: 6449 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4448 قال لزوجته: تحرمين علي لو فعلت كذا [السُّؤَالُ] ـ[حصل خلاف بيني وبين زوجتي على الرسيفر (الدوش) وصدرت مني كلمة لم أقصد بها ولم أعلم الحكم وكنت في حالة غضب شديد، الكلمة هي: تحرميين علي لو شغلت مرة أخرى، وكنت في حالة من الغضب وقمت بتكسير الرسيفر، وإلى الآن لم أقم بتركيبه ما الحكم؟ وهل لي أن أركب الجهاز مرة أخرى؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: سبق في جواب السؤال (81984) بيان حكم من حرم زوجته عليه، وأنه إن نوى بذلك الطلاق أو الظهار أو اليمين فالأمر على ما نواه، فإن لم ينو شيئاً فعليه كفارة يمين. وحيث إنك تقول: (إنك لم تقصد بها ولم تعلم الحكم) فعليك كفارة يمين إن قامت امرأتك بتشغيل الرسيفر، فإن لم تشغله فلا شيء عليك. ثانياً: وأما سؤالك: هل لي أن أركب الجهاز مرة أخرى؟ فإن كنت ستركبه لتستعمله استعمالاً نافعاً في مشاهدة البرامج الإسلامية والمحاضرات المفيدة , ونحو ذلك، فلا حرج عليك في تركيبه، وعليك كفارة يمين كما سبق. وأما إن كنت ستركبه لترى به الأفلام والبرامج الهابطة ونحوها، فإن هذا محرم بلا شك، وفيه خطر عليك وعلى زوجتك وأولادك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 85412 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4449 هل يجوز تغيير جهة النذر إلى ما هو أفضل؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز في النذر الذي نذرته لله تغيير جهته ومكانه إلى جهة أخرى ومكان آخر؟ رأيت بعد النذر أن الجهة والمكان الأخير أولى وأحق من الأول؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم. يجوز تغيير جهة النذر إلى ما هو أولى وأفضل. قال شيخ الإسلام في الاختيارات ص329: " ومن نذر صوماً معيناً فله الانتقال إلى زمن أفضل منه " اهـ ومثال ذلك: من نذر أن يصوم يوم الثلاثاء، فله أن يصوم يوم الاثنين لأنه أفضل. سئلت اللجنة الدائمة عن تغيير جهة النذر إلى ما هو أحق وأولى من الجهة الأولى، فأجابت: " الأصل إذا عين الإنسان لنذره مكانا معينا بأن نذر صدقة أو بناء مسجد في مكان معين لزم الوفاء بالنذر في المكان والجهة المعينة ما لم يمنع من ذلك مانع شرعي إلا أن ينقله إلى مكان أفضل منه مثل الحرمين الشريفين، فلا بأس بذلك ويدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي نذر أن ينحر إبلاً ببوانة: (هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟) قال: لا. قال: (هل فيها عيد من أعيادهم؟) قال: لا. قال: (فأوف بنذرك) فأمره بالوفاء بنذره في المكان الذي عينه لما خلا من الموانع ويدل على نقل النذر من المكان المفضول إلى المكان الأفضل، قوله صلى الله عليه وسلم للرجل الذي نذر أن يصلي ببيت المقدس: (صل هاهنا) ، ثم أعاد عليه فقال: (صل هاهنا) ، ثم أعاد عليه فقال: (شأنك إذا) رواه أبو داوود وأحمد. وبالله التوفيق " اهـ من فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء 23 / 318. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 21350 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4450 ماتت أمها وقد نذرت أن تذبح شاة فهل تخرج البنت نقودا؟ [السُّؤَالُ] ـ[تعرض خالها لحادثة سيارة فنذرت أمها بأن لو خرج سالما تذبح شاة أو ما شابهها وتدعو الناس من الجيران والمعارف أو توزع اللحم على الناس.. والحمد لله خرج الخال سالماً، لكن قدّر الله أن ماتت الأم قبل سنتين ولم تقضِ النذر، فابنتها تسأل هل يستوجب عليها الآن أن تقوم بأداء النذر عن والدتها؟ وهل تستطيع إعطاء مبلغ من المال للفقراء في العراق؟ علماً بأن البنت نفسها تعيش في أوربا وصعب عليها النذر بذبح حيوان ما.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا نذر الإنسان أن يذبح شاة مثلا إذا نجى الله قريبا له، فهذا من نذر الطاعة الذي يجب الوفاء به، وإذا كانت الأم قد ماتت قبل الوفاء بنذرها، فيعتبر هذا دينا عليها، يُخرج من تركتها، فإن لم يكن لها مال، فيستحب لأبنائها أن يقضوه عنها، فقد روى البخاري (2761) ومسلم (1638) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْتَفْتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ، وَعَلَيْهَا نَذْرٌ، فَقَالَ: (اقْضِهِ عَنْهَا) . قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: " وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَاقْضِهِ عَنْهَا) دَلِيل لِقَضَاءِ الْحُقُوق الْوَاجِبَة عَلَى الْمَيِّت , فَأَمَّا الْحُقُوق الْمَالِيَّة فَمُجْمَعٌ عَلَيْهَا. وَأَمَّا الْبَدَنِيَّة فَفِيهَا خِلَاف. ثُمَّ مَذْهَب الشَّافِعِيّ وَطَائِفَة أَنَّ الْحُقُوق الْمَالِيَّة الْوَاجِبَة عَلَى الْمَيِّت مِنْ زَكَاة وَكَفَّارَة وَنَذْر يَجِب قَضَاؤُهَا , سَوَاء أَوْصَى بِهَا أَمْ لَا كَدُيُونِ الْآدَمِيّ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْجُمْهُور أَنَّ الْوَارِث لَا يَلْزَمهُ قَضَاء النَّذْر الْوَاجِب عَلَى الْمَيِّت إِذَا كَانَ غَيْر مَالِيّ , وَلَا إِذَا كَانَ مَالِيًّا وَلَمْ يُخَلِّف تَرِكَة , لَكِنْ يُسْتَحَبّ لَهُ ذَلِكَ " انتهى باختصار. ثانيا: إذا نذر الإنسان أن يذبح شاة أو غيرها، وجب عليه الوفاء بالنذر، ولا يجزئه دفع القيمة. وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن امرأة نذرت أن تذبح كل شهر خروفاً، وقد وجدت صعوبة في شراء الخروف وذبحه وتوزيعه، فهل يجوز لها دفع قيمة الخروف؟ فأجابت: "ليس في ذبح الخروف مشقة، بل عليها أن تستمر على ذبحه وتفريق لحمه على الفقراء، ولا يجزئ عنها دفع القيمة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه) " انتهى. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ عبد الله بن غديان.. الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (23/395) . وعليه؛ فلا يجوز إخراج النقود بدلا عن ذبح الشاة، وكون السائلة تعيش في أوربا، لا يمنع من أن تُوَكَّل من يذبح لها الشاة ويوزعها على الجيران والمعارف. إما في البلد الذي تقيم فيه أو في غيره. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83636 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4451 إذا سألها زوجها عن ماضيها فهل لها أن تحلف كذباً أو تورية [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أسأل إذا كان لإحدى الفتيات ماض من الخوض في المعاصي ثم تابت ورجعت إلى الله عز وجل وجاءها من يتقدم لخطبتها بعد أن التزمت فهل تخبره عن هذا الماضي؟ ولو سألها هو فهل تكذب؟ وإن كان عليها أن تكذب فهل يجوز أن تحلف كذبا إذا اضطرت لهذا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: من ابتلي بشيء من المعاصي ثم تاب، تاب الله عليه، وبدل سيئاته حسنات، مهما كان ذنبه، ومهما عظم جرمه، كما قال سبحانه: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا. إِلا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) الفرقان/68– 70 والمهم أن تكون التوبة صادقة نصوحا خالصة لله تعالى. ثانيا: من إحسان الله تعالى على عبده أن يستره، ولا يكشف أمره، ولهذا كان من القبيح أن يفضح الإنسان نفسه وقد ستره الله، بل أن ينبغي أن يستتر بستر الله تعالى، والنصوص الشرعية مؤكدة لذلك، حاثة عليه في غير ما موضع. فمن ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا هذه القاذورة التي نهى الله عز وجل عنها، فمن ألمّ فليستتر بستر الله عز وجل) والحديث رواه البيهقي وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (663) وروى مسلم (2590) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَسْتُرُ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ فِي الدُّنْيَا إِلَّا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) . وهذا من البشارة للتائب الذي ستره الله تعالى في الدنيا، أن الله سيستره في الآخرة، وقد حلف النبي صلى الله عليه وسلم على هذا المعنى تأكيدا له، فقد روى أحمد (23968) عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (ثَلَاثٌ أَحْلِفُ عَلَيْهِنَّ لَا يَجْعَلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ لَهُ سَهْمٌ فِي الْإِسْلَامِ كَمَنْ لَا سَهْمَ لَهُ فَأَسْهُمُ الْإِسْلَامِ ثَلَاثَةٌ الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَالزَّكَاةُ، وَلَا يَتَوَلَّى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَبْدًا فِي الدُّنْيَا فَيُوَلِّيهِ غَيْرَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُحِبُّ رَجُلٌ قَوْمًا إِلَّا جَعَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَعَهُمْ وَالرَّابِعَةُ لَوْ حَلَفْتُ عَلَيْهَا رَجَوْتُ أَنْ لَا آثَمَ لَا يَسْتُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَبْدًا فِي الدُّنْيَا إِلَّا سَتَرَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) وصححه الألباني في السلسة الصحيحة برقم (1387) وقال صلى الله عليه وسلم: (كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَيَقُولَ يَا فُلَانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ) رواه البخاري (6069) ومسلم (2990) . وبهذا يُعلم أن المرأة لا تخبر خاطبها أو زوجها بشيء من معاصيها، ولو سألها فإنها لا تخبره، وتستعمل المعاريض والتورية، وهي الكلام الذي يفهم منه السامع معنى، خلاف ما يريد المتكلم، كأن تقول: لم يكن لي علاقة بأحد، وتقصد لم يكن لي علاقة بأحد قبل يوم أو يومين، ونحو هذا. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في التعليق على قصة ماعز رضي الله عنه: " ويؤخذ من قضيته: أنه يستحب لمن وقع في مثل قضيته أن يتوب إلى الله تعالى ويستر نفسه ولا يذكر ذلك لأحد كما أشار به أبو بكر وعمر على ماعز. وأن مَن اطلع على ذلك يستر عليه بما ذكرنا، ولا يفضحه، ولا يرفعه إلى الإمام كما قال صلى الله عليه وسلم في هذه القصة " لو سترته بثوبك لكان خيراً لك "، وبهذا جزم الشافعي رضي الله عنه، فقال: أُحبُّ لمَن أصاب ذنباً فستره الله عليه أن يستره على نفسه ويتوب واحتج بقصة ماعز مع أبي بكر وعمر. وفيه: أنه يستحب لمن وقع في معصية وندم أن يبادر إلى التوبة منها، ولا يخبر بها أحداً ويستتر بستر الله، وإن اتفق أنه أخبر أحداً: فيستحب أن يأمره بالتوبة وستر ذلك عن الناس كما جرى لماعز مع أبي بكر ثم عمر " انتهى من "فتح الباري" (12/124) . ثالثا: ينبغي للزوج أن يختار صاحبة الدين والخلق، فإذا وُفق لذلك فلا يفتِّش في ماضيها، ولا يسألها عن معاصيها، فإن ذلك مخالف لما يحبه الله تعالى من الستر، مع ما فيه من إثارة الشك، وتكدير الخاطر، وتشويش البال، والإنسان في غنى عن ذلك كله، فحسبه أن يرى زوجته مستقيمة على طاعة الله، ملتزمة بأمره. وهكذا الزوجة لا تسأل زوجها عن أموره الماضية، هل أحب غيرها، أو تعلق بسواها، أو زل في معصية، فإن هذا لا خير فيه، ويفتح بابا من الشر قد لا يمكن تلافيه، وهو مخالف لمراد الشارع كما سبق. رابعا: إذا ألح الزوج في سؤال زوجته، أو بلغه كلام أراد التحقق منه، ولم تجد وسيلة لستر نفسها إلا أن تحلف له، فيجوز لها أن تحلف وأن تُورّي في حلفها كما سبق، فتقول: والله ما كان شيء من ذلك، أو لم أفعل ذلك، وتقصد: لم أفعله بالأمس مثلا. وقد فصّل أهل العلم في مسألة الحلف وما يجوز فيه من التأويل والتورية، وما لا يجوز، وحاصل كلامهم أن الإنسان ليس له أن يوري في حلفه عند القاضي، إلا إذا كان مظلوما. أما عند غير القاضي، فله التورية إن كان مظلوما – لا ظالما -، أو يخاف أن يترتب على صدقه مضرة له أو لغيره، أو كان هناك مصلحة في توريته. قال ابن قدامة رحمه الله: " مسألة: قال: وإذا حلف , فتأول في يمينه , فله تأويله إذا كان مظلوما. ومعنى التأويل: أن يقصد بكلامه محتَمَلا يخالف ظاهره , نحو أن يحلف: إنه أخي , يقصد أخوة الإسلام , أو المشابهة , أو يعني بالسقف والبناء السماء ... ، أو يقول: والله ما أكلت من هذا شيئا , ولا أخذت منه. يعني: الباقي بعد أخذه وأكله. فهذا وأشباهه مما يسبق إلى فهم السامع خلافه , إذا عناه بيمينه , فهو تأويل ; لأنه خلاف الظاهر. ولا يخلو حال الحالف المتأول , من ثلاثة أحوال: أحدها: أن يكون مظلوما , مثل من يستحلفه ظالم على شيء , لو صدَقه لظلمه , أو ظلم غيره , أو نال مسلما منه ضرر. فهذا له تأويله. وقد روى أبو داود , بإسناده عن سويد بن حنظلة , قال: خرجنا نريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا وائل بن حجر , فأخذه عدو له , فتحرج القوم أن يحلفوا , فحلفت أنه أخي , فخلى سبيله , فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: (أنت أبرُّهم وأصدقُهم , المسلم أخو المسلم) صححه الألباني في صحيح أبي داود وقال النبي صلى الله عليه وسلم (إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب) [ضعيف، وصح موقوفا عن عمر. ينظر: صحيح الأدب المفرد 857] . يعني سعة المعاريض التي يوهم بها السامع غيرَ ما عناه. قال محمد بن سيرين: الكلام أوسع من أن يكذب ظريف يعني لا يحتاج أن يكذب ; لكثرة المعاريض , وخص الظريف بذلك ; يعني به الكيس الفطن , فإنه يفطن للتأويل , فلا حاجة به إلى الكذب. الحال الثاني: أن يكون الحالف ظالما , كالذي يستحلفه الحاكم على حق عنده , فهذا ينصرف يمينه إلى ظاهر اللفظ الذي عناه المستحلف , ولا ينفع الحالف تأويله. وبهذا قال الشافعي. ولا نعلم فيه مخالفا؛ فإن أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يمينك على ما يصدقك به صاحبك) رواه مسلم وأبو داود. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اليمين على نية المستحلف} . رواه مسلم. وقالت عائشة: اليمين على ما وقع للمحلوف له. ولأنه لو ساغ التأويل , لبطل المعنى المبتغى باليمين؛ إذ مقصودها تخويف الحالف ليرتدع عن الجحود , خوفا من عاقبة اليمين الكاذبة , فمتى ساغ التأويل له , انتفى ذلك , وصار التأويل وسيلة إلى جحد الحقوق , ولا نعلم في هذا خلافا. الحال الثالث: لم يكن ظالما ولا مظلوما , فظاهر كلام أحمد , أن له تأويله , فروي أن مَهَنّا كان عنده , هو والمروذي وجماعة , فجاء رجل يطلب المروذي , ولم يرد المروذي أن يكلمه , فوضع مهنا أصبعه في كفه , وقال: ليس المروذي هاهنا , وما يصنع المروذي هاهنا؟ يريد: ليس هو في كفه، ولم ينكر ذلك أبو عبد الله. ... وقال أنس: إن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله , احملني. فقال رسول الله: (إنا حاملوك على ولد الناقة. قال: وما أصنع بولد الناقة؟ قال: وهل تلد الإبل إلا النوق؟) . رواه أبو داود. وقال لرجل احتضنه من ورائه: (من يشتري هذا العبد؟ فقال: يا رسول الله , تجدني إذا كاسدا. قال: لكنك عند الله لست بكاسد) . وهذا كله من التأويل والمعاريض , وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم حقا , فقال (لا أقول إلا حقا) ... " انتهى ـ باختصار ـ من "المغني" (9/420) . وقال شيخ الإسلام رحمه الله فيمن اغتاب إنسانا ثم تاب وأحسن: " وعلى الصحيح من الروايتين لا يجب له الاعتراف لو سأله، فيعرّض ولو مع استحلافه؛ لأنه مظلوم، لصحة توبته، وفي تجويز التصريح بالكذب المباح ههنا نظر. ومع عدم توبةٍ وإحسانٍ تعريضُه كذب، ويمينه غموس، واختيار أصحابنا: لا يُعلمه؛ بل يدعو له في مقابلة مظلمته " انتهى من "الاختيارات الفقهية" (5/507) مطبوع مع الفتاوى الكبرى، ونقله ابن مفلح في الفروع (7/97) . وينظر تفصيل مسألة التأويل في الحلف في "الموسوعة الفقهية" (7/306) . خامسا: جاءت الرخصة في الكذب في ثلاثة مواضع، كما في الحديث الذي رواه الترمذي (1939) وأبو داود (4921) عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَحِلُّ الْكَذِبُ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ يُحَدِّثُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ لِيُرْضِيَهَا وَالْكَذِبُ فِي الْحَرْبِ وَالْكَذِبُ لِيُصْلِحَ بَيْنَ النَّاسِ) . والحديث صححه الألباني في صحيح الترمذي. وهو محمول عند جماعة من أهل العلم على الكذب الصريح، لا التورية، وقد ألحقوا به ما دعت إليه الضرورة أو المصلحة الراجحة، فيجوز الكذب فيه. وإن احتاج إلى الحلف، حلف ولا شيء عليه، والأولى أن يستعمل المعاريض كما سبق. قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: " قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْحَرْب خُدْعَة) ... وَقَدْ صَحَّ فِي الْحَدِيث جَوَاز الْكَذِب فِي ثَلَاثَة أَشْيَاء: أَحَدهَا فِي الْحَرْب. قَالَ الطَّبَرِيُّ: إِنَّمَا يَجُوز مِنْ الْكَذِب فِي الْحَرْب الْمَعَارِيض دُون حَقِيقَة الْكَذِب , فَإِنَّهُ لَا يَحِلّ , هَذَا كَلَامه , وَالظَّاهِر إِبَاحَة حَقِيقَة نَفْس الْكَذِب لَكِنْ الِاقْتِصَار عَلَى التَّعْرِيض أَفْضَل. وَاَللَّه أَعْلَم " انتهى. وقال السفاريني رحمه الله: " فهذا ما ورد فيه النص، ويقاس عليه ما في معناه، ككذبه لستر مال غيره عن ظالم , وإنكاره المعصية للستر عليه، أو على غيره ما لم يجاهر الغير بها , بل يلزمه الستر على نفسه وإلا كان مجاهرا , اللهم إلا أن يريد إقامة الحد على نفسه كقصة ماعز , ومع ذلك فالستر أولى ويتوب بينه وبين الله تعالى. ثم قال السفاريني: " والحاصل أن المعتمد في المذهب أن الكذب يجوز حيث كان لمصلحة راجحة كما قدمناه عن الإمام ابن الجوزي , وإن كان لا يتوصل إلى مقصود واجب إلا به وجب. وحيث جاز فالأولى استعمال المعاريض " انتهى من "غذاء الألباب" (1/141) . وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: "..فالمشروع للمؤمن أن يقلل من الأيمان ولو كان صادقا؛ لأن الإكثار منها قد يوقعه في الكذب، ومعلوم أن الكذب حرام، وإذا كان مع اليمين صار أشد تحريماً، لكن لو دعت الضرورة أو المصلحة الراجحة إلى الحلف الكاذب فلا حرج في ذلك؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا ويقول خيراً. قالت: ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إنه كذب إلا في ثلاث: الإصلاح بين الناس، والحرب، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها) رواه مسلم في الصحيح. فإذا قال في إصلاحٍ بين الناس: والله إن أصحابك يحبون الصلح، ويحبون أن تتفق الكلمة، ويريدون كذا وكذا، ثم أتى الآخرين وقال لهم مثل ذلك، ومقصده الخير والإصلاح: فلا بأس بذلك للحديث المذكور. وهكذا لو رأى إنساناً يريد أن يقتل شخصاً ظلماً أو يظلمه في شيء آخر، فقال له: والله إنه أخي، حتى يخلصه من هذا الظالم إذا كان يريد قتله بغير حق أو ضربه بغير حق، وهو يعلم أنه إذا قال: أخي تركه احتراما له: وجب عليه مثل هذا لمصلحة تخليص أخيه من الظلم. والمقصود: أن الأصل في الأيمان الكاذبة المنع والتحريم، إلا إذا ترتب عليها مصلحة كبرى أعظم من الكذب، كما في الثلاث المذكورة في الحديث السابق " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (1 /54) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83093 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4452 من نذر ذبيحة للمساكين هل له أن يأكل منها؟ [السُّؤَالُ] ـ[نذرت منذ أكثر من عام أن أذبح لله وأن أعطي من هذا الذبح للأهل والأقارب والمساكين، واقترب المال معي على أن يكتمل فهل يصح لي أن أفي بالنذر في أيام عيد الأضحى؟ وهل يجوز لي أن أعطي من هذا الذبح لأسرتي الصغيرة؟ وما هي شروط صحة النذر وقبوله؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: هذا النذر يندرج ضمن نذر الطاعة والقربة، فيجب الوفاء به، سواء كان مطلقا أو معلقا على شرط، والمطلق كأن يقول الإنسان نذرت أو لله علي أن أذبح شاة مثلا وأعطيها للفقراء أو لأقاربي. والمعلق على شرط كأن يقول: إن شفاني الله أو نجحت أو أخذت راتبا أو حصلت على مبلغ كذا أن أذبح ذبيحة أوزعها إلخ. وإنما وجب الوفاء به لقوله صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعص الله فلا يعصيه) رواه البخاري (6318) . وما دمت لم تعيني وقتا للوفاء بنذرك، فإنه يجوز لك الوفاء به في كل وقت، في أيام عيد الأضحى وغيرها. لكن لو أردت أن تُضحِّي هذا العام، فإن الذبيحة (النذر) لا تغني عن الأضحية، ولو ذبحت في أيام عيد الأضحى. ثانيا: من نذر ذبيحة تعطى لأهله وأقاربه وللمساكين، دخل في ذلك أسرته الصغيرة، كزوجه وأولاده؛ لأنهم من أهله، إلا أن ينوي إخراجهم، فيكون الأمر على ما نوى. وأما الناذر فليس له أن يأكل من نذره، فإن أكل ضمن قيمته للمساكين، أي يخرج قيمة ما أكل ويعطيها للمساكين. وقد نص الفقهاء رحمهم الله على أنه لا يأكل من النذر. انظر "حاشية ابن عابدين" (2/616) ، و "المغني" (3/288) . ومما علل به الفقهاء منع الأكل من النذر أن الذبيحة إذا نذرت للمساكين مثلا فقد تعينت لهم، فليس له أن يصرف شيئا منها عنهم. انظر: المنتقى للباجي (2/318) . وفي "الموسوعة الفقهية" (6/117) : " وفي النذر لا يجوز للناذر الأكل من نذره؛ لأنه صدقة , ولا يجوز الأكل من الصدقة , وهذا في الجملة , لأن الأضحية المنذورة فيها خلاف. وكذلك النذر المطلق الذي لم يعين للمساكين - لا بلفظ ولا بنية - يجوز الأكل منه عند المالكية وبعض الشافعية " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82667 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4453 نذر إذا حصل شيء معين ولم يحصل، وعقوبة عدم الوفاء بالنذر [السُّؤَالُ] ـ[ما الحكم إذا نذرت أن أفعل شيئاً ما إذا حصل ما أريد ولكن ما أريد لم يحصل بعد؟ إذا لو أوف بنذري فما هي العقوبة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله النذر المعلق على حصول شيء ما، لا يجب إلا عند حصول ذلك الشيء، كمن نذر إن شفى الله مريضه أن يتصدق أو يصوم، فلا يلزمه شيء حتى يتحقق الشفاء لمريضه. وهذا النذر يجب الوفاء به بإجماع العلماء لقوله صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه) رواه البخاري (6318) . قال ابن قدامة رحمه الله عن نذر الطاعة: (وهو ثلاثة أنواع، أحدها: التزام طاعة في مقابل نعمة استجلبها أو نقمة استدفعها، كقوله: إن شفاني الله فلله علي صوم شهر، فتكون الطاعة الملتزمة مما له أصل في الوجوب بالشرع، كالصوم والصلاة والصدقة والحج، فهذا يلزم الوفاء به بإجماع أهل العلم) المغني 13/622. وإذا وجب الوفاء بالنذر كان دَيْناً على الإنسان حتى يؤديه، فإن عزم على تركه كان عاصيا آثما. ويخشى إذا لم يفعله أن يُعاقبه الله تعالى بالنِّفاق في قلبه، قال تعالى: (فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ* وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ) التوبة / 75-78، انظر السؤال رقم (42178) وينبغي أن يعلم أن النذر مكروه؛ لما روى البخاري (6608) ومسلم (1639) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّذْرِ، وَقَالَ: (إِنَّهُ لا يَرُدُّ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيل) . راجع السؤال رقم (36800) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 27303 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4454 إذا قال لزوجته: أنت علي حرام [السُّؤَالُ] ـ[إذا قال الزوج لزوجته: أنت علي حرام، فهل يكون هذا طلاقاً؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تحريم الزوج لزوجته مما اختلف الفقهاء في حكمه، فمنهم من حكم بأنه ظهار، ومنهم من حكم بأنه طلاق. ولعل أرجح الأقوال: أنه إن نوى الطلاق أو الظهار أو اليمين، فالأمر على ما نواه. وإن لم ينو شيئا لزمه كفارة يمين، وهذا مذهب الإمام الشافعي رحمه الله. ويدل على ذلك: أن هذا اللفظ يصلح لأن يكون طلاقاً أو ظهاراً أو يميناً، فكان المرجع في تحديد ذلك إلى نية القائل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) . وعن ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: (إِذَا حَرَّمَ الرَّجُلُ عَلَيْهِ امْرَأَتَهُ فَهِيَ يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا) رواه البخاري (4911) ومسلم (1473) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " إن قال قائل: ما هو الفرق بين هذه الأمور الثلاثة (يعني: الطلاق والظهار واليمين) ؟ قلنا: الفرق بينهم: الحال الأولى: في اليمين هو ما نوى التحريم، لكن نوى الامتناع إما معلقا وإما منجزا، مثل أن يقول: إن فعلت كذا فأنت عليّ حرام، هذا معلق. فهنا ليس قصده أنه يحرم زوجته بل قصده أن تمتنع زوجته من ذلك. وكذلك: أنت علي حرام، قصده أن يمتنع من زوجته، فنقول: هذا يمين؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ ... ) إلى أن قال: (قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ) وقوله: (مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ) "ما" اسم موصول يفيد العموم، فهو شامل للزوجة وللأمة وللطعام والشراب واللباس، فحكم هذا حكم اليمين. قال ابن عباس رضي الله عنهما: إذا قال لزوجته: أنت علي حرام فهي يمين يكفرها. والاستدلال على ذلك بالآية ظاهر. والحالة الثانية: أنه يريد به الطلاق، فينوي بقوله أنت علي حرام، يعني: يريد أن يفارقها بهذا اللفظ. فهذا طلاق، لأنه صالح للفراق، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) . الحالة الثالثة: أن يريد به الظهار، ومعنى الظهار أن يريد أنها محرمة عليه، فهذا قال بعض أهل العلم: إنه لا يكون ظهارا لأنه لم يوجد فيه لفظ الظهار. وقال بعض العلماء: إنه يكون ظهارا؛ لأن معنى قول المظاهر لزوجته: أنت علي كظهر أمي، ليس معناه إلا أنت حرام، لكنه شبهها بأعلى درجات التحريم وهو ظهر أمه، لأنه أشد ما يكون حراما عليه، فهذا يكون ظهارا) انتهى من "الشرح الممتع" (5/476) . وننبه إلى خطورة الألفاظ المتصلة بهذا الجانب، وضرورة الحذر من إطلاقها، حفاظا على ميثاق الزواج الغليظ، من أن ينحل وينهار. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 81984 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4455 تحقّق ما شرطه في النذر ولكن ليس كاملا [السُّؤَالُ] ـ[نذر أنه إذا جُدّد عقد عمله أن يتصدق بمبلغ معين، وفي نيته أنه إذا جدد سنة، فجدد عقده ثلاثة أشهر، ولم يتلفظ بالسّنة، فهل يلزمه شئ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله: لا، لا يلزمه شئ. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن صالح العثيمين الحديث: 5289 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4456 لا يجزئ إطعام مسكين واحد عشر مرات في كفارة اليمين [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن أعطي كفارة اليمين لمسكين واحد، بمعنى أن أطعمه عشر مرات، أم لا بد من إعطاء عشرة مساكين؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجزئ في الكفارة أن يكرر الإطعام في مسكين واحد. فالواجب في كفارة اليمين – وغيرها من الكفارات – مراعاة عدد المساكين الذي ورد النص به. قال ابن قدامة رحمه الله في المغني: " إذاِ وَجَدَ مَنْ عليه كفارة المساكين بكمال عددهم , لَمْ يُجْزِئُهُ إطْعَامُ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ , وَلا أَقَلَّ مِنْ سِتِّينَ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَكَفَّارَةِ الْجِمَاعِ فِي رَمَضَانَ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ لقَوْلُ اللَّهِ - تَعَالَى: (فَكَفَّارَتُهُ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ) وَمَنْ أَطْعَمَ وَاحِدًا , فَمَا أَطْعَمَ عَشَرَةً , فَمَا امْتَثَلَ الأَمْرَ , فَلا يُجْزِئُهُ اهـ. وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء (23/21) " كفارة اليمين إذا أخرجها من الطعام فلا بد من استيعاب عشرة مساكين، لكل مسكين نصف صاع من الطعام، ولا يجزئ فيها الاقتصار على فقير واحد، ولو كررها عليه عشرة أيام لأن هذا خلاف النص " اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 13788 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4457 عاهدت ربها على شيء وتريد نقضه [السُّؤَالُ] ـ[إذا أرادت أن تخلف وعدا أخذته على نفسها ماذا تفعل؟ وقد اتخذت هذا الوعد على نفسها وقت غضبها على شخص آخر ولكن الوعد/التعهد كان بينها وبين الله فقط , والآن بعد مضي فترة من الوقت تريد أن ترجع عن هذا الوعد، ماذا عليها أن تفعل لتتوب؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله معاهدة الله تعالى على شيء من ألفاظ النذر، راجع السؤال رقم (38934) . وقد أمر الله تعالى بالوفاء بالوعد والعهد، سواء كان ذلك العهد مع الله أو مع الخلق. قال تعالى: (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم) وقال: (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ) التوبة / 75-77. ومحل هذا إذا كان المراد فعل طاعة، كأن يعاهد الإنسان ربه على أن يصدق الحديث أو يتصدق بشيء من ماله وهكذا. وهذا داخل في النذر وإن لم يصرح قائله بلفظ النذر. فمن عاهد الله أو قال: لله علي أن أفعل شيئا من ذلك لزمه الوفاء به لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه " رواه البخاري (6318) . ولا يجوز الإخلال بهذا الالتزام إلا أن يعجز الإنسان عن الوفاء به مطلقا، فيكفر كفارة يمين؛ لحديث: " ومن نذر نذرا لا يطيقه فكفارته كفارة يمين " رواه أبو داود (3322) من حديث ابن عباس. قال الحافظ في الفتح: (رواه ثقات، لكن أخرجه ابن أبي شيبة موقوفا وهو أشبه) . قال ابن قدامة في المغني (10/72) : (وجملته أن من نذر طاعة لا يطيقها أو كان قادرا عليها فعجز عنها فعليه كفارة يمين) . أما إن كان العمل المراد التزامه معصية، فلا يجوز الوفاء به، وذلك كأن يعاهد الإنسان ربه على أن لا يكلم أخاه أو لا يزوره، مع انتفاء ما يبرر ذلك شرعا، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق: " ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه ". واللازم حينئذ: التوبة إلى الله تعالى من معاهدته على المعصية، وإخراج كفارة يمين، لقوله صلى الله عليه وسلم: " لا نذر في معصية، وكفارته كفارة يمين" رواه أحمد (2640) وأبو داود (3290) والترمذي (1524) والنسائي (3834) وابن ماجه (2125) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. وكذا لو عاهد الله على أمر ثم رأى غيره خيرا منه، كما لو أراد ألا يحسن أو لا ينفق على قريب أو صديق، فلا يجب الوفاء بذلك، بل ينبغي تركه، سواء كان هذا على سبيل النذر أو اليمين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه " رواه مسلم (1650) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. والسائلة لم تذكر العهد الذي أخذته على نفسها حتى يكون الجواب محدداً، ولكن يمكنها معرفة حكم ما فعلت من خلال ما سبق من التقسيم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20419 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4458 قال عن نفسه (عليه لعنة الله إن شرب الدخان) ثم شربه [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن يحلف المسلم بالله ألا يدخن أية سيجارة أبدا، على سبيل المثال، ويجعل نفسه عرضة للعنة الله إن لم يبر بقسمه، (كأن يقول بأن لعنة الله عليه إن دخن مرة أخرى) ؟ إذا كان ذلك لا يجوز، فكيف يتصرف من فعل ذلك وهو جاهل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يجوز للرجل أن يحلف على نفسه باللعنة ولا بغضب الله ولا بالكفر والخروج من الملة والردة عن الإسلام وما أشبه هذا، والدليل على ذلك: 1- قال الله تعالى: (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ) يونس/11. قال القرطبي: قال مجاهد: نزلت في الرجل يدعو على نفسه أو ماله أو ولده إذا غضب اللهم أهلكه اللهم لا تبارك فيه والعنه أو نحو هذا فلو استجيب ذلك منه كما يستجاب الخير لقضي إليهم أجلهم فالآية نزلت ذامة لخلق ذميم هو في بعض الناس يدعون في الخير فيريدون تعجيل الإجابة ثم يحملهم أحيانا سوء الخلق على الدعاء في الشر فلو عجل لهم لهلكوا الثانية. " تفسير القرطبي " (8 / 315) . 2- عن ثابت بن الضحاك – رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من حلف على ملة غير الإسلام فهو كما قال) . رواه البخاري (5700) . 3- وسمع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً يلعن بعيره لما تباطأ في المشي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا اللاعن بعيره؟ قال: أنا يا رسول الله. قال: انزل عنه، فلا تصحبنا بملعون، ولا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم ". رواه مسلم (3014) . ثانياً: أما ما يصنع من قال ذلك: ففيه خلاف بين العلماء فذهب بعضهم أن عليه الكفارة، وقال آخرون: ليس عليه كفارة. وقد روى عبد الرزاق في المصنف بعض الآثار الواردة عن السلف في ذلك: فعن ابن عباس: " في الرجل يقول هو يهودي أو نصراني أو مجوسي أو بريء من الإسلام أو عليه لعنة الله أو عليه نذر قال: يمين مغلظة ". (15974) . وعن طاووس قال: " من قال أنا كافر أو أنا يهودي أو نصراني أو مجوسي أو أخزاني الله أو شبه ذلك فهي يمين يكفرها ". (15975) . وعن ابن جريج قال: " سمعت إنسانا قال لعطاء رجل قال عليَّ غضب الله أو أخزاني الله أو دعوت الله على نفسي بشيء أأكفر؟ قال: هو أحب إلي إن فعلت قال فإن لم أفعل قال ليس عليك شيء ليست بيمين ". (15977) . وعن ابن جريج قال: " سمعت عطاء سئل عن قول الرجل: عليَّ عهد الله وميثاقه ثم يحنث أيمين هي؟ قال: لا. إلا أن يكون نوى اليمين أو قال أخزاني الله أو قال عليَّ لعنة الله أو قال أشرك بالله أو أكفر بالله أو مثل ذلك. قال: لا. (يعني ليست بيمين) إلا ما حلف بالله عز وجل " (15978) . ورجّح ابن قدامة رحمه الله أنه لا كفارة عليه لعدم وجود دليل على وجوبها. انظر المغني (13/465) وقد سألنا فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن جبرين حفظه الله عن هذه المسألة فأفاد: أن هذا ليس بيمين، وليس عليه كفارة، وعليه التوبة إلى الله تعالى من ذلك. اهـ. وإذا أخذ المسلم بالأحوط وأخرج كفارة يمين كان حسناً. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 6262 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4459 نذرت أن تتصدق بحليها فهل تعطيه لأخواتها؟ [السُّؤَالُ] ـ[امرأة نذرت أن تتصدق بحليها، فهل يجوز لها أن تتصدق بهذا المال على إخوتها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأصل فيمن نذر صدقة ولم يحدد لها مصرفاً أن يعطيها للفقراء والمساكين، والذين يأخذون من الزكاة لحاجتهم، لأن هؤلاء هم أهل الصدقة، وأهله وأقاربه الفقراء أولى من غيرهم. انظر "المغني" (8/209) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى" (5/554) : " وَلَوْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِمَالٍ صَرَفَهُ مَصْرِفَ الزَّكَاةِ " انتهى. فعلى هذا، إن كان الإخوة المسئول عنهم من الفقراء والمساكين جاز دفع الحلي لهم، إلا أن تكون السائلة قد نوت إعطاء الصدقة لفقراء معيّنين. سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: نذرتُ نذرا وقمت بالوفاء بالنذر، ولكني أعطيت إخوتي وأخواتي من هذا النذر، مع العلم أنهم مساكين، فهل أكون قد وفيت بنذري؟ مع العلم أن النية كانت لو رزقني الله بكذا، نذرت شهرا من راتبي. فأجابت: " إذا كنت قد أطلقت النذر للفقراء ولم تخص أحدا، فإخوتك وأخواتك الفقراء أولى به من غيرهم، فلا بأس بما فعلت، وإن كنت قد عينت جنسا أو نويته بنذرك فلا يجوز صرف النذر إلى غيرهم. وعليك أن تغرم مقابل ما صرفته لإخوتك، للفقراء الذين نويتهم " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (23/391) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69907 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4460 نذرت أن تتصدق بكل حليها وعليها زكاة فما العمل؟ [السُّؤَالُ] ـ[امرأة مرضت فنذرت إن شفاها الله أن تتصدق بكل حليها، وبعد أن شفيت ندمت! وهي تسأل الآن: هل لهذا النذر من كفارة؟ وإن كان لابد من الوفاء بهذا النذر؛ فإنه على هذا الحلي زكاة لمدة ثماني سنوات؛ فهل تزكي على كل هذه السنوات؟ ومن الحلي نفسه أم ماذا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: " النذر غير مشروع لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه؛ لما روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النذر وقال: (إنَّهُ لا يَرُدُّ شيئا، ولكنَّه يُسْتَخْرجُ بهِ منَ البَخيلِ) متفق عليه، وهذا لفظ البخاري. فينبغي لكل مسلم ومسلمة أن يبتعد عن النذر، وأن لا يلزم نفسه بشيء قد يعجز ويشق عليه الوفاء به، فيقع في الإثم والحرج " "فتاوى اللجنة الدائمة" (23/362) . ومع كون النذر مكروها في الأصل إلا أن من نذَر نذْر طاعةٍ فإنه يلزمه الوفاء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ ن وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلا يَعْصِهِ) رواه البخاري (6202) . ثانيا: نذْرُ الصدقة بشيء من المال هو من نذر الطاعة الذي يجب الوفاء به. ومن نذرت أن تتصدق بجميع حليها، فلها حالتان: الأولى: أن يكون هذا الحلي هو جميع مالها، فيجزئها أن تخرج الثلث، وهذا مذهب أحمد رحمه الله. ومن أهل العلم من أوجب التصدق بجميع المال، ومنهم الشافعي رحمه الله. قال ابن قدامة رحمه الله: " من نذر أن يتصدق بماله كله أجزأه ثلثه. وبهذا قال الزهري، ومالك ... وقال أبو حنيفة: يتصدق بالمال الزكوي كله ... وقال الشافعي: يتصدق بماله كله؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه) . ولأنه نذر طاعة، فلزمه الوفاء به كنذر الصلاة والصيام. ويدل على أنه يكفيه التصدق بالثلث: قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي لبابة حين قال: إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله. فقال: (يجزئك الثلث) . صححه الألباني في "تخريج أحاديث مشكاة المصابيح" (3439) . وعن كعب بن مالك، قال: قلت: يا رسول الله , إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمسك عليك بعض مالك) متفق عليه. ولأبي داود: (يجزئ عنك الثلث) قال الألباني في صحيح أبي داود (3319) : إسناده صحيح " انتهى من "المغني" (11/340) بتصرف يسير. أي أنه إذا كان المال المعين للنذر يستغرق جميع المال فإن حكمه حكم من نذر الصدقة بجميع ماله، فيكفيه الصدقة بالثلث. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى" (6/188) : " قَدْ جَاءَتْ السُّنَّةُ فِيمَنْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِجَمِيعِ مَالِهِ أَنَّهُ يُجْزِيهِ الثُّلُثُ، لِمَا فِي إخْرَاجِ الْجَمِيعِ مِنْ الضَّرَرِ " انتهى. ومثله لابن القيم في "إعلام الموقعين" (3/165) . والراجح ما ذهب إليه الحنابلة، وبه أفتت اللجنة الدائمة، حيث سئلت عمن نذر راتبه كله في سبيل الله دائما، فأجابت: " يكفيك التصدق بثلث الراتب؛ لأن الذي نذر أن يتصدق بماله كله قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (يُجْزِئُ عَنْكَ الثُّلُثُ) رواه أبو داود " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (23/225) . الحالة الثانية: أن يكون لها مال آخر غير الحلي، فيلزمها الصدقة بحليها كله كما نذرت. قال ابن قدامة رحمه الله: " وإذا نذر الصدقة بمعيّن من ماله أو بمقدّر، كألف، فروي عن أحمد أنه يجوز ثلثه؛ لأنه مالٌ نَذَرَ الصدقة به، فأجزأه ثلثه، كجميع المال. والصحيح في المذهب لزوم الصدقة بجميعه؛ لأنه منذور، وهو قربة، فيلزمه الوفاء به، كسائر المنذورات، ولعموم قوله تعالى: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) الإنسان/7. وإنما خولف هذا في جميع المال للأثر فيه، ولما في الصدقة بجميع المال من الضرر اللاحق به، اللهم إلا أن يكون المنذور هاهنا يستغرق جميع المال، فيكون كنذر ذلك " "المغني" (11/340) . ثالثا: أما زكاة الحلي: فيلزمها أن تخرج الزكاة عن السنوات الثمانية، سواء قلنا تتصدق بجميع الحلي أو بثلثه – على التفصيل السابق -؛ لأن الزكاة دين واجب عليها، ولا علاقة له بالنذر. لكن إن لزمها الصدقة بالحلي كله، فإنها تخرج الزكاة من مالها الآخر، وليس لها أن تخرج من الحلي نفسه. وإن لزمها أن تتصدق بثلث حليها، جاز لها أن تخرج الزكاة من بقية الحلي – إن اتسع لذلك- ومن مالها الآخر. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 67886 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4461 أقسم أن يفطر في رمضان [السُّؤَالُ] ـ[ما الحكم إذا أقسم المرء بأن يفطر في نهار رمضان؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: صيام رمضان واجب على المسلم البالغ العاقل المقيم القادر على الصوم. ومن كان كذلك فإنه يحرم عليه الفطر بغير عذر، كما يحرم عليه أن يقسم على ذلك؛ لما في قسمه من العزم والتأكيد على فعل المحرم. ثانياً: إذا حلف المسلم على ارتكاب معصية فإنه لا يجوز له أن يفعل ما حلف عليه، بل يجب عليه أن يحنث في يمينه، ويكفر كفارة يمين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ) رواه مسلم (1650) . وكفارة اليمين هي: إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فمن لم يجد صام ثلاثة أيام. قال الله تعالى: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة/89. وانظر السؤال (45676) . ثالثاً: على من فعل ذلك أن يتوب إلى الله تعالى، فإنه قبيح جدا من المسلم أن يقسم على الإفطار في رمضان، فهذا يدل على تهاونه بحرمات الله، والاستهانة بها، وقد سبق في جواب السؤال (38747) بيان خطورة الإفطار في رمضان من غير عذر، وأن فاعله يظن به النفاق، والعياذ بالله. قال الذهبي في "الكبائر" (ص 64) : " وعند المؤمنين مقرر: أن من ترك صوم رمضان بلا مرض ولا غرض (أي بلا عذر يبيح ذلك) أنه شر من الزاني ومدمن الخمر، بل يشكون في إسلامه ويظنون به الزندقة والانحلال " انتهى. نسأل الله العفو والعافية والثبات على دينه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65694 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4462 هل يجوز الحلف كاذباً للصلح بين المتخاصمين؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز الحلف كاذباً للصلح بين المتخاصمين؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأصل في المؤمن الصدق، وألاّ يتكلم إلا صواباً وحقّاً؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) التوبة/119؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا) رواه البخاري (5743) ومسلم (2607) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. ولإصلاح ذات البين أهمية كبيرة في الشرع، وقد رتب على هذا الإصلاح أجوراً عظيمة، كما ورد التحذير الشديد من إفساد ذات البين، ولأهمية إصلاح ذات البين في المجتمع المسلم ولخطورة الشقاق والخلاف: فقد أباح الله عز وجل الكذب من أجل الإصلاح ومن أجل رفع الشقاق والنزاع الذي تكون نتيجته سلبية على دين الفرد والجماعة. فعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟) قالوا: بلى، قال: (صلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة) . رواه الترمذي (2509) وقال: " هذا حديث صحيح، ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين) " انتهى. ومن أكرمه الله ووفقه للإصلاح بين المسلمين فاحتاج إلى الكذب من أجل الإصلاح فلا حرج عليه في ذلك، ولا يجوز وصفه بالكذب، لأنه إنما كذب لأمر عظيم فيه من المصالح الشرعية ما جعل الكذب في هذا الموطن مباحاً، كما في الصحيحين من حديث أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا ويقول خيراً) رواه البخاري (2546) ومسلم (2605) . وأما حلف اليمين كاذباً من أجل الإصلاح: فالظاهر جوازه. قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: " ... فالمشروع للمؤمن أن يقلل من الأيمان ولو كان صادقا؛ لأن الإكثار منها قد يوقعه في الكذب، ومعلوم أن الكذب حرام، وإذا كان مع اليمين صار أشد تحريماً، لكن لو دعت الضرورة أو المصلحة الراجحة إلى الحلف الكاذب فلا حرج في ذلك؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا ويقول خيراً. قالت: ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إنه كذب إلا في ثلاث: الإصلاح بين الناس، والحرب، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها) رواه مسلم في الصحيح. فإذا قال في إصلاحٍ بين الناس: والله إن أصحابك يحبون الصلح، ويحبون أن تتفق الكلمة، ويريدون كذا وكذا، ثم أتى الآخرين وقال لهم مثل ذلك، ومقصده الخير والإصلاح: فلا بأس بذلك للحديث المذكور. وهكذا لو رأى إنساناً يريد أن يقتل شخصاً ظلماً أو يظلمه في شيء آخر، فقال له: والله إنه أخي، حتى يخلصه من هذا الظالم إذا كان يريد قتله بغير حق أو ضربه بغير حق، وهو يعلم أنه إذا قال: أخي تركه احتراما له: وجب عليه مثل هذا لمصلحة تخليص أخيه من الظلم. والمقصود: أن الأصل في الأيمان الكاذبة المنع والتحريم، إلا إذا ترتب عليها مصلحة كبرى أعظم من الكذب، كما في الثلاث المذكورة في الحديث السابق " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (1 / 54) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 60316 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4463 نذر أن يتزوج فتاة معينة ثم لم يف بنذره [السُّؤَالُ] ـ[نذرت لله أنني لن أتزوج أي فتاة إلا هذه الفتاة، وإن تزوجت غيرها سأصوم 3 شهور، ثم أدركت نفسي أنني لا أستطيع أن أَفِي بنذري، ولا أملك العمل للدفع للفقراء كل يوم، فما الحل جزاكم الله خيراً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الذي ينبغي للمسلم اجتناب النذر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه. فقد روى البخاري (6608) ومسلم (1639) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّذْرِ وَقَالَ: (إِنَّهُ لا يَرُدُّ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيل) . انظر السؤال (32724) ، (36800) . ثانياً: ذكر العلماء رحمهم الله تعالى أن النذر عدة أنواع، منها: النذر الذي يقصد به اليمين، وهو الذي يراد منه الحث على فعل شيء أو اجتنابه. وحكمه إذا حنث: التخيير بين فعل المنذور وبين كفارة يمين. قال ابن قدامة في "المغني" (13/461) : "إذَا أَخْرَجَ النَّذْرَ مَخْرَجَ الْيَمِينِ , بِأَنْ يَمْنَعَ نَفْسَهُ أَوْ غَيْرَهُ بِهِ شَيْئًا , أَوْ يَحُثَّ بِهِ عَلَى شَيْءٍ , مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: إنْ كَلَّمْت زَيْدًا , فَلِلَّهِ عَلَيَّ الْحَجُّ , أَوْ صَدَقَةُ مَالِي , أَوْ صَوْمُ سَنَةٍ. فَهَذَا يَمِينٌ , حُكْمُهُ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْوَفَاءِ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ , فَلا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ , وَبَيْنَ أَنْ يَحْنَثَ , فَيَتَخَيَّرَ بَيْنَ فِعْلِ الْمَنْذُورِ , وَبَيْنَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ , وَيُسَمَّى نَذْرَ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ , وَلا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ. .. وَهَذَا قَوْلُ عُمَرَ , وَابْنِ عَبَّاسٍ , وَابْنِ عُمَرَ , وَعَائِشَةَ , وَحَفْصَةَ , وَزَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ" اهـ باختصار. والذي يظهر أن نذرك بأن تصوم ثلاثة أشهر إذا لم تتزوج هذه الفتاة من هذا النوع، لأنك تريد بذلك أن تحث نفسك على الزواج منها، وهذا هو معنى اليمين. انظر السؤال (45889) . وكفارة اليمين هي المذكورة في قوله تعالى: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة/89. انظر السؤال (45676) . وخلاصة الجواب: أنك إذا تزوجت هذه الفتاة فلا شيء عليك، وإن لم تتزوجها فإنك مخيَّر بين الوفاء بنذرك وهو صيام ثلاثة أشهر، وبين كفارة اليمين. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50629 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4464 قال لامرأته: أنت عليّ مثل أمي [السُّؤَالُ] ـ[امرأة قال لها زوجها: أنت علي مثل أمي وأختي. فهل هذا يعتبر طلاقاً أم أن هناك كفارة؟ وما هي الكفارة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: هذا اللفظ لا يعتبر طلاقا، وإنما هو من ألفاظ الظهار التي ليست صريحة في الظهار، بل يحتمل الظهار وغيرَه. ثانياً: حكم هذا اللفظ يرجع فيه إلى نية المتكلم (الزوج) والقرائن التي تدل عليها. أما النية؛ فقد يقصد الزوج بهذا الكلام أنها محرمة عليه مثل أمه فيكون ظهاراً. وقد يقصد أنها مثل أمه في الإكرام والمحبة ونحو ذلك فلا يكون ظهاراً، ولا يترتب عليه شيء. وأما القرينة؛ فقد يدل سياق الكلام والحادثة التي قيل فيها أن الزوج أراد بذلك الظهار فيكون ظهاراًَ، ومثال القرينة لو كان الزوج في نزاع مع زوجته وشجار فقال لها في أثناء ذلك: أنت علي مثل أمي، فظاهر هذا السياق أنه أراد الظهار فيكون ظهاراً. سئل شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (34/5) عن رَجُلٍ قَالَ لامْرَأَتِهِ: أَنْت عَلَيَّ مِثْلُ أُمِّي , وَأُخْتِي؟ فَأَجَابَ: "إنْ كَانَ مَقْصُودُهُ أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ أُمِّي وَأُخْتِي فِي الْكَرَامَةِ فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ مَقْصُودُهُ يُشَبِّهُهَا بِأُمِّهِ وَأُخْتِهِ فِي " بَابِ النِّكَاحِ " فَهَذَا ظِهَارٌ عَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُظَاهِرِ فَإِذَا أَمْسَكَهَا فَلا يَقْرَبُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ ظِهَارٍ" اهـ. وقال أيضاً (34/7) : "وَإِنْ أَرَادَ بِهَا عِنْدِي مِثْلُ أُمِّي. أَيْ فِي الامْتِنَاعِ عَنْ وَطْئِهَا وَالاسْتِمْتَاعِ بِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَحْرُمُ مِنْ الأُمِّ فَهِيَ مِثْلُ أُمِّي الَّتِي لَيْسَتْ مَحَلا لِلاسْتِمْتَاعِ بِهَا: فَهَذَا مُظَاهِرٌ يَجِبُ عَلَيْهِ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُظَاهِرِ، فَلا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ، فَيَعْتِقَ رَقَبَةً، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا" اهـ. وقال ابن قدامة في "المغني" (11/60) : "وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَأُمِّي. أَوْ: مِثْلُ أُمِّي. وَنَوَى بِهِ الظِّهَارَ , فَهُوَ ظِهَارٌ , فِي قَوْلِ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ ; مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ , وَصَاحِبَاهُ , وَالشَّافِعِيُّ , وَإِسْحَاقُ. وَإِنْ نَوَى بِهِ الْكَرَامَةَ وَالتَّوْقِيرَ , أَوْ أَنَّهَا مِثْلُهَا فِي الْكِبَرِ , أَوْ الصِّفَةِ , فَلَيْسَ بِظِهَارٍ. وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي نِيَّتِهِ" اهـ. أي: أن المرجع إلى الزوج لا إلى غيره في تحديد ما نواه. وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (20/274) : "إذا قال الزوج لزوجته: أنا أخوك أو أنت أختي، أو أنت أمي أو كأمي، أو أنت مني كأمي أو كأختي، فإن أراد بذلك أنها مثل ما ذكر في الكرامة أو الصلة والبر أو الاحترام أو لم يكن له نية ولم يكن هناك قرائن تدل على إرادة الظهار، فليس ما حصل منه ظهارا، ولا يلزمه شيء، وإن أراد بهذه الكلمات ونحوها الظهار أو قامت قرينة تدل على الظهار مثل صدور هذه الكلمات عن غضب عليها أو تهديد لها فهي ظهار، وهو محرم وتلزمه التوبة وتجب عليه الكفارة قبل أن يمسها، وهي: عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا اهـ. والخلاصة: إذا كان الزوج قصد بهذا الكلام الظهار أو دلت القرينة على ذلك فهو ظهار، وفيما عدا ذلك لا يكون ظهاراً، ولا يترتب عليه شيء. ثالثاً: الظهار محرم، فقد وصفه الله تعالى بأنه منكر من القول وزور، وذلك في قوله: (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلا اللائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً) المجادلة/2. فعلى من ظاهر من امرأته أن يتوب إلى الله تعالى. رابعاً: تجب الكفارة على الزوج المظاهر من زوجته إذا أراد أن يمسكها ولا يطلقها، ولا يحل له أن يجامعها قبل أن يأتي بالكفارة، والكفارة هي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً، ودليل ذلك قول الله تعالى: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ) المجادلة/3-4. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50305 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4465 عاهد الله على ترك العادة السرية فعاد وفعلها فماذا يلزمه؟ [السُّؤَالُ] ـ[ي أكتبه وكلي ندم على ما فعلته وما قصرت بحق الله -: هو أنني كنت أفعل العادة السرية الخبيثة - أكرمكم الله - وأنا الآن تركتها من فترة قصيرة، أدعو الله أن يثبتني. وسؤالي هو: أني كنت أقول بصريح العبارة " أعاهدك يا ربي أن لا أعود إلى هذه العادة الخبيثة "؛ ولكني كنت أعود ليس – والله - استهزاء بالله -، ولكنه الشيطان والهوى. أرجو أن تبينوا - جزاكم الله خير - ماذا عليَّ من جرَّاء نقضي للعهد مع الله سبحانه وتعالى.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سبق في جواب السؤال رقم (329) بيان تحريم العادة السرية السيئة، وكيفية التخلص منها، والمسلم لا يلزمه العهد والنذر ليترك ما حرَّم الله تعالى عليه، إذ يكفي معرفة التحريم لينتهي عنه المسلم، فإذا عاهد الله أو نذر أن لا يفعل المحرَّم ثم عاد إليه ففعله: فقد اكتسب إثم فعل المحرم، وإثم نقض العهد والحنث في اليمين والنذر. وقد أوجب الله تعالى الوفاء بالعهود، فقال تعالى {وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا} . قال الجصاص: قوله تعالى: {وأوفوا بالعهد} يعني - والله أعلم - إيجاب الوفاء بما عاهد الله على نفسه من النذور والدخول في القرب , فألزمه الله تعالى إتمامها , وهو كقوله تعالى: {ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فأعقبهم نفاقا في قلوبهم} " أحكام القرآن " (3 / 299) . قال السرخسي: والوفاء بالعهد واجب قال الله تعالى: {وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم} , وذم من ترك الوفاء بالعهد بقوله {ومنهم من عاهد الله} الآية ... " المبسوط " (3 / 94) . ومن عاهد الله تعالى على فعل شيء فلم يفعله، أو عاهده تعالى على عدم الفعل ففعل: فعليه إثم نقض العهد، وعليه كفارة يمين، فالعهد: يمين ونذر، ومن حنث فيهما فعليه كفارة يمين وهي: التخيير بين عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فمن لم يجد أو لم يستطع: فليصم ثلاثة أيام. قال ابن قدامة: إن قال: علي عهد الله وميثاقه لأفعلن. أو قال: وعهد الله وميثاقه لأفعلن. فهو يمين , وإن قال: والعهد والميثاق لأفعلن. ونوى عهد الله , كان يمينا ; لأنه نوى الحلف بصفة من صفات الله - تعالى. " المغني " (9 / 400) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: والعهود والعقود متقاربة المعنى أو متفقة فإذا قال أعاهد الله أني أحج العام فهو نذر وعهد ويمين، وإن قال لا أكلم زيدا فيمين وعهد لا نذر، فالأيمان تضمنت معنى النذر وهو أن يلتزم لله قربة لزمه الوفاء وهي عقد وعهد ومعاهدة لله لأنه التزم لله ما يطلبه الله منه. " الفتاوى الكبرى " (5 / 553) . وهو قول ابن عباس ومالك وعطاء والزهري والنخعي والشعبي ويحي بن سعيد، كما في " المدونة " (1 / 579، 580) . وخلاصة الجواب: أن عليك كفارة يمين لنقضك العهد مع الله، ونسأل الله تعالى أن يرزقك الهدى والتقى والعفاف والغني. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] Islam Q&A; الحديث: 47738 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4466 توكيل جمعية خيرية بإخراج كفارة اليمين [السُّؤَالُ] ـ[ي عن الكفارة التي وردت في آية 89 من سورة المائدة أن الحنث باليمين يجب أن يكفر عنه بإطعام 10 مساكين من أوسط ما نطعم أهلينا أو كسوتهم أو تحرير رقبة أو الصيام إذا لم يكن أي من هذه متوفر. هل إرسال المال إلى جمعية خيرية تساعد المسلمين في أنحاء العالم يفي بهذا؟ إذا علمنا أنه لا يوجد أي قسم من هذا المال يذهب كمصاريف إدارية أو بريد أو أي شيء آخر حيث أن المال الذي يصل يكفي لإطعام العشرة كما أن الأشخاص الذين يأخذون المال لإيصاله من ذوو السمعة الحسنة فهل هذا يجوز؟ إذا كان هذا لا يجوز من هو الشخص الذي يعتبر فقيرا أو مسكينا لإطعامه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا لم يوجد الفقير المستحق للزكاة في البلد الذي أنت فيه فإنه لا بأس بنقل الكفارة إلى بلد آخر بواسطة ثقة أو جمعية موثوقة كوكيل للدافع على أن تصل إلى مستحقيها مما ذكر في الآية من خصال الكفارة المنصوص عليها أما دفع المال بدل ما نُص عليه فإنه لا يجزئ، والشخص الذي يعتبر فقيراً أو مسكيناً فإنه من لا يجد كفايته من الضروريات. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 4347 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4467 هل يجوز أن يخرج مالاً بدلاً من النذر أو العقيقة أو الوليمة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز إنفاق مال عن النذر وعن العقيقة وعن الوليمة للزواج؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجزئ دفع المال في مقابلة ما لزمه بسبب نذره إلا إذا كان المنذور دفع مال قربة لله، فإنه يجوز دفع المال كما نذر، إلا أن ينذر جميع ماله فلا يلزمه إلا دفع الثلث منه، وكذلك لا يجزئ دفع المال في العقيقة أو وليمة النكاح حيث إن السنة في العقيقة ذبح شاتين عن الغلام وشاة عن الجارية، وكذلك وليمة الزواج السنة أن يولم الإنسان بعد زواجه ولو بشاة لما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لعبد الرحمن بن عوف بعد زواجه: (أولم ولو بشاة) هذا هو السنة في ذلك، وإنفاق المال في ذلك مخالف للسنة، ولا أصل له، ولم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم ولا صحابته رضي الله عنهم من بعده، فينبغي للإنسان أن يتمسك بما صح في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ويترك ما عداهما وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء 23 / 392. الحديث: 46827 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4468 تعدد الكفارات بتعدد الأيمان [السُّؤَالُ] ـ[أنا أم أحلف أيمانا كثيرة على أطفالي وأحيانا ما ينفذ شيء منها، فهل أدفع كفارة يمين واحدة أم ماذا أفعل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يكره الإفراط في الحلف؛ لقول الله تعالى: (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَهِينٍ) القلم/10، وفي هذا إشارة لذم الذي يكثر من الحلف، فاحرصي على عدم الإكثار من الحلف تعظيما لجناب الله تعالى، وحفظا ليمينك. واعلمي أن كثرة الحلف في كل قليلٍ وكثير يؤدي إلى إضعاف قيمة اليمين عند الناس، ولا يُؤْمَنُ بسبب ذلك إقدامه على اليمين الكاذبة، وهو منافٍ لكمال تعظيم الله تعالى. أما الأيمان التي حلفتها فتحتمل أحد أمرين: الأول: إن كنت تقصدين بالأيمان التي أقسمتها أو ببعضها اليمين نفسه، أي كنت تقصدين يمينا منعقدة، فعليكِ كفارة يمين، واليمين المنعقدة هي التي يحلفها الشخص على أمر من المستقبل أن يفعله أو لا يفعله. الثاني: أن يكون هذا من غير قصد منك لليمين، فهو من لغو اليمين، وقد اختلف العلماء في تحديد لغو اليمين على أقوال، والأقرب أن لغو اليمين يشمل ما يلي: 1- ما يجري على لسان المتكلم بلا قصد كقول الرجل في معرض كلامه، لا والله لن أذهب، بلى والله سأذهب، وهو قول الشافعية الحنابلة. 2- اليمين التي عقدها يظن صدق نفسه فيبين بخلافه، كما ذهب إلى ذلك الحنابلة. 3- ألحق شيخ الإسلام بلغو اليمين ما إذا كان الحالف يعتقد أن المحلوف عليه لا يخالفه فخالفه، وكذلك لا يحنث إذا حلف على غيره ليفعلنه بقصد الإكرام لا بقصد الإلزام، قال: لأنه كالأمر ولا يجب الأمر إذا فهم منه الإكرام، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أبا بكر بالوقوف في الصف ولم يقف. انظر مجوعة الرسائل الفقهية للشيخ خالد المشيقح ص 234 وبناء على ما سبق، فإن كانت أيمانك كلها أو بعضها من اليمين المنعقدة فيلزمك كفارة يمين، وهل يلزمك كفارة واحدة أو عدة كفارات؟ هذا يختلف باختلاف المحلوف عليه، فإن حلفت أيمانا على شيء واحد، فتلزمكِ كفارة واحدة، أما إن حلفت أيمانا على عدة أمور، كأن تقول: والله لا آكل اليوم، والله لا أشرب اليوم، والله لا أسافر اليوم، فتلزمكِ كفارة في كل أمر من الأمور السابقة إن فعلتها، فلو أكلت وشربت وسافرت، لزمتك ثلاث كفارات، وإن حلفت يمينا واحدة على عدة أشياء، كأن تقولي: والله لا آكل، ولا أشرب، ولا أسافر، فتلزمك كفارة واحدة بفعل واحد من الأمور السابقة أو كلها. المرجع السابق ص 266 أما إن كانت أيمانك كلها أو بعضها من لغو اليمين، فقد نص جمهور العلماء على أن لغو اليمين لا كفارة فيه لقوله تعالى: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ) البقرة/225، والله أعلم راجعي الأسئلة (45676، 34730) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 46868 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4469 نذر أن يتصدق كلما وقع في الذنب ووقع فيه ولم يتصدق [السُّؤَالُ] ـ[كنت قد ابتليت بمعصية، وفي يوم من الأيام وبعد أن عملتها ندمتُ كثيراً وقمت بسب نفسي، ثم رفعت أصبعي وقلت بالحرف الواحد: " عليّ نذر إن فعلت هذه العادة مرة أخرى أن أتصدق بخمسمائة ريال، وإذا فعلتها مرة أخرى أتصدق بهذا المبلغ "، يعني في كل مرة أفعلها أتصدق بخمسمائة ريال إلاّ أنني عدت إلى فعلها مرات كثيرة جداًّ. والسؤال: ماذا عليَّ فعله في هذا الأمر، علماً بأنني لم أتصدق حتى الآن ولو بريال واحد، ولا أعلم كم مرة فعلتها، فالمدة طويلة، فأفتوني مأجورين وجزاكم الله خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: النذر من أجل عدم الوقوع في الذنب كان يفعله بعض السلف؛ وذلك معاقبة لأنفسهم، وتربية لها على عدم فعل المعصية، لكن كان ذلك فيما يستطيعونه ويقدرون عليه. قال حرملة: سمعت ابن وهب يقول: نذرت أني كلما اغتبت إنساناً أن أصوم يوماً فأجهدني، فكنت أغتاب وأصوم. فنويت أني كلما اغتبت إنساناً أني أتصدق بدرهم، فمن حب الدراهم تركت الغيبة. قال الذهبي: هكذا والله كان العلماء، وهذا هو ثمرة العلم النافع. "سير أعلام النبلاء" (9 / 228) . والأولى بالمسلم أن يمتنع من فعل المعصية من غير يمين ولا نذر حتى لا يعرض نفسه للحنث في اليمين أو عدم الوفاء بالنذر. ثانياً: إذا قصد الناذر بالنذر ما يقصد باليمين كمنع نفسه من فعلٍ ما فإما أن يحنث وإما ألا يحنث. فإن لم يحنث فلا شيء عليه، وإن حنث خُيِّر بين أمرين: إما الوفاء بالنذر وإما إخراج كفارة يمين. قال ابن قدامة في "المغني" (13/461) : "إذَا أَخْرَجَ النَّذْرَ مَخْرَجَ الْيَمِينِ , بِأَنْ يَمْنَعَ نَفْسَهُ أَوْ غَيْرَهُ بِهِ شَيْئًا , أَوْ يَحُثَّ بِهِ عَلَى شَيْءٍ , مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: إنْ كَلَّمْت زَيْدًا , فَلِلَّهِ عَلَيَّ الْحَجُّ , أَوْ صَدَقَةُ مَالِي , أَوْ صَوْمُ سَنَةٍ. فَهَذَا يَمِينٌ , حُكْمُهُ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْوَفَاءِ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ , فَلا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ , وَبَيْنَ أَنْ يَحْنَثَ , فَيَتَخَيَّرَ بَيْنَ فِعْلِ الْمَنْذُورِ , وَبَيْنَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ , وَيُسَمَّى نَذْرَ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ , وَلا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ. .. وَهَذَا قَوْلُ عُمَرَ , وَابْنِ عَبَّاسٍ , وَابْنِ عُمَرَ , وَعَائِشَةَ , وَحَفْصَةَ , وَزَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ" اهـ باختصار. وسئل الشيخ ابن عثيمين: أنا شاب كنت مسرفاً فهداني الله، ولكني لم أزل أرتكب ذنباً وحاولت أن أتوب منه مراراً فلم أستطيع فقلت في نفسي نذر عليّ إن عدت إلى هذا الذنب أن أصوم شهرين متتابعين، ولكن الشيطان زين لي وقلت إن النذر في هذه الحالة يكون كاليمين وله كفارة وعدت إلى هذا الذنب، فماذا أفعل جزاكم الله خيراً؟ هل يجوز لي أن أطعم ستين مسكيناً؟ لأنه أخف عليّ من الصيام؟ علماً بأن الله قد منّ عليّ التوبة من هذا الذنب الآن؟ أولاً: ينبغي أن يكون الإنسان ذا عزيمة صادقة قوية فيدع المحرم بدون قسم وبدون نذر ويقوم بالواجب بدون قسم وبدون نذر، قال الله – تبارك وتعالى – (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن قل لا تقسموا طاعة معروفة إن الله خبير بما تعملون) . ولكن قد يكون بعض الناس عاجزاً عن كبح جماح نفسه فيلجأ إلى النذر أو إلى اليمين للقيام بالواجب، أو في ترك المحرم، وقد ذكر العلماء – رحمهم الله – أن النذر الذي يقصد به الامتناع أو الإقدام يكون حكمه حكم اليمين، ولهذا يجب على هذا الأخ السائل أن يكفر عن نذره كفارة يمين وذلك بأن يطعم عشرة مساكين كل مسكين مد (أي حفنة) من الأرز أو من البر، أو يكسو عشرة مساكين، أو يعتق رقبة، وهو على الخيار في هذه الثلاثة، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام متتابعة لقول الله – تبارك تعالى – في سورة: المائدة (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقّدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام) . ويجوز في الإطعام أن يصنع طعاماً غداءً أو عشاءً ويدعو إليه عشرة مساكين اهـ. فتاوى إسلامية (3/501) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45889 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4470 ما هي كفارة اليمين بالتفصيل؟ [السُّؤَالُ] ـ[الرجاء التفضل بتفصيل كفارة اليمين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله كفارة اليمين بينها الله تعالى بقوله: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة / 89. فيخير الإنسان بين ثلاثة أمور: 1- إطعام عشرة مساكين من أوسط ما يطعم أهله، فيعطي كل مسكين نصف صاع من غالب طعام البلد، كالأرز ونحو، ومقداره كيلو ونصف تقريبا، وإذا كان يعتاد أكل الأرز مثلاً ومعه إدام وهو ما يسمى في كثير من البلدان (الطبيخ) فينبغي أن يعطيهم مع الأرز إداماً أو لحماً، ولو جمع عشرة مساكين وغداهم أو عشاهم كفى. 2- كسوة عشرة مساكين، فيكسو كل مسكين كسوة تصلح لصلاته، فللرجل قميص (ثوب) أو إزار ورداء، وللمرأة ثوب سابغ وخمار. 3- تحرير رقبة مؤمنة. فمن لم يجد شيئا من ذلك، صام ثلاثة أيام متتابعة. وجمهور العلماء على أنه لا يجزئ إخراج الكفارة نقودا. قال ابن قدامة رحمه الله: " لا يُجْزِئُ في الكفارة إِخراج قيمة الطعام ولا الكسوة، لأن الله ذكر الطعام فلا يحصل التكفير بغيره، ولأن الله خَيَّرَ بين الثلاثة أشياء ولو جاز دفع القيمة لم يكن التَخْيِِيرُ منحصراً في هذه الثلاث ... " اهـ. المغني لابن قدامة 11/256 وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: (على أن تكون الكفارة طعاما لا نقودا، لأن ذلك هو الذي جاء به القرآن الكريم والسنة المطهرة، والواجب في ذلك نصف صاع من قوت البلد، من تمر أو بر أو غيرهما، ومقداره كيلو ونصف تقريبا، وإن غديتهم أو عشيتهم أو كسوتهم كسوة تجزئهم في الصلاة كفى ذلك، وهي قميص أو إزار ورداء) انتهى نقلا عن فتاوى إسلامية 3/481 وقال الشيخ ابن عثيمين: فإن لم يجد الإنسان لا رقبة ولا كسوة ولا طعاماً فإنه يصوم ثلاثة أيام، وتكون متتابعة لا يفطر بينهما. اهـ. فتاوى منار الإسلام (3/667) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45676 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4471 إذا وفَّى بنذره فهل يجوز أن يأكل منه؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا نذر الرجل وأوفى نذره هل يأكل منه أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأصل أن المنذور به إذا كان من الأمور المشروعة فإنه يصرف في الجهة التي عينها الناذر، وإذا لم يعين جهة فهو صدقة من الصدقات، يصرف في الجهات التي تصرف فيها الصدقات، كالفقراء والمساكين. وأما أكله منه فإذا كانت العادة الجارية في بلد الناذر أن الشخص إذا نذر شيئا مما يؤكل أكل منه جاز له أن يأكل منه بناء على العرف والعادة في ذلك، وهكذا إذا نوى الأكل منه، يكون كلٌّ من العرف والنية مخصصاً للجزء الذي يأكله، فلا يكون داخلا في المنذور به، وقد صدر من اللجنة فتوى في ذلك نصها: مصرف نذر الطاعة على ما نواه به صاحبه في حدود الشريعة المطهرة، فإن نوى باللحم الذي نذره الفقراء فلا يجوز له أن يأكل منه، وإن نوى بنذره أهل بيته أو الرفقة التي هو أحدهم جاز له أن يأكل كواحد منهم، لقوله صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) . وهكذا لو شرط ذلك في نذره أو كان ذلك هو عرف بلاده. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. من فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء 23 / 390. وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة أيضاً: (23/392) : (من نذر نذراً يترتب عليه إطعام طعام فالأصل أن الناذر لا يأكل من نذره إلا أن يشترط أو ينوي أن يأكل من نذره، فإنه يباح له الأكل كما اشترط أو نوى) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 44874 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4472 نذرت أن تحج ولم تحج الفريضة [السُّؤَالُ] ـ[امرأة نذرت إن رزقها الله بمولود أن تحج ورزقها الله به فهل عليها الحج للنذر؟ علماً بأنها لم تحج الفرض.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " يجب أن يعلم أن النذر منهي عنه، نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (إِنَّهُ لا يَأْتِي بِخَيْرٍ) . ولهذا ذهب بعض العلماء إلى أن النذر حرام. فلماذا تنذر؟ ولماذا تكلف نفسك؟ وهل الله عز وجل لا يمن عليك بالشفاء أو على قريبك بالشفاء إلا إذا اشترط له شرطاً؟ سبحان الله! لا تنذر، بل اسأل الله الشفاء والعافية، فإن كان الله أراد أن يشفي شفى سواء نذرت أم لم تنذر، فإذا فعلت ونذرت فإن كان نذر طاعة وجب عليك الوفاء به، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ) وبناء على هذا نقول لهذه المرأة المذكورة: يجب أن تحجي. لكن تبدأ بحج الفريضة، ثم تأتي بحج النذر وجوباً، فإن لم تفعل فقد عرضت نفسها لعقوبة عظيمة، ذكرها الله في قوله: (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) التوبة/75، 76. عاهدوا الله إن الله أغناهم أن يتصدقوا، وأن يكونوا من الصالحين، أعطاهم الله ذلك، ولكنهم بخلوا بالمال، وأعرضوا عن الصلاح (فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ) إلى متى؟ (إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ) إلى الموت (بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ) التوبة/77. والخلاصة: احذروا النذر، لا تنذروا فأنتم في عافية، ولا تلزموا أنفسكم ما لم يلزمكم الله به إلا بفعلكم، فمن كان عنده مريض فليقل: اللهم اشفه، ومن كان يريد الاختبار فليقل: اللهم نجحني، لأن بعض الطلبة إذا كانت الدروس صعبة وخاف من السقوط يقول: لله عليَّ نذر إن نجحت لأفعل كذا وكذا. من الطاعات، ثم إذا نجح أخذ يسأل ويجيء للعالم الفلاني يقول: خلصوني خلصوني، ولكن لا مفر لا بد من الوفاء بالنذر " انتهى. [الْمَصْدَرُ] "فتاوى ابن عثيمين" (21/54) . الحديث: 44679 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4473 نذر صيام كل اثنين وخميس ولم يصم لمدة سنوات [السُّؤَالُ] ـ[قبل 12 سنة قد نذرت أنه إذا نجحت من الصف الثالث ثانوي بتفوق، أن أصوم كل يوم اثنين وخميس. فطوال الفترة الماضية لم أكن مواظبا على الصيام، وفي ال 3 أشهر الماضية بدأت أواظب عليها. فما الحكم في الأيام التي لم أصمها؟ وما الحكم في بعض الأيام التي أكون فيها مدعوا على الغداء عند والدي أو غيره، هل أصوم ذلك اليوم أو أفطر؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ينبغي التنبه إلى أن النذر مكروه لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا: (لا تنذروا فإن النذر لا يغني من القدر شيئا، وإنما يستخرج به من البخيل) رواه البخاري (6609) ومسلم (1640) واللفظ لمسلم. وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه نهى عن النذر وقال إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل) رواه مسلم (1639) وقد يلزم الإنسان نفسه بنذر ثم لا يفي به، فيُوقِع نفسه في الحرج ويعرض نفسه للإثم. والتهاون في النذر أمره خطير، ويخشى على صاحبه أن يدخل في قوله تعالى) وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِين * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ* فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ) التوبة/75-77، وانظر في خطر التهاون في النذر السؤال رقم (42178) أما بخصوص السؤال، فإن النذر الذي نذرته هو من النذر الواجب، الذي يجب عليك أن تفي به لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ) رواه البخاري (6696) وعليه فيلزمك الوفاء بالنذر، وأما الأيام التي أفطرتها فيجب عليك قضاؤها، وعليك مع ذلك كفارة يمين، وتكفيك كفارة واحدة للأيام التي أفطرتها. قال ابن قدامة في المغني: (13/648) فيمن نذر أن يصوم كل خميس أبداً ثم أفطر عدة أيام: (يقضي نذره ويكفِّر ... , وإن فاتته أيام كثيرة لزمته كفارة واحدة عن الجميع فإذا كَفَّر ثم فاته شيء بعد ذلك لزمته كفارة ثانية. نصّ عليه أحمد. اهـ. ودعوتك على الغذاء لا تعتبر عذراً يبيح لك الإفطار وعدم الوفاء بالنذر، ولك أن تخبرهم بنذرك حتى يكون لك عذر عندهم في عدم الحضور. والله أعلم للمزيد انظر (36800، 38934) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 43396 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4474 لا يجزئ الصيام مع القدرة على الإطعام في كفارة اليمين [السُّؤَالُ] ـ[كانت عليَّ كفارة يمين، فصمت ثلاثة أيام مع قدرتي على إطعام عشرة مساكين، فهل ما فعلته صحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجزئ الصيام مع القدرة على الإطعام أو الكسوة أو العتق، لأن الله سبحانه رتب إجزاء الصيام على عدم وجود الطعام أو الكسوة أو العتق، فقال: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ) المائدة/89 [الْمَصْدَرُ] من فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء (23/13) . الحديث: 42804 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4475 أقسمت ألا تفضح سراً فأفشته نسياناً [السُّؤَالُ] ـ[زوجتي أقسمت على أن لا تفصح عن سر بينها وبين صديقتها ولكنها أفصحت عنه ناسية أنها قد أقسمت بعدم البوح بالسر؟ هل تجب عليها الكفارة، أم أن النسيان يعتبر عذرا..؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله زوجتك تشكر على أمانتها في حرصها على عدم إفشاء السر، أما بوحها بالسر ناسية فلا كفارة فيه، وذلك لأن الكفارة يشترط لوجوبها ثلاثة شروط: الأول منها: أن تكون اليمن منعقدة على أمر مستقبل ممكن. الثاني: أن يحلف مختاراً لليمين غير مكره عليه. والشرط الثالث: الحنث في اليمين، بأن يفعل ما حلف على تركه مختاراً ذاكراً ليمينه، فإن حنث مكرهاً أو ناسياً أو جاهلاً فلا كفارة. ودليل ذلك قول الله تعالى: (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) فقال الله: قد فعلت. وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) . أخرجه ابن ماجه في سننه في كتاب الطلاق (2043) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (1662، 1664) والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 42334 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4476 عقوبة عدم الوفاء بالنذر [السُّؤَالُ] ـ[ما هي عقوبة من نذر أن يفعل طاعة ثم تهاون ولم يفعلها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: النذر نوعان: الأول: النذر المعلق. وهو أن يعلق النذر على حصول شيء، كما لو قال: إن شفاني الله لأتصدقن بكذا أو لأصومن كذا، ونحو ذلك. الثاني: النذر المُنَجَّز (أي: الذي لم يعلق على شيء) ، كما لو قال: لله علي أن أصوم كذا. وكلا النوعين يجب الوفاء به إذا كان المنذور فعل طاعة. لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلا يَعْصِهِ) رواه البخاري (6696) . ووجوب الوفاء بالنذر المعلق أشد من النذر المُنَجَّز – وإن كان كلاهما واجبا كما سبق- قال ابن القيم: إذَا قَالَ: إنْ سَلَّمَنِي اللَّهُ تَصَدَّقْت , أَوْ لأَتَصَدَّقَنَّ , فَهُوَ وَعْدٌ وَعَدَهُ اللَّهَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَفِيَ بِهِ , وَإِلا دَخَلَ فِي قَوْلِهِ: (فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) فَوَعْدُ الْعَبْدِ رَبَّهُ نَذْرٌ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَفِيَ لَهُ بِهِ ; والنذر المعلق أَوْلَى بِاللُّزُومِ مِنْ أَنْ يَقُولَ ابْتِدَاءً: " لِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا ". وَإِخْلَافُهُ يُعْقِبُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ اهـ بتصرف. ثانياً: ذَمَّ الرسولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذين ينذرون ولا يوفون، روى مسلم (2535) عن عِمْرَانَ بْن حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ خَيْرَكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ -قَالَ عِمْرَانُ: فَلا أَدْرِي أَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ قَرْنِهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثَةً - ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَهُمْ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَخُونُونَ وَلا يُؤْتَمَنُونَ، وَيَنْذِرُونَ وَلا يُوفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمْ السِّمَنُ) . قال النووي: فِيهِ وُجُوب الْوَفَاء بِالنَّذْرِ , وَهُوَ وَاجِب بِلا خِلَاف اهـ. والمراد بقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَيَظْهَرُ فِيهِمْ السِّمَنُ) أن هؤلاء غافلون عن الاهتمام بأمر الدين، ولا هَمَّ لهم إلا الأكل والشرب والراحة والنوم. والمذموم من السمن ما كان مكتسباً لا ما كان خِلقة. والله أعلم. انظر عون المعبود شرح حديث رقم (4657) . ثالثاً: عدم الوفاء بالنذر من صفات المنافقين قال الله تعالى: (وَمِنْهُمْ (أي: من المنافقين) مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ * أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) التوبة /75-78. رابعاً: وأما عقوبة من نذر ولم يف بما عاهد الله عليه فيُخشى عليه أن يعاقبه الله تعالى بإلقاء النفاق في قلبه، فيلقى الله تعالى وهو منافق، فيكون من الخاسرين. كما قال الله تعالى في الآية السابقة: (فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ) قال السعدي ص (546) : أي: ومن هؤلاء المنافقين من أعطى الله عهده وميثاقه "لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ" من الدنيا فبسطها لنا ووسعها "لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ". فنصل الرحم ونعين على نوائب الحق ونفعل الأفعال الحسنة الصالحة. "فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ" لم يفوا بما قالوا بل "بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا" عن الطاعة والانقياد "وَهُمْ مُعْرِضُونَ" أي: غير ملتفتين إلى الخير. فلما لم يفوا بما عاهدوا الله عليه عاقبهم "فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ" مستمرا "إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ". فليحذر المؤمن من هذا الوصف الشنيع أن يعاهد ربه إن حصل مقصوده الفلاني ليفعلن كذا وكذا ثم لا يفي بذلك فإنه ربما عاقبه الله بالنفاق كما عاقب هؤلاء. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الثابت في الصحيحين: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا وعد أخلف) . فهذا المنافق الذي وعد الله وعاهده لئن أعطاه الله من فضله ليصدقن وليكونن من الصالحين حدث فكذب وعاهد فغدر، ووعد فأخلف. ولهذا توعد من صدر منهم هذا الصنيع بقوله: " أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلامُ الْغُيُوبِ " وسيجازيهم على ما عملوا من الأعمال التي يعلمها الله تعالى اهـ. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 42178 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4477 حكم ظهار المرأة من زوجها وهل عليها الكفارة؟ [السُّؤَالُ] ـ[زوجي كثير الاستهزاء والسخرية بي وصبرت عليه كثيراً، وذات يوم شتمني بشتى ألوان الشتائم فأثار بكائي وغضبي فقلت له بالحرف الواحد: أنت عليّ مثل أخي، عليّ مثل ظهر أخي. فهل يعتبر هذا ظهاراً وما هي الكفارة الواجبة عليّ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يحل لمسلمٍ أن يسخر من أخيه، قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون} الحجرات / 11. والواجب على الزوج أن يحسن معاشرة أهله، قال الله تعالى: (وعاشروهن بالمعروف) النساء / 19، وقال النبي صلى الله عليه: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) رواه الترمذي (3895) والنصيحة لك بقاؤك على الصبر على أذى زوجك، والدعاء له بالخير والهدى، واستمرار الوعظ والتذكير له بواجباته. وأما قولكِ لزوجكِ " أنتَ حرام عليَّ مثل أخي ... " فليس بظهار، بل هو يمين مكفَّرة، لأن الظهار يكون من الرجل لأمرته وليس العكس قال الله تعالى: (الذي يظاهرون منكم من نسائهم) المجادلة / 2. سئل الشيخ محمد الصالح العثيمين: إن زوجتي تقول لي دائماً " أنت زوجي، وأنت أخي، وأنت أبي، وكل شيء لي في الدنيا " هل هذا الكلام يحرمني عليها أم لا؟ فأجاب: هذا الكلام منها لا يحرمها عليك؛ لأن معنى قولها " أنت أبي وأخي " وما أشبه ذلك: معناها: أنت عندي في الكرامة والرعاية بمنزلة أبي وأخي، وليست تريد أن تجعلك في التحريم بمنزلة أبيها وأخيها. على أنها لو فُرض أنها أرادت ذلك: فإنكَ لا تحرم عليها؛ لأن الظهار لا يكون من النساء لأزواجهن، وإنما يكون من الرجال لأزواجهم، ولهذا إذا ظاهرت المرأة من زوجها بأن قالت له " أنتَ عليَّ كظهر أبي، أو كظهر أخي " أو ما أشبه ذلك: فإن ذلك لا يكون ظهاراً، ولكن حكمه حكم اليمين، بمعنى أنها لا يحل لها أن تمكنه من نفسها إلا بكفارة اليمين، فإن شاءت دفعت الكفارة قبل أن يستمتع بها، وإن شاءت دفعتها بعد ذلك. وكفارة اليمين: إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو عتق رقبة، فإن لم يجد: فصيام ثلاثة أيام. " فتاوى المرأة المسلمة " (2 / 803) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 40441 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4478 عليه كفارات يمين عديدة، ولا يعرف كيف يتصرف [السُّؤَالُ] ـ[عليّ كفارات يمين عديدة، ولما أردت أن أكفِّر عنها لم أعرف كيف أتصرف؟ فلا يوجد المسكين ولا الفقير، فهل يجوز أن أكفِّر بنقود؟ وكم أعطي كل فقير، وهل يجوز أن أعطيها إلى لجان التبرعات للمجاهدين؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: كفارة اليمين: عتق رقبة مؤمنة، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، فمن لم يجد صام ثلاثة أيام، والأصل في ذلك قوله تعالى: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ) المائدة/89 ثانياً: الأيمان إذا تعددت قبل الحنث – والمحلوف عليه واحد – فلا يجب إلا كفارة واحدة، وأما إذا تعددت الأيمان والمحلوف عليه متغير، وجب عن كل يمين كفارة خاصة به. ثالثاً: تصرف كفارة اليمين للمساكين كما ذكره الله جل وعلا، ولا مانع من صرفها للمجاهدين في سبيل الله، لأن الله ذكرهم من مصارف الزكاة، وبخاصة إذا لم يوجد من الفقراء والمساكين من تصرف له. رابعاً: لا يجوز إخراج النقود عن كفارة اليمين، لأنه خلاف النص الذي ذكره الله، وما كان ربك نسيَّاً، فلم يذكر أن النقود تصرف بدلاً عن الكفارة المنصوصة. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى اللجنة الدائمة (23/27) . الحديث: 40461 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4479 عاهد الله على ترك المعصية مرارا وعاد إليها [السُّؤَالُ] ـ[عاهدت الله سبحانه وتعالى على عدم فعل معصية من المعاصي، ولكنني في كل مرة أنقض العهد مع الله وأقوم بفعل تلك المعصية ولكنني سرعان ما أندم على فعلها فأتوب إليه سبحانه وأصلى ركعتين صلاة توبة (أحدث لكل ذنب توبة) وأجدد عهدي مع الله على عدم فعل تلك المعصية بعد فراغي من صلاة التوبة، ولكن لضعف إيماني ومع مرور الأيام أقوم بفعل تلك المعصية وأجدد التوبة والعهد مع الله مرة ثانية وثالثة ومرات عديدة لا يعلمها إلا هو. سؤالي هو: ماذا يلزمني فعله نتيجة عدم الوفاء بعهدي في كل مرة، بعد أن منّ الله عليّ واستطعت البعد عن تلك الفواحش وتبت إلى الله توبة نصوحا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نحمد الله تعالى على أن وفقك للتوبة النصوح، ونسأله سبحانه أن يثبتك على دينه، ويرزقك الاستقامة عليه. أما ما سألت عنه: فمعاهدة الله تعالى من ألفاظ النذر واليمين. قال الله تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ) التوبة / 75. قال أبو بكر الجصاص في "أحكام القرآن" (3/208) عن هذه الآية: فِيهِ الدَّلالَةُ عَلَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ نَذْرًا فِيهِ قُرْبَةٌ لَزِمَهُ الْوَفَاءُ ; لأَنَّ الْعَهْدَ هُوَ النَّذْرُ وَالإِيجَابُ اهـ. قال الزهري رحمه الله: من عاهد الله على عهد فحنث فليتصدق بما فرض الله في اليمين. نقله في المدونة 1/580 وقال: (وقاله ابن عباس وعطاء بن أبي رباح ويحيى بن سعيد. قال ابن وهب عن سفيان الثوري عن فراس عن الشعبي قال: إذا قال: علي عهد الله فهي يمين) انتهى. وقال شيخ الإسلام في "الاختيارات" (ص 562-563) : إِذَا قَالَ: أُعَاهِدُ اللَّهَ أَنِّي أَحُجُّ الْعَامَ فَهُوَ نَذْرٌ وَعَهْدٌ وَيَمِينٌ اهـ. والنذر إذا كان المقصود منه ما يقصد باليمين وهو حث الشخص أو غيره على فعل شيء معين أو عدم فعله فحكمه حكم اليمين. فإذا لم يف به وجبت كفارة اليمين. قال ابن قدامة في "المغني" (13/622) : النَّذْرُ الَّذِي يُخْرِجُهُ مَخْرَجَ الْيَمِينِ , لِلْحَثِّ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ أَوْ الْمَنْعِ مِنْهُ , غَيْرَ قَاصِدٍ بِهِ لِلنَّذْرِ , وَلا الْقُرْبَةِ , فَهَذَا حُكْمُهُ حُكْمُ الْيَمِينِ اهـ. فعلى هذا عليك كفارة يمين، وتكفيك كفارة واحدة لكل ما سبق إن كان اليمين قد وقع على فعل واحد –وهو الظاهر من السؤال- وإن كان اليمين على أفعال متعددة فعليك لكل فعل كفارة. قال شيخ الإسلام في "الاختيارات" (ص 562-563) : وَمَنْ كَرَّرَ أَيْمَانًا قَبْلَ التَّكْفِيرِ. . فالصَّحِيحُ: إنْ كَانَتْ عَلَى فِعْلٍ فَكَفَّارَةٌ، وَإِلا فَكَفَّارَتَانِ اهـ. وكفارة اليمين هي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فمن لم يجد صام ثلاثة أيام؛ لقوله تعالى:) لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة / 89. راجع سؤال رقم (9985) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38934 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4480 هل يجوز الحلف في البيع والشراء إذا كان صاحبه صادقاً؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز الحلف في البيع والشراء إذا كان صاحبه صادقاً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " الحلف في البيع والشراء مكروه مطلقاً , سواء كان كاذبا أو صادقاً , فإن كان كاذباً في حلفه فهو مكروه كراهة تحريم , وذنبه أعظم وعذابه أشد , وهي اليمين الكاذبة , وهي وإن كانت سبباً لرواج السلعة , فهي تمحق بركة البيع والربح , ويدل لذلك ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الحلف منفقة للسلعة , ممحقة للبركة) , أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما , وهذا لفظ البخاري , انظر: "فتح الباري" (4/315) , ولما ورد عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة , ولا ينظر إليهم , ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم) قال: فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرار , وقال أبو ذر: خابوا وخسروا , من هم يا رسول الله؟ قال: (المسبل , والمنان , والمنفق سلعته بالحلف الكاذب) , أخرجه مسلم في صحيحه (1/102) , وأخرج الإمام أحمد نحوه في مسنده. أما إن كان الحلف في البيع والشراء صادقاً فيما حلف عليه , فإن حلفه مكروه كراهة تنزيه؛ لأن في ذلك ترويجاً للسلعة , وترغيباً فيها بكثرة الحلف , وقد قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) آل عمران/77 , ولعموم قول الله تعالى: (واحفظوا أيمانكم) المائدة/89 , ولقوله تعالى: (ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم) البقرة/224 , ولعموم ما رواه أبو قتادة الأنصاري السلمي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إياكم وكثرة الحلف في البيع , فإنه ينفّق ثم يمحق) أخرجه مسلم في صحيحه , وأحمد في المسند , والنسائي , وابن ماجه , وأبو داود " انتهى. [الْمَصْدَرُ] "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (13/8) . الحديث: 38619 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4481 يعاني من الوسواس وحلف أيماناً كثيراً وحنث فيها [السُّؤَالُ] ـ[موسوس عقد أيمانا متعددة ألا يكرر العمل ثم حنث وقد تراكمت عليه أيمان وعهود كثيرة الله أعلم بعددها وهو يعاني من الوسواس كيف يكفر ما مضى؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: من حلف أيمانا متعددة، وحنث ولم يكفّر عن شيء منها، فله حالان: الأول: أن تكون الأيمان على شيء واحد، كأن يقول: والله لا أشرب الدخان، ثم يحنث ولا يكفر عن يمينه، ثم يحلف مرة أخرى أنه لا يشرب الدخان ثم يحنث.. فهذا تلزمه كفارة واحدة. والثاني: أن تكون الأيمان على أفعال مختلفة، كقوله: والله لا أشرب، والله لا ألبس، والله لا أذهب إلى مكان كذا، ثم يحنث في الجميع، فهل تلزمه كفارة واحدة أو كفارات بعدد الأيمان؟ فيه خلاف بين الفقهاء، فالجمهور على تعدد الكفارة، والحنابلة على أنه لا تلزمه إلا كفارة واحدة. والراجح ما ذهب إليه الجمهور؛ لأنها أيمان على أفعال مختلفة، لا يحنث في إحداهن بالحنث في الأخرى، فلم تتداخل. وينظر "المغني" (9/406) . وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: أنا شاب حلفت بالله أكثر من ثلاث مرات على أن أتوب من فعل محرم، سؤالي: هل علي كفارة واحدة أم ثلاث، وما هي كفارتي؟ فأجاب: عليك كفارة واحدة، وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام؛ لقول الله سبحانه: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) الآية من سورة المائدة/89، وهكذا كل يمين على فعل واحد أو ترك شيء واحد، ولو تكررت ليس فيها إلا كفارة واحدة، إذا كان لم يكفر عن الأولى منهما. أما إذا كان كفر عن الأولى ثم أعاد اليمين فعليه كفارة ثانية إذا حنث، وهكذا لو أعادها ثالثة وقد كفر عن الثانية فعليه كفارة ثالثة. أما إذا كرر الأيمان على أفعال متعددة أو ترك أفعال متعددة فإن عليه في كل يمين كفارة، كما لو قال: والله لا أكلم فلانا، والله لا آكل طعاما، والله لا أسافر إلى كذا، أو قال: والله لأكلمن فلانا، والله لأضربنه، وأشباه ذلك. والواجب في الإطعام لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد وهو كيلو ونصف تقريبا. وفي الكسوة ما يجزئه في الصلاة كالقميص أو إزار ورداء. وإن عشاهم أو غداهم كفى ذلك؛ لعموم الآية الكريمة المذكورة آنفا. والله ولي التوفيق " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (23/145) . ثانيا: إذا كان المسئول عنه موسوسا، وقد حلف هذه الأيمان تحت تأثير الوسوسة، من غير قصد ولا إرادة ولا رغبة في الحلف، فلا شيء عليه. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " المبتلى بالوسواس لا يقع طلاقه حتى لو تلفظ به بلسانه إذا لم يكن عن قصد، لأن هذا اللفظ باللسان يقع من الموسوس من غير قصد ولا إرادة، بل هو مغلق عليه ومكره عليه لقوة الدافع وقلة المانع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا طلاق في إغلاق) . فلا يقع منه طلاق إذا لم يرده إرادة حقيقية بطمأنينة، فهذا الشيء الذي يكون مرغما عليه بغير قصد ولا اختيار فإنه لا يقع به طلاق" انتهى، نقلا عن: "فتاوى إسلامية" (3/277) . وإذا كان هذا في الطلاق، فاليمين من باب أولى، لأن أمر النكاح أعظم من أمر اليمين. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38602 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4482 حلف الرجل وهو في حالة قد لا يملك شعوره [السُّؤَالُ] ـ[إذا حلف الرجل ليتم أمراً وهو في حالة قد لا يملك شعوره، هل يلزمه التكفير، وما هو؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا حلف الإنسان على شيء يفعله فلم يفعله لزمته كفارة اليمين، مثل أن يقول: (والله لأكلمن فلاناً) أو (والله لأزورنه) أو (والله لأصلين كذا وكذا) وما أشبه ذلك، فلم يفعل ما حلف عليه فإنه يلزمه كفارة اليمين إذا كان عاقلاً يعلم ما يقول، أما إذا كان قد اشتد به الغضب وليس في وعيه فاليمين لا تنعقد، لأن الوعي لما يقول لا بد منه، فإذا اشتد به الغضب حتى جعله لا يعقل ما يقول ولا يضبط ما يقول فمثل هذا لا كفارة عليه، كالمجنون والمعتوه، والنائم. وله أن يترك ما حلف عليه إذا رأى المصلحة في ذلك، ويكفر عن يمينه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فكفر عن يمينك وأت الذي هو خير) متفق على صحته. فلو حلف ألا يزور فلان ثم رأى أن الأصلح زيارته فإنه يزوره ويكفر عن يمينه، وهكذا ما أشبه ذلك. ولا حرج في تقديم الكفارة وتأخيرها. والله ولي التوفيق. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/8 ص / 392 الحديث: 10027 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4483 اعتاد أن يحلف صادقاً أو كاذباً، فكيف يكفر عن هذه الأَيمان؟ [السُّؤَالُ] ـ[للأسف من صغري تعودت على الحلف صادقا أو كاذبا وقد حاولت مع نفسي ترك هذه العادة السيئة وأنا أعتقد أني الآن أمشي على الدرب الصحيح. سؤالي ما حكم الأيمان السابقة؟ ماذا أفعل ليغفر الله لي؟ هل أخرج كفارة عن كل حلف، ولكن المشكلة أني لا أستطيع معرفة عدد الأيمان التي حلفتها.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اليمين على ثلاثة أوجه: الأول: اليمين المنعقدة: وهي اليمين التي يقصدها الحالف ويصمم عليها، وتكون على أمر مستقبل أن يفعله أو لا يفعله. وحكمها: وجوب الكفارة فيها عند الحنث. قال ابن قدامة رحمه الله: (ومن حلف أن يفعل شيئا , فلم يفعله , أو لا يفعل شيئا , ففعله , فعليه الكفارة) لا خلاف في هذا عند فقهاء الأمصار. قال ابن عبد البر: اليمين التي فيها الكفارة بإجماع المسلمين , هي التي على المستقبل من الأفعال) المغني 9/390 الثاني: اليمين اللغو: وهي الحلف من غير قصد اليمين، وهذه لا كفارة فيها؛ لقول الله تعالى: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) البقرة/225، قالت عائشة رضي الله عنها: أنزلت هذه الآية (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) في قول الرجل لا والله وبلى والله " رواه البخاري (4613) ومن حلف على شئ يظنه كما حلف، فبان بخلافه، فلا كفارة عليه، عند أكثر أهل العلم، وهو من اللغو. قال ابن قدامة رحمه الله: ومن حلف على شيء يظنه كما حلف , فلم يكن , فلا كفارة عليه ; لأنه من لغو اليمين) أكثر أهل العلم على أن هذه اليمين لا كفارة فيها. قاله ابن المنذر. يروى هذا عن ابن عباس , وأبي هريرة , وأبي مالك , وزرارة بن أوفى , والحسن , والنخعي , ومالك , وأبي حنيفة , والثوري. وممن قال: هذا لغو اليمين. مجاهد , وسليمان بن يسار , والأوزاعي , والثوري , وأبو حنيفة وأصحابه. وأكثر أهل العلم على أن لغو اليمين لا كفارة فيه. وقال ابن عبد البر: أجمع المسلمون على هذا. لقول الله تعالى: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) . وهذه منه , ولأنه غير مقصود للمخالفة , فأشبه ما لو حنث ناسيا) انتهى من المغني 9/393 الثالث: أن يحلف على شيء ماض وهو كاذب وهي من كبائر الذنوب، ولا كفارة فيها عند جمهور العلماء؛ لأنها أعظم من أن تكفّر. إذا عُلم هذا، فما حلفته من الأيمان المنعقدة، وحنثت فيه، فيلزمك فيه الكفارة. وإذا نسيت عدد هذه الأيمان، فاجتهد وأخرج من الكفارات ما يغلب على ظنك أنك تبرأ به. وما كان من هذه الأيمان معقودا على فعلٍ واحد، أو ترك شيءٍ واحد، ففيها كفارة واحدة، وذلك مثل أن تحلف ألا تكلم فلانا، فتحنث، ولا تكفّر، ثم تعود فتحلف ألا تكلمه، وتحنث، فلا يلزمك إلا كفارة واحدة. بخلاف ما لو حلفت ألا تكلمه، ثم حلفت أن لا تأكل طعامه مثلا، فيلزمك حينئذ كفارتان، وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال رقم (34730) والله أعلم. وخلاصة الجواب: أن الأيمان التي حلفتها على شيء تفعله أو لا تفعله في المستقبل وحنثت فيها يجب عليك فيها الكفارة. والأيمان التي حلفتها على شيء في الماضي أنك فعلته أو لم تفعله وأنت كاذب في ذلك لا كفارة عليها، وعليك التوبة إلى الله، والله تعالى يتوب على من تاب. وفقك الله وغفر لك ذنبك. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36734 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4484 عليه كفارات يمين كثيرة، وبعضها لا يعرفها [السُّؤَالُ] ـ[علي كفارات يمين كثيرة وبعضها أعرفها وبعضها لا أعرفها لأنني كثيرا ما أحلف على شيء وأناقض ذلك، وأصبح ذلك عادة عندي فكيف أكفر عن ذلك رغم أنها كثيرة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المطلوب من المسلم الاهتمام بأمر اليمين، وذلك بأن لا يكثر منها، قال الله تعالى: (وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ) البقرة/224، فلا يحلف إلا إذا احتاج لذلك، وعليه حفظ يمينه بالكفارة إذا أراد مخالفة ما حلف عليه، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير أو أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني) رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما، وهذا لفظ البخاري وأخرجه أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه والإمام أحمد. والأيمان إذا تعددت فإن كانت على شيء واحد كفتها كفارة واحدة إذا لم يكفر عن الأولى، مثل أن يقول: (والله لا أكلم فلانا) ويكرر ذلك كثيرا ثم يكلمه (فعليه كفارة واحدة) . وإن تعدد جنس المحلوف عليه، مثل أن يقول (والله لا أكلم فلانا) ثم يكلمه، (والله لا أسافر إلى كذا) ثم يسافر وهكذا فلكل يمين كفارتها، وعليك الاحتفاظ لنفسك بالكفارة بما يغلب على ظنك أنها تبرأ به ذمتك. وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى الجنة الدائمة للإفتاء (23 / 49) . الحديث: 36749 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4485 نذرت إن انتهى الخلاف مع زوجها أن تصوم الخميس إلى الأبد [السُّؤَالُ] ـ[امرأة حصل بينها وبين زوجها خلاف. نذرت بأن تصوم يوم الخميس كل عمرها إذا انتهى الخلاف بدون طلاق. انتهى الخلاف وبدأت في صيام يوم الخميس. قدر الله أن يعود نفس الخلاف إلى السطح مرة ثانية عندما ذهبوا جميعا إلى بيت أبيها , ويصدر طلاق من الزوج في لحظه انفعال وغضب. المرأة داومت على صيام يوم الخميس وبعد فترة تصالحوا وانتهى الخلاف كليا. هل يلزمها صيام يوم الخميس مدى العمر , مع العلم أنها تصوم يوم الاثنين مدى العمر لتوفي بنذر آخر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا يسميه العلماء النذر المعلَّق، وهو تعليق النذر على حصول شيء معين، وحكمه أنه متى كان المنذور فعل طاعة وحصل الشرط المعلَّق عليه وجب الوفاء به. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه) . رواه البخاري (6318) قال ابن قدامة رحمه الله عن نذر الطاعة: (وهو ثلاثة أنواع، أحدها: التزام طاعة في مقابل نعمة استجلبها أو نقمة استدفعها، كقوله: إن شفاني الله فلله علي صوم شهر، فتكون الطاعة الملتزمة مما له أصل في الوجوب بالشرع، كالصوم والصلاة والصدقة والحج، فهذا يلزم الوفاء به بإجماع أهل العلم. . . إلخ) المغني (13/622) . والشرط المعلَّق عليه النذر هنا هو "انتهاء الخلاف بينها وبين زوجها بدون طلاق". وقصة هذه المرأة لا يخلو من أحد أمرين: إما أن تكون قصدت انتهاء الخلاف المعين الموجود وقت النذر بدون طلاق، فهنا يلزمها الوفاء بالنذر لحصول الشرط وهو انتهاء الخلاف بدون طلاق، والطلاق بعد ذلك لا يؤثر لأنه يكون حينئذ قد وقع في خلاف آخر. وإما أن تكون قصدت انتهاء الخلاف الذي حصل بسبب معين بينها وبين زوجها وزواله بالكلية بحيث لا يعود فلا يلزمها الصوم حينئذ لعدم حصول الشرط، فإنه قد عاد الخلاف مرة أخرى ووقع بسببه الطلاق. ولعل ما ورد في اسلؤال من عبارة: (قدَّر الله أن يعود نفس الخلاف) يشير إلى هذا. فعلى المرأة أن تحدد قصدها، ثم تفعل ما يلزمها شرعاً. وينبغي أن يُعلم أن النذر مكروه في الأصل، لما روى البخاري (6608) ومسلم (1639) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّذْرِ وَقَالَ إِنَّهُ لا يَرُدُّ شَيْئًا وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيل ". قَالَ الْمَازِرِيّ: يَحْتَمِل أَنْ يَكُون سَبَب النَّهْي كَوْن النَّذْر يَصِير مُلْتَزَمًا لَهُ , فَيَأْتِي بِهِ تَكَلُّفًا بِغَيْرِ نَشَاط. وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون سَبَبه كَوْنه يَأْتِي بِالْقُرْبَةِ الَّتِي اِلْتَزَمَهَا فِي نَذْره عَلَى صُورَة الْمُعَاوَضَة لِلأَمْرِ الَّذِي طَلَبَهُ فَيَنْقُص أَجْره , وَشَأْن الْعِبَادَة أَنْ تَكُون مُتَمَحِّضَة لِلَّهِ تَعَالَى. قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: وَيَحْتَمِل أَنَّ النَّهْي لِكَوْنِهِ قَدْ يَظُنّ بَعْض الْجَهَلَة أَنَّ النَّذْر يَرُدّ الْقَدَر , وَيَمْنَع مِنْ حُصُول الْمُقَدَّر فَنَهَى عَنْهُ خَوْفًا مِنْ جَاهِل يَعْتَقِد ذَلِكَ , وَسِيَاق الْحَدِيث يُؤَيِّد هَذَا. وَاللَّهُ أَعْلَم اهـ من شرح مسلم للنووي. فينبغي للمؤمن أن يجتنب ما نهى عنه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومن أراد أن يطيع الله تعالى فليطعه من غير نذر. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36800 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4486 نذرت نذوراً فنسيتها [السُّؤَالُ] ـ[نذرت نذورا ولا أتذكرها فما كفارتها هل أطعم عشرة مساكين؟ لكل نذر لم أوفه؟ ولكني لا أتذكر كم نذرا نذرته فما العمل؟ وأيضا إني نذرت صلوات كثيرة أيضا لا أتذكرها هل لها كفارة أم نذور الصلاة لابد أن تصلي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من نذر نذر طاعة من صلاة أو صيام أو صدقة ونحوها، لزمه الوفاء به؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعص الله فلا يعصيه " رواه البخاري (6318) سواء علق ذلك على حصول شئ، أو نذر نذراً مطلقا. قال ابن قدامة رحمه الله عن نذر الطاعة والتبرر: (وهو ثلاثة أنواع، أحدها: التزام طاعة في مقابل نعمة استجلبها أو نقمة استدفعها، كقوله: إن شفاني الله فلله علي صوم شهر، فتكون الطاعة الملتزمة مما له أصل في الوجوب بالشرع، كالصوم والصلاة والصدقة والحج، فهذا يلزم الوفاء به بإجماع أهل العلم) المغني 13/622 وإذا كنت تذكرين النذور، من صلاة أو صوم أو صدقة، وتجهلين عددها، فالواجب عليك هو التحري، وفعل ما يغلب على الظن حصول البراءة به. أما إذا نسيت أو شككت هل المنذور هو صلاة أو صيام أو صدقة، فقد ذهب بعض العلماء إلى أن عليك الاجتهاد والتحري في فعل أحدها، وذهب بعضهم إلى أن الواجب هو إخراج كفارة يمين، عن كل نذر شككت فيه. (مغني المحتاج 6/234، غمز عيون البصائر 1/211، الموسوعة الفقهية 26/201) . ومن هذا تعلمين الجواب عن سؤالك الثاني، فإن نذر الصلاة لابد من الوفاء به، وعليك فعل ما يغلب على الظن أن ذمتك تبرأ به، فلو شككت هل نذرت عشرين صلاة مثلا، أو خمسة وعشرين، فصل خمسة وعشرين. وينبغي أن يُعلم أنه لا ينبغي الإقدام على النذر لما روى البخاري (6608) ومسلم (1639) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّذْرِ وَقَالَ: (إِنَّهُ لا يَرُدُّ شَيْئًا وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيل) وروى البخاري (6609) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا يَأْتِ ابْنَ آدَمَ النَّذْرُ بِشَيْءٍ لَمْ يَكُنْ قَدْ قَدَّرْتُهُ وَلَكِنْ يُلْقِيهِ الْقَدَرُ وَقَدْ قَدَّرْتُهُ لَهُ أَسْتَخْرِجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36445 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4487 القسم بغير الله من أب وزعيم وشرف وجاه [السُّؤَالُ] ـ[في وعد الكشافة يقولون: (أعد بشرفي أن أبذل جهدي لأن أقوم بواجبي نحو الله والوطن والملك، وأن أساعد الناس في كل حين وأن أعمل بقانون الكشافة) وذلك في كتيب الكشافة الذي يصدر عن الأمانة الكشفية العربية، فما حكم هذا الوعد؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: يحرم القسم بغير الله من أب وزعيم وشرف وجاه ووجيه ونحو ذلك؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت " متفق عليه وقال: " من كان حالفا فلا يحلف إلا بالله " رواه النسائي وقال: " من حلف بغير الله فقد أشرك " ثانيا: لا ينبغي للمسلم أن يسوي بين الله وغيره؟ كالوطن والملك والزعيم في أخذ العهد على نفسه بالعمل لهم، بل يقول: علي عهد الله أن أبذل جهدي في القيام بواجبي لله وحده ثم أخدم وطني وأساعد المسلمين، وأن أعمل بنظام الكشافة الذي لا يخالف شريعة الله تعالى. ثالثا: يجب أن يكون عمل الإنسان وفق شريعة الله تعالى، فلا يجوز أن يأخذ على نفسه عهدا أن يعمل بقانون دولة أو طائفة أو فئة ما من البشر بإطلاق. وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة (1/232) . الحديث: 34501 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4488 حلفت ألا تذهب إلى مدينة ثم ذهبت إليها [السُّؤَالُ] ـ[لقد حلفت بأن لا أذهب إلى مدينة ما ولكن قمت بالسفر حتى لا أغضب والديّ فهل أقوم بأداء كفارة يمين أم ماذا علي أن أفعل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم يلزمك كفارة يمين، وقد أحسنت في إرضاء والديك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه " رواه مسلم (1650) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. إلا أن يكون في ذهابك إلى هذه المدينة وقوع في ما حرم الله، فكان عليك أن ترضي والديك بغير الذهاب وأن تحافظ على يمينك. وكفارة اليمين هي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فمن لم يجد صام ثلاثة أيام؛ لقوله تعالى: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة / 89. ولا يجزئ إخراجها نقودا، عند جمهور العلماء. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 34699 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4489 حلف على أولاده كثيراً وحنث ولم يكفّر [السُّؤَالُ] ـ[كنت فيما سبق أحلف على أولادي بأن لا يفعلوا شيئا ما ثم أتراجع بنية أن أكفر عن يميني وتمضي الأيام ولا أكفر عنه مع العلم أني أحلف كثيرا وأتراجع ولكن بعد أن حججت والحمد لله تبت ولم أعد أحلف أفيدوني بحكم ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يكره الإفراط في الحلف؛ لقول الله تعالى: (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَهِينٍ) القلم / 10، وهذا ذم له يقتضي كراهة فعله، كما قال ابن قدامة رحمه الله [المغني 13/439] . وإذا حلفت على أولادك أو غيرهم حلفا مقصودا أن يفعلوا شيئا أو ألا يفعلوه، فخالفوك، فعليك كفارة عن كل يمين حنثت فيها، لقول الله تعالى: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة / 89 وإن كنت كررت اليمين على شيء واحد، فيلزمك كفارة واحدة، وإن كررت اليمين على أشياء متعددة فعليك كفارات بعدد الأشياء التي حلفت عليها. وإن جهلت عدد الأيمان بيقين، فاجتهد في تحديد عدد الأيمان وأخرج كفارات حتى يغلب على ظنك أنك أخرجت الواجب عليك. وكفارة اليمين هي المذكورة في الآية السابقة إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعم أهلك أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، تختار أي خصلة من هذه الخصال الثلاثة، فإذا عجزت عن هذه الخصال، فإنك تصوم عن كل يمين ثلاثة أيام. سئلت اللجنة الدائمة ما نصه: كنت في السابق أحلف اليمين لعمل كذا وكذا ولا أنفذ، وأريد أن أعمل كفارة لذلك، فهل تكفي كفارة واحدة؟ علما بأنني حلفت عدة مرات ولكنني لا أتذكر عددها؟ فأجابت: (اجتهد في تقدير عدد أيمانك التي حنثت فيها تقديرا تقريبيا ثم أخرج كفارات على عددها التقريبي إذا كانت على أمور مختلفة، وما كان منها على شيء واحد مثل: والله لا أزور زيدا، والله لا أزور زيدا، فكفارة واحدة) انتهى، نقلا عن فتاوى إسلامية 3/481 وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: (وهكذا كل يمين على فعل واحد أو ترك شيء واحد، ولو تكررت، ليس فيها إلا كفارة واحدة إذا كان لم يكفر عن الأولى منهما ... أما إذا كرر الأيمان على أفعال متعددة أو ترك أفعال متعددة فإن عليه عن كل يمين كفارة، كما لو قال: والله لا أكلم فلانا، والله لا آكل طعامه، والله لا أسافر إلى كذا، أو قال: والله لأكلمن فلانا، والله لأضربنه، وأشباه ذلك. والواجب في الإطعام لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد وهو كيلو ونصف تقريبا. وفي الكسوة ما يجزئه في الصلاة كالقميص، أو إزار ورداء. وإن عشاهم أو غداهم كفى ذلك لعموم الآية الكريمة) انتهى، نقلا عن فتاوى إسلامية 3/480 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 34730 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4490 قالت لزوجها: أنت عليَّ مثل أبي [السُّؤَالُ] ـ[حدث بيني وبين زوجي خلاف، وفي ساعة غضب وانفعال حَرَّمْته عليَّ وقلت له: أنت علي مثل أبي إلى يوم القيامة، وكررت ذلك عدة مرات. فماذا أعمل؟ وهل أطالب زوجي بالطلاق، أم ماذا فأنا في حيرة من أمري؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا حرّم المسلم على نفسه شيئاً مما أحله الله، فإن هذا حكمه حكم اليمين. ودليل ذلك قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) التحريم/1-2 قال السعدي رحمه الله في تفسيره (ص1035) : " هذا عتاب من الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم حين حرم على نفسه سرِّيَّتَه مارية أو شرب العسل مراعاة لخاطر بعض زوجاته في قصة معروفة فأنزل الله هذه الآيات ... وصار ذلك التحريم الصادر منه سببا لشرع حكم عام لجميع الأمة فقال تعالى: (قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم) وهذا عام في جميع أيمان المؤمنين ... فكل من حرم حلالا عليه من طعام أو شراب أو سرية أو حلق يمينا بالله على فعل أو ترك ثم حنث وأراد الحنث فعليه هذه الكفارة المذكورة. اهـ وسئلت اللجنة الدائمة عن مثل هذا السؤال، فأجابت: عليك كفارة يمين في تحريم زوجك عليك مثل أبيك وهي: إطعام عشرة مساكين لكل مسكين كيلو ونصف من الطعام، أو كسوتهم لكل مسكين ثوب، أو عتق رقبة مؤمنة، فإن لم تجدي شيئا من هذه الثلاث فإنك تصومين ثلاثة أيام، ولا يحرم عليك زوجك، وعليك التوبة إلى الله من ذلك، لأنه لا يجوز للمسلم أن يحرم ما أحله الله له " اهـ من فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء 23 / 189. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 32706 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4491 وجوب الوفاء بالوعد والنذر [السُّؤَالُ] ـ[لقد قمت بعمل تجاري ووعدت بأن أخرج من أرباحه مبلغاً معيَّناً لله عز وجل، والسؤال هو: هل يمكن أن أصرف هذا المبلغ في زواج أخي وأبناء عمي وأقاربي فحالتهم المادية غير جيِّدة؟ وهل يجب أن أخبرهم أن هذه صدقة؟ وهل القريب المحتاج أعطيه منها حتى لو كان من الذين يتفاخرون في زواجهم ويسرفون مع حاجتهم؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب عليك الوفاء بما وعدتَ به من إخراج المبلغ المعيَّن لله تعالى، فإذا كنتَ قد نويتَ أو ذكرتَ جهة معيَّنة فيجب عليك دفع هذا المال لها دون غيرها، وإن لم تكن نويت ولا ذكرتَ جهة معيَّنة فلك الخيار في وضعها حيث شئتَ من أبواب الخير. جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة": "الأصل أن المنذور به إذا كان من الأمور المشروعة فإنه يصرف في الجهة التي عيَّنها الناذر، وإذا لم يعيِّن جهة فهو صدقة من الصدقات يُصرف في الجهات التي تُصرف فيها الصدقات كالفقراء والمساكين ... " اهـ. " فتاوى إسلامية " (3 / 485) . وإعطاؤك لأخيك وأبناء عمك المحتاجين من أبواب الخير، بل إعطاء أقاربك المحتاجين أفضل من إعطاء غيرهم، روى البخاري (1461) ومسلم (998) عن أَنَس بْن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ الأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ مَالا مِنْ نَخْلٍ، وَكَانَ أَحَبُّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ (اسم بستان) وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ. فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ، فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَخٍ! ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الأَقْرَبِينَ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ. والصدقة على القريب صدقة وصلة، وانظر السؤال رقم (21810) ، (20173) . ولا يلزمك إخبارهم أنها صدقة أو نذر. انظر السؤال رقم (33777) . ولكن. . لا تعطيها لمن يستعين بها على معصية الله تعالى أو من هو معروف بالإسراف والتبذير والتفاخر، لقول الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة /2. ويمكنك أن تتعرف على ما يحتاجون إليه وتقوم بإحضاره لهم بدلاً من إعطائهم النقود في أيديهم، وبهذا تتأكد أن صدقتك قد وقعت في مكانها الصحيح. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 32719 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4492 نذر أن يتصدق بمئة ألف ريال فهل يوفي بنذره؟ [السُّؤَالُ] ـ[شخص قال: " لله عليَّ إن فعلت كذا لأتصدقن بـ 100 ألف ريال "، ثم فعل هذا الأمر، ثم الآن هو نادم ولا يريد أن يتصدق بهذا المبلغ الكبير، فهل يجوز أن يكفر بكفارة يمين أم يجب عليه أن يتصدق بهذا المبلغ علما بأنه يملك من المال 400 ألف ريال؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، يلزمك الوفاء بنذرك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه) رواه البخاري (6318) ، وهنا أمور لابد من معرفتها: أولاً: تعريف النذر هو إلزام المكلَّف نفسَه بما لم يُلزمه به الشرع. ثانياً: قد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النذر. عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النذر، وقال: إنه لا يردُّ شيئاً، وإنما يُستخرج به من البخيل. رواه البخاري (6234) ومسلم (1639) . قال النووي: وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يُسْتَخْرَج بِهِ من الْبَخِيل) فَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ لا يَأْتِي بِهَذِهِ الْقُرْبَة تَطَوُّعًا مَحْضًا مُبْتَدِئًا وَإِنَّمَا يَأْتِي بِهَا فِي مُقَابَلَة شِفَاء الْمَرِيض وَغَيْره مِمَّا تَعَلَّقَ النَّذْر عَلَيْهِ اهـ. وقد ذهب بعض العلماء إلى تحريمه – ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية – وذهب الجمهور إلى كراهته، لكنهم لم يختلفوا أنه إذا نذر صار عليه الوفاء بنذره واجباً. عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " مَن نذر أن يطيع الله فليطعه، ومَن نذر أن يعصيه فلا يعصه ". رواه البخاري (6318) . وقد ذم الشرعُ الذين ينذرون ولا يوفون، وبيَّن أنهم سيأتون بعد خير القرون. عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم - قال عمران: فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثاً - ثم إن بعدكم قوماً يَشهدون ولا يُستشهدون، ويَخونون ولا يُؤتمنون، ويَنذرون ولا يَفون، ويظهر فيهم السِّمَن ". رواه البخاري (2508) ومسلم (2535) . وعليه: فإن الواجب على الناذر أن يتصدق بما نذره، ولا يحل له عدم الوفاء بنذره، ولا تجزئه كفارة اليمين مع قدرته على التصدق بما نذر به. عن ثابت بن الضحاك قال: نذر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلاً بـ " بُوانة " (وهو اسم موضع) فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني نذرت أن أنحر إبلاً بـ " بُوانة "، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ قالوا: لا، قال: هل كان فيها عيد من أعيادهم؟ قالوا: لا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوف بنذرك؛ فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم ". رواه أبو داود (3313) وصححه الحافظ ابن حجر في " التلخيص الحبير " (4 / 180) . قال الصنعاني: وهو دليل على أن من نذر أن يتصدق أو يأتي بقربة في محل معين: أنه يتعين عليه الوفاء بنذره ما لم يكن في ذلك المحل شيءٌ من أعمال الجاهلية. " سبل السلام " (4 / 114) . لكن إذا كان قصد هذا الشخص بهذا النذر أن يمنع نفسه من هذا الفعل فحكمه حنيئذ حكم اليمين فعليه كفارة يمين ولا يلزمه الوفاء بهذا النذر راجع السؤال رقم (45889) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 32724 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4493 ملخص أنواع النذر وأحكامه [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الشريعة في النذر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إليكِ أيتها السّائلة بيانا في موضوع النّذر يشتمل على أنواعه وأحكامه الأساسية ينفعك وينفع غيرك من القرّاء إن شاء الله تعالى: قال الأصفهاني رحمه الله في مفردات ألفاظ القرآن (ص797) : النَّذْر: أن توجب على نفسك ما ليس بواجب لحدوث أمر، قال تعالى: {إني نذرت للرحمن صوما} {مريم: 26} .ا. هـ. فالنذر هو إيجاب المكلف على نفسه شيئا لم يكن عليه، سواء كان منجّزا أو معلقا. وقد جاء ذكر النذر في كتاب الله في مقام المدح قال تعالى عن عباده المؤمنين: {إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا. عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا. يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا} {الدهر: 5-7} فجعل - تبارك وتعالى - خوفهم من أهوال يوم القيامة ووفاءهم بنذورهم من أسباب نجاتهم ودخولهم الجنة. حكم النذر: الوفاء بالنذر المشروع واجب لقوله تعالى: {ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم} {الحج: 29} قال الإمام الشوكاني: والأمر للوجوب. وقد وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث عديدة في النهي النذر وبيان كراهته عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تَنْذروا، فإن النذر لا يغني من القدر شيئا، وإنما يستخرج به من البخيل " رواه مسلم برقم 3096. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا عن النذر ويقول: " إنه لا يرد شيئا، وإنما يستخرج به من الشحيح " رواه البخاري ومسلم. فإن قال قائل كيف يمدح الموفين بالنّذر ثم ينهى عنه فالجواب أنّ النّذر الممدوح هو نذر الطّاعة المجرّد دون تعليقه على شيء يُلزم الإنسان نفسه به حملا لها عن الطّاعة ومنعا للتقاعس والكسل أو شكرا على نعمة، وأما النّذر المنهي عنه فأنواع منها نذر المعاوضة الذي يُعلّق فيه الناذر الطّاعة على حصول شيء أو دفع شيء بحيث لو لم يحصل لم يقم بالطّاعة وهذا محلّ النّهي ولعل الحكمة في ذلك تكمن في العلل التالية:؟ إن الناذر يأتي بالقربة متثقلا لها، لمّا صارت عليه ضربة لازب محتومة وواجبة.؟ إن الناذر لما نذر القربة بشرط أن يحصل له ما يريد، صار نذره كالمعاوضة التي تقدح في نية المتقرب، فانه لو لم يشف مريضه، لم يتصدق بما علقه على شفائه، وهذه هي حالة البخيل، فإنه لا يخرج من ماله شيئا إلا بعوض عاجل، يزيد على ما أخرج غالبا.؟ أن بعض الناس عندهم اعتقاد جاهلي مفاده أن النذر يوجب حصول الغرض الذي من أجله كان النذر، أو أن الله يحقق للناذر ذلك الغرض لأجل نذره.؟ نفي اعتقاد آخر عند بعض الجهلة، مفاده أن النذر يردّ القضاء، أو أنه يجر لهم في العاجل نفعا، ويصرف عنهم ضرا، فنهى عنه خوفا من جاهل يعتقد ذلك، وتنبيها على خطورة مثل ذلك المسلك على سلامة الاعتقاد. أنواع النذر من حيث وجوب الوفاء: أولا: نذر يجب الوفاء به (نذر الطاعة) : وهو كل نذر كان في طاعة الله عزوجل كنذر الصلاة والصوم والعمرة والحج وصلة الرحم والاعتكاف والجهاد والأمر بمعروف والنهي عن منكر كأن يقول: لله عليَّ أن أصوم كذا أو أتصدق بكذا أو كأن يقول لله عليَّ أن أحج هذا العام أو أصلي ركعتين في المسجد الحرام شكرا لله على ما أنعم به علي من شفاء مريضي. أو كان على سبيل التعليق كأن ينذر نذرا يتقرب به الى الله تعالى معلقا بشيء ينتفع به يفعله إذا حصل له ذلك الشيء فيقول إن قدم غائبي أو كفاني الله شر عدوي فعليّ صوم كذا أو صدقة كذا. قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصيه " رواه البخاري 6202. ولو نذر المرءُ نذراً فيه طاعة ثمّ طرأ من الظروف ما أعاقه عن الاقتدار على الوفاء بنذره، كأن نذرَ أن يصوم شهرا، أو يحج أو يعتمر ولكنّ مرضا أصابه، فمنعه القدرة على الصوم أو الحج أو الاعتمار أو يكون قد نذر صدقة ولكنه افتقر بما يحول بينه وبين إنفاذ ما نذر فإنه والحالة هذه ينتقل إلى التكفير عن نذره بكفارة يمين كما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: من نذر نذرا لا يطيقه فكفارته كفارة اليمين. رواه أبوداود وقال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام: إسناده صحيح، والحفّاظ رجحوا وقفه. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى (33/49) : فإذا قصد الإنسان أن ينذر لله طاعة، فعليه الوفاء به، لكن إذا لم يوف بالنذر لله، فعليه كفارة يمين عند اكثر السلف. ثانيا: نذر لا يجوز الوفاء به وفيه كفارة يمين: ويشمل هذا النوع من النذر: 1 - نذر المعصية: وهو كل نذر فيه معصية لله كأن ينذر زيتا أو شمعا أو نفقة لبعض القبور والمشاهد أو ينذر زيارة الأضرحة والمشاهد الشركية وهذا شبيه من بعض الوجوه بالنذر للأوثان، وكذا لو نذر أن يفعل معصية من المعاصي كالزنا أو شرب الخمر أو السرقة أو أكل مال يتيم أو إنكار حق أحد أو أن يقطع رحمه فلا يصلّ قريبه الفلاني أو لا يدخل بيته دون مانع شرعيّ فإن هذا كله مما لا يجوز الوفاء به بحال، بل عليه أن يكفّر عن نذره بكفارة يمين ودليل عدم جواز الوفاء بهذا النّوع من النّذور حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعص " رواه البخاري وعن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا وفاء لنذر في معصية " رواه مسلم 3099. 2 - كل نذر صادم نصا: فإذا نذر مسلم نذرا وتبين له أن نذره هذا يتعارض مع نص صحيح صريح فيه أمر أو فيه نهي لزمه التوقف عن الوفاء بالنذر ويكفر عنه بكفارة يمين ودليل ما رواه البخاري رحمه الله عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ كُنْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ فَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ نَذَرْتُ أَنْ أَصُومَ كُلَّ يَوْمِ ثَلاثَاءَ أَوْ أَرْبِعَاءَ مَا عِشْتُ فَوَافَقْتُ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ أَمَرَ اللَّهُ بِوَفَاءِ النَّذْرِ وَنُهِينَا أَنْ نَصُومَ يَوْمَ النَّحْرِ فَأَعَادَ عَلَيْهِ فَقَالَ مِثْلَهُ لا يَزِيدُ عَلَيْه. صحيح البخاري 6212 ورواه الإمام أحمد عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ وَهُوَ يَمْشِي بِمِنًى فَقَالَ نَذَرْتُ أَنْ أَصُومَ كُلَّ يَوْمِ ثُلاثَاءَ أَوْ أَرْبِعَاءَ فَوَافَقْتُ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ النَّحْرِ فَمَا تَرَى قَالَ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِوَفَاءِ النَّذْرِ وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ قَالَ نُهِينَا أَنْ نَصُومَ يَوْمَ النَّحْرِ قَالَ فَظَنَّ الرَّجُلُ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ فَقَالَ إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَصُومَ كُلَّ يَوْمِ ثُلاثَاءَ أَوْ أَرْبِعَاءَ فَوَافَقْتُ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ أَمَرَ اللَّهُ بِوَفَاءِ النَّذْرِ وَنَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ قَالَ نُهِينَا أَنْ نَصُومَ يَوْمَ النَّحْرِ قَالَ فَمَا زَادَهُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى أَسْنَدَ فِي الْجَبَلِ. قال الحافظ ابن حجر: انعقد الإجماع على أنه لا يجوز له أن يصوم يوم الفطر ولا يوم النحر لا تطوعا ولا نذرا. 3 - نذر لا حكم له سوى كفارة اليمين: وهناك نذور ليس فيها من أحكام تتعلق بها سوى التزام الناذر بكفارة اليمين تكفيرا عن نذره ومنها: - النذر المطلق (وهو نذر ما لم يُسمّ) : فلو نذر المسلم نذرا ولم يسم المنذور بل تركه مطلقا من غير تسمية أو تعيين كأن يقول: عليَّ نذر إن شفى الله مرضي ولم يُسمّ شيئا كان عليه كفارة يمين، وقد روى عقبة بن عامر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كفارة النذر كفارة اليمين. رواه مسلم قال النووي: حمله مالك والكثيرون- بل الأكثرون - على النذر المطلق كقوله عليَّ نذر. (شرح مسلم للنووي 11/104) . - نذر ما لا يملك: فإذا نذر الناذر شيئا لا يملكه فليس عليه إلا كفارة يمين وذلك كأن ينذرَ أن يتصدّق بمال فلان أو يُعتق عبد فلان أو يهبَ إلى شخصا بستانا وهو لا يملكه ويدلّ على هذا الحكم حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا نذر لابن آدم فيما لا يملك ولا عتق له فيما لا يملك ولا طلاق له فيما لا يملك. رواه الترمذي 1101 وقال: حديث عبد الله بن عمرو حديث حسن صحيح. 4 - نذر فيه الخيار بين الوفاء أو كفارة اليمين: وهناك نذور مخير الناذر فيها بين أن يفي بما نذر أو أن يكفر عن نذره بكفارة يمين ويشمل هذا النوع من النذر: - نذر اللَّجَاج والغضب: وهو كل نذر يخرج مخرج اليمين للحث على فعل شيء أو المنع منه أو التصديق أو التكذيب غير قاصد صاحبه للنذر ولا للقربة على وجه التحقيق، وذلك كأن يقول الرجل في غضب: (إن فعلت كذا فعلي حجة أو صوم شهر، أو التصدق بألف دينار) ، أو يقول: (إن كلّمت فلانا فعلي عتق هذا العبد، أو تطليق زوجتي) ونحو ذلك، ثم يفعله، وهو لايريد من وراء ذلك كله سوى التوكيد على أن لن يفعل هذا الأمر، ليس غيره، في حين أن حقيقة مقصوده، أن لا يفعل الشرط ولا يوقع الجزاء. ويُخيّر في مثل هذا النذر - الذي يكون حاله المماحكة، أو إظهار الحث على ضرورة فعل الشيء أو عدمه - بين أن يفي بنذره، أو يكفر عنه بكفارة اليمين، باعتباره يمينا من حيث الجوهر. قال ابن تيمية: " إذا علق النذر على وجه اليمين، فقال: إن سافرت معكم فعليّ الحج، أو فمالي صدقة، أو فعليّ عتق، فهذا عند الصحابة وجمهور العلماء حلف النذر، ليس بناذر، فإذا لم يف بما التزمه، أجزأه كفارة يمين " وقال في موضع آخر: " موجب نذر اللجاج والغضب عندنا أحد شيئين على المشهور، إما التكفير، وإما فعل المعلّق، فإذا لم يلتزم الوجوب المعلق، ثبت وجوب الكفارة ". - نذر المباح: وهو كل نذر يتناول أمرا من أمور المباحات، كأن ينذر أن يلبس ثوبا بعينه، أو يأكل طعاما مخصوصا، أو يركب دابة بذاتها، أو أن يدخل بيتا محددا ونحو ذلك. عن ثابت بن الضحاك قال: نذر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلا ببوانة ـ وفي رواية: لأنه وُلِد له ولد ذكر ـ فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني نذرت أن أنحر إبلا ببوانة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ " قالوا: لا.:" هل كان فيها عيد من أعيادهم؟ "، قالوا: لا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أوف بنذرك فإنه لاوفاء لنذر في معصية الله ولا فيما فيما لا يملك ابن آدم " رواه أبو داود 2881 وهذا الرجل نذر أن يذبح إبلا ببوانة (موضع وراء ينبع) شكرا لله تعالى، أن وهبه مولودا ذكرا، فأجاز له النبي صلى الله عليه وسلم أن يفي بنذره، ويذبح إبله في ذلك الموضع. نسأل الله التوفيق لما يحبّ ويرضى وصلى الله على نبينا محمد [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2587 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4494 حكم الأضحية عن الأموات وعن النبي صلى الله عليه وسلم [السُّؤَالُ] ـ[رأيت بعض الناس خلال عيد الأضحى المبارك يقدمون أضاحي بالنيابة عن آبائهم وعن النبي صلى الله عليه وسلم، فهل هذا جائز أم أنها بدعة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا يشرع إهداء الأضحية أو فعلها عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن ذلك لم يرد عن أحد من الصحابة مع كمال محبتهم له وكمال حرصهم على فعل الخير، ولم يرشد النبي صلى الله عليه وسلم أمته لذلك، كما أرشدهم للصلاة عليه ولسؤال الفضيلة والوسيلة له بعد الأذان، ولو كان خيرا لدلهم عليه صلى الله وعليه وسلم؛ ولأن كل خير تفعله أمته يناله ثوابه؛ لأنه الدال والمرشد والداعي إليه، فصار إهداء العامل الثواب للنبي صلى الله عليه وسلم ليس فيه فائدة , بل فيه إخراج العامل للثواب عن نفسه من غير فائدة تحصل لغيره. وقد سبق بيان ذلك مفصلا في جواب السؤال رقم (52772) . ثانيا: الأضحية عن الأموات، تقع على ثلاث صور: الأولى: أن يضحي عنهم تبعاً للأحياء مثل أن يضحي الرجل عنه وعن أهل بيته وينوي بهم الأحياء والأموات، وهذا جائز، ودليل هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلّم كان يضحي عنه وعن أهل بيته وفيهم من قد مات من قبل، كخديجة رضي الله عنها. الثاني: أن يضحي عن الأموات بمقتضى وصاياهم تنفيذاً لها، وهذا واجب إلا إن عجز عن ذلك، ودليل هذا قوله تعالى في تبديل الوصية: (فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَآ إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) . الثالث: أن يضحي عن الأموات تبرعاً مستقلين عن الأحياء (بأن يذبح لأبيه أضحية مستقلة، أو لأمه أضحية مستقلة) فهذه جائزة، وقد نص فقهاء الحنابلة على أن ثوابها يصل إلى الميت وينتفع به قياساً على الصدقة عنه، لكن الأولى ترك ذلك لعدم وروده، فلم يضح النبي صلى الله عليه وسلّم عن أحد من أمواته بخصوصه، فلم يضح عن عمه حمزة وهو من أعز أقاربه عنده، ولا عن أولاده الذين ماتوا في حياته، ولا عن زوجته خديجة وهي من أحب نسائه إليه، ولم يرد عن أصحابه في عهده أن أحداً منهم ضحى عن أحد من أمواته. وينظر جواب السؤال رقم (36596) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128016 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4495 حكم التضحية بالأنثى [السُّؤَالُ] ـ[هل تجوز أنثى الحيوان كأضحية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يشترط في الأضحية أن تكون من بهيمة الأنعام، سليمة من العيوب، بالغة السن المعتبرة شرعا، ولا فرق في ذلك بين الذكر والأنثى، فتجوز الأضحية بكليهما. قال النووي رحمه الله في "المجموع" (8/364) : " فشرط المجزئ في الأضحية أن يكون من الأنعام، وهي الإبل والبقر والغنم , سواء في ذلك جميع أنواع الإبل , وجميع أنواع البقر , وجميع أنواع الغنم من الضأن والمعز وأنواعهما , ولا يجزئ غير الأنعام من بقر الوحش وحميره وغيرها بلا خلاف , وسواء الذكر والأنثى من جميع ذلك , ولا خلاف في شيء من هذا عندنا " انتهى باختصار. وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: أخبرنا عن الأضحية، هل تجزئ الشاة على ستة أشهر، حيث إنهم يقولون: لا تجزئ الشاة أو الخروف إلا عن سنة كاملة؟ فأجابت: "لا يجزئ من الضأن في الأضحية إلا ما كان سنّه ستة أشهر ودخل في السابع فأكثر، سواء كان ذكرا أم أنثى، ويسمى: جَذَعاً؛ لما رواه أبو داود والنسائي من حديث مجاشع قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الجَذَع يوفي ما يوفي منه الثني) ولا يجزئ من المعز والبقر والإبل إلا ما كان مسنة، سواء كان ذكرا أم أنثى، وهي من المعز ما بلغت سنة، ودخلت في الثانية، ومن البقر ما أتمت سنتين ودخلت في الثالثة، ومن الإبل ما أتمت خمس سنين ودخلت في السادسة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تذبحوا إلا المسنة، إلا إن تعسر عليكم فاذبحوا الجذع من الضأن) رواه مسلم " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/414) . وينظر شروط الأضحية في جواب السؤال رقم (36755) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126705 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4496 كيفية تقسيم الأضحية في الأكل والصدقة [السُّؤَالُ] ـ[أرجو أن تذكر لي حديثا يثبت صحة تقسيم الأضحية إلى ثلاث أقسام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ورد الأمر بالتصدق بلحوم الأضاحي في الأحاديث النبوية، كما ورد الإذن بالأكل والادخار. فقد روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: دَفَّ أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ (أي أسرعوا مقبلين إلى المدينة) حَضْرَةَ الأَضْحَى زَمَنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ادَّخِرُوا ثَلاثًا ثُمَّ تَصَدَّقُوا بِمَا بَقِيَ فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ النَّاسَ يَتَّخِذُونَ الأَسْقِيَةَ مِنْ ضَحَايَاهُمْ وَيَجْمُلُونَ مِنْهَا الْوَدَكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا ذَاكَ قَالُوا نَهَيْتَ أَنْ تُؤْكَلَ لُحُومُ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلاثٍ فَقَالَ إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ (وهم ضعفاء الأعراب الذين قدموا المدينة) فَكُلُوا وَادَّخِرُوا. " رواه مسلم 3643، قال النووي رحمه الله في شرح الحديث: قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت) والمراد هنا من ورد من ضعفاء الأعراب للمواساة. قوله: (يجملون) بفتح الياء مع كسر الميم وضمها.. يقال: جملت الدهن.. وأجملته إجمالا أي أذبته.. قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت فكلوا وادخروا وتصدقوا) هذا تصريح بزوال النهي عن ادخارها فوق ثلاث، وفيه الأمر بالصدقة منها، والأمر بالأكل، فأما الصدقة منها إذا كانت أضحية تطوع فواجبة على الصحيح عند أصحابنا بما يقع عليه الاسم منها، ويستحب أن يكون بمعظمها. قالوا: وأدنى الكمال أن يأكل الثلث ويتصدق بالثلث ويهدي الثلث، وفيه قول أنه يأكل النصف، ويتصدق بالنصف، وهذا الخلاف في قدر أدنى الكمال في الاستحباب، فأما الإجزاء فيجزيه الصدقة بما يقع عليه الاسم كما ذكرنا.. وأما الأكل منها فيستحب ولا يجب.. وحمل الجمهور هذا الأمر (وهو قوله تعالى: فكلوا منها) على الندب أو الإباحة لا سيما وقد ورد بعد الحظر. انتهى. وقال مالك: لا حد فيما يأكل ويتصدق ويطعم الفقراء والأغنياء، إن شاء نيئاً وإن شاء مطبوخاً الكافي 1/424، وقال الشافعية يستحب التصدق بأكثرها وقالوا: أدنى الكمال أن يأكل الثلث ويتصدق بالثلث، ويهدي الثلث، وقالوا يجوز أكل النصف، والأصح التصدق ببعضها نيل الأوطار 5/145 والسراج الوهاج 563، وقال أحمد: نحن نذهب إلى حديث عبد الله (ابن عباس) رضي الله عنهما (يأكل هو الثلث ويطعم من أراد الثلث ويتصدق على المساكين بالثلث) رواه أبو موسى الأصفهاني في الوظائف وقال حديث حسن وهو قول ابن مسعود وابن عمر ولم يعرف لهما مخالف من الصحابة المغني 8 / 632 وسبب الاختلاف في القدر الواجب في التصدق من الأضحية هو اختلاف الروايات، وقد وردت روايات بغير تعيين نسبة معينة كحديث بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الأَضَاحِيِّ فَوْقَ ثَلاثٍ لِيَتَّسِعَ ذُو الطَّوْلِ عَلَى مَنْ لا طَوْلَ لَهُ فَكُلُوا مَا بَدَا لَكُمْ وَأَطْعِمُوا وَادَّخِرُوا رواه الترمذي 1430 وقال حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ. والله تعالى أعلم [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 3967 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4497 إصابة الأضحية بعيب قبل الذبح [السُّؤَالُ] ـ[اشتريت خروفاً سليماً لأضحية العيد قبل العيد بكم يوم .... وعند نزوله على السلالم للذبح أصيب في قدمه (قبل الذبح بساعة) .... هل يعتبر هذا عيب في الأضحية.؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال صاحب زاد المستقنع: (وإن تعيَّبت (أي الأضحية) ذبحها وأجزأته ..... ) قال الشيخ ابن عثيمين: مثال ذلك: اشترى رجل شاة للأضحية ثم انكسرت رجلها، وصارت لا تستطيع المشي مع الصحاح بعد أن عيَّنها، فإنه في هذه الحال يذبحها وتجزئه، لأنها لما تعيَّنت صارت أمانة عنده كالوديعة، وإذا كانت أمانة ولم يحصل تعيُّبها بفعله أو تفريطه فإنه لا ضمان عليه وتجزئه. [الْمَصْدَرُ] انظر الشرح الممتع ج/7 ص/515 الحديث: 20875 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4498 هل يضحي أم يسد ما عليه من الدين؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل للمديون أن يضحي في العيد، أم الأفضل أن يسدد دينه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أداء الدَّيْن أولى وأوجب من التضحية في أيام العيد، لعدة أسباب: 1- أداء الدَّيْن واجب، والأضحية سنة مؤكدة، فلا تقدم السنة على الواجب، وحتى على قول من رأى أن الأضحية واجبة، من أهل العلم، فإن سداد الدين مقدم عليها؛ لأن الأضحية إنما تجب – عند من يقول بالوجوب – على القادر، والمدين غير قادر. 2- في سداد الدَّيْن إبراء للذمة، وفي تعيين الأضحية شغل لها، ولا شك أن إبراء الذمة أولى وأوجب من شغلها. 3- الدَّيْن حق للعباد، والأضحية حق موسع مندوب لله تعالى، فيقدم حق العباد في هذه الحالة. 4- ثم إن في بقاء الدَّيْن مخاطرة عظيمة، إذ يخشى على المَدِين أن يؤدِّيَ دينَه يوم القيامة من حسناته إذا لم يؤد الله عنه، وفي ذلك خطر عظيم؛ لأن المسلم أحوج ما يكون يومئذ إلى حسنة واحدة. فيتبين بذلك أن أداء الدَّيْن أوجب من ذبح الأضحية، ولا يستثنى منه إلا إذا كان الدَّيْنَ مؤجَّلا بعيدَ الأمد، بحيث يغلب على ظن المَدين أنه سيتمكن من سداد الدَّيْن في وقته إذا ذبح أضحيته الآن، أو كان قد رهن في دَينِه ما يتمكن به من السداد إن عجز في حينه، فلا حرج عليه حينئذ من ذبح الأضحية بما ييسر الله له، ويكون له الأجر والثواب عند الله تعالى. جاء في "اللقاء الشهري" (رقم/53، سؤال رقم 24) : " السؤال: ما حكم الأضحية إذا كانت بدين مؤجل؛ هل تجزئ أو لا بد من الاستئذان من صاحب الدين؟ الجواب: لا أرى أن يضحي الإنسان وعليه دين إلا إذا كان الدين مؤجلاً، وهو عالم من نفسه أنه إذا حل الدَّيْن تمكن من وفائه، فلا بأس أن يضحي، وإلا فليدخر الدراهم التي عنده للدَّيْن، الدَّيْن مهم - يا إخواننا -، كان الرسول عليه الصلاة والسلام إذا قدم إليه رجل يصلي عليه ترك الصلاة عليه، حتى إنه في يوم من الأيام قُدِّم إليه رجل من الأنصار فخطا خطوات ثم قال: (هل عليه دَين؟ قالوا: نعم. قال: صلوا على صاحبكم، ولم يصل عليه، حتى قام أبو قتادة رضي الله عنه وقال: الديناران عليَّ. فقال: حق الغريم وبرئ منه الميت. قال: نعم يا رسول الله! فتقدم وصلى) ، ولما سئل عن الشهادة في سبيل الله وأنها تكفر كل شيء قال: (إلا الدَّيْن) الشهادة لا تكفر الدَّيْن، فالدَّيْن ليس بالأمر الهين - يا إخواننا - أنقذوا أنفسكم، لا تصاب البلاد بمصيبة اقتصادية في المستقبل؛ لأن هؤلاء الذين يستدينون ويستهينون بالدَّيْن سيفلسون فيما بعد، ثم يفلس مَن وراؤهم الذين ديَّنوهم، فالمسألة خطيرة للغاية، وما دام الله عز وجل يسر للعباد العبادات المالية ألا يقوم بها الإنسان إلا إذا كان عن سعة فليحمد الله وليشكر " انتهى. ويقول في "الشرح الممتع" (8/455) : " إن كان عليه دين ينبغي له أن يبدأ بالدين قبل الأضحية " انتهى. وانظر جواب السؤال رقم: (41696) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112426 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4499 هل تضحي المرأة الغنية عن زوجها؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمرأة المقتدرة أن ضحى عن زوجها لأن زوجها غير قادر على الأضحية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأضحية مشروعة للرجل والمرأة، فمن كانت لديها القدرة على الأضحية استحب لها ذلك. وإذا ضحت المرأة فلتجعل أضحيتها عن نفسها وعن أهل بيتها، فيدخل في ذلك زوجها. وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: الأضحية هل هي للأسرة ككل أم لكل فرد فيها بالغ، ومتى يكون ذبحها؟ وهل يشترط لصاحبها عدم أخذ شيء من أظافره وشعره قبل ذبحها؟ وإذا كانت لامرأة وهي حائض ما العمل؟ وما الفرق بين الأضحية والصدقة في مثل هذا الأمر؟ فأجاب: "الأضحية سنة مؤكدة، تشرع للرجل والمرأة، وتجزئ عن الرجل وأهل بيته، وعن المرأة وأهل بيتها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضحي كل سنة بكبشين أملحين أقرنين أحدهما عنه وعن أهل بيته، والثاني عمن وحد الله من أمته. ووقتها يوم النحر وأيام التشريق في كل سنة، والسنة للمضحي أن يأكل منها، ويهدي لأقاربه وجيرانه منها، ويتصدق منها. ولا يجوز لمن أراد أن يضحي أن يأخذ من شعره ولا من أظفاره ولا من بشرته شيئا، بعد دخول شهر ذي الحجة حتى يضحي؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل شهر ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي، فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره ولا من بشرته شيئا حتى يضحي) رواه الإمام مسلم في صحيحه، عن أم سلمة رضي الله عنها. أما الوكيل على الضحية، أو على الوقف الذي فيه أضاحي، فإنه لا يلزمه ترك شعره ولا ظفره ولا بشرته؛ لأنه ليس بمضح، وإنما هذا على المضحي الذي وكله في ذلك، وهكذا الواقف هو المضحي. والناظر على الوقف وكيل منفذ وليس بمضح، والله ولي التوفيق " انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (18/38) . وأما إذا أرادت أن تضحي عنه بحيث تكون الأضحية له فلا بد من إذنه؛ لأنه لا تجوز النيابة عن الغير في العبادة إلا بإذنه سواء كان النائب رجلاً أو امرأة، لأن الأضحية عبادة، والعبادة لا بد لها من نية. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112264 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4500 حكم تمني الرجل كونه امرأة والعكس [السُّؤَالُ] ـ[هل على الرجل إثم في قوله " يا ليت ربي خلقني أنثى، أو العكس؟ هل في ذلك اعتراض على خلقة الله سبحانه وتعالى؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز للذكَر أن يتمنى لو كان أنثى، كما لا يجوز للأنثى أن تتمنى لو كانت ذَكراً؛ إذ في تمنيهم هذا اعتراض على قدر الله، وتسخط عليه، وهو يؤدي إلى البطالة والكسل، وترك العمل. قال الله تعالى: (وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) النساء/ 32. قال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله: "وأما قوله عز وجل: (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض) : فقد فُسِّر ذلك بالحسد، وهو تمني الرجل نفس ما أعطي أخوه من أهل ومال، وأن ينتقل ذلك إليه. وفُسِّرَ بتمني ما هو ممتنع شرعاً أو قدراً، كتمنِّي النِّساءِ أنْ يكنَّ رجالاً، أو يكون لهن مثلُ ما للرجالِ من الفضائلِ الدينية كالجهاد، والدنيوية كالميراثِ والعقلِ والشهادةِ ونحو ذلك. وقيل: إن الآية تشمل ذلك كله، ومع هذا كله فينبغي للمؤمن أن يحزن لفوات الفضائل الدينية، ولهذا أُمِر أن ينظر في الدِّين إلى مَن هو فوقه، وأن ينافس في طلب ذلك جهده، وطاقته، كما قال تعالى: (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون) " انتهى. " جامع العلوم والحكم " (ص 122، 123) . وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: "ينهى تعالى المؤمنين عن أن يتمنى بعضهم ما فضَّل الله به غيرَه من الأمور الممكنة، وغير الممكنة، فلا تتمنى النساء خصائص الرجال التي بها فضَّلهم على النساء، ولا صاحب الفقر والنقص حالة الغنى والكمال تمنيّاً مجرداً؛ لأن هذا هو الحسد بعينه، تمني نعمة الله على غيرك أن تكون لك ويسلب إياها؛ ولأنه يقتضي السخط على قدر الله، والإخلاد إلى الكسل والأماني الباطلة التي لا يقترن بها عمل ولا كسب، وإنما المحمود أمران: أن يسعى العبد على حسب قدرته بما ينفعه من مصالحه الدينية والدنيوية، ويسأل الله تعالى من فضله، فلا يتكل على نفسه، ولا على غير ربه، ولهذا قال تعالى: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا) أي: من أعمالهم المنتجة للمطلوب، (وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ) فكلٌّ منهم لا يناله غير ما كسبه وتعب فيه. (وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ) أي: من جميع مصالحكم في الدين والدنيا، فهذا كمال العبد، وعنوان سعادته، لا مَن يترك العمل، أو يتكل على نفسه غير مفتقر لربه، أو يجمع بين الأمرين، فإن هذا مخذول خاسر. وقوله: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) فيعطي من يعلمه أهلاً لذلك، ويمنع من يعلمه غير مستحق" انتهى. " تفسير السعدي " (ص 176) . وانظر جواب السؤال رقم: (5710) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111882 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4501 هل يجوز أن يشترك في بقرة أضحية بأقل من السُّبع؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن يشترك أحد المضحين بأقل من السبع في البقرة؟ وهل يؤثر ذلك على المضحين المشتركين معه في الأضحية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز أن يشترك سبعة في بقرة أو بعير في الأضحية، وسبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (45757) . ولا يجوز أن يشترك أحد المضحين بأقل من السبع، أما إذا كان يريد اللحم ولا يريد الأضحية فلا حرج عليه أن يشترك بما شاء. قال الشيخ بن عثيمين في رسالة "أحكام الأضحية": "وتجزئ الواحدة من الغنم عن الشخص الواحد، ويجزئ سُبع البعير أو البقرة عما تجزئ عنه الواحدة من الغنم .... وإذا اشترك اثنان فأكثر في ملك أضحية يضحيان بها، فهذا لا يجوز، ولا يصح أضحية إلا في الإبل والبقر إلى سبعة فقط، وذلك لأن الأضحية عبادة وقربة إلى الله تعالى، فلا يجوز إيقاعها ولا التعبد بها إلا على الوجه المشروع زمناً وعددا وكيفية" انتهى باختصار من "رسائل فقهية" (ص 58، 59) . فإذا اشترك أحد المضحين بأقل من السبع لم تصح أضحيته، ولا يؤثر ذلك على سائر المشتركين، لأنه لا مانع من اشتراك سبعة في بقرة أضحية، وبعضهم يريد الأضحية، وبعضهم يريد اللحم. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (45771) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111887 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4502 هل يجوز اشتراك أقل من سبعة في بقرة أضحية؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز الاشتراك في الأضحية من البقر لأقل من سبعة أشخاص؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز اشتراك سبعة أشخاص في بقرة في الأضحية. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (45757) . وإذا جاز اشتراك سبعة في البقرة الواحدة، فيجوز من باب أولى أن يشترك فيها أقل من سبعة، ويكونون متطوعين بالزيادة، كما لو ذبح شخص واحد بقرة أضحية، مع أنه يكفيه شاة. قال الإمام الشافعي رحمه الله في "الأم" (2/244) : "وإذا كانوا أقل من سبعة أجزأت عنهم، وهم متطوعون بالفضل، كما تجزي الجزور (البعير) عمن لزمته شاة، ويكون متطوعا بفضلها عن الشاة " انتهى. وقال الكاساني في "بدائع الصنائع" (5/71) : "وَلَا شَكَّ فِي جَوَازِ بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ عَنْ أَقَلَّ مِنْ سَبْعَةٍ، بِأَنْ اشْتَرَكَ اثْنَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ أَوْ خَمْسَةٌ أَوْ سِتَّةٌ فِي بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ السُّبْعُ فَالزِّيَادَةُ أَوْلَى، وَسَوَاءٌ اتَّفَقَتْ الْأَنْصِبَاءُ فِي الْقَدْرِ أَوْ اخْتَلَفَتْ؛ بِأَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمْ النِّصْفُ، وَلِلْآخَرِ الثُّلُثُ، وَلِآخَرَ السُّدُسُ، بَعْدَ أَنْ لَا يَنْقُصَ عَنْ السُّبْعِ" انتهى. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111322 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4503 جمع جلود الأضاحي وبيعها والتصدق بثمنها [السُّؤَالُ] ـ[تقوم لجان المساجد عندنا في الجزائر بجمع جلود الأضاحي وبيعها لمؤسسات صناعة الجلود وصرف ثمنها في بناء المساجد ويحتجون بأن كثيرا من الناس اليوم لا يحتاجونها ويقومون برميها فهل يجوز هذا الفعل؟ وهل يجوز للشخص إعطاء جلد الأضحية لهؤلاء إذا قصدوا بيته وهو يعلم مسبقا أنهم سوف يبيعونها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا يجوز للمضحي أن يبيع جلد أضحيته؛ لأنها بالذبح تعينت لله بجميع أجزائها، وما تعيّن لله لم يجز أخذ العوض عنه، ولهذا لا يعطى الجزار منها شيئا على سبيل الأجرة. وقد روى البخاري (1717) ومسلم (1317) واللفظ له عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا وَجُلُودِهَا وَأَجِلَّتِهَا وَأَنْ لَا أُعْطِيَ الْجَزَّارَ مِنْهَا. قَالَ: نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا. قال في "زاد المستقنع": " ولا يبيع جلدها ولا شيئا منها، بل ينتفع به ". قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه (7/514) : " وقوله: "ولا يبيع جلدها" بعد الذبح؛ لأنها تعينت لله بجميع أجزائها، وما تعين لله فإنه لا يجوز أخذ العوض عليه، ودليل ذلك حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنه حمل على فرس له في سبيل الله، يعني أعطى شخصاً فرساً يجاهد عليه، ولكن الرجل الذي أخذه أضاع الفرس ولم يهتم به، فجاء عمر يستأذن النبي صلّى الله عليه وسلّم في شرائه حيث ظن أن صاحبه يبيعه برخص، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: (لا تشتره ولو أعطاكه بدرهم) ، والعلة في ذلك أنه أخرجه لله، وما أخرجه الإنسان لله فلا يجوز أن يرجع فيه، ولهذا لا يجوز لمن هاجر من بلد الشرك أن يرجع إليه ليسكن فيه؛ لأنه خرج لله من بلد يحبها فلا يرجع إلى ما يحب إذا كان تركه لله عزّ وجل، ولأن الجلد جزء من البهيمة تدخله الحياة كاللحم. [يعني لا يجوز بيعه كما لا يجوز بيع اللحم] وقوله: "ولا شيئاً منها"، أي لا يبيع شيئاً من أجزائها، ككبد، أو رجل، أو رأس، أو كرش، أو ما أشبه ذلك، والعلة ما سبق " انتهى. وبهذا يعلم أن المشروع هو الانتفاع بالجلد أو التصدق به على مستحقه من فقير أو مسكين. ولو تصدق المضحي بالجلد على فقير، فباعه الفقير، فلا حرج على واحد منهما. قال الشيخ محمد المختار الشنقيطي حفظه الله: " أما إذا كان هناك شركة تشتري الجلد في نفس المسلخ، وأعطيته الفقير، ثم ذهب الفقير وباعه لهذه الشركة أو لهذه المؤسسة، فلا بأس " انتهى من "شرح زاد المستقنع ". ثانيا: أما بيع الجلد والتصدق بثمنه، فقد اختلف فيه أهل العلم، فمنهم من أجاز ذلك، وهو مذهب الحنفية ورواية عن أحمد رحمه الله، ومنعه الجمهور. قال في "تبيين الحقائق" (6/9) : " ولو باعهما بالدراهم ليتصدق بها جاز ; لأنه قربة كالتصدق بالجلد واللحم ". وقال ابن القيم رحمه الله في "تحفة المودود بأحكام المولود" ص 89: " وقال أبو عبد الله بن حمدان في رعايته: ويجوز بيع جلودها وسواقطها ورأسها والصدقة بثمن ذلك، نص عليه [أي الإمام أحمد] ... قال الخلال: وأخبرني عبد الملك بن عبد الحميد أن أبا عبد الله [يعني الإمام أحمد] قال: إن ابن عمر باع جلد بقرةٍ وتصدق بثمنه. وقال إسحاق بن منصور: قلت لأبي عبد الله: جلود الأضاحي ما يصنع بها؟ قال: ينتفع بها ويتصدق بثمنها. قلت: تباع ويتصدق بثمنها؟ قال: نعم، حديث ابن عمر " انتهى. وينظر: "الإنصاف" (4/93) . وقال الشوكاني رحمه الله في "نيل الأوطار" (5/153) : " اتفقوا على أن لحمها لا يباع فكذا الجلود. وأجازه الأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وهو وجه عند الشافعية قالوا: ويصرف ثمنه مصرف الأضحية " انتهى. وعلى هذا؛ فلا حرج في إعطاء الجلود للجمعيات الخيرية التي تتولى بيعه والتصدق بثمنه، وهذا من المشاريع النافعة؛ لأن أكثر الناس لا ينتفعون بجلد الأضحية، فبيع الجلد والتصدق به فيه تحقيق للمصلحة المقصودة، وهو نفع الفقراء، مع السلامة من المحذور وهو اعتياض المضحي عن شيء من أضحيته. مع التنبيه على أن الأضحية يُعطى منها للأغنياء على سبيل الهدية، فلو نوى المضحي أنه أعطى الجلد هدية للجمعية الخيرية التي تقوم بجمعه، فلا حرج في ذلك. ثم تقوم الجمعية ببيعه والتصدق بثمنه فيما شاءت من الأعمال الخيرية. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 110665 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4504 هل يتلفظ المضحي بالنية عند الذبح؟ [السُّؤَالُ] ـ[قول المضحي: هذه عن فلان أي تسمية صاحب الأضحية عند الذبح هل هذا نطق بالنية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس هذا تلفظاًَ بالنية، "لأن قول المضحي: هذه عني وعن أهل بيتي، إخبار عما في قلبه، لم يقل اللهم إني أريد أن أضحي. كما يقول من يريد أن ينطق بالنية، بل أظهر ما في قلبه فقط، وإلا فإن النية سابقة من حين أن أتى بالأضحية وأضجعها وذبحها فقد نوى" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/20) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109340 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4505 الأضحية بقصد الشفاء [السُّؤَالُ] ـ[أصيب ابن عمي في حادث، وقال الأطباء إن نسبة شفائه 50%، نَصَحَنَا شخصٌ بأن نضحي بماعزٍ لِلَّه، فهل يجوز أن نفعل ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الذبح لله تعالى، وقصد بذلك التصدق بشيء من هذا اللحم على الفقراء والمساكين، فلا حرج من ذلك، فقد روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (داووا مرضاكم بالصدقة) رواه أبو داود في الراسيل، ورواه الطبراني والبيهقي وغيرهما، عن جماعة من الصحابة، وكل أسانيده ضعيفة، وقد حسنه الألباني رحمه الله لغيره في صحيح الترمذي (744) . وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: تكرموا علينا - حفظكم الله - ببيان فقه حديث: (داووا مرضاكم بالصدقة) – رواه البيهقي في السنن الكبرى (3/382) ويضعفه عامة المحدثين- من جهة مداواة المريض بالذبح له، هل يشرع ذلك أو لا يشرع لرفع البلاء عنه؟ فأجابوا: "الحديث المذكور غير صحيح، ولكن لا حرج في الصدقة عن المريض تقربا إلى الله عز وجل، ورجاء أن يشفيه الله بذلك؛ لعموم الأدلة الدالة على فضل الصدقة، وأنها تطفئ الخطيئة، وتدفع ميتة السوء" انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (24/441) . وقال الشيخ ابن جبرين حفظه الله: "الصدقة علاج نافع مفيد، يشفي الأمراض، ويخفف الأسقام، ويؤيده قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار) - رواه أحمد (3/399) -، فلعل بعض الأمراض تحدث عقوبةً على ذنبٍ أصابه المريض، فمتى تصدق عنه أهله زالت الخطيئة فزال سبب المرض، أو أن الصدقة تكتب له حسنات، فينشط قلبه بها، ويخف مع ذلك ألم المرض" انتهى. "الفتاوى الشرعية في المسائل الطبية" (2/سؤال رقم/15) . فلا حرج عليكم في الذبح لوجه الله تعالى، تقصدون به الصدقة عن هذا المريض لعل الله أن يشفيه ويعافيه، وخاصة إذا كان ذلك على وجه الأضحية أيضا. ولكن.. لا داعي لتخصيص الذبح بالماعز، لأن المقصود هو الذبح على سبيل الأضحية والصدقة، فتذبحون ما تيسر مما يجزئ في الأضحية، سواء كان ماعزاً أم غيرها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 107549 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4506 حكم الجمع بين الأضحية والعقيقة في ذبيحة واحدة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز ذبح ذبيحة واحدة بنية الأضحية والعقيقة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا اجتمعت الأضحية والعقيقة، فأراد شخصٌ أن يعقَ عن ولده يوم عيد الأضحى، أو في أيام التشريق، فهل تجزئ الأضحية عن العقيقة؟ اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين: القول الأول: لا تجزئ الأضحية عن العقيقة. وهو مذهب المالكية والشافعية، ورواية عن الإمام أحمد رحمهم الله. وحجة أصحاب هذا القول: أن كلاً منهما – أي: العقيقة والأضحية – مقصود لذاته فلم تجزئ إحداهما عن الأخرى، ولأن كل واحدة منهما لها سبب مختلف عن الآخر، فلا تقوم إحداهما عن الأخرى، كدم التمتع ودم الفدية. قال الهيتمي رحمه الله في "تحفة المحتاج شرح المنهاج" (9/371) : " وَظَاهِرُ كَلَامِ َالْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَوْ نَوَى بِشَاةٍ الْأُضْحِيَّةَ وَالْعَقِيقَةَ لَمْ تَحْصُلْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا، وَهُوَ ظَاهِرٌ ; لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سُنَّةٌ مَقْصُودَةٌ " انتهى. وقال الحطاب رحمه الله في "مواهب الجليل" (3/259) : "إِنْ ذَبَحَ أُضْحِيَّتَهُ لِلْأُضْحِيَّةِ وَالْعَقِيقَةِ أَوْ أَطْعَمَهَا وَلِيمَةً، فَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: قَالَ صَاحِبُ الْقَبَسِ: قَالَ شَيْخُنَا أَبُو بَكْرٍ الْفِهْرِيُّ إذَا ذَبَحَ أُضْحِيَّتَهُ لِلْأُضْحِيَّةِ وَالْعَقِيقَةِ لَا يُجْزِيهِ، وَإِنْ أَطْعَمَهَا وَلِيمَةً أَجْزَأَهُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْأَوَّلَيْنِ إرَاقَةُ الدَّمِ، وَإِرَاقَتُهُ لَا تُجْزِئُ عَنْ إرَاقَتَيْنِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْوَلِيمَةِ الْإِطْعَامُ، وَهُوَ غَيْرُ مُنَافٍ لِلْإِرَاقَةِ، فَأَمْكَنَ الْجَمْعُ. انْتَهَى " انتهى. القول الثاني: تجزئ الأضحية عن العقيقة. وهو رواية عن الإمام أحمد، وهو مذهب الأحناف، وبه قال الحسن البصري ومحمد بن سيرين وقتادة رحمهم الله. وحجة أصحاب هذا القول: أن المقصود منهما التقرب إلى الله بالذبح، فدخلت إحداهما في الأخرى، كما أن تحية المسجد تدخل في صلاة الفريضة لمن دخل المسجد. روى ابن أبي شيبة رحمه الله في "المصنف" (5/534) : عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: إذَا ضَحُّوا عَنْ الْغُلَامِ فَقَدْ أَجْزَأَتْ عَنْهُ مِنْ الْعَقِيقَةِ. وعَنْ هِشَامٍ وَابْنِ سِيرِينَ قَالَا: يُجْزِئُ عَنْهُ الْأُضْحِيَّةُ مِنْ الْعَقِيقَةِ. وعَنْ قَتَادَةَ قَالَ: لَا تُجْزِئُ عَنْهُ حَتَّى يُعَقَّ. وقال البهوتي رحمه الله في "شرح منتهى الإرادات" (1/617) : " وَإِنْ اتَّفَقَ وَقْتُ عَقِيقَةٍ وَأُضْحِيَّةٍ، بِأَنْ يَكُونَ السَّابِعُ أَوْ نَحْوُهُ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ، فَعَقَّ أَجْزَأَ عَنْ أُضْحِيَّةٍ، أَوْ ضَحَّى أَجْزَأَ عَنْ الْأُخْرَى، كَمَا لَوْ اتَّفَقَ يَوْمُ عِيدٍ وَجُمُعَةٍ فَاغْتَسَلَ لِأَحَدِهِمَا، وَكَذَا ذَبْحُ مُتَمَتِّعٍ أَوْ قَارِنٍ شَاةً يَوْمَ النَّحْرِ، فَتُجْزِئُ عَنْ الْهَدْيِ الْوَاجِبِ وَعَنْ الْأُضْحِيَّةَ " انتهى. وقال رحمه الله في "كشاف القناع" (3/30) : " وَلَوْ اجْتَمَعَ عَقِيقَةٌ وَأُضْحِيَّةٌ، وَنَوَى الذَّبِيحَةَ عَنْهُمَا، أَيْ: عَنْ الْعَقِيقَةِ وَالْأُضْحِيَّةِ أَجْزَأَتْ عَنْهُمَا نَصًّا [أي: نص عليه الإمام أحمد] " انتهى. وقد اختار هذا القول الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله فقال: "لو اجتمع أضحية وعقيقة كفى واحدة صاحب البيت، عازم على التضحية عن نفسه فيذبح هذه أضحية وتدخل فيها العقيقة. وفي كلامٍ لبعضهم ما يؤخذ منه أنه لابد من الاتحاد: أن تكون الأضحية والعقيقة عن الصغير. وفي كلام آخرين أنه لا يشترط، إذا كان الأب سيضحي فالأضحية عن الأب والعقيقة عن الولد. الحاصل: أنه إذا ذبح الأضحية عن أُضحية نواها وعن العقيقة كفى" انتهى. "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم" (6/159) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106630 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4507 ذبح الأضحية أفضل من التصدق بثمنها [السُّؤَالُ] ـ[أنا وأخي كلانا له بيت ونريد في العيد إن شاء الله أن نذبح كبشا ونتصدق بالآخر دون أن نذبحه؟ فهل يجب أن نذبح الكبشين أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المشروع في حقكما أن تضحيا بأضحيتين، ولا يكفي الاشتراك في أضحية واحدة، لما ذكرت من استقلالك عن أخيك، وقد ذكرنا شروط الاشتراك في الأضحية في الجواب رقم (96741) وذكرنا فيه اختلاف الفقهاء في حكم الأضحية، وأنها سنة مؤكدة عند الجمهور، وواجبة في قول بعض الفقهاء. وقد ذكر أهل العلم أن ذبح الأضحية أولى وأفضل من التصدق بثمنها، وعليه فيمكنك أن تضحي وتتصدق باللحم، أو توكل من يذبحها عنك في بعض البلدان أو المناطق التي تكثر فيها الحاجة. قال في "مطالب أولي النهى" (2/473) : " (وذبحها) أي الأضحية (و) ذبح (عقيقة: أفضل من صدقةٍ بثمنها) نصا [أي نصّ على ذلك الإمام أحمد رحمه الله] وكذا هَدْي ... وقد ضحى النبي صلى الله عليه وسلم وأهدى الهدايا والخلفاء بعده ; ولو أن الصدقة بالثمن أفضل لم يعدلوا عنه " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96816 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4508 هل يجوز لأخوين الاشتراك في أضحية واحدة وهما مستقلان في السكن [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن نضحي بأضحية واحدة أنا وشقيقي وكل له بيت مستقل وكل واحد في مدينة ونجتمع أيام العيد والوالدة تسكن مرة عندي ومرة عند شقيقي مع العلم أن الوالد متوفى، وإذا اشترت الوالدة الأضحية من حر مالها هل تجزيء عني أنا وشقيقي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الأضحية سنة مؤكدة، غير واجبة، في قول جمهور الفقهاء، وذهب بعض أهل العلم إلى وجوبها على القادر؛ وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد في رواية، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " فالقول بالوجوب أظهر من القول بعدم الوجوب، لكن بشرط القدرة " انتهى من "الشرح الممتع" (7/422) . ثانيا: تجزئ الأضحية عن الرجل وأهل بيته؛ لما روى الترمذي (1505) وابن ماجه (3147) عن عَطَاء بْن يَسَارٍ قال: سَأَلْتُ أَبَا أَيُّوبَ الأَنْصَارِيَّ كَيْفَ كَانَتْ الضَّحَايَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يُضَحِّي بِالشَّاةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَيَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ. صححه الألباني في صحيح الترمذي. قال في "تحفة الأحوذي: "هذا الحديث نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الشَّاةَ الْوَاحِدَةَ تُجْزِئُ عَنْ الرَّجُلِ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَإِنْ كَانُوا كَثِيرِينَ، وَهُوَ الْحَقُّ ". قَالَ الْحَافِظُ اِبْنُ الْقَيِّمِ فِي "زَادِ الْمَعَادِ: " وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الشَّاةَ تُجْزِئُ عَنْ الرَّجُلِ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَلَوْ كَثُرَ عَدَدُهُمْ ". وقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي "نيْلِ الأوطار": " وَالْحَقُّ أَنَّ الشَّاةَ الْوَاحِدَةَ تُجْزِئُ عَنْ أَهْلِ الْبَيْتِ , وَإِنْ كَانُوا مِائَةَ نَفْسٍ أَوْ أَكْثَرَ كَمَا قَضَتْ بِذَلِكَ السُّنَّةُ " انتهى باختصار. ثالثا: يدخل في أهل البيت: الزوجة والأولاد، وكذلك القريب إذا كان يسكن في البيت، وهو مشمول بنفقة رب البيت، أو يشتركان في النفقة ويجتمعان في المأكل والمشرب. أما من كان في بيت مستقل، أو له نفقة مستقلة، فلا يجزئ اشتراكه في الأضحية، ويشرع له أضحية مستقلة. قال مالك رحمه الله ـ في أهل بيته الذين يشركونه في أضحيته ـ: هم " أهل نفقته قليلا كانوا أو كثيرا. زاد محمد عن مالك: وولده ووالديه الفقيرين. [وقال] ابن حبيب: وله أن يدخل في أضحيته من بلغ من ولده وإن كان غنيا , وأخاه وابن أخيه وقريبه إذا كانوا في نفقته وأهل بيته، فأباح ذلك بثلاثة أسباب: القرابة، والمساكنة، والإنفاق عليه، [وقال] محمد: وله أن يدخل زوجته في أضحيته لأن الزوجية آكد من القرابة " انتهى من "التاج والإكليل شرح مختصر خليل" (4/364) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " هل تجوز أضحية واحدة لأخوين شقيقين في بيت واحد مع أولادهم أكلهم وشربهم واحد؟ فأجاب: نعم يجوز ذلك يجوز أن يقتصر أهل البيت الواحد ولو كانوا عائلتين على أضحية واحدة ويتأتى بذلك فضيلة الأضحية " انتهى من "فتاوى نور على الدرب". وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: " س: أفيدكم بأني متزوج ولله الحمد ولي أولاد، وأسكن في مدينة غير المدينة التي يسكن فيها أهلي، وفي الإجازات نأتي إلى المدينة التي بها أهلي. وفي عيد الأضحى هذا أتيت أنا وأولادي قبل العيد بخمسة أيام ولم نضحّ على الرغم من أنني قادر ولله الحمد. فهل يجوز لي أن أضحي؟ وهل تجزئ أضحية الوالد عني وعن زوجتي وأولادي؟ وما حكم الأضحية على من كان قادرا؟ وهل تجب على غير القادر؟ وهل يجوز أخذ الأضحية دينا على الراتب؟ فأجاب: الأضحية سنة وليست بواجبة، وتجزئ الشاة الواحدة عن الرجل وأهل بيته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضحي كل سنة بكبشين أملحين أقرنين يذبح أحدهما عنه وعن أهل بيته، والثاني عمن وحد الله من أمته صلى الله عليه وسلم. وإذا كنت في بيت مستقل أيها السائل فإنه يشرع لك أن تضحي عنك وعن أهل بيتك، ولا تكفي عنك أضحية والدك عنه وعن أهل بيته؛ لأنك لست معهم في البيت، بل أنت في بيت مستقل. ولا حرج أن يستدين المسلم ليضحي إذا كان عنده قدرة على الوفاء. وفق الله الجميع " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (18/37) . رابعا: بناء على ما سبق، فأضحيتك لا تجزئ عن أخيك، ولو اجتمعتما في أيام العيد، وكذلك العكس. وأما والدتك، فتجزئ أضحيتها عن نفسها وعن أهل البيت الذي هي جالسة فيه. وينظر إجابة السؤالين: (41766) و (45768) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96741 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4509 اشتراط التسمية لحل الذبيحة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم عدم التسمية على الأضحية خاصة أن الذابح لا يصلي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تارك الصلاة لا تحل ذبيحته، سواء سمى عليها أو لم يسم، وانظر السؤال رقم (70278) . وأما التسمية على الذبيحة فمختلف فيها بين الفقهاء، على ثلاثة أقوال: الأول: أنها مستحبة فقط، وهو مذهب الشافعي. الثاني: أنها شرط في حل الذبيحة، لكن إن تركها سهوا أبيحت، وهذا مذهب الحنفية والمالكية والحنابلة. الثالث: أنها شرط، ولا تسقط بحال، لا سهوا ولا عمدا ولا جهلا، وهذا مذهب الظاهرية ورواية عن مالك وأحمد، وقول جماعة من السلف، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وهو الصحيح ". وقال: " واستدل هؤلاء بعموم قوله تعالى: (وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ) الأنعام/ 121، وبأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أنهر الدم وذُكر اسم الله عليه فكُل) فشرط لحل الأكل التسمية، ومعلوم أنه إذا فقد الشرط فقد المشروط، فإذا فقدت التسمية فإنه يفقد الحل، كسائر الشروط. ولهذا لو أن إنسانا صلى وهو ناسٍ أن يتوضأ، وجبت عليه إعادة الصلاة، وكذلك لو صلى وهو جاهل أنه أحدث بحيث يظن أن الريح لا تنقض الوضوء، أو أن لحم الإبل لا ينقض الوضوء مثلا، فعليه الإعادة، لأن الشرط لا يصح المشروط بدونه، وكما أنه لو ذبحها ولم ينهر الدم، ناسيا أو جاهلا، فإنها لا تحل، فكذلك إذا ترك التسمية؛ لأن الحديث واحد " انتهى من "الشرح الممتع" (6/358) . وينظر: العناية شرح الهداية (9/489) ، الفواكه الدواني (1/382) ، المجموع (8/387) ، المغني (9/309) . وعلى هذا فلا يذبح الأضحية وغيرها إلا من كان من أهل الصلاة، ويشترط أن يسمي عند الذبح، فيقول: بسم الله. ويستحب أن يكبر، فيقول: بسم الله، والله أكبر. وقد روى البخاري (5558) ومسلم (1966) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: (ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ فَرَأَيْتُهُ وَاضِعًا قَدَمَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا يُسَمِّي وَيُكَبِّرُ فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 85669 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4510 يقيم في بلد تمنع الذبح فهل يتصدق بثمن الأضحية [السُّؤَالُ] ـ[أنا وأسرتي نقيم ببلد لا يسمح فيه بالذبح. ماذا يجب علينا فعله؟ هل نتصدق بثمنه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن كان المقصود هو الأضحية أو العقيقة عن المولود، وتعذّر الذبح في البلد الذي تقيم فيه، فالأفضل أن ترسل نقودا لمن يذبح عنك، في بلد آخر، حيث يوجد الأهل، أو الفقراء والمحتاجون؛ لأن ذبح الأضحية أو العقيقة أولى من التصدق بثمنها. قال النووي رحمه الله: " فرع: فعل العقيقة أفضل من التصدق بثمنها عندنا. وبه قال أحمد وابن المنذر " انتهى من "المجموع" (8/414) . وقال في "مطالب أولي النهى" (: " (وذبحها) أي الأضحية (و) ذبح (عقيقة: أفضل من صدقةٍ بثمنها) نصا [أي نصّ على ذلك الإمام أحمد رحمه الله] وكذا هَدْي. لحديث {ما عمل ابن آدم يوم النحر عملا أحب إلى الله من هراقة دم. وإنه ليأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها. وإن الدم ليقع من الله عز وجل بمكان قبل أن يقع على الأرض. فطيبوا بها نفسا} رواه ابن ماجه. وقد ضحى النبي صلى الله عليه وسلم وأهدى الهدايا والخلفاء بعده ; ولو أن الصدقة بالثمن أفضل لم يعدلوا عنه " انتهى. والحديث المذكور ضعفه الألباني في السلسة الضعيفة، برقم 526 وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " هل يجوز ذبح الأضحية والنحر في بلد أنت فيه، أو ترسل مبلغا مقابل ذلك إلى بلدك أو أي بلد من بلدان المسلمين؟ فأجاب: الأفضل أن تضحي في بلدك إذا كان أهلك عندك، وإذا كان أهلك في مكان آخر وليس عندهم من يضحي لهم، فأرسل دراهم لهم يضحوا هناك " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (24/207) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 85039 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4511 والده غير قادر صحيا على الحج ويريد أن يحج عنه [السُّؤَالُ] ـ[أنا أعمل ببلاد الحرمين الشريفين، وقد وفقني الله وقضيت فريضة الحج العام الماضي، والآن والدي موجود بمصر ويريد قضاء الفريضة وهو قادر مادياً وغير قادر صحياً، فهل يمكن لي أن أقضي فريضة الحج عنه وأحج له؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان والدك لا يستطيع الحج بنفسه، لكبر سنه، أو مرضه مرضا لا يرجى حصول الشفاء منه، ولا يتمكن معه من أداء الحج، فالواجب عليه أن ينيب غيره ليحج عنه، سواء أنابك أم أناب غيرك. وإذا أردت أن تحج عنه فهذا خير وبر، بشرط أن تعلمه أنك ستحج عنه ويأذن في ذلك. قال ابن قدامة رحمه الله: " من وجدت فيه شرائط وجوب الحج , وكان عاجزا عنه لمانع مأيوس من زواله , كزمانة , أو مرض لا يرجى زواله , أو كان هزيلاً , لا يقدر على الثبوت على الراحلة إلا بمشقة غير محتملة , والشيخ الفاني , ومن كان مثله، متى وجد من ينوب عنه في الحج , ومالاً يستنيبه به , لزمه ذلك. وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي " انتهى من "المغني" (3/91) بتصرف يسير. وقال أيضاً: " ولا يجوز الحج والعمرة عن حي إلا بإذنه , فرضا كان أو تطوعا ; لأنها عبادة تدخلها النيابة , فلم تجز عن البالغ العاقل إلا بإذنه , كالزكاة , فأما الميت فتجوز عنه بغير إذن , واجبا كان أو تطوعا ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالحج عن الميت , وقد علم أنه لا إذن له " انتهى من المغني (3/95) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83765 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4512 الرجل والمرأة إذا أرادا الأضحية منعا من قص الشعر والظفر [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لمن يضحى سواء كان رجلاً أو امرأة أن يقص من شعره وأظافره؟ وما هي الممنوعات عند ما يهل هلال ذي الحجة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا هل هلال ذي الحجة حرم على من يريد الأضحية أن يأخذ من شعره أو من ظفره أو من بشرته شيئا؛ لما روى مسلم (1977) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا رَأَيْتُمْ هِلالَ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ) وفي لفظ له: (إِذَا دَخَلَتْ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا) . قال النووي رحمه الله: " وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِيمَنْ دَخَلَتْ عَلَيْهِ عَشْر ذِي الْحِجَّة وَأَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ فَقَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَرَبِيعَة وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَدَاوُد وَبَعْض أَصْحَاب الشَّافِعِيّ: إِنَّهُ يَحْرُم عَلَيْهِ أَخْذ شَيْء مِنْ شَعْره وَأَظْفَاره حَتَّى يُضَحِّي فِي وَقْت الْأُضْحِيَّة , وَقَالَ الشَّافِعِيّ وَأَصْحَابه: هُوَ مَكْرُوه كَرَاهَة تَنْزِيه وَلَيْسَ بِحَرَامٍ. . . " انتهى من شرح مسلم. وهذا الحكم عام في كل من أراد أن يضحي، رجلا كان أو امرأة. وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: ماذا يجوز للمرأة التي تنوي الأضحية عن نفسها وأهل بيتها أو عن والديها بشعرها إذا دخلت عشر ذي الحجة؟ فأجاب: " يجوز لها أن تنقض شعرها وتغسله، لكن لا تكده، وما سقط من الشعر عند نقضه وغسله فلا يضر ". وكدّ الشعر: تمشيطه. "فتاوى الشيخ ابن باز" (18/47) . ولا يمنع مريد الأضحية من شيء آخر كاللباس أو الطيب أو الجماع. وانظر جواب السؤال رقم (70290) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83381 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4513 هل تجزئ نية العقيقة عن الأضحية والعكس؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل تجزئ نيتا العقيقة والأضحية معا في عيد الأضحى؟ وهل تصح العقيقة أم لا؟ ساعدني ببيان ترجيح أعمال أقرب من السنة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين: القول الأول: تجزئ الأضحية عن العقيقة، وبه قال الحسن البصري ومحمد بن سيرين وقتادة، وهو قول الحنفية، وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد. وقد جعلوا هذه المسألة مثل مسألة اجتماع الجمعة والعيد، وأنه يجزئ القيام بإحدى الصلاتين عن الأخرى، فقد اشتركا في العدد والخطبة والجهر فكان الفعل واحداً، وكذا هنا فإن الذبح واحد. وقالوا – أيضاً -: كما لو صلى المسلم ركعتين ينوي بهما تحية المسجد وسنة المكتوبة. القول الثاني: أنه لا تجزئ الأضحية عن العقيقة، وهو قول المالكية، والشافعية، والرواية الأخرى عن الإمام أحمد. وقال هؤلاء: إن الأضحية والعقيقة ذبيحتان لسببين مختلفين، فلا تجزئ إحداهما عن الأخرى، كما لو اجتمع دم التمتع ودم الفدية فإنه لا يجزئ أحدهما عن الآخر. وقالوا – أيضاً -: إن المقصود في الأضحية والعقيقة إراقة الدم في كل منهما؛ لأنهما شعيرتان يُقصد منهما إراقة الدماء، فلا تجزئ إحداهما عن الأخرى. وقد سئل ابن حجر المكي الشافعي رحمه الله: عن ذبح شاة أيام الأضحية بنيتها ونية العقيقة، فهل يحصلان أو لا؟ فأجاب: "الذي دل عليه كلام الأصحاب وجرينا عليه منذ سنين: أنه لا تداخل في ذلك؛ لأن كلاًّ من الأضحية والعقيقة سنَّةٌ مقصودةٌ لذاتها، ولها سبب يخالف سبب الأخرى، والمقصود منها غير المقصود من الأخرى، إذ الأضحيةُ فداءٌ عن النفس، والعقيقةُ فداءٌ عن الولد، إذ بها نُمُّوهُ وصلاحهُ، ورجاءُ بِرِّهِ وشفاعته، وبالقول بالتداخل يبطل المقصود من كلٍ منهما، فلم يمكن القول به، نظير ما قالوه في سنة غسل الجمعة وغسل العيد، وسنة الظهر وسنة العصر، وأما تحية المسجد ونحوها فهي ليست مقصودة لذاتها بل لعدم هتك حرمة المسجد، وذلك حاصلٌ بصلاة غيرها، وكذا صوم نحو الاثنين؛ لأن القصد منه إحياء هذا اليوم بعبادة الصوم المخصوصة، وذلك حاصلٌ بأي صومٍ وقع فيه، وأما الأضحية والعقيقة، فليستا كذلك كما ظهر مما قررته وهو واضح ... " انتهى. " الفتاوى الفقهية " (4 / 256) . والذي يظهر ـ والله أعلم ـ أنه تجزئ ذبيحة واحدة بنية العقيقة والأضحية، وقد اختار هذا القول فضيلة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله، وذكرنا قوله ونقولاً أخرى في جواز ذلك في جواب السؤال رقم (106630) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82161 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4514 هل الأضحية واجبة على الحاج؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل الأضحية واجبة على الحاج؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف العلماء في حكم الأضحية، فذهب جمهور العلماء إلى أنها سنة مؤكدة، وذهب آخرون إلى أنها واجبة على القادر، وقد يبق بيان ذلك في جواب السؤال (36432) وهذا الخلاف إنما هو في حق غير الحاج، وأما الحاج فقد اختلف العلماء في حكم الأضحية له، بين قائلٍ بالمشروعية – سواء الاستحباب أم الوجوب -، ومنهم من قال بعدم المشروعية. والذين قالوا بعدم مشروعية الأضحية للحاج اختلفوا في سبب ذلك على قولين: الأول: أن الحاج ليس له صلاة عيد، ونسكه هو هدي التمتع أو القِران. والثاني: أن الحاج مسافر، والأضحية مشروعة للمقيمين، وهذا قول أبي حنيفة، وعنده أن الحاج إن كان من أهل مكة: فهو غير مسافر، وتجب عليه الأضحية. وهذا تفصيل مذاهبهم وبعض أقوالهم: 1. أما الحنفية: فقد جاء في " المبسوط " (6 / 171) : "وهي واجبة على المياسير والمقيمين عندنا". انتهى. وفي " الجوهرة النيرة " (5 / 285، 286) : "ولَا تجب عَلى الحَاجِّ الْمُسافر، فأَمَّا أَهلُ مكَّةَ فإِنَّهَا تَجِبُ عَلَيهِم وإِنْ حَجُّوا" انتهى. 2. وأما المالكية: فقد قالوا بأنه لا أضحية على الحاج لكونه حاجّاً لا لكونه مسافراً. ففي " المدونة " (4 / 101) : "قَالَ لِي مَالِكٌ: لَيس عَلَى الحَاجِّ أُضحِيةٌ وَإِن كَان مِن سَاكني مِنًى بَعدَ أَن يَكُون حاجًّا، قُلتُ: فالناسُ كلهُم عَلَيهِم الأَضَاحِي فِي قَولِ مَالِكٍ إلَّا الحَاجَّ؟ قَالَ: نَعَم" انتهى. 3. وقال الشافعية باستحباب الأضحية للحاج وغيره. قال الإمام الشافعي رحمه الله: "والحاج المكي والمنتوي [أي المنتقل المتحول من بلد إلى بلد] والمسافر والمقيم والذكر والأنثى ممن يجد ضحية: سواء كلهم، لا فرق بينهم، إن وجبت على كل واحد منهم: وجبت عليهم كلهم، وإن سقطت عن واحد منهم: سقطت عنهم كلهم، ولو كانت واجبة على بعضهم دون بعض: كان الحاج أولى أن تكون عليه واجبة؛ لأنها نسك وعليه نسك، وغيره لا نسك عليه، ولكنه لا يجوز أن يوجب على الناس إلا بحجة ولا يفرق بينهم إلا بمثلها" انتهى. " الأم " (2 / 348) . 4. وقال ابن حزم رحمه الله: "والأضحية للحاج مستحبة كما هي لغير الحاج. وقال قوم: لا يضحي الحاج ... . وقد حضَّ رسول الله عليه السلام على الأضحية فلا يجوز أن يمنع الحاج من الفضل والقربة إلى الله تعالى بغير نص في ذلك" انتهى باختصار. " المحلى " (5 / 314، 315) . 5. وأما الحنابلة: فالأضحية عندهم جائزة للحاج. قال ابن قدامة رحمه الله: "فَإِن لَم يَكُن مَعَه هَديٌ، وَعَلَيهِ هَديٌ، وَاجِبٌ، اشتَرَاهُ، وَإِن لَم يَكُن عَلَيهِ وَاجِبٌ، فَأَحَبَّ أَن يُضَحِّيَ، اشتَرَى ما يُضَحِّي بِه". " المغني " (7 / 180) . وقد جاء في الحديث عن عَائِشَةَ رضي الله عنها (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ضَحَّى عَنْ نِسَائِهِ بِمِنًى فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (5239) وَمُسْلِمٌ (1211) . وقد ردَّ بعض أهل العلم – كابن القيم - الاستدلال بهذا الحديث، وقالوا: إن المراد بالأضحية هنا: الهدي. وانظر: " زاد المعاد " (2 / 262 – 267) . واختار شيخ الإسلام ابن القيم وتلميذه ابن القيم أن الحاج لا يضحي، وانظر: " الإقناع " (1 / 409) و " الإنصاف " (4 / 110) . ورجح هذا القول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، فقد سئل رحمه الله: كيف يجمع الإنسان بين الأضحية والحج، وهل هذا مشروع؟ فأجاب: "الحاج لا يضحي، وإنما يهدي هدياً، ولهذا لم يضحِ النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وإنما أهدى، ولكن لو فرض أن الحاج حج وحده وأهله في بلده فهنا يدع لأهله من الدراهم ما يشترون به أضحية ويضحون بها، ويكون هو يهدي، وهم يضحون، لأن الأضاحي إنما تشرع في الأمصار، أما في مكة فهو الهدي " انتهى من "اللقاء الشهري". والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82027 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4515 حكم الأضحية بغير بهيمة الأنعام [السُّؤَالُ] ـ[شخص يسكن القطب الشمالي ويريد أن يضحي هل يجوز أن يضحي بحوت؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا تصح التضحية بالحوت أو الفرس أو الظباء أو الدجاج , لأن من شروط الأضحية: أن تكون من بهيمة الأنعام، وهي الإبل والبقر والغنم بسائر أنواعها , لقوله تعالى: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ) . وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم وَلا عَنْ أحد من أَصْحَابِهِ التَّضْحِيَةُ بِغَيْرِهَا. انظر: "فتح القدير" (9/97) . قال النووي في "المجموع" (8/364-366) : " فشرط المجزئ في الأضحية أن يكون من الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم , سواء في ذلك جميع أنواع الإبل , وجميع أنواع البقر , وجميع أنواع الغنم من الضأن والمعز وأنواعهما , ولا يجزئ غير الأنعام من بقر الوحش وحميره وغيرها بلا خلاف , وسواء الذكر والأنثى من جميع ذلك , ولا خلاف في شيء من هذا عندنا. . . ولا تجزئ بالمتولد من الظباء والغنم , لأنه ليس من الأنعام " انتهى باختصار. ونحوه قاله ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (368) . وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في رسالته: "أحكام الأضحية والزكاة": " الجنس الذي يضحي به: بهيمة الأنعام فقط، لقوله تعالى: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ) الحج/34. وبهيمة الأنعام هي الإبل والبقر والغنم من ضأن ومعز , وجزم به ابن كثير وقال: قاله الحسن وقتادة وغير واحد , قال ابن جرير: وكذلك هو عند العرب اهـ. ولقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن) رواه مسلم (1963) . والمسنة: الثنية فما فوقها من الإبل والبقر والغنم , قاله أهل العلم رحمهم الله. ولأن الأضحية عبادة كالهدي فلا يشرع إلا ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه أهدى أو ضحى بغير الإبل والبقر والغنم " انتهى. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 71275 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4516 لماذا لم يرشدنا الإسلام إلى التقليل من أكل اللحوم الحمراء؟ [السُّؤَالُ] ـ[في القرآن اللحوم حلال إلا الخنزير ولكني أسأل: لماذا لم يرشدنا الإسلام إلى التقليل من أكل اللحوم الحمراء التى قال الأطباء إنها تسبب ارتفاع الكلسترول الذي يتسبب في أزمات قلبية وانسداد في الشرايين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ينبغي أن يُعلم أولاً: أن القرآن الكريم كتاب هداية وتشريع، وليس كتابا طبيا أو فلكيا، حتى يطلب البعض أن يُذكر فيه كل ما يتعلق بالطب أو الفلك أو النباتات أو الحيوانات. قال الله تعالى: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) إبراهيم/1. وقال تعالى: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) الأنعام/155. وفيما يتعلق بالأطعمة جاء القرآن الكريم بتحريم بعض الأطعمة وذكرها تفصيلاً، وجاء البعض الآخر في سنة النبي صلى الله عليه وسلم. وجاء القرآن الكريم ببعض القواعد فيما يتعلق بالأطعمة. ثم جاء بيان ذلك كله في السنة النبوية تفصيلاً. ففي مقام التفصيل قال الله تعالى: (قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) الأنعام/145. وقال تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ) المائدة/3. وفيما يتعلق ببعض القواعد، قال الله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأعراف/31. فهذا نهي عن الإسراف في الأكل والشرب عموماً، ولا يختص ذلك بنوع معين من الأكل أو الشرب. وهذا النهي العام عن الإسراف أبلغ وأكثر فائدة من مجرد النهي عن الإسراف في أكل اللحوم الحمراء أو غيرها، لأن هذا العموم يندرج تحته من المسائل الكثير والكثير. قال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" (4/213) : "فأرشد عباده إلى إدخال ما يقيم البدن من الطعام والشراب، وأن يكون بقدر ما ينتفع به البدن في الكمية والكيفية، فمتى جاوز ذلك كان إسرافا، وكلاهما مانع من الصحة، جالب للمرض، أعني عدم الأكل والشرب، أو الإسراف فيه، فحفظ الصحة كله في هاتين الكلمتين" انتهى. وقال الله تعالى في صفة النبي محمد صلى الله عليه وسلم: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ) الأعراف/157. وقال تعالى: (يَسْأَلونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ) المائدة/4. فكل طيب فهو حلال، وكل خبيث فهو حرام. وأما ما يتعلق بالسنة فقد حرم النبي صلى الله عليه وسلم أكل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير، وحرم أكل لحوم الحمر الأهلية ..... وغيرها. وبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم ما ينبغي أن يكون عليه المؤمن في طعامه وشرابه فقال: (مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ، فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ، وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ) رواه الترمذي (2380) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. وحرم النبي صلى الله عليه وسلم كل ضار، من الأطعمة والأشربة وغيرها، فقال: (لا ضرر ولا ضرار) رواه ابن ماجه (2340) وصححه الألباني في"إرواء الغليل" (896) . فقد يكون الطعام حلالا من حيث الأصل، ولكنه بسبب الإسراف في أكله يؤدي إلى الضرر فيكون حراماً، وهذا لا يختص باللحوم، بل كل شيء يتضرر الإنسان بأكله يكون حراماً، حتى التمر. فقد ذكر العلماء أنه يحرم أكل ما يضر. وانظر: "المجموع" (9/39) . فإذا ثبت أن طعاما معينا ضار فإنه يحرم أكله، لكن يجب التنبه إلى أن ضرر الطعام قد يختلف باختلاف الأشخاص والبلدان، فلا يجوز تعميم القول بالتحريم، وإنما يحرم على من يضره فقط، إذا أكل القدر الذي يضره. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 71317 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4517 هل تؤكل ذبيحة تارك الصلاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[أود أن أسال كيف نفعل لو كان أخي لا يصلى وهو في الشرع يعتبر كافراً، فهل نأكل مما يذبح أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب عليكم نصح أخيكم بالمحافظة على الصلاة، وأعلموه بحكم الله تعالى في تاركها، وامنعوه من مباشرة الذبح لكم، وليعلم سبب هذا المنع، وهو أن تارك الصلاة يعتبر كافراً، فلا تحل ذبيحته، فلعل معرفته الحكم تؤثر فيه، ويرجع إلى دينه ويقيم الصلاة، وهذا خير له في دينه ودنياه، وعاجله وآجله. سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: هل يجوز الأكل من ذبائح تارك الصلاة عمداً - علما أنه إذا أخبر بذلك احتج بأنه كان ينطق بالشهادة، كيف العمل إذا لم يوجد أي جزار يصلي؟ فأجاب: " الذي لا يصلي لا تؤكل ذبيحته، هذا هو الصواب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بين الرجل والشرك والكفر ترك الصلاة) أخرجه مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما، وقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن الأربع بإسناد صحيح من حديث بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه، وقوله صلى الله عليه وسلم: (رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة) أخرجه الإمام أحمد والترمذي بإسناد صحيح عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، فكل شيء سقط عموده لا يستقيم ولا يبقى، ومتى سقط العمود سقط ما عليه. وبذلك يعلم أن الذي لا يصلي لا دين له، ولا تؤكل ذبيحته، وإذا كنت في بلد ليس فيها جزار مسلم فاذبح لنفسك، واستعمل يدك فيما ينفعك، أو التمس جزارا مسلما ولو في بيته حتى يذبح لك، وهذا بحمد الله ميسر فليس لك أن تتساهل في الأمر. وعليك أن تنصح هذا الرجل بأن يتقي الله وأن يصلي، وقوله: " إنه يكتفي بالشهادتين " غلط عظيم، فالشهادتان لا بد معهما من حقهما؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله) متفق على صحته. فذكر الصلاة والزكاة مع الشهادتين، وفي اللفظ الآخر: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله الله، فإذا قالوا لا إله إلا الله عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله) والصلاة من حقها، والزكاة من حقها. فالواجب على المؤمن أن يتقي الله، والواجب على كل من ينتسب إلى الإسلام أن يتقي الله ويصلي الصلوات الخمس ويحافظ عليها، وهي عمود الإسلام، وهي الركن الأعظم من أركان الإسلام بعد الشهادتين، من ضيعها ضيع دينه، ومن تركها خرج عن دينه، نسأل الله العافية. هذا هو الحق والصواب، وقال بعض أهل العلم: إنه لا يكون كافرا كفرا أكبر، بل يكون كفره كفرا أصغر، ويكون عاصيا معصية عظيمة، أعظم من الزنا، وأعظم من السرقة، وأعظم من شرب الخمر، ولا يكون كافرا كفرا أكبر إلا إذا جحد وجوبها، هكذا قال جمع من أهل العلم، ولكن الصواب ما دل عليه قول الرسول صلى الله عليه وسلم، أن مثل هذا يكون كافرا كفرا أكبر كما تقدم من الأحاديث في ذلك؛ لأنه ضيع عمود الإسلام وهو الصلاة. فلا ينبغي التساهل بهذا الأمر، وقال عبد الله بن شقيق العقيلي التابعي الجليل رحمه الله: لم يكن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يرون شيئا تركه كفر إلا الصلاة. فذكر إجماع الصحابة على أن تارك الصلاة عندهم كافر، نسأل الله العافية. فالواجب الحذر، والواجب المحافظة على هذه الفريضة العظيمة، وعدم التساهل مع من تركها، فلا تؤكل ذبيحته، ولا يدعى لوليمة، ولا تجاب دعوته؛ بل يهجر حتى يتوب إلى الله وحتى يصلي، نسأل الله الهداية للجميع " انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (10/274– 276) . وانظر جواب السؤال رقم (1553) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 70278 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4518 ما الذي يمتنع عنه من أراد أن يضحي؟ [السُّؤَالُ] ـ[بالنسبة لغير الحاج من المسلمين , ما الذي يجب فعله في الأيام العشرة الأوائل من شهر ذي الحجة؟ يعني: هل قص الأظافر والشعر لا يجوز ووضع الحناء ولبس الملابس الجديدة لا يجوز إلا بعد ذبح الأضحية؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا ثبت دخول شهر ذي الحجة وأراد أحدٌ أن يضحي فإنه يحرم عليه أخذ شيء من شعر جسمه أو قص أظفاره أو شيء من جلده، ولا يُمنع من لبس الجديد ووضع الحناء والطيب، ولا مباشرة زوجته أو جماعها. وهذا الحكم هو للمضحي وحده دون باقي أهله، ودون من وكَّله بذبح الأضحية، فلا يحرم شيء من ذلك على زوجته وأولاده، ولا على الوكيل. ولا فرق بين الرجل والمرأة في هذا الحكم، فلو أرادت امرأة أن تضحي عن نفسها، سواء كانت متزوجة أم لم تكن فإنها تمتنع عن أخذ شيء من شعر بدنها وقص أظفارها، لعموم النصوص الواردة في المنع من ذلك. ولا يسمَّى هذا إحراماً؛ لأنه لا إحرام إلا لنسك الحج والعمرة، والمحرم يلبس لباس الإحرام ويمتنع عن الطيب والجماع والصيد وهذا كله جائز لمن أراد أن يضحي بعد دخول شهر ذي الحجة، ولا يُمنع إلا من أخذ الشعر والأظفار والجلد. عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ) رواه مسلم (1977) وفي رواية: (فَلا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا) . والبشرة: ظاهر الجلد الإنسان. وقال علماء اللجنة الدائمة: " يشرع في حق من أراد أن يضحي إذا أهل هلال ذي الحجة ألا يأخذ من شعره ولا من أظافره ولا بشرته شيئاً حتى يضحي؛ لما روى الجماعة إلا البخاري رحمهم الله، عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره) ولفظ أبي داود ومسلم والنسائي: (من كان له ذِبح يذبحه فإذا أهل هلال ذي الحجة فلا يأخذنَّ من شعره ومن أظفاره شيئاً حتى يضحي) سواء تولى ذبحها بنفسه أو أوكل ذبحها إلى غيره، أما من يضحِّي عنه فلا يشرع ذلك في حقه؛ لعدم ورود شيء بذلك، ولا يسمى ذلك إحراماً، وإنما المحرم هو الذي يحرم بالحج أو العمرة أو بهما " انتهى. " فتاوى اللجنة الدائمة " (11 / 397، 398) . وسئل علماء اللجنة الدائمة: الحديث: (من أراد أن يضحي أو يُضحَّى عنه فمن أول شهر ذي الحجة فلا يأخذ من شعره ولا بشرته ولا أظفاره شيئاً حتى يضحي) هل هذا النهي يعم أهل البيت كلهم، كبيرهم وصغيرهم أو الكبير دون الصغير؟ فأجابوا: " لا نعلم أن لفظ الحديث كما ذكره السائل، واللفظ الذي نعلم أنه ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم هو ما رواه الجماعة إلا البخاري عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره) ، ولفظ أبي داود - وهو لمسلم والنسائي أيضاً -: (من كان له ذبح يذبحه فإذا أهل هلال ذي الحجة فلا يأخذ من شعره وأظفاره حتى يضحي) فهذا الحديث دال على المنع من أخذ الشعر والأظفار بعد دخول عشر ذي الحجة لمن أراد أن يضحي، فالرواية الأولى فيها الأمر والترك، وأصله أنه يقتضي الوجوب، ولا نعلم له صارفاً عن هذا الأصل، والرواية الثانية فيها النهي عن الأخذ، وأصله أنه يقتضي التحريم، أي: تحريم الأخذ، ولا نعلم صارفاً يصرفه عن ذلك، فتبين بهذا: أن هذا الحديث خاص بمن أراد أن يضحي فقط، أما المضحى عنه فسواء كان كبيراً أو صغيراً فلا مانع من أن يأخذ من شعره أو بشرته أو أظفاره بناء على الأصل وهو الجواز، ولا نعلم دليلاً يدل على خلاف الأصل " انتهى. " فتاوى اللجنة الدائمة " (11 / 426، 427) . ثانياً: لا يحرم شيء من هذا على من لم يرد التضحية لعدم قدرته، ومن أخذ شيئاً من شعره أو أظفاره وكان أراد التضحية فلا يلزمه فدية، والواجب عليه التوبة والاستغفار. قال ابن حزم رحمه الله: من أراد أن يضحي ففرض عليه إذا أهل هلال ذي الحجة أن لا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئا حتى يضحي , لا بحلق , ولا بقص ولا بغير ذلك , ومن لم يرد أن يضحي لم يلزمه ذلك. " المحلى " (6 / 3) . وقال ابن قدامة رحمه الله: إذا ثبت هذا , فإنه يترك قطع الشعر وتقليم الأظفار , فإن فعل استغفر الله تعالى، ولا فدية فيه إجماعا , سواء فعله عمداً أو نسياناً. " المغني " (9 / 346) . فائدة: قال الشوكاني: والحكمة في النهي أن يبقى كامل الأجزاء للعتق من النار، وقيل: للتشبه بالمحرم , حكى هذين الوجهين النووي وحكي عن أصحاب الشافعي أن الوجه الثاني غلط ; لأنه لا يعتزل النساء ولا يترك الطيب واللباس وغير ذلك مما يتركه المحرم. " نيل الأوطار " (5 / 133) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 70290 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4519 على من تجب الأضحية؟ وهل الذكورة من الشروط؟ [السُّؤَالُ] ـ[من يجب عليه الأضحية؟ ربة المنزل التي لها معاش يجوز لها أن تضحي؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف العلماء في حكم الأضحية: هل هي واجبة يأثم تاركها؟ أم سنة مؤكدة يكره تركها؟ والصحيح أنها سنة مؤكدة، وسبق بيان ذلك في جواب السؤال (36432) . ويشترط لوجوب الأضحية أو سنيتها: غنى المضحي، بأن يكون ثمن الأضحية فاضلاً عن كفايته وكفاية من ينفق عليهم، فإذا كان للمسلم راتب يأتيه كل شهر أو (معاش) وهذا الراتب يكفيه، ومعه ثمن الأضحية، شرعت الأضحية في حقه. ودل على اشتراط الغنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان له سَعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا) رواه ابن ماجه (3123) وحسنه الألباني في " صحيح ابن ماجه "، والسعة هي الغنى. والأضحية مشروعة لأهل البيت، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أَضْحَاةً) رواه أحمد (20207) وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": إسناده قوي، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود (2788) . ولا فرق في هذا بين الرجل والمرأة، فإذا كانت المرأة تعيش وحدها، أو مع أولادها فعليهم الأضحية. جاء في الموسوعة الفقهية (5/81) : "وليست الذكورة من شروط الوجوب ولا السنية , فكما تجب على الذكور تجب على الإناث , لأن أدلة الوجوب أو السنية شاملة للجميع" انتهى باختصار. انظر: " الموسوعة الفقهية " (5 / 79 – 81) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 70291 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4520 سقطت الأضحية فذبحها قبل موتها، فهل تعد أضحية؟ [السُّؤَالُ] ـ[وقعت الأضحية من سطح من بيتنا فقام أهلنا بذبحها قبل أن تموت فهل يجوز ذلك؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الظاهر من السؤال أنكم ذبحتم " الذبيحة " قبل صلاة العيد، فإن كان الأمر كذلك فإنها لا تكون أضحية، لأن شرط الأضحية أن تذبح في أيام الذبح، وهي يوم العيد وثلاثة أيام بعده. عن جندب بن سفيان رضي الله عنه قال: شهدتُ الأضحى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قضى صلاته بالناس نظر إلى غنم قد ذُبحت فقال: (مَن ذبح قبل الصلاة فليذبح شاة مكانها، ومن لم يكن ذبح فليذبح على اسم الله) . رواه البخاري (942) ومسلم (1960) . وعلى هذا، لو كانت هذه الأضحية منذورة فيجب عليكم بدلها. وأما إن كان ذبحكم لها في وقت الذبح، وكنتم قد اشتريتموها بنية الأضحية، فإنها تجزئ وتكون أضحية، ولو انكسرت بسبب سقوطها من السطح، وانظر السؤال (39191) . ثانياً: وأما صحة ذبحكم لها، فإنه صحيح إذا أدركتموها قبل الموت. وقد حرَّم الله عز وجل المنخنقة والموقوذة – وهي التي تموت بضربها بخشبة أو حديدة - والمتردية – كحال ذبيحتكم – وما أكل السبُع، وهذا في حال أن تموت، فإذا أُدركت قبل موتها وذكِّيت الذكاة الشرعية: صارت حلالاً. قال الله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ) المائدة/3. قال ابن كثير: وقوله: (إلا ما ذكيتم) عائد على ما يمكن عوده عليه مما انعقد سبب موته فأمكن تداركه بذكاة وفيه حياة مستقرة، وذلك إنما يعود على قوله: (والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع) . "تفسير ابن كثير" (2/11، 12) . وعن كعب بن مالك رضي الله عنه أنه كانت لهم غنم ترعى بسلْع (جبل بالمدينة) ، فأبصرت جارية لنا بشاة من غنمنا موتاً فكسرت حجراً فذبحتْها به، فقال لهم: لا تأكلوا حتى أسأل النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذاك فأمره بأكلها. رواه البخاري (2181) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69917 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4521 حكم صيام أيام التشريق [السُّؤَالُ] ـ[رجل صام يوم الحادي عشر والثاني عشر من ذي الحجة، فما حكم صيامه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اليوم الحادي عشر من ذي الحجة والثاني عشر والثالث عشر، تسمى أيام التشريق. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن صومها، ولم يرخص في صومها إلا للمتمتع أو القارن الذي لم يجد الهدي. روى مسلم (1141) عَنْ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ) . وروى أحمد (16081) عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ رَأَى رَجُلا عَلَى جَمَلٍ يَتْبَعُ رِحَالَ النَّاسِ بِمِنًى، وَنَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاهِدٌ، وَالرَّجُلُ يَقُولُ: (لا تَصُومُوا هَذِهِ الأَيَّامَ فَإِنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ) . صححه الألباني في صحيح الجامع (7355) . وروى أحمد (17314) وأبو داود (2418) عَنْ أَبِي مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَلَى أَبِيهِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَقَرَّبَ إِلَيْهِمَا طَعَامًا، فَقَالَ: كُلْ. قَالَ: إِنِّي صَائِمٌ. قَالَ عَمْرٌو: كُلْ، فَهَذِهِ الأَيَّامُ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا بِفِطْرِهَا، وَيَنْهَى عَنْ صِيَامِهَا. قَالَ مَالِكٌ: وَهِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ. صححه الألباني في صحيح أبي داود. وروى أحمد (1459) عن سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أُنَادِيَ أَيَّامَ مِنًى: (إِنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ، فَلا صَوْمَ فِيهَا) يَعْنِي أَيَّامَ التَّشْرِيقِ. قال محقق المسند: صحيح لغيره. وروى البخاري (1998) عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالا: لَمْ يُرَخَّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ إِلا لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ. فهذه الأحاديث – وغيرها – فيها النهي عن صيام أيام التشريق. ولذلك ذهب أكثر العلماء إلى أنها لا يصح صومها تطوعاً. وأما صومها قضاءً عن رمضان، فقد ذهب بعض أهل العلم إلى جوازه، والصحيح عدم جوازه. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (3/51) : " ولا يحل صيامها تطوعا , في قول أكثر أهل العلم , وعن ابن الزبير أنه كان يصومها. وروي نحو ذلك عن ابن عمر والأسود بن يزيد، وعن أبي طلحة أنه كان لا يفطر إلا يومي العيدين. والظاهر أن هؤلاء لم يبلغهم نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامها , ولو بلغهم لم يعدوه إلى غيره. وأما صومها للفرض , ففيه روايتان: إحداهما: لا يجوز ; لأنه منهي عن صومها , فأشبهت يومي العيد. والثانية: يصح صومها للفرض ; لما روي عن ابن عمر وعائشة , أنهما قالا: لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي. أي: المتمتع إذا عدم الهدي , وهو حديث صحيح , رواه البخاري. ويقاس عليه كل مفروض " انتهى. والمعتمد في مذهب الحنابلة أنه لا يصح صومها قضاء عن رمضان. انظر: "كشاف القناع" (2/342) . وأما صومها للمتمتع والقارن إذا لم يجد الهدي، فقد دل عليه حديث عائشة وابن عمر المتقدم، وهو مذهب المالكية والحنابلة والشافعي في القديم. وذهب الحنفية والشافعية إلى أنه لا يجوز صومها. انظر: "الموسوعة الفقهية" (7/323) . والراجح هو القول الأول، وهو جواز صومها لمن لم يجد الهدي. قال النووي رحمه الله في المجموع (6/486) : " واعلم أن الأصح عند الأصحاب هو القول الجديد أنها لا يصح فيها صوم أصلا , لا للمتمتع ولا لغيره. والأرجح في الدليل صحتها للمتمتع وجوازها له؛ لأن الحديث في الترخيص له صحيح كما بيناه، وهو صريح في ذلك فلا عدول عنه " انتهى. وخلاصة الجواب: أنه لا يصح صيام أيام التشريق لا تطوعاً ولا فرضاً إلا للمتمتع أو القارن إذا لم يجدا الهدي. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " لا يجوز صيام اليوم الثالث عشر من ذي الحجة لا تطوعاً ولا فرضاً، لأنها أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صيامها ولم يرخص في ذلك لأحد إلا لمن لم يجد هدي التمتع " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (15/381) . وقال الشيخ ابن عثيمين: " أيام التشريق هي الأيام الثلاثة التي بعد عيد الأضحى، وسميت بأيام التشريق، لأن الناس يُشَرِّقُون فيها للحم ـ أي ينشرونه في الشمس، لييبس حتى لا يتعفن إذا ادخروه ـ وهذه الأيام الثلاثة قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل) فإذا كانت كذلك، أي كان موضوعها الشرعي الأكل والشرب والذكر لله، فإنها لا تكون وقتاً للصيام، ولهذا قال ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم: (لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي) يعني للمتمتع والقارن فإنهما يصومان ثلاثة أيام في الحج وبعة إذا رجعا إلى أهلهما، فيجوز للقارن والمتمتع إذا لم يجدا الهدي أن يصوما هذه الأيام الثلاثة، حتى لا يفوت موسم الحج قبل صيامهما. وما سوى ذلك فإنه لا يجوز صومها، حتى ولو كان على الإنسان صيام شهرين متتابعين فإنه يفطر يوم العيد والأيام الثلاثة التي بعده، ثم يواصل صومه " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (20/سؤال 419) . وبناء على ما تقدم فمن صام أيام التشريق أو بعضها، دون أن يكون متمتعا أو قارنا لم يجد الهدي، فعليه أن يستغفر الله تعالى، لارتكابه ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم. وإن كان قد صامها قضاء لما فاته من رمضان، فلا يجزئه ذلك، وعليه القضاء مرة أخرى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 66193 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4522 هل الفدية تعوض ما يخل به الإنسان من أحكام المناسك؟ [السُّؤَالُ] ـ[بعض الحجاج والمعتمرين يتهاونون فيما يجب عليهم من الأحكام؛ فيتجاوزون الميقات من غير إحرام، مثلا، أو ربما تركوا بعض الواجبات، معتمدين على أنهم سوف يذبحون هديا، يجبر لهم النقص الذي فعلوه، فما حكم ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قد سبق معنا في جواب السؤال رقم (36522) أن أكثر ما يقع فيه الحجاج أو المعتمرون من أخطاء في مناسكهم، سببه الجهل بما يجب عليهم من أحكامها. وأما ما ذكر في هذا السؤال من تعمد بعض الناس ارتكاب المحظور، أو التفريط فيما يؤمر به، اعتمادا على أن الفدية سوف تجبر له ذلك النقص، فهذا هو الجهل الحقيقي، وإن كان صاحبه يظن أن عنده معرفة بما يترتب على فعله , فإنه لا يتجرأ على تعدي حدود الله إلا ظلوم جهول، قال الله تعالى: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) البقرة/229، ولا يتجرأ على انتهاك حرمات الله إلا من لم يعظم شعائر الله حق تعظيمها؛ قال الله تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوب ِ) الحج/32 ولأجل ذلك كان أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقولون: كل ذنب أصابه عبد فهو بجهالة. وقال مجاهد: كل من عصى ربه فهو جاهل حتى ينزع عن معصيته. [تفسير الطبري 8/89] وزيادة على الجهل بما يجب على العبد من تعظيم شعائر الله، والوقوف عند حدوده، وعدم تعديها، فإن العلم إنما يراد للعمل، وليس للتحيُّل به على إسقاط ما فرض الله على العبد، وانتهاك حرمات الله، فأين هذا من قول النبي، صلى الله عليه وسلم: (مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ) البخاري 1521 ومسلم 1350، قال ابن حجر: ("لم يفسق" أي: لم يأت بسيئة ولا معصية) وقوله، صلى الله عليه وسلم: (العُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلا الْجَنَّةُ) البخاري 1773 ومسلم 1349 قال ابن حجر: (قَالَ اِبْن خَالَوَيْهِ: الْمَبْرُور الْمَقْبُول , وَقَالَ غَيْره: الَّذِي لا يُخَالِطهُ شَيْء مِنْ الإِثْم , وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيّ , وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: الأَقْوَال الَّتِي ذُكِرَتْ فِي تَفْسِيره مُتَقَارِبَة الْمَعْنَى , وَهِيَ أَنَّهُ الْحَجّ الَّذِي وُفِّيَتْ أَحْكَامه وَوَقَعَ موافقاً لِمَا طُلِبَ مِنْ الْمُكَلَّف عَلَى الْوَجْه الأَكْمَل وَاَللَّه أَعْلَم) . على أن هنا شبهة، ربما كانت هي التي سببت وقوع بعض الناس في ذلك؛ وهي ظنهم أن الإنسان مخير بين فعل الواجب، أو ترك المحظور، وبين بذل الفدية الواجبة فيه، من صيام، أو صدقة، أو نسك. قال الشيخ ابن عثيمين، بعد ذكر بعض المحظورات، وما فيها من الفدية: (إن كلامنا هذا فيما يجب على الفاعل، وليس معنى هذا أن الأمر سهل وهين؛ بمعنى أنه إن شاء فعل هذا الشيء وقام بالتكفير والقضاء، وإن شاء لم يفعله، بل الأمر صعب ومحرم، بل هو من الأمور العظيمة؛ حيث يتجرأ على ما حرم عليه؛ فإن الله يقول: (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) البقرة/197 وفي هذه المناسبة أريد أن أنبه.. على مسألة يظن بعض الناس أن الإنسان فيها مخير؛ وهي ترك الواجب والفدية. يظن بعض الناس أن العلماء لما قالوا: في ترك الواجب دم، أن الإنسان مخير بين أن يفعل هذا الواجب، أو أن يذبح هذا الدم ويوزعه على الفقراء. مثال ذلك: يقول بعض الناس إذا كان يوم العيد، سوف أطوف وأسعى، وأسافر إلى بلدي، ويبقى علي المبيت في منى، ورمي الجمرات، وهما واجبان من واجبات الحج؛ فأنا أفدي عن كل واحد منها بذبح شاة ... ، والأمر ليس كذلك؛ ولكن إذا وقع، وصدر من الإنسان ترك واجب، فحينئذ تكون الفدية مكفرة له، مع التوبة والاستغفار.) الفتاوى 22/168-169. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49043 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4523 يشترط في الأضحية أن يذبحها مسلم بنية الأضحية [السُّؤَالُ] ـ[في منطقة في كندا وربما في أماكن أخرى عندما نذهب للمزارع لنشتري الغنم أو البقر فإنه يذكر لنا سعر الرطل، يعني أنه بعد ذبح الحيوان فإنه يقوم بوزنه ويحاسبنا بمبلغ معين للرطل وهذا يشمل سعر الحيوان وسعر استعمال المكان والتقطيع والتغليف فهل يجوز هذا في الأضحية؟ أم يجب أن نشتري الأضحية أولاً وندفع ثمنها؟ أغلب المزارعين لا يوافقون على هذا لأنهم يخسرون بذلك ثمن الذبح والتقطيع.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يشترط في الأضحية أن تُذبح بنية الأضحية، ولا يجزئ ما ذبح لأجل اللحم. قال النووي رحمه الله في المجموع (8/380) : والنية شرط لصحة التضحية اهـ. ولا بأس أن تشتروا الأضحية بالطريقة المذكورة في السؤال، على أن يذبحها العامل بنية الأضحية، هذا إذا كان العامل مسلما، وإلا ذبحها أحدكم، ثم قام العامل بتقطيعها. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (7/494) : لا يصح أن يوكل في ذبح الأضحية كتابياً، مع أن ذبح الكتابي حلال، لكن لما كان ذبح الأضحية عبادة لم يصح أن يوكل فيه كتابياً، وذلك لأن الكتابي ليس من أهل العبادة والقربة، لأنه كافر لا تقبل عبادته، فإذا كان لا يصح ذلك منه لنفسه فلا يصح منه لغيره، أما لو وكل كتابيا ليذبح له ذبيحة للأكل فلا بأس به اهـ والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20800 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4524 بيع الهدي والسن المجزئة في العقيقة [السُّؤَالُ] ـ[1- هل يجوز بيع كبش كان مُهدى للذبح في سبيل الله من أجل الاستفادة من ثمنه لتحسين حالة الأسرة؟ 2- هل الكبش الذي عمره أقل من عام يجزئ في العقيقة (كبشان للولد وكبش واحد للبنت) ؟ أرجو الاهتمام والجواب عن هذه الأسئلة لأننا بحاجة إلى الرد. وشكرًا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز بيع جزء من الهدي أو الأضحية، ولا كله إلا لمصلحة الهدي، لأن ما أخرجه الإنسان لله تعالى، فإنه لا يجوز أن يبيع شيئا منه. قال في المغني: " لا يجوز بيع شيء منها – أي من الهدي -، وإن كان الجازر فقيرا فأعطاه لفقره سوى ما يعطيه أجرة جاز، لأنه مستحق الأخذ منها لفقره لا لأجره فجاز كغيره " [3 / 222] . وقال الشيخ ابن عثيمين: " ويحرم أن يبيع شيئا من الأضحية لا لحما ولا غيره حتى الجلد، ولا يعطي الجازر شيئا منها في مقابلة الأجرة أو بعضها لأن ذلك بمعنى البيع " [رسالة أحكام الهدي والأضحية] وقال رحمه الله: " لا يجوز التصرف بها – أي بالأضحية - بما يمنع التضحية بها من بيع وهبة ورهن وغيرها إلا أن يبدلها بخير منها لمصلحة الأضحية، لا لغرض في نفسه، فلو عين شاة أضحية ثم تعلقت بها نفسه لغرض من الأغراض فندم وأبدلها بخير منها ليستبقيها لم يجز له ذلك؛ لأنه رجوع فيما أخرجه لله تعالى لحظ نفسه لا لمصلحة الأضحية " أما الكبش فهو ذكر الضأن، والأصل أن يبلغ الكبش سنة، حتى يجوز التضحية به، لكن ثبتت السنة بجواز التضحية بالجذع وخصص جمهور العلماء التضحية بالجذع من الضأن لا من المعز، والجذع من الضأن هو ما له ستة أشهر وكلما كان أكبر من الستة أشهر كان أولى لأن من المذاهب من يرى أن الجذع ماله سنة. ويدل على أن السن المعتبر شرعا هو السنة حديث جابر - رضي الله عنه - مرفوعا: (لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن) [رواه مسلم 1963] وظاهر الحديث أن الجذعة من الضأن لا تجزيء إلا عند تعسر المسنة، لكن حمل الجمهور ذلك على الاستحباب، واستدلوا بما يلي: 1- عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إن الجذع يوفي مما يوفي منه الثني) [رواه النسائي 4383، وأبو داود 2799، وصححه الألباني] 2- عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: (ضحينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بجذع من الضأن) [رواه النسائي 4382، وقوى إسناده الحافظ في الفتح، وصححه الألباني، وانظر التعليق على زاد المعاد 2 / 317] واعلم أنه يشترط في العقيقة ما يشترط في الأضحية من كونها سليمة من العيوب ذات سن مجزئة، والدليل على ذلك القياس بجامع أن كليهما نسك. وبه تعلم أنه يجزئك أن تعق بضأن بلغ ستة أشهر. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 47030 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4525 تجزئ أضحية واحدة عن أهل البيت ولو كانوا مئة [السُّؤَالُ] ـ[هل تكفي أضحية واحدة عن أهل البيت جميعاً، ولو كان عددهم كثيراً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تكفي أضحية واحدة عن أهل البيت جميعا، مهما كثروا. روى الترمذي (1505) عن عَطَاء بْن يَسَارٍ قال: سَأَلْتُ أَبَا أَيُّوبَ الأَنْصَارِيَّ كَيْفَ كَانَتْ الضَّحَايَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يُضَحِّي بِالشَّاةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَيَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ. صححه الألباني في صحيح الترمذي. قال في "تحفة الأحوذي": "هذا الحديث نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الشَّاةَ الْوَاحِدَةَ تُجْزِئُ عَنْ الرَّجُلِ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَإِنْ كَانُوا كَثِيرِينَ، وَهُوَ الْحَقُّ. قَالَ الْحَافِظُ اِبْنُ الْقَيِّمِ فِي "زَادِ الْمَعَادِ": وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الشَّاةَ تُجْزِئُ عَنْ الرَّجُلِ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَلَوْ كَثُرَ عَدَدُهُمْ. وقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي "نيْلِ الأوطار": وَالْحَقُّ أَنَّ الشَّاةَ الْوَاحِدَةَ تُجْزِئُ عَنْ أَهْلِ الْبَيْتِ , وَإِنْ كَانُوا مِائَةَ نَفْسٍ أَوْ أَكْثَرَ كَمَا قَضَتْ بِذَلِكَ السُّنَّةُ " انتهى باختصار. وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (5/275) : " التشريك في الثواب لا حصر له، فها هو النبي صلى الله عليه وسلم ضحى عن كل أمته، وها هو الرجل يضحي بالشاة الواحدة عنه وعن أهل بيته، ولو كانوا مئة " انتهى. وسئلت اللجنة الدائمة: هذه العائلة تتكون من اثنين وعشرين فرداً، والدخل واحد، والمصروف واحد، وفي عيد الأضحى المبارك يضحون بضحية واحدة، فلا أدري هل هي تجزئ أم أنه يلزمهم ضحيتان؟ فأجابت: " إذا كانت العائلة كثيرة، وهي في بيت واحد، فيجزئ عنهم أضحية واحدة، وإن ضحوا بأكثر من واحدة فهو أفضل " انتهى. فتاوى اللجنة الدائمة" (11/408) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45916 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4526 تكفي أضحية واحدة عن أهل البيت جميعاً [السُّؤَالُ] ـ[أعيش أنا وزوجتي مع أبي، فهل تجزئ أضحية واحدة عنا جميعاً أم علينا أضحيتان؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تكفيكم أضحية واحدة، لأن السُّنَّة وردت بإجزاء الأضحية الواحدة عن الرجل وأهل بيته. روى الترمذي (1505) عن عَطَاء بْن يَسَارٍ قال: سَأَلْتُ أَبَا أَيُّوبَ الأَنْصَارِيَّ كَيْفَ كَانَتْ الضَّحَايَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يُضَحِّي بِالشَّاةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَيَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ. صححه الألباني في صحيح الترمذي. وسئلت اللجنة الدائمة: إذا كانت زوجتي مع والدي في بيت واحد، فهل يكفي في عيد الضحية ذبيحة واحدة عيداً لي ولوالدي أم لا؟ فأجابت: " إذا كان الواقع كما ذكرت من وجود والد وولده في بيت واحد كفى عنك وعن أبيك وزوجتك وزوجة أبيك وأهل بيتكما أضحية واحدة في أداء السُّنَّة " انتهى. فتاوى اللجنة الدائمة" (11/404) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45544 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4527 الاشتراك في الأضحية [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز الاشتراك في الأضحية، وكم عدد المسلمين الذين يشتركون في الأضحية؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز الاشتراك في الأضحية إذا كانت من الإبل أو البقر، أما الشاة فلا يجوز الاشتراك فيها. ويجوز أن يشترك سبعة أشخاص في واحدة من البقر أو الإبل. وقد ثبت اشتراك الصحابة رضي الله عنه في الهدي، السبعة في بعير أو بقرة في الحج والعمرة. روى مسلم (1318) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ. وفي رواية: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَحَرْنَا الْبَعِيرَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ. وروى أبو داود (2808) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْجَزُورُ - أي: البعير - عَنْ سَبْعَةٍ) . صححه الألباني في صحيح أبي داود. قال النووي في "شرح مسلم": " فِي هَذِهِ الأَحَادِيث دَلالَة لِجَوَازِ الِاشْتِرَاك فِي الْهَدْي , وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الشَّاة لا يَجُوز الاشْتِرَاك فِيهَا. وَفِي هَذِهِ الأَحَادِيث أَنَّ الْبَدَنَة تُجْزِئ عَنْ سَبْعَة , وَالْبَقَرَة عَنْ سَبْعَة , وَتَقُوم كُلّ وَاحِدَة مَقَام سَبْع شِيَاه , حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَى الْمُحْرِم سَبْعَة دِمَاء بِغَيْرِ جَزَاء الصَّيْد , وَذَبَحَ عَنْهَا بَدَنَة أَوْ بَقَرَة أَجْزَأَهُ عَنْ الْجَمِيع " انتهى باختصار. وسئلت اللجنة الدائمة عن الاشتراك في الأضحية، فأجابت: " تجزئ البدنة والبقرة عن سبعة، سواء كانوا من أهل بيت واحد أو من بيوت متفرقين، وسواء كان بينهم قرابة أو لا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن للصحابة في الاشتراك في البدنة والبقرة كل سبعة في واحدة، ولم يفصل ذلك " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/401) . وقال الشيخ ابن عثيمين في "أحكام الأضحية": " وتجزئ الواحدة من الغنم عن الشخص الواحد، ويجزئ سُبْع البعير أو البقرة عما تجزئ عنه الواحدة من الغنم " انتهى. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45757 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4528 الأفضل في الأضحية الإبل ثم البقر ثم الغنم ثم الاشتراك [السُّؤَالُ] ـ[ما الأفضل في الأضحية، أن أذبح شاة أم أشترك في بقرة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " أفضل الأضاحي: البدنة (البعير) , ثم البقرة , ثم الشاة , ثم شِرْكٌ (اشتراك) في بقرة. وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي. لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الجمعة: (مَنْ راح في الساعة الأولى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً) رواه البخاري (881) ومسلم (850) . ولأنه ذبح يتقرب به إلى الله تعالى , فكانت البدنة فيه أفضل , كالهدي. والشاة أفضل من شِرْكٌ (أي: الاشتراك) في بدنة ; لأن إراقة الدم مقصودة في الأضحية , والمنفرد يتقرب بإراقته كله. والكبش أفضل الغنم ; لأنه أضحية النبي صلى الله عليه وسلم وهو أطيب لحما " انتهى من "المغني" باختصار (13/366) . وسئلت اللجنة الدائمة: أيهما أفضل في الأضحية: الكبش أم البقر؟ فأجابت: " أفضل الأضاحي البدنة، ثم البقرة، ثم الشاة، ثم شرك في بدنة - ناقة أو بقرة -؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الجمعة: (مَنْ راح في الساعة الأولى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً. . . إلخ الحديث) . ووجه الدلالة من ذلك: وجود المفاضلة في التقرب إلى الله بين الإبل والبقر والغنم، ولا شك أن الأضحية من أعظم القرب إلى الله تعالى، ولأن البدنة أكثر ثمناً ولحماً ونفعاً، وبهذا قال الأئمة الثلاثة أبو حنيفة، والشافعي، وأحمد. وقال مالك: الأفضل الجذع من الضأن، ثم البقرة، ثم البدنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين، وهو صلى الله عليه وسلم لا يفعل إلا الأفضل. والجواب عن ذلك: أن يقال: إنه صلى الله عليه وسلم قد يختار غير الأولى رفقاً بالأمة؛ لأنهم يتأسون به، ولا يحب صلى الله عليه وسلم أن يشق عليهم، وقد بين فضل البدنة على البقر والغنم كما سبق. والله أعلم " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/398) . وقال الشيخ ابن عثيمين في "أحكام الأضحية": " الأفضل من الأضاحي: الإبل، ثم البقر إن ضحى بها كاملة، ثم الضأن، ثم المعز، ثم سُبْع البدنة، ثم سبع البقرة " انتهى. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45767 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4529 له زوجتان، فهل يذبح أضحيتين؟ [السُّؤَالُ] ـ[لي زوجتان، كل منهما تسكن في بيت مستقل عن الأخرى، فهل تكفيني أضحية واحدة أم لا بد من أضحيتين؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تكفيك أضحية واحدة، فقد سبق في جواب السؤال (45916) أن أضحية واحدة تكفي الرجل وأهل بيته ولو كانوا مئة، وقد ضحى النبي صلى الله عليه وسلم عنه وعن آله بشاة واحدة، وتوفي الرسول صلى الله عليه وسلم عن تسع من النساء. قال القرطبي: " لَمْ يُنْقَل أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ كُلّ وَاحِدَة مِنْ نِسَائِهِ بِأُضْحِيَّةٍ مَعَ تَكْرَار سِنِي الضَّحَايَا، وَمَعَ تَعَدُّدهنَّ , وَالْعَادَة تَقْضِي بِنَقْلِ ذَلِكَ لَوْ وَقَعَ، كَمَا نُقِلَ غَيْر ذَلِكَ مِنْ الْجُزْئِيَّات , وَيُؤَيِّدهُ مَا أَخْرَجَهُ مَالِك وَابْن مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيّ وَصَحَّحَهُ مِنْ طَرِيق عَطَاء بْن يَسَار: سَأَلْت أَبَا أَيُّوب: كَيْف كَانَتْ الضَّحَايَا عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: (كَانَ الرَّجُل يُضَحِّي بِالشَّاةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْل بَيْته , فَيَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ) انتهى من "فتح الباري". والحديث صححه الألباني في "صحيح الترمذي". وقد روى البخاري (7210) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِشَامٍ رضي الله عنه وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَهَبَتْ بِهِ أُمُّهُ زَيْنَبُ بِنْتُ حُمَيْدٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَايِعْهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هُوَ صَغِيرٌ، فَمَسَحَ رَأْسَهُ، وَدَعَا لَهُ، وَكَانَ يُضَحِّي بِالشَّاةِ الْوَاحِدَةِ عَنْ جَمِيعِ أَهْلِهِ. قال الحافظ: " (وَكَانَ يُضَحِّي بِالشَّاةِ الْوَاحِدَة عَنْ جَمِيع أَهْله) هُوَ عَبْد اللَّه بْن هِشَام الْمَذْكُور " انتهى. وقد سئلت اللجنة الدائمة: يوجد لي بيتان يبعدان عن بعضها حوالي 15 كم، وأريد أن أضحي. فهل أذبح عند كل بيت أضحية، أم أذبحها في بيت واحد؟ فأجابت: " يجزئ عنك أضحية واحدة لبيتيك مادام أن صاحبها واحد، وإن ذبحت في كل واحد من البيتين أضحية مستقلة فهو أفضل " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/407) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45768 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4530 يجوز الاشتراك في الأضحية ولو كان بعضهم يريد اللحم؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز الاشتراك في الأضحية ?، مع العلم أن بعض المشتركين لا ينوي الأضحية.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سبق في جواب السؤال رقم (45757) أنه يجوز أن يشترك السبعة في البعير أو البقرة، أما الشاة فلا يجوز الاشتراك فيها. ويجوز الاشتراك في البقرة أو البعير ولو كان بعض المشتركين لا يريد الأضحية، بل يريد اللحم ليأكله أو ليبيعه أو غير ذلك. قال النووي في "المجموع" (8/372) : " يجوز أن يشترك سبعة في بدنة أو بقرة للتضحية , سواء كانوا كلهم أهل بيت واحد أو متفرقين , أو بعضهم يريد اللحم، فيجزئ عن المتقرب , وسواء أكان أضحية منذورة أم تطوعا , هذا مذهبنا وبه قال أحمد وجماهير العلماء " انتهى. وقال ابن قدامة في "المغني" (13/363) : " وتجزئ البدنة عن سبعة , وكذلك البقرة، وهذا قول أكثر أهل العلم. . ثم ذكر بعض الأحاديث الدالة على هذا ثم قال: إذا ثبت هذا , فسواء كان المشتركون من أهل بيت , أو لم يكونوا , مفترضين أو متطوعين، أو كان بعضهم يريد القربة وبعضهم يريد اللحم ; لأن كل إنسان منهم إنما يجزئ عنه نصيبه , فلا تضره نية غيره " انتهى. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45771 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4531 هل يجوز أن يضحي ببهيمة خنثى؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الأضحية بذبيحة خنثى؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا مانع من التضحية بالخنثى، إلا إذا كان ذلك يضر باللحم. وقد بيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم العيوب التي تمنع الإجزاء في الأضحية، وهي: العور البيِّن، والمرض البيِّن، والعرج البيِّن، والهزال الذي يزيل المخ. ويقاس على هذه العيوب ما كان مثلها أو أشد، كالعيماء والعاجزة عن المشي، ومقطوعة اليد أو الرجل ... وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (36755) . والذي يظهر أن الخنثى لا تلحق بهذه العيوب، إلا إذا كان هذا يوجب نوعاً من الضرر في لحمها. وقد سئل النووي رحمه الله عن التضحية ببقرة خنثى فأفتى بالجواز، نقله عنه في "مواهب الجليل" (3/239) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45152 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4532 السن الواجب مراعاته في الأضحية [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك سن معين للأضحية؟ وهل يجوز ذبح البقر أضحية وعمره سنة ونصف؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: اتفق العلماء رحمهم الله على أن الشرع قد ورد بتحديد سِنٍّ في الأضحية لا يجوز ذبح أقل منه، ومن ذبح أقل منه فلا تجزئ أضحيته. انظر: "المجموع" (1/176) للنووي. وقد وردت أحاديث تدل على ذلك: فمنها: ما رواه البخاري (5556) ومسلم (1961) عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: ضَحَّى خَالٌ لِي يُقَالُ لَهُ أَبُو بُرْدَةَ قَبْلَ الصَّلاةِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (شَاتُكَ شَاةُ لَحْمٍ) . فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ عِنْدِي دَاجِنًا جَذَعَةً مِنْ الْمَعَزِ. وفي رواية: (عَنَاقاً جَذَعَةً) . وفي رواية للبخاري (5563) (فَإِنَّ عِنْدِي جَذَعَةً هِيَ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّتَيْنِ آذْبَحُهَا؟) قَالَ: (اذْبَحْهَا، وَلَنْ تَصْلُحَ لِغَيْرِكَ) وفي رواية: (لا تُجْزِئ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ) . ثُمَّ قَالَ: (مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاةِ فَإِنَّمَا يَذْبَحُ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلاةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ، وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ) . ففي هذا الحديث أن الجذعة من المعز لا تجزئ في الأضحية، وسيأتي معنى الجذعة. قال ابن القيم في "تهذيب السنن": قَوْله: (وَلَنْ تُجْزِئ عَنْ أَحَد بَعْدك) وَهَذَا قَطْعًا يَنْفِي أَنْ تَكُون مُجْزِئَة عَنْ أَحَد بَعْده " انتهى. ومنها: ما رواه مسلم (1963) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تَذْبَحُوا إِلا مُسِنَّةً إِلا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنْ الضَّأْنِ) . ففي هذا الحديث أيضاً التصريح بأنه لا بد من ذبح مسنة، إلا في الضأن فيجزئ الجذعة. قال النووي في "شرح مسلم": " قَالَ الْعُلَمَاء: الْمُسِنَّة هِيَ الثَّنِيَّة مِنْ كُلّ شَيْء مِنْ الإِبِل وَالْبَقَر وَالْغَنَم فَمَا فَوْقهَا , وَهَذَا تَصْرِيح بِأَنَّهُ لا يَجُوز الْجَذَع مِنْ غَيْر الضَّأْن فِي حَال مِنْ الأَحْوَال " انتهى. وقال الحافظ في "التلخيص" (4/285) : " ظاهر الحديث يقتضي أن الجذع من الضأن لا يجزئ إلا إذا عجز عن المسنة , والإجماع على خلافه , فيجب تأويله بأن يحمل على الأفضل , وتقديره: المستحب ألا يذبحوا إلا مسنة " انتهى. وكذا قال النووي في "شرح مسلم". وقال في "عون المعبود": " هذا التَّأْوِيل هُوَ الْمُتَعَيِّن " انتهى. ثم ذكر بعض الأحاديث الواردة والدالة على جواز الجذع من الضأن في الأضحية، ومنها حديث عُقْبَة بْن عَامِر رضي الله عنه قال: (ضَحَّيْنَا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجِذَعٍ مِنْ الضَّأْن) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ (4382) . قَالَ الْحَافِظ سَنَده قَوِيّ وصححه الألباني في صحيح النسائي. وجاء في "الموسوعة الفقهية" (5/83) في ذكر شروط الأضحية: " الشرط الثاني: أن تبلغ سن التضحية , بأن تكون ثنية أو فوق الثنية من الإبل والبقر والمعز , وجذعة أو فوق الجذعة من الضأن , فلا تجزئ التضحية بما دون الثنية من غير الضأن , ولا بما دون الجذعة من الضأن. . . وهذا الشرط متفق عليه بين الفقهاء , ولكنهم اختلفوا في تفسير الثنية والجذعة " انتهى. وقال ابن عبد البر رحمه الله: " لا أعلم خلافاً أن الجذع من المعز ومن كل شيء يضحى به غير الضأن لا يجوز، وإنما يجوز من ذلك كله الثني فصاعداً، ويجوز الجذع من الضأن بالسنة المسنونة " انتهى من "ترتيب التمهيد" (10/267) . قال النووي في "المجموع" (8/366) : " أجمعت الأمة على أنه لا يجزئ من الإبل والبقر والمعز إلا الثني , ولا من الضأن إلا الجذع , وأنه يجزئ هذه المذكورات إلا ما حكاه بعض أصحابنا ابن عمر والزهري أنه قال: لا يجزئ الجذع من الضأن. وعن عطاء والأوزاعي أنه يجزئ الجذع من الإبل والبقر والمعز والضأن " انتهى. ثانياً: وأما السن المشترط في الأضحية بالتحديد فقد اختلف في ذلك الأئمة: فالجذع من الضأن: ما أتم ستة أشهر عند الحنفية والحنابلة، وعند المالكية والشافعية ما أتم سنة. والمسنة (الثني) من المعز: ما أتم سنة عند الحنفية والمالكية والحنابلة، وعند الشافعية ما أتم سنتين. والمسنة من البقر: ما أتم سنتين عند الحنفية والشافعية والحنابلة، وعند المالكية ما أتم ثلاث سنوات. والمسنة من الإبل: ما أتم خمس سنوات عند الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة. انظر: "بدائع الصنائع" (5/70) ، "البحر الرائق" (8/202) ، "التاج والإكليل" (4/363) ، "شرح مختصر خليل" (3/34) ، "المجموع" (8/365) ، "المغني" (13/368) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في " أحكام الأضحية": " فالثني من الإبل: ما تم له خمس سنين، والثني من البقر: ما تم له سنتان. والثني من الغنم: ما تم له سنة، والجذع: ما تم له نصف سنة، فلا تصح التضحية بما دون الثني من الإبل والبقر والمعز، ولا بما دون الجذع من الضأن " انتهى. وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (11/377) : " دلت الأدلة الشرعية على أنه يجزئ من الضأن ما تم ستة أشهر، ومن المعز ما تم له سنة، ومن البقر ما تم له سنتان، ومن الإبل ما تم له خمس سنين، وما كان دون ذلك فلا يجزئ هدياً ولا أضحية، وهذا هو المستيسر من الهدي؛ لأن الأدلة من الكتاب والسنة يفسر بعضها بعضاً " انتهى. وقال الكاساني في "بدائع الصنائع" (5/70) : " وتقدير هذه الأسنان بما قلنا لمنع النقصان لا لمنع الزيادة ; حتى لو ضحى بأقل من ذلك سِنًّا لا يجوز، ولو ضحى بأكثر من ذلك سِنًّا يجوز، ويكون أفضل , ولا يجوز في الأضحية حَمَل ولا جدي ولا عجل ولا فصيل ; لأن الشرع إنما ورد بالأسنان التي ذكرناها وهذه لا تسمى بها " انتهى. فتبين بذلك أن ذبح البقر وهو دون السنتين لا يجزئ عن أحد من الأئمة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 41899 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4533 هل يستدين لشراء الأضحية؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجب الاستدانة من أجل شراء الأضحية؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سبق في جواب السؤال (36432) ذكر اختلاف العلماء في حكم الأضحية، وهل هي واجبة أم مستحبة. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " ولم يرد في الأدلة الشرعية ما يدل على وجوبها، والقول بالوجوب قول ضعيف " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (18/36) . ثم الذين قالوا بوجوبها اشترطوا لوجوبها الغنى. انظر حاشية ابن عابدين (9/452) . فعلى القولين جميعاً – القول بالوجوب والقول بالاستحباب – لا يجب الاستدانة من أجل شراء الأضحية، لأنها ليست واجبة على غير الغني باتفاق العلماء. ثم بقي السؤال: هل يستحب أن يقترض أم لا؟ والجواب: أنه يستحب أن يقترض إذا كان يرجو وفاء، كما لو كان موظفاً واقترض حتى يأخذ راتبه آخر الشهر، أما إذا كان لا يرجو الوفاء فالأولى له عدم الاقتراض، لأنه يشغل ذمته بهذا الدَّيْن في شيء غير واجب عليه. وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عمن لا يقدر على الأضحية، هل يستدين؟ فأجاب: " إن كان له وفاء فاستدان ما يضحي به فحسن، ولا يجب عليه أن يفعل ذلك " انتهى. "مجموع الفتاوى" (26/305) . هذا، وشيخ الإسلام رحمه الله يقول بوجوبها. وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: هل تجب الأضحية على غير القادر؟ وهل يجوز أخذ الأضحية دَيْناً على الراتب؟ فأجاب: " الأضحية سنة وليست واجبة. . . ولا حرج أن يستدين المسلم ليضحي إذا كان عنده القدرة على الوفاء " انتهى. "فتاوى ابن باز" (1/37) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 41696 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4534 لا تجزئ أضحية الوالد عن ولده إذا كان يعيش في بيت مستقل [السُّؤَالُ] ـ[هل تجزئ الأضحية من والدي عني وعن أهلي، مع العلم أنني أعيش في بيت مستقل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المشروع أن يضحي كل أهل بيت بأضحية عنهم. سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: عن رجل متزوج ويسكن في مدينة غير المدينة التي يسكن فيها والده، فهل تجزئ أضحية والده عنه وعن أولاده؟ فأجاب: " إذا كنت في بيت مستقل أيها السائل فإنه يشرع لك أن تضحي عنك وعن أهل بيتك، ولا تكفي عنك أضحية والدك، عنه وعن أهل بيته، لأنك لست معهم في البيت، بل أنت في بيت مستقل " انتهى. وسئلت اللجنة الدائمة: يوجد لدي أسرتان، وكل أسرة ساكنة في بيت مستقل بها، وكل بيت يبعد عن الآخر بحوالي (200 متر) ، وهي أسرتي وأسرة والدي، مع العلم أن والدي على قيد الحياة. وسؤالي هو: هل يجوز لنا أن نضحي أنا ووالدي عن البيتين بضحية واحدة من الماعز أم لا؟ فأجابت: " المشروع أن يضحي أهل كل بيت بأضحية خاصة بهم " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/406) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 41766 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4535 إذا تعيبت الأضحية بعد تعيينها [السُّؤَالُ] ـ[اشتريت أضحية، وعند ذبحها قفزت من فوق السطح، فأدركناها وذبحناها قبل أن تموت، فهل تكون أضحية؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إذا عيَّن الإنسان الأضحية، ثم حصل لها عيب من غير تعدٍّ منه ولا تفريط، ثم ذبحها في وقت الذبح، فإنها تجزئ، وتكون أضحية. قال ابن قدامة رحمه الله في " المغني" (13/373) : " إذا أوجب أضحية صحيحة سليمة من العيوب , ثم حدث بها عيب يمنع الإجزاء , ذبحها , وأجزأته. روي هذا عن عطاء والحسن والنخعي والزهري والثوري ومالك والشافعي وإسحاق " انتهى. ودليل ذلك: ما رواه البيهقي عن ابن الزبير رضي الله عنه أنه أُتِي في هداياه بناقة عوراء، فقال: (إن كان أصابها بعد ما اشتريتموها فأمضوها، وإن كان أصابها قبل أن تشتروها فأبدلوها) . قال النووي في "المجموع" (8/328) : إسناده صحيح. وقال الشيخ ابن عثيمين في رسالة " أحكام الأضحية" في ذكر الأحكام المترتبة على تعيين الأضحية: قال: " إذا تعيبت عيباً يمنع من الإجزاء فلها حالان: إحداهما: أن يكون ذلك بفعله أو تفريطه فيجب عليه إبدالها بمثلها على صفتها أو أكمل؛ لأن تعيبها بسببه فلزمه ضمانها بمثلها يذبحه بدلاً عنها، وتكون المعيبة ملكاً له على القول الصحيح يصنع فيها ما شاء من بيع وغيره. الثانية: أن يكون تعيبها بدون فعل منه ولا تفريط فيذبحها وتجزئه، لأنها أمانة عنده وقد تعيبت بدون فعل منه ولا تفريط فلا حرج عليه ولا ضمان " انتهى. ثانياً: بماذا يحصل تعيين الأضحية؟ يحصل تعيين الأضحية بالقول، كما لو قال: هذه أضحية. وأما شراؤها بنية الأضحية، فقد ذهب إلى أنها تتعين بذلك أبو حنيفة ومالك رحمها الله، وذهب الشافعي وأحمد إلى أنها لا تتعين بذلك. وقد اختار علماء اللجنة الدائمة أنها تتعين بالشراء بنية الأضحية. فجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/402) : " الأضحية تتعين بشرائها بنية الأضحية أو بتعيينها " انتهى. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (26/304) : " وأما إذا اشترى أضحية فتعيبت قبل الذبح، ذبحها في أحد قولي العلماء " انتهى. فعلى هذا؛ إذا كنتم قد اشتريتم هذه الشاة بنية الأضحية وتعيبت بدون تَعَدٍّ منكم ولا تفريط فإنها تجزئ أضحية، إن شاء الله تعالى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39191 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4536 الخروف المقطوع الألية لا يصلح أضحية [السُّؤَالُ] ـ[الخروف المقطوع الذيل (الإلية) من صغر، بقصد أن تعم السمنة جسده، هل يجزئ للأضحية والعقيقة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجزئ في الأضحية ولا في الهدايا ولا العقيقة مقطوع الذيل (الإلية) ؛ لما روى أمير المؤمنين علي رضي الله عنه قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن، ولا نضحي بعوراء ولا مقابلة، ولا مدابرة، ولا خرقاء، ولا شرقاء) أخرجه أحمد 2/210 برقم (851) والأربعة، وصححه الترمذي وابن حبان. والمقابلة: ما قطع من طرف أذنها شيء وبقي معلقاً. والخرقاء: مخروقة الأذن. والشرقاء: مشقوقة الأذن. هذا كله إذا كان مقطوعاً، أما إذا كان الخروف لم يخلق له ذيل أصلاً فإنه في حكم الجماء والصمعاء، والحكم في ذلك هو الإجزاء. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الحديث: 37039 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4537 ماذا يقول عند ذبح الأضحية؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك دعاء معين أدعو به عند ذبح الأضحية؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله السنة لمن أراد أن يذبح الأضحية أن يقول عند الذبح: بسم الله، والله أكبر، اللهم هذا منك ولك، هذا عني (وإن كان يذبح أضحية غيره قال: هذا عن فلان) اللهم تقبل من فلان وآل فلان (ويسمي نفسه) . والواجب من هذا هو التسمية، وما زاد على ذلك فهو مستحب وليس بواجب. روى البخاري (5565) ومسلم (1966) عَنْ أَنَسٍ قَالَ: ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ وَسَمَّى وَكَبَّرَ وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا. وروى مسلم (1967) عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِكَبْشٍ أَقْرَنَ فَأُتِيَ بِهِ لِيُضَحِّيَ بِهِ فَقَالَ لَهَا يَا عَائِشَةُ هَلُمِّي الْمُدْيَةَ (يعني السكين) ثُمَّ قَالَ اشْحَذِيهَا بِحَجَرٍ فَفَعَلَتْ ثُمَّ أَخَذَهَا وَأَخَذَ الْكَبْشَ فَأَضْجَعَهُ ثُمَّ ذَبَحَهُ ثُمَّ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ثُمَّ ضَحَّى بِهِ. وروى الترمذي (1521) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأَضْحَى بِالْمُصَلَّى فَلَمَّا قَضَى خُطْبَتَهُ نَزَلَ عَنْ مِنْبَرِهِ فَأُتِيَ بِكَبْشٍ فَذَبَحَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ وَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ هَذَا عَنِّي وَعَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِي. صححه الألباني في صحيح الترمذي. وجاء في بعض الروايات زيادة " اللهم إن هذا منك ولك ". انظر: إرواء الغليل (1138) ، (1152) . (اللَّهُمَّ مِنْك) : أَيْ هَذِهِ الأُضْحِيَّة عَطِيَّة ورزق وصل إِلَيَّ مِنْك (وَلَك) : أَيْ خَالِصَة لَك. انظر: الشرح الممتع (7/492) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36733 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4538 شروط الأضحية [السُّؤَالُ] ـ[نويت أن أضحي عن نفسي وأولادي، فهل هناك مواصفات معينة في الأضحية؟ أم أنه يصح أن أضحي بأي شاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يشترط للأضحية ستة شروط: أحدها: أن تكون من بهيمة الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم ضأنها ومعزها لقوله تعالى: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الاَْنْعَمِ) وبهيمة الأنعام هي الإبل، والبقر، والغنم هذا هو المعروف عند العرب، وقاله الحسن وقتادة وغير واحد. الثاني: أن تبلغ السن المحدود شرعاً بأن تكون جذعة من الضأن، أو ثنية من غيره لقوله صلى الله عليه وسلّم: " لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن ". رواه مسلم. والمسنة: الثنية فما فوقها، والجذعة ما دون ذلك. فالثني من الإبل: ما تم له خمس سنين. والثني من البقر: ما تم له سنتان. والثني من الغنم ما تم له سنة. والجذع: ما تم له نصف سنة، فلا تصح التضحية بما دون الثني من الإبل والبقر والمعز، ولا بما دون الجذع من الضأن. الثالث: أن تكون خالية من العيوب المانعة من الإجزاء وهي أربعة: 1 ـ العور البين: وهو الذي تنخسف به العين، أو تبرز حتى تكون كالزر، أو تبيض ابيضاضاً يدل دلالة بينة على عورها. 2 ـ المرض البين: وهو الذي تظهر أعراضه على البهيمة كالحمى التي تقعدها عن المرعى وتمنع شهيتها، والجرب الظاهر المفسد للحمها أو المؤثر في صحته، والجرح العميق المؤثر عليها في صحتها ونحوه. 3 ـ العرج البين: وهو الذي يمنع البهيمة من مسايرة السليمة في ممشاها. 4 ـ الهزال المزيل للمخ: لقول النبي صلى الله عليه وسلّم حين سئل ماذا يتقي من الضحايا فأشار بيده وقال: " أربعاً: العرجاء البين ظلعها، والعوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعجفاء التي لا تنقى ". رواه مالك في الموطأ من حديث البراء بن عازب، وفي رواية في السنن عنه رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال: " أربع لا تجوز في الأضاحي " وذكر نحوه. صححه الألباني من إرواء الغليل (1148) فهذه العيوب الأربعة مانعة من إجزاء الأضحية، ويلحق بها ما كان مثلها أو أشد، فلا تجزىء الأضحية بما يأتي: 1 ـ العمياء التي لا تبصر بعينيها. 2 ـ المبشومة (التي أكلت فوق طاقتها حتى امتلأت) حتى تثلط ويزول عنها الخطر. 3 ـ المتولدة إذا تعسرت ولادتها حتى يزول عنها الخطر. 4 ـ المصابة بما يميتها من خنق وسقوط من علو ونحوه حتى يزول عنها الخطر. 5 ـ الزمنى وهي العاجزة عن المشي لعاهة. 6 ـ مقطوعة إحدى اليدين أو الرجلين. فإذا ضممت ذلك إلى العيوب الأربعة المنصوص عليها صار ما لا يضحى به عشرة. هذه الستة وما تعيب بالعيوب الأربعة السابقة. الشرط الرابع: أن تكون ملكاً للمضحي، أو مأذوناً له فيها من قبل الشرع، أو من قبل المالك فلا تصح التضحية بما لا يملكه كالمغصوب والمسروق والمأخوذ بدعوى باطلة ونحوه؛ لأنه لا يصح التقرب إلى الله بمعصيته. وتصح تضحية ولي اليتيم له من ماله إذا جرت به العادة وكان ينكسر قلبه بعدم الأضحية. وتصح تضحية الوكيل من مال موكله بإذنه. الشرط الخامس: أن لا يتعلق بها حق للغير فلا تصح التضحية بالمرهون. الشرط السادس: أن يضحي بها في الوقت المحدود شرعاً وهو من بعد صلاة العيد يوم النحر إلى غروب الشمس من آخر يوم من أيام التشريق وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة، فتكون أيام الذبح أربعة: يوم العيد بعد الصلاة، وثلاثة أيام بعده، فمن ذبح قبل فراغ صلاة العيد، أو بعد غروب الشمس يوم الثالث عشر لم تصح أضحيته؛ لما روى البخاري عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: " من ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله وليس من النسك في شيء ". وروى عن جندب بن سفيان البجلي رضي الله عنه قال: شهدت النبي صلى الله عليه وسلّم قال: " من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى ". وعن نبيشة الهذلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: " أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل " رواه مسلم. لكن لو حصل له عذر بالتأخير عن أيام التشريق مثل أن تهرب الأضحية بغير تفريط منه فلم يجدها إلا بعد فوات الوقت، أو يوكل من يذبحها فينسى الوكيل حتى يخرج الوقت فلا بأس أن تذبح بعد خروج الوقت للعذر، وقياساً على من نام عن صلاة أو نسيها فإنه يصليها إذا استيقظ أو ذكرها. ويجوز ذبح الأضحية في الوقت ليلاً ونهارا ً، والذبح في النهار أولى، ويوم العيد بعد الخطبتين أفضل، وكل يوم أفضل مما يليه؛ لما فيه من المبادرة إلى فعل الخير. [الْمَصْدَرُ] انتهى من رسالة أحكام الأضحية والذكاة للشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله الحديث: 36755 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4539 فيما يجتنبه من أراد الأضحية [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لمن أراد أن يضحي أن يقص شعره وأظفاره؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله: " إذا أراد أحد أن يضحي ودخل شهر ذي الحجة إما برؤية هلاله، أو إكمال ذي القعدة ثلاثين يوماً فإنه يحرم عليه أن يأخذ شيئاً من شعره، أو أظفاره أو جلده حتى يذبح أضحيته لحديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: " إذا رأيتم هلال ذي الحجة، وفي لفظ: " إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره ". رواه أحمد ومسلم، وفي لفظ: " فلا يأخذ من شعره وأظفاره شيئاً حتى يضحي "، وفي لفظ: " فلا يمس من شعره ولا بشره شيئاً ". وإذا نوى الأضحية أثناء العشر أمسك عن ذلك من حين نيته ولا إثم عليه فيما أخذه قبل النية. والحكمة في هذا النهي أن المضحي لما شارك الحاج في بعض أعمال النسك وهو التقرب إلى الله تعالى بذبح القربان شاركه في بعض خصائص الإحرام من الإمساك عن الشعر ونحوه. وهذا حكم خاص بمن يضحي، أما من يضحى عنه فلا يتعلق به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: " وأراد أحدكم أن يضحي " ولم يقل أو يضحى عنه؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلّم كان يضحي عن أهل بيته ولم ينقل عنه أنه أمرهم بالإمساك عن ذلك. وعلى هذا فيجوز لأهل المضحي أن يأخذوا في أيام العشر من الشعر والظفر والبشرة. وإذا أخذ من يريد الأضحية شيئاً من شعره أو ظفره أو بشرته فعليه أن يتوب إلى الله تعالى ولا يعود، ولا كفارة عليه، ولا يمنعه ذلك عن الأضحية كما يظن بعض العوام. وإذا أخذ شيئاً من ذلك ناسياً أو جاهلاً، أو سقط الشعر بلا قصد فلا إثم عليه، وإن احتاج إلى أخذه فله أخذه ولا شيء عليه مثل أن ينكسر ظفره فيؤذيه فيقصه، أو ينزل الشعر في عينيه فيزيله، أو يحتاج إلى قصه لمداواة جرح ونحوه ". [الْمَصْدَرُ] فتاوى إسلامية2/316 الحديث: 36567 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4540 الأضحية عن الأموات [السُّؤَالُ] ـ[هل أضحي عن والدي المتوفيان؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله: " الأصل في الأضحية أنها مشروعة في حق الأحياء كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأصحابه يضحون عن أنفسهم وأهليهم، وأما ما يظنه بعض العامة من اختصاص الأضحية بالأموات فلا أصل له. والأضحية عن الأموات ثلاثة أقسام: الأول: أن يضحي عنهم تبعاً للأحياء مثل أن يضحي الرجل عنه وعن أهل بيته وينوي بهم الأحياء والأموات، (وهذا جائز) وأصل هذا تضحية النبي صلى الله عليه وسلّم عنه وعن أهل بيته وفيهم من قد مات من قبل. الثاني: أن يضحي عن الأموات بمقتضى وصاياهم تنفيذاً لها (وهذا واجب إلا إن عجز عن ذلك) وأصل هذا قوله تعالى: (فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَآ إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) . الثالث: أن يضحي عن الأموات تبرعاً مستقلين عن الأحياء (بأن يذبح لأبيه أضحية مستقلة أو لأمه أضحية مستقلة) فهذه جائزة، وقد نص فقهاء الحنابلة على أن ثوابها يصل إلى الميت وينتفع به قياساً على الصدقة عنه. ولكن لا نرى أن تخصيص الميت بالأضحية من السنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلّم لم يضح عن أحد من أمواته بخصوصه، فلم يضح عن عمه حمزة وهو من أعز أقاربه عنده، ولا عن أولاده الذين ماتوا في حياته، وهم ثلاث بنات متزوجات، وثلاثة أبناء صغار، ولا عن زوجته خديجة وهي من أحب نسائه إليه، ولم يرد عن أصحابه في عهده أن أحداً منهم ضحى عن أحد من أمواته. ونرى أيضاً من الخطأ ما يفعله بعض من الناس يضحون عن الميت أول سنة يموت أضحية يسمونها (أضحية الحفرة) ويعتقدون أنه لا يجوز أن يشرك معه في ثوابها أحد، أو يضحون عن أمواتهم تبرعاً، أو بمقتضى وصاياهم ولا يضحون عن أنفسهم وأهليهم، ولو علموا أن الرجل إذا ضحى من ماله عن نفسه وأهله شمل أهله الأحياء والأموات لما عدلوا عنه إلى عملهم ذلك." [الْمَصْدَرُ] رسالة أحكام الأضحية والذكاة الحديث: 36596 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4541 ذبح الأضحية أفضل من التصدق بثمنها [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان في بلدي فقراء يفتقرون إلى المال، فهل أتصدق عليهم بثمن الأضحية أم أضحي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ محمد ابن عثيمن رحمه الله: " ذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها؛ لأن ذلك عمل النبي صلى الله عليه وسلّم والمسلمين معه؛ ولأن الذبح من شعائر الله تعالى، فلو عدل الناس عنه إلى الصدقة لتعطلت تلك الشعيرة. ولو كانت الصدقة بثمن الأضحية أفضل من ذبح الأضحية لبينه النبي صلى الله عليه وسلّم لأمته بقوله أو فعله، لأنه لم يكن يدع بيان الخير للأمة، بل لو كانت الصدقة مساوية للأضحية لبينه أيضاً لأنه أسهل من عناء الأضحية ولم يكن صلى الله عليه وسلّم ليدع بيان الأسهل لأمته مع مساواته للأصعب، ولقد أصاب الناس مجاعة في عهد النبي صلى الله عليه وسلّم فقال: «من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثالثة في بيته شيء» . فلما كان العام المقبل قالوا يا رسول الله نفعل كما فعلنا في العام الماضي فقال النبي صلى الله عليه وسلّم: «كلوا واطعموا وادخروا فإن ذلك العام كان في الناس جهد فأردت أن تعينوا فيها» . متفق عليه. قال ابن القيم رحمه الله: الذبح في موضعه أفضل من الصدقة بثمنه. قال: ولهذا لو تصدق عن دم المتعة والقِرَان بأضعاف أضعاف القيمة لم يقم مقامه وكذلك الأضحية. [الْمَصْدَرُ] انتهى كلامه " رسالة أحكام الأضحية والذكاة الحديث: 36645 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4542 وقت ذبح الأضحية [السُّؤَالُ] ـ[ما هو الوقت الذي تذبح فيه الأضحية؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يبدأ وقت ذبح الأضحية من بعد صلاة عيد الأضحى، وينتهي بغروب الشمس من اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة. أي أن أيام الذبح أربعة: يوم الأضحى وثلاثة أيام بعده. والأفضل أن يبادر بالذبح بعد صلاة العيد، كما كان يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم يكون أول ما يأكل يوم العيد من أضحيته. روى أحمد (22475) عن بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ، وَلا يَأْكُلُ يَوْمَ الأَضْحَى حَتَّى يَرْجِعَ، فَيَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ. نقل الزيلعي في "نصب الراية" (2/221) عن ابن القطان أنه صححه. قال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" (2/319) : " قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أيام النحر: يوم النحر، وثلاثة أيام بعده، وهو مذهب إمام أهل البصرة الحسن، وإمام أهل مكة عطاء بن أبي رباح، وإمام أهل الشام الأوزاعي، وإمام فقهاء الحديث الشافعي رحمه الله، واختاره ابن المنذر، ولأن الثلاثة تختص بكونها أيام منى، وأيام الرمي، وأيام التشريق، ويحرم صيامها، فهي إخوة في هذه الأحكام، فكيف تفترق في جواز الذبح بغير نص ولا إجماع، وروي من وجهين مختلفين يشد أحدهما الآخر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كل منى منحر، وكل أيام التشريق ذبح) " انتهى. والحديث صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2476) . وقال الشيخ ابن عثيمين في "أحكام الأضحية" عن وقت ذبح الأضحية: " من بعد صلاة العيد يوم النحر إلى غروب الشمس من آخر يوم من أيام التشريق وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة، فتكون أيام الذبح أربعة: يوم العيد بعد الصلاة، وثلاثة أيام بعده، فمن ذبح قبل فراغ صلاة العيد، أو بعد غروب الشمس يوم الثالث عشر لم تصح أضحيته. . . لكن لو حصل له عذر بالتأخير عن أيام التشريق مثل أن تهرب الأضحية بغير تفريط منه فلم يجدها إلا بعد فوات الوقت، أو يوكل من يذبحها فينسى الوكيل حتى يخرج الوقت، فلا بأس أن تذبح بعد خروج الوقت للعذر، وقياساً على من نام عن صلاة أو نسيها فإنه يصليها إذا استيقظ أو ذكرها. ويجوز ذبح الأضحية في الوقت ليلاً ونهارا ً، والذبح في النهار أولى، ويوم العيد بعد الخطبتين أفضل، وكل يوم أفضل مما يليه؛ لما فيه من المبادرة إلى فعل الخير " انتهى باختصار. وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/406) : " أيام الذبح لهدي التمتع والقران والأضحية أربعة أيام: يوم العيد وثلاثة أيام بعده، وينتهي الذبح بغروب شمس اليوم الرابع في أصح أقوال أهل العلم " انتهى. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36651 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4543 الأفضل في الأضاحي جنساً ووصفاً [السُّؤَالُ] ـ[ما هو الأفضل في الأضحية، الإبل أم الغنم أم البقر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأفضل من الأضاحي جنساً: الإبل، ثم البقر إن ضحى بها كاملة، ثم الضأن، ثم المعز، ثم سبع البدنة ثم سبع البقرة. والأفضل منها صفة: الأسمن الأكثر لحماً الأكمل خِلقة الأحسن منظراً. وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم كان يضحي بكبشين أقرنين أملحين. والكبش: العظيم من الضأن. والأملح ما خالط بياضه سواد فهو أبيض في سواد. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ضحى النبي صلى الله عليه وسلّم بكبش أقرن فحيل يأكل في سواد، وينظر في سواد ويمشي في سواد. أخرجه الأربعة، وقال الترمذي: حسن صحيح، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (2796) . والفحيل: الفحل. ومعنى يأكل في سواد إلى آخره أن شعر فمه وعينيه وأطرافه أسود. وعن أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلّم قال: كان النبي صلى الله عليه وسلّم إذا ضحى اشترى كبشين سمينين وفي لفظ: موجوءين. رواه أحمد وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (3122) . السمين: كثير الشحم واللحم. والموجوء: الخصي وهو أكمل من الفحل من حيث طيب اللحم غالباً، والفحل أكمل من حيث تمام الخلقة والأعضاء. هذا هو الأفضل من الأضاحي جنساً وصفة. وأما المكروه منها فهي: 1 ـ العضباء: وهي ما قطع من أذنها أو قرنها النصف فأكثر. 2 ـ المقابلة ـ بفتح الباء ـ: وهي التي شقت أذنها عرضاً من الأمام. 3 ـ المدابرة ـ بفتح الباء ـ: وهي التي شقت أذنها عرضاً من الخلف. 4 ـ الشرقاء: وهي التي شقت أذنها طولاً. 5 ـ الخرقاء: وهي التي خرقت أذنها. 6 ـ المُصْفَرَة: وهي التي قطعت أذنها حتى ظهر صماخها، وقيل المهزولة إذا لم تصل إلى حد تفقد فيه المخ. 7 ـ المستأصَلة: وهي التي ذهب قرنها كله. 8 ـ البخقاء: وهي التي بخقت عينها فذهب بصرها وبقيت العين بحالها. 9 ـ المشيَّعة: وهي التي لا تتبع الغنم لضعفها إلا بمن يشيعها فيسوقها لتلحق. ويصح كسر الياء المشددة، وهي التي تتأخر خلف الغنم لضعفها فتكون كالمشيعة لهن. هذه هي المكروهات التي وردت الأحاديث بالنهي عن التضحية بما تعيب بها أو الأمر باجتنابها، وحمل ذلك على الكراهة للجمع بينها وبين حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم: ماذا يُتقى من الأضاحي؟ فأشار بيده وقال: " أربعاً: العرجاء البين ضلعها، والعوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعجفاء التي لا تُنقي " رواه مالك في الموطأ. ويلحق بهذه المكروهات ما كان مثلها فتكره التضحية بما يأتي: 1 ـ البتراء من الإبل والبقر والمعز وهي التي قطع نصف ذنبها فأكثر. 2 ـ ما قطع من أليته أقل من النصف. فإن قطع النصف فأكثر فقال جمهور أهل العلم: لا تجزىء. فأما مفقودة الألية بأصل الخلقة فلا بأس بها. 3 ـ ما قطع ذكره. 4 ـ ما سقط بعض أسنانها ولو كانت الثنايا أو الرباعيات. فإن فقد بأصل الخلقة لم تكره. 5 ـ ما قطع شيء من حلمات ثديها. فإن فقد بأصل الخلقة لم تكره. وإن توقف لبنها مع سلامة ثديها فلا بأس بها. فإذا ضممت هذه المكروهات الخمس إلى التسع السابقة صارت المكروهات أربع عشرة. [الْمَصْدَرُ] المرجع رسالة أحكام الأضحية والذكاة للشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله الحديث: 36663 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4544 الأضحية للميت [السُّؤَالُ] ـ[هل تجوز الأضحية للميت؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أجمع المسلمون مشروعيتها (أي: الأضحية) من حيث الأصل، ويجوز أن يضحى عن الميت؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي والبخاري في الأدب المفرد عن أبي هريرة، وذبح الأضحية عنه من الصدقة الجارية؛ لما يترتب عليها من نفع المضحي والميت وغيرهما. وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الحديث: 36706 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4545 هل يجوز إعطاء الكافر من الأضحية؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز إعطاء الكافر من الأضحية؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ ابن عثيمين: يجوز للإنسان أن يعطي الكافر من لحم أضحيته صدقة بشرط أن لا يكون هذا الكافر ممن يقتلون المسلمين فإن كان ممن يقتلونهم فلا يعطى شيئاً لقوله تعالى: (لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ) الممتحنة /8-9 اهـ. [الْمَصْدَرُ] فتاوى الشيخ ابن عثيمين (2/663) الحديث: 36376 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4546 فيمن تجزىء عنه الأضحية [السُّؤَالُ] ـ[أنا وزوجتي وأولادي ثمانية أشخاص فهل يكفينا أضحية واحدة أم لكل شخص أضحية؟ فإن كانت تكفي واحدة فهل يجوز أن أشترك أنا وجاري في أضحية واحدة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: تُجزىء الأضحية الواحدة من الغنم عن الرجل وأهل بيته ومن شاء من المسلمين؛ لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلّم أمر بكبشٍ أقرن يطأ في سواد، ويبرك في سواد، وينظر في سواد فأُتي به ليضحي به فقال لها: " يا عائشة هلمي المدية (أي أعطيني السكين) ففعلت ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه (أي أخذ يستعد لذبحه) ثم قال: بسم الله، اللهم تقبل من محمد، وآل محمد، ومن أمة محمد ثم ضحى به " رواه مسلم وما بين القوسين تفسير وليس من أصل الحديث. وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: " كان الرجل في عهد النبي صلى الله عليه وسلّم يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته، فيأكلون ويطعمون ". رواه ابن ماجه والترمذي وصححه. وصححه الألباني في صحيح الترمذي 1216 فإذا ضحى الرجل بالواحدة من الغنم الضأن أو المعز عنه وعن أهل بيته أجزأ عن كل من نواه من أهل بيته من حي وميت، فإن لم ينو شيئاً يعم أو يخص دخل في أهل بيته كل من يشمله هذا اللفظ عرفاً أو لغة، وهو في العرف لمن يعولهم من زوجات وأولاد وأقارب، وفي اللغ ة: لكل قريب له من ذريته وذرية أبيه وذرية جده وذرية جد أبيه. ويجزىء سبع البعير أو سبع البقر عما تجزئ عنه الواحدة من الغنم، فلو ضحى الرجل بسبع بعير أو بقرة عنه وعن أهل بيته أجزأه ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلّم جعل سبع البدنة والبقرة قائماً مقام الشاة في الهدي فكذلك يكون في الأضحية لعدم الفرق بينها وبين الهدي في هذا. ثانياً: لا تجزئ الواحدة من الغنم عن شخصين فأكثر يشتريانها فيضحيان بها؛ لعدم ورود ذلك في الكتاب والسنة، كما لا يجزئ أن يشترك ثمانية فأكثر في بعير أو بقرة (لكن يجوز اشتراك سبعة في بعير أو بقرة) ؛ لأن العبادات توقيفية لا يجوز فيها تعدي المحدود كمية وكيفية، وهذا في غير الاشتراك في الثواب، فقد ورد التشريك فيه بدون حصر كما سبق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36387 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4547 تعريف الأضحية وحكمها [السُّؤَالُ] ـ[ما المقصود بالأضحية؟ وهل هي واجبة أم سنة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأضحية: ما يذبح من بهيمة الأنعام أيام عيد الأضحى بسبب العيد تقرباً إلى الله عز وجل. وهي من شعائر الإسلام المشروعة بكتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلّم، وإجماع المسلمين. أما الكتاب: فقوله تعالى: 1- {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} . 2- وقال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى للَّهِ رَبِّ الْعَلَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} . والنسك الذبح، قاله سعيد بن جبير، وقيل جميع العبادات ومنها الذبح، وهو أشمل. 3- وقال تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الاَْنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} . ومن السنة: 1- ما جاء في صحيح البخاري (5558) ومسلم (1966) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «ضحى النبي صلى الله عليه وسلّم بكبشين أملحين ذبحهما بيده وسمى وكبر، وضع رجله على صفاحهما» . 2- وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: «أقام النبي صلى الله عليه وسلّم بالمدينة عشر سنين يضحي» . رواه أحمد (4935) والترمذي (1507) ، وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح (1475) 3- وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قسم بين أصحابه ضحايا فصارت لعقبة جذعة فقال: يا رسول الله صارت لي جذعة فقال: «ضح بها» رواه البخاري (5547) . 4- وعن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «من ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين» . رواه البخاري (5545) . فقد ضحى صلى الله عليه وسلّم وضحى أصحابه رضي الله عنهم، وأخبر أن الأضحية سنة المسلمين يعني طريقتهم. ولهذا أجمع المسلمون على مشروعيتها، كما نقله غير واحد من أهل العلم. واختلفوا هل هي سنة مؤكدة، أو واجبة لا يجوز تركها؟ فذهب جمهور العلماء إلى أنها سنة مؤكدة، وهو مذهب الشافعي، ومالك وأحمد في المشهور عنهما. وذهب آخرون إلى أنها واجبة، وهو مذهب أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن أحمد، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وقال: هو أحد القولين في مذهب مالك، أو ظاهر مذهب مالك." انتهى من رسالة أحكام الأضحية والذكاة لابن عثيمين رحمه الله. قال الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله: " الأضحية سنة مؤكدة للقادر عليها، فيُضحي الإنسان عن نفسه وأهل بيته " فتاوى ابن عثيمين 2/661. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36432 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4548 اشترى أضحية فولدت [السُّؤَالُ] ـ[اشتريت شاة لأضحي بها فولدت قبل الذبح بمدة يسيرة، فماذا أفعل بولدها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأضحية تتعين بشرائها بنية الأضحية أو بتعيينها، فإذا تعينت فولدت قبل وقت ذبحها فاذبح ولدها تبعاً لها. وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الحديث: 36494 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4549 التلفظ بالنية عند ذبح الأضحية [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز التلفظ بالنية مثلاً لو أردت أن أذبح أضحية لوالدي المتوفى، فأقول: اللهم إنها أضحية والدي فلان، أم أني أعمل الحاجة بدون تلفظ ويكفي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله النية محلها القلب، فيكتفي بما قصده في قلبه، ولا يتلفظ بالنية، وعليه بالتسمية والتكبير عند الذبح؛ لما ثبت في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: (ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين ذبحهما بيده وسمى وكبر) رواه البخاري 7/130 برقم (5554) ، ومسلم 3/1556 برقم (1966) وأحمد 3/115. ولا مانع من أن تقول: اللهم إن هذه أضحية عن والدي، وليس هذا من التلفظ بالنية. وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الحديث: 36518 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4550 فيما يؤكل ويفرق من الأضحية [السُّؤَالُ] ـ[كيف نفعل بالأضحية؟ هل نقسمها أثلاثاً أم أرباعاً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يشرع للمضحي أن يأكل من أضحيته، ويهدي، ويتصدق لقوله تعالى: (فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ الْبَآئِسَ الْفَقِيرَ) . وقوله تعالى: (فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) . فالقانع السائل المتذلل، والمعتر المتعرض للعطية بدون سؤال، وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: " كلوا وأطعموا وادخروا ". رواه البخاري والإطعام يشمل الهدية للأغنياء والصدقة على الفقراء، وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: " كلوا وادخروا وتصدقوا ". رواه مسلم. وقد اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في مقدار ما يأكل ويهدي ويتصدق، والأمر في ذلك واسع، والمختار أن يأكل ثلثاً، ويهدي ثلثاً، ويتصدق بثلث، وما جاز أكله منها جاز ادخاره ولو بقي مدة طويلة إذا لم يصل إلى حد يضر أكله إلا أن يكون عام مجاعة فلا يجوز الادخار فوق ثلاثة أيام لحديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: " من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثالثة وفي بيته منه شيء ". فلما كان العام المقبل قالوا: يا رسول الله نفعل كما فعلنا في العام الماضي، فقال صلى الله عليه وسلّم: " كلوا واطعموا وادخروا فإن ذلك العام كان في الناس جهد فأردت أن تعينوا فيها ". متفق عليه. ولا فرق في جواز الأكل والإهداء من الأضحية بين أن تكون تطوعاً أو واجبة، ولا بين أن تكون عن حي أو ميت أو عن وصية؛ لأن الوصي يقوم مقام الموصي، والموصى يأكل ويهدي ويتصدق؛ ولأن هذا هو العرف الجاري بين الناس، والجاري عرفاً كالمنطوق لفظاً. فأما الوكيل فإن أذن له الموكل في الأكل والإهداء والصدقة أو دلت القرينة أو العرف على ذلك فله فعله وإلا سلمها للموكل وكان توزيعها إليه. ويحرم أن يبيع شيئاً من الأضحية لا لحماً ولا غيره حتى الجلد، ولا يعطي الجازر شيئاً منها في مقابلة الأجرة أو بعضها لأن ذلك بمعنى البيع. فأما من أهدي إليه شيء منها أو تصدق به عليه فله التصرف فيه بما شاء من بيع وغيره، غير أنه لا يبيعه على من أهداه أو تصدق به. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36532 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4551 لأهل المضحي أن يأخذوا من شعورهم وأظفارهم في العشر [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان الرجل هو الذي سيضحي فهل يجوز لزوجته وأولاده أن يأخذوا من شعورهم وأظفارهم إذا دخل شهر ذو الحجة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، يجوز ذلك، وقد سبق في إجابة السؤال رقم (36567) أن المضحي يحرم عليه أن يأخذ من شعره أو أظفاره أو بشرته شيئاً، وهذا الحكم خاص بالمضحي الذي هو صاحب الأضحية. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: وأما أهل المضحي فليس عليهم شيء، ولا يُنهون عن أخذ شيء من الشعر والأظافر في أصح قولي العلماء، وإنما الحكم يختص بالمضحي خاصة الذي اشترى الأُضحية من ماله اهـ. "فتاوى إسلامية" (2/316) . وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (11/397) : يشرع في حق من أراد أن يضحي إذا أهل هلال ذي الحجة ألا يأخذ من شعره ولا من أظافره ولا بشرته شيئاً حتى يضحي؛ لما روى الجماعة إلا البخاري رحمهم الله، عن أم سلمة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره) ، ولفظ أبي داود (2791) ومسلم (1977) : (من كان له ذبح يذبحه فإذا أهل هلال ذي الحجة فلا يأخذنَّ من شعره ومن أظفاره شيئاً حتى يضحي) سواء تولى ذبحها بنفسه أو وَكَلَ ذَبْحَها إلى غيره، أما من يُضَحَّى عنه فلا يشرع ذلك في حقه؛ لعدم ورود شيء بذلك اهـ. وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (7/530) : من يُضَحَّى عنه لا حرج عليه أن يأخذ من ذلك، والدليل على هذا ما يلي: 1- أن هذا هو ظاهر الحديث، وهو أن التحريم خاص بمن يضحي، وعلى هذا فيكون التحريم مختصاً برب البيت، وأما أهل البيت فلا يحرم عليهم ذلك، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّقَ الحكم بمن يضحي، فمفهومه أن من يُضَحَّى عنه لا يثبت له هذا الحكم. 2- أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يضحي عن أهل بيته ولم ينقل أنه قال لهم: لا تأخذوا من شعوركم وأظفاركم وأبشاركم شيئاً، ولو كان ذلك حراماً عليهم لنهاهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنه، وهذا القول هو القول الراجح اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 33743 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4552 لا كفارة على من نوى الأضحية وحلق شعره بعد دخول العشر [السُّؤَالُ] ـ[حلقت شعري ناسياً بعد دخول شهر ذي الحجة وقد نويت أن أضحي، فهل عليّ كفارة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: من أراد أن يضحي فليس له أن يأخذ من شعره ولا من أظفاره ولا من بشرته شيئاً إذا دخل ذو الحجة حتى يُضحي لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك فعن أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا دَخَلَتْ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا) رواه مسلم. . . ومن أخذ شيئاً من شعره أو أظفاره أو بشرته في العشر ناسياً أو جاهلاً وهو عازم على التضحية فلا شيء عليه، لأن الله سبحانه قد وضع عن عباده الخطأ والنسيان في هذا الأمر وأشباهه، وأما من فعل ذلك عمداً فعليه التوبة إلى الله سبحانه ولا شيء عليه اهـ. (يعني ليس عليه فدية ولا كفارة) . [الْمَصْدَرُ] "فتاوى إسلامية" (2/316) . الحديث: 33760 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4553 إذا حلق شعره في العشر فقد أساء وأضحيته صحيحة [السُّؤَالُ] ـ[إذا حلق شعره بعد دخول شهر ذي الحجة وقد نوى أن يضحي فهل أضحيته صحيحة وتكون مقبولة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ ابن عثيمين: نعم، تكون مقبولة لكنه يكون عاصياً، وأما ما اشتهر عند العوام أنه إذا أخذ الإنسان من شعره أو ظفره أو بشرته في أيام العشر فإنه لا أضحية له فهذا ليس بصحيح، لأنه لا علاقة بين صحة الأضحية والأخذ من هذه الثلاثة اهـ. "الشرح الممتع" (7/533) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 33818 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4554 لا حرج على الوكيل في ذبح الأضحية أن يحلق رأسه في العشر [السُّؤَالُ] ـ[إذا وَكَّلني رجل في ذبح أضحيته، فهل يجوز لي أن أحلق شعري في عشر ذي الحجة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، يجوز ذلك، لأن تحريم أخذ الشعر والظفر إنما هو على المضحي خاصة، والمضحي هو صاحب الأضحية، أما الوكيل في ذبحها فإنه لا يلزمه شيء من ذلك. قال الشيخ ابن باز: الوكلاء ليس عليهم شيء لأنهم ليسوا مُضحين، وإنما المُضحون هم الموكلون لهم اهـ. "فتاوى إسلامية" (2/316) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 33613 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4555 هل يجوز إخراج عظام الميت من القبر ليدفن فيه آخر؟ [السُّؤَالُ] ـ[لو حفرت قبرا أو قبرين لدفن ميتنا فيه، وبعد أن يبلى الجلود واللحوم ننبشه ونخرج العظام ووضعها في بئر العظام وندفن ميتا آخر غيره في ذلك القبر، لضيق المكان وعدم اتساعه لمقابر كثيرة لأن الأرض محدودة لقبرين وبئر واحد للعظام.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا دفن الميت في القبر فالواجب تركه حتى يبلى، ولا يبقى له أثر، ولا يجوز نبش القبر وإخراج عظام الميت منه، ليدفن فيه آخر، بل الميت أحق به إلى أن يبلى. قال الإمام الشافعي فيمن حفر فوجد عظام ميت: "وإن أخرجت عظام ميت أحببت أن تعاد فتدفن" انتهى. "الأم" (1/316) . وقال النووي رحمه الله في "المجموع" (5/273) : "وَأَمَّا نَبْشُ الْقَبْرِ فَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِ سَبَبٍ شَرْعِيٍّ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ. وَيَجُوزُ نَبْشُ الْقَبْرِ إذَا بَلِيَ الْمَيِّتُ وَصَارَ تُرَابًا , وَحِينَئِذٍ يَجُوزُ دَفْنُ غَيْرِهِ فِيهِ , وَيَجُوزُ زَرْعُ تِلْكَ الْأَرْضِ وَبِنَاؤُهَا وَسَائِرُ وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ , وَإِنْ كَانَتْ عَارِيَّةً رَجَعَ فِيهَا الْمُعِيرُ. وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَبْقَ لِلْمَيِّتِ أَثَرٌ مِنْ عَظْمٍ وَغَيْرِهِ , قَالَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله: وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ وَالْأَرْضِ وَيُعْتَمَدُ فِيهِ قَوْلُ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِهَا " انتهى. وقال ابن قدامة في "المغني" (2/194) : " وَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّ الْمَيِّتَ قَدْ بَلِيَ وَصَارَ رَمِيمًا , جَازَ نَبْشُ قَبْرِهِ , وَدَفْنُ غَيْرِهِ فِيهِ، وَإِنْ شَكَّ فِي ذَلِكَ رَجَعَ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ. فَإِنْ حَفَرَ , فَوَجَدَ فِيهَا عِظَامًا دَفَنَهَا , وَحَفَرَ فِي مَكَان آخَرَ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ " انتهى. وإذا لم يوجد مكان لدفن الميت إلا أن ينبش قبر فيه ميت ويدفن فيه، فيجوز ذلك للضرورة، ولكن في هذه الحالة يجب أن يدفن معه، ولا يجوز إخراج عظام الميت الأول من القبر. قال في "تحفة المحتاج" (3/173) : "وَيَحْرُمُ إدْخَالُ مَيِّتٍ عَلَى آخَرَ وَإِنْ اتَّحَدَا [يعني في الجنس] قَبْلَ بِلَى جَمِيعِهِ ... ومحل تحريمه: عند عدم الضرورة، وأما عندها فيجوز كما في الابتداء" يعني: كما يجوز أن يدفن اثنان معاً في ابتداء الدفن للضرورة. وفي "الفتاوى الفقهية الكبرى" لابن حجر الهيتمي رحمه الله (2/14) : "حيث حفر قبر إما تعديا وإما مع ظن أنه بلي ولم يبق فيه عظم فوجد فيه عظم، رد التراب عليه وجوبا، ولا يجوز الدفن فيه قبل البلى. وفي "الروضة" وغيرها: يحرم نبش قبر الميت ودفن غيره فيه قبل بلائه عند أهل الخبرة بتلك الأرض، فإن حفر فوجد فيها شيء من عظم الميت قبل تمام الحفر وجب رد ترابه عليه، وإن وجدها بعد تمام الحفر جعلها في جانب من القبر وجاز لمشقة استئناف قبر دفن الآخر معه" انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "إذا كان الأول قد دفن واستقر في قبره فإنه أحق به، وحينئذ لا يدخل عليه ثانٍ، اللهم إلا للضرورة القصوى" انتهى. "الشرح الممتع" (5/369) . وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: يوجد لدينا محل الأموات على شكل غرفة تحت الأرض، حيث يوضع الميت، وبعد سنة يفتح هذا القبر، ويوضع ميت آخر، فهل يعذب المذنب، ويؤذى المحسن في قبر واحد؟ فأجاب: "السنة أن يقبر كل إنسان على حدة مع القدرة، إذا اتسعت الأرض، وأمكن قبر كل واحد على حدة فهذا هو السن، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم في البقيع يقبرون الموتى هكذا، كل واحد على حده، أما إذا حصل ضرورة ولم يوجد مكان إلا هكذا فلا حرج، وكل يؤاخذ بذنبه، المحسن يجازى بإحسانه، والمسيء يجازى بإساءته (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) لكن مهما أمكن فالمشروع أن يدفن كل واحدٍ على حدة، كل قبر على حدة، ولا يجمع في محل واحد " انتهى من موقع الشيخ. http://www.ibnbaz.org.sa/mat/14091 وعلى هذا، فالواجب عليكم التعاون لإيجاد طريقة للدفن الشرعي، بزيادة الأماكن المخصصة لدفن الموتى، حتى يكون لكل ميت قبر. فإن لم يمكن هذا، فيجوز إدخال ميت على ميت في القبر للضرورة، ولكنه لا تخرخ عظام الميت الأول من القبر، بل تجعل في جانب ثم يدفن معه الثاني. ولمزيد الفائدة يراجع جواب السؤال رقم: (115531) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 141084 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4556 هل قبر السيدة زينب في سوريا؟ [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أعرف أين دفنت السيده زينب رضي الله عنها، وهل هي كما قالوا في سوريا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليعلم أن من أعظم أسباب ضلال بني آدم غلوهم في الصالحين، ومن أعظم أسباب الافتتان بهم: ما يحصل عند قبورهم من الغلو والشرك بالله، وصرف العبادات، من الطواف والذبح والنذر لغير الله تعالى. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ قال: ( [اللهم] لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا، لَعَنَ اللَّهُ قَوْمًا اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ) رواه الإمام أحمد (7311) ، وصححه الألباني. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا وَلَا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ) . رواه أبو داود (2042) ، وصححه الألباني. وإن من أعظم ما يدل على بطلان ما يفعله هؤلاء القبوريون عند قبورهم: أنك تجدهم مختلفين في كثير من هذه الأماكن، فأهل مصر يزعمون أن قبر زينب رضي الله عنها في مصر، ويفعلون عندها من البدع والخرافات، بل من الشرك والضلال ما الله به عليم. وهكذا أهل سوريا كما ذكرت، يفعلون نفس الشيء عند قبرهم المزعوم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " أما هذه المشاهد المشهورة فمنها ما هو كذب قطعا.. " ثم قال: " وأصل ذلك أن عامة أمر هذه القبور والمشاهد مضطرب مُخْتَلق، لا يكاد يُوقَف منه على العلم، إلا في قليل منها، بعد بحث شديد؛ وهذا لأن معرفتها وبناء المساجد عليها ليس من شريعة الإسلام، ولا ذلك من حكم الذكر الذي تكفل الله بحفظه ". ينظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (27/444) وما بعدها، ويراجع كتاب: تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد، للشيخ الألباني رحمه الله. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 138768 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4557 من فاتته صلاة الجنازة هل يصلي عليها قبل الدفن أم بعده؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل الأفضل الصلاة على الجنازة إذا لم أصلِّ عليها في المسجد في المقبرة قبل وضعها في القبر أم بعد وضعها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: أولاً: السنة أن يُصلَّى على الميت في موضع خاص بالجنائز؛ خارج المسجد، لما ثبت في البخاري (1245) عن أبي هريرة رضي الله عنه (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، خَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى فَصَفَّ بِهِمْ، وَكَبَّرَ أَرْبَعًا) ، وإن صلى عليها في المسجد فلا بأس. ولمزيد الفائدة ينظر جواب السؤال رقم (106423) . ثانياً: من فاتته الصلاة على الميت مع الجماعة، فالأفضل أن يصلي عليها قبل دفنها، فإن لم يمكن صلَّى عليها بعد دفنها. وقد سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: من فاتته الصلاة على الميت في المسجد سواء كان فرداً، أو جماعة هل يجوز لهم الصلاة على الميت في المقبرة قبل الدفن أو على القبر بعد الدفن؟ فأجاب: " الأولى أن يصلوا عليه قبل الدفن؛ لأنه إذا أمكن أن يصلوا على الجنازة حاضرة بين أيديهم كان هذا هو الواجب لكن لو جاءوا، وقد دفن، فإنهم يصلون على القبر؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى على القبر" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (17/145) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 134805 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4558 حديث لا أصل له في قراءة "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ" عند المرور بالقبور [السُّؤَالُ] ـ[روي عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من مر على المقابر وقرأ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) إحدى عشر مرة، ثم وهب أجرها للأموات أعطي من الأجر بعدد الأموات) هل هذا الحديث صحيح؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "هذا الحديث لا أصل له عند أهل العلم، وهو من الأحاديث الموضوعة المكذوبة التي ليس لها سند صحيح، وليس من السنة أن يقرأ عند القبور ولا بين القبور، إنما السنة إذا زار القبور أن يقول: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين) أو: (السلام عليكم أهل الديار من المسلمين والمؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية) ، ويدعو لهم بالمغفرة والرحمة، هذا هو السنة، أما أن يقرأ عليهم القرآن، أو بينهم القرآن، فهذا لا أصل له " انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله فتاوى نور على الدرب" (1/196) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 134252 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4559 وصية الميت بأن يدفن في مكان معين [السُّؤَالُ] ـ[هل يصح أن يوصي الميت في حياته بدفنه في المكان الفلاني أو إلى جانب الشخص الفلاني؟ وإن حصل شيء من ذلك فهل على أهله تنفيذ طلبه في دفنه حيث أوصى؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا بأس أن يوصي بدفنه في المقبرة الفلانية أو بجوار فلان، فلا بأس إن كان مع الصالحين والأخيار، فإذا أوصى بذلك فلا بأس، وعلى الوصي أن ينفذ إذا استطاع تنفيذها، أما إذا لم يستطع تنفيذها لعجزه عن ذلك أو لبعد المسافة أو ما أشبه ذلك فلا حاجة للتنفيذ، ويدفن في أي مقبرة من مقابر المسلمين والحمد لله. فإذا كانت المقبرة التي يريد أن يدفن فيها بعيدة عن بلده فلا وجه لهذه الوصية ولا حاجة لتنفيذها، بل يدفن في مقبرته في بلده إذا كانت مقابر للمسلمين، أو في مقبرة أخرى من مقابر المسلمين ويكفي، ولا حاجة إلى أن يتكلف من التركة لنقله بالطائرات أو غيرها إلى أماكن أخرى. ما دام توجد مقبرة للمسلمين يدفنون فيها، فالحمد لله، ولا حاجة إلى تنفيذ أي وصية لا وجه لها شرعاً، أما إذا كان الدفن في المقبرة التي أراد متيسراً، كأن تكون في طرف البلد أو في جانب البلد، فما دام البلد فيه مقابر وقد طلب أن يدفن في واحدة منها فلا بأس، والتنفيذ أولى" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (2/1123) . [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز فتاوى نور على الدرب الحديث: 134236 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4560 من مات بالغرق في هجرة غير شرعية هل يعد شهيدا؟ [السُّؤَالُ] ـ[شاب مات غريقا وهو في حالة هجرة غير شرعية هل يعد شهيدا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الموت بالغرق شهادة، كما روى البخاري (2829) ومسلم (1914) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: الْمَطْعُونُ، وَالْمَبْطُونُ، وَالْغَرِقُ، وَصَاحِبُ الْهَدْمِ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) . ولا يشترط أن يكون ركوب البحر لجهاد أو لهجرة شرعية، بل من كان سفره مباحا، وركوبه البحر جائزا، ثم غرق فهو شهيد. واختلف أهل العلم فيمن ركب البحر عاصيا بركوبه، كأن كان الغالب فيه عدم السلامة، أو ركبه لإتيان معصية من المعاصي، فغرق هل يعد شهيدا أم لا؟ على قولين. فمنهم من قال: إنه لا يعد شهيدا، ومنهم من استظهر أنه شهيد ما لم يمت وهو يقارف المعصية. وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: عن رجل ركب البحر للتجارة فغرق، فهل مات شهيداً؟ فأجاب: نعم، مات شهيداً، إذا لم يكن عاصياً بركوبه، فإنَّه قد صحَّ عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الغريق شهيدٌ، والمبطون شهيدٌ، والحريق شهيدٌ، والميت بالطاعون شهيدٌ، والمرأة تموت في نفاسها شهيدةٌ، وصاحب الهدم شهيدٌ) ، وجاء ذكر غير هؤلاء. وركوب البحر للتجارة جائزٌ إذا غلب على الظن السلامة، وأما بدون ذلك فليس له أن يركبه للتجارة، فإن فعل فقد أعان على قتل نفسه، ومثل هذا لا يقال: إنه شهيد، والله أعلم " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (3/22) . وقال الخطيب الشربيني رحمه الله: " واستثنى بعضهم من الغريق العاصي بركوبه البحر، كأن كان الغالب فيه عدم السلامة، أو استوى الأمران، أو ركبه لشرب خمر , ومن الميتة بالطلق الحامل بزنا , والظاهر كما قال الزركشي فيما عدا الأخيرة , وفي الأخيرة أيضا أن ما ذكر لا يمنع الشهادة " انتهى باختصار من "مغني المحتاج" (2/34) . وفي "حاشية البجيرمي على الخطيب" (2/281) : " قوله: (كالغريق) أي ولو كان عاصيا بركوب البحر، كأن ركب سفينة لا يسير مثلها في ذلك البحر لصغرها أو ثقلها. والعصيان بالتعدي بالركوب في هذه الحالة لا ينافي حصول الشهادة. ثم نقل عن بعض علماء الشافعية قوله: (كالغريق) ما لم يسيّر السفينة في وقت الغرق , ولا يمنع من شهادته ركوبها لشرب الخمر إن لم يمت بشرق به " انتهى. وعليه؛ فإن كان المقصود بالهجرة غير الشرعية: السفر للمعصية، أو ركوب البحر في هياجه أو بسفينة لا تصلح لركوبه بحيث لا يغلب على الظن السلامة، ففاعل ذلك آثم، فإن غرق فقد اختلف في كونه شهيدا، كما تقدم. ومن مات حال اقترافه المعصية فالظاهر أنه لا يعد شهيدا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 134040 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4561 حكم زيارة المعابد والمقابر الفرعونية وحكم الصلاة فيهما [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز زيارة المعابد، والمقابر الفرعونية، وما شابه ذلك؟ وهل لو خفت أن ينقضي وقت الصلاة: أؤديها في هذه الأماكن؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: زيارة المقابر قسمان: شرعية، وبدعية، فالشرعية: هي التي يراد منها نفع الميت بالدعاء، والاستغفار له، وهذه خاصة للمسلم. ويدخل في الزيارة الشرعية: الزيارة بقصد تذكر الموت، والآخرة , وهذه تكون عامة لقبر المسلم، والكافر. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فالزيارة الشرعية: أن يكون مقصود الزائر: الدعاء للميت، كما يقصد بالصلاة على جنازته الدعاء له؛ فالقيام على قبره: من جنس الصلاة عليه , قال الله تعالى في المنافقين: (وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُم مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ) التوبة/84، فنهى نبيَّه عن الصلاة عليهم، والقيام على قبورهم؛ لأنهم كفروا بالله، ورسوله، وماتوا وهم كافرون، فلما نهى عن هذا , وهذا؛ لأجل هذه العلة - وهي الكفر -: دلَّ ذلك على انتفاء هذا النهى عند انتفاء هذه العلة، ودلَّ تخصيصهم بالنهي على أن غيرهم يصلَّى عليه، ويقام على قبره، إذ لو كان هذا غير مشروع في حق أحد: لم يُخَصوا بالنهى , ولم يعلَّل ذلك بكفرهم , ولهذا كانت الصلاة على الموتى من المؤمنين، والقيام على قبورهم: من السنَّة المتواترة، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على موتى المسلمين، وشرع ذلك لأمته، وكان إذا دُفن الرجل من أمته: يقوم على قبره، ويقول: (سَلُوا لَهُ التَّثْبيتَ فإنَّهُ الآنَ يُسْأَلُ) رواه أبو داود وغيره، وكان يزور قبور أهل البقيع، والشهداء بـ "أُحُد"، ويعلّم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقول أحدهم: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله تعالى بكم لاحقون، ويرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنَّا بعدهم) . وفى صحيح مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إِلَى الْمَقْبُرَةِ فَقَالَ: (السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لاَحِقُونَ) ، والأحاديث في ذلك صحيحة، معروفة. فهذه الزيارة لقبور المؤمنين: مقصودها الدعاء لهم. وهذه غير الزيارة المشتركة التي تجوز في قبور الكفار، كما ثبت في صحيح مسلم، وأبي داود، والنسائي، وابن ماجه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: زَارَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَبْرَ أُمِّهِ فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ فَقَالَ: (اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأُذِنَ لِي، فَزُورُوا الْقُبُورَ، فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُم الْآَخرَةَ) ، فهذه الزيارة التي تنفع في تذكير الموت: تُشرع ولو كان المقبور كافراً، بخلاف الزيارة التي يقصد بها الدعاء للميت، فتلك لا تشرع إلا في حق المؤمنين. وأما الزيارة البدعية: فهي التي يُقصد بها أن يُطلب من الميت الحوائج، أو يطلب منه الدعاء، والشفاعة، أو يقصد الدعاء عند قبره؛ لظن القاصد أن ذلك أجوب للدعاء، فالزيارة على هذه الوجوه كلها مبتدعة لم يشرعها النبي صلى الله عليه وسلم , ولا فعلها الصحابة" انتهى. "مجموع الفتاوى" (1/165، 166) . ويجب أن يعلم أن زيارة القبور المشروعة يشترط لها أن لا يصحبها السفر إلى هذه القبور. فإن السفر من أجل زيارة القبور محرم، سواء قبور المسلمين أم قبور المشركين. قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: "لا يجوز شد الرحال لزيارة قبور الأنبياء، والصالحين، وغيرهم، بل هو بدعة، والأصل في ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم: (لاَ تُشَدُّ الرّحَالُ إلاَّ إلى ثَلاَثة مَسَاجد: المَسْجد الحَرَام وَمسْجدي هذا، والمسجد الأقصى) – رواه البخاري ومسلم -. وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عَملَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيه أَمْرُنا فَهُوَ رَدٌّ) – رواه البخاري تعليقاً، ومسلم -. وأما زيارتهم دون شد رحال: فسنَّة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (زُورُوا القبُورَ فَإنَّهَا تُذَّكرُكُم الآخرَةَ) رواه مسلم في صحيحه" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/431) . ثانياً: المقابر ليست محلاًّ للصلاة، سواءً أكانت مقابر للمسلمين – إلا ما استثناه الشرع وهو صلاة الجنازة - أو مقابر للمشركين من باب أولى. ومن أدى صلاة فرض، أو نافلة في مقبرة: فصلاته باطلة. قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: "لا تصح الصلاة في المقابر، فمَن أدى صلاة فيها: فهي باطلة، يجب عليه إعادتها؛ وذلك للأحاديث المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن اتخاذ القبور مساجد، إلا صلاة الجنازة، فلا بأس بها في المقبرة" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ بكر أبو زيد. " فتاوى اللجنة الدائمة " المجموعة الثانية (5 / 252، 253) . وينظر في ذلك جواب السؤال رقم: (13490) . ثالثاً: أما معابد المشركين: فلا يجوز قصدها للزيارة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وأما زيارة معابد الكفار مثل: الموضع المسمّى بالقمامة! أو بيت لحم، أو صهيون، أو غير ذلك، مثل كنائس النصارى: فمنهيٌّ عنها، فمَن زار مكاناً من هذه الأمكنة معتقداً أن زيارته مستحبة، والعبادة فيه أفضل من العبادة في بيته: فهو ضالٌّ، خارج عن شريعة الإسلام، يُستتاب، فإن تاب: وإلا قتل , وأما إذا دخلها الإنسان لحاجة، وعرضت له الصلاة فيها: فللعلماء فيها ثلاثة أقوال ... " انتهى. "مجموع الفتاوى" (27/14) . وقد صحَّ عن عمر رضي الله عنه قولُه: (لا تدخلوا على المشركين في كنائسهم، ومعابدهم؛ فإن السخطة تنزل عليهم) . رواه عبد الرزاق (1/411) وابن أبي شيبة (6/208) . وأما حكم الصلاة فيها: فجائز، بشرطين: أ. عدم قصد الصلاة فيها، وإنما دخلها لحاجة فعرضت لها الصلاة، كما مرَّ في كلام شيخ الإسلام رحمه الله آنفاً. ب. وبشرط عدم وجود الصور، والتماثيل. وقد بوَّب الإمام البخاري رحمه الله قي صحيحه: " باب الصَّلاَةِ فِي الْبِيعَةِ "، وقال: وَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: (إِنَّا لاَ نَدْخُلُ كَنَائِسَكُمْ مِنْ أَجْلِ التَّمَاثِيلِ الَّتِي فِيهَا الصُّوَرَ) ، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُصَلِّي فِي الْبِيعَةِ إِلاَّ بِيعَةً فِيهَا تَمَاثِيلُ. انتهى. وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: هل الصلاة في البيَع والكنائس جائزة مع وجود الصور أم لا؟ وهل يقال: إنها بيوت الله أم لا؟ . فأجاب: "ليست بيوت الله , وإنما بيوت الله: المساجد , بل هي بيوت يُكفر فيها بالله، وإن كان قد يُذكر فيها , فالبيوت بمنزلة أهلها , وأهلها كفار , فهي بيوت عبادة الكفار. وأما الصلاة فيها: ففيها ثلاثة أقوال للعلماء في مذهب أحمد، وغيره: المنع مطلقاً ; وهو قول مالك، والإذن مطلقا، وهو قول بعض أصحاب أحمد، والثالث: وهو الصحيح المأثور عن عمر بن الخطاب وغيره , وهو منصوص عن أحمد، وغيره , أنه إن كان فيها صور: لم يصلّ فيها ; لأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة – متفق عليه - , ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل الكعبة حتى مُحي ما فيها من الصور – رواه أبو داود بإسناد صحيح - , وكذلك قال عمر: إنا كنا لا ندخل كنائسهم والصور فيها" انتهى. "مجموع الفتاوى" (2/156) . رابعاً: مما هو معلوم أن هذه الأماكن الأثرية قد تكون أماكن عذاب، ولعنة , وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من قصد أماكن المعذَّبين للزيارة، أو النزهة. فعن ابن عمر رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا مَرَّ بِالْحِجْرِ قَالَ: (لَا تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ أَنْ يُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَهُمْ ثُمَّ تَقَنَّعَ بِرِدَائِهِ وَهُوَ عَلَى الرَّحْلِ) رواه البخاري (423) ومسلم (2980) . قال النووي رحمه الله: "فِيهِ: الْحَثّ عَلَى الْمُرَاقَبَة عِنْد الْمُرُور بِدِيَارِ الظَّالِمِينَ , وَمَوَاضِع الْعَذَاب ......... , فَيَنْبَغِي لِلْمَارِّ فِي مِثْل هَذِهِ الْمَوَاضِع الْمُرَاقَبَة، وَالْخَوْف، وَالْبُكَاء , وَالِاعْتِبَار بِهِمْ، وَبِمَصَارِعِهِمْ , وَأَنْ يَسْتَعِيذ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ" انتهى. "شرح مسلم" (18/111) . وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وهذا يتناول مساكن "ثمود"، وغيرهم، ممن هو كصفتهم، وإن كان السبب ورد فيهم. "فتح الباري" (6/380) . وقد أفتى العلماء المعاصرون بحرمة زيارة أماكن المعذّبين، والذين ظلموا: 1. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن حكم قصد مدائن " صالح " بالزيارة. فأجاب: "أمَّا المرور عليها: فقد مرَّ بها النبي صلى الله عليه وسلم، لكنَّه أسرع عليه الصلاة والسلام، وقنَّع رأسه، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين خشية أن يصيبكم ما أصابهم، فإن لم تكونوا باكيين فلا تدخلوا عليها) فلا يجوز للإنسان أن يذهب إلى هذه المدائن للتفرج، والنزهة، بل للاعتبار الذي يصحبه البكاء، وإلا فالسلامة في تركها، وقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (أن يصيبكم ما أصابهم) ليس مراده العذاب العام؛ لأن هذه الأمَّة - والحمد لله - لا تعذب بصفة عامة، لكن أن يصيبكم ما أصابهم من قسوة القلب، والإعراض، والتولي عن الدِّين. وحكمة ذلك: أن الناس الذين يذهبون إلى هذه البلاد على غير الوجه الذي أراد الرسول عليه الصلاة والسلام: سوف يقع في نفوسهم تعظيم هؤلاء؛ لمَا يرون من إحكام البناء، وشدته، وقوته، وإذا وقع تعظيم الكافر في قلب المؤمن: فإنه على خطر عظيم" انتهى. "لقاء الباب المفتوح" (82/السؤال رقم 2) . 2. وفي جواب السؤال رقم (87846) ذكرنا فتوى علماء اللجنة الدائمة في تحريم زيارة منازل "مديَن"، و "ثمود" لقصد الفُرجة، والاطلاع. وننبه إلى أن هناك أسباباً أخرى تمنع الذهاب إلى تلك الأماكن، حيث صارت مرتعاً خصباً للسيَّاح، وما يصاحب ذلك من تعرِّ، وتبرجٍ، وفجور، وشرب للخمور، وغير ذلك. خامساً: أما حكم الصلاة في أماكن اللعنة، والخسف، وأقوام المعذبين: فالظاهر هو المنع منها: فقد بوَّب البخاري رحمه الله – (1/166) - على حديث ابن عمر المتقدم: "بَاب الصَّلَاة فِي مَوَاضِع الْخَسْف وَالْعَذَاب، وَيُذْكَرُ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَرِهَ الصَّلَاةَ بِخَسْفِ بَابِلَ" , وهذا من دقيق استنباطه. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وَالْحَدِيث مُطَابِق لَهُ مِنْ جِهَة أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فِيهِ تَرْك النُّزُول كَمَا وَقَعَ عِنْد الْمُصَنِّف فِي " الْمَغَازِي " فِي آخِر الْحَدِيث " ثُمَّ قَنَّعَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسه وَأَسْرَعَ السَّيْر حَتَّى أَجَازَ الْوَادِي "، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَنْزِل، وَلَمْ يُصَلِّ هُنَاكَ، كَمَا صَنَعَ " عَلِيّ " فِي خَسْف " بَابِل ". "فتح الباري" (1/530) . وقد صحَّ موقوفاً عن علي رضي الله عنه النهي عن الصلاة في أرض " بابل " من أرض العراق. قال ابن رجب رحمه الله: وروى يعقوب بن شيبة، عن أبي النعيم: ثنا المغيرة بن أبي الحر الكندي: حدثني حجر بن عنبس، قال: خرجنا مع " علي " إلى "الحرورية" [الخوارج] ، فلما وقع في أرض "بابل" قلنا: "أمسيتَ يا أمير المؤمنين، الصلاة، الصلاة"، قال: "لم أكن أصلي في أرض قد خسف الله بها". وخرجه وكيع، عن مغيرة بن أبي الحر، به بنحوه. وهذا إسناد جيد ... . ثم قال: والموقوف أصح. "فتح الباري" لابن رجب (3/212) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ولا يصلَّى في مواضع الخسف، نص عليه [الإمام أحمد] في رواية عبد الله ... فإذا كان المكث في مواقع العذاب، والدخول إليها لغير حاجة منهيٌّ عنه: فالصلاة بها أولى , ولا يقال فقد استثنى ما إذا كان الرجل باكياً؛ لأن هذا الاستثناء من نفس الدخول فقط؛ فأما المكث بها، والمقام، والصلاة: فلم يأذن فيه، بدليل حديث " علي " , ولأن مواضع السخط، والعذاب، قد اكتسبت السخط بما نزل ساكنيها، وصارت الأرض ملعونة، كما صارت مساجد الأنبياء - مثل مسجد إبراهيم، ومحمد، وسليمان صلى الله عليهم - مكرَّمة لأجل مَن عبد الله فيها، وأسسها على التقوى. فعلى هذا: كل بقعة نزل عليها عذاب: لا يصلَّى فيها، مثل أرض الحِجر، وأرض بابل المذكورة، ومثل مسجد الضرار؛ لقوله تعالى: (لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدً) التوبة/108. "شرح العمدة" (3/420) . بل ذهب شيخ الإسلام رحمه الله إلى أبعد من تحريم الصلاة، وهو القول ببطلانها، ووجوب إعادتها. قال رحمه الله: فإن صلَّى: فهل تصح صلاته؟ فعلى ما ذكره طائفة من أصحابنا: تصح؛ لأنهم جعلوا هذا من القسم الذي تكره الصلاة فيه، ولا تحرم؛ لأن أحمد كره ذلك , ولأنهم لم يستثنوه من الأمكنة التي لا يجوز الصلاة فيها , ولأصحابنا في الكراهة المطلقة من أبي عبد الله وجهان: أحدهما: أنه محمول على التحريم , وهذا أشبه بكلامه , وأقيس بمذهبه؛ لأنه قد قال في الصلاة في مواضع نهي النبي صلى الله عليه وسلم عنها: " يعيد الصلاة " , وكذلك عند القاضي، والشريف أبي جعفر , وغيرهما، طرد الباب في ذلك، بأن كل بقعة نهي عن الصلاة فيها مطلقاً: لم تصح الصلاة فيها، كالأرض النجسة , وهذا ظاهر، فإن الواجب: إلحاق هذا بمواضع النهي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه، كما نهى عن الصلاة في المقبرة، ونهى الله نبيَّه أن يقوم في مسجد الضرار , ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الدخول إلى مساكن المعذبين عموماً، فإذا كان الله نهى عن الصلاة في الأماكن الملعونة خصوصاً , ونهى عن الدخول إليها خصوصاً، وعمل بذلك خلفاؤه الراشدون، وأصحابه، مع أن الأصل في النهي: التحريم، والفساد: لم يبق للعدول عن ذلك بغير موجب وجه" انتهى. "شرح العمدة" (3/421) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 133992 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4562 كيف ترص جنازة رجل وامرأة وطفل إذا اجتمعت؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا اجتمعت جنائز رجل وامرأة وطفل فأيهما يقدم إلى الإمام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "السنة أن يقدم للإمام الرجل ثم الطفل الذكر ثم المرأة، فتكون المرأة جهة القبلة ويكون وسطها عند رأس الرجل حتى يكون موقف الإمام من الجميع موافقاً للسنة، فيوضع الرجل قرب الإمام، ثم يليه الطفل الذكر، ثم يليه المرأة، هذه السنة، تكون المرأة جهة القبلة والرجل يكون إلى الإمام، ويكون وسط المرأة مساوياً لرأس الرجل" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (2/1117) . [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز فتاوى نور على الدرب الحديث: 132440 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4563 هل يلزم الموصى إليه أن يغسل ويصلي الموصي؟ ومسائل في العزاء [السُّؤَالُ] ـ[إذا أوصت المتوفاة بأن يغسلها بناتها، فهل عليهن أن ينفذن الوصية، مع العلم أنهن لا يأمنَّ أنفسهن، ويخفن أن يرتكبن معصية، كأن يدفعهن الحزن والجزع لارتكاب ما يغضب الله تعالى، كاللطم على الخدود، فهنّ يطلبن من الله تعالى الثبات، ويرغبن بالبعد عن مواطن الفتن، فهل يجوز لهن عدم تنفيذ الوصية؟ وهل يجب عليهن الذهاب مع المتوفاة كأن تكون أمّاً، أو أختاً، هل يجب عليهن مرافقة المتوفاة إلى مكان غسل الموتى؟ وهل يأثمن في حال عدم مرافقتها؟ نحن نعلم بأن مجالس العزاء من البدع، ولكن إذا كان هناك من الأهل من يجلس للعزاء في حالة وفاة قريب له، فهل في ذهابنا لتقديم العزاء في هذه المجالس ارتكاب لمعصية؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله 1. إذا كان الميت قد أوصى لشخص معين بأن يغسله: فهو أولى الناس بتغسيله، إذا كان هناك شخص آخر يتصدى لتغسيل الميت. وغالبا ما يكون لهذه الرغبة سبب معتبر. وقد أوصى أبو بكر رضي الله عنه زوجته أسماء بنت عميس بغسله بعد موته، وأوصت فاطمة زوجها عليّاً بغسلها، وأوصى أنس بن مالك تلميذَه التابعي الجليل محمد بن سيرين بالأمر نفسه، وقد نفَّذ الأوصياء جميعاً ما أوصوا به، وهم مقدمون على أقرب الناس من الميت. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: قوله: " وأوْلى الناس بغسله: وصيُّه "، أي: لو تنازع الناس فيمن يغسل هذا الميت، قلنا: أولى الناس بغسله: وصيه، أي: الذي أوصى أن يغسله. واستفدنا من قول المؤلف: " وصيه " أنه يجوز للميت أن يوصي ألاَّ يغسله إلا فلان، والميت قد يوصي بذلك لسبب، مثل: أن يكون هذا الوصيُّ تقيّاً يستر ما يراه من مكروه، أو أن يكون عالِماً بأحكام الغسل، أو أن يكون رفيقاً ... ". " الشرح الممتع على زاد المستقنع " (5 / 265، 266) . وهل تنفيذ الوصية في مثل هذه الأحوال واجب شرعي على الموصى إليه؟ الظاهر: عدم وجوب ذلك؛ فلا واجب شرعي إلا ما جاء من الشرع، ولو كان ذلك واجبا شرعيّاً لوقع كثيرون في حرج، وخاصة أهل العلم والفضل، فكل المحبين لهم يودون لو غسلهم أولئك العلماء والفضلاء، وصلوا عليهم، وهذا يوقعهم في حرج بلا ريب، ولذا لم يكن واجباً تنفيذ مثل هذه الوصايا. ومما يستدل به على عدم وجوب تنفيذ الوصية: قوله تعالى (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) البقرة/ 240. قال الشيخ العثيمين – رحمه الله – في فوائد هذه الآية -: ومنها: أن المرأة يحل لها إذا أوصى زوجها أن تبقى في البيت: أن تخرج، ولا تنفذ وصيته؛ لقوله تعالى: (فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ) ؛ لأن هذا شيء يتعلق بها، وليس لزوجها مصلحة فيه. ويتفرع عليه: لو أوصى الزوج الزوجة ألا تتزوج من بعده: لا يلزمها؛ لأنه إذا كان لا يلزمها أن تبقى في البيت مدة الحول: فلأن لا يلزمها أن تبقى غير متزوجة من باب أولى. وكذلك يؤخذ منه قياساً: كل مَن أوصى شخصاً بأمر يتعلق بالشخص الموصى له: فإن الحق له في تنفيذ الوصية، وعدم تنفيذها. " تفسير سورة البقرة " (3 / 187، 188) . وأما الوصية التي يجب تنفيذها: فهي فيما يتعلق بماله الذي كان يملكه، وحتى هذا فإنه مرتبط بالشرع، فلا يحل له أن يوصي بأكثر من الثلث، ولا يوصي لوارث. 2. شرط تولي الموصى إليه غسل المتوفَّى: أن يكون صالحاً لذلك، قادراً عليه، وإلا لم يشرع له القيام بذلك، وعندها يتولى تغسيل المتوفى: الأقرب فالأقرب، ممن يُحسن تغسيل الأموات. قال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله -: وهذا الترتيب في الأولوية: إذا كانوا كلهم يحسنون التغسيل، وطالبوا به , وإلا فإنه يقدَّم العالم بأحكام التغسيل على مَن لا علم له. والمرأة تغسلها النساء , والأولى بتغسيل المرأة الميتة: وصيتها , فإن كانت أوصت أن تغسلها امرأة معينة: قُدِّمت على غيرها، إذا كان فيها صلاحية لذلك , ثم بعدها تتولى تغسيلها القربى، فالقربى من نسائها. " الملخص الفقهي " (1 / 300) . وعليه: فالأولى لبنات الأم الميتة أن يقمن بتغسيلها، بشرط أن يكنَّ على علم بطريقة التغسيل الشرعي، وبشرط أهم: وهو أن يكون عندهن القدرة والجلد على القيام بذلك، بحيث لا يقعن في إثم النياحة، وشق الثياب، وغيرها مما نهين عنه. 03 ولا يلزمهن اتباع المغسّلة إلى موضع الغسل، إلا إذا احتاجت إلى من يساعدها، وهن قادرات على ذلك، من غير أن يقعن في الإثم. 5. يشرع تقديم التعزية لأهل الميت، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه عزَّى أهل جعفر بن أبي طالب لما استشهد في مؤتة، وسيأتي ذِكر ذلك عن عائشة رضي الله عنها. 6. وتكون التعزية بمثل قوله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ لله مَا أَخَذَ، وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلٌّ إلى أَجَل مُسَمَّى، فَلْتَصْبرْ وَلْتَحْتَسب) رواه البخاري (1284) ومسلم (923) ، أو قول " عَظَّم الله أَجْرَكَ وَأَحْسَنَ عَزَاءَكَ "، أو أي كلمات طيبة تعين على الصبر، وتذكّر بالرضا بقدر الله؛ لأن المقصود من التعزية: تسلية أهل المصيبة في مصيبتهم، ومواساتهم، وجبرهم. 7. يجوز الذهاب لتعزية أهل الميت، ومجالستهم بقصد التخفيف عنهم، وخاصة النساء، فهنَّ أحوج من الرجال للتعزية، والتذكير بالله تعالى، وبوجوب التسليم بقضائه، وقدَره؛ لما يكثر منهن النياحة، وشق الثياب، ورفع الصوت، عند تلك المصائب، وهو ما كانت تفعله النساء الصحابيات، بل كانت الفقيهة عائشة رضي الله عنها تصنع لأهل الميت طعاماً يخفف عنهن الحزن، فتجمع بين الأمور المعنوية، والحسية، في سبيل تخفيف المصاب عليهن. عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا كَانَتْ إِذَا مَاتَ الْمَيِّتُ مِنْ أَهْلِهَا فَاجْتَمَعَ لِذَلِكَ النِّسَاءُ ثُمَّ تَفَرَّقْنَ إِلَّا أَهْلَهَا وَخَاصَّتَهَا أَمَرَتْ بِبُرْمَةٍ مِنْ تَلْبِينَةٍ فَطُبِخَتْ ثُمَّ صُنِعَ ثَرِيدٌ فَصُبَّتْ التَّلْبِينَةُ عَلَيْهَا ثُمَّ قَالَتْ كُلْنَ مِنْهَا فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (التَّلْبِينَةُ مُجِمَّةٌ لِفُؤَادِ الْمَرِيضِ تَذْهَبُ بِبَعْضِ الْحُزْنِ) . رواه البخاري (5101) ومسلم (2216) . وقول عائشة في الحديث " أنها كانت إذا مات الميت ": يدل على أنها كانت عادة عندهم، وأن ذلك كان يتكرر منها. وقولها " ثم تفرقن " يدل على أنهنَّ كنَّ مجتمعات. وقولها " ثم تفرَّقن إلا أهلها " يدل على أن غيرهنَّ كان معهنَّ، ثم انصرفن، لكن بحيث لا يكون في اجتماعهن نياحة، ولا وقوع في إثم، ولا يشققن على أهل الميت. ولمعرفة " التلبينة " وفوائدها، وطريقة صنعها: فلينظر جواب السؤال رقم: (60311) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 132250 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4564 سلام المرأة على القبور إذا مرت بها [السُّؤَالُ] ـ[أنا فتاة فقدت أبي قبل فترة قصيرة ودفن رحمه الله بمقبرة قريبة من منزلنا بحيث إني أراها مباشرة، فهل يجوز لي أن أسلم عليه كما يسلم المسلم عند المرور بالمقابر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: زيارة النساء للقبور محل خلاف بين أهل العلم، والأحوط عدم الزيارة، وينظر جواب السؤال رقم (8198) . ثانياً: لا حرج على المرأة أن تسلم على القبور إذا مرت بها دون قصد للزيارة، لعدم المنع من ذلك، لكن لا يشرع لها السلام كلما رأت المقبرة من بيتها؛ كما لا يشرع السلام على الحي لمجرد رؤيته من بعد، ولهذا لم يَرِدْ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم على أهل البقيع من مسجده، بل كان إذا أتى البقيع سَلّمَ عليهم. روى مسلم (975) عن بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُهُمْ إِذَا خَرَجُوا إِلَى الْمَقَابِرِ فَكَانَ قَائِلُهُمْ يَقُولُ: (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَلَاحِقُونَ، أَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمْ الْعَافِيَةَ) . وعند النسائي (2040) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَتَى عَلَى الْمَقَابِرِ قَالَ: (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ، أَنْتُمْ لَنَا فَرَطٌ، وَنَحْنُ لَكُمْ تَبَعٌ، أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ لَنَا وَلَكُمْ) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: أعلم بأن زيارة القبور للنساء محرمة ولا تجوز ولكن إحدى الأخوات تقول بأنني أريد أن أزور قبر أمي برفقة أبي هل يجوز لها ذلك؟ فأجاب: "لا يجوز لها ذلك لأن المرأة ممنوعةٌ من زيارة القبور سواءٌ بنفسها أو مع محرمها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم (لعن زائرات القبور) وإذا كانت تريد أن تنفع أمها فلتدعُ الله لها، ومتى دعت الله في أي مكان واستجاب الله دعاءها فإن الأم سوف تنتفع بهذا الدعاء. نعم، لو أن المرأة خرجت من بيتها لغير زيارة القبور ثم مرت بالمقبرة فلا بأس أن تقف وتسلِّم على أهل القبور بالسلام المعروف (السلام عليكم أهل دار قومٍ مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم) وينصرف" انتهى من "فتاوى نور على الدرب". والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131847 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4565 كيفية معاملة الجثّة المجهولة الهويّة [السُّؤَالُ] ـ[لو انّا وجدنا جثة امرأة، ولا نعلم أمسلمة هي أم لا، ولا يعرف لها أقارب، فكيف نتعامل معها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا وجدت جثّة رجل أو امرأة، ولم يدر إسلامها من كفرها: نُظر إلى العلامات، كالهيئة، واللّباس، والأمتعة – إن كان مسافراً، فإن وجد فيها ما يدلّ على إسلامه – عمل بهذه العلامات، وإن لم يظهر منها ما يدلّ على دينه، حُكم لها بالدّار التي وجدت فيها، فإن كانت في مكان يكثر فيه المسلمون عوملت معاملة المسلمين، وإن وجدت في موضع يكثر فيه الكفّار، عوملت معاملة الكفّار. قال ابن قدامة في المغني (3/478) : (وإن وُجد ميّت، فلم يُعلم أمسلم هو أم كافر، نظر إلى العلامات، من الختان، والثياب، والخضاب. فإن لم يكن عليه علامة، وكان في دار الإسلام: غُسّل، وصُلّي عليه. وإن كان في دار الكفر: لم يُغسّل، ولم يُصلّ عليه. نصّ عليه أحمد؛ لأنّ الأصل أنّ من كان في دار فهو من أهلها، يثبت له حكمهم، ما لم يقم على خلافه دليل) . وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية - (13 / 62-63) ما نصّه: (لَوْ وُجِدَ مَيِّتٌ أَوْ قَتِيلٌ فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ. وَكَانَ عَلَيْهِ سِيمَا الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْخِتَانِ وَالثِّيَابِ وَالْخِضَابِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ غُسْلُهُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، سَوَاءٌ أَوُجِدَ فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ أَمْ دَارِ الْحَرْب. ِ وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ: أَنَّهُ إِنْ وُجِدَ فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ يُغَسَّل، وَإِنْ وُجِدَ فِي دَارِ الْحَرْبِ لاَ يُغَسَّل، وَلأَِنَّ الأَْصْل أَنَّ مَنْ كَانَ فِي دَارٍ فَهُوَ مِنْ أَهْلِهَا، يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُهُمْ، مَا لَمْ يَقُمْ عَلَى خِلاَفِهِ دَلِيلٌ. وَصَرَّحَ ابْنُ الْقَاسِمِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنَّ الْمَيِّتَ إِنْ وُجِدَ بِفَلاَةٍ، لاَ يُدْرَى أَمُسْلِمٌ هُوَ أَمْ كَافِرٌ؟ فَلاَ يُغَسَّل. وَكَذَلِكَ لَوْ وُجِدَ فِي مَدِينَةٍ مِنَ الْمَدَائِنِ فِي زُقَاقٍ، وَلاَ يُدْرَى حَالُهُ أَمُسْلِمٌ أَمْ كَافِرٌ؟ قَال ابْنُ رُشْدٍ: وَإِنْ كَانَ مَخْتُونًا فَكَذَلِكَ؛ لأَِنَّ الْيَهُودَ يَخْتَتِنُونَ، وَقَال ابْنُ حَبِيبٍ: وَمِنَ النَّصَارَى أَيْضًا مَنْ يَخْتَتِنُ) . والله أعلم. وينظر: فتاوى اللجنة الدّائمة (8/379) فتوى رقم (10484) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131395 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4566 سقطت أمها من مكان عالٍ فماتت، فهل لها أجر الشهداء؟ [السُّؤَالُ] ـ[أمي كانت ربة منزل، أفنت حياتها في بيتها، وخدمتنا، وبينما كانت تركّب حبلاً للغسيل، أو منشراً في البلكونة بالدور الرابع: سقطت منها؛ لأنها وقفت على كرسي بجانب السور، وماتت، وسؤالي هو: هل تعتبر أمي في إحدى درجات الشهداء؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نسأل الله تعالى أن يرحم أمكِ رحمة واسعة، وأن يثيبها ثواباً جزيلاً، وأن يغفر لها ذنبها كله. وأما بخصوص تحصيل الميت لأجر الشهداء في الآخرة إن مات في غير المعركة: فقد جاءت نصوص نبوية صريحة تبين سعة فضل الله تعالى في كتابة أجر الشهادة لأولئك، فمنهم: 1. الموت بداء البطن. 2. الموت بسبب الهدم، ويدخل فيه حوادث السيارات. 3. الموت غرقاً. 4. موت المرأة في نفاسها بسبب ولدها، أو وهي حامل به. 5. الموت حرقاً. 6. الموت بمرض " ذات الجنب "، وهو كُلّ وجع في الجنب، اشتقاقاً من مكان الألم. 7. الموت بمرض السلّ. 8. الموت بالطاعون. 9. الموت دفاعاً عن الدين، أو المال، أو النفس. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قال ابن التين رحمه الله: "هذه كلها ميتات فيها شدة، تفضل الله على أمَّة محمد صلى الله عليه وسلم بأن جعلها تمحيصاً لذنوبهم، وزيادة في أجورهم، يبَلِّغهم بها مراتب الشهداء". "فتح الباري" (8/438) . وينظر تفصيل أدلة هذه الحالات في جوابي السؤالين: (10903) و (45669) . وقد ثبت عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (من تردى من رؤوس الجبال وتأكله السباع ويغرق في البحار لشهيد عند الله) . رواه الطبراني. وقال الحافظ ابن حجر: إسناده صحيح. فقد يقال: إن كل من سقط من مكان عالٍ فيموت بسبب ذلك هو كمن تردى من الجبل، وفضل الله واسع، والله أعلم. واعلمي أن الله تعالى لا يضيع أجر المحسنين، والأم بما تبذله من عطاء لزوجها، وأولادها، وبيتها، يكون لها الأجور العظيمة، والتي نرجو أن يجزي الله تعالى بها والدتك خير الجزاء. ونوصي أولادها وزوجها بقضاء ديونها المادية، والصيام عنها إن كان في ذمتها أيام واجبة لم تصمها، كما نوصيهم بالإكثار من الدعاء لها بالرحمة، والمغفرة، وعظيم الأجر. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131276 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4567 يحرم دفن الموتى في المساجد [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم دفن الموتى في المساجد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الدفن في المساجد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، ونهى عن اتخاذ المساجد على القبور، ولعن من اتخذ ذلك وهو في سياق الموت يحذّر أُمَّته، ويذكر صلى الله عليه وسلم أن هذا من فعل اليهود والنصارى، ولأن هذا وسيلة إلى الشرك بالله عز وجل، لأن إقامة المساجد على القبور ودفن الموتى فيها وسيلة إلى الشرك بالله عز وجل في أصحاب هذه القبور، فيعتقد الناس أن أصحاب هذه القبور المدفونين في المساجد ينفعون أو يضرون، أو أن لهم خاصية تستوجب أن يُتَقَرَّب إليهم بالطاعات من دون الله سبحانه وتعالى. فيجب على المسلمين أن يحذروا من هذه الظاهرة الخطيرة، وأن تكون المساجد خالية من القبور، مؤسسة على التوحيد والعقيدة الصحيحة، قال الله تعالى: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً) الجن/18. فيجب أن تكون المساجد لله سبحانه وتعالى خالية من مظاهر الشرك، تُؤَدَّى فيها عبادة الله وحده لا شريك له. هذا هو واجب المسلمين. والله الموفق" انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله "فتاوى العقيدة" (صـ 26) . ولمزيد الفائدة ينظر جواب السؤال رقم (120214) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130887 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4568 تلقين الميت بعد دفنه بدعة [السُّؤَالُ] ـ[أود أن تعطوني فكرة عن تلقين الميت عند نزوله في القبر هل هي صحيحة أو بدعة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "التلقين اختلف فيه العلماء، وهو أن يقال له: يا فلان اذكر ما خرجت به من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ... إلى آخره، وجاء في بعض الآثار عن أهل الشام ولكنها غير صحيحة. والصواب: أن التلقين بدعة، فلا يقال: يا فلان اذكر ما خرجت به من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأنك رضيت بالله ربًّا وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً، وبالقرآن إماماً. هذا ليس له أصل يعتمد عليه، والذي ينبغي تركه، هذا هو المعتمد لعدم الدليل. ولكن يستحب إذا فرغ الناس من دفن الميت يستحب الوقوف عليه والدعاء له بالمغفرة والثبات، هذا هو المشروع، فإذا فرغ الناس من دفن الميت يوقف عليه ويدعى له بالمغفرة والثبات، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: (اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ. وَسَلُوا لَهُ بِالتَّثْبِيتِ فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ) ، هذه السنة" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (2/1102) . [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز فتاوى نور على الدرب الحديث: 130521 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4569 إذا شَكَّ في الميت هل كان يصلي أم لا فهل يصلي عليه؟ [السُّؤَالُ] ـ[في بعض الأوقات تكون هناك جنازة فأقوم بالصلاة عليها دون معرفة ما إذا كان صاحبها مسلما أم لا، لأن المسجد يصلي على أي واحد ينطق بالشهادة حتى ولو لم يصل أبدا. فما الذي علي فعله؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأصل أن يصلى على كل مسلم يقول: لا إله إلا الله، ولا يعلم وقوعه في ناقض من نواقضها، فإذا جيء بجنازة للمسجد صلى عليها الإمام، حملا على هذا الأصل، وتغليبا لحسن الظن. وتارك الصلاة الذي لا يصليها مطلقا، كافر، سواء تركها كسلا أو جحودا، في أصح قولي العلماء؛ لأدلة كثيرة، سبق ذكر بعضها في جواب السؤال رقم (5208) ورقم (83165) . فإذا علمت أن فلانا من الناس قد مات تاركا للصلاة، فلا يجوز أن تصلي عليه؛ لقوله تعالى: (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ) التوبة/84. وقوله تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) التوبة/113. وإذا شككت في حال الميت لوجود قرائن تدل على أنه لم يكن يصلي، فإنك تصلي عليه وتشترط في الدعاء، فتقول: اللهم إن كان مؤمنا فاغفر له وارحمه ... الخ. فقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا غلب على الظن بأن الميت لا يصلى فهل يمتنع المسلم من الصلاة عليه؟ فأجاب: " لا يمتنع من الصلاة عليه، ولو غلب على ظنه أنه لا يصلى، ما لم يتيقن أنه لا يصلى ولكن إذا كانت غلبة الظن مبنية على قرائن قوية فإنه إذا أراد الدعاء له يقيّد ذلك فيقول: اللهم إن كان مؤمناً اللهم فاغفر له وارحمه إلى آخر الدعاء. والدعاء بالشرط قد جاء به الكتاب والسنة فإن الله سبحانه وتعالى قال في آية اللعان في شهادة الرجل على امرأته بالزنى قال: (فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ. وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ. وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ. وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ) فهذا دعاء بشرط. وفي حديث الثلاثة الأبرص والأقرع والأعمى حين ابتلاهم الله عز وجل، وفي القصة أن الملَك أتى الأبرص والأقرع كلا منهما في صورته التي كان عليها وقال له: (أي: الملك) أنا فقير وعابر سبيل أسألك يعني أن يمده بشيء يتبلّغ به في سفره، فقال كل منهما: الحقوق كثيرة، وإنما ورثت المال هذا كابراً عن كابر فقال له الملَك: إن كنت كاذباً فصيّرك الله إلى ما كنت. فقيّد هذا الدعاء بالشرط. وفي دعاء الاستخارة يقول الرجل: (اللهم إن كنت تعلم أن هذا خير لي في ديني ودنياي) فإذا قُدم الميت الذي يغلب على الظن أنه لا يصلى بدون يقين أنه لا يصلى فإن الإنسان يقول: اللهم إن كان هذا مؤمنا فاغفر له وارحمه. وقد ذكر ابن القيم رحمه الله عن شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية أنه رأى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فسأله عن أشياء مشكلة عليه، منها: أنه يقدم جنائز للصلاة عليها يشك الإنسان في أنه مبتدع لا يصلى عليه أو متمسك بالسنة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم في المنام: عليك بالشرط يا أحمد. والشرط أن يقول: اللهم إن كان مؤمنا على السنة فاغفر له وارحمه ... الخ. أما إذا علمت أنه لا يصلى فإنه لا يحل لك أن تصلى عليه لا أنت ولا غيرك؛ لقول الله تبارك وتعالى: (وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ) فنهى الله تعالى أن يصلى على هؤلاء المنافقين الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر " انتى من "فتاوى نور على الدرب". وسئل رحمه الله: إذا قُدِّم للإمام في صلاة الجنازة من يشكّ في إسلامه ماذا يصنع؟ فأجاب: " يجب أن يصلي عليه؛ لأن الأصل أن المسلم باقي على إسلامه، ولكنه عند الدعاء له يشترط فيقول: " اللهم إن كان مؤمناً فاغفر له وارحمه "، والله تعالى يعلم حاله هل هو مؤمن أم لا، وبهذا يسلم من التبعة، يسلم من أن يدعو لشخص كافر بالمغفرة والرحمة ... " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (17/115) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130202 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4570 ما نفعل في العضو المبتور من أحد المسلمين؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا بُتر عضو أو تمت إزالته من جسد أحد المسلمين، فما هو الحكم في ذلك العضو المبتور، هل يدفن في مقابر المسلمين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، يدفن كأنه قطعة من ذلك الإنسان، وإذا تحقق بأنه قد مات صاحب ذلك العضو ولم يعثر عليه فإنه يصلى عليه، وأما إذا كان صاحبه حياً فيدفن في مقابر المسلمين دون حاجة للصلاة عليه. والله أعلم سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله. [الْمَصْدَرُ] سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله الحديث: 129999 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4571 هل يتأثر الشخص بمن يدفن بجانبه؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يتأثر الشخص بمن يدفن بجانبه؟ على سبيل المثال من يوصي بأن يدفن بجانب فلان، ولا يدفن بجانب فلان؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إذا كان مقصود الأخ السائل من دفن المسلم بجانب المسلم أنهما في قبر واحد، فلا يجوز ذلك، لأن الواجب أن يدفن كل مسلم في قبر على حدة، إلا في حالات الضرورة. قال ابن قدامة في "المغني" (2/222) : " وَلَا يُدْفَنُ اثْنَانِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ , إلَّا لِضَرُورَةٍ " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين: "المشروع بالاتفاق ألا يدفن مسلم مع آخر في قبر واحد، وإنما يدفن كل واحد وحده في قبره" انتهى. "فتاوى نور على الدرب" (1/337) . أما كون الميت يتأثر بمن يدفن بجانبه، كأن يتأذى بجاره إذا كان من أهل العذاب، أو يسعد بجوار من كان من أهل النعيم، فلا نعلم دليلاً من السنة النبوية يدل على ذلك. قال الشيخ ابن عثيمين: "هذا الأمر يحتاج إلى توقيف وإلى نص من الشرع؛ أن الميت يتأذى بمن دفن معه إذا كان ممن يعذب في قبره، وهذا أمر لا أعلم عنه شيئاَ من السنة، وإن كان بعض العلماء رحمهم الله يقولون: إن الميت قد يتأذى بجاره إذا كان يعذب، وقد يتأذى بفعل منكر عنده، ولكن لم أجد دليلاً من السنة يؤيد هذا، والله أعلم" انتهى. "فتاوى نور على الدرب" (1/337) . أما ما رواه أبو نعيم في الحلية (6/354) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ادفنوا موتاكم وسط قوم صالحين، فإن الميت يتأذى بجار السوء، كما يتأذى الحي بجار السوء) . فهو حديث موضوع، انظر "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (563) للألباني. وقال ابن حبان رحمه الله: " هذا خبر باطل، لا أصل له من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى. "كتاب المجروحين" (1/291) . وقد ذكر جماعة من العلماء استحباب الدفن بجوار الصالحين، ولم يذكروا دليلاً صريحاً على ذلك من السنة، وإنما هو مجرد استنباط من بعض الأحاديث، كما استنبط بعضهم ذلك من حديث: (أن موسى عليه الصلاة والسلام لَمّا حضرته الوفاة سأل ربه أن يُدْنِيَهُ مِنْ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ) متفق عليه. وقد بوّب البخاري رحمه الله للحديث بقوله: " بَاب مَنْ أَحَبَّ الدَّفْنَ فِي الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ أَوْ نَحْوِهَا " انتهى. قال ابن بطال: " ومعنى سؤال موسى أن يدنيه من الأرض المقدسة، والله أعلم، لفضل من دُفن في الأرض المقدسة من الأنبياء والصالحين، فاستحب مجاورتهم في الممات، كما يستحب جيرتهم في المحيا، ولأن الفضلاء يقصدون المواضع الفاضلة، ويزورون قبورها ويدعون لأهلها " انتهى. "شرح ابن بطال" (5/359) . وقال النووي: " وَفِي هَذَا اِسْتِحْبَاب الدَّفْن فِي الْمَوَاضِع الْفَاضِلَة وَالْمَوَاطِن الْمُبَارَكَة , وَالْقُرْب مِنْ مَدَافِن الصَّالِحِينَ " انتهى. "شرح مسلم" (15/128) . ولا يخفى أن الحديث ليس صريحاً في ذلك، ولهذا أخذ منه الإمام البخاري رحمه الله استحباب الدفن في الأرض الفاضلة، ولم يستنبط استحباب الدفن بجوار الصالحين. وقد ورد عن غير واحد من السلف وأهل العلم الوصية بالدفن بجوار بعض الصالحين: فأوصى ابن مسعود أن يدفن بجنب قبر عثمان بن مظعون رضي الله عنهما. "الثقات لابن حبان" (3/ 208) . وأوصى غالب بن جبريل صاحب الإمام البخاري أن يدفن إلى جنب البخاري. "المتفق والمفترق" (3/201) . وأوصى أبو بكر الخطيب الحافظ أن يدفن إلى جانب بشر بن الحارث. "تاريخ دمشق" (5/34) . فمن اقتدى بهؤلاء العلماء والأئمة وأوصى أن يدفن بجوار فلان من الصالحين فلا ينكر عليه – وإن كنا لا نجزم أنه ينتفع بذلك – لعدم ورود شيء من السنة يثبت ذلك. غير أن المنكر الذي يجب إنكاره، ونهي الناس عنه: أن يوصى بدفنه في مكان معين، أو بجوار فلان، يبركاً بهذا الميت، وأنه سينفعه بذاته، أو يشفع له عند الله. فهذا لا أصل له، وهو اعتقاد فاسد، قد يحمل الناس على سوء العمل، اتكالاً على شفاعة فلان من الناس. والذي يجب على المسلم أن يهتم به هو، الاستعداد للموت، وإصلاح العمل، الذي سيكون أنيسه في القبر. روى البخاري (6514) ومسلم (2960) عن أَنَس بْن مَالِكٍ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَتْبَعُ الْمَيِّتَ ثَلَاثَةٌ فَيَرْجِعُ اثْنَانِ وَيَبْقَى مَعَهُ وَاحِدٌ: يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ، فَيَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ، وَيَبْقَى عَمَلُهُ) . وقال سلمان رضي الله عنه: (إِنَّ الْأَرْضَ لَا تُقَدِّسُ أَحَدًا، وَإِنَّمَا يُقَدِّسُ الْإِنْسَانَ عَمَلُهُ) رواه مالك في الموطأ (1500) . فلن يشفع للمرء حسن الجوار مع سوء العمل، كما أنه لا يضره سوء الجوار إذا حسُن عمله. نسأل الله أن يحسن خواتيمنا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129865 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4572 هل يجوز أخذ أجرة على تغسيل الميت؟ [السُّؤَالُ] ـ[قام إمام المسجد عندنا بطلب 5 مئة دولار من زوجة الميت من أجل تغسيل زوجها وتجهيزه للدفن، فهل هذا جائز؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تغسيل المسلم الميت من العبادات التي أوجبها الله تعالى على المسلمين، فينبغي القيام بذلك طلباً للثواب، وابتغاء مرضاة الله. فإن أعطاه أهل الميت شيئاً من المال من غير اشتراط منه، فلا حرج عليه أن يقبله. وإذا اشترط المغسل أنه لن يغسل الميت إلا بكذا، فهو جائز، غير أن ذلك ينقص من أجره عند الله تعالى. قال في "كشاف القناع" (2/86) : "وَيُكْرَهُ أَخْذُ أُجْرَةٍ عَلَى تغسيل الميت وَالتَّكْفِين وَالْحَمْل وَالدَّفْن. قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: كَرِهَ أَحْمَدُ لِلْغَاسِلِ وَالْحَفَّارِ أَخْذَ أُجْرَةٍ عَلَى عَمَلِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مُحْتَاجًا، فَيُعْطَى مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ أُعْطِيَ بِقَدْرِ عَمَلِهِ" انتهى. وسئل الشيخ ابن عثيمين: هل يجوز أخذ أجرة مقابل تغسيل وتكفين الموتى؟ فأجاب: "إذا كانت هذه الأجرة أو هذا العطاء بدون شرط فلا شك في جوازه ولا حرج فيه؛ لأنه وقع مكافأة لهذا الغاسل المكفن على عمله، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من صنع إليكم معروفاً فكافئوه) . أما إذا كانت هذه الأجرة مشروطة فإنها بلا شك تنقص أجر الغاسل المكفن؛ لأن الغاسل المكفن ينال أجراً كبيراً؛ لأن تغسيل الميت وتكفينه من فروض الكفاية؛ فيحصل للغاسل والمكفن أجر فرض الكفاية. لكن إذا أخذ على ذلك أجرة فإن أجره سوف ينقص، ولا حرج عليه إذا أخذ أجرة على هذا؛ لأن هذه الأجرة تكون في مقابل العمل المتعدي للغير، والعمل المتعدي للغير يجوز أخذ الأجرة عليه، كما جاز أخذ الأجرة على تعليم القرآن على القول الصحيح" انتهى. "فتاوى نور على الدرب" (7/36) . وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما حكم أخذ أجرة على تغسيل الميت، سواء كانت هذه الأجرة مشروطة أو غير مشروطة؟ فأجابوا: "تجوز، والأولى أن يقوم بها متبرع إذا تيسر ذلك. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (15/112) . الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود. والأجرة التي يشترطها الغاسل تكون بمقدار عمله، من غير مغالاة أو شيء من الاستغلال. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129609 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4573 المشاركة في مراسيم الجنازة والدفن والعزاء على الطريقة البوذية [السُّؤَالُ] ـ[زوجتي أسلمت منذ عدة سنوات والحمد لله وكانت قبل ذلك بوذية ملحدة. بالنسبة لأسرتها ما زالوا على وثنيتهم. منذ عدة أيام مات أحد والديها فذهبنا للمشاركة في مراسيم الدفن والعزاء فحدثت أشياء غريبة أظن أنه ما كان يجوز لنا كمسلمين أن نشارك فيها. فقد وضع الميت في غرفة فيأتي المعزي فيدخل هذه الغرفة فيستقبله أحد الأشخاص القائمين على الجنازة ويعطيه بعض البخور في وعاء فيقبض عليه بيديه ثم ينحني أمام جثة الميت ثلاث مرات ثم يذهب ويقعد في الصف ويسلم على أهالي الميت (وطبعاً نحن من أهله) وتتم المصافحة رجالاً ونساء وقد كان لدي قفازات لأتحاشى ملامسة النساء ولكن لا أدري هل نحن آثمون بفعلنا هذا مع الأخذ في الاعتبار أننا لا نؤمن بهذه الأشياء وإنما حرصاً على العلاقة مع الأسرة أن لا تتفكك وإلا ما كنا لنذهب. وهل إذا مات أحد أقاربها أو والدها الآخر في المستقبل هل أسمح لها بالذهاب إلى هناك أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يجوز للمسلم تعزية الكافر، وخاصة إذا كان المتوفى من ذوي القربى، إذا كان في ذلك مصلحة راجحة، كدعوته وذويه إلى الإسلام، وتأليف قلوبهم عليه. فقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: هل يجوز للمسلم أن يعزي الكافر إذا كان أباه أو أمه، أو من أقاربه، إذا كان يخاف إذا مات ولم يذهب إليهم أن يؤذوه، أو يكون سببا لإبعادهم عن الإسلام أم لا؟ فأجابت: " إذا كان قصده من التعزية أن يرغبهم في الإسلام فإنه يجوز ذلك، وهذا من مقاصد الشريعة، وهكذا إذا كان في ذلك دفع أذاهم عنه، أو عن المسلمين؛ لأن المصالح العامة الإسلامية تغتفر فيها المضار الجزئية " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/132) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " تعزية الكافر إذا مات له من يُعَزَّى به من قريب أو صديق. وفي هذا خلاف بين العلماء فمن العلماء من قال: إن تعزيتهم حرام، ومنهم من قال: إنها جائزة. ومنهم من فَصَّل في ذلك فقال: إن كان في ذلك مصلحة كرجاء إسلامهم، وكف شرهم الذي لا يمكن إلا بتعزيتهم، فهو جائز وإلا كان حراماً. والراجح: أنه إن كان يفهم من تعزيتهم إعزازهم وإكرامهم كانت حراماً، وإلا فينظر في المصلحة " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (2/236) . وما سبق إنما هو في تعزية الكافر، أما حضور المسلم جنازة الكافر فلا يجوز ذلك، لأنها من تعظيم الكافر وموالاته، وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن قوم مسلمين مجاوري النصارى فهل يجوز للمسلم إذا مرض النصراني أن يعوده وإذا مات أن يتبع جنازته وهل على من فعل ذلك من المسلمين وزر أم لا؟ فأجاب: "الحمد لله رب العالمين، لا يتبع جنازته، وأما عيادته فلا بأس بها، فإنه قد يكون في ذلك مصلحة لتأليفه على الإسلام، فإذا مات كافرا فقد وجبت له النار، ولهذا لا يصلى عليه. والله أعلم" انتهى. "مجموع الفتاوى" (24/265) . وانظر جواب السؤال رقم (7869) . ثانياً: أما لبسك القفاز لتلاشي ملامسة النساء عند المصافحة للتعزية، فهو أيضاً لا يجوز. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: "لا تجوز مصافحة النساء غير المحارم مطلقا سواء كن شابات أم عجائز، وسواء كان المصافح شاباً أم شيخاً كبيراً، لما في ذلك من خطر الفتنة لكل منهما، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إني لا أصافح النساء) وقالت عائشة رضي الله عنها: (ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط ما كان يبايعهن إلا بالكلام) . ولا فرق بين كونها تصافحه بحائل أو بغير حائل لعموم الأدلة، ولسد الذرائع المفضية إلى الفتنة" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (6/280) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "لا يجوز للرجل أن يصافح من ليست محرماً له، لا مباشرةً ولا من وراء حائل" انتهى. "لقاء الباب المفتوح" (9/31) . فالواجب عليك أن تتوب مما فعلت، وتعزم على عدم العودة لذلك مرة أخرى، وألا تحضر جنازة كافر، ولو كان من أقاربك. ونسأل الله تعالى أن يوفقكما لكل خير. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129564 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4574 صلاة الجنازة على القبر عند زيارته [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن أصلي على قبر أبي صلاة الجنازة عند زيارته طلباً للرحمة له؟ وهل إذا ورَّث الميت مصحفاً ينال أجراً عند تلاوة أبنائه فيه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كنت قد صليت على أبيك مع الناس فلا حاجة إلى إعادة الصلاة، بل تزوره وتدعو له فقط، تأتي المقبرة وتسلم على أهل القبور وتدعو لهم وتدعو لأبيك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (زُورُوا الْقُبُورَ، فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمْ الْآخِرَةَ) . وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه إذا زاروا أن يقولوا: (السلام عليكم أهل الديار من المسلمين والمؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية) ، هذه هي السنة. فتسلم على أهل القبور وعلى أبيك، وتدعو له بالمغفرة والرحمة، ولا حاجة إلى الصلاة، هذا إذا كنت صليت عليه. أما إذا لم تصل عليه مع الناس فإنك تذهب إلى قبره وتصلي عليه في مدة شهر فأقل إذا كان مضى له شهر أو أقل، أما إذا طالت المدة فلا صلاة عند جمع من أهل العلم، والدعاء يكفي لأبيك والاستغفار له، والترحم عليه، والتصدق عنه بالمال، كل هذا ينفع الميت من أب وغيره. وأما المصحف إذا خلفه الميت فهو ينفعه إذا وقفه – أي جعله وقفا – ينفعه أجره، كما لو وقف كتباً للعلم المفيد؛ علم الشرع، أو علم مباح ينتفع به الناس فإنه يؤجر على ذلك، لأنه إعانة على خير، كما لو وقف أرضاً أو بيتاً أو دكاناً يتصدق بغلته على الفقراء، أو تبرع للمساجد، كل هذا يؤجر عليه، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ) . فالصدقات الجارية تنفع الميت إذا كان مسلماً، وينفعه دعاء أولاده ودعاء غيرهم، وينفعه الوقف الذي يوقفه بعده في سبيل الخير من بيت أو أرض أو دكان أو نخيل، أو أشباه ذلك، فينتفع هو بهذا الوقف إذا انتفع به الناس؛ أكلوا من ثمرته، وانتفعوا بثمرته، أو صرفت ثمرته في مساجد المسلمين لإصلاحها في فرشها؛ أو عمارتها " انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (1/198، 199) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129100 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4575 يجوز للمرأة أن تحد على غير زوجها ثلاثة أيام [السُّؤَالُ] ـ[سمعت بعض العلماء يقول: إن غير الزوجة يباح لها ترك الزينة وأحسن الثياب لمدة ثلاثة أيام، حدادا على الميت، ما صحة هذا القول؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "هذا صحيح، وقد جاء به الحديث الصحيح، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تحد امرأة على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا) متفق على صحته" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (22/228) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127942 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4576 هل تُغطَّى رِجلا المحرِم الميت بكفنه أم تُكشفان؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل الميت المحرِم - حاج أو معتمر - تُغطَّى رِجله أم تبقى مكشوفة مثل رأسه ووجهه؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لم يأت دليل من السنة النبوية على كشف رجلي الرجل المحرم إذا مات، وإنما جاءت السنة بوجوب كشف رأسه، وفي بعض الألفاظ: (ووجهه) وأما الرجلان فتستران كما يُستر سائر البدن. وعمدة المسألة: حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: بَيْنَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ، إِذْ وَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَوَقَصَتْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْه وَلَا تُحَنِّطُوهُ، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّياً) رواه البخاري (1206) ومسلم (1206) . وتفرد مسلم بزيادة "الوجه"، فرواه مرة: (وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ وَلاَ وَجْهَهُ) . (فوقصته) من الوقص وهو كسر العنق. (سدر) ورق شجر، يدق ويستعمل في الغسل والتنظيف. (ولا تحنطوه) لا تضعوا له الحَنوط، وهو طيب يخلط للميت خاصة، وهو يدل على أن جميع أنواع الطيب لا تحل للمحرم. فهذا الحديث يدل على أنه يستر بدنه كله بالكفن إلا الرأس والوجه. وقد نُقل عن الإمام أحمد أنه تكشف رجلاه أيضا، غير أن علماء المذهب الحنبلي ضعفوا هذه الرواية عن الإمام أحمد، وجزموا بوهم من نقلها عنه. قال ابن قدامة رحمه الله: "واختلف عنه – أي: عن الإمام أحمد - في تغطية رجليه، فروى حنبل عنه: " لا تُغطى رجلاه "، وهو الذي ذكره " الخِرَقي "، وقال الخلاَّل: " لا أعرف هذا في الأحاديث، ولا رواه أحدٌ عن أبي عبد الله [الإمام أحمد] غير حنبل، وهو عندي وهم من حنبل ". والعمل على أنه يغطى جميع المحرم إلا رأسه؛ لأن إحرام الرجل في رأسه، ولا يمنع من تغطية رجليه في حياته، فكذلك في مماته" انتهى. " المغني " (2 / 404) . ومذهب الإمام الشافعي رحمه الله أنه يُكشف رأس المحرِم فقط، ويُغطى سائر بدنه. وأما مذهب الإمامين أبي حنيفة ومالك رحمهما الله فهو: تكفين المحرم كتكفين غيره من الأموات فيستر جميع بدنه، وعندهم أن حديث ابن عباس خاص بذلك الصحابي. جاء " الموسوعة الفقهية " (13 / 244، 245) : "قال الشافعية والحنابلة: إذا مات المحرم، والمحرمة: حرُم تطييبهما، وأخذ شيء من شعرهما، أو ظفرهما، وحرُم ستر رأس الرجل، وإلباسه مخيطاً، وحرُم ستر وجه المحرمة؛ لما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المحرم الذي وقصته ناقته فمات: (اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، اللذين مات فيهما، ولا تمسوه بطيب، ولا تخمروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيّاً) . وعند الحنفية والمالكية: يكفَّن المحرم، والمحرمة، كما يكفن غير المحرِم، أي: يُغطَّى رأسه، ووجهه، ويطيَّب، لما روي عن عطاء عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في المحرم يموت: (خمِّروهم ولا تشبهوهم باليهود) ، وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال في المحرم: (إذا مات انقطع إحرامه) ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: ولد صالح يدعو له، أو صدقة جارية، أو علم ينتفع به) ، والإحرام ليس من هذه الثلاثة" انتهى. وحديث: (خمِّروهم ولا تشبهوهم باليهود) ، حديث ضعيف، رواه الدارقطني في " سننه " (2/296) من طريق: لي بن عاصم عن ابن جريح عن عطاء عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن الجوزي رحمه الله: "حديث لا يصح، قال يزيد بن هارون: ما زلنا نعرف " علي بن عاصم " بالكذب، وكان أحمد: سيىء الرأي فيه، وقال يحيى: ليس بشيء، وقال النسائي: متروك الحديث" انتهى. " التحقيق في أحاديث الخلاف " (2 / 5) . وضعفه الشيخ الألباني في " السلسلة الضعيفة " (3556) . والخلاصة: أن رجلي المحرم إذا مات تستران بالكفن ولا تكشفان. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127608 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4577 صديقه تحول إلى الإلحاد ثم مات فهل يصلي عليه ويدعو له [السُّؤَالُ] ـ[مات أحد أصدقائي منذ عدة أيام، والذي ولد ونشأ مسلماً، ولكنه في مرحلة من مراحل حياته تحول الى الإلحاد، ولم يعد يعتقد بدين الإسلام، ولطالما تشاجرنا حول هذا الموضوع. ومات على ذلك في الظاهر. فهل يجوز أن أصلي عليه، وأن أحضر جنازته، وأن أدعو له؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الأمر كما ذكرت، من تحول صديقك إلى الإلحاد، وعدم الاعتقاد بدين الإسلام، وأنه مات على ذلك في الظاهر: فإنه لا يجوز لمن عرف حاله أن يصلي عليه، أو يدعو له، ولا أن يغسله أو يكفنه أو يدفنه في مقابر المسلمين؛ لقوله تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) التوبة/113 وقوله: (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ) التوبة/84 وروى مسلم (976) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي) . وهذا دليل على عدم جواز الدعاء لمن مات على الشرك أو الكفر. وينظر للفائدة: سؤال رقم (7869) ورقم (7867) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127301 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4578 هل يصلي الجنازة على تارك الصلاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يتعين علي حضور جنازة من كان يدعي أنه مسلم (يشهد أن لا إله إلا الله) ولكنه كان يشرب الخمر، وما صام ولا صلى يوماً في حياته؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: شهود جنازة المسلم، أي: تغسيله أو تكفينه أو الصلاة عليه أو دفنه، واجب على الكفاية، فإن وجد من يقوم به من المسلمين أصبح مستحبا في حقك وليس واجبا. قال في "زاد المستقنع": " غسل الميت، وتكفينه، والصلاة عليه، ودفنه فرض كفاية ". قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه: " واعلم أن كل فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، فإن لم يوجد إلا واحد صار في حقه فرض عين. وقول المؤلف: " دفنه فرض كفاية " وما يتوقف عليه الدفن فرض كفاية أيضا، وكذلك ما تتوقف الصلاة عليه فرض كفاية، فحمله من بيته إلى المصلى فرض كفاية، وحمله من المصلى إلى المقبرة فرض كفاية؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب " انتهى من "الشرح الممتع" (5/265) . ثانيا: تارك الصلاة الذي لا يصليها مطلقا، كافر، سواء تركها كسلا أو جحودا، في أصح قولي العلماء؛ لأدلة كثيرة، سبق ذكر بعضها في جواب السؤال رقم (5208) ورقم (83165) . وعليه؛ فلا يجوز أن تصلي الجنازة على من علمت أنه مات تاركا للصلاة؛ لعموم قوله تعالى: (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ) التوبة/84. وقوله تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) التوبة/113. فتارك الصلاة لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين؛ لأنه كافر كما سبق. وأما المسلم العاصي كالذي يشرب الخمر، لكنه محافظ على الصلاة لا يتركها، فهذا يصلى عليه، وقد يترك الإمام أو العالم الصلاة عليه زجرا للناس عن فعله، وتخويفا لمن كان على مثل حاله، لكن يصلي عليه غيره من الناس. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127296 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4579 هل يجوز مس جسد المرأة بعد موتها؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل صحيح أنه لا يجوز لمس جسد المرأة بعد أن تموت؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز للرجل الأجنبي عن المرأة أن يمسها بعد موتها، كما لا يجوز له ذلك في حال حياتها، وإنما يجوز مسها للنساء أو محارمها من الرجال. فعورة المرأة بعد موتها كعورتها في حال حياتها، ولهذا اتفق العلماء على أن الرجل لا يغسل المرأة، والمرأة لا تغسل الرجل، إلا في الزوجين فقط، فيجوز لكل واحد منهما أن يغسل الآخر. قال الفقيه ابن رشد: " اتفقوا على أن الرجال يغسلون الرجال، والنساء يغسلن النساء، واختلفوا في المرأة تموت مع الرجال أو الرجل يموت مع النساء ما لم يكونا زوجين على ثلاثة أقوال: فقال قوم: يغسل كل واحد منهما صاحبه من فوق الثياب. وقال قوم: ييمم كل واحد منهما صاحبه. وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وجمهور العلماء وقال قوم: لا يغسل واحد منهما صاحبه ولا ييممه , وبه قال الليث بن سعد بل يدفن من غير غسل. وسبب اختلافهم هو الترجيح بين تغليب النهي على الأمر أو الأمر على النهي؛ وذلك أن الغسل مأمور به، ونظر الرجل إلى بدن المرأة، والمرأة إلى بدن الرجل منهي عنه " انتهى. "بداية المجتهد" (1/27-228) . فتبين بذلك أن الفقهاء متفقون على أنه لا يمس الرجل امرأة أجنبية عنه بعد موتها، ولا تمس المرأة رجلاً أجنبياً عنها بعد موته، لأن العلماء الذي قالوا: يغسل كل منهما الآخر، قالوا: يغسله من فوق الثياب، وذلك حتى لا يمسه، ولا ينظر إلى عورته. وقد تواترت عبارات الفقهاء على احترام عورة الميت، وأنها كعورة الحي من حيث النظر واللمس: قال في "كشاف القناع" (2/92-93) : "وَلَا يَحِلُّ مَسُّ عَوْرَة مَنْ لَهُ سَبْعُ سِنِينَ فَأَكْثَرُ بِغَيْرِ حَائِلٍ، وَلَا النَّظَرُ إلَيْهَا، لِأَنَّ التَّطْهِيرَ يُمْكِنُ بِدُونِ ذَلِكَ فَأَشْبَهَ حَالَ الْحَيَاةِ " انتهى. وقال ابن قدامة في "المغني" (2/189) : "وَالْمَرْأَةُ يُخَمَّرُ [أي: يغطى] قَبْرُهَا بِثَوْبٍ، لَا نَعْلَمُ فِي اسْتِحْبَابِ هَذَا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا .... ثم ذكر آثاراً بذلك عن عمر وعلي رضي الله عنهم. ثم قال: لِأَنَّ الْمَرْأَةَ عَوْرَةٌ , وَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يَبْدُوَ مِنْهَا شَيْءٌ فَيَرَاهُ الْحَاضِرُونَ " انتهى. وجاء في "الموسوعة الفقهية" (13/56) : " الْأَصْلُ: أَنَّهُ لَا يُغَسِّلُ الرِّجَالَ إلَّا الرِّجَالُ , وَلَا النِّسَاءَ إلَّا النِّسَاءُ , لِأَنَّ نَظَرَ النَّوْعِ إلَى النَّوْعِ نَفْسِهِ أَهْوَنُ , وَحُرْمَةُ الْمَسِّ ثَابِتَةٌ حَالَةَ الْحَيَاةِ , فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ " انتهى. وقال الكاساني في "بدائع الصنائع" (1/300) : " وَتُسْتَرُ عَوْرَتُهُ [يعني: الميت] بِخِرْقَةٍ ; لِأَنَّ حُرْمَةَ النَّظَرِ إلَى الْعَوْرَةِ بَاقِيَةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلِهَذَا لَا يُبَاحُ لِلْأَجْنَبِيِّ غُسْلُ الْأَجْنَبِيَّةِ" انتهى باختصار. وقال في "البحر الرائق" (2/185) : " النَّظَرُ إلَيْهَا حَرَامٌ [يعني: عورة الميت] كَمَا فِي عَوْرَةِ الْحَيِّ ... وَفِي الْمُحِيطِ: وَيَغْسِلُ عَوْرَتَهُ تَحْتَ الْخِرْقَةِ بَعْدَ أَنْ يَلُفَّ عَلَى يَدِهِ خِرْقَةً لِتَصِيرَ الْخِرْقَةُ حَائِلَةً بَيْنَ يَدِهِ وَبَيْنَ الْعَوْرَةِ ; لِأَنَّ اللَّمْسَ حَرَامٌ كَالنَّظَرِ " انتهى. وقال أيضاً (2/188) : "وأما الغاسل فمن شرطه أن يحل له النظر إلى المغسول، فلا يغسل الرجل المرأة، ولا المرأة الرجل" انتهى. وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: " لا يجوز للرجل أن يغسل غير زوجته من الإناث، سواء كن محارم أم أجنبيات، إلا الطفلة الصغيرة التي ماتت دون سبع سنوات، فله أن يغسلها، وعلى هذا إن ماتت امرأة بين رجال فقط، ليس فيهم زوج لها ولا امرأة يُمِّمت بالنية عن الوضوء والغسل جميعاً، تغليباً لجانب المحافظة على عورتها، فإن الغالب على من يباشر تغسيل الميت ولو بصب الماء عليه أن يقع بصره على شيء من عورته، وأن يمسها ويقلبه، ليتمكن من تعميم الماء على جسده، فكان التيمم من ماتت وليس معها إلا رجال، أحفظ لعورتها، وأحوط لصيانتها " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (8/364) . وجاء فيها أيضاً (24/424) : "النظر إلى عورته ميتا كالنظر في عورته حيا، فلا يجوز" انتهى. وقال الشيخ صالح الفوزان: "أما ما عدا الزوجين فإنه لا يجوز للنساء أن تغسل الرجال، ولا يجوز للرجال أن يغسلوا النساء، بل كل جنس يغسل جنسه، ولا يطلع أحدهما على عورة الآخر؛ إلا الطفل الصغير الذي هو دون التمييز فهذا لا بأس أن يغسله الرجال والنساء على حد سواء، لأنه لا عورة له". انتهى مختصراً من "المنتقى من فتاوى الفوزان" (80/47-48) . والحاصل: أنه لا يجوز لأحد من الرجال الأجانب أن يمس امرأة ميتة، كما لا يجوز له ذلك في حال حياتها. لكن.. عند إدخالها في القبر فيجوز للرجال الأجانب عنها حملها وإدخالها القبر، لأن المس هنا من وراء حائل (وهو الكفن) ولأن الحاجة داعية إلى ذلك. قال ابن الهمام في "فتح القدير" (2/141) : " لا يُدْخِلُ أَحَدًا مِنْ النِّسَاءِ الْقَبْرَ وَلَا يُخْرِجُهُنَّ إلَّا الرِّجَالُ وَلَوْ كَانُوا أَجَانِبَ , لِأَنَّ مَسَّ الْأَجْنَبِيِّ لَهَا بِحَائِلٍ عِنْدَ الضَّرُورَةِ جَائِزٌ فِي حَيَاتِهَا , فَكَذَا بَعْدَ مَوْتِهَا " انتهى. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127274 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4580 جواز إعلان الوفاة في المنتديات من أجل التعزية [السُّؤَالُ] ـ[كثيراً ما أرى في المنتديات فتح صفحة خاصة للتعزية عند وفاة أحد أقارب العضو المشارك في المنتدى، فما قولكم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الذي يظهر لنا: هو جواز الإعلان في المنتديات عن وفاة أحد أعضائه، أو أحد أقربائه، من أجل التعزية فيه، فيُدعى له بالرحمة إن كان هو المتوفَّى، ويُعزَّى إن كان الميت أحد أقربائه، وليس هذا من النعي المحرَّم، إن خلا الغلو في الثناء، وليس فيه المحظور الذي من أجله منع مَن منع مِن العلماء في الإعلان في الصحف، وهو التكلُّف في دفع المال. سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -: ما حكم التعزية في الجرائد، هل تعتبر من النعي المحرم؟ . فأجاب: ليس ذلك من النعي المحرم، وتركه أولى؛ لأنه يكلف المال الكثير. " فتاوى الشيخ ابن باز " (13 / 408) . والإعلان عن الوفاة قبل الدفن فيه مصالح، منها: الدعاء له بالرحمة والتثبيتِ في سؤال القبر، وتكثير المصلين عليه من أهل الخير، وتخفيف مصاب أهله من هؤلاء المقربين منه، وأما الإعلان عن الوفاة بعد الدفن: ففيه مصالح – أيضاً -، ومن أبرزها: تعزية العضو الذي فقد أحدَ أهله، أو أقربائه. ومما يدل على الأصل الذي ذكرناه، وهو جواز الإعلان عن وفاة المسلم، وبخاصة قبل الدفن، من غير غلو في الوصف والثناء: إعلان النبي صلى الله عليه وسلم وفاة " النجاشي " ملك الحبشة. عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: نَعَى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم النَّجَاشِيَّ صَاحِبَ الْحَبَشَةِ، يَوْمَ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَقَالَ: (اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ) . البخاري (1263) ومسلم (951) . ففي الحديث: بيان حال الميت بما يهيج على الدعاء له بما يستحقه، وبالصلاة عليه، حيث صلَّى عليه النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه صلاة الغائب. قال ابن قدامة – رحمه الله -: قال الخرقي: " ويستحب تعزية أهل الميت ". لا نعلم في هذه المسألة خلافا ... . والمقصود بالتعزية: تسلية أهل المصيبة، وقضاء حقوقهم، والتقرب إليهم، والحاجة إليها بعد الدفن كالحاجة إليها قبله. " المغني " (2 / 408) . وقال النووي – رحمه الله -: واعلم أن التعزية مستحبة قبل الدفن، وبعده. " الأذكار " (ص 148، 149) . وليس للتعزية وقت محدد، ولا مكان محدد، فالمنع من الإعلان المجرد عن الوفاة في المنتديات لا يخالف نصّاً، ولا مقصوداً من مقاصد الشرع. قال علماء اللجنة الدائمة: وليس للتعزية وقت محدود، ولا مكان محدود. " فتاوى اللجنة الدائمة " (9 / 134) . وينظر تفصيلاً أوفى في جواب السؤال رقم: (119130) . ولمعرفة النعي المحرَّم، وأن الإعلان المجرد مباح في ذاته، وللوقوف على كلام أهل العلم في الاستدلال بحديث النجاشي وغيره: انظر جواب السؤال رقم: (60008) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126415 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4581 العناية الجائزة بالقبور والعناية المحرمة [السُّؤَالُ] ـ[أحد أقاربي طلب من بقية إخوانه أن يتبرعوا ببعض المال للاعتناء بقبر والدتهم، والذي أصبح عليه الكثير من الغبار، وحوله الكثير من الأشجار الصغيرة، هذا القبر محوط بقضبان حديدية ومطلي بطلاء أبيض، ومكتوب عليه اسمها وتأريخ مولدها .... الخ. فهل يجوز لهم أن يدفعوا بعض المال لكي يعتنوا به؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: للقبر في الشريعة الإسلامية قدر كبير من الحرمة، لا يجوز لأحد التهاون فيه ولا الاعتداء عليه، حتى لقد حرَّم النبي صلى الله عليه وسلم الجلوس على القبر تحريما شديدا، فقد جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (لَأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتُحْرِقَ ثِيَابَهُ فَتَخْلُصَ إِلَى جِلْدِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ) رواه مسلم (971) . وانظر جواب السؤال رقم: (4309) ، (4698) وهذه الحرمة تقتضي من المسلمين العناية بالقبر بالقدر الذي يحفظ للميت حرمته، ويصون كرامته، ولا يعرضه للأذى والامتهان، وذلك يكون بالوسائل الآتية: 1- وضع شاخص عند رأس القبر كما وضع النبي صلى الله عليه وسلم علامة عند قبر الصحابي الجليل عثمان بن مظعون، رواه أبو داود (3206) ، يقول النووي رحمه الله: " السنة أن يجعل عند رأسه علامة شاخصة، من حجر أو خشبة أو غيرهما، هكذا قاله الشافعي والمصنِّف [يعني:الشيرازي] وسائر الأصحاب " انتهى. " المجموع " (5/265) ، وانظر جواب السؤال رقم: (8991) 2- رفع القبر قدر شبر فقط ولا يزاد عليه، هكذا كان قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول ابن قدامة رحمه الله: " يرفع القبر عن الأرض قدر شبر ليعلم أنه قبر , فيتوقى ويترحم على صاحبه ... ولا يستحب رفع القبر إلا شيئا يسيرا " انتهى. " المغني " (2/190) . ونقل في "الموسوعة الفقهية " (11/342) اتفاق الفقهاء عليه، وانظر جواب السؤال رقم: (83133) 3- ينبغي إحاطة المقبرة كلها بسور يحفظها ويميزها عما حولها، ويقيها من أذى الأولاد الصغار وأذى الدواب التي قد تمتهن القبور. ينظر: فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم (3/211-212) ، أحكام المقابر، للسحيباني (457) . ثانيا: وأما الوسائل المحرمة التي يقوم بها بعض الناس لحفظ قبور أقربائهم، فهي متنوعة، تختلف بحسب اختلاف البيئات؛ فمن ذلك: 1- رفع القبر عن الأرض أكثر من شبر بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب: (لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ) رواه مسلم (969) 2- البناء على القبور، أي بناء كان، مرتفعا أو غير مرتفع، على شكل قبة أو مقام أو أي شكل من أشكال البناء. جاء في " الموسوعة الفقهية " (32/250) : " ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى كراهة البناء على القبر في الجملة , لحديث جابر: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يبنى عليه. وسواء في البناء بناء قبة أم بيت أم غيرهما. وقال الحنفية: يحرم لو للزينة , ويكره لو للإحكام بعد الدفن " انتهى. 3- طلاء القبر بالدهان أو الجص أو غير ذلك من أنواع الزينة، جاء في " الموسوعة الفقهية " (32/250) : " واتفق الفقهاء على كراهة تجصيص القبر , لما روى جابر رضي الله تعالى عنه: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه. قال المَحَلِّي: التجصيص التبييض بالجص، وهو الجير. قال عميرة: وحكمة النهي التزيين , وزاد إضاعة المال على غير غرض شرعي " انتهى. 4- إحاطة القبر بسور ـ سوى سور المقبرة الذي يحميها من العبث والامتهان ـ أو سياج لما فيه من شبه بالبناء المحرم على القبور، يقول الشيخ الألباني رحمه الله: " إحاطة القبر بهذه المقصورة على هذا الشكل المزخرف، إنما هي نوع آخر من المنكر الذي يحمل الناس على معصية الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وتعظيم صاحب القبر بما لا يجوز شرعاً، مما هو مشاهد معروف " انتهى. " تحذير الساجد " (ص/89) 5- الكتابة على القبور، من المدح والثناء، أو الرثاء، أو نحو ذلك مما يدخل في معنى النياحة على الميت، أو يفتح باب التعظيم والغلو فيه. 6- غرس الأشجار على القبور، وزراعة النبات الأخضر عليه، فليس ذلك من عادات المسلمين في قبورهم، بل من عادات النصارى، وقد سبق بيان ذلك أيضا في جواب رقم: (14370) ، (41643) ، (48958) ثالثا: وبناء على ما سبق، فإن الصيانة المشروعة للقبر لا تكاد تحتاج إلى مال ينفق عليها، ما دام القبر مصونا عن الامتهان والأذى، وأما طلاؤه وتشييده والبناء عليه فهذا كله من العناية الممنوعة بالقبر، وهكذا إحاطته بقضبان حديدية. وكون القبر عليه غبار: ليس من امتهان القبر في شيء؛ بل هذا هو شأن القبور دائما: أن يدفن أهلها تحت التراب. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126400 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4582 حكم تقديم الرجل اليمنى عند دخول المقبرة واليسرى عند الخروج منها [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم تقديم الرجل اليمنى في الدخول إلى المقبرة وتقديم اليسرى في الخروج منها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " ليس في هذا سنة عن النبي عليه الصلاة والسلام، وبناء على ذلك فالإنسان يدخل حيث صادف، إن صادف دخوله برجله اليمنى، فالرجل اليمنى، أو اليسرى، فاليسرى حتى يتبين دليل من السنة " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (17/167) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121266 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4583 الميت يدفن على جنبه الأيمن مستقبل القبلة [السُّؤَالُ] ـ[في بعض البلاد يدفنون الميت على ظهره ويده اليمنى على اليسرى فوق بطنه، فهل هذه الطريقة صحيحة في الدفن؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الصواب أن الميت يدفن على جنبه الأيمن مستقبل القبلة، فإن الكعبة قبلة الناس أحياء وأمواتاً، وكما أن النائم ينام على جنبه الأيمن، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فكذلك الميت يوضع على جنبه الأيمن، فإن النوم والموت يشتركان في كون كل منهما وفاة، كما قال الله تعالى: (الله يَتَوَفَّى الأنفُسَ حِينَ مَوتِها وَالتي لَمْ تَمُتْ في مَنَامِهَا) الزمر/42، وقال تعالى: (وَهُوَ الذِي يَتَوَفَّكُم بِالَّليلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَهَارِ ثُمَّ يَبَْعَثُكُمْ فيِه لُيقْضَىَ أَجَلٌ مُّسَمَّى) الأنعام/60. فالمشروع في دفن الميت أن يضجع على جنبه الأيمن مستقبلاً القبلة، ولعل ما شاهده السائل في بلاده كان ناتجاً عن جهل في ذلك، وإلا فما علمت أحداً من أهل العلم يقول: إن الميت يضجع على ظهره وتجعل يداه على بطنه" انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. "فتاوى إسلامية" (2/52) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121212 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4584 هل الوصية واجبة وما نصها الشرعي؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل كتابة الوصية واجبة، وهل يلزم لها شهود، وحيث إنني لا أعرف النص الشرعي أرجو إرشادي إليه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "تكتب الوصية حسب الصيغة التالية: أنا فلان بن فلان أو فلانة بنت فلان أوصي بأني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق والنار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور. وأوصي من تركت من أهلي وذريتي وسائر أقاربي بتقوى الله وإصلاح ذات البين وطاعة الله ورسوله والتواصي بالحق والصبر عليه، وأوصيهم بمثل ما أوصى به إبراهيم عليه الصلاة والسلام بنيه ويعقوب: (يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) البقرة/132، ثم يذكر ما يرغب أن يوصي به من ثلث ماله أو أقل من ذلك أو مال معين لا يزيد على الثلث، ويبين مصارفه الشرعية، ويذكر الوكيل على ذلك. والوصية ليست واجبة، بل مستحبة إذا أحب أن يوصي بشيء، لما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده) . لكن إذا كانت عليه ديون أو حقوق ليس عليها وثائق تثبتها لأهلها وجب عليه أن يوصي بها حتى لا تضيع حقوق الناس. وينبغي أن يشهد على وصيته شاهدين عدلين، وأن يحررها لدى من يوثق بتحريره من أهل العلم حتى يعتمد عليها، ولا ينبغي أن يكتفي بخطه فقط؛ لأنه قد يشتبه خطه على الناس، وقد لا يتيسر من يعرفه من الثقات، والله ولي التوفيق" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله. "مجلة البحوث الإسلامية" (33/111) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121088 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4585 زيارة المقابر لا يشترط لها الطهارة [السُّؤَالُ] ـ[ما رأيكم في إنسان زار المسجد النبوي وهو على وضوء وخرج إلى البقيع على غير وضوء، هل عليه شيء في ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " لا شيء عليه؛ لأن زيارة البقيع أو شهداء أحد لا يطلب لها أن يكون الزائر على وضوء، وهكذا زيارة جميع القبور تستحب ولا تشترط لها الطهارة؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة) أخرجه مسلم في صحيحه. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز.. الشيخ عبد الرزاق عفيفي.. الشيخ عبد الله بن غديان.. الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (9/101) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121010 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4586 بنى مسجدا وأوصى أن يدفن فيه [السُّؤَالُ] ـ[رجل بنى مسجداً، وأوصى أن يدفن فيه فدفن، فما العمل الآن؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه الوصية باطلة، مخالفة للشرع، فلا يجتمع في الإسلام مسجد وقبر أبداً، والحكم للسابق منهما، وطالما أن المسجد هو الذي بني أولاً، فيجب نبش القبر وإخراجه من المسجد، ويدفن الميت مع المسلمين في المقابر. قال ابن القيم رحمه الله تعالى: " يهدم المسجد إذا بني على قبر، كما ينبش الميت إذا دفن في المسجد، نص على ذلك الإمام أحمد وغيره، فلا يجتمع في دين الإسلام مسجد وقبر، بل أيهما طرأ على الآخر منع منه، وكان الحكم للسابق، فلو وضعا معاً لم يجز، ولا يصح هذا الوقف ولا يجوز، ولا تصح الصلاة في هذا المسجد؛ لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ولعنه من اتخذ القبر مسجدا، أو أوقد عليه سراجاً، فهذا دين الإسلام الذي بعث الله به رسوله ونبيه وغربته بين الناس كما ترى " انتهى. "زاد المعاد" (3/572) . وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله مثل هذا السؤال، فأجاب: " هذه الوصية أعني الوصية أن يدفن في المسجد غير صحيحة؛ لأن المساجد ليست مقابر، ولا يجوز الدفن في المسجد، وتنفيذ هذه الوصية محرم، والواجب الآن نبش هذا القبر وإخراجه إلى مقابر المسلمين " انتهى. "فتاوى ابن عثيمين" (2/233) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120214 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4587 يجوز للمرأة أن تصلي صلاة الجنازة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن تشارك المرأة الرجال في الصلاة على الجنازة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الأصل في العبادات التي شرعها الله في كتابه أو بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته أنها عامة للذكور والإناث، حتى يدل دليل على التخصيص بالذكور أو الإناث، وصلاة الجنازة من العبادات التي شرعها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، فيعم الخطاب الرجال والنساء، إلا أن الغالب أن الذي يباشر ذلك الرجال لكثرة ملازمة النساء لبيوتهن، ولذلك إذا صادف أنه لم يحضر الجنازة إلا نساء صلين عليها، وقمن بالواجب نحوها، وقد ثبت أن عائشة رضي الله عنها أمرت أن يؤتى بسعد بن أبي وقاص لتصلي عليه، ولم نعلم أن أحدا من الصحابة أنكر عليها، فدل ذلك على أن المرأة تشارك الرجال في الصلاة على الجنازة، وقد تنفرد بالصلاة عليها لأمور تدعو إلى ذلك، كما يكون ذلك في حق الرجال، غير أنهن إذا صلين صلاة الجنازة أو غيرها مع الرجال تكون صفوفهن خلف صفوف الرجال. وثبت أيضا أنهن صلين على النبي صلى الله عليه وسلم كما صلى عليه الرجال، لكنهن لا يشيعن الجنائز للدفن، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/46) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 119167 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4588 كيفية التعزية [السُّؤَالُ] ـ[ما كيفية العزاء الإسلامي؟ وما حكم المآتم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله التعزية هي التسلية والحث على الصبر بوعد الأجر، والدعاء للميت والمصاب، هكذا يعرفها الفقهاء رحمهم الله، منهم العلامة ابن مفلح في "الفروع" (2/229) . ولا شك أن التعزية مما يخفف على المصاب ويذهب الهم، ويزيل الغم، ولذلك جاءت الشريعة باستحباب تعزية من أصيب بمصيبة، تحقيقا لمقصد التعاون على البر والتقوى، والتصبر والرضا بالقضاء والقدر، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر. ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يعزي أصحابه في مصائبهم، وما زال المسلمون يعزي بعضهم بعضهم، ويواسي بعضهم بعضا، واتفق العلماء على مشروعية التعزية واستحبابها. قال النووي رحمه الله: " واعلم أن التعزية هي التصبير، وذكر ما يسلي صاحب الميت، ويخفف حزنه، ويهون مصيبته، وهي مستحبة، فإنها مشتملة على الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وهي داخلة أيضا في قول الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى) المائدة/2، وهذا أحسن ما يستدل به في التعزية، وثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) " انتهى. "الأذكار" (ص/148-149) . وتحصل التعزية بكل لفظ يسلي المصاب ويصبره، ويحثه على احتساب الأجر عند الله. قال الشوكاني رحمه الله: " فكل ما يجلب للمصاب صبراً يقال له: تعزية، بأي لفظ كان، ويحصل به للمعزي الأجر المذكور في الأحاديث " انتهى. "نيل الأوطار" (4/117) . ومما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ألفاظ التعزية: (إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فاصبر واحتسب) . قال النووي رحمه الله: " أحسن ما يعزى به ما روينا في صحيحي البخاري ومسلم عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: أرسلت إحدى بنات النبي صلى الله عليه وسلم إليه تدعوه وتخبره أن صبيا لها أو ابنا في الموت، فقال للرسول: (ارجع إليها، فأخبرها أن لله تعالى ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شئ عنده بأجل مسمى، فمرها فلتصبر ولتحتسب ... ) وذكر تمام الحديث. قلت (النووي) : فهذا الحديث من أعظم قواعد الإسلام، المشتملة على مهمات كثيرة من أصول الدين وفروعه والآداب والصبر على النوازل كلها والهموم والأسقام وغير ذلك من الأعراض، ومعنى: (أن لله تعالى ما أخذ) ، أن العالم كله ملك لله تعالى، فلم يأخذ ما هو لكم، بل أخذ ما هو له عندكم في معنى العارية، ومعنى: (وله ما أعطى) ، أن ما وهبه لكم ليس خارجا عن ملكه، بل هو له سبحانه يفعل فيه ما يشاء، (وكل شيء عنده بأجل مسمى) ، فلا تجزعوا، فإن من قبضه قد انقضى أجله المسمى فمحال تأخره أو تقدمه عنه، فإذا علمتم هذا كله، فاصبروا واحتسبوا ما نزل بكم " انتهى. "الأذكار" (ص/150) . وأما مكان التعزية وكيفيتها فليس في ذلك شيء محدد، فيمكن أن تحصل بالمقابلة في المسجد أو في الطريق أو في العمل، وبالمكالمة الهاتفية، وبالرسائل المتنوعة، وبالذهاب إلى بيته، وبكل شيء يتعارف عليه الناس أنه من طرق التعزية، إلا أنه لا يشرع الاجتماع لها، وعمل المآتم، بل ذلك بدعة مذمومة، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (14396) . ويبدأ وقت التعزية من حين يموت الميت، فتستحب قبل الدفن وبعده، ولا تتحدد بثلاثة أيام. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " وليس لها وقت مخصص، ولا أيام مخصوصة، بل هي مشروعة من حين الدفن وبعده، والمبادرة بها أفضل في حال شدة المصيبة، وتجوز بعد ثلاث من موت الميت؛ لعدم الدليل على التحديد " انتهى. "فتاوى إسلامية" (2/43) . وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/134) : "وليس للتعزية وقت محدد، ولا مكان محدد" انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 119130 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4589 حكم الأذان والإقامة في قبر الميت [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الأذان والإقامة في قبر الميت عند وضعه فيه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا ريب أن ذلك بدعة ما أنزل الله بها من سلطان؛ لأن ذلك لم ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه رضي الله عنهم، والخير كله في اتباعهم وسلوك سبيلهم، كما قال سبحانه: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) وفي لفظ آخر قال عليه الصلاة والسلام: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) وقال صلى الله عليه وسلم: (وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة) أخرجه مسلم في صحيحه من حديث جابر رضي الله عنه، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله. "فتاوى إسلامية" (2/50) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118117 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4590 حكم السفر لأجل العزاء [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من يسافر من أجل العزاء لقريب أو صديق، وهل يجوز العزاء قبل الدفن؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا نعلم بأسا في السفر من أجل العزاء لقريب أو صديق؛ لما في ذلك من الجبر والمواساة وتخفيف آلام المصيبة، ولا بأس في العزاء قبل الدفن وبعده، وكلما كان أقرب من وقت المصيبة كان أكمل في تخفيف آلامها. وبالله التوفيق" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله. "فتاوى إسلامية" (2/43) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118121 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4591 ثقل الجنازة ليس دليلاً على فساد صاحبها [السُّؤَالُ] ـ[هل ثقل جسم الميت أثناء حمله على الأكتاف ساعة الدفن تدل على أن أعماله السيئة أكثر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس في شريعتنا ما يدل على ذلك، وغاية ما ذكره بعض متأخري الفقهاء، ما جاء في حاشية "نهاية المحتاج" (2/466) للشبراملسي: " سئل أبو علي النجاد عن خفة الجنازة وثقلها فقال: إذا خفت فصاحبها شهيد ; لأن الشهيد حي، والحي أخف من الميت , قال الله تعالى (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله) الآية. ذكره أبو الحسين في طبقاته في ترجمة عمر أبي حفص البرمكي " انتهى. لكن الصواب أنها ليست بعلامة صحيحة، فليس ثمة دليل على أن الميت أثقل من الحي، فلم يثبت ذلك بالوجه الشرعي ولا بالوجه الحسي أو العقلي، فضلاً عن أن يكون ذلك علامة على حسن الخاتمة أو سوئها، ولا علامة على صلاح صاحبها أو فساده، وخاصة أن كثيراً من الناس يسيئون الظن ببعض الأموات بهذه العلامات المتوهمة، فيقعون في الزلل والإثم من غير بينة ولا دليل. جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/86) السؤال الآتي: " أخبرني مجموعة من الناس العقلاء وذوي أهل الرأي والسداد؛ أنهم شاهدوا جنازة رجل مسلم خفيفة جداً جداً، وأخرى كانت ثقيلة جداً جداً، وثالثة أنهم عندما قاموا بإخراجها من المنزل صارت هذه الجنازة تعوم وتتحرك فوق رؤوس الرجال، فما موقف الإسلام من هذه القصص؟ علما أن الذين شاهدوا ذلك رجال ثقات وعدول، والكذب بعيد عنهم. فكان الجواب: لا نعلم لخفة الجنازة وثقلها أسبابا سوى الأسباب الحسية، وهي نحافة الميت، وضخامة الجسم، أما من يزعم أن ذلك يدل على كرامة الميت إذا كان خفيفاً، وعلى فسقه إذا كان ثقيلا، فهذا شيء لا أصل له في الشرع المطهر فيما نعلم. وأما حركة الجنازة على النعش فيدل ذلك على حياته، وأنه لم يمت، فلينظر في شأنه، وليعرض على الطبيب المختص حتى يقرر موته وحياته، ولا يستعجل في دفنه حتى يعلم يقينا أنه ميت " انتهى. وقد عد الشيخ الألباني رحمه الله في "أحكام الجنائز": اعتقاد بعضهم أن الجنازة إذا كانت صالحة خف ثقلها على حامليها، وأسرعت – عده من البدع المحدثة. (بدعة رقم/47) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 117772 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4592 هل الشهيد يصلى عليه إذا قتل؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل تُصلى صلاة الجنازة على قتلى المسلمين في المعارك مع الكفار؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الشهيد هو من مات من المسلمين في قتال الكفار وبسببه. أنظر الموسوعة الفقهية ط: الكويت (26/272) . وقد قال جمهور العلماء بأنه لا يُصلى عليه وهو قول الإمام مالك والشافعي وأصح الروايتين عن أحمد (أنظر المغني 2/334) ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على شهداء أحد (رواه البخاري 1347) ، ولأن الحكمة من الصلاة هي الشفاعة والشهيد يُكفر عنه كل شيء (فلا يحتاج شفاعة) إلا الدين فإنه لا يسقط بالشهادة بل يبقى في ذمة الميت. قال الشيخ عبد العزيز ابن باز – رحمه الله -: " الشهداء الذين يموتون في المعركة لا تشرع الصلاة عليهم مطلقاً ولا يُغسلون؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُصلِّ على شهداء أحد ولم يُغسلهم.. رواه البخاري في صحيحه (1347) عن جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما." مجموع فتاوى ابن باز (13/162) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " (الشهيد) لا يصلي عليه أحدٌ من الناس لا الإمام ولا غير الإمام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم: " لم يصلِّ على شهداء أحد "، ولأن الحكمة من الصلاة الشفاعة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يُشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه " والشهيد يُكفر عنه كل شيء إلا الدَّيْن؛ لأن الدين لا يسقط بالشهادة بل يبقى في ذمة الميت في تركته إن خَلَّف تركة، وإلا فإنه إذا أخذه يريد أداءه أدى الله عنه." الشرح الممتع (5/367) . وذهب بعض العلماء إلى أنه يُشرع الصلاة على الشهيد – ولكنها لا تجب – وهذا رواية عن الإمام أحمد (انظر المغني 2/334) وذلك للأحاديث التالية: 1- عن شداد بن الهاد: " أن رجلاً من الأعراب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه، ثم قال: أهاجر معك فلبثوا قليلاً، ثم نهضوا في قتال العدو، فأُتي به النبي صلى الله عليه وسلم يُحمل وقد أصابه سهم، ... ثم كفنه النبي صلى الله عليه وسلم في جبته، ثم قدمه فصلى عليه.. " أخرجه النسائي وصححه الألباني في أحكام الجنائزص82 2- عن عبد الله بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر يوم أحد بحمزة فسجي ببردة، ثم صلى عليه فكبر تسع تكبيرات ثم أُتي بالقتلى يصفون، ويصلي عليهم وعليه معهم " أخرجه الطحاوي في معاني الآثار (1/290) وحسنه الألباني في أحكام الجنائز ص 82. وممن اختار هذا القول الشيخ المحدث ناصر الدين الألباني رحمه الله. أنظر أحكام الجنائز ص81. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 14012 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4593 هل الشجرة النابتة على القبر تدل على صلاح الميت [السُّؤَالُ] ـ[ألاحظ أن بعض الناس إذا رأى شجرا نبت على قبر ما يصف صاحب القبر بأنه كان على صفات مقدارها كذا وكذا، هل لنبات الأشجار على القبور شيء من العلاقة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا أصل لهذا، وليس نبات الشجر والحشيش على القبور دليلا على صلاح أصحابها، بل ذلك ظن باطل، والشجر ينبت على قبور الصالحين والطالحين ولا يختص بالصالحين، فينبغي عدم الاغترار بقول من يزعم خلاف ذلك من المنحرفين وأصحاب العقائد الباطلة، والله المستعان. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز يرحمه الله، م/4، ص/380. الحديث: 20001 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4594 حكم قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله واجبة كما قال صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) رواه البخاري، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) متفق على صحته. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز – رحمه الله – م/13 ص/143. الحديث: 20435 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4595 حكم نبش القبر [السُّؤَالُ] ـ[في عام 1934 تم نبش قبر الصحابيين حذيفة اليماني وجابر بن عبد الله في العراق وتم نقلهما لمكان آخر، قرأت قصة طويلة عن ظهورهما في حلم الملك وكان وجهيهما كاملين تماماً بعد إخراجهما من القبر بعد 1300 سنة. هل هذا صحيح؟ هل يجوز نبش القبر لمثل هذا السبب؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا اعلم أن هذه القصة صحيحة أو ليست صحيحة. الشق الثاني من السؤال، هل يجوز نبش القبر؟ نقول الأصل عدم الجواز؛ لحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كسر عظم الميت ككسره حيا) رواه أبو داود (3207) ، فهذا يدل على أن الميت له حرمة، فالمسلم له حرمه في حال حياته وفي حال مماته، وإذا كان كذلك فلا يجوز إلا لمصلحة ظاهرة، وهذا يُرجع فيه إلى الحاكم الشرعي هو الذي يقرر مثل هذه المصلحة [الْمَصْدَرُ] الشيخ خالد بن علي المشيقح الحديث: 22748 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4596 من فاتته بعض التكبيرات في صلاة الجنازة [السُّؤَالُ] ـ[من فاتته التكبيرات أو إحداهن هل يقضيها؟ وكيف يدخل مع الإمام في الصلاة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يدخل مع الإمام في الصلاة حيث أدركها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) وإذا سلم الإمام أتم ما فاته إن بقيت الجنازة لم ترفع، وأما إذا خشي رفعها: فإن فقهاءنا ـ رحمهم الله ـ يقولون: إنه يخير بين أن يتم أو يتابع التكبير وأن يسلم مع الإمام والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] (70 سؤالاً في أحكام الجنائز ص 13) لفضيلة الشيخ محمد الصالح العثيمين. الحديث: 22486 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4597 متى تشرع الصلاة على الغائب [السُّؤَالُ] ـ[هل تشرع الصلاة على الغائب على كل ميّت؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله القول الراجح من أقوال أهل العلم أن الصلاة على الغائب غير مشروعة إلا لمن لم يُصَلّ عليه. كما لو مات شخص في بلد كفار ولم يُصلَّ عليه أحد فإنه تجب الصلاة عليه وأما من صُلِّيَ عليه فالصحيح أن الصلاة عليه غير مشروعة أي على الغائب لأن ذلك لم يرد في السنة إلا في قصة النجاشي، والنجاشي لم يُصَلَّ عليه في بلده.. فلذلك صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة.. وقد مات الكبراء والزعماء ولم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم صلى عليهم. وقال بعض أهل العلم: من كان فيه منفعة في الدين بماله أو علمه فإنه يُصَلَّىَ عليه صلاة الغائب.. ومن لم يكن كذلك فلا يصلى عليه. وقال بعض أهل العلم: يصلى على الغائب مطلقاً وهذا أضعف الأقوال. [الْمَصْدَرُ] (70 سؤالاً في أحكام الجنائز (ص9) . لفضيلة الشيخ محمد الصالح العثيمين. الحديث: 22890 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4598 حكم قراءة القرآن عند القبر ووضع الورود والريحان [السُّؤَالُ] ـ[نرى بعض الناس يقرأون القرآن عند قبر ميتهم إذا زاروه وآخرين يضعون بعض الورود والريحان عند القبر فما حكم ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أما قراءة القرآن عند زيارتها، فمما لا أصل له في السنة. وهي غير مشروعة ومما يقوي عدم مشروعيتها قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تجعلوا بيوتكم مقابر، فإن الشيطان يفر من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة) أخرجه مسلم والترمذي من حديث أبي هريرة، فقد أشار إلى أن القبور ليست موضعاً للقراءة شرعاً، فلذلك حض على قراءة القرآن في البيوت ونهى عن جعلها كالمقابر التي لا يقرأ فيها، كما أشار في الحديث الآخر إلى أنها ليست موضعاً للصلاة أيضاً، وهو قوله: (صلوا في بيوتكم، ولا تتخذوها قبوراً) أخرجه مسلم وغيره عن ابن عمر، وهو عند البخاري بنحوه. وترجم له بقوله: (باب كراهة الصلاة في المقابر) فأشار به إلى أن حديث ابن عمر يفيد كراهة الصلاة في المقابر، فكذلك حديث أبي هريرة يفيد كراهة القرآن في المقابر، ولا فرق. قال أبو داود في مسائله (ص: 158) : " وسمعت أحمد سئل عن القراءة عند القبر؟ فقال: لا ". ولا يشرع وضع الآس ونحوها من الرياحين والورود على القبور، لأنه لم يكن من فعل السلف، ولو كان خيراً لسبقونا إليه، وقد قال ابن عمر رضي الله عنهما: (كل بدعة ضلالة، وإن رآها الناس حسنة) رواه ابن بطة في الإبانة عن أصول الديانة (2/112) واللاكائي في السنة (1/21) موقوفاً بإسناد صحيح. نسأل الله لموتى المسلمين الرحمة وصلى الله على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] من مختصر أحكام الجنائز للألباني بتصرف. الحديث: 14285 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4599 نقل الميت إلى بلده [السُّؤَالُ] ـ[لي صديق قد توفي زوج أخته الأسبوع الماضي – رحمة الله عليه – وبعد وفاته قام إخوانه وأقاربه بنقل جثته إلى قريتهم والتي تبعد حوالي 14 ساعة بالسيارة عن المكان الذي كان يعيش فيه عند وفاته. قالت زوجته – زوجة الميت – للإخوة بأن زوجها قد ترك ورقة مكتوبة وذكر فيها أن يتم دفنه مباشرة في نفس المكان الذي يتوفى فيه، ولكن أحداً لم يستمع لكلامها. وفيما بعد وجدت زوجته الوصية المكتوبة والموقعة بين أوراقه. هل قام إخوته وأقاربه بارتكاب معصية؟ وما الذي يجب عمله الآن؟ هل هناك صدقات يجب أن يدفعها إخوته وأقاربه لعدم اتباعهم للوصية؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المسألة هنا تناقش من طرفين: الأول: مسألة العمل بوصية الميت. الثاني: حكم نقل الميت من البلد الذي مات فيه إلى بلد آخر. أما المسألة الأولى فتنفيذ وصية الميت واجب، سواء أوصى بواجب أو مستحب. انظر الشرح الممتع 5 / 333 أما المسألة الثانية: قال الشيخ الموفق ابن قدامة: فلا يُنقل الميت من بلده إلى بلد آخر إلا لغرض صحيح، وهذا مذهب الأوزاعي وابن المنذر … .. ولأن ذلك أخف لمؤنته وأسلم له من التغيير، فأما إن كان فيه غرض صحيح: جاز. " المغني " (2 / 193 – 194) . قالت اللجنة الدائمة في هذا الموضوع: كانت السنَّة العمليَّة في عهد النَّبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد أصحابه أن يُدفن الموتى في مقابر البلد الذي ماتوا فيه، وأن يُدفن الشهداء حيث ماتوا، ولم يثبت في حديث ولا أثر صحيح أن أحداً من الصحابة نقل إلى غير مقابر البلد الذي مات فيه أو في ضاحيته أو مكان قريب منه. ومن أجل هذا قال جمهور الفقهاء: لا يجوز أن ينقل الميت قبل دفنه إلى غير البلد الذي مات فيه إلا لغرض صحيح مثل أن يُخشى من دفنه حيث مات من الاعتداء على قبره، أو انتهاك حرمته لخصومة أو استهتار وعدم مبالاة، فيجب نقله إلى حيث يؤمن عليه. ومثل أن ينقل إلى بلده تطييباً لخاطر أهله وليتمكنوا من زيارته: فيجوز. وإلى جانب هذه الدواعي وأمثالها اشترطوا أن لا يخشى عليه التغير من التأخير، وأن لا تنتهك حرمته، فإن لم يكن هناك داعٍ، أو لم توجد الشروط: لم يجز نقله. فترى اللجنة أن يُدفن كل ميت في مقابر البلد الذي مات فيه، وأن لا ينقلوا إلا لغرض صحيح عملاً بالسنَّة، واتباعاً لما كان عليه سلف الأمة، وسدّاً للذريعة، وتحقيقاً لما حثَّ عليه الشرع من التعجيل بالدفن، وصيانة للميت من إجراءات تتخذ في جثته لحفظها من التغير، وتحاشياً من الإسراف بإنفاق أموال طائلة من غير ضرورة ولا حاجة شرعية تدعو إلى إنفاقها، مع مراعاة حقوق الورثة، وتغذية المصارف الشرعيَّة وأعمال البر التي ينبغي أن ينفق فيها هذا المال وأمثاله. وعلى هذا حصل التوقيع، وصلّى الله على نبينا محمد وآله وصحبه. " فتاوى إسلامية " (2 / 31، 32) . وأما بالنسبة لما فعله أقارب الميت: فإن كانت مخالفتهم الوصية وعدم عملهم بها بعد إخبار الزوجة لهم بسبب إتهامهم لها وشكهم في صدقها، فلا شيء عليهم لأنهم لم يتعمدوا المخالفة، وقد قال الله تعالى: (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم) الأحزاب / 5. أما إن كانوا صدقوها ثم لم يبالوا وخالفوا الوصية فهم آثمون معتدون على حق الميت. وأما نقلهم للميت هذه المسافة فإن لم يكن ذلك لغرض صحيح، فهو اعتداء ثان على حق الميت، لأن من إكرام الميت التعجيل بتجهيزه ودفنه، كما قال العلماء. انظر: المدخل 3 / 237 لأبي الحاج المالكي. فعليهم التوبة والاستغفار والندم والدعاء للميت، وليس عليهم شيء من الصدقات، وإذا تصدقوا كان ذلك حسناً، فإن الصدقة من أسباب المغفرة وتكفير الذنوب. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 8852 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4600 التسابق في حمل الميت [السُّؤَالُ] ـ[ألاحظ أنه في كثير من جنائز المسلمين يتدافع الناس حول خشبة النعش لحملها وينتقل حامل النعش من الخلف إلى الأمام ثم يترك المجال لغيره ليحمل النعش وهكذا يحمل النعش كثير من الناس بالتناوب. وعندما سألتهم عن سبب ذلك قالوا: حتى ينال الجميع أجر حمل الميت. وهذا أمر غير عادي ويتسبب في سقوط النعش كما حصل في بعض الحالات بالفعل. هل هناك أي أساس لهذا الفعل في الإسلام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الذي صحّ وثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام سنيّة اتباع الجنازة. فقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " حق المسلم على المسلم خمس: ردّ السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس ". وأخرجا عنه أيضا رضي الله عنه، عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: " من شهِد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان، قيل: وما القيراطان؟ قال: " مثل الجبلين العظيمين ". ولا شك أن من حملها أو ساهم في حملها حتى تدفن يكون محصّلا لهذا الأجر العظيم وزيادة، فإن حمْل جنازة المسلم وإن لم يرد فيه حديث صحيح إلاّ أن قواعد الشريعة العامة تدلّ على مشروعيته، إذ فيه إحسان إلى الميت. لكن إن كان ذلك الإحسان سيفضي إلى مفسدة التدافع المذكورة فدرء المفسدة مقدّم على جلب المصالح، فالذي يطمع في الأجر المترتب على حملها ليس أعظم أجراً من الذي يدعها شفقة على إخوانه المسلمين، وليس عجزاً عن حملها. [الْمَصْدَرُ] الشيخ سعد الحميد. الحديث: 13699 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4601 حكم الاجتماع لتعزية أهل الميت [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم ما يفعله كثير من الناس الآن، إذا مات لهم ميت اجتمع أهله في بيت وأتاهم الناس يعزونهم، وقد يكون ذلك في قاعة كبيرة أعدت لذلك تسمى المناسبات، وقد يقيمون السرادقات.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله بقاء أهل الميت في المنزل لاستقبال المعزين ليس معروفاً في عهد السلف الصالح ولهذا صرح بعض العلماء بأنه بدعة. وقال في (الإقناع وشرحه) : ويكره الجلوس لها ـ أي التعزية بأن يجلس المصاب في مكان ليعزوه ولما ذَكَرَ حكم صنع الطعام لأهل الميت قال: وينوي فعل ذلك لأهل الميت لا لمن يجتمع عندهم فيكره، لأنه معونة على مكروه، وهو اجتماع الناس عند أهل الميت نقل المروزي عن أحمد: هو من أفعال الجاهلية، وأنكره شديداً، ثم ذكر حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنيعه الطعام بعد دفنه من النياحة وقال النووي في شرح المهذب: وأما الجلوس للتعزية فنص الشافعي والمصنف وسائر الأصحاب على كراهته ونقله أبو حامد في التعليق وآخرون عن نص الشافعي قالوا: يعني بالجلوس لها أن يجتمع أهل الميت في بيت فيقصدهم من أراد التعزية قالوا: بل ينبغي أن ينصرفوا في حوائجهم فمن صادفهم عزاهم اهـ. ثم إن فتح أهل الميت الباب ليأتيهم من يعزيهم كأنما يقولون للناس بلسان الحال: يا أيها الناس إنا قد أُصِبْنا فعزونا.. وكونهم يعلنون في الصحف عن مكان العزاء هو دعوة بلسان المقال أيضاً. [الْمَصْدَرُ] (70 سؤالاً في أحكام الجنائز) ص 53، لفضيلة الشيخ محمد الصالح العثيمين. الحديث: 14396 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4602 هل تشرع الموعظة عند القبر؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما مشروعية الموعظة عند القبر؟ سمعنا من يقول إنها ما وردت عن الرسول ومن يقول إنها سنة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم. القول بأنها ما وردت على إطلاقه غير صحيح. والقول بأنها سنة غير صحيح. ووجه ذلك أنه لم يرد أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقف عند القبر أو في المقبرة إذا حضرت الجنازة ثم يعظ الناس ويذكرهم كأنه خطيب جمعة، وهذا ما سمعنا به، وهو بدعة وربما يؤدي في المستقبل إلى شيء أعظم، ربما يؤدي إلى أن يتطرق المتكلم إلى الكلام عن الرجل الميت الحاضر، مثل أن يكون هذا الرجل فاسقاً مثلاً، ثم يقول انظروا إلى هذا الرجل بالأمس كان يلعب بالأمس كان يستهزئ بالأمس كان يقول كذا وكذا، والآن هو في قبره مرتهن، أو يتكلم في شخص تاجر مثلاً فيقول: انظروا إلى فلان بالأمس كان في القصور والسيارات والخدم والحشم وما أشبه ذلك والآن هو في قبره. فلهذا نرى ألا يقوم الواعظ خطيباً في المقبرة لأنه ليس من السنة، فلم يكن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقف إذا فرغ من دفن الميت أو إذا كان في انتظار دفن الميت يقوم ويخطب الناس أبداً ولا عهدنا هذا من السابقين، وهم أقرب إلى السنة منا. ولا عهدناه أيضاً فيمن قبلهم من الخلفاء، فما كان الناس في عهد أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا عليّ فيما نعلم يفعلون هذا، وخير الهدي هدي من سلف إذا وافق الحق وأما الموعظة التي تعتبر كلام مجلس، فهذه لا بأس بها، فإنه قد ثبت في السنن أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج أو أتى بقيع الغرقد وفيه ناس يدفنون ميتاً لهم، لكن الميت لمَّا يلحد، يعني معناه أنهم يحفرون القبر، فجلس وجلس حوله أصحابه وجعل يحدثهم بحال الإنسان عند موته وحال الإنسان بعد دفنه حديثاً هادئاً ليس على سبيل الخطبة. وكذلك ثبت عنه في صحيح البخاري وغيره أنه قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار " فقالوا: يا رسول الله: ألا نتكل؟ قال: لا. اعملوا، فكل ميسّر لما خُلِق له " والحاصل أن الموعظة التي هي قيام الإنسان يخطب عند الدفن أو بعده ليست من السنة ولا تنبغي لما عرفت، وأما الموعظة التي ليست كهيئة الخطبة كإنسان يجلس ومعه أصحابه فيتكلم بما يناسب المقام فهذا طيب اقتداءً برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. [الْمَصْدَرُ] لقاءات الباب المفتوح للشيخ ابن عثيمين (2/55-56) . الحديث: 12833 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4603 من صور النعي المباح والنعي المنهي عنه [السُّؤَالُ] ـ[الإخبار بوفاة شخص ما لأقربائه وأصدقائه ليجتمعوا للصلاة عليه.. هل يدخل ذلك في النعي الممنوع أم أن ذلك مباح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا من النعي المباح، ولهذا نعى النبي صلى الله عليه وسلم النجاشي في اليوم الذي مات فيه وقال في المرأة التي كانت تَقُمُّ المسجد (أي: تنظف) فدفنها الصحابة رضي الله عنهم ولم يخبروا النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: (هلا كنتم آذنتموني ... ) أي: أعلمتموني. فالإخبار بموت الشخص من أجل أن يكثر المصلون عليه لا بأس به لأن ذلك مما وردت بمثله السنة، وأما نعيه بعد دفنه فليس من المشروع بل هو من النعي المنهي عنه. [الْمَصْدَرُ] 70 سؤالاً في أحكام الجنائز (ص4) لفضيلة الشيخ محمد الصالح العثيمين. الحديث: 22502 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4604 لا يجوز للطبيب إعطاء تصريح بحرق الجثة ولو لكافر [السُّؤَالُ] ـ[أعمل طبيبا بإحدى المستشفيات ويطلب منا أحيانا أن نعمل كأطباء مستقلين للمرضى الذين توافيهم المنية في المستشفى وتقضى الإجراءات بأن يقوم طبيب بملئ استمارة للجثث التي لن يتم دفنها بل سيتم إحراقها قبل أخذ الجثة للمحرقة، ويكون أحد الطبيبين هو الطبيب الذي كان مباشرا لحالة المريض، والطبيب الآخر هو الطبيب المستقل حيث نقوم بفحص الجثة ثم نقوم بإعطاء تصريح للحرق إذا رأينا هذا مناسبا فلدينا خطوط عريضة محددة نتبعها وأكون أنا الطبيب المستقل حينما يطلب منى ذلك، وهذا العمل اختياري وليس جزءا من وظيفتي ويدفع لي أجر مقابل القيام به، لكنى غير متأكد ما إذا كان يحل أم يحرم القيام بهذا العمل؛ لأن الجثة سيتم إحراقها، ولمزيد من التوضيح فليس الأطباء هم من يقررون حرق الجثة لكنها أسرة المتوفى التي تقرر ذلك، برجاء تقديم العون لإجلاء حيرتي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لقد كرم الله الإنسان وصانه حيا وميتا، فقال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ) الإسراء/70، وقال صلى الله عليه وسلم: (كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا) رواه أحمد (24730) وأبو داود (3207) وابن ماجه (1616) من حديث عائشة رضي الله عنها، وصححه الألباني في صحيح أبي داود. كما جاء النهي عن التمثيل بالميت. ولاشك أن إحراق الميت أعظم من كسر عظامه، ومن التمثيل به. وقد شرع الله لعباده الدفن، وعلمه ابن آدم الأول، كما قال سبحانه: (فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ) المائدة/31. وعليه؛ فلا يجوز إحراق جثث الموتى ولو أوصوا بذلك، أو رغب أهاليهم في ذلك؛ لأن هذا من المنكر الذي لا يجوز فعله أو الإعانة عليه، والكفار مخاطبون بفروع الشريعة، فيحرم عليهم فعل ذلك أيضا، ولا يجوز أن يعانوا على فعله. وبهذا يتبين أنه لا يجوز لك إعطاء تصريح بحرق الجثة ولو رغب ذووها في ذلك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 116050 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4605 حكم التعزية والشكر عليها في الصحف والمجلات [السُّؤَالُ] ـ[انتشرت في الآونة الأخيرة التعازي عن طريق الجرائد والمجلات والرد عليها بالشكر على التعزية من قبل أهل الميت ما حكم هذا العمل؟ وهل يدخل في النعي الممنوع شرعاً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " نعم.. الذي أرى أن مثل هذا قد يكون من النعي المنهي عنه، وإذا لم يكن منه فإن فيه تبذيراً وإضاعةً للمال. والتعزية في الحقيقة ليست كالتهنئة حتى يحرص الإنسان عليها سواءٌ كان الذي فقد ميته حزيناً أم غير حزين. التعزية يقصد بها أنك إذا رأيت مصاباً قد أثرت فيه المصيبة فإنك تقويه على تحمل المصيبة، هذا هو المقصود من التعزية، وليست من باب المجاملات، وليست من باب التهاني، فلو علم الناس المقصود من التعزية ما بلغوا بها هذا المبلغ من نشرها في الصحف أو الاجتماع لها وقبول الناس وضع الطعام وغير ذلك " [الْمَصْدَرُ] فضيلة الشيخ محمد الصالح العثيمين (70 سؤالاً في أحكام الجنائز (ص38) . الحديث: 13988 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4606 حفر في فناء بيته فوجد عظام أموات فهل ينقلها للمقبرة [السُّؤَالُ] ـ[يوجد بجانب منزلي مقبرة واسعة وعندما حفرت وسط الحوش وجدنا في التراب عظاما تدل على قبور أطفال عديدة دون أن نعلم من قبل ولا يمكن لنا أن نستغني عن هذا المكان ونبشنا العظام ووضعناها في المقبرة ما حكم ذلك ... ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز لكم إخراج هذه العظام، ولا البناء في هذه الأرض؛ لأن الموتى المدفونين فيها أحق بها، وهذه الأرض تبع للمقبرة القريبة منها، وعليكم رفع الأمر إلى الدولة لتضمها إلى المقبرة وتعوضكم عنها إن أمكن ذلك. وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: " أسكن في قرية على حافة جبل وبجوارنا من الجهة اليمانية جبل مرتفع ومن الجهة الغربية حافة جبل، ومن الجهة الشرقية كذلك ومدرجات زراعية تحيط بنا، وعندي قطعة أرض بجوار مقبرة فعزمت على أن أبني لي بيتاً لأن بيت والدي أصبح لا يسعنا، وبعد أن حفرت في نفس الأرض وطرحنا حجر الأساس للبيت، وجدنا قبوراً، فقمنا بإخراج العظم ونقلها إلى محل آخر حيث يوجد عندنا في القرية خندق تحت جبل يوجد فيه رؤوس وأيادي وأرجل وأجزاء من أجسام بني آدم وضعت من قديم الزمان، ولا ندري هل عملنا هذا مشروع أم لا؟ أفيدونا أفادكم الله. فأجاب: هذا العمل لا يجوز، فما دامت الأرض فيها قبور: فالواجب تركها، فهي تبع المقبرة ما دامت المقبرة بجوار الأرض المذكورة، فالواجب أن لا يتعرض لها، ولا ينبش القبور، وإذا حفر ووجد القبور يتركها، ولا يجوز للناس أن ينبشوا القبور، ويضعوا بيوتهم في محل القبور، فهذا تعد على محل الموتى وظلم للموتى لا يجوز. قد يجوز بعض الأشياء إذا دعت الضرورة إليها مثل إذا دعت الحاجة إلى شارع ينفع المسلمين، واعترضه شيء من القبور، ولا حيلة في صرف الشارع، فقد يجوز أخذ بعض المقبرة ونقل الرفات إلى محل آخر إذا كانت الضرورة دعت إلى توسعة هذا الشارع للمسلمين، ولا حيلة في صرفه عن المقبرة، أما أن يأخذ الناس من المقبرة لتوسعة بيوتهم فهذا لا يجوز" انتهى من " فتاوى نور على الدرب " (السؤال 119) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن رجل حفر لتأسيس بيته فوجد عظاماً فأخرجها فما حكم عمله هذا؟ فأجاب: "إذا تيقن أو غلب على ظنه أنها عظام موتى مسلمين فإنه لا يجوز له نقل العظام، وأصحاب القبور أحق بالأرض منه، لأنهم لما دفنوا فيها ملكوها، ولا يحل له أن يبني بيته على قبور المسلمين، ويجب عليه إذا تيقن أن هذا المكان فيه قبور أن يزيل البناء، وأن يدع القبور لا بناء عليها. وفي مثل هذه الحال الواجب مراجعة ولاة الأمور " انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (2/242) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 115531 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4607 إذا لم ينطق بالشهادة عند الموت فهل يدل على سوء خاتمته؟ [السُّؤَالُ] ـ[المسلم الذي يصلي ويصوم ويعرف شرع الله ويشهد أن الله هو الواحد الأحد وأن محمدا عبده ورسوله ويحرم ما حرم الله ولكن أصيب بمرض أطرحه الفراش مدة سنتين أو أكثر ومازال يصلي ويؤمن بالله ولا يشرك به شيئا وعند الاحتضار لم يقل: لا إله إلا الله لأنه في غيبوبة ومات ولم ينطق بالشهادتين، فهل مات على غير الإسلام؟ لكنه أخلاقه طيبة، وهو يصلي ويحب الله ورسوله، ومرض مرضا شديدا ولم يترك الصلاة، فهل الذي يموت ولم ينطق بالشهادتين وهو يحب الله ورسوله فهل مات على غير الإسلام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المسلم الذي يشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول ويصلي ويصوم لا يجوز أن يحكم عليه بالكفر أو بسوء الخاتمة لكونه لم ينطق بالشهادتين عند الموت، سواء ترك النطق لغيبوبة أو لغير ذلك، بل لا يحكم على أحد بالكفر إلا إذا أتى ناقضاً من نواقض الإسلام، كَسَبِّ الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم أو الاستهزاء بدينه أو إهانة المصحف أو غير ذلك من النواقض التي دل الدليل الشرعي على أنها كفر أو شرك مخرج من الملة، وتحققت مع ذلك شروط التكفير وانتفت موانعه. وأما النطق بلا إله إلا الله عند الموت فهو من علامات حسن الخاتمة؛ لما روى أبو داود (3116) عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. فإذا لم ينطق بذلك، فلا يدل هذا على أنه غير مسلم، بل ولا يدل على سوء خاتمته، لا سيما إذا تركها لدخوله في حالة الإغماء أو الغيبوبة. فهذا الحديث إنما ذكر سبباً واحداً لدخول الجنة، وعلامة واحدة من علامات حسن الخاتمة، وهو "أن يكون آخر كلامه لا إله إلا الله". فلا يفهم من الحديث أن من لم يكن آخر كلامه لا إله إلا الله لم يدخل الجنة، لأنه قد يدخل الجنة بأسباب أخرى. فهو كإخبار الرسول صلى الله عليه وسلم بأن الشهيد تغفر له ذنوبه كلها، فإن ذلك لا يعني أن من لم يكن شهيداً فإنه لا يغفر له، فقد يغفر له بسبب آخر من أسباب المغفرة، وهي كثيرة. فكذلك من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة، فإن لم يقلها، فقد يدخل الجنة بأسباب أخرى. وما دام هذا الرجل المسؤول عنه كان محافظاً على الصلاة ولم يترك الصلاة حتى توفاه الله، مع ما ذكر في السؤال من أعماله الصالحة فإننا نرجو أن يكون الله تعالى قد تلقاه بمغفرته ورحمته وأسكنه فسيح جناته. وينظر علامات حسن الخاتمة في جواب السؤال رقم (10903) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114666 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4608 هل يكثر الموت في شهر شعبان؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل ورد أثر أن شعبان يكثر فيه قبض الأرواح؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الذي جاء في بعض الآثار أن أسماء من كُتب عليهم الموت في العام كله توحى إلى ملك الموت في شهر شعبان، ويخبر بأسمائهم في صحائف من عند الله سبحانه وتعالى، أو أن التقدير السنوي لآجال البشر يكتب في شعبان، فالموت يقدر في هذا الشهر بحسب ما ورد في هذه الآثار. لكنها آثار وأحاديث ضعيفة كلها، فلا ينبغي الاعتماد عليها، ولا التعويل على ما جاء فيها. قال القاضي أبو بكر ابن العربي رحمه الله: "وليس في ليلة النصف من شعبان حديث يُعوَّلُ عليه، لا في فضلها، ولا في نسخ الآجال فيها، فلا تلتفتوا إليها" انتهى. "أحكام القرآن" (4/117) . وقد سبق بيان ذلك، ونقل كلام أهل العلم في هذا الشأن في جواب السؤال رقم: (8907) ، (49675) ، (49678) . وننقل هنا - لمزيد فائدة – بعض ما ذكره السيوطي رحمه الله من الآثار المتعلقة بكتابة الآجال في شعبان، في كتابه "الدر المنثور" (7/401-402) ، ونعقب كل أثر بتعليق يسير. قال رحمه الله: " أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق محمد بن سوقة عن عكرمة: (فيها يفرق كل أمر حكيم) قال: في ليلة النصف من شعبان يبرم أمر السنة، وينسخ الأحياء من الأموات، ويكتب الحاج، فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أحد. وهذا مخالف للصواب الموافق لتفسير جماهير السلف للآية، أن المراد بها ليلة القدر، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (11722) . وأخرج ابن زنجويه والديلمي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان، حتى إن الرجل لينكح ويولد له وقد خرج اسمه في الموتى) . ضعفه الشوكاني في "فتح القدير" (4/801) ، وقال الألباني في "السلسلة الضعيفة" (رقم/6607) : منكر. وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء بن يسار قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر أكثر صياما منه في شعبان، وذلك أنه ينسخ فيه آجال من ينسخ في السنة. وهذا مرسل ضعيف. وأخرج أبو يعلى عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان كله، فسألته؟ قال: (إن الله يكتب فيه كل نفس ميتة تلك السنة، فأحب أن يأتيني أجلي وأنا صائم) . رواه أبو يعلى في "المسند" (8/311) وفي سنده سويد بن سعيد الحدثاني، ومسلم بن خالد الزنجي، وطريف، وكل منهم مضعف في كتب التراجم. وأخرج الدينوري في " المجالسة " عن راشد بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (في ليلة النصف من شعبان يوحي الله إلى ملك الموت بقبض كل نفس يريد قبضها في تلك السنة) . "المجالسة وجواهر العلم" (ص/206) ، وهو مرسل، وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (رقم/4019) . وأخرج ابن جرير والبيهقي في " شعب الإيمان " عن الزهري، عن عثمان بن محمد بن المغيرة بن الأخنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان، حتى إن الرجل ينكح ويولد له وقد خرج اسمه في الموتى) . قال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (رقم/6607) : منكر. وأخرج ابن أبي الدنيا عن عطاء بن يسار قال: إذا كان ليلة النصف من شعبان دفع إلى ملك الموت صحيفة، فيقال: اقبض من في هذه الصحيفة. فإن العبد ليفرش الفراش وينكح الأزواج ويبني البنيان وإن اسمه قد نسخ في الموتى. وهو مجرد قول لعطاء، ولم يَذْكر له إسناداً. وأخرج الخطيب وابن النجار عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان كله حتى يصله برمضان، ولم يكن يصوم شهرا تاما إلا شعبان، فقلت: يا رسول الله! إن شعبان لَمِن أحب الشهور إليك أن تصومه؟ فقال: " نعم يا عائشة! إنه ليس نفس تموت في سنة إلا كتب أجلها في شعبان، فأحب أن يكتب أجلي وأنا في عبادة ربي وعمل صالح) . ولفظ ابن النجار: (يا عائشة! إنه يكتب فيه ملك الموت من يقبض، فأحب أن لا ينسخ اسمي إلا وأنا صائم) . رواه الخطيب في "تاريخ بغداد" (4/436) وفي إسناده أبو بلال الأشعري ضعفه الدارقطني كما في "ميزان الاعتدال" (4/507) ، وفيه أحمد بن محمد بن حميد المخضوب، أبو جعفر المقرئ، قال فيه الدارقطني: ليس بالقوي. فالحديث ضعيف جدا. والحاصل: أنه لم يصح في كثرة الموت في شعبان حديث صحيح. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 113939 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4609 ما ورد في فضل ميتة الغرق [السُّؤَالُ] ـ[هل صحيح بأن الغارق في البحر يقبض روحه الله تعالى، وتسقط جميع ديونه بذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ميتة الغرق شهادة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: الْمَطْعُونُ، وَالْمَبْطُونُ، وَالْغَرِيقُ، وَصَاحِبُ الْهَدْمِ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) رواه البخاري (2829) ومسلم (1914) فيرجى لمن مات غريقا في سفر طاعة أن يكتب الله سبحانه وتعالى له أجر الشهادة. لكن، ليعلم ـ أولا ـ أن هؤلاء الشهداء ليسوا على مرتبة واحدة في الأجر. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " والذي يظهر أن المذكورين ليسوا في المرتبة سواء، ويدل عليه ما روى أحمد وابن حبان في صحيحه من حديث جابر، والدارمي وأحمد والطحاوي من حديث عبد الله بن جحش، وابن ماجه من حديث عمرو بن عتبة: أن النبي صلى الله عليه وسلم، سئل أي الجهاد أفضل؟ قال: من عقر جواده وأهريق دمه. وروى الحسن بن علي الجلواني في (كتاب المعرفة) له بإسناد حسن من حديث ابن أبي طالب قال: " كل موتة يموت بها المسلم فهو شهيد غير أن الشهادة تتفاضل " انتهى. "فتح الباري" (6/44) وليس من أجر الشهادة العفو عن حقوق العباد، فهذه لا تسقط إلا بعفو أصحابها، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهيد المعركة: (يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْنَ) رواه مسلم (1886) . فإذا كان الشهيد حقا، في الدنيا والآخرة، لا يغفر له الدين، فمن باب أولى ألا يغفر لشهيد الغرق ديونه، وهو أقل درجة من الشهيد في سبيل الله، وفي هذا تحذير شديد من خطورة أمر الدين على المسلم في الآخرة. وانظر جواب السؤال رقم: (3095) ، (36830) وأما أن الله تعالى هو الذي يقبض روحه، فهذا لا أصل له، بل هو باطل مخالف لما دل عليه الكتاب والسنة من أن ملك الموت، وأعوانه من الملائكة، هم الموكلون بقبض أرواح العباد. قال الله تعالى: (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) السجدة /11 وقال تعالى: (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ) الأنعام /61 قال ابن عباس وغيره: " لملك الموت أعوان من الملائكة، يخرجون الروح من الجسد، فيقبضها ملك الموت إذا انتهت إلى الحلقوم " اهـ تفسير ابن كثير (3/267) . ولفظ الآية عام (إذا جاء أحدكم) ، لم يصح شيء في خروج أحد من عمومه، بل أدلة الكتاب والسنة موافقة له، غير مخالفة. والأحاديث في قبض الملك الموت أرواح العباد كثيرة معروفة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 113542 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4610 هل يعرف الميت من يزوره من الأحياء؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل صحيح أن الميت تكون روحه في قبره يوم الجمعة فيعرف من يأتي إليه زائرا ويستأنس به؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عالم البرزخ من عالم الغيب الذي لا سبيل إلى العلم بتفاصيله إلا من جهة الخبر الصادق: الكتاب والسنة الصحيحة، وقد جاء فيهما كثير من التفاصيل التي تتحدث عن ما يواجهه الإنسان بعد الموت. ومن التفاصيل التي وردت في ذلك: أن الميت يتعرف إلى من يزوره من الأحياء إذا كان يعرفهم في الدنيا، روى ذلك ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي الله صلى الله عليه وسلم: (ما من أحد مر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا، فسلم عليه، إلا عرفه ورد عليه السلام) رواه ابن عبد البر في "الاستذكار" (1/185) قال: أخبرنا أبو عبد الله عبيد بن محمد، قراءة مني عليه سنة تسعين وثلاثمائة في ربيع الأول، قال: أملت علينا فاطمة بنت الريان المستملي، في دارها بمصر في شوال سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة، قالت: حدثنا الربيع بن سليمان المؤذن صاحب الشافعي، قال حدثنا: بشر بن بكير، عن الأوزاعي، عن عطاء، عن عبيد بن عمير، عن ابن عباس به. وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات معروفون، إلا شيخ ابن عبد البر، وفاطمة بنت الريان، لم أقف لهما على ترجمة، غير أن توثيقهما مستفاد من تصحيح ابن عبد البر نفسه لهذا الحديث، إذ لا يمكن أن يصحح حديثا وهو لا يعرف من حدثه بها بالتوثيق، وما زال علماء الحديث يوثقون الرواة إذا رأوا من يصحح الأسانيد التي ورد ذكرهم فيها. كما نقل ابن تيمية عن عبد الله بن المبارك ثبوت هذا الحديث، فقال: " قال ابن المبارك: ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى. "مجموع الفتاوى" (24/331) وكذلك صحح الحديث من المتأخرين: الحافظ عبد الحق الإشبيلي، والقرطبي في "المفهم" (1/500) ، وابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (24/173) ، والعراقي في تخريج "إحياء علوم الدين" (4/491) ، والزبيدي في "شرح الإحياء" (10/365) ، والسيوطي في "الحاوي" (2/302) ، والعظيم أبادي في "عون المعبود" (3/261) ، والشوكاني في "نيل الأوطار" (3/304) وغيرهم. وللحديث شاهدان آخران عن أبي هريرة، وعن عائشة رضي الله عنهما، لكن في أسانيدهما ضعف لا يصلحان معه للاعتبار. انظر "السلسلة الضعيفة" للشيخ الألباني (رقم/4493) ومما يقوي هذا الحديث أيضا الآثار المتكاثرة الواردة عن السلف في هذا الباب، حتى قال ابن القيم رحمه الله: " والسلف مجمعون على هذا، وقد تواترت الآثار عنهم بأن الميت يعرف زيارة الحي له ويستبشر به " انتهى. "الروح" (ص/5) ، ومثله يقول ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (6/325) وقد جمع هذه الآثار الحافظ ابن أبي الدنيا في كتاب "القبور"، تحت باب " معرفة الموتى بزيارة الأحياء "، والقرطبي في "التذكرة"، كما جمعها الحافظ السيوطي في "شرح الصدور في أحوال الموتى وزيارة القبور" وأما العلماء المتأخرون، فأكثرهم على تقرير هذا الوارد في كتب الأثر. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه: " الروح تشرف على القبر، وتعاد إلى اللحد أحيانا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من رجل يمر بقبر الرجل كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام) ، والميت قد يعرف من يزوره، ولهذا كانت السنة أن يقال: (السلام عليكم أهل دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، ويرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين) " انتهى. "مجموع الفتاوى" (24/303-304) أما تخصيص الزيارة التي يتعرف بها الميت إلى الحي في يوم الجمعة فلا يثبت بدليل صحيح. جاء في "حاشية نهاية المحتاج" (3/36) : " قوله: (فيسلم عليه) أي في جميع أيام الأسبوع , ولا يختص ذلك بالأوقات التي اعتيدت الزيارة فيها. وقوله: (إلا عرفه ورد عليه السلام) : فيه إشارة إلى أنه يؤدي إلى المسلم حقه ولو بعد الموت , وأن الله تعالى يعطيه قوة بحيث يعلم المسلم عليه ويرد عليه , ومع ذلك لا ثواب فيه للميت على الرد ; لأن تكليفه انقطع بالموت " انتهى. ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " تخصيص ذلك بيوم الجمعة لا وجه له؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (زوروا القبور فإنها تذكر الموت) ، وثبت عنه أنه زار البقيع ليلا كما في حديث عائشة الطويل المشهور، وعلى هذا فتخصيص معرفته للزائر بيوم الجمعة لا وجه له، كذلك روى أصحاب السنن بسند صححه ابن عبد البر وأقره ابن القيم في كتاب الروح، أنه: (ما من رجل يسلم على مسلم يعرفه في الدنيا إلا رد الله عليه روحه فرد عليه السلام) في أي وقت " انتهى. "لقاء الباب المفتوح" (لقاء رقم/9، سؤال رقم/37) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111939 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4611 لا يشرع وضع اليد اليمنى للميت على اليسرى عند تكفينه [السُّؤَالُ] ـ[بعد غسل الميت، بعض المغسلين إذا كفن الميت يضم يده اليمنى على اليسرى كالمصلي، هل هذا العمل مشروع؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "ليس هذا العمل مشروعاً، وإنما تجعل يدا الميت إلى جنبيه" انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. "لقاءات الباب المفتوح" (1/111) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112053 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4612 بدعة التهليل عند اتباع الجنازة [السُّؤَالُ] ـ[ما الحكم فيمن يقولون عند اتباع الجنازة (لا إله إلا الله – الدايم وجه الله) ، وذلك بصوت مسموع – وعند الدفن يقولون (يا رحمن – يا رحمن..) فما الحكم في ذلك؟ وما هي السنة عند اتباع الجنازة وعند دفن الميت؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "هذا القول مُبتدع. ولا شك أنه لا إله إلا الله، وأنه لا يبقى إلا الله، لكن كونها تُتخذ على هذا الوجه الذي ذُكر في السؤال هذا من البدع، لأن كُل طريق لم يفعله السلف مما يقرب إلى الله، ويتعبد لله به فإنه بدعة، وكذلك عند الدفن قولهم: (يا رحمن – يا رحمن..) أيضاً من البدع. والسنة لمن اتبع الجنازة أن يكون متأملاً متفكراً في مآله، وأنه الآن يمشي مشيعاً للجنازة، وسيُمشى معه مشيَّعاً، كما شيعت هذه الجنازة، ويتأمل في أعماله وأحواله. وأما عند الدفن فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه، وقال: (استغفروا لأخيكم، واسألوا له التثبيت، فإنه الآن يُسئل) فَهَذا هو المشروع" انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. "إجابات مفيدة" (ص 18) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109187 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4613 حكم صلاة الجنازة في المسجد [السُّؤَالُ] ـ[هل تجوز الصلاة على الجنازة في المسجد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله السنة أن يصلي على الميت في موضع خاص بالجنائز؛ خارج المسجد، لما ثبت في البخاري (1245) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، خَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى فَصَفَّ بِهِمْ، وَكَبَّرَ أَرْبَعًا) . لكن إن صلى عليها في المسجد، فلا بأس؛ لما روى مسلم (973) (أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَمَرَتْ أَنْ يَمُرَّ بِجَنَازَةِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فِي الْمَسْجِدِ، فَتُصَلِّيَ عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ النَّاسُ ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: مَا أَسْرَعَ مَا نَسِيَ النَّاسُ! مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سُهَيْلِ بْنِ الْبَيْضَاءِ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ) . قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/186) : " لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ فِي الْمَسْجِدِ إذَا لَمْ يُخَفْ تَلْوِيثُهُ، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ , وَإِسْحَاقُ , وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد " انتهى. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما القول الصحيح في حكم الصلاة على الميت في المسجد؟ فأجاب: " الصحيح أنه لا بأس بالصلاة على الميت في المسجد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على سهل بن بيضاء في المسجد " انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (17/160) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106423 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4614 حكم المشي بالنعال في المقبرة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم المشي بالنعال في المقبرة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: السنة في حق من دخل المقبرة، أن يخلع نعليه إذا دخلها، وإذا كان في الأرض شوك يؤذيه ونحو ذلك فلا حرج عليه من لبسها. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/224) : " وَيَخْلَعُ النِّعَالَ إذَا دَخَلَ الْمَقَابِرَ، وهَذَا مُسْتَحَبٌّ ; لِمَا رَوَى بَشِيرُ بْنُ الْخَصَاصِيَةِ , قَالَ: (بَيْنَا أَنَا أُمَاشِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا رَجُلٌ يَمْشِي فِي الْقُبُورِ , عَلَيْهِ نَعْلَانِ , فَقَالَ: يَا صَاحِبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ , أَلْقِ سِبْتِيَّتَيْك. فَنَظَرَ الرَّجُلُ , فَلَمَّا عَرَفَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَلَعَهُمَا , فَرَمَى بِهِمَا) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد " انتهى. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل خلع النعال في المقابر من السنة أم بدعة؟ فأجابوا: " يشرع لمن دخل المقبرة خلع نعليه؛ لما روى بشير بن الخصاصية رضي الله عنه قال: وذكروا الحديث المتقدم، ثم قالوا: قال أحمد: إسناد حديث بشير بن الخصاصية جيد أذهب إليه إلا من علة، والعلة التي أشار إليها أحمد رحمه الله كالشوك والرمضاء ونحوهما، فلا بأس بالمشي فيهما بين القبور لتوقي الأذى. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز.. الشيخ عبد الرازق عفيفي.. الشيخ عبد الله بن غديان. "فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (9/123- 124) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " المشي بين القبور بالنعال خلاف السنة، والأفضل للإنسان أن يخلع نعليه إذا مشى بين القبور إلا لحاجة، إما أن يكون في المقبرة شوك، أو شدة حرارة، أو حصى يؤذي الرجل فلا بأس به، أي يلبس الحذاء ويمشي به بين القبور" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (17/202) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106445 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4615 حكم التعزية في الكافر إذا مات [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم التعزية في الكافر إذا مات سواء كان أهله مسلمين أو كفاراً؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "أما إن كانوا مسلمين فلا بأس بتعزيتهم، لأنهم مسلمون مصابون، لهم حق. وأما إن كانوا كفاراً فينظر في ذلك للمصلحة، إن كان في ذلك مصلحة التأليف وجلب المودة من هؤلاء الكفار للمسلمين فلا بأس، وإن لم يكن فيها فائدة فلا فائدة" انتهى. فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. "الإجابات على أسئلة الجاليات" (1/14، 15) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106520 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4616 أحكام التعزية [السُّؤَالُ] ـ[ما هي التعزية، وما هي صفاتها، وما هو وقتها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله التعزية: هي تسلية المصاب وتقويته على ما أصابه. والمصاب هو: كل من أصيب بمصيبة سواء كانت في فقد حبيب، أو قريب، أو مال، فيعزى بالميت كل مصاب به سواء كان من أهله أو أصدقائه أو جيرانه. والتعزية تكون بما فيه تسلِيَة للمصاب، وكفٌ لحزنه، وأفضل ما يُعزى به، هو ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه رسول إحدى بناته تدعوه إلى ابنها في الموت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ارجع فأخبرها أن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فمرها فلتصبر ولتحتسب) روا هـ البخاري (1204) . وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن: ما صفة التعزية؟ فأجاب: " أحسن ما يعزى به من الصيغ ما عزى به النبي صلى الله عليه وسلم إحدى بناته حيث أرسلت إليه رسولاً يدعوه ليحضر، وكان لها ابن أو صبية في الموت، فقال عليه الصلاة والسلام لهذا الرسول: (مرها فلتصبر ولتحتسب، فإن لله ما أخذ، وله ما أبقى، وكل شيء عنده بأجل مسمى) . وأما ما اشتهر عند الناس من قولهم: (عظَّم الله أجرك، وأحسن الله عزاءك، وغفر الله لميتك) ، فهي كلمة اختارها بعض العلماء، لكن ما جاءت به السنة أولى وأحسن " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (17/339) . والتعزية جائزة بعد الدفن وقبله؛ فإذا عزى الإنسان أهل الميت قبل الدفن أو التغسيل أو الصلاة عليه، فلا بأس بذلك ويحصل المقصود، وإن عزى بعد الدفن فلا بأس. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما هو وقت التعزية؟ فأجاب: " وقت التعزية من حين ما يموت الميت، أو تحصل المصيبة إذا كانت التعزية بغير الموت إلى أن تنسى المصيبة وتزول عن نفس المصاب، ولأن المقصود بالتعزية ليست تهنئة أو تحية، إنما المقصود بها تقوية المصاب على تحمل هذه المصيبة واحتساب الأجر " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (17/240) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106503 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4617 تغطية قبر المرأة عند إدخالها فيه [السُّؤَالُ] ـ[أنا من بنجلاديش وهناك عادة ببلدنا أنه عند دفن المرأة فإنه يتم وضع قطعة طويلة من القماش كغطاء سرير فوقها كستار، وتفسيرا لهذا الصنيع فإن الناس يقولون بأن على المرأة أن تحتجب حتى بعد وفاتها، فهل هناك أى دليل يدعم القيام بهذا العمل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يستحب تغطية قبر المرأة عند دفنها؛ وذلك لأنه أستر لها. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/190) : " وَالْمَرْأَةُ يُخَمَّرُ قَبْرُهَا (أي: يُستر) بِثَوْبٍ، لَا نَعْلَمُ فِي اسْتِحْبَابِ هَذَا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا، وَقَدْ رَوَى ابْنُ سِيرِينَ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يُغَطِّي قَبْرَ الْمَرْأَةِ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ مَرَّ بِقَوْمٍ قَدْ دَفَنُوا مَيِّتًا , وَبَسَطُوا عَلَى قَبْرِهِ الثَّوْبَ , فَجَذَبَهُ وَقَالَ: إنَّمَا يُصْنَعُ هَذَا بِالنِّسَاءِ، وَشَهِدَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ دَفْنَ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ فَخَمَّرَ الْقَبْرَ بِثَوْبٍ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَنَسٍ: ارْفَعُوا الثَّوْبَ , إنَّمَا يُخَمَّرُ قَبْرُ النِّسَاءِ , وَأَنَسٌ شَاهِدٌ عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرِ لَا يُنْكِرُ. وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ عَوْرَةٌ , وَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يَبْدُوَ مِنْهَا شَيْءٌ فَيَرَاهُ الْحَاضِرُونَ " انتهى. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم تسجية قبر المرأة عند إنزالها القبر، وما مدة التسجية؟ فأجاب: " ذكر بعض أهل العلم أنه يسجى - يعني يغطى قبر المرأة - إذا وضعت في القبر لئلا تبرز معالم جسمها، ولكن هذا ليس بواجب، ويكون هذا التخمير أو التسجية إلى أن يُصف اللَّبِن عليها " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (17/173) . وقال أيضاً رحمه الله في "لقاء الباب المفتوح": " أما وضع العباءة على القبر حين تنزيل المرأة فهذا حسن، وقد ذكره العلماء وقالوا: إن قبر المرأة يسجى عند وضعها فيه – يعني: يغطى- " انتهى. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105817 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4618 غُسل الميت وهو مثلج، فهل يجزئ الغسل [السُّؤَالُ] ـ[توفي رجل في المستشفى ووضع في الثلاجة لمدة ثلاثة أيام حتى انتهت إجراءات الدفن، وبعد إخراجه من الثلاجة، كان متجمداً، وقام المغسل بتغسيله على ما هو عليه، وبذلك لم يتمكن من (إقعاده) وتحريكه حتى إذا كان شيء في بطنه من أرياح يخرج، فما الحكم في ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " إذا كان الأمر كما ذكرت، فالغسل الذي حصل للميت بعد إخراجه من الثلاجة صحيح ومجزئ. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز.. الشيخ عبد الرازق عفيفي.. الشيخ عبد الله بن غديان. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (8/358) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105360 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4619 رش القبر بالماء بعد الدفن [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم رش القبر بالماء بعد الدفن بحجة أنه يمسك التراب؟ وهل هو يبرد على الميت؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " لا بأس أن يرش؛ لأن الماء يمسك التراب فلا يذهب يميناً ويساراً. أما ما يعتقد العامة من أنهم إذا رشوا برّدوا على الميت فإن هذا ليس له أصل " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (17/194) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105363 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4620 خروج المرأة للتعزية [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمرأة أن تخرج للتعزية مع أخواتها، أو أحد محارمها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " يجوز للمرأة أن تخرج للتعزية المشروعة إذا لم يوجد في خروجها محاذير أخرى، كتعطر وتبرج ونحو ذلك؛ مما يسبب الفتنة لها أو بها. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز ... الشيخ عبد الله بن قعود "فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (9/131) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105367 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4621 ما الواجب بالنسبة للعضو المقطوع من الإنسان؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا وقع على الرجل حادث فقطعت يده أو رجله، ولم يمت فماذا يفعل بذلك العضو، الذي انقطع منه، هل نغسلها ونصلي عليها وندفنها، أم ماذا علينا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " العضو المقطوع من الحي بأي سبب سواء كان بحادث أو بحد وغيرهما لا يغسل ولا يصلى عليه، ولكن يلف في خرقة ويدفن في المقبرة، أو في أرض طيبة بعيدة عن الامتهان إذا كان واجده ليس بقربه مقبرة. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز.. الشيخ عبد الرزاق عفيفي.. عبد الله بن غديان. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (8/448) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105353 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4622 كيفية الصلاة على أكثر من قبر [السُّؤَالُ] ـ[سؤال: كيف يصلي من أراد الصلاة على أكثر من قبر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصلاة على القبور لا تخلو من حالين: 1) أن تكون القبور أمام المصلي إلى جهة القبلة مرتبة، فهنا يجزئ أن يصلي صلاة واحدة على أصحاب هذه القبور كلها. 2) أن تكون القبور متفرقة، فبعضها عن يمينه، والبعض الآخر عن يساره، فهنا لكل قبر حكمه، فيصلي على كل قبر على حده. وقد سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: هناك جنازتان متجاورتان في المقبرة، ما كيفية الصلاة عليهما بعد الدفن؟ هل يصلى على كل جنازة على حده، أو ينوي الصلاة عليهما؟ فأجاب: " إن كان القبران كلاهما بين يدي المصلي - يعني أمامه -، فإنه يصلي عليهما صلاة واحدة، وإن كان كل واحد بمكان فلكل واحد صلاة " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (17/159) . والمصلي على القبر يجعل القبر أمامه كالنعش يكون أمام المصلين في صلاة الجنازة، فإذا كان الميت ذكراً وقف عند رأسه، وإذا كانت أنثى وقف عند وسطها. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105354 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4623 هل يدعو للميت بعد دفنه جالساً أم قائماً؟ [السُّؤَالُ] ـ[على أي حال يدعى للميت بعد دفنه وتسوية التراب، أجالساً أم قائماً؟ وأيهما أفضل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " السنة لمن أراد أن يدعو للميت بعد دفنه وتسوية التراب عليه أن يدعو وهو قائم، والأصل في ذلك ما رواه أبو داود بسنده عن عثمان رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال: (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت، فإنه الآن يسأل) ، وقد سكت عنه أبو داود والمنذري، وأخرجه أيضاً الحاكم وصححه، والبزار، وقال: لا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز ... الشيخ عبد الله بن قعود "فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (9/17) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105355 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4624 قطع النافلة والطواف لأجل صلاة الجنازة [السُّؤَالُ] ـ[سؤال: هل تُقْطَعُ صلاة النافلة أو طواف التطوع للصلاة على الجنازة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) ، وظاهره أن النافلة لا تُقطع إلا للفريضة، فلا تقطع لصلاة الجنازة، ولو قطعها المصلي فلا بأس؛ لأنه يجوز قطع النفل لغرض صحيح. وكذلك من يطوف تطوعاً يقطع طوافه لصلاة الجنازة، لكن الأفضل أن لا يقطع " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (17/158) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105358 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4625 حل العقد وكشف وجه الميت عند دفنه [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم حل العقد في القبر بالنسبة للميت، وكشف وجهه في القبر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يستحب حل العقد من الميت بعد دفنها؛ وذلك لأنها إنما عقدت خوف انتشار الكفن، فإذا أُدخل القبر حُلت. قال ابن قدامة في "المغني" (2/191) : " وَأَمَّا حَلُّ الْعُقَدِ مِنْ عِنْدِ رَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ , فَمُسْتَحَبٌّ ; لِأَنَّ عَقْدَهَا كَانَ لِلْخَوْفِ مِنْ انْتِشَارِهَا , وَقَدْ أُمِنَ ذَلِكَ بِدَفْنِهِ , وَقَدْ رُوِيَ (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا أَدْخَلَ نُعَيْمَ بْنَ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيَّ الْقَبْرَ نَزَعَ الْأَخِلَّةَ بِفِيهِ) ، وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَسَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ نَحْوُ ذَلِكَ " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (17/183) : " حل عقد اللفائف ورد فيه أثر عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (إذا أدخلتم الميت القبر فحلو العقد) . أما كشف وجه الميت كله، فلا أصل له، وغاية ما ورد فيه – إن صح – أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (إذا مت ووضعتموني في قبري فأفضوا بخدي إلى الأرض) " انتهى. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105369 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4626 حكم دفع ملابس أو أموال إلى أهل الميت بدلاً من أن يعطيهم طعاماً [السُّؤَالُ] ـ[هل يصح دفع أموال، أو ملابس إلى أهل الميت، وهل يقوم ذلك مقام الطعام الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (اصنعوا لآل جعفر طعاماً) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " دفع الملبس أو المال لأهل الميت لا يقوم مقام صنع الطعام لهم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث: (..فقد أتاهم ما يشغلهم) ، فإن ذلك صريح في أنه إنما أمر بصنع الطعام لأهل الميت؛ من أجل أنهم قد شغلوا بمصيبتهم عن صنع الطعام لأنفسهم، لكن الإحسان بالملبس أو المال إلى من يحتاج لذلك من أهل الميت خير في نفسه، وقد حث عليه الشرع عموماً عند وجود مقتضيه لأهل الميت وغيرهم، فمن فعل ذلك لكشف غمة أو تفريج كربة فقد فعل خيراً. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز.. الشيخ عبد الرزاق عفيفي.. الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (9/94) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105372 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4627 حكم الأذان عند القبر [السُّؤَالُ] ـ[يوجد عندنا في بنجلاديش الأذان بعد دفن الميت عند القبر، وقد اختلف الناس وتنازعوا بينهم، فمنهم من يجيزه، ومنهم من يمنعه. فما هو الصحيح في هذا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " لا يجوز الأذان ولا الإقامة عند القبر بعد دفن الميت، ولا في القبر قبل دفنه؛ لأن ذلك بدعة محدثة، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد) متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز.. الشيخ عبد الرزاق عفيفي.. الشيخ عبد الله بن غديان.. الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (9/72) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105376 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4628 هل يكون رأس الميت في الأمام عند حمله؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل جعل رأس الميت هو المقدم عند المشي به سنة أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " لا أعلم في هذا سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن كلام أهل العلم في كيفية التربيع في حمل الجنازة يقتضي أن يكون رأسه هو المقدم " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (17/166) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105345 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4629 صيغة الاستغفار للميت بعد دفنه [السُّؤَالُ] ـ[بأي صفة يكون الاستغفار والدعاء للميت بعد دفنه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " لم يرد في بيان صفة الاستغفار والدعاء للميت بعد الدفن حديث يعتمد عليه فيما نعلم، وإنما ورد الأمر بمطلق الاستغفار والدعاء له بالتثبيت، فيكفي في امتثال هذا الأمر أي صفة استغفار ودعاء له، كأن يقول: (اللهم اغفر له وثبته على الحق) ونحو ذلك. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز.. الشيخ عبد الرزاق عفيفي.. الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (9/94) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105361 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4630 دفن أهل البدع في مقابر أهل السنة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم دفن غير أهل السنة مع أهل السنة في مقبرة واحدة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " إذا كان صاحب البدعة كافراً ببدعته، فإنه لا يجوز أن يدفن في مقابر المسلمين؛ لأن الكفار يجب أن تكون مقابرهم منفردة عن المسلمين، وأما إذا كان لا يكفر ببدعته، فلا بأس أن يدفن مع المسلمين " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (17/215) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105364 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4631 حكم قراءة القرآن الكريم على القبور، ودعاء الإنسان لنفسه عند القبر [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم قراءة القرآن الكريم على القبور؟ والدعاء للميت عند قبره؟ ودعاء الإنسان لنفسه عند القبر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " قراءة القرآن الكريم على القبور بدعة، ولم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه، وإذا كانت لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه، فإنه لا ينبغي لنا نحن أن نبتدعها من عند أنفسنا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما صح عنه: (كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) ، والواجب على المسلمين أن يقتدوا بمن سلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان حتى يكونوا على الخير والهدى، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم) . وأما الدعاء للميت عند قبره فلا بأس به، فيقف الإنسان عند القبر ويدعو له بما يتيسر مثل أن يقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم أدخله الجنة، اللهم افسح له في قبره، وما أشبه ذلك. وأما دعاء الإنسان لنفسه عند القبر فهذا إذا قصده الإنسان فهو من البدع أيضاً؛ لأنه لا يخصص مكان للدعاء، إلا إذا ورد به النص، وإذا لم يرد به النص، ولم تأت به السنة، فإنه – أعني تخصيص مكان لدعاء – أيًّا كان ذلك المكان يكون تخصيصة بدعة " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (17/228) . وللفائدة راجع جواب السؤال رقم (36513) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105370 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4632 حكم ذكر جنس الميت للمأمومين قبل الصلاة عليه [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم بيان جنس الميت أذكر هو أو أنثى عند الصلاة عليه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " لا بأس بالإخبار عن الميت أذكر أم أنثى عند تقديمه للصلاة عليه إذا لم يعرف المصلون ذلك من أجل أن يدعوا له دعاء التذكير إن كان ذكراً، ودعاء التأنيث إن كان أنثى، وإن لم يفعل فلا بأس أيضاً، وينوي المصلون الذين لا يعلمون عن هذا الميت ينوون [الصلاة] على الحاضر الذي بين أيديهم، وتجزؤهم الصلاة سواء قالوا بلفظ المذكر (اللهم اغفر له) ، أي لهذا الحاضر بين أيدينا، أو بلفظ المؤنث (اللهم اغفر لها) ، أي لهذه الجنازة التي بين أيدينا " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (17/103) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105371 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4633 حكم دفن المسلمين في مقابر الكفار للضرورة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز دفن المسلمين في مقابر غير المسلمين؟ حيث إن المسلمين يسكنون في بلاد بعيدة عن مقابرهم، ويحتاج دفنهم فيها أن يسافروا بالميت أكثر من أسبوع، علمًا بأن من السنة التعجيل بدفن الميت.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا يجوز للمسلمين أن يدفنوا مسلمًا في مقابر الكافرين؛ لأن عمل أهل الإسلام من عهد النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين ومن بعدهم مستمر على إفراد مقابر المسلمين عن مقابر الكافرين، وعدم دفن مسلم مع مشرك، فكان هذا إجماعًا عمليًا على إفراد مقابر المسلمين عن مقابر الكافرين، ولما رواه النسائي عن بشير بن معبد السدوسي قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمر على قبور المسلمين قال: (لقد سبق هؤلاء شرًا كثيرًا، ثم مر على قبور المشركين فقال: لقد سبق هؤلاء خيرًا كثيرًا) فدل هذا على التفريق بين قبور المسلمين وقبور المشركين. وعلى كل مسلم ألا يستوطن بلدًا غير إسلامي، وألا يقيم بين أظهر الكافرين، بل عليه أن ينتقل إلى بلد إسلامي فرارًا بدينه من الفتن، ليتمكن من إقامة شعائر دينه، ويتعاون مع إخوانه المسلمين على البر والتقوى، ويكثر سواد المسلمين إلا من أقام بينهم لنشر الإسلام، وكان أهلاً لذلك قادرًا عليه، وكان ممن يعهد فيه أن يؤثِّر في غيره، ولا يُغلب على أمره، فله ذلك، وكذا من اضطر إلى الإقامة بين أظهرهم، وعلى هؤلاء أن يتعاونوا ويتناصروا، وأن يتخذوا لأنفسهم مقابر خاصة يدفنون فيها موتاهم. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى إسلامية" (2/36) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105373 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4634 تغسيل الحائض للميت [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمرأة وهي حائض أن تقوم بتغسيل الميت وتكفينه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " يجوز للمرأة وهي حائض أن تغسل النساء وتكفنهن، ولها أن تغسل من الرجال زوجها فقط، ولا يعتبر الحيض مانعاً من تغسيل الجنازة. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ عبد الرازق عفيفي.. الشيخ عبد الله بن غديان.. الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (8/369) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105380 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4635 تعزية الكافر لموت قريبه [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمسلم أن يعزي الكافر إذا مات أبوه أو أمه، أو أحد من أقاربه، إذا كان يخاف لو لم يذهب إليهم أن يؤذوه، أو يكون سبباً لإبعادهم عن الإسلام أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " إذا كان قصده من التعزية أن يرغبهم في الإسلام فإنه يجوز ذلك، وهذا من مقاصد الشريعة، وهكذا إذا كان في ذلك دفع أذاهم عنه، أو عن المسلمين؛ لأن المصالح العامة الإسلامية تغتفر فيها المضار الجزئية. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز.. الشيخ عبد الرزاق عفيفي.. الشيخ عبد الله بن غديان.. الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (9/132) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105381 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4636 إذا اختلطت جنائز المسلمين مع غيرهم، فكيف العمل؟ [السُّؤَالُ] ـ[وقع حادث سيارة وتوفي من بها، ولم يتعرف عند الحادث من المسلم ومن غير المسلم، فكيف يكون الغسل والصلاة والدفن؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " يجب تغسيل موتى الحادث جميعاً وتكفينهم والصلاة عليهم بنية تغسيل وتكفين والصلاة والدفن للمسلمين منهم. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز.. الشيخ عبد الرازق عفيفي.. الشيخ عبد الله بن غديان. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (8/ 375) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الحديث: 105394 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4637 صفة اللحد والشق في القبر [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز إهالة التراب على وجه الميت المدفون في شق مباشرة؟ وما هي الطريقة الصحيحة لهذا العمل (وهو دفن الميت في شق) نظرا للاضطرار لهذه الطريقة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: صفة الشق: أن يحفر في وسط القبر حفرة على قدر الميت، ويُبنى جانباها بالطوب اللبن حتى لا تنضم على الميت، ويوضع فيها الميت على جنبه الأيمن مستقبلاً القبلة، ثم تسقف هذه الحفرة بأحجار أو غيرها ويرفع السقف قليلاً بحيث لا يمس الميت، ثم يهال التراب. وصفة اللحد: أن يحفر في أسفل جدار القبر الأقرب إلى القبلة مكاناً يوضع فيه الميت على جنبه الأيمن مستقبل القبلة، ثم تسد هذه الحفرة بالطوب اللبن خلف ظهر الميت، ثم يهال التراب. انظر: "أحكام المقابر في الشريعة الإسلامية" (ص 30) للدكتور عبد الله السحيباني. واللحد والشق جائزان بإجماع العلماء، غير أن اللحد أفضل، لأنه هو الذي فُعل بقبر الرسول صلى الله عليه وسلم، روى مسلم (966) أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مات فيه: (الْحَدُوا لِي لَحْدًا، وَانْصِبُوا عَلَيَّ اللَّبِنَ نَصْبًا، كَمَا صُنِعَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) . قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/188) : " َالسُّنَّةُ أَنْ يُلْحَدَ قَبْرُ الْمَيِّتِ , كَمَا صُنِعَ بِقَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " انتهى. وقال النووي رحمه الله في "المجموع" (5/252) : " أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ الدَّفْنَ فِي اللَّحْدِ وَفِي الشَّقِّ جَائِزَانِ , لَكِنْ إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ صُلْبَةً لَا يَنْهَارُ تُرَابُهَا فَاللَّحْدُ أَفْضَلُ , وَإِنْ كَانَتْ رِخْوَةً تَنْهَارُ فَالشَّقُّ أَفْضَلُ " انتهى. وقال ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (5/360) : " ولكن إذا احتيج إلى الشق، فإنه لا بأس به، والحاجة إلى الشق إذا كانت الأرض رملية، فإن اللحد فيها لا يمكن؛ لأن الرمل إذا لحدت فيه انهدم، فتحفر حفرة، ثم يحفر في وسطها ثم يوضع لبن على جانبي الحفرة التي بها الميت؛ من أجل ألا ينهد الرمل، ثم يوضع الميت بين هذه اللبنات " انتهى. وعلى هذا، فالتراب لا يُهال على وجه الميت أو جسده مباشرة، سواء كان القبر لحداً أو شقاً، لأنه في اللحد يكون الميت داخل الحفرة التي حفرت في جدار القبر، فلا يهال التراب فوقه، وفي الشق يهال التراب على سقف الشق، ولا يهال على الميت مباشرة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103880 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4638 دعاء الاستفتاح في صلاة الجنازة [السُّؤَالُ] ـ[هل دعاء الاستفتاح مشروع في صلاة الجنازة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: صلاة الجنازة فرض كفاية، وقد سبق بيان صفتها في جواب السؤال (12363) . ثانياً: دعاء الاستفتاح سنة مؤكدة في كل صلاة فيها ركوع وسجود، كالفرائض والنوافل والعيدين والكسوف وغيرها. أما الصلاة التي ليس فيها ركوع ولا سجود، كالصلاة على الميت، فإن العلماء اختلفوا في مشروعية الاستفتاح فيها على قولين: القول الأول: أن دعاء الاستفتاح لا يسن في صلاة الجنازة، وهو قول الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة. واستدلوا: 1- أنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استفتح في صلاة الجنازة. 2- قالوا: إن صلاة الجنازة شرع فيها التخفيف، فناسب ترك الاستفتاح فيها. قال النووي رحمه الله في "" (5/194) : " وَأَمَّا دُعَاءُ الِاسْتِفْتَاحِ فَفِيهِ وَجْهَانِ، واتفق الأصحاب على أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ تَرْكُهُ " انتهى بتصرف. وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " أما الاستفتاح فلا بأس بفعله ولا بأس بتركه , وتركه أفضل أخذا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أسرعوا بالجنازة) الحديث " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (13/141) . وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يشرع دعاء الاستفتاح في الصلاة على الجنازة؟ فأجاب: " ذكر العلماء أنه لا يستحب، وعللوا ذلك بأن صلاة الجنازة مبناها على التخفيف، وإذا كان مبناها على التخفيف، فإنه لا استفتاح " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (17/119) . القول الثاني: أن دعاء الاستفتاح يسن في صلاة الجنازة، وهو قول الأحناف. عللوا: بأنها صلاة، فيستفتح لها، كما يستفتح لسائر الصلوات. واختار بعض الأحناف – كالطحاوي رحمه الله – أنه لا استفتاح لها. وانظر: "بدائع الصنائع" (1/314) . والأقرب: عدم مشروعية الاستفتاح في صلاة الجنازة؛ لعدم وروده عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولأنها مبناها على التخفيف، ولهذا لا ركوع فيها ولا سجود، ولا يقرأ فيها سوى الفاتحة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103425 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4639 اعتياد الدعاء جماعة للمتوفى قبل الصلاة عليه [السُّؤَالُ] ـ[نحن عندنا في ليبيا - وبالأخص في قريتنا - عند دفن الميت، وعند تسوية الصفوف في الصلاة عليه، وعند خروج الإمام من الصف للصلاة على المتوفى، قبل الصلاة مباشرة يقوم أحد من كبار البلد ورجالها بالدعاء للميت، ويعرف به إذا كان رجلا أو امرأة، ويدعو له بصوت عالٍ ثم تقام الصلاة.. بعض الناس قالو إن هذه العادة بدعة، ويجب التخلص منها، ولكن بعض الناس متمسك بها ويفعلها .... فخوفا من الفتنة والاختلاف، أرجو منكم إجابة على السؤال. أنا لا أحفظ نص الدعاء ولكن أقول لكم جزءا منه: " اللهم اغفر لجميع موتى المسلمين، وإن دار الدنيا هى دار ممر، والآخرة هي دار المستقر، وإنه - رجلا أو امرأة - اللهم اغفر - لها أو له -، وارحمه، وتجاوز عن سياته ..... وهكذا "]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الذي يظهر أن اعتياد الدعاء جماعة: – شخصٌ يدعو وآخرون يُؤَمِّنُون – بعد أو قبل صلاة الجنازة متصلا بها عملٌ أقرب إلى البدعة منه إلى السنة، يدل على ذلك مجموعة من الأدلة: 1- لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه بل ولا عن أحد من أهل العلم فعلُه، وما كان هذا شأنه فالأصل فيه التوقف والتثبت حذرا من الوقوع في إثم الابتداع والزيادة في الدين. وانظر جواب السؤال رقم (11938) 2- ويقوي ذلك أن صلاة الجنازة إنما شرعت للدعاء للميت، كما قال العز بن عبد السلام في "قواعد الأحكام" (ص/44) : " مقصودها الأعظم إجابة الدعاء " انتهى. فزيادة الدعاء جماعة قبلها أو بعدها كأنه زيادة عليها من جنسها، وهذا لا يجوز، كما لا يجوز إحداث سجود أو ركوع قبل صلاة الفريضة أو بعدها، فكذلك الشأن في صلاة الجنازة. 3- الثابت في السنة النبوية الحرص على الاجتهاد والإخلاص في الدعاء أثناء صلاة الجنازة: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِذَا صَلَّيْتُمْ عَلَى الْمَيِّتِ فَأَخْلِصُوا لَهُ الدُّعَاءَ) رواه أبو داود (3199) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود. وعن أَبي إِبْرَاهِيمَ الْأَشْهَلِيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى عَلَى الْجَنَازَةِ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا، وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا، وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا، وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا) رواه الترمذي (1024) وقال: حسن صحيح.. وصححه الألباني في صحيح الترمذي. وعن يزيد بن عبد الله بن ركانة بن المطلب قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام للجنازة ليصلي عليها قال: اللهم عبدك وابن أمتك، احتاج إلى رحمتك، وأنت غني عن عذابه، إن كان محسنا فزد في إحسانه، وإن كان مسيئا فتجاوز عنه) رواه الحاكم في "المستدرك" (1/511) وقال: إسناده صحيح. وسكت عنه الذهبي. وصححه الألباني في "أحكام الجنائز" (ص/159) فانظر كيف تصف هذه الأحاديث اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم بالدعاء في الصلاة، وليس قبلها أو بعدها مباشرة. 4- ثم في هذا الدعاء جماعة - قبل أو بعد صلاة الجنازة مباشرة - مفسدتان اثنتان: الأولى: التقصير في السنة، فإن من انشغل بالدعاء قبل صلاة الجنازة فتر عنه أثناءها، ومن انتظر الدعاء بعد الصلاة عجل فيها، وهذا هو واقع مَن يعتاد ذلك اليوم، لا يكادون يكبرون تكبيرة الجنازة الأولى حتى تتسارع التكبيرات لتنتقل بالمصلين إلى التسليم، فلا يبلغ الميتَ إلا كلماتُ الدعاء التي لا تغني عند الله شيئا إن لم يصاحبها قلبٌ صادق وعقلٌ حاضر. وهذا مصداق ما جاء عن حسان بن عطية رحمه الله قال: " ما ابتدع قوم بدعة في دينهم إلا نزع الله من سنتهم مثلها، ثم لا يعيدها إليهم إلى يوم القيامة " انتهى. رواه الدارمي (1/58) قال أخبرنا أبو المغيرة ثنا الأوزاعي عن حسان. وهذا إسناد صحيح. المفسدة الثانية: المشقة الحاصلة بذلك، فالناس ينتظرهم وقت طويل لدفن الجنازة، والاستغفار لها بعد الدفن، ثم العناية بشأن أهل الميت، فاجتماع الدعاء جماعة قبل الصلاة أو بعدها مع كل ذلك فيه من المشقة الظاهرة. وقد قال العز بن عبد السلام في "قواعد الأحكام" (ص/45) : " فإن قيل: هلا وجب تكرير صلاة الجنازة إلى أن يغلب على الظن حصول الإجابة؟ قلنا: لا تكرر، لما في التكرير من المشقة، ولا ضابط لغلبة الظن في ذلك " انتهى. 5- وأخيرا: فالقاعدة في باب البدعة ما قاله عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: " اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة " رواه الطبراني (10/208) فأن يقف الناس على السنة الثابتة أولى من محاولة الاجتهاد في أمر يخشى أن يدخل في دائرة الابتداع، وهي كلمة عظيمة تنطلق من فهم حقيقي لموضوع السنة والبدعة. وقد وقفنا على فتوى للجنة الدائمة (9/16) ، فيها المنع من الدعاء بعد صلاة الجنازة – لأن بعض البلاد العادة فيها الدعاء بعد الصلاة – فيقاس عليها أيضا الدعاء قبلها: السؤال: اختلفوا في الدعاء بعد صلاة الجنازة متصلاً اجتماعاً، فذهبت طائفة إلى أنها بدعة لعدم النل فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، وصرح الفقهاء بعدم جوازه، وذهبت طائفة أخرى إلى استحبابها وسنيتها، فمن منهم على الحق؟ فكان الجواب: " الدعاء عبادة من العبادات، والعبادات مبنية على التوقيف، فلا يجوز لأحد أن يتعبد بما لم يشرعه الله، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا وصحابته على جنازة ما بعد الفراغ من الصلاة عليها، والثابت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقف على القبر بعد أن يسوى على صاحبه ويقول: (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت، فإنه الآن يسأل) - رواه أبو داود (3221) -. وبما تقدم يتبين أن الصواب: القول بعدم جواز الدعاء بصفة جماعية بعد الفراغ من الصلاة على الميت، وأن ذلك بدعة " انتهى. وأخيرا: لا بد من التنبه إلى أن الممنوع هو اعتياد الدعاء جماعة قبل صلاة الجنازة أو بعدها مباشرة، لِما في صورتها من الزيادة الظاهرة في العبادة، أما إن دعا المرء منفردا قبل الصلاة أو بعدها أو أثناء دفنها وغير ذلك من المواضع، فلا حرج ولا إثم، بل يرجى أن يتقبل الله عز وجل فيه شفاعته ويجيب له دعاءه. يقول الشيخ محمد بن إبراهيم – كما في "مجموع الفتاوى" (سؤال رقم/898) -: " أما الدعاء للميت بعد السلام من صلاة الجنازة فلا مانع منه إذا لم يكن على هيئة جماعية تلحقه بالبدع " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 102802 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4640 هل يجب التصدق بملابس الميت [السُّؤَالُ] ـ[هل صحيح ما يقوله الناس إذا توفي الميت يجب التصدق بجميع ملابسه ومستلزماته قبل اليوم الثالث من موته؟ وماذا نفعل بملابس الميت وأدواته اليومية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا القول غير صحيح، بل ملابس الميت ومستلزماته تدخل في جملة تركته، ويستحقها ورثته، ولهم استعمالها أو بيعها، ولا يجب عليهم التصدق بها، لكن إن اختاروا أن يتصدقوا بها ابتغاء الأجر، فهذا لهم، بشرط أن يكونوا بالغين راشدين، وأما الصغير فليس لأحد أن يتصدق بنصيبه من هذه الأشياء أو غيرها. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجوز لأهل الميت أن يستخدموا ملابس الميت؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم إذا مات الميت فجميع ما يملكه ملك للورثة من ثياب وفرش وكتب وأدوات كتابة وماصة (منضدة) وكرسي كل شيء حتى شماغه وغترته التي عليه، تنتقل إلى الورثة، وإذا انتقلت إلى الورثة فهم يتصرفون فيها كما يتصرفون بأموالهم، فلو قالوا - أي الورثة - وهم مرشدون: ثياب الميت لواحد منهم، ولبسها، فلا بأس. ولو اتفقوا على أن يتصدقوا بها فلا بأس، ولو اتفقوا على أن يبيعوها فلا بأس، هي ملكهم يتصرفون فيها تصرف الملاك في أملاكهم " انتهى من "فتاوى نور على الدرب". وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: هل يجوز الاحتفاظ بملابس الميت وإن لم يكن ذلك جائزًا فما هو الأفضل أن يفعل بها؟ فأجاب: " يجوز الانتفاع بملابس الميت لمن يلبسها من أسرته، أو أن تعطى لمن يلبسها من المحتاجين ولا تهدر، وعلى كل حال هي من التركة إذا كانت ذات قيمة فإنها تصبح من التركة تلحق بتركته وتكون للورثة. والاحتفاظ بها للذكرى لا يجوز ولا ينبغي، وقد يحرم إذا كان القصد منها التبرك بهذه الثياب، وما أشبه ذلك، ثم أيضًا هذا إهدار للمال، لأن المال ينتفع به، ولا يجعل محبوسًا لا ينتفع به " انتهى من "المنتقى" (2/271) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 102403 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4641 توزيع الأشرطة صدقة عن الميت [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز توزيع أشرطة دينية في ثواب الميت أثناء العزاء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله توزيع الأشرطة التي تحوي دروس العلم ومحاضرات الخير والهداية هو من الصدقة عن الميت إذا قُصد ثوابُها له، وهو من أفضل ما يمكن أن يقدمه الأحياء للأموات، ومما جاءت النصوص الشرعية باعتباره وإثبات وصول ثوابه لمن تصدق عنه. فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا وَأَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ فَهَلْ لَهَا أَجْرٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ) رواه البخاري (1388) ومسلم (1004) قال الإمام الشافعي رحمه الله في "الأم" (4/126) : " يلحق الميت من عمل غيره وعمله ثلاث: حج يؤدَّى عنه، ومال يتصدق به عنه أو يقضى، ودعاء ... مع أن الله – عز ذكره – واسعٌ لأن يوفي الحي أجره ويدخل على الميت منفعته " انتهى. ونقل النووري في "المجموع" (5/293) إجماع المسلمين على أن الصدقة عن الميت تنفعه وتصله. وقال ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى" (3/29) : " الأئمة اتفقوا على أن الصدقة تصل إلى الميت، وكذلك العبادات المالية كالعتق " انتهى. وقال ابن حجر الهيتمي في "تحفة المحتاج" (7/72-73) : " وَيَنْفَعُ الْمَيِّتَ صَدَقَةٌ عَنْهُ، وَمِنْهَا: وَقْفٌ لِمُصْحَفٍ وَغَيْرِهِ " وانظر جواب السؤال رقم (42384) فلا حرج في توزيع هذه الأشرطة صدقة عن الميت أثناء العزاء أو بعده، لكن بشرط ألا يعتقد أن لخصوص الصدقة في أيام العزاء مزيد فضل، كما يظن بعض الناس أن الصدقة في أيام العزاء ضرورية لفك وحدة الميت أو رضاه في قبره ونحو ذلك من الاعتقادات الفاسدة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 102322 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4642 جدها مدفون بجوار المنزل من سنوات فهل يلزم نقله للمقبرة [السُّؤَالُ] ـ[توفى جد زوجي في الحرب بشظايا قرب منزله فاضطر الناس لدفنه بجانب بيته نتيجة لوجود المعارك بالقرب من المقبرة , فهل يجب الآن بعد مرور اثنا عشر عاما على دفنه هل يجب نقله إلى المقبرة أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجب نقل رفاته إلى المقبرة إلا إذا كان في دفنه في هذا المكان اعتداء على أحد، كما لو كان صاحب الأرض التي دفن بها لم يرض بذلك، أو كان مدفوناً في طريق لعموم الناس. لكن إذا لم تكن الأرض ملكاً لأحد أو أذن صاحبها بذلك، ولم يكن من دفنه فيها تضييق أو اعتداء على أحد فلا يجب نقل رفاته. ومع ذلك فالذي ينبغي والأفضل نقل رفاته إلى مقابر المسلمين، لأنه قد يؤدي دفنه في هذا المكان إلى امتهانه، أو يأتي بعد أزمان متطاولة أناس جاهلون يظنون أنه لم يدفن منفرداً عن المقابر إلا لأنه ولي من أولياء الله أو رجل صالح فيطوفون بقبره ويفتنون به، كما يفعل الجهلة. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: أحد أقاربنا توفي قبل ثلاثين سنة أو أربعين سنة تقريباً ودُفِن وحده في البر، وقال لنا بعض العلماء: إنه لابد أن يُنْبَش ويدفن في مقابر المسلمين. ما رأيك يا شيخ؟ فأجاب: " رأيي أنه ليس بلازم، اللهم إلا إذا وصله العمران " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (123/14) . وسئل أيضا: رجل دفن ابنه السقط من الشهر التاسع في زاوية من البيت , فهل يجوز له أن ينبش عليه القبر ويدفنه في المقابر , أم ماذا عليه؟ الشيخ: هل غسله وكفنه وصلّى عليه؟ السائل: نعم. فأجاب: " الأفضل أن يحفره الآن ويأخذ رفاته وينقله إلى المقابر. السائل: مر عليه زمن طويل. الشيخ: لا بأس، يحفره الآن ويأخذ رفاته؛ لأنه إن بقي شغل مكاناً من البيت, وإن حجّر عليه فصار مشكلة أن يقال: هذا قبر، ثم بعد مضي سنوات كثيرة ربما يتخذ وثناً " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (106/15) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 100799 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4643 ماذا ينفع الميت بعد موته وهل يسمع خطاب الأحياء [السُّؤَالُ] ـ[توفي والدي منذ أسبوعين، الذي أريد أن أعرفه هو: عندما نذهب أنا وباقي أفراد العائلة لزيارة قبره، هل يستطيع أن يسمعنا ويسمع ما نقول له؟ وإذا لم يستطع، هل هناك طريقة تجعله يسمعنا؟ أرجو الرد سريعاً لأني أود أن أعرف وذلك لأني أظن أن الجواب سيساعدني فيما أمر به من ألم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأصل أن الأموات لا يسمعون كلام الأحياء لقوله تعالى: (وما أنت بمسمع من في القبور) وقوله: (إنك لا تُسمع الموتى) ، ولما خاطب النبي صلى الله عليه وسلم قتلى الكفار بعد معركة بدر أسمعهم الله كلامه وهم في قاع البئر التي دفنوا فيها وكانت تلك حالة خاصّة كما ذكر العلماء رحمهم الله (يراجع كتاب الآيات البينات في عدم سماع الأموات) ولعلّ الدّافع النفسي لتمنّيك سماع والدك لك هو محاولة عمل شيء لإيجاد الصّلة بعد انقطاعها تخفيفا لألم الفراق الذّي تحسّين به، ألا فلتعلمي أيتها الأخت السائلة أنّ الشّريعة قد بيّنت ماذا يستفيد الميّت من الأحياء وماذا يصل إليه في قبره من جهتهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلّم: إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عنه عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثةٍ إلا من صَدَقَة جَارِيَة أوَعِلْم يُنْتَفَعُ بِهِ أوَوَلَد صَالِح يَدْعُو لَهُ. رواه مسلم/1631. فأهمّ ما ينفع والدك بعد موته الآن وأعظم ما تصلينه به وهو في قبره: الاجتهاد في الدعاء له بالمغفرة والرّحمة والجنّة والعتق من النّار ونحو ذلك من الأدعية الطيبة الحسنة. واستغفار الذكر والأنثى من أولاد الميت للميت - وهو الدعاء له بالمغفرة - فيه ميزة عظيمة كما قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْه ِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الرَّجُلَ لَتُرْفَعُ دَرَجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ أَنَّى هَذَا فَيُقَالُ بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ. رواه ابن ماجة رقم 3660 وهو في صحيح الجامع 1617 ومما يصل إليه كذلك الصّدقة عنه لما روت عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا أَنَّ رَجُلا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا (أي ماتت) وَأَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ فَهَلْ لَهَا أَجْرٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا قَالَ: نَعَمْ. رواه البخاري: فتح 1388 وعن ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّه عَنْهمَا أَنَّ سَعدَ بْنَ عُبَادَةَ رَضِي اللَّه عَنْهم تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهَا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ وَأَنَا غَائِبٌ عَنْهَا أَيَنْفَعُهَا شَيْءٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَنْهَا قَالَ نَعَمْ قَالَ فَإِنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّ حَائِطِيَ الْمِخْرَافَ (اسم لبستانه سمي بذلك لكثرة ثمره) صَدَقَة ٌ عَلَيْهَا. رواه البخاري: فتح: 2756 وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلا قَالَ لِلنَّبِي ِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أَبِي مَاتَ وَتَرَكَ مَالا وَلَمْ يُوصِ فَهَلْ يُكَفِّرُ عَنْهُ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهُ قَالَ نَعَمْ *رواه النسائي وعَنْ سَعْدِ ابْنِ عُبَادَةَ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا قَالَ نَعَمْ قُلْتُ فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ قَالَ سَقْيُ الْمَاءِ *رواه النسائي ومما يصل إلى الميت كذلك الحجّ والعمرة عنه بعد أن يكون الحيّ قد حجّ واعتمر عن نفسه. وقد روى عَبْد اللَّهِ بْن بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ بَيْنَما أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ إِنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ وَإِنَّهَا مَاتَتْ قَالَ فَقَالَ وَجَبَ أَجْرُكِ وَرَدَّهَا عَلَيْكِ الْمِيرَاثُ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا قَالَ صُومِي عَنْهَا قَالَتْ إِنَّهَا لَمْ تَحُجَّ قَطُّ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا قَالَ حُجِّي عَنْهَا. رواه مسلم رحمه الله في صحيحه رقم 1149 وهذا يدلّ كذلك على مشروعية قضاء الصيام عنه. ومما ينفع الميت أيضا قضاء نذره لحديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَحُجَّ أَفَأَحُجَّ عَنْهَا قَالَ نَعَمْ حُجِّي عَنْهَا أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ قَالَتْ نَعَمْ فَقَالَ اقْضُوا اللَّهَ الَّذِي لَهُ فَإِنَّ اللَّهَ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ *البخاري فتح 7315 وممّا يصل إلى الميّت كذلك من الأجر إشراك قريبه له بالأضحية عند ذبحها وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذبح أضحيته: بِاسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ رواه مسلم رقم 1967 وآل محمد فيهم الأحياء والأموات. وأمّا مسألة زيارة النساء للمقابر فقد تقدّم الجواب عنها (يراجع سؤال رقم 251) . واعلمي أيتها الأخت السائلة أنّ انشغالك بإخلاص الدّعاء لأبيك هو أهمّ وأولى لك وأنفع للميت من التفكير بمسألة سماعه لصوتك فاحرصي على ما ينفعه وينفعك، واحذري وأهلك من البدع المحرّمة كذكرى الأربعين ومرور سنة ومجالس الفاتحة ومنكرات المقابر ونحو ذلك مما يفعله الجهلة ويقلّد بعضهم بعضا فيه. أسأل الله أن يغفر لأبيك ويرحمه ويتجاوز عنه وعن سائر أموات المسلمين إنه هو الغفور الرحيم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 763 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4644 صلاة الغائب وطعام العزاء وقراءة القرآن للميت [السُّؤَالُ] ـ[إذا مات فرد في العائلة خارج البلد فماذا يجب على العائلة أن تفعل هنا؟ 1-هل يجب أن نصلي صلاة الجنازة؟ وهذا يعني أنه ستكون هناك صلاتي جنازة واحدة خارج البلد والأخرى هنا. 2- هل يجوز لنا أن نقرأ القرآن سويا ونرجو أن أجر القراءة سيصل للفقيد؟ 3- هل يجب أن نعمل قراءة قرآن خاصة وندعو الناس للطعام بعد 3 أيام وبعد 40 يوم؟ هذا التصرف يعمله الكثير في بلدنا وقيل لي أن روح الفقيد تزور البيت لمدة 40 يوم لتحصل على الأجر. عندما كنت في بلدنا كنت أفعل هذا ولكن قيل لي أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته لم يفعلوا هذا أبدا. أنا أريد أن أفعل الشيء الصحيح فأرجو أن تعطيني دليلاً من القرآن والسنة. أيضا هل هذا التصرف صحيح أم خطأ؟ أرجو أن تخبرني بالتصرف الصحيح في مثل هذه الحالة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا مات للإنسان قريب أو صديق عزيز عليه في بلد أخرى، فإنه يمكنه أن يسافر للصلاة عليه إذا تيسر له ذلك ولا بأس بهذا السفر لأنه سفر لمصلحة شرعية، وإن لم يكن معروفا من عمل المسلمين فيما مضى، لأنه كان لا يمكنهم ذلك بخلاف اليوم فقد تيسرالسفر بالوسائل الحديثة السريعة. وأما الصلاة على الميت الغائب فقد اختلف العلماء فيها اختلافا كثيرا. لأنه لم يُحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك إلا صلاته على النجاشي. ولم ينقل أن المسلمين خارج المدينة صلوا على النبي عليه الصلاة والسلام لما مات مع عظيم محبتهم له. وكذلك الخلفاء الراشدون لم ينقل أن المسلمين صلوا على أحد منهم حين مات. ولم تكن الصلاة على الميت الغائب معروفة من عمل المسلمين مع قيام المقتضي لذلك، وهو حرص المسلمين على نفع إخوانهم، خصوصا من له منزلة في قلوب عموم المسلمين أو له قرابة أو مودة توجب صلته والإحسان إليه بالصلاة عليه. ولذلك اختار العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية أن صلاة النبي عليه الصلاة والسلام على النجاشي خاصة به، إذ لم يكن في أرضه من يصلي عليه في البلد الذي مات فيها، وهذا في نظري قول قوي لما تقدم من التوجيه، ومن العلماء من خصًّ الصلاة على الغائب بالأعيان من الأمة كالعلماء المشهورين، والولاة العادلين وهذا قول قريب من الذي قبله. وعلى هذا القول لا مانع من الصلاة على الميت حاضرا وغائبا. ثانيا: وأما الاجتماع لقراءة القرآن وإهداء ثوابها للميت فهي بدعة، ولو لم تكن بأجرة. فإن كانت بأجرة فهي حرام لأنها عملٌ لغير الله وما كان كذلك فلا ثواب فيه، وأما أن يقرأ الإنسان القرآن ويهدي ثواب القراءة لقريب أو صديق من غير اجتماع ولا أجرة ففي ذلك قولان لأهل العلم أحدهما: أنه جائز وأنه يصل ثواب القراءة للميت. والقول الثاني: أنه لايشرع إهداء ثواب القراءة لعدم الدليل على مشروعية ذلك. ثالثا: وأما أن يعمل أهل الميت قراءة قرآن خاصة، ويدعو الناس للطعام بعد ثلاثة أيام، وبعد أربعين يوم فبدعة. وكل بدعة ضلالة، وقد قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ". فهذا العمل المذكور محدث في الدين فهو مردود ومن يفعله مأزور غير مأجور، وأما دعوى أن روح الميت تزور البيت بعد أربعين يوما لتحصل على الأجر فكذب، ولا أصل له، وقد صدق من قال لك: أن النبي عليه الصلاة والسلام وصحابته لم يفعلوا شيئا من ذلك، وقد أحسنت أيها الأخ الكريم بسؤالك عما أشكل عليك، وحرصك على معرفة سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، والعمل بها، وهذا هو الحق اللائق بالمسلم أن يكون همه أن يعرف الحق ليتبعه، ويعرف الباطل ليتجنبه. نسأل الله أن يثبتنا وإياك على الصراط المستقيم. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد الرحمن البراك الحديث: 4910 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4645 من مات ولم يصل عليه [السُّؤَالُ] ـ[والد زوجي مات منذ 20 سنة ولم يصل عليه أحد، هل يمكن أن نفعل شيئاً في هذا الخصوص؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما دام هذا الرجل المسلم قد مات ولم يصل عليه , فالواجب أن يصلى عليه الآن , إما بالذهاب إلى قبره وهذا خاص بالرجال، فيذهب إلى قبره رجل أو أكثر ويصلي عليه صلاة الجنازة، وإما بالصلاة عليه صلاة الغائب _ وهذا يشترك فيه الرجال والنساء _ والصلاة على الغائب يشترط لها أن يكون الميت خارج البلد، فإذا كان خارج البلد صلوا عليه صلاة الغائب، في المصلى أو المسجد أو البيت، يرصون الصفوف كأن الجنازة بين أيديهم. وذلك لأن الصلاة على الميت فرض , ومما يدل على ذلك ما ثبت في "صحيح البخاري" (2176) و"صحيح مسلم" (1619) من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالرجل الميت عليه الدَّين فيسأل: " هل ترك لدَّينه من قضاء؟ ". فإن حدث أنه ترك وفاء صلى عليه، وإلا قال: " صلوا على صاحبكم ". فلما فتح الله عليه الفتوح، قال: " أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن توفي وعليه دين فعلي قضاؤه ومن ترك مالا فهو لورثته ". ولكن هي من فروض الكفاية , وهي التي إذا قام بها من يكفي سقطت عن بقية المسلمين. وقد ثبت عند البخاري (1337) ومسلم (956) من حديث أبي هريرة أن أسودَ _ رجلا أو امرأة _ كان يقم المسجد , فمات , ولم يعلم النبي صلى الله عليه وسلم بموته , فذكره ذات يوم فقال: " ما فعل ذلك الإنسان؟ ". قالوا: مات يا رسول الله. قال: " أفلا آذنتموني؟ ". فقالوا: إنه كان كذا وكذا _ قصته _ قال: فحقروا شأنه. قال: " فدلوني على قبره ". فأتى قبره فصلى عليه. فدل هذا على جواز الصلاة على الميت بعد دفنه. وثبت عند البخاري (1333) ومسلم (951) من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه , وخرج بهم إلى المصلى , فصف بهم , وكبر عليه أربع تكبيرات. فدل هذا الحديث على جواز الصلاة على الغائب , وخصه بعض العلماء بمن لم يصل عليه , وخصه آخرون بأهل العلم والفضل. ومجموع النصوص السابقة يفيد ما سبق في أول الجواب , وقد نص أهل العلم على أن الميت إذا دفن ولم يصل عليه صلي عليه بعد الدفن , قال الشيخ ابن عثيمين: فإن كان لم يصل عليه صلينا عليه ولو بعد سنين. الشرح الممتع 5 / 440. وسئلت اللجنة الدائمة السؤال التالي: توفي لي طفل عمره ستة أشهر، وذهبت به إلى المقبرة ودفتنه فيها دون أن أصلي عليه سهواً مني، علماً بأني لا أعرف جهة القبر الذي دفنت فيه الطفل، فهل هناك صدقة تجزيء عن الصلاة أو أي عمل آخر يجزيء عن الصلاة عليه؟ فأجابت اللجنة: ليس هناك عمل آخر يجزيء عن صلاة الجنازة على الميت طفلاً أو كبيراً، لا الصدقة ولا غيرها من أفعال البر، وعليك أن تذهب إلى المقبرة التي دفتنه في قبر منها، وتجعل المقبرة بينك وبين القبلة وتصلي صلاة الجنازة على هذا الطفل متطهراً مستكملاً لباقي شروط الصلاة، ويكفيك ذلك حيث إنك لا تعرف قبر الطفل بعينه، قال الله تعالى: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) ، وقال: (فاتقوا الله ما ستطعتم) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه) والله الموفق فتاوى إسلامية 1 / 27 والله تعالى أعلم. وانظر: "الإنصاف" للمرداوي: (2/471) ، "منح الشفا الشافيات" للبهوتي (1/171) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20472 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4646 موقف الإمام في صلاة الجنازة [السُّؤَالُ] ـ[كيف يوضع الميت أمام الإمام بالنسبة لجهة الرأس والأرجل؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يوضع الميت أمام الإمام، ويكون الإمام حذاء رأس الرجل ووسط المرأة كما صحت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا كانت الأموات جماعة رجالاً ونساء وأطفالاً، قدم الرجل إلى الأمام ثم الطفل الذكر، ثم المرأة ثم الطفلة، ويكون وسط المرأة حذاء رأس الرجل، حتى يكون موقف الإمام منهما جميعاً هو الموقف الشرعي. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - م/13 ص/140. الحديث: 8192 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4647 له عدة أسئلة متعلقة بوفاة ابنه [السُّؤَالُ] ـ[لقد توفي ابني الكبير رحمه الله غرقاً في البحر، وحينما صاح إخوته طلباً للنجدة وقفت واسترجعت ثم ذهبت إليه ولكني وجدته قد فارق الحياة، وكدت أن ألحق به لولا أن الله أنجاني من الغرق فخرجت مذهولا وأصيح في الناس طلباً للنجدة، ثم أخذت أدعو على الأولاد الذين كانوا معه بان الله يضيعهم كما ضيعوا ابني، ثم إن الله ربط على قلبي حينما أخرجناه من البحر وذهبنا به إلى المستشفي وقد كنت متيقناً من وفاته قبل الذهاب به إلى المستشفى. وكان عمر ابني رحمه الله تسعة عشر عاماً وخمسة أشهر حين وفاته. علماً أنني حرصت على تربيته تربية صالحة فكان من المحافظين على صلاة الجماعة في المسجد. وكان من طلاب حلقات التلاوة. وقد أدى فريضة الحج متمتعاً هذا العام. وقد صام يوم عاشوراء وكانت وفاته في الحادي عشر من صفر لهذا العام. وقد صلى الفجر يوم وفاته (يوم الخميس) جماعة. وكل من يعرفه يثني عليه خيرا فهل أعتبر هذه الأمور من المبشرات؟ وهل تعتبر وفاته يوم الخميس الساعة العاشرة صباحاً من الوفاة ليلة الجمعة؟ وهل علي إثم في دعائي على الأولاد الذين كانوا معه؟ علماً أنني كنت في حالة ذهول والله المستعان؟ مع يقيني أن الله أرحم به مني إلا أن البكاء يغلبني كلما تذكرته لاسيما وأنني كنت أخاف عليه وكان في السنة الأولى من الجامعة وكنت أخطط له ولمستقبله إلا أن قدر الله كان أسبق، فهل في بكائي عليه شيء؟ وكنت أمنع ابني من دخول الانترنت إلا في أوقات محددة وقد توفي وجواله مقطوع نظير استخدامه في الانترنت وكنت أقسو عليه أحيانا لهذا السبب، فهل علي إثم في ذلك؟ علماً بأنه كان باراً بي وبوالدته. هل يعتبر ابني وهو في هذا السن من الذين يشفعون لي ولوالدته؟ وهل أعتبر من المحتسبين إذا استرجعت حال صياح إخوته عليّ طلباً للنجدة؟ أزور قبره كل يوم جمعة ساعة الإجابة وأدعو له، فهل يعلم بزيارتي أم لا؟ وهل يشرع لي أن أسلم عليه باسمه كأن أقول السلام عليك يا بني أو السلام عليك يا فلان؟ وقفت له بعض المصاحف والكتب الدينية وسأقوم بمشيئة الله بوقف بئر أو مسجد له، فهل ينفعه ذلك؟ وهل لي أجر أنا في هذه الأعمال (الوقف الثابت والصدقات) ؟ أرجو معذرتي على كثرة الأسئلة وجزاكم الله خير الجزاء]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نسأل الله سبحانه أن يغفر لابنك ويرحمه ويرفع درجته ويجمعه بسائر أهله في جنات النعيم. وما ذكرته من حاله واستقامته وثناء الناس عليه، مع موته بالغرق هو من المبشرات والحمد لله، فإن الغرق شهادة كما أخبر صلى الله عليه وسلم. روى البخاري (2829) ومسلم (1914) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الشهداء خمسة: المطعون والمبطون والغرِق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله) . وروى البخاري (1367) ومسلم (949) عن أَنَس بْن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: مَرُّوا بِجَنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَجَبَتْ. ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا، فَقَالَ: وَجَبَتْ. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا وَجَبَتْ؟ قَالَ: (هَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا فَوَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ) . ونسأل الله تعالى أن يجزيك خير الجزاء على تربيتك له، وسعيك في صلاحه، وأن يصلح لك سائر أولادك وأن يجعلهم قرة عين لك ولزوجك. ثانيا: ليلة الجمعة تبدأ من غروب شمس يوم الخميس، فلا تدخل الساعة العاشرة من صباح الخميس في ليلة الجمعة. ثالثا: لا إثم عليك في دعائك على الأولاد حال ذهولك، ولا في بكائك على ولدك عند تذكره، وقد روى البخاري (1303) ومسلم (2315) في قصة وفاة إبراهيم بن نبينا صلى لله عليه وسلم، قال أنس: ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَذْرِفَانِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَقَالَ: يَا ابْنَ عَوْفٍ، إِنَّهَا رَحْمَةٌ ثم قال: (إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ، وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ) . رزقنا الله وإياك الصبر واحتساب الأجر. ولا إثم عليك في التشديد عليه في دخول الإنترنت، بل هذا من حسن التربية، وإدراك المسئولية. رابعا: ثبت في السنة أن الصبيان يشفعون في آبائهم يوم القيامة، ومن ذلك: عن أبي حسان قال: قلتُ لأَبِي هُرَيْرَةَ: إنَّه قَدْ مَاتَ لِي ابنانِ، فَمَا أَنْتَ مُحَدِّثِي عَنْ رَسُولِ اللهِ بِحَدِيْثٍ تُطَيِّبُ بِهِ أَنْفُسَنَا عَنْ مَوْتَانَا؟ قالَ: نَعَمْ، صِغَارُهُم دَعَامِيْصُ الجَنَّةِ، يَتَلَقَّى أَحَدُهُم أَبَاهُ - أَوْ قَالَ أَبَوَيْهِ - فَيَأْخُذُ بِثَوْبِهِ، - أَوْ قَالَ بِيَدِهِ - كَمَا آخُذُ أَنَا بِصَنَفَةِ ثَوْبِكَ هذا، فَلا يَتَنَاهَى حتى يُدخِلَه اللهُ وَأَبَاهُ الجَنَّةَ. رواه مسلم (2635) . والدعاميص: جمع (دُعْمُوص) ، أَيْ صِغَار أَهل الجنة , وَأَصْل الدُّعْمُوص دُوَيْبَّة تَكُون فِي الْمَاء لَا تُفَارِقهُ , أَيْ أَنَّ هَذَا الصَّغِير فِي الْجَنَّة لَا يُفَارِقهَا. وَقَوْله (بِصَنِفَةِ ثَوْبك) : أي طرف ثوبك. ولا يتناهى: أي لا يتركه. لكن من بلغ تسعة عشر عاما لا يعد صغيرا. وثبت أن الشهيد يشفع في سبعين من أقاربه، فعن المقدام بن معدي كرب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقاربه) رواه الترمذي (1663) وابن ماجه (2799) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. وسبق أن الغريق شهيد، فيرجى لمن مات بالغرق أن ينال ثواب الشهيد، ويشفع في سبعين من أقاربه. خامسا: المقصود بالاحتساب هو احتساب الأجر عند الله تعالى، وعدم الجزع عند حلول المصيبة، والصبر عند الصدمة الأولى كما قال النبي صلى الله وسلم، فمن بلغه ما يسوءه فاسترجع وصبر واحتسب رجي له الأجر والثواب عند الله تعالى، وقد روى البخاري (6424) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: مَا لِعَبْدِي الْمُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ احْتَسَبَهُ إِلَّا الْجَنَّةُ) . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرحه: " الْمُرَاد بِاحْتَسَبَهُ: صَبَرَ عَلَى فَقْده رَاجِيًا الْأَجْر مِنْ اللَّه عَلَى ذَلِكَ " سادسا: تخصيص زيارة القبور بيوم الجمعة لا أصل له، فلا تحرص على ذلك، وزره كلما تيسر من غير تحديد وقت معين. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: زيارة المقابر هل تختص بيوم معين كالعيدين والجمعة أو في وقت معين من اليوم أما أنها عامة؟ وماذا يجاب عما ذكر ابن القيم رحمه الله في كتاب الروح من أنها تزار في يوم الجمعة؟ وهل يعلم الميت بزيارة الحي له؟ ثم أين يقف الزائر من القبر؟ وهل يشترط أن يكون عنده أم يجوز ولو كان بعيداً عنه؟ فأجاب: " زيارة المقابر سنة في حق الرجال؛ لأنها ثبتت بقول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (زوروا القبور؛ فإنها تذكركم الآخرة) وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يزوروها. ولا تتقيد الزيارة بيوم معين، بل تستحب ليلاً ونهاراً في كل أيام الأسبوع، ولقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى البقيع ليلاً فزارهم وسلم عليهم. والزيارة مسنونة في حق الرجال، أما النساء فلا يجوز لهن الخروج من بيوتهن لزيارة المقبرة، ولكن إذا مررن بها ووقفن وسلمن على الأموات بالسلام الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن هذا لا بأس به؛ لأن هذا ليس مقصوداً، وعليه يحمل ما ورد في صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها، وبه يجمع بين هذا الحديث الذي في صحيح مسلم والحديث الذي في السنن أن الرسول عليه الصلاة والسلام (لعن زائرات القبور) . وأما تخصيص الزيارة بيوم الجمعة وأيام الأعياد فلا أصل له، وليس في السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك. وأما هل يعرف من يزوره فقد جاء في حديث صححه ابن عبد البر وأقره ابن القيم في كتاب الروح: (أن من سلم على ميت وهو يعرفه في الدنيا رد الله عليه روحه فرد عليه السلام) . أما أين يقف الزائر؟ نقول: يقف عند رأس الميت مستقبلاً إياه، فيقول: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه، ويدعو له بما شاء ثم ينصرف، وهذا غير الدعاء العام، الذي يكون لزيارة المقبرة عموماً، فإنه يقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم " انتهى من "اللقاء الشهري" (2/8) . وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: عند زيارة القبور هل يشرع للزائر أن يصل إلى القبر الذي يقصد زيارته؟ ج: يكفي عند أول القبور، وإن أحب أن يصل إلى قبر من يقصد زيارته ويسلم عليه فلا بأس. س: هل يعرف الميت من يزوره؟ ج: جاء في بعض الأحاديث (إذا كان يعرفه في الدنيا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام) ولكن في إسناده نظر، وقد صححه ابن عبد البر رحمه الله. س: هل الموتى يعلمون بأعمال أقاربهم من الأحياء؟ ج: لا أعلم في الشرع ما يدل على ذلك " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (13/170) . والحديث الذي أشار إليه الشيخ، ضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة برقم (4493) ولفظه: (ما من عبد يمر بقبر رجل كان يعرفه في الدنيا فسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام) سابعا: يشرع للزائر أن يسلم على الميت باسمه، فيقول: السلام عليك يا فلان. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وقد كان الصحابة يسلمون على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند قبره، وقد كان ابن عمر يقول: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبت. رواه مالك عن نافع عنه، ورواه أحمد وغيره " انتهى من "الرد على البكي" (1/256) . ثامنا: يجوز أن توقف لصالح ابنك مصاحف أو كتبا دينية، أو بئرا أو مسجدا، وذلك من العمل الصالح الذي يمتد به الثواب، ويعظم به الأجر. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: لي ابن وبنت توفيا رحمهما الله، وعندي قطعة أرض، هل يجوز أن أوقف لكل واحد منهما من كامل مالي عمارة هذه الأرض بيتين لكل واحد بيتا يكون ريعه يصرف لهما في أضحية وحج وأعمال البر بنظر الوكيل والثواب والأجر لهما؟ كما أن عندي بيتا أوقفته وقد أشركتهم في الثواب، ولكن أريد هذه الأرض أقسمها وأعمرها لكل واحد بيت خاص له، علما أن الورثة غير راضين بذلك، ويقولون: إنه لا يجوز، أرجو إفتائي جزاكم الله خيرا. فأجابوا: " إذا كان الأمر كما ذُكر جاز وقف الأرض المذكورة لابنك وابنتك المتوفين، وصرف ريعها بعد عمارتها في أعمال الخير من الحج والأضحية والصدقة، وجعل ثواب ذلك لهما " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (16/116) وإذا فعلت ذلك رُجي لك الثواب أيضا، لأنه هذا من الإحسان والبر والصدقة والمعروف. وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98575 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4648 إذا لم توجد مقبرة للمسلمين أو وجدت بثمن مرتفع فأين يدفن المسلم؟ [السُّؤَالُ] ـ[ثمن القبر عندنا غالٍ جداً، وقد مات طفل ولم نستطع شراء قبر له لندفنه في مقابر المسلمين، فأخذناه إلى الغابة ودفناه بها، فما حكم ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا تعذر دفن المسلم في مقبرة خاصة بالمسلمين؛ لعدم وجودها أو ارتفاع كلفتها، فلا حرج في دفنه في صحراء أو غابة، ويسوى بالأرض حتى لا يتعرض للنبش. فقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما حكم المسلم الذي يتوفى في فرنسا وتعذر نقله إلى بلاده العربية، وليس في البلد الذي هو متوفى فيه مقبرة مخصصة للمسلمين، فهل يدفن في مقبرة النصارى، أم ماذا؟ وكذلك ليس هناك موضع لتغسيل أموات المسلمين إلا الحجرة المخصصة لتغسيل أموات النصارى، فهل يمكن تغسيل أموات المسلمين فيها إذا تعذر تغسيل الميت المسلم في بيته؟ فأجابوا: "إذا لم يوجد مقبرة للمسلمين فإن المسلم إذا مات لا يدفن في مقابر الكفار، ولكن يلتمس له موضع في الصحراء يدفن فيه ويسوى بالأرض حتى لا يتعرض للنبش، وإن تيسر نقله إلى بلاد بها مقبرة للمسلمين بدون كلفة شديدة فهو أولى، أما تغسيل الميت المسلم في موضع تغسيل الكفرة فلا حرج فيه إذا لم يتيسر مكان سواه بدون كلفة " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (8/454) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98408 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4649 تكفين الميت في قميص [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن يكفن الرجل في قميص؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأفضل أن لا يكفن الرجل في قميص، بل يكفن في ثلاثة أثواب، يلف فيها لفاًّ، كما فُعل برسول الله صلى الله عليه وسلم. فعن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ يَمَانِيَةٍ بِيضٍ مِنْ كُرْسُفٍ لَيْسَ فِيهِنَّ قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ) رواه البخاري (1264) ومسلم (941) . الكُرْسُف هُوَ الْقُطْن. قال ابن حزم: " ما تخير الله تعالى لنبيه إلا أفضل الأحوال " انتهى. "المحلى" (5/118) . فالأفضل أن لا يكفن الرجل في قميص , وإن كان تكفينه في القميص جائزاً. قال النووي: لا يكره تكفين الميت في القميص لحديث ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ لَمَّا تُوُفِّيَ , جَاءَ ابْنُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعْطِنِي قَمِيصَكَ أُكَفِّنْهُ فِيهِ , وَصَلِّ عَلَيْهِ، وَاسْتَغْفِرْ لَهُ , فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَمِيصَهُ , فَقَالَ: آذِنِّي أُصَلِّي عَلَيْهِ، فَآذَنَهُ , فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ جَذَبَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: أَلَيْسَ اللَّهُ نَهَاكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ؟ فَقَالَ: أَنَا بَيْنَ خِيَرَتَيْنِ , قَالَ: (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ) فَصَلَّى عَلَيْهِ , فَنَزَلَتْ: (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ) رواه البخاري (5796) . وعن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ حُفْرَتَهُ فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ , فَوَضَعَهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَنَفَثَ عَلَيْهِ مِنْ رِيقِهِ وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ , فَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَكَانَ كَسَا عَبَّاسًا قَمِيصًا قَالَ سُفْيَانُ: وَقَالَ أَبُو هَارُونَ يَحْيَى: وَكَانَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَمِيصَانِ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلْبِسْ أَبِي قَمِيصَكَ الَّذِي يَلِي جِلْدَكَ. قَالَ سُفْيَانُ: فَيُرَوْنَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلْبَسَ عَبْدَ اللَّهِ قَمِيصَهُ مُكَافَأَةً لِمَا صَنَعَ. رواه البخاري (1270) . وقد ترجم له البيهقي في "السنن الكبرى" (3/564) بقوله: " باب جواز التكفين في القميص وإن كنا نختار ما اختير لرسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى. وسبب تكفينه صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن أبي في قميصه: قيل: لتطييب قلب ابنه. قال النووي: وهو أظهر. وقيل: لأنه كان قد كسا العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوباً حين أسر يوم بدر , فأعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم ثوباً بدله لئلا يبقى لكافر عنده فضل. وقيل: فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم إجابة لسؤال ابنه حين سأله ذلك. انظر: "المجموع" (5/152) ، "المغني" (3/384) . وقال بعض العلماء بكراهة التكفين في القميص. قال النووي: " وهذا ضعيف بل باطل من جهة الدليل , لأن المكروه ما ثبت فيه نهي مقصود , ولم يثبت في هذا شيء , فالصواب أنه لا يكره , لكنه خلاف الأولى " انتهى. انظر: "المجموع" (5/153) , "المغني" (3/368) . وأما المرأة؛ فتكفن في قميص، وانظر جواب السؤال رقم (98189) ففيه بيان صفة كفن المرأة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98308 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4650 صفة كفن المرأة [السُّؤَالُ] ـ[كيف تكفن المرأة إذا ماتت؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اتفقت المذاهب (الأحناف والمالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية) على أن المستحب أن تكفن المرأة في خمسة أثواب. انظر: "بدائع الصنائع" (2/325) , "مواهب الجليل" (2/266) , "المجموع" (5/161) , "المغني" (3/390) , "المحلى" (5/120) . قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَكْثَرُ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَى أَنْ تُكَفَّنَ الْمَرْأَةُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ. "المغني" (3/391) . وقال عطاء: تكفن المرأة في ثلاث أثواب. رواه عبد الرزاق في "المصنف" (3/273) . وجمهور العلماء على أن تفصيل هذه الخمسة هي: إزار وخمار وقميص ولفافتان تلف فيهما. وهو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة. انظر: "مواهب الجليل" (2/266) , "المجموع" (5/162) , "المغني" (3/392) . واستدلوا بما رواه أبو داود (3157) عن لَيْلَى بِنْتَ قَانِفٍ الثَّقَفِيَّةَ قَالَتْ: كُنْتُ فِيمَنْ غَسَّلَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ وَفَاتِهَا فَكَانَ أَوَّلُ مَا أَعْطَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحِقَاءَ ثُمَّ الدِّرْعَ ثُمَّ الْخِمَارَ ثُمَّ الْمِلْحَفَةَ ثُمَّ أُدْرِجَتْ بَعْدُ فِي الثَّوْبِ الْآخَرِ , قَالَتْ: وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ عِنْدَ الْبَابِ مَعَهُ كَفَنُهَا يُنَاوِلُنَاهَا ثَوْبًا ثَوْبًا) ضعفه الألباني في "إرواء الغليل" (723) . وهذا الحديث له شاهد رواه الجوزقي عن أم عطية رضي الله عنها قالت: (فكفناها في خمسة أثواب وخمرناها كما يخمر الحي) قال الحافظ: إسناده صحيح. "فتح الباري" (3/159) . قال ابن قدامة: " وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَزِيدُ فِي حَالِ حَيَاتِهَا عَلَى الرَّجُلِ فِي السَّتْرِ لِزِيَادَةِ عَوْرَتِهَا عَلَى عَوْرَتِهِ , فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ " انتهى. انظر: "المغني" (3/391) . وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: كيف يكفن الرجل وكيف تكفن المرأة؟ فأجاب: " الأفضل أن يكفن الرجل في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة , هذا هو الأفضل , والمرأة تكفن في خمس قطع: إزار وقميص وخمار ولفافتين , وإن كفن الميت في لفافة واحدة ساترة جاز سواء كان رجلاً أو امرأة , والأمر في ذلك واسع ". "مجموع فتاوى ابن باز" (13/127) . وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (3/363) : " والمرأة يبدأ تكفينها بالإزار على العورة وما حولها , ثم قميص على الجسد , ثم القناع على الرأس وما حوله , ثم تلف بلفافتين " انتهى. الشيخ: عبد العزيز بن باز , الشيخ: عبد الرازق عفيفي , الشيخ: عبد الله غديان , الشيخ: عبد الله بن قعود. وقال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع: " وقد جاء في جعل كفن المرأة خمسة أثواب حديث مرفوع، إلا أن في إسناده نظراً؛ لأن فيه راوياً مجهولاً، ولهذا قال بعض العلماء: إن المرأة تكفن فيما يكفن به الرجل، أي: في ثلاثة أثواب يلف بعضها على بعض. وهذا القول إذا لم يصح الحديث هو الأصح؛ لأن الأصل تساوي الرجال والنساء في الأحكام الشرعية، إلا ما دلّ الدليل عليه، فما دلّ الدليل على اختصاصه بالحكم دون الآخر، خص به وإلا فالأصل أنهما سواء. وعلى هذا فنقول: إن ثبت الحديث بتكفين المرأة في هذه الأثواب الخمسة فهو كذلك، وإن لم يثبت فالأصل تساوي الرجال والنساء في جميع الأحكام، إلا ما دلّ عليه الدليل " انتهى. "الشرح الممتع" (5/224) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98189 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4651 تنظيم لقاء استذكاري للمتوفى [السُّؤَالُ] ـ[لدينا جمعية تهتم بكفالة اليتيم، وتقوم الجمعية بدور الوسيط بين المحسنين وأسر اليتامى. منذ حوالي شهرين توفي رئيس الجمعية رحمه الله، وكان مثالا في التضحية والوفاء وبذل الغالي والرخيص من أجل إدخال البهجة والسرور على أسر اليتامى. فكر الإخوة في مكتب الجمعية بتنظيم لقاء استذكاري للفقيد، ليس حفل تأبين، ولا الأربعين، أبدا، قرر المكتب أن يكون محور هذا اللقاء حول التذكير بدوره في العمل الخيري، كما قرروا تقديم شهادة تقدير لأهله اعترافا بالجهود التي بذلها الفقيد. ويتضمن اللقاء ورقة تعريفية عن الجمعية: الأنشطة والمنجزات. السؤال: هل هناك من حظر شرعي في تنظيم هذا اللقاء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إقامة المحاضرات والندوات واللقاءات للحديث عن المتوفى من العلماء أو الصالحين أو أهل الخير والإحسان جائز لا حرج فيه. ولكن ينبغي التقيد بالشروط الآتية: 1- أن يكون الغرض منها حث الناس على الخير، وشكر أهله، والاستفادة من الجوانب المنيرة في حياة الشخصية المتحدث عنها، وتعريف الناس بها لتشجيعهم على الاقتداء بأخلاقها وفضائلها. ولا يكون الغرض إثارة الأحزان والأشجان، وتذكر المصائب والآلام، لاستنزال الدموع واستثارة القلوب، فليست هذه الأمور من الشريعة في شيء، بل هي مضادة لما ندبت إليه من الصبر على المصائب، والرضا بقضاء الله وقدره. 2- ألا تجعل هذه اللقاءات عيدا يتكرر في كل عام، فإن المسلمين لا عيد لهم إلا عيد الفطر وعيد الأضحى فقط، ولا يجوز استحداث أي عيد في أي مناسبة غير ما جاء في الشرع. 3- أن يقتصر على كلمة الحق وقول الصدق، من غير مبالغة ولا مفاخرة، فإذا كان المتوفى مِن أهل الصلاح والعلم والخير يذكر ما قدمه لأمته ودينه، ولا يراد بهذا الذكر إلا وجه الله تعالى وحث الناس على الخير، وليس التقرب لمنصب ولا التزلف لولاية ولا التعصب لحزب أو جماعة، وأما إن كان من أهل المعاصي والشبهات، أو ممن خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا فلا يجوز تغرير الأمة بأمثالهم، ولا يحل الكذب في مدحهم والثناء عليهم بما ليس فيهم، والواجب تفويض أمرهم إلى الله تعالى. 4- ألا يصاحب هذه اللقاءات شيء من المنكرات، من عادات النياحة أو تعليق الصور أو استعمال المعازف، كما لا يجوز ربط هذه اللقاءات بليالي محددة كالأسبوع أو الأربعين ونحوها من الخرافات المنتشرة بين العوام. جاء في "الفتاوى الفقهية الكبرى" لابن حجر الهيتمي (2/18) : " قول ابن عبد السلام: بعض المراثي حرام، كالنوح؛ لما فيه من التبرم بالقضاء، إلا إذا ذكر مناقب عالم ورع أو صالح للحث على سلوك طريقته وحسن الظن به، بل هي حينئذ بالطاعة والموعظة أشبه، لما ينشأ عنها من البر والخير، ومن ثَمَّ ما زال كثير من الصحابة وغيرهم من العلماء يفعلونها على ممر الأعصار من غير إنكار " انتهى. وجاء في تهذيب وترتيب ابن الشاط لكتاب "الفروق" للقرافي (2/180-182) : " الْحَقُّ أَنَّ كُلًّا مِنْ النُّوَاحِ وَالْمَرَاثِي عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: حَرَامٌ كَبِيرَةٌ، وَحَرَامٌ صَغِيرَةٌ، وَمُبَاحٌ، وَمَنْدُوبٌ. أَمَّا ضَابِطُ مَا هُوَ حَرَامٌ كَبِيرَةٌ مِنْ النُّوَاحِ وَالْمَرَاثِي: فكل كلام يقرر في النفوس نسبة الرب سبحانه وتعالى إلى الظلم في قضائه وقدره، حيث يبالغ في تعداد فضائل الميت ومناقبه وأعماله التي انقطعت بموته، مما يعني أن موته كان مفسدة عظيمة، وأن الأصلح كان بقاؤه حيا. وَأَمَّا ضَابِطُ مَا هُوَ حَرَامٌ صَغِيرَةٌ: فكل كلام يهيج الأحزان ويؤدي إلى الضجر وعدم الصبر، وقد يؤدي إلى ضرب الخدود أو شق الثياب. وَأَمَّا ضَابِطُ مَا هُوَ مُبَاحٌ مِنْ النُّوَاحِ وَالْمَرَاثِي: فكل كلام ليس فيه إلا ذكر دين الميت وأنه انتقل إلى دار الجزاء، وأن جميع الخلق سيواجهون المصير نفسه. وَأَمَّا ضَابِطُ الْمَنْدُوبِ مِنْ النُّوَاحِ وَالْمَرَاثِي: فكل كلام فيه أمر أهل الميت بالصبر وحثهم عليه " انتهى باختصار وتصرف. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما أصل الذكرى الأربعينية، وهل هناك دليل على مشروعية التأبين؟ " أولا: الأصل فيها أنها عادة فرعونية، كانت لدى الفراعنة قبل الإسلام، ثم انتشرت عنهم وسرت في غيرهم، وهي بدعة منكرة لا أصل لها في الإسلام، يردها ما ثبت من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) رواه البخاري (2550) . ثانيا: تأبين الميت ورثاؤه على الطريقة الموجودة اليوم؛ من الاجتماع لذلك، والغلو في الثناء عليه، لا يجوز؛ لما رواه أحمد وابن ماجه وصححه الحاكم من حديث عبد الله بن أبي أوفى قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المراثي. ولما في ذكر أوصاف الميت من الفخر غالبا، وتجديد اللوعة وتهييج الحزن. وأما مجرد الثناء عليه عند ذكره، أو مرور جنازته، أو للتعريف به بذكر أعماله الجليلة ونحو ذلك مما يشبه رثاء بعض الصحابة لقتلى أحد وغيرهم، فجائز؛ لما ثبت عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (مروا بجنازة فأثنوا عليها خيرا. فقال صلى اله عليه وسلم: وجبت، ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شرا فقال: وجبت. فقال عمر رضي الله عنه: ما وجبت؟ قال: هذا أثنيتم عليه خيرا فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرا فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض) – متفق عليه – " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/154-155) . وقد استحب بعض أهل العلم المعاصرين أن يكون تنظيم هذه اللقاءات والمحاضرات بعد فترة طويلة من الوفاة، كي لا تتجدد الأحزان. فقد سئل الشيخ ابن عثيمين: يتم في بعض المساجد تخصيص خطبة يذكر فيها محاسن الميت ومآثره، مثل عالم أو داعية، فما حكم هذا الفعل؟ الجواب: "رأيي ألا يفعل؛ لأنها في قرب موت العالم أو الداعية تعتبر من النعي , ولهذا تُهَيِّج الناس ويبكون , أما لو كان بعد مدة طويلة وبعد ما تنسى المصيبة وتذكر مآثره كتاريخ له فهذا لا بأس به , لأن العلماء كلهم يكتب عنهم مآثرهم وآثارهم , أما أن يقصد بها التهييج والتحزن على فقد هذا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النعي، وهو من النعي , وإذا جاءت بِرَنَّةٍ معينة صار من الندب أيضاً " انتهى. "لقاءات الباب المفتوح" (لقاء رقم/207، سؤال رقم/15) . والحاصل: أن تنظيمكم اللقاء الاستذكاري للحديث عن رئيس الجمعية لا حرج فيه إذا التزمت الشروط السابقة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97389 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4652 السفر من أجل التعزية [السُّؤَالُ] ـ[إذا توفي أحد أقرباء الشخص أو أصدقائه وهم في بلد غير البلد التي هو فيها، فهل يجوز له أن يسافر إلى البلد التي هم فيها لتأدية العزاء ومواساة أهله في فقيدهم أم أن هذا يعد شد رحل ولا يجوز؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " إذا كان العزاء يشتمل على بدع وخرافات مثل إقامة المآتم التي في بعض البلاد فلا يجوز أن يشاركهم سواء سافر أو لم يسافر؛ لأن هذا النوع من البدع والمنكرات، أما إذا كان العزاء مجرد مواساة للأحياء، وتطييب لخواطرهم، ودعاء للميت المسلم بالرحمة والمغفرة فلا بأس بذلك، خصوصاً إذا كانوا من أقاربه ففي سفره إليهم وعزائهم ومواساتهم تطمين لخواطرهم وتخفيف من مصابهم، وربما يكونون بحاجة لحضوره ". "المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (2 / 269) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97225 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4653 إذا مات وهو جنب [السُّؤَالُ] ـ[ما هو حكم من مات جنبا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: موت الإنسان وهو جنب لا يدل على ضعف دين أو سوء خاتمة، ما دام قد أجنب بسبب مباح، كجماع الزوجة أو الاحتلام. وقد استشهد حنظلة رضي الله عنه وهو جنب، وغسلته الملائكة، وقصته مشهورة، رواها ابن إسحاق وغيره، كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري". وروى الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنها أن حمزة رضي الله عنه استشهد وهو جنب. قال ابن حجر: إسناده لا بأس به. ثانياً: إذا مات الرجل جنبا، أو ماتت المرأة حائضا، فإنه يغسل غسلاً واحدا، فيكفي غسل الموت عن غسل الجنابة والحيض. لأنه اجتمع سببان للغسل: الجنابة أو الحيض والموت فيكفي غسل واحد عنهما، كما لو اجتمع أكثر من سبب للوضوء، كخروج الريح، والبول، والنوم العميق، فإنه يكفي عنها جميعاً وضوء واحد. وانظر: "كشاف القناع" (2/87) . وقال النووي رحمه الله في "المجموع" (5/123) : " مذهبنا أن الجنب والحائض إذا ماتا غسلا غسلا واحدا , وبه قال العلماء كافة إلا الحسن البصري فقال: يغسلان غسلين. قال ابن المنذر: لم يقل به غيره " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97098 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4654 هل يجوز دفن الزوج مع زوجته في قبر واحد [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز دفن الزوج مع زوجته في نفس القبر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذهب كثير من فقهاء الشافعية، وهو المذهب عند الحنابلة، إلى أنه لا يجوز أن يدفن في قبر واحد أكثر من ميت، إلا عند الضرورة، بأن يكثر القتلى، أو يكون وباء أو حريق أو غرق، ويعسر دفن كل واحد في قبر، فيجوز حينئذ دفن الاثنين والثلاثة في قبر واحد، ولا يدفن رجل مع امرأة إلا عند اشتداد الضرورة، ويجعل بينهما حاجز من تراب. وقد دل على ذلك ما رواه البخاري (1343) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ يَقُولُ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ وَقَالَ أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ فِي دِمَائِهِمْ وَلَمْ يُغَسَّلُوا وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ) وروى النسائي (2010) واللفظ له والترمذي (1713) وأبو داود (3215) عَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: (شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْحَفْرُ عَلَيْنَا لِكُلِّ إِنْسَانٍ شَدِيدٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: احْفِرُوا وَأَعْمِقُوا وَأَحْسِنُوا وَادْفِنُوا الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ. قَالُوا: فَمَنْ نُقَدِّمُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: قَدِّمُوا أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا قَالَ فَكَانَ أَبِي ثَالِثَ ثَلَاثَةٍ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ) والحديث صححه الألباني في صحيح النسائي. قال النووي رحمه الله في المجموع (5/247) : " لا يجوز أن يدفن رجلان ولا امرأتان في قبر واحد من غير ضرورة , وهكذا صرح السرخسي بأنه لا يجوز , وعبارة الأكثرين: لا يدفن اثنان في قبر كعبارة المصنف , وصرح جماعة بأنه يستحب أن لا يدفن اثنان في قبر. أما إذا حصلت ضرورة بأن كثر القتلى أو الموتى في وباء أو هدم وغرق أو غير ذلك، وعسر دفن كل واحد في قبر فيجوز دفن الاثنين والثلاثة، وأكثر، في قبر , بحسب الضرورة للحديث المذكور , قال أصحابنا: وحينئذ يقدم في القبر أفضلهم إلى القبلة , فلو اجتمع رجل وصبي وامرأة قدم إلى القبلة الرجل , ثم الصبي , ثم الخنثى , ثم المرأة. قال أصحابنا: ويقدم الأب على الابن , وإن كان الابن أفضل لحرمة الأبوة , وتقدم الأم على البنت , ولا يجوز الجمع بين المرأة والرجل في قبر إلا عند تأكد الضرورة , ويجعل حينئذ بينهما تراب ليحجز بينهما بلا خلاف , ويقدم إلى القبلة الرجل وإن كان ابنا ". وذهب بعض أهل العلم إلى أن دفن أكثر من شخص في قبر واحد، مكروه فقط، وهو مذهب المالكية، ورواية عن أحمد، اختارها شيخ الإسلام رحمه الله. ينظر "الإنصاف" (2/551) ، شرح الخرشي (2/134) . وذهب آخرون إلى عدم الكراهة، وقالوا: إنه ترك للأفضل، فحسب. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والراجح عندي - والله أعلم - القول الوسط، وهو الكراهة، كما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، إلا إذا كان الأول قد دفن واستقر في قبره، فإنه أحق به، وحينئذٍ فلا يُدخل عليه ثان، اللهم إلا للضرورة القصوى " انتهى من "الشرح الممتع" (5/369) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96667 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4655 الوقوف عن يمين الإمام إذا ضاق المكان في صلاة الجنازة [السُّؤَالُ] ـ[هل يشرع أن يصف عن يمين الإمام في صلاة الجنازة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا دعت الحاجة فيصف عن يمينه وشماله والسنة الصلاة خلف الإمام، لكن لو كان المكان ضيقاً فلا بأس. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - م/13 ص/140. الحديث: 11680 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4656 هل يجوز استقبال القبر عند الدعاء لصاحبه؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز استقبال القبر عند الدعاء لصاحبه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب أن نفرق بين أمرين اثنين مشتبهين: الأول: القصد إلى القبر وتحري استقباله أثناء دعاء الإنسان لنفسه، تبركا، واعتقادا بقرب ذلك الإجابة: فهذا لا شك من البدع المحدثة، ومن الغلو الذي نهت عنه الشريعة، قد يؤدي إلى الوقوع في الشرك إذا صار الداعي يسأل صاحب القبر أن يقضي له الحاجات. يقول ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (27/165) : " وأما زيارة القبور لأجل الدعاء عندها أو التوسل بها أو الاستشفاع بها فهذا لم تأت به الشريعة أصلا، ولهذا كانت السنة عند الصحابة وأئمة المسلمين إذا سلم العبد على النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أن يدعو الله مستقبل القبلة، ولا يدعو مستقبل الحجرة، ولم أعلم الأئمة تنازعوا في أن السنة استقبال القبلة وقت الدعاء، لا استقبال القبر النبوي." انتهى ويقول أيضا رحمه الله في "اقتضاء الصراط المستقيم" (364) : " ولعل هذا الذي ذكره الأئمة أخذوه من كراهة الصلاة إلى القبر، فإن ذلك قد ثبت النهي فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما تقدم؛ فلما نهى أن يتخذ القبر مسجدا أو قبلة، أمروا بأن لا يتحرى الدعاء إليه كما لا يصلي إليه. قال مالك في المبسوط: لا أرى أن يقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم يدعو، ولكن يسلم ويمضى. وهذا أصل مستمر، فإنه لا يستحب للداعي أن يستقبل إلا ما يستحب أن يصلي إليه، ألا ترى أن المسلم لما نهى عن الصلاة إلى جهة المشرق وغيرها، فإنه ينهى أن يتحرى استقبالها وقت الدعاء، ومن الناس من يتحرى وقت دعائه استقبال الجهة التي يكون فيها معظمه الصالح، سواء كانت في المشرق أو غيره، وهذا ضلال بين وشرك واضح." انتهى. والمسلم حين يعبد الله بالدعاء يستحب له أن يتوجه إلى القبلة التي أمرنا بتعظيمها، وليس إلى قبور البشر الذين لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا. جاء في "كشاف القناع" ـ من كتب الحنابلة ـ (1/367) : " ويستقبل الداعي القبلة لأن خير المجالس ما استقبل به القبلة " انتهى. ومثله في حاشية "تحفة المحتاج" ـ من كتب الشافعية ـ (2/105) . ويقول ابن تيمية رحمه الله في "نقض التأسيس" (2/452) : " إن المسلمين مجمعون على أن القبلة التي يشرع للداعي استقبالها حين الدعاء هي القبلة التي شرع استقبالها حين الصلاة " انتهى. الثاني: أما عند زيارة القبر للدعاء للميت والاستغفار له، كما يصنع الناس عند زيارة موتاهم في قبورهم، فلا حرج على من يستقبل القبر في دعائه حينئذ، فإنه لم يفعل ذلك تقصدا لبركة ذلك القبر أو تعظيما لجهته، إنما ليكون أقرب في مكانه من الميت، وأقرب في دعائه منه. سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله (13/338) ما يلي: هل ينهى عن استقبال القبر حال الدعاء للميت؟ فأجاب رحمه الله: " لا ينهى عنه؛ بل يدعى للميت سواء استقبل القبلة أو استقبل القبر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على القبر بعد الدفن، وقال: (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل) رواه البخاري. ولم يقل استقبلوا القبلة، فكله جائز، سواء استقبل القبلة أو استقبل القبر، والصحابة رضي الله عنهم دعوا للميت وهم مجتمعون حول القبر." انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93858 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4657 إمام المسجد أحقّ بالإمامة في صلاة الجنازة [السُّؤَالُ] ـ[هل يصلي على الميت وليه أو الإمام الراتب؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يصلي عليه في المسجد الإمام الراتب. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - م/13 ص/137. الحديث: 8187 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4658 من مات بسبب تعطل الجهاز الهضمي فهو شهيد [السُّؤَالُ] ـ[ي بخصوص أنواع الشهداء فقد ذكر منهم المبطون.. ولدي أخ توفي منذ يومين بتوقف القلب كما ذكر في تقرير الوفاة ولكنه كان قد تعطل كل شيء لديه من الكلى للكبد وحتى الجهاز الهضمي لم يكن يعمل لديه فهل يعتبر ممن مات مبطوناً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله روى البخاري (2829) ومسلم (1914) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الشهداء خمسة: المطعون والمبطون والغرِق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله) . وروى أحمد (23804) وأبو داود (3111) والنسائي (1846) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما تعدون الشهادة؟ قالوا: القتل في سبيل الله تعالى. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الشهادة سبع سوى القتل في سبيل الله: المطعون شهيد، والغرق شهيد، وصاحب ذات الجنب شهيد، والمبطون شهيد، وصاحب الحريق شهيد، والذي يموت تحت الهدم شهيد، والمرأة تموت بجُمْع شهيدة) والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود. قال في عون المعبود شرح سنن أبي داود: " (المطعون) هو الذي يموت بالطاعون. (وصاحب ذات الجنب) وهي قرحة أو قروح تصيب الإنسان داخل جنبه ثم تفتح ويسكن الوجع وذلك وقت الهلاك، ومن علاماتها الوجع تحت الأضلاع وضيق النفس مع ملازمة الحمى والسعال وهي في النساء أكثر. قاله القارى. (والمبطون) من إسهال أو استسقاء أو وجع بطن. (والمرأة تموت بجُمع) قال الخطابي: معناه أن تموت وفي بطنها ولد "انتهى باختصار. وقال النووي رحمه الله في شرح مسلم: " وَأَمَّا (الْمَبْطُون) فَهُوَ صَاحِب دَاء الْبَطْن , وَهُوَ الإِسْهَال. قَالَ الْقَاضِي: وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي بِهِ الاسْتِسْقَاء وَانْتِفَاخ الْبَطْن , وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي تَشْتَكِي بَطْنه , وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يَمُوت بِدَاءِ بَطْنه مُطْلَقًا " انتهى. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ورد في الحديث أن المبطون شهيد، ما معنى كلمة مبطون، وهل يدخل في معناها من توفي من تليّف في الكبد؟ فأجاب: "المبطون قال أهل العلم: من مات بداء البطن، والظاهر أن من جنسه من مات بالزائدة لأنها من أدواء البطن التي تميت، ولعل من ذلك أيضاً من مات بتليف الكبد لأنها داء في البطن مميت " انتهى من فتاوى الشيخ ابن عثيمين لمجلة الدعوة. وبناء على ذلك فإن كان موت أخيك بسبب تعطل الكبد أو الجهاز الهضمي، فترجى له الشهادة. ونسأل الله تعالى أن يغفر له ويرحمه ويعلي درجته. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93015 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4659 يكفي السلام على الموتى في أول المقبرة مرة واحدة [السُّؤَالُ] ـ[هل يكفي السلام على الموتى في أول المقبرة مرة واحدة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يكفي ذلك وتحصل به الزيارة، وإن كانت القبور متباعدة فزارها من جميع جهاتها فلا بأس. كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - م/13 ص/335 وسئل الشيخ رحمه الله أيضاً: عند زيارة القبور هل يشرع للزائر أن يصل إلى القبر الذي يقصد زيارته؟ فأجاب رحمه الله: يكفي عند أول القبور، وإن أحب أن يصل إلى قبر من يقصد زيارته ويسلم عليه فلا بأس. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد العزيز بن باز يرحمه الله الحديث: 12624 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4660 وضع المصحف على بطن الميت وهل للعزاء مدة محددة؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم قراءة القرآن على الميت ووضع المصحف على بطنه، وهل للعزاء أيام محددة حيث يقال إنها ثلاثة أيام فقط؟ أرجو الإفادة جزاكم الله خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس لقراءة القرآن على الميت أو على القبر أصل صحيح بل ذلك غير مشروع، بل من البدع، وهكذا وضع المصحف على بطنه ليس له أصل، وليس بمشروع، وإنما ذكر بعض أهل العلم وضع حديدة أو شيء ثقيل على بطنه بعد الموت حتى لا ينتفخ. وأما العزاء فليس له أيام محددة، بل يشرع من حين خروج الروح قبل الصلاة على الميت وبعدها، وليس لغايته حد في الشرع المطهر سواء كان ذلك ليلاً أو نهاراً، وسواء كان ذلك في البيت أو في الطريق أو في المسجد أو في المقبرة أو في غير ذلك من الأماكن. والله ولي التوفيق. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/8 ص/362. الحديث: 8231 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4661 تشييع جنازة المستغيث بالقبور [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم تشييع جنازة من مات وهو يستغيث بالقبور؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين فأجاب: إذا مات مصرا على الاستغاثة بالأموات لم يجز تشييعه، وإذا لم يناقشه أحد فننظر هل هو في بلد فيه موحدون ودعاة للتوحيد وسبل لمعرفة التوحيد فهذا يغلب على الظن إقامة الحجة عليه فلا يشيّع، وإلا فيشيّع. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد الله بن جبرين الحديث: 2900 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4662 هل السلام على أهل المقابر للمار أم للداخل فقط [السُّؤَالُ] ـ[ذكر المقابر هل هو للداخل أو للمار؟ وإذا كان الشارع بمحاذاة سور المقبرة، هل يشرع أن يقوله وهو مار في الشارع؟ .]ـ [الْجَوَابُ] عُرض السؤال التالي على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله بقوله: قال الفقهاء بأنه يُسَنُّ السلام على أهل المقابر للمارّ وللداخل. فعلى هذا يقف المار ويُسَلِّم وينصرف. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن صالح العثيمين الحديث: 12092 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4663 تغسيل من مات بحادث قطَّع جسمه [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان إنسان في سيارة فتوفي، وكانت وفاة هذا الرجل مؤلمة جداً، بحيث كان أكثر عظامه قد تلوث بالدم، فهل يجوز لنا أن نغسله أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا تعذر غسله فإنه ييمم لعموم قوله تعلى: (فاتقوا الله ما استطعتم) التغابن/16، ولأن الله شرع التيمم للطهارة من الحدث الأكبر والأصغر في حالة عدم وجود الماء، أو العجز عن استعماله، أو التضرر باستعماله. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 8/371. الحديث: 22271 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4664 هل يُغسل ويُكفن الشهيد؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا مات المجاهد في سبيل الله فهل نقوم بتغسيله وتكفينه أم ندفنه بثيابه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا مات الشهيد في المعركة فلا يُغّسل ولا يُكفن وهذا قول جمهور العلماء؛ لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم " أمر بدفن شهداء أحد في دمائهم ولم يُغسلهم " رواه البخاري 1346 وإنما تُرك الغُسل ليبقى أثر الشهادة عليهم فإنه جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " والذي نفسي بيده لا يُكلم أحدٌ في سبيل الله والله أعلم بمن يُكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة اللون لون الدم والريح ريح مسك " رواه البخاري (2803) ومسلم (1876) وروى عبد الله بن ثعلبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " زِّملوهم بدمائهم فإنه ليس كلم يُكلم في الله إلا يأتي يوم القيامة يُدمى لونه لون الدم وريحه ريح المسك " رواه النسائي، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3573) أنظر المغني مع الشرح الكبير (2/333) والموسوعة الفقهية (26/274) . فإن كان الشهيد جنُباً فقد اختلف العلماء في تغسيله، والراجح أنه لا يُغسل إذ لا فرق بين الجُنب وغيره، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يغسل الذين قتلوا في أُحد، ولأن الشهادة تكفر كل شيء. أما ما يُذكر من أن عبد الله بن حنظلة " غسلته الملائكة " فهذا إن صح فليس فيه دليل على أنه يُغسله البشر؛ لأن تغسيل الملائكة له ليس شيئاً محسوساً لنا، وأحكام البشر لا تقاس على أحكام الملائكة، وما حصل لحنظلة رضي الله عنه هو من باب الكرامة وليس من باب التكليف. يراجع الشرح الممتع (5/365) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 13762 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4665 قول البعض في التعزية البقية في حياتك [السُّؤَالُ] ـ[اسمع بعض الناس يقول في التعزية: (البقية في حياتك) فما صحة هذه العبارة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا خطأ، فأي بقية بقيت، والله عز وجل يقول: (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) الأعراف /34 فالميت يموت وقد استوفى أجله تماماُ، ولم يتقدم ولم يتأخر فأين تلك البقية؟. ثم إن في ذلك مخالفة للسنة في التعزية، فالسنة أن يقال: لله ما أخذ ولله ما أعطى، أو أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك، وغفر لميتك وهكذا.. [الْمَصْدَرُ] من كتاب الإيمان بالقضاء والقدر لـ محمد بن إبراهيم الحمد ص 166. الحديث: 9845 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4666 هل يغَسَّل من قتل ظلماً [السُّؤَالُ] ـ[هل المقتول ظلماً مثل الشهيد لا يغسل ولا يصلى عليه أم أنه يغسل ويصلى عليه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المقتول ظلماً يغسل ويصلى عليه، فعمر الفاروق رضي الله عنه، قتل مظلوماً وعثمان رضي الله عنه قتل مظلوماً ومع هذا غُسلا وصلى عليهما الصحابة رضي الله عنهم، وهكذا علي رضي الله عنه قتل مظلوماً وغسل وصلي عليه. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - م/13 ص/121. الحديث: 8191 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4667 أفضلية كثرة المصلين على الجنازة [السُّؤَالُ] ـ[هل في كثرة عدد المصلين على الجنازة فضل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ثبت في حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه) رواه مسلم. ولذا استحب العلماء تحري المسجد الذي فيه جماعة كثيرة للصلاة على الميت فيه، وكلما كان العدد أكثر صار أقرب إلى الخير وأكثر للدعاء. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - م/13 ص/138. الحديث: 9966 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4668 حكم مشاهد القبور المكتوب عليها معلومات عن الميت [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز وضع قطعة من الحديد أو (لافتة) على قبر الميت مكتوب عليها آيات قرآنية. بالإضافة إلى اسم الميت وتاريخ وفاته.. إلخ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز أن يكتب على قبر الميت لا آيات قرآنية ولا غيرها، لا في حديدة ولا في لوح ولا في غيرهما، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث جابر رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم (نهى أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه) رواه الإمام مسلم في صحيحه، زاد الترمذي والنسائي بإسناد صحيح (وأن يكتب عليه) . [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/9 ص/378. الحديث: 9986 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4669 حكم قراءة القرآن على قبر الميت [السُّؤَالُ] ـ[بعض الناس في قريتنا يقومون بإحضار مجموعة من المشايخ ممن لهم دراية بقراءة القرآن فيقرؤون القرآن بحجة أن هذا القرآن ينفع الميت ويرحمه، والبعض الآخر يستدعي شيخاً أو اثنين لقراءة القرآن على قبر هذا الميت، والبعض الآخر يقيمون محفلاً كبيراً يدعون فيه واحداً من القراء المشاهير عبر مكبرات الصوت ليحيي الذكرى السنوية لوفاة عزيزه فما حكم الدين في ذلك؟ وهل قراءة القرآن تنفع الميت على القبر أو غيره، وما هي الطريقة المثلى لمنفعة الميت؟ أفتونا جزاكم الله عنا خير الجزاء ولكم منا جزيل الشكر والامتنان.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا العمل بدعة لا يجوز لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) متفق على صحته وقوله صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أخرجه مسلم في صحيحه، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. ولم يكن من سنته صلى الله عليه وسلم ولا من سنة خلفائه الراشدين رضي الله عنهم القراءة على القبور، أو الاحتفال بالموتى وذكرى وفاتهم. والخير كله في اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، وخلفائه الراشدين ومن سلك سبيلهم كما قال عز وجل: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم) التوبة/100، وقال صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في خطبته يوم الجمعة: (أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة) والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. وقد أوضح النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة ما ينفع المسلم بعد موته فقال صلى الله عليه وسلم: (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) أخرجه مسلم في صحيحه، وسأله صلى الله عليه وسلم رجل فقال: يا رسول الله هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (نعم؛ الصلاة عليهما والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما) والمراد بالعهد الوصية التي يوصي بها الميت، فمن بره إنفاذها إذا كانت موافقة للشرع المطهر. ومن بر الوالدين الصدقة عنهما والدعاء لهما والحج والعمرة عنهما، والله ولي التوفيق. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/9 ص/319. الحديث: 9979 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4670 دفن الكافر في مقابر المسلمين [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز دفن ولد كافر في مقابر المسلمين إذا أخذه المسلم متبنياً له ثم مات قبل أن يبلغ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز دفن كافر في مقابر المسلمين سواء كان متبني لمسلم أم لا وسواء بلغ أم لم يبلغ، لكن إذا وجد منه ما يدل على إسلامه دفن في مقابر المسلمين، علماً بأنه يحرم التبني في الإسلام لقوله تعالى: (ادعوهم لآبائهم) الأحزاب / 5. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 9/10. الحديث: 10026 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4671 الذكرى الأربعينية عادة فرعونية [السُّؤَالُ] ـ[ما أصل الذكرى الأربعينية؟ وهل هناك دليل على مشروعية التأبين؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الأصل فيها أنها عادة فرعونية، كانت لدى الفراعنة قبل الإسلام، ثم انتشرت عنهم وسرت في غيرهم، وهي بدعة منكرة لا أصل لها في الإسلام، ويردها ما ثبت من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) متفق على صحته. ثانياً: تأبين الميت ورثاؤه على الطريقة الموجودة اليوم من الاجتماع لذلك والغلو في الثناء عليه لا يجوز، لما رواه أحمد وابن ماجه وصححه الحاكم من حديث عبد الله بن أبي أوفى قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المراثي) ، ولما في ذكر أوصاف الميت من الفخر غالباً وتجديد اللوعة وتهييج الحزن. وأما مجرد الثناء عليه عند ذكره أو مرور جنازته أو للتعريف به بذكر أعماله الجليلة ونحو ذلك مما يشبه رثاء بعض الصحابة لقتلى أحد وغيرهم فجائز، لما ثبت عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: مروا بجنازة فأثنوا عليها خيراً، فقال صلى الله عليه وسلم: (وجبت) ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شراً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (وجبت) ، فقال عمر رضي الله عنه: ما وجبت؟ قال صلى الله عليه وسلم: (هذا أثنيتم عليه خيراً فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شراً فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض) . رواه البخاري ومسلم. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - م/13 ص/398. الحديث: 12552 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4672 حكم زيارة النساء للقبور [السُّؤَالُ] ـ[توفي والد خالتي، وقد زارت خالتي قبره مرة وتريد أن تزوره مرة أخرى وسمعت حديثاً معناه تحريم زيارة المرأة للقبور، فهل هذا الحديث صحيح وإذا كان صحيحاً فهل عليها إثم يستوجب الكفارة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصحيح أن زيارة النساء للقبور لا تجوز للحديث المذكور وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه لعن زائرات القبور فالواجب على النساء ترك زيارة القبور والتي زارت القبر جهلاً منها فلا حرج عليها وعليها أن لا تعود فإن فعلت فعليها التوبة والاستغفار والتوبة تجب ما قبلها. فالزيارة للرجال خاصة، قال صلى الله عليه وسلم: (زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة) وكانت الزيارة في أول الأمر ممنوعة على الرجال والنساء لأن المسلمين حدثاء عهد بعبادة الأموات والتعلق بالأموات فمنعوا من زيارة القبور سداً لذريعة الشر وحسماً لمادة الشرك، فلما استقر الإسلام وعرفوا الإسلام شرع الله لهم زيارة القبور لما فيها من العظة والذكرى من ذكر الموت والآخرة والدعاء للموتى والترحم عليهم ثم منع الله النساء من ذلك في أصح قولي العلماء لأنهن يفتن الرجال وربما فتن في أنفسهن ولقلة صبرهن وكثرة جزعهن فمن رحمة الله وإحسانه إليهن أن حرم عليهن زيارة القبور، وفي ذلك أيضاً إحسان للرجال لأن اجتماع الجميع عند القبر قد يسبب فتنة فمن رحمة الله أن منعهن من زيارة القبور. أما الصلاة فلا بأس، فتصلي النساء على الميت وإنما النهي عن زيارة القبور فليس للمرأة زيارة القبور في أصح قولي العلماء للأحاديث الدالة على منع ذلك. وليس عليها كفارة وإنما عليها التوبة فقط. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/9 ص / 28. الحديث: 8198 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4673 جواز غسل أحد الزوجين للآخر بعد الوفاة [السُّؤَالُ] ـ[هل الأولى بتغسيل الرجل زوجته أو الرجال؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تغسيل المرأة زوجها أمر لا بأس به إذا كانت خبيرة بذلك، وقد غسل علي رضي الله عنه زوجته فاطمة رضي الله عنها، وغسلت أسماء بنت عميس زوجها أبا بكر الصديق رضي الله عنه. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - م/13 ص/107. الحديث: 9942 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4674 هل هناك أجر محدد لتجهيز الميت [السُّؤَالُ] ـ[ما الأجر الذي يحصل عليه من يجهز جسد الميت ويعده للدفن؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا نعلم دليلا صحيحا يدل على مقدار الأجر الذي يحصل عليه من يجهز الميت ويعدّه للدفن، وفضل الله واسع. فالذي يصلي على جنازة له قيراط من الأجر (القيراط: مثل جبل أُحُد) ، والذي يتبعها إلى الدفن له قيراطان، فالذي يحتسب في تجهيزها نأمل أن يكون أجره أكثر. سعد الحميد. تغسيل الميت فرض كفاية فليس له أجر محدد، فإذا قام به من يكفي كان سنة على الباقين، فلم يأت شيء بخصوصه محدد. فعليه أجر لأنه من الواجبات وتركه إذا تم ففيه إثم. الشيخ عبد الكريم الخضير. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 12193 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4675 التعزية في أهل المعاصي [السُّؤَالُ] ـ[أحياناً تحدث وفاة شخص ما إما متعمد للانتحار، أو شخص سكير شرب مسكراً يحتوي على كمية كبيرة من المادة المؤدية للوفاة، أو شخص اعتدي عليه للخلاص من شره فهل يجوز مواساة والدة المتوفَّى بسبب من هذه الأسباب، أو غيرها ممن يمت له بصلة، حيث إنني أتردد كثيراً، هل أذهب أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا بأس بالتعزية، بل تستحب، وإن كان الفقيد عاصياً بانتحار أو غيره، كما تستحب لأسرة من قتل قصاصاً، أو حداً، كالزاني المحصن، وهكذا من شرب المسكر حتى مات بسبب ذلك، لا مانع في تعزية أهله فيه، ولا مانع من الدعاء له ولأمثاله من العصاة بالمغفرة والرحمة، ويغسل ويصلى عليه، لكن لا يصلي عليه أعيان المسلمين مثل السلطان والقاضي ونحو ذلك، بل يصلي عليه بعض الناس من باب الزجر عن عمله السيء. أما من مات بعدوان غيره عليه فهذا مظلوم، يُصلَّى عليه ويدعى له إذا كان مسلماً، وكذا من مات قصاصاً - كما تقدم - فهذا يصلى عليه ويدعى له ويعزى أهله في ذلك إذا كان مسلماً ولم يحصل منه ما يوجب ردته. والله ولي التوفيق. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - م/13 ص/374. الحديث: 12530 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4676 لا يجوز إحراق جثة الميت بعد الموت [السُّؤَالُ] ـ[لقد أسلمت حديثاً. وعندنا عادة في عائلتي تتمثل في أنهم يحرقون جثثهم بعد الموت. لقد كنت أتصور دائماً أن هذا هو أفضل شيء يمكن فعله للحفاظ على بيئة الأرض. هل لك أن تدلني إذا كان هذا مباحاً في الإسلام أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لابد من معرفة أن تعاليم الإسلام وشرائعه جاءت لإكرام الناس، قال تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم) الإسراء/70، ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم عليه وسلم هو الذي يبلغنا شرع ربنا، فقد علمنا ما شرعه الله لنا في الأموات وما يجوز لنا تجاههم وما لا يجوز، ولذلك جاء هدي الإسلام مخالفاً لهَدْيِ سائر الامم , مشتملا على الاحسان إلى الميت ومعاملته بما ينفعه، فقد شرع الله لنا أنه إذا مات المسلم فإننا نُغَسِّلُهُ ونُنَظِّفُه ثم بعد ذلك نُكَفِّنُهُ في ثياب بيضاء، ونُصَلِّي عليه وندعو له بالرحمة والمغفرة ثم بعد ذلك أوجب علينا أن ندفنَه ونواريَه في التراب، ثم بعد ذلك نزور القبور وندعوا لأهلها من المسلمين، وليس مشروعاً في الإسلام أن يُحْرَقَ الميت بل هذا امْتِهَانٌ له وحَطٌ من كرامته , فقد حَرَّمَ الإسلام أن يُدَاسَ ويُمْشَى ويقعد على قبر الميت، فكيف بحرقه ْْ!! بل وحتى غير المسلمين يشرع دفنهم في الإسلام وهكذا يفعل المسلمون بمن مات في بلادهم من الكفار ولكن لا يدفن الكفار مع المسلمين في مكان واحد، وبعض الكفار ربما يحرقون جثث أمواتهم لعدم إيمانهم باليوم الآخر ولذلك فإنه لا يجوز إحراق الميت، وإنما الواجب دفن الميت. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 9089 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4677 الاجتماع في بيت الميت والدعاء الجماعي له [السُّؤَالُ] ـ[عندما يتوفى المرء تذهب العائلات إلى بيت الفقيد ويجلسون مع عائلته يدعون له جماعة. هل هذا جائز؟ كما أنه في المسجد يعقدون ما يسمى بـ "الختمة"، هل هذا مسموح به؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء ما يلي: لا نعلم دليلا لا من الكتاب ولا من السنة يدل على مشروعية قراءة أي سورة من سور القرآن في مكان ما أو في سكن الميت ولا نعلم أحدا من الصحابة أو التابعين أو تابعي التابعين نُقل عنه ذلك والأصل منعه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) رواه مسلم (الأقضية/3243) أما الاجتماع والدعاء له فإن الدعاء عبادة والعبادة مبناها على التوقيف ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا بصحابته على جنازة ما، بعد الفراغ من الصلاة، والثابت عنه أنه كان يقف عند القبر بعد أن يسوى على صاحبه ويقول (استغفروا لأخيكم فإنه الآن يسأل) ، وبما تقدم يعلم أن الصواب عدم الدعاء بصفة جماعية بعد صلاة الميت وأن ذلك بدعة. انتهى فتاوى اللجنة الدائمة (9/16) فادعوا لميتكم كل واحد منكم بمفرده ولا بأس بالدّعاء له في الصّلاة وخارج الصلاة في أوقات الإجابة كثلث الليل الآخر وآخر ساعة من العصر يوم الجمعة وبين الأذان والإقامة وغيرها، وأخلصوا له في الدّعاء، وعندما يكون الدعاء بينكم وبين الله تشعرون بخشوع فيه وإخلاص لا تجدونه في أدعية المجاملات التي يفعلها الناس جماعيا أمام أهل الميت، وفقنا الله وإياكم لكل خير. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 9965 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4678 ترفض المزيد من غسل النساء الميتات منعاً لتبلد الإحساس [السُّؤَالُ] ـ[إحدى النساء كانت تغسل الأموات متطوعة وأخيراً رفضت القيام بهذا العمل رغم الحاجة إليها بحجة تبلد الإحساس والغلظة تجاه الأموات، فهل توافق على هذا الرأي أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المشروع لها أن تحتسب وتصبر في تغسيل الأموات إذا كانت الحاجة داعية إليها، وكانت معروفة بالخير والإتقان لهذا العمل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته) متفق على صحته، وقوله صلى الله عليه وسلم: (والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه) أخرجه مسلم في صحيحه. والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - م/13ص/117. الحديث: 10803 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4679 هل يخبر مغسّل الميت الآخرين بعلامات الخير والشر [السُّؤَالُ] ـ[هل يبين المغسل بعض العلامات من الخير والشر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله علامات الخير لا بأس بالإخبار عنها، أما الشر فلا، لأنها غيبة، لكن لو قال: إن بعض الأموات يكون أسود أو غير ذلك فلا بأس، لكن الممنوع أن يقول غسلت فلاناً ورأيت فيه كذا من علامات الشر، لأن ذلك يحزن أهله ويؤذيهم وهو من الغيبة. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - م/13 ص/123. الحديث: 12492 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4680 حضور واتباع جنازة الجار غير المسلم [السُّؤَالُ] ـ[وفقا لما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه الطبراني فيما يتعلق بحقوق الجار، يقول الحديث: (حق الجار إذا مرض أن تزوره، وإذا مات أن تتبع جنازته، … .) الحديث حيث أن الحديث يتحدث عن الجار والجار يمكن أن يكون مسلماً ويمكن أن يكون غير مسلم. فهل من الممكن للمسلم أن يحضر جنازة غير المسلم؟ أرجو أن تسلط الضوء على هذه المسألة حسبما جاء في القرآن والسنة. إضافة إلى أن هذه المسألة مهمة للمسلمين الجدد الذين لم يسلم والديهم. هل من الجائز حضور جنازة الوالدين غير المسلمين؟ أسأل الله سبحانه وتعالى أن يبارك فيك. آمين]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز للمسلم شهود جنازة الكافر واتباعها إذا كان قريباً له كأن يكون الميت أمه وأباه أو أخاً أو ذا قرابة منه لكن لا يجوز له أن يشاركهم في الصلاة عليه ولا في شيء من شعائر دينهم، قال زكريا الأنصاري رحمه الله: " وَلَهُ (أي يجوز للمسلم بلا كراهة) تَشْيِيعُ جِنَازَةِ كَافِرٍ قَرِيبٍ " لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد {عَنْ عَلِيٍّ قَالَ لَمَّا مَاتَ أَبُو طَالِبٍ أَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْت إنَّ عَمَّك الشَّيْخَ الضَّالَّ قَدْ مَاتَ قَالَ انْطَلِقْ فَوَارِهِ} (ورواه النسائي 190) ، قَالَ الأَذْرَعِيُّ وَلا يَبْعُدُ إلْحَاقُ الزَّوْجَةِ وَالْمَمْلُوكِ بِالْقَرِيبِ.. انْتَهَى، وَأَمَّا زِيَارَةُ قَبْرِهِ فَفِي الْمَجْمُوعِ: الصَّوَابُ جَوَازُهُ وَبِهِ قَطَعَ الأكثرون لِخَبَرِ مُسْلِمٍ {اسْتَأْذَنْت رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي وَاسْتَأْذَنْته أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي} وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ {فَزُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمْ الْمَوْتَ} . أسنى المطالب شرح روض الطالب ج1 فصل: مشي المشيّع للجنازة ومن الفروق في تشييع جنازة المسلم وجنازة الكافر ما ذكره المرداوي رحمه الله في كتابه الإنصاف حيث قال شارحا: قَوْلُهُ (وَأَنْ يَكُونُ الْمُشَاةُ أَمَامَهَا) يَعْنِي يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الأَصْحَابِ وَاخْتَارَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ: يَمْشِي حَيْثُ شَاءَ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي: حَيْثُ مَشَى فَحَسَنٌ،.. قَوْلُهُ (وَالرُّكْبَانُ خَلْفَهَا) يَعْنِي يُسْتَحَبُّ، وَهَذَا بِلا نِزَاعٍ فَلَوْ رَكِبَ وَكَانَ أَمَامَهَا كُرِهَ، قَالَهُ الْمَجْدُ. وَمُرَادُ مَنْ قَالَ " الرُّكْبَانُ خَلْفَهَا " إذَا كَانَتْ جِنَازَةَ مُسْلِمٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ جِنَازَةَ كَافِرٍ: فَإِنَّهُ يَرْكَبُ وَيَتَقَدَّمُهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ. الإنصاف ج2 كتاب الجنائز وهذا كله مقيد بما إذا لم يكن يلزم من اتباع الجنازة الوقوع في محرم كسماع المعازف وما أشبه ذلك فإنّه يحرم حينئذ، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2278 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4681 من الأَوْلَى بتغسيل الميت [السُّؤَالُ] ـ[إذا أوصى الميت بتحديد من يغسله فهل تنفذ وصيته؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم تنفذ وصيته. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - م/13 ص/107. الحديث: 9947 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4682 حكم تخصيص يوم الجمعة لزيارة المقابر [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم تخصيص يوم الجمعة لزيارة المقابر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا أصل لذلك، والمشروع أن تزار القبور في أي وقت تيسر للزائر من ليل أو نهار، أما التخصيص بيوم معين أو ليلة معينة فبدعة لا أصل له، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) متفق على صحته، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أخرجه مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - م/13 ص/336. الحديث: 12322 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4683 حكم إخراج الجنين من المرأة الميتة [السُّؤَالُ] ـ[إذا ماتت المرأة وهي حامل وقرر الأطباء أن الجنين في بطنها ما يزال حياً، فهل يجوز إجراء عملية جراحية لها وإخراج الجنين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المرأة إذا ماتت وفي بطنها جنين فالغالب أنه يموت معها ولو بقي لا يبقى إلا لحظات قليلة، ولكن لو فرضنا أن الأمر صحيح ويمكن إنقاذه حياً بشق بطنها، فقد قرر الحنابلة أنه لا بأس إذا تحقق أنه يمكن إخراجه حياً من بطن أمه، قالوا: يشق بطنها ويستخرج حياً، ويخيط بطنها وتدفن والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى سماحة الشيخ عبد الله بن حميد ص 174 الحديث: 11553 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4684 حكم زيارة المسلم لقبور الكفار [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم زيارة المسلم لقبور الكفار؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز زيارة قبر من مات على غير الإسلام للعبرة فقط. وذلك لما رواه أبو هريرة، قال: (زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه، فبكى وأبكى من حوله، فقال: استأذنت ربي في أن أستغفر لها، فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت) أخرجه مسلم (3/65) وأبو داوود (2/72) والنسائي (1/286) وابن ماجه والحاكم والبيهقي وأحمد. وكذلك ما رواه بريدة رضي الله عنه قال: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، وفي رواية في غزوة الفتح، فنزل بنا ونحن معه قريب من ألف راكب، فصلى ركعتين، ثم أقبل علينا بوجهه وعيناه تذرفان، فقام إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ففداه بالأب والأم، يقول: يا رسول الله مالك؟ قال: إني سألت ربي عز وجل في الاستغفار لأمي، فلم يأذن لي، فدمعت عيناي رحمة لها من النار، واستأذنت ربي في زيارتها فأذن لي، وإني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، ولتزدكم زيارتها خيراً) أخرجه أحمد (5/355-359) ، وابن أبي شيبة (4/139) وابن حبان والحاكم والزيادة الأخرى للحاكم وقال: (صحيح على شرط الشيخين) ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. ورواه الترمذي مختصراً وصححه. وإذا زار قبر الكافر فلا يسلم عليه، ولا يدعو له، بل يبشره بالنار. ودليل ذلك ما جاء في حديث سعد بن أبي وقاص قال: (جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبي كان يصل الرحم، وكان وكان، فأين هو؟ قال: في النار، فكأن الأعرابي وجد من ذلك، فقال: يا رسول الله! فأين أبوك؟ قال: (حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار) قال: فأسلم الأعرابي بعد، فقال: لقد كلفني رسول الله صلى الله عليه وسلم تعباً! ما مررت بقبر كافر إلا بشرته بالنار) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (1/191) وابن السني في عمل اليوم والليلة (588) والضياء المقدسي في الأحاديث المختارة بسند صحيح وقال الهيثمي (1/117-118) : " رواه البزار والطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح. وكذلك حديث أبي هريرة مرفوعاً: (إذا مررتم بقبورنا وقبوركم من أهل الجاهلية، فأخبروهم أنهم من أهل النار) رواه ابن السني في اليوم والليلة بسند فيه يحيى بن يمان وهو سيء الحفط عن محمد بن عمر، ولم أعرفه عن أبي سلمة عنه، لكن الظاهر أنه ابن عمرو بفتح العين وسكون الميم ثم واو بعد الراء، سقط من الطابع حرف الواو، وهو حسن الحديث. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] من مختصر أحكام الجنائز للألباني بتصرف. الحديث: 11890 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4685 ماذا يفعل الشخص إذا فوجئ بوفاة شخص في بيته [السُّؤَالُ] ـ[ماذا يجب على أقارب الميت أن يفعلوا إذا فوجئوا بوفاة قريبهم، إنّ هذا الموقف يتكرر في كلّ الأسر والكثير ليس لديه علم بما ورد في الشّرع الإسلامي حول هذا، هلا وضّحتم لنا بالأدلّة ما هو الصّحيح أن يُفعل، حتى لو تعرّض الواحد منا إلى هذا الموقف لا يقع في بدعة أو خطأ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا قضى الميت وأسلم الروح، فعلى أقاربه فِعْل ما يلي: أ - أن يغمضوا عينيه. ب - ويدعوا له أيضا. لحديث أم سلمة قالت: (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة وقد شق بصره، فأغمضه ثم قال: (إن الروح إذا قبض تبعه البصر، فضج ناس من أهله فقال: لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون) ثم قال: (اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وافسح له في قبره ونور له فيه) . أخرجه مسلم وأحمد والبيهقي وغيرهم. ج - أن يغطوه بثوب يستر جميع بدنه. لحديث عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفي سجّى ببرد حِبَرَة) أخرجه الشيخان في صحيحيهما والبيهقي وغيرهم. د - وهذا في غير من مات محرما، فإن المحرم لا يغطى رأسه ووجهه. لحديث ابن عباس قال: " بينما رجل واقف بعرفة، إذ وقع عن راحلته فوقصته، أو قال: فأقعصته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبين، " وفي رواية: في ثوبيه [الذين أحرم فيهما] ... " ولا تحنطوه، " وفي رواية: ولا تطيبوه " ولا تخمروا رأسه [ولا وجهه] ، فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً) " أخرجه الشيخان في صحيحيهما وأبو نعيم في المستخرج والبيهقي وليست الزيادة عند البخاري. هـ - أن يعجلوا بتجهيزه وإخراجه إذا بان موته. لحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: (أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحة فخير تقدمونها عليه، وإن تك غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم) أخرجه الشيخان، والسياق لمسلم، وأصحاب السنن الأربعة، وصححه الترمذي وأحمد والبيهقي من طرق عن أبي هريرة. و أن يدفنوه في البلد الذي مات فيه، ولا ينقلوه إلى غيره، لأنه ينافي الإسراع المأمور به. ولذلك قالت عائشة رضي الله عنها لما مات أخ لها بوادي الحبشة فحمل من مكانه: (ما أجد في نفسي، أو يحزنني في نفسي إلا أني وددت أنه كان دفن في مكانه) . أخرجه البيهقي بإسناد صحيح. قال النووي في الأذكار: " وإذا أوصى بأن ينقل إلى بلد آخر لا تنفذ وصيته، فإن النقل حرام على المذهب الصحيح المختار الذي قاله الأكثرون، وصرح به المحققون) . ز - أن يبادر بعضهم لقضاء دينه من ماله، ولو أتى عليه كله، فإن لم يكن له مال فعلى الدولة أن تؤدي عنه إن كان جهد في قضائه، فإن لم تفعل، وتطوع بذلك بعضهم جاز. فعن سعد بن الأطول رضي الله عنه: (أن أخاه مات وترك ثلاثمائة درهم، وترك عيالاً، قال: فأردت أن أنفقها على عياله، قال: فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: إن أخاك محبوس بدينه " فاذهب " فاقض عنه " فذهبت فقضيت عنه، ثم جئت " قلت: يا رسول الله، قد قضيت عنه إلا دينارين ادعتهما امرأة، وليست لها بينة، قال أعطها فإنها محقة، " وفي رواية صادقة ") أخرجه ابن ماجه وأحمد والبيهقي وأحد إسناديه صحيح والآخر مثل إسناد ابن ماجه، وصححه البوصيري في الزوائد. وعن سمرة بن جندب (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة " وفي رواية صلى الصبح " فلما انصرف قال: أههنا من آل فلان أحد؟ " فسكت القوم، وكان إذا ابتدأهم بشيء سكتوا " فقال ذلك مراراً " ثلاثاً لا يجيبه أحد "، " فقال رجل: هو ذا " قال: فقام رجل يجر إزاره من مؤخر الناس " فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما منعك في المرتين الأولين أن تكون أجبتني؟ " أما إني لم أنوه باسمك إلا لخير، إن فلاناً - لرجل منهم - مأسور بدينه " عن الجنة، فإن شئتم فافدوه، وإن شئتم فأسلموه لعذاب الله "، فلو رأيت أهله ومن يتحرون أمره قاموا فقضوا عنه، " حتى ما أحد يطلبه بشيء ") أخرجه أبو داوود والنسائي والحاكم والبيهقي والطيالسي في مسنده وكذا أحمد بعضهم عن الشعبي عن سمرة، ويعضهم أدخل بينهما سمعان بن مُشَنّج، وهو على الوجه الأول صحيح على شرط الشيخين كما قال الحاكم ووافقه الذهبي، وعلى الوجه الثاني صحيح فقط. نسأل الله أن يغفر للمؤمنين والمؤمنات وصلى الله على نبينا محمد [الْمَصْدَرُ] من مختصر أحكام الجنائز للألباني بتصرف. الحديث: 13543 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4686 صنع الطعام في العزاء [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم صنع الطعام للناس في العزاء وما حكم أكل ضيوف أهل الميت من الطعام الذي يأتيهم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأفضل أن يصنع الجيران والأقارب الطعام في بيوتهم ثم يهدوه إلى أهل الميت؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما بلغه موت ابن عمه جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه في غزوة مؤتة أمر أهله أن يصنعوا لأهل جعفر طعاماً وقال: (لأنهم قد أتاهم ما يشغلهم) وأما كون أهل الميت يصنعون طعاماً للناس من أجل الميت فهذا لا يجوز وهو من عمل الجاهلية سواء كان ذلك يوم الموت أو في اليوم الرابع أو العاشر أو على رأس السنة، كل ذلك لا يجوز لما ثبت عن جرير بن عبد الله البجلي - أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصناعة الطعام بعد الدفن من النياحة) أما إن نزل بأهل الميت ضيوف زمن العزاء فلا بأس أن يصنعوا لهم الطعام من أجل الضيافة، كما أنه لا حرج على أهل الميت أن يدعوا من شاؤا من الجيران والأقارب ليتناولوا معهم ما أهدي لهم من الطعام، والله ولي التوفيق. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/9 ص / 325. الحديث: 13307 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4687 وضع البلاستيك فوق الكفن لمنع الرائحة المؤذية [السُّؤَالُ] ـ[نحن نعمل في مغسلة أموات خيرية وتأتينا بعض الحالات التي مضى على وفاتها أيام وتكون متعفنة أو بعض الحالات المتقطعة بسبب الحوادث فيكون فيها النزيف شديدا.. فنقوم بوضع بلاستيك بعد الكفن الذي يلي جسد الميت ثم باقي الأكفان تأتي من بعده..وذلك لكي نمنع الأذية التي تحدث للناس من خروج الدم والرائحة من الجنازة.. فهل هذا يجوز من باب دفع الضرر عن الناس والمساجد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج في وضع البلاستيك فوق الكفن، لمنع خروج الدم والرائحة المؤذية، وإن كان الطيب كافياً في منع الرائحة المؤذية اقتُصر عليه. وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: يجعل بعض المغسلين على الميت في حوادث السيارات كيساً من البلاستيك حتى لا يخرج الدم على الأكفان؟ فأجاب: " لا بأس أن يجعل على الجرح ما يمسكه ". انتهى من " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (13/128) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 90004 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4688 الصلاة على الميت بعد دفنه بسنوات [السُّؤَالُ] ـ[لي جدة توفيت ولم أصل عليها، وأنا في نفس المدينة، حيث دفنوها قبل حضوري لهم، وهي الآن متوفية منذ 3 سنوات. فهل علي شيء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يبدو من سؤالك أنك تشعر بالتقصير تجاه جدتك، فإذا كنت في المدينة نفسها وتتمكن من إدراك صلاة الجنازة والدفن فلماذا لم تفعل؟ وأي عذر منعك عن شهود خير ما يمكن أن تبر به جدتك في مماتها، بالصلاة عليها والدعاء والاستغفار لها! والأجداد والجدات يجب برهم والإحسان إليهم كالوالدين. جاء في "الموسوعة الفقهية" (16/133) : " الجد والجدة كالأبوين في البر " انتهى بتصرف. وأمامك فرصة لتعويض ما فاتك إن شاء الله، إذ يمكنك أن تذهب فتصلي على قبرها صلاة الجنازة، فقد ذهب الإمام الشافعي وغيره إلى جواز الصلاة على الميت في قبره، ويدل على ذلك: ما رواه البخاري (458) ومسلم (956) أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى على امرأة في قبرها، كانت تنظف المسجد، وكان الصحابة قد دفنوها من غير أن يخبروا الرسول صلى الله عليه وسلم بموتها. وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِقَبْرٍ قَدْ دُفِنَ لَيْلا، فَقَالَ: مَتَى دُفِنَ هَذَا؟ قَالُوا: الْبَارِحَةَ. قَالَ: أَفَلا آذَنْتُمُونِي!؟ قَالُوا: دَفَنَّاهُ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ فَكَرِهْنَا أَنْ نُوقِظَكَ. فَقَامَ فَصَفَفْنَا خَلْفَهُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَا فِيهِمْ فَصَلَّى عَلَيْهِ) رواه البخاري (1321) . وعن يَزِيدَ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه: (أَنَّهُمْ خَرَجُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَرَأَى قَبْرًا جَدِيدًا، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: هَذِهِ فُلانَةُ، مَوْلاةُ بَنِي فُلَانٍ، فَعَرَفَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَاتَتْ ظُهْرًا وَأَنْتَ نَائِمٌ قَائِلٌ (أي: في القيلولة) فَلَمْ نُحِبَّ أَنْ نُوقِظَكَ بِهَا، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَّ النَّاسَ خَلْفَهُ، وَكَبَّرَ عَلَيْهَا أَرْبَعًا، ثُمَّ قَالَ: لا يَمُوتُ فِيكُمْ مَيِّتٌ مَا دُمْتُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ إِلا آذَنْتُمُونِي بِهِ؛ فَإِنَّ صَلاتِي لَهُ رَحْمَةٌ) رواه النسائي (2022) وحسنه ابن عبد البر في "التمهيد" (6/271) وصححه الألباني في صحيح النسائي. وقد روى ابن أبي شيبة في "المصنف" (3/239) مجموعة من الآثار عن الصحابة والتابعين ممن صلوا على القبور بعد الدفن: منهم عائشة رضي الله عنها حين صلت على قبر أخيها عبد الرحمن، وابن عمر صلى على قبر أخيه عاصم، وسليمان بن ربيعة وابن سيرين وغيرهم. وكذلك ذكره ابن حزم في "المحلى" (3/366) عن أنس وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم جميعا. ومنع بعض الفقهاء من الصلاة على القبر مطلقا، وبعضهم قيده بشهر أو ثلاثة أيام، ولكن ليس هناك دليل على هذا التقييد. قال ابن حزم رحمه الله "المحلى" (3/366) : " أما أمر تحديد الصلاة بشهر أو ثلاثة أيام فخطأ لا يشكل، لأنه تحديد بلا دليل " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (5/436) : " والصحيح أنه نصلي على القبر ولو بعد شهر، إلا أن بعض العلماء قيده بقيد حسن، قال: بشرط أن يكون هذا المدفون مات في زمن يكون فيه هذا المصلي أهلا للصلاة. مثال ذلك: رجل مات قبل عشرين سنة، فخرج إنسان وصلى عليه وله ثلاثون سنة، فيصح؛ لأنه عندما مات كان للمصلي عشر سنوات، فهو من أهل الصلاة على الميت. مثال آخر: رجل مات قبل ثلاثين سنة، فخرج إنسان وصلى عليه وله عشرون سنة ليصلي عليه، فلا يصح؛ لأن المصلي كان معدوما عندما مات الرجل، فليس من أهل الصلاة عليه. ومن ثَمَّ لا يشرع لنا نحن أن نصلي على قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وما علمنا أن أحدا من الناس قال: إنه يشرع أن يصلي الإنسان على قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو على قبور الصحابة، لكن يقف ويدعو " انتهى. وللتوسع في المسألة انظر: "الأم" (1/452) ، "المجموع" (5/208-210) ، "المغني" (2/194-195) ، "بدائع الصنائع" (1/315) ، "الموسوعة الفقهية" (16/35) . كما أن البر لا يتوقف على حياة الوالدين وكذا الجَدَّين، بل يستمر بعد وفاتهما، وأعظم ما يمكن أن يبر به المرء والديه الدعاء لهما والاستغفار لهما. عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ السَّاعِدِيِّ قَالَ: (بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَلْ بَقِيَ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا؟ قَالَ: نَعَمْ، الصَّلاةُ عَلَيْهِمَا، وَالاسْتِغْفَارُ لَهُمَا، وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا مِنْ بَعْدِهِمَا، وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لا تُوصَلُ إِلا بِهِمَا، وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا) رواه أبو داود (5142) وحسنه ابن العربي في "عارضة الأحوذي" (4/307) وصححه الشيخ ابن باز في "مجموع الفتاوى" (9/295) . قال صاحب "عون المعبود" (14/36) : " (الصلاة عليهما) أي: الدعاء، ومنه صلاة الجنازة، قاله القارىء، وفي فتح الودود: والمراد بها الترحم " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 90030 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4689 المطلقة طلاقاً رجعياً يغسّلها زوجها [السُّؤَالُ] ـ[المتوفاة المطلقة هل يغسلها زوجها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كانت رجعية فلا بأس، يعني طلقة واحدة أو اثنتين. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - م/13 ص/110. الحديث: 10804 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4690 حكم العادات والتقاليد إذا خالفت الشرع أو سببت الحرج [السُّؤَالُ] ـ[هناك عادة عند فئة من الناس في الجنازة والتعزية لأهل فقيد بين قريتين، بينهما مسافة ساعة واحدة بالسيارة، جميع أهالي القريتين مسلمون، وهناك ترابط وثيق بين أهالي القريتين من قرابة بصلة رحم، زواج، مودة، جنسية واحدة، وكلهم أو أغلبهم في المذهب الحنفي. العادة: بعد ما يحضرون الجنازة، أو زيارة أهل الفقيد للتعزية من قرية إلى أخرى ... فورا مسرعين يرجعون إلى قريتهم ولا يقبلون أن يتأخروا قليلا للضيافة عند أقاربهم (دون أهل الفقيد) ، حتى عند أرحامهم، بحجة أنه لا يليق أو لا يجوز التأخر للضيافة أو الزيارة في هذه المناسبة. السؤال: هل هذه العادة لها أصل في الدين؟ أرجو جوابا شافيا ومفصلا لأن العادة قد تؤدي إلى إحراج، توتر، وسلبيات أخرى من الناحية الاجتماعية.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لِلَّه ليس في الشرع الحنيف شيء يدل على العادات التي ذكرتها في السؤال، ويبدو أنها مما اعتاد الناس عندكم عليها في حياتهم ولا ينسبونها إلى الدين، ويبدو أيضا أنها ترجع إلى أمورهم النفسية والاجتماعية. وعلى كل حال، فبما أن هذه العادة لم ترد في الشريعة المطهرة، لا سيما وقد ذكرت في سؤالك أن الضيافة المسئول عنها لا تكون عند أهل الفقيد، وهذا هو الذي يُنهى عنه؛ فلا ينبغي أن يتخذها الناس شرعا مقدَّسًا لا يغيرونه ولا يبدلونه، وذلك لأن في هذه العادة تقصيرا – ولو بقدر ما – في صلة الأرحام، وزيارة الأهل والإخوان، وليس ثمة سبب وجيه للتقصير في هذه الصلة، خاصةً وأن العتب من قبل الأرحام قائم على أقاربهم الذين يصلون قريتهم دون أن يأتوا لزيارتهم، وقد يكون ذلك سببا لإيغار الصدور وظنون السوء. والعادات والتقاليد التي تخالف الشرع مخالفة ظاهرة، أو تخالف مقاصد الشريعة العامة، أو تؤدي إلى المخالفة والتقصير، يجب نبذها والسعي إلى تغييرها، ويحتاج الأمر إلى شيء من الحكمة والرفق. يقول الشيخ السعدي رحمه الله "رسالة في أصول الفقه" (7) : (الأصل في العادات الإباحة إلا ما ورد عن الشارع تحريمه) ويقول الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "مجموع الفتاوى" (6/510) : " الواجب على كل مسلم أن لا يعتمد على العادات، بل يجب عرضها على الشرع المطهر، فما أقره منها جاز فعله، وما لا فلا، وليس اعتياد الناس للشيء دليلا على حله، فجميع العادات التي اعتادها الناس في بلادهم أو في قبائلهم يجب عرضها على كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، فما أباح الله ورسوله فهو مباح، وما نهى الله عنه وجب تركه وإن كان عادة للناس " انتهى. ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله "تفسير سورة البقرة 2" (299) : " العادات لا تجعل غير المشروع مشروعاً؛ لقوله تعالى: (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا) مع أنهم اعتادوه واعتقدوه من البر؛ فمن اعتاد شيئاً يعتقده براً عُرِض على شريعة الله " انتهى. وقد عد أهل العلم التمسك بالعادات والتقاليد التي تشق على الناس، وتؤدي إلى بعض المفاسد، أو تؤدي إلى بعض الشقاق والنزاع، أو توقع في الحرج، عد ذلك أهل العلم من الغلو المذموم، ومن التكلف والتنطع الذي جاء النهي عنه في شريعتنا. عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ. قالها ثلاثا) رواه مسلم (2670) قال النووي رحمه الله "شرح مسلم" (16/220) : " أي: المتعمقون الغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم " انتهى. ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في حديثه عن أقسام الغلو "مجموع الفتاوى" (7/7) : " القسم الرابع: الغلو في العادات: وهو التشدد في التمسك بالعادات القديمة وعدم التحول إلى ما هو خير منها. أما إن كانت العادات متساوية في المصالح فإن كون الإنسان يبقى على ما هو عليه خير من تلقي العادات الوافدة " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 89642 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4691 حكم صلاة المرأة على الجنازة [السُّؤَالُ] ـ[نلاحظ أن المرأة لا تحضر صلاة الجنازة والسؤال: هل ذلك ممنوع شرعاً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصلاة على الجنازة مشروعة للرجال والنساء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من شهد الجنازة حتى يصلي عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان، قيل يا رسول الله، وما القيراطان؟ قال: (مثل الجبلين العظيمين) يعني من الأجر، متفق على صحته. لكن ليس للنساء اتباع الجنائز إلى المقبرة، لأنهن منهيات عن ذلك، لما ثبت في الصحيحين عن أم عطية رضي الله عنها قالت: (نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا) رواه مسلم، أما الصلاة على الميت فلم تنه عنها المرأة سواء كانت الصلاة عليه في المسجد أو في البيت أو في المصلى، وكان النساء يصلين على الجنائز في مسجده صلى الله عليه وسلم مع النبي صلى الله عليه وسلم وبعده. وأما الزيارة للقبور فهي خاصة بالرجال كاتباع إلى المقبرة، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لعن زائرات القبور، والحكمة في ذلك - والله أعلم - ما يخشى في اتباعهن الجنائز إلى المقبرة وزيارتهن للقبور من الفتنة بهن وعليهن، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء) متفق على صحته. وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - م/13 ص/133. الحديث: 14522 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4692 ماذا يفعل الابن المسلم بأبيه الكافر إذا مات [السُّؤَالُ] ـ[مات أبي وهو كافر؟ فما هي مسؤوليتي نحوه هل أقوم بدفنه وأقوم بجنازته؟ وهل أغسله وأكفنه أم لا؟ هل هناك حقوق لأبي عليّ في هذا الجانب؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله جاء في الحديث الصحيح عن ناجية بن كعب عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: إن عمك الشيخ الضال قد مات (يقصد أباه أبا طالب) فمن يواريه؟ قال: (اذهب فوار أباك (الخطاب لعلي بن أبي طالب) قال: لا أواريه، إنه مات مشركاً، فقال: اذهب فواره ثم لا تحدثن حتى تأتيني، فذهبت فواريته، وجئته وعلي أثر التراب والغبار فأمرني فاغتسلت، ودعا لي بدعوات ما يسرني أن لي بهن ما على الأرض من شيء) . السلسلة الصحيحة للألباني رقم 161 قال الشيخ في التعليق على الحديث: 1- أنه يشرع للمسلم أن يتولى دفن قريبه المشرك وأن ذلك لا ينافي بغضه إياه لشركه، ألا ترى أن عليّاًرضي الله عنه امتنع أول الأمر من مواراة أبيه معللاً ذلك بقوله: " إنه مات مشركأً " ظناً منه أن دفنه مع هذه الحالة قد يدخله في التولي الممنوع في مثل قوله تعالى: " لا تتولوا قوماً غضب الله عليهم " فلما أعاد صلى الله عليه وسلم عليه الأمر بمواراته بادر لامتثاله، وترك ما بدا له أول الأمر، وكذلك تكون الطاعة: أن يترك المرء رأيه لأمر نبيه صلى الله عليه وسلم، ويبدو لي أن دفن الولد لأبيه المشرك أو أمه هو آخر ما يملكه الولد من حسن صحبة الوالد المشرك في الدنيا، وأما بعد الدفن فليس له أن يدعو له أو يستغفر له لصريح قوله تعالى: (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى) ، وإذا كان الأمر كذلك، فما حال من يدعو بالرحمة والمغفرة على صفحات الجرائد والمجلات لبعض الكفار في إعلانات الوفيات من أجل دريهمات معدودات! فليتق الله من كان يهمه أمر آخرته. 2- أنه لا يُشرع له غسل الكافر ولا تكفينه ولا الصلاة عليه ولو كان قريبه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بذلك علياً، ولو كان ذلك جائزاً لبينه صلى الله عليه وسلم، لِما تقرر أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز. وهذا مذهب الحنابلة وغيرهم. 3- أنه لا يُشرع لأقارب المشرك أن يتبعوا جنازته لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك مع عمه وقد كان أبر الناس به وأشفقهم عليه حتى أنه دعا الله له حتى جعل عذابه أخف عذاب في النار، ... وفي ذلك كله عبرة لمن يغترون بأنسابهم، ولا يعملون لآخرتهم عند ربهم، وصدق الله العظيم إذ يقول: (فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون) . السلسلة الصحيحة للألباني ص 94. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 10679 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4693 حرمة الميت من المسلمين كحرمته حيا [السُّؤَالُ] ـ[وجدت في طرف أرضي ثلاثة قبور فماذا أصنع بها؟ هل يجوز أن أنقل رفاتها إلى مكان آخر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأصل أنهم قبروا في أرض موات ملكوها بقبرهم فيها، فلا يجوز التعرض لها لا بنبش ولا باستطراق ولا بابتذال وينبغي أن تحاط بسور يمنع عنها الامتهان والابتذال ويحفظ لأصحابها كرامتهم لأن حرمة الميت من المسلمين كحرمته حيا، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة فتاوى إسلامية 3/22 الحديث: 4698 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4694 صلاة الجنازة على المفقود في البحر [السُّؤَالُ] ـ[هل يصلى على المفقود الذي فُقد في البحر إذا حكم القاضي بموته؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا هذا السؤال على الشيخ محمد بن عثيمين حفظه الله فكان جوابه كما يلي: الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، نعم يصلى عليه صلاة الجنازة مادام أنه حكم بموته لأنه ليس لنا إلا الظاهر وكما أنه يورث ماله إذا حكم القاضي بموته وتعتدّ امرأته وتحل للأزواج فكذلك الصلاة عليه.. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن صالح العثيمين الحديث: 2313 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4695 حكم تغسيل المنتحر والصلاة عليه [السُّؤَالُ] ـ[هل قاتل نفسه يغسَّل ويصلى عليه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قاتل نفسه يغسل ويصلى عليه ويدفن مع المسلمين، لأنه عاص وهو ليس بكافر، لأن قتل النفس معصية وليس بكفر. وإذا قتل نفسه والعياذ بالله يغسل ويكفن ويصلى عليه، لكن ينبغي للإمام الأكبر ولمن له أهمية أن يترك الصلاة عليه من باب الإنكار، لئلا يُظن أنه راض عن عمله. والإمام الأكبر أو السلطان أو القضاة أو رئيس البلد أو أميرها إذا ترك ذلك من باب إنكار هذا الشيء وإعلان أن هذا خطأ فهذا حسن، ولكن يصلي عليه بعض المصلين. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - م/13 ص/122. الحديث: 12316 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4696 تحليل جثة طفلة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الإسلام في الطفلة المولودة ميتة. علما أنه كان عمرها ستة أشهر قبل الإسقاط. فهل من المفروض دفنها أم الصلاة عليها؟ وهل من الجائز ترك الجثة في المستشفى من أجل إجراء الفحوصات الطبية عليها حيث إن هناك بعض المضاعفات الصحية والتي نريد معرفتها لتجنب مشاكل مستقبلية تتعلق بصحة أمها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أما أن يتلاعب الأطبة بجثة الطفلة تشريحا وتجربة وهي مسلمة فهذا لا يجوز، وأما أن يأخذوا منها للتحاليل فهذا لا بأس به. الشيخ إبراهيم الخضيري. وتدفن بعد أن تغسل وتكفن ويصلى عليها ولو كانت جنيناً ما دام قد نفخ فيه الروح. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 11962 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4697 حكم السفر للتعزية [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم السفر للعزاء والمكث عند أهل الميت؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله بحسب أحوال أهل الميت، فإذا كان فيه تثقيل عليهم فلا يجوز، أما إذا كانوا يحبون ذلك فلا حرج، والأمر في ذلك واسع. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - م/13 ص 376. الحديث: 12326 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4698 قراءة الفاتحة للميت [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم قراءة الفاتحة وإهداء ثوابها للميت؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إهداء الفاتحة أو غيرها من القرآن إلى الأموات ليس عليه دليل فالواجب تركه؛ لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله عنهم ما يدل على ذلك ولكن يشرع الدعاء للأموات المسلمين والصدقة عنهم وذلك بالإحسان إلى الفقراء والمساكين، يتقرب العبد بذلك إلى الله سبحانه ويسأله أن يجعل ثواب ذلك لأبيه أو أمه أو غيرهما من الأموات أو الأحياء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) ، ولأنه ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أن رجلاً قال له: يا رسول الله إن أمي ماتت ولم توص أظنها لو تكلمت لتصدقت أفلها أجر إن تصدقت عنها قال: (نعم) متفق على صحته. وهكذا الحج عن الميت والعمرة عنه وقضاء دينه كل ذلك ينفعه حسبما ورد في الأدلة الشرعية، أما إن كان السائل يقصد الإحسان إلى أهل الميت والصدقة بالنقود والذبائح فهذا لا بأس به إذا كانوا فقراء. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/9 ص/324. الحديث: 9304 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4699 صفة صلاة الجنازة [السُّؤَالُ] ـ[أرجو أن توضحوا كيفية الصلاة على الجنازة كما ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم، لأن كثيراً من الناس يجهلونها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صفة الصلاة على الجنازة قد بينها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، وهي أن يكبر أولاً ثم يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ويسمي ويقرأ الفاتحة وسورة قصيرة أو بعض الآيات، ثم يكبر ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم مثلما يصلي عليه في آخر الصلاة، ثم يكبر الثالثة ويدعو للميت، والأفضل أن يقول: (اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان، اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم أبدله داراً خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهله، اللهم أدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار وافسح له في قبره ونور له فيه، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تضلنا بعده) كل هذا محفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم وإن دعا له بدعوات أخرى فلا بأس مثل أن يقول: (اللهم إن كان محسناً فزد في إحسانه، وإن كان مسيئاً فتجاوز عن سيئاته، اللهم اغفر له وثبته بالقول الثابت) ، ثم يكبر الرابعة ويقف قليلاً، ثم يسلم تسليمة واحدة عن يمينه قائلاً: (السلام عليكم ورحمة الله) . [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله م/13 ص 141. الحديث: 12363 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4700 زيارة القبور وشهود مناسبة يزعمون فيها حضور أرواح الأولياء [السُّؤَالُ] ـ[ما الحكم في زيارة القبور والصلاة هناك؟ في باكستان هناك شيء اسمه عرس يقام كل سنة، هل يجوز حضوره؟ الأشخاص الذين يحضرون يقولون إن الفقيد كان من أولياء الله ويمكن أن يوصل دعاءنا وأن الدعاء من رجل صالح يتم قبوله أكثر. فهل يمكن أن تلقي بعض الضوء على هذه القضية؟ جزاك الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] 1. زيارة القبور نوعان: أحدهما: مشروع ومطلوب لأجل الدعاء للأموات والترحم عليهم ولأجل تذكر الموت والإعداد للآخرة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة". رواه مسلم (976) . وكان يزورها النبي صلى الله عليه وسلم وهكذا أصحابه رضي الله عنهم. = عن عائشة أنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما كان ليلتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين وأتاكم ما توعدون، غدا مؤجلون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد". رواه مسلم (974) . النوع الثاني: بدعي وهو زيارة القبور لدعاء أهلها والاستغاثة بهم أو للذبح لهم أو للنذر لهم وهذا منكر وشرك أكبر ويلتحق بذلك أن يزوروها للدعاء عندها والصلاة عندها والقراءة عندها وهذا بدعة غير مشروع. 2. أما الصلاة عندها: فإن كان المراد: صلاة الجنازة: فجائز غير ممنوع، وإن كان المراد غيرها من الفرائض والنوافل: فممنوع محرَّم. = دليل جواز صلاة الجنازة في المقبرة. عن أبي هريرة أن رجلا أسود أو امرأة سوداء كان يَقُمّ المسجد فمات فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عنه فقالوا مات قال: "أفلا كنتم آذنتموني به دلوني على قبره أو قال قبرها فأتى قبرها فصلى عليها". رواه البخاري (446) ومسلم (956) . = ودليل عدم جواز صلاة غير الجنازة في المقبرة: أ. عن عائشة وعبد الله بن عباس قالا: "لما نزل (أي الموت) برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتمّ كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك: " لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد". يحذِّر مثل ما صنعوا. رواه البخاري (425) ومسلم (531) . ب. عن أبي مرثد الغنوي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها". رواه مسلم (972) . 3. أما العرس الذي يقام كل سنة: فإن كان فيه شيء من العبادات، أو يظن من يحضره أنهم يتقربون إلى الله تعالى به، أو كان فيه شيء من المعاصي والمنكرات: فلا يجوز حضوره، ولا المشاركة فيه. ولو خلا من ذلك كله فلا تحضروا فيه أيضا لأنّ اتّخاذ عيد غير الأعياد الشرعية بدعة محرّمة واعتقاد الحاضرين أنّ روح الوليّ تحضر هذا العرس هو اعتقاد بدعيّ محرّم كذلك ولما قد يُفضي إليه في المستقبل من اعتقاد أنه من الدين، فيكون فتنة للناس. فيجب إنكار هذا والنهي عنه وعدم حضوره، والله الهادي إلى سواء السبيل. 4. أما طلب الدعاء من الرجل الصالح في حياته: فإنه يجوز، لما يرجى من إجابة دعوته لصلاحه، والدليل: أ. عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه" أن رجلاً ضريرَ البصر أتى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: ادْعُ الله أَنْ يُعَافِيَني. قاَلَ "إِنْ شِئْتَ دَعَوْتُ لَكَ، وَإِنْ شِئْتَ أَخَّرْتُ ذَلِكَ فَهُوَ خَيْرٌ" (وفي روايةٍ "وَإِنْ شِئْتَ صَبَرْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ") . فَقَالَ: أُدْعُهُ. فأَمَرَهُ أَنْ يتوَضَأَ فَيُحْسِنَ وُضُوءهُ، فَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ ... ". رواه أحمد (4/138) والترمذي (5/569) وابن ماجة (1/441) ، وهو حديثٌ صحيحٌ. ب. عن أنس قال بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة إذ قام رجل فقال يا رسول الله هلك الكراع وهلك الشاء فادع الله أن يسقينا فمد يديه ودعا. رواه البخاري (890) ومسلم (897) . 5. فإذا مات الولي أو النبي لم يكن من المشروع طلب الدعاء منه لأنه انقطع عن الدنيا، وهو باب من أبواب الشرك، لم يدخله أحد من صالحي هذه الأمة من الصحابة ومن تبعهم. قال تعالى {ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين} [الأحقاف 5] . قال شيخ الإسلام رحمه الله: وتفصيل القول: إن مطلوب العبد إن كان من الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله تعالى مثل أن يطلب شفاء مريضه من الآدميين والبهائم أو وفاء دينه من غير جهة معينة أو عافية أهله وما به من بلاء الدنيا والآخرة وانتصاره على عدوه وهداية قلبه وغفران ذنبه أو دخوله الجنة أو نجاته من النار أو أن يتعلم العلم والقرآن أو أن يصلح قلبه ويحسن خلقه ويزكي نفسه وأمثال ذلك: فهذه الأمور كلها لا يجوز أن تطلب إلا من الله تعالى ولا يجوز أن يقول لملك ولا نبي ولا شيخ سواء كان حيا أو ميتا اغفر ذنبي ولا انصرني على عدوي ولا اشف مريضي ولا عافني أو عاف أهلي أو دابتي وما أشبه ذلك. ومن سأل ذلك مخلوقا كائنا من كان: فهو مشرك بربه من جنس المشركين الذين يعبدون الملائكة والأنبياء والتماثيل التي يصورونها على صورهم ومن جنس دعاء النصارى للمسيح وأمه قال الله تعالى: {وإذ قال الله يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأميَ إلهين من دون الله} [المائدة 116] الآية، وقال الله تعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} [التوبة 31] . " مجموع الفتاوى " 27 / 67، 68. وقال: وأما من يأتي إلى قبر نبيٍّ أو صالح أو من يعتقد فيه أنه قبر نبيٍّ أو رجل صالح وليس كذلك ويسأله ويستنجده فهذا على ثلاث درجات: إحداها: أن يسأله حاجته مثل أن يسأله أن يزيل مرضه أو مرض دوابه أو يقضى دينه أو ينتقم له من عدوه أو يعافي نفسه وأهله ودوابه ونحو ذلك مما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل: هذا شرك صريح يجب أن يستتاب صاحبه فإن تاب وإلا قتل. وإن قال أنا أسأله لكونه أقرب إلى الله مني ليشفع لي فى هذه الأمور لأنى اتوسل إلى الله به كما يتوسل إلى السلطان بخواصه وأعوانه: فهذا من أفعال المشركين والنصارى فإنهم يزعمون أنهم يتخذون أحبارهم ورهبانهم شفعاء يستشفعون بهم فى مطالبهم وكذلك أخبر الله عن المشركين أنهم قالوا: {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} [الزمر 3] وقال سبحانه وتعالى: {أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أو لو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون قل لله الشفاعة جميعا له ملك السموات والأرض ثم إليه ترجعون} [الزمر 47] ، وقال تعالى: {ما لكم من دونه من وليٍّ ولا شفيع أفلا تتذكرون} [السجدة 4] ، وقال تعالى {من ذا الذى يشفع عنده إلا بإذنه} [البقرة 255] فبين الفرق بينه وبين خلقه فإن من عادة الناس أن يستشفعوا إلى الكبير من كبرائهم بمن يكرم عليه فيسأله ذلك الشفيع فيقضي حاجته إما رغبة وإما رهبة وإما حياء وإما مودة وإما غير ذلك والله سبحانه لا يشفع عنده أحد حتى يأذن هو للشافع فلا يفعل إلا ما شاء وشفاعة الشافع من إذنه فالأمر كله له ... وقول كثير من الضلال هذا أقرب إلى الله مني وأنا بعيد من الله لا يمكنني أن أدعوه إلا بهذه الواسطة ونحو ذلك من أقوال المشركين فإن الله تعالى يقول: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان} [البقرة 187] ........ وفي الصحيح أنهم كانوا في سفر وكانوا يرفعون أصواتهم بالتكبير فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم " يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا بل تدعون سميعا قريبا إن الذى تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته "، وقد أمر الله تعالى العباد كلهم بالصلاة له ومناجاته وأمر كلا منهم أن يقولوا: {إياك نعبد وإياك نستعين} [الفاتحة 5] ، وقد أخبر عن المشركين أنهم قالوا: {ما نعبدهم إلا ليقربوا إلى الله زلفى} [الزمر 3] . ثم يقال لهذا المشرك أنت إذا دعوت هذا فإن كنت تظن أنه أعلم بحالك وأقدر على عطاء سؤالك أو أرحم بك فهذا جهل وضلال وكفر وإن كنت تعلم أن الله أعلم وأقدر وأرحم فلم عدلت عن سؤاله إلى سؤال غيره ألا تسمع إلى ما خرجه البخارى وغيره عن جابر رضى الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعلمنا الإستخارة فى الأمور كما يعلمنا السورة من القرآن ... وإن كنت تعلم أنه أقرب إلى الله منك وأعلى درجة عند الله منك فهذا حق لكن كلمة حق أريد بها باطل فإنه إذا كان أقرب منك وأعلى درجة منك فإنما معناه أن يثيبه ويعطيه أكثر مما يعطيك ليس معناه إنك إذا دعوته كان الله يقضى حاجتك أعظم مما يقضيها إذا دعوت أنت الله تعالى فإنك إن كنت مستحقا للعقاب ورد الدعاء مثلا لما فيه من العدوان فالنبى والصالح لا يعين على ما يكرهه الله ولا يسعى فيما يبغضه الله وإن لم يكن كذلك فالله أولى بالرحمة والقبول. أ. هـ " مجموع الفتاوى " 27 / 72- 75. وننصح الأخ السائل بالتوسع من المصدر السابق -. . [الْمَصْدَرُ] مجموع الفتاوى 27 / 72- 75. الحديث: 6744 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4701 وعظ الناس في المقبرة بعد الدّفن [السُّؤَالُ] ـ[يقوم بعض الإخوان بإلقاء خطب ومواعظ عند الدفن بغرض وعظ المشيعين، فما الحكم في ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله: أرى أن هذا من البدع المحدثة، ولا يمكن أن يدّعي واعظ أنه أشد حبا لموعظة الناس من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقوم خطيبا يعظ الناس في المقبرة، غاية ما هنالك: " أنه انتهى في يوم من الأيام إلى قبر ولما يُلحد فجلس وجلس أصحابه حوله فجعل يحدثهم عما يكون عند الاحتضار وبعد الموت " هذا أبلغ ما يرد، وعلى هذا فما يفعله بعض الناس فهو اجتهاد ليس بالصواب لكونه يقوم خطيبا يعظ الناس. سؤال: فكون النبي صلى الله عليه وسلم فعله مرة واحدة … الجواب: لم يفعله، بل جعل يتحدث حديث الجالسين، ما قصد الموعظة وأن يقوم خطيبا. سؤال: فلو أن شخصا قعد حول القبر وحوله الناس قعدوا، وحدثهم بحديث أبي داوُد (حديث البراء) ، يعتبر عمله مشروعا؟ الجواب: غير مشروع؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما قصد الجلوس للموعظة وإنما قصد الجلوس حتى ينتهوا من إلحاد القبر، فرق بين ما يحدث اتفاقا وما يحصل قصدا؛ ولهذا ما فعلها في غير هذا الموضع. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن صالح العثيمين الحديث: 4020 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4702 لبس الأسود عند المصائب.. شعار باطل لا أصل له [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لبس الثوب الأسود حزناً على المتوفى وخاصة إذا كان الزوج؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لبس السواد عند المصائب شعار باطل لا أصل له ... والإنسان عند المصيبة ينبغي له أن يفعل ما جاء به الشرع فيقول: (إنا لله وإنا إليه راجعون) ، اللهم ائجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيراً منها، فإذا قال ذلك بإيمان واحتساب فإن الله سبحانه وتعالى يؤجره على ذلك ويبدله بخير منها، أما ارتداء لبس معين كالسواد، وما شابهه فإنه لا أصل له وهو أمر باطل ومذموم. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى الشيخ ابن عثيمين مجلة الدعوة العدد/1789، ص/60. الحديث: 10919 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4703 وقوف أهل الميت في المقبرة صفا لتلقي التعزية [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الشرع في وقوف أهل الميت صفاً واحداً في المقبرة بعد الفراغ من الدفن لتلقي العزاء من المعزين, وأيضاً ما حكم وقوف أهل الميت صفاًُ واحداً في مكان العزاء بيت أو صالة عند استقبال المعزين ثم يجلسون بعد خروج المعزين ويعاودون الوقوف مرة أخرى عند قدوم آخرين وذلك فيما بين المغرب والعشاء؟ ما الحكم في المحاضر الذي يكثر من استعمال كلمة "الحبيب صلى الله عليه وسلم" كلما جاء ذكر النبي صلى الله عليه وسلم؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا حرج في تلقي أهل الميت العزاء في المقبرة، قبل الدفن أو بعده، سواء وقفوا صفا واحدا أو متفرقين، لأن وقوفهم في صف واحد هو لتسهيل الوصول إليهم وتعزيتهم. وأما جلوسهم في البيت لتلقي العزاء، فليس من السنة، بل يُعزى المصاب حيث وجد، في المقبرة، أو في الشارع، أو في المسجد. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ما حكم اصطفاف أهل الميت عند باب المقبرة لتلقي تعازي الناس بعد دفن الميت مباشرة؟ فأجاب: الأصل أن هذا لا بأس به؛ لأنهم يجتمعون جميعا من أجل سهولة الحصول على كل واحد منهم ليعزى، ولا أعلم في هذا بأسا " انتهى. وسئل رحمه الله: " بعد الفراغ من دفن الميت وتعزية أهله يقوم الناس بالذهاب إلى بيت الميت وعادة ما يكون ذلك بعد صلاة المغرب، ثم يشربون القهوة ويعزون أهل الميت مرة أخرى، ثم ينصرفون، فما الحكم في هذا؟ فأجاب: الحكم أن هذا من البدع، فما كان الصحابة رضي الله عنهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا فيما بعده ينتظرون الناس في بيوتهم ليعزوهم، والحقيقة أن هذا يشعر أن المصاب جزع من المصيبة، كأنه يقول: يا أيها الناس إني جالس في بيتي محزونا فتقدموا لي بالعزاء. والسنة أن الإنسان يغلق بيته، ثم من وجده في السوق، أو وجده في المسجد يعزيه إذا رآه مصابا حزينا، فيسليه بالتعزية، ويقول: اصبر واحتسب، الأمر أمر الله عز وجل، لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى " انتهى. وقال رحمه الله: " ولهذا لو أن طلبة العلم بينوا للناس هذا الأمر وبدأوا بأنفسهم هم، كما بدأنا بأنفسنا، والدنا توفي ولم نجلس، ووالدتنا توفيت ولن نجلس للعزاء، لو أن أهل العلم فعلوا ذلك لكان فيه خير كثير، ولترك الناس هذه العادات " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (17/352، 374، 389) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 88141 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4704 آداب زيارة القبور [السُّؤَالُ] ـ[إذا أردت أن أزور قبر أبي فماذا أفعل، ما هي آداب زيارة المقابر، هل هناك أي أمور تنبغي مراعاتها.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تشرع زيارة القبور للاتعاظ بها وتذكر الآخرة، شريطة أن لا يقول عندها ما يغضب الرب سبحانه وتعالى، كدعاء المقبور والاستغاثة به من دون الله تعالى، أو تزكيته، والقطع له بالجنة، ونحو ذلك. والمقصود من زيارة القبور شيئان: أ - انتفاع الزائر بذكر الموت والموتى، وأن مآلهم إما إلى جنة وإما إلى نار، وهو الغرض الأول من الزيارة. ب - نفع الميت والإحسان إليه بالسلام عليه، والدعاء والاستغفار له، وهو خاص بالمسلم، ومن الأدعية: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإن شاء الله بكم لاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية) . ويجوز رفع اليدين في الدعاء. لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فأرسلت بريرة في أثره لتنظر أين ذهب، قالت: فسلك نحو بقيع الغرقد، فوقف في أدنى البقيع ثم رفع يديه، ثم انصرف، فرجعت إلى بريرة، فأخبرتني، فلما أصبحت سألته، فقلت، يا رسول الله أين خرجت الليلة؟ قال: (بعثت إلى أهل البقيع لأصلي عليهم) . ولكنه لا يستقبل القبور حين الدعاء لها، بل الكعبة، لنهيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة إلى القبور والدعاء مخ الصلاة ولبها، كما هو معروف فله حكمها، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (الدعاء هو العبادة) ، ثم قرأ: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم) . ولا يمشي بين قبور المسلمين في نعليه. فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لأن أمشي على جمرة أو سيف، أو أخصف نعلي برجلي، أحب إلي من أن أمشي على قبر مسلم، وما أبالي أوسط القبور قضيت حاجتي أو وسط السوق) رواه ابن ماجه (1567) . نسأل الله العلي القدير أن يرحم موتانا وموتى المسلمين. [الْمَصْدَرُ] من مختصر أحكام الجنائز للألباني بتصرف. الحديث: 14287 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4705 بماذا يعزى المسلم [السُّؤَالُ] ـ[والدة جارنا المسلم ماتت ونريد أن نذهب لزيارته للتعزية فما هي التقاليد الإسلامية لهذا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا أردت تعزية مسلمة في وفاة قريب لها فإنك تحثينها بأيّ عبارة طيبة على الصبر وأنّ هذا حال الخلق لا بدّ من فنائهم وموتهم وإذا أردت أمثل عبارة يعزّي فيها المسلمين من فقد عزيزا أو قريبا فإنها قول المعزّي: إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكلّ شيء عنده بأجل مسمى فاصبري واحتسبي. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2325 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4706 حكم قضاء الحاجة في المقابر [السُّؤَالُ] ـ[في بعض البلدان نرى بعض الناس إذا أرادوا قضاء الحاجة دخل بعضهم مقبرة أو قفز من فوق سورها وقضى حاجته مع العلم أنّ فيها قبور مسلمين فما حكم هذا العمل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا شكّ أن هذا عمل منكر وقبيح واعتداء على حرمة الأموات، والقبر للميت كالبيت للحيّ، وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم شناعة هذا الفعل بقوله: " لأَنْ أَمْشِيَ عَلَى جَمْرَةٍ أَوْ سَيْفٍ أَوْ أَخْصِفَ نَعْلِي بِرِجْلِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَمْشِيَ عَلَى قَبْرِ مُسْلِمٍ وَمَا أُبَالِي أَوَسْطَ الْقُبُورِ قَضَيْتُ حَاجَتِي أَوْ وَسْطَ السُّوقِ رواه ابن ماجة قال في الزوائد إسناده صحيح وصححه في إرواء الغليل 63 وقوله (أو أخصف نعلي برجلي) هذا من الأمور العسيرة جدا وإن أمكن فهو يُتعب تعبا شديدا فهو يقول إنّ هذا مع ما فيه أحبّ إليه من المشي على قبر مسلم، قوله (وما أبالي أوسط القبور قضيت حاجتي أم وسط السوق) يريد أنهما في القبح سيّان فمن أتى بأحدهما فهو لا يبالي بأيهما أتى. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 6050 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4707 دفن الكافر [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الإنسان الذي أسلم ووالده كافر مشرك يعبد الأصنام حتى مات مشركاً، وهل يجوز لابنه المسلم أن يشترك في غسله ودفنه؟ وإذا اشترك في غسله ودفنه وعادات الكفار وما حكمه في الإسلام؟ وماذا يعمل ابن المسلم بعد هذه الأعمال؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأصل في الكافر إذا مات أن يواريه أقاربه في حفرة حتى لا يتأذى به الناس، ولا يغسل ولا يكفن، ولا يصلى عليه، ومن فعل غير ذلك أو اشترك مع الكفار في عاداتهم فعليه أن يتوب ويستغفر الله، لعل الله أن يتوب عليه. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 9/14. الحديث: 10042 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4708 تشييع جنازة عباد القبور [السُّؤَالُ] ـ[يقول الله تعالى: (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم) . إن ظاهر الآية السابقة يمنع الاستغفار للمشركين ولو كانوا من ذوي القرابة، والكثير منا نحن أعراب البادية من له والدان وأقرباء وقد اعتادوا الذبح عند القبور والتوسل بأهلها، وتقديم النذور والاستعانة بتوسيط أهل القبور في فك الكربات، وشفاء المرضى وقد ماتوا على ذلك، ولم يصلهم من يعرفهم معنى التوحيد ومعنى لا إله إلا الله، ولم يصلهم من يعلمهم أن النذور والدعاء عبادة لا يصح صرفها إلا لله وحده، فهل يصح المشي في جنائزهم، والصلاة عليهم، والدعاء والاستغفار لهم وقضاء حجهم، والتصدق عليهم؟.]ـ [الْجَوَابُ] من مات على الحالة التي وصفت لا يجوز المشي في جنازته، ولا الصلاة عليه، ولا الدعاء ولا الاستغفار له، ولا قضاء حجه، ولا التصدق عنه؛ لأن أعماله المذكورة أعمال شركية، وقد قال سبحانه وتعالى، في الآية السابقة: (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى) التوبة /113، ولما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (استأذنت ربي في الاستغفار لأمي، فلم يأذن لي واستأذنته في زيارة قبرها فأذن لي) أخرجه أحمد 2/441، 5/355، 359، ومسلم 2/671 برقم (976) ، وأبو داود 3/557 برقم (3234) ، والنسائي 4/90 برقم (2034) ، وابن ماجه 1/501 برقم (1572) ، وابن أبي شيبة 3/343، وابن حبان 7/440 برقم (3169) ، والحاكم 1/375-376، 376، والبيهقي 4/76. وليسوا معذورين بما يقال عنهم: أنهم لم يأتهم من يبين لهم أن هذه الأمور المذكورة التي يرتكبونها شرك؛ لأن الأدلة عليها في القرآن الكريم واضحة، وأهل العلم موجودون بين أظهرهم، ففي إمكانهم السؤال عما هم عليه من الشرك لكنهم قد أعرضوا ورضوا بما هم عليه. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 9/12. الحديث: 7867 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4709 تزكية الميت [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم قول بعض الناس إذا مات شخص (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية) ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا لا يجوز أن يطلق على شخص بعينه، لأن هذه شهادة بأنه من هذا الصنف. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين. الحديث: 11320 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4710 تشيع جنازة الكافر [السُّؤَالُ] ـ[حكم الله في حضور جنائز الكفار، الذي أصبح تقليداً سياسياً وعرفاً متفقاً عليه؟.]ـ [الْجَوَابُ] إذا وجد من الكفار من يقوم بدفن موتاهم فليس للمسلمين أن يتولوا دفنهم، ولا أن يشاركوا الكفار ويعاونوهم في دفنهم، أو يجاملوهم في تشييع جنائزهم؛ عملاً بالتقاليد السياسية، فإن ذلك لم يعرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن الخلفاء الراشدين، بل نهى الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقوم على قبر عبد الله بن أُبَي بن سلول، وعلل ذلك بكفره، قال تعالى: (ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون) التوبة 81، وأما إذا لم يوجد منهم من يدفنه دفنه المسلمون كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بقتلى بدر، وبعمه أبي طالب لما توفي قال لعلي: (اذهب فواره) . وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 9/10. الحديث: 7869 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4711 حكم إقامة دورات لتعليم تغسيل الأموات [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم إقامة دورات لتعليم تغسيل الأموات؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تعليم تغسيل الموتى طيب ومشروع وليس فيه شيء، لأن بعض الناس لا يحسن التغسيل، والحاجة ماسة إلى معرفة كيفية تغسيل الميت. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - م/13 ص/118. الحديث: 8188 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4712 دفن تارك الصلاة مع المسلمين [السُّؤَالُ] ـ[في بلادنا يدفن المسلمون في مقابر خاصة بهم، ولكن كل من يطلق عليه اسم مسلم يدفن فيها وأكثرهم ممن لا يصلي ولا يقيم حدود الدين، فما العمل عند زيارة تلك القبور التي لا يميز فيها المسلمون حقاً وغير المسلمين؟ وماذا علي إذا مت ودفنت مع أناس لا يصلون، هل أوصي بأن أدفن مع أناس يصلون، أم ماذا نفعل؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الواجب أن يخصص للمسلمين مقابر، ولا يدفن فيها غيرهم، والذي لا يصلي ويموت وهو تارك للصلاة لا يدفن في مقابر المسلمين؛ لأن تارك الصلاة جحداً لوجوبها كافر بالإجماع، وتاركها كسلاً كافر على الراجح من قولي العلماء، ويشرع للمسلم أن يوصي بأن يدفن في مقابر المسلمين إذا كان في البلد مقابر لغير المسلمين؛ خشية أن يدفن مع غير المسلمين. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 9/9. الحديث: 7864 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4713 هل يوجّه الميّت إلى القبلة عند موته [السُّؤَالُ] ـ[أخبرت بوجود حديث فيه أنه يجب تحريك المسلم فور موته بحيث يواجه الكعبة، وأن القبر نفسه يجب أن يكون مواجها للكعبة بمعنى أن تكون القدمان مواجهتين للكعبة. وقيل إن السبب في هذا أن المسلمين سيقومون من قبورهم يوم القيامة مواجهين للكعبة. ما قرأته وفهمته هو أن الرأس/ الوجه يجب أن يبقى في القبر مستقبلا القبلة. ما هي الحقيقة بالنسبة لهذا الموضوع. وجزاك الله خيرا أخي على العمل الجاد الذي تقوم به.]ـ [الْجَوَابُ] قال ابن حزم رحمه الله: وتوجيه الميت إلى القبلة حسن فإن لم يوجّه فلا حرج قال الله تعالى: {فأينما تولوا فثم وجه الله} ولم يأت نص بتوجيهه إلى القبلة." المحلى " (5 / 174) . والنبي صلى الله عليه وسلم مات في حِجْر عائشة رضي الله عنها، ووصفت لحظات موته بدقّة ولم تذكر أنها وجّهته إلى القبلة، وحديثها رواه: البخاري (4440) ومسلم (2444) . وكذا لم يثبت ذلك عن صحابي، وما روي في ذلك عن أبي قتادة وأنه أوصى عند موته أن يستقبل به القبلة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أقره بقوله " أصاب الفطرة ": فضعيف لا يصح. انظر - في تضعيفه -: " إرواء الغليل " (3 / 153) . وأما موضع الميت في قبره، فقد قال الإمام ابن حزم: ويجعل الميت في قبره على جنبه اليمين، ووجهه قبالة القبلة، ورأسه ورجلاه إلى يمين القبلة ويسارها على هذا جرى عمل أهل الإسلام من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا وهكذا كل مقبرة (للمسلمين) على ظهر الأرض. " المحلى " (5 / 173) . وأما دعوى أن خروج الناس من قبورهم يكون إلى الكعبة فهو خبر غيبي يحتاج إلى دليل فأين الدليل عليه؟! والذي ثبت أنّ الناس إذا قاموا إلى قبورهم يتجهون إلى أرض المحشر مباشرة، والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 7076 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4714 هل التأثر لذكر الميت والحزن عليه يضره في قبره [السُّؤَالُ] ـ[يقال إن تذكر الميت من قبل الحي، مثل تذكر ولد والده الميت في كل حين، وفي كل مكان وزمان، والحزن عليه، والبكاء عليه، والتأثر به، يقال: إن الميت يتأثر من ذلك ويضره، ويسيء له، فينبغي عدم تذكر الميت بحزن وبكاء وتأثر، بل يكتفي بالدعاء والاستغفار له، والترحم عليه فقط. فما صحة ذلك من عدمه. جزاكم الله خيرا، وماذا ينبغي أن يفعل بحق الميت؟ جزاكم الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: " إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه " رواه البخاري (1286) ، وفسر ذلك بما إذا أوصى أهله بذلك، كفعل الجاهليين، وقيل هذا إذا كان من عادتهم النياحة والندب فلم يحذرهم، وقيل: إن العذاب هو التألم والحزن على فعلهم الذي لا يغني عنهم شيئا، وليس هو عذاب النار، فأما مجرد التذكر والحزن والاسترجاع، فلا يدخل في النهي، وذلك لأنه مما يغلب على الإنسان، ولا يستطيع حديث النفس، وما يخطر بالبال من تذكر الميت والحزن عليه، والتألم لفقده، فإذا تذكره واسترجع ودعا ربه أن يعينه على الصبر والسلوان، ويخلف له خيرا من مصيبته أثابه الله وآجره على مصيبته. [الْمَصْدَرُ] اللؤلؤ المكين من فتاوى الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين ص63. الحديث: 2072 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4715 طريقة دفن الميت وتعزية أهله [السُّؤَالُ] ـ[مات أبي قريباً في الحج وفي عاداتنا يأتي الناس ليقدموا تعازيهم وبعد ذلك يرفعوا أيديهم جميعاً لقراءة الفاتحة والدعاء للمتوفى وأنا أعرف أن ذلك لا يجوز فقد حاولت جاهداً أن أبتعد عن ذلك السلوك ولدي أسئلة: ما ينبغي وما لا ينبغي عند التعزية. ماذا ينبغي قوله عند حمل المتوفى. ما ينبغي قوله عند وضع المتوفى في القبر. هل يمكن وضع علامة بالاسم على القبر. ما هو الدعاء بعد إتمام الدفن. ما مدى صحة وضع ماء على قبر المتوفى.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: يجب حمل الجنازة واتباعها، وذلك من حق الميت المسلم على المسلمين، وجاء في أجر من فعل ذلك فضلٌ عظيمٌ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من شَهِدَ الجنازة من بيتها وفي رواية من اتّبع جنازة مسلمٍ إيماناً واحتساباً حتى يُصَلّى عليه فله قيراط، ومن شَهِدَهَا حتى تُدْفن، فله قيراطان، قيل: يا رسول الله، وما القيراطان؟ قال: مثل الجبلين العظيمين) رواه البخاري (الجنائز/1240) ولا يجوز أن تُتْبَع الجنائز بما يخالف الشريعة، ومن ذلك: رفع الصوت بالبكاء، وإتْبَاعها البخور، ويَلحَقُ ذلك، رفع الصوت بالذكر أمام الجنازة، لأنه بدعة، ولقول قيس بن عباد: " كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون رفع الصوت عند الجنائز " ولأن فيه تشبهاً بالنصارى. ثانياً: الدفن: لا يدفن المسلم مع الكافر، ولا الكافر مع المسلم، فالمسلم يُدفن في مقابر المسلمين. والسنّة إدخال الميت من مؤخّر القبر، ويُجْعَل الميت في قبره على جَنْبِِه الأيمن، وَوَجْهُهُ قِبَالَة القبلة، ويقول الذي يضعه في لحده: " بسم الله وعلى سنة رسول الله أو على ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم " رواه الترمذي (الجنائز/ 967) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 836. ويستحب لمن عند القبر أن يَحْثُو من التراب، ثَلاثَ حَثَوات بيديه جميعا، بعد الفراغ من سَدِّ اللّحد. ويُسَنُّ بعد الفراغ من دفنه أمور: أن يُرْفَع القبر عن الأرض قليلاً، نحو شِبْرٍ ولا يُسَوّى بالأرض، لِيَتَمَيّز، فَيُصان ولا يُهَان،، ويرفع قبره من الأرض نحواً من شبر، ولا بأس بأن يُعَلِّمَهُ بحجر أو نحوه ليدفن إليه من يموت من أهله ويُرَشّ بالماء ليَتَمَاسَك ترابُه ولا يَتَطَايَر، ولا يُلَقّن الميت التَلْقِين المعروف عند بعض الناس، بل يَقِفُ على القبر، يدعو له بالتثبيت ويستغفر له، ويأمر الحاضرين بذلك لحديث عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال: (استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل) رواه أبو داود (الجنائز/2804) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود/ 2758، ولا يُقْرَأ شيءٌ من القرآن عند القبر فإن هذا بدعة، لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم، ولا صحابته الكرام، ويَحْرُم البناء على القبور، وتَجْصِيصُها، والكتابة عليها، لقول جابر: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُجَصّصَ القبر وأن يُقْعَد عليه وأن يبنى عليه " رواه مسلم (الجنائز/1610) وعند أبي داود: " نهى أن تجصص القبور وأن يكتب عليها وأن لا توطأ " (الجنائز/3226) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود/ 2763. ثالثاً: تشرع التعزية لأهل الميت، والتعزية تكون بما يُظَنّ أنّ فيه تسلِيَةً لهم، وكفَّاً لحزنِهِمْ، ويَحملُهم على الصبر، ويعزيهم بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، إن كان يستحضره وإلا فبما يتيسر له من الكلام الحسن الذي يحقق الغرض ولا يخالف الشرع وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده إلى أجل مسمى فلتصبر ولتحتسب) روا هـ البخاري (الجنائز/1204) . وينبغي اجتناب أمرين: الاجتماع للتعزية وإن تتابع الناس عليه. اتخاذ أهل الميت الطعام لضيافة الواردين للعزاء. وإنما السنة أن يصنع أقرباء الميت وجيرانه لأهل الميت طعاما يشبعهم. والله أعلم للمزيد يراجع كتاب أحكام الجنائز للألباني رحمه الله، وكتاب الملخص الفقهي للفوزان (213-216) . [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 10373 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4716 دفن المسلمين في بلاد الكفار [السُّؤَالُ] ـ[يتشرف جماعة من المسلمين بمدينة بروكسل ببلجيكا بأن يطلبوا من سيادتكم فتوى فيما يخص دفن المسلمين بمقبرة نصرانية أو غيرها، وقد قررنا إيجاد مقبرة إسلامية بهذا البلد؛ لأن الحكومة البلجيكية طلبت منا فتوى؛ لأنكم تبذلون جهدكم لنشر هذا الدين، وفي انتظار جوابكم تقبلوا منا سيدي المفتي فائق احترامنا.]ـ [الْجَوَابُ] يجب دفن موتى المسلمين في مقبرة مستقلة لهم، ولا يجوز دفنهم في مقابر غير المسلمين، قال الإمام الشيرازي في المهذب: ولا يدفن كافر في مقبرة المسلمين، ولا مسلم في مقبرة الكفار، وقال الإمام النووي في المجموع: اتفق أصحابنا رحمهم الله على أنه لا يدفن مسلم في مقبرة كفار، ولا كافر في مقبرة مسلمين، ومن ذلك يظهر أنه يجب تخصيص مكان لدفن موتى المسلمين في مقبرة خاصة بهم. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 9/6. الحديث: 7866 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4717 لا يجوز امتهان المقابر [السُّؤَالُ] ـ[في قريتنا أصبحت المقابر تُمتهن حيث صارت طريقاً للإبل والبقر والماعز والسيارات، بل والأدهى من ذلك أن بعضاً من الناس تقدموا للبناء عليها، فما هو توجيه سماحتكم لهذا الأمر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا لا يجوز، فإن المقبرة لا يجوز أن يُتعرض لها بشيء ما دام أن رفات الموتى موجود فيها، فإن حرمة الميت كحرمة الحي. فلا يجوز امتهان المقبرة لا بوطء ولا بجعلها طرقاً، ولا بالصلاة فيها ولا بإدخالها في مساكن الناس، كل هذا لا يجوز، إلا إذا كانت المقبرة قد صار ساكنوها من الأموات رميماً تراباً لم يبق لهم أي جثة ما، فهذا وبهذه الحالة، لا بأس باستعمال المقبرة كمزارع أو بيوت أو غير ذلك، أما ما دام يوجد فيها شيء من جثث الموتى، فلا يجوز استعمالها والمشي عليها لأن المسلم الميت تقدم إلى هذا المكان قبلكم وسبق إليه فهو أحق به وحرمته وهو ميت كحرمته وهو حي، فالنبي صلى الله عليه وسلم لما رأى رجلاً يطأ القبور قال: (لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده، خير له من أن يجلس على قبر) رواه مسلم رقم (9711) وأبو داود رقم (3228) ، فهذا تحذير لما في ذلك من امتهان المسلم، وقد ذكر العلماء أنه: يحرم التخلي بين القبور، ولا يجوز الجلوس على القبور، ولا يجوز الجلوس على القبر، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تجلسوا على القبور، ولا تصلوا إليها) رواه مسلم رقم (972) ، وأبو داود رقم (3229) ، ولا الاتكاء عليه، ولا وطء القبور بالاقدام أو امتهانها، فكل ذلك لا يجوز، والله الموفق. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى سماحة الشيخ عبد الله بن حميد ص 161 الحديث: 4309 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4718 كيفية قضاء ما فات من صلاة الجنازة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من أدرك مع الإمام تكبيرة من صلاة الجنازة، وفاته ثلاث تكبيرات، وماذا يفعل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يكمل صلاة الجنازة فيكبر ثلاث تكبيرات قضاء قبل رفع الجنازة، لما فاته ثم يسلم، ويعتبر ما أدركه مع الإمام أول صلاة، ويكفيه أقل الواجب بعد التكبيرة الثانية والثالثة، فيقول بعد الثانية: اللهم صل على محمد، وبعد الثالثة: اللهم اغفر له، ويسلم بعد الرابعة. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 8/399. الحديث: 22288 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4719 من ماتت عند الولادة فإنها شهيدة وتغسل ويصلى عليها [السُّؤَالُ] ـ[هل تغسل المرأة التي توفيت عند الولادة أو بعدها مباشرة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا ماتت المرأة عند الولادة أو بعدها مباشرة أو في مدة النفاس فإنها تعتبر شهيدة عند الله تعالى، ولها أجر الشهداء وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (8800) . ولكنها تغسل ويصلى عليها كغيرها من المسلمين والمسلمات؛ وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم على امرأة ماتت في نفاسها، رواه البخاري (1332) ومسلم (964) وقال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/204) : " فأما الشهيد بغير قتل , كالمبطون , والمطعون , والغرق , وصاحب الهدم , والنفساء , فإنهم يغسلون , ويصلى عليهم ; لا نعلم فيه خلافا , إلا ما يحكى عن الحسن.. وقد صلى المسلمون على عمر وعلي رضي الله عنهما , وهما شهيدان ". انتهى باختصار. وإنما الشهيد الذي لا يغسَّل ولا يصلَّى عليه هو الذي مات في المعركة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83856 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4720 هل يجوز دفن الميت بالليل؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا مات ميت قبل منتصف الليل أو بعد منتصف الليل، فهل يجوز دفنه ليلاً، أو لا يجوز دفنه إلا بعد طلوع الفجر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز دفن الميت ليلاً لما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: " مات إنسان كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فمات بالليل فدفنوه ليلاً، فلما أصبح أخبروه، فقال: (ما منعكم أن تعلموني؟) قالوا: كان الليل، وكانت ظلمة، فكرهنا أن نشق عليك، فأتى قبره فصلى عليه) رواه البخاري ومسلم، فلم ينكر دفنه ليلاً، وإنما أنكر على أصحابه أنهم لم يعلموه به إلا صباحاً، فلما اعتذروا إليه قبل عذرهم، وروى أبو داوود عن جابر قال: " رأى ناس ناراً في المقبرة فأتوها، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المقبرة يقول: ناولوني صاحبكم، وإذا هو الذي كان يرفع صوته بالذكر) ، وكان ذلك ليلاً كما يدل عليه قول جابر: (رأى ناراً في المقبرة..) إلخ. ودفن النبي صلى الله عليه وسلم ليلاً، روى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما علمنا بدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا صوت المساحي من آخر الليل، ليلة الأربعاء، والمساحي هي الآلات التي يجرف بها التراب، ودفن أبو بكر وعثمان وعائشة وابن مسعود ليلاً، وما روي مما يدل على كراهية الدفن ليلاً فمحمول على ما إذا كان التعجيل بدفنه ليلاً يخل بالصلاة عليه كما جاء ذلك في الحديث الصحيح، أو من أجل أن لا يساء كفنه، ولأنه أسهل على من يشيع جنازته وأمكن لإحسان دفنه، واتباع السنة في كيفية لحده، وهذا إذا لم توجد ضرورة إلى تعجيل دفنه، وإلا وجب التعجيل بدفنه ولو ليلاً. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 8/397. الحديث: 22285 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4721 جمع رفات الشهداء [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم جمع رفات الشهداء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله رفات الشهداء كغيره من الرفات، يدفن رفات كل شهيد في قبر يخصه إلا إذا كان هناك مشقة كبيرة في دفن كل واحد على حده، لكثرة الأموات بسبب وباء أو قتل ونحوهما، فلا بأس بدفن الاثنين والثلاثة في قبر واحد، ويقدم أفضلهم ديناً إلى القبلة، كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في قتلى أحد. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الحديث: 22144 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4722 السنة أن يسنّم القبر ويرفع قدر شبر [السُّؤَالُ] ـ[قرأت الحديث عن تسوية القبور المرتفعة المروي عن علي (رضي الله عنه) . وقد كان قبر جدتي مرتفعاً بقدر أربعة أقدام تقريباً، ومبنيا من الرخام. وقد هدمت الجزء العلوي من القبر وجعلته منخفضاً – اتباعاً للسنة. وبعد ذلك صادف أن قرأت الإجابة عن السؤال رقم 8991 في هذا الموقع والذي يتضمن عبارة: " ومِن رفع القبور الداخل تحت الحديث: القُبب والمشاهد المبنية على القبور، واتخاذ القبور مساجد ... ". والآن أشعر بالقلق أنني ربما فعلت شيئاً فيه امتهان للقبر أو لروح جدتي؟!! ثانياً، كبار الأسرة يلعنوني بسبب ما فعلت. فهل ارتكبت خطأً، وإذا كان كذلك فماذا ينبغي أن أفعل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: السنة أن يرفع القبر عن الأرض قدر شبر، وأن يجعل مسنّما لا مسطحا، في قول جمهور العلماء؛ لما روى البخاري (1390) عَنْ سُفْيَانَ التَّمَّارِ أَنَّهُ رَأَى قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسَنَّمًا. وروى ابن حبان في صحيحه (6635) والبيهقي في السنن (6527) ـ حسنه الألباني ـ عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أُلحد، ونُصب عليه اللبن نصبا، ورفع قبره من الأرض نحوا من شبر. قال في "زاد المستقنع": " ويرفع القبر عن الأرض قدر شبر مسنما ". قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه "الشرح الممتع" (5/364) : " أي السنة أن يرفع القبر عن الأرض، وكما أنه سنة، فإن الواقع يقتضيه؛ لأن تراب القبر سوف يعاد إلى القبر، ومعلوم أن الأرض قبل حرثها أشد التئاما مما إذا حرثت، فلا بد أن يربو التراب. وأيضا فإن مكان الميت كان بالأول ترابا، والآن صار فضاء، فهذا التراب الذي كان في مكان الميت في الأول سوف يكون فوقه ... واستثنى العلماء من هذه المسألة: إذا مات الإنسان في دار حرب، أي: في دار الكفار المحاربين، فإنه لا ينبغي أن يُرفع قبره، بل يسوى بالأرض خوفا عليه من الأعداء أن ينبشوه، ويمثلوا به، وما أشبه ذلك. وقوله: " مسنما " أي: يجعل كالسنام بحيث يكون وسطه بارزا على أطرافه، وضد المسنم: المسطح الذي يجعل أعلاه كالسطح. والدليل على هذا: أن هذا هو صفة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقبري صاحبيه " انتهى. وقال ابن القيم رحمه الله: " ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم تعلية القبور ولا بناؤها بآجر ولا بحجر ولبن، ولا تشييدها ولا تطيينها، ولا بناء القباب عليها؛ فكل هذا بدعة مكروهة مخالفة لهديه صلى الله عليه وسلم .... ، وكانت قبور أصحابه لا مشرفة ولا لاطئة، وهكذا كان قبره الكريم وقبر صاحبيه؛ فقبره صلى الله عليه وسلم مسنم مبطوح ببطحاء العرصة الحمراء، لا مبني ولا مطين، وهكذا كان قبر صاحبيه، وكان يعلم قبر من يريد تعرف قبره بصخرة ". انتهى من زاد المعاد (1/524) ثانيا: أما ما رواه مسلم (969) عَنْ أَبِي الْهَيَّاجِ الْأَسَدِيِّ قَالَ قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: أَلَا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَنْ لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ) . فالمقصود بالتسوية هنا، أي تسويته بسائر القبور، وقد تقدم أنها تكون في حدود الشبر. قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: " فِيهِ أَنَّ السُّنَّة أَنَّ الْقَبْر لَا يُرْفَع عَلَى الْأَرْض رَفْعًا كَثِيرًا , وَلَا يُسَنَّم , بَلْ يُرْفَع نَحْو شِبْر وَيُسَطَّح , وَهَذَا مَذْهَب الشَّافِعِيّ وَمَنْ وَافَقَهُ , وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاض عَنْ أَكْثَر الْعُلَمَاء أَنَّ الْأَفْضَل عِنْدهمْ تَسْنِيمهَا وَهُوَ مَذْهَب مَالِك " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "القول المفيد شرح كتاب التوحيد": " قوله: (ولا قبرا مشرفا) : عاليا. قوله: (إلا سويته) . له معنيان: الأول: أي سويته بما حوله من القبور. الثاني: جعلته حسنا على ما تقتضيه الشريعة، قال تعالى: (الذي خلق فسوى) (الأعلى: 2) أي: سوى خلقه أحسن ما يكون، وهذا أحسن، والمعنيان متقاربان. والإشراف له وجوه: الأول: أن يكون مشرفا بكبر الأعلام التي توضع عليه، وتسمى عند الناس (نصائل) أو (نصائب) ، ونصائب أصح لغة من نصائل. الثاني: أن يبنى عليه، هذا من كبائر الذنوب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن المتخذين عليه المساجد والسرج) . الثالث: أن تشرف بالتلوين، وذلك بأن توضع على أعلامها ألوان مزخرفة. الرابع: أن يرفع تراب القبر عما حوله ليكون ظاهرا. فكل شي مشرف، ظاهر على غيره متميز عن غيره يجب أن يسوى بغيره، لئلا يؤدي ذلك إلى الغلو في القبور والشرك " انتهى. ثالثا: قد تبين مما سبق أن بناء القبب والمشاهد على القبور ممنوع، وهو ذريعة إلى تعظيمها والإشراك بها، وكذلك رفع القبر أكثر من شبر تقريبا، ممنوع أيضا. قال الشوكاني رحمه الله: " ومن رفع القبور الداخل تحت الحديث [يعني حديث علي السابق] دخولا أوليا: القبب والمشاهد المعمورة على القبور، وأيضا هو من اتخاذ القبور مساجد، وقد لعن النبي صلى الله علي وآله وسلم فاعل ذلك ... وكم قد سرى عن تشييد أبنية القبور وتحسينها من مفاسد يبكي لها الإسلام؛ منها اعتقاد الجهلة لها كاعتقاد الكفار للأصنام، وعظُم ذلك فظنوا أنها قادرة على جلب النفع ودفع الضرر، فجعلوها مقصدا لطلب قضاء الحوائج وملجأ لنجاح المطالب، وسألوا منها ما يسأله العباد من ربهم، وشدوا إليها الرحال، وتمسحوا بها واستغاثوا؛ وبالجملة إنهم لم يَدَعوا شيئا مما كانت الجاهلية تفعله بالأصنام إلا فعلوه، فإنا لله وإنا إليه راجعون!! ومع هذا المنكر الشنيع، والكفر الفظيع، لا نجد من يغضب لله ويغار حمية للدين الحنيف، لا عالما ولا متعلما، ولا أميرا ولا وزيرا ولا ملكا؟!! وقد توارد إلينا من الأخبار ما لا يشك معه أن كثيرا من هؤلاء المقبوريين، أو أكثرهم، إذا توجهت عليه يمين من جهة خصمه حلف بالله فاجرا، فإذا قيل له بعد ذلك: احلف بشيخك ومعتقدك، الولي الفلاني، تلعثم وتلكأ وأبى واعترف بالحق؟!! وهذا من أبين الأدلة الدالة على أن شركهم قد بلغ فوق شرك من قال إنه تعالى ثاني اثنين أو ثالث ثلاثة؛ فيا علماء الدين ويا ملوك المسلمين أي رزء للإسلام أشد من الكفر، وأي بلاء لهذا الدين أضر عليه من عبادة غير الله، وأي مصيبة يصاب بها المسلمون تعدل هذه المصيبة، وأي منكر يجب إنكاره إن لم يكن إنكار هذا الشرك البين واجبا: لقد أسمعتَ لو ناديتَ حيا ... ولكن لا حياة لمن تنادي ولو نارا نفختَ بها أضاءت ... ولكن أنت تنفخ في رماد " انتهى من نيل الأوطار (4/83-84) . وبهذا تعلم أن ما قمت به من هدم الرخام، وإزالة الجزء العلوي من القبر، أمر حسن، موافق للسنة التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم، وليس فيه من امتهان القبر أو صاحبه شيء، بل الإكرام للقبر وصاحبه أن يكون على سنة النبي صلى الله عليه وسلم. وأما ما ذكرته من أن كبار السن صاروا يلعنونك على ما فعلت فهذا عدوان وظلم منهم، واصبر على ما أصابك من أجل ما قمت به من الطاعة؛ فهكذا حال من يأمر الناس بمعروف أو ينهاهم عن منكر. قال الله تعالى، فيما حكى لنا من وصايا لقمان الحكيم لابنه: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (لقمان:17) لكن يجب أن يراعى في ذلك عدم حدوث مفسدة أعظم؛ فإن شرط إنكار المنكر ألا يخلفه ما هو أنكر منه. ولهذا إذا غلب على ظن الإنسان أنه لو سوّى القبر، حدث بسبب ذلك فتنة في بلده أو قومه، أو ناله أذى من سجن أو ضرب، فإنه يسعه السكوت حينئذ، وقد يحرم عليه الإنكار إذا عظمت المفسدة، أو كانت تلحق غيره من أخ أو قريب. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83133 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4723 دفن المسلم وتغسيله مع الكفار [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم المسلم الذي يتوفى في فرنسا وتعذر نقله إلى بلاده العربية، وليس في البلد الذي هو متوفى فيه مقبرة مخصصة للمسلمين، فهل يدفن في مقبرة النصارى، أم ماذا؟ وكذلك ليس هناك موضع لتغسيل أموات المسلمين إلا الحجرة المخصصة لتغسيل أموات النصارى، فهل يمكن تغسيل أموات المسلمين فيها إذا تعذر تغسيل الميت المسلم في بيته؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا لم يوجد مقبرة للمسلمين فإن المسلم إذا مات لا يدفن في مقابر الكفار، ولكن يلتمس له موضع في الصحراء يدفن فيه ويسوى بالأرض حتى لا يتعرض للنبش، وإن تيسر نقله إلا بلاد بها مقبرة للمسلمين بدون كلفة شديدة فهو أولى، أما تغسيل الميت المسلم في موضع تغسيل الكفرة فلا حرج فيه إذا لم يتيسر مكان سواه بدون كلفة. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 8/454. الحديث: 22143 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4724 حكم رثاء الأموات [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم رثاء الأموات وإقامة الحفلات والاجتماعات لذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الرثاء هو بكاء الميت بعد موته ومدحه، وكذلك إذا نظمت فيه الأشعار. انظر: "لسان العرب" (14/309) . ويراد به أيضاً التوجع من الوقوع في مكروه. ومنه حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَكِنْ الْبَائِسُ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ) يَرْثِي لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ. رواه البخاري (1296) . وقد ذكر الحافظ في "الفتح" أن قوله: (يَرْثِي لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ) هو من كلام الزهري. انظر: "الفائق" (2/36) . وللعلماء رحمهم الله في رثاء الأموات قولان في الجملة. القول الأول: أنه لا بأس بالمراثي، وهذا مذهب الحنفية، والشافعية. انظر: "حاشية ابن عابدين" (2/239) ، "نهاية المحتاج" (3/17) . واستدل هؤلاء بأن الكثير من الصحابة رضي الله عنهم فعله، وكذلك فعله كثير من أهل العلم. انظر: "شرح المنهاج للجمل" (2/215) . القول الثاني: أنه تكره المراثي، وهو قول للشافعية. انظر: "نهاية المحتاج" (3/17) . واستدل هؤلاء بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن المراثي، فعن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المراثي. رواه الإمام أحمد (18659) ، وابن ماجه (1592) . ومدار الحديث على إبراهيم الهجري الراوي عن عبد الله قال عنه البوصيري في مصباح الزجاجة: وهو ضعيف جداً، ضعفه سفيان بن عيينة ويحيى بن معين والنسائي وغيرهم. وقال عنه البخاري: منكر الحديث. ولهذا ضعفه الألباني في ضعيف ابن ماجه. جاء في الموسوعة الفقهية (22/98) : " جَاءَ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ مِنْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِتَرْثِيَةِ الْمَيِّتِ بِشِعْرٍ أَوْ غَيْرِهِ , لَكِنْ يُكْرَهُ الْإِفْرَاطُ فِي مَدْحِهِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ جِنَازَتِهِ. وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ تَرْثِيَةُ الْمَيِّتِ بِذِكْرِ آبَائِهِ , وَخَصَائِلِهِ , وَأَفْعَالِهِ , وَالْأَوْلَى الِاسْتِغْفَارُ لَهُ. وَذَكَرَ الْحَنَابِلَةُ أَنَّ مَا هَيَّجَ الْمُصِيبَةَ مِنْ وَعْظٍ أَوْ إنْشَادِ شِعْرٍ فَمِنْ النِّيَاحَةِ أَيْ: الْمَنْهِيِّ عَنْهَا. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ " انتهى. وقد قسّم القرافي في "الفروق" (2/174) المراثي إلى أربعة أقسام، فقال: " لَيْسَ الْأَمْرُ عَلَى إبَاحَةِ الْمَرَاثِي وَعَدَمِ تَفْسِيقِ الشُّعَرَاءِ الَّذِينَ يَرْثُونَ الْمَوْتَى مِنْ الْمُلُوكِ وَالْأَعْيَانِ مُطْلَقًا , وَإِنْ اُشْتُهِرَ ذَلِكَ بَيْنَ النَّاسِ بَلْ الْحَقُّ أَنَّ الْمَرَاثِي عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: حَرَامٌ كَبِيرَةٌ، وَحَرَامٌ صَغِيرَةٌ، وَمُبَاحٌ، وَمَنْدُوبٌ. , أَمَّا ضَابِطُ مَا هُوَ حَرَامٌ كَبِيرَةٌ فَكُلُّ كَلَامٍ يُقَرِّرُ فِي النُّفُوسِ وَيُوضِحُ لِلْأَفْهَامِ نِسْبَةَ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إلَى الْجَوْرِ فِي قَضَائِهِ، وَالتَّبَرُّمِ بِقَدَرِهِ , وَأَنَّ الْوَاقِعَ مِنْ مَوْتِ هَذَا الْمَيِّتِ لَمْ يَكُنْ مَصْلَحَةً، بَلْ مَفْسَدَةً عَظِيمَةً، فَيَحْمِلُ السَّامِعِينَ عَلَى اعْتِقَادِ ذَلِكَ يَكُونُ حَرَامًا كَبِيرَةً نَظْمًا كَانَ أَوْ نَثْرًا. كَأَنْ يَقُولَ الشَّاعِرُ فِي رِثَائِهِ: مَاتَ مَنْ كَانَ بَعْضُ أَجْنَادِهِ الْمَوْتَ وَمَنْ كَانَ يَخْتَشِيهِ الْقَضَاءُ فَيَتَضَمَّنُ شِعْرُهُ مِنْ التَّعْرِيضِ لِلْقَضَاءِ بِقَوْلِهِ: "مَنْ كَانَ بَعْضُ أَجْنَادِهِ الْمَوْتَ" تَعْظِيمًا لِشَأْنِ هَذَا الْمَيِّتِ , وَأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْمَيِّتِ مَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَخْلُوَ مِنْهُ مَنْصِبُ الْخِلَافَةِ , وَمَتَى تَأْتِي الْأَيَّامُ بِمِثْلِ هَذَا؟ وَنَحْوِ ذَلِكَ , وَيُشِيرُ قَوْلُهُ: "يَخْتَشِيهِ الْقَضَاءُ" إلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ يَخَافُ مِنْهُ , وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ كُفْرًا صَرِيحًا وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ لَفْظِهِ فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْهُ , فَلِذَا لَمَّا حَضَرَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْمَحْفِلِ الَّذِي جَمَعَ فِيهِ الْمَلِكُ الصَّالِحُ الْأَكَابِرَ وَالْأَعْيَانَ وَالْقُرَّاءَ وَالشُّعَرَاءَ لِعَزَاءِ الْخَلِيفَةِ بِبَغْدَادَ , وَأَنْشَدَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ فِي مَرْثِيَّتِهِ: مَاتَ مَنْ كَانَ بَعْضُ أَجْنَادِهِ الْمَوْتَ وَسَمِعَهُ الشَّيْخُ أَمَرَ بِتَأْدِيبِهِ وَحَبْسِهِ وَأَغْلَظَ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِ , وَبَالَغَ فِي تَقْبِيحِ رِثَائِهِ , وَأَقَامَ بَعْدَ التَّعْزِيرِ فِي الْحَبْسِ زَمَانًا طَوِيلًا , ثُمَّ اسْتَتَابَهُ بَعْدَ شَفَاعَةِ الْأُمَرَاءِ وَالرُّؤَسَاءِ فِيهِ , وَأَمَرهُ أَنْ يَنْظِمَ قَصِيدَةً يُثْنِي فِيهَا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ تَكُونُ مُكَفِّرَةً لِمَا تَضَمَّنَهُ شِعْرُهُ مِنْ التَّعَرُّضِ لِلْقَضَاءِ وَالْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ يَخَافُ مِنْ الْمَيِّتِ , وَالشُّعَرَاءُ كَثِيرًا مَا يَهْجُمُونَ عَلَى أُمُورٍ صَعْبَةٍ مِثْلِ ذَلِكَ رَغْبَةً فِي الْإِغْرَابِ وَالتَّمَدُّحِ بِأَنَّهُ طَرَقَ مَعْنًى لَمْ يُطْرَقْ قَبْلَهُ فَيَقَعُونَ فِي هَذَا وَمِثْلِهِ. وَهَذَا الْقِسْمُ شَرُّ الْمَرَاثِي. وَأَمَّا ضَابِطُ مَا هُوَ حَرَامٌ صَغِيرَةٌ فَكُلُّ كَلَامٍ نَظْمًا أَوْ نَثْرًا لَمْ يَصِلْ إلَى الْغَايَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ إلَّا أَنَّهُ يُبْعِدُ السَّلْوَةَ عَنْ أَهْلِ الْمَيِّتِ , وَيُهِيجُ الْأَسَفَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يُؤَدِّيَ إلَى تَعْذِيبِ نُفُوسِهِمْ وَقِلَّةِ صَبْرِهِمْ وَضَجرِهِمْ , وَرُبَّمَا بَعَثَهُمْ عَلَى الْقُنُوطِ وَشَقِّ الْجُيُوبِ وَضَرْبِ الْخُدُودِ، يَكُونُ حَرَامًا صَغِيرَةً. وَأَمَّا ضَابِطُ مَا هُوَ مُبَاحٌ مِنْ الْمَرَاثِي فَكُلُّ كَلَامٍ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ مِمَّا فِي الْقِسْمَيْنِ قَبْلَهُ بَلْ ذُكِرَ فِيهِ دِينُ الْمَيِّتِ , وَأَنَّهُ انْتَقَلَ إلَى جَزَاءِ أَعْمَالِهِ الْحَسَنَةِ وَمُجَاوَرَةِ أَهْلِ السَّعَادَةِ. وَأَنَّهُ أَتَى عَلَيْهِ مَا قَضَى عَلَى عَامَّةِ النَّاسِ , وَأَنَّ هَذَا سَبِيلٌ لَا بُدَّ مِنْهُ وَأَنَّهُ مَوْطِنٌ اشْتَرَكَ فِيهِ جَمِيعُ الْخَلَائِقِ وَبَابٌ لَا بُدَّ مِنْ دُخُولِهِ، يَكُونُ مُبَاحًا خَالِيًا عَنْ التَّحْرِيمِ. وَأَمَّا ضَابِطُ الْمَنْدُوبِ مِنْ الْمَرَاثِي فَكُلُّ كَلَامٍ زَادَ عَلَى مَا فِي قِسْمِ الْمُبَاحِ مِنْ أَمْرِ أَهْلِ الْمَيِّتِ بِالصَّبْرِ وَحَثِّهِمْ عَلَى طَلَبِ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ , وَأَنَّهُمْ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَحْتَسِبُوا مَيِّتَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَعْتَمِدُونَ فِي حُسْنِ الْخَلَفِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَنَحْوُ ذَلِكَ، يَكُونُ مَنْدُوبًا إلَيْهِ مَأْمُورًا بِهِ. وَمِنْهُ مَا رُوِيَ أَنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رضي الله عنه لَمَّا مَاتَ عَظُمَ مُصَابُهُ عَلَى ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ فقَدِمَ أَعْرَابِيٌّ مِنْ الْبَادِيَةِ، فَسَأَلَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، فَلَمَّا دخل عليه قال: اصْبِرْ نَكُنْ بِك صَابِرِينَ فَإِنَّمَا صَبْرُ الرَّعِيَّةِ عِنْدَ صَبْرِ الرَّاسِ خَيْرٌ مِنْ الْعَبَّاسِ أَجْرُك بَعْدَهُ وَاَللَّهُ خَيْرٌ مِنْك لِلْعَبَّاسِ فَلَمَّا سَمِعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ رِثَاءَهُ وَاسْتَوْعَبَ شِعْرَهُ سَرَّى عَنْهُ عَظِيمَ مَا كَانَ بِهِ. وَهَذَا كَلَامٌ فِي غَايَةِ الْجَوْدَةِ مِنْ الرِّثَاءِ، مُسَهِّلٌ لِلْمُصِيبَةِ، مُذْهِبٌ لِلْحُزْنِ، مُحْسِنٌ لِتَصَرُّفِ الْقَضَاءِ، مُثْنٍ عَلَى الرَّبِّ بِإِحْسَانٍ وَجَمِيلِ الْعَوَارِفِ , فَهَذَا حَسَنٌ جَمِيلٌ. وَعَلَى هَذِهِ الْقَوَانِينِ يَتَخَرَّجُ جَمِيعُ مَا يَرِدُ عَلَيْك مِنْ َالْمَرَاثِي وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ " انتهى باختصار. وقال في تحفة الأحوذي: " فَإِنْ قِيلَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمَرَاثِي كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ , فَإِذَا نَهَى عَنْهُ كَيْفَ يَفْعَلُهُ؟ - يعني في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه المتقدم - فَالْجَوَابُ: أَنَّ الْمَرْثِيَةَ الْمَنْهِيَّ عَنْهَا مَا فِيهِ مَدْحُ الْمَيِّتِ وَذِكْرُ مَحَاسِنِهِ الْبَاعِثُ عَلَى تَهْيِيجِ الْحُزْنِ وَتَجْدِيدِ اللَّوْعَةِ أَوْ فِعْلِهَا مَعَ الِاجْتِمَاعِ لَهَا أَوْ عَلَى الْإِكْثَارِ مِنْهَا دُونَ مَا عَدَا ذَلِكَ , وَالْمُرَادُ هُنَا تَوَجُّعُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَتَحَزُّنُهُ عَلَى سَعْدٍ لِكَوْنِهِ مَاتَ بِمَكَّةَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ مِنْهَا، لَا مَدْحَ الْمَيِّتِ لِتَهْيِيجِ الْحُزْنِ، كَذَا ذَكَرَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ " انتهى. وانظر: "فتح الباري" (3/164-165) . وسئل الشيخ ابن باز: القصائد التي فيها رثاء للميت هل هي من النعي المحرم؟ فأجاب: " ليست القصائد التي فيها رثاء للميت من النعي المحرم، ولكن لا يجوز لأحد أن يغلو في أحد ويصفه بالكذب، كما هي عادة الكثير من الشعراء " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز". وعلى هذا؛ فإقامة حفلات الرثاء، والاجتماع لذلك منهي عنه، لا سيما إذا اقترن بذلك تهييج الأحزان أو الاعتراض على القدر، أو الكذب بوصف الميت بما ليس فيه، ونحو ذلك من الأمور المحرمة. أما مجرد ذكر محاسن الميت وإظهار التوجع والحزن عليه، فهذا لا بأس به إذا خلا من المحظورات المتقدمة ونحوها. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82357 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4725 إذا أجرى الطبيب عملية الإجهاض هل تلزمه الدية والكفارة [السُّؤَالُ] ـ[نحن نعيش في دوله أجنبية وعندنا جارتنا حملت وكانت تقريبا في الشهر الخامس والأطباء أخبروهم بأن الطفل مشوه وإذا عاش سوف يكون معاقا فعملوا لها عملية وأنزلوا الطفل ودفنوه في غابة غير المقابر، لأن هنا القبر غالي جداً فما حكم ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يجوز إسقاط الجنين الذي تم له أربعة أشهر ولو كان مشوها، وانظر جواب السؤال رقم (12118) . ثانياً: إذا أسقطت الحامل جنينها بشرب دواء أو نحوه، بعد أن تم له أربعة أشهر، ففيه الدية باتفاق العلماء، والكفارة عند بعضهم. والدية هنا: غُرّة، عبد أو أمة، فإن لم توجد، فديته خمس من الإبل، لأن دية الجنين عشر دية أمه، ومعلوم أن دية الحرة المسلمة خمسون من الإبل، فتكون دية الجنين خمساً من الإبل. وهذه الدية تلزم كل مَنْ باشر إسقاط الجنين، فيشترك فيها الطبيب والمرأة إذا أخذت دواء يساعد على الإسقاط، وتدفع الدية إلى ورثة الجنين؛ ولا يأخذ قاتله منها شيئاً. ودليل ذلك ما رواه البخاري (6910) ومسلم (1681) عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (اقْتَتَلَتْ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ، فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِحَجَرٍ، فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا، فَاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَضَى أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا غُرَّةٌ: عَبْدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ) . وأما الكفارة، فقد ذهب إلى وجوبها الشافعية والحنابلة، واستحبها الحنفية والمالكية. وكفارة القتل: عتق رقبة، فإن لم توجد فصيام شهرين متتابعين. قال ابن قدامة رحمه الله: " وإذا شربت الحامل دواء , فألقت به جنينا , فعليها غرة , لا ترث منها شيئا , وتعتق رقبة، ليس في هذه الجملة اختلاف بين أهل العلم نعلمه , إلا ما كان من قول من لم يوجب عتق الرقبة , وذلك لأنها أسقطت الجنين بفعلها وجنايتها , فلزمها ضمانه بالغرة , كما لو جنى عليه غيرها , ولا ترث من الغرة شيئا ; لأن القاتل لا يرث المقتول , وتكون الغرة لسائر ورثته , وعليها عتق رقبة " انتهى من "المغني" (8/327) . وقال أيضاً: " وإن اشترك جماعة في ضرب امرأة , فألقت جنيناً , فديته أو الغرة عليهم بالحصص (أي: تقسم عليهم) , وعلى كل واحد منهم كفارة , كما إذا قتل جماعة رجلا واحدا. وإن ألقت أجنة , فدياتهم عليهم بالحصص , وعلى كل واحد في كل جنين كفارة , فلو ضرب ثلاثة بطن امرأة , فألقت ثلاثة أجنة , فعليهم تسع كفارات , على كل واحد ثلاثة " انتهى من "المغني" (8/326) . وقال: " الغرة قيمتها نصف عشر الدية , وهي خمس من الإبل. روي ذلك عن عمر وزيد رضي الله عنهما، وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي " انتهى باختصار. ثالثاً: إذا اجتمع آمر بالإجهاض (كالأم) ومباشر له (كالطبيب) فلا شك أنهما شريكان في إثم هذه الجريمة، لكن اختلف العلماء على أيهما يكون الضمان (الدية والكفارة) ؟ والصواب أنه على المباشر، لأنه هو القاتل حقيقة، وهو مذهب الإمام أحمد رحمه الله. وانظر "مطالب أولى النهى" (6/50) . وذهب بعض العلماء كالشافعية إلى أن الضمان على الأم. وانظر: "أسنى المطالب" (4/39) . وقد اختار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله القول الأول ورجحه. رابعاً: ولا حرج من دفنه في الغابة إذا لم تستطيعوا شراء قبر له، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال: (98064) [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82026 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4726 التذكير في مجلس العزاء [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن يحضر للتعزية أحد العلماء ليحمل أهل الميت على الصبر ويذكرهم بفناء الدنيا ويبين لهم فوائد الصبر ويسليهم بحيث يكون مجلس التعزية روضة من رياض الجنة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " ليس هذا من السنة , أن يحضر واعظ في مجلس التعزية ليعظ أهل الميت ويسمعه الحاضرون , بل إن الاجتماع للتعزية مكروهٌ , كما صرح بذلك كثيرٌ من العلماء , بل أطلق بعضهم عليه أنه بدعة , لذلك نحث إخواننا المسلمين على أن لا يفعلوا ذلك , أي أن لا يجلسوا للتعزية يستقبلون الناس. أولاً: لأن ذلك لم يكن من هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا من هدي أصحابه. وثانياً: أن لسان حال هذا الجالس الذي فتح بابه للناس , كأنه يقول: يا أيها الناس , ائتوا إليّ فإني مصابٌ فعزوني , وهذا أمرٌ لا يليق بالعاقل , بل الإنسان المصاب ينبغي له أن يتصبر ويتحمل دون أن يقول للناس بلسان الحال أو لسان المقال تعالوا عزوني. وثالثاً: أن هذه المجالس قد بالغ فيها بعض الناس حتى أصبحوا يجعلونها كأنها حفل زواج , تمر في بعض المناطق فترى البيت مضاءً بقناديل الكهرباء , مفتوح الباب , قد بسط بالرمل أو بالفرش وبالكراسي , والناس هذا داخلٌ وهذا خارج وكأنهم في محفل عرس , وهذا لا شك أنه ليس من السنة , بل إنه خلاف السنة قطعاً , بل إنه يجعل الناس يحسون بهذه الأمور إحساساً ظاهرياً بدنياً , يريدون أن يسلوا أنفسهم بهذه المظاهر فقط , لا برجاء الثواب وتحمل الصبر , لأن هذه عبارة عن سرورٍ ظاهري جسدي فقط , لكن إذا بقي البيت على ما هو عليه وبقي أهلهم على ما هم عليه وتصابروا فيما بينهم وحث بعضهم بعضاً على الصبر , كان هذا هو السنة , ولهذا لما جاء نعي جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا لآل جعفر طعاماً , فقد أتاهم ما يشغلهم) ولم يقل: " واذهبوا إليهم , واجتمعوا إليهم , وكلوا معهم " إنما قال: (اصنعوا لآل جعفر طعاماً , فقد أتاهم ما يشغلهم) يعني عن صنع الطعام , لأن النفوس مهما بلغت لا بد أن تتكدر , ولا سيما إذا كان المصاب جللاً عظيماً , لكن كون الناس يجتمعون وتصنع الولائم وتبعث إليهم أو ربما يصنعونها هم , فإن الصحابة يعدون صنع الطعام واجتماع الناس إليه من النياحة. ولهذا نقول لإخواننا: خففوا على أنفسكم , لا تكلفوها مثل هذه الأعمال التي لا تزيدكم إلا إيغالاً في البدعة التي لم تكن معروفة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عهد أصحابه , ونحن نقول هذا الكلام , ونقول لمن سمعه: إذا كان عندك شيء من سنة الرسول عليه الصلاة والسلام يؤيد هذا فأهده إلينا , وأنت مشكورٌ على ذلك , ونحن بحول الله سننقاد له , أما إذا لم يكن عندك شيء فلماذا تحدث أمراً لم يصنعه الرسول عليه الصلاة والسلام ولا أصحابه؟! ألم تسمع قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي , تمسكوا بها , وعضوا عليها بالنواجذ , وإياكم ومحدثات الأمور) ؟ إذاً، فنقول: لا تَدْعُ عالماً يحضر مجلس أهل الميت من أجل أن يلقي فيهم المواعظ , بل إذا رأينا أن بعض الناس قد بلغ به الحزن مبلغاً عظيماً , فإننا نأتي إليه بواحدٍ من العائلة أو أحد طلبة العلم المعروف عنده يأتي إليه ويتكلم معه كلاماً عادياً في المجلس ويقول: اتق الله , اصبر، احتسب , فإن لله ما أخذ , وله ما أبقى , وكل شيء عنده بأجلٍ مسمى , هذا أمرٌ مكتوب قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة , والمكتوب لا بد أن يقع , قال النبي عليه الصلاة والسلام: (واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك , وما أخطأك لم يكن ليصيبك) وتشددك في الحزن والبكاء لا يرفع من الأمر شيئاً , بل يزيد الأمر شدة , ألم تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه) فيأتي إنسان عادي بصفة عادية يتكلم مع هذا الذي بلغت به المصيبة مبلغاً عظيماً ويخفف عليه , وأما الاجتماع وجلب الوعاظ للوعظ وما أشبه ذلك فكل هذا من البدع " انتهى. [الْمَصْدَرُ] فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين "فتاوى نور على الدرب" الحديث: 82183 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4727 هل يجوز أن تشتري أرضًا كي تدفن فيها حين تموت؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن يشتري الإنسان مساحة أرض، حتى إذا مات يدفن فيها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحكم في ذلك تابع للمقصد الدافع لشراء الأرض وتخصيصها للدفن فيها: فإن كانت إنما تريد تهيئة مدفن كريم لها، لما تراه من امتهان المقبرة التي في بلدتها، أو لما تراه من دفن جماعي في مكان واحد – كما يحصل في بعض الدول الإسلامية -، أو كانت تريد وقف الأرض للدفن فيها، لها ولغيرها من الناس، ونحو ذلك من الأعذار والمقاصد الشرعية، فحينئذ لا حرج عليها في شراء قطعة الأرض هذه، والوصية بالدفن فيها، فإن مقصدها معتبر شرعا، والقاعدة الفقهية تقول: (الأمور بمقاصدها) . قال الإمام أحمد رحمه الله: " لا بأس أن يشتري الرجل موضع قبره، ويوصي أن يدفن فيه، فعل ذلك عثمان بن عفان، وعائشة، وعمر بن عبد العزيز، رضي الله عنهم ". [المغني 3/443] ، وانظر: أحكام المقابر في الشريعة، د عبد الله السحيباني (23-28) . فإن لم يكن لها أي مقصد من الأمور السابقة، وإنما أرادت أن تتميز بقبرها، وتختص بمكانها دون الناس، فهذا مقصد غير معتبر شرعا، وليس في الكتاب والسنة ما يدل على شرعية مثل هذا الفعل، بل جاء في مقاصد الشريعة وكلام أهل العلم ما يدل على كراهته، ومن ذلك: 1- أن الفقهاء نصوا على استحباب الدفن في المقابر العامة، كي يصيب الميت من دعاء زوارها من المؤمنين، وتأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم، حيث كان يدفن من مات من أصحابه في مقبرة البقيع. جاء في الموسوعة الفقهية (21/9) : " المقبرة أفضل مكان للدفن، وذلك للاتباع، ولنيل دعاء الطارقين، وفي أفضل مقبرة بالبلد أولى، ويكره الدفن في الدار ولو كان الميت صغيرا، وقال ابن عابدين: وكذلك الدفن في مدفن خاص كما يفعله من يبني مدرسة ونحوها، ويبني له بقربه مدفنا " انتهى. انظر "رد المحتار" (2/235) ، "المجموع" (5/245) ، "مغني المحتاج" (2/52) 2- ثم إن الدفن في أرض يملكها المتوفى يضر الورثة، حيث سيمنعهم ذلك من التصرف فيها، وقد كان له في مقابر المسلمين كفاية. جاء في كتاب "الفروع" لابن مفلح الحنبلي (2/278) : " ولو وصى بدفنه في ملكه دُفِنَ مع المسلمين؛ لأنه يضر الورثة " انتهى. 3- كما أن الوصية بالدفن في أرض خاصة قد تكون ذريعة فيما يستقبل من الزمان إلى العبث بهذا القبر، فإن المقبرة العامة متميزة عند جميع الناس، لا يمكن أن يعتدي عليها أحد بالبناء عليها أو الحفر ونحو ذلك، فسيمنعه الناس كلهم من إيذاء أمواتهم، أما الأرض الخاصة فإنها عرضة للتعدي، وعرضة لأطماع الناس لأخذ الأرض ونبش القبر وغير ذلك. 4- الدفن في الأرض الخاصة قد يؤدي إلى تعظيم القبر وتقديسه، فيظن الناس له خصوصية عن دون القبور، أو أنه قبر أحد الأولياء ونحو ذلك، فيرتكبون عنده أنواع الشرك أو التبرك المحرم، وذلك بسبب التميز عن الناس بالمدفن. 5- وأخيرا يخشى أن يكون الباعث على الوصية بالمدفن الخاص هو الكبر والأنفة عن مساواة الناس في مدافنهم، كما يظهر في قبور بعض الملوك والأمراء، حيث يجعلون لأنفسهم مدافن خاصة، ومعلوم أن الكبر من أعظم الذنوب، والعادة أن الموت يكسر كل متكبر ومتجبر، فلا ينبغي للمسلم أن يتشبه بالمتكبرين وعاداتهم. يتبين مما سبق أن شراء أرض والوصية بالدفن فيها لغير مقصد شرعي خلاف الأولى، وأن الأولى هو الدفن مع جماعة المسلمين، والتعرض لبركة دعاء الصالحين من المسلمين. يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "لقاء الباب المفتوح" (1/559) : " لا يلزم تنفيذ الوصية إذا أوصى الميت أن لا يدفن إلا في مكان معين، بل يدفن مع المسلمين، إذ إن الأرض كلها سواء، وكان الصحابة رضي الله عنهم إذا مات منهم ميت في أي مكان دفنوه، فهذه الوصية لا يلزم تنفيذها، لأنه ليس فيها مقصود شرعي " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82184 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4728 حكم السفر لأجل الصلاة على الميت [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم السفر لأجل الصلاة على الميت؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج في ذلك. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز – رحمه الله – م/13 ص/138. الحديث: 21597 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4729 يجوز للمرأة رؤية زوجها بعد موته [السُّؤَالُ] ـ[هناك عادة عند المسلمين الأحناف في الهند أن الزوجة لا يجوز لها أن ترى جثة زوجها الميت. ويدعون أن المرأة إذا مات زوجها فهي أرملة. ولا يجوز لها أن تظهر أمام أي من الرجال المحارم الأحياء منهم والميتين وهم يعتبرون أنه من المحرم على المرأة أن تشاهد جثة زوجها. هل هناك حديث صحيح يؤيد هذا الكلام؟ أرجو التوضيح.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا السؤال فيه مسألتان: الأولى: رؤية المرأة جثة زوجها بعد وفاته. والثانية: رؤيتها لمحارمها. الأولى: يجوز للمرأة أن ترى جثَّة زوجها، ولا مانع من ذلك، بل إن الزوجة لها أن تغسِّل زوجها الميت. روى الإمام مالك في الموطأ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ غَسَّلَتْ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ حِينَ تُوُفِّيَ ثُمَّ خَرَجَتْ فَسَأَلَتْ مَنْ حَضَرَهَا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ فَقَالَتْ إِنِّي صَائِمَةٌ وَإِنَّ هَذَا يَوْمٌ شَدِيدُ الْبَرْدِ فَهَلْ عَلَيَّ مِنْ غُسْلٍ فَقَالُوا لا) (الجنائز/466) ، قال صاحب المنتقى على شرح الموطَّأ في هذا الحديث: يدل على جواز غسل المرأة زوجها بعد وفاته، لأن هذا كان بحضرة جماعة من الصحابة ... لا سيما أن أبا بكر أوصى بذلك ولم يعلم له مخالف من الصحابة فثبت أنه إجماع. وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَوْ كُنْتُ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا غَسَّلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ نِسَائِهِ) رواه ابن ماجة (الجنائز/1453) ، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة برقم (1196) فرؤية المرأة لجثَّة زوجها جائز من باب أولى. ويقيد الجواز بما إذا كانت المرأة في عدتها، فإذا انقضت عدتها كأن تكون حاملاً فتضع بعد موت زوجها مباشرة: فلا يحل لها أن تغسله ولا أن تنظر إليه. وقد سألتُ (الشيخ المنجد) الشيخ ابن عثيمين رحمه الله - قبل وفاته - عن رجل مات فولدت امرأته بعد ساعات فهل تغسل زوجها؟ فأجاب: لا، إذا ولدت: انقطعت العلاقة بينها وبين زوجها فلا يجوز أن تغسله لأنها صارت الآن غير زوجة له. " شريط مائة فائدة من العلامة الشيخ ابن عثيمين ". وإنما نُهِيَ النساء عن النياحة على الميت، وقد جاء في الحديث عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: أَخَذَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الْبَيْعَةِ: (أَنْ لا نَنُوحَ فَمَا وَفَتْ مِنَّا امْرَأَةٌ غَيْرَ خَمْسِ نِسْوَةٍ أُمِّ سُلَيْمٍ وَأُمِّ الْعَلَاءِ وَابْنَةِ أَبِي سَبْرَةَ امْرَأَةِ مُعَاذٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ ابْنَةِ أَبِي سَبْرَةَ وَامْرَأَةِ مُعَاذٍ وَامْرَأَةٍ أُخْرَى) رواه البخاري (الجنائز / 1223) ، وعن أبي مَالِكٍ الأَشْعَرِيَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لا يَتْرُكُونَهُنَّ الْفَخْرُ فِي الأَحْسَابِ وَالطَّعْنُ فِي الأَنْسَابِ وَالاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ وَالنِّيَاحَةُ وَقَالَ النَّائِحَةُ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ) رواه مسلم (الجنائز/1550) الثانية: يجوز لها رؤية محارمها ولا يجب عليها أن تحتجب عنهم. ولا علاقة بين موت زوج المرأة والنظر إلى محارمها، لذا استُحب لمحارمها أن يعزوها، ويكون هذا برؤيتها ومصافحتها والكلام والجلوس معها، ولا يعرف بين العلماء من يخالف في هذا. قال النووي رحمه الله: قال الشافعي والأصحاب: يستحب أن يعزِّي جميع أقارب الميت أهلَه الكبار والصغار، الرجال والنساء، إلا أنْ تكون المرأةُ شابَّةً فلا يُعزِّيها إلا محارمُها. "المجموع " (5 / 277) . وما ذكره السائل إنما هو من خرافات العوام وجهالاتهم. سئل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله عن تغطية المرأة وجهها عن محارمها فقال: لا يجوز ذلك (أي تغطية الوجه) لأنه ليس من الشرع، بل هو خرافات العوام وخزعبلاتهم. انظر الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة ج/2 ص/709، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 13471 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4730 إذا صلى على أكثر من جنازة فكيف يكون الأجر [السُّؤَالُ] ـ[رجل صلى على خمس جنائز صلاة واحدة، فهل له بكل جنازة قيراط أم أن القيراط على عدد الصلوات؟ جزاكم الله خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نرجو له قراريط بعدد الجنائز، لقول النبي صلى الله عليه وسلم من صلى على جنازة فيه قيراط، ومن تبعها حتى تدفن فله قيراطان) رواه مسلم، وما جاء في معنى ذلك من الأحاديث، وكلها دالة على أن القراريط تتعدد بعدد الجنائز، فمن صلى على جنازة فله قيراط ومن تبعها حتى تدفن فله قيراط، ومن صلى عليها وتبعها حتى يفرغ من دفنها فله قيراطان، وهذا من فضل الله سبحانه وجوده وكرمه على عباده، فله الحمد والشكر لا إله غيره ولا رب سواه، والله ولي التوفيق. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز – رحمه الله – م/13 ص/136. الحديث: 21586 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4731 تغسيل الرجل امرأة من محارمه غير زوجته [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للرجل أن يغسل من محارمه غير زوجته؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز للرجل أن يغسل غير زوجته من الإناث، سواء كن محارم أم أجنبيات، إلا الطفلة الصغيرة التي ماتت دون سبع سنوات، فله أن يغسلها، وعلى هذا إن ماتت امرأة بين رجال فقط، ليس فيهم زوج لها ولا امرأة يممت بالنية عن الوضوء والغسل جميعاً، تغليباً لجانب المحافظة على عورتها، فإن الغالب على من يباشر تغسيل الميت ولو بصب الماء عليه أن يقع بصره على شيء من عورته، وأن يمسها ويقلبه، ليتمكن من تعميم الماء على جسده، فكان التيمم لمن ماتت وليس معها إلا رجال، أحفظ لعورتها، وأحوط لصيانتها، ويلحق بزوجته في جواز تغسيلها جاريته التي ملكها ملكاً شرعياً إذا توفيت وهو مباحة له، بأن لا تكن في عصمة زوج حين وفاتها أو في عدتها منه. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. (8/364) الحديث: 14069 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4732 إلى كم يؤخر دفن الميت انتظاراً لأقاربه [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز تأخير دفن الميت ريثما يحضر بعض أقاربه من مدن أخرى لأنهم طلبوا ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز أن يؤخر إلا في حدود حاجة تجهيزه أو انتظار حضور أقاربه أو جيرانه إذا لم يطل ذلك عرفاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أسرعوا بالجنازة) ... الحديث أخرجه مالك وأحمد 2/240 والبخاري 2/88-87، ولا يجوز أن يقام له مأتم، سرادقات ونحوها، بما يسمى بمراسم العزاء، ويصلي على قبره من لم يحضر للصلاة عليه إذا كان في المدينة التي هو فيها، إلى حدود شهرين، فإن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر أم سعد وقد مضى على دفنها شهر. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث ص 355. الحديث: 12386 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4733 غسل الميت بالصابون والشامبو [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم البدء بغسل الميت بالصابون والشامبو إذا كان به أوساخ متراكمة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الذي أرى أن تعملوا بما تضمنه حديث أم عطية، فتغسلوا الميت بالماء والسدر في جميع الغسلات، وتبدأوا بميامنه ومواضع الوضوء منه مع العناية بإزالة الأوساخ المتراكمة وغيرها في جميع الغسلات حتى ينقى، ولو زاد على سبع، للحديث المذكور. ولا حاجة إلى الصابون والشامبو وغيرهما، إلا إذا لم يكف السدر في إزالة الأوساخ فلا بأس باستعمال الصابون والشامبو والأشنان وغيرها من الأنواع المزيلة للأوساخ بدءاً من الغسلة الأولى، ويجعل في الغسلة الأخيرة شيء من الكافور، للحديث المذكور، هذا هو السنة فيما أعلم من الأحاديث الصحيحة، لحديث أم عطية وما جاء في معناه. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز – رحمه الله – م/13 ص/111. الحديث: 21588 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4734 فتح القبر ونشر الحبوب عليه [السُّؤَالُ] ـ[إذا توفي واحد عندنا في السودان بعد أربعين يوما تقوم الأسرة بزيارة القبر النساء والأولاد يفتحون القبر ومعهم حبوب ذرة ينشرونها على الميت ويرمون فيما أعتقد حجارة على الميت، وهل الحريم يزرن القبر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا بدعة لا أصل له في الشرع، فرمي الحبوب والطيب والملابس كله منكر لا أصل له، فالقبر لا يفتح إلا لحاجة كأن ينسى العمال أدواتهم كالمسحاة فيفتح لأجل ذلك أو يسقط لأحدهم شيء له أهمية فيفتح القبر لذلك، أما أن يفتح للحبوب أو ملابسه أو نحو ذلك فلا يجوز، وليس للنساء زيارة القبر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن زائرات القبور، وروي ذلك عن أبي هريرة وابن عباس وحسان بن ثابت رضي الله عنهم، فلا يجوز لهن زيارتها، لكنها مشروعة للرجال، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة) رواه مسلم في صحيحه. والحكمة - والله أعلم - في نهي النساء عن ذلك هي أنهن فتنة وقليلات الصبر [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز 6/372 الحديث: 13991 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4735 الصلاة على المرأة التي لم تتزوج [السُّؤَالُ] ـ[إذا ماتت امرأة عابدة، ولم تتزوج بعد وفاة زوجها الأول، فهل يصلي عليها المسلمون؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، إذا ماتت وهي معروفة بين المسلمين بالإسلام صلى عليها المسلمون صلاة الجنازة، ولا يكون عدم زواجها مانعاً من الصلاة عليها، لكن لا ينبغي لمن مات زوجها أن تمتنع من الزواج إذا جاءها من هو كفء للزواج بها إلا إذا كان لديها مانع غير التعبد يدعوها إلى ترك الزواج، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالنكاح ونهى عن التبتل وقال: (من رغب عن سنتي فليس مني) . وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الحديث: 12280 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4736 أين تُدفن النصرانية الحامل من زوج مسلم [السُّؤَالُ] ـ[أين تُدفن النصرانية الحامل من زوج مسلم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سئل شيخ الإسلام ابن تيمية: عن امرأة نصرانية، بعلها مسلم توفيت وفي بطنها جنين له سبعة أشهر، فهل تدفن مع المسلمين؟ أو مع النصارى؟ الجواب: لا تدفن في مقابر المسلمين، ولا مقابر النصارى؛ لأنه اجتمع مسلمٌ وكافرٌ، فلا يدفن الكافر مع المسلمين، ولا المسلم مع الكافرين؛ بل تدفن منفردة، ويُجعل ظهرُها إلى القبلة؛ لأن وجه الطفل إلى ظهرها، فإذا دفنت كذلك كان وجه الصبي المسلم مستقبل القبلة، والطفل يكون مسلماً بإسلام أبيه، وإن كانت أمُّه كافرةً باتفاق العلماء. [الْمَصْدَرُ] " الفتاوى الكبرى " (3 / 24، 25) . الحديث: 22156 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4737 حكم الأخذ من شارب وإبط وأظفار وعانة الميت [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أخذ شارب وإبط وأظفار الميت وعانته؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يستحب قص شاربه وقلم أظفاره، وأما حلق العانة، ونتف الإبط فلا أعلم ما يدل على شرعيته، والأولى ترك ذلك، لأنه شيء خفي وليس بارزاً كالظفر والشارب. كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز – رحمه الله – م/13 ص/114 وسئل الشيخ رحمه الله أيضاً: هل يتعرض للميت بقص شاربه أو أظفاره؟ فأجاب رحمه الله: ليس على ذلك دليل ولو أخذ شيء من ذلك فلا بأس، ونص بعض العلماء على الأظافر والشارب، أما حلق العانة والختان فلا يشرع فعلهما في حق الميت لعدم الدليل على ذلك. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 21595 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4738 حكم عيادة المريض الكافر وشهود جنازته [السُّؤَالُ] ـ[هل يعودُ المسلمُ المريضَ الكافرَ ويتبع جنازته؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن قومٍ مسلمين مجاوري النصارى، فهل يجوز للمسلم إذا مرض النصراني أن يعوده؟ وإذا مات أن يتبع جنازته؟ وهل على من فعل ذلك من المسلمين وزرٌ، أم لا؟ فأجاب: الحمد لله رب العالمين، لا يتبع جنازته، وأما عيادته فلا بأس بها؛ فإنه قد يكون في ذلك مصلحة لتأليفه على الإسلام، فإذا مات كافراً فقد وجبت له النار، ولهذا لا يصلى عليه، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] " الفتاوى الكبرى " (3 / 6) . الحديث: 12718 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4739 صلاة الجنازة فرض كفاية [السُّؤَالُ] ـ[فريضة صلاة الجنازة أهي محصورة في الرجال خاصة أم عامة لكل مسلم، رجالاً ونساء على السواء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صلاة الجنازة فرض كفاية إذا قام بها البعض سقطت عن الباقين، وإذا تركها الجميع وهم يعلمون أثموا، ولا خصوصية للرجال بذلك، بل الرجال والنساء في مشروعية الصلاة على الجنازة سواء، وإن كان الأصل في مباشرة ذلك للرجال، لكن ليس للمرأة أن تتبع الجنازة لما ثبت من قول أم عطية: (نهينا عن اتباع الجنائز، ولم يعزم علينا) رواه البخاري ومسلم، وفي رواية: (نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ... ) الحديث. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الحديث: 14040 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4740 تغسيل الولد لأمه بعد وفاتها [السُّؤَالُ] ـ[رجل بلغت والدته سن الكبر 80 عاماً تقريباً، وأصابها مرض باطني حتى بلغت عامين وهي مريضة، ثم توفيت، وغسلها، وقصده من تغسيلها مبرة لنفسه، وليس من حاجة إلى من يقوم بذلك، فماذا يجب عليه في ذلك جزاك الله خيراً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الذي جرى عليه العمل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين رضي الله عنهم: أن المرأة إذا ماتت غسلها النساء دون الرجال، إلا الزوجة، فلزوجها أن يغسلها وله أن يترك تغسيلها للنساء، وكذا الأمة بالنسبة لسيدها مادامت مباحة له، وإذا مات الرجل غسله الرجال دون النساء، إلا الزوج، فلزوجته أن تغسله، ولها أن تترك ذلك إلى الرجال، وعلى ذلك فتغسيلك والدتك مخالف شرعاً، لما عرف عن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم، وإن كانت كبيرة السن، فعليك أن تستغفر الله وتتوب إليه، ولا تفعل مثل هذا بعد ذلك مع أي واحدة من محارمك، ولو مع حسن النية وقصد المبرة. وبالله التوفيق وصل الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الحديث: 13983 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4741 معاملة السقط [السُّؤَالُ] ـ[أفيدكم أن زوجتي قبل وفاتها أسقطت جنيناً له أربعة شهور، وقد أخذته ودفنته بدون صلاة عليه، فأرجوكم إفادتي إن كان علي شيء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله كان ينبغي أن يغسل ويكفن ويصلى عليه على الصحيح من أقوال العلماء مادام قد أتم أربعة أشهر، لعموم ما رواه أبو داود والترمذي عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (السقط يصلى عليه) ولكن قد فات المطلوب ولا شيء عليك. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الحديث: 13985 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4742 من غسل ميتاً فليغتسل [السُّؤَالُ] ـ[هل يجب على من غسل ميتا أن يغير ثيابه أو يغتسل قبل تأديته لصلاة الجنازة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصحيح من أقوال أهل العلم أن الغسل من تغسيل الميت مستحب وليس بواجب. وهو قول ابن عباس وابن عمر وعائشة والحسن البصري وإبراهيم النخعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي، ورجحه ابن قدامة. انظر: " سنن الترمذي " (3 / 318) و" المغني " (1 / 134) . قال الشيخ الألباني رحمه الله: ويستحب لمن أهل غسله – أي: غسل ميتاً – أن يغتسل، لقوله صلى الله عليه وسلم " من غسَّل ميتاً فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ ". أخرجه أبو داود (2 / 62 – 63) والترمذي (2 / 132) ... وبعض طرقه حسن، وبعضه صحيح على شرط مسلم ... وقد ساق له ابن القيم في " تهذيب السنن " إحدى عشر طريقاً عنه، ثم قال: " وهذه الطرق تدلُّ على أن الحديث محفوظ ". قلت: وقد صححه ابن القطان، وكذا ابن حزم في " المحلى " (1 / 250) و (2 / 23– 25) ، والحافظ في " التلخيص " (2 / 134 – منيرية) وقال: " أسوأ أحواله أن يكون حسناً ". وظاهر الأمر يفيد الوجوب، وإنما لم نقل به لحديثين موقوفين – لهما حكم الرفع -: الأول: عن ابن عباس: " ليس عليكم في غسل ميتكم غُسل إذا غسلتموه، فإنَّ ميتكم ليس بنجس، فحسبكم أن تغسلوا أيديكم ". أخرجه الحاكم (1 / 386) والبيهقي (3 / 398) .... ثم ترجح عندي أن الصواب في الحديث الوقف، كما حققته في " الضعيفة " (6304) . الثاني: قول ابن عمر رضي الله عنه: " كنا نغسل الميت، فمنَّا من يغتسل ومنَّا من لا يغتسل ". أخرجه الدارقطني (191) والخطيب في " تاريخه " (5 / 424) بإسناد صحيح كما قال الحافظ، وأشار إلى ذلك الإمام أحمد، فقد روى الخطيب عنه أنه حضَّ ابنه على كتابة هذا الحديث. أ. هـ " أحكام الجنائز " (71، 72) . وهو ما رجحته اللجنة الدائمة (1 / 318) ، والشيخ ابن عثيمين في " الشرح الممتع " (1 / 295) . وأما غسل الثياب: فلا أصل له في السنة لا وجوباً ولا استحباباً. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 6962 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4743 هل يجب حضور وفاة المحتضر وماذا يفعل من حضر [السُّؤَالُ] ـ[كنت مع والدي في المستشفى طوال الوقت أثناء مرض موته. لكني لم أتمكن من البقاء معه عندما حضرته الوفاة. وغادرت غرفته ولم أعد أليها. أنا لم أتمكن من رؤيته، لماذا؟ ربما لأني كنت خائفة. أنا الآن، وبعد مرور عامين على ذلك، أشعر بالذنب، وشعوري يتفاقم يوما بعد يوم. وقد قلت لنفسي إني لم أكن ابنة صالحة. فأرجو أن تخبرني كيف يكون تصرف المسلمة الصحيح إذا حضرت الوفاة (أحد) والديها وبعد ذلك. ولك الشكر..]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا حضرت الوفاة أحد الوالدين أو أحد الأقارب أو غيرهم فيسنّ لمن حضر أن يلقنه الشهادة، فإذا مات وخرجت روحه يغمض عينيه لأن الروح إذا خرجت تبعها البصر ولا يجوز حينئذ الجزع والنياحة ونحوها وإذا كان الشخص بحيث لا يستطيع البقاء عند المحتضر لخوفه وعدم اعتياده حضور مثل هذه المشاهد فلا شيء عليه، لكن ينبغي أن يوطّن الإنسان نفسه على ذلك لأنه مما يعين على حياة القلوب، وقد يتعين على الشخص ذلك إذا لم يوجد غيره فيأثم بتركه. الشيخ عبد الكريم الخضير فإذا لم يوجد لتغميض المسلم الميت وتغطيته ثم تغسيله وتكفينه إلا شخص مسلم واحد فعليه وجوباً أن يبقى مع أخيه الميت ليقوم بالواجب نحوه وإذا وُجد من المسلمين من يقوم بذلك سقط الوجوب عن المسلمين الآخرين. ويُشرع لمن كان موجوداً عند مسلم يحتضر أن يقرأ عليه سورة يس لأنها تسهّل خروج الروح، وتثبت المحتضر كما ثبت الإرشاد بقراءتها من بعض الصحابة. وبعد موته وخروج روحه لا يُشرع قراءة القرآن عليه بل المشروع الدعاء له بالمغفرة والرحمة والتثبيت عند السؤال في القبر. والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 21870 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4744 تعزية النصارى [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز تقديم التعزية للنصارى وكيف يكون في حالة الإيجاب؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم يجوز تعزيتهم عند الوفاة، وعيادتهم عند المرض، ومواساتهم عند المصيبة. فعن أنس -رضي الله عنه- قال: (كان غلام يهودي يخدم النبي -صلى الله عليه وسلم- فمرض، فأتاه النبي -صلى الله عليه وسلم- يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له: (أسلم) ، فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أطع أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم- فأسلم، فخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول: (الحمد لله الذي أنقذه من النار) . أخرجه البخاري (1356) . وعنه - رضي الله عنه - أن يهودياً دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى خبز شعير، وإهالة سنخة فأجابه. أخرجه أحمد (13201) بسند صحيح. وينبّه على أن المسلم إذا فعل ذلك فعليه أن ينوي بذلك دعوتهم، وتأليف قلوبهم على الإسلام، ويدعوهم بالطريقة المناسبة في الوقت المناسب. كما ينبّه أيضاً على أنه في حالة التعزية لا يدعى لميّتهم بالمغفرة وبالرحمة أو الجنة، لقوله تعالى: ((ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أُولي قربى)) وإنما يدعى لهم بما يناسب حالهم بحثهم على الصبر، ومواساتهم، وتذكيرهم بأن هذه سنّة الله في خلقه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ/د. عبد الوهاب الطريري. الحديث: 14229 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4745 هل يجوز وضع علامة على القبر لمعرفة صاحبه [السُّؤَالُ] ـ[العادة عندنا أن القبر يوضع فيه حجر أو الإسمنت أو وتد من قصب في جهة رأس الميت وفي رجله وأحيانا في رأسه فقط , فما حكم الإسلام في ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله حرَّم الشرع البناء على القبور، وأمر بهدم ما بني عليها، وأجاز وضع علامة على قبر الميت يتعرف من خلالها أهله وأصحابه عليه، ولا ينبغي أن تكون هذه العلامة بناءً أو شيئاً آخر منع منه الشارع. 1. أما تحريم البناء على القبور فدليله: عن جابر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُجَصَّصَ القبر وأن يُقعد عليه وأن يُبنى عليه. رواه مسلم (970) . التجصيص: الطلاء بالجص وهو الكِلس. قال الشوكاني: قوله " وأن يُبنى عليه ": فيه دليل على تحريم البناء على القبر. وفصَّل الشافعي وأصحابه فقالوا: إن كان البناء في ملك الباني فمكروه، وإن كان في مقبرة مسبلة فحرام. ولا دليل على هذا التفصيل. وقد قال الشافعي: رأيتُ الأئمة بمكة يأمرون بهدم ما يبنى. ويدل على الهدم حديث علي المتقدم. " نيل الأوطار " (4 / 132) ، وقول الشافعي في " الأم " (1 / 277) . وحديث علي رضي الله عنه المشار إليه: هو الآتي في الفقرة التالية. وأما الأمر بهدم ما بني على القبور، فقد ثبت ذلك في السنة. عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم " أن لا تدع تمثالا إلا طمستَه ولا قبراً مشرفاً إلا سوَّيتَه. رواه مسلم (969) . قال الشوكاني: قوله " ولا قبراً مشرفاً إلا سويتَه " فيه: أن السنة أن القبر لا يُرفع رفعاً كثيراً مِن غير فرقٍ بين مَن كان فاضلا ومَن كان غير فاضل. والظاهر: أن رفع القبور زيادة على القدر المأذون فيه محرم، وقد صرح بذلك أصحاب أحمد وجماعة من أصحاب الشافعي ومالك. والقول بأنه غير محظور لوقوعه من السلف والخلف بلا نكير كما قال الإمام يحيى والمهدي في " الغيث " لا يصح لأن غاية ما فيه أنهم سكتوا عن ذلك والسكوت لا يكون دليلا إذا كان في الأمور الظنية وتحريم رفع القبور ظني. ومِن رفع القبور الداخل تحت الحديث دخولاً أوليّاً: القُبب والمشاهد المعمورة على القبور وأيضا هو من اتخاذ القبور مساجد وقد لعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاعل ذلك. " نيل الأوطار " (4 / 130) . وأما جواز تعليم القبر بشيء مباح، فقد جاء في السنة ما يبين ذلك. عن كثير بن زيد المدني عن المطلب قال: لما مات عثمان بن مظعون أخرج بجنازته فدُفن؛ أَمَر النبي صلى الله عليه وسلم رجلا أن يأتيه بحجَرٍ فلم يستطع حملَه، فقام إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسر عن ذراعيه – قال كثير: قال المطلب: قال الذي يخبرني ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: - كأني أنظر إلى بياض ذراعي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حسر عنهما ثم حملها فوضعها عند رأسه، وقال: أَتَعَلَّمُ بها قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي. رواه أبو داود (3206) . والحديث: حسَّن إسنادَه الحافظ ابن حجر في " التلخيص الحبير " (2 / 133) . قال ابن قدامة: ولا بأس بتعليم القبر بحجر أو خشبة، قال أحمد: لا بأس أن يعلِّم الرجل القبرَ علامةً يعرفه بها، وقد علَّم النبي صلى الله عليه وسلم قبرَ عثمان بن مظعون. " المغني " (2 / 191) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 8991 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4746 صلاة الجنازة على الطفل [السُّؤَالُ] ـ[هل يغسل الطفل ويصلى عليه مع العلم أن عمر الطفل 8 سنوات؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الطفل يُغسل ويُصلى عليه عند عامة العلماء، قال ابن قدامة رحمه الله: بغير خلاف. ونقل ابن المنذر إجماع العلماء على أنه يُصَلَّى عليه. انظر: المغني (3/458) . وإذا صُلِّي على الطفل فإنه لا يُدعَى له بالمغفرة، فلا يقال في الدعاء: اللهم اغفر له. وذلك لأنه لم يكتب عليه ذنب. بل يدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة. وذلك لما رواه أبو داود (3180) والترمذي (1031) عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (والطِّفْل يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْعَى لِوَالِدَيْهِ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ) صححه الألباني في أحكام الجنائز ص: 73. يراجع سؤال رقم: 13985. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 23301 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4747 تغسيل الزوجة لزوجها [السُّؤَالُ] ـ[هل يحل للمرأة أن ترى زوجها إذا مات أو يحرم عليها رؤيته، وهل لها أن تغسله إذا لم يوجد من يغسله؟.]ـ [الْجَوَابُ] يجوز للمرأة أن ترى زوجها إذا مات، وأن تغسله على الصحيح من أقوال العلماء في حكم تغسيل كل من الزوجين الآخر بعد الموت، ولو وجد من يغسله سواهما، لقول عائشة رضي الله عنها: (لو استقبلنا من أمرنا ما استدبرنا ما غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نساؤه) رواه أبو داود، ولأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه أوصى أن تغسله امرأته أسماء بنت عميس ففعلت، ولأن أبا موسى غسلته امرأته أم عبد الله، ويجوز أيضاً أن يغسل الرجل زوجته إذا ماتت على الصحيح عند أهل العلم، لما رواه ابن المنذر من أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه غسل فاطمة رضي الله عنها بعد وفاتها، واشتهر ذلك بين الصحابة رضي الله عنهم فلم ينكروا عليه، فكان ذلك إجماعاً. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الحديث: 14016 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4748 لا يشرع وضع جريدة أو زهور على القبر [السُّؤَالُ] ـ[قرأت حديثاً فيه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وضع جريدة على قبر، فهل من السنة لمن زار القبور أن يفعل ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الحديث الذي أشار إليه السائل رواه البخاري (218) ومسلم (292) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ: إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لا يَسْتَتِرُ مِنْ الْبَوْلِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ، ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً فَشَقَّهَا نِصْفَيْنِ فَغَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ قَالَ: لَعَلَّهُ يُخَفِّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا. وقد علل بعض العلماء تخيف العذاب عنهما بأن الجريدة الرطبة تسبح الله تعالى فيكون ذلك سببا لتخفيف العذاب. وهذا فيه نظر. قال النووي رحمه الله: وَهَذَا مَذْهَب كَثِيرِينَ أَوْ الأَكْثَرِينَ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ فِي قَوْله تَعَالَى: (وَإِنْ مِنْ شَيْء إِلا يُسَبِّح بِحَمْدِهِ) الإسراء/44. قَالُوا: مَعْنَاهُ وَإِنْ مِنْ شَيْء حَيّ , ثُمَّ قَالُوا: حَيَاة كُلّ شَيْء بِحَسَبِهِ فَحَيَاة الْخَشَب مَا لَمْ يَيْبَس , وَالْحَجَر مَا لَمْ يُقْطَع. وَذَهَبَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ وَغَيْرهمْ إِلَى أَنَّهُ عَلَى عُمُومه اهـ. أي أن التسبيح ليس خاصاً بالرطب دون اليابس فكل شيء من رطب ويابس يسبح بحمد لله تعالى. وَقَدْ اِسْتَنْكَرَ الْخَطَّابِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَضْعَ النَّاس الْجَرِيد وَنَحْوه فِي الْقَبْر عَمَلا بِهَذَا الْحَدِيث وَقَال عن هذا الحديث: هُوَ مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ دَعَا لَهُمَا بِالتَّخْفِيفِ مُدَّة بَقَاء النَّدَاوَة , لا أَنَّ فِي الْجَرِيدَة مَعْنًى يَخُصّهُ , وَلا أَنَّ فِي الرَّطْب مَعْنًى لَيْسَ فِي الْيَابِس اهـ. وعلى هذا، يكون ذلك خاصاًّ بالرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلا يستحب لأحد أن يضع جريدة ولا غيرها على القبر. جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: " إن وضع النبي صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلََّم الجريدة على القبرين ورجاءه تخفيف العذاب عمن وضعت على قبريهما واقعة عين لا عموم لها في شخصين أطلعه الله على تعذيبهما، وأن ذلك خاص برسول الله صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلََّم، وأنه لم يكن منه سنة مطردة في قبور المسلمين وإنما كان مرتين أو ثلاثاً على تقدير تعدد الواقعة لا أكثر، ولم يعرف فعل ذلك على أحد من الصحابة، وهم أحرص المسلمين على الاقتداء به صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلََّم، وأحرصهم على نفع المسلمين، إلا ما روي عن بريدة الأسلمي: أنه أوصى أن يجعل في قبره جريدتان، ولا نعلم أن أحداً من الصحابة رضي الله عنهم وافق بريدة على ذلك " اهـ. وقال الشيخ ابن باز: " لا يشرع ذلك بل هو بدعة؛ لأن الرسل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما وضع الجريدة على قبرين أطلعه الله سبحانه على عذاب أصحابهما ولم يضعها على بقية القبور، فعلم بذلك عدم جواز وضعها على القبور؛ لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ) . وفي لفظ لمسلم: (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) . وهكذا لا تجوز الكتابة على القبور ولا وضع الزهور عليها للحديثين المذكورين؛ وأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن تجصيص القبور والبناء عليها والقعود عليها والكتابة عليها " اهـ. مجلة البحوث الإسلامية (68/50) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 48958 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4749 الطريق إلى حسن الخاتمة [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك علامات تدل على حسن الخاتمة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: حسن الخاتمة … حسن الخاتمة هو: أن يُوفق العبد قبل موته للابتعاد عما يغضب الرب سبحانه، والتوبة من الذنوب والمعاصي، والإقبال على الطاعات وأعمال الخير، ثم يكون موته بعد ذلك على هذه الحال الحسنة، ومما يدل على هذا المعنى ما صح عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أراد الله بعبده خيراً استعمله) قالوا: كيف يستعمله؟ قال: (يوفقه لعمل صالح قبل موته) رواه الإمام أحمد (11625) والترمذي (2142) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة 1334. وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعَبْدٍ خَيْرًا عَسَلَهُ قِيلَ وَمَا عَسَلُهُ قَالَ يَفْتَحُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ عَمَلًا صَالِحًا قَبْلَ مَوْتِهِ ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ " رواه أحمد 17330 وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة 1114. ولحسن الخاتمة علامات، منها ما يعرفه العبد المحتضر عند احتضاره، ومنها ما يظهر للناس. ثانياً: أما العلامة التي يظهر بها للعبد حسن خاتمته فهي ما يبشر به عند موته من رضا الله تعالى واستحقاق كرامته تفضلا منه تعالى، كما قال جل وعلا: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون} فصلت / 30، وهذه البشارة تكون للمؤمنين عند احتضارهم. انظر تفسير ابن سعدي 1256 ومما يدل على هذا أيضا ما رواه البخاري (6507) ومسلم (2683) عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه " فقلت: يا نبي الله! أكراهية الموت، فكلنا نكره الموت؟ فقال: " ليس كذلك، ولكن المؤمن إذا بشر برحمة الله ورضوانه وجنته أحب لقاء الله، وإن الكافر إذا بشر بعذاب الله وسخطه كره لقاء الله وكره الله لقاءه " وقال النووي رحمه الله: (معنى الحديث أن المحبة والكراهية التي تعتبر شرعا هي التي تقع عند النزع في الحالة التي لا تقبل فيها التوبة، حيث ينكشف الحال للمحتضر، ويظهر له ما هو صائر إليه) أما عن علامات حسن الخاتمة فهي كثيرة، وقد تتبعها العلماء رحمهم الله باستقراء النصوص الواردة في ذلك فمن هذه العلامات: 1- النطق بالشهادة عند الموت، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة) رواه أبو داوود 3116، وصححه الألباني في صحيح أبي داوود 2673. 2- الموت برشح الجبين، أي: أن يكون على جبينه عرق عند الموت، لما رواه بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " موت المؤمن بعرق الجبين " رواه أحمد (22513) والترمذي (980) والنسائي (1828) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. 3- الموت ليلة الجمعة أو نهارها لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر) رواه أحمد (6546) والترمذي (1074) قال الألباني: الحديث بمجموع طرقه حسن أو صحيح. 4- الموت غازياً في سبيل الله؛ لقول الله تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون. فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون. يستبشرون بنعمةٍ من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين} . وقال صلى الله عليه وسلم: " من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد " رواه مسلم 1915. 5- الموت بالطاعون لقوله صلى الله عليه وسلم: " الطاعون شهادة كل مسلم " رواه البخاري (2830) ومسلم (1916) وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الطَّاعُونِ فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ عَذَابٌ يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَأَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لا يُصِيبُهُ إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ إِلا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ شَهِيدٍ " رواه البخاري 3474. 6- الموت بداء البطن، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " ... ومن مات في البطن فهو شهيد " رواه مسلم 1915 7- الموت بسبب الهدم والغرق، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغرق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله) أخرجه البخاري 2829 ومسلم 1915. 8- موت المرأة في نفاسها بسبب ولدها أو وهي حامل به، ومن أدلة ذلك ما رواه أبو داود (3111) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والمرأة تموت بجُمع شهيد) قال الخطابي: معناه أن تموت وفي بطنها ولد اهـ عون المعبود وروى الإمام أحمد (17341) عن عبادة بن الصامت أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبر عن الشداء، فذكر منهم: " والمرأة يقتلها ولدها جمعاء شهادة (يجرها ولدها بسُرَرِه إلى الجنة) " صححه الألباني في كتاب الجنائز ص 39 السرة: ما يبقى بعد القطع مما تقطعه القابلة، والسرر ما تقطعه. 9- الموت بالحرق وذات الجنب والسل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " القتل في سبيل الله شهادة، والطاعون شهادة، والغرق شهادة، والبطن شهادة والنفساء يجرها ولدها بسرره إلى الجنة " (قال وزاد أبو العوام سادن بيت المقدس والحرق والسل) قال الألباني: حسن صحيح، صحيح الترغيب والترهيب (1396) . 10- الموت دفاعاً عن الدين أو المال أو النفس لقول النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قتل دون ما له فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد) رواه الترمذي 1421. وروى البخاري (2480) ومسلم (141) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ". 11- الموت رباطاً في سبيل الله، لما رواه مسلم (1913) عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجري عليه رزقه، وأُمن الفتان ". 12- ومن علامات حسن الخاتمة الموت على عمل صالح، لقوله صلى الله عليه وسلم: (من قال لا إله إلا الله ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة، ومن تصدق بصدقة ختم له بها دخل الجنة) رواه الإمام أحمد (22813) وصححه الألباني في كتاب الجنائز ص43. انظر كتاب الجنائز (ص34) للألباني رحمه الله. وهذه العلامات هي من البشائر الحسنة التي تدل على حسن الخاتمة، ولكننا مع ذلك لا نجزم لشخص ما بعينه أنه من أهل الجنة إلا من شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة كالخلفاء الأربعة.. نسأل الله تعالى أن يرزقنا حسن الخاتمة. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 10903 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4750 هل يجوز عمل وليمة طعام بعد انتهاء عدة وفاة الزوج؟ [السُّؤَالُ] ـ[توفي قريب وبعد انتهاء عدة زوجته مباشرةً (اليوم التالي لانتهاء العدة) قام أبناؤها بدعوة جميع أقارب زوجة المتوفى لوليمة عشاء، فما الحكم الشرعي لما قام به أبناؤها؟ وما الحكم فيمن حضر هذه الوليمة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله انتهاء عدة المرأة ليس من المناسبات السعيدة التي يستحب فيها دعوة الناس إلى الطعام كوليمة النكاح والعقيقة، بل هذا يشبه ما يفعله كثير من الناس من تجديد مجالس العزاء بعد أربعين يوماً من الوفاة، أو ما يسمونه بـ "الذكرى السنوية". وقد توفي في زمان النبي صلى الله عليه وسلم أزواج كثيرون، ومكثت نساؤهم فترة العدة، ولم ينقل – على حد علمنا – أنه صَنع أهل الزوج أو أبناء الزوجة طعاماً ودعوا إليه أقارب الزوجة بعد انتهاء عدتها. وعلى هذا؛ فلا يجوز صنع "وليمة" ودعوة الناس إليها بسبب انقضاء عدة المرأة المتوفى عنها زوجها. وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: ما حكم العادات في العزاء، من الولائم، وقراءة القرآن، والأربعينيات، والسنوات، وما شاكل ذلك؟ فأجاب: "هذه العادات لا أصل لها في الشرع المطهر، ولا أساس لها، بل هي من البدع، ومن أمر الجاهلية، فإقامة وليمة إذا مات الميت يدعو إليها الجيران والأقارب وغيرهم لأجل العزاء بدعة لا تجوز، وهكذا إقامة هذه الأمور كل أسبوع أو على رأس السنة كلها من البدع الجاهلية، وإنما المشروع لأهل الميت الصبر والاحتساب، والقول كما قال الصابرون: "إنا لله وإنا إليه راجعون"، وقد وعدهم الله خيرا كثيرا فقال سبحانه: (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) ولا حرج عليهم أن يصنعوا لأنفسهم الطعام العادي لأكلهم وحاجاتهم، وهكذا إذا نزل بهم ضيف لا حرج عليهم أن يصنعوا له طعاما يناسبه لعموم الأدلة في ذلك، ويشرع لأقاربهم وجيرانهم أن يصنعوا لهم طعاماً، يرسلونه إليهم، لأنه قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لما أتى نعي جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه حين قتل في مؤتة في الشام أنه قال لأهله: (اصنعوا لآل جعفر طعاما، فقد أتاهم ما يشغلهم) فدل ذلك على مشروعية إرسال الطعام إلى أهل الميت من أقاربهم أو غيرهم أيام المصيبة" انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (9 / 318) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 72966 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4751 قراءة سورة يس على المحتضَر [السُّؤَالُ] ـ[قرأت في جواب السؤال (21870) أنه يُشرع لمن كان موجوداً عند مسلم يحتضر أن يقرأ عليه سورة يس لأنها تسهّل خروج الروح. فهل هناك دليل على هذا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذهب جمهور العلماء (منهم الحنفية والشافعية والحنابلة) إلى استحباب قراءة سورة يس عند المحتضر , واستدلوا على ذلك ببعض الأدلة , ولكنها لا تخلو من ضعف: روى أحمد (19789) وأبو داود (3121) عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اقْرَءُوا يس عَلَى مَوْتَاكُمْ) . والحديث ضعيف، ضعفه النووي في "الأذكار"، وقال ابن حجر في " التلخيص" (2/104) : " أعله ابن القطان بالاضطراب وبالوقف وبجهالة حال روايه أبي عثمان وأبيه. ونقل ابن العربي عن الدارقطني أنه حديث ضعيف الإسناد مجهول المتن، ولا يصح في الباب حديث " انتهى. وضعفه الألباني في "إرواء الغليل" (688) . وروى أحمد (4/105) (16521) عن صَفْوَان قال: حَدَّثَنِي الْمَشْيَخَةُ أَنَّهُمْ حَضَرُوا غُضَيْفَ بْنَ الْحَارِثِ الثُّمَالِيَّ (صحابي) حِينَ اشْتَدَّ سَوْقُهُ، فَقَالَ: هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ يَقْرَأُ يس؟ قَالَ: فَقَرَأَهَا صَالِحُ بْنُ شُرَيْحٍ السَّكُونِيُّ، فَلَمَّا بَلَغَ أَرْبَعِينَ مِنْهَا قُبِضَ. قَالَ: فَكَانَ الْمَشْيَخَةُ يَقُولُونَ: إِذَا قُرِئَتْ عِنْدَ الْمَيِّتِ خُفِّفَ عَنْهُ بِهَا. قَالَ صَفْوَانُ: وَقَرَأَهَا عِيسَى بْنُ الْمُعْتَمِرِ عِنْدَ ابْنِ مَعْبَدٍ. قال الحافظ في "الإصابة" (5/324) : إسناده حسن. وانظر: "المجموع" (5/105) ، "شرح منتهى الإرادات" (1/341) ، "حاشية ابن عابدين" (2/191) . وقد اختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. ففي "الاختيارات" (ص 91) : " والقراءة على الميت بعد موته بدعة، بخلاف القراءة على المحتضر، فإنها تستحب بياسين " انتهى. قالوا: والسبب في استحباب قراءتها: أن هذه السورة مشتملة على التوحيد والمعاد , والبشرى بالجنة لمن مات على التوحيد , بقوله: (يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي) فتستبشر الروح بذلك , فيسهل خروجها. انظر: "مطالب أولي النهى" (1/837) . وذهب الإمام مالك رحمه الله إلى كراهة قراءة سورة يس أو غيرها عند المحتضر، لضعف الحديث الوارد في ذلك، ولأنه ليس من عمل الناس. انظر: الفواكه الدواني" (1/284) ، "شرح مختصر خليل" (2/137) . قال الشيخ الألباني في "أحكام الجنائز": " وأما قراءة سورة يس عنده (يعني عند المحتضر) ، وتوجيهه نحو القبلة، فلم يصح فيه حديث " انتهى. وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز: هل قراءة سورة (يس) عند الاحتضار جائزة؟ فأجاب: " قراءة سورة (يس) عند الاحتضار جاءت في حديث معقل بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اقرأوا على موتاكم يس) صححه جماعة وظنوا أن إسناده جيد، وأنه من رواية أبي عثمان النهدي عن معقل بن يسار، وضعفه آخرون، وقالوا: إن الراوي له ليس هو أبا عثمان النهدي ولكنه شخص آخر مجهول. فالحديث المعروف فيه أنه ضعيف لجهالة أبي عثمان، فلا يستحب قراءتها على الموتى. والذي استحبها ظن أن الحديث صحيح فاستحبها، لكن قراءة القرآن عند المريض أمر طيب، ولعل الله ينفعه بذلك، أما تخصيص سورة (يس) فالأصل أن الحديث ضعيف فتخصيصها ليس له وجه " انتهى. "فتاوى ابن باز" (13/93) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل قراءة سورة (يس) عند المحتضر ثابتة في السنة أم لا؟ فأجاب: " قراءة (يس) عند المحتضر سنة عند كثير من العلماء , لقوله صلى الله عليه وسلم: (اقرأوا على موتاكم يس) ، لكن هذا الحديث تكلم فيه بعضهم وضعفه، فعند من صححه تكون قراءة هذه السورة سنة، وعند من ضعفه لا تكون سنة. والله أعلم " انتهى. "فتاوى ابن عثيمين" (17/72) . وقال أيضاً: " (اقرأوا على موتاكم يس) هذا الحديث ضعيف، فيه شيء من الضعف، ومحل القراءة إذا صح الحديث عند الموت إذا أخذه النزع، فإنه يقرأ عليه سورة يس، قال أهل العلم: وفيها فائدة وهو تسهيل خروج الروح، لأن فيها قوله تعالى: (قِيلَ ?دْخُلِ ?لْجَنَّةَ قَالَ ي?لَيْتَ قَوْمِى يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِى رَبِّى وَجَعَلَنِى مِنَ ?لْمُكْرَمِينَ) فيقرأها عند المحتضر هذا إن صح الحديث، وأما قراءتها على القبر فلا أصل له " انتهى. "فتاوى ابن عثيمين" (17/74) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 72201 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4752 كفن الشهيد [السُّؤَالُ] ـ[كيف يكفن الشهيد؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله السنة في الشهيد أن يدفن بثيابه التي قتل فيها. انظر: "بدائع الصنائع" (2/368) , "مواهب الجليل" (2/294) , "المجموع" (5/229) , "المغني" (3/471) . وقد ورد في ذلك عدة أحاديث، منها: 1- روى أحمد (33144) أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ أُحُدٍ: (زَمِّلُوهُمْ فِي ثِيَابِهِمْ) وصححه الألباني في تلخيص أحكام الجنائز (ص 36) . 2- وعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: (رُمِيَ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فِي صَدْرِهِ , أَوْ فِي حَلْقِهِ , فَمَاتَ فَأُدْرِجَ فِي ثِيَابِهِ كَمَا هُوَ , قَالَ: وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رواه أبو داود (3133) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود، وقال الحافظ في "التلخيص" (2/118) : إسناده صحيح على شرط مسلم. 3- وعَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لما قتل مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ يَوْمَ أُحُدٍ لَمْ يَتْرُكْ إِلا نَمِرَةً كُنَّا إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلاهُ , وَإِذَا غُطِّيَ بِهَا رِجْلاهُ خَرَجَ رَأْسُهُ , فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (غَطُّوا بِهَا رَأْسَهُ وَاجْعَلُوا عَلَى رِجْلِهِ الإِذْخِرَ) رواه البخاري (4047) ومسلم (940) . وقد اختلف الفقهاء في أمر النبي صلى الله عليه وسلم بدفن الشهداء في ثيابهم , هل هو على سبيل الاستحباب والأولوية , أم على سبيل الوجوب؟ على قولين: الأول: أنه على سبيل الاستحباب , قال به الشافعية وبعض الحنابلة. قال النووي في "المجموع" (5/229) : " ثم وليه بالخيار إن شاء كفنه بما عليه , وإن شاء نزعه وكفنه بغيره , وتركه أفضل " انتهى. وقال ابن قدامة في "المغني" (3/471) : " وليس هذا بحتم , لكنه الأولى , وللولي أن ينزع عنه ثيابه ويكفنه بغيرها " انتهى. واستدلوا على عدم الوجوب بما رواه أحمد (1421) عن الزبير أن أمه صفية (وهي أخت حمزة) أتت يوم أحد بثوبين وقالت: هَذَانِ ثَوْبَانِ جِئْتُ بِهِمَا لأَخِي حَمْزَةَ فَقَدْ بَلَغَنِي مَقْتَلُهُ فَكَفِّنُوهُ فِيهِمَا , قَالَ: فَجِئْنَا بِالثَّوْبَيْنِ لِنُكَفِّنَ فِيهِمَا حَمْزَةَ فَإِذَا إِلَى جَنْبِهِ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ قَتِيلٌ قَدْ فُعِلَ بِهِ كَمَا فُعِلَ بِحَمْزَةَ , قَالَ: فَوَجَدْنَا غَضَاضَةً وَحَيَاءً أَنْ نُكَفِّنَ حَمْزَةَ فِي ثَوْبَيْنِ وَالأَنْصَارِيُّ لا كَفَنَ لَهُ , فَقُلْنَا: لِحَمْزَةَ ثَوْبٌ وَلِلأَنْصَارِيِّ ثَوْبٌ , فَقَدَرْنَاهُمَا فَكَانَ أَحَدُهُمَا أَكْبَرَ مِنْ الآخَرِ فَأَقْرَعْنَا بَيْنَهُمَا فَكَفَّنَّا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الثَّوْبِ الَّذِي صَارَ لَهُ. وحسنه الألباني في أحكام الجنائز (ص 62) . القول الثاني: أن الأمر على سبيل الوجوب , وهو مذهب المالكية والحنابلة واختاره ابن القيم والشوكاني. قال المرداوي في "الإنصاف" (6/94) : " والصحيح في المذهب أنه يجب دفنه في ثيابه التي قتل فيها " انتهى. وقال الإمام مالك: " إن أراد وليه أن يزيد على ما عليه وقد حصل له ما يجزئ في الكفن لم يكن له ذلك , ولا يزاد عليه شيء " انتهى من "مواهب الجليل" (2/294) . وقال الشوكاني في "نيل الأوطار" (4/50) : " والظاهر أن الأمر بدفن الشهيد بما قتل فيه من الثياب للوجوب " انتهى. وأجابوا عن حديث حمزة: بأنه كفن في كفن آخر لأن الكفار كانوا مثلوا به , وبقروا بطنه , واستخرجوا كبده , وأخذوا ثيابه , فلذلك كفن في كفن آخر. قاله ابن القيم في "زاد المعاد" (3/217) . قال ابن رشد: " من عراه العدو لا رخصة في ترك تكفينه , بل ذلك لازم , كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم الشهداء يوم أحد اثنان في ثوب " انتهى. نقلاً من "مواهب الجليل" (2/294) . مسألة: هل يزال ما عليه من الحديد والسلاح والفرو والخف والمنطقة والقلنسوة وغيرها؟ أما الحديد والسلاح فاتفق العلماء على أنه يزال. قال ابن القاسم في "المدونة": " وينزع عنه الدرع والسيف وجميع السلاح " انتهى. "مواهب الجليل" (2/294) . وقال النووي في "المجموع" (5/229) : " وأجمع العلماء على أن الحديد والجلود ينزع عنه " انتهى. والظاهر أن المراد بقوله رحمه الله: "والجلود": السلاح وآلة الحرب، لأنه قد ذكر الاختلاف في نزع الفرو والخف قبل ذلك بسطر واحد فقط، فيكون المراد من الجلود هنا: السلاح، كالجراب الذي يعلق فيه السيف، أو ما يكون فيه السهام، وما أشبه ذلك. وقد استدلوا على ذلك بـ: 1- ما رواه أبو داود (3134) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: (أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , بِقَتْلَى أُحُدٍ أَنْ يُنْزَعَ عَنْهُمْ الْحَدِيدُ وَالْجُلُودُ , وَأَنْ يُدْفَنُوا بِدِمَائِهِمْ وَثِيَابِهِمْ) وضعفه الحافظ في التلخيص (2/118) ، وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود. 2- ولكن يغني عن هذا لحديث الضعيف ما رواه أحمد (23144) أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ أُحُدٍ: (زَمِّلُوهُمْ فِي ثِيَابِهِمْ) وصححه الألباني في تلخيص أحكام الجنائز (ص 36) . والحديد والسلاح ليست من الثياب، فلا تدخل في هذا الحديث. وانظر: "بدائع الصنائع" (2/368) , "المغني" (3/471) . وأما الفرو والخف والقلنسوة والمنطقة (الحزام الذي يلبس على الوسط) فقد اختلف العلماء في نزعها على قولين: الأول: لا يزال , وهو مذهب المالكية. قال الحطاب في "مواهب الجليل" (2/294) : " قال ابن القاسم: ... ولا ينزع من عليه شيء من ثيابه , ولا فرو , ولا خف , ولا قلنسوة , قال مطرف: ولا خاتمه إلا أن يكون نفيس الفص , ولا منطقة إلا أن يكون لها خطر (أي: تكون ثمينة) " انتهى. واستدلوا بقول الرَسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شهداء أحد: (زَمِّلُوهُمْ فِي ثِيَابِهِمْ) وهو عام في جميع الثياب. القول الثاني: أنه يزال , وهو مذهب الأحناف والشافعية والحنابلة. واستدلوا بـ: 1- حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: (أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلَى أُحُدٍ أَنْ يُنْزَعَ عَنْهُمْ الْحَدِيدُ وَالْجُلُودُ , وَأَنْ يُدْفَنُوا بِدِمَائِهِمْ وَثِيَابِهِمْ) وهو ضعيف كما تقدم. 2- ما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: ينزع من الشهيد الفرو والخف والقلنسوة. وضعفه الشوكاني في "نيل الأوطار" (4/50) . قال الكاساني في "بدائع الصنائع" (2/368-369) : " وهذا لأن ما يترك يترك ليكون كفناً , والكفن ما يلبس للستر , وهذه الأشياء تلبس إما للتجمل والزينة , أو لدفع البرد , أو لدفع معرة السلاح , ولا حاجة للميت إلى شيء من ذلك , فلم يكن شيء من ذلك كفناً , وبه تبين أن المراد من قوله صلى الله عليه وسلم (زملوهم بثيابهم) الثياب التي يكفن بها وتلبس للستر " انتهى. وانظر: "المجموع" (5/229) , "المغني" (3/471) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 72303 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4753 من أحكام السقط [السُّؤَالُ] ـ[تُوفيت ابنتِي داخلَ الرحمِ بعد حملِها مدةَ سبعةِ شهور، هل كان يجبُ أن نعقَّ عنها؟ حيثُ إنّه لم يتمّ العَقُّ عنها. هل كان يجبُ تسميتُها؟ حيثُ لم تُسَمَّ. لقد قامَ زوجي بغسلِها وتكفينِها والصلاةِ عليها ودفنِها فقط. هل ما تمَّ صحيحٌ؟ لقد طلَّقَني زوجي.. هل أتمكنُ أنا من العَقِّ عنها إذا كانت واجبةً؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: اعلمي – أختي السائلة – أنَّ الصبرَ على القضاءِ من مقاماتِ الصالحين، وأنَّ الرضا بقدرِ الله سبحانَه من منازلِ المقربين، وأنَّ خيرَ ما يستقبلُ العبدُ به البلاءَ أن يقولَ: الحمدُ لله، إنَّا للهِ وإنَّا إليه راجعون. وخيرُ ما نبشرك به، ما جاءَ عن أبي موسى الأشعريِّ رضيَ اللهُ عنه: أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم قال: (إِذَا ماتَ ولدُ العَبْدِ، قالَ اللهُ لمَلائِكَتِهِ: قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. فَيَقُولُ: قَبَضْتُم ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. فَيَقُولُ: مَاْذَا قالَ عَبْدِيْ؟ فَيَقُولُونَ: حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ. فَيَقُولُ اللهُ: ابْنُوا لِعَبْدِيْ بَيْتًا فِيْ الجَنَّةِ , وَسَمُّوهُ بيتَ الحَمْدِ) . رواه الترمذي (1021) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي. قال النوويُّ رحمهُ الله: " موتُ الواحدِ من الأولادِ حجابٌ منَ النار، وكذا السقطُ، واللهُ أعلم ". "المجموع" (5/287) ، وانظر: "حاشية ابن عابدين" (2/228) . وعن مُعاذِ بنِ جبلٍ رضيَ اللهُ عنه عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلم قالَ: (وَالَّذِيْ نَفْسِيْ بِيَدِهِ إِنَّ السِّقْطَ لَيَجُرُّ أُمَّهُ بِسَرَرِهِ إِلَىْ الجَنَّةِ إِذَا احْتَسَبَتْهُ) رواه ابن ماجه (1609) وضعفه النووي في "الخلاصة" (2/1066) والبوصيري، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه. والسَّرَرُ: ما تقطعه القابلة من السرة. "النهاية" (3/99) . وانظر السؤال رقم (5226) . ثانيًا: أجمعَ أهلُ العلمِ على أنَّ الطفلَ إذا عُرِفت حياتُه واستهلَّ – بصوتٍ – أنّه يُغَسَّلُ ويكفَّن ويُصَلى عليه. نقل الإجماع ابن المنذر وابن قدامة في "المغني" (2/328) والكاساني في "بدائع الصنائع" (1/302) . قالَ النوويُّ في "المجموع" (5/210) : ويكونُ كفنُه ككفنِ البالغِ ثلاثةَ أثواب. وأما من لم يستهل بصوت , فقد سبق من جواب السؤال (13198) و (13985) أن العبرة في ذلك بنفخ الروح فيه , ويكون ذلك بعد تمام أربعة أشهر من الحمل , فإن نفخت فيه الروح غسِّل وكفّن وصلى عليه , وإن لم تكن نفخت فيه الروح فلا يغسل ولا يصلى عليه. انظر: "المغني" (2/328) ، "الإنصاف" (2/504) . ثالثًا: وأمَّا العقيقةِ عن السقط إذا بلغ أربعة أشهر , فقد اختلف العلماء في مشروعيتها , وسبق في جواب السؤال (12475) و (50106) اختيار علماء اللجنة الدائمة للإفتاء والشيخ ابن عثيمين أنها مشروعة مستحبة , وفيهما أيضاً أنه يُسمَّى. رابعًا: الذي يؤمر بالعقيقة هو من تلزمه النفقة على المولود , وهو الأب إن كان موجوداً , فإن امتنع فلا حرج أن يفعلها غيره كالأم. جاءَ في الموسوعةِ الفقهيةِ (30/279) : " ذهبَ الشّافعيّةُ إلى أنّ العقيقةَ تُطلبُ من الأصلِ الّذي تلزمُه نفقةُ المولودِ، فيؤدّيها من مالِ نفسِه لا من مالِ المولود، ولا يفعلُها من لا تلزمُه النّفقةُ إلاّ بإذنِ من تلزمُه. وصرّحَ الحنابلةُ أنّه لا يَعقّ غيرُ أبٍ إلاّ إن تعذّرَ بموتٍ أو امتناعٍ، فإن فعلَها غيرُ الأبِ لم تُكرَه، ولكنّها لا تكون عقيقةً، وإنّما عقّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين، لأنّه أولى بالمؤمنينَ من أنفسِهم " انتهى. فإن كان الأبُ حيًا قادرًا، فإنه ينصح بالعقيقةِ عن المولود، فإن امتنعَ أو أذنَ للأمِّ بالعقيقةِ فيُشرَعُ لها ذلك. والحاصل: أن ما فعله زوجك من غسلها وتكفينها والصلاة عليها صحيح مشروع، ولكن يبقى عليكم تسميتها والعقيقة عنها. واللهُ أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 71161 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4754 ما هي صيغة الوصية الشرعية؟ [السُّؤَالُ] ـ[هناك صيغ للوصية توجد في بعض المواقع على الانترنت وأريد أن أعرف مدى مشروعيتها؟ وهل يوجد لديكم صيغة محددة للوصية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله روى البخاري (2738) ومسلم (1627) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ) . قال النووي رحمه الله: "فيه الْحَثّ عَلَى الْوَصِيَّة، وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْأَمْر بِهَا، لَكِنَّ مَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْجَمَاهِير أَنَّهَا مَنْدُوبَة لَا وَاجِبَة. وَقَالَ دَاوُدُ وَغَيْره مِنْ أَهْل الظَّاهِر: هِيَ وَاجِبَة؛ لِهَذَا الْحَدِيث، وَلَا دَلَالَة لَهُمْ فِيهِ، فَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيح بِإِيجَابِهَا، لَكِنْ إِنْ كَانَ عَلَى الْإِنْسَان دَيْن أَوْ حَقّ أَوْ عِنْده وَدِيعَة وَنَحْوهَا لَزِمَهُ الْإِيصَاء بِذَلِكَ. قَالَ الشَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّه: مَعْنَى الْحَدِيث: مَا الْحَزْم وَالِاحْتِيَاط لِلْمُسْلِمِ إِلَّا أَنْ تَكُون وَصِيَّته مَكْتُوبَة عِنْده. وَيُسْتَحَبّ تَعْجِيلهَا، وَأَنْ يَكْتُبهَا فِي صِحَّته، وَيُشْهِد عَلَيْهِ فِيهَا، وَيَكْتُب فِيهَا مَا يَحْتَاج إِلَيْهِ، فَإِنْ تَجَدَّدَ لَهُ أَمْر يَحْتَاج إِلَى الْوَصِيَّة بِهِ أَلْحَقَهُ بِهَا. قَالُوا: وَلَا يُكَلَّف أَنْ يَكْتُب كُلّ يَوْم مُحَقَّرَات الْمُعَامَلَات وَجُزْئِيَّات الْأُمُور الْمُتَكَرِّرَة" انتهى. فالوصية نوعان: وصية واجبة: وهي الوصية ببيان ما عليه وما له من حقوق، كدين أو قرض أو أمانات مودعة عنده، أو حقوق له في ذمم الناس، فالوصية هنا واجبة لحفظ ماله، وبراءة ذمته. ووصية مستحبة: وهي التبرع المحض، كوصية الإنسان بعد موته في ماله بالثلث فأقل، لقريب غير وارث، أو لغيره، أو الوصية في أعمال البر من الصدقة على الفقراء والمساكين أو في وجوه الخير. ينظر: "فتاوى اللجنة الدائمة" (16/264) . وللإنسان أن يوصي أهله ببعض الأمور المتعلقة بجنازته، كمن يغسله ومن يصلي عليه ونحو ذلك، وأن يوصيهم بترك البدع والمحدثات، وتجنب النياحة وغير ذلك من المنهيات، لا سيما إذا كان يعلم من حالهم أنهم ربما فعلوا شيئا من ذلك. ويدل لذلك ما رواه مسلم (121) أن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال وهو في سياق الموت: (فَإِذَا أَنَا مُتُّ فَلَا تَصْحَبْنِي نَائِحَةٌ وَلَا نَارٌ) . وروى الترمذي (986) وابن ماجه (1476) عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رضي الله عنه قَالَ: (إِذَا مِتُّ فَلَا تُؤْذِنُوا بِي، إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ نَعْيًا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ النَّعْيِ) والحديث حسنه الألباني في صحيح الترمذي. وروى أحمد (10141) عَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: (إِذَا مُتُّ فَلَا تَضْرِبُوا عَلَيَّ فُسْطَاطًا، وَلَا تَتْبَعُونِي بِنَارٍ، وَأَسْرِعُوا بِي إِلَى رَبِّي، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِذَا وُضِعَ الْعَبْدُ أَوْ الرَّجُلُ الصَّالِحُ عَلَى سَرِيرِهِ قَالَ: قَدِّمُونِي قَدِّمُونِي، وَإِذَا وُضِعَ الرَّجُلُ السَّوْءُ قَالَ: وَيْلَكُمْ أَيْنَ تَذْهَبُونَ بِي) والحديث حسنه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند. وروى الحاكم في المستدرك (1409) أن قيس بن عاصم رضي الله عنه أوصاهم عند موته فقال: (إذا أنا مت فلا تنوحوا علي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينح عليه) قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال الذهبي في التلخيص: صحيح. فهذا وغيره يدل على مشروعية الوصية ببعض الأمور المتعلقة بالجنازة أو بالتحذير من النياحة ونحوها. لكن ليس للوصية صيغة معينة، يلتزم بها الإنسان، بل يوصي بما يناسب حاله وحال أهله، وما له وما عليه من الحقوق كما سبق. والمهم ألا يُعتقد أن هناك صيغاً مأثورة، أو لابد منها. وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن الوصية الواردة في كتيب: "هذه وصيتي الشرعية". فأجابت: " بقراءة الوصية المذكورة لم يوجد فيها ما يخالف الشرع، ولكن صياغتها بشكل وصية من كل فرد وتوزيعها على الناس يوهم أنه يستحب لكل شخص أن يوصي بما فيها أو يشتريها ويدفعها لمن يتولى شأنه بعد موته، مع أنه لا داعي لذلك؛ لأن أحكام الجنائز المذكورة فيها موجودة في كتب الفقه، يراجعها من يحتاج إليها بدون إيصاء أو توزيع، لا سيما وعمل المسلمين في هذه البلاد والحمد لله في أحكام الجنائز يتمشى على السنة " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (16/289) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69827 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4755 معنى تعذيب الميت ببكاء أهله عليه [السُّؤَالُ] ـ[هل صحيح أن الميت يعذب بالبكاء عليه؟ وما ذنب الميت حتى يعاقب على معصية فعلها غيره؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، قد صحت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وليس هذا من عقوبة الميت بذنب غيره، كما سيأتي. وقد أنكرت عائشة رضي الله عنها أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قال هذه الأحاديث، لظنها أنها تتعارض مع قوله تعالى: (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) . وهذه بعض الأحاديث الواردة في هذا، مع بيان معناها الصحيح الذي لا يتعارض مع هذه الآية، وجواب العلماء على اعتراض أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها. روى البخاري (1291) ومسلم (933) عَنْ الْمُغِيرَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ نِيحَ عَلَيْهِ يُعَذَّبُ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ) زاد مسلم: (يَوْمَ الْقِيَامَةِ) . وروى البخاري (1292) ومسلم (927) عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ) . قال النووي: وَفِي رِوَايَة بِإِثْبَاتِ (فِي قَبْره) وَفِي رِوَايَة بِحَذْفِهِ اهـ. وروى البخاري (1288) ومسلم (929) عن ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: تُوُفِّيَتْ ابْنَةٌ لِعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمَكَّةَ، وَجِئْنَا لِنَشْهَدَهَا، وَحَضَرَهَا ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَإِنِّي لَجَالِسٌ بَيْنَهُمَا، فَإِذَا صَوْت مِنْ الدَّار، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لِعَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ: أَلا تَنْهَى عَنْ الْبُكَاءِ؟ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ) فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: قَدْ كَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ بَعْضَ ذَلِكَ، ثُمَّ حَدَّثَ قَالَ: .... َلَمَّا أُصِيبَ عُمَرُ دَخَلَ صُهَيْبٌ يَبْكِي يَقُولُ: وَا أَخَاهُ! وَا صَاحِبَاهُ! فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَا صُهَيْبُ، أَتَبْكِي عَلَيَّ! وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ) . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَقَالَتْ: رَحِمَ اللَّهُ عُمَرَ، وَاللَّهِ مَا حَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ لَيُعَذِّبُ الْمُؤْمِنَ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ) وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ لَيَزِيدُ الْكَافِرَ عَذَابًا بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ) وَقَالَتْ: حَسْبُكُمْ الْقُرْآنُ (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: وَاللَّهِ مَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا شَيْئًا. وقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: لَمَّا بَلَغَ عَائِشَةَ قَوْلُ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَتْ: إِنَّكُمْ لَتُحَدِّثُوني عَنْ غَيْرِ كَاذِبَيْنِ وَلا مُكَذَّبَيْنِ، وَلَكِنَّ السَّمْعَ يُخْطِئُ. قال الحافظ: قَوْله: (مَا قَالَ اِبْن عُمَر شَيْئًا) َقَالَ الزَّيْن بْن الْمُنِير: سُكُوته لا يَدُلّ عَلَى الإِذْعَان فَلَعَلَّهُ كَرِهَ الْمُجَادَلَة فِي ذَلِكَ الْمَقَام. وروى مسلم (927) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عمر أَنَّ حَفْصَةَ بَكَتْ عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم، فَقَالَ: مَهْلًا يَا بُنَيَّةُ! أَلَمْ تَعْلَمِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ؟) . فهذه الأحاديث رواها عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاثة من الصحابة وهم عمر وابن عمر والمغيرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم، وفيها تعذيب الميت ببكاء أهله عليه. مسائل: المسألة الأولى: المراد بالبكاء في هذه الأحاديث. اتفق العلماء على أنه ليس المراد من هذه الأحاديث مطلق البكاء، بل المراد بالبكاء هنا النياحة ورفع الصوت. قال النووي: " وَأَجْمَعُوا كُلّهمْ عَلَى اِخْتِلَاف مَذَاهِبهمْ عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِالْبُكَاءِ هُنَا الْبُكَاء بِصَوْتٍ وَنِيَاحَة لَا مُجَرَّد دَمْع الْعَيْن " انتهى. المسألة الثانية: أما رد عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها هذه الأحاديث، فهو اجتهاد منها رَضِيَ اللَّهُ عَنْها، حيث ظنت أن عمر وابنه رضي الله عنهما قد وهما وأخطآ، وأن هذه الأحاديث معارضة لقول الله تعالى: (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) الأنعام/164. قَالَ الْقُرْطُبِيّ: " إِنْكَار عَائِشَة رضي الله عنها ذَلِكَ وَحُكْمهَا عَلَى الرَّاوِي بِالتَّخْطِئَةِ أَوْ النِّسْيَان أَوْ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَ بَعْضًا وَلَمْ يَسْمَع بَعْضًا بَعِيد , لأَنَّ الرُّوَاة لِهَذَا الْمَعْنَى مِنْ الصَّحَابَة كَثِيرُونَ وَهُمْ جَازِمُونَ فَلا وَجْه لِلنَّفْيِ مَعَ إِمْكَان حَمْلِهِ عَلَى مَحْمَل صَحِيح " انتهى. فإن قيل: كيف حلفت عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها على أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يقل هذا مع ثبوته عنه؟ فالجواب: أنها حلفت بناء على غلبة ظنها أن عمر وابنه عبد الله وهما رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، والحلف على غلبة الظن جائز. قاله النووي رحمه الله بمعناه. المسألة الثالثة: الجمع بين هذه الأحاديث وبين ما استدلت به عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها من قول الله تعالى: (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) . وبيان أنه لا تعارض بينها. اختلفت طريقة العلماء في توجيه الحديث وبيان عدم تعارضه مع الآية، ولهم في ذلك طرق: أَوَّلهَا: طَرِيقَة الْبُخَارِيّ أنه يعذب بذلك إذا كان من سنته وطريقته وقد أقرّ عليه أهله في حياته فيعذب لذلك، وإن لم يكن من طريقته فإنه لا يعذب. فإنه قال: " بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَذَّبُ الْمَيِّتُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ النَّوْحُ مِنْ سُنَّتِهِ (أي من طريقته وعادته) " قال الحافظ: " فَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا أَنَّ الَّذِي يُعَذَّب بِبَعْضِ بُكَاء أَهْله مَنْ كَانَ رَاضِيًا بِذَلِكَ بِأَنْ تَكُون تِلْكَ طَرِيقَته إِلَخْ , وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّف (فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ سُنَّته) أَيْ كَمَنْ كَانَ لا شُعُور عِنْده بِأَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ , أَوْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ بِأَنْ نَهَاهُمْ فَهَذَا لا مُؤَاخَذَة عَلَيْهِ بِفِعْلِ غَيْره , وَمِنْ ثَمَّ قَالَ اِبْن الْمُبَارَك: إِذَا كَانَ يَنْهَاهُمْ فِي حَيَاته فَفَعَلُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بَعْد وَفَاته لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْء " انتهى. ثَانِيهَا: وقد نسبه النووي إلى الْجُمْهُور وصححه، حملوا الحديث عَلَى مَنْ وَصَّى بِأَنْ يُبْكَى عَلَيْهِ وَيُنَاح بَعْد مَوْته فَنُفِّذَتْ وَصِيَّته , فَهَذَا يُعَذَّب بِبُكَاءِ أَهْله عَلَيْهِ وَنَوْحهمْ ; لِأَنَّهُ بِسَبَبِهِ وَمَنْسُوب إِلَيْهِ , فَأَمَّا مَنْ بَكَى عَلَيْهِ أَهْله وَنَاحُوا مِنْ غَيْر وَصِيَّة مِنْهُ فَلَا يُعَذَّب لِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى: (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) . قَالُوا: وَكَانَ مِنْ عَادَة الْعَرَب الْوَصِيَّة بِذَلِكَ، وَمِنْهُ قَوْل طَرَفَةَ بْن الْعَبْد: إِذَا مِتُّ فَانْعِينِي بِمَا أَنَا أَهْله وَشُقِّي عَلَيَّ الْجَيْب يَا اِبْنَة مَعْبَدِ قَالُوا: فَخَرَجَ الْحَدِيث مُطْلَقًا حَمْلا عَلَى مَا كَانَ مُعْتَادًا لَهُمْ. ثَالِثهَا: هُوَ مَحْمُول عَلَى مَنْ أَوْصَى بِالْبُكَاءِ وَالنَّوْح، أَوْ لَمْ يُوصِ بِتَرْكِهِمَا. فَأَمَّا مَنْ وَصَّى بِتَرْكِهِمَا فَلَا يُعَذَّب بِهِمَا إِذْ لا صُنْع لَهُ فِيهِمَا وَلَا تَفْرِيط مِنْهُ. وَحَاصِل هَذَا الْقَوْل إِيجَاب الْوَصِيَّة بِتَرْكِهِمَا , وَمَنْ أَهْمَلَهُمَا عُذِّبَ بِهِمَا. وَهُوَ قَوْل دَاوُد وَطَائِفَة. رَابِعهَا: وَقَالَتْ طَائِفَة: مَعْنَى الأَحَادِيث أَنَّهُمْ كَانُوا يَنُوحُونَ عَلَى الْمَيِّت وَيَنْدُبُونَهُ بِتَعْدِيدِ شَمَائِله وَمَحَاسِنه فِي زَعْمهمْ , وَتِلْكَ الشَّمَائِل قَبَائِح فِي الشَّرْع يُعَذَّب بِهَا. فمَعْنَى قَوْله " يُعَذَّب بِبُكَاءِ أَهْله " أَيْ بِنَظِيرِ مَا يَبْكِيه أَهْله بِهِ. وَهَذَا اِخْتِيَار اِبْن حَزْم وَطَائِفَة , فكانوا يَنْدُبُونَ الميت بِرِيَاسَتِهِ الَّتِي ظلم فِيهَا , وَشَجَاعَته الَّتِي صَرَفَهَا فِي غَيْر طَاعَة اللَّه , وَجُوده الَّذِي لَمْ يَضَعهُ فِي الْحَقّ , فَأَهْله يَبْكُونَ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْمَفَاخِر وَهُوَ يُعَذَّب بِذَلِكَ. خَامِسهَا: مَعْنَى التَّعْذِيب تَوْبِيخ الْمَلائِكَة لَهُ بِمَا يَنْدُبهُ أَهْله بِهِ كَمَا رَوَى ابن ماجه (1594) عن أَسِيدُ بْنُ أَبِي أَسِيدٍ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ، إِذَا قَالُوا: وَا عَضُدَاهُ، وَا كَاسِيَاهُ، وَا نَاصِرَاهُ، وَا جَبَلَاهُ، وَنَحْوَ هَذَا، يُتَعْتَعُ –أي يقلق ويزعج ويجر بشدة- وَيُقَالُ: أَنْتَ كَذَلِكَ؟ أَنْتَ كَذَلِكَ؟) قَالَ أَسِيدٌ: فَقُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ! إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) . قَالَ: وَيْحَكَ! أُحَدِّثُكَ أَنَّ أَبَا مُوسَى حَدَّثَنِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَرَى أَنَّ أَبَا مُوسَى كَذَبَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! أَوْ تَرَى أَنِّي كَذبْتُ عَلَى أَبِي مُوسَى؟! حسنه الألباني في صحيح ابن ماجه. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ (1003) بِلَفْظِ: (مَا مِنْ مَيِّتٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ بَاكِيهِ فَيَقُولُ: وَا جَبَلاهْ وَا سَيِّدَاهْ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ إِلا وُكِّلَ بِهِ مَلَكَانِ يَلْهَزَانِهِ -أَيْ: يَضْرِبَانِهِ وَيَدْفَعَانِهِ- أَهَكَذَا كُنْتَ؟) حسنه الألباني في صحيح الترمذي. ويشهد له ما رواه البخاري (4268) عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أُغْمِيَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ، فَجَعَلَتْ أُخْتُهُ عَمْرَةُ تَبْكِي: وَا جَبَلاهْ وَا كَذَا وَا كَذَا تُعَدِّدُ عَلَيْهِ، فَقَالَ حِينَ أَفَاقَ: مَا قُلْتِ شَيْئًا إِلا قِيلَ لِي: آنْتَ كَذَلِكَ؟ فَلَمَّا مَاتَ لَمْ تَبْكِ عَلَيْهِ. سَادِسهَا: مَعْنَى التَّعْذِيب تَأَلُّم الْمَيِّت بِمَا يَقَع مِنْ أَهْله مِنْ النِّيَاحَة وَغَيْرهَا , وَهَذَا اِخْتِيَار أَبِي جَعْفَر الطَّبَرِيّ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ , وَرَجَّحَهُ القاضي عِيَاض، وَنَصَرَهُ شيخ الإسلام اِبْن تَيْمِيَة وَجَمَاعَة مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَاسْتَشْهَدُوا لَهُ بِحَدِيثِ قَيْلَة بِنْت مَخْرَمَة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهاها عن البكاء على ابنها وقال: (أَيُغْْلَبُ أَحَدكُمْ أَنْ يُصَاحِب صُوَيْحِبه فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا , وَإِذَا مَاتَ اِسْتَرْجَعَ , فَوَاَلَّذِي نَفْس مُحَمَّد بِيَدِهِ إِنَّ أَحَدكُمْ لَيَبْكِي فَيَسْتَعْبِر إِلَيْهِ صُوَيْحِبه , فَيَا عِبَاد اللَّه , لا تَعَذِّبُوا مَوْتَاكُمْ) قال الحافظ: إسناده حسن. وقال الهيثمي: رجاله ثقات. وهذا القول الأخير هو أولى الأقوال التي قيلت في معنى الحديث. وقد سئل شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (34/364) : هَلْ يَتَأَذَّى الْمَيِّتُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ؟ فَأَجَابَ: هَذِهِ مَسْأَلَةٌ فِيهَا نِزَاعٌ بَيْنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَالْعُلَمَاءِ. وَالصَّوَابُ: أَنَّهُ يَتَأَذَّى بِالْبُكَاءِ عَلَيْهِ كَمَا نَطَقَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. . . ثم ذكر بعض هذه الأحاديث. ثم قال: وَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ طَوَائِفُ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَاعْتَقَدُوا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ تَعْذِيبِ الإِنْسَانِ بِذَنْبِ غَيْرِهِ فَهُوَ مُخَالِفٌ لقوله تعالى: (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) ثُمَّ تَنَوَّعَتْ طُرُقُهُمْ فِي تِلْكَ الأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ. فَمِنْهُمْ مَنْ غَلَّطَ الرُّوَاةَ لَهَا كَعُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ , وَهَذِهِ طَرِيقَةُ عَائِشَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا. وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا أَوْصَى بِهِ فَيُعَذَّبُ عَلَى إيصَائِهِ وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ , كالمزني وَغَيْرِهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ عَادَتُهُمْ، فَيُعَذَّبُ عَلَى تَرْكِ النَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ , وَهُوَ اخْتِيَارُ طَائِفَةٍ , مِنْهُمْ جَدِّي أَبُو الْبَرَكَاتِ. وَكُلُّ هَذِهِ الأَقْوَالِ ضَعِيفَةٌ جِدًّا , وَالأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الصَّرِيحَةُ الَّتِي يَرْوِيهَا مِثْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ وَغَيْرِهِمْ لا تُرَدُّ بِمِثْلِ هَذَا. وَاَلَّذِينَ أَقَرُّوا هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى مُقْتَضَاهُ ظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ عُقُوبَةِ الإِنْسَانِ بِذَنْبِ غَيْرِهِ وَأَنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ , وَاعْتَقَدَ هَؤُلاءِ أَنَّ اللَّهَ يُعَاقِبُ الإِنْسَانَ بِذَنْبِ غَيْرِهِ. . . . واللَّه تعالى لا يُعَذِّبُ أَحَدًا فِي الآخِرَةِ إلا بِذَنْبِهِ، (ولا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) . وَأَمَّا تَعْذِيبُ الْمَيِّتِ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ، فَهُوَ لَمْ يَقُلْ: إنَّ الْمَيِّتَ يُعَاقَبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ , بَلْ قَالَ: (يُعَذَّبُ) وَالْعَذَابُ أَعَمُّ مِنْ الْعِقَابِ، فَإِنَّ الْعَذَابَ هُوَ الأَلَمُ، وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ تَأَلَّمَ بِسَبَبٍ كَانَ ذَلِكَ عِقَابًا لَهُ عَلَى ذَلِكَ السَّبَبِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ , يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) فَسَمَّى السَّفَرَ عَذَابًا، وَلَيْسَ هُوَ عِقَابًا عَلَى ذَنْبٍ , وَالإِنْسَانُ يُعَذَّبُ بِالأُمُورِ الْمَكْرُوهَةِ الَّتِي يَشْعُرُ بِهَا مِثْلَ الأَصْوَاتِ الْهَائِلَةِ وَالأَرْوَاحِ الْخَبِيثَةِ وَالصُّوَرِ الْقَبِيحَةِ فَهُوَ يَتَعَذَّبُ بِسَمَاعِ هَذَا وَشَمِّ هَذَا وَرُؤْيَةِ هَذَا وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَمَلا لَهُ عُوقِبَ عَلَيْهِ , فَكَيْفَ يُنْكَرُ أَنْ يُعَذَّبَ الْمَيِّتُ بِالنِّيَاحَةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ النِّيَاحَةُ عَمَلا لَهُ يُعَاقَبُ عَلَيْهِ؟ ولا نحكم على كل من ناح عليه أهله أنه يعذب بذلك: ثم قال شيخ الإسلام: ثُمَّ النِّيَاحَةُ سَبَبُ الْعَذَابِ , وَقَدْ يَنْدَفِعُ حُكْمُ السَّبَبِ بِمَا يُعَارِضُهُ فقَدْ يَكُونُ فِي الْمَيِّتِ مِنْ قُوَّةِ الْكَرَامَةِ مَا يَدْفَعُ عَنْهُ مِنْ الْعَذَابِ وهذا العذاب الذي يحصل للمؤمن ببكاء أهله عليه، من جملة الشدائد والأذى التي يكفر الله بها عن المؤمن من ذنوبه. وأما الكافر فإنه يزداد بذلك عذابه، فيجمع له بين ألم العقاب، والتألم الحاصل له ببكاء أهله عليه. ثم قال شيخ الإسلام: وَمَا يَحْصُلُ لِلْمُؤْمِنِ فِي الدُّنْيَا وَالْبَرْزَخِ وَالْقِيَامَةِ مِنْ الأَلَمِ الَّتِي هِيَ عَذَابٌ فَإِنَّ ذَلِكَ يُكَفِّرُ اللَّهُ بِهِ خَطَايَاهُ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: (مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ وَلا نَصَبٍ وَلا هَمٍّ وَلا حَزَنٍ وَلا أَذًى حَتَّى الشَّوْكَةَ يَشَاكُهَا إلا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ) انتهى باختصار. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه) ؟ فأجاب: " معناه أن الميت إذا بكى أهله عليه فإنه يعلم بذلك ويتألم، وليس المعنى أن الله يعاقبه بذلك لأن الله تعالى يقول: (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى?) والعذاب لا يلزم أن يكون عقوبة ألم تر إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن السفر قطعة من العذاب) والسفر ليس بعقوبة، لكن يتأذى به الإنسان ويتعب، وهكذا الميت إذا بكى أهله عليه فإنه يتألم ويتعب من ذلك، وإن كان هذا ليس بعقوبة من الله عز وجل له، وهذا التفسير للحديث تفسير واضح صريح، ولا يرد عليه إشكال، ولا يحتاج أن يقال: هذا فيمن أوصى بالنياحة، أو فيمن كان عادة أهله النياحة ولم ينههم عند موته، بل نقول: إن الإنسان يعذب بالشيء ولا يتضرر به " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (17/408) . وانظر: "فتح الباري" (3/180- 185) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69931 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4756 هل يترك تشييع جنازة شخص كان معروفا بالقسوة والوحشية؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمسلم أن يتجنب الذهاب لمراسيم جنازة شخص كان يعرف بالقسوة والوحشية؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اتباع الجنازة حتى يصلى عليها، أو حتى تدفن، حق للمسلم على أخيه المسلم، كما روى البخاري (1240) ومسلم (2162) أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلامِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ) . وفي رواية لمسلم: (خَمْسٌ تَجِبُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ ... ) . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " والظاهر أن المراد به هنا وجوب الكفاية " انتهى من "فتح الباري" (3/136) . أي أن اتباع الجنازة واجب على الكفاية، إذا قام به البعض سقط عن الآخرين، وإذا تركه الجميع أثموا. وقد جاء الأمر باتباع الجنائز فيما رواه البخاري (2445) ومسلم (2066) عن الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ، فَذَكَرَ: (عِيَادَةَ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعَ الْجَنَائِزِ، وَتَشْمِيتَ الْعَاطِسِ، وَرَدَّ السَّلامِ، وَنَصْرَ الْمَظْلُومِ، وَإِجَابَةَ الدَّاعِي، وَإِبْرَارَ الْمُقْسِمِ) . وجاء في فضل اتباع الجنازة حتى يصلى عليها وحتى تدفن قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ شَهِدَ الْجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلِّيَ فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ شَهِدَ حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ. قِيلَ: وَمَا الْقِيرَاطَانِ؟ قَالَ: مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ) رواه البخاري (1325) ومسلم (945) . ومع هذا فقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة على أناس، عقوبةً ونكالاً لهم، وزجراً عن أفعالهم، فلم يصل على الغالّ من الغنيمة، ولا على قاتل نفسه. روى مسلم (978) عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: (أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ قَتَلَ نَفْسَهُ بِمَشَاقِصَ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ) . والمشاقص: جمع مشقص، وهو سهم له طرف حاد عريض. وروى أبو داود (2710) والنسائي (1959) وابن ماجه (2848) عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ (أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ يَوْمَ خَيْبَرَ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: (صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ) فَتَغَيَّرَتْ وُجُوهُ النَّاسِ لِذَلِكَ. فَقَالَ: (إِنَّ صَاحِبَكُمْ غَلَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) فَفَتَّشْنَا مَتَاعَهُ فَوَجَدْنَا خَرَزًا مِنْ خَرَزِ يَهُودَ لا يُسَاوِي دِرْهَمَيْنِ) . والغلول: هو الأخذ من الغنيمة خفية قبل قسمتها. وقد استفاد أهل العلم من هذا الحديث أن السنة في حق الإمام أن لا يصلي على الغال والقاتل نفسه، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم. وهنا مسألتان: الأولى: هل يلحق بالإمام غيره من أهل العلم والفضل؟ والثانية: هل يلحق بالغال والقاتل نفسه من هو مثلهم أو أشد كقطاع الطرق والظلمة وأصحاب الكبائر والمعاصي الظاهرة؟ والجواب: نعم، يلحق بالإمام غيره من أهل العلم والفضل، ويلحق بالغال والقاتل من هو مثلهم أو أشد. قال الباجي في "المنتقى": " وَهَذِهِ سُنَّةٌ فِي امْتِنَاعِ الأَئِمَّةِ وَأَهْلِ الْفَضْلِ مِنْ الصَّلاةِ عَلَى أَهْلِ الْكَبَائِرِ عَلَى وَجْهِ الرَّدْعِ وَالزَّجْرِ عَنْ مِثْلِ فِعْلِهِمْ. وَأَمْرُ غَيْرِهِ بِالصَّلاةِ عَلَيْهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لَهُمْ حُكْمَ الإِيمَانِ لا يَخْرُجُونَ عَنْهُ بِمَا أَحْدَثُوهُ مِنْ مَعْصِيَةٍ " انتهى. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ومن مات لا يزكي ولا يصلي إلا في رمضان ينبغي لأهل العلم والدين أن يدعوا الصلاة عليه عقوبة ونكالا لأمثاله؛ لتركه صلى الله عليه وسلم الصلاة على قاتل نفسه وعلى الغالّ والمدين الذي لا وفاء له، ولا بد أن يصلي عليه بعض الناس ... ومن مات مظهرا للفسق مع ما فيه من الإيمان كأهل الكبائر، ومن امتنع من الصلاة على أحدهم زجرا لأمثاله عن مثل فعله كان حسنا، ومن صلى على أحدهم يرجو رحمه الله ولم يكن في امتناعه مصلحة راجحة كان حسنا، ولو امتنع في الظاهر ودعا له في الباطن ليجمع بين المصلحتين كان أولى من تفويت إحداهما " انتهى. "الاختيارات" (ص 80) . ونقل المرداوي في "الإنصاف" (2/535) : عن الإمام أحمد أنه لا يصلى على أهل الكبائر. وقال: " واختار المَجْد (مجد الدين ابن تيمية جد شيخ الإسلام ابن تيمية) أنه لا يصلي على كل من مات على معصية ظاهرة بلا توبة. قال في الفروع: وهو متجه " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ولو قال قائل: أفلا ينبغي أن يُعدّى هذا الحكم إلى أمير كل قرية أو قضيها أو مفتيها، أي من يحصل بامتناعه النكال، هل يتعدى الحكم إليهم؟ فالجواب: نعم، يتعدى الحكم إليهم، فكل من في امتناعه عن الصلاة نكال فإنه يسن له أن لا يصلي على الغالّ، ولا على قاتل نفسه ". ثم قال: " مسألة: هل يلحق بالغالّ، وقاتل النفس من هو مثلهم، أو أشد منهم أذية للمسلمين، كقطاع الطرق مثلا؟ الجواب: المشهور من المذهب: لا يلحق. والقول الثاني: أن من كان مثلهم، أو أشد منهم، فإنه لا يصلي الإمام عليه؛ لأن الشرع إذا جاء بعقوبة على جرم من المعاصي، فإنه يلحق به ما يماثله، أو ما هو أشد منه. فإذا كان الذي غل هذا الشيء اليسير لم يصل عليه النبي صلى الله عليه وسلم فما بالك بمن يقف للمسلمين في الطرق، ويقتلهم ويأخذ أموالهم، ويروعهم، أليس هذا من باب أولى أن ينكل به؟ الجواب: بلى، ولهذا فالصحيح: أن ما ساوى هاتين المعصيتين، ورأى الإمام المصلحة في عدم الصلاة عليه، فإنه لا يصلي عليه " انتهى من "الشرح الممتع" (5/442) . وبناء على ذلك: فمن كان معروفا بالقسوة والوحشية بحيث يرتكب الكبائر أو يجاهر بالمعاصي، فينبغي أن يمتنع عن الصلاة عليه أهل العلم والفضل ممن يكون لامتناعهم تأثير في الزجر عن هذه المعاصي والتنفير منها ومن أهلها، وأما آحاد الناس الذين لا يترتب على امتناعهم عن الصلاة والتشييع مصلحة، فينبغي أن يتبعوا الجنازة ويصلوا عليها تحصيلا للأجر والثواب، وقياما بحق المسلم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 67576 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4757 لو تبع جنازة دون أن يصلي عليها فهل له قيراط من الأجر؟ [السُّؤَالُ] ـ[لو تبع شخص جنازة بدون أن يصلي عليها فهل يأخذ " قيراطاً " أم يشترط أن يصلي عليها لكي يأخذ هذا الأجر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: دلت السنة على أن من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان. روى البخاري (1325) ومسلم (945) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ شَهِدَ الْجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ فَلَهُ قِيرَاطَانِ. قِيلَ: وَمَا الْقِيرَاطَانِ؟ قَالَ: مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ) رواه البخاري (1325) ومسلم (945) . وروى مسلم (945) عن سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ قَاعِدًا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما إِذْ طَلَعَ خَبَّابٌ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، أَلا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ! أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ خَرَجَ مَعَ جَنَازَةٍ مِنْ بَيْتِهَا وَصَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ تَبِعَهَا حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ مِنْ أَجْرٍ كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ كَانَ لَهُ مِنْ الأَجْرِ مِثْلُ أُحُدٍ) فَأَرْسَلَ ابْنُ عُمَرَ خَبَّابًا إِلَى عَائِشَةَ يَسْأَلُهَا عَنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِ فَيُخْبِرُهُ مَا قَالَتْ، وَأَخَذَ ابْنُ عُمَرَ قَبْضَةً مِنْ حَصْبَاءِ الْمَسْجِدِ يُقَلِّبُهَا فِي يَدِهِ حَتَّى رَجَعَ إِلَيْهِ الرَّسُولُ، فَقَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: صَدَقَ أَبُو هُرَيْرَةَ، فَضَرَبَ ابْنُ عُمَرَ بِالْحَصَى الَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ الأَرْضَ ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ فَرَّطْنَا فِي قَرَارِيطَ كَثِيرَةٍ) . والقيراط مقدار كبير من الأجر مثَّله النبي صلى الله عليه وسلم بجبل أحد. والقيراط الذي يحصل بالصلاة، هل يحصل بالصلاة فقط أم لا بد أن يخرج مع الجنازة من بيتها؟ قال الحافظ ابن حجر: " وفي رواية خباب عند مسلم: (من خرج مع جنازة من بيتها) ولأحمد في حديث أبي سعيد الخدري: (فمشى معها من أهلها) ومقتضاه أن القيراط يختص بمن حضر من أول الأمر إلى انقضاء الصلاة، وبذلك صرح المحب الطبري وغيره. والذي يظهر لي: أن القيراط يحصل أيضا لمن صلى فقط، لأن كل ما قبل الصلاة وسيلة إليها، لكن يكون قيراط من صلى فقط دون قيراط من شيّع مثلا وصلى، ورواية مسلم عن أبي هريرة بلفظ: (أصغرهما مثل أحد) يدل على أن القراريط تتفاوت " انتهى من "فتح الباري" (3/ 234) . ثانياً: وأما من تبعها دون أن يصلي عليها أو يشهد دفنها، فلا يدخل في هذا الوعد، لكن يرجى له أن يحصل له ثواب بحسب نيته. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " قال الزين بن المنيّر ما محصله: ... القيراط لا يحصل إلا لمن اتبع وصلى، أو اتبع وشيّع وحضر الدفن، لا لمن اتبع مثلا وشيع ثم انصرف بغير صلاة؛ وذلك لأن الاتباع إنما هو وسيلة لأحد مقصودين: إما الصلاة وإما الدفن، فإذا تجردت الوسيلة عن المقصد لم يحصل المرتب على المقصود، وإن كان يرجى أن يحصل لفاعلِ ذلك فضلٌ ما بحسب نيته " انتهى من "فتح الباري" (3/230) . ثالثاً: وظاهر الحديث أن القيراط المرتب على الدفن لا يحصل إلا إذا تقدمه الصلاة على الميت. روى البخاري (47) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ اتَّبَعَ جَنَازَةَ مُسْلِمٍ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا وَكَانَ مَعَهُ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا وَيَفْرُغَ مِنْ دَفْنِهَا فَإِنَّه يَرْجِعُ مِنْ الأَجْرِ بِقِيرَاطَيْنِ) . قال النووي رحمه الله: " ومقتضى هذا أن القيراطين إنما يحصلان لمن كان معها في جميع الطريق حتى تدفن، فإن صلى مثلا وذهب إلى القبر وحده فحضر الدفن لم يحصل له إلا قيراط واحد " انتهى من "فتح الباري" (3/234) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "شرح كتاب الجنائز من بلوغ المرام": " من فوائد الحديث (يعني حديث أبي هريرة المذكور في أول الجواب) : أن القيراطين لا يحصلان إلا لمن شهد الصلاة والدفن، لقوله صلى الله عليه وسلم: (ومن شهدها حتى تدفن) لأنه من المعلوم أن الصلاة سابقة على الدفن. فإن شهد الدفن دون الصلاة، مثل أن يمر رجل بأناس في المقبرة يدفنون ميتاً فحضر وشاركهم في الدفن، فالحديث ليس فيه دليل على أنه يحصل له بالدفن وحده قيراط، إنما يحصل له بالدفن قيراط إذا انضم إلى الصلاة، ولا يلزم من حصول الأجر بانضمام شيء إلى آخر أن يحصل به منفرداً " انتهى من الشريط السادس، الوجه الثاني. والحاصل أن اتباع الجنازة على خمس مراتب: الأولى: أن يشهدها منذ خروجها من بيتها، حتى يصلي عليها ويفرغ من دفنها، وهذه أكمل المراتب، وفيها قيراطان عظيمان من الأجر. الثانية: أن يشهدها منذ خروجها من بيتها حتى يصلي عليها، فله قيراط. الثالثة: أن يصلي عليها، وإن لم يخرج معها من بيتها، فله قيراط على ما اختاره الحافظ ابن حجر، لكنه دون من شهدها من بيتها. الرابعة: أن يشهد دفنها فقط دون أن يصلي عليها، فظاهر الحديث أنه ليس له قيراط، وإن كان له ثواب في الجملة بقدر عمله. الخامسة: أن يتبعها مدة ثم ينصرف، دون أن يشهد الصلاة أو الدفن، فهذا يرجى له ثواب على قدر نيته. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 67804 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4758 هل يصلون الجنازة على تارك الصلاة خشية الفتنة من تركها؟ [السُّؤَالُ] ـ[قرية معظم سكانها لا يصلون، متمسكون ببعض التقاليد الإسلامية، وقد يكون من بينهم من هو كافر، ونحن جماعة ملتزمة وندعوهم إلى الله، ولنا أمل في هدايتهم، ونحن لا نصلي صلاة الجنازة إلا على المصلين، وهذا يحدث فتنة إن لم نصل على غير المصلين. هل يجوز الصلاة على الجميع في سبيل الدعوة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله حكم الصلاة على تارك الصلاة مبني على اختلاف العلماء في حكمه هل هو مسلم عاصٍ أم كافر؟ والذي تدل عليه ظواهر النصوص وإجماع الصحابة رضي الله عنهم: أن تارك الصلاة كافر كفراً أكبر، وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال رقم (10061) ، وفي جواب السؤال رقم (70278) : أن الذي لا يصلي لا تؤكل ذبيحته، وفي جواب السؤالين (37820) و (49698) : أن تارك الصلاة لا يقبل منه عمل، لا زكاة، ولا صيام، ولا حج ولا شيء، وفي جواب السؤال رقم (7864) : أن الواجب أن يخصص للمسلمين مقابر، ولا يدفن فيها غيرهم، والذي لا يصلي ويموت وهو تارك للصلاة لا يدفن في مقابر المسلمين. وفي الوقت نفسه لا نستطيع إنكار وجود قول آخر في المسألة، ولا حرج على من تبناه معتقداً صحته. فإذا كنتم ترون كفر تارك الصلاة فلا تصلوا على أحدٍ ممن مات وهو تارك لها، ولتصبروا على ما تلقونه من أذى من السفهاء. وإن كنتم لا ترون كفر تارك الصلاة: فلا بأس من صلاتكم على من مات وهو تارك للصلاة، مع أن الأفضل هو عدم الصلاة عليه عقوبة له، وزجراً لغيره عن هذه المعصية الكبيرة. ولعل ترككم الصلاة على هذا وأمثاله يكون دافعا للناس لإقامة الصلاة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 67113 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4759 هل يجوز للمرأة الاعتكاف عن والديها الأموات؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمرأة الاعتكاف عن والديها الأموات؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذهب بعض العلماء إلى جواز فعل أي عبادة وهبة ثوابها للأموات، وذهب آخرون إلى أنه يقتصر على ما ورد به النص من العبادات. سئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: ما هي الأشياء التي يَنتفع بها الميت من قبَل الأحياء؟ وهل هناك فرق بين العبادات البدنية وغير البدنية؟ نرجو أن توضحوا لنا هذه المسألة وتضعوا لنا فيها قاعدة نرجع إليها كلما أشكل علينا مثل هذه المسائل، أفتونا بارك الله فيكم. فأجاب: " ينتفع الميت من الحي بما دل عليه الدليل من الدعاء له والاستغفار له والتصدق عنه والحج عنه والعمرة عنه وقضاء الديون التي عليه وتنفيذ وصاياه الشرعية، كل ذلك قد دلت الأدلة على مشروعيته. وقد ألحق بها بعض العلماء كل قربة فعلها مسلم وجعل ثوابها لمسلم حي أو ميت، والصحيح الاقتصار على ما ورد به الدليل، ويكون ذلك مخصصًا لقوله تعالى: (وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى) النجم /39، والله أعلم " " المنتقى " (2 / 161) . وأما بخصوص الوالدين: فإن الشرع جعل الولد من كسب أبيه. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ: عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ، أَوْ بَيْتًا لابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ) . رواه ابن ماجه (242) ، وصححه ابن خزيمة (4 / 121) وحسَّنه المنذري والألباني كما في " صحيح الترغيب " (1 / 18) . قال السندي – في حاشيته على "سنن ابن ماجه ": " عَدُّ الولد الصالح من العمل والتعليم حسنٌ؛ لأن الوالد هو سبب في وجوده، وسبب لصلاحه بإرشاده إلى الهدى، كما جُعل نفس العمل في قوله تعالى: (إِنَه عَمَلٌ غَيْرُ صَالِح) " انتهى. وقال الشيخ الألباني رحمه الله: " ما يفعله الولد الصالح من الأعمال الصالحة فإن لوالديه مثل أجره، دون أن ينقص من أجره شيءٌ؛ لأن الولد من سعيهما وكسبهما، والله عز وجل يقول: (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) النجم /39، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه) - رواه أصحاب السنن الأربعة وصححه الشيخ رحمه الله بشواهده – " انتهى. "أحكام الجنائز" (ص 126، 217) . وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: ما هي الأعمال التي تنفع وتفيد الوالدين أحياءً وأمواتًا؟ فأجاب: " الأعمال هي: برهما في حياتهما، والإحسان إليهما بالقول والعمل، والقيام بما يحتاجانه من النفقة والسكن وغير ذلك والأنس بهما، والكلام الطيب معهما وخدمتهما؛ لقوله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) الإسراء / 23، خصوصًا في كبرهما، أما بعد الممات: فإنه يبقى من برهما أيضًا الدعاء، والصدقة لهما، والحج والعمرة عنهما، وقضاء الديون التي في ذمتهما، وصلة الرحم المتعلقة بهما، وكذلك برُّ صديقهما، وتنفيذ وصاياهما المشروعة " انتهى. " المنتقى " (2/162) . ثانيا ً: وأما بخصوص اعتكاف النساء: فإن الاعتكاف مستحب للرجال والنساء، ولكن ينبغي تقييده في حق النساء بأن يكون بإذن أهلها أو زوجها، وأن لا يكون في اعتكافها فتنة. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: " فالمرأة تعتكف ما لم يكن في اعتكافها فتنة، فإن كان في اعتكافها فتنة: فإنها لا تمكن من هذا؛ لأن المستحب إذا ترتب عليه الممنوع وجب أن يمنع، كالمباح إذا ترتب عليه الممنوع وجب أن يمنع، فلو فرضنا أنها إذا اعتكفت في المسجد صار هناك فتنة كما يوجد في المسجد الحرام، فالمسجد الحرام ليس فيه مكان خاص للنساء، وإذا اعتكفت المرأة فلا بد أن تنام إما ليلاً وإما نهاراً، ونومها بين الرجال ذاهبين وراجعين فيه فتنة. والدليل على مشروعية الاعتكاف للنساء: اعتكاف زوجات الرسول صلّى الله عليه وسلّم في حياته، وبعد مماته، لكن إن خيف فتنة: فإنها تمنع؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم منع فيما دون ذلك، فإنه لما أراد أن يعتكف صلّى الله عليه وسلّم خرج ذات يوم، وإذا خباء لعائشة، وخباء لفلانة، وخباء لفلانة، فقال صلّى الله عليه وسلّم: (آلبر يرِدْن؟!) ثم أمر بنقضها، ولم يعتكف تلك السنة، وقضاه في شوال، وهذا يدل على أن اعتكاف المرأة إذا كان يحصل فيه فتنة: فإنها تمنع من باب أولى " انتهى. "الشرح الممتع" (6/510، 511) . والخلاصة: أنه ينبغي للإنسان أن يكثر من الأعمال الصالحة عن نفسه، قبل انقضاء أجله، وانقطاع عمله. وسيكون لوالديه نصيب من أجور هذه الأعمال من غير أن تنقص أجور أولادهم، والاعتكاف من الأعمال الصالحة، ومن المرأة لا بدَّ أن يون وفق ضوابط وشروط كما في كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 66998 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4760 لا يشرع غرس الشجر على القبر [السُّؤَالُ] ـ[بعض الناس يضعون غرسا على القبر مثل الصبار بحجة أن الرسول صلى الله عليه وسلم وضع ذلك على قبرين من أصحابه، ما حكم ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " لا يشرع غرس الشجر على القبور، لا الصبار ولا غيره، ولا زرعها بشعير أو حنطة أو غير ذلك، لأن الرسول لم يفعل ذلك في القبور، ولا خلفاؤه الراشدون رضي الله عنهم. أما ما فعله مع القبرين اللذين أطلعه الله على عذابهما من غرس الجريدة فهذا خاص به وبالقبرين، لأنه لم يفعل ذلك مع غيرهما، وليس للمسلمين أن يحدثوا شيئا من القربات لم يشرعه الله للحديث المذكور، ولقول الله سبحانه: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) الشورى/21" اهـ. "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (5/407) . وراجع السؤال رقم (48958) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 14370 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4761 نبشت قبور مقبرة وبني مكانها مسجد فهل تجوز الصلاة فيه؟ [السُّؤَالُ] ـ[أحد المساجد في مدينتنا وهو أكبرها ثبت أنه كان قد بني مكان مقبرة بعد نبش القبور وتحويلها إلى مكان آخر. المشكلة أن هناك من يقول إنه لم تتم إزالة جميع القبور أو جميع الرفات حيث جيء بجرافة لتسوية المكان بعد إزالة القبور الظاهرة وكلما وجدوا قبراً أزالوه , فما حكم الصلاة فيه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يجب على المسلمين احترام قبور أمواتهم، ولا يحل نبش قبورهم لغير ضرورة، فإن كانت هناك ضرورة فيجب عليهم دفن كل ميت في قبر جديد. وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: أسكن في قرية على حافة جبل وبجوارنا من الجهة اليمانية جبل مرتفع ومن الجهة الغربية حافة جبل، ومن الجهة الشرقية كذلك ومدرجات زراعية تحيط بنا، وعندي قطعة أرض بجوار مقبرة فعزمت على أن أبني لي بيتاً لأن بيت والدي أصبح لا يسعنا، وبعد أن حفرت في نفس الأرض وطرحنا حجر الأساس للبيت، وجدنا قبوراً، فقمنا بإخراج العظم ونقلها إلى محل آخر حيث يوجد عندنا في القرية خندق تحت جبل يوجد فيه رؤوس وأيادي وأرجل وأجزاء من أجسام بني آدم وضعت من قديم الزمان، ولا ندري هل عملنا هذا مشروع أم لا؟ أفيدونا أفادكم الله. فأجاب: "هذا العمل لا يجوز، فما دامت الأرض فيها قبور: فالواجب تركها، فهي تبع المقبرة ما دامت المقبرة بجوار الأرض المذكورة، فالواجب أن لا يتعرض لها، ولا ينبش القبور، وإذا حفر ووجد القبور يتركها، ولا يجوز للناس أن ينبشوا القبور، ويضعوا بيوتهم في محل القبور، فهذا تعد على محل الموتى وظلم للموتى لا يجوز. قد يجوز بعض الأشياء إذا دعت الضرورة إليها مثل إذا دعت الحاجة إلى شارع ينفع المسلمين، واعترضه شيء من القبور، ولا حيلة في صرف الشارع، فقد يجوز أخذ بعض المقبرة ونقل الرفات إلى محل آخر إذا كانت الضرورة دعت إلى توسعة هذا الشارع للمسلمين، ولا حيلة في صرفه عن المقبرة، أما أن يأخذ الناس من المقبرة لتوسعة بيوتهم فهذا لا يجوز" انتهى. " فتاوى نور على الدرب " (السؤال 119) . ثانياً: فإن نبشت قبور الكفار – أو تُعدي على قبور المسلمين فنُبشت – جاز بناء المسجد مكان تلك القبور، فإن بقي من القبور شيء فلا يجوز بناء المسجد عليها، وقد ثبتت الأحاديث في النهي عن بناء المساجد على القبور في الصحيحين وغيرهما، وقد بنى النبي صلى الله عليه وسلم مسجده في المدينة بعد أن نبش قبور الكفار. فإذا بني المسجد فوق قبور المسلمين: لم تجز الصلاة فيه، ويجب هدم المسجد لأن القبور سابقة عليه، فإن كانت القبور في زاوية المسجد وبني جدار فاصل بين المسجد وتلك القبور: جاز ذلك الفعل وصحت الصلاة فيه، وهذه فتاوى العلماء في هذه المسألة: سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: توجد وسط مدينتنا مقبرة قديمة أزالت البلدية أنقاضها وأقامت مكانها حيّاً سكنيّاً ومباني لذوي الدخل المحدود وبقيت منها مساحة كبيرة أقام عليها أهل البر والإحسان مسجداً ليصلي فيه سكان الحي، وبعد بناء المسجد وقع خلاف بين أهل البلد حول جواز الصلاة في هذا المسجد أو عدم جوازها وانقسموا بين مؤيد ومعارض، ما حكم هذا المسجد؟ وهل يجب هدمه أم الإبقاء عليه؟ هل الصلاة في هذا المسجد صحيحة أم لا؟ . فأجابوا: "الأرض التي بني عليها مسجد إذا كانت خالية من القبور صحت الصلاة فيها، وإلا فيجب هدم المسجد الذي بني عليها" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان. " فتاوى اللجنة الدائمة " (1 / 418، 419) . وسئل علماء اللجنة الدائمة – أيضاً -: إن مسجدنا ببلدة " بايانج بمنطقة لاناودل سور " قد تم إنشاؤه بعد زلزال مدمر ضرب المنطقة عام 1955م، حيث تحطمت جدرانه وأساساته، وقد قرر المسئولون وزعماء البلدة تعميره واتفقوا على تسوية الأرض الواقعة على الجانب الشرقي من المسجد المذكور علما بأن هذه المساحة من الأرض كانت تستخدم في السابق مقبرة لدفن الموتى، وعند تسوية هذه الأرض بواسطة الآليات الحديثة (البلدوزرات) فقد تم العثور على عدد كبير من عظام رفات الأموات حيث تمت إعادة دفنها ونقل بعض منها إلى الجزء الغربي من المسجد ولكن بداخل سور نفس المسجد الحالي. 1- فهل من الجائز إقامة صلاة الجمعة والجماعة بداخل هذا المسجد؟ . 2- إذا كان الجواب بالنفي: فهل من الممكن معالجة الأمر بإقامة حاجز أو حائط فاصل داخل الجانب الغربي لهذا المسجد حيث تم نقل عظام رفات الموتى. فأجابوا: "إذا كان المسجد الحالي لم يعمر على أرض فيها قبور: فالواجب نبش القبور التي وضعت في جهته الغربية ونقل رفاتها إلى أرض المقابر، وإن كانت من المسلمين: فتنتقل إلى قبور المسلمين، وإن كانت قبور كفار: نقلت إلى مقابر الكفار، على أن يوضع رفات كل ميت مسلم في حفرة واحدة يسوى ظاهرها كبقية القبور حتى لا يمتهن، فإن تعذر نقل الرفات من غربي المسجد: فلا مانع من فصلها بجدار يفصلها عن بقية المسجد. أما إن كانت أصل أرض المسجد فيها قبور: فالواجب التماس أرض أخرى سليمة يقع عليها المسجد، وتبقى أرض المسجد الأولى مقبرة كأصلها" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان. " فتاوى اللجنة الدائمة " (1 / 419 – 421) . وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: "وإذا كان في المسجد قبر: وجب أن ينبش وينقل ما فيه من عظام - إن وجدت - إلى مقبرة البلد فيحفر لها وتدفن في المقبرة؛ لأنه لا يجوز شرعاً وضع قبور في المساجد ولا بناء المساجد عليها؛ لأن ذلك من وسائل الشرك والفتنة بالمقبور، كما قد وقع ذلك في أكثر بلاد المسلمين من أزمان طويلة بأسباب الغلو في أصحاب القبور، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بنبش القبور التي كانت في محل مسجده عليه الصلاة والسلام ... فهذه الأحاديث وما جاء في معناها كلها تدل على تحريم البناء على القبور، واتخاذ المساجد عليها، والصلاة فيها وإليها وتجصيصها ونحو ذلك من أسباب الشرك بأربابها ... وذكر أهل العلم أن القبر إذا وضع في مسجد وجب نبشه وإبعاده عن المسجد، وإن كان المسجد هو الذي حدث أخيرا بعد وجود القبر وجب هدم المسجد وإزالته؛ لأنه هو الذي حصل ببنائه المنكر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حذر من بناء المساجد على القبور ولعن اليهود والنصارى على ذلك، ونهى أمته عن مشابهتهم، وقال لعلي رضي الله عنه: (لا تدع صورة إلا طمستها ولا قبراً مشرفاً إلا سوَّيته) " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (6 / 337، 338) . وعلى هذا فينظر في المكان الذي بني عليه المسجد، إن كان تحت أرضية المسجد قبور، فلا تجوز الصلاة فيه، وإن لم يكن تحته قبور جازت الصلاة فيه. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 60003 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4762 أنوع النعي وأحكامه [السُّؤَالُ] ـ[ما هو النعي الجائز من المحرم؟ وهل الإشهار بموت إنسان في المسجد حرام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: تعريف النعي النعي يطلق على الإخبار بموت الميت وإذاعة ذلك، ويطلق أيضاً على ما قد يصاحب ذلك من تعداد مناقب الميت. قال الترمذي في جامعه ص (239) : " والنعي عندهم أن ينادى في الناس أن فلاناً مات ليشهدوا جنازته ". وقال ابن الأثير في النهاية (5/85) : " نعى الميت إذا أذاع موته، وأخبر به، وإذا ندبه ". وقال القليوبي في حاشيته (1/345) : " وهو النداء بموت الشخص، وذكر مآثره ومفاخره ". ثانياً: أقسام النعي النعي وهو الإخبار بموت الميت إما أن يكون إعلاماً مجرداً، وإما أن يكون إعلاماً بنداء ورفع صوت وذكر لمآثر الميت ونحو ذلك، ولكل منهما حكم. أما الإعلام بالموت مجرداً فقد ذهب جمهور أهل العلم من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، وغيرهم إلى جواز الإعلام بالموت من غير نداء؛ لأجل الصلاة على الميت. انظر: فتح القدير (2/127) ، حاشية الدسوقي (1/24) ، نهاية المحتاج (3/20) ، الإقناع (1/331) ، تحفة الأحوذي (4/61) ، السيل الجرار (1/339) . بل ذهب جماعة من العلماء إلى استحباب ذلك. انظر: البناية شرح الهداية (3/267) ، الخرشي على مختصر خليل (2/139) ، الأذكار للنووي ص (226) . واستدلوا بما رواه البخاري (1333) ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى الْمُصَلَّى فَصَفَّ بِهِمْ، وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ. وفي رواية للبخاري (1328) (نَعَى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّجَاشِيَّ صَاحِبَ الْحَبَشَةِ يَوْمَ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَقَالَ: اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ) . قال النووي في "شرح مسلم": " فِيهِ: اِسْتِحْبَاب الإِعْلام بِالْمَيِّتِ لا عَلَى صُورَة نَعْي الْجَاهِلِيَّة , بَلْ مُجَرَّد إِعْلَام للصَّلَاة عَلَيْهِ وَتَشْيِيعه وَقَضَاء حَقّه فِي ذَلِكَ , وَاَلَّذِي جَاءَ مِنْ النَّهْي عَنْ النَّعْي لَيْسَ الْمُرَاد بِهِ هَذَا , وَإِنَّمَا الْمُرَاد نَعْي الْجَاهِلِيَّة الْمُشْتَمِل عَلَى ذِكْر الْمَفَاخِر وَغَيْرهَا " انتهى. واستدلوا أيضاً بما رواه البخاري (458) ومسلم (956) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا أَسْوَدَ أَوْ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَ يَقُمُّ الْمَسْجِدَ، فَمَاتَ، فَسَأَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ، فَقَالُوا: مَاتَ. قَالَ: أَفَلا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي بِهِ؟! دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ أَوْ قَالَ قَبْرِهَا، فَأَتَى قَبْرَهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا. وهذان الحديثان ظاهران في إباحة الإعلام بالموت لأجل الصلاة، والدعاء له، بل هما دالان على الاستحباب، ولأن ذلك وسيلة لأداء حقه من الصلاة عليه واتباع جنازته. ومما يدل على جواز الإعلام بموت الميت لمصلحة غير الصلاة عليه: ما في صحيح البخاري (4262) عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى زَيْدًا وَجَعْفَرًا وَابْنَ رَوَاحَةَ لِلنَّاسِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُمْ خَبَرُهُمْ، فَقَالَ: (أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَ جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَ ابْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ، وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ، حَتَّى أَخَذَ الرَّايَةَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ) . ففي هذا الحديث: نعى النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء الثلاثة رضي الله عنهم، ولم يكن ذلك النعي لأجل الصلاة عليهم، إنما لأجل إخبار المسلمين بخبر إخوانهم، وما جرى لهم في تلك الوقعة. وعليه؛ فيجوز الإعلام بالموت لكل غرض صحيح كالدعاء له، وتحليله وما أشبه ذلك. انظر: "نهاية المحتاج" (3/20) . وقال ابن عبد البر الاستذكار (3/26) : " وكان أبو هريرة رضي الله عنه يمر بالمجالس، فيقول: إن أخاكم قد مات فاشهدوا جنازته ". وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (8/402) : " يجوز دعاء أقارب الميت وأصحابه وجيرانه إذا توفي من أجل أن يصلوا عليه، ويدعوا له ويتبعوا جنازته، ويساعدوا على دفنه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أصحابه لما توفي النجاشي رحمه الله بموته ليصلوا عليه " انتهى. وأما الإعلام بالموت بنداء ورفع صوت وذكر مآثر الميت فهذا النعي قد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم. روى الترمذي (986) عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رضي الله عنه قَالَ: إِذَا مِتُّ فَلا تُؤْذِنُوا بِي، إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ نَعْيًا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ النَّعْيِ. حسنه الحافظ ابن حجر، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي. قال السندي في "حاشية ابن ماجه": " َكَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة يُشْهِرُونَ الْمَوْت بِهَيْئَةِ كَرِيهَة، فَالنَّهْي مَحْمُول عَلَيْهِ، وَخَافَ حُذَيْفَة أَنْ يَكُون الْمُرَاد إِطْلاق النَّهْي، فَمَا سمِحَ بِهِ، فَهُوَ مِنْ بَاب الْوَرَع، وَإِلا فَخَبَر الْمَوْت سِيَّمَا إِذَا كَانَ لِمَصْلَحَةٍ كَتَكْثِيرِ الْجَمَاعَة جَائِز " انتهى. وقال الحافظ في "الفتح": " النَّعْي لَيْسَ مَمْنُوعًا كُلّه , وَإِنَّمَا نُهِيَ عَمَّا كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة يَصْنَعُونَهُ فَكَانُوا يُرْسِلُونَ مَنْ يُعْلِن بِخَبَرِ مَوْت الْمَيِّت عَلَى أَبْوَاب الدُّور وَالأَسْوَاق. قَالَ سَعِيد بْن مَنْصُور: أَخْبَرَنَا اِبْن عُلَيَّة عَنْ اِبْن عَوْن قَالَ قُلْت لإِبْرَاهِيم: أَكَانُوا يَكْرَهُونَ النَّعْي؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ اِبْن عَوْن: كَانُوا إِذَا تُوُفِّيَ الرَّجُل رَكِبَ رَجُل دَابَّة ثُمَّ صَاحَ فِي النَّاس: أَنْعِي فُلانًا. وقَالَ اِبْن سِيرِينَ: لا أَعْلَم بَأْسًا أَنْ يُؤْذِن الرَّجُل صَدِيقه وَحَمِيمه. وَحَاصِله أَنَّ مَحْض الإِعْلام بِذَلِكَ لا يُكْرَه , فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَلا " انتهى. وفي "تحفة الأحوذي": " الظَّاهِرُ أَنَّ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَرَادَ بِالنَّعْيِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيَّ وَحَمَلَ النَّهْيَ عَلَى مُطْلَقِ النَّعْيِ. وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِنَّ الْمُرَادَ بِالنَّعْيِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ النَّعْيُ الْمَعْرُوفُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. قَالَ الأَصْمَعِيُّ: كَانَتْ الْعَرَبُ إِذَا مَاتَ فِيهَا مَيِّتٌ لَهُ قَدْرٌ رَكِبَ رَاكِبٌ فَرَسًا وَجَعَلَ يَسِيرُ فِي النَّاسِ وَيَقُولُ: نَعَاءِ فُلانٍ أَيْ أَنْعِيهِ وَأُظْهِرُ خَبَرَ وَفَاتِهِ , وَإِنَّمَا قَالُوا هَذَا لأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى النَّجَاشِيَّ , وَأَيْضًا قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ بِمَوْتِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَجَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ حِينَ قُتِلُوا بِمُؤْتَةَ. وَأَيْضًا قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حِينَ أُخْبِرَ بِمَوْتِ السَّوْدَاءِ أَوْ الشَّابِّ الَّذِي كَانَ يَقُمُّ الْمَسْجِدَ: أَلا آذَنْتُمُونِي. فَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ الإِعْلامِ بِالْمَوْتِ لا يَكُونُ نَعْيًا مُحَرَّمًا وَإِنْ كَانَ بِاعْتِبَارِ اللُّغَةِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ اِسْمُ النَّعْيِ , وَلِذَلِكَ قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ إِنَّ الْمُرَادَ بِالنَّعْيِ فِي قَوْلِهِ: (يَنْهَى عَنْ النَّعْيِ) النَّعْيُ الَّذِي كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ جَمْعًا بَيْنَ الأَحَادِيثِ. قَالَ اِبْنُ الْعَرَبِيِّ: يُؤْخَذُ مِنْ مَجْمُوعِ الأَحَادِيثِ ثَلاثُ حَالاتٍ: الأُولَى إِعْلامُ الأَهْلِ وَالأَصْحَابِ وَأَهْلِ الصَّلاحِ فَهَذَا سُنَّةٌ , الثَّانِيَةُ: دَعْوَةُ الْحَفْلِ لِلْمُفَاخَرَةِ فَهَذِهِ تُكْرَهُ , الثَّالِثَةُ: الإِعْلامُ بِنَوْعٍ آخَرَ كَالنِّيَاحَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَذَا يُحَرَّمُ " انتهى من "تحفة الأحوذي". وقال النووي في "المجموع" (5/174) : " والصحيح الذي تقتضيه الأحاديث التي ذكرناها وغيرها أن الإعلام بموته لمن لم يعلم ليس بمكروه , بل إن قصد به الإخبار لكثرة المصلين فهو مستحب وإنما يكره ذكر المآثر والمفاخر والتطواف بين الناس بذكره بهذه الأشياء , وهذا نعي الجاهلية المنهي عنه , فقد صحت الأحاديث بالإعلام فلا يجوز إلغاؤها وبهذا الجواب أجاب بعض أئمة الفقه والحديث المحققين " انتهى. وأما النعي برفع الصوت من غير ذكر للمفاخر والمآثر فقد ذهب جمهور أهل العلم من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة إلى كراهية النداء في الإعلام بموت الميت؛ لما تقدم من حديث حذيفة رضي الله عنه. ولأن النداء ورفع الصوت بموت الميت يشبه من حيث الصورة نعي الجاهلية الذي ورد النهي عنه، فإنهم كانوا يرسلون من يعلن بخبر موت الميت على أبواب الدور والأسواق. انظر: "العناية شرح الهداية" (3/267) ، "الخرشي على مختصر خليل" (2/139) ، "المهذب" (1/132) ، "الشرح الكبير" (6/287) . قال ابن قدامة في "المغني": " ويكره النعي , وهو أن يبعث مناديا ينادي في الناس: إن فلانا قد مات. ليشهدوا جنازته. . . وقال كثير من أهل العلم: لا بأس أن يعلم بالرجل إخوانه ومعارفه وذوو الفضل , من غير نداء. قال إبراهيم النخعي: لا بأس إذا مات الرجل أن يؤذن صديقه وأصحابه , وإنما كانوا يكرهون أن يطاف في المجالس: أنعي فلانا. كفعل الجاهلية " انتهى. وذهب جماعة من الحنفية إلى أنه لا يكره النداء على الميت في الأزقة والأسواق إذا كان نداءً مجرداً عن ذكر المفاخر. قالوا: لأن في ذلك تكثير الجماعة من المصلين والمستغفرين للميت، وليس مثله نعي الجاهلية، فإنهم كانوا يبعثون إلى القبائل ينعون مع ضجيج وبكاء وعويل وتعديد ونياحة. انظر: "فتح القدير" (2/128) . وأجاب الجمهور عن هذا بأن مقصود تكثير الجماعة من المصلين والمستغفرين للميت يمكن حصوله دون النداء ورفع الصوت. انظر: "فتح الباري" (3/117) . وأما النعي على المنائر في المساجد فقد سبق الجواب عليه في السؤال رقم (41959) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 60008 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4763 حكم تغطية النعش بغطاء مكتوب عليه بعض الآيات القرآنية أو "لا إله إلا الله" [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم تغطية النعش بغطاء مكتوب عليه بعض الآيات القرآنية أو " لا إله إلا الله "؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " الواجب ترك ذلك والتواصي بالتحذير منه؛ لما في ذلك من تعريض الآيات القرآنية للامتهان، ولأن بعض الناس قد يظن أن ذلك ينفع الميت. وذلك خطأ منكر لا وجه له في الشرع المطهر". وكذلك إذا كتب عليه " لا إله إلا الله " فإن "هذا غير مشروع؛ وإنما يشرع التلقين قبل الموت في حق المحتضر؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله) . رواه مسلم. والموتى هنا المراد بهم المحتضرون حتى يكون آخر كلامهم لا إله إلا الله. أما الكتابة على كفنه أو على قبره فلا يجوز" اهـ. [الْمَصْدَرُ] الشيخ ابن باز رحمه الله. "مجلة البحوث الإسلامية" (68/36، 37) . الحديث: 48991 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4764 لا يجوز كشف وجه الميت بعد وضعه في القبر [السُّؤَالُ] ـ[إذا وضع الميت في قبره فهل نكشف وجهه أو نتركه مغطى؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " لا يكشف، بل يغطى كله إلا المحرم فيكشف وجهه ورأسه لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المحرم الذي مات بعرفة: (لا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا) متفق عليه وفي لفظ لمسلم: (وَلا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ وَلا وَجْهَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا) ". وقال أيضاً: " لا يجوز كشف وجه الميت إذا وضع في اللحد سواء كان رجلا أو امرأة، وإنما الواجب ستره بالكفن إلا أن يكون محرما فإنه لا يغطي رأسه ولا وجهه. . . لكن إذا كان الميت امرأة فإنه يخمر وجهها بكفنها ولو كانت محرمة؛ لأنها عورة " اهـ. "مجلة البحوث الإسلامية" (68/44) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 48959 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4765 رفع الصوت في الجنائز [السُّؤَالُ] ـ[عند تشييع الجنازة يرفع بعض الناس صوته ويطلب من الناس أن يقولوا: لا إله إلا الله أو الله أكبر، فيقول: وحدوه وكبروه، فما حكم ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " هذا منكر لا أصل له في الشرع المطهر، وإنما المشروع عند اتباع الجنائز تذكر الآخرة والموت والدعاء للميت بالمغفرة والرحمة من دون رفع الأصوات، وقد قال قيس بن عباد التابعي الجليل رحمه الله: كان أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكرهون الصوت عند ثلاث: عند الجنازة وعند الذكر، وعند القتال " اهـ. [الْمَصْدَرُ] الشيخ ابن باز رحمه الله. " مجلة البحوث الإسلامية " (68/36) . الحديث: 48971 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4766 هل الدعاء للميت عند القبر يكون جماعة؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا دفن الميت في قبره يقوم بعض الناس بالدعاء للميت ويؤمن الناس على دعائه فهل هذا الفعل من السنة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أفتى الشيخ ابن باز رحمه الله بجواز الدعاء جماعة، فيدعو أحد المشيعين ويؤمن الناس على دعائه، أو يدعو كل شخص بمفرده. قال رحمه الله: "قد دلت السنة الثابتة عن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على شرعية الدعاء للميت بعد الدفن، فقد كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ: (اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ، وَسَلُوا لَهُ بِالتَّثْبِيتِ، فَإِنَّهُ الآنَ يُسْأَلُ) رواه أبو داود (3221) . صححه الألباني في "صحيح أبي داود". ولا حرج في أن يدعو واحد ويؤمن السامعون أو يدعو كل واحد بنفسه للميت" اهـ. مجلة البحوث الإسلامية (68/53) . وهذا من حيث الجواز، أما الأفضل والأقرب إلى السنة فيدعو كل واحد بمفرده. قال الشيخ بن عثيمين رحمه الله عن الدعاء جماعة: "ليس هذا من سنة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا من سنة الخلفاء الراشدين رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم، وإنما كان الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرشدهم إلى أن يستغفروا للميت ويسألوا له التثبيت، كلٌّ بنفسه، وليس جماعة" اهـ. "فتاوى الجنائز" (ص 228) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 48977 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4767 ما يسن قوله عند الدفن [السُّؤَالُ] ـ[ماذا يقال في السنة عند الدفن؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يسن لمن يضع الميت في القبر أن يقول: بسم الله وعلى سنة رسول الله، أو: وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وذلك لحديث ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا وضع الميت في القبر قال: (وفي لفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا وضعتم موتاكم في القبور فقولوا: بسم الله وعلى سنة رسول الله) . وفي رواية: (وعلى ملة رسول الله) . أخرجه أبو داود (3213) والترمذي (1046) وابن ماجه (1550) والحاكم (1353) وصححه الألباني في أحكام الجنائز ص192. ويسن بعد الفراغ من الدفن الاستغفار للميت والدعاء له بالتثبيت؛ لحديث عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال: (اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ، وَسَلُوا لَهُ بِالتَّثْبِيتِ، فَإِنَّهُ الآنَ يُسْأَلُ) . رواه أبو داود (3221) ، وصححه الألباني في أحكام الجنائز ص198. (وقف عليه) أي: على قبره. (فقال استغفروا لأخيكم) أي اطلبوا له المغفرة من الله. أي قولوا: اللهم اغفر له. (وسلوا له التثبيت) أي اطلبوا له من الله تعالى أن يثبت لسانه لجواب الملَكين. أي: قولوا: ثبته الله بالقول الثابت. (فإنه الآن يسأل) أي: أي يأتيه في تلك الحال ملكان، وهما منكر ونكير ويسألانه، فهو أحوج ما كان إلى الاستغفار والتثبيت. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 47902 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4768 حكم لبس السواد حداداً على الميت [السُّؤَالُ] ـ[يلبس بعض الناس لباسا أسود عند وفاة قريب لهم، فهل هذا من البدع أم أنه ثبت في السنة المطهرة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لم يثبت لبس الأسود عند وفاة أحد في السنة المطهرة، ولذلك عَدَّه العلماء من البدع. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم متابعة النساء للجنازة؟ ولبس الثوب الأسود؟ فأجاب: " اتباع النساء للجنائز حرام لقلة صبرهن، ولما في ذلك من التعرض للفتنة والاختلاط بالرجال. وأما لبس السواد عند المصيبة فمن البدع" اهـ. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (17/329) . وسئل أيضاً (17/410) : ما حكم تخصيص لباس معين للتعزية كلبس السواد للنساء؟ فأجاب: "تخصيص لباس معين للتعزية من البدع فيما نرى، ولأنه قد ينبىء عن تسخط الإنسان على قدر الله عز وجل، وإن كان بعض الناس يرى أنه لا بأس به، لكن إذا كان السلف لم يفعلوه، وهو ينبىء عن شيء من التسخط فلا شك أن تركه أولى؛ لأن الإنسان إذا لبسه فقد يكون إلى الإثم أقرب منه إلى السلامة" اهـ. وقال أيضاً (17/414) : "لبس السواد حداداً على الميت من البدع وإظهار الحزن، وهو شبيه بشق الجيوب ولطم الخدود الذي تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من فاعله حيث قال: (ليس منا من شق الجيوب، ولطم الخدود، ودعا بدعوى الجاهلية) " اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 47488 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4769 هل تجوز الصلاة على المنتحر؟ [السُّؤَالُ] ـ[أرجو إفادتي، هل يجوز صلاة الجنازة على المنتحر؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قتل النفس من كبائر الذنوب، وقد جاء الوعيد الشديد في حق من فعل ذلك، لكنه لا يخرج عن دائرة الإسلام، وقد جاءت السنة بجواز الصلاة على المنتحر من عامة الناس، والمشروع في حق الخاصة مثل أهل العلم والفضل ترك الصلاة عليه ردعاً وزجراً لأمثاله. عن جابر بن سمرة قال: أُتِي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قتل نفسه بمشاقص فلم يصل عليه. رواه مسلم (978) . والمِشقص: سهم عريض له طرف حاد. قال النووي: قال العلماء: هذا الحديث محمول على التنفير من الانتحار، كعدم صلاته الجنازة على من عليه ديْن، وقد صلت الصحابة على المدين بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك للتنفير من الديْن وليس لأنه كافر، وتكره عند مالك الصلاة على المرجوم بحد، والفساق، وذلك زجرًا لهم. " شرح مسلم " (7 / 47) . سئل شيخ الإسلام ابن تيمية: عن رجل يدعي المشيخة: فرأى ثعبانا , فقام بعض من حضر ليقتله , فمنعه عنه , وأمسكه بيده , على معنى الكرامة له , فلدغه الثعبان فمات. فهل تجوز الصلاة عليه أم لا؟. فأجاب: الحمد لله رب العالمين، ينبغي لأهل العلم والدين أن يتركوا الصلاة على هذا , ونحوه , وإن كان يصلي عليه عموم الناس كما امتنع النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة على قاتل نفسه , وعلى الغال من الغنيمة , وقال: صلوا على صاحبكم، وقالوا لسمرة بن جندب: إن ابنك البارحة لم يبت , فقال: بشما؟ (أي هل عدم نومه بسبب كثرة الأكل) قالوا: نعم , قال: أما إنه لو مات لم أصلِّ عليه. فبين سمرة أنه لو مات بشما لم يصل عليه ; لأنه يكون قاتلا لنفسه بكثرة الأكل، فهذا الذي منع من قتل الحية , وأمسكها بيده حتى قتلته , أولى أن يترك أهل العلم والدين الصلاة عليه؛ لأنه قاتل نفسه ... " الفتاوى الكبرى " (3 / 20، 21) . وقال شيخ الإسلام رحمه الله – أيضاً -: ومن امتنع من الصلاة على أحدهم - أي: الغال والقاتل والمدين - زجراً لأمثاله عن مثل فعله كان حسناً، ولو امتنع في الظاهر ودعا له في الباطن ليجمع بين المصلحتين: كان أولى من تفويت إحداهما. " الاختيارات العلمية " (ص 52) . وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز: من قتل نفسه فهل يصلَّى عليه؟ . فأجاب: يصلِّي عليه بعض المسلمين كسائر العصاة؛ لأنه لا يزال في حكم الإسلام عند أهل السنة. " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (13 / 162) . وسئل – رحمه الله -: هل قاتل نفسه يغسل ويصلى عليه؟ . فأجاب: قاتل نفسه يغسل ويصلي عليه ويدفن مع المسلمين؛ لأنه عاص وهو ليس بكافر؛ لأن قتل النفس معصية وليس بكفر. وإذا قتل نفسه والعياذ بالله يغسل ويكفن ويصلي عليه، لكن ينبغي للإمام الأكبر ولمن له أهمية أن يترك الصلاة عليه من باب الإنكار؛ لئلا يظن أنه راض عن عمله، والإمام الأكبر أو السلطان أو القضاة أو رئيس البلد أو أميرها إذا ترك ذلك من باب إنكار هذا الشيء وإعلان أن هذا خطأ فهذا حسن، ولكن يصلي عليه بعض المصلين. " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (13 / 122) و " فتاوى إسلامية " (2 / 62) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45617 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4770 هل يعتبر من مات نتيجة مداهمة سيارة له شهيداً؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يعتبر من مات نتيجة مداهمة سيارة له شهيداً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يمكن أن يحصِّل من مات نتيجة حوادث السيارات أجر الشهيد في حالتين: الأولى: إذا مات بسبب نزيف في بطنه، وهو ما يسمى " المبطون " سواء كان في سيارة أو كان ماشياً أو واقفاً فدهسته سيارة على قول بعض أهل العلم في أن المبطون هو الذي يموت بسبب داء فيه بطنه، أيّ داء كان. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الشهداء خمسة المطعون والمبطون والغرق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله ". رواه البخاري (2674) ومسلم (1914) . وفي زيادة عند الترمذي (1846) وأبي داود (3111) وابن ماجه (2803) زيادة: " صاحب الجنب " و " والمرأة تموت بجمع ". قال النووي: فأما " المطعون " فهو الذي يموت في الطاعون، كما في الرواية الأخرى: " الطاعون شهادة لكل مسلم ". وأما " المبطون " فهو صاحب داء البطن , وهو الإسهال، قال القاضي: وقيل: هو الذي به الاستسقاء وانتفاخ البطن , وقيل: هو الذي تشتكي بطنه , وقيل: هو الذي يموت بداء بطنه مطلقا. وأما " الغرق " فهو الذي يموت غريقا في الماء، و " صاحب الهدم " من يموت تحته , و " صاحب ذات الجنب " معروف , وهي قرحة تكون في الجنب باطنا، و " الحريق " الذي يموت بحريق النار، وأما " المرأة تموت بجَمع " قيل: التي تموت حاملا جامعة ولدها في بطنها , وقيل: هي البكر , والصحيح الأول. " شرح مسلم " (13 / 63) . والحالة الثانية: أن يموت بسبب التصادم سواء مات داخل السيارة أو خارجها، وهذا قد يشبه صاحب الهدم " المذكور في الحديث السابق. سئل علماء اللجنة الدائمة: بعض الناس يقولون: إن من يموت بسبب حادث سيارة إنه شهيد، وله مثل أجر الشهيد، فهل هذا صحيح أم لا؟ . فأجابوا: نرجو أن يكون شهيداً؛ لأنه يشبه المسلم الذي يموت بالهدم، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه شهيد." فتاوى اللجنة الدائمة " (8 / 375) . وفضل الله واسع، ونرجو أن يكون هذا شهيداً، ولكننا لا نجزم بذلك. نسأل الله تعالى أن يُحسن خاتمتنا، ويقينا ميتة السوء. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45669 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4771 تكاليف الكفن والدفن والتغسيل [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان الميت فقيراً، فمن الذي يجب عليه أن يدفع تكاليف تكفينه وتغسيله ودفنه. . . إلخ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إذا كان الميت له مال فنفقات تجهيزه تكون من ماله، ويكون هذا مقدماً على قضاء ديونه، وتنفيذ وصيته إن كان أوصى بشيء، وقبل الميراث، بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي مات بعرفة: (وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ) رواه البخاري (1851) ومسلم (1206) . قال ابن القيم في "زاد المعاد" (2/240) في الأحكام المستفادة من هذا الحديث: " أن الكفن مقدم على الميراث، وعلى الدَّين، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن يكفن في ثوبيه، ولم يسأل عن وارثه، ولا عن دَيْن عليه، ولو اختلف الحال لسأل. وكما أن كسوته في الحياة مقدمة على قضاء دَيْنه، فكذلك بعد الممات، هذا كلام الجمهور، وفيه خلاف شاذ لا يُعَوِّل عليه " انتهى. وانظر: "المجموع" (5/147) ، "المغني" (3/457) . وقال الكاساني في "بدائع الصنائع" (2/330) : " ويكفن من جميع ماله قبل الدين والوصية والميراث , لأن هذا من أصول حوائج الميت؛ فصار كنفقته في حال حياته " انتهى. ثانياً: وإذا لم يكن للميت مال وجب تكفينه على من تلزمه نفقته (كأبيه وابنه والزوج) , فإن لم يكن وجبت من بيت المال , فإن لم يكن وجب ذلك على عامة المسلمين. انظر: " المجموع" (5/148-150) ، "بدائع الصنائع" (2/330) . قال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (5/219) : " وإنما قُدم بيت مال المسلمين على عموم المسلمين؛ لأنه لا منّة فيه على الميت؛ بخلاف ما إذا كان من المسلمين، فإن هذا الذي سوف يعطيه سيكون في قلبه منة عليه " انتهى. وقال أيضاً: (5/217) : " ولكن لو فرض أن هناك جهة مسؤولة ملتزمة بذلك، فلا حرج أن نكفنه منها إلا إذا أوصى الميت بعدم ذلك، بأن قال: كفنوني من مالي، فإنه لا يجوز أن نكفنه من الأكفان العامة، سواء كانت من جهة حكومية، أو من جهة خاصة " انتهى. ثالثاً: ولما كان الزوج يجب عليه النفقة على زوجته حال الحياة كان كفنها واجباً عليه. وهو قول أبي حنيفة والشافعي ومالك , وقال أحمد: يجب في مالها. انظر: "المجموع" (5/148-150) , "حاشية ابن عابدين" (3/101) . قال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (5/219) تعليقاً على قول الجمهور: " وهذا القول أرجح إن كان موسراً " أي: غنياً. وسئل الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: هل يجب على الزوج كفن الزوجة؟ فأجاب: " الصحيح أنه يجب على الزوج كفن امرأته، موسرة كانت أو معسرة، وهو من النفقة، ومن المعاشرة بالمعروف، ومما يعده الناس منكراً أنه إذا ماتت زوجة الغني المعسرة أنه لا يجب عليه كفنها " انتهى. "الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة" (2/542) . وأما الزوجة فلا يلزمها كفن زوجها، لأنها لا يجب عليها أن تنفق عليه حال الحياة. قال الكاساني في "بدائع الصنائع" (2/330) : " ولا يجب على الزوجة كفن زوجها بالإجماع , كما لا يجب عليها كسوته في حال الحياة " انتهى. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 44039 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4772 حكم تسويك الميت [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم تسويك الميت؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا أعلم لهذا أصلاً، وإنما يوضأ ثم يغسل، وإذا سوكه عند المضمضة فلا بأس كالحي. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز – رحمه الله – م/13 ص/115. الحديث: 43079 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4773 الدعاء للكفار بالهداية [السُّؤَالُ] ـ[قرأت إجابة السؤال رقم (4569) . وجاء في الإجابة دعاء الشيخ بأن يهدي الله الرافضة، فهل هذا يليق؟ فالدعاء للمشركين لا يجوز. .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نشكر للأخ السائل هذا الاهتمام وسؤاله عما يستشكله في بعض الإجابات. ثانياً: للوقوف على حكم الرافضة وبعض أقوالهم يراجع السؤال رقم (1148) و (10272) . ثالثاً: الاستغفار للمشركين لا شك أنه محرم، وقد دل على تحريمه الكتاب والسنة. قال الله تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113) وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) التوبة / 113-114. قال السعدي رحمه الله: يعني: ما يليق ولا يحسن بالنبي والمؤمنين به " أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ " أي: لمن كفر بهُ وعبد معه غيره " وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ". . . ولئن وجد الاستغفار من خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام لأبيه فإنه "عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ " في قوله "سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا" وذلك قبل أن يعلم عاقبة أبيه. فلما تبين لإبراهيم أن أباه عدو للهُ سيموت على الكفر ولم ينفع فيه الوعظ والتذكير "تَبَرَّأَ مِنْهُ" موافقة لربه وتأدبا معه. "إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ" أي: رجَّاع إلى الله في جميع الأمور كثير الذكر والدعاء والاستغفار والإنابة إلى ربه. "حَلِيمٌ" أي: ذو رحمة بالخلق وصفح عما يصدر منهم إليه من الزلات لا يستفزه جهل الجاهلين ولا يقابل الجاني عليه بجرمه فأبوه قال له: "لَأَرْجُمَنَّكَ" وهو يقول له: "سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي" اهـ. وروى البخاري (3884) أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عرض الإسلام على عمه أبي طالب وهو يموت، فأبى، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْهُ. فَنَزَلَتْ: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) وَنَزَلَتْ: (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) . قال الحافظ: (مَا لَمْ أَنَّهُ عَنْهُ) أَيْ: الاسْتِغْفَار , وَفِي رِوَايَة: (عَنْك) اهـ. وروى مسلم (976) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي. قال النووي رحمه الله: فِيهِ: النَّهْي عَنْ الاسْتِغْفَار لِلْكُفَّارِ اهـ. وواضح من هذين الحديثين أن النهي إنما هو عن الاستغفار لهم وهو طلب المغفرة، ومثله الدعاء لهم بدخول الجنة أو النجاة من العذاب. والحكمة من هذا النهي: "أن الاستغفار لهم في هذه الحال (أي في حال تبين أنهم أصحاب الجحيم) غلط غير مفيد فلا يليق بالنبي والمؤمنين لأنهم إذا ماتوا على الشرك أو علم أنهم يموتون عليه فقد حقت عليهم كلمة العذاب ووجب عليهم الخلود في النار ولم تنفع فيهم شفاعة الشافعين ولا استغفار المستغفرين. وأيضا: فإن النبي صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا معهُ عليهم أن يوافقوا ربهم في رضاه وغضبهُ ويوالوا من والاه اللهُ ويعادوا من عاداه اللهُ والاستغفار منهم لمن تبين أنه من أصحاب النار مناف لذلك مناقض له" اهـ. قاله السعدي رحمه الله. وليس الدعاء للكفار بالهداية مما يشمله النهي عن الاستغفار لهم. وقد ثبت دعاء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبعض الكفار بالهداية. قال البخاري رحمه الله في "الصحيح": بَابُ الدُّعَاءِ لِلْمُشْرِكِينَ بِالْهُدَى لِيَتَأَلَّفَهُمْ. ثم ذكر حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّ دَوْسًا قَدْ عَصَتْ وَأَبَتْ، فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَأْتِ بِهِمْ. رواه البخاري (2937) ومسلم (2524) . قال الحافظ في "فتح الباري": ذَكَرَ البخاري حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة فِي قُدُومِ الطُّفَيْلِ بْنِ عَمْرو الدَّوسِيِّ وَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "للَّهُمَّ اِهْدِ دَوسًا" وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا تَرْجَمَ لَهُ. وَقَوْلُه: "لِيَتَأَلَّفَهُمْ" مِنْ تَفَقُّهِ الْمُصَنِّفَ إِشَارَة مِنْهُ إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَقَامَيْنِ، وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ تَارَةً يَدْعُو عَلَيْهِمْ، وَتَارَةً يَدْعُو لَهُمْ، فَالْحَالَة الأُولَى حَيْثُ تَشْتَدُّ شَوْكَتُهُمْ، وَيَكْثُرُ أَذَاهُمْ، وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ حَيْثُ تُؤْمَنُ غَائِلَتُهُمْ، وَيُرْجَى تَأَلُّفُهُمْ كَمَا فِي قِصَّةِ دَوْسٍ اهـ. وروى الترمذي (2739) عَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري قَالَ: كَانَ الْيَهُودُ يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْجُونَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ: يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ، فَيَقُولُ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ، وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ. صححه الألباني في صحيح الترمذي. قال الحافظ: حَدِيث أَبِي مُوسَى دَالّ عَلَى أَنَّهُمْ (يعني: الكفار) يَدْخُلُونَ فِي مُطْلَق الأَمْر بِالتَّشْمِيتِ , لَكِنْ لَهُمْ تَشْمِيت مَخْصُوص وَهُوَ الدُّعَاء لَهُمْ بِالْهِدَايَةِ وَإِصْلاح الْبَال وَهُوَ الشَّأْن وَلا مَانِع مِنْ ذَلِكَ , بِخِلافِ تَشْمِيت الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُمْ أَهْل الدُّعَاء بِالرَّحْمَةِ بِخِلافِ الْكُفَّار اهـ. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 43164 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4774 هل يمكن العودة للدنيا لعمل الصالحات؟ [السُّؤَالُ] ـ[أختي تموت ولا أظن أنها تعيش للشهر القادم والله أعلم، فعلت في حياتها الكثير من الأشياء التي ندمت على فعلها وتابت منها، ودائماً تتمنى أن يعود بها الزمن لتصحح ما فعلت، تريد أن تعرف شيئاً قبل أن تموت: بما أن الله يعطي الذين يرحمهم ويدخلهم الجنة ما أرادوا ويحقق لهم ما يطلبون فهل سيحقق لهم طلبهم إن طلبوا أن يعودوا للماضي ويصححوا أخطاءهم وزلاتهم التي فعلوها ولو في الجنة؟ الله يقول بأنه أعد للمؤمنين في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فهل يعطي الله أهل الجنة أي شيء يخطر ببالهم ولم يستطيعوا الحصول عليه في الدنيا وبالتحديد ما تطلبه أختي؟ أرجو الإسراع في الإجابة لأنني لا أظنها تعيش أكثر من عدة أسابيع. والله أعلم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: اعلم رحمك الله تعالى أن الأعمار والآجال بيد الله سبحانه وتعالى، فقد قال سبحانه: (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ) الرعد /38. وقال سبحانه وتعالى: (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) لقمان /3. ولا يمكن للإنسان أن يعلم متى سيموت، فما هي إلا ظنون قد تصدق، وقد تكذب. ولا يعني المرض –مثلاً- أن هذا الشخص سيموت قريباً، كما لا يعني الشباب والقوة أن هذا الشخص سيعيش طويلاً. فكم من شخص مريض توقع الناس له الوفاة قريبا فعاش حيناً من الدهر. وكم من شخص صحيح أتاه الموت فجأة. وقد صدق الشاعر إذ يقول: تَزَوَّدْ من التقوى فإنك لا تدري ... إذا جَنَّ ليلٌ هل تعيشُ إلى الفجرِ فكم من فَتًى أمسى وأصبح ضاحكا ... وقد نُسِجَْت أكفانُه وهو لا يدرِي وكم من صغارٍ يُرْتَجَى طولُ عمرهم ... وقد أُدخلت أجسامُهم ظلمةَ القبرِ وكم من عروسٍ زينوها لزوجها ... وقد قُبضت أرواحُهم ليلةَ القدرِ وكم من صحيحٍ مات من غير علةٍ ... وكم من عليلٍ عاش حيناً من الدهرِ والمطلوب من المؤمن هو الاستعداد للموت في كل وقت بالتوبة إلى الله وعمل الصالحات، وقد روى ابن ماجه (4259) عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُ؟ قَالَ: أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا. قَالَ: فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْيَسُ؟ (أي: أعقل) قَالَ: أَكْثَرُهُمْ لِلْمَوْتِ ذِكْرًا، وَأَحْسَنُهُمْ لِمَا بَعْدَهُ اسْتِعْدَادًا أُولَئِكَ الأَكْيَاسُ) وقال العراقي: إسناده جيد اهـ. وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه. والحمد لله الذي وفق أختك للتوبة والندم على ما فات. ونزف لها البشرى بأنها إن صدقت في توبتها فإن الله تعالى سيتوب عليها، وسيبدل سيئاتها حسنات. قال الله تعالى: (إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الفرقان /70. انظر السؤال رقم (14289) . ثانيا: إذا دخل المؤمن الجنة أعطاه الله تعالى كل ما يتمناه، بل فوق ما يتمناه. قال الله تعالى: (يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) الزخرف/71. وروى البخاري (806) عن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما في حديث طويل أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبر عن آخر أهل الجنة دخولاً الجنة أن الله تعالى يقول له: تَمَنَّ، فَيَتَمَنَّى حَتَّى إِذَا انْقَطَعَ أُمْنِيَّتُهُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: مِنْ كَذَا وَكَذَا، أَقْبَلَ يُذَكِّرُهُ رَبُّهُ، حَتَّى إِذَا انْتَهَتْ بِهِ الأَمَانِيُّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ لأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ اللَّهُ لَكَ ذَلِكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَمْ أَحْفَظْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا قَوْلَهُ لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ إِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ ذَلِكَ لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ. لكن إذا تمنى المؤمن أن يعود إلى الدنيا فإنه لا يجاب إلى ذلك، لأن الله تعالى قد قضى أنه لا يعود أحد إلى الدنيا. قال الله تعالى: (وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) الأنبياء /95. أي يمتنع على أهل القرى الذين أهلكهم الله أن يعودوا إلى الدنيا ليستدركوا ما فرطوا فيه. انظر تفسير السعدي (868) . وروى البخاري (2817) ومسلم (1877) عن أَنَس بْن مَالِكٍ قال: قال النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا مِنْ أَحَدٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا وَأَنَّ لَهُ مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ غَيْرُ الشَّهِيدِ فَإِنَّهُ يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ لِمَا يَرَى مِنْ الْكَرَامَةِ) . غير أنه لا يجاب إلى ذلك. روى الترمذي (3010) وابن ماجه (190) عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَرَامٍ قال: لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَقَالَ: يَا جَابِرُ، أَلا أُخْبِرُكَ مَا قَالَ اللَّهُ لأَبِيكَ؟ قَالَ: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا قَطُّ إِلا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَكَلَّمَ أَبَاكَ كِفَاحًا، فَقَالَ: يَا عَبْدِي، تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِكَ. قَالَ: يَا رَبِّ تُحْيِينِي فَأُقْتَلُ فِيكَ ثَانِيَةً. فَقَالَ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ: إِنَّهُ سَبَقَ مِنِّي أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لا يَرْجِعُونَ. قَالَ: يَا رَبِّ فَأَبْلِغْ مَنْ وَرَائِي. قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) . صححه الألباني في صحيح ابن ماجه. نسأل الله تعالى أن يمن على أختك والمسلمين جميعا بالتوبة النصوح. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 42464 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4775 حكم النعي على منارات المساجد في مكبرات الصوت [السُّؤَالُ] ـ[هل الإشهار بموت إنسان في المسجد حرام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النعي، والمراد من هذا النهي ما كان أهل الجاهلية يفعلونه، حيث كانوا يرسلون من يعلن موت الميت رافعاً صوته بذلك، ولذلك ذهب جمهور العلماء إلى أن النعي إذا تضمن رفعاً للصوت كان منهيا عنه. وذهب جماعة من الحنفية إلى أنه لا يكره النداء على الميت في الأزقة والأسواق إذا كان نداء مجرداً عن ذكر المفاخر. قالوا: لأن في ذلك تكثيراً لجماعة المصلين والمستغفرين للميت، وليس مثله نعي الجاهلية، فإنهم كانوا يبعثون إلى القبائل ينعون مع ضجيج وبكاء وعويل وتعديد ونياحة. وأجيب عن هذا بأن مقصود تكثير الجماعة من المصلين والمستغفرين للميت يمكن حصوله دون النداء ورفع الصوت. ثم إن رفع الصوت في الإعلام بموت الميت يشبه من حيث الصورة نعي الجاهلية الذي ورد النهي عنه. انظر: "العناية شرح الهداية" (3/267) ، "فتح القدير" (2/128) ، "الخرشي على مختصر خليل" (2/139) ، "المهذب" (1/132) ، "الشرح الكبير" (6/287) ، "فتح الباري" (3/117) . قال الصنعاني في "سبل السلام" (1/482) : " وفي النهاية: والمشهور في العرب أنهم كانوا إذا مات فيهم شريف أو قتل بعثوا راكبا إلى القبائل ينعاه إليهم، يقول: نعاء فلانا أو يا نعاء العرب، هلك فلان أو هلكت العرب بموت فلان. ثم قال الصنعاني: ويقرب عندي أن هذا هو المنهي عنه، ومنه: النعي من أعلى المنارات كما يعرف في هذه الأمصار في موت العظماء " انتهى. وقال الشيخ الألباني رحمه الله في بيان ما يحرم على أقارب الميت: الإعلان عن موته على رؤوس المنائر ونحوها؛ لأنه من النعي، وقد ثبت عن حذيفة بن اليمان أنه: كان إذا مات له الميت قال: لا تؤذنوا به أحداً، إني أخاف أن يكون نعياً، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن النعي ... والنعي لغة: هو الإخبار بموت الميت، فهو على هذا يشمل كل إخبار، ولكن قد جاءت أحاديث صحيحة تدل على جواز نوع من الإخبار، وقيد العلماء بها مطلق النهي، وقالوا: إن المراد بالنعي الإعلان الذي يشبه ما كان عليه أهل الجاهلية من الصياح على أبواب البيوت والأسواق ... . وقال الحافظ: " وفائدة هذه الترجمة الإشارة إلى أن النعي ليس ممنوعاً كله، وإنما نهى عما كان أهل الجاهلية يصنعونه، فكانوا يرسلون من يعلن بخبر موت الميت على أبواب الدور والأسواق ". قلت (الألباني) : وإذا كان هذا مسلَّما: فالصياح بذلك على رؤوس المنائر يكون نعياً من باب أولى، ولذلك جزمنا به، وقد يقترن به أمور أخرى هي في ذاتها محرمات أخر، مثل أخذ الأجرة على هذا الصياح! ومدح الميت بما يعلم أنه ليس كذلك، كقولهم: " الصلاة على فخر الأماجد المكرمين، وبقية السلف الكرام الصالحين! ". "أحكام الجنائز" (ص 44– 46) باختصار. هذا إذا كان المقصود من السؤال إشهار النعي على المنائر بمكبرات الصوت. إما إذا كان المقصود من ذلك مجرد إعلام المصلين في المسجد من غير رفعٍ للصوت، فلا حرج في ذلك إن شاء الله، وهذا يشبه ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم بعد موت النجاشي، حيث أعلم بموته الصحابة ونعاه من أجل الصلاة عليه. روى البخاري (1333) ومسلم (951) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى الْمُصَلَّى فَصَفَّ بِهِمْ، وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ. وفي رواية للبخاري (1328) (نَعَى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّجَاشِيَّ صَاحِبَ الْحَبَشَةِ يَوْمَ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَقَالَ: اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ) . قال النووي في "شرح مسلم": " فِيهِ: اِسْتِحْبَاب الإِعْلام بِالْمَيِّتِ لا عَلَى صُورَة نَعْي الْجَاهِلِيَّة , بَلْ مُجَرَّد إِعْلام للصَّلاة عَلَيْهِ وَتَشْيِيعه وَقَضَاء حَقّه فِي ذَلِكَ , وَاَلَّذِي جَاءَ مِنْ النَّهْي عَنْ النَّعْي لَيْسَ الْمُرَاد بِهِ هَذَا , وَإِنَّمَا الْمُرَاد نَعْي الْجَاهِلِيَّة الْمُشْتَمِل عَلَى ذِكْر الْمَفَاخِر وَغَيْرهَا " انتهى. وانظر السؤال (60008) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 41959 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4776 هل نضع جريدة رطبة على القبر لتخفيف العذاب عن الميت [السُّؤَالُ] ـ[سمعت في أحد الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع جريدتين على قبرين يعذب من فيها حتى يخفف عنهما ولم أعرف الحكمة من هذا وهل يشرع لنا أن نفعل مثل هذا الفعل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: " نعم ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مر بقبرين فقال: " إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ مِنْ كَبِيرٍ ثُمَّ قَالَ: بَلَى أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَسْعَى بِالنَّمِيمَةِ وَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ قَالَ: ثُمَّ أَخَذَ عُودًا رَطْبًا فَكَسَرَهُ بِاثْنَتَيْنِ ثُمَّ غَرَزَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى قَبْرٍ ثُمَّ قَالَ: لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا " رواه البخاري 1378 ومسلم (292) . وهذا دليل على أنه قد يخفف العذاب، ولكن ما مناسبة هاتين الجريدتين لتخفيف العذاب عن هذين المعذبين؟ 1- قيل: لأنهما أي الجريدتين تسبّحان ما لم تيبسا، والتسبيح يخفف من العذاب على الميت، وقد فرعوا على هذه العلة المستنبطة – التي قد تكون مستبعدة - أنه يسن للإنسان أن يذهب إلى القبور ويسبح عندها من أجل أن يخفف عنها. 2- وقال بعض العلماء: هذا التعليل ضعيف لأن الجريدتين تسبحان سواء كانتا رطبتين أم يابستين لقوله تعالى-: (تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم) الإسراء / 44. وقد سُمع تسبيح الحصى بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم، مع أن الحصى يابس، إذاً ما العلة؟ العلة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم، ترجّى من الله عز وجل أن يخفف عنهما من العذاب ما دامت هاتان الجريدتان رطبتين، يعني أن المدة ليست طويلة وذلك من أجل التحذير من فعلهما، لأن فعلهما كبير كما جاء في رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم: " بلى إنه كبير ". أحدهما كان لا يستبرئ من البول، وإذا لم يستبرئ من البول صلى بغير طهارة. والآخر كان يمشي بالنميمة يفسد بين عباد الله والعياذ بالله ويلقي بينهم العداوة، والبغضاء، فالأمر كبير. وهذا هو الأقرب في معنى الحديث أنها شفاعة مؤقتة تحذيراً للأمة لا بخلاً من الرسول صلى الله عليه وسلم بالشفاعة الدائمة. ثانياً: إن بعض العلماء – عفا الله عنهم – قالوا: يسن أن يضع الإنسان جريدة رطبة، أو شجرة، أو نحوها على القبر ليخفف عنه، لكن هذا الاستنباط بعيد جداً ولا يجوز أن نصنع ذلك لأمور: أولاً: أننا لم يكشف لنا أن هذا الرجل يعذب بخلاف النبي صلى الله عليه وسلم فقد كشف الله تعالى له بالوحي حال هذين القبرين. ثانياً: أننا إذا فعلنا ذلك فقد أسأنا إلى الميت، لأننا ظننا به ظن سوء أنه يعذب وما يدرينا فلعله يُنعم، لعل هذا الميت ممن مَنَّ الله عليه بالمغفرة قبل موته لوجود سبب من أسباب المغفرة الكثيرة فمات وقد عفا رب العباد عنه، وحينئذ لا يستحق عذاباً. ثالثاً: أن هذا الاستنباط مخالف لما كان عليه السلف الصالح فلم يكن هذا الفعل من هديهم وسنتهم وهم أعلم الناس بشريعة الله. رابعاً: أن الله تعالى قد فتح لنا ما هو خير منه فكان النبي عليه الصلاة والسلام إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: " استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل ". " انتهى من مجموع فتاوى الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله (2/30) بتصرف. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 41643 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4777 هل تخلع السن الذهب من الميت؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا توفي إنسان وكان أحد أسنانه من ذهب هل يترك هذا السن أو يخلع؟ وإذا كان هذا الخلع يترتب عليه مضرة لبقية الأسنان فما الحكم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يجب أن نعلم أن السن الذهب لا يجوز أن يركب إلا عند الحاجة إليه، فلا يجوز أن يركبه أحد للزينة اللهم إلا النساء إذا جرت عادتهن التزيّن بتحلية الأسنان بالذهب فلا بأس. أما الرجال فلا يجوز أبداً إلا لحاجة. ثانياً: إذا مات من عليه أسنان من ذهب فإن كان يمكن خلع السن بدون مُثلةٍ (أي تمثيل به وهو تقطيع بعض أجزاء الميت) خُلِع؛ لأن ملكه انتقل إلى الورثة وإن كان لا يمكن خلعه إلا بمِثُلْة بحيث تسقط بقية الأسنان فإنه يبقى ويدفن معه. ثم إن كان الوارث بالغاً عاقلاً رشيداً وسمح بذلك تُرك ولم يتعرض له، وإلا فقد قال العلماء: إنه إذا ظن أن الميت بَلي حُفر القبر وأخذ السن لأن بقاءه إضاعة مال. وقد نهى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك. [الْمَصْدَرُ] فضيلة الشيخ ابن عثيمين. الباب المفتوح (/155) . الحديث: 40225 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4778 تطيب الميت وتبخير الكفن للرجل والمرأة [السُّؤَالُ] ـ[إذا ماتت المرأة فهل تطيب كالرجل، وهل يطيب كفن الرجل والمرأة أيضاً، أم أن تطييب الميت خاص بالرجال؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يستحب تطييب الكفن، والميت رجلاً كان أم امرأة، وقد دلت السنة الصحيحة على ذلك. فقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر النساء اللاتي يغسلن ابنته أن يجعلن في الغسلة الآخرة كافوراً أو شيئاً من كافور. رواه البخاري (1253) ومسلم (939) . والكافور نوع من الطيب. قال الحافظ في "الفتح": " قِيلَ: الْحِكْمَة فِي الْكَافُور مَعَ كَوْنه يُطَيِّب رَائِحَة الْمَوْضِع لأَجْلِ مَنْ يَحْضُر مِنْ الْمَلائِكَة وَغَيْرهمْ أَنَّ فِيهِ تَجْفِيفًا وَتَبْرِيدًا وَقُوَّة نُفُوذ وَخَاصِّيَّة فِي تَصْلِيب بَدَن الْمَيِّت، وَطَرْد الْهَوَامّ عَنْهُ، وَرَدْع مَا يَتَحَلَّل مِنْ الْفَضَلات، وَمَنْع إِسْرَاع الْفَسَاد إِلَيْهِ , وَهُوَ أَقْوَى الأَرَايِيح الطَّيِّبَة فِي ذَلِكَ , وَهَذَا هُوَ السِّرّ فِي جَعْله فِي الأَخِيرَة إِذْ لَوْ كَانَ فِي الأُولَى مَثَلا لأَذْهَبَهُ الْمَاء , وَهَلْ يَقُوم الْمِسْك مَثَلا مَقَام الْكَافُور؟ إِنْ نُظِرَ إِلَى مُجَرَّد التَّطَيُّب فَنَعَمْ , وَإِلا فَلا , وَقَدْ يُقَال: إِذَا عُدِمَ الْكَافُور قَامَ غَيْره مَقَامه وَلَوْ بِخَاصِّيَّةٍ وَاحِدَة مَثَلا " انتهى. وقال النووي في شرح مسلم: " فِيهِ: اِسْتِحْبَاب شَيْء مِنْ الْكَافُور فِي الأَخِيرَة , وَهُوَ مُتَّفَق عَلَيْهِ عِنْدنَا , وَبِهِ قَالَ مَالِك وَأَحْمَد وَجُمْهُور الْعُلَمَاء , لهَذَا الْحَدِيث ; وَلأَنَّهُ يُطَيِّب الْمَيِّت , وَيُصَلِّب بَدَنه وَيُبَرِّدهُ , وَيَمْنَع إِسْرَاع فَسَاده " انتهى. وعن جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا أَجْمَرْتُمْ الْمَيِّتَ فَأَجْمِرُوهُ ثَلاثًا) رواه الإمام أحمد (14131) وقال النووي في "المجموع" (5/155) : إسناده صحيح. وصححه الألباني في صحيح الجامع (278) . وَالْمَعْنَى: بَخَّرْتُمْ الْمَيِّت، والميت: يطلق على الذكر والأنثى. والمراد: تبخير الكفن، وقد ذكر البيهقي في سننه (3/568) أن هذا الحديث رُوِي بلفظ: (جَمِّرُوا كَفَنَ الْمَيِّتِ ثَلاثًا) . انظر: "بدائع الصنائع" (1/307) . وعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما أَنَّهَا قَالَتْ لأَهْلِهَا: (أَجْمِرُوا ثِيَابِي إِذَا مِتُّ، ثُمَّ حَنِّطُونِي) . رواه مالك في "الموطأ" (528) والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/568) . قال في المنتقى: " الْحَنُوطُ مَا يُجْعَلُ فِي جَسَدِ الْمَيِّتِ وَكَفَنِهِ مِنْ الطَّيِّبِ وَالْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ وَالْكَافُورِ وَكُلِّ مَا الْغَرَضُ مِنْهُ رِيحُهُ دُونَ لَوْنِهِ ; لأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الرَّائِحَةِ دُونَ التَّجَمُّلِ بِاللَّوْنِ " انتهى. وهذا الحكم (وهو استحباب تطيب الميت) لا يشمل المحرم بحج أو عمرة , لقول النبي صلى الله عليه وسلم في المحرم الذي مات بعرفة: (وَلا تَمَسُّوهُ بِطِيبٍ) رواه البخاري (1851) ومسلم (1206) ، وفي رواية لهما: (وَلا تُقَرِّبُوهُ طِيبًا) . قال النووي: " يستحب تبخير الكفن إلا في حق المحرم والمحرمة ". "المجموع" (5/156) . ثانياً: وأما صفة تطييب الميت، فيوضع الطيب على مواضع السجود لشرفها، وعلى الأماكن التي تجتمع فيها الأوساخ كباطن الركبتين، ولو طيب الميت كله، فلا بأس. روى البيهقي (3/568) عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: الكافور يوضع على مواضع السجود. وهي: الجبهة والأنف واليدان والركبتان والقدمان، لأنه كان يسجد بهذه الأعضاء فخصت بزيادة الكرامة. انظر: "شرح فتح القدير" (2/110) . وقال ابن قدامة في المغني (3/388) : " ويجعل الحنوط (الطيب الذي يصنع للميت) على المغابن (المفاصل) كباطن الركبتين وتحت الإبطين لأنها تجتمع فيها الأوساخ , ويجعل على أعضاء سجوده لأنها أشرف , وإن طيبه كله فلا بأس " انتهى. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل ورد تطييب جميع بدن الميت؟ فأجاب: " نعم، ورد عن بعض الصحابة رضي الله عنهم ". "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (17/97) . ثالثاً: إذا ماتت المعتدة من وفاة هل تطيب؟ قال النووي في المجموع (5/164-165) : " الصحيح أنه لا يحرم تطيبها، لأنه حرم عليها الطيب في العدة حتى لا يدعو إلى نكاحها , وقد زال هذا المعنى بالموت " اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39201 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4779 تغسيل الميت المحترق [السُّؤَالُ] ـ[هل يتم تغسيل الميت محروقا أم لا وما كيفية غسله علما بأنه يكون في حالة احتراق كاملة أحيانا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من مات بالحرق وأمكن تغسيله غسل. وإن خيف تهريه أو تقطعه بالغسل صب عليه الماء صبا، فإن خيف تقطعه بالصب، يمم إن أمكن ذلك. قال ابن قدامة رحمه الله: (والمجدور , والمحترق , والغريق , إذا أمكن غسله غسل , وإن خيف تقطعه بالغسل صب عليه الماء صبا , ولم يمس , فإن خيف تقطعه بالماء لم يغسل , وييمم إن أمكن , كالحي الذي يؤذيه الماء , وإن تعذر غسل الميت لعدم الماء ييمم , وإن تعذر غسل بعضه دون بعض , غسل ما أمكن غسله , وييمم الباقي , كالحي سواء) انتهى من المغني 2/209 وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: كيف يتم تغسيل الإنسان الذي يموت في حادث ويتشوه جسمه وربما تقطع بعض أجزائه؟ فأجاب رحمه الله: يجب تغسله كما يغسل غيره إذا أمكن ذلك، فإن لم يمكن فإنه يُيمّم، لأن التيمم يقوم مقام التغسيل بالماء عند العجز عن ذلك. مجموع فتاوى ومقالات متنوعة 13/123 وفي فتاوى اللجنة الدائمة 8/371 عن تغسيل الميت بحادث قطّع جسمه: (إذا تعذر غسله فإنه ييمم لعموم قوله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) ، لأن الله شرع التيمم للطهارة من الحدث الأكبر والأصغر في حالة عدم وجود الماء، أو العجز عن استعماله، أو التضرر باستعماله) . والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39288 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4780 حضور جنازة زميله غير المسلم في الكنيسة تقديرا للميت [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمسلم أن يحضر جنازة الصديق غير المسلم إذا كانت في كنيسة كاحترام أو تقدير للميت؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز للمسلم أن يشيع جنازة الكافر، ولا أن يدخل كنائسهم، سواء على وجه الاحترام، أو على وجه التقدير ونحو ذلك؛ لأن التشييع فيه نوع محبة واحترام وتقدير، وهذا لا يجوز بذله للكافر على الصحيح. ثم إن السائل يقول: (يحضر جنازة الصديق غير المسلم) ، ولا يجوز للمسلم أن يتخذ الكافر صديقا؛ لأن الله أمرنا بمعاداتهم وهجرهم والبعد عنهم، وهذا لا يعني عدم وجود التعامل معهم أو البيع أو الشراء أو الشركات معهم، فهذا شيء واتخاذهم أصدقاء شيء آخر، قال تعالى: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) المجادلة / 22، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه) رواه الإمام مسلم في صحيحه (2167) من حديث أبي هريرة. [الْمَصْدَرُ] الشيخ سليمان بن ناصر العلوان الحديث: 13730 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4781 يحرم على النساء زيارة قبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للنساء زيارة قبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ ابن باز رحمه الله: لا يجوز لهن ذلك، لعموم الأحاديث الواردة في نهي النساء عن زيارة القبور ولعنهن على ذلك، والخلاف في زيارة النساء لقبر النبي صلى الله عليه وسلم مشهور، ولكن تركهن لذلك أحوط وأوفق للسنة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يستثن قبره ولا قبر غيره، بل نهاهن نهياً عاماً، ولعن من فعل ذلك منهن، والواجب الأخذ بالتعميم ما لم يوجد نص يخص قبره بذلك وليس هناك ما يخص قبره. والله ولي التوفيق اهـ. [الْمَصْدَرُ] فتاوى الشيخ ابن باز (17/419) الحديث: 36812 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4782 تلقين المحتضر [السُّؤَالُ] ـ[ما المراد بتلقين الميت: "لا إله إلا الله" في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله) ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله التلقين هو التعليم والتفهيم؛ والمراد بتلقين الميت أن يكون عنده من يذكره بالنطق بـ (لا إله إلا الله) ، كما لو كان يُعَلِّم صبيا ويلقنه، والمراد بالميت هنا: المحتضَر الذي نزل به الموت. وإنما استُحِب تلقين الميت كلمة الإخلاص في هذه الحال، لأجل أن يختم له بها، وتكون آخر ما نطق به من الكلام، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم به؛ فعن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ) رواه مسلم 916. وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ كَانَ آخِرُ كَلامِهِ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ) رواه أحمد (21529) وأبو داود (3116) وحسنه الألباني في "إرواء الغليل" (687) . وعَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَادَ رَجُلا مِنْ الأَنْصَارِ فَقَالَ: (يَا خَالُ، قُلْ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ. قَالَ: خَالٌ أَمْ عَمٌّ؟! قَالَ: بَلْ خَالٌ. قَالَ: وَخَيْرٌ لِي أَنْ أَقُولَهَا؟! قَالَ: نَعَمْ) رواه أحمد (13414) وقال الألباني في أحكام الجنائز: إسناده صحيح على شرط مسلم. ولا ينبغي إيذاء المحتضر بالإكثار عليه في التلقين، إذا قالها ولم يتكلم بعدها بشيء قال النووي: " وَكَرِهُوا الإِكْثَار عَلَيْهِ وَالْمُوَالاة لِئَلا يَضْجَر بِضِيقِ حَاله وَشِدَّة كَرْبه، فَيَكْرَه ذَلِكَ بِقَلْبِهِ , وَيَتَكَلَّم بِمَا لا يَلِيق. قَالُوا: وَإِذَا قَالَهُ مَرَّة لا يُكَرِّر عَلَيْهِ إِلا أَنْ يَتَكَلَّم بَعْده بِكَلامٍ آخَر , فَيُعَاد التَّعْرِيض بِهِ لِيَكُونَ آخِر كَلَامه " انتهى. ولَمَّا احْتُضِرَ عبد الله بْنُ المُبَارَكِ رحمه الله، جَعَلَ رَجُلٌ يُلَقِّنُهُ، قُلْ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ. فَأَكْثَرَ عَلَيْهِ. فَقَالَ لَهُ: لَسْتَ تُحْسِنُ! وَأَخَافُ أَنْ تُؤْذِيَ مُسْلِماً بَعْدِي، إِذَا لَقَّنْتَنِي، فَقُلْتُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، ثُمَّ لَمْ أُحْدِثْ كَلاَماً بَعْدَهَا، فَدَعْنِي، فَإِذَا أَحْدَثْتُ كَلاَماً، فَلَقِّنِّي حَتَّى تَكُوْنَ آخِرَ كَلاَمِي. "سير أعلام النبلاء" (8/418) . ويشرع هذا التلقين، ولو كان الميت كافرا، لأنه لو قالها قبل النزع نفعه قوله، ولو عذب ما عذب بذنوبه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله؛ فإنه من كان آخر كلامه لا إله إلا الله عند الموت دخل الجنة يوما من الدهر، وإن أصابه قبل ذلك ما أصابه) رواه ابن حبان وصححه الألباني في صحيح الجامع (5150) . ومما يدل على أن الأمر بالتلقين يعم الكافر، فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع عمه أبي طالب، ومع الغلام اليهودي الذي كان يخدمه. فقد حضر النبي صلى الله عليه وسلم موت عمه أبي طالب، وقال له: (أَيْ عَمِّ، قُلْ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ) رواه البخاري (3884) ومسلم (24) . وحضر النبي صلى الله عليه وسلم موت الغلام اليهودي الذي كان يخدمه، وقال له: (أَسْلِمْ - وفي رواية أحمد (12381) : قُلْ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ -) رواه البخاري (1356) . فائدتان عن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: أولا: هل يكون التلقين بلفظ الأمر؛ بمعنى أن الملقن يأمر المحتضر، فيقول له: قل: لا إله إلا الله، أو يتلفظ بها أمامه بحيث يتذكرها إذا سمع من يقولها بجانبه؟ قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ينبغي في هذا أن ينظر إلى حال المريض، فإن كان المريض قوياً يتحمل، أو كان كافراً فإنه يؤمر، فيقال: قل: لا إله إلا الله، اختم حياتك بلا إله إلا الله، وما أشبه ذلك. وإن كان مسلماً ضعيفاً فإنه لا يؤمر، وإنما يذكر الله عنده حتى يسمع فيتذكر، وهذا التفصيل مأخوذ من الأثر، والنظر. أما الأثر فلأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عمه أبا طالب عند وفاته أن يقول: لا إله إلا الله، قال: يا عم قل: لا إله إلا الله. وأما النظر: فلأنه إن قالها فهو خير، وإن لم يقلها فهو كافر، فلو فرض أنه ضاق صدره بهذا الأمر ولم يقلها فهو باق على حاله لم يؤثر عليه شيئاً، وكذا إذا كان مسلماً وهو ممن يتحمل فإن أمرناه بها لا يؤثر عليه، وإن كان ضعيفاً فإن أمرناه بها ربما يحصل به رد فعل بحيث يضيق صدره، ويغضب فينكر وهو في حال فِراق الدنيا، فبعض الناس في حال الصحة إذا قلت له قل: لا إله إلا الله، قال: لن أقول: لا إله إلا الله، فعند الغضب يغضب بعض الناس حتى ينسى، فيقول: لا أقول: لا إله إلا الله، فما بالك بهذه الحال؟ ثانيا: " تلقينه لا إله إلا الله" ولم نقل: محمد رسول الله؛ لأن هذا هو الذي ورد فيه الحديث: "لقّنوا موتاكم لا إله إلا الله"، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة". فكلمة التوحيد مفتاح الإِسلام، وما يأتي بعدها فهو من مكملاتها وفروعها. ولو جمع بين الشهادتين؛ فقال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، لا يمنع هذا من أن يكون آخر كلامه من الدنيا "لا إله إلا الله"؛ لأن الشهادة للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة تابع لما قبلها ومتممٌ له، ولهذا جعلها النبي صلى الله عليه وسلم مع الشهادة لله بالألوهية ركناً واحداً، فلا يعاد تلقينه، وظاهر الأدلة أنه لا يكفي قول المحتضَر: أشهد أن محمداً رسول الله، بل لا بد أن يقول: لا إله إلا الله " انتهى من "الشرح الممتع" (5/177) . وقد يستدل على أمر المسلم بها إذا كان قوي الإيمان بحديث الأنصاري المتقدم وفيه أمره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له بقول لا إله إلا الله (يَا خَالُ، قُلْ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ) . وكذلك قول الطبيب لعمر بن الخطاب بعدما سقاه اللبن: (فَخَرَجَ اللَّبَنُ مِنْ الطَّعْنَةِ صَلْدًا أَبْيَضَ، فَقَالَ لَهُ الطَّبِيبُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اعْهَدْ! فَقَالَ عُمَرُ: صَدَقَنِي، وَلَوْ قُلْتَ غَيْرَ ذَلِكَ كَذَّبْتُكَ، فَبَكَى عَلَيْهِ الْقَوْمُ حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ، فَقَالَ: لا تَبْكُوا عَلَيْنَا، مَنْ كَانَ بَاكِيًا فَلْيَخْرُجْ، أَلَمْ تَسْمَعُوا مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يُعَذَّبُ الْمَيِّتُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ) . رواه أحمد (296) . قال أحمد شاكر: إسناده صحيح. فواجهه بهذا الأمر. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36826 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4783 حكم غرقى العبارة المصرية، والصلاة عليهم [السُّؤَالُ] ـ[حدث في هذه الأيام غرق العبارة المصرية، ويتوقع أن يكون عدد الغرقى في الحادث نحو ألف، فهل هؤلاء يعتبرون شهداء؟ وكيف نصلي على من لم يوجد منهم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا شك أن الأمور كلها بيد الله عز وجل يصرفها كيف يشاء ولنا أمام هذا الحدث ما يلي: أولاً: قد يختار الله من عباده المؤمنين أصنافا من الناس أفراداً أو جماعات فيبتليهم ليرفع بالابتلاء درجتهم أو يكفر به ذنوبهم، فالمصائب سبب لتكفير الذنوب، ورفعة الدرجات، قال صلى الله عليه وسلم: (ما من شيء يصيب المؤمن حتى الشوكة تصيبه إلا كتب الله له بها حسنة، أو حطّت عنه بها خطيئة) رواه مسلم (2572) . ثانياً: المشروع للمسلم إذا أصابته مصيبة أن يصبر، ويقول ما أمرنا به النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا أَخْلَفَ اللَّهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا) رواه مسلم (918) . ثالثاً: من مات غريقاً فهو شهيد، له ثواب الشهداء عند الله تعالى، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: الْمَطْعُونُ وَالْمَبْطُونُ وَالْغَرِقُ وَصَاحِبُ الْهَدْمِ وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) رواه البخاري (2829) ومسلم (1914) وفي لفظ عند مسلم (1915) : (والغريق شهيد) . قال ابن التين رحمه الله: " هذه كلها ميتات فيها شدة تفضل الله على أمة محمد صلى الله عليه وسلم بأن جعلها تمحيصا لذنوبهم وزيادة في أجورهم يبَلِّغهم بها مراتب الشهداء ". "فتح الباري" (8/ 438) . وانظر جواب السؤال رقم (22140) . رابعاً: من أنجاه الله تعالى من هذا الحادث وخرج سليماً، فليحمد ربه تعالى على العافية، وليحسن فيما بقي من عمره فإن الموت يأتي الإنسان بغتة، والله تعالى أمهله ونجاه، ولو شاء لكان الأمر بخلاف ذلك. خامساً: من خرج من الغرق ميتاً، فإنه يجب تغسيله وتكفينه والصلاة عليه. أما من لم يتم العثور عليه منهم، فهذا يجب أن يصلى عليه صلاة الغائب؛ لأن صلاة الجنازة فرض كفاية يجب القيام بها. فتصف الصفوف ويتقدم الإمام للصلاة عليه كأن الجنازة حاضرة بين أيديهم. جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: " إذا وُجِدَ الغريقُ فإنَّه يغسَّل ويكفَّن، ويصلى عليه كأي ميت آخر، وإذا لم يعثر عليه فيصلى عليه صلاة الغائب عند الشافعية والحنابلة " انتهى. ولكن الشافعية يشترطون - في المعتمد عندهم - أن يتقدم غسله لتصح الصلاة عليه، وذهب جماعة من متأخريهم إلى صحة الصلاة عليه إذا تعذر غسله. وينظر: مغنى المحتاج (2/49) ، أسنى المطالب (1/321) . وقد روى البخاري (1318) ومسلم (951) عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: نَعَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَصْحَابِهِ النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى الْمُصَلَّى، ثُمَّ تَقَدَّمَ فَصَفُّوا خَلْفَهُ، فَكَبَّرَ أَرْبَعًا. قال النووي رحمه الله: " فيه دليل للشافعي وموافقيه في الصلاة على الميت الغائب " انتهى. وقد سبق تفصيل القول في الصلاة على الغائب في جواب السؤال (35853) . ونسأل الله تعالى أن يتقبلهم شهداء، وأن يرزق أهلهم الصبر والسلوان. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36830 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4784 حكم قراءة القرآن عند القبر [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز قراءة القرآن عند القبر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قراءة القرآن عند القبر، غير مشروعة، لعدم ورودها عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء ما نصه: هل يجوز قراءة الفاتحة أو شيء من القرآن للميت عند زيارة قبره، وهل ينفعه ذلك؟ فأجابت: (ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يزور القبور، ويدعو للأموات بأدعية علمها أصحابه، وتعلموها منه، من ذلك: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية) ، ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قرأ سورة من القرآن أو آيات منه للأموات مع كثرة زيارته لقبورهم، ولو كان ذلك مشروعاً لفعله، وبينه لأصحابه؛ رغبةً في الثواب، ورحمةً بالأمة، وأداءً لواجب البلاغ، فإنه كما وصفه تعالى بقوله: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) التوبة/128. فلما لم يفعل ذلك مع وجود أسبابه دل على أنه غير مشروع، وقد عرف ذلك أصحابه رضي الله عنهم فاقتفوا أثره، واكتفوا بالعبرة والدعاء للأموات عند زيارتهم، ولم يثبت عنهم أنهم قرأوا قرآناً للأموات، فكانت القراءة لهم بدعة محدثة، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) متفق عليه) انتهى من فتاوى اللجنة 9/38 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36513 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4785 حكم الصلاة على الميت الغائب [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الصلاة على الميت الغائب؟ وإذا كانت مشروعة فهل يصلى على كل غائب؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى أصحابه يوم مات النجاشي ملك الحبشة رحمه الله، فنعاه لهم، وصفهم وصلى عليه صلاة الجنازة. فهذا الحديث دليل على مشروعية الصلاة على الغائب، إلا أن بعض العلماء كالحنفية والمالكية قالوا: إن هذا خاص بالرسول صلى الله عليه وسلم فلا تشرع صلاة الغائب لغيره. وقد رد جمهور العلماء ذلك بأن الخصوصية لا تثبت إلا بدليل صحيح، والأصل: أن الأمة مأمورة بالاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم والتأسي به. وقد اختلف العلماء القائلون بمشروعية الصلاة على الغائب، هل تشرع الصلاة على كل غائب أم لا؟ وكلهم يستدل بصلاة النبي صلى عليه وسلم على النجاشي. فذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه تشرع الصلاة على كل غائب عن البلد، ولو صُلِّي عليه في المكان الذي مات فيه. والقول الثاني: أنه تشرع الصلاة على الغائب إذا كان له نفع للمسلمين، كعالم أو مجاهد أو غني نفع الناس بماله ونحو ذلك. وهذا القول رواية عن الإمام أحمد، واختارها الشيخ السعدي وبه أفتت اللجنة الدائمة. والقول الثالث: أنها تشرع الصلاة على الغائب بشرط ألا يكون قد صُلِّي عليه في المكان الذي مات فيه، فإن صُلِّي عليه فلا تشرع صلاة الغائب عليه. وهذا القول رواية أخرى عن الإمام أحمد، واختارها شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، ومال إليها من المتأخرين: الشيخ ابن عثيمين. وهذه أقوال بعض العلماء في هذه المسألة: قال الخرشي (مالكي) (2/142) : " وصلاته عليه الصلاة والسلام على النجاشي من خصوصياته " انتهى. ونحوه في " بدائع الصنائع " للكاسائي (حنفي) (1/ 312) . وقال النووي رحمه الله في "المجموع" (5/211) : " مذهبنا جواز الصلاة على الغائب عن البلد، ومنعها أبو حنيفة. دليلنا حديث النجاشي وهو صحيح لا مطعن فيه وليس لهم عنه جواب صحيح " انتهى بتصرف. وقد قيَّد الشافعية جواز الصلاة على الغائب بقيد حسن وهو أن يكون المصلِّي على الميت من أهل الصلاة عليه يوم مات. قال زكريا الأنصاري رحمه الله في "أسنى المطالب" (1/322) : " وإنما تجوز الصلاة على الغائب عن البلد لمن كان من أهل فرض الصلاة عليه يوم موته " انتهى بتصرف يسير. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " إلا أن بعض العلماء قَيَّده بقيد حسن قال: بشرط أن يكون هذا المدفون مات في زمن يكون فيه هذا المصلي أهلا للصلاة. مثال ذلك: رجل مات قبل عشرين سنة، فخرج إنسان وصلى عليه وله ثلاثون سنة فيصح؛ لأنه عندما مات كان للمصلي عشر سنوات، فهو من أهل الصلاة على الميت. مثال آخر: رجل مات قبل ثلاثين سنة، فخرج إنسان وله عشرون سنة ليصلي عليه فلا يصح؛ لأن المصلي كان معدوما عندما مات الرجل، فليس من أهل الصلاة عليه. ومن ثمَّ لا يشرع لنا نحن أن نصلي على قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وما علمنا أن أحدا من الناس قال: إنه يشرع أن يصلي الإنسان على قبر النبي صلى الله عليه وسلم، أو على قبور الصحابة، لكن يقف ويدعو " انتهى من "الشرح الممتع". وقال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/195) : " وتجوز الصلاة على الغائب في بلد آخر بالنية فيستقبل القبلة , ويصلي عليه كصلاته على حاضر , وسواء كان الميت في جهة القبلة أو لم يكن , وسواء كان بين البلدين مسافة القصر أو لم يكن. وبهذا قال الشافعي " انتهى. وقال المرداوي في "الإنصاف" (2/533) : " (ويصلي على الغائب بالنية) هذا المذهب مطلقا (يعني سواء صُلِّي عليه أم لا، وسواء كان له نفع عام للمسلمين أم لا) , وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم , وعنه [أي عن الإمام أحمد] : لا تجوز الصلاة عليه. وقيل: يُصَلَّى عليه إن لم يكن صُلِّي عليه , وإلا فلا، اختاره الشيخ تقي الدين , وابن عبد القوي " انتهى. وقال الشيخ البسام رحمه الله في "نيل المآرب" (1/324) : " اختلف العلماء في الصلاة على الغائب، فذهب أبو حنيفة ومالك وأتباعهما إلى أنها لا تشرع، وجوابهم عن قصة النجاشي والصلاة عليه أن هذه من خصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم. وذهب الشافعي وأحمد وأتباعهما إلى أنها مشروعة، وقد ثبتت بحديثين صحيحين، والخصوصية تحتاج إلى دليل، وليس هناك دليل عليها، وتوسط شيخ الإسلام فقال: إن كان الغائب لم يُصَلَّ عليه مثل النجاشي، صُلِّيَ عليه، وإن كان قد صُلِّيَ عليه، فقد سقط فرض الكفاية عن المسلمين. وهذا القول رواية صحيحة عن الإمام أحمد، صححه ابن القيم في الهَدْي، لأنه توفي زمن النبي صلى الله عليه وسلم أناس من أصحابه غائبين، ولم يثبت أنه صلى على أحد منهم صلاة الغائب. ونقل شيخ الإسلام عن الإمام أحمد أنه قال: إذا مات رجل صالح صلي عليه، واحتج بقصة النجاشي. ورجح هذا التفصيل شيخنا عبد الرحمن السعدي يرحمه الله تعالى، وعليه العمل في نجد، فإنهم يصلون على من له فضل، وسابقة على المسلمين، ويتركون من عداه والصلاة هنا مستحبة " انتهى. وقَالَ الْخَطَّابِيِّ: " لا يُصَلَّى عَلَى الْغَائِبِ إلا إذَا وَقَعَ مَوْتُهُ بِأَرْضٍ لَيْسَ فِيهَا مَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ , وَاسْتَحْسَنَهُ الرُّويَانِيُّ من الشافعية , وَتَرْجَمَ بِذَلِكَ أَبُو دَاوُد فِي "السُّنَنِ" فَقَالَ: بَابُ الصَّلاةِ عَلَى الْمُسْلِمِ يَلِيهِ أَهْلُ الشِّرْكِ فِي بَلَدٍ آخَرَ. قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا مُحْتَمَلٌ " انتهى من "فتح الباري". وسئلت "اللجنة الدائمة" (8/418) : أيجوز أن نصلي صلاة الجنازة على الميت الغائب كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم مع حبيبه النجاشي، أو ذلك خاص به؟ فأجابت: " تجوز صلاة الجنازة على الميت الغائب لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، وليس ذلك خاصاً به، فإن أصحابه رضي الله عنهم صلوا معه على النجاشي، ولأن الأصل عدم الخصوصية، لكن ينبغي أن يكون ذلك خاصاً بمن له شأن في الإسلام، لا في حق كل أحد " انتهى. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه صلى على النجاشي صلاة الغائب، وسبب ذلك أنه ما كان هناك أحد من المسلمين يصلي عليه، وواقع المسلمين الآن يموتون جماعة وبالتأكيد لم يصل عليهم كما هو حاصل في وقتنا الحاضر يعني أتأكد أنه ما يصلى عليهم؟ فأجاب فضيلته بقوله: " إذا تأكدت أنه لم يصل عليهم فصل عليهم، لأن الصلاة فرض كفاية. لكن ربما أهله صلوا عليه، لأن الصلاة على الميت تكون بواحد، على كل حال إذا تأكدت أن شخصا ما لم يصل عليه فعليك أن تصلي عليه لأنها فرض كفاية ولابد منها " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (17/ 149) . وقد تبين مما سبق أن الصلاة على الغائب مشروعة، لما ثبت من صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه على النجاشي، وأنه لم يقم دليل على أن ذلك خاص به صلى الله عليه وسلم. لكن أعدل الأقوال في هذه المسألة قولان: الأول: أنه لا يصلى إلا على من لم يُصل عليه. والثاني: أنه يُصلَّى على من له منفعة للمسلمين، كعالم نفع الناس بعلمه، وتاجر نفع الناس بماله، ومجاهد نفع الناس بجهاده، وما أشبه ذلك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 35853 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4786 قطع الشوك والأشجار المؤذية من المقابر [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز قطع الأشجار المؤذية من المقابر؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ينبغي قطعها لأنها تؤذي الزوار، وهكذا ما يوجد فيها من الشوك ينبغي إزالته إراحة للزوار من شره، ولا يشرع لأحد أن يغرس على القبور شيئا من الشجر أو الجريد لأن الله سبحانه لم يشرع ذلك. والنبي صلى الله عليه وسلم إنما غرس جريدتين على قبرين عرفهما وأنهما معذبان، ولم يغرس على قبور المدينة وقبور البقيع، وهكذا الصحابة لم يفعلوا ذلك، فعلم أن ذلك خاص بصاحبي القبرين المعذبين نسأل الله السلامة. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز يرحمه الله، م/4، ص/379 الحديث: 34503 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4787 حكم دفن الميت في تابوت [السُّؤَالُ] ـ[مات رجل وأوصى أن يدفن في تابوت فما الحكم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لم يختلف العلماء رحمهم الله تعالى في كراهة دفن الميت في تابوت إذا لم تكن هناك حاجة، فإذا وجدت حاجة كما لو كانت الأرض ندية أو يخشى أن تحفرها السباع فإن بعض الفقهاء يجيز الدفن في التابوت إذاً. جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (2/312) : "لم يعرف وضع الميت في تابوت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عهد الصحابة رضي الله عنهم، وخير للمسلمين أن يسيروا على نهجهم، ولذا كُره وضع الميت في تابوت، سواء كانت الأرض صلبة أو رخوة أم نديّة، وإذا أوصى بوضعه في تابوت لم تنفذ وصيته. وأجاز الشافعية إذا كانت الأرض رخوة أو ندية ولا تنفذ وصيّته عندهم إلا في مثل هذه الحالة" اهـ. وقال ابن قدامة: وَلا يُسْتَحَبُّ الدَّفْنُ فِي تَابُوتٍ ; لأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلا أَصْحَابِهِ , وَفِيهِ تَشَبُّهٌ بِأَهْلِ الدُّنْيَا , وَالأَرْضُ أَنْشَفُ لِفَضَلاتِهِ اهـ. وقال في "الإنصاف": يُكْرَهُ الدَّفْنُ فِي تَابُوتٍ , وَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ امْرَأَةً نَصَّ عَلَيْهِ الإمام أحمد اهـ. وقال الشربيني الخطيب الشافعي في كتابه "مغني المحتاج": (وَيُكْرَهُ دَفْنُهُ فِي تَابُوتٍ) بِالإِجْمَاعِ ; لأَنَّهُ بِدْعَةٌ (إلا فِي أَرْضٍ نَدْيَةٍ أَوْ رِخْوَةٍ) فَلا يُكْرَهُ لِلْمَصْلَحَةِ وَلا تُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ بِهِ إلا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ , وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا إذَا كَانَ فِي الْمَيِّتِ تَهْرِيَةٌ بِحَرِيقٍ بِحَيْثُ لا يَضْبُطُهُ إلا التَّابُوتُ اهـ. وفي الموسوعة الفقهية: يُكْرَهُ دَفْنُ الْمَيِّتِ فِي تَابُوتٍ بِالإِجْمَاعِ ; لأَنَّهُ بِدْعَةٌ , وَلا تُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ بِذَلِكَ , وَلا يُكْرَهُ لِلْمَصْلَحَةِ , وَمِنْهَا الْمَيِّتُ الْمُحْتَرِقُ إذَا دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ اهـ. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 34511 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4788 كيفية السلام على أهل القبور [السُّؤَالُ] ـ[ما هي التحية التي تقال عند القبور؟ وهل هناك فرق بينها وبين تحية الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام؟ هل الصحيح أن نقول عند قبر الرسول صلى الله عليه وسلم السلام عليك يا رسول الله ونقول السلام عليكم يا أهل القبور عند دخول المقبرة أم يعتبر هذا شركاً؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله زيارة القبور مستحبة للرجال لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث بريدة بن الحصيب: (إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها) رواه مسلم 977، وفي رواية (فإنها تذكركم الآخرة) رواه أحمد 1240 وابن ماجة 1569 وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة. ويستحب إذا زارها أن يسلم على أهل القبور ويدعو لهم بما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلمه أصحابه فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله: كيف أقول لهم - (يعني أهل القبور) - قال: قولي السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء الله بكم للاحقون) رواه مسلم 974. وعن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر فكان قائلهم يقول: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله للاحقون أسأل الله لنا ولكم العافية) رواه مسلم 975 وأما قبور الصحابة فيقول عندها ما سبق من الأدعية وليس لها دعاء خاص. أما زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فالوارد عن الصحابة هو السلام، فقد كان ابن عمر يقول: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبتِ، ثم ينصرف. صححه الحافظ ابن حجر. وبعض العلماء يزيد على هذا: السلام عليك يا خيرة الله من خلقه، السلام عليك يا سيد المرسلين ... أشهد أنك بلغت الرسالة. انظر الأذكار للنووي ص 174، والمغني 5 / 466 قال الطبري: وإن قال الزائر ما تقدم من التطويل فلا بأس إلا أن الإتباع أولى. اهـ، يعني الاقتصار على ما ورد عن الصحابة أولى. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في مناسك الحج والعمرة: " بعد أن يصلي في المسجد النبوي أول قدومه ما شاء الله أن يصلي، يذهب للسلام على النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. 1- فيقف أمام قبر النبي صلى الله عليه وسلم مستقبلا للقبر مستدبرا للقبلة، فيقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، وإن زاد شيئا مناسبا فلا بأس، مثل أن يقول: السلام عليك يا خليل الله وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، أشهد أنك قد بلغت الرسالة، وأديت الأمانة ونصحت الأمة، وجاهدت في الله حق جهاده. وإن اقتصر على الأول فحسن، وكان ابن عمر رضي الله عنهما إذا سلم يقول: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبتِ، ثم ينصرف. 2- ثم يخطو خطوة عن يمينه ليكون أمام أبي بكر رضي الله عنه فيقول: السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته، رضي الله عنك وجزاك عن أمة محمد خيرا. 3- ثم يخطو خطوة عن يمينه ليكون أمام عمر رضي الله عنه فيقول: السلام عليك يا عمر، السلام عليك يا أمير المؤمنين، رضي الله عنك وجزاك عن أمة محمد خيرا. وليكن سلامه على النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه بأدب، وخفض صوت، فإن رفع الصوت في المسجد منهي عنه لاسيما في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعند قبر. " مناسك الحج والعمرة والمشروع في الزيارة ص 107، 108 وقول القائل: السلام عليكم عند زيارته للمقابر، وقوله: السلام عليك يا رسول الله عند زيارته لقبر النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا لا يعتبر شركا، لأنه ليس دعاء للأموات ولا استعانة بهم، وإنما هو دعاء لهم أن يسلمهم الله من جميع الأخطار التي يلاقيها العبد بعد الموت من عذاب القبر ثم البعث والحساب وأهوال الآخرة. نسأل الله تعالى السلامة والعافية في الدنيا والآخرة، والله اعلم. انظر زاد المستنقع 5 / 473، أشراط الساعة للدكتور يوسف الوابل ص 337. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 34561 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4789 من الذي يُنزل الميت إلى القبر [السُّؤَالُ] ـ[من أولى الناس بإنزال الميت إلى قبره: المُتعلِّم أو ولي الميت؟ وهل هناك فرق بين الرجل والمرأة؟ وهل يشترط أن يكون الذي ينزل المرأة من محارمها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: " الأولى بذلك وصيّه، إذا كان له وصي (أي: الذي أوصى الميت أن ينزله في قبره) ، فإن لم يكن له وصي فالأقرب ثم الأقرب من أوليائه، وإذا كان هناك متعلم فهو أولى، وإن لم يكن هناك متعلم ودفنها غير متعلم فإنه يتلقى التعليم من المتعلم، ويوجهه المتعلم. ولا يشترط أن يكون الذي ينزل للقبر محرماً للمرأة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا طلحة ـ رضي الله عنه ـ أن ينزل في قبر ابنته ويدفنها مع حضوره هو، وزوجها عثمان بن عفان رضي الله عنه.ِ (الحديث رواه البخاري (1342)) [الْمَصْدَرُ] مجوع فتاوى ابن عثيمين رحمه الله 17/180. الحديث: 34609 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4790 هل البكاء على الميت بالدموع يعذب الميت؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل البكاء على الميت بالدموع يعذب الميت، وإن كان بعد مدة من الزمن؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ورد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أكثر من حديث أن الميت يُعَذَّب ببكاء أهله عليه من ذلك ما أخرجه مسلم في صحيحه (927) من حديث ابن عمر أن حفصة بكت على عمر، فقال: مهلاً يا بنية! ألم تعلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه) . وقد ثبت أيضا عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أكثر من حادثة أنه بكى عند الميت، منها بكاؤه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند موت ابنه إبراهيم كما عند البخاري (2/105) ومسلم (7/76) من حديث أنس رضي الله عنه، وبكى أيضا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند موت إحدى بناته أثناء دفنها كما عند البخاري (1258) من حديث أنس رضي الله عنه. وبكى أيضا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند وفاة أحد أحفاده كما عند البخاري (1284) ومسلم (923) من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما. فإن قيل: كيف نوفق بين هذه الأحاديث التي تمنع من البكاء على الميت والأخرى التي تجيز ذلك؟ فالجواب: قد بَيَّن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك فيما رواه البخاري (7377) ومسلم (923) عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكى على ابن إحدى بناته فَقَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: مَا هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ. قال النووي: مَعْنَاهُ أَنَّ سَعْدًا ظَنَّ أَنَّ جَمِيع أَنْوَاع الْبُكَاء حَرَام , وَأَنَّ دَمْع الْعَيْن حَرَام , وَظَنَّ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَسِيَ فَذَكَرَهُ , فَأَعْلَمَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مُجَرَّد الْبُكَاء وَدَمع العَيْنٍ لَيْسَ بِحَرَامٍ وَلا مَكْرُوه بَلْ هُوَ رَحْمَة وَفَضِيلَة وَإِنَّمَا الْمُحَرَّم النَّوْح وَالنَّدْب وَالْبُكَاء الْمَقْرُون بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا كَمَا قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إنَّ اللَّه لا يُعَذِّب بِدَمْعِ الْعَيْن وَلا بِحُزْنِ الْقَلْب وَلَكِنْ يُعَذِّب بِهَذَا أَوْ يَرْحَم وَأَشَارَ إِلَى لِسَانه) اهـ. وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية - كما في "الفتاوى" (24/380) – عن بكاء الأم والإخوة على الميت هل فيه بأس على الميت؟ فقال رحمه الله: (أما دمع العين وحزن القلب فلا إثم فيه , لكن الندب والنياحة منهي عنه) اهـ. أما بالنسبة للبكاء على الميت ولو بعد مدة من الزمن فليس هناك حرج من ذلك بشرط ألا يصحبه نياحة أو ندب أو تسخط على قدر الله تعالى. روى مسلم (976) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: زار النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبر أمه فبكى وأبكى من حوله، فقال: (استأذنت ربي في أن استغفر لها فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت) . والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 33866 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4791 القبر ليس هو المثوى الأخير [السُّؤَالُ] ـ[يكثر في الصحف والأخبار قول إذا مات شخص ودفن، يقولون: انتقل إلى مثواه الأخير. فهل القبر هو المثوى الأخير؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "تفسير جزء عم" (ص 117) : القبور ليست آخر المنازل، بل هي مرحلة، سمع أعرابي رجلاً يقرأ قول الله تعالى: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ) التكاثر/1-2. فقال الأعرابي: والله ما الزائر بمقيم. فالأعرابي بفطرته عرف أن وراء هذه القبور شيئاً يكون المصير إليه، لأنه كما هو معلوم الزائر يزور ويمشي، وبه نعرف أن ما نقرؤه في الجرائد "فلان توفي ثم نقلوه إلى مثواه الأخير" أن هذه الكلمة غلط كبير، ومدلولها كفر بالله عز وجل، وكفر باليوم الآخر، لأنك إذا جعلت القبر هو المثوى الأخير فهذا يعني أنه ليس بعده شيء، والذي يرى أن القبر هو المثوى الأخير وليس بعده مثوى كافر، فالمثوى الأخير إما جنة وإما نار اهـ. [الْمَصْدَرُ] الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "تفسير جزء عم" (ص 117) الحديث: 33634 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4792 كيف يحصل على عفو الميت [السُّؤَالُ] ـ[ماتت جدتي قبل أربع سنوات (أسأل الله أن تكون في الجنة) تربيت عندها ولدي ذكريات عظيمة معها. علمتني الصلاة وكانت تقول لي حكماً وأشياء عظيمة، وأحبها حباً عظيما. بحماقتي فعلت شيئا كان يجب أن لا أفعله، ثم أسفت لفعله أسفا شديدا، فمن المحتمل أنني أهنتها بطريقة ما ولكنها لم تقل أي شيء عن هذا الموضوع. لم تتح لي الفرصة لأطلب عفوها، تبت من الذنب الذي فعلته ودائما أسأل الله المغفرة. هل هناك طريقة أطلب بها عفو جدتي الآن؟ فكرت في هذا الموضوع كثيرا ولكنني لم أستطع أن أجد أي طريقة مناسبة. سأكون شاكرا جدا إذا ساعدتني في هذا الموضوع.أسأل الله المغفرة لجميع الأحياء والأموات وشكرا لك.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما دامت الجدّة قد ماتت وذهبت إلى ربها فأنت لا تدري هل سامحتك أم لا، وليس هناك من سبيل لطلب المسامحة منها بعد موتها، وهذا ما يؤكّد أهمية حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لا يَكُونَ دِينَارٌ وَلا دِرْهَمٌ إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ رواه لبخاري 2296 قال ابن حجر رحمه الله في شرح الحديث: قوله: (من كانت له مظلمة لأخيه) .. أي من كانت عليه مظلمة لأخيه. قوله: (من عِرْضه أو شيء) أي من الأشياء.. فيدخل فيه المال بأصنافه والجراحات حتى اللطمة ونحوها، وفي رواية الترمذي " من عرض أو مال ". قوله: (قبل أن لا يكون دينار ولا درهم) أي يوم القيامة. قوله: (أُخذ من سيئات صاحبه) أي صاحب المظلمة (فحمل عليه) أي على الظالم.. وهذا الحديث قد أخرج مسلم معناه من وجه آخر وهو أوضح سياقا من هذا ولفظه " المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا وسفك دم هذا وأكل مال هذا، فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه وطرح في النار " وفي رواية للبخاري أيضا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لأَخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلا دِرْهَمٌ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لأَخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَخِيهِ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ رواه البخاري 6053 وعند أبي نعيم من حديث ابن مسعود يؤخذ بيد العبد فينصب على رءوس الناس وينادي مناد: هذا فلان ابن فلان فمن كان له حق فليأت، فيأتون فيقول الرب: آت هؤلاء حقوقهم، فيقول: يا رب فنيت الدنيا فمن أين أوتيهم، فيقول للملائكة: خذوا من أعماله الصالحة فأعطوا كل إنسان بقدر طلبته، فإن كان ناجيا وفضل من حسناته مثقال حبة من خردل ضاعفها الله حتى يدخله بها الجنة. (و) أخرج أحمد والحاكم من حديث جابر عن عبد الله بن أنيس رفعه " لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحد من أهل النار عنده مظلمة حتى أقصه منه، حتى اللطمة. قلنا يا رسول الله كيف وإنما نحشر حفاة عراة؟ قال: بالسيئات والحسنات " فتح الباري شرح صحيح البخاري وعلى أيّة حال أنت قد قمت بخطوة مهمة جدا وهي التوبة إلى الله جلّ وعلا، فإذا صدقت مع الله في التوبة وعملت ما يُمكن من البرّ بجدّتك (راجع لمعرفة ذلك السؤال رقم 763) ورأت في صحيفتها استغفارك لها فلعلّها أن تعفو عنك في ذلك الموقف إذا لم تكن قد عفت عنك في الدّنيا، وأكثر من الدعاء لها والله يعفو عنّا أجمعين. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2470 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4793 الصلاة عند القبور وشروط الشفاعة [السُّؤَالُ] ـ[كنت في نقاش مع أحد الأصحاب الذين يتبعون مذهب الصوفية، وسألني عن رأيي في الصلاة على القبور وعن بعض العلماء المتدينين وشفاعتهم يوم القيامة. قلت لذلك الشخص إن الصلاة على القبور شرك وأنه لا يشفع أحد يوم القيامة إلا النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأردت أن أعرف رأي أهل العلم بهذا الشأن وأين أجد الدليل على ذلك. أرجو أن تتمكن من الإجابة على سؤالي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: مسألة الصلاة على القبور.. الصلاة على القبور على قسمين: القسم الأول: الصلاة لصاحب القبر، وهذا شرك أكبر مخرج عن الملة لأن الصلاة عبادة والعبادة لا يجوز صرفها لغير الله قال تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً) النساء/36، وقال تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالاً بعيداً) النساء/116. القسم الثاني: الصلاة لله في المقبرة، وهذا القسم تحته مسائل: 1- صلاة الجنازة على القبر، وهذه جائزة. صورة المسألة: أن يموت شخص ولم تتمكن من الصلاة عليه في المسجد فيجوز لك أن تصلي عليه بعد دفنه. دليل المسألة هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم: فعن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا أَسْوَدَ أَوْ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَ يَقُمُّ (أي يُنظِّف) الْمَسْجِدَ فَمَاتَ فَسَأَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ فَقَالُوا مَاتَ قَالَ أَفَلا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي بِهِ دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ أَوْ قَالَ قَبْرِهَا فَأَتَى قَبْرَهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا " رواه البخاري واللفظ له (458) ومسلم (956) . 2- صلاة الجنازة في المقبرة، وهذه جائزة. صورة المسألة: أن يموت شخص ولم تتمكن من الصلاة عليه في المسجد، وحضرت إلى المقبرة فصليت عليه قبل أن يُدفن. قال الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله: " تجوز الصلاة على الجنازة داخل المقبرة كما تجوز الصلاة عليها بعد الدفن؛ لما ثبت أن جارية كانت تقم المسجد، فماتت فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عنها فقالوا: ماتت، فقال: " أفلا كنتم آذنتموني؟ فدلوني على قبرها " فدلوه فصلى عليها ثم قال: " إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله ينورها لهم بصلاتي عليهم " رواه مسلم 956 انتهى من فتاوى اللجنة الدائمة 8/392 3- الصلاة في المقبرة – ما عدا صلاة الجنازة – وهذه الصلاة باطلة ولا تصح، سواءً كانت فريضة أو نافلة. الدليل: أولاً: قول النبي صلى الله عليه وسلم: " الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام " رواه الترمذي (317) وابن ماجه (745) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (606) . ثانياً: قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " رواه البخاري (435) ومسلم (529) . ثالثاً: (تعليل) وهو أن الصلاة في المقبرة قد تتخذ ذريعة إلى عبادة القبور، أو إلى التشبه لمن يعبد القبور، ولهذا لما كان الكفار يسجدون للشمس عند طلوعها وغروبها، نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عند طلوعها وغروبها لئلا يُتخذ ذريعة إلى أن تُعبد الشمس من دون الله، أو إلى أن يتشبه بالكفار. 4- الصلاة إلى المقبرة، وهذه محرمة - على الصحيح -. صورة المسألة: أن تصلي وفي قبلتك مقبرة أو قبر، ولكنك لا تصلي في أرض المقبرة، بل في أرض أخرى قريبة من المقبرة، وليس بينك وبين المقبرة سور أو حاجز. الدليل على التحريم: 1- عَنْ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ وَلا تُصَلُّوا إِلَيْهَا " رواه مسلم (972) . فهذا يدل على تحريم الصلاة إلى المقبرة أو إلى القبور أو إلى القبر الواحد. 2- ولأن العلة من منع الصلاة في المقبرة موجودة في الصلاة إلى القبر فما دام الإنسان يتجه إلى القبر أو إلى المقبرة اتجاهاً يُقال إنه يُصلي إليها فإنه يدخل في النهي، وإذا كان داخلاً في النهي فلا يصح لقوله: " لا تصلوا " فالنهي هنا عن الصلاة، فإذا صلى إلى القبر فقد اجتمع في فعله هذا طاعة ومعصية، وهذا لا يمكن أن يتقرب إلى الله تعالى به. تنبيه: إذا كان بينك وبين المقابر جدار فاصل فلا بأس من الصلاة حينئذٍ ولا نهي، كذلك إذا كان بينك وبينها شارع أو مسافة لا تصير بها مصلياً إلى المقابر فلا بأس. والله أعلم انظر المغني (1/403) والشرح الممتع لابن عثيمين (2/232) رحم الله الجميع. ثانياً: مسألة الشفاعة ... قد أخطأت في قولك إنه لا يشفع أحد يوم القيامة إلا النبي صلى الله عليه وسلم، بل يشفع النبي صلى عليه وسلم ويشفع غيره من المؤمنين، انظر السؤال (11931) . ولكن نضيف هنا مسألة لم تُذكر هناك، وهي أن الشفاعة لها شروط: الأول: الإذن من الله للشافع أن يشفع. الثاني: رضى الله عن المشفوع له. والدليل على الشرطين قوله تعالى: (وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى) النجم/26 وقوله (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) الأنبياء/28. وأما الشفاعة الموهومة التي يظنها عبَّاد الأصنام من معبوديهم فهي شفاعة باطلة؛ لأن الله لا يأذن لأحد بالشفاعة إلا من ارتضاه من الشفعاء والمشفوع لهم. انظر " القول المفيد شرح كتاب التوحيد " للشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله ص (336-337) ط1. إلا أن الإقرار بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعة المؤمنين ليس مسوغاً لطلبها منهم، كما يفعل البعض من طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 13490 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4794 امرأة مرت بجانب مقبرة فهل تسلم؟ [السُّؤَالُ] ـ[نعلم أن المرأة ممنوعة من زيارة المقابر ولكن ما تقول في امرأة مرت بجانب سور المقبرة وهي في طريقها ورأت القبور فهل تدعو بالذكر الوارد أم تمتنع عنه أم ماذا تفعل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا بأس أن تدعو بالذكر الوارد (السلام عليكم أهل الديار ... ) ولا إثم عليها، لأنها لم تقصد زيارة القبور ولم تدخل المقبرة وإنما مرت من غير قصد. [الْمَصْدَرُ] من كتاب ماذا تفعل في الحالات التالية ص 18. الحديث: 31908 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4795 اعتقاد خاطئ في رؤية الأموات للزائرين الأحياء عراة [السُّؤَالُ] ـ[سمعنا أن زيارة النساء للقبور لا تجوز لأنّ الأموات يرون الأحياء عراة وأنا غير مقتنع وحيث أنّ أمي وأختي تريدان زيارة قبر أبي بل زارتاه فما هو الحكم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله السبب في منع زيارة النساء للقبور هو حديث النبي صلى الله عليه وسلم لعن الله زائرات القبور " وفي رواية " زوارات القبور " سنن الترمذي 294 وقال حديث حسن وليس لأن الأموات يرون الزائرين عراة فهذا سبب ساقط وأحكام عالم الأموات تختلف عن أحكام عالم الأحياء ولو كان السبب في منع الزيارة هو رؤية الأموات للزائرين عراة لكانت زيارة الرجال للقبور أيضا محرّمة. وعليك أن تحثّ أمّك وأختك على الاجتهاد في الدعاء لأبيك الميت فهو أعظم ما ينتفع به الميت ولا تُقارن فائدته للميت بمجرّد الزيارة، وأعلمهما أنّ الدعاء يصل إليه في أيّ مكان كان الداعي موجودا فيه سواء كان بجانب القبر أو بعيدا عنه. أسأل الله أن يرحم ميتكم ويرزقكم الصبر على فقده وإنا لله وإنا إليه راجعون. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 251 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4796 صفة الدعاء للميت في صلاة الجنازة [السُّؤَالُ] ـ[كيف يدعو للميت في صلاة الجنازة إن كانوا ذكوراً أو إناثاً أو اثنين وكيف يدعو إذا كان الميت طفلاً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يدعى للأموات جميعاً ذكوراً كانوا أم إناثاً، أو ذكوراً وإناثاً بقوله: اللهم اغفر لهم وارحمهم.. إلى آخره، وإن كانوا اثنين: الله اغفر لهما وارحمهما.. إلى آخر الدعاء. أما الطفل فيقال في الدعاء له: اللهم اجعله ذخراً لوالديه، وفرطاً وشفيعاً مجاباً، اللهم أعظم به أجورهما، وثقل به موازينهما، وألحقه بصالح سلف المؤمنين، واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام، وقه برحمتك عذاب الجحيم. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز – رحمه الله – م/13 ص/145. الحديث: 31139 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4797 إذا مات الرجل وهو لم يختن، فهل نختنه؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا مات الرجل وهو لم يختن، فهل نختنه أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذهب أكثر العلماء إلى أنه لا يختتن. قال النووي: لو مات غير مختون: فثلاثة أوجه: الصحيح الذي قطع به الجمهور لا يختن؛ لأن ختانه كان تكليفا وقد زال بالموت. والثاني: يختن الكبير والصغير. والثالث: يختن الكبير دون الصغير، حكاهما في البيان وهما شاذان ضعيفان. " المجموع " (1 / 352) . وقال ابن قدامة رحمه الله: فأما الختان [يعني للميت] فلا يشرع، لأنه إبانة جزء من أعضائه. وهذا قول أكثر أهل العلم. وحُكي عن بعض الناس أنه يختن. حكاه الإمام أحمد. والأول أولى لما ذكرناه اهـ المغني (3/484) . وسئلت اللجنة الدائمة عن طفل مات ولم يطهر [أي لم يختن) فهل يطهر أم لا؟ فقالت: لا يطهر لفوات زمان ختانه وهو مدة حياته. فتاوى اللجنة الدائمة (8/369) . وقال الشيخ ابن باز: وأما حلق العانة والختان فلا يشرع فعلهما في حق الميت لعدم الدليل على ذلك اهـ مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (13/114) . والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 31086 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4798 أفعال منكرة في المأتم [السُّؤَالُ] ـ[اطلب سماحتكم أن تفيدونا بما يتفق مع شرع الله في المأتم بأننا نعمل الآتي: نقرأ سورة الفاتحة على قبر الميت. وتكون التعزية في المأتم لمدة تصل إلى ثلاثة أيام أو أكثر، ونأكل ونشرب في المأتم، ونجمع من كل واحد خمسة وعشرين ريالاً وتُدفع لأهل الميت. وتذبح ذبيحة شاة أو نحوها في ثالث أيام الوفاة. وتجمع حصوات مع القول بصوت مرتفع (لا إله إلا الله) وتوضع على قبر الميت. وترفع النسوة أصواتهن بالبكاء والعويل، ولطم الخدود، وذكر محاسن الميت، ويلبسن الأسود الخشن حداداً على الميت، ولا تباشر النساء في أيام العدة أي عمل، نحو إعداد الطعام والقيام بالأعمال المعتادة التي يقمن بها النساء.]ـ [الْجَوَابُ] هذه عادات جاهلية، أو بدع منكرة، عليكم تركها وبيان نكارتها. 1- فأما القراءة على القبر فلا تجوز، ولم يفعلها أحد من السلف، ولو كان خيراً لسبقونا إليه، وإنما ورد قراءة (ياسين) عند المحتضر قبل خروج روحه أما بعد موته وعند دفنه أو بعد الدفن فلا يشرع من القراءة، ولا التلقين ونحوه. 2- أما التعزية فهي سنة، ولا تكون في المأتم، بل يعزى أهل الميت في كل مكان، ولا بأس باجتماعهم ( ... ) ليقصدهم المعزون، ولا يجتمعون للأكل، وإنما يصلح لأهل الميت وحدهم طعام بقدرهم، ويكره لهم فعله للناس. 3- وهذه النقود التي تُجمع من كل واحد لا حاجة إليها إلا إذا كانوا فقراء تحل لهم الزكاة. 4- لا تجوز هذه الذبيحة سواء كانت من مال الميت أو من غيره، أما إذا أصلح لأهل الميت طعام ولو بذبيحة أو أكثر فلا بأس. 5- وجمع هذه الحصوات، والذكر عند الجمع، ووضعها على القبر بدعة منكرة، يجب تركها وإنكارها. 6- ورفع الصوت بالنياحة والعويل، ولطم الخدود، وتعداد محاسن الميت بدعة، ومن فعل الجاهلية، وقد ورد حديث: " ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية " رواه البخاري (1294 فتح 3/163) ومسلم (103) وأحمد (1/442) . 7- ولبس السواد حدادا على الميت بدعة، وإنما زوجاته يتجنبن لباس الشهرة والزينة، والحلي والجمال، والطيب زمن الإحداد. 8- وتركهن الأعمال والأشغال المعتادة زمن الإحداد بدعة، فللحادة أن تصلح الطعام، وتكنس الدار وتغسل الأواني والثياب، ولا حرج عليها في ذلك والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 1333 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4799 حديث لا أصل له في قراءة "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ" عند المرور بالقبور [السُّؤَالُ] ـ[روي عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من مر على المقابر وقرأ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) إحدى عشر مرة، ثم وهب أجرها للأموات أعطي من الأجر بعدد الأموات) هل هذا الحديث صحيح؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "هذا الحديث لا أصل له عند أهل العلم، وهو من الأحاديث الموضوعة المكذوبة التي ليس لها سند صحيح، وليس من السنة أن يقرأ عند القبور ولا بين القبور، إنما السنة إذا زار القبور أن يقول: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين) أو: (السلام عليكم أهل الديار من المسلمين والمؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية) ، ويدعو لهم بالمغفرة والرحمة، هذا هو السنة، أما أن يقرأ عليهم القرآن، أو بينهم القرآن، فهذا لا أصل له " انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله فتاوى نور على الدرب" (1/196) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 134252 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4800 حديث ارحموا موتاكم بالصدقة [السُّؤَالُ] ـ[جاء في حاشية الستين: ذكر في نزهة المجالس عن كتاب " المختار ومطالع الأنوار " عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (لا يأتي على الميت أشد من الليلة الأولى، فارحموا موتاكم بالصدقة، فمن لم يجد فليصل ركعتين، يقرأ في كل ركعة منهما فاتحة الكتاب، وآية الكرسي، وألهاكم، وقل هو الله أحد إحدى عشرة مرة، ويقول اللهم ابعث ثوابها إلى قبره فلان ابن فلانة، فيبعث الله من ساعته إلى قبره ألف ملك، من كل ملك نور وهدية، يؤنسونه في قبره إلى أن ينفخ في الصور، ويعطي الله المصلى بعدد ما طلعت عليه الشمس حسنات ويرفع الله له أربعين ألف درجة ألف حجة وعمرة ويبنى له ألف مدينة في الجنة ويعطى ثواب ألف شهيد ويكسى ألف حلة ..... ) السؤال هل هذا الكلام صحيح , أرجو مساعدتنا بالإجابة لتصحيح أدياننا في البلاد غير الإسلامية.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد حذر من الكذب عليه، وتوعد عليه أشد الوعيد، كما في الحديث الذي رواه البخاري (1209) ومسلم (5) عَنْ الْمُغِيرَةِ بن شعبة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ؛ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ) . والأحاديث في هذا كثيرة معلومة. وانظر جواب السؤال رقم 34725 وقد ذكر أهل العلم بعض علامات، يمكن للمشتغل بسنة النبي صلى الله عليه، الذي طالت ممارسته لأحاديثه، ومعرفته بما يخرج من مشكاته، أن يتعرف بها النص المروي، هل هو مما يشبه كلام النبي صلى الله عليه وسلم، أو لا؛ وذكروا بعضا من العلامات التي تشيع في أحاديث الكذابين والوضاعين. فمن ذلك قول ابن القيم رحمه الله في هذه العلامات: " فمنها: اشتماله على أمثال هذه المجازفات، التي لا يقول مثلها رسول الله صلى الله، وهي كثيرة جدا " انتهى. المنار المنيف (50) . وهذا إذا كان للحديث المذكور إسناد مروي يمكن النظر فيه، والحكم عليه بما يقتضيه حاله، وفق قواعد علم الحديث؛ فكيف إذا كان مجرد حكاية مذكورة في كتاب، لا يعرف صاحبه بعلم السنة، أو التحقيق فيها. وقد سئلت اللجنة الدائمة الحديث المذكور في السؤال، فأجابت: " لا شك أن الحديث المذكور في السؤال من الأحاديث الموضوعة المكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن الصدقة والصلاة بالكيفية المذكورة في هذا الحديث الموضوع لا أصل لهما، ولا يشرع للمسلم أن يصلي عن أحد لا في أول ليلة يدفن فيها الميت ولا في غيرها، أما الصدقة فمشروعة عن الميت المسلم متى شاء أقاربه أو غيرهم الصدقة عنه؛ لما ثبت من الحديث الصحيح، أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أمي افتلتت نفسها ولم توص، وأظنها لو تكلمت تصدقت، أفلها أجر إن تصدقت عنها؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «نعم» ) . ولم يخص ليلة الدفن ولا غيرها، وقد أجمع العلماء من أهل السنة والجماعة على أن الميت المسلم ينتفع بالصدقة عنه والدعاء له، أما المؤلف لكتاب (المختار ومطالع الأنوار) فلا نعرفه، ولم نقف على كتابه المذكور، ولكن ما نقلتم عنه يدل على أنه ليس من أهل العلم المعتبرين، فنسأل الله لنا ولك ولجميع المسلمين المزيد من العلم النافع والعمل الصالح ". فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: المجلد التاسع ـ الفتوى رقم (2090) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 122204 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4801 التصدق عن الميت وعلم الميت بها [السُّؤَالُ] ـ[إذا ضحى شخص عن والده المتوفى أو تصدق عنه، أو دعا له، وزار قبره، فهل يحس أنه من ابنه فلان؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " الذي دلت عليه نصوص الشريعة انتفاع الميت بصدقة الحي عنه، ودعائه له، والضحية عنه نوع من أنواع الصدقة، فإذا أخلص المتصدق في صدقته عن الميت وفي دعائه له، انتفع الميت، وأثيب الداعي والمتصدق فضلاً من الله ورحمة، وحسبه أن يعلم الله منه الإخلاص وحسن العمل، ويأجر الطرفين، أما أنه يحس الميت بمن أسدى إليه المعروف فلم يدل عليه دليل شرعي فيما نعلم، وهو أمر غيبي، لا يُعلم إلا من وحي الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/32) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120941 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4802 إهداء ثواب الأعمال إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه [السُّؤَالُ] ـ[من منطلق حبي لصحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، وابتغاء مرضاة ربي، أريد أن أخرج أحدا من الناس ليؤدي فريضة الحج عن أحد الصحابة، فهل هذا جائز؟ وإن أمكن هل لكم بالتكرم بتزويدي بأسماء صحابة لم يتمكنوا من أداء فريضة الحج. أخبَرَني أحد الإخوان بأسماء بعض الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، ولكن كلهم ماتوا قبل سنة 6 للهجرة، قبل فرض فريضة الحج. وهل ممكن أن أجعل جزءا من مالي وقفاً لوجه الله تعالى للرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، وعن الرسل؟ ليست رغبتي من فعله سوى ابتغاء رحمة ربي، وأن يجمعني مع الرسول صلى الله عليه وسلم في الجنة، ومع الأنبياء والمرسلين وتابعيهم إلى يوم الدين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: نسأل الله تعالى أن يزيدك حبا للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام، وأن يكتب لك عظيم الأجر والثواب عليه. واحرص أن يكون حبك هذا دافعا لك للاقتداء بهم واتباعهم. وذلك يقتضي مراقبة الله تعالى في السر والعلن، وإخلاص القلب من شوائب الشرك والرياء والحسد والعجب والكبر، وتذليل النفس لحسن العبودية لله تعالى. ثانيا: قد ورد من الأدلة الشرعية ما يدل على جواز إهداء ثواب بعض القربات إلى الأموات. وقد سبق تقرير ذلك في جواب السؤال رقم (12652) . لكن إهداء ثواب الأعمال إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى صحابته الكرام ليس من المندوبات المستحبات، وذلك لوجوه: الأول: أننا لم نجد من السلف مَن فعل ذلك، وكل خير في اتباع من سلف، وكل شر في ابتداع من خلف، بل لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم بأحد من أصحابه، فقد ماتت زوجته خديجة وعمه حمزة قبل فريضة الحج، ولم ينقل أنه كلَّف من يحج عنهما، أو يتصدق عنهما، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم. الثاني: قد ذكر الله تعالى في سورة الحشر فضيلة المهاجرين والأنصار، ثم أثنى على من جاؤوا بعدهم بقوله: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) الحشر/10. فلم يذكر شيئا غير الدعاء لهم، مما يدل على أن الدعاء هو أفضل ما يهدى للمسلم، لا الصلاة، ولا الصدقة، ولا الحج، ولا غير ذلك من الأعمال. الثالث: أن من يهدي الثواب إلى النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفد شيئاً إلا أنه حرم نفسه من ذلك الثواب ولم ينفع النبي صلى الله عليه وسلم بشيء، لأنه صلى الله عليه وسلم له مثل ثواب أمته في كل عمل صالح، لأنه هو الذي دلهم عليه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالة له عن إهداء الثواب إلى النبي صلى الله عليه وسلم (ص/125-126) : " لم يكن من عمل السلف أنهم يصلُّون ويصومون ويقرؤون القرآن ويهدون للنبي صلى الله عليه وسلم، كذلك لم يكونوا يتصدقون عنه، ويعتقون عنه؛ لأن كل ما يفعله المسلمون فله مثل أجر فعلهم من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً" انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (3/213) : " بعض المحبِّين للرَّسُول عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ يهدون إليه القُرَب؛ كالختمة والفاتحة على روح محمَّد كما يقولون وما أشبه ذلك، فنقول: هذا من البدع ومن الضلال. أسألك أيُّها المُهْدي للرسول عبادة، هل أنت أشدُّ حُبًّا للرسول عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ من أبي بكر وعُمر وعُثمان وعليّ؟ إن قال: نعم، قلنا: كذبت، ثم كذبت، ثم كذبت، ثم كذبت. وإن قال: لا، قلنا: لماذا لم يُهْدِ أبو بكر والخلفاء بعده للرسول صلى الله عليه وسلم ختمة ولا فاتحة ولا غيرها؟ فهذا بدعة. ثم إن عملك الآن وإن لم تُهْدِ ثوابه سيكون للرَّسول صلى الله عليه وسلم مثله، فإذا أهديت الثَّوابَ، فمعناه أنك حرمت نفسك من الثواب فقط، وإلَّا فللرسول صلى الله عليه وسلم مثل عملك أهديت أم لم تُهْدِ " انتهى. وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/58-59) : " لا يجوز إهداء الثواب للرسول صلى الله عليه وسلم، لا ختم القرآن ولا غيره؛ لأن السلف الصالح من الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم لم يفعلوا ذلك، والعبادات توقيفية، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) ، وهو صلى الله عليه وسلم له مثل أجور أمته في كل عمل صالح تعمله؛ لأنه هو الذي دعاها إلى ذلك، وأرشدها إليه، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من دل على خير فله مثل أجر فاعله) " انتهى. وينظر جواب السؤال رقم: (52772) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112028 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4803 إطعام الطيور في المقابر صدقة عن الأموات [السُّؤَالُ] ـ[بعد وفاة والدي كنت أزور المقابر، وألاحظ الناس يخصون ميتهم ببعض الأكل للطيور يوم الجمعة، فهل هذا صحيحٌ ويصل إلى الميت أجره؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا أراد المسلم أن ينفع أحدا من أقاربه الموتى، فله أن يتصدق عنهم، وينوي بلوغ أجر الصدقة إليهم. دليل ذلك ما جاء عن عَائِشَةَ رضى الله عنها: أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا، وَأَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، فَهَلْ لَهَا أَجْرٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ) رواه البخاري (1388) ومسلم (1004) . ومعلوم أن إطعام الطيور والبهائم من الصدقات التي يكتب فيها الأجر للمسلم، كما روى أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ، إِلاَّ كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ) رواه البخاري (2320) ومسلم (1553) . لكن الأولى والأفضل والأكثر أجرا ونفعا التصدق على الفقراء والمساكين من المسلمين الذين ملؤوا أقطار الأرض اليوم، أما الطيور والبهائم فستجد رزقها الذي يسره الله لها. وأما تخصيص الزيارة بيوم الجمعة، فقد سبق التنبيه على بدعيته في جواب السؤال رقم: (12322) ، وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله، عن حكم تخصيص يوم الجمعة لزيارة المقابر؟ فأجاب رحمه الله: " لا أصل لذلك، والمشروع أن تزار القبور في أي وقت تيسَّر للزائر من ليل أو نهار، أما التخصيص بيوم معين أو ليلة معينة فبدعة لا أصل له؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) متفق على صحته، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) أخرجه مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (13/336) . وينبغي أن يعلم أن نفع الميت ليس مقصوراً على إطعام الطيور، أو الصدقة بالمال، فهناك أشياء أخرى تنفع الميت، وأفضلها وأنفعها الدعاء له. وانظر جواب السؤال رقم (763) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 110461 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4804 هل يحج عن أحد من الصحابة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن يحج عن أحد من الصحابة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا بأس أن يحج الإنسان عنهم كما يحج عن أي مسلم، لكن مع ذلك نرى الدعاء للأموات أفضل بكثير من الأعمال الصالحة، حتى الأب والأم إذا دعوت الله لهما فهو أفضل من أن تحج عنهما، إذا لم يكن فرضاً، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما تحدث عن عمل الإنسان بعد موته قال: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) ولم يقل عليه الصلاة والسلام: (يحج عنه، ولا يتصدق عنه، ولا يصوم عنه، ولا يزكي، ولا يحج) بل قال: (ولد صالح يدعو له) وهل تظن أيها المؤمن أحداً أنصح للأحياء والأموات من الرسول صلى الله عليه وسلم؟! لا والله لا نظن، بل نظن ونعتقد أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنصح الخلق للأحياء والأموات، ومع ذلك قال: (أو ولد صالح يدعو له) " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (24/23) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109240 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4805 تريد أن تقسم حسناتها بينها وبين والديها [السُّؤَالُ] ـ[هل أستطيع أن أقسم حسناتي ثلثا لي وثلثا لوالدتي وثلثا لوالدي – أي كل الحسنات المكتسبة من كل أعمال الخير التي يثاب الإنسان عليها في يومه وليله، من تسابيح واستغفار وصدقات ودعاء - من دون طبعا الصلاة والزكاة والحج والصيام -، أم أني أستطيع أن أقسم فقط حسنات الصدقات بيني وبينهم من دون سائر العبادات التي ذكرتها؟ وهل أستطيع أن أتصدق عنهم في حياتهم وبعد مماتهم؟ وهل أستطيع أن أجري لوالدي صدقات جارية من مالي الخاص ليأخذوا هم الثواب - كبناء مسجد وتوزيع مصاحف ... - وهم ما زالوا على قيد الحياة؟ وهل أستطيع أن أفعل ذلك بعد مماتهم؟ وهل أستطيع إذا اكتسبوا على سبيل المثال مالا حراما أن أسدده عنهم من مالي الخاص؟ وأخيرا، أنا في كل سجود أدعو الدعاء التالي ثلاث مرات: " رب اغفر لي ولوالدي ووالديهم وإخواني، ونجنا من عذاب القبر، وأخلدنا في الفردوس الأعلى " كما أستخدم السبحة للترديد يوميا 200 مرة: " رب اغفر لي ولوالدي ولإخواني وللمؤمنين والمؤمنات ". هل ما أفعله هو عمل طيب ويفيد أم هو بدعة وضياع للوقت؟ وهل إن كان ما أفعله جيدا ومفيدا، فهل فعلا ممكن بدعائي هذا المتواصل المتكرر أن يغفر الله لي ولوالدي ووالديهم ولإخواني كل ذنوبنا، وينجينا من عذاب القبر، ويخلدنا في الفردوس الأعلى؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: نشكر لك حرصك على بر والديك وعلى إيصال الخير لهما، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يكتب لك الأجر والتوفيق، وأن يجمعك بوالديك وجميع المسلمين في الجنة. لا خلاف بين أهل العلم جميعا على وصول ثواب الصدقة للأموات إذا أهدى المتصدق الثواب إليهم، وخاصة الوالدين، كذلك لا خلاف في أن الدعاء للأحياء والأموات يجلب لهم الخير والرحمة إذا تقبله الله عز وجل، وقد شهدت بذلك مجموعة من الأحاديث الواردة في السنة الصحيحة، والتي سبق بيانها بالشرح والتفصيل في مجموعة من أجوبة الموقع، يمكنك مراجعة بعضها في الأرقام الآتية: (12652) ، (42384) ، (102322) . ثانيا: يجوز للمتصدق أن ينوي تقسيم أجر صدقته بينه وبين والديه أثلاثا أحياءاً كانوا أم أمواتاً، "لأن الثواب ملك للمتصدق، فله أن يهديه جميعه وله أن يهدي بعضه، يوضحه أنه لو أهداه إلى أربعة مثلا يحصل لكل منهم ربعه، فإذا أهدى الربع وأبقى لنفسه الباقي جاز، كما لو أهداه إلى غيره" نقلا عن "الروح" لابن القيم (ص/190) ، يذكره في معرض المناقشة. وقد ذكرنا في جواب السؤال رقم (20996) عن الشيخ ابن باز رحمه الله جواز الصدقة عن الحي والميت. على أننا نرشدك إلى الأفضل وهو أن تعملي الأعمال الصالحة لنفسك، ويكون ثوابها كلها لك، وتكثري من الدعاء لوالديك فهذا هو الأفضل والأكمل. وانظري جواب السؤال رقم (42088) . ثالثا: أما سائر العبادات المندوبة كالصوم والحج والعمرة وقراءة القرآن والأذكار والإحسان إلى الناس ونحوها من أعمال البر، فقد اختلف العلماء في وصول ثوابها إلى الأموات. قال ابن القيم في كتاب "الروح" (ص/170) : " فمذهب الإمام أحمد وجمهور السلف وصولها، وهو قول بعض أصحاب أبي حنيفة. نص على هذا الإمام أحمد - في رواية محمد بن يحيى الكحال - قال: قيل لأبي عبد الله: الرجل يعمل الشيء من الخير من صلاة أو صدقة أو غير ذلك، فيجعل نصفه لأبيه أو لأمه؟ قال: أرجو. أو قال: الميت يصل إليه كل شيء من صدقة أو غيرها. وقال أيضا: اقرأ آية الكرسي ثلاث مرات، وقل هو الله أحد، وقل: اللهم إنَّ فضلَه لأهل المقابر. والمشهور من مذهب الشافعي ومالك أن ذلك لا يصل " انتهى. وقد سبق في الموقع ترجيح القول الثاني، أنه لا يصل إلى الميت ثواب شيء من الأعمال إلا ما دلت النصوص على وصوله، كالصدقة والدعاء والحج والعمرة، لقول الله تعالى: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) النجم/39. وراجعي جواب السؤال رقم (46698) . رابعاًَ: أما تسديد المال الحرام عنهم، فالمال الحرام كالمسروق والمغصوب والذي خُدع صاحبه ونحو ذلك يتعلق به حقان: الأول: حق الله تعالى في ارتكاب ما حرم. الثاني: حق صاحب المال في أخذ ماله بغير حق. وتسديد المال لصاحبه نرجو أن يسقط حق صاحب المال، ولكن يبقى حق الله تعالى، فلا يسقط إلى بالتوبة، أو بعفو الله تعالى عن المسيء. خامساً: أما الدعاء الذي ذكرته، فلا حرج فيه، لكن لا تلتزمي فيه عددا معينا، واجتهدي في الدعاء قدر استطاعتك، من غير تقييد بعدد معين ولا اعتقاد فضل معين. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103966 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4806 كيف يمكن أن يستفيد أقربائي من قراءتي [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن يستفيد أقربائي الذين توفاهم الله من قراءتي للقرآن. وأيضا فأنا أريد دعاء الله لنفسي ولعائلتي. فما هي الأمور التي ينبغي علي فعلها، فأنا أعلم أن رفع اليدين ومسح الوجه يعدان من البدعة؟ وجزاك الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصحيح أن الميت ينتفع بالعبادات البدنية التي يفعلها أقرباؤه الأحياء مع قصد ثوابها له (العبادات البدنية: كالصوم وغيره) وكذلك العبادات المالية: كالصدقة عن الميت، والعتق عنه. وإن كان بعض ذلك لا يشرع. يدل على ذلك حديث سعد بن عبادة رضي الله عنه أنه تصدق ببستانه لأمه التي ماتت فأجازه النبي صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري، وغيرها من الأحاديث. لكن الصدقة عن الميت أفضل من إهداء القراءة له، وكذا الدعاء له والاستغفار له أفضل من غيرها من الأعمال. وأنت إذا تصدقت عن قريبك الميت أو دعوت له - أو غير ذلك من الأعمال - انتفع به الميت وكان لك أنت أيضا أجر وثواب وفضل الله واسع. وأما رفع اليدين عند الدعاء: فليس بدعة، بل هو سنة من سنن الهدى، وهو من أسباب إجابة الدعاء، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن الله تعالى حيي كريم، يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرا خائبتين " رواه أحمد وأبو داود من حديث سلمان. وإنما يكره رفع اليدين في مواطن: مثل رفعهما عند دعاء خطيب الجمعة فإنه مكروه إلا إذا استسقى الخطيب في الجمعة فعندها يشرع رفع اليدين فقد صح ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكذلك لا يجوز رفع اليدين جماعيا أو فرادى بعد الصلاة الفريضة إذ ليس على ذلك مستند. وأما مسح الوجه أو الصدر أو البدن باليدين بعد الدعاء: فبدعة لا تجوز. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 6648 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4807 إهداء ثواب الطاعات للنبي صلى الله عليه وسلم [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من يقرأ القرآن مثلاً , ثم يقول: وهبت ثواب هذه القراءة للنبي صلى الله عليه وسلم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصواب المقطوع به أن إهداء ثواب الطاعات إلى النبي صلى الله عليه وسلم بدعة , والدليل على هذا: 1- أن هذا الإهداء لا حاجة إليه , ولا داعي له , فإن النبي صلى الله عليه وسلم له مثل أجور أمته من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً , كما ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا) رواه مسلم (2674) . وقال: (مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ) رواه مسلم (1017) . وهو صلى الله عليه وسلم قد سن سنن الهدى جميعها لأمته، فصار إهداء العامل الثواب للنبي صلى الله عليه وسلم ليس فيه فائدة , بل فيه إخراج العامل للثواب عن نفسه من غير فائدة تحصل لغيره , فهذا العامل فاته ثواب العمل , والنبي صلى الله عليه وسلم له مثل هذا الثواب من غير إهداء. 2- أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسن هذا لأمته , وقد قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) رواه البخاري (2697) ومسلم (1718) واللفظ لمسلم. 3- أن السلف - من الخلفاء الراشدين , وسائر الصحابة والتابعين - لم يكونوا يفعلون ذلك , وهم أعلم بالخير , وأرغب فيه , وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ) رواه أبو داود (4607) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. انظر رسالة: "إهداء الثواب للنبي صلى الله عليه وسلم" لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. وقد سئل ابن العطاء تلميذ النووي رحمهما الله: هل تجوز قراءة القرآن وإهداء الثواب إليه صلى الله عليه وسلم وهل فيه أثر؟ فأجاب: " أما قراءة القرآن العزيز فمن أفضل القربات، وأما إهداؤه للنبي صلى الله عليه وسلم فلم ينقل فيه أثر ممن يعتد به، بل ينبغي أن يمنع منه، لما فيه من التهجم عليه فيما لم يأذن فيه، مع أن ثواب التلاوة حاصل له بأصل شرعه صلى الله عليه وسلم، وجميع أعمال أمته في ميزانه " انتهى. ونقل السخاوي عن شيخه الحافظ ابن حجر رحمه الله أنه سئل عمن قرأ شيئا من القرآن وقال في دعائه: اللهم اجعل ثواب ما قرأته زيادة في شرف رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأجاب: " هذا مخترع من متأخري القراء، لا أعلم لهم سلفاً فيه " انتهى نقلاً من: "مواهب الجليل" (2/454,544) هذا مع أن قراءة القرآن وإهداء الثوب للأموات فيه خلاف بين العلماء، انظر السؤال (70317، 46698) لكن حتى لو قيل بجوازه، فلا يجوز الإهداء للنبي صلى الله عليه وسلم، لأنه لا يحصل به إلا حرمان العامل من الثواب من غير فائدة لغيره. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 52772 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4808 إهداء ثواب الذكر إلى أبويه [السُّؤَالُ] ـ[هل لي أن أقول سبحان الله مائة مرة أو غير ذلك من الأذكار، داعياً أن يكون ثواب ذلك لأبي أمي؟ علماً أن أبي متوفى، وأمي لا زالت على قيد الحياة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف العلماء في جواز إهداء الثواب للموتى وهل يصلهم ذلك على قولين: القول الأول: أن كل عمل صالح يهدى للميت فإنه يصله، ومن ذلك قراءة القرآن والصوم والصلاة وغيرها من العبادات. القول الثاني: أنه لا يصل إلى الميت شيء من الأعمال الصالحة إلا ما دل الدليل على أنه يصل. وهذا هو القول الراجح، والدليل عليه قوله تعالى: (وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى) النجم/39 وقوله عليه الصلاة والسلام: (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) أخرجه مسلم (1631) ، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وقد مات عم النبي صلى الله عليه وسلم حمزة رضي الله عنه، وزوجته خديجة، وثلاث من بناته، ولم يرد أنه قرأ عن واحد منهم القرآن، أو ضحى أو صام أو صلى عنهم، ولم ينقل شيء من ذلك عن أحد من الصحابة، ولو كان مشروعاً لسبقونا إليه. أما ما دل الدليل على استثنائه ووصول ثوابه إلى الميت فهو: الحج، والعمرة، والصوم الواجب، والصدقة، والدعاء. قال الحافظ ابن كثير رحمه الله عند تفسير قوله تعالى: (وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى) : " ومن هذه الآية استنبط الشافعي ومن تبعه أن القراءة لا يصل إهداء ثوابها إلى الموتى؛ لأنه ليس من عملهم ولا كسبهم، ولهذا لم يندب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته ولا حثهم عليه، ولا أرشدهم إليه بنص ولا إيماء، ولم ينقل عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم، ولو كان خيراً لسبقونا إليه وباب القربات يقتصر فيه على النصوص، ولا يتصرف فيه بأنواع الأقيسة والآراء، فأما الدعاء والصدقة، فذاك مجمع على وصولها ومنصوصٌ من الشارع عليها " ا. هـ (تفسير ابن كثير 4/ 258) . ثم لو سلمنا بأن ثواب الأعمال الصالحة كلها يصل إلى الميت فإن أفضل ما ينفع الميت هو الدعاء، فلماذا نترك ما حث عليه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أمور أخرى لم يفعلها، ولم يفعلها أحد من أصحابه؟! والخير كل الخير في هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه لله عن إهداء ثواب قراءة القرآن والصدقة للأم، سواء كانت حية أم ميتة، فأجاب: " أما قراءة القرآن فقد اختلف العلماء في وصول ثوابها إلى الميت على قولين لأهل العلم، والأرجح أنها لا تصل لعدم الدليل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعلها لأمواته من المسلمين كبناته اللاتي مُتْن في حياته عليه الصلاة والسلام، ولم يفعلها الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم فيما علمنا، فالأولى للمؤمن أن يترك ذلك ولا يقرأ للموتى ولا للأحياء ولا يصلي لهم، وهكذا التطوع بالصوم عنهم؛ لأن ذلك كله لا دليل عليه، والأصل في العبادات التوقيف إلا ما ثبت عن الله سبحانه أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم شرعيته. أما الصدقة فتنفع الحي والميت بإجماع المسلمين، وهكذا الدعاء ينفع الحي والميت بإجماع المسلمين، فالحي لا شك أنه ينتفع بالصدقة منه ومن غيره وينتفع بالدعاء، فالذي يدعو لوالديه وهم أحياء ينتفعون بدعائه، وهكذا الصدقة عنهم وهم أحياء تنفعهم، وهكذا الحج عنهم إذا كانوا عاجزين لكبر أو مرض لا يرجى برؤه فإنه ينفعهم ذلك، ولهذا ثبت عنه صلى الله عليه وسلم: أن امرأة قالت يا رسول الله إن فريضة الله في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: " حجي عنه" وجاءه رجل آخر فقال: يا رسول الله إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا الظعن أفأحج عنه وأعتمر؟ قال: " حج عن أبيك واعتمر" فهذا يدل على أن الحج عن الميت أو الحي العاجز لكبر سنه أو المرأة العاجزة لكبر سنها جائز، فالصدقة والدعاء والحج عن الميت أو العمرة عنه، وكذلك عن العاجز كل هذا ينفعه عند جميع أهل العلم، وهكذا الصوم عن الميت إذا كان عليه صوم واجب سواء كان عن نذر أو كفارة أو عن صوم رمضان لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: " من مات وعليه صيام صام عنه وليه" متفق على صحته، ولأحاديثٍ أخرى في المعنى، لكن من تأخر في صوم رمضان بعذر شرعي كمرض أو سفر ثم مات قبل أن يتمكن من القضاء فلا قضاء عنه ولا إطعام؛ لكونه معذورا اهـ. "مجموع فتاوى ومقالات الشيح ابن باز" (4/348) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجوز أن يتصدق الرجل بمال ويشرك معه غيره في الأجر؟ فأجاب: يجوز أن يتصدق الشخص بالمال وينويها لأبيه وأمه وأخيه، ومن شاء من المسلمين، لأن الأجر كثير، فالصدقة إذا كانت خالصة لله تعالى ومن كسب طيب تضاعف أضعافاً كثيرة، كما قال اله تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) البقرة/261. وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يضحي بالشاة الواحدة عنه وعن أهل بيته " اهـ. "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (18/249) . وبما تقدم يتضح أن ما ذكرتَه من إهدائك أجرَ الذكرِ لوالديك لا يصح على القول الراجح؛ سواء الحي منهما أو الميت، وإنما الوصية لك بالإكثار من الدعاء لهما، والصدقة عنهما , فإن الخير كل الخير في اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 46698 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4809 انتفاع الميت بالصدقة عنه [السُّؤَالُ] ـ[مات أبي رحمه الله وأريد أن أصنع صدقة جارية على روحه علها تزيد في حسناته وترفع درجاته عند مليكه مثل بناء مسجد أو طباعة كتاب علم ينتفع به المسلمون لكن أحد الشيوخ أفتانا بعدم جدوى ذلك لأنها ليست من ماله وأن الصدقة الجارية لابد أن تكون من صنع المرء بنفسه في حياته وقبل وفاته وتستمر معه بعد وفاته فهل كلام الشيخ صحيح؟ وإن لم يكن صحيحا فأفتوني وأشيروا عليّ بأفضل الطرق لنفع والدنا المتوفى. وجزاكم الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اتفق أهل العلم على أن الدعاء والاستغفار والصدقة والحج تصل للميت. أما الدعاء والاستغفار فلقول الله تعالى: (والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل) وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء) . وأما الصدقة فقد ثبت في الصحيحين عن عائشة: (أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم إن أمي افتلتت نفسها ولم توصي وأظنها لو تكلمت تصدقت أفلها أجر إن تصدقت عليها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم) رواه البخاري برقم 1388، ومسلم برقم 1004، وثبت في البخاري عن سعد بن عبادة: (أن أمه توفيت وهو غائب فقال: يا رسول الله إن أمي ماتت وأنا غائب فهل ينفعها إن تصدقت عنها فقال: نعم، فقال: أشهدك أن حائطي المخراف صدقة عنها) رواه البخاري برقم 2756. وأما الحج فقد قال صلى الله عليه وسلم لمن سألته عن الحج: (أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته، قالت: نعم قال: فدين الله أحق بالقضاء) رواه البخاري برقم 6699، ومسلم برقم 1148. ومما سبق تعلم أن الصدقة عن الميت تنفعه ويصل إليه ثوابها. وقد روي حديث ضعيف في الصلاة عن الميت، وذكر الإمام مسلم في مقدمة صحيحه عن عبد الله بن المبارك أنه ضعف هذا الحديث ثم قال: لَيْسَ فِي الصَّدَقَةِ (يعني عن الميت) اخْتِلافٌ اهـ. قال النووي: قَوْله: (لَيْسَ فِي الصَّدَقَة اِخْتِلافٌ) فَمَعْنَاهُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيث لا يُحْتَجُّ بِهِ , وَلَكِنْ مَنْ أَرَادَ بِرَّ وَالِدَيْهِ فَلْيَتَصَدَّقْ عَنْهُمَا فَإِنَّ الصَّدَقَة تَصِلُ إِلَى الْمَيِّتِ وَيَنْتَفِع بِهَا بِلا خِلَافٍ بَيْن الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب. وَأَمَّا مَا حَكَاهُ أَقْضَى الْقُضَاةِ أَبُو الْحَسَن الْمَاوَرْدِيّ الْبَصْرِيّ الْفَقِيه الشَّافِعِيّ فِي كِتَابه الْحَاوِي عَنْ بَعْض أَصْحَاب الْكَلام مِنْ أَنَّ الْمَيِّت لا يَلْحَقُهُ بَعْد مَوْته ثَوَاب فَهُوَ مَذْهَبٌ بَاطِلٌ قَطْعًا وَخَطَأٌ بَيِّنٌ مُخَالِفٌ لِنُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاع الأُمَّة فَلا اِلْتِفَاتَ إِلَيْهِ وَلا تَعْرِيجَ عَلَيْهِ. وَأَمَّا الصَّلاة وَالصَّوْم فَمَذْهَب الشَّافِعِيّ وَجَمَاهِير الْعُلَمَاء أَنَّهُ لا يَصِلُ ثَوَابُهُمَا إِلَى الْمَيِّت إِلا إِذَا كَانَ الصَّوْم وَاجِبًا عَلَى الْمَيِّت فَقَضَاهُ عَنْهُ وَلِيُّهُ أَوْ مَنْ أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ فَإِنَّ فِيهِ قَوْلَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ أَشْهَرُهُمَا عَنْهُ أَنَّهُ لا يَصِحّ وَأَصَحُّهُمَا عِنْد مُحَقِّقِي مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِهِ أَنَّهُ يَصِحّ. وَأَمَّا قِرَاءَة الْقُرْآن فَالْمَشْهُور مِنْ مَذْهَب الشَّافِعِيّ أَنَّهُ لا يَصِلُ ثَوَابُهَا إِلَى الْمَيِّت وَقَالَ بَعْض أَصْحَابه: يَصِل ثَوَابهَا إِلَى الْمَيِّت. وَذَهَبَ جَمَاعَات مِنْ الْعُلَمَاء إِلَى أَنَّهُ يَصِل إِلَى الْمَيِّت ثَوَاب جَمِيع الْعِبَادَات مِنْ الصَّلاة وَالصَّوْم الْقِرَاءَة وَغَيْر ذَلِكَ. . . ثم ذكر النووي أن الدُّعَاء وَالصَّدَقَة وَالْحَجّ يصِلُ ثوابها إلى الميت بِالإِجْمَاعِ اهـ بتصرف. وقال في تحفة المحتاج (7/72) : "وينفع الميت صدقة عنه ومنها وقف لمصحف وغيره وحفر بئر وغرس شجر منه في حياته أو من غيره عنه بعد موته" اهـ. وأما أفضل الطرق لنفع والدك فعليك بالإكثار من الدعاء له، قال الله تعالى: (وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثَةٍ إِلا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ) رواه مسلم (1631) . أما بالنسبة للصدقة فمن أفضل ما تبذل فيه الصدقات الجهاد في سبيل الله وبناء المساجد ومساعدة طلبة العلم بطباعة الكتب أو إعطائهم الأموال التي يحتاجون إليها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 42384 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4810 حكم قراءة القرآن لآخر حيا أو ميتا [السُّؤَالُ] ـ[لي والدة لا تقرأ وأحب أن أبرها وكثيرا ما أقرأ القرآن وأجعل ثوابه لها، ولما سمعت أنه لا يجوز عدلت عن ذلك وأخذت أتصدق عنها بدراهم، وهي الآن حية على قيد الحياة، فهل يصل ثواب الصدقة من مال وغيره إليها سواء كانت حية أو ميتة، أم لا يصل إلا الدعاء، حيث لم يرد إلا ذلك كما في الحديث: (إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث وذكر: ولد صالح يدعو له) ، وهل الإنسان إذا كان كثير الدعاء لوالديه في الصلاة وغيرها قائما وقاعدا يشهد له الحديث في بأنه صالح ويرجى له خير عند الله؟ أرجو الإفادة ولكم من الله الثواب الجزيل.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أما قراءة القرآن فقد اختلف العلماء في وصول ثوابها إلى الميت على قولين لأهل العلم، والأرجح أنها لا تصل لعدم الدليل. لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعلها لأمواته من المسلمين كبناته اللاتي، متن في حياته عليه الصلاة والسلام، ولم يفعلها الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم فيما علمنا، فالأولى للمؤمن أن يترك ذلك ولا يقرأ للموتى ولا للأحياء ولا يصلي لهم، وهكذا التطوع بالصوم عنهم. لأن ذلك كله لا دليل عليه، والأصل في العبادات التوقيف إلا ما ثبت عن الله سبحانه أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم شرعيته. أما الصدقة فتنفع الحي والميت بإجماع المسلمين، وهكذا الدعاء ينفع الحي والميت بإجماع المسلمين، وإنما جاء الحديث بما يتعلق بالميت. لأنه هو محل الإشكال: هل يلحقه أم لا يلحقه فلهذا جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) لما كان من المعلوم أن الموت تنقطع به الأعمال بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن هذا لا ينقطع، وأما الحي فلا شك أنه ينتفع بالصدقة منه ومن غيره وينتفع بالدعاء، فالذي يدعو لوالديه وهم أحياء ينتفعون بدعائه، وهكذا الصدقة عنهم وهم أحياء تنفعهم. وهكذا الحج عنهم إذا كانوا عاجزين لكبر أو مرض لا يرجى برؤه فإنه ينفعهم ذلك، ولهذا ثبت عنه صلى الله عليه وسلم: أن امرأة قالت يا رسول الله: إن فريضة الله في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة، أفأحج عنه. قال: (حجي عنه) . وجاءه رجل آخر فقال: يا رسول الله: إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا الظعن أفأحج عنه وأعتمر؟ ، قال: (حج عن أبيك واعتمر) ، فهذا يدل على أن الحج عن الميت أو الحي العاجز لكبر سنه أو المرأة العاجزة لكبر سنها جائز، فالصدقة والدعاء والحج عن الميت أو العمرة عنه وكذلك عن العاجز كل هذا ينفعه عند جميع أهل العلم. وهكذا الصوم عن الميت إذا كان عليه صوم واجب سواء كان عن نذر أو كفارة أو عن صوم رمضان لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) متفق على صحته، ولأحاديث أخرى في المعنى، لكن من تأخر في صوم رمضان بعذر شرعي كمرض أو سفر ثم مات قبل أن يتمكن من القضاء فلا قضاء عنه ولا إطعام لكونه معذورا. وأنت أيها السائل على خير إن شاء الله في إحسانك إلى والديك بالصدقة عنهما والدعاء لهما، ولا سيما إذا كان الولد صالحا، فهو أقرب إلى إجابة الدعاء، لذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أو ولد صالح يدعو له) لأن الولد الصالح أقرب إلى أن يجاب من الولد الفاجر، وإن كان الدعاء مطلوبا من الجميع للوالدين، ولكن إذا كان الولد صالحا صار أقرب في إجابة دعوته لوالديه. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز يرحمه الله، م/4، ص/348. الحديث: 20996 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4811 حكم الهبوط بالمظلة من الطائرة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز تجربة الهبوط بالمظلة من الطائرة، وهل إذا مات الشخص وهو يهبط يعتبر انتحارا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا كان الهبوط بالمظلة من الطائرة لغرض التدريب على أساليب القتال الحديثة والمناورات الحربية فلا بأس به، بل هو مأمور به، لقوله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) الأنفال / 60 قال الشيخ السعدي رحمه الله: " أي (وَأَعِدُّوا) لأعدائكم الكفار الساعين في هلاككم وإبطال دينكم (مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) أي: كل ما تقدرون عليه من القوة العقلية والبدنية وأنواع الأسلحة، ونحو ذلك مما يعين على قتالهم، فدخل في ذلك أنواع الصناعات التي تعمل فيها أصناف الأسلحة والآلات، من المدافع والرشاشات، والبنادق، والطيارات الجوية، والمراكب البرية والبحرية، والحصون والقلاع والخنادق، وآلات الدفاع، والرأْي والسياسة التي بها يتقدم المسلمون ويندفع عنهم به شر أعدائهم، وتَعَلُّم الرَّمْيِ، والشجاعة والتدبير. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا إن القوة الرَّمْيُ) ومن ذلك: الاستعداد بالمراكب المحتاج إليها عند القتال، ولهذا قال تعالى: (وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) وهذه العلة موجودة فيها في ذلك الزمان، وهي إرهاب الأعداء، والحكم يدور مع علته. فإذا كان شيء موجود أكثر إرهابا منها، كالسيارات البرية والهوائية، المعدة للقتال التي تكون النكاية فيها أشد، كانت مأمورا بالاستعداد بها، والسعي لتحصيلها، حتى إنها إذا لم توجد إلا بتعلُّم الصناعة، وجب ذلك؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب " انتهى. "تفسير السعدي" (ص 324-325) . وأما إذا كان الهبوط على سبيل اللعب واللهو والترفيه: فلا يجوز، وأقل أحواله الكراهة إن كان الغالب على الظن السلامة، فإن غلب على الظن أن ممارسه يتلف، أو يصيبه ضرر في بدنه أو نفسه: حرم حينئذ. عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ، وَغَزَوْنَا نَحْوَ فَارِسَ، فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ بَاتَ فَوْقَ بَيْتٍ لَيْسَتْ لَهُ إِجَّارٌ، فَوَقَعَ فَمَاتَ، فَبَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ. وَمَنْ رَكِبَ الْبَحْرَ عِنْدَ ارْتِجَاجِهِ فَمَاتَ، فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ) . رواه الإمام أحمد في مسنده (20224) ، وحسنه الألباني. قال ابن بطال رحمه الله: " ومعناه إن شاء الله -: فقد برئت منه ذمة الحفظ؛ لأنه ألقى بيده إلى التهلكة وغرر بنفسه، ولم يرد فقد برئت منه ذمة الإسلام؛ لأنه لا يبرأ أحد من الإسلام إلا بالكفر". انتهى. "شرح البخاري" (5/89) . وفيما تأوله من " ذمة الحفظ "، وإن كان ذلك ليس معناه على الكفر قطعا، بل هو من أحاديث الوعيد لأهل الكبائر والمعاصي، وليست على الكفر المخرج من الملة. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " ومفهومه الجواز عند عدمه، وهو المشهور من أقوال العلماء؛ فإذا غلبت السلامة فالبر والبحر سواء " انتهى. "فتح الباري" (6/88) . وقد سئل الشيخ ابن عثيمين: هل تجوز المغامرة بالنفس أو المخاطرة، كما نرى حالياً في بعض أنواع الرياضة العنيفة التي قد تؤدي بمن يمارسها إلى الهلاك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: " هذا محرم، ولا يجوز للإنسان أن يغرر بنفسه فيما يخشى منه التلف أو الضرر؛ لأن الله تعالى يقو (وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) وإذا كان الله تعالى قد نهى عن ذلك فقال (وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ) ؛ فإن كل شيء يؤدي إلى الموت أو يؤدي إلى الضرر فإنه أيضاً محرم. قال النبي صلى الله عليه وسلم (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام) فكما أن الإنسان لا يحل له أن يعتدي على غيره، فلا يحل له أن يعتدي على نفسه بتعريضها لما فيه التلف أو الضرر " انتهى. "فتاوى نور على الدرب" (13/252) . فالحاصل: أن من قام بذلك النوع من الأعمال والمخاطرات: فإن كان ذلك من أجل التدريب على أساليب القتال الحديثة لإعداد القوة للأعداء: فلا حرج عليه فيه، بل هو مأجور عليه إن شاء الله، لكن ينبغي على المسؤول عن ذلك والقائم عليه: أن يتخير من يصلح لهذا النوع من المهمات، من حيث استعداده البدني والنفسي، وقدرته على القيام بهذا النوع من المهام، ومراقبة تدرجه في النهوض بأعباء ذلك، قبل أن يمارس المهمة فعلا. فإن مات، أو تضرر بذلك، فليس قاتلا لنفسه، بل هو مأجور على قصده وعمله، إن شاء الله. وأما لمجرد الرياضة والتسلية، كما هو شائع اليوم، فلا يجوز. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 138420 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4812 هل يجوز لوالدها منعها من المسجد لرفضها الدراسة المختلطة في الجامعة ببلاد الغرب؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل لوالدي الحق في أن يمنعني من الذهاب إلى المسجد للتدريس وحضور المحاضرات بسبب أني رفضت إكمال دراستي الجامعية في مكان مختلط هنا في إحدى جامعات الغرب؟ يقوم بفعل ذلك كوسيلة ضغط لأعاود دراستي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا شك أن طاعة الوالدين وبرهما من أعظم القربات، قال الله عز وجل: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) الإسراء/23. وقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الصَّلَاةُ عَلَى مِيقَاتِهَا. قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ. قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) . متفق عليه. إلا أن طاعة الوالدين إنما تكون إذا أمرا بمعروف، لا منكر. روى الإمام أحمد (1098) عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) صححه الألباني في "الصحيحة" (179) وأصله في الصحيحين، ولفظه: (لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ) . قال أبو عمر ابن عبد البر رحمه الله: "أجمع العلماء على أن من أمر بمنكر لا تلزم طاعته، قال الله عز وجل: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) " انتهى. "التمهيد" (23 / 277) والدراسة في بلاد الغرب في جامعة مختلطة ليست من المعروف الذي يجب أن يطاع فيه الوالدان، وإنما هي من المنكر الذي يجب عدم طاعتهما فيه، ولكن بسلوك طريق الأدب والرفق والحرص على عدم السخط والغضب. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل يجوز للأخوات أن يدخلن ويتعلمن في المدارس والجامعات المختلطة، حيث لا يوجد في بلاد الغرب إلا التعليم المختلط، ولكن الأخوات يلتزمن بالزي الإسلامي مع مضايقات الكفار؟ فأجابوا: "اختلاط الرجال والنساء في التعليم حرام ومنكر عظيم؛ فما فيه من الفتنة وانتشار الفساد وانتهاك المحرمات، وما وقع بسبب هذا الاختلاط من الشر والفساد الخلقي لهو من أوضح الدلائل على تحريمه، وإذا انضاف إلى ذلك كونه في بلاد الكفار كان أشد حرمة ومنعا، وتعلم المرأة بالمدارس والجامعات ليس من الضرورات التي تستباح بها المحرمات، وعليها أن تتعلم بالطرق السليمة البعيدة عن الفتن " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (12 / 181-182) . وسئلوا أيضاً: ما حكم الإسلام في خروج المرأة لتعلم العلم الدنيوي، مع أنها تتحمل في هذا الخروج بعض المعاصي مثل: خلع النقاب، والاختلاط بالرجال، وتضيع الوقت فيما لا ينفع. مع العلم أن والدي يأمرني بالذهاب إلى الجامعة، فلما أصريت على عدم الذهاب غضبوا علي غضبا شديدا جدا، فهل علي أن أطيعهم في هذا الأمر؟ وإذا لم أطعهما فهل في هذه الحالة أأثم؟ فأجابوا: "خلع الحجاب محرم، والاختلاط بالرجال في التعليم محرم، ولا تجب طاعة الوالدين في معصية الله تعالى، ولا إثم عليك في ذلك" انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (17 / 262) . ثانياً: لا يجوز لولي المرأة أن يمنعها من الخروج إلى المسجد، ما دامت تخرج ملتزمة بالآداب والأحكام الشرعية، ولا يترتب على خروجها مفسدة أو فتنة، وذلك لما رواه البخاري (900) ومسلم (442) أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ) . ويتأكد هذا النهي إذا كان الأب إنما يمنع ابنته عقاباً لها على فرارها من معصية الله (كالتعليم الجامعي المختلط في بلاد الغرب) . فهذا عقاب لها على أنها أطاعت الله تعالى، وهذا لا شك أنه لا يجوز. والذي ننصحك به هو الرفق، ومعالجة الأمر بالحكمة والموعظة الحسنة، مع كمال حسن الأدب حين التحدث إليه، ولا بأس من الاستعانة بمن يمكنه أن يجلي للوالد حقائق الأمور، ويبصره بحكم الشريعة في مثل تلك القضايا، ويذكره بالله تعالى، من أهل النصح والعقل ممن يمكن للوالد تقبل نصحه وكلامه. والله يسددكم ويرعاكم ويحفظكم من كل سوء، إنه سميع قريب. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136891 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4813 حكم قتل الأجانب في بلاد المسلمين [السُّؤَالُ] ـ[ما رأيكم في العمليات التي تحدث في بلاد المسلمين وتستهدف قتل الأجانب ولكنها تؤدي إلى قتل عدد من المسلمين أيضا وتدمير بعض المباني والمنشآت، وهل هذا من الجهاد كما يقول منفذوها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: هذه العمليات التي تحدث في بلاد المسلمين وتستهدف كما ذكرت الأجانب، ليست جهاداً، بل هي فساد وإفساد، وتخريب وتشويه، وهي دالة على جهل مرتكبيها وطيشهم، فإن هؤلاء الأجانب مستأمنون في بلاد المسلمين، لم يدخلوها إلا بإذن، فلا يجوز الاعتداء عليهم، لا بالضرب ولا بالنهب، فضلا عن القتل، فدماؤهم وأموالهم معصومة، والمتعرض لهم على خطر كبير، كما روى البخاري (3166) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا) . وهذا شامل للذمي والمعاهد والمستأمن. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري": " وَالْمُرَاد بِهِ: مَنْ لَهُ عَهْد مَعَ الْمُسْلِمِينَ سَوَاء كَانَ بِعَقْدِ جِزْيَة، أَوْ هُدْنَة مِنْ سُلْطَان، أَوْ أَمَان مِنْ مُسْلِم " انتهى. وفي قوله رحمه الله: " أو أمان من مسلم " إشارة إلى ما هو معروف عند الفقهاء من أن الأمان لا يشترط أن يكون من الحاكم والسلطان، بل يجوز أن يكون من رجل من عامة المسلمين، وهؤلاء الأجانب المشار إليهم يدخلون بلاد المسلمين بأمان من الدولة، وبأمان أيضاً من أحد من المسلمين في كثير من الأحوال، فلا يجوز التعرض لهم، ولو كانوا في الأصل محاربين. وقد روى البخاري (3171) ومسلم (336) عن أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنها قال: ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: (مَنْ هَذِهِ؟ فَقُلْتُ: أَنَا أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ. فَقَالَ: مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، زَعَمَ ابْنُ أُمِّي عَلِيٌّ أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا قَدْ أَجَرْتُهُ، فُلَانُ بْنُ هُبَيْرَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ) . قال ابن قدامة رحمه الله: " (ومن أعطاهم الأمان منا ; من رجل , أو امرأة , أو عبد , جاز أمانة) . وجملته: أن الأمان إذا أعطي أهل الحرب , حرم قتلهم ومالهم والتعرض لهم. ويصح من كل مسلم بالغ عاقل مختار , ذكراً كان أو أنثى , حراً كان أو عبداً. وبهذا قال الثوري والأوزاعي والشافعي وإسحاق وابن القاسم وأكثر أهل العلم" انتهى من "المغني" (9/195) . ثانياً: إذا نقض المستأمن أو المعاهد عهده لم يجز لآحاد المسلمين قتله؛ لما يترتب على ذلك من المفاسد، وقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم قتل عبد الله بن أبيّ بن سلول رأس النفاق مخافة أن يقال: إن محمداً يقتل أصحابه، وهكذا ليس لآحاد المسلمين قتل من ظهرت ردته وزالت عصمته؛ للمعنى الذي ذكرنا، وكم جَرَّ هذا من الشر والبلاء على أهل الإسلام، وكم حصل به من التضييق على الدعوة والدعاة، وكم استغله المغرضون لتشويه صورة الحق وأهله. ثالثاً: أما التسبب في قتل المسلمين المعصومين، فذلك جرم كبير، وذنب عظيم؛ فإن (زَوَال الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ) كما قال صلى الله عليه وسلم. رواه الترمذي (1395) والنسائي (3987) وابن ماجه (2619) من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وصححه الألباني في صحيح الترمذي. وما يدعيه هؤلاء من الاستشهاد بمسألة التترس مردود عليهم، وهو دال على جهلهم وظلمهم، فإننا نمنع قتل الكافر مباح الدم لو كان وحده – لما ذكرنا من المفسدة – فكيف إذا انضاف إلى ذلك قتل غيره من معصومي الدم؟ فبان بهذا أن فعل هؤلاء ظلمات بعضها فوق بعض، وأن منشأها الجهل والعجلة وعدم الرجوع إلى أهل العلم الذين أُمرنا بسؤالهم ورد الأمر إليهم، وقد انتظمت كلمة الثقات الأثبات من أهل العلم على منع هذه العمليات وتجريمها لكونها محرمة من أصلها، أو لما يترتب عليها من المفاسد والشرور. فعلى كل امرئ أن يتقي الله تعالى، وأن يحذر أشد الحذر من إخفار ذمة المسلم، وسفك الدم الحرام، وجلب الشر على أهل الإسلام. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 132520 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4814 شاب مسلم في بلد كافر يرفض الدراسة المختلطة ويرغب بالهجرة من تلك البلاد! [السُّؤَالُ] ـ[أرغمني والداي على الذهاب إلى مدرسة مختلطة، ضقت بها ذرعاً، فكنت أهرب، وأذهب إلى المسجد لسماع بعض الدروس، والمكوث فيه، كردة فعل، اتصلتْ المدرسة على البيت فلم يجدوني، فاتصلوا بالشرطة، ومن ثم انهالت عليَّ النصائح بضرورة الدراسة، وأن ما فعلته خطأ ... الخ. أسئلتي هي: هل حقّاً أن ما فعلته خطأ؟ فكل ما فعلته هو الذهاب إلى المسجد، وكيف أقنع والداي أن الاختلاط حرام، واللذان يتحججان بأنه ليس هناك خيار آخر إلا هذه المدرسة؟ وهل يجوز لي أن أهاجر من هذه البلاد – كندا - إلى بلاد الإسلام دون علمهما؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: في البداية نسأل الله أن يثبتك على طاعته، وكم فرحنا أن تكون هذه الرسالة من شاب عمره خمسة عشر عاماً! عنده حب الاستقامة، ويغار على دينه، ويخاف على نفسه من الفتنة، ومتعلق قلبه ببيت الله تعالى، وكم يوجد في سنِّك ممن يلهو ويفرِّغ قوة شبابه في المحرمات، ليس في بلاد الكفر، بل حتى في بلاد المسلمين. ثانياً: اعلم – أخانا الشاب – أنه لا يجوز للمسلم أن يدرس في مدْرسة، ولا جامعة مختلطة في بلاد المسلمين، فكيف في بلاد الغرب؛ وذلك لما يترتب على ذلك من مفاسد، ومحاذير، لا تخفى على أحد. وقد بيَّنا في جواب السؤال رقم (1200) تفصيل الحكم في الاختلاط. ثالثاً: إذا وجد البديل للدراسة المختلطة فلا تجوز الدراسة في المدارس المختلطة ولا تجب طاعة الوالدين في الدراسة المختلطة؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لاَ طَاعَةَ في مَعْصِيَةٍ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ في الْمَعْرُوفِ) رواه البخاري (7257) ومسلم (1840) . وإذا لم يوجد البديل المباح لهذه الدراسة المختلطة، وأصرَّ والداك على تلك المدرسة، فالنصيحة لك أن تصبر على ما تراه، حتى يفرِّج الله كربك، واجتهد بقدر الإمكان في البعد عن مواطن الاختلاط في المدرسة، واحرص على صحبة صالحة تعينك على أمر دينك. وانظر جواب السؤال رقم (72448) . رابعاً: أما الهجرة من بلاد الكفر التي لا يستطيع المسلم أن يؤدي فيها شعائر الإسلام , وما أوجبه الله عليه: فهي واجبة عليه، فأغلى ما يملكه الإنسان هو دينه؛ فتجب المحافظة عليه , وعدم التفريط فيه، ولا يُعذر المسلم إلا أن يكون مُستَضعفاً، عاجزاً غير قادر على الهجرة. قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً) النساء/97. وقد سبق الجواب عن حكم الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام، وأقوال العلماء في ذلك، في جواب السؤال: (96532) . ونظراً لأنه لا توجد الآن الدولة التي ترضى باستقبال هؤلاء المهاجرين، صار أمر الهجرة صعباً للغاية. وانظر جواب السؤال رقم (13363) . فالحقيقة.. الأمر محيِّر عندنا، وما نستطيع أن ننصحك به، هو: أن تبقى بين أهلك، تلتزم ورداً من القرآن، ولا تترك الصلاة في المسجد، وأن تحرص على صحبة صالحة، وأن تتجنب مواطن الفتنة بقدر الإمكان. واعلم أن بعض الصحابة كانوا صغاراً – كابن عباس – ولم يستطيعوا الهجرة إلى المدينة، وظلوا بين الكفار، ولم يؤثر ذلك عليهم، حتى فرَّج الله عنهم، وصار ابن عباس بعدها علَماً ف العلم، وإماماً يُقتدى به، فاصبر حتى ترى من الله فرَجاً. ونسأل الله أن يثبتنا وإياك على الحق، وأن يوفقنا وإياك لما يحبه ويرضاه. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130803 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4815 هل المسلم المقتول ظلماً أو غدراً أو هدم عليه بيته يكون شهيداً؟ [السُّؤَالُ] ـ[أعرف أن المسلم الذي يموت دفاعاً عن نفسه فهو شهيد، ولو مات غريقاً، أو مات ببطنه: فهو شهيد أيضاً، لكن ما هو حال مَن مات على غِرَّة، ولم يكن قد منح الوقت ليأخذ قرار الدفاع عن النفس، كمن قُتل من الخلف، فهل يعدُّ هذا شهيداً أيضاً؟ وما حال من سقطت المتفجرات على بيوتهم مثل الناس في غزة دون توقع منهم، ولم يعطوا الفرصة للدفاع عن أنفسهم، فهل هم أيضاً في عداد الشهداء؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: كل مسلم يقتل ظلماً فله أجر الشهيد في الآخرة، وأما في الدنيا: فإنه يغسَّل، ويصلَّى عليه، ولا يُعامل معاملة قتيل المعركة. جاء في " الموسوعة الفقهية " (29 / 174) : "ذهب الفقهاء إلى أن للظلم أثراً في الحكم على المقتول بأنه شهيد، ويُقصد به غير شهيد المعركة مع الكفار، ومِن صوَر القتل ظلماً: قتيل اللصوص، والبغاة، وقطَّاع الطرق، أو مَن قُتل مدافعاً عن نفسه، أو ماله، أو دمه، أو دِينه، أو أهله، أو المسلمين، أو أهل الذمة، أو مَن قتل دون مظلمة، أو مات في السجن وقد حبس ظلماً. واختلفوا في اعتباره شهيد الدنيا والآخرة، أو شهيد الآخرة فقط؟ . فذهب جمهور الفقهاء إلى أن مَن قُتل ظلماً: يُعتبر شهيد الآخرة فقط، له حكم شهيد المعركة مع الكفار في الآخرة من الثواب، وليس له حكمه في الدنيا، فيُغسَّل، ويصلَّى عليه" انتهى. ولا يشترط لتحصيل ثواب الشهداء أن يواجه المظلوم أولئك المعتدين، فإن قتلوه على حين غِرَّة: كان مستحقّاً لثواب الشهداء إن شاء الله. ومما يدل على ذلك: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه طعنه أبو لؤلؤة المجوسي وهي يصلي الفجر بالمسلمين، وعثمان بن عفان رضي الله عنه، قتله الخارجون عليه ظلماً، وقد وصفهما النبي صلى الله عليه وسلم بأنهما شهداء. فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: صَعِدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى " أُحُدٍ " وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ فَرَجَفَ بِهِمْ، فَضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ، قَالَ: (اثْبُتْ أُحُدُ، فَمَا عَلَيْكَ إِلاَّ نَبِيٌّ، أَوْ صِدِّيقٌ، أَوْ شَهِيدَانِ) رواه البخاري (3483) . قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: " (فالنبي) هو عليه الصلاة والسلام، و (الصدِّيق) : أبو بكر، و (الشهيدان) : عمر، وعثمان، وكلاهما رضي الله عنهما قُتل شهيداً، أما عمر: فقُتل وهو متقدم لصلاة الفجر بالمسلمين، قُتل في المحراب، وأما عثمان: فقُتل في بيته، فرضي الله عنهما، وألحقنا وصالح المسلمين بهما في دار النعيم المقيم" انتهى. " شرح رياض الصالحين " (4 / 129، 130) . ثانياً: أما إخواننا في غزة الذين تهدمت عليهم بيوتهم، فإننا نرجو أن يكونوا شهداء، وذلك لسببين: 1- أنهم قتلوا مظلومين. 2- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صَاحِبُ الْهَدْمِ شَّهِيدُ) رواه البخاري (2674) ومسلم (1914) . 3- ولا نكون مبالغين إذا أضفنا سببا ثالثا، وهو أنهم قتلوا بأيدي الكفار في ساحة المعركة، فيكونون شهداء في الدنيا والآخرة، لأن غزة كلها كانت ساحة للمعركة. قال الأستاذ عبد الرحمن بن غرمان بن عبد الله حفظه الله: "ذهب الجمهور، من الحنفية، والحنابلة، والصحيح من مذهب المالكية، وقول عند الشافعية: إلى أن مقتول الحربي بغير معركة: شهيد على الإطلاق، بأي صورة كان ذلك القتل، سواء كان غافلاً، أو نائماً، ناصبه القتال، أو لم يناصبه .... والذي يظهر لي - والله تعالى أعلم - رجحان قول الجمهور؛ لأن اشتراط القتل في المعترك: ليس عليه دليل بيِّن" انتهى باختصار. " أحكام الشهيد في الفقه الإسلامي " (103 - 106) . نسأل الله تعالى أن يتقبلهم شهداء، وأن يجعل الدائرة على اليهود الغاصبين، ويمكننا منهم، حتى نحكم فيهم بحكمه العدل. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129214 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4816 الذي يتمنى الشهادة: هل ينال كرامة الشهيد؟! [السُّؤَالُ] ـ[هل الذي يتمنى الشهادة بصدق ولم ينلها يعطى كرامات شهيد الحرب، كالتشفيع، وتزويجه 72 من الحور العين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: في هذه المسألة التفصيل الآتي: 1- من كان يجاهد في سبيل الله صادقا محتسبا، ويشارك في قتال الأعداء، ويرجو مِن الله أن يكتب له الشهادة، ولكن مع ذلك لم ينلها حقيقة، فمثله يكتب الله له أجر الشهيد كاملا غير منقوص. 2- ومن اتخذ الأسباب التي يملكها لنيل الشهادة، وسعى للمشاركة في الجهاد في سبيل الله، وسبق ذلك عزيمةٌ صادقةٌ، وسأل الله بإخلاص أن يكتب له هذه المرتبة، غير أنه حيل بينه وبين المشاركة الفعلية في الجهاد: فهذا يكتب الله له أجر الشهيد، ويعطيه مِن سعة فضله سبحانه ما يبلغ به أجر الشهداء. 3- وأما من نوى الجهاد في سبيل الله نية مجردة عن اتخاذ الأسباب والسعي التام لنيل الشهادة، فهذا له أجر نيته فقط، وليس له أجر الشهيد الذي قُتل في المعركة. وقد ورد في السنة ما يدل على ما ذكرناه من أن من عزم على الجهاد عزما صادقا، وطلب الشهادة، أعطي كرامتها: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ طَلَبَ الشَّهَادَةَ صَادِقًا أُعْطِيَهَا وَلَوْ لَمْ تُصِبْهُ) رواه مسلم (1908) ، وعن سهل بن حنيف رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ) رواه مسلم (1909) وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (َمَنْ سَأَلَ اللَّهَ الْقَتْلَ مِنْ نَفْسِهِ صَادِقًا ثُمَّ مَاتَ أَوْ قُتِلَ فَإِنَّ لَهُ أَجْرَ شَهِيدٍ) رواه أبو داود (2541) والترمذي (1653) وقال حسن صحيح. وصححه ابن دقيق العيد في " الاقتراح " (ص/123) والألباني في " صحيح أبي داود ". يقول الإمام النووي رحمه الله: " معنى الرواية الأولى مفسَّرٌ من الرواية الثانية، ومعناهما جميعا أنه إذا سأل الشهادة بصدق أعطي من ثواب الشهداء وإن كان على فراشه، وفيه استحباب سؤال الشهادة واستحباب نية الخير " انتهى. " شرح مسلم " (13/55) وقد أخرج الحديث ابن حبان في " صحيحه " (7/464) وبوب عليه بقوله: " ذكر تفضل الله جل وعلا على سائله الشهادة من قلبه بإعطائه أجر الشهيد وإن مات على فراشه " انتهى. يقول ابن القيم رحمه الله: " بل هذا النوع منقسم إلى: 1- معذور من أهل الجهاد، غلبه عذره، وأقعده عنه، ونيته جازمة لم يتخلف عنها مقدورها، وإنما أقعده العجز، فهذا الذي تقتضيه أدلة الشرع أن له مثل أجر المجاهد، وهذا القسم لا يتناوله الحكم بنفي التسوية، وهذا لأن قاعدة الشريعة أن العزم التام إذا اقترن به ما يمكن من الفعل أو مقدمات الفعل نزل صاحبه في الثواب والعقاب منزلة الفاعل التام، كما دل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار. قالوا: هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصاً على قت صاحبه) وفي الترمذي ومسند الإمام أحمد من حديث أبى كبشة الأنماري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالاً وعلماً، فهو يتقي في ماله ربه ويصل به رحمه، ويعلم لله فيه حقاً، فهذا بأحسن المنازل، وعبد رزقه الله علماً ولم يرزقه مالاً، فهو يقول: لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان، فهو بنيته، وهما في الأجر سواءٌ، وعبد رزقه الله مالاً ولم يرزقه علماً، فهو لا يتقى في ماله ربه، ولا يصل به رحمه، ولا يعلم لله فيه حقاً، فهذا بأسوأ المنازل عند الله، وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علماً فهو يقول: لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان، فهو بنيته، وهما في الوزر سواءٌ) فأخبر صلى الله عليه وسلم أن وزر الفاعل والناوي الذي ليس مقدوره إلا بقوله دون فعله سواءٌ؛ لأنه أتى بالنية ومقدورِه التام، وكذلك أجر الفاعل والناوي الذي اقترن قوله بنيته. وكذلك المقتول الذي سل السيف وأراد به قتل أخيه المسلم فقتل، نزل منزلة القاتل لنيته التامة التي اقترن بها مقدورها من السعي والحركة. ومثل هذا قوله صلى الله عليه وسلم: (من دل على خير فله مثل أجر فاعله) ، فإن بدلالته ونيته نزل منزلة الفاعل. ومثل هذا من كان له وِردٌ يُصَلِّيه من الليل فنام، ومن نيته أن يقوم إليه فغلب عينه نوم كتب له أجر ورده، وكان نومه عليه صدقة، ومثله المريض والمسافر إذا كان له عمل يعمله فشغل عنه بالمرض والسفر كتب له مثل عمله وهو صحيح مقيم، ومثله: (من سأل الله الشهادة بصدق بلَّغه الله منازل الشهداءِ ولو مات على فراشه) ونظائر ذلك كثيرة. 2- والقسم الثاني: معذور ليس من نيته الجهاد، ولا هو عازم عليه عزماً تاماً، فهذا لا يستوي هو والمجاهد في سبيل الله، بل قد فضَّل الله المجاهدين عليه وإن كان معذوراً؛ لأنه لا نية له تلحقه بالفاعل التام كنية أصحاب القسم الأول " انتهى. " طريق الهجرتين " (ص/359) فالخلاصة أن من نوى الجهاد، وسعى إليه، وبذل أسبابه، وسأل الله الشهادة بصدق، كتب الله له أجر شهيد. ثانيا: ومع ذلك ننبه هنا إلى أنه ليس المقصود أن الله يكتب لمن سأل الشهادة بصدق جميع ما للشهيد الذي قتل في المعركة من الأجر والكرامة؛ وإنما يكتب له قدر أجر الشهادة مجردة عن كل أجور الأعمال المقترنة بالعمل الجهادي من تعب ونصب وجراح وبذل مال ونحو ذلك، فالشهيد وسائل الشهادة بصدق يستويان في أصل الأجر وليس في نوعه ومتعلقاته. يقول الإمام النووي رحمه الله: " واعلم أن الشهيد ثلاثة أقسام: أحدها: المقتول في حرب بسبب من أسباب القتال، فهذا له حكم الشهداء في ثواب الآخرة وفي أحكام الدنيا، وهو أنه لا يغسَّل ولا يصلَّى عليه. والثاني: شهيد في الثواب دون أحكام الدنيا، وهو المبطون , والمطعون , وصاحب الهدم , ومن قتل دون ماله , وغيرهم ممن جاءت الأحاديث الصحيحة بتسميته شهيداً، فهذا يغسَّل ويصلَّى عليه وله في الآخرة ثواب الشهداء , ولا يلزم أن يكون مثل ثواب الأول. والثالث: من غل في الغنيمة، وشبهه ممن وردت الآثار بنفي تسميته شهيداً، إذا قتل في حرب الكفار، فهذا له حكم الشهداء في الدنيا فلا يغسل , ولا يصلَّى عليه , وليس له ثوابهم الكامل في الآخرة " انتهى. " شرح مسلم " (2/164) ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله: " والذي يظهر أن المذكورين - في الشهداء خمسة وغيرهم - ليسوا في المرتبة سواء، ويدل عليه ما روى أحمد وابن حبان في صحيحه من حديث جابر، والدارمي وأحمد والطحاوي من حديث عبد الله بن جحش، وابن ماجه من حديث عمرو بن عتبة: أن النبي صلى الله عليه وسلم، سئل أي الجهاد أفضل؟ قال: من عقر جواده وأهريق دمه. وروى الحسن بن علي الحلواني في (كتاب المعرفة) له بسناد حسن من حديث ابن أبي طالب قال: " كل موتة يموت بها المسلم فهو شهيد، غير أن الشهادة تتفاضل " انتهى. "فتح الباري" (6/44) ويقول المناوي رحمه الله: " (وإن مات على فراشه) لأن كلا منهما نوى خيرا وفعل ما يقدر عليه، فاستويا في أصل الأجر، ولا يلزم من استوائهما فيه من هذه الجهة: استواؤهما في كيفيته وتفاصيله، إذ الأجر على العمل ونيته يزيد على مجرد النية، فمن نوى الحج ولا مال له يحج به يثاب دون ثواب من باشر أعماله، ولا ريب أن الحاصل للمقتول من ثواب الشهادة تزيد كيفيته وصفاته على الحاصل للناوي الميت على فراشه، وإن بلغ منزلة الشهيد، فهما وإن استويا في الأجر لكن الأعمال التي قام بها العامل تقتضي أثرا زائدا وقربا خاصا، وهو فضل الله يؤتيه من يشاء، فعلم من التقرير أنه لا حاجة لتأويل البعض وتكلفه بتقدير مِن بَعد قوله: (بلغه الله) ، فأعط ألفاظ الرسول صلى الله عليه وسلم حقها، وأنزلها منازلها، يتبين لك المراد " انتهى. " فيض القدير " (6/186) وبناء عليه فالفضل الوارد في حديث الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ: يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ، وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنْ الْجَنَّةِ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَيَأْمَنُ مِنْ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ، الْيَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنْ الْحُورِ الْعِينِ، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ) رواه الترمذي (حديث رقم/1663) وقال: حسن صحيح غريب. وسبق ذكرها في جواب رقم: (8511) يظهر أن هذه الفضائل إنما تكتب لشهيد المعركة، بدليل قوله: (يغفر له في أول دفعة) ، يعني من دمه، فنال هذه الخصال الستة بسبب ما أريق من دمه في سبيل الله، فلا ينال هذه الخصال غيره وإن نال أجر الشهادة الأصلي. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127714 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4817 حديث: (رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر) [السُّؤَالُ] ـ[هل هذا الحديث صحيح: (رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر) يعني: جهاد النفس؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "حديث: (رجعنا من الجهاد الأصغر، إلي الجهاد الأكبر) رواه البيهقي بسند ضعيف، قاله الحافظ العراقي في تحقيق أحاديث الإحياء، نقله عنه العجلوني في كشف الخفاء، وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: هو كلام إبراهيم بن أبي عبلة وليس بحديث، نقله أيضا العجلوني عن الحافظ في الكشف، وهذا ملخص ما ذكره العجلوني، وفي رواية البيهقي: (قالوا: وما الجهاد الأكبر؟ قال: جهاد القلب) ، ورواه الخطيب البغدادي بلفظ: (رجعنا من الجهاد الأصغر إلي الجهاد الأكبر، قالوا: وما الجهاد الأكبر؟ قال: مجاهدة العبد هواه) ، وقد روياه جميعا عن جابر، كذا في كشف الخفاء، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "الفتاوى" (11/197) : أما الحديث الذي يرويه بعضهم أنه قال في عزوة تبوك: (رجعنا من الجهاد الأصغر، إلى الجهاد الأكبر، فلا أصل له) ، ولم يروه أحد من أهل المعرفة بأقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (26/381) . وانظر جواب السؤال رقم (10455) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127009 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4818 أبناؤه يرفضون العودة إلى بلاد الإسلام؟! [السُّؤَالُ] ـ[ذهبتُ مع اثنين من أبنائي منذ 5 سنوات للدراسة في دولة غير مسلمة يحملون جنسيتها، وهي متقدمة جدّاً، ثم أحضرت الثالث في السنة التالية، ورغم أن الأول أكمل الماجستير: فإنه يرفض مساعدتي له في تكاليف الزواج، أو العودة، بحجة انخفاض الرواتب، أما الثاني: لم يسمع النصيحة، ولم ينهِ دراسته، وحوَّل لكليَّة أخرى تحتاج 4 سنوات أخرى، وهو يقول إنها دولة غير مسلمة، ويكره العيش فيها، ومع ذلك يغير مجال الدراسة، ويرفض العودة لبلده، مع أنه يستطيع إنهاء الدراسة بعد سنتين ونصف بأقل من عشر المصاريف في بلد مسلم ويحصل على بكالوريوس، حيث أنني أعطيته الفرصة، وفشل، وهو يرفض العودة، فماذا أفعل؟ والثالث انتهى من دراسة دبلوم لمدة عامين في أربع سنوات، ويعمل به بدلاً من الانتهاء من البكالوريوس والعودة للعمل في بلاد المسلمين، ويرفض العودة بحجة أنه ربما يدرس مستقبلاً، والرواتب في البلاد العربية أقل بكثير من الغرب، ويرفض الزواج رغم قيامي بعرض دفع كل المصاريف من مهر، وشبكة، وشقة، فماذا أفعل؟ وما هو موقفي الشرعي من أبنائي الثلاثة؟ علماً بأن زوجتي تقول: إنه خطؤنا أن أرسلناهم هناك، مع أنهم يصلون، ويؤدون الفرائض، ولكنهم لا يسمعون النصيحة، وهي لجانبهم دوماً، وأنا لا أدري ماذا أفعل.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: أوجب الله تعالى على الآباء العناية بأولادهم، وأمرهم عز وجل أن يقوهم نار جهنم، وهذا واضح في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم/6. ومما يؤسف له في هذا الزمان أنه قد حصر كثير من الآباء أوجه تلك العناية والرعاية بالطعام، والشراب، واللباس، والدراسة، حتى لو كان ذلك على حساب دين أولادهم، وسلوكهم، ومن أخطر ما زلَّ فيه أولئك الآباء أنهم حرصوا أشد الحرص على تدريس أولادهم، وبذلوا في ذلك جهدهم، وطاقتهم، بل كثير منهم حمَّلوا أنفسهم ما لا يطيقون، وحرص الواحد منهم على اختيار جامعة، أو كلية، ليدرِّس فيها أولاده، الذكور منهم والإناث، ولم يلتفتوا إلى خطر تلك المعاهد والجامعات، ولا خطر تلك البلدان التي توجد فيها تلك المؤسسات التعليمية، ووافق ذلك كون أولئك الأولاد في أوائل فورة الشهوة الجنسية، وبداية تفتح العقل على الأشياء، فأغرتهم تلك الأشياء المادية في تلك البلاد، وسلبت عقولهم أولئك النسوة الشقراوات الحسناوات، فحصل كثير من المفاسد، حتى إنه ليتخلى كثير من أولئك الأولاد الطلاب عن دينهم، ويسفل سلوكهم، وتتردى أخلاقهم، والآباء يرون ذلك، ويسكت عنه كثير منهم؛ انتظاراً لشهادة تافهة يأتي بها ولده؛ ليرفع رأسه بين أقربائه وأقرانه وجيرانه! ؛ وليكن بعدها ما يكن من خراب ودمار. هذا للأسف هو حال كثير من أحوال بيوت المسلمين الذين يرضون لأولادهم ما ذكرناه، ثم عندما يأتي وقت قطاف ثمار عناء وتعب أولئك الآباء: تظهر آثار تلك البيئات السيئة التي درس فيها أولئك الأولاد، ويظهر تأثير مناهج الدراسة على حياتهم، فيلتفت الأب المسكين حوله، وتنظر تلك الأم المدهوشة، كلٌّ يبحث عن أولاده – وخاصة الأبناء – فلا يجدون منهم أحداً، ومن وجدوه فليس هو كما يريد عقلاء الأهل وصالحوهم. ثانياً: ذلك الواقع المرير هو ما عاشه ويعيشه الأب السائل، وإننا لنشعر معك، ونتألم لألمك، وما حصل من الأبناء بعد ذلك إنما هو نتيجة تأثير تلك الدراسة، وتلك البيئة، والتي لا تهتم لجمع الأسرة تحت سقف واحد، ولا للم شملها تحت قيادة واحدة، وكلٌّ يسير وفق المنهج الذي يريد، بزعم الحرية، وقوانين تلك البلاد تؤيدهم، وتقويهم على من يخالفهم. ثالثاً: والواجب عليك وعلى أمهم: 1. التوبة والاستغفار مما حصل من تقصير وتفريط منكما تجاه أبنائكما، ولا تضع الحِمل والوزر على أمهم فقط، فأنت تتحمل المسئولية الأكبر. 2. عدم اليأس من محاولات إرجاعهم، بالتي هي أحسن، وابذلا في ذلك كل ممكن، من بيان حقكما عليهم، إلى إرسال من يثقون بهم من الناس لنصحهم وإرشادهم، إلى غير ذلك من الوسائل المباحة لتحقيق تلك الغاية. ولتحتفظ ـ أيها الوالد الكريم ـ دائما بأكبر قدر ممكن من العلاقة السوية الأسرية بينكم، ولا تقطعا ـ أنت وزوجك ـ حبال التواصل معهم، وكونا ـ في تلك البلد ـ بجانبهم، ما دام هناك أمل في أن يعودوا معكما، ولو بعد فترة من الدراسة، ولا تتخلوا ـ أبدا ـ عن واجبكما تجاهم. 3. الإلحاح على الله تعالى بالدعاء، وخاصة من الأم، أن يهدي الله تعالى أبناءكم، وأن يرجعهم سالمين في دينهم وسلوكهم، وعليكما اختيار الأوقات والأحوال الفاضلة للدعاء، كالدعاء في ثلث الليل الآخر، وفي السجود. 04 الاستعانة على ذلك بتعويضه عما يفوته في هذه البلاد، ببذلك المغريات المادية منكما، لمن ينفع فيه ذلك، إن هو عاد إلى بلاده، وأكمل مسيرته، حيث يكون أكثر أمنا على دينه. 05 تذكير أبنائكما بمخاطر العيش في تلك البلاد، بحقارة ما يمكن أن يحصلوا عليه من أمر الدنيا، في جنب ما يفوتهم من راحة البال، واجتماع الشمل، وصلاح أمر الدين، مع الاستعانة بأمثلة من الواقع، لأناس أضاعوا شبابهم وأعمارهم في تلك البلاد، ثم صاروا جزءا من تلك المجتمعات البائسة، بكل ما فيها من ضياع وشتات، ثم من أجل ماذا، من أجل الحصول على قليل من أمر العيش: (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) الروم /6-7 ونسأل الله أن يردَّ عليكم أبناءكم وهم على أحسن حال، عاجلاً غير آجل، ونسأله تعالى أن يصبِّركم على فراقهم، وأن يكتب لكم أجور ذلك كاملاً موفوراً. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 119590 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4819 معنى تحديث النفس بالغزو والجمع بين الدعوة والجهاد [السُّؤَالُ] ـ[أنا طالب جامعي أدرس هندسة الحاسب الآلى بإحدى الجامعات.إن شاء الله أتخرج العام المقبل.لله الحمد متزوج وأنتظر مولودا إن شاء الله لله الحمد أحاول تعلم أمور ديني وأطبقها على منهج السلف الصالح وأعلم يقينا أنه الطريق الصحيح ولكن هناك موضوع استعصى عليَّ فهمه وهو الجهاد وبمشيئة الله تتضح لي الأمور بالمتعلقات الآتية: 1- واجبي تجاه المنظور الجهادى. 2- معنى الحديث والذي رواه مسلم: مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ. 3- كيف أعد نفسي للجهاد. 4- كيف أربط بين العلم وتحصيله والدعوة والجهاد أرجو تقديم الرد على ما قيل به]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه: بَاب ذَمِّ مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِالْغَزْوِ. ثم ساق حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ " صحيح مسلم 3533 قال النووي رحمه الله: المراد أن من فعل هذا فقد أشبه المنافقين المتخلفين عن الجهاد في هذا الوصف، فإن ترك الجهاد أحد شعب النفاق. وفي هذا الحديث: أن من نوى فعل عبادة فمات قبل فعلها لا يتوجه عليه من الذمّ ما يتوجه على من مات ولم ينوها. وقال السندي في حاشيته على سنن النسائي: قوله (ولم يحدث نفسه) من التحديث قيل بأن يقول في نفسه يا ليتني كنت غازيا، أو المراد ولم ينو الجهاد وعلامته إعداد الآلات قال تعالى: " ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عُدّة ". ويكون إعداد النَّفس للجهاد بأمور كثيرة منها: معرفة فضل الجهاد وأحكامه وإعداد النّفس بأنواع الطّاعات والعبادات وتربيتها على التّضحية ومراغمتها على الإيثار والبذل في سبيل الله وكذلك الاطلاع والقراءة في سير المجاهدين وأبطال الإسلام والمعارك الإسلامية وتحديث النّفس باستمرار أنّه لو قام قائم الجهاد ووُجد السبيل وحصلت الاستطاعة فلا بدّ من النّفير ومعرفة خطيئة المتولّي يوم الزّحف وإثم الفارّ أمام الكفّار ودراسة السيرة النبوية في المرحلة المكيّة والمدنية وغزوات النبي صلى الله عليه وسلم وكيف تحرّك في ذلك الواقع وبأيّ شيء بدأ وكيف كان يستعدّ ويأخذ بالأسباب وفهم مسألة المرحلية في الجهاد والبدء بالعدو الأقرب حتى الانتقال إلى قتال المشركين كافّة، والحذر من حركات النّفاق مع القيام بأنواع الجهاد الأربعة جهاد النفس والشّيطان والكفّار والمنافقين وأهمية الجهاد بالمال مع الجهاد بالنفس، واعلم يا أخي أنّه لا يعسر الجمع بين الدّعوة والجهاد فكل منهما له وقته ومجاله بل كان المسلمون المجاهدون الفاتحون يقومون بالدعوة إلى الله قبل المعركة وإذا فتحوا البلد قاموا بدعوة أهلها وتعليمهم دين الإسلام وإذا لم يكن الوقت وقت جهاد وليست هناك معركة قائمة ولا ساحة مفتوحة فإن أبواب الدّعوة مفتوحة على مصاريعها في مجال دعوة الزوجة والأولاد والأهل الأقارب والجيران وعامة المسلمين وغير المسلمين بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، وفّقنا الله وإياك لما يحبّ ويرضى، وصلى الله على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2606 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4820 أحاديث المهدي ونزول المسيح عليه السلام ليست مدعاة لترك العمل [السُّؤَالُ] ـ[بعض الناس يفهم من أحاديث المهدي أو نزول المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام، أنها مدعاة لترك العمل للإسلام، فيجلس منتظراً خروج المهدي، أو نزول المسيح حتى تعود العزة للإسلام والمسلمين، فما رأيكم في هذا الفهم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن هذه الحال المزرية التي وصلت إليها الأمة الإسلامية اليوم، حال يندى لها الجبين، وكل المسلمين مسئول عن إصلاح هذا الوضع، غير أن بعض المسلمين يعطل العمل، اكتفاءً بالأمل، ويهرب من إصلاح الواقع المرير للأمة بحجة أنه تسبب فيه من قبلنا، وسيصلحه من بعدنا!! ويتوقف عن السعي للتمكين لدين الله، بحجة أن المهدي هو الذي سيفعل. إنه هروب إلى الأماني مع تعطيل الأسباب الشرعية، والله تعالى يقول: (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً) النساء/123. إن هذه السلبية التي يعاني منها بعض المسلمين اليوم، لا يمكن للنصوص الشرعية أن تكون دالة عليها، وإنما هو سوء الفهم، والعجز والكسل، والهروب من تحمل المسئولية. فإن الله تعالى أمر المسلمين بالعمل لهذا الدين، والدعوة إلى الله، ومجادلة الكفار ودعوتهم بالحكمة والموعظة الحسنة، وقتالهم حتى لا يكون شرك على الأرض، قال الله تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) الأنفال/39. قال ابن كثير رحمه الله: أمر تعالى بقتال الكفار حتى لا تكون فتنة أي شرك ويكون الدين لله أي يكون دين الله هو الظاهر على سائر الأديان اهـ. وهذا الأمر ليس خاصاًًّ بزمان دون زمان، بل المسلمون في كل زمان ومكان مأمورون بهذا. ولا شك أن العمل للإسلام وتمكينه في الأرض يستلزم من المسلمين الاجتهاد والبذل والأخذ بالأسباب المؤدية إلى هذا. وبعض الناس يسيء فهم هذه الأحاديث الواردة في خروج المهدي أو نزول المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام فيتواكل ويترك العمل ويجلس منتظراً لخروج المهدي أو نزول المسيح فيترك الدعوة إلى الله ... والعمل لإعلاء كلمة الله. وقد أمر الله تعالى ورسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالأخذ بالأسباب والسعي في الأرض والعمل. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً) النساء/71 قال سبحانه: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) الأنفال/60. وقال عز وجل: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) الملك/15. وقال تعالى: (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) المطففين/26. وقال سبحانه: (لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ) الصافات/61. وقال جل وعلا: (وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) الإسراء/19. وقال تعالى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) البقرة/197. وأمر الله تعالى مريم أن تأخذ الأسباب، وهي في أشدّ ضعفها، فقال عز وجل: (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً) مريم/25. وكان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم يعُدّ لكل أمر عدّته ويرسم له خطّته، كما حدث في رحلة الهجرة فقد أعدّ الرواحل والدليل واختار الرّفيق، وحدد مكان الاختفاء إلى أن يهدأ الطلب، وأحاط ذلك كله بسياج من الكتمان، وكذلك كانت سيرته في غزواته كلّها، وعليه ربّى أصحابه الكرام، فكانوا يلقون عدوّهم متحصنين بأنواع السلاح، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكّة والبيضة (الخوذة) على رأسه مع أن الله سبحانه وتعالى قال: (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) المائدة/67. وكان إذا سافر في جهاد أو حجّ أو عمرة حمل الزاد والمزاد. وقال صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم: " احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلا تَعْجَزْ " رواه مسلم (2664) ولنا أن نتخيّل الحال التي كان يمكن أن يؤول إليها مصير الدعوة والأمة لو أن الأجيال السابقة أصغوا إلى نداءات الاستسلام حتى يخرج المهدي، هل كانوا سيهزمون التتار والصليبين ويفتحون القسطنطينية؟! وهذا الفهم الخاطئ للنصوص الشرعية الواردة في شأن المهدي والمسيح عليه السلام قد تصدى له كثير من العلماء والدعاة والكتاب. قال الشيخ الألباني رحمه الله: " لا يجوز للمسلمين أن يتركوا العمل للإسلام، وإقامة دولته على وجه الأرض انتظاراً منهم لخروج المهدي، ونزول عيسى ـ عليهما السلام، يأساً منهم أو توهماً أن ذلك غير ممكن قبلهما، فإن هذا توهّم باطل، ويأس عاطل، فإن الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم لم يخبرنا أن لا عودة للإسلام ولا سلطان له على وجه الأرض إلا في زمانهما، فمن الجائز أن يتحقق ذلك قبلهما إذا أخذ المسلمون بالأسباب الموجبة لذلك، لقوله تعالى: (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) محمد/7. وقوله: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ) الحج/40. . . . إن أحاديث نزول عيسى عليه السلام وغيرها، الواجب فيها الإيمان بها، وردّ ما توهّمه المتوهّمون منها من ترك العمل، والاستعداد الذي يجب القيام به في كل زمان ومكان.." اهـ. وقال الأستاذ عبد العزيز مصطفى: " جهاد الكفار أياً كانوا وأينما كانوا وفي أي زمان كانوا واجب بالشرع المحكم غير المنسوخ، وهذه حقيقة إسلامية ثابتة، وهذا الجهاد واجب بشروطه، وضوابطه وأحكامه، وليس من هذه الشروط أو الضوابط أو الأحكام أن يؤخر الجهاد انتظاراً لتحول الغيب إلى شهادة، ما هكذا فهم المسلمون الأوائل، وما هكذا فعلوا، بل إنهم لما أُخبروا بأن الله تعالى سيكسر مُلك كسرى بسيوفهم ما قبعوا في البيوت ينتظرون تحقق الخبر، ووقوع الأمر بلا مقدمات يبذلونها، وجهود يقدمونها، لا، بل أعدوا للأمر عُدّته وأخذوا للشأن أهبته، حتى وقع النصر، وتطابق أمر الشرع مع أمر القدر ... أما بعض مسلمي اليوم فيقولون: لا.. إن جهاد اليهود لن يكون حتى يخرج الدجال. . ولعل هذا من جملة فِتن الدجال في هذه الدنيا. وانطلى هذا الكلام السخيف على قطاعات من الشباب المسلم، فألقوا عن كواهلهم تحمل أية مسؤولية تجاه المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله، تماماً كما انطلى على كثير منهم من قبل كلام أسخف منه، مؤداه أن الدولة الإسلامية والخلافة لن تقوم حتى يخرج المهدي!! وعجباً لمروجي هذا الكلام ومردديه، كأنهم يقولون بلسان حالهم لليهود: اشتدوا في عدائكم.. وللنصارى استمروا في طغيانكم.. وللمسلمين استمروا في تشتتكم وتفرقكم وتنازعكم وغثائكم، حتى يخرج المهدي إليكم، ولا أدري: بأية حجج وأدلة يقعون في هذه الزلّة، متوهمين أن المهدي سيخرج إلى قوم قاعدين أو سينصره أناس خاملون" اهـ. انظر كتاب المهدي وفقه أشراط الساعة للشيخ محمد بن إسماعيل ص (710-722) نسأل الله تعالى أن يرد المسلمين إلى دينهم رداًّ جميلاً. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 21221 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4821 الجهاد الأكبر والأصغر [السُّؤَالُ] ـ[الجهاد الأكبر, أهو مجاهدة النفس, أم الجهاد الفعلي في ساحة القتال؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحديث الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه لما رجعوا من الغزو: (رجعنا من الجهاد الأصغر، إلى الجهاد الأكبر) ، قالوا: وهل هناك جهاد أعظم من جهاد الكفار؟ قال: (نعم. جهاد النفس) . وهذا الحديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم. ولا ريب أن جهاد النَّفس سابقٌ على جهاد الكفار، وذلك لأنّ الإنْسَان لا يجاهد الكفار، إلا بعد مجاهدة نفسه، لأن القتال مكروه إلى النفس، قال تعالى: (كُتِبَ عليكم القِتَالُ وهو كُرْهٌ لَكُمْ وعَسَى أن تكرهوا شيئا وهو خيرٌ لكم وعسى أنْ تحبوا شيئا وهو شرٌ لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون) البقرة/216، فالمهم أن جهاد الأعداء لا يتم إلا بعد جهاد النفس عليه، وتَحْمِيلها هذا الأمر. حتى تَنْقَادَ وتَطْمَئِنّ. فتاوى منار الإسلام للشيخ ابن عثيمين رحمه الله 2/421. قال ابن القيم: " فالجهاد أربع مراتِب: جهاد النفس، وجهاد الشياطين، وجهاد الكفار، وجهاد المنافقين. وجهاد النفس بأن يُجَاهِدَهَا على تَعَلُّمِ الهُدَى، والعَمَلِ به بَعْدَ عِلْمِهِ، والدعوة إليه، والصبر على مَشَاقّ الدّعوة إلى الله، وجهاد الشيطان: جهاده على دفع ما يُلْقِي إلى العبد من الشُبُهَاتِ والشّهَوَات، والشكُوكِ القَادِحة في الإيمان، وجهاده على ما يُلْقِي إليه من الإرادات الفاسدة والشهوات، وجهاد الكفار والمنافقين بالقلب واللسان والمال والنفس، وجهاد الكفار أخَصُّ باليَدِ وجهاد المنافقين أخَصُّ باللِّسان ... قال: وأكْمَلُ الخَلْقِ من كَمَّلَ مراتِبَ الجِهَاد كلّها، والخَلْقُ مُتَفَاوِتُونَ في منازِلِهِمْ عند الله، تفاوتهم في مراتب الجهاد ... " ا. هـ. زاد المعاد 3/9-12، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 10455 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4822 يستطيع أن يقيم دينه في دول الكفر أكثر من بلاده، فهل تلزمه الهجرة؟ [السُّؤَالُ] ـ[أعيش في إحدى الدول الغربية، وأستطيع بحمد الله أداء شعائر ديني دون مضايقة، وقد اطلعت في موقعكم على بعض الأحاديث النبوية التي تمنع الإقامة في بلاد الكفر والسكن بين الكفار، وأصبحت الآن في حيرة هل أرجع إلى بلدي أم أبقى في هذه البلاد، علماً بأني إذا رجعت إلى بلدي تعرضت لمضايقات وأذى بسبب التزامي بأحكام الله، ولن أستطيع أن أجد من الحرية في عبادتي ما أجده في البلد الذي أقيم فيه. فأرجو منكم الإجابة على سؤالي وبيان حكم إقامتي في هذا البلد، لاسيما أن بلاد المسلمين أصبحت لا تختلف كثيراً عن غيرها من ناحية الالتزام بشعائر الإسلام.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأصل أنه لا يجوز للمسلم أن يقيم بين المشركين، وعلى هذا دلت الأدلة من الكتاب والسنة والنظر الصحيح. أما الكتاب؛ فقد قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً) النساء / 97. وأما السنة؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ) . رواه أبو داود (2645) . وصححه الألباني في صحيح أبي داود. وأما النظر الصحيح؛ فإن المسلم المقيم بين المشركين لا يستطيع أن يقيم كثيراً من شعائر الإسلام وعباداته الظاهرة، مع ما في ذلك من تعريضه نفسَه للفتن، لما في تلك البلاد من الإباحية الظاهرة التي تحميها قوانينهم، وليس للمسلم أن يعرض نفسه للفتن والابتلاءات. هذا إذا نظرنا إلى أدلة الكتاب والسنة نظرةً مجردةً عن واقع الدول الإسلامية ودول الكفر. وأما إذا نظرنا إلى واقع الدول الإسلامية فإننا لا نوافق السائل على قوله (وخصوصا أن بلاد المسلمين أصبحت لا تختلف كثيراً عن غيرها من ناحية الالتزام بشرائع الإسلام) فهذا التعميم غير صحيح، فليست الدول الإسلامية على درجة واحدة من البعد أو القرب من الالتزام بشرائع الإسلام، بل هي متفاوتة في ذلك، بل البلد الواحد يتفاوت باختلاف مناطقه ومدنه. ثم دول الكفر أيضاً ليست على درجة واحدة من الإباحية والتحلل الخلقي، بل هي متفاوتة في ذلك أيضاً. فنظراً لهذا التفاوت بين الدول الإسلامية بعضها البعض، وبين دول الكفر بعضها البعض. ونظراً لأن المسلم لا يستطيع أن يذهب إلى أي دولة إسلامية ويقيم بها - لوجود قوانين التأشيرات والإقامة الصارمة وما أشبه ذلك -. ونظراً لأن المسلم قد لا يتمكن من إقامة دينه في بعض الدول الإسلامية، في حين أنه قد يتمكن من ذلك أو من بعضه على الأقل في بعض دول الكفر. فلكل ما سبق لا يمكن الآن أن يصدر حكم عام يعم جميع البلاد وجميع الأشخاص، بل يقال: لكل مسلم حالته الخاصة به، وحكمه الخاص به، وكل امرئ حسيب نفسه، فإن كانت إقامته لدينه في الدول الإسلامية التي يمكنه أن يسكن بها أكثر من إقامته لدينه في بلاد الكفر لم يجز له الإقامة في دول الكفر، وإن كان الأمر بالعكس جازت إقامته في دول الكفر بشرط أن يأمن على نفسه من الشهوات والفتن التي بها بأن يحصن نفسه منها بالوسائل المشروعة. وهذه أقوال لأهل العلم تؤيد ما سبق: سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن هذه المسألة فقال: إن هذه المسألة من أشكل المسائل الآن نظراً لاختلاف البلدان كما سبق بيانه، ولأن بعض المسلمين المقيمين في دول الكفر إذا رجعوا إلى بلدهم اضطهدوا وعذبوا وفتنوا عن دينهم في حين أنهم يأمنون من ذلك في دول الكفر، ثم إذا قلنا: لهم يحرم عليكم الإقامة بين الكفار. فأين الدولة الإسلامية التي تستقبلهم وتسمح لهم بالإقامة فيها؟! هذا معنى كلامه رحمه الله. قال زكريا الأنصاري الشافعي في كتابه "أسنى المطالب" (4/207) : تَجِبُ الْهِجْرَةُ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ إلَى دَارِ الإِسْلامِ عَلَى مُسْتَطِيعٍ لَهَا إنْ عَجَزَ عَنْ إظْهَارِ دِينِهِ اهـ. وقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ المالكي: الْهِجْرَةُ هِيَ الْخُرُوجُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إلَى دَارِ الإِسْلامِ , وَكَانَتْ فَرْضًا فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَاسْتَمَرَّتْ بَعْدَهُ لِمَنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ اهـ. من "نيل الأوطار" (8/33) للشوكاني. وقال الحافظ ابن حجر عن قوله صلى الله عليه وسلم: (أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ) قال: وَهَذَا مَحْمُول عَلَى مَنْ لَمْ يَأْمَن عَلَى دِينه اهـ. "فتح الباري" شرح حديث رقم (2825) . وفي "الموسوعة الفقهية" (20/206) : دَارُ الْحَرْبِ: هِيَ كُلُّ بُقْعَةٍ تَكُونُ أَحْكَامُ الْكُفْرِ فِيهَا ظَاهِرَةً. (من) الأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِدَارِ الْحَرْبِ: الْهِجْرَةُ. قَسَّمَ الْفُقَهَاءُ النَّاسَ فِي شَأْنِ الْهِجْرَةِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إلَى ثَلاثَةِ أَضْرُبٍ: أ - مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْهِجْرَةُ , وَهُوَ مَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهَا , وَلا يُمْكِنُهُ إظْهَارُ دِينِهِ مَعَ الْمُقَامِ فِي دَارِ الْحَرْبِ , وَإِنْ كَانَتْ أُنْثَى لا تَجِدُ مَحْرَمًا , إنْ كَانَتْ تَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهَا فِي الطَّرِيقِ , أَوْ كَانَ خَوْفُ الطَّرِيقِ أَقَلَّ مِنْ خَوْفِ الْمُقَامِ فِي دَارِ الْحَرْبِ. . . ب - مَنْ لا هِجْرَةَ عَلَيْهِ: وَهُوَ مَنْ يَعْجِزُ عَنْهَا , إمَّا لِمَرَضٍ , أَوْ إكْرَاهٍ عَلَى الإِقَامَةِ فِي دَارِ الْكُفْرِ , أَوْ ضَعْفٍ كَالنِّسَاءِ , وَالْوِلْدَانِ. لقوله تعالى: (إلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلا) . ج - مَنْ تُسْتَحَبُّ لَهُ الْهِجْرَةُ , وَلا تَجِبُ عَلَيْهِ , وَهُوَ: مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْهِجْرَةِ وَيَتَمَكَّنُ مِنْ إظْهَارِ دِينِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ , فَهَذَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْهِجْرَةُ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْجِهَادِ , وَتَكْثِيرِ الْمُسْلِمِينَ اهـ. باختصار وفي فتاوى اللجنة الدائمة 12/50: وتكون الهجرة أيضاً من بلاد شرك إلى بلاد شرك أخف شراً، وأقل خطراً على المسلم، كما هاجر بعض المسلمين من مكة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم إلى بلاد الحبشة. أ. هـ نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 13363 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4823 هل يرجع للإقامة في بلاد الكفر؟ [السُّؤَالُ] ـ[نصحني كثير من أهل العلم بعدم السكن في بلاد الكفار (أمريكا) ، أنا عربي أمريكي عشت طوال عمري في أمريكا وأعمل الآن في إحدى الدول الإسلامية، الأمور أصبحت صعبة بالنسبة لي لكي أستمر هنا - (قلة الدخل والسكن) -، وأفكر بالعودة لأمريكا، وسبب رئيسي آخر للعودة هو العناية الصحية المجانية لزوجتي المريضة. أرجو أن تعطيني جواباً مفصلاً بالدليل من القرآن والسنة، هل أعاني وأبقى في هذا البلد أم أرجع لأمريكا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأصل هو حرمة الإقامة بين أظهر المشركين وفي ديارهم، ومن يسَّر الله عز وجل له الخروج من تلك الديار إلى بلاد الإسلام: فلا ينبغي له أن يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير إلا لعذرٍ قاهر يجيز له الرجوع. ونحن ننصحك بما نصحك به الآخرون بعدم السكن في بلاد الكفر، إلا أن تكون مضطراً إلى سكن مؤقت كعلاج لا يتيسر لك في بلاد المسلمين. واعلم أن من ترك شيئا لله عوَّضه الله خيراً منه، وأن مع العسر يسراً، وأنه من يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب، واعلم أن الحفاظ على رأس المال خير من المخاطرة في الربح، ورأس مال المسلم هو دينه، فلا يفرِّط فيه لأجل دنيا زائلة. وللشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – فتوى مفصَّلة في حكم الإقامة في بلاد الكفر، نذكر منها – الآن – ما يتيسر. قال الشيخ ابن عثيمين: الإقامة في بلاد الكفار خطر عظيم على دين المسلم، وأخلاقه، وسلوكه، وآدابه، وقد شاهدنا وغيرنا انحراف كثير ممن أقاموا هناك فرجعوا بغير ما ذهبوا به، رجعوا فُسّاقًا، وبعضهم رجع مرتدًا عن دينه وكافرًا به وبسائر الأديان - والعياذ بالله - حتى صاروا إلى الجحود المطلق والاستهزاء بالدين وأهله السابقين منهم واللاحقين، ولهذا كان ينبغي بل يتعين التحفظ من ذلك ووضع الشروط التي تمنع من الهويّ في تلك المهالك. فالإقامة في بلاد الكفر لابد فيها من شرطين أساسين: الشرط الأول: أمن المقيم على دينه بحيث يكون عنده من العلم والإيمان، وقوة العزيمة ما يطمئنه على الثبات على دينه والحذر من الانحراف والزيغ وأن يكون مضمراً العداوة للكافرين وبغضهم مبتعدًا عن موالاتهم ومحبتهم، فإن موالاتهم ومحبتهم مما ينافي الإيمان قال الله تعالى: {لا تجد قومًا يؤمنون بالله واليوم الآخر يُوادّون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم} المجادلة / 22. وقال - تعالى -: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين. فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمرٍ من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين} المائدة / 51، 52. وثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أن من أحب قومًا فهو منهم "، وأن " المرء مع من أحب ". ومحبة أعداء الله عن أعظم ما يكون خطرًا على المسلم لأن محبتهم تستلزم موافقتهم واتباعهم، أو على الأقل عدم الإنكار عليهم ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من أحب قومًا فهو منهم ". الشرط الثاني: أن يتمكن من إظهار دينه بحيث يقوم بشعائر الإسلام بدون ممانع، فلا يمنع من إقامة الصلاة والجمعة والجماعات إن كان معه من يصلي جماعة ومن يقيم الجمعة، ولا يمنع من الزكاة والصيام والحج وغيرها من شعائر الدين، فإن كان لا يتمكن من ذلك لم تجز الإقامة لوجوب الهجرة حينئذ، .... وقال الشيخ ابن عثيمين – في بيان أقسام الناس من حيث الإقامة هناك -: القسم الرابع: أن يقيم لحاجة خاصة مباحة كالتجارة والعلاج فتباح الإقامة بقدر الحاجة، وقد نص أهل العلم رحمهم الله على جواز دخول بلاد الكفار للتجارة وأثروا ذلك عن بعض الصحابة رضي الله عنهم. وقال الشيخ – في آخر الفتوى -: وكيف تطيب نفس مؤمن أن يسكن في بلاد كفار تعلن فيها شعائر الكفر ويكون الحكم فيها لغير الله ورسوله وهو يشاهد ذلك بعينه ويسمعه بأذنيه ويرضى به، بل ينتسب إلى تلك البلاد ويسكن فيها بأهله وأولاده ويطمئن إليها كما يطمئن إلى بلاد المسلمين مع ما في ذلك من الخطر العظيم عليه وعلى أهله وأولاده في دينهم وأخلاقهم. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (فتوى رقم 388) . وانظر جواب السؤال رقم (14235) و (3225) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 27211 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4824 هل منع الأذان بالمكبّر يعتبر عدم إقامة للشعيرة [السُّؤَالُ] ـ[هل يعتبر منع المسليمن من إعلان أذانهم بالمكبرات داخلا في عدم القدرة على إظهار شعائر الدين الذي يلزم منه وجوب الهجرة وعدم الإقامة بتلك البلد؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين فأجاب حفظه الله: لا يعتبر ذلك داخلا فيه لأن المكبرات أمر جديد، فيؤذنون بأصواتهم المجردة ويقيمون شعيرتهم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد الله بن جبرين الحديث: 3309 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4825 هل تجاهد المرأة [السُّؤَالُ] ـ[هل جهاد المرأة غير واجب؛ سواءٌ أكان جهاد الدعوة أو جهاد الكفار؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس جهاد الكفار بالقتال واجبا على المرأة، ولكن عليها جهاد بالدعوة إلى الحق، وبيان التشريع، في حدود لا تنتهك فيها حرمتها، مع لبس ما يستر عورتها، وعدم الاختلاط بالرجال غير المحارم، وعدم الخضوع بالقول والخلوة بالأجانب، قال الله تعالى في نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم: " واذكرن ما يتلى في بيوتكن من ءايات الله والحكمة " الأحزاب/34 وثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله هل على النساء من جهاد؟ قال: " نعم، عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة " أخرجه أحمد 6/68 وابن ماجه 2/968. وثبت عنها أيضا أنها قالت: يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟ قال: " لكن أفضل الجهاد حج مبرور " أخرجه أحمد 6/67 والبخاري 2/141. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 12/34. الحديث: 6495 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4826 ما هو مِلك اليمين؟ وهل يشترط لمالك اليمين أن يكون متزوجاً؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما هو " ملك اليمين "؟ وهل يجب أن يكون الشخص متزوجاً كي يحصل على واحدة منهن؟ وكيف لك أن تنهي الأمر وتحصل على واحدة، وتنص على أنها من ملك يمينك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إذا أقدر الله تعالى المجاهدين المسلمين على الكفار المحاربين: فإن رجالهم يكون أمرهم بين القتل أو الفداء أو العفو عنهم أو استرقاقهم وجعلهم عبيداً، ويكون الأمر راجعاً في اختيار واحدة من هذه الأربع إلى الإمام حسب ما يراه من المصلحة في ذلك. وأما النساء فإنهن يصرنَ إماء وملك يمين، والأطفال الذكور يصيرون عبيداً، ويقسِّم القائد والإمام هؤلاء بين المحاربين المجاهدين. قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله: وسبب الملك بالرق: هو الكفر، ومحاربة الله ورسوله، فإذا أقدر اللهُ المسلمينَ المجاهدين الباذلين مُهَجهم وأموالهم وجميع قواهم وما أعطاهم الله لتكون كلمة الله هي العليا على الكفار: جعلهم ملكاً لهم بالسبي إلا إذا اختار الإمام المنَّ أو الفداء لما في ذلك من المصلحة للمسلمين. " أضواء البيان " (3 / 387) . فقد حصر الإسلام مصادر الرق التي كانت قبل الرسالة المحمدية في مصدر واحد وهو: رق الحرب الذي يفرض على الأسرى من الكفار. وقد أكرمهن الإسلام في رقهن عما كنَّ يلقينه في غير بلاد الإسلام، فلم تعد أعراضهن نهباً مباحاً لكل طالب على طريقة البغاء، وكان هذا هو مصير أسيرات الحروب في أغلب الأحيان، وإنما جعلهن ملكاً لصاحبهن وحده، وحرَّم أن يشترك معه أحد في جماعها حتى لو كان ابنه، وجعل من حقهن نيل الحرية بالمكاتبة، ورغَّب في عتقها ووعد بالثواب على ذلك، وجعل عتقها واجباً شرعياً في بعض الكفارات ككفارة القتل الخطأ والظِهار واليمين، وكن يلقين أحسن المعاملة من أسيادهن كما أوصاهم بذلك الشرع المطهر. ثانياً: ولا يجب أن يكون المجاهد متزوجاً حتى يحصل على ملك اليمين، ولم يقل أحدٌ من أهل العلم بهذا. ثالثاً: إذا تملك المجاهد أمة أو عبداً فإنه يجوز له أن يبيعهما، وفي كلا الحالتين – التملُّك من المعركة أو من البيع – لا يجوز للرجل أن يعاشر الأمَة إلا بعد أن تحيض حيضة يُعلم بها براءة رحمها من الحمل، فإن كانت حاملاً: فعليه أن ينتظر حتى تضع حملها. عن رويفع بن ثابت الأنصاري قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم حنين قال: " لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره - يعني: إتيان الحبالى -، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقع على امرأة من السبي حتى يستبرئها، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيع مغنما حتى يقسم ". رواه أبو داود (2158) ، وحسَّنه الشيخ الألباني في " صحيح أبي داود " (1890) . ولأسباب متعددة منها: ترك المسلمين الجهاد من أزمات متطاولة، وصار وجود الرقيق الآن نادراً جداً، مما يوجب على المسلم الإحتياط ومزيد التثبت من إثبات الرق لأحد رجلاً كان أم امرأةً. وللمزيد يراجع السؤال رقم (26067) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 12562 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4827 الإقامة في بلد لا يستطيع إظهار دينه فيه [السُّؤَالُ] ـ[ماذا يجب على المسلم الملتزم الذي يعيش في البلدان غير الإسلامية التي تفرض عليه حلق اللحية وعدم الصلاة والمجاهرة بالمعاصي؟ وهل تركه لأهله وماله يعتبر هجرة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب على المسلم أن يحذر الإقامة في بلد يدعوه إلى ما حرم الله، أو يلزمه بذلك؛ من ترك الصلاة، أو حلق اللحى، أو إتيان الفواحش مثل الزنا والخمور، فيجب عليه ترك هذه البلاد؛ لأنها بلاد سوء فلا يجوز الإقامة فيها أبداً، بل يجب أن يهاجر منها، وإن خالف وعصى والديه؛ لأن طاعة الله مقدمة، وطاعة الوالدين إنما تكون في المعروف؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الطاعة في المعروف) و (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) ، فكل بلد لا يستطيع إظهار دينه فيه، أو يجبر على المعاصي فيه يجب أن يهاجر منه. [الْمَصْدَرُ] كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/8 ص / 278 الحديث: 10338 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4828 الحكمة من الجهاد [السُّؤَالُ] ـ[هل معنى الجهاد ببساطة هو قتل غير المسلمين؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الجهاد لغة: بذل الإنسان جهده وطاقته. اصطلاحا: بذل المسلم جهده لإعلاء لكلمة الله تعالى والتمكين لدينه في الأرض. وليس المقصود من الجهاد في الإسلام قتل غير المسلمين، وإنما المقصود هو إقامة دين الله في الأرض، وتحكيم شرعه وإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، قال الله تعالى: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) الأنفال/39. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسير هذه الآية: ذكر تعالى المقصود من القتال في سبيله، وأنه ليس المقصود به سفك دماء الكفار وأخذ أموالهم، ولكن المقصود به أن يكون الدين لله تعالى، فيظهر دين الله على سائر الأديان، ويدفع كل ما يعارضه من الشرك وغيره، وهو المراد بالفتنة، فإذا حصل المقصود فلا قتل ولا قتال. " تفسير ابن سعدي " (ص 98) . والكفار الذين نجاهدهم هم أنفسهم مستفيدون من الجهاد، فإننا نجاهدهم ونقاتلهم حتى يدخلوا في دين الله المقبول عنده، وذلك سبب نجاتهم في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) آل عمران/110. روى البخاري (4557) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) قَالَ: خَيْرَ النَّاسِ لِلنَّاسِ، تَأْتُونَ بِهِمْ فِي السَّلاسِلِ فِي أَعْنَاقِهِمْ حَتَّى يَدْخُلُوا فِي الإِسْلامِ. قَالَ اِبْن الْجَوْزِيّ: مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ أُسِرُوا وَقُيِّدُوا , فَلَمَّا عَرَفُوا صِحَّة الإِسْلام دَخَلُوا طَوْعًا فَدَخَلُوا الْجَنَّة اهـ. وفي جواب السؤال رقم (20214) ذكرنا مراتب الجهاد وهي أربع مراتب: جهاد النفس، وجهاد الشيطان، وجهاد الكفار، وجهاد المنافقين. وفي جواب السؤال رقم (34647) بيان الحكمة من الجهاد فلينظر فهو مهم، وهو المطلوب معرفته في السؤال. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 21961 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4829 تعمل في دار للعجزة وتطبخ الخنزير وتقدم الخمر [السُّؤَالُ] ـ[أنا أسكن في بلاد الغربة، وبما أنني أدرس بالنهار بحثت عن عمل بالليل للضرورة؛ لأنَّ والدي لا يستطيع دفع تكاليف المدرسة، فأنا المرأة المسلمة الوحيدة التي تعمل هناك في مطبخ لدار العجزة، وعملي يحتم عليَّ طبخ لحم الخنزير، وصب الخمر في الكؤوس، وغير ذلك، فما حكم الشرع في ذلك؟ للعلم بحثت عن عمل في مكان آخر، ولم يتقبلوني؛ لأنني أرتدي الحجاب.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: شرعَ الله تعالى في الإسلام أحكاماً غاية في الحكمة، وجاءت الأحكام لتُصلح حال الفرد والمجتمع، ومن خالف هذه الأحكام فإنه يُعرض نفسه لعقوبة الآخرة، وقد يُعاقب في الدنيا قبل ذلك. ولسنا في صدد تفصيل عظيم حكَم الله تعالى في تشريعاته، إلا أننا اضطررنا لهذه التقدمة بسبب سؤال أختٍ مسلمة تبحث عن حكم دراستها أو عملها، وهي تعيش بين الكفار، وفي بلادهم، ويضايقونها بسبب التزامها بدينها، فأي نفسية تعيش به تلك المسلمة وغيرها كثير من مثيلاتها؟! ومتى سينتبه الآباء والأمهات فيستيقظون من غفلتهم، ويتركون تلك الديار التي أضاعت على كثيرين دينهم وشخصيتهم، وها هم العقلاء يعضون أصابع الندم على اهتمامهم بالمال على حساب دينهم وأعراضهم. ثانياً: الإقامة في ديار الكفر محرَّمة على من يعجز عن إظهار دينه، أو يخشى أن يفتن في دينه. وانظري أجوبة الأسئلة: (27211) و (14235) و (3225) . ثالثاً: دراستك في تلك البلاد لا شك أنها مختلطة، ولا شك أنكِ ترين من المعاصي والفجور في تلك الأماكن ما يؤلم قلب المسلم العفيف، فلو كانت الدراسة في بلاد الإسلام مختلطة ما جازت، فكيف ستكون جائزة في ديار الكفر؟ قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: "دراسة المرأة للعلوم الشرعية وغيرها مما تحتاج إليه المرأة أو يعينها على معرفة أمور دينها مشروعة، إذا لم يترتب عليها محذور شرعي، أما إذا ترتب عليها محذور شرعي: كالاختلاط بالرجال غير المحارم، وعدم الحجاب: فإنها لا تجوز؛ لأن هذه أمور محرمة؛ ولأن ذلك يؤدي إلى الفساد" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد. " فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 170، 171) . وقالوا – أيضاً -: "الاختلاط بين الرجال والنساء في المدارس أو غيرها: من المنكرات العظيمة، والمفاسد الكبيرة في الدين والدنيا، فلا يجوز للمرأة أن تَدرس أو تعمل في مكان مختلط بالرجال والنساء، ولا يجوز لوليها أن يأذن لها بذلك" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد. " فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 156) . رابعاً: عملك في دار العجزة أيضاً محرَّم؛ لكونه مختلطاً بالرجال؛ ولكونه يشتمل على صنع الطعام من لحم الخنزير الذي نصَّ الله تعالى على حرمته، وكذا السنَّة النبوية، وإجماع المسلمين؛ ولكونه يشتمل على تقديم الخمر التي جاء تحريمها في الكتاب والسنَّة والإجماع. قال علماء اللجنة الدائمة: "لا يجوز للمرأة أن تشتغل مع رجال ليسوا محارم لها؛ لما يترتب على وجودها معهم من المفاسد، وعليها أن تطلب الرزق من طرق لا محذور فيها، ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً، وقد صدر من اللجنة فتوى في ذلك، هذا نصها: أما حكم اختلاط النساء بالرجال في المصانع، أو في المكاتب، بالدول غير الإسلامية: فهو غير جائز، ولكن عندهم ما هو أبلغ منه، وهو الكفر بالله جل وعلا، فلا يستغرب أن يقع بينهم مثل هذا المنكر، وأما اختلاط النساء بالرجال في البلاد الإسلامية وهم مسلمون: فحرام، وواجب على مسئولي الجهة التي يوجد فيها هذا الاختلاط أن يعملوا على جعل النساء على حدة والرجال على حدة؛ لما في الاختلاط من المفاسد الأخلاقية التي لا تخفى على من له أدنى بصيرة" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. " فتاوى اللجنة الدائمة " (17 / 232، 233) . وللوقوف على زيادة فائدة حول حكم عمل المرأة، وشروط جوازه: انظري جواب السؤال رقم (22397) . وفي جواب السؤال رقم (6666) وصايا مهمة فيما يتعلق بعمل المرأة المختلط. وانظري جواب السؤال رقم (26788) فهو شبيه سؤالك. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 3288 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4830 هل ننصحه بالسفر لبلاد الكفر ليتقوَّى ماديّاً ويرجع لبلده المسلم؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا أقيم في بلد عربي، والحالة المعيشية لنا لا تمكننا من بناء أسرة في ظل الفساد الخلقي الحاصل عندنا، إذ إنه من شبه المستحيلات أن نوفر مسكناً للزواج، والاستقرار في وقت كثر فيه الفحش، والعري، والإباحيات، وغلاء الأسعار، والكثير من الشباب يهاجر إلى أوروبا أو أمريكا لمواصلة الدراسات العليا، والعمل، والزواج، لتحسين ظروفنا المعيشية، والعودة بعد تكوين أنفسنا ماديّاً، ودراسيّاً للاستقرار في بلداننا، أو في البلدان العربية. هل يعتبر هذا من عدم التوكل على الله؟ أم أنه من باب الأخذ بالأسباب؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يجب على المسلم أن يعتقد اعتقاداً جازماً أن الله تعالى قد قدَّر عليه رزقه في الأزل، وأنه تعالى أمر ملائكته أن يكتبوا رزقه وهو في بطن أمه، وعليه أن يعتقد أنه لن تموت نفسٌ حتى تستوفي رزقها الذي قدَّره الله لها، كما تستوفي أجلها الذي كتبه الله لها، وبذلك جاءت النصوص النبوية الواضحة، وسيأتي ذِكرها بعد قليل. ثانياً: ننبه في هذا السياق إلى أمور غاية في الأهمية، منها: 1. ما قلناه آنفاً لا ينافي الأخذ بالأسباب في تحصيل الرزق، والمسلم مأمور ببذل الأسباب التي تأتي له بالمال، لكن لا ينبغي له الاتكال على هذه الأسباب وجعلها مسبِّبات للرزق! . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فالالتفات إلى الأسباب: شرك في التوحيد، ومحو الأسباب أن تكون أسباباً: نقصٌ في العقل، والإعراض عن الأسباب المأمور بها: قدحٌ في الشرع، فعلى العبد أن يكون قلبُه معتمداً على الله، لا على سبب من الأسباب، والله ييسر له من الأسباب ما يصلحه في الدنيا والآخرة، فإن كانت الأسباب مقدورة له، وهو مأمور بها: فعَلَها مع التوكل على الله، كما يؤدي الفرائض، وكما يجاهد العدو، ويحمل السلاح، ويلبس جنَّة الحرب (الدرع) ، ولا يكتفي في دفع العدو على مجرد توكله بدون أن يفعل ما أمر به من الجهاد، ومَنْ تَرَكَ الأسباب المأمور بها: فهو عاجز، مفرِّط، مذموم" انتهى. " مجموع الفتاوى " (8 / 528، 529) . 2. لا يجوز للمسلم سلوك الطرق المحرَّمة في تحصيل المال. 3. لا ينبغي للمسلم أن يعيش مع همِّ الرزق، وهمِّ تأمين المستقبل لأولاده – كما يقول كثيرون -، وينذر حياته من أجل هذا الأمر، ومثل هذا الأمر فيه مفسدتان: أ. أنه يدل على خلل في اعتقاده بأن رزقه مكتوب لا ريب فيه. ب. أنه قد يجعله يرتكب المحرَّمات من أجل تحصيل المال، كأن يأخذ المال بالربا، أو يعمل في أماكن لا يحل له العمل بها، أو يسافر إلى بلاد الكفر لأجل تحصيل المال. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل يعتبر قول المرأة العاملة أو اعتقادها: (أنها تعمل من أجل أن تؤمِّن مستقبلها، ومستقبل أبنائها فيما لو طلقت أو توفي زوجها، فهي لا تدري ما تأتي به الأيام من أمور) : هل يعتبر هذا من القدح في عقيدة القضاء والقدر لدى المسلم؟ . فأجابوا: "المسلم يؤمن بقضاء الله وقدره، وأن الله كتب رزقه عند نفخ الروح فيه وهو في بطن أمه، وأن رزقه آتيه لا محالة؛ لما ثبت عن عبد الله بن مسعود قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أحدكم يُجمع خلقه في بطن أمه - إلى قوله -: ثم يبعث الله ملكا بأربع كلمات، فيكتُب عملَه وأجلَه ورزقَه وشقي أو سعيد) الحديث – متفق عليه -؛ ولما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيها الناس اتقوا الله، وأجملوا في الطلب، فإن نفساً لن تموت حتى تستوفي رزقها، وإن أبطأ عنها، فاتقوا الله، وأجملوا في الطلب، خذوا ما حل ودعوا ما حرم) رواه ابن ماجه في " سننه " (ج 2 ص 725) ، ورواه ابن حبان في " صحيحه ". واعتقاد ذلك والإيمان به لا ينافي أن يسعى الإنسان في طلب الرزق، وبذل الأسباب المشروعة في ذلك، مع عدم الاعتماد عليها، والاعتقاد بأن الرازق، والنافع، والضار: هو الله وحده سبحانه. وما يجري على ألسن بعض الناس من قوله: " أؤمِّن مستقبلي، أو مستقبل أولادي ": فهذه الألفاظ التي يستعملها من يغلو في الاعتماد على النفس والمناصب والماديات وحدها. فينبغي للمسلم أن يبتعد عن مثل هذه الألفاظ، التي تقدح في كمال توكله على الله، وفي كمال رجائه لله، وخوفه منه، وأن يلجأ إلى الله سبحانه ويتضرع بين يديه في الشدة والرخاء، مع الأخذ بالأسباب المشروعة، كما أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد. " فتاوى اللجنة الدائمة " 2 (2 / 505 – 507) . ثالثاً: السفر إلى بلاد الكفر محرَّم إلا لضرورة علاج، أو تجارة، أو دعوة، لما يؤدي إليه من مفاسد دينيَّة وأخلاقيَّة لا تخفى على أحد. والذي يعيش في تلك الديار قد يحصِّل مالاً، لكن ذلك – في غالب الأحيان – سيكون على حساب شيء كثير من دينه وسلوكه، وإن نجا هو من ذلك فلن تنجو أسرته من بنين وبنات بسهولة، فهو يخاطر ويغامر، ولكن للأسف يخاطر ويغامر بدينه، وقلَّ من يسلم. وبما أن الله تعالى جعل لكم باب رزق في بلاد عربية مسلمة: فأنتم في غنى عن ارتكاب محرَّم يُبعدكم عن ربكم تعالى، فالتزم التقوى، واحرص على الفضيلة، ولا تلتفت لبناء دنيا على حساب دين، ولا تعمِّر دنياك بخراب آخرتك. واعلم أن كثيرين عضوا - ويعضون - أصابع الندم على ذهابهم لتلك البلاد، وعدم قدرتهم على الرجوع لبلادهم، إما فتنة بالحياة هناك والمال، وإما بسبب عجزه وضعفه بسبب كبر أولاده، وعدم القدرة على السيطرة عليهم، فانظر إلى الهالك كيف هلك ولا تسلك طريقه، وانظر إلى الناجي كيف نجا واحرص على المشي على طريقه. سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل تجوز الهجرة إلى بلاد الكفر للعمل فيه، وهل يجوز أخذ جنسية غير جنسية إسلامية؟ . فأجابوا: "إذا أردت العمل وطلب الرزق: فعليك بالسفر إلى بلاد المسلمين لأجل ذلك، وفيها غنية عن بلاد الكفار؛ لما في السفر إلى بلاد الكفر من الخطر على العقيدة، والدين، والأخلاق، ولا يجوز التجنس بجنسية الكفار؛ لما في ذلك من الخضوع لهم، والدخول تحت حكمهم" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد. " فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 58) . وقد بيّنا في جوابي السؤالين (13342) و (59897) حكم السفر والإقامة في بلاد الكفر، فلينظرا. ونسأل الله تعالى أن يرزقك رزقاً حسناً، وأن يوفقك لما فيه رضاه، وأن يثبتك على الحق، وأن يجمع شملك مع أسرتك على طاعته. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111131 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4831 نصائح وتوجيهات للمسلمين في " فنلندا " [السُّؤَالُ] ـ[نحن أفراد الجالية الإسلامية البالغ عددها حوالي 35 ألفاً إلى 40 ألفاً، والمكونة من فِرق متعددة، المكلفون بعمل الإحصاءات هنا لا يفرِّقون بين شيعي، وبهائي، وحبشي، وسنِّي! اندمج هؤلاء المسلمون مع مواطني الدولة المسيحية البالغ عدد سكانها حوالي 5 مليون نسمة، حتى علم الدولة محتوي على رمز المسيحية، ألا وهو الصليب. خلال الأشهر الماضية قام جماعة من المنتمين حديثاً للإسلام (سنَّة) بتشكيل حزب سياسي، وجعلوا من بين أهدافهم: محاولة منع بيع الخمور في المحلات، بل ذهبوا لأبعد من ذلك بإعلانهم عن رغبتهم في إقامة الشريعة في هذه الدولة المسيحية! لا بدَّ أن تأخذوا في الاعتبار أن المسلمين هنا لا يتمتعون بالحقوق العادية، كالحق في أن يكون لديهم مقابر خاصة، أو الحق في إظهار شعائر معينة، كذبح الأضاحي، وما إلى ذلك. كان لدينا مقابر خاصة، ولكنها امتلأت، وبسبب حدوث بعض الأخطاء في تنظيمها، والخلاف بين الفرق المختلفة على مسك زمام المسؤولية، استفادت السلطات هنا من الخلاف، وجعلوا الأمر صعباً جدّاً على المسلمين، ولم يمكنوهم من امتلاك مقابر خاصة بهم، ولذلك إذا مات أحد المسلمين هنا: يُدفن بجوار المسيحي، والملحد! . تلك الجماعة من المنتمين حديثاً للإسلام يحاولون أن يتوحدوا، ويبتعدوا عن حزبية وقبلية الصوماليين، وعن محادثات العرب، الآن تركز وسائل الإعلام هنا على الإسلام والمسلمين بصورة سلبية، وذلك عن طريق مناقشة موضوعات مثل: - الطلاق في الإسلام بيد الرجل، ولا تستطيع المرأة أن تحصل على حقوقها كاملة، وعلى حريتها إذا ما أرادت أن تنهي زواجها. - العقاب البدني للأطفال في البيوت، فضرب الأبناء في هذه الدولة يعدُّ جريمة يعاقب عليها القانون. - تقوم العائلات المسلمة بعزل أبنائهم عن المجتمع، وحرمانهم من الاشتراك في ممارسة السباحة (بنات، وأولاد معاً) ، ويقومون أيضاً بحرمانهم من حضور دروس الموسيقى. وأيضا يناقشون (ماذا يريد المسلمون هنا: أن يتبعوا شريعتهم، أم نظام الدولة؟!) . وهدف الإعلام من ذلك هو تشويه صورة الإسلام، وزرع الكراهية في قلوب عامة الناس تجاه الإسلام والمسلمين. الناس هنا عموماً يشتكون أن المسلمين يتمتعون بأموالهم، والخدمات التي تقدمها الدولة للمواطنين، والآن يضاف إلى قائمة الشكاوى أن المسلمين يريدون أن يقيموا الشريعة على أرض الدولة، بينما بلدانهم الأصلية لا تطبق الشريعة، علماً بأن من يقومون بأداء الواجبات الدينية هنا من المسلمين: أقلية، بينما الأغلبية اندمجت تماماً في المجتمع. تبني وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث نتائجها على رأي أي شخص يمكنه الإجابة، والذي قد يكون جاهلاً، خصوصاً أن معظم الناس حاليّاً يجرون وراء الشهرة، والمكاسب الدنيوية، وقد فاض بهم الكيل من بلدانهم الأصلية التي لا يحصلون فيها على حقوق، ولا تقدرهم كمواطنين، ومن أجل الحصول على تقدير غير المسلمين لهم يفعلون أي شيء! فقد سمعنا حتى عن أفراد ارتدوا عن الإسلام، وأصبحوا مسيحيين! . عندما نصح البعض رئيسَ ذلك الحزب الإسلامي بشأن الخطوات التي ينبغي عليه أن يتخذها قال: إنه فقط يسعى لعمل دعاية إيجابية للإسلام - هذا الشخص كان ناشطاً سياسيّاً في شبابه -. الآن نطلب منكم نصيحة عامة للمسلمين في هذا البلد، وخصوصاً لمكوني الحزب السياسي من المنتمين للإسلام حديثاً، وأن تذكرونا بواجبنا تجاه البلد، وتجاه مواطني البلد الأصليين ومسؤوليه، وأن تبينوا لنا الحدود التي لا ينبغي علينا تخطيها، حتى لا ندمر بيوتنا بأيدينا، أو على الأقل حتى لا نُحرم من الحقوق القليلة التي نتمتع بها في هذه الدولة، فليس كل مسلم هنا قادرا على الهجرة إلى بلد إسلامي. إذا أردتم المزيد من المعلومات حول الموضوع: فأرجوكم أن تراسلونا، وسنكون سعداء جدّاً بإرسال مزيد من التفاصيل إليكم، أرجوكم أن تردوا علينا بسرعة، حيث ما زال هناك المزيد من الوقت لغلق أبواب الفتنة، وقبل فوات الأوان.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قرأنا أكثر ما يتعلق بواقع الدولة التي تعيشون فيها – فنلندا – وقد ساءتنا أخبار، وأفرحتنا أخرى، ساءنا ما علمناه من تفرق بينكم، وساءنا تهاون كثيرين في الدعوة إلى الله والاهتمام بأسرته وأولاده، كما ساءنا ما علمناه من تزوج بعض المسلمات من نصارى تلك البلد، وهي عقود فاسدة باطلة، كما ساءنا تخلي كثيرين عن الالتزام بطاعة الله والاستقامة على دينه، وكل ذلك يجعل العبء على أهل الخير والعلم كبيراً، ويحملهم مسئوليات جمَّة تجاه تلك الجالية المسلمة في ذلك البلد الأوروبي. والذي أفرحنا هو تزايد عدد المسلمين في تلك البلاد حتى وصل عدد الجالية المسلمة مئة ألف مسلم، وفق بعض التقديرات، وإن كنا لا ندري نسبة أهل السنَّة منهم، وأفرحنا دخول كثير من أهل تلك البلاد في دين الله تعالى. والذي نوصيكم به، ونرجو أن يكون لكلامنا وقع حسن في قلوبكم وأعمالكم: 1. الحرص أولاً وقبل كل شيء أن يعود كل مسلم لبلده، وأن ينتقل من دخل في الإسلام إلى بلد إسلامي يمكنه أن يمارس فيه شعائر دينه، آمنا مطمئنا، وأن يترك تلك الديار التي أفسدت أديان وعقول وقلوب الكثير من المسلمين، متى قدر الواحد منكم على ذلك. 2. ومن لم يستطع، أو لم يستجب لهذا: فليتق الله ربه في نفسه، وفي أهل بيته، ويجب عليه أن يخلص النصح لهم، وأن يحوطهم برعايته وعنايته، وأن يقي نفسه وإياهم نار الله تعالى. 3. يجب عليكم العمل على إنشاء حلقات قرآنية وعلمية، يتم فيها تعليم الجاهل، وتربية النشء المسلم على طاعة الله تعالى، ولا يحل لكم التهاون في هذا الأمر، فقد قرأنا كيف حافظ " التتر " في " فنلندا " على لغتهم وثقافتهم وحضارتهم، فإسلامكم ولغتكم العربية أولى بأن يكون لهما الاهتمام الكبير في برنامج حياتكم. 4. احرصوا على دعوة أهل العلم وطلبته إليكم؛ ليقوموا بواجب الدعوة، والوعظ، والإرشاد، والتعليم، ومثل هذه اللقاءات من شأنها أن تساهم في اجتماع كلمتكم، وإيقافكم على الأحكام الشرعية التي لها تعلق بواقع معيشتكم. 5. لا تدَعوا مجالاً لشياطين الإنس والجن أن يفرقوا صفكم، ويشتتوا كلمتكم، ويجب أن تراعوا أنكم في مجتمع نصراني، ودولة نصرانية، يحمل علمُها الصليب! واعلموا أن ما يحدث بين المختلفين من المسلمين ليس هو كاختلافكم مع أهل الأديان الأخرى، فالخلاف بين أهل القبلة المسلمين خلاف بين السنة والبدعة، وقد يكون ـ في بعض الأحيان ـ خلافا بين الراجح والمرجوح، وأما الخلاف بينكم وبين أهل الأديان الأخرى فهو خلاف بين الإسلام والكفر، وشتان بين الأمرين. 6. هذا الحزب الذي يسعى لإنشاء دولة إسلامية في " فنلندا ": فليفكِّر بعقله قبل قلبه، ولينظر لواقعه ولا يغمض عينيه، فأنتم لا تستطيعون دفن مسلم في مقبرة خاصة بكم، فهل أنتم قادرون على إغلاق محلات الخمور، وإقامة دولة إسلامية هناك؟! ما هذا، يا عباد الله؛ إن هذا الطموح الخيالي، والتفكير البعيد، قد يعذر فيه رجل لم يعايش الواقع عندكم، ولم يعلم شيئا عن الصعوبات التي تواجهونها، وأما رجل يرى ما ترون، ويعي ما تعون، فالواجب عليه أن يفكر تفكيرا سليما في الفطرة والشرع والعقل، وليكن جهده وسعيه في تحصيل أكبر قدر من المصالح للمسلمين عندكم، ودفع ما يمكن دفعه عنهم من الشر والأذى والظلم. وعليه: فإن كان لأولئك القوم حزب إسلامي فليستثمروا نفوذهم في إقامة مؤسسات إسلامية، ومدارس تربوية، ومقابر شرعية، وليدعوا عن أنفسهم التفكير في إقامة الدولة الإسلامية، فإن هذا بالفعل أشبه شيء بالمستحيل، وخيالات الأوهام، في ظل مانرى من عجز المسلمين عن ذلك، حتى في بلدانهم، فكيف في عقر دار القوم؟! وسيكون لمجرد المطالبة بدولة إسلامية من الشر والسوء ما الله به عليم، فكيف إن تقدم أولئك خطوة عملية نحو ذلك، وإذا كانت الدولة عاجزة عن صدهم – وليس الأمر كذلك – فليتخيلوا مصيرهم لو تدخل " الاتحاد الأوروبي " في صدِّ ذلك ومنعه، فكيف سيكون مصير البناء الذي بُني لعقود من الزمان؟! وقد قرأنا عن أحوال المسلمين والمسلمات في بلادكم الحالية بعد الحادي عشر من أيلول، فكيف لو نشرت المؤسسات الحاقدة على الإسلام أن المسلمين لا يريدون الحكم إلا من أجل تطبيق الإسلام، والحد من الحريات، والتضييق على النساء، نعم، هم يبالغون ويكذبون، لكننا نقدم لهم السلاح الذي يشهرونه في وجوهنا. 7. وليكن من أولويات ذلك الحزب الإسلامي: الحفاظ على الهوية الإسلامية، والسعي نحو تقديم رسالة الإسلام الصافي من الشوائب، تقدمونه للمسلمين؛ ترجعونهم به إلى سابق عهدهم من الالتزام والاستقامة، وتثبتون لغير المسلمين أن دينكم دين الوحدة، والتآخي، والتعاون على البر والتقوى. 8. استمرار الإخوة المسلمين من أهل البلد في الدعوة إلى الله بين أفراد أسرهم وأقربائهم، ومشاركة الناس الفرحة التي غمرتهم بدخولهم الإسلام، والظاهر أن هؤلاء يكونون أكثر تأثيراً على أهل بلدهم من المسلمين المهاجرين من دول شتَّى. 9. السعي الفوري نحو شراء قطع أراضي وتخصيصها لقبر المسلمين الموحدين، والسعي الأكيد نحو نقل المسلمين الذين دفنوا مع غير المسلمين إلى هذه المقابر الإسلامية. 010 ينبغي أن يكون من أولويات التجمعات الإسلامية، والأحزاب السياسية، وخاصة تلك التي تسعى لإقامة دولة إسلامية، كما ذكرنا أن تحافظ على هوية المسلمين الذي يعيشون هناك، ومن أعظم وسائل المحافظة على الهوية تزويج المسلمين من المسلمات، والحرص على إشاعة جو إسلامي في الحياة الاجتماعية، وأن يوجد في الأحزاب والتجمعات الإسلامية من يصرف أمور المسلمين الخاصة في الزواج والطلاق والعلاقات الاجتماعية، بما يوافق شرع الله، ودون أن نحاول فرض ذلك فرضا عاما على الدولة النصرانية، فهو أمر ـ كما قلنا ـ بعيد المنال جدا، وعاقبته وآثاره وخيمة عليكم. 11. نوصي الجميع بالرفق في الدعوة إلى الله، وسلوك طريق الأنبياء والمرسلين، والدعاة الناجحين، ولتصل دعوتكم للقادة والساسة وأصحاب القرار والصحفيين والكتاَّب وجميع أصناف الناس، فعسى الله تعالى أن يهدي رجلاً منهم فيكون أمَّة وحده، واحرصوا على إزالة المنكرات من حياة المسلمين بالتي هي أحسن. 012 ينبغي أن تكون لكم مراسلات واتصالات دائمة بإخوانكم المسلمين، في أوروبا وفي بلاد الإسلام، تشاورونهم في أموركم، وتستفتون أهل العلم منهم فيما ينزل بكم من القضايا والمشكلات؛ فالمؤمن مرآة أخيه، وضعيفان يغلبان قويا. نسأل الله أن يوفقكم لما فيه رضاه. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 110455 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4832 هل يجوز لها الدراسة في مكان مختلط في بلاد كافرة؟ [السُّؤَالُ] ـ[شيخنا الفاضل حفظك الله لي سؤال حول الدراسة في الدول الأوروبية وهو: ما حكم الدراسة في معهد مختلط علما بأنني مرافقة لزوجي، ومدة بعثته خمس سنوات، وأنا أريد كسب اللغة ودراسة الماجستير بعد ذلك، وملتزمة بالحجاب الكامل الفضفاض، لا أُخرج إلا عيني مع تحرزي الشديد، وأكمامي طويلة لا يخرج إلا أطراف الأصابع، جلوسي في القاعة يكون بجانب النساء، وعدد الطلاب لا يتجاوز (12) طالبا، ومحتاجة للغة للتخاطب مع من حولي وفي مجال الدعوة حتى أستطيع توضيح الإسلام لهم، خاصة وأنهم كثيراً ما يسألونني عن السر في ارتداء الحجاب. أرجو الإجابة، فأنا بانتظارها؛ لأنني أكملت السنة والأربعة أشهر في الغربة وأنا أبحث عن فتوى لسؤالي؛ لأنني أريد الدراسة، ولكن تحت فتوى شرعية منكم. والله يحفظكم ويرعاكم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نشكر لك - بدايةً – حرصك على تحري الصواب وموافقة الشرع في أفعالك، وهذا الذي ينبغي على كل مسلم فعله، على أن يكون ذلك قبل الإقدام على ما يريد القيام به، من تجارة، أو سفر، أو وظيفة؛ لأن مقتضى الصدق في الاتباع أن يسأل عن حكم فعله قبل الإقدام عليه. ثانياً: سؤالك فيه مسألتان، لا مسألة واحدة، أما الأولى: فهي السفر إلى بلاد الكفر، وأما الثانية: فهي الدراسة المختلطة في تلك البلاد. وقد سبق في فتاوى متعددة حكم السفر لمثل تلك البلاد، والإقامة فيها، وقد بينَّا أن الأصل فيها التحريم، وأنه يجوز في حالات، وضمن شروط، وليس من الجواز أن يذهب المسلم لدراسة علوم تتوفر في بلده، أو في غيرها من دول الإسلام. انظري أجوبة الأسئلة: (27211) و (14235) و (3225) . وعليه: فالأصل هو عدم ذهاب زوجك أصلاً للدراسة في تلك الديار، فإذا أصرَّ على الذهاب، ويمكنه المحافظة على نفسه لقوة دينه، أو لقصر مدة إقامته هناك: فلا داعي لذهابك معه؛ لأنه ليست ثمة حاجة ولا ضرورة، فإن صعب عليك البقاء في بلدك، أو تخافين على نفسك الفتنة من الوحدة، أو كان يخاف هو على نفسه الفتنة في تلك البلاد: ففي هذه الحال تُعذرين في مرافقته. ثالثاً: أما بخصوص دراستك في مكان مختلط في تلك البلاد: فإنه محرَّم ولا شك، ولو كانت دراستك المختلطة في بلدٍ مسلم لم تكن جائزة، فكيف أن تكون بتلك الديار؟! . سئل علماء اللجنة: هل يجوز للأخوات أن يدخلن ويتعلمن في المدارس والجامعات المختلطة، حيث لا يوجد في بلاد الغرب إلا التعليم المختلط، ولكن الأخوات يلتزمن بالزي الإسلامي، مع مضايقات الكفار؟ . فأجابوا: اختلاط الرجال والنساء في التعليم: حرام، ومنكر عظيم؛ لما فيه من الفتنة، وانتشار الفساد، وانتهاك المحرمات، وما وقع بسبب هذا الاختلاط من الشرِّ والفساد الخلقي لهو من أوضح الدلائل على تحريمه، وإذا انضاف إلى ذلك كونه في بلاد الكفار: كان أشد حرمةً ومنعاً، وتعلُّم المرأة بالمدارس والجامعات ليس من الضرورات التي تستباح بها المحرمات، وعليها أن تتعلم بالطرق السليمة البعيدة عن الفتن، وننصحها بأن تستفيد من الأشرطة السليمة التي صدرت من علماء السنَّة، كما ننصحها وغيرها بالاستفادة من " نور على الدرب " في إذاعة القرآن الكريم في المملكة العربية السعودية. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد. " فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 181، 182) . وقالوا: لا يجوز للطالب المسلم أن يدرس في فصول مختلطة بين الرجال والنساء؛ لما في ذلك من الفتنة العظيمة، وعليك التماس الدراسة في مكان غير مختلط؛ محافظة على دينك، وعِرضك، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) . الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد. " فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 173) . وحتى لو وافق زوجك على دراستك، فإن هذا لا يبيح لكِ تلك الدراسة المختلطة. قال علماء اللجنة: الاختلاط بين الرجال والنساء في المدارس أو غيرها: من المنكرات العظيمة، والمفاسد الكبيرة في الدين والدنيا، فلا يجوز للمرأة أن تَدرس أو تعمل في مكان مختلط بالرجال والنساء، ولا يجوز لوليها أن يأذن لها بذلك. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد. " فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 156) . فهذه فتاوى العلماء التي رغبت بمعرفتها قبل إقدامك على الالتحاق بذلك المعهد المختلط، وقد عرفتِ أنه لا يجوز لك ذلك، ولا ينفعك لبسك للحجاب كاملاً مع وجود أولئك الطلاب في القاعة، ويمكنك تعلم اللغة الإنجليزية عن طريق مدرسة تأتيك لبيتك، أو عن طريق أشرطة الصوت والفيديو والكتب، وهو متيسر جدّاً في الأسواق، كما يمكنك الانتساب لإحدى الجامعات أو المعاهد، وتقديم الامتحان بالمراسلة أو مع وجود زوجكِ، فتجمعين بين تحقيق هدفك في تعلم اللغة والحصول على شهادة، مع الحفاظ على الستر والنفس من أذية سفهاء القوم وشواذهم. ونسأل الله تعالى أن يوفقك لما فيه رضاه. وانظري أجوبة الأسئلة: (1200) و (33710) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 110267 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4833 لم يتحلل جسمها بعد ستة أشهر من دفنها [السُّؤَالُ] ـ[ماتت امرأة، وبعد حوالي ستة أشهر توفيت امرأة أخرى، ففتحوا التربة لدفنها، فوجدوا المتوفية الأولى على حالتها، لم تتحلل، فهل هذا دليل على صلاحها، أو أنها من الشهداء لأنها ماتت بمرض بالمعدة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: روى البخاري (2829) ومسلم (1914) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: الْمَطْعُونُ، وَالْمَبْطُونُ، وَالْغَرِقُ، وَصَاحِبُ الْهَدْمِ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) قال النووي رحمه الله: " وَأَمَّا (الْمَبْطُون) فَهُوَ صَاحِب دَاء الْبَطْن , وَهُوَ الإسْهَال. قَالَ الْقَاضِي: وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي بِهِ الاسْتِسْقَاء وَانْتِفَاخ الْبَطْن , وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي تَشْتَكِي بَطْنه , وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يَمُوت بِدَاءِ بَطْنه مُطْلَقًا " انتهى. فنرجو لهذه المرأة ولكل من مات بداءٍ في معدته أن يكتب الله له أجر الشهداء. ثانيا: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يَبْلَى كُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْإِنْسَانِ إِلَّا عَجْبَ ذَنَبِهِ فِيهِ يُرَكَّبُ الْخَلْقُ) رواه البخاري (4814) ومسلم (2955) . فظاهر هذا أن جميع بني آدم تأكلهم الأرض، ولا يبقى من أجسادهم شيء إلا عجب الذنب، وهو عظم صغير في أسفل الظهر. ولم يرد - فيما نعلم – استثناء أحد لا تأكله الأرض إلا الأنبياء فقط، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ) رواه أبو داود (1047) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن الشهيد لا تأكله الأرض أيضاً. قال ابن عبد البر في "التمهيد" (18/173) : " روي في أجساد الأنبياء والشهداء أن الأرض لا تأكلهم، وحسبك ما جاء في شهداء أحد وغيرهم، وإذا جاز أن لا تأكل الأرض عجب الذنب جاز أن لا تأكل الشهداء، وذلك كله حكم الله وحكمته " انتهى باختصار. وقال القرطبي في "المفهم شرح مسلم" (7/307) : " وظاهر هذا: أن الأرض لا تاكل أجساد الشهداء، والمؤذنين المحتسبين، وقد شوهد هذا فيمن اطلع عليه من الشهداء، فوجدوا كما دفنوا بعد آماد طويلة، كما ذكر في السير وغيرها " انتهى. ولكننا لا نعلم دليلا صحيحا من السنة النبوية يدل على أن الشهيد لا تأكله الأرض، غير أنه وجد في وقائع كثيرة بقاء بعض الشهداء مدة بعد دفنهم. روى البخاري (1351) عَنْ جَابِرٍ رضى الله عنه، في قصة استشهاد والده في غزوة أحد، قال (فَأَصْبَحْنَا فَكَانَ أَوَّلَ قَتِيلٍ، وَدُفِنَ مَعَهُ آخَرُ فِى قَبْرٍ، ثُمَّ لَمْ تَطِبْ نَفْسِى أَنْ أَتْرُكَهُ مَعَ الآخَرِ، فَاسْتَخْرَجْتُهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَإِذَا هُوَ كَيَوْمِ وَضَعْتُهُ هُنَيَّةً، غَيْرَ أُذُنِهِ) . وفي رواية أبي داود (3232) (فَمَا أَنْكَرْتُ مِنْهُ شَيْئًا إِلاَّ شُعَيْرَاتٍ كُنَّ فِى لِحْيَتِهِ مِمَّا يَلِى الأَرْضَ) . وقد عقد القرطبي في "التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة" بابا ذكر فيه شيئا من ذلك. ولكن لا نستطيع الجزم بأن ذلك يكون لكل شهيد، وأنه يبقى إلى يوم القيامة. قال ابن أبي العز الحنفي في "شرح الطحاوية" (ص/396) : " وحرم الله على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء كما روي في السنن، وأما الشهداء: فقد شوهد منهم بَعدَ مُدَدٍ مِن دفنه كما هو لم يتغير، فيحتمل بقاؤه كذلك في تربته إلى يوم محشره، ويحتمل أنه يبلى مع طول المدة، والله أعلم، وكأنه - والله أعلم - كلما كانت الشهادة أكمل والشهيد أفضل، كان بقاء جسده أطول " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين في "لقاءات الباب المفتوح" (204/سؤال رقم/1) : " أما الشهداء والصديقون والصالحون فهؤلاء قد لا تأكل الأرض بعضهم كرامة لهم، وإلا فالأصل أنها تأكله ولا يبقى إلا عجب الذنب " انتهى. وعلى هذا؛ فالمرأة المسؤول عنها نرجو أن يكون الله تعالى تقبلها شهيدة، وأبقى جسمها هذه المدة كرامة لها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109997 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4834 أجبرها أهلها على زواج صوري ليحصل الزوج على إقامة وجنسية! [السُّؤَالُ] ـ[أنا فتاة أبلغ من العمر 23 سنة، أعيش في ألمانيا منذ 15 سنة مع والدتي وأخي، وذلك أثر طلاق والداي، قبل سنة أرغمتني والدتي على الزواج برجل ادَّعت أنه في حاجة ماسة للإعانة، وأمام غطرستها، وتهديدها الدائم لي بالغضب عليَّ، وانعدام المسؤولية عند أخي: لم يكن لي أي خيار، منذ قليل اكتشفت حماقتي، وجهلي , إذ إن أمي تبرر كل أوامرها بحجج تدَّعي أنها من الدين، وتم الزواج لدى المحاكم الألمانية , زواج صوري، يمكِّن هذا الرجل الذي لم أره سوى عند كتابة العقد من البقاء في ألمانيا والحصول على الجنسية الألمانية بعد سنتين، بعد محاولات عديدة أمكن لي الحصول على موافقة والدتي للبداية في إجراءات الطلاق، الرجل الذي أصبح اليوم قادراً على البقاء في ألمانيا موافق على طلاق التراضي، كما كان اتفاقه مع والدتي منذ البداية. سؤالي هو الآتي: كيف أكفِّر عن ذنبي؟ هل عليَّ عدة المطلقات؟ لقد تقدم شاب لي، ويود الزواج بي، وأنا حائرة، إن أعلمته أخشى أن يتركني، وإن لم أفعل أكون خدعته، ثم متى أحل له، أبعد الطلاق من الزواج الباطل أم قبل ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يجوز لأحدٍ أن يُكره موليته على النكاح ممن لا ترغب، والعقد الذي يثبت أن المرأة البالغ زُوِّجت فيه بغير إرادتها: باطل عند بعض العلماء، ومتوقف عليها لإمضائه عند آخرين، وفي كل الأحوال لا يجوز أن تُجبر البالغ على الزواج. وتفصيل ذلك في جواب السؤال رقم: (47439) . ولا نرى أنك صغيرة بحيث يتحكم في تزويجك والدتك وأخوك، فكان الأجدر بك الوقوف في وجوههم، والاعتراض على مثل هذا الزوج والزواج، وبخاصة أنكم في بلد يدَّعي أهله أنهم ينصرون النساء! . ثانياً: العقود التي تُجرى في محاكم الدول الكافرة: قد تكون عقوداً باطلة، وقد تكون صحيحة، فإن كان سبقها عقد شرعي، اشتمل على إيجاب، وقبول، وموافقة ولي، وشهود أو إعلان: كانت العقود أمام تلك المحاكم للتوثيق، والتثبيت، لا للإنشاء، وإن لم يسبقها عقود شرعية: فلا قيمة لها، ولا يُبنى عليها أحكام؛ لأنها باطلة أصلاً. وينظر جواب السؤال رقم: (4458) . ثالثاً: ثمة عقود زواج تُبرم في دول الكفر لا لأجل العفاف والستر وإنشاء أسرة، بل لغايات الإقامة والجنسية! وليُعلم أن الزواج هو " كلمة الله " وهو " الميثاق الغليظ "، وأنه لا يجوز الاستهانة بهذه العقود، وجعلها مجالاً للعبث. وليُعلم أن هذه العقود " الصُّورية " أو " الشكلية " إذا تمَّت وفق الشرع فإنه تترتب عليها آثارها الشرعية، من المهر، والعدَّة، وغير ذلك، وأما إذا لم تتم وفق الأحكام الشروط الشرعية: فإنه لا تترتب عليها آثارها الشرعية، مع وجود الإثم. سئل علماء اللجنة الدائمة: نحن شباب مسلم - والحمد لله -، من مصر، ولكننا نقيم في هولندا، ونسأل عن حكم الإسلام في بعض الشباب المسلم الذي يلجأ للزواج من الأوربية، أو بعض النسوة الأجنبيات اللاتي معهن أوراق الإقامة، وذلك للحصول على الإقامة في هولندا، مع العلم أن هذا الزواج صوري، أي: حبر على ورق - كما يقولون – أي: أنه لا يعيش معها، ولا يعاشرها كزوجة، هو فقط يذهب معها إلى مبنى الحكومة، ومعه شاهدان، ويتم توثيق العقد، وبعد ذلك كل ينصرف لطريقه؟ . فأجابوا: عقد النكاح من العقود التي أكد الله عِظم شأنها، وسمَّاه " ميثاقاً غليظاً "، فلا يجوز إبرام عقد النكاح على غير الحقيقة من أجل الحصول على الإقامة. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ بكر أبو زيد. " فتاوى اللجنة الدائمة " (18 / 98، 99) . وفي جواب السؤال رقم: (2886) فتوى أخرى بالتحريم والمنع، فلتنظر. فالذي يظهر لنا أن والدك موجود وعلى قيد الحياة، وهو في هذه الحال وليك في الزواج، ولو كان مطلِّقاً لأمك، وأخوك ليس وليّاً لك مع وجود والدكِ، فإذا تمَّ الزواج بموافقة والدك، وحضور شهود، مع رضاكِ به: فهو عقد شرعي تترتب عليه آثاره، ولو لم يكن من أجل العيش معه؛ لأن واقعه – والحالة هذه – أنه عقد شرعي مكتمل الأركان، فلا يحل لك الزواج بغيره إلا بعد أن تحصلي على الطلاق، وتنتهي عدتك. وأما إن تمَّ العقد في الدوائر الرسمية فقط، ودون موافقتك أو موافقة والدك: فهو عقد غير شرعي، ولا تترتب عليه آثاره، ولا حاجة للحصول على الطلاق، إلا من أجل أنك زوجة في الأوراق الرسمية، لا من أجل أنك زوجة شرعاً، مع استحقاق من ساهم في وجوده للإثم؛ لاستهانته بالعقد الشرعي، وجعله مجالاً للعبث. والخلاصة: أن الواجب عليك الاحتياط في أمر زواجك الجديد، على الأقل، وألا تقدمي على إتمام الخطبة الجديدة، إلا بعد طلاقك من الأول، وبإمكانك إتمام الخطبة والزواج الجديد بمجرد إنهاء الطلاق من الأول، وليس عليك عدة تنتظرينها، ولا فاصل زمني بين الزواجين. وأما بخصوص إعلام الخاطب الجديد، فإن كان يغلب على ظنك أنه لن يعلم بما حدث، فلا ننصحك بإخباره، وأتمي زواجك به، كأن شيئاً لم يكن. وإن كنت تظنين أنه سوف يعلم ذلك، فليعلمه منك أفضل وأكرم، والقلوب بيد الرحمن يقلبها كيف شاء، فاستعين بربك سبحانه، على صرف قلبه إليك، إن كان في زواجك منه خير لك. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106719 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4835 متى نصر الله؟ [السُّؤَالُ] ـ[متى نصر الله؟ وما هي أسبابه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نصر الله للمسلمين على أعدائهم من الكفار المحاربين لهم وعدُ حقٍّ، وقولُ صدقٍ، وقد وعد الله تعالى به المؤمنين، وأخبرهم أنه قريب، وإنما يؤخره تعالى لحكَم جليلة، ومن كان قوي الإيمان، صادق اليقين فسيعلم أن ذلك يكون قريباً كما أخبر به الرب تعالى. قال الله تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) البقرة/ 214. قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله: " فمعنى الكلام: أم حسبتم أنكم أيها المؤمنون بالله ورسله تدخلون الجنة ولم يصبكم مثلُ ما أصاب مَن قبلكم مِن أتباع الأنبياء والرسل من الشدائد والمحن والاختبار، فتُبتلوا بما ابتُلوا واختبروا به من " البأساء "، وهو شدة الحاجة والفاقة، " والضراء "، وهي العلل والأوصاب، ولم تزلزلوا زلزالهم، يعني: ولم يصبهم من أعدائهم من الخوف والرعب شدة وجهدٌ، حتى يستبطئ القومُ نصرَ الله إياهم، فيقولون: متى الله ناصرنا؟ ثم أخبرهم الله أن نصره منهم قريبٌ، وأنه مُعليهم على عدوِّهم، ومظهرهم عليه، فنجَّز لهم ما وعدهم، وأعلى كلمتهم، وأطفأ نار حرب الذين كفروا " انتهى. "تفسير الطبري" (4/288) . وذكر الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – بعض الفوائد المستقاة من الآية –: " ومنها: 1. أنه ينبغي للإنسان ألا يسأل النصر إلا من القادر عليه، وهو الله عزّ وجلّ؛ لقوله تعالى: (متى نصر الله) . 2. أن المؤمنين بالرسل منهاجهم منهاج الرسل، يقولون ما قالوا؛ لقوله تعالى: (حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله) ، يتفقون على هذه الكلمة استعجالاً للنصر. 3. تمام قدرة الله عزّ وجلّ؛ لقوله تعالى: (ألا إن نصر الله قريب) . 4. حكمة الله حيث يمنع النصر لفترة معينة من الزمن، مع أنه قريب. 5. أن الصبر على البلاء في ذات الله عزّ وجلّ من أسباب دخول الجنة؛ لأن معنى الآية: اصبروا حتى تدخلوا الجنة. 6. تبشير المؤمنين بالنصر ليتقووا على الاستمرار في الجهاد ترقباً للنصر المبشرين به " انتهى. "تفسير سورة البقرة" (3/42) . ثانياً: نصر الله تعالى القريب ليس لكل من ادعى الإيمان، وزعم الإسلام، إنما هو لمن حقق الإيمان بقلبه، وعمل بالإسلام بجوارحه. قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ. وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) النور/55، 56. قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: " هذا وعدٌ من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم بأنه سيجعل أمته خلفاء الأرض، أي: أئمةَ الناس، والولاةَ عليهم، وبهم تصلح البلاد، وتخضع لهم العباد، ولَيُبدلَنّ بعد خوفهم من الناس أمناً وحكماً فيهم، وقد فعل تبارك وتعالى ذلك، وله الحمد والمنَّة، فإنه لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى فتح الله عليه مكة، وخيبر، والبحرين، وسائر جزيرة العرب، وأرض اليمن بكمالها، وأخذ الجزية من مَجُوس هَجَر، ومن بعض أطراف الشام، وهاداه هرقل ملك الروم، وصاحب مصر والإسكندرية - وهو المقوقس -، وملوك عُمان، والنجاشي ملك الحبشة، الذي تَملَّك بعد أصْحَمة، رحمه الله وأكرمه. ثم لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم واختار الله له ما عنده من الكرامة: قام بالأمر بعده خليفته أبو بكر الصديق " انتهى. "تفسير ابن كثير" (6/77) . وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: " هذا من أوعاده الصادقة، التي شوهد تأويلها ومخبرها، فإنه وعدَ من قام بالإيمان والعمل الصالح من هذه الأمة أن يستخلفهم في الأرض، يكونون هم الخلفاء فيها، المتصرفين في تدبيرها، وأنه يمكِّن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وهو دين الإسلام، الذي فاق الأديان كلها، ارتضاه لهذه الأمة، لفضلها وشرفها ونعمته عليها، بأن يتمكنوا من إقامته، وإقامة شرائعه الظاهرة والباطنة، في أنفسهم، وفي غيرهم، لكون غيرهم من أهل الأديان وسائر الكفار مغلوبين ذليلين، وأنه يبدلهم من بعد خوفهم الذي كان الواحد منهم لا يتمكن من إظهار دينه، وما هو عليه إلا بأذى كثير من الكفار، وكون جماعة المسلمين قليلين جدّاً بالنسبة إلى غيرهم، وقد رماهم أهل الأرض عن قوس واحدة، وبغوا لهم الغوائل. فوعدهم الله هذه الأمور وقت نزول الآية، وهي لم تشاهد الاستخلاف في الأرض والتمكين فيها، والتمكين من إقامة الدين الإسلامي، والأمن التام، بحيث يعبدون الله، ولا يشركون به شيئاً، ولا يخافون أحداً إلا الله، فقام صدر هذه الأمة من الإيمان والعمل الصالح بما يفوقون على غيرهم، فمكَّنهم من البلاد والعباد، وفتحت مشارق الأرض ومغاربها، وحصل الأمن التام والتمكين التام، فهذا من آيات الله العجيبة الباهرة، ولا يزال الأمر إلى قيام الساعة، مهما قاموا بالإيمان والعمل الصالح: فلا بد أن يوجد ما وعدهم الله، وإنما يسلط عليهم الكفار والمنافقين، ويديلهم في بعض الأحيان: بسبب إخلال المسلمين بالإيمان والعمل الصالح " انتهى. "تفسير السعدي" (ص/573) . وانظر أيضا: "أضواء البيان" للشنقيطي (6/36) ، "فتح القدير" للشوكاني (4/69) . ثالثاً: صدق الناس في إيمانهم بربهم، وإقامتهم لشرعه، دليل على ما يكون من حالهم، حين يمكن الله تعالى لهم، وهؤلاء هم الذي وعدهم الله تعالى بالنصر والتمكين. قال تعالى: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) الحج/ 41. قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله - بعد أن ساق آيات فيها بيان نصر الله تعالى للمؤمنين -: " وفي قوله تعالى: (الذين إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأرض) الحج/ 41 الآية: دليل على أنه لا وعدَ من الله بالنصر إلا مع إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فالذين يمكِّن الله لهم في الأرض، ويجعل الكلمة فيها والسلطان لهم، ومع ذلك لا يقيمون الصلاة، ولا يؤتون الزكاة، ولا يأمرون بالمعروف، ولا ينهون عن المنكر: فليس لهم وعدٌ من الله بالنصر؛ لأنهم ليسوا من حزبه، ولا من أوليائه الذين وعدهم بالنصر، بل هم حزب الشيطان وأولياؤه، فلو طلبوا النصر من الله بناء على أنه وعدهم إياه: فمثلهم كمثل الأجير الذي يمتنع من عمل ما أجر عليه، ثم يطلب الأجرة، ومَن هذا شأنه: فلا عقل له. وقوله تعالى: (إِنَّ الله لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) العزيز: الغالب الذي لا يغلبه شيء، كما قدمناه مراراً بشواهده العربية. وهذه الآيات تدل على صحة خلافة الخلفاء الراشدين؛ لأن الله نصرهم على أعدائهم؛ لأنهم نصروه، فأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وأمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر، وقد مكَّن لهم، واستخلفهم في الأرض، كما قال: (وَعَدَ الله الذين آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرض) . والحق: أن الآيات المذكورة تشمل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل من قام بنصرة دين الله على الوجه الأكمل، والعلم عند الله تعالى " انتهى. "أضواء البيان" (5/272) . رابعاً: وبالإضافة لما سبق بيانه: فإنه يجب أن يُعلم أن للنصر أسبابه، ومن أراد النصر دون القيام بأسبابه فهو مخالف للشرع والعقل. قال الشيخ سعيد بن علي بن وهف القحطاني – حفظه الله -: " من المعلوم يقينًا أن النصر على الأعداء له أسباب تحققه للمسلمين على عدوهم بإذن الله تعالى، ومن هذه الأسباب ما يأتي: 1. الإيمان والعمل الصالح. قال الله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) النور/55. 2. نصر دين الله تعالى. ومن أعظم أسباب النصر: نصر دين الله تعالى، والقيام به، قولاً، واعتقاداً، وعملاً، ودعوةً. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ. وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ) محمد /7، 8. 3. التوكل على الله، والأخذ بالأسباب. التوكل على الله مع إعداد القوة من أعظم عوامل النصر. قال تعالى: (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) آل عمران/ 159. ولابد من التوكل من الأخذ بالأسباب؛ لأن التوكل يقوم على ركنين عظيمين: الأول: الاعتماد على الله والثقة بوعده ونصره تعالى. الثاني: الأخذ بالأسباب المشروعة؛ ولهذا قال الله تعالى: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ) الأنفال/ 60. 4. المشاورة بين المسؤولين لتعبئة الجيوش الإسلامية. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه، مع كمال عقله، وسداد رأيه؛ امتثالاً لأمر الله تعالى، وتطييبًا لنفوس أصحابه، قال سبحانه: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) الشورى/ 38. 5. الثبات عند لقاء العدو. من عوامل النصر: الثبات عند اللقاء، وعدم الانهزام والفرار. عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا أيها الناس، لا تمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف) . 6. الشجاعة والبطولة والتضحية. من أعظم أسباب النصر: الاتصاف بالشجاعة، والتضحية بالنفس، والاعتقاد بأن الجهاد لا يقدم الموت، ولا يؤخره. قال الله تعالى: (أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ) النساء/ 78. 7. الدعاء وكثرة الذِّكر. من أعظم وأقوى عوامل النصر: الاستغاثة بالله، وكثرة ذكره؛ لأنه القوي القادر على هزيمة أعدائه، ونصر أوليائه. قال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) البقرة/ 186 8. طاعة الله، ورسوله صلى الله عليه وسلم. طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من أقوى دعائم وعوامل النصر. قال تعالى: (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) النور/ 52. 9. الاجتماع وعدم النزاع. يجب على المجاهدين أن يحققوا عوامل النصر ولا سيما الاعتصام بالله، والتكاتف، وعدم النزاع والافتراق. قال الله تعالى: (وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) الأنفال/ 46. 10. الصبر والمصابرة. لابد من الصبر في الأمور كلها، ولا سيما الصبر على قتال أعداء الله ورسوله. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) آل عمران/ 200. 11. الإخلاص لله تعالى. لا يكون المقاتل والغازي مجاهداً في سبيل الله إلا بالإخلاص. قال الله تعالى: (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ) الأنفال/ 47. 12. الرغبة فيما عند الله تعالى. مما يعين على النصر على الأعداء هو: الطمع في فضل الله، وسعادة الدنيا، والآخرة. 13. إسناد القيادة لأهل الإيمان. من أسباب النصر: تولية قيادة الجيوش، والسرايا، والأفواج، والجبهات، لمن عُرفوا بالإيمان الكامل، والعمل الصالح، ثم الأمثل فالأمثل. قال الله تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات/ 13. 14. التحصن بالدعائم المنجيات من المهالك والهزائم ونزول العذاب. وتتلخص في اتباع الدعائم المنجيات الآتية: أولاً: التوبة، والاستغفار من جميع المعاصي والذنوب، كبيرها، وصغيرها، ولا تقبل التوبة إلا بشروط على النحو الآتي: الإقلاع عن جميع الذنوب وتركها. العزيمة على عدم العودة إليها. الندم على فعلها. فإن كانت المعصية في حق آدمي فلها شرط رابع وهو التحلل من صاحب ذلك الحق. ثانياً: تقوى الله تعالى، وهي أن يجعل العبد بينه وبين ما يخشاه من ربه ومن غضبه وسخطه وعقابه وقاية تقيه من ذلك. ثالثاً: أداء جميع الفرائض، وإتباعها بالنوافل. رابعاً: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. خامساً: الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في جميع الاعتقادات، والأقوال، والأفعال. سادساً: الدعاء، والضراعة " انتهى. "الجهاد في سبيل الله، فضله، ومراتبه، وأسباب النصر على الأعداء" للشيخ سعيد بن علي بن وهف القحطاني (ص21 - 30) باختصار. وانظر أجوبة الأسئلة: (31888) و (34830) و (46807) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 104119 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4836 حكم الجهاد وأنواعه [السُّؤَالُ] ـ[في هذا الوقت وهذا العمر، هل الجهاد فرض على كل رجل قادر عليه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الجهاد مراتب، منها ما هو واجب على كل مكلف، ومنها هو واجب على الكفاية، إذا قام بعض المكلفين سقط التكليف عن الباقين، ومنها ما هو مستحب. فجهاد النفس وجهاد الشيطان واجبان على كلِّ مكلف، وجهاد المنافقين والكفار وأرباب الظلم والبدع والمنكرات واجب على الكفاية، وقد يتعين جهاد الكفار باليد على كل قادر في حالات معينة يأتي ذكرها. قال ابن القيم رحمه الله: إذا عرف هذا فالجهاد أربع مراتب: جهاد النفس، وجهاد الشيطان، وجهاد الكفار، وجهاد المنافقين. فجهاد النفس أربع مراتب أيضاً: إحداها: أن يجاهدها على تعلم الهدى ودين الحق الذي لا فلاح لها ولا سعادة في معاشها ومعادها إلا به ومتى فاتها عمله شقيت في الدارين. الثانية: أن يجاهدها على العمل به بعد عمله، وإلا فمجرد العلم بلا عمل إن لم يضرها لم ينفعها. الثالثة: أن يجاهدها على الدعوة إليه وتعليمه من لا يعلمه وإلا كان من الذين يكتمون ما أنزل الله من الهدى والبينات ولا ينفعه علمه ولا ينجيه من عذاب الله. الرابعة: أن يجاهدها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله وأذى الخلق ويتحمل ذلك كله لله. فإذا استكمل هذه المراتب الأربع صار من الربانيين، فإن السلف مجمعون على أن العالم لا يستحق أن يسمى ربانيا حتى يعرف الحق ويعمل به ويعلّمه فمن علّم وعمل وعلم فذاك يدعى عظيما في ملكوت السماوات. وأما جهاد الشيطان فمرتبتان: إحداهما: جهاده على دفع ما يلقي إلى العبد من الشبهات والشكوك القادحة في الإيمان. الثانية: جهاده على دفع ما يلقي إليه من الإرادات الفاسدة والشهوات. فالجهاد الأول يكون بعده اليقين، والثاني يكون بعده الصبر، قال تعالى: {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون} السجدة/24، فأخبر أن إمامة الدين إنما تنال بالصبر واليقين، فالصبر يدفع الشهوات، والإرادات الفاسدة واليقين يدفع الشكوك والشبهات. وأما جهاد الكفار والمنافقين فأربع مراتب: بالقلب واللسان والمال والنفس. وجهاد الكفار أخص باليد، وجهاد المنافقين أخص باللسان. وأما جهاد أرباب الظلم والبدع والمنكرات فثلاث مراتب: الأولى: باليد إذا قدر، فإن عجز انتقل إلى اللسان، فإن عجز جاهد بقبله. فهذه ثلاثة عشر مرتبة من الجهاد، و " من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق " – رواه مسلم (1910) -. " زاد المعاد (3 / 9 – 11) . وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: الجهاد أقسام: بالنفس، والمال، والدعاء، والتوجيه والإرشاد، والإعانة على الخير من أي طريق، وأعظم الجهاد: الجهاد بالنفس، ثم الجهاد بالمال والجهاد بالرأي والتوجيه، والدعوة كذلك من الجهاد، فالجهاد بالنفس أعلاها. " فتاوى الشيخ ابن باز " (7 / 334، 335) . ثانياً: وجهاد الكفار باليد مرَّ في مراحل متنوعة بحسب الحال الذي كانت عليه أمة الإسلام: قال ابن القيم رحمه الله: أول ما أوحى إليه ربه تبارك وتعالى أن يقرأ باسم ربه الذي خلق وذلك أول نبوته فأمره أن يقرأ في نفسه ولم يأمره إذ ذاك بتبليغ، ثم أنزل عليه (يا أيها المدثر قم فأنذر) المدثر فنبأه بقوله {اقرأ} ، وأرسله بـ {يا أيها المدثر} . ثم أمره أن ينذر عشيرته الأقربين، ثم أنذر قومه، ثم أنذر من حولهم من العرب، ثم أنذر العرب قاطبة، ثم أنذر العالمين، فأقام بضع عشرة سنة بعد نبوته ينذر بالدعوة بغير قتال ولا جزية ويؤمر بالكف والصبر والصفح. ثم أُذن له في الهجرة، وأذن له في القتال. ثم أمره أن يقاتل مَن قاتله ويكف عمن اعتزله ولم يقاتله. ثم أمره بقتال المشركين حتى يكون الدين كله له. ثم كان الكفار معه بعد الأمر بالجهاد ثلاثة أقسام: أهل صلح وهدنة، وأهل حرب، وأهل ذمة. " زاد المعاد " (3 / 159) . ثالثاً: وحكم الجهاد باليد للكفار: فرض على الكفاية: قال ابن قدامة: قال: (والجهاد فرض على الكفاية، إذا قام به قوم، سقط عن الباقين) : معنى فرض الكفاية، الذي إن لم يقم به من يكفي، أثم الناس كلهم، وإن قام به من يكفي، سقط عن سائر الناس. فالخطاب في ابتدائه يتناول الجميع، كفرض الأعيان، ثم يختلفان في أن فرض الكفاية يسقط بفعل بعض الناس له، وفرض الأعيان لا يسقط عن أحد بفعل غيره والجهاد من فروض الكفايات، في قول عامة أهل العلم. " المغني " (9 / 163) . وقال الشيخ عبد العزيز بن باز: سبق أن بينَّا أكثر من مرة أن الجهاد فرض كفاية لا فرض عين، وعلى جميع المسلمين أن يجاهدوا في نصر إخوانهم بالنفس والمال والسلاح والدعوة والمشورة، فإذا خرج منهم من يكفي: سلم الجميع من الإثم، وإذا تركوه كلهم أثموا جميعاً. فعلى المسلمين في المملكة وإفريقيا والمغرب وغيرها أن يبذلوا طاقتهم، والأقرب فالأقرب، فإذا حصلت الكفاية من دولة أو دولتين أو ثلاث أو أكثر سقط عن الباقين، وهم مستحقون للنصر والتأييد، والواجب مساعدتهم ضد عدوهم؛ لأنهم مظلومون، والله أمر بالجهاد للجميع، وعليهم أن يجاهدوا ضد أعداء الله حتى ينصروا إخوانهم، وإذا تركوا ذلك أثموا، وإذا قام به من يكفي: سقط الإثم عن الباقين. " فتاوى الشيخ ابن باز " (7 / 335) . رابعاً: ويكون الجهاد الكفار باليد واجباً في أربع حالات هي: 1- إذا حضر المسلم الجهاد. 2- إذا حضر العدو وحاصر البلد. 3- إذا استنفر الإمام الرعية يجب عليها أن تنفر. 4- إذا احتيج إلى ذلك الشخص ولا يسد أحد مسدَّه إلا هو. يقول الشيخ ابن عثيمين: يجب الجهاد ويكون فرض عين إذا حضر الإنسان القتال وهذا هو الموضع الأول من المواضيع التي يتعين فيها الجهاد؛ لقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير} الأنفال/16، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: أن التولي يوم الزحف من الموبقات حيث قال: " اجتنبوا السبع الموبقات، وذكر منها التولي يوم الزحف " متفق عليه إلا أن الله تعالى استثنى حالتين: الأولى: أن يكون متحَرّفاً لقتال بمعنى أن يذهب لأجل أن يأتي بقوة أكثر. الثانية: أن يكون منحازاً إلى فئة بحيث يذكر له أن فئة من المسلمين من الجانب الآخر تكاد تنهزم فيذهب من أجل أن يتحيز إليها تقوية لها، وهذه الحالة يشترط فيها: أن لا يخاف على الفئة التي هو فيها، فإن خيف على الفئة التي هو فيها فإنه لا يجوز أن يذهب إلى الفئة الأخرى، فيكون في هذا الحالة فرض عين عليه لا يجوز له الانصراف عنه. الثاني: إذا حصر بلده العدو فيجب عليه القتال دفاعاً عن البلد، وهذا يشبه من حضر الصف في القتال؛ لأن العدو إذا حصر البلد فلا بد من الدفاع؛ إذ إن العدو سيمنع الخروج من هذا البلد، والدخول إليه، وما يأتي لهم من الأرزاق، وغير ذلك مما هو معروف، ففي هذا الحال يجب أن يقاتل أهل البلد دفاعاً عن بلدهم. الثالث: إذا قال الإمام انفروا، والإمام هو ولي الأمر الأعلى في الدولة، ولا يشترط أن يكون إماماً للمسلمين؛ لأن الإمامة العامة انقرضت من أزمنة متطاولة، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: " اسمعوا وأطيعوا ولو تأمر عليكم عبد حبشي "، فإذا تأمر إنسان على جهة ما صار بمنزلة الإمام العام، وصار قوله نافذاً، وأمره مطاعاً. " الشرح الممتع " (8 /10 [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 20214 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4837 حكم الجهاد [السُّؤَالُ] ـ[هل يعتبر الجهاد فرض عين علينا الآن وقد انتهكت حقوق المسلمين عن طريق الغزو الأجنبي أو غيره؟ وما هو الحكم في القاعدين الذين لا يملكون حيلة، غير أنهم لو استنفروا لأجابوا، ولجاهدوا في سبيل الله، وإنما حبستهم تلك الظروف التي تعانيها الأمة الإسلامية، من أن الحكم فيها لغير الله، مع الأدلة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الجهاد لإعلاء كلمة الله، وحماية دين الإسلام، والتمكين من إبلاغه ونشره، وحفظ حرماته فريضة على من تمكن من ذلك وقدر عليه، ولكنه لا بد له من بعث الجيوش، وتنظيمها؛ خوفا من الفوضى، وحدوث ما لا تحمد عقباه؛ ولذلك كان بدؤه، والدخول فيه من شأن ولي أمر المسلمين، فعلى العلماء أن يستنهضوه لذلك، فإذا ما بدأ واستنفر المسلمين، فعلى من قدر عليه أن يستجيب للداعي إليه، مخلصا وجهه لله، راجيا نصرة الحق، وحماية الإسلام، ومن تخلف عن ذلك مع وجود الداعي، وعدم العذر؛ فهو آثم. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 12/12. الحديث: 8961 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4838 هل يجوز لها أن تعمل مربية لبنت تعمل أمها في " كازينو "؟ [السُّؤَالُ] ـ[امرأة مسلمة تقيم في أمريكا، تعمل مربية وحاضنة لطفلة صغيرة أثناء غياب جدتها في العمل، وجدتها هي المسئولة عنها. وهي التي تدفع المال للمربية، وقد علمت مؤخراً أن أم الطفلة تعمل في "كازينو" وعملها فيه هو غسل الأواني فقط لا غير، ولها عدة أسئلة: 1. هل هذا العمل كله في حد ذاته لا يجوز الاستمرار فيه؟ . 2. وهل المال التي تقبضه منها هو مال حرام؟ ، تقول هي: لما علمت بالأمر لم تتصرف بالمبلغ الأخير الذي حصلت عليه من هذه المرأة حتى تسأل ما حكم الشرع في هذا؟ 3. تقول: وإذا كان هذا المال حراماً ماذا تعمل بالذي ما زال محفوظاً عندها؟ وماذا عليها فيما أخذته سابقا قبل أن تعلم بالحقيقة؟ . 4. أيضاً تقول: إن " الجدَّة " هي التي تدفع هذا المبلغ المالي لهذه المسلمة؛ لأن هذه الجدة هي التي تحضن حفيدتها، وتقوم بمصالحها ورعايتها. 5. أيضاً تقول: إن كانت هذه المرأة المسلمة محتاجة للضرورة لهذا العمل، ولهذا الدخل المالي، فهل لها أن تأخذه؟ وتستمر في هذا العمل أم لا؟ . مع العلم أني حاولت كثيراً دعوة هذه الجدة إلى الإسلام، ولكن دون جدوى.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نقول للأخت المسئول عنها: زادكِ الله حرصاً وتفقهاً في دينكِ، وشكر لكِ تحرِّيكِ الحلال من الرزق، ونسأل الله أن يتم عليك نعمه، ويزيدك من فضله، ونفصل لها في الجواب فنقول: أولاً: لا يجوز للمسلم الإقامة في بلاد الكفار إلا لعذر شرعي – كعلاج ودعوة وتجارة -؛ لما في ذلك من خطورة على دين المسلم، وعلى أسرته إن كان له زوجة وأولاد، ولا يستطيع المسلم أن يربي أولاده التربية الإسلامية الصحيحة، ولا أن يؤدي الأمانة على وجهها، وهو مستقر في تلك البلاد، ولا يعدُّ العمل من الأعذار التي تبيح لأحدٍ من المسلمين الإقامة في بلاد الكفر، ويتأكد النهي والمنع والمفسدة في حال كون المقيم والعامل هناك امرأة. سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما حكم العمل في دول الكفر، كدول أوربا وأمريكا؟ وهل يتغير الحكم لو عمل عند مسلم في مؤسسات مسلمة، ولكن في نفس البلد الكافر؟ . فأجابوا: " يجب على المسلم أن يهاجر من ديار الكفر إلى ديار الإسلام؛ محافظة على دينه؛ وتكثيراً لجماعة المسلمين؛ وليتعاون معهم على إقامة شعائر الإسلام، وسيجد لنفسه - بإذن الله - طرقاً عدة للكسب والمعيشة المباركة بين المسلمين، مع الأمن على دينه إن اتقى الله، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/ 2،3. ومِن هذا يُعلم أن عمل المسلم في بلاد الكفر - وهو يقوى على الهجرة منها إلى بلاد الإسلام -: لا يجوز، سواء كان عمله في محل كافر أم مسلم، إلا أنَّ عمله في محل كافر أشدُّ منعاً؛ لما يتوقع في ذلك من مزيد الخطر والذل، لكن إذا كان عالِماً وله نشاط في الدعوة إلى الإسلام، ويرجى أن يتأثر الكفار بدعوته، وتقوم به الحجة عليهم، ولا يُخشى عليه فتنة في دينه أو نفسه: فله أن يقيم بينهم للقيام بواجب الدعوة إلى الله، ونشر الإسلام. ومن كان مستضعفا لا يقوى على الهجرة: فهو معذور في إقامته بين الكفار، وعلى إخوانه المسلمين أن يساعدوه ليتمكن من الهجرة إلى بلد يأمن فيه على دينه " انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. " فتاوى اللجنة الدائمة " (14 / 475، 476) . وينظر جوابي السؤالين: (38284) و (13363) . ثانياً: إذا أبى المسلم إلا الإقامة في بلاد الكفر، أو كان لا يستطيع الخروج منها لعذرٍ شرعي: فإنه إن تمكن من ترك العمل عند الكفار فهو أولى، وليُعلم أن عمله يكون محرَّماً – سواء كان عند مسلم أم عند كافر - إن كانت طبيعته محرَّمة، كأن يعمل في محل لبيع الخمور، أو في فندق تشتمل خدماته على المحرمات، أو في بنوك ربوية، أو شركات تعمل في مجالات تنشر الفساد والمعاصي والموبقات، كما لا يجوز أن تكون بيئة العمل مختلطة رجالاً ونساءً. ومن عمل عند كافرٍ في عمل مباحٍ: فماله حلال، ولو كان أجيراً عند كافرٍ، مع أن الأولى أن لا يفعل ذلك. قال ابن قدامة رحمه الله: " ولو أجَّر مسلمٌ نفسَه لذميٍّ لعملٍ: صحَّ؛ لأن عليّاً رضي الله عنه أجَّر نفسَه مِن يهوديٍّ يستقي له كل دلو بتمرة، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فلم ينكره " انتهى " المغني " (4 / 333) . وسئل علماء اللجنة الدائمة: ما حكم مَن يشتغل عند شخص غير مسلم، هذه النقود التي يقبضها مِن عنده هل هي حلال أم حرام؟ . فأجابوا: " تأجير المسلم نفسه للكافر: لا بأس به إذا كان العمل الذي يقوم به مباحاً: كبناء جدار، أو بيع سلعة مباحة، أو ما أشبه ذلك من الأعمال المباحة؛ لأن عليّاً رضي الله عنه أجَّر نفسه ليهودي بتمرات على نضح الماء ل من البئر، فعن ابن عباس رضي الله عنهما (أن عليّاً رضي الله عنه أجَّر نفسه من يهودي يسقي له كل دلو بتمرة) أخرجه البيهقي وابن ماجه " انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد. " فتاوى اللجنة الدائمة " (14 / 486) . وبخصوص عملك في رعاية وعناية حفيدة تلك الجدة: فالذي يظهر لنا هو أن عملكِ مباح، وأن المال الذي كسبتِه قديما وحديثاً حلال لكِ، وبخاصة أن عملك لا يتطلب الخروج من المنزل، ولا الاختلاط بالرجال، ولا الذل للكفار، بل أنتِ آمنة مستقرة في بيتك، وهم الذين يُحضرون ابنتهم عندك، وأما إن كنتِ أنتِ التي تذهبين إليهم: فلتحذري من وجود الرجال الأجانب عنك، وما فيه من مفاسد ومحرَّمات، ولتحذري من الخلوة مع أحدهم؛ فهو من المحرَّمات، واحرصي على أن يكون الأمر على الصورة الأولى، وهي أنهم هم الذين يحضرون ابنتهم إلى بيتكِ. واحرصي وإستمري على دعوة الجدة وابنتها للإسلام، قال تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) فصلت/ 33، وقَالَ سَهْلٌ بْنُ سَعْد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ٍ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَم) رواه البخاري (2847) ومسلم (2406) . ونوصيكِ بإتقان عملك، حتى تكوني أنموذجاً للمسلم الذي يؤدي الأمانة على وجهها، وإن كنَّا نرى لك عدم البقاء في تلك الديار، كما سبق وذكرنا في أول الجواب، لكن هذا لا يمنعنا من ذِكر حكم عملك، ولا يمنع من نصحك وتوجيهك للأصلح لك ولدينك. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 101575 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4839 حكم الإسلام في الدفاع عن النفس [السُّؤَالُ] ـ[ما هو رأي الإسلام في الدفاع عن النفس؟ أهو من الحقوق؟ وهل توجد شروط لهذا الحق؟ وهل يتناول القرآن موضوع الدفاع عن النفس؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله حفظ النفس والعرض والعقل والمال والدين من الضرورات الشرعية المعروفة، وهي الضرورات الخمس المعروفة عند المسلمين، فيجب على الإنسان أن يحافظ على نفسه، ولا يجوز أن يتعاطى ما يضره، ولا يجوز له أيضا أن يمكّن أحدا من أن يُضرّ به، فإذا صال عليه إنسان أو سبع أو غيرهما وجب عليه الدفاع عن نفسه أو أهله أو ماله، فإن قتل فهو شهيد،والقاتل في النار. وإذا كان الضرر المترتب على هذا الظلم شيئا يسيرا، وتركه لله، لاشك أن الله سوف يعوضه عنه ما لم يكن سببا في زيادة هذا الظلم عليه أو على غيره. [الْمَصْدَرُ] الشيخ: عبد الكريم الخضير. الحديث: 21932 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4840 الفرق بين الجهاد والقتال، وأنواع الجهاد في سبيل الله [السُّؤَالُ] ـ[ما الفرق بين الجهاد والقتال؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الجهاد أعم من القتال، فالجهاد يكون باللسان، ويكون بالسنان - وهو القتال -، ويكون بالمال، وتحت كل مرتبة مراتب متعددة. فالجهاد باللسان منه جهاد الكافرين، ومنه جهاد المنافقين، ومنه جهاد أهل البدع، ومنه جهاد أهل الضلال والشهوات. وأما القتال فلا يكون إلا بالسنان، فمنه قتال الكفار، ومنه قتال البغاة، ومنه قتال الخوارج. وأعظم أنواع القتال قتال الذين كفروا؛ فإن الله جل وعلا أمر بقتالهم والتنكيل بهم، قال تعالى: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) التوبة/29، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً) التوبة/123 أي: شدة. وجهاد الكفار بالسنان نوعان: جهاد طلب، وجهاد دفع. - فجهاد الطلب أن نغزو الكفار في ديارهم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون. قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلا بِحَقِّ الإِسْلامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ) رواه البخاري (25) ومسلم (20) وليس المقصود من هذا النوع قتال الكفار وأخذ أموالهم، بل شُرِع الجهاد لحكم ومصالح عظيمة، قد سبق ذكرها في السؤال (34647) والنوع الثاني وهو جهاد الدفع: فإذا داهم العدو بلدا إسلاميا، أو قاتل العدو إحدى البلاد الإسلامية، فالجهاد حينئذ واجب، فإن قامت الكفاية بأهل تلك البلاد، فَبِها ونِعْمَت، فالبقية يساندونهم بالمال والدعاء، وإن لم تقم الكفاية بأهل تلك البلاد، وجب على من قرب منهم أن يقوم معهم، كلٌّ على قدر طاقته، فهذا بماله، وهذا بلسانه، وهذا بنفسه وسلاحه. والله أعلم راجع السؤال (20214) (34830) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 26125 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4841 الحيلة والخداع في الحرب [السُّؤَالُ] ـ[هل يُجيز الإسلام الحيلة والخداع في الحروب؟ وهل مثل ذلك الغدر والخيانة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فقد حرم الله تعالى الغدر وذمَّ فاعله فقال تعالى: " الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون " الأنفال 56. وقال صلى الله عليه وسلم: " لكل غادر لواء يوم القيامة يُعرف به " رواه البخاري (6966) ومسلم (1736) . وأخرج البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " أربع خلال من كنَّ فيه كان منافقاً خالصاً إذا حدَّث كذب وإذا وعد أخلف وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر ومن كان فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها " رواه البخاري (3878) ومسلم (58) . وعن مالك قال: بلغني أن عبد الله بن عباس قال: ما ختر قوم بالعهد إلا سلط الله عليهم العدو. الموطأ / باب ما جاء في الوفاء بالعهد. ومع هذا التنفير من الغدر جَوَّزَ الشرع الخداع في الحرب لتحقيق الظفر قال النووي: اتفق العلماء على جواز خداع الكفار في الحرب كيف أمكن الخداع إلا أن يكون فيه نقض عهد أو أمان فلا يحل. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " الحرب خدعة " رواه البخاري (3029) ومسلم (58) ، ومن أخطر عناصر الخديعة مفاجأة العدو وأخذه على غِرَّة قبل أن يستعد للقتال فعندما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتوجه إلى مكة لفتحها أمر المسلمين أن يتجهزوا دون أن يبوح لأحد بقصده إلا بعد التحرك نحو مكة وبعد أن أخذ كل الاحتياطات لمنع وصول الأخبار إلى المشركين. وكان صلى الله عليه وسلم يبعث بسرايا كثيرة فيوصيهم بالسير ليلاً والاستخفاء نهاراً حتى يباغتوا عدوهم. ومع جواز الخداع في الحرب نقول: إن الإسلام قد بلغ شأواً عالياً في الالتزام بالوفاء بالعهد في استعمال هذه المعاريض والحيل الحربية ومن روائع الأمثلة: أن عمر بن الخطاب كتب إلى عامل جيش كان بعثه: " قد بلغني أن رجالاً منكم يطلبون العلج (وهو الكافر غير العربي) حتى إذا اشتد في الجبل وامتنع يقول: لا تخف فإذا أدركه قتله، وإني والذي نفسي بيده لا يبلغني أن أحداً فعل ذلك إلا ضربت عنقه ". وعن أبي مسلمة قال: قال عمر بن الخطاب والذي نفسي بيده لو أن أحدكم أشار إلى السماء بإصبعه إلى مشرك ثم نزل إليه على ذلك ثم قتله لقتلته به. فالإسلام حرم الغدر، والغدر ليس من أبواب الحيلة والخداع الجائز في الحروب. فالشريعة الإسلامية فرقت بين ما يجوز من وسائل الحيلة وما ينطوي على الغدر ونقض العهد. أنظر العلاقات الخارجية في دولة الخلافة 197. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 10138 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4842 هل يتعطل الجهاد إذا لم يوجد خليفة [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكن أن نشارك في الجهاد إذا لم يكن لدينا خليفة ينظمنا أو ليس لنا قوة على القتال؟ هل يجب أن نتصرف كالرسول صلى الله عليه وسلم ونمتلك الصبر والثقة بالله قبل الحصول على القوة لنقاتل الكفار؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الجهاد في سبيل الله تعالى ذروة سنام الإسلام وشعيرة ظاهرة من شعائر الدين لا يتوقف على وجود إمام.. لكن من المعلوم بداهة أن الجهاد يحتاج إلى إعداد وترتيب ووجود قائد للجيش وتراعى في ذلك المصالح والمفاسد وهذا مسلك العدل بين من تهوّر ولم ينضبط بضوابط الشرع وأحكامه وبين من أهمل هذه الشعيرة وعطلها علماً وعملاً.. والواجب التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع شؤونه ومن ذلك إعداد العدة والقوة.. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد آل عبد اللطيف الحديث: 5275 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4843 لماذا فتح المسلمون الأندلس؟ [السُّؤَالُ] ـ[فهم شخص يهودي من آية في القرآن الكريم أن الإسلام ينهى عن اعتراض الناس في ديارهم، فلماذا في السابق كانت هناك فتوحات إسلامية؟ خاصة عندما ذهب الفارس الإسلامي طارقُ بن زياد لفتح الأندلس، مع أن سكانها كانوا في ديارهم، وقال طارق بن زياد لجنوده: البحر من خلفكم، والعدو أمامكم. أرجو من فضيلتكم توضيح ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأندلس حلقة من حلقات التاريخ الإسلامي العظيم، بل هي منارة في تاريخ البشرية كلها، حيث كانت مصدر العلم والمعرفة في الأرض لقرون متطاولة، تعلمت منها أوروبا كلها دروس الحضارة والمدنية، وكان فتحها - بلا شك – من أعظم أحداث القرن الهجري الأولى (92هـ الموافق 711م) ، وكان ذلك العهد أزهى وأرقى عهود بلاد الأندلس منذ بدء التاريخ ولعله إلى آخر الزمان. ولأهمية هذا الموضوع، كان لا بد من بيان بعض الأمور المهمة المتعلقة بهذا الحدث العظيم: أولا: إن أهم مقاصد الجهاد التي شرع من أجلها تبليغ رسالة التوحيد، بكسر جميع الطواغيت التي تحول بينها وبين الناس، ودعوة الناس إلى الإسلام من غير إكراه ولا إجبار، بل عن طواعية واختيار. يقول الله تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ) البقرة/193 قال قتادة رحمه الله: " حتى لا يكون شركٌ، "ويكون الدين لله": أن يقال: لا إله إلا الله، عليها قاتل نبيُّ الله، وإليها دعا. " تفسير الطبري (3/567) . ثانيا: كانت " الأندلس " واسمها القديم " أيبيرية " خاضعةً للإمبراطورية الرومانية، وفي مطلع القرن الخامس الميلادي – أي حوالي عام 410 م اجتاحتها قبائل " القُوط " الأريوسية المذهب، وأسسوا فيها دولةً قُوطِيَّة عاصمتها " طليطلة ". ومن هنا نفهم أن شعوب " الأندلس " الأصلية من الكنعانيين الكاثوليك كانت - قبل الفتح الإسلامي - خاضعة للنفوذ القوطي، وتكوَّنَ سكانها من طبقات أربعة متناقضة متصارعة: طبقة القوط الحكام المستعمرين، وطبقة الأعيان الرومانيين ومعهم الإقطاعيون ورجال الدين، وطبقة اليهود، وطبقة الشعب العامل من سكان البلاد الأصليين. فهي بلاد محتلة مضطهدة أصلا، ولم تكن تحت حكم سكانها الأصليين، ولم يكن المسلمون هم المبتدئين للاحتلال، إنما خلصوا البلاد من احتلال ظالم إلى بلد مسلم يختار أهله عقيدة المسلمين، وينتسبون إلى دولتهم. ثالثا: زيادة على الاحتلال الذي فرضته القبائل القوطية الغربية على بلاد الأندلس، كان التسلط والظلم والاضطراب سمةً بارزة في فترة حكمهم التي امتدت نحو ثلاثة قرون. يقول حسين مؤنس في كتابه "فجر الأندلس" (ص/8،18-19) : " لكن سلطانهم لم يستقر في البلاد أول الأمر بسبب ما ثار بينهم وبين أهل البلاد من منازعات دينية، وبسبب ما شجر بين أمرائهم من خلافات، ولهذا ظلت البلاد طوال القرن السادس نهبا للحروب الأهلية، وما ينجم عنها من الفوضى وسوء الحال ... - حتى كان آخر حكام القوط – واحد اسمه " رودريكو " (لذريق) ... والظاهر الذي لا تستطيع المناقشة إخفاءه أن الرجل كان يشعر باضطراب الأمر عليه، وأنه ظل حياته متخوفا من وثبة تكون من أحد أعدائه الكثيرين؛ لأن هؤلاء الأعداء لم يكونوا أولاد " غيطشة " وحدهم – الذين استولى " لذريق " على ملكهم – بل كانوا في واقع الأمر جلة الشعب الإيبيري الروماني واليهود، أي معظم أهل البلاد التي اقتحمها القوط عليهم " انتهى باختصار. وقد حاول كثير من المؤرخين الأسبان أن يدافعوا عن دولة القوط - تعصبا منهم في رفض الوجود الإسلامي في تلك البلاد - إلا أن كتب التاريخ مليئةٌ بالأدلة على ما ذكره الأستاذ حسين مؤنس في شأن رفض أهل البلاد حكم القوطيين، حتى نقل في (ص/10) عن " رفائيل بالستيروس " المؤرخ الإسباني قوله: إن العرب لو لم يتدخلوا في سنة 711هـ في شؤون الجزيرة، ويضعوا نهاية لهذا العصر المضطرب، لَبَلَغَ القوطُ بإسبانيا مبلغا من السوء لا يسهل تصوره. رابعا: لما اشتد ظلم حكام القوط في تلك البلاد، وضاق الشعب بهم، أرسلوا إلى المسلمين يطلبون منهم تخليصهم والنجاة بهم، فقد أجمعت المصادر العربية على ذكر إرسال حاكم " سبتة " واسمه " يوليان " أو جوليان " إلى موسى بن نصير يطلب منه دخول البلاد وتخليصهم من شر " لذريق "، كما تذكر كثير من المصادر إرسال أبناء " غيطشة " إلى موسى بن نصير يستنجدون به على مَن غصبهم ملك أبيهم، بل إن المصادر التاريخية الغربية تنسب إلى اليهود المضطهدين في " الأندلس " من قبل القوط استنجادَهم بِمَن وراء البحر من " الأفارقة " أو " المسلمين " ليخلصوهم من ظلم " لذريق " وأعوانه، وهو أمر وإن أنكره بعض المؤرخين، غير أن المتفق عليه بينهم أن اليهود تعرضوا في تلك الفترة إلى اضطهاد كاد يفنيهم ولا يبقي لهم أثرا. انظر "فجر الأندلس" لحسين مؤنس (ص/14) وفي النصوص الباقية الموروثة كثير من الأدلة على أن الأندلسيين استقبلوا المسلمين استقال الفاتحين، ومن ذلك: يقول صاحب كتاب "أخبار مجموعة في فتح الأندلس" (ص/24) متحدثاً عن الخدمات التي قدمها بعض الإسبان لموسى بن نصير: " فلما نزل الجزيرة، قيل له: اسلك طريقه، قال: ما كنت لأسلك طريقه. قال له العلوج الأدلاء: نحن ندلك على طريق هو أشرف من طريقه، ومدائن هي أعظم خطباً من مدائنه، لم تُفتح بعد، يفتحها الله عليك إن شاء الله " انتهى. ويقول أيضاً: " ثم سار إلى مدينة قرمونة، فقدَّم إليها العلوج الذين معه، وهي مدينة ليس بالأندلس أحصن منها، ولا أبعد من أن ترجى بقتال أو حصار، وقد قيل له حين دنا منها: ليست تُؤخذ إلا باللطف، فقدَّم إليها علوجاً ممن قد أمنه واستأمن إليه، مثل " يليان "، ولعلهم أصحاب " يليان "، فأتوهم على حال الأفلال، معهم السلاح، فأدخلوهم مدينتهم، فلما دخلوها بعث إليهم الخيل ليلاً، وفتحوا لهم الباب، فوثبوا على حراسه، ودخل المسلمون قرمونة " انتهى. بل إن بعض أساقفة النصارى شاركوا في مساعدة المسلمين على الفتح، منهم " أوباس " أسقف " إشبيلية " كما في كتاب "العرب لم يغزوا الأندلس" (ص/187) وينقل صاحب كتاب "تاريخ النصارى في الأندلس" (ص/45) عن ما جاء في سيرة القديس " سانت ثيودارد" رئيس أساقفة " أربونة " الذي عاش حوالي سنة (266هـ) أنه لما دخل المسلمون لأول مرة إلى " لانجدوك "، انحاز اليهود إليهم، وفتحوا لهم أبواب مدينة " طولوشة ". والمسلمون يؤمنون بأن نصرة المظلوم وإحقاق العدل والسلم من أعظم مقاصد الجهاد في الشريعة الإسلامية، دليل ذلك ما وقع في "سيرة النبي صلى الله عليه وسلم " من " حِلف الفضول "، حيث تعاهدت القبائل على كف الظالم ونصرة المظلوم ولو كان كافرا. يقول الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه "العلاقات الدولية في الإسلام" (83) : " الإسلام ينظر إلى الرعايا الذين يُحكَمون بالظلم ويُقيدون في حرياتهم نظرة رحيمة عاطفة، ينصرهم إذا استنصروه، ويرفع عنهم نير الطغيان إن هم استعانوا به " انتهى. وذلك ما شهد به بعض اليهود حين أدركوا عظيم الفضل الذي أسداه المسلمون لهم في توفير حياة كريمة، وحرية لم يشهدوا لها مثيلا عبر تاريخ وجودهم في أوروبا كلها. يقول حاييم الزعفراني اليهودي في كتابه "ألف سنة من حياة اليهود في المغرب" (ص/13) : " لقد عرفت اليهودية الأندلسية في مجموعها حياة أكثر رخاء، وأكثر اطمئناناً، كما لم تعرفها في مكان آخر " انتهى. ويقول نسيم رجوان - رئيس تحرير جريدة اليوم الإسرائيلية -: " كان اليهود قد عانوا خلال قرون الكثير من الشقاء والبؤس، حيث كان الملوك الإسبان القساة الغلاظ بعيدين كل البعد عن الشفقة والرحمة. وعندما دخل المسلمون إسبانيا لم يكتفوا بتحرير اليهود من الاضطهاد، ولكنهم شجَّعوا بينهم نشر حضارة كانت توازي بخصبها وعمقها أشهر الحضارات في مختلف العصور " انتهى نقلا عن كتاب "أهل الكتاب في المجتمع الإسلامي" (ص/49) سادسا: ويُتَوَّجُ ما سبق بالقطع واليقين، حين نستحضر أن فتح تلك البلاد لم يستغرق إلا نحو ثلاثة سنين (92هـ - 95هـ) وصل فيها المسلمون إلى فرنسا، ولم يشارك فيه إلا بضعة آلاف من الجنود، مما يقطع لك بأن الأمر لم يكن فتحا عسكريا بالقدر الذي كان فتحا فكريا وعقائديا، آمن فيه سكان " الأندلس " بعقيدة المسلمين، واختاروا – عن حب وطواعية – التسليم لهذا الدين الجديد، والتخلص من طغيان الكنيسة والإقطاع الذي كان سائدا قبل المسلمين، وقد كتب في ذلك واحد من أشهر المؤرخين الإسبان، واسمه " اغناسيو أولاغي " كتابا اشتهر في السبعينيات اسمه " الثورة الإسلامية في الغرب "، ترجمه واختصره الأستاذ المؤرخ المحقق " إسماعيل الأمين " تحت عنوان " العرب لم يغزوا الأندلس "، طباعة " رياض الريس للكتب والنشر "، أراد فيه المؤلف بيان أن التحول إلى الإسلام في الأندلس لم يتم إلا عبر حركة الأفكار وتصارعها، ثم هيمنة ما يسميه المؤلف بالفكرة/القوة، التي شكلت عصب الحضارة العربية الإسلامية في ثلاثة أرباع العالم يومها، ورغم ما في الكتاب من مغالاة في نقد كل ما اشتهر في تاريخ الأندلس، إلا أن الذي يهمنا فيه بعض النصوص التي توحي بأن دخول الإسلام الأندلس لم يكن اعتراضا وقهرا، بل كان فتحا للقلوب وتنويرا للعقول، وليتحمل القارئ الكريم طول النص المنقول، فإنه من أبدع النصوص التي كتبها أعداء الإسلام في أمر يثيره كثير من الحاقدين: جاء في (ص/55- 66) : " هكذا يتضاءل الغزو الأجنبي إلى حادث عرضي في حرب أهلية، فهل يبقى من صلة بين هذا الحدث العسكري من جهة، وبين اعتناق الأيبيريين الإسلام، ثم نشوء حضارة إسلامية في أيبيريا من جهة ثانية؟ في الأبحاث المتعلقة بخرافة الغزو جاءت الأرقام دقيقة، وصل طارق بسبعة آلاف رجل لهزيمة رودريك، وجاء موسى بن نصير على رأس ثمانية عشر ألف رجل ليخضع الأيبيريين لسلطانه، أحدث خمسةٌ وعشرون ألف رجل هذا التحول الهائل في اللاتينية والمسيحية والزواج الأحادي، في ضربة واحدة بدَّل الأيبيريون أعرافهم وتقاليدهم وديانتهم، بعد هذا الإنجاز العظيم يبادر العرب دون أي تعزيز لقواتهم ومواقعهم إلى غزو فرنسا! مع ذلك يبقى من المطلوب تفسير كيف يمكن أن تتم عملية تحويل شعوب أيبيريا المحصَّنة جغرافيا وطبيعيا بهذه السرعة، ومن قبل حفنة ممن نسبت إليهم المجزات، خصوصا أن الأيبيريين والغزاة لم يكونا من أصل مشترك. من البديهي أن جيشا من هذا النوع كان سيذوب بين الجموع إذا ما خاطر بنفسه وتوغل في عمق البلاد، هذا فضلا عن أن الأيبيريين خلال تاريخهم الطويل لم يكونوا شعبا مسالما في مواجهة مثل هذا النوع من الأحداث، ألم يكن من الممكن أن ينظموا حرب "العصابات" التي كانوا قد قدموا وصفتها إلى العالم بأكمله؟! ماذا فعل الأيبيريون في هذه الأثناء؟ بعد سنة 711م لم يحدثنا التاريخ عنهم، مع هذا فإن عشرة ملايين نسمة – على أقل تقدير – لم يختفوا هكذا بضربة سحرية في تلك الحقبة السعيدة، لم يكن هناك وسائل إبادة جماعية، وكان يلزم الفاتحون الكثير من الوقت والعمل لجزر هذا العدد بالسيف، لا يمكن لأودية "أشتورش" الصغيرة استقبال هذا العدد من اللاجئين، يكفي هذه الأودية أنها شكلت حصنا للمتمردين القلائل الذي سيشكلون فيما بعد نواة المملكة المسيحية، هكذا تم إخفاء عشرة ملايين من الأيبيريين من صفحات التاريخ، فإذا كان اجتياح أرض مسيحية من قبل " الكفار " قد بدا بهذه الضخامة، بماذا يمكننا إذن أن نصف اعتناق شعبها الإسلام، وتمثله الحضارة العربية الإسلامية؟ إما أن يكونوا جميعهم قد قتلوا، وإما تم استرقاقهم عبيدا، أو لجؤوا إلى الجبال، أو ببساطة قد تم تجاهل وجودهم من قبل المؤرخين. لماذا وكيف اعتنقت الجماعات الإنسانية التي كانت متمركزة في المقاطعات البيزنطية في آسيا ومصر وأفريقيا الشمالية وشبه جزيرة أيبيريا إيمانا جديدا ومفهوما جديدا للوجود؟ قد يسهل تحويل خرافة الغزوات العربية المستحيلة جغرافيا وتاريخيا إلى حقيقة، ولكننا لا يمكننا أن ننكر أن حضارةً عربية إسلامية قد امتدت في جميع هذه الأصقاع. يصاب الباحثون بالدهشة حين يعرفون من خلال الروايات عدد الغزاة: خمسة وعشرون ألف رجل أهلكوا عشرة ملايين!! في الواقع استمرت عملية اعتناق الدين الإسلامي واكتملت خلال قرنين أو ثلاثة قرون، فكان اعتناقا كاملا أو نهائيا، لم يترك سوى بعض الجزر التي بدا وجودها مشكوكا فيه. كيف إذًا يمكن تفسير هذه العودة عن المسيحية واعتناق الإسلام بقوة السلاح؟ وماذا كانت نتيجتها؟ بعض المؤرخين قَبِلَ الإجابة التقليدية الجاهزة عن هذه الأسئلة، وبعضهم الآخر أصيب بتشوش فكري. لم يتمكن هؤلاء من فهم كيفية خضوع شعوب مصر والمقاطعات البيزنطية لما يسمونه بـ "قوانين البدو"، لقد أثبت " كزافيي بلان هول " في كتابه " العالم الإسلامي " أن الإسلام كان دائما دين المدن، مع هذا لنفترض أنهم أُخضعوا بالقوة من قبل جماعات البدو، فلماذا تنازلوا لهؤلاء البدو عن كامل حضارتهم؟ كانت المقاطعات البيزنطية تتمتع بحياة مدنية متقدمة، وكانت المدن المزدهرة كبيرة، كان عدد سكان أنطاكيا حوالي 300 ألف نسمة، وكان من بين الأربع مائة أسقفية بيزنطية ثلاث مائة وواحد وسبعون أسقفية موجودة في آسيا، من هنا تظهر أهمية النصر الإسلامي على المستوى الفكري. هل يتعين علينا أن نتصور أن أبناء المدن قد فُتنوا بمدنية أولئك المتدفقين من تلك الوحشة الواسعة؟ يبدو الأمر مستحيلا إذا لم يكن لدى هؤلاء البدو غير السيف. التعصب الديني وسوء الفهم الناتجان أحيانا عن انعدام الوعي وأحيانا عن الإرادة الواعية والمتعاظمان مع الزمن أخفيا - تحت جملة من الأكاذيب والخرافات - قسما هاما من تاريخ انتشار الإسلام على طول السواحل الشرقية والجنوبية للبحر المتوسط، وانسجاما مع مفهوم بدائي للتاريخ فسرت التحولات الروحية والاجتماعية والثقافية العملاقة في القرنين السابع والثامن - في عالمي الشرق والبحر المتوسط - كنتيجة لغزوات عسكرية فرضت اللغة والحضارة والدين بالسيف المعقوف!! الإكراه لا يفسر كل شيء. في الواقع: إن المؤرخين قد خلطوا بين انتشار الأفكار العبقرية التي تحملها حضارة ما، وبين القدرات العسكرية التي لا تسمح إلا بنشوء إمبراطوريات وقتية تزول مع الزمن. لقد خلطوا بين القوة العقلية والقوة المادية. نستنتج من دراسة الحركات المشابهة أن انتشار الإسلام كان نتيجة الفكرة/القوة، وليس نتيجة للقدرة على الهجوم العسكري المسلح، فمثلما سيطرت " الهيلينية " فيما مضى، ويسيطر الغرب اليوم، فإن سيطرة الإسلام لا يمكن أن تكون إلا ثمرة لحركات أفكار/قوة. أما الاستمرار في الاعتقاد بأن شعوبا تزدهم (أي تغزوهم) في بلادها حضارة هادمة، قد تركت معتقداتها وغيرت عاداتها لأن حفنة من الفرسان الميامين قهرتها عسكريا، فلا يوحي إلا بمفهوم صبياني سخيف للحياة الاجتماعية. يجب أن يتقلص الجانب العسكري من الأحداث إلى دور ثانوي يتعلق بتفاصيل طرائف الحياة الشخصية. يجب فهم المشكلة في المجال الفكري والثقافي. لم يكن هناك عدوان عسكري، بل أزمة ثورية، ودعوة حملها الفقهاء وليس الجنرالات. إن العلماء وحدهم يدركون حركة الشعوب ويقدرون على قيادتها، أما السيادة العسكرية فلا يمكن أن تستمر ثمانية قرون في الأندلس، وإلى الأبد في مساحات شاسعة من العالم " انتهى باختصار. (من المراجع التاريخية المستفاد منها: "البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب" لابن عذاري المراكشي (2-9) ، "نفح الطيب" للمقري 1/229-263 وغيرها) . وفي موقعنا بعض الإجابات المتعلقة بموضوع الجهاد، يمكنكم مراجعتها، وهي: (21961) ، (26125) ، (34647) ، (43087) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 100521 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4844 معاملة الأسرى في الإسلام [السُّؤَالُ] ـ[كيف يعامل أسرى الحرب في الإسلام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله دين الإسلام دين رحمة وعدل، أمرنا بالدعوة إلى دين الله بالتي هي أحسن، وترغيب الناس في الدخول في هذا الدين العظيم، فإن أصر بعض الناس على رفض دين الله وقام في وجه الحكم بما أنزل الله في الأرض وحاربوا الدعوة إلى الله فإننا نخيرهم بين ثلاثة أشياء: إما الإسلام، فإن أبوا فالجزية (وذلك بأن يدفعوا مبلغاً معيناً للمسلمين مقابل أن يبقوا في أرضهم ويقوم المسلمون بحمايتهم) فإن أبوا فحينئذٍ لم يبق لهم إلا الطريق الذي اختاروه لأنفسهم وهو القتال وإعمال السيف في رقاب الذين آذوا المسلمين وعرقلوا سير الدعوة الإسلامية ووقفوا حجر عثرة في طريق المسلمين لأن ذلك يجعل المسلمين أعزة، والأعداء أذلة حتى إذا أثخناهم في المعركة قتلاً وجرحاً، وتم لنا الرجحان عليهم رجحنا الأسر - المعبر عنه بشدِّ الوثاق -؛ لأنه يكون حينئذٍ من الرحمة الاختيارية وتكون الحرب ضرورة تُقدر بقدرها وليس المراد بها سفك الدماء، وحب الانتقام. فإذا استولى المسلمون عليهم وساقوهم إلى المكان المُعدّ لهم فإنه لا ينبغي لهم أن يؤذوهم أو يُعذبوهم بضرب أو جوع أو عطش أو تركهم في الشمس أو البرد أو لسعهم بالنار المُحرقة، أو تكميم أفواههم وآذانهم وأعينهم ووضعهم في أقفاص الحيوانات، بل رفق ورحمة، وإطعام وترغيب في الإسلام. فهذا ثمامة بن أثال – سيد بني حنيفة – جئ به أسيراً، فرُبط بسارية المسجد، فجاء إليه الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: ماذا عندك يا ثمامة؟ قال: عندي يا محمد خير، إن تقتل تقتل ذا دم – أي أستحق القتل لأني قتلت من المسلمين -، وإن تُنعم تُنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل تُعط منه ما شئت فتركه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثلاثة أيام وفي كل يوم يأتي إليه فيسأله مثل هذه الأسئلة ويجيبه ثمامة بمثل إجابته تلك، وبعد اليوم الثالث أمر بفك أساره، فانطلق إلى نخلٍ قريب من المسجد فاغتسل ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، ثم قال: يا رسول الله: والله ما كان على الأرض أبغض إلى من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إليَّ، والله ما كان من دين أبغض إليَّ من دينك فأصبح دينك أحب الدين كله إليَّ، والله ما كان من بلد أبغض إليَّ من بلدك فأصبح بلدك أحب إليَّ، وإن خيالتك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى؟ فبشره رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأمره أن يعتمر، فلما قدم مكة قال له قائل: صبوت؟ فقال: لا، ولكني أسلمت مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولا والله لا يأتينكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فتأمل رحمك الله هذه القصة، وكيف أثرت المعاملة الحسنة في ثمامة إلى أن اقتادته إلى الإسلام، وما كان ذلك ليحصل لولا توفيق الله ثم المعاملة الكريمة التي لقيها ثمامة. أما في كتاب الله فقد قال الله تعالى في الأبرار: {ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكورا} قال ابن كثير – رحمه الله -: "قال ابن عباس كان أسراهم يومئذ مشركين ويشهد لهذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه يوم بدر أن يكرموا الأسارى فكانوا يقدمونهم على أنفسهم عند الغداء ... قال مجاهد هو المحبوس أي يطعمون الطعام لهؤلاء وهم يشتهونه ويحبونه. انتهى حكم ربط الأسرى: من المعلوم أن الأسرى لو تمكنوا من الفرار لما ترددوا لأنهم قد يخافون من نهاية مصيرهم، ولا يعلمون ماذا سيقابلهم، لذلك أُمر المسلمون بربط الأسير، وشدِّ يديه إلى عنقه خوفاً من فراره وهو أمرٌ لا يزال سارياً ومعروفاً لدى الناس جميعاً. ويبدو أن الحكمة من مشروعية الأسر كسر شوكة العدو ودفع شرِّه بإبعاده عن ساحة القتال لمنع فاعليته وأذاه، فضلاً عن توفير أسباب افتكاك أسرى المسلمين بمن عندنا. حبس الأسرى ... وحبس الأسير سياسة لاستبانة الأصلح: فلإمام المسلمين حبس الأسرى حتى يرى فيهم وجه المصلحة، فإما أن يقبل فيهم الفداء بالمال، أو يبادلهم بأسرى مسلمين، أو يُطلقهم منّاً بلا مقابل أو يوزعهم على المسلمين رقيقاً وسبياً، أو يقتل الرجال دون النساء واأولاد لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن قتلهم. والغاية من حبس الأسير هي الاحتراز والتحفظ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي بهم خيراً، بينما كان الروم ومِن قبلهم الآشوريون والفراعنة يَسمِلُون عيون الأسرى (أي يفقأون أو يكحلون أعينهم بالمسامير المحمَّاة) ويسلخون جلودهم ويُطعمونها الكلاب، حتى فضَّل الأسرى السجناء الموت على الحياة.أحكام السجن ومعاملة السجناء في الإسلام لحسن أبي غدة 256. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 13241 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4845 إذا كان لديه مال يكفي للحج أو الهجرة الواجبة فأيهما يقدم؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا توفر لي مال يكفي للحج الواجب أو الهجرة من بلد كافر وتبرج عظيم ... إلى بلاد إسلام فماذا أختار؟ مع العلم أن والدي مقيمان الآن في هذا البلد الكافر.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الحج واجب على الفور في أصح قولي العلماء، ومعنى ذلك: أنه يجب على المكلف الحج بمجرد التمكن من فعله، ولا يجوز له تأخيره من غير عذر، وراجع السؤال رقم (41702) ثانيا: الهجرة من بلاد الكفر تكون واجبة أو مستحبة بحسب حال الإنسان، فإن قدر على إظهار دينه، وأمن الفتنة على نفسه، لم تجب عليه الهجرة، وإن لم يقدر على إظهار دينه، أو خشي الفتنة على نفسه، وجبت. وإذا وجبت الهجرة، ولم يجد الإنسان مالا ليهاجر ويحج، فالهجرة مقدمة، لأن الحج لا يجب إلا عند وجود نفقة زائدة على الحوائج الأساسية، والهجرة الواجبة تدخل في الحوائج الأساسية، فتقدم على الحج. وأيضا: تأخير الهجرة بعد وجوبها ضرر على المسلم في دينه، وأما الحج فيجوز تأخيره بعذر، ولا ضرر في ذلك. وهذا الكلام إنما يتصور في حال وجوب الهجرة في وقت الحج، وإلا فإن وجبت الهجرة قبل الحج، تعين فعلها، ثم إن جاء الحج، وتوفر المال، وجب، وإن لم يكن مال لم يجب. ونسأل الله تعالى أن يحفظك بحفظه، وأن يثبتك على طاعته. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 87962 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4846 بعض أحكام الجهاد ودرجات الشهداء وحياتهم بعد الموت [السُّؤَالُ] ـ[نرجو من فضلتكم إفادتنا وبشيء من التفصيل حول موضوع " الجهاد في سبيل الله " وذلك من خلال المحاور التالية: 1. مفهوم الجهاد لغة وشرعاً؟ 2. الشهادة لغة وشرعاً؟ 3. درجات الشهداء وأنواعها؟ 4. حياة الشهداء عند ربهم؟ 5. تأثير إذن الإمام في إعلان الجهاد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الجهاد لغةً: بذل واستفراغ ما في الوسع والطاقة من قول أو فعل. وشرعاً: بذل الجهد من المسلمين في قتال الكفار لإعلاء كلمة الله. انظر " النهاية في غريب الحديث " لابن الأثير الجزري (1 / 319) ، و " المصباح المنير " (1 / 112) و"أهمية الجهاد" للدكتور علي بن نفيع العلياني. ثانياً: الشهادة لغةً: تطلق على عدة معان: الخبر القاطع , والحضور والمعاينة والعلانية , والموت في سبيل الله. وشرعاً: من مات من المسلمين في قتال الكفار وبسببه، ويلحق به في أمور الآخرة أنواع كما سيأتي بيانه. انظر " الموسوعة الفقهية " (26 / 214 و 272) . ثالثاً: الشهداء أقسام: قال النووي رحمه الله: " واعلم أن الشهيد ثلاثة أقسام: أحدها: المقتول في حرب الكفار بسبب من أسباب القتال، فهذا له حكم الشهداء في ثواب الآخرة وفى أحكام الدنيا، وهو أنه لا يغسل ولا يصلى عليه. والثاني: شهيد في الثواب دون أحكام الدنيا، وهو المبطون والمطعون وصاحب الهدم ومن قتل دون ماله وغيرهم ممن جاءت الأحاديث الصحيحة بتسميته شهيداً، فهذا يغسل ويصلى عليه , وله في الآخرة ثواب الشهداء، ولا يلزم أن يكون مثل ثواب الأول. والثالث: من غلَّ في الغنيمة وشبهه ممن وردت الآثار بنفي تسميته شهيداً إذا قتل في حرب الكفار، فهذا له حكم الشهداء في الدنيا فلا يغسل ولا يصلى عليه , وليس له ثوابهم الكامل في الآخرة " انتهى. " شرح النووي على مسلم " (2 / 164) . درجات الشهداء: مرتبة الشهداء مرتبة عظيمة تلي مرتبة النبيين والصدِّيقين: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وقد قال تعالى (فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين) وهذه الأربعة هي مراتب العباد، أفضلهم: الأنبياء ثم الصديقون ثم الشهداء ثم الصالحون " انتهى. "مجموع الفتاوى" (2 / 223) . وقد جعل الله تعالى الجنة درجات، وللمجاهدين منها مائة درجة كما جاء في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، فالشهداء ليسوا في منزلة واحدة بل يتفاوتون في منازلهم. قال ابن حجر رحمه الله بعد أن عدَّد الشهداء غير من قتل في المعركة: " وقد اجتمع لنا من الطرق الجيدة أكثر من عشرين خصلة ... . قال ابن التين: هذه كلها ميتات فيها شدة، تفضَّل الله على أمة محمد صلى الله عليه وسلم بأن جعلها تمحيصاً لذنوبهم، وزيادة في أجورهم، يبلغهم بها مراتب الشهداء. قلت (ابن حجر) : والذي يظهر أن المذكورين ليسوا في المرتبة سواء، ويدل عليه ما روى أحمد وابن حبان في صحيحه من حديث جابر والدارمي وأحمد والطحاوي من حديث عبد الله بن حبشي وابن ماجه من حديث عمرو بن عنبسة (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي الجهاد أفضل؟ قال: من عُقر جوادُه وأُهريق دمه) " انتهى. " فتح الباري " (6 / 43، 44) باختصار. وقد ورد في السنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يبيِّن هذا التفاوت بين الشهداء , ومن ذلك: أ. عَنْ نُعَيْمِ بْنِ هَمَّارٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الشُّهَدَاءِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: (الَّذِينَ إِنْ يُلْقَوْا فِي الصَّفِّ لا يَلْفِتُونَ وُجُوهَهُمْ حَتَّى يُقْتَلُوا , أُولَئِكَ يَنْطَلِقُونَ فِي الْغُرَفِ الْعُلَى مِنْ الْجَنَّةِ , وَيَضْحَكُ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ , وَإِذَا ضَحِكَ رَبُّكَ إِلَى عَبْدٍ فِي الدُّنْيَا فَلا حِسَابَ عَلَيْهِ) . رواه أحمد (21970) ، وصححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة " (2558) . ب. عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ السُّلَمِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْقَتْلى ثَلاثَةٌ: رَجُلٌ مُؤْمِنٌ قَاتَلَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا لَقِيَ الْعَدُوَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى يُقْتَلَ , فَذَلِكَ الشَّهِيدُ الْمُفْتَخِرُ فِي خَيْمَةِ اللَّهِ تَحْتَ عَرْشِهِ , لا يَفْضُلُهُ النَّبِيُّونَ إِلا بِدَرَجَةِ النُّبُوَّةِ، وَرَجُلٌ مُؤْمِنٌ قَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا جَاهَدَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا لَقِيَ الْعَدُوَّ قَاتَلَ حَتَّى يُقْتَلَ مُحِيَتْ ذُنُوبُهُ وَخَطَايَاهُ , إِنَّ السَّيْفَ مَحَّاءُ الْخَطَايَا , وَأُدْخِلَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَ , فَإِنَّ لَهَا ثَمَانِيَةَ أَبْوَابٍ , وَلِجَهَنَّمَ سَبْعَةَ أَبْوَابٍ , وَبَعْضُهَا أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ، وَرَجُلٌ مُنَافِقٌ جَاهَدَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ حَتَّى إِذَا لَقِيَ الْعَدُوَّ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يُقْتَلَ فَإِنَّ ذَلِكَ فِي النَّارِ , السَّيْفُ لا يَمْحُو النِّفَاقَ) . رواه أحمد (17204) وجوَّد إسنادَه المنذري في " الترغيب والترهيب " (2 / 208) وحسنه الألباني في " صحيح الترغيب " (1370) . ج. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُبْشِيٍّ الْخَثْعَمِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ: أَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: (مَنْ جَاهَدَ الْمُشْرِكِينَ بِمَالِهِ وَنَفْسِهِ) قِيلَ: فَأَيُّ الْقَتْلِ أَشْرَفُ؟ قَالَ: مَنْ أُهَرِيقَ دَمُهُ وَعُقِرَ جَوَادُهُ. رواه أبو داود (1449) والنسائي (2526) . وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " (1318) . د. عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب , ورجل قام إلى أمام جائر فأمره ونهاه , فقتله) رواه الحاكم وصححه الألباني في "السلسة الصحيحة" (374) . رابعاً: وأما حياة الشهداء عند ربهم فهي حياة برزخية، يُكرمهم فيها ربهم بنعيم الجنة، وهم متفاوتون فيها بتفاوت أعمالهم في الدنيا ونياتهم. قال الله تعالى: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ. يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) آل عمران/ 169-171. وقال تعالى: (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ) البقرة/154. قال الشيخ ابن عثيمين: " والمراد: أحياء عند ربهم، كما في آية آل عمران؛ وهي ياة برزخية لا نعلم كيفيتها؛ ولا تحتاج إلى أكل، وشرب، وهواء، يقوم به الجسد؛ ولهذا قال تعالى: (ولكن لا تشعرون) أي: لا تشعرون بحياتهم؛ لأنها حياة برزخية غيبية؛ ولولا أن الله عزّ وجلّ أخبرنا بها ما كنا نعلم بها ... ومن فوائد الآية: إثبات حياة الشهداء؛ لكنها حياة برزخية لا تماثل حياة الدنيا؛ بل هي أجلّ، وأعظم، ولا تعلم كيفيتها " انتهى. " تفسير سورة البقرة " (2 / 176، 177) . وقال ابن رجب الحنبلي رحمه الله تحت باب " في ذكر محل أصحاب أرواح الموتى في البرزخ " -: " وأما الشهداء: فأكثر العلماء على أنهم في الجنة، وقد تكاثرت بذلك الأحاديث: ففي صحيح مسلم (1887) عن مسروق قال: سألْنا عبدَ الله بن مسعود عن هذه الآية (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) قال: أما إنا قد سألنا عن ذلك فقال: (أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل) . . . . وخرج الإمام أحمد وأبو داود والحاكم – وحسَّنه الألباني في " صحيح الترغيب " (1379) - من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة , وتأكل من ثمارها , وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش , فلما وجدوا مأكلهم ومشربهم ومقلبهم قالوا: من يبلغ عنا إخواننا أنا أحياء في الجنة نرزق , لئلا ينكلوا عن الحرب , ولا يزهدوا في الجهاد , قال: فقال الله تعالى: أنا أبلغهم عنكم فأنزل الله تعالى: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون)) . وخرَّج الترمذي والحاكم - وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " (13762) - من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رأيت جعفر بن أبي طالب ملكاً يطير في الجنة مع الملائكة بجناحين) " انتهى. " أهوال القبور " (ص 92 – 104) ط دار الكتاب العربي. خامساً: وأما استئذان الإمام في الجهاد، فقد سبق في جواب السؤال (69746) أن الكفار إذا هاجموا المسلمين، صار الجهاد فرض عين، وحينئذ لا يشترط إذن الإمام. أما الجهاد الذي يقصد منه الفتح ونشر الإسلام فلا بد فيه من إذن الإمام. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 71284 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4847 تريد النصيحة للمسلمات اللاتي يعشن في الغرب [السُّؤَالُ] ـ[أنا امرأة مسلمة أعيش في دولة أجنبية مع زوجي لطلب العيش، أرجو أن تذكروا الالتزامات والقواعد والواجبات التي يجب على المرأة المسلمة الالتزام بها وتحافظ عليها؛ وذلك لكثرة عدد المسلمات في الدول الأجنبية.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله 1. أول ما يجب عليكم هو ترك تلك الديار الكافرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بَرِئ ممن أقام بين أظهر المشركين، ولذلك فإنه يحرم عليكم البقاء في بلاد الكفر، وخاصة أنكم فيها من أجل العمل، وليس هذا من الأعذار الشرعية التي تجيز لكم البقاء فيها. انظر السؤال (13363) و (27211) عن تحريم الإقامة في بلاد الكفر، وشروط جواز ذلك في بعض الحالات. 2. وعليكم أن تختاروا من البلاد الإسلامية الأقرب إلى الستر والعفاف والاستقامة على الدين، ومن المعلوم أن البلاد الإسلامية تتفاوت فيما بينها في هذه الأمور، وليست كل البلاد يمكنكم الإقامة فيها – للأسف – بل يتبع هذا لجنسيتكم وقوانين البلد. 3. فإن لم يحصل منكم مغادرة لتلك البلاد: فعليكن بتقوى الله تعالى، والاستقامة على أمره عز وجل في كل شئونكن، وأول ذلك: الحرص على أسركن من التفكك والضياع في تلك البلاد التي تساهم في هذا، فيجب عليكن الاهتمام بأولادكن ذكوراً وإناثاً وتربيتهم تربية إسلامية وربطهم بالتاريخ الإسلامي وتعليمهم الأحكام الشرعية، وتقوية اللغة العربية عندهم. 4. يجب أن يكون مكان سكن الأسر المسلمة بعيداً عن أماكن الفجور والانحلال، ولا بدَّ من اجتماع الأسر المسلمة المحافظة في مكان واحد من أجل أن يقوِّي أحدهم الآخر، ويعين بعضهم بعضاً على طاعة الله تعالى، ويساهمون بالتالي في حسن تربية أنفسهم وأبنائهم. 5. يحرم عليكن ترك الحبل على غاربه في علاقات أولادكم بأولاد الكفار، ولا يجوز لكم تمكينهم من مشاهدة البرامج والأفلام الهابطة التي تدمر الأخلاق، كما يجب الاهتمام بقراءاتهم ومراقبتها حتى لا تضل أفكارهم أو يفقدوا دينهم. 6. ينبغي أن يكون لكم في أسرتكم أوقات محددة ولو كانت قصيرة تلتقي فيها الأسرة جميعها لمتابعة بعضهم بعضا، وللوقوف على مشاكل كل واحد من الأسرة قبل تفاقمها وصعوبة أو استحالة حلها. 7. كما يجب عليكن حسن اختيار الصحبة للأسر التي تختلطون بها؛ خشية أن يكون لبعضهم تأثير سلبي على أفراد أسرتكم فتضيع جهودكم في التربية والتوجيه. 8. عليكن تبغيض هذه الحضارة وأخلاقها في نفوس أولادكم، وإعلامهم بمخالفتها للشرائع والفطَر السليمة، وضرب الأمثلة على ذلك، وربطهم بالحضارة الإسلامية وأخلاقها، وتنبيههم على أن بقاءكم في تلك الديار لن يطول. 9. وعليكن بكثرة زيارة البلد الله الحرام مكة المكرمة، فاحرصوا على الحج كل عام، وعلى العمرة أكثر من مرَّة في العام الواحد إن تيسر تقويةً لإيمانكم وتعليقاً لقلوب أولادكم بالإسلام والمسلمين، وللأسف نرى تقصيراً واضحاً من الجاليات المسلمة في بلاد الكفر في هذا الجانب. 10. تكوين مكتبة إسلامية من كتب وأشرطة وأقراص إسلامية لربط أفراد الأسرة بدينهم، وتسهيل الرجوع إلى معرفة الأحكام الشرعية، وإغلاق طرق التضليل التي تساهم في تجهيلهم وإفسادهم، وحبذا أن يكون لقناة " المجد " حضور في بيوتكم لما تقدمه من علم نافع، ولحرصهم أن لا يكون فيها نساء ولا موسيقى، وكذا ربطهم بالمواقع المفيدة في الإنترنت. والحقيقة أن النصائح كثيرة، وكثرتها إنما هو بسبب كثرة ما في تلك الديار الكافرة من ضلال وانحلال وتفسخ وتهتك، وتحتاج كل جوانب الحياة لنصح وتوجيه وإرشاد، ولكن ما قلناه أولاً يوفر كثيراً من النصائح وهو الخروج من تلك الديار إلى بلاد الإسلام، ومن بقي في تلك الديار فليعلم أن الله تعالى سائله عن رعيته يوم القيامة، فليعد للسؤال جواباً، ونسأل الله تعالى أن يسهل لكم الخروج من تلك الديار، وأن يثبتكم على الإسلام والهداية والتوفيق والرشاد، وأن يصلح لكم ذريتكم، ويجعلهم دعاة للإسلام. ونرجو الرجوع إلى السؤال رقم (4237) : ففيه زيادة بيان حول المحافظة على الأبناء وأفكارهم في الغرب. والله الموفق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 70256 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4848 مقاطعة بضائع الكفار المحاربين [السُّؤَالُ] ـ[هل من العادة إباحة التعامل مع اليهود، أو شركات يملكها اليهود أو مساهمين يهود، أو شركات لها فروع في إسرائيل، إلخ.؟ مؤخرا ً كثير من المسلمين يقولون إنه حرام التعامل مع اليهود على الإطلاق. لحسب معلوماتي المحدودة، حتى عندما قاتل المسلمون اليهود في عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم، لم يمنع التعامل معهم، وعندما توفي كان درعه مرهوناً عند يهودي على دَيْن. الرجاء إعلامنا بالموقف الصحيح لهذه القضية.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الأصل هو جواز التعامل بالبيع والشراء مع اليهود وغيرهم، لما ثبت من تعامل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مع يهود المدينة بالبيع والشراء والقرض والرهن وغير ذلك من المعاملات المباحة في ديننا. وهؤلاء اليهود الذين تعامل معهم النبي صلى الله عليه وسلم كانوا من أهل العهد، ومن نقض العهد منهم فقد قُتِلَ أو أُخرِجَ، أو تُرِكَ لمصلحة. على أنه قد ثبت ما يدل على جواز البيع والشراء مع الكفار المحاربين. قال الإمام البخاري رحمه الله: بَاب الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ مَعَ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْحَرْبِ. ثم روى (2216) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ مُشْرِكٌ بِغَنَمٍ يَسُوقُهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَيْعًا أَمْ عَطِيَّةً أَوْ قَالَ أَمْ هِبَةً؟ قَالَ: لا، بَلْ بَيْعٌ، فَاشْتَرَى مِنْهُ شَاةً. وقال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم (11/41) : وقد أجمع المسلمون على جواز معاملة أهل الذِّمَّة، وغيرهم من الكفَّار إذا لم يتحقَّق تحريم ما معه، لكن لا يجوز للمسلم أن يبيع أهل الحرب سلاحاً وآلة حرب، ولا ما يستعينون به في إقامة دينهم. . . اهـ. وقَالَ اِبْنُ بَطَّالٍ: مُعَامَلَةُ الْكُفَّارِ جَائِزَةٌ , إِلا بَيْعَ مَا يَسْتَعِينُ بِهِ أَهْلُ الْحَرْبِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ اهـ. ونقل في " المجموع" (9/432) الإجماع على تحريم بيع السلاح لأهل الحرب. والحكمة من ذلك واضحة، وهي أن هذا السلاح يقاتلون به المسلمين. ثانياً: لا شك في مشروعية جهاد أعداء الله المحاربين من اليهود وغيرهم، بالنفس والمال، ويدخل في ذلك كل وسيلة تضعف اقتصادهم وتلحق الضرر بهم، فإن المال هو عصب الحروب في القديم والحديث. وينبغي على المسلمين عموما التعاون على البر والتقوى ومساعدة المسلمين في كل مكان بما يكفل لهم ظهورهم وتمكينهم في البلاد وإظهارهم شعائر الدين، وعملهم بتعاليم الإسلام وتطبيقهم للأحكام الشرعية وإقامة الحدود، وبما يكون سببا في نصرهم على القوم الكافرين من اليهود والنصارى وغيرهم، فيبذل جهده في جهاد أعداء الله بكل ما يستطيعه، وقد قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ) . رواه أبو داود (2504) صححه الألباني في صحيح أبي داود. فعلى المسلمين أن يساعدوا المجاهدين بكل ما يستطيعونه، وبذل كل الإمكانيات التي يكون فيها تقوية للإسلام والمسلمين، وعليهم أيضاً جهاد الكفار بما يستطيعونه من القدرة، وعمل كل ما فيه إضعاف للكفار أعداء الدين، فلا يستعملونهم كعمال بالأجرة كُتَّاباً أو محاسبين أو مهندسين أو خُداما بأي نوع من الخدمة التي فيها إقرار لهم وتمكين لهم بحيث يجمعون أموال المسلمين ويحاربونهم بها. والحاصل: أن من قاطع بضائع الكفار المحاربين وقصد بذلك إظهار عدم موالاتهم، وإضعاف اقتصادهم، فهو مثاب مأجور إن شاء الله تعالى على هذا القصد الحسن. ومن تعامل معهم متمسكاً بالأصل وهو جواز التعامل مع الكفار – لاسيما بشراء ما يحتاج إليه – فلا حرج عليه إن شاء الله تعالى، ولا يكون ذلك قدحاً في أصل الولاء والبراء في الإسلام. وقد سئلت اللجنة الدائمة: ما حكم ترك المسلمين التعاون بينهم بأن لا يرضى ولا يحب أن يشتري من المسلمين، ويرغب في الشراء من الكفار، هل هذا حلال أم حرام؟ فأجابت: الأصل جواز شراء المسلم ما يحتاجه مما أحل الله له من المسلم أو من الكافر، وقد اشترى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من اليهود، لكن إذا كان عدول المسلم عن الشراء من أخيه المسلم من غير سبب من غش ورفع أسعار ورداءة سلعة إلى محبة الشراء من كافر والرغبة في ذلك وإيثاره على المسلم دون مبرر فهذا حرام لما فيه من موالاة الكفار ورضاء عنهم ومحبة لهم، ولما فيه من النقص على تجار المسلمين وكساد سلعهم، وعدم رواجها إذا اتخذ المسلم ذلك عادة له، وأما إن كانت هناك دواع للعدول من نحو ما تقدم فعليه أن ينصح لأخيه المسلم بترك ما يصرفه عنه من العيوب، فإن انتصح فالحمد لله، وإلا عدل إلى غيره، ولو إلى كافر يحسن تبادل المنافع ويصدق في معاملته " اهـ. "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/18) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20732 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4849 هل يشترط إذن الإمام للجهاد في سبيل الله؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يشترط إذن الإمام للجهاد في سبيل الله؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سبق في جواب السؤال رقم (20214) حكم الجهاد وأنواعه، وفيه أنه يكون فرض عين إذا هجم العدو على المسلمين، ففي هذه الحال يجب قتالهم على كل مسلم، ولا يشترط إذن الإمام حينئذٍ. أما الجهاد الذي يقصد منه الفتح، ودعوة الكفار إلى الإسلام، وقتال من أبى الخضوع لحكم الله، فهذا لا بد فيه من إذن الإمام، وبذلك تنضبط الأمور. قال ابن قدامة رحمه الله: " وأمر الجهاد موكول إلى الإمام واجتهاده، ويلزم الرعية طاعته فيما يراه من ذلك " انتهى. "المغني" (10 / 368) . وإذن الإمام مانع من الفوضى التي يمكن أن تنشأ من إعلان بعض المسلمين الحرب على أعداء الله دون تقدير لظروفهم وقوتهم وقوة عدوهم. قال علماء اللجنة الدائمة: " الجهاد لإعلاء كلمة الله وحماية دين الإسلام والتمكين من إبلاغه ونشره وحفظ حرماته فريضة على من تمكن من ذلك وقدر عليه، ولكنه لا بد له من بعث الجيوش وتنظيمها خوفاً من الفوضى وحدوث ما لا تحمد عقباه؛ ولذلك كان بدؤه والدخول فيه من شأن ولي أمر المسلمين، فعلى العلماء أن يستنهضوه لذلك، فإذا ما بدأ واستنفر المسلمين فعلى من قدر عليه أن يستجيب للداعي إليه مخلصاً وجهه لله، راجياً نصرة الحق، وحماية الإسلام، ومن تخلف عن ذلك مع وجود الداعي وعدم العذر: فهو آثم " انتهى. " فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 12) . واجتماع الناس من قبَل الإمام يزيدهم قوة، فضلاً عن التزامهم بالواجب الشرعي في طاعته فيما لم يخالف فيه شرع الله، وبذلك يكون المسلمون المجاهدون صفّاً واحداً يجتمعون على نصرة الدين وحماية شرع الله. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين , بل لا قيام للدين ولا للدنيا إلا بها، فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع , لحاجة بعضهم إلى بعض , ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس , حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم) رواه أبو داود من حديث أبى سعيد وأبى هريرة , وروى الإمام أحمد في المسند عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمروا عليهم أحدهم) فأوجب تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر تنبيهاً بذلك على سائر أنواع الاجتماع؛ ولأن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة، وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد والعدل وإقامة الحج والجمع والأعياد ونصر المظلوم وإقامة الحدود , لا تتم إلا بالقوة والإمارة , ولهذا روي " أن السلطان ظل الله في الأرض "، ويقال: " ستون سنة من إمام جائر أصلح من ليلة واحدة بلا سلطان " والتجربة تبين ذلك " انتهى. " مجموع الفتاوى " (28 / 390، 391) . وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: " لا يجوز غزو الجيش إلا بإذن الإمام مهما كان الأمر؛ لأن المخاطب بالغزو والجهاد هم ولاة الأمور وليس أفراد الناس , فأفراد الناس تبع لأهل الحل والعقد , فلا يجوز لأحد أن يغزو دون إذن الإمام إلا على سبيل الدفاع، إذا فاجأهم عدو يخافون شره وأذاه فحينئذ لهم أن يدافعوا عن أنفسهم , لتعين القتال إذًا. وإنما لم يجز ذلك لأن الأمر منوط بالإمام , فالغزو بلا إذنه افتيات عليه , وتعد على حدوده , ولأنه لو جاز للناس أن يغزوا بدون إذن الإمام لأصبحت المسألة فوضى , كل من شاء ركب فرسه وغزا , ولأنه لو مكن الناس من ذلك لحصلت مفاسد عظيمة , فقد تتجهز طائفة من الناس على أنهم يريدون العدو وهم يريدون الخروج على الإمام , أو يريدون البغي على طائفة من الناس , كما قال الله تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) الحجرات/9، فلهذه الأمور الثلاثة ولغيرها – أيضاً – لا يجوز الغزو إلا بإذن الإمام " انتهى. " الشرح الممتع " (8 / 22) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69746 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4850 هل يحرم القتال إذا كان مقابل كل شخص أكثر من عشرة؟ [السُّؤَالُ] ـ[حينما يكثر عدد المعاندين والكافرين في الجهاد كثرة تزيد عن مائتين مقابل عشرين من المسلمين. لا يجوز أن نشارك في الحرب لأن الله تبارك وتعالي عين عددا في الحرب. هل هذا صحيح أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا خلاف بين الفقهاء في وجوب الثبات في الجهاد، وتحريم الفرار؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) الأنفال/15، 16، وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) الأنفال/45. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ. وذكر منها: وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ) رواه البخاري (2560) ومسلم (129) . إلا أنه يستثنى من ذلك ثلاثة مواضع: الأول: أن يكون الفرار تحرُّفا لقتال، ويأتي بيان التحرّف. الثاني: أن يكون الفرار تحيزا إلى فئة من المسلمين، ولو بَعُدَت. الثالث: أن يزيد عدد الكفار على ضعف المسلمين، فيجوز الفرار حينئذ. وهذا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من أهل المذاهب الأربعة، واستدل الجمهور بقوله تعالى: (الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) الأنفال/66. فلا يجوز لعشرة أن يفروا من عشرين، ولا لمائة أن يفروا من مائتين، فإن زاد الكفار عن الضعف جاز الفرار. وهذا تخفيف من الله تعالى، وهو نسخ لوجوب مصابرة العشرين للمائتين، والمائة للألف، الوارد في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ) الأنفال/65. وقول السائل: إنه لا يجوز أن نشارك في الحرب حينئذ، غير صحيح. ففرق بين قولنا: يجوز الفرار، وقولنا: يجب الفرار أو يحرم القتال. فلو أن المسلمين ثبتوا مع أضعافهم جاز ذلك، وهذا ما كان عليه حال المسلمين في أكثر معاركهم، لا سيما المعارك العظيمة الفاصلة كالقادسية واليرموك. وينبغي التنبه إلى أنه إن هجم العدو على بلاد المسلمين، وجب الدفع، ولو كان الكفار أضعاف المسلمين، ولا يجوز الفرار حينئذ إلا للتحرف لقتال أو التحيز إلى فئة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وقتال الدفع: مثل أن يكون العدو كثيرا لا طاقة للمسلمين به، لكن يُخاف إن انصرفوا عن عدوهم عطف العدو على من يخلّفون من المسلمين. فههنا قد صرح أصحابنا بأنه يجب أن يبذلوا مهجهم ومهج من يخاف عليهم في الدفع حتى يَسْلَموا. ونظيرها: أن يهجم العدو على بلاد المسلمين وتكون المقاتِلة أقل من النصف، فإن انصرفوا استولوا على الحريم، فهذا وأمثاله قتال دفع، لا قتال طلب، لا يجوز الانصراف فيه بحال، ووقعة أحد من هذا الباب " انتهى من "الاختيارات الفقهية" ص 258 وإليك كلاما نافعا لابن قدامة رحمه الله، يبين هذه المسألة، ويوضح معنى التحرّف والتحيز، قال رحمه الله: "إذا التقى المسلمون والكفار وجب الثبات، وحرم الفرار، بدليل قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار) الآية. وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون) وذكر النبي صلى الله عليه وسلم الفرار يوم الزحف، فعده من الكبائر ... وإنما يجب الثبات بشرطين: أحدهما: أن يكون الكفار لا يزيدون على ضعف المسلمين، فإن زادوا عليه جاز الفرار، لقول الله تعالى: (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين) . وهذا إن كان لفظه لفظ الخبر، فهو أمر ... قال ابن عباس: نزلت: (إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين) فشق ذلك على المسلمين حين فرض الله عليهم ألا يفر واحد من عشرة، ثم جاء تخفيف فقال: (الآن خفف الله عنكم) إلى قوله: (يغلبوا مائتين) فلما خفف الله عنهم من العدد، نقص من الصبر بقدر ما خفف من العدد. رواه أبو داود. وقال ابن عباس: من فر من اثنين فقد فر، ومن فر من ثلاثة فما فر. الثاني: أن لا يقصد بفراره التحيّز إلى فئة، ولا التحرف لقتال، فإن قصد أحد هذين: فهو مباح له؛ لأن الله تعالى قال: (إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة) . ومعنى التحرّف للقتال: أن ينحاز إلى موضع يكون القتال فيه أمكن، مثل أن ينحاز من مواجهة الشمس أو الريح إلى استدبارهما، أو من نزلة إلى علو، أو من معطشة إلى موضع ماء، أو يفر بين أيديهم لتنتقض صفوفهم، أو تنفرد خيلهم من رجالتهم، أو ليجد فيهم فرصة، أو ليستند إلى جبل، ونحو ذلك مما جرت به عادة أهل الحرب ... وأما التحيز إلى فئة: فهو أن يصير إلى فئة من المسلمين ليكون معهم، فيقوى بهم على عدوهم، وسواء بعدت المسافة أو قربت. قال القاضي: لو كانت الفئة بخراسان والفئة بالحجاز، جاز التحيز إليها، ونحوه ذكر الشافعي، لأن ابن عمر روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إني فئة لكم، وكانوا بمكان بعيد منه، وقال عمر: أنا فئة كل مسلم، وكان بالمدينة وجيوشه بمصر والشام والعراق وخراسان. رواهما سعيد. وقال عمر: رحم الله أبا عبيدة لو كان تحيز إلي لكنت له فئة ". ثم قال ابن قدامة رحمه الله: "وإذا كان العدو أكثر من ضعف المسلمين، فغلب على ظن المسلمين الظفر، فالأولى لهم الثبات؛ لما في ذلك من المصلحة، وإن انصرفوا جاز؛ لأنهم لا يأمنون العطب، والحكم عُلق على مظنته، وهو كونهم أقل من نصف عددهم، ولذلك لزمهم الثبات إذا كانوا أكثر من النصف وإن غلب على ظنهم الهلاك فيه. ويحتمل أن يلزمهم الثبات إن غلب على ظنهم الظفر؛ لما فيه من المصلحة. وإن غلب على ظنهم الهلاك في الإقامة، والنجاة في الانصراف، فالأولى لهم الانصراف، وإن ثبتوا جاز، لأن لهم غرضا في الشهادة، ويجوز أن يغلبوا أيضا" انتهى من "المغني" (9/254) . وكلامه الأخير واضح في جواز القتال مع القلّة، بل ومع غلبة الظن بحصول الهلاك، خلافا لما ظنه السائل. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 67790 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4851 ما معنى اتخاذ الكفار أولياء؟ وحكم مخالطة الكفار [السُّؤَالُ] ـ[ورد في القرآن أنه لا يجوز لنا اتخاذ الكفار أولياء، لكن ماذا يعني ذلك؟ أقصد إلى أي حدٍّ؟ هل يجوز لنا التعامل معهم؟ أنا أدرس، فهل يجوز لنا لعب كرة السلة معهم؟ هل يجوز أن نتحدث معهم فيما يتعلق بالسلة وما إلى ذلك؟ هل يجوز أن نصاحبهم طالما أنهم أبقوا أمور اعتقاداتهم لأنفسهم؟ . أسأل عن ذلك لأني أعرف شخصاً يصاحبهم بمثل هذه الطريقة وتواجده معهم لا يؤثر على اعتقاده، لكني مع ذلك أقول له: " لماذا لا تبقى مع المسلمين بدلا من هؤلاء؟ " وهو يرد قائلا: إن أغلب - أو العديد - من المسلمين يشربون الخمر ويتناولون المخدرات في أماكن تجمعهم، كما أن لهم صديقات، وهو يخاف من أن معاصي هؤلاء المسلمين قد تغويه، لكنه متأكد تماما أن كفر الكفار لن يغريه لأنه شيء لا يُعتبر مغريا بالنسبة له، فهل تواجده ولعبه وحديثه حول أمور الرياضة مع الكفار يعتبر " من اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين "؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: حرم الله تعالى على المؤمنين اتخاذ الكافرين أولياء، وتوعد على ذلك وعيداً شديداً. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) المائدة/51. قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله: " ذكر في هذه الآية الكريمة أن من تولى اليهود والنصارى مِن المسلمين فإنه يكون منهم بتوليه إياهم، وبيَّن في موضع آخر أن توَلِّيهم موجب لسخط الله، والخلود في عذابه، وأن متوليهم لو كان مؤمناً ما تولاهم، وهو قوله تعالى: (تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) المائدة/80، 81. ونهى في موضِع آخر عن تَوليهم مبيناً سبب التنفير منه، وهو قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنْ الآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ) الممتحنة/13. وبيَّن في موضع آخر أن محل ذلك فيما إذا لم تكن الموالاة بسبب خوف، وتقية، وإن كانت بسبب ذلك فصاحبها معذور، وهو قوله تعالى: (لا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً) آل عمران/28. فهذه الآية الكريمة فيها بيانٌ لكل الآيات القاضية بمنع موالاة الكفار مطلقاً وإيضاحٌ؛ أن محل ذلك في حالة الاختيار، وأما عند الخوف والتقية فيرخص في موالاتهم، بقدر المداراة التي يكتفي بها شرهم، ويشترط في ذلك سلامة الباطن من تلك الموالاة، ومن يأتي الأمور على اضطرار فليس كمثل آتيها اختياراً. ويفهم من ظواهر هذه الآيات أن من تولى الكفار عمداً اختياراً رغبة فيهم أنه كافر مثلهم " انتهى. "أضواء البيان" (2 / 98، 99) . ومن صور مولاة الكفار المحرمة: اتخاذهم أصدقاء وأصحاباً، ومخالطتهم في الطعام واللعب معهم. وفي جواب السؤال رقم (10342) نقلنا عن الشيخ ابن باز قوله: " ليس الأكل مع الكافر حراماً إذا دعت الحاجة إلى ذلك أو المصلحة الشرعية، لكن لا تتخذوهم أصحاباً فتأكل معهم من غير سبب شرعي أو مصلحة شرعية ولا تؤانسهم، وتضحك معهم، ولكن إذا دعت إلى ذلك حاجة كالأكل مع الضيف أو ليدعوهم إلى الله ويرشدهم إلى الحق أو لأسباب أخرى شرعية فلا بأس. وإباحة طعام أهل الكتاب لنا لا يقتضي اتخاذهم أصحاباً وجلساء ولا تقتضي مشاركتهم في الأكل والشرب من دون حاجة ولا مصلحة شرعية ". انتهى. وسئل الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله: عن حكم مخالطة الكفار ومعاملتهم بالرفق واللين طمعاً في إسلامهم؟ فأجاب: لا شك أن المسلم يجب عليه أن يبغض أعداء الله ويتبرأ منهم؛ لأن هذه هي طريقة الرسل وأتباعهم، قال الله تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) الممتحنة/4. وقال تعالى: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الأِيمَانَ وَأَيََّهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) المجادلة/22. وعلى هذا لا يحل لمسلم أن يقع في قلبه محبة ومودة لأعداء الله الذين هم أعداء له في الواقع، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ) الممتحنة/1. أما كون المسلم يعاملهم بالرفق واللين طمعاً في إسلامهم وإيمانهم: فهذا لا بأس به؛ لأنه من باب التأليف على الإسلام، ولكن إذا يئس منهم عاملهم بما يستحقون أن يعاملهم به، وهذا مفصل في كتب أهل العلم ولاسيما كتاب " أحكام أهل الذمة " لابن القيم رحمه الله ". انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (3 / السؤال رقم 389) . ثانياً: وأما قول هذا القائل: إنه لا يخالط العصاة من المسلمين خوفا من أن تغويه معاصيهم، وأما الكفار فإن كفرهم لن يغريه. فجوابه أن يقال: أما عدم مخالطته لأهل المعاصي من المسلمين فَلَنِعْمَ ما فَعَلَ، إذا لم يكن قادراً على نصيحتهم، ونهيهم عن المنكر، وخاف على نفسه من الوقوع في معاصيهم واستحسانها. وأما مخالطته للكفار، فليست العلة في منع مخالطة الكفار هي الخوف من الوقوع في الكفر فقط، بل مِنْ أظهرِ عِلَلِ هذا الحكم: عداوتُهم لله ورسوله والمؤمنين، وقد أشار الله تعالى إلى هذه العلة بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ) الممتحنة/1. فكيف يليق بمسلم أن يصاحب عدو الله وعدوه ويصادقه؟! ثم مِنْ أين يأمَنُ هذا مِنِ استحسانِ طريقتهم ومذهبهم؟ وقد وقع كثير من المسلمين في الكفر والإلحاد وارتدوا عن الإسلام بسبب مصاحبتهم للكفار، وإقامتهم في بلدانهم. فبعضهم تَهَوَّدَ، وبعضهم تَنَصَّر، وبعضهم اعتنق مذاهب فلسفية ملحدة. نسأل الله أن يثبتنا على دينه. وانظر جواب السؤال رقم (2179) ففيه إيضاح القاعدة العظيمة: " تحريم موالاة الكفّار " وفيه ذِكر صور كثيرة من تلك الموالاة المحرَّمة. وفي جواب السؤال رقم (43270) تجد حكم القول بأن أخلاق الكفّار أفضل من أخلاق المسلمين، وفيه النقل عن الشيخ ابن باز بتحريم هذا القول. وفي جواب السؤال رقم (26118) ، (23325) بيان تحريم مصاحبة الكافر ومصادقته. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 59879 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4852 هل يسافر لدول الكفر أم يعمل في مدينة سياحية؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا طالب بكلية التجارة السنة الرابعة، وأود أن تنتهي فترة الدراسة بأسرع ما يمكن لتحقيق هدفين: 1. تلبية متطلبات عائلية هامة وعاجلة. 2. البدء في مشروع حياتي ... وأمامي الآن عرضان: 1. العمل ابتداء من الصيف المقبل (بعيداً عن تخصصي) بمنطقة سياحية ساحلية – بمرتب مُغري. 2. السفر لأي دولة غربية حيث أنوي إكمال دراسة معتمدة، وفي نفس الوقت أعمل أي عمل لسداد تكاليف هذه الدراسة بالإضافة إلى تحقيق الهدف. أرجو نصيحتكم في اختيار أحد الأمرين مع اعتبار أن المشكلة المشتركة بين هذين الأمرين أنني شاب أعزب وأخشى على نفسي الفتنة لكني أتساءل كيف يعيش الشباب المسلمون الملتزمون في المجتمعات الغربية؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نشكر لك حرصك على تحري العمل الحلال وطلب المشورة، وكذا حرصك على أهلك في تلبية مطالبهم، ونسأل الله تعالى أن يوفقك لما فيه خيرك وسعادتك في الدنيا والآخرة. ثانياً: بما أن دراستك في " كلية التجارة " فإن عليك تحري الوظيفة المباحة؛ لأن فرص العمل الحلال لمثل هذه التخصصات قليلة، فإن عامة الشركات والمؤسسات الآن تتعامل بالربا أو التأمين أو غير ذلك من المعاملات المحرمة، مما يجعل عمل المحاسب فيها نوعاً من معاونتهم على الإثم والعدوان. ثالثاً: السفر إلى الدول الغربية محفوف بالمخاطر على دين المرء وخلقه، وقَلَّ من سافر إلى هناك وحافظ على دينه ولم يضيعه، بسبب ما تعج به تلك البلاد من أفكار ومذاهب باطلة، وانحراف في السلوك والأخلاق لا يخفى على أحد، حتى صار بعض عقلائهم يحذرونهم من عاقبة هذا. ولذلك كان من محاسن شرعنا الحكيم أن حرم على المسلم الإقامة في بلاد الكفر، وقد سبق بيان ذلك في عدة أجوبة، منها: (10338) ، (14235) . ومن اضطر أو احتاج إلى السفر إلى هذه البلاد فلا بد من توفر شروط حتى يكون سفره مباحا، وأهم ذلك: أن يكون على علم يقي به نفسه من الشبهات، وأن يكون على دين وتقوى يقي به نفسه من الشهوات، وقد يتعين عليه أن يصطحب معه زوجته إذا كان لا يعصم نفسه من الشهوات إلا بهذا. وقد ذكرت أنك أعزب، وتخاف على نفسك الفتنة فلا ينبغي لك الإقدام على مثل هذا الأمر والمخاطرة بدينك. رابعاً: وأما العمل في مكان في منطقة سياحية ساحلية بعيد عن تخصصك فهو بلا شك خير من ذهابك إلى تلك البلاد الكافرة، لكن يجب عليك التنبه لما يلي: 1 - أن تكون طبيعة العمل حلالاً. 2- أن تكون بعيداً عن مواطن الفتنة، كأن يكون العمل فيه اختلاط، أو أن تكون طبيعة المنطقة فيها فسق وفجور لكونها سياحيَّة. 3- أن لا يكون عملك فيه إعانة لبعض هؤلاء السياح على ما يفعلونه من منكر، فإنك بذلك تكون شريكاً لهم في الإثم. فإذا خلا العمل من هذه المحظورات فلا حرج فيه إن شاء الله تعالى. ونسأل الله لك التوفيق والسداد. وأما سؤالك: كيف يعيش الشباب المسلمون الملتزمون في المجتمعات الغربية؟ فلا شك أنهم يعانون كثيراً، وكثير منهم ندم على قدومه إلى تلك البلاد، وتجد كثيراً من مشكلاتهم في أسئلتهم الواردة إلى هذا الموقع، مع أننا لا ننكر أن منهم من هو متمسك بدينه، بل بعضهم كان السفر خيراً له، غير أن هؤلاء قلة قليلة. نسأل الله تعالى أن يثبتنا والمسلمين حتى نلقاه على دينه. والله الموفق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 59897 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4853 متى يُقتل غير المسلم [السُّؤَالُ] ـ[قرأت أن قتل المسلم في الدين الإسلامي يعد معصية كبيرة بالمقارنة مع قتل غير المسلم. لكن عند الموت، فإن المسلم يدخل الجنة بينما يدخل غير المسلم النار. إن قتل غير المسلم فيه حرمان له من إمكانية دخوله في الإسلام للأبد، وحكم عليه بدخول النار. أليست تلك (قتل غير المسلم) معصية عظيمة إذن؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قتل غير المسلم إذا كان مُعاهدا معصية وكبيرة من كبائر الذنوب، فقد روى البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال صلى الله عليه وسلم: " من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإنّ ريحها يوجد من مسيرة أربعين يوما ". وأما الكافر الحربي غير المعاهد وغير الذمّي فالمسلم مأمور بقتله لقوله تعالى: (قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة) وهذا إنما يكون في الجهاد مع إمام من أئمة المسلمين أو من ينوب عنه. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد الكريم الخضير. الحديث: 11406 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4854 صحة حديث قتال اليهود [السُّؤَالُ] ـ[هل هذا الحديث صحيح " أنه سيأتي يوم ينتصر فيه المسلمون على اليهود، حتى الحجر الذي يختفي فيه يهودي يتكلم وينادي بأنه تحتي يهودي فاقتله "؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " تقاتلكم اليهود فتسلطون عليهم ثم يقول الحجر يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله " (رواه البخاري برقم 3593) ، وعن ابن عمر أيضاً رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " تقاتلكم اليهود فتسلطون عليهم حتى يقول الحجر يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله " رواه أحمد والترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ينزل الدجال بهذه السبخة بمر قناة فيكون أكثر من يخرج إليه النساء، حتى إن الرجل ليرجع إلى حميمه وإلى أمه وابنته وأخته وعمته يوثقها رباطاً مخافة أن تخرج إليه ثم يسلط الله المسلمين عليه فيقتلونه ويقتلون شيعته حتى إن اليهودي ليختبئ تحت شجرة أو حجر فيقول الحجر أو الشجرة للمسلم هذا يهودي تحتي فاقتله " رواه أحمد في مسنده وكذا رواه ابن ماجه عن أبي أمامة الباهلي عن النبي صلى الله عليه وسلم في شأن المسيح الدجال. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 3/91 الحديث: 9341 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4855 هل يشترط وجود الإمام للقيام بالجهاد [السُّؤَالُ] ـ[هل يشترط وجود الإمام للجهاد دفعاً وطلباً، فقد ذكر الإمام عبد الرحمن بن حسن رحمه الله، أنه لم يشترطه أحد من أهل العلم، فهل علمتم أحداً اشترطه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس هو من شروط الجهاد لا دفعاً ولا طلباً، أما الدفع فهذا واضح لأن العدو إذا داهم البلاد يجب على كل من قدر على دفعه حتى النساء يجب عليهن أن يقاتلن، كما ذكر الفقهاء ذلك، لأن هذا واجب على الأعيان، والإمام يكون للتنظيم، فإذا وجد فهو خير وحسن، وإذا لم يوجد فإنه يجب على المسلمين القتال. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد الله الغنيمان. الحديث: 11275 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4856 هل تجب الهجرة على من أسلم في بلاد الكفار [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من أسلم في بلاد الكفار هل يشمله حديث (أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين) وتجب عليه الهجرة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من أسلم من أهل بلاد الكفر ولم يتمكن من إظهار دينه والقيام بشعائر عبادته، أو خاف على نفسه الفتنة في الدين، ولم يستطع حماية عرضه فإنه يجب عليه الهجرة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين) أما إن كان قادراً على إظهار دينه، وإقامة الشعائر، وقدر على الهجرة، فإنه تستحب له الهجرة في هذه الحالة لا تجب. قال ابن قدامة رحمه الله تعالى في كتاب المغني: فتستحب له ليتمكن من جهادهم (يعني الكفار) ، وتكثير المسلمين ومعونتهم. اهـ وأما إن كان قادراً على إظهار الدين، وأمن الفتنة، ويقوم بالدعوة إلى الله عز وجل وتعليم المسلمين أمر دينهم فإنه يبقى ولا يهاجر؛ لأن بقاءه فيه مصلحة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمالك بن الحويرث رضي الله عنه لما جاء عند النبي صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه وجلسوا عند النبي صلى الله عليه وسلم ثم رأى اشتياقهم لأهليهم فأمرهم بالرجوع وتعليم من وراءهم فقال: (ارجعوا إلى أهليكم فعلموهم) رواه البخاري (6008) ومسلم (674) ، وروى البخاري (1452) ومسلم (1865) عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ رضي الله عنه أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْهِجْرَةِ، فَقَالَ: وَيْحَكَ، إِنَّ شَأْنَ الْهِجْرَةِ لَشَدِيدٌ، فَهَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَهَلْ تُؤْتِي صَدَقَتَهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَاعْمَلْ مِنْ وَرَاءِ الْبِحَارِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَنْ يَتِرَكَ مِنْ عَمَلِكَ شَيْئًا. قال النووي رحمه الله: (لَنْ يَتِرَكَ مِنْ عَمَلِكَ شَيْئًا) مَعْنَاهُ: لَنْ يُنْقِصك مِنْ ثَوَاب أَعْمَالك شَيْئًا , حَيْثُ كُنْت , قَالَ الْعُلَمَاء: وَالْمُرَاد بِالْبِحَارِ هُنَا الْقُرَى , وَالْعَرَب تُسَمِّي الْقُرَى الْبِحَار , وَالْقَرْيَة الْبُحَيْرَة. قَالَ الْعُلَمَاء: وَالْمُرَاد بِالْهِجْرَةِ الَّتِي سَأَلَ عَنْهَا هَذَا الأَعْرَابِيّ مُلازَمَة الْمَدِينَة مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَرْك أَهْله وَوَطَنه، فَخَافَ عَلَيْهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلا يَقْوَى لَهَا، وَلا يَقُوم بِحُقُوقِهَا , وَأَنْ يَنْكُص عَلَى عَقِبَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ شَأْن الْهِجْرَة الَّتِي سَأَلْت عَنْهَا لَشَدِيد وَلَكِنْ اِعْمَلْ بِالْخَيْرِ فِي وَطَنك، وَحَيْثُ مَا كُنْت فَهُوَ يَنْفَعك , وَلا يُنْقِصك اللَّه مِنْهُ شَيْئًا اهـ. فالهجرة تدور على القدرة على إظهار الشعائر الدينية والتعبد، فإن لم يستطع وخشي الفتنة وجبت الهجرة، وإن استطاع أن يظهر الشعائر وتمكن من الهجرة استحبت، وإن تمكن من إظهار الشعائر وكان يقوم بالدعوة وتعليم المسلمين بقي والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم، وفقنا الله جميعاً لما يحب ويرضى.. وانظر السؤال رقم (13363) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 47672 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4857 الجهاد بالمال واجب على الأغنياء [السُّؤَالُ] ـ[أنا امرأة مسلمة عندي أموال كثيرة والحمد لله، فهل يجب عليّ أن أدفع من هذه الأموال للمسلمين المضطهدين الذين يحاول الأعداء احتلال أرضهم وقتلهم كما في الشيشان وفي فلسطين وغيرهما من بلاد المسلمين؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب على المسلمين مساعدة إخوانهم المضطهدين في كل مكان، قال الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) الحجرات /10. وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لا يَظْلِمُهُ وَلا يُسْلِمُهُ) . رواه البخاري (2442) ومسلم (2580) . وزاد مسلم في حديث آخر (2546) : (وَلا يَخْذُلهُ) . قال الحافظ: (وَلا يُسْلِمُهُ) أَيْ لا يَتْرُكُهُ مَعَ مَنْ يُؤْذِيه وَلا فِيمَا يُؤْذِيه , بَلْ يَنْصُرُهُ وَيَدْفَعُ عَنْهُ. . . وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ وَاجِبًا وَقَدْ يَكُونُ مَنْدُوبًا بِحَسَبِ اِخْتِلاف الأَحْوَالِ اهـ. وقَالَ فِي النِّهَايَةِ: أَسْلَمَ فُلانٌ فُلانًا إِذَا أَلْقَاهُ فِي التَّهْلُكَةِ , وَلَمْ يَحْمِهِ مِنْ عَدُوِّهِ اهـ من تحفة الأحوذي. وقال النووي: (لا يَخْذُلهُ) قَالَ الْعُلَمَاء: الْخَذْل تَرْك الإِعَانَة وَالنَّصْر , وَمَعْنَاهُ إِذَا اِسْتَعَانَ بِهِ فِي دَفْع ظَالِم وَنَحْوه لَزِمَهُ إِعَانَته إِذَا أَمْكَنَهُ , وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْر شَرْعِيّ اهـ. والجهاد في الشيشان وفلسطين ونحوهما من البلاد الإسلامية المحتلة أو التي يحاول الكفار احتلالها والاستيلاء عليها من باب جهاد الدفع. وقد سبق بيان حكمه في إجابة السؤال رقم (34830) . وإذا لم يستطع الرجل نصرة إخوانه المسلمين بنفسه فإنه يلزمه أن ينصرهم ويجاهد معهم بماله إن كان غنياًّ. وكذلك المرأة يجب عليها الجهاد بمالها. والجهاد بالمال قرين الجهاد بالنفس في كتاب الله. قال تعالى: (انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُون َ) التوبة /41. وقال: (لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيما ً) النساء /95. وقال: (الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) التوبة/20. وقال: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) الحجرات /15. وروى أبو داود (2504) عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ) . صحيح أبي داود (2186) . قال الصنعاني في "سبل السلام" (4/87) : الْحَدِيث دَلِيل عَلَى وُجُوب الْجِهَاد بِالنَّفْسِ، وَهُوَ بِالْخُرُوجِ وَالْمُبَاشَرَة لِلْكُفَّارِ , وَبِالْمَالِ وَهُوَ بَذْله لِمَا يَقُوم بِهِ مِنْ النَّفَقَة فِي الْجِهَاد وَالسِّلَاح وَنَحْوه , وَبِاللِّسَانِ بِإِقَامَةِ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ وَدُعَائهُمْ إِلَى اللَّه تَعَالَى، وبالأصوات عند اللقاء وَالزَّجْر وَنَحْوه مِنْ كُلّ مَا فِيهِ نِكَايَة لِلْعَدُوِّ اهـ. وقال الشوكاني في "نيل الأوطار" (8/29) : فيه دليل على وجوب المجاهدة للكفار بالأموال والأيدي والألسن. وقد ثبت الأمر القرآني بالجهاد بالأنفس والأموال في مواضع، وظاهر الأمر الوجوب اهـ. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في: الاختيارات" ص 530: "ومن عجز عن الجهاد ببدنه وقدر على الجهاد بماله وجب عليه الجهاد بماله، فيجب على الموسرين النفقة في سبيل الله. وعلى هذا: فيجب على النساء الجهاد في أموالهن إن كان فيها فضل، وكذلك في أموال الصغار إن احتيج إليها كما تجب النفقات والزكاة. فأما إذا هجم العدو فلا يبقى للخلاف وجه، فإن دفع ضررهم عن الدين والنفس والحرمة واجب إجماعاً اهـ. والنفقة في سبيل الله من أفضل الصدقات، وقد وعد الله تعالى صاحبها ثواباً جزيلاً، فقال: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) البقرة /261. قال السعدي رحمه الله: "مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله" أي: في طاعته ومرضاته، وأولاها إنفاقها في الجهاد في سبيله "كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة" وهذا إحضار لصورة المضاعفة بهذا المثل الذي كأن العبد يشاهده ببصره، فيشاهد هذه المضاعفة ببصيرته فيقوى شاهد الإيمان مع شاهد العيان فتنقاد النفس مذعنة للإنفاق سامحة بها مؤملة لهذه المضاعفة الجزيلة والمنة الجليلة "والله يضاعف" هذه المضاعفة "لمن يشاء" أي: بحسب حال المنفق وإخلاصه وصدقه وبحسب حال النفقة وحلها ونفعها ووقوعها موقعها ويحتمل أن يكون "والله يضاعف" أكثر من هذه المضاعفة "لمن يشاء" فيعطيهم أجرهم بغير حساب "والله واسع" الفضل واسع العطاء فلا يتوهم المنفق أن تلك المضاعفة فيها نوع مبالغة لأن الله تعالى لا يتعاظمه شيء ولا ينقصه العطاء على كثرته ومع هذا فهو "عليم" بمن يستحق هذه المضاعفة ومن لا يستحقها فيضع المضاعفة في موضعها لكمال علمه وحكمته" اهـ. نسأل الله تعالى أن ينصر المسلمين على عدوهم. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 26106 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4858 من عقوبات ترك الجهاد في سبيل الله [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك عقوبة معينة يستحقها من ترك الجهاد في سبيل الله؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ورد في الأمر بالجهاد في سبيل الله، والترهيب من تركه الكثير من الآيات والأحاديث. وإذا ترك المسلمون الجهاد في سبيل الله، وآثروا حياة الدعة والراحة، وركنوا إلى الدنيا، أصابهم الذل والهوان، وفسدت أمورهم، وعرضوا أنفسهم لمقت الله تعالى وغضبه. وتعرض الإسلام للضياع، وطغيان الكفر عليه. ولذلك كان ترك الجهاد من كبائر الذنوب. قال ابن حجر في "الزواجر": (الكبيرة التسعون والحادية والثانية والتسعون بعد الثلاثمائة ترك الجهاد عند تعينه، بأن دخل الحربيون دار الإسلام أو أخذوا مسلماً وأمكن تخليصه منهم. وترك الناس الجهاد من أصله. وترك أهل الإقليم تحصين ثغورهم بحيث يخاف عليها من استيلاء الكفار بسبب ترك ذلك التحصين) اهـ. ولذلك صار معلوما ومقررا عند الصحابة أنه لا يقعد عن الجهاد إذا كان فرض عين إلا ضعيف معذور أو منافق، وهذا ما يحكيه كعب بن مالك رضي الله عنه حين تخلف عن تبوك: (فَكُنْتُ إِذَا خَرَجْتُ فِي النَّاسِ بَعْدَ خُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطُفْتُ فِيهِمْ أَحْزَنَنِي أَنِّي لَا أَرَى إِلَّا رَجُلًا مَغْمُوصًا عَلَيْهِ النِّفَاقُ، أَوْ رَجُلًا مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ مِنْ الضُّعَفَاءِ) . رواه البخاري (4066) ومسلم (4973) . وقد بينت تلك الأدلة بعض ما يترتب عليه من عقوبات، فمنها: 1- ترك الجهاد سبب للهلاك في الدنيا والآخرة. أما في الدنيا فإن الجبان الرعديد يكون ذليلاً مستعبداً تابعا غير متبوع. وأما في الآخرة فترك الجهاد سبب لعذاب الله تعالى. قال الله تعالى: (وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) البقرة/195. روى الترمذي (2972) عَنْ أَسْلَمَ أَبِي عِمْرَانَ قَالَ: كُنَّا بِمَدِينَةِ الرُّومِ فَأَخْرَجُوا إِلَيْنَا صَفًّا عَظِيمًا مِنْ الرُّومِ، فَحَمَلَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى صَفِّ الرُّومِ حَتَّى دَخَلَ فِيهِمْ، فَصَاحَ النَّاسُ وَقَالُوا: سُبْحَانَ اللَّهِ! يُلْقِي بِيَدَيْهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ! فَقَامَ أَبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِيُّ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ تَتَأَوَّلُونَ هَذِهِ الآيَةَ هَذَا التَّأْوِيلَ، وَإِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةَ فِينَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، لَمَّا أَعَزَّ اللَّهُ الإِسْلامَ، وَكَثُرَ نَاصِرُوهُ، فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ سِرًّا دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أَمْوَالَنَا قَدْ ضَاعَتْ، وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعَزَّ الإِسْلامَ، وَكَثُرَ نَاصِرُوهُ، فَلَوْ أَقَمْنَا فِي أَمْوَالِنَا فَأَصْلَحْنَا مَا ضَاعَ مِنْهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرُدُّ عَلَيْنَا مَا قُلْنَا (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) فَكَانَتْ التَّهْلُكَةُ الإِقَامَةَ عَلَى الأَمْوَالِ وَإِصْلاحِهَا، وَتَرْكَنَا الْغَزْوَ. فَلَمْ يَزَلْ أَبُو أَيُّوبَ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى دُفِنَ بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ. وصححه الألباني في صحيح الترمذي. قال في "تحفة الأحوذي": وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِإِلْقَاءِ الْأَيْدِي إِلَى التَّهْلُكَةِ هُوَ الإِقَامَةُ فِي الأَهْلِ وَالْمَالِ وَتَرْكُ الْجِهَادِ اهـ. 2- ترك الجهاد سبب للذل والهوان. روى أبو داود (3462) عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلا لا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلا لا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلا لا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ) . صححه الألباني في صحيح أبي داود. ولقد صدق رسولنا صلى الله عليه وسلم، فإن الناظر إلى أحوال المسلمين اليوم يرى أنهم قد فرطوا في دينهم تفريطا عظيما. . فأكلوا الربا، وركنوا إلى الدنيا، وتركوا الجهاد في سبيل الله. فماذا كانت النتيجة؟!! ألزمهم الله الذل في أعناقهم، فهم يلجأون إلى الشرق أو الغرب خاضعين ذليلين يطلبون منهم النصر على الأعداء، وما عرف أولئك أن الذل لا يرفع عنهم حتى يرجعوا إلى دينهم كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم. وصدق الله العظيم: (بَشِّرْ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمْ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا) النساء/138-139. 3- وترك الجهاد سبب لنزول العذاب في الدنيا والآخرة. روى أبو داود (2503) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ لَمْ يَغْزُ، أَوْ يُجَهِّزْ غَازِيًا، أَوْ يَخْلُفْ غَازِيًا فِي أَهْلِهِ بِخَيْرٍ، أَصَابَهُ اللَّهُ بِقَارِعَةٍ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ) . حسنه الألباني في صحيح أبي داود. والقارعة هي الدَاهِيَة المُهْلِكَة التي تأتي فجأة , يقال: قَرَعَهُ أَمْرٌ إِذَا أَتَاهُ فَجْأَة. وقال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلا قَلِيلٌ (38) إِلا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) التوبة/38-39. "وليس العذاب الذي يتهددهم هو عذاب الآخرة فقط، بل عذاب الدنيا والآخرة، عذاب الذل الذي يصيب القاعدين عن الجهاد، عذاب الحرمان من الخيرات التي يستفيد منها العدو الكافر ويحرمها أهلها، وهم مع ذلك كله يخسرون من النفوس والأموال أضعاف ما يخسرون في الجهاد، ويقدمون على مذابح الذل أضعاف ما تتطلبه منهم الكرامة لو قدموا لها الفداء، وما من أمة تركت الجهاد إلا ضرب الله عليها الذل فدفعت مرغمة صاغرة أضعاف ما كان يتطلبه منها جهاد الأعداء" اهـ. الظلال (3/1655) . وقال السعدي رحمه الله ص (532) : (يا أيها الذين آمنوا) ألا تعملون بمقتضى الإيمان، ودواعي اليقين، من المبادرة لأمر الله، والمسارعة إلى رضاه، وجهاد أعدائه لدينكم، فـ (مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثّاقلتم إلى الأرض) أي: تكاسلتم، وملتم إلى الأرض والدعة والكون فيها. (أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة) أي: ما حالكم إلا حال من رضي بالدنيا، وسعي لها، ولم يبال بالآخرة فأنه ما آمن بها. (فما متاع الحياة الدنيا) التي مالت بكم، وقدمتموها على الآخرة (إلا قليل) أفليس قد جعل الله لكم عقولاً، تزنون بها الأمور وأيها أحق بالإيثار؟ أفليست الدنيا ـ من أولها إلى آخرها ـ لا نسبة لها في الآخرة. فما مقدار عمر الإنسان القصير جداً من الدنيا، حتى يجعله الغاية، التي لا غاية وراءها فيجعل سعيه، وكده وهمه وإرادته لا يتعدى الحياة الدنيا القصيرة المملوءة بالأكدار المشحونة بالأخطار. فبأي رأي رأيتم إيثارها على الدار الآخرة، الجامعة لكل نعيم التي فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، وأنتم فيها خالدون. فوالله ما آثر الدنيا على الآخرة من وقر الإيمان في قلبه، ولا من جزل رأيه، ولا من عُدَّ من أولى الألباب، ثم توعدهم على عدم النفير فقال: (إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً) في الدنيا والآخرة، فإن عدم النفير في حال الاستنفار من كبائر الذنوب الموجبة لأشد العقاب، لما فيه من المضار الشديدة فإن المتخلف قد عصى الله تعالى، وارتكب لنهيه، ولم يساعد على نصر دين الله، ولا ذَبَّ عن كتاب الله وشرعه، ولا أعان إخوانه المسلمين على عدوهم، الذي يريد أن يستأصلهم، ويمحق دينهم، وربما اقتدى به غيره من ضعفاء الإيمان، بل ربما فَثّ في أعضاد من قاموا بجهاد أعداء الله، فحقيق بمن هذا حاله أن يتوعده الله بالوعيد الشديد، فقال: (إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً ويستبدل قوماً غيركم ولا تضروه شيئاً) فإنه تعالى متكفل بنصرة دينه وإعلاء كلمته، فسواء امتثلتم لأمر الله أو ألقيتموه وراءكم ظهرياً. (والله على كل شيء قدير) لا يعجزه شيء أراده، ولا يغالبه أحد اهـ. نسأل الله تعالى أن يرد المسلمين إلى دينهم رداً جميلاً. وأن يرفع عنهم الذل والهوان. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 46807 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4859 حكم الجهاد للمرأة [السُّؤَالُ] ـ[مهم جدا حيرني ما هو حكم الجهاد للمرأة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الجهاد غير واجب على المرأة، قال ابن قدامة رحمه الله: (ويشترط لوجوب الجهاد سبعة شروط ; الإسلام , والبلوغ , والعقل , والحرية , والذكورية , والسلامة من الضرر , ووجود النفقة. فأما الإسلام والبلوغ والعقل , فهي شروط لوجوب سائر الفروع , ولأن الكافر غير مأمون في الجهاد , والمجنون لا يتأتى منه الجهاد والصبي ضعيف البنية , وقد روى ابن عمر , قال: {عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة , فلم يجزني في المقاتلة} . متفق عليه. ...... وأما الذكورية فتشترط ; لما روت عائشة , قالت {: يا رسول الله , هل على النساء جهاد؟ فقال: جهاد لا قتال فيه ; الحج , والعمرة} . ولأنها ليست من أهل القتال ; لضعفها..) انتهى من المغني 9/163 وحديث عائشة رضي الله عنها رواه أحمد (25361) وابن ماجه (2901) وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه. وهل تخرج المرأة لمساعدة المجاهدين ومداواة الجرحى؟ قال السرخسي في شرح السير الكبير (1/184) : (باب قتال النساء مع الرجال وشهودهن الحرب. قال: لا يعجبنا أن يقاتل النساء مع الرجال في الحرب ; لأنه ليس للمرأة بنية صالحة للقتال , كما أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله:" هاه , ما كانت هذه تقاتل". وربما يكون في قتالها كشف عورة المسلمين , فيفرح به المشركون وربما يكون ذلك سببا لجرأة المشركين على المسلمين , ويستدلون به على ضعف المسلمين فيقولون: احتاجوا إلى الاستعانة بالنساء على قتالنا , فليتحرز عن هذا , ولهذا المعنى لا يستحب لهم مباشرة القتال , إلا أن يضطر المسلمون إلى ذلك , فإنّ دفع فتنة المشركين عند تحقق الضرورة بما يقدر عليه المسلمون جائز بل واجب. واستدل عليه بقصة حنين. وفي أواخر تلك القصة: " قالت أم سليم بنت ملحان , وكانت يومئذ تقاتل شادة على بطنها بثوب: يا رسول الله أرأيت هؤلاء الذين فروا منك وخذلوك , فلا تعف عنهم إن أمكنك الله منهم , فقال صلى الله عليه وسلم: يا أم سليم عافية الله أوسع , فأعادت ذلك ثلاث مرات , وفي كل ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: عافية الله أوسع ". وفي المغازي أنها قالت: ألا نقاتل يا رسول الله هؤلاء الفرارين فنقتلهم كما قاتلنا المشركين؟ فقال صلى الله عليه وسلم: عافية الله أوسع. وأية حاجة إلى قتال النساء أشد من هذه الحاجة حين فروا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلموه , وفي هذا بيان أنه لا بأس بقتالهن عند الضرورة ; لأن الرسول لم يمنعها في تلك الحالة , ولم ينقل أنه أذن للنساء في القتال في غير تلك الحالة. قال: ولا بأس بأن يحضر منهن الحرب العجوز الكبيرة فتداوي الجرحى , وتسقي الماء , وتطبخ للغزاة إذا احتاجوا إلى ذلك , لحديث عبد الله بن قرط الأزدي قال: كانت نساء خالد بن الوليد ونساء أصحابه مشمرات , يحملن الماء للمجاهدين يرتجزن , وهو يقاتل الروم , والمراد العجائز , فالشواب يمنعن عن الخروج لخوف الفتنة , والحاجة ترتفع بخروج العجائز. وذكر عن أم مطاع , وكانت شهدت خيبر مع النبي صلى الله عليه وسلم قالت: رأيت أسلم (وهي قبيلة من قبائل العرب) حيث شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يلقون من شدة الحال فندبهم إلى الجهاد فنهضوا. ولقد رأيت أسلم أول من انتهى إلى الحصن فما غابت الشمس من ذلك اليوم حتى فتحه الله علينا. ففي هذا بيان أنها كانت خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يمنعها من ذلك فعرفنا أنه لا بأس للعجوز أن تخرج لإعانة المجاهدين بما يليق بها من العمل والله الموفق) انتهى. وقال في كشاف القناع (3/62) : ((و) يمنع (نساء) للافتتان بهن , مع أنهن لسن من أهل القتال , لاستيلاء الخور (أي الضعف) والجبن عليهن ; ولأنه لا يؤمن ظفر العدو بهن , فيستحلون منهن ما حرم الله تعالى قال بعضهم: (إلا امرأة الأمير لحاجته) لفعله صلى الله عليه وسلم. (و) إلا امرأة (طاعنة في السن لمصلحة فقط كسقي الماء ومعالجة الجرحى) لقول الربيع بنت معوذ: " كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم نسقي الماء ونخدمهم , ونرد الجرحى , والقتلى إلى المدينة " رواه البخاري وعن أنس معناه رواه مسلم ; ولأن الرجال يشتغلون بالحرب عن ذلك , فيكون معونة للمسلمين وتوفيرا في المقاتلة) . وهذا كله ما لم يتعين الجهاد بأن دهم العدو بلد المسلمين، فإنه يجب الجهاد على كل قادر رجلاً كان أم امرأة، فتخرج المرأة بغير إذن زوجها، قال الكاساني الحنفي رحمه الله: (فأما إذا عم النفير بأن هجم العدو على بلد , فهو فرض عين يفترض على كل واحد من آحاد المسلمين ممن هو قادر عليه ; لقوله سبحانه وتعالى (انفروا خفافا وثقالا) قيل: نزلت في النفير. وقوله سبحانه وتعالى (ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه) .... ) انتهى من بدائع الصنائع 7/98. وجاء نحو هذا في الشرح الصغير من كتب المالكية (2/274) : أن الجهاد إذا تعيّن بأن هجم العدو على بلاد المسلمين فإنه يجب على كلّ قادر عليه من الرجال والنساء. وخلاصة الجواب: أن الجهاد لا يجب على المرأة في الأصل، إلا نه عند الضرورة، كما لو هجم الكفار على بلاد المسلمين فإنه يجب عليها الجهاد، وحينئذ عل حسب قدرتها واستطاعتها، فإن كانت غير مستطيعة فلا يجب عليها لقول الله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا) سورة البقرة/286 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45618 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4860 والدها يرفض الخاطب لأنه مجاهد وقد يموت في المعركة [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أتزوج برجلٍ يعد نفسه للذهاب إلى الجهاد في غضون سنوات، لكن عندما ذكرت أمره لوالدي رفض؛ لأنه يقول بأنه لا يستطيع أن يراني أرملة في حياته، أنا أعي عواقب الزواج بشخصٍ قد يموت في المعركة (ومن منظور دنيوي: أي: أني سأعيش بدون زوج لأشهر كل مرة " يذهب فيها للجهاد "، وهناك احتمال كبير بأن أصبح أرملة، إلخ) ، لكن الأجر هو أعظم بكثيرٍ من المنافع الدنيوية. وعليه، فهل يجب عليَّ أن أطيع والدي؟ وهل سبب رفضه مقبول إسلاميّاً لأن يرفض هذا الخاطب، وأنا أكثر من موافقة على أن أصبح زوجة لمجاهد؟ أرجو المساعدة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: فإن النكاح رابطة شرعية شريفة حث عليها ديننا في مواضع من كتاب الله وسنة رسوله، وإن من المهم في هذه الرابطة حسن اختيار الزوج أو الزوجة، فقد قال عليه الصلاة والسلام: " تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك " رواه البخاري (4802) ومسلم (1466) ، وقال مخاطباً ولي المرأة: " إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض " – رواه الترمذي (1084) وابن ماجه (1967) – وصححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (1022) -. ثم إن الجهاد من أعظم أبواب الخير وهو ذروة سنام الإسلام، وأهله هم من خيرة عباد الله، ومن حزبه المفلحين، وفضل الجهاد والمجاهدين مما يطول ذكره. ثانياً: الذهاب للجهاد لا يعني الموت المحقق، فإن الله قد خلق الخلائق وقدر أزراقها وآجالها، وإنه لمن العجب أن يظن المسلم أن ذهاب المجاهد إلى أرض المعركة يعني أنه سيقتل فيها، ويظن أنه إن لم يجاهد فسينجو من الموت، وهذا ظن خاطىء فالذهاب إلى الجهاد لا يعجِّل ساعة الإنسان، وعدم الذهاب لا يؤخرها، وقد يعيش الإنسان عمره كله في الجهاد ولا يُقتل فيه، ومن أحسن الأمثلة على ذلك: الصحابي الجليل خالد بن الوليد – رضي الله عنه – والذي قضى كثيراً من عمره في ساحات القتال ثم كان موته على فراشه، بينما آلاف الناس يموتون في كل لحظة في بيوتهم أو متاجرهم أو في الشوارع، قال الله عز وجل: {ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} النحل / 61، وقال تعالى: {وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير} لقمان / 34. وقد أخبر الله تعالى عن مثل من يظن هذا الظن وردَّ عليهم. قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم والله يحيي ويميت والله بما تعملون بصير} آل عمران / 156. قال ابن كثير: ينهى الله تعالى عباده المؤمنين عن مشابهة الكفار في اعتقادهم الفاسد الدال عليه قولهم عن إخوانهم الذين ماتوا في الأسفار والحروب لو كانوا تركوا ذلك لما أصابهم ما أصابهم فقال تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم} أي: عن إخوانهم {إذا ضربوا في الأرض} أي: سافروا للتجارة ونحوها {أو كانوا غزى} أي: كانوا في الغزو {لو كانوا عندنا} أي: في البلد {ما ماتوا وما قتلوا} أي: ما ماتوا في السفر وما قتلوا في الغزو، وقوله {ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم} أي: خلق هذا الاعتقاد في نفوسهم ليزدادوا حسرة على موتاهم وقتلاهم. ثم قال تعالى ردّاً عليهم {والله يحيي ويميت} أي: بيده الخلق، وإليه يرجع الأمر، ولا يحيا أحد ولا يموت أحد إلا بمشيئته وقدره، ولا يزاد في عمر أحد ولا ينقص منه شيء إلا بقضائه وقدره. " تفسير ابن كثير " (1 / 420) . وقال: أي: كما أن الحذر لا يغني من القدَر، كذلك الفرار من الجهاد وتجنبه لا يقرب أجلاً ولا يُبعده، بل الإحياء المحتوم والرزق المقسوم مقدَّر مقنَّن لا يُزاد فيه ولا ينقص منه كما قال تعالى {الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرؤا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين} ، وقال تعالى {وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة} ، وروينا عن أمير الجيوش ومقدَّم العساكر وحامى حوزة الإسلام وسيف الله المسلول على أعدائه أبي سليمان خالد بن الوليد رضي الله عنه أنه قال - وهو في سياق الموت -: " لقد شهدت كذا وكذا موقفاً، وما من عضوٍ من أعضائي إلا وفيه رمية أو طعنة أو ضربة وها أنا ذا أموت على فراشي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء "، يعني: أنه يتألم لكونه ما مات قتيلاً في الحرب، ويتأسف على ذلك، ويتألم أن يموت على فراشه. " تفسير ابن كثير " (1 / 300) . ثالثاً: ومما تقدم يتبين خطأ ما قاله والدك من أنه لا يريد أن يراك أرملة في حياته، إذ لو قدر الله ذلك لحصل حتى لو تزوجت من غير المجاهد، فرفضه لأنه يعد نفسه للجهاد ليس له مسوغٌ شرعاً، أما إن كان هناك أسباب أخَ تتعلق بخلُقه ودينه: فيمكن للوالد أن يردَّ هذا الزوج. رابعاً: والنصيحة لك أن تطيعي والدكِ، وليس لك أن تتزوجي من غير إذن الوليِّ، فقد أبطل الشرع الحكيم زواج المرأة من غير إذن الولي. أ. عن أبي موسى قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا نكاح إلا بولي ". رواه الترمذي (1101) وأبو داود (2085) وابن ماجه (1881) . والحديث: صححه الشيخ الألباني رحمه الله في " صحيح الترمذي " (1 / 318) . ب. عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر لما استحل من فرجها، فإن لم يكن لها ولي فالسلطان ولي من لا ولي له. رواه الترمذي (1102) وأبو داود (2083) وابن ماجه (1879) . والحديث: حسَّنه الترمذي وصححه ابن حبان (9 / 384) والحاكم (2 / 183) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 11730 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4861 هل انتشر الإسلام بالسيف؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل انتشر الإسلام بالسيف؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سبق في السؤال رقم (34830) أن الجهاد نوعان: جهاد طلب، وجهاد دفع. ولا شك أن جهاد الطلب كان له أثر كبير في نشر الإسلام، ودخول الناس في دين الله أفواجا. ولذلك ملئت قلوب أعداء الإسلام رعباً من الجهاد. جاء في مجلة العالم الإسلامي الإنجليزية: إن شيئاً من الخوف يجب أن يسيطر على العالم الغربي، ولهذا الخوف أسباب منها أن الإسلام منذ ظهر بمكة لم يضعف عددياً بل دائما في ازدياد واتساع. ثم إن الإسلام ليس ديناً فحسب، بل إن من أركانه الجهاد اهـ. وقال روبرت بين: إن المسلمين قد غزوا الدنيا كلها من قبل وقد يفعلونها مرة ثانية اهـ. وقد أراد المستشرقون الطعن في الإسلام بأنه انتشر بالسيف. وألف المستشرق توماس أرنولد كتابه (الدعوة إلى الإسلام) يهدف منه إلى إماتة الروح الجهادية عند المسلمين، وبرهن بزعمه على أن الإسلام لم ينتشر بالسيف، وإنما انتشر بالدعوة السلمية المتبرئة من كل قوة. وقد وقع المسلمون في الفخ الذي نُصِبَ لهم، فإذا سمعوا من يتهجم على الإسلام بأنه انتشر بالسيف من المستشرقين، قالوا: أخطأتم واسمعوا الرد عليكم من بني جلدتكم، فهذا توماس يقول كذا وكذا. وخرج الانهزاميون من المسلمين يدافعون عن الإسلام، وأرادوا تبرئة الإسلام من هذه الفرية على زعمهم، فنفوا أن يكون الإسلام انتشر بالسيف، ونفوا مشروعية الجهاد في الإسلام إلا على سبيل الدفاع فقط، وأما جهاد الطلب فلا وجود له عندهم. وهذا خلاف ما قرره أئمة الهدى علماء المسلمين، فضلا عن مخالفته للقرآن والسنة. قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (28/263) : "فالمقصود أن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الله اسم جامع لكلماته التي تضمنها كتابه، وهكذا قال الله تعالى: (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط) فالمقصود من إرسال الرسل وإنزال الكتب أن يقوم الناس بالقسط في حقوق الله وحقوق خلقه ثم قال تعالى: (وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب) فمن عدل عن الكتاب قوم بالحديد، ولهذا كان قوام الدين بالمصحف والسيف. وقد روى عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نضرب بهذا يعنى السيف من عدل عن هذا يعنى المصحف اهـ. وقال ابن القيم رحمه الله في "الفروسية" (ص 18) : (وبعثه الله تعالى – يعني النبي صلى الله عليه وسلم - بالكتاب الهادي، والسيف الناصر، بين يدي الساعة حتى يعبد سبحانه وحده لا شريك له، وجعل رزقه تحت ظل سيفه ورمحه. . . فإن الله سبحانه أقام دين الإسلام بالحجة والبرهان، والسيف والسنان، كلاهما في نصره أخوان شقيقان اهـ. وهذه بعض أدلة الكتاب والسنة والتي تدل دلالة بينة واضحة على أن السيف كان من أهم الأسباب التي أدت إلى انتشار الإسلام: 1- قال الله تعالى: (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) الحج /40. وقال: (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) البقرة /251. 2- وأمر الله تعالى بإعداد العدة لمجاهدة الكفار وإرهابهم، قال تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ) الأنفال /60. فلو كان الإسلام لا ينتشر إلا بالدعوة السلمية فقط، فمم يخاف الكفار؟ أمن كلام يقال باللسان فقط؟ وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نصرت بالرعب مسيرة شهر) وهل يرعب الكفار أن يقال لهم أسلموا، فإن لم تسلموا فأنتم أحرار فيما تعتقدون وتفعلون. أم كان يرعبهم الجهاد وضرب الجزية والصغار. مما يحملهم على الدخول في الإسلام لرفع ذلك الصغار عنهم. 3- وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى الإسلام دعوة مقرونة بالسيف، ويأمر بذلك قواده، لعل الناس إذا رأوا القوة وجد المسلمين في الدعوة إلى دينهم تزول عنهم الغشاوة. روى البخاري (3009) ومسلم (2406) عن سَهْل بْنَ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ: لأُعْطِيَنَّ الرَّايََ غَدًا رَجُلا يُفْتَحُ عَلَى يَدَيْهِ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَبَاتَ النَّاسُ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَى فَغَدَوْا كُلُّهُمْ يَرْجُوهُ فَقَالَ أَيْنَ عَلِيٌّ فَقِيلَ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ فَبَصَقَ فِي عَيْنَيْهِ وَدَعَا لَهُ فَبَرَأَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ فَأَعْطَاهُ الراية. فَقَالَ: أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا؟ فَقَالَ: انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلامِ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ، فَوَاللَّهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ. فهذه دعوة إلى الله سبحانه مقرونة بقوة السلاح. وروى مسلم (3261) عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ: اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، اغْزُوا، وَلا تَغُلُّوا، وَلا تَغْدِرُوا، وَلا تَمْثُلُوا، وَلا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلاثِ خِصَالٍ أَوْ خِلالٍ فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلامِ فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ. . . فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَسَلْهُمْ الْجِزْيَةَ، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ. . . الحديث. فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر أمراءه أن يدعو الكفار إلى الإسلام وهم يرفعون السيوف فوق رؤوسهم، فإن أبوا الإسلام دفعوا الجزية وهم أذلة صاغرون، فإن أبوا فما لهم إلا السيف (فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ) . 4- وقال صلى الله عليه وسلم: (بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ وَحْدَهُ، لا شَرِيكَ لَهُ، وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي، وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ) أحمد (4869) . صحيح الجامع (2831) . وكون السيف والقوة من أسباب انتشار الإسلام، هذا لا يعيب الإسلام، بل هو من مزاياه ومحاسنه أنه يلزم الناس بما فيه نفعهم في الدنيا والآخرة، وكثير من الناس يغلب عليهم السفه وقلة الحكمة والعلم، فلو تُرِك وشأنه لعمي عن الحق، ولانغمس في الشهوات، فشرع الله الجهاد لرد هؤلاء إلى الحق، وإلى ما فيه نفعهم، ولا شك أن الحكمة تقتضي منع السفيه مما يضره، وحمله على ما فيه نفعه. وروى البخاري (4557) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) قَالَ: خَيْرَ النَّاسِ لِلنَّاسِ [أي كنتم أنفع الناس للناس] تَأْتُونَ بِهِمْ فِي السَّلَاسِلِ فِي أَعْنَاقِهِمْ، حَتَّى يَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ. وهل يؤتى بالناس في السلاسل من غير جهاد؟ ‍! وهذا مما يُمدح عليه الإسلام ولا يذم، فعلى الانهزاميين (أن يتقوا الله في مسخ هذا الدين، وإصابته بالهزال بحجة أنه دين السلم والسلام. نعم، إنه دين السلم والسلام، ولكن على أساس إنقاذ البشرية كلها من عبادة غير الله، وإخضاع البشرية كافة لحكم الله، إنه منهج الله وليس منهج عبد من العبيد ولا مذهب مفكر من البشر حتى يخجل الداعون إليه من إعلان أن هدفهم الأخير هو أن يكون الدين كله لله. إنه حين تكون المذاهب التي يتبعها الناس مذاهب بشرية من صنع العبيد وحين تكون الأنظمة والشرائع التي تصرف حياتهم من وضع العبيد أيضاً فإنه في هذه الحالة يصبح لكل مذهب ولكل نظام الحق في أن يعيش داخل حدوده آمنا ما دام أنه لا يعتدي على حدود الآخرين ويصبح من حق هذه المذاهب والأنظمة والأوضاع المختلفة أن تتعايش وألا يحاول أحدها إزالة الآخر. فأما حين يكون هناك منهج إلهي وشريعة ربانية وإلى جانبه مناهج ومذاهب من صنع البشر فإن الأمر يختلف من أساسه، ويصبح من حق المنهج الإلهي أن يجتاز الحواجز البشرية ويحرر البشر من العبودية للعباد. . .) فقه الدعوة لسيد قطب (217-222) . بتصرف يسير. وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (12/14) : "الإسلام انتشر بالحجة والبيان بالنسبة لمن استمع البلاغ واستجاب له، وانتشر بالقوة والسيف لمن عاند وكابر حتى غُلِب على أمره، فذهب عناده فأسلم لذلك الواقع" اهـ. تنبيه: يجب أن يعلم أنه ليس معنى الجهاد في سبيل الله لدعوة الناس إلى الإسلام وإزالة معالم الشرك من الوجود، ليس معنى هذا أن الإسلام يكره الناس على الدخول فيه، كلا، فإن الله تعالى يقول: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) البقرة/256. ولذلك من رفض من المشركين الدخول في الإسلام تُرِكَ ودينَه، ولكن بشروط نعقدها معه، وهو ما يسمى بـ "عقد الجزية" أو "عقد الذمة". فلليهودي أن يبقى على يهوديته في دولة الإسلام، وكذلك النصراني وغيرهم من أهل سائر الأديان. وتاريخ المسلمين شاهد على بقاء غير المسلمين في دولة الإسلام من غير أن يكرهوا على تغيير دينهم. وقد اعترف بذلك كثير من المستشرقين أنفسهم. قال المستشرق الألماني أولرش هيرمان: " الذي لفت نظري أثناء دراستي لهذه الفترة – فترة العصور الوسطى- هو درجة التسامح التي تمتع بها المسلمون، وأخص هنا صلاح الدين الأيوبي، فقد كان متسامحاً جداً تجاه المسيحيين. إن المسيحية لم تمارس الموقف نفسه تجاه الإسلام " انتهى. (العالم) ، العدد 290، السبت 2 سبتمبر 1989م. وقال هنري دي كاستري (مفكر فرنسي) : "قرأت التاريخ وكان رأيي بعد ذلك أن معاملة المسلمين للمسيحيين تدل على ترفع في المعاشرة عن الغلظة وعلى حسن مسايرة ولطف مجاملة وهو إحساس لم يشاهد في غير المسلمين آن ذاك" انتهى. وقال ول ديورانت (فيلسوف ومؤرخ أمريكي) : "كان أهل الذمة المسيحيون، والزردشتيون، واليهود، والصابئون يستمتعون في عهد الخلافة الأموية بدرجة من التسامح لا نجد نظيرًا لها في المسيحية في هذه الأيام. فلقد كانوا أحرارًا في ممارسة شعائر دينهم، واحتفظوا بكنائسهم ومعابدهم.. وكانوا يتمتعون بحكم ذاتي يخضعون فيه لزعمائهم وقضاتهم وقوانينهم" انتهى. وقال الدكتور جورج حنا من نصارى لبنان: "إن المسلمين العرب لم يعرف عنهم القسوة والجور في معاملتهم للمسيحيين بل كانوا يتركون لأهل الكتاب حرية العبادة وممارسة طقوسهم الدينية، مكتفين بأخذ الجزية منهم" انتهى. وأما إكراه النصارى للمسلمين على تغيير دينهم، وقتلهم وتعذيبهم إن رفضوا ذلك، فشواهده من التاريخ القديم والمعاصر واضحة للعيان، وما محاكم التفتيش إلا مثال واحد فقط من هذه الوقائع. ولعلنا نبين ذلك في أجوبة أخرى إن شاء الله. ونسأل الله تعالى أن يعز دينه، ويعلي كلمته. انظر: "التسامح في الإسلام بين المبدأ والتطبيق" للدكتور شوقي أبو خليل، "الإسلام خواطر وسوانح". والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 43087 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4862 حكم من يموت دفاعاً عن وطنه من غير المسلمين [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من يموت دفاعاً عن وطنه من غير المسلمين فهل يعتبر شهيداً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من قتل في سبيل الله فهو شهيد ومعنى (في سبيل الله) أنه يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا، هذا هو حد شهيد المعركة كما بينه النبي صلى الله عليه وسلم. فقد روى البخاري (3126) ومسلم (1904) عن أَبُي مُوسَى الأَشْعَرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ أَعْرَابِيٌّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُذْكَرَ وَيُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ مَنْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ: "مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ". وروى مسلم (1915) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا تَعُدُّونَ الشَّهِيدَ فِيكُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ قَالَ إِنَّ شُهَدَاءَ أُمَّتِي إِذًا لَقَلِيلٌ قَالُوا فَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ مَاتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ مَاتَ فِي الطَّاعُونِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ مَاتَ فِي الْبَطْنِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَالْغَرِيقُ شَهِيدٌ ". فجمع النبي صلى الله عليه وسلم بين شهيد المعركة، وبين من يلحق به في فضل الشهادة. قال النووي رحمه الله: (قال العلماء: المراد بشهادة هؤلاء كلهم غير المقتول في سبيل الله أنهم يكون لهم في الآخرة ثواب الشهداء وأما في الدنيا فيغسلون ويصلى عليهم وقد سبق في كتاب الإيمان بيان هذا والشهداء ثلاثة أقسام شهيد في الدنيا والآخرة وهو المقتول في حرب الكفار وشهيد في الآخرة دون أحكام الدنيا وهم هؤلاء المذكورون هنا، وشهيد في الدنيا دون الآخرة وهو من غل (أي سرق) في الغنيمة أو قُتل مدبرا (أي: وهو يفر من القتال) انتهى. والشهادة منزلة عالية، لا تكون إلا لأهل الإيمان. وأما من بلغته دعوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ولم يؤمن به فهو كافر بالله، من أهل النار سواء قتل في المعركة أو مات على فراشه، يهودياً كان أو نصرانياً أو غيرهما من ملل الشرك والكفر، والنصارى يكفرون لتكذيبهم النبي صلى الله عليه وسلم، ولدعواهم ألوهية المسيح عيس ابن مريم عليه السلام، ودعواهم أن الله اتخذ صاحبة وولداً تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً. قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً) النساء /105-151. وقال: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) التوبة / 30. وقال: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرائيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) المائدة / 72 وقال: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) المائدة / 73 وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ) . رواه مسلم (153) . وهذا الكلام الذي سبق هو في أحكام الآخرة إذا قُتل، أما في أحكام الدنيا فإذا قام أحد من غير المسلمين بالمشاركة بالدفاع عن بلاد المسلمين دون تقديم أي تنازلات من المسلمين عن الحق فلا بأس أن يُشكر ويكافأ على ذلك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39344 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4863 عليه دين لشخص فهل يذهب للجهاد؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان الشخص لا يملك مالاً للسفر للجهاد وعليه ديون لمسلم آخر، فهل لا يزال الجهاد فرضاً عليه؟ إذا حصل هذا الشخص على بعض المال وكان الجهاد ضرورة في ذلك الوقت فهل يجب عليه أن يسدد القرض أولاً أم يذهب للجهاد؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إذا كان الجهاد فرض عين في حالة من الحالات المعروفة، فمن عليه دين يخرج للجهاد ولا يجب عليه أن يستأذن صاحب الدَّين. وإذا كان الجهاد فرض كفاية كجهاد طلب الأعداء فإنه لا يجوز الخروج إلا بإذن صاحب الدَّين، فإن أَذِن له خرج، وإن لم يأذن لم يخرج، إلا إن ترك وفاء لدينه أو وثقة بِرَهْن أو أقام ضامناً فلا يلزم إذن المدين. ولمعرفة حكم الجهاد ومتى يكون فرض عين، ومتى يكون فرض كفاية يراجع السؤال رقم (34830) قال ابن قدامة رحمه الله في المغني (13/28) : " وَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَالٌّ أَوْ مُؤَجَّلٌ , لَمْ يَجُزْ لَهُ الْخُرُوجُ إلَى الْغَزْوِ إلا بِإِذْنِ غَرِيمِهِ , إلا أَنْ يَتْرُكَ وَفَاءً , أَوْ يُقِيمَ بِهِ كَفِيلا , أَوْ يُوَثِّقَهُ بِرَهْنٍ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. . . ودليل ذلك أَنَّ رَجُلا جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ , إنْ قُتِلْت فِي سَبِيلِ اللَّهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا , تُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ قَالَ: نَعَمْ , إلا الدَّيْنَ , فَإِنَّ جِبْرِيلَ قَالَ لِي ذَلِكَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. ولأَنَّ الْجِهَادَ تُقْصَدُ مِنْهُ الشَّهَادَةُ الَّتِي تَفُوتُ بِهَا النَّفْسُ، فَيَفُوتُ الْحَقُّ بِفَوَاتِهَا. وَأَمَّا إذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْجِهَادُ , فَلا إذْنَ لِغَرِيمِهِ ; لأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِعَيْنِهِ , فَكَانَ مُقَدَّمًا عَلَى مَا فِي ذِمَّتِهِ , كَسَائِرِ فُرُوضِ الأَعْيَانِ. . . وَإِنْ تَرَكَ وَفَاءً , أَوْ أَقَامَ كَفِيلا , فَلَهُ الْغَزْوُ بِغَيْرِ إذْنِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِيمَنْ تَرَكَ وَفَاءً , لأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حَرَامٍ أَبَا جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ خَرَجَ إلَى أُحُدٍ , وَعَلَيْهِ دَيْنٌ كَثِيرٌ , فَاسْتُشْهِدَ , وَقَضَاهُ عَنْهُ ابْنُهُ بِعِلْمِ النَّبِيِّ , وَلَمْ يَذُمَّهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى ذَلِكَ , وَلَمْ يُنْكِرْ فِعْلَهُ , بَلْ مَدَحَهُ , وَقَالَ: (مَا زَالَتْ الْمَلائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا , حَتَّى رَفَعْتُمُوهُ) . وَقَالَ لابْنِهِ جَابِرٌ: أَشَعَرْت أَنَّ اللَّهَ أَحْيَا أَبَاك , وَكَلَّمَهُ كِفَاحًا! " اهـ. بتصرف واختصار وجاء في الموسوعة الفقهية (16/135) : " وَأَمَّا إذَا تَعَيَّنَ الْجِهَادُ فَلا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ لا إذْنَ لِغَرِيمِهِ " اهـ. ثانياً: وأما إذا كان المدين معه من المال ما يفي بالدين، فهل يقدم الخروج للجهاد، أو وفاء الدين. فجواب ذلك: إذا كان الجهاد فرض كفاية فإنه يقدم وفاء الدين. وأما إذا كان الجهاد فرض عين فله حالان: 1- إذا تعيّن الجهاد لكونه حضر الصف، أو حصر العدو بلده فإنه يقدم الجهاد. 2- إذا تعين الجهاد لكون الإمام طلب منه الخروج للجهاد فإنه يقدم وفاء الدين. قال شيخ الإسلام في "الاختيارات" (ص 308) : " سُئِلْت عَمَّنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَهُ مَا يُوفِيه وَقَدْ تَعَيَّنَ الْجِهَادُ، فَقُلْت: مِنْ الْوَاجِبَاتِ مَا يُقَدَّمُ عَلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ كَنَفَقَةِ النَّفْسِ وَالزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ الْفَقِيرِ، وَمِنْهَا مَا يُقَدَّمُ وَفَاءُ الدَّيْنِ عَلَيْهِ كَالْعِبَادَاتِ مِنْ الْحَجِّ وَالْكَفَّارَاتِ , وَمِنْهَا مَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ إلا إذَا طُولِبَ بِهِ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ , فَإِنْ كَانَ الْجِهَادُ الْمُتَعَيِّنُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ كَمَا إذَا حَضَرَهُ الْعَدُوُّ أَوْ حَضَرَ الصَّفَّ قُدِّمَ عَلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ كَالنَّفَقَةِ وَأَوْلَى، وَإِنْ كَانَ اسْتِنْفَارٌ (يعني طلب الخروج للجهاد من الإمام) فَقَضَاءُ الدَّيْنِ أَوْلَى، إذْ الإِمَامُ لا يَنْبَغِي لَهُ اسْتِنْفَارُ الْمَدِينِ مَعَ الاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ، وَلِذَلِكَ قُلْت: لَوْ ضَاقَ الْمَالُ عَنْ إطْعَامِ جِيَاعٍ وَالْجِهَادِ الَّذِي يَتَضَرَّرُ بِتَرْكِهِ قَدَّمْنَا الْجِهَادَ وَإِنْ مَاتَ الْجِيَاعُ، ..... وَقُلْت أَيْضًا: إذَا كَانَ الْغُرَمَاءُ يُجَاهِدُونَ بِالْمَالِ الَّذِي يَسْتَوْفُونَهُ فَالْوَاجِبُ وَفَاؤُهُمْ لِتَحْصِيلِ الْمَصْلَحَتَيْنِ: الْوَفَاءِ وَالْجِهَادِ. وَنُصُوصُ الإِمَامِ أَحْمَدَ تُوَافِقُ مَا كَتَبْتُهُ " اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38164 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4864 هل يهاجر إلى المدينة النبوية كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم؟ [السُّؤَالُ] ـ[من السنة الهجرة إلى بلد إسلامي، فهل يجوز الانتقال من بريطانيا إلى المدينة النبوية في السعودية، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تجب الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام لمن لم يقدر على إظهار دينه، قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) النساء/97. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ) . رواه أبو داود (2645) . وصححه الألباني في صحيح أبي داود. وأما من كان قادرا على إظهار دينه فلا تجب عليه الهجرة. انظر السؤال (13363) . وإذا رأى أن بقاءه في بلاده أنفع لقيامه بواجب الدعوة إلى الله وإرشاد الناس، وكان آمناً على دينه فإن إقامته فيها أفضل من الهجرة منها. انظر السؤال (47672) . ولا يشترط في الهجرة أن تكون إلى المدينة النبوية، بل إلى أي بلد إسلامي يستطيع المسلم أن يقيم شعائر دينه، ويأمن فيه على دينه. وانظر تفصيل الهجرة إلى بلاد الإسلام في أجوبة الأسئلة: (3225) و (7191) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36638 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4865 مناصرة المسلمين المستضعفين [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم المساعدة المادية والبدنية لإخواننا في الشيشان؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سُئل الشيخ محمد ابن عثيمين - رحمه الله - عن هذا الموضوع فقال: " من استطاع أن يساعدهم بالنفس والمال فليفعل ". والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى الحديث: 9538 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4866 هل من قتل في حرب مع الشيوعيين يعتبر شهيداً [السُّؤَالُ] ـ[تحدث من حين لآخر اشتباكات ومعارك بين الجيش XXX الذي يضم أعداداً من المسلمين والعصابات الشيوعية في أنحاء متفرقة XXX، وتسفر هذه المعارك عن قتلى من الطرفين. ما حكم قتلى المسلمين الذين يحاربون العصابات الشيوعية في صفوف الجيش التايلاندي، وهل يمكن أن نعتبرهم شهداء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أمرهم إلى الله الذي يعلم نياتهم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء أي ذلك في سبيل الله؟ فقال: " من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله عز وجل " متفق على صحته (البخاري 1/40، مسلم 3/1513) . وعلى ذلك يعتبر شهيدا من كان قتاله في سبيل الله لإعلاء كلمة الله. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 12/23. الحديث: 9478 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4867 حكم الجهاد بالنفس [السُّؤَالُ] ـ[هل الواجب على كل مسلم أن يخرج للجهاد؟ أم أن الجهاد مستحب وليس بواجب؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الجهاد بالنفس هو ذروة سنام الإسلام، وعده بعض العلماء الركن السادس من أركان الإسلام. وقد تقاعس المسلمون عن الجهاد منذ أزمان متطاولة، فاستحقوا أن يعاقبهم الله تعالى بالذلّ والصغار المضروب عليهم، ولن يرفع ذلك الذل والصغار عنهم حتى يرجعوا إلى دينهم، كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلا لا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ) . رواه أبو داود (2956) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. ومن عجائب الأمور أننا أصبحنا في زمن نرى فيه أناساً من المسلمين، يستحون أن يذكروا آيات الجهاد وأحاديثه أمام أصدقائهم من الكفار!! وتحمّر وجوههم خجلاً من ذكر أحكام الجزية والاسترقاق وقتل الأسرى. . . وودوا لو محوا تلك الآيات والأحاديث من القرآن والسنة حتى لا ينتقدهم العالم المتخلف في مبادئه، الذي يزعمون أنه متحضر!! وإذا لم يستطيعوا محوها، عمدوا إلى تأويلها وتحريفها ولي أعناقها حتى توافق أهواء ساداتهم. ولا أقول حتى توافق أهواءهم، "فإنهم أضعف من أن تكون لهم أهواء، وأشد جهلاً، بل أهواء سادتهم ومعلميهم من المبشرين والمستعمرين أعداء الإسلام". عمدة التفسير (1/46) . ونتيجة لذلك لا تكاد تسمع اليوم إلا رنين العبارات الآتية: السلام العالمي. . التعايش السلمي. . الحدود الآمنة. . النظام الدولي الجديد. . ويلات الحروب. وصار من يعلن اليوم آيات الجهاد وأحاديثه متهما بشتى الاتهامات. فهم. . إرهابيون. . متطرفون. . أعداء السلام. . مصاصون للدماء. . يريدون القضاء على حضارة القرن العشرين. هذا هو الواقع التعيس الذي تعيشه الأمة الإسلامية اليوم. وذلك بسبب تقاعسنا عن نصرة ديننا، والقيام بما أوجب الله علينا. وقد أوجب الله تعالى علينا نصر دينه، وإظهار حجته، وجهاد أعدائه. فما أكثر الآيات الآمرة بجهاد المشركين وقتالهم حتى يكون الدين كله لله، والمصرحة بوجوبه وكتابته وفرضيته، قال الله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) البقرة /216. حكم الجهاد وقد ذكر العلماء رحمهم الله حكم الجهاد، فذكروا أن الجهاد نوعان: 1- جهاد الطلب والابتداء وهو تطلب الكفار في عقر دارهم ودعوتهم إلى الإسلام وقتالهم إذا لم يقبلوا الخضوع لحكم الإسلام. وهذا النوع فرض كفاية على المسلمين، قال الله تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) الأنفال /39. وقال تعالى: (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) التوبة /5. وقال تعالى: (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) التوبة /36. وقال تعالى: (انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) التوبة /41. وعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلا بِحَقِّ الإِسْلامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ) . رواه البخاري (24) ومسلم (29) . وروى مسلم (3533) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِالْغَزْوِ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ) . فكل هذه النصوص - وغيرها كثير في الكتاب والسنة - تفرض على المسلمين جهاد الكفار ابتداءً. وقد أجمع العلماء على أن جهاد الكفار، وتطلبهم في عقر دارهم، ودعوتهم إلى الإسلام، وجهادهم إذا لم يقبلوه أو يقبلوا الجزية، فريضة محكمة غير منسوخة. قال شيخ الإسلام (28/349) : فكل من بلغته دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى دين الله الذي بعثه به فلم يستجب له فإنه يجب قتاله حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله اهـ. وقال ابن عطية (2/43) : واستمر الإجماع على أن الجهاد على أمة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرض كفاية، فإذا قام به من قام من المسلمين يسقط عن الباقين اهـ. 2- جهاد الدفاع: فإذا نزل الكفار ببلاد المسلمين واستولوا عليها، أو تجهزوا لقتال المسلمين فإنه يجب على المسلمين قتالهم حتى يندفع شرهم، ويُرد كيدُهم. وجهاد الدفاع فرض عين على المسلمين بإجماع العلماء. قال القرطبي رحمه الله في "تفسيره: (8/15) : "إذا تعين الجهاد بغلبة العدو على قطر من الأقطار، أو بحلوله بالعقر فإذا كان ذلك وجب على جميع أهل تلك الدار أن ينفروا، ويخرجوا إليه خفافا وثقالا، شبابا وشيوخا، كلٌّ على قدر طاقته، من كان له أب بغير إذنه، ومن لا أب له. ولا يتخلف أحدٌ يقدر على الخروج من مقاتل أو مُكَثِّر، فإن عجز أهل تلك البلدة عن القيام بعدوهم كان على من قاربهم وجاورهم أن يخرجوا، على حسب ما لزم أهل تلك البلدة، حتى يعلموا أن فيهم طاقةً على القيام بهم ومدافعتهم، وكذلك كل من علم بضعفهم عن عدوهم، وعلم أنه يدركهم ويمكنه غياثهم لزمه أيضا الخروج إليهم، فالمسلمون كلهم يد على من سواهم، حتى إذا قام بدفع العدو أهل الناحية التي نزل بها العدو عليها واحتل بها سقط الفرض عن الآخرين. ولو قارب العدوُ دارَ الإسلام ولم يدخلوها لزمهم أيضاً الخروجُ إليه حتى يظهر دين الله، وتحمى البيضة، وتحفظ الحوزة، ويُخزى العدو، ولا خلاف في هذا" اهـ. وقال شيخ الإسلام (28/358-359) : فأما إذا أراد العدو الهجوم على المسلمين فإنه يصير دفعه واجبا على المقصودين كلِّهم، وعلى غير المقصودين لإعانتهم، كما قال الله تعالى: (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ) الأنفال /72. وكما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بنصر المسلم. . وهذا يجب بحسب الإمكان على كل أحد بنفسه وماله. . كما كان المسلمون لما قصدهم العدو عام الخندق لم يأذن الله في تركه لأحد. . بل ذم الذين يستأذنون النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا. فهذا دفع عن الدين والحرمة والأنفس وهو قتال اضطرار اهـ هذا حكم الجهاد بالنفس في الإسلام، جهاد طلب لدعوة الكفار إلى الدخول في هذا الدين، وإخضاعهم لحكم الإسلام أذلة صاغرين، وجهاد دفاع عن دين المسلمين وحرماتهم. نسأل الله تعالى أن يرد المسلمين إلى دينهم رداًّ جميلاً. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 34830 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4868 الحكمة من مشروعية الجهاد [السُّؤَالُ] ـ[لماذا يجاهد المسلمون؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فرض الله تعالى على المسلمين الجهاد في سبيله، وذلك للمصالح العظيمة المترتبة عليه، ولما في تركه من أضرار ومفاسد سبق ذكر بعضها في السؤال رقم (34830) . فمن الحكم في مشروعية الجهاد في سبيل الله: 1- الهدف الرئيس للجهاد هو تعبيد الناس لله وحده، وإخراجهم من العبودية للعباد إلى العبودية لرب العباد. قال الله تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلا عَلَى الظَّالِمِينَ) البقرة /193. وقال: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) الأنفال /39. وقال ابن جرير: فقاتلوهم حتى لا يكون شرك، ولا يعبد إلا الله وحده لا شريك له، فيرتفع البلاء عن عباد الله من الأرض، وهو الفتنة ويكون الدين كله لله، وحتى تكون الطاعة والعبادة كلها خالصة دون غيره اهـ. وقال ابن كثير: أمر تعالى بقتال الكفار حتى لا تكون فتنة أي شرك ويكون الدين لله أي يكون دين الله هو الظاهر على سائر الأديان اهـ. وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلا بِحَقِّ الإِسْلامِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ) رواه البخاري (24) ومسلم (33) . وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ وَحْدَهُ، لا شَرِيكَ لَهُ) . رواه أحمد (4869) . وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (2831) . وقد كان هذا الهدف من الجهاد حاضراً في حس الصحابة رضي الله عنهم أثناء معاركهم مع أعداء الله، روى البخاري (2925) عَنْ جُبَيْرِ بْنِ حَيَّةَ قَالَ بَعَثَ عُمَرُ النَّاسَ فِي أَفْنَاءِ الأَمْصَارِ يُقَاتِلُونَ الْمُشْرِكِينَ ... فَنَدَبَنَا عُمَرُ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْنَا النُّعْمَانَ بْنَ مُقَرِّنٍ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِأَرْضِ الْعَدُوِّ وَخَرَجَ عَلَيْنَا عَامِلُ كِسْرَى فِي أَرْبَعِينَ أَلْفًا، فَقَامَ تَرْجُمَانٌ فَقَالَ: لِيُكَلِّمْنِي رَجُلٌ مِنْكُمْ. فَقَالَ الْمُغِيرَةُ: سَلْ عَمَّا شِئْتَ. قَالَ: مَا أَنْتُمْ؟ قَالَ: نَحْنُ أُنَاسٌ مِنْ الْعَرَبِ، كُنَّا فِي شَقَاءٍ شَدِيدٍ، وَبَلاءٍ شَدِيدٍ، نَمَصُّ الْجِلْدَ وَالنَّوَى مِنْ الْجُوعِ، وَنَلْبَسُ الْوَبَرَ وَالشَّعَرَ، وَنَعْبُدُ الشَّجَرَ وَالْحَجَرَ، فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأَرَضِينَ، تَعَالَى ذِكْرُهُ وَجَلَّتْ عَظَمَتُهُ، إِلَيْنَا نَبِيًّا مِنْ أَنْفُسِنَا نَعْرِفُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ، فَأَمَرَنَا نَبِيُّنَا رَسُولُ رَبِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُقَاتِلَكُمْ حَتَّى تَعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ أَوْ تُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ، وَأَخْبَرَنَا نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رِسَالَةِ رَبِّنَا أَنَّهُ مَنْ قُتِلَ مِنَّا صَارَ إِلَى الْجَنَّةِ فِي نَعِيمٍ لَمْ يَرَ مِثْلَهَا قَطُّ، وَمَنْ بَقِيَ مِنَّا مَلَكَ رِقَابَكُمْ. وتلك حقيقة كان يعلنها الصحابة وقادة المسلمين في غزواتهم. وقال ربعي بن عامر لما سأله رستم أمير جيوش الفرس: ما جاء بكم؟ فقال: الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله. ولما بلغ عقبة بن نافع طنجة أوطأ فرسه الماء، حتى بلغ الماء صدرها، ثم قال: اللهم اشهد أني قد بلغت المجهود، ولولا هذا البحر لمضيت في البلاد أقاتل من كفر بك، حتى لا يعبد أحدٌ من دونك. 2- رد اعتداء المعتدين على المسلمين. وقد أجمع العلماء على أن رد اعتداء الكفار على المسلمين فرض عين على القادر عليه. قال الله تعالى: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) البقرة /190. وقال تعالى: (أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ) التوبة/13. 3- إزالة الفتنة عن الناس. والفتنة أنواع: الأول: ما يمارسه الكفار من أشكال التعذيب والتضييق على المسلمين ليرتدوا عن دينهم. وقد ندب الله تعالى المسلمين للجهاد لإنقاذ المستضعفين، قال تعالى: (وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا) النساء /75. الثاني: فتنة الكفار أنفسهم وصدهم عن استماع الحق وقبوله، وذلك لأن الأنظمة الكفرية تفسد فطر الناس وعقولهم، وتربيهم على العبودية لغير الله، وإدمان الخمر، والتمرغ في وحل الجنس، والتحلل من الأخلاق الفاضلة، ومن كان كذلك قَلَّ أن يعرف الحق من الباطل، والخير من الشر، والمعروف من المنكر. فشرع الجهاد لإزالة تلك العوائق التي تعوق الناس عن سماع الحق وقبوله والتعرف عليه. 4- حماية الدولة الإسلامية من شر الكفار. ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل رؤوس الكفر الذي كانوا يألبون الأعداء على المسلمين، ككعب بن الأشرف، وابن أبي الحقيق اليهوديين. ومن ذلك: الأمر بحفظ الثغور (الحدود) من الكفار، وقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فقال: (رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا) البخاري (2678) . 5- إرهاب الكفار وإذلالهم وإخزاؤهم. قال تعالى: (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمْ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة /14-15. وقال: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) الأنفال /60. ولذلك شرع في القتال ما يسبب الرعب في قلوب الأعداء. سئل شيخ الإسلام رحمه الله هل يجوز للجندي أن يلبس شيئا من الحرير والذهب والفضة في القتال أو وقت يصل رسل العدو إلي المسلمين؟ فأجاب: الحمد لله، أما لباس الحرير لإرهاب العدو ففيه للعلماء قولان أظهرهما أن ذلك جائز، فإن جند الشام كتبوا إلى عمر بن الخطاب إنا إذا لقينا العدو ورأيناهم قد كَفَّرُوا أي غطوا أسلحتهم بالحرير وجدنا لذلك رعبا في قلوبنا، فكتب إليهم عمر: وأنتم فَكَفِّرُوا أسلحتكم كما يكفرون أسحلتهم. ولأن لبس الحرير فيه خيلاء، والله يحب الخيلاء حال القتال، كما في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن من الخيلاء ما يحبه الله، ومن الخيلاء ما يبغضه الله، فأما الخيلاء التي يحبها الله، فاختيال الرجل عند الحرب، وأما الخيلاء التي يبغضها الله فالخيلاء في البغي والفخر) . ولما كان يوم أحد اختال أبو دجانة الأنصاري بين الصفين فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنها لمشية يبغضها الله إلا في هذا الموطن اهـ. مجموع الفتاوى 28/17. 6- كشف المنافقين. قال الله تعالى: (فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنْ الْمَوْتِ) محمد/20. فإن المسلمين في حال الرخاء والسعة، قد ينضم إليهم غيرهم ممن يطمعون في تحقيق مكاسب مادية، ولا يريدون رفع كلمة الله على كلمة الكفر، وهؤلاء قد يخفى أمرهم على كثير من المسلمين، وأكبر كاشف لهم هو الجهاد، لأن في الجهاد بذلا لروح الإنسان وهو ما نافق إلا ليحفظ روحه. وكان كشف المنافقين إحدى الحكم الجليلة التي أرادها الله عز وجل مما حصل للمؤمنين يوم أحد. قال الله تعالى: (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ) آل عمران/179. قال ابن القيم: أي ما كان الله ليذركم على ما أنتم عليه من التباس المؤمنين بالمنافقين، حتى يميز أهل الإيمان من أهل النفاق، كما ميزهم بالمحنة يوم أحد، وما كان الله ليطلعكم على الغيب الذي يميز به بين هؤلاء وهؤلاء، فإنهم متميزون في غيبه وعلمه، وهو سبحانه يريد أن يميزهم تمييزا مشهودا، فيقع معلومُه الذي هو غيبٌ شهادةً اهـ. 7- تمحيص المؤمنين من ذنوبهم. أي: تنقيتهم من ذنوبهم، وتخليصهم منها. قال الله تعالى: (وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) آل عمران/140-142. 8- الحصول على الغنائم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ وَحْدَهُ، لا شَرِيكَ لَهُ، وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي، وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ) أحمد (4869) . صحيح الجامع (2831) . قال الحافظ: وَفِي الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى حِلِّ الْغَنَائِمِ لِهَذِهِ الأُمَّةِ، وَإِلَى أَنَّ رِزْقَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُعِلَ فِيهَا لا فِي غَيْرِهَا مِنْ الْمَكَاسِبِ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّهَا أَفْضَلُ الْمَكَاسِبِ اهـ. وقال القرطي: فجعل الله رزق نبيه صلى الله عليه وسلم في كسبه لفضله، وخصه بأفضل أنواع الكسب، وهو أخذ الغلبة والقهر لشرفه اهـ. وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر لملاقاة قافلة أبي سفيان. قال القرطبي: ودل خروج النبي صلى الله عليه وسلم ليلقى العير على جواز النفير للغنيمة لأنها كسب حلال وهو يرد ما كره مالك من ذلك إذ قال ذلك قتال على الدنيا اهـ. وقال الشوكاني: (قال ابن أبي جمرة: ذهب المحققون إلى أنه إذا كان الباعث الأول قصد إعلاء كلمة الله لم يضره ما ينضاف إليه) اهـ. 9- اتخاذ شهداء. قال الله تعالى: (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ) آل عمران/140-141. (فالشهادة عند الله من أعلى مراتب أوليائه، والشهداء هم خواصه والمقربون من عباده، وليس بعد درجة الصديقية إلا الشهادة، وهو سبحانه يحب أن يتخذ من عباده شهداء، تراق دماؤهم في محبته ومرضاته، ويؤثرون رضاه ومحابه على نفوسهم، ولا سبيل إلى نيل هذه الدرجة إلا بتقدير الأسباب المفضية إليها من تسليط العدو) اهـ. قاله ابن القيم في "زاد المعاد". فأين هذه الحكمة العظيمة الجليلة من هؤلاء الذين ينفرون المسلمين من الجهاد، ويخوفونهم منه، ويصورون الجهاد على أنه موت، وترمل للنساء، ويتم للأطفال؟! 10- إخلاء العالم من الفساد قال الله تعالى: (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) الحج/40. وقال: (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) البقرة /251. قال مقاتل: لولا دفع الله المشركين بالمسلمين، لغلب المشركون على الأرض فقتلوا المسلمين، وخربوا المساجد اهـ قال شيخ الإسلام في الجواب الصحيح: 2/216: فيدفع بالمؤمنين الكفار، ويدفع شر الطائفتين بخيرهما، كما دفع المجوس بالروم النصارى، ثم دفع النصارى بالمؤمنين أمة محمد اهـ. وقال السعدي: لفسدت الأرض باستيلاء الكفرة والفجار، وأهل الشر والفساد اهـ. هذه بعض الحكم الجليلة من مشروعية الجهاد. نسأل الله تعالى أن يرد المسلمين إلى دينهم رداًّ جميلاً. وصلى الله وسلم على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 34647 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4869 هل تجب الهجرة على من لا يأمن على دينه [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان الإنسان لا يستطيع أن يأمن على نفسه وعلى دينه من الفتن في بلده، فهل في هذه الحالة تكون الهجرة فرض على المسلم، وإلى أين يهاجر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الواقع ما ذكر، من أن المسلم لا يستطيع أن يأمن على نفسه وعلى دينه من الفتن في بلده؛ شرع له الهجرة منها - إذا استطاع - إلى بلد يأمن فيها على نفسه ودينه. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 12/51. الحديث: 3021 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4870 تسلية من فاته الجهاد لأجل بر أمه [السُّؤَالُ] ـ[نفسي لا تطيق القعود عن الجهاد، وأمي ترفض ذهابي. أوصني جزاك الله خيراً، كما أني لم أقدم للإسلام شيئاً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لعل الاشتغال بالدعوة يعوضك شيئاً مما فاتك من أمر الجهاد، وتذكّر أنك لم تتخلف عن الجهاد كسلاً وإنما لطاعة والديك وهو أمر واجب، وتذكّر أن بر الوالدين فيه أجر عظيم ولا تنس قوله صلى الله عليه وسلم: (من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه) مسلم 3532. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 21974 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4871 هل تأخذ المرأة المقاتلة من غنائم الحروب [السُّؤَالُ] ـ[هل تأخذ المرأة المسلمة من غنائم الحروب كما يأخذ الرجل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أجاب الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين عن هذا السؤال بما يلي: المرأة في الأصل لا تتولى القتال كالرجال فلا تقارع بالسيوف أو الرماح ولا تركب الأفراس وتلاحق الكفار، وإنما كانت تسقي العطشى وتداوي المرضى والجرحى من المسلمين، ولذلك لا يقسم لها من الغنائم سهام كالرجال وإنما يُرضخ لها كعطية بدون إسهام، أما إذا قُدِّر أنها قاتلت بالأسلحة الحديثة وكان لها تأثير فإنها تُلحق بالرجال، إن أُسهم لمن هو مثلها أُسْهم لها، وإن رُضِخ لهم رُضِخ لها مثلهم، وإن أُعطي الرجال مكافأة أو سَلَباً أو تعويضا فهي كذلك، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين الحديث: 1823 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4872 حكم الاستئذان في الذهاب إلى الجهاد [السُّؤَالُ] ـ[متى يجب على الشخص أن يستأذن والديه في الذهاب للجهاد؟ هل الإذن مطلوب إذا كان الوالدان لا زالا صغيرين أو غنيين ويملكان الكثير من المال؟ هل لا يزال يحتاج الإذن؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأصل في الجهاد أنه فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين، فإذا كان فرض كفاية فإن الاستئذان قبل الذهاب إليه واجب على المجاهد، فيجب عليه أن يستأذن والديه إذا كانا مسلمين سواء كانا غنيين أم لا وسواء استغنيا عنه أم لا؛ لأن النصوص الواردة صريحة وواضحة في وجوب الاستئذان ومنها ما جاء في الصحيحين عن عبد الله بن عمرو أن رجلا استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في الجهاد فقال: " أحي والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد "، وروى الإمام أحمد وأبو داود وابن حبان عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد رجلا هاجر من اليمن لوالديه، " قال له: أذنا لك؟ قال: لا، قال: ارجع إليهما فاستأذنهما فإن أذنا لك فجاهد وإلا فبرهما ". هذا إذا لم يتعين الجهاد ويصبح فرض عين، فإذا أصبح الجهاد فرض عين فإن الاستئذان لا يجب لأن فروض الأعيان لا يستأذن أحد فيها، ويكون الجهاد فرض عين إذا حضر في ساحة القتال، أو إذا دهم العدو بلاد المسلمين، أو إذا عينه الإمام، أو استنفره للقتال، أو يتعين عليه بالواقع كأن يحسن نوعا من العلوم القتالية أو الأسلحة مما يحتاج المجاهدون إليه ولا يحسنه غيره. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 5493 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4873 حكم غنائم المعارك التي يخوضها المسلمون [السُّؤَالُ] ـ[في موقف يكون المسلمون مشتركون في الجهاد ضد معتدين مثلما حدث في البوسنة، حينما يقاتل المجاهدون فإنهم يأسرون أرضاً ومغانم، مال، أسلحة الخ حينما نتكلم من الناحية الإسلامية فإن السرقة في الإسلام حرام ولكن هل هذه سرقة؟ إذا لم تكن كذلك حينئذ: كيف يجب أن يستخدم هذا المال؟ من يستطيع أن يستخدمه؟ هل يجب أن يوزع؟ إلى من؟ ماذا يقصد بالخمس؟ جزاك الله خير.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله شرع الله تعالى الجهاد في سبيله لغايات ومقاصد عظيمة، منها نشر هذا الدين، وتعريف الناس به وبحقيقة الغاية التي من أجلها خلقهم الله تعالى، ومنها ردُّ ودفع عدوان أعداء هذا الدين الذين يحاربونه لإطفاء نوره، ويسعون للقضاء عليه وعلى أهله، والأصل فيه قوله تعالى (أُذِنَ للذين يقاتَلون بأنهم ظلموا وإنَّ الله على نصرهم لقدير، الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله) [سورة النور] . وإنَّ ما يحدث في البوسنة وكوسوفا والشيشان ونحوها من بلاد الإسلام هو مما أخبر الله تعالى عنه بقوله عن الكفار (ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء) وقال تعالى (وودوا لو تكفرون) وقال سبحانه (ودَّ كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق) وقال تعالى (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) . وكذلك فإن القتال الدّائر بين المسلمين والكفّار هو من التدافع الذي هو من سنن الله الكونية وقد ذكرها الله بقوله: (فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وءاتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) سورة البقرة، وكذلك في قوله: (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) سورة الحج وقتال المسلمين اليوم لأعدائهم من الصرب والروس وغيرهم من الكفرة ما هو إلا ردٌ للعدوان والبغي والظلم، وهو من جهاد الدّفع المشروع وتنطبق عليه أحكام الجهاد في الإسلام، وما يأخذه المسلمون في هذه الحروب من أموال وأسلحة وآلات وأمتعة وعقارات ونحوها هي في الجملة للمسلمين، وهي مال حلال لهم كما قال تعالى (فكلوا مما غنتم حلالاً طيباً) والمقصود بالغنيمة هي هذه الأموال النقدية والعينية ونحوها مما ينتفع به التي يأخذها المجاهدون في سبيل الله في حربهم مع الكفار. وليس هذا من باب السرقة أبداً، وذلك لعدة أمور: 1 - أن السرقة هي أخذ مال على وجه الاختفاء من حرزه بغير حق، وهذا مخالف له تماماً، إذ أن أموال الجهاد من الفيء والغنيمة تؤخذ من الكفار بحقّ وهو الإذن الشرعي فيه بإباحته لنا بقوله تعالى (فكلوا مما غنتم حلالاً طيباً) ولفعله صلى الله عليه وسلم في حروبه وجهاده مع الكفار، وسلبه لأمتعتهم وأموالهم. 2 - أن السرقة تكون في الأموال المعصومة المحترمة، وأموال الكفار المحاربين ليست معصومة ولا محترمة. 3 - أن أقل ما يقال فيه أن هذا من باب الأخذ بالمثل، وذلك لأن المسلمين هناك أخذت أموالهم وهضمت حقوقهم وسلبت ديارهم، فهذا من استرداد حقوقهم وما اغتصب من أيديهم، وهو من باب إرجاع الحق لهم، والله تعالى يقول (ولمن انتصر من بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل) أي إثم وجناح (إنما السبيل على الذين يظلمون الناس بغير حق) . إذ عُلِمَ هذا فإن جميع الأموال التي يحصل عليها المجاهدون في حربهم مع الكفار تسمى شرعاً (غنيمة) و (فيئا) والفرق بينهما أن الأول يكون في المال الذي أُخِذَ بقتال، وأما الثاني فيكون مما أخذَ بدون قتال أي تركه الكفار وانهزموا أو استسلموا دون معركة ولا عمليات عسكرية، والواجب الشرعي في الغنيمة هو أن يقوم الإمام أو أمير المجاهدين أو المسؤول والقائد فيهم بجمعها وتقسيمها إلى خمسة أقسام، قسم منها يوزّع على الجهات التي ذكرها الله تعالى في قوله (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) وأما الأربعة أقسام الأخرى فتوزع بين المجاهدين المقاتلين الذين شاركوا في القتال، وذلك بإعطاء سهم للراجل وللفارس ثلاثة أسهم؛ (سهم له وسهمان لفرسه وهذا إذا استعملت الخيل في القتال) . ويكون هذا المال حلالا طيبا لجيش المسلمين قد أباحه الله تعالى لهم بقوله (فكلوا مما غنتم حلالاً طيباً) . وأما المقصود بالخمس فهو ما أشارت إليه الآية الكريمة وهي مصرف هذه القسم الأول وهم: 1 - سهم لله ولرسوله: يصرف في مصالح المسلمين العامة، من غير تعيين، لأن الله جله له ولرسوله صلى الله عليه وسلم، والله ورسوله غنيان عنه، فعلم أنه لعباد الله، فإذا لم يعين الله له مصرفاً، دلَّ على أن مصرفه للمصالح العامة. (تفسير ابن سعدي 3 / 169) . 2 - سهم منه لقرابة النبي صلى الله عليه وسلم وآل بيته الكرام من بني هاشم وبني المطلب، ويستوي فيه غنيهم وفقيرهم، ذكرهم وأنثاهم. 3 - اليتامى: وهم الذين فقدوا آباءهم وهم صغار دون البلوغ. 4 - الفقراء المحتاجون. 5 - ابن السبيل وهو المسافر المنقطع الذي يحتاج إلى مال ليرجع إلى بلده. وقال بعض المفسرين (إن خمس الغنيمة لا يخرج عن هذه الأصناف، ولا يلزم أن يكونوا فيه على السواء، بل ذلك تبع للمصلحة) وهذا ما رجحه الشيخ ابن سعدي رحمه الله. ولمزيد من الفائدة انظر تفسير ابن كثير (2 / 269) وزاد المعاد لابن القيم (3/ 100 - 105) . والله تعالى اعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 7461 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4874 هل يعتبر قتال الجندي في الجيش النظامي للكفار جهادا [السُّؤَالُ] ـ[إن شاء الله سوف ألتحق بالجيش في الشهور القليلة القادمة، واحتمال - وهذا في علم الغيب ولكني أقدره أن يقع في أي وقت - أن تقوم الحرب بين المسلمين واليهود، فإذا قدر الله لي أن أكون من جنده المقاتلين لأعدائه اليهود فكيف أقاتل اليهود؟ بحيث إذا كتب لي الموت أن أكون شهيدا في سبيل الله، ولا أكتب شهيدا في سبيل الوطن، أو شهيدا في سبيل غير الله، حيث أن القتال سوف يكون لاسترداد أرض، أو لهوى بعض الناس، وليس لإعلاء كلمة الله (والعياذ بالله) ، فكيف أقاتلهم لإعلاء كلمة الله، وكيف تكون نيتي لكي استشهد في سبيل الله؟ وجزاكم الله كل خير.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا قدر لك أن تكون جنديا، في جيش يقاتل اليهود أو غيرهم من الكفار؛ فأخلص قلبك لله في قتالك إياهم، واقصد بذلك نصرة الإسلام والمسلمين، وأن تكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الكفر هي السفلى، بهذا يكون قتالك في سبيل الله؛ فقد ثبت أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه؛ فأي ذلك في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله " متفق على صحته من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه. (البخاري 3/206، مسلم 3/1512-1513) وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة 12/25. الحديث: 7763 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4875 يريد الهجرة إلى بلاد المسلمين وأبواه يرفضان [السُّؤَالُ] ـ[ماذا يجب على الشخص الذي يتوق للهجرة من بلاد الكفر ولكن أبواه لا يريدان أن يهاجرا ويمنعانه من الهجرة؟ هل يجوز أن يهاجر بنفسه وهذا يتطلب أن يترك والديه على اعتبار أن هذا أقل الضررين بالإضافة إلى أنه طاعة للخالق في معصية للمخلوق؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين فأجاب بأنّه إذا كان الولد يحتاج إليه أبواه، وكان مستطيعا لإظهار دينه في بلاد الكفر فيجوز بقاؤه هناك، والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن صالح العثيمين الحديث: 5046 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4876 هل يجوز للمرتهن الانتفاع بالرهن؟ [السُّؤَالُ] ـ[رهن شخصٌ عندي قطعةً من الأرض لمدة ثلاث سنوات، وخلال هذه السنوات قمت بحرثها وزراعتها فهل الارباح الناتجة عن ذلك تُعد رباً؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: انتفاع المرتهن بالرهن: إذا كان بغير إذن الراهن فلا يجوز بحال؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ) رواه أحمد (20172) وصححه الألباني في "الإرواء" (5/279) . ولقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ) . رواه مسلم (2564) . ثانيا: فإذا أذن الراهن للمرتهن بالانتفاع: فإن كان الدين دين قرض لم يجز للمرتهن الانتفاع بالرهن، وإن أذن الراهن؛ لأنه قرض جر نفعا فهو ربا. قال البيهقي رحمه الله في "السنن الصغرى" (4 / 353) : " روينا عن فضالة بن عبيد، أنه قال: كل قرض جر منفعة فهو وجه من وجوه الربا. وروينا عن ابن مسعود، وابن عباس، وعبد الله بن سلام، وغيرهم في معناه، وروي عن عمر، وأبي بن كعب، رضي الله عنهما " انتهى. ثالثا: إذا لم يكن الدين الذي رهنت فيه الأرض قرضا، كأن يكون ثمن مبيع أو أجرة دار ونحو ذلك، وأذن مالك الرهن (المدين) للمرتهن (الدائن) في الانتفاع به: فلا حرج عليه في ذلك. جاء في "المدونة" (4/149) : " قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْمُرْتَهِنَ , هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ شَيْئًا مِنْ مَنْفَعَةِ الرَّهْنِ؟ قَالَ: إنْ كَانَ مِنْ بَيْعٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ , وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مِنْ قَرْضٍ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ يَصِيرُ سَلَفًا جَرَّ مَنْفَعَةً. قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ ... " انتهى. وقال ابن قدامة رحمه الله: " ما لَا يَحْتَاجُ إلَى مُؤْنَةٍ , كَالدَّارِ وَالْمَتَاعِ وَنَحْوِهِ , فَلَا يَجُوزُ لِلْمُرْتَهِنِ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ بِحَالٍ. لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا ; لِأَنَّ الرَّهْنَ مِلْكُ الرَّاهِنِ , فَكَذَلِكَ نَمَاؤُهُ وَمَنَافِعُهُ , فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَخْذُهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ , فَإِنْ أَذِنَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ فِي الِانْتِفَاعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ , وَكَانَ دَيْنُ الرَّهْنِ مِنْ قَرْضٍ , لَمْ يَجُزْ ; لِأَنَّهُ يُحَصِّلُ قَرْضًا يَجُرُّ مَنْفَعَةً , وَذَلِكَ حَرَامٌ. قَالَ أَحْمَدُ: أَكْرَهُ قَرْضَ , الدُّورِ , وَهُوَ الرِّبَا الْمَحْضُ. يَعْنِي: إذَا كَانَتْ الدَّارُ رَهْنًا فِي قَرْضٍ يَنْتَفِعُ بِهَا الْمُرْتَهِنُ. وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ بِثَمَنِ مَبِيعٍ , أَوْ أَجْرِ دَارٍ , أَوْ دَيْنٍ غَيْرِ الْقَرْضِ , فَأَذِنَ لَهُ الرَّاهِنُ فِي الِانْتِفَاعِ , جَازَ ذَلِكَ " انتهى. "المغني" (4/250) . رابعا: يشترط في الانتفاع بالرهن، على الوجه السابق، ألا يكون هذا الانتفاع في مقابل تأخير مدة سداد الدين، فإن كان انتفاعه بالرهن في مقابل ذلك لم يجز للمرتهن الانتفاع بالرهن، لأنه يكون ـ حينئذ ـ من باب: قرض جر نفعا. سئلت اللجنة الدائمة: رجل عليه دين لرجل آخر، رهن المدين به قطعة أرض فهل لرب الدين أن ينتفع بتلك الأرض المرهونة بالزراعة أو الإيجار أو نحوها؟ فأجابت اللجنة: " إذا كان المرهون مما لا يحتاج إلى مؤونة وعناية، كالمتاع والعقارات من الأراضي والدور، وكانت مرهونة في دين غير دين قرض، فإنه لا يجوز للمرتهن أن ينتفع بها بالزراعة أو الإيجار، إلا بإذن الراهن؛ لأنه ملكه فكذلك نماؤه من حق الراهن، فإن أذن الراهن للمرتهن بالانتفاع بهذه الأرض ولم يكن الدين دين قرض، جاز انتفاع المرتهن بها ولو بغير عوض، ما لم يكن ذلك في مقابل تأخير مدة وفائه، فإن كان انتفاعه بالرهن في مقابل ذلك لم يجز للمرتهن الانتفاع به. أما إن كانت هذه الأرض المرهونة رهنت في دين قرض، فإنه لا يجوز للمرتهن الانتفاع بها مطلقا؛ لكونه قرضا جر نفعا، وكل قرض جر نفعا فهو ربا بإجماع أهل العلم " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (14 / 176-177) خامسا: إن كان الانتفاع بالرهن بغير إذن مالكه، أو كان بإذنه لكن الدين الذي بينهما عبارة عن قرض، على ما سبق، أو كانت مقابل تأخير مدة الوفاء بالدين: لم يجز أخذ شيء من غلة هذه الأرض، أو الانتفاع بشيء من ربحها. فإن كان المرتهن ـ الذي في يده الرهن ـ قد قام بحرثها وزراعتها: فإنه يحسب من غلتها وثمرتها: أجرة المثل، على حرثه وزرعه، وما بقي من ذلك يرده على مالك الأرض، أو يخصم من دينه. وينظر: جواب السؤال: (105457) . والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 140078 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4877 اشتركت معه زوجته في بناء البيت بالثلث فهل يكتبه باسمها؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا موظف وزوجتي موظفة ومنذ زواجنا لم نكن نفصل بين أموالنا فهي مشتركة تماما وقمنا بشراء أرض وبنينا فوقها بيتا لنا. وتم كتابة الأرض باسمي فأصبح المنزل بعد ذلك باسمي أيضا علما بأن مساهمتها في المنزل والأرض حوالي الثلث. ولأن ذلك اتفاق بيني وبينها فقط، فأرجو من فضيلتكم أن تفيدوني بأفضل طريقة شرعية لإثبات نسبة ملكيتها في العقار (الثلث) . فهل يمكن شرعا أن أجعل ما في الصك مشترك بيني وبينها بالنسبة التي ذكرتها (الثلث مقابل الثلثين) . علما بأن لدينا 3 أولاد وبنت كما أن زوجتي لا تطالبني حاليا بأي شي إلا أنني أسأل عن ذلك إبراءً لذمتي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما دمتما قد اتفقتما على أن يكون لها من العقار بمقدار ما أنفقت وهو الثلث، فينبغي تسجيل ذلك وإثباته في الأوراق الرسمية حفظاً للحقوق. وعلى هذا، فينبغي أن تجعل ما في الصك مشتركاً بينك وبين زوجتك بالنسبة التي ذكرتها، فيكون لك الثلثان، ولها الثلث. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: أنا رجل طاعن في السن، وسبق لي أن اشتريت قطعة أرض بمبلغ قدره خمسة وثمانون ألف ريال، ولي ولدان ذكران، وقمت أنا وأبنائي الأولاد بعمارتها سواء، ودفعنا مبلغ التعمير سواء، فدفعت أنا مبلغا وقدره مائتان وسبعة عشر ألف ريال، ودفعوا هم الاثنان مبلغا وقدره مائة وخمسة وسبعون ألف ريال. سؤالي: هل يجوز لي أن أكتب لهم بأنهم شركاء بالنصيفة بمبلغهم الذي دفعوه؟ علما بأنني راض بذلك، علما أن لي غيرهم بنات. فأجابوا: "إذا كان الأمر كما ذكر فلا مانع من أن تكتب العمارة بينك وبين أبنائك، وأنهم شركاء لك فيها على قدر ما دفعوا لك من المال، غير متبرعين به لك" انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (14 / 303-304) وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: نحن سبعة أشقاء، أربع إناث وثلاثة ذكور، وقد منَّ الله علينا بشراء قطعة أرض زراعية، فجمعنا كل ما نملك، حتى أخذنا حلي نسائنا ودفعناها ثمنًا لها، ومن حرصنا على رضا والدنا سجلنا باسمه نصف هذه المساحة، وقد توفي، ولم نعط أخواتنا البنات شيئًا منها، وهن لم يطلبن شيئًا؛ لعلمهن بظرف شرائها والظروف المعيشية، ولم نعط نساءنا شيئًا أيضًا، وذلك عن طيب نفس منهن، فما رأيكم في أخواتي أولاً؟ وكذلك في نسائنا هل لهن حق على ذلك أم لا؟ فأجاب: "أما بالنسبة للأخوات: فإن كان تسجيلكم نصف الأرض لوالدكم بمعنى أنكم أعطيتموه هذا النصف: فإنه حينئذ يكون تركة له تورث عنه لأولاده الذكور والإناث ولمن ترك من الورثة على فرائض الميراث التي شرعها الله، فتكون تركة تقسم على ورثته، ومن ورثته: أخواتكم، فلهن نصيب في هذه الأرض على حسب الميراث من نصيب والدهن. أما بالنسبة لزوجاتكم: فإذا كن أيضًا قد اشتركن معكم في شرائها، ودفعن الحلي على أنه اشتراك معكم في شرائها؛ فيكون لهن نصيب في هذه الأرض، أما إذا كن دفعن هذا الحلي من باب الهبة لكم، وإعانة لكم على شرائها: فهي من اختصاصكم" انتهى. "المنتقى من فتاوى الفوزان" (54/2) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136987 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4878 هل يسقط وجود جائع واحد في المسلمين حق الملكية الفردية؟ [السُّؤَالُ] ـ[ (أيما أهل عرصة - منطقة أو حي سكن - أصبح فيهم امرؤ جائعاً، فقد برئت منهم ذمة الله ورسوله) ثم هذا الحديث الخطير في مدلوله: (إذا بات المؤمن جائعاً فلا مال لأحد) ويعلق الدكتور علي البارودي على هذا الحديث في كتابه " دروس في الاشتراكية العربية " بقوله: " إنه ما دام في المجتمع جائع واحد أو عارٍ واحد فإن حق الملكية لأي فرد من أفراد هذا المجتمع لا يمكن أن يكون شرعياً، ولا يجب احترامه، ولا تجوز حمايته، ومعنى ذلك أن هذا الجائع يسقط شرعية حقوق الملكية إلى أن يشبع ". وقد حدث في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن أصاب بعض المسلمين عطش شديد، فمروا على بئر، ولكن أصحابه رفضوا أن يشربوا منه، فلما وفدوا على عمر بالأمر فقال: هلا وضعتم فيهم السلاح. ومشهور بيننا قول الصحابي أبو ذر الغفاري: عجبت لمسلم لا يجد قوت يومه ولا يخرج على الناس شاهرا سيفه!]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله حق الملكية الفردية من أركان قواعد الاقتصاد الإسلامي، امتاز به عن النظام الاشتراكي الذي خالف الفطرة والعقل والشرع حين ألغى هذا الحق، وامتاز به أيضاً عن النظام الرأسمالي حين أطلق العنان للحرية الفردية حتى أصبحت غولاً يأكل الأخضر واليابس. وقد حاول بعض الناس في القديم والحديث التنظير للاشتراكية من خلال نصوص الشريعة، والتأصيل لمبادئها من خلال بعض الأحاديث والآثار التي أساؤوا فهمها. والعلة التي أصابت هذا المنهج في التفكير فلبَّست عليه فهمَ حقيقة النظام الاقتصادي الإسلامي: هي إخراج النصوص عن سياقها وإطارها المقيد، ونقلها إلى الإطار العام والتقعيد المطلق المناقض لقواعد الاقتصاد الإسلامي. فمثلاً: الحديث الوارد في السؤال، وهو حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أَيُّمَا أَهْلُ عَرْصَةٍ أَصْبَحَ فِيهِمْ امْرُؤٌ جَائِعٌ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ تَعَالَى) رواه أحمد في " المسند " (8/482) . أولاً: هذا الحديث ضعيف، فقد قال أبو حاتم في " العلل " (2/238) : منكر. وكذا قال الشيخ الألباني في " ضعيف الترغيب " (1/275) ، وقال محققو المسند بإشراف الشيخ شعيب الأرنؤوط: " إسناده ضعيف لجهالة أبي بشر " انتهى. وينظر: المسند (8/486) – ط الرسالة ـ. ثانياً: غاية ما في الحديث الحث على إطعام الجائع والإحسان إلى الفقير، وليس فيه من قريب ولا من بعيد إلغاء حق الملكية الفردية إلغاء تاماً، كما هي النظرة الاشتراكية، وكما فهم بعض الناس خطأ وأشكل عليهم الأمر. ومثله الآثار التي ذُكرت في السؤال، يرويها الحنفية، ومنهم أبو يوسف القاضي في كتاب "الآثار" (رقم/899) عن أبي حنيفة النعمان رحمه الله، عن الهيثم: أن قوماً مروا بماء، فسألوا أهلها: أين البئر؟ فأبوا أن يدلوهم، وأبوا أن يعطوهم الدلو. فقالوا: ويحكم، إن أعناقنا وأعناق ركابنا قد كادت تقطع عطشاً، فأبوا أن يعطوهم أو يدلوهم، فذكروا ذلك لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: ألا وضعتم فيهم السلاح. فهي – رغم أنها مرسلة منقطعة – إنما جاءت تبين حكما مخصوصاً في حالة مقيدة، فيما إذا اضطر المسلم، فلم يجد طعاماً ولا شراباً وأشرف على الهلاك، فله حينئذ – وحينئذ فقط – أن يأكل من أموال المسلمين القادرين ولو بغير رضاهم، ولو اضطره الأمر إلى مقاتلتهم على سد ضرورته بالسلاح، أما أن يُستدل بهذا الأثر على إلغاء حق الملكية مطلقاً فهذا أيضاً فهم خاطئ للنصوص. وأما حديث: (إذا بات المؤمن جائعاً فلا مال لأحد) فليس هو بحديث أصلاً، ولا وجود له في كتب السنة والآثار. ونحن نعلم أن بعض الناس يورد الكلام الوارد في السؤال على محمل حسن، وليس دعوة منه إلى الاشتراكية الكاملة. جاء في " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " رحمه الله (7/394) : " إنكار النظام الاشتراكي في العراق: برقية: فخامة رئيس الجمهورية أخذ الله بيده إلى الحق: إن الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة تستنكر ما أصدرته الحكومة العراقية من القرارات الاشتراكية , وتضم صوتها إلى صوت علماء العراق وغيرهم من العلماء في إنكار النظام الاشتراكي , وتؤكد بأنه نظام كفري يصادم نظام الإسلام ويناقضه , وتنصح حكومة العراق بالرجوع إلى نظام الإسلام وتطبيقه في البلاد , لكونه أعدل نظام وأصلح تشريع عرفته البشرية , وهو كفيل بتحقيق العدالة الاجتماعية السليمة، وحل للمشاكل الاقتصادية وغيرها , وإيصال حق الفقير إليه على خير وجه إذا أخلص المسلمون في تطبيقه. والإسلام يحرم على المسلم دم أخيه وماله وعرضه، ويعطيه حرية التصرف الكامل في ماله في ظل الحكم الشرعي , وتصرح تعاليمه بأن ما يزعمه بعض الناس من أن النظام الاشتراكي مستمد من روح الإسلام زعم باطل، لا يستند لأي أساس من الصحة " انتهى. ومن أراد المزيد فليرجع إلى كتاب " حكم الإسلام في الاشتراكية " للشيخ عبد العزيز البدري رحمه الله. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 134948 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4879 هل يجوز لهم بيع المسجد لمن يحتمل اتخاذه كنيسة؟ [السُّؤَالُ] ـ[نحن نعيش في أحد المدن الأمريكية، ومنذ ما يزيد على 30 عاماً اشترى المسلمون كنيسة، وعدلوها لتصبح مسجداً , الآن نظراً لقدم البناية، وصغر مساحة المسجد: نريد بيعه، واستخدام قيمته في تكملة بناء مسجد أكبر في حي مجاور , المعضلة: أنه يغلب على ظننا أنه سيشتريه منَّا بعض النصارى، ثم يجعلونه كنيسة، وخاصة أصحاب كنيسة مجاورة للمسجد، يصدر منها أحياناً أصوات موسيقى عالية تسمع من داخل المسجد , ما هو حكم بيع المسجد لمن يرغب في جعله كنيسة؟ وهل فِعْل ذلك يعدُّ مِن معاونتهم على ما هم فيه من الشرك، والضلال؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: اتفق العلماء على حرمة بيع المسجد الذي لم تتعطل منافعه، ولم يهجره أهله، وأن من فعل ذلك فهو آثم، ولا يتملكه من اشتراه. واختلفوا في حكم بيع المسجد الذي تعطلت منافعه، أو هجره أهله: فذهب بعضهم إلى أنه يجوز بيع المسجد إذا كان ذلك هو حاله، وإذا بيع: فيصرف ثمنه إلى مسجد آخر، وإن كان قريباً من الأول فهو أفضل. وهذا قول أبي حنيفة، وصاحبه أبي يوسف، وهو رواية عن الإمام أحمد، وهو الذي عليه مذهب الحنابلة. وذهب آخرون إلى أنه لا يصح بيع الوقف بحال عموماً، والمسجد لا يكون إلا وقفاً، وعليه: فلا يصح عندهم بيعه، وإن تعطلت منافعه، وهجره المصلون. وهو رواية أخرى عن أبي حنيفة، وهي المذهب عند الحنفية، وهو مذهب مالك، والشافعي، ورواية عن الإمام أحمد. والقول بالجواز هو الأصح من القولين. وانظر المسألة بتفصيلها، وترجيحها في جواب السؤال رقم: (103236) . ثانياً: إذا تقرر جواز بيع مسجد القديم ذاك: فهل يجوز لكم بيعه لمن يتخذه كنيسة، أو لإقامة محل يُعصى فيه الله تعالى، كخمارة، أو مؤسسة ربوية؟ والجواب: قطعاً لا يجوز؛ فالوسائل لها حكم الغايات، فالوسيلة إلى فعل المعصية تكون معصية، والوسيلة إلى فعل الطاعة تكون طاعة، ولذلك حرم بيع السلاح وقت الفتنة، وحرم بيع العنب لمن يعصره خمراً، ويقال هنا: يحرم بيع أرض للنصارى بقصد بنائها كنيسة، أو لليهود بقصد بنائها بيعة، ونحو ذلك، كما يحرم تأجيرهم دوراً لإقامة شعائر الكفر فيها. وفي " الموسوعة الفقهية " (38 / 157، 158) : نصَّ جمهور الفقهاء على أنّه يمنع المسلم من بيع أرضٍ أو دارٍ لتتّخذ كنيسةً: قال الحنفيّة: إن اشتروا دوراً في مصرٍ من أمصار المسلمين فأرادوا أن يتّخذوا داراً منها كنيسةً، أو بيعةً، أو بيت نارٍ في ذلك لصلواتهم: منعوا عن ذلك. وقال المالكيّة: يمنع - أي: يحرم - بيع أرضٍ لتتّخذ كنيسةً، وأجبر المشتري من غير فسخٍ للبيع على إخراجه من ملكه، ببيع، أو نحوه. روى الخلال عن المروذيّ أنّ أبا عبد الله سئل عن رجلٍ باع داره من ذمّيٍّ وفيها محاريب فاستعظم ذلك، وقال: نصراني؟! لا تباع، يضرب فيها النّاقوس وينصب فيها الصلبان؟ وقال: لا تباع من الكافر، وشدّد في ذلك. وعن أبي الحارث أنّ أبا عبد الله سئل عن الرّجل يبيع داره وقد جاء نصراني فأرغبه وزاده في ثمن الدّار , ترى أن يبيع منه وهو نصراني، أو يهودي، أو مجوسي , قال: لا أرى له ذلك , قال: ولا أرى أن يبيع داره من كافرٍ يكفر فيها بالله تعالى. إذا اشترى أو استأجر ذمّي داراً على أنّه سيتّخذها كنيسةً: فالجمهور على أنّ الإجارة فاسدة , أمّا إذا استأجرها للسكنى، ثمّ اتّخذها معبداً: فالإجارة صحيحة , ولكن للمسلمين عامّةً منعه حسبةً. انتهى ثالثاً: المشتري من الكفار لا ندري ما يصنع بهذا المسجد إن اشتراه، فمتى يكون البيع له محرَّماً؟. والجواب: أنه يكون محرَّماً في حال العلم باتخاذه له كنيسة، بتصريه، أو بقرائن قوية، أو بغلبة الظن الراجحة، وما عدا ذلك: فلا يحرم بيعه له. قال أحمد الصاوي – رحمه الله -: ويمنع أيضاً بيع التوراة، والإنجيل لهم؛ لأنها مبدَّلة، ففيه إعانة لهم على ضلالهم، وكما يُمنع بيع ما ذُكر لهم: يُمنع الهبة، والتصدق، وتمضي الهبة، والصدقة، ويجبرون على إخراجها من ملكهم كالبيع. تنبيه: كذلك يُمنع بيع كل شيءٍ عُلم أن المشتري قصد به أمراً لا يجوز؛ كبيع جارية لأهل الفساد، أو مملوك، أو بيع أرض لتتخذ كنيسة، أو خمارة، أو خشبة لتتخذ صليباً، أو عنباً لمن يعصره خمراً، أو نحاساً لمن يتخذه ناقوساً، أو آلة حرب للحربيين، وكذا كل ما فيه قوة لأهل الحرب. " بلغة السالك " (3 / 8) . وقال ابن قدامة – رحمه الله -: إذا ثبت هذا: فإنما يحرم البيع، ويبطل إذا علم البائع قصْد المشتري ذلك، إما بقوله، وإما بقرائن مختصة به تدل على ذلك، فأما إن كان الأمر محتملاً مثل أن يشتريها مَن لا يُعلم حالُه، أو من يَعمل الخل والخمر معاًً، ولم يلفظ بما يدل على إرادة الخمر: فالبيع جائز، وإذا ثبت التحريم: فالبيع باطل، ويحتمل أن يصح، وهو مذهب الشافعي ... ولنا: أنه عقد على عين لمعصية الله بها فلم يصح، كإجارة الأمَة للزنا، والغناء ... . " المغني " (4 / 306) . والخلاصة: أنه لا يحل لكم بيع المسجد إذا لم تتعطل منافعه، وأمكن الانتفاع به، ويحل لكم بيعه إن تعطلت منافعه، وصار مهجوراً من أهله، والنصيحة لكم: عدم بيعه، وإبقاؤه وقفاً، وجعله مكتبة، أو مؤسسة خيرية، في حال تعطله عنه الانتفاع به في الصلاة. وإن لم يتيسر لكم هذا، وتعين عليكم بيعه: فيجوز لكم بيعه لنصراني وغيره، إلا إذا علمتم، أو غلب على ظنكم أنه سيحوله كنيسة ونحوها من دور الكفر: فلا يجوز لكم ذلك البيع، وعليكم تحري من يشتريه لاستخدام مباح، فإن جهلتم حال المشتري، ولم تعلموا نيته: فالبيع له جائز، والاحتياط: التورع بالتحري عن نيته. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 134297 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4880 الحكمة من مشروعية الرهن [السُّؤَالُ] ـ[ما السبب في ضرورة الرهن في الإسلام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الرَّهْنُ فِي الشَّرْعِ: الْمَالُ الَّذِي يُجْعَلُ وَثِيقَةً بِالدَّيْنِ، لِيُسْتَوْفَى مِنْ ثَمَنِهِ إنْ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ. والرهن جائز بالكتاب والسنة والإجماع. أما الكتاب؛ فقوله تعالى: (وَإِنْ كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) البقرة/283، وأما السنة؛ فقد ثبت: (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَى طَعَامًا مِنْ يَهُودِيٍّ إِلَى أَجَلٍ وَرَهَنَهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ) رواه البخاري (2068) ومسلم (1603) . وأجمع العلماء على جواز الرهن في الجملة. وانظر: "المغني" (4/215) ، "بدائع الصنائع" (6/145) ، "مواهب الجليل" (5/2) ، "الموسوعة الفقهية" (23/175-176) . واتفق الفقهاء على أن الرهن من الأمور الجائزة وأنه ليس بواجب. قال ابن قدامة في "المغني" (4/215) : "الرَّهْنُ غَيْرُ وَاجِبٍ. لَا نَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا" انتهى. فللدائن أن لا يأخذ رهناً من المدين. والحكمة من تشريع الرهن: أنه من الوسائل التي يستوثق بها صاحب الدين من دينه، فكما أمر الله توثيق الدين بالكتابة، أمر كذلك بتوثيقه بالرهن. فإذا جاء وقت سداد الدين، وامتنع المدين من سداد الدين، أو عجز، فإن الرهن يباع ويأخذ الدائن حقه، وإن بقى من الثمن شيء رده إلى صاحبه (المدين) . والرهن من محاسن هذه الشريعة، لأن فيه مصلحة للدائن والمدين معاً. وبيان ذلك: أن الدائن يستوثق من حقه، فيكون هذا مشجعاً له على إقراض أخيه المسلم، فيستفيد من ذلك المقترض، لأنه سيجد من يقرضه. وإذا منع الرهن، فقد يمتنع كثير من الناس من الإقراض خوفاً على أموالهم من الضياع. وانظر: "الشرح الممتع" (9/121) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 132648 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4881 حكم مشاركة المسلم للنصراني أو غيره في التجارة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمسلم أن يكون شريكاً للنصراني في تربية الأغنام أو تجارتها أو أي تجارة أخرى؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "اشتراك مسلم مع نصراني أو غيره من الكفرة في المواشي أو في الزراعة أو في أي شيء آخر، الأصل في ذلك جوازه إذا لم يكن هناك مولاة، وإنما تعاون في شيء من المال كالزراعة أو الماشية أو نحو ذلك، وقال جماعة من أهل العلم: بشرط أن يتولى ذلك المسلم، أي: أن يتولى العمل في الزراعة، أو في الماشية المسلم، ولا يتولى ذلك الكافر لأنه لا يؤمن. وهذا فيه تفصيل؛ فإن كانت هذه الشركة تجر إلى مولاة، أو لفعل ما حرم الله، أو ترك ما أوجب الله حرمت هذه الشركة لما تفضي إليه من الفساد، أما إن كانت لا تفضي لشيء من ذلك، والمسلم هو الذي يباشرها، وهو الذي يعتني بها حتى لا يخدع فلا حرج في ذلك. ولكن بكل حال فالأولى به السلامة من هذه الشركة، وأن يشترك مع إخوانه المسلمين دون غيرهم، حتى يأمن على دينه ويأمن على ماله، فالاشتراك مع عدو له في الدين فيه خطر على خلقه ودينه وماله، فالأولى بالمؤمن في كل حال أن يبتعد عن هذا الأمر، حفظاً لدينه، وحفظاً لعرضه، وحفظاً لماله، وحذراً من خيانة عدوه في الدين، إلا عند الضرورة والحاجة التي قد تدعو إلى ذلك، فإنه لا حرج عليه بشرط مراعاة ما تقدم. أي: بشرط أن لا يكون في ذلك مضرة على دينه أو عرضه أو ماله، وبشرط أن يتولى ذلك بنفسه، فإنه أحوط له، فلا يتولاه الكافر، بل يتولى الشركة والأعمال فيها المسلم، أو مسلم ينوب عنهما جميعاً" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (1/294) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131950 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4882 التعامل مع وسيط تعاملاته مشبوهه [السُّؤَالُ] ـ[هناك شخص صديق لصاحب الشركة التي أعمل بها يمتلك قاعدة علاقات كبيرة من جميع المستويات في القطاعين الخاص والعام. ويقوم هذا الشخص بإحضار مناقصات لشركتنا لكي نقدم عرض أسعار لهذه الجهات ومن خلالها ويقوم هو بمتابعة هذه المناقصات ونقل أسئلة العميل واستفساراته وتعديلاته على المناقصة من جميع النواحي التقنية والمالية والمواصفات والشروط والأحكام وغيرها ونقوم نحن بدورنا بتعديل عرضنا ويقوم هو بدوره بتقديم المناقصة عن طريقنا وفي أحيان أخرى نقدمها نحن بأنفسنا مباشرة وبالتنسيق معه. وعطفاً على ما تم ذكره أعلاه يكون دوره كدور البائع والمسوق لنا، فعليه نعطيه نسبه من مربح المناقصات حسب الاتفاق الذي يتم على كل مناقصة، وفي أحيان نتناصف الربح بيننا وبينه. مشكلتي أنني يراودني الشك كلما جلست معه من طريقة طرحه وكلامه بأن علاقاته الداخلية مع المؤسسات والقطاعات التي يعرفها ليست نزيهة. وفي أحيان أخرى يلمح أنه يعرف شخص بالمكان الفلاني سوف يساعده بالمناقصة وسوف يتفاهم هو معه عن طريق أنه سوف يعطيه حصة من نصيبه ونحن ليس لنا دخل بشيء. سؤالي: هل يجوز شرعاً التقديم على هذه النوعية من المناقصات عن طريق هذا الشخص مع أنه لا يعمل في أي من القطاعات التي قدمنا كموظف ولا يعمل عندنا ومع علمنا من بعض كلماته وتلميحاته بأنه يعرف أشخاص يساعدونه بالداخل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان هذا الوسيط يقتصر عمله على إحضار المناقصات للشركة، ومتابعتها من النواحي التقنية والمالية والمواصفات والشروط والأحكام وغيرها، فلا حرج في التعامل معه. وأما إذا كان يستعين بماله أو جاهه أو معارفه وعلاقاته لإرساء المناقصة على شركتكم، فلا يجوز التعامل معه في هذه الحال. وما ذكرته من قرائن تشير إلى وجود شبهة في تعاملاته، توجب عليكم مزيداً من التحري عن هذا الشخص، وأخذ الحيطة الزائدة عند التعامل معه. والواجب عليكم في هذا أن تعملوا بما يغلب على ظنكم، فإن غلب على ظنكم أن الرجل يعمل بطرق ملتوية غير شرعية فلا يجوز لكم التعامل معه، والواجب عليكم التوقف عن تقديم المناقصات عن طريقه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131693 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4883 منحتهم الحكومة أرضا ودفع أخوهم الرسوم وأخذها وقد وافق بعضهم مجاملة [السُّؤَالُ] ـ[تم منحنا قطعة أرض من الحكومة باسم والدنا وإخوتي الأربعة وتم دفع الرسوم الحكومية بواسطة أحد الإخوة ومن ثَمَّ تم الاتفاق على التنازل عن ملكية الأرض لهذا الأخ إلا أن أحد الإخوة وافق مجاملة على هذا التنازل، فهل تجوز هذه المعاملة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كانت الأرض ممنوحة باسمكم جميعا، وكانت بثمن أقل من سعرها في السوق، وتنازل الجميع للأخ الذي دفع الرسوم، فلا حرج في ذلك إذا كانوا بالغين راشدين، ومن عُلم رفضه لذلك أو قبوله بسيف الحياء فلابد من تعويضه عن حقه - ويقدّر هذا الحق بواسطة أهل الخبرة -، أو يحتفظ بنصيبه من الأرض ويدفع قسطه من الرسوم. وذلك أنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه، فما أُخذ بسيف الحياء فهو حرام. قال صلى الله عليه وسلم: (لا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ) رواه أحمد (20172) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (7662) . وينظر في تحريم ما أخذ بسيف الحياء: "تحفة المحتاج" (6/317) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131611 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4884 هل يستخرج أوراقا لشخص تفيد ملكيته لأراضٍ مهملة تابعة للدولة؟ [السُّؤَالُ] ـ[توجد أرض مهملة في مكان ناءٍ في المدينة تابعة للدولة ولا أحد مستفيد منها، هل يجوز أن أستخرج أوراقاً تفيد بتبعية هذه الأرض لشخص ما بحيث يمكنه أن يبيعها ويستفيد منها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأراضي التي لا مالك لها، والخالية عن "الاختصاصات" - والاختصاصات: كمجاري السيول، ومواضع الحطب، ومواضع المراعي، والمصالح العامة - يملكها الشخص بالإحياء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ) رواه أبو داود (3073) ؛ والترمذي (1378) وحسنه الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام (897) وذكر له طرقا أخرى في "الفتح" (5/19) ثم قال: " وفي أسانيدها مقال لكن يتقوى بعضها ببعض "، وينظر: "إرواء الغليل" (5/553) . وإحياء الأرض يكون بوضع سور عليها، أو بحفر بئر فيها واستخراج الماء منه، أو بإجراء عين إليها. قال في "زاد المستقنع": " ومن أحاط مواتا، أو حفر بئرا فوصل إلى الماء، أو أجراه إليه من عين ونحوها، أو حبسه عنه ليزرع فقد أحياه " انتهى. وينظر: "الشرح الممتع" (10/329) . فإذا كان هذا الشخص قد أحيا الأرض على النحو السابق، فإنه يجوز أن تستخرج له أوراقا تفيد ملكيته لها. وإذا لم يكن أحياها لم يجز؛ لما فيه من الكذب وشهادة الزور وأكل المال بالباطل. وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (26344) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131442 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4885 حكم قراءة الفاتحة على نية التوفيق في الخطبة أو الشراكة أو غير ذلك [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز قراءة الفاتحة على نية التوفيق: 1- عند الاتفاق على الشراكة في أمر ما. 2-عند الخطبة. 3- في المعاملات التجارية. 4- في باقي الحالات؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا تشرع قراءة الفاتحة عند الاتفاق على الشراكة في أمر ما أو عند الخِطْبة أو في المعاملات التجارية أو غير ذلك من الأمور، بل هذا من البدع المحدثة، ولم يكن من فعل سلفنا الصالح، من الصحابة والتابعين، ولو كان خيراً، لكانوا أسبق الناس إليه. جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء (19/146) : "قراءة الفاتحة عند خِطْبة الرجل امرأة أو عقد نكاحه عليها بدعة" انتهى. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: قراءة الفاتحة عند عقد الزواج حتى قد أصبح البعض يطلق عليها قراءة الفاتحة وليس العقد فيقول قرأت فاتحتي على فلانة هل هذا مشروع؟ فأجاب: "هذا ليس بمشروع، بل هذا بدعة، وقراءة الفاتحة أو غيرها من السور المعينة لا تقرأ إلا في الأماكن التي شرعها الشرع، فإن قرأت في غير الأماكن تعبداً فإنها تعتبر من البدع، وقد رأينا كثيراً من الناس يقرؤون الفاتحة في كل المناسبات حتى إننا سمعنا من يقول: اقرءوا الفاتحة على الميت، وعلى كذا وعلى كذا، وهذا كله من الأمور المبتدعة ومنكرة؛ فالفاتحة وغيرها من السور لا تقرأ في أي حال وفي أي مكان وفي أي زمان إلا إذا كان ذلك مشروعاً بكتاب الله أو بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإلا فهي بدعة ينكر على فاعلها" انتهى. "فتاوى نور على الدرب" (10/95) . والمشروع فيما يتعلق بأمر الزواج أو غيره من الأمور التي يريد الإنسان فعلها أن يستشير أهل الخبرة والمعرفة، ثم إذا هم بالأمر استخار الله تعالى، ثم يعزم على ما يريد فعله. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130329 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4886 يشتري السلع وقت توفرها ثم يبيعها إذا ارتفع سعرها، فهل هذا احتكار؟ [السُّؤَالُ] ـ[لقد وجد بعض الناس عندنا يحتكرون السلع الاستهلاكية وقت الوفرة خاصة ثم يقومون بتخزينها حتى تتصاعد أسعارها ويغلو ثمنها فيبيعونها بما يشتهون. فبماذا ينصح الإسلام مثل هؤلاء؟ وما موقف الشرع من كسبهم هذا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "المحتكر هو الذي يشتري السلع وقت مضايقة الناس، وقد جاء في الأحاديث لعن ذلك والوعيد فيه والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ) وقال: (مَنْ احْتَكَرَ فَهُوَ خَاطِئٌ) يعني فهو آثم. قال العلماء: هم الذين يشترون السلع من الطعام ونحوه مما يحتاجه الناس في وقت الشدة ويخزنه ليشتد الغلاء حتى يبيع بأكثر، هذا لا يجوز، وهو منكر وصاحبه آثم، ويجب على ولي الأمر إذا كان في البلاد ولي أمر ينفذ أمور الشرع أن يمنعه من ذلك، وأن يلزمه بيع الطعام بسعر المثل. بسعر الوقت الحاضر الموجود في الأسواق ولا يمكنه من خزانته، هذا إذا كان في وقت الشدة. أما الذي يشتري الطعام أو غير الطعام مما يحتاجه الناس في وقت الرخاء وكثرته في الأسواق وعدم الضرر على أحد ثم إذا تحركت السلع باعه مع الناس بدون أن يؤخره إلى شدة الضرورة، بل متى تحركت وجاءت الفائدة باعه فلا حرج عليه. وهذا عمل التجار من قديم الزمان وحديثه" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (3/1442) . [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز فتاوى نور على الدرب الحديث: 130313 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4887 حكم الاشتراك في الجمعية التي يجريها الموظفون [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الاشتراك في الجمعية التي يجريها الموظفون، بحيث يدفع كل واحد منهم مبلغاً معيناً كل شهر، وكل واحد من المشتركين يأخذ هذا المبلغ حسب الترتيب المتفق عليه، حتى يأخذ كل واحد منهم بمقدار ما دفع من غير زيادة ولا نقصان؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه المعاملة التي يتعامل بها الناس ويسمونها "الجمعية" يرى أكثر علمائنا المعاصرين أنها جائزة، بل كانت موجودة قديماً، وذكرها بعض العلماء ونصوا على أنها جائزة، وكانت تسمى قديماً بـ "الجمعة" باعتبار أنهم يجمعون المال كل جمعة. قال القليوبي في حاشيته (2/258) : "الجمعة المشهورة بين النساء بأن تأخذ امرأة من واحدة من جماعة منهن قدراً معيناً في كل جمعة أو شهر، وتدفعه لواحدة بعد واحدة إلى آخرهن جائزة، كما قاله الولي العراقي" انتهى. وقد صدر بجوازها قرار بالأكثرية من هيئة كبار العلماء، وكذلك أفتى بجوازها الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ محمد بن عثيمين رحمهما الله. وقد خالف في ذلك بعض العلماء كالشيخ صالح الفوزان حفظه الله، فقد ذهب إلى تحريم هذه المعاملة في كتابه " البيان لأخطاء بعض الكتَّاب " (ص 377 - 380) . نص مجلس هيئة كبار العلماء: "الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير الخلق أجمعين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين. أما بعد: فقد نظر مجلس هيئة كبار العلماء في دورته الرابعة والثلاثين المنعقدة في مدينة الطائف ابتداء من 16 / 2 / 1410 هـ، إلى 26 / 2 / 1410 هـ في الاستفتاءات المقدمة من بعض الموظفين مدرسين وغيرهم إلى سماحة الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد والمحالة من سماحته إلى المجلس عن حكم ما يسمى بجمعيات الموظفين وصورتها: "أن يتفق عدد من الموظفين يعملون في الغالب في جهة واحدة مدرسة أو دائرة أو غيرهما على أن يدفع كل واحد منهم مبلغاً من المال مساوياً في العدد لما يدفعه الآخرون، وذلك عند نهاية كلِّ شهرٍ ثم يدفع المبلغ كله لواحدٍ منهم، وفي الشهر الثاني يدفع لآخر، وهكذا حتى يتسلم كلُّ واحدٍ منهم مثل ما تسلمه مَن قبله سواء بسواء دون زيادة أو نقص". كما اطلع على البحث الذي أعده فضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان المنيع في حكم القرض الذي يجر نفعاً، ثم جرت مداولات ومناقشات لم يظهر للمجلس بعدها بالأكثرية ما يمنع هذا النوع من التعامل، لأن المنفعة التي تحصل للمقرِض لا تنقص المقترض شيئاً من ماله، وإنما يحصل المقترض على منفعةٍ مساويةٍ لها، ولأن فيه مصلحة لهم جميعاً من غير ضرر على واحدٍ منهم أو زيادة نفع لآخر، والشرع المطهر لا يرد بتحريم المصالح التي لا مضرة فيها على أحدٍ بل ورد بمشروعيتها. وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه" انتهى. مجلة البحوث الإسلامية (27 / 349، 350) . وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن حكمها، فقال: "ليس في ذلك بأس، وهو قرض ليس فيه اشتراط نفع زائد لأحد، وقد نظر في ذلك مجلس هيئة كبار العلماء فقرر بالأكثرية جواز ذلك، لما فيه من المصلحة للجميع وبدون مضرة ... والله ولي التوفيق" انتهى. فتاوى إسلامية (2/413) . وسئل عنها الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله، فقال: "لا بأس , الجمعية معناها: أن يجتمع مثلاً هؤلاء الموظفون ويقولون: نريد نقتطع من راتب كل واحد منا ألف ريال , نعطيه للأول , والشهر الثاني للثاني , والشهر الثالث للثالث، حتى تدور عليهم كلهم، هذا لا بأس به ولا حرج" انتهى. "لقاءات الباب المفتوح". والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130147 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4888 رهنه أرضاً زراعية يستفيد منها حتى يسدد له الدَّين [السُّؤَالُ] ـ[عندي أرض رهنتها لرجل بمبلغ ألف جنيه، بحيث يستغلها ويأخذ غلتها كاملة حتى أرد إليه مبلغ الألف جنيه وبالتالي يرد علي أرضي، فهل هذه الصورة من الرهن جائزة، وما الصورة الشرعية للرهن؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الرهن جائز، لأن الله جل وعلا قال: (فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) البقرة/283، فإذا اقترضت من زيد أو عمرو ألف جنيه أو أقل أو أكثر، ورهنته أرضاً أو سيارة أو سلاحاً أو غير ذلك فلا بأس، ولكن ليس له أن يستغل ذلك زيادة على حقه، بل الغلة تكون لك، ولكن يمكنه أن يستغلها بالأجرة، وتسقط الأجرة من الدين، أو يسلمها لك، فالأرض تكون مرهونة عنده، وتؤجرها عليه بأجرة معلومة تخصم من الدين. أما أن يستغلها في مقابل إنظاره لك وتركه المال عندك حتى توفيه، فهذا قرض جر منفعة فلا يجوز، وهذا شبيه بمن اقترضت منه ألفاً على أن تعطيه ألفاً ومائة أو ألفاً ومائتين، فلا يجوز وهو من الربا، فإذا استغل الأرض في الزراعة ونحوها بدون أجرة فلا يجوز؛ لأن معناه الاستفادة من هذه الأرض في مقابل القرض الذي أعطاك، فهو مثل لو أعطيته زيادة مائة أو مائتين أو أكثر أو أقل، فكله ربا" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (3/1457) . [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز فتاوى نور على الدرب الحديث: 128156 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4889 رهن ساعته عند البائع ولم يأت في موعد السداد [السُّؤَالُ] ـ[عندي محل فجاء بعض الزبائن وأخذ مني شيئاً وترك عندي ساعته هنا لوقت محدد، وجاء الموعد ولم يأتيني فاحتجت للساعة ولبستها، فهل علي إثم في ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الواجب عليك أن تصبر حتى يأتي صاحب الساعة فيعطيك حقك فإن شق عليك ذلك ولم ترض بالصبر فإنك تبيعها بالمزاد العلني في السوق بأقصى ما تساوي، ثم تأخذ حقك وتحفظ الباقي إلى صاحبه، فإن أتى يوماً من الدهر أعطيته حقه وإن طال الزمن ولم تعرفه ولم تتمكن من إرسال حقه إليه تصدقت به على بعض الفقراء بالنية عن صاحبه، هذا هو الطريق الشرعي في هذه المسألة" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (3/1457) . [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز فتاوى نور على الدرب الحديث: 128145 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4890 إذا لم تكف أموال المفلس لسداد دينه فالباقي دين عليه لا يسقط بالإفلاس [السُّؤَالُ] ـ[في القانون الأمريكي يقوم الشخص الذي عليه ديون ولا يستطيع أن يسددها بالحصول على مذكرة من المحكمة تسمى مذكرة الإفلاس (حتى ولو كانت هذه الديون المستحقة لأصحابها من الربا) ، وفي هذه المذكرة يقوم المدين بكتابة كل الديون المستحقة لأصحابها الدائنين بالإضافة إلى كتابة اسم كل دائن على حدة، ويقوم المدين بإعطاء الدائن وثائق تشتمل على الدخل الذي يتقاضاه والذي يشير إلى عدم مقدرته على سداد هذه الديون. ويقوم المدين كذلك بكتابة كل الأصول والممتلكات التي يمتلكها، وتقوم المحكمة بالتحفظ والحجز على هذه الممتلكات ثم بيعها في مزاد علني لمن يشتريها بأعلى سعر، وللمدين أن يستثني بعض الأصول والممتلكات من هذه العملية أي لا تقدم للبنك للتحفظ عليها، وبعد ذلك يتم توزيع المال الذي جاء من المزاد على عدد الدائنين بناء على المبلغ المستحق لكل دائن بحسب الأولوية. وفي أغلب الأوقات فإن المال الذي تم تحصيله من المزاد لا يكون كافياً لسداد كل الدين المستحق للدائنين، إلا أن المحكمة تخلي ساحة المدين من كافة المسؤوليات القانونية حتى يتمكن من سداد أي أرصدة متبقية عليه. وعلى ضوء ما سبق، هل يكون واجباً على المدين المسلم سداد الدين أو الرصيد الذي لم تتمكن المحكمة من سداده (فيما عدا الربا) ، حتى ولو كانت الأصول والممتلكات التي تم أخذها لسداد الديون عبارة عن متجر أو سوق وقيمته أعلى مما تم الحصول عليه من المزاد؟ وهل لو تم تسليم هذا المتجر للمحكمة فهل سيتبقى مال كاف لسداد كافة الديون المستحقة لأصحابها؟ وعلى أية حال فإن كل مدين يعلم يقيناً أن هذا سيكون هو الدخل الوحيد لهم عندما يتم عمل الإجراء السالف الذكر عن طريق المحكمة وهو إشهار الإفلاس.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يحسن التعرف على بعض أحكام الحجر في الشريعة الإسلامية ثم نتعرض لما ذكر في السؤال. فالإِْفْلاَسُ مَعْنَاهُ فِي الاِصْطِلاَحِ: أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ الَّذِي عَلَى الشَّخْصِ أَكْثَرَ مِنْ مَالِهِ. فإذا كان المدين كذلك، وكانت الديون حالَّة (غير مؤجلة) وطلب الغرماء (الدائنون) من الحاكم أن يحجر عليه، وجب على الحاكم أن يحجر على أمواله، ويمنعه من التصرف فيها، ويترتب على هذا الحجر أحكام: 1- منع المدين من التصرف في ماله. 2- تعلق حق الغرماء بهذا المال. 3- من وجد من الغرماء عين ماله عند المفلس فهو أحق به من غيره من الغرماء، كما لو كان أعطاه قرضاً، أو باعه سلعة بالتقسيط، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ أَوْ إِنْسَانٍ قَدْ أَفْلَسَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ) رواه البخاري (2402) ومسلم (1559) . 4- أن للحاكم أن يبيع ماله ويعطي للغرماء حقوقهم. ودليل ذلك: أن معاذ بن جبل رضي الله عنه كان عليه ديون، فكلم غرماؤه الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك، فحجر عليه وباع ماله. رواه البيهقي والحاكم، وهو حديث مختلف فيه، صححه ابن كثير في "إرشاد الفقيه" (2/48) ، وضعفه الألباني في "إرواء الغليل" (1435) . ويُترك للمفلس من ماله: ما يحتاج إليه ولا يستغني عنه مثل: الثياب، والكتب، والبيت الذي يسكنه، وآلات الصنعة، والقوت الضروري، ورأس مال التجارة .... إلخ ويؤخذ الزائد عن حاجته من هذه الأشياء، ويترك له ما يكفيه بلا زيادة. وذهب بعض العلماء (الإمامان مالك والشافعي) إلى أنه إذا كان يقيم في بيت يملكه فإنه يؤخذ منه ويُباع، ويُستأجر له بيت يسكنه. وإذا باع الحاكم ماله فإنه لا يقسمه على الغرماء بالتساوي، وإنما على نسبة ديونهم، فلو كان أحدهما له ألف والآخر له خمسمائة، فيقسم المال بينهما: لصاحب الألف: الثلثان، ولصاحب الخمسمائة: الثلث. قال الحافظ في الفتح: " َذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ مَنْ ظَهْر فَلَسُهُ فَعَلَى الْحَاكِمِ الْحَجْر عَلَيْهِ فِي مَالِهِ حَتَّى يَبِيعَهُ عَلَيْهِ وَيَقْسِمَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ َلَى نِسْبَةِ دُيُونِهِمْ " انتهى. وهذا؛ إذا لم يكف المال جميع الديون، فإن كفى أخذ كل دائن حقه بلا زيادة، ثم رُدَّ الباقي ـ إن بقي شيء ـ إلى المفلس، لأنه حقه. فإذا كان ماله لا يكفي الديون كلها، فإنه يوزع الموجود على الدائنين، وتبقى سائر حقوقهم دَيْناً عليه، متى قدر أن يقضيها وجب عليه ذلك. انظر: "المغني" (4/265-266) – "المجموع" (13/278-284) (طبعة دار الفكر) – "المبسوط" (24/156-166) – "فتح الباري" (5/66) (دار المعرفة - بيروت، 1379) - "الموسوعة الفقهية" (5/246، 301 - 322) – "الشرح الممتع" (9/78-81) . وعلى هذا، فقول السائل: هل يكون واجباً على المدين المسلم سداد الدين أو الرصيد الذي لم تتمكن المحكمة من سداده؟ فالجواب: نعم، ويبقى ديناً عليه في ذمته حتى يتمكن من سداده. قال ابن قدامه رحمه الله في "المغني" (6/581) : "وإذا فُرِّق مال المفلس وبقيت عليه بقية وله صنعة فهل يجبره الحاكم على إيجار نفسه ليقضي دينه؟ على روايتين .... " انتهى. ثم ذكر القولين بأدلتهما، ولم يصرح بالراجح منهما، غير أنه يظهر من كلامه أنه يميل إلى القول بأن الحاكم يجبره على العمل ليقضي دينه. فعلى كلا القولين: يستفاد من هذا: أن باقي حق الغرماء لا يزال متعلقاُ بذمته. ثم قال ابن قدامة (6/582) : "وإن فُكَّ الحجر عليه [يعني: بعد بيع ماله] لم يكن لأحد مطالبته ولا ملازمته حتى يملك مالاً .... " انتهى. فيستفاد منه أيضاً: أن ما بقي من حق الغرماء لم يسقط، بل لا يزال دَيناً عليه. وقول السائل: حتى ولو كانت الأصول والممتلكات التي تم أخذها لسداد الديون عبارة عن متجر أو سوق وقيمته أعلى مما تم الحصول عليه من المزاد؟ فالجواب: أن الواجب على الحاكم ألا يبيع ممتلكات المفلس إلا بثمن المثل، فلا يبيعها بأقل من ذلك. انظر: "الموسوعة الفقهية" (5/318) . ولما كانت هذه القضية منظورة في بلاد غير إسلامية، فمن الطبيعي أن يكون لهم قوانينهم وأنظمتهم التي يتحاكمون إليها ويحكمون بها، وتكون مخالفة لما شرعه الله عز وجل. ولهذا؛ لا ينبغي للمسلم أن يتساهل في الإقامة في تلك البلاد، إلا أن يكون مضطراً لذلك، لأنه سيخضع لتلك القوانين، شاء أم أبى. تنبيه: المديونية الربوية لا يجوز القيام بسدادها، فليس عليه إلا دفع رأس المال فقط، إلا إذا أُكره على دفعها وهُدِّد بالسجن ونحوه فلا حرج عليه، ويكون مكرهاً، مع وجوب التوبة إلى الله من الاقتراض بالربا. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127591 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4891 تقسيم القانونيين العقود إلى مكتوبة وشفهية تقسيم صحيح عند الفقهاء [السُّؤَالُ] ـ[درست في مادة القانون أن العقود نوعان: عقود مكتوبة، وعقود شفوية، أو عن طريق المشافهة، فهل لهذين العقدين أصل في الدين الإسلامي؟ أرجو الإجابة في ضوء الكتاب والسنة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تقسيم العقود إلى عقود مكتوبة وعقود شفهية تقسيم صحيح المضمون، فالعقد – من هذه الحيثية - إما أن ينعقد بالإيجاب والقبول الشفهيين من غير كتابة، وهذا هو العقد الشفهي. وإما أن يزيد المتعاقدان العقد توثيقا بكتابته وتدوين بنوده وشروطه، وهذا هو العقد المكتوب. وقد تكلم فقهاؤنا رحمهم الله حول توثيق العقود بالكتابة، وكان أصل استدلالهم على ذلك بما أمر الله سبحانه وتعالى به في كتابه الكريم من كتابة الديون – سواء كانت في عقد قرض محض أو بيع إلى أجل - فقال عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ) البقرة/282. كما استدلوا على ذلك بما فعله النبي صلى الله عليه وسلم مع العدَّاء بن خالد، فقد روى الترمذي في باب ما جاء في كتابة الشروط، حديث رقم: (1216) عن عبد المجيد بن وهب قال: (قال لِي الْعَدَّاءُ بْنُ خَالِدِ بْنِ هَوْذَةَ: أَلَا أُقْرِئُكَ كِتَابًا كَتَبَهُ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلَى. فَأَخْرَجَ لِي كِتَابًا: هَذَا مَا اشْتَرَى الْعَدَّاءُ بْنُ خَالِدِ بْنِ هَوْذَةَ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اشْتَرَى مِنْهُ عَبْدًا أَوْ أَمَةً، لَا دَاءَ، وَلَا غَائِلَةَ، وَلَا خِبْثَةَ، بَيْعَ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمَ) قال الترمذي: حسن غريب. وقال الذهبي في " المهذب " (4/2094) : ما أرى بهذا الإسناد بأسا. وقال الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (12/367) : إسناده حسن وله طرق. وحسنه الألباني في " صحيح الترمذي ". كما يمكن التوسع في الاستدلال على أصل كتابة العقود في السنة النبوية بما ورد من كتب النبي صلى الله عليه وسلم المعاهدات مع قريش وغيرهم، وكتب عقود الصلح والأمان، وكتب أيضا صلى الله عليه وسلم ما أعطى لبعض أمراء الأعراب من القطائع العظيمة ونحو ذلك من كتبه صلى الله عليه وسلم. يقول الدكتور مصطفى الزرقا رحمه الله: " النطق باللسان ليس طريقا حتمية لظهور الإرادة العقدية بصورة جازمة في النظر الفقهي، بل النطق هو الأصل في البيان، ولكن قد تقوم مقامه كل وسيلة أخرى اختيارية أو اضطرارية مما يمكن أن تعبر عن الإرادة الجازمة تعبيرا كافيا مفيدا. وعلى هذا أقر الفقهاء أنه يقوم مقام النطق في الإيجاب والقبول إحدى وسائل ثلاث أخرى، وهي: الكتابة، وإشارة الأخرس , والتعاطي " انتهى. " المدخل الفقهي العام " (ص/411) وقد ذكر الفقهاء لتوثيق العقود منافع وفوائد من أوجه كثيرة، منها: 1- صيانة الأموال، وقد أمرنا بصيانتها ونهينا عن إضاعتها. 2- قطع المنازعة، فإن الوثيقة تصير حكما بين المتعاملين، ويرجعان إليها عند المنازعة، فتكون سببا لتسكين الفتنة، ولا يجحد أحدهما حق صاحبه مخافة أن تخرج الوثيقة وتشهد الشهود عليه بذلك، فينفضح أمره بين الناس. 3- التحرز عن العقود الفاسدة؛ لأن المتعاملين ربما لا يهتديان إلى الأسباب المفسدة للعقد، ليتحرزا عنها، فيحملهما الكاتب على ذلك إذا رجعا إليه ليكتب. 4- رفع الارتياب، فقد يشتبه على المتعاملين إذا تطاول الزمان مقدار البدل ومقدار الأجل، فإذا رجعا إلى الوثيقة لا يبقى لواحد منهما ريبة. انظر: " الموسوعة الفقهية " (14/135) والحاصل: أن توثيق العقود بالكتابة ركن من أركان نظرية العقود في الشريعة الإسلامية، اقتضى ذلك من الفقهاء المعاصرين والمختصين بالقانون تقسيم العقود من هذه الحيثية إلى عقود مكتوبة وعقود شفهية، وهو تقسيم صحيح المضمون من هذا الاعتبار: الكتابة من عدمه، وإن كانت الكتابة وصفا لا يتعلق بالعقد ذاته، وإنما بإحدى عوارض العقد، ولكن التقسيم بالعارض الأساسي أو الثانوي تقسيم صحيح. وللتوسع يمكن مراجعة كتاب: " المدخل الفقهي العام " (ص/631) فقد ذكر تصنيف العقود بأنواعها المختلفة، وإن كان لم يذكر هذا التقسيم: عقود مكتوبة، وعقود شفهية، كما يمكن مراجعة بحث في مجلة الجامعة الإسلامية، العدد/110، بعنوان: كتابة العدل ولاية التوثيق في المملكة العربية السعودية، للدكتور عبد الله الحجيلي. كما يمكن في موقعنا مراجعة الجواب رقم: (364) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126855 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4892 كان قد استأجر أشرطة فيديو لأفلام محرَّمة وتوفي فماذا يصنع أهله بها؟ [السُّؤَالُ] ـ[شاب استأجر أشرطة فيديو أفلام بوليسية، وترفيهية، وهو من الشباب الطيبين، ثم توفي، فماذا نفعل بهذه الأشرطة؟ هل نتلفها؟ أو نرجعها إلى أصحابها؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نسأل الله أن يرحم ذلك الشاب، وأن يعفو عنه، ولا شك أنه أخطأ باستئجار تلك الأفلام، ورؤيتها، ومن المعلوم أنه لا تخلو تلك الأفلام والمواد من منكرات تُسمع، وتُرى. وبخصوص إرجاعها لأصحابها: فإنه لا يجوز لكم فعل ذلك؛ لأنها مواد تشتمل على منكرات، وتساهم في إفساد الناس، لكن ليس لكم أن تتلفوا تلك الأشرطة بالكلية، وإنما تتلفون ما فيها من مواد منكرة، ويكون من حق تلك المحلات الحصول على أشرطتهم إما فارغة، وإما عليها مواد شرعية، أو مباحة. وإذا كنتم تصرفتم بتلك الأشرطة إرجاعاً لها لأصحابها: أثمتم، وإن أتلفتموها بالكلية: ضمنتم، لكن الضمان يكون على الأشرطة وهي فارغة من تلك المواد المحرمة، فيقدِّر أهل الخبرة ثمنها وهي على حالها تلك – بدون تلك المواد التي فيها – وتدفعونها لأصحاب المحلات التي استأجر ميتكم منها. والعلماء رحمهم الله بينوا أنه لا ضمان على من " كسر " مواد اللهو، كالعود، وغيره؛ لأنه مال " غير محترم " فلا ضمان على من كسره؛ لأنه لا يسحق التقويم، لكنهم قالوا بالضمان على من " أتلفه "؛ لأنه يمكن الاستفادة من خشب تلك الآلة الموسيقية – مثلاً -، وهكذا يقال في الأشرطة التي عليها مواد محرَّمة، فإن موادها تشطب، دون إتلاف عينها. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – في سياق بيان ما لا ضمان فيه من المحرَّمات -: قوله: " وكسر مزمار " يعني: كما لا يضمن كسر المزمار؛ لأن هذا من باب تغيير المنكر، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده) – رواه مسلم -، ولأن هذه الآلة لا يجوز الإقرار عليها، وكسرها: وسيلة إلى ذلك، ولكن إتلافه: يضمن؛ لأن إتلافه غير كسره؛ لأن كسره يمنع من استعماله في المحرم، ولكن تبقى مادة هذا المزمار ينتفع بها في إيقاد نار، إذا كان من خشب، أو في صنع قدور، وأوانٍ إذا كان من حديد، أما إتلافه بالكلية: فمعناه: أنه أزال عين هذا الشيء، وإزالة عينه أكثر من إزالة وصفه الذي يصح أن يكون به مزماراً، ولذلك قال المؤلف: " وكسر مزمار ". " الشرح الممتع على زاد المستقنع " (10 / 219، 220) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126490 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4893 حكم قسائم الشراء المجانية التي تقدمها المحلات التجارية [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز إعطاء عملاء المحل التجاري قسائم بقيمة نقدية (50 دولار مثلاً) بحيث يمكن العميل أن يصرفها عند أحد الشركاء الآخرين (محال تجارية أخرى أو خدمية) ؛ ثم أقوم بالتسديد للشريك بنسبة (مثلا 50%أو 95% من قيمة القسيمة) حسب العقد المبرم بين محلي التجاري والشركاء الآخرين. وهل يجوز إنشاء شركة خاصة تضم جميع الشركاء يكون عملها إدارة مثل هذه العملية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: أولاً: يجوز لصاحب المحل التجاري أن يقدم لعملائه قسائم شراء مجانية بسبب شرائهم من محله التجاري أو بسبب بلوغ مشترياتهم حداً معيناً. ولا بد أن تكون هذه القسائم مجانية لا يدفع العميل أي مقابل لها، ولا يُزاد عليه في ثمن السلعة المشتراة بسبب القسيمة المقدَّمة له. وفي هذه الحال تعد هذه القسائم في حكم الهدية من صاحب المحل التجاري لهذا العميل، وهي مباحة لخلوها من الغرر والجهالة. وإذا كان العميل سيستفيد من هذه القسيمة في أماكن أخرى فلا حرج في ذلك، إذا كان صاحب المحل سيقوم بتسديد القيمة أو جزءاً منها حسب الاتفاق المبرم بينه وبين هذه المحلات. ثانياً: حكم إنشاء شركة للقيام بتنظيم مثل هذا الأعمال، كإصدار القسائم، وعمل تنظيم للشركات والمحلات المشاركة فيها، بحيث يستطيع العميل الاستفادة منها جميعا، مع أخذ الشركة نسبة معينة من هذه المحلات، والقيام بتصفية الحسابات بين هذه المحلات [المُصْدِر للقسيمة والبائع] فلا حرج في ذلك. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126489 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4894 وقفات شرعية مع الأزمة المالية [السُّؤَالُ] ـ[ما هو تعليقكم فضيلة الشيخ محمد المنجد بخصوص ما حصل من الأزمة المالية]ـ [الْجَوَابُ] بسم الله الرحمن الرحيم وقفات شرعية مع الأزمة المالية مما لا يخفى على أحد أن الأزمة المالية اليوم تعصف بالعالم شرقاً وغرباً، فهي حدثٌ عظيم أقضَّ مضاجع السَّاسة وأصحاب القرار وأرباب الفكر والاقتصاد، وهي خطبٌ جسيم، له تعقيداته وتداعياته المتعددة، يوضح ذلك الاضطراب الكبير الذي يعيشه الاقتصاديون والسياسيون، وكثرة الكتابات، وتباين التحليلات، فهم في أمر مريج، وقد أقبل بعضهم على بعض يتلاومون فيمن يتحمل مسؤولية ما حدث. وهذه الأزمة تستوجب وقفاتٍ لبيان بعض الجوانب الشرعية المهمة المتعلقة بها: 1- الأزمة حقيقية: تهاوت فيها بنوك كبرى ومؤسسات مالية، وانحدرت فيها البورصات العالمية، وتبخرت تريليونات، وطارت مليارات من أسواق المال، وهوت دول في العالم إلى الحضيض، وملايين فقدوا أموالهم إما على هيئة أسهم، أو مدخرات أو استثمارات، وتآكلت من استثمارات الشعب الأمريكي في البورصات المالية بمقدار 4 تريليون دولار، وصارت هذه الأزمة أشبه بتسونامي يعصف باقتصاديات الكثير من الدول. 2- فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ: الاقتصاد والمال هما القاعدة الأساس للمجتمع الغربي، ولما ركنوا إليها وتركوا شريعة الله (فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ) . وها نحن نرى اليوم تدميراً كبيراً يُطبق عليهم، فأمسى البناء الاقتصادي الذي تفاخروا به وظنوا أنه يمنعهم ويحميهم سبباً لاضطرابهم وفساد أمرهم، فجاءهم البلاء من فوقهم ومن أسفل منهم، وكانوا يظنون نظامهم المالي محكماً ولكن جاءهم من جهته ما لم يكونوا يحتسبون (وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ) 3- قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ: كما أن للمصائب والكوارث أسباباً مادية معروفة، فإن لها أسباباً شرعية كذلك، ووجود الأسباب المادية لا يتنافى مع الأسباب الشرعية. فالظلم والبغي والذنوب والمعاصي وأكل الحقوق كلها أسباب لنزول المصائب بالناس، على مستوى الأفراد والجماعات، بل على العالم كله أحياناً، كما نشهده في هذه الأزمة التي تنطوي على كوارث يتبع بعضها بعضاً، (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) ، (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) . وفي الحديث الصحيح: (إذا ظهر الزنا والربا في قرية، فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله) أخرجه الطبراني في الكبير وصححه الألباني في صحيح الجامع (679) . فلم يكن ما نزل بالقوم آفة سماوية، وإنما بلاء أصابهم بذنوبهم وبما كسبت أيديهم. 4- الله يُمهل ولا يُهمل: فقد أمهلهم وهم يتعاملون بالربا، ويأكلونه أضعافًا مُضاعَفة، ويحاربونه تعالى على مر السنين، حتى أخذهم بالنقص والبوار، كما فعل مع فرعون وقومه من قبل: (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) . وقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ، حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ) ، ثُمَّ قَرَأَ: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) متفق عليه. فلا يظنن ظانٌ أنَّ الله في عليائه وكبريائه وجبروته يترك هؤلاء يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق، ويكفرون به، ويقترفون كل كبيرة، ثم لا يُنزل بهم بطشه وعقوبته وعذابه. 5- مصير الباطل إلى ضعف واضمحلال: فمهما علا وارتفع فهناك يوم سينخفض فيه ولا بد، سنةٌ من سنن الله لا تتبدل ولا تتغير (حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يَرْتَفِعَ شَيْءٌ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا وَضَعَهُ) البخاري (2872) لقد تبوّأ الغربيون ذروة الاقتصاد عالمي، وقالوا:" من أشدّ منّا قوّة؟ فأنزلهم الله تعالى من صياصيهم وقلاعهم المالية، وقذف في قلوبهم الهلع والرعب، وأظهر زيف ادعاءاتهم. 6- انكسار منسأة العالم الغربي: لقد أكلت سوسة الربا والمحرمات المالية منسأة العالم الغربي، الذي كان يتظاهر أمام الناس بأنه قويٌ معتدل، بينما هو يستند على عصاً منخورة، فلما خر تبينت الجن والإنس والشرق والغرب أنَّ البناء خاو والأساس متهالك لايمكن إنقاذه وإعادته، وقد صرح وزير المالية الألماني "بير شتاينبروك" قائلا: "إن العالم لن يعود أبداً إلى ما كان عليه قبل الأزمة ". 7- حرب الله على أهل الربا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ... ) . وهذه الحرب تتجلى اليوم بصورها المتنوعة: على الأعصاب والقلوب..على البركة والرخاء..على المال والقوة.. على السعادة والطمأنينة. إنها حرب القلق والخوف..الساحقة الماحقة من جراء النظام الربوي المقيت..والمسعرة حتى الآن؛ تأكل الأخضر واليابس. وهاهم اليوم يصابون بالاكتئاب والقلق والإحباط والانهيارات النفسية جراء الأزمة المالية، حتى قالت العالمة النفسية الأمريكية " نانسي موليتور": " لم أشهد يوماً طوال ممارستي هذه المهنة منذ عشرين عاماً، ما يشبه ذلك، إن مستوى القلق يحطم كلَّ الأرقام القياسية". ووصل الأمر إلى حالات قتل وانتحار نتيجة ضغوط الأزمة. 8- (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا) : والمحق حسي ومعنوي، فيذهب ببركة المال فلا ينتفع به صاحبه، أو يذهب بالمال كليةًَ كما سمعنا عن تبخر ترليوني دولار في خمسة أيام من أموال مصلحة التقاعد الأمريكية ... وقد أدت الأزمة حتى الآن إلى اختفاء 16 بنكا من الساحة، من بينها بنك "إندي ماك" الذي يستحوذ على أصول بقيمة 32 مليار دولار، وودائع تصل إلى 19 مليار دولار. بل طالتْ عملية الإفلاس سبعة بنوك كبرى في أوروبا. ويتوقع بعض المحللين أن يتم إغلاق ما يقرب من 110 بنكا، تصل قيمة أصولها إلى حوالي 850 مليار دولار بحلول منتصف العام القادم. 9- المرابي يعاقب بنقيض قصده: (وما أَتْيتُم مِن رِباً لِيَرْبُوَ في أَمْوال النَّاسِ فَلاَ يَرْبُو عِنْد الله) وفي الحديث الصحيحَ: (مَا أَحَدٌ أَكْثَرَ مِنْ الرِّبَا إِلَّا كَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهِ إِلَى قِلَّةٍ) رواه ابن ماجه وصححه الألباني. وقد ظهر للناس من ذلك صور كثيرة، منها أن خسائر 10 أثرياء بريطانيين بلغت 40 مليار دولار،، كما أن أحد المرابين الكبار تناقصت ثروته خلال أربعة أشهر بمعدل 7 ملايين في كل ساعة، وفي روسيا بلغت خسائرُ رجال الأعمال نحو 230 بليون دولار، ويمثل هذا المبلغ نحو 62 % من مجموع ثروات الأثرياء الروس!! فكيف حسرة أمثال هؤلاء 10- تزاوج الربا والميسر نذير خراب ودمار: وكانت من نتيجة هذا التزاوج إعلان أكبر المصارف الأمريكية إفلاسها، كمصرف "ليمان براذرز"، ومصرف "أنتجرتي"، و"واشنطن ميوتشوال"، وانهيار أكبر شركة تأمين (AIG) التي دفعت (11) بليون دولار من التعويضات, وتكبدت أكبر خسائر في تاريخها الذي يمتد إلى تسعين عاما!!. وأصبح ما بين (2-3) ملايين أمريكي يواجهون خطر فقدان منازلهم، بسبب عدم قدرتهم على دفع الأقساط الشهرية. ومع هذه الآثار يطالبنا بعض من في قلبه مرضٌ بالتأمين على الأرصدة ضد مخاطر الإفلاس!! 11- جزاء الطمع: الطمع والجشع، والخداع، والتدليس في العقود، مع التغرير بالناس، واستغلال حاجتهم.. أسبابٌ لها تأثيرها الواضح في الأزمة، فقد توسعت بعض هذه البنوك في الإقراض لأكثر من (60) ضعف حجم رؤوس أموالها الحقيقية، طمعاً في الأرباح الكثيرة. وقد علقت بعض صحفهم على هذه الأزمة بقولها: " لوموا الطمع". 12- مخاطر التعامل بالأرصدة الوهمية: فقد أظهرت الأزمة الفارق الكبير بين القطاع العيني من السلع والخدمات والمنتجات الحقيقية، وبين المشتقات المالية المعاصرة كالنقود الإلكترونية، والسندات المالية، والبطاقات الائتمانية على نقود وهمية..والأرصدة الإلكترونية التي لا وجود لها إلا في ذاكرة الحواسيب ... تكتسب قيمتها من ضمان البنوك لها، فإذا فقدت الثقة في هذه البنوك والمؤسسات زالت قيمتها. فماذا يفعلون بعد أن تبخرت الأرقام الفلكية للمليارات والترليونات التي كانت تتراقص على شاشات البورصات. 13- الاقتصاد الحر والفشل: هذه الأزمة أكبر دليل على فشل نظرية الاقتصاد الحر، فترك الباب مفتوحا على مصراعيه؛ ليتصرّف الفرد كما يشاء، دون قيود وضوابط لتصرفاته الاقتصادية لتنمية المال، أدى إلى تضخّم رؤوس المال لدى فئة من المجتمع.. فعُدِم التوازن وظهرت الطبقية بآثارها المخالفة لقول الله تعالى: (كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأغْنِيَاءِ مِنْكُمْ) . ورغم الحرية المزعومة وجدنا في حلولهم للأزمة تدخل الدولة بسلطتها لتأميم المصارف والمؤسسات المالية، وضخ الأموال لشراء الأصول، وتغيير الأنظمة، وتقييد حريات الملاك، من أجل حماية المؤسسات الاقتصادية من الانهيار. 14- تهالك المبادئ الرأسمالية: فقد أبانت هذه الأزمة عن فشل النظام الرأسمالي وعجزه عن تحقيق الأمان المالي والتوازن والعدالة الاجتماعية والاقتصادية بين فئات المجتمع المختلفة. ولطالما تباهى الغرب بنظامه المالي، وزعم أنه أكمل ما وصلت إليه البشرية حتى قال فوكو ياما: إن المجتمع الأمريكي هو ذروة كمال البشرية، وقمة نضج الإنسانية، وليس بعده شيء. واليوم يعترف قادة الغرب بفشل نظامهم المالي حتى وصفوه بالبالي والمهترئ. وحتى قال الرئيس الفرنسي ساركوزي: "إننا في حاجة إلى إعادة بناء النظام النقدي والمالي العالمي من جذوره". وتداعوا إلى قمة تجمع قادة الدول الكبرى لوضع نظام عالمي مالي جديد قبل نهاية العام. 15- أين المغترون بالنظام الاقتصادي العالمي: الذين ظنوا أنهم يأوون إلى ركن شديد، وقالوا: النظام المالي العالمي محكم لا يتطرق إليه الخلل ... ثم تبين أنهم يسيرون وراء سراب لا حقيقة له، وأنهم انخدعوا بمظاهر مزيّفة، لا تستحق الإشادة ولا التمجيد. ولقد كان في تأخر السقوط حكمةٌ بالغةٌ من الابتلاءِ والإملاء للظالمين والمغترين بهم وكشف للمنافقين والمفتونين بمناهج غير المسلمين 16- ثم نُكسوا على رؤوسهم: فبعدما تجاوز العالم هول الصدمة الأولى للانهيار المالي خرج بعض المنافقين ومتعصبة الرأسمالية ليدافعوا عن نظامهم المالي البالي، زاعمين أن الخلل ليس فيه، وإنما في سوء تطبيقه ونقصان بعض القيود فيه، وأنه لا يحتاج إلى تغيير وإنما يحتاج بعض التعديلات فقط وهذه مكابرة لا يستفيد أصحابها من الأحداث والعبر، (وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ) ، (وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ) . 17- خطورة وضرر فصل الاقتصاد عن الإسلام: لطالما نادى المنافقون بضرورة الفصل بين الاقتصاد والدين، ولسان حالهم يقول كما قال قوم شعيب: (يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) . ما للدين وسلوك الناس الشخصي وتصرفهم في أموالهم، وحياتهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية وأسلوب الإنتاج، وطرق التوزيع؟ لقد أبانت هذه الأزمة أن الاقتصاد إذا ابتعد عن أحكام الشريعة وقواعدها تخبط في الظلمات، وأورث الكوارث والأزمات. 18- القواعد الشرعية المالية صِمَام أمان للاقتصاد: ولما تجاوز القوم هذه القواعد الشرعية في التعاملات المالية وتعدوا حدود الله وانتهكوا حرماته من خلال: الإقراض والاقتراض بالربا، وبيع الديون، والبيوع الوهمية، والبيع قبل القبض، وبيع ما لا يملك، وبيع الغرر والجهالة، والتعامل بالميسر والتأمين.. تسبب ذلك في نكبتهم وسقوط شركاتهم وبنوكهم..وبلغ حجم المشتقات المالية المشؤومة الهالكة المهلكة في العالم أكثر من 600 تريليون دولار. 19- الأساس السليم يورث بناء سليما: (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) . فلا اقتصاد بلا نور الوحي، وليس كما ينادى المنافقون بأنه" لا اقتصاد بغير بنوك، ولا بنوك بغير ربا". 20- فرصة ذهبية للدعوة: ما حدث يعد فرصة عظيمة لأتباع النظام الاقتصادي الإسلامي ليبينوا أنه النظام الوحيد الناجح، والذي يحقق ما يحتاجه العالم. ولقد بدأ الغربيون أنفسهم يدركون هذه الحقيقة، إذ دعت كبرى الصحف الاقتصادية في أوروبا لتطبيق الشريعة الإسلامية في المجال الاقتصادي للتخلص من براثن النظام الرأسمالي الذي يقف وراء الكارثة الاقتصادية التي تخيم على العالم. حتى كتب أحدهم متسائلاً: "هل تأهلت وول ستريت لاعتناق مبادئ الشريعة الإسلامية؟ ". وقالت "سواتي تانيجا" إحدى خبيرات المال في أوروبا: " إن الأزمة المالية بأمريكا تعطي فرصة ذهبية للاقتصاد الإسلامي المنافي للتعاملات الربوية". 21- تهيؤ الأنظمة السياسية والمالية لتقبل النظام الإسلامي: بعد أن كان محارباً من قبل، وقد صدر مؤخرا كتاب للباحثة الإيطالية "لووريتا نابليوني" بعنوان "اقتصاد ابن آوى" أشارت فيه إلى أهمية التمويل الإسلامي، وقالت: "المصارف الإسلامية يمكن أن تصبح البديل المناسب للبنوك الغربية ". وبعض المصارف العربية بدأت تفكر جدياً بوقف عدد من التعاملات المصرفية ذات الثقافة الغربية الدخيلة كعمليات البيع على المكشوف، وبيع بالدين، والبيع متعدد الخيارات "الأُبشنز". والمؤسف أنهم لم يفكروا بذلك إلا بعد أن اعتمده الغرب اتباعاً لهم حذو القذة بالقذة. 22- استثمار الأزمة في إيصال الحق للناس: إن من واجب الخبراء الماليين الإسلاميين أن يستخرجوا مفردات النظام المالي الإسلامي من القرآن والسنة ويقدموه للبشرية نظاماً مالياً كاملاً مستقلاً، لا تابعاً ولا ترقيعياً. فليس النظام الإسلامي هو الخالي من الربا فقط، ولا المقتصر على أحكام دون أخرى، ولا المشتمل على منتجات غربية بطلاء الأسلمة، بل هو نظام كامل مستقل يحقق مقاصد الشريعة والعدل في التعاملات المالية كافة. 23- ظهور حكمة الله في التشريع: فقد استبان لكل من له قلب ونظر بعين اليقين أن الله تعالى لا يشرع شيئاً إلا وفيه مصلحة العباد، ولا يحرم شيئاً إلا وفيه ضررهم في الدنيا والآخرة. وهذه الأزمة المالية قد أوضحت بجلاء أضرار الربا والمخالفات المالية، فسبحان من حرمها وغلّظ تحريمها!! وليس مستغرباً أن يكتب رئيس تحرير مجلة "تشالينجز" قائلا: "لو حاول القائمون على مصارفنا احترام ما ورد في القرآن من تعاليم وأحكام وطبقوها، ما حل بنا ما حل من كوارث وأزمات". 24- الشفاء والعلاج لا يكون بما حرَّم الله: فالأموال المخصصة لإنقاذ المصارف وانتشال النظام المالي بزعمهم مصدرها الاستدانة الربوية، أو الظلم بزيادة الضرائب، أو طبع المزيد من العملة بغير رصيد المؤدي للتضخم، وقد ذكرت صحيفة "لو باريزيان" الفرنسية أن الحكومة الفرنسية ستقدم (10.5) مليار يورو إلى 6 من المصارف بفائدة مقدارها 8% وهي قروض بالربا أيضاً من بنوك ودول أخرى. ولسان حالهم يقول: وَداوِني بِالَّتي كانَت هِيَ الداءُ. 25- القوة المادية عند غير المؤمنين تغرُّهم وتُطغيهم: وتقودهم إلى الاستكبار في الأرض، واستعباد الآخرين، وتنسيهم قوة الله، وتجعلهم يكفرون به، ويجحدون بآياته. وهذا هو المرض الخطير الذي أصاب قوم عاد، (فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) . وكم من الأمم والأقوام المتجبرين في الماضي والحاضر يتصرفون بالمنطق ذاته، وسيهلكهم الله كما أهلك قومَ عاد!. وكفار اليوم ليس لديهم حصانة من بطش الله: (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ) . 26- عاقبة الظلم والبغي والتكبر وخيمة: فالظالم والباغي والمتكبر في الأرض بغير الحق لا يسلم من سوء العقاب ولا يفلح (إنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) ، (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ) . وهاهي أقوى دولة في العالم اليوم بحاجة إلى المساعدة وتريد الاقتراض بأي وسيلة، بعد أن أنفقت في حربها الظالمة على العراق أكثر من (700) مليار دولار باعتراف بعض ساستهم، وقدر بعض باحثيهم أن كلفة مغامراتهم العسكرية في العالم بلغت (3) تريليون دولار. 27- سنة الله مع الأمم الظالمة واحدة: (وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ) ، (وَتِلْكَ القُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً) ، (وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ) وكلمة "قارعة" نكرة تفيد العموم، فتعم كل قارعة، فقد تكون مسموعة كالصواعق والعواصف، وقد تقرع القلوب بالرعب والذعر والهلع كالانهيارات والأزمات المالية. إنه رعب صامت على الشاشات!!. كتب أستاذ علم السياسة والاقتصاد البريطاني "جون غري" مقالا في صحيفة "ذي أوبزيرفر تحت عنوان "لحظة الانكسار في سقوط قوة أميركا" قال فيه: "إن حقبة الهيمنة الأميركية قد انتهت" وكذلك نادى الساسة الروس وغيرهم. 28- شؤمُ المعصية يعم: وهذا ظاهر في الأضرار التي لحقت بالاقتصاديات العالمية كافة، ويؤكده قول الأمين العام للأمم المتحدة: "الأزمة المالية تهدد معيشة مليارات الأشخاص عبر العالم". وفي رسالة بعثت بها منظمة الأغذية والزراعة "الفاو" إلى 34 ألف لجنة للأمن الغذائي في أنحاء العالم، تقول فيها: " إن انهيار أسواق المال في العالم سيتمخض عن مجاعة حقيقية تنال 36 بلدا في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية بحلول 2009".. وقد بلغت خسائر البورصات العالمية قرابة (3) تريليون دولار، وتبخرت (155) مليار دولار من بورصات الخليج في أسبوع. وحذر رئيس منظمة العمل الدولية من فقدان حوالي 20 مليون شخص وظائفهم بحلول نهاية العام القادم على خلفية الأزمة. وصدق الله إذ يقول: (واتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) . وكان من حكمة الله في ذلك تبغيض أصحاب مركز الزلزال المالي في قلوب أهل الأرض كافة باعتبارهم المسؤولين عن هذه الكارثة. 29- لله الحكمة البالغة: في قضاءه وقدره، فتقديره سبحانه مبني على حكمته، وعدله، ذلك تقدير العزيز العليم. ولا يخرج شيء في الكون عن مقتضى حكمته، فهو الحكيم الخبير. ومن حكمته سبحانه جعل المصائب والكوارث سبباً للاتعاظ والتذكر والرجوع إليه، (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) ، وقال: (لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) . فمن الناس من يرجع إلى الله بسبب هذه الأزمة، وكثير حقَّ عليه العذاب، لا يتوب ولا يؤوب: (فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) . 30- الملك الحقيقي لله: وقد استخلف الناس في هذا المال، فما شاء أبقاه وما شاء أخذه، يغني من يشاء ويفقر من يشاء، ويعطي من يشاء ويمنع من شاء، وفي هذه الأزمة درس للمغترين والمغرورين السائرين على قول قارون: (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي) ، الذين نسوا أن الله قادر على أخذهم وأخذ أموالهم وثرواتهم فجأة. 31- الإنسان هلوع جزوع: أبانت هذه الأزمة عن مدى الهلع والجزع الذي أصاب الناس كما قال تعالى: (إِنَّ الإنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا، إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا، وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا، إِلا الْمُصَلِّينَ) . فإذا أصابه المكروه جزِع، ويئس، وقنط (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نزعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ) . وقد نتج عن هذه الأزمة: حالات انتحار وقتل.. سكتات قلبية ودماغية.. جلطات وأمراض مزمنة.. وانهيارات عصبية وأزمات نفسية.. وانتهت بعض الدراسات إلى أن 57% من المتعاملين بالبورصة يصابون بالأمراض "النفس جسدية"، وفي تصريح لمنظمة الصحة العالمية: " الأزمة المالية ستزيد الاضطرابات العقلية في العالم". أما المؤمن فحاله مختلفة تماما: (عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) مسلم (2999) . 32- شدة تعلُّق الإنسان بالمال: وقد كانت هذه الأزمة مثالا واضحا للحقيقة التي ذكرها الله بقوله: (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا) أي: حباً كثيرًا شديداً. وقوله: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) . وكان من تأثير هذا الأمر أن أقدم بعض من خسر ماله على الانتحار، لأن المال كان كل شيء في حياته، فلما فقده لم يعد عنده للاستمرار في الحياة دافع، فأقدم على الانتحار بعد أن صار عبدا للدينار والدرهم والدولار، وهذا من نتائج تعلُّق القلب بغير الله. 33- ضعف التوكل على الله في أمر الرزق والمعاش، لقد كشفت هذه الأزمة عن مدى القلق الشديد على المستقبل، نتيجة للخوف من عدم القدرة على توفير الاحتياجات الأساسية، والتخلُّص من تبعات الديون. ولو آمن الناس بقوله تعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا) ، وبقوله: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) لرزقهم رزقاً حسناً سهلاً ميسوراً مضموناً كما يرزق الطير. 34- في ذهاب أموال الجبابرة عبرة تذكِّر بموقف الفريقين من الطاغية قارون: وذلك لما خرج على الناس بأبهى زينته: (قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) . وكذلك يقول المغترون في كل زمان، وأما أهل العلم والإيمان فيقولون: (وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ) . فلما خسف الله به الأرض، كانت النتيجة: (وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) . 35- تقلب حال الدنيا وزوالها: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ) . فالدنيا ظل زائل، نعيمها يبور، وزخرفها زور (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) . (وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) ، (وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ) أي: محل الإقامة ومنزل السكون والاستقرار. والدنيا خضرة حلوة، تغر أهلها، ولما ظن الكفار أن أموالها دائمة لهم بعدما نجحوا في التجارات والصناعات وتقدموا في الآلات والمخترعات، أتاهم أمر الله بغتة كما قال عز وجل: (حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) . وقال سبحانه: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ، كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) . 36- قصور البشر في التحليل وتوقع الأزمات: فقد كانت بعض دراسات استشراف المستقبل عند الغرب تبشر باستمرار الازدهار وتحسن أوضاع الأسواق، بل إن أحد مراكز الاستشراف تنبأ بأن عام 2009 سيكون عام ازدهار اقتصادي. وتوقع بنك "مورجان ستانلي" الأمريكي أن يبلغ سعر برميل النفط 150 دولار، وقالوا: انتهى عصر النفط الرخيص، وتوقع آخرون بلوغه 200دولار للبرميل. ومع تقدم العلوم الرياضية، والنظريات الاحتمالية، واختراع الحواسيب التي تقوم بالتحليل وحساب نتائج المعادلات الصعبة، ظن بعض الغربيين أن ذلك كاف في الحكم على المستقبل ومعرفته بدقة، فاتكأوا كثيرا على نتاج أبحاثهم، فكانت هذه الأزمة مخيبة لتوقعاتهم ودراساتهم، صادمة ودافعة لهم للاعتراف بقصورهم وعجزهم واعترافهم بأنهم سيعيدون حساباتهم ويعدِّلون توقعاتهم. وصدق الله القائل: (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) ، (يعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) . على أن بعض عقلائهم قد حذروا من هذه الانهيارات وأسبابها، ولكن لم تلق تحذيراتهم آذانا مصغية، إلا بعد فوات الأوان، وبعد أن لم يعد الإنقاذ بالإمكان. وختاماً: نسأل الله تعالى أن ينصر دينه، ويعلي كلمته، ويعز الإسلام والمسلمين، ويذل المنافقين والكافرين، ويعوض من أصيب من المسلمين خيراً، ويعظم لهم أجراً، ويوفقنا جميعا لما يحب ويرضى. وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ. يليه الجزء الثاني إجراءات وعلاجات في الأزمة المالية. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 126477 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4895 كان يتصدق على الناس فخرج من عمله وكثرت ديونه فهل يطلب ممن أعطاهم مساعدته؟ [السُّؤَالُ] ـ[كنت موظفاً بشركة كبيرة، وكان راتبي ودخلي مرتفعاً جدّاً، وكنت قد نويت أن أخرج مبلغاً ماليّاً شهريّاً من راتبي، وبالفعل كنت أقوم بذلك بطريقة معينة، يعني: كنت أستدين مبلغاً كبيراً من المال، وأسدده بالتقسيط من راتبي، ولم يكن ذلك يزعجني، وقد كنت أستدين حتى تكون مساعدتي للفقير مجزية، كأن أزوِّج أحداً، أو أساعد إحدى العوائل في شراء منزل، وهكذا، واستمررت على هذه الطريقة مدة 5 سنوات، وفي آخر مرة اضطررت لأن أترك العمل، فلم أستطع تسديد ديوني بالشكل المتناسق الذي كنت قد تعودت عليه، فبدأ الدائنون يطالبوني بالمال، وعندما علم أهلي بذلك أنبوني على أن ما فعلته لا يجوز، وأنه يجب عليَّ أن أطالب من ساعدته ببعض المال حتى أسدد ديوني، وأنا لا أريد فعل ذلك، وأريد أن أسددها بنفسي، ولكن مع الوقت، فهل عليَّ إثم إذا أخرت سداد الدين لبعض الوقت، مع العلم أني أمر بضائقة مالية كبيرة في الوقت الحالي؟ فما يجب عليَّ أن أفعل؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نسأل الله تعالى أن يعوضك خيراً مما أنفقت، وأن يعجل لك قضاء ديونك. وقد أحسنت بنيتك الطيبة في إعانة الآخرين، وحرصك على أن تكون الأعطية مجزية. وأما استدانتك من أجل ذلك، فكان هذا غير لازم لك، ولكنك فعلته إحساناً إلى الناس، وكنت تظن أنك قادر على سداد تلك الديون. ولذلك لا نرى لأحد أن يلومك على ذلك، ولا تندم على شيء فعلته لله ولم تكن متعدياً فيه ولا مقصراً. والواجب على الدائنين إمهالك حتى تكون قادراً على قضاء الدَّين، قال الله تعالى: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) البقرة/ 280. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: " أي: وإن كان الذي عليه الدين معسراً، لا يقدر على الوفاء: وجب على غريمه أن ينظره إلى ميسرة، وهو يجب عليه إذا حصل له وفاء بأي طريق مباح: أن يوفي ما عليه، وإن تصدق عليه غريمه - بإسقاط الدين كله، أو بعضه -: فهو خير له " انتهى. " تفسير السعدي " (ص 959) . ونبشرك بأن الله تعالى قد وعد مَنْ يأخذ أموال الناس يريد أداءها: أنه تعالى يعينه على سداده في الدنيا، أو يؤديها عنه في الآخرة، بإسقاط الإثم، وإرضاء المدين. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ) . رواه البخاري (2257) . قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: " ولكن بشرى للإنسان: أنه إذا أخذ أموال الناس يريد أداءها: أدى الله عنه، وإذا أخذها يريد إتلافها: أتلفه الله، فإذا أخذت أموال الناس بقرضٍ، أو ثمن مبيع، أو أجرة بيت، أو غير ذلك، وأنت تريد الأداء: أدَّى الله عنك، إما في الدنيا يعينك حتى تسدد، وإما في الآخرة، صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، أما المتلاعب بأموال الناس، والذي يأخذها، ولا يريد أداءها، ولكن يريد إتلافها: فإن الله يتلفه، والعياذ بالله " انتهى. " شرح رياض الصالحين " (6 / 32) . ثانياً: أما ما اقترحه عليك أهلك من مطالبة مَن كنت ساعدته في سالف الأيام: فهو اقتراح في غير محله، وقد يكون ذلك نوعاً من الرجوع في الصدقة، وأنت أخرجت هذا المال لله، فلا يجوز لك الرجوع فيه. فعَنْ عُمَرَ بنِ الخطَّاب رضي الله عنه أَنَّهُ حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَوَجَدَهُ عِنْدَ صَاحِبِهِ وَقَدْ أَضَاعَهُ وَكَانَ قَلِيلَ الْمَالِ فَأَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: (لَا تَشْتَرِهِ وَإِنْ أُعْطِيتَهُ بِدِرْهَمٍ ولا تعُد في صدقتك فَإِنَّ مَثَلَ الْعَائِدِ فِي صَدَقَتِهِ كَمَثَلِ الْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ) . رواه البخاري (1419) و (2841) ومسلم (1620) و (1622) . ومطالبة أولئك الذين أحسنتَ إليهم بشيءٍ مما بذلته لهم: هو من الأذى الذي نهى الله تعالى عنه، والذي يسبب بطلاناً للصدقة، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى) البقرة/ 264. قال ابن كثير رحمه الله: " يمدح تعالى الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله، ثم لا يُتبعون ما أنفقوا من الخيرات والصدقات منّاً على مَن أعطوه، فلا يمنُّون على أحد، ولا يمنُّون به، لا بقول، ولا فعل. وقوله: (وَلاَ أَذَى) أي: لا يفعلون مع مَن أحسنوا إليه مكروهاً يحبطون به ما سلف من الإحسان " انتهى. " تفسير ابن كثير " (1 / 693) . واستعن بالله ربك على أداء ديونك، ونسأل الله لك التوفيق والسداد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126294 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4896 هل يجوز شراء بيت عن طريق الدخول في قرعة مع دفع رسوم غير مستردة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز امتلاك بيت بشرط أن يدفع الشخص مبلغاً مقدَّماً، ورسوماً محددة للدخول فيما يشبه القرعة، ففي حال كانت القرعة من نصيب الشخص: فإنه يدفع بقية الفلوس المفترض أن يدفعها كقيمة لهذا البيت، أما في حالة أن القرعة لم تكن من نصيب الشخص: فإنهم يعيدون له المبلغ الذي دفع مقدَّماً فقط، ولا يعيدون رسوم القرعة؟ . لم أُقدم على مثل هذه العملية؛ لأني شعرت أنها نوع من المقامرة، فهل شعوري هذا صحيح؟ أرجو تزويدي بالإجابة؛ لأن هناك كثيراً من الأشخاص انخرطوا في مثل هذا العمل. ولكم أن تراجعوا هذا الرابط في حال أردتم أن تتأكدوا من الشرط المذكور.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله توقفك عن الاستمرار في تلك العملية هو الصواب، بل هو الواجب، لأن الدخول في تلك القرعة بدفع الرسوم التي لا تسترد: هو دخول في عقد " ميسر " – مقامرة -، وضابط " الميسر ": هو ما يدخل فيه الإنسان على سبيل المخاطرة بالمال، فإما أن يخسر هذا المال، وإما أن يربح. وبالنظر فيما ذكرته يتبين أن الذي لا ترسو عليه القرعة يخسر ما دفعه من الرسوم، وإن خرج اسمه في القرعة كان رابحا – أي: في شراء البيت -، وبهذا يتبين حرمة الدخول في هذه المعاملة. وهذه المعاملة تشبه الدخول في المناقصات الحكومية، أو الخاصة، التي يدفع فيها رسوم للاشتراك، وغالباً ما يؤخذ من الداخلين في المناقصات مبالغ أكثر من قيمة دفتر الشروط والمواصفات الذي يُعطى لهم – وقد منع " مجمع الفقه الإسلامي " استيفاء أكثر من ثمن " دفتر الشروط " الذي يحتوي على الشروط والمواصفات للعمل المراد القيام به، وقد ذكرنا نص القرار في جواب السؤال رقم: (2150) وفيه: " لا مانع شرعاً من استيفاء رسم الدخول - قيمة دفتر الشروط بما لا يزيد عن القيمة الفعلية - لكونه ثمناً له ". فالذي ننصحك به هو عدم شراء بيت بهذه الطريقة. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125616 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4897 اخترع منتجا وباعه لوسيط ليبيعه على شركته دون علمها [السُّؤَالُ] ـ[أعمل مهندسا لدي إحدى شركات خدمات النفط منذ 10 سنوات. وظيفتي الأساسية هي صيانة معدات الشركة وإعطاء الدعم الفني. ولكن أضيفت إلي وظائف أخري إضافية لي علي مدار السنوات العشر. وشركتي تعاملني كأي شخص آخر بل أقل وذلك لأني لا أطالب بزيادات في مرتبي كالآخرين ولكني أنتظر تقييم الشركة لي وذلك لم يحدث إلا مرة أو مرتين. بدأت أكتشف اختراعات لشركتي ووعدت أكثر من مرة أني سأكافأ ولكن هذا لم يحدث, علي العكس كنت أوبخ لأني طلبت مكافأت. اختراعات كثيرة وتطوير هائل ولكن لا فائدة وكل ما آخذه هو الدعم المعنوي فقط. إلي أن توصلت إلي اختراع ولكني هذه المرة لم أعطه إلى شركتي مباشرة ولكني أعطيته إلي شركة وسيطة حتى تقدمه باسمها إلى شركتي نظير عمولة اتفقت مع هذه الشركة الوسيطة أن تأخذها, بعد أن تحصل ثمن الاختراع المباع لشركتي. وهذا الاختراع موجود منه في أمريكا ولكنه غالي الثمن بنسبة 50% علي الأقل. وشركتي استفادت جدا من هذا المنتج. سؤالي هو هل ما فعلته حلال أم حرام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: حق الاختراع والابتكار والتأليف ونحوه، ملك لصاحبه، وله أن يعتاض عنه؛ لجريان العرف على أن هذه الحقوق لها قيم مالية في السوق. وقد صدر من مجمع الفقه الإسلامي قرار بهذا الخصوص، ونصه: " إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من 1-6 جمادى الأول 1409هـ الموافق10-15 كانون الأول (ديسمبر) 1988م، بعد اطلاعه على البحوث المقدمة من الأعضاء والخبراء في موضوع الحقوق المعنوية، واستماعه للمناقشات التي دارت حوله، قرر ما يلي: أولاً: الاسم التجاري، والعنوان التجاري، والعلامة التجارية، والتأليف والاختراع أو الابتكار، هي حقوق خاصة لأصحابها، أصبح لها في العُرف المعاصر قيمة مالية معتبرة لتموّل الناس لها. وهذه الحقوق يعتد بها شرعاً، فلا يجوز الاعتداء عليها " انتهى من مجلة المجمع الفقهي (ع 5، ج 3ص 2267) . ثانيا: إن كان وصولك إلى هذا الاختراع، لم تعتمد فيه على شيء من منتجات الشركة، ولم تقتطع فيه وقتا من ساعات العمل المطلوبة منك في الشركة، بأن كان اشتغالك بالاختراع خارج وقت العمل، أو في الوقت الذي لا تكلف فيه بعمل، فهذا حق خالص لك كما تقدم، ولا حرج عليك في بيعه لشركتك، أو لشركة وسيطة تبيعه على شركتك. وأما إن كان هذا على حساب عملك في الشركة، أو اعتمدت فيه على مواد الشركة ومنتجاتها ومعاملها، فقد أسأت لتقصيرك في عملك، ولاستعمالك أغراض الشركة في غير ما وضعت له، ويلزمك تعويض الشركة عما لهم من حق، والأَصل: مصارحتهم، والاتفاق معهم على أخذ ما يقابل جهدك واختراعك، فإن خشيت مفسدة باعترافك هذا، أو غلب على ظنك أن الشركة لن تعطيك شيئا، فاعمل على إيصال الحق لهم بأي وسيلة ممكنة بعد تقدير هذا الحق بالاستعانة بأهل الخبرة في ذلك. وحق الشركة هذا – إن ثبت – لا يجوز التعدي عليه بحجة أن الشركة لم تزد في راتبك، أو لم تقدر عملك واجتهادك، فإن الظلم لا يقابل بمثله، وينبغي أن تسعى لتحسين وضعك في الشركة بالوسائل المشروعة كالمطالبة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125337 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4898 هل يجوز للمضارب أن يأخذ راتباً شهريّاً من مال المضاربة؟ وذِكر بعض شروطها [السُّؤَالُ] ـ[في المضاربة يتم تقسيم الأرباح بين الممول والمشغل حسب النسبة المتفق عليها بينهما، والسؤال: هل يجوز شرعاً أن يتفق الطرفان على أن يتقاضى المشغل راتباً شهريّاً ثابتاً إضافة للنسبة المتفق عليها؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المضاربة – وتسمى في كتب الفقه " القِراض " – عقد شراكة بين صاحب المال بماله، وبين العامل بها بعمله، ومن شروط هذه المضاربة حتى تكون صحيحة: أن لا يُضمن رأس المال لصاحبه، ولا يُعطى صاحب المال مبلغاً ثابتاً، بل له نسبة من الأرباح بحسب ما يتفقان عليه، والعامل بالمال قد أخذ مقابل عمله تلك النسبة المتفق عليها بينه وبين صاحب المال. لذا فقد أجمع العلماء على عدم جواز أخذه مبلغاً ثابتاً مقابل عمله مع نسبته في الربح؛ لأنه قد لا يُنتج المال إلا ما يأخذه هو، فيكون رابحاً دون صاحب المال، ولو كان هو شريكاً بماله: فله أن يأخذ مقابل عمله إن هو عمل بنفسه، سواء هو أو شريكه، وهذا الذي قلناه لا نعلم خلافاً فيه بين أهل العلم. وهذه طائفة من أقوال العلماء تبين شروط المضاربة، وأن ما جاء في السؤال من أخذ المضارب راتباً شهريّاً هو مما يفسد هذا العقد: أ. قال الشيخ سيد سابق – رحمه الله -: ويشترط في المضاربة الشروط الآتية: 1. أن يكون رأس المال نقداً، فإن كان تِبراً، أو حُليّاً، أو عروضاً: فإنها لا تصح، قال ابن المنذر: " أجمع كل من نحفظ عنه أنه لا يجوز أن يجعل الرجل ديْناً له على رجل مضاربة " انتهى. 2. أن يكون معلوماً؛ كي يتميز رأس المال الذي يتجر فيه من الربح الذي يوزع بينهما حسب الاتفاق. 3. أن يكون الربح بين العامل وصاحب رأس المال معلوماً بالنسبة، كالنصف، والثلث، والربع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم " عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها ". وقال ابن المنذر: " أجمع كل من نحفظ عنه على إبطال القِراض إذا جعل أحدهما أو كلاهما لنفسه دراهم معلومة " انتهى. وعلة ذلك: أنه لو اشترط قدراً معيناً لأحدهما: فقد لا يكون الربح إلا هذا القدر، فيأخذه من اشترط له، ولا يأخذ الآخر شيئاً، وهذا مخالف المقصود من عقد المضاربة الذي يراد به نفع كلٍّ من المتعاقدين. 4. أن تكون المضاربة مطلقة، فلا يقيد رب المال العامل بالاتجار في بلد معين، أو في سلعة معينة، أو يتجر في وقت دون وقت، أو لا يتعامل إلا مع شخص بعينه، ونحو ذلك من الشروط؛ لان اشتراط التقييد كثيراً ما يفوِّت المقصود من العقد، وهو الربح. فلابد من عدم اشتراطه، وإلا فسدت المضاربة. وهذا مذهب مالك والشافعي. وأما أبو حنيفة وأحمد: فلم يشترطا هذا الشرط وقالا: " إن المضاربة كما تصح مطلقة: فإنها تجوز كذلك مقيدة ". ... وليس من شروط المضاربة بيان مدتها؛ فإنها عقد جائز يمكن فسخه في أي وقت. وليس من شروطها أن تكون بين مسلم ومسلم، بل يصح أن تكون بين مسلم وذمي. " فقه السنة " (3 / 205 – 207) . ب. قال الكاساني الحنفي – رحمه الله – في بيان شروط عقد المضاربة -: ومنها: أن يكون المشروط لكل واحد منهما من المضارب ورب المال من الربح جزءاً شائعاً، نصفاً، أو ثلثاً، أو ربعاً , فإن شرطا عدداً مقدراً بأن شرطا أن يكون لأحدهما مائة درهم من الربح، أو أقل، أو أكثر، والباقي للآخر: لا يجوز , والمضارب فاسدة؛ لأن المضاربة نوع من الشركة، وهي الشركة في الربح , وهذا شرط يوجب قطع الشركة في الربح؛ لجواز أن لا يربح المضارب إلا هذا القدر المذكور، فيكون ذلك لأحدهما دون الآخر , فلا تتحقق الشركة , فلا يكون التصرف مضاربة، وكذلك إن شَرَطا أن يكون لأحدهما النصف، أو الثلث، ومائة درهم، أو قال إلا مائة درهم: فإنه لا يجوز؛ لأن المضاربة نوع من الشركة، وهي الشركة في الربح، وهذا شرط يوجب قطع الشركة في الربح؛ لجواز أن لا يربح المضارب إلا هذا القدر المذكور، فيكون ذلك لأحدهما دون الآخر، فلا تتحقق الشركة، فلا يكون التصرف مضاربة. " بدائع الصنائع " (6 / 85، 86) . ج. وقال الشيرازي الشافعي – رحمه الله -: ولا يجوز أن يختص أحدهما بدرهم معلوم ثم الباقي بينهما؛ لأنه ربما لم يحصل ذلك الدرهم، فيبطل حقه، وربما لم يحصل غير ذلك الدرهم، فيبطل حق الآخر. انظر " المجموع شرح المهذب " (14 / 366) . وانظر جواب السؤال رقم: (114537) . والخلاصة: أنه لا يجوز للعامل المضارب أن يكون له راتب شهري، وأنه ليس له إلا النسبة المتفق عليها بينه وبين صاحب المال. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 122622 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4899 حكم بطاقات التخفيض [السُّؤَالُ] ـ[يوزع هنا في دولة الكويت لطلاب الجامعات بطاقات خصومات تتراوح نسبته بين 5 إلى 25% وتكون على الكثير من الأماكن مثل المطاعم ـ محلات الألبسة- المكتبات ---إلخ لكن مع ملاحظة أن الحصول على هذه الخصومات يكون عن طريق شراء بطاقة لهذه الخصومات ثمنها 5 دنانير، وهناك من قال إن هذا الثمن هو كمصروف دعاية أو نفقات للشركة التي تقوم بتوزيع هذه البطاقات، فهل يجوز شراء هذه البطاقة واستعمالها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله بطاقات التخفيض التي تصدرها شركات الدعاية والإعلان والتسويق، أو شركات السياحة والسفر، أو بعض المراكز التجارية، وتمنح حاملها حسماً معيناً من أسعار السلع والخدمات لدى مجموعة من الشركات والمؤسسات وغيرها، هذه البطاقات تنقسم إلى قسمين: الأول: بطاقات يتم الحصول عليها بمقابل مادي عن طريق الاشتراك السنوي. الثاني: بطاقات مجانية، يتم الحصول عليها عن طريق الإهداء للمشتري تشجيعاً له على التعامل معهم، وقد تُمنح مجاناً لمن بلغت مشترياته حداً معيناً. أمَّا البطاقات التي يتم الحصول عليها بمقابل مادي فهي محرمة؛ لاشتمالها على عدد من المحاذير الشرعية، ومن ذلك: 1- الجهالة والغرر، لأن المشتري يدفع مبلغاً من المال ثمناً للبطاقة، بهدف الحصول على التخفيض، وهذا التخفيض لا تُعرف حقيقته ومقداره، فقد لا يستعمل البطاقة، وقد يستعملها فيحصل على تخفيض أقل مما دفع أو أكثر، وقد (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ) . رواه مسلم (1513) ، وهو كل بيع فيه جهالة. 2- أن هذه المعاملة قائمة على المخاطرة، وتدور بين الغرم والغنم، فيخاطر المشترى بالثمن الذي يدفعه مقابل الحصول على البطاقة، ثم إما أن يكون غانماً إذا حصل على تخفيض أكثر مما يدفع، وإما أن يكون خاسراً، إذا كان التخفيض أقل مما دفع، وهذه حقيقة الميسر الذي حرمته الشريعة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون) . المائدة/90. 3- في هذه البطاقات تغريرٌ بالناس، وخداعٌ لهم، وابتزازٌ لأموالهم؛ فأكثر هذه التخفيضات الموعود بها وهميّة غير حقيقية. وكثير من أصحاب هذه المحلات يرفعون الأسعار، ثم يوهمون صاحب البطاقة أنهم قد حسموا له من الثمن، وحقيقة الأمر أن الحسم تم على الزيادة التي رفعوها عن سائر المحلات. 4- أن هذه البطاقات كثيراً ما تكون سبباً للنزاعات والمخاصمات، لأن الجهة التي قامت على إصدار البطاقة لا تستطيع إلزام المراكز والشركات والمؤسسات بنسبة التخفيض المتفق عليها، فيؤدي ذلك إلى نزاعات وخلافات. وما كان سبباً للخلاف والنزاع والبغضاء فإن الواجب منعه، كما قال تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) . المائدة/91 5- في هذا النوع من بطاقات التخفيض إضرارٌ بالتجار الذين لم يشاركوا في برنامج التخفيض. " فتداول البطاقة المذكورة يجر إلى إحداث العداوة والبغضاء بين أصحاب المحلات، المشتركين في التخفيض وغير المشتركين، حيث تَنفُق سلع محلات التخفيض، وتكسد بضائع الذين لم يشتركوا في التخفيض ". "فتاوى اللجنة الدائمة" (14/10) . 6- ما يدفعه المشترك من رسوم لهذه البطاقات ليس له مقابل حقيقي، ولو أنه طلب من صاحب المحل تخفيض السعر له فقد يحصل على التخفيض الموعود به أصحاب البطاقات أو قريباً منه، وبذلك يكون المال الذي دفعه ثمناً للبطاقة بدون مقابل، وهو من أكل أموال الناس بالباطل، وذلك منهي عنه بنص القرآن: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) . وقد صدر عن المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي في دورته الثامنة عشرة قرار بتحريم التعامل بهذه البطاقات، ومما جاء فيه: " بعد الاستماع إلى الأبْحاثِ المقدَّمة في الموضوع والمناقشات المستفيضة قرَّر: عدم جواز إصدار بطاقات التخفيض المذكورة أو شرائها، إذا كانت مقابل ثمن مقطوع أو اشتراك سنوي؛ لما فيها من الغرر؛ فإن مشتري البطاقة يدفع مالاً ولا يعرف ما سيحصل عليه مقابل ذلك؛ فالغرم فيها متحقق يقابله غنم مُحتمل ". وكذلك صدرت عن اللجنة الدائمة للإفتاء فتوى بتحريم التعامل بهذا النوع من بطاقات التخفيض، وبه أفتى كل من الشيخين: ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله تعالى. ينظر: "فتاوى اللجنة الدائمة" (14/6) ، "فتاوى ابن باز" (19/58) . وأما البطاقات المجانيّة التي تقدم للمشتري من غير مقابل، فلا حرج في استعمالها والاستفادة منها، لأن منح البطاقة مجاناً يجعلها من عقود التبرعات، والغرر [الجهالة] في عقود التبرعات معفو عنه. والحاصل على البطاقة المجانية إن لم يستفد منها في التخفيض لم يخسر شيئاً. وبذلك صدر قرار المجمع الفقهي الذي جاء فيه: " إذا كانت بطاقات التخفيض تصدر بالمجان من غير مقابل، فإن إصدارها وقبولها جائز شرعاً؛ لأنه من باب الوعد بالتبرع أو الهبة ". وللاستزادة ينظر: "بطاقة التخفيض حقيقتها التجارية وأحكامها الشرعية" للشيخ بكر أبو زيد. "الحوافز التجارية التسويقية وأحكامها في الفقه الإسلامي" للدكتور خالد المصلح. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121759 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4900 حكم مشاركة المسلم في التجارة مع الكافر والفاسق [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن أشترك مع كافر أو فاسق في التجارة؟ وإذا كنتُ شريكاً في التجارة مع رجل مسلم فاسق، أو كافر، ثم انسحبت لكن بقي رأس مالي عنده على أساس يسدد لي المال نقداً بدل البضاعة في المستقبل، فهل عليَّ زكاة مالي الذي يتجر فيه، علماً بأني لا أحصل على أي فائدة من ذلك المال، أم الزكاة على شريكي؟ علماً بأن شريكي لا يدفع الزكاة، أو أنه قد يدفع الزكاة لكن في غير مصاريف الزكاة، فإذا لم يدفع زكاة ذلك المال فهل عليَّ زكاة ذلك؟ وأيضاً قررنا أن يسدد لي الدَّين الذي عليه بأن نبني بناية لنؤجرها، ففي هذه الحال كيف يكون الزكاة؟ يعني: أني لا أحصل الدَّين الذي على شريكي نقداً، بل عند سداد الدَّيْن الذي عليه سيذهب ذلك المال مباشرة في تكلفة البناية، نرجو منكم التوضيح.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: مشاركة المسلم للكافر والفاسق في التجارة أو العمل جائزة، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم " خيبر " اليهود أن يعملوها، ويزرعوها، ولهم شطر ما يخرج منها. رواه البخاري (2366) . فهذه مشاركة بين النبي صلى الله عليه وسلم واليهود على العمل في الأرض، فالعمل من اليهود، والأرض من النبي صلى الله عليه وسلم، والزرع الناتج يقسم مناصفة. والحديث بوَّب عليه البخاري في كتاب الشركة من صحيحه بقوله: " باب مشاركة الذمي والمشركين في المزارعة ". ثانياً: مشاركة المسلم للكافر تكون ممنوعة إذا كانت ستؤدي إلى موالاة الكافر ومحبته. والذي ينبغي أيضاً إذا كانت المشاركة في التجارة أن يتولى المسلم التجارة بنفسه، أو يكون رقيباً على معاملات الكافر أو الفاسق، حتى لا يتعاملا بالربا أو غيره من المحرمات. قال الشيخ صالح الفوزان في " الملخص الفقهي " (2 / 124) : "وتجوز مشاركة المسلم للكافر بشرط أن لا ينفرد الكافر بالتصرف، بل يكون بإشراف المسلم؛ لئلا يتعامل الكافر بالربا، أو المحرمات إذا انفرد عن إشراف المسلم" انتهى. وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: هل يجوز للمسلم أن يكون شريكاً للنصراني في تربية الأغنام، أو تجارتها، أو أي تجارة أخرى؟ فأجاب: "فإن اشتراك مسلم مع نصراني، أو غيره من الكفرة في المواشي، أو في الزراعة، أو في أي شيء آخر: الأصل في ذلك: جوازه إذا لم يكن هناك موالاة، وإنما تعاون في شيء من المال، كالزراعة، أو الماشية، أو نحو ذلك، وقال جماعة من أهل العلم: بشرط أن يتولى ذلك المسلم، أي: أن يتولى العمل في الزراعة، أو في الماشية: المسلم، ولا يتولى ذلك الكافر؛ لأنه لا يؤمن. وهذا فيه تفصيل: فإن كانت هذه الشركة تجر إلى موالاة، أو لفعل ما حرم الله، أو ترك ما أوجب الله: حرمت هذه الشركة؛ لما تفضي إليه من الفساد، أما إن كانت لا تفضي لشيء من ذلك، والمسلم هو الذي يباشرها، وهو الذي يعتني بها، حتى لا يخدع: فلا حرج في ذلك. ولكن بكل حال: فالأولى به السلامة من هذه الشركة، وأن يشترك مع إخوانه المسلمين، دون غيرهم، حتى يأمن على دينه، ويأمن على ماله، فالاشتراك مع عدو له في الدين: فيه خطر على خلُقه، ودينه، وماله، فالأولى بالمؤمن في كل حال أن يبتعد عن هذا الأمر؛ حفظاً لدينه، وحفظاً لعِرضه، وحفظاً لماله، وحذراً من خيانة عدوه في الدين، إلا عند الضرورة والحاجة التي قد تدعو إلى ذلك، فإنه لا حرج عليه بشرط مراعاة ما تقدم. أي: بشرط أن لا يكون في ذلك مضرة على دينه، أو عرضه، أو ماله، وبشرط أن يتولى ذلك بنفسه؛ فإنه أحوط له، فلا يتولاه الكافر، بل يتولى الشركة، والأعمال فيها: المسلم، أو مسلم ينوب عنهما جميعاً" انتهى. " فتاوى نور على الدرب " (1 / 377، 378) . ثالثاً: خروجك من الشركة وبقاء نصيبك فيها دَيناً على شريكك، يقطع علاقتك بالشركة، فلا زكاة عليك فيما يتعلق بمال الشركة. وإنما عليك زكاة هذا الدَّين الذي لك عند شريكك، حتى وإن كنت ستبني به بناية. فما دام الدين في ذمة شريكك، فعليك زكاته، وزكاة الدين فيها تفصيل ذكرناه في جواب السؤال رقم (1117) ، وخلاصته: إن كان شريكك غنياً باذلا للدين فعليك أن تزكيه كلما مر عليه الحول، وإن كان فقيراً أو معسراً أو ماطلاً، فالأحوط أن تزكيه عن سنة واحدة إذا قبضته، حتى ولو مر عليه عند شريكك عدة سنوات. وانظر جواب السؤال (119047) ، فهو شبيه بسؤالك. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120694 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4901 حكم استعمال شبكة الإنترنت في المسجد لأغراض شخصية [السُّؤَالُ] ـ[نحن مجموعة من الشباب نقوم على إدارة نشاط جامع من جوامع مدينة الرياض، ومن ضمن هذه المناشط: تهيئة البث عبر الشبكة للدروس الملقاة في الجامع، من خلال شبكة الإنترنت، وربط برنامج الحلقات، وأدائها اليومي بالجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم المشرفة على الجامع، وهذا البث عبر الشبكة والمناشط يتم تمويلها وسداد رسومها من فواتير، واشتراكات، وأجهزة، من أوقاف الجامع التي أوقفت لدعم مناشط الحلقات، وتعلمون أن رسوم اشتراك الإنترنت يدفع شهريّاً، سواء تم استخدامه من قبل المشترك (الجامع) أو لا، فقيمته ذاهبة، ولو لم يستخدم من قبل أحد، وهناك فترات يكون فيها إنترنت الجامع غير مستخدم، في خارج أوقات الدروس مثلا، وفي غير فترة دراسة طلاب الحلقة، فهل يجوز لمنسوبي الجامع استخدام هذه الشبكة واستعمالها لأغراضهم الشخصية، كتصفح مواقع الإنترنت، ورسائلهم البريدية الخاصة بهم، علماً أن ذلك يتم بواسطة أجهزتهم الحاسوبية الخاصة بهم لا بأجهزة الجامع نفسه؟ وإن كان الجواب: عدم الجواز , فهل يحق لهم دفع أجرة من قبل هذا الإداري لمشرف الحلقات، والقائم على الوقف نظير هذا الاستخدام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله شكر الله لكم جهودكم، وأثابكم على ما تقدمونه من خدمة للمسلمين. وبخصوص السؤال: فالذي نراه: هو جواز استعمال الشبكة في أموركم الشخصية، لكن تلك الإباحة مشروطة بشروط، وهي: 1. أن يكون ذلك التصفح لمواقع شرعية نافعة، بعيدة عن القيل والقال، والفتن، والمحرمات. 2. أن يكون ذلك التصفح لتلك المواقع النافعة، أو البريد الخاص: في الأوقات التي لا يستعمل فيها الإنترنت من قبل الجامع أو الجمعية. 3. أن يتم ذلك من خلال أجهزتكم الخاصة، لا من أجهزة المسجد. 4. أن لا يؤثر الاستعمال على الشبكة في مزيد من التكاليف، فبعض الاشتراكات تُعطى حدّاً أعلى للتحميل، فإذا زاد عن ذلك: دفعوا رسوماً إضافية، فإن كان استعمالكم ضمن الحد المسموح، أو ليس هناك حدٍّ أصلاً: فيجوز، وإلا فعليكم دفع ما تسببتم به من رسوم إضافية على شبكة المسجد. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 119293 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4902 هل يجوز لهذا البنك أن يخصم 5 ريال مقابل رسوم بطاقة الصراف الآلي؟ [السُّؤَالُ] ـ[لدي حساب في أحد البنوك السعودية، هل يحق للبنك خصم رسوم بطاقة صراف آلي؟ وهم يخصمون رسوم حساب جاري بشكل شهري بعذر أن الحساب منخفض الرصيد، قبلُ كان ألف ريال واليوم يقولون: ألفا ريال الحد المسموح لكي يتم الخصم، رسوم الحساب الجاري 2.5 ريال، ورسوم بطاقة الصراف 5 ريال، الخصم بشكل إجمالي 7.5 ريال، والحساب فيه أكثر من ألف ريال، وهو البنك الوحيد الذي نرى منه الأمور هذه، أما البنوك الأخرى فلم تفعل ما ذكر سوى الرسوم للحساب الجاري المنخفض فقط، فما الحكم في خصم رسوم بطاقة الصراف، هل يحق لهم الخصم أم لا؟ وتنفيذ القرارات دون علم العميل أو الإعلان عنها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من حيث الأصل: يجوز لمُصْدِر بطاقة الصراف استيفاء الرسوم المناسبة مقابل تقديمه خدمات تلك البطاقة، وإدارة شئونها، لكنَّ ذلك مرتبط بأمرين: 1. أن يكون مسموحاً له استيفاؤها وفق النظام العام المسؤول عن شؤون البطاقات. 2. أن يُعلَم العميل بهذا الخصم قبل استيفائه منه. وبالنظر في النظام المسؤول تبين أنه قد اشترط على البنوك عدم استيفاء رسوم من زبائن البطاقات، وقد تفاجأ الزبائن بخصمها دون إشعار سابق. وقد سألنا الشيخ عبد الرحمن الأطرم حفظه الله في يوم 29 من رجب 1429 هـ عن هذه المسألة، فقال: "يجوز لهم شرعاً استيفاء تلك الرسوم، ومثلها مثل الـ 2,5 ريال رسوم الحسابات المنخفضة، لكنَّ ذلك ممنوع عليهم نظاماً، وهو استغلال" انتهى. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 119173 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4903 متى تُدفع لليتامى أموالهم [السُّؤَالُ] ـ[متى يجوز لولي اليتامى أن يدفع إليهم أموالهم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أما أموال اليتامى فإنه لا يجوز لوليهم أن يدفعها لهم إلا إذا أنس منهم الرشد وذلك بحسن تصرفهم في الأحوال وعدم إنفاقهم لها في محرم، وليس وقت دفعها لهم البلوغ وإنما إيناس الرشد بعد البلوغ قال تعالى: (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم) ومنتهى اليتم البلوغ يكون (البلوغ) بأمور هي إنبات الشعر الخشن حول الفرج وبلوغ خمسة عشر سنة وإنزال المني يقظة أو مناماً والمرأة مثل الرجل إلا أنها تزيد بنوعين هما الحيض والحمل، قال في المقنع 2/139: (والبلوغ يحصل بالاحتلام أو بلوغ خمسة عشر سنة أو إنبات الشعر الخشن حول القبل وتزيد الجارية بالحمل والحيض والحمل دليل على إنزالها) . [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن إبراهيم في الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة ج/3 ص 1129 الحديث: 13262 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4904 أعطته الشركة مالا للعلاج زائدا عن الكلفة الفعلية [السُّؤَالُ] ـ[لقد تعرضت لحادث , وقد تم كسر كتفي في هذا الحادث .... والحمد لله تم علاجي على حسابي الخاص ..... وطلبت مني الشركة التي أعمل بها إحضار فاتورة بالمبلغ الذي سددته لترد لي هذا المبلغ الذي دفعته ... وفي ذلك الوقت كنت لم أنته من العلاج الطبيعي ... وطلبت من المركز الذي أتعالج فيه تحديد المبلغ الذي دفعته وعمل فاتورة به ... وأيضاً تحديد المبلغ الذي سوف أدفعه في المرات القادمة وعمل فاتورة به لأني في ذلك الوقت لم أنته من العلاج الطبيعي بالكامل ... وأخذت الفاتورة وأعطيتها لشركتي ودفعوا لي المبلغ 240 جنيه مصري تكاليف العلاج .... 165 جنيه قد دفعتها بالفعل للمركز من قبل.. و75 جنيه مفترض أن أدفعها في المرات القادمة للمركز الطبي لاستكمال بقية العلاج الطبيعي وبالفعل ذهبت مرتين ودفعت للمركز 15 جنيه ثمن المرتين ... ثم شعرت بتحسن ولم أذهب للمركز بعد ذلك وتبقى لي مبلغ 60 جنيه فماذا أفعل؟ هل يجوز لي أخذ هذا المبلغ بالرغم أن الشركة التي أعمل بها أعطتني للعلاج فقط؟ أم أستكمل العلاج بهذا المبلغ وأدفعه للمركز الطبي بالرغم أني شفيت؟ (المركز هو الذي حدد هذا المبلغ الذي سوف أحتاجه لاستكمال علاجي) أم أرد المبلغ للشركة التي أعمل فيها؟ لكن سوف يكون الموقف محرجاً لي، لأن المفترض عندما طلبت منهم رسوم العلاج وأعطيتهم الفاتورة التي تثبت ذلك فهم يعتقدون أني بالفعل قد دفعت كل المبلغ للمركز من قبل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يلزم رد المال الزائد إلى الشركة، لأنها إنما بذلته لكونه ثمن العلاج. وهذا الإحراج لا يبيح لك أن تأخذ المال، ولا أن تعطيه للمركز في مقابل علاج لا تحتاج إليه، بل ترده على الشركة كما سبق. ولا يشترط أن ترده بنفسك، بل المهم هو إيصال المال إلى الشركة بأي طريقة. وانظر جواب السؤال رقم (47086) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114802 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4905 النظر إلى الأجنبية للحاجة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للرجل النظر إلى المرأة الأجنبية، سواء المحجبة أو غير المحجبة؟ والنظر ليس بشهوة، بل هو لقضاء مصلحة، مثل البيع والشراء أو سؤال أو غير ذلك.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأصل الذي جاءت به الشريعة هو المنع من النظر إلى النساء عموما، والحث على غض البصر وحفظ القلب عن التطلع إلى صور النساء وعوراتهن، ومراعاة العفاف والحياء في علاقة كل من الجنسين بالآخر. ومع ذلك فقد راعت الشريعة اختلاف الظروف والأحوال، وقيام الحاجات التي تقتضي التوسع في هذا الباب، إلا أنه ينبغي التفريق بين المرأة المحجبة، وغير المحجبة، في أحكام النظر: فالمرأة غير المحجبة قد كشفت جزءًا من عورتها المُحرَّمَة كالشعر والنحر والساعد، وهذه عورات باتفاق العلماء، وقد حرم الله تعالى في كتابه النظر إلى عورات النساء ومواضع الزينة منهن، فقال عز وجل: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ. وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) النور/30-31 ففي هذه الآية الكريمة نص على وجوب غض البصر عن عورات النساء ومفاتنهن، فلا ينبغي للمسلم أن يتجاوز الحد الذي حده الله سبحانه، كما يفعل بعض الناس – هداهم الله – حين يجالسون النساء المتبرجات، أو يحادثونهن، أو يجرون معهن المقابلات وقد اتخذن كامل زينتهن، وقد يزيدون إلى ذلك ضحكا ومزاحا، ولا يرون فيما يصنعون بأسا، فليعلم هؤلاء جميعا أن الله عز وجل لا يرضى أن تنتهك حرمته مجاهرة، ولا أن تتخذ الأحكام الشرعية هزؤا وامتهانا، فكيف إذا أصبح التبرج ظاهرة لا يستنكرها كثير من الناس؟! تلك هي الانتكاسة الحقيقية في الدين والخلق والإيمان، نسأل الله تعالى لنا ولكم السلامة والعافية. يقول ابن القطان الفاسي رحمه الله: " إن كانت هذه الأجنبية – أي غير المحرم – كبيرة، وهي مسلمة، فلا خفاء بتحريم النظر من الأجنبي إلى ما عدا وجهها وكفيها وقدميها: كالصدر والبطن والعنق والشعر وما فوق السرة والظهر، هذه مواضع لا يجوز له النظر إلى شيء منها أصلا، وهذا مما لا خلاف فيه " انتهى. "أحكام النظر" (ص/143) أما المرأة المحجبة التي كشفت وجهها فقط، فهذه – رغم أنها خالفت الحكم الشرعي الراجح المقتضي لوجوب تغطية وجه المرأة – إلا أن قيام الحاجة إلى تعامل الرجال معها: من بيع، وشراء، ومساعدة، وتعليم، وعلاج، وشهادة، وخطبة، ونحو ذلك، يقتضي جواز النظر بقدر الحاجة إلى وجهها، بشرط ألا تصحبه شهوة، ولا تُخشى منه الفتنة، فإن الحاجة تنزل منزلة الضرورة، والضرورات تبيح المحظورات. انظر "الأشباه والنظائر" للسيوطي (ص/88) يقول الإمام النووي رحمه الله: " إذا كانت حاجة شرعية فيجوز النظر، كما في حالة البيع، والشراء، والتطبب، والشهادة ونحو ذلك، ولكن يحرم النظر في هذه الحال بشهوة، فإن الحاجة تبيح النظر للحاجة إليه، وأما الشهوة فلا حاجة إليها " انتهى. "شرح مسلم" (4/31) ويقول الإمام الرملي الشافعي رحمه الله: " (ويباح النظر) للوجه فقط (لمعاملة) : كبيع، وشراء، ليرجع بالعهدة ويطالب بالثمن مثلا، (أو شهادة) تحملا وأداء لها وعليها " انتهى. "نهاية المحتاج" (6/198) وقد سبق تفصيل الحالات التي تجيز النظر إلى الأجنبية، في جواب السؤال رقم: (2198) أما المرأة غير المحجبة فالواجب دائما التباعد عن النظر إليها إلا للضرورة، ولا يتوسع فيها كما هو في شأن المرأة المحجبة، فالمتبرجة قد كشفت أجزاءً من عورتها لم يرد في الشريعة جواز كشفها بحال من الأحوال باتفاق العلماء، أما المحجبة فقد كشفت ما توسعت الشريعة في كشفه – وهو الوجه – في أحوال مخصوصة باتفاق العلماء، ثم إن الخلاف في كشفه معتبر بين أهل العلم، وإن كانت ممن يتدين بجواز ذلك، فلا إثم عليها في كشفه، إن شاء الله. وفرقٌ ظاهرٌ بين الحالتين. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114196 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4906 أخذت منحة من أجل الدراسة وهي عازمة على تركها [السُّؤَالُ] ـ[أنا طالبة بجامعة بفرنسا ومقيمة مع أهلي. وأنا لم أعد أرغب في إكمال دراستي لكن رغم ذلك قمت بالتسجيل في الجامعة. وقد تم منحي إعانة شهريّة من قٍبل التعليم العالي بفرنسا لقضاء الاحتياجات الدراسيّة.لكني منذ بداية العام لم أذهب للجامعة إلا مرات معدودة وأنا عازمة على ترك الدراسة نهائيا ولا أنوي إلا حضور الاختبارات حتى لا يقع سحب المنحة مني فما حكم أخذ هذه المنحة مع العلم أني أعطيتها بصفة قانونية وأني أصرف أغلبها لمساعدة أهلي وأحبابي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الأمر كما ذكرت من أنك أعطيت المنحة بصفة قانونية، فلا حرج عليك في أخذها ولو كنت عازمة على ترك الدراسة نهائيا، ما دمت لم تتركيها بالفعل. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 113584 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4907 حكم التهنئة بابتداء العام الهجري [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم التهنئة بمناسبة العام الهجري الجديد بقول كل عام وأنتم بخير أو بالدعاء بالبركة وكأن يرسل رسالة يدعو فيها للمرسل إليه بالخير والبركة في عامه الجديد؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ما حكم التهنئة بالسنة الهجرية وماذا يرد على المهنئ؟ فأجاب رحمه الله: إن هنّأك احد فَرُدَّ عليه ولا تبتديء أحداً بذلك هذا هو الصواب في هذه المسألة لو قال لك إنسان مثلاً نهنئك بهذا العام الجديد قل: هنئك الله بخير وجعله عام خير وبركه، لكن لا تبتدئ الناس أنت لأنني لا أعلم أنه جاء عن السلف أنهم كانوا يهنئون بالعام الجديد بل اعلموا أن السلف لم يتخذوا المحرم أول العام الجديد إلا في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. انتهى المصدر إجابة السؤال رقم 835 من اسطوانة موسوعة اللقاء الشهري والباب المفتوح الإصدار الأول اللقاء الشهري لفضيلته من إصدارات مكتب الدعوة والإرشاد بعنيزة. وقال الشيخ عبد الكريم الخضير في التهنئة بدخول العام الهجري: الدعاء للمسلم بدعاء مطلق لا يتعبد الشخص بلفظه في المناسبات كالأعياد لا بأس به لاسيما إذا كان المقصود من هذه التهنئة التودّد، وإظهار السرور والبشر في وجه المسلم. قال الإمام أحمد رحمه الله: لا ابتدئ بالتهنئة فإن ابتدأني أحد أجبته لأن جواب التحية واجب وأماالابتداء بالتهنئة فليس سنة مأمورا بها ولا هو أيضا مما نهي عنه. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 21290 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4908 خدعه وأخذ المال ليستثمره ولم يفعل [السُّؤَالُ] ـ[لي صديق وكيل مكتب لجامعة أهلية طلب مني مبلغ 10000 عشرة آلاف دولار ليستثمرها بالجامعة على شكل نظام تسجيل الطلاب وسيكون لي بعد 6 أشهر أرباح.. وقال لي إن الربح مضمون لأن الموضوع ليس شراء وبيعاً.. بل تسجيل طلاب، كونه مندوب الجامعة وله نسبة من الربح.. فقرر أن يمنحني أرباحاً رمزية كل شهر حتى يأتي الموعد كما ذكرت بعد (6) أشهر وسيقوم بخصم المبلغ الذي أعطاه كل شهر كأرباح من أصل الربح الكامل ... وقد قام بتسديد قسط كبير من الفلوس إلى الجامعة كمستحقات عليه لرئاسة الجامعة وصلنا نهاية الشهر السابع.. أخبرته أن الموعد انتهى أخبرني بأنه لم يكتمل الموضوع.. اصبر، أصبحنا الشهر التاسع ومجموع ما أخذته حوالي أقل من 900 دولار.. كأرباح شهرية كل شهر أقل أو أكثر من مائة دولار..وبقى أصل المبلغ الذي هو عشرة آلاف دولار لديه.. في شهر آب جاء أخوه من الخارج وقال لي إن شقيقه شخص كذاب وكل سنة عندما يأتي للإجازة يسدد عنه ديونه المتراكمة.. تعهد أخاه بتسديد المبلغ وقال اتركه.. وأنا سوف أسدد نيابة عنه وأعطاني جزء 2000 دولار كدفعة أولى لحين تسديد الباقي.. ولم نستلم المبلغ الكامل إلى الآن. ادعى الأول الذي أخذ الفلوس.. أنه أنا وهو آثمين لأننا تعاطينا بالربا.. فأجبته: إن لم تكن لديك القابلية على استثمار الفلوس لماذا أخذتها وأنت تعرف أنه لا وجود للأرباح ولا تستطيع السداد سؤالي: 1- هل صحيح أنني آثم؟ 2- الأرباح (900) دولار التي استلمتها دفعات شهرية كأرباح تعتبر ربا حسب ادعائه؟ 3- المبلغ الذي عنده قد حال عليه الحول هل عليه زكاة؟ وكم؟ علما بأني لم أستلمه إلى الآن. 4- ما هو الإثم الذي ارتكبه هو ويعلم مسبقا بأنه لن يستطيع السداد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب على المسلم أن يتحرى جيدا في الجهات التي يستثمر فيها أمواله، وألا يبذل أمواله إلا بعد الاستيثاق والتأكد من تلك الجهات، وأنها جهات موثوقة، فإن لم يتبين له الأمر فبقاء أمواله في حوزته خير من تعريضها للضياع. وراجع جواب السؤال رقم (34808) . حيث كثر في الآونة الأخيرة أناس يجيدون التحيل على الناس بأخذ أموالهم بدعوى استثمارها، إلا أن الواقع والنهاية تكون مؤلمة، فكم من بيوت هدمت بسبب ضياع هذه الأموال ودفعها لمن لا أمانة لهم ولا دين، ولا هَمَّ لهم إلا جمع المال ولو بالحرام وأكله بالباطل. أما السؤال عن الصورة المذكورة فإن الأصل مشروعية المضاربة الجارية على قواعد الشرع، البعيدة عن التعامل في المحرمات، والتي تقوم على الشركة بين من يمول بالمال ومن يقوم بعمل معين، ويكون الربح بينهما حسب ما يتفقان عليه، وفي حال الخسارة تكون الخسارة على صاحب المال ما لم يتعد العامل أو يفرط، كما يخسر العامل عمله ولا يضمن شيئا من رأس المال إلا بالتعدي أو التفريط. فلِلشركة في الإسلام صور كثيرة، وما ذكرته أخي السائل يعتبر من صور الشركة الجائزة في الإسلام، بشرط كون العمل المُضارَب عليه مباحا (العمل المذكور في السؤال غير واضح) . فالمضاربة جائزة بإجماع المسلمين وقد نقل الإجماع على ذلك ابن المنذر وغير واحدٍ من أهل العلم. قال ابن رشد رحمه الله: "ولا خلاف بين المسلمين في جواز القراض [المضاربة] ، وأنه مما كان في الجاهلية فأقره الإسلام" انتهى. "بداية المجتهد" (1 / 1003) . وقال ابن قدامة رحمه الله: "وأجمع المسلمون على جواز الشركة في الجملة". "المغني" (5/3) . كما أن الواجب في المضاربة أن يتم تحديد الربح بالنسبة، كالنصف أو الثلث أو الربع .... ولا يمكننا الحكم على عملك هل هو محرم أم لا؟ أو هو ربا أم لا؟ ونحن لا نعلم حقيقة العمل الذي اتفقتما عليه، وهل كنت تعلم هذا العمل أم أن صاحبك خدعك. وعلى كل حال، فإن كان صاحبك أخذ المال للمضاربة فعلاً، فإنك تحسب نصيبك من الأرباح، ثم تخصم منه ما أخذته (900) دولار، ثم تطالب بباقي حقك في رأس المال والأرباح. أما إن كان صاحبك لم يضارب وإنما خدعك بهذا الكلام فإنك تحسب ما أخذته كل شهر (900دولار) وتضيف إليها ما أخذته من أخيه (2000) دولار ثم تطالب بالباقي (7100 دولار) . أما زكاة المبلغ المتبقي عنده، فهو في حكم الدين عند المعسر أو المال المفقود ولا تجب فيه الزكاة عن المدة التي كان فيها عند المدين، ثم إذا استلمته حسبت له حولاً من يوم استلامه، والأحوط أن تزكيه يوم قبضه عن سنة واحدة، ولو مضى عليه عند المدين عدة سنوات. وانظر جواب السؤال رقم (1117) و (1346) . وأما الإثم الذي تعرض له صاحبك، فلا شك في تحريم الخداع والغش، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا) رواه مسلم (294) . وإذا أخذ الإنسان المال من الناس وهو عازم على عدم رده، فهو متوعد بوعيد شديد، قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ) رواه البخاري (2387) . قال الحافظ ابن حجر حمه الله تعالى: " (أَتْلَفَهُ اللَّه) ظَاهِره أَنَّ الْإِتْلَافَ يَقَعُ لَهُ فِي الدُّنْيَا وَذَلِكَ فِي مَعَاشِهِ أَوْ فِي نَفْسِهِ. وَهُوَ عَلَمٌ مِنْ أَعْلَام النُّبُوَّة لِمَا نَرَاهُ بِالْمُشَاهَدَةِ مِمَّنْ يَتَعَاطَى شَيْئًا مِنْ الْأَمْرَيْنِ. وَقِيلَ: الْمُرَاد بِالْإِتْلَافِ عَذَاب الْآخِرَة " انتهى. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112322 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4909 هل له أن يستفيد من مساعدة الضمان الاجتماعي، وهو من آل البيت؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يحق لي أن أستفيد من مساعدة الضمان الاجتماعي، مع العلم أني يرجع نسبي لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وما هو حكم الراتب الذي تصرفه التأمينات الاجتماعية؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: مؤسسة الضمان الاجتماعي في بلاد الحرمين الشريفين هي مؤسسة تُعنى بالفقراء والمحتاجين، وتقدِّم لهم المساعدات، وهي مؤسسة حكومية غير ربحية، بخلاف مؤسسات الضمان في عامة البلدان. ويجوز لمن كان محتاجاً، وتنطبق عليه الشروط التي وضعتها الدولة لمن يحق له الاستفادة من أموال " الضمان الاجتماعي ": يجوز له أن يستفيد منها، ويأخذ منها ما تصرفه له الدولة، حتى لو كان من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما الممنوع في حقهم هو أخذ مال الزكاة الواجبة، وليس مال صدقة التطوع. وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: نحن أسرة متوسطة الحال، ومن أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولدينا وثائق تثبت ذلك، وقد بلغ والدي سن الستين، حيث تنطبق عليه شروط الالتحاق بالضمان الاجتماعي، وقد طلبنا من الوالد الاستفادة من الضمان الاجتماعي، لكنه رفض؛ لأن هناك حديثا عن الرسول صلى الله عليه وسلم ينص على عدم إعطاء الزكاة والصدقة لأهل بيته، وسؤالي هل يعتبر الضمان الاجتماعي في حكم الصدقة أم لا؟ . فأجاب: "إذا توافرت في والدك الشروط المعتبرة فيمن يستفيد من مصلحة الضمان الاجتماعي: فإنه يحل له أخذ ذلك؛ لأنه مساعدة من بيت المال للفقراء الذين تتوافر فيهم الشروط المطلوبة، وليس هو من الزكاة حسب إفادة الجهة المسئولة عن ذلك" انتهى. " فتاوى الشيخ ابن باز " (14 / 315) . وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى: نحن ممن ينتسب إلى بني هاشم، ويوجد من بيننا محتاجون، وفقراء، ومساكين، بل من أفقر الناس، ولا يوجد لديهم ما ينفقون سوى " الضمان الاجتماعي " للعجزة، وكبار السن فقط، فهل يجوز إعطاؤهم الصدقة، سواء كانت هذه الصدقة من هاشمي مثلهم، أو من غير هاشمي؟ وما الحكم إذا أعطيت لهم؟ . فأجاب: "إذا كانت الصدقة صدقة تطوع: فإنها تُعطى إليهم، ولا حرج في هذا، وإن كانت الصدقة واجبة: فإنها لا تعطى إليهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما هي أوساخ الناس) ، وبنو هاشم شرَّفهم الله عز وجل بألا يأخذوا من الناس أوساخهم، أما صدقة التطوع: فليست وسخاً في الواقع، وإن كانت لا شك تكفر الخطيئة، لكنها ليست كالزكاة الواجبة، ولهذا ذهب كثير من العلماء إلى أنهم يعطون من صدقة التطوع، ولا يعطون من الصدقة الواجبة" انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (18 / جواب السؤال رقم 613) . بل حتى الزكاة يجوز أن تُدفع لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم في حال عدم أخذهم من سهم الغنائم، كما هو الحال في وقتنا الحالي، بشرط أن لا يتوفر لهم مصدر آخر غير الزكاة. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (111802) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111819 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4910 الشرط الجزائي في العقود، متى يصح ومتى لا يصح؟ [السُّؤَالُ] ـ[عندي شركة استيراد وتصدير، أستورد بضاعة من الخارج، وأبيعها على التجار في الداخل. ما حكم العقد الجزائي الذي يجبر الزبون بدفع تعويض إذا تأخر عن تسديد ثمن السلعة، وكذلك لتعويض الربح المتوقع في بعض الحالات؟ وإذا ما تم هذا العقد الجزائي علي هل يحل لي أن أقوم بشرطه على زبوني أيضا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الشرط الجزائي في العقود المالية جائز ما عدا العقود التي يكون الالتزام الأصلي فيها دَيْناً. فلا يجوز مثلاً أن يُشترط على من اشترى سلعة بالتقسيط أن يدفع شيئا زائدا على هذا الثمن إن تأخر في السداد، لأن هذه الزيادة ستكون زيادة على الدَّيْن، وهذا ربا صريح، أما ما عدا الدَّيْن من الحقوق والالتزامات، فيجوز الشرط الجزائي فيها للتعويض عن الضرر، الواقع فعلا. جاء في قرار "مجمع الفقه الإسلامي" بشأن موضوع الشرط الجزائي: "أولاً: الشرط الجزائي في القانون هو اتفاق بين المتعاقدين على تقدير التعويض الذي يستحقه من شُرِط له عن الضرر الذي يلحقه إذا لم ينفذ الطرف الآخر ما التزم به، أو تأخر في تنفيذه. ثانيًّا: يؤكد المجلس قراراته السابقة بالنسبة للشرط الجزائي الواردة في قراره في السَّلَم رقم 85 (2 / 9) ، ونصه: (لا يجوز الشرط الجزائي عن التأخير في تسليم المُسْلَم فيه؛ لأنه عبارة عن دَيْن، ولا يجوز اشتراط الزيادة في الدين عند التأخير) ، وقراره في الاستصناع رقم 65 (3/7) . ونصه: (يجوز أن يتضمن عقد الاستصناع شرطًا جزائيًّا بمقتضى ما اتفق عليه العاقدان ما لم تكن هناك ظروف قاهرة) ، وقراره في البيع بالتقسيط رقم 51 (2 / 6) ونصه: (إذا تأخر المشتري (المدين) في دفع الأقساط بعد الموعد المحدد فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين، بشرط سابق، أو بدون شرط، لأن ذلك ربا محرم) . ثالثًا: يجوز أن يكون الشرط الجزائي مقترنًا بالعقد الأصلي، كما يجوز أن يكون في اتفاق لاحق قبل حدوث الضرر. رابعًا: يجوز أن يشترط الشرط الجزائي في جميع العقود المالية ما عدا العقود التي يكون الالتزام الأصلي فيها دينًا؛ فإن هذا من الربا الصريح. وبناء على هذا، فيجوز هذا الشرط – مثلاً في عقود المقاولات بالنسبة للمقاول، وعقد التوريد بالنسبة للمورد، وعقد الاستصناع بالنسبة للصانع (البائع) ، إذا لم ينفذ ما التزم به، أو تأخر في تنفيذه. ولا يجوز – مثلاً– في البيع بالتقسيط بسبب تأخر المدين عن سداد الأقساط المتبقية، سواء كان بسبب الإعسار، أو المماطلة، ولا يجوز في عقد الاستصناع بالنسبة للمستصْنِع (المشتري) إذا تأخر في أداء ما عليه. خامسًا: الضرر الذي يجوز التعويض عنه يشمل الضرر المالي الفعلي، وما لحق المضرور من خسارة حقيقية، وما فاته من كسب مؤكد، ولا يشمل الضرر الأدبي أو المعنوي. سادسًا: لا يعمل بالشرط الجزائي إذا أثبت من شُرط عليه أن إخلاله بالعقد كان بسبب خارج عن إرادته، أو أثبت أن من شُرط له لم يلحقه أي ضرر من الإخلال بالعقد. سابعًا: يجوز للمحكمة بناء على طلب أحد الطرفين أن تعدل في مقدار التعويض إذا وجدت مبررًا لذلك، أو كان مبالغًا فيه" انتهى من "قرارات المجمع" (ص371) طبعة وزارة الأوقاف القطرية. وبمثل هذا قالت هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، إذ جاء في مجلة البحوث الإسلامية (2/143) بعد مناقشة البحوث حول الشرط الجزائي: " فإن المجلس يقرر بالإجماع: أن الشرط الجزائي الذي يجري اشتراطه في العقود شرط صحيح معتبر يجب الأخذ به، ما لم يكن هناك عذر في الإخلال بالالتزام الموجب له يعتبر شرعًا، فيكون العذر مسقطًا لوجوبه حتى يزول. وإذا كان الشرط الجزائي كثيرًا عرفًا بحيث يراد به التهديد المالي، ويكون بعيدًا عن مقتضى القواعد الشرعية، فيجب الرجوع في ذلك إلى العدل والإنصاف على حسب ما فات من منفعة أو لحق من مضرة. ويرجع تقدير ذلك عند الاختلاف إلى الحاكم الشرعي عن طريق أهل الخبرة والنظر، عملاً بقوله تعالى: (وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) وقوله سبحانه: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) وبقوله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) وبالله التوفيق، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. وبهذا يتبين أن المشتري له أن يشترط عليكم شرطاً جزائياً إذا تأخرتم عن تسليم السلعة في الوقت المتفق عليه، ولكن ليس لكم أن تشترطوا هذا الشرط عليه إن تأخر في سداد باقي الثمن، ولكم أيضاً أن تشترطوا هذا الشرط الجزائي على الشركة المُصَدِّرة لكم إن حصل منها إخلال بالعقد المتفق عليه بينكم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112090 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4911 عقد مشاركة أصدره بنك المغرب المركزي [السُّؤَالُ] ـ[أفتوني في صحة هذا العقد البنكي شرعاً (مشاركة) هل هو جائز؟ وهذه شروط هذا العقد كما أصدرها البنك: المشاركة: المادة 5: - يقصد بالمشاركة كل عقد يكون الهدف منه اشتراك مؤسسة الائتمان بمساهمة في رأسمال شركة موجودة، أو قيد الإنشاء، من أجل تحقيق الربح. - يشارك الطرفان في تحمل الخسائر في حدود مساهمتهما، وفي الأرباح حسب نسب محددة مسبقاً بينهما. - يمكن للمشاركة أن تتخذ إحدى الصيغتين الآتيتين: 1. المشاركة الثابتة: حيث تبقى مؤسسة الائتمان والعميل شريكين داخل الشركة إلى حين انقضاء مدة العقد. 2. المشاركة المتناقصة: حيث تنسحب مؤسسة الائتمان من رأسمال الشركة تدريجيّاً حسب مقتضيات العقد. المادة 6: لا يجوز امتلاك مساهمات من نوع المشاركة إلا في شركات الرساميل. المادة 7: يجب أن يحدد عقد المشاركة بشكل دقيق واجبات وحقوق كل طرف من الطرفين، وكذا الشروط العامة التي تنظم علاقاتهما. وينبغي أن يتضمن شروطا تحدد على الخصوص: - نوع عقد المشاركة. - هدف عملية المشاركة. - مبلغ رأس المال، والنسبة المئوية التي يملكها كل طرف. - مدة عملية المشاركة. - كيفيات توزيع الأرباح حسب النسب المتفق عليها. - الضمانات الممنوحة - إن اقتضى الحال - لمؤسسة الائتمان، من طرف العميل الذي يتولى وحده تسيير الشركة، وذلك لتغطية الخسائر الناتجة عن الإهمال والأعمال المماثلة الأخرى. - شروط وكيفيات حل المشاركة، وتوزيع الأصول. - كيفيات استرجاع مؤسسة الائتمان لمساهمتها في حالة المشاركة المتناقصة. - تغيير مواد القانون الأساسي للشركة لمطابقته مع بنود عقد المشاركة. المادة 8: لا يجوز أن يشمل عقد المشاركة شرطاً يضمن لأحد الأطراف قيمة مساهمته في رأس المال بغض النظر عن نتائج الشركة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه المواد والبنود من إصدار " بنك المغرب المركزي "، وقد أوضحت مذكرة لـ " بنك المغرب المركزي ": أن إعداد هذا العقد قد تمَّ بناء على القواعد التي وضعتها " هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية " (AAOIFI) ، والتي يوجد مقرها بالبحرين، وتشمل هذه الهيئة في عضويتها 155 عضواً، من أكثر من 40 بلداً، وتناط بها مهمة إعداد وإصدار معايير المحاسبة، والمراجعة، والأخلاقيات، ومعايير التدقيق، والمعايير الشرعية للصناعة المصرفية والمالية الإسلامية. وهذا العقد عليه ملاحظة، تتعلق بـ "المشاركة المتناقصة" فهذه المشاركة ليست مباحة على إطلاقها، بل لا بدَّ من شروط تتوافر فيها حتى تكون مباحة، وقد صدر قرار من مجلس " مجمع الفقه الإسلامي " فيه بيان هذه الشروط، وهذا نص القرار. "قرار رقم: 136 (2 / 15) : بشأن المشاركة المتناقصة وضوابطها الشرعية: إن مجلس " مجمع الفقه الإسلامي الدولي "، المنبثق عن " منظمة المؤتمر الإسلامي "، المنعقد في دورته الخامسة عشرة بمسقط - سلطنة عُمان - من 14 إلى 19 المحرم 1425هـ، الموافق 6 - 11 آذار (مارس) 2004 م. بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع " المشاركة المتناقصة وضوابطها الشرعية "، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله: قرر ما يأتي: 1. المشاركة المتناقصة: معاملة جديدة، تتضمن شركة بين طرفين في مشروع ذي دخل، يتعهد فيها أحدهما بشراء حصة الطرف الآخر تدريجياً، سواء كان الشراء من حصة الطرف المشتري في الدخل، أم من موارد أخرى. 2. أساس قيام المشاركة المتناقصة: هو العقد الذي يبرمه الطرفان، ويسهم فيه كل منهما بحصة في رأس مال الشركة، سواء أكان إسهامه بالنقود، أم بالأعيان، بعد أن يتم تقويمها، مع بيان كيفية توزيع الربح، على أن يتحمل كل منهما الخسارة - إن وجدت - بقدر حصته في الشركة. 3. تختص المشاركة المتناقصة بوجود وعد ملزم من أحد الطرفين فقط، بأن يتملك حصة الطرف الآخر، على أن يكون للطرف الآخر الخيار، وذلك بإبرام عقود بيع عند تملك كل جزء من الحصة، ولو بتبادل إشعارين بالإيجاب والقبول. 4. يجوز لأحد أطراف المشاركة استئجار حصة شريكه بأجرة معلومة، ولمدة محددة، ويظل كل من الشريكين مسؤولاً عن الصيانة الأساسية بمقدار حصته. 5. المشاركة المتناقصة مشروعة إذا التُزم فيها بالأحكام العامة للشركات، وروعيت فيها الضوابط الآتية: أ. عدم التعهد بشراء أحد الطرفين حصة الطرف الآخر بمثل قيمة الحصة عند إنشاء الشركة؛ لما في ذلك من ضمان الشريك حصة شريكه، بل ينبغي أن يتم تحديد ثمن بيع الحصة بالقيمة السوقية يوم البيع، أو بما يتم الاتفاق عليه عند البيع. ب. عدم اشتراط تحمّل أحد الطرفين مصروفات التأمين، أو الصيانة، وسائر المصروفات، بل تحمَّل على وعاء المشاركة بقدر الحصص. ج. تحديد أرباح أطراف المشاركة بنسب شائعة، ولا يجوز اشتراط مبلغ مقطوع من الأرباح، أو نسبة من مبلغ المساهمة. د. الفصل بين العقود والالتزامات المتعلقة بالمشاركة. هـ. منع النص على حق أحد الطرفين في استرداد ما قدمه من مساهمة (تمويل) " انتهى. فإن توفرت هذه الشروط في العقد كان جائزا، وإن اختل منها شرط لم يجز ادخول فيما يسمى بـ "المشاركة المتناقصة". والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112148 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4912 هل يأخذ أكثر من الدَّيْن تعويضاً عن تأخيره؟ [السُّؤَالُ] ـ[اشترى منى شخص مصنع علف صغير ب 14000 جنيه وكتب على نفسه إيصال أمانة على بياض، يُدفع بعد تركيب المصنع عنده وتشغيله، وبالفعل تم ذلك، والمصنع يعمل عنده منذ شهور، ويتهرب من الدفع، وقد شكوته للمحكمة. السؤال: هل يجوز كتابة مبلغ أكبر من 14000 في إيصال الأمانة تعويضا على التأخير والضرر؟ مع العلم أنه ميسور الحال، والمصنع يعمل ويكسب جيدا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يجوز لك أن تكتب أكثر من المبلغ المذكور على سبيل أن الزيادة تعويض عن التأخير، لأن هذا يكون صورة من صور الربا، وقد حرمه الله تعالى تحريماً قطعياً: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) البقرة/275، ولعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه. وقال: هم سواء. رواه مسلم. وجاء في قرارات "المجمع الفقهي": "إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط عن الموعد المحدد فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين بشرط سابق، أو بدون شرط، لأن ذلك ربا محرم" انتهى من "مجلة المجمع الفقهي" (6/1/445-448) . ثانياً: إذا امتنع المدين من سداد الدَّيْن، وكان مليئاً قادراً على السداد، فإنه يتحمل جميع ما أنفقه الدائن من أجل تحصيل دَيْنه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وإذا كان الذي عليه الحق قادراً على الوفاء، ومطل صاحب الحق حقه، حتى أحوجه إلى الشكاية، فما غرمه بسبب ذلك فهو على الظالم المبطل، إذا كان غرمه على الوجه المعتاد " انتهى من "مجموع الفتاوى" (30/24) . وعلى هذا، لك أن تزيد على المبلغ المذكور ما أنفقته من أموال من أجل تحصيله، كأتعاب المحامي، بشرط أن يكون المدين ميسور الحال – كما ذكرت – أما إن كان معسراً، ولا يستطيع أداء الدين، فلا يجوز رفع أمره إلى القضاء، بل الواجب عليك إمهاله حتى يغنيه الله، قال الله تعالى: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ) البقرة/280. وانظر جواب السؤال (106556) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 108803 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4913 حكم شراء مقتنيات المشاهير بأموال باهظة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم ما يفعله بعض الناس من إنفاق الأموال الطائلة في شراء ما يسمونه المخلفات الأثرية لبعض الأشخاص المشاهير أو المعظمين من ملابس ومقتنيات كان يقتنيها أو يستعملها ذلك الشهير أو المعظم في حياته، ويدفعون في مقابل الحصول على ذلك مبالغ طائلة قد تصل إلى الملايين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا شك أن هذا عمل محرم من وجوه: الوجه الأول: أن هذا العمل نوع من الوثنية؛ لأنه يفضي إلى الشرك، والتبرك بتلك الآثار، والتعلق بأصحابها من دون الله عز وجل، وما وقع الشرك في الأمم السابقة إلا بسبب تعظيم آثار عظمائهم وصالحيهم، كما حصل لقوم نوح وغيرهم. الوجه الثاني: أن بذل الأموال في الحصول على تلك الآثار هو من أعظم الإسراف والتبذير، اللذين حرمهما الله في محكم كتابه، كما قال تعالى: (وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) الإسراء/26، 27، وقال تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأعراف/31. الوجه الثالث: أنه قد جاء الشرع المطهر بوجوب الحجر على السفهاء والمبذرين لمنعهم من ذلك، قال تعالى: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا) النساء/5. فالواجب على ولاة الأمور وضع حد لمثل هذا التصرف المشين، والتوجيه بصرف هذه المبالغ في سبيل الله عز وجل، من كفالة الأيتام وإطعام الفقراء والمساكين وسد عوز المعوزين، وتمويل المشاريع الخيرية العامة. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ بكر أبو زيد. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/125) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106438 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4914 المدين المماطل يتحمل النفقات التي أنفقها الدائن من تحصيل دينه [السُّؤَالُ] ـ[لي دين على شخص ولكنه مماطل ولا يريد أن يسدد الدين، مع أنه عند أخذ الدين كتب لي وصل أمانة على بياض، وسوف أتقدم بشكوى ضده، فهل لي أن أزيد عن مبلغ الدَّيْن ما سأدفعه للمحامي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إذا كان هذا الشخص معسراً لا يستطيع أداء الدَّيْن، فلا يجوز لك رفع الأمر إلى القضاء، بل عليك أن تمهله حتى يغنيه الله، ويستطيع الأداء، لقول الله تعالى: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ) البقرة/280. قال السعدي رحمه الله (ص 120) : " (وَإِنْ كَانَ) المدين (ذُو عُسْرَةٍ) لا يجد وفاء (فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ) وهذا واجب عليه أن ينظره حتى يجد ما يوفي به" انتهى. وقال الشيخ محمد بن عثيمين: "ومن فوائد الآية: وجوب إنظار المعسر – أي: إمهاله حتى يوسر، لقول الله تعالى: (فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ) فلا تجوز مطالبته بالدين، ولا طلب الدين منه" انتهى. "تفسير سورة البقرة" (3/391) . ثانياً: إذا كان هذا الشخص قادراً على الوفاء، ولكنه يماطل ويتهرب حتى ألجأك إلى شكايته في المحكمة، فإنه يغرم جميع الأموال التي ستنفقها لأخذ حقك منه، سواء في ذلك أتعاب المحامي أو غيرها. 1- لأن هذه الأموال هو السبب في إنفاقها بمماطلته وظلمه، فكان هو الضامن لها، كما لو أتلفها على صاحبها. 2- ولأن عدم تحميله هذه النفقات يجرئ المدينين على المماطلة، وبذلك يقع الظلم ويكثر، وتضيع على الناس أموالهم. 3- ولأن ذلك قد يؤدي إلى ضياع حقوق الناس وأموالهم، حيث لا يلجأ الدائن إلى المحاكم، لأنه قد ينفق أكثر من الدَّيْن نفسه. ولكن. . . يجب أن تكون تلك النفقات بالعدل، فلا تبالغ فيها ولا تعطي المحامي أكثر من حقه اعتماداً على أن المدين هو الذي سيغرمها. وقد نص على ذلك أهل العلم: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وإذا كان الذي عليه الحق قادراً على الوفاء، ومطل صاحب الحق حقه، حتى أحوجه إلى الشكاية، فما غرمه بسبب ذلك فهو على الظالم المبطل، إذا كان غرمه على الوجه المعتاد " انتهى من "مجموع الفتاوى" (30/24) . وقال في "كشاف القناع" (3/419) : "ولو مطل المدينُ ربَّ الحق حتى شكا عليه فما غرمه ربُّ الحق فعلى المدين المماطل، إذا كان غرمه على الوجه المعتاد، لأنه تسبب في غرمه بغير حق" انتهى. وقال في "شرح المنتهى" (3/441) : "وما غرم رب دَيْن بسببه أي: بسبب مطل مدين أحوج رب الدَّيْن إلى شكواه، فعلى مماطل، لتسببه في غرمه" انتهى. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106556 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4915 انتفاع المرتهن بالرهن [السُّؤَالُ] ـ[ما هو الحكم الشرعي بهذه الصورة: رهن أحد الأشخاص أرضاً زراعية معلومة المساحة، بمبلغ معين، لأحد الناس، لحين قدرته على سداد المبلغ، ويستلم المرتهن الأرض ويقوم باستثمارها، ويأخذ إنتاجها لنفسه ولا يُعطي الراهن منه شيئاً، وذلك لحين سداد مبلغ الرهن، وقد تطول مدة الرهن إلى عشرات السنين، ولا يُسلِّم المرتهن الأرض لصاحبها إلا بعد أن يأخذ مبلغ الرهن كاملاً. فأولاً: ما حكم هذا الإنتاج الذي يحصل عليه المرتهن طول هذه المدة، هل هو حلال أم حرام؟ وماذا يفعل من فعل هذا إن كان هذا الفعل محرماً هل يجب التوبة منه؟ ثانياً: ما موقف الراهن الذي أجبرته ظروفه المالية على هذا الرهن؟ ثالثاً: ما موقف الشهود على العقد الخاص بهذا الرهن، علماً أن الراهن يُقر في هذا العقد بأنه أباح للراهن منفعة هذه الأرض بلا حصة ولا أجرة لحين تسديد المبلغ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "انتفاع المرتهن بالرهن فيه تفصيل: أولاً: إذا كان انتفاعه به بغير إذن الراهن فهذا لا يجوز بحال، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبةٍ من نفسه) ولقوله صلى الله عليه وسلم: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا) وقوله صلى الله عليه وسلم: (كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه) والأحاديث في هذا كثيرة، فلا يجوز للمرتهن أن ينتفع بالرهن بغير إذن الراهن. قال في المغني: لا نعلم في هذا خلافاً يعني بين أهل العلم. أما إذا أذن الراهن للمرتهن بالانتفاع بالرهن، فإن كان الدَّيْن، دَيْنَ قرض، فإنه لا يجوز للمرتهن أن ينتفع بالرهن، وإن أذن الراهن، لأن هذا يُصبح من الربا، لقوله صلى الله عليه وسلم: (كل قرضٍ جر نفعاً فهو رباً) والحديث وإن كان فيه مقال؛ ولكن إجماع أهل العلم على ذلك، أن المقرض لا يجوز أن ينتفع من مال المقترض بسبب القرض، فيكون هذا من الربا، ولا يجوز كتابة هذا الشيء ولا الشهادة عليه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم (لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه) ، وهذا من الربا. فإذا كان الدين قرضاً، ورهن المقترض شيئاً عند المقرض فلا يجوز له الانتفاع به، سواء أذن أو لم يأذن، لأن هذا من الربا. أما إذا كان الدين غير قرض، بأن كان ثمن مبيع مثلاً، وما أشبه ذلك، وأذن له الانتفاع به، فلا حرج عليه في ذلك، لعدم المحذور" انتهى. والله أعلم "مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (2/505) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105457 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4916 إذا طلبت من الخياط تفصيل عباءة ثم ماتت هل يلزم الورثة دفع الثمن؟ [السُّؤَالُ] ـ[في حال لو قمت بتفصيل لبس معين كالعباءة مثلاً , ودفعت للخياط ثلث المبلغ, وحدث لا قدر الله وفاة , هل يلزم على الأهل دفع كامل المبلغ لهم على الرغم من أن العباءة عندهم ولم آخذها منهم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا كان القماش منك، والتفصيل من الخياط، فهذا عقد إجارة، لا ينفسخ بالموت، في قول جمهور الفقهاء. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (5/271) : "وإذا مات المُكْرِي والمُكْتَري (أي: المؤجر والمستأجر) , أو أحدهما , فالإجارة بحالها، هذا قول مالك والشافعي وابن المنذر" انتهى. وعليه؛ فيلزم الورثة دفع بقية الأجرة من التركة، ويأخذون العباءة، وتكون من جملة تركة الميت. ثانيا: وإذا اشتريت القماش من المحل، واشترطت خياطته وتفصيله عباءة، فهذا بيع وشرط، وهو جائز، والعقد فيه ملزم للطرفين، ولا ينفسخ بالموت أيضا. ثالثا: وإذا كان القماش والعمل من الخياط، صفقة واحدة، كأن يقال للخياط أريد عباءة من هذا النوع من القماش، فهذا عقد استصناع، وقد قرر مجمع الفقه الإسلامي أنه عقد صحيح وملزم للطرفين. "مجلة مجمع الفقه الإسلامي" (7/2/777) . وعليه؛ فيلزم الخياط أن يتم عمل العباءة، ويلزم الورثة دفع بقية الثمن من التركة، إلا إذا تراضى الطرفان على فسخ العقد بعد حصول الوفاة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 104971 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4917 حصل خطأ في تاريخ ميلاده وسيستفيد به مالا؟ [السُّؤَالُ] ـ[تاريخ ميلادي مسجل في بطاقتي الشخصية والصادرة في بلد آخر هو 1 من الشهر السابع الميلادي. وقد جرى تحويل ذلك التاريخ في إدارة الأحوال المدنية السعودية إلى ما يقابله في التاريخ الهجري. ثم جرى تحويله مرة أخرى إلى التاريخ الميلادي في نفس الإدارة ربما لأغراض تدوين المعلومات باللغة الانجليزية في جواز السفر أو أمور أخرى. ولكني لاحظت أنه أصبح, لسبب لا أعلمه, ربما يكون بسبب استخدام أدوات تحويل مختلفة, 2 من الشهر السابع بعد أن كان الأول منه. وأصبح رسميا هكذا. والسؤال هو هل علي من حرج في استعمال التاريخ الجديد وهو المدون في السجلات الرسمية حاليا؟ وسبب طرحي هذا السؤال يتعلق باحتساب مستحقات نهاية الخدمة وراتب التقاعد عند تقاعدي من الخدمة لأن الشركة التي أعمل بها قررت توحيد موعد منح الزيادات السنوية لكل الموظفين في 1/7 من كل عام. لذلك إذا احتسب تاريخ ميلادي في 1/7 فسيكون تاريخ التقاعد إن شاء الله تعالى في 30/6 قبل موعد الزيادة السنوية وستحسب المستحقات على أساس المرتب قبل الزيادة. أما إذا احتسب ميلادي الرسمي في 2/7 فسيكون تاريخ نهاية الخدمة 1/7 إن شاء الله تعالى وعلى ذلك فستدخل الزيادة الجديدة في الحسبة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان تغيير تاريخ الميلاد من 1/7 إلى 2/7 قد تم بغير طلب منك، بل بفعل إدارة الأحوال المدنية، فلا حرج عليك في استعمال هذا التاريخ، وأخذ ما ترتب عليه من زيادة الراتب والمستحقات؛ لأنه لا يد لك في ذلك. وإن أمكن مراجعة الأحوال المدنية، وتصحيح التاريخ، فهذا أولى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103135 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4918 الأخذ ممن يتعامل بالحرام [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لي الأخذ من مال رجل يتعامل بالربا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه المسألة مما اختلف فيه السلف رحمهم الله؛ فبعضهم رخص في ذلك، وبعضهم منع منه، وفَصَّلَ بعض أهل العلم بين من كان أكثر ماله الحرام، فينبغي اجتنابه، وجوبا أو استحبابا، وبين من كان أكثر ماله الحلال، فتجوز معاملته والأكل من ماله. [انظر تفصيل المسألة في جامع العلوم والحكم، لابن رجب، شرح الحديث السادس] . وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: هل يجوز أخذ الهدية من رجل يتعامل بالربا؟ فقال رحمه الله: (القاعدة أن ما حرم لكسبه، فهو حرام على الكاسب فقط، دون من أخذه بطريق مباح؛ وقد قبل النبي صلى الله عليه وسلم الهدية من اليهود؛ فقد أهدته المرأة الشاة بخيبر، وعاملهم، ومات ودرعه مرهونة عند يهودي، مع أنهم يتعاملون بالربا، كما أخبر الله تعالى عنهم: (فَبِظُلْمٍ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمْ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) النساء/160-161. فعلى هذا يجوز قبول الهدية ممن يتعامل بالربا، وأيضا يجوز معه البيع والشراء، إلا إذا كان في هجره مصلحة، فنعم، فنمتنع من هذا لأجل المصلحة. أما ما حرم لعينه، فهو حرام على الآخذ وغيره. فالخمر ـ مثلا ـ لو أهداها إليَّ يهودي أو نصراني، ممن يرون إباحة الخمر، فلا يجوز قبولها، لأنها حرام لعينها. وكذلك لو سرق شخص مالا وأعطى غيره منه، فلا يجوز قبوله منه، لأن هذا المال حرام لعينه) . لقاءات الباب المفتوح، اللقاء الثاني 1/76 بتصرف يسير. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 13503 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4919 تحويل النقود عن طريق البنك الربوي أو عن طريق شخص بأجرة [السُّؤَالُ] ـ[نحن نعمل بالمملكة العربية السعودية ومجبرون على استخدام البنوك لإرسال أموالنا للوطن. وحتى لو قمنا بإرسال الأموال من خلال بنك البلاد أو بنك الراجحى ويبدو أنهما بنكان إسلاميان فإن جميع البنوك ببلدنا هى بنوك ربوية ونخشى أن يستخدم البنك أموالنا فى معاملات ربوية. وكبديل لذلك فإن أحد رجال أعمال بلدنا العاملين معنا هنا بالمملكة لديه بعض الأموال بالوطن ونود أن نعرف ما إذا كان يجوز لنا أن نرسل الأموال بواسطته وسيزيد ما يتقاضاه عن معدل مايتقاضاه البنك بريالين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: يجوز تحويل الأموال عن طريق البنوك، ولو كانت ربوية؛ لدعاء الحاجة إلى ذلك، وعموم البلوى به، لكن ينبغي المسارعة في أخذ المال حال وصوله؛ حتى لا يستفيد منه البنك في معاملاته الربوية. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء هل يحل للمسلم أن يتعامل مع البنوك الحالية التي تعطي زيادة على رأس المال أو تزود المقترض؟ فأجابوا: لا يجوز للشخص أن يودع نقوده عند البنك، والبنك يعطيه زيادة مضمونة سنويا -مثلا- ولا يجوز أيضا أن يقترض من البنك بشرط أن يدفع له زيادة، في الوقت الذي يتفقان عليه لدفع المال المقترض، كأن يدفع له عند الوفاء زيادة خمسة في المائة، وهاتان الصورتان داخلتان في عموم أدلة تحريم الربا من الكتاب والسنة والإجماع، وهذا واضح بحمد الله. وأما التعامل مع البنوك بتأمين النقود بدون ربح وبالتحويلات، فأما بالنسبة لتأمين النقود بدون ربح؛ فإن لم يضطر إلى وضعها في البنك فلا يجوز أن يضعها فيه؛ لما في ذلك من إعانة أصحاب البنوك على استعمالها في الربا، وقد قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) سورة المائدة الآية 2، وإن دعت إلى ذلك ضرورة فلا نعلم في ذلك بأسا إن شاء الله. وأما بالنسبة لتحويل النقود من بنك لآخر ولو بمقابل زائد يأخذه البنك المحول فجائز؛ لأن الزيادة التي يأخذها البنك أجرة له مقابل عملية التحويل " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/369) وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " إذا دعت الضرورة إلى الحفظ عن طريق البنوك الربوية فلا حرج في ذلك إن شاء الله؛ لقوله سبحانه: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) ولا شك أن التحويل عن طريقها من الضرورات العامة في هذا العصر، وهكذا الإيداع فيها للضرورة بدون اشتراط الفائدة، فإن دُفعت إليه الفائدة من دون شرط ولا اتفاق, فلا بأس بأخذه لصرفها في المشاريع الخيرية كمساعدة الفقراء والغرماء ونحو ذلك لا ليمتلكها أو ينتفعَ بها، بل هي في حكم المال الذي يضر تركه للكفار بالمسلمين مع كونه من مكسب غير جائز، فصرفه فيما ينفع المسلمين أولى من تركه للكفار يستعينون به على ما حرم الله، فإن أمكن التحويل عن طريق البنوك الإسلامية أو من طرق مباحة لم يجز التحويل عن طريق البنوك الربوية، وهكذا الإيداع إذا تيسر في بنوك إسلامية أو متاجر إسلامية لم يجز الإيداع في البنوك الربوية لزوال الضرورة، ولا يجوز للمسلم أن يعامل الكفار ولا غيرهم معاملة ربوية ولو أراد عدم تملك الفائدة الربوية بل أراد صرفها في مشاريع خيرية؛ لأن التعامل بالربا محرم بالنص والإجماع فلا يجوز فعله ولو قصد عدم الانتفاع بالفائدة لنفسه، والله ولي التوفيق " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (19/194) . ثانيا: يجوز إعطاء المال لمن يحمله إلى بلدك مقابل أجرة معلومة، ولو كانت أكثر من أجرة البنك، لكن ينبغي التأكد من أن هذا الشخص سيحمل المال بنفسه، ولا يرسله عن طريق البنك، حتى لا يضيع مالك من غير فائدة. وينبغي أيضاً أن تعلم أن المستأجَر لحمل الأموال، أمين فلا يضمن الأموال التي طُلب منه نقلها إن ضاعت أو سُرِقت إلا إذا حصل منه تقصير في حفظها أو تصرَّف فيها تصرفاً لم يُؤْذَن له فيه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 101747 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4920 عليه قرض ربوي ويريد إحالة البنك على شخص مدين له [السُّؤَالُ] ـ[اقترض رجل قرضا ربوياً بقيمة 35000 دينارا من إحد المصارف الربوية على أن يسدها 40000 دينار وبنى بها بيتا ودفع نصف المبلغ أي 20000 دينار على مدى سنوات وأراد أن يبيع هذا البيت فهل يجوز لي أن أشتري هذا البيت وأن أنقل ما تبقى من قيمة القرض على ذمتي؟ أي أن أذهب مع البائع وأتعهد للمصرف بسداد هذه القيمة وهى 20000 دينار المتبقية (أي بمعنى آخر أنني أسد نفس القيمة التي أوقع عليها دون زيادة) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا اشتريت هذا البيت، وكان ثمنه 20000 ألفا، أو أكثر من ذلك، لكن سددت بعضه، وبقي عليك 20000 ألفا، وكان صاحب البيت مدينا للبنك بمثل هذا المبلغ، فالأصل جواز الحوالة في مثل هذا، أي أن صاحب البيت يحيل البنك عليك، فتصبح أنت المطالب بالسداد للبنك، ويبرأ هو من الدين. والأصل فيها قوله صلى الله عليه وسلم: (مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، فَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيٍّ فَلْيَتْبَعْ) رواه البخاري (2287) ومسلم (1564) . فالحوالة: نقل الدين من ذمة المُحيل إلى ذمة المحال عليه. الموسوعة الفقهية (18/169) . لكن إذا كان البنك ربويا، ويشترط غرامة أو فائدة على التأخير، وكان قبولك للحوالة يعني التزامك بهذا الشرط، لم يجز لك قبولها؛ لما في ذلك من التزام الربا، وإقراره. وعليه؛ فتسدد الأقساط لصاحب البيت، فإذا أخذها قضى بها دينه. أما إن كان البنك لا يشترط غرامة على التأخير، فلا حرج عليك حينئذ. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 100217 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4921 تخزين كروت شحن الجوال هل يعد احتكارا [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز تخزين كروت الشحن للجوال، وعدم بيعها الآن رغبة في أن يرتفع سعرها أم هذا يعتبر احتكارا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف أهل العلم فيما يجرى فيه الاحتكار، فمنهم من جعله في القوت خاصة. ومنهم من أجراه في كل ما يحتاجه الناس ويتضررون بحبسه، وهذا مذهب المالكية ورواية عن أحمد، وهو الصحيح الموافق لظاهر الأحاديث. قال الشوكاني رحمه الله تعالى في "نيل الأوطار" (5/262) : "وظاهر الأحاديث أن الاحتكار محرم، من غير فرق بين قوت الآدمي والدواب وبين غيره، والتصريح بلفظ الطعام في بعض الروايات لا يصلح لتقييد بقية الروايات المطلقة، بل هو من التنصيص على فرد من الأفراد التي يطلق عليها المطلق" انتهى. وقال الرملي الشافعي في حاشيته على "أسنى المطالب" (2/39) : "ينبغي أن يجعلوه في كل ما يحتاج إليه غالباً من المطعوم والملبوس" انتهى. وهذا ما يتفق مع الحكمة التي من أجلها منع الاحتكار، وهي منع الإضرار بالناس، وبهذا القول أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء (13/184) حيث قالت: " لا يجوز تخزين شيء الناس في حاجة إليه، ويسمى الاحتكار؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحتكر إلا خاطئ) رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه، ولما في ذلك من الإضرار بالمسلمين. أما ما كان الناس في غنى عنه، فيجوز تخزينه حتى يُحتاج إليه فيبذل لهم، دفعاً للحرج والضرر عنهم " انتهى. وللفائدة ينظر جواب سؤال رقم (85195) . وبناء على ذلك، فإن كان تخزين هذه الكروت لا يضر بالناس؛ لأنهم يستغنون عنها بغيرها، فلا حرج في تخزينها ولا يدخل ذلك في الاحتكار حينئذ. وأما إن كان عدم بيعها الآن يضر الناس، ويقعون في حرج وضيق؛ لعدم وجود البديل لها، مما يضطرهم إلى دفع أكثر من ثمنها المعتاد من أجل الحصول عليها، فهذا احتكار محرم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98534 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4922 انتفاع المقترض بسكن البيت المرهون مقابل أجر زهيد [السُّؤَالُ] ـ[يوجد عندنا نظام رهن البيوت وهو كالتالي: يتم رهن البيت مقابل أخذ مبلغ محدد مقداره مثلا مليون ليرة أو أقل أو أكثر مقابل السكن في البيت لمدة محدودة سنة أو سنتين مثلاً، وبعد انقضاء الفترة يتم إعادة المبلغ نفسه بدون زيادة أو نقصان مع أخذ إيجار زهيد جدا سنويا $100 فهل هذا حلال أم حرام؟ وهل يعتبر هذا شكلاً من أشكال الربا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان المقصود أنك تقترضين مليون ليرة مثلا، وترهنين بيتك، ويقوم المقرض بسكنى البيت مقابل إيجار زهيد 100$ سنويا، فهذا ربا؛ لأنه من باب " قرض جر نفعا "، فالمقرض ينتفع بسكنى البيت مع دفع إيجار زهيد لا يساوي أجرة المثل. فإذا كانت أجرة المثل 200$ سنويا مثلا، لكن المقرض دفع 100$ فقط، فيكون انتفع بـ 100$ لأجل أنه أقرضك، وقد اتفق الفقهاء على أن كل قرض جر نفعا فهو ربا. قال ابن قدامة رحمه الله: " وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المُسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية، فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا. وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة " انتهى من "المغني" (6/436) . وقد ذكر ابن قدامة رحمه الله أنه لا يجوز للمقرض أن ينتفع بالرهن من غير أن يدفع أجرة ذلك، لأنه يكون قرضا جَرَّ منفعة، وذلك حرام. ونقل عن الإمام أحمد أنه قال: أكره قرض الدور , وهو الربا المحض. قال ابن قدامة: يعني: "إذا كانت الدار رهنا في قرض ينتفع بها المقترض". فأما إن كان الانتفاع بعوض , مثل إن استأجر المقرض الدار من المقترض بأجرة مثلها , من غير محاباة , جاز لكونه ما انتفع بالقرض. وإن حاباه (يعني أخذ منه أقل من أجره المثل) فلا يجوز ذلك. انظر: "المغني" (4/250) . ومنه يعلم أنه لا يجوز محاباة المقرض في الأجرة، بل تؤخذ منه أجرة المثل، وإلا وقعتما في الربا. والربا محرم ولو كان برضا الطرفين. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: تنتشر في بعض قرى مصر عادة رهن الأراضي الزراعية، إذ يقوم الرجل الذي يحتاج إلى مال بأخذ المال من الرجل الذي يملك المال، وفي مقابل أخذ المال يأخذ صاحب المال الأرض الزراعية التي هي ملك للمدين كرهن، ويأخذ صاحب المال الأرض وينتفع بثمارها وما تدره الأرض، ولا يأخذ صاحب الأرض من الأرض شيئا، وتظل الأرض الزراعية تحت تصرف الدائن حتى يدفع المدين المال لصاحبه. فما حكم ذلك فأجابوا: " من أقرض قرضا فإنه لا يجوز له أن يشترط على المقترض نفعا في مقابل القرض؛ لما روي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: (كل قرض جر نفعا فهو ربا) ، وقد أجمع العلماء على ذلك، ومن ذلك ما ذكر في السؤال من رهن المقترض للمقرض الأرض، وانتفاعه بها إلى تسديد القرض الذي له على صاحب الأرض، وهكذا لو كان له عليه دين، لم يجز لصاحب الدين أن يأخذ غلة الأرض أو الانتفاع بها في مقابل إنظار المدين، ولأن المقصود من الرهن الاستيثاق لحصول القرض أو الدين، لا استغلال الرهن في مقابل القرض أو الإهمال في تسديد الدين. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (14/177) تنبيه: ولو كان المقصود أنك تسكنين في البيت الذي هو ملك وقد جعلتيه رهناً وتدفعين هذا الإيجار الزهيد 100$ سنويا للمقرض، فإنه لا يجوز أيضا، لأن المقرض لا يجوز له أن يأخذ شيئا في مقابل قرضه ولو كان شيئا يسيرا، والرهن إنما هو لحفظ حقه فقط، لا يستفيد من ورائه شيئا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98538 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4923 يشتري كل المعروض في السوق ليتحكم في السعر [السُّؤَالُ] ـ[يقوم أحد الأشخاص الذين يعملون في التجارة عندنا إذا أحس أن هناك نوعًا من البضائع بدأ سعره يتحسن في السوق يقوم بشراء كل ما في السوق من تلك البضاعة ويتحكم في سعرها بالزيادة أكثر، فما حكم هذا العمل؟ وهل ما يكسبه بهذه الطريقة حلال أم حرام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا شك أن الذي يضايق المسلمين فيما يحتاجون إليه من السلع الضرورية ويشتريها كلها من السوق ويضطر الناس إلى أن يشتروها منه بثمن مرتفع يتحكم فيهم لا شك أن هذا لا يجوز وهو احتكار منهي عنه، ويجب الأخذ على يده ومنعه من ذلك، إذا كان الأمر كما ذكر السائل أنه ليس هناك في السوق غير هذه السلعة التي يحتاج إليها الناس وهو يشتريها ويحضرها عنده ليتحكم فيها فهذا أمر لا يجوز ويجب على ولاة الأمور منعه من ذلك، أما إذا كانت هذه السل من الكماليات والناس ليسوا في حاجة إليها أو كان هناك سوق آخر وسلع أخرى والناس يجدون غيرها في مكان آخر من غير مشقة عليهم فإن هذا لا يحرم، ولكن لا ينبغي للمسلم أن يضايق الناس. "المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان " (3 / 60) [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97599 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4924 تأخرت شركته في إعطائه رواتبه فماذا يصنع؟ [السُّؤَالُ] ـ[أعمل في شركة لم تسدد لي رواتبي منذ شهرين، أي: سبتمبر، وأكتوبر، وعندما راجعت المالك (صاحب الشركة) قال: إذا صار فيه بيع وشغل أعطيك راتبك، وإذا ما جبت ليس لك شيء؟ وأنا متزوج وعليَّ التزامات مالية وديون قد كسرت ظهري وقلبي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الواجب على صاحب العمل أن يتقي الله تعالى في الموظفين، وأن يدفع لهم رواتبهم دون نقص أو تأخير، وهو مقتضى العقد الذي بينه وبينهم. وقد بيَّنا حرمة فعل بعض أصحاب الشركات الذين يظلمون موظفيهم بتأخير رواتبهم في جواب السؤال رقم (60407) . وننبه إلى أن ذلك المنع من إعطاء الرواتب إن كان – فعلاً – لعجز الشركة عن دفع الرواتب بسبب عدم توفر النقد: فإنها معذورة؛ لقوله تعالى: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) البقرة/280، وأما إذا كان صاحب الشركة متهاوناً أو مماطلاً فإنه يكون ظالماً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ) رواه البخاري (2400) ومسلم (1564) . والمطل: هو تأخير أداء الحق الواجب من غير عذر. فهذا الحديث يدل على أن المماطلة إذا كانت من غني فهي ظلم وحرام، وإذا كانت من فقير أو عاجز عن السداد فليست بظلم ولا حرام. "شرح مسلم للنووي" ثانياً: وأما بالنسبة لك أخي السائل: فإن كان أصحاب الشركة مماطلين لا عاجزين: فأمامك عدة حلول، منها: 1. أن تنصح صاحب العمل برفق ولين لعل الله أن يلين قلبه، ويهديه لأداء الحقوق لأصحابها، وإذا كان صاحب العمل لا يرضى من الموظفين عنده أن يضيعوا حقه ويتهاونا في العمل، فليعامل الناس بمثل ما يحبّ أن يعاملوه به، فعليه أن لا يظلمهم ولا يتهاون في أداء حقوقهم. 2. أن تصبر على هذا الظلم إلى أن ييسر الله لك وتأخذ حقك كاملاً. 3. أن ترفع أمرك إلى المحكمة الشرعية، أو لدائرة العمل؛ لتستوفي لك حقك. 4. أن تقدِّم استقالتك من هذه الشركة، وتبحث عن عملٍ آخر. 5. وقبل كل ذلك وبعده عليك بدعاء الله تعالى وسؤاله أن ييسر لك أمرك وأن يهدي صاحب العمل ويلين قلبه. والله الموفق [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 95294 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4925 الفقر وآثاره السيئة ووسائل القضاء عليه في الإسلام [السُّؤَالُ] ـ[كيف حارب الإسلام الفقر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الفقر من المصائب التي قدَّر الله وقوعها، إما على شخص بعينه أو أسرة أو مجتمع، وللفقر آثاره السيئة على الاعتقاد والسلوك، فإن كثيراً من المنصرين يستغلون فقر الشعوب وقلة ذات يدهم لنشر النصرانية في صفوفهم، وكذا فإنه ينتشر بسبب الفقر من الأخلاق الرذيلة الشيء الكثير؛ وذلك لجبر فقرهم، وسد حاجتهم، فينتشر بينهم السرقة، والقتل، والزنا، وبيع المحرمات، ولا شك أن لتلك الأمور أثرها السيئ على الفرد والمجتمع، وقد ذكر الله تعالى عن المشركين أن بعضهم كان يقتل ولده فلذة كبده إما من الفقر الذي يعيشه، أو خشية أن يصيبه الفقر! ، قال تعالى في الصنف الأول: (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) الأنعام/من الآية151، وقال تعالى في الصنف الثاني: (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً) الإسراء/31. وقد ورد في الصحيحين قصة المرأة من بني إسرائيل عندما احتاجت لمال وضاقت عليها الأرض فلم تجد إلا ابن عمها الذي راودها عن نفسه مقابل أن يعطيها المال، ثم نجاها الله تعالى بعد أن ذكَّرته بالله تعالى وخوفته به. وعلى كل حال: فقد أصبح أمراً معروفاً أن الفقر ينتج الجرائم والفساد، ولذا فإن الأمم تعاني منه، وعبثاً تحاول إيجاد الحلول له، ولا حلَّ له إلا بالإسلام، الذي جاءت أحكامه للناس جميعاً، وإلى قيام الساعة. ثانياً: ومن الوسائل التي وردت في شرعنا المطهَّر لحل مشكلة الفقر ومحاربتها: 1. تعليم الناس الاعتقاد الصحيح بأن الرزق من الله تعالى، وأنه هو الرزاق، وأن كل ما يقدِّره الله تعالى من المصائب فلحكمٍ بالغة، وعلى المسلم الفقير الصبر على مصيبته، وبذل الجهد في رفع الفقر عن نفسه وأهله. قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) الذاريات/58، وقال تعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) هود/6، وقال تعالى: (أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ) الملك/21، وقال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) الإسراء/70. ومن شأن هذه الاعتقادات أن تصبِّر الإنسان على ما يصيبه من فقر، وأن يلجأ إلى الله تعالى وحده في طلب الرزق، وأن يرضى بقضاء الله، ويسعى بطلب الرزق. عَنْ صُهَيْبٍ الرومي رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) . رواه مسلم (2999) . ويمكننا أن نعرف أثر هذه العقيدة على المسلمين من خلال النظر في واقع غيرهم، ففي اليابان – مثلاً – انتحر في عام 2003 ثلاثة وثلاثون ألفاً! ومن أبرز الأسباب: البطالة! ففي تقرير في موقع " البي بي سي " بتاريخ 1 / 9 / 2004 م قالوا: وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن ثلاثة وثلاثين ألف شخص قتلوا أنفسهم العام الماضي في اليابان، ويقول المسؤولون اليابانيون: إن من بين أسباب ارتفاع معدلات الانتحار حالة الكساد الاقتصادي التي تمر بها اليابان، والتي تعد الأسوأ منذ خمسين عاماً، وأدت إلى ارتفاع معدلات البطالة إلى مستويات غبر مسبوقة، فارتفع عدد حالات الإصابة بالاكتئاب، وخاصة بين الرجال في مرحلة الكهولة. انتهى قال تعالى: (إِِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً) الإسراء/30. قال ابن كثير – رحمه الله -: وقوله تعالى (إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ) إخبار أنه تعالى هو الرزاق، القابض، الباسط، المتصرف في خلقه بما يشاء، فيُغني من يشاء، ويُفقر من يشاء، بما له في ذلك من الحكمة؛ ولهذا قال: (إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا) أي: خبير بصير بمن يستحق الغنى، ومن يستحق الفقر ... . وقد يكون الغنى في حق بعض الناس استدراجًا، والفقر عقوبة، عياذًا بالله من هذا وهذا. " تفسير ابن كثير " (5 / 71) . 2. الاستعاذة بالله تعالى من الفقر. وقد ورد في السنة ما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم، ويعلِّمه أمته، وهو الاستعاذة بالله تعالى من الفقر؛ لما له من أثر على النفس، والأسرة، والمجتمع. عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: كَانَ أَبِي يَقُولُ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْكُفْرِ وَالْفَقْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ " فَكُنْتُ أَقُولُهُنَّ، فَقَالَ أَبِي: أَيْ بُنَيَّ عَمَّنْ أَخَذْتَ هَذَا؟ قُلْتُ: عَنْكَ، قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُهُنَّ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ. رواه النسائي (1347) ، وصححه الألباني في " صحيح النسائي ". وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْكَسَلِ وَالْهَرَمِ وَالْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وَعَذَابِ النَّارِ وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْفَقْرِ) . رواه البخاري (6007) ومسلم (589) . 3. الحث على العمل، والكسب، والمشي في الأرض لكسب الرزق. قال تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) الملك/15، وقال تعالى: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) الجمعة/10. عَنْ الْمِقْدَامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ) . رواه البخاري (1966) . عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ الْحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ) . رواه البخاري (1402) . 4. إيجاب الزكاة في أموال الأغنياء. وقد جعل الله تعالى للفقراء نصيباً في الزكاة، ويُعطى الفقير تمليكاً، ويُعطى حتى يغتني، ويزول فقره. قال تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة/60، وقال تعالى: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ. لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) المعارج/24، 25. 5. الحث على الصدقات، والأوقاف، وكفالة الأيتام والأرامل. قال تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) سورة التغابن الآية 16، وقال تعالى (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) سورة سبأ الآية 39، وقال تعالى وقوله سبحانه وتعالى: (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا) سورة المزمل الآية 20. عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَتِرَ مِنْ النَّارِ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ) . رواه البخاري (1347) ومسلم (1016) – واللفظ له -. عَنْ سَهْل بنِ سَعْد قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَأَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا - وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا -) . رواه البخاري (4998) . ومسلم (2983) من حديث أبي هريرة بلفظ قريب. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ الْقَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ) . رواه البخاري (5038) ومسلم (2982) . 6. تحريم الربا والقمار، والغش في البيع. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278، 279، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) المائدة/90. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا فَقَالَ مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟ قَالَ: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ؟ مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي. رواه مسلم (102) . وهذه الأمور من شأن وجودها وانتشارها بين الناس أن تأخذ أموال الناس بالباطل، وقد يفقد الناس أموالهم كلها بسببها، لذا جاءت النصوص البينة بتحريمها. 7. الحث على إعانة المحتاج، والوقوف بجانب الضعيف. عَن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى) رواه البخاري (5665) ومسلم (2586) . وعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليس المسلم الذي يشبع ويجوع جاره) . رواه البيهقي في الشعب (9251) وغيره، وحسنه الألباني. وفي موطأ الإمام مالك (1742) عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَدْرَكَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَمَعَهُ حِمَالُ لَحْمٍ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَرِمْنَا إِلَى اللَّحْمِ فَاشْتَرَيْتُ بِدِرْهَمٍ لَحْمًا!! فَقَالَ عُمَرُ: أَمَا يُرِيدُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَطْوِيَ بَطْنَهُ عَنْ جَارِهِ أَوْ ابْنِ عَمِّهِ؟!! أَيْنَ تَذْهَبُ عَنْكُمْ هَذِهِ الْآيَةُ: (أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمْ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا) . وبعد: فهذه لمحة عن حقيقة الفقر، وفيها إشارة إلى بعض آثاره السيئة، والمسلم يعلم أن الفقر والغنى، والعطاء والمنع، من تقدير الله تعالى، فيصبر الضراء متى نزلت، ويشكر الله تعالى على السراء إن أدركته، لكنه مطلوب منه العمل والتكسب لرفع الفقر عن نفسه وأهله، ومن عجز لظرف بدنه أو بلده: فإن الإسلام يرفع فقره بزكاة الفقراء وصدقاتهم، وهو حق له في أموالهم. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 95340 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4926 هل يجوز تأجير البيت المرهون؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا أحد المنسوبين لدى شركه أرامكو والشركة تقدم قرضا بدون فوائد لإنشاء بيت يتم سداده بحسم تلقائي من راتبي الشهري يصل إلي 15 سنة، والأرض توفرها الشركة مجانا. هل يجوز لي تأجير جزء (دور) من البيت والسكن في الآخر؟ علماً بأن الصك مرهون لصالح الشركة إلى الانتهاء من تسديد القرض. والاتفاقية الموقع عليها مع الشركة في المادة التاسعة تقول: لا يجوز لك تأجير البيت أو بيعه أو رهنه أو انتقاله على أي نحو آخر قبل الانتهاء من تسديد كامل القرض المستدان إلا بإذن خطي مسبق من الشركة على أن يكون للشركة الحق باتخاذ أي إجراءات تراها مناسبة إذا أخللت بأي شرط من شروط هذه الاتفاقية.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا معناه أن الأرض مرهونة لدى الشركة حتى يتم سداد القرض، وقد اختلف العلماء في جواز تأجير الراهن (صاحب الرهن) العين المرهونة بدون إذن المرتهن (صاحب الدين) . فذهب بعضهم إلى أنه لا يجوز ذلك، وهو مذهب الإمامين أبي حنيفة وأحمد. وذهب آخرون إلى جواز تأجيره مدة تنتهي قبل حلول الدين، وهو مذهب الإمامين مالك والشافعي. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (4/254) .: " وليس للراهن الانتفاع بالرهن , باستخدام , ولا وطء , ولا سكنى , ولا غير ذلك ولا يملك التصرف فيه , بإجارة , ولا إعارة , ولا غيرهما , بغير رضا المرتهن. وبهذا قال الثوري وأصحاب الرأي. وقال مالك وابن أبي ليلى والشافعي , وابن المنذر: للراهن إجارته وإعارته مدة لا يتأخر انقضاؤها عن حلول الدين " انتهى. ولا شك أن المقصود من الرهن توثقة الدين، وأن الشركة من حقها بيع الرهن وأخذ القرض من ثمنه إذا جاء وقت السداد وامتنع المدين من السداد، أو تعذر عليه السداد. وهذه التوثقة تقل إذا كان البيت المرهون مؤجراً، لصعوبة إخراج المستأجر، فقد يمتد ذلك إلى سنوات، مع ما فيه من إنفاق الأموال والجهد والوقت حتى يتم ذلك. ولهذا فإن للشركة الحق أن تشترط على المدين ألا يؤجر البيت، لأن هذه الإجارة وإن كانت لا تبطل حق الشركة ولكنها تضعف توثيق الدين بلا شك، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وَالْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا) رواه الترمذي (1352) وأبو داود (3594) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. فإذا وافق المدين على هذا الشرط لزمه الوفاء به. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 91459 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4927 الاحتكار المحرم يكون في كل ما يحتاج الناس إليه [السُّؤَالُ] ـ[هل الاحتكار يكون في القوت والطعام فقط، أم ممكن يكون في باقي السلع؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الاحتكار محرم، ودل على تحريمه ما رواه مسلم في صحيحه عن معمر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحتكر إلا خاطئ) . قال النووي رحمه الله تعالى: قال أهل اللغة الخاطئ هو العاصي الآثم وهذا الحديث صريح في تحريم الاحتكار. انتهى. وإنما حرم الشرع الاحتكار لما فيه من الإضرار بالناس. وقد اختلف أهل العلم فيما يجرى فيه الاحتكار فمنهم من يقول هو في القوت خاصة. ومنهم من يرى أنه يجرى في كل ما يحتاجه الناس ويتضررون بحبسه، وهذا مذهب المالكية ورواية عن أحمد. وهذا القول هو الصحيح الموافق لظاهر الأحاديث. قال الشوكاني رحمه الله تعالى في "نيل الأوطار" (5/262) : "وظاهر الأحاديث أن الاحتكار محرم من غير فرق بين قوت الآدمي والدواب وبين غيره، والتصريح بلفظ الطعام في بعض الروايات لا يصلح لتقييد بقية الروايات المطلقة، بل هو من التنصيص على فرد من الأفراد التي يطلق عليها المطلق" انتهى. وقال الرملي الشافعي في حاشيته على أسنى المطالب (2/39) : "ينبغي أن يجعلوه في كل ما يحتاج إليه غالباً من المطعوم والملبوس" انتهى. وهذا ما يتفق مع الحكمة التي من أجلها منع الاحتكار، وهي منع الإضرار بالناس، وبهذا القول أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء، حيث جاء في فتواهم برقم (6374) : "لا يجوز تخزين شيء الناس في حاجة إليه، ويسمى الاحتكار، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحتكر إلا خاطئ) رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه، ولما في ذلك من الإضرار بالمسلمين. أما ما كان الناس في غنى عنه فيجوز تخزينه حتى يُحتاج إليه فيبذل لهم، دفعاً للحرج والضرر عنهم" انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/184) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 85195 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4928 تقدم لخطبتها مهندس يعمل في أحد البنوك فهل تقبله [السُّؤَالُ] ـ[تقدم لخطبتي شخص خريج هندسة معمارية، ويعمل في قسم الإدارة الهندسية في أحد البنوك المتخصصة في بناء الشقق والبنايات الفاخرة، فهل أقبله أم أرفضه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ينبغي أن تحرص المرأة على اختيار الزوج الصالح المستقيم، الذي يراقب الله تعالى فيها، ويطعمها وأولادها من الحلال، ويجنبهم الحرام. ولهذا فنحن نشكرك على هذا السؤال الذي يدل على اهتمامك بهذا الأمر، ونقول: إن كان البنك الذي يعمل فيه هذا الشخص بنكا ربويا، يقوم تسويقه للشقق والبنايات على الربا، فلا يجوز العمل فيه، ولا إعانته على مشاريعه بأي وجه من الإعانة. وكذلك لا يجوز العمل في بناء شقق أو أماكن للمعصية، كأماكن اللهو الباطل، أو صالات القمار، أو بنوك الربا ونحو ذلك. وينبني على ذلك مسألة قبول هذا الخاطب أو رفضه، فإن كان عمله مباحا، وكان مرضي الدين والخلق، فاقبلي به، وإن كان عمله محرما، أو كان غير مرضي الدين والخلق، فلا تقبليه، لما يترتب على الزواج منه من مضار تعود عليك وعلى أولادك. نسأل الله لك التوفيق والسداد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 84945 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4929 وجد اسطوانة لزوجته الأولى ويصعب ردها إليها [السُّؤَالُ] ـ[كنت متزوجاً من امرأة ثم طلقتها لأسباب شرعية ليس هذا مجال تفصيلها، المهم أني تزوجت بعدها بامرأة أُخرى ولي منها مولود أي من الثانية والحمد لله، ولي على زواجي الثاني سنة وشهر، السؤال: أني وجدت في ثنايا أدراج مكتبيCD في أمور الطبخ يخص المرأة الأولى، فماذا أصنع به؟ إن تركته تضايقت زوجتي الحالية، وإن أوصلته بطريقة أو بأخرى للمرأة الأولى قد تحدث بلبلة لا داعي لها، علما بأن المرأة الثانية ستتزوج بعد أيام، هل أتخلص من هذا ال CD أم أهديه ... أشيروا علي بارك الله فيكم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما دام هذا السي دي ملكا لزوجتك الأولى، فيلزم إرجاعه إليها إلا أن تخشى وقوع مفسدة بذلك، فتتصدق به عنها. وقد نص أهل العلم على أن الشيء اليسير – ولو كان مغصوبا أو مسروقا- إذا شق رده على صاحبه فإنه يتصدق به عنه، قال في "مطالب أولي النهى" (4/65) : "ومن بيده نحو غصوب لا يعرف أربابها , ونقل الأثرم وغيره أو عرف ربها , وشق دفعه إليه، وهو يسير كحبة ... إلخ " ثم ذكر أنه مخير بين تسليمه للحاكم أو التصدق به عن صاحبه. فعليك أن تهدي هذا السي دي لمن تنتفع به ويكون ثواب ذلك لصاحبته. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83052 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4930 هل تثبت للمرأة ولاية في مال الصغير؟ [السُّؤَالُ] ـ[رجلٌ تزوج بامرأتين أنجبت له الأولى عدداً من الأبناء الذكور، وأنجبت له المرأة الثانية عددا من الإناث إلا واحدا لم يبلغ الحلم بعد. الحاصل أن الزوج قد طلق امرأته الأولى ثم توفي، وبعد فترة وجيزة توفيت زوجته الثانية، ونشب صراع وخلاف شديد بين الذكور والإناث حول تقسيم التركة حيث ادعى الذكور ولا بينة لهم أن المورث قد وهب لهم عددا من العقارات والأطيان الأخرى، واشتد النزاع حول من يكون وليا ووصياً على الطفل القاصر حيث احتج الإخوة لأب الذكور بأنهم أحق بالولاية والوصاية على الطفل القاصر لكونهم من العصبة، واحتجت الأخت الشقيقة للقاصر بأنها أولى وأقدر لكونها مؤتمنة على الطفل القاصر والقائمة بأمره ودفعت طلب الإخوة لأب في استحقاق الولاية والوصاية بأنهم خصماء للقاصر ويوجد بينهم وبينه وبين عائلته وشقيقاته البنات من الخلافات العائلية التي يخشى معها على مصلحة ذلك الطفل. السؤال هل يجوز للمرأة أن تكون وليا ووصيا على القاصر لتحفظ ماله وتقوم بشئونه وتمثله أمام العام والخاص في وجود الإخوة لأب أو العصبة؟ وهل يجوز لها شرعا القيام بذلك، خاصة وأن الإخوة لأب دفعوا طلب الأخت الشقيقة في تولي مهام الوصاية، بحديث: (لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) وبالحديث الذي معناه: (أن النساء ناقصات عقل ودين) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: ليس للإخوة ولا للأخوات ولاية على مال أخيهم في قول جماهير أهل العلم، وإنما الولاية للأب ثم لوصيه [وهو من أوصى له الأب أن يكون ولياً على أولاده بعد موت الأب] ثم للحاكم، واختُلف في الجد، كما اختلف في الأم. قال في "بدائع الصنائع" (حنفي) (5/155) : " وأما ترتيب الولاية فأولى الأولياء: الأب ثم وصيه ثم وصي وصيه، ثم الجد ثم وصيه ثم وصي وصيه، ثم القاضي ثم من نصبه القاضي وهو وصي القاضي وإنما تثبت الولاية على هذا الترتيب ; لأن الولاية على الصغار باعتبار النظر لهم لعجزهم عن التصرف بأنفسهم , والنظر على هذا الترتيب، وليس لمن سوى هؤلاء من الأم والأخ والعم وغيرهم ولاية التصرف على الصغير في ماله ; لأن الأخ والعم قاصرا الشفقة، وفي التصرفات تجري جنايات لا يهتم لها إلا ذو الشفقة الوافرة , والأم وإن كانت لها وفور الشفقة لكن ليس لها كمال الرأي لقصور عقل النساء عادة، فلا تثبت لهن ولاية التصرف في المال" انتهى بتصرف. وقال الدرير في "الشرح الكبير مع الدسوقي" (مالكي) (3/299) : " والولي على الصغير: الأب الرشيد لا الجد والأخ والعم إلا بإيصاء من الأب ثم يلي الأب وصيه فوصي الوصي ثم يلي الوصي حاكم أو من يقيمه " انتهى بتصرف. وقال في "نهاية المحتاج" (شافعي) (4/375) : "ولا تلي الأم في الأصح قياسا على النكاح. والثاني [أي القول الثاني] : تلي بعد الأب والجد وتقدم على وصيهما لكمال شفقتها , ومثلها في عدم الولاية سائر العصبة كأخ وعم. نعم، لهم الإنفاق من مال الطفل في تأديبه وتعليمه وإن لم يكن لهم عليه ولاية ; لأنه قليل فسومح به , ومحله عند غيبة وليه , وإلا فلا بد من مراجعته فيما يظهر" انتهى. وقال في "كشاف القناع" (3/446) (حنبلي) : " وتثبت الولاية على صغير ومجنون ذكر أو أنثى لأب ثم بعد الأب لوصيه العدل ثم إن لم يكن أب ولا وصيه أو كان الأب موجودا وفقد شيئاً من الصفات المعتبرة فيه ثبتت الولاية عليهما للحاكم لأن الولاية انقطعت من جهة الأب فتكون للحاكم، لأنه ولي من لا ولي له، فيقم الحاكم أمينا في النظر لليتيم والمجنون، والجد والأخ والأم وسائر العصبات لا ولاية لهم" انتهى بتصرف. فتبين أن المذاهب الأربعة على أن الإخوة لا يكونون أولياء في المال على أخيهم الصغير، وكذلك: الأخت الشقيقة ليس لها ولاية أيضاً. وعلى هذا، فينبغي رفع الأمر إلى القاضي الشرعي ليعين الأصلح للطفل ويكون هو الولي عليه. وأما الاستدلال بحديث: (لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) فهذا محمول عند أهل العلم على الولاية العامة كالرئاسة والإمارة والقضاء ونحوه، لا الولاية على ابنها أو أخيها الصغير، التي هي من أرحم الناس به، وأحرصهم عليه. وكذلك حديث: (ناقصات عقل ودين) فإنه لا يمنع من أن تتصرف في مالها وتكون والية عليه اتفاقا، فكذلك تصرفها في مال ولدها أو أخيها إذا جعلها الحاكم ولية عليه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 79344 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4931 القيام بعمل خاص أثناء فترة العمل الرسمي [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم القيام بعمل خاص بي أثناء الدوام مع العلم أنه لا يوجد ما أعمله؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن كان عمله الآخر يتطلب منه الخروج من عمله الأول فهذا يظهر أنه لا يجوز؛ لأنه يخالف شرط العمل الأول، والعمل الأول اشترط عليه أن يداوم من كذا إلى كذا، والمسلمون على شروطهم، وإن كان عمله الثاني لا يقتضي مفارقة العمل الأول ولا يزاحمه ولا يؤخره، وإنما يشتغل بعمل إذا وجد فسحة في أثناء عمله فيظهر أن هذا لا يضر؛ لأن الوقت ما دام ليس مشغولاً فهو ضائع غير مستفاد منه. [الْمَصْدَرُ] فضيلة الشيخ أ. د. خالد بن علي المشيقح. الحديث: 72833 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4932 دفع ثمن أرض ولم تتم المعاملة فهل يستوفي ما دفعه أم قيمتها حاليّاً؟ [السُّؤَالُ] ـ[اشترى خالي قطعة أرض من شخص اسمه حسين، حدث هذا منذ تسع سنوات، ثم تبين فيما بعد أن حسين قد باع قطعة أرض ملك لأبناء أخيه، لا نعرف إن كان حقا فعل ذلك عن طريق الخطأ أم متعمداً، المهم: أن خالي يريد أن يسترد ماله لأن حسين لم يعد بوسعه التعويض العيني، حسين يقول له إنه مستعد أن يرد له ماله، لكن المبلغ نفسه الذي دفعه رغم القيمة العينية تتعدى بكثير المبلغ بسبب التضخم المالي فما كان قيمته ثلاثة آلاف يساوي الآن تقريبا عشرة آلاف دينار، والأرض في حد ذاتها تضاعفت قيمتها. فما حكم الإسلام في هذا الأمر هل يرد له المبلغ نفسه، أم يرد له قيمة الأرض؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز لأحدٍ من الناس أن يبيع ما لا يملك، فإن فعل فبيعه باطل، وما حصل من بائع الأرض من بيعه ما يملكه أبناء أخيه هو من هذا الباب، والواجب عليه التوبة والاستغفار. ولخالك – المشتري – في ذمة هذا البائع المبلغ الذي دفعه، بغض النظر عن تغير العملة واختلاف قوتها الشرائية، وبغض النظر عن ارتفاع قيمة الأرض؛ لأن المبلغ الذي دفعه خالك صارَ ديْناً في ذمة ذلك البائع، والواجب رد المبلغ نفسه. وفي القرار رقم: 42 (4 / 5) بشأن تغير قيمة العملة، قال "مجلس مجمع الفقه الإسلامي": "العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ما: هي بالمثل وليس بالقيمة؛ لأن الديون تُقضى بأمثالها، فلا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة، أيا كان مصدرها، بمستوى الأسعار" انتهى. مجلة " المجمع " (عدد 5، ج3 ص 1609) . وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: "يجب على المقترض أن يدفع الجنيهات التي اقترضها وقت طلب صاحبها، ولا أثر لاختلاف القيمة الشرائية، زادت أو نقصت" انتهى. " فتاوى اللجنة الدائمة " (14 / 146) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 70477 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4933 استخدام صراف بنك آخر [السُّؤَالُ] ـ[إذا استخدم عميل بنك ماكينة بنك آخر فإن البنك الآخر سيأخذ مبلغا معينا من بنك العميل مقابل استخدامه الماكينة. فهل في ذلك بأس؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا بأس لأن هذه أجرة استخدام الماكينة فكأنه قال: نخدم عميلك بالنيابة عنك مقابل هذا المبلغ. [الْمَصْدَرُ] الشيخ ابن جبرين الحديث: 20769 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4934 إعطاء عينة من دم السجين للمسؤولين في الولاية لتحليلها [السُّؤَالُ] ـ[شخص معتقل (سجين) يسأل هل يستطيع أن يعطي عينة من دمه للولاية لتقوم بتحليلها حتى يكون لديها سجل عن أنواع دماء المجرمين السابقين؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يظهر أن أصحاب الجرائم يشتركون في فصيلة واحدةٍ في دمائهم، فلا علاقة بين فصيلة الدم وسلوك الإنسان فإن الناس كلهم – صالحهم وسيئهم – يشتركون في فصائل دمائهم. والذي نوصي به هذا السجين: أن يتوب إلى الله مما جناه وفعله، وأن يُرد الحقوق إلى أهلها إن كان ظلم أحداً، وأن يغتنم حياته قبل مماته وصحته قبل سقمه ويسارع في التوبة إلى الله، فإن الله تعالى يقبل توبة عبده إذا تاب إليه ويغفر له ذنبه. وإعطاء عينة من دمه للولاية ليس فيه شيء من الناحية الشرعية طالما أنه لن يساء استخدامه، بل هو لعمل سجل عندها للمسجونين، لكن تنبه إدارة السجن بخطاب أن العلّة في الإجرام ليس فصيلة الدم وإنما فساد القلب والعقل والنشوء على الجريمة والاستمرار عليها. فإذا أرادوا العلاج فليعالجوا أصل المشكلة بالبحث في دوافع الإجرام وأسباب نشوئه ويسعوا لمنعها وإصلاح المجرمين ولا يوجد أحسن من الإسلام لعلاج هذا. والله الهادي. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 14042 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4935 كيفية تملك الأراضي التي لا مالك لها [السُّؤَالُ] ـ[كانت القبائل في جنوب المملكة السعودية تسيطر على الأراضي الجبلية العامة قبل تأسيس البلديات التي أصبحت تسيطر الآن على تلك الأراضي بحكم نظام الدولة ولم يعد للقبائل سيطرة عليها. فما حكم التملك في هذه الأراضي بالإحياء الشرعي على الرغم من معارضة بعض أفراد القبيلة لمن يحاول ذلك كونهم شركاء سابقين في تلك الأراضي قبل أن تتولى الدولة أمرها خاصة وان البعض يستطيع الإحياء والبعض لا يستطيع ,علماً بأن الإحياء في المملكة يجب أن يكون قبل عام 1382هـ حسب نظام وزارة العدل وشكرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصحيح أن الإحياء يحصل به التملك في كل وقت لعموم قوله عليه الصلاة والسلام: " من أحيا أرضاً ميتة فهي له ". وحيث أن بعض العلماء كالأحناف يشترطون إذن الإمام فإنه يُتقيّد بذلك، فلا بد من إذن الإمام، وهو ما يسمى بالإقطاع الذي كان النبي عليه الصلاة والسلام يفعله، حيث يُقطع إنسانا قطعة أرض ليستثمرها، ففي هذه الحال من أحيا أرضاً قبل عام 1382 هجرية فهي له، ومن أحياها بإذن الإمام بعد عام 82 هجرية فهي له. وأما تلك القبائل فإن كانوا قد ملكوها بالإحياء قديما فهم أولى بها لقدم ملكهم، وأما إن لم يكونوا أحيوها وإنما هي تابعة لقريتهم فإن لهم منع إحياءها إذا تعلقت بها مصالح قريتهم، فكانت متسعا لهم يتنزهون بها، ويتوسعون وإذا أحياها أحد تضرروا فلهم أن يطلبوا من الحكومة منع إحياءها حتى لو كان هؤلاء الأفراد الذين يريدون إحياءها من نفس القبيلة وذلك خشية الضرر. أما إن لم يكن هناك ضرر فكانت بعيدة عن البلد، ولم يتضرر أحد وحصل الإذن من الإمام فيجوز تملكها، ولا حق لهم في المعارضة، وإن كانوا يريدون الاستقلال بها فعليهم طلبها من الدولة لأنهم أولى بها، ولا يريدون أن يسكن بجوارهم من ليس من قبيلتهم، ويكون القرار حينها للدولة. [الْمَصْدَرُ] الشيخ: عبد الله بن جبرين الحديث: 26344 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4936 العمولة [السُّؤَالُ] ـ[أخذت زبونا إلى أحد المصانع أو المحلات لشراء بضاعة، فأعطاني صاحب المصنع أو المحل عمولة على الزبون، هل هذا المال (العمولة) حلال؟ وإذا زاد صاحب المصنع مبلغاً مُعيناً على كل قطعة يأخذها الزبون، وهذه الزيادة آخذها أنا مُقابل شراء الزبون لهذه البضاعة فهل هذا جائز؟ إذا كان غير جائز فما هي العمولة الجائزة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان المصنع أو التاجر يُعطيك جُزءاً من المال على كل سلعة تُباع عن طريقك تشجيعاً لك لجهودك في البحث عن الزبائن وهذا المال لا يُزاد في سعر السلعة وليس في ذلك إضرار بالآخرين ممن يبيع هذه السلعة،حيث أن هذا المصنع أو التاجر يبيعها بسعر كما يبيعها الآخرون فهذا جائز ولا محذور فيه. أما إن كان هذا المال الذي تأخذه من صاحب المصنع أو المحل يُزاد على المشتري في ثمن السلعة فلا يجوز لك أخذه ولا يجوز للبائع فعل ذلك؛ لأن في هذا إضراراً بالمشتري بزيادة السعر عليه. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة (13/130) الحديث: 21980 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4937 حكم بطاقات التخفيض [السُّؤَالُ] ـ[تصدر بعض الشركات أو المستوصفات بطاقات للتخفيض وهي عبارة عن بطاقة تعطى لمن يرغب الاشتراك فيها مقابل مبلغ مالي يدفع سنوياً ويحصل حاملها على بعض التخفيضات أو الفحوصات المجانية خلال السنة، وإذا مرَّت السنة ولم يستفد من البطاقة ليس من حقه استرداد المبلغ الذي دفعه مقابل الاشتراك.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سئل الشيخ ابن باز عن حكم إصدار هذه البطاقات والتعامل بها. فأجاب: هذا العمل لا يجوز لما فيه من الجهالة والمقامرة والغرر الكثير فالواجب تركه. والله الموفق اهـ [الْمَصْدَرُ] فتاوى ابن باز (19/58) الحديث: 13743 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4938 مندوب المبيعات والعمولة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز العمل كمندوب مبيعات وأخذ نسبة في شركة تبيع الأشياء المباحة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الأمر كما ذكرت فهذا العمل مباح، ولا بأس بأخذ هذه النسبة أو العمولة في مقابل جهدك في البحث عن الزبائن. وننقل لك فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء في صورة مشابهة: السؤال: أنا صاحب مكتب تجاري شغلتي هي أنني وكيل ووسيط لبعض الشركات في الخارج المصنعة للملابس الجاهزة والمواد الغذائية هذه الشركات تقوم بإرسال عينات ما تصنعه مع الأسعار لكل صنف أقوم بعرض هذه البضاعة على للتجار في الأسواق وبيعها لهم بسعر الشركة مقابل عمولة من الشركة المصنعة حسب الاتفاق معها على نسبة العمولة فهل علي إثم في ذلك؟ . فأجابت اللجنة: إذا كان الواقع كما ذكر جاز لك أخذ تلك العمولة ولا إثم عليك. (فتاوى اللجنة الدائمة 13/125) [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20279 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4939 هل يجوز نقل الكتب الموقوفة على مسجد لمسجد آخر؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز نقل الكتب الموجودة في مسجد إلى مسجد آخر؟ كيف؟ ومن يحق له؟ هل هناك شروط؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الأصل أن الأشياء الموقوفة على مسجد معين لا تنقل إلى غيره , لأن صاحبها إنما أخرجها عن ملكه لهذا المسجد المعين , فلا يجوز أن تنقل إلى غيره. ثانياً: أجاز بعض العلماء – وهو الصحيح - نقلها إلى مسجد آخر بشرط: أن يكون نقلها أنفع من بقائها في ذلك المسجد. كما لو كان المنتفعون من هذه الكتب في المسجد الثاني أكثر عدداً من المنتفعين بها في المسجد الأول. أو كانوا مجموعة من الدعاة إلى الله وطلبة العلم , فيستفيدون ويفيدون غيرهم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ويجوز تغيير شرط الواقف إلى ما هو أصلح منه، وإن اختلف ذلك باختلاف الزمان , حتى لو وقف على الفقهاء. . . واحتاج الناس إلى الجهاد صرف إلى الجند " انتهى. "الاختيارات" (ص 176) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن تغيير بعض الشروط التي اشترطها الواقف إلى ما هو أفضل: " وهذه المسألة اختلف فيها العلماء فمنهم من يقول: إن الواقف إذا شرط شروطاً في الوقف ورأى الناظر أن غير هذا الشرط أنفع للعباد وأكثر أجراً فإنه لا بأس أن يصرفه إلى غيره. ومنهم من منع ذلك وقالوا: إن هذا الرجل أخرج هذا الوقف عن ملكه على وجه معين فلا يجوز أن يُتَصرف في ملكه إلا حسب ما أخرجه. وأما الذين قالوا بالجواز فيقولون: إن أصل الوقف للبر والإحسان فما كان أبر وأحسن فهو أنفع للواقف، واستدل هؤلاء بأن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه رجل عام الفتح , وقال: يا رسول الله إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس , فقال: (صلِّ ها هنا) , فأعاد عليه , فقال: (صلِّ ها هنا) , فأعاد عليه فقال: (صلِّ ها هنا) فأعاد عليه فقال: (شأنك إذاً) . والوقف شبيه بالنذر، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أجاز للناذر أن ينتقل إلى الأفضل , فالواقف كذلك , وهذا القول هو الصحيح , أنه يجوز أن يغير شرط الواقف إلى ما هو أفضل، ما لم يكن الوقف على معيّن , فإن كان الوقف على معيّن لم يجز صرفه إلى جهة أفضل، لأنه معيّن فتعلق الحق بالشخص المعيّن , فلا يمكن أن يغير أو يحول " انتهى بتصرف. "الشرح الممتع" (9/561,560) . ثالثاً: وأما من يحق له نقلها فهو ناظر الوقف (المسئول عنها) الذي تم تعينه من قبل الواقف لهذه الكتب , فإن لم يوجد , فيرجع في هذا إلى الجهة المسئولة عن هذه الكتب كوزارة الأوقاف في البلاد الإسلامية. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49886 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4940 البنوك الإسلامية [السُّؤَالُ] ـ[هل البنوك الإسلامية حلال أم حرام؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كانت هذه البنوك تتعامل حقيقةً وفق الشريعة الإسلامية، فلا تتعامل بالربا المحرم، ولا تأخذ ما يسمى فائدة مقابل الأجل الذي هو في الحقيقة ربا الجاهلية وإن سموه بغير اسمه، ولا تتعامل بالمعاملات غير الشرعية كبيع ما لا يملك أو بيع العينة أو غير ذلك من المعاملات التي لا تبيحها الشريعة فلا شك أن هذه البنوك حلال والتعامل معها شرعي. أما إن كانت هذه البنوك إسلامية اسماً فقط ولكنها تتعامل بالربا، والمعاملات المحرمة فالتعامل معها حرام، وإن سموها " بنوكاً إسلامية " لأن العبرة بالحقائق والمعاني، لا بالمباني، والعبرة بالمسميات لا بالأسماء. وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: هل يجوز التعامل مع البنوك الإسلامية؟ مع أن بعضها يتحايل على الشريعة ويتعامل معاملات محرمة؟ فأجابت: " المصارف والبنوك التي لا تتعامل بالربا يجوز التعامل معها، وإذا كانت تتعامل بالربا فلا يجوز التعامل معها، وليست بنوكاً إسلامية. فتاوى اللجنة الدائمة (13/310) وجاء في فتاوى اللجنة أيضاً: (13/365) " إذا كان البنك الإسلامي ليس بربوي، وإنما يستثمر الأموال وفق الأسس الشريعة جاز لك إيداع المال به لاستثماره " اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 47651 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4941 حكم استبدال الأوراق النقدية الممزقة بنصف قيمتها [السُّؤَالُ] ـ[الأوراق النقدية الممزقة التي لا يقبل الناس التعامل بها، توجد بعض البنوك تستبدلها بنصف قيمتها، فتأخذ منك ورقة فئة مائة ريال (ممزقة) وتعطيك خمسين ريالا. فما حكم هذا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ عبد الرحمن البراك حفظه الله فأفاد بما يلي: القاعدة في استبدال الذهب بالذهب والفضة بالفضة أنه يجب التساوي مثلا بمثل، ولا فرق بين المعيب والمكسر وغيره. والأوراق النقدية الآن تقوم مقام الذهب والفضة في كونها صارت ثمناً للأشياء. ولكن ... لا يمكن تطبيق جميع أحكام الذهب والفضة على الأوراق النقدية، لأن الأوراق النقدية ليس لها قيمة ذاتية، وإنما تكتسب قيمتها من اعتماد الدولة لها. لهذا أقول: لا مانع من استبدال الورقة الممزقة بنصف قيمتها، لأنها فقدت قيمتها الآن (أي لما صارت ممزقة) . [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد الرحمن البراك. الحديث: 46836 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4942 هل يجوز أن يستأجر في محل شيشة لبيع المأكولات؟ [السُّؤَالُ] ـ[توجد كافتريا في أحد الكازينوهات هل يجوز لي استئجارها من أجل بيع المأكولات - مع العلم بأن الكازينو مخصص لجلسات الشيشة والشاي - فما الحكم في ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الذي يظهر هو عدم جواز استئجارك ذلك المحل لتقديم الطعام والشراب؛ لأن شرب الشيشة محرَّم، لما فيه من تضييع للأموال، وإضرار المسلم بنفسه وبغيره ممن يستنشقون هذا الدخان الخبيث، راجع السؤال رقم (10922) و (7432) والأصل في المسلم أن يهجر هذه أماكن المعصية ويبتعد عنها، لا أن يساهم في عونهم أو تقديم ما يبقيهم فيها كشراب أو طعام حلال، وفتح جزء في " الكازينو " لأجل تقديم الطعام لأولئك العاصين يتنافى مع الأمر للمسلم بتغيير المنكر حين يراه، ويتنافى مع الأمر بهجر أماكن السوء والمعصية. قال الله تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) النساء/140. قال القرطبي - رحمه الله -: قوله تعالى: (فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره) أي غير الكفر. {إنكم إذا مثلهم} : فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر؛ لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم. " تفسير القرطبي " (5 / 418) . قال الشيخ ابن باز رحمه الله: الإنكار بالقلب فرض على كل واحد، وهو بغض المنكر وكراهيته، ومفارقة أهله عند العجز عن إنكاره باليد واللسان. " الدرر السنية في الأجوبة النجدية " (16 / 142) . بل الواجب على صاحب الملك أن لا يؤجر محلاته لأولئك الذين يتخذونها من أجل فعل المعاصي سئل الشيخ عبد العزيز آل الشيخ: والدي أوصى بثلث إيجار عمارة يملكها وهذه العمارة مؤجرة على محلات يبيع بعضها الدخان وأدوات شرب الشيشة وبها محل لبيع أشرطة الأغاني فهل تجوز هذه الوصية أم لا؟ علماً بأننا لا نملك غيرها؟ جزاكم الله خيراً. فأجاب: المطلوب منكم أن تخرجوا أولئك؛ لأن بيع الدخان والشيشة وأمثالها من الأغاني كلها أمور مخالفة للشرع، ولا يحل للمسلم أن يعين على الإثم والعدوان، وسيعوضكم الله خيراً إن شاء الله، وستستأجر إن شاء الله بما يغل غلاً ينفعكم وينفع الميت بإذن الله. اهـ واعلم أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، وأن الرزق لا ينال بالمعصية، وقد قال سبحانه: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/2، 3. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45271 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4943 حكم تدريس القوانين الوضعية [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم تدريس القوانين الوضعية؟ وما حكم أخذ الراتب على ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " تدريس القوانين الوضعية أو دراستها لتبيين زيفها، وتمييز حقها من باطلها، ولتوضيح سمو الشريعة الإسلامية وكمالها وشمولها لكل ما يصلح به حال العباد في عباداتهم ومعاملاتهم جائز، وقد يجب إذا دعت إليه الحاجة، إحقاقا للحق، وإبطالا للباطل، وتنبيها للأمة، وتوعية لها حتى تعتصم بدينها، ولا تنخدع بشبه المنحرفين، ومن يروج لتحكيم القوانين، ومثل هذا العمل يجوز أخذ الأجر عليه. أما تدريس القوانين الوضعية رغبة فيها، وترويجا لها، ومضاهاة لها بالتشريع الإسلامي، أو مناوأة له فهذا محادة لله ولرسوله، وكفر صراح، وحيدة عن سواء السبيل، فأخذ الأجر عليه سحت وشر على شر، نسأل الله العافية ونعوذ به من الخذلان. وبالله التوفيق. من فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء (23/497) . وراجع السؤال رقم (12874) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 42950 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4944 خلط ذهب الناس بعضهم ببعض عند تصنيعه [السُّؤَالُ] ـ[ما الحكم فيمن سلم ذهبه لمصنع الذهب ليصنعه، فربما اختلط ذهبه مع ذهب غيره حال صهر الذهب في المصنع، ولكن عند استلامه من المصنع يستلمه بنفس الوزن الذي سلّمه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب على المصنع أن لا يخلط أموال الناس بعضها ببعض , وأن يميز كل واحد على حدة إذا كان عيار الذهب يختلف. أما إذا كان عيار الذهب لا يختلف فلا حرج أن يجمعها، لأنه لا يضر. [الْمَصْدَرُ] فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين. "مجموعة أسئلة في بيع وشراء الذهب". الحديث: 41803 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4945 حكم تصليح أجهزة التلفاز والفيديو [السُّؤَالُ] ـ[أقوم بتصليح أجهزة التليفزيون والفيديو وكذلك تركيب الأطباق الفضائية وضبط جميع الأقمار. فهل علي إثم في استخدام صاحب هذا الجهاز من سماعه للأغاني والأفلام وغيرها أفيدونا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يقول الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2، وما تقوم به من إصلاح أجهزة التلفزيون والفيديو والأطباق الفضائية ثم يستخدمها أصحابها في سماع ورؤية المنكرات هو من الإعانة على المنكر والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا) رواه مسلم (2674) . فلا يجوز لك هذا العمل، والخير أن تبحث عن عمل آخر وتذكر أن الله يقول (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) الطلاق/2-3. سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء، ما نصه: أنا أعمل مهندس إلكترونيات، ومن عملي إصلاح الراديو والتليفون والفيديو ومثل هذه الأجهزة، فأرجو إفتائي عن الاستمرار في هذه الأعمال، مع العلم أن ترك هذا العمل يفقدني كثيرا من الخبرة ومن مهنتي التي تعلمتها طوال حياتي، وقد يقع علي ضرر خلال تركها. فأجابت: دلت الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة أنه يجب على المسلم أن يحرص على طيب كسبه، فينبغي لك أن تبحث عن عمل يكون الكسب فيه طيبا. وأما الكسب من العمل الذي ذكرته فهذا ليس بطيب؛ لأن هذه الآلات تستعمل غالبا في أمور محرمة. اهـ فتاوى اللجنة الدائمة" (14/420) وانظر سؤال رقم (39744) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 40472 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4946 حكم عمل الرجل في محل تزين شعر للنساء [السُّؤَالُ] ـ[لنا أقارب ومن ضمن أقاربنا رجل وزوجته، يعملان في المحل الذي يدعى (الكوافير) ثم كفت زوجته وظل الرجل يعمل مزيناً لشعر النساء، وهو يقوم بدعوتنا للغداء عندهم، فهل يجوز لنا الأكل عندهم، وهل عمله حرام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان عمل من ذكرت من الأقارب كما وصفت، فعمله حرام، وكسبه حرام، ويجب على من يعمل ذلك أن يتخذ له مهنة أخرى بعداً عن الحرام، وأبواب الكسب كثيرة، والحمد لله، (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه) الطلاق / 2-3، وخير للمسلم أن يحفظ نفسه، وأن يبعد عن موارد الفتن حفظاً لعرضه ودينه، وسيجعل الله له من أمره يسراً. ولا يجوز لمن زارهم من أقارب وأصدقاء مثلاً أن يأكل من طعامهم، أو يشرب مما يملكون إذا لم يكن لم يكن لهم دخل إلا من طريق ذلك العمل. وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء 14/36 الحديث: 33645 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4947 يأخذ من مال الشركة في بلاد الكفر فوق راتبه [السُّؤَالُ] ـ[أنا شاب مقيم في دولة غربية وأعمل في شركة مواصلات، ولي زميل يعمل معي ولنا التصرف التام في الأموال التي تدفع من طرف الزبون، وزميلي يأخذ دائماً قسطاً من المال ويقول إننا لنا الحق في فعل هذا وذلك بحجة أن صاحب الشركة لا يعطي لنا حقنا. أن الراتب الذي نتقاضاه هو حسب شروط قبولنا للعمل. ونحن نفعل أمراً آخر: فإذا كان أحد الزبائن مِن معارفنا حذفنا المبلغ. أطلب منكم مساعدتي فإني نصحت زميلي كثيراً ولكن هو مقتنع بأن الأمر الذي يفعله جائز.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أوجب الله تبارك وتعالى أداء الأمانة على وجهها، قال الله تعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) وجعل الرسول صلى الله عليه وسلم خيانة الأمة علامة من علامات النفاق والعياذ بالله، فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان) روه البخاري (33) ومسلم (59) . ولا فرق في التحريم بين أن يخون المسلم أمانة أخيه المسلم أو أمانة الكافر الذي ائتمنه على ماله، بل إنه بصدقه وأمانته يقدم أنموذجاً جيِّداً للمسلمين، وقد دخلتْ دول كثيرة في الإسلام بسبب أمانة وصدق التجار المسلمين، وعلى العكس فإنه إذا خان أو كذب كان ذلك سبباً لتنفير الناس عن الدين وصدهم عن سبيل الله. قال الشافعي - رحمه الله -: وإذا دخل رجل مسلم دار الحرب بأمان.. وقدر على شيء من أموالهم لم يحل له أن يأخذ منه شيئاً قلّ أو كثر؛ لأنه إذا كان منهم في أمان فهم منه في مثله، ولأنه لا يحل له في أمانهم إلا ما يحل له من أموال المسلمين، وأهل الذمة. " الأم " (4 / 284) . وبما أنكم اتفقتم مع الشركة على راتب معيَّن: فإنه لا يحل لكم أن تأخذوا زيادة عليه دون علم أصحاب الشركة، وادعاء أنهم لم يعطوكم ما تستحقون ليس بعذر، إذ لو فتح هذا الباب لادعاه كل عامل ولضاعت الحقوق والأمانات. ولا يحل لكم – كذلك – أن تخصموا على أحدٍ فواتيره، ولا أن تسقطوها بالكلية، فالمال ليس مالكم حتى تفعلوا هذا، ويجب استيفاء الحقوق من أصحابها أيّاً كانوا. لذا فإن الواجب عليكما التوبة إلى الله تعالى بالإقلاع عن فعلكم هذا، والندم عليه، والعزم على عدم العوْد، مع ضرورة إرجاع الحقوق إلى الشركة، تلك التي أُخذت فوق الراتب، وتلك التي أسقطت عن معارفكم وأصدقائكم. وانظر جواب السؤال رقم (14367) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 32503 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4948 شراء الكحول الوقود [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز شراء الكحول (وهو مسكر) لاستعماله فيما هو إتلاف له كاستعماله كوقود أو في بعض الصناعات، وهل يجوز بيعه لمن تيقن أنه يريده لهذا الغرض؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله بيع الخمر أو أي مسكر حرام وواجب على من لديه شيء من ذلك إتلافه، وعدم بيعه لعموم قول الله تعالى: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) المائدة/2 [الْمَصْدَرُ] من فتاوى اللجنة الدائمة ج13/47 الحديث: 21209 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4949 هل يعد شراء الأشياء الباهظة الثمن من الإسراف؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل شراء الأشياء الباهظة الثمن التي تطلبها الأخت أو الأم يعد من قبيل الإسراف، حتى لو كانت هذه الأشياء في مقدور المشتري، ولا يجد مشقة في شرائها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأعراف/31. قال الشيخ السعدي رحمه الله: " والإسراف إما أن يكون بالزيادة على القدر الكافي، والشره في المأكولات الذي يضر بالجسم، وإما أن يكون بزيادة الترفُّه والتنوُّق في المآكل والمشارب واللباس، وإما بتجاوز الحلال إلى الحرام ". انتهى. " تفسير السعدي" (287) . وقال تعالى: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) . الإسراء/26-27. قال ابن كثير رحمه الله: " لما أمر بالإنفاق نهى عن الإسراف فيه، بل يكون وسطًا، كما قال في الآية الأخرى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67] . ثم قال: منفرًا عن التبذير والسرف: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} أي: أشباههم في ذلك. وقال ابن مسعود: التبذير: الإنفاق في غير حق. وكذا قال ابن عباس. وقال مجاهد: لو أنفق إنسان ماله كله في الحق لم يكن مبذرًا، ولو أنفق مدًا في غير حقه كان تبذيرًا. وقال قتادة: التبذير: النفقة في معصية الله تعالى، وفي غير الحق وفي الفساد ". انتهى. "تفسير ابن كثير" (5/69) . وقال الشيخ السعدي رحمه الله: " يقول تعالى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} من البر والإكرام، الواجب والمسنون؛ وذلك الحق يتفاوت بتفاوت الأحوال والأقارب والحاجة وعدمها والأزمنة. {وَالْمِسْكِينَ} آته حقه من الزكاة ومن غيرها، لتزول مسكنته {وَابْنَ السَّبِيلِ} وهو الغريب المنقطع به عن بلده، فيعطي الجميع من المال على وجه لا يضر المعطي ولا يكون زائدا على المقدار اللائق فإن ذلك تبذير قد نهى الله عنه، وأخبر: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} ؛ لأن الشيطان لا يدعو إلا إلى كل خصلة ذميمة، فيدعو الإنسان إلى البخل والإمساك، فإذا عصاه دعاه إلى الإسراف والتبذير. والله تعالى إنما يأمر بأعدل الأمور وأقسطها ويمدح عليه، كما في قوله عن عباد الرحمن الأبرار {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما} ". "تفسير السعدي" (456) . فقد تبين أن الله تعالى أمر عباده أباح لعباده أن يتنعموا بما أنزل لهم من الطيبات، من الطعام والشراب واللباس، وأمرهم أن يصلوا ذوي القربى، وأن يعطوا المساكين، ونهاهم في نفقتهم وعطائهم عن الإسراف والتبذير. فأما النفقة في شيء محرم، فهي إسراف وتبذير، وأما النفقة في الأمور المباحة، فالإسراف فيها يختلف بحسب حال المنفق، وموضع نفقته، وغير ذلك من العوارض التي تعرض لفعله، من حيث الزمان، والمكان، والإمكان. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: نسمع أن الإسراف يختلف من شخص إلى آخر، وذلك على حسب المال الذي عنده سواء كان تاجراً أو غنياً؟ فأجاب: " ها صحيح، الإسراف أمر نسبي، لا يتعلق بنفس العمل وإنما يتعلق بالعامل، فمثلاً: هذه امرأة فقيرة اتخذت من الحلي ما يساوي حلي المرأة الغنية تكون مسرفة؟ لو اتخذ هذا الحلي امرأة غنية قلنا: إنه لا إسراف فيه، ولو اتخذته امرأة فقيرة قلنا: فيه إسراف، بل حتى الأكل والشرب يختلف الناس في الإسراف فيه: قد يكون الإنسان فقيراً، يعني: من الناس من تكفيه المائدة القليلة، وآخر لا يكفيه، ثم إنه – أيضاً - تختلف باعتبار أن الإنسان قد ينزل به ضيف فيكرمه بما لا يعتاد أكله هو في بيته فلا يكون هذا إسرافاً. فالمهم أن الإسراف يتعلق بالفاعل لا بنفس الفعل لاختلاف الناس فيه " انتهى. "لقاء الباب المفتوح" (88 / 34) وقال رحمه الله أيضا: " الإسراف مجاوزة الحد , وقد بين الله تعالى في كتابه أنه لا يحب المسرفين , وإذا قلنا: إن الإسراف مجاوزة الحد , صار الإسراف يختلف: فقد يكون هذا الشيء إسرافاً بالنسبة لفلان , وغير إسراف بالنسبة لفلان , فهذا الذي اشترى بيتاً بمليونين من الريالات، وأثثه بستمائة ألف، واشترى سيارة , إذا كان غنياً فليس مسرفاً؛ لأن هذا سهل بالنسبة للأغنياء الكبار , أما إذا كان ليس غنياً فإنه يعتبر مسرفاً , سواء كان من أوساط الناس أو من الفقراء؛ لأن بعض الفقراء يريد أن يكمل نفسه , فتجده يشتري هذه القصور الكبيرة , ويؤثثها بهذا الأثاث البالغ، وربما يكون قد استدان بعضها من الناس , فهذا خطأ. فالأقسام ثلاثة: الأول: غني واسع الغنى , فنقول: إنه في وقتنا الحاضر - ولا نقول في كل وقت -: إذا اشترى بيتاً بمليونين ريال وأثثه بستمائة ألف ريال واشترى سيارة , فليس بمسرف. الثاني: الوسط , فيعتبر هذا بحقه إسرافا ً. الثالث: الفقير , فيعتبر في حقه سفهاً؛ لأنه كيف يستدين ليكمل شيئاً ليس بحاجة إليه؟! " انتهى. "لقاء الباب المفتوح" (107 / 23) وبناء على ما سبق: فإن كان ما تطلبه الأم والأخت من الأشياء مباحا، وكان في مقدروك شراؤها، بحيث لا يشق عليك، ولا يضر بنفقة هي أولى من ذلك: جاز لك شراؤها، وكون ذلك إسرافا يرجع إلى ما سبق تقريره، فإن كان مألوفا أن من هو في مثل حالكم يشتري مثل هذه الأشياء: فليس ذلك في حقكم إسرافا. ويترجح في حقك شراء مثل ذلك، متى قدرت عليه، إن كان يترتب على ذلك الشراء صلة للأرحام، واستصلاح للقلوب، أو خيف من تركها قطيعة الرحم، أو فساد ذات البين. والله تعالى أعلم. للاستزادة: راجع إجابة السؤال رقم: (101903) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 137954 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4950 التنازل عن قرض الصندوق العقاري للغير [السُّؤَالُ] ـ[زوجة والدي طلع لها قرض الصندوق العقاري وهي لا تستطيع أن تأخذه وحدها وأريد أن آخذه أنا وأخي من أبي الذي هو ابنها ونحن الذين سوف نسدد الأقساط، هل هذا جائز؟ علما أن اسمي موجود في الصندوق العقاري ولكن لم يأتِ دوري بعد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج في التنازل عن قرض الصندوق العقاري لشخص آخر بشرط موافقة البنك. فقد سئل الشيخ عبد الله بن منيع حفظه الله: حصل شخص على قرض من الصندوق العقاري، ويريد أن يتنازل عنه لشخص آخر مقابل مبلغ خمسين ألف ريال، وأن يتنازل له هذا الشخص عن القرض الذي قدمه على الصندوق، وقد يتأخر خروج هذا القرض 10 سنوات. أرجو التكرم بالإجابة سريعاً. فأجاب: "لا يخفى أن منح القرض لأي مواطن من المواطنين يعتبر اختصاصاً له من ولي الأمر، ومساعدة له في تأمين مسكن له كما تقتضيه المصلحة المقتضية لرعاية مصالح المواطنين، وإذا وجد اتفاق بين من كان مختصاً بهذا القرض مع آخر على أساس أن يتنازل له عن هذا الاختصاص في مقابل مبلغ من المال، أو على غير مقابل فذلك جائز، بشرط أن يكون البنك العقاري طرفاً في هذا التنازل بحيث يجيزه ويجري إجراءاته نحو تحويل هذه المنحة أو هذا الاختصاص من شخص ذلك الرجل المختص بهذه المنحة، أو بهذا القرض إلى الرجل الذي تم التنازل له، فإذا كانت هناك موافقة من البنك العقاري وإجراء نحو هذا التحويل فلا بأس بذلك، وهذا الشرط مبني على أن البنك العقاري طرف مع من منح هذا القرض فلا يجوز أن يتصرف الممنوح بهذا القرض تصرفاً فردياً؛ بل يجب أن يكون ذلك مبنياً على اتفاقه مع البنك في هذا التنازل، فمتى تم التنازل برضا البنك العقاري وتحويله هذا الاختصاص إلى المتنازل له فلا بأس بذلك، ولا يظهر لي مانع من أخذ عوض عن هذا التنازل لأنه اختصاص، والاختصاص ملك لمن اختص به، وله أن يعتاض عنه بما يجري الاتفاق فيما بينه وبين من اختص به" انتهى من "موقع الإسلام اليوم". وسئل الشيخ خالد المشيقح حفظه الله: أخي مقدم على صندوق التنمية العقاري , وهو لا زال ينتظر دوره في القائمة , فهل يجوز له أن يتنازل عن دوره لي على أن أدفع له مبلغا معينا نظير هذا التنازل؟ فأجاب: "التنازل عن دوره في صندوق التنمية العقاري مقابل مبلغ مالي لا بأس به، لأنه تنازل عن حق مالي، والحقوق المالية يجوز بيعها بعوض، لكن لابد من إذن البنك العقاري، فإذا أذن البنك العقاري واتفق الطرفان على أن يدفع له مالاً مقابل أن يقوم مقامه، فإن هذا جائز ولا بأس به " انتهى، وينظر جواب السؤال رقم (36397) . وعليه؛ فيجوز لزوجة أبيك أن تتنازل عن هذا القرض لك ولابنها بشرط موافقة البنك على ذلك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 137835 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4951 طرق الحصول على العناوين البريدية للآخرين لتسويق السلع بمراسلتهم عليها، وحكمها [السُّؤَالُ] ـ[أنا أعمل في مجال التسويق الإلكتروني، ومن مهام عملي: عرض خدمات الشركة على عملاء جدد، أي: الترويج، والإعلان عن خدماتنا، ومنتجاتنا، عن طريق البريد الإلكتروني، فهناك برامج معدة لتجلب الإيميلات المسجلة على أي موقع أحدده. فهل استخدام مثل هذه البرامج لهذا الغرض به أي شبهة؟ . وهل هناك فرق بين المواقع، والمنتديات، والأدلة في ذلك؛ حيث إن الأدلة تعرض مواقع لشركات، والشركات تعرض إيميلاتها للجميع، فهل ممكن أستخدم هذه البرامج في جمعها لتيسير الأمر عليَّ؟ . علماً أن منها برامج مرخصة، وأستطيع أن أشتريها إذا تطلب الأمر. وجزاكم الله خيراً، وآسف على الإطالة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: العمل في التسويق التجاري، العادي، والإلكتروني: جائز من حيث الأصل، إلا أن هذا التسويق يكون حراماً إذا كان لشركة أو مواقع تحتوي على سلع وبضائع محرمة، كمواقع بيع الأشرطة الغنائية، أو كتب البدعة والفسوق، أو بيع الأدوات الموسيقية، أو اللحوم المحرَّمة، أو المجلات الفاسدة، وما يشبه ذلك من المحرمات في شرعنا. وقد ذكرنا جملة منها، مع بيان الحكم الشرعي في تسويقها في جوابي السؤالين: (107677) و (93376) ، فلينظرا. ثانياً: أما بخصوص الحصول على البريد الإلكتروني للآخرين؛ لتسويق البضائع والسلع بمراسلتهم عليه: ففيه تفصيل: 1. إذا كان الموقع – أو المنتدى - الذي يُعطي البريد الإلكتروني للمنتسب له يخبره في الأصل وقبل الموافقة على الانتساب له أنه من حقه بيع القوائم البريدية لشركات ومواقع التسويق: فلا حرج عليهم من ذلك، ولا حرج عليكم من التعامل مع تلك المواقع والمنتديات، والحصول على القوائم البريدية التي يملكونها. 2. وإذا كان الموقع – أو المنتدى – لم يخبر المنتسبين له بحقه في بيع قوائمه البريدية: فلا يحل له الاستيلاء عليها لبيعها؛ لأنه مؤتمن عليها، ولا يحل لكم التعامل مع تلك المواقع والمنتديات. 3. لا يجوز استعمال برامج الاختراق – الهكر – للوصول إلى قوائم بريد موقع، أو منتدى؛ لأن هذا من التعدي على خصوصيات الآخرين، وبعضهم يزيد على هذا التعدي فيخترق البريد. 4. من أظهر بريده في موقع، أو منتدى: فيجوز مراسلته لتسويق السلع المباحة له، ويجوز استعمال برامج معينة تجمع تلك العناوين البريدية؛ لمراسلتهم. 5. وإذا تمت مراسلة أصحاب تلك العناوين البريدية فينبغي أن يوجد في الرسالة إمكانية لكي يبدي المراسَل رغبته بإلغاء الاشتراك في تلك القائمة، وعدم مراسلته مجدداً، لأن إظهاره لبريده لا يعني رغبته بأن يستقبل عليه رسائل تسويقية، فإذا ما أبدى رغبته بعدم ذلك: فيجب احترام تلك الرغبة، ولا يجوز مراسلته مرة أخرى. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 135514 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4952 حكم شراء سيارة عليها شعار الصليب [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم شراء سيارة تاهو وعليها علامة الشفرولية، التي تأخذ نفس شكل الصليب؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله للصليب أشكال وأنواع كثيرة، تنوعت عبر الزمان والمكان واختلاف الطوائف النصرانية، فاتخذ صورا متنوعة منها ما غلب استعماله على أنه صليب، ومنها ما يستعمل في الصليب وفي غيره كعلامة الجمع (+) . والذي يظهر لنا في حكم رسم وتعليق هذه الأنواع والأشكال ما يلي: 1- إذا كان قد رسم على أنه صليب، فهذا لا يجوز للمسلم حمله ولا لبسه ولا شراؤه ولا بيعه ولا رسمه؛ لأن علة تحريم رسم الصليب ولبسه هي البعد عن مشابهة النصارى وتعظيم رموزهم الدينية الباطلة، وهذه العلة واقعة في كل شكل من أشكال الصليب التي تعرفها طوائف النصارى إذا كانت وضعت على أنها صليب لتعظم وترمز لما يريدون. 2- أما إذا رسمت زخرفة معينة، أو صنعت بعض الأشياء المنزلية والأدوات العادية، فوافق أن نتج عنها شكل من أشكال الصليب السابقة، فهذا ينظر فيه: أ - فإن كان يظهر للناظر لأول وهلة أنه رسم الصليب المشهور اليوم في معظم الكنائس ولدى أكثر النصارى، وهو عبارة عن خطين أحدهما طولي والآخر عرضي، بحيث يقطع الخط العرضي الخط الطولي، وتكون الجهة العلوية أقصر من السفلية، وهو الشكل الأشهر للصليب منذ أن أحدثه النصارى، مأخوذ من الخشبة التي يصلب عليها من يُراد قتله، فإن كان يظهر للناظر من الوهلة الأولى هذا الأمر، وجب نقضه وإزالته، أو تعديله بما يخرجه عن كونه صليبا، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم (لَمْ يَكُنْ يَتْرُكُ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا فِيهِ تَصَالِيبُ إِلَّا نَقَضَهُ) رواه البخاري (5952) . ب - أما إذا لم تكن صورة الصليب ظاهرة، وإنما نتج عن زخرفة غير مقصودة، أو كان البناء بالهندسة المتقاطعة أنفع وأكثر مرونة، أو استعمل لرموز رياضية معينة، كرمز الجمع أو الضرب في علم الحساب، ففي هذه الحال لا يجب نقضه ولا إزالته، ولا حرج في صنعه ولا في بيع ما احتوى عليه، لانتفاء العلة، وهي التشبه بالكفار وتعظيم رموزهم. وينظر جواب السؤال رقم (121170) . وبناء على ذلك نقول: الشعار الموجود على سيارة الشفرولية ليس على شكل الصليب المشهور، ويحتمل أن يكون صليبا ويحتمل أن يراد به شيء آخر، وحينئذ يُنظر في وضع الشركة له وهدفها منه، فإن أرادت الصليب، كان له حكم الصليب، وعلى من اشترى هذه السيارة أن يزيل الصليب أو يغير هيئته، وإن أرادت الشركة الرمز إلى شيء آخر، لم يأخذ حكم الصليب. وقد بحثنا عن معنى شعار شركة شيفروليه فوجدنا كلاماً مختلفاً لا يمكن الجزم به، أنه يمكن أن يكون مأخوذاً من الصليب، ويمكن أن يكون مأخوذاً من غيره. الله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 135279 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4953 التصرف في الأمتعة التي يتركها الركاب في المطار [السُّؤَالُ] ـ[أنا أعمل بحقل الطيران (طيار) ، ورحلتي بالأمس أخذتني إلي مدينة جده بالمملكة العربيه السعوديه، وخلال توقفي الذي لا يزيد عن الساعة سألت الموظف الأرضي: هل يوجد عنده ماء زمزم؟ فقال: نعم. فسألته: من أين أتيت به؟ فقال: إنه يوجد في المطار الكثير من ماء زمزم، لأسباب كثيره، منها: أن ماء زمزم ربما تخلف صاحبه عن شحنه، أو أن هذا الماء عندما أراد شحنه انقطع الإيصال الذي يدل علي صاحبه، أو أن الرحله ألغيت ... وهكذا، لا تستطيع أن تجزم لأي سبب تم إبقاؤه في المطار. فبعد ذلك يتم إبقاء هذه المياه في المطار، وإن لم تصرف لأي أحد ستتلف هذه المياه؛ فهل أستطيع أن آخذ منها في رحلتي القادمه؟؟ جزاك الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الماء الذي ينساه الراكب، أو يتركه، في المطار: إما أن يكون مع متاع آخر يخص صاحب ذلك الماء، ويكون قد سجل باسمه، ودخل في عهدة شركة الطيران، ففي هذه الحال: ينتظر عودة صاحب المتاع لأخذ متاعه، ومعه الماء؛ فإن علم أن صاحبه لن يعود، أو أيس من عودته، أو كان الماء معرضا للتلف والفساد: فإنه يباع، ويجعل ثمنه صدقة لصاحب ذلك المتاع. وإنما يلزم الشركة المسؤولة أن تحفظ أمتعة الركاب المدة المنصوص عليها في العقد مع المسافر. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " مغسلة ملابس فيها ملابس مضى عليها أكثر من شهرين ولا يعرف أصحابها، مع أنه من ضمن الشروط في الفاتورة أن المغسلة غير مسئولة عن الملابس التي يتركها أصحابها أكثر من شهرين، هل لصاحب المغسلة أخذها، إما للاستعمال أو البيع أو التصدق بها؟ وإذا أخذها ثم طالب بها صاحبها بعد أن تصرف بها: فهل يلزم رد ثمنها أم لا؟ فأجاب: إذا كان مشروطاً على صاحب الثياب أنه إذا تأخر لمدة شهرين فلا حق له: فهو الذي تأخر، وإذا تمت الشهران: إما أن يتصدق بها صاحب المغسلة إن وجد من يقبلها ويلبسها، أو يبيعها ويتصدق بثمنها، لكن أرى أن ينتظر بعد الشهرين عشرة أيام أو خمسة عشر يوماً؛ لأنه ربما يكون صاحبها قد أقبل، ولكن تعطلت سيارته أو حصل له مرض؛ فالأفضل أن ينتظر " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (215 / 11) . وقال أيضا: " إذا كان بينهما أجلٌ معين: فمتى انتهى الأجل فهو في حل أن يتصدق بها أو يبيعها ويتصدق بثمنها. وأما إذا لم يكن بينهما أجل معين؛ فلا يجوز أن يبيعها بعد شهر أو شهرين، بل لا يبيعها ولا يتصرف فيها إلا حيث أيس من صاحبها، فإذا أيس فهو في حل؛ لأنه لا يمكن أن يشغل مكانه بهذه الثياب أو هذه الفرش إلى ما لا نهاية له ". "لقاء الباب المفتوح" (215 / 19) . وإما إذا لم يكن الماء تابعا لمتاع آخر (عفش) لبعض المسافرين، وكان موعد الرحلة قد فات، أو لم يسجل عليه أية بيانات، وقد بقي في المطار مدة يغلب على الظن أن صاحبه قد سافر وتركه، أو فاتت رحلته: فمن غير المعقول أن يعود إلى المطار لطلب الماء أو البحث عنه، وحينئذ: فلا بأس بالانتفاع به للطيارين أو غيرهم من العاملين، لأن حكمه في هذه الحال: حكم اللقطة الحقيرة، أو المتاع الذي يتركه صاحبه رغبة عنه: أن من وجدها حل له الانتفاع بها. ولو بذلته السلطة لمن أراده: أن ينتفع به، سواء كان من العاملين أو المسافرين: فهو أمر حسن، إن شاء الله. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 135255 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4954 تعليق ثمن المبيع على سعر البورصة في المستقبلي [السُّؤَالُ] ـ[يقوم المصنع الذي أعمل فيه بإنتاج علف الدواجن ويبيعه، ويتم البيع بالصورة التالية: - يتم عمل عقد مع المشتري بإجمالي الكمية، ويكتب فيه أن سعر البيع يكون على سعر البورصة في شهر كذا (شهر مستقبلي) . - يقوم العميل بدفع مبالغ مقدمة مبنية على سعر تقريبي، واستلام البضاعة في خلال هذا الشهر. - يقوم العميل بتحديد السعر في أي يوم خلال هذا الشهر (فيقوم بمراقبة سعر البورصة هبوطا وصعودا ويحدد هو اليوم الذي يرغب في استخدامه للتسعير) - قد يكون يوم التسعير قبل أو بعد أو خلال استلام البضاعة , ثم تقوم الشركة برد فروق العقد للعميل أو العكس. وهناك عقد من نوع آخر وفيه يتحدد السعر مسبقا بغض النظر عن سعر البورصة وقت التسليم ويتم الدفع بالكامل مقدما. أرجو بيان حكم هذا البيع وجزاكم الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يشترط لصحة البيع أن يكون الثمن معلوما، فلا يجوز تعليقه على سعر البورصة في المستقبل؛ لجهالة الثمن. والأصل في ذلك: ما روى مسلم (1513) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ. والغرر: الجهالة والمخاطرة وما يفضي إلى النزاع. قال في "كشاف القناع" (3 / 173) : " الشرط السابع من شروط البيع (أن يكون الثمن معلوما) للمتعاقدين (حال العقد) ; لأن الثمن أحد العوضين، فاشترط العلم به كالمبيع " انتهى مختصرا. وبهذا تعلم أن الصورة الأولى من البيع لا تصح لجهالة الثمن وقت العقد. وأما الصورة الثانية التي يحدد فيها الثمن عند العقد، فهي صورة صحيحة. والمعاملة المذكورة تدخل في عقد " الاستصناع"، وقد جوز كثير من أهل العلم أن يكون الثمن فيه مؤجلا أو مقسطا، أي لا يلزم دفعه كاملا في مجلس العقد كما هو الحال في عقد السَّلم. وينظر: سؤال رقم (2146) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 134752 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4955 البيع بأسعار مختلفة [السُّؤَالُ] ـ[أنا أبيع ساعات وغيرها، فإذا كان مثلاً سعر الساعة مائة وخمسين ريالاً فيأتيني رجل فأبيع عليه بمائة وخمسة وأربعين ريالاً، ويأتيني آخر فأبيعها بمائة وخمسة وثلاثين ريالاً نقداً، ويأتيني صديق، وبحكم الصداقة أعطيها له بمائة وخمسة وعشرين ريالاً، فهل هذا البيع جائز وفقكم الله؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الواجب على المؤمن ألا يخدع الناس، بل يتحرى السعر المناسب الذي لا يضر الناس، فإذا كان سعر الساعات مائة وخمسين مثل ما يبيع الناس أمثالها، ولكنه تنازل إلى بعض الناس إذا ألح، أو لكونه صديقاً أو قريباً، لا حرج في ذلك، كونه يتنازل لبعض الأصدقاء ويبيع بأقل من السعر المعتاد لا حرج في ذلك. أما كونه يغش الناس، فإذا رأى الضعيف الجاهل زاد عليه، وإذا رأى الحاذق البصير أعطاه السعر المعتاد، هذا لا يجوز له، بل يجب عليه أن يلاحظ الجاهل كما يلاحظ الآخر، فيبيع بالسعر المعقول للجميع، لا يغش به أحداً، ولا يخون به أحداً، بل يبيع بالسعر المعروف الذي يبيع به الناس، حتى لا يخدع الناس، وإذا ترك لبعض المحبين أو بعض الأصحاب أو بعض الأقارب شيئاً أو أعطاه هدية بدون ثمن فلا بأس، هذا إليه. ولكن لا يتحرى أن يظلم الجهال والذين لا يعرفون الأسعار فيبيع عليهم بأسعار زائدة، بل يجب عليه أن يكون سعره مطرداً مثل ما يبيع الناس مع الحاذق ومع غير الحاذق، هذا هو الواجب عليه، أما كونه يتنازل لبعض الناس فهذا لا بأس به" انتهى. [الْمَصْدَرُ] سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (3/1432) الحديث: 134249 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4956 خدعت في بيع وكان عليها بقية من الثمن فلم تسددها [السُّؤَالُ] ـ[ذهبت قريبتي إلى السوق للتسوق من أحد محلات القماش فاختارت عدة أقمشة. لكن كانت الأسعار مرتفعة جدا مقارنة بمثيلاتها من الأقمشة، عرض عليها صاحب المحل أن تأخذ كل الأقمشة على أن تدفع الباقي من المبلغ الذي لم يكن معها تلك اللحظة في وقت آخر. وأعطاها ذالك الرجل مجلة أزياء نسائية. هذه المجلة تحتوي على صور خليعة، أعطاها إياها على أن تردها مع المبلغ. سألنا صاحب أقمشة في نفس المنطقة عن سعر مثل هذه الأقمشة فكان المتربـ 50 ريال والذي كان الرجل السابق قد باعناه بـ 250 ريال. أخبرنا صاحب المحل هذا أن أشخاصاً كثر حصل لهم نفس القصة مع ذلك المحل! لم يتوفر مع قريبتي المال إلا بعد فترة وهي مترددة في مثل تلك البيعة. كان المبلغ قرابة خمسة آلاف والمبلغ المتبقي 1600 ريال والذي من غير العادة أن يتركه أي بائع على أن يرد بعد فترة خصوصاُ من امرأة لا يرى وجهها. كانت تلك القصة قبل 15عام من الآن وكانت في منطقة محافظة من مناطق المملكة. قبل عام ذهبت أنا لمقابلة صاحب المحل لأناقشه عن هذا الأمر لعله تلاعب من احد الباعة أو غير ذلك على أن أرد له المبلغ إن لم يسامح به وأستسمحه من المجلة الخليعة التي أحرقتها في فترة ماضية. لكني لم أجد المحل بأكمله ودلني احد الجيران على احد العمال الذي كان يعمل في ذلك المحل ليدلني على صاحبه السابق. أعطاني وصف لمحل له في مدينة الرياض والذي لم اجده فيما بعد وكذلك هذا الرجل غير رقم جواله فلم استطع أن أجده هو أيضا. السؤال: (كيف أبرئ ذمت قريبتي) ماذا افعل الآن يا شيخ بموضوع المبلغ الذي في اعتقادي انه لا يستحقه وكذلك موضوع المجلة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا باع التاجر ما ثمنه 50 ريالا ب 250 ريالا فهذا غبن [خداع] واضح، وللمشتري الخيار في رد السلعة وأخذ ماله، فإن رضي بالغبن وأبقى السلعة عنده، فله ذلك، ويلزمه أن يسدد ما بقي عليه من الثمن. قال في "كشاف القناع" (3/213) في صور الغبن: " (الثالث: المسترسل وهو الجاهل بالقيمة من بائع ومشتر، ولا يحسن أن يماكس فله الخيار إذا غبن الغبن الذي يخرج عن العادة" انتهى بتصرف. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " الصورة الثالثة: قوله: «والمسترسل» وهو المنقاد مع غيره المطمئن إلى قوله، هذا في اللغة. وفي الاصطلاح: من جهل القيمة ولم يحسن المماكسة. والمماكسة هي المحاطة في الثمن، وهي التي تعرف عندنا بالمكاسرة، فإذا أتى إلى صاحب الدكان، وقال: بكم هذه الحاجة؟ قال: بعشرة ريالات، وهو رجل يجهل القيمة ولا يحسن أن يماكس فأخذها بعشرة، فلما عرضها على الناس، قالوا: هذه بخمسة ريالات، قال: ما علمت، فنسمي هذا مسترسلا، له الخيار؛ لأنه إذا كانت قيمة الشيء بخمسة، واشتراها بعشرة فهذا غبن يخرج عن العادة فله الخيار، والدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من غش فليس منا) ، وهو من الخيانة للمسلمين، وكل من غََّش فيجب أن يحال بينه وبين مأربه، فإن كان يعلم القيمة ويدري أن قيمتها خمسة، ولكنه أخذها بعشرة تطييبا لقلب البائع، كما يعمله بعض الناس مثلا إذا وجد رجلا فقيرا عنده بسطة صغيرة، قال: بكم هذه يا فلان؟ قال: بعشرة وهو يعرف أنها بخمسة فأخذها بعشرة فلا يكون مسترسلا؛ لأنه يعلم القيمة " انتهى من "الشرح الممتع" (8/300) . وعليه؛ فكان لقريبتك أن ترد الأقمشة وتأخذ مالها، وحيث إنها لم تفعل، فإنه يلزمها رد بقية الثمن للبائع، وقد أخطأت في تأجيل ذلك وتسويفه، والواجب الآن البحث عن البائع ورد المال له أو لورثته، فإن لم يتيسر الوصول إليه تصدقت بالمال عنه، على أنه إن عُرف أو عرف وارثه فيما بعد، خُيرِّ بين إمضاء الصدقة فيكون ثوابها له، أو أخذ ماله ويكون ثواب الصدقة لقريبتك. قال في "مطالب أولي النهى" (4/65) : " قال الشيخ تقي الدين ابن تيمية: إذا كان بيد الإنسان غصوب أو عواري أو ودائع أو رهون قد يئس من معرفة أصحابها ; فالصواب أنه يتصدق بها عنهم ... وكان عبد الله بن مسعود قد اشترى جارية , فدخل بيته ليأتي بالثمن فخرج فلم يجد البائع فجعل يطوف على المساكين ويتصدق عليهم بالثمن , ويقول: اللهم عن رب الجارية ... " انتهى كلام ابن تيمية. بشرط ضمانها لأربابها إذا عرفهم ; لأن الصدقة بدون الضمان إضاعة لمال المالك " انتهى. ثانيا: إذا كانت المجلة كما ذكرت، مشتملة على الصور الخليعة، فهذه لا يجوز بيعها، ولا قيمة لها، ولا شيء على من أتلفها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 133078 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4957 حكم الرصيد الإضافي الذي تقدمه شركات الاتصال [السُّؤَالُ] ـ[بعض شركات الاتصالات تقدم عروضاً، وهي عبارة عن إضافة رصيد معين زيادة عما شحنه الإنسان، فإذا شحن الإنسان 10 ريالات يضيفون له 10 ريالات أخرى، فهل يجوز ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله العلاقة بين المشترك وشركة الاتصالات هي علاقة بين بائع ومشترٍ، والسلعة المبيعة هي خدمة الاتصال. فما يدفعه المشتري من مال هو مقابل خدمة الاتصال، وليست من قبيل شراء مال بمال، ولذلك لا يشترط التساوي بين المبلغ المدفوع والرصيد المضاف للجوال. فلا حرج أن يكون هذا الرصيد أقل من الثمن المدفوع أو أكثر، لأن مبنى الأمر على التراضي بين المتبايعين. وما تقدمه الشركة من رصيد إضافي على الثمن المعتاد، يتخرج على أمرين: 1- أنه من باب التخفيض في السعر، فما قيمته عشرون، قد باعته الشركة بعشرة، وهكذا. 2- أو أنه من قبيل الهبة والعطية التي تُقدَّم للمستخدم تشجيعاً له على مزيد من الشراء. وكلا الأمرين لا حرج فيه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 132581 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4958 حكم تثمين سيّارة قديمة مقابل سيّارة جديدة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز تثمين سيارتي القديمة في وكالة سيارات، مقابل شراء سيارة جديدة من نفس الوكالة، أم يكون هذا بيعتين في بيعة؟ أرجو توضيح ذلك فإن هناك من أخبرني أن فيها شبهة بيعتين في بيعة. وجزاكم الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الصورة التي سألت عنها لا بأس بها، ولا تدخل في النهي عن بيعتين في بيعة. وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: هل يجوز إبدال سيارتي القديمة بأخرى جديدة، وأدفع الفرق بين السيارتين لصاحب السيارة الجديدة؟ فالذي يحدث في هذه البلاد: أن يذهب صاحب السيارة القديمة إلى شركة السيارات، ويعلمهم برغبته، فيقدّرون قيمة كلّ من السيارتين، فيدفع الفرق ويأخذ الجديدة بدلا من سيارته، مع العلم بأنهم لا يشترون القديمة إلا إذا اشترى منهم الجديدة، فهل هذا البيع صحيح أو لا؟ فأجابت: "إذا كان الواقع كما ذكرت؛ جاز لك أن تدفع سيارتك القديمة إلى الشركة مثلا لتأخذ بدلا منها سيارة جديدة، وتدفع الفرق بين القيمتين، وليس هذا من باب بيعتين في بيعة، بل هو بيع سيارة بأخرى مع المفاضلة بين قيمتهما، وليس في ذلك ربا؛ لأنّ السيارات ليست من الأنواع الربوية. وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/283) . ثانياً: فَسَّر العلماء نهي النبي صلّى الله عليه وسلّم عن البيعتين في بيعة بعدة تفسيرات، أصحها: أن المراد بذلك بيع العينة، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذة ابن القيم رحمهما الله. وانظر جواب السؤال رقم (105339) لمعرفة معنى بيع العينة وحكمه. وذهب آخرون إلى تفسير بيعتين في بيعة باشتراط عقد آخر في عقد البيع، كما لو قال: أبيعك سيارتي هذه، بشرط أن تبيعيني بيتك هذا، أو تؤجرني إياه. وذهب آخرون إلى أن معنى بيعتين في بيعة: أن يجعل للسلعة ثمنين: أحدهما نقداً، والأخر بالتقسيط، وهذا منهي عنه إذا تفرقا وقد اتفقا على البيع، ولم يتفقا على الثمن، أما إذا اتفقا على الثمن (نقداً، أو بالتقسيط) فالبيع صحيح حينئذ. قال ابن قدامة في "المغني" (6/332و333) في تفسير بيعتين في بيعة: "مثل أن يقول: بعتك داري هذه على أن أبيعك داري الأخرى بكذا، أو على أن تبيعني دارك، أو على أن أؤجّرك، أو على أن تؤجّرني كذا، أو على أن تزوّجني ابنتك، أو على أن أزوّجك ابنتي ونحو هذا، فهذا كله لا يصحّ. وقد روي في تفسير بيعتين في بيعة وجه آخر وهو: أن يقول: بعتك هذا العبد بعشرة نقداً، أو بخمسة عشر نسيئة، هكذا فسّره مالك والثوري وإسحاق. وهو أيضا باطل وهو قول الجمهور؛ لأن الثمن مجهول فلم يصح البيع" انتهى باختصار. وانظر جواب السؤال رقم (13722) . وعلى أي تفسير لـ "بيعتين في بيعة" فالصورة المسؤول عنها جائزة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 132355 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4959 حكم شراء أسئلة الاختبارات من الجهة المانحة للشّهادة [السُّؤَالُ] ـ[تعرض شركة مايكروسوفت الأمريكية شهادات متخصصة في علوم الكمبيوتر، ويمكن لأي شخص أن يحصل على إحدى هذه الشهادات بعد دراسة المناهج، وإجراء الاختبارات المطلوبة، وتقترح شركة مايكروسوفت على الراغبين في الدخول للاختبار شراء مجموعة من الأسئلة والأجوبة؛ ليتمكنوا من قياس استيعابهم، ومعرفة طريقة الاختبار قبل الدخول له بشكل فعلي. بل وجدت أن الشركة تضمن لك اجتياز الاختبار الفعلي إذا قمت بدراسة هذه الأسئلة بشكل جيد. وصار الناس يشترون هذه الأسئلة أو يحملونها من الانترنت بالمجان، ومن ثم يدخلون الاختبار، ويجتازونه ويحصلون على الشهادة بدون دراسة للكتب المطروحة. وأسئلتي هي: ما حكم شراء مثل هذه الأسئلة إذا كانت الشركة المانحة للشهادة تقترح عليك شراءها، وقد تعلم أن الدارسين قد يحفظون الأجوبة ويجتازون الاختبار؟ - ما حكم شراء الأسئلة إذا كنت قد ذاكرت المناهج مسبقا؟ - ما حكم استخدام هذه الشهادات للبحث عن وظائف أفضل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأصل في أنظمة الاختبارات العدل والأمانة، واجتناب الغشّ والخيانة، فلا يجوز للمدرّس بيع الأسئلة، ولا التلميح بها، ويحرم شراؤها منه؛ لأنّ المقصود معرفة قدرات الطلاّب ومدى استيعابهم للمقرّر، فأيّ نجاح أو شهادة حصل من غشّ وخيانة حرم التّوظيف بها؛ لعموم قول النّبيّ - صلى الله تعالى عليه وسلم -: (مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا) . أخرجه مسلم في صحيحه برقم (101) . ينظر: فتاوى اللجنة الدائمة (12/199) ، ومجموع فتاوى ابن باز (24/62) ، وجواب السؤال رقم (130502) ، ورقم (106522) . أمّا إذا كانت الجهة المنظّمة للاختبار تبيع الأسئلة علناً، لا خفية من بعض أفراد الشركة، وأن هذا الأمر معروف من نظامها: فلا حرج في شرائها منها؛ إذ لا يترتّب عليه ضرر على الشّركة، ولا على أحد من المشاركين في البرنامج. ولأنّ هذه الأسئلة هي المنهج المطلوب في هذا الاختبار، لأنّها وضعت على جميع مفردات المنهج، فكما تبيع المقرّرات، كذلك تبيع الأسئلة، وغالب من يشارك في الاختبار هم من لهم معرفة وإلمام بعلم الحاسب الآلي، فيريدون الشّهادة فقط ليعرف مستواهم بها. وشركة المايكروسوفت تقصد من وراء ذلك مكسباً تجارياً لها، وتعطي الشّهادة بناء عليها. فبهذا يتبيّن الفرق بين هذه المسألة، ومسألة بيع الأسئلة السّابق ذكرها. ولا فرق بين شرائها قبل مذاكرة المنهج وبعدها. وأمّا استخدام هذه الشّهادة للبحث عن الوظائف، فلا بأس بها؛ لأنّ صاحبها لا يبطل بها حقّ أحد، وإنّما يثبت بها مدى إتقانه للحاسب الآلي، أو بتعبير أدق: يثبت بها توثيق هذه الشركة لاستيعابه ومعرفته بالمنهج المحدد من قبلها. وإذا قدر أن هذا النظام في الاختبارات، لا يعكس المقدرة الحقيقية للمتدرب، ولا يسمح له بالاستفادة المطلوبة من دراسته وتدربه، وأنه يمنح شهادات معينة، لمن لا يستحقها، بناء على تحصيله الحقيقي: فهذا أمر يجعل أصحاب الأعمال والوظائف: يعيدون النظر في اعتبارهم لمثل هذا النوع من الشهادات، وتقديرهم لحاملها، ولا يظهر لنا أنه يعود بالإثم على المتدرب، أو الداخل في هذه الاختبارات. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131408 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4960 حكم شراء منزل عن طريق البنك، ورهن المنزل للبنك حتى يتم السداد [السُّؤَالُ] ـ[هل شراء المنزل برهان جائز حين تكون النية الوحيدة هي حوزة الشخص على المنزل بدلاً من المتاجرة فيه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله شراء المنزل عن طريق البنك له صورتان: الأولى: أن يكون دور البنك هو التمويل مقابل الفائدة، فيدفع عنك ثمن المنزل على أن تسدده مقسطا مقابل فائدة يأخذها البنك، وهذا قرض ربوي محرم. ولا فرق بين كون الإنسان يريد المنزل للسكنى أو يريده للاتجار فيه. والثانية: أن يشتري البنك المنزل لنفسه أولا، ثم يبيعه عليك بالأقساط بثمن أعلى، وهذا لا حرج فيه، لكن يشترط خلو العقد من الشرط الربوي، وهو اشتراط غرامة في حال التأخر في سداد الأقساط، لأن اشتراط هذه الغرامة ربا محرم. ويجوز للبنك في هذه الحالة أن يشترط رهن المنزل له إلى أن تسدد جميع الأقساط. وينبغي أن تعلم أن حاجة الإنسان إلى المنزل لا تبيح له الوقوع في الربا؛ لأنه يمكن دفع هذه الحاجة بالاستئجار ولو كان مكلفا. ولا يخفى ما في الربا من القبح والإثم وسوء العاقبة في الدنيا والآخرة، نسأل الله لنا ولك العافية والسلامة من ذلك. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130915 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4961 تحديد سعر نقدي للسلعة وآخر إذا اشتراها بالتقسيط [السُّؤَالُ] ـ[يوجد شخصان أحدهما يملك سيارة والآخر يريد أن يشتريها منه، فقال له الرجل الذي يملك السيارة: إن تدفع النقود نقداً أبيعها عليك بثمانية آلاف. وإن تدفعها غير نقد (بالتقسيط) أبيعها عليك بعشرة آلاف على أن تعطيني كل شهر مبلغ كذا. أفيدونا وجزاكم الله عنا خيراً هل هذا صحيح أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا حرج في ذلك؛ أن يقول: السيارة نقداً بكذا ومؤجلة بكذا، السيارة أو البيت أو الدكان أو الأرض أو السلع الأخرى لا بأس، هذا هو الصواب الذي لا شك فيه، لكن لا يتفرقون إلا وقطعوا البيع، فإن تفرقوا ولم يقطعوا البيع لم يتم شيء، فإذا تفرقوا على أن البيع بثمانية آلاف نقداً صح. وإن تفرقوا على أن البيع بعشرة آلاف، كل شهر خمسمائة أو كل شهر ألف فلا بأس بذلك، هذا ما تفرقوا عليه آجل أو نقد" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (3/1439) . [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز فتاوى نور على الدرب الحديث: 130488 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4962 حكم الكسب من الاستديو، وهل يجوز له بيع آلات التصوير؟ [السُّؤَالُ] ـ[رجل عنده استديو فيه آلات تصوير وعلم أن التصوير حرامُ، فكيف يتصرف فيها بحيث يمكنه تجنب الخسارة؟ وإذا باعها على مسلم أليس في ذلك مساعدة على نشر المعصية؟ وما حكم ما يأتيه من كسب من ذلك هل يجوز صرفه عليه وعلى أهله؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "هذا فيه تفصيل، فإن الاستديو يصور فيه الجائز والممنوع، فإذا صور فيه ما هو جائز من السيارات والطائرات والجبال وأشجار وغير هذا من كل ما ليس فيه روح فلا بأس أن يبيع ذلك، ويصور هذه الأشياء التي قد يحتاجها الناس وليس فيها روح. أما تصوير ذوات الأرواح من بني الإنسان أو من الدواب أو الطيور فلا، وإذا صور فيها شيئاً يحتاجه الناس ويضطرون إليه كالتابعية التي يحتاجها الناس في حفيظة النفوس فلا بأس. فالمقصود أنه لا يستعمل فيه إلا الشيء الجائز، وإذا باعه على الناس فلا بأس ببيعه؛ لأنه يباع ويستعمل في الطيب والخبيث، مثل ما يبيع الإنسان السلاح كالسيف والسكين، والسكين تستعمل في الخير والشر، وهكذا السلاح، فهو غير مسؤول عن هذا الشيء إلا إذا كان يعلم أن المشتري يضر به الناس فلا يبيع عليه لا سلاحاً ولا غيره، أما إذا كان لا يعلم، إنما هو في السوق العامة التي ليس فيها علم هل يستعمله في الشر أو في الخير فلا يضره ذلك والإثم على من استعمله في الشر. وما دخل عليه من ذلك فهو مباح له إلا إذا كان من قيمة تصوير ذوات الأرواح، فإنه يتأمل ويقدر قيمتها ويتصدق بها على الفقراء، بقدر ما صور به ذوات الأرواح، فإن كان الربع أو أكثر أو أقل أخرجه في وجوه الخير، براءة للذمة وبعداً عن الحرام" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (3/1473) . [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز فتاوى نور على الدرب الحديث: 130453 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4963 عامل بقالة كان يبيع بالآجل وأنكر المشتري، فهل يضمن العامل هذه الأموال؟ [السُّؤَالُ] ـ[كنت أعمل عامل بقالة مع أحد الرجال وقام أحد الناس بشراء أحد المقاضي بالدين وصاحب البقالة يعلم بذلك، ووعد المدين بسداد الدين عندما يتيسر له ذلك، وقمت بإجازة سنوية لبلدتي، وفي ذلك الوقت طالب صاحب البقالة المدين بالدين الذي عليه فأنكر ذلك وقال: إنه لم يستدن شيئاً من البقالة فانتهز فرصة غيابي، وعند عودتي من الإجازة لم أجد الرجل المستدين وقد ترك المنطقة نهائياً، وقام صاحب البقالة بمطالبتي بسداد المبلغ المطلوب من الرجل، فهل الدين الذي أنكره الرجل أصبح في ذمتي؟ وهل يجوز أن نقتسم المبلغ بيننا باعتبار أن صاحب البقالة عنده علم بالدين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "هذا فيه تفصيل: إذا كان صاحب البقالة قد أذن لك في أن تدين الناس وسمح لك بهذا فلا حرج، ولكن عليك أن تثبت الدين، فإن كنت بعت شيئاً بالدين ولم تثبته في الدفتر ولا بشهود فأنت تغرم المال؛ لأنك مفرط، وإذا كان لم يأذن لك في أن تدين أحداً فأنت تغرم المال أيضاً. أما إذا كان أذن لك وقد أثبَتَّ الدين في الدفتر أو عن طريق شهود، أو بالكتابة يكتبها على نفسه ويوقع على ذلك بخطه لئلا ينكر الدين أو يخادع في ذلك، فإذا فعلت ذلك فلن يستطيع الإنكار، وإن كان قد بقي لديك إشكال غير ما ذكر فالمحكمة تنظر" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (3/1439) . [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز فتاوى نور على الدرب الحديث: 130426 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4964 اشترى شقة على أنها بمساحة معينة فبانت أكثر فهل يلزم بدفع الفرق؟ [السُّؤَالُ] ـ[قمت بشراء شقة في عمارة من شركة إسكان بعد معاينته (90% كان جاهز ب النظر إليه) تم عمل عقد يحتوي الوصف والمكان والسعر وتم ذكر المساحة حسب المخطط المرفق وقالوا إنها بين260 و270 م وعند تسجيل الملكية بعد أن أصبح جاهزاً قالوا سنسجل وتسكن ولكن وجدنا بعد الإفراز أن المساحة 291م أي أنهم أخطؤوا في حساب المساحة وطبعا المخطط لم يتغير أي هناك زيادة في المساحة 20 إلى 30 م , ونترك لك أمر أن تدفع لنا زيادة عن فرق السعر وسكنت, هل يجب شرعا أم لا يجب علي ذلك. علما انهم قالو في البداية وجدنا المساحة 230 حتى يختبروني فقلت الأمر لكم ثم عادوا بعد أسبوع وقالو وجدناها 291 علما انهم يلحون وأنا في حيرة من أمري أفيدوني أفادكم الله]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من باع أرضا أو دارا على أنها بمساحة معينة، فبانت أكثر مما قدر، فالبيع صحيح، ولمن جهل الزيادة وفات غرضه الخيار في إمضاء البيع أو فسخه. قال في "زاد المستقنع": " وإن باعه دارا على أنها عشرة أذرع فبانت أكثر أو أقل صح ولمن جهله وفات غرضه الخيار". والبائع هنا لا يمكن أن يقال له: خذ الزيادة التي هي نحو عشرين مترا، ولهذا نقول: له الخيار بين أن يمضي البيع أو أن يفسخه. والمشتري لو كان لا يملك ثمن الزيادة أو لا يحتاجها، فله الخيار أيضاً، ولا يُلزم بشراء الزيادة، لأنه لم يقع عليها العقد. والحاصل: أن لكل منكما حق الفسخ، ما لم يتبرع البائع بالزيادة فلا خيار لك حينئذ؛ لعدم فوات غرضك. فإن أَصَرَّ على ثمن الزيادة، فإما أن تفسخا البيع، أو تتصالحا على تقدير ثمن الزيادة، والصلح خير. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "ولو تراضيا على النقص أو الزيادة جاز؛ لأن الحق لهما، فإذا تصالحا على إسقاطه، مثل أن يقول: بعتها على أنها مائة متر فتبين أنها تسعون مترا وتصالحا بحيث قالا: يسقط من الثمن كذا وكذا، واتفقا على ذلك فلا بأس" انتهى من "الشرح الممتع" (8/259) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129847 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4965 حكم بيع الواقي الذكري والأدوية التي بها كحول والتي تزيد من حجم الثدي [السُّؤَالُ] ـ[ي يتعلق بالرزق. أنا أملك صيدلية، حيث نقوم ببيع كل المواد – والأشياء التي أسأل عنها هي الواقي الذكري، والأدوية وسوائل غرغرة للفم تحتوي على الكحول وما شابهها. فهل أكون مسؤولا عن الزنا لأني أوفر الواقي الذكري؟ ماذا علي أن أفعل حينما تكون الأدوية أساسها كحولي؟ ما هو رأيك في الأدوية التي تزيد من الرغبة الجنسية – (عادة ما يستخدمها الناس الذين يتزوجون حديثا) ؟ ما هي تعليقاتك حول بيع المواد التي تتعلق بأثداء النساء – (التي تزيد من حجم الثدي وتبقيه متماسكا) ؟ وفي منضدة البيع، فإن علينا أن ننظر إلى الزبائن لنتجنب السرقات – وبعض النساء يظهرن عاريات في هذه الأيام، فماذا أفعل؟ أنا أشعر بالخجل وأنا أنظر إليهن، وفي نفس الوقت أفكر في حبي لله سبحانه وتعالى. أنا أعتذر عن أية إساءة تنتج عن هذه الأسئلة، وأتمنى من الله تعالى أن يهدينا إلى الطريق الصحيح.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: عليك أن تقتصر على بيع الأشياء التي لا حرج فيها ولا محظور حتى يكون رزقك حلالا، فالواقي الذكري ننصحك بعدم بيعه لأن الذين يستخدمونه للزنا يقومون باستخدامه لمنع حدوث الحمل، فمن يوفر لهم ذلك يكون عليه إثم. [وهذا إذا علم البائع أن من يشتريه يشتريه لارتكاب الفاحشة، أما مع عدم العلم بقصده، فالأصل جواز بيعه] . ثانياً: بالنسبة للأدوية التي أساسها كحول فلا بأس بها إذا كانت تلك الكحول ضرورية ومفيدة فلا بأس ببيعها خاصة إذا كانت نسبتها قليلة. ثالثاً: فيما يتعلق ببيع الأدوية التي تزيد الرغبة الجنسية فلا بأس ببيعها إذا كانت للمتزوجين. رابعاً: لا يجوز بيع المواد التي تستخدم لتغيير حجم الثدي، لأنه تغيير لخلق الله، فتدخل في وعيد المغيّرات خلق الله، وعلى المرأة أن ترضى بقدر الله. [أما ما يقصد به من الأدوية جعل الثدي متماسكاً بدون تغيير حجمه، فهذا لا بأس به] . وننصحك بغض الطرف، والابتعاد عن النظرة التي تزيد الشهوة وقد تسبب الوقوع في الزنا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله الحديث: 129671 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4966 هل هذا من بيع المسلم على أخيه؟ [السُّؤَالُ] ـ[ذهبت يوماً من الأيام إلى سوق السيارات المسمى بالحراج ووقفت عند سيارة أريد شراءها وسألت صاحبها: بكم هذه؟ فقال لي مثلاً: بعشرة آلاف ريال، فأخذت أنظر في السيارة وأتفحصها، ثم جاء رجل وسأل صاحبها فقال: بكم هذه؟ فقال له مثل ما قال لي فزاد هذا الرجل مائتين، وقال صاحب السيارة: هي من نصيبك، فتردد الرجل وقال: سأذهب وأشاور، ونحن لا زلنا عند السيارة فقال صاحبها: إذا كنتم تريدونها بهذا السعر فخذوها بما أراد هذا الرجل فاشتريناها منه. فهل يعتبر هذا من بيع المسلم على بيع أخيه وشرائه على شرائه؟ وإذا كان كذلك فأرشدونا ماذا نفعل الآن؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الواقع هو ما ذكره السائل فلا حرج في ذلك؛ لأن صاحب السيارة لم يبعها إلى ذلك الذي قال أشاور، بل تركه فقال: إن كنتم تريدون شراءها بهذا فخذوها فما دام المالك لم يرض بيعها على من قال: عشرة آلاف ومائتين وقال: سأشاور، وأراد بيعها على من حضر فلا بأس، من حضر وأخذها بعشرة آلاف ومائتين فلا بأس؛ لأن صاحب السيارة لم يلزم ببيعها على ذلك، بل لما قال له: سوف أشاور أعرض عنه، وقال: من أراد أن يأخذها بكذا وكذا، فهذا معناه أنه لم يرض بانتظاره وأراد أن يبيعها في الحال، فأنت أيها السائل إن كنت أخذتها بما قال فلا بأس وليس هذا من بيع المسلم على أخيه، بيع المسلم على أخيه إذا باعها عليك وانتهى الأمر، فليس لأحد أن يزيد عليه، هذا معناه، أما ما دام يقول: من أراد أن يشتري فله الشراء فهو حتى الآن ما باعها على أحد" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (3/1434) . [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز فتاوى نور على الدرب الحديث: 128997 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4967 لابد من امتلاك السلعة وحيازتها قبل بيعها [السُّؤَالُ] ـ[أردت أن أشتري أغراضاً كهربائية لمنزلي حتى أسكن فيه أنا وأولادي ولم يكن معي نقود، فذهبت إلى شخص لديه نقود فقال: أشتريها لك، فاشتراها بمبلغ 7540 ريال وباعها علي بمبلغ 9400 ريالاً بيعاً مؤجلاً أسددها قسطاً شهرياً كل قسط ألف ريال، فما حكم الشرع في ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا حاز الأغراض والأدوات وتملكها ثم باعها بعد ذلك عليك بمبلغ معلوم مقسط فلا بأس. لكن ليس له البيع عليك قبل أن يملكها، إذا عرف أنك تريدها، وأنك محتاج لها، فاشتراها وحازها في بيته أو في السوق أو في أماكن نقلها إليها من ملك البائع، ثم باع عليك هذه الأدوات بثمن معلوم مقسط كل شهر كذا فلا حرج" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (3/1450) . [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز فتاوى نور على الدرب الحديث: 128927 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4968 كيف يحقق التجار التوكل على الله [السُّؤَالُ] ـ[أرغب في معرفة كيفية التوكل عند التجارة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله التوكل على الله في عموم حاجات المسلم من علامات إيمان المرء، ويتأكد ذلك في التوكل على الله في الرزق، وتحصيله. قال أبو حاتم بن حبَّان – رحمه الله -: الواجب على العاقل: لزوم التوكل على من تكفل بالأرزاق؛ إذ التوكل هو نظام الإيمان [النظام: هو السلك الذي تنظم فيه حبات العقد] ، وقرين التوحيد، وهو السبب المؤدي إلى نفي الفقر، ووجود الراحة، وما توكل أحدٌ على الله جل وعلا من صحة قلبه، حتى كان الله جلَّ وعلا ـ بما تضمَّن من الكفالة ـ أوثق عنده بما حوته يده: إلا لم يكِلْه الله إلى عباده، وآتاه رزقه من حيث لم يحتسب. وأنشدني منصور بن محمد الكريزي: توكلْ على الرحمن في كلِّ حاجةٍ ... أردتَّ فإن الله يقضي ويَقْدُرُ متى ما يُرِدْ ذو العرش أمراً بعبده ... يُصِبْه، وما للعبد ما يتخَيَّر وقد يَهلك الإنسانُ من وجه أَمْنِه ... وينجو بإذن الله من حيث يَحْذَر " روضة العقلاء ونزهة الفضلاء " (ص 153، 154) . أما كيفية التوكل في التجارة، فينبغي على العبد أن يلتفت إلى ما يلي: أ. أن يعتقد أن الله تعالى قد قسم الأرزاق بين خلقه، وقدَّر ذلك في الأزل. قال أبو حاتم بن حبَّان – رحمه الله -: العاقل يعلم أن الأرزاق قد فُرغ منها، وتضمنها العلي الوفي، على أن يوفرها على عباده في وقت حاجتهم إليها، والاشتغال بالسعي لما تضمن، وتكفل: ليس من أخلاق أهل الحزم، إلا مع انطواء صحة الضمير على أنه وإن لم يسع في قصده: أتاه رزقه من حيث لم يحتسب. " روضة العقلاء ونزهة الفضلاء " (ص 155) . ب. أن يقطع العلائق في تحصيل رزقه بينه وبين غير الله تعالى. قال أبو حاتم بن حبَّان – رحمه الله -: التوكل هو: قطع القلب عن العلائق برفض الخلائق، وإضافته بالافتقار إلى محوِّل الأحوال، وقد يكون المرء موسراً في ذات الدنيا، وهو متوكل صادق في توكله، إذا كان العُدْم والوجود عنده سيين لا فرق عنده بينهما، يشكر عند الوجود، ويرضى عند العدم، وقد يكون المرء لا يملك شيئاً من الدنيا بحيلة من الحيل، وهو غير متوكل، إذا كان الوجود أحب إليه من العدم، فلا هو في العدم يرضى حالته، ولا عند الوجود يشكر مرتبته. " روضة العقلاء ونزهة الفضلاء " (ص 156) . ج. أن يكون قلب الطالب للرزق معتمداً على الله تعالى ربِّه، مع بذل الأسباب، والسعي في تحصيلها. ومما يدل على أن التوكل فيه أخذ بالأسباب: ما جاء عَنْ أَبِي تَمِيمٍ الْجَيْشَانِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا) . رواه الترمذي (2344) وابن ماجه (4164) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ". قال ابن كثير - رحمه الله -: فالسعي في السبب لا ينافي التوكل - وذكر حديث (لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله ... ) -، فأثبت لها رواحاً، وغدوّاً، لطلب الرزق، مع توكلها على الله عز وجل، وهو المسَخِّر، المسيِّر، المسبِّب. " تفسير ابن كثير " (8 / 179) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رمه الله -: فعلى العبد أن يكون قلبه معتمداً على الله، لا على سببٍ من الأسباب، والله ييسر له من الأسباب ما يصلحه في الدنيا والآخرة. " مجموع الفتاوى " (8 / 528) . وقال الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله -: التوكل يجمع شيئين: أحدهما: الاعتماد على الله، والإيمان بأنه مسبب الأسباب، وأن قدره نافذ، وأنه قدر الأمور وأحصاها وكتبها سبحانه وتعالى. الثاني: تعاطي الأسباب؛ فليس من التوكل تعطيل الأسباب، بل التوكل يجمع بين الأخذ بالأسباب والاعتماد على الله، ومن عطلها فقد خالف الشرع والعقل. " فتاوى الشيخ ابن باز " (4 / 427) . وانظر تتمة كلام الإمامين، والتفصيل في المسألة في جواب السؤال رقم: (118262) . د. حسن الظن بالله تعالى، والالتجاء إليه بالدعاء، والسؤال، والطلب. يقول شيخ الإسلام: ينبغي للمهتم بأمر الرزق أن يلجأ فيه إلى الله ويدعوه , كما قال سبحانه فيما يؤثر عنه نبيه صلى الله عليه وسلم: (كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلاَّ مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِى أُطْعِمْكُمْ يَا عِبَادِى كُلُّكُمْ عَارٍ إِلاَّ مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ) – رواه مسلم -. وانظر كلاما متيناً لشيخ الإسلام ابن تيمية في جواب السؤال رقم: (21575) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128891 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4969 هل يجوز شراء المحل بالإكراه بعد بيعه؟ [السُّؤَالُ] ـ[أخي عنده محل تصليح أحذية مند 12 سنة في طرابلس، وقد اصطحب معه عاملا مصريا من منطقة الخمس منذ ذلك الوقت , خلال العمل اشترط على العامل، إن طال الزمن أو قصر وتركت العمل، ألا تعمل في هذه المنطقة مع أحد غيري، ولا تقوم بفتح محل لحسابك الخاص؛ بمعنى أنه لا بأس من العمل مع احد من أفراد عائلتي. وبعد فترة سافر العامل المصري وعاد لليبيا، ووجد المحل فيه عامل آخر، وأنا فتحت محلا لنفسي، وليشتغل فيه هذا العامل بحكم العشرة الطويلة التي بيننا، وعندما جهزت المحل ظل المحل مغلقا 20 يوما، لأن هذا العامل أخلف وعده معي، وبدأ يشتغل في مكان أخر خارج المنطقة، ومرة أخرى بعث هو شخص ليتوسط بيننا ويقول إنه سيأتي، وأخلف بوعده مرة أخرى, ومرت ثلاثة سنين واضطررت لبيع المحل فبعته لذلك العامل، وهذا المحل في نفس المنطقة التي فيها محل أخي. وبعدها جاءني أخي وقال لي كيف تملك المحل لهذا الشخص وقد أخلف بوعوده معنا، وأخي عازم على أن يخرج العامل من المحل بأن نشتري المحل أنا أو هو. فما الحكم في هذا الشراء، هل هو جائز أم لا؟ وإذا كان شراء المحل بالإكراه من العامل فهل في ذلك سبب لقطع رزق العامل؟ أفيدونا رعاكم الله وأرضاكم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: اشتراط أخيك على العامل: إن طال الزمن أو قصر وترك العمل، ألا يعمل في هذه المنطقة مع أحد غيره، ولا يقوم بفتح محل لحسابه الخاص شرط فاسد، لا يجوز له اشتراطه عليه، كما لا يجوز للعامل أن يوافق عليه، وهو يعلم أنه لن يفي به في العادة، ولو قدر أنه اضطر لقبول هذا الشرط، في وقت ما، فلا يلزمه الوفاء به. روى البخاري (2168) ومسلم (1504) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ فَقَالَتْ: كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ، فِي كُلِّ عَامٍ أوَقِيَّةٌ، فَأَعِينِينِي. فَقُلْتُ: إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ وَيَكُونَ وَلَاؤُكِ لِي، فَعَلْتُ؟ فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إِلَى أَهْلِهَا، فَقَالَتْ لَهُمْ، فَأَبَوْا ذَلِكَ عَلَيْهَا. فَجَاءَتْ مِنْ عِنْدِهِمْ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ، فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ عَرَضْتُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَأَبَوْا إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُمْ. فَسَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَتْ عَائِشَةُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: (خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ؛ فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ.) . فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: (أَمَّا بَعْدُ؛ مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؛ مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ؛ قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ، وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ) . وقد ترجم الإمام النسائي رحمه الله في سننه على هذا الحديث، فقال: " الْبَيْعُ يَكُونُ فِيهِ الشَّرْطُ الْفَاسِدُ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ ". انظر: سنن النسائي (7/300) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وَالشُّرُوطُ إنْ وَافَقَتْ كِتَابَ اللَّهِ كَانَتْ صَحِيحَةً، وَإِنْ خَالَفَتْ كِتَابَ اللَّهِ كَانَتْ بَاطِلَةً "، وذكر حديث عائشة، ثم قال: " وَهَذَا الْكَلَامُ حُكْمُهُ ثَابِتٌ فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْوَقْفِ. وَغَيْرِ ذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ ". انتهى. "إقامة الدليل على إبطال التحليل" (3/354) . وليس من شك في أن هذا الشرط يخالف كتاب الله؛ فليس من حق صاحب هذا المحل أن يمنع هذا العامل من العمل كيف شاء، في غير وقت دوامه المتفق عليه بينهما؛ فضلا عن أن يمنعه من العمل في المنطقة بعد ترك هذا المحل، وانتهاء علاقة الإجارة بينهما؛ وهذا أمعن في ظلم هذا العامل والعدوان على حقه. ثانيا: حيث إن بيع المحل للعامل قد حصل عن تراض منكما، فلا يجوز إخراجه منه، أو إكراهه على ذلك؛ لأنه قد ملك العين بالشراء ملكا صحيحا، فلا يجوز نزع ملكيته بالإكراه. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) النساء/29. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اسْمَعُوا مِنِّى تَعِيشُوا؛ أَلاَ لاَ تَظْلِمُوا، أَلاَ لاَ تَظْلِمُوا، أَلاَ لاَ تَظْلِمُوا؛ إِنَّهُ لاَ يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلاَّ بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ) . رواه الإمام أحمد (19774) وصححه الألباني. ثالثا: ليس من شك في أن رزق كل إنسان مقدر من قبل خلقه، وليس من شك أيضا في أن هذا الرزق المقدر قدرت له أسبابه، وعملكم هذا سعي في التضييق على هذا العامل، وظلم له بإخراجه من مكان عمله بغير حق، فلم يكن من حقكم أن تشترطوا عليه ألا يعمل مع غيركم، وليس من حقكم الآن أن تكرهوه على بيع المحل الذي يعمل فيه، إذا لم يعمل معكم، أو لم تستطيعوا أنتم أن تديروا محلكم، وهذا رزقه الذي كتبه الله له، وهذا رزقكم الذي كتبه الله لكم، وكل شيء عنده بمقدار؛ فلا ينبغي لكم أن تحسدوه على توفيق الله له في عمله، ولا أن تسعوا في التضييق عليه وظلمه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128438 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4970 حكم الاشتراك في خدمة الجوال: "سلفني.. شكرا" [السُّؤَالُ] ـ[أسأل بخصوص خدمة تقدمها أحد شبكات الجوال في مصر تسمى خدمة "سلفني.. شكرا" حيث يمكن للمستخدم اقتراض مبلغ ثلاث جنيهات إذا نفذ رصيده ويسددها بعد الشحن، ولكن القيمة الفعلية التي يتم اقتراضها هي 2.5 جنيها لأن ثمن الخدمة نصف جنيه. فهل هذا يعتبر ربا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا بأس بالاشتراك في هذه الخدمة؛ لأن هذا بيع منفعة وليس بيع مالِ بمال، كما أنه ليس قرضا، فالشركة توفر خدمة الاتصال مع الدفع المؤجل بسعر أعلى من الدفع نقداً؛ فمنفعة الاتصال التي قيمتها نقداً جنيهان ونصف الجنيه تباع بثلاثة جنيهات مؤجلة تستوفيها الشركة من العميل عند قيامه بشحن جواله، وهذا البيع جائز. والشركة لا تقرضك في الحقيقة مالا، ثم تأخذه بعد ذلك بزيادة، حتى يقال: إنه ربا، وإنما تبيعك الخدمة بثمن أعلى، والزيادة في الثمن مقابل التأجيل في الدفع لا حرج فيه. وقد جاء في قرارات "مجمع الفقه الإسلامي"، قرار رقم 51 (2/6) : "تجوز الزيادة في الثمن المؤجل عن الثمن الحالّ [يعني: النقدي] " انتهى. نقلا عن كتاب "قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي" (ص 109) . وانظر جواب السؤال رقم (117808) . والذي أوقع الإشكال في المسألة تسمية هذه المعاملة "سلف" أو "قرض"، وهي تسمية غير صحيحة، وإنما هي بيع منفعة [الاتصال الهاتفي] بثمن مؤجل أكثر من الثمن النقدي. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127884 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4971 حكم شراء شقة من البنك بالتقسيط [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم شراء شقة من البنك بالتقسيط؟ .]ـ [الْجَوَابُ] "شراء الشقة من البنك بالتقسيط لا مانع منه بشرط أن لا يتم التعاقد مع البنك على شراء الشقة إلا بعد أن يشتريها البنك من مالكها الأول، فإذا اشتراها وأصبحت ملكا له جاز شراؤها منه نقدا أو مؤجلا. وفق الله الجميع لما فيه رضاه" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (19/11) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127619 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4972 حكم شراء السلعة بثمن مؤجل بواسطة البنوك [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم شراء سيارة أو غيرها بثمن مؤجل بواسطة وسيط ثالث هو البنك ونحوه ويكون الوسيط هو المستفيد من الزيادة على الثمن الذي تساويه نقدا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كان البنك يشتري السيارة من مالكها ثم يبيعها عليك بعدما يشتريها ويقبضها فإنه لا حرج في ذلك، ولو كان بأكثر مما اشتراها به. أما إذا كان الذي يبيعها عليك مالكها الأول والبنك يقوم بدفع القيمة له ويقوم البنك بأخذ الربح مقابل ذلك، فإنه لا يجوز؛ لأنه بيع الدراهم بدراهم، وهو محرم، لأنه ربا" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (19/36) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127142 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4973 حكم بيع الأسهم بالتقسيط مع بقائها على اسم صاحبها [السُّؤَالُ] ـ[أريد تقسيط الأسهم على أحد زملائي، مثلا يوجد عندي 100 سهم في شركه ما، واشتريتها ب 50 ريال، والآن هي ب 40 ريال. فهل يجوز بيعها ب 60 ريال أقساط. علما بأن الأسهم في محفظتي الشخصية، ولا أستطيع نقلها إلى محفظته إلا ببيعها. وشكرا لكم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج في بيع الأسهم المباحة بالتقسيط، كأن تكون قيمة السهم (40) ريالا، فتبيعه بـ (60) ، ولا يضر بقاء الأسهم على اسمك، وينبغي توثيق البيع بما يحفظ حق البائع والمشتري معا. سئل الدكتور محمد العصيمي حفظه الله: " هل يجوز أن أبيع أسهما موجودة في محفظتي لأحد الشباب، وله حرية الاختيار وقت بيعها أو إبقائها في المحفظة ... والله يحفظكم؟ فأجاب: يجوز في الأصل، وأنا لا أنصح به، لما فيه من مظنة الخصومة والنزاع بينك وبينه، ومن عدم توثيق البيع في حال الوفاة، ومن عدم قدرة المشتري على استيفاء المبيع. وإن فعلت، فعلى المشتري ألا يبيع على أحد، لأنه لن يستطيع أن ينقلها إلى محفظته. بل يجب عليه أن يطلب منك بيعها في السوق، في الوقت الذي يرغب فيه ". انتهى. من موقع الشيخ على الإنترنت. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126726 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4974 يطلب منه أصحابه شراء أجهزة لهم فيضيف لنفسه ربحا [السُّؤَالُ] ـ[أنا مهندس حاسب آلي وشبكات وأتعامل مع فئات متعددة شركات وأفراد في مبيعات الحاسب الآلي وملحقاته تارة يأتي إلىّ العملاء وقد يكونوا من معارفي يطلبون شراء أجهزة وملحقتها الخ ..... ، فأقوم بتحديد السعر أن الجهاز سوف يكلفكم كذا من المبلغ وأقوم بوضع عمولتي على المبلغ دون علمهم أنني وضعت العمولة مثلا الجهاز بمبلغ 2000 ريال أقوم بأخبارهم أن الجهاز سيكلفكم مبلغ 2500 ريال وأقوم بشراء الجهاز من حسابي الخاص ومن ثم أستلم من العميل أو الشخص مبلغ 2500 ريال بعد استلام الجهاز.، سؤالي هل هذه الصورة صحيحة أنني آخذ عليهم عمولة دون علمهم مع العلم أنني أتعامل مع شركات مبيعات الحاسب الآلي ويتم صدور الفاتورة من الشركة بمبلغ 2500 ريال وسعره في الواقع 2000 ريال مع العلم أنني أقوم بتحديد مواصفات الجهاز واستلامه واصدق مع العميل فيما تم الاتفاق عليه. ما حكم الشرع في ذلك. وجزاكم الله خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز أن تشتري ما يريده العملاء من أجهزة ثم تبيعها عليهم بربح مناسب، بشرط أن تملك الجهاز أولا قبل بيعه على العميل لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الإنسان ما لا يملك. فقد روى النسائي (4613) وأبو داود (3503) والترمذي (1232) عن حكيم بن حزام قال: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَأْتِينِي الرَّجُلُ فَيَسْأَلُنِي الْبَيْعَ لَيْسَ عِنْدِي أَبِيعُهُ مِنْهُ ثُمَّ أَبْتَاعُهُ لَهُ مِنْ السُّوقِ قَالَ: (لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ) والحديث صححه الألباني في صحيح النسائي. ويلزم أن يعرف العميل أنك بائع، ولست متبرعا بالبحث له عن جهاز، ولا يشترط أن يعلم مقدار ربحك، بل إذا حدد المواصفات التي يريدها قلت له: إن هذا الجهاز ستبيعه له في حال إحضاره بكذا. وأما إن تبرعت بالبحث والشراء لشخص ما، فليس لك أن تزيد في ثمن الجهاز. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " إذا كان الإنسان قد أعد نفسه للعمل: فجاء شخص وأعطاه الثوب وقال: خط لي ثوباً، فله أن يأخذ عوضاً؛ لأنه قد أعد نفسه للعمل. أما إذا لم يعد نفسه للعمل فليس له شيء، فقد أعطاه على أنه محسن. فصار: كل من عمل لغيره عملاً بلا عقد، فإنه ليس له شيء، إلا في ثلاث أحوال: الأولى: إنقاذ مال المعصوم من الهلكة. الثانية: رد [العبد] الآبق. الثالثة: إن أعد الإنسان نفسه للعمل ". اهـ الشرح الممتع (10/88) . وثمة صورتان أخريان جائزتان: الأولى: أن لا تكون بائعا، بل وكيلا بأجرة ثابتة، فتخبر العميل أنك تشتري له الجهاز بأفضل بالثمن الذي في السوق ولك فوق ذلك مبلغ معين، نظير بحثك وتوفيرك للمواصفات التي يريدها. والثاني: أن تكون وكيلا بنسبة، كأن يكون لك 10% مثلا من ثمن الجهاز. وفي هاتين الصورتين ليس لك أن تأخذ إلا ما اتفقت عليه. وما جاء من تخفيض أو هدايا تابعة للأجهزة، فهي لمن وكّلك، لا تأخذ منها شيئا. وينظر للفائدة: سؤال رقم (36573) ، ورقم (45726) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126725 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4975 لا حرج في بيع الحيوان الحي بالوزن [السُّؤَالُ] ـ[هناك أناس يبيعون الحيوانات كالأبقار والأغنام ونحوها، وهي على قيد الحياة بالكيلو بثمن معلوم، علما بأن المشتري يقصد بها أحيانا أن يبقيها عنده أو يذبحها ليبيعها على الناس، ومثال ذلك: نذهب إلى صاحب حيوانات ونختار ما نريد شراءه ثم يأتي بها إلى ميزان عنده ويزنها حية ويبيعها بسعر الكيلو مثلا عشرة ريالات. فما حكم ذلك البيع؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا نعلم حرجا في بيع الحيوان المباح بيعه كالإبل والبقر والغنم ونحوها بالوزن، سواء كانت حية أو مذبوحة؛ لعموم قوله سبحانه: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) البقرة/275، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل: أي الكسب أطيب؟ قال: (عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور) ، ولأن ذلك ليس فيه جهالة ولا غرر، والله ولي التوفيق" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (19/38) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126624 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4976 لا حرج في الشراء من شركات التقسيط إذا كانت السلعة في قبضتها [السُّؤَالُ] ـ[شركة تقسيط تطلب نسبة مئوية على سعر السيارة يتراوح بين 6 و8% وتأخذ من المشتري بيانات ومواصفات السيارة التي يريدها ثم تقوم بشرائها وتسجيلها باسم الزبون بعد إنهاء إجراءاتها، فما الحكم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا حرج في ذلك إذا كانت السلعة مملوكة للشركة وفي قبضتها، فلا مانع أن تبيعها بسعر معين بعضه نقد وبعضه مؤجل، أو كله مؤجل إلى آجال معلومة قليلة أو كثيرة. ولا بد أن يكون بعد ملكها للسيارة، ولا مانع من كون الراغب يصف السيارة التي يريد أو الأرض التي يريد ثم تشتريها وتملكها وتحوزها، ثم تبيع بعد ذلك له أو لغيره، والراغب في حِلٍّ من ذلك، حتى يتم البيع بعد الشراء" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (19/8) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126618 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4977 تحاز السيارة بقبضها ونقلها من مكانها ولو لم يتم تسجيلها رسميا [السُّؤَالُ] ـ[إذا اشتريت السيارة بالنقد ودفعت الثمن وسجل ذلك في سجلات المعرض هل يكفي ذلك للحيازة أم لا بد من نقل الملكية بالاستمارة عن طريق المرور علما بأني أنوي البيع؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا تم البيع وقبضت السيارة لك أن تتصرف فيها لكن تخرج بها عن مكان البيع تنقلها إلى مكانك، أو إلى محل آخر، أو إلى معرض آخر، حتى يتم القبض؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم (نهى أن تباع السلعة حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم) ولو ما تمت بقية الإجراءات، ما دام تم البيع بينكما، إذا افترقتما لزم البيع" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (19/30) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126575 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4978 الضوابط الشرعية للبيع بالتقسيط [السُّؤَالُ] ـ[ما هي الضوابط التي تحفظ حقوق طرفي البيع بالتقسيط، ومن ثم حقوق ونظام وسلامة المجتمع؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "البيع إلى أجل معلوم جائز؛ لعموم قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) البقرة/282، والزيادة في القيمة مقابل الأجل لا مانع منها، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على جواز ذلك، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم (أمر عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن يجهز جيشا يشتري البعير بالبعيرين إلى أجل) . وينبغي معرفة ما يقتضيه الشرع في هذه المعاملة حتى لا يقع المتبايعان في العقود المحرمة، إذ إن بعضهم يبيع ما لا يملك، ثم يشتري السلعة بعد ذلك ويسلمها للمشتري. وبعضهم إذا اشتراها يبيعها وهي في محل البائع قبل أن يقبضها القبض الشرعي، وكلا الأمرين غير جائز لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لحكيم بن حزام: (لا تبع ما ليس عندك) ، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا يحل سلف وبيع، ولا بيع ما ليس عندك) . وقال عليه الصلاة والسلام: (من اشترى طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه) . وقال ابن عمر رضي الله عنهما: (كنا نشتري الطعام جزافا فيبعث إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من ينهانا أن نبيعه حتى ننقله إلى رحالنا) رواه مسلم. وثبت عنه عليه الصلاة والسلام أيضا: (أنه نهى أن تباع السلع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم) . ومن هذه الأحاديث وما جاء في معناها يتضح لطالب الحق: أنه لا يجوز للمسلم أن يبيع سلعة ليست في ملكه ثم يذهب فيشتريها، بل الواجب تأخير بيعها حتى يشتريها ويحوزها في ملكه، ويتضح أيضا أن ما يفعله كثير من الناس من بيع السلع وهي في محل البائع قبل نقلها إلى حوزة المشتري أمر لا يجوز لما فيه من مخالفة سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولما فيه من التلاعب بالمعاملات، وعدم التقيد فيها بالشرع المطهر، وفي ذلك من الفساد والشرور، والعواقب الوخيمة ما لا يحصى" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (19/15-17) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126566 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4979 إذا ملكت الشركة السيارة وصارت في حوزتها فلها بيعها [السُّؤَالُ] ـ[وكالة سيارات لديها نظام خاص للتقسيط يقوم على أساس أن يدفع الزبون مبلغا معينا كدفعة أولى، ثم هناك نسبة زيادة على المبلغ المتبقي (المؤجل) (بين 11-20%) ويزداد المبلغ بحسب عدد السنوات التي يتفق عليها فما الحكم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا ملكت الشركة السيارة وصارت في حوزتها وقبضتها بالشراء فلها أن تبيعها على الراغبين بالسعر الذي يحصل عليه اتفاق مع الزيادة التي تراها، سواء كانت كلها مؤجلة أو بعضها مؤجل وبعضها نقد لا حرج في ذلك؛ لأن الله سبحانه قال: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) البقرة/275، فهذا من البيع الشرعي، إذا كانت الشركة قد ملكت السيارة وحازتها وصارت في قبضتها" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (19/7) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126564 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4980 تأخذ الشركة العربون ثم تشتري العقار وتسلمه للمشتري [السُّؤَالُ] ـ[إحدى الشركات تقوم بشراء العقارات لذوي الدخل المحدود، يذهب الزبون إلى الشركة فيحدد لهم العقار الذي يريده وسعره، فيتم تشكيل لجنة لتسعير العقار ثم يتم شراء العقار من قبل الشركة بعد أخذ 10% من قيمته كعربون من الزبون، ويتم كتابته أو تسجيل العقار باسم الزبون في حالة السداد خلال سنتين أو يبقى باسم الشركة في حالة السداد في أكثر من السنتين، فما الحكم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا حرج أن تشتري الشركة العقار المطلوب، وإذا تم الشراء وحصل لها القبض بالتخلية جاز لها أن تبيع على الراغب أو غيره، ولا يجوز أن يتم البيع قبل ذلك ولا أخذ العربون، إنما البيع يكون بعد شراء الشركة، وبعد أن تحوز المبيع بالتخلية إذا كان عقارا، أو بالنقل إن كان غيره" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (19/8) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126559 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4981 حكم ما يسمى (الوعد بالشراء) [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم ما يسمى الوعد بالشراء، وهل هو داخل في مسمى الربا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الوعد بالشراء ليس شراء، ولكنه وعد بذلك، فإذا أراد إنسان شراء حاجة، وطلب من أخيه أن يشتريها ثم يبيعها عليه فلا حرج في ذلك، إذا تم الشراء وحصل القبض ثم باعها بعد ذلك على الراغب في شرائها، لما جاء في الحديث الصحيح عن حكيم بن حزام رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله يأتيني الرجل يريد السلعة، وليس عندي، فأبيعها عليه، ثم أذهب فأشتريها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تبع ما ليس عندك) . فدل ذلك على أنه إذا باعها على أخيه بعدما ملكها، وصارت عنده فإنه لا حرج في ذلك. وفي هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: (لا يحل سلف ولا بيع، ولا بيع ما ليس عندك) ، وثبت من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم) . وبما ذكرنا من الأحاديث يعلم أن الإنسان إذا وجد سلعة عند زيد أو عمرو: سيارة أو حبوبا أو ملابس أو أواني، أو غير ذلك فإنه لا حرج أن يشتريها ويحوزها في ملكه، إذا كان البائع قد أنهى إجراءات شرائها وحازها في ملكه، لكن لا يبيعها المشتري الثاني حتى ينقلها إلى محل آخر: إلى بيته أو إلى السوق ويخرجها من محل البائع إلى محل آخر، ثم يبيعها بعد ذلك إذا شاء؛ عملا بالأحاديث المذكورة، وبما رواه البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: (كنا نُضرب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيع الطعام في محله حتى ننقله إلى رحالنا) وفي لفظ: (حتى ننقله من أعلى السوق إلى أسفله، ومن أسفله إلى أعلاه) . والله ولي التوفيق" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (19/68، 69) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126452 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4982 حكم بيع المشتري للأرض قبل صدور صك الملكية [السُّؤَالُ] ـ[اشتريت قطعة أرض وتم تسليمي سند قبض بالمبلغ من البائع، حتى يتم إصدار صك ملكية الأرض لي فهل يجوز بيعها قبل صدور الصك؟ أم أن ذلك داخل في بيع ما لا أملك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا تم البيع بينكما جاز لك التصرف ولو تأخر إصدار الصك، والله ولي التوفيق" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (19/61) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126425 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4983 حكم الزيادة في ثمن السلعة لزبون دون آخر [السُّؤَالُ] ـ[أعمل في أحد المتاجر ويختلف بيعي من شخص لآخر حسب إلحاح الزبون فقد أبيع بضاعة بمائة ريال وقد أبيعها بمائة وخمسين حسب الحال والزبون فهل يعتبر ذلك غشا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الواجب ألا تزيد في قيمة السلعة عما تساويه في السوق، وكونك تخفض لبعض الزبائن عما تساويه في السوق لا بأس به، إنما الممنوع أن تزيد على بعض الزبائن بثمن أغلى من قيمة السلعة في السوق، خصوصا إذا كان المشتري يجهل أقيام السلع أو كان غِراًّ لا يحسن البيع والشراء والمماكسة فلا يجوز استغلال جهله وغرته والزيادة عليه عن القيمة المعروفة في السوق" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (19/108) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126393 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4984 حكم الخصم إذا سدد القسط قبل موعده [السُّؤَالُ] ـ[المعتاد في المدارس الأهلية أن تسديد الأقساط يكون على فترتين قبل بداية الفصل الأول وقبل بداية الفصل الثاني، وبعض المدارس يكتب لولي الأمر قبل بداية الدراسة أنه إذا سدد القسطين معا قبل بداية الدراسة فإنه يحصل على خصم قدره كذا وكذا في المائة. فهل هذا جائز في شرعنا المطهر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا حرج في ذلك في أصح قولي العلماء؛ لما في ذلك من المصلحة الظاهرة للطرفين، والله ولي التوفيق" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (19/301) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126392 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4985 تم البيع دون شهود وجحد البائع، فهل يجوز إضافة اسمي شاهدين على العقد [السُّؤَالُ] ـ[باع الطرف الأول للطرف الثاني قطعة أرض، وكتب له عقدا، ولكن لم يشهد علية أحد. وقد دفع الطرف الثاني مبلغا كبيرا من المال (عربون) ، ثم أنكر الطرف الأول هذا البيع، وقال المحامي للطرف الثاني: أنه يلزم وجود شاهدين علي العقد، للتمكن من استلام الأرض. فهل يجوز أن يوقع شاهدان علي هذا العقد أم لا، مع أنهما لم يحضرا البيعة، لكنهما متأكدان من تمام البيع؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا تم العقد دون إشهاد كما ذكرت، فلا يجوز لأحد أن يضيف إليه شاهدا أو شاهدين، لأن هذا كذب وزور، فإن وجود اسم الشاهد في العقد يعني أنه حضر العقد، وشهد على الإيجاب والقبول، وإذا كان هذا لم يحصل، كان إثباته الآن زورا وكذبا، وكون الشاهد يوقن بحصول البيع، لا يبيح إضافة شهادته لعقد لم يحضره. وعلى هذا المتضرر أن يسعى لأخذ حقه بطريق مشروع لا كذب فيه ولا تزوير. ولا يخفى ما جاء في شأن شهادة الزور، فقد روى البخاري (5976) ومسلم (87) عن أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ قُلْنَا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَقَالَ أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ فَمَا زَالَ يَقُولُهَا حَتَّى قُلْتُ لَا يَسْكُتُ) . نسأل الله السلامة والعافية. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126185 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4986 حكم مبادلة متر القماش بمترين [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز مبادلة الثياب، متراً بمترين أو صنفاً بصنفين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "يجوز مبادلة الثياب بعضها ببعض مع التساوي أو زيادة بعضها على بعض، سواء كانت من جنس واحد أم أكثر، وسواء كان ذلك عاجلاً أو لأجل، لأن القماش ليس من الأجناس التي يدخلها الربا" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. "فتاوى إسلامية" (2/387) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125104 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4987 حكم بيع الحصة المشاع تملكها [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز بيع الحصة المشاع تملكها في قطعة أرض معروفة الحدود والمساحة والموقع، والمملوكة بموجب سند يثبت المساهمة في تملكها، ويعين مقدار هذه الحصة بالنسبة لكامل الأرض؟ فأنا أملك ربع قطعة أرض، فهل يمكن أن أبيع هذا الربع قبل أن يحدد بدقة موقعه من هذه الأرض.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا بأس بتداول الحصة المشاع تملكها في عقار معروف الحدود والمساحة والموقع، إذا كانت نسبتها إليه معلومة، كأن تكون ربعه أو ثمنه أو ربع عشره أو نحو ذلك، لا بأس بتداولها بيعا وشراء وهبة وإرثا ورهنا وغير ذلك من التصرفات الشرعية فيما يملكه المرء؛ لانتفاء المانع الشرعي في ذلك. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/72) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125102 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4988 لا يجوز أن يؤجره البيت بشرط أن يقرضه [السُّؤَالُ] ـ[يوجد عندنا نظام كراء البيوت وهو كالتالي: يتم كراء البيت مقابل أخذ مبلغ رمزي محدد مقداره مثلا 5000 درهم كقرض لمدة محدودة سنة. رغم أنه ليس محتاجا لهذا المبلغ وفي غنى عنه، ولكن فقط لضمان خروج المكتري بعد مرور مدة العقد. مقابل السكن في البيت لمدة محدودة سنة، وبعد انقضاء الفترة يتم إعادة المبلغ نفسه بدون زيادة أو نقصان مع أخذ إيجار سنويا 10000 درهم فهل هذا يعتبر هذا شكلاً من أشكال الربا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، لا يجوز أن يقترن البيع باشتراط القرض، وإذا انتفع المقرض بهذا القرض في تخفيض الثمن أو بغير ذلك كان ذلك من أوجه الانتفاع صورة من صور الربا. وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الجمع بين البيع والقرض، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا يحل سلف وبيع) . رواه أبو داود (3504) والترمذى (1234) وحسنه الألباني في " إرواء الغليل " (1307) . قال في "تحفة الأحوذي" (4/361) : " قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ: أَيْ: لَا يَحِلُّ بَيْعٌ مَعَ شَرْطِ سَلَفٍ، بِأَنْ يَقُولَ مَثَلًا: بِعْتُك هَذَا الثَّوْبَ بِعَشْرَةٍ عَلَى أَنْ تُقْرِضَنِي عَشْرَةً " انتهى. وذكر شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله أن من المعاملات الربوية: أن يجمع بين القرض والبيع. "مجموع الفتاوى" (28/73) . وقال أيضا: " وَقَدّ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْرِطَ مَعَ الْبَيْعِ عَقْدًا مِثْلَ هَذَا؛ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ عَلَى أَنْ يُقْرِضَهُ " انتهى. "مجموع الفتاوى" (30/83) . وقال ابن جُزيّ: " البيع باشتراط السلف من أحد المتابعين لا يجوز بإجماع إذا عزم مشترطه عليه " انتهى. "القوانين الفقهية" (2/125) وعلى ذلك: فاشتراط القرض في عقد الإيجار لا يجوز. أما الاستيثاق في الحقوق، فهو أمر تدعو إليه حاجة الناس، خصوصاً عند خراب الذمم، واستيلاء الدنيا على قلوب كثير منهم. ويمكنك لضمان خروج المكتري أن تكتب عليه "شيكاً" أو "وصل أمانة" حتى يتسنى لك إخراجه في ميعاده دون مماطلة منه، وانظر جواب السؤال رقم (103920) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 122062 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4989 زيادة سعر اللحم لتوفير بعض نفقات المسجد [السُّؤَالُ] ـ[السؤال: نعاني أحيانا من صعوبات لتوفير الإيجار في المسجد، ونريد أن نضع زيادة واحد يورو على سعر كيلو اللحم الواحد – الذي يباع بعد تحري ذبحه بالطريقة الحلال - بهدف أن يذهب جزء من هذا اليورو إلى المسجد، وجزء آخر لتغطية النفقات من مواصلات وغيره للشخص الذي يتولى مسؤولية نقل اللحم بسيارته، وقد نقدم له مبلغاً زهيداً مقابل ذلك، وقد قام أحد الإخوة بإخبار الناس الذين يرغبون في شراء اللحم بذلك فتقبلوا الأمر، فهل يشرع هذا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما دام الذين يشترون اللحم يعلمون ذلك وقد وافقوا عليه، فلا حرج في ذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ) رواه أحمد (20172) ، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1459) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121361 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4990 يشتري غنما من السوق ويبيعها في مكانها [السُّؤَالُ] ـ[والدي يبيع ويشتري الأغنام، ولكن السؤال: أنه يشتري الأغنام من أي شخص يعرضها للبيع ويعجبه السعر، ويقوم ببيعها في نفس الموضع ولا ينقلها لموضع آخر، علما أنهم في السوق ولا أحد يملك الموضع الذي يبيع فيه، فقط الموضع للبيع.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من اشترى شيئا فليس له أن يبعه حتى يقبضه وينقله من مكانه؛ لما روى أحمد (15399) والنسائي (4613) أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَشْتَرِي بُيُوعًا فَمَا يَحِلُّ لِي مِنْهَا، وَمَا يُحَرَّمُ عَلَيَّ؟ قَالَ: (فَإِذَا اشْتَرَيْتَ بَيْعًا فَلَا تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (342) . وأخرج الدارقطني وأبو داود (3499) عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه (نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم) وصححه ابن حبان والحاكم وحسنه الألباني في صحيح أبي داود. وفي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه) رواه البخاري (2132) ، ومسلم (1525) ، وزاد: قال ابن عباس: (وأحسب كل شيء مثله) ، أي: لا فرق بين الطعام وغيره في ذلك. وقبض كل شيء بحسبه، فقبض الدواب والثياب ونحوها، يكون بنقله من مكانه. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وما ينقل: مثل الثياب والحيوان والسيارات وما أشبه ذلك يحصل قبضها بنقلها؛ لأن هذا هو العرف " انتهى من" الشرح الممتع" (8/381) . وإذا تم الشراء في موضع لا يختص بالبائع، كالسوق والشارع، فإن القبض يكون بنقل السلعة إلى مكان آخر من السوق أو الشارع. قال الرافعي رحمه الله: " إذا كان المبيع في موضع لا يختص بالبائع كشارع , أو في موضع يختص بالمشتري , فالتحويل إلى مكان منه كاف في حصول القبض " انتهى نقلا من "المجموع" (9/335) . وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " لا يجوز للمشتري بيع هذه البضاعة مادامت موجودة في ملك البائع حتى يتسلمها المشتري وينقلها إلى بيته، أو إلى السوق ... ، وهكذا من اشتراها من المشتري ليس له أن يبيعها حتى ينقلها إلى بيته، أو إلى مكان آخر من السوق؛ للأحاديث المذكورة " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (19/122) . وبناء على ذلك، فيلزم والدك إذا أراد أن يبيع الغنم بعد شرائها أن يحولها عن المكان الذي اشتراها فيه إلى مكان آخر من السوق. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 119485 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4991 شراء سيارة بالتقسيط من بنك البركة [السُّؤَالُ] ـ[أريد شراء سيارة إن شاء الله بواسطة بنك البركة، علماً أن البنك يصرح بأن تعاملاته غير ربوية. طريقة الشراء: يدفع الزبون نسبة 47 بالمئة كبداية، والبنك ما تبقى من ثمن السيارة، هذه السيارة تكون باسم البنك إلى غاية تمام التسديد بأقساط حسب استطاعة الزبون واتفاقه المسبق مع البنك، وفي حالة تأخر الزبون عن دفع ديونه في المدة المتفق عليها مع البنك، فإن هذا الأخير لا يطلب زيادة في الدفع تعويضاً عن التأخير (وتبقى السيارة باسم البنك حتى تمام التسديد) ، فما حكم هذه المسالة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز شراء السيارة عن طريق البنك إذا توفرت الشروط التالية: 1- أن يشتري البنك السيارة شراء حقيقياً، ويقبضها إليه، فإذا لم يشتر السيارة لنفسه، واكتفى بدفع المبلغ عن العميل، كان هذا قرضاً ربوياً؛ إذ حقيقته أن البنك أقرض العميل ثمن السيارة (مائة ألف مثلاً) على أن يسترد قرضه مائة وعشرة مثلاً. وإذا اشترى البنك السيارة ثم باعها قبل أن يقبضها، كان ذلك مخالفاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام: (إذا اشتريت مبيعاً فلا تبعه حتى تقبضه) رواه أحمد (15399) ، والنسائي (4613) ، وصححه الألباني في صحيح الجامع (342) . وأخرج أبو داود (3499) عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه (نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم) ، والحديث حسنه الألباني في صحيح أبي داود. وهذا يشمل الطعام وغيره من السلع، وينظر جواب السؤال رقم (36408) . ومنه تعلم أنه لا يجوز للمشتري أن يوقع على شراء السيارة من البنك، ولا أن يدفع له جزءاً من الثمن مقدماً، قبل أن يشتريها البنك. 2- أن يخلو العقد من اشتراط غرامة على التأخر في سداد الأقساط؛ لأن ذلك ربا محرم، وينظر جواب السؤال رقم (89978) . 3- يجوز رهن السيارة للبنك، حتى ينتهي العميل من سداد الأقساط، كما يجوز للبنك الاحتياط لنفسه بالاحتفاظ بوثيقة العقد واستمارة السيارة ونحو ذلك، مع أنها مملوكة للعميل من وقت العقد مع البنك، وينظر جواب السؤال رقم (69877) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 119229 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4992 البيع بالتقسيط مع زيادة الثمن [السُّؤَالُ] ـ[تم شراء إحدى السلع نقداً بعشرة آلاف ريال سعودي، وتم بيعها بعشرة آلاف وخمسمائة ريال سعودي بالتقسيط لمدة شهرين بشرط أنه إذا تم الدفع قبل الشهرين أو بعدهما فإن السعر سيظل كما هو، فهل عقد هذه الصفقة حلال في الإسلام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج في البيع بالتقسيط ولو كان بأزيد من البيع نقداً، كما في الصورة المسؤول عنها، وهي بيع ما ثمنه عشرة آلاف بعشرة آلاف وخمسمائة مقسطة على شهرين، بشرط ألا يتغير السعر أو تفرض غرامة في حال تأخير السداد، فإن هذه الغرامة أو الزيادة من الربا المحرم. جاء في قرار المجمع الفقهي رقم: 133 (7/14) في دورته الرابعة عشرة بالدوحة ما نصه: " إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط عن الموعد المحدد فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين بشرط سابق، أو بدون شرط، لأن ذلك ربا محرم " انتهى نقلاً عن فقه المعاملات الحديثة للدكتور عبد الوهاب أبو سليمان (ص 571) . وينظر جواب السؤال رقم (13973) ، ورقم (98118) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 117808 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4993 يحرم بيع السلعة دون بيان العيب الذي فيها ولو باعها لكافر [السُّؤَالُ] ـ[إذا كنت أريد بيع سيارتي لغير مسلم، وكنت أعلم بوجود عيب بها، فهل يجب علي إخبار من يريد شراءها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من باع شيئا فيه عيب لزمه بيان العيب، سواء باعه لمسلم أو لكافر، وإلا كان غاشا آثما. وقد روى البخاري (2079) ومسلم (1532) عن حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا) . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " قَوْله: (صَدَقَا) ، أَيْ: مِنْ جَانِبِ الْبَائِعِ فِي السَّوْمِ وَمِنْ جَانِبِ الْمُشْتَرِي فِي الْوَفَاءِ , وَقَوْله (وَبَيَّنَا) ، أَيْ: لِمَا فِي الثَّمَن وَالْمُثَمَّن مِنْ عَيْبٍ فَهُوَ مِنْ جَانِبَيْهِمَا وَكَذَا نَقْصُهُ. وَفِي الْحَدِيث حُصُول الْبَرَكَة لَهُمَا إِنْ حَصَلَ مِنْهُمَا الشَّرْط وَهُوَ الصِّدْق وَالتَّبْيِين , وَمَحْقُهَا إِنْ وُجِدَ ضِدُّهُمَا، وَهُوَ الْكَذِب وَالْكَتْم , وَهَلْ تَحْصُلُ الْبَرَكَةُ لِأَحَدِهِمَا إِذَا وُجِدَ مِنْهُ الْمَشْرُوط دُون الْآخَرِ؟ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِيهِ" انتهى من "فتح الباري". وقال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (4/108) : " من علم بسلعته عيبا , لم يجز بيعها , حتى يبينه للمشتري، فإن لم يبينه فهو آثم عاص، نص عليه أحمد ; لما روى حكيم بن حزام , عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا , فإن صدقا وبينا بورك لهما , وإن كذبا وكتما محق بركة بيعهما) متفق عليه، وقال عليه السلام: (المسلم أخو المسلم , لا يحل لمسلم باع من أخيه بيعا إلا بينه له) " انتهى. وقال أيضاً: (4/113) : " معنى دلَّس العيب: أي كتمه عن المشتري , مع علمه به. أو: غطاه عنه , بما يوهم المشتري عدمه ... وسواء في هذا ما علم به فكتمه , وما ستر , فكلاهما تدليس حرام " انتهى. وحديث: (المسلم أخو المسلم ... ) رواه ابن ماجه (2246) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، وتحريم الغش لا يختص بالمسلم، بل يحرم الغش مع المسلم والكافر، والتقييد بالمسلم هنا خرج مخرج الغالب. قال السبكي رحمه الله في تكملة المجموع (11/306) : " وإطلاق المصنف رحمه الله [الرافعي] والأصحاب والشافعي حرمة التدليس ووجوب البيان يتناول ما إذا كان المشتري مسلما أو كافرا، ولفظ الأحاديث التي ذُكرت واستدل بها المصنف رحمه الله إنما تدل على المسلم للمسلم , وهذا ورد في الخطبة على خطبة أخيه , والسوم على سومه، وجمهور العلماء رحمهم الله على أنه لا فرق في ذلك بين المسلم والكافر ... وأما التقييد في هذه الأحاديث فإنه خرج على الغالب ولا يكون له مفهوم , أو أن المقصود التهييج والتنفير عن فعل هذه الأمور مع من يشاركه في الإسلام والآخرة , ويثبت عمومه بدليل آخر. والله أعلم " انتهى. وقال أيضاً: "والأحاديث في تحريم الغش ووجوب النصيحة كثيرة جدا وحكمها معلوم من الشريعة , وكتمان العيب غش" انتهى من المجموع (11/303) . فيلزمك بيان العيب الذي تعلمه في سيارتك، سواء بعتها لمسلم أو كافر. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 117066 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4994 تاجر يسأل هل يجوز له إزالة الاسم التجاري لمنتج أو تبديله بغيره؟ [السُّؤَالُ] ـ[اشتريت كمية من أجهزة التبريد، أي: مكيف الهواء، وعلى جهاز التبريد اسم الشركة المصنِّعة، وهذه الشركة في دولة أخرى، هل يجوز لي أن أرفع من جهاز التبريد اسم هذه الشركة، وأضع عليها أي اسم آخر، حتى لا يُعرف من أين مصدر هذا الجهاز؛ لأنها مادة فائقة الجودة، ولا أريد أحداً من التجار أن ينافسني في هذه المادة؛ لأني تعبت عليها كثيراً حتى استطعت أن أحصل عليها، أو لا أضع عليها أي اسم، هل يجوز ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يظهر لنا مانع من إزالة اسم الشركة المصنعة إذا لم يكن في ذلك تدليس أو غش للشركة المصنعة أو المشتري. فقد تقوم الشركة المصنعة بتخفيض أسعارها، مقابل ما يقوم به المستوردون من الدعاية لها، وترويج منتجاتها، ففي إزالة اسم الشركة حينئذ خداع لها، لأنه لم يحصل مقصودها في ذلك، وتكون قد خالفتَ ما اتفقتَ مع الشركة عليه. وقد يكون اسم الشركة يدل على سوء بضاعتها، فيكون في إزالته خداع للمشتري، لأنه لو علم أنه من تلك الشركة لم يشتره مطلقاً، أو لم يشتره بالثمن المحدد له. فإذا لم يكن في إزالة الاسم خداع وغش للمشتري، أو إيهام له بأنه صنع في شركة أخرى أجود صناعة، فلا حرج إن شاء الله تعالى. والأحسن أن يتم ذلك بالاتفاق مع الشركة المصنعة ـ إن أمكن. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 115804 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4995 يجوز زيادة ثمن السلعة مقابل بيعها بالتقسيط [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز البيع بالتقسيط مع زيادة ثمن السلعة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله بيع التقسيط هو بيع يُعَجَّل فيه المبيع (السلعة) ويتأجل فيه الثمن كلُّه أو بعضُه على أقساط معلومة لآجال معلومة. أهمية معرفة حكمه: بيع التقسيط من المسائل التي ينبغي الاهتمام بمعرفة حكمها الآن لأنه قد انتشر انتشار كبيراً في معاملات الأفراد والأمم بعد الحرب العالمية الثانية. فتشترى المنشآت والمؤسسات السلع من مورديها بالتقسيط، وتبيعها على زبائنها بالتقسيط، كالسيارات والعقارات والآلات وغيرها. ومما أدى إلى انتشاره أيضاً: معاملات البنوك والمصارف، حيث يشترى البنك السلعة نقداً، ويبيعها على عملائه بثمن مؤجل (على أقساط) . حكم بيع التقسيط: ورد النص بجواز بيع النسيئة، وهو البيع مع تأجيل الثمن. روى البخاري (2068) ومسلم (1603) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَى طَعَامًا مِنْ يَهُودِيٍّ إِلَى أَجَلٍ وَرَهَنَهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ. وهذا الحديث يدل على جواز البيع مع تأجيل الثمن، وبيع التقسيط ما هو إلا بيع مؤجل الثمن، غاية ما فيه أن ثمنه مقسط أقساطاً لكل قسط منها أجل معلوم. ولا فرق في الحكم الشرعي بين ثمن مؤجل لأجل واحد، وثمن مؤجل لآجال متعددة. وروى البخاري (2168) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ فَقَالَتْ كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ فِي كُلِّ عَامٍ وَقِيَّةٌ. . . وهذا الحديث يدل على جواز تأجيل الثمن على أقساط. والنصوص وإن وردت بجواز تأجيل الثمن إلا أنه لم يرد في النصوص جواز زيادة الثمن من أجل التأجيل. ولهذا اختلف العلماء في حكم هذه المسألة. فذهب قلة من العلماء إلى تحريمه، بحجة أنه ربا. قالوا: لأن فيه زيادة في الثمن مقابل التأجيل وهذا هو الربا. وذهب جماهير العلماء ومنهم الأئمة الأربعة إلى جوازه. ومن عبارات علماء المذاهب الأربعة في هذا: المذهب الحنفي: (الثمن قد يزاد لمكان الأجل) بدائع الصنائع 5 / 187. المذهب المالكي: (جَعل للزمان مقدار من الثمن) بداية المجتهد 2 / 108. المذهب الشافعي: (الخمسة نقداً تساوي ستة نسيئة) الوجيز للغزالي 1 / 85. المذهب الحنبلي: (الأجل يأخذ قسطاً من الثمن) فتاوى ابن تيمية 29 / 499. واستدلوا على ذلك بأدلة من الكتاب والسنة، منها: 1- قوله تعالى: (أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) البقرة/275. فالآية بعمومها تشمل جميع صور البيع ومنها زيادة الثمن مقابل الأجل. 2- وقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) النساء/29. فالآية بعمومها أيضاً تدل على جواز البيع إذا حصل التراضي من الطرفين. فإذا رضي المشتري بالزيادة في الثمن مقابل الأجل كان البيع صحيحاً. 3- ما رواه البخاري (2086) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَهُمْ يُسْلِفُونَ بِالتَّمْرِ السَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ فَقَالَ: مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَفِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ. وبيع السلم جائز بالنص والإجماع. وهو شبيه ببيع التقسيط. وذكر العلماء من حكمته أنه ينتفع المشتري برخص الثمن، والبائع بالمال المعجل، وهذا دليل على أن للأجل في البيع نصيباً من الثمن. وأن هذا لا بأس به في البيوع. انظر: المغني (6/385) 4- وجرى عمل المسلمين على جواز زيادة الثمن مقابل التأجيل من غير نكير منهم. فصار كالإجماع على جواز هذه الصورة من صور البيع. سئل الشيخ ابن باز عن حكم الزيادة في الثمن مقابل الأجل فقال: إن هذه المعاملة لا بأس بها لأن بيع النقد غير التأجيل، ولم يزل المسلمون يستعملون مثل هذه المعاملة وهو كالإجماع منهم على جوازها، وقد شذ بعض أهل العلم فمنع الزيادة لأجل الأجل وظن ذلك من الربا وهو قول لا وجه له وليس من الربا في شيء لأن التاجر حين باع السلعة إلى أجل إنما وافق على التأجيل من أجل انتفاعه بالزيادة والمشتري إنما رضي بالزيادة من أجل المهلة وعجزه عن تسليم الثمن نقداً، فكلاهما منتفع بهذه المعاملة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على جواز ذلك وذلك أنه صلى الله عليه وسلم أمر عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن يجهز جيشاً فكان يشتري البعير بالبعيرين إلى أجل، ثم هذه المعاملة تدخل في عموم قول الله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) البقرة/282. وهذه المعاملة من المداينات الجائزة الداخلة في الآية المذكورة وهي من جنس معاملة بيع السلم. . . اهـ فتاوى إسلامية (2/331) . انظر: كتاب "بيع التقسيط" للدكتور رفيق يونس المصري. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 13973 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4996 يشتري بالتقسيط ثم يبيع بالتقسيط بثمن أكثر؟ [السُّؤَالُ] ـ[أشتغل في معارض السيارات، أقسط سيارات جديدة، أحيانا يكون عندي زبون ولا أملك قيمة السيارة نقدا (كاش) ، وآخذ السيارة من المعرض الذي يملكها على مهلة شهرين، بزيادة عن رأس ماله ألفين، مثلاً: قيمة السيارة كاش أربعون ألفا، يحسبه لي باثنين وأربعين ألفا، وبعد ذلك أبيعه على الزبون على أقساط. هل هذا جائز؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج في زيادة الثمن في البيع بالأقساط عن البيع نقداً، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (13722) و (1847) . وهذه المعاملة التي سألت عنها جائزة إذا توفر فيها شرطان: 1- أن تشتري السيارة من المعرض قبل بيعها، فلا يجوز لك أن تبيع السيارة قبل شرائها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبيع الرجل ما ليس عنده. 2- أن تقبض السيارة وتنقلها من المعرض قبل بيعها، فلا يجوز لك أن تبيعها وهي لا تزال في المعرض الذي اشتريتها منه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم: (نَهَى أَنْ تُبَاعَ السِّلَعُ حَيْثُ تُبْتَاعُ حَتَّى يَحُوزَهَا التُّجَّارُ إِلَى رِحَالِهِمْ) رواه أبو داود (3499) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود. وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم (36408) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112520 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4997 ضمان عهدة المبيع [السُّؤَالُ] ـ[اشتريت سيارة بمبلغ 5500 ريال من أحد الحراجات في جدة وعند ذهابي إلى مرور جدة في ذلك الوقت تبين أن الشخص الذي باعني السيارة كان قد زور رخصة أو استمارة السيارة حيث تم حجز السيارة وإعادتها إلى أصحابها عن طريق الشرطة، فقام صاحب الحراج جزاه الله خيرا بدفع ما يقارب 4500 ريال لي من ثمن السيارة، فهل يلحقني أي حرام أو إثم بسبب أخذي هذا المال من صاحب الحراج؟ علماً أنه لا ذنب له بموضوع السيارة سوى أنه تم عمل ورقة المبايعة في الحراج فقط عن طريق الموظف الذي يعمل في الحراج.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا تبرع صاحب الحراج بدفع ثمن السيارة إليك – على أن يعود ويطالب البائع-، أو كان العرف جارياً على أن صاحب الحراج يضمن وصول السيارة إليك، كما يضمن وصول الثمن إلى البائع، وهذا ما يسمى بضمان العهدة أو الدَّرَك، بحيث إذا خرج المبيع مستحقاً للغير مثلاً، ضمن الثمن لك، فلا يلحقك شيء. ومعنى ضمان العهدة أو الدَّرَك عند الفقهاء: أن يلتزم شخص برد الثمن إلى المشتري إذا ظهر أن المبيع مسروق أو به عيب وأراد المشتري ردَّه بسبب هذا العيب. انظر: "الموسوعة الفقهية" (28/311) . وقال في "كشاف القناع" (3/369) : "وهو صحيح عند جماهير العلماء؛ لأن الحاجة تدعو إلى الوثيقة (أي: توثقة العقد وضمان الحق) ، ولأنه لو لم يصح لامتنعت المعاملات مع من لم يعرف , وفيه ضرر عظيم رافع لأصل الحكمة التي شرع البيع من أجلها " انتهى. وظهر بهذا أن هذا النوع من الضمان يُلجأ إليه في العقود التي تتم مع من لا يُعرف، كما هو الحال في شراء السيارات من تجار الحراج، فإنهم غير معروفين غالباً للمشتري، لكنهم معروفون لدى صاحب الحراج، فيضمن للمشتري وصول السيارة إليه، كما يضمن وصول الثمن إلى البائع. فإن كان الأمر في الحراج قائماً على هذا، فلا شيء عليك، وكان يلزم صاحب الحراج أن يدفع الثمن كاملا. وإن كان ضمان الدرك غير معمول به في الحراج، وتبرع صاحبه بهذا المبلغ لك، فهو إحسان منه يؤجر عليه، ولا حرج عليك في قبوله. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112279 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4998 حكم العمل في صيانة الجوالات وبيعها [السُّؤَالُ] ـ[أعمل في مجال صيانة الموبايل (المحمول) . ولا أبيعه ولا أشتري ولا أحمّل أي نغمات أو صور عليه. مع العلم أني أصلح كافة الموبيلات (المحمول) سواء كانت بكاميرا أو غير كاميرا وأبيع قطعاً إلكترونية للموبيلات وأحوالي المادية ضعيفة جداً ولا أستطيع تغيير المهنة إلى شيء كمطعم أو مكتبة في هذا الوقت ويراوحني شك أن هذا المال الذي يأتيني من هذه المهنة حرام وينطبق عليها مثل صيانة التلفاز، لأنه أصبح هذا الوقت في بلدنا يستعملون المحمول للاتصال والنغمات والصور والفيديو , حتى إنه في يوم من الأيام تأتي إلي موبيلات تكون لا تعمل وعندما أصلحها أفاجئ بأن هذا الجوال يحوي في داخله أفلاما خليعة أو صوراً ماذا علي فعله بالوقت الحالي؟ أدّرس المهنة وأبيع قطعا إلكترونية فقط، أم أتابع في عملي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله بيع وصيانة الأجهزة التي تستعمل في الخير والشر، والمباح والحرام، فيه تفصيل: أ- يجوز بيعها وصيانتها لمن عُلم أو غلب على الظن أنه يستعملها في المباح. ب- لا يجوز بيعها ولا صيانتها لمن عُلم أو غلب على الظن أنه يستعملها في الحرام. ج- إذا جهل الحال عُمل بالغالب، فإن كان الغالب في البلد استعمالها في المباح جاز، وإلا حرم. والذي يظهر لنا أن الغالب في استعمال الهاتف المحمول هو الاستعمال في المباح بخلاف التلفاز، وعليه فلا حرج في صيانتك لهذه الأجهزة وبيع قطعها الداخلية وتدريب من يعمل في صيانتها مع مراعاة أمرين: الأول: ينبغي التعامل مع الجهاز فقط، دون الشريحة أو بطاقة الذاكرة، وبهذا تسلم من النظر في محتوياتها والتعرض لذلك. الثاني: في حال اطلاعك على ما هو منكر بيّن، من صور أو أفلام فإنه يجب إزالتها، إنكارا للمنكر، ولا عبرة برفض صاحب الجهاز، وعليك في هذه الحال أن تنصح صاحب الجهاز، وتبين له تحريم فعله هذا. وينظر للفائدة جواب السؤال رقم 34597 ورقم 85441 ونسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والسداد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112163 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4999 إذا رغب أقاربه في عطور معينة، هل يجوز أن يشتريها ويبيعها عليهم [السُّؤَالُ] ـ[يا شيخ أعرف واحد يبيع عطور بـ 30 ريال، يجوز أني أشوف طلبات أقاربي وأرجع أشتريها منه، وأبيعها عليهم بـ 45 أو 50 ريال؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا علموا أنك ستشتري ثم تبيع لهم وتربح عليهم، فلا حرج في ذلك، لكن لا تبع لهم شيئا حتى تشتريه وتملكه أولا؛ لما روى النسائي (4613) وأبو داود (3503) والترمذي (1232) عن حكيم بن حزام قال: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَأْتِينِي الرَّجُلُ فَيَسْأَلُنِي الْبَيْعَ لَيْسَ عِنْدِي أَبِيعُهُ مِنْهُ ثُمَّ أَبْتَاعُهُ لَهُ مِنْ السُّوقِ قَالَ: (لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ) والحديث صححه الألباني في صحيح النسائي. فليس لك أن تعقد معهم البيع، حتى تشتري السلعة أولا، وتقبضها إليك. وأما إن كنت وكيلا لهم في الشراء فقط، فليس لك أن تزيد شيئا في ثمن السلعة، بل كل ما تحصل عليه من هدايا أو تخفيض فهو راجع لهم؛ لأن الوكيل مؤتمن، وما يربحه يرجع إلى موكله. وينظر: سؤال رقم (36573) . فإذا أردت أن تربح عليهم فأخبرهم أن النوع الفلاني من العطور يمكن أن تبيعه لهم ب 45 أو ب 50، أو تسأل عن النوع الذي يرغبون فيه، ثم تحدد لهم ثمنه، فإن رغبوا اشتريته وبعته عليهم، ولا يلزمك إخبارهم بالثمن الذي تشتريه به، لكن يجب أن يعلموا أنك بائع، وليس وكيلا عنهم، كما سبق. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112008 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5000 بيع السلعة واشتراط أنه غير مسئول عنها إذا كانت معيبة [السُّؤَالُ] ـ[عندي صيدلية وأحيانا ينقص أصناف من الدواء ويزيد سعره، فيقوم بعض الناس بجلبه من صيدليات دولة مجاورة عن طريق السيارة الخاصة، أو الحقيبة الشخصية، كميات محدودة، ولكن تكون سببا في حل الأزمة، وتخفيض السعر، ولا نعلم ما إذا تعرض لحرارة أو رطوبة، والمشترى يعلم أن هذا الصنف غير موجود في البلاد، وأنه مجلوب بهذه الطريقة، ويبحث عنه ويشتريه، والغالب أنه يكون جيدا وفعالا بحكم التجربة، والإقبال عليه مرارا من نفس الزبون، ونادرا ما يكون فاسدا، ويذكر لنا الزبون ذلك، فهل يلحقنا إثم بهذا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب على كلٍّ من البائع والمشتري أن يكون صادقاً، وهذا الصدق سببٌ من أسباب حصول البركة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا) رواه البخاري (2110) ومسلم (1532) . فإن علم البائع أن في السلعة عيباً فيجب عليه إخبار المشتري به، ولا يجوز له كتمانه، وغش المشتري، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا) رواه مسلم (101) . وإذا اشترى الإنسان شيئاً فوجده معيباً جاز له رده إلى بائعه، ووجب على البائع قبوله، ولا يجوز رفضه، سواء كان البائع عالماً بالعيب أم لم يكن عالماً. لكن.. اختار أكثر العلماء – وهو الصحيح - أنه يجوز للبائع أن يشترط على المشتري أنه غير مسئول عن أي عيب في السلعة المبيعة، فإذا رضي المشتري واشتراها على ذلك ثم وجد بها عيباً، فليس له أن يطالب بردها، لأنه دخل في الأمر على بصيرة، وهو الذي رضي بإسقاط حق نفسه، ولكن يشترط هنا أن لا يكون البائع عالماً بالعيب ثم يشترط ذلك على المشتري، لأن هذا يعتبر غشاً وخديعة للمشتري. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والصحيح في مسألة البيع بشرط البراءة من كل عيب، والذي قضى به الصحابة وعليه أكثر أهل العلم: أن البائع إذا لم يكن يعلم بذلك العيب فلا رد للمشتري" انتهى من "الاختيارات" (ص 124) . وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: "والصحيح في هذه المسألة ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية: وهو: إن كان البائع عالماً بالعيب فللمشتري الرد بكل حال، سواء شرط مع العقد، أو قبل العقد، أو بعد العقد. وإن كان غير عالم فالشرط صحيح، سواء شرط قبل العقد، أو مع العقد، أو بعد العقد. وما ذهب إليه شيخ الإسلام هو الصحيح، وهو المروي عن الصحابة رضي الله عنهم، وهو الذي يمكن أن تمشي أحوال الناس عليه؛ لأنه إذا كان عالماً بالعيب، فهو غاش خادع، فيعامل بنقيض قصده، بخلاف ما إذا كان جاهلاً، كما لو ملك السيارة قريباً، ولا يدري بالعيوب التي بها وباعها واشترط البراءة، فالشرط صحيح" انتهى. من "الشرح الممتع" (8/256، 257) . وعلى هذا؛ فالذي يظهر لنا أنه ينبغي لك أن تبين للمشتري أن هذا الدواء مجلوب من بلدة مجاورة. وهناك احتمال أن يكون قد فسد أو ضعفت فاعليته، ونحو ذلك، وتكون صادقا في ذكر هذا للمشتري، ثم تشترط عليه أنه إذا وجده معيباً فإنك غير ملزم برده، فإن اشتراه على ذلك ورضي، فلا حرج عليك، حتى لو وجده معيبا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112105 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5001 وهبته الدولة أرضاً للانتفاع بها دون بيعها فباع جزء منها فماذا يجب على الورثة؟ [السُّؤَالُ] ـ[حصل والدي على منحة عبارة عن أرض استثمارية من الدولة، وليست ملكاً له، قبل 30 عاماً - للعلم في قانون الدولة تصبح الأرض باسم والدي، ولكن متى أرادت الدولة استردادها تستردها، وهناك عقد يجدد كل 30 عاماً -، وبعد 15 سنة تقريباً من المنحة باع والدي نصف الأرض لشخص آخر، والشخص الآخر يعلم بأن الأرض هي منحة، ولا يسمح في قانون الدولة أن تباع أو تؤجر، وبعدها توفي والدي في عام 2002 م، وفي هذا العام ينتهي العقد القديم، ويجب تحديثه، وقد تم نقل اسم الأرض من اسم والدي إلى اسم الورثة بعد وفاته، والآن الورثة يريدون أن يعلموا: هل للطرف الآخر حق في هذه الأرض أم يلغى عقد البيع؟ مع العلم أنه عندما سأل إخوتي – أي: الطرف الآخر – قال: إنه حتى لو تم تبديل الأرض بأرض أخرى فهو له الحق بها، وهل هناك إثم على والدي لأنه باع مع علمه أنه لا يجوز بيعها؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لم يكن لوالدكم الحق في أن يتصرف في الأرض، ولا بجزء منها، بيعاً، ولا تأجيراً، كما ذكرتم أنه قانون الدولة، ولم يكن يحل له مخالفته؛ لأنهم أذنوا له بالانتفاع بالأرض دون تملكها، والبيع والتأجير فرع عن التملك. والأصل وجوب الالتزام بالشرط الذي بينه وبين الدولة، حيث مكَّنته من الانتفاع بها دون بيعها أو تأجيرها، وهو شرط مُلزم. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِم) رواه أبو داود (3594) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ". وفي " الموسوعة الفقهية " (35 / 238) : "قد يُلزم الإنسان نفسه بأمرٍ، فيلزمه ذلك شرعاً، إن لم يخالف الشّرع , بمعنى: أنّ الشّرع جعل التزامه سبباً للزوم , ومن ذلك: أ. العقد , فإذا عقدا بينهما عقداً: لزمهما حكمه , كعقد البيع مثلاً، يلزم به انتقال ملكيّة المبيع إلى المشتري , وملكيّة الثّمن إلى البائع , وكعقد الإجارة يلزم به الأجير العمل , ويلزم المستأجر الأجرة. ومن هذا القبيل أيضاً: كل شرطٍ صحيحٍ التزمه العاقد في العقد , فيلزمه؛ وذلك لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ) , وقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: (المسلمون على شروطهم) " انتهى. وإذا كان المشتري يعلم أنها ليست ملكاً لوالدكم – كما ذكرتم – فلا يجوز له شراؤها. قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: "إذا تيقن الإنسان من كون السلعة المعروضة للبيع أنها مسروقة، أو مغصوبة، أو أن مَن يعرضها لا يملكها ملكاً شرعيّاً، وليس وكيلاً في بيعها: فإنه يحرم عليه أن يشتريها؛ لما في شرائها من التعاون على الإثم والعدوان، وتفويت السلعة على صاحبها الحقيقي؛ ولما في ذلك من ظلم الناس، وإقرار المنكر، ومشاركة صاحبها في الإثم، قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/ 2" انتهى. " فتاوى اللجنة الدائمة " (13 / 82) . وأما بالنسبة لما وقع، وكيفية إنهاء هذا النزاع، فيرجع في ذلك إلى القضاء، لأن الحكم في مثل هذا النزاع يحتاج إلى معرفة تفاصيل ما وقع، ومعرفة تفاصيل القانون الذي به تعطي الدولة لبعض مواطنيها هذه المنحة. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111335 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5002 لم يسجل بيع الأرض فرارا من الضرائب المفروضة [السُّؤَالُ] ـ[أعجبتني أرض في بلدي (عن طريق سمسار) وأردت شراءها بالأقساط لعدم توفر كامل السعر، ورفض صاحب الأرض التقسيط، فعرض علي السمسار أن يشتريها هو ثم يقسطها علي فوافقت، فدفع السمسار قيمة الأرض كاملة إلى صاحبها ثم باعني إياها ولكن الذي تنازل لي عن الأرض إنما هو صاحبها الأول وليس السمسار، والسبب أنه حسب قوانين بلدنا في بيع الأراضي أنه يجب دفع قيمة عشرة بالمائة للدولة من قيمة الأرض فلو أن صاحب الأرض الأول تنازل رسميا إلى السمسار ثم تنازل السمسار لي رسميا لكان ما سوف أدفعه للدولة حوالي 95 ألف ريال أما الذي حصل في حالتنا أن السمسار دفع ثمن الأرض وأجل حقه في التنازل حتى يجد مشترياً (وهو أنا في حالتي) فكان المبلغ الذي دفعناه للدولة 45 ألف ريال، يا شيخنا الفاضل أعلم أن بيع ما ليس عندك غير جائز، ولكن هذا يحدث كثيرا في بلدنا بسبب هذه الضرائب التي يفرضونها علينا وقد حددتها لك في حالتي حتى تعلم مقدار ما يسلبونه منا، لقد تم التنازل الأول عن الأرض عرفا وليس قانونا والسبب محاولة تجنب المكس، والسمسار لم يزد علي في سعر الأرض في البيع الثاني وإنما قسطها علي بسعر النقد (الكاش) . هل ما فعلناه يحرم أم نحن معذورون لتجنب رسوم الدولة؟ وإذا كان جوابك بأننا أثمنا فأرجوك النصيحة، هل أتخلص من الأرض؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: ما قام به السمسار من شراء الأرض نقداً، ثم بيعها عليك بالتقسيط، معاملة صحيحة لا شيء فيها، ولا يشترط لصحة البيع تسجيله أو كتابته، بل إذا تم الإيجاب والقبول، وخلى المالك الأرض، فأخذها السمسار ثم باعها عليك، فقد باع ما يملك، والحمد لله. وللسمسار في هذه المسألة أن يبيع الأرض بثمن مقسط أعلى من ثمنها نقداً، وقد أحسن في عدم الزيادة عليك. ثانيا: يحرم أخذ المكوس على الأراضي وغيرها، ويشرع التخلص منها بكل وسيلة مباحة لا يترتب عليها مفسدة أعظم. فشراؤك للأرض صحيح ولا حرج عليك فيه إن شاء الله. وينظر جواب السؤال رقم (82111) ورقم (39461) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 110763 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5003 يريد أن يترك وظيفته في الشركة ليفتح شركة مشابهة [السُّؤَالُ] ـ[أعمل موظفا في شركة وساطات تجارية في الصين منذ أربع سنوات، ومبدأ عملنا هو الترجمة، وجمع البضائع، وإرسالها للتجار الذين يأتون إلينا من مختلف أقطار العالم، مقابل عمولة معينة تحتسب كنسبة من مشتريات التاجر، وقد لا يخلو عملنا في هذه الشركة من مضرة لبعض التجار، كتأخير وأخطاء في البضاعة. قبل فترة طلبت من صاحب الشركة زيادة في الراتب، ولكن اختلفنا، فقررت ترك الشركة وفتح شغل بنفس المجال في نفس المدينة، ولا أخفي عليكم إمكانية أن يأتي للعمل معي في شركتي من التجار الذين يعملون في الشركة التي كنت أعمل بها. 1- ما مدى شرعية عملنا هذا بما فيه من ضرر للزبائن، وما هي مسؤوليتي الشرعية، وكيف أصلح ذلك؟ 2- هل يجوز لي فتح شركة بنفس المكان؟ 3- بالنسبة للتجار- من الشركة القديمة- الذين يأتون للعمل معي، ما هي الطريقة الشرعية الصحيحة للتعامل معهم، مع العلم أن معرفتي بهم كانت عن طريق الشركة القديمة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا نرى مانعا من فتح الشركة الخاصة بك في نفس المكان، ولكن بشرطين اثنين: 1- ألا يكون سعيكم متعمدا للإضرار بالشركات الأخرى، وخاصة الشركة التي عملت فيها سابقا. 2- ألا تبيعوا على بيع الآخرين، ولا تشتروا على شرائهم، ولا تعقدوا على عقودهم: فإذا كانت الشركة الأولى التي عملتم بها سابقا متعاقدة مع جهات وأطراف أخرى، فلا يجوز لكم أن تعرضوا على أولئك التجار فسخ عقودهم لإنشاء عقود جديدة معكم، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيع المسلم على بيع أخيه. ويقاس عليه في المنع جميع العقود أيضا. فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضى الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لاَ يَبِيعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ) رواه البخاري (2139) ومسلم (1412) . أما إذا فسخ التجار عقودهم بأنفسهم، أو انتهت مدتها مع الشركة التي كنت تعمل فيها، ورغبوا – من تلقاء أنفسهم – في التعاقد معكم: فلا حرج عليك حينئذ، ولا تقع في النهي إن شاء الله تعالى، مع الحرص على اختيار البضائع المباحة، وألا يكون فيها شيء من المحرمات أو التي تعين على الحرام. وأما مسؤوليتك تجاه الإضرار ببعض التجار بسبب تأخير البضاعة أو بعض الأخطاء، فلا نستطيع الإجابة عنه حتى نعرف طبيعة الاتفاق بينكم وبين التجار. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109486 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5004 يجب على البائع أن يبين للمشتري العيوب التي بالسلعة [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أبيع موبايل وبه عيب، فهل يجب علي أن أقول للمشتري (إن لم يسألني) عن عيبه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب على البائع أن يبين العيوب التي بالسلعة، التي تنقص من الرغبة فيها، وتنقص قيمتها. وقد تضافرت الأدلة الشرعية على ذلك، فعَنْ وَهْبِ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ بَاعَ مِنْ أَخِيهِ بَيْعًا وَفِيهِ عَيْبٌ إلَّا بَيَّنَهُ لَهُ) رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1321) . وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِرَجُلٍ يَبِيعُ طَعَامًا، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ فَإِذَا هُوَ مَبْلُولٌ، فَقَالَ: (مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا) رَوَاهُ مسلم (101) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 108595 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5005 إذا أخذ كوبونا هدية فهل له أن يبيعه قبل القبض؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا أعطت الشركة لموظفيها كوبونات، لشراء سلع بقيمة معينة، فهل يجوز بيع الكوبون بأقل من قيمته؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الكوبون الذي يخوّل حامله شراء سلع من مكان محدد، يعتبر سندا أو صكا بقدر معين من السلع، ولا يعتبر سندا بالنقود، وعليه فلا يجري في هذا الكوبون أحكام التعامل بالنقود، وإنما ينظر إليه باعتبار ما يمثله من سلع. ثانيا: بيع هذه الكوبونات التي تمثل سلعاً من الطعام أو الكساء أو غير ذلك، فيه تفصيل: إذا كانت الكوبونات مأخوذة بعقد معاوضة، كأن يشتريها إنسان بثمن ما ممن أخذها من الشركة، ثم يريد بيعها، فلا يجوز له بيعها حتى يقبض هو السلع ثم يبيع السلع إن شاء، لأن بيع الشيء قبل قبضه لا يجوز. قال صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام: (إذا اشتريت مبيعا فلا تبعه حتى تقبضه) رواه أحمد (15399) والنسائي (613) وصححه الألباني في صحيح الجامع (342) . وأخرج أبو داود (3499) عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه (نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم) حسنه الألباني في صحيح أبي داود. وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه) رواه البخاري (2132) ومسلم (1525) ، وزاد: قال ابن عباس: (وأحسب كل شيء مثله) . أي: لا فرق بين الطعام وغيره في ذلك. أما إذا كانت الكوبونات مأخوذة بغير معاوضة، كأن تكون هدية من الشركة لموظفيها، فقد اختلف العلماء في جواز بيعها قبل قبض السلع المستحقة بها. فروى مسلم (2818) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ لِمَرْوَانَ: أَحْلَلْتَ بَيْعَ الرِّبَا! فَقَالَ مَرْوَانُ: مَا فَعَلْتُ. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَحْلَلْتَ بَيْعَ الصِّكَاكِ، وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يُسْتَوْفَى. فَخَطَبَ مَرْوَانُ النَّاسَ فَنَهَى عَنْ بَيْعِهَا. قَالَ سُلَيْمَانُ: فَنَظَرْتُ إِلَى حَرَسٍ يَأْخُذُونَهَا مِنْ أَيْدِي النَّاسِ. ورواه مالك في الموطأ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ صُكُوكًا خَرَجَتْ لِلنَّاسِ فِي زَمَانِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ مِنْ طَعَامِ الْجَارِ، فَتَبَايَعَ النَّاسُ تِلْكَ الصُّكُوكَ بَيْنَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفُوهَا، فَدَخَلَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَرَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، فَقَالَا: أَتُحِلُّ بَيْعَ الرِّبَا يَا مَرْوَانُ! فَقَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ، وَمَا ذَاكَ؟ فَقَالَا: هَذِهِ الصُّكُوكُ تَبَايَعَهَا النَّاسُ ثُمَّ بَاعُوهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفُوهَا، فَبَعَثَ مَرْوَانُ الْحَرَسَ يَتْبَعُونَهَا يَنْزِعُونَهَا مِنْ أَيْدِي النَّاسِ، وَيَرُدُّونَهَا إِلَى أَهْلِهَا. (الجار) مكان بساحل البحر الأحمر، كان يجمع فيه الطعام. واختلف في المراد بهذا الحديث على قولين: الأول: أن من أخذ الصكاك له أن يبيعها قبل قبضها، لأنه لم يأخذها بمعاوضة، بل عطية من بيت المال، وأما من اشتراها منه فليس له أن يبيعها إلا بعد قبض الطعام. والثاني: أن الجميع ممنوعون من بيعها قبل قبضها. وإلى الأول ذهب المالكية والشافعية، فأجازوا أن يبيع الإنسان ما ملكه بغير معاوضة، كالهبة والوصية والميراث، ولو لم يقبضه. وإلى الثاني ذهب غيرهم، ومنهم الإمام أحمد رحمه الله، فقد نص على كراهيته وقال: هو شيء مغيب لا يدري أيصل إليه أم لا؟ انظر: "المنتقى للباجي" (4/284) ، "حاشية الدسوقي" (3/151) ، "القواعد لابن رجب" ص (84) ، "المهذب مع المجموع" (9/328) . قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: " الصِّكَاكَ جَمْع صَكّ وَهُوَ الْوَرَقَة الْمَكْتُوبَة بِدَيْنٍ , وَالْمُرَاد هُنَا الْوَرَقَة الَّتِي تَخْرُج مِنْ وَلِيّ الْأَمْر بِالرِّزْقِ لِمُسْتَحِقِّهِ، بِأَنْ يَكْتُب فِيهَا: لِلْإِنْسَانِ كَذَا وَكَذَا مِنْ طَعَام أَوْ غَيْره، فَيَبِيع صَاحِبهَا ذَلِكَ لِإِنْسَانٍ قَبْل أَنْ يَقْبِضهُ. وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي ذَلِكَ ; وَالْأَصَحّ عِنْد أَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ جَوَاز بَيْعهَا. وَالثَّانِي: مَنْعهَا. فَمَنْ مَنَعَهَا أَخَذَ بِظَاهِرِ قَوْل أَبِي هُرَيْرَة وَبِحُجَّتِهِ. وَمَنْ أَجَازَهَا تَأَوَّلَ قَضِيَّة أَبِي هُرَيْرَة عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِي مِمَّنْ خَرَجَ لَهُ الصَّكّ بَاعَهُ لِثَالِثٍ , قَبْل أَنْ يَقْبِضهُ الْمُشْتَرِي فَكَانَ النَّهْي عَنْ الْبَيْع الثَّانِي لَا عَنْ الْأَوَّل , لِأَنَّ الَّذِي خَرَجَتْ لَهُ مَالِك لِذَلِكَ مِلْكًا مُسْتَقِرًّا وَلَيْسَ هُوَ بِمُشْتَرٍ فَلَا يَمْتَنِع بَيْعه قَبْل الْقَبْض , كَمَا لَا يَمْتَنِع بَيْعه مَا وَرِثَهُ قَبْل قَبْضه. قَالَ الْقَاضِي عِيَاض بَعْد أَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى نَحْو مَا ذَكَرْته: وَكَانُوا يَتَبَايَعُونَهَا ثُمَّ يَبِيعهَا الْمُشْتَرُونَ قَبْل قَبْضهَا فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ " انتهى. وقال الشيرازي في "المهذب" (9/328) : " ولا يجوز بيع ما لم يستقر ملكه عليه , كبيع الأعيان المملوكة بالبيع والإجارة والصداق , وما أشبهها من المعاوضات قبل القبض لما روي أن حكيم بن حزام قال: يا رسول الله إني أبيع بيوعا كثيرة فما يحل لي منها مما يحرم؟ قال: (لا تبع ما لم تقبضه) ولأن ملكه عليه غير مستقر ; لأنه ربما هلك فانفسخ العقد , وذلك غرر من غير حاجة فلم يجز ... فأما ما ملكه بغير معاوضة كالميراث والوصية أو عاد إليه بفسخ عقد , فإنه يجوز بيعه قبل القبض , لأن ملكه عليه مستقر فجاز التصرف فيه كالمبيع بعد القبض " انتهى. ومما يرجح القول بالجواز: ما رواه عبد الرزاق في مصنفه (131) عن الزهري أن ابن عمر وزيد بن ثابت كانا لا يريان بأسا بشرى الرزق إذا أخرجت القطوط , وهي الصكاك , ويقولون: لا تبعه حتى تقبضه. فهذا يرجح الاحتمال الأول، وهو أن النهي لا يلحق من أخذ الصك ثم باعه قبل قبضه، بل النهي متوجه لمن اشترى منه، فليس له أن يبيعه حتى يقبضه. ولكن يبقى أمر آخر، وهو أن الكوبون بالسلع فيه نوع من الجهالة، من جهة عدم تحديد السلع التي تؤخذ به، والذي يظهر أنها جهالة مغتفرة؛ لأن السلع محدودة بقدر معين من المال، فمآلها إلى العلم. وخلاصة الجواب: أنه يجوز لمن أخذ الكوبون هديةً من الشركة، أن يبيعه على غيره بأزيد أو أقل من قيمته، وأما من اشتراه منه، أو كان أخذه من الشركة أجرةً على عمله فليس له أن يبيعه على ثالثٍ حتى يقبض السلع. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 108358 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5006 هل يبيع السلعة لمن يسدد الثمن بشيك من بنك ربوي [السُّؤَالُ] ـ[أعمل في مؤسسة بيع مواد كهرباء مندوب مبيعات وعندما أقوم ببيع العميل نقداً، يقدم لي شيكا مصرفيا وكل عميل يكتب شيكا من بنك مختلف، إما ربوي أو غير ربوي، ثم أعطي هذا الشيك إلى قسم المحاسبة وهم يقومون بإجراءات التحويل إلى حساب المؤسسة في بنكها المعتمد، وسؤالي: هل تعاملي بهذه الشيكات يعتبر مساهمة وإعانة على استمرار الربا في هذه البنوك وأكل أموال الناس بالباطل وتقوية للبنوك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج في تقاضي الثمن من المشتري بواسطة الشيك، ولو كان من بنك ربوي، ولا حرج من التعامل من البنوك الربوية لضرورة حفظ المال إذا لم يوجد بنك إسلامي شرط أن يكون وضع المال في تلك البنوك من غير فوائد وانظر جواب السؤال رقم (22392) . ومبايعة من يتعامل بالربا أو يودع أمواله في البنوك الربوية، جائزة؛ ويدل على الجواز ما ثبت من تعامل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مع اليهود في المدينة، وهم كما ذكر الله تعالى يأكلون السحت ويأخذون الربا. فهذا العميل المتعامل بالربا، يجوز أن تبيع له، ولو كان يدفع الثمن من حسابه الربوي، أو بقرض يأخذه من البنك الربوي. وإعطاء الشيك للمحاسبة، وتحويل ما فيه إلى المؤسسة أو البنك المعتمد لدى المؤسسة، لا يعتبر من كتابة الربا، بل هو كتابة وتسجيل للثمن الذي أخذ بوجه مباح مشروع، فلا فرق بين أن يدفع المشتري الثمن نقدا، أو عن طريق الشيك. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " يجوز للإنسان أن يتعامل مع شخص يتعامل بالربا، لكن معاملته إياه بطريق سليم، فمثلا يجوز أن يشتري من هذا الرجل المرابي إن اشتري منه سلعة بثمن، ويجوز أن يستقرض منه ولا حرج؛ فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يعامل اليهود مع أنهم أكالون للسحت، فقد قبل هديتهم، وقد قبل دعوتهم، وقد باع واشترى منهم صلى الله عليه وسلم، قبل هديتهم في قصة المرأة اليهودية التي أهدت إليه شاة يوم فتح خيبر، وأجاب دعوتهم حين أجاب دعوة غلام يهودي في المدينة، واشترى منهم فقد اشترى صلى الله عليه وسلم طعاما لأهله من يهودي ورهنه درعه، أي أعطاه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم درعه رهناً، ومات ودرعه مرهونة. والخلاصة: أن من كان يكتسب الحرام وتعاملت معه معاملة مباحة لا حرج عليك فيها " انتهى من "فتاوى نور على الدرب". والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 104242 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5007 حكم بيع رصيد مكالمات قيمته 10 جنيهات ب 12 جنيها [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم تحويل رصيد مكالمات للجوال فالبائع يحول لك رصيد 10 جنيهات مقابل 12 جنيه سمعنا أنه ربا فما الحكم في ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز لمن ملك رصيدا من الاتصال أن يبيعه على غيره، بمثل قيمته أو أقل أو أكثر، لأن هذا من بيع المنافع، وليس بيع مال بمالٍ حتى يشترط فيه التساوي. فالبائع أو صاحب الرصيد ملك منفعة الاتصال التي تقدر قيمتها ب 10 جنيهات، ويجوز له أن يبيعها ب 12 جنيها، ولا حرج في ذلك، وهذا ينطبق أيضا على بيع كروت الشحن، فيجوز لمن ملك كرتا قيمته 100 أن يبيعه بأكثر أو أقل. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103185 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5008 شراء مشروبات غازية من إنتاج شركة تصنع الخمر [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز استهلاك مشروبات غازية تعَبئ من قبل شركة تنتج المشروبات الكحوليّة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن كانت هذه المشروبات لا تخالط شيئا من الخمر - وهذا هو الظاهر - فإنه لا مانع من شرائها واستهلاكها، لأنها والحالة هذه طاهرة منتفع بها، ولا يمنع صحة البيع كون الشركة المنتجة تصنع أشياء محرمة كالخمر، لكن إن أمكن اجتناب شراء منتجات هذه الشركة فهو أفضل، فقد يكون ذلك سببا لتركها تصنيع الخمر. والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103066 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5009 حُكم الشراء بالتقسيط وذِكر بعض المحاذير في هذه المعاملة [السُّؤَالُ] ـ[اشترى أخي قطعة أرض ثمنها الأصلي: 22000، من نقابة المهندسين، وقد أخذ شريحة تقسيط شهرية حسب دخله، وهي ما مقداره 407 دينار شهري - عند دخوله هذه الشريحة يصبح ثمن الأرض 27451 - يعني يحق لكل مهندس بالنقابة أن يدخل بأي شريحة تقسيط يختارها حسب دخله الشهري - كلما زاد القسط الشهري قلَّ سعر الأرض - مع العلم أنهم حددواً أشكال الدفعة الأولى وقيمة كل قسط، بناءً على الدفعة، ويُعطى المهندس التنازل عن الأرض عند سداد آخر قسط، ما رأيكم في هذا؟ هل يدخل بالحرام والربا أم ماذا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان النقابة تمتلك الأرض فعلاً، فلا حرج في عرضهم تلك القطع للبيع بأسعار مختلفة بحسب اختلاف الدفعة الأولى، والأقساط الشهرية، والمهم في بيع التقسيط في هذه الحال أمور، وهي: 1. أن تكون النقابة مالكةً لما تبيعه للمهندسين من الأراضي، ولا يشتريها أحد منهم بما يسمى " مرابحة "؛ لأنها حيلة على التعامل بالربا. وانظر جواب السؤال رقم: (36408) . 2. أن لا يتم بيع تلك القطع من الأراضي عن طريق البنوك الربوية، وهو ما يفعله كثير من التجار والمؤسسات، حيث يتم دفع ثمن المبيع كاملاً من قبَل البنك، ويتم تقسيط المبلغ بزيادة للبنك الربوي من قبَل المشتري. سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: اشترى رجل بضاعة من بائع، واتفق معه على مدة للأداء شهر أو شهرين، ووقع المشتري للبائع ورقة تسمى: (كمبيالة) يعين فيها ثمن الشراء ووقت الأداء واسم المشتري، وبعد ذلك يبيع البائع الكمبيالة للبنك، ويسدد البنك قيمة (الكمبيالة) مقابل ربح يأخذه من البائع، فهل هذا حلال أو حرام؟ . فأجابوا: " شراء بضاعة لأجل معلوم بثمن معلوم: جائز، وكتابة الثمن مطلوبة شرعاً؛ لعموم قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) الآية، أما بيع الكمبيالة للبنك بفائدة يدفعها البائع للبنك مقابل تسديده المبلغ للبائع، ويتولى البنك استيفاء ما في الكمبيالة من مشتري البضاعة: فحرام؛ لأنه ربا " انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. " فتاوى اللجنة الدائمة " (13 / 370، 371) . 3. أن يتم الاتفاق على السعر النهائي لقطعة الأرض، ومقدار القسط قبل التفرق من مجلس العقد فإن تفرقا قبل الاتفاق على ذلك فـ " هو بيع فاسد عند أكثر أهل العلم؛ لأنه لا يدري أيهما جعل الثمن " قاله البغوي في شرح السنة. وانظر " تحفة الأحوذي " (4 / 357، 358) . 4. أن لا تفرض النقابة على المشترين غرامة مالية في حال تأخرهم عن دفع شيء من الأقساط، لأن هذه الغرامة ربا صريح. وانظر جواب السؤال: (13709) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 102839 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5010 حكم بيع الماء [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم بيع الماء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله بيع الماء لا يخلو من حالتين: الحال الأولى: أن يكون الماء في بئر أو نهر عام ليس ملكاً لأحد، فهذا لا يجوز بيعه؛ لما روى أبو داود (3477) أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: فِي الْكَلَإِ وَالْمَاءِ وَالنَّارِ) صححه الحافظ في "التلخيص". قال في "عون المعبود" َ: " الْمُرَاد الْمِيَاه الَّتِي لَمْ تَحْدُث بِاسْتِنْبَاطِ أَحَد وَسَعْيه كَمَاءِ َالْآبَار وَلَمْ يُحْرَز فِي إِنَاء أَوْ بِرْكَة أَوْ جَدْوَل مَأْخُوذ مِنْ النَّهَر، وَالْكَلَأ: وَهُوَ النَّبَات رَطْبه وَيَابِسه. قَاَلَ الْخَطَّابِيّ: مَعْنَاهُ الْكَلَأ الَّذِي يَنْبُت فِي مَوَات الْأَرْض يَرْعَاهُ النَّاس لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَخْتَصّ بِهِ دُون أَحَد أَوْ يَحْجُرهُ عَنْ غَيْره، وَأَمَّا الْكَلَأ إِذَا كَانَ فِي أَرْض مَمْلُوكَة لِمَالِك بِعَيْنِهِ فَهُوَ مَال لَهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُشْرِكهُ فِيهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ اِنْتَهَى. وَقَالَ السِّنْدِيُّ: وَقَدْ ذَهَبَ قَوْم إِلَى ظَاهِره فَقَالُوا: إِنَّ هَذِهِ الْأُمُور الثَّلَاثَة لَا تُمْلَك وَلَا يَصِحّ بَيْعهَا مُطْلَقًا , وَالْمَشْهُور بَيْن الْعُلَمَاء أَنَّ الْمُرَاد بِالْكَلَأِ هُوَ الْكَلَأ الْمُبَاح الَّذِي لَا يَخْتَصّ بِأَحَدٍ , وَبِالْمَاءِ مَاء السَّمَاء وَالْعُيُون وَالْأَنْهَار الَّتِي لَا تُمْلَك , وَبِالنَّارِ الشَّجَر الَّذِي يَحْتَطِبهُ النَّاس مِنْ الْمُبَاح فَيُوقِدُونَهُ , فَالْمَاء إِذَا أَحْرَزَهُ الْإِنْسَان فِي إِنَائِهِ وَمِلْكه يَجُوز بَيْعه وَكَذَا غَيْره " انتهى بتصرف. الحال الثانية: أن يكون الماء في ملك الشخص، وهو الذي أخرجه وحازه في ملكه، فهذا يجوز له أن يبعه. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (8/140) : " أما إذا ملكه وحازه وأخرجه ووضعه في البركة، فإنه يجوز بيعه؛ لأنه صار ملكاً له بالحيازة " انتهى. وقد سئل الشيخ الفوزان حفظه الله: هل يجوز بيع الماء ومتى؟ فأجاب: " في ذلك تفصيل: إذا كان حاز الماء في وعائه أو بركته فإنه يملكه ويجوز له أن يبيعه؛ لأنه حازه واستولى عليه وتعب في تحصيله، فصار ملكًا له. أما إذا كان الماء باقيًا في البئر أو في النهر أو في المجرى الذي يجري في ملكه فهذا فيه خلاف بين أهل العلم، والصحيح أنه لا يجوز له بيعه، بل يكون هو أولى بالانتفاع به من غيره، وليس له أن يمنع الآخرين من الانتفاع به انتفاعًا لا يضره هو ولا يضر في ملكه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع فضل الماء " انتهى. "المنتقى" (3/13) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 102609 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5011 حكم السندات ذات الكوبون الصفري والمحمية من التضخم [السُّؤَالُ] ـ[ما هي أنماط الدخل الثابت التي تتفق مع مبادئ الشريعة الإسلامية وذلك في حال وجود أنماط تتفق مع تلك المبادئ؟ وهل تتفق سندات الكوبونات المالية الحالية معها؟ وما هو حكم سندات الخزائن المالية المحمية من التضخم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: أباح الله عز وجل البيع وحرم الربا، فأباح للناس تقليب أموالهم لطلب الربح بكل صور الاستثمار إذا خلت تلك الاستثمارات من الربا أو بيع الحرام وخلت من الغرر والظلم، فقال سبحانه وتعالى: (وَأَحَلَّ اللهُ البَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) البقرة/275. قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله عند تفسير الآية: "وأحل الله البيع لما فيه من عموم المصلحة وشدة الحاجة وحصول الضرر بتحريمه، وهذا أصل في حل جميع أنواع التصرفات الكسبية حتى يرد ما يدل على المنع" انتهى. وقال سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) النساء/29. فأنواع التجارات الأصل فيها الحل والإباحة إلا إذا تضمنت أكل أموال الناس بالباطل، فإنها تحرم حينئذ. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (29/23) وهو يتكلم عن العقود: "والأصل في ذلك أن الله حرم في كتابه أكل أموالنا بيننا بالباطل، وذم الأحبار والرهبان الذين يأكلون أموال الناس بالباطل، وذم اليهود على أخذهم الربا وقد نهوا عنه، وأكلهم أموال الناس بالباطل، وهذا يعم كل ما يؤكل بالباطل في المعاوضات، والتبرعات، وما يؤخذ بغير رضا المستحق والاستحقاق. وأكل المال بالباطل في المعاوضة نوعان ذكرهما الله في كتابه هما: الربا والميسر" انتهى. ومن الحِكَم التي ذكرها أهل العلم في تحريم الربا: أن الربا يمنع الناس من الاشتغال بالمكاسب، لأن المرابي يحصل على المال من غير تعب ولا مشقة، فلا يكاد يتحمل مشقة الكسب والتجارة والصناعة، وذلك يفضي إلى انقطاع منافع الخلق التي لا تحصل إلا بالتجارة والحرف والصناعة والزراعة. ولا يوجد في الشريعة الإسلامية عقد يبيح للشخص أن يدفع نقوده لآخر ليأتيه بها بعد مدة وعليها ربح مضمون، فإن هذا ـ وإن سماه الناس بما أسموه ـ فإنه حرام باتفاق أهل العلم، وهو إما صورة من صور الربا، أو صورة من صور المشاركات الفاسدة المحرمة. ومن هذا القبيل (الربا) : الاستثمار في السندات بأنواعها، ما دامت تعني أن يدفع المستثمر مبلغاً معيناً لجهة ما، وتلتزم تلك الجهة برد ذلك المبلغ مع فائدة منسوبة إليه، أو نفع مشروط، وبهذا صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي الذي سنذكره لاحقاً. ومن هذه السندات المحرمة: ما يسمى بالسند ذي الكوبون الصفري، وحقيقة هذا النوع من السندات بينها الباحثون في مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، إذ جاء في "مجلة المجمع " (21/43) في مناقشة موضوع الأسواق المالية: "الكوبون الصفري هو ذلك المثال الذي تصدر فيه القيمة الاسمية بـ 1000 فيباع بـ 950 ويدفع المُصْدِر 1000 عند الاستحقاق، ولا تدفع عليه فوائد خلال المدة، ويستفيد أصحابها من الفروق باعتبارها خصماً لهذه السندات" انتهى. وإذا تبين هذا؛ فإن هذا النوع من السندات كغيره من السندات الأخرى التي تعني إقراض مبلغ بشرط أن يُرَدَّ بزيادة، وإن سمي بغير ذلك. ومثل ذلك أيضاً: السندات المحمية من التضخم، وهي سندات تتغير قيمتها الاسمية حتى تتماشى مع واقع التضخم، وهذا معناه أنها ستزيد بزيادة نسبة التضخم، وهذا أيضاً من الربا، لأن فيه اشتراط زيادة على القرض، لكن هذه الزيادة هنا غير محددة. وإذا علمنا حقيقة السندات المحرمة، وسبب تحريم الشرع لها سهل علينا معرفة حكم ما يظهر من أسماء جديدة للسندات، إذ أشكال السندات لا تنتهي، بل كما يقول الباحثون في هذا الشأن: تكاد أبصارنا تقع كل يوم على نوع جديد وابتكار جديد في الأوراق المالية. وقد صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي بَيَّنَ حكم السندات، وما هو البديل الإسلامي عنها، إذ جاء في قراره رقم (60/11/6) : "بعد الاطلاع على أن السند شهادة يلتزم المُصْدِر بموجبها أن يدفع لحاملها القيمة الاسمية عند الاستحقاق مع دفع فائدة متفق عليها منسوبة إلى القيمة الاسمية للسند، أو ترتيب نفع مشروط، سواء أكان جوائز بالقرعة أم مبلغاً مقطوعاً أم خصماً. قرر: 1- إن السندات التي تمثل التزاماً بدفع مبلغها مع فائدة منسوبة إليه أو نفع مشروط محرمة شرعاً من حيث الإصدار أو الشراء أو التداول، لأنها قروض ربوية سواء أكانت الجهة المصدرة لها خاصة أو عامة ترتبط بالدولة، ولا أثر لتسميتها شهادات أو صكوكاً استثمارية أو ادخارية، أو تسمية الفائدة الربوية الملتزم بها ربحاً أو ريعاً أو عمولة أو عائداً. 2- تحرم أيضاً السندات ذات الكوبون الصفري باعتبارها قروضاً يجري بيعها بأقل من قيمتها الاسمية، ويستفيد أصحابها من الفروق باعتبارها خصماً لهذه السندات. 3- كما تحرم أيضاً السندات ذات الجواز، باعتبارها قروضاً اشترط فيها نفع أو زيادة بالنسبة لمجموع المقرضين، أو لبعضهم لا على التعيين، فضلاً عن شبهة القمار. 4- من البدائل للسندات المحرمة –إصداراً أو شراءً أو تداولاً-: السندات أو الصكوك القائمة على أساس المضاربة لمشروع أو نشاط استثماري معين، بحيث لا يكون لمالكيها فائدة أو نفع مقطوع، وإنما تكون لهم نسبة من ربح هذا المشروع بقدر ما يملكون من هذه السندات أو الصكوك، ولا ينالون هذا الربح إلا إذا تحقق فعلاً" انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 102010 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5012 شراء المنزل الكبير الواسع متى يكون إسرافا؟ [السُّؤَالُ] ـ[زوجتي دائماً ما تصر على أن أشتري منزلاً كبيراً، وبه مسبح، وحديقة، وأنا أُصر على أن نسكن بيتاً صغيراً (مثلا 3 غرف نوم) بدون المتع الزائدة والرفاهية كالمسبح والحديقة، فما العمل؟ أنا لا أستطيع إرغامها على الزهد، وأيضا بحكم أني زوجها لا مفر من بقائنا مع بعضنا البعض، وأعلم أن عدم الزهد ليس مبررا للطلاق، ولكني - يا شيخنا الفاضل - لا أريد الانغماس في الدنيا، فما العمل؟ وهل إن اشتريت بيتاً جديداً بما تريده هي أؤجر؟ علما بأني لا أمانع بالعيش في بيت صغير، ولست أريد إلا سقفا يؤويني وأهلي، وهل يقع عليَّ القول ممن أذهبوا طيباتهم في حياتهم الدنيا؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا ينبغي للمسلم أن يجعل الدنيا أكبر همِّه، وليس الفقر هو ما خشيه النبي صلى الله عليه وسلم على أمته، بل خشي انفتاح الدنيا والتنافس فيها، فهنا تكون الهلكة. عن عمرو بن عوف قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فَوَاللَّهِ لَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنْ أَخَشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمْ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ) . رواه البخاري (2988) ومسلم (2961) . قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في فوائد هذا الحديث -: وفيه: أن المنافسة في الدنيا قد تجر إلى هلاك الدين. " فتح الباري " (6 / 263) . وقال: قال ابن بطال: فيه أن زهرة الدنيا ينبغي لمن فتحت عليه أن يحذر من سوء عاقبتها، وشرِّ فتنتها، فلا يطمئن إلى زخرفها، ولا ينافس غيره. " فتح الباري " (11 / 245) . ومن أشغلته دنياه عن أخراه فهو مغبون، والدنيا لعب، ليس فيها مستمر ولا كامل، والآخرة خير وأبقى، وقد ضرب الله تعالى للدنيا مثلاً بالنبات الذي ينمو ويزهر، ثم لا يلبث حتى يصبح هشيماً تذروه الرياح، فلا بقاء ولا استمرار للإنسان في الدنيا، لذلك يجب أن يضع الآخرة نصب عينيه. قال تعالى: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) الحديد/ 20. وقال عز وجل: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا. الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا) الكهف/ 45، 46. ثانياً: ومما يبين أن الناس قد يهلكون بالتنافس على الدنيا: شراؤهم بيوتهم بالقروض الربوية! فيعرض الواحد نفسه لسخط الله ومقته من أجل أن ينافس غيره على بناء بيت، أو على تزويقه، وتوسيعه، وهؤلاء قد يدخلون في الذين أذهبوا طيباتهم في حياتهم الدنيا؛ لأنهم فعلوا ما نهاهم الله عنه تمتعاً به والتذاداً، وأما من بنى بيتاً أو اشتراه بمال حلال وتمتع به: فلا يكون من أولئك. وقد ذكرنا حرمة شراء المنازل عن طريق البنوك الربوية في أجوبة الأسئلة: (2128) و (21914) و (22905) فلتنظر. ثالثاً: ومن هنا نعلم أنه ليس ثمة أجر على بناء البيوت لذاتها، وإلا لصار الأغنياء الذين يبنون القصور بعشرات الملايين من أصحاب الدرجات العليا في الجنة! فالدينار الذي ينفقه المسلم على بناء بيته ليس له ما يقابله من الأجر في الآخرة، وعسى المرء أن يسلم من الإثم، فإن أُجر فإنما يؤجر على نيته في الحفاظ على أسرته وأهل بيته من الضياع، وعلى إيوائهم في مسكن يحفظ كرامتهم وأعراضهم، وأما على ذات البناء فليس ثمة أجر، وهو معرض للإثم والعقوبة في حال الإسراف، وقصد التفاخر والتباهي. وقد خرَّج علماء اللجنة الدائمة أحاديث في ذم البناء، ثم قالوا بعدها: هذه الأحاديث وما جاء في معناها: منها ما هو صحيح، ومنها ما هو حسن، ومنها ما ليس بصحيح، فما كان منها حجة: فهو محمول على ذم من فعل ذلك للتباهي، والإسراف، والتبذير، فإن هذا يختلف باختلاف الأحوال، والأشخاص، والأمكنة، والأزمنة، وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله صلى الله عليه وسلم لما سأله جبريل عن علامات الساعة: (وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاه يتطاولون في البنيان) ، قال ابن رجب في شرح هذا الحديث: " والمراد أن أسافل الناس يصيرون رؤساءهم، وتكثر أموالهم، حتى يتباهون بطول البنيان، وزخرفته، وإتقانه "، وذكر النووي هذا المنى في " شرح صحيح مسلم "، حينما تكلم على هذا الحديث. أما إذا طال البنيان لغرض شرعي، كتوفير المرافق والمساكن للمحتاجين، أو لاتخاذها سبيلاً للكسب، أو لكثرة مَن يعول، ونحو ذلك: فلا شيء في ذلك فيما يظهر لنا؛ فإن الأمور بمقاصدها، قال صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) والحديث أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين عن عمر رضي الله عنه. الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن منيع. " فتاوى اللجنة الدائمة " (4 / 490) . وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: ذُكر لنا أن كل عمل ابن آدم يؤجر عليه إلا بناء المسكن، فهل هذا صحيح؟ فإذا كان صحيحاً فما العلة؟ وما السبب؟ ، مع ذكر الحديث الذي ورد في ذلك، جزاكم الله خير الجزاء؟ . فأجاب: نعم، هذا ورد في الإنسان الذي يصرف ماله في الطين، أي: في البناء الذي لا يحتاج إليه، وأما البناء الذي يحتاج إليه: فإنه من ضروريات الحياة، والإنسان إذا أنفق على نفسه ما هو من ضروريات الحياة: فإنه يؤجر على ذلك إذا أنفقه يبتغي به وجه الله عز وجل؛ لكن المفاخرة والتطاول في البنيان هو الذي لا خير فيه، بل ليس فيه إلا إضاعة المال، أما ما يبنيه الإنسان لحاجته: فإنه يؤجر على ذلك، إذا ابتغى به وجه الله؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لسعد بن أبي وقاص: (واعلم أنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعله في فم امرأتك) . " اللقاء الشهري " (15 / السؤال رقم 6) . وتنظر الأحاديث وأقوال بعض العلماء في المسألة في جواب السؤال رقم (21658) . رابعاً: وبه تعلم حكم بناء البيت الذي تود زوجتك أن تشتريه لهم، ونلخص لك ذلك في نقاط: 1. لا يجوز شراء البيت من مصادر محرَّمة، كالقروض الربوية، وأموال الغصب. 2. ليس ثمة أجر على مجرد بناء البيت، إلا أن يقصد صاحبه إيواء أهل بيته، وحفظهم من الحر والبرد، فيؤجر على نيته، لا على ذاته بيته. 3. لا يجوز للمسلم بناء بيت أو شرائه بقصد التباهي والتفاخر، فإن فعل ذلك: أَثم. 4. لا مانع من أن يشتمل البيت على بركة سباحة، أو حديقة، لكن على أن يكون ذلك من غير إسراف ومبالغة في حجمهما وأثمانهما، والبيت الواسع من السعادة لصاحبه. عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (أَرْبَعٌ مِنَ اَلسعَادَةِ: الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ، وَالْمَسْكَنُ الوَاسِعُ، وَاَلجَارََُُّ الصَّالِحُ، وَالْمَرْكَبُ اَلهَنِيءُ، وَأَرْبَغ مِنَ اَلشًقَاوَةِ: اَلْجَارُ السُّوءُ، وَالْمَرْأَةُ اَلسُّوءُ، وَالْمَسْكَنُ اَلضيقُ، وَالْمَرْكَبُ السُّوءُ) . رواه ابن حبان في " صحيحه " (1232) ، وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (282) ، و" صحيح الترغيب " (1914) . قال المناوي – رحمه الله -: (والمسكن الواسع) أي: الكثير المرافق بالنسبة لساكنه، ويختلف سعته حينئذ باختلاف الأشخاص، فرب واسع لرجل ضيِّق على آخر، وعكسه. " فيض القدير " (3 / 302) . 5. تكلفة البناء، وسعر الشراء يُرجع في ضابط كونه إسرافاً أم لا إلى حال صاحبه، فمن كانت ثروته (100) مليون ريال – مثلاً – لا يعد مسرفاً – ولا مبذراً من باب أولى – إذا بنى بيتاً أو اشتراه بقيمة (2) مليون ريال، ومن كانت ثروته هي في راتبه الذي يقبضه كل شهر: فإنه يعد مسرفاً إذا تجاوز الحد في البناء أو الشراء. فالمسرف من أصحاب البيوت: من تجاوز المقدار المعقول، فزاد في الطوابق، أو الغرف من غير حاجة، والمبذِّر منهم: هو من بنى لغير حاجة، أو صرف ماله في البناء لعباً وتساهلاً بالمال. سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: رجل اشترى منزلاً باثنين مليون ريال , ثم أثثه بستمائة ألف , وبعد ذلك اشترى سيارة بثلاثمائة ألف ريال , فهل هذا الرجل يعتبر مسرفاً ومبذِّراً؟ وما حكم التحف في البيوت؟ أفيدونا، جزاكم الله خيراً. فأجاب: الإسراف: هو مجاوزة الحدِّ , وقد بيَّن الله تعالى في كتابه أنه لا يحب المسرفين , وإذا قلنا: إن الإسراف مجاوزة الحد: صار الإسراف يختلف , فقد يكون هذا الشيء إسرافاً بالنسبة لفلان , وغير إسراف بالنسبة لفلان , فهذا الذي اشترى بيتاً بمليونين من الريالات، وأثثه بستمائة ألف، واشترى سيارة: إذا كان غنيّاً: فليس مسرفاً؛ لأن هذا سهل بالنسبة للأغنياء الكبار , أما إذا كان ليس غنيّاً: فإنه يعتبر مسرفاً , سواء كان من أوساط الناس، أو من الفقراء؛ لأن بعض الفقراء يريد أن يكمِّل نفسه , فتجده يشتري هذه القصور الكبيرة , ويؤثثها بهذا الأثاث البالغ، وربما يكون قد استدان بعضها من الناس , فهذا خطأ. فالأقسام ثلاثة: الأول: غني واسع الغنى , فنقول: إنه - في وقتنا الحاضر، ولا نقول في كل وقت -: إذا اشترى بيتاً بمليونين ريال، وأثثه بستمائة ألف ريال، واشترى سيارة , فليس بمسرف. الثاني: الوسط , فيعتبر هذا بحقه إسرافاً. الثالث: الفقير , فيعتبر في حقه سفهاً؛ لأنه كيف يستدين ليكمل شيئاً ليس بحاجة إليه؟! . " لقاءات الباب المفتوح " (107 / السؤال رقم 4) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 101903 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5013 اشترى ملابس من محل ثم علم أنه يبيع بضائع مسروقة [السُّؤَالُ] ـ[بعد أن اشتريت ملابس من محل يملكه صديق لي اكتشفت بعدها بقليل أنه يبيع بضائع مسروقة. وأعلم الآن أنه لم يعد يحل لي الشراء من هذا المحل، لكن ماذا عن الملابس التي اشتريتها قبل أن أعلم؟ هل لبسها حلال؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا تبين أن هذا المحل يبيع بضائع مسروقة، لم يجز الشراء منه؛ لأن المسروق غير مملوك لسارقه، فلا يصح تصرفه فيه. وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: يرد للحراج (السوق) أحيانا بضائع مسروقة، والذي يدل على ذلك ظهور الارتباك على بائعها، أو عدم معرفته على ما تحتويه من أشياء، أو نوعية الأجهزة، وطريقة تشغيلها، أو القيمة الزهيدة التي بيعت به، أو من أين اشتراها. ما حكم شرائها؟ فأجابت: "إذا تيقن الإنسان من كون السلعة المعروضة للبيع أنها مسروقة أو مغصوبة، أو أن من يعرضها لا يملكها ملكا شرعيا، وليس وكيلا في بيعها، فإنه يحرم عليه أن يشتريها؛ لما في شرائها من التعاون على الإثم والعدوان، وتفويت السلعة على صاحبها الحقيقي، ولما في ذلك من ظلم الناس وإقرار المنكر، ومشاركة صاحبها في الإثم، قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) وعلى ذلك ينبغي لمن يعلم أن هذه السلعة مسروقة أو مغصوبة أن يقوم بمناصحة من سرقها برفق ولين وحكمة ليرجع عن سرقته، فإن لم يرجع وأصر على جرمه فعليه أن يبلغ الجهات المختصة بذلك ليأخذ الفاعل الجزاء المناسب لجرمه، ولرد الحق إلى صاحبه، وذلك من باب التعاون على البر والتقوى، ولأن في ذلك ردعا للظالم عن ظلمه، ونصرة له وللمظلوم " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/81) . ثانيا: من اشترى بضاعة علم أنها مسروقة، لزمه ردها، وأخذ ماله؛ لأن البيع لم يصح. وأما إن اشتراها، ثم شك في كونها مسروقة ولم يجزم بذلك، فلا يلزمه ردها؛ لأن الأصل صحة البيع. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 100209 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5014 اشتراط دفع مبلغ للصيانة عند استلام الشقة المشتراة بالتقسيط [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أشتري منزلا من شركة بنظام التقسيط وتشترط هذه الشركة دفع مبلغ معين عند الاستلام تضعه الشركة كوديعة في البنك ومن أرباحه تنفق الشركة على صيانة الموقع كاملا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا حرج في شراء الشقق وغيرها من السلع بالتقسيط، ولو كانت بثمن أعلى من ثمن البيع نقداً. ثانيا: اشتراك أصحاب الشقق في الصيانة العامة لمنازلهم ومرافقها، بحيث يدفع كل منهم مبلغا لهذا الغرض المشترك، لا حرج فيه، وهو من تحقيق النفع العام والمصلحة المشتركة. ثالثاً: دفع هذا المبلغ المخصص للصيانة له صورتان: الأولى: أن يكون دور الشركة هو الإشراف عليه فقط، فهي بمثابة الوكيل عن أصحاب الشقق، والمال يبقى ملكاً لمجموع الملاك، أصله وربحه، وينفق منه على الصيانة، وهذا لا حرج فيه، إذ هو من باب التأمين التعاوني. وإذا استثمر المال وجب أن يكون بطرق مشروعة، ولا يجوز أن يستثمر في البنوك الربوية. الثانية: أن تتملك الشركة المال، وتقوم على الصيانة، وهذا لا يجوز، لأنه من قبيل التأمين المحرّم لقيامه على الغرر والمخاطرة، إذ قد تكون تكلفة الصيانة أقل من ذلك أو أكثر، واستثماره في الربا محرم على كل حال. ولهذا ينبغي أن تؤخذ هذه المبالغ وتجعل فيما يمكن تسميته صندوق الصيانة، يشرف عليه بعض الملاك أو الشركة، وينفق منه على الصيانة، ولا مانع من استثمار الفائض منه في مشاريع مباحة، ويوزع ربحه على الملاك أو يضاف إلى الصندوق. وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 100098 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5015 أخذ كوبونا هدية فهل له أن يبيعه بأقل من قيمته؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا أعطت الشركة لموظفيها كوبونات، لشراء سلع بقيمة معينة، فهل يجوز بيع الكوبون بأقل من قيمته؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الكوبون الذي يخوّل لحامله شراء سلع من مكان محدد، يعتبر سندا أو صكا بقدر معين من السلع، ولا يعتبر سندا بالنقود؛ وعليه فلا يجري في هذا الكوبون أحكام التعامل بالنقود، وإنما ينظر إليه باعتبار ما يمثله من سلع. بيع الكوبونات التي تمثل سلعا من الطعام والكساء وغيره، فيه تفصيل: أولا: إذا كانت الكوبونات مأخوذة بعقد معاوضة، كأن يشتريها إنسان بثمن ما، ثم يريد بيعها، فإن كانت مخصوصة بطعام، فلا يجوز بيعها؛ لأن الكوبون سند أو صك بالطعام، فيكون ذلك من بيع الطعام قبل قبضه، وهو ممنوع بالإجماع. قال ابن المنذر رحمه الله: " أجمع أهل العلم على أن من اشترى طعاما فليس له أن يبيعه حتى يستوفيه , ولو دخل في ضمان المشتري , جاز له بيعه والتصرف فيه , كما بعد القبض " انتهى نقلا عن "المغني" (4/88) . وإن كانت في غير الطعام، ففي بيعها قبل قبض السلع خلاف بين الفقهاء، والصحيح أنه لا يجوز؛ لعموم الأدلة التي تنهى عن بيع السلع قبل قبضها،كقوله صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام رضي الله عنه: (إذا اشتريت مبيعا فلا تبعه حتى تقبضه) رواه أحمد (15399) والنسائي (613) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم: 342 وأخرج أبو داود (3499) عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه (نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم) والحديث حسنه الألباني في صحيح أبي داود. وفي الصحيحين من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه) رواه البخاري (2132) ، ومسلم (1525) ، وزاد: قال ابن عباس: "وأحسب كل شيء مثله". أي لا فرق بين الطعام وغيره في ذلك. وأما إذا كانت الكوبونات مأخوذة بغير معاوضة، كأن تكون هبة من الشركة لموظفيها، ففي بيعها قبل قبض السلع المستحقة بها، خلاف أيضا. وذلك لما روى مسلم (2818) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ لِمَرْوَانَ أَحْلَلْتَ بَيْعَ الرِّبَا فَقَالَ مَرْوَانُ مَا فَعَلْتُ. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَحْلَلْتَ بَيْعَ الصِّكَاكِ، وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يُسْتَوْفَى. فَخَطَبَ مَرْوَانُ النَّاسَ فَنَهَى عَنْ بَيْعِهَا. ورواه مالك في الموطأ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ صُكُوكًا خَرَجَتْ لِلنَّاسِ فِي زَمَانِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ مِنْ طَعَامِ الْجَارِ فَتَبَايَعَ النَّاسُ تِلْكَ الصُّكُوكَ بَيْنَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفُوهَا فَدَخَلَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَرَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، فَقَالَا: أَتُحِلُّ بَيْعَ الرِّبَا يَا مَرْوَانُ؟ فَقَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ! وَمَا ذَاكَ؟ فَقَالَا: هَذِهِ الصُّكُوكُ تَبَايَعَهَا النَّاسُ ثُمَّ بَاعُوهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفُوهَا فَبَعَثَ مَرْوَانُ الْحَرَسَ يَتْبَعُونَهَا يَنْزِعُونَهَا مِنْ أَيْدِي النَّاسِ وَيَرُدُّونَهَا إِلَى أَهْلِهَا) . وقد اختلف العلماء في المراد بهذا الحديث على قولين: الأول: أن من أخذ الصكاك من بيت المال له أن يبيعها قبل قبضها، لأنه لم يأخذها بمعاوضة، وأما من اشتراها منه فليس له أن يبعها إلا بعد قبض الطعام. وهو قول المالكية والشافعية. والثاني: أن الجميع ممنوعون من بيعها قبل قبضها. وهو قول الإمام أحمد. وانظر: "المنتقى للباجي" (4/284) ، "حاشية الدسوقي" (3/151) ، "القواعد لابن رجب" ص (84) ، "المهذب مع المجموع" (9/328) . قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: " الصِّكَاكَ جَمْع صَكّ وَهُوَ الْوَرَقَة الْمَكْتُوبَة بِدَيْنٍ وَيُجْمَع أَيْضًا عَلَى صُكُوك , وَالْمُرَاد هُنَا الْوَرَقَة الَّتِي تَخْرُج مِنْ وَلِيّ الْأَمْر بِالرِّزْقِ لِمُسْتَحِقِّهِ بِأَنْ يَكْتُب فِيهَا لِلْإِنْسَانِ كَذَا وَكَذَا مِنْ طَعَام أَوْ غَيْره فَيَبِيع صَاحِبهَا ذَلِكَ لِإِنْسَانٍ قَبْل أَنْ يَقْبِضهُ. وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي ذَلِكَ ; وَالْأَصَحّ عِنْد أَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ جَوَاز بَيْعهَا. وَالثَّانِي: مَنْعهَا. فَمَنْ مَنَعَهَا أَخَذَ بِظَاهِرِ قَوْل أَبِي هُرَيْرَة وَبِحُجَّتِهِ. وَمَنْ أَجَازَهَا تَأَوَّلَ قَضِيَّة أَبِي هُرَيْرَة عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِي مِمَّنْ خَرَجَ لَهُ الصَّكّ بَاعَهُ لِثَالِثٍ , قَبْل أَنْ يَقْبِضهُ الْمُشْتَرِي فَكَانَ النَّهْي عَنْ الْبَيْع الثَّانِي لَا عَنْ الْأَوَّل , لِأَنَّ الَّذِي خَرَجَتْ لَهُ مَالِك لِذَلِكَ مِلْكًا مُسْتَقِرًّا وَلَيْسَ هُوَ بِمُشْتَرٍ فَلَا يَمْتَنِع بَيْعه قَبْل الْقَبْض , كَمَا لَا يَمْتَنِع بَيْعه مَا وَرِثَهُ قَبْل قَبْضه. قَالَ الْقَاضِي عِيَاض بَعْد أَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى نَحْو مَا ذَكَرْته: وَكَانُوا يَتَبَايَعُونَهَا ثُمَّ يَبِيعهَا الْمُشْتَرُونَ قَبْل قَبْضهَا فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ , قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَر بْن الْخَطَّاب فَرَدَّهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: لَا تَبِعْ طَعَامًا اِبْتَعْهُ حَتَّى تَسْتَوْفِيه. اِنْتَهَى. هَذَا تَمَام الْحَدِيث فِي الْمُوَطَّأ. وَكَذَا جَاءَ الْحَدِيث مُفَسَّرًا فِي الْمُوَطَّأ أَنَّ صُكُوكًا خَرَجَتْ لِلنَّاسِ فِي زَمَن مَرْوَان بِطَعَامٍ فَتَبَايَعَ النَّاس تِلْكَ الصُّكُوك قَبْل أَنْ يَسْتَوْفُوهَا , وَفِي الْمُوَطَّأ مَا هُوَ أَبَيْنَ مِنْ هَذَا , وَهُوَ أَنَّ حَكِيم بْن حِزَام اِبْتَاعَ طَعَامًا أَمَرَ بِهِ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فَبَاعَ حَكِيم الطَّعَام الَّذِي اِشْتَرَاهُ قَبْل قَبْضه وَاَللَّه أَعْلَم " انتهى. ومما يرجح القول بالجواز: ما رواه عبد الرزاق في مصنفه (131) عن الزهري أن ابن عمر وزيد بن ثابت كانا لا يريان بأسا بشرى الرزق إذا أخرجت القطوط , وهي الصكاك , ويقولون: لا تبعه حتى تقبضه. فهذا يرجح الاحتمال الأول، وهو أن النهي لا يلحق من أخذ الصك ثم باعه قبل قبضه، بل النهي متوجه لمن اشترى منه، فليس له أن يبيعه حتى يقبضه. ولكن يبقى أمر آخر، وهو أن الكوبون بالسلع فيه نوع من الجهالة، من جهة عدم تحديد السلع التي تؤخذ به، والذي يظهر أنها جهالة مغتفرة؛ لأن السلع محدودة بقدر معين من المال، فمآلها إلى العلم. والحاصل: أنه يجوز لمن أخذ الكوبون هديةً من الشركة، أن يبيعه على غيره وأما من اشتراه منه، فليس له أن يبعه على ثالثٍ حتى يقبض السلع. وقد أفتى فضيلة الشيخ خالد المشيقح بجواز هذا البيع، وكذلك سألنا فضيلة الشيخ يوسف الشبيلي عن هذه المعاملة فأفتى بالجواز. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98713 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5016 حكم بيع المجسمات الأثرية [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الإسلام في بيع المجسمات الأثرية المسماة بالتحف (تماثيل كاملة ورؤوس تماثيل وأبدان بلا رؤوس) ؟ حيث إنني أستطيع أن أزاول تجارة الأثريات بكل أشكالها مع ذوى الاختصاص بدراسة التاريخ والآثار القديمة والمتاحف العالمية وغيرها وذلك لغاية الدراسة والبحث العلمي والتاريخي. وظروفي المادية والاجتماعية صعبة، ولكني أردت أن أتأكد من حكم الشرع قبل أن أتاجر فيها، وأعلم أن حكم الحلال والحرام ثابت في الفقر والغنى.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز صناعة التماثيل والمجسمات لذوات الأرواح، من الإنسان أو الطير أو الحيوان، لما ورد في ذلك من الوعيد الشديد، وقد سبق بيان ذلك مفصلا في جواب السؤال رقم (7222) وما حرمت صناعته، فلا يجوز بيعه لأن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه. روى أحمد (2678) عن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا حَرَّمَ أَكْلَ شَيْءٍ حَرَّمَ ثَمَنَهُ) والحديث صححه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند، وأصله في الصحيحين. وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: هل يجوز للمسلم أن يبيع التماثيل، ويجعلها بضاعة له، ويعيش من ذلك؟ فأجاب: " لا يجوز للمسلم أن يبيع أو يتجر فيها، لما ثبت في الأحاديث الصحيحة من تحريم تصوير ذوات الأرواح، وإقامة التماثيل لها مطلقا، والإبقاء عليها. ولاشك أن في الاتجار فيها ترويجاً لها، وإعانةً على تصويرها وإقامتها بالبيوت والأندية ونحوها. وإذا كان ذلك محرما، فالكسب من إنشائها وبيعها حرام، لا يجوز للمسلم أن يعيش منه بأكل أو كسوة أو نحو ذلك، وعليه إن وقع في ذلك أن يتخلص منه، ويتوب إلى الله تعالى، عسى الله أن يتوب عليه، قال تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82، وقد صدرت منا فتوى في تحريم تصوير ذوات الأرواح مطلقا، صورا مجسمة أو غير مجسمة، بنحت أو نسخ، أو صبغ أو بآلة التصوير الحديثة " كوداك " " انتهى من "الجواب المفيد في حكم التصوير" لسماحة الشيخ ابن باز ص 49-50. وأما ما أزيل رأسه، فلا يعد صورة محرمة، ولا حرج في اقتنائه، وبيعه إن كان ينتفع به، بشرط ألا يستعان به على محرم، كأن يكون جزءا من تمثال يعبد أو يتبرك به ونحو ذلك. وقد دل على إباحة ما قطع رأسه من الصور، ما رواه الترمذي (2806) عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ أَتَيْتُكَ الْبَارِحَةَ فَلَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَكُونَ دَخَلْتُ عَلَيْكَ الْبَيْتَ الَّذِي كُنْتَ فِيهِ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ فِي بَابِ الْبَيْتِ تِمْثَالُ الرِّجَالِ، وَكَانَ فِي الْبَيْتِ قِرَامُ سِتْرٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ، وَكَانَ فِي الْبَيْتِ كَلْبٌ، فَمُرْ بِرَأْسِ التِّمْثَالِ الَّذِي بِالْبَابِ فَلْيُقْطَعْ فَلْيُصَيَّرْ كَهَيْئَةِ الشَّجَرَةِ، وَمُرْ بِالسِّتْرِ فَلْيُقْطَعْ وَيُجْعَلْ مِنْهُ وِسَادَتَيْنِ مُنْتَبَذَتَيْنِ يُوطَآَنِ، وَمُرْ بِالْكَلْبِ فَيُخْرَجْ، فَفَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ ذَلِكَ الْكَلْبُ جَرْوًا لِلْحَسَنِ أَوْ الْحُسَيْنِ تَحْتَ نَضَدٍ لَهُ فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ) والحديث صححه الألباني في صحيح الترمذي. ورواه النسائي (5365) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: اسْتَأْذَنَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ادْخُلْ فَقَالَ كَيْفَ أَدْخُلُ وَفِي بَيْتِكَ سِتْرٌ فِيهِ تَصَاوِيرُ؟ فَإِمَّا أَنْ تُقْطَعَ رُءُوسُهَا أَوْ تُجْعَلَ بِسَاطًا يُوطَأُ فَإِنَّا مَعْشَرَ الْمَلَائِكَةِ لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ تَصَاوِيرُ. وصححه الألباني في صحيح النسائي. وروى الإسماعيلي في معجمه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الصورة الرأس فإذا قطع الرأس فلا صورة) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3864) . وبناء على ما سبق فلا يجوز لك الاتجار في المجسمات الأثرية المصورة على صور ذوات الأرواح، إلا أن تكون مقطوعة الرؤوس، وقد أحسنت في السؤال عن حكم العمل قبل أن تقدم عليه. واعلم أن خزائن الله تعالى ملأى، ورزقه واسع، وعطاءه لا حدّ له، وقد وعد أهل طاعته بالرزق الحسن فقال: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/2، 3. وقال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل/ 97. فما عليك إلا أن تبذل الأسباب، وتستعين بالله تعالى، وتبحث عن العمل المباح، ثم أبشر بالخير والرزق الحسن. نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98632 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5017 إذا باع البنك الذهب المرهون عنده بالمزاد فهل يجوز شراؤه [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أعرف شراء الذهب من المزاد بسعر رخيص جدا، لأن بعض الناس يقومون برهنه للبنك، وعندما يأتي الزمن المحدد يبيعه البنك بأقل من السعر بكثير فهل شراء هذا الذهب حلال علي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز شراء الذهب من المزاد بشرطين: الأول: أن يكون الشراء يدا بيد، ويدخل في ذلك الشيك المصدق، والخصم من الحساب والإيداع في حساب البائع، وينظر السؤال رقم (2711) . وقد صدر عن المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي في دورته الحادية عشرة قرار جاء فيه: بعد الدراسة والبحث قرر المجلس بالإجماع ما يلي: " أولا: يقوم استلام الشيك مقام القبض عند توفر شروطه في مسألة صرف النقود بالتحويل في المصارف. ثانياً: يعتبر القيد في دفاتر المصرف في حكم القبض لمن يريد استبدال عملة بعملة أخرى سواء كان الصرف بعملة يعطيها الشخص للمصرف أو بعملة مودعة فيه " انتهى. الثاني: أن يكون بيع البنك للرهن مشروعا، وبيان ذلك أن الرهن إنما يجوز بيعه إذا حل أجل الدين وامتنع المدين عن سداده، فإن أذن الراهن (المدين) للمرتهن (البنك) في بيع الرهن، فالأمر واضح، وإن لم يأذن أجبره الحاكم أو القاضي على البيع، فإن لم يفعل باع الحاكم الرهن ووفّى المرتهن ما له. وللحاكم حينئذ أن يوكل من يتولى البيع، سواء وكّل المرتهن أو غيره. قال في "زاد المستقنع": " ومتى حلّ الدين وامتنع من وفائه، فإن كان الراهن أذن للمرتهن في بيعه، باعه ووفّى الدين، وإلا أجبره الحاكم على وفائه أو بيع الرهن، فإن لم يفعل باعه الحاكم ووفّى دينه " انتهى. وإذا كان نظام الدولة يخول البنك بيع الرهن عند حلول الأجل وعدم سداد الراهن لدينه، فهذا بمثابة الإذن من الحاكم أو القاضي. لكن يشترط في حق من يبيع الرهن سواء كان البنك أو أي جهة يعينها القاضي أن يبيع العين المرهونة بثمن المثل، لا بأقل. قال في "مغني المحتاج" (3/71) : " (ولا يبيع العدل) المرهون (إلا بثمن مثله حالاً من نقد بلده) ، كالوكيل، فإن أخل بشيء منها لم يصح البيع، لكن لا يضر النقص عن ثمن المثل بما يتغابن به الناس، لأنهم يتسامحون فيه " انتهى. والعدل هو من يُحفظ عنده الرهن، إذا اتفق الطرفان على جعل الرهن عند من يحفظه. وبهذا تعلم أنه لا يجوز للبنك أن يبيع الذهب بأقل من ثمنه كثيرا، ولا يجوز الشراء منه؛ لعدم صحة البيع كما سبق، ولما فيه من أكل مال الراهن بغير حق والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98479 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5018 حكم بيع الصبي [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان لا يصح بيع الطفل إلا في الشيء اليسير، فما ضابط الشيء اليسير؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف الفقهاء في صحة بيع الصبي وشرائه، فمنهم من صحح ذلك بإذن الولي، ومنهم من لم يصححه سواء أذن الولي أو لم يأذن، ومنهم من أجاز تصرفه في الشيء اليسير بدون إذن وليه. قال في "المجموع" (9/185) مبينا مذاهب العلماء في ذلك: " فرع في مذاهب العلماء في بيع الصبي المميز: قد ذكرنا أن مذهبنا أنه لا يصح سواء أذن له الولي أم لا , وبه قال أبو ثور. وقال الثوري وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق: يصح بيعه وشراؤه بإذن وليه. وعن أبي حنيفة رواية أنه يجوز بغير إذنه ويقف على إجازة الولي , قال ابن المنذر: وأجاز أحمد وإسحاق بيعه وشراءه في الشيء اليسير يعني بلا إذن " انتهى. وقال ابن قدامة في "المغني" (4/168) : " ويصح تصرف الصبي المميز بالبيع والشراء , فيما أذن له الولي فيه، في إحدى الروايتين. وهو قول أبي حنيفة. والثانية: لا يصح حتى يبلغ. وهو قول الشافعي ; لأنه غير مكلف , أشبه غير المميز. ولأن العقل لا يمكن الوقوف منه على الحد الذي يصلح به التصرف ; لخفائه , وتزايده تزايدا خفي التدريج , فجعل الشارع له ضابطا , وهو البلوغ , فلا يثبت له أحكام العقلاء قبل وجود المظنة. ولنا: قول الله تعالى: (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم) . ومعناه ; اختبروهم لتعلموا رشدهم. وإنما يتحقق اختبارهم بتفويض التصرف إليهم من البيع والشراء ; ليعلم هل يُغبن أو لا. ولأنه عاقل مميز , محجور عليه , فصح تصرفه بإذن وليه , كالعبد. وفارق غير المميز , فإنه لا تحصل المصلحة بتصرفه ; لعدم تمييزه ومعرفته , ولا حاجة إلى اختباره ; لأنه قد علم حاله. وقولهم: إن العقل لا يمكن الاطلاع عليه. قلنا: يعلم ذلك بآثار وجريان تصرفاته على وفق المصلحة , كما يعلم في حق البالغ , فإن معرفة رشده , شرط دفع ماله إليه , وصحة تصرفه , كذا هاهنا. فأما إن تصرف بغير إذن وليه , لم يصح تصرفه. ويحتمل أن يصح , ويقف على إجازة الولي. وهو قول أبي حنيفة ... وأما غير المميز , فلا يصح تصرفه , وإن أذن له الولي فيه , إلا في الشيء اليسير , كما روي عن أبي الدرداء , أنه اشترى من صبي عصفورا , فأرسله. ذكره ابن أبي موسى " انتهى. والحاصل أن الصبي يصح تصرفه بالبيع والشراء في حالين: الأول: أن يكون في الشيء اليسير، فيصح منه ولو كان دون التمييز. الثاني: أن يكون بإذن وليه. والشيء اليسير كالرغيف، وقطعة الحلوى، ونحو ذلك. قال في "مطالب أولي النهى" (3/10) : " (إلا في) شيء (يسير) ; كرغيف , وحزمة بقل , وقطعة حلوى ونحوها ... وإلا (إذا أذن لمميز وسفيه وليهما) ; فيصح - ولو في الكثير - لقوله تعالى: {وابتلوا اليتامى} (ويحرم) إذن ولي لهما بالتصرف في مالهما (بلا مصلحة) ; لأنه إضاعة " انتهى. وما ذكره في اليسير إنما هو على سبيل التمثيل لا الحصر، وإنما يرجع في ضبط ذلك إلى العرف، فما تعارف الناس على أنه يسير، وجرت العادة بأن يشتري الصبيان مثله، فهو اليسير الذي يرخص للصبيان في شرائه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97489 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5019 هل يعدُّ شرائي للعطور الغالية إسرافاً؟ . [السُّؤَالُ] ـ[هل يعدُّ شرائي للعطور الغالية إسرافاً؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الطيب والعطور من متاع الدنيا وزينتها، وقد نصَّ النبي صلى الله عليه وسلم على أنه قد حبِّب له من الدنيا. عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (حُبِّب إِليَّ مِنْ دُنْيَاكُمْ النِّسَاءُ، وَالطِّيبُ، وَجُعَلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاةِ) . رواه النسائي (3939) ، وصححه الألباني في " صحيح النسائي ". ومما لا شك فيه من الواقع أن الطيب ذا الثمن المرتفع له رائحة طيبة، ويدوم أكثر من الطيب الرخيص الثمن، ولذا لا يعدُّ شراء الطيب بثمن مرتفع من الإسراف، وإنما يمنع ذلك في حالات، منها: أ. أن لا يكون مالكاً لمالٍ يشتري به ذلك الطيب، فيستدين من أجله، أو يملك لكنه يضر من تجب عليه نفقته لو اشتراه. ب. أن يقصد بذلك الفخر، والخيلاء، والمباهاة. ج. أن يكثر منه من غير حاجة. سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: في هذه الأيام تكثر الولائم في مناسبات الزواج وغيره، وبعض الناس يبالغ في شراء العود –أعني: البخور - فيَصِل في قيمته إلى مبالغ خيالية، وإذا نوقش في ذلك استدل بما روي عن عمر حيث قال: " لو أنفق الرجل ماله كله في الطيب لم يكن مسرفاً " فما قولك وفقك الله؟ . فأجاب: قولنا: الطيب لا شك أنه محبوب، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (حُبِّب إليَّ من دنياكم النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة) والحقيقة: أن الطيب إذا لم يتعد طوره: فلا إسراف فيه، أي: لو كان - مثلاً - هذا المكان يفد إليه الناس أفواجاً، كلما جاء فوج وضع له طيباً: هذا ليس إسرافاً، وإن كان هذا الطيب بالنسبة لأول فوج سيكون متكرراً، لكنه حقيقة ليس إسرافاً؛ لأن الطيب الأخير لمن جاء آخراً، فنقول: هذا ليس فيه إسراف، أما من أتى بطيب كثير، وجعله يتبخر طوال المجلس، مع طوله، وعدم الاحتياج إليه: فهذا يكون إسرافاً. " اللقاء الشهري " (37 / السؤال رقم 16) . وسئل – رحمه الله -: بعض أهل العلم يقول: إن الإسراف هو شيء نسبي، ويقول: إنه كذلك في شراء الطِّيب، فليس فيه إسراف مهما اشترى الإنسان، وذكر أنه يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك. فأجاب: أما إسراف العبادات: فليس أمراً نسبيّاً؛ لأنه محدَّد من قبل الشرع، وقد توضأ النبي صلى الله عليه وسلم مرة ومرتين وثلاثاً، وقال: (من زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم) . وأما الإسراف في العادات: فهو أمر نسبي، قد يكون هذا الشيء إسرافاً بالنسبة لطائفة معينة، ولا يكون إسرافاً لطائفة أخرى، وقد يكون إسرافاً لأهل بلد، ولا يكون إسرافاً للبلد الآخر، فهو أمر نسبي، ويعرف هذا بالقاعدة: " أن الإسراف مجاوزة الحد ". وأما الطِّيب: فلا شك أن الإنسان إذا كان من أهل الثروة، واشترى طِيباً طَيِّباً غالياً: فإنه لا يعد مسرفاً، لا سيما وأن الطِّيب الطَّيِّب - كما هو معروف - تبقى رائحته مدة طويلة، وتكون أطيب، وأما إذا كان من الناس المتوسطين والفقراء: فإن شراء مثل هذا الطيب في حقِّه يعتبر إسرافاً. " لقاءات الباب المفتوح " (8 / السؤال رقم 24) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97011 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5020 الحيلة الثلاثية على الربا [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أشتري سيارة بالتقسيط، ثم أبيعها لأستفيد من ثمنها، لحاجتي الماسة للنقود، ولكن طريقة الشركة التي سوف أشتري السيارة منها كما يلي: تشتري السيارة ببطاقة جمركية، أي بدون الذهاب إلى المرور لاستخراج لوحات، مجرد عقد بيع بين الشركة والمعرض، والسيارة في مكانها، ثم آخذ أنا البطاقة الجمركية ولي حرية التصرف في البيع. السؤال: هل هذه الطريقة شرعية؟ وهل يجوز لي أن أبيعها على نفس المعرض، مع العلم أن السيارة في مكانها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: شراء السلعة ثم بيعها على غير البائع الأول، لأجل الحصول على النقود، يسمى " التورق " مأخوذ من " الورِق " وهو الفضة، وهو جائز عند جمهور الفقهاء. انظر جواب السؤال رقم (45024) . وطلب الإنسان من غيره أن يشتري سلعة، ثم يبيعها له بثمن مقسط، يسمى بيع المرابحة للآمر بالشراء، وهو جائز بشرطين: الأول: أن تقوم الشركة بشراء السلعة لنفسها، قبل أن تبيعها على العميل. الثاني: أن تقبض الشركة السلعة، قبل بيعها على العميل. وإذا خلت المعاملة من هذين الأمرين، أو من أحدهما، كانت معاملة محرمة. فقد ورد النهي عن بيع الإنسان ما لا يملك، وعن بيع ما ليبس عنده، وعن بيع السلع قبل قبضها: فعن حكيم بن حزام رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (لا تبع ما ليس عندك) رواه أبو داود (3503) والنسائي (4613) والترمذي (1232) وابن ماجه (2187) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. وروى أحمد (15399) والنسائي (4613) أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ أَخْبَرَهُ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَشْتَرِي بُيُوعًا فَمَا يَحِلُّ لِي مِنْهَا وَمَا يُحَرَّمُ عَلَيَّ قَالَ: (فَإِذَا اشْتَرَيْتَ بَيْعًا فَلَا تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم: 342 وأخرج أبو داود (3499) والدارقطني (3/13) عن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم " والحديث حسنه الألباني في صحيح أبي داود. وفي الصحيحين من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه) رواه البخاري (2132) ومسلم (1525) ، وزاد: قال ابن عباس: " وأحسب كل شيء مثله " أي لا فرق بين الطعام وغيره في ذلك. وانظر حول بيع المرابحة إجابة السؤال رقم (36408) . وبناء على ذلك: فليس للشركة أن تبيع السيارة حتى تقبضها؛ وقبض كل شيء بحسبه، فقبض السيارة: أن تنقل من محلها. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وما ينقل: مثل الثياب والحيوان والسيارات وما أشبه ذلك يحصل بنقلها؛ لأن هذا هو العرف " انتهى من "الشرح الممتع" (8/381) . ومنه تعلم أنه لا يصح أن تبقى السيارة في مكانها، بل على الشركة أن تنقلها من المعرض، قبل أن تبيعها عليك. وهذا هو القول الراجح في المسألة، أنه لا يجوز بيع السلع قبل قبضها، لا فرق في ذلك بين الطعام وغيره، وهو مذهب الشافعي، وقول أبي يوسف ومحمد من الحنفية، ورواية عن أحمد. جاء في "الموسوعة الفقهية" (9/123) : " وقد ذهب الفقهاء مذاهب في بيع المبيع قبل قبضه: فمذهب الشافعية , وهو قول أبي يوسف الأول , وقول محمد , وهو أيضا رواية عن الإمام أحمد: أنه لا يصح بيع المبيع قبل قبضه , سواء أكان منقولا أم عقارا , وإن أذن البائع , وقبض الثمن. وذلك لحديث {حكيم بن حزام رضي الله عنه , قال: قلت: يا رسول الله: إني أشتري بيوعا , فما يحل لي منها , وما يحرم علي؟ قال: إذا اشتريت بيعا فلا تبعه حتى تقبضه} وحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {لا يحل سلف وبيع , ولا شرطان في بيع , ولا ربح ما لم يضمن , ولا بيع ما ليس عندك} . ومعنى {ربح ما لم يضمن} ربح ما بيع قبل القبض. مثل: أن يشتري متاعا , ويبيعه إلى آخر قبل قبضه من البائع , فهذا البيع باطل , وربحه لا يجوز , لأن المبيع في ضمان البائع الأول , وليس في ضمان المشتري منه , لعدم القبض. ولحديث زيد بن ثابت رضي الله عنه , {أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع , حتى يحوزها التجار إلى رحالهم} . والمراد بحوز التجار: وجود القبض , كما في الحديث قبله. ولضعف الملك قبل القبض , لانفساخ العقد بتلفه. وهذا هو المعنى الذي علل به الشافعية النهي عن البيع قبل القبض. وعلل الحنابلة , عدم الجواز على هذه الرواية التي اختارها ابن عقيل من أئمتهم , بأنه لم يتم الملك عليه , فلم يجز بيعه , كما لو كان غير متعين , وكما لو كان مكيلا أو موزونا. ومذهب الحنفية أنه لا يصح بيع المنقول قبل قبضه , ولو كان من بائعه , وذلك للحديث المذكور برواياته , فإنه منهي عن بيع المبيع قبل قبضه. ولأن في البيع قبل القبض غرر انفساخ العقد الأول , على تقدير هلاك المبيع في يد البائع , وإذا هلك المبيع قبل القبض ينفسخ العقد , فيتبين أنه باع ما لا يملك , والغرر حرام غير جائز , لأن النبي صلى الله عليه وسلم {نهى عن بيع الحصاة , وعن بيع الغرر} . ولا يفرق الحنفية في ذلك بين الطعام وبين غيره من المنقولات , وذلك: لقول ابن عباس كما تقدم آنفا: ولا أحسب كل شيء إلا مثله , أي مثل الطعام. وعضد قول ابن عباس ما روي عن ابن عمر , قال: " ابتعت زيتا في السوق , فلما استوجبته , لقيني رجل , فأعطاني فيه ربحا حسنا , فأردت أن أضرب على يده (أي أن أقبل إيجابه , وأتفق على العقد) فأخذ رجل من خلفي بذراعي , فالتفت , فإذا زيد بن ثابت رضي الله عنه فقال: لا تبعه حيث ابتعته , حتى تحوزه إلى رحلك , {فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع , حتى يحوزها التجار إلى رحالهم} ... وأجاز الشيخان من الحنفية - أبو حنيفة وأبو يوسف - بيع العقار قبل قبضه استحسانا , وذلك استدلالا بعمومات حل البيع من غير تخصيص , ولا يجوز تخصيص عموم الكتاب بخبر الواحد. ولأنه لا يتوهم انفساخ العقد في العقار بالهلاك , بخلاف المنقول. ولأن العقار مقدور التسليم , ولا يرد عليه الهلاك إلا نادرا بغلبة الماء والرمل , والنادر لا يعتد به ... وخالف الإمام محمد , فلم يجز بيع العقار أيضا قبل قبضه , وهو قول أبي يوسف الأول , وقول الشافعي كما قدمنا , وذلك لإطلاق الحديث , وقياسا على المنقول " انتهى. والسيارة لا شك أنها من المنقول، فلا يجوز بيعها قبل قبضها، في مذهب الحنفية أيضا. وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (13/153) : " إذا طلب إنسان من آخر أن يشتري سيارة معينة أو موصوفة بوصف يضبطها، ووعده أن يشتريها منه، فاشتراها مَن طُلبت منه، وقبضها، جاز لمن طلبها أن يشتريها منه بعد ذلك نقدا أو أقساطا مؤجلة بربح معلوم، وليس هذا من بيع الإنسان ما ليس عنده؛ لأن من طُلبت منه السلعة إنما باعها على طالبها بعد أن اشتراها وقبضها، وليس له أن يبيعها على صديقه مثلا قبل أن يشتريها أو بعد شرائه إياها وقبل قبضها؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم " انتهى. ثانيا: إذا قامت الشركة بشراء السيارة ونقلها من المعرض، فلا حرج في أن تبيعها عليك دون الذهاب إلى المرور واستخراج اللوحات لها؛ لأن هذه الإجراءات توثيق للحق، وليست شرطا لصحة البيع وانتقال الملك. ثالثا: لا يجوز لك في هذه الصورة أن تبيع السيارة على المعرض، لأنه من التحايل على الربا. وهذه الحيلة تسمى الحيلة الثلاثية أو المثلثة، وقد نبه عليها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وغيره. قال: " أو يواطئا ثالثا على أن يبيع أحدَهما عرَضا، ثم يبيعه المبتاع لمعامِله المرابي، ثم يبيعه المرابي لصاحبه، وهي الحيلة المثلثة " انتهى من مجموع الفتاوى (29/28) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وكذلك انتشرت حيلة سابقة، يأتي الفقير إلى شخص فيقول: أنا أحتاج ألف ريال، فيذهب التاجر إلى صاحب دكان عنده أكياس أرز أو أي شيء، فيشتري التاجر الأكياس من صاحب الدكان مثلا بألف ريال، ثم يبيعها على المحتاج بألف ومائتين، ونحن نعلم أنه لا يجوز أن يباع قبل قبضه، فكيفية القبض عندهم أن يمسح على الأكياس بيده، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم، فهل هذا قبض؟! هذا يسمى عدّا لا يسمى قبضا، لكن كانوا يفعلون هذا. بعد ذلك يأتي الفقير إلى صاحب الدكان الذي عنده هذه الأكياس، ويبيعها عليه بأقل مما اشتراها منه التاجر، لأن الفقير يريد الدراهم ولا يريد أكياس طعام، فمثلا يبيعها على صاحب الدكان بألف إلا مائة ريال، فيؤكل المسكين الفقير من الجانبين، من جانب التاجر الأول ومن صاحب الدكان، فصاحب الدكان أخذ منه مائة ريال، والتاجر أخذ مائتين زائدا على الألف، وهذه سماها شيخ الإسلام رحمه الله المسألة الثلاثية، لأنها مكونة من ثلاثة أشخاص، ومسائل الربا لا تحل بالحيل. واعلم أنه كلما احتال الإنسان على محرم لم يزدد إلا خبثا، فالمحرم خبيث، فإذا احتلت عليه صار أخبث؛ لأنك جمعت بين حقيقة المحرم وبين خداع الرب عز وجل، والله سبحانه لا تخفى عليه خافية، وإنما الأعمال بالنيات " انتهى من "الشرح الممتع" (8/211) . والحيلة فيما ذكرت واضحة، لا سيما والسيارة باقية في محلها، وعلى صفتها الأولى، لم توضع لها لوحات، ولم تسجل باسم أحد. والحاصل: أنه لابد من شراء الشركة للسيارة شراء حقيقيا، ونقلها من المعرض قبل بيعها عليك، وأنه لا يجوز أن تبيع السيارة على نفس المعرض. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96706 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5021 بيع التولية [السُّؤَالُ] ـ[ما هو بيع التولية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله بيع التولية أحد بيوع الأمانة، وهو: أن يشتري الرجل سلعةً بثمنٍ معلوم , ثم يبيع تلك السلعة لرجل آخر بالثمن الذي اشتراها به. فإن قال: وليتك إياها، أو: بعتك إياها توليةً لم يجز أن يبيعه إياها بأكثر مما اشتراها ; لأن لفظ التولية يقتضي دفعها إليه بمثل ما اشتراها به. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (8/341) : "وبيع التولية هو البيع بمثل ثمنه من غير نقص ولا زيادة" انتهى. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "التولية: أن يعطي المشتري السلعة لغيرة بمثل الذي اشتراها به " انتهى. "مجموع الفتاوى" (28/97) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 95464 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5022 يشتري ثلاث قطع من الأراضي ثم يبيع منها اثنتين [السُّؤَالُ] ـ[هناك ثلاثة أراضٍ ستباع كل أرض بـ20000 ريال وجميعها بـ 45000 ريال هل يجوز لي أن أشتري الثلاثة الأراضي إذا علمت أن هناك شخصين سيشريان اثنتين من الأراضي بـ20000 ريال وأنا أحتفظ بالثالثة ... وأنا أعرف هؤلاء المشتريين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز لك أن تشتري هذه القطع من الأراضي ب 45000 ريال، ثم تبيع منها قطعتين ب 40000 وتحتفظ بالثالثة لنفسك. وقد اشترى عروة بن الجعد رضي الله عنه شاتين بدينار ثم باع إحداهما بدينار، ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم بدينار وشاة، فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالبركة. رواه البخاري (3643) . والمهم أن يكون شراؤك للأرض شراء مباحا، ليس فيه وظلم ولا اعتداء على حق أحد. ولا تبع شيئا منها حتى تملكها ملكا تاما؛ لما روى أبو داود (3503) والترمذي (1232) والنسائي (4613) عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله يأتيني الرجل فيسألني البيع ليس عندي أبيعه منه، ثم ابتاعه له من السوق قال: (لا تبع ما ليس عندك) وصححه الألباني في صحيح النسائي. فلا يجوز لك أن تبيع الأرض لهذين الرجلين قبل أن تقوم بشرائها؛ ولكن اشترها أولاً، ثم بعها لهم إن شئت. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 95403 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5023 التسويق لشركة أدوية أصحابها غير مسلمين [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكنني القيام عن طريق الإنترنت بالتسويق لشركة تعمل في مجال الأدوية (شركة هندية مملوكة لغير المسلمين وربما نصارى) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله التسويق والإعلان يأخذ حكم السلعة التي يسوَّقُ لها، فإن كانت مما يباح استعماله وتناوله فلا حرج من التسويق لها ولو كان المصنِّعُ لها من غير المسلمين، وأما إذا كان السلعة نفسُها محرَّمة، فلا يحل بيعها ولا الإعلان عنها ولا التسويق لها، ودليل ذلك عموم قوله سبحانه وتعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا حَرَّمَ شَيْئًا حَرَّمَ ثَمَنَهُ) . رواه ابن حبان (11/312) وصححه الألباني في "غاية المرام" (318) . قال ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" (415-416) : " وهذه كلمةٌ عامَّةٌ جامعة تَطَّرِدُ في كُلِّ ما كان المقصودُ من الانتفاع به حراماً " انتهى. واتفق العلماء على أن ما أبيح استعماله وتناوله أبيح بيعه وشراؤه، وما عمليه التسويق إلا بيعٌ للسلعة ودعاية لها فتأخذ الحكم نفسه. وبما أن تسويقك – أخي السائل– هو لأدوية نافعة لعلاج الأمراض المختلفة، فلا حرج عليك إن شاء الله من ذلك، ولا يضر أن أصحاب الشركة من المسلمين أو من غيرهم، إذ العبرة بالسلعة التي يتم تسويقها، وليس بصاحب الشركة، إلا أنه ينبغي أن تتنبه لأمرين مهمين: الأول: ألا تتجاوز حدود الله في التسويق والدعاية – كما يقع فيه كثير من المسوِّقين – فيصف السلعة بما ليس فيها، وهذا من الكذب وشهادة الزور. ثانيا: ألا تقع فيما يقع به المسوِّقُون للأدوية من تقديم الهدايا للأطباء ومشرفي العيادات كي يقبلوا التعامل معهم وشراء منتجاتهم من الأدوية، ففي ذلك ذريعة تدفع الطبيب لوصف هذا الدواء للمريض ولو كان هناك ما هو أفضل منه، وفي ذلك خيانةٌ للأمانة. وقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (23/572) السؤال التالي: بخصوص العمل في شركات الدعاية، بالنسبة لمندوبي الشركات، أصبحت الآن بعض الشركات- أو معظمها - يعمل بطريقة الهدية أو الرشوة، والمندوب أصبح يخشى على موقعه في الشركة إذا لم يفعل ذلك، كما أن أغلبية الأطباء لن يكتب دواءه للمريض بسبب عدم إحضار هدية، ويكتب دواء من يقدم الهدية، وبالتالي يضطر إلى مجاراة الشركات الأخرى في مسألة الهدية هذه، فما الحكم؟ هل هو مضطر بسبب خوفه على الوظيفة أم لا؟ وخصوصا ربما يكون عليه التزامات مادية يجب أداؤها. فكان الجواب: " مندوب الشركة الذي يقدم الهدايا للأطباء من أجل ترويج أدوية تلك الشركة دون غيرها يعتبر رائشا، وهذا الوسيط بين الراشي والمرتشي، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء الثلاثة، فقال عليه الصلاة والسلام: (لعن الله الراشي والمرتشي والرائش) مسند أحمد (5/279) " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 92922 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5024 حكم بيع أشرطة وكتب إسلامية في المسجد [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز البيع داخل المسجد لغرض خيري يكون ريعه لصالح الهيئة الخيرية أي لصالح الأيتام والفقراء من المسلمين، مثلاً بيع الكتيبات والأشرطة ومردودها كله الأعمال الخيرية؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز البيع والشراء داخل المساجد سواء الكتب أو غيرها ولو كان نفعها يعود على اليتامى ونحوهم لكن لا بأس بجعلها في صندوق خاص وكتابة قيمتها فوقها وجعل حصالة هناك من أراد نسخة أدخل ثمنها في الحصالة وأخذ نسخة دون أن يكون مساومة ومماكسة وإيجاب وقبول. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الفتاوى الجبرينية في الأعمال الدعوية لفضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين ص32. الحديث: 10524 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5025 حكم الشراء من البوفيه المفتوح (حتى الشبع) [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الشراء من مطاعم البوفيه المفتوح؟ إذ إن المشتري يدفع قيمة معينة ويأكل مقدارا من الأكل غير معلوم لا من قبل البائع ولا المشتري وإنما محدد بالشبع، فهل هذا البيع من بيوع الغرر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: روى مسلم (1513) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر. والغرر في اللغة هو الخطر الذي لا يُدْرى أيكون أم لا؟ كبيع السمك في الماء، والطير في الهواء، فإن ذلك قد يحصل للمشتري وقد لا يحصل. قال الأزهري: ويدخل في بيع الغرر البيوع المجهولة. "معجم مقاييس اللغة" (4/380 – 381) ، "لسان العرب" (6/317) . وقال النووي في "شرح مسلم": " وَأَمَّا النَّهْي عَنْ بَيْع الْغَرَر فَهُوَ أَصْل عَظِيم مِنْ أُصُول كِتَاب الْبُيُوع , وَيَدْخُل فِيهِ مَسَائِل كَثِيرَة غَيْر مُنْحَصِرَة، كبَيْعِ الْمَعْدُوم وَالْمَجْهُول وَبَيْع الْحَمْل فِي الْبَطْن , وَكُلّ هَذَا بَيْعه بَاطِل لأَنَّهُ غَرَر مِنْ غَيْر حَاجَة. وَقَدْ يَحْتَمِل بَعْض الْغَرَر بَيْعًا إِذَا دَعَتْ إِلَيْهِ حَاجَة كَالْجَهْلِ بِأَسَاسِ الدَّار وَكَمَا إِذَا بَاعَ الشَّاة الْحَامِل وَاَلَّتِي فِي ضَرْعهَا لَبَن فَإِنَّهُ يَصِحّ اِلْبَيْعِ. وَكَذَلِكَ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَاز أَشْيَاء فِيهَا غَرَر حَقِير , مِنْهَا أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى صِحَّة بَيْع الْجُبَّة الْمَحْشُوَّة وَإِنْ لَمْ يُرَ حَشْوهَا , وَلَوْ بِيعَ حَشْوهَا بِانْفِرَادِهِ لَمْ يَجُزْ. وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَاز إِجَارَة الدَّار وَالدَّابَّة وَالثَّوْب وَنَحْو ذَلِكَ شَهْرًا مَعَ أَنَّ الشَّهْر قَدْ يَكُون ثَلاثِينَ يَوْمًا وَقَدْ يَكُون تِسْعَة وَعِشْرِينَ. وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَاز دُخُول الْحَمَّام بِالأُجْرَةِ مَعَ اِخْتِلاف النَّاس فِي اِسْتِعْمَالهمْ الْمَاء وَفِي قَدْر مُكْثهمْ. وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَاز الشُّرْب مِنْ السِّقَاء بِالْعِوَضِ مَعَ جَهَالَة قَدْر الْمَشْرُوب وَاخْتِلَاف عَادَة الشَّارِبِينَ " انتهى باختصار. وجاء في الموسوعة الفقهية" (31/151) : " يشترط في الغرر حتى يكون مؤثراً أن يكون كثيرا , أما إذا كان الغرر يسيرا فإنه لا تأثير له على العقد. قال القرافي: الغرر والجهالة - أي في البيع - ثلاثة أقسام: كثير ممتنع إجماعا , كالطير في الهواء , وقليل جائز إجماعا , كأساس الدار وقطن الجبة , ومتوسط اختلف فيه , هل يلحق بالأول أم بالثاني؟ وقال ابن رشد الحفيد: الفقهاء متفقون على أن الغرر الكثير في المبيعات لا يجوز، وأن القليل يجوز " انتهى. ثانيا: ما تفعله بعض المطاعم من تحديد ثمن معين للوجبة حتى الإشباع ـ الذي يظهر ـ أنه من الغرر اليسير الذي لا يؤثر في صحة البيع، وهو يشبه ما ذكره النووي رحمه الله في كلامه السابق من دخول الحمام بأجرة معلومة، مع عدم العلم بكمية الماء المستعمل، وكذلك الشرب من السقاء مع عدم العلم بكمية الماء. لكن إذا كان الإنسان يعلم من نفسه أنه يأكل كثيراً خارجاً عن المعتاد فإنه يجب عليه أن يذكر لهم ذلك، لأن هذا يكون غررا كثيراً. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " مسألة: هناك محلات تبيع الأطعمة تقول: ادفع عشرين ريالا والأكل حتى الشبع؟ الجواب: الظاهر أن هذا يتسامح فيه؛ لأن الوجبة معروفة، وهذا مما تتسامح فيه العادة، ولكن لو عرف الإنسان من نفسه أنه أكول فيجب أن يشترط على صاحب المطعم؛ لأن الناس يختلفون " انتهى من "الشرح الممتع" (4/322) ط. مركز فجر. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 91480 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5026 اشترى أرضا بالتقسيط فهل له أن يبيعها قبل سداد الثمن [السُّؤَالُ] ـ[اشتريت قطعة أرض كي أبني عليها مسكنا ودفعت مقابل شرائها الدفعة الأولى عبارة عن ثلث الثمن الإجمالي لها وبعد مدة أردت أن أبيع هذه الأرض التي لم أستكمل دفعاتها مقابل مبلغ زائد عن المبلغ الذي دفعته في الدفعة الأولى التي سددت ما حكم الشرع في هذا البيع؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز شراء الأرض والأمتعة – غير الذهب والفضة والنقود – بالثمن المؤجل كله أو بعضه، كأن يُتفق على دفع مبلغ كالثلث أو الربع، ويؤجل الباقي إلى زمن معين. وإذا تم العقد، أصبح المشتري مالكا للأرض، يتصرف فيها تصرف الملاك، فله أن يبيعها أو يهبها، مع استمراره في دفع الأقساط التي عليه، بشرط ألا يبيعها على البائع الأول بثمن حالٍّ أقل مما اشتراها به؛ لأن هذا بيع العينة المحرم. جاء في "الموسوعة الفقهية" (9/36) : " الآثار المترتبة على البيع: أولا: انتقال الملك: يملك المشتري المبيع , ويملك البائع الثمن , ويكون ملك المشتري للمبيع بمجرد عقد البيع الصحيح , ولا يتوقف على التقابض , وإن كان للتقابض أثره في الضمان " انتهى. وجاء فيها أيضا: (9/40) : " وتسليم المبيع أهم الآثار التي يلتزم بها البائع في عقد البيع , وهو يثبت عند تسليم الثمن الحال، أما في الثمن المؤجل فلا يتوقف تسليم المبيع على أدائه " انتهى. وفي بعض العقود يشترط البائع على المشتري ألا يبيع السلعة – أرضا أو غيرها – حتى يسدد جميع ثمنها، وهذا الشرط جائز، وحقيقته: رهن الأرض على ثمنها أو إلى سداد ثمنها، وحينئذ لا يجوز للمشتري أن يبيعها إلا بإذن المرتهن (البائع الأول) . وانظر السؤال رقم (69877) وبناء على ذلك، فإذا لم تتفق مع البائع على رهن الأرض له حتى تسدد ثمنها، فيجوز لك أن تبيعها بما شئت من الثمن، سواء كان أكثر مما اشتريتها به، أو أقل، لأنك أصبحت مالكا للأرض ولك أن تتصرف فيها كما تشاء. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 87638 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5027 المتاجرة بالعصافير [السُّؤَالُ] ـ[أخي الصغير يتاجر في العصافير فهل هذا جائز أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز بيع العصافير لأن ذلك داخل في عموم إباحة البيع. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 22443 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5028 بيع التذاكر الجوية الحكومية إذا سافر بالبر [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز بيع التذاكر الحكومية الممنوحة لي لأني سافرت عن طريق البر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا مانع من بيع التذاكر عند الاستغناء عنها، إلا إذا ترتب على السفر عن طريق البر تأخير عن العمل، فلا يجوز السفر حينئذ إلا على الوسيلة المقررة وهي الطائرة. [الْمَصْدَرُ] الشيخ: عبد الكريم الخضير. الحديث: 26217 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5029 ينص على الزيادة في بيع التقسيط مفصولة عن الثمن [السُّؤَالُ] ـ[أردت أن أشتري سيارة بالتقسيط، فقال لي البائع: اختر المدة التي ستسدد بعدها الثمن بشرط ألا تتجاوز سنة. ولكن هذه السيارة بـ ثلاثين ألفاً نقداً وبالتقسيط آخذ ثلاثة بالمائة عن كل شهر، فإذا سددت بعد شهر آخذ ثلاثة بالمائة زيادة على الثمن، وبعد شهرين ستة بالمائة، وبعد عشرة أشهر ثلاثين بالمائة. . . وهكذا. فهل هذا حلال أم حرام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله بيع التقسيط مع الزيادة في الثمن جائز. ولكن ذكر العلماء أنه لا ينبغي أن ينص على الزيادة في صورة فوائد مفصولة عن الثمن. فإن فعل ذلك فالبيع إما محرم أو مكروه. قال ابن قدامة رحمه الله في المغني (6/266) : وَإِنْ قَالَ: بِعْتُك بِرَأْسِ مَالِي فِيهِ وَهُوَ مِائَةٌ , وَأَرْبَحُ فِي كُلِّ عَشَرَةٍ دِرْهَمًا , فَقَدْ كَرِهَهُ أَحْمَدُ , وَقَدْ رُوِيَتْ كَرَاهَتُهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ , وَابْنِ عَبَّاسٍ وَلَمْ نَعْلَمْ لَهُمَا فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفًا. وَهَذِهِ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ [يعني أنه ليس بحرام] اهـ باختصار. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "رسالة في أقسام المداينة": إذا اشتمل العقد على قوله: "بعتك إياها العشرة أحد عشرة ونحو ذلك" فهو إما مكروه أو محرم، نُقل عن الإمام أحمد أنه قال في مثل هذا: كأنه دراهم بدراهم لا يصح. هذا كلام الإمام أحمد. وعليه فالطريق الصحيح أن يعرف الدائن قيمة السلعة ومقدار ربحه ثم يقول للمستدين: بعتك إياها بكذا وكذا إلى سنة اهـ ومن قرارات المجمع الفقهي: لا يجوز شرعا في بيع الأجل التنصيص في العقد على فوائد التقسيط مفصولة عن الثمن الحالي بحيث ترتبط بالأجل سواء اتفق المتعاقدان على نسبة الفائدة أم ربطاها بالفائدة السائدة اهـ. وطريقة تصحيح هذه المعاملة كما يستفاد من كلام الشيخ ابن عثيمين السابق أن يقول البائع للمشتري: متى ستسدد الثمن؟ فإن قال: بعد سنة – مثلاً -. ينظر البائع قيمة السلعة ومقدار الربح ثم يقول للمشتري: أبيعك إياها بكذا إلى سنة، من غير أن ينص على الزيادة مفصولة عن الثمن. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 26817 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5030 بيع بربح أكثر من 10 % [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للتاجر أن يكسب أكثر من 10% من البضاعة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله كسب التاجر غير محدود بنسبة شرعاً، لكن لا يجوز للمسلم أن يخدع من يشتري منه، فيبيعه بغير السعر المعروف في السوق، ويشرع للمسلم ألا يغالي في الربح، بل يكون سمحاً إذا باع وإذا اشترى لحث النبي صلى الله عليه وسلم على السماحة في المعاملة. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى اللجنة الدائمة 13/92. الحديث: 10031 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5031 حكم بيع العربون [السُّؤَالُ] ـ[إذا اتفق البائع والمشتري على البيع، ودفع المشتري (عربون) ثم عدل بعد ذلك عن الشراء، فهل من حق البائع أن يأخذ العربون ولا يرده للمشتري؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، من حقه ذلك، وفعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو مذهب الإمام أحمد رحمه الله. وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: (لا حرج في أخذ العربون في أصح قولي العلماء إذا اتفق البائع والمشتري على ذلك ولم يتم البيع) اهـ. فتاوى للتجار ورجال الأعمال (ص49) . وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (13/133) : (بيع العربون جائز، وهو أن يدفع المشتري للبائع أو وكيلاً مبلغاً من المال أقل من ثمن المبيع بعد تمام عقد البيع، لضمان المبيع؛ لئلا يأخذه غيره على أنه إن أخذ السلعة احتسب به من الثمن، وإن لم يأخذها فللبائع أخذه وتملكه وبيع العربون صحيح، سواء حدد وقتاً لدفع باقي الثمن أو لم يحدد وقتاً، وللبائع مطالبة المشتري شرعاً بتسليم الثمن بعد تمام البيع وقبض المبيع، ويدل لجواز العربون فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال الإمام أحمد في بيع العربون: لا بأس به، وعن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه أجازه، وقال سعيد بن المسيب، وابن سيرين: لا بأس به إذا كره السلعة أن يردها، ويرد معها شيئاً، أما الحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: (نهى عن بيع العربون) فهو حديث ضعيف، ضعفه الإمام أحمد وغيره، فلا يحتج به) اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 12580 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5032 الأفضل ألا يشتري بالتقسيط وهو قادر على السداد نقداً [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لي أن أشتري بالتقسيط مع أنني قادر على سداد ثمن السلعة نقداً؟ مع العلم أن ثمن السلعة بالتقسيط أكثر من ثمنها نقداً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سبق في جواب السؤال رقم (13973) أن بيع التقسيط مع زيادة ثمن السلعة جائز. ومع جوازه إلا أنه ينبغي عدم التوسع فيه لاسيما مع عدم الحاجة إليه. لأن بيع التقسيط هو بيع بالدين، ولا ينبغي التوسع في الاستدانة، بل ينبغي أن لا يستدين إلا لحاجة أو ضرورة. فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ من الدين. روى البخاري (833) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلَاةِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَفِتْنَةِ الْمَمَاتِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ. [والمغرم هو الدين] فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ مِنَ الْمَغْرَمِ! فَقَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ [أي: استدان] حَدَّثَ فَكَذَبَ، وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ. وكان صلى الله عليه وسلم يدعو بقضاء الدين. فقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ وَأَغْنِنَا مِنْ الْفَقْرِ. رواه البخاري (4888) . ولذلك ينبغي أن لا يشتري بالتقسيط وهو قادر على دفع الثمن في الحال. لأنه بذلك يشغل ذمته بالديون وهو مستغنٍ عن ذلك، ولا حاجة إليه، ويعرض نفسه للخطر، إذ لو مات المرء وعليه دين لم يغفر له ولو مات شهيداً في المعركة، حتى يقضى عنه دَيْنُه. روى مسلم (1886) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلا الدَّيْنَ) . وروى النسائي (4605) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ وَضَعَ رَاحَتَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ ثُمَّ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! مَاذَا نُزِّلَ مِنَ التَّشْدِيدِ؟ فَسَكَتْنَا وَفَزِعْنَا، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ سَأَلْتُهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا هَذَا التَّشْدِيدُ الَّذِي نُزِّلَ؟ فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَوْ أَنَّ رَجُلا قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أُحْيِيَ، ثُمَّ قُتِلَ، ثُمَّ أُحْيِيَ، ثُمَّ قُتِلَ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مَا دَخَلَ الْجَنَّةَ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ دَيْنُهُ. حسنه الألباني في صحيح النسائي (4367) . فالحاصل أنك إذا كنت مستغنياً ولست في حاجة إلى المال الذي معك ولا تظن أنك تحتاج إليه قريباً فالأولى لك أن تشتري نقداً ولا تشتري بالتقسيط. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 14071 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5033 عند شراء عدد معين يعطونه خدمة مجانية [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم إعطاء بعض المحلات لعملائها كروت يقوم العميل بتجميعها ثم إذا وصلت لعدد معين تقوم بعمل خدمة له مجانية كمحطات وقود السيارات أو المغاسل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما تمارسه محطات الوقود، وكذلك بعض المحلات التجارية من إعطاء المتعامل معها هدايا كمنديل أو كرت ليجتمع مع غيره لتغسيل السيارة وتغيير الزيت أو تقديم مبلغ للغسال ليكون على حساب غسيل الملابس بتخفيض نسبة من قيمة الغسيل، في مقابلة تقديم الأجرة فلا يظهر لي مانع من اعتبار صحة هذا التصرف لأن ذلك من قبيل التنازل عن بعض حقه أعني صاحب المحطة أو صاحب المغسلة أو صاحب المحل التجاري، وليس من قبيل القمار لأن المتعامل مع هذه الجهات الثلاث لا يخسر شيئاً، حيث إن ما يقدمه من مبلغ هو في مقابلة ما يحصل عليه من عوض ذلك المبلغ، وما يحصل عليه من جائزة هو من قبيل الحوافز على التعامل. [الْمَصْدَرُ] مجلة الدعوة العدد 1796 ص 19. الحديث: 22085 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5034 شراء السيارة بالتقسيط [السُّؤَالُ] ـ[هل شراء سيارة بالتقسيط في أمريكا محرم؟ لا أدري إذا كان هناك أي ربا في العقد أم لا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحكم على الشيء فرع عن تصوره، لذلك لا يمكن الحكم على هذا البيع بالجواز أو التحريم إلا بعد الوقوف على صفة العقد وشروطه. وهناك صورتان شائعتان في البيع والشراء المقسط: الأولى: أن تشتري سيارة ممن يملكها، سواء كان المالك شخصا أو شركة، على أن تدفع ثمنها مقسطاً، وهذا لا حرج فيه ولو كان ثمنها المقسط أعلى من ثمنها النقدي. راجع سؤال رقم 13973 الثانية: أن تشتري هذه السيارة عن طريق جهة أو شخص ليست بحوزته ولا يملكها، وإنما يدفع ثمنها إلى مالكها، نيابة عنك، على أن تسدد المبلغ لهذه الجهة مقسطا مع زيادة، فهذا محرم. لأن حقيقة هذا العقد أن (هذه الجهة كالبنك وغيره) قد أقرضك قرضا ربويا بفائدة، ولم يشتر شيئا يدخل في ضمانه ويقبضه ليصح بيعه لك. راجع سؤال رقم 10958 ولهذا لو فرض أن البنك اشترى السيارة شراء حقيقيا وقبضها لديه، ثم باعها عليك مقسطة بثمن أعلى، فلا حرج في ذلك، وهذا مندرج تحت الصورة الأولى. سئلت اللجنة الدائمة: طلب إنسان من صديقه أن يشتري له سيارة بنقد ثم يعيد بيعها له إلى أجل مع الربح في البيع. فهل هذا يعد من الربا؟ فأجابت: إذا طلب إنسان من آخر أن يشتري له سيارة معينة أو موصوفة بوصف يضبطها، ووعده أن يشتريها منه فاشتراها مَن طُلبت منه وقبضها جاز لمن طلبها أن يشتريها منه بعد ذلك نقداً أو أقساطاً مؤجلة بربح معلوم، وليس هذا من بيع الإنسان ما ليس عنده لأن من طلبت منه السلعة إنما باعها على طالبها بعد أن اشتراها وقبضها، وليس له أن يبيعها على صديقه مثلا قبل أن يشتريها أو بعد شرائه إياها وقبل قبضها، لنهي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بيع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم اهـ فتاوى اللجنة الدائمة (13/152) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20091 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5035 حكم بيع الكلونيا والتطيب بها [السُّؤَالُ] ـ[يوجد بعض أنواع من الكلونيا يشربها من يتعاطى المسكرات ويسكرون بها، فما حكم بيعها وشرائها، وهل يجوز التطيّب بها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا بلغت الكلونيا بما فيها من الكحول درجة الإسكار بشرب الكثير منها حرم الإبقاء عليها قلّت أم كثرت، ووجبت إراقتها وإتلافها لأنها خمر، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر المسلمين بإراقة ما لديهم من الخمور حينما نزل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) المائدة/90-91 ولما ثبت من قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ " رواه الترمذي (1865) وأبو داود (3681) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. وعلى ذلك يحرم شربها والتطيب أو التطهير بها، أما إن لم تبلغ درجة الإسكار بما فيها من الكحول بشرب الكثير منها فيجو ز شراؤها واقتناؤها واستعمالها تطيباً وتطهيراً بها، لأن الأصل الجواز حتى يثبت ما ينقل عنه. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة (22/143) . الحديث: 13940 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5036 حكم بيع السلعة إلى أجَل بأكثر من سعرها الحاضر [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكن لشخص إذا باع سلعة نقداً بعشرة ريالات أن يطلب سعراً أغلى إذا أراد المشتري تسديد الثمن بعد 30 يوماً. على سبيل المثال: إذا بيعت سلعةً ما بعشرة ريالات في حالة الدفع نقداً هل يمكن للبائع طلب إحدى عشرة ريالاً لنفس السلعة إذا أراد المشتري تأجيل الدفع لمدة 30 يوماً. رجاءً الإيضاح في ضوء المعاملات الربوية.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز بيع السلعة إلى أجل بأكثر من سعرها الحاضر سواء كان دفع الثمن أقساطاً أم مرّة واحدة عند الأجل، لكن بشرط أن لا يفترقا حتى يعيّنا نوع البيع، ويتفقا على كونه نقداً أو لأجل، وليست الزيادة ربا، وليس في الشرع نص على تحديد مقدار الزيادة في البيع لأجَل عن البيع، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم حث على السماحة في البيع والشراء والقضاء والاقتضاء. فتوى اللجنة الدائمة انظر كتاب فتاوى إسلامية ج/2 ص/335 ولكن لو باعه إياها بعشرة مثلاً ثم أراد المشتري التأخُّر في دفع الثمن فلا يجوز للبائع أن يزيد عليه شيئاً، فإن زاد عليه شيئاً مقابل الزيادة في المدَّة فهو رباً محرَّم وكبيرة عظيمة نسأل الله السلامة. ويراجع جواب سؤال رقم (1231) [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 12638 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5037 بيع قسائم بنزين مقدماً بالتخفيض [السُّؤَالُ] ـ[طرحنا برنامج محروقات للجمهور، تفصيله كالتالي: ادفع (200) ريال واحصل على قسائم بنزين بقيمة (210) ريال وغسيل مجاني لسيارتك، علماً بأن مبلغ (200) ريال يدفع مقدماً عند شراء قسائم البنزين، هل هذا العرض حلال أم حرام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الأمر كما ذكر جاز بيع قسائم البنزين مع الغسيل بالقيمة المذكورة لأن البيع في الحقيقة إنما وقع على الكمية من البنزين الموضحة في القسائم مع الغسيل وليس في ذلك غرر ولا رباً ولا جهالة. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى اللجنة الدائمة ج13/34. الحديث: 3223 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5038 هل يجوز شراء مؤسسة بشرط أن يسدد عنها الديون؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز شراء مؤسسة عليها ديون بشرط أن يتحمل المشتري تسوية هذه الديون؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز ذلك من باب تحمل الدين مقابل تملكه لتلك المؤسسة سواء دفع مبلغا لصاحبها أو كان التملك مقابل تحمل الديون فقط، كأن يقول: أشتري منكم المؤسسة بـ 500.000 أدفع ثلاثمائة ألف نقدا وأتحمل مائتي ألف التي على المؤسسة للناس. [الْمَصْدَرُ] الشيخ ابن جبرين. الحديث: 21218 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5039 البيع بالتقسيط قد يكون مستحباً [السُّؤَالُ] ـ[أبيع بالتقسيط وأزيد في ثمن السلعة عن ثمنها نقداً. هل يمكن أن يكون لي ثواب لأنني أساعد المسلمين في شراء ما يحتاجونه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله البيع بالتقسيط مع زيادة الثمن جائز , راجع سؤال (13973) . والبيع بالتقسيط قد يكون حكمه بالنسبة للتاجر الاستحباب أو الإباحة. فيكون مستحباً ويثاب عليه إذا قصد الإرفاق بالمشتري، ومساعدته على شراء ما يحتاج، ولا يزيد عليه الثمن لأجل التقسيط إذا كان فقيراً محتاجاً، ولا يضيق عليه في السداد. بل إذا حل موعد السداد وليس عنده مال أعطاه مهلة، أو أسقط عنه الثمن كله أو بعضه. قال الله تعالى: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) البقرة/280. قال الشيخ السعدي رحمه الله: أي: وإن كان الذي عليه الدين معسراً وجب على غريمه أن ينظره إلى ميسرة. . . وإن تصدق عليه غريمه - بإسقاط الدين كله أو بعضه - فهو خير له اهـ تفسسير السعدي (ص 168) . وروى البخاري (1307) ومسلم (1561) عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (حُوسِبَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مِنْ الْخَيْرِ شَيْءٌ إِلا أَنَّهُ كَانَ يُخَالِطُ النَّاسَ وَكَانَ مُوسِرًا، فَكَانَ يَأْمُرُ غِلْمَانَهُ أَنْ يَتَجَاوَزُوا عَنْ الْمُعْسِرِ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: نَحْنُ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْهُ، تَجَاوَزُوا عَنْهُ) . وأما إذا قصد التاجر بالبيع بالتقسيط المعاوضة الكاملة والربح وزاد في الثمن لأجل التقسيط فهو مباح. وبعض التجار لا يبيع إلا بالتقسيط، حتى يكون ربحه أكثر، وهذا نص الإمام أحمد رحمه الله على كراهته فإن باع بالنقد والتقسيط فلا بأس. وعلل شيخ الإسلام رحمه الله كراهة ذلك بأنه يدخل في بيع المضطر لأنه غالب من يشتري بنسيئة [أي بالتقسيط] إنما يكون لتعذر النقد عليه، فإذا كان الرجل لا يبيع إلا بنسيئة كان ربحه على أهل الضرورة والحاجة، وإذا باع بنقد ونسيئة كان تاجراً من التجار. اهـ من تهذيب السنن لابن القيم. عون المعبود (9/347) . والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 13721 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5040 حكم من يبيع السلع على من يشتريها بمال ربوي [السُّؤَالُ] ـ[يوجد شخص وهو يبني بيوتا من مال حلال, ثم يبيعها لغيره. والذين يشترون تلك البيوت يشترونها من أموال ربوية. فهل يقع أي ذنب على الشخص الأول؟ إنه من المعروف أن أغلب الناس الذين يعيشون في الغرب يحصلون على قروض لشراء بيوت, وأنهم لا يملكون تقديم الثمن نقدا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأفضل ألا يدخل في هذه المعاملة من باب الورع، ولكن الأصل أنه لا علاقة له بالمعاملة الربوية وليس طرفا فيها لأن آكل الربا هو البنك ومؤكله هو المشتري. [الْمَصْدَرُ] فضيلة الشيخ ابن جبرين الحديث: 10676 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5041 حكم بيع أمواس الحلاقة [السُّؤَالُ] ـ[إن والدي يرسل لنا علب أمواس حلاقة لنبيعها، ونظراً لأن هذه الأمواس غالباً ما تستخدم في حلق اللحية، ونادراً ما تستخدم في الشارب والعانة، ونظراً لذلك فقد داخلني الشك، هل هي حلال أم حرام، أي هل بيعها يجوز أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يحرم عليكم بيعها والانتفاع بثمنها، ولكن يحرم على من كانت في حوزته أن يستعملها في محرم. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى اللجنة الدائمة ج13/30. الحديث: 3003 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5042 يبيع السلعة بأسعار مختلفة للزبائن [السُّؤَالُ] ـ[أخ مسلم يعمل في متجر للأحذية وأصحاب المتجر يقومون بتغيير أسعار السلع باستمرار. علي سبيل المثال، شخص يشتري سلعة بخمسين دولار، ولشخص أخر يكون السعر تسعين دولاراً بالرغم من أن السعر الموضح علي السلعة ستون دولارا. هل يجوز تغيير الأسعار بهذه الطريقة؟ وهل هذا عدل في التجارة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله على البائع أن يبيع السلعة بما تساويه في السوق، فإن باعها بغير ما تساويه في السوق فله حالان: الأولى: أن يبيعها بأنقص من قيمتها بالسوق - كما لو أراد أن يحابي أحد أصدقائه، مثلاً - فهذا جائز، ولا بأس به، ولا يُمنع منه البائع إلا إذا قصد الإضرار بغيره من التجار، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) . رواه ابن ماجه (2340) وصححه الألباني في "الإرواء" (896) . الثانية: أن يبيعها بأكثر مما تساويه في السوق فإن كانت الزيادة يسيرة كما لو باع ما يساوي عشرين باثنين وعشرين، فهذا جائز لأنه مما جرت عادة الناس بالتسامح فيه. وأما إن كانت الزيادة كثيرة، والمشتري لا يعرف الثمن، كما لو باع ما يساوي ستين بتسعين – كما هو مذكور في السؤال – فإن هذا لا يجوز، وهو من الغش والخداع، ويكون للمشتري الخيار إذا تبين له الأمر، فله رد السلعة. وهذا يسميه العلماء رحمهم الله خيار الغَبْن. انظر المغني (4/18) . وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما الحكم في تاجر يبيع الأشياء بأسعار مختلفة للناس، ولو كانت السلعة هي نفسها، فيبيعها لواحد مثلاً بعشرة، ولآخر بعشرين، ولثالث بخمسة، فهل مثل هذا يجوز أم لا؟ فأجاب: "إذا كان هذا الاختلاف بسبب اختلاف السوق، وأن هذه السلعة تزداد يوماً وتنقص يوماً فهذا لا بأس به أن يبيع بسعر السوق، وليس في ذلك محذور، وأما إذا كان الاختلاف فيما يبيع به إنما هو من أجل شطارة المشتري، وكونه جيداً في المماكسة أو غير جيد فإذا رأى أنه غير جيد غلبه، وإذا رأى أنه جيد نزّل له فإن هذا لا يجوز، لأنه من الغش وخلاف النصيحة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث تميم الداري أنه قال: (الدين النصيحة) . قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: (لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) رواه مسلم (55) . وكما أنه هو لا يرضى أن يفعل به أحد مثل ذلك، فكيف يرضى لنفسه أن يفعله في إخوانه المسلمين؟! فالواجب أن يكون بيع الإنسان بحسب ما تقتضيه الأسعار في المكان الذي هو فيه، وأن لا يجعل لهذا سعراً وهذا سعراً بسبب غباوة المشتري. أما كونه يحابي بعض أصحابه وبعض أصدقائه بالتنزيل من الثمن فهذا لا بأس به ولا حرج عليه، أو كونه يبيع السلعة بما تساوي بالأسواق، ثم يأتي رجل ثانٍ يلح عليه بالمماكسة والتنزيل له فإن هذا لا يضره، لأنه ما خرج عن السعر المعتاد" اهـ. فتاوى للتجار ورجال الأعمال ص42. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 13341 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5043 بيع الأب بعض ممتلكاته على أحد أولاده [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للرجل أن يبيع شيئاً من ماله على بعض أولاده، مع العلم أن بعضاً منهم قادر على الشراء، والبعض الآخر ليس عنده شيء ولا يقدر على الشراء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز للرجل أن يبيع من ماله على بعض أولاده، إذا كان قادراً على الشراء، ويتعامل معه كما يتعامل مع شخص أجنبي ولا يحابيه محاباة يكون فيها تفضيل له على بقية إخوانه. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى اللجنة الدائمة ج13/15. الحديث: 3138 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5044 بيع الأب بعض ممتلكاته على أحد أولاده [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للرجل أن يبيع شيئاً من ماله على بعض أولاده، مع العلم أن بعضاً منهم قادر على الشراء، والبعض الآخر ليس عنده شيء ولا يقدر على الشراء؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز للرجل أن يبيع من ماله على بعض أولاده، إذا كان قادراً على الشراء، ويتعامل معه كما يتعامل مع شخص أجنبي ولا يحابيه محاباة يكون فيها تفضيل له على بقية إخوانه. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى اللجنة الدائمة ج13/15 الحديث: 12946 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5045 ماذا يعمل بالزائد عن عينات تحليل الجودة [السُّؤَالُ] ـ[ترد إلى المختبر عينات مختلفة من أجبان وعصيرات ومكسرات ولحوم وعطور وألبان وغير ذلك، وبعض العينات تزيد عن حاجة التحليل المطلوب لها، مثال ذلك: كرتون عصير يحتوي 30 علبة، والتحليل يحتاج إلى 5 علب، والأمثلة على ذلك كثيرة، فهل يجوز للمحلل أخذها أو إعطاؤها لبعض المستحقين؟ علماً أن بقاء مثل هذه العينات إلى حد انتهاء إجراءاتها في المختبر والجمرك قد يؤدي إلى فسادها ورميها، علاوة على ذلك إن كثيراً من التجار لا يأتون ويسألون عن بقية مثل هذه العينات.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: على الجهات المسئولة عند طلب عينات للتحليل في مختبر الجودة والصلاحية أن تطلب مقدار ما يكفي للتحليل غالباً، ولا تطلب زيادة على الكفاية، ولا تستلم أكثر من اللازم. ثانياً: في حال كفاية بعض الكمية المقدرة فإنه يعاد الباقي لصاحبه، وذلك بأخذ عنوانه على العينة وتحديد موعد لتسليم الفائض عن التحليل، ومكان التسليم والشخص المسئول عن ذلك ليمكن مراجعته. ثالثاُ: في حال تخلف صاحب العينة أو من ينيبه عن الحضور وعند خشية فساد العينة فإنها تباع وتدخل (بيت مال المسلمين فإن لم يستطاع بيعها صُرفت في مصارف بيت المال) [الْمَصْدَرُ] انظر فتاوى اللجنة الدائمة ج13/22. الحديث: 3066 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5046 هل يجوز البيع للزبائن السكارى [السُّؤَالُ] ـ[والدي له بقالة وبعض الأحيان يأتي زبائن سكرانين، هل يجوز أن نتعامل مع مثل هؤلاء الزبائن؟ وإذا كان يجوز فهل ينقض الوضوء شمنا لرائحة الكحول القوية المنبعثة منهم أو من علب البيرة التي يحملونها بأيديهم ويشربون منها؟]ـ [الْجَوَابُ] عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين: صاحب محل تجاري في بلاد الغرب يدخل عليه نصارى سكارى أو يترنحون ليشتروا أشياء مباحة فهل يجوز أن يبيعهم؟ فأجاب حفظه الله: نعم. مادام أنهم نصارى؟ سؤال: لماذا الجواب: يجوز لأن النصارى يعتقدون حل شرب الخمر. سؤال: أشكل علينا أن أحد طرفي العقد ليس في عقله (ليس عاقلا) جواب: أليس يعرف أن يشتري؟ سؤال: للسكران أحوال، فقد يكون واعيا لعملية الشراء وقد لا يكون؟ جواب: إذا كانوا بحال لا يعلمون، فهذا لا يجوز معاملته. سؤال: أما إذا كان السكران يعلم ماذا يفعل؟ جواب: فلا بأس، كما في الآية الكريمة: " لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ". والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن صالح العثيمين الحديث: 6194 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5047 التنازل عن الهاتف مقابل تسديد الفاتورة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن يتنازل له عن رقم هاتفه مقابل أن يقوم المتنازل له بتسديد الفاتورة التي على المتنازل بمبلغها المعلوم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سألت هذا السؤال شيخي سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله فأجاب: لا أعلم مانعا والتنازل أعم من البيع. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 9499 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5048 العمل في تحميل وتنزيل التلفزيونات واللاقطات [السُّؤَالُ] ـ[كثيراً ما يحدث خلافات وفتن بيننا نحن العمال وعملنا في السوق، وسبب هذا الخلاف: أنني أرفض تنزيل جهاز التلفزيون أو الدش عند قدوم السيارة، وفي بعض الأحيان تأتي السيارة فيها جهاز الثلاجة والمجمدات ومعها مادة جهاز التلفزيون، فما حكم تنزيل هذا الجهاز إذا كان السيارة فيها تلفزيون فقط؟ وما حكم تنزيل السيارة إذا كان معها عدد قليل من التلفزيون؟ مع العلم أن هذا العمل هو مصدر رزقي الوحيد، وفي حالة رفضي نزول التلفزيون يمنعوني من العمل.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سبق في جواب السؤال رقم (39744) أن أجهزة التلفاز تستعمل في الخير والشر، وأن غالب استعمالها اليوم إنما هو في الشر، لذا كان بيعها وشراؤها وصيانتها حراماً، وأنه لا يجوز بيعها وشراؤها إلا لمن علم أو غلب على ظنه أنه يستعملها في المباح. والحكم ذاته يكون في تحميلها وتنزيلها، ولا فرق، وخاصة إذا أضيف إليها " الدش "، ولا شك أنه إذا كان الغالب على استعمالها من الناس اليوم الإثم: فإنه لا يجوز الإعانة على هذا الإثم والمساعدة فيها، كالدلالة على محلاته، والدعاية لهم، ومنه: تحميلها وتنزيلها لمصانعها ومسوقيها وزبائنها الذين يشترونها. ولا فرق بين كونها كثيرة أو قليلة، والله تعالى يقول: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) الزلزلة/7،8. ولا ينبغي لك أن تقول إن هذا مصدر رزقك الوحيد؛ فمصادر الرزق كثيرة، والله تعالى يقول: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) الطلاق/2،3، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنك لن تدع شيئاً لله عز وجل إلا بدَّلك الله به ما هو خير لك منه) رواه الإمام أحمد، وصححه الألباني في " حجاب المرأة المسلمة " (47) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 75459 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5049 الشراء من البقالة بالآجل لا يعدُّ من ربا النسيئة [السُّؤَالُ] ـ[يوجد بالقرب من منزلنا بقالة، فنقوم بطلب ما نريده منها ونؤخر تسليم الثمن إلى أجل محدود، فهل يعتبر هذا من ربا النسيئة؟ مع العلم أن البائع راضٍ بأي طريقة تم الدفع بها عاجلاً أو مؤخراً فما الحكم في ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله شراء الأشياء من البقالة من تأخير قبض الثمن من النقود ليس من الربا في شيء. وذلك لأن الأصناف التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم ويجري فيها الربا ستة أصناف، الذهب والفضة، ويلحق بهما الآن النقود. والتمر والبر (القمح) والشعير والملح. وهذه الأصناف قسمها العلماء إلى قسمين - حسب اتفاقها في علة جريان الربا فيها -: فالقسم الأول: الذهب والفضة وما ألحق بهما. القسم الثاني: البر والشعير والتمر والملح. فإذا أراد الإنسان أن يشتري شيئاً من القسم الثاني بشيء من القسم الأول، كما لو كان يشتري تمراً بنقود، فلا يجري بينهما الربا، فيجوز الشراء مع تأخير الثمن باتفاق العلماء. وقد اشترى النبي صلى الله عليه وسلم من يهودي شعيراً وأخَّر دفع ثمنه، ورهن عنده درعه. فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: اشْتَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا بِنَسِيئَةٍ وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ. رواه البخاري (1999) ومسلم (1603) . ورواه البخاري (2069) عن أنس رضي الله عنه بلفظ: (رَهَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِرْعًا لَهُ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ يَهُودِيٍّ وَأَخَذَ مِنْهُ شَعِيرًا لِأَهْلِهِ) . وبوب عليه البخاري بقوله: " باب شراء النبي صلى الله عليه وسلم بالنسيئة ". قال ابن حجر: قال ابن بطال: الشراء بالنسيئة جائز بالإجماع. " فتح الباري " (4 / 302) . فيجوز لك شراء ما تشاء من بضائع من البقالة مع تأخير دفع النقود ولا يدخل ذلك في ربا النسيئة. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 75565 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5050 ما هو مقدار السعي عند البيع [السُّؤَالُ] ـ[كثر الجدل حول مقدار السعي الذي يأخذه الدلال، فساعة 2.5 في المائة، وساعة 5 في المائة، فما هو السعي الشرعي، أو أنه حسب الاتفاق بين البائع والدلال؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا حصل اتفاق بين البائع والمشتري على أن يأخذ من المشتري أو من البائع أو منهما معاً سعياً معلوماً جاز ذلك، ولا تحديد للسعي بنسبة معينة، بل ما حصل عليه الاتفاق والتراضي ممن يدفع السعي جاز، لكن ينبغي أن يكون في حدود ما جرت به العادة بين الناس مما يحصل به نفع الدلال في مقابل ما بذله من وساطة وجهد لإتمام البيع بين البائع والمشتري، ولا يكون فيه ضرر على البائع أو المشتري بزيادة فوق المعتاد. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ج/13 ص 130 الحديث: 13960 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5051 حكم التخفيضات التجارية [السُّؤَالُ] ـ[تقوم بعض المحلات بإجراء تخفيضات على السلع كنوع من الدعاية التجارية وجذب الزبائن، فهل يجوز لي كصاحب محل أن أفعل ذلك؟ وما حكم الشراء من المحلات أثناء فترة التخفيضات؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال أكثر أهل العلم بجواز بيع السلع والخدمات بأقل من سعر مثلها. وهذا مذهب الحنفية وقول ابن رشد من المالكية والشافعية والحنابلة، وابن حزم من الظاهرية. وأدلة هذا القول: أولاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم عدّ التدخل في تحديد الأسعار نوعاً من الظلم الذي يجب الامتناع منه فقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله هو القابض الباسط المسعّر، وإني لأرجو أن ألقى الله ولا يطالبني أحد بمظلمة ظلمتها إياه في دم ولا مال) رواه الأمام أحمد في المسند (3/165) ، (286) والترمذي في كتاب البيوع رقم (1314) (3/597) ، وابن ماجه رقم 2200 (2/741) كلهم من حديث أنس رضي الله عنه. ثانياً: أن الشريعة ندبت إلى السماحة والسهولة في البيع والشراء وسائر المعاملات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع وإذا اشترى، وإذا اقتضى) رواه البخاري رقم 2076 (2/81) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. ولا شك أن البيع بأقل من ثمن المثل داخل في ذلك، قال ابن رشد فيمن باع بأرخص مما يبيع أهل السوق: (بل يشكر على ذلك عن فعله لوجوه الناس ويؤجر إذا فعله لوجه الله) البيان والتحصيل (9/306) . ثالثاً: أن أثمان السلع والخدمات، وأسعارها حق لأربابها، فلا يحجر عليهما فيها، ولا يتعرض لهم في تقديرها. ينظر تبين الحقائق (6/28) ، المغني (6/312) . وقد قال بعض العلماء بأنه لا يجوز بيع السلع والخدمات بأقل من سعر مثلها، وهذا مذهب المالكية. والراجح هو القول بجواز البيع بأقل من سعر السوق لقوة الأدلة الدالة على ذلك، ولأن المبايعات والمعاوضات مبناها على التراضي كما قال تعالى: (إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) النساء /29 فإذا رضي البائع أن يبيع سلعته أو خدمته بثمن دون السعر السائد، فلا وجه لمنعه من ذلك، كما أن الأصل في البيوع الحِل، قال الله تعالى: (وأحل الله البيع) البقرة/275 فلا يمنع منها شيء إلا بدليل يعتمد عليه ولكن إن رأى ولي الأمر أن مصلحة الناس لا تتم إلا بمنعهم من البيع بدون سعر المثل لما في ترك ذلك من المفاسد، فإن ذلك جائز لا حرج فيه لأن المقصود هو إصلاح معاش الناس واستقامة أمرهم، فإذا كان ذلك لا يتحقق إلا بمنعهم من البيع بأقل من السعر السائد كان ذلك جائزاً، بل قد يكون واجباً والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] من كتاب الحوافز التجارية التسويقية لـ خالد بن عبد الله المصلح ص 171. الحديث: 7842 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5052 البيع على الأطفال بأغلى من سعر الجملة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمسلم أن يبيع بضائع قد اشتراها من سوق الجملة وملصوق عليها السعر مثل (المشروبات المعلبة والبضائع المخفضة) بسعر أغلى لآخرين وخصوصاً أطفال المسلمين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا بأس أن يزيد في ثمن السلعة لأن التجارة قائمة على ذلك بشرط أن لا يكون على سبيل الكذب أو الخديعة أو الاحتكار فيما لا بد للناس منه من القوت ونحوه. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 5375 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5053 حكم شراء بساتين المِشمِش قبل نضجها [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الشريعة في شراء بساتين المشمش قبل النضج، حيث يتسارع التجار إلى شرائها من الفلاحين وهى ما زالت غير ناضجة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا يجوز بيع الثمار قبل بدو صلاحها، بإجماع العلماء، لثبوت النهي عن ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. فعن ابن عمر رضي الله عنهما أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم: (نَهَى عَن بَيعِ الثَّمَارِ حَتََّّى يَبدُوَ صَلَاحُهَا، نَهَى البَائِعَ وَالمُبتَاعَ – أي المشتري -) رواه البخاري (2194) ومسلم (1534) . ومن باب أولى: لا يجوز بيع الثمرة قبل ظهورها، وهذا أيضاً أجمع العلماء على تحريمه. وحكمة النّهي عن بيع الثّمر قبل بدوّ صلاحه هي خوف تلف الثّمرة، وحدوث العاهة عليها قبل أخذها، فإنه يكثر تعرض الثمرة للآفات قبل بدو صلاحها، وقد ثبت في حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أَرَأَيتَ إِذَا مَنَعَ اللَّهُ الثّمَرَةَ، بِمَ يَأخُذُ أَحَدُكُم مَالَ أَخِيهِ؟) رواه البخاري (1488) ومسلم (1555) . والمراد ببدو الصلاح أول ظهوره وبدايته، بحيث تكون الثمرة صالحة للأكل، وليس المراد كمال النضج، ولذلك جاء في الحديث: (حتى يبدو صلاحها) ولم يقل: (حتى يتم صلاحها) . وروى مسلم (1536) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَن بَيعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى تَطعَمَ) وفي رواية: (حَتَّى تَطِيبَ) . قال النووي رحمه الله تعالى في "المجموع" (11/150) : " بدو الصلاح يرجع إلى تغير صفة في الثمرة، وذلك يختلف باختلاف الأجناس، وهو على اختلافه راجع إلى شيء واحد مشترك بينها، وهو طيب الأكل " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (4/33) : " الضابط يدور على إمكان أكلها واستساغته؛ لأنه إذا وصل إلى هذا الحد أمكن الانتفاع به، وقبل ذلك لا يمكن الانتفاع به إلا على كره، وهو أيضا إذا وصل هذه الحال من النضج قَلَّت فيه الآفات والعاهات " انتهى. وبدو صلاح المشمش الوارد في السؤال: نص العلماء على أنه يكون ببداية اصفراره مع حلاوته. انظر: "المجموع" (11/151) . ثانياً: لكن هذا الحكم – وهو تحريم بيع الثمار قبل بدو صلاحها – قد استُثني منه عدة صور، يجوز فيها بيع الثمار ولو لم يبدُ صلاحها. الأولى: أن يبيع الثّمرة مع الشّجر، فهذا جائز، سواء كان الثمر قد بدا صلاحه أم لا، ولا يختلف في ذلك الفقهاء، لأنّ بيع الثّمر هنا تابع للشّجر، والقاعدة عند العلماء: " أنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في الشيء المستقل ". الثانية: أن يبيع الثمرة قبل بدوّ صلاحها بشرط أن يقطعها المشتري في الحال، ولا ينتظر نضجها، فهذا البيع صحيح بالإجماع، وعلّله العلماء بأنّ المنع من البيع قبل بدوّ الصّلاح، إنّما كان خوفاً من تلف الثّمرة، وحدوث العاهة عليها قبل أخذها، وهذا مأمون فيما يقطع في الحال. ويتصور اشتراط القطع في الحال في بعض الثمار التي يستفاد منها قبل النضج، كما لو كانت صالحة لتكون علفاً للبهائم مثلاً، ونحو ذلك من أوجه الانتفاع بها. ثالثاً: إذا كان البستان واحدا، فلا يشترط أن يبدو الصلاح في كل شجرة من شجر البستان، بل يعتبر كل نوع على حدة، فيكفي أن يبدو الصلاح في شجرة واحدة من كل نوع. فمثلاً: إذا كان البستان فيه أنواع من التمر كالبرحي والسكري مثلا، فلا يعتبر بدو الصلاح في البرحي كافياً لبيع السكري، ولكن لا بد من بدو الصلاح في كل نوع، ولو في نخلة واحدة. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (4/31) : " صلاح بعض الشجرة صلاح لها كلها ولسائر النوع الذي في البستان " انتهى. انظر: "الموسوعة الفقهية" (9/190-194) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 72505 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5054 شراء طيور الزينة من أجل صوتها وألوانها [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز شراء طيور الزينة من أجل التمتع بصوتها، وألوانها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " بيع طيور الزينة مثل الببغاوات والطيور الملونة والبلابل لأجل صوتها جائز؛ لأن النظر إليها وسماع أصواتها غرض مباح , ولم يأت نص من الشارع على تحريم بيعها أو اقتنائها , بل جاء ما يفيد جواز حبسها إذا قام بإطعامها وسقيها وعمل ما يلزمها , ومن ذلك ما رواه البخاري من حديث أنس قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً , وكان لي أخ يقال له: أبو عمير – قال: أحسبه فطيماً - وكان إذا جاء قال: (يا أبا عُمير ما فعل النُّغير؟) نغر كان يلعب به) الحديث. والنغر نوع من الطيور , قال الحافظ ابن حجر في شرحه (فتح الباري) في أثناء تعداده لما يستنبط من الفوائد من هذا الحديث قال: وفيه. . جواز لعب الصغير بالطير , وجواز إنفاق المال فيما يتلهى به الصغير من المباحات , وجواز إمساك الطير في القفص ونحوه , وقص جناح الطير إذ لا يخلو حال طير أبي عمير من واحد منهما , وأيهما كان الواقع التحق به الآخر في الحكم , وكذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (دخلت امرأة النار في هرة حبستها , لا هي أطعمتها وسقتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض) , وإذا جاز هذا في الهرة جاز في العصافير ونحوها. وذهب بعض أهل العلم إلى كراهة حبسها للتربية , وبعضهم منع من ذلك , قالوا: لأن سماع أصواتها والتمتع برؤيتها ليس للمرء به حاجة , بل هو من البطر والأشر ورقيق العيش , وهو أيضاً سفه؛ لأنه يطرب بصوت حيوان صوته حنين إلى الطيران , وتأسف على التخلي في الفضاء , كما في كتاب "الفروع وتصحيحه" للمرداوي (4/9) , و"الإنصاف" (4/275) " انتهى. [الْمَصْدَرُ] "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (13/39) . الحديث: 72222 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5055 السماح للعاصي بالمعصية [السُّؤَالُ] ـ[عائلتي تريد أن تبدأ مشروعاً استثمارياً وهو عبارة عن مطعم بناءً على قول الرسول صلى الله عليه وسلم أن التجارة أفضل من الراتب. والمشكلة في هذا المشروع أنه حتى ينجح فلا بد من تقديم الخمر للزبائن ولذا تجنبنا هذا المشروع لأنه حرام حينئذ. لكن أحد الأصدقاء اقترح علينا حلاً وسطاً للتخلص من هذه المشكلة وهي أن يحضر الزبائن خمورهم معهم وفي هذه الحالة لن يتم بيع الخمر ولا شراؤه ولا تقديمه للزبائن من قبلنا. فما رأيكم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ليس في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ما ذكره الأخ السائل " أن التجارة أفضل من الراتب "، وقريب منه حديث " تسعة أعشار الرزق في التجارة " وهو حديث ضعيف، ضعفه الألباني في ضعيف الجامع (2434) . ثانياً: وما اقترحه عليك أحد أصدقائك بأن يُحضر الزبائن الخمور معهم في مطعمكم: باطل شرعاً، وهي نصيحة سوء إما من قاصد لضرركم، أو من جاهل لا يعلم حكم الله. ذلك أنكم مسئولون عن مطعمكم عند الله ولا يحل لكم أن تسمحوا بارتكاب المعاصي والآثام فيه، وشرب الخمر حرام ولا يشك في ذلك مسلم، وهو منكر عظيم، فما هو موقفكم من هذا المنكر؟ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فقلبه " رواه مسلم (49) . فهل غيرتم هذا المنكر بأيديكم؟ وهل غيرتم بلسانكم؟ وأمر آخر: عن جابر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها بالخمر " رواه الترمذي (2801) . والحديث: له شواهد يصح بها، وقد صححه الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (9 / 250) . ولا تنس أن هذه المائدة لكم وفي محلكم، وليس المراد حقيقة الجلوس فقط، بل حتى لو كان ذلك في محل أو مطعم واحد، فأنتم شركاء معهم في الإثم فكيف إذا كان المحل محلكم؟ وقد قال الله تعالى: {وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم} النساء / 140. قال ابن كثير: أي: إنكم إذا ارتكبتم النهي بعد وصوله إليكم ورضيتم بالجلوس معهم في المكان الذي يكفر فيه بآيات الله ويستهزأ بها وأقررتموهم على ذلك فقد شاركتموهم في الذي هم فيه فلهذا قال تعالى: (إنكم إذا مثلهم) في المآثم كما جاء في الحديث " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر ". " تفسير ابن كثير " (1 / 567، 568) . وأمر آخر: وماذا لو سأل سائل أنه يريد أن يفتح " فندقاً " ليتكسب منه، فنصحه ناصح أن يسمح بأن يحضر الرجل أي امرأة لينام معها فيه، وأن هذه الطريقة هي التي تجلب الزبائن! فهل كنتم توافقون على مثل هذه النصيحة؟ الجواب: لا، قطعاً. وكذلك من نصحكم بأنه إذا أردتم الرزق والكسب فاسمحوا للزبائن بإحضار الخمر معهم، ولا فرق. فأنتم في الحالين لم تقدموا الخمر ولا النساء، لكن سمحتم بأن ترتكب المحرمات أمام أعينكم وفي محلكم. وعليه: فإنه يحرم عليكم السماح لأحدٍ بإحضار ما حرَّم الله وشربه في مطعمكم، وقد قال تعالى {ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب} الطلاق / 2، 3، فلا يغرنكم كلام الناس بأنكم لن ترزقوا إلا بالسماح لهذه المحرمات بالدخول في مطعمكم، فإن مثل هؤلاء الناس لم يريدوا لكم النصح، أو أنهم أرادوه فأخطؤوا الطريق. والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 9668 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5056 حكم الإجارة المنتهية بالتمليك [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم ما يفعله كثير من الشركات أو البنوك الآن من تأجير سيارة مدة سنة مثلاً بأجرة معلومة كل شهر، وبعد نهاية المدة تكون السيارة ملكاً للمستأجر، وإذا لم يكمل مدة الإجارة المتفق عليها تعود السيارة ملكاً للشركة أو البنك، وليس من حق المستأجر أن يسترد ما دفعه من أقساط.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه المعاملة تعرف باسم " الإجارة المنتهية بالتمليك " وقد اختلف فيها العلماء المعاصرون، وقد أصدر مجلس هيئة كبار العلماء بياناً في حكمها نصه: " فإن مجلس هيئة كبار العلماء درس موضوع الإيجار المنتهي بالتمليك.. , وبعد البحث والمناقشة رأى المجلس بالأكثرية أن هذا العقد غير جائز شرعاً لما يأتي: أولاً: أنه جامع بين عقدين على عين واحدة غير مستقر على أحدهما، وهما مختلفان في الحكم متنافيان فيه. فالبيع يوجب انتقال العين بمنافعها إلى المشتري، وحينئذ لا يصح عقد الإجارة على المبيع لأنه ملك للمشتري، والإجارة توجب انتقال منافع العين فقط إلى المستأجر. والمبيع مضمون على المشتري بعينه ومنافعه، فتلفه عليه، عيناً ومنفعة، فلا يرجع بشيء منهما على البائع، والعين المستأجرة من ضمان مؤجرها، فتلفها عليه، عيناً ومنفعة، إلا أن يحصل من المستأجر تعد أو تفريط. ثانياً: أن الأجرة تقدر سنوياً أو شهرياً بمقدار مقسط يستوفي به قيمة المعقود عليه، يعده البائع أجرة من أجل أن يتوثق بحقه حيث لا يمكن للمشتري بيعه. مثال لذلك: إذا كانت قيمة العين التي وقع عليها العقد خمسين ألف ريال وأجرتها شهرياً ألف ريال حسب المعتاد جعلت الأجرة ألفين، وهي في الحقيقة قسط من الثمن حتى تبلغ القيمة المقدرة، فإن أعسر بالقسط الأخير مثلاً سحبت منه العين باعتبار أنها مؤجرة ولا يرد عليه ما أخذ منه بناء على أنه استوفي المنفعة. ولا يخفى ما في هذا من الظلم والإلجاء إلى الاستدانة لإيفاء القسط الأخير. ثالثاً: أن هذا العقد وأمثاله أدى إلى تساهل الفقراء في الديون حتى أصبحت ذمم كثير منهم مشغولة منهكة، وربما يؤدي إلى إفلاس بعض الدائنين لضياع حقوقهم في ذمم الفقراء. ويرى المجلس أن يسلك المتعاقدان طريقاً صحيحاً وهو أن يبيع الشيء ويرهنه على ثمنه ويحتاط لنفسه بالاحتفاظ بوثيقة العقد واستمارة السيارة ونحو ذلك. والله الموفق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. وممن وقع على هذا البيان من هيئة كبار العلماء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ. الشيخ صالح اللحيدان د/ صالح الفوزان. الشيخ محمد بن صالح العثيمين الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 14304 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5057 تحديد ثمن للسلعة نقدا وآخر بالتقسيط [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز تحديد ثمن للسلعة إذا كان المشتري سيسدد الثمن نقداً، وثمناً آخر إذا كان سيسدده بالتقسيط؟ مثال: هذه السيارة بخمسين ألف نقداً، وستين ألف بالتقسيط.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا قال البائع: هذه السيارة بخمسين ألف نقداً، وستين ألف بالتقسيط. فهذه المسألة لها صورتان: الأولى: أن يتفرق البائع والمشتري وقد اتفقا على ثمن منهما وطريقة السداد. فالبيع جائز. الثانية: أن يتفرقا من غير اتفاق على الثمن، فهذا البيع محرم ولا يصح. قالَ البغوي رحمه الله فِي شَرْحِ السُّنَّةِ –عن هذه الصورة الثانية-: هُوَ فَاسِدٌ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ لأَنَّهُ لا يُدْرَى أَيُّهُمَا جُعِلَ الثَّمَنَ اهـ وبهذا فَسَّر كثيرٌ من العلماء نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة. وروى الترمذي (1152) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ. صححه الألباني صحيح الترمذي (985) . قال الترمذي: وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَدْ فَسَّرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالُوا: بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ أَنْ يَقُولَ: أَبِيعُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِنَقْدٍ بِعَشَرَةٍ وَبِنَسِيئَةٍ بِعِشْرِينَ، وَلا يُفَارِقُهُ عَلَى أَحَدِ الْبَيْعَيْنِ، فَإِذَا فَارَقَهُ عَلَى أَحَدِهِمَا فَلَا بَأْسَ، إِذَا كَانَتْ الْعُقْدَةُ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمَا اهـ وقال النسائي في السنن: بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: أَبِيعُكَ هَذِهِ السِّلْعَةَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ نَقْدًا وَبِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ نَسِيئَةً. وَقَالَ الشوكاني فِي نيْلِ الأوطار: وَالْعِلَّةُ فِي تَحْرِيمِ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ عَدَمُ اِسْتِقْرَارِ الثَّمَنِ فِي صُورَةِ بَيْعِ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ بِثَمَنَيْنِ اهـ وسئلت اللجنة الدائمة: ما رأيكم في بيع السيارة بعشرة آلاف نقداً أو اثني عشر ألفاًَ تقسيطا؟ فأجابت: إذا باع إنسان لأخر سيارة بعشرة آلاف ريال مثلاً نقداً، أو باثني عشر ألف ريال إلى أجل، وتفرقا من مجلس العقد دون أن يتفقا على أحد الأمرين: ثمن النقد أو ثمن التأجيل لم يجز البيع ولم يصح، لجهالة الحال التي انتهى إليها البيع من حلول أو تأجيل. وقد استدل لهذا كثير من العلماء بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة، رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه، وإن اتفق المتبايعان قبل أن يتفرقا من مجلس العقد على أحد الثمنين ثمن النقد أو ثمن التأجيل ثم تفرقا بعد التعيين فالبيع جائز صحيح للعلم بالثمن وحاله اهـ فتاوى اللجنة الدائمة (13/192) . وفي سؤال آخر: إذا قال البائع: هذه السلعة بعشرة ريالات مؤجلة، وبخمسة نقدا. ما حكم ذلك؟ فأجابت اللجنة: إذا كان الواقع كما ذكرت فلا يجوز البيع، لأنه من صور بيعتين في بيعة، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين في بيعة، لما في ذلك من الجهالة التي تفضي إلى النزاع والاختلاف اهـ فتاوى اللجنة (13/197) . ومن قرارات المجمع الفقهي: تجوز الزيادة في الثمن المؤجل عن الثمن الحالي، كما يجوز ذكر ثمن المبيع نقداً وثمنه بالأقساط لمدد معلومة، ولا يصح البيع إلا إذا جزم المتعاقدان بالنقد أو التأجيل، فإن وقع البيع مع التردد بين النقد والتأجيل بأن لم يحصل الاتفاق الجازم على ثمن واحد محدد فهو غير جائز شرعا اهـ والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 13722 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5058 حكم الإخبار بسعر غير السعر الحقيقي للشراء [السُّؤَالُ] ـ[شخص يقول هذه السلعة علي بكذا، بينما هي بسعر أقل، بل يريد بذلك زيادة في الربح، ومنهم من يحلف على ذلك، فما الحكم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من اشترى سلعة ثم عرضها للبيع، وقال: هي علي بكذا، وهو كاذب في قوله، بأن زاد في ثمن السلعة التي اشتراها به، فقد ارتكب أمراً محرماً، ووقع في الإثم، وحري به أن تمحق بركة بيعه، وإن حلف على ذلك فالإثم أعظم، والعقوبة أشد، وهو داخل في الوعيد الوارد في الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه، عن أبي ذر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم) فقلنا: من هم يا رسول الله؟ فقد خابوا وخسروا، فقال: (المنان والمسبل إزاره، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب) ، وفي رواية أخرى: (بالحلف الفاجر) وما أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الحلف منفقة للسلعة، ممحقة للبركة) . ولما أخرجه البخاري في صحيحه ج4 ص 316 عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه أن رجلاً أقام سلعة وهو في السوق، فحلف بالله لقد أعطي بها ما لم يعط، ليوقع فيها رجلاً من المسلمين، فنزلت الآية: (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يُكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم) آل عمران /77 ولما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم، رجل على فضل ماء بطريق يمنع منه ابن السبيل، ورجل بايع رجلاً – وفي رواية: إماماً – لا يبايعه إلا لدنيا، فإن أعطاه ما يريد وفى له، وإلا لم يف، ورجل ساوم رجلاً بسلعة بعد العصر، فحلف بالله لقد أعطي بها كذا وكذا فأخذها) البخاري 376،160،124، ومسلم 1/103 برقم (108) [الْمَصْدَرُ] من فتاوى اللجنة الدائمة ج13/10. الحديث: 22396 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5059 الشراء من صندوق بأقساط وهو شريك فيه [السُّؤَالُ] ـ[يوجد لدينا صندوق مالي مبني على أن يدفع كل فرد مشترك تأسيس (500 ريال) ومبلغ شهري قدره (100 ريال) وبعد فترة نما المال وأصبح الصندوق متمثلاً في المشرفين عليه يشتري سيارات بالنقد ويبيعها بأقساط شهرية مع زيادة, ويقوم بشراء السيارات بعض المشتركين في الصندوق وغيرهم من غير المشتركين. السؤال الأول: ما حكم من اشترى سيارة من هذا الصندوق بنفس الطريقة التي سبق إيضاحها وهو مشترك في الصندوق؟ السؤال الثاني: ما حكم من قد اشترى سيارة بنفس الطريقة التي سبق إيضاحها وهو مشترك في الصندوق دون علمه؟ إذا كان الجواب لا يجوز ذلك سواء سدد أقساطها أم لا زال يدفع أقساطاً شهرية.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان هذا مبنياً على شرط بين الشركاء أن أحدهم له أن يشتري من سيارات الشركة فهذا لا يجوز, لأنه يدخل في (بيعتين في بيعة المنهي عنه) , لأنه شركة وبيع, أما إذا لم يكن هذا مشروطاً من قبل فلا بأس به. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 13/309. الحديث: 8507 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5060 شراء منتجات الدول الكافرة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم بيع وشراء المنتجات الأمريكية وخصوصاً ذات التقنية مثل IBM, DELL, Microsoft جزاك الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] المنتجات الأمريكية كغيرها مما يرد على بلاد المسلمين من بلاد الكفر والتعامل مع الكفار في التجارات لا مانع منه إذا لم يكن منه ما يتعارض مع الشرع وإذا لم يكن في صناعات المسلمين ما يغني عن صناعات الكفار ومنتجاتهم وما لم يؤد شراء منتجاتهم على التقوي على المسلمين، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] كتبه: الخضير. الحديث: 6572 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5061 مقاطعة بضائع الكفار المحاربين [السُّؤَالُ] ـ[هل من العادة إباحة التعامل مع اليهود، أو شركات يملكها اليهود أو مساهمين يهود، أو شركات لها فروع في إسرائيل، إلخ.؟ مؤخرا ً كثير من المسلمين يقولون إنه حرام التعامل مع اليهود على الإطلاق. لحسب معلوماتي المحدودة، حتى عندما قاتل المسلمون اليهود في عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم، لم يمنع التعامل معهم، وعندما توفي كان درعه مرهوناً عند يهودي على دَيْن. الرجاء إعلامنا بالموقف الصحيح لهذه القضية.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الأصل هو جواز التعامل بالبيع والشراء مع اليهود وغيرهم، لما ثبت من تعامل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مع يهود المدينة بالبيع والشراء والقرض والرهن وغير ذلك من المعاملات المباحة في ديننا. وهؤلاء اليهود الذين تعامل معهم النبي صلى الله عليه وسلم كانوا من أهل العهد، ومن نقض العهد منهم فقد قُتِلَ أو أُخرِجَ، أو تُرِكَ لمصلحة. على أنه قد ثبت ما يدل على جواز البيع والشراء مع الكفار المحاربين. قال الإمام البخاري رحمه الله: بَاب الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ مَعَ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْحَرْبِ. ثم روى (2216) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ مُشْرِكٌ بِغَنَمٍ يَسُوقُهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَيْعًا أَمْ عَطِيَّةً أَوْ قَالَ أَمْ هِبَةً؟ قَالَ: لا، بَلْ بَيْعٌ، فَاشْتَرَى مِنْهُ شَاةً. وقال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم (11/41) : وقد أجمع المسلمون على جواز معاملة أهل الذِّمَّة، وغيرهم من الكفَّار إذا لم يتحقَّق تحريم ما معه، لكن لا يجوز للمسلم أن يبيع أهل الحرب سلاحاً وآلة حرب، ولا ما يستعينون به في إقامة دينهم. . . اهـ. وقَالَ اِبْنُ بَطَّالٍ: مُعَامَلَةُ الْكُفَّارِ جَائِزَةٌ , إِلا بَيْعَ مَا يَسْتَعِينُ بِهِ أَهْلُ الْحَرْبِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ اهـ. ونقل في " المجموع" (9/432) الإجماع على تحريم بيع السلاح لأهل الحرب. والحكمة من ذلك واضحة، وهي أن هذا السلاح يقاتلون به المسلمين. ثانياً: لا شك في مشروعية جهاد أعداء الله المحاربين من اليهود وغيرهم، بالنفس والمال، ويدخل في ذلك كل وسيلة تضعف اقتصادهم وتلحق الضرر بهم، فإن المال هو عصب الحروب في القديم والحديث. وينبغي على المسلمين عموما التعاون على البر والتقوى ومساعدة المسلمين في كل مكان بما يكفل لهم ظهورهم وتمكينهم في البلاد وإظهارهم شعائر الدين، وعملهم بتعاليم الإسلام وتطبيقهم للأحكام الشرعية وإقامة الحدود، وبما يكون سببا في نصرهم على القوم الكافرين من اليهود والنصارى وغيرهم، فيبذل جهده في جهاد أعداء الله بكل ما يستطيعه، وقد قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ) . رواه أبو داود (2504) صححه الألباني في صحيح أبي داود. فعلى المسلمين أن يساعدوا المجاهدين بكل ما يستطيعونه، وبذل كل الإمكانيات التي يكون فيها تقوية للإسلام والمسلمين، وعليهم أيضاً جهاد الكفار بما يستطيعونه من القدرة، وعمل كل ما فيه إضعاف للكفار أعداء الدين، فلا يستعملونهم كعمال بالأجرة كُتَّاباً أو محاسبين أو مهندسين أو خُداما بأي نوع من الخدمة التي فيها إقرار لهم وتمكين لهم بحيث يجمعون أموال المسلمين ويحاربونهم بها. والحاصل: أن من قاطع بضائع الكفار المحاربين وقصد بذلك إظهار عدم موالاتهم، وإضعاف اقتصادهم، فهو مثاب مأجور إن شاء الله تعالى على هذا القصد الحسن. ومن تعامل معهم متمسكاً بالأصل وهو جواز التعامل مع الكفار – لاسيما بشراء ما يحتاج إليه – فلا حرج عليه إن شاء الله تعالى، ولا يكون ذلك قدحاً في أصل الولاء والبراء في الإسلام. وقد سئلت اللجنة الدائمة: ما حكم ترك المسلمين التعاون بينهم بأن لا يرضى ولا يحب أن يشتري من المسلمين، ويرغب في الشراء من الكفار، هل هذا حلال أم حرام؟ فأجابت: الأصل جواز شراء المسلم ما يحتاجه مما أحل الله له من المسلم أو من الكافر، وقد اشترى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من اليهود، لكن إذا كان عدول المسلم عن الشراء من أخيه المسلم من غير سبب من غش ورفع أسعار ورداءة سلعة إلى محبة الشراء من كافر والرغبة في ذلك وإيثاره على المسلم دون مبرر فهذا حرام لما فيه من موالاة الكفار ورضاء عنهم ومحبة لهم، ولما فيه من النقص على تجار المسلمين وكساد سلعهم، وعدم رواجها إذا اتخذ المسلم ذلك عادة له، وأما إن كانت هناك دواع للعدول من نحو ما تقدم فعليه أن ينصح لأخيه المسلم بترك ما يصرفه عنه من العيوب، فإن انتصح فالحمد لله، وإلا عدل إلى غيره، ولو إلى كافر يحسن تبادل المنافع ويصدق في معاملته " اهـ. "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/18) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20732 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5062 لا تكتب السيارة باسمه إلا إذا دفع آخر قسط من ثمنها [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أشتري سيارة ويكون البيع بالأقساط، وطريقة البيع هي أن أدفع دفعة أولا ثم أقسط أقساطا شهرية، وبعد دفع آخر قسط تقلب السيارة باسمي، علما أن آخر قسط مثل الأقساط العادية.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا حرج في الشراء بالتقسيط، سواء دفعتَ دفعة مقدمةً أو لا، بشرط أن يخلو العقد من اشتراط غرامةٍ في حال التأخر عن السداد، فإن هذا الشرط من الربا المحرم. ثانيا: إذا تم العقد، فإنك تصبح مالكا للسيارة، ولو لم تدفع شيئا من الأقساط، فتنتقل السيارة إلى ملكيتك، ويبقى ثمنها دَيْناً عليك. ثالثا: تسجيل السيارة باسم المشتري، المراد منه توثيق الحق، وليس شرطا لصحة البيع، وملكية المبيع تنتقل إلى المشتري، بمجرد العقد، سواء سجل المبيع باسمه أو ظل على اسم البائع. رابعا: يجوز للبائع أن يشترط رهناً لضمان حقه، وله أن يجعل السيارة نفسها رهنا، بحيث لا يتمكن المشتري من التصرف فيها بالبيع إلا بعد سداد الأقساط وفك الرهن، وقد قرر الفقهاء جواز ذلك، قال في "كشاف القناع" (3/189) : " فيصح اشتراط رهن المبيع على ثمنه، فلو قال: بعتك هذا على أن ترهننيه على ثمنه، فقال: اشتريت ورهنتك صح الشراء والرهن " انتهى. وبناء على ذلك، فإن كان تأخير تسجيل السيارة باسمك، لأجل زيادة الاستيثاق، خوفا من أن تبيعها قبل تسديد الأقساط، فلا يؤثر هذا على صحة البيع؛ لما سبق من أن التسجيل هو للتوثيق فقط، لكنك تملك هذه السيارة شرعا بمجرد العقد. وإن كانت مرهونة فلا يجوز لك بيعها حتى ينفك الرهن أو يأذن البائع. وقد رأى مجلس هيئة كبار العلماء أنه يجوز احتفاظ البائع باستمارة السيارة للتوثيق، فقالوا: " ويرى المجلس أن يسلك المتعاقدان طريقاً صحيحاً، وهو أن يبيع الشيء ويرهنه على ثمنه ويحتاط لنفسه بالاحتفاظ بوثيقة العقد واستمارة السيارة ونحو ذلك " انتهى. وبقي أن ننبه إلى أن هناك صورة مشابهة لما ذكرت: وهي عقد الإجارة المنتهي بالتمليك، وفيه يحتفظ المؤجر بملكية السيارة، إلى دفع آخر قسط أو أجرة، لكن هذا العقد محرم، وقد صدر فيه قرار من مجمع الفقه الإسلامي، ومن هيئة كبار العلماء، وانظر السؤال (14304) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69877 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5063 إذا باع الوكيل بأكثر من الثمن المحدد له فلمن تكون الزيادة؟ [السُّؤَالُ] ـ[أعمل في شركة تبيع بضائع وقال لي مدير المبيعات: إنه يمكن أن أبيع هذه البضاعة مقابل 1000 ريال ولكنني عندي زبائن يشترون هذه البضاعة مقابل 1500 ريال. فهل أبيعها وأدفع للشركة 1000 ريال وآخذ الباقي لي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كانت الشركة حددت لك الثمن على ألا تبيع بأكثر منه فلا يجوز لك أن تبيع بزيادة عن الثمن المحدد. أما إذا كانت الشركة حددت الثمن ولكنها لا تمنع من البيع بأكثر منه، فإنه يجوز لك أن تبيع بزيادة. وفي هاتين الحالتين تكون الزيادة للشركة ولا يحل لك أن تأخذها. وذلك لأن الوكيل يتصرف لمصلحة الموكل لا لمصلحته هو. والدليل على ذلك: ما رواه البخاري (3643) عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ دِينَارًا يَشْتَرِي لَهُ بِهِ شَاةً فَاشْتَرَى لَهُ بِهِ شَاتَيْنِ فَبَاعَ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ وَجَاءَهُ بِدِينَارٍ وَشَاةٍ فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِي بَيْعِهِ وَكَانَ لَوْ اشْتَرَى التُّرَابَ لَرَبِحَ فِيهِ. فعروة رضي الله عنه كان وكيلاً للنبي صلى الله عليه وسلم في الشراء فاستطاع أن يربح في بيعه وشراءه وكان هذا الربح للنبي صلى الله عليه وسلم، لأنه لو كان حقاًّ لعروة لم يأخذه النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن عبد البر: ولا خلاف في جواز الوكالة عند العلماء. وقد اختلف العلماء أيضا في معنى هذا الحديث في الوكيل يشتري زيادة على ما وُكِّل به هل يلزم الآمر ذلك أم لا؟ كرجل قال له رجل: اشتر لي بهذا الدرهم رطل لحم صفته كذا فاشترى له أربعة أرطال من تلك الصفة بذلك الدرهم، والذي عليه مالك وأصحابه: أن الجميع يلزمه إذا وافق الصفة وزاد من جنسها لأنه محسن وهذا الحديث يعضد قولهم في ذلك، وهو حديث جيد، وفيه ثبوت صحة ملك النبي عليه السلام للشاتين، ولولا ذلك ما أخذ منه الدينار ولا أمضى له البيع اهـ. "التمهيد" (2/108) . وسئلت اللجنة الدائمة هذه المسألة فقالت: يجوز بيع السلعة بأكثر من ثمنها إذا فازت، لكن الزيادة تكون ملكاً لصاحب السلعة، وأما إذا اشترط المالك عدم بيعها بسعر أغلى فتباع بالثمن الذي حدد المالك فقط اهـ فتاوى اللجنة الدائمة (13/96) . لكن. . إذا كانت الشركة قد حددت لك الثمن، واتفقت معك على أنك إن بعت بأكثر فالزيادة لك، جاز لك البيع بالزيادة وتكون حقاًّ لك. قال ابن قدامة رحمه الله في المغني (7/361) : إذا قال: بع هذا الثوب بعشرة فما زاد فهو لك. صحَّ، واستحق الزيادة. . . وكان ابن عباس رضي الله عنهما لا يرى بذلك بأساً اهـ. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 9386 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5064 حكم فتح المحلات التجارية في يوم عيدٍ للكفار [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك أي محظور إذا فتح الفرد متجره أيام العيد؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا حرج على المسلم في فتح متجره أيام أعياد المسلمين (عيدي الفطر والأضحى) ، بشرط أن لا يبيع ما يستعين به بعض الناس على معصية الله تعالى. ثانيا: أما فتح المتجر في الأيام التي يتخذها غير المسلمين أعيادا، كيوم الكريسمس، ونحوه من أعياد اليهود أو البوذيين أو الهندوس، فلا حرج في ذلك أيضا، بشرط ألا يبيع لهم ما يستعينون به على معاصيهم، كالأعلام والرايات، والصور، وبطاقات التهنئة، والفوانيس، والزهور، والبيض الملوّن، وكل ما يستعملونه لإقامة العيد. وكذلك لا يبيع للمسلمين ما يستعينون به على التشبه بالكفار في أعيادهم. والأصل في ذلك أن المسلم منهي عن فعل المعصية، وعن الإعانة عليها؛ لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ولا يبيع المسلم ما يستعين به المسلمون على مشابهتهم في العيد، من الطعام واللباس ونحو ذلك؛ لأن في ذلك إعانة على المنكر " انتهى من "اقتضاء الصراط المستقيم" (2/520) . وقال: " فأما بيع المسلمين لهم [أي للكفار] في أعيادهم ما يستعينون به على عيدهم من الطعام واللباس والريحان ونحو ذلك، أو إهداء ذلك لهم، فهذا فيه نوع إعانة على إقامة عيدهم المحرم ". ونقل عن ابن حبيب المالكي قوله: " ألا ترى أنه لا يحل للمسلمين أن يبيعوا من النصارى شيئا من مصلحة عيدهم، لا لحما، ولا إداما، ولا ثوبا، ولا يُعارون دابة، ولا يعاونون على شيء من عيدهم؛ لأن ذلك من تعظيم شركهم، ومن عونهم على كفرهم، وينبغي للسلاطين أن ينهوا المسلمين عن ذلك. وهو قول مالك وغيره، لم أعلمه اختلف فيه ". "اقتضاء الصراط المستقيم" (2/526) ، "الفتاوى الكبرى" (2/489) ، "أحكام أهل الذمة" (3/1250) . وقال شيخ الإسلام أيضاً: " فإن كان ما يبتاعونه [يشترونه] يفعلون به نفس المحرم، مثل صليب أو شعانين أو معمودية أو تبخير أو ذبح لغير الله أو صورة ونحو ذلك، فهذا لا ريب في تحريمه، كبيعهم العصير ليتخذوه خمرا، وبناء الكنيسة لهم. وأما ما ينتفعون به في أعيادهم للأكل والشرب واللباس، فأصول أحمد وغيره تقتضي كراهته، لكن: كراهة تحريم كمذهب مالك أو كراهة تنزيه؟ والأشبه أنه كراهة تحريم، كسائر النظائر عنده، فإنه لا يُجوّز بيع الخبز واللحم والرياحين للفساق الذين يشربون عليها الخمر، ولأن هذه الإعانة تفضي إلى إظهار الدين [الباطل] وكثرة اجتماع الناس لعيدهم وظهوره، وهذا أعظم من إعانة شخص معين ". "الاقتضاء" (2/2/552) . وسئل ابن حجر المكي رحمه الله عن بيع المِسك لكافر يعلم منه أنه يشتريه ليطيّب به صنمه، وبيع حيوان لكافر يعلم منه أنه يقتله بلا ذبحٍ ليأكله؟ فأجاب بقوله: " يحرم البيع في الصورتين، كما شمله قولهم (يعني العلماء) : كل ما يَعلم البائع أن المشتري يعصي به يحرم عليه بيعه له. وتطييب الصنم وقتل الحيوان المأكول بغير ذبح معصيتان عظيمتان ولو بالنسبة إليهم، لأن الأصح أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة كالمسلمين، فلا تجوز الإعانة عليهما ببيع ما يكون سببا لفعلهما. وكالعلم هنا غلبة الظن , والله أعلم " انتهى من "الفتاوى الفقهية الكبرى" (2/270) . والحاصل أنه يجوز للمسلم فتح متجره في أيام أعياد الكفار، بشرطين: الأول: ألا يبيع لهم ما يستعملونه في المعصية أو يستعينون به على إقامة عيدهم. والثاني: ألا يبيع للمسلمين ما يستعينون به على التشبه بالكفار في هذه الأعياد. ولا شك أن هناك سلعا معلومة، تتخذ لهذه الأعياد، كالبطاقات والصور والتماثيل والصلبان وبعض الأشجار، فهذه لا يجوز بيعها، ولا إدخالها في المحل أصلا. وما عدا ذلك مما قد يُستعمل في العيد وغيره، فيجتهد صاحب المتجر، فلا يبيعه لمن علم من حاله أو غلب على ظنه أنه يستعمله في الحرام أو يستعين به على إقامة العيد، كالملابس، والطيب، والأطعمة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69558 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5065 يصنع بطاقات في الأعياد ويبيعها فهل يجوز له؟ [السُّؤَالُ] ـ[أقوم بصنع بطاقات أعياد يدوية كهواية ومصدر للدخل، أود الاستفسار هل القيام بهذا يعد من البدعة؟ لقد أُخبِرت أن الأصل أن كل شيء حلال ما لم يتعين أنه حرام، وأنا بحاجة فعلاً لمعرفة هل ما أفعله خطأ أو صواب؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، الأصل في المعاملات الإباحة والحل، ولا يجوز أن يحرَّم شيء منها إلا بدليل، والبطاقات التي تصنعها للأعياد يختلف حكمها باختلاف تلك الأعياد، فإذا كانت البطاقة في تهنئة بعيدٍ للكفار – كعيد الكريسمس -، أو بعيدِ بدعة – كالمولد النبوي والإسراء والمعراج –، أو بأعياد فيها مشابهة للكفار - كالأعياد الوطنية وأعياد الميلاد -: فلا يجوز لك عملها ولا بيعها، ولا يجوز لأحدٍ أن يشتريها منك؛ لما فيها من الإقرار بتلك الأعياد المخالفة للشرع؛ ولما فيها من التعاون على الإثم والعدوان. وإن كانت الأعياد شرعية – وليس ثمة أعياد شرعية إلا عيد الفطر وعيد الأضحى – فيجوز لك عمل بطاقات تهنئة لها، ويجوز لك بيعها، على أن تنتقي عبارات شرعية أو مباحة، مثل " تقبل الله منا ومنكم " أو ما شابهها. وقد سبق في جواب السؤال رقم (947) تحريم تهنئة الكفار بأعيادهم، وفي جواب السؤال رقم (782) تحريم بيع بطاقات أعياد النّصارى في أعيادهم، وفي جواب السؤال رقم (50074) بيان علماء اللجنة الدائمة للإفتاء حول المشاركة باحتفالات الألفية، وفيه عدم جواز التعاون مع الكفار في أعيادهم، ومن أوجه التعاون التي ذكرها العلماء: " صناعة الملابس والأغراض التذكارية، أو طبع البطاقات ". وفي أجوبة الأسئلة: (49014) و (49021) و (36442) تجد جواز التهنئة بالأعياد الشرعية. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65943 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5066 شراء السلع من محلات تبيع الخمور [السُّؤَالُ] ـ[أعيش في أمريكا وأسأل: هل يجوز شراء الطعام وسلع أخرى من محل يبيع الخمر مثل المحلات في محطات الوقود والبقالات ومحلات السوبر ماركت وحتى المطاعم؟ ملاحظة: لا يوجد أي محل أو محطة وقود لا يباع فيها الخمر في هذا البلد. لقد بحثت لكن المحلات الإسلامية لا تبيع كل شيء نحتاجه. أرجو أن تفيد جميع المسلمين بالحكم في المسألة وفقا للكتاب والسنة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ينبغي للمسلم اجتناب الأماكن التي يُعصى الله عز وجل فيها، ما أمكنه ذلك، ولهذا فالأولى لكم تشجيع المحلات الإسلامية التي لا تبيع ما حرم الله، ونصح أصحابها بتوفير ما تحتاجون إليه من السلع لما في ذلك من الفائدة العامة للجميع، لكم ولأصحابها. ثانيا: أما شراء ما تحتاجون إليه من تلك المحلات المسئول عنها، فلا حرج في ذلك إن شاء الله تعالى، لا سيما عند الحاجة إلى ذلك، وعدم توفر هذه السلع عند غيرها من المحلات التي لا تبيع المحرمات. وليكن وجودكم في هذه المحلات مقتصرا على قدر الحاجة، وكلما أمكنكم اجتناب دخولها فهو أولى. ثالثا: ثم ليعلم أن إلزام غير المسلمين بعدم إظهار الخمر أو شعائر دينهم إنما يكون إذا دخلوا بلاد الإسلام أو خضعوا لأحكام الإسلام. أما إذا كانوا في بلادهم ولم يخضعوا لحكم الإسلام فإنه تجري معاملاتهم حسب ما يعتادونه وما يعتقدونه، وهم يعتقدون حل الخمر في دينهم. روى أبو عبيد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بلغه أن بعض ولاته كانوا يأخذون الجزية من الخمر والخنازير ثم يتولى بيعها على أهل الذمة. فقال عمر رضي الله عنه: لا تفعلوا، ولكن ولوهم بيعها، وخذوا أنتم من الثمن. قال أبو عبيد: يريد أن المسلمين كانوا يأخذون من أهل الذمة الخمر والخنازير بقيمتها، ثم يتولى المسلمون بيعها، فهذا الذي نهى عنه عمر، ثم رخص لهم أن يأخذوا ذلك من أثمانها إذا كان أهلُ الذمة المتولين لبيعها، لأن الخمر والخنازير مال من أموال أهل الذمة، ولا يكون مالاً للمسلمين " اهـ باختصار من "أحكام أهل الذمة" لابن القيم (1/184) . فهذا يدل على أن بيع النصارى للخمر فيما بينهم صحيح، لأنهم يعتقدون حلها في دينهم. ولكن لا يجوز لمسلم أن يتولى بيعها، ولو كان يبيعها على النصارى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 59870 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5067 هل التاجر ملزم بحد معين في الربح؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل هناك نسبة معينة في ربح التاجر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليست هناك نسبة معينة يلزم التاجر التقيد بها في ربح تجارته، لكن إذا كان للسلعة سعر معروف في السوق، فلا يجوز له أن يخدع المشتري ويبيعه بأزيد من السعر المعروف مستغلا جهله وعدم درايته. ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تلقوا الجَلَب فمن تلقاه فاشترى منه فإذا أتى سيدُه السوقَ فهو بالخيار) رواه مسلم (1519) . والجَلَب: هو البضاعة المجلوبة من محل إلى غيره. والمراد بالسيد هنا: صاحب الجلب، وقد جعل الشارع له الخيار إذا أتى السوق، لأن المتلقي غالبا ما يخدعه ويشتري منه بغير سعر السوق، فإذا وجد الأمر كذلك، كان له الخيار فإما أن يمض العقد، وإما أن يفسخ. والشاهد من الحديث هو النهي عن تلقي هؤلاء التجار لما فيه من خديعتهم والشراء منهم بغير سعر السوق. وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء ما نصه: هل الأرباح محدودة في الدين الإسلامي؛ إن كان كذلك فما هو الحد الأقصى، أو غير محدودة فكيف تفسرون ذلك؟ فأجابت: (ليست الأرباح في التجارة محدودة، بل تتبع أحوال العرض والطلب، كثرة وقلة، لكن يستحسن للمسلم تاجرا أو غيره أن يكون سهلا سمحا في بيعه وشرائه، وألا ينتهز فرصة غفلة صاحبه فيغبنه (أي: يخدعه) في البيع والشراء، بل يراعي حق الأخوة الإسلامية) انتهى من فتاوى اللجنة 13/91. وسئلت أيضا: هل يجوز للتاجر أن يكسب أكثر من 10% من البضاعة؟ فأجابت: (كسب التاجر غير محدود بنسبة شرعا، لكن لا يجوز للمسلم أن يخدع من يشتري منه، فيبيعه بغير السعر المعروف في السوق، ويشرع للمسلم ألا يغالي في الربح، بل يكون سمحا إذا باع وإذا اشترى؛ لحث النبي صلى الله عليه وسلم على السماحة في المعاملة) انتهى من فتاوى اللجنة 13/92. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 47889 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5068 هل يستأجر الشبكة ثم يعيدها إلى الصايغ لإتمام الخطوبة [السُّؤَالُ] ـ[شاب مقدم على الزواج وليس معه ما يشترى به الشبكة , فاتفق مع خطيبته أن يحضروا الصايغ إلى المنزل إرضاءاً لأهلها ثم يرجع الشاب الشبكة للصايغ بعد الفرح بشهر على أن يدفع العريس للصايغ إيجار هذه الشبكة مدة هذا الشهر حسب تقدير الصايغ. فهل هذا يعتبر ربا أم ما وجه الحلال والحرام فيه علماً بأن الشاب متوقف زواجه على هذه الفتاة على هذه الشبكة بناءاً على رغبة أهلها أفادكم الله تعالى.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: سئلت اللجنة الدائمة عن مثل هذا السؤال، وهو تأجير الحليّ من الذهب والفضة لتلبسه المرأة عند الزواج ثم يعاد بعد أسبوعين مثلاً مع دفع الأجرة فأجابت: الأصل جواز تأجير الحلي من الذهب والفضة بأحد النقدين أو غيرهما بأجرة ومدة معلومتين، يرد المستأجر الحلي بعد انتهاء مدة الإجارة ولا بأس بأخذ رهن في ذلك" اهـ. فتاوى اللجنة الدائمة (15/79-80) والنقدان هما الذهب والفضة أي: يجوز أن تدفع الأجرة ذهباً أو فضة أو غيرهما كالأوراق النقدية التي يتعامل بها الناس الآن والله أعلم. 1- ثانياً: ينصح أولياء النساء بعدم المغالاة في المهور، وعدم تكليف الزوج ما يثقل عليه من المهر والشبكة والأثاث..إلخ، فهذه المغالاة مذمومة شرعاً. مع ما يترتب عليها من مفاسد وأضرار انظر السؤال رقم (12572) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 46667 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5069 حكمُ شراءِ المنتجاتِ التي عليها صور [السُّؤَالُ] ـ[ما حكمُ شراءِ الحلوياتِ أو المنتجاتِ التي عليها صورُ ذواتِ أرواحٍ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله شراء هذه الأشياء، إن كان من أجل ما عليها من الصور فهو حرام، لأنه اقتناء للصور، وهو يمنع دخول الملائكة في البيت. ولا شك أن الأولى بالمسلم أن يبتعد عن كل سبب يمنع دخول الملائكة بيته. لكن إذا كان الغالب على هذه الأشياء وجود الصور عليها، بحيث يشق على المسلم أن يبحث عن منتجات لا صور عليها، فلا حرج في ذلك إن شاء الله تعالى، دفعاً للمشقة والحرج عن المسلم. جاء في الموسوعة الفقهية (12/112) : " للمالكيّة قولان في صناعة الصّور الّتي لا تتّخذ للإبقاء، كالّتي تعمل من العجين، وأشهرُ القولين المنع، وكذا نقلهما العدويّ، وقال: إنّ القول بالجواز هو لِأَصبغ، ومثّل له بما يصنع من عجين أو قشرِ بطّيخ، لأنّه إذا نشف تقطّع. وعند الشّافعيّة: يحرم صنعُها ولا يحرمُ بيعُها. ولم نجد عند غيرهم نصّا في ذلك " انتهى. ويقولُ الشيخُ ابنُ عثيمين في "الشرح الممتع" (2/203) : " ما عمَّت به البلوى الآن، من وجودِ الصورِ في كلِّ شيءٍ إلا ما ندرَ، فتوجدُ في أواني الأكل، وفي الكراتين الحافظةِ للأطعمةِ، وفي الكتب، وفي الصحفِ، فتوجد في كل شيء إلا ما شاء الله، ويوجد أيضا صورٌ مما يؤكل: بسكوت على صورة سمك، أو أرنب؟ نقول: إن اقتناءَ الإنسان للصور (بمعنى لأجل ما فيها من الصور) لا شك أنَّه محرم، أو كان يشتري المجلاتِ التي تنشر فيها الصورُ للصورِ، فهذا حرام، أما إذا كانت للعلمِ والفائدةِ والاطلاعِ على الأخبار، فهذه أرجو ألا يكونَ بها بأس، نظرًا للحرجِ والمشقة، وقد قال الله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيكُم فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) ، فهذه الصورُ ليست مقصودةً للإنسان حالَ الشراء، ولا تهمه، كما أن مسألةَ الأواني والكراتينِ التي فيها أطعمةٌ وشبه ذلك، قد يقال: إن فيها شيئًا من الامتهان، فلا تكون من القسمِ المحرَّم " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 44029 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5070 حكم بيع المعادن، وهي في مخازن الشركات الحافظة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم شراء المعادن وبيعها بهذه الطريقة؟ تقوم الشركة المالكة للمعدن بحفظه عند إحدى الشركات المتخصصة في هذا، ويتم كتابة عقد إجارة بذلك. ثم إذا جاء شخص أو شركة أو بنك يشتري المعادن من الشركة المالكة فإنه يدفع الثمن وتبقى المعادن عند الشركة الحافظة كما هي، وفقط يحولون عقد الإجارة على الحفظ باسم المشتري، فهل هذا يعتبر حيازة وقبضاً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أنه نَهَى أَنْ تُبَاعَ السِّلَعُ حَيْثُ تُبْتَاعُ حَتَّى يَحُوزَهَا التُّجَّارُ إِلَى رِحَالِهِمْ) رواه أبو داود (3499) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود. وثبت عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال لحكيم بن حزام: (لا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ) رواه الترمذي (1232) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. وذكر العلماء رحمهم الله أن القبض يختلف باختلاف المبيع، فقبض الذهب والفضة مثلاً يختلف عن قبض الأراضي والعقارات، فيُفَرَّق في القبض بين ما يمكن نقله وما لا يمكن. وهذه المعادن كأنه يتعذر نقلها لضخامة الكميات وحاجتها إلى شاحنات ومخازن ورافعات ... إلخ فالحاجة أو الضرورة ماسة إلى بقائه عند الشركة الحافظة، ولذلك أرى أنه لا مانع من بيعه بهذه الطريقة، والاكتفاء بتغيير عقد الحفظ باسم المشتري. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] فضيلة الشيخ عبد الرحمن البراك. الحديث: 41098 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5071 لا يجوز أن يشتري البضاعة ثم يبيعها وهي في مستودعات البائع الأول قبل أن ينقلها [السُّؤَالُ] ـ[يشتري بعض التجار البضاعة ثم لا يستلمها ولا يعاينها، بل يأخذ بها سند بيع وقبض للقيمة ويتركها في مستودعات التاجر الأول الذي اشتراها منه، ثم يبيعها التاجر الثاني لغيره، وهي في مستودعات التاجر الأول، فما حكم ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " لا يجوز للمشتري بيع هذه البضاعة ما دامت موجودة في ملك البائع حتى يستلمها المشتري، وينقلها إلى بيته أو إلى السوق، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث الصحيحة في ذلك، منها قوله صلى الله عليه وسلم (لا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ وَلا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ وَلا رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ وَلا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ) أخرجه أحمد وأصحاب السنن بإسناد صحيح ولقوله صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام (لا تبع ما ليس عندك) أخرجه الخمسة إلا أبا داود بإسناد جيد، ولما ثبت عن زيد بن ثابت رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم، رواه أحمد وأبو داود وصححه ابن حبان والحاكم. وهكذا من اشتراها من المشتري ليس له أن يبيعها حتى ينقلها إلى بيته أو إلى مكان آخر من السوق للأحاديث الأخرى المذكورة ولأحاديث أخرى جاءت في هذا المعنى.. والله ولي التوفيق. [الْمَصْدَرُ] سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - (فقه وفتاوى البيوع أشرف عبد المقصود 309) . الحديث: 39761 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5072 بيع الحيوان بالوزن [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز بيع الحيوان الذي يؤكل لحمه، مثل الدجاج حيا بالوزن؟ مع العلم أن هذه الطريقة هي الشائعة عندنا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، يجوز بيع الحيوان حياً بالوزن. سئلت اللجنة الدائمة: هل يجوز شراء الدجاج والغنم بالميزان سواء كان حياً أو مذبوحاً؟ فأجابت: الأصل حل المعاملات بين المسلمين إلا ما حرمه الشرع المطهر بالنص، وبذلك نعلم أنه يجوز شراء الدجاج والغنم وزناً، ولا نعلم مانعاً يمنع من ذلك في الشرع اهـ فتاوى اللجنة الدائمة (13/290) . وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة أيضاً (13/290) : يجوز بيع الغنم ونحوها من الحيوانات حية بالوزن، سواء كان الوزن بالكيلو جرام أم غيره، لأن القصد العلم بالمبيع وهو حاصل بالوزن اهـ. وفيها أيضاً (13/289) يجوز بيع الحيوان بالميزان، فإنه جائز بيعه برؤيته دون وزنه إجماعاً، ولم يُؤَثِّر ما في جوفه من أجهزة وأكل على جواز بيعه لكونه تابعاً فجاز بيعه بما فيه وزناً اهـ. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39507 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5073 هل للربح نسبة محددة في التجارة؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل توجد نسبة محدودة من الربح في التجارة , أم أن الربح غير محدود؟ نريد الجواب على هذا مع الدليل , ولا تنسوا كثرة الضرائب التي يؤيدها التاجر كل سنة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " يجوز لمن اشترى بضاعة للتجارة أو للاقتناء أن يبيعها بأكثر من ثمنها حالاً أو مؤجلاً , ولا نعلم حداً ينتهي إليه في الربح , لكن التخفيف والتيسير هو الذي ينبغي؛ لما ورد فيه من الترغيب , إلا إذا كانت السلعة معروفة في البلد بثمن معلوم فلا ينبغي للمسلم أن يبيعها على جاهل بأكثر من ذلك , إلا إذا أعلمه بالحقيقة؛ لأن بيعها بأكثر: نوع من الغَبن (أي: الخداع) , والمسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يغشه ولا يخونه , بل ينصح له أينما كان , قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة) الحديث , رواه مسلم في صحيحه , وفي الصحيحين عن جرير بن عبد الله اليماني قال: (بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم) " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (13/89) . وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" أيضاً: " ليست الأرباح في التجارة محدودة , بل تتبع أحوال العرض والطلب , كثرة وقلة، لكن يستحسن للمسلم تاجراً أو غيره أن يكون سهلاً سمحاً في بيعه وشرائه , وألا ينتهز فرصة غفلة صاحبه , فيغبنه في البيع أو الشراء , بل يراعي حقوق الأُخوّة الإسلامية " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (13/91) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38697 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5074 عمل طبق خيري على مائدة الإفطار [السُّؤَالُ] ـ[هل ممكن عمل طبق خيري على مائدة الإفطار في مسجد ما لإنفاق ريعه على المساكين المجاورين للمسجد؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المراد بالطبق الخيري أن يقوم بعض الناس بإعداد طعامٍ ما في بيته، ثم يبيعه ويجعل الأموال التي تحصل من ذلك في أحد المشاريع الخيرية وأوجه البر والصدقة. وهذا العمل من الإحسان والصدقة، والمتعاون فيه له أجر وثواب على عمله، وكذا كل من ساهم فيه، سواء كانت مساهمته فيه بالمال أو العمل أو غير ذلك، فكل هذا مما يدخل في قول الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) . ويجب التنبه إلى أن يتم البيع خارج المسجد، لأن البيع والشراء محرم في المسجد لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا لا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ) رواه الترمذي (1321) وصححه الألباني في صحيح الترمذي (1066) . والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 37701 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5075 بيع الذهب المحتوي على أحجار الزركون بسعر الذهب الخالص [السُّؤَالُ] ـ[نبيع الذهب وهو يحتوي على أحجار الزركون بسعر الذهب، علما أنه ظاهر للمشتري، ويعرف هذا الأمر , فما حكم البيع؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله بيع الذهب المحتوي على أحجار الزركون بسعر الذهب: هذا فيه تفصيل: فإن كان يباع بفضة أو بنقود ورقية، فلا حرج في ذلك، ما دام أنه ظاهر للعيان والمشتري يعلم ذلك، كما ذكرت. وإن كان يباع بذهب، فلابد من فصل الفصوص حتى يعلم قدر الذهب الذي فيه، ويتحقق من مساواة الذهب للذهب؛ وقد دل على ذلك حديث فضالة بن عبيد في بيع القلادة، الذي رواه مسلم (1591) قال: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِخَيْبَرَ بِقِلادَةٍ فِيهَا خَرَزٌ وَذَهَبٌ وَهِيَ مِنْ الْمَغَانِمِ تُبَاعُ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالذَّهَبِ الَّذِي فِي الْقِلَادَةِ فَنُزِعَ وَحْدَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ) وفي رواية: (لا تُبَاعُ حَتَّى تُفَصَّلَ) . قال النووي في "شرح مسلم": " فِي هَذَا الْحَدِيث: أَنَّهُ لا يَجُوز بَيْع ذَهَب مَعَ غَيْره بِذَهَبٍ حَتَّى يُفَصَّل، فَيُبَاع الذَّهَب بِوَزْنِهِ ذَهَبًا , وَيُبَاع الآخَر بِمَا أَرَادَ. وَكَذَا لا تُبَاع فِضَّة مَعَ غَيْرهَا بِفِضَّةٍ. . . وَسَوَاء كَانَ الذَّهَب فِي الصُّورَة قَلِيلا أَوْ كَثِيرًا. . . وَهَذَا مَنْقُول عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَابْنه، وَجَمَاعَة مِنْ السَّلَف , وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد " انتهى باختصار. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن بيع الذهب الذي معه فصوص الزركون بذهب بنفس الوزن، فأجاب: " هذا العمل محرم لأنه مشتمل على الربا، لأن فيه زيادة الذهب، حيث جعل ما يقابل الفصوص وغيرها ذهباً، وهو شبيه بالقلادة التي ذكرت في حديث فضالة بن عبيد حيث اشتري قلادة فيها ذهب وخرز باثني عشر دينارا , ففصلها فوجد فيه أكثر , فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تباع حتى تفصل) " انتهى. فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين. "مجموعة أسئلة في بيع وشراء الذهب". [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36762 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5076 التنازل عن دوره في صندوق التنمية العقاري نظير مبلغ مالي [السُّؤَالُ] ـ[أخي مقدم على صندوق التنمية العقاري , وهو لا زال ينتظر دوره في القائمة , فهل يجوز له أن يتنازل عن دوره لي على أن أدفع له مبلغا معينا نظير هذا التنازل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله التنازل عن دوره في صندوق التنمية العقاري مقابل مبلغ مالي لا بأس به، لأنه تنازل عن حق مالي، والحقوق المالية يجوز بيعها بعوض، لكن لابد من إذن البنك العقاري، فإذا أذن البنك العقاري واتفق الطرفان على أن يدفع له مالاً مقابل أن يقوم مقامه، فإن هذا جائز ولا بأس به. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] فتوى الدكتور خالد المشيقح الحديث: 36397 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5077 ما يشترط لجواز بيع المرابحة الذي تجريه البنوك [السُّؤَالُ] ـ[عن مدى صحة العملية التالية وحكمها وما الحكم المترتب على من سبق وأن تعامل بها وماذا عليه أن يفعل؟ تفاصيل وخطوات عملية المرابحة (كما تُدعى لدى البنك) : 1- يحضر المشتري عرض أسعار باسم البنك من صاحب السلعة الرئيسي (معرض أو وكالة سيارات مثلا) متضمنا وصف السيارة ولونها ومواصفاتها وسعرها (مائة ألف ريال مثلا) . 2- يقوم المشتري بإحضار خطاب تعريف بالراتب ونموذج تحويل الراتب للبنك للمدة المتفق عليها مع البنك (ثلاث سنوات مثلا) لسداد القيمة الإجمالية والمتضمنة أصل السعر مضافا إليه فائدة البنك (7% مثلا) . 3- يتم إبرام العقد متضمنا مصاريف إصدار العقد بمبلغ معين (1000ريال مثلا) والتوقيع عليه من قبل المشتري والبنك والشهود. 4- يقوم البنك بإصدار شيك مصرفي باسم المعرض أو الوكالة بقيمة السيارة المضمنة بعرض الأسعار المشار إليه في البند (1) أعلاه. 5- يقوم المشتري باستلام الشيك وتسليمه لصاحب المعرض أو الوكالة ومن ثم تنهى إجراءات تسجيل السيارة باسم المشتري واستلامها. انتهى.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه المعاملة حرام ولا تجوز، وحقيقة هذه المعاملة أنها قرض بفائدة وهذا هو عين الربا، إذ إن البنك قد أعطى المشتري شيكاً بـ (مئة ألف) وأخذه منها على أقساط مضافاً عليه الفائدة وما يسمونه مصاريف العقد. وتسمية هذا بيعاً لا يبيحه لأن حقيقة المعاملة أنها قرض ربوي وليست بيعاً، لأن البنك لم يشتر السيارة من المعرض، ولا باعها على المشتري وإنما أعطاه شيكاً بالمبلغ. وشراء السلع (سيارات أو غيرها) عن طريق البنوك لا يجوز إلا عند توفر شرطين: الأول: أن يمتلك البنك هذه السلعة قبل أن يبيعها فيشتري البنك السيارة مثلاً من المعرض لنفسه. الثاني: أن يقبض السيارة بنقلها من المعرض قبل بيعها على العميل. وإذا خلت المعاملة من هذين الشرطين أو أحدهما كانت معاملة محرمة، وبيان ذلك: أن البنك إذا لم يشتر السيارة لنفسه شراء حقيقيا، وإنما اكتفى بدفع شيك بالمبلغ عن العميل، كان هذا قرضا ربويا؛ إذ حقيقته أن البنك أقرض العميل ثمن السيارة (مائة ألف مثلا) على أن يسترد قرضه مائة وسبعة آلاف. وإذا اشترى البنك السيارة ثم باعها قبل أن يقبضها، كان ذلك مخالفا لقول النبي صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام " إذا اشتريت مبيعا فلا تبعه حتى تقبضه " رواه أحمد (15399) والنسائي (4613) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم: 342 وأخرج الدارقطني وأبو داود (3499) عن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم " والحديث حسنه الألباني في صحيح أبي داود. وفي الصحيحين من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه " [البخاري 2132، ومسلم 1525، وزاد: قال ابن عباس: وأحسب كل شيء مثله] أي لا فرق بين الطعام وغيره في ذلك، وعليه فليس للبنك أن يبيع السيارة حتى يقبضها. وقبض كل شيء بحسبه، فقبض السيارة: أن تنقل من محلها، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (وما ينقل: مثل الثياب والحيوان والسيارات وما أشبه ذلك يحصل قبضها بنقلها؛ لأن هذا هو العرف) انتهى من الشرح الممتع 8/381 وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (13/153) : (إذا طلب إنسان من آخر أن يشتري سيارة معينة أو موصوفة بوصف يضبطها، ووعده أن يشتريها منه، فاشتراها مَن طلبت منه، وقبضها، جاز لمن طلبها أن يشتريها منه بعد ذلك نقدا أو أقساطا مؤجلة بربح معلوم، وليس هذا من بيع الإنسان ما ليس عنده؛ لأن من طُلبت منه السلعة إنما باعها على طالبها بعد أن اشتراها وقبضها، وليس له أن يبيعها على صديقه مثلا قبل أن يشتريها أو بعد شرائه إياها وقبل قبضها؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم) انتهى. وأما حكم من تعامل بهذه المعاملة في الماضي، فإن كان وقتها لا يعلم بتحريمها، وأقدم عليها وهو يظن أنها حلال فلا شيء عليه، لقول الله تعالى بعد ما ذكر تحريم الربا (فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف) البقرة / 275، راجع السؤال رقم (2492) . وأما من أقدم عليها وهو يعلم أنها حرام، فقد اجترأ على كبيرة الربا، وعرّض نفسه لحرب من الله ورسوله، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ () فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ) البقرة، فعليه التوبة من هذه المعصية الكبيرة، والعزم على عدم فعلها مرة أخرى. وأما انتفاعه بالسيارة التي اشتراها بهذه الطريقة فلا حرج فيه إن شاء الله تعالى بعد التوبة والندم. راجع السؤال رقم (22905) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36408 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5078 يشتري سيارة من البنك بثمن مقسط، ثم يبيعها ليستفيد من ثمنها في زواجه [السُّؤَالُ] ـ[أنا شاب وأرغب في إكمال نصف ديني وأتزوج وقمت بخطبة إحدى الفتيات والزواج له مصاريف وتكاليف باهظة جدا من مهر وملحقاته، وأنا لا أملك كل ذلك فدلني أحد الأخوة بأن هناك نظام يسمى بالمرابحة لدى البنوك فذهبت وأخبرني المختص بأن علي أن أذهب إلى أحد المعارض (ولم يحدد) لآخذ سيارة ويقوم البنك بشرائها والتنازل لي بها مقابل أن يأخذ نسبة أرباح تقدر بـ 40741 ريال على المبلغ الأصلي وهو 95000 ريال على مدة 6.5سنوات ولا يوجد لدي حلول أخرى حيث إن أبي مديون جداً، وقد حاولت الاقتراض من أي شخص بدون أرباح فلم أجد سوى أحد البنوك والذي يأخذ نسبة ربح بدون أي بيع ونحوه (مال بمال) وهذا يعد ربا صريحا. وأنا أريد الزواج وأخشى على نفسي من الفتنة، أفتونا مأجورين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه المعاملة التي تريد أن تقدم عليها تتضمن معاملتين: الأولى: شراء السيارة عن طريق البنك، ولا يجوز ذلك إلا عند توفر شرطين: الأول: أن تكون السيارة مملوكة للبنك، فيشتري البنك السيارة لنفسه من المعرض، قبل أن يبيعها عليك. الثاني: أن يقبض البنك السيارة بنقلها من المعرض قبل بيعها عليك. وإذا خلت المعاملة من هذين الشرطين أو أحدهما كانت معاملة محرمة، انظر السؤال رقم (36408) والمعاملة الثانية: هي بيع هذه السيارة التي ما اشتُريت إلا لهذا الغرض وهو الحصول على المال، وهذا ما يسمى بالتورق أي الشراء والبيع لأجل الحصول على الورِق: أي الفضة. وهذا جائز عند جمهور العلماء، بشرط أن تبيع السيارة على غير من اشتريتها منه. جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (13/161) : نرجو إفادتنا عن مسألة التورق وما حكمها؟ فأجابت اللجنة: مسألة التورق هي أن تشتري سلعة بثمن مؤجل، ثم تبيعها بثمن حال على غير من اشتريتها منه بالثمن المؤجل؛ من أجل أن تنتفع بثمنها، وهذا العمل لا بأس به عند جمهور العلماء) انتهى. انظر السؤال رقم (45042) فإذا انضبطت المعاملتان بما سبق فلا حرج عليك، إن شاء الله. ونسأل الله أن يوفقك ويعينك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36410 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5079 أخذ عينة من الملابس من أحد المحلات وصناعة مثلها بغرض البيع؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من أخذ عينة ملابس من محل آخر لمسلم أو كافر وقام بصنع مثلها ومع اختلاف بسيط في الموديل وبسعر أقل؟ ما حكم هذه العينة وبيعها هل يجوز ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا تضمن ذلك غشاً وخداعاً للمشتري؛ بحيث يظن أن السلعة الجديدة هي نفس السلعة القديمة، أو كان ذلك بأخذ العلامة المسجلة أو الاسم التجاري، كان العمل محرماً، لما فيه من الغش أو الاعتداء على حق الغير. وقد صدر من مجمع الفقه الإسلامي قرار يمنع الاعتداء على هذا الحق المعنوي، ونصه: " الاسم التجاري، والعنوان التجاري، والعلامة التجارية، والتأليف والاختراع أو الابتكار، هي حقوق خاصة لأصحابها، أصبح لها في العُرف المعاصر قيمة مالية معتبرة لتموّل الناس لها. وهذه الحقوق يعتد بها شرعاً، فلا يجوز الاعتداء عليها " انتهى من مجلة المجمع (العدد: 5 الجزء: 3 صفحة: 2267) . وسواء في ذلك المسلم والكافر غير المحارب. وأما الكافر المحارب، فمع أن ماله غير معصوم، إلا أن تقليد علامته التجارية وترويج السلع المقلدة بهذه العلامة غش للمشتري، حيث إن هذه العلامة تكون مقصودة للمشتري في السلعة. وأما إن كان مقارباً في الشكل والتصميم، ولكن الاسم التجاري مختلف، فلا حرج بشرط ألا تكون من الملابس المحرمة [كالملابس التي يختص بها الكفار عن غيرهم أو الملابس التي لا تستر العورة، أو الضيقة بحيث تبين تقاطيع جسد المرأة] والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 34510 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5080 عبارة البضاعة التي تباع لا ترد ولا تستبدل [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الشرع في كتابة عبارة " البضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل " التي يكتبها بعض أصحاب المحلات التجارية على الفواتير الصادرة عنهم، وهل هذا الشرط جائز شرعاً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن بيع السلعة بشرط ألا ترد ولا تستبدل لا يجوز لأنه شرط غير صحيح لما فيه من الضرر والتعميه ولأن مقصود البائع بهذا الشرط إلزام المشتري بالبضاعة ولو كانت معيبة واشتراطه هذا لا يبرؤه من العيوب الموجودة في السلعة لأنها إذا كانت معيبة فله استبدالها ببضاعة غير معيبة أو أخذ المشتري أرش العيب. ولأن كامل الثمن مقابل السلعة الصحيحة وأخذ البائع الثمن مع وجود عيب أخذ بغير حق. ولأن الشرع أقام الشرط العرفي كاللفظي وذلك للسلامة من العيب حتى يسوغ له الرد بوجود العيب تنزيلاً لاشتراط سلامة المبيع عرفاً منزلة اشتراطها لفظاً. وبالله التوفيق [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء فتوى رقم 17388 الحديث: 33625 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5081 تأجير المسلم داره لكافر [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم أن يؤجّر المسلم شقّة يملكها أو بيتا إلى كافر علما أنّ هذا الكافر من المحتمل جدا أن يشرب فيها الخمر أو يأكل فيها الخنزير أو يمارس فيها بعض معتقداته الكفريّة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الإمام السرخسي رحمه الله: ولا بأس بأن يؤاجر المسلم دارا من الذمي ليسكنها فإن شرب فيها الخمر أو عبد فيها الصليب أو دخل فيها الخنازير لم يلحق المسلم إثم في شيء من ذلك لأنه لم يؤاجرها لذلك، والمعصية في فعل المستأجر، وفعله دون قصد رب الدار فلا إثم على رب الدار في ذلك. انتهى المبسوط 16/39 [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 7224 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5082 ما حكم الشراء من كفار مع وجود مسلمين [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم ترك المسلمين التعاون فيما بينهم بأن لا يرضى ولا يحب أن يشتري من المسلمين ويرغب في الشراء من دكاكين الكفار، هل هذا حلال أم حرام؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأصل جواز شراء المسلم ما يحتاجه مما أحل الله له من المسلم أو من الكافر، وقد اشترى النبي صلى الله عليه وسلم من اليهود لكن إذا كان عدول المسلم عن الشراء من أخيه المسلم من غير سبب من غش ورفع أسعار ورداءة سلعة إلى محبة الشراء من كافر والرغبة في ذلك وإيثاره على المسلم دون مبرر - فهذا حرام لما فيه من النقص على تجار المسلمين وكساد سلعهم، وعدم رواجها إذا اتخذ المسلم ذلك عادة له، وأما إن كانت دواع للعدول من نحو ما تقدم فعليه أن ينصح لأخيه المسلم بترك ما يصرفه عنه من العيوب، فإن انتصح فالحمد لله، وإلا عدل عنه إلى غيره، ولو كان كافر يحسن تبادل المنافع ويصدق في معاملته. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى اللجنة الدائمة ج13/18. الحديث: 6699 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5083 شراء الكحول الوقود [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز شراء الكحول (وهو مسكر) لاستعماله فيما هو إتلاف له كاستعماله كوقود أو في بعض الصناعات، وهل يجوز بيعه لمن تيقن أنه يريده لهذا الغرض؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله بيع الخمر أو أي مسكر حرام وواجب على من لديه شيء من ذلك إتلافه، وعدم بيعه لعموم قول الله تعالى: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) المائدة/2 [الْمَصْدَرُ] من فتاوى اللجنة الدائمة ج13/47 الحديث: 21209 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5084 رفع قيمة الأرض مقابل التنازل عن القرض الحكومي لمشتريها [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن يرفع قيمة الأرض عند بيعها مقابل أن يتنازل عن حقه في قرض الصندوق العقاري لصالح المشتري؟ (الصّندوق العقاري هو صندوق إقراض غير ربوي جعلته الحكومة لإعانة من يريد بناء مسكن خاص) ، وإيضاح المسألة أنّ الأرض لو كانت تساوي مثلا خمسمائة ألف دون أن تكون مسجّلة في الصندوق العقاري، فذهب فقدّم طلبا لقرض في الصندوق وأخذ رقما بالّدْور، فيأتي دوره في القرض بعد ثلاث سنوات مثلا، ثم قال للمشتري أبيعك الأرض بستمائة وأتنازل لك عن دوري في الصندوق) ]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله: هذا (أي الزيادة على ثمن الأرض) عوضٌ عن تنازله. سؤال: أليس عوضا عن تنازله عن شيء مجهول؟ جواب: لا. عن شيء حقٍّ له، (وكون القرض) يأتي أو لا يأتي فكلهم على خطر، هو والذي تنازل له. سؤال: فماذا يكون الجواب؟ جواب: الجواب الظاهر لي: لا بأس به إذا كانت الدّولة (صاحبة الصّندوق العقاري) تجيز هذا. أهـ. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 7835 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5085 تحويل المرضى للفحص في مستشفى خاص مقابل نسبة [السُّؤَالُ] ـ[مستشفى خاص يقول للأطباء في المستشفيات الحكومية إذا حوّلتم إليّ مرضى لإجراء فحوص لا توجد إلا عندي، فلكم نسبة من الأجرة، فهل هذه رشوة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله بأنّ هذه رشوة وسبيل إلى الفساد ويُمكن أن يؤدّي إلى قيام هؤلاء الأطبّاء بخداع المريض والكذب عليه وتحويله من المستشفى الحكومي المجّاني إلى المستشفى الخاص بزعم أنّه لا يوجد علاج أو أجهزة في المستشفى الحكومي مع أنّ ذلك موجود فيه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 7836 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5086 تخفيض أجرة مغسلة الملابس إذا دفعها مقدما [السُّؤَالُ] ـ[بعض محلات غسيل الملابس تقول للناس اشتروا بطاقة بسبعين ريالا - مثلا - ونحن نغسل لكم ملابس بمائة ريال، فلو لم يشتر الزبون هذه البطاقة يغسلون الملابس التي تساوي أجرة غسلها مائة يغسلونها بمائة، وإذا اشترى البطاقة بسبعين غسلوا له بمائة، فصارت هذه البطاقة نوعاً من التخفيض، فهل يجوز شراؤها منهم واستعمالها في الغسل؟.]ـ [الْجَوَابُ] عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله: نعم يجوز، لأنه يقول (إن عجّلت لي الثمن) فالثوب بسبعين وإلا فهو بمائة، انتهى، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 8938 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5087 البيع بالتقسيط [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم البيع بالتقسيط، وما هو الحلّ الشرعي لمواجهة تخلّف بعض المشترين عن سداد بعض الأقساط؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: تجوز الزيادة في الثمن المؤجل عن الثمن الحال، كما يجوز ذكر ثمن المبيع نقداً، وثمنه بالأقساط لمدد معلومة، ولا يصح البيع إلا إذا جزم العاقدان بالنقد أو التأجيل، فإن وقع البيع مع التردد بين النقد والتأجيل بأن لم يحصل الاتفاق الجازم على ثمن واحد محدد، فهو غير جائز شرعاً. ثانياً: لا يجوز شرعاً، في بيع الأجل، التنصيص في العقد على فوائد التقسيط، مفصولة عن الثمن الحال، بحيث ترتبط بالأجل، سواء اتفق العاقدان على نسبة الفائدة أم ربطها بالفائدة السائدة. ثالثاً: إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط عن الموعد المحدد فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين بشرط سابق أو بدون شرط، لأن ذلك ربا محرم. رابعاً: يحرم على المدين المليء أن يماطل في أداء ما حل من الأقساط، ومع ذلك لا يجوز شرعاً اشتراط التعويض في حالة التأخر عن الأداء. خامساً: يجوز شرعاً أن يشترط البائع بالأجل حلول الأقساط قبل مواعيدها، عند تأخر المدين عن أداء بعضها، ما دام المدين قد رضي بهذا الشرط عند التعاقد. سادساً: لا حق للبائع في الاحتفاظ بملكية المبيع بعد البيع، ولكن يجوز للبائع أن يشترط على المشتري رهن المبيع عنده لضمان حقه في استيفاء الأقساط المؤجلة. مجمع الفقه الإسلامي ص 109 سابعاً: الحطيطة من الدين المؤجل، لأجل تعجيله، سواء أكانت بطلب الدائن أو المدين (وضع تعجيل) جائزة شرعاً، لا تدخل في الربا المحرم إذا لم تكن بناء على اتفاق مسبق، وما دامت العلاقة بين الدائن والمدين ثنائية، فإذا دخل بينهما طرف ثالث لم تجز، لأنها تأخذ عندئذ حكم حسم الأوراق التجارية. ثامناً: يجوز اتفاق المتداينين على حلول سائر الأقساط عند امتناع المدين عن وفاء أي قسط من الأقساط المستحقة عليه ما لم يكن معسراً. تاسعاً: إذا اعتبر الدين حالاًّ لموت المدين أو إفلاسه أو مماطلته فيجوز في جميع هذه الحالات الحط منه للتعجيل بالتراضي. عاشراً: ضابط الإعسار الذي يوجب الإنظار: ألا يكون للمدين مال زائد عن حوائجه الأصلية يفي بدينه أو عيناً. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] مجمع الفقه الإسلامي ص 142 الحديث: 1847 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5088 حكم التعامل بالسندات [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم التعامل بالسندات ذات العوائد الثابتة المحددة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله السند شهادة يلتزم المصدر بموجبها أن يدفع لحاملها القيمة الاسمية عند الاستحقاق، مع دفع فائدة متفق عليها منسوبة إلى القيمة الاسمية للسند أو ترتيب نفع مشروط سواء أكان جوائز توزع بالقرعة أم مبلغاً مقطوعاً أم حسماً. وقد درس مجمع الفقه الإسلامي حكم التعامل في السندات وأصدر بشأنها القرار التالي: أولاً: إن السندات التي تمثل التزاماً بدفع مبلغها مع فائدة منسوبة إليه أو نفع مشروط محرمة شرعاً من حيث الإصدار أو الشراء أو التداول، لأنها قروض ربوية سواء أكانت الجهة المصدرة لها خاصة أو عامة ترتبط بالدولة، ولا أثر لتسميتها شهادات أو صكوك استثمارية أو ادخارية أو تسمية الفائدة الربوية الملتزم بها ربحاً أو عمولة أو عائداً. ثانياً: كما تحرم أيضاً السندات ذات الجوائز باعتبارها قروضاً اشترط فيها نفع أو زيادة بالنسبة لمجموع المقرضين، أو لبعضهم لا على التعيين، فضلاً عن شبهة القمار. ثالثاً: من البدائل للسندات المحرمة - إصداراً أو شراءً أو تداولاً - السندات أو الصكوك القائمة على أساس المضاربة لمشروع أو نشاط استثماري معين، بحيث لا يكون لمالكيها فائدة أو نفع مقطوع وإنما تكون لهم نسبة من ربح هذا المشروع بقدر ما يملكون من هذه السندات أو الصكوك ولا ينالون هذا الربح إلا إذا تحقق فعلاً. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] مجمع الفقه الإسلامي ص 126 الحديث: 2143 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5089 بيع العربون [السُّؤَالُ] ـ[بعض الباعة يشترطون على من يريد شراء سلعة أو استئجارها أن يدفع مبلغا مقدما فإذا عَدَل المشتري أو المستأجر عن رأيه يكون المقدَّم من حقّ البائع، فما حكم ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله موضوع هذا السؤال هو بيع العربون والمراد ببيع العربون هو بيع السلعة مع دفع المشتري مبلغاً من المال إلى البائع على أنه إن أخذ السلعة احتسب المبلغ من الثمن وإن تركها فالمبلغ للبائع. ويجري مجرى البيع الإجارة، لأنها بيع المنافع، وقد ورد حديث في النهي عن بيع العربون لكنّه ضعيف لا يصحّ، ويستثنى من جواز بيع العربون حالات معينة منها بيع السَّلم لأنه يُشترط فيه تسليم الثمن كاملا في مجلس العقد، وكذلك بيع النقد بالنقد وبيع الذهب والفضة لأنّه لا بدّ فيه من التقابض الكامل في مجلس العقد، فلا يجوز بيع العربون في هذه العقود. هذا ويجوز بيع العربون إذا قيدت فترة الانتظار بزمن محدد، ويحتسب العربون جزءاً من الثمن إذا تم الشراء، ويكون من حق البائع إذا عدل المشتري عن الشراء ما داما قد تراضيا على ذلك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] انظر قرارات مجمع الفقه الإسلامي ص 165 الحديث: 2149 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5090 حكم بيع المزايدة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الدخول في المزادات التي يُشترط فيها وضع مبلغ من قِبَل الداخل في المزاد وما حكم الشريعة في بيع المزايدة المعروف اليوم حيث تُباع السّلعة بأعلى سعر يرسو عليه المزاد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحمد لله: عقد المزايدة عقد صحيح إذا تمّ بالشّروط الشّرعية وهذا مذهب جمهور أهل العلم ومما استدلوا به حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاعَ حِلْسًا (بساط للأرض أو كساء لظهر الدابة) وَقَدَحًا وَقَالَ مَنْ يَشْتَرِي هَذَا الْحِلْسَ وَالْقَدَحَ فَقَالَ رَجُلٌ أَخَذْتُهُمَا بِدِرْهَمٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ فَأَعْطَاهُ رَجُلٌ دِرْهَمَيْنِ فَبَاعَهُمَا مِنْهُ. رواه الترمذي رحمه الله في سننه 1139 وقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ لا نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ الأَخْضَرِ بْنِ عَجْلانَ.. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ لَمْ يَرَوْا بَأْسًا بِبَيْعِ مَنْ يَزِيدُ فِي الْغَنَائِمِ وَالْمَوَارِيثِ وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ كِبَارِ النَّاسِ عَنْ الأَخْضَرِ بْنِ عَجْلانَ. وفيما يلي تعريف هذا البيع وذكر بعض ضوابطه وما يتعلّق به: 1- عقد المزايدة: عقد معاوضة يعتمد دعوة الراغبين نداء أو كتابة للمشاركة في المزاد ويتم عند رضا البائع. 2- يتنوع عقد المزايدة بحسب موضوعه إلى بيع وإجارة وغير ذلك، وبحسب طبيعته إلى اختياري كالمزادات العادية بين الأفراد، وإلى إجباري كالمزادات التي يوجبها القضاء، وتحتاج إليه المؤسسات العامة والخاصة، والهيئات الحكومية والأفراد. 3- إن الإجراءات المتبعة في عقود المزايدات من تحرير كتابي، وتنظيم، وضوابط وشروط إدارية أو قانونية، يجب أن لا تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية. 4- طلب الضمان ممن يريد الدخول في المزايدة جائز شرعاَ، ويجب أن يرد لكل مشارك لم يرس عليه العطاء، ويحتسب الضمان المالي من الثمن لمن فاز بالصفقة. 5- لا مانع شرعاً من استيفاء رسم الدخول - قيمة دفتر الشروط بما لا يزيد عن القيمة الفعلية - لكونه ثمناً له. 6- النّجش حرام، ومن صوره: أ - أن يزيد في ثمن السلعة من لا يريد شراءها ليغري المشتري بالزيادة. ب - أن يتظاهر من لا يريد الشراء بإعجابه بالسلعة وخبرته بها، ويمدحها ليغرّ المشتري فيرفع ثمنها. ت - أن يدّعي صاحب السلعة، أو الوكيل، أو السمسار، ادّعاء كاذباً انه دُفع فيها ثمن معين ليدلّس على من يسوم. ث - ومن الصور الحديثة للنجش المحظورة شرعاً اعتماد الوسائل السمعية، والمرئية، والمقروءة، التي تذكر أوصافاً رفيعة لا تمثل الحقيقة، أو ترفع الثمن لتغرّ المشتري، وتحمله على التعاقد. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] قرارات مجمع الفقه الإسلامي ص 167 الحديث: 2150 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5091 هل يجيز الإسلام تقديم عطاءات في المزادات؟ [السُّؤَالُ] ـ[أعمل في شركة بيع بالمزاد العلني وأسأل هل يُجيز الإسلام تقديم عطاءات في المزادات؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: أباح الشرع الحنيف بيع المزايدة ولم يمنعه على الراجح المشهور من مذاهب جمهور العلماء وذلك للأدلة التالية: 1- عن جابر " أن رجلاً أعتق غلاماً له عن دبر فاحتاج فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: من يشتريه؟ فاشتراه نعيم بن عبد الله فدفعه إليه ". رواه البخاري (2034) ومسلم (997) . الحديث: بوَّب عليه البخاري: باب بيع المزايدة. قال ابن حجر: وأجاب ابن بطال بأنّ الشاهد في الحديث بقول الرسول صلى الله عليه وسلم من يشتريه مني قال فعرضه للزيادة ليستقضي فيه المفلس الذي باعه عليه. " فتح الباري " (4 / 354) . 2- قال عطاء: أدركت الناس لا يرون بأساً ببيع المغانم فيمن يزيد. رواه البخاري معلقاً في كتاب البيوع (باب بيع المزايدة) . ثانياً: الأدلة العقلية: إن بيع المزايدة يعرض فيه التاجر سلعته فيطلبها المشتري بسعر كذا مثلاً فلا يرضى البائع به، وهنا انتهى العرض والمساومة وانتهت مبادرات الصفقة. فيقول: ومن يزيد فيطلبها الثاني بسعر كذا وهكذا دواليك. ولذلك يكون كل عرض للبيع صفقة مستقلة عن الأخرى ولا حرج في ذلك. ثالثاً: ذهب بعض أهل العلم على أن بيع المزايدة خاص بالمغانم والمواريث منهم الأوزاعي وإسحاق بن راهويه مستدلين بحديث: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع أحدكم على بيع أحد حتى يذر إلا الغنائم والمواريث " رواه أحمد (5398) والدارقطني (3 / 11) والبيهقي (5 / 344) والطبراني في " الأوسط " (8 / 198) . الرد على هذا الرأي: أن الحديث ضعيف، فيه عبد الله بن لهيعة. أن حديث جابر عام، فيبقى الحكم على عمومه. ولهذا لما قال الإمام الترمذي: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم لم يروا بأسا ببيع من يزيد في الغنائم والمواريث. وقال ابن العربي رحمه الله: لا معنى لاختصاص الجواز بالغنيمة والميراث فإن الباب واحد والمعنى مشترك. انظر " فتح الباري " (4 / 354) . رابعاً: كره بعض أهل العلم - ومنهم إبراهيم النخعي - هذا النوع من البيع واستدلوا بحديث سفيان بن وهب " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع المزايدة ". والرد: 1. الحديث: رواه البزار وهو حديث ضعيف علته ابن لهيعة. انظر " فتح الباري " (4 / 354) . 2. وقد خالف ما هو أصح منه حيث صح ذلك كما ذكرنا. خامساً: ولا تعارض بين المزايدة وبيع الرجل على بيع أخيه المنهي عنه بحديث أبي هريرة " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد ولا تناجشوا ولا يبيع الرجل على بيع أخيه … ." رواه البخاري (2033) ومسلم (1413) . وذلك لأنّ معنى هذا الحديث: أن يتفق البائع والمشتري ويتساومان على السلعة فيأتي طرف ثالث فيغري البائع بالفسخ، وليس المزايدة من هذا لأن البائع هو الذي فسخ البيع بقوله من يزيد. والحاضرون في المزاد دخلوا فيه وهم يعلمون بأنّ كلّ من يريد الزيادة فسيزيد سادساً: الحذر من بيع (النجْش) - بسكون الجيم - والنجش في اللغة: الإثارة، وهو أيضاً إثارة الطائر ليقع بالفخ، وهو إثارة المشتري ليقع بحبال البائع فيشتري بسعر مرتفع عن طريق رفع السلعة في المزاد من رجل يحضر المزاد ولا يريد الشراء وإنما يريد أن يرفع السلعة فيقول قولا يرفع فيه السلعة ولا يشتري باتفاق مع البائع أو بدون اتفاق لحديث " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النجش " رواه البخاري (2035) ومسلم (1516) . والخلاصة: إن بيع المزاد من البيوع الجائزة في الشريعة الإسلامية وأن جواز هذا البيع مما أجمع عليه المسلمون في أسواقهم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 7294 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5092 حكم الدعايات التجارية [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان لدي محل تجاري أو بضاعة فهل يجوز أن أقوم بحملة دعائية للسلع المباعة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الإعلانات والدعايات الترغيبية من المعاملات المعاصرة التي لا تخرج عن إطار الضوابط العامة للمعاملات في الشريعة الإسلامية، لكن لما كثرت التجاوزات في استعمال هذه الوسيلة الترغيبية فلابد من ذكر ضوابط تفصيلية خاصة نراعي المقاصد الشرعية والآداب المرعيّة، فمن ذلك ما يلي: أولاً: أن يحسن التاجر القصد في إعلانه ودعايته، وذلك بأن يكون مقصوده تعريف الناس بمزايا سلعهم وخدماتهم، وأن يطلعوا على ما لا يعرفونه من ذلك وما يحتاجون من معلومات عنها. ثانياً: أن يلتزم الصدق في إعلانه ودعايته، وذلك بأن يخبر بما يوافق حقيقة السلعة أو الخدمة، فالصدق ركيزة أساسية في جميع المعاملات، لاسيما في البيع فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما) رواه البخاري رقم 2079 (2/82-83) ومسلم رقم 1532 (3/162) من حديث حكيم بن حزام. ومن لوازم تحري الصدق والعمل به تجنب الإطراء والمبالغات في وصف السلع والخدمات فإن تعاطي ذلك مجانب للصدق والبيان، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ولا يُنفق بعضكم لبعض) الترمذي رقم 1268 (3/559) أي: لا يروجها ليرغب فيها السامع فيكون قوله سبباً لابتياعها، وقد عد بعض أهل العلم الثناء على السلعة بما هو فيها نوعاً من الهذيان الذي ينبغي التحفظ منه، وضابط هذا أنه يحرم على البائع كل فعل في المبيع يُعْقِب لآخذه ندماً. ثالثاً: أن يتجنب الغش والتدليس في إعلانه ودعايته، وذلك بأن يزين السلعة أو يخفي عيوبها أو يمدحها بما ليس فيها، فإن ذلك كله محرم كما تقدم بيانه. رابعاً: ألاّ يكون في إعلانه ودعايته ذم لسلع غيره وخدماتهم، أو تنّقص لهم، أو إضرار بهم بغير حق لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) رواه البخاري رقم 13 (1/ 2) ومسلم رقم 45 (1/67) من حديث أنس بن مالك. والضابط في ذلك أن كل ما لو عومل به شق عليه وثقل ينبغي ألا يعامل به غيره ولقوله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر، ولا ضرار) رواه أحمد (5/326-327،313) وابن ماجه رقم (2340-2341) عن عبادة بن صامت خامساً: ألا يكون في إعلانه ودعايته ما يدعو إلى الإسراف والتبذير لكونهما من المناهي الشرعية، قال تعالى: (ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) سورة الأنعام 141 وقال تعالى: (ولا تبذر تبذيراً، إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين) سورة الإسراء /26-27 سادساً: ألا يكون فيهما هتك لحرمة الشرع المطهر، بأن يكون ترويج للمحرمات، أو أن يصاحبهما شيء من المنكرات، كالموسيقى والغناء، أو إظهار النساء أو ما أشبه ذلك من المنهيات. سابعاً: ألا تكون الدعاية والإعلان باهظة التكاليف يتحمل عبئها المستهلك، بل يجب أن تكون قاصراً على ما يحصل به المقصود من التعريف بالسلع والخدمات من غير زيادة تجر إلى رفع أسعارها. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] من كتاب الحوافز التجارية التسويقية لـ خالد بن عبد الله المصلح 209. الحديث: 7834 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5093 ما حكم بيع السلع النسائية [السُّؤَالُ] ـ[يوجد لدي مؤسسة خاصة بي أزاول فيها بيع العطور والساعات والمكياج والكريمات والاستشوار والملابس الجاهزة النسائية الطويلة الكاسية والغير شفافة، وسؤالي: هل يوجد نوع من هذه التجارة حرام وأمتنع عن بيعه أم أستمر في تجارتي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله بالنسبة لبيع الأشياء المذكورة ليس فيها ما يدل على تحريمه ما لم تجرّ إلى محرم من مغازلة للنساء وتضاحك معهن ونحو ذلك من الوسائل المحرمة. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى اللجنة الدائمة ج13/33. الحديث: 10203 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5094 حكم شراء عقار عن طريق برنامج "تمويل منازل" [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم تملك منزل عن طريق "برنامج منازل" بعقد تأجير مع الوعد بالبيع، وفي حالة تأخر سداد أيٍّ من الأقساط: سوف يفرض البنك رسماً بحد أدنى قدره 16 % في السنَة، وتُعتبر غرامات تأخير تصرف للأغراض الخيرية، ولا تدخل في أرباح البنك. "برنامج منازل": في سعينا الدائم إلى مساعدة عملائنا على امتلاك المنازل بتمويل متوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية، وإيماناً منَّا في تحقيق كل ما يلبِّي رغبات عملائنا الكرام: تمَّ طرح " تمويل منازل " المصمم على أساس استئجار العقار مع خيار التملك، حيث يقوم العميل بتسديد جزء من الإيجار مقدَّماً على أن يتم تسديد الدفعات المتبقية من الإيجار إلى البنك بأقساط شهرية ميسرة. سوف يمكنكم هذا التمويل من تحقيق التالي: • امتلاك منزل جاهز (فيلا، دبلكس، أو عمارة سكنية) . • امتلاك منزل قيد الإنشاء - على وشك الانتهاء -. • امتلاك أرض لبناء منزل المستقبل. • الحصول على تمويل مقابل العقار الذي تملكه حاليّاً. • الحصول على تمويل منزلك، وتمويل إضافي للأثاث. المزايا والفوائد: • حد التمويل المتوفر لغاية 5,000,000 ريال سعودي. • مدة التمويل المتوفر لغاية 25 سنة. • التمويل متاح لموظفي الحكومة، والشركات الخاصة، والبنوك، وأصحاب المؤسسات الفردية. • يمكن الحصول على التمويل بشكل مشترك بين الزوج والزوجة، أو الأقارب من الدرجة الأولى. • تغطية مجانية بالتعاون مع " ساب تكافل " على محتويات المنزل لمدة عام واحد عند حصولك على تمويل " منازل ".]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: هذا العقد اشتمل على شرط ربوي، وهو "الغرامة" أو "الرسم" الذي يفرضه البنك على العميل في حال تأخره عن دفع قسط من الأقساط، وتسميتها "رسماً" لا يؤثر في حكم تحريمها، ودفعها للجهات الخيرية لا يجعلها حلالاً، فلا يحل للدائن أن يزيد شيئاً على الدين مقابل تأخر المدين عن سداده، ولو لم يأخذ الدائن تلك الزيادة لنفسه، ولو أراد جعلها في وجوه الخير المختلفة. وقد سبق بيان تحريم هذه الغرامة ولو كانت ستنفق في أوجه الخير في جواب السؤال رقم: (101384) و (126950) . ثانياً: بخصوص "عقد الإيجار المنتهي بالتمليك" المذكور في السؤال: لم نقف على تفصيله، لكن هذا النوع من العقود له صور محرمة وأخرى جائزة، سبق ذكرها في جواب السؤال رقم: (97625) . كما أن قولهم: "الحصول على تمويل مقابل العقار الذي تملكه حالياً، والحصول على تمويل منزلك، وتمويل إضافي للأثاث" يحتاج إلى الوقوف على حقيقة هذا التمويل، حتى يمكن الحكم عليه هل هو جائز أم لا؟ والله أعلم [الْمَصْدَرُ] موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 140247 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5095 يريد أن يخطب فتاة يضع والدها أمواله في البنك [السُّؤَالُ] ـ[أنوي التقدم لخطبة فتاة ولكن عرفت أن والدها يضع أمواله في البنك وسوف يقوم بتجهيزها من هذا المال ... فهل سيكون هذا الجهاز والعفش حلالاً أم حراماً؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أكل الربا من كبائر الذنوب، ومن الموبقات العظام، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278- 279. و (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ) ورواه مسلم (1598) . ولكن التعامل مع آكل الربا جائز؛ فقد تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع اليهود وهم أكلة الربا، والمحرم في مال آكل الربا هو الزيادة الربوية فقط، وباقي ماله – إن كان أصله حلالا – فهو حلال. فقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن الذين غالب أموالهم حرام مثل المكاسين وأكلة الربا وأشباههم. ومثل أصحاب الحرف المحرمة كمصوري الصور والمنجمين ومثل أعوان الولاة. فهل يحل أخذ طعامهم بالمعاملة؟ أم لا؟ . فأجاب: " الحمد لله، إذا كان في أموالهم حلال وحرام ففي معاملتهم شبهة؛ لا يحكم بالتحريم إلا إذا عرف أنه يعطيه ما يحرم إعطاؤه. ولا يحكم بالتحليل إلا إذا عرف أنه أعطاه من الحلال. فإن كان الحلال هو الأغلب لم يحكم بتحريم المعاملة، وإن كان الحرام هو الأغلب قيل بحل المعاملة. وقيل: بل هي محرمة. فأما المعامل بالربا فالغالب على ماله الحلال؛ إلا أن يعرف الكره من وجه آخر. وذلك أنه إذا باع ألفا بألف ومائتين فالزيادة هي المحرمة فقط. وإذا كان في ماله حلال وحرام واختلط لم يحرم الحلال؛ بل له أن يأخذ قدر الحلال كما لو كان المال لشريكين فاختلط مال أحدهما بمال الآخر فإنه يقسم بين الشريكين. وكذلك من اختلط بماله: الحلال والحرام أخرج قدر الحرام والباقي حلال له. والله أعلم " انتهى. "مجموع الفتاوى" (29 / 272-273) . وقد اختار الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله أن المال المكتسب بطريق حرام كآكل الربا، والمغنية، وتاجر المخدرات، والمرتشي ... إنما يحرم على المكتسب له فقط، أما من أخذ هذا المال منه بسبب مباح، كنفقته على أولاده وزوجته، وهدية وأجرة على عمل ... ونحو ذلك فهو حلال لمن أخذه. فقال رحمه الله: "كل شيء اكتسب بالحرام فإنه يكون حراماً ولا ينفع صاحبه الذي اكتسبه، إن أنفقه لم يبارك له فيه، وإن تصدق به لم يقبل منه، وإن خلفه كان زاداً له إلى النار. أما بالنسبة لمن بذل له ذلك الشيء فإنه لا يكون حراماً عليه؛ وذلك لأن التحريم كان للكسب لا للعين، فكل شيء محرم لكسبه يكون حراماً على الكاسب فقط، وأما من أخذه من هذا الكاسب بطريق حلال فإنه ليس حراماً عليه، أما ما كان حراماً بعينه [كالمال المسروق والمغصوب] فإنه حرام على الكاسب وعلى غيره " انتهى. "فتاوى نور على الدرب" (13/179) وقال أيضا: " لا بأس بقبول الإنسان الزكاة أو التبرعات من البنوك الربوية؛ لأنه أخذها بحق، والإثم على البنك إذا كان اكتسبه بربا، والدليل على هذا: أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم قَبِل الهدية من اليهود، وأجاب دعوة اليهود، ومعلومٌ أن اليهود يأكلون الربا، ويكسبون الأموال بالسحت. وكذلك أيضاً: عامَلَ اليهود في خيبر، أي: أعطاهم من النخل والزرع، على أن لهم النصف وللمسلمين النصف، ومعلوم أنهم يكتسبون من الربا. فلذلك خذ قاعدةً مفيدةً: كل من اكتسب شيئاً بطريق مباح، فليس عليه إثم من اكتسبه بطريق محرم؛ لأن هذا محرم لكسبه، فيكون حراماً على من كسبه بغير حق، إلاَّ إذا علمت أن هذا المال مال فلان، مثل: إنسانٌ سارقٌ سرق شاة وأتى بها إليك يهديها لك، هذا لا يجوز أن تقبلها منه؛ لأنك تعرف أن هذه الشاة شاة فلان، لكن ما كان محرماً من أجل الكسب، فإن مَن أخذه بحق فهو حلال له" انتهى. "لقاء الباب المفتوح" (140 / 27) وعلى هذا: فلا بأس من التقدم لخطبة هذه الفتاة، إذا كانت ذات دين وخلق، ولا يضرك كون أبيها يضع أمواله بالبنك الربوي؛ وسيجهز ابنته من ماله، فإثم هذا المال الحرام على أبيها فقط، وليس عليها ولا عليك إثم فيه إن شاء الله. وعليك نصح أبيها، ونهيه عن هذا المنكر، وبيان أن الربا ممحوق البركة، ثم هو حسرة وعار على صاحبه يوم القيامة. وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم: (105827) و (45018) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 139470 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5096 هل يستفيد من الفائدة الربوية لسداد دين ربوي؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا مشترك في نظام الادخار في شركة أرامكو وقد علمت أن هناك فتوى حرمت هذا الاشتراك وعليه أود أن أدفع هذه الأموال الربوية في سداد قرض ربوي استقرضته من أحد البنوك للحاجة الماسة، وأسأل الله أن يتوب علي، فهل يجوز أن أسدد هذا الدين الربوي بمال ربوي آخر أملكه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: يحرم الاشتراك في نظام الادخار التابع لشركة أرامكو، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم (30842) . وعلى من اشترك فيه أن يسحب المال، ويتخلص من الفائدة الربوية بإنفاقها في المصالح العامة، وليس له أن ينتفع بها لنفسه، وقد سبق بيان ذلك في الجواب رقم (20876) ورقم (45691) . لكن إذا تاب الإنسان من الربا، وعزم على عدم العودة إليه، واحتاج إلى شيء من أموال الفائدة المحرمة، فالذي يظهر جواز أخذه منها بقدر الحاجة لا سيما إذا كان اكتسب الربا دون علم بالتحريم، وقد بسط ابن القيم رحمه الله الكلام على مسألة التخلص من المال الحرام، وقرر أن طريق التخلص من هذا المال وتمام التوبة إنما يكون " بالتصدق به، فإن كان محتاجا إليه فله أن يأخذ قدر حاجته، ويتصدق بالباقي " انظر: " زاد المعاد " (5/778) . وقال شيخ الإسلام رحمه الله: " فإن تابت هذه البغي وهذا الخَمَّار، وكانوا فقراء جاز أن يصرف إليهم من هذا المال قدر حاجتهم، فإن كان يقدر يتجر أو يعمل صنعة كالنسج، والغزل، أعطي ما يكون له رأس مال " انتهى من " مجموع الفتاوى " (29/308) . لكن لا يجوز الاستمرار في التعامل بالربا، لأجل الانتفاع بالفائدة في تسديد قرض أو غيره. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 138878 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5097 فتح حساب في البنك لتحويل الراتب [السُّؤَالُ] ـ[أنا ذهبت لفتح حساب في بنك لضرورة ذلك حيث إن عملي يفرض علي ذلك لتحول راتبي عليه ... وفوجئت إن البنك أضاف علي مصاريف زيادة حيث ان الحساب الذي سيودع لي أقل من 5000 جنيه قالوا لي طالما أنه أقل من 5000 فإننا سنخصم كل 3 شهور 60 جنيه وهذه مصاريف زائدة جدا فطلبت منهم عمل حساب بفوائد، حيث إن الفوائد لكل 1000 جنيه 52 جنيه كل 3 شهور، فسوف يأخذون هم الفوائد، وسأدفع فقط 8 جنيه كل 3 شهور، ولا آخذ الفائدة أنا. فهل هذا يجوز أم أني ألغي الفائدة، وأدفع المبلغ من مالي؟ مع العلم أني لا أريد التعامل مع البنك، ولا أريد أن أدخر فيه أموالي لتصل 5000 جنيه، أنا سوف أستخدمه مجرد وسيلة أقبض منها راتبي كل شهر، ليس أكثر. أرجو الرد علي إجازة هذا العمل أم لا؟؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا كان فتح الحساب في هذا البنك لضرورة تحويل الراتب ونحوه، فإن ذلك جائز للضرورة؛ والمبلغ الذي يحصله البنك على ذلك لا شيء عليك في دفعه؛ لأنك إنما تدفعه أجرة للتحويل. قال علماء اللجنة الدائمة: " الإيداع في البنوك الربوية لا يجوز، وأما التحويل عن طريق البنك إذا جاء الطلب من الشركة ولم يكن هناك آخر غير البنك الربوي فيجوز التحويل عن طريقه للضرورة " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (13 / 372) ، وينظر أيضا: "فتاوى اللجنة الدائمة" (13 / 370) . وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " إذا دعت الضرورة إلى التحويل عن طريق البنوك الربوية فلا حرج في ذلك إنْ شاء الله؛ لقول الله سبحانه (وقد فصَّل لكم ما حرَّم عليكم إلا ما اضطررتم إليه) . ولا شك أن التحويل عن طريقها من الضرورات العامة في هذا العصر. فإنْ أمكن التحويل عن طريق البنوك الإسلامية، أو من طرق مباحة، لم يجز التحويل عن طريق البنوك الربوية، وهكذا الإيداع: إذا تيسر في بنوك إسلامية، أو متاجر إسلامية: لم يجز الإيداع في البنوك الربوية لزوال الضرورة " انتهى. "فتاوى إسلامية" (2 / 879) ثانيا: لا يجوز فتح حساب ربوي في البنك، بغرض تسديد المصاريف التي يطلبها البنك، مقابل عمله، لأن تحريم الربا ليس لحق البنك، حتى نأخذ منه ونعطيه، إنما التحريم لأجل حق الله، سواء كنا سندفع له أو لا، وسواء كانت المعاملة الأصلية مباحة أو محرمة، فكل ذلك لا يبيح لنا أن نتعامل معه معاملة محرمة، لأجل أن ندفع له مصاريف المعاملة الأصلية. سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: هل يجوز أن أضع وديعة في البنك بفائدة؛ من أجل أن أدفع الضرائب المترتبة علي من تلك الفائدة؟ فأجاب: " لا يجوز هذا العمل؛ لأن هذه المعاملة معاملة ربوية لا يجوز فعلها؛ لقول الله سبحانه: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (19 / 211) . وينظر: إجابة السؤال رقم: (20876) ، (102655) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 138374 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5098 إقراض الذهب على أن يرد مثله في الوزن والشكل [السُّؤَالُ] ـ[قرأت السؤال رقم 131795 حول التي باعت ذهبها لتقرض قيمته لأخيها. إن كثيرا من الناس يقعون في هذا المحظور، والشبهة فيه أنه لولا طلب أخيها أو قريبها منها القرض لما باعت الذهب فهي باعته لأجله وكما ورد في السؤال تشترط أن يرده ذهبا سؤالي: ماذا لو أعطته الذهب واشترطت عليه أن يرده لها بنفس الوزن والشكل وباعه المقترض نفسه وتصرف بقيمته أما في ذلك مخرج من الحالة الحرام وهناك شبهة أخرى قد يعيد لها نفس وزن الذهب ولكن بشكل آخر قد تزيد أجرة صياغته أو تنقص وهو في الحالين يغرم قيمة الصياغة لأنه كما هو معلوم يبيع الذهب وزنا بدون صياغ أفيدونا جزاكم الله خير افقد لا يكون يخلو بيت من هذه المعاملة]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز إقراض الذهب على أن يُرد مثله وزنا، ويجوز للمقترض أن يرد أفضل مما أخذ، إذا لم يكن هذا عن تواطؤ أو اشتراط. وأما اشتراط رده على نفس الشكل الذي كان عليه، فيجوز، إن كان الشكل موجودا وجودا غالبا في السوق، أو يمكن صناعة مثله بيسر، والقاعدة أن المثلي يرد في القرض بمثله، فإن لم يوجد مثله رد قيمته وقت القرض. وينظر: الشرح الممتع (9/104) . والفقهاء يعدون المكيل والموزون مثليّا، إلا إذا دخلته الصناعة المباحة، فيكون قيميا، وهذا بالنسبة لما كان في زمنهم، لتعذر الصناعة على نفس الهيئة والشكل، وأما اليوم فيمكن صناعة آلاف النسخ على هيئة وشكل واحد. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والصحيح أن المثلي ما كان له مثيل، مطابق أو مقارب تقاربا كثيرا، ويدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لزوجته التي كسرت الإناء، وأفسدت الطعام: «إناء بإناء، وطعام بطعام» ولم يضمنها بالقيمة، ثم إننا نقول: الصناعة الآن تتقدم، ومن المعلوم أن الفناجيل ـ مثلا ـ من الزجاج مصنوعة، وهي مثلية قطعا، فمماثلة الفنجال للفنجال أشد من مماثلة صاع البر لصاع البر، وهذا أمر معلوم، والحلي ـ مثلا ـ والأقلام، والساعات، كل هذه مثلية، وهي على حد الفقهاء ليست مثلية " انتهى من "الشرح الممتع" (10/ 122) . وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (14/113) : " ما حكم أن يستلف إنسان من آخر ذهبا سبيكة أو سلسلة، ثم يرجع له ذهبا غيره بنفس الوزن والقيمة، أو يستلف دينارا من الذهب ثم يرجعه له بعد ذلك دينارا بنفس القيمة؟ الجواب: إقراض الذهب ثم رده بمقدار وزنه لا حرج فيه؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «الذهب بالذهب، وزنا بوزن، مثلا بمثل» وإن زاده من دون شرط ولا تواطؤ على الزيادة فلا حرج؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إن خيار الناس أحسنهم قضاء» ... " انتهى. والحاصل: أن رد الذهب ذهبا، بنفس الوزن، وعلى نفس الشكل: هو الأصل، وهو الأقرب إلى العدل أيضا، فإن رد المقترض أكثر وزنا، أو أحسن صياغة، من غير اشتراط من المقترض، فلا بأس به. وأما أن المقترض سوف يغرم قيمة الصياغة: فقد دخل هو في ذلك على بينة، ثم إنه هو المنتفع بالقرض، وغرمه هو أقرب إلى العدل من غرم صاحب المال، لأنه محسن إليه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136433 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5099 هل يقترض ممن يقترض من بنك ربوي؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز اقتراض مبلغ مالي من شخص وهذا الشخص يقترض من بنك ربوي مع العلم أنني سأرجع له المبلغ الذي سأقترضه بدون فائض أي ليس ربوي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز للشخص أن يقترض قرضا حسنا ممن يتعامل بالربا , وكذلك يجوز له إجراء كل معاملة مباحة، مع هذا الشخص. جاء في فتاوى "نور على الدرب" للشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "يجوز للإنسان أن يتعامل مع شخص يتعامل بالربا لكن معاملته إياه بطريق سليم فمثلا يجوز أن يشتري من هذا الرجل المرابي أن أشتري منه سلعة بثمن ويجوز أن يستقرض منه ولا حرج فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يعامل اليهود مع أنهم أكالون للسحت، فقد قبل هديتهم، وقد قبل دعوتهم، وقد باع واشترى منهم، صلى الله عليه وسلم، قبل هديتهم في قصة المرأة اليهودية التي أهدت إليه شاة يوم فتح خيبر، وأجاب دعوتهم حين أجاب دعوة غلام يهودي في المدينة، واشترى منهم، فقد اشترى صلى الله عليه وسلم طعاما لأهله من يهودي ورهنه درعه، أي أعطاه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم درعه رهناً، ومات ودرعه مرهونة، والخلاصة أن من كان يكتسب الحرام وتعاملت معه معاملة مباحة لا حرج عليك فيها" انتهى. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136031 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5100 حكم سداد القرض عن المدينين مقابل مبلغ أو نسبة [السُّؤَالُ] ـ[أريد الاستفسار عن مكاتب سداد المديونيات وأقصد بذلك من لديه قرض في البنوك السعودية بحيث أسدد مديونية العميل لدى البنك لاستخراج قرض جديد أكبر بحيث يكون مردود المكتب بحالتين: تحديد مبلغ مقطوع على كل عميل , أو تحديد نسبة معينة من المبلغ المسدد. ما الحكم في هذه المكاتب وحكم الحالتين السابقتين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سداد الدين عن العميل إن كان بإعطائه مالا ليسدد دينه، فهذا إقراض للعميل، فإن ترتب عليه فائدة فهذا عين الربا، سواء كانت الفائدة مبلغا مقطوعا أو نسبة من المبلغ المسدد. وقد أجمع العلماء على أن كل قرض جر نفعا فهو ربا. قال ابن قدامة رحمه الله: " وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المُسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية، فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا. وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة" انتهى من "المغني" (6/436) . وإن كان سداد الدين بأن يبيع المكتب سلعة على العميل بثمن مؤجل، ثم يبيعها العميل ليوفي دينه للبنك، فهذا لا حرج فيه، بشرط أن يكون المكتب مالكا للسلعة، وأن يبيعها العميل لطرف ثالث لا علاقة له بالمكتب بحيث تنتفي الحيلة على الربا، وهو ما يسمى عند العلماء بـ "التورق" وجمهور العلماء على جوازه. ولمزيد الفائدة عنه انظر جواب السؤال (45042) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 135334 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5101 إعادة التمويل والاقتراض من البنك [السُّؤَالُ] ـ[قد اقترضت من بنك ووقعت معه في الأوراق الرسمية على الاستقطاع من راتبي، وبعد مضي نصف المدة قررت أن أقترض منه مرة أخرى، ولكنه يقول: يجب أن أتقدم بطلب تمويل آخر، وأنه سوف يخصم ما تبقى من القرض الأول، وسيعطيني الباقي، فما الحكم؟ مع العلم أنني لا أستطيع أن اقترض من بنك أخر إلا بعد نهاية القرض الأول، ولا أملك مبلغاً لأسدده.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه المعاملة قد تكون قرضاً كما ذكرت، وقد تكون تمويلاً أو تورقاً في أسهم أو سلعة، وهذا هو الغالب، لكن يخطئ كثير من الناس فيسمونه قرضاً. وسواء كان قرضاً أو تورقاً، فإن ما ذكرت من إدخال التمويل الثاني على الأول لا يجوز، وهو من قلب الدَّيْن المحرَّم، فلو كانت ذمتك مشغولة بمائة ألف ريال مثلاً تنتهي في سنة، فستصبح ذمتك مشغولة بمبلغ أكثر ولمدة أطول، لنفس الدائن الأول، وهذا شبيه بربا الجاهلية وقولهم: إما أن تربي أو تقضي، أو قولهم: زِدْني أُنظِرْكَ. وينظر جواب السؤال رقم (129649) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 133947 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5102 هل يجوز للمسلم أن يأخذ الربا من غير المسلم [السُّؤَالُ] ـ[تمت خطبتي في يناير الحالي وقال لي خطيبي إنه سمع أحد العلماء يقول بأنه يجوز للمسلم أن يأخذ الفائدة من غير المسلم إذا كانت تعود بالنفع على المسلم وأسرته. وأنا لم أقتنع بهذا الكلام وحاولت أن أتناقش معه لكنه كان متشدداً في هذا الأمر فأرجو أن توضحوا لي هذه النقطة حتى أجعله يتوقف عن أخذ الفائدة لأني لا أريد أن أقضي حياتي على هذا النحو.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نسأل الله تعالى أن يزيدك حرصاً وثباتاً على دينك، كما نسأله تعالى أن يشرح صدر خطيبك للحق والعمل به. ثانياً: تحريم الربا ثابت بالكتاب والسنة وإجماع العلماء. أما الكتاب، فقوله تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) البقرة/275. وقوله: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ * وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) البقرة/278-280 فهذه الآية وغيرها من الآيات تدلُ على شدة تحريم الربا، وأنه من كبائر الذنوب. وأما السنة فعن جابر رضي الله عنه قال: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ) رواه مسلم (1598) . وأما الإجماع، فقد حكاه النووي رحمه الله في "المجموع" (487) فقال: "أجمع المسلمون على تحريم الربا , وعلى أنه من الكبائر" انتهى. ثانياً: لا فرق في تحريم الربا والتعامل به بين بلاد المسلمين وبين بلاد الكفار، ولا بين مسلم وكافر ولا بين ذكر وأنثى ولا بين صغير وكبير؛ لأن النصوص عامة، ولم يأت ما يخصص هذا العموم. قال النووي رحمه الله: " يستوي في تحريم الربا الرجل والمرأة , والعبد والمكاتب بالإجماع , ولا فرق في تحريمه بين دار الإسلام ودار الحرب , فما كان حراماً في دار الإسلام كان حراماً في دار الحرب , سواء جرى بين مسلمين , أو مسلم وحربي , سواء دخلها بأمان أم بغيره هذا مذهبنا , وبه قال مالك وأحمد وأبو يوسف والجمهور.." انتهى من "المجموع" (4/489) . ثالثاً: ما سمعه خطيبك من أحد المفتين من جواز أخذ الفوائد الربوية من الكفار، قد قال به بعض العلماء، غير أنه مذهب ضعيف، مخالف للكتاب والسنة، والمسلم مأمور باتباع الكتاب والسنة، لا باتباع زلات العلماء، عملاً بقوله تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) النساء/59. وقد ذكرنا في جواب السؤال (126056) رداً تفصيلياً على هذه الفتوى، فأطلعي خطيبك عليه. ونسأل الله تعالى أن يلهمه رشده ويوفقه للصواب. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 133622 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5103 المعاش الناتج عن عمل الأم في البنك الربوي هل يحل للأبناء؟ [السُّؤَالُ] ـ[تقيم زوجته مع أمها التي كانت تعمل في البنك في قسم البورصة وهي على المعاش وترفض أمها أن تنفق زوجته (ابنتها) فما العمل وهو لا يستطيع أن يأخذ زوجته معه ولا يستطيع أن يتركها في الشقة بمفردها ومعها طفلتهما الرضيعة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز العمل في البنوك الربوية، ولا يحل المال المكتسب من هذا العمل، إلا أن يكون العامل جاهلا بالتحريم فيعفى عما أخذه من مال، ويدخل في ذلك: مكافأة نهاية الخدمة، والمعاش المقتطع من راتبه، وأما مع العلم بالتحريم فلا يحل له شيء من ذلك. وينظر جواب السؤال رقم (12397) . وهذا المال المحرم بسبب العمل في البنك الربوي هو حرام على كاسبه فقط، ولا يحرم على من أخذه منه بوجه مباح، فلا حرج على البنت أن تأكل من هذا المال، والتورع عنه أولى، لا سيما إذا تضمن النصح والتنفير من الربا ومن المال المكتسب من طريقه. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: أبي غفر الله له يعمل في بنك ربوي، فما حكم أخذنا من ماله وأكلنا وشربنا من ماله؟ غير أن لنا دخلاً آخر وهو من طريق أختي الكبيرة فهي تعمل، فهل نترك نفقة أبي ونأخذ نفقتنا من أختي الكبيرة مع أننا عائلة كبيرة، أم أنه ليس على أختي النفقة علينا فنأخذ النفقة من أبي؟ فأجاب: " أقول: خذوا النفقة من أبيكم، لكم الهناء وعليه العناء؛ لأنكم تأخذون المال من أبيكم بحق؛ إذ هو عنده مال وليس عندكم مال، فأنتم تأخذونه بحق، وإن كان عناؤه وغرمه وإثمه على أبيكم فلا يهمكم، فها هو النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبل الهدية من اليهود، وأكل طعام اليهود، واشترى من اليهود، مع أن اليهود معروفون بالربا وأكل السحت، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام يأكل بطريق مباح، فإذا ملك بطريق مباح فلا بأس. انظر مثلاً بريرة مولاة عائشة رضي الله عنهما، تُصَدِّق بلحم عليها، فدخل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوماً إلى بيته ووجد البُرمة -القدر- على النار، فدعا بطعام، فأتي بطعام ولكن ما فيه لحم، فقال: ألم أر البرمة على النار؟ قالوا: بلى يا رسول الله، ولكنه لحم تُصدق به على بريرة. والرسول عليه الصلاة والسلام لا يأكل الصدقة، فقال: (هو لها صدقة ولنا هدية) فأكله الرسول عليه الصلاة والسلام مع أنه يحرم عليه هو أن يأكل الصدقة؛ لأنه لم يقبضه على أنه صدقة بل قبضه على أنه هدية. فهؤلاء الإخوة نقول: كلوا من مال أبيكم هنيئاً مريئاً، وهو على أبيكم إثم ووبال، إلا أن يهديه الله عز وجل ويتوب، فمن تاب تاب الله عليه" انتهى من "اللقاء الشهري" (45/16) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 132480 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5104 أخذ الفوائد الربويّة بنيّة التصدّق بها [السُّؤَالُ] ـ[تلقيت مؤخرا نصيحة من محاسب هو أخ لي في الإسلام، وقد تعلقت بمعاشي، وفيما يتعلق بحالة الانهيار المالي الواقع مؤخرا، وتمثلت النصيحة في تحويل التخصيص العقاري من أرباحي من الأسهم إلى نظام الفائدة الثابتة، واقترح صديقي أن أقوم بصرف الفائدة المكتسبة بعدئذ في أبواب الصدقات وبناء المساجد ... ، إلا أني لا أشعر بارتياح تجاه تلك النصيحة للأسباب القادمة، وإن كنت سأقدر لفضيلتكم تصحيحكم لما أراه من وجهات النظر، حيث أني أبلغ من العمر 34 عاما، وليس محتملا أن أتقاعد في الوقت الحالي، ولدي عملي الثابت المستقر، كما أني أتمتع بصحة جيدة، وتحويلي للأموال إلى نظام الفائدة الثابتة، يعني بالضرورة أن أستثمرها في مجموعة العقارات بدون تحمّلي لعنصر المخاطرة، وبدون عنصر التملك بشرط الفائدة المضمونة بدون أيّ جهد مني، وعندما بدأت استثمار أموالي في مجموعة العقارات، فإني كنت أعرف أنّ الأسهم عرضة للفقدان، وقبلت بعنصر المخاطرة كمساهم. وأفهم في حدود فهمي المتواضع أنّ الحكمة في حرمة الفائدة هي كونها عائدا يحصل عليه المموّل دون أيّ عمل أو جهد منه. ويعمل المقترض لسداد دينه مضافاً إليها الفائدة، وعلى نطاق واسع، فإنّ أصحاب الأموال يتلقّون دخولاً كبيرة دون جهد أو عمل، بينما يضطر المقترضون للقيام بكلّ العمل والمهام، وهذا هو حال العمل في المصارف اليوم، حيث يجني أصحاب الأسهم مكاسب وأرباحا كبيرة هو نتاج جهد وعمل الطبقة العاملة. وتوزيع أي فائدة تم كسبها من تحويل الأموال إلى فائدة ثابتة لن يجعل الصفقة صحيحة؛ حيث إنّ الأمر كله بني على خطأ، ولفهم هذا الأمر فقد عقدت مقارنة بينها وبين مبادئ روبين هود، فكسب المال من مصدر بشكل غير شرعي وغير عادل، ثم توزيعه بعد ذلك على المحتاجين لن يصحّح من صورة العمل بأيّ حال. وسؤالي هو: هل أنا على حقّ في أنّ تحويل معاشي إلى نظام الفائدة الثابتة بنسبة 100% ليس هو الحل الأمثل، وليس فيه صالح ديني حتى في ضوء المناخ المالي الحاليّ؟ ضع في الاعتبار أنه ليس هناك تأمين مضاف على المعاش، ولو توفيت فإن المال الذي ساهمت به بجانب أرباحه هو فقط ما سيوزع على عائلتي. والاستثمار في الأسهم يتم مع شركات لا تعمل في مجال بيع الخمور، أو بيع التبغ، كما أنه وفقا للقانون الأسترالي فيجب أن يستثمر 9% من الدخل في تمويل المعاش.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إنّ الذي شرح الله إليه صدرك هو الحقّ، فالرّبا مخاطره كبيرة، وعواقبه وخيمة، وهو من المهلكات للأفراد والأمم، حتى لقد توعد الله صاحبه بالحرب، ولا يخفى عليك ما يعانيه العالم من الأزمة الماليّة من جراء التعامل بالرّبا، وما أعدّه الله لهم في الآخرة أشدّ وأبقى، نسأل الله السّلامة والعافية. قال الله تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) . [البقرة: 275] ، وقال أيضاً: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) . [آل عمران: 130، 131] . ولا يجوز الدخول في العقود المحرمة، من الربا، والميسر، ونحو ذلك، ولو بينة التصدق بما يحصل للداخل فيها من العوائد، ولا يعفيه ذلك من إثم الدخول في هذه المعاملات، فإن الإثم لازم له ولو لم يحصل له منها شيء، بل يحصل له الإثم، وبنفس الدرجة، إن كان هو الغارم الذي يدفع الفائدة الربوية، أو الخاسر في الميسر والقمار. عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ. رواه مسلم (1598) . ثم إن متعاطي هذه المعاملات المحرمة، لا ينتفع بشيء من الصدقة بهذه الأموال، وإنما حسبه أن يخرج منها، تخلصا من الإثم الذي لحقه بالحصول عليها، وإمساكها؛ وإنما مثلها كمثل النجاسات: إذا تلطخ بها المرء، كان عليه أن يغسل موضعها، ولا يقول عاقل: إنه يتوحل في هذه النجاسات، من أجل أن يغسلها بعد ذلك. وهي من الآثام والأوزار، التي تلحق العبد، ويجب عليه التوبة منها؛ أفيقول عاقل: إنه سوف يسرق، أو يزني، أو..، من أجل أن يتوب من تلك الجريمة؟! فمن أدراك أن الله تعالى سوف يحفظ لك قلبك، ويقوي عزمك على التوبة بعد ذلك؟! ثم، من أدراك أنك، إن تبت فإن الله سيقبلك؟! وبخصوص المسألة التي ذكرتها، فقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم، أن هذا الذي تفكر فيه، من التصدق بمال كسبته من حرام، غير مقبول عند الله، ولا نافع لصاحبه، كما أخبرناك من قبل. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا ". أخرجه مسلم برقم (1015) . ورد في فتاوى اللجنة الدائمة (13 / 355) الفتوى رقم (19585) : س: رجل لديه مبلغ من المال، ويريد أن يضعه في أي بنك من البنوك، وهو يعلم أن البنك سوف يعطيه قدرا من الربا، لكن الرجل يعلم أن المبلغ الزائد ربا وحرام، وإذا تركه أخذه البنك واستفاد من الربا. فهل يجوز له أن يأخذ الربا ويعطي الأسر الفقيرة دون ابتغاء أي ثواب، فقط أن الأسر تستفيد من المال؛ لأنهم في حاجة ماسة إلى المال، ذلك بدلا من استفادة البنك؟ ج: لا يجوز إيداع الأموال في البنوك الربوية بقصد أخذ الفوائد الربوية لأي غرض كان؛ لأن الله حرم الربا، وتوعد عليه بأشد الوعيد، ولعن النبيّ - صلّى الله عليه وسلّم - آكله وموكله وشاهديه وكاتبه، فلا يجوز أخذه بنية التصدق به؛ لأنه كسب حرام وخبيث، والله طيب لا يقبل إلا الطيب. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عضو ... عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس بكر أبو زيد ... صالح الفوزان ... عبد العزيز آل الشيخ ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الحديث: 132317 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5105 باعت الذهب وأقرضته ثمنه واتفقا على أن يرده ذهبا [السُّؤَالُ] ـ[باعت الذهب وأقرضته ثمنه واتفقا على أن يرده ذهبا السؤال: طلب أخي من أمي مبلغاً من المال، وأمي لا تملك سيولة نقدية في هذا الوقت، فقالت له: سوف أبيع الذهب وأعطيك ثمنه. هي قد باعته ذهباً خاماً - أي بعد خصم المصنعية -، وكان الاتفاق على أن يرده ذهباً مشغولاً - كحالة الذهب الذي بيع -، طبعاً سيكون هناك فرق حتى ولو لم يكن هناك تغير في سعر الذهب. أسأل: كيف يرد هذا المال؟ هل يرد نفس المبلغ نقداً؟ أم يرد قيمة الجرامات التي بيعت؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب في القرض أن يُرد مثله، ولا يجوز الاتفاق على أن ترد النقود ذهباً، أو يرد الذهب نقوداً؛ سواء اتفقا على أن يكون الذهب خاماً أو مشغولاً؛ لأن هذا يعتبر بيعاً للذهب بنقود مع تأجيل قبض الثمن، وهو لا يجوز، بل صورة من صور الربا. روى مسلم (1587) عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ ... مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) . والعملات الحالية تقوم مقام الذهب والفضة، ولها ما لهما من الأحكام، ويجري في ذلك كله قوله صلى الله عليه وسلم: (فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) ، فمن أعطى نقوداً ليأخذ ذهباً، وجب أن يكون ذلك يداً بيد. وعليه؛ فإن أخاك يرد إلى أمه مثل ما أخذ من النقود، ولا يجوز أن يُشترط عليه أن يرد ذهباً مهما كان نوع الذهب؛ لأنه لم يستلم ذهباً، وإنما استلم نقوداً. وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (99642) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131795 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5106 هل يعطي الفائدة الربوية لوالديه ليسددا ديونهما [السُّؤَالُ] ـ[قمت والحمد لله بسحب جميع مدخراتي والتي كانت موجودة بأحد البنوك الربوية، ولقد عقدت العزم على التخلص من فوائدها إن شاء الله، فهل يجوز إعطاؤها لوالدي أو والدتي لتسديد جزء من ديون عليهم وهل وضع الأموال بأحد البنوك الإسلامية (مثل بنك فيصل الإسلامي) حلال؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نحمد الله تعالى أن وفقك لترك التعامل مع البنك الربوي، ونسأله سبحانه أن يغفر ذنبك ويتقبل توبتك. والأصل في الفائدة الربوية أن يُتخلص منها بما لا يعود بالنفع على المتخلص، فتصرف في أوجه الخير ومصالح المسلمين العامة. ولا يجوز إعطاؤها للوالدين لأجل النفقة؛ لأنهما إن كانا فقراء لزمتك نفقتهما، فيكون في إعطاء الفائدة لهما حماية لمالك ونفعٌ عائد لك. ويجوز إعطاء الفائدة لهما لسداد ديونهما؛ إذ لا يجب على الولد سداد ديون والديه. ثانياً: يجوز وضع المال في بنك فيصل الإسلامي، وانظر جواب السؤال رقم (120662) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129687 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5107 العمل في شركة تتعامل بالربا [السُّؤَالُ] ـ[أعمل بمهنة محاسب في شركة مقاولات لديها العديد من الفروع في جميع أنحاء المملكة ونشاط الشركة قائم على التعاملات المتمثلة فيما يلي: 1- يتم فتح ضمان بنكي عند استلام المشروع مقابل عمولات من البنك. 2- اعتمادات بنكية لصالح موردي الشركة لضمان حقوقهم مقابل عمولات من البنك. 3- قروض في صورة إعادة تمويل فواتير الاعتمادات مقابل نسبة ثابتة حسب سعر مؤسسة النقد بالإضافة إلى 3%: 4% حسب البنك. 4- يتم السحب على المكشوف مقابل نسبة على الرصيد المدين اليومي (حيث يقوم البنك بخصم فائدة مقابل السحب على المكشوف تحسب على أساس الرصيد اليومي مضروب في معدل ثابت 11% سنويا) . 5- تمويل المستخلصات للمشروعات لحين صرف الشيكات الخاصة بها مقابل نسبة يحددها البنك طبقا للسعر المحدد من قبل مؤسسة النقد بالإضافة إلى 3%: 4% حسب البنك. 6- بالنسبة للتعامل مع بعض مقاولي الباطن يتم التعامل معهم بإضافة نسبة 1% شهريا على الرصيد المكشوف لدى الشركة. والسؤال: ما هو حكم هذه التعاملات التي تقوم بها الشركة؟ وإذا كان الجواب عدم جواز هذه التعاملات: 1- ما حكم عملي في هذه الشركة حيث إنني أعمل محاسباً بعيداً عن هذه التعاملات علماً بأنه ليس لدي عمل بديل وعندي مسؤوليات كثيرة؟ 2- هل ينطبق الحكم على جميع العاملين في الشركة في مختلف التخصصات الوظيفية حيث يعمل لدى الشركة حوالي 7000 عامل تقريبا موزعون في الفروع والمواقع (مديرين، مهندسين، محاسبين، إداريين، معقبين، فنيين، مراقبين، عمال) ؟ 3- ما حكم المال الذي تم اكتسابه خلال فترة عملي بالشركة وهل يجوز المطالبة بمستحقاتي عن فترة عملي بها (مكافأة نهاية الخدمة – تذاكر سفر .... إلى آخره) ؟ 4- توجيه نصيحة لصاحب العمل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إذا كان الأمر كما ذكرت فإن كثيرا من معاملات الشركة مع البنك قائمة على الربا المحرم، وعليه، فلا يجوز العمل في إجراء هذا الربا أو كتابته أو تسجيله؛ لما روى مسلم (1598) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ. وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ) . وإذا كان عملك في المحاسبة لا يقتضي مباشرة الأعمال الربوية ولا الإعانة عليها، فلا حرج عليك في الاستمرار فيه، وهكذا المدراء والمهندسون والفنيون وغيرهم لا حرج عليهم في بقائهم في أعمالهم المباحة ولو كانت الشركة تتعامل بالربا. فقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن موظف يعمل بشركة تتعامل مع البنوك وتقترض منهم بالربا، وتعطي الموظفين الرواتب من تلك القروض الربوية فأجاب: "هل هذا الموظف يكتب العقود التي بين الشركة وبين البنوك؟ السائل: لا يكتب، بل هو أنا يا شيخ! (أي هو الموظف المسئول عنه) . الشيخ: إذاً: أنت الآن لا تكتب الربا ولا تشهد عليه، ولا تأخذه ولا تعطيه، فلا أرى في هذا شيئاً، ما دام عملك سليماً فيما بينك وبين الشركة، فوِزْر الشركة على نفسها. إذا لم تكن تذهب إلى البنوك ولا توقع على معاملة البنوك فلا شيء عليك، فالمؤسسة هذه -أولاً- لم تُبنَ للربا، وليست مثل البنك الذي نقول: لا تتوظف فيه، فهي لم تؤسس للربا. ثانياً: إنك لم تباشر الربا لا كتابةً ولا شهادةً ولا خدمةً، عملك منفصل عن الربا " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (59/15) . ثانياً: لا حرج في أخذك مكافأة نهاية الخدمة أو تذاكر السفر، وفي الانتفاع براتبك ما دام عملك خاليا من الحرام ومن الإعانة عليه. ثالثاً: ينبغي نصح صاحب العمل بتقوى الله تعالى والبعد عن الربا، والتعامل مع البنوك الإسلامية، والبحث عن طرق التمويل المشروعة وهي كثيرة، وسؤال أهل العلم عن معاملاته وما يحل منها وما يحرم، فإن المال الحرام أمره عظيم، وعاقبته سيئة، وهو سبب لعدم قبول الدعاء والأعمال الصالحة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) ، وَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) ، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ) رواه مسلم (1015) . قال ابن رجب رحمه الله: " وفي هذا الحديث إشارة إلى أنه لا يقبل العمل ولا يزكو إلا بأكل الحلال، وأن أكل الحرام يفسد العمل ويمنع قبوله؛ فإنه قال بعد تقريره: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا) وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) والمراد بهذا: أن الرسل وأممهم مأمورون بالأكل من الطيبات التي هي الحلال وبالعمل الصالح، فما كان الأكل حلالا فالعمل الصالح مقبول، فإذا كان الأكل غير حلال فكيف يكون العمل مقبولا. وما ذكره بعد ذلك من الدعاء وأنه كيف يُتقبل مع الحرام فهو مثال لاستبعاد قبول الأعمال مع التغذية بالحرام) انتهى من "جامع العلوم والحكم" ص 100. وقال صلى الله عليه وسلم: (كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به) رواه الطبراني وأبو نعيم عن أبي بكر، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (4519) . ورواه الترمذي (614) من حديث كعب بن عجرة بلفظ: (إنّه لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به) . وينبغي أن يعلم أن الرزق مقسوم مكتوب، فلا يستعجل في طلبه بطريق محرم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن روح القدس نفث في روعي: أن نفساً لن تموت حتى تستكمل أجلها، وتستوعب رزقها، فاتقوا الله، وأجملوا في الطلب، ولا يحملنّ أحدَكم استبطاءُ الرزق أن يطلبه بمعصية الله، فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته) رواه أبو نعيم في الحلية، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2085) . نسأل الله أن يوفق الجميع لما يحب ويرضى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129663 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5108 حكم إعادة التمويل من بنك الراجحي [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم إعادة التمويل من بنك الراجحي؟ حيث أخذنا قرضا من البنك وهو شراء أسهم مباحة وتم بيعها وطلبنا إعادة التمويل، وتم الموافقة حيث يتم حساب القرض الجديد بعد انتهاء القرض القديم، أفتونا مأجورين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: شراء الأسهم من الراجحي ثم بيعها للحصول على النقد: يسمى التورق، وهو جائز، ومن الخطأ تسميته قرضا. ثانياً: إذا سددت ما عليك من أقساط للراجحي، فلا حرج أن تعيد التمويل معه بنفس الطريقة، فتشتري أسهما مباحة بالأقساط، ثم تبيعها حالّةً لتحصل على النقود. وأما قبل الفراغ من سداد الأقساط الأولى، فلا يجوز أن تدخل في إعادة التمويل؛ لأنه حيلة على قلب الدين المحرم، وذلك أنه لو كانت ذمتك مشغولة بمائة ألف ريال مثلا تنتهي في سنة، فستصبح ذمتك مشغولة بمبلغ أكثر ولمدة أطول، لنفس الدائن الأول، وهذا شبيه بربا الجاهلية وقولهم: إما إن تربي أو تقضي، أو قولهم: زِدْني أُنظِرْكَ. وقد سئل الدكتور محمد بن سعود العصيمي حفظه الله: نسأل عن برنامج إعادة التمويل والتي طرحه مصرف الراجحي مؤخرا إذ يتيح لكل من لديه تمويل سابق أن يحصل على تمويل إضافي ولا يبدأ في سداد أقساطها إلا بعد انتهاء أقساط التمويل الأول وجزاكم الله خيراً. فأجاب: "الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: حيث إنّ ربح التمويل الجديد محتسب على العميل من حين إتاحة المبلغ له حتى لو لم يقبضه فلا فرق بينه وبين قلب الدين على العميل؛ ولذلك لا أرى جوازه. وإني ألفت نظر العملاء عمومًا إلى الانتباه إلى الأرباح التي تأخذها البنوك ولا يفصح عنها بشكل واضح لهم. وكذلك أنبه العملاء عمومًا إلى عدم تحميل أنفسهم مديونيات يمكن أن يستغنوا عنها بشيء قليل من التدبير والتوفير؛ فإن شغل الذمم بالديون ليس أمرًا محمودًا في الشرع، خاصة إذا كان لأمورٍ من الترف وزيادة الترفّه. والله أعلم " انتهى من "موقع الشيخ على الإنترنت" http://www.halal2.com/ftawaDetail.asp?id=25368 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129649 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5109 حصل على قرض ربوي من أجل التعليم، فهل يكون عمله حراما إذا تخرج؟ [السُّؤَالُ] ـ[هذا السؤال يشغل بال العديد من الطلاب المسلمين الذين يدرسون في البلدان الكافرة حاليا. وأرجو أن تجيبنا عليه. وُلدت مسلما، إلا أنه قد مرّ بي وقت كنت خلاله على غير طريق الحق، (أي أني لم أكن أصلي آنذاك.) وقد تبت من ذلك، والحمد لله، وعدت لديني. لكن، خلال هذا العام، فقد أصبحت طالبا في الكلية وحصلت على قروض للطلاب من أجل سداد رسوم التعليم، وأنا لا أزال أسددها حتى الآن. وسؤالي الأول هو: أعلم أنه من المحرم التعامل بالفوائد. فكيف لي أن أتعامل مع هذه المشكلة بما يتفق مع الشريعة؟ وثانيا: هل يكون الدخل الذي أحصل عليه من وراء عملي بهذه الشهادة حراماً مع أني تبت من ذلك؟ لقد قال لي بعض الأصدقاء بأن أقوم بسداد المبلغ الأصلي فقط دون الفوائد. أرجو أن تزودني بفتوى صحيحة حول ذلك.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ننصحك بكثرة الأعمال الصالحة التي يمحو الله بها ما وقعت به من التفريط والإهمال وترك الصلاة. فأكثِر من الصلاة النافلة، ومن الاستغفار، وتب إلى الله التوبة النصوح، ثم واصل دراستك في هذه الكلية إذا لم يكن فيها منكر. وأما هذه القروض فعليك سدادها، وإذا طلبت منك الفوائد فأنت مجبر وليس لك إلا أن تسددها والإثم عليهم، ولا حرج عليك. وبالنسبة لعَملك فإذا كان عملا حلالا مباحا لا ظلم فيه ولا اختلاس فهو حلال. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله الحديث: 129523 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5110 تعريف الربا، وحكم العمل الذي يساعد على الربا؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما هو تعريف الربا؟ أيضاً إذا وضعنا في الاعتبار أن معظم الدول تدور على مبدأ دورة رأس المال ومنه الإقراض فهل قبول الدفع بتلك العملة لأي عمل من الأعمال يعتبر من الأعمال التي تساعد في نظام يقوم على الربا؟ (وهل استخدام عملة الدولة التي تقوم على الربا يعتبر إسهاما في اقتصادها الربوي؟ مما لا مفر منه أن الموظف في بنك ربوي يلعب دوراً في المعاملات الربوية بشكل أو بآخر حتى ولو كان حارساً للبنك فهل يمكن أن تجدوا له عملاً إن كان عندكم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الربا هو الزيادة في شيء مخصوص، وهو مشتق من الزيادة، ومنه قوله تعالى: (وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ) أي لا يزيد ولا يرتفع عند الله، وقوله (لِيَرْبُوَا فِي أَمْوَالِ النَّاسِ) أي يكثر. وأصله أن أهل الجاهلية كان إذا حلّ الدين على أحدهم طلبوا منه فقالوا: أعطنا المئة أو زدناها إلى مئة وخمسين. وإذا حلّت المئة وخمسين قالوا له: أعطنا المئة وخمسين أو جعلناها مئتين.. وهكذا. وجاءت الشريعة بتحريم ربا آخر هو ربا الفضل وهو زيادة في أحد الجنسين إذا بيع أحدهما بالآخر. بحيث إذا بيع ذهب بذهب فإنه لا يجوز إلا مِثلا بمثل ويدا بيد، فاشترط فيه التقابض والتماثل فمن زاد أو استزاد فقد أربى، فإذا باع صاع بُر بصاعين ولو كان يدا بيد وقع في الربا. بالنسبة لمبدأ دورة رأس المال فهو موجود في الدول الإسلامية وغير الإسلامية والمقصود أنها تدير رأس المال حتى يزداد ويكثر، وكذلك الاقتراض فهم يُعطون المال شريطة أن يزيد عند الوفاء به، فمثل هذا لا شك أنه ربا. ومبدأ دورة رأس المال لا بأس به إذا كان رأس المال يُجعل في تجارة، ويكون الربح بين صاحب المال والعامل، وهو يُسمى المضاربة فلا بأس بذلك إذا تميز رأس المال عن الربح. وإذا تم إيداع هذه الأموال في بنوك ربوية فإن أخذ الفوائد الربوية حرام لا يجوز أكله، ولا يجوز التعامل مع هذه البنوك، ولا يجوز القرض الذي فيه زيادة. ولا يجوز قبول الدفع بتلك العملة لأي عمل من الأعمال إذا كانت من الأعمال التي تساعد على نظام يقوم على الربا. أما استخدام هذه العملة (مثل الدولار) فلا مانع عند الحاجة، وإن كان في ذلك شيء من تنمية اقتصاد تلك البلاد، وذلك لأن الدولار معترف به عند أكثر الدول الإسلامية وغيرها، فيجوز التعامل بها عند الحاجة، وإذا وُجدت الجنيهات الإسلامية وعُمل بها فيستغنى عنها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله الحديث: 129458 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5111 حكم شراء سيارة عن طريق البنك العربي [السُّؤَالُ] ـ[راتبي التقاعدي محول على البنك العربي ولم أستطع تحويله على الراجحي لكون نظام الدولة مخصص هذا البنك للمتقاعدين، وأرغب في شراء سيارة عن طريقهم، فقالوا: توقع عقد رغبة في الشراء، ونشتري لك السيارة التي تريد، وإذا غَيَّرت رأيك ولا ترغب في السيارة بعد ما البنك امتلكها تدفع أجر أتعاب 1200 ريالاً، وإذا تمت العملية يضاف 1200 إلى القيمة الكلية كأجر إداري أو أتعاب، فهل تجوز هذه الطريقة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يجوز إيداع الأموال في البنوك الربوية إلا لضرورة حفظها عند عدم وجود بنك إسلامي، ومن ألزم باستلام راتبه عن طريق بنك ربوي ولم يمكنه تحويله إلى بنك إسلامي، فلا حرج عليه، وعليه أن يسحب ماله بعد نزوله حتى لا يستفيد منه البنك في معاملاته المحرمة. قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: " لا بأس بأخذ الرواتب التي تصرف عن طريق البنك؛ لأنك تأخذها في مقابل عملك في غير البنك، لكن بشرط أن لا تتركها في البنك بعد الأمر بصرفها لك من أجل الاستثمار الربوي " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/288) . وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: " يوجد بعض الجهات من شركات وغير شركات تلزم الموظفين أن يفتحوا حساباً في أي بنك من البنوك من أجل أن تحيل الرواتب إلى هذا البنك , فإذا كان لا يمكن للإنسان أن يستلم راتبه إلا عن هذا الطريق: فلا بأس , يفتح حساباً، لكن لا يدخل حساباً من عنده , يعني: لا يدخل دراهم من عنده , أما كونه يتلقى الراتب من هذا: فلا بأس " انتهى من "لقاءات الباب المفتوح" (111/ 17) . ثانياً: شراء السيارة عن طريق البنك له صورتان: الأولى: أن يكون دور البنك هو مجرد التمويل، فيدفع المال للعميل أو نيابة عنه، على أن يسترده مقسطا بزيادة، وهذا قرض ربوي محرم. الثانية: أن يشتري البنك السيارة، وينقلها إليه، ثم يبيعها على العميل، وهذا جائز بشروط: الأول: ألا يشترط البنك غرامة في حال التأخر عن سداد الأقساط؛ لأن اشتراط هذه الغرامة من الربا المحرم، سواء أخذ البنك الغرامة لنفسه أو وزعها على الفقراء، وينظر جواب السؤال رقم (89978) . الثاني: ألا يوقع العميل على عقد شراء أو وعد ملزم بالشراء، قبل تملك البنك للسيارة. الثالث: ألا يشترط البنك دفع مبلغ مقدم قبل تملكه للسيارة؛ لأن العربون – عند من يقول بجوازه وهم الحنابلة - لا يصح قبل العقد. قال في "غاية المنتهى" (3/79) : " وهو [أي بيع العربون] دفع بعض ثمن أو أجرةٍ بعد عقد، لا قبله. ويقول: إن أخذته أو جئت بالباقي، وإلا فهو لك " انتهى. وقال في "كشاف القناع": " وإن دفع من يريد الشراء أو الإجارة إلى رب السلعة الدرهمَ أو نحوه قبل عقد البيع أو الإجارة وقال: لا تبع هذه السلعة لغيري أو: لا تؤجرها لغيري وإن لم أشترها أو أستأجرها فالدرهم أو نحوه لك , ثم اشتراها أو استأجرها منه وحسب الدرهم من الثمن أو الأجرة صح ذلك. وإن لم يشترها أو يستأجرها فلصاحب الدرهم الرجوع فيه ; لأن رب السلعة لو أخذه لأخذه بغير عوض ولا يجوز جعله عوضا عن إنظاره ; لأن الإنظار بالبيع لا تجوز المعاوضة عنه، ولو جازت لوجب أن يكون معلوم القدر كالإجارة " انتهى بتصرف يسير. فالحاصل: أنه لا يجوز للبائع أخذ العربون إلا إذا كان الاتفاق عليه بعد العقد، وأما قبل العقد فلا يجوز آخذه؛ لأنه يكون عوضا عن الإنظار والإمهال، وهذا مما لا يعتاض عنه. وأما جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية فلا يصححون بيع العربون، ولا يجوّزن للبائع أن يأخذه سواء تم الاتفاق عليه بعد العقد أو قبله. وبناء على ذلك: فلا يجوز للبنك أن يأخذ 1200 ريال في حال رجوع العميل عن الشراء؛ لأنه من باب العربون قبل العقد وهو لا يصح. وقد سئل الدكتور محمد العصيمي حفظه الله: ما حكم تمويل المنزل المبارك (شراء المنزل باسم البنك إلى حين تسديد القروض) من البنك العربي والراجحي؟ فأجاب: "تقوم كثير من البنوك التجارية بتقديم خدمة التمويل لشراء العقارات. وفي البنوك الربوية، يتقدم العميل بطلب تمويل عقار معين، فيعطي البنك التجاري المبلغ للعميل، ويشتري العقار، ويرهن الصك أو أوراق الملكية لصالح البنك. ولا شك أن ذلك تمويل ربوي محرم. أما البنوك الإسلامية فبعد تحديد العقار من العميل، تشتري العقار لصالحها، وتنقل ملكية العقار لها، ثم تبيع على العميل بيعا بثمن آجل بربح معلوم. وهذا لا شك في جوازه. ومن الأمور التي يحسن التنبه لها في هذا المقام: أنه لا يجوز للبنك المقدم لخدمة تمويل العقار طلب دفعة أولى من العميل قبل شراء العقار، ولا يجوز له أن يلزم العميل بشراء العقار، بل للعميل الخيار في الشراء وعدمه " انتهى من "موقع الشيخ على الإنترنت". والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129312 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5112 هل يسري الربا في العملات الورقية كما يسري في الذهب والفضة؟ [السُّؤَالُ] ـ[قرأت أحد المقالات في جريدة الاقتصادية مفاده أن قياس النقود الورقية على الذهب والفضة غير صحيح، وأن مجموعة من العلماء مع هذا الرأي، وأن الربا فقط في الأصناف الستة كما ورد في الحديث: أرجو التفصيل أو ذكر مرجع في المعاملات الحديثة وجزاكم الله خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الذي يدل عليه النظر الصحيح، وهو الذي عليه عامة العلماء المعاصرين: أن العملات الورقية يجري فيها الربا قياساً على الذهب والفضة. وذلك لأن الشرع حكم بجريان الربا في الذهب والفضة لأنهما أثمان الأشياء، أي: كانا هما العملة التي يتعامل بها الناس قديماً (الدراهم والدنانير) فكانت قيم الأشياء تقدر بالذهب والفضة، وقد حَلَّت هذه الأوراق النقدية محل الذهب والفضة في التداول، فوجب أن يكون لها حكم الذهب والفضة. وقد جاء عن بعض الأئمة والعلماء المتقدمين ما يؤيد هذا. جاء في "المدونة" (3/5) : " قُلْت: أَرَأَيْت إنْ اشْتَرَيْت فُلُوسًا بِدَرَاهِمَ فَافْتَرَقْنَا قَبْلَ أَنْ نَتَقَابَضَ قَالَ: لَا يَصْلُحُ هَذَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ وَهَذَا فَاسِدٌ , قَالَ لِي مَالِكٌ فِي الْفُلُوسِ: لَا خَيْرَ فِيهَا نَظِرَةً [أي: مع تأجيل القبض] بِالذَّهَبِ وَلَا بِالْوَرِقِ , وَلَوْ أَنَّ النَّاسَ أَجَازُوا بَيْنَهُمْ الْجُلُودَ حَتَّى تَكُونَ لَهَا سِكَّةٌ وَعَيْنٌ لَكَرِهْتُهَا أَنْ تُبَاعَ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ نَظِرَةً. قُلْت: أَرَأَيْت إنْ اشْتَرَيْت خَاتَمَ فِضَّةٍ أَوْ خَاتَمَ ذَهَبٍ أَوْ تِبْرَ ذَهَبٍ بِفُلُوسٍ فَافْتَرَقْنَا قَبْلَ أَنْ نَتَقَابَضَ أَيَجُوزُ هَذَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: لَا يَجُوزُ هَذَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَا يَجُوزُ فَلْسٌ بِفَلْسَيْنِ , وَلَا تَجُوزُ الْفُلُوسُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَا بِالدَّنَانِيرِ نَظِرَةً " انتهى. ومعنى هذا: أن الإمام مالك رحمه الله يرى أن الفلوس يجري فيها الربا كالذهب والفضة، لأن الناس صاروا يتعاملون بها وصارت نقداً، بل يرى أن الناس لو تعارفوا على جعل الجلود نقوداً يتعاملون بها لكان لها حكم الذهب والفضة، وهذا يشبه الأوراق النقدية الآن، فصار النقد من ورق، والذي افترضه الإمام مالك أنه يكون من جلود. فسبحان من وفق الإمام إلى هذا المثال! وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وَالْأَظْهَرُ: أَنَّ الْعِلَّةَ فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ هُوَ الثمنية؛ كَمَا قَالَهُ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ، لَا الْوَزْنُ ... وَالتَّعْلِيلُ بالثمنية تَعْلِيلٌ بِوَصْفٍ مُنَاسِبٍ؛ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأَثْمَانِ أَنْ تَكُونَ مِعْيَارًا لِلْأَمْوَالِ يَتَوَسَّلُ بِهَا إلَى مَعْرِفَةِ مَقَادِيرِ الْأَمْوَالِ وَلَا يَقْصِدُ الِانْتِفَاعَ بِعَيْنِهَا. فَمَتَى بِيعَ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ إلَى أَجَلٍ قُصِدَ بِهَا التِّجَارَةُ الَّتِي تُنَاقِضُ مَقْصُودَ الثمنية " انتهى بتصرف يسير. "مجموع الفتاوى" (29/471-472) . وقال ابن القيم: " وأما الدراهم والدنانير فقالت طائفة: العلة فيهما كونهما موزونين. وهذا مذهب أحمد في إحدى الروايتين عنه ومذهب أبي حنيفة. وطائفة قالت: العلة فيهما الثمنية. وهذا قول الشافعي ومالك وأحمد في الرواية الأخرى، وهذا هو الصحيح، بل الصواب " انتهى. "إعلام الموقعين" (2/156) . وجاء في قرار "مجلس المجمع الفقهي" برابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة الدورة الخامسة قرار رقم (6) : أولاً: إنه بناء على أن الأصل في النقد هو الذهب والفضة , وبناء على أن علة الربا فيهما هي مطلق الثمنية في أصح الأقوال عند فقهاء الشريعة. وبما أن الثمنية اتقتصر عند الفقهاء على الذهب والفضة , وإن كان معدنهما هو الأصل. وبما أن العملة الورقية قد أصبحت ثمنا , وقامت مقام الذهب والفضة في التعامل بها , وبها تقوم الأشياء في هذا العصر , لاختفاء التعامل بالذهب والفضة , وتطمئن , النفوس بتمولها وادخارها , ويحصل الوفاء والإبراء العام بها , رغم أن قيمتها ليست في ذاتها , وإنما في أمر خارج عنها , وهو حصول الثقة بها كوسيط في التداول والتبادل , وذلك هو سر مناطها بالثمنية. وحيث إن التحقيق في علة جريان الربا في الذهب والفضة هو مطلق الثمنية , وهي متحققة في العملة الورقية , لذلك كله فإن مجلس المجمع الفقهي يقرر أن العملة الورقية نقد قائم بذاته , له حكم النقدين من الذهب والفضة , فتجب الزكاة فيها , ويجري الربا عليها بنوعيه فضلا ونسيئة , كما يجرى ذلك في النقدين من الذهب والفضة تماما , باعتبار الثمنية في العملة الورقية قياسا عليهما. وبذلك تأخذ العملة الورقية أحكام النقود في كل الالتزامات التي تفرضها الشريعة فيها. ثانياً: يعتبر الورق النقدي نقدا قائما بذاته كقيام النقدية في الذهب والفضة وغيرهما من الأثمان , كما يعتبر الورق النقدي أجناسا مختلفة تتعدد بتعدد جهات الإصدار في البلدان المختلفة. بمعنى أن الورق النقدي السعودي جنس , وأن الورق النقدي الأمريكي جنس , وهكذا كل عملة ورقية جنس مستقل بذاته , وبذلك يجري فيها الربا بنوعيه فضلا ونسيئة , كما يجري الربا بنوعية في النقدين الذهب والفضة وفي غيرهما من الأثمان" انتهى. وجاء في توصيات وفتاوى الندوة الفقهية الأولى لبيت التمويل الكويتي: "أ - تأكيد ما انتهى إليه مجمع الفقه الإسلامي بجدة من أن هذه الأوراق قامت مقام الذهب والفضة في التعامل بيعا وشراء وإبراء وإصداقاً , وبها تقدر الثروات وتدفع المرتبات ولذا تأخذ كل أحكام الذهب والفضة ولا سيما وجوب التناجز [التقابض] في مبادلة بعضها ببعض وتحريم النَّسَاء [التأخير] فيها. ب - كل عملة من العملات جنس قائم بذاته. فلا يجوز ربا الفضل فيها عند العقد أو في نهايته , سواء كانت معدنا أو ورقا إذا بيعت بمثلها , أما إذا بيعت عملة بعملة أخرى فلا يشترط في ذلك إلا التقابض. ج - لا يجوز بيع الذهب بالعملات الورقية ولا شراء الذهب بها إلا يداً بيد" انتهى. وجاء في "أبحاث هيئة كبار العلماء" (1/85) . " - حكمة تحريم الربا في النقدين ليست مقصورة عليهما؛ بل تتعداهما إلى غيرهما من الأثمان كالفلوس والورق النقدي. - علة الربا في النقدين مطلق الثمنية. وهذا القول إحدى الروايات عن الإمام أحمد ومالك وأبي حنيفة. قال أبو بكر من أصحاب أحمد: روى ذلك عن أحمد جماعة، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله وغيرهما من محققي أهل العلم " انتهى. وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " العملة الورقية منزلة الذهب والفضة في جريان الربا في بيع بعضها ببعض، وفي بيع الذهب والفضة بها " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (19/158) والخلاصة: أن الشريعة لا تفرق بين المتماثلات، كما أنها لا تجمع بين المختلفات المتضادات، فلما حكمت الشريعة بجريان الربا في الذهب والفضة لأنها أثمان الأشياء، وجب أن يتعدى هذا الحكم إلى كل ما صار ثمناً للأشياء، كالفلوس والأوراق النقدية. ويمكنك مراجعة كتاب: - "فقه المعاملات الحديثة" د. عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان. - "توظيف الأموال بين المشروع والممنوع" د. عبد الله بن محمد الطيار. - "قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي". وأما ما ذكرته من شبهة أن الربا في الأصناف الستة فقط، فهو قول غير صحيح، ومخالف أيضا لما عليه جمهور أهل العلم (منهم: أئمة الفقه الأربعة) . قال الشيخ صالح الفوزان: "قول جمهور العلماء: أن الربا يتجاوز هذه الأصناف الستة إلى غيرها مما شاركها في العلة". http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/Library/tabid/90/Default.aspx?View=Page&PageID;=24&PageNo;=1&BookI; ... - 29k وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: "الأشياء التي يحرم فيها الربا هي: الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح، وما شارك هذه الأصناف الستة في علة الربا، وهي في النقدين: الثمنية، وفي بقية الأصناف: الكيل مع الطعمية على الصحيح من أقوال العلماء" انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/268) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129043 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5113 الفرق بين البنك الربوي والبنك الإسلامي [السُّؤَالُ] ـ[إذا كانت البنوك الإسلامية لا تتعامل بنظام الفائدة فأي فائدة تجنيها وما مصلحتها إذا؟ وهل ما يأخذونه مقابل الخدمة يعتبر من قبيل الربا؟ وما هي المعاملات التي يعتبرها الإسلام على أنها ربا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: نظام الفائدة الذي تعتمد عليه البنوك التجارية نظام ربوي محرم، يقوم على الإقراض والاقتراض بالربا، فالبنك يقرض العميل بالفائدة، والعميل الذي يودع المال في البنك يقرض البنك هذا المال مقابل الفائدة، والإقراض بفائدة هو الربا المجمع على تحريمه، وينظر جواب السؤال رقم (110112) . والبنوك والمصارف الإسلامية تعتمد على المعاملات المباحة من البيع والشراء والمضاربة والشركة وغير ذلك من صور الاستثمار المشروع للمال، إضافة إلى الأجور على الحوالات، والاستفادة من أسعار الصرف وتبادل العملات. وهذا مثال بسيط للفرق بين المعاملة الربوية والمعاملة المشروعة وكيف يستفيد البنك عند إجرائه إحدى المعاملتين: فلو أراد العميل الاستفادة من ماله وتنميته، فأودع المال في حساب التوفير بالبنك الربوي، فإن البنك يفرض له فائدة معلومة، مع ضمان رأس المال، وهذا في حقيقته قرض ربوي، قرض من العميل للبنك. وفائدة البنك هي الاستفادة من المال المودع، ليقرضه إلى عميل آخر مقابل فائدة تؤخذ من العميل، فالبنك يقترض ويقرض، ويستفيد من الفارق. وأما البنك الإسلامي فإحدى طرق استثماره أن يأخذ المال من العميل ليضارب به في تجارة مشروعة أو إقامة مشروع سكني ونحوه، على أن يعطي للعميل نسبة من الأرباح، والبنك كعامل مضاربة له نسبة أيضا، ففائدة البنك في النسبة التي يخرج بها من أرباح المشروع، وقد تكون أكثر بكثير مما يجنيه البنك الربوي من الحرام، لكن يدخل في المضاربة عامل المخاطرة، وبذل الجهد في اختيار المشروع النافع والقيام عليه ومتابعته حتى يؤتي ثماره. فالفرق بين البنك الربوي والبنك الإسلامي في هذا المثال، هو الفرق بين القرض الربوي المحرم، والمضاربة المشروعة التي قد يخسر فيها العميل ماله، فلا ضمان فيها لرأس مال، لكنه إن رَبِحَ ربح مالا حلالا. والمقصود: أن البنك الإسلامي أمامه طرق كثيرة مشروعة لجني الربح، ولهذا بدأت هذه البنوك في النمو والازدهار، بل تسعى بعض الدول غير المسلمة لتطبيق نظام المصرفية الإسلامية، لأنه يحقق الربح، ويتلافى مفاسد النظام الربوي الذي هو سبب الخراب والخسران. وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (113852) . ثانيا: المعاملات الربوية كثيرة، منها: الإقراض والاقتراض بالفائدة، ومنها: مبادلة العملات بعضها مع بعض (بيع العملة بعملة أخرى) مع تأجيل البدلين أو أحدهما، ومنها: مبادلة الذهب بالذهب متفاضلاً أو نسيئة، ومنها: أمور ترجع في حقيقتها إلى القرض الربوي، كخصم الأوراق التجارية، وحساب التوفير، وشهادات الاستثمار ذات العوائد أو الجوائز، وغرامات التأخير على بيع التقسيط أو السحب بطاقة الائتمان، ويمكنك الاطلاع على هذه المسائل من خلال الموقع. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128923 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5114 هل يعطي أخته أو أحداً من أقاربه المحتاجين من فوائد البنوك الربوية؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل أعطي المبلغ المكتسب من الفوائد البنكية لأختي والتي أنا من يعولها في الأصل؟ أو أحد أقربائي مثل عمي أو عمتي ... الخ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إذا كان البنك ربوياً، وليس بنكاً إسلامياً، فهذه الفوائد من الربا المحرم، وهو من أعظم الذنوب، وأكبر الكبائر، فالواجب التوبة إلى الله منه، وسحب المال من البنك الربوي فورا، إلا أن تضطر إلى إبقائه فيه خشية الضياع أو السرقة، فتبقيه دون تحصيل فائدة عليه. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278-279. والتوبة من الربا تكون بالتخلص من هذه الفوائد الربوية، بإنفاقها في أوجه البر، ولا بأس بإنفاقها على ذوي رحمك كأختك وعمك وعمتك، إن كانوا من الفقراء المحتاجين، وكانت نفقتهم غير واجبة عليك. وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: لي مبلغ من المال في أحد البنوك، وهذا البنك يعطيني فائدة شهرية ثابتة، ومن متابعتي لإجابات سماحتكم على الأسئلة المشابهة أفدتم أنها من الربا الصريح، فماذا عليّ أن أفعل بالفائدة العائدة لي من المبلغ المودع؟ وأرجو من سماحتكم أن توضحوا لنا ماهية الربا. جزاكم الله خيراً. فأجابت: "ما أخذته من الفوائد قبل العلم بتحريمها فنرجو أن يعفو الله عنك في ذلك، وأما ما بعد العلم فالواجب عليك التخلص منه وإنفاقه في وجوه البر: كالصدقة على الفقراء والمجاهدين في سبيل الله مع التوبة إلى الله سبحانه من المعاملة بالربا بعد العلم؛ لقول الله سبحانه: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) البقرة /275" انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/352) . فإن كانت نفقة أختك واجبة عليك، لعدم وجود الأب أو الابن أو الزوج الذي ينفق عليها، فلا يجوز لك دفع الفوائد الربوية إليها، لأنك بذلك كأنك أعطيتها لنفسك. وقد سئل الشيخ ابن جبرين: من هم الذين تلزمني نفقتهم من إخوتي؟ فأجاب: " تلزمك نفقة إخوتك عند الحاجة إذا لم يخلف لهم أبوهم تركة تكفيهم، ولم يكن هناك أقرب منك يقدر على الإنفاق عليهم " انتهى. وسئل أيضاً: لي أخت متزوجة لا يملك زوجها إلا قوت يومه، ولي خالة تعمل وتبيع بعض السلع لتنفق على نفسها وعلى زوجها لكبر سنه وتقاعده، فهل تجوز الزكاة على أي منهما؟ فأجاب: " أختك المتزوجة وخالتك الفقيرة يجوز لك صرف الزكاة والصدقة لكل منهما للحاجة " انتهى من موقع الشيخ. والحاصل: أنه لا يجوز دفع هذه الفوائد الربوية لمن تلزمك النفقة عليه، ولمعرفة من هم الأقارب الذين تجب نفقتهم وشروط ذلك انظر جواب السؤال رقم (106540) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128878 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5115 هل يجوز له شراء جهاز كمبيوتر لولده من الفوائد الربوية، أو يسقط بها دَيْنًا عن المدينين؟ [السُّؤَالُ] ـ[أريد التخلص من الفوائد الربوية فهل يجوز لي أن أمنحها ل: 1- ابني طالب جامعي يبلغ 22 سنة من العمر ولا يملك دخلا إلا نفقة والده من طعام وشراب ونحو ذلك. فهل يجوز لي منحه من هذه الفوائد لاقتناء أجهزة تعينه في دراسته ككمبيوتر وغير ذلك 2- إخوة لي معسوري الحال فهل يجوز لي أن أقتص من هذه الفوائد ديونا كنت قد أقرضتها ولم يرجعوها لي وأسامحهم فيها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: يحرم التعامل بالربا بجميع صوره، وهو من كبائر الذنوب، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278-279. وتجب التوبة منه بالإقلاع عن الذنب، والندم على ما فات، والعزم على عدم العود إليه، والتخلص من المال الحرام بإنفاقه في وجوه الخير والبر والمصالح للعامة، وليس للتائب أن ينتفع به في جلب مصلحة له كأكل أو شرب أو سكن أو نفقة أهل أو أجرة تدريس، ولا في دفع مضرة أو ظلم عن نفسه كرسوم التأمين الإجباري أو سائر أنواع الضرائب والمكوس. وعليه؛ فليس لك أن تنفق من الربا على ابنك النفقة الواجبة كطعامه وشرابه وأجرة تعليمه، وأما شراء الأجهزة التي لا يستطيع شراءها، ولا تدخل في النفقة الواجبة له، فالذي يظهر جوازه، كما يجوز سداد دَيْنه أيضا؛ لأنه لا يجب على الأب سداد دَيْن ولده. ثانيا: يجوز دفع هذه الفوائد للأخ الفقير إذا لم تكن نفقته واجبة عليك، وينظر بيان ذلك في جواب السؤال رقم (81952) . ثالثا: لا يجوز أن تأخذ هذه الفوائد في مقابل إسقاط الديون التي لك؛ لأن في ذلك نفعا ومصلحة تعود عليك؛ إذ الديون قد تسدد وقد لا يتمكن أصحابها من سدادها، وقد تقدم أن التائب ليس له أن ينتفع بالفائدة، لكن لك أن تعطيها لهؤلاء المدينين، فإن قَضَوْا منها دَيْنَهم الذي لك فلا حرج عليك من قبوله. ونسأل الله تعالى أن يغفر ذنبك ويتقبل توبتك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128641 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5116 حكم الادخار في بنك الرياض [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الاستقطاع من الراتب وتحويله إلى برنامج الادخار (بنك الرياض) ، علما بأني سألت عن البرنامج، وأفادوني بأنه: مجاز شرعيا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الادخار الذي يجري العمل به في البنوك الربوية يقوم على أساس ضمان رأس المال للعميل، مع زيادة نسبة معلومة من رأس المال، وهذا في حقيقته قرض ربوي محرم، يختلف عن الاستثمار المشروع. وقد سبق بيان شروط الاستثمار المشروع في جواب السؤال رقم (114537) وبالرجوع إلى موقع البنك المذكور لم يتبين لنا طبيعة الادخار المعمول به، إذ لم يذكر شيء عن نوع المشاريع التي يستثمر فيها المال، ولا عن الربح الذي يحصل عليه العميل هل هو نسبة معلومة من رأس المال أم من الأرباح. لكن نضع بين يديك فتوى للدكتورمحمد بن سعود العصيمي حفظه الله، تبين حال البنك المذكور، فقد سئل ما نصه: " ما حكم الاكتتاب في بنك الرياض، وهل فروعه الإسلامية كافية للدخول في الاكتتاب فيه؟ جزاكم الله خيرا فأجاب: " بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله فقد سئلت عن حكم الاكتتاب في بنك الرياض عبر الجوال وعبر الموقع، والحقيقة أنني استغربت كثيرا للسؤال؛ فقد ظننت أن نشاط البنك الربوي أظهر من أن يحتاج إلى توضيح وأن تحريم الاكتتاب لا يحتاج إلى بيان، ولكن مع هذه الأسئلة رأيت أن أتصفح تقرير مجلس الإدارة للسنة المنتهية في 31 ديسمبر 2007م وأنقل منه مباشرة ليس فقط ما يدل دلالة واضحة على تحريم الاكتتاب، بل على ما يدل على حجم المشكلة الربوية في هذا البلد. وألفت نظر القارئ أن التقرير يستخدم كلمة العمولة الخاصة تعبيرا عن الربا، وهو تمييع لأمر محرم في غاية التحريم، وتلبيس وكذب على القارئ والمستثمر يجب أن يفصح عنه، وتلك التسمية لن تخفي الحقيقة المرة، ولن تنطلي على أحد. اشتملت الموجودات في المركز المالي للبنك لعام 2007 والإيضاحات التابعة لها على: 1- نقدية وأرصدة لدى مؤسسة النقد تبلغ 16 مليار ريال، منها 11 مليارا باتفاقيات إعادة الشراء من مؤسسة النقد، ولا شك في حرمة تلك الاتفاقات وحرمة السندات المستخدمة فيها. 2- أرصدة لدى البنوك التجارية والمؤسسات المالية الأخرى مبلغ 4 مليارات ريال، منها 3 مليارات بالربا. 3- صافي الاستثمارات 27 مليار ريال، غالبها بل كلها سندات ربوية داخلية وخارجية، حكومية ومن شركات وبنوك تجارية ومؤسسات مالية. ولا تخفى حرمتها. 4- صافي القروض والسلف فتبلغ 67 مليارا، منها 5 مليارات جاري مدين، و14 مليارا قروض شخصية، و46 مليار قروض تجارية. وللأمانة، فقد نص التقرير أن القروض والسلف أعلاه تتضمن منتجات متوافقة مع مبدأ تجنب الفوائد والتي تظهر بالتكلفة المطفأة قدرها 27 مليار. ويعني ذلك أن 40 مليارا بالربا. أما جانب المطلوبات على البنك في المركز المالي للبنك لعام 2007 والإيضاحات التابعة لها فقد اشتملت على: 1- أرصدة للبنوك التجارية والمؤسسات المالية تبلغ 17 مليارا، منها 16 مليارا بالربا. 2- ودائع العملاء 84 مليارا، منها ما لا يقل عن 34 مليارا ودائع آجلة بالربا. 3- مطلوبات أخرى تصل 4 مليارات ريال، منها ما لا يقل عن مليار بالربا. 4- سندات دين ربوية مصدرة تبلغ مليارا واحدا. أما قائمة الدخل فقد نصت على أن البنك قد حصل على أرباح من الفوائد الربوية في عام 2007 تزيد عن 6 مليارات ريال، و5 مليارات ريال في سنة 2006، أما الربا المدفوع عن عمليات البنك المختلفة فهو 3 مليارات تقريبا في عام 2007 وملياران ونصف في عام 2006. هذا بالإضافة إلى نص التقرير على استخدام البنك للأدوات المالية المشتقة والمقيضات والعقود الآجلة والمستقبلية واتفاقات الأسعار الآجلة والخيارات واتفاقيات البيع وإعادة الشراء. ولا يكاد يجوز شيء منها من الناحية الشرعية. وللأمانة، فقد نص التقرير في موضعين منه على الفروع الإسلامية والمنتجات المصرفية المتوافقة مع أحكام الشريعة، فذكر أن البنك "يقدم لعملائه بالإضافة إلى الخدمات المصرفية التقليدية بعض منتجات مصرفية متوافقة مع مبدأ تجنب العمولات الخاصة، والتي يتم اعتمادها بواسطة هيئة الرقابة الشرعية". وفي ختام هذه الفتوى لي وقفات: - إن الحديث هنا ليس عن مسألة يسيرة ومخالفة صغيرة، بل حديث عن مؤسسة مالية كبرى تمارس الربا ليلاً ونهاراً، سراً وجهاراً، وتؤذن البلد كله بحرب من الله ورسوله. وأن هذا الاكتتاب بكل هذه التغطية الإعلامية مجاهرة بمعصية عظيمة وكبيرة من كبائر الذنوب يخشى مع السكوت عنها على كل البلد من غضب الله ومقته، فالله يغار حين تنتهك محارمه. وهذه آياته الظاهرة في عقاب العصاة في كل مكان لا تخفى على أحد، وتنقل نقلا مباشرا على التلفاز، وهذا مكره سبحانه وتعالى في المرابين أوضح من الواضح، فقد انهارت المؤسسات المالية الربوية في مشكلة الرهن العقاري بين ليلة وضحاها. والله سبحانه وتعالى له جنود السماوات والأرض، ولا يعجزه شيء، تعالى ربنا وتقدس، وأمره بين الكاف والنون، يخفض ويرفع، ويبسط ويقدر، ولا تحابي سننه الكونية أحدا، بل تشمل عقوبته المسلم والكافر. - إن الواجب على ملاك البنك وإدارته والعاملين فيه أن يتوبوا إلى الله تعالى، ويتوقفوا عن ممارسة الربا الصراح عاجلا، وأن يتحولوا التحول الكامل للمصرفية الإسلامية، وأن يصححوا مسار البنك نحو الالتزام بالشريعة الإسلامية، وأن لا يماطلوا في ذلك ولا يتأخروا؛ فإن من أعظم أسباب بلاء الناس في معيشتهم ورزقهم سواء بانقطاع المطر، أو غلاء الأسعار أو كثرة المصايب في البطالة والجرائم أو غيرها هو المجاهرة بهذه المنكرات التي يحرم السكوت عنها ... " انتهى. http://www.halal2.com/ftawaDetail.asp?id=23566 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128577 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5117 هل ينتفعون بالفوائد الربوية لحاجتهم؟ [السُّؤَالُ] ـ[توفى أبي عليه رحمة الله منذ 8 سنوات، وكان يعمل على تاكسي، وكان التاكسي باسم أخ من إخوتي الصغار (لم يكن هبة له بل كان بسبب بعض المشاكل مع التأمينات والتي تتطلب أن لا يكون التاكسي باسم أبي) وبعد الوفاة وعمل قرار الوصاية من المحكمة قرر قاضي النيابة الحسبية وضع أموال بيع التاكسي في البنك باسم أخي الصغير حتى يبلغ وهذا البنك ربوي، وحالياً أتم أخي الصغير سن الرشد وقام بسحب المبلغ والفوائد، نحن نعلم أن هذه الفوائد ربوية، وسؤالي: هل يجوز توزيع هذه الفوائد على إخوتي الذين ما زالوا بالتعليم وهم في احتياج للمال للتعليم والمساعدة على ظروف الحياة؟ حيث إننا عشرة من البنين والبنات. أربعة تزوجوا والباقي بالتعليم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: ينبغي أن يُعلم أن هذا التاكسي الذي سجله الأب باسم ابنه الصغير - لأجل التأمينات ونحوها وليس هبة وتمليكا له -، أنه يعتبر جزءا من التركة يشترك فيه جميع الورثة حسب القسمة الشرعية. ثانيا: يجب التخلص من الفائدة الربوية بصرفها في المصالح العامة أو أوجه الخير، ولا يجوز للمتخلص منها أن ينتفع بها لنفسه، إلا إن كان فقيراً محتاجاً، فيجوز أن يأخذ منها بقدر حاجته، كما نص عليه بعض أهل العلم في شأن المال الحرام بعد التوبة والإقلاع عن الذنب. وينظر جواب السؤال رقم (126045) . ويجوز للمتخلص أن يدفعها لإخوانه الفقراء الذين لا يرثهم في حال وفاتهم، أو يدفعها لهم لسداد ديونهم، وينظر بيان ذلك في جواب السؤال رقم (81952) . وإذا تقرر أن هذا التاكسي ملك لجميع الورثة، وأن ثمنه وضع في البنك الربوي، فهذه الفوائد راجعة لجميع الورثة، ولكل منهم أن يتخلص من نصيبه منها بإعطائه لإخوانه الذين لا يرثهم. وإذا أخذ "المحتاجون" نصيبهم من الفائدة وأنفقوه على أنفسهم في التعليم ونحوه لفقرهم وحاجتهم، جاز كما سبق. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128406 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5118 حكم دراسة الاقتصاد الربوي [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم دراسة الاقتصاد الربوي؟ وما حكم العمل في البنوك الربوية؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "دراسة الاقتصاد الربوي إذا كان المقصود منها معرفة أعمال الربا، وبيان حكم الله في ذلك فلا بأس، أما إن كانت الدراسة لغير ذلك فإنها لا تجوز، وهكذا العمل في البنوك الربوية لا يجوز؛ لأنه من التعاون على الإثم والعدوان، وقد قال الله سبحانه: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (24/39) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128340 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5119 يرسلون الذهب إلى شركة فتقوِّم ثمنه ثم ترسل لهم حسابه بعد ذلك [السُّؤَالُ] ـ[ما حكمة الصفقة التجارية التالية: تقوم الشركة بإرسال صُرة إلى الزبائن الراغبين ببيع مجوهراتهم الذهبية إلى هذه الشركة ومن ثم يقوم الزبائن بوضع هذه المجوهرات الذهبية داخل تلك الصرة ثم يرسلونها إلى تلك الشركة حيث تقوم هذه الشركة بحساب سعر تلك المجوهرات الذهبية ومن ثم تقوم بإرسال المال المستحق إلى الزبائن. أرجو الأخذ بعين الاعتبار أنه من الصعب أو المستحيل أن تقوم الشركة بالذهاب إلى بيت كل زبون خصوصا الذين يعيشون في أماكن بعيدة , فما حكم الشريعة الإسلامية في مثل هذه الصفقة؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله روي البخاري (2134) ومسلم (1586) عن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ رِبًا، إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا، إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا، إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ) . ومعنى: هاء وهاء: خذ وهات. وروى مسلم (1587) عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ. فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) . وقد أجمع العلماء على أنه لا يجوز تأخير أحد الربويين إذا بيع بالآخر، وأنه يجب على المتعاقدين أن يتقابضا في المجلس. فتأخير القبض في أحد الربويين المتحدين في علة ربا الفضل لا يجوز، وهو ربا النسيئة، فإذا كان عندنا ربويان اتحدا في علة ربا الفضل ولو اختلف جنسهما فإنه لابد عند مبادلة أحدهما بالآخر أن يكون ذلك يداًَ بيد. قال الإمام الشافعي رحمه الله: " إذَا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ: فَلَا بَأْسَ بِالْفَضْلِ فِي بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ، وَلَا خَيْرَ فِيهِ نَسِيئَةً " "الأم" (3/24) وقال ابن قدامة في "المغني" (4/30) : " كُلُّ جِنْسَيْنِ يَجْرِي فِيهِمَا الرِّبَا بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ , كَالْمَكِيلِ بِالْمَكِيلِ , وَالْمَوْزُونِ بِالْمَوْزُونِ , وَالْمَطْعُومِ بِالْمَطْعُومِ , عِنْدَ مَنْ يُعَلِّلُ بِهِ , فَإِنَّهُ يَحْرُمُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْأُخَرِ نَسَاءً , بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ ; وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ عليه السلام: (فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ) " انتهى. وراجع: "المبسوط 14/10) – "تبيين الحقائق" (4/135) – "الموسوعة الفقهية" (26/350) سئل علماء اللجنة: أحيانا يشتري صاحب المحل ذهبا بالجملة بواسطة التلفون من مكة أو من خارج المملكة، وهو في الرياض، من صائغ معروف لديه، والبضاعة معروفة لدى المشتري، كأن تكون غوايش أو غير ذلك، ويتفقون على السعر، ويحول له الثمن بالبنك، فهل يجوز ذلك أو ماذا يفعل؟ فأجابت اللجنة: " هذا العقد لا يجوز أيضا؛ لتأخر قبض العوضين عنه، الثمن والمثمن، وهما معا من الذهب أو أحدهما من الذهب والآخر من الفضة، أو ما يقوم مقامهما من الورق النقدي، وذلك يسمى بربا النسأ، وهو محرم، وإنما يستأنف البيع عند حضور الثمن بما يتفقان عليه من الثمن وقت العقد يدا بيد " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/475) وقال علماء اللجنة أيضا: " لا يجوز بيع الذهب بالذهب، ولا الفضة بالفضة إلا مثلا بمثل، يدا بيد، سواء كان العوضان من المصاغ أم من النقود أم كان أحدهما مصاغا والآخر من النقود، وسواء كان العوضان من ورق البنكنوت أم كان أحدهما من ورق بنكنوت والآخر مصاغا أم من النقود. وإذا كان أحد العوضين ذهبا مصوغا، أو نقدا، وكان الآخر فضة مصوغة أو نقدا، أو من العُمل الأخرى - جاز التفاوت بينهما في القدر، لكن مع التقابض قبل التفرق من مجلس العقد، وما خالف ذلك في هذه المسألة فهو ربا، يدخل فاعله في عموم قوله تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ... الآية. البقرة/275 " انتهى "فتاوى اللجنة" (13/484) وفتاوى العلماء في ذلك أكثر من أن تحصى. والخلاصة: أن هذه المعاملة المسئول عنها لا تجوز؛ لأنها من المعاملات الربوية المنهي عنها، وليس المطلوب أن تنتقل الشركة إلى كل زبون في مكانه؛ لكن بالإمكان أن ترسل له ثمن الذهب، مع المندوب الذي يستلم الذهب من بائعه، أو توكل من تشاء في ذلك، أو ينتقل هو إلى مقر الشركة، ليبيع بنفسه عندها، ويستلم الثمن. وعلى أية حال، فلا يظهر لنا صعوبة في إيجاد المخرج الشرعي، من هذه المعاملة الممنوعة؛ ومن يتق الله مخرجا!! والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127218 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5120 حكم شراء السلعة بثمن مؤجل بواسطة البنوك [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم شراء سيارة أو غيرها بثمن مؤجل بواسطة وسيط ثالث هو البنك ونحوه ويكون الوسيط هو المستفيد من الزيادة على الثمن الذي تساويه نقدا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كان البنك يشتري السيارة من مالكها ثم يبيعها عليك بعدما يشتريها ويقبضها فإنه لا حرج في ذلك، ولو كان بأكثر مما اشتراها به. أما إذا كان الذي يبيعها عليك مالكها الأول والبنك يقوم بدفع القيمة له ويقوم البنك بأخذ الربح مقابل ذلك، فإنه لا يجوز؛ لأنه بيع الدراهم بدراهم، وهو محرم، لأنه ربا" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (19/36) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127142 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5121 هل يقوم الشيك مقبول الدفع مقام القبض؟ [السُّؤَالُ] ـ[طلب مني المدير أن أحرر شيكاً لصراف بالعملة المحلية لنسحب منه المبلغ بالدولار حسب سعر السوق، ولكن الوقت قد فات لكون البنوك قد أغلقت في نهاية النهار ليوم الخميس، والمبلغ يجب أن يحول للخارج في ذلك اليوم، لكون صاحبه في ورطة. فذهبنا بالشيك، واستلمنا المبلغ، وتم تحويله. مع العلم أنه يوجد رصيد كافي في البنك، بالإضافة إلى وجود ثقة بيننا وبين الصراف الذي نتعامل معه، فهل هذا الفعل جائز بارك الله فيكم، مع العلم أن البنوك في بلدنا تأخذ عمولة عند التصديق على الشيكات؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يطلق القبض لغة على تَنَاوُل الشَّيْءِ بِجَمِيعِ الْكَفِّ، وَمِنْهُ قَبْضُ السَّيْفِ وَغَيْرِهِ، وَيُقَال: قَبَضَ الْمَال، أَيْ أَخَذَهُ، وَقَبَضَ الْيَدَ عَلَى الشَّيْءِ، أَيْ جَمَعَهَا بَعْدَ تَنَاوُلِهِ. وأما في الاصطلاح، فالمراد به: حِيَازَةُ الشَّيْءِ وَالتَّمَكُّنُ مِنْهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ مِمَّا يُمْكِنُ تَنَاوُلُهُ بِالْيَدِ أَمْ لَمْ يُمْكِنْ، قَال الْكَاسَانِيُّ: مَعْنَى الْقَبْضِ هُوَ التَّمْكِينُ وَالتَّخَلِّي وَارْتِفَاعُ الْمَوَانِعِ عُرْفًا وَعَادَةً حَقِيقَةً. والقبض إما أن يكون حقيقيا، وتختلف كيفيته بحسب اختلاف الشيء المقبوض؛ أو يكون قبضا حكميا، والقبض الحكمي ـ عند الفقهاء ـ يقوم مقام القبض الحقيقي، وتترتب أحكام القبض الحقيقي عليه، وإن لم يكن متحققا حسا وواقعا؛ وذلك لضرورات ومسوغات تقتضي اعتباره تقديرا وحكما. انظر: "الموسوعة الفقهية الكويتية" (32-257-265) . وقد اعتبر العلماء استلام صاحب الحق للشيك، قابل الصرف، بحقه، من الصور المعاصرة للقبض الحكمي. جاء في قرار رقم (55/4/6) لمجمع الفقه الإسلامي، بشأن القبض وصوره، ما يلي: " أولاً: قبض الأموال كما يكون حسيًا في حالة الأخذ باليد، أو الكيل أو الوزن في الطعام، أو النقل والتحويل إلى حوزة القابض، يتحقق اعتبارًا وحكمًا بالتخلية، مع التمكين من التصرف، ولو لم يوجد القبض حسًا. وتختلف كيفية قبض الأشياء بحسب حالها واختلاف الأعراف فيما يكون قبضًا لها. ثانيًا: إن من صور القبض الحكمي المعتبرة شرعًا وعرفًا. 1- القيد المصرفي لمبلغ من المال في حساب العميل في الحالات التالية: (أ) إذا أودع في حساب العميل مبلغ من المال مباشرة أو بحوالة مصرفية. (ب) إذا عقد العميل عقد صرف ناجز بينه وبين المصرف في حالة شراء عملة بعملة أخرى لحساب العميل. (ج) إذا اقتطع المصرف - بأمر العميل - مبلغًا من حساب له إلى الحساب آخر بعملة أخرى، في المصرف نفسه أو غيره، لصالح العميل أو لمستفيد آخر، وعلى المصارف مراعاة قواعد عقد الصرف في الشريعة الإِسلامية. ويغتفر تأخير القيد المصرفي بالصورة التي يتمكن المستفيد بها من التسلم الفعلي، للمدد المتعارف عليها في أسواق التعامل. على أنه لا يجوز للمستفيد أن يتصرف في العملة خلال المدة المغتفرة إلاَّ بعد أن يحصل أثر القيد المصرفي بإمكان التسلم الفعلي. 2- تسلم الشيك إذا كان له رصيد قابل للسحب بالعملة المكتوب بها عند استيفائه وحجزه المصرف ". انتهى. "مجلة مجمع الفقه الإسلامي" (6/1/771-772) . وقال علماء اللجنة: " قبض الشيك، أو ورقة الحوالة، حكمه حكم القبض في المجلس " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/448) وعلى ذلك: فالمعالة الواردة في السؤال جائزة، إذا كان الشيك مصدقا، وتم تلسيمه للصراف عند القيام بعملية التحويل المذكورة، على أن يكون بسعر يومه. والله تعالى أعلم. راجع السؤال رقم (110938) – (114733) [الْمَصْدَرُ] موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127092 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5122 يبيع المعرض سلعة لمن يشتريها، ثم يبيعها على شخص يعود لبيعها على المعرض [السُّؤَالُ] ـ[أنا أعمل محاسبا وكاتبا للعقود لدى معرض لبيع الأدوات الكهربائية بالتقسيط، وصورتها كالتالي: يأتي من لديه حساب بالمعرض بمشتري؛ فنبيع له من حسابه ما يريد أن يشتريه منه الزبون الذي جاء به، وعند ما نبيع له من حسابه ما يريد من مكيفات (مثلا) ونضع اسمه على بضاعته التي اشتراها من حسابه عند المعرض؛ ويكون ثمن المكيف الواحد 1075، يبيعها هو بدوره للزبون بالآجل بمبلغ يتفقان عليه (مثلا بـ 1800) ، على شكل أقساط كل شهر بـ100 ريال. ثم يشتريها المعرض من الزبون- إذا أراد الزبون أن يبيعها للمعرض- وهو الغالب فيمن يشتري بالتقسيط؛ لأن غرضه الأساسي فيما يبدو لي أنه يريد نقودا كاش- بمقدار 1000 ريال للمكيف الواحد. ويسلمها له المعرض في الحال. السؤال: هل هذه الصورة صحيحة في البيع. وهل يجوز لي العمل مع هذا المعرض، علما بأني أنا من يباشر هذه العملية بالكامل. . وجزاكم الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه الصورة التي ذكرت حيلة ربوية محرمة، وتسمى عند أهل العلم بالحيلة الثلاثية أو المثلثة، وقد نبه عليها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وغيره. قال: " أو يواطئا ثالثا على أن يبيع أحدَهما عرَضا، ثم يبيعه المبتاع لمعامِله المرابي، ثم يبيعه المرابي لصاحبه، وهي الحيلة المثلثة " انتهى من مجموع الفتاوى (29/28) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وكذلك انتشرت حيلة سابقة، يأتي الفقير إلى شخص فيقول: أنا أحتاج ألف ريال، فيذهب التاجر إلى صاحب دكان عنده أكياس أرز أو أي شيء، فيشتري التاجر الأكياس من صاحب الدكان مثلا بألف ريال، ثم يبيعها على المحتاج بألف ومائتين، ونحن نعلم أنه لا يجوز أن يباع قبل قبضه، فكيفية القبض عندهم أن يمسح على الأكياس بيده، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم، فهل هذا قبض؟! هذا يسمى عدّا لا يسمى قبضا، لكن كانوا يفعلون هذا. بعد ذلك يأتي الفقير إلى صاحب الدكان الذي عنده هذه الأكياس، ويبيعها عليه بأقل مما اشتراها منه التاجر، لأن الفقير يريد الدراهم ولا يريد أكياس طعام، فمثلا يبيعها على صاحب الدكان بألف إلا مائة ريال، فيؤكل المسكين الفقير من الجانبين، من جانب التاجر الأول ومن صاحب الدكان، فصاحب الدكان أخذ منه مائة ريال، والتاجر أخذ مائتين زائدا على الألف، وهذه سماها شيخ الإسلام رحمه الله المسألة الثلاثية، لأنها مكونة من ثلاثة أشخاص، ومسائل الربا لا تحل بالحيل. واعلم أنه كلما احتال الإنسان على محرم لم يزدد إلا خبثا، فالمحرم خبيث، فإذا احتلت عليه صار أخبث؛ لأنك جمعت بين حقيقة المحرم وبين خداع الرب عز وجل، والله سبحانه لا تخفى عليه خافية، وإنما الأعمال بالنيات " انتهى من "الشرح الممتع" (8/211) . فهذه المعاملة فيها مخالفتان: الأولى: بيع الطرف الثاني (صاحب الحساب) السلعة في مكانها دون قبضها وحوزها إليه. والثانية: إعادة بيع السلعة على المعرض والتواطؤ على ذلك بحيث تبدو المعاملة كأنها بيع، وحقيقتها القرض الربوي المحرم، والسلعة في مكانها. فكأن الزبون اقترض (1000) ليسدده (1800) وقد استفاد المعرض والطرف الثاني من هذه العملية المحرمة. وإذا كان الأمر كذلك فإنه لا يجوز العمل في هذا المجال المحرم، ويلزمك نصح صاحب المعرض وبيان تحريم هذه المعاملة، ولا يجوز لك أن تتولى كتابة مثل هذه المعاملة، أو متابعة حساباتها؛ ولك أن تعمل في المعرض في مجال آخر مباح، إن كان ذلك ممكنا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127016 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5123 شراء السلع عن طريق نظام التقسيط من ساب أمانة [السُّؤَالُ] ـ[ما رأيك بنظام التقسيط من ساب أمانة، وهو كالآتي حسب فهمي وسؤالي عنه: إذا أردت شراء سلعة من محلات متخصصة بالالكترونيات تقوم بدفع قيمة 10% من قيمته للبائع وهو المحل الخاص بالالكترونيات وليست للبنك، والباقي يقوم البنك بتقسيطه واستقطاعه من راتبك. وبأخذ فوائد أو هامش ربح خلال المدة قلت أو كثرت؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز شراء السلع بالنظام المذكور؛ لأن البنك يشترط غرامة في حال التأخير في السداد، وقد جاء مصرحا بذلك في دعايته لهذا النظام في موقع البنك على الإنترنت، ونصه: " لتفادي غرامة التسديد المتأخر يجب السداد في تاريخ الاستحقاق ". واشتراط غرامة التأخير ربا صريح، سواء أخذ البنك الغرامة لنفسه أو وزعها على الفقراء، وقد صدر بذلك قرار من مجمع الفقه الإسلامي رقم: 133 (7/14) في دورته الرابعة عشرة بالدوحة ونصه: " إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط عن الموعد المحدد فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين بشرط سابق، أو بدون شرط، لأن ذلك ربا محرم " انتهى نقلاً عن فقه المعاملات الحديثة للدكتور عبد الوهاب أبو سليمان ص (571) . هذا إضافة إلى ما يكتنف المعاملة من إشكالات أخرى: فإن كان البنك سيشتري السلعة من البائع، فلا يحل له بيعها حتى ينقلها من هذا المحل الذي يبيعها، إلى مكان آخر خاص بالبنك. وإن لم يكن البنك سيشتريها من المحل، وهذا هو الظاهر الذي يدل عليه ما ورد في السؤال، بدليل أن المشتري سيدفع جزءا من الثمن للبائع الأصلي: فكل ما سيفعله البنك هنا أنه سيدفع باقي الثمن إلى البائع، على سبيل القرض للمشتري، ويحصل معه فائدة ربوية، كما ورد في السؤال: فهذا ربا من أصل المعاملة، بغض النظر عن فائدة التأخير المذكورة أولا. والحاصل أنه لا يجوز شراء السلع بهذا النظام لما ذكرنا من اشتراط غرامة في حال التأخير، وهو شرط ربوي لا يجوز قبوله ولو كان المشتري عازما على السداد في الوقت. ولما فيها من المخالفات الأخرى التي ذكرناها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126950 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5124 تحويل الأموال إلى المُصَدَّر بعملة أجنبية عن طريق البنك [السُّؤَالُ] ـ[أقوم باستيراد وتصدير بعض السلع، وبالنسبة للصرف عندما نريد صرف العملة الوطنية إلى عملة أجنبية للأداء. نقوم بالاتصال بوكيل بالبنك ليبحث لنا عن ثمن الصرف الأرخص ثم عندما نوافق عليه يقوم بتحويل مالنا بالبنك الموجه إلى صاحب السلعة بالخارج بالعملة المرادة حيث إننا لا نقبض المال بأيدينا، إنما بمجرد الأوراق أو الهاتف. هل هذا جائز؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تحويل العملة الوطنية عن طريق البنك إلى عملة أجنبية تستلمها الشركة المُصَدِّرة في بلدها، هو بيع عملة بعملة، وهو جائز إذا حصل القبض بينك وبين البنك المحول في مجلس العقد، والقبض إما يكون قبضاً للمال نفسه، أو يكون قبضاً للشيك أو ورقة الحوالة. وقد جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (13/448) : "يجوز تحويل الورق النقدي لدولة إلى ورق نقدي لدولة أخرى ولو تفاوت العوضان في القدر، لاختلاف الجنس، لكن بشرط التقابض في المجلس، وقبض الشيك، أو ورقة الحوالة حكمه حكم القبض في المجلس" انتهى. ويجوز للبنك أن يأخذ عمولة على التحويل، فقد جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/369) : " وأما بالنسبة لتحويل النقود من بنك لآخر ولو بمقابل زائد يأخذه البنك المحول فجائز؛ لأن الزيادة التي يأخذها البنك أجرة له مقابل عملية التحويل " انتهى. وعلى هذا، فلا حرج عليكم من تحويل الأموال بالصورة المذكورة، ويكفي قبضكم للأوراق التي تثبت التحويل، أما مجرد الإخبار بالهاتف أنه تم التحويل، فلا يكفي، لأن هذا لا يكون قبضاً. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126601 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5125 يريد أن يكمل دراسة الاقتصاد ويسأل عن العمل في بنك ربوي، وما هو البديل المباح؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا طالب سنة أولى في الجامعة، تخصصي اقتصاد، وأعمال، ورياضيات، وأفكر - بإذن الله - أن أواصل مشواري المهني في مجال الاقتصاد، ولكنه قد نما إلى مسمعي أن هذا المجال حرام؛ لأنه يتعامل مع الربا، فهل حرام أن أعمل مثلاً في البنك الوطني في إنجلترا؟ وهل من الممكن أن تذكروا خمسة أعمال جائزة وليس فيها شبهة يمكن لمن هذا تخصصه أن يعمل فيها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لتعلم أخي السائل أن إقامة المسلم في دولة غير إسلامية ينطوي على مخاطر كثيرة على دين المسلم وأخلاقه، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها نهياً شديداً، ولجواز إقامة المسلم في تلك البلاد شروط ذكرها العلماء، من أهمها: أن يكون قادراً على إظهار دينه. ولمزيد الفائدة يراجع جواب السؤال: (13363) و (14235) و (27211) . ثانياً: دراسة علم "الاقتصاد" لا بأس به، فإنه علم اجتماعي يبحث في سلوك الأفراد أو الفرد كمنتج أو مستهلك أو مدخر أو مستثمر.. إلخ. ويهدف إلى رفع الكفاءة الإنتاجية والاستغلال الأمثل للموارد المتاحة، وزيادة الإنتاج في المستقبل. وكذلك علم "إدارة الأعمال" لا بأس به من حيث الأصل، فإنه علم وفن استخدام الموارد المتاحة، في مشروع أو تنظيم ما على أفضل الوجوه الممكنة كَمّا وكيفاً وتكلفةً وزمناً للوصول إلى أهداف محددة. لكن هناك محاذير في طبيعة كثير من المواد الواقعة تحت بنود تلك الدراسات، وهي التي تتعلق بالربا، والسندات والتأمين، وغيرها، مما لا يجوز العمل به. وهذا ما يجعل فرص العمل تضيق على من درس هذه العلوم، فأكثر المصانع، والشركات، والمؤسسات تتعامل بالربا، في إيداعها، واقتراضها، وإقراضها. والربا قد صار ركناً أساسياً من أركان الاقتصاد المعاصر. وقد سبق بيان تحريم العمل في البنوك الربوية، مهما كان هذا العمل بعيداً عن الربا، وانظر جواب السؤال رقم (26771) و (21113) . وأما الشركات والمؤسسات التي لها بعض التعاملات المحرمة، غير أن نشاطها في الأصل مباح، فلا حرج من العمل فيها في قسم بعيد عن مباشرة الحرام أو الإعانة عليه. وانظر جواب السؤال رقم (31781) . وأما "الرياضيات" فتعلمها وتعليمها أسلم، حيث تختلف في طبيعتها عن "الاقتصاد" و "إدارة الأعمال"، وتختلف تبعاً لذلك طبيعة أعمال الخريجين من كل تخصص، وليس فيها مباشرة للربا أو معاونة عليه. ومن الأعمال الشرعية التي نقترحها عليك مما يتعلق بالتخصصات المذكورة: 1. العمل في تدريس مادة "الرياضيات". 2. العمل في قسم من أقسام شركة أو مؤسسة نشاطها مباح، وإن كان لها بعض المعاملات المحرمة، كالربا وغيره، بشرط أن يكون هذا القسم الذي تعمل فيه لا علاقة له بالمعاملات المحرمة، ولا يعين عليها. 3. العمل في محل لـ " الصرافة "، بشرط الالتزام بالأخذ والإعطاء يداً بيد، دون تأخير. 4. العمل في أي قسم يتعلق بتخصصك إن كانت الشركة إسلامية، وتتحرى الحلال في عملها. 5. العمل في متابعة ومراجعة أعمال وأنشطة الشركات والمؤسسات ذات الأعمال المباحة. كما يمكنك القيام بأعمال حرَّة، في البيع والشراء، دون ارتباط بمؤسسة، أو شركة، وهو خير من كل ما ذكرناه؛ لأنك تتحكم بعملك وموافقته للشرع. ونسأل الله تعالى أن يرزقك رزقاً حسناً، وأن ييسر لك أمرك، ويوفقك لما فيه رضاه. ولمزيد الفائدة حول دراسة المحاسبة والعمل بمجالها: انظر جواب السؤال رقم: (103181) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126380 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5126 تقترض الوزارة من البنك بفائدة وتقرض العاطلين بدون فائدة [السُّؤَالُ] ـ[إخواني الأعزاء: إني من العراق وأسكن بغداد، حاصل على شهادة البكالوريوس في علوم الحاسبات، عاطل عن العمل حيث أعمل أعمالاً حرة لا تسد حاجتي لأن واردها قليل والحمد لله على كل شيء، وإني مسجل في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية مع العاطلين عن العمل منذ بدء الاحتلال لبلدي على أمل أن تهيأ لي هذا الدائرة عملاً وظيفياً في أحد دوائر الدولة، ولكن منذ بداية عام 2004 ولحد هذه اللحظة لا يوجد أي شي، ولكن في الآونة الأخيرة ارتأت هذه الوزارة بمقترح: " المشاريع الصغيرة " وكنت من الذين اختيروا عن طريق القرعة، حيث سيقومون بإعطائي قرضاً من أجل مشروع صغير والسداد يكون على أساس مدة سهلة ومريحة بالنسبة لي، ولكن المشكلة أن القرض سوف يتم صرفه عن طريق مصرف، بالنسبة لي سيكون السداد بدون فائدة ولكن المصرف سيقوم بأخذ الفائدة من الدائرة المعنية والتي قامت باقتراح وتنفيذ هذا المشروع، أي أنني سوف أقوم بتسديد المبلغ نفسه بدون فائدة والفائدة سوف تدفعها الدولة إلى المصرف فهل هذا يعتبر من ضمن القروض الربوية؟ وهل يجوز لي أخذ هذا القرض أم لا؟ جزاكم الله خيراً ووفقكم لما هو خير الإسلام والمسلمين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الأمر كما ذكرت، فلا حرج في أخذك هذا القرض؛ لأنه قرض حسن بغير فائدة. وكون المقرض لك – وهو الدائرة المعنية – اقترضت هذا المال بالربا، لا يضرك؛ لكونك لم تتعامل بالربا، ولأن من يقترض بالربا يملك المال الذي اقترضه على الراجح من أقوال العلماء، ويجوز له التصرف فيه بالهبة أو القرض أو غيره، مع إثمه ومعصيته في تعامله بالربا. وينظر: "المنفعة في القرض" لعبد الله بن محمد العمراني، ص 245- 254. ونسأل الله أن ييسر أمرك ويقضي حاجتك ويبارك لك في رزقك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126366 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5127 كتب والده شهادة استثمار باسمه فماذا يفعل في فوائدها الربوية؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا شاب عمري 21، منذ 10 سنوات اشترى أبي شهادة استثمارية من النوع أمن البنك الأهلي المصري قيمتها 10000 وكتبها باسمي، والآن أصبحت قيمتها 30000 وجاء موعد استلامها، وأنا أعلم أن هذه الزيادة حرام يجب التخلص منها، ولكن أبي يرفض هذا ويقول إن هذه الزيادة ليست حراماً مستندا على فتاوى المفتي. ولكني أصررت على موقفي فقال لي اعتبر أن هذه ال30000 هبة مني لك فهل يجوز أن آخذها على أنها هبة؟ وإذا كانت الإجابة بلا، فهل يجوز أن أترك لأهلي ال20000 الزياده مخافة غضبهم أو حدوث فتنة بالبيت (علماً بأنني ما زلت طالباً وأبي هو الذي ينفق علي ولا أستطيع أن أستقل بذاتي عنه) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: شهادات الاستثمار التي تصدرها البنوك الربوية بأنواعها الثلاثة (أ) و (ب) و (ج) كلها محرَّمة. وهذه الشهادات عبارة عن سندات ديْن بفائدة، وهي تختلف باختلاف نوعها، فشهادات استثمار الفئة (أ) تكون فائدتها نسبة مئوية، وتضاف هذه الفائدة إلى أصل قيمة الشهادة، إلى أن ينتهي أجل الشهادة بعد عشر سنوات. وشهادات استثمار الفئة (ب) لها فوائد محددة، وتصرف كل شهر، أو ثلاثة أشهر، أو ستة أشهر، حسب الاتفاق مع البنك، مع بقاء رأس المال الذي لا يتعرض للنقص. وكلا النوعين محرَّم، وهما قروض مضمونة مع فائدة مضمونة، وليستا من المضاربة في شيء، ولو كانت مضاربة لكانتا مضاربة فاسدة، لأنها لا تتوفر فيها شروط المضاربة الشرعية. وقد صدر قرار من مجلس مجمع الفقه الإسلامي بتحريم الأنواع الثلاثة من شهادات الاستثمار، ونص القرار: " بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه. قرار رقم (62 / 11 / 6) .بشأن (السندات) : إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17 إلى 23 شعبان 1410هـ الموافق 14 - 20 آذار (مارس) 1990م. بعد اطلاعه على الأبحاث والتوصيات والنتائج المقدمة في ندوة (الأسواق المالية) المنعقدة في الرباط 20-24 ربيع الثاني 1410هـ/20-24/10/1989م بالتعاون بين هذا المجمع والمعهد الإسلامي للبحوث والتدريب بالبنك الإسلامي للتنمية، وباستضافة وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالمملكة المغربية. وبعد الاطلاع على أن السند شهادة يلتزم المُصْدِر بموجبها أن يدفع لحاملها القيمة الاسمية عند الاستحقاق، مع دفع فائدة متفق عليها منسوبة إلى القيمة الاسمية للسند، أو ترتيب نفع مشروط سواء أكان جوائز توزع بالقرعة أم مبلغا مقطوعاً أم خصماً. قرر: 1. إن السندات التي تمثل التزاماً بدفع مبلغها مع فائدة منسوبة إليه أو نفع مشروط: محرَّمة شرعاً، من حيث الإصدار، أو الشراء، أو التداول؛ لأنها قروض ربوية، سواء أكانت الجهة المُصْدِرة لها خاصة، أو عامة ترتبط بالدولة، ولا أثر لتسميتها " شهادات " أو " صكوكاً استثمارية " أو " ادخارية "، أو تسمية الفائدة الربوية الملتزم بها " ربحاً " أو " ريْعاً "، أو " عمولة " أو " عائداً ". 2. تحرم أيضاً السندات ذات الكوبون الصفري، باعتبارها قروضاً يجري بيعها بأقل من قيمتها الاسمية، ويستفيد أصحابها من الفروق، باعتبارها خصماً لهذه السندات. 3. كما تحرم أيضاً السندات ذات الجوائز، باعتبارها قروضاً اشترط فيها نفع، أو زيادة، بالنسبة لمجموع المقرضين، أو لبعضهم، لا على التعيين، فضلاً عن شبهة القمار" انتهى. ثانيا: من تعامل بهذه الشهادات المحرمة، لزمه التوبة إلى الله تعالى، والتخلص من الزيادة المحرمة بإنفاقها في المشاريع العامة وأوجه الخير، ولا يحل له الانتفاع بها. ثالثا: إذا كان والدك قد كتب الشهادات باسمك، فهذا يعني أنه ملكك المال منذ عشر سنوات، فما جاء من الفائدة، فهو ملك لك لو كان مباحا، وعليه فأنت المطالب بالتخلص من الفائدة، فإن أرادها والدك، فبين له أنها مال خبيث حرام، فإن أصر فادفعها له. واعلم أنه يجوز إعطاء الفائدة المحرمة لأحد الفقراء من أهلك أو غيرهم، أو لمساعدة مدين في قضاء دينه، وذلك بنية التخلص منها، لا الصدقة. وعليه؛ فلو كان والدك فقيرا أو مدينا، فتخلص من الفائدة بدفعها إليه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126073 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5128 رد تفصيلي على أدلة من أجاز التعامل بالربا مع الكفار في ديارهم [السُّؤَالُ] ـ[أنا مقيم في إحدى الدول الإسكندنافية، وقد انتشرت بين المسلمين فتنة الربا، أو داء الربا - بتعبير أصح -، وذلك من خلال فتوى اعتمد عليها هؤلاء، أخذوها من دار إفتاء رسمية في إحدى الدول العربية، بدعوى أن المعاملات المالية الفاسدة مع الكافر المحارب جائزة، وينسبون ذلك لأبي حنيفة رحمه الله، وتلميذه محمد بن الحسن. وقد أرسلت لكم رابط تلك الفتوى، فنرجو الرد المفصل، لكي تكون فتواكم تبياناً للحق.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الربا من كبائر الذنوب، وقد توعَّد الله المرابين بمحق أموالهم في الدنيا، والعذاب الشديد في البرزخ ويوم القيامة. قال الله تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ) البقرة / 275-279. وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أكل الربا من الذنوب التي يعذب بها صاحبها في القبر عذاباً شديداً. وانظر جواب السؤال رقم (8829) . ولعل ما يحصل الآن – شهر شوال 1429هـ - من انهيار اقتصادي عالمي هو نتيجة حتمية لانتشار الربا والمجاهرة به، وهو صورة من صور " المحق " الذي توعد الله به المرابين، (وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى) طه / 127. وإننا لنعجب أشد العجب، من هؤلاء المفتين الذين راحوا يتحايلون على تحريم الربا، أو يبحثون عن أقوال ضعيفة يفتون بها الناس، فيحلون لهم الحرام، ويمهدون لهم الطريق لارتكاب تلك الكبيرة التي هي من موبقات الذنوب، بدلاً من نهيهم عنها، وترهيبهم منها، وإرشادهم إلى طيب المأكل والملبس والمسكن، وتحذيرهم من أكل الحرام (فكل جسد نبت من حرام فالنار أولى به) . وعقوبة المتحايل على المحرمات في الشرع معلومة، فقد مسخ الله أصحاب السبت قردةً جزاءً لهم على تحايلهم على ما حرم الله. واجتهادات العلماء رحمهم الله مع تعظيمنا وحبنا لهم – معلوم أنها ليست شرعاً، وإنما هي اجتهادات منهم رحمهم الله للوصول إلى الصواب، فمنها ما يكون قد وافق الصواب، ومنها ما يكون خطأ، والمخطئ منهم له أجر على اجتهاده ومحاولة الوصول إلى الحق، والمصيب فيهم له أجران، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ) . وليس لنا أن نتبعهم فيما أخطأوا فيه، بل الواجب على كل مسلم اتباع الكتاب والسنة، قال الله تعالى: (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ... ) الزمر / 55. وقال الله تعالى عن أهل الكتاب: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ) وقد كانوا يحلون لهم الحرام، ويحرمون عليهم الحلال فيتبعونهم في ذلك، وهو ما يفعله بعض المفتين اليوم – للأسف الشديد -. ثانياً: مع تحريم الربا الصريح في كتاب الله تعالى، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أننا نجد من يأتي ويبيح هذا الربا الصريح بدعوى عدم شمول الربا لصورته، ويتحايل على ذلك بتغيير اسم الربا، فبدلاً من تسميتها " فوائد ربوية" يسمونها "عائد استثماري"، وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن قوم يشربون الخمر، يسمونها بغير اسمها، وجعل ذلك من أسباب خسف الأرض بهم، ومسخهم قردة وخنازير، فَفَعَلَ هؤلاء بالربا، كما فعل أولئك بالخمر، والربا أعظم تحريماً من شرب الخمر، وأشد إثماً. وقد يبيح بعضهم الربا بدعوى أن هذه فتوى أبي حنيفة رحمه الله! وهو بالإضافة إلى الافتراء على الشرع بإباحة هذه الصورة: فهو افتراء على أبي حنيفة فإنه لم يقل ما نسبه إليه هؤلاء. ولبيان ذلك باختصار نقول: إن من أفتى بتلك الفتيا خالف ما قاله أبو حنيفة من جهتين: الأولى: أن هؤلاء المفتين لا يعدُّون دول الغرب " ديار حرب " – بل ولا يسمونها " ديار كفر "! -، وفتيا أبي حنيفة إنما هي في دار الحرب. والعلماء يفرقون بين " دار الحرب " و " دار الكفر " فدار الكفر هي الدار التي يسيطر عليها الكفار ويحكمونها بقوانينهم وأنظمتهم، ودار الحرب هي دار الكفر التي ليست بينها وبين المسلمين عهد أو صلح أو أمان، فقد تكون الدار "دار كفرٍ" ولكنها ليست "دار حرب" لأن بيننا – نحن المسلمين – وبينها معاهدة أو صلحاً على ترك القتال مدة معلومة. فالذي يريد أن يستدل بكلام أبي حنيفة يلزمه أولاً أن يصف تلك البلاد بأنها "دار حرب" فإن امتنع من ذلك، فليس له الاستدلال بكلام أبي حنيفة على ما يخالف ما قاله أبو حنيفة. والثانية: أن أبا حنيفة يفتي بجواز أن يأخذ المسلم الربا من أهل تلك الديار! لا أن يدفع المسلمون لهم الربا! وما ذاك إلا لأن أموالهم حلال للمسلمين باعتبارهم دار حرب، فالاستيلاء عليها بهذه الصورة عنده جائز. فانظر أيها المسلم، وقارن، بين ما أفتاه ذلك الإمام – مع مخالفتنا له – وبين ما يفتي به هؤلاء لترى الفرق الشاسع بينهما، في الصورة، والحكم. فالشروط عند أبي حنيفة ومن وافقه من الحنفية لجواز التعامل بالربا: 1. أن يكون العقد في أرضهم. 2. أن تكون دارهم "دار حرب". 3. أن يكون المسلم هو الآخذ للربا لا المعطي. وانظر: " المبسوط " (14 / 56) . والصحيح – وهو ما ذهب إليه أكثر العلماء، ومنهم الأئمة: مالك والشافعي وأحمد -: أن الربا محرَّم بين مسلم ومسلم، وبين مسلم وكافر في ديار الإسلام، أو ديار الكفر، أو ديار الحرب. قال ابن قدامة المقدسي رحمه الله: " ويحرم الربا في دار الحرب، كتحريمه في دار الإسلام، وبه قال مالك، والأوزاعي، وأبو يوسف، والشافعي، وإسحاق. لقول الله تعالى: (وحرَّم الربا) البقرة/ 275، وقوله: (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس) البقرة/ 275، وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا) البقرة/ 278، وعموم الأخبار يقتضي تحريم التفاضل، وقوله: (من زاد أو ازداد فقد أربى) عام، وكذلك سائر الأحاديث؛ ولأن ما كان محرما في دار الإسلام: كان محرما في دار الحرب، كالربا بين المسلمين" انتهى باختصار. " المغني " (4 / 47) . وقال أيضاً: " من دخل إلى أرض العدو بأمان: لم يخنهم في مالهم، ولم يعاملهم بالربا " انتهى. وقال أيضاً: " أما تحريم الربا في دار الحرب: فقد ذكرناه في الربا، مع أن قول الله تعالى: (وحرَّم الربا) ، وسائر الآيات، والأخبار الدالة على تحريم الربا: عامة، تتناول الربا في كل مكان، وزمان " انتهى. " المغني " (9 / 237) . وقال النووي رحمه الله: " الربا يجري في دار الحرب جريانه في دار الإسلام، وه قال مالك وأحمد وأبو يوسف، ودليلنا: عموم الأدلة المحرمة للربا , فلأن كل ما كان حراماً في دار الإسلام: كان حراماً في دار الشرك , كسائر الفواحش والمعاصي ; ولأنه عقد فاسد فلا يستباح به المعقود عليه كالنكاح " انتهى. ثالثاً: استدل الحنفية قديماً – ومن قلَّدهم حديثاً - بأدلة ضعيفة من حيث السند، وضعيفة من حيث الاستدلال. فمن أدلتهم التي استدلوا بها: 1. ما روى مكحول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا ربا بين مسلم وحربي في دار الحرب) . وأجيب عن هذا الاستدلال: بأن الحديث مرسل لأن "مكحول" من التابعين، والمرسل من أقسام الضعيف، وقد ضعفه الإمام الشافعي، وابن حجر، والنووي، وآخرون. قال الإمام الشافعي رحمه الله: " وما احتج به أبو يوسف لأبي حنيفة ليس بثابت، فلا حجة فيه " انتهى. " الأم " (7 / 358، 359) . وقال النووي رحمه الله: " والجواب عن حديث مكحول: أنه مرسل ضعيف فلا حجة فيه، ولو صح لتأولناه على أن معناه: " لا يباح الربا في دار الحرب "؛ جمعاً بين الأدلة " انتهى. " المجموع " (9 / 488) . وقال ابن حجر رحمه الله: لم أجده. " الدراية في تخريج أحاديث الهداية " (2 / 158) . 2. استدلوا بحديث بني قينقاع، قالوا: فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين أجلاهم قالوا: إن لنا ديونًا لم تحل بعد، فقال: (تَعَجَّلُوا أو ضَعُوا) ، ولمَّا أجلى بني النضير قالوا: إن لنا ديونًا على الناس، فقال: (ضعوا أو تعجلوا) . وَبيَّن السرخسي وجه الدلالة فقال: " ومعلوم أن مثل هذه المعاملة - الربا المتمثل في قوله: " ضعوا أو تعجلوا " - لا يجوز بين المسلمين؛ فإنَّ من كان له على غيره دَيْن إلى أجل فوضع عنه بشرط أن يعجل بعضه: لم يجُز، كره ذلك عمر، وزيد بن ثابت، وابن عمر رضي الله عنهم، ثم جوزه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حقهم؛ لأنهم كانوا أهل حرب في ذلك الوقت ولهذا أجلاهم، فعرفنا أنه يجوز بين الحربي والمسلم ما لا يجوز بين المسلمين " انتهى. وأجيب عن هذا بأن الحديث ضعيف، لا يصح. أما حديث بني قينقاع: فرواه الواقدي في مغازيه، وحديث بني النضير: رواه الحاكم في " المستدرك " (2 / 61) والدارقطني في " السنن " (3 / 46) والبيهقي في " السنن " (6 / 28) ، وفيه: مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزَّنْجِىُّ الْمَكِّىُّ، قال عنه الإمام البخاري: منكر الحديث. ولذلك لما قال الحاكم عن هذا الحديث: صحح الإسناد ولم يخرجاه، تعقبه الذهبي بقوله: الزنجي ضعيف، وعبد العزيز ليس بثقة. وقال الدارقطني بعد إخراجه لهذا الحديث: في إسناده مسلم بن خالد وهو سيء الحفظ ضعيف، وقد اضطرب في هذا الحديث. وقد حسن ابن القيم هذا الحديث. كما في أحكام أهل الذمة 1/396. ثم هذه المسألة معروفة عند الفقهاء بمسألة " ضَعْ وتعجل ". وهي أن يكون لشخص دين مؤجل على شخص آخر فيتفقان على تعجيل الدَّين مقابل إسقاط بعضه، وقد اختلف الفقهاء في جوازها. والصحيح أنها جائزة، وليست من الربا في شيء، وبناء على ذلك يكون احتجاج الأحناف بها على جواز الربا بين المسلم والحربي غير صحيح، بل هي جائزة كذلك بين المسلم والمسلم. وعلى رأس المجيزين لها الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنه، وأيده بالجواز شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وأفتى بجوازها علماء اللجنة الدائمة، والشيخ العثيمين، وصدر بذلك قرار من " مجمع الفقه الإسلامي " وأجازها ابن عابدين من فقهاء الأحناف. وانظر حاشية ابن عابدين (5/160) . قال ابن القيم رحمه الله: " إذا كان له على رجل ديْن مؤجل، وأراد ربُّ الدَّين السفر، وخاف أن يَتْوى ماله – أي: يذهب ويضيع -، أو احتاج إليه، ولا يمكنه المطالبة قبل الحلول، فأراد أن يضع عن الغريم البعض، ويعجل له باقيه: فقد اختلف السلف، والخلف في هذه المسألة: فأجازها ابن عباس، وحرمها ابن عمر، وعن أحمد فيها روايتان، أشهرهما عنه: المنع، وهي اختيار جمهور أصحابه. والثانية: الجواز، حكاها ابن أبي موسى، وهي اختيار شيخنا – أي: ابن تيمية -. وحكى ابن عبد البر في " الاستذكار " ذلك عن الشافعي قولاً، أصحابه لا يكادون يعرفون هذا القول، ولا يحكونه، وأظن أن هذا إن صح عن الشافعي فإنما هو فيما إذا جرى ذلك بغير شرط، بل لو عجل له بعض دينه - وذلك جائز - فأبرأه من الباقي حتى لو كان قد شرط ذلك قبل الوضع والتعجيل، ثم فعلاه بناء على الشرط المتقدم: صح عنده؛ لأن الشرط المؤثر في مذهبه: هو الشرط المقارن، لا السابق، وقد صرح بذلك بعض أصحابه، والباقون قالوا: لو فعل ذلك من غير شرط: جاز، ومرادهم: الشرط المقارن. وأما مالك: فإنه لا يجوزه مع الشرط، ولا بدونه؛ سدّاً للذريعة، وأما أحمد: فيجوزه في ديْن الكتابة، وفي غيره عنه روايتان ... . وهذا ضد الربا؛ فإن ذلك [يعني: الربا] يتضمن الزيادة في الأجل والدَّيْن، وذلك إضرار محض بالغريم، ومسألتنا تتضمن براءة ذمة الغريم من الدين، وانتفاع صاحبه بما يتعجله، فكلاهما حصل له الانتفاع من غير ضرر، بخلاف الربا المجمع عليه، فإن ضرره لاحق بالمدين، ونفعه مختص برب الدَّيْن، فهذا ضد الربا، صورة، ومعنى" انتهى. " إغاثة اللهفان " (2 / 11 - 13) . وانظر قول اللجنة الدائمة، ومجمع الفقه الإسلامي في جواب السؤال رقم: (13945) . 3. ومما استدلوا به: ما وقع عند مصارعته صلى الله عليه وآله وسلم رُكانة حين كان بمكة، فصرعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في كل مرة بثلث غنمه، ولو كان مكروهًا ما فعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم لما صرعه في المرة الثالثة قال ركانة: ما وضع أحد جنبي إلى الأرض، وما أنت الذي تصرعني، فرد رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم الغنمَ عليه. يقول السرخسي: " وإنما رد الغنم عليه تَطَوُّلاً منه عليه، وكثيرًا ما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع المشركين يؤلفهم به حتى يُؤمِنوا ". وهم يريدون بهذا: الاستدلال على جواز معاملة الكفار بالعقود الفاسدة المحرمة شرعاً، لأن الرهان (وهو الميسر) محرمٌ في شرعنا تحريماً أكيداً. وأجيب عن هذا الاستدلال بأن مصارعة النبي صلى الله عليه وسلم لركانة تحمل على أحد وجهين: الأول: أن هذا من الأحكام المنسوخة، لأنه كان في مكة قبل تشريع تحريم الميسر في المدينة، وهذا هو قول جمهور العلماء. ب. الثاني: أن هذا من الأفعال الجائزة إلى يوم القيامة، وهو داخل في الرهان المباح، لأن المقصود منه نصرة الإسلام، وكل ما كان كذلك فهو مباح عند جماعة من العلماء، وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم رحمهما الله، وبهذا يرد أيضاً على استدلالهم بمراهنة الصدِّيق للمشركين في مكة – كما سيأتي إن شاء الله – وهذا الرهان يُلحق حكمه بالحديث الوارد في السنن، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا سَبَقَ إِلَّا فِي نَصْلٍ أَوْ خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ) . رواه أبو داود (2574) والترمذي (1700) صححه الألباني في " صحيح أبي داود ". السَّبَق: العِوض، والجائزة، يبذلان للسابق. قال ابن القيم رحمه الله: " وإذا ثبت هذا: فهو دليل على المراهنة من الجانبين بلا محلل، وهو نظير مراهنة الصدِّيق؛ فإن كل واحدة منهما مراهنة على ما فيه ظهور الدين، فإن ركانة هذا كان من أشد الناس، ولم يُعلم أن أحداً صرعه، فلمَّا صرعه النبي صلى الله عليه وسلم علِم أنه مؤيد بقوة أخرى من عند الله، ولهذا قال: (والله ما رمى أحد جنبي إلى الأرض) ، فكان لا يُغلب فأراد النبي صلى الله عليه وسلم بمصارعته إظهار آيات نبوته وما أيده الله به من القوة والفضل، وكانت المشارطة على ذلك كالمشارطة في قصة الصدِّيق، لكن قصة الصديق في الظهور بالعلم، وهذه في الظهور بالقوة، والقدرة، والدين إنما يقوم بهذين الأمرين: العلم، والقدرة، فكانت المراهنة عليهما نظير المراهنة على الرمي، والركوب؛ لما فيهما من العون على إظهار الدين وتأييده، فهي مراهنة على حق، وأكل المال بها أكل له بالحق، لكن النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا كان غرضه إعلاء الحق وإظهاره: ردَّ عليه المال، ولم يأخذ منه شيئاً، فأسلم الرجل، وهذه المراهنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدِيقه هي من الجهاد الذي يظهر الله به دينه، ويعزه به، فهي من معنى الثلاثة المستثناة في حديث أبي هريرة، ولكن تلك الثلاثة جنسها يعد للجهاد، بخلاف جنس الصراع؛ فإنه لم يعد للجهاد، وإنما يصير مشابها للجهاد إذا تضمن نصرة الحق وإعلائه، كصراع النبي ركانة، وهذا كما أن الثلاثة المستثناة إذا أريد بها الفخر والعلو في الأرض وظلم الناس: كانت مذمومة، فالصراع، والسباق بالأقدام، ونحوهما: إذا قصد به نصر الإسلام: كان طاعة، وكان أخذ السبق به حينئذ أخذاً بالحق، لا بالباطل، والأصل في المال أن لا يؤكل إلا بالحق، لا يؤكل بباطل، وهو ما لا منفعة فه ... . فهذا الأثر يدل على جواز المراهنة من الجانبين بدون محلل، في عمل يتضمن نصرة الحق، وإظهار أعلامه، وتصديق الرسول صلاة الله وسلامة عليه " انتهى باختصار. " الفروسية " (203 – 205) . فيتبين بهذا عدم صلاحية ما استدلوا به من مصارعة النبي صلى الله عليه وسلم لركانة في مكة على جواز العقود الفاسدة مع الكفار في دار الحرب، فهو على قول الجمهور منسوخ بتحريم الميسر على اعتبار أن الرهان من جهتين من أنواع الميسر، أو على القول الآخر – وهو الأرجح -: أن الفعل جائز، وأن له حكم ما ذُكر في حديث أبي هريرة من جواز الرهان على سباق الخيل، والإبل، والرماية بالسهم، وما يشبه هذه مما يستعان بها على نصرة الإسلام. 4. ومما استدلوا به قولهم: وما قاله صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه عنه ابن عباس رضي الله عنهما وغيره، قال: قال صلى الله عليه وآله وسلم: (أَلاَ وَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ تَحْتَ قَدَمَيَّ، وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُهُ رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؛ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ) . ووجه الدلالة في هذا الحديث: " أن العباس رضي الله تعالى عنه بعدما أسلم بعد أن جيء به أسيرًا في غزوة بدر استأذن رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم في الرجوع إلى مكة بعد إسلامه، فأذن له، فكان يُرْبي بمكة إلى زمن الفتح، وكان فعله لا يخفى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلما لم ينهه عنه دل أن ذلك جائز، وإنما جعل الموضوع من ربا في دار الحرب ما لم يقبض، حتى جاء الفتح فصارت مكة دار إسلام؛ ولذا وضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الربا عند الفتح ". ويمكن الجواب عن هذا الاستدلال من عدة وجوه: 1. قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب) : إنما كان في حجة الوداع في العام العاشر من الهجرة، ولم يكن في فتح مكة. فلا يصح الاستدلال به على أن العباس كان يتعامل مع أهل مكة بالربا لأنها دار حرب، لأن مكة صارت دار إسلام من حين الفتح، وكان الفتح قبل ورود هذا الحديث بأكثر من سنتين. 2. ليس عندنا دليل قطعي يفيد أن العباس رضي الله عنه كان يعلم تحريم الربا، وأنه استمر على التعامل به بعد علمه بالتحريم. ثم إضافة الربا إلى الجاهلية في الحديث (ألا إن ربا الجاهلية موضوع) قد يفيد أن هذا الربا كان قبل إسلام العباس، لأن الجاهلية هي ما قبل الإسلام، وعلى هذا: فالمراد من الحديث أن العباس كان يتعامل بالربا قبل إسلامه، وكان له فوائد ربوية عند المقترضين، فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن أخذها، (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ) وأخبر أن هذا الربا موضوع. قال النووي رحمه الله: " والجواب: أن العباس كان له ربا في الجاهلية من قبل إسلامه فيكفي حمل اللفظ عليه، وليس ثَمَّ دليل على أنه بعد إسلامه استمر على الربا، ولو سُلِّمَ استمرارُه عليه ; لأنه قد لا يكون عالما بتحريمه , فأراد النبي صلى الله عليه وسلم إنشاء هذه القاعدة وتقريرها من يومئذ " انتهى. " المجموع " (10 / 488) . 5. ومما استدلوا به قولهم: " ولأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قامر مشركي قريش قبل الهجرة حين أنزل الله تعالى: (الم. غلبت الروم ... ) الآية " فقالت قريش له: ترون أن الروم تغلب؟! قال: نعم، فقالوا: هل لك أن تُخاطِرَنا؟ فقال: نعم، فخاطرهم، فأخبر النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (اذهب إليهم فزد في الخَطَر) ، ففعل، وغلبت الرومُ فارسًا، فأخذ أبو بكر خَطَرَه؛ فأجازه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو القمار بعينه بين أبي بكر ومشركي مكة، وكانت مكةُ دارَ شرك. ولا يخفى أن مكة هنا أيضا لم تكن دار حرب؛ حيث كان ذلك قبل شرع الجهاد أصلا ". ويجاب عن هذا بمثل ما أجيت عن قصة مصارعة النبي صلى الله عليه وسلم لركانة، فجمهور العلماء، يرون أن هذا منسوخ، فكان هذا قبل نزول تحريم الميسر، ويرى بعض العلماء جواز هذا الرهان وأنه ليس منسوخاً، لأن المقصود منه نصرة الإسلام. وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم. قال ابن القيم رحمه الله: " وقد اختلف أهل العلم في إحكام هذا الحديث ونسخه على قولين: فادعت طائفة نسخه بنهي النبي عن الغرر، والقمار، قالوا: ففي الحديث دلالة على ذلك وهو قوله: (وذلك قبل تحريم الرهان) . (وإلى هذا القول ذهب أصحاب مالك، والشافعي، وأحمد) . وادعت طائفة أن محكم غير منسوخ، وأنه ليس مع مدعي نسخه حجة يتعين المصير إليها، قالوا: والرهان لم يحرَّم جملة؛ وإنما الرهان المحرَّم: الرهان على الباطل الذي لا منفعة فيه في الدين، وأما الرهان على ما فيه ظهور أعلام الإسلام، وأدلته، وبراهينه - كما قد راهن عليه الصدِّيق -: فهو من أحق الحق، وهو أولى بالجواز من الرهان على النضال، وسباق الخيل، والإبل. وإلى هذا ذهب أصحاب أبي حنيفة، وشيخ الإسلام ابن تيمية " انتهى باختصار. " الفروسية " (ص 96 - 98) . وقال رحمه الله: " وقوله: (وذلك قبل تحريم الرهان) : من كلام بعض الرواة، ليس من كلام أبي بكر، ولا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى. " الفروسية " (ص 95) . 6. ومما قالوه في إباحة العقود الفاسدة – ومنه الربا – في ديار الحرب: " ولأن مالهم مباح فحُقَّ للمسلم أن يأخذه بلا غدر؛ لحرمة الغدر؛ لأن المسلمين لو ظهروا على ديارهم لأخذوا مالهم بالغنيمة ". ويجاب عن هذا: بأن قولهم: ((ولأن مالهم مباح)) هذا غير صحيح، لأن كلامنا على المسلم الذي دخل ديارهم وأقام بينهم بأمان منهم [مثل التأشيرة] فيجب أن يكونوا هم أيضاً في أمان منه، فلا يجوز له الاعتداء عليهم، ولا على أموالهم، وبالتالي: فأموالهم غير مباحة له. قال الإمام الشافعي رحمه الله: " إذا دخل قوم من المسلمين بلاد الحرب بأمان، فالعدو منهم آمنون إلى أن يغادروهم، أو يبلغوا مدة أمانهم، وليس لهم ظلمهم ولا خيانتهم " انتهى من "الأم" (4/263) . وقال أيضاً (4/284) : " ولو دخل رجل دار الحرب بأمان ... [فـ] قدر على شيء من أموالهم لم يحل له أن يأخذ منه شيئاً قل أو كثر، لأنه إذا كان منهم في أمان فهم منه في مثله، ولأنه لا يحل له من أمانهم إلا ما يحل له من أموال المسلمين وأهل الذمة، لأن المال ممنوع بوجوه: أولاً: إسلام صاحبه. والثاني: مال من له ذمة. والثالث: مال من له أمان إلى مدة " انتهى. وقال النووي رحمه الله: " وأما استباحة أموالهم إذا دخل إليهم بأمان: فممنوعة , فكذا بعقد فاسد , ولو فرض ارتفاع الأمان: لم يصح الاستدلال ; لأن الحربي إذا دخل دار الإسلام يستباح ماله بغير عقد، ولا يستباح بعقد فاسد , ثم ليس كل ما استبيح بغير عقد استبيح بعقد فاسد , كالفروج تستباح بالسبي , ولا تستباح بالعقد الفاسد ". " المجموع " (10 / 487، 488) . ومما سبق يتبين أنه ليس مع من أجاز العقود الفاسدة – ومنها: الربا - مع الكفار في دار الحرب دليل صحيح، والنصوص الواردة في تحريم الربا عامة، لا ينبغي لأحدٍ أن يستثني من التحريم مكاناً، ولا زماناً، ولا أفراداً. ونسأل الله تعالى أن يرد المسلمين إلى دينهم رداً جميلاً. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126056 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5129 حكم فتح حساب فارغ في بنك ربوي [السُّؤَالُ] ـ[أنا عندي حساب في بنك ولكن ما أستخدم الحساب لأن البنك يعطي ربا هل علي إثم لمجرد أن الحساب باسمي؟ الحساب فاضي ما فيه فلوس.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز الإيداع في البنك الربوي بدون فوائد لضرورة حفظ المال، إذا لم يوجد بنك إسلامي، فإن وجد، لم يجز؛ لما في ذلك من الإعانة على الإثم والعدوان، لأن البنك يستفيد من هذا المال في تشغيله في الربا. وأما فتح الحساب دون وضع المال، فلا يظهر مانع منه، لكن ينبغي أن يكون ذلك لحاجة، وليس عبثا، منعا لتكثير أهل الباطل. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125501 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5130 اشترى واكتتب في أسهم عن طريق القرض الربوي فماذا يفعل؟ [السُّؤَالُ] ـ[اشتريت أسهما واكتتبت بأسهم، بعض الاكتتاب أدرج بالبورصة. (عن طريق قرض ربوي وبطايق فيزا وماستر ومن راتبي وتبت لله) . كيف الطريقة إلى إحلال الأسهم والاكتتابات من الربا. للعلم مطلوب للبنك قرض وبطايق فيزا وماستر. وهل يجوز أن أبيع الاكتتابات التي أدرجت بالبورصة وأتخلص من بعض القرض والباقي من راتبي؟؟ أو أدفع ما عليّ من قرض وبطايق عن طريق بنك إسلامي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا يجوز الاقتراض بالربا، لشراء الأسهم أو لغير ذلك من الأغراض؛ لحرمة الربا وقبحه وشناعته وكونه كبيرة من كبائر الذنوب. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278، 279. وروى مسلم (1598) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ) . وعلى من فعل ذلك أن يتوب إلى الله تعالى، بالندم على ما فات، والعزم على عدم العود إليه مستقبلا، ولا يلزمه إلا سداد رأس المال، إلا إن خشي ضررا فإنه يسدد الفائدة الربوية المحرمة. وإن استطعت أن تعجل بالسداد والتخلص من التعامل مع البنك، فهذا أفضل. ثانيا: إذا كانت الأسهم نقية، فلا يلزمك بيعها، ولك الاحتفاظ بها ولو كنت قد اشتريتها بقرض ربوي، مع التوبة إلى الله تعالى من الربا كما سبق. وإن كانت الأسهم محرمة أو مختلطة، لزم التخلص منها، وينظر جواب السؤال رقم (45319) . والحاصل: أن من اشترى شيئا مباحا بقرض ربوي، فإنه يتوب إلى الله تعالى، ولا حرج عليه في الاحتفاظ والانتفاع بالشيء المباح، ولا يلزمه بيعه لسداد القرض، بل يسدد القرض في وقته، وإن عَجَّل بالسداد فهو أفضل. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125238 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5131 هل تبيح الضرورة القرض الربوي؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا بحاجه لإجراء عمليه في المعدة تكلف مليون ونصف عراقي، ولا يوجد أمامي طريق سوى أخذ سلفه من البنك، بضمان راتبي التقاعدي، علما أن الفائدة التي يأخذها البنك من السلف هي 8%، أي من 3 ملايين يعطوني مليونيين وستمائة وخمسين. فهل يجوز ذلك، ولا أملك غير هذا الطريق، علماً أن حالتي المادية وسط.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اعلم أن الواجب الأول على كل مضطر ومكروب هو: صدق اللجوء إلى الله تعالى، وقد قال سبحانه؛ فهذا هو أعظم مقام يقومه العبد في بلواه وكربه، بل هو من أعظم حكم الله تعالى في تقدير الكرب والضيق على عباده. قال الله تعالى: (وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) الأعراف /168 وأثنى الله تعالى على نفسه بتفريج كرب المضطر، فقال: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ) النمل / 62 وذم الله الغافلين عن هذا المقام، والمعرضين عنه، فقال تعالى: (وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ) المؤمنون /76. وقال أيضا: (فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الأنعام /43. فعليك ـ يا عبد الله ـ بهذا الأصل المنيع، وهذا الحصن الحصين، واجعل شكواك إلى الله، واستعانتك به، وتوكلك عليه، ولجوءك إليه. وقد وعد الله تعالى المتقين بنوعين من السعة: الخروج من الضيق، والمنة بالرزق حيث قال: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق /2-3. وأما ما سألت عنه، من أخذ القرض بضمان راتبك: فهذه الصورة ربا صريح، لا شك فيه: أن تأخذ أقل مما تدفع لدائنك، أو يشترط المقرض عليك أن تعطيه أكثر مما أعطاك. وقد سبق في موقعنا أجوبة عديدة حول التعامل بالربا، يمكن مراجعة بعضها في قسم المعاملات. لكن هل يجوز ـ في مثل حالك ـ أن تقترض هذا القرض الربوي، حيث لم تجد من يقرضك قرضا حسنا؟ ذهب بعض أهل العلم إلى أن مثل هذا التعامل جائز، في حالة الضرورة؛ وحال الضرورة هي الحال التي يخاف معها على المكلف من الهلاك، أو ضرر شديد، أو تلحقه مشقة لا يمكنه احتمالها. قال أبو عبد الله الزركشي رحمه الله: فالضرورة: بلوغه حدّاً إن لم يتناول الممنوع هلك، أو قارب؛ كالمضطر للأكل واللبس، بحيث لو بقي جائعاً أو عرياناً لمات، أو تلف منه عضو، وهذا يبيح تناول المحرم. والحاجة: كالجائع الذي لو لم يجد ما يأكل لم يهلك، غير أنه يكون في جهد ومشقة، وهذا لا يبيح المحرَّم " انتهى. "المنثور في القواعد" (2 / 319) . وعلى ذلك: فإنما يجوز لك مثل هذا القرض، عند من رخص فيه، إذا كانت حالك قد بلغت حد الضرورة، وغلب على ظنك أن هذه العملية نافعة لك، وتدفع عنك الضرر والمشقة التي نزلت بك. وكانت حالك، مع ذلك، لا يمكن تأخيرها إلى أن يتيسر لك قرض حسن، أو رزق طيب. وقد سبق بيان مثل ذلك في جواب السؤال رقم (94823) ، فيراجع. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 123563 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5132 شركتهم تحول رواتبهم على بنك ربوي فهل يجوز أخذ قرضٍ منه دون زيادة؟ [السُّؤَالُ] ـ[نحن إخوة لكم نعمل في شركة عامة تابعة للدولة، ولها حسابات كبيرة لدى أحد المصارف، وبالاتفاق مع الشركة، ولتقديم أفضل الخدمات: صدر قرار من مجلس إدارة المصرف بشأن الموافقة على منح قروض اجتماعية قيمتها (خمسة عشر ألف دينار) بدون فوائد لموظفي الشركة، على أن يتم استرجاعها على هيئة أقساط شهرية في مدة أقصاها 6 سنوات بالشروط التالية: 1. تعبئة النماذج الخاصة بالقروض الاجتماعية. 2. تقديم ضامن. 3. تعهد من الشركة بالاستمرار في إحالة مرتبات الموظفين إلى هذا المصرف. 4. كمبيالة موقعة من المصرف والمستفيد من السلفة مكتوب فيها القيمة فقط بدون أي زيادة، مع ملاحظة أنه من بين النماذج المراد تعبئتها يوجد نموذج مكتوب فيه بأن في حالة تأخر مرتبات العاملين عن الموعد المحدّد، وهو بداية كل شهر، يتم خصم فائدة على القسط المتأخر، وعند الاستفسار عن هذه الجملة من مدير المصرف: أفاد بأن الفائدة التي كانت تأخذ في السابق على الأقساط المتأخرة ملغية منذ فترة طويلة، والمنظومة المصرفية التي لديهم تؤكد ذلك، وأفاد أيضا بأن هذه النماذج عامة في الدولة على جميع المصارف، ولا يستطيع تعديلها، وقال أيضا: بأن الكمبيالة هي التي تعتبر عقداً ملزماً للطرفين، مع العلم بأنه عند استلام قيمة السلفة يتم التوقيع على مستند به قيمة السلفة، وقيمة الأقساط الشهرية المستقطعة بدون أي شروط، أو فوائد. السؤال: هل يجوز أخذ هذه السلفة أم لا؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يجوز لموظفي الحكومة أو القطاع الخاص أن يحولوا رواتبهم على البنوك الربوية لاستلامها منها؛ لأن في ذلك إعانة لهذه البنوك على ما تقوم به من المعاملات الربوية. وما تقدمه البنوك من هدايا وجوائز ومنافع للمحولين رواتبهم عندها: لا يحل أخذه؛ لأن هذا صورة من صور الربا. لأن وضع الأموال في البنوك هو في حقيقته قرض من صاحب هذا المال للبنك، وتسميته "وديعة" أو "حساب جاري" لا يغير من الحقيقة شيئاً، والقاعدة في القروض: "أن كل قرضٍ جر منفعة فهو ربا". وقد قرَّر مجلس " مجمع الفقه الإسلامي " المنعقد في دورة مؤتمره التاسع بأبو ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة من 1 إلى 6 ذي القعدة 1415 هـ، الموافق 1 إلى 6 أبريل 1995 م: "أن الودائع تحت الطلب (الحسابات الجارية) سواء أكانت لدى البنوك الإسلامية، أو البنوك الربوية هي قروض بالمنظور الفقهي، حيث إن المصرف المتسلم لهذه الودائع يده يد ضمان لها، هو ملزم شرعاً بالرد عند الطلب، ولا يؤثر على حكم القرض كون البنك (المقترض) مليئاً" انتهى. فإذا أعطى البنك صاحب الحساب هدية أو مكافأة كان ذلك ربا. قال ابن قدامة رحمه الله: "وكل قرضٍ شرَط فيه أن يزيده: فهو حرام , بغير خلاف، قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المسلِّف إذا شرَط على المستسلف زيادة أو هدية , فأسلف على ذلك: أن أخذ الزيادة على ذلك ربا. وقد روي عن أبي بن كعب , وابن عباس , وابن مسعود , أنهم نهوا عن قرض جر منفعة" انتهى. " المغني " (4 / 211) . ومن لا يملك خياراً في تحويل راتبه لدى ذلك البنك الربوي: فهو معذور، ولا حرج عليه، لكن بشرط أن لا يُبقي من راتبه شيئاً عند استحقاق سحبه. وانظر هذا بتفصيل في جواب السؤال رقم: (102655) . ثانياً: ما تقدمه بعض البنوك الربوية من قروض للمحولين رواتبهم عندها ليس إلا لأنهم يستفيدون من ذلك التحويل، وإلا فأي شيء يدعو أولئك المرابين لهذا الفعل لولا أنهم يستفيدون من ذلك التحويل، فانطبق على هذه المعاملة: أنها قرض من البنك للموظف، جَرَّ منفعة على المقرِض (البنك) فكون ذلك ربا. ولكن ... إذا كنتم لا تملكون أمركم في كون رواتبكم تحول على ذلك البنك، وكان القرض المقدم من البنك بلا فائدة، فلا حرج على الموظف في أخذ هذا القرض، لأنه لم يعقد مع البنك إلا عقداً مباحاً، وهذا هو القرض الحسن. وقد سبق في جواب السؤال رقم (7309) ذِكر فتوى للشيخ العثيمين رحمه الله بجواز ذلك. وإذا احتاط الموظف لدينه واجتنب هذا القرض لما يحوم حوله من الشبهات فهو أولى. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 123075 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5133 حيلة ربوية مصاحبة لبيع بطاقات الهاتف [السُّؤَالُ] ـ[أبيع بطاقات سوا بالتقسيط على معلمات حيث أسلم المعلمة البطاقات مع العقد وعادة بعد التوقيع تعيد المعلمة البطاقات لي وتطلب مني أن أبيعها لها لعدم معرفتها بذلك، بعد ذلك أقوم ببيع البطاقات على الموزع الذي أنا اشتريت منه البطاقات لسهولة عملية البيع. هل في ذلك محظور شرعي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا حرج في بيعك بطاقات (سوا) على المعلمات بالتقسيط، ولو كان بسعر أعلى من سعر البيع نقداً. ثانياً: للمعلمة أن توكلك في بيع البطاقة بشرطين: 1- أن تقبض المعلمة البطاقة أولاً. 2- ألا تبيع البطاقة للموزع الذي اشتريت منه هذه البطاقات، لأن هذه حيلة على الربا، ويسميها أهل العلم: "الحيلة الثلاثية"، وقد سبق بيانها في جواب السؤال رقم 96706. وحاصلها: أن المعلمة ستأخذ مبلغاً من النقد، وهو الثمن الذي سيدفعه الموزع، على أن ترد أكثر منه وهو الثمن المقسط الذي ستدفعه لك، فالمسألة: مال بمال مع زيادة، والسلعة عائدة إلى صاحبها (الموزع) والمعلمة أُكلت من الطرفين، لتحصل على ما تريد من النقود، والأطراف الثلاثة المتواطئون على ذلك واقعون في الربا، فإن الربا لا تبيحه الحيلة. وإذا كنت ستبيع لها البطاقات على طرف آخر غير الموزع فلا حرج - مع مراعاة الشرط الأول -، والأولى أن تبيعها المعلمة بنفسها، أو توكل غيرك في بيعها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121787 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5134 كان لديها شهادات استثمار ولم تعلم تحريمها ولم تخرج زكاتها [السُّؤَالُ] ـ[كنت أملك 6 شهادات استثمار في البنك الأهلي المصري قيمة الشهادة الواحدة 10000 جنيه مصري وعلى ذلك تكون قيمتها كلها 60000 جنيهاً مصرياً، وقد اشتريتها عام 1992 وكانت مدتها 10 سنوات فأصبحت قيمتها عند استلامها 333000 جنيهاً مصرياً، وعندما أخذت المبلغ قمت ببناء منزل عادي جداً لي ولأسرتي في غزة لأن زوجي فلسطيني وكلفني المنزل أكثر من ذلك، ولم أكن أعلم أنه يجب إخراج الزكاة عن هذا المبلغ. والآن أريد أعرف هل يجب إخراج الزكاة عليها؟ وكم هي القيمة المستحقة عن المبلغ وإذا لم أكن أملك هذه القيمة؟ ماذا أفعل لأننا في فلسطين!!!]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: من ملك مالا يبلغ نصابا، وهو ما يعادل قيمة 85 جراما من الذهب أو 595 جراماً من الفضة، لزمه زكاته، ولو كان مدخرا في البنك، فيزكيه كلما حال عليه الحول، بإخراج ربع العشر 2.5%. فإن ترك زكاته، فقد قصر وأساء؛ لأن الزكاة فريضة محكمة لا يجوز التهاون فيها، فيلزمه أن يزكي ما مضى من السنوات. ثانيا: شهادات الاستثمار من البنك الأهلي محرمة، لأنها قائمة على الربا، وقد بينا في جواب السؤال رقم 98152 أنه لا فرق بين شهادات الاستثمار من الفئة (أ) أو (ب) أو (ج) أي سواء كانت ذات عائد ثابت أو متغير (ذات الجوائز) بل هذا النوع الأخير أقبح، لاشتماله على الميسر مع الربا. وفي السؤال المحال عليه قرار لمجمع الفقه الإسلامي بتحريم هذه الشهادات. وعليه: فالزكاة إنما تجب في أصل المال المباح، وهو 60000، تزكينها عن كل سنة ماضية وزكاتها عن كل عام: 1500 جنيه. وما زاد عن ذلك فهو مال محرم، لا يزكى؛ لأن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا. ثالثا: المال الحرام يلزم التخلص منه، بإعطائه للفقراء والمساكين، أو وضعه في المشاريع الخيرية. وما أُنفق منه قبل التوبة لا يلزم إخراج بدله. وقد ذكرت أنك أنفقت المبلغ في بناء المنزل، فلم يبق منه شيء. وعليه؛ فلا يزمك شيء في هذا المال، ولك الانتفاع بالمنزل والسكنى فيه، مع التوبة إلى الله تعالى من التقصير في السؤال عن حكم هذه الشهادات قبل شرائها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121689 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5135 يقوم البنك بعمل قرعة ويعطي الفائز مالاً يؤدي به العمرة [السُّؤَالُ] ـ[كل سنة يقوم أحد البنوك بعمل قرعة والفائزون يحصلون على أموال للعمرة، فهل يجوز أداء العمرة بهذه الأموال من البنك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان البنك إسلاميا تنضبط معاملاته بالشرع، ودفع هذه الجوائز من ماله للتشجيع على التعامل معه، فلا حرج عليك في أخذ المال وأداء العمرة به. وأما إن كان البنك ربويا، فإنه لا يجوز الإيداع فيه إلا لضرورة حفظ المال، ولا يجوز الانتفاع بالفائدة التي يقدمها، بل تصرف في المصالح العامة. وعليه؛ فما جاءك من هذا المال لا يجوز أن تعتمر منه ولا أن تنتفع به لنفسك، بل تتخلص منه بإنفاقه في وجوه الخير ومصالح المسلمين. وهذه الجوائز التي تعطيها البنوك للمودعين فيها هي صورة من صور الربا، وحيلة من الحيل حتى يخدعوا بها الناس، ليقبلوا على التعامل الربوي مع هذا البنك. وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: عن بعض البنوك التجارية بدول الخليج تقوم بوضع جوائز مثل: سيارات أو بيوت جاهزة لمن يفتح في البنك حساب توفير لحفظ أمواله، وتعمل قرعة بين زبائن البنك، ثم يفوز بالجائزة أحد الزبائن، فما حكم هذه الجائزة سواء كانت عينية أو مادية؟ فأجابوا: " إذا كان الأمر كما ذكر، فإن هذه الجوائز غير جائزة؛ لأنها فوائد ربوية مقابل إيداع الأموال في البنوك الربوية، وتغيير الأسماء لا يغير الحقائق " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (15/196) . وينظر جواب السؤال رقم (72413) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121136 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5136 إذا لم يأخذ قرضا ربويا سحبت منه الأرض وخسر العربون [السُّؤَالُ] ـ[أرجو منكم إرشادي لما يحبه الله ويرضاه أنا وزوجي اشترينا قطعة أرض مدة سداد مبلغها 4 سنوات. وقد سددنا قسطا من ثمنها 30 ألف دينار (ما يزيد 90 ألف ريال سعودي) وقد أعطى صاحب الأرض وعدا للبيع في هذه الفترة (2008) وطلب منا بقية المبلغ بنص العقد وإذا لم ندفع المبلغ المطلوب في ذلك الأجل فإن صاحب الأرض له أن ينفذ ما في العقد من شروط وأن يأخذ تلك الأموال (ما يعبر عنه في عرفنا العربون) التي قد سددناها ويسقط الوعد بالبيع في هذا الأجل المسمى لكن ليس لنا المبلغ المطلوب فتقدم زوجي بطلب للحصول على قرض وللأسف لا يتوفر بنوك إسلامية (في تونس) فكلها ربوية وليس لنا حل آخر فإذا لم ندفع المبلغ المطلوب نخسر الأموال والأرض. حالتي الاجتماعية 3 أبناء مستأجرة منزل 400 دينار شهريا مهنة زوجي محاسب مهنتي أستاذة، وللأمانة لزوجي قطعة أرض فلاحية لو باعها لا تفي بالغرض لأن مبلغها أقل من المطلوب، وأنا أحس بضيق شديد وبذنب لأني أنا التي دفعته لشراء هذه الأرض، وأسال الله أن يغفر لي وله. فماذا أفعل بارك الله فيكم في هذه الحالة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يخفى عليك أن الربا كبيرة من كبائر الذنوب، وقد جاء فيه من الوعيد العظيم ما لم يأت في غيره من الذنوب، وتوعد الله مرتكبه بالحرب، وأخبر نبيه صلى الله عليه وسلم بحلول اللعنة على آكل الربا وموكله، وفي ذلك ترهيب عظيم من الوقوع في هذا المنكر. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278، 279. وروى مسلم (1598) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ) . وقال صلى الله عليه وسلم: (درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله من ستة وثلاثين زنية) رواه أحمد والطبراني، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3375) . وهذا الربا الملعون فاعله لا تبيحه الحاجة إلى المسكن، وإنما تبيحه الضرورة، كما يباح أكل الميتة وشرب الخمر، فمن أشرف على الهلاك ولم يجد ما يقتاته إلا عن طريق الربا، جاز له منه بقدر ما يزيل الضرر، وهذه الضرورة لا تتحقق في مسألتكم؛ لأنكم تجدون البديل المباح وهو الاستئجار وإن كان مكلفا أو مرهقا لكم ماديا. وينظر جواب السؤال رقم (8141) ورقم (101080) . وتأملي كيف يبتلى بعض الناس بارتكاب هذا الأمر العظيم ثم يعيشون في ظلاله وتبعاته عشرين سنة، فيا له من أمر عظيم، وجرم كبير. فنوصيك بالصبر حتى ييسر الله لك الأمر، ويأتيك بالفرج، واعلمي أن خزائنه سبحانه ملأى، وأنه جعل التقوى من أسباب الرزق والعطاء، فقال: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/2،3. ونحن نقدر ما أنتم فيه من الضيق والكره لذهاب الأرض والعربون، لكننا لا نستطيع أن نبيح لكم الربا، وعلى الإنسان أن يتدبر ويتريث قبل الإقدام على شراء ما لا يملك ثمنه. نسأل الله أن يجعل لكم مخرجا وفرجا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121071 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5137 حكم بطاقات التيسير التي تصدرها البنوك الإسلامية [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم بطاقات التيسيير التي تصدرها البنوك الإسلامية بحيث يدفع الراغب بها رسوم اشتراك ثم يستطيع الاقتراض من البنك بدون فوائد؟ وهل قيمة الاشتراك تعتبر فائدة؟ علماً بأن العميل إذا لم يقترض من البنك خلال الفترة لا يسترد مبلغ الاشتراك]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يمكن الحكم على شيء من هذه البطاقات إلا بعد الوقوف على أمرها، ومعرفة النظام المتبع فيها. وبالجملة، فهناك محذوران لا بد من خلو البطاقة منهما: الأول: أن يكون رسم الاشتراك أكثر من التكلفة الفعلية التي تكلفها البنك لإصدار تلك البطاقة؛ لأن هذه الزيادة في مقابل القرض فتكون ربا. والثاني: أن يفرض البنك غرامة في حال التأخر في السداد، وهذا ربا لا شك فيه، سواء انتفع البنك بالغرامة أو صرفها للفقراء ونحوهم. وانظر جواب السؤال رقم 101947 ففيه الإشارة إلى وجود هذين المحذورين في بطاقة يُزعم أنها بطاقة شرعية. وهذا ما يؤكد ضرورة الوقوف على كل بطاقة قبل الحكم عليها، وعدم الاغترار بكونها صادرة من بنك إسلامي أو بموافقة لجنة شرعية. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120752 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5138 حكم التعامل مع " بنك فيصل المصري " [السُّؤَالُ] ـ[السؤال: أود منكم الرأي الشرعي في مشروعية التعامل مع بنك "فيصل الإسلامي" في مصر، حيث إني أردت أن أودع مبلغاً من المال فيه، وذهبت للاستفسار عن نظام البنك فقالوا لي ما يلي: أولاً: البنك يشرف عليه هيئة رقابة شرعية. ثانياً: من النظام المعمول به في مصر أن يكون لأي بنك في مصر وديعة في البنك المركزي المصري بنسبه 15 % من نسبة رأس ماله لضمان إذا حصل إفلاس للبنك أن يستطيع أن يساعده، وهذه الأموال تستثمر في مشاريع بعضها شرعي والآخر غير شرعي، ويكون لكل بنك نسبة عائد من استثمار هذه الأموال , ولكن " بنك فيصل " يتنازل عن هذه الأرباح لصالح البنك المركزي. ثالثاً: نسبة العائد لا تحدد مسبقاً على أي نوع من أنواع الاستثمار سواء كان الحساب استثماريّاً أو ودائع أو شهادات الاستثمار. رابعاً: يقوم البنك بإخراج أموال الزكاة عن العائد الذي يضاف لكل حساب استثماري أو ودائع أو شهادات الاستثمار. خامساً: بالنسبة للحساب الجاري لا تستثمر الأموال المودعة فيه، ويقوم البنك بأخذ مبلغ كل عام قدره (20 جنيها) . سادساً: بالنسبة لشهادات الاستثمار يقوم البنك كل سنة بإجراء قرعة يستطيع الفائز في هذه القرعة السفر على نفقه البنك لأداء فريضة الحج. وأود أن أسال عن هذه النقطة: هل يجوز للبنك إذا خسر - وهذا نادر الحدوث حيث إنه يخضع تحت رقابة خبراء اقتصاد - أن يتم الخصم من رأس مال الأشخاص المودعين بنفس نسبة الخسارة؟ وإذا خسر البنك ولم يتم الخصم من رأس المال بالنسبة للمودعين هل يأثمون أم لا؟ وفى حالة عدم علم العملاء بالخسارة فهل يأثمون؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يُحكم على تعاملات البنوك والمؤسسات وفقاً لأسمائها، بل لا بدَّ أن يتوافق واقعها مع اسمها الذي تنتسب إليه وهو " الإسلام "، كما أن وجود هيئة رقابة أو إفتاء شرعية في البنك أو المؤسسة لا يَحكم على أفعالها بأنها صواب إلا أن يكونوا من الثقات في علمهم ودينهم، وتكون قراراتها ملزمة لإدارة البنك. ولسنا في صدد تقويم هذا البنك أو ذاك إنما هو قاعدة عامة تنطبق على الجميع، وما ذكرتَه – أخي الفاضل – في سؤالك لا مطعن فيه، وهو علامة خير إن شاء الله، لكن يهمنا معرفة حقيقة التعامل، والنظر في الصور والمعاملات الأخرى كبيع المرابحة أو التورق المصرفي وهما أكثر التعاملات تداولاً في البنوك التي تنتسب إلى الإسلام، وعند كثير منها مخالفات شرعية واضحة، وقد نبهت بعض قرارات " مجمع الفقه الإسلامي " على سوء تصرف بعض البنوك التي تنتسب إلى الإسلام، وحذروا من التعامل بمثل هذه المخالفات للشرع. وفي قرارهم في مؤتمرهم المعقود في 19 - 23 / 10 / 1424 هـ الذي يوافقه 13 - 17 / 12 / 2003 م قالوا: " كما أن المجلس إذ يقدر جهود المصارف الإسلامية في إنقاذ الأمة الإسلامية من بلوى الربا، فإنه يوصي بأن تستخدم لذلك المعاملات الحقيقية المشروعة دون اللجوء إلى معاملات صورية تؤول إلى كونها تمويلاً محضاً بزيادة ترجع إلى الممول " انتهى. وقال الشيخ صالح بن عبد الرحمن الحصين: " إذا كانت المصارف الإسلامية لم تستطع حتى الآن تحقيق أهدافها، وكان ذلك بسبب أن الاتجاه العام الغالب لديها في استخدام الموارد لا يمكنها من ذلك على نحو ما وضح فيما سبق: فإن النتيجة المنطقية لذلك أنها لن تحقق في المستقبل ما عجزت عنه في الماضي. والواقع يثبت أن المصارف الإسلامية بهذا الاتجاه ظلت تقترب من البنوك الربوية شيئاً فشيئاً، وأن أوضح شاهد لذلك ما انتهت إليه المصرفية الإسلامية من اعتماد عمليتي " تيسير الأهلي "، و " التورق المبارك ". والظاهر أنه من الناحية العملية فإنه من المستحيل القول إن الآثار السلبية للربا الاقتصادية والاجتماعية والسيكولوجية التي تتحقق في التمويل بالفائدة لا تتحقق في التمويل بـ " تيسير الأهلي " أو " التورق المبارك " بل إنه من الناحية الفقهية يستحيل على الفقيه دون أن يخادع نفسه أن يدَّعي وجود فارق بين هاتين العمليتين والاحتيال المحرم على الربا. بهذا الاقتراب من البنوك الربوية: فإن المصارف الإسلامية ستفقد هويتها الحقيقية، ولا يبقى لها إلا الاسم " انتهى من مقال – له - بعنوان " المصارف الإسلامية ما لها وما عليها ". وعلى كل حال: فوجود الرقابة الشرعية والمجالس الشرعية في هذه البنوك علامة خير. وما ذكرتَه من أن البنك لا يحدد مبلغاً معيناً لودائع واستثمارات زبائنه، وأنه يخرج الزكاة عن أموال المودعين، وأنه يشارك في الربح والخسارة في حال المشاركة – وننبه إلى أن البنك إن كان مشاركاً فهو يخسر من ماله، وإن كان مضارباً فهو يخسر جهوده، وخسارة المال تكون على أصحابه – كل ذلك ليس فيه مخالفة شرعية، وما يكون من تعامل مع البنوك المركزية هو أمر تُجبر عليه البنوك الإسلامية جميعها. غير أن هذا لا يكفي للحكم على معاملات البنك كلها بأنها شرعية، بل لا بد من الوقوف على حقيقية معاملاته كلها. ولكن.. باعتبار أن ما ذكرته عن البنك يعطي مؤشراً عن اختلاف البنك عن البنوك الربوية، وأنه لا يتعامل بالربا، فإننا نرى لك جواز التعامل معه حتى يتبين لك أن معاملاته غير منضبطة بالضوابط الشرعية، فتوقف تعاملك معه حينئذ. وفي جواب السؤال رقم (47651) ذكرنا مواصفات البنك الإسلامي فلينظر. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120662 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5139 حكم عمل برنامج تستفيد منه البنوك في عملية القرض الربوي [السُّؤَالُ] ـ[لدي مشروع القيام ببرنامج إلكترٍِوني يقوم بإيصال معلومات عن القروض الربوية بين البنوك لكي يستعلموا عن القروض التي أخذها شخص ما قبل أن يعطوه قرضا ربويا، ولكن هذا البرنامج يقوم بأشياء أخرى غير ذلك هل هذا جائز؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان هذا البرنامج تستفيد منه البنوك الربوية في الحصولَ على معلومات لمن ستقرضه بالربا؛ فلا يجوز بيعه لها، أو عمله لأجلها؛ لما في ذلك من الإعانة على الإثم والمعصية. وقد قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2. وقال صلى الله عليه وسلم: (َمَنْ دَعَا إِلَى ضَلالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا) أخرجه مسلم (4831) . وقد جاء في الربا من الوعيد الشديد، واللعن لفاعله وكاتبه وشاهده، ما فيه زاجر لكل عاقل عن الدخول فيه أو الإعانة عليه. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278-279. وروى مسلم (1598) عن جَابِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ. وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ) . فاحذر أن تكون معينا على هذا الذنب العظيم. نسأل الله أن يعافيك من ذلك، وأن ييسر لك طرق الكسب الحلال المبارك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120269 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5140 بيع السلع بالتقسيط للزبون مع توسط البنك وإعطائه كامل المبلغ للبائع [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أعمل في محل بيع بالتقسيط. طريقة البيع: نأخذ من الزبون تأميناً ثم نشتري له السلعة (ثلاجة.. غسالة..) , وكل معاملات المحل مع البنك، نأخذ أوراق الزبون ونعطيها للبنك، ثم نأخذ ثمن السلعة من البنك كاش، ويأخذ البنك حقه من الزبون، مثلا اشترينا سلعة موبايل مثلا ب1000 وبعناها ب2000، أصحاب الشركة يأخذوا 1300، والبنك يأخذ الباقي، لكن يقسط هو علي 5 سنين ونحن نأخذ فلوسنا كاش منه.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج في البيع بالتقسيط ولو كان بأكثر من ثمن البيع نقداً، ولا حرج في شراء السلعة التي يطلبها الزبون، ثم بيعها عليه بالتقسيط، وأما إدخال البنك في هذه المعاملة بحيث يدفع لكم المبلغ كاملا، ويتقاضاه مقسطا من الزبون فهذا فيه تفصيل: فإن كان البنك يشتري السلعة منكم لنفسه، شراء حقيقيا، ثم يبيعها على الزبون بالتقسيط فلا حرج في ذلك، وإن كان دوره هو التمويل فقط ـ وهذا هو الظاهر من سؤالك ـ، فيدفع المبلغ عن الزبون، ثم يسترده منه مقسطا بزيادة، فهذا ربا واضح، وحقيقته: أنه أقرض العميل المال على أن يسترده بزيادة، فلا يجوز الدخول في هذه المعاملة. فالشركة التي تريد أن تعمل بها، وإن كانت ليست طرفاً في المعاملة الربوية، إلا أنها وسيط بين آكل الربا وموكله، والله تعالى كما حرم علينا أن نعصيه، حرم علينا أن نعين العاصي، فقال: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2. وقد (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ. وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ) . رواه مسلم (1598) . قال النووي رحمه الله: "فيه تحريم الإعانة على الباطل" انتهى. ومن الصور المحرمة كذلك: أن يأخذ البائع من الزبون شيكا مؤجلا، ثم يذهب إلى البنك ليعطيه قيمة الشيك نقداً، مع خصم جزء للبنك، وهذا ربا أيضا. والصورة الصحيحة: أن تبيعوا السلعة على الزبون مباشرة، ويقسط لكم الثمن، ولكم أن تأخذوا عليه كفيلا، لضمان حقكم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 119255 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5141 حكم مبادلة قطعة أرض كبيرة بأخرى أصغر منها قريبة من العمران [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم مبادلة أرض كبيرة بعيدة عن العمران بأرض صغيرة قريبة من العمران؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز بيع (مبادلة) أرض كبيرة بأرض أصغر منها؛ لأن الأرض ليست من الأصناف الربوية التي يشترط التماثل في مبادلة بعضها ببعض، فلا حرج أن تبدل قطعة أرض بقطعتين، أو قطعة كبيرة بقطعة صغيرة. والأصناف الربوية هي المذكورة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) رواه مسلم (1587) . ويقاس على هذه الأصناف الستة ما شاركها في العلة. والعلة في الذهب والفضة هي الثمنية [أي كونهما ثمناً للأشياء، فكانت أثمان الأشياء تقدر قديما بالذهب والفضة، وهي الدارهم والدنانير، فيقال: هذا يساوى كذا درهما، أو كذا ديناراً] ، ولذلك ألحقت العملات النقدية بالذهب والفضة. والعلة في الأصناف الأربعة (البر والشعير والتمر والملح) هي الطعم، أو الكيل، فيقاس عليها الأرز ونحوه. وللفقهاء خلاف في مسألة علة الربا، لكن الأرض ليست داخلة في ذلك قطعا. وقد ثبت في صحيح البخاري (2116) أن ابن عمر باع لعثمان رضي الله عنهم أرضاً شمال المدينة بأرض أقرب منها إلى المدينة. قال الحافظ ابن حجر: فيه جواز بيع الأرض بالأرض. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118149 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5142 تأخر في سداد الأقساط فاقترح إعادة الجدولة وزيادة القسط [السُّؤَالُ] ـ[ي عن البيع بالتقسيط: فمثلاً أشتري البضاعة بألف جنيه مثلاً وأبيعها على أقساط لمدة معينة بألف ونصف مثلاً، ولكن حدث أن تأخر أحد العملاء عن السداد لمدة كذا شهر، وبعدها طلب مني زيادة ثمن البضاعة، وبالتالي زيادة القسط وذلك لتأخره في السداد، وطلب مني إعادة الجدولة بناء على السعر الجديد. فمثلاً بدلاً من أنه كان يؤدي 150 جنيهاً قسطاً شهرياً سوف يؤدي 170 جنيهاً قسطاً شهرياً. سؤالي هو: هذه الزيادة في القسط تعتبر ربا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: يجوز أن تبيع بالتقسيط بسعر أعلى من البيع نقداً، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم (13973) . ثانيا: إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط عن الموعد المحدد، فلا يجوز إلزامه بأي زيادة على الدَّيْن؛ لأن ذلك ربا محرم، كما نص عليه قرار مجمع الفقه الإسلامي، وينظر جواب السؤال رقم (1847) . وهذا هو ربا الجاهلية، الذي أجمع المسلمون على تحريمه، كانوا يؤخرون سداد الدين مقابل زيادته. وعليه؛ فما اقترحه المشتري من إعادة الجدولة والزيادة في قدر القسط لأجل التأخر، اقتراح باطل شرعا، ولا يجوز لك قبوله؛ لأنه ربا محرم ولو رضي به المشتري، وعليك إنظاره وإمهاله إلى حين ميسرة، كما قال تعالى: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ) البقرة/280. فإن كان المشتري معه من المال ما يسدد به الأقساط، لكنه ماطل في ذلك وتأخر من غير عذر، كان ذلك حراماً عليه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 117956 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5143 التورق في المعادن عن طريق بنك الجزيرة [السُّؤَالُ] ـ[نريد تمويلاً من بنك الجزيرة، وهو أننا نرهن عقارنا، ويقومون العقار، ويعطوننا تمويلاً يصل إلى 50% أو 70% من قيمة العقار، لكن طريقة التمويل تتم ببيع المعادن، ونحن متخوفين من هذا التمويل، والبنك هو الوحيد الذي وفر لنا هذه الطريقة، الرجاء منكم أن توضحوا لنا هو حلال أو لا؟ ، لأنهم أخبرونا أن طريقتهم شرعية، وهي أنهم يشترون كمية للحديد لعدة أشخاص، يشترونه لهم وبعد ذلك يعطوهم ورقة التوكيل لبيعه، طلبنا طريقة التورق بالأسهم لكن قالوا لنا إن هذا لا يمكن لتمويل العقار، وأن تورق المعادن تشرف عليه هيئة شرعية.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان البنك يبيع عليك الحديد، وتتولى أنت بيعه في السوق لتحصل على المال، فهذا تورق مشروع، وأما إن كنت لا تبيعه بنفسك، وإنما توكل البنك في بيعه، فهذا يسمى: التورق المصرفي المنظم، وقد صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي بتحريمه، كما صدرت بحوث علمية عن جماعة من المختصين تبين أوجه تحريم هذه المعاملة، وينظر بيان ذلك مفصلا في جواب السؤال رقم (82612) ورقم (98124) . وقد سئل الدكتور محمد العصيمي حفظه الله عن حكم تمويل المعادن من بنك الجزيرة؟ فأجاب: "لا أرى جواز التورق في المعادن إلا أن يقبضها العميل، ثم يبيع على غير التاجر الذي اشترى البنك منه. وحيث إن كل ذلك لا يحصل فلا يجوز " انتهى. والبديل المشروع هو شراء سلع حقيقية من البنك، كسيارات أو غيرها، يملكها البنك ويحوزها إليه، ثم يبيعها عليك، وتتولى أنت بيعها في السوق بعد ذلك لتحصل على النقود. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 117761 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5144 يعرض البنك تأجيل القرض مقابل رسوم [السُّؤَالُ] ـ[أنا شخص مقترض من أحد البنوك مبلغاً وقدره ... والبنك يطرح خدمة لتأجيل القسط 3 مرات سنوياً، هل يجوز تأجيل القسط؟ علماً بأن البنك سيخصم مبلغاً كرسوم لتأجيل القسط.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله القرض من عقود الإحسان والإرفاق، ولا يجوز اشتراط فائدة عليه، لا في ابتداء العقد، ولا عند التأخر في السداد، وقد كان الشائع في ربا الجاهلية أن المدين إذا عجز عن السداد قيل له: زد وتأجل، أي زد في المال، ونزيد لك في الأجل. قال ابن الجوزي رحمه الله: " قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة) قال أهل التفسير: هذه الآية نزلت في ربا الجاهلية. قال سعيد بن جبير: كان الرجل يكون له على الرجل المال فإذا حل الأجل فيقول: أخّر عني وأزيدك على مالك، فتلك الأضعاف المضاعفة " انتهى من "زاد المسير" (1/457) . وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: " واعلم أن الربا منه ما أجمع المسلمون على منعه ولم يخالف فيه أحد، وذلك كربا الجاهلية، وهو أن يزيده في الأجل على أن يزيده الآخر في قدر الدين " انتهى. وقد أجمع العلماء على أن كل قرض اشترطت فيه الزيادة فهو ربا. قال ابن قدامة رحمه الله: " وكل قرضٍ شرَط فيه أن يزيده: فهو حرام , بغير خلاف، قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المسلف إذا شرَط على المستسلف زيادة أو هدية , فأسلف على ذلك: أن أخذ الزيادة على ذلك ربا. وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة " انتهى من "المغني" (4/211) . وعليه؛ فإن تأجيل البنك لوقت السداد مقابل فائدة أو رسوم، هو عين الربا، إلا إن كانت رسوما يسيرة جدا كتكلفة الأوراق وما شابه ذلك، ولن يجني منها البنك فائدة، وهذه إن وُجدت فلن تختلف باختلاف المبلغ، فلو كان الدين مائة ألف، أو عشرة آلاف، فإن الرسوم واحدة، إن فرضنا أن هذا الإجراء يحتاج إلى رسوم. وأما أن تكون رسوما كبيرة، أو رسوما تختلف باختلاف الدَّين، فهذا عين ربا الجاهلية. وقد سئل الدكتور عبد الله بن محمد الطيار: أخذت من البنك ما يسمى (بالتورق) ، ويمكن المقترض أن يؤجل أحد الأقساط إلى آخر المدة، ولكن يأخذ البنك مبلغ وقدره من 200 إلى 250 ريالاً تقريبًا للتأجيل، فهل المبلغ هذا يعتبر ربًا، أو أنه جائز؟ فأجاب: "إذا كانت هذه الزيادة في الثمن مقابل التأجيل الطارئ عند عدم السداد أو العجز عنه، فهذا هو ربا الجاهلية المحرم بالاتفاق، فهم عند حلول السداد كانوا يقولون: إما أن توفي، وإما أن تربي، أي إما أن تسدد، وإما أن تزيد في الثمن، والخيار الشرعي في هذا هو الإنظار للمعسر، كما قال الله تعالى: (وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ) البقرة/280. أما أن يزيد عليه الثمن، فهذا لا يجوز بحال " انتهى من "موقع "الإسلام اليوم". نسأل الله تعالى أن يقينا وإياك شر الربا وإثمه وخطره. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 117680 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5145 الفرق بين المرابحة والقرض الربوي [السُّؤَالُ] ـ[هناك رجل يريد تمويلا، عنده مؤسسة رصيده فيها 10 مليون، وجدت رجلا ثانيا يقول: أنا أعطيه تمويلا 10 أضعاف المبلغ الذي في الرصيد ويسدده على 10 سنوات وكل سنة يدفع 4%، يقول مرابحة. أنا وسيط؛ وصلت الرجل الأول للثاني وأخذت أنا عمولتي، هل عملي هذا جائز؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المرابحة الجائزة: هي أن يشتري الشخص المموّل سلعةً أو سلعا ب 100 مليون – كما في السؤال- فإذا ملكها وقبضها، باعها على صاحبك بالأقساط لمدة عشر سنوات، بربح قدره 4% مثلا، ثم لصاحبك أن يحتفظ بهذه السلع أو يبيعها في السوق نقداً بسعر أقل، ليحصل على النقود. هذه هي المرابحة المشروعة، وينظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم (36408) . وأما إذا أعطى الممول هذا المبلغ (100 مليون) لصاحبك، على أن يتقاضاه منه مقسطا بزيادة 4%، فهذا قرض ربوي محرم، سواء سمي تمويلا أو مرابحة، بل هذه التسمية نوع من التلبيس والتضليل والتحايل المحرم. وقد أجمع العلماء على تحريم القرض الربوي. قال ابن قدامة رحمه الله: " وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المُسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية، فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا. وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة" انتهى من "المغني" (6/436) . والظاهر من سؤالك أن المعاملة ليست من الصورة الأولى، فأنت لم تذكر سلعا اشتراها الممول ثم باعها على صاحبك. وإذا كانت المعاملة قرضا ربويا، فوساطتك فيها محرمة، والواجب عليك أمران: الأول: التوبة إلى الله تعالى وعدم العود إلى ذلك، وعدم الإقدام على معاملة قبل معرفة حكم الشرع فيها. والثاني: التخلص من المال الموجود في يدك، لأنه ناشئ عن عمل محرم، وأما ما أنفقته قبل العلم بالتحريم، فلا شيء عليك فيه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 116968 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5146 هل لآكل الربا حد شرعي يقام عليه في الدنيا؟ [السُّؤَالُ] ـ[لعن الله آكل الربا ولعن الله شارب الخمر وغيرها، إذا كان لشارب الخمر حكمٌ شرعيٌ؛ فما حكم آكل الربا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كنت تقصد بالحكم هنا العقوبة الدنيوية المحددة شرعا وهي التي تعرف بـ (الحد) ، فإن حد شرب الخمر ثمانون جلدة أو أربعون، على اختلاف بين العلماء. وأما آكل الربا فليس له حد في الشرع , وإنما عقوبته التعزير , والتعزير عقوبة يخولها الشرع للحاكم وفق ما يحقق مصلحة درء المفاسد لا وفق هواه. وليس معنى أن أكل الربا ليس له حد في الشرع، أنه أقل من شرب الخمر في الإثم، بل أكل الربا من السبع الموبقات، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وهو أعظم تحريماً من شرب الخمر، وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (دِرْهَمٌ رِبًا يَأْكُلُهُ الرَّجُلُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَشَدُّ مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ زَنْيَةً) رواه أحمد (21450) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1033) وقال المنذري والهيثمي: رجاله رجال الصحيح. وقال أيضاً: (الرِّبَا سَبْعُونَ حُوبًا أَيْسَرُهَا أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ أُمَّهُ) رواه ابن ماجه (2274) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، وقال المنذري: إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما. (سبعون حوبا) أي: نوعا من الإثم، والحديث يدل على أن الربا أشد من الزنا، والحديث الذي قبله يدل على أنه أشد من ست وثلاثين زنية. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 116601 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5147 يشترط بنك التسليف دفع 2.5% من الإيراد لتمويل مشاريع أخرى [السُّؤَالُ] ـ[يقوم بنك التسليف والادخار السعودي بتمويل مشروعات التعليم المبكر ورعاية الطفولة، وقد سمعت عن التسهيلات التي يقدمها البنك فيقرض الفتيات لافتتاح حضانة ورياض أطفال ولوجود المؤهلات لذا أردت الاستفادة من البنك لكني وجدت شرطا في لائحة البنك أنه يأخذ نسبه 2.5% من إيرادات المشروع لدعم مشاريع أخرى تفيد البلاد. هل هذا القرض ربوي أو فيه شبهة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اشتراط البنك دفع 2.5% من إيرادات المشروع لتمويل مشاريع أخرى، لا يجوز، وهو من أكل المال بالباطل، فإنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه. والواجب على البنك أن يقرض قرضا حسنا، لا يقصد منه إلا الإعانة والتشجيع على إقامة المشاريع النافعة، وهذا ما يعود بالخير على المجتمع كله. وأما اشتراط دفع زيادة على مبلغ القرض فهو شرط ربوي محرم، ومعلوم أن كل قرض جر نفعا فهو ربا، وهذا مجمع عليه بين العلماء. قال ابن قدامة رحمه الله: "وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المُسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية، فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا. وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة" انتهى من "المغني" (6/436) . وعليه؛ فلا يجوز لك المشاركة في هذا المشروع مع وجود هذا الشرط. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 115947 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5148 أعطى سيارته لمن يبيعها على أن يشتري له أحدث منها فهل هذا ربا؟ [السُّؤَالُ] ـ[طلب مني أحد أقاربي أن يأخذ سيارتي ليبيعها ويستفيد من المال، على أن يأتي لي بسيارة أخرى بعد 6 شهور أحدث موديلا من سيارتي، وقد أقنعني بأن هذا ليس ربا؛ لأننا لم نحدد موديل السيارة التي سيأتي لي بها، فما حكم ذلك؟ وإن كان محرَّماً فكيف أتصرف؟ مع العلم بأنه قد باع سيارتي بمبلغ زهيد جدّاً، لم أكن لأقبله، وكذلك: فإنه لا يستطيع إرجاع السيارة ذاتها، وقد مضى قرابة الأربعة أشهر على هذه الحادثة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما فعلتَه أنت وقريبك هو من الربا المحرَّم؛ لأن حقيقة هذه المعاملة: أنك أقرضته السيارة، على أن يأتي لك بأفضل منها، وقد اتفق العلماء على أن أي زيادة أو منفعة يأخذها المقرِض من المقترض مقابل القرض، أنها ربا. قال ابن قدامة رحمه الله: "وكل قرضٍ شرَط فيه أن يزيده: فهو حرام , بغير خلاف، قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المسلف إذا شرَط على المستسلف زيادة أو هدية , فأسلف على ذلك: أن أخذ الزيادة على ذلك ربا. وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة" انتهى من "المغني" (4/211) . فالواجب عليكما التوبة والاستغفار من هذا الفعل. أما ماذا يلزم القريب أن يفعل الآن بعد أن باع السيارة بمبلغ زهيد؟ فالذي يظهر أنه يُلزم بقيمتها وقت أخذها منك، لا ثمنها الذي باعها به؛ لأن العقد بينكما غير صحيح في الأصل، ولا اعتبار لما فعله بعد ذلك من بيعها بذلك المبلغ الزهيد، إلا أن تعفو عنه، وتُسقط حقك، وترضى بالثمن الذي باعها به. ويحتمل أن تكون هذه المعاملة من باب البيع وليست من القرض، بمعنى أنك بعته سيارة بسيارة، فإن كان الأمر كذلك فالبيع أيضاً محرم ولا يصح، لأن الثمن مجهول، وهي السيارة التي سيأتي بها، لأنكما لم تتفقا على شيء من صفاتها إلا أن تكون أحدث من سيارتك، وهذا الوصف لا يكفي، ولا يرفع عنها الجهالة. وعلى كل حال سواء كانت المعاملة قرضاً أم بيعاً، فهي محرمة، ويلزم صاحبك أن يرد إليك ثمن السيارة وقت أخذها منك. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 115815 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5149 حكم الاتجار في العملات في السوق السوداء [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الدين في تجارة العملات الأجنبية بالسوق السوداء دون التقيد بسعر الصرف الرسمي والثروة الناجمة عن هذه التجارة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز الاتجار بالعملات بشرط أن يحصل التقابض في مجلس العقد، فيجوز بيع اليورو بالدولار بشرط أن يقع الاستلام والتسليم في مجلس العقد، وأما إذا اتفقت العملة كأن يبيع دولاراً بدولارين فهذا لا يجوز لأنه من ربا الفضل، فإذا اتحدت العملة فلابد من التساوي والتقابض في مجلس العقد، وإذا اختلفت العملة اشترط التقابض فقط؛ لحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) رواه مسلم (1587) . والعملات النقدية الموجودة اليوم لها ما للذهب والفضة من الأحكام. ولا فرق بين بيع العملات فيما يسمى بالسوق السوداء أو في السوق النظامية. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما الحكم الشرعي في تبادل العملات (في السوق السوداء) مثلا 3000 دج بـ 3000 فرنك فرنسي، مع العلم أن التبادل عن الطريق الشرعي هو مثلا 300 دج بـ 340 فرنك فرنسي. فأجابوا: "إذا كان التبادل بين عملتين من جنس واحد، وجب التساوي بينهما، والتقابض بالمجلس، وحرم التفاضل بينهما، وحرم تأخير القبض فيهما، أو في إحداهما شرعا، وإذا كانتا من جنسين جاز التفاضل بينهما شرعا، سواء كان ذلك في السوق السوداء أم في غيرها، وحرم تأخير بعضهما أو إحداهما" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/444) . وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: ما هو حكم الدين في تجارة العملة، وهو ما يسمى بالسوق السوداء؟ فأجاب: "الاتجار ببيع العملات بعضها مع بعض يسمى بالمصارفة، سواء كان في البنوك أو في السوق الحرة. وإذا اتحد جنس العملات؛ كالذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والريال السعودي مثلاً بالريال السعودي، والمصري بالمصري؛ وجب شيئان: التساوي في المقدار، والتقابض في مجلس العقد. فإن اختلَّ الشرطان أو أحدهما؛ كان ربا. وإن اختلف جنس العملات؛ كأن باع ذهبًا بفضة، أو ريالاً سعوديًا بجنيه مصري مثلاً؛ وجب شيء واحد، وهو التقابض في مجلس العقد، وجاز التفاضل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، مثلاً بمثل، سواء بسواء، يدًا بيد، فإذا اختلفت هذه الأجناس؛ فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يدًا بيد. . .) الحديث [رواه مسلم في صحيحه (3/1211) ] . فالاتجار بالعملات، يحتاج إلى بصيرة بالحكم الشرعي، وتحفظ شديد من الوقوع في الربا " انتهى من "المنتقى من فتاوى الفوزان". والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 115001 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5150 هل يشتري بيتا من شخص بناه أو اشتراه بقرض ربوي؟ [السُّؤَالُ] ـ[أعيش في الولايات المتحدة وأرغب في شراء بيت جديد من رجل، العقد بيني وبين البائع بأن سعر البيت متفق عليه، وعدد دفع مبالغ تسديد سعر البيت متفق عليها، ومجموع كل دفعة متفق عليها، ليس هناك فائدة مذكورة، ولا حتى أي فقرة لرسوم إضافية أو استرجاع في حالة التخلف عن الدفع، والحمد لله، البائع يعتبر قانونيا مالكا للبيت بحيث إنه يستطيع بيع البيت إذا أراد، لكن عليه دين للبنك من قيمة البيت، العقد بينه وبين البنك مبني على الربا. سيعطيني إثباتا بأن قيمة البيت قد تم دفعها للبنك، ومع نهاية فترة الأقساط بيني وبينه يكون قد انتهى من تسديد قيمة البيت. سؤالي: هو هل يجوز لي أن أشتري البيت من شخص عليه دين؟ أرجو إعطائي إجابة مفصلة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج عليك في شراء هذا البيت، ولو كان صاحبه قد اشتراه بقرض ربوي، أو كان عليه دين للبنك؛ لأن البيت ملك له، ويجوز شراؤه منه، ما لم يكن ممنوعا من بيعه حتى يسدد ما عليه للبنك. ومن اقترض بالربا فقد ارتكب محرماً وكبيرة من كبائر الذنوب، غير أن المال الذي قد اقترضه يكون ملكاً له، فإذا بنى بيتاً بهذا المال فملكه للبيت صحيح، وبيعه له – إذا أراد – صحيح. وقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام يعامل اليهود بيعاً وشراءً وهم أكلة الربا. وينظر جواب السؤال رقم (111928) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114774 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5151 بيع الأرض بأرض أكبر منها في المساحة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لي أن أشتري أرضا مساحتها مائة وثلاثين متراً مربعاً في ضاحية جيدة بأرض مساحتها مائة وثلاثين ألف متر مربع في ضاحية أقل مرتبة؟ هل هذا شكل من أشكال الربا الفضل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس هذا شكلاً من أشكال الربا، وليست الأرض من الأصناف التي يجري فيها ربا البيوع، كالذهب والفضة. فيجوز بيع الأرض بالأرض، سواء تساوت المساحة أم اختلفت. وقد ثبت في صحيح البخاري (1973) أن ابن عمر اشترى من عثمان رضي الله عنه أرضاً له في المدينة بأرض في خيبر. قال ابن حجر في "فتح الباري": (6/438) : "وَفِيهِ جَوَازُ بَيْع الْأَرْض بِالْأَرْضِ" انتهى. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114715 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5152 حكم تظهير الشيك والعمل في الصرافة [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أسأل عن التعامل بالشيكات ومهنة الصرافة ما الحكم في ذلك؟ ملاحظة: نفرض أن معي شيكا وملزم أن آتي بنقود للموظفين الذين يعملون عندي ولا أستطيع جلب النقود إلا من وراء صرافة الشيك.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: يجوز التعامل بالشيك، ويقوم مقام قبض النقود في عملية الصرف، كأن يعطيك ألف ريال، وتعطيه شيكا بما يقابلها من الدولار، بشرط أن يكون الشيك مصدقا. ويجوز التعامل بالشيك المؤجل، كأن تشتري سلعة بثمن مؤجل، وتعطي البائع شيكا بذلك. ولا يجوز بيع الشيك المؤجل بأقل مما فيه من النقود، وصورة ذلك: أن يكون لديك شيك مؤجل، فتحتاج إلى المال، فتدفع الشيك للبنك أو لغيره، ليعطيك نقودا أقل مما في الشيك، ويأخذ الشيك ليستوفيه في وقته، فهذا محرم لأنه من بيع النقود بالنقود مع التفاضل والتأجيل، ففيه ربا الفضل والنسيئة. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل بيع الشيكات أو الكمبيالات حلال ولو كان بالخسارة، أي أقل من الثمن المكتوب؟ فأجابوا: "بيع الشيكات على الكيفية المذكورة لا يجوز؛ لما فيه من ربا النسأ وربا الفضل " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/333) . وذهب بعض العلماء إلى أن هذه المعاملة ليست من باب بيع نقود بنقود مع التفاضل والتأخير، وإنما هي من باب القرض الذي اشترط المقرض فيه أن يسترده بزيادة، وهذه العملية تسمى أيضا بخصم الأوراق التجارية. وعلى كلا القولين هذه المعاملة محرمة وصورة من صور الربا. قال الدكتور علي السالوس حفظه الله: " هذه صورة أخرى من صور الإقراض التي تقوم بها البنوك الربوية، فالأوراق التجارية صكوك تتضمن التزاما بدفع مبلغ من النقود يستحق الوفاء عادة بعد وقت قصير، وتقبل التداول بطريق التظهير أو المناولة، ويقبلها العرف التجاري أداة لتسوية الديون ... ويقصد بالخصم أو القطع: دفع البنك لقيمة الورقة قبل ميعاد استحقاقها بعد خصم مبلغ معين يمثل فائدة القيمة المذكورة عن المدة بين تاريخ الخصم وميعاد الاستحقاق، مضافا إليها عمولة البنك ومصاريف التحصيل " إلى أن قال: " أما الفائدة التي يأخذها البنك فهي نظير الإقراض، ولذلك تختلف تبعا لقيمة الورقة التجارية وموعد الاستحقاق، فإن افترضنا أن الورقة التجارية قيمتها ألف جنيه، وموعد السداد بعد شهر، واحتاج صاحبها إلى قيمتها في الحال، فإن البنك يعطيه مثلا تسعمائة وخمسين محتسبا فائدة قدرها خمسون جنيها، فكأنه أقرضه تسعمائة وخمسين، ويسترد البنك دَيْنه بعد شهر بزيادة خمسين، وهي بلا شك زيادة ربوية محرمة " انتهى من "الاقتصاد الإسلامي" (1/199) . ثانيا: يجوز العمل في مهنة الصرافة، إذا ضبطت بالضوابط الشرعية، ومنها اشتراط القبض عند تبديل العملات المختلفة، كالجنيه بالدولار؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ .... مِثْلا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) رواه مسلم (1587) . وهذه العملات تقوم مقام الذهب والفضة، ولها ما لها من الأحكام. وينظر جواب السؤال رقم (72214) و (110938) و (115001) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114733 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5153 يتوسط البائع بين البنك والمشتري ليتعاقدا عقداً ربوياً [السُّؤَالُ] ـ[مسلم ببلاد الكفر وصاحب محل للأثاث يقول إن البنوك تتعامل مع أصحاب المحلات بتقديم قرض غير ربوي للزبائن يعني أن الزبون يشتري المنتج بنفس الثمن الأصلي، البنك يقوم بدفع المبلغ الكامل لصاحب المحل بينما الزبون يدفع للبنك المبلغ على دفعات في الوقت المحدد، فإن لم يسدد في الوقت المحدد زيد عليه. فهل صاحب المحل يكون قد وقع في تعامل ربوي؟ وما هو السبيل لكي يتفادى ذلك؟ مع العلم أن عدم التعامل بهذه الطريق يسبب له خسارة، وذلك بالنظر إلى أن الزبون يتهرب عند معرفة أن المحل ليس له عقد مع أي بنك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اشتراط الزيادة في القرض عند التأخر في السداد، هذا هو من ربا الجاهلية الذي جاء القرآن بتحريمه، وأجمع المسلمون على تحريمه تحريماً قطعياً. قال القاضي أبو بكر بن العربي في "أحكام القرآن" (1/320) وهو يتكلم عن ربا الجاهلية الذي حرمه القرآن قال: " كانوا يتبايعون ويربون , وكان الربا عندهم معروفا , يبايع الرجل الرجل إلى أجل , فإذا حل الأجل قال: أتقضي أم تربي؟ يعني أم تزيدني على مالي عليك وأصبر أجلا آخر. فحرم الله تعالى الربا , وهو الزيادة" انتهى. وبهذا يعلم أن ما تجريه هذه البنوك هو الربا المحرم فلا يجوز للعملاء الاقتراض منها، ولا يجوز لأحد إعانتهم على ذلك، وقد ورد الوعيد الشديد لكل من أعان على هذه الكبيرة القبيحة ففي صحيح مسلم (2995) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ. وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ) . قال النووي رحمه الله في شرحه لهذا الحديث: " وفيه تحريم الإعانة على الباطل " انتهى. فهذه المحلات التجارية وإن لم تكن آكلة للربا أو موكلة له فإنها معينة عليه متسببة في وقوعه، فعلى أصحابها أن يتقوا الله تعالى ويجتنبوا هذه المعاملات، وقد وعد سبحانه وتعالى من اتقاه بأن يجعل له مخرجا، فقال جل شأنه: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/ 2-3. فما دام الاتفاق يتم بينك وبين البنك، فهو محرم، وإعانة للبنك والمشتري على التعامل بالربا، وقد قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2. أما إذا كان الاتفاق يتم بين المشتري والبنك، ولم تتوسط أنت بينهما، فلا يظهر لنا ما يمنع البيع في هذه الحالة، ويكون إثم الربا على المشتري والقائمين على البنك، أما البائع فلا حرج عليه إن شاء الله تعالى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114430 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5154 شراء سيارة من المعرض مع توسط البنك [السُّؤَالُ] ـ[ذهبت إلي معرض سيارات واتفقت معه علي شراء سيارة بالتقسيط واتفقنا علي كل شيء ثم بعد ذلك أخذ مني كل البيانات المطلوبة حتى يتم الاستعلام عني من حيث السكن والوظيفة، وعلمت أن المعرض سوف يقوم بتقديم هذه الأوراق إلي البنك حتى تتم عملية الاستعلام، ثم بعد ذلك في حالة موافقة البنك يرسل ثمن السيارة إلي المعرض، وأقوم بتوقيع الأوراق لدي مندوب البنك في المعرض، وأقوم باستلام السيارة من المعرض، وأسدد إلي البنك الأقساط الشهرية، أرجو من فضيلتك توضيح هذه المسألة علي وجه السرعة وخاصة أنني جاءني موافقة البنك ولم أستلم بعد، وللعلم فأنا أعاني من كثرة الديون وأمامي فرصة لتشغيل هذه السيارة ولكني أخاف من وجود أي شبهة في هذه المسألة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان شراء السيارة سيتم بينك وبين المعرض المالك لها، فإن دخول البنك في هذه العملية، إما أن يراد به التوثيق وتسهيل إيصال الأقساط إلى المعرض في كل شهر، وهذا جائز، وإما أن يراد به التمويل، بأن يدفع البنك الثمن نقداً للمعرض، ثم يأخذه منك مقسطا بزيادة عما دفعه، وهو ما فهم من سؤالك، وهذا هو الربا المحرم؛ لكونه قرضا جر نفعا، فالبنك هنا يدفع عنك المال، ثم يأخذه بزيادة. والصورة الجائزة لهذه المعاملة: أن يشتري البنك السيارة من المعرض شراءاً حقيقياً، وينقلها من المعرض، ثم يبيعها لك بالتقسيط بما تتفقان عليه من السعر. وانظر جواب السؤال رقم (104815) . وأما الصورة المذكورة في السؤال فهي ربا، وقد لعن الرسول صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 113945 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5155 يلزمهم البنك بتسلم مبلغ الحوالة بالعملة المحلية [السُّؤَالُ] ـ[أعمل في مجال " الحوالات المالية "، حيث يتم إرسال المبلغ لمكتبنا بالدولار - عن طريق البنوك المحلية - ونعطيه للناس بالدولار، ويدفع المرسِل نسبة قليلة أجرة الإرسال، ولكن تغير الأمر بعد حصار " قطاع غزة "، حيث لم يكن بالإمكان إعطاء الناس حوالاتهم بالدولار كما يتم إرساله، وإنما بالعملة المحلية، وبسعر صرف البنك، وهو أقل من سعر صرف السوق بنسبة 3 % يعني: كل مائة دولار، يخسر فيهن المستلم 3 دولار، وهذا لأن البنك يسلِّم لنا قيمة الحوالة التي نسلمها للناس بهذه القيمة، وأنا بصراحة: أرى أن هذه المعاملة فيها غبن للمستلم؛ حيث إن من حقه استلام حوالته بالدولار - كما تم إرسالها - فهل لك أن تفيدني؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سبق الكلام على الحوالة في جواب السؤال رقم (87656) و (110938) . وإذا تمت الحوالة فالواجب أن يسلم المبلغ بالعملة التي تم تحويلها، ولا يجوز إجبار المستلم على صرفه بالعملة المحلية، لأن هذا إجبار للإنسان أن يبيع ملكه، وبالسعر الذي لا يريده، وقد قال الله تعالى: (لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) النساء/29، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما البيع عن تراض) رواه ابن حبان، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1283) . وإذا كنتم مكرهين على صرفها بالعملة المحلية وبالسعر الذي يحدده البنك، فلا إثم عليكم في ذلك، وإنما الإثم على من ظلم الناس وأكل حقوقهم بغير حق. ولكن عليكم أن تبينوا للعميل ذلك، حتى لا يكون هناك خداع أو غش. ونسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين، ويعيد إليهم حقوقهم المغتصبة، ويكبت أعداءهم. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112207 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5156 حكم التورق العكسي أو المرابحة العكسية [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم التورق العكسي الذي تجريه بعض البنوك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المقصود بـ "التورق العكسي" ويسمى أيضاً بـ ""المرابحة العكسية" أن العميل (المودِع) يوكل البنك في شراء سلعة معينة، ويسلم العميل البنك الثمن نقداً، ثم يقوم البنك بشراء هذه السلعة من العميل بثمن مؤجل، وبربح يتم الاتفاق عليه مع العميل. وهذه المعاملة محرمة، وهي لا تختلف عن التورق المنظم الذي تجريه البنوك، إلا في تبدل الأدوار بين العميل والبنك، فالأصل أن العميل هو المشتري، والبنك هو البائع، والأمر هنا بالعكس، لذلك هم يسمونها "التورق العكسي" وقد سبق في جواب السؤال رقم (82612) و (98124) بيان تحريم التورق المنظم والمؤاخذات الشرعية عليه. وقد صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي بتحريم هذه المعاملة الواردة في السؤال، ونصه: "الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده؛ نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في دورته التاسعة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة في الفترة من 22ـ27/شوال/1428هـ الذي يوافقه 3ـ8/نوفمبر/2007م قد نظر في موضوع: (المنتج البديل عن الوديعة لأجل) ، والذي تجريه بعض المصارف في الوقت الحاضر تحت أسماء عديدة، منها: المرابحة العكسية، والتورق العكسي أو مقلوب التورق، والاستثمار المباشر، والاستثمار بالمرابحة، ونحوها من الأسماء المحدثة أو التي يمكن إحداثها. والصورة الشائعة لهذا المنتج تقوم على ما يلي: 1. توكيل العميل (المودِع) المصرف في شراء سلعة محددة، وتسليم العميل للمصرف الثمن حاضراً. 2. ثم شراء المصرف للسلعة من العميل بثمن مؤجل، وبهامش ربح يجري الاتفاق عليه. وبعد الاستماع إلى البحوث والمناقشات المستفيضة حول هذا الموضوع، قرر المجلس عدم جواز هذه المعاملة؛ لما يلي: 1. أن هذه المعاملة مماثلة لمسألة العينة المحرمة شرعاً، من جهة كون السلعة المبيعة ليست مقصودة لذاتها، فتأخذ حكمها، خصوصاً أن المصرف يلتزم للعميل بشراء هذه السلعة منه. 2. أن هذه المعاملة تدخل في مفهوم (التورق المنظم) وقد سبق للمجمع أن قرر تحريم التورق المنظم بقراره الثاني في دورته السابعة عشرة، وما علل به منع التورق المصرفي من علل يوجد في هذه المعاملة. 3. أن هذه المعاملة تنافي الهدف من التمويل الإسلامي، القائم على ربط التمويل بالنشاط الحقيقي، بما يعزز النمو والرخاء الاقتصادي. والمجلس إذ يقدر جهود المصارف الإسلامية في رفع بلوى الربا عن الأمة الإسلامية، ويؤكد على أهمية التطبيق الصحيح للمعاملات المشروعة والابتعاد عن المعاملات المشبوهة أو الصورية التي تؤدي إلى الربا المحرم فإنه يوصي بما يلي: 1. أن تحرص المصارف والمؤسسات المالية على تجنب الربا بكافة صوره وأشكاله؛ امتثالاً لقوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) . 2. تأكيد دور المجامع الفقهية، والهيئات العلمية المستقلة، في ترشيد وتوجيه مسيرة المصارف الإسلامية؛ لتحقيق مقاصد وأهداف الاقتصادي الإسلامي. 3. إيجاد هيئة عليا في البنك المركزي في كل دولة إسلامية، مستقلة عن المصارف التجارية، تتكون من العلماء الشرعيين والخبراء الماليين؛ لتكون مرجعاً للمصارف الإسلامية، والتأكد من أعمالها وفق الشريعة الإسلامية. والله ولي التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه" انتهى. http://www.themwl.org/Fatwa/default.aspx?d=1&cidi;=166&l;=AR&cid;=10 [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111906 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5157 تحويل العملات إلى بلد آخر وأخذ الأجرة على ذلك [السُّؤَالُ] ـ[نحن لدينا شركة تحويل أموال إلى القرن الإفريقي ونحب أن نستوضح عن معاملاتنا. السؤال جاءني رجل يريد التحويل إلي السودان ودفع لي مائة ريال وقلت له أدفع لك خمسمائة وعشرين جنيها سودانيا وطلبت منه أيضا دفع رسوم تحويل عشرين ريالا ثم سلمته إيصالا بالتحويل واتفقت معه علي دفع المال في السودان بعد ثلاثة أيام. -هل رسوم التحويل جائزة؟ - سعر الصرف في السودان خمسمائة وخمس وعشرون هل يجوز أن أقول للمرسل سعر التحويل خمسمائة وعشرون لأربح خمسة جنيهات؟ - هل دفع المال في السودان بعملة غير التي استلمتها من المرسل جائز؟ - هل إعطاء الإيصال يغني عن التقابض لتعذر التسليم في نفس الوقت؟ -إذا اتصل المرسل وطلب تحويل مائة دولار إلي السودان علي أن يدفع بعد أسبوع أو شهر فقبلت المعاملة وأرسلت له سند تحويل عبر الفاكس أو الإيميل مدون عليها أنه دين علي المرسل لأجل، على أن يدفع المال بالريال بسعر صرف نفس يوم السداد هل هذه المعاملة جائزة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: تبديل عملة بعملة، يسمى بالصرف، ويشترط فيه التقابض في مجلس العقد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ ... مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) رواه مسلم (2970) من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه. والريالات والدولارات وغيرها من العملات أجناسٌ مستقلة لها ما للذهب والفضة من الأحكام، فلا يجوز شراء عملة بعملة إلا يدا بيد. وقد ذهب كثير من أهل العلم إلى أن القبض يحصل باستلام الشيك المصدق، أو ورقة الحوالة. جاء في قرار مجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته الحادية عشرة ما نصه: " بعد الدراسة والبحث قرر المجلس بالإجماع ما يلي: " أولا: يقوم استلام الشيك مقام القبض عند توفر شروطه في مسألة صرف النقود بالتحويل في المصارف. ثانياً: يعتبر القيد في دفاتر المصرف في حكم القبض لمن يريد استبدال عملة بعملة أخرى سواء كان الصرف بعملة يعطيها الشخص للمصرف أو بعملة مودعة فيه " انتهى. وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما حكم المال المحول من عملة لعملة أخرى، مثلاً أقبض راتبي بالريال السعودي، وأحوله للريال السوداني، علماً بأن الريال السعودي يساوي ثلاثة ريالات سودانية، هل هذا رباً؟ فأجابوا: "يجوز تحويل الورق النقدي لدولة إلى ورق نقدي لدولة أخرى، ولو تفاوت العوضان في القدر؛ لاختلاف الجنس، كما في المثال المذكور في السؤال، لكن بشرط التقابض في المجلس، وقبض الشيك أو ورقة الحوالة حكمه حكم القبض في المجلس " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/448) . وعليه؛ فإذا أعطيت العميل إيصالا معتمدا بالتحويل، كان هذا بمثابة القبض. ثانيا: يجوز للشركة أو البنك أخذ رسوم على التحويل، لأنها أجرة في مقابل توفير المال في البلد الآخر. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (87656) . ثالثا: للشركة أن تصارف العميل بما يتفقان عليه من السعر، ولو كان أقل أو أكثر من سعر السوق، بشرط عدم خديعة العميل. فيجوز أن تصارف العميل على أن المائة ريال بخمسمائة وعشرين جنيها، وإن كان سعر الصرف في السودان بخمسمائة وخمسة وعشرين جنيها؛ وقد تسامح العلماء في بيع السلعة بأكثر من ثمن السوق، إذا كان الفارق يسيراً، أما إذا كان الفارق كبيراً، فهذا محرم، لما فيه من خداع المشتري وأكل ماله بالباطل. رابعا: الصورة الأخيرة المسؤول عنها لا تجوز، لأن الشركة تكون أقرضت العميل 100 دولارا، أو ما يعادلها من العملة السودانية التي تم تحويلها إلى السودان، واتفقت معه على أن يكون السداد بالريال، ولا يجوز في القرض أن يتم الاتفاق على أن يكون السداد بعملة أخرى غير عملة القرض، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (99642) . ولأن في هذه المعاملة تم بيع عملة بأخرى من غير أن يحصل التقابض في مجلس العقد، وهذا محرم كما سبق [صرف 100 دولار بما يقابلها بالعملة السودانية ثم تحويلها إلى السودان] . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111927 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5158 بنى أبوه بيتا بالربا ويريد أن يملّكه له [السُّؤَالُ] ـ[أعمل موظفا في دائرة حكومية، وأتقاضى راتبا لا يكفي لتأسيس بيت وأسرة وزواج إلى آخره. أبي طلب مني قبل سنة أن آخذ قرضا من البنك ليقوم ببناء بيت، ولكني رفضت؛ لأن الربا محرم وكبيرة من الكبائر، وبينت له ذلك، لكني فوجئت بعد فترة بأن أبي قام هو بنفسه بأخذ قرض ربوي من البنك، وأخبرني أن الذنب يقع عليه، ليس علي، ثم باشر بعد ذلك بناء بيت لي، وقال لي: إن تكاليف بناء البيت ستكون دينا في ذمتي، وأقوم بتسديدها على أقساط شهرية، دون زيادة أو تقصان، وبين لي أن هذا جائز ولا حرج علي؛ فلم أرد إغضابه ووافقته على الموضوع، ولقد تم ذلك ودفعت له أكثر من أربعة أقساط شهرية، ولكنني حتى الآن لست مطمئنا: هل ما أقوم به إعانة على الربا أم لا؟ وإذا كان كذلك، كيف أقوم بالتملص من البيت دون أن أغضب أبي؟ علما بأنني قبل يومين أبديت له عدم موافقتي على البيت، وقلت له إن البيت محرم علي وأقسمت ألا ادخله، ولكنه غضب مني ولا يتكلم معي!! والله إن الأمر يضايقني كثيرا، وأنا محتار في أمري؛ لا أعلم هل هذا حرام أم حلال؛ فأنا بين نارين: نار الربا من جهة، ونار غضب أبي من جهة أخرى؟!! أفتوني بارك الله فيكم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: نحمد الله أن وفقك للصواب، وامتنعت عن أخذ القرض الربوي؛ لما لا يخفى من حرمة الربا، وسوء عاقبته، ولا يعد ذلك عصيانا أو عقوقا؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخلق، بل عدم إعانة الأب على ما يريد من الحرام، هو بر وإحسان إليه. ثانيا: الواجب على أبيك أن يتوب إلى الله تعالى من هذا الذنب العظيم، ولا حرج عليه في الاستمرار في سداد ما أخذه، مع التوبة، وإن استطاع أن يتخلص من الفائدة الربوية، ولو بالحيلة، من غير مضرة، فليفعل. ولا حرج عليه في الانتفاع بسكنى البيت، لأنه مبني بمال ملكه ملكا صحيحا، وعليه إثم الربا. ولا حرج على أبنائه في السكنى أيضا. ثالثا: للأب أن يبيع هذا البيت أو يؤجره أو يهبه، لك أو لغيرك، فإن رغب في بيعه لك بأقساط شهرية، فلا حرج في ذلك. والمقصود أن من اقترض بالربا، وقع في الحرام العظيم، لكنه يملك المال، ويجوز له الانتفاع به في أصح قولي العلماء. وينظر: "المنفعة في القرض" لعبد الله بن محمد العمراني، ص 245- 254 وقد سئلت اللجنة الدائمة عن رجل اقترض قرضاً ربوياً وبنى بيتاً، فهل يهدم البيت أم ماذا يفعل؟ فأجابت: " إذا كان الواقع كما ذكرت، فما حصل منك من القرض بهذه الكيفية حرام، لأنه ربا وعليك التوبة والاستغفار من ذلك، والندم على ما وقع منك، والعزم على عدم العودة إلى مثله، أما المنزل الذي بنيته فلا تهدمه، بل انتفع به بالسكنى أو غيرها، ونرجو أن يغفر الله لك ما فرط منك " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/411) . لكن الذي نلفت نظرك إليه هنا أن تتلطف في نصح والدك ووعظه، وأن تبين له خطورة الجرأة على حدود الله، وانتهاك حرماته، والتهاون بمثل هذه الكلمة: الذنب علي؛ فإن هذا يدل على جهالة بخطر المعصية، وجرأة على مقام من عصيته سبحانه: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) النور/63 نسأل الله أن يتجاوز عن والدك، وأن يغنيكم بحلاله عن حرامه وبفضله عمن سواه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111928 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5159 دفع تأمين لتجميد سعر الصرف [السُّؤَالُ] ـ[عندي شركة استيراد وتصدير، وأحتاج أن أحول أموالاً إلى المُصَدِّر بعملة أجنبية، ولكن تواجهني مشكلة اختلاف قيمة العملة واضطرابها مما يعرضني للخسارة، وهناك إمكانية لتجميد سعر الصرف عندما نريد تحويل عملة أجنبية ما إلى العملة الوطنية. حيث تكون حساباتنا بالعملة الوطنية وبسبب خوفنا من نزول صرف سعر تلك العملة مقابل العملة الوطنية نقوم بدفع مقابل تجميد سعر الصرف في مستوى نريده لكي لا نتعرض للخسارة غير المحسوبة. فهل هذه العملية جائزة مع العلم أنه إذا لم نقم بها فإننا قد نتعرض لخسارة كبيرة وخاصة أننا نتعامل بعملات سريعة التغير كالدولار واليورو وغيرها ... ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله حقيقة هذا التجميد هي بيع عملة بعملة أخرى مع عدم التقابض في مجلس البيع، والمشتري بالخيار: له أن يمضي الصفقة بالسعر المتفق عليه، وله أن يترك ذلك، لكن بشرط أن يدفع للبنك ما تم الاتفاق عليه مقابل تجميد سعر الصرف، وهذا العقد حرام، لأنه بيع عملة بأخرى من غير تقابض في المجلس. وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: هل يجوز شراء العملات الأجنبية، بما يسمى: (عقد حق الخيار) حيث تتم عملية الشراء على النحو التالي: يقوم المشتري بالاتفاق مع مصرف ما، على حق الخيار الذي منحه المصرف للمشتري (المستفيد) يدفع المستفيد رسما أو علاوة للبائع (المصرف) يسدد وقت الدخول في عقد حق الخيار لشراء العملة، وخلال المدة المتفق عليها يمكن للمشتري أن يدفع السعر المتفق عليه، ويشتري العملة، بغض النظر عن السعر السائد في السوق وقت الشراء الفعلي، كما أن المشتري ليس ملزما بأن يشتري العملة، ويقتصر التزامه في حالة عدم رغبته في إتمام عملية الشراء على دفع العلاوة التي سددها في بداية العقد مقابل إتاحة حق الخيار له؟ مثال: عقد حق الخيار في شراء 100.000 مارك بسعر 2.20 ريال للمارك، مدة حق الخيار 3 أشهر، رسم حق الخيار دفع للمصرف 5 هللات للمارك الواحد. فأجابت: "لا يجوز بيع وشراء العملات بعضها ببعض إلا إذا تم التقابض في مجلس العقد، وإذا كانت من جنس [واحد] فلا بد من التماثل مع التقابض، فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائبا بناجز) فدل قوله عليه الصلاة والسلام: (ولا تبيعوا منها غائبا بناجز) على اشتراط التقابض في مجلس العقد، وعدم صحة بيع الخيار" انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (13 / 456) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112021 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5160 حكم ما يفعله تجار الذهب من أخذ الذهب من تجار الجملة وتسديد القيمة على دفعات [السُّؤَالُ] ـ[أنا أحد العاملين في التجارة بيعا وشراء في الذهب المصاغ، والذي نقوم بشرائه من التجار المستوردين بالجملة، نسدد القيمة لهم على دفعات، فهل هذه الطريقة التي أتعامل بها ويتعامل بها جميع العاملين في هذه المهنة حلال أو حرام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الواقع كما ذكر من البيع والشراء في الذهب المصوغ؛ فالتعامل فيه على هذه الطريقة حرام، إذا كان الثمن الذي يسدد به ما اشترى من الذهب المصاغ على دفعات من النقدين الذهب أو الفضة أو ما يقوم مقامهما من الأوراق النقدية؛ لما في ذلك من ربا النسأ، وقد يجتمع في هذا التعامل ربا الفضل وربا النسأ إذا اتحد ما اشترى وما دفع ثمنا له، بأن كان كل منهما ذهبا مثلا، وكان متفاوتا في الوزن، وكان التسديد على دفعات. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/467) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112037 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5161 العمل في شركة استثمارية يشارك البنك في رأسمالها [السُّؤَالُ] ـ[أنا الآن أعمل في بنك غير إسلامي وقد نويت تركه. أريد أن أسأل إذا كان علي تركه مباشرة أم بعد ما أجد بديلا؟ مع العلم أني متزوج وهناك مصاريف والتزامات ومعي مبلغ من المال لا أدري إلى متى يمكن أن يعيلني وليس لدي مصدر للمال غير الوظيفة, كما أن دراستي وخبرتي كلها هي في المجال المالي. أود أن أسأل أيضا عن مشروعية العمل في شركات الاستثمار التي بدأ إنشاؤها في الفترة الماضية. هذه الشركات لا تتعامل بالإقراض ولكن رأس مال بعض هذه الشركات يكون من البنوك كشريك في هذه الشركات. سؤالي الأخير حول ما أملكه من أسهم في بنك وماذا علي أن أفعل بهذه الأسهم علما بأنه تم شراؤها منذ مدة ولا أدري كم هو أصل المبلغ المستثمر]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا يجوز العمل في البنك الربوي، لأن العامل فيه إما أن يباشر الربا كتابة أو شهادة، وإما أن يعين على ذلك بوجه من الوجوه. وقد جاء في الربا من الوعيد ما لم يأت في غيره من الذنوب. وقد أفتى كبار أهل العلم بتحريم العمل في البنوك الربوية، ولو كان العمل فيما لا يتصل بالربا كالحراسة، والنظافة، والخدمة. جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (15/41) : " لا يجوز لمسلم أن يعمل في بنك تعامله بالربا، ولو كان العمل الذي يتولاه ذلك المسلم غير ربوي؛ لتوفيره لموظفيه الذين يعملون في الربويات ما يحتاجونه ويستعينون به على أعمالهم الربوية، وقد قال تعالى: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَان) المائدة/2" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. وانظر جواب السؤال رقم (26771) . وبناء على ذلك فالواجب عليك أن تبادر بترك هذا العمل المحرم، واعلم أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، وأن المال الحلال القليل يبارك الله تعالى فيه. ثانيا: أما العمل في الشركات التي يكون البنك الربوي شريكاً فيها، فهو جائز بشرط أن يكون العمل مباحاً لا علاقة له بالربا. والأصل في جواز هذه المشاركة أمران: الأول: معاملة الصحابة رضي الله عنهم لليهود مع أكلهم الربا، وانتشاره فيهم. الثاني: أن المال المحرم لكسبه (كالربا) حرام على كاسبه فقط، فلا حرج على من تعامل مع المرابي تعاملا مباحا من بيع أو شراء أو شركة. والأولى أن يشارك الإنسان أصحاب الأموال المباحة الناتجة عن كسب طيب. ثالثا: لا يجوز شراء أسهم البنوك الربوية، وعلى من ابتلي بذلك أن يتخلص منها، وله رأس ماله. ويمكنك معرفة رأس المال عن طريق سؤال البنك، فإذا أخذت قيمة الأسهم، احتفظت بأصلها، وتخلصت مما زاد على ذلك بإنفاقه في وجوه الخير والبر. جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/508) : "المساهمة في البنوك أو الشركات التي تتعامل بالربا لا تجوز، وإذا أراد المكتتب أن يتخلص من مساهمته الربوية فيبيع أسهمه بما تساوي في السوق ويأخذ رأس ماله الأصلي فقط، والباقي ينفقه في وجوه البر، ولا يحل له أن يأخذ شيئاً من فوائد أسهمه أو أرباحها الربوية " انتهى. نسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والسداد والرشاد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112121 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5162 عنده شركة استيراد وتصدير ومضطر للتعامل مع البنوك الربوية [السُّؤَالُ] ـ[عندي شركة استيراد وتصدير ونحن بالمغرب لا يوجد لدينا بنوك أو شركات إسلامية. وجميع التعاملات التجارة الدولية تتم عبر البنوك مما يضطرنا لفتح حساب بالبنك باسم الشركة أو اسم المسؤول. هل في هذا حرج أو لا؟ وإذا كان هذا غير جائز فما العمل؟ وكيف نقوم بتسيير شؤوننا؟ كذلك أنا لدي حساب في بنك تقليدي بالمغرب. هل يجوز وضع المال هناك دون أخذ الفوائد أو أخذها والتصدق بها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز فتح حسابات في البنوك الربوية، وإن لم يأخذ صاحب الحساب فوائد ربوية، لما في ذلك من الإعانة لهذه البنوك على الإثم والمنكر، والله تعالى يقول: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2. لكن إذا احتاج المسلم لوضع أمواله عندهم، كأن لم يجد مأمنا في غيرها، أو كان رجل أعمال ولا يمكنه إتمام أعماله إلا عن طريق الشيكات، أو عن طريق التحويل البنكي، ونحو ذلك، فلا حرج في فتح حساب في البنك، على أن يكون الحساب بغير فوائد، وبهذا أفتى العلماء المعاصرون، فقد جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة (13/346) : " لا يجوز إيداع النقود ونحوها في البنوك الربوية ونحوها من المصارف والمؤسسات الربوية، سواء كان إيداعها بفوائد أو بدون فوائد؛ لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان، وقد قال تعالى) : ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) ، إلا إذا خيف عليها من الضياع، بسرقة أو غصب أو نحوهما، ولم يجد طريقا لحفظها إلا إيداعها في بنوك ربوية مثلا، فيرخص له في إيداعها في البنوك ونحوها من المصارف الربوية بدون فوائد , محافظةً عليها؛ لما في ذلك من ارتكاب أخف المحظورين" انتهى. وجاء في قرارات "مجمع الفقه الإسلامي": "يحرم على كل مسلم يتيسر له التعامل مع مصرف إسلامي أن يتعامل مع المصارف الربوية في الداخل أو الخارج؛ إذ لا عذر له في التعامل معها مع وجود البديل الإسلامي، ويجب عليه أن يستعيض عن الخبيث بالطيب، ويستغني بالحلال عن الحرام" انتهى. فإذا لم تتمكنوا من التعاملات مع الخارج إلا عن طريق البنوك الربوية ولم تجدوا بديلاً عنها فإنه لا حرج عليكم في التعامل معها في الحسابات الجارية، وإذا أعطوكم فوائد مع كونكم لم تتعاقدوا عليها فعليكم أن تنفقوها في مصالح المسلمين العامة كالمساجد والطرق ونحو ذلك مما يشترك فيه المسلمون، أو تعطوها للفقراء من المسلمين. فهذا هو مصرف المال الحرام، جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/354) : " الفوائد الربوية من الأموال المحرمة، قال تعالى: (وأحل الله البيع وحرم الربا) ، وعلى من وقع تحت يده شيء منها التخلص منها بإنفاقها فيما ينفع المسلمين، ومن ذلك: إنشاء الطرق وبناء المدارس , وإعطاؤها الفقراء" انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112136 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5163 العمل في تقدير قيمة السيارات للبنوك الربوية ولغيرهم [السُّؤَالُ] ـ[أعمل في مجال بيع السيارات، وأحيانا كثيرة تقوم بعض البنوك الربوية بالاتصال معي لسؤالي والتأكد مني من أسعار بعض السيارات، وذلك للتأكد من سعرها الحقيقي، حتى يعرفوا كيف يعطوا الزبون القادم إليهم قرضاً لشراء تلك السيارة، وهم يثقون بي، ويعرفون أني لا أعطيهم إلا السعر الحقيقي لهذه السيارة، مع أني لا أتعامل معهم، فلذلك قررت أن أفتح مكتباً لتقدير السيارات، بحيث يأتي أي شخص، ويطلب مني تقدير سيارة يود شراءها على أن أعطيه كتاباً خطيّاً بذلك موجهاً لأحد من البنوك الربوية، وبالمقابل يعطيني أجري، فهل هذا جائز؟ وإن كان غير جائز فهل يجوز لي أن أجيب هذه البنوك عن أسعار السيارات إذا اتصلوا معي على الهاتف؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نسأل الله تعالى أن يهديك لما فيه رضاه، وأن يوفقك لما فيه خير دنياك وأخراك، وأن يرزقك رزقاً حسناً طيِّباً مباركاً فيه. ونشكر لك حرصك على تحري الكسب الحلال في وقت تكالب فيه الناس على الأعمال والوظائف غاضين الطرف عن حكم الشرع فيما يفعلون، إلا من رحم الله منهم. وأما بخصوص ما سألتَ عنه: 1. التعاون مع البنوك الربوية بتقدير أسعار السيارات لها: لا يجوز؛ لأنه من التعاون على الإثم، وبفعلك هذا تصبح مساعداً على العقد الربوي المحرَّم الذي سيجري بين البنك وبين الطرف الآخر الراغب في الحصول على ذلك القرض، وقد حرَّمت الشريعة المطهرة الإثم، وحرَّمت الإعانة عليه. قال الله تبارك وتعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/ 2. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: " (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ) وهو التجرؤ على المعاصي التي يأثم صاحبها. (وَالْعُدْوَانِ) وهو التعدي على الخَلْق، في دمائهم، وأموالهم، وأعراضهم، فكل معصية وظلم يجب على العبد كف نفسه عنه، ثم إعانة غيره على تركه. (وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) على من عصاه وتجرأ على محارمه، فاحذروا المحارم لئلا يحل بكم عقابه العاجل والآجل" انتهى. " تفسير السعدي " (ص 218) . وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: لدي مكتب متخصص في تحصيل الديون، وأقوم بتحصيلها مقابل أتعاب محددة أتقاضاها بموجب اتفاق مبرم مع صاحب الدين، فهل في هذا محذور؟ ثم إنه تتصل بي بعض البنوك لتطلب مني تحصيل ديونها لدى الغير، ويدفعون لي أتعابا إلا أنني لم أوافق حتى الآن؛ لأستنير برأيكم وتوجيهكم الشرعي؟ ثم هل يشترط أخذ الأتعاب من صاحب الدين قبل أو بعد استحصال مبلغه؟ وهل في تحديد نسبة مئوية من أصل المبلغ كأتعاب أي محذور؟ فأجابوا: "إذا كانت الديون غير ربوية فلا بأس بأخذ الأجرة على تحصيلها لصاحبها ممن هي عليه، أما الديون الربوية: كمداينات البنوك التجارية، فلا يجوز للمسلم أن يسعى في تحصيلها، ولا أخذ الأجرة على ذلك؛ لأن هذا من التعاون على الإثم والعدوان، ومن إقرار المنكر. ومبلغ الأجرة ووقت أخذها راجعان إلى ما يصطلح عليه الطرفان؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (المسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا) " انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ بكر أبو زيد. " فتاوى اللجنة الدائمة " (14 / 269،270) . 2. فتح مكتب لتقدير أسعار السيارات للراغبين بشرائها: جائز في الجملة، والحالات التي لا يجوز لك فيها تقدير أسعارها: هي تلك التي تحتوي على عقود محرَّمة كتلك التي تفعلها البنوك والمؤسسات الربوية بعد أخذها تقدير قيمة السيارات، وأما التعامل مع الراغبين بالشراء المباح من البائع نفسه دون وساطات البنوك ومثيلاتها: فلا بأس به، وهو من العمل المباح، ونبشرك بالخير العظيم والأجر الجزيل إن اتقيت ربك تعالى، وتركت العمل المحرَّم مع البنوك والمؤسسات الربوية، واقنع بما يأتيك من حلال ولو قلَّ، ولا تلتفت إلى الحرام وإن كثر وعظُم. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111395 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5164 من صور القبض: الشيك والحوالة والإيداع في الحساب [السُّؤَالُ] ـ[نحن تجار من بلد عربي نتعامل مع دول أوروبية , ولشراء السلع في هذه الدول يلزمنا أن نشتري العملة الأوروبية. فالدولة التي نعيش فيها لا تسمح لنا بالخروج بالعملة الأوروبية من بلدنا إلا بقيمة مالية صغيرة جداً لا تكفي لتسديد السلع هناك في الخارج , وهذا ما يلزمنا أن نشتري العملة هناك في أوروبا أي ندفع الدينار في بلدنا مسبقا وبعدها نقبض العملة الأجنبية هناك في البلد الذي نسعى إليه لشراء السلع. وآخرون يدفعون رشاوى للجمارك في المطار ببلدنا للمرور بالعملة الأجنبية إلى الخارج, وفي بعض الأحيان يلقى القبض عليهم فتؤخذ أموالهم ويضطرون إلى دفع غرامة مالية كبيرة. هل شراء العملة بهذه الكيفية تهربا من الرشوة والمكوس يعتبر جائزا أم لا؟ وليس لنا حل آخر.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: مبادلة العملات النقدية المختلفة يسمى بالصرف، ويشترط لجوازه حصول التقابض في المجلس؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، مِثْلا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) رواه مسلم (1587) . والعملات النقدية تقوم مقام الذهب والفضة فيجب عند بيع عملة بأخرى أن يكون ذلك (يداً بيد) وهو ما يعبر عنه الفقهاء بقولهم: التقابض في مجلس العقد، أي: لا يجوز أن يفترق البائع والمشتري قبل أن يقبض كل واحد منهما ما يخصه من النقود. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " المعاملة بالبيع والشراء بالعُمَل جائزة، لكن بشرط التقابض يداً بيد إذا كانت العمل مختلفة، فإذا باع عملة ليبية بعملة أمريكية أو مصرية أو غيرهما يداً بيد فلا بأس، كأن يشتري دولارات بعملة ليبية يداً بيد، فيقبض منه ويُقبضه في المجلس، أو اشترى عملة مصرية أو إنجليزية أو غيرها بعملة ليبية أو غيرها يداً بيد فلا بأس، أما إذا كانت إلى أجل فلا يجوز، وهكذا إذا لم يحصل التقابض في المجلس فلا يجوز، لأنه والحال ما ذكر يعتبر نوعاً من المعاملات الربوية، فلا بد من التقابض في المجلس يداً بيد إذا كانت العُمَل مختلفة، أما إذا كانت من نوع واحد فلا بد من شرطين: التماثل والتقابض في المجلس، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ. . ثم ذكر الحديث) . والعُمَل حكمها حكم ما ذكر، إن كانت مختلفة جاز التفاضل مع التقابض في المجلس، وإذا كانت نوعاً واحداً مثل دولارات بدولارات، أو دنانير بدنانير فلا بد من التقابض في المجلس والتماثل، والله ولي التوفيق " انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (19/171- 174) . والقبض يحصل بصور، منها: الشيك، وورقة الحوالة والإيداع في الحساب. وقد صدر عن المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي في دورته الحادية عشرة قرار جاء فيه: " بعد الدراسة والبحث قرر المجلس بالإجماع ما يلي: أولا: يقوم استلام الشيك مقام القبض عند توفر شروطه في مسألة صرف النقود بالتحويل في المصارف. ثانياً: يعتبر القيد في دفاتر المصرف في حكم القبض لمن يريد استبدال عملة بعملة أخرى سواء كان الصرف بعملة يعطيها الشخص للمصرف أو بعملة مودعة فيه " انتهى. وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما حكم المال المحول من عملة لعملة أخرى، مثلاً أقبض راتبي بالريال السعودي، وأحوله للريال السوداني، علماً بأن الريال السعودي يساوي ثلاثة ريالات سودانية، هل هذا رباً؟ فأجابوا: "يجوز تحويل الورق النقدي لدولة إلى ورق نقدي لدولة أخرى، ولو تفاوت العوضان في القدر؛ لاختلاف الجنس، كما في المثال المذكور في السؤال، لكن بشرط التقابض في المجلس، وقبض الشيك أو ورقة الحوالة حكمه حكم القبض في المجلس " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/448) . فإذا كنت تدفع الدينار في بلدك لأحد المصارف، ويعطيك شيكا أو حوالة بما يقابل المبلغ بالعملة الأوربية فلا حرج في ذلك. وكذلك لو دفعت الدينار في بلدك لمن يضع في حسابك في الخارج في نفس الوقت مقابله من العملة الأوربية، فهذا جائز أيضا. ثانيا: لا يجوز أخذ المكوس على البضائع والنقود وغيرها، وللإنسان أن يتخلص منها ببذل بعض ماله، وليس له أن يقع في الربا لتفادي ذلك. وقد سبق الكلام على مسألة دفع الرشوة للتخلص من الظلم أو الوصول إلى حق، في جواب السؤال رقم (25758) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 110938 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5165 الصلاة في بيت بني بقرض ربوي [السُّؤَالُ] ـ[لي أخ يسكن في بيت بناه من قرض ربوي، وأنا عندما أزوره آكل في هذا البيت وأصلي، فما حكم ذلك من ناحية كون هذه الصلاة تجوز أم لا والأكل حلال أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الاقتراض بالربا محرم تحريما شديدا؛ لما جاء فيه من الوعيد واللعن، سواء كان لبناء منزل أو شراء سيارة أو لغير ذلك. وعلى من ابتلي بذلك أن يتوب إلى الله تعالى، ويعزم على عدم العود إلى مثله أبدا. وما اشتراه أو بناه بهذا القرض من بيت وغيره، فله الانتفاع به؛ لأن المال المقترض بالربا مملوك له، فيصح ما فعله به من شراء أو بناء. وعليه؛ فلا حرج عليك في دخول بيته والصلاة فيه، والأكل من طعامه، مع دعوته للتوبة والندم على ما قدم. وينظر جواب السؤال رقم (22905) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 110208 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5166 هل تقترض بالربا لتكمل دراستها؟ [السُّؤَالُ] ـ[طبيبة مهاجرة لكندا تود إكمال دراستها ولكنها لا تمتلك المال، وتمنح الحكومة الكندية قرضا يغطي تكاليف الدراسة بفائدة، يتم إرجاعه بأقساط بعد الحصول على عمل، فما الحكم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز الاقتراض مع دفع الفائدة؛ لأنه من الربا المحرم، وقد جاء في شأن الربا وعيد شديد معلوم، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278-279. وروى مسلم (1598) عن جابر رضي الله عنه قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، ومؤكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: هم سواء) . ولا فرق في ذلك بين أن يكون الاقتراض لشراء مسكن، أو لدراسة أو غير ذلك، ولا يستثنى إلا الضرورة وهي وجود الخطر على النفس أو الأعضاء؛ لقول الله تعالى: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) الأنعام/119. قال الزركشي رحمه الله: " فالضرورة: بلوغه حدّاً إن لم يتناول الممنوع هلك، أو قارب كالمضطر للأكل واللبس، بحيث لو بقي جائعاً أو عرياناً لمات، أو تلف منه عضو، وهذا يبيح تناول المحرم" انتهى. "المنثور في القواعد" (2/319) . وينظر جواب السؤال رقم (94823) ، ورقم (85197) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 110159 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5167 إقراض البنك المال للطلاب وحديثي التخرج بفائدة [السُّؤَالُ] ـ[ظاهرة جديدة طرحتها البنوك وهى إعطاء مبلغ مالي للطلاب وحديثي التخرج بضمان الجامعة أو العمل بحيث ينقسم المبلغ إلى 60% نقدي و40% مشتريات والفائدة على السحب النقدي تبدأ من أول يوم سحب والفائدة على المشتريات تبدأ من بعد 45 يوم من تاريخ السحب فأريد أن أعرف هل هذا ربا؟ وإن كان ربا وقد تم التعامل فما الكفارة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: ما ذكرته صورة من صور القرض الربوي الذي تمارسه البنوك الربوية، إصرارا على الباطل، ومجاهرة بالإثم، ونشرا للفساد في الأرض، فإن الله تعالى توعد أهل الربا بالحرب، وجعل عاقبته المحق، ولهذا كثرت الجرائم، والحوادث، والأمراض، والابتلاءات، وظن بعض الغافلين أن البنوك تحسن إلى الشباب والعاطلين، وما شعروا أن الربا من أسباب بلائهم وفقرهم وتدهور مجتمعاتهم. وقد أجمع أهل العلم قديما وحديثا – إلا من شذ – أن كل قرض جر نفعا فهو ربا، فالقروض ذات الفوائد ربا محرم من غير شك. قال ابن قدامة رحمه الله: " وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المُسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية، فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا. وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة" انتهى من "المغني" (6/436) . ولا فرق بين أن يكون القرض مالا، أو عينا، أو شيئا اشتري بالمال، فإن اشتراط الفائدة في ذلك كله محرم. وجاء في قرار مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر سنة 1385 هـ الموافق 1965م، والذي ضم ممثلين ومندوبين عن خمسة وثلاثين دولة إسلامية: " الفائدة على أنواع القروض كلها ربا محرم، لا فرق في ذلك بين ما يسمى بالقرض الاستهلاكي، وما يسمى بالقرض الإنتاجي؛ لأن نصوص الكتاب والسنة في مجموعها قاطعة في تحريم النوعين ... الحسابات ذات الأجل، وفتح الاعتماد بفائدة، وسائر أنواع الإقراض بفائدة كلها من المعاملات الربوية وهي محرمة " انتهى. وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي سنة 1985م: " أن كل زيادة أو فائدة على الدين الذي حل أجله وعجز المدين عن الوفاء به مقابل تأجيله، وكذلك الزيادة أو الفائدة على القرض منذ بداية العقد، هاتان الصورتان ربا محرم شرعاً " انتهى. ثانيا: من ابتلي بهذا القرض فالواجب عليه أن يتوب إلى الله تعالى توبا نصوحا، بالندم على ما قدم، والعزم على عدم العود إليه أبدا. وإن استطاع أن يعجل سداد القرض كان خيرا، حتى يتخلص من الربا وآثاره، نسأل الله العافية. ولا يلزم المقترض أن يرد غير ما أخذ. ولكنه ـ للأسف ـ لا يستطيع فعل ذلك، فهو مضطر إلى دفع الفائدة الربوية، فإن تاب من الربا، فليدفعها مضطراً، وليعزم على عدم العودة إلى ذلك مرة أخرى، والله تعالى يتوب على من تاب. نسأل الله تعالى أن يحفظنا وإياك من الربا وخطره وشره. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 110112 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5168 شراء بيت بالأقساط عن طريق البنك [السُّؤَالُ] ـ[توفي أبي وصرت مسئولة عن إخوتي نحن نكتري منزلا وصاحبه قرر أن يطردهم إلى الشارع لأنه يريد منزله فقررت أن أشتري لهم منزلا بالتقسيط من بنك ليس إسلاميا، وليس عندنا أي بنك إسلامي هل هذا حرام ويعتبر ربا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: شراء السلع عن طريق البنك له صورتان: الأولى: أن يكون البنك مجرد مموّل، يقرض العميل ثمن السلعة أو يدفعها نيابة عنه، مقابل أن يسترد المبلغ وزيادة، كأن يكون ثمن السلعة ألفا، فيستردها ألفا ومائتين مقسطة، وهذه صورة محرمة؛ لأن حقيقتها قرض بفائدة، فهو ربا. الثانية: أن يشتري البنك السلعة شراء حقيقيا، ثم يبيعها على العميل بثمن مؤجل أكثر، وهذا لا حرج فيه، وهو ما يسمى ببيع المرابحة للآمر بالشراء، ولا يجوز للبنك أن يعقد البيع مع العميل حتى يشتري السلعة، لما ثبت من النهي عن بيع الإنسان ما لا يملك. وله أن يأخذ وعدا من العميل بشراء السلعة حال تملكه لها، وهذا الوعد غير ملزم. وعليه؛ فإن كان البنك يشتري البيت ثم يبيعه عليك بالأقساط، فلا حرج في ذلك، وإن كان لا يشتريه وإنما يعطيك ثمنه أو يدفعه نيابة عنك، على أن يسترده مقسطا بزيادة، فهذا ربا، ولا يخفى ما جاء في الربا من الوعيد الشديد. ثانيا: ما ذكرت من حاجة إخوانك إلى المسكن لا تعتبر ضرورة تبيح الربا؛ لأنه يمكن دفع الضرر بالاستئجار. وينظر جواب السؤال رقم 94823 ورقم 85197 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 110006 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5169 هل يدخل في عملية مرابحة ليسدد القرض الذي عليه؟ [السُّؤَالُ] ـ[لدي قرض في البنك الهولندي ويتبقى من المبلغ 30 ألف ريال وأريد أن أستلف هذا المبلغ من صديقي لتسديد البنك وبعد ذلك سوف أقوم بأخذ قرض آخر من نفس البنك عن طريق المرابحة الإسلامية ثم أسدد المبلغ الذي دفعه لي صديقي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا ينبغي للمسلم أن يتهاون في شأن الدين، ويحمل نفسه ديوناً بمبالغ كبيرة، من غير ضرورة أو حاجة ماسة لذلك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ من الدين، وكان يقول: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ. فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ الْمَغْرَمِ. قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ، وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ) رواه البخاري (2397) ومسلم (589) . والمأثم هو الإثم. والمغرم: الدَّين. وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الشهيد يغفر له كل شيء إلا الدين. رواه مسلم. وهذا مما يدل على خطورة أمر الدين. فلا ننصحك بما يسمى "المرابحة" إلا إذا كنت مضطراً لذلك أو هناك حاجة ماسة للأموال. ثانياً: عملية "المرابحة" التي تجريها بعض البنوك لا يخلو كثير منها من مؤاخذات شرعية، وقد تكون عملية البيع صورية على الورق فقط، فتكون حيلة على ارتكاب الربا، وقد حذر منها كثير من العلماء والباحثين. فيجب قبل الدخول فيها التأكد من موافقتها للشرع. ولمعرفة شروط جوازها ـ عند من أجازها ـ انظر جواب السؤال رقم (36408) . وانظر للأهمية جواب السؤال (111896) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109938 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5170 هل يقترض بالربا ليدفع مصاريف المحكمة ويأخذ حقه؟ [السُّؤَالُ] ـ[مات أبي وترك من حطام الدنيا ما يقدر بحوالي 200 ألف دولار وترك من الورثة زوجة وابنين وبنت قام الابن الأكبر الذي هو أخي بالاستحواذ على التركة مستغلا جهل الأم والأخت بحقوقهما وعندما طالبته بحقي تماطل وامتنع، وقد حاولت معه أكثر من مرة بالحسنى فرفض ولم يبق لي بد من الذهاب إلى المحكمة لكن المشكلة هي أن المحاكم في هذه البلاد ترفض النظر في مثل هذه القضايا حتى تأخذ المصاريف مقدماً وتقدر مصاريف الدعوى بحوالي 2000 دولار وهو مبلغ تعذر علي توفيره ولم أجد من يقرضني إلا بالربا، فهل هذه ضرورة للاقتراض بالربا؟ علماً أن أختي مطلقة وهي أم لطفلين وتعمل في مصنع لإعالتهما، والوقت ليس في صالحي، قد يقوم أخي بالتزوير أو ما شابه إن أنا تأخرت، أنا الآن مخير بين أمرين: أن أسكت أو أقترض بالربا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله التعامل بالربا قرضا أو اقتراضا محرم تحريما شديدا، وفيه من الوعيد ما لم يأت في غيره من الذنوب، وحسبك من ذلك أن آكل الربا وموكله ملعونان على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم. فيجب عليك أولاً أن تبحث عن بديل مباح توفر به هذا المال، كالتعامل بالتورق، وهو شراء سلعة بثمن مقسط أو مؤجل، ثم بيعها على طرف آخر بثمن أقل نقداً، كأن تشتريها ب 2500، ثم تبيعها ب 2000، أو الاشتراك فيما يسمى بجمعية الموظفين، فيدفع كل مشترك مبلغا من المال، ويدفع المجموع لأحدهم في نهاية كل شهر. أو تبيع شيئا من ممتلكاتك، أو ترهنه وتأخذ قرضاً .... ونحو ذلك. فإن ضاقت بك السبل ولم تجد أي طريق مباح لتحصيل حقك، فإن الربا كغيره من المحرمات يباح للضرورة، قال الله تعالى: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْه) الأنعام/119. ولكن ما معنى الضرورة؟ معناها أن تصل إلى حد لا تجد ما تأكله أو تلبسه أو أجرة سكنك إن لم تأخذ هذا المال، كالضرورة التي تبيح أكل الميتة، وهو خوف الهلاك إن لم يأكل. قال الزركشي رحمه الله: " فالضرورة: بلوغه حدّاً إن لم يتناول الممنوع هلك أو قارب كالمضطر للأكل واللبس، بحيث لو بقي جائعاً أو عرياناً لمات، أو تلف منه عضو، وهذا يبيح تناول المحرم" انتهى. انتهى من "المنثور في القواعد" (2/319) . وينظر جواب السؤال رقم (94823) ورقم (85197) . وعليه: فإذا لم تكن مضطرا للمال ضرورة لا يمكن تجاوزها، لم يجز لك الاقتراض بالربا لأجل تحصيل هذا المال. نسأل الله تعالى أن يفرج كربك ويقضي حاجتك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109494 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5171 يضيف مبلغاً على الثمن ثم يخصمه إذا انتظم المشتري في السداد [السُّؤَالُ] ـ[أعمل بتقسيط أجهزة الجوال، مثال: أبيع (س) من الناس عدد (5) أجهزة جوال بالتقسيط بمبلغ (5000) آلاف ريال، علماً أنني احتسبت مبلغ (2000) ريال إضافية ضمن المبلغ الإجمالي المتفق عليه، ويشير بند في العقد بخصم (2000) ريال عند الانتظام في السداد، وهو شرط بصراحة لا نطبقه إلا في حالة المماطلة الشديدة، وعند عدم لمس تجاوب. فما الحكم في إضافتنا لهذا المبلغ على قيمة العقد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الذي فهمناه من سؤالك أن الأجهزة إذا كانت بـ 5000 فإنك تضيف 2000 فيكتب في العقد الثمن 7000 وينص في العقد على خصم 2000 على الانتظام في السداد. فإن كان الأمر كذلك فهذا الشرط محرم، وهو صورة من صور الربا، لأن حقيقة العقد أن الثمن 5000 وإذا تأخر عن السداد دفع غرامة 2000 والزيادة في الديون مقابل تأخير السداد صورة من صور الربا الذي أجمع المسلمون على تحريمه. وهناك محظور آخر في الصورة الواردة في السؤال، وهو عدم العلم الحقيقي بالثمن، إذ كل من البائع والمشتري لا يعلم هل سينتظم المشتري في السداد ويكون الثمن 5000 أو لا ينتظم ويكون الثمن 7000؟ وهذه الجهالة في الثمن تفسد البيع وتجعله حراماً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ) رواه مسلم (1513) . وهو كل بيع فيه جهالة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 108635 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5172 ردت الشبكة إلى خطيبها واقترضت بالربا لتخفي الحقيقة عن أبيها [السُّؤَالُ] ـ[كنت مخطوبة لشاب وتم فسخ الخطبة لعدم استطاعته الإيفاء بما اتفق به مع أبي، وخطيبي هذا الذي قرر فسخ الخطبة وترك الشبكة التي كان أحضرها لي، وأبي قرر أن يشترى بها جهازي، وأنا لن أسمح أن يكون جهازي بمال هذا الشاب، فقمت ببيع هذه الشبكة ورددت ثمنها لهذا الشاب بدون علم أبي، وأحضرت قرضا قيمته 3000 جنيها من أحد البنوك حتى أعطي أبي ثمن الشبكة وحتى لا يزعل منى، وللعلم إن علم أبى ببيع الشبكة ورد ثمنها لخطيبي السابق سوف يتفنن في إذلالي وممكن أن يحدث له حاجة من الحزن على هذا المال أنا الآن معي القرض بكامله وسوف أقول لأبي إني بعت الشبكة وهذا المال ثمنها وربنا يقدرني على دفع أقساط هذا القرض ولكن المشكلة أنني سمعت أن القروض البنكية حرام فماذا أفعل؟ مع العلم أنني إن لم أعط أبي فلوس الشبكة سوف تحدث مشاكل لن أستطيع تحملها أرجوك ساعدني في إيجاد الحل.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لقد أخطأت خطأ كبيرا في الاقتراض من البنك؛ لأن القرض بفائدة هو عين الربا الذي حرمه الله، وحرمه رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو من كبائر الذنوب، وجاء فيه من الوعيد ما لم يأت في غيره. ومن ذلك: قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278، 279. وروى مسلم (1598) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ) . فالواجب عليك أن تتوبي إلى الله تعالى، بالندم على ذلك، والعزم على عدم العود إليه أبدا. ولا يلزمك إلا سداد رأس المال، وأما الفائدة المحرمة، فإن استطعت عدم دفعها ولو بالحيلة فافعلي، وإن خشيت مضرة بذلك، فليس أمامك إلا دفعها، ونسأل الله أن يتجاوز عنك. ولا ننصحك إلا بالصدق، فإن الصدق منجاة، والله تعالى يقول: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) الطلاق/2-3. فإذا اتقيت الله وصدقت فإن الله تعالى سيجعل لك مخرجاً. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 108339 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5173 العمل في مراجعة الحسابات وفيها الربا والتأمين والضرائب [السُّؤَالُ] ـ[عملي هو متدرب في مجال المحاسبة، والهدف هو مراجعة الإقرارات المالية المعدة بواسطة الشركات وعمل تقارير عن مدى صحتها وعدالتها، وفي سبيل تحقيق هذا الهدف علينا أن نراجع السجلات المالية التي أعدت من خلالها الإقرارات المالية، ونراجع أيضاً العمليات الحسابية التي قامت بها الشركات. تلك الشركات لها أنشطة معتمدة على قروض ربوية، وتأمين وضرائب، وتلك الأنشطة موجودة في كل الشركات حتى لو كان مجال العمل نفسه حلالا، كشركات التصنيع مثلا. هذا يعني أننا ملزمون بمراجعة حسابات الربا والتأمين والضرائب، والتي لا يمكننا تقديم التقارير المطلوبة بدون مراجعتها، سؤالي هو: هل يجوز تأدية هذا العمل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز مراجعة الحسابات الربوية؛ لما في ذلك من إقرار الربا وكتابته والسكوت عنه، وقد روى مسلم في صحيحه (1598) عن جابر رضي الله عنه قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، ومؤكله، وكاتبه، وشاهديه. وقال: هم سواء) . وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: لدي مكتب محاسب قانوني، نقوم فيه بعمل مراجعة البيانات المالية للمؤسسات والشركات من واقع الدفاتر المحاسبية التي لدى المؤسسة، وذلك بغرض إظهار نتيجة المراجعة في نهاية السنة المالية في شكل ميزانيات وتقارير عن الوضع المالي للمؤسسة، لتقديمها عن طريق المؤسسة لإحدى الدوائر الحكومية، أو لأحد البنوك، أو لمصلحة الزكاة والدخل، وكذلك نقوم بعملنا خلال السنة للمراقبة على أموال المؤسسة من التلاعب والاختلاسات. ولدي بعض الأسئلة أرجو من سماحتكم الرد عليها: 1- قد يظهر لي بعض حسابات المؤسسات في بنود الميزانية حسابات مع البنوك، وتكون هذه الحسابات دائنة، أي مطالبة بها المؤسسة نتيجة لحصولها على قرض من هذا البنك أو نتيجة سحبها أكثر من رصيدها، مما يترتب عليه أن يقوم البنك بأخذ فوائد على ذلك، أي: ربا، وبطبيعة عملنا فإننا نقوم بإظهار هذا الحساب مع بقية الحسابات الأخرى في الميزانية، وذلك من واقع دفاتر وسجلات المؤسسة، وكشوف البنك، ولا نستطيع إسقاطه من بقية الحسابات، ويجب إظهاره لكي تعبر الميزانية عن الواقع الحقيقي للمؤسسة. فهل علينا إثم في ذلك، وهل نعتبر من الشاهدين على الربا؟ فأجابوا:"لا يجوز لك أن تكون محاسبا لما ذكرت في السؤال؛ لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان" انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (15/20) . عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد الله بن غديان. فالواجب أن تبحث عن عمل لا تتعرض فيه لحسابات الربا. وأما التأمين والضرائب فما كان منه إجبارياً، فلا حرج في حسابه ومراجعته؛ لأن صاحبه معذور في ذلك. ونسأل الله تعالى أن يهيئ لك أسباب الرزق الحلال، وأن يبارك لك فيه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 108105 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5174 جاءته جائزة من إحدى المنظمات فهل يستلمها على حساب في بنك ربوي؟ [السُّؤَالُ] ـ[لقد جاءتني رسالة عبر البريد الإلكتروني من منظمة دولية تفيد بأني فزت بجائزة مالية وللحصول عليها يجب دفع تكلفة تحويلها لبلدك. وقد كنت سألتكم عن حكم أخذ هذه الجائزة فأجبتم بالجواز إذا تمكنت من التعرف على هذه المنظمة. هي منظمة تطوير استخدام البريد الإلكتروني عبر الإنترنت، وأرسلوا إلي وثائق الفوز ودفعت لهم جزءا من مبلغ التحويل. وما يحيرني الآن هو أن الجائزة ستحول إلى حسابي البنكي الموجود في بنك ربوي، لأنه لا توجد بنوك إسلامية في بلدي. فماذا أفعل؟ هل ألغي العملية كلها وأغلق حسابي البنكي وربما أخسر مبلغ التحويل؟ أم أستمر في العملية وأتخلص من الفوائد الربوية كل عام؟ أو أطلب من البنك بألا يعطوني فوائد على الحساب البنكي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز الإيداع في البنوك الربوية، إلا لضرورة حفظ المال، عند عدم وجود بنك إسلامي، ويقتصر حينئذ على الحساب الجاري (بدون فوائد) ، ارتكابا لأخف الضررين، ولو فرض أن ترتبت فائدة على هذا الحساب فإنك تتخلص منها بصرفها في وجوه الخير. ولا حرج في استقبال الجائزة على هذا الحساب، وينظر جواب السؤال رقم (104245) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 107738 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5175 الهدية على الحساب الجاري في البنك [السُّؤَالُ] ـ[لي أموال في البنك (حساب جاري) وأحياناً يرسل إلي البنك بعض الهدايا، كالعطور أو البخور، ويفعل البنك ذلك مع بعض العملاء الذين لهم أموال كثيره فيه. فما حكم هذه الهدايا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحساب الجاري في البنك هو قرض، وقد أجمع العلماء على أن كل قرض جر نفعاً فهو ربا، وقد ثبت عن بعض الصحابة رضي الله عنهم: أن الهدية التي يعطيها المقترض للمقرض ربا. روى البخاري (3814) عن عَبْد اللَّهِ بْن سَلَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (إِذَا كَانَ لَكَ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ فَأَهْدَى إِلَيْكَ حِمْلَ تِبْنٍ أَوْ حِمْلَ شَعِيرٍ أَوْ حِمْلَ قَتٍّ، فَلَا تَأْخُذْهُ، فَإِنَّهُ رِبًا) . والقت: علف للبهائم. وهذه الهدية يعطيها البنك للعميل من أجل الحساب الجاري (القرض) فتكون ربا. وقد سئل الشيخ الدكتور محمد بن سعود العصيمي عن حكم هذه الهدية. فقال: "أما إن كانت على الحساب الجاري فهي ربا بلا شك، لأن الحساب الجاري قرض، ولا يصح لصاحبه أن يستفيد منه. وأما إن كان الحساب استثماريا فلا بأس " انتهى. http://www.halal2.com/ftawaDetail.asp?id=9802 [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106418 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5176 يحتاج إلى الزواج والسكن فهل يقترض بالربا؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا شاب عمري 20 سنة، لي أخ عمره 22 وأخت صغيرة، أبي عاطل عن العمل أمي مريضة ولا تعمل نعيش في دولة إسرائيل نتعامل مع البنوك في شتى المعاملات لأنه لا يوجد البديل الإسلامي. نحن نعيش في أوضاع صعبة جدا من ناحية أوضاع الشباب والبنات. لكي نحل مشكلتنا أنا وأخي يوجد لدينا القدرة لأخذ مبلغ من البنك وتسديده على 20 سنة يمنحنا القدرة على اقتناء بيت والزواج ويمنح ابن عمي القدرة على الزواج وبهذا تحل مشكلة ثلاثة شباب لا يقتربون إلى ما حرم الله، لا أنسى أن أقول إن هناك القدرة على الإيجار ولكن الإيجار من ناحية الثمن أكبر وظروف الإيجار صعبة لنا كمسلمين من ناحية مكان البيوت والمضايقات. أيضا: إذا لم آخذ هذا القرض أخي سوف يأخذ بفوائد أكبر، وبهذا المشكلة تصبح أكبر.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: نسأل الله تعالى أن يحفظكم ويرعاكم، ويقيكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يرزقكم العفة والإحصان، والذرية الصالحة المؤمنة. ثانيا: لا يخفى عليك أن الربا كبيرة من كبائر الذنوب، وقد جاء فيه من الوعيد العظيم ما لم يأت في غيره من الذنوب، وتوعد الله مرتكبه بالحرب، وأخبر نبيه صلى الله عليه وسلم بحلول اللعنة على آكل الربا وموكله، وفي ذلك ترهيب عظيم من الوقوع في هذا المنكر. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278، 279. وروى مسلم (1598) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ. وقال صلى الله عليه وسلم: (درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله من ستة وثلاثين زنية) رواه أحمد والطبراني، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3375) . وهذا الربا الملعون فاعله لا تبيحه الحاجة إلى الزواج أو المسكن، وإنما تبيحه الضرورة، كما يباح أكل الميتة وشرب الخمر، فمن أشرف على الهلاك ولم يجد ما يقتاته إلا عن طريق الربا، جاز له منه بقدر ما يزيل الضرر، وهذه الضرورة لا تتحقق في مسألتك؛ لأنك تجد البديل المباح وهو الاستئجار وإن كان مكلفا أو مرهقا. وينظر جواب السؤال رقم (8141) ورقم (101080) . وتأمل كيف يبتلى بعض الناس بارتكاب هذا الأمر العظيم ثم يعيشون في ظلاله وتبعاته عشرين سنة، فيا له من أمر عظيم، وجرم كبير. فنوصيك أخي بالصبر حتى ييسر الله لك الأمر، ويأتيك بالفرج، واعلم أن خزائنه سبحانه ملأى، وأنه جعل التقوى من أسباب الرزق والعطاء، فقال: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/2،3. وأبلغ هذه الوصية لأخيك، وقل له إن ضيق الدنيا وشدائدها أهون من شدائد الآخرة. نسأل الله تعالى أن يرزقكم من فضله، وأن يغنيكم بحلاله عن حرامه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106430 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5177 أودع والدهم مالا في مصرف أجنبي ووضعه المصرف في أسهم [السُّؤَالُ] ـ[كان أبي يضع أمواله في بنك أوربي من سنة 1978 وتوفي سنة 1993 وفي عام 2005 سافرت أنا وأمي إلى البنك فرفضوا إطلاعنا على الرصيد، أو السحب منه، لكن أعطونا جزءاً منه لتكاليف الإقامة والسفر. وطلب منا المصرف أوراق الفريضة الشرعية لتوزيع المال على الورثة. وعدنا مرة أخرى عام 2006 وتبين أن المصرف باسمه القديم أغلق ودخل تحت اسم جديد (المجموعة العالمية للمصارف الأمريكيةAIG) . ووجدنا أن نظام استثماراته في شراء أسهم بأموال أصحاب الحسابات، في شركات التأمين، والأدوية، والألبان، والمثلجات، ومياه الشرب، وشراء الأراضي وبيعها، والاستثمار في بعض المصارف الأخرى، وذلك مبين في الأوراق التي يعطونها نهاية كل عام، والتي تبين كم أخذ من حسابك وكم رجع لك من الأرباح. والأموال مقسمة لتوضح في أي الشركات وأي الأنشطة التي دخل فيها. لكن لا يمكننا معرفة رأس المال الذي وضعه أبي، وأقصى حد لمعرفة الرصيد هو في سنة 1996. وقد يعطي البنك قروضاً ربوية بفائدة 1% في حالات استثنائية، لكنهم قالوا هذه الفائدة يأخذها أصحاب البنك وليس أصحاب الحسابات. وقد لا أستطيع أخذ المال مرة واحدة والرجوع به إلى بلدي، فما رأيكم في هذه الأموال؟ وأنا قادر علي أخذ الأموال المتحصلة من مجالات الأغذية وغيرها وترك ما فيه شبهة حسب ما هو مبين في الأوراق التي يعطيها المصرف؟ وأعلمونى كيفية إخراج الزكاة عن تلك الفترة الماضية؟ وهل أخرج الزكاة عن كل مبلغ آخذه كل مرة أم على العوائد السنوية؟ وإن كنت أخذت منه عامين متتالين في أشهر مختلفة، وأنا أريد التطهر من المال الذي فيه شبهة فهل أعطيه للفقراء أم لبناء المساجد أم لمساعدة الشباب العاطل وفتح مشاريع لهم وللناس الذين عليهم ديون ولهم وظائف؟ وهل تحسب الزكاة على هذه الأموال المخرجة أم لا؟ ملاحظة: نظام المصرف علي الربح والخسارة (balanced strategy) أي غير محدد بقيمة ثابتة للربح وقال لي أيضا عند إعلان إفلاسه أنك لا تخسر أموالك. وهذا في الأغلب لا يحدث.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا يجوز وضع المال في البنك الربوي، إلا لضرورة حفظه عند عدم وجود بنك الإسلامي. والبنك الربوي لا تنفك معاملاته عن الحرام، إما بالإقراض بالربا ولو بنسبة 1%، أو الاستثمار في الشركات المحرمة كالتأمين، أو الشركات التي تتعامل بالحرام، أو المضاربة في مال العملاء مع ضمان رأس المال، وغير ذلك مما حرمه الله، لأنه لم يؤسس على التقوى، وإنما أسس لجمع المال بأي طريقة. ولهذا يجب سحب المال من هذا البنك، والاجتهاد في ذلك، وعدم التراخي فيه. ثانيا: نرى أن تأخذ جميع المال الموجود في البنك، ثم تتخلص من الجزء المحرم، وهو ما نتج عن الدخول في أسهم شركات التأمين، وما نتج عن الاستثمار في البنوك الأخرى، ولك الانتفاع برأس المال الذي وضع في هاتين الجهتين. والتخلص من المال يكون بصرفه في أوجه البر المختلفة، فيجوز إعطاؤه للفقراء، أو لمساعدة الشباب العاطل، أو في سداد ديونهم أو في بناء مسجد. ولا زكاة في هذا المال، لأنه مال حرام، ولهذا وجب التخلص منه. ثالثا: الذي يظهر _ والله أعلم _ أن هذا المال لا زكاة فيه، لأنك لا تملكه ملكاً كاملاً، فلا تستطيع التصرف فيه، أو السحب منه، أو تحويله، أو حتى معرفة قدره. والأحوط لك: أن ما تقبضه من الأموال من البنك تخرج زكاته عن عام واحد فقط، أي تخرج منه 2.5%. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106606 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5178 التورق المنظم عن طريق بنك ساب [السُّؤَالُ] ـ[أنا موظف في شركة خاصة وأريد أن آخذ قرضا من البنك البريطاني (ساب) وأريد أن أتأكد قبل الشروع في أخذ المال من أن الطريقة التي سوف آخذ بها القرض صحيحة، وإليك طريقة أخذ القرض. أولاً: يجعلوني أوقع على ورقة تمليك لبعض المواد ثم أوقع على ورقة أخرى وهي تفويض للبنك بأن يقوموا ببيع الشيء الذي امتلكته ومن دون أن أرى الشيء الذي وقعت لأمتلكه ثم يقومون بالبيع ويعطوني المبلغ الذي أريده وهو 100000 ثم أقوم بتسديده بالتقسيط، وذلك من دون أن أرى شيئاً، فقط توقيع، فما رأيك بهذه الطريقة؟ علما بأن جميع البنوك يستخدمون نفس هذه الطريقة لكي يعطوا القرض وأنا بحاجة ماسة جدا جدا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصورة التي ذكرت صورة محرمة، وهي ما يسمى بالتورق المنظم، وقد صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي بتحريمه، وينظر نص القرار في جواب السؤال رقم 98124. والصورة الجائزة أن تشتري من البنك سلعة يملكها، ثم تبيعها بنفسك، ولا توكل البنك في بيعها، وانظر جواب السؤال رقم (100324) . وإذا كانت السلعة الموجودة عندهم مما يصعب تصريفها في السوق، فإننا نشير عليك بشراء سيارة بالأقساط، ممن يملكها، سواء كان شركة أو بنكا، ثم تبيعها بنفسك لطرف آخر بالنقد، وهذا هو التورق الجائز، وبه تحصل على النقود التي تريد. ونسأل الله تعالى أن يقضي حاجتك، ويفرج همك، وأن يقيك الربا وشره وبلاءه وخطره. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106507 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5179 يقرضهم دولارات على أن يشتروا منها دولارات عند السداد [السُّؤَالُ] ـ[السؤال: يوجد شخص صاحب محل (صيرفة) ، ويتعامل مع عدد من المحلات التي تبيع المواد الغذائية، أو الأثاث، يتعامل معهم بالشكل التالي: يقوم بإعطائهم مبلغ مثلاً 10000 آلاف دولار، ويقوم صاحب المحل بشراء بضاعته، وبعد تصريف البضاعة بالعملة المحلية وهي الدينار العراقي يقوم صاحب المحل بشراء دولارات من نفس صاحب مكتب الصيرفة الذي أعطاه 10000 آلاف دولار بالسعر السائد، وبعدها يقوم صاحب المحل بتسديد المبلغ بالدولار الذي عليه، فهل يجوز؟ أرجو الإجابة لأنه يوجد كثير من الناس لا يعرفون ما يعملون.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه المعاملة محرمة، لأن حقيقتها أن الصيرفي أقرض التاجر 10000 دولار، بشرط أن يقوم التاجر عند السداد بشراء الدولارات من الصيرفي. والمقصود من القرض هو الإحسان إلى المقترض ومساعدته، فلا يجوز للمقرض أن يجعل القرض وسيلة إلى انتفاعه هو، ولهذا حرم الشرع على المقرض أن ينتفع من المقترض بشيء مقابل القرض، فمن القواعد التي اتفق عليها العلماء: أن كل قرض جَرَّ منفعة إلى المقرض فهو حرام وربا. جاء في " الموسوعة الفقهية " (3 / 265، 266) : "إنّ انتفاع الدّائن من عمليّة الاستدانة إمّا أن يتمّ بشرطٍ في العقد، أو بغير شرطٍ، فإن كان بشرطٍ فهو حرامٌ بلا خلافٍ، قال ابن المنذر: أجمعوا على أنّ المسلف - أي الدّائن - إذا شرط على المستلف زيادةً أو هديّةً، فأسلف على ذلك، أنّ أخذ الزّيادة على ذلك رباً، وقد روى عليّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: (كلّ قرضٍ جرّ منفعةً فهو رباً) وهو وإن كان ضعيف السّند إلاّ أنّه صحيحٌ معنًى، وروي عن أبيّ بن كعبٍ، وعبد الله بن عبّاسٍ، وعبد الله بن مسعودٍ، أنّهم نهوا عن كلّ قرضٍ جرّ منفعةً للمقرض. أمّا إن كانت المنفعة الّتي حصل عليها الدّائن من المدين غير مشروطةٍ، فيجوز ذلك عند جمهور الفقهاء: الحنفيّة، والشّافعيّة، والمالكيّة، والحنابلة" انتهى. ولهذا أيضاً نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الجمع بين السلف والبيع، لأن المسلف (المقرض) يتخذ القرض وسيلة لترويج بضاعته، أو رفع السعر على المشتري، فيدخل فيما سبق، وهو القرض الذي جر منفعة على المقرض. فعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لاَ يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ) رواه الترمذي (1234) وأبو داود (3504) والنسائي (4611) ، وصححه الترمذي وابن عبد البر والألباني. " التمهيد " (24 / 384) . وقال ابن قدامة رحمه الله: "وإن شرط في القرض أن يؤجره داره، أو يبيعه شيئاً، أو أن يقرضه المقترض مرة أخرى: لم يجز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع وسلف) " انتهى. " المغني " (4 / 355) . وقال ابن هبيرة في " الإفصاح " (1 / 361، 362) : "واختلفوا فيما إذا اقترض رجل من آخر قرضاً، فهل يجوز له أن ينتفع من جانبه بمنفعة لم تجر بها عادة، فقال أبو حنيفة ومالك وأحمد: لا يجوز , وهو حرام، وقال الشافعي: إذا لم يشترط: جاز، واتفقوا على تحريم ذلك مع اشتراطه , وأنه لا يحل ولا يسوغ بوجه ما" انتهى. فهذه المعاملة جمعت بين السلف والبيع، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، لما يفضي إليه ذلك من انتفاع المقرض بالقرض، وذلك ربا. فعلى الصيارفة والتجار أن يكفوا عن هذه المعاملة المحرمة، فإما أن يكون القرض حسناً، يبتغي به المقرض وجه الله، لا الاستفادة في الدنيا، وإن أراد المقرض الربح الدنيوي -وهو جائز- فليكن ذلك بطرق مباحة، كما لو دخل شريكاً بهذا المال مع التاجر، ويكون له نسبة من الربح. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106378 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5180 هل تأخذ أرباح شهادات البنك الإسلامي والتجاري؟ [السُّؤَالُ] ـ[لدي شهادة كانت في بنك إسلامي وتم ترحيلها على بنك عادى، هل الفوائد التي وضعت في تلك الشهادة حرام؟ وهل آخذ أصل المبلغ وأترك الفوائد التي تم وضعها من البنكين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الأرباح التي يعطيها البنك الإسلامي لعملائه الذين يستثمرون أموالهم في المضاربة الشرعية، أو في أسهمه المباحة، لا حرج في أخذها. وأما فوائد البنك الربوي فهي ربا محرم، لا يجوز أخذه، ولا يجوز الإيداع في البنك الربوي إلا لضرورة حفظ المال عند عدم وجود بنك إسلامي، ويقتصر الإيداع حينئذ على الإيداع في الحساب الجاري بدون فائدة، ارتكاباً لأخف الضررين. وقد سبق بيان تحريم التعامل بشهادات الاستثمار من الفئة (أ) و (ب) و (ج) ، وذكرنا قرار مجمع الفقه الإسلامي بهذا الخصوص، في جواب السؤال رقم (98152) . ثانيا: يشترط لصحة الاستثمار أو المضاربة: 1- أن يستثمر البنك الأموال في أعمال مباحة، كإقامة المشاريع النافعة وبناء المساكن وغير ذلك. ولا يجوز استثمار المال في بناء بنوك الربا أو دور السينما أو في إقراض المحتاجين بالربا، وعليه؛ فلابد من معرفة طبيعة الاستثمار الذي يقوم به البنك. 2- عدم ضمان رأس المال، فلا يلتزم البنك برد رأس المال، في حال حصول خسارة على البنك، فإذا كان البنك قد اشترط أن يضمن رأس المال، فهذا عقد قرض في الحقيقة، وما جاء منه من فوائد يعتبر ربا محضا. 3- أن يكون الربح محددا متفقا عليه من البداية، لكنه يحدد كنسبة من الربح وليس من رأس المال، فيكون لأحدهما مثلا الثلث أو النصف أو 20% من الأرباح، ويكون الباقي للطرف الآخر. ولا يصح العقد إن كان الربح مجهولا غير محدد، وقد نص الفقهاء على أن المضاربة تفسد في حال جهالة نسبة الربح. قال في مطالب أولي النهى (3/517) : "وإن قال: خذه مضاربة ولك جزء من الربح أو شركة في الربح أو شيء من الربح ونصيب من الربح وحظ منه لم يصح ; لأنه مجهول، والمضاربة لا تصح إلا على قدر معلوم" انتهى. ثالثا: الواجب عليك هو سحب المال من البنك الربوي، مع التوبة إلى الله تعالى، وما جاءك من فائدة، فلا يجوز الانتفاع بها، بل تتخلصين منها بإنفاقها على الفقراء والمساكين أو في المصالح العامة. زادنا الله وإياك فقها وعلما. ولله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106151 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5181 الخاطب إن كان يتعامل بالربا هل تقبل به زوجاً؟ [السُّؤَالُ] ـ[تقدم لخطبتي رجل يتعامل بالربا، فهل أقبله زوجاً؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الربا من كبائر الذنوب، وليس هو من الذنوب التي تخفى على المسلم حرمتها، لكنه الجشع والطمع والتعلق بالدنيا هو الذي يقود أولئك العصاة لتلك الطريق الموحلة، والتي يتعرضون فيها لسخط الله تعالى وعقابه بسببها. وآكل الربا وموكله كلاهما ملعونان، ولهما الإثم نفسه، فالآكل هو الذي أخذ ممن أقرضه زيادة على ماله، والموكل هو الذي اقترض ذلك المال. وقد وقع كثيرون في هذه المعصية – وللأسف -، والأخطر من الوقوع فيها هو الاستهانة بحرمتها! فتجد الناس يسأل بعضهم بعضا: أين تضعون أموالكم؟ وكم تأخذون فائدة! عليها؟ ويبدأ التحاور والجدال في أفضل البنوك، وأفضل العروض، ولو تفكَّر هؤلاء بحالهم، وحقيقة كلامهم لعلموا أنهم يفعلون ما هو أشد إثماً من الربا، وهو الاستهانة به، والله المستعان. ثانياً: بخصوص تقدم ذلك الرجل لكِ: فإن أمره يختلف باختلاف حاله، هل تعامله بالربا سيستمر بعد الزواج؟ أم هو نادم وتائب من ذلك؟ فإن كان الأول: فلا ننصحك بقبوله زوجاً؛ لأنه مصر على كبيرة من كبائر الذنوب. وإن كان حاله الثاني: فلا حرج من قبوله زوجاً، ويجب إعانته على التوبة الصادقة، والمساهمة معه للتخلص من ذلك القرض الربوي، أو للتخلص مما ترتب عليه من زيادة ربوية. فالنصيحة لكي أن لا تقبلي من يتعامل بالربا زوجاً لك، حتى يعلن توبته من ذلك الفعل المحرم. وانظري في مواصفات الزوج الصالح: جوابي السؤالين: (8412) و (5202) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106044 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5182 السكن في شقة اشتراها والده من الربا [السُّؤَالُ] ـ[والدي يتعامل بالربا ويمنع الزكاة منذ 25 سنة إلى الآن، بالرغم من بيان الحرمة له طوال هذه المدة، وقد اشترى شقة فاخرة لي لأتزوج فيها، وقد عرضت عليه أن أسكن في شقة بالإيجار، وذلك حتى لا أكون مستعملا للحرام، ولكنه رفض ذلك بشدة، فامتنعت من الزواج، حتى لا أكون سببا في زيادة الإثم عليه، فهل تصرفي صحيح؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الربا ذنب عظيم وجرم كبير، والمتعامل به متوعَّد بالحرب من الله ورسوله وبمحق البركة واللعن، وذنب هذا شأنه ينبغي الفرار منه، والبعد عن طريقه بكل وسيلة. قال تعالى: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) البقرة /276. وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278- 279 وروى مسلم (1598) عن جابر رضي الله عنه قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه. وقال: هم سواء) . والفوائد التي تدفعها البنوك الربوية هي عين الربا، فمن اضطر لحفظ المال في البنك الربوي، فليحفظه في الحساب الجاري، ومن تاب من التعامل بالربا، وصرف له شيء من الفوائد وجب عليه أن يتخلص منها بإنفاقها في وجوه الخير، ولا يجوز أن يأخذها لنفسه. ومنع الزكاة أيضاً من الكبائر، ومع ذلك: فلا يحرم التعامل مع مانع الزكاة أو قبول هديته، لأن الزكاة تكون دَيْنا في ذمته، ولا يكون ماله كالمال المغصوب أو المسروق الذي يحرم أخذه على كل من علم أنه مسروق. ثانيا: الصحيح من كلام أهل العلم أن المحرم لكسبه حرام على كاسبه فقط، ولا يحرم على من أخذه من الكاسب بوجه مشروع كالهبة ونحوها. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " قال بعض العلماء: ما كان محرما لكسبه، فإنما إثمه على الكاسب لا على من أخذه بطريق مباح من الكاسب، بخلاف ما كان محرما لعينه، كالخمر والمغصوب ونحوهما، وهذا القول وجيه قوي، بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم اشتري من يهودي طعاما لأهله، وأكل من الشاة التي أهدتها له اليهودية بخيبر، وأجاب دعوة اليهودي، ومن المعلوم أن اليهود معظمهم يأخذون الربا ويأكلون السحت، وربما يقوي هذا القول قوله صلى الله عليه وسلم في اللحم الذي تصدق به على بريرة: (هو لها صدقة ولنا منها هدية) " انتهى من "القول المفيد على كتاب التوحيد" (3 / 112) . وقال أيضا: " وأما الخبيث لكسبه فمثل المأخوذ عن طريق الغش، أو عن طريق الربا، أو عن طريق الكذب، وما أشبه ذلك؛ وهذا محرم على مكتسبه، وليس محرما على غيره إذا اكتسبه منه بطريق مباح؛ ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعامل اليهود مع أنهم كانوا يأكلون السحت، ويأخذون الربا، فدل ذلك على أنه لا يحرم على غير الكاسب " انتهى من "تفسير سورة البقرة" (1/198) . وعلى هذا فلو اشترى الأب لابنه شقة بمال الربا، فلا حرج على الابن في الانتفاع بها، لأن إثم الربا على كاسبه فقط. فيقال للابن هنا: إذا كان امتناعك عن السكن في هذه الشقة لا يؤثر في ترك والدك للربا، بل يغضبه ويحزنه، مع استمراره فيما هو عليه، فلا حرج أن تتزوج وتسكنها. ثالثا: من تعامل بالربا ثم تاب إلى الله تعالى، فإن كان مال الربا باقيا لزمه التخلص منه، وإن كان قد استعمله وأكله، فلا شيء عليه فيه. وإن كان قد وضعه في سكن يحتاجه، لم يلزم ببيعه، والتخلص من الربا، إلا أن يفعل ذلك بنفسه، وذلك أولى وأكمل ولا شك. وهذا من تيسير التوبة على أهل المعاصي، فإنه إذا قيل لهم: تخلصوا مما في أيديكم من المتاع، شق ذلك عليهم، وحمل كثيرا منهم على تأجيل التوبة. قال شيخ الإسلام رحمه الله: " فإن الرجل قد يعيش مدة طويلة لا يصلي ولا يزكي وقد لا يصوم أيضا ولا يبالي من أين كسب المال أمن حلال أم من حرام ولا يضبط حدود النكاح والطلاق وغير ذلك فهو في جاهلية إلا أنه منتسب إلى الإسلام، فإذا هداه الله وتاب عليه فإن أُوجب عليه قضاء جميع ما تركه من الواجبات وأمر برد جميع ما اكتسبه من الأموال والخروج عما يحبه من الأبضاع إلى غير ذلك صارت التوبة في حقه عذابا، وكان الكفر حينئذ أحب إليه من ذلك الإسلام الذي كان عليه؛ فإن توبته من الكفر رحمة، وتوبته وهو مسلم عذاب. وأعرف طائفة من الصالحين من يتمنى أن يكون كافرا ليسلم فيغفر له ما قد سلف؛ لأن التوبة عنده متعذرة عليه أو متعسرة على ما قد قيل له واعتقده من التوبة. ثم هذا منفر لأكثر أهل الفسوق عن التوبة وهو شبيه بالمؤيّس للناس من رحمة الله، ووضع لآصار ثقيلة وأغلال عظيمة على التائبين الذين هم أحباب الله، فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين، والله أفرح بتوبة عبده من الواجد لماله الذي به قوامه بعد اليأس منه " انتهى من "مجموع الفتاوى" (22/21) . ونصيحتنا لهذا الابن أن يستمر في بر أبي وتذكيره بحرمة الربا، ووجوب المسارعة إلى تركه، وأن يعجل هو بالزواج مادام قادرا عليه، حماية وصيانة لنفسه من الفتن. نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال الجميع. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105827 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5183 الاقتراض بالربا لشراء منزل للزواج [السُّؤَالُ] ـ[أبلغ من العمر 33سنة وأريد إكمال نصف ديني لكني لا أملك سكنا مع العلم أني أعمل والحمد لله. أنا بحاجة ماسة للمال من أجل شراء سكن ولم أجد سبيلا سوى أن ألجأ للبنوك من أجل الحصول على قرض بنكي مع العلم أن بنوكنا تتعامل بالربا أي بفائدة، فهل أقوم باقتناء هذا القرض أم أصبر؟ السؤال الثاني في نفس الموضوع وهو لصديق لي متزوج ويسكن في سكن وظيفي تابع لدولة أي سيأتي زمن ويقوم بتسليم السكن للدولة. السؤال: هل يجوز له اقتراض قرض من أجل شراء سكن يؤوي الزوجة والأولاد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الاقتراض بالربا محرم تحريما شديدا، لما جاء في الربا من الوعيد، كما في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278، 279. وروى مسلم (1598) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ. وهذا الاقتراض محرم، ولو كان لشراء منزل للسكنى، وانظر جواب السؤال رقم: (21914) ورقم (22905) وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: هل يحرم الربا حيث وجد، وبأي صورة على الطرفين، الطرف المرابي والطرف المقترض، على الإطلاق؟ أم يحرم فقط على الطرف المرابي دون الطرف المقترض، وإن لم يكن هناك جناح ولا وزر على الطرف المقترض فهل هذا مشروط بالحاجة لهذا المال، وعدم الاستطاعة والفقر، أم ليست الحاجة شرطا فيه؟ فإذا كان يجوز لمن كانت به حاجة فهل يجوز لمن لم تكن به حاجة شديدة الاقتراض من بنك يتعامل بالربا بفائدة سنوية مشروطة 15% في السنة مثلا، حيث يستطيع العمل في هذا المال، وتحقيق ربح أكبر من الفائدة المشروطة، 50 % في السنة مثلا، وبذلك يحقق ربحا من خلال الفرق بين الفائدة المشروطة وبين الربح الذي حصل عليه من خلال عمله في المال المقترض 35% تبعا للمثال المضروب، أم لا يجوز؟ فأجابت: "أولا: يحرم الربا حيث وجد، وبأي صورة كان، على صاحب رأس المال، ومن اقترض منه بفائدة، سواء كان المقترض فقيرا أم غنيا، وعلى كل منهما وزر، بل كل منهما ملعون، ومن أعانهما على ذلك، من كاتب وشاهد ملعون أيضا؛ لعموم الآيات والأحاديث الثابتة الدالة على تحريمه، قال الله تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) الآيات، وروى عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، سواء بسواء، يدا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى) رواه مسلم في صحيحه. . . وروى الإمام أحمد والبخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، يدا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي فيه سواء) ، وثبت عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أنه قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء) رواه مسلم. وورق البنكنوت في الوقت الحاضر حل محل الذهب والفضة في الثمنية، فكان الحكم فيه كالحكم فيهما، فالواجب على كل مسلم الاكتفاء بما أحل والحذر مما حرم الله عز وجل، وقد وسع الله على المسلمين أبواب العمل في الحياة لكسب الرزق، فللفقير أن يعمل أجيرا أو متاجرا في مال غيره مضاربة بنسبة من الربح كالنصف ونحوه، لا بنسبة من رأس المال، ولا بدراهم معلومة الربح، ومن عجز عن العمل مع فقره؛ حلت له المسألة والزكاة والضمان الاجتماعي. ثانيا: ليس لمسلم سواء كان غنيا أو فقيرا أن يقترض من البنك أو غيره بفائدة، 5% أو 15% أو أكثر أو أقل؛ لأن ذلك من الربا، وهو من كبائر الذنوب، وقد أغناه الله عن ذلك بما شرعه من طرق الكسب الحلال كما تقدم، من العمل عند أرباب الأعمال أجيرا أو الانتظام في عمل حكومي مباح، أو الإتجار في مال غيره مضاربة بجزء مشاع معلوم من الربح كما تقدم. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم". انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/268) . اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد الله بن غديان ... عبد الله بن قعود فنوصيك أخي بالصبر والاكتفاء بالإيجار، إلى أن يوسع الله عليك، وكذلك نوصي صديقك، فإن الربا أمر عظيم، وعاقبته وخيمة، نسأل الله لنا ولكم العافية. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105331 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5184 بيع العينة [السُّؤَالُ] ـ[ما معنى بيع العينة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله بيع العينة هو: أن يبيع السلعة بثمن مؤجل، ثم يشتريها مرة أخرى نقدا بثمن أقل. فتكون الصورة النهائية حصول النقد للمشتري، وسوف يسدده بأكثر منه بعد مدة، فكأنَّه قرضٌ في صورة بيع. جاء في "الموسوعة الفقهية" (9/96) : " للعينة المنهيّ عنها تفسيرات، أشهرُها: أن يبيع سلعةً بثمن إلى أجل معلوم، ثمّ يشتريها نفسها نقداً بثمن أقلّ، وفي نهاية الأجل يدفع المشتري الثّمن الأوّل، والفرق بين الثّمنين هو رباً، للبائع الأوّل. وتؤول العمليّة إلى قرض عشرة، لردّ خمسة عشر، والبيع وسيلة صوريّة إلى الرّبا " انتهى. ولظهور الحيلة الربوية في هذا النوع من البيوع، ذهب جماهير أهل العلم من السلف والخلف إلى تحريمه والمنع منه. حتى قال محمد بن الحسن الشيباني في إحدى صور العينة – كما في "فتح القدير" (7/213) -: هذا البيع في قلبي كأمثال الجبال، اخترعه أَكَلَةُ الربا. وقد دل على تحريم بيع العينة ما رواه ابْن عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ) . رواه أبو داود (3462) وصححه الطبري في "مسند ابن عمر" (1/108) ، وابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (29/30) والألباني في "السلسلة الصحيحة" (رقم/11) . وقد عقد الإمام عبد الرزاق الصنعاني في "المصنف" (8/184) بابا قال فيه: " باب الرجل يبيع السلعة ثم يريد اشتراءها بنقد: أخبرنا معمر والثوري عن أبي إسحاق عن امرأته: أنها دخلت على عائشة في نسوة، فسألتها امرأة فقالت: يا أم المؤمنين! كانت لي جارية، فبعتها من زيد بن أرقم بثمانمائة إلى أجل، ثم اشتريتها منه بستمائة، فنقدته الستمائة، وكتبت عليه ثمانمائة، فقالت عائشة: بئس والله ما اشتريت! وبئس والله ما اشترى! أخبري زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب، فقالت المرأة لعائشة: أرأيت إن أخذت رأس مالي ورددت عليه الفضل، قالت: (من جاءه موعظة من ربه فانتهى) الآية، أو قالت: (إن تبتم فلكم رؤوس أموالكم) الآية " انتهى. قال ابن عبد الهادي في "تنقيح التعليق" (2/558) : إسناد جيد. وصححه الزيلعي في "نصب الراية" (4/16) وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (8/223) : " مثال بيع العينة: أنا بعت على زيد سيارة بعشرين ألفاً إلى سنة، ثم إني اشتريتها من هذا الرجل بثمانية عشر ألفاً، فهذا حرام لا يجوز؛ لأنه يتخذ حيلة إلى أن أبيع السيارة بيعاً صورياً بعشرين ألفاً، ثم أعود فأشتريها بثمانية عشر ألفاً نقداً، فيكون قد أخذ مني ثمانية عشر ألفاً وسيوفيني عشرين ألفاً وهذا ربا، فهذا لا يجوز؛ لأنه حيلة واضحة، ولذلك قال ابن عباس رضي الله عنهما: (دراهم بدراهم وبينهما حريرة) ، وهذه تسمى مسألة العِينة؛ لأن الرجل أعطى عيناً وأخذ عيناً، والعين: النقد؛ الذهب والفضة. واعلم أنه كلما احتال الإنسان على محرم لم يزدد إلا خبثاً، فالمحرم خبيث، فإذا احتلت عليه صار أخبث؛ لأنك جمعت بين حقيقة المحرم وبين خداع الرب عزّ وجل، والله سبحانه وتعالى لا تخفى عليه خافية، وإنما الأعمال بالنيات " انتهى باختصار. وفي كتب الفقهاء توسع في ذكر صور تلحق بالعينة، وضوابط لتحريم هذا البيع يمكن في مراجعتها في هذه المراجع: "بدائع الصنائع" (5/198) ، "مواهب الجليل" (4/391) ، "الأم" (3/78) ، "إعلام الموقعين" (3/166) وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم: (98124) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105339 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5185 هل يستلم كشف الحساب الربوي ليعطيه لأخيه [السُّؤَالُ] ـ[استلام كشوف حسابات بنك ربوي لأخي هل هو حرام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله استلام كشوف حسابات البنك الربوي لا يجوز؛ لما فيه من الإقرار والإعانة على الحرام، وقد لُعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهداه، كما روى مسلم (1598) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ) . فلا يجوز إقرار الربا أو الإعانة عليه بأي وجه من الوجوه، ويلزمك نصح أخيك وتذكيره بحرمة الربا وإثم فاعله. نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105060 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5186 الصلاة في مسجد بني بقرض ربوي [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الصلاة في مسجد اشتُرِيَ بقرضٍ ربويٍ؟ وكيف نتخلص من الربا وقد عمت البلوى بها في بلدان أوربا؟ مع العلم أن القائمين على أمر المسجد لم يقصدوا ذلك وقد خُدعوا من طرف بنك يدّعي بأنه مموّل من بنك إسلامي، وبعد إمضاء العقد اكتشفوا أنهم قد تورّطوا وخُدعوا وأنّ المخادِعين الآن هم في السجن بسبب كذبهم وحيلهم واختلاس الأموال.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج في الصلاة في هذا المسجد، ولو اشتري بقرض ربوي، والإثم على من تعامل بالربا. وإذا كان القائمون على المسجد لم يقصدوا التعامل بالربا، فلا إثم عليهم. وينبغي أن يعلم أن الربا محرم بجميع بصوره، فلا يجوز الاقتراض بالربا ولو كان لبناء مسجد. وينظر جواب السؤال رقم (10234) . ومن اقترض بالربا، واشترى بذلك بيتا أو متاعا، جاز له الانتفاع به، ويلزمه التوبة إلى الله تعالى من التعامل بالربا. وينظر جواب السؤال رقم (22905) ورقم (75410) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 104636 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5187 الإيداع في البنك الربوي لغرض حفظ المال [السُّؤَالُ] ـ[كانت لي فلوس في بنك ربوي أخرجتها ووضعتها في بنك إسلامي أصل هذا البنك ربوي (بنك مصر) فهل علي وزر؟ وإذا كنت لا أملك مكانا أضع فيه الفلوس أو أخاف من أن أصرفها فهل هذه ضرورة تبيح لي هذا المحذور؟ ولو وجدت آراء للعلماء في هذا الموضوع أرجو توضيح الآراء.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا حرج في وضع المال في البنك الإسلامي المنضبط بالشرع، ولو كان أصله ربوياً، بل ينبغي تشجيع البنوك على التخلص من الربا، وضبط معاملاتها بالشرع، ونحن لا علم لنا بالبنك المذكور ولا بجدية تحوله إلى بنك إسلامي. ثانيا: الإيداع في البنك الربوي محرم، سواء كان بفائدة أو بدون بفائدة؛ لأنه إن كان بفائدة فهو القرض الربوي الصريح، وإن كان بغير فائدة فهو من إعانة البنك على الربا، لأنه معلوم أن البنك يستفيد ويتقوى بهذه الأموال. إلا أن أهل العلم استثنوا حالة خاصة وهي ما إذا خاف الإنسان على ماله ولم يجد مكانا آمنا يحفظ فيه ماله، فإنه يجوز له الإيداع في البنك الربوي، من باب أن الضرورات تبيح المحظورات، وحينئذ يلزمه أن يودع في الحساب الجاري من غير فائدة من باب: الضرورة تقدّر بقدرها، وارتكاب أخف الضررين، فهذه حالة مستثناة من عموم الحكم بتحريم الإيداع في البنك الربوي. وقد سُئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما قولكم -وفقكم الله- فيمن يودع أمواله لدى البنوك التي تتعامل بالربا، وتستعين بما لديها من ودائع الناس في المعاملات الربوية، مع العلم أن هذا المودع يستطيع حفظ ماله عن السراق بالصناديق المحكمة والخاصة بحفظ الأموال؟ فأجابوا: "إذا كان البنك يستعين بما وضعه لديهم المودع من الأموال في المعاملات الربوية، وكان صاحب المال يستطيع أن يحفظ ماله من السراق ونحوهم بطرق أخرى ليس فيها ربا - حرم عليه إيداعه في البنك وغيره ممن يستعمله في معاملات محرمة، ويستعين به على ارتكاب المنكرات، فإن وسيلة الشر شر، والإعانة على فعل المحرم حرام، والوسائل لها حكم الغايات" انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/343) . وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: الذي عنده مبلغ من النقود ووضعها في أحد البنوك لقصد حفظها أمانة ويزكيها إذا حال عليها الحول، فهل يجوز ذلك أم لا؟ فأجاب: "لا يجوز التأمين في البنوك الربوية ولو لم يأخذ فائدة؛ لما في ذلك من إعانتها على الإثم والعدوان، والله سبحانه قد نهى عن ذلك، لكن إن اضطر إلى ذلك ولم يجد ما يحفظ ماله فيه سوى البنوك الربوية، فلا حرج إن شاء الله؛ للضرورة، والله سبحانه يقول: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) ومتى وجد بنكا إسلاميا أو محلا أمينا ليس فيه تعاون على الإثم والعدوان يودع ماله فيه، لم يجز له الإيداع في البنك الربوي " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (19/414) . وينظر جواب السؤال رقم (22392) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 104349 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5188 هل تأكل من مال والديها المأخوذ من حساب التوفير الربوي [السُّؤَالُ] ـ[أعيش مع أمي وأبي ولهم أموال في البنوك بفوائد، وينفقون علي من هذه الأموال فما حكم هذه الأموال بالنسبة لي؟ وما هي الحدود التي ينبغي علي اتباعها؟ وهل علي أن أبحث عن مصدر دخل آخر أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز إيداع الأموال في حساب التوفير بالبنوك الربوية؛ لأن حقيقته أنه قرض ربوي محرم، وقد لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وينظر جواب السؤال (9054) و (82669) و (72413) . وعلى هذا؛ فالواجب أن تنصحي والديك بترك التعامل بالربا، والحذر من سوء عاقبته في الدنيا والآخرة. وأما الأكل من مالهما، والاستفادة منه فلا حرج عليك في ذلك، لأن المال المأخوذ بالربا حرام على المرابي فقط، أما من أخذ هذا المال من المرابي بسبب مباح كأولاده وزوجاته وغيرهم فلا حرج عليهم في ذلك. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: رجلٌ علم أن مصدر أموال أبيه من الحرام، فهل يأكل من طعام أبيه؟ وإذا لم يأكل من طعام أبيه فهل يكون ذلك من العقوق؟ فأجاب: "الرجل الذي علم أن مال أبيه من الحرام إن كان حراماً بعينه، بمعنى: أنه يعلم أن أباه سرق هذا المال من شخص فلا يجوز أن يأكله، لو علمت أن أباك سرق هذه الشاة وذبحها فلا تأكل، ولا تُجِبْ دعوته، أما إذا كان الحرام من كسبه يعني: أنه هو يرابي أو يعامل بالغش أو ما يشابه ذلك، فكل، والإثم عليه هو. ، ودليل هذا: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أكل من مال اليهود وهم معروفون بأخذ الربا وأكل السحت، أهدت إليه يهودية شاةً في خيبر مسمومة ليموت، ولكن الله عصمه من ذلك إلى أجلٍ مسمى. ودعاه يهودي إلى خبز شعير وإهالة سنخة (أي: دهن متغير الرائحة) فأجابه وأكل، واشترى من يهودي طعاماً لأهله وأكله هو وأهله، فليأكل والإثم على والده " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (188/13) . وسئل أيضا رحمه الله: رجل جمع أمواله من الربا وأبناؤه متحرجون من الأكل من هذا المال، ثم إذا مات هذا الأب، هل يجوز لهم أن يرثوا هذا المال؟ وكيف يتوب هذا الرجل؟ فأجاب: "أولاً: يجب على هذا الرجل أن يتوب إلى الله عز وجل وأن يدع الربا، ثم إذا كان هذا الربا الذي جمعه عن جهل لا يدري أنه حرام، أو عن شبهة كأن يقال: إنه حرام ولكن لم يتيقن، فإنه حلال له أن يبقيه عنده، لقوله تعالى: (فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ) البقرة/275. أما إذا كان عالماً لكنه كان عاصياً ثم منَّ الله عليه بالتوبة والهداية فمن تمام توبته أن يتصدق بهذا المال، تخلصاً منه لا تقرباً به إلى الله؛ لأنه لو تقرب به إلى الله لم يقبل منه، لكن ينوي التخلص، إذ لا سبيل له إلى الخلاص إلا بهذا، بإنفاقه صدقة على فقير، أو في إصلاح طرق، أو إصلاح مساجد وما أشبه ذلك. أما بالنسبة لأولاده فلا حرج عليهم أن يأكلوا منه في حياة أبيهم ويجيبوا دعوته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاب دعوة اليهود مع أنهم يأكلون الربا. وأما إذا ورثوه من بعده فهو لهم حلال؛ لأنهم ورثوه بطريقة شرعية، وإن كان هو حراماً عليه، لكن هم كسبوه بطريق شرعي بالإرث، وإن تبرعوا وتصدقوا به عن أبيهم فلعل الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذه الصدقة تمحو ما قبلها من السيئات " "لقاء الباب المفتوح" (181/19) . وعلى هذا، فلا يلزمك البحث عن مصدر دخل آخر. نسأل الله لك التوفيق والسداد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 104198 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5189 حكم تقديم دورات في مهارات العرض والتفاوض لموظفي البنوك وشركات التأمين [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم تقديم برامج ودورات تدريبية لشركات التأمين والبنوك الربوية؟ وهل هناك فرق بين تقديم الدورات التطويرية العامة كمهارات العرض والإلقاء ومهارات التفاوض، وبين الدورات المتخصصة في مجال التأمين والبنوك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله التعامل بالربا من أعظم المنكرات، وقد جاء فيه من الوعيد الشديد ما لم يأت في غيره من الذنوب، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ (البقرة/278-279. وروى مسلم (1598) عن جابر رضي الله عنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، ومؤكله، وكاتبه، وشاهديه. وقال: هم سواء. والتأمين التجاري محرم بجميع أنواعه؛ لقيامه على الربا والميسر، وأكل أموال الناس بالباطل، وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال (8889) . وعليه؛ فلا يجوز الإعانة على شيء من ذلك، لا ببناء، ولا صيانة، ولا تدريب ولا تطوير، سواء كان ذلك في برامج التأمين والبنوك، أو في مهارات العرض والتفاوض ونحو ذلك؛ لأن هذه الدورات إنما تنشأ لإعانة الموظفين، والارتقاء بالمؤسسة وأفرادها ونظمها، وكل ذلك إعانة لها على القيام بمهامها، وهي مهام محرمة، فلا يجوز إعانتهم عليها؛ لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/ 2. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103921 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5190 خطبها رجل يعمل في بنك ربوي [السُّؤَالُ] ـ[تقدم لخطبتي رجل يصلي وذو خلق وجميع مواصفاته جيدة لكنه يعمل في بنك ربوي مدير قسم المحاسبة استخرت ولكني أنتظر إجابتك لقبوله أو رفضه لأني أخاف أن يكون حراما علي وعلى أولادي مستقبلاً وأتمنى إذا كانت هناك توضيحات أكثر على هذا الموضوع تعلمني به.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز العمل في البنوك الربوية مطلقا، لا في المحاسبة ولا في غيرها، لما في ذلك من الإعانة على الإثم والمعصية، والعمل في مجال كتابة الربا أو حسابه أشد وأعظم؛ لما روى مسلم (1598) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ. وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ. وينظر: جواب السؤال رقم (21113) . والمال الناتج عن هذا العمل مال محرم، ولهذا ننصحك برفض هذا الخاطب؛ لأن قبولك له يعني أن يكون طعامك وشرابك ونفقتك من المال الحرام، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) ، وَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) ، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ) رواه مسلم (1015) . قال ابن رجب رحمه الله: " فأكل الحلال وشربه ولبسه والتغذي به سبب موجِبٌ لإجابة الدعاء " انتهى. وقال صلى الله عليه وسلم: (كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به) رواه الطبراني وأبو نعيم عن أبي بكر، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4519) . ونسأل الله تعالى أن يرزقك الزوج الصالح، والرزق الحلال المبارك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103793 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5191 التمويل الائتماني مع شرط الزيادة في حال التأخر [السُّؤَالُ] ـ[توجد شركة أجنبية (أوروبية) تقدم عروضاً استثمارية ائتمانية وعقارية، للراغبين في طلب تسهيلات ائتمانية بإصدار سندات خلال فترة ثلاثة أشهر من التوقيع على مذكرة التفاهم. وتشمل شروط هذه الشركة للتمويل تطبيق فوائد ثابتة بنسبة 7 % يتم تحصيلها سنوياً ويتم إعادة رأس المال للشركة بعد 10 سنوات من إصدار السندات ودفع الفائدة المتفق عليها ألا وهي 7 % من كل سنة. وتقوم الشركة بتمويل المشاريع تمويلاً كاملاً. الضمانات على السداد ورد رأس المال • على الائتمان: ضمان الرهن أو بموجب ضمان إضافي متفق عليه بين الأطراف. • على الفوائد: عقد إدارة، وضمان السندات بواسطة شركة تأمين تقترحها شركة التمويل. السؤال: هل يجوز التعامل مع هذه الشركة؟ علماً بأنها ليست شركة إسلامية والعاملين بها أجانب وليسوا مسلمين؟ وفي حالة عدم الجواز فهل يجوز لنا أن نقترض من هذه الشركة المبلغ الائتماني بطريق الأجل، ثم نقوم بتسديد كامل المبلغ قبل حلول موعد تحصيل الفوائد المتفق عليها، حيث إن الشركة لا تلزمنا بالفوائد في حالة سداد وإعادة رأس المال قبل سريان الفائدة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز التعامل مع هذه الشركة، لا بنظام الفائدة ولا بنظام الائتمان، أما الأول فلأنه قرض ربوي صريح، ولا يخفى تحريم الربا وما جاء فيه من الوعيد الشديد، وقد أجمع أهل العلم أن كل قرض اشترطت فيه الزيادة فهو ربا. ولا فرق بين أن يكون الربا مع المسلم أو مع الكافر، كما لا فرق بين آكل الربا الذي يأخذ الفائدة، وموكلها الذي يدفعها. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278-279. وروى مسلم (1598) عن جابر رضي الله عنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه. وقال: هم سواء. وقال ابن قدامة رحمه الله: " وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المُسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية، فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا. وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة ". انتهى من "المغني" (6/436) . وأما أخذ المال عن طريق الائتمان، مع شرط الزيادة في حال التأخر عن السداد، فلا يجوز أيضا ولو عزم الإنسان على السداد؛ وذلك لأمرين: الأول: أن هذا عقد ربوي محرم، فلا يجوز التوقيع عليه ولا الدخول فيه ولا إقراره. الثاني: أنه قد يتأخر الإنسان في السداد لظرف ما، من نسيان أو مرض أو غيره، فيقع في الربا. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: تقوم البنوك بمنح عملائها بطاقة تسمى (الفيزا) ، حيث تمكنه من سحب مبالغ نقدية من البنك ولو لم يكن في حسابه تلك اللحظة أي مبلغ، على أن يقوم بردها للبنك بعد فترة زمنية محددة، وإذا لم يتم التسديد قبل انقضاء تلك الفترة فإن البنك يطلب زيادة أكثر مما سحب العميل، مع العلم أن العميل يقوم بدفع مبلغ سنوي للبنك مقابل استخدامه لتلك البطاقة، أرجو بيان حكم استخدام هذه البطاقة. فأجاب: " هذه المعاملة محرمة، وذلك لأن الداخل فيها التزم بإعطاء الربا إذا لم يسدد في الوقت المحدد، وهذا التزام باطل، ولو كان الإنسان يعتقد أو يغلب على ظنه أنه موف قبل تمام الأجل المحدد، لأن الأمور قد تختلف فلا يستطيع الوفاء، وهذا أمر مستقبل، والإنسان لا يدري ما يحدث له في المستقبل، فالمعاملة على هذا الوجه محرمة. والله أعلم " انتهى من مجلة الدعوة العدد 1754 ص 37. وعلى هذا؛ فلا يجوز التعامل مع هذه الشركة فيما ورد في السؤال، لأنه من الربا الصريح الذي حرمه الله ورسوله. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103416 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5192 بعض أنواع البيوع المحرمة [السُّؤَالُ] ـ[ما هي أصناف البيع الحرام مع ذكر الأدلة لو تفضلتم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله للبيوع المحرمة صور كثيرة، ولا يمكن حصرها في هذا الجواب المختصر، وقد ذكرنا في الموقع تحت قسم "البيوع المحرمة" كثيرا من هذه البيوع، فيمكنك مراجعتها. وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قاعدة مفيدة في هذا الباب، تُعين على فهم الموضوع، وبالقياس عليها يلتئم الباب. قال رحمه الله – كما في "مجموع الفتاوى" (29/22) -: " القاعدة الثانية: فى العقود حلالها وحرامها: والأصل فى ذلك أن الله حرم فى كتابه أكل أموالنا بيننا بالباطل، وذم الأحبار والرهبان الذين يأكلون أموال الناس بالباطل، وذم اليهود على أخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل، وهذا يعم كل ما يؤكل بالباطل فى المعاوضات والتبرعات، وما يؤخذ بغير رضا المستحق والاستحقاق. وأكل المال بالباطل فى المعاوضة نوعان ذكرهما الله في كتابه هما: الربا، والميسر. فذكر تحريم الربا الذي هو ضد الصدقة في آخر سورة البقرة وسورة آل عمران والروم وذم اليهود عليه في سورة النساء. وذكر تحريم الميسر في سورة المائدة. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم فَصَّل ما جمعه الله في كتابه: فنهى صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر كما رواه مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه، والغرر هو المجهول العاقبة، يفضي إلى مفسدة الميسر التي هي إيقاع العداوة والبغضاء، مع ما فيه من أكل المال بالباطل الذي هو نوع من الظلم، ففي بيع الغرر ظلم وعداوة وبغضاء. وأما الربا فتحريمه في القرآن أشد، ولهذا قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) البقرة/278-279 وذكره النبي صلى الله عليه وسلم في الكبائر كما خرجاه في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، وذكر الله أنه حرم على الذين هادوا طيباتٍ أُحلت لهم، بظلمهم، وصدهم عن سبيل الله، وأخذهم الربا، وأكلهم أموال الناس بالباطل، وأخبر سبحانه أنه يمحق الربا كما يُربي الصدقات، وكلاهما أمر مجرب عند الناس " انتهى. فالقاعدة: أن كل بيع يشتمل على واحد من هذين المحذورين – الربا والميسر - أو كان حيلة إليهما فهو من البيوع المحرمة. ومن أمثلة البيوع المحرمة بسبب الربا: بيع العينة، وكثير من صور بيع الدَّين، والجمع بين البيع والسلف. . ونحوها. ومن أمثلة البيوع المحرمة بسبب الميسر: بيع الشيء المجهول، وبيع ما لا يقدر على تسليمه. وانظر جواب السؤال (105339) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103149 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5193 هل تساعد صديقتها في شراء منزل بقرض ربوي؟ [السُّؤَالُ] ـ[عندي صديقة تريد شراء منزل بقرض ربوي، وهي تطلب مني أن أخرج معها للبحث عن هذا المنزل، وإعطائها رأيي فيه، فماذا علي أن أفعل؟ هل علي إثم إن قبلت؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الربا من الأمور المحرمة في الشريعة الإسلامية تحريماً قطعياً؛ قال تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) البقرة /275، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) البقرة / 278. وروى مسلم (1598) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ) . فالنصوص السابقة تدل على حرمة الربا سواء أخذه الإنسان؛ لأجل أن يشتري به بيتاً أم أخذه لغير ذلك. وانظري جواب سؤال رقم (9054) . فإذا تبين لكِ أن فعل صديقتك محرم، فإنه لا يجوز لكِ مساعدتها على ذلك؛ لأن المسلم لا يجوز له أن يعين أخاه على أمر محرم، قال الله تعالى: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة / 2، بل الواجب عليكِ هو النصح والإرشاد لصديقتك؛ لعل الله أن يهديها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103076 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5194 تمول لهم شركتهم شراء السيارات ويشترط البائع التأمين على الحياة! [السُّؤَالُ] ـ[أعمل في شركة، وهذه الشركة أجرَت اتفاقاً مع بائع السيارات ليبيع السيارات لعمالها بالتقسيط، فإذا أراد أي عامل شراء سيارة يذهب إلى بائع السيارات، ويختار السيارة التي تعجبه، فيعطيه البائع ورقة مكتوباً عليها ثمن السيارة بدون تقسيط، وثمن السيارة بالتقسيط لمدة ستين شهراً، وقيمة كل قسط، وهذه الأقساط تخصم مباشرة من الراتب الشهري للعامل حسب اتفاق الشركة والبائع، لكن البائع يشترط على المشتري أن يؤمِّن على السيارة من كل الأخطار، ويؤمِّن على حياته مدة ستين شهراً؛ وذلك ليضمن البائع استرداد ثمن السيارة في حالة ما إذا وقع حادث للسيارة، أو في حالة وفاة المشتري، هل هذه المعاملة حلال شرعاً - مع العلم أن التأمين على السيارة في بلدي إجباري، وأنني أملك سيارة قديمة وأريد استبدالها بسيارة جديدة ?]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الذي يظهر أن ما تقوم به هذه الشركة هو دفع ثمن السيارة للبائع نقداً، ثم تقوم بتحصيل هذا الثمن مقسطاً من المشتري، وعليه زيادة عما دفعته للبائع. فاتفاقها مع بائعي السيارات واضح في أنهم يمكنون عاملهم من اختيار السيارة، ويكون عليها دفع ثمنها لهم، وواضح أن هذه المعاملة هي قرض تقدمه الشركة لموظفيها، لكنها لا تمكنهم من المال نقداً، بل تبادر بدفعه لبائعي السيارات، وهي تستوفي من موظفيها أكثر مما دفعت. وهذه المعاملة محرَّمة، وهي صورة من صور الربا، وقد سبق في جواب السؤال (10958) فتوى لعلماء اللجنة الدائمة للإفتاء في تحريمها. ثانياً: سبب آخر يجعل هذه المعاملة محرَّمة، هو اشتراط البائع على الموظف المشتري أن يؤمِّن على حياته! وذلك من أجل استيفاء أموالهم من قيمة التأمين بعد الوفاة! وعقود التأمين التجاري كلها محرَّمة، ولا يجوز منها أي نوع، ومن يؤمن على سيارته فإن هذا من باب الإكراه، والاضطرار، ولا يحل له الاستفادة مما تدفعه له شركة التأمين في حال وقوع حادث، بل يأخذ منهم ما دفعه لهم من أقساط فقط. وانظر جواب السؤال رقم (10805) ففيه بيان حكم التأمين على الحياة، وفيه فتوى الشيخ ابن باز وانظر جواب السؤال رقم: (30740) ففيه حكم الاقتراض ممن يشترط التأمين على الحياة. وعلى هذا؛ فلا يجوز للموظف أن يشتري السيارة بهذه الطريقة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 102937 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5195 حكم استلام الراتب من البنوك الربوية وإبقاء جزء منها فيه [السُّؤَالُ] ـ[أنا شاب مغربي، أعمل في إحدى الشركات، وكنت أتقاضى أجرتي مباشرة من رب العمل , لكن هذا الأخير قرر أن يحوِّل أجرتي إلى البنك، ما حكم المعاملات البنكية، مع العلم أنني لن أسحب أجرتي كلها في آخر كل شهر، هل هذا العمل لا يجوز؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله البنوك الربوية مؤسسات تقوم على الشر والفساد، وهي تقوم بترتيب وتنظيم كبيرة من كبائر الذنوب وهي الربا، فهي مؤسسات تحارب الله ودينه، والوعيد على أكل الربا لا محالة طائل من قام بتأسيسه والمساهمة فيه، ومن وضع ماله عندهم، ومن أذن بقيامه ورخَّص له بمزاولة عمله، فليحذر المسلم من أن يكون له صلة بتلك المؤسسات إلا أن يكون مضطراً لذلك، ولا يجد مناصاً من ذلك. ومن الضرورات في زماننا هذا: ما تفعله الدول والمؤسسات العامة والخاصة من تسليم موظفيها رواتبهم وحقوقهم من خلال بنوك ربوية، وهذا الفعل حرام على تلك الجهات؛ لأنه يقوي مكانة تلك البنوك، ويساهم في فائدتها، ولا يلحق الموظف حرج ولا إثم إن استلم راتبه عن طريق تلك البنوك الربوية، لكن بشروط: الأول: أن لا يجد الموظف طريقة أخرى غير ذلك البنك الربوي، فإن استطاع استلام راتبه من مؤسسته، أو استلامه من خلال بنك إسلامي: فلا يكون معذوراً. الثاني: أن لا يدع شيئاً من راتبه لذلك البنك الربوي، وإلا كان مساهماً في فائدتهم وانتفاعهم. والحل لمن كان مضطراً اضطراراً ملجئاً لتلك البنوك: أن يفتح فيها حساباً جارياً، ويكون تحويل الراتب إليه، ومن المعلوم أن الحسابات الجارية شأنها أخف من حسابات التوفير. قال علماء اللجنة الدائمة: " لا بأس بأخذ الرواتب التي تصرف عن طريق البنك؛ لأنك تأخذها في مقابل عملك في غير البنك، لكن بشرط أن لا تتركها في البنك بعد الأمر بصرفها لك من أجل الاستثمار الربوي " انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ بكر أبو زيد. " فتاوى اللجنة الدائمة " (13 / 288، 289) . وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله -: " يوجد بعض الجهات من شركات وغير شركات تلزم الموظفين أن يفتحوا حساباً في أي بنك من البنوك من أجل أن تحيل الرواتب إلى هذا البنك , فإذا كان لا يمكن للإنسان أن يستلم راتبه إلا عن هذا الطريق: فلا بأس , يفتح حساباً، لكن لا يدخل حساباً من عنده , يعني: لا يدخل دراهم من عنده , أما كونه يتلقى الراتب من هذا: فلا بأس " انتهى. " لقاءات الباب المفتوح " (111 / السؤال رقم 10) . ولا حرج من ترك الأموال في البنوك الربوية لحفظها، ولكن بشروط، سبق بيانها في جواب السؤال رقم (22392) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 102655 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5196 تقدير الفوائد البنكية المختلطة بأصل المال [السُّؤَالُ] ـ[والدي ترك مالاً لي في بنك ربوي في دفتر توفير ومسكت الدفتر من 21 عاماً ولا أعرف هذه الفلوس مضاف إليها فوائد أم لا؟ وتأكدت أن والدي ووالدتي وضعوا لي قريبا مالاً فيبقي قدر المال المشكوك فيه قليلاً. وأنا صفيت الدفتر في البنك الربوي فلا أستطيع أن أعرف كم الفلوس الحرام حتى ولو كان معي الدفتر، فماذا أفعل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الودائع المصرفية قروض في حقيقة أمرها، حتى ولو كانت حسابات توفير، فما يدفع عليها من فوائد هو الربا المحرم الذي جاءت النصوص بتحريمه، والوعيد الشديد على آكله. وقد جاء في قرار المجمع الفقهي بمنظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد بجدة سنة 1406هـ ما يلي: "كل ما جاء عن طريق الفوائد الربوية هو مال حرام شرعا، لا يجوز أن ينتفع به المسلم-مودِعُ المال- لنفسه أو لأحد ممن يعوله في أيِّ شأن من شؤونه، ويجب أن يصرف في المصالح العامة للمسلمين من مدارس ومستشفيات وغيرها، وليس هذا من باب الصدقة، وإنما من باب التطهر من الحرام". انظر: "مجلة المجمع" (9/1/667) . وبناء عليه؛ ينبغي عليك أن تتحرى ما استطعت لمعرفة مقدار المال الربوي، وذلك بالرجوع إلى نظام البنك والطريقة التي جرى عليها في مثل هذه الزيادات الربوية، والرجوع إلى والديك لمعرفة المبلغ القديم الذي وضعوه في دفتر التوفير والمبلغ الجديد الذي وضعوه قريبا، فإن عرفت مقدار الفائدة الربوية على التحديد فالواجب عليك إخراجها في المصالح العامة للمسلمين، وإلا رجعت في ذلك إلى ما يغلب على الظن، مع مراجعة والديك في تحديد ذلك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 102457 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5197 تمويل " الأمانة " من بنكHSBC [السُّؤَالُ] ـ[هل تمويل amanah (الأمانة) الخاص ببنك HSBC صحيح في ضوء القرآن والسنة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تمويل " الأمانة " الشخصي المستعمل في بنك HSBC يعتمد في أسلوبه على " التورق المصرفي المنظم " كما يظهر ذلك في موقع البنك الإلكتروني باللغة الإنجليزية: http://www.hsbcamanah.com/1/2/hsbc-amanah/personal/personal-finance وهذه ترجمتها العربية: http://66.249.91.104/translate_c?hl=ar&u;=http://www.hsbcamanah.com/1/2/hsbc-amanah/personal/personal-finance&prev;=/search%3Fq%3D%2522amanah%2Bfinance%2522%26hl%3Dar%26sa%3DX وهي معاملة محرمة؛ لما فيها من الحيلة على الربا. وقد أصدر مجمع الفقه الإسلامي قراراً بتحريم التورق المنظم الذي يتم عن طريق البنوك. وقد ذكرنا نص القرار في جواب السؤال رقم (98124) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 102477 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5198 يحرم دفع الفوائد بسبب التضخم [السُّؤَالُ] ـ[هل يحرم دفع الفوائد في القروض بسبب التضخم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، يحرم دفع الفوائد في القروض ولو بسبب التضخم. وقد اتفق العلماء على أن القرض إذا اشترط فيه أن يرد بزيادة، فذلك الربا الذي حرمه الله ورسوله، قال ابن قدامة في "المغني" (6/436) : "وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المُسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية، فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا. وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة" انتهى. وقد نص العلماء على أنه يجب على المقترض أن يدفع مثل المال الذي اقترضه، ولو زادت قيمته يوم الوفاء أو نقصت عن قيمته يوم القرض. غير أن الإمام أحمد رحمه الله استثنى صورة وهي إذا منع الحاكم التعامل بالعملة التي وقع القرض بها، فإنه يقومها يوم أخذها ويسدد القرض من العملة الجديدة. وذلك لأن منع التعامل بها قد أذهب ماليتها، وصارت لا قيمة لها. قال ابن قدامة في "المغني" (6/441) : "ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُسْتَقْرِضَ يَرُدُّ الْمِثْلَ , سَوَاءٌ رَخُصَ سِعْرُهُ أَوْ غَلا , أَوْ كَانَ بِحَالِهِ. . . . وَإِنْ كَانَ الْقَرْضُ فُلُوسًا فَحَرَّمَهَا السُّلْطَانُ , وَتُرِكَتْ الْمُعَامَلَةُ بِهَا , كَانَ لِلْمُقْرِضِ قِيمَتُهَا , وَلَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهَا. . . وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَالشَّافِعِيُّ: لَيْسَ لَهُ إلا مِثْلُ مَا أَقْرَضَهُ ; لأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِعَيْبٍ حَدَثَ فِيهَا , فَجَرَى مَجْرَى نَقْصِ سِعْرِهَا. والدليل على ما قالناه: أَنَّ تَحْرِيمَ السُّلْطَانِ لَهَا يمنع إنْفَاقِهَا , ويبطل مَالِيَّتِهَا , فَأَشْبَهَ تَلَفَ أَجْزَائِهَا , وَأَمَّا رُخْصُ السِّعْرِ فَلا يَمْنَعُ رَدَّهَا , سَوَاءٌ كَانَ كَثِيرًا , أَوْ قَلِيلا ; لأَنَّهُ لَمْ يَحْدُثْ فِيهَا شَيْءٌ , إنَّمَا تَغَيَّرَ السِّعْرُ , فَأَشْبَهَ الْحِنْطَةَ إذَا رَخُصَتْ أَوْ غَلَتْ " اهـ باختصار. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 12541 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5199 المشاركة في مسابقة ثقافية بمبلغ مالي مقابل جائزة مرتقبة [السُّؤَالُ] ـ[أقوم بعمل مسابقة ثقافية نصف شهرية بالكيفية التالية: 1- يدفع كل متسابق قيمة اشتراك 100 ريال، ويحق له الاشتراك في المسابقة مدى الحياة، وله سحب هذا المئة في أي وقت. 2- أقوم بتشغيل الأموال التي جمعتها من الاشتراكات في مشاريع ناجحة ومضمونة وأوزع منها الأرباح على الفائزين، ولا أعطي الأرباح من الاشتراكات. 3- أعطي جائزة خمسة آلاف ريال لكل واحد من الفائزين، وهم ثلاثة من كل ألف]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه المسابقة لا يجوز إنشاؤها ولا الاشتراك فيها، وذلك لقيامها على الربا، لأن المال المدفوع لك يعتبر قرضا، لا وديعة؛ إذ الوديعة تحفظ كما هي، ولا يتصرف في عينها، وأما القرض فهو أخذ المال ورد بدله، وإذا ترتب على القرض منفعة مشروطة للمقرض كان ذلك ربا، والمنفعة هنا هي الحصول على الجائزة، ولولا ذلك ما دفع الناس أموالهم. واعلم أن معاملتك هذه هي عين ما يسمى في بعض البلدان بشهادات الاستثمار فئة (ج) مع فارق واحد وهو هذه المسابقة الثقافية، لكنه فارق غير مؤثر، لأن المدار على دفع المال بهدف الحصول على الجائزة المرجوة. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: عندنا في مصر ما يسمى بشهادات الاستثمار التي تباع في البنوك, وتسمى الفئة (ج) وهي بدون فوائد , أي: لو اشتريت شهادة, ثم أردت أن أردها ولو بعد عشر سنوات أو أكثر أو أقل, فهي ترد بنفس السعر الذي اشتريت فيه. وبعد ذلك يقوم الكمبيوتر بسحب رقم من أرقم الشهادات المباعة في الجمهورية, ويكون هذا هو الفائز الأول, ويوجد فائز ثان, وثالث إلى أكثر من (400) فائز, ويحصل الفائز الأول على عشرين ألف جنيه قيمة الفائزية. فأريد أن أعرف أنه لو اشتريت من هذه الشهادات ثم كنت من أحد الفائزين, فهل يجوز لي أن آخذ هذا المبلغ أم لا؟ وهل أكون مرتكباً إثماً؟. فأجابوا: " ما ذكرته في سؤلك مما يتعلق بشهادة الاستثمار, نوع من أنواع القمار (اليانصيب) وهو محرم, بل من كبائر الذنوب, بالكتاب والسنة والإجماع " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/305) . وقال الدكتور علي السالوس في كتابه: " معاملات البنوك الحديثة في ضوء الإسلام" ص 38: " وإذا كان البنك الربوي قد صنف الشهادات أصنافا ثلاثة، فجعل الأولى غير الثانية بقصد جذب أكبر عدد ممكن، فإنه في المجموعة الأخيرة خطا خطوة أبعد، فجاء إلى مجموع الربا، ثم قسمه إلى مبالغ مختلفة لتشمل عددا أقل بكثير جدا من عدد المقرضين، ثم لجأ إلى توزيع هذه المبالغ المسماة بالجوائز عن طريق القرعة! وبهذا ربما نجد صاحب قرض ضئيل يأخذ آلاف الجنيهات، على حين نجد صاحب الآلاف قد لا يأخذ شيئا. فالأول أخذ نصيبه من الربا ونصيب مجموعة كبيرة غيره، والثاني ذهب نصيبه لغيره، وفي كل مرة يتم التوزيع يترقبه المترقبون، يخرج هذا فرحا بما أصاب، ويحزن ذلك لما فاته، وهكذا في انتظار مرة تالية، أليس هذا هو القمار؟ فالبنك الربوي لجأ إلى المقامرة بالربا! فمن لم يُغره نصيبه من الربا في المجموعتين، فليقامر بنصيبه في المجموعة الثالثة ... ألا يمكن إذن أن تكون المجموعة (ج) أسوأ من أختيها؟ " انتهى. وإذا كنت تريد الرزق الحلال المبارك فيه، وهذا ما نؤمّله ونرجوه، فإنه يمكن أن تتفق مع هذا العدد من الناس على استثمار أموالهم، ولهم هذه النسبة الكبيرة من الأرباح، ولك الباقي، على أن لا يُضمن رأس مالهم، بل إن حصلت الخسارة بلا تفريط منك، خسروا أموالهم وخسرت عملك، وإن حصل الربح، قُسم بينكم بحسب الاتفاق. هذا ويشترط أن يكون استثمارك للمال في مشاريع مباحة، كما لا يخفى. ونسأل لنا ولك التوفيق والسداد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 101657 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5200 اشتراط البائع فائدة في حال تأخر المشتري في سداد الثمن المؤجل [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم هذا الأمر بالنسبة للمسلمين – يطلب الدائن نسبة فائدة ثابتة محددة من المدين بدءا من الوقت الذي تأخر فيه في دفع قيمة السلع المباعة على الحساب والتي تم تحديد وقت محدد لدفعها. فما الحكم إذا قام المسلم بشراء سلعا محددة بالدين وهو غير قادر على دفع قيمتها ويطلب الدائن حال كونه غير مسلم فائدة لهذا التأخير.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا اشترى الإنسان سلعة بثمن مؤجل، أصبح هذا الثمن دينا عليه، ولا يجوز أن يُشترط عليه دفع فائدة أو زيادة في حال تأخره عن موعد السداد؛ لأن ذلك من الربا المحرم، سواء كان التعامل مع مسلم أو كافر؛ لعموم النصوص التي تحرم الربا. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (101080) . وقد أصدر مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي قرارا بشأن غرامة التأخير في دورته الرابعة عشرة بالدوحة جاء فيه: " ثالثا ً: إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط عن الموعد المحدد فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين بشرط سابق، أو بدون شرط، لأن ذلك ربا محرم " انتهى. والربا يشترك في إثمه: آكله أي الآخذ، ومؤكله أي الدافع، كما روى مسلم (1598) عن جابر رضي الله عنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، ومؤكله، وكاتبه، وشاهديه. وقال: هم سواء. ثانيا: إذا كان البائع يشترط غرامة في حال تأخير السداد عن الموعد المحدد، فلا يجوز الدخول معه في هذا العقد، ولو كان المشتري عازما على السداد في الوقت، وذلك لأمرين: الأول: أن في هذا إقرارا وموافقة على الشرط الربوي، وهذا حرام. الثاني: أنه قد يقع في الربا بالفعل، فقد يتأخر عن السداد، لعذر من نسيان أو مرض أو سفر ونحو ذلك. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 101384 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5201 أخذ الفائدة الربوية لتعويض النقص في قيمة النقود الشرائية [السُّؤَالُ] ـ[نسبة لغلاء المعيشة حيث يفقد المال قيمته الشرائية بنفس درجة غلاء المعيشة. مثال ـ إذا كان نسبة غلاء المعيشة 2% فيكون ثمن ما يمكن شراؤه اليوم بـ 100 دينار 102 دينار بعد سنة. إذا تعاملت مع بنك فقط للحفاظ علي قيمة نقودي الشرائية، أي إعطائي مبلغا بنسبة مساوية لغلاء المعيشة الحالي، فماذا يكون وضعي دينيا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا شك أن غلاء المعيشة المتزايد يعني أن الاحتفاظ بالنقود يفقدها قدرا من قيمتها الشرائية، ولهذا ينبغي البحث عن وسائل مشروعة لاستثمارها. ونظرا لمخاطر الاستثمار، وفقدان الثقة في الجهات الاستثمارية عند كثير من الناس، فإن بعضهم يلجأ إلى الإيداع في البنوك الربوية، وأخذ الفائدة، وهذا إما من الجهل بحرمة هذا التصرف، أو من إيثار الدنيا على الآخرة، فإن هذا الإيداع الربوي محرم تحريما عظيما، لأنه الربا الذي لعن آكله وموكله وكاتبه وشاهداه، وهو الربا الذي توعد الله فاعله بالحرب والمقت. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278-279. روى مسلم (1598) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ. وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ. وقال صلى الله عليه وسلم: (درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله من ستة وثلاثين زنية) رواه أحمد والطبراني، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 3375 وحقيقة الإيداع في هذه البنوك: أنه قرض بفائدة، والمقرض هو العميل، والمقترض هو البنك، لأن القرض إعطاء المال ثم أخذ بدله، وتسمية ذلك وديعة خطأ واضح، فإن الوديعة يُحتفظ بعينها، ولا يتصرف فيها، كوضع المال في صندوق الأمانات مثلا، بحيث يبقى المال بعينه دون تغيير، أما أن يتصرف البنك في المال تصرف الملاك، مع التزامه برد مثل المال، فهذا هو القرض، فإذا كان مع التزام فائدة عليه، كان قرضا ربويا مجمعا على تحريمه. قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: " وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المُسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية، فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا. وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة " انتهى من "المغني" (6/436) . وقال ابن عبد البر رحمه الله: " وكل زيادة في سلف أو منفعة ينتفع بها المسلف فهي ربا , ولو كانت قبضة من علف , وذلك حرام إن كان بشرط " انتهى من "الكافي " (2/359) . ونقصان القيمة الشرائية للنقود لا يبيح اشتراط الفائدة التي هي عين الربا، بل القرض يُرد كما هو ولو نقصت قيمته. وقد جاء في "موسوعة فتاوى الأزهر"، فتوى للشيح جاد الحق شيخ الأزهر السابق رحمه الله، فيما نحن بصدده، نوردها للفائدة السؤال " السائل أهديت له شهادات استثمار من الفئة (ب) ذات العائد الجارى من والده بمناسبة زواجه وهى في حوزته إلى الآن. وقد استحق صرفها حاليا ولها أرباح عن فترة حيازته لها. والسؤال: هل هي حلال بأرباحها. علما بأن قيمتها الشرائية الآن مع أرباحها أقل من قيمتها وقت الإهداء والشراء. فأجاب: " اصطلح فقهاء الشريعة على أن ربا الزيادة هو زيادة مال بلا مقابل في معاوضة مال بمال. وقد حرم الله الربا بالآيات الكثيرة في القرآن الكريم. وكان آخرها نزولا على ما صح عن ابن عباس رضي الله عنهما قول الله سبحانه وتعالى (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون. يمحق الله الربا ويربى الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم) البقرة /275 -276، وحرمه كذلك بما ورد في الحديث الشريف الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما، عن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، يدا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطى فيه سواء) . ولما كان مقتضى هذه النصوص أن الربا يدخل فيه كل زيادة على المال المقترض أو المودع بالشرط والتحديد بلا مقابل، وقد أجمع المسلمون على تحريمه إعمالا لنصوص القرآن والسنة الشريفة. ولما كانت شهادات الاستثمار من الفئة (ب) ذات فائدة محددة مشروطة مقدما زمنا ومقدارا، كانت داخلة في ربا الزيادة المحرم شرعا بمقتضى تلك النصوص، باعتباره قرضا بفائدة مشروطة مقدما زمنا ومقدارا. أما ما جاء بالسؤال من أن قيمة هذه الشهادات الشرائية الآن مع أرباحها أقل من قيمتها وت إهدائها إلى السائل أو وقت الشراء فلا يصلح مبررا لاستحلال هذه الفوائد الربوية، فقد نقل الإمام الإسبيجابي في شرح الطحاوي اتفاق الفقهاء على أن الفلوس إذا لم تكسد ولكن غلت قيمتها أو نقصت، فعلى المقترض مثل ما قبض من العدد مادام نوع الفلوس محددا (رسالة تنبيه الرقود على مسائل النقود من رخص وغلاء وكساد وانقطاع للعلامة ابن عابدين ج - 2 مجموع الرسائل ص 58 - 67) . وإذ كان ذلك، كانت القيمة الاسمية لهذه الشهادات حلالا باعتبار أن أصلها جاء هدية من كسب حلال في الغالب حملا لحال المؤمنين على الصلاح، كما هو الأصل. أما الفائدة التي استحقت عليها طبقا لنظام إصدارها فهى من باب ربا الزيادة المحرم، باعتبارها محددة زمنا ومقدارا، ولا يحل للمسلم الانتفاع بهذه الفائدة باعتبارها من الأكساب المحرمة، وله قبضها وتوجيهها إلى أي طريق من طرق البر كبناء المساجد أو المستشفيات أو إعطائها لفقير أو مسكين على ما أشارت إليه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التصرف في الكسب الحرام، إبراء لذمة المسلم من المسئولية أمام الله. فقد ورد في الحديث الشريف عن أبى برزة الأسلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه) ، والله سبحانه وتعالى أعلم " انتهى. ولهذا نقول لأخينا السائل: إما أن تبحث عن وسيلة مشروعة لاستثمار المال، ولو بشراء سلع تحتفظ بقيمتها غالبا كالأرض والذهب ونحو ذلك، وإما أن تصبر وتحتسب، وتتحمل ما ينشأ عن حفظ المال من نقص في قيمته. ثانيا: لا يجوز وضع المال في البنك الربوي إلا لغرض حفظه إذا خيف عليه من السرقة، ويُجعل حينئذ في الحساب الجاري لا في حساب التوفير، ارتكابا لأهون الشرين، وفي حال ترتب فائدة عليه، يجب التخلص منها بصرفها للفقراء والمساكين وفي المصالح العامة، ولا يجوز لصاحب المال الانتفاع بشيء منها. نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 101260 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5202 حكم شراء بيت بالربا في بلاد الكفر [السُّؤَالُ] ـ[أنا امرأة متزوجة ومنذ فترة تحسن عمل زوجي كثيرا والحمد لله ولكن بدلا من أن يشكر زوجي -هداه الله- الله عز وجل على هذه النعمة يصر على شراء بيت عن طريق الأقساط الربوية لقوله إن كثيراً من العلماء أجازوا ذلك لمن يعيش في بلد غير مسلم، فهل أطلب الطلاق أم أبقى مع زوجي والإثم عليه وحده؟ وهل أكون آثمة إذا قمت باختيار بيت غالي الثمن لكي يشعر زوجي بأنه غير قادر على دفع أقساط عالية ويرتدع عن شراء بيت ربوي؟ أرجوكم لا تهملوا هذا السؤال لأنه مهم جدا. ماذا أفعل هل أطلب الطلاق أم ماذا؟ أرجوكم انصحوني فأنا حائرة جدا لأنه عندنا ولد.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا يجوز شراء بيتٍ أو غيره عن طريق الربا، سواء كان ذلك في بلاد إسلامية أو غير إسلامية؛ لعموم الأدلة التي تحرّم الربا وتلعن آكله وموكله، وهذا مذهب جمهور أهل العلم. وذهب الحنفية إلى أنه يجوز أخذ الربا من الحربيين في دار الحرب، وتصحيح كل عقد أو معاملة تعود على المسلم بنفع ما دامت قائمة على التراضي، وليس فيها غش ولا خيانة. قال الكاساني في "بدائع الصنائع" (7/132) : " وعلى هذا إذا دخل مسلم أو ذمي دار الحرب بأمان , فعاقد حربيا عقد الربا أو غيره من العقود الفاسدة في حكم الإسلام جاز عند أبي حنيفة , ومحمد - رحمهما الله - وكذلك لو كان أسيرا في أيديهم أو أسلم في دار الحرب ولم يهاجر إلينا , فعاقد حربيا ... وجه قولهما: أن أخذ الربا في معنى إتلاف المال , وإتلاف مال الحربي مباح , وهذا لأنه لا عصمة لمال الحربي , فكان المسلم بسبيلٍ من أخذه إلا بطريق الغدر والخيانة , فإذا رضي به انعدم معنى الغدر " انتهى. وقال ابن الهمام في "فتح القدير" (7/39) : " الظاهر أن الإباحة تفيد نيل المسلم الزيادة , وقد التزم الأصحاب في الدرس أن مرادهم من حل الربا والقمار ما إذا حصلت الزيادة للمسلم نظرا إلى العلة " انتهى. وينظر: تبيين الحقائق (4/97) ، العناية شرح الهداية (7/38) ، حاشية ابن عابدين (5/186) . وقد تبين من هذا أن الحنفية يجيزون أخذ الربا من الكافر الحربي – في دار الحرب -؛ لأن ماله مباح أصلا، فيجوز أخذه برضاه عن طريق الربا. وأما أن يدفع المسلم الربا للكافر، فهذا لا يجوز. وبهذا يتبين خطأ من يفتي المسلمين بدفع الربا في بلاد الكفر، اعتمادا على مذهب الحنفية. والحق أن الربا كله محرم، لا فرق بين أن يكون بين مسلمَيْن، أو بين مسلم وكافر، وآكل الربا وموكله كلاهما متوعَّد بالوعيد الشديد، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278-279. وروى مسلم (1598) عن جابر رضي الله عنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (4/47) : " ويحرم الربا في دار الحرب , كتحريمه في دار الإسلام. وبه قال مالك , والأوزاعي , وأبو يوسف , والشافعي , وإسحاق ... لقول الله تعالى: (وحرم الربا) . وقوله: (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس) . وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا) . وقوله صلى الله عليه وسلم (: من زاد أو ازداد فقد أربى) . عام , وكذلك سائر الأحاديث. ولأن ما كان محرما في دار الإسلام كان محرما في دار الحرب , كالربا بين المسلمين " انتهى باختصار. ثانيا: إذا أصر زوجك على التعامل بالربا، فإن الإثم يلحقه هو، ولا يضرك ذلك ما دمت كارهة لعمله، ولهذا لا ينبغي أن تطلبي الطلاق، ولكن استمري في نصحه وتحذيره من الوقوع في هذه الكبيرة العظيمة، وذكريه بأن ما عند الله خير وأبقى، وأن سكن الإنسان بالأجرة ولو كانت مرتفعة خير له من امتلاك منزل عن طريق الربا. ولا حرج في استعمال الحيلة التي ذكرت، من التظاهر بالرغبة في شراء بيت غالي الثمن، لا يتمكن من دفع أقساطه، لينصرف عن الربا. نسأل الله لكما التوفيق والسداد، والرضا والقناعة، وأن يصرف عنكما الربا وإثمه وهمّه وسوء عاقبته. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 101080 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5203 هل يلزم الورثة التخلص من الفوائد الربوية؟ [السُّؤَالُ] ـ[توفي والدي وترك لنا مالا في أحد البنوك الحكومية، وهذا المال تحسب عليه فوائد منذ أن وضعه لأول مرة عام (86) إلى أن توفى في عام 2005. وقمت بعد أن توفى بإيقاف الفوائد المحتسبة. وأنا الآن بصدد التخلص من هذه الفوائد. سؤالي هو ... هل أتخلص من الفوائد المحتسبة خلال هذه الفترة أو فقط خلال السنة أو السنتين الأخيرتين ما قبل إغلاق الفوائد وإيقافها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز إيداع الأموال في البنوك الربوية إلا لضرورة حفظها عند عدم وجود البنك الإسلامي، ويقتصر حينئذ على الإيداع في الحساب الجاري (أي: بدون فوائد) ، من باب ارتكاب أخف الشرين، والفائدة المأخوذة على إيداع المال في البنك الربوي، فائدة محرمة، وهي من الربا الذي حرمه الله ورسوله أشد التحريم، ولهذا يجب التخلص منها بإنفاقها في المصالح العامة ووجوه الخير. وينظر جواب السؤال رقم (20876) و (45691) . وهذا التخلص واجب في حق من تعامل بالربا، وأما الورثة فلهم الانتفاع بهذا المال عند بعض أهل العلم؛ لأن المحرم لكسبه ـ كالربا ـ حرام على الكاسب فقط، لا على من انتقل إليه المال بوجه مباح كالإرث والهبة ونحوها. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ما حرم لكسبه فهو حرام على الكاسب، مثل الربا، إذا مات الإنسان الذي كان يتعامل بالربا فماله حلال لورثته، أما ما حرم لعينه كالخمر فذلك حرام على الناقل وعلى من ينتقل إليه، وكذلك ما كان محرما قد بقي فيه التحريم مثل المغصوب والمسروق، لو أن الإنسان سرق مالا ثم مات فإنه لا يحل للوارث ثم إن كان يعلم صاحبه أعطاه إياه، وإلا تصدق به عنه " انتهى من "لقاءات الباب المفتوح" 1/304. وعلى هذا، فلا حرج عليكم من الانتفاع بهذا المال، لكن ينبغي التنبه إلى أن الفوائد التي أضيفت للمال بعد وفاة والدكم يجب عليكم التخلص منها، لأن المال انتقل إلى ملككم بموت والدكم، أما الفوائد التي أخذها الوالد في حياته، فلا حرج عليكم من الانتفاع بها، ولا يلزمكم التخلص منها. وذهب بعض أهل العلم إلى أن الفائدة الربوية لا تدخل في التركة، وأنه يجب التخلص منها، وبهذا أفتى علماء اللجنة الدائمة للإفتاء. ينظر: "فتاوى اللجنة الدائمة" (16/455، 479) . والقول الأول هو ما نختاره ونذهب إليه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 100381 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5204 التورق المصرفي من البنك الأهلي في السلع المحلية [السُّؤَالُ] ـ[ما رأي فضيلتكم في التمويل الشخصي من البنك الأهلي وهو شراء سلعة (أرز هندي) يمتلكها البنك من شركة العيسائي في جدة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كانت السلعة مملوكة للبنك، فلا حرج عليك في شرائها منه بالتقسيط، ثم تبيعها بنفسك بعد قبضها، على طرف ثالث، ولا يجوز أن توكل البنك في بيعها. وشراء الإنسان السلعة بالأقساط، لأجل أن يبيعها ويحصل على النقد، يسمى عند أهل العلم بالتورق، وهو جائز عند أكثر العلماء. لكن توكيل البنك (البائع) ببيع السلعة، يجعل المعاملة شبيهة بالعينة، وفي الغالب لا يكون فيه قبض صحيح للسلعة، ولهذا صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي بتحريم هذه المعاملة، وهي ما تسمى بالتورق المصرفي المنظم، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (98124) . وقد سئل الدكتور محمد العصيمي حفظه الله عن التورق المصرفي من البنك الأهلي في السلع المحلية، فأجاب: " لا أرى جواز توكيل أحد في القبض في السلع المحلية، بل لا بد من قبض العميل لها، وبيعها على غير المعرض الذي كانت فيه. والله أعلم " انتهى من موقع الشيخ على الإنترنت. والخلاصة: أنه لا حرج في شرائك السلعة من البنك، فإذا قبضتها، بعتها بنفسك على طرف ثالث. ولا يجوز أن توكل البنك في بيعها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 100324 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5205 يعمل في بنك ربوي ويريد الخروج منه ولم يجد البديل [السُّؤَالُ] ـ[أنا اشتغل في بنك ربوي مند سنوات وأنا متأكد أن العمل في البنك حرام بجميع المناصب. سؤالي منقسم إلى قسمين 1-على حد رأي عديد من العلماء يجب على الموظف أن يستمر في عمله، وفي نفس الوقت يبحث عن بديل مع العلم أنني أعين أسرتي وأنا غير راض على هذا الوضع ماذا أفعل 2- أنا أقوم بالعديد من الأعمال الصالحة على الرغم من عملي في البنك كصيام الاثنين والخميس والإحسان إلى الأيتام وتجويد القرآن وأبحث دائما عن بديل ولم أجد لحد اليوم فإن توفاني الله على هذا الحال، ربا وعمل صالح، فكيف سأحاسب عند الله عز وجل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: العمل في البنوك الربوية، لا شك في تحريمه، لحرمة الربا وحرمة الإعانة عليه بأي وجه من الوجوه، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (26771) . وعليه فيلزمك التوبة إلى الله تعالى، والمسارعة إلى ترك هذا العمل قدر استطاعتك. ولا نقول إنه يجب عليك الاستمرار في عملك حتى تجد البديل، بل نقول عجل بتركه مع طلب البديل، وثق بأن الله تعالى سيعوضك خيرا، فإنه ما ترك إنسان شيئا لله إلا عوضه الله خيرا منه، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إنك لن تدع شيئاً لله عز وجل إلا بدلك الله به ما هو خير لك منه) رواه أحمد (21996) ، وقال الألباني: سنده صحيح على شرط مسلم. لكن جدّ واجتهد في البحث، وسل الله تعالى التوفيق والعون، وكن على يقين بأن الله تعالى أكرم من أن يضيعك قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/2-3 وفي مسند الإمام أحمد (205) من حديث عمر بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " يَقُولُ: إِنَّهُ سَمِعَ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا) وصححه الألباني في الصحيحة (310) . ثانيا: إذا لقي الإنسان ربه بأعمال صالحة كصلاة وصيام وإحسان، ولقيه بذنب الربا، فإن كان قد تاب منه، فإن سيئاته تبدل حسنات كما وعد الله تعالى في قوله: (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) الفرقان/70 وإن لقيه مصرا على الربا غير تائب منه، فهذا ممن خلط عملا صالحا وآخر سيئا، وأمره إلى الله تعالى، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، كما قال سبحانه: (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) التوبة/102، وقال: (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة/106 نسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 100229 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5206 يقترض من البنك بشرط أن يودع عنده مالاً لمدة سنة [السُّؤَالُ] ـ[أحب شخص أن يقترض مالاً من أحد البنوك بدون فائدة لكون الفائدة تعتبر رباً، ولكن أحد المسئولين في ذلك البنك قال له: إذا كنت تريد أن تبتعد عن الربا. بإمكانك أن تأخذ مليوناً وبعد سنة إذا كان عندك مقدرة تعطينا مليونين، مليون حقنا، ومليون يبقى عندنا على مدار السنة مقابل السنة التي يبقى مليوننا عندك. وبعد السنة تأخذ مليونك. هل هذا يعتبر ربا أم سليم من الربا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا هو عين الربا، هذا لا يجوز بكل حال، لأن الغرض من القرض هو الإرفاق والمصلحة للمسلم، فقد جاء عن ابن عباس رضي الله عنه أن القرض مرتين بمنزلة صدقة، فإذا أقرضك البنك مليون ريال لمدة سنة وبعد مضي السنة ترد عليه المليون الذي اقترضته منه وتعطيه زيادة مليون يبقى عنده لمدة سنة في مقابل قرضه لك فهذا محرم باتفاق المسلمين، فإن " كل قرض جر منفعة فهو ربا "، فهو أقرضك مليون ريال واشترط أن تعطيه مليون زيادة من أجل أن يبيع فيه ويشتري فيختص بهذا الربح، هذا الشرط جر نفعاً فهو شرط باطل باتفاق المسلمين، فما عليك يا أخي إلا أن تعطي البنك المليون الذي اقترضه فقط من غير أن تعطيه مليون آخر ينتفع به لمدة سنة، هذا لا يجوز باتفاق العلماء فليس للبنك إلا رد ماله فقط لأن الله يقول: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذوا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون) البقرة/279، فليس هناك للبنك إلا رأس ماله قط. فتاوى سماحة الشيخ عبد الله بن حميد رحمه الله ص 185 [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 100022 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5207 استئجار منزل اشتراه صاحبه بقرض ربوي [السُّؤَالُ] ـ[أنا شاب موظف بإحدى الشركات وقد استأجرت شقة , وعلمت أن صاحبة البيت أخذت قرضا ربويا لشرائه , وثمن الكراء (الأجرة) أعلى من المبلغ الذي تدفعه للبنك , وبهذا فهي تدفع للبنك من المال الذي أعطيها وتربح ما تبقى. وغالب الظن أنها اشترت البيت كي تتاجر فيه بهذه الطريقة. سؤالي: هل كرائي عندها يعتبر من التعاون على الإثم أم هو حلال؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الاقتراض بالربا محرم تحريما شديدا؛ لما جاء في الربا من الوعيد الشديد، الذي يستوي فيه آكله وموكله وكاتبه، كما روى مسلم (1598) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ. وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ. ومن اقترض بالربا، واشترى دارا أو متاعا، فله الانتفاع به بالسكنى أو البيع أو غير ذلك، مع وجوب التوبة إلى الله تعالى. ولهذا؛ لا حرج عليك في الاستئجار منها، ولو كانت اقترضت المال بغرض الاتجار في الشقة أو التربح من ورائها، والإثم يقع عليها، لأنها هي التي تعاملت بالربا. وانظر جواب السؤال رقم (22905) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 99833 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5208 هل يبيع منزله لمن يعلم أنه سيشتريه بقرض ربوي [السُّؤَالُ] ـ[لدى صديقي منزل يريد بيعه وقد يسر الله له المشتري إلا أن هذا الأخير يريد أن يستلف مبلغاً من بنك ربوي (غير إسلامي) حتى يسدد المبلغ المطلوب. فهل يجوز لصاحبي أن يبيع له البيت علماً أنه يعلم أن المشتري ذهب إلى البنك الربوي بغرض السلف وتسديد المبلغ وبالتالي استلام البيت. وهل هذا يدخل في التعاون على الإثم والعدوان؟ أم أن الحرام لا يتعلق بذمة البائع.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز لصديقك أن يبيع منزله لمن تقدم لشرائه، ولو كان المشتري سيحصل على المال من الاقتراض بالربا؛ لأن الحرام هنا متعلق بالمقترض، والقرض بشرط الربا وإن كان محرما إلا أنه يفيد الملك في مذهب الحنفية والحنابلة وقول للشافعية، أي أن المقترض بالربا يملك المال الذي اقترضه، وعليه فيصح أن يشتري به ما شاء، مع إثم الربا. وينظر: "المنفعة في القرض" لعبد الله بن محمد العمراني، ص 245- 254 وينبغي لصديقك أن ينصح المشتري، ويبين له حرمة التعامل بالربا قرضا أو إقراضا، وما جاء فيه من الوعيد الشديد. وقد يجد المشتري سبيلا مباحا لشراء البيت، وذلك عن طريق المرابحة، وهي أن يشتري البنك أو أي شخص أو جهة البيت نقداً، ثم يبيعه عليه بثمن مقسط أعلى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 99366 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5209 هل يقترض بالربا لينقذ والده من دخول السجن؟ [السُّؤَالُ] ـ[يملك أبي قطعتي أرض، استثمر أولاهما في مشروع فلاحي معتمدا على ماله الخاص، ومنح حكومية، وقرض بنكي (ذي فائدة) . وحيث إنّه لم يتمكّن من استكمال مشروعه الأوّل اضطرّ إلى استثمار القطعة الثانية في مشروع فلاحي ثان. لكنّ الدولة والبنك الفلاحي لا يقدّمان مالا لأكثر من مشروع واحد في آن واحد. فأجّر لي قطعة الأرض الثانية وكتبنا المشروع الثاني باسمي. وهكذا تعهّدت بمساعدة أبي (في حقيقة الأمر لست من يقوم على المشروع بل فعلت هذا قصد البرّ بوالدي) . ومضى أبي في مشروعه وازدادت ديونه وأصبح معتمدا كلّ الاعتماد على القرض الثاني. تبيّن لي حينها أنّ القروض البنكيّة ذوات الفائدة ربا، إثم كبير لا فرق فيه بين آكله وموكله وكاتبه وشاهديه. نظرا لامتناعي عن التوقيع على القرض الثاني:. حاولنا إيجاد مصدر مال آخر، لكن من الصعب جدّا إيجاد المبلغ المطلوب في وقت وجيز، خصوصا أنّ الحاجة للمال أصبحت ملحّة الآن فالأشجار تحتاج مالا للقيام بها وإلاّ ماتت وضاعت. اضطرّ أبي إلى استعمال صكوك بدون رصيد فأصبح مهدّدا بالسجن (في بلادنا من لا يستطيع السّداد يسجن) . . وبالتالي فإنّه لن يتمكّن من تسديد ديونه المتراكمة ويضيع مشروعه ويخسر أرضه المرهونة عند البنك. السؤال: هل تعتبر الظروف المذكورة ضرورة تبيح لي التوقيع على القرض الثاني؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا يخفى عليك حرمة الاقتراض بالربا، وأنه من كبائر الذنوب، الموجبة لسخط الله وعقابه، وأن صاحبه متوعد بالحرب من الله تعالى، ولهذا قلّما يفلح من لجأ إلى هذا الباب. وعليه فالواجب على أبيك أن يتوب إلى الله تعالى، وأن يندم على ما فات، وأن يعزم على عدم العود إليه مستقبلا. ثانيا: ينبغي أن يبحث والدك عن وسيلة مباحة يحصّل بها المال المطلوب، كالتعامل بالتورق، وهو شراء سلعة بثمن مقسط، وبيعها لجهة أخرى نقداً بثمن أقل، وبهذا يتمكن من تحصيل مبلغ يسدد به ما عليه. أو أن يتعامل بالسَّلَم، فيبيع قدرا معلوما من المحصول على أن يسلمه بعد سنة أو سنتين فلا، ويقبض ثمنه الآن. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَفِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ) رواه البخاري (2241) ومسلم (1604) . والسلف هنا هو السَّلم. فإذا لم يجد وسيلة مباحة لتحصيل المال الذي يسدد به الدين، وترتب على ذلك دخوله السجن وخسارة أرضه المرهونة للبنك، فهذه ضرورة تبيح الربا. وانظر السؤال رقم (94823) لمعرفة ضابط الضرورة التي تبيح التعامل بالربا. وإن أمكن والدك الاقتراض بنفسه، فلا يجوز لك الدخول في الربا بحال، وإن لم يمكنه الاقتراض، فقد وجهنا سؤالك إلى الشيخ الدكتور خالد المشيقح حفظه الله فأفاد بأنه يجوز لك الاقتراض في هذه الحالة، قال حفظه الله: " لا شك أن الربا محرم وأنه من كبائر الذنوب وأن صاحبه ملعون وأنه حرب لله وإذا كان كذلك فالأصل أنه لا يصار إليه، لكن القاعدة أن الضرورات تبيح المحظورات، فإذا كان يترتب على ذلك ضرر يلحق الأب إما بسجن أو تعذيب أو نحو ذلك فيظهر أن هذا لا بأس به، لو سلكوا طريقة أفضل من ذلك مثل القرض والسلم ونحو ذلك فهذا أولى. يا شيخ: الضرر هنا واقع على الأب وليس الابن هل الحكم واحد؟ فقال: نعم. الحكم واحد " انتهى. كما سألنا الشيخ الدكتور عبد العزيز الفوزان حفظه الله كما يلي: " رجل سيسجن والده لأجل دين فهل له أن يقترض بالربا لفك والده؟ فأجاب: " إذا لم يجد طريقا إلا هذا فأرجو ألا بأس عليه للضرورة ويكره الربا بقلبه " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 99149 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5210 شراء سيارة بالتقسيط مع فوائد يسيرة [السُّؤَالُ] ـ[أخي يعمل في مؤسسة وطنية، قبل ثلاث سنوات اقترحت المؤسسة على موظفيها شراء سيارات بالتقسيط فيها فوائد ضئيلة 2 بالمائة، وهذه الفائدة تتحملها مصلحة الخدمات الاجتماعية التابعة للمؤسسة، وهذه المرة اقترحت نفس الاقتراح (شراء سيارات بالتقسيط) إلا أن هذه المرة تلك الفوائد يتحملها الموظف والمصلحة معا أو الموظف وحده حسب أجرته (إن قل وحده وإلا معا) وأجرة أخي لا بأس بها، فاستشارنا فقلت له إن فيها فوائد أي ربا ومن الأحسن أن نجتنب الربا والحرام. ولكني أشرت عليه بأنه يمكن أن يدفع هذه الفوائد التي يتحملها بسبب شراء السيارة من الفوائد التي يتحصل عليها من إيداعه في البنوك الربوية (يجعل الفائدة التي تصله من البنك سداداً للفائدة التي عليه من جراء شراءه للسيارة) السؤال: إن اشتراها بحيث يدفعها بالتقسيط (سواء دفع الفوائد بالفوائد التي يملكها أو بماله) ما حكمها؟ وهل تستطيع عائلتي استعمالها مع العلم أنني أعمل في نفس المؤسسة مع أخي التي تبعد عن بيتنا تساوي أو أكثر من 60كلم وأنا شخصيا]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: يجوز شراء السيارات بالتقسيط، ولو كان السعر المؤجل أعلى من السعر الحال، كما لو كانت السيارة تباع حالة ب 100، ومؤجلة 110 مثلا؛ لعدم ما يمنع من ذلك شرعا. وإن كان هذا هو مرادك بالفائدة، فلا حرج في شراء السيارة. وأما إن كان المقصود أن البنك يدفع ثمن السيارة كاملا، نيابة عن الموظف، ثم يسترد الثمن منه مقسطا مع زيادة، فهذا قرض ربوي محرم، ولا يجوز الدخول في هذه المعاملة مهما كانت الفائدة صغيرة؛ لعموم الأدلة الدالة على تحريم الربا، ولعن فاعله، وإنذاره بالحرب والعقوبة. وينظر: سؤال رقم (20091) . ثانيا: يحرم الإيداع في البنك الربوي، إلا لضرورة حفظ المال، ويُقتصر حينئذ على الإيداع في الحساب الجاري. والواجب على أخيك أن يتوب إلى الله تعالى، وأن ينهي تعامله مع البنك الربوي، وأن يتخلص من الفوائد المعطاة له بصرفها في مصالح المسلمين، وليس له أن ينتفع بها لخاصة نفسه، لا في الضرائب ولا في الربا الذي يطلب منه عند شراء السيارة، حسبما ورد في السؤال. وبهذا يعلم أن شراء أخيك للسيارة عن طريق الربا، وتسديد الفائدة من الفائدة الربوية المعطاة له على ودائعه، فيه اقتراف للربا مرتين، مرة بالإيداع الربوي، ومرة بالشراء الربوي. ثالثا: إذا اشترى أخوك السيارة بمعاملة ربوية، سواء دفع من ماله أو من فوائد الودائع، فإنه يملك السيارة بذلك، ويحق له الانتفاع بها، مع وقوعه في الإثم العظيم، الذي يوجب المقت والمحق، كما قال تعالى: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) البقرة/276. وأما ركوبكم في سيارته، فالأصل جواز ذلك، إلا أن الأولى تركه، زجرا له، وإنكارا لعمله، وتنفيرا من الاقتداء به، وينبغي أن يعلم هذا مسبقا، وأنكم لن تعينوه على الوقوع في الربا، ولن تستعملوا ما اشتراه عن طريقه. نسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد والرشاد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98406 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5211 هل يجوز له الإشراف على بناء بيت لأناس اقترضوا من بنك بالربا؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا مهندس، لدي مكتب هندسي أعمل فيه، يأتيني أناس مقترضون من البنك بقروض ربوية، وهذه القروض لبناء مساكن، المهم: يُطلب مني أن أشرف على البناء الذي استقرضوا من أجله، أو يستشيرونني في أمر البناء، أو أي عمل يخص هذا البناء، سواء بمقابل، أو بدون مقابل أقوم به، فهل يلحقني إثم في ذلك، أو شجعت على الربا في عملي هذا؟ مع العلم كنت في السابق أرسم الخرائط التي على ضوئها يأخذ القرض، وأكتب التقرير عند انتهاء أي مرحلة من مراحل البناء ليؤخذ بها دفعات القرض، وعند سماعي فتوى من أحد أصدقائي بأني أكون أنا بمثابة كاتبه: أوقفت هذا الأمر، فهل عليَّ شيء؟ وإن كان عليَّ شيء: فما هو كفارته؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لسنا بحاجة لبيان حكم قرضهم الربوي، فهو واضح بيِّن، وقد وقع أصحابه في كبيرة من كبائر الذنوب، وعليك نصحهم وتذكيرهم بحرمة فعلهم، وضرورة التوبة منه. وأما بالنسبة لسؤالك: فيمكن لمهندس البناء أن يكون فعله محرَّماً، ويمكن أن يكون حلالاً: فإذا صمم لهم البيت، أو خططه لهم لأجل الحصول على قرض ربوي: ففعله حرام، وهو متعاون على الإثم والعدوان؛ لأن فعله هنا له تعلق بالقرض الربوي، قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2. وإذا كان التصميم أو التخطيط بعد حصولهم على القرض الربوي: فلا حرج على المهندس أن يصمم ويخطط ويشرف على البناء، ولو كانت أموال أصحابه أخذت بقرضٍ ربوي محرَّم؛ لأن القرض الربوي تعلق بذمة أولئك المرابين، لا بعين المال، وهو إنما يأخذ المال مقابل جهده وتعبه، وهكذا من باعهم أرضاً أو مواد بناء: فإنه لا حرج عليه أن يفعل ذلك؛ لأنهم جميعاً استوفوا المال مقابل ما بذلوه من بضائع ومواد، ولا تعلق لهم بالقرض الربوي. وانظر جواب السؤال رقم (82277) والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98340 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5212 دفع الفائدة الربوية في التخلص من التجنيد الإجباري [السُّؤَالُ] ـ[في بلدنا الخدمة في الجيش إلزامية حيث الكفر مباح، والصلاة والقرآن وكل ما يمت للإسلام بصلة ممنوع، بل يعاقب عليه ويمكن الإعفاء من تلك الخدمة بدفع مبلغ كبير. هل يجوز أن يكون هذا المال ربا؟ علما أنه لا يوجد عندنا مصارف إسلامية.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا كان الأمر كما ذكرت من إباحة الكفر في هذا الجيش والمنع من الصلاة والقرآن، فلا حرج في دفع المال مقابل عدم الدخول فيه، ويباح التهرب منه بكل وسيلة مشروعة. ثانيا: لا يجوز التعامل بالربا، قرضا أو اقتراضا، ولا يحل الانتفاع بالفوائد الربوية، ويجب على من ابتلي بذلك أن يتوب من الربا، وأن يتخلص من الفوائد بإنفاقها في المصالح العامة، وليس له أن ينتفع بها لنفسه، وقد سبق بيان ذلك في الجواب رقم (20876) ورقم (45691) . إن جاءك هذا المال الربوي من تائب يريد التخلص منه فلا حرج عليك في الانتفاع به فيما ذكرت، أو في غيره، لأنه جاءك بطريق مباح، والحرمة إنما تلحق كاسبه فقط.ويجوز للتائب نفسه الانتفاع بهذا المال الذي اكتسبه بطريق محرم فيما إذا تاب الإنسان من الربا، وعزم على عدم العود إليه أبدا، واحتاج إلى الانتفاع بالفوائد التي في يده، ليدفع عن نفسه ضررا، كما في الصورة المسئول عنها، فالذي يظهر أنه يجوز له الانتفاع بالفائدة حينئذ. وقد بسط ابن القيم رحمه الله الكلام على مسألة التخلص من المال الحرام، وقرر أن طريق التخلص من هذا المال وتمام التوبة إنما يكون " بالتصدق به، فإن كان محتاجا إليه فله أن يأخذ قدر حاجته، ويتصدق بالباقي " انظر: " زاد المعاد " (5/778) . وقال شيخ الإسلام رحمه الله: " فإن تابت هذه البغي وهذا الخَمَّار، وكانوا فقراء جاز أن يصرف إليهم من هذا المال قدر حاجتهم، فإن كان يقدر يتجر أو يعمل صنعة كالنسج، والغزل، أعطي ما يكون له رأس مال " انتهى من " مجموع الفتاوى " (29/308) . لكن لا يجوز الاستمرار في التعامل بالربا، لأجل الانتفاع بالفائدة في تسديد الغرامة أو الضريبة ونحوها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98245 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5213 شراء شقة بالأقساط مع النص في العقد على اشتراط غرامة على التأخير [السُّؤَالُ] ـ[ذهبت لأشتري شقة من أحد الأشخاص بالتقسيط، وعندما قرأت العقد وجدت فيه شرطا وهو في حين تأخري عن سداد الدفعة في الموعد يكون علي غرامة قدرها 2000 جنيه وأنا على ما أعلم أن هذا شرط ربوي , فما حكم العقد بيني وبينه؟ وهل أأثم في تعاملي معه؟ مع العلم أني إن شاء الله لن أؤخر الدفعة فلن أضطر للتعامل معه بالربا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا اشتمل العقد على اشتراط غرامة في حال التأخر عن السداد، فهو عقد محرم، لا يجوز الدخول فيه؛ ولو كان الإنسان متيقنا من قدرته على السداد؛ لأنه إقرار للربا، والتزام به، وذلك محرم، ولأن الإنسان قد يَعرض له ما يمنعه من السداد، من مرض أو سفر ونحوه. وقد صدر عن مجمع الفقه الإسلامي قرار بتحريم غرامة التأخير التي يفرضها البائع أو المصرف عند تأخر العميل في السداد. فقد جاء في قرار المجمع الفقهي رقم: 133 (7/14) في دورته الرابعة عشرة بالدوحة ما نصه: " إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط عن الموعد المحدد فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين بشرط سابق، أو بدون شرط، لأن ذلك ربا محرم " انتهى نقلاً عن فقه المعاملات الحديثة للدكتور عبد الوهاب أبو سليمان ص (571) فالواجب نصح هذا الشخص وبيان حرمة ما أقدم عليه من اشتراط الربا، وتوجيهه إلى أخذ الضمانات الكافية من المشترين، كطلب كفيل، وأخذ شيكات، وجعل الشقة مرهونة لديه لا يتمكن المشتري من بيعها حتى يسدد ما عليه من أقساط، ونحو ذلك. نسأل الله لنا ولك التوفيق السداد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98118 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5214 التورق المصرفي واختلاف الفتوى فيه بين المجامع الفقهية وعلماء البنوك [السُّؤَالُ] ـ[القرض بالتورق وجدت أنه مجاز من كبار العلماء في البنوك، ولكن قرأت في موقعكم أن شروط التورق التي يطرحها البنك من البداية جعلته حراماً، وأنا في حيرة، ما فهمته من إجابات بعض الأسئلة على موقعكم أنه لا يجوز أن أوكِّل البنك في بيع السلعة التي قمت بشرائها، أو أنه لا يجوز أن أبيع السلعة للبنك نفسه، وهذا النظام هو المتبع لدى البنوك، والمجاز من كبار العلماء، فكيف أفهم الصحيح؟ لأنني قرأت الإجازة في البنك، وبناء عليه أخذت قرضاً، مضطراً لسداد ديون عليَّ، ولظروف قاسية اضطررت للاستدانة، وأنا راتبي لا يكفيني وأولادي، ومساعدة أبي وإخوتي، وكنت لا أملك شقة في مصر، اضطررت للاستدانة لسداد الدين والتوسيع على أولادي، حاولت ألا أقع في الشبهات؛ لأني سمعت أكثر من رأي في هذا الموضوع، ولما وجدته مجازاً من كبار العلماء هنا أقدمت عليه، إذا كان ما فعلتُه حراماً: كيف السبيل؟ وقد سددت الديون وعليَّ الآن أقساط القرض بالفائدة، جزاكم الله خيراً، وادعوا لي بالخلاص من هذا الهم الذي يؤرقني ليل نهار، إنني أشعر بالذنب، مع العلم أنني استخرت الله قبل الإقدام على هذا، وعرض عليَّ البنك بعد فترة منحي بطاقة ائتمان دون مصاريف سنوية، وعلمت أنني لو سددت المبلغ المستحق قبل الموعد لا يأخذ مني فائدة، بصِّروني، جزاكم الله خيراً، وكيف أكفِّر عما فعلت، وكيف التوبة، وأنا لا أستطيع سداد كل القرض مرة واحدة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: التورق منه ما هو جائز، ومنه ما هو محرَّم، أما الجائز فهو شراء السلعة من تاجر بالأقساط وبيعها نقداً لغيره، وقد بيَّنا جواز هذا النوع من التورق بشروطه في جوابي السؤالين: (45042) و (36410) . وأما المحرَّم فله صورتان: الأولى: أن تشتري سلعة بأقساط، وتبيعها على من اشتريتها منه نفسه، وهو ما يسمَّى " بيع العِينة " وسميت بالعينة لأن عين السلعة التي باعها رجعت إليه بعينها، وهو محرم، لأنه حيلة اتخذت للتوصل بها إلى القرض بزيادة ربوية، فصارت بذلك محرمة عند جماهير العلماء. والثانية: " تورق البنوك " أو " التورق المنظم "، وصورته: أن تشتري من البنك بضاعة بالأقساط - وفي الغالب تكون مرابحة، ثم توكِّل البنك في بيعها نقداً، وهذه المعاملة – أيضاً - محرمة. وقد صدر قرارٌ من " المجمعِ الفقهي الإسلامي " المنعقد في المدة من 19 - 23 / 10 / 1424 هـ الذي يوافقه 13 - 17 / 12 / 2003 م فيه تحريم هذه المعاملة، وفيه تحذيرٌ وتنبيهٌ للمصارفِ من استغلالِ هذه المعاملةِ على غيرِ وجهها الشرعي، وفيه: " بعد الاستماع إلى الأبحاث المقدمة حول الموضوع، والمناقشات التي دارت حوله، تبيَّن للمجلس أن التورق الذي تجريه بعض المصارف في الوقت الحاضر هو: قيام المصرف بعمل نمطي يتم فيه ترتيب بيع سلعة (ليست من الذهب أو الفضة) من أسواق السلع العالمية أو غيرها، على المستورق بثمن آجل، على أن يلتزم المصرف - إما بشرط في العقد أو بحكم العرف والعادة - بأن ينوب عنه في بيعها على مشتر آخر بثمن حاضر، وتسليم ثمنها للمستورق. وبعد النظر والدراسة، قرر مجلس المجمع ما يلي: أولاً: عدم جواز التورق الذي سبق توصيفه في التمهيد للأمور الآتية: 1. أن التزام البائع في عقد التورق بالوكالة في بيع السلعة لمشتر آخر أو ترتيب من يشتريها يجعلها شبيهة بالعينة الممنوعة شرعاً، سواء أكان الالتزام مشروطاً صراحة، أم بحكم العرف والعادة المتبعة. 2. أن هذه المعاملة تؤدي في كثير من الحالات إلى الإخلال بشروط القبض الشرعي اللازم لصحة المعاملة. 3. أن واقع هذه المعاملة يقوم على منح تمويل نقدي بزيادة من البنك للمستورق، وعملية البيع والشراء تكون صورية في معظم أحوالها. وهذه المعاملة غير التورق الحقيقي المعروف عند الفقهاء، وقد سبق لـ " المجمع " في دورته الخامسة عشرة أن قال بجوازه بمعاملات حقيقية وشروط محددة بينها قراره؛ وذلك لما بينهما من فروق عديدة فصلت القول فيها البحوث المقدمة. التورق الحقيقي يقوم على شراء حقيقي لسلعة بثمن آجل، تدخل في ملك المشتري، ويقبضها قبضاً حقيقيّاً، وتقع في ضمانه، ثم يقوم ببيعها هو بثمن حالٍّ لحاجته إليه، قد يتمكن من الحصول عليه، وقد لا يتمكن، والفرق بين الثمنين الآجل والحال لا يدخل في ملك المصرف الذي طرأ على المعاملة لغرض تبرير الحصول على زيادة لما قدم من تمويل لهذا الشخص بمعاملات صورية في معظم أحوالها، وهذا لا يتوافر في المعاملة المبينة التي تجريها بعض المصارف. ثانياً: يوصي " مجلس المجمع " جميع المصارف بتجنب المعاملات المحرمة، امتثالاً لأمر الله تعالى. كما أن المجلس إذ يقدر جهود المصارف الإسلامية في إنقاذ الأمة الإسلامية من بلوى الربا: فإنه يوصي بأن تستخدم لذلك المعاملات الحقيقية المشروعة دون اللجوء إلى معاملات صورية تؤول إلى كونها تمويلاً محضاً بزيادة ترجع إلى الممول " انتهى بتصرف يسير. وقال الشيخ عبد الرحمن بن إبراهيم العثمان – وفقه الله -: مسببات القول بعدم جواز التورق المصرفي المنظم: 1. الربا. 2. (وهو في معنى ما قبله) أن المستورق لا يقصد السلعة، وإنما يقصد النقد، والبيع الحاصل بيع صوري، فتؤول المسألة إلى نقود حالَّة بنقود مؤجلة أكثر منها. ومما يدل على صورية البيع: أن البنك لا يقبض السلع الدولية قبضاً حقيقيّاً، ولا يقبض الإيصالات الأصلية للمخازن التي تودع فيها هذه السلع، وهي التي تتداول في البورصة، وتنتقل من يد إلى يد تنتهي إلى مستهلك يستطيع أن يتسلم بها ما اشتراه. والشأن في المستورق أشد؛ فهو لا يقبض السلعة قبضاً حقيقيّاً ولا حكميّاً، ومن ثم فهو يبيع ما لم يقبض، بل ما لم يُعيَّن؛ لأن ما يبيعه البنك على العميل جزء مما تملكه البنك مما هو محدد برقم الصنف، وهذا الرقم لا يكون للأجزاء الصغيرة، ولكنه رقم للوحدة الكبيرة التي يجزؤها البنك على المتورقين. 3. أن التوكيل للبنك في التورق المنظم ينافي مقتضى عقد الوكالة؛ لأن ما يعمله البنك باعتباره وكيلاً ينافي مصلحة المستورق، فهو يبيع السلعة بثمن أقل من الثمن الذي اشترى به المستورق (والعقد إذا كان له مقصود يراد في جميع صوره، وشُرط فيه ما ينافي ذلك المقصود: فقد جمع بين المتناقضين؛ بين إثبات المقصود ونفيه، فلا يحصل شيء، ومثل هذا الشرط باطل بالاتفاق) ، وانضمام الوكالة إلى التورق شرط وإن لم يصرح به؛ فإنه لولا هذه الوكالة لما قبل المستورق بالشراء من البنك ابتداء. 4. ضمان المشتري النهائي: فيتفق البنك مع طرف مستقل يلتزم بشراء السلع التي يتوسط فيها، وهذا الالتزام ضمان للسعر المباع ألا يتجاوز حدوداً معينة؛ حماية من تقلب الأسعار، ويقابل هذا الضمان التزام البنك بالبيع عليه، بمعنى أنه لا يحق للبنك أن يبيع السلع في السوق حتى ولو ارتفع سعرها المتفق عليه مع المشتري الثاني، وبذلك يكون هذا الضمان من الطرفين: من البنك بالبيع على المشتري الثاني، ومن المشتري بالشراء بالثمن المحدد. 5. مخالفة التورق المنظم للتورق الذي أجازه جمهور الفقهاء، وهذه المخالفة من وجوه منها: أ. أن البنك يتولى بيع السلعة التي اشتريت منه لمن يشاء، في حين أن المستورق هو الذي يتولى البيع في التورق الفردي، وليس للبائع الأول علاقة ببيع السلعة ولا بالمشتري النهائي. ب. وجود اتفاق سابق بين البنك والمشتري النهائي يتضمن شراء ما يعرضه البنك من سلع بالثمن الذي اشتراها به المصرف كما تقدم، أما في التورق الفردي فالمستورق هو الذي يبيع سلعته بمثل الثمن الذي اشتراها به أو أقل أو أكثر. 6. أن التورق المنظم يدخل في بيع العينة المحرم؛ لأن البنك هو مصدر السيولة للمستورق في الحالتين، فالنقد يحصل عن طريقه وبواسطته، ولولا علم المشتري بأن البنك سيوفر له النقد الحاضر لاحقاً لما أقبل على هذا العمل ابتداء. 7. أن التورق المصرفي المنظم لا يدخل في بيع العينة الذي أجازه الشافعي؛ لأنه يشترط ألا يكون هناك ارتباط بين البيعتين، وألا تظهر نية الحصول على النقد، وكلا الشرطين غير متحقق هنا. 8. قضاؤه على أهداف البنوك الإسلامية من وجوه: أ. محاكاتها للبنوك الربوية في تقديم التمويل، ومنح الائتمان. ب. الاكتفاء به عن صيغ الاستثمار الأخرى، وقد تجاوزت نسبة التورق 60% من أعمال التمويل في البنك. ج. الالتباس بين البنك الإسلامي والربوي. د. إهدار الجهود المبذولة لتوجيه البنوك الإسلامية إلى تمويل في صورة استثمار عن طريق المشاركة والمضاربة والسَّلَم ونحوها. 9. تهجير أموال المسلمين؛ لأن تجارة التورق المنظم تكون في السوق الدولية، فتُهجر بها أموال المسلمين ليستفيد منها غيرهم. " موقع المسلم " باختصار. ثانياً: وأما قول السائل بأنه قد أباح هذا البيع كبار العلماء: فليس صحيحاً، فالذين أباحوه هم اللجان الشرعية في البنوك الإسلامية، أو الفروع الإسلامية في البنوك الربوية! مع التنبيه أنه ليس كلهم أجاز هذه المعاملة. وقد ردَّ كثيرون على القول بالإباحة من تلك اللجان الشرعية، وفي قرار " مجلس المجمع الفقهي " التنصيص على هذه المصارف بعنوان القرار ونصه وخاتمته، وللشيخ خالد المشيقح بحث موسع في تحريم هذه المعاملة، فلينظر في " مجلة البحوث الإسلامية " (73 / 234 - 237) ، ويوجد ردود من الدكتور على السالوس، والدكتور سامي سويلم، والدكتور عبد الله بن حسن السعيدي – وكلاهما قدَّم بحثاً في المسألة لمجلس المجمع الفقهي -، والشيخ عبد الرحمن العثمان، والدكتور محمد بن عبد الله الشباني، انظرها في موقع " المسلم ". وانظر جواب السؤال رقم: (60185) . وأما ما يتعلق بك أنت أخي السائل، فما دمت قد وثقت في تلك اللجان، وأخذت برأيهم، وأنت لا تدري أن قولهم ضعيف، فنرجو أن لا يكون عليك حرج، مع العزم على عدم العود إلى ذلك مستقبلاً. ونسأل الله تعالى أن يوفقك إلى كل خير ويعينك على سداد ما عليك من ديون. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98124 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5215 حكم المشاركة والعمل في دفتر التوفير [السُّؤَالُ] ـ[أعمل حاليا في البريد، وبالتحديد في إدارة الحاسب الآلي، حيث يقوم البريد بإعطاء فوائد سنوية على دفاتر التوفير الموجودة لديه على أساس إعطاء أموال المودعين لديه حسب نظام حكومي إلى بنك الاستثمار القومي حيث لا يتعامل البنك إلا مع الحكومة في تمويل مشروعاتها أو إقراض البنوك والهيئات الحكومية ثم يعيد إلينا الأموال محملة بالفوائد التي يقوم هو بتحديدها ونعطي للمودعين على حسب ما يقرر البنك ونحصل على عمولة كهيئة بريد من تلك القصة المهم أن وظيفتي هي إدخال إيصالات الإيداع والسحب الخاصة بأموال العملاء إلى جهاز الحاسب الرئيسي حيث عن طريقه نقوم بإضافة الفوائد من كل عام إلى حسابات العملاء في شهر يوليو بالإضافة إلى استخدامه في الأعمال الإدارية مثل التأكد من حسابات العملاء فهل أعتبر كاتب ربا وهل فوائد البريد حرام أم حلال مع العلم بأننا لا نعطي قروضاً والحمد لله والتوفير هو ما يصرف على الهيئة بنسبه 90% فهل أترك عملي أم أنقل إلى قسم آخر أم ليس علي حرج؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يحرم إيداع الأموال فيما يسمى بدفتر التوفير، وذلك لأمرين: الأول: أنه عقد يقوم على إضافة نسبة معلومة إلى رأس المال، مع ضمان رأس المال، فحقيقته أنه قرض بفائدة، وقد أجمع العلماء على أن كل قرض جر نفعاً فهو ربا، والمقرض هنا هو العميل، والمقترض هو الهيئة القائمة على هذا الدفتر. قال ابن قدامة رحمه الله: " وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المُسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية، فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا. وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة " المغني (6/436) الثاني: أن البريد يضع أموال مودعيه في البنوك الربوية، ويأخذ عليها نسبة معلومة، يوزع جزءا منها على المودعين، وهذا عقد ربوي آخر يقوم به البريد. فالبريد يقترض بالربا في الصورة الأولى، ويقرض بالربا في الصورة الثانية، ولهذا لا يستريب مطلع على هذه المعاملة من الجزم بتحريمها، وتحريم العمل فيها كتابةً أو شهادة أو إعانة بأي صورة من صور الإعانة. جاء في موسوعة "فتاوى الأزهر" سؤال موجه لشيخ الأزهر السابق جاد الحق على جاد الحق رحمه الله، عن: مسألة الفوائد التي تعطيها أو تدفعها البنوك أو الشركات على المبالغ المدفوعة لديها أو المستثمرة بمعرفتها - هل تلك الفوائد تعد ربا أم لا؟ وجاء في جوابه بعد ذكر النصوص في تحريم الربا: " وبهذه النصوص وغيرها في القرآن والسنة يحرم الربا بكل أنواعه وصوره سواء كان زيادة على أصل الدَّين، أو زيادة في نظير تأجيل الدين وتأخير سداده، أو اشتراط ضمان هذه الزيادة في التعاقد مع ضمان رأس المال. لما كان ذلك، وكانت الفوائد المسئول عنها التي تقع في عقود الودائع في البنوك، وفى صناديق التوفير في البريد، وفى البنوك، وفى شهادات الاستثمار محددة المقدار بنسبة معينة من رأس المال المودع، وكانت الوديعة على هذا من باب القرض بفائدة، ودخلت في نطاق ربا الفضل أو ربا الزيادة كما يسميه الفقهاء وهو محرم في الإسلام بعموم الآيات في القرآن الكريم وبنص السنة الشريفة وبإجماع المسلمين: لا يجوز لمسلم أن يتعامل بها أو يقتضيها، لأنه مسئول أمام الله عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه كما جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه الترمذي ونصه: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن عمله فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه) والله سبحانه وتعالى أعلم " انتهى. ثانيا: العمل في " إدخال إيصالات الإيداع والسحب الخاصة بأموال عملاء دفتر التوفير إلى جهاز الحاسب الرئيسي "، هو من كتابة الربا، وقد روى مسلم (1598) في صحيحه عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ. وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ. فالواجب عليك التوبة إلى الله تعالى، والمبادرة بترك هذا العمل، والتحول إلى قسم آخر بعيد عن الربا، أو ترك هذا العمل بالكلية، فرارا من الوقوع في هذه الكبيرة العظيمة. واعلم أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، وأن من اتقاه زاده، وأنعم عليه، ورزقه من حيث لا يحتسب (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/2-3. وفقنا والله وإياك لما فيه الخير والهدى والفلاح. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97896 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5216 تشترط عليهم الدولة فتح حساب في بنك وليس عندهم بنك إسلامي [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أؤسس شركة صغيرة , أخدم بها أهلي وأمتي , لكن في بلادنا لابد أن يكون للمؤسِّس لشركة ما "حساب بنكي" , مع العلم أنه لا يوجد بنك بدون ربا، فما العمل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الربا من أكبر الكبائر، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، وجاء فيه من الوعيد، ما لم يأت في غيره من المعاصي. ووضع الأموال في البنوك بفوائد هو الربا الذي حرمه الله ورسوله. ولكن إذا اضطر المسلم إلى وضع أمواله في البنوك الربوية لعدم وجود بنك إسلامي، أو لأن الشركة التي يعمل بها تلزمه بذلك لتحول له الراتب على حسابه بالبنك، أو لأن الحكومة تلزمه بذلك، أو نحو ذلك من الأعذار، فلا حرج عليه في ذلك إن شاء الله، ولكن بشرط ألا يأخذ فوائد على هذه الأموال الموضوعة في البنك. فإن كان نظام البنك لا يسمح بذلك، بل لا بد أن يعطيه فوائد، فيلزمه إذا أخذها أن يتخلص منها، وينفقها في وجوه الخير المختلفة. وهذه فتاوى أهل العلم في هذه المسألة: 1- قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: "يحرُم الإيداع في البنوك الربوية إلا عند الضرورة وبدون فائدة" انتهى. " فتاوى اللجنة الدائمة " (13 / 384) . وقالوا أيضاً: "الفوائد الربوية من الأموال المحرمة، قال تعالى: (وأحل الله البيع وحرم الربا) ، وعلى من وقع تحت يده شيء منها التخلص منها بإنفاقها فيما ينفع المسلمين، ومن ذلك: إنشاء الطرق , وبناء المدارس , وإعطاؤها الفقراء " انتهى. " فتاوى اللجنة الدائمة " (13 / 354) . 2- وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: "أما كونه يحفظ ماله في البنك للضرورة، لعدم وجود مكان يحفظه فيه، أو لأسباب أخرى وبدون ربا، أو يحوله بواسطة البنك: فلا بأس بذلك إن شاء الله، ولا حرج فيه" انتهى. " فتاوى الشيخ ابن باز " (7 / 290) . 3- وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: "يوجد بعض الجهات من شركات وغير شركات تلزم الموظفين أن يفتحوا حساباً في أي بنك من البنوك من أجل أن تحيل الرواتب إلى هذا البنك , فإذا كان لا يمكن للإنسان أن يستلم راتبه إلا عن هذا الطريق: فلا بأس , يفتح حساباً، لكن لا يدخل حساباً من عنده , يعني: لا يدخل دراهم من عنده , أما كونه يتلقى الراتب من هذا: فلا بأس" انتهى. " لقاءات الباب المفتوح " (111 / السؤال رقم 10) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97828 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5217 بيع العملات القديمة بأكثر من قيمتها [السُّؤَالُ] ـ[العملات القديمة (كالريال العربي , والريال الفرنسي) إذا أردنا بيعه فهل يعد عملة أو يعامل على أنه سلعة من السلع؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله العملات القديمة إن كانت من الذهب وبيعت بالذهب أو كانت من الفضة وبيعت بالفضة، لزم التساوي في الوزن، والتقابض في المجلس، وإن بيعت بغير جنسها، كأن يباع الذهب بالفضة أو بالنقود أو تباع الفضة بالنقود، لزم التقابض في المجلس، ولا يُشترط التساوي لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ، إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) رواه مسلم (2970) من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه. ولا فرق في ذلك بين أن تكون العملة مستعملة الآن أو غير مستعملة، ما دامت من الذهب أو الفضة المنصوص على كونهما من الأصناف التي يجري فيها الربا. وأما إن كانت العملة من غير الذهب والفضة، كأن تكون من الورَق أو النحاس ونحوه، فإن انقطع التعامل بها، ولم تعد ثمنا للأشياء، فقد زالت عنها علة الربا، وصارت سلعة من السلع، فيجوز شراؤها بما يتفق عليه المتبايعان من الثمن، بشرط عدم الإسراف والتبذير، فإن بعض الناس ينفق أموالاً طائلة لشراء هذه العملات القديمة، وقد أمرت الشريعة بحفظ المال، ونهت عن إضاعته. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن بيع العملة القديمة بأكثر من قيمتها فأجاب: ليس فيه بأس؛ لأن العملة القديمة أصبحت غير نقد، فإذا كان مثلاً عنده من فئة الريال الأولى الحمراء أو من فئة خمسة أو عشرة التي بطل التعامل بها وأراد أن يبيع ذات العشرة بمائة فلا حرج؛ لكونها أصبحت سلعة ليست بنقد، فلا حرج " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (233/18) باختصار. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97488 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5218 لا يجوز أخذ الأجرة على الكفالة [السُّؤَالُ] ـ[طلب مني أحد الأشخاص أن أكفله في شراء سيارة بالتقسيط فرفضت فقال لي أنا نويت أعطي من سيكفلني ألفين ريال فأخذتها منه وكفلته لحاجتي للفلوس، فهل هذا المبلغ حلال لي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز أخذ أجرة على الكفالة والضمان؛ لأن هذه الأجرة ستحول عقد الكفالة إلى عقد ربوي. وبيان ذلك: أن الكفيل ملزم بدفع الدين عن المكفول إذا لم يقم المكفول بالسداد، وفي حالة سداد الكفيل للدين فإنه يكون قرضا منه للمكفول، يلزمه سداده له، وسيضاف إلى ذلك الأجرة التي اتفقا عليها مقابل الكفالة، فيكون قرضا بزيادة، وهذا عين الربا. قال ابن قدامة في "المغني" (6/441) : "ولو قال: اكفل عني ولك ألف لم يجز ; لأن الكفيل يلزمه الدين , فإذا أداه وجب له على المكفول عنه, فصار كالقرض , فإذا أخذ عوضا صار القرض جارا للمنفعة , فلم يجز " انتهى باختصار. وقال ابن جرير الطبري في "اختلاف الفقهاء" (ص9) : " ولو كفل رجل على رجل بمال عليه لرجل، على جُعل (أجرة) جعله له المكفول عليه، فالضمان على ذلك باطل" انتهى. وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن خطاب الضمان، ما يلي: " أولاً: إن خطاب الضمان بأنواعه الابتدائي والانتهائي لا يخلو إما أن يكون بغطاء أو بدونه، فإن كان بدون غطاء، فهو: ضم ذمة الضامن إلى ذمة غيره فيما يلزم حالاً أو مآلاً، وهذه هي حقيقة ما يعني في الفقه الإسلامي باسم: الضمان أو الكفالة. وإن كان خطاب الضمان بغطاء فالعلاقة بين طالب خطاب الضمان وبين مصدره هي الوكالة، والوكالة تصّح بأجر أو بدونه مع بقاء علاقة الكفالة لصالح المستفيد (المكفول له) . ثانياً: إن الكفالة هي عقد تبرع يقصد به الإرفاق والإحسان، وقد قرر الفقهاء عدم جواز أخذ العوض على الكفالة، لأنه في حالة أداء الكفيل مبلغ الضمان يشبه القرض الذي جر نفعاً على المقرض، وذلك ممنوع شرعاً. وبناء على ذلك يتقرر ما يلي: أولاً: إن خطاب الضمان لا يجوز أخذ الأجرة عليه لقاء عملية الضمان - والتي يُراعى فيها عادة مبلغ الضمان ومدته - وسواء أكان بغطاء أم بدونه. ثانياً: إن المصاريف الإدارية لإصدار خطاب الضمان بنوعيه جائزة شرعاً، مع مراعاة عدم الزيادة على أجر المثل، وفي حالة تقديم غطاء كلي أو جزئي، يجوز أن يُراعى في تقدير المصارف لإصدار خطاب الضمان ما قد تتطلبه المهمة الفعلية لأداء ذلك الغطاء " انتهى من "قرارات مجمع الفقه الإسلامي" ص25. وبناء على ذلك؛ فلا يحل لك أخذ هذا المال، ويجب عليك رده إلى صاحبه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97268 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5219 يشتري الذهب ويدفع نصف السعر ويؤجل الباقي [السُّؤَالُ] ـ[إذا اشترى رجل ذهبا من صائغ ولم يدفع إلا نصف السعر ويبقى عليه دين لأجل مسمى هل هذا جائز أم ربا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز شراء الذهب بالذهب أو بالفضة أو بالنقود إلا يدا بيد، فإن أَجَّل شيئا من الذهب أو من الثمن فهو ربا، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) رواه مسلم (2970) من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه. والريالات والدولارات وغيرها من العملات أجناس مستقلة لها ما للذهب والفضة من الأحكام. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: إذا باع إنسان مصاغا من الذهب لآخر، وليس مع المشتري بعض القيمة أو كل القيمة، ولا بعد أيام أو شهر أو شهرين فهل هذا جائز أو لا؟ فأجابوا: إذا كان الثمن الذي اشترى به مصاغ الذهب ذهبا أو فضة أو ما يقوم مقامهما من الأوراق النقدية أو مستنداتها لم يجز، بل هو حرام؛ لما فيه من ربا النسأ (أي: تأخير القبض) . وإن كان الشراء بعروض كقماش أو طعام أو نحوهما جاز تأخير الثمن " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/466) وبناء على ذلك فالواجب التوبة إلى الله تعالى من هذه المعاملة المحرمة، وبيان حكمها للناس، حجزا لهم عن الوقوع في الربا الذي هو كبيرة من كبائر الذنوب. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97031 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5220 يعمل في شركة تتعامل بالتأمين [السُّؤَالُ] ـ[أعمل في شركة شحن تقوم بالشحن لجميع أنحاء العالم وأخبرني المشرف على العمل أنه يجب أن أخبر العميل أنه يمكنه إضافة تأمين بمبلغ مقداره (3.5%) من قيمة الشحنة، لحماية شحناتهم، فإن وافق العميل أضغط على زر وينتهي الأمر في ثوان فهل هذا يجعل وظيفتي حراماً بسبب التأمين؟ وهل هذا ربا؟ وهل تحل علي لعنة الله؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: العمل في الشحن حلال إذا كانت البضائع المشحونة من المسموح به شرعاً، وليس من المحرمات كأن تكون خمراً أو لحم خنزير أو أي شيْ من المواد المحرمة من المطعوم أو المشروب والملبوس وغير ذلك. ثانياً: التأمين التجاري الذي تتعامل به شركات التأمين حرام. ومن أسباب تحريمه أنه يشتمل على الربا والميسر، وكلاهما حرام بالنص من القرآن والسنة وإجماع المسلمين. يراجع سؤال (8889) . قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: التأمين على الحياة والممتلكات: محرَّم شرعاً لا يجوز؛ لما فيه من الغرر والربا، وقد حرَّم الله عز وجل جميع المعاملات الربوية والمعاملات التي فيها الغرر، رحمةً للأمة وحمايةً لها مما يضرها، قال الله سبحانه وتعالى: (وأحلَّ الله البيع وحرَّم الربا) ، وصحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم أنه نهى عن بيع الغرر، وبالله التوفيق اهـ " فتاوى إسلامية " (3 / 5) . ثالثاً: عَظَّمَ الله تعالى شأن الربا وتوعد عليه بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) البقرة. وروى مسلم (1598) عَنْ جَابِرٍ قَالَ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ. قال النووي: هَذَا تَصْرِيح بِتَحْرِيمِ كِتَابَة الْمُبَايَعَة بَيْن الْمُتَرَابِينَ وَالشَّهَادَة عَلَيْهِمَا. وَفِيهِ: تَحْرِيم الإِعَانَة عَلَى الْبَاطِل اهـ وضغطك على الزر لإمضاء عملية التأمين بمنزلة الكتابة فيدخل في الحديث السابق. رابعاً: لا يجوز للمسلم أن يعمل في شركة مجال عملها في الربا والمعاملات المحرمة، ولا يختص التحريم بكاتب الربا أو شاهده، بل يدخل في ذلك جميع الموظفين الذين يعملون بالشركة حتى البواب والحارس، لأن هذا فيه معاونة للشركة على ما تقوم به من أعمال محرمة، وقد قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2. خامساً: على المسلم أن يحرص على العمل الحلال، فإن أكل الحرام من موانع إجابة الدعاء، ومن أسباب دخول النار، فأي جسم نبت من حرام فالنار أولى به. وإذا ترك المسلمُ الحرامَ طاعةً لله تعالى فإن الله تعالى يبدله ما هو أفضل منه، فإنه من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 9348 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5221 يدفع مبلغا مقدما للمؤجر في مقابل أن يخفض له أجرة المسكن [السُّؤَالُ] ـ[انتشر عندنا في المغرب بكثرة ظاهرة رهن السكن , ولقد قمت بمراجعة الفتاوى المطروحة في الموقع , لكن قضيتي تختلف بعض الشيء , وهو أنه عندنا زيادة على دفع ثمن الرهن، فإنني أدفع مبلغاً متواضعاً شهرياً كإيجار, مثلا ; ثمن إيجار سكن هو 1000 درهم لكن في حالة الرهن يتغير ثمن الكراء, إذ عندما أتفق مع صاحب السكن على الرهن لمدة سنة بثمن 20000 ألف درهم سوف يقوم في مقابل تسليفه المبلغ المذكور لهذه المدة بتنزيل ثمن الكراء الشهري إلى النصف, يعني 500 درهم , فما رأي سيادتكم في الأمر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما فهمناه من سؤالك أنك ستستأجر سكنا لمدة سنة، وتدفع مقدما قدره 20000، وفي مقابل ذلك سيخفض المؤجر الإيجار من 1000 درهم إلى 500 درهم، مقابل انتفاعه بالمبلغ المقدم. وإذا كان هذا المقدم سيعاد إليك في نهاية المدة، فإنه يعتبر قرضا منك للمؤجر، وهو قرض ربوي لأنه يجر منفعة لك، وهي تخفيض الأجرة من 1000 إلى خمسمائة، فكأنك أقرضته 20000 ليردها 20600، وقد اتفق الفقهاء على أن كل قرض جر نفعا فهو ربا. قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: " وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المُسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية، فأسلف على ذلك، أن أخذ الزيادة على ذلك ربا. وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرضٍ جَرَّ منفعة. ولأنه [يعني: التسليف] عقد إرفاق وقربة، فإذا شرط فيه الزيادة أخرجه عن موضوعه " انتهى من "المغني" (6/436) . ولا يخفى عليك ما جاء في الربا من الوعيد الشديد، فهو كبيرة عظيمة من كبائر الذنوب، وفاعله مُتوعَّد بالحرب من الله تعالى، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278-279. وروى مسلم (1598) عن جابر قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء) . وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم، أشد عند الله من ستة وثلاثين زنية) رواه أحمد (21450) والطبراني، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3375) نسأل الله لك التوفيق والسداد، وأن يغنيك بالحلال عن الحرام. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 95303 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5222 هل يتخلص من الفوائد الربوية بإعطائها لبناته المتزوجات؟ [السُّؤَالُ] ـ[شخص كان يودع أمواله في البنوك , وتضاف له فوائد عليها , أراد أن يتخلص من تلك الفوائد. هل يجوز له أن يعطيها لبناته المتزوجات , علما أن ظروفهن المادية ضعيفة ?]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إيداع الأموال في البنك بفائدة عمل محرم تحريما شديدا، وهو من كبائر الذنوب، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278-279. ولا يجوز الإيداع في البنك الربوي إلا عند الخوف على المال من السرقة ونحوها، إذا لم توجد وسيلة لحفظه إلا بوضعه في البنك، ويكتفى حينئذ بوضعه في الحساب الجاري بلا فائدة، لأن الضرورات تبيح المحظورات، والضرورة تقدر بقدرها. ثانيا: من ابتلي بالوقوع في الربا فالواجب عليه أن يتوب إلى الله تعالى، بالإقلاع عن الذنب، والندم على ما فات، والعزم على عدم العود إليه، والتخلص من الفائدة المحرمة، بصرفها في أوجه الخير، وليس له أن ينتفع بها لنفسه أو لمن تجب نفقته عليه. قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: " أما ما أعطاك البنك من الربح: فلا ترده على البنك ولا تأكله، بل اصرفه في وجوه البر كالصدقة على الفقراء، وإصلاح دورات المياه، ومساعدة الغرماء العاجزين عن قضاء ديونهم " انتهى من " فتاوى إسلامية " (2 / 407) . ثالثا: لا حرج عليك في إعطاء هذه الفوائد الربوية لبناتك المتزوجات، إذا كنّ بحاجة للمال، لأن نفقتهن لا تجب عليك وإنما تجب على أزواجهن. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 95395 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5223 اقترض بالربا لشراء منزل تحت ضغط والده [السُّؤَالُ] ـ[أنا شخص تائب من أخذ أي قروض ربوية ولكن في فترة قصيرة طلب مني والدي أن آخذ قرضا ربويا لشراء منزل، لأن المنزل الذي نحن به ليس ملكا لنا ولأن المالك مصر على استرجاع المنزل وحالتنا المادية ضعيفة لشراء منزل آخر. فأنا أصررت على أن نستأجر منزلا وهو أفضل من الوقوع في الحرام إلا أنهما غضبا وغُصبت على أن أشارك أحد أفراد العائلة في أخذ قرض ربوي وشراء المنزل. أنا بريء من هذا القرض من قبل أن نأخذه ولكن القرض باسمي وأحد أفراد العائلة. فهل هناك أي شي علي وأنا معارض وإلى اليوم معارض؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز الاقتراض بالربا، من البنك أو غيره، ولو كان ذلك لشراء منزلٍ للسكنى؛ لما ورد في الربا من التحريم المؤكد، والوعيد الشديد، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278- 279. وروى مسلم (1598) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ , وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ) . قال ابن قدامة رحمه الله: " وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المُسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية، فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا " انتهى من "المغني" (6/436) . وشراء المنزل ليس عذرا في ارتكاب هذه المعصية العظيمة والذنب الكبير، وكان يمكنكم الاكتفاء باستئجار منزل، كما ذكرت. وقد أخطأت في الدخول في هذه المعاملة، وكان يجب عليك أن تثبت على موقفك ولو أدى ذلك إلى غضب والداك أو عائلتك؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولا تكفي معارضتك مع توقيع القرض أو جزء منه باسمك. والواجب عليك الآن وعلى كل من اقترض بالربا أن يتوب إلى الله تعالى، وأن يندم على ما فات، ويعزم عزما أكيدا على عدم العود إلى هذا الذنب العظيم، والجرم الخطير، الذي ورد فيه من الوعيد ما لم يرد في غيره، نسأل الله العافية ولا حرج عليكم في سكنى هذا المنزل، وقد سئلت اللجنة الدائمة عن رجل اقترض قرضاً ربوياً وبنى بيتاً، فهل يهدم البيت أم ماذا يفعل؟ فأجابت: " إذا كان الواقع كما ذكرت، فما حصل منك من القرض بهذه الكيفية حرام لأنه ربا وعليك التوبة والاستغفار من ذلك، والندم على ما وقع منك والعزم على عدم العودة إلى مثله، أما المنزل الذي بنيته فلا تهدمه، بل انتفع به بالسكنى أو غيرها، ونرجو أن يغفر الله لك ما فرط منك " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (13 / 411) . نسأل الله تعالى أن يتجاوز عنا وعنك، وأن يغفر لنا ولك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 95005 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5224 حكم عليه بالسجن فهل يأخذ قرضاً ربويّاً لينجو منه؟ [السُّؤَالُ] ـ[أبلغ من العمر 30 سنة، دخلت الإسلام مند ست سنوات بعد صراع مرير مع الكفر، فقد كنت أعيش في فرنسا، وعدت إلى وطني عودة نهائية، وفتحت مشروعاً صغيراً، لم أوفق فيه، فتراكم عليَّ من الديْن 25 ألف دولار، ولم أستطع خلاصها، فاقترح عليَّ البنك قرضاً على أن أسدده على ثلاث سنوات مع فائض 30 بالمائة، فنصحني بعض الإخوة بالابتعاد عن الربا لما فيه من معصية لله سبحانه، ولكن بعض رجال الدين قالوا: إذا كان للضرورة: فلا بأس بذلك، فأنا اليوم مهدد بالسجن إن لم أقض ما عليَّ من ديْن، أنا في حيرة من أمري، إما أن أقبل بالقرض وإما أن أقضي تسع سنوات سجن، مع أن الحكم صدر مند شهرين ولم يبق لي إلا شهر واحد، فأرجو منك أن تفتني.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: بدايةً: نهنئك على دخول الإسلام، ونسأل الله أن يثبتك على الحق، وأن يزيدك هدى وتوفيقاً، واعلم أن المسلم يبتلى ليُعلم صدقه من عدمه في استقامته على الدين، ثم إن ابتلاءه يكفِّر الله به عنه سيئاته، ويرفع به درجاته، لكن لا بدَّ أن يحتسب مصيبته عند ربه، فلا يضجر، ولا يسخط، بل يصبر ويحتسب. وما أصابك من مصيبة في مالك إنما هو ابتلاء من ربك، وما قد تكون تعرضت له من صد الناس عنك، وعدم مساعدتهم لك إنما ابتلاء أيضاً، فاصبر فإنك على الحق، والزم طريق التقوى؛ فإن الله تعالى قد وعد المتقين بأن يجعل لهم مخرجاً من ضيقهم، ووعدهم بالرزق من فضله، قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) الطلاق/2-3، وقال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) الطلاق/4، وقال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً) الطلاق/5. ثانياً: واعلم أن الربا من المحرَّمات القطعية في الشرع، وهو من كبائر الذنوب. وانظر جواب السؤال رقم (22339) ففيه بيان تحريم الربا. ثالثاً: واعلم أن المحرَّمات في الشريعة يجوز فعلها إذا كان المسلم معذوراً بالإكراه أو الاضطرار. قال الله تعالى: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) البقرة/173، وقال تعالى: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) الأنعام/119. وننبه هنا إلى ثلاثة أمور: الأول: أن الضرورة في باب الربا متعلقة بالمقترض، لا بالمقرض؛ إذ ليس هناك ما يجعل المقرض مضطراً لأن يقرِض بالربا، بخلاف المحتاج للقرض فإنه قد تُغلق الأبواب في وجهه فلا يجد إلا باب القرض بفائدة ربوية. وفي فتوى " مجمع البحوث الإسلامية " بالقاهرة في مؤتمره الثاني المنعقد في شهر محرم 1385 هـ (مايو 1965م) قالوا: "والفائدة على أنواع القروض كلها ربا محرم، لا فرق بين ما يسمَّى بالقرض الاستهلاكي، وما يسمى بالقرض الإنتاجي (الاستغلالي) ، وكثير الربا في ذلك وقليله حرام، والإقراض بالربا محرم لا تبيحه حاجة ولا ضرورة، والاقتراض بالربا كذلك، ولا يرتفع إثمه إلا إذا دعت إليه ضرورة، وكل امرئ متروك لدينه في تقدير الضرورة" انتهى. وجاء في " الموسوعة الفقهية " (6 / 167) : أنه يجوز للمضطر أن يتعامل بالربا للضرورة، "فيأثم المقرض دون المقترض" انتهى. الثاني: أن المقترض بالربا لا بدَّ أن يكون الدافع لفعله المحرَّم هذا هو الضرورة، وليست الحاجة التي يمكنه التخلي عنها، وعدم فعلها، والضرورة تتعلق بضرر يقع على دينه أو بدنه أو عقله أو عرضه أو ماله – وهي ما يسمى " الضرورات الخمس " -، وليست هي المشقة التي يمكن تحملها، بل هي الضرورة التي قد تسبب له هلاكاً، أو تلفاً لبعض أعضائه، أو سجناً طويلاً، أو مرضاً مزمناً. قال أبو عبد الله الزركشي رحمه الله: فالضرورة: بلوغه حدّاً إن لم يتناول الممنوع هلك أو قارب كالمضطر للأكل، واللبس بحيث لو بقي جائعاً أو عرياناً لمات، أو تلف منه عضو، وهذا يبيح تناول المحرم. والحاجة: كالجائع الذي لو لم يجد ما يأكل لم يهلك، غير أنه يكون في جهد ومشقة، وهذا لا يبيح المحرَّم. " المنثور في القواعد " (2 / 319) . وفي " نظرية الضرورة الشرعية " (ص 67، 68) : "الضرورة: هي أن تطرأ على الإنسان حالة من الخطر، أو المشقة الشديدة بحيث يخاف حدوث ضرر أو أذى بالنفس أو بالعضو أو بالعرض أو بالعقل أو بالمال وتوابعها، ويتعين أو يباح عندئذ ارتكاب الحرام، أو ترك الواجب أو تأخيره عن وقته دفعاً للضرر عنه في غالب ظنه ضمن قيود الشرع " انتهى. الثالث: يجب أن يكون الضرر الذي سيلحقك في حال عدم الدفع يقينيّاً أو بغلبة الظن، ولا ينبغي أن يكون خياليّاً أو متوهماً. وقد توسَّع كثيرون في أمر القرض بالربا، فجعلوا شراء بيتٍ، أو سيارة، أو تغيير أثاث البيت، أو شراء جهاز خلوي من الضرورات، فتعاملوا مع مؤسسات الربا بمثل هذا العذر، وقد وجدوا من يفتي لهم في بعض تلك الأشياء! كما لم يفهم كثيرون معنى الضرورة، فراحوا يبحثون عن البنوك والمؤسسات الربوية من أجل الاقتراض بفائدة ربوية، دون أن يكون منهم بحث عن طرق مباحة يتحصلون فيها على الأموال اللازمة، ومن الطرق التي أباحتها الشريعة في الحصول على المال لعادمه: العمل المباح، والاستدانة من شخص دون ربا، وشراء سلعة بالأقساط وبيعها نقداً، وليُعلم أن كثيراً من هؤلاء قد يكون لهم الحق في الزكاة، فلا بأس من طلبهم ذلك من المؤسسات التي تقوم على جمع زكاة المسلمين. والذي نراه في مسألتك: أنه إن أمكنك الحصول على المال بالطرق الشرعية المباحة: فلستَ معذوراً بأخذ قرضٍ ربوي، وإن كنتَ تستطيع تقسيط المبلغ الذي عليك: فلستَ معذوراً أيضاً، فإن لم يمكنك الحصول على المال بطريق مباح وكان يترتب على عدم دفعك للمبلغ، دخولك السجن فنرجو أن تكون من المعذورين المضطرين للتعامل بالربا، ولا إثم عليك، وإنما الإثم على من أقرضك بالربا، وعلى من علم بحالك ولم يساعدك مع استطاعته. ويجب أن تعلم أن العلماء يقولون " إن الضرورة تقدَّر بقدرها "، ومعنى ذلك – في حالتك -: أنه لا يجوز لك أن تأخذ من البنك إلا القدر الذي به تسلم من الضرر والأذى، ولا يجوز لك الزيادة عليه، كما ننبهك إلى أنك إن وجدت مالاً بعد ذلك فيجب عليك أن تسارع في سداد البنك إن كنت بذلك تتخلص من الفوائد الربوية كلها أو بعضها. ونسأل الله تعالى أن يرزقك التقوى والعمل الصالح، وأن يغنيك من فضله، وأن ينجيك من الآثام، وأن يثبتك على الحق، وأن يزيدك هدى وتوفيقاً. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 94823 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5225 شراء سيارة ممن اشتراها بقرض ربوي [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم شراء سيارة بالتقسيط من مؤسسة مع العلم أن هذه المؤسسة تقترض أموالا من البنك بفائدة من أجل تمويل هذه العملية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نسأل الله تعالى أن يجزيك خيراً على حرصك على تحري التعامل الحلال، وحذرك من مباشرة الحرام، وبخصوص سؤالك عن المعاملة التي ذكرتها، فلا شك في أن الاقتراض بفائدة هو عين الربا الذي حرمه الله ورسوله، ومن القواعد الفقهية المتفق عليها بين العلماء "أن كل قرض جر نفعاً فهو ربا"، فالمقترض بهذا قد وقع في كبيرة من كبائر الذنوب وهي التعامل بالربا، ولكن وقوعه في الإثم من هذه الجهة لا يعني حرمة التعامل معه في البيع والشراء، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعامل اليهود، وهم قوم كما وصفهم الله تعالى في كتابه بأنهم متعاملون بالربا أكَّالون للسحت. فعلى هذا تجوز معاملة من يتعامل بالربا بيعاً وشراء. فلا حرج عليك من شراء سيارة من هذه المؤسسة، ولا إثم عليك في ذلك إن شاء الله تعالى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93608 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5226 التعامل مع شركة تبيع وتشتري العملات [السُّؤَالُ] ـ[أود أن أسال عن شركة استثمارية على الإنترنت هل التعامل معها حلال أم حرام ... هذه الشركة شركة استثمار طويل الأجل، فهي أساسا شركة وساطة في مجال تجارة العملات العالمية وتقدم خدمة إدارة الحسابات (إدارة أموال المستثمرين وتشغيلها في الـFOREX) وهو عبارة عن صندوق استثمار (مثل صناديق الاستثمار الموجودة ببعض الدول لتشغيل أموال المستثمرين في البورصة) حيث يتم تجميع أموال المستثمرين في هذا الصندوق ثم يقوم فريق الشركة (المختصين) بتشغيلها والمضاربة في بورصة العملات العالمية FOREX، طبعاً هناك فريق من المختصين يديرون أموال العملاء (نظام إدارة الحسابات) وتدفع فائدة أسبوعية للمستثمرين بها ما بين 8 و 12 % أي فائدة متغيرة والشركة لا تتعامل في الخمور أو القمار أو الأمور المحرمة ولها حد أدنى لكي يشارك الشخص بها ... فأرجو أن تخبرونا التعامل معها حلال أم حرام نظرا لانتشارها الشديد وكثرة من يتعاملون معها]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ينبغي على المسلم الحذر البالغ في التعامل مع الشركات الأجنبية، وخاصة عندما يكون التعامل معها عن بُعد، فهو لا يدري عن حال المتعامَل معهم، ولا عن حقيقة أنشطتهم التجارية، فيمكن أن يتعرض للنصب والاحتيال، كما يمكن أن يتعامل مع أناسٍ لا يراعون أحكام الشريعة في تعاملاتهم، وقد يُخفون حقيقة تعاملاتهم من أجل جذب أموال المسلمين لاستثمارها فيما يرون لا فيما تبيحه الشريعة الإسلامية. ثانياً: تجارة العملات من التجارة المباحة، لكن يشترط لإباحة التجارة بها: التقابض في مجلس العقد. فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثلٍ، سواءً بسواء، يداً بيدٍ، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيدٍ) رواه مسلم (1587) . والعملات الورقية لها حكم الذهب والفضة من حيث الزكاة، ومن حيث اشتراط التقابض عند بيعها، والحديث نصٌّ بيِّن في اشتراط التقابض عند بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، وعليه: فلا يجوز بيع عملة بعملة إلا بشرط التقابض في مجلس العقد. قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: فالعملة لا تباع بمثلها إلا يداً بيد مثْلا بمثل، وإذا كانت عملة بعملة أخرى كريال بالدولار، أو جنيه إسترليني بغيره: جاز البيع يداً بيدٍ، بدون تأجيل، ولو تفاضلا، فالطرق الشرعية موجودة وكافية - بحمد الله - وليس الناس بحاجة إلى الربا، لولا أن الشيطان يدعوهم إلى ذلك، ويزين لهم الفائدة السريعة بالربا. " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (7 / 294، 295) . وقال الشيخ عبد الله الجبرين حفظه الله: لا بأس في التجارة بالعملة، وهو بيع نقدٍ بنقد، ولكن بشرط التقابض قبل التفرق، سواء سلَّم العيْن واستلم ما يقوم مقامها من الشيكات المصدَّقة الموثقة، وسواء كان المتصارفان مالكيْن أو وكيليْن، فإن كان العرف ليس على هذه الصفة: فلا يجوز، وفاعله عاصٍ بفعله، وناقص الإيمان. " فتاوى إسلامية " (2 / 364) . ووجود القبض يداً بيدٍ في الهاتف والإنترنت مع الغياب والبعد من المستحيلات، ولذا فإن العلماء المعاصرين قالوا بجواز بيع العملات بالهاتف والإنترنت في حال وجود ما يقوم مقام القبض، وهو التحويل المباشر من حساب البائع إلى حساب المشتري، أو تسلُّم وكيل للمشتري شيكات بنكية مصدَّقة باسم الطرف الآخر، وهو ما قال به مجلس الفقه الإسلامي، وهذا نص ما قال: إن مجلس الفقه الإِسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17 إلى 23 شعبان 1410هـ الموافق 14 - 20 آذار (مارس) 1990 م. بعد إطِّلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع: " القبض: صوره وبخاصة المستجدة منها وأحكامها ". واستماعه للمناقشات التي دارت حوله. قرر: أولاً: قبض الأموال كما يكون حسيّاً في حالة الأخذ باليد، أو الكيل أو الوزن في الطعام، أو النقل والتحويل إلى حوزة القابض، يتحقق اعتباراً وحكماً بالتخلية مع التمكين من التصرف ولو لم يوجد القبض حسّاً، وتختلف كيفية قبض الأشياء بحسب حالها واختلاف الأعراف فيما يكون قبضاً لها. ثانياً: إن من صور القبض الحكمي المعتبرة شرعاً وعرفاً: 1. القيد المصرفي لمبلغ من المال في حساب العميل في الحالات التالية: (أ) إذا أودع في حساب العميل مبلغ من المال مباشرة أو بحوالة مصرفية. (ب) إذا عقد العميل عقد صرف ناجز بينه وبين المصرف في حال شراء عملة بعملة أخرى لحساب العميل. (ج) إذا اقتطع المصرف - بأمر العميل - مبلغاً من حساب له إلى حساب آخر بعملة أخرى، في المصرف نفسه أو غيره، لصالح المستفيد أو لعميل آخر، وعلى المصارف مراعاة قواعد عقد الصرف في الشريعة الإسلامية. ويغتفر تأخير القيد المصرفي بالصورة التي يتمكن المستفيد بها من التسلم الفعلي للمدد المتعارف عليها في أسواق التعامل، على أنه لا يجوز للمستفيد أن يتصرف في العملة خلال المدة المغتفرة إلاَّ بعد أن يحصل أثر القيد المصرفي بإمكان التسلم الفعلي. 2. تسلم الشيك إذا كان له رصيد قابل للسحب بالعملة المكتوب بها عند استيفائه وحجزه المصرف" انتهى. " مجلة المجمع " (العدد السادس، 1 / 453) ، " قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي " (ص 113، 114) . وقد نبّه العلماء المختصون في المعاملات المالية المعاصرة أن بيع العملات عن طريق الإنترنت لا يحصل فيه التقابض، فيكون محرما شرعا. ثم إن هناك سبباً آخر لتحريم المعاملة المسئول عنها: وهي أن الشركة تعطي المستثمرين بها أرباحاً أسبوعية ما بين 8 و 12 %، وهذا يجعل عقد المضاربة فاسدا، لأن الواجب في عقد المضاربة أن يتم توزيع الربح بالنسبة بين الشركاء فيأخذ كل شريك نسبة معينة من الربح مثل نصف الربح أو ربعه وما أشبه ذلك، أما أن يأخذ شيئاً ثابتاً أو تكون النسبة من رأس المال فهذا لا يجوز. والخلاصة: أن بيع العملات بهذه الطريقة لا يجوز لسببين: 1- أن بيع العملات عن طريق الإنترنت لا يحصل فيه التقابض. 2- أن عقد المضاربة يشترط فيه أن توزع الأرباح بين الشركاء بالنسبة ولا يجوز أن تكون تلك النسبة من رأس المال. وننبه هنا إلى أنه لا يجوز لكم الاقتراض من هؤلاء الوسطاء أو الوكلاء أو الأجراء بما يسمَّى " نظام المارجن "، وهو ما يتطلب منك وضع جزء من قيمة القرض لديهم ليتم الاتجار في البورصة – وخاصة العملات – ويقوم هؤلاء الوسطاء بتسهيل التعامل بأضعاف ما دفعته لهم، ويتم حسم الخسارة من مبلغك المودع لديهم. واعلم أن التعامل بنظام " المارجن " حرام شرعاً، ولا يجوز لأحدٍ أن يتعامل به، وقد حذَّر كثيرون منه - حتى من غير المسلمين -؛ لما له من أثر سيء في التعاملات المالية في البورصات، وانهيار بورصة نيويورك في " الاثنين الشهير " كان من أهم أسبابها هو التعامل بنظام " المارجن "، " بسبب تخزين أوامر بالبيع على أجهزة الكومبيوتر الخاصة بالسماسرة في حالة انخفاض الأسعار إلى الهوامش المتفق عليها، وحين هبطت أسعار الأسهم بالفعل صدرت أوامر البيع آليّاً فارتفع العرض بصورة غير مسبوقة دون وجود طلب للشراء، وهو ما أدى إلى الانهيار "، وفي الكويت - وغيرها - دعوات متعددة من اقتصاديين لإلغاء العمل به. والذي يهمنا نحن هو حكم الله تعالى في هذا النظام وغيره، وهو حرام من جهات متعددة، منها: أنه قرض ربوي بصورة تعامل مباح، وأن شراء العملات لا يتم فيه القبض الشرعي، وأن فيه مخاطرة مما يدخله في معاملات القمار. فنصيحتنا لكم ترك التعامل مع مثل هؤلاء الغرباء البُعداء، والذي لا يدري المسلم ما يُفعل بماله عندهم، والحذر البالغ من الوقوع في المحرّمات. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93334 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5227 اقترض بفائدة يسددها من فوائد شهادات لدى البنك [السُّؤَالُ] ـ[لقد أخذنا قرضا من البنك بضمان شهادات لنا في هذا البنك لشراء سيارة ويوجد فوائد على القرض ولكن يتم سداده من فوائد الشهادات ما الحكم الآن؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الاقتراض من البنك بالفائدة محرم؛ وهو من الربا الذي توعد الله أهله بالحرب، كما قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ) البقرة/278، 279. وهذا القرض محرم، سواء كانت الفائدة تسدد من حلال أموالكم، أو من فوائد محرمة تأخذونها أنتم من البنك بطريق آخر. ثانيا: شهادات الاستثمار التي تصدرها البنوك في بلدك، محرمة أيضا، ولا تخرج عن الربا، ويستوي في ذلك شهادات الفئة (أ) أو (ب) أو (ج) . وينظر السؤال رقم (72413) والواجب عليكم أمران: الأول: التوبة إلى الله تعالى من الاقتراض بالربا والسعي في إنهاء هذا العقد حسب استطاعتكم، والتوبة من الدخول في عقد الشهادات المحرمة. الثاني: التخلص من هذه الشهادات، بأخذ رأس المال، وصرف الفائدة الربوية في وجه من وجوه البر. ولا يلزمكم بيع السيارة التي اشتريتموها بالقرض الربوي، ولا حرج عليكم من الانتفاع بها، وإنما الواجب عليكم هو التوبة من التعامل بالربا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93339 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5228 الانتفاع ببيت بني بقرض ربوي [السُّؤَالُ] ـ[اشترينا بيتاً قبل ثلاثة سنوات بقرض ربوي بعد سماعنا للفتوى، انتهينا الآن من تسديد قيمة البيت لأننا دفعنا قسماً كبيراً كدفعة مقدمة، هل يجوز لنا أن نعيش في هذا البيت؟ وهل يجوز لنا أن نؤجره؟ وهل يمكن أن نستعمله كمكان عمل؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يجب عليكم التوبة إلى الله من هذا القرض الربوي؛ فإن الربا من أكبر الكبائر، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ - فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة / 278، 279) قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره (2/657) : " وهذا تهديد شديد، ووعيد أكيد لمن استمر على تعاطي الربا بعد الإنذار، قال ابن جريج: قال ابن عباس: فأذنوا بحرب، أي: استيقنوا بحرب من الله ورسوله،..عن ابن عباس قال: يقال يوم القيامة لآكل الربا خذ سلاحك للحرب ثم قرأ: (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) البقرة / 279) . اهـ ولعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء. رواه مسلم (1598) . وآكل الربا هو آخذه. ومؤكله: معطيه. أما بالنسبة للسكنى في هذا البيت فإذا تبتم إلى الله فلا بأس بسكناه أو تأجيره أو اتخاذه مكانا للعمل. وقد سئلت اللجنة الدائمة عن رجل اقترض قرضاً ربوياً وبنى بيتاً، فهل يهدم البيت أم ماذا يفعل؟ فأجابت: إذا كان الواقع كما ذكرت، فما حصل منك من القرض بهذه الكيفية حرام لأنه ربا وعليك التوبة والاستغفار من ذلك، والندم على ما وقع منك والعزم على عدم العودة إلى مثله، أما المنزل الذي بنيته فلا تهدمه، بل انتفع به بالسكنى أو غيرها، ونرجو أن يغفر الله لك ما فرط منك. فتاوى اللجنة الدائمة (13 / 411) نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتوب علينا، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 22905 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5229 التعامل مع البنوك الربوية [السُّؤَالُ] ـ[حكم التعامل مع البنوك الربوية]ـ [الْجَوَابُ] السؤال: ما الحكم الشرعي في كل من: · الذي يضع ماله في البنك فإذا حال عليه الحول أخذ الفائدة. · المستقرض من البنك بفائدة إلى أجل؟ · الذي يودع ماله في تلك البنوك ولا يأخذ فائدة؟ · الموظف العامل في تلك البنوك سواء كان مديراً أو غيره؟ · صاحب العقار الذي يؤجر محلاته إلى تلك البنوك؟ الجواب: الحمد لله لا يجوز الإيداع في البنوك للفائدة، ولا القرض بالفائدة، لأن كل ذلك من الربا الصريح، ولا يجوز أيضاً الإيداع في غير البنوك بالفائدة، وهكذا لا يجوز القرض من أي أحد بالفائدة بل ذلك محرم عند جميع أهل العلم لأن الله سبحانه يقول: {وأحل الله البيع وحرم الربا} .. ويقول سبحانه: {يمحق الله الربا وبربي الصدقات} .. ويقول سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين. فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تَظلمون ولا تُظلَمون} .. ثم يقول سبحانه بعد هذا كله: {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} .. الآية. ينبه عباده بذلك على أنه لا يجوز مطالبة المعسر بما عليه من الدين ولا تحميله مزيداً من المال من أجل الإنظار بل يجب إنظاره إلى الميسرة بدون أي زيادة لعجزه عن التسديد، وذلك من رحمة الله سبحانه لعباده، ولطفه بهم، وحمايته لهم من الظلم والجشع الذي يضرهم ولا ينفعهم. أما الإيداع في البنوك بدون فائدة فلا حرج منه إذا اضطر المسلم إليه، وأما العمل في البنوك الربوية فلا يجوز سواء كان مديراً أو كاتباً أو محاسباً أو غير ذلك لقول الله سبحانه وتعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب} . ولما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: (هم سواء) . أخرجه الإمام مسلم في صحيحه. والآيات والأحاديث الدالة على تحريم التعاون على المعاصي كثيرة، وهكذا تأجير العقارات لأصحاب البنوك الربوية لا يجوز للأدلة المذكورة، ولما في ذلك من إعانتهم على أعمالهم الربوية.. نسأل الله أن يمن على الجميع بالهداية وأن يوفق المسلمين جميعاً حكاماً ومحكومين لمحاربة الربا والحذر منه والاكتفاء بما أباح الله ورسوله من المعاملات الشرعية إنه ولي ذلك والقادر عليه. الشيخ ابن باز حكم استثمار الأموال في البنوك بفائدة السؤال: ما حكم استثمار الأموال في البنوك. علماً بأن هذه البنوك تعطي فائدة لوضع المال فيها؟ الجواب: الحمد لله من المعلوم عند أهل العلم بالشريعة الإسلامية أن استثمار الأموال في البنوك بفائدة ربوية محرم شرعاً، وكبيرة من الكبائر، ومحاربة لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم كما قال الله عز وجل: {الذين يأكلون الرِّبا لا يقومون إلاّ كما يقوم الّذي يتخبّطه الشّيطان من المسّ ذلك بأنهم قالوا: إنّما البيع مثل الرّبا وأحلّ الله البيع وحرّم الربا فمن جاءه موعظة من رّبّه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون، يمحق الله الرّبا ويربي الصّدقات والله لا يحبُّ كلّ كفّار أثيم} . وقال سبحانه: {يَا أيها الّذين أمنوا اتّقوا الله وذروا ما بقي من الرّبا إن كنتم مؤمنين، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تَظلمون ولا تُظلمون} . وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال (هم سواء) أخرجه مسلم في صحيحه. وخرج البخاري في الصحيح عن أبي جحيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (لعن آكل الربا وموكله ولعن الصور) . وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اجتنبوا السبع الموبقات) قلنا: وما هن يا رسول الله، قال: (الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) . والآيات والأحاديث في هذا المعنى - وهو تحريم الربا والتحذير منه - كثيرة جداً. فالواجب على المسلمين جميعاً تركه والحذر منه والتواصي بتركه، والواجب على ولاة الأمور من المسلمين منع القائمين على البنوك في بلادهم من ذلك، وإلزامهم بحكم الشرع المطهر تنفيذاً لحكم الله وحذراً من عقوبته، قال تعالى: {لُعِن الَّذين كفروا من بنى إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، كانوا لا يتناهون عن مُنكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون} . وقال عز وجل: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} . الآية. وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه) . والآيات والأحاديث في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كثيرة ومعلومة فنسأل الله للمسلمين جميعاً حكاماً ومحكومين وعلماء وعامة التوفيق للتمسك بشريعته والاستقامة عليها، والحذر من كل ما يخالفها إنه خير مسئول. الشيخ ابن باز حكم الإيداع في لبنوك بربح معين السؤال: ما حكم الإيداع في البنوك بربح معين … ؟ الجواب: الحمد لله الإيداع في البنوك بربح معين لا يجوز، لأن هذا عقد يشتمل على ربا، وقد قال الله تعالى {وأحل الله البيع وحرم الربا} وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله ,وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تَظلِمون ولا تُظلَمون} وهذا القدر الذي يأخذه الدافع للوديعة لا بركة فيه قال تعالى {يمحق الله الربا ويربي الصدقات} وهذا النوع من الربا نسيئة وفضل لأنّ الٌمودع يدفع نقوده للبنك بشرط بقائها مدة معلومة بربح معلوم.. اللجنة الدائمة. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 181 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5230 العمولة التي يأخذها البنك عند السحب مع خلو الرصيد [السُّؤَالُ] ـ[راتبي على أحد البنوك وهذا البنك يعطي خدمة لجميع من هم راتبهم عليه وذلك وقت الحاجة ونفاذ المال وهذه الخدمة عن طريق الصرافة حيث بإمكانك سحب المال والذي يكون بنسبة راتبك ويأخذ البنك على الخدمة 3ريالات مباشرة ولا يأخذ غيرها وسحب المال المأخوذ يكون من الراتب المقبل دون أخذ أية رسوم أخرى علماً بأن الرسوم لا تساوي حتى 1 بالمائة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سحب المال من البنك في حال خلو الرصيد، يعتبر قرضا، ولا يجوز للمقرض أن يشترط زيادة على القرض، مهما كانت قليلة؛ لأن ذلك ربا مجمع على تحريمه. قال ابن قدامة رحمه الله: " وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المُسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية، فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا. وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة " انتهى من "المغني" (6/436) . ولكن. . إذا كانت هذه الرسوم التي يأخذها البنك هي تكاليف عملية السحب فقط من غير زيادة، فلا حرج فيها، لأنها لا تعتبر زيادة في القرض. وعليه؛ فرسوم الخدمة المذكورة (3 ريالات) إن كانت هي الأجرة الفعلية التي تقابل ما يلزم لهذه العملية من إجراءات كالتسجيل والتدقيق ونحو ذلك، فهي جائزة، وإن زادت على الأجرة الفعلية، فالزيادة ربا، ولا يجوز الدخول في هذا العقد حينئذ، وكذا لو كان هذا المبلغ يختلف باختلاف المال المسحوب. وقد أصدر مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الثانية عشرة بالرياض في المملكة العربية السعودية، من 25 جمادى الآخرة 1421هـ إلى غرة رجب 1421هـ (23-28 سبتمبر 2000) قرارا بشأن العمولة التي يأخذها البنك عند السحب ببطاقة الائتمان غير المغطاه، جاء فيه: " السحب النقدي من قبل حامل البطاقة اقتراض من مصدرها، ولا حرج فيه شرعا إذا لم يترتب عليه زيادة ربوية، ولا يعد من قبيلها الرسوم المقطوعة التي لا ترتبط بمبلغ القرض أو مدته مقابل هذه الخدمة. وكل زيادة على الخدمات الفعلية محرمة لأنها من الربا المحرم شرعا، كما نص على ذلك المجمع في قراره رقم 13 (10/2) و 13 (1/3) " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 91474 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5231 عند تحويل حسابه إلي أي بنك يضاف لرصيده مبلغ [السُّؤَالُ] ـ[في بعض البنوك في بريطانيا عند تحويل حسابك من أي بنك إلى بنكهم يتم إضافة مبلغ معين من المال. الهدف من هذا المبلغ جذب الناس إلى تحويل حساباتهم إلى بنكهم. ما حكم أخذ هذا المال؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز أخذ هذا المال لأنه هدية في مقابل القرض، فتحرم. وبيان ذلك أن إيداع المال في البنك يعتبر قرضا، فلا يجوز اشتراط زيادة فيه، كما لا تجوز هدية المقترض للمقرض، في مدة القرض، ما لم تكن بينهما عادة سابقة بذلك. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (4/211) : " وكل قرض شرط فيه أن يزيده , فهو حرام , بغير خلاف. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المسلف إذا شرط على المستسلف زيادة أو هدية , فأسلف على ذلك , أن أخذ الزيادة على ذلك ربا. وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة .... وإن شرط أن يؤجره داره بأقل من أجرتها , أو على أن يستأجر دار المقرض بأكثر من أجرتها , أو على أن يهدي له هدية , أو يعمل له عملا , كان أبلغ في التحريم. وإن فعل ذلك من غير شرط قبل الوفاء [أي قبل سداد القرض] : لم يقبله , ولم يجز قبوله , إلا أن يكافئه , أو يحسبه من دينه , إلا أن يكون شيئا جرت العادة به بينهما قبل القرض ; لما روى الأثرم أن رجلا كان له على سمّاك عشرون درهما فجعل يهدي إليه السمك ويقوّمه حتى بلغ ثلاثة عشر درهما , فسأل ابن عباس فقال: أعطه سبعة دراهم. وعن زر بن حبيش قال: قلت لأبي بن كعب: إني أريد أن أسير إلى أرض الجهاد إلى العراق. فقال: إنك تأتي أرضا فاش فيها الربا , فإن أقرضت رجلا قرضا , فأتاك بقرضك ومعه هدية , فاقبض قرضك , واردد عليه هديته. رواه الأثرم. وروى البخاري عن أبي بردة قال: قدمت المدينة , فلقيت عبد الله بن سلام. وذكر حديثا. وفيه: ثم قال لي: إنك بأرض فيها الربا فاش , فإذا كان لك على رجل دين , فأهدى إليك حمل تبن , أو حمل شعير , أو حمل قتّ (علف للبهائم) , فلا تأخذه , فإنه ربا. قال ابن أبي موسى: ولو أقرضه قرضا , ثم استعمله عملا , لم يكن يستعمله مثله قبل القرض , كان قرضا جر منفعة. ولو استضاف غريمه , ولم تكن العادة جرت بينهما بذلك , حسب له ما أكله " انتهى باختصار. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 91483 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5232 اشترى بيتا بقرض ربوي فهل تقبله زوجا؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا فتاة ملتزمة سني 19سنة تقدم لخطبتي شاب ملتزم حسن الخلق لكنني رفضت بسبب علمي أنه اشترى ييتا عن طريق قرض ربوي. علما أنه من أسرة ميسورة، كما أنه استشار العديد من العلماء عندنا فوافقوا على القرض، هل أوافق على الزواج منه لأنه يصر على الزواج هل سأرتكب إثما إذا تزوجته؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: كراهتك للربا، ورفضك الزواج ممن تعامل به، أمر يحمد لك، وتشكرين عليك، ونسأل الله أن يزيدك إيمانا وعلما وتقى. ثانيا: الاقتراض بالربا محرم تحريما شديدا، لما جاء في الربا من الوعيد، كما في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278، 279. وما روى مسلم (1598) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ. وهذا الاقتراض محرم، ولو كان لشراء منزل للسكنى، وانظري جواب السؤال رقم (21914) و (22905) . ثانيا: إذا كان هذا الشاب مرضي الدين والخلق، فاستخيري الله تعالى واقبلي الزواج منه، ولا إثم عليك في ذلك، فإنه لا تزر وازرة وزر أخرى، وأما هو فعليه أن يتوب إلى الله تعالى، وأن يعزم على عدم العود إلى ذلك مستقبلا، ونرجو أن يعفو الله عنه؛ لأن أقدم على هذا العمل اعتمادا على قول العديد من العلماء، كما ذكرت، والصواب هو ما ذكرناه، وشراء البيت ليس ضرورة تبيح الربا، فإن الحاجة إلى المسكن تندفع بغير ذلك، كأن يكتفي باستئجار منزل مناسب. وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 91630 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5233 هذا هو عين الربا [السُّؤَالُ] ـ[أحب شخص أن يقترض مالاً من أحد البنوك بدون فائدة لكون الفائدة تعتبر رباً، ولكن أحد المسؤولين في ذلك البنك قال له: إذا كُنت تريد أن تبتعد عن الربا، بإمكانك أن تأخذ منا مليوناً وبعد سنة إذا كان عندك مقدرة تعطينا مليونين، مليون حقنا، ومليون يبقى عندنا على مدار السنة مقابل السنة التي يبقى مليوننا عندك، وبعد السنة تأخذ مليونك، فهل هذا يعتبر رباً أم لا؟ أفيدونا مأجورين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا هو عين الربا، هذا لا يجوز بكل حال لأن الغرض من القرض هو الإرفاق والمصلحة للمسلم، فقد جاء عن ابن عباس رضي الله عنه أن القرض مرتين بمنزلة صدقة فإذا أقرضك البنك مليون ريال لمدة سنة وبعد مضي السنة ترد عليه المليون الذي اقترضته منه وتعطيه زيادة مليون يبقى عنده لمدة سنة في مقابل قرضه لك فهذا محرم باتفاق المسلمين، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كل قرض جر منفعة فهو ربا) أخرجه البغوي بهذا اللفظ، فهو أقرضك مليون ريال واشترط أن تعطيه مليون زيادة على حقه من أجل أن يبيع فيه ويشتري فيختص بهذا الربح فهذا الشرط جر نفعاً فهو شرط باطل باتفاق المسلمين فما عليك يا أخي إلا أن تعطي البنك المليون الذي اقترضه فقط من غير أن تعطيه مليون آخر ينتفع به لمدة سنة، فهذا لا يجوز باتفاق العلماء فليس للبنك إلا رد ماله فقط لأن الله يقول: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تُظلمون) البقرة/278-279. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى سماحة الشيخ عبد الله بن حميد ص 185 الحديث: 750 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5234 اقترض بالربا لشراء منزل ويطالبه البنك بالفائدة [السُّؤَالُ] ـ[أراد والدي شراء البيت الذي نسكن فيه، وتقدم بطلب قرض من البنك فأعطوه نصف المبلغ فقط، وبعد استلامه رفض صاحب البيت البيع لأن المبلغ غير كاف، ولهذا فالوالد لابد أن يسدد كل شهر على مدى 15 سنة بالفوائد التي هي 8.5 في المائة، الآن نريد أن نعرف ما حكم هذا المبلغ؟ وكيفية التصرف فيه؟ وما حكم الوالد في الشرع؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: قد أخطأ والدك خطأ عظيما حين اقترض بالربا، ولو كان بغرض شراء المنزل، وقد جاء في الربا من الوعيد الشديد ما يجعل المؤمن يبتعد عنه، مهما كانت الأسباب والمبررات. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِه) البقرة/279. ولعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء. رواه مسلم (1598) . والله تعالى قد أخبر أنه يمحق الربا، ولهذا لا يتعامل أحد بالربا في الغالب إلا وتضيق عليه معيشته، ولا يبارك له في ماله، وعامة الذين يقترضون من البنوك يقعون في ضرر كبير، من الحجز على ممتلكاتهم وبيعها، وقد ينتهي الأمر في النهاية بأسوأ من هذا، وفي هؤلاء ـ وغيرهم ـ عبرة، إلا أن قليلاً من الناس هم الذين يعتبرون. والواجب على والدك التوبة إلى الله تعالى، بالندم على ما فات والعزم على عدم العود. ثانيا: فيما يخص القرض الربوي، فعلى والدك أن يذهب إلى البنك ويخبرهم برغبته في سداد المبلغ الآن بدلاً من تقسيطه على 15 سنة، وفي هذه الحالة فإنهم سيخفضون الفائدة عن 8.5 في المئة، فإن لم يمكن هذا وأبقوا الفائدة كما هي، فإنه إن تاب توبة نصوحاً فعلاً، وندم على ما فات، فإننا نرجو أن يعفو الله عنه، ولينتفع بهذا المال فيما يشاء، ويسدد أقساطه كل شهر. ونسأل الله تعالى أن يتوب عليه، وأن ييسر له أمره. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 90098 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5235 يطلب منهم أثناء الدراسة التدرب لمدة شهر في بنك ربوي [السُّؤَالُ] ـ[أنا طالب بالسنة الثالثة بمدرسة للتجارة والتسيير ويطلب منا القيام بتدريب لمدة شهر بإحدى الشركات أو البنوك , وأنا أفكر دوما بالعمل ببنك إسلامي , لكن لا يوجد عندنا أي بنك إسلامي، أود أن أسألكم عن حكم القيام بهذا التدريب بالبنوك الربوية من أجل كسب التجربة؟ وإن كانت هناك مكافأة في آخر التدريب فما حكمها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: نحمد الله تعالى أن بصرك بالحق، فأدركت حرمة الربا، وحرمة العمل في مجاله، ونسأل الله تعالى أن يزيدك علما وهدى، وأن ييسر لك الخير حيث كان. ثانيا: لا يجوز العمل في الشركات أو البنوك الربوية، لما في ذلك من التعاون على الإثم والعداون، وقد قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2، كما ورد لعن من أعان على الربا بالكتابة والشهادة، كما في الحديث الذي رواه مسلم (1598) عن جابر رضي الله عنه قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء) . وعليه فلا يجوز التدرب في هذه البنوك، إذا تضمن ذلك مباشرة الأعمال الربوية أو الإعانة عليها، إلا أن يضطر الطالب لذلك، بحيث لا يجد وسيلة للتخلص منه، فيجوز له الحضور، بشرط كراهته للربا، وإنكاره له، وامتناعه عن المشاركة في أي عملية ربوية، بل ينصح ويبين لهم حرمة الربا، ويستفيد التعرف على الإجراءات المتبعة فيه، ليكون منها على بصيرة. وأما المكافأة التي تصرف له في نهاية التدريب، فيأخذها، ويتخلص منها بإعطائها للفقراء والمساكين، لأنه مال خبيث بذل في مقابل العمل المحرم. وينظر جواب السؤال رقم (81915) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 90131 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5236 هل يأخذ الفوائد البنكية ليسدد بها الضرائب؟ [السُّؤَالُ] ـ[الدولة عندنا تفرض ضرائب على المقيمين من مواطنين وغيرهم، وهذه الضرائب لها حالات ترتفع فيها ارتفاعا باهظا، وحالات أخرى تكون فيها طبيعية. وبعض الناس يرى أن هذه الضرائب تؤخذ منه بدون حق، ولذلك تجده يأخذ الفوائد البنكية على حسابه البنكي بحجة أنها تغطي الضرائب المأخوذة منه بدون حق أو جزءا منها. فما هو رأيكم في ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز إيداع الأموال في البنوك الربوية، إلا لضرورة حفظ المال، عند عدم وجود بنك إسلامي خالٍ من الربا. ويجب الاقتصار حينئذ على الإيداع في الحساب الجاري [أي: بدون فوائد] ، ارتكابا لأخف الشرين، ولأن الضرورة تقدر بقدرها. فإن ترتب على الإيداع فائدة، فالواجب التخلص منها، وإنفاقها في أوجه البر المختلفة. وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: أفيد فضيلتكم أنني أحد الطلبة في بريطانيا، وحيث إنه تفرض علينا ضرائب من قبل الحكومة، مثل ضريبة الطرق وضريبة أخرى مقدارها 15% على المواد التي نقوم بشرائها غير المواد الغذائية، وملابس الأطفال، وحاليًا تم تطبيق ضريبة جديدة على الخدمات البلدية، التي تقدمها بلدية المدينة، مثل: التعليم، النظافة، المسابح، المتنزهات، أماكن الترفيه والخدمات الاجتماعية، وحيث إننا لا نستفيد من معظم هذه الخدمات، حيث إنها تتعارض مع تعاليم ديننا الحنيف، ونستفيد فقط من التعليم والنظافة وملاعب الأطفال، ومن المفروض علينا دفع هذه الضريبة والتي تتراوح ما بين 3000 إلى 4000 ريال سعودي في السنة، والسؤال: هل يجوز لي أن أضع مبلغًا من المال في حساب الإيداع وهو حساب ربوي (يتعامل بالربا) ويعطي أرباحًا تصل إلى 12% في السنة، وأقوم بتسديد بعض هذه الضرائب من الأرباح أو الفوائد التي أتحصل عليها من هذا الحساب؟ حيث إن تسديد هذه الضرائب سوف يضيف إلى أعبائي المادية. فأجابت: "لا يجوز لك أن تودع بفائدة لتسديد ما يترتب عليك من الضرائب من هذه الفائدة؛ لعموم أدلة تحريم الربا" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز.. الشيخ عبد الرزاق عفيفي.. الشيخ عبد الله بن غديان. "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/366) . وهذا فيمن أراد أن يتعامل بالربا ليسدد الضرائب التي عليه من الفوائد الربوية، أما من كان يتعامل بالربا أو وضع الأموال في البنك وهو لا يدري أنهم يعطونه عليها فوائد، ثم أراد التوبة من الربا والتخلص من هذه الفوائد، فلا حرج عليه من دفعها في الضرائب، ليدفع بذلك الظلم عن نفسه، وقد سألنا فضيلة الشيخ يوسف الشبيلي عن ذلك فأفاد بأنه لا حرج من دفع الضرائب من الفوائد الربوية، لكن بشرط أن لا يتعامل بالربا من أجل دفع الضرائب. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 89805 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5237 البنك يطلب منه فتح حسابين أحدهما للتوفير بدعوى حماية ماله [السُّؤَالُ] ـ[عندي حساب في بنك ربوي بدون فوائد, وعند وصول حسابي إلى مبلغ معين كلمني المسئول عن حسابي وطلب مني أن أفتح حسابا آخر لحماية مالي حيث يصبح لدي حسابان؛ واحد أتعامل به بواسطة بطاقة الائتمان ودفتر الشيكات ولا آخذ عليه فوائد , والآخر أدخر فيه أغلبية مالي وأستطيع السحب منه بالذهاب شخصيا إلى البنك وآخذ عليه فوائد , فهم إذاً يجبرونك على فتح حساب آخر وأخذ الفائدة عليه لحماية حسابك الأصلي! هل يجوز ذلك علما أن الحساب في البنك الربوي يعتبر من الضروريات في بلاد الكفر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا يجوز إيداع المال في البنوك الربوية إلا عند الاحتياج لذلك مع عدم وجود البنوك الإسلامية، ويقتصر حينئذ على الإيداع في الحساب الجاري بدون فوائد، من باب ارتكاب أهون الشرين، وإلا فإن فتح الحساب الجاري في البنك الربوي محرم أيضا، لكنه دون تحريم حساب التوفير، ووجه التحريم أن البنك يستفيد من هذا المال، ويستعين به على أعماله المحرمة من ربا وغيره. لكن إذا خاف الإنسان على ماله، جاز له هذا الإيداع. جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/346) : " لا يجوز إيداع النقود ونحوها في البنوك الربوية ونحوها من المصارف والمؤسسات الربوية، سواء كان إيداعها بفوائد أو بدون فوائد؛ لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان، وقد قال تعالى: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) ، إلا إذا خيف عليها من الضياع، بسرقة أو غصب أو نحوهما، ولم يجد طريقا لحفظها إلا إيداعها في بنوك ربوية مثلا، فيرخص له في إيداعها في البنوك ونحوها من المصارف الربوية بدون فوائد محافظة عليها؛ لما في ذلك من ارتكاب أخف المحظورين " انتهى. ثانيا: إذا كان إبقاء المال في حساب واحد يمثل خطرا عليه، فلا مانع من فتح حساب آخر – بغير فوائد -، بعد التحقق مما يدعيه البنك بهذا الخصوص. وإن كان الخطر لا يزول إلا بفتح حساب توفير، جاز ذلك، مع عدم الانتفاع بالفائدة، بل تصرف في مصالح المسلمين، كالمدارس والمستشفيات والفقراء والمساكين ونحو ذلك. لكن ينبغي أن لا تقدم على هذا التصرف حتى تتأكد من وجود الخطر المدعَى، كما سبق، ويزداد الأمر هنا تأكيدا؛ لعظم حرمة الإقراض بالربا، فقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله، ومعلوم أن حساب التوفير يعتبر قرضا منك للبنك، بفائدة، وهذا هو القرض الربوي. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 89816 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5238 عمل مفوضا لشركة لدى البنوك ثم تاب لكنه سلم العمل لشخص آخر ودربه عليه [السُّؤَالُ] ـ[أعمل في شركة تتعامل مع البنوك وكنت أنا المفوض من الشركة لدى البنوك، والحمد لله تبت من هذا العمل، ولكني سلمت عملي مع البنوك لشخص آخر سيتعامل هو بدلا منى مع البنك، فإن كان ما فعلت حراما فما علي؟ وهو يعمل الآن بما علمته من كيفية التعامل مع البنوك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله التعامل مع البنوك الربوية إن اقتصر على الإيداع في الحساب الجاري بدون فوائد ربوية، لعدم وجود بنوك إسلامية، ولحاجة الشركات إلى هذا الإيداع، لحفظ المال، وتمكينها من التجارة، فلا حرج في ذلك. وإن كان التعامل معها يشمل أمورا محرمة كالاقتراض منها مباشرة، أو تحت صور أخرى كالشراء عن طريقها، وفتح الاعتماد لديها، ونحو ذلك، فهذا التعامل محرم، ولا يجوز لأحد أن يمارسه، لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان، وشهود الربا وإقراره. قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2. وروى مسلم (1598) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ. وعليه فإذا كان تعامل الشركة مع البنوك بهذه الصورة، فقد أحسنت في خروجك من هذا العمل، ونسأل الله تعالى أن يتقبل توبتك، وقد أخطأت في دلالة غيرك عليه، لأنه دلالة وإعانة على محرم، والواجب حينئذ هو بيان الحكم الشرعي لهذا الأخ ونصحه، مع التوبة إلى الله تعالى، فإن استجاب فالحمد لله، وإن لم يستجب فقد أديت ما عليك. نسأل الله لك التوفيق والسداد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 89873 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5239 يعمل أمين صندوق وقد يكتب شيكا يتضمن قرضا ربويا [السُّؤَالُ] ـ[أعمل أمين صندوق وأقوم بعمل شيك مصرفي وأحيانا يكون الرصيد في البنك لا يغطي مبلغ الشيك ويكون صرف الشيك من البنك كقرض للمؤسسة بفائدة فهل علي ذنب أنا الذي أكتب الشيك؟ وكذلك الشخص الذي يقوم بإيداع الشيك عليه ذنب؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز التعامل بالربا، ولا الإعانة على ذلك بأي وجه من الوجوه؛ لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2، ولما روى مسلم (1598) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ) . فالشيك الذي يتضمن الإقراض أو الاقتراض بالربا لا يجوز كتابته ولا الإعانة عليه، وفاعل ذلك معرض نفسه للعن والطرد من رحمة الله. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما المقصود بكاتب الربا في حديث جابر برواية مسلم قال لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء. فهل كاتب الربا هو كاتب تلك الواقعة فقط؟ أم ممكن يكون أي فرد آخر بعيد تماما عن المنشأة الربوية، إلا أنه بواقع عمله كمحاسب يقوم بجمع أرقام أو طرح أرقام في دفاتر أخرى غير المستندات الربوية، حيث يلزم ذلك، فهل يعتبر ذلك المحاسب كاتب ربا، أم اللفظ خاص بكاتب تلك الواقعة لا يتعدى لغيره ولا يتعدى اللعن لغيره؟ فأجابوا: "حديث لعن كاتب الربا عام، يشمل كاتب وثيقته الأولى، وناسخها إذا بليت، ومقيد المبلغ الذي بها في دفاتر الحساب، والمحاسب الذي حسب نسبة الربا وجمعها على أصل المبلغ، أو أرسلها إلى المودع ونحو هؤلاء. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (15/5) . فالحذر الحذر من المشاركة في هذا الإثم العظيم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإٍسلام سؤال وجواب الحديث: 89952 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5240 اشتراط غرامة التأخير في البيع بالتقسيط [السُّؤَالُ] ـ[يقوم مصرف بتوزيع سيارات على ثلاثة أشخاص نظام شركة بمبلغ مؤجل وهو ثلاث وعشرون ألفا وقيل لي إن العقد يحتوي على بند فيه غرامة في حالة التأخر في التسديد مع العلم أن القسط الشهري هو 270 دينارا يعني أني أستطيع الوفاء بالعقد أنا وشركائي بسهولة ويسر أفيدونا رحمكم الله.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: يشترط لهذه المعاملة أن يملك المصرف السيارة ملكا حقيقيا، بأن يشتريها، ويحوزها، لا أن يكون مجرد وسيط بينك وبين مالك السيارة؛ واختلال هذا الشرط يعني أحد أمرين: الأول: أن البنك باع ما لا يملك، وهذا محرم. والثاني: أن البنك ليس بائعا في الحقيقة، ولكنه مقرض بفائدة، يدفع عنك للشركة مائة – مثلا – على أن يستردها منك 120 مقسطة، وهذا ربا، لا يخفى. ثانيا: اشتراط المصرف غرامة عند التأخير في سداد الأقساط، هو عين الربا، فلا يجوز لأحد أن يشارك في عقد كهذا، ولو كان متيقنا من قدرته على السداد؛ لأنه إقرار للعقد الربوي، والتزام به، وذلك محرم، وقد صدر عن مجمع الفقه الإسلامي قرار بتحريم غرامة التأخير التي يفرضها المصرف عند تأخير العميل في السداد. جاء في قرار المجمع الفقهي رقم: 133 (7/14) في دورته الرابعة عشرة بالدوحة ما نصه: "إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط عن الموعد المحدد فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين بشرط سابق، أو بدون شرط، لأن ذلك ربا محرم " انتهى. وعليه فإذا كان المصرف يفرض غرامة على التأخير لم يجز لكم شراء السيارة منه، وكذا لو كان لا يملك السيارة وإنما يتوسط لدفع المبلغ عنكم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 89978 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5241 بنى أبوه البيت بالقرض الربوي فهل يتزوج فيه [السُّؤَالُ] ـ[أهلي يريدونني أن أتزوج ولكنني لا أستطيع فطلبوا مني أن أبني حجرة داخل سور البيت فقبلت ذلك وبعد ذلك علمت أن هذا البيت مبني من الربا وكذلك السور فرفضت وأخذ والدي هذا القرض قبل أن يعرف بحرمته. فبماذا تنصحوننا أنا ووالدي؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان والدك قد اقترض هذا المال قبل علمه بحرمة القرض الربوي، فنسأل الله أن يتجاوز عنه، وعليه أن يتوب إلى الله تعالى من التقصير في طلب العلم الواجب وسؤال أهله، ولا حرج عليكم في السكن في هذا البيت، والاستفادة من الحجرة، مع العزم على عدم العودة إلى الربا، وسؤال أهل العلم قبل الدخول في المعاملات المالية المنتشرة في هذه الأزمنة، والتي قد تشتمل على صور من المحرمات لا يعلمها كثير من الناس. وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عمن اقترض بالربا، فبنى به بيتا، ويسأل هل يهدم المنزل مع أنه أخذ القرض غير عالم بحرمته؟ فأجابت: " إذا كان الواقع كما ذكرت، فما حصل منك من القرض بهذه الكيفية حرام، لأنه ربا، وعليك التوبة والاستغفار من ذلك، والندم على ما وقع منك، والعزم على عدم العودة إلى مثله، أما المنزل الذي بنيته فلا تهدمه، بل انتفع به بالسكنى أو غيرها، ونرجو أن يغفر الله لك ما فرط منك " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/411) . ونسأل الله أن يعينك على أمر الزواج وأن ييسر لك أسباب الخير والفلاح. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 88133 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5242 تشارك زوجها في شراء شقة وماله قد اقترضه بالربا [السُّؤَالُ] ـ[أنا وزوجي نشتغل في نفس المؤسسة , في إطار أعمالها الاجتماعية لفائدة الموظفين قامت المؤسسة ببناء ثلاث عمارات وبيع شققها برأس المال أي بثمن إنجازها وهذه أثمان غير موجودة في السوق. وبما أننا نحن الاثنان نشتغل في المؤسسة, كنا في لائحة المستفيدين على أساس أن يكون لكل واحد منا نصيب خمسين بالمائة. سؤالي الأول هو: إذا اقترضنا من المؤسسة لشراء هذه الشقة مع العلم أن هذا الاقتراض يكون بفائدة صغيرة, ثم إن المؤسسة تقوم بإعانة بنسبة 12.5 بالمائة من المبلغ المقترض, هل هذا حرام ويعتبر ربا؟ سؤالي الثاني: بالنسبة لي, أستطيع أن أقترض من أختي ثمن نصيبي من الشقة, أما زوجي إذا اقترض من البنك بالفائدة وكانت هذه هي وسيلته الوحيدة, هل الذنب يقع عليه وحده أم نحن الاثنين- وما العمل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا كان شراء الشقة يتم عن طريق الاقتراض من المؤسسة بفائدة، فهذا الاقتراض هو الربا المحرم، مهما كانت الفائدة صغيرة أو كبيرة. وعليه؛ فلا يجوز الدخول في هذه المعاملة، لما جاء في الربا من التحريم والوعيد الشديد، كقوله تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) البقرة/275،276، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278،279. وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: هم سواء. رواه مسلم (1598) من حديث جابر رضي الله عنه. فالحذر الحذر من الوقوع في هذا الذنب العظيم، والكبيرة الموبقة. ثانيا: الواجب عليك أن تنصحي زوجك بالابتعاد عن الربا، فإن الله تعالى يمحق الربا، ولا يبارك فيه، والواجب على المؤمن أن يستعد للقاء الله تعالى، ويعمل لذلك، ويعلم أن الله تعالى إنما حرم عليه ما حرم لأجل ضرره وخبثه، وقد جاء في وصف النبي صلى الله عليه وسلم: (وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ) الأعراف/158. فإن أصر زوجك على الاقتراض بالربا، فإثم ذلك يقع عليه وحده. نسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 88023 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5243 هل يقترض قرضا ربويا إذا كان في نيته ألا يدفع الفائدة [السُّؤَالُ] ـ[ي هو أن أحد الأشخاص يقيم في دولة أجنبية ويريد أخد قرض من أحد البنوك هناك ويرجع إلى بلده ويشتغل بالمال ثم يعيد القرض بدون فائدة بمعني إذا اقترض 10000 دولار مثلا والفائدة هي 5000 دولار مثلا فهو سيعيد فقط 10000 دولار حتى لا يقع في الربا, فهل هذا يعتبر سرقة مادام تم الاتفاق على الفائدة.. وحتى لو كان الطرف الآخر غير مسلم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: عقد القرض المشتمل على الربا، عقد محرم شرعا، لا يجوز الدخول فيه، ولو كان في نية المقترض ألا يدفع الفائدة، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء. رواه مسلم (1598) . والتوقيع على الربا والدخول في عقده التزام بدفع الربا الذي حرمه الله ورسوله، فقد يشمله هذا الوعيد. ثانياً: الربا محرم، ومن كبائر الذنوب، سواء تم بين مسلمين أو بين مسلم وكافر، وذلك لعموم الأدلة من الكتاب والسنة التي تحرم الربا، ولم تستثن منه ما كان بين مسلم وكافر، وانظر جواب السؤال رقم (8141) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 87542 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5244 حكم جائزة دفتر التوفير في البنك الإسلامي [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم جائزة دفتر التوفير في البنك الإسلامي؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يُعرف حكم جوائز التوفير في البنوك بعد معرفة طبيعة عمل البنك نفسه، أما البنوك الربوية فإنه لا يجوز الادخار بها، ولا أخذ جوائز دفاتر التوفير فيها، وما بُني على باطل فهو باطل، ودفاتر التوفير في البنوك الربوية حقيقتها أنها قرض بفائدة، فالبنك يكون ضامناً لمبلغ العميل، ويدفع لصاحب المال فائدة ربوية بحسب اتفاقه معه عليها. وأما البنوك الإسلامية فإنه لا حرج من أخذ جوائز دفاتر فيها، على أن تكون هذه البنوك إسلامية واقعاً وحقيقة لا اسماً ورسماً فقط، ولا يضمن البنك الإسلامي مال الموفِّر بل يتعرض معه للربح والخسارة، ولا يعطي مبلغاً ثابتاً إن ربح بل نسبة متفقاً عليها بينهما. وللوقوف على مواصفات البنوك الإسلامية: انظر جواب السؤال (47651) . وانظر جواب السؤال رقم: (67657) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 85408 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5245 تب إلى الله ولا يلزمك التعجيل بسداد القرض الربوي [السُّؤَالُ] ـ[تزوجت وعشت في شقة صغيرة لمدة 4 سنوات وعندما رزقت بالولد أردنا أن نستبدل شقتنا بشقة أكبر فبعت هذه الشقة ووضعت ثمنها كمقدمة50% للشقة الجديدة في مدينة جديدة وأردت أن أقسط بقية الثمن مع المدينة ولكني فوجئت أن نظام المدينة في التقسيط مجحف ولن يراعوا أني دفعت نصف ثمن الشقة وسيأخذون الفوائد على المبلغ كله فاضطررت إلى أن آخذ قرضاً من البنك بفوائد ربوية ومن يومها وأنا محتار هل ما فعلته يمكن أن يكون في بند المضطر أم لا؟ وهل إذا كان حراما فهل أبيع سيارتي القديمة لأسدد جزءا من هذا القرض على سبيل التكفير الجزئي لما اقترفته وأحاول أن اشترى سيارة بالقسط بعد مدة طالما أن القسط حلال كما قرأت، أستحلفكم بالله أعينوني فأنا أعيش في بلد دار إفتاؤه تحلل أغلب المسائل الفقهية بسهولة ويسر وعندما ذهبت إليهم أحلوا لي القرض، وأنا أعلم أنه حرام.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الاقتراض من البنوك أو غيرها بنظام الفائدة هو صورة من ربا الجاهلية الذي هدمه الإسلام، وحرمه تحريما شديدا، ورتب عليه من الوعيد ما لم يرتبه على غيره من الذنوب. وشراء المنزل لا يعد ضرورة تبيح الربا؛ إذ الضرورة ما يترتب على فقدها الهلاك أو ما يقاربه، والحاجة إلى السكن يمكن دفعها بالاستئجار، أو البقاء في السكن الصغير، إلى أن يوسع الله. وقد كان خيراً لك أن تتحمل الظلم بزيادة ثمن الشقة، بدلاً من أن تلجأ إلى التعامل بالربا. ولهذا فالواجب عليك هو التوبة إلى الله تعالى من هذا الذنب العظيم، والعزم على عدم العود إليه أبدا. وراجع السؤال رقم (39829) واعلم أنك كلما تعجلت في سداد هذا القرض فهو أفضل، حتى تتخلص من آثار الربا وشؤم عاقبته، لكن لا يلزمك ذلك، وعليه فلا يلزمك بيع سيارتك لتسدد جزءاً من الدين. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 85562 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5246 هل يقترض بالربا من أجل أن يعالج ابنه؟ [السُّؤَالُ] ـ[رجل عنده ثلاثون ألف ريال، وعنده ولد مريض قرر الأطباء إجراء عملية له تكلفتها ستون ألف ريال، ولم يجد من يقرضه المبلغ المتبقي، ولم يجد طريقة أخرى فاستثمر المبلغ الثلاثون ألف ريال في الربا فأصبح ستين ألف ريال فعالج ابنه به وهو يقول: الضرورات تبيح المحذورات، فما حكم ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تجب عليه التوبة إلى الله من المعاملة الربوية؛ لأن الحاجة لا تبيح المعاملات الربوية، ولا يسمى مثل هذا الواقع ضرورة؛ لأن العلاج للمريض مستحب وليس بواجب؛ ولأن في إمكانه أن يستدين بالقرض، أو بشراء سلعة بثمن مؤجل، ثم يبيعها بثمن معجل أقل من المؤجل، إلى غير ذلك من الأسباب التي تعينه على قضاء حاجته، نسأل الله أن يوفقنا وإياه للتوبة النصوح، والله الموفق. [الْمَصْدَرُ] " فتاوى الشيخ ابن باز " (19 / 200) . الحديث: 85151 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5247 احتاج سداد أجرة البيت ولم يجد من يقرضه فهل يقترض بالربا؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا احتاج الرجل إلى شيء من المال لنفقات البيت، أو تسديد أجرة البيت، ونحو ذلك، ولم يجد من يقرضه ولا من يستدين منه: فهل يجوز له أن يستدين من البنك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن كانت الاستدانة من البنك على طريقة شرعية؛ كأن يأخذ منه قرضا بمثله من دون زيادة، أو يشتري منه سلعة إلى أجل معلوم - ولو بأكثر من ثمنها الحاضر -: فلا بأس، أما إذا اقترض منه على وجه الربا: فهذا لا يجوز؛ لأن الله سبحانه حرم الربا في كتابه العظيم، وسنة رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام، وورد فيه من الوعيد ما لم يرد في أكل الميتة، ونحوها، قال الله سبحانه: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) قال أهل التفسير: معنى ذلك أنه يقوم من قبره يوم القيامة كالمجنون، ثم قال الله سبحانه بعد ذلك: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) . وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء. رواه مسلم في صحيحه، والآيات والأحاديث في تحريم الربا والوعيد عليه كثيرة مشهورة، وليس عدم المحتاج من يقرضه أو يبيع عليه بالدين يجعله في حكم المضطر الذي تباح له الميتة أو الربا، هذا قول لا وجه له من الشرع؛ لأن في إمكان المحتاج أن يعمل بيده حتى يحصل ما يسد حاجته، أو يسافر إلى بلاد أخرى حتى يجد من يقرضه أو يبيع عليه بالدين إلى أجل. والمضطر هو الذي يخشى على نفسه الموت إذا لم يأكل من الميتة ونحوها بسبب شدة المجاعة وعدم قدرته على ما يسد رمقه بالكسب ولا بغيره، وليست حاجة هؤلاء الذين يعاملون البنوك بالربا في حكم الضرورة التي تبيح الميتة ونحوها. وكثير من الناس سهل عليهم أمر الربا حتى صار يعامل فيه ويفتي الناس به بأدنى شبهة، وما ذاك إلا لقلة العلم، وضعف الإيمان، وغلبة حب المال على النفوس، نسأل الله السلامة والعافية مما يغضبه، ومهما أمكن عدم التعامل مع البنك وعدم الاقتراض منه - ولو بالطرق الشرعية التي ذكرنا آنفا - فهو أولى وأحوط؛ لأن أموال البنك لا تخلو من الحرام غالباً، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه) متفق عليه، والله المستعان. [الْمَصْدَرُ] " فتاوى الشيخ ابن باز " (19 / 301 - 303) . الحديث: 85197 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5248 عرض عليه البنك تجميد جزء من حسابه مقابل فائدة [السُّؤَالُ] ـ[لدى زوجي حساب جاري في أحد البنوك الأجنبية، ولأن حركة الحساب نشطة جداً بسبب عمله عرض عليه البنك تجميد مبلغ معين مقابل الحصول على مبلغ 40.000 درهم شهرياً ولا أعرف إن كان يعتبر هذا ربا أو لا؟ والمشكلة أن زوجي لا يقتنع بأنه ربا، وذلك لأن الربا- من وجهة نظره - يكون باستغلال ظروف الناس (من محتاجين ومرضى ومضطرين) وزيادة الفائدة عليهم , وهو يقول: إن البنك ليس بحاجة إلى أموالي. فأرجو معرفة الحكم الشرعي لهذه الحالة؟ وإن كانت ربا فكيف أقنعه بذلك علماً أنه مسلم من الطائفة العلوية، وليست لديه الثقة الكافية بالعلماء والشيوخ وبذات الوقت يقول إن القرآن حرم الربا ولكن ليس في مثل هذه الحالات وأن الفتاوى غالباً ما تكون شخصية وغير مقنعة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: قبل أن ننصح زوجك فيما يتعلق بالربا، نرى أن الواجب علينا أن ننصحه فيما هو أهم، وهو المذهب العلوي، والمذهب العلوي له عقائد كثيرة يخالف بها عقائد المسلمين، ولذلك فالمرجو من زوجك أن يراجع تلك العقائد، ويرفض منها ما يتعارض مع الإسلام، ويعتقد ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرنا في جواب السؤال رقم (109264) نبذة عن الطائفة العلوية، فليرجع إليه. ثانياً: تجميد الحساب في البنك في مقابل الحصول على مبلغ 40.000 درهماً، هو عين الربا، لأن حقيقة هذه المعاملة أنها قرض بفائدة، ولا يؤثر في هذا كون البنك محتاجا أو غير محتاج، فكل قرض جر نفعا فهو ربا بإجماع العلماء، وحقيقة القرض هي: أخذ المال ورد بدله، فإن حصل الاتفاق على رده بزيادة ولو درهماً واحداً، فهذا ربا بلا شك. وليس في القرآن أو السنة تقييد الربا بما أُخذ من المحتاجين أو المرضى أو المضطرين، بل الربا أبواب كثيرة، منها القرض بالفائدة، ومنها ربا البيوع: كمبادلة الذهب بالذهب بزيادة، أو الفضة بالفضة بزيادة، أو التمر بالتمر بزيادة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الربا اثنان وسبعون بابا، أدناها مثل إتيان الرجل أمه) رواه الطبراني في الأوسط، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3537) . وقال صلى الله عليه وسلم: (درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله من ستة وثلاثين زنية) رواه أحمد والطبراني وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3375) . وهذا الوعيد الشديد يهز قلب كل مؤمن ومؤمنة، ويمنعه من الوقوع في هذا الجرم العظيم. وقد توعد الله آكل الربا بالحرب فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278، 279. فمن الذي يرضى لنفسه ذلك، ومن الذي يقدر على ذلك؟! وقد أخبر الله تعالى أن الربا ممحوق البركة، مذموم العاقبة، فقال: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) البقرة/276. وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن اللعنة تنزل على آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه، فروى مسلم (1598) عن جابر رضي الله عنه قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، ومؤكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: هم سواء) . فما قيمة المال إن كان الله لا يبارك فيه، وإن كانت اللعنة تنزل على صاحبه؟! ولهذا نرى كثيرا من أكلة الربا تضيع أموالهم في غير نفع؛ لأنه لا بركة فيها، مع ما يشعرون به من الهم والغم وضيق الصدر، وهذا أثر من آثار المعصية، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى، نسأل الله السلامة والعافية. فعلى العاقل أن يرضى بالحلال، وأن يقنع به، وألا يلهث خلف الحرام، فإنه لن يجني منه إلا الخسار والبوار. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 85353 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5249 أهداها أبوها أسهما في بنك ربوي فماذا تعمل بها؟ [السُّؤَالُ] ـ[أهداني أبي 50 سهما من أسهم بنك الرياض، وأنا أعرف أن بنك الرياض من البنوك الربوية، وأبي كان من المساهمين، وساهم باسمي منذ أن كنت طفلة والآن كبرت، وأعطاني إياها، ما العمل في هذه الأسهم؟ هل حلال أن أبيعها وأن أضارب بها بأسهم شركات نقية وأستفيد من المبلغ الذي يتكون من المضاربة أو أتصدق؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز شراء أسهم البنوك الربوية، وعلى من ابتلي بشيء من ذلك أن يتوب إلى الله تعالى، وأن يأخذ رأس ماله، ثم يتخلص من الباقي بإنفاقه في مصالح المسلمين وأوجه الخير. ولما كانت هذه الأسهم محرمة، فإن الأصل أنه لا يجوز لك بيعها على أحد، بل سبيل الخروج منها هو ردها على البنك، فإن تعذر ذلك، جاز لك بيعها، وأخذ رأس المال الذي وضع فيها، والتخلص من الباقي كما سبق. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: كان لي مساهمات في شركة، وأفلست هذه الشركة قبل 25 عاما، وكان هناك أوصياء على الشركة، اشتروا بالمبلغ المتبقي أسهما في بنك الرياض قبل 25 عاما، بمبلغ 1000 ريال للسهم الواحد، والآن ثمن السهم الواحد ثلاثين ألف، وأنا بحاجة لهذا المبلغ، فهل يجوز لي أن آخذ المبلغ الحالي للسهم؟ علما بأن شراءهم لأسهم هذا بنك الرياض تم بدون علمنا طيلة هذه المدة. فأجابوا: "تسلم المبلغ كله، أصله وفائدته، ثم أمسك أصله؛ لأنه ملك لك، وتصدق بالفائدة في وجوه الخير؛ لأنها ربا، والله يغنيك من فضله ويعوضك خيرا منها، ويعينك على قضاء حاجتك، ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب، ومن يتوكل على الله فهو حسبه. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم" انتهى. عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. عبد الرزاق عفيفي.. عبد الله بن غديان.. عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/506) . وسئلوا أيضا (13/508) : ما حكم المساهمة في الشركات والبنوك؟ وهل يجوز للشخص المكتتب في شركة أو بنك أن يبيع الأسهم الخاصة بعد الاكتتاب على مكاتب بيع وشراء الأسهم، ومن المحتمل بيعها بزيادة عن قيمة ما اكتتب به الشخص؟ وما حكم الفائدة التي يأخذها المكتتب كل سنة عن قيمة أسهمه المكتتب فيها؟ فأجابوا: "المساهمة في البنوك أو الشركات التي تتعامل بالربا لا تجوز، وإذا أراد المكتتب أن يتخلص من مساهمته الربوية فيبيع أسهمه بما تساوي في السوق، ويأخذ رأس ماله الأصلي فقط، والباقي ينفقه في وجوه البر، ولا يحل له أن يأخذ شيئاً من فوائد أسهمه أو أرباحها الربوية، أما إن كانت المساهمة في شركة لا تتعامل بالربا فأرباحها حلال " انتهى. ولا تتأسفي على فوات هذا المال، فإنه مال حرام لا خير لك فيه، ويرجى أن يعوضك الله خيرا منه، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه. وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 84136 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5250 هل يبيع منزله لشركة تمويل إسلامي ليسدد ما تبقى من القرض الربوي [السُّؤَالُ] ـ[أعيش بكندا ومنذ خمسة سنوات، قمنا بارتكاب جريمة الربا بشرائنا منزلنا هذا بقرض من بنك محلي على أساس فتاوى عديدة من شيوخ عدة (سامحهم الله) . منذ عامين تقريباً لقد هدانا الله للإسلام وكأننا نعرفه لأول مرة. ظهرت مؤخراً شركات مالية في كندا للتمويل الإسلامي (أو كما يدعون) ، التالي هو شرح مختصر لأسلوبهم في تحويل قرضي الربوي من البنك لتمويل إسلامي على أساس المشاركة: اتفقت الشركة الإسلامية مع بنك ربوي لتمويل مشروعهم. كما تقول الشركة، علاقتهم بالبنك على أساس تجاري وليس ربوياً. الشركة تقدر قيمة البيت في السوق المحلية على أساس تقييم مقيم للعقار مرخص من الحكومة. بناءاً على المتبقي من القرض الذي لدى ونسبة ربح حددوها بـ 4.9%، يحسب الإيجار الشهري الذي يتوجب على دفعه. هذا المبلغ الشهري يذهب جزء منه ربحاً والباقي لامتلاك حصة من البيت به. نسبتهم من البيت هو الفرق بين قيمة المنزل الآن والمتبقي من القرض الربوي. تقوم الشركة بتقييم قيمة البيت كل 1، 2، أو 5 سنوات. تتغير نسبة الربح بحسب عدد السنوات التي أختارها. هذا يعني أن حصص كل منا تقيم كل عدة سنوات ولكن نسبة الربح تبقى ثابتة. مع العلم أن قيمة المتبقي من القرض (حصتهم من المنزل) هو 178000$: وربحهم خلال الخمس سنوات الأول هو 49038.88$ وامتلكت ما قيمته 18408.08$ من قيمة البيت الذي يمتلكونه وهو 178000$. والعلاقة بينهم وبين البنك غير واضحة ولا زالت تعتمد في روحها على شراء المال بالمال لأنهم لم يشتروا البيت (أو يشاركوننا فيه) بشكل رسمي وإنما كل هذه المعاملات هي بين البنوك وهذه الشركة على ورق لا علاقة للأصل (المنزل) بها إلا بذكره على ورق بينهم. إننا في حيرة كبيرة ونرجو منكم أن تخرجونا من هذه الحيرة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نسأل الله تعالى أن يجزيكم خيراً على تحريكم الحلال وحرصكم على التخلص من آثار ما قد فعلتموه من الاقتراض من البنك الربوي، ونجيب عن سؤالكم في الفقرات التالية: أولاً: أكل الربا والإعانة عليه حرام بل من كبائر الذنوب، فقد روى مسلم في صحيحه، عن جابر رضي الله عنه قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء) . والقرض المشترط فيه زيادة للمقرض، كما هو عمل البنوك، حرام بغير خلاف بين العلماء ثانياً: ذكرتم أنكم فعلتم ذلك جاهلين حرمة ذلك، فنرجو أن يكون ذلك رافعاً للإثم عنكم، فقد قال الله تعالى في آيات تحريم الربا: (فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ) البقرة/275. وقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء (13/352) : " ما أخذته من الفوائد قبل العلم بتحريمها فنرجو أن يعفو الله عنك في ذلك، وأما ما بعد العلم فالواجب عليك التخلص منه وإنفاقه في وجوه البر " انتهى. ثالثاً: لا يلزمكم أن تبيعوا البيت للشركة المذكورة أو غيرها لتردوا القرض، فإن اشتراط نفع للمقرض في عقد القرض وإن كان حراماً إلا أنه لا يفسد القرض، فشراؤكم للبيت صحيح، وامتلاككم له صحيح، فلا يلزمكم بيعه لتعجيل سداد ما تبقى من القرض للبنك، لا سيما وصورة التعامل مع الشركة المذكورة الذي ضمنتموه في السؤال لا يخلو من غموض، وقد ذكرتم في آخر سؤالكم أنهم لا يشترون البيت حقيقة وإن تم بيع وشراء في الأوراق فإنه لا يحصل قبض حقيقي للمبيع قبل بيعه ثانية، فيُخشى أن تكون معاملة الشركة هي حيلة على ارتكاب الربا، تحت مسمى البيع. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 84285 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5251 هل يرهن منزله لمصرف غير إسلامي حتى يشتري منزلا آخر؟ [السُّؤَالُ] ـ[عائلة تعيش في شقة صغيرة وغير صالحة للعيش، بالإيجار، مع العلم أن لديهم بيتا لكن في مدينة أخرى ويتعذر على رب الأسرة أن يترك أسرته في هذا المكان وذلك لأن عملها في مكان آخر ولا يوجد لديها الدخل الكافي لشراء منزل في المدينة المقيم بها فهل يجوز رهن المنزل الذي لديها لمصرف غير إسلامي لشراء منزل آخر في المدينة المقيم بها مع العلم أنه لا يوجد مصارف إسلامية في مدينته ورب الأسرة يعمل لسداد دين كبير عليه وكل ما يعمل به يذهب في هذا الدين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان المقصود هو الاقتراض من المصرف، ورهن المنزل لديه، توثيقا للدين، فينظر: أولا: إن كان القرض يسدد مع زيادة (فائدة) فهو قرض ربوي محرم. قال ابن قدامة رحمه الله: " وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المُسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية، فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا. وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة" انتهى من "المغني" (6/436) . ثانيا: إن كان القرض يسدد من غير زيادة، لكن البنك يستفيد من المنزل مجانا حتى يتم السداد، فهذا أيضا محرم، وهو صورة من صور الربا، وقد نص الفقهاء على أن الرهن إذا كان في قرض، فلا يجوز للمرتهن (كالمصرف) الانتفاع به مجانا؛ لأن هذا حيلة على القرض الربوي، بل إذا أراد المصرف أن ينتفع به، فإنه يستأجره بأجرة مثله من غير محاباة. قال ابن قدامة في "المغني" (4/250) : "إن أذن الراهن للمرتهن في الانتفاع بغير عوض , وكان دين الرهن من قرض , لم يجز ; لأنه يحصل قرضا يجر منفعة , وذلك حرام. قال أحمد: أكره قرض الدور، وهو الربا المحض. يعني: إذا كانت الدار رهنا في قرض ينتفع بها المرتهن ... " انتهى. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: تنتشر في بعض قرى مصر عادة رهن الأراضي الزراعية، إذ يقوم الرجل الذي يحتاج إلى مال بأخذ المال من الرجل الذي يملك المال، وفي مقابل أخذ المال، يأخذ صاحب المال الأرض الزراعية التي هي ملك للمدين كرهن، ويأخذ صاحب المال الأرضَ وينتفع بثمارها وما تدره الأرض، ولا يأخذ صاحب الأرض شيئا، وتظل الأرض الزراعية تحت تصرف الدائن حتى يدفع المدين المال لصاحبه. فما حكم رهن الأرض الزراعية، وهي أخذ ما تدره الأرض حلال أم حرام؟ فأجابوا: "من أقرض قرضا فإنه لا يجوز له أن يشترط على المقترض نفعا في مقابل القرض؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كل قرض جر نفعا فهو ربا) وقد أجمع العلماء على ذلك، ومن ذلك ما ذكر في السؤال من رهن المقترض للمقرض الأرض، وانتفاعه بها إلى تسديد القرض الذي له على صاحب الأرض، وهكذا لو كان له عليه دين، لم يجز لصاحب الدين أن يأخذ غلة الأرض أو الانتفاع بها في مقابل إنظار المدين، ولأن المقصود من الرهن الاستيثاق لحصول القرض أو الدين، لا استغلال الرهن في مقابل القرض أو الإهمال في تسديد الدين " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (14/177) . ثالثا: إن كان القرض يسدد من غير زيادة، والمنزل المرهون لا ينتفع به البنك، أو ينتفع به بأجرة مثله، فهذا جائز، وهو قرض حسن ولا إشكال فيه. وإذا كان القرض محرما كما في الحالة الأولى والثانية، فإنه لا يجوز الدخول فيه، ولو كانت الأسرة بحاجة للمنزل، كما ذكرتِ، لما جاء في الربا من الوعيد الشديد، نسأل الله العافية. هذا وإن كانت مسألة الرهن على غير ما تصورنا، فلعلك توضحين الأمر. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83321 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5252 هل يقترض بالربا لأجل الزواج؟ [السُّؤَالُ] ـ[قد مضى على خطوبتي سنة وسبعة أشهر ومن قبلها علاقة أمضيت فيها سنة وسبعة شهور ولم أستطع حتى الآن توفير المهر وقليل من المصروف فوضعي والله على شفا حفرة من العذاب وبسبب المسؤولية الزائدة على كاهلي وبسبب عدم وجود أي مصدر اعتمد عليه سوى رحمة الله عز وجل لم يبق لي إلا اللجوء إلى قرض الزواج لأن وضعي لم يعد يحتمل ولأن كلام الناس أصبح يبرق ويرعد في سمائي ما بين الحين والآخر وبالمناسبة علاقتي بتلك الفتاة لم يحدث فيها إلا ما يرضي الله ورسوله والله على ما أقول شهيد وأعلم أنني كبير على رأس عائلة مؤلفة من ستة بنات وذكرين وقد تكلفت بتدريس أخي في الجامعة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان القرض المسئول عنه قرضا حسنا يُسدد من غير زيادة، فلا حرج عليك في أخذه، ويعينك الله على سداده، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ثَلاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمْ: الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الْأَدَاءَ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ) رواه الترمذي (1655) والنسائي (3120) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي. وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ) رواه البخاري (2387) . وإن كان قرضا ربويا، يرد مع الزيادة، فلا يجوز لك أخذه، لا لأجل الزواج ولا لغيره؛ لما جاء في الربا من الوعيد الشديد، وانظر لمعرفة ذلك جواب السؤال رقم (6847) و (9054) وكيف تبدأ حياتك الزوجية بالحرام؟ وكيف يكون التوفيق والسداد والمتعامل بالربا متوعد باللعن، مأذون بالحرب من الله ورسوله؟! فما عليك إلا أن تصبر وتحتسب، وتنتظر الفرج من الله تعالى، وتبذل الأسباب في تحصيل الرزق الحلال، وألا تلتفت إلى كلام الناس. ومن أسباب الرزق الحلال أن تشتري سلعة – كسيارة أو شقة مثلا – بالتقسيط، ثم تبيعها نقداً لغير من اشتريتها منه، ولو كان أقل من الثمن المقسط، حتى يتوفر لك المال، وهذا ما يسمى بالتورق، وهو جائز عند جمهور العلماء. وانظر جواب السؤال رقم (45042) وقد أخطأت في إقامة علاقةٍ مع هذه الفتاة، مهما زعمت أنها خالية من الإثم، لأنه على فرض ذلك، ففيها مضرة على الفتاة من جهة ربطها وتعليقها هذه المدة الطويلة، والحال أنك لا تملك تكاليف الزواج، فنسأل الله أن يعفو عنك، وأن يرزقك من فضله ما يعينك على طاعته ومرضاته. وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عمن عقد النكاح ولم يستطع توفير المهر هل له أن يقترض من البنك الربوي؟ فأجابت: " لا يجوز لك هذا القرض، وليس ما ذكرت من حاجتك إلى المهر مبررا لأخذك قرضا بنسبة ربوية من البنك أو غيره، وعليك تقوى الله، فإنه من يتق الله يجعل له مخرجا، ويرزقه من حيث لا يحتسب، ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا. نسأل الله أن ييسر أمرك، ويفرج كربك، ويغنيك عن الحرام بالحلال " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/387) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83074 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5253 تعمل في شركة يملك بنكان ربويان جزءً منها فهل عملها حرام؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا آنسة أعمل في شركة رأسمالها تملكه 5 جهات مختلفة (منهم بنكان ربويان) وهم: بنك مصر (22.5 % من رأس المال) ، وبنك الاستثمار القومي (22.5 % من رأس المال) ، بالإضافة إلى شركة أجنبية (صينية) (10 % من رأس المال) ، وشركة مقاولات مصرية (22.5 % من رأس المال) ، وهيئة قناة السويس (22.5 % من رأس المال) . هذه الشركة التي أسستها الأطراف السابقة تملك قطعة أرض، ونشاطها: تقوم بإدخال المرافق لها من صرف وكهرباء ومياه، وتقوم بتقسيمها، وبيعها للمستثمرين، عملية البيع إما فوري، أو بالتقسيط، مع حساب فوائد سنوية ثابتة تبلغ 7 % سنويّاً، علماً بأن عملية البيع قد تتوقف أحيانا، وعملي في هذه الشركة في قسم السكرتارية (عمل إداري) ، ولقد كنت أقوم بالإنفاق والادخار من مرتبي خلال مدة عملي في الشركة والتي بلغت 5 سنوات دون علم مني بأن هذه الأموال قد تكون بها شبهة، وهذه المدخرات في بنك إسلامي، فهل عملي في هذه الشركة ذات المال المختلط حلال أم حرام؟ وما حكم ما قمت بادخاره - وهو مبلغ كبير -؟ وكيف أتصرف فيه؟ أفيدوني وأنقذوني مما أنا فيه من حيرة وعذاب.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الذي يظهر جواز العمل في هذه الشركة ما دام العمل الذي تقوم به حلالاً، فالعمل في شركات مباحة الأعمال يختلف حكمه عن العمل في البنك وما يشبهه من مؤسسات الربا، ففي البنوك يتعرض الموظف للإثم سواء كان كاتبا أو شاهداً أو حتى حارساً؛ لأن العمل حرام ابتداء، بخلاف أن يكون البنك مشاركاً بجزء من رأس مال الشركة مباحة الأعمال؛ فإن النظر يكون هنا لطبيعة عمل الشركة، فمشاركة اليهودي والنصراني والمرابي جائزة مع الكراهة. قال ابن قدامة المقدسي رحمه الله: "قال أحمد: يشارك اليهودي والنصراني، ولكن لا يخلو اليهودي والنصراني بالمال دونه، ويكون هو الذي يليه؛ لأنه يعمل بالربا، وبهذا قال الحسن والثوري. وكره الشافعي مشاركتهم مطلقاً" انتهى. " المغني " (5 / 109) . وقال ابن القيم رحمه الله: "قال إياس بن معاوية: إذا شارك المسلمُ اليهوديَّ أو النصرانيَّ وكانت الدراهم مع المسلم وهو الذي يتصرف بها في الشراء والبيع: فلا بأس، ولا يدفعها إلى اليهودي والنصراني يعملان فيها؛ لأنهما يُربيان" انتهى. " أحكام أهل الذمة " (1 / 93) . وتجدين تفصيل هذه المسألة في جواب السؤال رقم (48005) وقد قلنا في أول الجواب: "الذي يكتسب المال من وجوه محرمة كالربا والرشوة والسرقة والغش.. ونحو ذلك: إذا كان ماله مختلطاً فيه الحلال والحرام: صحّت معاملته بيعاً وشراءً ومشاركةً مع الكراهة، وإن عُلم أن المال الذي يريد الاتجار فيه من عين الحرام، لم تجز مشاركته ولا العمل معه فيه" انتهى. وعلى هذا؛ فالمال الذي تأخذينه من هذه الشركة (الراتب) حلال إن شاء الله تعالى، ولا حرج عليك فيما أنفقت منه أو فيما ادخرتيه. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82617 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5254 الإيداع في البنك الربوي لضرورة حفظ المال [السُّؤَالُ] ـ[قرأت بعض إجاباتكم حول الربا ووجدت تناقضا تركني في حيرة من أمري قلتم لمن يريد أن يؤجر مبنى لبنك ربوي إن هذا حرام قطعا وقلتم للذي يودع أمواله في البنوك الربوية خوفا على ضياعها هذا عمل جائز علما أنه هو الآخر سيدخل في إطار موكل الربا وفي إطار التعاون علي الإثم والعدوان أرجو أن توضحوا لي فأنا أضع أموالي في بنك ربوي فلا يوجد في بلدي بنوك إسلامية ولا أستطيع أن أحكم هل هذا المال حلال أم حرام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: تأجير المحل أو البيت لمن يتخذه للمعصية، لا يجوز، ومن ذلك تأجير المبنى للبنك الربوي؛ لأنه من الإعانة الواضحة على الإثم والعدوان، لأن صاحب المبنى يعلم أن البنك قد استأجر هذا المكان ليتعامل فيه معاملات محرمة، كالربا وغيره. قال البهوتي في "شرح منتهى الإرادات": (2/358) : " ولا تصح إجارة دار لتعمل كنيسة أو بيعة أو صومعة راهب أو لبيع خمر أو القمار ونحوه. سواء شرط ذلك في العقد أو علم بقرينة ; لأنه فِعلٌ محرمٌ فلم تجز الإجارة عليه " انتهى باختصار. ثانيا: الإيداع في البنك الربوي محرم، سواء كان بفائدة أو بدون بفائدة؛ لأن البنك سيأخذ هذه الأموال ويقرضها بالربا. إلا أن أهل العلم استثنوا حالة خاصة وهي ما إذا خاف الإنسان على ماله ولم يجد مكانا آمنا يحفظ فيه ماله، فإنه يجوز له الإيداع في البنك الربوي، من باب أن الضرورات تبيح المحظورات، وحينئذ يلزمه أن يودع في الحساب الجاري من غير فائدة لأن الضرورة تقدّر بقدرها، وهو مضطر إلى حفظ ماله، وليس مضطراً للتعامل بالربا. وانظر لمعرفة شروط وضع الأموال في البنوك الربوية السؤال رقم (22392) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82669 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5255 رسم خرائط إنشائية لمن يبني بالقروض الربوية [السُّؤَالُ] ـ[أنا مهندس مدني أعمل في مكتب هندسي وعملي هو رسم الخرائط الإنشائية مع الإشراف عليها سواء الناتجة من القروض الربوية أو غير ذلك فهل عملي هذا يدخل فيه الربا أم لا؟ لأن الدولة التي نحن فيها فتحت القروض الربوية بشكل مفاجئ لذلك فهذه القروض كثيرة جدا فهل عملي هذا ربوي على أساس أنني مساهم بالرسم، وهل كل من يبيع الإسمنت ومن يبيع الرمل ومن يبيع الحصى والحديد وكل العمال المساهمين يدخلون في الربا؟ الرجاء الإجابة فأنا خائف جدا فهذا العمل يؤرقني.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان عملك هو رسم الخرائط والإشراف عليها، فهو عمل جائز بشرط ألا ترسم خرائط لأبنية معدة للمنكر، كبنوك الربا، وصالات الخمر والقمار ونحو ذلك من أماكن المعاصي والفسق؛ لما في رسم الخرائط حينئذ من الإعانة على المعصية والتكثير لأبنية الفساد. وانظر السؤال رقم (82551) . وأما رسم الخرائط لبناءٍ مباح، كبيت للسكنى مثلا، فلا حرج فيه، ولو كان صاحبه سيبنيه من مال اقترضه بالربا، لأنك لم تعنه على المعصية – وهي الاقتراض بالربا – وإنما قمت له بعمل مباح وأخذت أجرة عملك. وقد كان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من يعمل بالأجرة عند بعض اليهود في أعمال مباحة كسقي الزرع ونحوه، ومعلوم أن اليهود يغلب عليهم التعامل بالربا وأكل أموال الناس بالباطل، كما قال الله: (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً وَأَخْذِهِمُ الرِّبا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً) النساء/160، 161. بل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتعامل مع اليهود بالبيع والشراء، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي في طعام كان اشتراه منه. رواه البخاري (2916) . وبهذا يعلم أيضا أن بيع الإسمنت والرمل والحصى جائز لمن يبني به بناء مباحا، ولو كان المالك ممن يتعامل بالربا. ونشكر لك حرصك وتحريك للحلال. ونسأل الله أن يكفينا بحلاله عن حرامه، ويغنينا بفضله عمن سواه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82277 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5256 هل يتخلص من الفائدة الربوية بإعطائها لأخيه المدين؟ [السُّؤَالُ] ـ[أودعت مبلغا من المال في البنك بفائدة وأريد التطهر من هذه الفائدة بإعطائها لشقيقي الذي يعول نفسه وأسرته علما بأنه مدين لبعض أصدقائه بمبلغ من المال والذي اقترضه لشراء قطعة أرض لبناء مسكن لأسرته علما بأن مسكنه الحالي لا يسعه هو وأسرته فمسكنه يتكون من غرفتين فقط , وعدد أسرته سبعة أفراد، فهل يجوز لي ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إيداع الأموال في البنك بفائدة عمل محرم تحريما شديدا، وهو من كبائر الذنوب، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278-279. ولا يجوز الإيداع في البنك الربوي إلا عند الخوف على المال من السرقة ونحوها، إذا لم توجد وسيلة لحفظه إلا بوضعه في البنك، ويكتفى حينئذ بوضعه في الحساب الجاري بلا فائدة، لأن الضرورات تبيح المحظورات، والضرورة تقدر بقدرها. ثانيا: من ابتلي بالوقوع في الربا فالواجب عليه أن يتوب إلى الله تعالى، بالإقلاع عن الذنب، والندم على ما فات، والعزم على عدم العود إليه، والتخلص من الفائدة المحرمة، بصرفها في أوجه الخير، وليس له أن ينتفع بها لنفسه أو لمن تجب نفقته عليه. قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: " أما ما أعطاك البنك من الربح: فلا ترده على البنك ولا تأكله، بل اصرفه في وجوه البر كالصدقة على الفقراء، وإصلاح دورات المياه، ومساعدة الغرماء العاجزين عن قضاء ديونهم " انتهى من " فتاوى إسلامية " (2 / 407) . ثالثا: يجوز لك أن تتخلص من الفائدة الربوية بدفعها لأخيك المحتاج، بشرط أن تكون نفقة غير واجبة عليك، حتى لا يكون ذلك تحايلاً على انتفاعك بها وصيانة لمالك الذي تبذله في النفقة. وتجب نفقة الأخ على أخيه بثلاثة شروط: الاول: أن يكون المُنفِق وارثاً للمنفق عليه في حال موته. أما إذا كان الأخ لا يرث أخاه؛ لوجود الأب أو ولدٍ ذكرٍ له، فلا تجب نفقته عليه. الثاني: أن يكون الأخ المنفَق عليه محتاجا عاجزا عن كسب ما يغنيه. الثالث: أن يكون لدى المنفق فاضل عن حاجته وحاجة زوجته وأولاده. فإذا توفرت هذه الشروط وجب نفقة الأخ على أخيه. وانظر جواب السؤال (6026) . رابعاً: لا حرج أن تتخلص من هذه الفائدة بإعطائها لأخيك لقضاء دينه، ولو كانت نفقته واجبة عليك، لأنه لا يجب على الإنسان أن يسد دين قريبه مطلقا، أبا أو أخا أو غيرهما، ولهذا كان القول الراجح في مسألة الزكاة أنه يجوز صرفها للوالدين والإخوة لقضاء ديونهم، كما اختاره شيخ الإسلام وغيره. ينظر: "الاختيارات الفقهية" ص 104 وانظر للفائدة جواب السؤال رقم (39175) والحاصل: أنه يجوز لك إعطاء الفائدة الربوية لأخيك ليسد بها دينه، سواء كانت نفقته واجبة عليك أو غير واجبة. وأما إعطاؤه الفائدة لينفق منها على نفسه وأهله لا ليسدد الدَّين، فيجوز بشرط أن تكون نفقته غير واجبة عليك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 81952 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5257 اشترى شقة بالربا فكيف يتوب من فعله؟ [السُّؤَالُ] ـ[كنت قد اشتريت شقة قبل عامين عن طريق أحد البنوك الربوية، فدفعت خمسة آلآف دينار أردني والباقي دفعهم البنك، وكان سعر الشقة 27 ألف دينار، وتم الاتفاق على دفع أقساط شهرية لمدة (92) شهراً، وقيمة القسط الواحد (208) دينار أردني، والآن أريد أن أتخلص من البنك وأتوب إلى الله، مع العلم أن الأقساط المدفوعة حتى الآن (13000) دينار أردني. فما هو الحل الأنسب للتخلص من هذا الذنب؟ مع العلم أني لا أملك أن أدفع باقي سعر الشقة، وأن سعر الشقق في الأردن تضاعف هذه الأيام، أي: أني لو عرضت شقتي للبيع ستباع بسعر مضاعف -؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نسأل الله أن يوفقك للتوبة من التعامل بالربا؛ فإن الربا من كبائر الذنوب، والمتعامل به مستحق للوعيد الشديد. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ. فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) البقرة/ 278،279. وعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ) رواه مسلم (1598) . ثانياً: ومن تمام توبتك أن تتخلص من الفوائد الربوية التي تدفعها للبنك، فإن كانت تلك الفوائد يمكن أن تزول عنك أو يزول بعضها: فينبغي أن تعجل دفع أقساطهم ولو ببيع بيتك، أما إن كانت الفوائد الربوية قد لزمتك ولم يعد بإمكانك الفكاك منها، ولا تقليلها، فلا حرج عليك من الانتفاع بالبيت، إما بالسكن فيه، أو تأجيره، أو غير ذلك من أوجه الانتفاع. ونسأل الله تعالى أن يتقبل توبتك ويوفقك لما يجبه ويرضاه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82020 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5258 هل يجوز أن يطلب من الشركة سكناً إذا كانت ستبنيه بقرض ربوي؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز طلب توفير مسكن من الشركة التي أعمل بها إذا علم أن الشركة ستقوم ببناء العمارات السكنية لموظفيها من خلال قرض من مصرف ربوي، ثم تقوم بتثمينها وبيعها لموظفيها على أقساط تخصم من مرتباتهم، وغالبا سيكون ثمن السكن باهظا بحيث يغطي كلفة البناء ومقدار القرض ومكسب إضافي للشركة؟ وقد رأينا بعض إخواننا الملتزمين - نحسبهم كذلك - تقدموا بالطلب معتبرين أن هذا بمنزلة البيع والشراء.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هناك مسألتان متعلقتان بموضوع الربا يجب التفريق بينهما: المسألة الأولى: التسبب في وقوع الربا: كأن يطلب أحدهم من آخر أن يستقرض له قرضاً ربويّاً، أو يقوم بعضهم بكفالة من يتقدم للحصول على القرض الربوي من البنك ونحو ذلك مما يكون عوناً وسبباً للوقوع في هذه الكبيرة. وهذه الصورة لا شك في حرمتها؛ لأن المتسبب في وقوع الحرام له نصيب من الإثم، وذلك لقوله سبحانه وتعالى: (ولاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2. وقد جاء التشديد في خصوص المعاونة والتسبب في الربا من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ) رواه مسلم (1598) . قال النووي رحمه الله: فيه تحريم الإعانة على الباطل. " شرح مسلم " (11 / 26) . ولما لعن النبي صلى الله عليه وسلم الخمر، لعن معها مَنْ أعان على شربها، فقال صلى الله عليه وسلم: (لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ) رواه أبو داود (3674) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود". معتصرها: من يطلب عصرها لنفسه أو لغيره. انظر: "تحفة الأحوذي" (4 / 430) . وكذلك الحكم في كل من يطلب الربا لنفسه أو لغيره ويتسبب في وقوعه. وقد سبق في موقعنا العديد من الإجابات التي فيها صور من تحريم الإعانة على أكل الربا، انظر منها جواب السؤال رقم (33709) . المسألة الثانية: أن الربا من الكسب المحرم بوصفه وليس بذاته، وما حرم لكسبه فإن إثمه على كاسبه فقط، وليس على من تعامل مع كاسبه بالبيع والشراء أو الإهداء أو الضيافة إثم، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعامل اليهود في المدينة بالبيع والشراء وكان يؤاكلهم، وهم الذين وصفهم الله تعالى بأكل الربا وأخذهم أموال الناس بالباطل. وقد سبق تقرير ذلك بالتفصيل في موقعنا في العديد من الإجابات، انظر منها: (39661) و (85419) . وبناء على ذلك، فلا حرج من شراء المسكن من الشركة، وإن كانت قد بنته بقرض ربوي، لأن إثم ذلك يقع على من اتفق مع البنك على القرض الربوي أو أعان على ذلك أو رضي به، أما الموظف الذي سيشتري المسكن من الشركة فلا إثم عليه، فهذا شبيه بتعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع اليهود، وهم أكلة الربا، كما سبق. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 81702 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5259 يعمل في بنك ولا يلتزم بسعر صرف العملات المعطى له من الإدارة! [السُّؤَالُ] ـ[أعمل في مصرف وأتاجر بالعملة الأجنبية، ولكن استشكل عليَّ مشكلة وهي أني أقوم ببيع العملة الأجنبية بسعر الصرف السابق ولا أعمل بالسعر الجديد المرسل إليَّ من الإدارة العامة للمصرف , حيث يتم إخطار سعر العملة الجديد عن طريق الهاتف ولا يوجد رسالة رسمية تبين سعر التداول بالعملة. سؤالي: ما حكم عملي هذا؟ حيث إني أريد إخراج زكاة مالي وأشك في أمر هذه الأموال التي أكسبها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سبق في هذا في الموقع فتاوى متعددة في حكم العمل في البنوك الربوية، وأنه حرام، ولا يجوز العمل بها، فانظر أجوبة الأسئلة: (21113) و (21166) و (26771) ، فسؤالك عن حكم العمل في البنك أولى من سؤالك عن حكم التصرف في سعر العملات. ومع كونك آثماً في عملك في البنك فإنك آثم من وجه آخر، وهو الغش في العمل، وصرفك العملات بالسعر السابق مع أنك تعلم أنه قد تغير، ولا يجوز لك أن تستغل عدم معرفة من يتعامل معك بالسعر الجديد، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا) رواه مسلم (101) . والمؤمن يعامل الناس بمثل ما يحب أن يعاملوه به، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ) رواه البخاري (13) ومسلم (45) . ولا شك أنك ترى أن من عاملك بذلك أنه قد غشك وخدعك. فعليك بالبحث عن عمل حلال، ولتكن صادقاً في تعاملاتك. نسأل الله تعالى أن يكفينا بحلاله عن حرامه وبفضله عمن سواه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 78783 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5260 لا يجوز للبائع الزيادة على من يتأخّر في تسديد الثمن [السُّؤَالُ] ـ[أبيع سيارات بأقساط بما يتفق مع الشريعة الإسلامية، أي أنني لا آخذ فوائد لكني، ولحماية نفسي، آخذ غرامة إذا تأخر المشتري عن السداد في الموعد. فهل يجوز ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه الزيادة التي تأخذها إنما هي في مقابل التأخر في تسديد الدّين الذي هو لك على المشتري وهذا عين الربا ولذلك لمّا ذكر الله تحريم الربا الذي كان يفعله أهل الجاهلية عندما يتأخّر المدين عن السّداد فيزيد عليه الدائن مقابل الإمهال فإنّه تعالى أمر بإمهال المدين دون زيادة فقال تعالى: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) سورة البقرة 280، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 1231 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5261 التخلص من الربا بإعطائه للفقير [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن نعطي ربا البنوك إلى الشخص المحتاج؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان هناك من كان يتعامل بالربا، ثم تاب، وأراد التخلص من الأموال التي حصل عليها من الربا، فيجوز إعطاؤها للفقير للتخلص منها، وكذلك إذا وضع له البنك مبلغا من الربا في حسابه، ولكن لا تعتبر هذه صدقة لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وأما الاستمرار في التعامل بالربا، فلا يجوز وهو كبيرة من الكبائر، وآخذه محادّ لله ورسوله، حتى وإن كان يرابي ليعطي الفقراء. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2370 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5262 المعاونة في شراء سيارات مستعملة بالربا [السُّؤَالُ] ـ[أنا رجل مسلم أملك محل لبيع السيارات المستعملة في الولايات المتحدة وأرجو إرشادي ما إذا كان ما أفعله حلال أم حرام؟ إنني أبيع السيارات للذين لا يستطيعون أن يدفعوا ثمنها كاملاً حالاً ولذا فإني أبيعهم السيارات بثمن أقل وبقسط أسبوعي أقل وبلا فائدة. ولكن العيب في هذا أن بعض هؤلاء يدفع قليلاً ثم ينقطع أو أن يقع حادث للسيارة وينقطع عن الدفع والعيب الآخر هو أنني أنتظر طويلا حتى أحصل على مستحقاتي ومعظم الناس هنا في الولايات المتحدة يتعاملون مع مؤسسات مالية لتساعدهم بالقروض لشراء سيارات منهم وإليك الطريقة: 1) العميل يشتري السيارة التي يحبها. 2) أساعده في ملئ الاستمارة نيابة عن المؤسسة المالية. 3) أرسل الاستمارة إلى المؤسسة المالية كوكيل عن المشتري ووكيل عن المؤسسة. 4) عندما توافق الشركة على الطلب ترسل لي 75-90% من مستحقاتي وتأخذ أقساطا من العميل نظير استمرار القرض. والسؤال هل هذا حلال أم حرام أن أساعد الناس في التعامل مع المؤسسة المالية وهل علي إثم أمام الله أنني أساعدهم في الحصول على قروض بفائدة لشراء السيارة رغم أنني لا أحصل من الشركة أو العميل على أي شيء سوى 75-90% من ثمن السيارة. كل ما أريده أن أعرف حكم الشرع حتى أنال رضا الله.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه الطريقة حرام شرعا لأنها ربا محض، قال تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) البقرة < 275 >، وذلك لعدة أسباب: أولا: المؤسسة المالية كما هو واضح في السؤال مؤسسة ربوية تتعامل بالربا. ثانيا: الطريقة التي ذكرت - بأن تدفع المؤسسة المالية القيمة للبائع ومن ثم تسترد المبلغ بزيادة على أقساط من المشتري - لا تعدو أن تكون قرضا بفائدة، فكأن المؤسسة المالية تقرض العميل مبلغا من المال (مثلا 10.000 دولار) وتشترط عليه زيادة (مثلا 10%) فيرد العميل المال إلى المؤسسة بزيادة على أقساط (فمبلغ 10.000 يصبح 11.000) وهذا ربا فضل واضح لا يجوز وهو عين الربا، وهو ربا الجاهلية الذي نهانا الله ورسوله عنه. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين َ* فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة < 278 - 279 >. وقال عز وجل: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) البقرة < 281 >. وقال صلى الله عليه وسلم: " ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تُظلمون " أخرجه أبو داود < 2896 > وابن ماجه < 3064 >. قال القرطبي في تفسيره: " أجمع المسلمون نقلا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم أن اشتراط الزيادة في السلف (القرض) ربا، ولو كان قبضة من علف، كما قال ابن مسعود: أو حبة واحدة ". وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " وقد اتفق العلماء على أن المقرض متى اشترط زيادة على قرضه كان ذلك حراما ". ثالثا: وأيضا فإن المؤسسة المالية تشترط على عملائها زيادة أخرى في حال تأخر العميل عن موعد السداد، وهذا أيضا من الربا. وقد جاء في قرارات مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورته الثانية ما يلي: " كل زيادة أو فائدة على الدين الذي حل أجله وعجز المدين عن الوفاء به مقابل تأجيله، وكذلك الزيادة أو الفائدة على القرض منذ بداية العقد: هاتان الصورتان ربا محرم شرعا. " رابعا: بعد معرفة حكم القرض بفائدة، ومعرفة تشديد الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم في النهي عنه، بقي أن نعرف أن المعاونة على الربا - ولو لم يستفد المعاون - وتيسيره للناس بأي صورة من الصور حرام شرعا. قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب ِ) المائدة < 2 >، وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه والحال والمحلل له ومانع الصدقة والواشمة والمستوشمة " أخرجه مسلم < 50 > والترمذي < 1038 > وغيرهما. وقد قرر مجلس مجمع الفقه الإسلامي في دورته التاسعة ما يلي: يجب على المسلمين كافة أن ينتهوا عما نهى الله تعالى عنه من التعامل بالربا أخذا أو عطاء، والمعاونة عليه بأي صورة من الصور، حتى لا يحل بهم عذاب الله ولا يأذنوا بحرب من الله ورسوله. وهذا القرار اتخذ بالإجماع. وبناء عليه فلا يجوز لك المشاركة في ابتداء ولا في إكمال المعاملة الربوية بين المشتري والمؤسسة المالية وعيك بالبحث عن طرق أخرى مباحة تضمن فيها حقّك ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لم يحتسب، ومن ترك شيئا لله عوّضه الله خيرا منه. وفقنا الله وإياك لكل خير، والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 7638 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5263 حكم الشهادة على قرض ربوي [السُّؤَالُ] ـ[لقد طلب عمي أن أشهد معه في بنك من البنوك على قرض , وهذا القرض فيه فائدة (ربا) , علماً بأن والدي وعمي في هذا المال مشتركان , ولكن منعت نفسي من الشهادة فتكونت مشاكل , فأديت الشهادة وأنا لست راضياً عن نفسي ولا عن الشهادة , وندمت وحزنت لما بدر مني , وأنا في حيرة من أمري وفي دوَّامة , أرجو الإفادة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تحرم الشهادة على عقد الربا، ويجب عليك التوبة والاستغفار مما وقع منك من الشهادة على القرض الربوي. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 13/298. الحديث: 10235 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5264 تحويل المال من عملة إلى عملة أخرى [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم المال المحول من عملة لعملة أخرى، مثلاً أقبض راتبي بالريال السعودي، وأحوله للريال السوداني، علماً بأن الريال السعودي يساوي ثلاثة ريالات سودانية، هل هذا رباً؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز تحويل الورق النقدي لدولة إلى ورق نقدي لدولة أخرى، ولو تفاوت العوضان في القدر؛ لاختلاف الجنس، كما في المثال المذكور في السؤال، لكن بشرط التقابض في المجلس، وقبض الشيك أو ورقة الحوالة حكمه حكم القبض في المجلس. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى اللجنة الدائمة. الحديث: 2711 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5265 إعطاء الربا لمن يسدد به دين ربوي [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكن أن يدفع أحدنا الربا الذي يأخذه من البنك ليسدد الفائدة التي وجبت على أحد الأخوة نتيجة اقتراضه مالاً من نفس البنك؟ وبذلك نستفيد من جميع تعاملاتنا البنكية.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحمد لله إذا ثبت لك بأن صاحبك قد تاب من الربا وقد ثبت بأن عليه دين مطالب به ولا يستطيع السداد فتخلص من الربا الذي أُعطيته بإعطائك إياه وإلا فلا تعطه. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 6002 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5266 اشتروا بنصيبه أسهما في بنك ربوي [السُّؤَالُ] ـ[كان لي مساهمات في شركة، وأفلست هذه الشركة قبل 25 عاما، وكان هناك أوصياء على الشركة، اشتروا بالمبلغ المتبقي أسهما في بنك ربوي قبل 25 عاما، بمبلغ 1000 ريال للسهم الواحد، والآن ثمن السهم الواحد ثلاثين ألف، وأنا بحاجة لهذا المبلغ، فهل يجوز لي أن آخذ المبلغ الحالي للسهم؟ علما بأن شراءهم لأسهم هذا البنك تم بدون علمنا طيلة هذه المدة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تسلم المبلغ كله، أصله وفائدته، ثم أمسك أصله؛ لأنه ملك لك، وتصدق بالفائدة في وجوه الخير؛ لأنها ربا، والله يغنيك من فضله ويعوضك خيرا منها، ويعينك على قضاء حاجتك، ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب، ومن يتوكل على الله فهو حسبه. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء فتاوى اللجنة الدائمة 13/506. الحديث: 10825 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5267 هل يلجأ للرهن الربوي إذا كان أرخص من الإيجار [السُّؤَالُ] ـ[حتى يتمكن المرء من شراء بيت هنا في بريطانيا، فإن عليه أن يحصل على رهن، أي أن يقترض من بنك بفوائد. أنا الآن أسكن بالإيجار، لكني إن أنا أخذت بخيار الرهن، فإن ذلك سيكون في مصلحتي (ماديا) حيث أني سأدفع مبلغا شهريا يقل عما أدفعه الآن، وسيصبح البيت ملكي، فهل تحل هذه المعاملة؟ وإذا كان الجواب بلا، فما هي أفضل طريقة لعمل ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله التعامل بالربا حرام بالكتاب والسنة والإجماع، فلا يجوز الإقدام عليه مهما كانت الحاجة الداعية إليه، فكون الإنسان بحاجة إلى مسكن أو سيارة أو زواج أو غير ذلك من الحاجات لا يبرر له أن يرتكب ما حرم الله عليه، وعلى المسلم أن يتقي الله سبحانه ويراقبه، ويؤثر الآخرة على الدنيا، فإن وجد من يقرضه فبها ونعمت، وإن لم يجد فبإمكانه أن يستدين من مسلم دينا لا ربا فيه، فإن لم يجد فليصبر على الأجرة، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه. [الْمَصْدَرُ] الشيخ: عبد الكريم الخضير. الحديث: 21914 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5268 هل يجب التخلّص من الربا المكتسب قبل العلم بالتحريم [السُّؤَالُ] ـ[اعتاد شخص ما على الحصول على فائدة على مبالغ أودعها في أحد البنوك. وقد علم لاحقا أن هذا الأمر حرام فتوقف عن الحصول على الفائدة. وبعد ذلك شعر بأن عليه أن يتبرع بهذا المال لإكمال شروط توبته، غير أنه واجه مشكلتين: 1. أولاهما أنه لا يستطيع حساب المبلغ الصحيح للفائدة التي حصل عليها من البنك في السابق. 2. والثانية أن مبلغ الادخار المتوفر لهذا الشخص في الوقت الحالي يقل عن مبلغ الفائدة التي حصل عليها من البنك في السنوات السابقة. على ضوء ما سبق، يرجى الإجابة عما يلي: 1. هل من شروط التوبة لهذا الشخص أن يتبرع بالمبلغ الصحيح المعادل لجميع مبالغ الفائدة التي حصل عليها من البنك؟ 2. إذا كانت الإجابة على السؤال السابق هي نعم فهل يجب عليه أن يتبرع على الفور بأية مبالغ قد تصبح متوفرة لديه (بعد توفير الاحتياجات الأساسية لنفسه وأفراد عائلته) ؟ مثلا هل يستطيع هذاالشخص أن يشتري أشياء لا تعتبر من الضروريات (غير المأوى والمطعم والملبس والدواء والانتقال) ولكنها لا تخلو من أهمية (مثل جهاز كمبيوتر) ؟ 3. إذا كانت الإجابة على الجزء الثاني من السؤال السابق هي نعم، فهل يستطيع هذا الشخص أن يحج قبل التبرع بما يعادل مبلغ الفائدة البنكية بأية مبالغ قد تتوفر لديه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الله تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) سورة البقرة قال ابن كثير رحمه الله في قوله تعالى: " فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله " أي من بلغه نهي الله عن الربا فانتهى حال وصول الشرع إليه فله ما سلف من المعاملة لقوله "عفا الله عما سلف " وكما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة وكل ربا في الجاهلية موضوع تحت قدميّ هاتين.. (فهو لمّا ألغى ما للمرابين عند النّاس من الزيادة على رأس المال) لم يأمرهم برد الزيادات المأخوذة في حال الجاهلية، (وقوله) : عفا (الله) عما سلف (هو كقوله) .. تعالى " فله ما سلف وأمره إلى الله " قال سعيد بن جبير والسدي: فله ما سلف: (أي) ما كان أكل من الربا قبل التحريم. تفسير ابن كثير والزيادات بين القوسين للإيضاح وبناء عليه فلست ملزما بردّ مال الرّبا الذي أخذته قبل علمك بالتحريم وأمّا ما أخذت من الربا بعد علمك بالتحريم فيجب عليك أن تردّه إن كان بقي عندك فإن اختلط بأموالك ولم تدر كم هو على التحديد فقدّره تقديرا بما يغلب على ظنّك ثمّ أخرجْه (للمزيد راجع السؤالين 824، 1606) ونسأل الله أن يتوب علينا جميعا وصلى الله على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2492 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5269 وضع الأموال في البنوك الربوية [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لي أن أُبقي أموالي في البنك للتعاملات فقط إذا رفضت أخذ أي فائدة على النقود المودعة. ولكن بالطبع سيأخذ البنك فائدة هذا المبلغ الربوي لأنفسهم]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إيداع الأموال في البنوك التي تتعامل بالربا لا يجوز ولا يلجأ إليه المسلم إلا مضطراً وهذا لا يكون إلا بشروط ثلاثة: 1- الحاجة إلى ذلك، وذلك بألا يوجد مكان تؤمن فيه الأموال إلا هذه البنوك. فإذا وجد مكان آخر يمكن حفظ الأموال فيه غير هذا البنك الربوي لم يجز وضع الأموال في البنك الذي يتعامل بالربا. 2- ألا تكون معاملة البنوك ربوية مائة بالمائة، فإن كانت معاملة البنوك ربوية مائة بالمائة فإنه لا يجوز الإيداع فيها مطلقا، لأنك إذا أودع الأموال فيها في هذه الحال تكون فإنك تتيقن أنك أعنت البنك على الربا، وإعانته على الربا لا تجوز. 3- ألا يأخذ المودع ربحا، فإن أخذ ربحا صار ذلك ربا، والربا محرم بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين. وأما قول السائل إنه إذا لم يأخذ الفائدة أخذها البنك. فهذه ليست فائدة وإنما ربا محرم وهي أصلاً للبنك، ولا يحق للمودع أن يأخذ منها شيئا، لأن الله تعالى أمر بترك الربا، حيث قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ) البقرة/278. وتوعد من أخذ الربا بقوله: (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) البقرة/278-279. وينبغي التنبه إلى أن إيداع هذه الأموال في البنك ليس إيداعا بالمعنى الشرعي، لأن الإيداع شرعاً أن تعطيه مالك، ويبقى مالك على ما هو عليه أمانة عنده لا يتصرف فيه، أما ما يتصرف فيه البنك فهو شرعاً قرض وليس بإيداع، وقد نص الفقهاء على ذلك، أنه إذا أَذِن المودِع للمودَع بالتصرف في المال فإنه يكون بذلك قرضاً. (ولذلك تكون إدخال الزيادة عليه رباً) والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد. يراجع فتاوى منار الإسلام 2/433-440 للشيخ ابن عثيمين. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 22392 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5270 ما الحكم إذا بيعت الشركة ولها ديون عند الناس؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما هو الموقف من الديون التي للشركة عند بيعها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا تدخل الديون في عقد بيعها، وتبقى لأصحابها الأولين. [الْمَصْدَرُ] الشيخ ابن جبرين الحديث: 20933 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5271 حكم وضع الأموال في البنوك الربوية [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم وضع الأموال في البنوك الربوية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أما وضع المال في البنوك بالفائدة الشهرية أو السنوية فذلك من الربا المحرم بإجماع العلماء، أما وضعه بدون فائدة فالأحوط تركه إلا عند الضرورة إذا كان البنك يعامل بالربا لأن وضع المال عنده ولو بدون فائدة فيه إعانة له على أعماله الربوية فيخشى على صاحبه أن يكون من جملة المعينين على الإثم والعدوان وإن لم يرد ذلك، فالواجب الحذر مما حرم الله والتماس الطرق السليمة لحفظ الأموال وتصريفها، وفق الله المسلمين لما فيه سعادتهم وعزهم ونجاتهم، ويسر لهم العمل السريع لإيجاد بنوك إسلامية سليمة من أعمال الربا إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه. [الْمَصْدَرُ] " فتاوى ابن باز " (4 / 30، 311) الحديث: 26789 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5272 حكم تحصيل الدين من مال ربوي [السُّؤَالُ] ـ[مدين حول دائنه على بنك ربوي فهل يجوز للدائن أن يستوفي حقه من البنك وهو يعلم أن العقد بين البنك والمدين هو عقد ربوي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يبعد أن يجوز هذا لأن الدائن ليس طرفا في العملية الربوية وعليه أن يقوم بنصح الطرفين؟ [الْمَصْدَرُ] الشيخ ابن جبرين الحديث: 20807 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5273 لا يجوز فرض غرامة تأخير تحصيل الدَّينْ [السُّؤَالُ] ـ[إذا فرضت على الزبون غرامة لأن البنك رفض صرف شيكه، فهل يعد ذلك من الربا؟ مثلا: إذا كتب الزبون شيكا لجهةٍ ما بمبلغ معين، وعندما ذهب صاحب العمل ليصرف الشيك، وجد أنه بدون رصيد، وبعد ذلك أخذ من الزبون غرامة لأن شيكه لم يُصرف، فهل يعد ذلك المبلغ الإضافي من الربا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، لا يحلّ لك أن تأخذ إلا المال الذي في ذمّة غريمك، فأما أن يتم فرض زيادة في الدَّين بسبب التأخر أو لأنه أتعبك في التحصيل فهذه الزيادة لا تجوز بل تأخذ منه الدين الذي كتب في الشيك فقط. وأما إذا أعطاك مقابل تعبك كأجرة ذهابك للبنك فهذه لا بأس بها، وأما الاشتراط في حال التأخر مبلغا زائدا فهذا لا يجوز. [الْمَصْدَرُ] الشيخ عبد الله بن جبرين الحديث: 13709 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5274 فوائد البنوك تسمى ربا في الشرع [السُّؤَالُ] ـ[هل صحيح أن الإسلام يمنع الاستثمار المالي في المؤسسات التي تعطي نسبة عائد ثابتة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله دين الإسلام هو الدين الحق الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وقد اشتمل على أكمل الشرائع، قال تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي) فشريعة القرآن شريعة كاملة شاملة خالدة، ففيها جميع الأحكام التي بها سعادة العباد في معاشهم ومعادهم، ومن ذلك الأحكام المالية، وهي الأحكام التي تنظم وتعدّد طرق كسب المال وصرفه، فلا يجوز اكتساب المال بكل طريقة ولا يجوز صرف المال في كل ما يشتهي الإنسان، فلا بدّ أن يخضع الإنسان في كل ذلك إلى شرع الله ومن ذلك أن الله تعالى حرّم الربا، قال تعالى: (وأحلّ الله البيع وحرّم الربا) ، وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا) . ومن صور الربا الظاهر أخذ الفوائد على القروض أو إعطائها، فلا يجوز القرض بفائدة، وما يسمى بالفائدة في لغة البنوك هو الربا في لغة الشرع. واما القرض الحسن فهو القرض الذي يقصد به الإرفاق والإحسان إلى الغير وذلك بألا يكون المقصود أخذ الفائدة والزيادة، فما يسمى بالقروض في لغة البنوك هي في الحقيقة عقود ربا، والله تعالى حكيم في شرعه لأنه تعالى شرع الشرائع بما فيها من المصالح العاجلة والآجلة وهو الحكيم العليم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ: عبد الرحمن البراك. الحديث: 12823 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5275 الشراء من البقالة بالآجل لا يعدُّ من ربا النسيئة [السُّؤَالُ] ـ[يوجد بالقرب من منزلنا بقالة، فنقوم بطلب ما نريده منها ونؤخر تسليم الثمن إلى أجل محدود، فهل يعتبر هذا من ربا النسيئة؟ مع العلم أن البائع راضٍ بأي طريقة تم الدفع بها عاجلاً أو مؤخراً فما الحكم في ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله شراء الأشياء من البقالة من تأخير قبض الثمن من النقود ليس من الربا في شيء. وذلك لأن الأصناف التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم ويجري فيها الربا ستة أصناف، الذهب والفضة، ويلحق بهما الآن النقود. والتمر والبر (القمح) والشعير والملح. وهذه الأصناف قسمها العلماء إلى قسمين - حسب اتفاقها في علة جريان الربا فيها -: فالقسم الأول: الذهب والفضة وما ألحق بهما. القسم الثاني: البر والشعير والتمر والملح. فإذا أراد الإنسان أن يشتري شيئاً من القسم الثاني بشيء من القسم الأول، كما لو كان يشتري تمراً بنقود، فلا يجري بينهما الربا، فيجوز الشراء مع تأخير الثمن باتفاق العلماء. وقد اشترى النبي صلى الله عليه وسلم من يهودي شعيراً وأخَّر دفع ثمنه، ورهن عنده درعه. فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: اشْتَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا بِنَسِيئَةٍ وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ. رواه البخاري (1999) ومسلم (1603) . ورواه البخاري (2069) عن أنس رضي الله عنه بلفظ: (رَهَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِرْعًا لَهُ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ يَهُودِيٍّ وَأَخَذَ مِنْهُ شَعِيرًا لِأَهْلِهِ) . وبوب عليه البخاري بقوله: " باب شراء النبي صلى الله عليه وسلم بالنسيئة ". قال ابن حجر: قال ابن بطال: الشراء بالنسيئة جائز بالإجماع. " فتح الباري " (4 / 302) . فيجوز لك شراء ما تشاء من بضائع من البقالة مع تأخير دفع النقود ولا يدخل ذلك في ربا النسيئة. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 75565 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5276 أخذ القروض بفوائد من أجل الزواج [السُّؤَالُ] ـ[أنا شاب مقبل على الزواج وقد أتم الله نعمتة علي بأني أتممت عقد القران منذ فترة قليلة والآن لدي بعض الديون القليلة وبعض الأقساط المتأخرة، هل يجوز أن أحصل على قرض من البنك الذي أتعامل معه حتى أسدد هذه الديون والأقساط المتأخرة على أن أسدد هذا القرض على أقساط وبفوائد؟ أنا مدرك تماما أن هذا القرض ربوي ولكن أنا مقبل على التزامات أكثر في الفترة القادمة فلدي تشطيب شقتي وطبعا لن أقدر على سداد جميع الديون والأقساط مع تشطيب الشقة فهذا عبء رهيب لا تساعدني إمكانياتي المادية عليه فهل هذا القرض حرام أم حلال؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نسأل الله أن ييسر لك أمر الزواج وأن يعينك عليه، وأما أخذ القروض بالفوائد الربوية فهو من المحرمات العظيمة والكبائر الجسيمة التي لا يجوز الإقدام عليها في مثل هذه الحال، والله تعالى يقول: (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً) ونوصيك بالاستعانة بالله والالتجاء إليه في تيسير أمورك مع حسن التخطيط والاقتصاد والصبر حتى يكتب الله لك الفرج القريب، وللاستزادة حول حكم القروض الربوية والتفصيل في أحكامها ننصحك بمراجعة الأسئلة التالية في الموقع (45910) ، (22905) ، (21914) [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 75674 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5277 حكم أخذ القرض الربوي للحاجة الماسة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم أخذ قرض ربوي من البنك للحاجة الماسة مثل مواصلة الدراسة الجامعية أو شراء سيارة لصاحب عائلة، أو منزل للعائلة، مع العلم بأن المقترض لم يجد من يقرضه بدون فائدة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يحرم الربا حيث وجد وبأي صورة كانت على صاحب رأس المال ومن اقترض منه بفائدة، سواءً كان المقترض فقيراً أو غنياً، وعلى كل منهما وزر، بل كل منهما ملعون، ومن أعانهما على ذلك من كاتب وشاهد ملعون أيضاً لعموم الآيات والأحاديث الثابتة الدالة على تحريمه. قال الله تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) البقرة، وروى عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والورق بالورق والشعير بالشعير والتمر بالتمر مثلاً بمثل سواء بسواء يداً بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى) رواه مسلم في صحيحه. وثبت عن جابر رضي الله عنهما أنه قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال هم سواء) رواه مسلم. ... ومن عجز عن العمل مع فقره حلت له المسألة والزكاة والضمان الاجتماعي. ثانياً: ليس للمسلم سواء كان غنياً أو فقيراً أن يقترض من البنك أو غيره بفائدة 5% أو 15 % أو أكثر أو أقل لأن ذلك من الربا وهو من كبائر الذنوب، وقد أغناه الله عن ذلك بما شرعه من طرق الكسب الحلال من العمل عند أرباب الأعمال أجيراً أو الانتظام في عمل حكومي مباح أو الاتجار في مال غيره مضاربة بجزء مشاع معلوم من الربح. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 13/269. الحديث: 9054 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5278 مماطلة البنك بالتسديد لإسقاط الربا [السُّؤَالُ] ـ[اقترض بالربا وبعد سبع سنين إذا لم يسدد شيئا يسقطون المطالبة (أي أن نظام البنك يعتبر هذا الدين في عداد الديون الميؤوس منها) ، فإذا بدأ بالتسديد الآن فإنهم سيطالبونه بالربا فإذا انتظر سبع سنين فإنهم لن يطالبونه بالربا وسيطالبونه بالمال الأصلي، فهل يجوز له أن يفعل ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرض السؤال التالي على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله بأنه إذا كان لو ماطلهم سبع سنين سيأخذون رأس مالهم فقط، فلا بأس. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن صالح العثيمين الحديث: 7840 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5279 يريد إدخال شخص بدلا منه في حساب بنكي ربوي استثماري لينجو هو [السُّؤَالُ] ـ[أخ مسلم بريطاني بدأ في حساب استثماري ربوي في البنك، البنك يشترط عليه أن يضع عنده وديعه مدة أربع سنوات ولا يسحب منها شيئا ثم يعطيه فوائد ربوية كل سنة، فلما علم الحكم وأراد أن يسحب المال من البنك فالبنك يفرض عليه غرامة مقابل سحب المال قبل المدة، فإذا أتى بشخص آخر بدلا عنه ودفع المال بدلا منه ودخل هو في العملية الربوية فإن البنك لا يغرِّم هذا الشخص شيئا. والسؤال هل يجوز له حتى يسحب ماله بغير غرامات أن يُدخل شخصا كافرا بدلا منه وينسحب أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله: هذا لا يجوز لأنه يعين على الإثم والعدوان. انتهى والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن صالح العثيمين الحديث: 9241 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5280 بيع الذهب المصنع بالذهب السبيكة مع دفع أجرة التصنيع [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز بيع ذهب سبيكة بذهب مصنع مع دفع أجرة التصنيع؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله بيع الذهب المصنع بالذهب السبائك مع دفع أجرة التصنيع، كأن يبيع 1 كيلو ذهبا مصنعا، ويأخذ مقابلها – في الحال- أكثر من كيلو ذهبا سبيكة، لفارق التصنيع، أو يأخذ 1 كيلو مع نقود مقابل الصناعة، وهذا محرم، وهو من ربا الفضل، فإن الذهب إذا بيع بالذهب وجب أن يكون مثلا بمثل، سواء كان الذهب مصنعا أو سبيكة، ولهذا قال الفقهاء:: تبرهما (وهو السبيكة الخام) ومصنوعهما (وهو ما صنع حليا ونحوها) أو مضروبهما (وهو ما جعل نقودا) سواء، فلا عبرة بالصناعة. وإن لم تتم المعاملة يدا بيد، فهذا ربا النسيئة، فتكون المعاملة مشتملة على نوعي الربا: النسيئة والفضل. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (4/29) : " والجيد والرديء، والتبر والمضروب، والصحيح والمكسور، سواء في جواز البيع مع التماثل، وتحريمه مع التفاضل، وهذا قول أكثر أهل العلم، منهم أبو حنيفة والشافعي. وحُكي عن مالك جواز بيع المضروب بقيمته من جنسه، وأنكر أصحابه ذلك، ونفوه عنه " انتهى. وفي "الموسوعة الفقهية" " (22/74) : " ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إلَى أَنَّ عَيْنَ الذَّهَبِ وَتِبْرَهُ، وَالصَّحِيحَ وَالْمَكْسُورَ مِنْهُ سَوَاءٌ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ مَعَ التَّمَاثُلِ فِي الْمِقْدَارِ وَتَحْرِيمِهِ مَعَ التَّفَاضُلِ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَقَدْ حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُبَاعَ مِثْقَالُ ذَهَبٍ عَيْنٍ بِمِثْقَالٍ وَشَيْءٍ مِنْ تِبْرٍ غَيْرِ مَضْرُوبٍ، وَكَذَلِكَ حُرِّمَ التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْمَضْرُوبِ مِنْ الْفِضَّةِ وَغَيْرِ الْمَضْرُوبِ مِنْهَا، وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ تِبْرُهَا وَعَيْنُهَا) " انتهى. وهذا الحديث رواه أبو داود (3349) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. والتبر من الدراهم والدنانير ما كان غير مصوغ ولا مضروب، فإذا ضرب فهو عَيْن، وهو أجود من التبر. انظر المجموع (10/97) ، "كشف الأسرار" (3/320) . وسئل علماء اللجنة الدائمة: صائغ يأخذ أجرة الصناعة على الذهب، ويتم ذلك إما في صورة بيع ذهب ويتقاضى ثمنه مع الأجرة، أو تبادل ذهب بذهب ويأخذ أجرة الصناعة بما فيها مكسبه. فأجابوا: " أخذ الأجرة على صناعة الذهب مع قيمة المبيع لا شيء فيه إذا بيع بغير جنسه، كالورق النقدي، أما إذا بيع بجنسه كذهب بذهب مع أخذه أجرة فلا يجوز؛ لما ثبت في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إِلا مِثْلا بِمِثْلٍ وَلا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ) " انتهى. والورِق: الفضة. ولا تُشِفُّوا: لا تفاضلوا. "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/487) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن بعض أصحاب محلات الذهب يذهبون إلى تاجر الذهب، ويعطونه كيلو من الذهب الصافي، ويأخذون منه كيلو من الذهب به فصوص من أحجار كريمة ألماس أو الزراكون أو غيرها، ويدفعون له أيضا أجرة التصنيع. فأجاب: " هذا العمل محرم لأنه مشتمل على الربا، والربا فيه كما ذكر السائل من وجهين: الوجه الأول: زيادة الذهب، حيث جعل ما يقابل الفصوص وغيرها ذهبا ... وأما الوجه الثاني: فهي زيادة أجرة التصنيع؛ لأن الصحيح أن زيادة أجرة التصنيع لا تجوز؛ لأن الصناعة وإن كانت من فعل الآدمي لكنها زيادة وصف في الربوي، تشبه زيادة الوصف الذي من خلق الله عز وجل، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يشترى صاع التمر بصاعين من التمر الرديء، والواجب على المسلم الحذر من الربا والبعد عنه لأنه من أعظم الذنوب " انتهى من "فقه وفتاوى البيوع" (ص 393) ، جمع أشرف عبد المقصود. وصورة التعامل المشروع: أن يأخذ كيلو من الذهب بكيلو من الذهب، يدا بيد مثلا بمثل، مهما كانت الصناعة، بل ولو كان أحدهما سبيكة خالية من كل صناعة. أو يبيع السبيكة بالنقود، ثم يشتري ما أراد من الذهب المصنع. أو يشتري الذهب الخام، ويعطيه لمن يصنعه بأجرته من النقود. وعن هذا الحل الأخير يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " أما إذا كان التاجر صائغا فله أن يقول: خذ هذا الذهب اصنعه لي على ما يريد من الصناعة، وأعطيك أجرته إذا انتهت الصناعة، وهذا لا بأس به " انتهى من "فقه وفتاوى البيوع" (ص 401) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 74994 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5281 حكم التأخر في دفع الفواتير مع ترتب فوائد ربوية [السُّؤَالُ] ـ[ما الحكم في دفع الفواتير الشهرية المستحق دفعها في تاريخ معين بعد هذا التاريخ مع العلم أنه يحسب على هذا المبلغ فوائد ربوية (وفى حالة دفع جزء من المبلغ تحسب الفوائد على الجزء المتبقي منه) إذا لم يتم دفعها قبل هذا التاريخ؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب على من ترتب عليه فواتير مستحقة أن لا يتأخر في تسديدها إذا كان يترتب على التأخير غرامة؛ لأن الغرامة هنا ربا، وهو ربا الجاهلية، ويسمى " ربا النسيئة " وكان يقول صاحب المال للدائن: " إما أن تقضي وإما أن تُربي ". والمتأخر في التسديد وهو قادر على الدفع مساهم في هذا الربا، والإثم على كلا الطرفين. وقد لعن الرسول صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله. رواه مسلم (1597) . وآكل الربا هو آخذه. ومؤكله هو معطيه. أما إن كان قد تأخر في السداد وهو لا يعلم بالأمر، أو تأخر لظرف قاهر: فإن الإثم على الشركة التي فرضت هذه الغرامة الربوية. والواجب على هذه الشركات والمؤسسات أن تلغي هذه الغرامة الربوية، ويمكنها إنذارهم أو قطع الخدمات عنهم بدلاً من تلك الغرامات الربوية. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 75040 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5282 حكم شراء مسجد بقرض ربوي [السُّؤَالُ] ـ[نحن جماعة مغاربة مسلمون, مقيمون بألمانيا، ولدينا مكان استأجرناه للصلاة فيه لجميع الأوقات والجمعات والأعياد, ولكثرة المصلين فيه - والحمد لله - منعتنا الحكومة الألمانية من الصلاة فيه, لأنه ضيق وفي مكان غير مناسب, وأردنا الآن شراء مكان كبير خارج البلد, ووافقت لنا السلطة الألمانية على شرائه, ثمن المكان 3 مليون مارك ونصف, ويوجد لدينا مليون مارك ونصف فقط. هل يجوز لنا أن نقترض من البنك المبلغ الباقي لشراء هذا المكان بالربا, وهل يعتبر هذا من الضرورات؟ وإن تم شراؤه بالربا هل تجوز الصلاة فيه إلى أن يوجد أماكن أخرى في هذه البلدة للصلاة؟ أفتونا مأجورين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز لكم الاقتراض بالربا, لأن الله حرم الربا وشدد الوعيد على المرابين, ولعن النبي صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه. ولا يباح الربا بأي حال من الأحوال, ولا تشتروا هذا المكان الذي أشرتم إليه إلا إذا كان عندكم إمكانية مالية بدون اللجوء إلى الربا, وصلوا على حسب استطاعتكم, مجتمعين أو متفرقين إلى جماعات في أمكنة متعددة. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 13/290. الحديث: 10234 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5283 حكم أخذ الربا على الودائع في بنوك الكفار [السُّؤَالُ] ـ[: في موطني الأصلي بعض الشركات تضع ودائع ويعطون فائدة شهرية ولا تتغير الأصول فما حكم الدخل الذي بهذا الشكل وهل يجوز لأرملة أن تستخدم هذا الدخل للإنفاق على نفسها وأسرتها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ورد سؤال مشابه للسؤال لللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء هذا نصه: أوردت مجلة الأمة فتوى في أمور مالية تجري في بلاد الغربة ودار الحرب، نصها، فقد ذهب الإمام أبو حنيفة إلى جواز أخذ الربا من الحربيين في دار الحرب، وتصحيح كل عقد أو معاملة تعود على المسلم بنفع ما دامت قائمة على التراضي، وليس فيها غش ولا خيانة، فإن صحت فإنها تفيد بعض المسلمين في فرنسا لأن التبرعات التي تأتينا تظل في البنك أشهراً قبل أن يحين وقت إنفاقها، ولا يستفيد من فوائدها المتراكمة سوى البنك الذي نتعامل معه، فإن صحت هذه الفتوى استطعنا الاستفادة من فوائد أموالنا في دار الحرب وقدمناها على الأقل للفقراء والمساكين لا لغيرهم، والله من وراء القصد. فأجابت اللجنة الدائمة برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز يرحمه الله: أولاً: عقود المعارضات المالية وتبادل المنافع بيننا وبين الكفار صحيحة ما دامت مستوفية لشروط العقود في شريعة الإسلام. ثانياً: التعامل بالربا حرام سواء كان بين المسلمين أم بين المسلمين والكفار مطلقاً، حربيين وغير حربيين. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] من فتاوى اللجنة الدائمة ج13/19. الحديث: 8141 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5284 هل يجوز التعامل بالربا في مجتمع ربوي [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمسلم أن يتعامل بالربا في المجتمع الذي تأسس على الربا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز له التعامل بالربا, ولو كان المجتمع مؤسساً على الربا, لعموم النصوص في تحريم الربا, وعليه أن يغير المنكر حسب طاقته , فإن لم يستطع انتقل عن ذلك المجتمع, بعيداً عن المنكر, وخشية أن يصيبه ما أصابهم. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 13/194. الحديث: 1120 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5285 تعبئة نماذج " بكشف الراتب " تطلبها البنوك الربوية [السُّؤَالُ] ـ[نحن عدد من المحاسبين في القطاع العام، ويوجد لدينا بعض النماذج لشركات التقسيط وبعض الموظفين يرغبون بالشراء بالتقسيط من عدد من البنوك الربوية، والبنوك تشترط توضيح الراتب الأساسي للمشتري، فهل نحن ندخل ضمن الحديث لعن الله كاتب الربا علما أننا نرفض كتابته ولكن رئيس القسم وبعض المدراء يضعوننا في إحراجات، ما هو الموقف الإسلامي الصحيح تجاهنا؟ .]ـ [الْجَوَابُ] عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله بقوله: (إذا عبأتم لهم الأوراق فأنتم) معينون على (الحرام) ، (وقد قال الله تعالى: [ولا تعاونوا على الإثم والعدوان] ) . سؤال: وإذا تم تهديدهم بالفصل من عملهم؟ جواب: نقول لهم امتنعوا (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 8967 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5286 استعمال ما شُري بالربا [السُّؤَالُ] ـ[اشترى لي والديّ سيارة، وما زالوا يُسدِّدون ثمنها بفائدة إلى الآن. هل يجوز استخدام هذه السيارة أم لا؟ مع العلم أن والديّ ما زالا يدفعان المال.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما دام الشراء بالربا قد حصل ولا يُمكن الرجوع فيه، فيُمكنك استعمال السيارة مع النصيحة والبيان لوالديك بتحريم الشراء بالربا لئلا يعودا إلى ذلك مرة أخرى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 1391 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5287 زيادة في المبلغ عند تأخير السداد [السُّؤَالُ] ـ[سؤالي يتعلق بسداد فواتير الهاتف أو رسوم الجامعة. إذا أخرت دفع فاتورة الهاتف، يضاف إلى قيمتها نسبة محددة من مبلغ الفاتورة، وإذا أخرتها لشهرٍ آخر، ستضاف نفس النسبة مرة أخرى (مقارنةً بمبلغ الفاتورة الكلي) . هل هذه المبالغ الإضافية ربا؟ وإن لم تكن كذلك، هل من الحرام دفع هذه المبالغ الإضافية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم إن هذه الزيادة ربا ولا شكّ، وكلما أمهلوك في مدة التسديد زادوا عليك المبلغ فالواجب عليك الامتناع عن هذه المعاملة فإن أُرغمت عليها فادفع المبلغ الأصلي دون زيادة فإن أُجبرت على دفع الزيادة فادفعها مع التوبة إلى الله وعدم العودة إلى مثل هذه المعاملة. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 590 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5288 الانتفاع بالربا [السُّؤَالُ] ـ[سؤالي هذا من أجل كثير من المسلمين المحتاجين الذين يُطردون من المدارس لعدم قدرتهم على دفع رسوم الدراسة. كثير منهم عنده حساب بنكيّ بفائدة، ولكنهم لا يستخدمونها لأنها حرام. ماذا ينبغي أن يفعل أحدنا بهذه الفائدة، هل يتركها للبنك أم يمكن استخدامها في هذه الحالة لدفع الرسوم للمعاهد غير الإسلامية؟ أرجو إعطاء أدلة مقنعة. هذا السؤال مهم وعاجل حيث أن الفصل الأكاديمي بدأ والرسوم غير متوفرة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد وآله وصحبه وبعد الأخ المكرم الشيخ / علي داراني القاضي في نيروبي - كينيا حفظه الله تعالى السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد فقد وصل سؤالكم المرسل بالبريد الألكتروني عن جواز صرف الأموال الربوية في نفقات الطلاب المحتاجين في المعاهد في بلدكم وجوابا على سؤالكم ألخّص لكم بعض ما ذكره أهل العلم في هذه المسألة: من كان عنده مال محرّم وجب أن يتخلّص منه بحيث لا ينتفع به المتخلّص لا في جلب مصلحة له كأكل أو شرب أو سكن أو نفقة أهل أو أجرة تدريس ولا في دفع مضرة أو ظلم عن نفسه كرسوم التأمين الإجباري أو سائر أنواع الضرائب والمكوس وتكون النية عند إخراجه تخلصا لا صدقة لأنّ الله طيب لا يقبل إلا طيبا. وأما المجال الذي تُصْرف فيه الأموال الربوية فيكون في سائر وجوه الخير مثل إعطائها للفقراء والمساكين ونفقات علاج المحتاجين وكذلك المجاهدين والغرماء من أصحاب الديون المعسرين وأنشطة المراكز الإسلامية وإصلاح المرافق العامة كدورات مياه المساجد والطرقات وما شابه ذلك. وصرفها في نفقات ورسوم تعليم الطلاب المحتاجين يدخل فيما سبق ولو كانت المعاهد تابعة للكفار ما دام حقل الدراسة مباحا، ويكون المال المحرّم حراما على كاسبه وأما بالنسبة لمن أعطي له فيجوز أن يستفيد منه ويُعتبر كالمال الضائع الذي لا صاحب له. وفقنا الله وإياكم لعمل الخير ونصرة الدّين وإعانة المسلمين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته [الْمَصْدَرُ] فتاوى إسلامية 2/404-411 الحديث: 292 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5289 دفع الزكاة عن طريق بطاقة الائتمان [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز دفع الزكاة عن طريق بطاقات الائتمان؟ لدي رصيد يغطي المبلغ وأسدده دون أن يُحسب علي أي فوائد.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يجوز الاشتراك في نظام بطاقات الائتمان إلا لمن اضطر إلى ذلك، لأنه عقد ربوي، والربا محرم بالكتاب والسنة والإجماع. راجع الأسئلة (13735) و (13725) و (3402) . ثانياً: بالنسبة لدفع الزكاة عن طريق هذه البطاقة، فإذا كان عندك رصيد يغطي ما ستدفعه بحيث لا يحتسب عليك أي فوائد – كما ذكرت في سؤالك – فلا بأس بدفع الزكاة بهذه الطريقة. أما إذا لم يكن عندك رصيد يغطي ما ستدفعه فإن هذا يعتبر اقتراض من البنك بفائدة وهو رباً محرم، ولا يجوز دفع الزكاة ولا غيرها بهذه الطريقة، والله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً. والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20107 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5290 حكم الإيداع في البنوك، وماذا يفعل بالفوائد [السُّؤَالُ] ـ[نقوم بإيداع أموالنا في البنوك ... فكيف نتعامل مع الفوائد التي تقدمها لنا البنوك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: وضع المال في البنك مقابل فوائد رباً، وهو من كبائر الذنوب، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ () فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278-279 وإذا اضطر للمسلم إلى وضع المال في البنك، لأنه لم يجد وسيلة يحفظ بها ماله إلا بوضعه في البنك، فلا حرج في ذلك إن شاء الله تعالى بشرطين: 1- أن لا يأخذ مقابل ذلك فائدة. 2- أن لا يكون تعامل البنك ربوياً مائة بالمائة، بل يكون له بعض الأنشطة المباحة التي يستثمر فيها الأموال. راجع السؤال رقم (22392) ، (49677) ولا يحل الاستفادة من الفوائد الربوية التي تدفعها البنوك لأصحاب الأموال، ويجب عليهم التخلص منها في وجوه الخير المختلفة. قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: الأرباح التي يدفعها البنك للمودعين على المبالغ التي أودعوها فيه تعتبر ربا، ولا يحل له أن ينتفع بهذه الأرباح، وعليه أن يتوب إلى الله من الإيداع في البنوك الربويَّة، وأن يسحب المبلغ الذي أودعه وربحه، فيحتفظ بأصل المبلغ وينفق ما زاد عليه في وجوه البر من فقراء ومساكين وإصلاح مرافق ونحو ذلك. " فتاوى إسلاميَّة " (2 / 404) . وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: أما ما أعطاك البنك من الربح: فلا ترده على البنك ولا تأكله، بل اصرفه في وجوه البر كالصدقة على الفقراء، وإصلاح دورات المياه، ومساعدة الغرماء العاجزين عن قضاء ديونهم، … " فتاوى إسلامية " (2 / 407) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 23346 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5291 تحليل الربا [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم تحليل الربا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الربا محرم بالكتاب والسنة والإجماع القطعي، فمن استحله كان كافرا. لأن القاعدة: أن من أنكر شيئاً أجمع العلماء عليه إجماعاً ظاهراً أنه كافر. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إن الإيمان بوجوب الواجبات الظاهرة المتواترة، وتحريم المحرمات الظاهرة المتواترة هو من أعظم أصول الإيمان، وقواعد الدين، والجاحد لها كافر بالاتفاق اهـ مجموع الفتاوى (12/497) . وقال ابن قدامة رحمه الله: ومن اعتقد حل شيء أجمع على تحريمه وظهر حكمه بين المسلمين وزالت الشبهة فيه للنصوص الواردة فيه كلحم الخنزير والزنى وأشباه ذلك مما لا خلاف فيه كَفَر اهـ المغني (12/276) . وقال النووي رحمه الله: فَأَمَّا الْيَوْم وَقَدْ شَاعَ دِينُ الْإِسْلَام وَاسْتَفَاضَ فِي الْمُسْلِمِينَ عِلْمُ وُجُوب الزَّكَاة حَتَّى عَرَفَهَا الْخَاصّ وَالْعَامّ , وَاشْتَرَكَ فِيهِ الْعَالِم وَالْجَاهِل , فَلَا يُعْذَر أَحَد بِتَأْوِيلِ يَتَأَوَّلهُ فِي إِنْكَارهَا. وَكَذَلِكَ الْأَمْر فِي كُلّ مَنْ أَنْكَرَ شَيْئًا مِمَّا أَجْمَعَتْ الْأُمَّة عَلَيْهِ مِنْ أُمُور الدِّين إِذَا كَانَ عِلْمه مُنْتَشِرًا كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْس وَصَوْم شَهْر رَمَضَان وَالاغْتِسَال مِنْ الْجَنَابَة وَتَحْرِيم الزِّنَا وَالْخَمْر وَنِكَاح ذَوَات الْمَحَارِم وَنَحْوهَا مِنْ الْأَحْكَام إِلَّا أَنْ يَكُون رَجُلًا حَدِيث عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ وَلَا يَعْرِف حُدُوده فَإِنَّهُ إِذَا أَنْكَرَ شَيْئًا مِنْهَا جَهْلًا بِهِ لَمْ يَكْفُر. . . فَأَمَّا مَا كَانَ الْإِجْمَاع فِيهِ مَعْلُومًا مِنْ طَرِيق عِلْم الْخَاصَّة كَتَحْرِيمِ نِكَاح الْمَرْأَة عَلَى عَمَّتهَا وَخَالَتهَا , وَأَنَّ الْقَاتِل عَمْدًا لَا يَرِث وَأَنَّ لِلْجَدَّةِ السُّدُس , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَام فَإِنَّ مَنْ أَنْكَرَهَا لا يَكْفُر , بَلْ يُعْذَر فِيهَا لِعَدَمِ اِسْتِفَاضَة عِلْمهَا فِي الْعَامَّة اهـ. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (حكم الربا: أنه محرم بالقرآن والسنة وإجماع المسلمين. ومرتبته: أنه من كبائر الذنوب؛ لأن الله تعالى قال: (ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) ، وقال تعالى: (فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله) ؛ ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم " لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه " فهو من أعظم الكبائر. وهو مجمع على تحريمه، ولهذا من أنكر تحريمه ممن عاش في بيئة مسلمة فإنه مرتد؛ لأن هذا من المحرمات الظاهرة المجمع عليها. ولكن إذا قلنا هذا، هل معناه أن العلماء أجمعوا على كل صورة؟ الجواب: لا، فقد وقع خلاف في بعض الصور، وهذا مثل ما قلنا في أن الزكاة واجبة بالإجماع، ومع ذلك ليس الإجماع على كل صورة، فاختلفوا في الإبل والبقر العوامل (التي تستخدم في الحرث والسقي) ، واختلفوا في الحلي وما أشبه ذلك، لكن في الجملة العلماء مجمعون على أن الربا حرام بل من كبائر الذنوب) انتهى من الشرح الممتع على زاد المستقنع 8/387 وعلى هذا فيقال: من أنكر تحريم الربا فهو كافر لأن تحريمه من الأمور التي دلت النصوص عليها، وأجمع العلماء على تحريمه إجماعا ظاهراً وانتشر ذلك بين المسلمين. لكن إذا أنكر تحريم صورة من صور الربا والتي وقع الخلاف فيها بين العلماء أو لم يكن الإجماع على تحريمها ظاهراً فهذا لا يكفر بل ينظر في حاله فقد يكون مجتهداً مأجوراً على اجتهاده، وقد يكون معذوراً، وقد يكون فاسقاً إذا كان استحلاله لها اتباعاً للهوى. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 22339 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5292 ماذا يفعل في الأموال الربوية [السُّؤَالُ] ـ[أعمل في شركة أعطت موظفيها مبلغاً من المال قبل عدة سنوات ووضعوا هذا المال في حساب لا يمكن استخدامه لمدة 5 سنوات، وتدخل فيه الفوائد، ويعطون المال لصاحبه بعد 5 سنوات أو عند الإستقالة من العمل. أعلم أن هذا محرم ولكن ليس لدينا خيار. سأترك الشركة بعد عدة أشهر وأريد أن أعرف ماذا أفعل بهذا المال، هل يمكن أن آخذ المال الأصلي وأتصدق بالفوائد؟ أرجو المساعدة لأنني لا أريد أن أقترف ذنباً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المال الذي ستأخذه بعد خمس سنوات يتكون من رأس المال – وهو المال المدفوع من الشركة – وأرباحه الربوية – وهو ما سميتَه " فائدة " -، وبما أن المال الربوي لا يحل لك: فليس لك أن تأخذ ما زاد عن رأس المال، وعليك أن تترك هذه الفوائد الربوية للبنك، لقوله تعالى: (فإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم ... ) البقرة / 279. راجع سؤال رقم (22392) فإن أبى البنك إلا أن تأخذ هذه الفوائد المحرمة، فإنك تأخذها ويجب عليك أن تتخلص منها في أوجه الخير المختلفة، ولا يجوز لك الانتفاع بها. راجع سؤال رقم (292) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20695 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5293 هل يُسدد القرض الربوي [السُّؤَالُ] ـ[كنت قد اقترضت من الحكومة قرض طالب لأتمكن من دفع تكاليف الدراسة. ولم أكن وقتها متدينا , لكني أصبحت الآن أعلم بأن عملي ذاك كان خطأ. كنت أفكر في إتمام دراستي وبعدها أسدد هذا المبلغ. لكن بعض الأخوة قابلوني مؤخرا وقالوا بأن العلماء أفتوا بأن جميع الذين هم في البلاد الغربية (كندا) وعندهم قروض من الحكومة , فإن عليهم ألا يسددوا تلك القروض , لأن تلك الحكومات تمول الهجوم ضد إخواننا في الشيشان. فهل هذا صحيح؟ كما أرجو أن تبين لي كيف أتصرف في قرضي ذاك.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الحمد لله الذي وفقك للهداية إلى الحق والتدين فإن هذه من أعظم النعم التي ينعم الله بها على المسلم. ثانياً: إذا كان القرض يحتوي على الربا أي الزيادة عند السداد عن القرض: فإن هذا القرض محرم لا يجوز الاستمرار به، والله تعالى يقول: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين} البقرة / 278، وإذا كان بالإمكان إلغاء هذا العقد فيجب عليك ذلك. ثالثاً: عليك التوبة والاستغفار والندم على هذه الفعلة، وأن تعزم على أن لا ترجع إلى مثل هذه الفعلة. وأبشر فإن الله يقبل توبة العبد إذا تاب، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) رواه ابن ماجه (4250) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه (3427) رابعاً: إذا ثبت القرض في ذمتك فيجب عليك السداد، وإن استطعت أن تتخلص من دفع الزيادة الربوية دون ضرر أو مفسدة فيجب عليك ذلك، لأنه لا يجوز لك أن تعطي الربا (لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء) مسلم (1598) . (آكل الربا) هو آخذه. (ومؤكله) هو معطيه. وإذا لم تستطع التخلص من دفع هذه الزيادة فادفعها مضطراً إلى ذلك كارهاً بقلبك إعطاء الربا، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وتكفيك التوبة والندم إن شاء الله تعالى. خامساً: قول من قال إن تلك الحكومات تمول الهجوم ضد الشيشان، هذا أمر يحتاج إلى إثبات، وإن ثبت: فلا يعني ذلك أن كل معاملاتها تدخل في الحرمة، بل ما كان فيه إعانة على باطل أو على محاربة مسلم كما ذكر السائل أو على محذور من المحاذير الشرعية فهذا لا يجوز الإعانة فيه أو الدخول فيه. والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 9700 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5294 العمل في البنوك الموجودة بالدول الإسلامية [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز العمل في البنوك الموجودة في الدول الإسلامية والتي تتعامل بالربا؟ زوجي يعمل في أحد البنوك التي تتعامل بالربا، وهو يعمل كمشغل برامج تتعلق بإدارة تكنولوجيا المعلومات، وعمله الأساسي هو ضمان عمل جميع أنظمة الكمبيوتر بشكل صحيح، وتشغيل البرامج الجديدة، وتقديم المساعدة لموظفي البنك. وأنا أعلم أن الفوائد محرمة، وأنها من المعاصي الكبيرة، ولكنني سمعت أراءً كثيرة عن العمل في البنوك، منها أني سمعت بعضهم يقول: (إذا كان عملك لا يرتبط مباشرة بالفوائد، وكان للبنك مصادر للدخل أخرى (غير الفوائد) ، فعندها يجوز العمل في البنك) . وهذا هو مصدر الدخل الوحيد الذي نعيش عليه حتى الآن. فأرجو أن تخبرني ما إذا كان دخلنا من هذه الوظيفة حراماً أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نسأل الله أن يجزيك خيرا على حرصك وتحريك لمعرفة الحق، وأن يوفق زوجك للعمل المباح الذي لا إثم فيه. اعلمي أنه لا يجوز العمل في البنوك الربوية مطلقا، لما في ذلك من أكل الربا، أو كتابته، أو الشهادة عليه، أو إعانة من يقوم بذلك. وقد أفتى كبار أهل العلم بتحريم العمل في البنوك الربوية، ولو كان العمل فيما لا يتصل بالربا كالحراسة، والنظافة، والخدمة. ونحن ننقل إليك بعض فتاويهم مع التنبيه على أن عمل زوجك له اتصال قوي بالربا وتسجيله وتوثيقه، لأنه حسب قولك: عمله الأساسي هو ضمان عمل جميع أنظمة الكمبيوتر بشكل صحيح وتشغيل البرامج الجديدة ومساعدة موظفي البنك. جاء في فتاوى اللجنة الدائمة 15/41: (لا يجوز لمسلم أن يعمل في بنك تعامله بالربا، ولو كان العمل الذي يتولاه ذلك المسلم غير ربوي؛ لتوفيره لموظفيه الذين يعملون في الربويات ما يحتاجونه ويستعينون به على أعمالهم الربوية، وقد قال تعالى: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الأِثْمِ وَالْعُدْوَان) المائدة / 2) . وسئلت اللجنة الدائمة (15/38) : ما حكم العمل في البنوك الحالية؟ فأجابت: (أكثر المعاملات المصرفية الحالية يشتمل على الربا، وهو حرام بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، وقد حكم النبي صلى الله عليه وسلم بأن من أعان آكل الربا وموكله بكتابة له، أو شهادة عليه وما أشبه ذلك؛ كان شريكا لآكله وموكله في اللعنة والطرد من رحمة الله، ففي صحيح مسلم وغيره من حديث جابر رضي الله عنه: " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه " وقال: "هم سواء". والذين يعملون في البنوك المصرفية أعوان لأرباب البنوك في إدارة أعمالها: كتابة أو تقييدا أو شهادة، أو نقلا للأوراق أو تسليما للنقود، أو تسلما لها إلى غير ذلك مما فيه "إعانة للمرابين، وبهذا يعرف أن عمل الإنسان بالمصارف الحالية حرام، فعلى المسلم أن يتجنب ذلك، وأن يبتغي الكسب من الطرق التي أحلها الله، وهي كثيرة، وليتق الله ربه، ولا يعرض نفسه للعنة الله ورسوله. وسئلت اللجنة الدائمة (15/55) : (أ- هل العمل في البنوك خصوصا في الدول الإسلامية حلال أم حرام؟ ب- هل هناك أقسام معينة في البنك حلال كما يتردد الآن وكيف ذلك إذا كان صحيحا؟) فأجابت: (أولا: العمل في البنوك التي تتعامل بالربا حرام، سواء كانت في دولة إسلامية أو دولة كافرة؛ لما فيه من التعاون معها على الإثم والعدوان الذي نهى الله سبحانه وتعالى عنه بقوله: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2. ثانيا: ليس في أقسام البنك الربوي شيء مستثنى فيما يظهر لنا من الشرع المطهر؛ لأن التعاون على الإثم والعدوان حاصل من جميع موظفي البنك) . وسئلت اللجنة الدائمة (15/18) : (ما حكم العمل كمهندس صيانة في إحدى شركات الأجهزة الإلكترونية والتي تتعامل مع بعض البنوك الربوية، تقوم الشركة ببيع الأجهزة (حاسب آلي، ماكينات تصوير، تليفونات) للبنك، وتكلفنا كمهندسي صيانة بالذهاب للبنك لصيانة هذه الأجهزة بصفة دورية، فهل هذا العمل حرام على أساس أن البنك يقوم بإعداد حساباته وتنظيم أعماله بهذه الأجهزة، وبذلك فنحن نعينه على المعصية؟) فأجابت: (لا يجوز لك العمل في الشركات على الوصف الذي ذكرت لما فيه من التعاون على الإثم والعدوان) . وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة أيضاً (15/48) : (البنوك التي تتعامل بالربا لا يجوز للمسلم أن يشتغل فيها، لما فيه من إعانة لها على التعامل بالمعاملات الربوية، بأي وجه من وجوه التعاون من كتابة وشهادة وحراسة وغير ذلك من وجوه التعاون، فإن التعاون معها في ذلك تعاون على الإثم والعدوان، وقد نهى الله عنه بقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة /2. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجوز العمل في مؤسسة ربوية كسائق أو حارس؟ فأجاب: (لا يجوز العمل بالمؤسسات الربوية ولو كان الإنسان سائقا أو حارسا، وذلك لأن دخوله في وظيفة عند مؤسسات ربوية يستلزم الرضى بها، لأن من ينكر الشي لا يمكن أن يعمل لمصلحته، فإذا عمل لمصلحته فإنه يكون راضيا به، والراضي بالشيء المحرم يناله من إثمه. أما من كان يباشر القيد والكتابة والإرسال والإيداع وما أشبه ذلك فهو لا شك أنه مباشر للحرام. وقد ثبت من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه وقال: هم سواء) انتهى من كتاب " فتاوى إسلامية " (2/401) . إلى غير ذلك من الفتاوى المشهورة المعلومة التي تحرم العمل في البنوك الربوية، مهما كان نوع العمل، وعليه فالواجب على زوجك أن يتوب إلى الله تعالى مما سبق، وأن يترك هذا العمل مستعينا بالله متوكلا عليه موقنا أن الرزق من عنده سبحانه: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق / 2، 3. نسأل الله أن يغنينا بحلاله عن حرامه. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 26771 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5295 استخدام بطاقة الفيزا للضرورة [السُّؤَالُ] ـ[أعلم أن استخدام بطاقة (فيزا كارد) وما شابهها من الأشياء التي لها حساب يعتبر ربا. لكن هل البطاقة التي تدفع رصيدها شهرياً وليس لها فائدة يعتبر ربا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تكرر هذا السؤال من قبل برقم (3402) ، وفيه: : " بطاقة الفيزا تشتمل على شرط ربوي إذا تأخرت عن التسديد جعلوا عليّ غرامة لكن المكان الذي أقيم فيه في أمريكا لا يمكن لي أن أستأجر سيارة ولا محلا وكثير من الخدمات العامة لا تمكن إلا ببطاقة الفيزا وإذا لم أتعامل بها أقع في حرج كبير لا أطيقه، فهل التزامي بالتسديد في وقت معين حتى لا يصبح عليّ ربا يبيح لي التعامل بهذه البطاقة في وضع الحرج الذي أعيش فيه؟ فأجاب – حفظه الله – بما يلي: إذا كان الحرج متيقنا واحتمال التأخير عن التسديد ضعيف، فأرجو أن لا يكون فيها بأس. انتهى كلام الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله فيلاحظ الشرطان في الإجابة، وهما: وجود الحرج، وأنه لا مناص من استخدامها. والثاني: أن يلتزم بالتسديد ولا يتأخر. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 7030 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5296 هل يأخذ المال الذي جاءه من شركة يانصيب؟ [السُّؤَالُ] ـ[عرفت مؤخراً بأن المال الذي حصلت عليه لمساعدتي في الدراسة هو من شركة اليانصيب، هل يجوز أن أقبل هذا المال؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان هذا المال هو مساعدة مجرَّدة ولا يترتب عليه شرط في العمل عندهم – مثلاً – أو الدعاية لهم والتزكية لأعمالهم: فإنه ليس هناك مانع من قبول هذا المال وأخذه، فالمال الحرام لكسبه يجوز الاستفادة منه وتملكه إذا انتقل بصورة شرعيَّة. قال الشيخ ابن عثيمين حفظه الله: ... وقال آخرون: ما كان محرما لكسبه؛ فإنما إثمه على الكاسب لا على مَن أخذه بطريق مباح مِن الكاسب، بخلاف ما كان محرَّماً لعينه كالخمر والمغصوب ونحوهما، وهذا القول وجيه قوي، بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم اشترى مِن يهودي طعاماً لأهله – رواه البخاري (1954) ومسلم (3007) -، وأكل مِن الشاة التي أهدتها له اليهودية بخيبر، وأجاب دعوة اليهودي – رواه أحمد (3/ 210) -. ومِن المعلوم أن اليهود معظمهم يأخذون الربا ويأكلون السحت، وربَّما يقوِّي هذا القول قوله صلى الله عليه وسلم في اللحم الذي تُصدِّق به على بريرة " هو لها صدقة ولنا منها هدية " – رواه البخاري (1398) ومسلم (2764) -. " القول المفيد شرح كتاب التوحيد " (3 / 138، 139) . وللمزيد: يرجى مراجعة جواب السؤال رقم (4820) . وننبِّه على أنه لا يجوز للمسلم البقاء في بلاد الكفر، ولا الدراسة في مكان مختلط لما في ذلك من الوقوع في محاذير شرعيَّة متعددة. وللمزيد: يرجى مراجعة أجوبة السؤالين: (2956) و (10338) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20952 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5297 تحريم حسم الديون [السُّؤَالُ] ـ[بعض التجار يكون له ديون مؤجلة على العملاء فيذهب إلى أحد البنوك ويبيع له الكمبيالة بمبلغ أقل من المبلغ الموجود بها ويقوم البنك بتحصيلها لنفسه في موعدها. فما حكم هذا العمل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه المعاملة معروفة في البنوك باسم (حسم الديون) . وهي من المعاملات المحرمة وهي صورة من صور الربا. لأنه يبيع –مثلاً- كمبيالة فيها دين بألف ريال موعد سدادها بعد شهر، يبيعها للبنك بتسعمائة ريال حاضرة. وهذا ربا، وقد اجتمع في هذه المعاملة المحرمة ربا النسيئة والفضل معاً، لأنه باع نقدا حاضرا بنقد مؤجل من جنسه مع الزيادة. وبيع النقد بالنقد إذا كانا من جنسين فالواجب التقابض في مجلس العقد، فإن كان النقدان من جنس واحد فالواجب التساوي والتقابض. وهذا ما لا يوجد في هذه المعاملة. فيجتمع فيها ربا الفضل لعدم التساوي، وربا النسيئة لعدم التقابض. وقد سئلت اللجنة الدائمة عن ذلك فقالت: (بيع الكمبيالة للبنك بفائدة يدفعها البائع للبنك مقابل تسديده المبلغ ويتولى البنك استيفاء ما في الكمبيالة من مشتري البضاعة حرام لأنه ربا) اهـ فتاوى البيوع (ص 352) . ومن قرارات المجمع الفقهي: إن حسم (خصم) الأوراق التجارية غير جائز شرعاً، لأنه يؤول إلى ربا اهـ والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 14098 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5298 العمل في شركة تبيع الذهب بالدين [السُّؤَالُ] ـ[أعمل في شركة كبيرة لصياغة وتجارة الذهب وطبيعة عملي كمندوب مبيعات، لكن هذه الشركة تقوم ببيع الذهب بالدَّيْن، ولكن تثبيت سعر الذهب عند الدفع (سعر السوق عند الدفع) أي أن الزبون الذي يأخذ 1كيلو من الذهب يكون مدينا بكيلو بالإضافة للأجور، وعندما يدفع إما أن يدفع كيلو ذهب سبائك بالإضافة للأجور أو نقدا سعر الكيلو وقت الدفع + الأجور، كما أننا نبيع الذهب المصاغ وهو يحتوي على أحجار الزركون بسعر الذهب، علما أنه ظاهر للعيان ويعرف الزبون بهذا الأمر , فما حكم البيع وما حكم عملي في هذه الشركة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: نسأل الله تعالى أن يبارك لك في مالك، وأن يجزيك خيرا على سؤالك وتحريك للرزق الحلال. ثانيا: اشتمل سؤالك على أربع مسائل: المسألة الأولى: بيع الذهب مؤجلا أو بالدين، وصورتها كما ذكرت، أن يأخذ الزبون الذهب، ثم يدفع بعد ذلك ذهبا مثله، أو نقودا، أو ذهبا ونقودا، وكل ذلك لا يجوز؛ لأن من شرط بيع الذهب بالذهب أو بالنقود أن يكون يدا بيد، ولا يجوز تأخير شيء من البدلين عن مجلس العقد، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) رواه مسلم (2970) من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه. فبيع الذهب بالذهب: لا بد فيه من شرطين: التساوي في المقدار، والتقابض في مجلس العقد. وبيع الذهب بالفضة أو بما يقوم مقامها كالنقود، لا بد فيه من شرط وهو التقابض في مجلس العقد، وأما تأخير السداد عن المجلس فربا نسيئة محرم، وقد يكون ربا فضل أيضا إذا كان سيدفع ذهبا أكثر، أو ذهبا مساويا مع نقود زائدة. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة: إذا باع إنسان مصاغا من الذهب لآخر، وليس مع المشتري بعض القيمة أو كل القيمة، ولا بعد أيام أو شهر أو شهرين فهل هذا جائز أو لا؟ فأجابوا: " إذا كان الثمن الذي اشترى به مصاغ الذهب ذهبا أو فضة أو ما يقوم مقامهما من الأوراق النقدية أو مستنداتها لم يجز، بل هو حرام؛ لما فيه من ربا النسأ. وإن كان الشراء بعروض كقماش أو طعام أو نحوهما جاز تأخير الثمن " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/466) . وانظر السؤال رقم (22869) ، ورقم (65919) لمزيد الفائدة. المسألة الثانية: وأما بيع الذهب بذهب مع دفع أجرة للتصنيع فهذا حرام، والواجب في بيع الذهب بالذهب التقابض في مجلس العقد، والتماثل في الوزن، بقطع النظر عن صناعة كل صنف. وانظر جواب السؤال (74994) . المسألة الثالثة: بيع الذهب المحتوي على أحجار الزركون بسعر الذهب: وهذا فيه تفصيل: فإن كان يباع بفضة أو بنقود ورقية، فلا حرج في ذلك، ما دام أنه ظاهر للعيان والمشتري يعلم ذلك، كما ذكرت. وإن كان يباع بذهب، فلابد من فصل الفصوص حتى يعلم قدر الذهب الذي فيه، ويتحقق من مساواة الذهب للذهب. وانظر جواب السؤال رقم (36762) المسألة الرابعة: حكم العمل في هذه الشركة: وهو مبني على ما سبق، فحيث كانت الشركة تتعامل بالربا ولا تتقيد بأحكام الشرع، فلا يجوز العمل فيها، لما في ذلك من ارتكاب الحرام أو الإعانة عليه. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم العمل عند أصحاب محلات الذهب الذين يتعاملون بمعاملات غير مشروعة سواء كانت ربوية أو حيلا محرمة أو غشا أو غير ذلك من المعاملات التي لا تشرع؟ فأجاب: " العمل عند هؤلاء الذين يتعاملون بالربا أو الغش أو نحو ذلك من الأشياء المحرمة، محرم لقول الله تعالى: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2، ولقوله: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) النساء/140. ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ) والعامل عندهم لم يغير لا بيده ولا بلسانه ولا بقلبه، فيكون عاصيا للرسول صلى الله عليه وسلم ". انتهى من "فقه وفتاوى البيوع" (ص 392) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 72404 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5299 ماذا يفعل بالجائزة التي ربحها من البنك؟ [السُّؤَالُ] ـ[من ربح جائزة من بنك وكان حسابه " توفير " وبدون فائدة والجائزة هي سيارة , هل حلال أم حرام؟ وماذا يفعل من ربح وكيف يتصرف بهذه السيارة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا كان البنك ربويا، فإنه لا يجوز الإيداع فيه إلا عند الضرورة، كأن يخاف على ماله، ولا يوجد بنك إسلامي، أو محل لحفظ النقود في بلده، فيجوز الإيداع حينئذ بلا فوائد. جاء في قرار مجمع الفقه برابطة العالم الإسلامي المنعقد بمكة سنة 1406 هـ ما يلي: " يحرم على كل مسلم يتيسر له التعامل مع مصرف إسلامي أن يتعامل مع المصارف الربوية في الداخل أو الخارج؛ إذ لا عذر له في التعامل معها مع وجود البديل الإسلامي، ويجب عليه أن يستعيض عن الخبيث بالطيب، ويستغني بالحلال عن الحرام " انتهى. نقلا عن "حكم ودائع البنوك" للدكتور علي السالوس ص (136) . وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/346) : " لا يجوز إيداع النقود ونحوها في البنوك الربوية ونحوها من المصارف والمؤسسات الربوية، سواء كان إيداعها بفوائد أو بدون فوائد؛ لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان، وقد قال تعالى: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) ، إلا إذا خيف عليها من الضياع، بسرقة أو غصب أو نحوهما، ولم يجد طريقا لحفظها إلا إيداعها في بنوك ربوية مثلا، فيرخص له في إيداعها في البنوك ونحوها من المصارف الربوية بدون فوائد , محافظةً عليها؛ لما في ذلك من ارتكاب أخف المحظورين " انتهى. ثانيا: تلجأ بعض البنوك والمؤسسات الربوية إلى الحيلة، ليروج أمرها على الناس، فلا تعلن عن فوائد ربوية، وإنما تضع جوائز، يتم السحب عليها أو تُوزع بالقرعة في نهاية السنة أو كل ستة أشهر، ويكثر تداول هذه الطريقة فيما يسمى بشهادات الادخار أو الاستثمار، وهذه الحيلة لا تجعل الحرام حلالا، فإن البنك لا يوزع الجوائز من ماله، وإنما هي فوائد الربا، يوزعها بهذه الطريقة، بدلا من توزيعها على جميع العملاء، وهي طريقة تجمع بين الربا والميسر. قال الدكتور علي السالوس في كتابه: "معاملات البنوك الحديثة في ضوء الإسلام" ص (38) : " وإذا كان البنك الربوي قد صنف الشهادات أصنافا ثلاثة، فجعل الأولى غير الثانية بقصد جذب أكبر عدد ممكن، فإنه في المجموعة الأخيرة خطا خطوة أبعد، فجاء إلى مجموع الربا، ثم قسمه إلى مبالغ مختلفة لتشمل عددا أقل بكثير جدا من عدد المقرضين، ثم لجأ إلى توزيع هذه المبالغ المسماة بالجوائز عن طريق القرعة! وبهذا ربما نجد صاحب قرض ضئيل يأخذ آلاف الجنيهات، على حين نجد صاحب الآلاف قد لا يأخذ شيئا. فالأول أخذ نصيبه من الربا ونصيبَ مجموعةٍ كبيرة غيره، والثاني ذهب نصيبه لغيره، وفي كل مرة يتم التوزيع يترقبه المترقبون، يخرج هذا فرحا بما أصاب، ويحزن ذلك لما فاته، وهكذا في انتظار مرة تالية، أليس هذا هو القمار؟ فالبنك الربوي لجأ إلى المقامرة بالربا! فمن لم يُغره نصيبه من الربا في المجموعتين، فليقامر بنصيبه في المجموعة الثالثة ... ألا يمكن إذن أن تكون المجموعة (ج) أسوأ من أختيها؟ " انتهى. وسئل علماء اللجنة الدائمة: بعض البنوك التجارية تقوم بوضع جوائز مثل: سيارات أو بيوت جاهزة لمن يفتح في البنك حساب توفير لحفظ أمواله، وتعمل قرعة بين زبائن البنك، ثم يفوز بالجائزة أحد الزبائن. فما حكم هذه الجائزة سواء كانت عينية أو مادية؟ فأجابوا: " إذا كان الأمر كما ذكر، فإن هذه الجوائز غير جائزة؛ لأنها فوائد ربوية مقابل إيداع الأموال في البنوك الربوية، وتغيير الأسماء لا يغير الحقائق " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (15/196) . ثالثا: إذا تقرر أن هذه الجوائز التي يوزعها البنك الربوي هي عين الفائدة الربوية، فإن من أخذ شيئاً منها وجب عليه أن يتخلص منه بإنفاقه في وجوه البر، مع ضرورة سحب الأموال من البنك الربوي إلا في حالة الضرورة التي سبق بيانها. جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/354) : " الفوائد الربوية من الأموال المحرمة، قال تعالى: (وأحل الله البيع وحرم الربا) ، وعلى من وقع تحت يده شيء منها التخلص منها بإنفاقها فيما ينفع المسلمين، ومن ذلك: إنشاء الطرق , وبناء المدارس , وإعطاؤها الفقراء ... " انتهى. رابعاً: الأموال التي تودع في البنوك , ويسمونها "ودائع" أو "حساب جاري" أو غير ذلك من الأسماء , هي في حقيقتها قرض من صاحب المال للبنك , وإذا كان الأمر كذلك , فلا يجوز لصاحب القرض أن يأخذ من المقترض أي منفعة مقابل القرض , فقد أجمع العلماء على أن كل قرض جَرَّ نفعاً فهو محرم. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (6/436) : " وكل قرض شرط فيه أن يزيده , فهو حرام , بغير خلاف. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المسلف إذا شرط على المستسلف زيادة أو هدية , فأسلف على ذلك , أن أخذ الزيادة على ذلك ربا. وقد روي عن أبي بن كعب , وابن عباس , وابن مسعود , أنهم نهوا عن قرض جر منفعة " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 72413 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5300 النظام المالي الإسلامي [السُّؤَالُ] ـ[عرفت أن طريقة تداول الأموال في الإسلام لا يدخل فيها تعامل الربا، ولكن بعدما درست طريقة التعامل المالي في الإسلام، لاحظت بأن الربا مازال موجوداً. ولهذا فهل تستطيع توضيح ما إذا كان الربا مستخدماً في النظام المالي الإسلامي. ]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الربا محرم في الإسلام تحريما مغلظا، وقد ذم الله فاعله، وآذنه بالحرب، وأخبر عن سوء عاقبته يوم القيامة فقال: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) البقرة / 275،276، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة / 278،279. وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: هم سواء. رواه مسلم (1598) من حديث جابر رضي الله عنه. وقال صلى الله عليه وسلم " درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله من ستة وثلاثين زنية " رواه أحمد والطبراني، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 3375 إلى غير ذلك من النصوص الدالة على عظم شأن هذه الجريمة وقبحها. فالنظام المالي الإسلامي لا يقر معاملة تشتمل على الربا، بل إن الشريعة جاءت بمنع بعض المعاملات سدا لذريعة الوقوع في الربا. ثانياً: البنوك الموجودة الآن هي بنوك ربوية إلا ما ندر وكون البنك موجوداً في بلاد المسلمين لا يعني أنه بنك إسلامي، والغالب على هذه البنوك أنها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالبنوك اليهودية والصليبية في الخارج، وهذا واقع مؤسف أن تجد بلاد المسلمين التي تشتمل على أكثر من مليار مسلم لا يوجد فيها بنك إسلامي يسلم من الربا، إلا بعض المؤسسات المعدودة. فالواجب على أهل الحل والعقد من المسلمين أن يولوا هذا الموضوع حقه وأن يقوموا بإنشاء نظام مصرفي إسلامي مستقل، فعلماؤهم موجودون والأيدي العاملة متوافرة، ورؤوس الأموال كبيرة ولله الحمد. ثالثاً: النظام المالي الإسلامي الصحيح نظام خال من الربا، لأنه نظام مستمد من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقولك في السؤال لاحظت أن في التعامل المالي في الإسلامي فهذا يحتاج منك إلى زيادة بيان لهذه التعاملات الربوية التي لاحظتها، ولعلك ظننت في بعض المعاملات أنها ربوية وهي ليست كذلك. نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين، وأن يوفق ولاة الأمور لما فيه الخير والصلاح والحمد لله رب العالمين والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20720 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5301 أخذ الفائدة الربوية، وتعويض الخسارة بالربا [السُّؤَالُ] ـ[لدي مبلغ بسيط في حساب توفير في البنك ويعطونني عليه نسبة ربوية، أنا الآن أحاول إغلاقه، ساهمت في الماضي في بعض الأسهم البنكية ولم أكن أدري بأن هذا لا يجوز، وقد انخفضت قيمة هذه الأسهم، فهل يجوز أن أعوض قيمة الخسارة في الأسهم من الربح الذي حصلت عليه في حساب التوفير؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب على من تاب من الربا أن لا يأخذ إلا رأس ماله فقط، لقول الله تعالى: (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة /279. وما زاد على ذلك فلا يحل له أخذه، فإن أخذه وجب عليه التخلص منه بإنفاقه في وجوه الخير والبر. وفي السؤال هنا أمران غير متداخليْن يجب الفصل بينهما، وهما: الفائدة الربوية المأخوذة، وتعويض الخسارة في قيمة الأسهم من هذه الفوائد. أما المسألة الأولى: وهي وضع الأموال في البنك الربوي وأخذ المال الزائد عن رأس المال، فقد قال علماء اللجنة الدائمة: "الأرباح التي يدفعها البنك للمودعين على المبالغ التي أودعوها فيه تعتبر ربا، ولا يحل له أن ينتفع بهذه الأرباح، وعليه أن يتوب إلى الله من الإيداع في البنوك الربويَّة، وأن يسحب المبلغ الذي أودعه وربحه، فيحتفظ بأصل المبلغ وينفق ما زاد عليه في وجوه البر من فقراء ومساكين وإصلاح مرافق ونحو ذلك" اهـ. "فتاوى إسلاميَّة" (2 / 404) . وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: "أما ما أعطاك البنك من الربح: فلا ترده على البنك ولا تأكله، بل اصرفه في وجوه البر كالصدقة على الفقراء، وإصلاح دورات المياه، ومساعدة الغرماء العاجزين عن قضاء ديونهم" اهـ. "فتاوى إسلامية" (2 / 407) . وأما المسألة الثانية: وهي تعويض الخسارة من قيمة الأسهم من المال الربوي: فلا يجوز هذا الفعل؛ وذلك لما سبق من أن هذا المال الربوي لا يحل لك أخذه ولا الانتفاع به. وعلى صاحب الأسهم تحمل خسارة قيمة الأسهم من ماله، وليس له تعويض خسارته من مالٍ كسبه من حرام. وكونه دخل في هذه المعاملة وهو جاهل بتحريمها، هذا يرفع عنه الإثم، ويعذر بعدم علمه، ولكن لا يكون ذلك سبباً لإباحة الانتفاع بالمال الربوي في تعويض تلك الخسارة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] Islam Q&A; الحديث: 20876 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5302 هل يجوز له أن يرث عقارا اشتري بقرض ربوي؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمسلم أن يرث عقارا تم شراؤه بقرض ربوي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من اقترض قرضاً ربوياً، ثم اشترى به عقاراً، فإنه إذا مات، صار العقار من جملة تركته التي تورث عنه، وقد أثم بتعامله الربوي. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (ما حَرُمَ لكسبه فهو حرام على الكاسب مثل الربا، فإذا مات الإنسان الذي كان يتعامل بالربا فماله حلال لورثته. أما ما حُرِّم لعينه كالخمر فذلك حرام على الناقل ومن ينتقل إليه. وكذلك ما كان محرماً قد بقي فيه التحريم مثل المغصوب والمسروق. فلو أن إنساناً سرق مالاً ثم مات فإنه لا يحل للوارث، ثم إن كان يعلم صاحبه أعطاه إياه وإلا تصدق به عنه) انتهى من: لقاءات الباب المفتوح 1/304 وأفتت اللجنة الدائمة فيمن بنى منزلا بقرض ربوي أنه تلزمه التوبة والاستغفار، ولا يلزمه هدم المنزل، بل ينتفع به بالسكنى وغيرها. (فتاوى اللجنة الدائمة 13/411) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20709 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5303 دفع ثمن أرض ولم تتم المعاملة فهل يستوفي ما دفعه أم قيمتها حاليّاً؟ [السُّؤَالُ] ـ[اشترى خالي قطعة أرض من شخص اسمه حسين، حدث هذا منذ تسع سنوات، ثم تبين فيما بعد أن حسين قد باع قطعة أرض ملك لأبناء أخيه، لا نعرف إن كان حقا فعل ذلك عن طريق الخطأ أم متعمداً، المهم: أن خالي يريد أن يسترد ماله لأن حسين لم يعد بوسعه التعويض العيني، حسين يقول له إنه مستعد أن يرد له ماله، لكن المبلغ نفسه الذي دفعه رغم القيمة العينية تتعدى بكثير المبلغ بسبب التضخم المالي فما كان قيمته ثلاثة آلاف يساوي الآن تقريبا عشرة آلاف دينار، والأرض في حد ذاتها تضاعفت قيمتها. فما حكم الإسلام في هذا الأمر هل يرد له المبلغ نفسه، أم يرد له قيمة الأرض؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز لأحدٍ من الناس أن يبيع ما لا يملك، فإن فعل فبيعه باطل، وما حصل من بائع الأرض من بيعه ما يملكه أبناء أخيه هو من هذا الباب، والواجب عليه التوبة والاستغفار. ولخالك – المشتري – في ذمة هذا البائع المبلغ الذي دفعه، بغض النظر عن تغير العملة واختلاف قوتها الشرائية، وبغض النظر عن ارتفاع قيمة الأرض؛ لأن المبلغ الذي دفعه خالك صارَ ديْناً في ذمة ذلك البائع، والواجب رد المبلغ نفسه. وفي القرار رقم: 42 (4 / 5) بشأن تغير قيمة العملة، قال "مجلس مجمع الفقه الإسلامي": "العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ما: هي بالمثل وليس بالقيمة؛ لأن الديون تُقضى بأمثالها، فلا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة، أيا كان مصدرها، بمستوى الأسعار" انتهى. مجلة " المجمع " (عدد 5، ج3 ص 1609) . وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: "يجب على المقترض أن يدفع الجنيهات التي اقترضها وقت طلب صاحبها، ولا أثر لاختلاف القيمة الشرائية، زادت أو نقصت" انتهى. " فتاوى اللجنة الدائمة " (14 / 146) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 70477 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5304 حكم بطاقات " كاش يو " [السُّؤَالُ] ـ[ظهر في الآونة الأخيرة بطاقات للشراء عن طريق الإنترنت مدفوعة مسبقا وتسمى " كاش يو " , وطريقتها كالتالي: 1. تشتري أولا بطاقة تأسيس ب 55 ريال لفتح حساب. 2. بعدها تستطيع شراء بطاقات مختلفة الأسعار وذلك لتعبئة حسابك، فمثلا هناك بطاقات بـ 10 دولار تشتريها بـ 42 ريال، وهناك بطاقات بـ 30 و 50 دولار إلى 300 دولار. 3. مدة صلاحية البطاقة سنة، وبعدها لا تستطيع استخدام البطاقة حتى لو بقي بها مبلغ من المال إلا إذا دفعت رسم التجديد ومقداره 10 دولار. ولمزيد من المعلومات يمكن الرجوع إلى موقع الشركة على الإنترنت www.cashu.com أفتونا في هذا الأمر، وجزاكم الله خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الذي يظهر لنا في هذه البطاقات هو جواز شرائها والشراء بها، بشرط أن لا يُشترى بها ما يشترط فيه التقابض كشراء العملات المختلفة وشراء الذهب والفضة؛ فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن شراء الذهب والفضة إلا يداً بيدٍ، والأوراق المالية لها حكم الذهب والفضة في التقابض. فعن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثلٍ، سواءً بسواء، يداً بيدٍ، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيدٍ ". رواه مسلم (1587) . وفي قرار للمجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي: "أ. لا يجوز بيع الورق النقدي بعضه ببعض أو بغيره من الأجناس النقدية الأخرى من ذهب أو فضة أو غيرهما نسيئة مطلقا، فلا يجوز مثلا بيع ريال سعودي بعملة أخرى متفاضلا نسيئة بدون تقابض. ب. لا يجوز بيع الجنس الواحد من العملة الورقية بعضه ببعض متفاضلا سواء أكان ذلك نسيئة أم يداً بيدٍ، فلا يجوز مثلا بيع عشرة ريالات سعودية ورقا بأحد عشر ريالا سعوديا ورقا نسيئة أو يدا بيد. ج. يجوز بيع بعضه ببعض من غير جنسه مطلقا إذا كان ذلك يدا بيد، فيجوز بيع الليرة السورية أو اللبنانية بريال سعودي ورقا كان أو فضة أو أقل من ذلك أو أكثر، وبيع الدولار الأمريكي بثلاثة ريالات سعودية أو أقل من ذلك أو أكثر إذا كان ذلك يدا بيد، ومثل ذلك في الجواز بيع الريال السعودي الفضة بثلاثة ريالات سعودية ورق أو أقل من ذلك أو أكثر يدا بيد، لأن ذلك يعتبر بيع جنس بغير جنسه، ولا أثر لمجرد الاشتراك في الاسم مع الاختلاف في الحقيقة" انتهى. " مجلس المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي " (فتوى رقم 59) . ثانياً: انتهاء مدة البطاقة دون استعمالها لا يجعلها غير مباحة؛ لأن التفريط وقع من صاحبها فهو بمنزلة استئجار سيارة أو شقة وعدم استعمالهما في المدة المستأجرة. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 70279 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5305 التوفير في مكتب البريد وكيفية إخراج الزكاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[لدي مبلغ من المال في مكتب البريد لم يبلغ النصاب وذهبت إلى بنك إسلامي ووضعت مبلغاً من المال، فكيف أحسب الزكاة - مع العلم عند جمع المبلغيْن يبلغ المبلغ النصاب -؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يجوز وضع المال في مكاتب البريد، ولا في البنوك الربوية التي تأكل الربا وتوكله للمودعين، ولا يخلو المودع فيهما من هذا، فهو إما أن يكون آكلاً أو موكلاً للربا أو جامعاً بينهما. عن أبي جحيفة رضي الله عنه قال: (لعن النبي صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله) . رواه البخاري (5032) . ثانياً: من ملَك نقوداً تبلغ النصاب – ولو كانت متفرقة، بعضها في مكان وبعضها في مكان آخر- وجب عليه إخراج زكاتها إذا مَرَّ عليها الحول، ويبدأ حساب الحول من يوم بلوغ المال النصاب، فإذا تمت سنة هجرية أخرج الزكاة، وقيمتها ربع العشر (2.5 بالمئة) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 70315 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5306 الفرق بين الأسهم والسندات [السُّؤَالُ] ـ[نعلم أن الأسهم تجب فيها الزكاة، فهل السندات أيضاً عليها زكاة؟ وكيف تحسب زكاتها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: أما زكاة الأسهم فقد سبق في السؤال (69912) تفصيل القول في زكاتها، وأن من الأسهم ما تجب فيه الزكاة، ومنها ما لا تجب فيه الزكاة. وأما السندات فهي غير الأسهم. فالسند هو تعهد مكتوب بمبلغ من الدَّين (قرض) لحامله في تاريخ معين نظير فائدة مقدرة. أما السهم فهو نصيب الشريك في رأس مال شركة مساهمة. ومن هذين التعريفين يتبين الفرق بين الأسهم والسندات. الفرق بين السهم والسند: 1- السهم يمثل حصة في الشركة بمعنى أن صاحبه شريك , أما السند فهو يمثل دَيْناً على الشركة , بمعنى أن صاحبه مقرض أو دائن. وبناءاً على هذا , لا يحصل صاحب السهم على الأرباح إلا حين تحقق الشركة أرباحاً فقط , أما صاحب السند فيتلقى فائدة ثابتة سنوياً سواء ربحت الشركة أم لا. وبناءاً على هذا أيضاً: إذا خسرت الشركة فإن صاحب السهم يتحمل جزءاً من هذه الخسارة حسب الأسهم التي شارك بها , لأنه شريك ومالك لجزء من الشركة , فلابد من تحمله جزءاً من الخسارة , أما صاحب السند فلا يتحمل شيئاً من خسارة الشركة لأنه ليس شريكاً فيها , وإنما هو مقرض فقط، مقابل فائدة متفق عليه سواء ربحت الشركة أم خسرت. حكم التعامل بالسندات: التعامل بالسندات محرم شرعاًَ , لأنها قرض مقابل فائدة متفق عليها، وهذا هو الربا الذي حرمه الله تعالى وتوعد عليه بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278، 279. وقد لعن الرسول صلى الله عليه وسلم أكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء. رواه مسلم (2995) . وجاء في المؤتمر الثاني للمصرف الإسلامي بالكويت عام 1403 هـ /1983 م: " أن ما يسمى بالفائدة في اصطلاح الاقتصاديين الغربيين ومن تابعهم هو عين الربا المحرم شرعاً " انتهى. "مجلة المجمع الفقهي" (4/1/732) . وانظر جواب السؤال (2143) . زكاة السندات: بالرغم من تحريم التعامل بالسندات فإن الزكاة واجبة فيها لأنها تمثل دَيْناً لصاحبها , والدَّيْن الذي يُرجى تحصيله تجب فيه الزكاة عند جمهور العلماء , فيحسب زكاته كل عام، ولكن لا يلزمه إخراجها إلا إذا قبض قيمة السند , أما الفائدة التي يأخذها مقابل السند فهي مال خبيث محرم، يجب عليه التخلص منه في أوجه البر المتنوعة. والقدر الواجب إخراجه من الزكاة هو 2.5 بالمائة. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69941 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5307 هل يجوز أخذ قرض من الصندوق الاجتماعي الحكومي؟ [السُّؤَالُ] ـ[تقدم الحكومة عندنا قرضا لشباب الخريجين عوضاً عن توظيفهم في الحكومة، فهل هذا القرض حلال أم حرام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اتفق العلماء على أن القرض إذا اشترط فيه أن يرده بزيادة فهو ربا محرم. قال ابن قدامة رحمه الله: " وكل قرضٍ شرَط فيه أن يزيده: فهو حرام , بغير خلاف، قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المسلِّف إذا شرَط على المستسلف زيادة أو هدية , فأسلف على ذلك: أن أخذ الزيادة على ذلك ربا. وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة " انتهى. "المغني" (4/211) . وقال ابن عبد البر: " وكل زيادة في سلف أو منفعة ينتفع بها المسلف فهي ربا , ولو كانت قبضة من علف , وذلك حرام إن كان بشرط " انتهى. "الكافي " (2/359) . وعليه: فإذا كان القرض ربويّاً وذلك بأن يشترط إرجاع المبلغ المقترض بزيادة: فإنه لا يجوز لكم أخذ هذا المبلغ؛ لأن العقد ربوي، ولا يخفى عليكم أن الربا من كبائر الذنوب، ويغنيكم الله عن هذا القرض وأشباهه. أما إن كانت هذه القروض قروضاً حسنة، وليست ربويَّة، فيُرجع المقترض مثل ما أخذ من غير زيادة، فلا حرج من أخذ هذا القرض والانتفاع به. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69973 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5308 حكم الذهاب للحج والعمرة والدفع بواسطة قروض الائتمان [السُّؤَالُ] ـ[انتشرت في الآونة الأخيرة إعلانات من شركات السياحة التي تقوم بتنظيم رحلات الحج والعمرة والتي تعلن فيها عن قيامها بتقسيط تكاليف الرحلات من باب التيسير على راغبي الحج والعمرة، ولاجتذاب أكبر قدر منهم خاصة في ظل حالة الكساد التي تمر بها العديد من الدول، وقلة السيولة المالية في أيدي مواطنيها، وقد أعلنت أيضا بعض الشركات عن قبول الدفع عن طريق كروت الائتمان. السؤال هو: ما حكم الشرع فيمن يحج ويعتمر بهذه الطريقة؟ وهل يصح الحج أو العمرة في هذه الحالة - خاصة أن بعض الفقهاء قد أفتى بجواز تمويل الحج عن طريق القروض التي تسدد على أقساط مناسبة كنوع من التيسير في ظل الارتفاع الشديد في تكاليف الرحلات -؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحج أحد أركان الإسلام، ومبانيه العظام، وهو فرض ثابت بكتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأجمع المسلمون على ذلك. قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) آل عمران/97. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْس: شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ) رواه البخاري (8) ومسلم (16) . ولا يجب الحج إلا على المستطيع، ومن الاستطاعة: القدرة المالية، والقدرة البدنية للسفر وأداء المناسك. ولا يكلف الإنسان بالاستدانة للحج؛ ولا يستحب له أن يفعل ذلك، فإن خالف واستدان فالحج صحيح إن شاء الله تعالى. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: بعض الناس يأخذ سلفيات من الشركة التي يعمل بها، يتم خصمها من راتبه بالتقسيط ليذهب إلى الحج، فما رأيكم في هذا الأمر؟ فأجاب: " الذي أراه أنه لا يفعل؛ لأن الإنسان لا يجب عليه الحج إذا كان عليه دَيْن، فكيف إذا استدان ليحج؟! فلا أرى أن يستدين للحج؛ لأن الحج في هذه الحال ليس واجباً عليه، ولذا ينبغي له أن يقبل رخصة الله وسعة رحمته، ولا يكلف نفسه دَيْناً لا يدري هل يقضيه أو لا؟ ربما يموت ولا يقضيه ويبقى في ذمته " انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (21/93) . أما إن كانت استدانته بقرض ربوي ليحج، فإن هذا من أكبر الكبائر. وتحريم الربا أشهر من أن يُستدل له. قال الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278، 279. وقال تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) البقرة/275. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ. رواه مسلم (1597) . فكيف يرضى مسلم أن يفعل كبيرة توعد الله تعالى بالحرب عليها من أجل أن يحج، وهو غير واجب عليه إذا لم يكن مستطيعاً. وقد سبق في جواب السؤال (20107) ، (11179) بيان تحريم القروض الائتمانية وأنها نوع من الربا. أما من حيث صحة الحج فإنه يصح ولو كان المال الذي يحج به حراماً، ولكنه ليس حجاً مبرورا. حتى قال بعض الأئمة: إذَا حَجَجْت بِمَالٍ أَصْلُهُ سُحْتٌ فَمَا حَجَجْت وَلَكِنْ حَجَّتْ الْعِيرُ لا يَقْبَلُ اللَّهُ إلا كُلَّ طَيِّبَةٍ مَا كُلُّ مَنْ حَجَّ بَيْتَ اللَّهِ مَبْرُورُ. و (العير) الدابة التي يركبها الحاج. (أي: الحمار) . انظر السؤال (34517) . قال النووي رحمه الله: إذا حج بمال حرام أو راكباً دابة مغصوبة أثم وصح حجه وأجزأه عندنا، وبه قال أبو حنيفة ومالك والعبدري، وبه قال أكثر الفقهاء. " المجموع " (7 / 40) . وسئل علماء اللجنة الدائمة: ما حكم من حج من مال حرام – يعني: فوائد بيع المخدرات - ثم يرسلون تذاكر الحج لآبائهم ويحجون، مع علم بعضهم أن تلك الأموال جمع من تجارة المخدرات، هل هذا الحج مقبول أم لا؟ . فأجابوا: كون الحج من مال حرام لا يمنع من صحة الحج، مع الإثم بالنسبة لكسب الحرام، وأنه ينقص أجر الحج، ولا يبطله. " فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (11 / 43) . وفي الباب حديث مشهور لكنه ضعيف: عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن حج بمال حرام فقال: لبيك اللهم لبيك، قال الله عز وجل: لا لبيك ولا سعديك وحجك مردود عليك) . قال ابن الجوزي: وهذا لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. " العلل المتناهية " (2 / 566) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65494 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5309 عليه دين ويريد أن يحج [السُّؤَالُ] ـ[لدي قرض من البنك وأريد أن اذهب للعمرة وأعلم أنني يجب أن أسدد ديوني كلها قبل أن اذهب للحج أو العمرة. فهل يمكن أن تخبرني بالطريقة الصحيحة والحدود في ذلك إسلاميا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إن كان هذا القرض ربوياً فهو محرم وكبيرة من كبائر الذنوب وموبقة من الموبقات السبعة وقد حرمته الأمم كلها حتى الإغريق عبدة الأوثان قال أحدهم واسمه صولون: المال كالدجاجة العقيمة فالدرهم لا يلد درهماً. وجاء في عقيدة النصارى أن آكل الربا لا يكفن إذا مات حتى اليهود فإنهم يحرمون الربا. وأما الإسلام فقد حرمه بما لا يدع مجالاً لأحد أن يشك في التحريم. قال الله تعالى {وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} البقرة / 275. وقال {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين} البقرة / 278. وأبي جحيفة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الدم وثمن الكلب وكسب الأمة ولعن الواشمة والمستوشمة وآكل الربا وموكله ولعن المصور. رواه البخاري (2123) . وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله. رواه مسلم (1597) . وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اجتنبوا السبع الموبقات قالوا يا رسول الله وما هن قال الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات ". رواه البخاري (2615) ومسلم (89) . وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم وعلى وسط النهر رجل بين يديه حجارة فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد الرجل أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه (أي فمه) فرده حيث كان فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان فقلت ما هذا فقال الذي رأيته في النهر آكل الربا. رواه البخاري (1979) . فالواجب عليك التوبة إلى الله من هذا العمل أما إن كان هذا القرض قرضاً حسناً لا يدخله الربا فلا بأس به. ثانياً: أما الحج: فالذي لا يستطيع أن ينفق على نفسه لضيق ذات اليد لا يجب عليه الحج، ولكن أي الأمرين أولى الحج أم سداد الديون؟ الراجح: أن الدَّين أولى لأن المدين لا يلزمه الحج إذ من شروط الحج الاستطاعة. فإن تعارض حجك مع قضاء الدين فقدِّم قضاء الدين، ولكن إن لم يتعارض كتأخر وقت السداد، أو صبر صاحب الدين على دينه فالصحيح أنه لا بأس بالحج أو العمرة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: يجوز أن يحج المدين المُعسر إذا حجّجه غيره ولم يكن في ذلك إضاعة لحق الدين إما لكونه عاجزاً عن الكسب وإما لكون الغريم غائباً لا يمكن توفيته من الكسب. " مجموع الفتاوى " (26 /16) . وذلك كله بشرط الاستطاعة التامة مع سداد ديون من يطالبك وقد حل الأجل للقضاء إن كنت مديناً لأكثر من دائن مع تيسر الراحلة والزاد وما يلزمك لإصلاح شأنك في السفر غير مضيع لعيالك أو من تجب عليك نفقتهم. بحيث تترك لهم ما يسد حاجتهم وإن لم تفعل فقد أثمت وضيعت من ألزمك الله رعايته. عن خيثمة قال: كنا جلوسا مع عبد الله بن عمرو إذا جاءه قهرمان له فدخل فقال أعطيت الرقيق قوتهم قال لا قال فانطلق فأعطهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كفى بالمرء إثما أن يحبس عمن يملك قوته ". صحيح مسلم (996) . وقد جاء عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت ". رواه أبو داود (1692) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 3974 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5310 التوبة من الاقتراض بالربا [السُّؤَالُ] ـ[لقد قمت بأخذ قرض من بنك وذلك لظروف مادية شديدة لأني أردت أن أجهز شقة الزوجية مع العلم بأن هذه الشقة لا يوجد بها أدنى أنواع التظاهر فهي شقة بسيطة جدا. وأنا مدرس وتم تحويل راتبي إلي هناك علي أن يخصم منه مبلغ كل شهر وذلك خلال 5 سنوات حتى ينتهي القرض ومر عامان ونصف وعزمت على أن أذهب إلي البنك وأغلق هذا القرض لأني أشعر أن كل ما يحدث أي شئ أشعر أنه بسب هذا القرض. ولكن اكتشفت أن المبلغ المراد سداده ما زال فوق قدراتي بالإضافة إلي أني كنت أنوي العمرة هذا العام أنا وزوجتي وابني وابنتي فهل يجوز أن أسافر لأداء العمرة متمنيا من الله شفاء ابني المريض وأعود لأنهي ذلك القرض في شهر 11 القادم إن شاء الله أم ماذا أفعل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز الاقتراض بالربا، من البنك أو غيره، ولو كان ذلك لتجهيز منزل الزوجية؛ لما ورد في الربا من التحريم المؤكد، والوعيد الشديد، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278- 279. وروى مسلم (1598) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ , وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ) . قال ابن قدامة رحمه الله: " وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المُسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية، فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا " انتهى من "المغني" (6/436) . والواجب على من اقترض بالربا أن يتوب إلى الله تعالى، ويندم على ما فات، ويعزم عزما أكيدا على عدم العود إلى هذا الذنب العظيم، والجرم الخطير، الذي ورد فيه من الوعيد ما لم يرد في غيره، نسأل الله العافية. ثم إنه لا يلزمك شرعا إلا سداد رأس المال، أما الزيادة المحرمة فلا تلزمك، ولا يجوز للمقرض أخذها منك؛ لقوله تعالى: (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) . لكن إن خشيت الضرر والمساءلة بعدم دفع الفائدة، فادفعها، مع توبتك إلى الله تعالى وكراهتك لهذا المنكر العظيم. سئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله ما نصه: اقترضت من أحد الأصدقاء مبلغ مائة جنيه على أن أوفيه بعد سنة مائة وخمسين، وحينما حان وقت الوفاء حاولت إعطاءه مائة فقط ولكنه أصر على أخذ زيادةٍ قدرها خمسون جنيهًا مقابل التأجيل، فما الحكم في هذه الزيادة؟ وإن كان هذا من قبيل الربا فهل علي أنا إثم وكيف أتخلص من ذلك علمًا أن تلك النقود التي اقترضتها منه قد اختلطت مع مالي فماذا عليَّ أن أفعل؟ فأجاب: " الله سبحانه وتعالى حرم الربا وشدد الوعيد فيه، قال سبحانه وتعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) البقرة/275 , إلى أن قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ. فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) البقرة/ 278، 279. والربا له صور وأنواع ومن أنواعه هذا الذي ذكرته في السؤال وهو القرض بالفائدة؛ لأن القرض الشرعي هو القرض الحسن الذي تقرض به أخاك لينتفع بالقرض ثم يرد عليك بدله من غير زيادة مشترطة ولا نقص , هذا هو القرض الحسن، أما القرض الذي يجر نفعًا أو القرض الذي يقصد من وراءه الزيادة الربوية فهذا حرام بإجماع المسلمين، حرام بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين وعلى فاعله الوعيد الشديد، فالواجب هو رد مثل المبلغ الذي اقترضه أما الزيادة التي اشترطها عليك وأخذها منك فهي حرام وربًا، والنبي صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه، فلعن صلى الله عليه وسلم من أكل الربا ومن أعانه على أكله من هؤلاء، فهذا الذي فعلتموه حرام وكبيرة من كبائر الذنوب وعليكم التوبة إلى الله سبحانه وتعالى، وعليه هو أن يرد عليك هذه الزيادة التي أخذها منك لأنها لا تحل له، وأنت فعلت محرمًا بإعطائه الزيادة، وكان الواجب عليك أن تمتنع من إعطائه الزيادة. . . . فهذا الذي أقدمتما عليه هو صريح الربا، فعليكما جميعًا التوبة إلى الله سبحانه وتعالى وعدم الرجوع إلى هذا التعامل، وعلى الآخر أن يرد الزيادة التي أخذها، والله أعلم " انتهى من "المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (5/210) . واعلم أنه كلما عجلت بالتخلص من هذا القرض كان ذلك أفضل وأحسن وأبرأ؛ لتتخلص من الربا وآثاره. ولذلك فالأولى لك أن تبادر بسداده، وأن توفر الأموال التي ستنفقها لأداء العمرة للتخلص من هذا الدين. نسأل الله أن يشفي ولدك، ويفرج كربك، ويغنيك بالحلال عن الحرام. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 60185 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5311 يكتب تعريفاً لمن يحصل به على قرض ربوي [السُّؤَالُ] ـ[موظف يعمل في الدولة في قسم مالي ومن طبيعة عمله إتمام إجراءات الموظفين بشأن المرتبات وغيره من الأعمال الأخرى ومن بينها منح الموظفين إفادة بتفصيل المرتب عندما يطلب الموظف ذلك ولكن منهم من يستخدم هذه الإفادة لأخذ قرض من المصرف، فهل على الموظف الذي منح هذه الشهادة إثم علما بأن هذا من طبيعة عمله؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج في كتابة إفادة بالراتب لمن يطلب ذلك من الموظفين، إلا أن تكون موجهة للبنك الربوي بغرض الاقتراض منه، فلا يجوز كتابتها حينئذ؛ لما في ذلك من مساعدته على معصية الله، بل على كبيرة من كبائر الذنوب. وقد سئلت اللجنة الدائمة (15/58) عن موظف بقسم النسخ بإحدى الجامعات يكتب تعريفاً لمنسوبي الجامعة لأخذ قرض ربوي من أحد البنوك فهل يجوز ذلك؟ فأجابت: " لا يجوز هذا النسخ ولا التعريف لصاحبه إذا كان المعرف والناسخ يعلم أن المكتوب له يستعين به على المعاملة الربوية؛ لعموم الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء. رواه مسلم في صحيحه، ولعموم قول الله عز وجل: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 59864 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5312 يستأجر بيتا ثم يسترد ما دفع عند نهاية المدة [السُّؤَالُ] ـ[أقيم في شيناي بالهند، وأرغب في الحصول على مسكن عن طريق التأجير وذلك بدفع مبلغ إجمالي مقطوع لمدة 3 سنوات دون دفع أي مبلغ عن الإيجار خلال تلك المدة. وعند انتهاء مدة الإيجار فإن العين ستسلم للمالك وسيُعاد إليّ نفس المبلغ الإجمالي المقطوع. وبالإمكان أيضا تمديد الاتفاقية بموافقة الطرفين. ويجب أن تُدفع تكاليف صيانة الشقة شهريا. التعامل بهذه الطريقة مستخدم على نطاق واسع عندنا هنا. ويرى بعض العلماء أنه غير جائز وأنه يجب أن يُدفع مبلغ من المال كثمن للإيجار. وإذا أردنا الوفاء بهذا الشرط فبإمكاني دفع مبلغ اسمي صغير كإيجار. أرجو أن تذكر لي الحكم في هذه المسألة وفقا للكتاب والسنة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يجوز التعامل بهذه الطريقة، وهي صورة من صور القرض الربوي المحرم. وبيان ذلك: أن حقيقة القرض هي: " دفع مال لمن ينتفع به ويرد بدله ". والمال المدفوع للمالك سوف يرد بدله بعد انتهاء المدة المتفق عليها، فيكون هذا المال قرضا، وقد استفاد المقرِض من هذا القرض، واستفادته هي الانتفاع بالبيت حتى يُرد إليه ماله. فتكون حقيقة هذه المعاملة أنها قرض جر نفعا، وقد اتفق العلماء على تحريم كل قرض جر نفعا للمقرِض، وأنه نوع من الربا. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (6/436) : " وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المُسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية، فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا. وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة " اهـ وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (4/64) : " ومثال ما جَرَّ نفعا من الشروط في القرض: جاء رجل إلى شخص وقال: أريد أن تقرضني مائة ألف فقال: لكن أسكن بيتك لمدة شهر، فالقرض هنا جر نفعا للمقرض فهو حرام ولا يجوز. . . لأن الأصل في القرض هو الإرفاق والإحسان إلى المقترض، فإذا دخله الشرط صار من باب المعاوضة، وإذا كان من باب المعاوضة صار مشتملا على ربا الفضل وربا النسيئة، فلما استقرض مني –مثلا- مائة ألف واشترطتُ عليه أن أسكن داره شهرا صار كأني بعت عليه مائة ألف بزيادة سكنى البيت شهرا، وهذا ربا نسئية لأن فيه تأخيرا في تسليم العوض، وربا فضل لأن فيه زيادة. ولهذا قال العلماء: كل قرض جر منفعة فهو ربا " اهـ. وجاء في الموسوعة الفقهية (3/266) : شُرُوطُ صِحَّةِ الاسْتِدَانَةِ: الشَّرْطُ الأَوَّلُ: عَدَمُ انْتِفَاعِ الدَّائِنِ: إنَّ انْتِفَاعَ الدَّائِنِ مِنْ عَمَلِيَّةِ الاسْتِدَانَةِ إمَّا أَنْ يَتِمَّ بِشَرْطٍ فِي الْعَقْدِ , أَوْ بِغَيْرِ شَرْطٍ , فَإِنْ كَانَ بِشَرْطٍ فَهُوَ حَرَامٌ بِلا خِلَافٍ. . . اهـ. ثانياً: ينبغي أن يعلم أن العبرة في العقود بمعانيها وحقائقها، فحقيقة هذه المعاملة – كما سبق – أنها قرض جر نفعا، وهذا نوع من الربا، وتسمية الناس لها إجارة لا يغير من حقيقتها شيئا، ولا يغير حكمها، كما أخبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن ناسا من أمته يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها. فالحذر الحذر من التحايل على الحرام، فإن دفع مبلغ صغير كأجرة لم يُحل هذا الحرام، لأنه يبقى المبلغ الكبير المدفوع قرضا جر نفعا. فصاحب المال لم يدفع الجزء الأكبر من المال (القرض) والذي سيسترده إلا من أجل الانتفاع بالبيت، وصاحب البيت لم يدفع البيت للآخر للانتفاع به إلا مقابل القرض. والله تعالى لا تخفى عليه خافية، وقد عاقب من استحل الحرام بالحيل بالعذاب العاجل، كما في قصة أصحاب السبت. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 59867 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5313 هل يجوز تأخير دفع ثمن الذهب وقيمة صياغته؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز تقديم مبلغ إلى حرفي لصنع حلي على أن يتم له الباقي عند الانتهاء علما أن المبلغ المقدم أولاً لا يستعمل في شراء الذهب؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الذي يفهم من السؤال أنك ستشتري الذهب من هذا الحرفي، ويقوم هو بتصنيعه، فإن كان الأمر كذلك، فلا يجوز، بل الواجب دفع ثمن الذهب (النقود) واستلامه في مجلس واحد، وأما أجرة التصنيع فيجوز تأخيرها. وأما إذا كان المقصود من السؤال أنك ستعطي هذا الحرفي الذهب من عندك ليقوم بتصنيعه، فلا حرج في تأخير الأجرة. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الذهب بالذهب , والفضة بالفضة , والبُر بالبُر , والشعير بالشعير , والتمر بالتمر , والملح بالملح , مثلاً بمثل , سواءً بسواء , يداً بيدٍ) . وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من زاد أو استزاد فقد أربى) ، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم (أنه أُتي بتمر جيدٍ فسأل عنه فقالوا: كنا نأخذ الصاع بصاعين , والصاعين بثلاثة , فأمر النبي صلي الله عليه وسلم برد البيع، وقال: هذا عين الربا) ، ثم أرشدهم أن يبيعوا التمر الرديء , ثم يشتروا بالدراهم تمراً جيِّداً. ومن هذه الأحاديث نأخذ أن ما ذكره السائل من تبديل ذهب بذهب مع إضافة أجرة التصنيع إلى أحدهما أنه أمر محرم لا يجوز , وهو داخل في الربا الذي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه، والطريق السليم في هذا أن يباع الذهب الكسر بثمن من غير مواطأة ولا اتفاق , وبعد أن يقبض صاحبه الثمن فإنه يشتري الشيء الجديد , والأفضل أن يبحث عن الشيء الجديد في مكان آخر , فإذا لم يجده رجع إلى من باعه عليه واشترى بالدراهم وإذا زادها فلا حرج , المهم ألا تقع المبادلة بين ذهب وذهب مع دفع الفرق ولو كان ذلك من أجل الصناعة. هذا إذا كان التاجر تاجر بيع , أما إذا كان التاجر صائغاً فله أن يقول: خذ هذا الذهب اصنعه لي على ما يريد من الصناعة وأعطيك أجرته إذا انتهت الصناعة، وهذا لا بأس به " انتهى. "مجموعة أسئلة في بيع وشراء الذهب" (السؤال الأول) . وسئل الشيخ – أيضاً -: هل يلزم تسديد أجرة التصنيع عند استلام الذهب أو نعتبره حساباً جارياً؟ فأجاب: " لا يلزم أن يسدد لأن هذه الأجرة على عمل , فإن سلمها حال القبض: فذاك، وإلا متى سلمها صح " انتهى. "مجموعة أسئلة في بيع وشراء الذهب" (السؤال العاشر) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 59936 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5314 استعمال الأموال الربوية في إصلاح الطرق [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لي أن أستعمل فوائد ربوية كي نعَبِّد طريقاً في الحي الذي أسكن فيه لأن الدولة لا تصلح طرقات الأحياء الشعبية؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله وضع المال في البنك مقابل فوائد ربوية هو من كبائر الذنوب، ولا يجوز تعمد وضعها لصرف الأموال الربوية في مشاريع خيرية، فضلا عن أن ينتفع هو بها. فإنْ وضَع مسلم أمواله في مؤسسة ربوية، ثم أنعم الله عليه وتاب من الربا فإنه يجب عليه أن يتخلص من الفوائد الربوية بأن يتصدق بها في وجوه الخير والبر، لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278،279. ولا يجوز له أن ينتفع بها، لا في دفع ضرائب ولا في غيرها مما يرجع نفعه إليه. وعلى هذا فلو كان هذا الطريق خاصاً به، لكونه يوصل إلى بيته، فلا يجوز إصلاحه من هذه الأموال لأن نفع ذلك يعود إليه، أما إذا كان الطريق عاماً ينتفع هو وغيره به، فلا حرج من إصلاحه بهذا المال. والله أعلم. وانظر أجوبة الأسئلة (292) و (2370) و (20876) و (23346) و (22392) و (49677) و (30798) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 60007 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5315 هل يجوز أن يضمن شخصاً في قرض من البنك؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما هو حكم الإسلام في ضمان أخ في قرض من البنك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان هذا القرض ربوياً (كما هو واقع أكثر البنوك) بمعنى أن البنك يأخذ عليه فائدة فإنه لا يجوز لك أن تضمن المقترض، لأن في ذلك إعانة للمتقرض والبنك على الربا الذي حرمه الله ورسوله وأجمع المسلمون على تحريمه. سئل علماء اللجنة عن حكم كفالة المقترض من بنك ربوي فأجابوا: إذا كان الواقع كما ذُكر من أخذ البنك فائدة على القرض: لم يجز للمدير ولا للمحاسب ولا لأمين الصندوق التعاون معهم في ذلك؛ لقوله تعالى: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2؛ ولما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم " لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء ". " فتاوى اللجنة الدائمة " (13 / 410) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50016 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5316 أين يضع ماله في هذا الزمان الذي انتشر فيه الربا؟ [السُّؤَالُ] ـ[أين أضع مالي في عصر خربت فيه الذمم، والبنوك مشكوك في أمرها بالربا، وليس عندنا بنك إسلامي، والبيت غير آمن، وأريد أن أضع مالي في مكان حلال وبدون أن أرتكب وزراً وأن استثمره وأخرج زكاته وإلا سوف يصرف، ويقل بالتالي مقدار الزكاة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله وضع الأموال في البنوك الربوية فيه إعانة للبنك على التعامل بالربا، وهذا إذا كان وضعها بدون فائدة. أما إذا كان بفائدة فهذا هو الربا الذي حرمه الله ورسوله، ولعن رسول الله صلى اله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله. و "آكل الربا" آخذه، و "مؤكله" معطيه. ومن كان عنده مال وأراد حفظه أو استثماره فإنه يبحث عن طريق مباح لذلك فيعطي المال رجلاً أميناً يتاجر له فيه ويكون الربح بينهما على ما يتفقان عليه. فإن لم يجد وسيلة لحفظ المال إلا إيداعه في البنك فلا بأس بذلك للضرووة أو الحاجة على أن يكون ذلك من غير فائدة. ويختار أقل البنوك شراًُ وأقربها إلى المعاملات الشرعية. قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -: أما وضع المال في البنوك بالفائدة الشهرية أو السنوية فذلك من الربا المحرم بإجماع العلماء، أما وضعه بدون فائدة: فالأحوط تركه إلا عند الضرورة إذا كان البنك يعامل بالربا لأن وضع المال عنده ولو بدون فائدة فيه إعانة له على أعماله الربوية فيخشى على صاحبه أن يكون من جملة المعينين على الإثم والعدوان وإن لم يرد ذلك، فالواجب الحذر مما حرم الله والتماس الطرق السليمة لحفظ الأموال وتصريفها، وفق الله المسلمين لما فيه سعادتهم وعزهم ونجاتهم، ويسر لهم العمل السريع لإيجاد بنوك إسلامية سليمة من أعمال الربا إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه. " فتاوى ابن باز " (4 / 30، 311) . راجع إجابة السؤال (22392) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49677 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5317 الدخول في شركة من يتعامل بالرشوة والربا [السُّؤَالُ] ـ[شخص تاجر تقدم إليه رجل بملغ مالي لكي يتاجر به، ولكن صاحب المبلغ يتعامل بالرشوة والربا، فهل على هذا التاجر إثم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الذي يكتسب المال من وجوه محرمة كالربا والرشوة والسرقة والغش.. ونحو ذلك، إذا كان ماله مختلطاً فيه الحلال والحرام صحّت معاملته بيعاً وشراءً ومشاركةً مع الكراهة، وإن عُلم أن المال الذي يريد الاتجار فيه من عين الحرام، لم تجز مشاركته ولا العمل معه فيه. قال ابن قدامة في المغني (4/180) : " وإذا اشترى ممن في ماله حرام وحلال , كالسلطان الظالم , والمرابي ; فإن علم أن المبيع من حلال ماله , فهو حلال , وإن علم أنه حرام , فهو حرام ... فإن لم يعلم من أيهما هو , كرهناه؛ لاحتمال التحريم فيه , ولم يبطل البيع ; لإمكان الحلال , قَلَّ الحرام أو كَثُر. وهذا هو الشبهة , وبقدر قلة الحرام وكثرته , تكون كثرة الشبهة وقلتها " انتهى. وجاء في حاشية قليوبي وعميرة (2/418) : " وتصح الشركة وإن كرهت كشركة ذمي وآكل الربا ومن أكثر ماله حرام " انتهى. وفي حاشية الدسوقي (3/277) : " اعلم أن من أكثر ماله حلال وأقله حرام: المعتمد جواز معاملته ومداينته والأكل من ماله كما قال ابن القاسم، خلافا لأصبغ القائل بحرمة ذلك. وأما من أكثر ماله حرام والقليل منه حلال: فمذهب ابن القاسم كراهة معاملته ومداينته والأكل من ماله، وهو المعتمد، خلافا لأصبغ المحرم لذلك. وأما من كان كل ماله حراماً وهو المراد بمستغرق الذمة، فهذا تمنع معاملته ومداينته ويمنع من التصرف المالي وغيره " انتهى. ثانياً: الواجب عليك قبل مشاركة من هذه حاله نصحه وترغيبه في التوبة والتخلص من المظالم، والحرص على طيب الكسب، فإن الجنة طيبة لا يدخلها إلا طيب، وترهيبه من الاستمرار في أكل الحرام فإن كل جسد نبت من حرام فالنار أولى به. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 48005 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5318 إحالة الدائن على مدين له بزيادة مبلغ [السُّؤَالُ] ـ[يوجد لي عند شخص مبلغ عشرة آلاف ريال, ولكن هذا الرجل مماطل, لا يسدد ما عليه , ويوجد لشخص آخر عندي مبلغ عشرة آلاف ريال, فجاء يطالبني حقه, فقلت له: قابل فلان, أي الشخص الأول بالعشرة الآلاف التي لك عندي بالعشرة الآلاف التي لي عنده وزيادة ألفي ريال 2000 ريال, مقابل مماطلته بك، أي يقابل اثنا عشر ألف بعشرة آلاف. فما حكم ذلك؟ أفيدوني أفادكم الله.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز إحالتك الدائن لك بعشرة آلاف بالعشرة التي لك على غريمك المماطل مع زيادتك ألفي ريال مقابل المماطلة, لأن الزيادة ربأ, والربا محرم في الشريعة الإسلامية. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 13/304. الحديث: 10233 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5319 حكم التعامل المسمى بـ "التيسير الأهلي" أو "التورق المصرفي" [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم هذا التعامل المسمى بالتيسير الأهلي من البنك الأهلي؟ فيما يلي الإجراءات التي يجب مراعاتها عند التعامل بهذا المنتج: 1. يقوم البنك بشراء كمية محددة من سلعة معينة تدخل بذلك في ملكيته دخولاً شرعياً. 2. يقوم البنك بعرض هذه السلع على عملائه. 3. وبما أن هذه السلع تباع عن طريق الوصف لا عن طريق الرؤية غالباً فإن على البنك أن يحدد هذه السلع صنفاً ونوعاً وأن يصفها وصفاً نافياً للجهالة وأن يحدد رقم تخزينها بموجب شهادة التخزين بحيث يكون المبيع معلوماً وموصوفاً وصفاً تنتفي معه الجهالة في البيع. 4. يتقدم العميل بإبداء رغبته في شراء كمية محددة من هذه السلع بثمن مؤجل وبعد موافقة البنك على تلبية هذا الطلب يقوم البنك ببيع تلك الكمية على العميل بما يتفقان عليه من ثمن وأجل. 5. للعميل الحق في أن يتسلم سلعته في مكان تسليمها إذا رغب في ذلك أو أن يوكل البنك في بيعها نيابة عنه. 6. في حال توكيل العميل للبنك ببيع سلعته فإن البنك يقوم ببيعها وكالة على من يرغب شراءها ولا يجوز للبنك أن يبيعها لنفسه حيث إن ذلك من قبيل بيع العينة. بعد أن يقوم البنك ببيع السلعة يودع المبلغ في حساب العميل وبعد ذلك يكون هناك أقساط شهرية من العميل للبنك حسب العقد 4 أو 5 سنوات. ما الواجب فعله فيمن وقع في هذا التعامل المسمى بتيسير الأهلي إذا كان غير جائز؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: التفصيل الذي ذكره السائل يحتوي على ثلاث مسائل وهي: المرابحة، والتورق، والتورق المصرفي الحديث. وقد ذكرنا حكم " المرابحة " و " التورق " في جواب السؤال رقم (36410) . أما " المرابحة ": ففي الجواب المحال عليه قلنا: وشراء السلع (سيارات أو غيرها) عن طريق البنوك لا يجوز إلا عند توفر شرطين: الأول: أن يمتلك البنك هذه السلعة قبل أن يبيعها فيشتري البنك السيارة مثلاً من المعرض لنفسه. الثاني: أن يقبض البنك السيارة بنقلها من المعرض قبل بيعها على العميل. وإذا خلت المعاملة من هذين الشرطين أو أحدهما كانت معاملة محرمة. وأما " التورق ": ففي الجواب المحال عليه – أيضاً - ذكرنا فتوى علماء اللجنة الدائمة في تعريفه وإباحته، وفيه: "مسألة التورق هي أن تشتري سلعة بثمن مؤجل، ثم تبيعها بثمن حال على غير من اشتريتها منه بالثمن المؤجل؛ من أجل أن تنتفع بثمنها، وهذا العمل لا بأس به عند جمهور العلماء" انتهى. ثانياً: أما " التورق المصرفي " فهو معاملة حديثة احتالت فيه البنوك على التورق الشرعي المباح للتوصل إلى الإقراض بالربا، وقد أصدر " المجمعُ الفقهي الإسلامي " في دورته الخامسة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة التي بدأت يوم السبت 11 رجب 1419 هـ الموافق 31 /10 / 1998 م قراراً بجوازِ بيعِ التورقِ، وفيه: "وبعد التداول والمناقشة، والرجوع إلى الأدلة، والقواعد الشرعية، وكلام العلماء في هذه المسألة قرر المجلس ما يأتي: أولاً: أن بيع التورُّق: هو شراء سلعة في حوزة البائع وملكه، بثمن مؤجل، ثم يبيعها المشتري بنقد لغير البائع، للحصول على النقد (الورِق) . ثانياً: أن بيع التورق هذا جائز شرعاً، وبه قال جمهور العلماء، لأن الأصل في البيوع الإباحة، لقول الله تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) البقرة/275، ولم يظهر في هذا البيع رباً لا قصداً ولا صورة، ولأن الحاجة داعية إلى ذلك لقضاء دين، أو زواج أو غيرهما. ثالثاً: جواز هذا البيع مشروط، بأن لا يبيع المشتري السلعة بثمن أقل مما اشتراها به على بائعها الأول، لا مباشرة ولا بالواسطة، فإن فعل فقد وقعا في بيع العينة، المحرم شرعاً، لاشتماله على حيلة الربا فصار عقداً محرماً. رابعاً: إن المجلس: - وهو يقرر ذلك - يوصي المسلمين بالعمل بما شرعه الله سبحانه لعباده من القرض الحسن من طيب أموالهم، طيبة به نفوسهم، ابتغاء مرضاة الله، لا يتبعه منّ ولا أذى وهو من أجلِّ أنواع الإنفاق في سبيل الله تعالى، لما فيه من التعاون والتعاطف، والتراحم بين المسلمين، وتفريج كرباتهم، وسد حاجاتهم، وإنقاذهم من الإثقال بالديون، والوقوع في المعاملات المحرمة، وأن النصوص الشرعية في ثواب الإقراض الحسن، والحث عليه كثيرة لا تخفى، كما يتعين على المستقرض التحلي بالوفاء، وحسن القضاء وعدم المماطلة" انتهى. ثم صدر قرارٌ جديدٌ من " المجمعِ الفقهي الإسلامي " نفسه في المدة من 19 - 23 / 10 / 1424 هـ الذي يوافقه 13 - 17 / 12 / 2003 م وفيه تحذيرٌ وتنبيهٌ للمصارفِ من استغلالِ هذه المعاملةِ على غيرِ وجهها الشرعي، ونَصَّ القرارُ على أن التورق المنظم الذي تجريه بعض البنوك محرم، وقد ذكرنا القرار بكامله في جواب السؤال (98124) . أما " شهادة التخزين " للسلعة التي ذكرها السائل فهي ليست بضاعة مشتراة حقيقة وداخلة في ملك البنك أو غيره من المؤسسات المالية التي تقوم بهذه المعاملة. قال الدكتور محمد بن عبد الله الشباني: "أما ما يُطلق عليه " شهادة التخزين " والتي يشار إليها في بعض عقود صيغ التورق بأنها تمثل حصة محجوزة قيمة وكمية خاصة بسلعة لصالح البنك عن طريق السمسار لغرض التصرف فيها مستقبلاً: فهي لا تمثل شهادة من وكيل البنك تثبت فيها وجود سلع تم استلامها من المنتجين وتم تخزينها في مستودعات خاصة بالبنك أو مخازن مؤجرة لصالح البنك تحدد أن هذه السلع خاصة بالبنك، وما هذه الشهادة إلا شهادة يصدرها المنتجون لهذه السلع لبيوت السمسرة الذين يمارسون عمليات إنشاء وتداول العقود في سوق المعادن العالمي (البورصة) ، حيث يحدد فيها مواصفات هذه السلع وكمياتها وتاريخ تسليمها، ويتم على ضوء هذه الشهادة تداول العقود بيعاً وشراء، ومن ثم فلا يوجد مجال للتعامل مع السلعة نفسها داخل سوق العقود". وقال أيضاً: "فنصوص عقود البيع التي تجريها هذه البنوك تشير إلى أن هذه السلع لا توجد لدى البنك، وأن ما يطلق عليه " شهادة التخزين " لا تمثل حيازة للسلعة ولا شهادة تملُّك، فمن المعروف والمتعارف عليه في سوق البضائع العالمي (البورصة) أن التعامل فيه يتم من خلال بيت السمسرة، والذي يدير عمليات تداول عقود بيع سلع تم شراؤها بسعر متفق عليه مسبقاً مع المنتج، على أن يتم التسليم في تاريخ لاحق يناسب توقيت الحاجة إلى السلعة، وعند حلول الأجل يقوم بيت السمسرة بشراء السلعة محل التعاقد من السوق الحاضر وتسليمها للمشتري، وهذا ما يؤكد أنه لا يوجد مجال للتعامل على السلعة نفسها، ولكون هذا التداول إنما يتم على أوراق، وليس حيازة وتملكاً للسلع، فإن بعض تلك البنوك أشارت في عقودها إلى أن ما يتم يكون على أوراق وليس حيازة وتملكاً للسلع. أما بعض البنوك فقد أشارت إلى أن حيازتها وتملكها للسلع إنما هو بموجب " شهادة التخزين "، حيث يشار في العقد إلى أن السلعة توجد في بلاد أخرى غير البلد الذي يتم فيه تحرير العقد، ولتجنب الإلزام ومن أجل ترسيخ التحايل: لم يشر إلى الوكالة وضرورة تفويض البنك بالبيع نيابة عنه، وإنما أشير إلى ذلك في نص الوكالة، حيث أوضحت الوكالة أن السلع المشتراة من البنك هي سلع يتم تداولها في سوق السلع (البورصة) ، بخلاف بنوك أخرى جعلت نماذج التفويض والوكالة جزءاً من العقد، وهذا الأسلوب هو نوع من التهرب والتضليل ومحاولة إضفاء نوع من صحة البيع، وأنه لا يوجد فيه شروط فاسدة تفسد البيع، ولكن هذا الأسلوب من التحايل لا يغيِّر من حقيقة الأمر" انتهى من مقال موسع في " مجلة البيان ". وقال الشيخ صالح بن عبد الرحمن الحصين: "إذا كانت المصارف الإسلامية لم تستطع حتى الآن تحقيق أهدافها، وكان ذلك بسبب أن الاتجاه العام الغالب لديها في استخدام الموارد لا يمكنها من ذلك ... فإن النتيجة المنطقية لذلك أنها لن تحقق في المستقبل ما عجزت عنه في الماضي. والواقع يثبت أن المصارف الإسلامية بهذا الاتجاه ظلت تقترب من البنوك الربوية شيئاً فشيئاً، وأن أوضح شاهد لذلك ما انتهت إليه المصرفية الإسلامية من اعتماد عمليتي " تيسير الأهلي "، و " التورق المبارك ". والظاهر أنه من الناحية العلمية فإنه من المستحيل القول إن الآثار السلبية للربا الاقتصادية والاجتماعية والسيكولوجية التي تتحقق في التمويل بالفائدة لا تتحقق في التمويل بـ " تيسير الأهلي " أو " التورق المبارك " بل إنه من الناحية الفقهية يستحيل على الفقيه دون أن يخادع نفسه أن يدَّعي وجود فارق بين هاتين العمليتين والاحتيال المحرم على الربا. بهذا الاقتراب من البنوك الربوية: فإن المصارف الإسلامية ستفقد هويتها الحقيقية، ولا يبقى لها إلا الاسم" انتهى من مقال – له - بعنوان " المصارف الإسلامية ما لها وما عليها ". والخلاصة: أننا لا نرى التعامل مع البنوك فيما يدعونه شراء وهو في حقيقته ليس كذلك، وقد يسمون فعلهم هذا " مرابحة " أو " تورقاً " وهذا لا يغيِّر من الحكم شيئاً، وهذه المعاملات هي احتيال للتوصل إلى إقراض الناس بفوائد ربوية. وقد ورد عن السلف النهي عن شراء سلعة بالأجل ثم توكيل البائع في بيعها: أ. عن داود بن أبي عاصم أنه باع من أخته بيعاً إلى أجل، ثم أمَرَتْه أن يبيعه، فباعه، قال: فسألتُ سعيد بن المسيب فقال: أبصِر ألا يكون هو أنت؟ قلت: أنا هو، قال: ذلك الربا، فلا تأخذ منها إلا رأسمالك. " مصنف ابن أبي شيبة " (7 / 275، 276) . ب. وقال ابن القاسم: سألتُ مالكاً عن الرجل يبيع السلعة بمائة دينار إلى أجل، فإذا وجَبَ البيع بينهما قال المبتاع للبائع: بعها لي من رجل بنقد فإني لا أبصر البيع، فقال مالك: لا خير فيه، ونهى عنه. " المدونة " (4/125) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 46564 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5320 هل يعمل في الزراعة بقرض ربوي؟ [السُّؤَالُ] ـ[رجو الإجابة عن السؤال فأنا في حيرة من أمري: إذا وضعت لنا الدولة برنامجاً فلاحيّاً بالمساعدة بقرض ربوي، وفي حالة المراقبة بعد انتهاء الموسم الفلاحي يمكن أن يقع إحدى الخيارات التالية: 1. إما أن لا أعاقب ولكنني أبقى بدون دخل، علماً أني أعيل عائلتي ولدي تعاونية فلاحية لكني لا أملك رأس المال لفلاحتها. 2. وإما أن يكون الضرر هو أن أخسر مصاريف تكوين الملف الإجباري بين 80 و 800 ريال سعودي لكن لا أخذ القرض. 3. وإما أن يكون العقاب هو تجريدي من ملكية الأرض تحت مبدأ الأرض لمن يخدمه أجيبوني مأجورين على أساس أني أعرف العقاب القانوني مسبقاً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الربا من كبائر الذنوب، وقد جاء تحريمه في الكتاب والسنَّة وإجماع المسلمين. قال الله تعالى: (وأحل الله البيع وحرم الربا) البقرة/275، وقال: (.. وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله، وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون) البقرة/279. عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء " رواه مسلم (1598) . وأنت غير ملزم بالدخول في برنامج الدولة، وبالتالي فلستَ ملزماً بالحصول على قرض ربوي حتى تقوم بالزراعة. وفي حال ضيق أمر الزراعة عليك وتحتم الحصول على قرض ربوي: فيمكنك البحث عن مصدر آخر للرزق، والله تعالى يقول: (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً) الطلاق/2. والضرر الذي يقع في الدنيا، لا يعادل ضرر الآخرة، وخسارة المال في الدنيا أهون من خسارة الدين. وقد أمر الله تعالى المؤمنين بما أمر به المرسلين من تحري الحلال وأكل الطيبات فقال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) المؤمنون/51. قال القرطبي: سوَّى الله تعالى بين النبيين والمؤمنين في الخطاب بوجوب أكل الحلال وتجنب الحرام، ثم شمل الكل في الوعيد الذي تضمنه قوله تعالى: (إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) صلى الله على رسله وأنبيائه، وإذا كان هذا معهم فما ظن كل الناس بأنفسهم؟ . " تفسير القرطبي " (12 / 128) . وقد حثنا الشرع الحنيف على طلب الحلال وترك الحرام، وأعلمنا ربنا تعالى أنه هو الرزاق ذو القوة المتين يزرق من يشاء بغير حساب. عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تستبطئوا الرزق، فإنه لم يكن عبد ليموت حتى يبلغه آخر رزق هو له، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب: أخذ الحلال، وترك الحرام ". رواه ابن حبان (8 / 32) والحاكم (2 / 4) . وصححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (2607) . والله الموفق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45852 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5321 تعامل بطاقة الفيزا المحرمة وعليه مبالغ فهل يسددها؟ [السُّؤَالُ] ـ[لدي مطالبه مالية من البنك (5800) ريالا بسبب بطاقة فيزا قبل 5 سنوات ولم أسدد ما علي لأني علمت أنها حرام ولا أعلم بالضبط مقدار ما سحبته وهم يطالبوني بسداد المبلغ كاملا برغم أني لم أسحب أكثر من (3500) ريالا، فهل أسدد أم لا؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما دمت أنك تعلم بأنك لم تسحب أكثر من 3500 ريالاً فسدد لهم هذا المبلغ واقتصر عليه إن استطعت. فإن لم تستطع (كأن صرت مهدداً بالسجن ونحوه) ففاوضهم في تقليل الزائد ما استطعت مع التوبة العظيمة من هذا العقد المحرم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45902 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5322 هل يأخذ قرضاً ربويّاً ليشتري به بيتاً؟ [السُّؤَالُ] ـ[نحن فلسطينو 48 نأخذ قروض سكنية من وزارة الإسكان لمدة 25 عاماً، ومنها – أيضاً – جزء هبة , ويكون السداد بأقساط شهرية مع الفائدة (الربا) ، وإذا تأخر المستقرض عن السداد لمدة عام يحق للوزارة أخذ البيت وبيعه لآخر , وأيضا هناك شرط في عقد القرض ينص على أنه في حالة موت أحد الزوجين الموقعين على القرض فيعفى الآخر من السداد ولا يحق للوزارة مطالبته بالسداد، ويكون البيت خالصا له دون ديون القروض السكنية؟ فما حكم الإسلام في مثل هذه القروض - علما أنه إذا بنى أحدٌ بيتاً دون أن يأخذ هذا القرض سيقع تحت طائلة المساءلة من أين لك هذا -؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: مما لا شك أن الربا في حياة اليهود سمة بارزة، وحيلهم في أكل الحرام عموماً والربا خاصة معروف، قد ذكره الله تعالى عنهم وبيَّن أنه قد نهاهم عنه وحرَّمه عليهم، قال تعالى: (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً. وَأَخْذِهِمُ الرِّبا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ) النساء/160، 161. قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: إن الله قد نهاهم – أي: اليهود – عن الربا، فتناولوه، وأخذوه، واحتالوا عليه بأنواع الحيل، وصنوف من الشبَه، وأكلوا أموال الناس بالباطل. " تفسير ابن كثير " (1 / 584) . وأخذ الربا منكم وإرهاقكم به والاستيلاء على المنزل عند العجز عن السداد أمر معروف في دينهم المحرَّف ومعاملاتهم الخسيسة، فقد قصر اليهود النص المحرِّم للربا على التعامل بينهم فقط، أما معاملة اليهودي لغير اليهودي بالربا: فقد فجعلوه جائزاً لا بأس به، وقد جعلوه طريقاً للاستيلاء على أملاك غيرهم. يقول أحد ربانييهم - واسمه راب -: عندما يحتاج النصراني إلى درهم فعلى اليهودي أن يستولي عليه من كل جهة، ويضيف الربا الفاحش إلى الربا الفاحش، حتى يرهقه، ويعجز عن إيفائه ما لم يتخلَّ عن أملاكه أو حتى يضاهي المال مع فائدة أملاك النصراني، وعندئذ يقوم اليهودي على مدينه – أي: غريمه – وبمعاونة الحاكم يستولي على أملاكه. " الربا وأثره على المجتمع الإنساني " للدكتور عمر بن سليمان الأشقر (ص 31) . ثانياً الربا في الإسلام محرَّم، ولا فرق في الحكم بين أن يكون بين المسلمين أنفسهم أو بينهم وبين غيرهم، والقروض التي يشترط أصحابها سدادها بزيادة هي من القروض الربوية، وتحريمها لا شك فيه، والمتعامل بها أخذاً وإعطاء معرِّضٌ نفسه للوعيد في الدنيا والآخرة. قال الله تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) البقرة/275. وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: (رأيتُ الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم، وعلى وسط النهر رجل بين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فَرُدَّ حيث كان، فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان، فقلت: ما هذا؟ فقال: الذي رأيته في النهر آكل الربا) رواه البخاري (1979) . وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات قالوا: يا رسول الله وما هنَّ؟ قال: الشرك، والسحر، وقتل النفس التي حرّم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتّولّي يوم الزّحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) رواه البخاري (2615) ومسلم (89) . ولا فرق في الحكم بين آكل الربا – وهو البنك هنا -، وموكله – وهو الآخذ منه هذا القرض – والشاهد والكاتب؛ إذ كلهم في الإثم سواء. عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكلَ الربا وموكلَه وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء) . رواه مسلم (1598) . وسئل علماء اللجنة الدائمة: المعاملة مع البنك هل هي ربا أم جائزة؟ لأن فيه كثيراً من المواطنين يقترضون منها؟ فأجابوا: يحرم على المسلم أن يقترض من أحد ذهباً أو فضة أو ورقاً نقديّاً على أن يرد أكثر منه، سواء كان المقرض بنكاً أم غيره؛ لأنه ربا، وهو من أكبر الكبائر، ومن تعامل هذا التعامل من البنوك فهو بنك ربوي. " فتاوى إسلامية " (2 / 412) . وعليه: فلا يجوز لكم الاقتراض من تلك البنوك لما في معاملتها معكم من الربا المحرم الصريح، ويمكنكم البناء بأموالكم الحلال وإثبات ذلك بطرق كثيرة، فليس كل من يبني بيتاً من غير طريق البنك يكون سارقاً أو مختلساً لهذه الأموال، فالحصول على المال من الكسب الطيب طرقه واسعة ويمكن إثبات ذلك وتوثيقه لن يرتاب في أمركم، وهو أمر ليس فوق الطاقة والقدرة. وقد سبق بيان تحريم الربا، وتحريمه بالنسبة لبناء البيوت وشرائها، فانظر أجوبة الأسئلة رقم (21914) و (22905) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45910 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5323 هل يساهم في شركة تضع أموالها في البنوك ويخرج جزء من الأرباح؟ [السُّؤَالُ] ـ[أباح العلماء المشاركة في الأسهم التي أصلها حلال وموضوعة في بنوك ربوية بشرط إخراج 15 % من أصل الأرباح في الصالح العام. والسؤال: هل يجوز إعطاؤها للأقارب للانتفاع بها مثلا الأم أو الإخوة؟]ـ [الْجَوَابُ] أولاً: المساهمة في الشركات والمؤسسات التجارية تجوز بشرط أن يكون بيعها وشراؤها لمواد مباحة، وأن لا تتعامل معاملات محرمة , ومن أعظم المحرمات: أكل الربا، فإذا اختل أحد هذين الشرطين بأن تاجرت الشركة بمواد محرمة أو أنتجت المصانع شيئاً محرماً , أو تعاملت بالربا: كانت المساهمة حراماً، ووجب ترك ذلك إلى ما يباح، وإخراج نسبة مئوية من الأرباح لا يجيز تلك المساهمة، ولا يحل ذلك الربح. سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله عن حكم المساهمة في الشركات. فأجاب: " وضع الأسهم في الشركات فيه نظر؛ لأننا سمعنا أنهم يضعون فلوسهم لدى بنوك أجنبية، أو شبه أجنبية ويأخذون عليها أرباحاً، وهذا من الربا، فإن صح ذلك: فإن وضع الأسهم فيها حرام، ومن كبائر الذنوب؛ لأن الربا من أعظم الكبائر، أما إن كانت خالية من هذا فإن وضع الأسهم فيها حلال إذا لم يكن هناك محذور شرعي آخر " انتهى. " مجموع فتاوى ابن عثيمين " (18 / السؤال رقم 119) . وسئل علماء اللجنة الدائمة: هل يجوز المساهمة بالشركات والمؤسسات المطروحة أسهمها للاكتتاب العام في الوقت الذي نحن يساورنا الشك من أن هذه الشركات أو المؤسسات تتعامل بالربا في معاملاتها، ولم نتأكد من ذلك، مع العلم أننا لا نستطيع التأكد من ذلك، ولكن كما نسمع عنها من حديث الناس. فأجابوا: " الشركات والمؤسسات التي لا تتعامل بالربا وشيء من المحرمات: يجوز المساهمة فيها، وأما التي تتعامل بالربا وشيء من المحرمات: فيحرم المساهمة فيها. وإذا شك في أمر شركة ما: فالأحوط له ألا يساهم عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه) . الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. " فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (14 / 310، 311) . وسبق في جواب السؤال رقم (21127) ذكر فتوى اللجنة الدائمة في حكم المساهمة في شركات خاصة بالأعمال الخيرية والزراعية والبنوك وشركات التأمين والبترول. وفي جواب السؤال رقم (8590) تجد حكم المتاجرة بالأسهم المباحة والتحذير من المحرمة. ثانياً: الأموال التي يأخذها المساهم مساهمة محرمة يجب عليه – بعد سحب مساهمته وإيقافها – التخلص من الأموال الزائدة عن رأس ماله، وله أن يصرفها في وجوه الخير المختلفة، دون أن يرجع نفع ذلك لنفسه، فلا يُسقِط بها واجباً، ولا يدفع عن نفسه مضرة أو ظلماً , فلا يجوز له أن ينفق منها على نفسه , ولا على أهله الذين يجب عليه أن ينفق عليهم. وانظر تفصيل هذا في جواب السؤال رقم: (292) و (81952) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45929 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5324 هل إخراج قدر أكثر من الزكاة يحلل له الفوائد الربوية؟ [السُّؤَالُ] ـ[تظهر الخلافات حول فوائد البنوك هل هي حرام أم حلال؟ فهل إذا أخرجت زكاة أكبر من قيمة الزكاة المخصصة للفرد في رمضان وأكبر من قيمة الفوائد تكون هذه الفوائد حلالا لي أن أصرفها وتكون طاهرة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فوائد البنوك الربوية حرام باتفاق من يعتد به من أهل العلم، وقد صدر في تحريمها قرارات عدة من الهيئات العلمية المعتبرة في العالم الإسلامي، ومن ذلك قرار مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر سنة 1965م والذي ضم ممثلين ومندوبين عن خمسة وثلاثين دولة إسلامية، وجاء فيه: (الفائدة على أنواع القروض كلها ربا محرم، لا فرق في ذلك بين ما يسمى بالقرض الاستهلاكي، وما يسمى بالقرض الإنتاجي، لأن نصوص الكتاب والسنة في مجموعها قاطعة في تحريم النوعين) انتهى. كما صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي سنة 1985م، وجاء فيه: (أن كل زيادة أو فائدة على الدين الذي حل أجله وعجز المدين عن الوفاء به مقابل تأجيله، وكذلك الزيادة أو الفائدة على القرض منذ بداية العقد، هاتان الصورتان ربا محرم شرعاً) انتهى. وصدر كذلك قرار عن مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي سنة 1986م، ومما جاء فيه: (كل مال جاء عن طريق الفوائد الربوية هو مال حرام شرعا، لا يجوز أن ينتفع به المسلم، مودِع المال لنفسه أو لأحد ممن يعوله في أي شأن من شؤونه. ويجب أن يصرف في المصالح العامة للمسلمين، من مدارس ومستشفيات وغيرها. وليس هذا من باب الصدقة وإنما هو من باب التطهر من الحرام. ولا يجوز بحال ترك هذه الفوائد للبنوك الربوية، للتقوّي بها، ويزداد الإثم في ذلك بالنسبة للبنوك في الخارج، فإنها في العادة تصرفها إلى المؤسسات التنصيرية واليهودية، وبهذا تغدو أموال المسلمين أسلحة لحرب المسلمين وإضلال أبنائهم عن عقيدتهم. علما بأنه لا يجوز أن يستمر في التعامل مع هذه البنوك الربوية بفائدة أو بغير فائدة) انتهى. وانظر السؤال رقم: (12823) (20695) (292) (22392) وبهذا يعلم أنه لا قيمة لما يثيره البعض من خلاف حول تحريم هذه الفوائد. والفائدة الربوية مال خبيث، لا تخرج منه الزكاة ولا الصدقة، سواء صدقة الفطر من رمضان أو غيرها، والواجب هو التخلص من هذه الفائدة بصرفها في مصالح المسلمين، مع قطع التعامل مع البنك الربوي ما استطعت إلى ذلك سبيلا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45691 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5325 حكم بيع التورق [السُّؤَالُ] ـ[في الآونة الأخيرة قام أحد البنوك بعمل طريقة بيع سلعة بالأقساط، ثم يستطيع المشتري بيعها نقدا على طرف ثالث، فهل هذه الطريقة جائزة أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه المعاملة تعرف عند العلماء باسم: (التورق) مأخوذ من الورِق وهو الفضة، لأن الذي اشترى السلعة إنما اشتراها من أجل الدراهم. وقد اختلف العلماء في حكم هذه المعاملة. و" جمهور العلماء على إباحتها، لعموم قوله تعالى: (وأحل الله البيع) ، ولأنه لم يظهر فيها قصد الربا ولا صورته " انتهى باختصار. "الموسوعة الفقهية" (14/148) . ولأن المشتري يشتري السلعة إما للانتفاع بعينها، وإما للانتفاع بثمنها. وهو ما اختاره علماء اللجنة الدائمة، والشيخ ابن باز رحمهم الله تعالى. جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/161) : " أما مسألة التورق فمحل خلاف، والصحيح جوازها " انتهى. وقال الشيخ ابن باز: " وأما مسألة التورق فليست من الربا، والصحيح حلها، لعموم الأدلة، ولما فيها من التفريج والتيسير وقضاء الحاجة الحاضرة، أما من باعها على من اشراها منه، فهذا لا يجوز بل هو من أعمال الربا، وتسمى مسألة العينة، وهي محرمة لأنها تحايل على الربا " انتهى بتصرف يسير. "مجموع فتاوى ابن باز" (19/245) . وقد ذهب إلى تحريم هذه المعاملة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. انظر: "الفتاوى الكبرى" (5/392) . وقد توسط الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، فقال بجوازها بشروط معينة. قال رحمه الله في رسالة المداينة: " القسم الخامس – أي من أقسام المداينة -: أن يحتاج إلى دراهم ولا يجد من يقرضه فيشتري سلعة بثمن مؤجل، ثم يبيع السلعة على شخص آخر غير الذي اشتراها منه، فهذه هي مسألة التورق. وقد اختلف العلماء رحمهم الله في جوازها، فمنهم من قال: إنها جائزة؛ لأن الرجل يشتري السلعة ويكون غرضه إما عين السلعة وإما عوضها وكلاهما غرض صحيح. ومن العلماء من قال: إنها لا تجوز؛ لأن الغرض منها هو أخذ دراهم بدراهم ودخلت السلعة بينهما تحليلا، وتحليل المحرم بالوسائل التي لا يرتفع بها حصول المفسدة لا يغني شيئا. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) . والقول بتحريم مسألة التورق هذه هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو رواية عن الإمام أحمد. بل جعلها الإمام أحمد في رواية أبي داود من العينة كما نقله ابن القيم في "تهذيب السنن" (5/801) . ولكن نظرا لحاجة الناس اليوم وقلة المقرضين ينبغي القول بالجواز بشروط: 1- أن يكون محتاجا إلى الدراهم، فإن لم يكن محتاجا فلا يجوز، كمن يلجأ إلى هذه الطريقة ليدين غيره. 2- أن لا يتمكن من الحصول على المال بطرق أخرى مباحة كالقرض، فإن تمكن من الحصول على المال بطريقة أخرى لم تجز هذه الطريقة لأنه لا حاجة به إليها. 3- أن لا يشتمل العقد على ما يشبه صورة الربا مثل أن يقول: بعتك إياها العشرة أحد عشر أو نحو ذلك، فإن اشتمل على ذلك فهو إما مكروه أو محرم، نقل عن الإمام أحمد أنه قال في مثل هذا: كأنه دراهم بدراهم، لا يصح. هذا كلام الإمام أحمد. وعليه فالطريق الصحيح أن يعرف الدائن قيمة السلعة ومقدار ربحه ثم يقول للمستدين: بعتك إياها بكذا وكذا إلى سنة. 4- أن لا يبيعها المستدين إلا بعد قبضها وحيازتها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السلع قبل أن يحوزها التجار إلى رحالهم. فإذا تمت هذه الشروط الأربعة فإن القول بجواز مسألة التورق متوجه كيلا يحصل تضييق على الناس. وليكن معلوما أنه لا يجوز أن يبيعها المستدين على الدائن بأقل مما اشتراها به بأي حال من الأحوال؛ لأن هذه هي مسألة العينة " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45042 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5326 لا يجوز شراء أسهم البنوك ولا المتاجرة فيها [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز شراء أسهم البنوك والمتاجرة فيها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أسهم البنوك هي نقود في الحقيقة، وعلى هذا (لا يجوز بيع أسهم البنوك ولا شراؤها لكونها بيع نقود بنقود بغير اشتراط التساوي والتقابض، ولأنها مؤسسات ربوية لا يجوز التعاون معها لا ببيع ولا شراء لقوله سبحانه وتعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2 ولما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه لَعَنَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ) رواه الإمام مسلم وليس لك إلا رأس مالك. ووصيتي لك ولغيرك من المسلمين هي الحذر من جميع المعاملات الربوية والتحذير منها والتوبة إلى سبحانه وتعالى مما سلف من ذلك، لأن المعاملات الربوية محاربة لله سبحانه ولرسوله صلى الله عليه وسلم ومن أسباب غضب الله وعقابه كما قال عز وجل: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) البقرة/275 وقال عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278-279) ولما تقدم من الحديث الشريف. اهـ. [الْمَصْدَرُ] سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله (فقه وفتاوى البيوع /أشرف عبد المقصود ص 360) . الحديث: 40409 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5327 تاب من التعامل مع البنوك الربوية ولا يدري أصل المال [السُّؤَالُ] ـ[لدي صديق كان يتعامل مع البنوك الربوية ويأخذ قروضا وما إلي ذلك من المعاملات الربوية نسأل الله السلامة وقد من الله عليه بالهداية وأوقف جميع تعاملاته مع البنوك وهو الآن لا يدري ما هو أصل ماله ولا يستطيع الفصل بينه وبين القروض والفوائد ويريد أن يطهر نفسه وماله عن السنوات السابقة فما العمل في ذلك أفيدونا جزاكم الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله على صديقك أن يراجع البنك ليعلم قدر الفوائد التي أضيفت إلى رأس ماله، ثم يتخلص من هذه الفوائد بإنفاقها في أوجه الخير والبر. راجع السؤال رقم 292 و 2370 فإن لم يعلم قدرها بالتحديد، فليخرج ما يغلب على ظنه أنه بقدر الفوائد التي أخذها، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها. وأما ما أخذه من قروض ربوية، قام بسدادها، فهي ملك له. وتكفيه التوبة والندم على ما فعل والعزم على عدم العود إلى مثل هذه المعاملات المحرمة. ونحمد الله أن وفقه وهداه وصرفه عن هذا التعامل المحرم، ونسأله سبحانه أن يبارك له في ماله وأن يرزقه من فضله. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 40217 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5328 الاقتراض من البنك الربوي لشراء منزل [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن آخذ قرضاً من البنك لشراء منزل وتتم هذه المعاملة كالتالي: 1- أشترك في بنك الإسكان وأدفع مبلغ 182 دينارا شهريا لمدة أربع سنوات أي 8736 دينارا، هذا المبلغ يصبح 10000 دينارا (ادخار + فوائد (. 2- من حقي اقتراض مبلغ من البنك وقدره 20000 دينار، مدة التسديد: 13 سنة بفائض 6.75% سنويا. 3- إضافة إلى ذلك هناك قرض تكميلي بمبلغ 20000 دينار بفائض 8.25%. . عند اقتناء المنزل أكون مستأجراً له من البنك إلى نهاية مدة السداد ثم يكون ملكاً لي. ومدة السداد تتراوح ما بين 13 إلى 15 سنة، فما حكم ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله التعامل بالربا من كبائر الذنوب، وقد توعد الله تعالى عليه وعيداً شديداً، فقال عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278، 279، وقال: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) البقرة/275 وثبت أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعن آكل الربا ومؤكله. رواه البخاري (5962) ، وآكل الربا آخذه، ومؤكله معطيه. وفي هذه المعاملة المسؤول عنها كل من الشخص والبنك آكل للربا ومؤكله. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله من ستة وثلاثين زنية" رواه أحمد والطبراني وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 3375، وقال: (الربا اثنان وسبعون بابا أدناها مثل إتيان الرجل أمه) رواه الطبراني في الأوسط، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 3537 وقد أجمع العلماء على تحريم كل قرض جر نفعا، قال ابن قدامة رحمه الله: (وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المُسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية، فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا. وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة) المغني 6/436 ثانياً: وأما كونك تكون مستأجراً للبيت حتى يتم السداد ثم يصبح ملكاً لك، فهذا أيضاً محرم، وقد سبق في إجابة السؤال رقم (14304) بيان تحريم الإجارة المنتهية بالتمليك. وبالجملة فهذه المعاملة محرمة وهي ظلمات بعضها فوق بعض، ولا يجوز لمسلم أن يتساهل في التعامل بالربا بعد ثبوت الوعيد الشديد عليه، وتحريمه تحريماً قطيعاً، بل الواجب هو تحري الحلال فإن كل جسم نبت من حرام فالنار أولى به، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه. وقد سئلت اللجنة الدائمة عن حكم الإسلام في أخذ قرض من البنك بالربا لبناء بيت متواضع؟ فأجابت: يحرم أخذ قرض من البنوك وغيرها بربا سواء كان أخذ القرض للبناء أو للاستهلاك في طعام أو كسوة أو مصاريف علاج، أم كان أخذه للتجارة به وكسب بمائه، أم غير ذلك، لعموم آيات النهي عن الربا، وعموم الأحاديث الدالة على تحريمه، كما إنه لا يجوز إيداع مال في البنوك ونحوها بالربا. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم فتاوى اللجنة الدائمة (13/385) والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39829 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5329 وضع المال في البنك، وهل بناء المستشفيات من مصارف الزكاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[من لديه مبلغ من المال موضوع في دفتر توفير أو في أحد البنوك ويتم إخراج زكاة المال منه كل عام، هل يصبح هذا المبلغ مشكوكاً فيه بسبب الفائدة؟ وبالنسبة لإخراج الزكاة هل يجوز التبرع بمبلغ المال هذا في بناء مستشفى أو دار أيتام (عن طريق وضع هذا المبلغ تحت رقم حساب معين خاص بالجهة) أم يجب التبرع بالمبلغ يداً بيد؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: وضع المال في البنوك الربوية وأخذ الربا عليها والمسماة الفائدة من كبائر الذنوب، وإخراج الزكاة من هذا المال لا يعفي صاحبه من الإثم. وانظر جواب السؤال رقم (22339) ففيه بيان تحريم الربا. وجواب السؤال (181) ففيه بيان حرمة وضع المال في البنوك الربوية. ثانياً: وأما بالنسبة لمصارف الزكاة فإنه لا يجوز وضعها في بناء مستشفى ولا في بناء دار أيتام لا يداً بيدٍ، ولا بواسطة، فمصارف الزكاة محصورة لا يجوز الزيادة عليها، ومصارف الزكاة قد بيَّنها الله تعالى في قوله: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل} التوبة / 60. وقد وضَّحنا هؤلاء في جوابنا على السؤال رقم (6977) . وقد ذكرنا في عدة أجوبة عدم جواز دفع الزكاة في بناء المساجد والمدارس وكذلك في طباعة المصحف، فانظرها في (13734) و (21797) . لكن لو كان المقصود بوضعها في دار للأيتام أن هذه الأموال ينفق منها على الأيتام الفقراء فإن هذا جائز إذا كان الأيتام فقراء. والأفضل أن تتولى توزيع زكاة مالك بنفسك حتى تتأكد من أنك وضعتها في موضعها الذي أمرك الله به، وعليك بذل الوسع في تحديد المستحقين. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39211 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5330 بطاقة ((فيزا)) سامبا [السُّؤَالُ] ـ[يتداول بين الناس في الوقت الحاضر بطاقة (فيزا سامبا) صادرة من بعض البنوك، وقيمة هذه البطاقة إذا كانت ذهبية (548) ريالاً وإذا كانت فضية (245) ريالاً تسدد هذه القيمة سنوياً للبنك لمن يحمل بطاقة فيزا للاستفادة منها كاشتراك سنوي. وطريقة استعمال هذه البطاقة أنه يحق لمن يحمل هذه البطاقة أن يسحب من فروع البنك المبلغ الذي يريده (سلفة) ويسدد بنفس القيمة خلال مدة لا تتجاوز أربعة وخمسين يومًا، وإذا لم يسدد المبلغ المسحوب (السلفة) خلال الفترة المحدودة. يأخذ البنك عن كل مائة ريال من (السلفة) المبلغ المحسوب. فوائد قيمتها ريالاً وخمس وتسعين هللة (1.95) كما أن البنك يأخذ عن كل عملية سحب نقدي لحامل البطاقة (3.5) ريال عن كل (100) ريال تسحب منهم أو يأخذون (45) ريالاً كحد أدنى عن كل عملية سحب نقدي. ويحق لمن يحمل هذه البطاقة شراء البضائع من المحلات التجارية التي يتعامل معها البنك دون أن يدفع مالاً نقديًا وتكون سلفة عليه للبنك. وإذا تأخر عن سداد قيمة الذي اشتراه أربعة وخمسين يومًا يأخذون على حامل البطاقة عن كل مائة ريال من قيمة البضاعة المشتراة من المحلات التجارية التي يتعامل معها البنك فوائد قيمتها ريالاً وخمس وتسعين هللة (1.95) . فما حكم استعمال هذه البطاقة والاشتراك السنوي مع هذا البنك للاستفادة من هذه البطاقة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عُرِض هذا السؤال على اللجنة الدائمة فأجابت: إذا كانت حال بطاقة (سامبا فيزا) كما ذكر فهو إصدار جديد من أعمال المرابين وأكل لأموال الناس بالباطل وتأثيمهم وتلويث مكاسبهم وتعاملهم، وهو لا يخرج عن حكم ربا الجاهلية المحرم في الشرع المطهر (إما أن تقضي وإما أن تربي) لهذا فلا يجوز إصدار هذه البطاقة ولا التعامل بها. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم. وسئل عنها الشيخ ابن عثيمين رحمه الله فقال: الجواب: العقد على هذه الصفة لا يجوز لأن فيه ربا وهو قيمة الفيزا، وفيه أيضًا التزام بالربا إذا تأخر التسديد اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 13735 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5331 بيع خواتم الذهب للرجال [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم بيع الخواتم من الذهب المخصصة بلبس الرجال إذا تيقن التاجر أن المشتري سيلبسها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله بيع الخواتم من الذهب للرجال إذا علم البائع أن المشتري سوف يلبسها أو غلب على ظنه أنه يلبسها , فإن بيعها عليه حرام , لأن الذهب حرام على ذكور هذه الأمة , فإذا باعه على من يعلم أو يغلب على ظنه أنه يلبسه فقد أعان على الإثم , وقد نهى الله عز وجل عن التعاون على الإثم والعدوان , قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2. ولا يحل للصائغ أن يصنع الخواتم الذهب ليلبسها الرجال. [الْمَصْدَرُ] فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين. "مجموعة أسئلة في بيع وشراء الذهب". الحديث: 36906 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5332 يشتري سيارة من البنك بثمن مقسط، ثم يبيعها ليستفيد من ثمنها في زواجه [السُّؤَالُ] ـ[أنا شاب وأرغب في إكمال نصف ديني وأتزوج وقمت بخطبة إحدى الفتيات والزواج له مصاريف وتكاليف باهظة جدا من مهر وملحقاته، وأنا لا أملك كل ذلك فدلني أحد الأخوة بأن هناك نظام يسمى بالمرابحة لدى البنوك فذهبت وأخبرني المختص بأن علي أن أذهب إلى أحد المعارض (ولم يحدد) لآخذ سيارة ويقوم البنك بشرائها والتنازل لي بها مقابل أن يأخذ نسبة أرباح تقدر بـ 40741 ريال على المبلغ الأصلي وهو 95000 ريال على مدة 6.5سنوات ولا يوجد لدي حلول أخرى حيث إن أبي مديون جداً، وقد حاولت الاقتراض من أي شخص بدون أرباح فلم أجد سوى أحد البنوك والذي يأخذ نسبة ربح بدون أي بيع ونحوه (مال بمال) وهذا يعد ربا صريحا. وأنا أريد الزواج وأخشى على نفسي من الفتنة، أفتونا مأجورين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه المعاملة التي تريد أن تقدم عليها تتضمن معاملتين: الأولى: شراء السيارة عن طريق البنك، ولا يجوز ذلك إلا عند توفر شرطين: الأول: أن تكون السيارة مملوكة للبنك، فيشتري البنك السيارة لنفسه من المعرض، قبل أن يبيعها عليك. الثاني: أن يقبض البنك السيارة بنقلها من المعرض قبل بيعها عليك. وإذا خلت المعاملة من هذين الشرطين أو أحدهما كانت معاملة محرمة، انظر السؤال رقم (36408) والمعاملة الثانية: هي بيع هذه السيارة التي ما اشتُريت إلا لهذا الغرض وهو الحصول على المال، وهذا ما يسمى بالتورق أي الشراء والبيع لأجل الحصول على الورِق: أي الفضة. وهذا جائز عند جمهور العلماء، بشرط أن تبيع السيارة على غير من اشتريتها منه. جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (13/161) : نرجو إفادتنا عن مسألة التورق وما حكمها؟ فأجابت اللجنة: مسألة التورق هي أن تشتري سلعة بثمن مؤجل، ثم تبيعها بثمن حال على غير من اشتريتها منه بالثمن المؤجل؛ من أجل أن تنتفع بثمنها، وهذا العمل لا بأس به عند جمهور العلماء) انتهى. انظر السؤال رقم (45042) فإذا انضبطت المعاملتان بما سبق فلا حرج عليك، إن شاء الله. ونسأل الله أن يوفقك ويعينك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36410 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5333 شركة تقترض قروضاً ربوية للموظفين [السُّؤَالُ] ـ[تقدم شركة خدمة لموظفيها وهي قرض عقاري من البنك، ستدفع الشركة كل أموال الربا المترتبة على القرض وعلى الموظف أن يدفع بعض الضرائب من القرض للحكومة، لا توجد ضرائب على الأصول. هل هذا القرض حلال أم لا بالنسبة للموظفين؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يحل للموظفين أخذ هذا القرض، وهم – في الحقيقة – أحد أطراف العقد، وقد ثبت في السنة الصحيحة لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه. عن جابر قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكلَ الربا ومؤكلَه وكاتبَه وشاهدَيه، وقال: هم سواء. رواه مسلم (1598) . والظاهر أن الشركة لا تأخذ القرض الربوي إلا بتقديم الموظف طلباً برغبته في هذا القرض، فيكون متعاوناً مع الشركة في حصول هذا العقد الربوي متسبباً فيه، والله تعالى يقول: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) المائدة / 2 فالواجب على هؤلاء الموظفين أن يستغنوا عن هذا القرض، وأن يحتسبوا تركهم له لله تعالى، ولعل الله أن يعوضهم خيراً مما تركوا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 33709 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5334 كيف تسمح الدول الإسلامية بإنشاء البنوك الربوية؟ [السُّؤَالُ] ـ[قرأت كثيراً من الفتاوى التي تحرم العمل في البنوك التي تتعامل بالربا، وعندي إشكال وهو: إذا كانت هذه البنوك محرمة والعمل بها حراماً، فكيف يسمح بإنشائها في الدول الإسلامية؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحرام ما حرمه الله ورسوله، والحلال ما أحله الله ورسوله. والربا محرم بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، وكل مؤسسة أو بنك يقوم على الربا، فهو مؤذَن بالحرب من الله ورسوله، سواء كان ذلك في دولة إسلامية أو في دولة كافرة، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) البقرة / 278-279. وإقرار الحكومات للبنوك الربوية لا يعتبر دليلاً على إباحة ذلك، وقد أخبرنا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه سيأتي على الناس زمان يستحلون فيه ما حرم الله عليهم كالزنا والخمر والمعازف، ولا يعني ذلك أن هذه المحرمات تصير حلالاً بذلك. وقد كثر تحذير أهل العلم من هذه البنوك، وكثرت فتاواهم في تحريم العمل فيها دون التفات لكونها مرخصا لها من قبل الدولة، وكثيراً ما نصحوا حكومات الدول الإسلامية بمنع هذه البنوك الربوية. جاء في فتاوى الجنة الدائمة (15/51) : (الربا حرام بالكتاب والسنة والإجماع. . . والعمل بالبنوك التي تتعامل بالربا حرام. . . وتقرير الحكومة له أو ترخيصها بفتح البنوك وإنشائها أو السكوت عن ذلك لا يبيح للمسلم التعامل بالربا، ولا يبيح له العمل فيها؛ لأنها ليس لها سلطة التشريع، إنما التشريع إلى الله وحده في كتابه العزيز، أو وحيه إلى رسوله صلى الله عليه وسلم) اهـ. وجاء فيها أيضاً (15/55) : (العمل في البنوك التي تتعامل بالربا حرام سواء كانت في دولة إسلامية أو دولة كافرة، لما فيه من التعاون معها على الإثم والعدوان الذي نهى الله سبحانه وتعالى عنه بقولهم: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة /2.) اهـ. وقال الشيخ ابن باز بعد أن ذكر بعض الأدلة من الكتاب والسنة على تحريم الربا: (فهذه بعض الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تبين تحريم الربا وخطره على الفرد والأمة، وأن من تعامل به وتعاطاه فقد أصبح محارباً لله ورسوله. فنصيحتي لكل مسلم أن يكتفي بما أباح الله ورسوله وأن يكف عما حرمه الله ورسوله. ففيما أباح الله كفاية وغنى عما حرم الله وألا يغتر بكثرة بنوك الربا وانتشار معاملاتها في كل مكان، فإن كثيراً من الناس أصبح لا يهتم بأحكام الإسلام، وإنما يهتم بما در عليه المال من أي طريق كان وما ذلك إلا لضعف الإيمان وقلة الخوف من الله عز وجل وغلبة حب الدنيا على القلوب نسأل الله السلامة) اهـ. مجلة البحوث الإسلامية (6/310) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 32534 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5335 وضع المال في البنوك الربوية [السُّؤَالُ] ـ[أنا امرأة عندي ميراث كبير وأقوم بالصرف على بيتي من مأكل ومصاريف كليات وزواج لأبنائي مع العلم بأن زوجي ضابط شرطة، ولكن مرتبه لا يكفينا حتى نعيش عيشة مرتاحة من كل المشاكل المادية، وأنا أضع ميراثي كله في البنك ونعيش من الفائدة، فهل يعتبر ما أقوم بصرفه من الزكاة أم يجب على أن أستخرجها؟ وكم تكون قيمتها على الفائدة أم أصل المبلغ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله 1. وضع المبالغ في البنوك وأخذ الربا – وهو ما يسمَّى " فائدة " – حرام وهو من كبائر الذنوب. قال علماء اللجنة الدائمة: أولاً: الأرباح التي يدفعها البنك للمودعين على المبالغ التي أودعوها فيه تعتبر ربا، ولا يحل له أن ينتفع بهذه الأرباح، وعليه أن يتوب إلى الله من الإيداع في البنوك الربويَّة، وأن يسحب المبلغ الذي أودعه وربحه، فيحتفظ بأصل المبلغ وينفق ما زاد عليه في وجوه البر من فقراء ومساكين وإصلاح مرافق ونحو ذلك. ثانياً: يبحث عن محل لا يتعامل بالربا ولو دكاناً ويوضع المبلغ فيه على طريق التجارة مضاربة، على أن يكون ذلك جزءاً مشاعاً معلوماً من الربح كالثلث مثلاً، أو بوضع المبلغ فيه أمانة بدون فائدة. " فتاوى إسلاميَّة " (2 / 404) . ومعنى المضاربة أن يشترك شخصان أحدهما بالمال والثاني بالعمل، ويكون الربح بينهما على ما يتفقان عليه. وقال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -: لا ريب أن العمل في البنوك التي تتعامل بالربا غير جائز؛ لأن ذلك إعانة لهم على الإثم والعدوان، وقد قال الله سبحانه: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن أكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: " هم سواء " أخرجه مسلم في صحيحه. أما وضع المال في البنوك بالفائدة الشهرية أو السنوية فذلك من الربا المحرم بإجماع العلماء، أما وضعه بدون فائدة: فالأحوط تركه إلا عند الضرورة إذا كان البنك يعامل بالربا لأن وضع المال عنده ولو بدون فائدة فيه إعانة له على أعماله الربوية فيخشى على صاحبه أن يكون من جملة المعينين على الإثم والعدوان وإن لم يرد ذلك، فالواجب الحذر مما حرم الله والتماس الطرق السليمة لحفظ الأموال وتصريفها، وفق الله المسلمين لما فيه سعادتهم وعزهم ونجاتهم، ويسر لهم العمل السريع لإيجاد بنوك إسلامية سليمة من أعمال الربا إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه. " فتاوى ابن باز " (4 / 30، 311) . 2. وما تنفقه الأم على أبنائها لا يحسب من الزكاة؛ لأنه في حال عجز الوالد عن الإنفاق على أولاده ينتقل وجوب الإنفاق إلى الأم إذا كان عندها سعة. المغني 11/373 وإذا وجب على الأم أن تنفق على أولادها صاروا أغنياء بنفقتها عليهم فلا يجوز أن يعطوا من الزكاة. 3. ويجب الإسراع في إخراج المال من البنوك الربويَّة، وما يترتب على المال من فوائد ربويَّة لا يحل لكم الانتفاع بها بل يجب التخلص منها في أي وجوه الخير، وما سبق أخذه من الفوائد الربويَّة فهو عفو إذا كان أخذه جهلاً بحكم الشرع فيه. قال الشيخ عبد الله بن جبرين: عليك التوبة مما أكلته من الربا الذي أعطاك إياه البنك باسم الفائدة، وليس عليك أن تغرمه وتُخرجه، بل هو مما يعفو الله عنه لقوله تعالى: {فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله} ، فإن أخذتَ الربا بعد ذلك: فتصدَّق به على من يستحق الصدقة من قريب أو بعيد لتسلم من إثم أكل الربا. " فتاوى إسلاميَّة " (2 / 406، 407) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 30798 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5336 نظام الادخار في أرامكوا والموقف من اختلاف الفتوى فيه [السُّؤَالُ] ـ[نحن مجموعة من موظفي أرامكو السعودية، يهمنا كما يهم أي فرد مسلم شرعية الأموال التي يحصل عليها، وإننا في الآونة الأخيرة وقعنا في حيرة عظيمة لا يعلم بها إلا الله عز وجل، لعل عندكم شيئاً من علم عن نظام الادخار في أرامكو السعودية، (فالشركة تحفزني بأن أدخر عندهم بإعطائي مكافئة عند التقاعد أو عند ترك العمل في الشركة. المساهمة هي نسبة مئوية من مساهمتي حسب بقائي في الخدمة، مثلاً إذا كانت مساهمتي الكلية 100000 ريال وخدمتي في الشركة 10 سنوات فتكون مكافئتي من الشركة هي 100000 ريال. وإذا كانت مدة خدمتي 7 سنوات فتكون مكافئتي 70% فقط من 100000 ريال وهي 70000 ريال. وإننا كما نعلم مسبقا أن هذا النظام محرم شرعا بحكم فتوى اللجنة الدائمة الصادر في ذلك، ولكننا في الآونة الأخيرة جاءتنا فتوى من الشيخ عبد الله بن منيع حفظه الله بجواز هذا النظام الادخاري، فوقعنا بذلك في حيرة، فلا نعلم هل نتبع اللجنة أم نتبع الشيخ المنيع بحكم تخصصه في المجالات الاقتصادية.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نظام الادخار المعمول به في شركة أرامكوا نظام محرم، وهو ربا صريح؛ لكونه قرضاً جر نفعاً، فإن من دفع 100,000 ليأخذها بعد مدة عشر سنوات، أو سبع، أو غير ذلك، مضافا إليها مكافأة قدرها 100,000 أو 70,000، أو ريالا واحدا، فقد وقع في الربا الصريح، المحرم بإجماع العلماء. قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: (وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المُسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية، فأسلف على ذلك، أَنَّ أخذ الزيادة على ذلك ربا. وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرضٍ جرَّ منفعة.) المغني 6/436 ولا عبرة بتسمية الشركة لهذه المعاملة ادخارا أو استثمارا أو مضاربة، فإن كل استثمار ضُمن فيه رأس المال لصاحبه، فهو عقد قرض، وإن سماه الناس غير ذلك، فالعبرة بحقائق الأشياء لا بمسمياتها. أما الاستثمار، أو التوفير، أو الادخار المشروع فيقوم على أسس أهمها: 1- أن يكون المال منك، والعمل من الطرف الآخر، ولا مانع أن يدخل بحصة من المال مع العمل. 2- أن يكون مجال الاستثمار مباحا، معلوما لك، فإن غالب هذه الشركات تستثمر المال بوضعه في بنوك الربا، أو إقامة مشاريع غير مباحة. 3- أن تتفقا على نسبة محددة من الربح، لا من رأس المال، فيكون لك 50 % أو 10 % من الربح مثلا. 4- أن لا يضمن المضارب لك رأس المال، بل متى وقعت الخسارة - بلا تفريط منها - فالخسارة في مالك، ويخسر هو عمله. وحيث كان رأس المال مضمونا فالمعاملة قرض يلزم سداده دون زيادة، فإن اشتُرطت فيه الزيادة فهو ربا. نسأل الله أن يصرف عنا الربا وشره وخطره، وأن يغنينا بحلاله عن حرامه. والحاصل أن نظام الادخار في شركة أرامكو محرم؛ لضمان رأس المال فيه، ولكون الربح نسبة محددة من رأس المال، فهو حينئذ قرض بفائدة، ولجهالة الجهة التي تستثمر فيها الأموال. وقد أشارت اللجنة الدائمة إلى بطلان الدعوى بأن ما يعطاه الموظف مكافأة من الشركة؛ لأنها لا تعطي هذا إلا لمن يدخر، ولو كانت مكافأة محضة لشملت جميع الموظفين. - وكما ذكر السائل فقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء برئاسة الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله ومعه الشيخ عبد الرزاق عفيفي والشيخ عبد الله بن غديان والشيخ عبد الله بن قعود – وهم من كبار العلماء – عن نظام الإدخار في شركة أرامكوا فأجابوا بما نصه: " الاشتراك في نظام الادخار بشركة أرامكوا حرام؛ لما فيه من ربا الفضل وربا النسأ، وذلك لما فيه من تحديد نسبة ربوية تتراوح ما بين خمسة بالمائة ومائة بالمائة من المال المدخر للموظف السعودي، وكذا ما يُعطاه الموظف المُدَخِر من المكافأة دون من لم يدخر من موظفيها، كما هو منصوص في نظام ادخارها. " فتاوى اللجنة الدائمة 13/510-515 وكذا أفتى الشيخ محمد بن صالح العثيمين وغيره من أهل العلم بتحريم نظام الإدخار في شركة أرامكوا. ثانياً: إذا اختلف العلماء في الحكم الشرعي في مسألة شرعية فعلى المستفتي أن يجتهد في معرفة الحق بالنظر في أدلة كلا الفريقين فيعمل بما ترجح له. هذا فيما لو كان المستفتي طالب عالم له القدرة على الترجيح. أما إن لم يتمكن من الترجيح نظراً لعدم تخصصه في العلم الشرعي فالواجب عليه أن يأخذ بقول الأعلم والأوثق عنده، وليس له أن يتخير من الأقوال ما يشاء. وفي مسألتنا هذه تبين أن كبار العلماء أفتوا بالتحريم، وهم أعلم وأوثق ممن خالفهم – وليس هذا قدحاً في الطرف الثاني -، لذا فالواجب عليك الابتعاد عن هذا النظام لما تقدم. وقد سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله عن موقف المسلم من اختلاف العلماء فأجاب: " إذا كان المسلم عنده من العلم ما يستطيع به أن يقارن بين أقوال العلماء بالأدلة، والترجيح بينها، ومعرفة الأصح والأرجح وجب عليه ذلك، لأن الله تعالى أمر برد المسائل المتنازع فيها إلى الكتاب والسنة، فقال: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) النساء/59. فيرد المسائل المختلف فيها للكتاب والسنة، فما ظهر له رجحانه بالدليل أخذ به، لأن الواجب هو اتباع الدليل، وأقوال العلماء يستعان بها على فهم الأدلة. وأما إذا كان المسلم ليس عنده من العلم ما يستطيع به الترجيح بين أقوال العلماء، فهذا عليه أن يسأل أهل العلم الذين يوثق بعلمهم ودينهم ويعمل بما يفتونه به، قال الله تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) الأنبياء/43. وقد نص العلماء على أن مذهب العامي مذهب مفتيه. فإذا اختلفت أقوالهم فإنه يتبع منهم الأوثق والأعلم، وهذا كما أن الإنسان إذا أصيب بمرض فإنه يبحث عن أوثق الأطباء وأعلمهم ويذهب إليه لأنه يكون أقرب إلى الصواب من غيره، فأمور الدين أولى بالاحتياط من أمور الدنيا. ولا يجوز للمسلم أن يأخذ من أقوال العلماء ما يوافق هواه ولو خالف الدليل، ولا أن يستفتي من يرى أنهم يتساهلون في الفتوى. بل عليه أن يحتاط لدينه فيسأل من أهل العلم من هو أكثر علماً، وأشد خشية لله تعالى " انتهى من كتاب اختلاف العلماء أسبابه وموقفنا منه ص23، أنظر السؤال (22652) . وعلى المسلم أن يحذر من استفتاء من عُرف بالتساهل ومخالفة من هو أعلم منه من العلماء الثقات، وليحذر المسلم من اتباع الهوى والأخذ بالفتاوى التي توافق ما تريده نفسه وتهواه فإن المسلم مطالب بمخالفة هوى النفس، قال تعالى: (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى) والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 30842 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5337 هل تجوز الصلاة في المسجد المبني بالربا [السُّؤَالُ] ـ[تم بناء مركز إسلامي في منطقتي. وقد اشترى المسلمون الممتلكات عن طريق أخذ قرض كبير بفوائد ربوية. وقد بني المسجد باستخدام هذه الفوائد. هل هو حرام على الطالب المسلم أن يصلي أو يمارس الأنشطة في هذا المسجد؟ أو يجب عليه الذهاب إلى المساجد الأخرى في المنطقة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تجوز الصلاة في هذا المسجد ويجب على من اقترض بالربا التوبة إلى الله. والله الموفق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 1885 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5338 حكم شراء عقار عن طريق برنامج "تمويل منازل" [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم تملك منزل عن طريق "برنامج منازل" بعقد تأجير مع الوعد بالبيع، وفي حالة تأخر سداد أيٍّ من الأقساط: سوف يفرض البنك رسماً بحد أدنى قدره 16 % في السنَة، وتُعتبر غرامات تأخير تصرف للأغراض الخيرية، ولا تدخل في أرباح البنك. "برنامج منازل": في سعينا الدائم إلى مساعدة عملائنا على امتلاك المنازل بتمويل متوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية، وإيماناً منَّا في تحقيق كل ما يلبِّي رغبات عملائنا الكرام: تمَّ طرح " تمويل منازل " المصمم على أساس استئجار العقار مع خيار التملك، حيث يقوم العميل بتسديد جزء من الإيجار مقدَّماً على أن يتم تسديد الدفعات المتبقية من الإيجار إلى البنك بأقساط شهرية ميسرة. سوف يمكنكم هذا التمويل من تحقيق التالي: • امتلاك منزل جاهز (فيلا، دبلكس، أو عمارة سكنية) . • امتلاك منزل قيد الإنشاء - على وشك الانتهاء -. • امتلاك أرض لبناء منزل المستقبل. • الحصول على تمويل مقابل العقار الذي تملكه حاليّاً. • الحصول على تمويل منزلك، وتمويل إضافي للأثاث. المزايا والفوائد: • حد التمويل المتوفر لغاية 5,000,000 ريال سعودي. • مدة التمويل المتوفر لغاية 25 سنة. • التمويل متاح لموظفي الحكومة، والشركات الخاصة، والبنوك، وأصحاب المؤسسات الفردية. • يمكن الحصول على التمويل بشكل مشترك بين الزوج والزوجة، أو الأقارب من الدرجة الأولى. • تغطية مجانية بالتعاون مع " ساب تكافل " على محتويات المنزل لمدة عام واحد عند حصولك على تمويل " منازل ".]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: هذا العقد اشتمل على شرط ربوي، وهو "الغرامة" أو "الرسم" الذي يفرضه البنك على العميل في حال تأخره عن دفع قسط من الأقساط، وتسميتها "رسماً" لا يؤثر في حكم تحريمها، ودفعها للجهات الخيرية لا يجعلها حلالاً، فلا يحل للدائن أن يزيد شيئاً على الدين مقابل تأخر المدين عن سداده، ولو لم يأخذ الدائن تلك الزيادة لنفسه، ولو أراد جعلها في وجوه الخير المختلفة. وقد سبق بيان تحريم هذه الغرامة ولو كانت ستنفق في أوجه الخير في جواب السؤال رقم: (101384) و (126950) . ثانياً: بخصوص "عقد الإيجار المنتهي بالتمليك" المذكور في السؤال: لم نقف على تفصيله، لكن هذا النوع من العقود له صور محرمة وأخرى جائزة، سبق ذكرها في جواب السؤال رقم: (97625) . كما أن قولهم: "الحصول على تمويل مقابل العقار الذي تملكه حالياً، والحصول على تمويل منزلك، وتمويل إضافي للأثاث" يحتاج إلى الوقوف على حقيقة هذا التمويل، حتى يمكن الحكم عليه هل هو جائز أم لا؟ والله أعلم [الْمَصْدَرُ] موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 140247 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5339 حكم العمل بالبريد في بلاد الكفر في توزيع مجلات سيئة [السُّؤَالُ] ـ[أعيش في الدانمارك في أوروبا وأعمل في خدمة البريد هنا كساع للبريد مدة عام حتى الآن. وقد بدأت أشك في أن هذا الأمر حلال أم حرام لأننا نسلم مجلات ذات أفعال سيئة كما أننا نعطي معاملات تجارية لتلك المحلات التي تعمل في الحرام. وإنني حزين جدا لأنني لم أكن أعرف هذا من قبل فأنا والحمد لله أسعي دائما للطريق الصحيح. فهل يكون مالي حلال أم حرام؟ فإذا كان هذا حراما فماذا علي أن أفعل بما اكتسبته منهم من مال وماذا علي أن أفعل بما سوف أكسبه طوال الثلاثة أشهر القادمة التي سوف أضطر فيها للعمل معهم لإكمال مدة العقد. جزاكم الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا يجوز العمل في بيع أو شراء تلك المجلات السيئة، ولا التعاون على ذلك، أو الدعوة إليه، سواء كان ذلك بأجر، أو بغير أجر؛ لما تحويه تلك المجلات من المحرمات، كالصور الهابطة، والمقالات المخالفة لدين الله، والتي قد تكون مقالات إلحادية، ومشاركات كفرية، وخاصة في بلاد الكفر التي لا يدين أهلها دين الله، ولا يراعون لله حرمة، ولا يرجون لله وقارا. قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: " الصحف التي بهذه المثابة: من نشر الصور الخليعة، أو سب الدعاة، أو التثبيط عن الدعوة، أو نشر المقالات الإلحادية، أو ما شابه ذلك: الصحف التي هذا شأنها يجب أن تقاطع، وأن لا تشترى، ويجب على الدولة إذا كانت إسلامية أن تمنعها؛ لأن هذه تضر المجتمع وتضر المسلمين، فالواجب على المسلم ألا يشتريها، وأن لا يروجها، وأن يدعو إلى تركها، ويرغب في عدم اقتنائها وعدم شرائها، وعلى المسؤولين الذي يستطيعون منعها أن يمنعوها، أو يوجهوها إلى الخير، حتى تدع الشر وتستقيم على الخير " انتهى. "مجموع الفتاوى" (8 / 176) . ثانيا: الواجب عليك التوبة من العمل في ذلك العمل، تلك الفترة التي قضيتها فيه، ولا يجوز لك بعد العلم بالتحريم أن تستمر في عملك هذا، ولا يجوز لك إكمال مدة العقد الباطل الذي عقدته معهم على هذا العمل المحرم، وأما حكم ما سبق منك من العمل من قبل أن تعلم بالتحريم، فنرجو أن يكون في محل العفو من الله تعالى. قال تعالى: (فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) البقرة/275. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في بيان فوائد هذه الآية: " ومنها: أن ما أخذه الإنسان من الربا قبل العلم فهو حلال له بشرط أن يتوب وينتهي ". "تفسير القرآن" (5/298) . وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله عن شخص يعمل في بنك ربوي، وقد تزوج منه راتبه من ذلك البنك، ويتعيش منه؟ فقال رحمه الله: " لا يجوز العمل في مثل هذا البنك، لأن العمل فيه من التعاون على الإثم والعدوان وقد قال الله سبحانه وتعالى (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) . وفي الصحيح عن جابر بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: (هم سواء) . رواه مسلم. أما الرواتب التي قبضتها فهي حل لك إن كنت جاهلاً بالحكم الشرعي، لقول الله سبحانه: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) . أما إن كنت عالماً بأن هذا العمل لا يجوز لك: فعليك أن تصرف مقابل ما قبضت من الرواتب في المشاريع الخيرية، ومواساة الفقراء، مع التوبة إلى الله سبحانه، ومن تاب إلى الله توبة نصوحاً قبل الله توبته وغفر سيئاته، كما قال الله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) الآية. وقال تعالى (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) " انتهى. "فتاوى إسلامية" (2/874) . ثالثا: العقد الذي بينك وبينهم فيما بقي من هذه المدة: اجتهد في أن تتخلص منه بأي وسيلة تقدر عليها؛ فإن كان مسموحا لك بأن تستقيل: فقدم لهم استقالتك، وإن لم يكن ذلك مسموحا، فحاول أن تحصل على أي نوع من الإجازات، أو التعلل بظرف طارئ، أو نحو ذلك، ولو ترتب على ذلك خسارة مادية، أو غرامة مالية، فتحملها نظير تخلصك من هذا العمل المحرم. واعلم أنه من اتقى الله يسر الله له أمره، وجعل له من كل ضيق وهم فرجا ومخرجا. والله أعلم. راجع إجابة السؤال رقم: (89737) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 138530 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5340 هل يبيع قطعة من الزجاج الفاخر على رجل سيبيعها على أنها من الماس؟ [السُّؤَالُ] ـ[صاحبي يعمل في تركيب الماس في إحدى الشركات, ووجد قطعة من الزجاج من النوع الفاخر جدا لدرجة أن مظهرها الخارجي يشبه الماس بدرجة كبيرة.. فعرض عليه أحد أصحاب محلات المجوهرات أن يشتريها منه, ولكن صاحبي هذا متأكد بنسبة كبيرة أن هذا الرجل سيأخذها منه ويبيعها لأي شخص علي أنها قطعة ماس.. وصاحبي يريد أن يعرف هل يجوز أن يبيعها له أم يحرم عليه بيعها له؟ وهل يجوز أن يبيعها لأي شخص آخر علي أنها قطعة زجاج؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لم تبين لنا كيف وجد صاحبك هذه القطعة ولا أين وجدها؟ فإذا كانت هذه القطعة لها قيمة كبيرة بحيث يبحث عنها صاحبها، وكان صاحبك وجدها في الشركة أم في طريق ونحو ذلك فهي لقطة، يجب عليه أن يسأل عن صاحبها مدة سنة، فإن لم يعثر عليه فله الانتفاع بها بعد سنة، بشرط: متى جاء صاحبها يوماً من الدهر ردها إليه ـ إن كانت موجودة ـ أو قيمتها إن كان باعها. ولمعرفة أحكام اللقطة يراجع جواب السؤال رقم: (5049) . ثانياً: لا حرج على صاحبك من بيع هذه القطعة على أنها قطعة زجاج، ولكن لا يجوز له بيعها لمن يغلب على ظنه أنه سيبيعها على أنها ماس، ويخدع المشتري ويغشه؛ لأنه من التعاون على الإثم والعدوان، وقد نهى الله تعالى عنه بقوله: (وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2. قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: "كل ما يستعمل على وجه محرم، أو يغلب على الظن ذلك، فإنه يحرم تصنيعه واستيراده وبيعه وترويجه بين المسلمين" انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/109) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 132876 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5341 حكم عمل الحلوى ونحوها على هيئة ذوات الأرواح، وحكم بيعها [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم عمل الحلوى والكيك التي تكون على صورة ذوات الأرواح وحكم بيعها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز تشكيل الحلوى أو الكيك ونحوها على هيئة صور ذوات الأرواح؛ لعموم الأحاديث الدالة على تحريم التصوير، كقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كُلُّ مُصَوِّرٍ فِي النَّارِ، يَجْعَلُ لَهُ بِكُلِّ صُورَةٍ صَوَّرَهَا نَفْسًا فَتُعَذِّبُهُ فِي جَهَنَّم َ) رواه مسلم (2110) . وعن عَبْد اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ) رواه البخاري (5950) ومسلم (2109) . قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: " مدار التحريم في التصوير كونه تصويرا لذوات الأرواح سواء كان نحتا أم تلوينا في جدار أو قماش أو ورق أم كان نسيجا، وسواء كان بريشة أم قلم أم بجهاز، وسواء كان للشيء على طبيعته أم دخله الخيال فصغر أو كبر أو جُمِّل أو شُوِّه أو جعل خطوطا تمثل الهيكل العظمي، فمناط التحريم كون ما صور من ذوات الأرواح، ولو كالصور الخيالية التي تجعل لمن يمثل القدامى من الفراعنة وقادة الحروب الصليبية وجنودها " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/696) . وقد نص العلماء على تحريم صنع الصور ولو كانت من الحلوى أو ما يشبهها. قال الدردير في "الشرح الكبير" (2/337-338) " " يحرم تصوير حيوان عاقل أو غيره إذا كان كامل الأعضاء إذا كان يدوم إجماعا، وكذا إن لم يدم على الراجح كتصويره من نحو قشر بطيخ " انتهى. قَالَ الْقَلْيُوبِيُّ في حاشيته: " لَا يَصِحُّ بَيْعُ الصُّوَرِ وَالصُّلْبَانِ وَلَوْ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ حَلْوَى " انتهى بتصرف. "حاشية قليوبي" (2/198) . وعلى هذا، يحرم صنع التماثيل من الحلوى، ويحرم بيعها. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131961 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5342 حكم بيع المنزل المرهون للصندوق العقاري [السُّؤَالُ] ـ[والدي توفي رحمة الله وقبل وفاته كان لديه منزل كان قد باعه وكان على هذا المنزل قرض صندوق التنمية العقاري (مرهون للبنك العقاري) وكان قد اتفق مع المشتري على أن يتولى الأخير سداد المبلغ المتبقي من القرض وقد تم ذلك كما هو معلوم بدون علم صندوق التنمية العقاري وبعد وفاة الوالد بفترة علمنا أن المشتري سدد تقريباً قسطين فقط وقام ببيعها بنفس الكيفية وان المشتري الجديد لم يقم بتسديد أي قسط حتى تاريخه وتراكمت الأقساط والمطلوب الآن لصندوق التنمية 200.000 ريال فهل على ذمة والدي شي الآن؟ مع العلم أن والدي وقت البيع أنقص من قيمة المنزل في وقت البيع ما يوازي المبلغ المتبقي للبنك العقاري.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الرهن لا يلزم إلا بالقبض، فإذا لم يقبض المرتهن (وهو البنك) الرهن (وهو المنزل) لم يكن الرهن لازماً، وجاز للراهن (وهو والدك) التصرف فيه بالبيع وغيره. قال ابن قدامة رحمه الله: " (ولا يصح الرهن إلا أن يكون مقبوضا من جائز الأمر) يعني لا يلزم الرهن إلا بالقبض، وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي " انتهى من "المغني" (4/216) . وقال البهوتي في "كشاف القناع" (3/332) : "ولو أذن الراهن للمرتهن في قبض الرهن ثم تصرَّف الراهن قبل القبض نفذ تصرفه لعدم اللزوم بعد القبض" انتهى بتصرف. هذه هي القاعدة العامة في الرهن عند جمهور الفقهاء، لكن ما يجري عليه العمل مع الصندوق العقاري فيه زيادة اتفاق على أن الراهن لا يتصرف في المنزل ببيع أو غيره، فيلزم الوفاء بالشرط. وقد رجح الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أنه لا يجوز بيع البيت المرهون للبنك العقاري لأمرين: وجود الشرط المشار إليه، وأن الرهن يلزم بدون قبضٍ عنده رحمه الله. فقد سئل رحمه الله: نحن مجموعة من المواطنين أتيحت لنا فرصة الاقتراض من البنك العقاري ونريد أن نبيع أملاكنا التي قد رهنها البنك العقاري بشرط أن يلتزم المشتري بتسديد ما في ذممنا للبنك فهل يجوز لنا التصرف في البيع وإذا لم يجز فما هو المخرج أو الحل من ذلك؟ فأجاب: "يجوز لكم أن تتصرفوا فيها بالبيع بشرط أن يأذن لكم المسؤولون في صندوق التنمية، فإذا أذنوا لكم فلا حرج، أو بطريقة أخرى وهي أن توفوا الصندوق حتى يتحرر العقار من الرهن، فإذا تحرر العقار من الرهن فلا بأس ببيعه حينئذٍ لأنه لا حق لأحد فيه، أما إذا لم يأذن الصندوق بالتصرف فيه بالبيع ولم تفكوا رهنه بإيفاء فإنه لا يحل لكم أن تبيعوه. أولاً: لأنه مرهون والمرهون مشغول بحق الراهن ولا يجوز بيعه؛ لأن ذلك يكون سبباً لمشاكل كثيرة ربما يضيع حق الصندوق بمثل هذا التصرف. وثانياً: لأن الله سبحانه وتعالى أمر بالوفاء بالعقود فقال تعالى: (يا أيها الذين أمنوا أوفوا بالعقود) وأمر بالوفاء بالعهد فقال: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً) وأنت قد عقدت مع الصندوق عقداً مقتضاه أن لا تتصرف في هذا الرهن بدون إذنه، ثم إنه زيادة على ذلك قد اشُترط في وثيقة العقد مع الصندوق في إحدى المواد أن المستفيد لا يتصرف فيه ببيع ولا غيره، وهذا الشرط قد قبله الراهن صاحب العقار ووقع عليه والتزم به فيجب عليه أن يوفي بما التزم به، فالوفاء للصندوق بما التزمت به شرطاً وبما يلزمك شرعاً أمر واجب عليك؛ لأنك سوف تسأل عنه. وأما من تساهل في ذلك وباعه بحجة أن جمهور العلماء يرون أن الرهن لا يلزم إلا بالقبض وأن هذا العقار ليس مقبوضاً من قبل الصندوق لأنه بيد صاحبه فهذا التساهل فيه نظر من وجهين: الوجه الأول: أن هذا الراهن قد التزم شرطاً على نفسه وهو أنه لا يتصرف فيه ببيع ولا غيره، فهو قد التزم بذلك ولو فرضنا أن هذا ليس مقتضى الرهن المطلق إذا لم يُقبض، فإن هذا التزام شرط لا ينافي الكتاب ولا السنة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) ومفهومه كل شرط لا يخالف كتاب الله فهو حق وثابت وفي الحديث الذي في السنن المشهور (المسلمون على شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً) . الوجه الثاني: أن القول الصحيح في هذه المسألة أن الرهن يلزم ولو بدون القبض إذ لا دليل على وجوب قبضه إلا قوله تعالى: (وَإِنْ كُنُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) وفي الحقيقة إن هذه الآية يرشد الله فيها الإنسان إلى التوثق من حقه في مثل هذه الحال إذا كان على سفر ولم يجد كاتباً ولا طريقة إلى التوثق بحقه في مثل هذه الحال إلا برهن مقبوض لأنه لو ارتهن شيئاً ولم يقبضه لكان يمكن أن ينكر الراهن ذلك الرهن كما أنه يمكن أن ينكر أصل الدين، ومن أجل أنه يمكن أن ينكر أصل الدين أرشد الله تعالى إلى الرهن المقبوض فإذن لا طريق للتوثق بحقه في مثل هذه الحال إلا إذا كان الرهن مقبوضاً، ثم إن آخر الآية يدل على أنه إذا لم يُقبض وجب على من اؤتمن عليه أن يؤدي أمانته فيه لأنه قال: (فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ) فإذا كان كذلك فإن المرتهن قد أمن الراهن بإبقائه عنده، فإذا كان قد ائتمنه فإن واجب الراهن أن يؤدي أمانته وأن يتقي الله ربه، ثم إن عمل الناس عندنا على هذا، فإن صاحب البستان يستدين لتقويم بستانه، وبستانه بيده، وصاحب السيارة يرهن سيارته وهي في يده يكدها وينتفع بها، وكذلك صاحب البيت يرهنه لغيره وهو ساكنه، والناس يعدون هذا رهناً لازماً ويرون أنه لا يمكن للراهن أن يتصرف فيه بالبيع، فالقول الصواب في هذه المسألة أن الرهن يلزم وإن لم يقبض متى كان معيناً، وهذا العقار الذي استدين من صندوق التنمية له هو رهن معين قائم فالرهن فيه لازم وإن كان تحت يد الراهن، إذن فلا يجوز لمن استسلف من صندوق التنمية أن يبيع عقاره الذي استسلف له إلا في إحدى الحالين السابقين: أن يستأذن من المسؤولين في البنك ويأذنوا له، أو أن يوفي البنك ويحرر العقار من الرهن والله الموفق " انتهى من "فتاوى نور على الدرب". ثانيا: حيث إن البيع قد تم، وجرى على ذلك مدة، وانتقل من يد المشتري إلى مشتر آخر، فالأظهر والله أعلم أن يقال بصحة البيع، أخذا بمذهب الجمهور، ولتعذر فسخه. وعليه؛ فما دام والدك رحمه الله قد باع المنزل وأنقص من ثمنه قدر الدين الذي للبنك، فلم يتعمد الهرب من الدين، فلا يلحقه شيء إن شاء الله تعالى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131492 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5343 حكم شراء المنتجات وعليها النجمة السداسية، وهل منها منتجات "مونت بلانك"؟ [السُّؤَالُ] ـ[فقد انتشر بين الناس ماركة عالمية " مون بلان " – للتصحيح فالماركة اسمها " مونت بلانك "، تحمل شكلاً مشابهاً لـ " نجمة إسرائيل "، فهل يجوز ارتداء حليهم، أو اقتناء أقلامهم، أو كباكتهم؟ وهل لهذه النجمة ارتباط ديني؟ أرجو توضيح ذلك؛ فقد عم يها البلاء. وهذا موقع الشركة www.montblanc.com.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: هناك اختلاف في حقيقة تاريخ اتخاذ النجمة شعاراً لليهود، والذي يعنينا الآن: أن هذه النجمة صارت شعاراً لهم، وجزءاً من علم دولتهم. جاء في " الموسوعة العربية العالمية ": " نجمة داود "، " Star of David ": وتسمَّى أيضاً " ترس داود "، وهي الرمز العالمي لليهودية، تظهر نجمة داود في علَم " دولة إسرائيل "! والمعابد اليهودية، وفي الأشياء التي تستخدم عند ممارسة الطقوس الدينية، وفي شعارات مختلف المنظمات. تتكون النجمة من مثلثين، يتشابكان لتكوين نجمة سداسية، وشكل هذه النجمة معروف منذ القدم، ولكن لا يعرف الباحثون متى اشتهر بوصفه رمزاً لليهودية، ويعتقد أنه ظهر قبل عام 960 ق. م، أما المصطلح اليهودي " ماغن ديفيد " الذي يعني " ترس داود ": فيعود إلى أواخر القرن الثالث الميلادي" انتهى. تنبيه: من الخطأ أن نقول: " نجمة داود "، والصواب: أن يقال: " النجمة السداسية "؛ لأنه لا يُعرف لداود عليه السلام نجمة، ثم هم يريدون نسبة أنفسهم لنبي من الأنبياء، مع أن الواقع أن الكفرة منهم ملعونون على لسانه عليه السلام، قال تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) المائدة/ 78. ومن أراد الزيادة في معرفة تاريخ ظهور هذه النجمة السداسية: فلينظر كتاب " موسوعة المفاهيم والمصطلحات الصهيونية " تأليف الدكتور عبد الوهاب المسيري رحمه الله. ثانياً: لكون النجمة السداسية الآن صارت شعاراً لتلك العصابة الإجرامية، وجزءاً من رايتها: فإن المنع من نقشها، ورسمها على الثياب، والساعات، والجدُر، وغيرها: هو المتعيِّن، وهو الذي أفتى به العلماء. فقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: عن حكم بيع أو شراء أو عرض: " نجمة إسرائيل "! أو " الصليب "، أو ما يمت لليهود والنصارى بشيء من شعائرهم؟ . فأجابوا: "لا يجوز عمل هذه المصوغات بما يحمل شعارات الكفر ورموزه، كالصليب، ونجمة إسرائيل، وغيرهما، ولا يجوز بيعها، ولا شراؤها" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ بكر أبو زيد. " فتاوى اللجنة الدائمة " (13 / 68 – 70) . ثالثاً: أما بخصوص العلامة التجارية الوارد ذِكرها في السؤال: فالذي علمناه أنه لا يُقصد بذلك الشعار " النجمة السداسية "، وليست الشركة المنتجة شركة يهودية. فاسم الماركة " مونت بلانك "montblanc هو اسم " جبل " ثلجي في فرنسا، يقع على الحدود الفرنسية الإيطالية، ويعد أعلى الجبال الواقعة في " أوروبا الغربية "، والشركة المنتجة لهذه المصنوعات هي شركة ألمانية، تأسست سنة 1906 م، وكان لها اسم غير هذا، وفي عام 1909 تم تغيير الاسم، وفي عام 1913 تم ابتكار هذا الشعار، وقد قصدوا بالشعار قمة ذلك الجبل، وأن مصنوعاتهم تشبه تلك القمة، في بياضها، وعالميتها، وعلو مكانتها، وهذا كله بحسب موقعهم الذي أحالنا عليه السائل. وننبه هنا على أن بعض منتجات الشركة الوارد ذكرها في السؤال قد تكون محرَّمة باعتبار آخر، إما لذاتها كساعات ذهبية للرجال، أو لاستعمالها، كزينة محرّم على المرأة إظهارها، أو عطور نسائية تخرج بها من بيتها، ويجد ريحها الرجال الأجانب عنها. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128082 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5344 لا يجوز بيع المنقول إلا بعد قبضه وحيازته [السُّؤَالُ] ـ[إحدى الشركات تقوم بشراء الأثاث ومواد البناء لمن يريد، يذهب الزبون إلى الشركة ويحدد الأثاث الذي يريده أو مواد البناء. يدفع الزبون دفعة أولى مثل تقسيط السيارات، وبقية المبلغ المؤجل يتم تسديده على أقساط شهرية مع نسبة زيادة تصل إلى 10% للشركة، فتعطي الشركة للزبون أمر استلام ليذهب إلى محل الأثاث فيستلم أثاثه بنفسه، وتسديد المبلغ المؤجل يكون للشركة التي قامت بالتقسيط فما الحكم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "ليس للشركة أن تبيع الأثاث ولا غيره من المنقولات إلا بعد أن يتم البيع وتقبض المبيع إلى حوزتها وتنقله من ملك البائع إلى مكان آخر- ثم يتم البيع بعد ذلك. أما دفع العربون للشركة قبل ذلك فلا يجوز، وليس لها أن تبيع شيئا إلا بعد أن تحوزه وتنقله من مكان البائع إلى مكان آخر، والله ولي التوفيق" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (19/9) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126631 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5345 بيع السلعة قبل امتلاكها وحيازتها لا يجوز [السُّؤَالُ] ـ[تاجر يقوم بعرض عينات لبعض المنتجات مثل الثلاجات والغسالات وغيرها، وإذا أراد أحد عملائه أن يشتري منها شيئا يتفق معه على السعر ومن ثم يتصل بالتاجر المورد ويشتري الكمية المطلوبة وينقلها بسيارته إلى مكان العميل ويقبض الثمن بعد ذلك، فما حكم هذا البيع؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا يجوز هذا البيع لكونه بيعا للسلعة قبل أن يملكها ويحوزها، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يحل سلف وبيع، ولا بيع ما ليس عندك) ، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لحكيم بن حزام: (لا تبع ما ليس عنك) . وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم، والله ولي التوفيق" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (17/111) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125097 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5346 بيع الأرض الممنوحة من الدولة قبل استلام الصك [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم شراء الأراضي التي تمنحها الدولة للمواطنين وذلك قبل أن يستلم صاحبها الصك من كاتب العدل، مع العلم أن الأرض مملوكة باسمه بمعاملة في البلدية ومحولة لكاتب عدل، وقد عاين المالك الأرض على الطبيعة ولم يتبق عليه إلا استلام الصك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز بيع الأراضي الممنوحة من الدولة حتى يتم استلامها ويستقر ملكها لمن منحت له؛ وذلك لما ورد من النهي عن بيع الإنسان ما لا يملك، والنهي عن بيوع الغرر. قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تبع ما ليس عندك) رواه الترمذي (1322) ، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1292) . وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه (أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم نهى عن بيع الغرر) رواه مسلم (1513) . والغرر هو: " ما شُكَّ في حصول أحد عِوَضَيْه، أو المقصود منه غالباً - بحيث لا يُدرى هل يحصل أم لا - " انتهى. "شرح حدود ابن عرفة" (1/350) . وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: ما رأيكم في الذين يأخذون منح الأراضي يأخذون رقمها ويبيعونها قبل استلامها؟ فأجاب: "هذا لا يجوز، هذا غرر، ما يجوز حتى يحوزها؛ يعرفها ويتم ملكه عليها " انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (19/46) . وينظر جواب السؤال رقم (40354) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120356 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5347 استيراد ماكينات الصرف الآلي وبيعها على البنوك الربوية [السُّؤَالُ] ـ[السؤال: أملك مالاً وأريد أن أستثمره في عمل شركة تقوم باستيراد ماكينات الصرف الآلي الخاصة بصرف النقود وبيعها إلى البنوك والتي يغلب فيها أنها تجارية، فلا يوجد في بلدي غير بنكين من المفترض أنهما إسلاميان، فهل لي في ذلك أم أفكر في وجه استثمار آخر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله البنوك التجارية تقوم على منكر عظيم وهو التعامل بالربا قرضا واقتراضا، ومعلوم ما جاء في الربا من الوعيد الذي لم يأت في غيره من الذنوب: قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278-279. وروى مسلم (1598) عن جَابِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ) . وقال صلى الله عليه وسلم: (درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله من ستة وثلاثين زنية) رواه أحمد والطبراني، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3375) . ولهذا يحرم إقامة البنوك الربوية، أو العمل فيها، أو الإعانة على وجودها بأي وجه من الوجوه؛ لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2، وللأدلة الدالة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولا شك أن مكينات الصراف الآلي وسيلة مهمة للدعاية للبنك، والترويج له، وتكثير عملائه، وقد تتم عن طريقها بعض المعاملات الربوية، ولهذا لا يجوز بيعها على البنك الربوي، أو تصنيعها لأجله. فتجنب هذا النوع من الاستثمار المحرم، وابحث عن طرق الكسب المباحة، واعلم أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه. نسأل الله لنا ولك التوفيق والثبات. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 119605 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5348 أخذ مكاتب الاستقدام مبلغاً من صاحب التأشيرة مقابل بيعها [السُّؤَالُ] ـ[أعمل في مكتب استقدام، أي قائم على إنهاء إجراءات استقدام العمالة للمملكة، وقد يأتي عميل فيقول ابحثوا لي عن شخص يأتي على هذه التأشيرة بمهنة كذا، وأنا أريد مقابلا ماليا قدره كذا، فنقوم بإضافة مبلغ آخر على الذي طلب قد يتراوح بين خمسمائة إلى ألفي ريال، كمقابل للوساطة وطلبا للربح، علما بأن الحكومة تصدر التأشيرات لاستقدام العمالة، وليس لبيعها عليهم، فما رأي الشريعة في المبلغ الذي نضيفه على الثمن الذي يطلبه صاحب التأشيرة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أفتى أهل العلم بتحريم بيع الفيز؛ لما فيه من المخالفة لأنظمة الدولة، ولأنه من باب أخذ الأجرة على الكفالة، وهذا لا يجوز؛ لأن الكفالة عقد تبرع وإحسان. وقد نقلنا فتوى علماء اللجنة الدائمة للإفتاء، وأخرى للشيخ ابن عثيمين رحمه الله في تحريم ذلك، في جواب السؤال رقم (101220) . وعليه؛ فلا يجوز إعانة صاحب التأشيرة على بيعها، لأن ذلك من التعاون على الحرام، وقد قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2. والواجب نصح صاحب التأشيرة حتى يترك هذا العمل المحرم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 119366 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5349 حكم الاتجار في الهدايا والدمى [السُّؤَالُ] ـ[هل الاتجار في الهدايا والدباديب حرام أم حلال؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: يجوز الاتجار في السلع التي يستعملها الناس في الهدايا كاللعب والورود والبطاقات وغيرها، ما لم تشتمل على محرم كالموسيقى والتماثيل وصور ذوات الأرواح، أو تكون عونا على محرم، كهدايا عيد الحب والكريسمس والهلوين وما شابه ذلك؛ لأنه لا يجوز بيع ما هو محرم، ولا الإعانة على الحرام؛ لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2. وينظر جواب السؤال رقم (99388) ، ورقم (49676) . ثانيا: الدمى و"الدباديب" ما كان منها للأطفال، فلا حرج في الاتجار فيه؛ لوجود الرخصة في لعب البنات، ولأن الصغار يرخص لهم ما لا يرخص للكبار. وما كان منها يشتريه الكبار لتزيين مجالسهم وسياراتهم فلا يجوز بيعها لهم. ففي الصحيحين عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: (كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،َ وَكَانَ لِي صَوَاحِبُ يَلْعَبْنَ مَعِي ... الحديث) رواه البخاري (6130) ومسلم (2440) . و (البنات) أي: العرائس. قال الحافظ ابن حجر في الفتح: " وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى جَوَاز اِتِّخَاذ صُوَر الْبَنَات وَاللُّعَب مِنْ أَجْل لَعِب الْبَنَات بِهِنَّ , وَخُصَّ ذَلِكَ مِنْ عُمُوم النَّهْي عَنْ اِتِّخَاذ الصُّوَر , وَبِهِ جَزَمَ عِيَاض وَنَقَلَهُ عَنْ الْجُمْهُور , وَأَنَّهُمْ أَجَازُوا بَيْع اللُّعَب لِلْبَنَاتِ لِتَدْرِيبِهِنَّ مِنْ صِغَرهنَّ عَلَى أَمْر بُيُوتهنَّ وَأَوْلادهنَّ وَقَدْ تَرْجَمَ اِبْن حِبَّان: الإِبَاحَةُ لِصِغَارِ النِّسَاء اللَّعِب باللُّعَب .... وفي رِوَايَة جرير عن هشام: " كُنْت أَلْعَب بِالْبَنَاتِ وَهُنَّ اللُّعَب " أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَة وَغَيْره , وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ وَجْه آخَر عَنْ عَائِشَة قَالَتْ: " قَدِمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَة تَبُوك أَوْ خَيْبَر " فَذَكَرَ الْحَدِيث فِي هَتْكه السِّتْر الَّذِي نَصَبَتْهُ عَلَى بَابهَا قَالَتْ: " فَكَشَفَ نَاحِيَة السِّتْر عَلَى بَنَات لِعَائِشَة لُعَب فَقَالَ: مَا هَذَا يَا عَائِشَة , قَالَتْ: بَنَاتِي. قَالَتْ: وَرَأَى فِيهَا فَرَسًا مَرْبُوطًا لَهُ جَنَاحَانِ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قُلْت فَرَس. قَالَ فَرَس لَهُ جَنَاحَانِ؟ قُلْت: أَلَمْ تَسْمَع أَنَّهُ كَانَ لِسُلَيْمَان خَيْل لَهَا أَجْنِحَة؟ فَضَحِكَ " انتهى مختصرا. والرواية التي ذكرها ابن حجر عند أبي داود برقم (22813) ، وصححها الألباني في غاية المرام (129) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم شراء عرائس البنات والصور الموجودة في الكتب، كصور الحيوانات والطيور وغيرها، حيث إن الأطفال يجدون في النظر إليها متعة ويتعلمون من خلال النظر إليها، فما أدري ما حكم ذلك؟ فأجاب: "ما يسمى بعرائس الأطفال وهي الصور المجسمة على صورة امرأة أو بنت أو ولد ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: جائز ولا إشكال فيه، وهو ما صار يصنع الآن حديثاً بحيث تكون الصور كظل ليس لها عين ولا أنف ولا فم وهذه لا إشكال في جوازها، وكان لـ عائشة رضي الله عنها بنات من هذا النوع تلعب بهن. القسم الثاني: ما يصنع من البلاستيك ويكون على شكل الصورة الآدمية تماماً حتى في العيون والشفتين والأهداب والحواجب، حتى إن بعضها ربما تمشي وتصوت، فهذا في جوازه نظر، ولكن لا أشدد فيه؛ لأن حديث عائشة رضي الله عنها أنها كانت تلعب بالبنات، فقد يقال: إنه يدل على الفسحة والتوسع للبنت، لاسيما وأنها يحصل لها بذلك -كما قلت- شيء من المتعة، لكن مع هذا نقول: ما دام قد وجد ما يغني عن ذلك، فلا ينبغي العدول إلى شيء مشتبه مع وجود شيء لا شبهة فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) . أما صور الحيوانات الأخرى كالحصان والأسد وما أشبهها فلا وجه لاقتنائها إطلاقاً ويستغنى عن هذا بصور الآلات المصنوعة كالسيارة والجراف وما أشبه ذلك، فإن الصبي يلهو بها كما يلهو بصور الحيوان الأخرى، وإذا لم يكن فيها بد بأن أهدي للإنسان شيء من هذه الحيوانات فإنه يقطع رأسها ويبقيها بلا رأس ولا حرج في هذا " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (26/6) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 119056 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5350 شروط التورق في الأسهم [السُّؤَالُ] ـ[ذهبت إلى بنك أبو ظبي الإسلامي لأجد قرضاً إسلامياً فقالوا نحن لا نعطي أموالاً كاش، ولكن نعطي أسهماً، فمثلا نشتري لك أسهماً بمبلغ 50000 درهم ونبيعها لك على أقساط شهرية لمدة سنة، ويكون ثمن البيع 52600 علي 12 شهر، ونعطيك ورق ملكية لهذه الأسهم، ونعطيك جدولاً بأسماء شركات تبيع لك هذه الأسهم، فما حكم ذلك؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه المعاملة قائمة على أمرين: الأول: التورق، وهو أن يشتري الإنسان السلعة بثمن مؤجل، ثم يبيعها - لغير من اشتراها منه - نقدا بثمن أقل غالبا، وسميت المعاملة بذلك نسبة إلى الوَرِق وهي الفضة، لأن المشتري لا غرض له في السلعة، وإنما يريد النقود، والتورق جائز عند جمهور العلماء. والثاني: بيع المرابحة للآمر بالشراء، وهو أن يشتري البنك سلعة معينة يريدها العميل، ثم يبيعها عليه بثمن مقسط أزيد مما اشتراها به، وهذا جائز أيضا، إذا توفرت الشروط التالية: 1- ألا يشتري العميل السلعة من البنك، حتى يملكها البنك ملكا حقيقيا، فإن كانت السلعة أسهما، فلا بد أن تكون أسهما يملكها البنك، أو يشتريها وتدخل في محفظته. 2- أن لا يبيع العميل السلعة حتى يملكها ملكاً حقيقياً ويقبضها من البنك القبض المعتبر شرعاً، فإن كانت أسهما فلابد أن تدخل في محفظته قبل أن يبيعها. 3- ألا يبيع العميل السلعة على البنك، ولا على الجهة التي باعتها على البنك أولاً، وألا يكون هناك تواطؤ أو عرف بذلك؛ لأن هذا من العِينة المحرمة. 4- ألا يتضمن العقد بين البنك والعميل اشتراط غرامة في حال التأخر عن سداد الأقساط؛ لأن ذلك من الربا المحرم. 5- إذا كانت السلعة أسهما، فيشترط أن تكون أسهما لشركات لا تتعامل بالحرام، فلا يجوز التعامل بأسهم الشركات التي نشاطها محرم، أو التي لها معاملات محرمة. وينظر للفائدة جواب السؤال رقم: (95138) و (112445) و (89978) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118270 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5351 حكم نشر برنامج يستقبل مئات القنوات [السُّؤَالُ] ـ[أنا مشرف في أحد المنتديات، وهو يحتوي على موضوعات متنوعة دينية وثقافية ولغوية وبرمجية وغيرها، وقد قام أحد الأعضاء بتنزيل برنامج في المنتدى مهمته استقبال القنوات الفضائية عن طريق الشبكة، وهو برنامج يستقبل أكثر من 1500 قناة متنوعة من مختلف أنحاء العالم، وقد قام بعض الأعضاء بالاعتراض علينا والمطالبة بحذف البرنامج بحجة أنه يسهل الوصول للفساد وأن معظم الأعضاء قد يستعملونه فيما لا يجوز، في حين دافع عنه آخرون بأن الشخص يمكن أن يستخدمه في الحلال، ومن استخدمه في غير ذلك، فذنبه عليه، ولسنا مسؤولين عنه، فنرجو منكم إجابة شافية في هذا الموضوع.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الغالب هو استعمال هذا البرنامج في مشاهدة المحرّمات عبر القنوات، فإنه لا يجوز نشره ولا الدلالة عليه؛ لما في ذلك من الإعانة على الإثم والمعصية. قال الله تعالى: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2. والقاعدة في هذا أن كل ما يستعمل في الخير والشر، والمباح والمعصية، يجوز بيعه وهبته لمن عُلم أو غلب على الظن أنه يستعمله في المباح، ويحرم بيعه أو هبته لمن عُلم أو غلب على الظن أنه يستعمله في الحرام. وإن كان الغالب هو استعماله في الحرام، لم يجز بيعه ولا هبته لمن جهل حاله، بل لا يعطى إلا للصنف الأول الذي يغلب على الظن استعماله له في المباح. وهذا ما سبق أن بيناه في حكم بيع أجهزة التلفاز والفيديو والبلايستيشن، وبيع الملابس النسائية التي تتخذ للتبرج، وينظر جواب السؤال رقم (39744) ورقم (75007) وفيهما نقول عن أهل العلم في هذه المسألة. ومن ذلك ما جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/109) : " كل ما يستعمل على وجه محرم، أو يغلب على الظن ذلك، فإنه يحرم تصنيعه واستيراده وبيعه وترويجه بين المسلمين " انتهى. والواقع المشاهد أن هذه القنوات يغلب استخدامها في الحرام، رؤية وسماعا، ولهذا لا يجوز إعطاء أجهزتها أو برامجها إلا لمن يغلب على الظن أنه يستعملها في المباح. وقد أحسن من نصحكم بإزالة هذا البرنامج، والواجب عليكم إزالته، والإثم في هذا الباب يلحق المشاهد، كما يلحق من دلّه أو أعانه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 117891 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5352 هل يبيع الأرض لمن علم أنه سيرهنها في قرض ربوي؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما هو حكم بيع قطعة أرض لشخص أراد أن يرهنها للحصول على قرض ربوي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا عُلم أن هذا الشخص يشتري الأرض ليجعلها رهنا في قرض ربوي، لم يجز بيعها له؛ حتى لا يستعين بها على المعصية، لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2. وقد نص الفقهاء على تحريم بيع ما يستعان به على المعصية، كبيع العنب لمن يعصرها خمرا، وبيع السلاح في الفتنة، وأشباه ذلك. قال ابن قدامة رحمه الله: " وجملة ذلك ; أن بيع العصير لمن يعتقد أنه يتخذه خمرا محرم ". ثم قال: " وهكذا الحكم في كل ما يقصد به الحرام , كبيع السلاح لأهل الحرب , أو لقطاع الطريق , أو في الفتنة , وبيع الأمة للغناء , أو إجارتها كذلك , أو إجارة داره لبيع الخمر فيها , أو لتتخذ كنيسة, وأشباه ذلك. فهذا حرام , والعقد باطل. قال ابن عقيل: وقد نص أحمد رحمه الله على مسائل , نبه بها على ذلك , فقال في القصاب والخباز: إذا علم أن من يشتري منه , يدعو عليه من يشرب المسكر , لا يبيعه" انتهى باختصار من "المغني" (4/154) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ولا يصح بيع ما قصده به الحرام كعصير يتخذه خمرا إذا علم ذلك كمذهب أحمد وغيره , أو ظن، وهو أحد القولين، يؤيده أن الأصحاب قالوا: لو ظن الآجر (المؤجِّر) أن المستأجر يستأجر الدار لمعصية كبيع الخمر ونحوها لم يجز له أن يؤجره تلك الدار , ولم تصح الإجارة , والبيع والإجارة سواء " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (5/388) . وقال رحمه الله في "شرح العمدة" (4/386) : " وكل لباس يغلب على الظن أنه يستعان به على معصية، فلا يجوز بيعه وخياطته لمن يستعين به على المعصية والظلم " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 117416 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5353 بيع ما تتبرج به النساء [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الاتجار في زينة النساء، وبيعها لمن يعلم البائع أنها سترتديه متبرجة به للأجانب في الشوارع كما يرى من حالها أمامه، وكما عمت به البلوى في بعض الأمصار؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز بيعها إذا علم التاجر أن من يشتريها سيستعملها فيما حرم الله لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان أما إذا علم أن المشترية ستتزين به لزوجها أو لم يعلم شيئاً فيجوز له الاتجار فيها. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى اللجنة الدائمة ج13/67. الحديث: 10201 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5354 بيع الملصقات والبراويز المشتملة على الآيات [السُّؤَالُ] ـ[ما هو الحكم في أولئك الذين يأخذون أجزاء/آيات من القرآن ويضعونها في إطارات (براويز) /ملصقات/كتب ويبيعونها من أجل الربح؟ وحيث يذهب الربح الذي يحصلون عليه في دعم البرامج/التنظيمات/المدارس/الجمعيات الإسلامية.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أشكرك على حرصك على تعلم العلم والسؤال عن قضايا الدعوة إلى الله،فإن الدعوة بغير علم شرعي قد تفسد أكثر مما تصلح. وأما ما يتعلق ببيع هذه البراويز والملصقات فيتضح حكم بيعها بعد أن تعرفي ما حكم تعليق مثل هذه الأمور إن تعليق اللوحات والخِرَق التي فيها آيات من القرآن في البيوت أو المدارس أو النوادي أو المحلات التجارية فيه عدد من المنكرات والمحاذير الشرعية ومنها: 1- أنّ تعليقها في الغالب هو للزينة وتجميل الجدران بنقوش الآيات والأذكار المزخرفة الملونة وفي هذا انحراف بالقرآن عما أنزل من أجله من الهداية والموعظة الحسنة والتعهد بتلاوته ونحو ذلك. والقرآن لم ينزل لتزيين الحيطان وإنما نزل هدى للإنس والجان. 2- أنّ عدداً من الناس يعلّقونها للتبرّك بها وهذا من البدع فإنّ التبرّك المشروع هو بتلاوة القرآن لا بتعليقه ووضعه على الأرفف وتحويله إلى لوحات ومجسّمات. 3- أن في ذلك مخالفة لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون رضي الله عنهم فإنهم لم يكونوا يفعلون ذلك والخير في اتباعهم لا في الابتداع، بل التاريخ يشهد في بلاد الأندلس وتركيا وغيرها أنّ الزخرفة وعمل هذه اللوحات والزّينات ونقش الآيات في جدران البيوت والمساجد لم يكن إلا في عصور ضعف المسلمين وهوانهم. 4- أن في التعليق ذريعة للشرك فإنّ بعض الناس يعتقد أنّ هذه اللوحات أو المعلّقات هي حروز تحمي البيت وأهله من الشرور والآفات وهذا اعتقاد شركيٌّ محرّم فالذي يحمي فعلا هو الله جل وعلا ومن أسباب حمايته تلاوة القرآن والأذكار الشرعية بخشوع ويقين. 5- ما في الكتابة عليها من اتخاذ القرآن وسيلة لترويج التجارة فيها والزيادة في كسبها وينبغي أن يُصان القرآن عن أن يكون مجالا لذلك، ومعلوم أنّ بعض هذه اللوحات في شرائها إسراف أو تبذير. 6- أنّ كثيرا من هذه اللوحات مطلية بالذّهب فتشتدّ حرمة استعمالها وتعليقها. 7- أنّ في بعض هذه اللوحات عبث واضح كالكتابات الملتوية المعقّدة التي لا يُنتفع بها لأنّها لا تكاد تُقرأ، وبعضها مكتوب على هيئة طائر أو رَجُل ساجد ونحو ذلك من صور ذوات الأرواح المحرّمة. 8- أنّ في ذلك تعريض آيات القرآن وسوره للامتهان والأذى، فمثلا عند الانتقال من بيت إلى آخر توضع مع الأثاث المتراكم على اختلاف أنواعه كما وتوضع فوقها أشياء أخرى وكذلك يحدث عند تنزيلها لطلاء الجدران أو تنظيف البيت. فضلا أنها قد تكون معلقة في أماكن يعصى فيها الله فلا تراعى حرمة القرآن وكرامته. 9- أنّ بعض المسلمين المقصّرين يعلّقونها إشعارا لأنفسهم بأنهم يقومون بأمور من الدّين ليخفّفوا من لوم ضمائرهم لهم مع أنّها لا تُغني عنهم شيئا. وبالجملة فإنه ينبغي إغلاق باب الشر والسير على ما كان عليه أئمة الهدى في القرون الأولى التي شهد لها النبي صلى الله عليه وسلم بأنّ أهلها أفضل المسلمين في عقائدهم وسائر أحكام دينهم. ثمّ إذا قال قائل بأننا لن نهينها ولن نجعلها زينة ولن نغالي فيها وإنما نريد بها تذكير الناس في المجالس، فالجواب على ذلك أننا إذا نظرنا في الواقع فهل سنجد أنّ ذلك هو الذي يحدث فعلا؟ وهل يذكر الجالسون الله أو يقرؤون الآيات المعلقة إذا رفعوا رؤوسهم إليها؟ إن الواقع لا يشهد بذلك بل يشهد بخلافه فكم من المجالس ذات الآيات المعلّقة يخالف الجالسون فيها ما هو معلّق فوق رؤوسهم ويكذبون ويغتابون ويسخرون ويفعلون المنكر ويقولونه، ولو فرضنا أنّ هناك من يستفيد منها فعلا فإنهم قلة قليلة لا تأثير لها في حكم هذه المسألة. فينبغي على المسلمين أن يُقبلوا على كتاب الله يتلونه ويعملون بما فيه، نسأل الله أن يجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا وهذا الكلام الذي ذكرته لك هو مجمل ما أفتى به كبار العلماء في هذا العصر مثل سماحة الشيخ ابن باز واللجنة الدائمة للفتوى في المملكة، وسماحة الشيخ ابن عثيمين كما في فتاوى اللجنة الدائمة برئاسة الشيخ ابن باز، فتوى رقم (2078) ورقم (17659) . وبناء على ما تقدم فلا تبيعوا هذه البراويز لأنكم بهذا البيع قد تقعون في بعض المحاذير التي ذكرها العلماء،وقد تكونون سببا لوقوع غيركم في شيء منها. نسأل الله لنا ولكم الهدى والسداد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 13648 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5355 حكم بيع المخدرات لغير المسلمين [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز بيع المخدرات لغير المسلمين إذا كان هذا هو السبيل الوحيد للحفاظ على الحياة؟ مثلا، كما يحدث للفقراء في أفغانستان؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تعد المخدرات من أخطر ما يتناوله أصحاب الشهوات المحرمة، لما ينجم عنها من الأمراض المختلفة، فضلا عن الانحلال، وفساد الخلق، وانتشار الفاحشة والجرائم في المجتمع. ثم إنها بانتشارها في المجتمعات غير المسلمة تنتقل عن طريق أهل السوء والفساد إلى بلاد المسلمين، بأنواعها المختلفة، وأمراضها المستعصية، سواء كانت أمراضا للقلوب أو الأبدان. فوجب منع هذا الشر، ومحاربته بكل طريق. ودعوى الضرورة في مثل هذا مما لا ينبغي الالتفات إليه، بل المسلم إن اضطر جاز له أكل الميتة ولا يجوز له بيع المخدرات، فإنه لا توجد ضرورة حقيقية تبيح للمسلم أن يبيع المخدرات، وقول السائل: "إذا كان هذا هو السبيل الوحيد للحفاظ على الحياة فيه" مبالغة واضحة. فالذي يغرس أرضه بالنباتات المخدرة ليبيعها ويتاجر فيها يمكنه أن يغرسها بنباتات مباحة، يأكل منها، ويبيع ما تبقى من المحصول. وفي الترخص في مثل ذلك فتح باب عظيم من أبواب الشر، ودعوة لنشر هذا الفساد. وقد روى أبو داود (3488) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: (َإِنَّ اللَّهَ إِذَا حَرَّمَ عَلَى قَوْمٍ أَكْلَ شَيْءٍ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ) وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (5107) . وروى مسلم (1579) عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (إِنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا [يعني: الخمر] حَرَّمَ بَيْعَهَا) . وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ: (إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ) متفق عليه. قال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله: " ما حرَّم الله الانتفاعَ به، فإنَّه يحرم بيعُه وأكلُ ثمنه، كما جاء مصرحاً به في الراوية المتقدمة: (إنَّ الله إذا حرَّم شيئاً حرَّم ثمنه) ، وهذه كلمةٌ عامَّةٌ جامعة، تَطَّرِدُ في كُلِّ ما كان المقصودُ من الانتفاع به حراماً ". انتهى. "جامع العلوم والحكم" (415) . وقال ابن حزم رحمه الله: "َلا يَحِلُّ بَيْعُ الْخَمْرِ، لا لِمُؤْمِنٍ، وَلا لِكَافِرٍ ". انتهى. "المحلى" (7/356) . وقال ابن القيم في "زاد المعاد" (5/763) : " فإن قيل: فهل تُجوِّزون للمسلم بيعَ الخمر والخنزير مِن الذمي لاعتقاد الذمي حلهما؟ قيل: لا يجوز ذلك، وثمنُه حرام " انتهى. وقال ابن جزي: " لا يحل لمسلم بيع الخمر إلى مسلم ولا كافر " انتهى. "القوانين الفقهية" (ص 117) . وقال النووي: " بَيْعَ الْخَمْرِ بَاطِلٌ سَوَاءٌ بَاعَهَا مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ أَوْ تَبَايَعَهَا ذِمِّيَّانِ , أَوْ وَكَّلَ الْمُسْلِمُ ذِمِّيًّا فِي شِرَائِهَا لَهُ , فَكُلُّهُ بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا " انتهى. "المجموع" (9/271) . وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/49) : " لا يجوز المتاجرة فيما حرم الله من الأطعمة وغيرها، كالخمور والخنزير، ولو مع الكفرة؛ لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه) ، ولأنه صلى الله عليه وسلم لعن الخمر وشاربها وبائعها ومشتريها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها وعاصرها ومعتصرها". انتهى. فهذه أقوال علماء الإسلام في تحريم بيع الخمر، ولو كان يبيعها لغير مسلم، استدلالاً بالأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114942 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5356 بيع كاميرات التصوير لمن يستخدمها في التصوير المحرَّم [السُّؤَالُ] ـ[يبيع زوجي كاميرات "الديجيتال"، (وهذا هو عمله الذي يتكسب منه) . وبعض زبائنه هم ممن يلتقطون الصور العارية. فهل يجوز له أن يبيع الكاميرات لمثل هؤلاء المصورين وهو يعلم الغرض الذي سيستخدمونها من أجله؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز بيع كل ما يستعمل على وجه محرَّم، أو يغلب على الظنّ ذلك ومنها كاميرات التصوير لمن يستخدمها في المحرمات، يراجع جواب سؤال رقم 10668 في حكم التصوير، ولا شك أن بيعها لمن يلتقطون الصور العارية أشد حرمة لقول الله تعالى: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) المائدة/2، ولا شك أن التقاطهم الصور بها من أسباب انتشار الفاحشة والفساد في المجتمعات، ومن يبيع لهم تلك الكاميرات لا شك أنهَّ يعينهم على نشر الفاحشة. والمعاونة على الحرام حرام. وبيع كاميرات الديجيتال (التي لا تصدر صور ثابتة) على من يصوِّر الأمور الطيبة (ذات النفع العظيم) كالمحاضرات الإسلامية والخطب أو المباحات كالأشجار والأنهار ومناظر الطبيعة فلا بأس به والواجب على كل تاجر مسلم تقوى الله عز وجل والنصح لإخوانه المسلمين، فلا يبيع إلا ما فيه خير ونفع لهم، ويترك ما فيه ضرر وشرٌّ عليهم، وفي الحلال ما يغنيه عن الحرام. قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِب) الطلاق/ 2-3. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 12274 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5357 الماركة المسجلة المشهورة باسم (NIKE) [السُّؤَالُ] ـ[علامة أو كلمة (NIKE) المطبوعة على القمصان والطاقيات، هل ينبغي على المسلمين أن يتجنبوا شراء ولبس هذه الأنواع من المواد؛ لأنني سمعت بعض الناس يقول أنها شرك، وتعني أننا نطيع أي إله آخر غير الله - نعوذ بالله -، فأرجوا تزويدي بإجابة مختصرة، وبتاريخ: (NIKE) إذا كانت حقيقية.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه الماركة المشهورة (NIKE) التي لعلها أشهر الماركات الرياضية العالمية تحمل اسم آلهة النصر عند اليونان، أسس هذه الشركة واختار اسمها كل من: (فيل نايت) ، و (بيل باورمان) ، يريدان بهذا الاسم التيمن بنصر من ينافس من الرياضيين الذين يلبسون هذه الماركة، ويرفعون شعار هذا الإله. وهذا أمر مشهور تنص عليه الموسوعات العالمية، انظر موسوعة ويكيبيديا على الانترنت وفي شرح هذه المادة من قاموس "المورد" الشهير: " نايكي: إله النصر عند الإغريق، وتمثل عادة على صورة فتاة مجنحة، تحمل بإحدى يديها إكليلا، وبالأخرى سعفة من نخيل" انتهى. "المورد - قاموس إنجليزي عربي-" (ص/613) . وهي نفس المعلومة التي نجدها في كتاب: المعتقدات الدينية عند الشعوب، أشرف على تحريره: جفري بارندر، نشر بالعربية في سلسلة عالم المعرفة، رقم (173) ، ص (409) . وبهذا يتبين أنه لا يجوز للمسلم أن يرضى برفع هذا الرمز، ولا أن يتشبه بمن يرفعونه، فهو يعتقد توحيد الله سبحانه، ويؤمن بأن النصر والعون والقوة منه وحده عز وجل، ورَفعُ هذا الشعار يناقض معتقدَه وإيمانه، فإن كان ولا بد من شراء منتجات الشركة فلا أقل من إتلاف شعارهم، ومحو اسمهم عن أن يكون على الصدر أو القدم أو الطاقية، وبهذا يسلم دين المرء، وتسلم عقيدته. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " أما بالنسبة للصور، كالصور التي في الملابس للكبار أو الصغار فهي سواء، لا يجوز للإنسان أن يلبس ما فيه صورة، ولا أن يلبس أولاده من بنين وبنات ما فيه صورة. وأما الكتابات الموجودة، مكتوب: (أنا نصرانية) على فانيلة، ومكتوب (أنا يهودية) ، ومكتوب أيضاً (مسيحية) ، ومكتوب (سائل الجنسية) (ماء الرجل الدافق) ، ومكتوب برمز (آنسة) وهي ترمز لفعل الفاحشة، ومكتوب أيضاً (إله الحب عند الإغريق) ، ومكتوب أيضاً (شراب خمر) ومن الكتابات أيضاً (اسم رجل وامرأة) ، ومن الكتابات (عيد المسيح) ، ومكتوب – أيضاً - (أنا مسيحي) . المهم يا إخواني! نحن شعب مسلم، والواجب علينا أن نقاطع هذه الألبسة، كما أن الواجب علينا أن نكتب إلى وزارة التجارة، نخوفها بالله عز وجل، ونقول: يجب أن تحرصي غاية الحرص على ما يرد إلى أسواقنا من مثل هذه الأمور. سبحان الله! صبي أو صبية من المسلمين يُكتب على لباسها أنها نصرانية أو يهودية، أنحن لا نفهم؟ أنحن غنم؟ سبحان الله! الواجب أن نكون أمة واحدة، وأن المسئولين إذا كانوا في غفلة عن هذا ولم يعلموا به: أن يكتب إليهم ويبين ويرسل نماذج من هذه الألبسة، هذا بالنسبة للمسئولين، ويجب علينا أن ننصحهم وأن نبين لهم الأمر وإذا فعلنا ذلك برئت ذمتنا، هم المسئولون أمام الله: (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ. إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) الشعراء /88-89 ويا ويلهم إن قصروا في الأمانة وفي رعاية الرعية، فستكون الأمة خصمهم يوم القيامة. وأما بالنسبة لنا نحن فالواجب علينا مقاطعة هذا الشيء، وألا نبذل دراهمنا بما يسيء إلينا؛ لأن هذا أدنى ما فيه أن الصبي يستسيغ كلمة (إنه نصراني) أو (إنه يهودي) وأنتم تعلمون أن اليهود والنصارى أعداء لنا من قديم الزمان. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ. فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ) المائدة/51-52 أي: نخشى أن تصيبنا دائرة، فإذا واليناهم كانوا معنا؛ قال الله تعالى: (فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ) المائدة/52. الواجب علينا أن نقاطع هذا مقاطعة تامة، وإذا رأيناه عند صاحب دكان نصحناه، وقلنا له: اتق الله ونبين له؛ لأن بعض أهل الدكاكين أيضاً لا يفهمون اللغة الإنجليزية، ولا يدرون ما الذي كتب، لكن نبلغهم، هذا إذا كان الأمر الذي أمامنا الآن واقعاً، أما إذا كان غير واقع، فحسبنا الله على من كتبه وغر الناس به. حتى أسماء المغنين وأسماء المهرة من أصحاب الكرة وغيرهم ممن ليسوا مسلمين: كل هذا لا يجوز؛ لأنه سيقع في قلب المسلم تعظيم هؤلاء وهم كفار. أما الصور فقد ذكرنا أنها حرام سواء على الفنايل أو على القمص أو على السراويل " انتهى باختصار. "لقاء الباب المفتوح" (4/ رقم السؤال: 14) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114631 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5358 حكم بيع وشراء ملابس الرياضة التي عليها صور وأسماء اللاعبين وشعارات أنديتهم [السُّؤَالُ] ـ[أنا أحد تجار التجزئة للملابس الرياضية، وحيث أنه في هذه الأيام انتشر وبشكل واضح وملموس في محلات الرياضة، وبين الشباب لبس الفنايل التي تحمل أسماء لاعبين لمنتخبات وأندية أوروبية، وبعض تلك الأندية تحمل في شعاراتها الصليب! حيث أصبحت تلك الملابس هي الأكثر بيعاً وتداولا في محلات الرياضة , وعند سؤال من يرتدي تلك الفنايل يقولون: نحن لا نتشبه بدينهم، ولا بأشخاصهم، وإنما نعجب بلعبهم ومهاراتهم فقط، ونحن أصحاب المحلات في حرج من هذا الأمر إذا امتنعنا عن بيعها: تضررنا، وسوف ينتهي الأمر إلى إغلاق محلاتنا لوجودها وبكل سهوله في المحلات الأخرى، ولكن يهمنا المطعم الحلال. آمل بيان ما يأتي: 1. ما حكم شراء فنايل الأندية الأوربية، وبيعها، وارتدائها؟ وهل يجوز الصلاة بها وقد كتب عليها اسم ذلك اللاعب؟ . 2. ما حكم بيع فنايل الأندية الأوربية التي لا تحمل أسماء، بل أرقاماً فقط؟ . 3. ما حكم بيع فنايل الأندية الأوربية التي لا تحمل أسماء، ولا أرقاماً؟ . 4. ما حكم بيع فنايل الأندية الأوربية التي طمس من شعارها الصليب؟ . 5. وهل هذا يعتبر مما عمت به البلوى، وكل محاسب على حسب نيته؟ وهل هو حرام أم مكروه؟ . 6. إذا كان هذا البيع لا يجوز فماذا يجب على تجار الجملة، والتجزئة تجاه هذه الملابس؟ . آمل إرسال فتوى شاملة، ومفصلة في هذا الموضوع؛ لنشرها بين الناس، وفي محلات الرياضة، وتجار الجملة بإذن الله. وجزاكم الله خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يخفى على عاقل الحال التي وصل إليها الناس في زماننا هذا – ومعهم المسلمون – من الإدمان لكرة القدم، والتعلق بلاعبيها، والتعظيم لنواديها، فانتشار صور اللاعبين في كل مكان، والتسمي بأسمائهم، ولبس ملابس عليها أرقامهم، وتقليدهم في حركاتهم، ولعبهم، وتصرفاتهم، كل ذلك – وغيره كثير – من علامات ذلك الإدمان، والتعلق، والتعظيم، لتلك اللعبة، ولاعبيها. وقد أشبع القول في حكم هذه اللعبة الشيخ ذياب الغامدي حفظه الله في كتابه " حقيقة كرة القدم " وذكر واحداً وأربعين محظوراً من محظورات تلك اللعبة، بتفصيل وافٍ، وتتبع كافٍ، فلينظره من أراد الوقوف على حقيقة تلك اللعبة، ومفاسدها. ثانياً: ما جاء في السؤال هو جزء من الحقيقة التي ذكرناها أولاً، وهي تدل دلالة واضحة على تعلق المسلمين – تبعاً للهمج الرعاع من غيرهم – بتلك اللعبة، وتدل على تعظيمهم لأولئك اللاعبين، ونواديهم، ويغضون النظر عن كونهم فسقة يظهرون عوراتهم للناس، وعما ينشر عن حياتهم من أحوال الفسق والمجون، بل لا يبالون بكونهم كفاراً! . ثالثاً: لا يجوز لمسلم أن يلبس قمصاناً فيها نوع تعظيم لأولئك الكفار، أو نواديهم، فلا يضع عليها اسم اللاعب، ولا ناديه، ولا رقمه، كما لا ينبغي أن يضع على قميصه صورة أولئك اللاعبين، أو أحدهم. سئل علماء اللجنة الدائمة: ما حكم لبس الملابس الرياضية التي تحمل شعارات خاصة بالكفار، مثل " الفنايل " الرياضية التي عليها شعارات إيطاليا، أو ألمانيا، أو أمريكا، أو التي مكتوب عليها أسماء بعض اللاعبين الكفار؟ . فأجابوا: الملابس التي تحمل شعارات الكفار فيها تفصيل كما يلي: 1. إن كانت هذه الشعارات ترمز إلى ديانات الكفار كالصليب، ونحوه: ففي هذه الحالة لا يجوز استيراد هذه الملابس، ولا بيعها، ولا لبسها. 2. إن كانت هذه الشعارات ترمز إلى تعظيم أحدٍ من الكفار، بوضع صورته، أو كتابة اسمه، ونحو ذلك: فهي أيضاً حرام، كما سبق. 3. إذا كانت هذه الشعارات لا ترمز إلى عبادة، ولا تعظيم شخص، وإنما هي علامات تجارية مباحة، وهي ما يسمى بـ " الماركات ": فلا بأس بها. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ بكر أبو زيد. " فتاوى اللجنة الدائمة " (24 / 24، 25) . وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: طُرحت في الآونة الأخيرة بعض البضائع عليها صور اللاعبين، فما حكم ذلك؟ وإذا كانت هذه الصور عبارة عن ملصق، وقام المشتري بإزالته وجد تحتها جائزة، فما الحكم؟ . فأجاب: أرى أن هذه البضاعة التي عليها صور اللاعبين: تُهجر، وتقاطع؛ لأننا نسأل: ما فائدة الإسلام والمسلمين من بروز هذا اللاعب وظهوره على غيره؟ أعتقد أن كل إنسان سيكون جوابه بالنفي: لا فائدة من ذلك، فكيف نعلن عن أسماء هؤلاء، وننشر صورهم، وما أشبه ذلك؟! وكان الذي ينبغي أن يعدل عن هذا إلى مناصحة اللاعبين بالتزام الآداب الإسلامية: من ستر العورة، والمحافظة على الصلاة في الجماعة، وعدم التنافر فيما بينهم، وعدم التشاتم، وألا يستولي عليهم تعظيم الكافر إذا نجح في هذه اللعبة على غيره، هذا الذي ينفع. فأرى أن تهجر هذه البضاعة، وتقاطع، ثم إن الغالب أن هذه الشركة لم تضع الجوائز إلا لأنها تعرف أنها ستربح أضعافاً مضاعفة بالنسبة لما وضعت. فنسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من أهل البصيرة في دين الله عز وجل، وأن يحمي بلادنا، وشبابنا، وديننا من كل مكروه وسوء، إنه على كل شيء قدير. " مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " (12 / جواب السؤال رقم 258) ، و " لقاء الباب المفتوح " (57 / السؤال رقم 33) . وانظر جواب السؤال رقم: (115038) في بيان حكم بيع وشراء المنتجات وعليها رسوم الصلبان. رابعاً: مع تحريم لبس تلك القمصان التي تحمل أسماء أولئك اللاعبين، أو أسماء نواديهم، أو صورهم: فإن الصلاة لا تبطل إذا كان المصلي لابساً لها أثناء صلاته، فهي صحيحة مع الإثم. وانظر فتاوى أهل العلم في هذا في جواب السؤال رقم: (83154) . خامساً: بيع وشراء هذه الملابس مما عمَّت به البلوى، لكن لا يستفاد من ذلك الترخيص ببيعها وشرائها، بل بالتشدد في منع ذلك؛ لما للقول بإباحة ذلك من مفاسد على دين وخلُق الناس، وهو مما جاءت الشريعة للمحافظة عليه، لا التفريط فيه، وقد أُمرنا ببغض الكفر وأهله، ولا يلتقي الإيمان بالله مع مودة الكفار في قلب مسلم، فكيف إذا كان الأمر أعظم من الود، كالحب، والتعظيم؟! قال تعالى: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) المجادلة/ 22. ومع هذا التعظيم المحرَّم في قلوب المسلمين لأولئك الكفار، وأنديتهم: فقد نهبت شركاتهم أموال المسلمين بصنع تلك الملابس وعليها صور اللاعبين، أو أسماءهم، أو شعارات أنديتهم، ولا فرق في الحكم بين تجار الجملة، والمجزَّأ، وكل ذلك مما لا يجوز التهاون فيه. سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: ما تقولون فيما يفعله بعض الشباب من أبناء المسلمين اليوم في الألبسة التي يرتدونها للرياضة، وهي تحمل شعارات لدول كافرة، أو لبعض اللاعبين من الكفار، أو فيها شعارات تعصب لبعض الفرق الرياضية الكافرة إعجاباً بهم؟ هل هذا من موالاة الكفار، أفتونا وفقكم الله؟ . فأجاب: قد يكون هذا ليس من موالاة الكفار ظاهراً، لكن من فعله: فإن في قلبه من تعظيم الكفار ما ينافي الإيمان، أو كمال الإيمان، والواجب علينا نحن المسلمين أن نقاطع مثل هذه الألبسة وألا نشتريها؛ وفيما أحل الله لنا من الألبسة شيء كثير؛ لأننا إذا أخذنا بهذه الألبسة: صار فيها عزٌّ للكفار، حيث أصبحنا نفتخر أن تكون صورهم، أو أسماؤهم، ملبوساً لنا، هم يفتخرون بهذا، ويرون أن هذا من إعزازهم وإكرامهم. ثانياً: هم يسلبون أموالنا بهذه الألبسة، مصانعهم حامية، وجيوبنا منفتحة لبذل الدراهم لهم، وهذا خطأ. الآن لو أنك ذهبت إلى بعض البيوت: لوجدت المرأة عندها أكثر من عشرين ثوباً كلما ظهرت موضة اشترتها، وكذلك بالنسبة للاعبين، والذي أشير به على إخواننا هؤلاء أن يقاطعوا هذه الألبسة نهائيّاً، وأن يكتفوا بالألبسة التي تفصَّل هنا على الطراز الإسلامي الموافق لهدي النبي صلى الله عليه وسلم. " اللقاء الشهري " (2 / السؤال رقم 11) . والخلاصة: لا يجوز بيع وشراء قمصان الرياضة التي يوجد عليها صور اللاعبين، وأسماءهم، ولا أسماء الأندية، وشعارها، ولا فرق في ذلك الحكم بين أن يبيعها المسلم جملة، أو مجزَّأة. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112052 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5359 والده يطلب منه شراء الدخان [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن أشتري سجائر لشخص ما؟ إذا كان هذا غير جائز فهل هذا ينطبق على الوالد أيضا إذا طلب مني؟ جزاك الله خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز أن تشتري لوالدك شيئاً استعماله محرم، سواء كان دخاناً أم أفيوناً أم حشيشة أم خمراً.. أو غير ذلك، ولو أمر بذلك، لما ثبت من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) ، وقوله: (إنما الطاعة في المعروف) وعليك أن تنصحه، وتعتذر له بأسلوب حسن عن شرائه. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى اللجنة الدائمة ج13/64. الحديث: 4270 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5360 الاشتراك في شركة لبيع منتجات نسائية [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الاشتراك بهذه الشركة وهي بهذه الشروط؟ التعريف بالشركة: أولا: هي شركة عالمية لها (40) عاما من النجاح، ولها (55) فرعا بالعالم، و (5) فروع محلية بالمملكة، تعتمد الشركة في تصنيع منتجاتها على العناصر الطبيعية، من نباتات وأعشاب، وهى منتجات طبية وطبيعية (100%) . امتيازات الشركة: 1- أرباح فورية من (30%) إلى (50%) 2- مكافأة شهرية تبدأ من (30) ريالا وتتعدى (15000) ريالا حسب نقاط مبيعاتك. 3- هدايا شهرية للعضوات الجدد. 4- الرسوم للتسجيل رمزية (75) ريالا سنويا، ويمكنك الانسحاب في أي وقت. 5- إمكانية العمل من أي دولة عربية، مع إضافة (75) ريالا شحن للعضوة التي بخارج السعودية. 6- توصيل الاشتراك والطلبيات عن طريق الشحن السريع (فيدكس) خلال يومين فقط، الإدارة نسائية، هناك العديد من الامتيازات سوف تجدينها بعد اشتراكك، والتجربة خير برهان، تضم الشركة أكثر من (600) منتج للسيدات والفتيات والأطفال، وقسم خاص للعطور النسائية والرجالية.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كانت هذه الشركة تتعامل بطريقة النظام الهرمي في احتساب عمولات للمشتركين بحسب الأعضاء المسجلين عن طريقهم، فقد سبق في موقعنا بيان حكم هذا النوع من المعاملات في أكثر من جواب، خلاصتها التحريم بسبب الغرر الذي يلحق بالمشتركين إذا لم يوفقوا في إحضار الزبائن، وبسبب الضرر الذي يلحق بالطبقة الدنيا من هذه الشبكة. وانظري جواب السؤال رقم (40263) و (46595) . أما إن لم تكن تتعامل بهذه الطريقة فلا نرى فيما ذُكر في السؤال محذورا شرعيا يقضي بالحكم بالتحريم، ما دامت المنتجات التي تباع مباحة لا محذور فيها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109455 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5361 يقرضهم دولارات على أن يشتروا منها دولارات عند السداد [السُّؤَالُ] ـ[السؤال: يوجد شخص صاحب محل (صيرفة) ، ويتعامل مع عدد من المحلات التي تبيع المواد الغذائية، أو الأثاث، يتعامل معهم بالشكل التالي: يقوم بإعطائهم مبلغ مثلاً 10000 آلاف دولار، ويقوم صاحب المحل بشراء بضاعته، وبعد تصريف البضاعة بالعملة المحلية وهي الدينار العراقي يقوم صاحب المحل بشراء دولارات من نفس صاحب مكتب الصيرفة الذي أعطاه 10000 آلاف دولار بالسعر السائد، وبعدها يقوم صاحب المحل بتسديد المبلغ بالدولار الذي عليه، فهل يجوز؟ أرجو الإجابة لأنه يوجد كثير من الناس لا يعرفون ما يعملون.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه المعاملة محرمة، لأن حقيقتها أن الصيرفي أقرض التاجر 10000 دولار، بشرط أن يقوم التاجر عند السداد بشراء الدولارات من الصيرفي. والمقصود من القرض هو الإحسان إلى المقترض ومساعدته، فلا يجوز للمقرض أن يجعل القرض وسيلة إلى انتفاعه هو، ولهذا حرم الشرع على المقرض أن ينتفع من المقترض بشيء مقابل القرض، فمن القواعد التي اتفق عليها العلماء: أن كل قرض جَرَّ منفعة إلى المقرض فهو حرام وربا. جاء في " الموسوعة الفقهية " (3 / 265، 266) : "إنّ انتفاع الدّائن من عمليّة الاستدانة إمّا أن يتمّ بشرطٍ في العقد، أو بغير شرطٍ، فإن كان بشرطٍ فهو حرامٌ بلا خلافٍ، قال ابن المنذر: أجمعوا على أنّ المسلف - أي الدّائن - إذا شرط على المستلف زيادةً أو هديّةً، فأسلف على ذلك، أنّ أخذ الزّيادة على ذلك رباً، وقد روى عليّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: (كلّ قرضٍ جرّ منفعةً فهو رباً) وهو وإن كان ضعيف السّند إلاّ أنّه صحيحٌ معنًى، وروي عن أبيّ بن كعبٍ، وعبد الله بن عبّاسٍ، وعبد الله بن مسعودٍ، أنّهم نهوا عن كلّ قرضٍ جرّ منفعةً للمقرض. أمّا إن كانت المنفعة الّتي حصل عليها الدّائن من المدين غير مشروطةٍ، فيجوز ذلك عند جمهور الفقهاء: الحنفيّة، والشّافعيّة، والمالكيّة، والحنابلة" انتهى. ولهذا أيضاً نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الجمع بين السلف والبيع، لأن المسلف (المقرض) يتخذ القرض وسيلة لترويج بضاعته، أو رفع السعر على المشتري، فيدخل فيما سبق، وهو القرض الذي جر منفعة على المقرض. فعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لاَ يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ) رواه الترمذي (1234) وأبو داود (3504) والنسائي (4611) ، وصححه الترمذي وابن عبد البر والألباني. " التمهيد " (24 / 384) . وقال ابن قدامة رحمه الله: "وإن شرط في القرض أن يؤجره داره، أو يبيعه شيئاً، أو أن يقرضه المقترض مرة أخرى: لم يجز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع وسلف) " انتهى. " المغني " (4 / 355) . وقال ابن هبيرة في " الإفصاح " (1 / 361، 362) : "واختلفوا فيما إذا اقترض رجل من آخر قرضاً، فهل يجوز له أن ينتفع من جانبه بمنفعة لم تجر بها عادة، فقال أبو حنيفة ومالك وأحمد: لا يجوز , وهو حرام، وقال الشافعي: إذا لم يشترط: جاز، واتفقوا على تحريم ذلك مع اشتراطه , وأنه لا يحل ولا يسوغ بوجه ما" انتهى. فهذه المعاملة جمعت بين السلف والبيع، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، لما يفضي إليه ذلك من انتفاع المقرض بالقرض، وذلك ربا. فعلى الصيارفة والتجار أن يكفوا عن هذه المعاملة المحرمة، فإما أن يكون القرض حسناً، يبتغي به المقرض وجه الله، لا الاستفادة في الدنيا، وإن أراد المقرض الربح الدنيوي -وهو جائز- فليكن ذلك بطرق مباحة، كما لو دخل شريكاً بهذا المال مع التاجر، ويكون له نسبة من الربح. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106378 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5362 بيع الذهب في الموكيت والسجاد مع جهالة قدره [السُّؤَالُ] ـ[عندي مصنع مجوهرات ذهب وفي كل عام أقوم ببيع الموكيت والسجاد الموجود بالمصنع، لأن فيه كمية من الذهب لشخص بسعر نتفق عليه دون معرفة كمية الذهب، وأحيانا يربح الشاري وأحيانا يخسر، فهل هذا البيع يعتبر بيع غبن؟ وهل يجوز شرعا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا يجوز بيع الذهب أو غيره إلا بعد العلم بكميته وأوصافه التي يختلف بها السعر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ) رواه مسلم (1513) . وبيع الغرر هو كل بيع فيه جهالة. قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم": " وَأَمَّا النَّهْي عَنْ بَيْع الْغَرَر فَهُوَ أَصْل عَظِيم مِنْ أُصُول كِتَاب الْبُيُوع , وَيَدْخُل فِيهِ مَسَائِل كَثِيرَة غَيْر مُنْحَصِرَة كَبَيْعِ الْمَعْدُوم وَالْمَجْهُول، وَمَا لَا يَقْدِر عَلَى تَسْلِيمه، وَمَا لَمْ يَتِمّ مِلْك الْبَائِع عَلَيْهِ، وَبَيْع السَّمَك فِي الْمَاء الْكَثِير، وَاللَّبَن فِي الضَّرْع، وَبَيْع الْحَمْل فِي الْبَطْن، وَنَظَائِر ذَلِكَ , وَكُلّ هَذَا بَيْعه بَاطِل لِأَنَّهُ غَرَر مِنْ غَيْر حَاجَة. وَقَدْ يُحْتَمِل بَعْض الْغَرَر بَيْعًا إِذَا دَعَتْ إِلَيْهِ حَاجَة كَالْجَهْلِ بِأَسَاسِ الدَّار، لِأَنَّ الْأَسَاس تَابِع لِلظَّاهِرِ مِنْ الدَّار , وَلِأَنَّ الْحَاجَة تَدْعُو إِلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِن رُؤْيَته. وَكَذَلِكَ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَاز أَشْيَاء فِيهَا غَرَر حَقِير , مِنْهَا أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى صِحَّة بَيْع الْجُبَّة الْمَحْشُوَّة وَإِنْ لَمْ يُرَ حَشْوهَا , وَلَوْ بِيعَ حَشْوهَا بِانْفِرَادِهِ لَمْ يَجُزْ. وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَاز إِجَارَة الدَّار وَالدَّابَّة وَالثَّوْب وَنَحْو ذَلِكَ شَهْرًا مَعَ أَنَّ الشَّهْر قَدْ يَكُون ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَقَدْ يَكُون تِسْعَة وَعِشْرِينَ. وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَاز الشُّرْب مِنْ السِّقَاء بِالْعِوَضِ مَعَ جَهَالَة قَدْر الْمَشْرُوب وَاخْتِلَاف عَادَة الشَّارِبِينَ. قَالَ الْعُلَمَاء: مَدَار الْبُطْلَان بِسَبَبِ الْغَرَر وَالصِّحَّة مَعَ وُجُوده عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ أَنَّهُ إِنْ دَعَتْ حَاجَة إِلَى اِرْتِكَاب الْغَرَر وَلَا يُمْكِن الِاحْتِرَاز عَنْهُ إِلَّا بِمَشَقَّةٍ وَكَانَ الْغَرَر حَقِيرًا جَازَ الْبَيْع وَإِلَّا فَلَا " انتهى باختصار. فالغرر اليسير الذي لا يمكن الاحتراز عنه يعفى عنه، بخلاف الكثير. والغرر في الصورة المسؤول عنها كثير، فلا يصح معه البيع. وعليك في هذه الحالة أن تجتهد في تحديد كمية الذهب، بقدر المستطاع، ثم يتم البيع على ذلك، فإن حصلت جهالة مع ذلك وكانت يسيرة بحيث لا يكون المشتري قد دخل على سبيل المخاطرة، إما أن يربح وإما أن يخسر، فنرجو ألا يكون عليك حرج حينئذ. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106005 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5363 حكم بيع اشتراكات لمواقع تنزيل الملفات على الإنترنت [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم بيع اشتراكات لمواقع تنزيل الملفات مثل (رابيدشيرrapidshare) حيث يقوم الأشخاص برفع ملفاتهم على هذا الموقع، ولكي تستطيع التحميل من هذا الموقع لابد لك من شراء اشتراك في هذا الموقع؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله مواقع تنزيل الملفات على الإنترنت، تستعمل في الخير والشر، والنافع والضار، وما كان كذلك فإنه تجري فيه قاعدة التعامل في بيع أو تأجير ما يستعمل في الحلال والحرام: فيجوز بيع الاشتراكات لمن عُلم أو غلب على الظن أنه يستعملها في المباح. ويحرم بيعها لمن عُلم أو غلب على الظن أنه يستعملها في الحرام، كوضع الصور المحرمة، والأفلام الماجنة ونحو ذلك. وإذا جهل الحال ووقع البائع في شك، ولا يدري: هل المشتري يستعملها في الحلال أم الحرام؟ وليس هناك قرائن ترجح أحد الاحتمالين، فالأصل صحة البيع وجوازه، لقول الله تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) البقرة/275. فإن استعملها المشتري في شيء محرم فإثم ذلك عليه. وانظر جواب السؤال رقم (75007) . وينبغي لأصحاب هذه المواقع أن يكون لهم رقابة على ما يوضع فيها، وأن يشترطوا عدم وضع الملفات الممنوعة شرعا. ونصيحتنا ألا يعمل الإنسان في هذا المجال، وهو بيع الاشتراكات، لأنه إن لم يقع في الحرام جزما، ببيعها لمن يستعملها في الفساد والإفساد، فإنه سيكون على شك من سلامة أمره وبراءة ذمته، وقد قال النبي صلى الله عليه: (دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لا يَرِيبُكَ) رواه الترمذي (2518) والنسائي (5711) ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي. وقال صلى الله عليه وسلم: (فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ) رواه البخاري (52) ومسلم (1599) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105749 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5364 حكم العمل في تصميم المواقع [السُّؤَالُ] ـ[أعمل في تصميم المواقع، علماً بأن المواقع التي أصممها لا تحتوي على صور نساء، ولا صور مخلة بالآداب الشرعية ونحوها، ولا أدخل لتصاميمي الموسيقى أو الأغاني، فقط أقوم بتصميم شكل الموقع، هل علي شيء في ذلك؟ والمال الذي أكسبه حلال أم حرام؟ وهل علي إثم إذا قام بعد ذلك العميل الذي قمت بتصميم الموقع له بوضع أشياء محرمة في موقعه من أغاني وصور ونحوها؟ وهل هناك حرج في إدخالي على التصميم صور الأطفال؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه من المسائل التي عم بها البلاء اليوم، نتيجة انتشار المعاصي، فتنوعت أساليب المحرمات وأدواتها، فلم يكد يسلم باب إلا وللشيطان فيه مدخل، حتى اختلط على المسلمين أمرهم، ولحقتهم المشقة في تحري الحلال واجتناب الحرام، والله سبحانه وتعالى حسيب المتقين، وكافي عباده المؤمنين، يرى منهم حبهم لطاعته وكرههم لمعصيته، وسيكافئهم بإذنه مغفرة وعفوا ورضوانا وإحسانا. وفي قواعد البيع والإجارة الجائزة في الشريعة الإسلامية: كونها مما لا يُعصى الله تعالى بها، فلا تكون عوناً على معصية، ولا تؤدي إلى وقوعٍ في محرم؛ فالشريعة إذا حرمت شيئا، حرمت كل ما يؤدي إليه ويعين عليه، وأمرت بسد كل طريق يوصل إليه. قال الله عز وجل: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/ 2. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: "فكل معصية وظلم يجب على العبد كف نفسه عنه، ثم إعانة غيره على تركه" انتهى. "تفسير السعدي" (ص 218) . وجاء في "الموسوعة الفقهية" (3 / 140) : "لا يصح عند جمهور الفقهاء بيع العنب لمن يتخذه خمرا , ولا بيع بندق لقمار , ولا دار لتعمل كنيسة , ولا بيع الخشبة لمن يتخذها صليبا , ولا بيع النحاس لمن يتخذه ناقوسا. وكذلك كل شيء علم أن المشتري قصد به أمراً لا يجوز" انتهى. فإذا تيقن البائع أو المصمم أو المنتج أن ما صممه سيُستعمل في الحرام: فلا يجوز أن يبيعه أو ينتجه، وكذا الحكم إذا غلب على ظنه وإن لم يتيقن. أما إن شك في الأمر، أو لم يعلم شيئا عن مآل استعمال ما سيبيعه وينتجه: فلا حرج عليه من بيعه وتصميمه، والإثم على من يستعمله في الحرام. قال ابن حزم رحمه الله: "ولا يحل بيع شيء ممن يوقن أنه يعصي الله به أو فيه , وهو مفسوخ أبدا: كبيع كل شيء يعصر ممن يوقن أنه يعمله خمراً، وكبيع المملوك ممن يوقن أنه يسيء ملكته، أو كبيع السلاح أو الخيل ممن يوقن أنه يعدو بها على المسلمين، أو كبيع الحرير ممن يوقن أنه يلبسه , وهكذا في كل شيء ; لقول الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) . والبيوع التي ذكرنا: تعاون ظاهر على الإثم والعدوان بلا تطويل , وفسخها تعاون على البر والتقوى. فإن لم يوقن بشيء من ذلك: فالبيع صحيح ; لأنه لم يعن على إثم , فإن عصى المشتري الله تعالى بعد ذلك فعليه (يعني: الإثم على المشتري فقط لا على البائع) " انتهى. "المحلى" (7 / 522) . وكذلك الحكم بالنسبة لك أخي السائل: من جاءك وقد علمت أنه يريد تصميم موقع ليستعمله في الحرام: كالبنوك الربوية أو الصور الإباحية أو بيع المحرمات من خمر وخنزير ودخان أو مواقع الأفلام والموسيقى: فلا يجوز لك تصميم الموقع له، ولا يحل لك إعانته على المنكر الذي يريد، بل الواجب عليك نصحه وإرشاده وتذكيره بتقوى الله عز وجل. أما إن لم تعلم شيئاً عن سبب طلب تصميم الموقع، أو كان الغالب استعمال الموقع في المباحات والأشياء النافعة: فلا حرج عليك من تصميمه وبيعه، ولو خلط صاحبه في استعماله بعض الحرام: فالأحكام الشرعية تبنى على الغالب وليس على القليل النادر. وانظر إجابات الأسئلة: (22756) و (95029) و (98062) . وأما حكم إدخال صور الأطفال على المواقع التي تصممها فلا يجوز ذلك، وقد سبق أن بينا تحريم التصوير، سواء كان مرسوما باليد أو ملتقطاً بالآلة (الكاميرا الفوتوغرافية) ، ولا يستثنى من هذا التحريم إلا ما تتعلق به حاجة أو ضرورة، كصور جواز السفر ونحو ذلك مما يحتاج إليه. وانظر جواب السؤال (20325) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105325 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5365 يتفق مع الزبون على قيمة العقد وربحه ثم يشتريه نقداً ويقسطه عليه [السُّؤَالُ] ـ[منذ فترة وأنا أبيع بالتقسيط. وطريقتي هي: يأتيني المشتري، أو يهاتفني عبر الجوال بسؤاله لي عن التقسيط، وأخبره بأننا نقوم بالتقسيط، ويسأل عما نقسطه، ويجيب أنه يرغب في سلعة، نقوم بتصفية مبلغ من المال كقوله: " أرغب في خمسة آلاف ريال ". أقول له: بأنني سأبيعك سلعة كذا بالتقسيط، وتصبح عليك بقيمة كذا، وقسط قدره كذا، فإن وافق: ذهبت واشتريت السلعة، وبعد امتلاكها عن نفسي: فهو بالخيار، إما أن يقبل أو يرفض، وإن وافق: أتيته بالعقد، وطلبت عليه كفلاء، وبعد توقيع العقد: أقوم بتسليمه الفاتورة الخاصة بالشراء - فاتورة ما اشتريناه من سلعة - التي تمكنه من استلام ما بعناه إياه، أو إعادة بيعه إن رغب بذلك على صاحب المؤسسة، أو من رغب، وليس البيع علينا. هل هذه الطريقة فيها شيء من الحرام؟ وإذا كان فيها شيء من الحرام: فما هي الطريقة الصحيحة التي ليس فيها شيء؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه المعاملة محرمة، وسبب تحريمها: 1- أنك تبيع السلعة وأنت لم تنقلها من عند من باعها لك، وقد (نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تباع السلع حيث تباع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم) رواه أبو داود (3499) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود. 2- أنك تربح فيما لم يدخل في ضمانك، وهذا لا يجوز، لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن ربح ما لم يُضمن) رواه الترمذي (1234) وحسنه الألباني في "إرواء الغليل" (1386) . 3- أن كثيراً من المشترين في هذه الصورة يبيعون السلعة للطرف الأول (وهو من باعها لك) فتكون المعاملة بهذه الطريقة صورة من صور بيع العينة، وهو محرم، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه، ولأنه حيلة على الربا. والذين يجيزون هذه المعاملة يشترطون لها شرطين: 1- أن تقبض السلعة، وتكون في ضمانك، وتنقلها من مكانها. 2- أن لا تبيعها قبل تملكها. وإذا كان الشرط الثاني متوفراً في معاملتكم: فإن الشرط الأول مفقود، واختلال أحد الشرطين يجعل المعاملة من المحرمات. وقد بينَّا هذا في جواب السؤال رقم: (36408) فلينظر. وفي جواب السؤال رقم (10958) تجد فتوى لعلماء اللجنة الدائمة في تحريم هذه المعاملة. ونسأل الله أن يوفقكم لمرضاته، وأن ييسر لكم العمل الطيب، والكسب المبارك. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105395 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5366 حكم خياطة ما يعين على المعصية [السُّؤَالُ] ـ[أعمل خيَّاطة، وقد عملت أغطية لكراسي تستعمل في أعراس أغلبها ليست إسلامية، وفيها ما فيها من المنكرات والمحرمات , هل أنا آثمة في فعلي هذا؟ وهل المبلغ الذي تقاضيته في المقابل حرام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله خياطة الثياب والستائر والأغطية للاستعانة بها على المحرمات: لا تجوز، كخياطة الستائر لقاعات الرقص والغناء، أو خياطة ثياب الحرير للرجال، أو خياطة الألبسة الضيقة والمتكشفة لمن يعلم – أو يغلب على ظنه - أنها ستلبسه أمام الرجال الأجانب عنها، ونحو ذلك من صور الإعانة على فعل المحرم. والقاعدة التي تجمعها هي: "تحريم بيع أو تصنيع أو الاستئجار على أي عمل يعين على معصية الله ". دليل ذلك قول الله عز وجل: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/ 2. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: " (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) أي: ليُعن بعضكم بعضا على البر، وهو اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، من الأعمال الظاهرة والباطنة، من حقوق الله، وحقوق الآدميين. والتقوى في هذا الموضع: اسم جامع لترك كل ما يكرهه الله ورسوله، من الأعمال الظاهرة والباطنة. وكلُّ خصلة من خصال الخير المأمور بفعلها، أو خصلة من خصال الشر المأمور بتركها: فإن العبد مأمور بفعلها بنفسه، وبمعاونة غيره من إخوانه المؤمنين عليها، بكل قول يبعث عليها وينشط لها، وبكل فعل كذلك. (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ) وهو التجرؤ على المعاصي التي يأثم صاحبها. (وَالْعُدْوَانِ) وهو التعدي على الخَلْق في دمائهم، وأموالهم، وأعراضهم، فكل معصية وظلم يجب على العبد كف نفسه عنه، ثم إعانة غيره على تركه. (وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) على من عصاه وتجرأ على محارمه، فاحذروا المحارم لئلا يحل بكم عقابه العاجل والآجل" انتهى. "تفسير السعدي" (ص 218) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "إذا أعان الرجلَ على معصية الله: كان آثماً؛ لأنه أعان على الإثم والعدوان، ولهذا لعن النبي صلى الله عليه وسلم الخمر، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وبائعها، ومشتريها، وساقيها، وشاربها، وآكل ثمنها. وأكثر هؤلاء كالعاصر والحامل والساقي إنما هم يعاونون على شربها، ولهذا ينهى عن بيع السلاح لمن يقاتل به قتالا محرما: كقتال المسلمين، والقتال في الفتنة. ومن أخذ عِوضًا (الأجرة) عن عين محرمة، أو نفع استوفاه، مثل أجرة حَمَّال الخمر، وأجرة صانع الصليب، وأجرة البَغِيّ، ونحو ذلك: فليتصدق بها، وليتب من ذلك العمل المحرم، وتكون صدقته بالعوض (الأجرة) كفارة لما فعله؛ فإن هذا العوض لا يجوز الانتفاع به؛ لأنه عوض خبيث، ولا يعاد إلى صاحبه؛ لأنه قد استوفى العوض، ويتصدق به، كما نص على ذلك مَن نَصَّ من العلماء، كما نَصَّ عليه الإمام أحمد في مثل حامل الخمر، ونص عليه أصحاب مالك وغيرهم" انتهى. " مجموع الفتاوى " (22 / 141 – 142) ونقل في "شرح العمدة" (4 / 385 – 387) عن الإمام أحمد تحريم خياطة الثياب للجنود الظلمة، وأنه إذا فعل ذلك فقد أعانهم على الظلم. ثم قال شيخ الإسلام: "وكل لباس يغلب على الظن أن يُستعان بلبسه على معصية: فلا يجوز بيعه، وخياطته لمن يستعين به على المعصية والظلم، وكذلك كل مباح في الأصل علم أنه يستعان به على معصية" انتهى باختصار. وعلى هذا؛ فما قمتِ به من خياطة أغطية لكراسي الأفراح التي ترتكب فيها المعاصي والآثام عملٌ محرم، وكسبكِ منه محرَّم أيضاً، والواجب عليكِ التوبة إلى الله تعالى منه، والتصدق بالأجرة التي أخذتيها مقابل هذا العمل المحرم. ونسأل الله تعالى أن يخلف عليك خيراً، وأن يتقبل توبتك. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103789 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5367 تحريم بيع النمر واقتنائه [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للشخص أن يشتري نمراً ويقوم بتربيته؟ وهل يعتبر النمر من القطط؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا يجوز شراء شيء من السباع إلا أن يكون مما يمكن تعليمه الصيد، وأما ما لا يمكن تعليمه الصيد، فلا يجوز بيعه ولا شراؤه؛ لعدم نفعه. وقد ذكر العلماء رحمهم الله أن النمر لا يصلح للصيد، وأنه لا يجوز بيعه. قال النووي في "المجموع" (9/286) : " القسم الثاني من الحيوان: ما لا ينتفع به فلا يصح بيعه، وذلك كالخنافس والعقارب والحيات والديدان والفأرة والنمل وسائر الحشرات ونحوها. قال أصحابنا: ولا نظر إلى منافعها المعدودة من خواصها لأنها منافع تافهة. قال أصحابنا: وفي معناه: السباع التي لا تصلح للاصطياد ولا القتال عليها , ولا تؤكل كالأسد والذئب والنمر والدب وأشباهها، فلا يصح بيعها؛ لأنه لا منفعة فيها. قال أصحابنا: ولا ينظر إلى اقتناء الملوك لها للهيبة والسياسة " انتهى. وقال ابن الهام رحمه الله: " ونقل في النوادر أن الأسد إذا كان يقبل التعليم ويصطاد به يجوز بيعه , وإن كان لا يقبل التعليم والاصطياد به لا يجوز , قال: والفهد والبازي يقبلان التعليم، فيجوز بيعهما على كل حال انتهى. فعلى هذا، ينبغي أن لا يجوز بيع النمر بحال لأنه لا يقبل تعليما " انتهى. "فتح القدير" (7/118) . وقال في "كشاف القناع" (3/160) : " ولا يصح بيع سباع بهائم ولا جوارح طير لا تصلح لصيد , كنمر وذئب ودب وسبع وحدأة ونسر وعقعق ونحوها ; لأنه لا نفع فيها كالحشرات " انتهى. ثانيا: أما اقتناء النمر لغير الصيد، فالظاهر منعه لأمرين: الأول: ما في تربيته من الإسراف والتبذير، دون فائدة، والمال والطعام الذي يجلب له كل يوم، لو أعطي للفقراء والمحتاجين لكان خيرا عظيما. الثاني: ما في تربيته من المخاطرة؛ إذ لا يؤمن انفلاته وإلحاقه الضرر بأهل البيت وغيرهم؛ لما فيه من الشر والخبث. وقد صرح بعض الفقهاء بتحريم اقتنائه: قال زكريا الأنصاري في "شرح منهج الطلاب" (3/25) : " ولا يصح بيع سباع لا تنفع كأسد وذئب ونمر وما في اقتناء الملوك لها من الهيبة والسياسة ليس من المنافع المعتبرة. قال الجمل في حاشيته عليه: " قوله (وما في اقتناء الملوك إلخ) أي واقتناؤهم لها حرام " انتهى. وأكثر من يربي هذه الحيوانات لغير الصيد إنما يربيها للفخر والمراءاة، دون مبالاة بما ينفقه عليها، مما يكفي لإطعام الكثير من أهل الحاجة والفاقة. والنمر من فصيلة القطط، وهذه الفصيلة تشمل أنواعا من الحيوانات المفترسة كالنمر والوشق والعناق، وينظر: "الموسوعة العربية العالمية". والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103706 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5368 تمول لهم شركتهم شراء السيارات ويشترط البائع التأمين على الحياة! [السُّؤَالُ] ـ[أعمل في شركة، وهذه الشركة أجرَت اتفاقاً مع بائع السيارات ليبيع السيارات لعمالها بالتقسيط، فإذا أراد أي عامل شراء سيارة يذهب إلى بائع السيارات، ويختار السيارة التي تعجبه، فيعطيه البائع ورقة مكتوباً عليها ثمن السيارة بدون تقسيط، وثمن السيارة بالتقسيط لمدة ستين شهراً، وقيمة كل قسط، وهذه الأقساط تخصم مباشرة من الراتب الشهري للعامل حسب اتفاق الشركة والبائع، لكن البائع يشترط على المشتري أن يؤمِّن على السيارة من كل الأخطار، ويؤمِّن على حياته مدة ستين شهراً؛ وذلك ليضمن البائع استرداد ثمن السيارة في حالة ما إذا وقع حادث للسيارة، أو في حالة وفاة المشتري، هل هذه المعاملة حلال شرعاً - مع العلم أن التأمين على السيارة في بلدي إجباري، وأنني أملك سيارة قديمة وأريد استبدالها بسيارة جديدة ?]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الذي يظهر أن ما تقوم به هذه الشركة هو دفع ثمن السيارة للبائع نقداً، ثم تقوم بتحصيل هذا الثمن مقسطاً من المشتري، وعليه زيادة عما دفعته للبائع. فاتفاقها مع بائعي السيارات واضح في أنهم يمكنون عاملهم من اختيار السيارة، ويكون عليها دفع ثمنها لهم، وواضح أن هذه المعاملة هي قرض تقدمه الشركة لموظفيها، لكنها لا تمكنهم من المال نقداً، بل تبادر بدفعه لبائعي السيارات، وهي تستوفي من موظفيها أكثر مما دفعت. وهذه المعاملة محرَّمة، وهي صورة من صور الربا، وقد سبق في جواب السؤال (10958) فتوى لعلماء اللجنة الدائمة للإفتاء في تحريمها. ثانياً: سبب آخر يجعل هذه المعاملة محرَّمة، هو اشتراط البائع على الموظف المشتري أن يؤمِّن على حياته! وذلك من أجل استيفاء أموالهم من قيمة التأمين بعد الوفاة! وعقود التأمين التجاري كلها محرَّمة، ولا يجوز منها أي نوع، ومن يؤمن على سيارته فإن هذا من باب الإكراه، والاضطرار، ولا يحل له الاستفادة مما تدفعه له شركة التأمين في حال وقوع حادث، بل يأخذ منهم ما دفعه لهم من أقساط فقط. وانظر جواب السؤال رقم (10805) ففيه بيان حكم التأمين على الحياة، وفيه فتوى الشيخ ابن باز وانظر جواب السؤال رقم: (30740) ففيه حكم الاقتراض ممن يشترط التأمين على الحياة. وعلى هذا؛ فلا يجوز للموظف أن يشتري السيارة بهذه الطريقة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 102937 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5369 حكم العمل في تصنيع طعام الحيوانات المشتمل على لحم الخنزير [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز العمل بمصنع يعد طعاما للحيوانات وهذا الطعام يحتوي على الخنزير؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: يجوز إطعام الحيوانات التي لا تؤكَل كالكلاب والقطط، الميتات، ومنها لحم الخنزير، فإنه ميتة على كل حال، سواء ذبح أو مات بدون ذبح. قال النووي في "المجموع" (4/336) : " ويجوز إطعام الميتة للكلاب والطيور، وإطعام الطعام المتنجس للدواب " انتهى مختصرا. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " يباح إطفاء الحريق بالخمر , وإطعام الميتة للبزاة والصقور , وإلباس الدابة للثوب النجس , وكذلك الاستصباح بالدهن النجس في أشهر قولي العلماء , وهو أشهر الروايتين عن أحمد. وهذا لأن استعمال الخبائث فيها يجري مجرى الإتلاف ليس فيه ضرر " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (1/433) . ثانيا: لا يجوز بيع لحم الخنزير، منفردا أو مخلوطا بغيره؛ لما رواه البخاري (2236) ومسلم (1581) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ: (إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ) . قال النووي رحمه الله: " يجوز إطعام الميتة للجوارح ولا يجوز بيعها " انتهى من "المجموع" (9/285) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن معلبات طعام للقطط التي تحتوي على لحم خنزير هل يجوز شراؤها وإطعامها للقطط؟ فأجاب: " إذا كان ذلك بشراءٍ للمعلبات فلا يجوز، لأنه لا يجوز دفع ثمن لحم الخنزير وشراؤه. وإن كان وجده مرمياً فأطعمه قطته فلا بأس بذلك، والله أعلم ". انظر جواب السؤال رقم (5231) . وبناء على ذلك؛ فلا يجوز العمل في صناعة الطعام المشتمل على لحم الخنزير أو غيره من الميتات؛ لما في ذلك من الإعانة على الإثم والحرام، لأنها تصنع بغرض بيعها، وهو محرم كما سبق. قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 102537 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5370 حكم السحب على السيارات [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم السحب على السيارات والأدوات المنزلية كالغسالة والثلاجة والتلفزيون وغير ذلك من قبل الأسواق والمحلات التجارية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز لأنهم ينفعون أنفهسم ويضرون غيرهم، فجعل جائزة سيارة أو ثلاجة أو غيرها وقالوا من اشترى منا كذا وكذا فإنه سيشترك في هذه المسابقة ونسحب اسمه مع جملة الأسماء وإذا فاز فقد يحصل على سيارة قيمتها مائة ألف أو نحوه وبالتالي يتهافت الناس إليهم وربما جاء عشرة آلاف زبون أو عشرين ألفاً ولا يحصل على المسابقة إلا واحد منهم والبقية يخفقون فإنهم يضرون غيرهم من أصحاب المحلات، فالكل يتهافت إليهم تاركين بقية المحلات مما يلحق الضرر بالآخرين. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 10315 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5371 المتاجرة بالسجائر [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الإسلام فيمن يتجر في الدخان (السجاير) التي تباع بواسطة الرخصة من طرف شركة الدخان؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله شرب الدخان حرام، وزرعه حرام، والاتجار به حرام لما فيه من الضرر العظيم وقد روي في الحديث: (لا ضرر ولا ضرار) ولأنه من الخبائث، وقد قال تعالى في صفة النبي صلى الله عليه وسلم: (ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث) الأعراف /157 وقال سبحانه: (يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات) المائدة/4 [الْمَصْدَرُ] من فتاوى اللجنة الدائمة ج13/31. الحديث: 10204 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5372 يبيعه هاتف جوالا بالأقساط ويسدّد عنه ثمن الشريحة [السُّؤَالُ] ـ[توجد بعض المؤسسات تقوم ببيع جهاز الهاتف النقال بالطريقة الآتية: يتعاقد الطرفان على أن تقوم المؤسسة ببيع الشّخص هاتفاً جوالا وتقوم باستخراج الشريحة من شركة الاتصالات بمبلغ إجمالي مقداره خمسة آلاف ريال، منها ثلاثة آلاف ريال يدفعها البائع إلى شركة الاتّصالات ويأخذ شريحة باسم المشتري وألفا ريال قيمة الهاتف ثم يقسّط عليه المبلغ كاملا على أقساط الشهرية. فهل يجوز للشركة عمل إجراءات البيع بالتقسيط قبل جلب الشريحة للمشتري علماً بأنها لا تمتلك الشريحة.]ـ [الْجَوَابُ] عرض هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله أنّ الظاهر أنّ هذا لا يجوز، لأنّ المشتري يقول للبائع أقرضني ثمن الشّريحة ثمّ أسدّد لك بزيادة وهذه الزيادة ربا. لكن يجوز أن يبيعه الهاتف فقط بالأقساط لأنه يملكه. سؤال: لو قال اجعلوا الزيادة على الجوال؟ جواب: لا ينفع، لأنّ الزيادة على الجميع، فهذا عقد محرم، ولكن يشتري الشريحة من ماله (أي المشتري) . سؤال: هل هذا يدخل في مسألة عقدين في عقد، وهل يمكن أن تكون العلاقة بين المشتري والبائع (في شأن الشّريحة) وكالة بأجرة؟ جواب: لا، لأن كل عقد لوحده فالعقد الأول مع شركة الاتصالات والآخر مع الشركة، فهذا ممنوع، فكأنهم أقرضوه وأعطوا شركة الاتصالات ثم زادوا عليه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن صالح العثيمين الحديث: 7851 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5373 حكم بيع الفيز وأخذ نسبة من العمال [السُّؤَالُ] ـ[طلب مني رجل من الجنسية الهندية قبل فترة أن أقوم بعمل طلب تأشيرة دخول للبلاد لأخيه واتفقنا على مبلغ من المال عند دخول أخيه البلاد وله حرية العمل حيث شاء ولم نتفق على أن آخذ أجرة شهرية وإنما هي مرة واحدة عند قدومه فقط حيث إنه لم يكن مُكرها وإنما بإرادته وبعد أن من الله علي بالالتزام ولله الحمد أصابني شك في المال، هل هو حرام أم حلال؟ وإن كان حراما هل علي إرجاع المال أم التوبة تكفي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز بيع الفيز أو تأشيرات الدخول، لما في ذلك من الكذب والاحتيال على الأنظمة، فالمال المكتسب بهذه الطريقة مال حرام، والتوبة منه تكون بالتخلص منه في أوجه البر المختلفة – هذا إذا كان المال باقيا- أما إذا كان المال قد تم إنفاقه فتكفي التوبة، ولا يلزم التصدق بمقداره. وانظر جواب السؤال (78289) ففيه زيادة فائدة. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: يقوم بعض الأشخاص باستخراج (فيزة) تكلفه تقريباً ثلاثة آلاف ريال، ثم يقوم ببيعها بثمانية أو عشرة آلاف على شخص آخر ليحضر أخاه، فما الحكم في ذلك؟ فأجاب: " (الفيزة) الرخصة يعني يأخذ رخصة من الوزارة لاستقدام عامل، ثم يبيع هذه الرخصة على أحد يستقدم عاملاً، فهذا حرامٌ ولا يجوز؛ لأننا نقول: إن كنت محتاجاً إلى هذا العامل فالفيزة بيدك، وإن لم تكن محتاجاً فرد الفيزة إلى من أخذتها منه، ولا يحل لك أن تبيعها. . . ثم هذا كذب؛ إذا أخذ فيزة على أنه يستقدم عاملاً ثم باعها صار كاذباً" انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (170/15) . وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: أنا شاب أبلغ من العمر 33 سنة، وحالتي المادية ضعيفة، وقد أتى إلي أحد الأيام أحد الإخوة المقيمين بالمملكة، وهو باكستاني الجنسية (مسلم) وطلب مني أن أستخرج له عددا من الفيز لاستقدام بعض أقاربه من الباكستان مقابل أن يدفع لي سبعة آلاف ريال لكل فيزة، وفعلت ذلك نظرا لحالتي المادية، وحاجتي لهذا المال، وقبضت منه قيمة أربع فيز، واستقدمت الأشخاص الذين قد اشترى الفيز من أجلهم، ولهم الآن بالمملكة أربع سنوات يعملون لحسابهم الخاص. سؤالي: هل هذا المال الذي قبضته منهم حلال أم حرام؟ علما بأن الأشخاص المعنيين قد حصلوا على أضعاف ما قد دفعوه إلي من المال، وهم راضون عن وضعهم وما دفعوه بسبيل إقامتهم بالمملكة للعمل. أفيدوني جزاكم الله خيرا. فأجابوا: "هذا المال حرام؛ لأنه عوض عن الكفالة، وهي من عقود الإحسان، وأيضا كذب؛ لأنه مخالف للأنظمة التي وضعتها الدولة للمصلحة العامة " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (14/189) . وسئلوا أيضاً (13/79) : استقدمت عمالة أجنبية قبل 8 سنوات تقريبا، وقد بعت الفيز على شخص هنا، سواء من الباكستان أو مصر، على أن يستقدم العمالة ويعملوا على طريقتهم، أي ليس عندي في المؤسسة، وكان هذا شرطا بيني وبينهم، وعلى اتفاق أن يدفع نسبة كل آخر شهر، وليست إجباريا، ولكن الله هداني إلى الصواب، وتبت إلى الله، وهذا أنا يا سماحة الشيخ أرجو من الله ثم منكم أن تدلوني على الطريق الصحيح، حيث إن بعض العمال سافر إلى بلاده، ولا أعرف له عنوانا، والبعض الآخر موجود، ولكن لا آخذ منه شيئا ... فأجابوا: "بيع الفيز لا يجوز؛ لأن في بيعها كذبا ومخالفة واحتيالا على أنظمة الدولة، وأكلا للمال بالباطل، قال الله تعالى: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ) وعلى ذلك فإن ثمن الفيز التي بعتها والنسب التي تأخذها من العمال كسب محرم، يجب عليك التخلص منه، وإبراء ذمتك منه، فما حصلت عليه من ثمن الفيز تنفقه في وجوه البر والخير، من فقراء وإنشاء وبناء مرافق تنفع المسلمين. وأما الأموال التي أخذتها من العمال أنفسهم نسبة في كل شهر، فإنه يجب عليك ردها إليهم إن كانوا موجودين، أو تيسر إيصالها إليهم في بلدهم على عناوينهم. وإن تعذر معرفتهم أو إيصالها إليهم فإنك تتصدق بها عنهم؛ لأن هذه النسبة اقتطعت منهم بغير حق، وبدون عوض، وعليك الاستمرار في التوبة من هذا العمل، وعدم العودة إليه مستقبلا، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 101220 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5374 بيع الخمور على الكفار [السُّؤَالُ] ـ[هل تجوز المتاجرة في الخمور والخنازير إذا كان لا يبيعها لمسلم؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز المتاجرة فيما حرم الله من الأطعمة وغيرها كالخمور والخنزير ولو مع الكفرة لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه) ولأنه صلى الله عليه وسلم لعن الخمر وشاربها وبائعها ومشتريها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها وعاصرها ومعتصرها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى اللجنة الدائمة ج13/47. الحديث: 6682 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5375 هل يبيع برامج تشغيل الحاسب مع خوفه من استعمالها في الحرام؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن أبيع برامج لتشغيل الحاسوب لكن أخاف أن يستعملوها في معصية وأن أنال إثما وراء ذلك أم أنني لست مسئولا عما يفعله بعدي المشتري؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله البرامج والأجهزة التي تستعمل في الخير والشر، يجوز بيعها والاتجار فيها، إلا إذا عُلم أن المشتري سيستعملها في الحرام، فلا يجوز بيعها له، وكذلك إذا غلب على الظن أنه سيستعملها في الحرام، فلا يجوز بيعها له. أما إذا كنت مترددا، هل سيستعملها في الحرام أم لا؟ فلا حرج عليك في بيعها له، فإن استعملها في الحرام كان إثم ذلك عليه وحده. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ولا يصح بيع ما قصده به الحرام كعصير يتخذه خمرا إذا علم ذلك كمذهب أحمد وغيره , أو ظن، وهو أحد القولين، يؤيده أن الأصحاب قالوا: لو ظن المؤجر أن المستأجر يستأجر الدار لمعصية كبيع الخمر ونحوها لم يجز له أن يؤجره تلك الدار , ولم تصح الإجارة , والبيع والإجارة سواء " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (5/388) . وينظر جواب السؤال رقم (39744) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 101071 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5376 حكم بيع العطر لغير المسلمة [السُّؤَالُ] ـ[هل يحرم بيع العطور لغير المسلمات؟ سؤالي بسبب الحديث إذا تعطرت المرأة وخرجت من بيتها ليجد الرجال ريحها فهي زانية أرجو ذكر الدليل.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأصل حل البيع سواء كان للمسلمين أو لغيرهم، والطيب يستخدم لعدة أغراض، وإنما يحرم بيع الطيب لمن عُلم أنه يستخدمه في أمر محرم، وهكذا جميع ما أباح الله، فمثلاً العنب يجوز بيعه للمسلمين وغيرهم، وقد يستخدمه البعض في صنع الخمر، فالقاعدة أنه من علم أنه يَستخدم ما جاز بيعه في الحرام فلا يجوز البيع له وإلا فيجوز. فلو كنت تتاجر بالعنب وجاءك كافر يريد شراء عنب وأنت لا تدري هل سيستخدمه للأكل أو لصناعة خمر فالأصل جواز بيعه لكن لو جاءك مندوب لمصنع الخمر يريد شراء عنب للمصنع وعلمت ذلك فلا يجوز أن تبيعه. والله الموفق [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 5444 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5377 صنع الشعارات وبيعها للبنوك الربوية [السُّؤَالُ] ـ[أمتلك شركة تتاجر في الهدايا والأدوات المكتبية مثل الأقلام والتي نعيد تصنيعها بحيث نضع شعار الشركات على هذه الأقلام. والشركة تستخدم هذه الأقلام إما لموظفيها وإما تعطيها لأشخاص من خارج الشركة. بعض من عملائنا عبارة عن بنوك غير إسلامية ومحطات تلفاز يطلبون منا تصنيع أقلام لهم عليها شعار شركتهم وعلامتهم التجارية، فهل المال الذي نكسبه من ورائهم حلال؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله بيع الأقلام للبنوك الربوية لتستخدمها في كتابة العقود المحرمة أو ما يعين على ذلك، أو لتستخدمها في الدعاية لها، حرام، لأن الله تعالى حرم الإعانة على المعصية عموما، وحرم الإعانة على الربا خصوصا، فقال سبحانه: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2. وفي صحيح مسلم (1598) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ. وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ) . وقد صرح الفقهاء بتحريم بيع ما يستعين به مشتريه على معصية الله. جاء في حاشية الدسوقي المالكي على "الشرح الكبير" (3/20) : " يمنع بيع كل شيء علم أن المشتري قصد به أمرا لا يجوز- وذكر من ذلك- بيع أرض لتتخذ كنيسة أو خمّارة، والخشبة لمن يتخذها صليباً، والعنب لمن يعصره خمراً" انتهى. وقال ابن قدامة في "المغني" (4/154) : "بيع العصير ممن يتخذه خمرا باطل. إذا ثبت هذا فإنما يحرم البيع ويبطل إذا علم البائع قصد المشتري ذلك، إما بقوله وإما بقرائن مختصة به تدل على ذلك، فأما إن كان الأمر محتملا مثل أن يشتريها من لا يعلم، أو من يعمل الخل والخمر معا ولم يلفظ بما يدل على إرادة الخمر فالبيع جائز" انتهى. ثم قال رحمه الله: " وهكذا الحكم في كل ما يقصد به الحرام , كبيع السلاح لأهل الحرب , أو لقطاع الطريق , أو في الفتنة , وبيع الأمة للغناء , أو إجارتها كذلك , أو إجارة داره لبيع الخمر فيها , أو لتتخذ كنيسة , أو بيت نار , وأشباه ذلك. فهذا حرام , والعقد باطل " انتهى. وبهذا يعلم أنه لا يجوز بيع السلع المباحة لمن يستعملها في المعصية. والترويج للمعصية ودعوة الناس إليها معصية، لا يجوز للمسلم أن يعين عليها. وعلى هذا؛ فما دامت هذه البنوك ربوية فلا يجوز أن تبيع لها أقلاماً تستخدمها في الدعاية لها، أو يكتب بها موظفوها عقوداً محرمة. وإذا كانت تلك المحطات من المحطات التي تنشر المحرمات كظهور المرأة متبرجة أو نشر المسلسلات الهابطة والأفكار الهدامة ونحو ذلك فإنه لا يجوز أن يباع لهم ما يتخذونه وسيلة لترويج منكراتهم والدعوة إليها، ومن ذلك: وضع الشعار على الهدايا التي يوزعونها للناس بقصد دعوتهم إلى هذه المنكرات. وإذا تركت أخي السائل البيع لهؤلاء طلبا لمرضاة الله وتحريا للحلال من الرزق فتيقن أن الله عز وجل سيخلف عليك بخير مما كنت ستكسبه من البيع لهم، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنك لن تدع شيئا لله عز وجل إلا بدلك الله به ما هو خير لك منه) رواه أحمد وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2/734) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 100218 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5378 هل يبيع الخمر ليسدد القرض الربوي [السُّؤَالُ] ـ[أخ يملك أكثر من 5 محطات وقود ويبيع فيها الخمر وتذاكر اليانصيب وأشياء أخرى محرمة. عرف والحمد لله أن الكسب من بيع هذه الأشياء محرم ويريد الآن أن يقلع عنها ولكنه يجب أن يدفع القروض التي اقترضها لشراء هذه المحطات ويشمل هذا القرض مبالغ ربوية. السؤال هو: هل يستطيع أن يستمر في بيع هذه الأشياء (هذه الأشياء هي السبب الرئيسي في نجاح هذا المشروع) لغرض تسديد القرض؟ أرجو ملاحظة أن الأخ قد بدأ فعلاً في عمل آخر حلال ولكن دخله من هذا العمل لا يكفي لتسديد ذلك القرض. أرجو أن توضح لنا جزاك الله خيراً على جهودك.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا هذا السؤال على الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله: يبادر بقضاء القرض حتى يسقط عنه الربا. السؤال: لكنه لا يستطيع، وليس معه سيولة؟ هل يترك المحطة تعمل حتى يسدد؟ الجواب: تعمل على الخمر والقمار؟ لا يجوز ذلك. السؤال: إذن نقول له، اكسر قوارير الخمر، واقفل مكان القمار، وابقى على محطة البنزين فقط حتى تسدد؟ جواب: نعم. السؤال: فإن قال: لا يمكن ذلك، لأن دخل البنزين لا يكفي؟ والبنك يطالب بالمال، فإن لم يدفع سيسجن؟ هل يبقى على وضعه حتى يسدد؟ الجواب: لا أبداً. الخمر والقمار لا يجوز أبداً. انتهى، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح العثيمين الحديث: 5669 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5379 حكم بيع الفيزة للعامل برضاه [السُّؤَالُ] ـ[أرجو من فضيلتكم إعطائي الحكم الشرعي في حكم بيع الفيزا لأحد العمال ليستفيد منها مع العلم أني أريد أن أفتح محلا لهذا العامل، وسيتم البيع برضا الطرفين وليس هناك أي ضغط عليه. والشيء الثاني إذا كان بيع الفيزا حراما هل حرام أن أجعله يدفع رسوم الفيزا البالغة 2000 ريال ورسوم المكتب والمعقب.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان هذا العامل على كفالتك، وسوف يعمل عندك، فلا يجوز لك بيع الفيزا له، ولا يجوز أيضاً إلزامه بدفع تكاليفها، لما في ذلك من المخالفة لأنظمة الدولة التي تجعل تلك التكاليف على صاحب العمل، وليست على العامل. وقد أفتى علماؤنا بتحريم بيع الفِيَز مطلقاً، لما فيه من الكذب والتحايل على أنظمة الدولة. فقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: يقوم بعض الأشخاص باستخراج (فيزة) تكلفه تقريباً ثلاثة آلاف ريال، ثم يقوم ببيعها بثمانية أو عشرة آلاف على شخص آخر ليحضر أخاه، فما الحكم في ذلك؟ فأجاب: " (الفيزة) الرخصة، يعني: يأخذ رخصة من الوزارة لاستقدام عامل، ثم يبيع هذه الرخصة على أحد يستقدم عاملاً، فهذا حرامٌ ولا يجوز؛ لأننا نقول: إن كنت محتاجاً إلى هذا العامل فالفيزة بيدك، وإن لم تكن محتاجاً فرد الفيزة إلى من أخذتها منه، ولا يحل لك أن تبيعها، ولو قمنا بهذا لكان كل الناس يشترون (فيزاً) ، ويتربحون فيها، ثم هذا كذب؛ إذا أخذ فيزة على أنه يستقدم عاملاً ثم باعها صار كاذباً. لكن قل لي: لو أنه استغنى عن العامل؛ كرجل أخذ (فيزة) على أنه يريد أن يستقدم عاملاً حقيقة لكن استغنى عنه، فهل يبيعها؟ الجواب: لا، وإنما يردها؛ لأنها منحت له على أن يستقدم هو بنفسه عاملاً ثم استغنى عنه فليردها؛ لأنه ربما يكون هناك أناسٌ منتظرون (للفيز) " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (170/15) . وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: أنا شاب أبلغ من العمر 33 سنة، وحالتي المادية ضعيفة، وقد أتى إلي أحد الأيام أحد الأخوة المقيمين بالمملكة، وهو باكستاني الجنسية (مسلم) وطلب مني أن أستخرج له عددا من الفيز لاستقدام بعض أقاربه من الباكستان مقابل أن يدفع لي سبعة آلاف ريال لكل فيزة، وفعلت ذلك نظرا لحالتي المادية، وحاجتي لهذا المال، وقبضت منه قيمة أربع فيز، واستقدمت الأشخاص الذين قد اشترى الفيز من أجلهم، ولهم الآن بالمملكة أربع سنوات يعملون لحسابهم الخاص. سؤالي: هل هذا المال الذي قبضته منهم حلال أم حرام؟ علما بأن الأشخاص المعنيين قد حصلوا على أضعاف ما قد دفعوه إلي من المال، وهم راضون عن وضعهم وما دفعوه بسبيل إقامتهم بالمملكة للعمل. فأجابوا: هذا المال حرام؛ لأنه عوض عن الكفالة، وهي من عقود الإحسان، وأيضا كذب؛ لأنه مخالف للأنظمة التي وضعتها الدولة للمصلحة العامة " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (14/189) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 99445 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5380 حكم بيع الكماليات السياحية [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز التجارة في الكماليات السياحية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز التجارة في الكماليات السياحية، ما لم تشتمل على محرم، لأن الأصل حل البيع، كما قال تعالى: (وأحل الله البيع وحرم الربا) البقرة/275، فإذا لم يكن المبيع محرما، أو مما يستعان به على المحرم، فلا حرج في بيعه والاتجار فيه. ومن المحرمات: بيع الخمر، والتماثيل، والملابس التي عليها صور، وبيع ما فيه تعظيم للكفار كصورهم وأعلامهم وشعاراتهم، أو ما فيه إعانة لهم أو للفساق على منكرهم وباطلهم، كملابس التبرج، وبطاقات التهنئة بالأعياد المحرمة، أو بيع ما ثبت ضرره كالدخان. وللفائدة راجع هذه الأجوبة (75007) و (67745) و (12274) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98611 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5381 حكم الشراء من منتجات شركة DXN والاشتراك في نظامهم التسويقي [السُّؤَالُ] ـ[أنا استخدم منتج DXN من شركة ماليزيا، وشاهدت نتائجه الصحية على بعض الناس، ولكن أسأل عن حكمه من الناحية الشرعية، حيث إنه عند اشتراكك في الشركة تصبح عضواً فيها، ولك فيها أسهم، وتقوم أنت بالتالي ببناء شبكة، وبعد الوصول عند مستوى معيَّن يكون لك مبلغ من المال شهريّاً، ويزداد هذا المبلغ بزيادة نشاطك.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز الشراء من هذه الشركة وأمثالها ممن يبيع بضائع لها قيمة حقيقية تعادل المنتج، دون أن يكون فيها زيادة لأجل الاشتراك في التسويق، ولكن لا يجوز الاشتراك في نظامهم التسويقي، والمسمى " التسويق الشبكي "، ويسمى – أيضاً - " التسويق الهرمي "؛ لأن هذا النظام قائم على الغرر وأكل أموال الناس بالباطل، وقد منعت دول إسلامية وغير إسلامية هذا النظام التسويقي، وحذَّرت الناس من المساهمة فيه. وقد اطلعنا على موقعهم، ورأينا ما يبيعونه، ورأينا نظامهم التسويقي، وهو عينه الذي ذكرناه. وقد بيَّنا في أجوبة متعددة حكم المشاركة في هذا النظام التسويقي، فانظر: أجوبة الأسئلة: (42579) و (40263) و (45898) و (40263) و (46595) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97880 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5382 تحريم شراء المتصدق لصدقته [السُّؤَالُ] ـ[قرأت حديثاً نصه (لا تَعُدْ في صدقتك، وأن أعطاكه بدرهم) ، هل يجوز للشخص إذا تصدق على فقير أن يشتري منه الصدقة بعد ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحديث رواه البخاري برقم 1490 ومسلم برقم 1620 عن ابن عمر رضي الله عنه قال: حملت على فرس في سبيل الله، فأضاعه الذي كان عنده، فأردت أن أشتريه وظننت أنه يبيعه برخص، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تشتره، ولا تعد في صدقتك، وإن أعطاكه بدرهم، فإن العائد في هبته كالعائد في قيئته) ، وفي لفظ: (فإن الذي يعود في صدقته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئته) . والنهي عن شراء الصدقة لأنها خرجت لله، فلا ينبغي أن تتعلق بها شيء من النفس، وشراؤها دليل على تعلقه بها، ولئلا يحابيه البائع فيعود عليه شيء من صدقته. [الْمَصْدَرُ] تيسر العلام شرح عمدة الأحكام ص 762 الحديث: 21770 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5383 تحريم بيع الكلية [السُّؤَالُ] ـ[لدينا مريض بالكلى وقرر له زراعة كلى وقد طلب شخص مقابل كليته مبلغ 50 ألف ريال، فهل هذا جائز؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " تجوز زراعة الكلية لمن اضطر إليها إذا تيسرت بطريقة مباحة، ولا يجوز للإنسان أن يبيع كليته أو عضوًا من أعضائه لأنه قد جاء الوعيد في حق من باع حرًا فأكل ثمنه، وبيع العضو يدخل في ذلك لأن الإنسان لا يملك جسمه وأعضاءه. ولئلا يكون ذلك وسيلة إلى المتاجرة بالأعضاء - هذا الذي يظهر لي. ولئلا يؤدي ذلك إلى الاعتداء على الضعفة من الناس وسرقة كلاهم طمعًا في المال ". " المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان " (3 / 62) [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97254 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5384 شراء سيارة من توكيل يتعامل مع البنك [السُّؤَالُ] ـ[أود أن أشتري سيارة بالتقسيط من عند وكيل معتمد للسيارات وهو شركة رينو، هذه الأخيرة أصدرت الشهر الماضي عملية لبيع سياراتها بالتقسيط وشرطها هو أن يدفع الزبون قسطا أوليا نقدا يتراوح بين 20% إلى 30%، والباقي لمدة 5 سنوات بالتقسيط، هذا طبعا بعد دراسة لملف كامل يحتوي على كشف للراتب + شهادة ميلاد المعني ... إلخ. وبعد دراسة ملف الزبون من طرف شركة رينو تعطيه لدراسة ثانية من طرف بنكها وهو وكيلها المالي واسمه رينو للقروض؛ حيث بعد دراسة أخرى لملف الزبون وبعد الموافقة، البنك يمول وكيله المعتمد للسيارات بقيمة السيارة، ثم يقوم الوكيل المعتمد للسيارات رينو بإجراءات تسليم السيارة للزبون بسعر غير السعر الذي تبيع به سياراتها نقدا أي تزيد هامش البيع بنسبة فائدة معينة 9.4% وهي فائدة غير مركبة مثال: سيارة من نوع "س" مثلا تباع نقدا: 1.000.000 نفس السيارة" س" تباع بالتقسيط ب: 1.094.000 كما أحيطكم علما أن دفع الأقساط يتم كل شهر وتدفع في الحساب البريد الجاري للوكيل المعتمد للسيارات رينو وليس في حساب بنكه المالي، مع العلم أيضا أن الزبون لا يتعامل إطلاقا مع البنك، إذ يتعامل فقط مع بائع السيارات وهو الوكيل المعتد للسيارات رينو. ما حكم الشريعة في هذه المعاملة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: يجوز البيع بالتقسيط، ولو كان بسعر أعلى من البيع نقداً، وانظر جواب السؤال رقم 13973. ويشترط لحل البيع بالأقساط عدم اشتراط غرامة في حال التأخر عن سداد الأقساط، لأن اشتراط هذه الغرامة ربا محرم، ولا يجوز لأحد أن يشارك في عقد كهذا، ولو كان متيقنا من قدرته على السداد؛ لأنه إقرار للعقد الربوي، والتزام به، وذلك محرم، وقد صدر عن مجمع الفقه الإسلامي قرار بتحريم غرامة التأخير التي يفرضها المصرف عند تأخير العميل في السداد. جاء في قرار المجمع الفقهي رقم: 133 (7/14) في دورته الرابعة عشرة بالدوحة: "إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط عن الموعد المحدد فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين بشرط سابق، أو بدون شرط، لأن ذلك ربا محرم" انتهى. وللبائع أن يطلب كفيلا، أو يأخذ رهنا لضمان حقه، ويجوز أن يجعل السلعة المباعة هي نفس الرهن، فلا يتمكن المشتري من بيعها قبل سداد ما عليه. ثانيا: إذا كانت المعاملة تجري على النحو الذي ذكرت، تدفع مقدّما، وتقسّط الباقي، وتتعامل مع الوكيل المعتمد لا مع بنكه، فلا حرج فيها، لكن إذا علمت أن هذا الوكيل يعطي الأوراق والشيكات المؤجلة للبنك، ويأخذ أقل من قيمتها، فهذه عملية ربوية محرمة، فيما بينه وبين البنك ولست طرفاً فيها، والأفضل لك هو عدم التعامل مع هذا الوكيل الذي يتعامل بالربا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96918 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5385 التعامل مع شركات التسويق الهرمي [السُّؤَالُ] ـ[إن جدول النظام القسرى هو نظام يقوم بموجبه الشخص بالمساهمة بقيمة 10 دولار بإحدى الشركات على أن يتم تقسيم هذا المبلغ كحصص بين الشركة و4 أشخاص آخرين (قد تم إختيارهم فى هذا النظام) فيضاف لحساب كل منهم دولارين. ويدفع الشخص هذا المبلغ مرة واحدة على أمل أن يأتى مساهمون جدد في هذا النظام فيقوموا بالمثل فكلما تمت عملية من هذه المعاملات يحصل كل فرد على دولارين حيث يجب على المساهمين الجدد أن يقوموا بدفع المبلغ مباشرة إلى الأربع مساهمين السابقين لهم وتحصل الشركة على دولارين نظير رسوم خدمات لكل مساهم. فهل يحل الإنضمام لهذا البرنامج؟ وجزاك الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز الدخول في هذه المعاملة، وهي ما تعرف بالنظام الهرمي أو الشبكي، لقيامها على المقامرة، وعدم معرفة طريقة استثمار المال فيها. أما المقامرة فلأن الشخص يدفع 10 دولارات على أمل أن يأتي مساهمون جدد فيربح أكثر، وهذا هو القمار بعينه، فقد يربح وقد لا يربح. وقد حرم الله الميسر وقرن تحريمه بالخمر والأنصاب والأزلام، فقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) المائدة/90، والميسر: كل معاملة دائرة بين الغنم والغرم، لا يدرى فيها المعامل هل يكون غانما أو يكون غارما. وأما الجهل بطريقة الاستثمار، فلأنه لا يُعرف أين تضع الشركة أموالها، وكيف تستثمره، ولا يجوز لأحد أن يستثمر ماله حتى يتأكد من إباحة الطريقة المتبعة في الاستثمار. وكثير من هذه الشركات لا يستثمر المال أصلا، وإنما يخادع الناس ويأكل مالهم بالباطل، ولهذا أطلق على هذا النوع من الشركات في بعض البلدان: شركات بيع الهواء، أو أهرام الوهم، لأنه لا يستفيد منها إلا فئة قليلة، ثم لا تلبث أن تنفض الشركة وتنتهي المعاملة. وقد أفتى جمع من أهل العلم بحرمة التعامل مع الشركات التي تتبع النظام الهرمي، ولو كانت تبيع سلعة من السلع أو منتجا من المنتجات. وينظر السؤال رقم (42579) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96708 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5386 حكم كتابة الأبحاث والرسائل وبيعها للطلاب [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم بيع الأبحاث المقتبسة من الانترنت إلى الطلاب الذين يحتاجونها لتقديمها إلى مدرسيهم الذين لا يجيدون التعامل مع الانترنت أو لا يتوفر لديهم؟]ـ [الْجَوَابُ] إذا كان الطالب سينال بهذا البحث شهادة أو يزداد به درجات أو يتجاوز بذلك اختباراً فذلك العمل حرام، وهو غش وخيانة، سواء اقتبست هذه الأبحاث من الإنترنت أم من غيره؛ لأن البحث إنما يراد من الطالب لتمرينه واختبار قدراته ونحو ذلك من الأهداف، فالواجب عليه أن يفعل ذلك بنفسه، فإن أخذ مجهود غيره، وقدمه باسمه كان غاشا كاذبا. وهؤلاء الذين يكتبون الأبحاث لغيرهم آثمون معتدون مفسدون، سواء كتبوها بمقابل أم بغير مقابل؛ لإعانتهم على الغش والكذب، ولإسهامهم في إعطاء الشهادات والدرجات لمن لا يستحق، وهذا فساد عام، وغش للأمة، ينتج عنه تصدير من لا يستحق التصدير، وتولية من لا يستحق الولاية. والمال المأخوذ من وراء بيع هذه الأبحاث سحت محرم، لا يحل الانتفاع به، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به) رواه الطبراني وأبو نعيم، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (4519) وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما قول فضيلتكم فيما يفعله البعض من استئجار من يكتب لهم البحوث، أو يعد لهم الرسائل، أو يحقق بعض الكتب فيحصلون به على شهادات علمية؟ فأجاب: " إن مما يؤسف له ـ كما ذكر السائل ـ أن بعض الطلاب يستأجرون من يعد لهم بحوثاً أو رسائل يحصلون بها على شهادات علمية، أو من يحقق بعض الكتب، فيقول لشخص: حضِّر لي تراجم هؤلاء وراجع البحث الفلاني، ثم يقدمه رسالة ينال بها درجة يستوجب بها أن يكون في عداد المعلمين أو ما أشبه ذلك، فهذا في الحقيقة مخالف لمقصود الجامعة ومخالف للواقع، وأرى أنه نوع من الخيانة؛ لأنه لابد أن يكون المقصود من ذلك الشهادة فقط فإنه لو سئل بعد أيام عن الموضوع الذي حصل على الشهادة فيه لم يُجِبْ. لهذا أحذر إخواني الذين يحققون الكتب أو الذين يحضّرون رسائل على هذا النحو من العاقبة الوخيمة، وأقول إنه لا بأس من الاستعانة بالغير ولكن ليس على وجه أن تكون الرسالة كلها من صنع غيره، وفق الله الجميع للعلم النافع والعمل الصالح، إنه سميع مجيب " انتهى من " كتاب العلم". والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 95893 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5387 حكم التصوير بكاميرا الديجيتال وكاميرا الفيديو [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم التصوير بالكاميرا الديجيتال؟ وما حكم التصوير بالكاميرا الفيديو؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله التصوير بالكاميرا الديجيتال على نوعين: الأول: أن تكون الصورة فوتوغرافية، فهذا لا يجوز إلا إذا كان القصد من استعمال الصورة مباحا، كالصور التي يحتاج إليها، لإثبات الشخصية، أو جواز السفر، أو رخصة قيادة السيارة، أو تصوير المجرمين للتعرف عليهم، ونحو ذلك من الأغراض الصحيحة. ولا يجوز التصوير لمجرد الذكرى والاحتفاظ بالصورة كما يفعل كثير من الناس. وانظر جواب السؤال رقم (10326) . الثاني: أن تكون الصورة الملتقطة بالكاميرا الديجيتال صورة متحركة كالتصوير بالفيديو، فهذا لا بأس به، ولا يدخل في التحريم. لكن لا يجوز تصوير ما يعين على المعصية، أو يغري بها، كالنساء المتبرجات، أو أماكن الفسق والفجور، أو أماكن البدعة والشرك من باب التعظيم لهما، والدلالة عليهما. وانظر جواب السؤال رقم (10326) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 95322 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5388 قول البائع: أعطيت في السلعة كذا وهو كاذب [السُّؤَالُ] ـ[شخص اشترى شيئاً بـ 100 دينار وعند بيعه قال: إنه قد أُعطي لي في حقه 105 دينار فهل يعتبر وقع في المحرم؟ لأنه لم يعطه أحد هذا السعر؟ صحيح أنه قام بالكذب أو الغش، ولكن هل يعتبر قام بأكل مال حرام من وراء هذه التجارة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب على البائع أن يصدق في بيعه، ولا يكذب، حتى يبارك الله له في بيعه، فإن كذب محق الله البركة من بيعه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الْبَيِّعَانِ [البائع والمشتري] بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا) رواه البخاري (2079) ومسلم (1532) . وقول البائع: إنه أُعطي في السلعة كذا، وهو لم يُعْطَ هذا المبلغ كذبٌ بلا شك، وأكل لمال المشتري بالباطل، لأن المشتري إذا صَدَّق البائع أنه أُعطي في السلعة 105 فسوف يزيده بلا شك، فيكون البائع قد خدعه، وكذب عليه، ليزيد السعر، فيكون أكل ماله بالباطل. وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التناجش فقال: (وَلَا تَنَاجَشُوا) رواه البخاري (2160) ومسلم (1515) . والنَّجْش هو أن يأتي شخص لا يريد شراء سلعة فيزيد في ثمنها حتى يغر المشتري ويجعله يزيد في الثمن. قال ابن قدامة في "المغني" (6/305) : "ولو قال البائع: أعطيت بهذه السلعة كذا وكذا، فصدقه المشتري، واشتراها بذلك، ثم بان كاذباً.. فهو في معنى النجش" انتهى. فيكون حراماًَ، لأنه كذب وخديعة، ويجب على هذا البائع أن يخبر المشتري بالواقع، ويثبت للمشتري حينئذٍ الحق في فسخ العقد، أو يتفقان على رد جزء من الثمن الذي دفعه المشتري. وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (8/302) : "ومن المناجشة: أن يقول البائع للمشتري: أعطيت في السلعة كذا، وهو يكذب، والمشتري سوف يقول: إذا كانت سِميت بمائتين فأشتريها بمائتين وعشرة، وفعلاً، اشتراها بمائتين وعشرة، وتبين أن قيمتها مائة وخمسون، فإن له الخيار، لأنه غُبِن (خُدِع) على وجه يشبه النجش" انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93539 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5389 التعامل مع شركة تبيع وتشتري العملات [السُّؤَالُ] ـ[أود أن أسال عن شركة استثمارية على الإنترنت هل التعامل معها حلال أم حرام ... هذه الشركة شركة استثمار طويل الأجل، فهي أساسا شركة وساطة في مجال تجارة العملات العالمية وتقدم خدمة إدارة الحسابات (إدارة أموال المستثمرين وتشغيلها في الـFOREX) وهو عبارة عن صندوق استثمار (مثل صناديق الاستثمار الموجودة ببعض الدول لتشغيل أموال المستثمرين في البورصة) حيث يتم تجميع أموال المستثمرين في هذا الصندوق ثم يقوم فريق الشركة (المختصين) بتشغيلها والمضاربة في بورصة العملات العالمية FOREX، طبعاً هناك فريق من المختصين يديرون أموال العملاء (نظام إدارة الحسابات) وتدفع فائدة أسبوعية للمستثمرين بها ما بين 8 و 12 % أي فائدة متغيرة والشركة لا تتعامل في الخمور أو القمار أو الأمور المحرمة ولها حد أدنى لكي يشارك الشخص بها ... فأرجو أن تخبرونا التعامل معها حلال أم حرام نظرا لانتشارها الشديد وكثرة من يتعاملون معها]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ينبغي على المسلم الحذر البالغ في التعامل مع الشركات الأجنبية، وخاصة عندما يكون التعامل معها عن بُعد، فهو لا يدري عن حال المتعامَل معهم، ولا عن حقيقة أنشطتهم التجارية، فيمكن أن يتعرض للنصب والاحتيال، كما يمكن أن يتعامل مع أناسٍ لا يراعون أحكام الشريعة في تعاملاتهم، وقد يُخفون حقيقة تعاملاتهم من أجل جذب أموال المسلمين لاستثمارها فيما يرون لا فيما تبيحه الشريعة الإسلامية. ثانياً: تجارة العملات من التجارة المباحة، لكن يشترط لإباحة التجارة بها: التقابض في مجلس العقد. فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثلٍ، سواءً بسواء، يداً بيدٍ، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيدٍ) رواه مسلم (1587) . والعملات الورقية لها حكم الذهب والفضة من حيث الزكاة، ومن حيث اشتراط التقابض عند بيعها، والحديث نصٌّ بيِّن في اشتراط التقابض عند بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، وعليه: فلا يجوز بيع عملة بعملة إلا بشرط التقابض في مجلس العقد. قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: فالعملة لا تباع بمثلها إلا يداً بيد مثْلا بمثل، وإذا كانت عملة بعملة أخرى كريال بالدولار، أو جنيه إسترليني بغيره: جاز البيع يداً بيدٍ، بدون تأجيل، ولو تفاضلا، فالطرق الشرعية موجودة وكافية - بحمد الله - وليس الناس بحاجة إلى الربا، لولا أن الشيطان يدعوهم إلى ذلك، ويزين لهم الفائدة السريعة بالربا. " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (7 / 294، 295) . وقال الشيخ عبد الله الجبرين حفظه الله: لا بأس في التجارة بالعملة، وهو بيع نقدٍ بنقد، ولكن بشرط التقابض قبل التفرق، سواء سلَّم العيْن واستلم ما يقوم مقامها من الشيكات المصدَّقة الموثقة، وسواء كان المتصارفان مالكيْن أو وكيليْن، فإن كان العرف ليس على هذه الصفة: فلا يجوز، وفاعله عاصٍ بفعله، وناقص الإيمان. " فتاوى إسلامية " (2 / 364) . ووجود القبض يداً بيدٍ في الهاتف والإنترنت مع الغياب والبعد من المستحيلات، ولذا فإن العلماء المعاصرين قالوا بجواز بيع العملات بالهاتف والإنترنت في حال وجود ما يقوم مقام القبض، وهو التحويل المباشر من حساب البائع إلى حساب المشتري، أو تسلُّم وكيل للمشتري شيكات بنكية مصدَّقة باسم الطرف الآخر، وهو ما قال به مجلس الفقه الإسلامي، وهذا نص ما قال: إن مجلس الفقه الإِسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17 إلى 23 شعبان 1410هـ الموافق 14 - 20 آذار (مارس) 1990 م. بعد إطِّلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع: " القبض: صوره وبخاصة المستجدة منها وأحكامها ". واستماعه للمناقشات التي دارت حوله. قرر: أولاً: قبض الأموال كما يكون حسيّاً في حالة الأخذ باليد، أو الكيل أو الوزن في الطعام، أو النقل والتحويل إلى حوزة القابض، يتحقق اعتباراً وحكماً بالتخلية مع التمكين من التصرف ولو لم يوجد القبض حسّاً، وتختلف كيفية قبض الأشياء بحسب حالها واختلاف الأعراف فيما يكون قبضاً لها. ثانياً: إن من صور القبض الحكمي المعتبرة شرعاً وعرفاً: 1. القيد المصرفي لمبلغ من المال في حساب العميل في الحالات التالية: (أ) إذا أودع في حساب العميل مبلغ من المال مباشرة أو بحوالة مصرفية. (ب) إذا عقد العميل عقد صرف ناجز بينه وبين المصرف في حال شراء عملة بعملة أخرى لحساب العميل. (ج) إذا اقتطع المصرف - بأمر العميل - مبلغاً من حساب له إلى حساب آخر بعملة أخرى، في المصرف نفسه أو غيره، لصالح المستفيد أو لعميل آخر، وعلى المصارف مراعاة قواعد عقد الصرف في الشريعة الإسلامية. ويغتفر تأخير القيد المصرفي بالصورة التي يتمكن المستفيد بها من التسلم الفعلي للمدد المتعارف عليها في أسواق التعامل، على أنه لا يجوز للمستفيد أن يتصرف في العملة خلال المدة المغتفرة إلاَّ بعد أن يحصل أثر القيد المصرفي بإمكان التسلم الفعلي. 2. تسلم الشيك إذا كان له رصيد قابل للسحب بالعملة المكتوب بها عند استيفائه وحجزه المصرف" انتهى. " مجلة المجمع " (العدد السادس، 1 / 453) ، " قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي " (ص 113، 114) . وقد نبّه العلماء المختصون في المعاملات المالية المعاصرة أن بيع العملات عن طريق الإنترنت لا يحصل فيه التقابض، فيكون محرما شرعا. ثم إن هناك سبباً آخر لتحريم المعاملة المسئول عنها: وهي أن الشركة تعطي المستثمرين بها أرباحاً أسبوعية ما بين 8 و 12 %، وهذا يجعل عقد المضاربة فاسدا، لأن الواجب في عقد المضاربة أن يتم توزيع الربح بالنسبة بين الشركاء فيأخذ كل شريك نسبة معينة من الربح مثل نصف الربح أو ربعه وما أشبه ذلك، أما أن يأخذ شيئاً ثابتاً أو تكون النسبة من رأس المال فهذا لا يجوز. والخلاصة: أن بيع العملات بهذه الطريقة لا يجوز لسببين: 1- أن بيع العملات عن طريق الإنترنت لا يحصل فيه التقابض. 2- أن عقد المضاربة يشترط فيه أن توزع الأرباح بين الشركاء بالنسبة ولا يجوز أن تكون تلك النسبة من رأس المال. وننبه هنا إلى أنه لا يجوز لكم الاقتراض من هؤلاء الوسطاء أو الوكلاء أو الأجراء بما يسمَّى " نظام المارجن "، وهو ما يتطلب منك وضع جزء من قيمة القرض لديهم ليتم الاتجار في البورصة – وخاصة العملات – ويقوم هؤلاء الوسطاء بتسهيل التعامل بأضعاف ما دفعته لهم، ويتم حسم الخسارة من مبلغك المودع لديهم. واعلم أن التعامل بنظام " المارجن " حرام شرعاً، ولا يجوز لأحدٍ أن يتعامل به، وقد حذَّر كثيرون منه - حتى من غير المسلمين -؛ لما له من أثر سيء في التعاملات المالية في البورصات، وانهيار بورصة نيويورك في " الاثنين الشهير " كان من أهم أسبابها هو التعامل بنظام " المارجن "، " بسبب تخزين أوامر بالبيع على أجهزة الكومبيوتر الخاصة بالسماسرة في حالة انخفاض الأسعار إلى الهوامش المتفق عليها، وحين هبطت أسعار الأسهم بالفعل صدرت أوامر البيع آليّاً فارتفع العرض بصورة غير مسبوقة دون وجود طلب للشراء، وهو ما أدى إلى الانهيار "، وفي الكويت - وغيرها - دعوات متعددة من اقتصاديين لإلغاء العمل به. والذي يهمنا نحن هو حكم الله تعالى في هذا النظام وغيره، وهو حرام من جهات متعددة، منها: أنه قرض ربوي بصورة تعامل مباح، وأن شراء العملات لا يتم فيه القبض الشرعي، وأن فيه مخاطرة مما يدخله في معاملات القمار. فنصيحتنا لكم ترك التعامل مع مثل هؤلاء الغرباء البُعداء، والذي لا يدري المسلم ما يُفعل بماله عندهم، والحذر البالغ من الوقوع في المحرّمات. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93334 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5390 حكم بيع أشرطة وكتب إسلامية في المسجد [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز البيع داخل المسجد لغرض خيري يكون ريعه لصالح الهيئة الخيرية أي لصالح الأيتام والفقراء من المسلمين، مثلاً بيع الكتيبات والأشرطة ومردودها كله الأعمال الخيرية؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز البيع والشراء داخل المساجد سواء الكتب أو غيرها ولو كان نفعها يعود على اليتامى ونحوهم لكن لا بأس بجعلها في صندوق خاص وكتابة قيمتها فوقها وجعل حصالة هناك من أراد نسخة أدخل ثمنها في الحصالة وأخذ نسخة دون أن يكون مساومة ومماكسة وإيجاب وقبول. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الفتاوى الجبرينية في الأعمال الدعوية لفضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين ص32. الحديث: 10524 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5391 حكم بيع الصحف [السُّؤَالُ] ـ[أقيم في دولة أوروبية , هل يجوز لي أن أعمل بتوزيع الجرائد على المنازل، علما أنه قد تكون في هذه الجرائد صور للنساء أو ما شابه ذلك من أخبار أخرى مخالفة لشريعتنا، مع أنني لا أقرأها ولا أنظر ما بداخلها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الصحف والمجلات ونحوها من المنشورات تنقسم إلى أقسام ثلاثة: الأول: صحف ومجلات تنشر الخير والفضيلة، وتنضبط بضوابط الشرع فيما تنشر وتُعلِن، ولا تحتوي على شيء من المنكرات الظاهرة، فهذه يجوز بيعها وشراؤها وتوزيعها باتفاق أهل العلم. الثاني: صحف ومجلات تنشر الشر والرذيلة، ولا تراعي خُلُقًا ولا شريعةً ولا ذوقا، فتمتلئ صفحاتها بصور النساء المتبرجات، وتفيض مقالاتها بالدعوة إلى المعصية أو الفكر المسموم، وتغلب عليها رائحة الفسق والفجور، مثل صحف المجون والخلاعة الفاضحة، والمجلات التي تتخصص بالحديث عما يسمونهم بالفنانين والفنانات، وكذا ما يسمونه بـ " عالم المرأة "، و " عالم الأزياء "، وكذا الصحف التي يشرف عليها أصحاب الأفكار المسمومة التي تطعن في الدين، وتستهزئ بالشريعة، فمثل هذه الصحف والمجلات لا يجوز بيعها ولا شراؤها ولا توزيعها، بل يجب الإنكار على كل من يعمل فيها ويساعد على نشرها. قال الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله -: الصحف التي بهذه المثابة: من نشر الصور الخليعة، أو سب الدعاة، أو التثبيط عن الدعوة، أو نشر المقالات الإلحادية، أو ما شابه ذلك: الصحف التي هذا شأنها يجب أن تقاطع، وأن لا تشترى، ويجب على الدولة إذا كانت إسلامية أن تمنعها؛ لأن هذه تضر المجتمع وتضر المسلمين، فالواجب على المسلم ألا يشتريها، وأن لا يروجها، وأن يدعو إلى تركها، ويرغب في عدم اقتنائها وعدم شرائها، وعلى المسؤولين الذي يستطيعون منعها أن يمنعوها، أو يوجهوها إلى الخير، حتى تدع الشر وتستقيم على الخير. " مجموع الفتاوى " (8 / 176) . وقال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله -: يوجد مجلات - نسأل الله العافية - تنشر العهر والفساد، إما بكلماتها النابية، وإما بصورها الخليعة، ولا يحل لإنسان استرعاه الله تعالى على أهله أن يبقي هذه الصحف في بيته أبداً، يجب عليه أن يحاربها محاربة الأسد للشاة، بل يجب أن يحاربها محاربة الماء للنار، وأن يمزقها وأولاده يشاهدون؛ حتى يعلموا أنها حرام وباطلة، أما أن يأتي بها إليهم أو يراهم يشترونها ويقرهم فهذا والله ما رعاهم حق رعايتهم، ولا أحسن الرعاية لهم. ثم إن من العجب أن هذه المجلات التي ترد أو الصحف وفيها ما يدمر الأخلاق والعقائد يشتريها الناس بأموالهم، وهل هناك ضياع للمال أكثر من هذا؟!! لو أن الإنسان مشى في السوق وجعل ينثر الدراهم لكان ذلك خيراً من أن يشتري هذه المجلات ويعطيها أولاده؛ لأنه بهذه المجلات فعل محرماً، وأعان على باطل، وأفسد أخلاق أهله، لكن لو كان ينثر الدراهم في السوق ربما يأخذها مسكين وينتفع بها. فعلينا - أيها الإخوة - أن ينصح بعضنا بعضاً عن هذه المجلات الخليعة. " اللقاء الشهري " (لقاء رقم 39، سؤال رقم 6) . وجاء في " فتاوى الشيخ عبد الكريم الخضير " (30) : العمل في مثل هذه الصحف والمجلات التي يغلب عليها الحرام لا يجوز، والدخل الناشئ عن هذا العمل حرام أيضا؛ لأن الله سبحانه إذا حرم شيئا حرم ثمنه. ويحرم أيضا ترويجها وقراءتها وشراؤها وبيعها، وكل ما يتعلق بها، بل تجب مقاطعتها. انتهى. القسم الثالث: الصحف والمجلات التي يغلب عليها المباح، كالأخبار المحلية والدولية، وبعض المقالات الفكرية والسياسية، وبعض الصفحات العلمية وأمور مباحة أخرى، ولكن لا تخلو من بعض صور النساء المتبرجات، أو شيء من مقالات التحرر أو الفكر السقيم، إلا أن الغالب هو المباح، فلا بأس من بيعها وشرائها وتوزيعها ترجيحا لجانب الإباحة، على أن يحرص من يقرؤها على التخلص مما فيها من صور محرمة، إما بتمزيقها أو عدم النظر إليها، وعلى أن يحرص الجميع على مناصحة أهلها والقائمين عليها لتنقية صفحاتها من كل شيء محرم. سئل الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -: عن حكم بيع الصحف المحلية التي تصدر من هنا – أي: من السعودية -؟ . فأجاب: أنا لا أرى فيها بأساً إلا إذا كان فيها أفكار سيئة، أو صور خليعة. السائل نفسه: فيها أخبار الرياضة والفن والغناء والدعاية لها؟ . الشيخ: هذه اتركها لا تشترِها. السائل: المجلة لا بد أن يكون لها ملحق يومي عن هذا الموضوع. الشيخ: والله! أنا لا أدري، أنا أرى أن عدم اطلاع الإنسان على ما يكون في العالم يعتبر نقصاً، فالأولى أن يقال: إذا كنت تحب أن تطلع على أخبار العالم اشتر هذا؛ لأن أكثرها غير الذي أنت تقول، وهذا مزقه. السائل: السؤال - يا شيخ - عن بيعها - صاحب محل يسأل -: هل يبيع مثلاً " الجزيرة " و " الرياض " و " عكاظ " وغير ذلك؟ . الشيخ: إذا جاز شراؤها جاز بيعها؛ لأن البيع عقد بين اثنين. " لقاءات الباب المفتوح " (لقاء رقم 99، سؤال رقم 9) . ويقول الشيخ ابن عثيمين - رحمه اله -: المجلات الإسلامية التي فيها الصور: من تمام الإيمان ألا يجعل الإنسان مجلته كلها صوراً، هناك مجلات معروفة: مجلات صور، مجلات أزياء، هذه لا يجوز بيعها، ولا شراؤها، ولا اقتناؤها، وهناك مجلات المقصود فيها ما فيها من أخبار والكلمات لكن يوجد – مثلاًَ - صورة المتكلم، أو صورة الكاتب، أو صورة مشهد، هذه ليست حراماً، ولكن هل يجوز أن تقتنيها أو لا بد أن تطمس على وجه كل أحد، الظاهر أنه لا يجب أن تطمس على وجه كل أحد؛ لأنه غير مقصود , والإنسان الذي يشتري – مثلاً - صحيفة من الصحائف فهذا لا يريد الصورة إطلاقاً، ففرق بين مجلات أو صحف أُعِدَّت للتصوير، وبين مجلات أعدت لغير التصوير، لكن فيها صور، الأولى: حرام بيعها، وشراؤها، واقتناؤها. والثانية: لا يحرم ذلك. " لقاءات الباب المفتوح " (لقاء رقم 132، سؤال رقم 16) . ويقول الشيخ عبد الله بن جبرين - حفظه الله -: فأما المجلات: فإذا كانت خليعة تدعو إلى التهتك والفجور: فحرام بيعها، وربحها، وتعاطي التجارة فيها. فإن كانت الصور التي بها عادية، وهي خالية عن الدعارة والفساد: فلا بأس ببيعها، ويكون البيع والثمن لما فيها من العلوم والفوائد والكلام المباح، وتكون الصور غير مقصودة لكم. " فتاوى إسلامية " (2 / 372) . والذي يظهر لنا ـ بعد سؤال بعض المقيمين في الدول الأوروبية ـ أن الصحف في تلك البلاد هي من القسم الثاني، لما تحتويه من الطعن في الإسلام، وتشويه صورة المسلمين، والدعاية لبيوت الدعارة والملاهي، والخمر وصالات القمار. فالنصيحة لك أن تترك هذا العمل، وتبحث عن عمل مباح ولو كان أقل أجراً. نسأل الله تعالى أن يكفينا بحلاله عن حرامه، وبفضله عمن سواه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 89737 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5392 لا يجوز بيع السجائر ولو كنت عاملا في المحل [السُّؤَالُ] ـ[إذا كنت أعمل في سوبر ماركت وأنا مجرد بائع لا صاحب المتجر فهل بيعي لعلب السجائر يوقعني في الإثم؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله السجائر محرمة لا يجوز شربها، ولا بيعها، ولا الإعانة عليها بوجه من الوجوه. أما تحريم شربها فلما يترتب عليه من المضار المحققة، إضافة إلى أسباب أخرى من التبذير والإسراف، وراجع السؤال رقم (10922) . وأما تحريم بيعها، فلأن الله تعالى إذا حرم شيئا حرم ثمنه، فإذا حرم شرب الدخان، حرم بيعه، ولأن بيعها إعانة للشارب على هذه المعصية. وقد قال صلى الله عليه وسلم: (لعن الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها، وإن الله عز وجل إذا حرم أكل شيء حرم ثمنه) رواه أحمد وأبو داود (3026) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (5107) . وأما تحريم الإعانة على ذلك، فلقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2، ولما جاء من الأدلة في وجوب إنكار المنكر، وذم الساكت والمقر له، فكيف بالمعين عليه! فلا يجوز لك أن تبيع السجائر، سواء كنت صاحب محل، أو كنت عاملا، وينبغي أن تنصح صاحب المحل وأن تبين له أنك لن تبيع هذه السجائر فرارا من الإثم. وراجع السؤال رقم (10204) نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 87800 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5393 شركات التسويق الهرمي (جولد كويست) [السُّؤَالُ] ـ[عن مشروع، يتكون المشروع من فرعين لشراء بضاعة من شركة تسمى (جولد كويست) بمبلغ معين عبر الانترنت، وتصل لي عن طريق شركة نقل عالمية إلى بغداد، وذلك بعد مشاهدة نماذج من البضائع الواصلة إلى المشتركين السابقين. - تعطيني الشركة حق الدعاية والترويج لبضاعتها مقابل عمولة، وذالك في حالة شراء الآخرين لبضاعة الشركة عن طريقي مباشرة، أو عن طريق الوكلاء المرتبطين بي، ملاحظة: إن المواصفات الخاصة بالبضاعة هي نفسها حال وصولها، وقد أثبت ذلك واقعا وفي حالة وجود عطل أو خلل في البضاعة تعاد إليهم لاستبدالها حسب العقد المبرم معهم. - العمل: عند شراء البضاعة أكون حرّاً في أن أعمل أو لا أعمل، وفي حالة العمل تعطيني الشركة عمولة على عدد الذين يتبضعون من الشركة والذين يصبحون في نفس الوقت وكلاء لترويج البضاعة، ويكون استلام الأرباح لمرة واحدة على الشخص الواحد. - الالتزامات: أكون ملتزما بعدم الترويج للبضاعة المحرمة شرعا، وألزم من يشترك عن طريقي بذلك عبر عقد مبرم بيننا، يتعهد به بعدم ترويج البضاعة المحرمة، أو كل ما يخالف الشرع. - الشخص الذي يشتري بضاعة عن طريقي غير ملزم بالعمل، فهو حر في أن يعمل أو لا يعمل، فهنالك من يختار أن يعمل، وهنالك من يختار شراء البضاعة فقط، وهنالك من يريد أن يتوقف عن العمل، فالكل أحرار في ذلك بدون تقييد. راجين إجابتكم وشاكرين فضلكم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله مسألة التسويق الهرمي من مسائل البيوع الحادثة التي اقتضت من الفقهاء المعاصرين بحثا دقيقا وتأملا طويلا. وهي في ظاهرها تبدو كأنها سمسرة لترويج بضاعة مباحة الانتفاع، يأخذ فيها السمسار أجرة معلومة مقابل عمله، وأجرة السمسرة جائزة عند أهل العلم، كما سبق في جواب السؤال رقم (45726) و (66146) . ولكن الشريعة الحكيمة تأبى الانخداع بالظواهر، وتلتفت دائما إلى الحقائق وما تؤول إليه المعاملات في الواقع العملي. قال الإمام الشاطبي رحمه الله: النظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعاً، كانت الأفعال موافقة أو مخالفة؛ وذلك أن المجتهد لا يحكم على فعل من الأفعال الصادرة عن المكلفين بالإقدام أو بالإحجام إلا بعد نظره إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل، [فقد يكون الفعل] مشروعاً لمصلحة فيه تُستجلب أو لمفسدة تُدرأ، ولكن له مآل على خلاف ما قصد فيه، وقد يكون غير مشروع لمفسدة تنشأ عنه أو مصلحة تندفع به، ولكن له مآل على خلاف ذلك. " الموافقات " (4 / 194) . والقوانين العالمية تُصَنِّفُ شركات التسويق الهرمي ضمن شركات الغش والاحتيال، حتى إن وزارة التجارة الأمريكية قامت برفع شكوى ضد شركة (skybiz) للتسويق الهرمي تتهمها فيها بالغش والاحتيال على الجمهور، مما أدى إلى تجميد أموالها وأصولها. كما أصدرت هيئة الأوراق المالية الباكستانية تحذيرا للجمهور من التعامل مع شركة (بزناس) العاملة هناك، لقيام معاملاتها على الخداع والتغرير بالناس. وقد تأمل الفقهاء المعاصرون في معاملات التسويق الهرمي لبعض الشركات، ومنها الشركة التي ورد السؤال عنها، فوجدوا صدق ما قررته بعض القوانين من قيام أمور هذه الشركات على التغرير بالناس وأكل أموالهم بالباطل، وأنها تؤدي في مآل الأمر ونهايته إلى خسارة الطبقة العريضة من المتعاملين الذين هم في نهاية السلسلة وأسفل الهرم لحساب فئة من المتنفذين في المشروع، مقابل سلع غير مقصودة في العملية ابتداء، وإنما أدخلت للتحايل على القوانين التي منعت تلك الشركات من ممارسة هذا الغش والخداع. وقد سبق في موقعنا التفصيل المطول لحكم مثل هذه الشركات، يمكنك مراجعته في أجوبة الأسئلة ذات الأرقام الآتية: (40263) و (41620) و (45898) و (46595) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 87500 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5394 شركات التسويق الهرمي [السُّؤَالُ] ـ[ظهرت في الآونة الأخيرة شركات عالمية تتعامل بمبدأ التسويق الشبكي كوسيلة لتسويق منتجاتها عبر منافذ المستهلكين إلى زبائنها، وتقوم بتسخير المستهلكين أنفسهم بالترويج لبضائعها بصفتهم قاموا بتجربتها عن طريق شرائهم لتلك المنتجات كشرط لقيامهم بعملية الترويج والتسويق، وفي مقابل ذلك تقوم هذه الشركات بدفع نسبة من الأموال المكتسبة من تصريف هذه البضائع إلى الفريق الذي يقوم بعملية الترويج والتسويق تلك، فقد وجد علماء الاقتصاد أن 80 % من كلفة المنتج الذي يقوم المستهلك بشرائه عبر المنافذ التقليدية يذهب إلى سلسلة المسوقين، وأن المصنّع يختص بما يعادل من 20 % فقط من هذه القيمة، وعليه فقد قاموا بابتكار طريقة التسويق الشبكي لضمان إيصال المنتج إلى أكبر عدد من المستهلكين بأقل كلفة، وأن الأرباح التي تنجم عن هذه العملية - والتي كما قلنا إنها 80 % - تذهب إلى المسوقين الشبكيين بطريقة اكتساب 3 يمين و 3 شمال أي: أن توزيع هؤلاء يكونون تحت المروج الأساس الذي سيطلق عليه بعد ذلك بالجذر، بعد أن يقوم الجذر باكتساب المستهلكين الستة المشار إليهم بطريقة التوازن 3 يمين و3 شمال تقوم الشركة بصرف مبلغ محدد سلفا لهذه العملية، وكلما زاد عدد المكتسبين سواءً من قبل الجذر مباشرة أم من قبل التابعين اللاحقين والذين ارتبطوا بالجذر لاحقا، ومن هذه الشركات أخص بالذكر شركة " كولد كويست " التي تعتبر إحدى شركات مجموعة " كويست " التي تتعامل بتسويق السبائك الذهبية والمدعومة من قبل البنوك العالمية، وأنها تعطي عمولة للمسوقين الذين يستطيعون من اكتساب 6 زبائن بالطريقة المشار إليها وتدفع لهم 250 دولاراً، علما بأن الفريق يقوم بعرض جميع المواصفات الفنية للمسكوكات الذهبية التي تخلد مناسبات وطنية وقومية، وتقوم بعرض مجموعة من الصور التفصيلية عبر شبكة المعلوماتية في إيصال العرض إلى الزبائن بحيث لا يتم الإقدام على أية عملية شراء ما لم يقتنع الزبون بالقطع التي يعاينها سواء عبر الشبكة أم من عرض بعض القطع الواصلة إلى بقية الفريق. على العموم أعتقد أنني قد استطعت أن أوصل فكرة العمل إليكم، سؤالي: هل يجوز لنا نحن كمسلمين التعامل مع هذه الشركات والانخراط في سلسلة المسوقين الشبكيين من أجل ممارسة عمل خلال شبكة المعلوماتية والتي تعتبر فيما بعد الطريقة الأمثل وربما الوحيدة للتعامل مع التجارة في المستقبل القريب كون العالم يتسارع في خطاه نحو هذا النوع من التجارة؟. في حال أن الصورة لم تكن قد وضحت لديكم فيمكن الرجوع إلى الموقع الذي تديره الشركة: www.quest.net]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله مسألة التسويق الهرمي تبدو في ظاهرها كأنها سمسرة لترويج بضاعة، يأخذ فيها السمسار أجرة معلومة مقابل عمله، وأجرة السمسرة جائزة عند أهل العلم، كما سبق في جواب السؤال رقم (45726) و (66146) . ولكن.. بالتأمل في واقع هذا النظام وجد أنه ينبني على كثير من الخداع والغش والاحتيال والتغرير بالناس، وكثيراً ما تكون السلعة المبيعة غير مقصودة، لا للشركة نفسها، ولا المشتري، وإنما المقصود هو المال الموعود به، مما يجعل المعاملة تتحول من بيع أو سمسرة إلى قمار ومخاطرة. والقوانين العالمية تُصَنِّفُ شركات التسويق الهرمي ضمن شركات الغش والاحتيال، حتى إن وزارة التجارة الأمريكية قامت برفع شكوى ضد شركة (skybiz) للتسويق الهرمي تتهمها فيها بالغش والاحتيال على الجمهور، مما أدى إلى تجميد أموالها وأصولها. كما أصدرت هيئة الأوراق المالية الباكستانية تحذيرا للجمهور من التعامل مع شركة (بزناس) العاملة هناك، لقيام معاملاتها على الخداع والتغرير بالناس. وقد سبق في موقعنا التفصيل المطول لحكم مثل هذه الشركات، يمكنك مراجعته في أجوبة الأسئلة ذات الأرقام الآتية: (40263) و (41620) و (45898) و (46595) . وقد سبق في موقعنا السؤال عن هذه الشركة بعينها، فانظر السؤال رقم (87500) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 87596 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5395 حكم بيع الجوال الذي به آلة تصوير [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز بيع الهاتف الجوال الذي به آلة تصوير أو آلة كاميرا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله آلة التصوير المصاحبة للجوال قد تستعمل في المباح، وقد تستعمل في الحرام، وما كان كذلك فالقاعدة فيه أنه: 1- لا حرج في بيعه على من عُلم أو غلب على الظن أنه يستخدمه في المباح. 2- لا يجوز بيعه لمن عُلم أو غلب على الظن أنه يستعمله في الحرام. 3- إذا جهل الحال، فالعبرة بالغالب، فإذا كان الغالب في البلد استعماله في الحلال جاز بيعه، وإلا فلا. وهذا ينطبق على بيع الجوال نفسه، وعلى بيع التلفاز، وأجهزة الفيديو، وأدوات الزينة، وملابس النساء، وغير ذلك مما يستعمل في الخير والشر. وراجع السؤال رقم (39744) ، ورقم (82551) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 85000 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5396 يعمل في تسويق برنامج لتداول الأسهم [السُّؤَالُ] ـ[أنا شاب أعمل في شركة تسوق برنامجا للتداول بالأسهم عبر الإنترنت، تمكِّن المستخدم من رؤية أسعار الأسهم والارتفاع والانخفاض للأسعار كافة، واتخاذ القرار على أساسها، ويقوم البرنامج بعرض جميع أسهم الشركات والبنوك سواء كانت ربوية أو غير ربوية، وعليه: أود معرفة إذا كان عملي في الشركة حلالاً أم حراماً؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله القاعدة في مثل هذه المنتجات التي يمكن أن تُستعمل في الحلال كما يمكن أن تستعمل في الحرام: أنه يُرجع فيها إلى العلم واليقين من حال المشتري أو المستخدم لها. فإن كان اليقين هو استعمالها في الحرام: فلا يجوز إنتاجها، أو بيعها حينئذ. وإذا كان اليقين استعمالها في المباح: فلا خلاف في جواز إنتاجها وبيعها. أما إذا اختلط الأمر، فلم ندرِ هل يستخدمها الناس في الحلال أم في الحرام، فيعمل هنا بغلبة الظن، فإذا غلب على ظن المنتج أو البائع أن المشتري سيستعملها في الحرام كان بيعها له حراماً، وإن غلب على الظن أنه سيستعملها في الحلال كان بيعها له حلالاً. وللأسف فإننا لو تأملنا أسواق الأسهم في العالم العربي والإسلامي – فضلاً عن العالم الغربي – سنجد أن أكثر الأسهم المبيعة والمشتراة في تلك الأسواق هي أسهم لشركات محرَّمة كالبنوك وشركات التأمين والشركات المنتجة للمحرمات، وما كان منها يبيع ويشتري البضائع المباحة فإنها تأخذ القروض الربوية، وتستثمر أموالها في البنوك الربوية، وهي ما يسميها بعض المعاصرين " الشركات المختلطة "، وشركة أسهمها محرمة على القول الراجح. ولذا فإنه لا يجوز لأحدٍ أن يعين هذه الأسواق على عملها؛ لما فيها من المحرمات القطعية، أو الحرام المختلط بالحلال، وما فيها من حلال فهو قليل جدّاً بالنسبة لذلك الحرام، وعليه: فلا نرى لك العمل في تسويق هذا البرنامج؛ لما فيه من التعاون على الإثم والعدوان، قال الله تعالى: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثم وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/ 2. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وكل لباس يغلب على الظن أنه يستعان به على معصية: فلا يجوز بيعه، وخياطته لمن يستعين به على المعصية والظلم " انتهى. " شرح العمدة " (4 / 386) . وفي جواب السؤال رقم (11517) ذكرنا جواب الشيخ العثيمين رحمه الله حول حكم عمل برنامج كمبيوتر لشركة تستعمله في الحلال والحرام، فأجاب الشيخ: " إذا كان الغالب على عمل الشركة الحرام: فلا يجوز له أن يفعل، وإذا كان الغالب عليها المباح: فيجوز أن يفعل، وإذا تساوى: لا يفعل؛ تغليباً لجانب الحظر " انتهى. ولمزيد الفائدة راجع السؤال رقم (75007) والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82593 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5397 بيع برامج محاسبة لمن يبيع كتبا مخالفة لعقيدة أهل السنة [السُّؤَالُ] ـ[نحن شركة نعمل في مجال عمل وبيع البرامج (محاسبة ومستودعات..) أمامنا عرض لبيع برنامج المخزون والمبيعات لمكتبة وقرطاسية لأحد أهل البدع الذين يسبون أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وزوجاته، وهو سيبيع الكتب الخاصة بمذهبهم وما فيها من مخالفات شرعية فهل يجوز ذلك؟ وهل علينا أي إثم؟ وهل إذا بعنا له فهل نحن نساعده على نشر عقيدته الفاسدة؟ رغم أنها تباع فقط في أوساط أتباعهم، ونحن مجرد مساعدين على ترتيب وتقارير المبيعات مع العلم أننا سوف نقوم بإخراج صدقة كبيرة من مبلغ المبيعات لهذا السبب.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز لكم بيع هذه البرامج لمن علمتم أنه يستعين بها على المعصية، كبيعها للبنوك الربوية، أو لمن يستعملها في بيع الكتب المخالفة لعقيدة أهل السنة والجماعة؛ لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان، وقد قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2. وقرر الفقهاء أنه لا يجوز بيع أو تأجير ما عُلم أنه يستعمل في المعصية: قال ابن قدامة رحمه الله: " وجملة ذلك ; أن بيع العصير لمن يعتقد أنه يتخذه خمرا محرم " ثم قال:" وهكذا الحكم في كل ما يقصد به الحرام , كبيع السلاح لأهل الحرب , أو لقطاع الطريق , أو في الفتنة , وبيع الأمة للغناء , أو إجارتها كذلك , أو إجارة داره لبيع الخمر فيها , أو لتتخذ كنيسة , وأشباه ذلك. فهذا حرام , والعقد باطل " انتهى من "المغني" (4/154) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ولا يصح بيع ما قصده به الحرام كعصير يتخذه خمرا إذا علم ذلك، كمذهب أحمد وغيره , أو ظن، وهو أحد القولين، يؤيده أن الأصحاب قالوا: لو ظن المؤجر أن المستأجر يستأجر الدار لمعصية كبيع الخمر ونحوها لم يجز له أن يؤجره تلك الدار , ولم تصح الإجارة , والبيع والإجارة سواء " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (5/388) . قال أيضا - رحمه الله - في "شرح العمدة" (4/386) : " وكل لباس يغلب على الظن أنه يستعان به على معصية، فلا يجوز بيعه وخياطته لمن يستعين به على المعصية والظلم " انتهى. وجاء في "الموسوعة الفقهية" (9/213) : " ذهب الجمهور إلى أن كل ما يقصد به الحرام , وكل تصرف يفضي إلى معصية فهو محرم , فيمتنع بيع كل شيء عُلم أن المشتري قصد به أمرا لا يجوز " انتهى من "الموسوعة الفقهية الكويتية". وليعلم السائل الكريم أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، كما صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم، وأن ما عند الله تعالى لا ينال إلا بطاعته، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله، فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته) رواه أبو نعيم في الحلية من حديث أبي أمامة، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2085) وقال الله عز وجل: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/2-3. نسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82551 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5398 تحريم الزيادة في سعر السلعة وهو لا يريد شراءها [السُّؤَالُ] ـ[هناك من يحضر الحراج على سلعة أو بضاعة ويزيد في السعر , وهو لا يريد شراءها , ما حكم ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " من يزيد في السلعة المعروضة للبيع وهو لا يريد شراءها , ففعله هذا محرم؛ لما فيه من الخداع والتغرير بالمشتري , لاعتقاد المشتري أنه لم يزد فيها هذا القدر إلا لأنها تساويه , وهي بخلاف ذلك , وهذا النجش الذي نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عنه نهي تحريم , كما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن النجش) , وكما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تلقوا الركبان , ولا يبع بعضكم على بيع بعض ولا تناجشوا , ولا يبع حاضر لباد) متفق عليهما. وإذا ثبت النجش وكان في البيع غَبْن لم تجر العادة بمثله (أي: خداع في الثمن) , فللمشتري الخيار بين الفسخ وإمضاء البيع؛ لأن ذلك داخل في خيار الغبن " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (13/119) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 81997 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5399 حكم الجوائز التي يجعلها أصحاب المحلات [السُّؤَالُ] ـ[عندنا أنواع من البيوع منتشرة الآن، يقوم التاجر بعرض بضاعته ويوزع كوبونات على المشترين بحسب قيمة شراء كل واحد، وهذه الكوبونات تدخل في سحب الجوائز، ثم تعمل بعد ذلك قرعة، ويفوز بعض الناس بجوائز يوزعها عليهم هذا التاجر، فما حكم ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: هذا نوع من البيوع نخاطب به البائع والمشتري، نقول للبائع: هل أنت ترفع سعر السلعة من أجل هذه الجائزة أو لا؟ إن كنت ترفع السعر فإنه لا يجوز، لأنه إذا رفع السعر، واشترى الناس منه، صاروا إما غارمين وإما غانمين، يعني إما رابحين، وإما خاسرين. فإذا كانت هذه السلعة في السوق مثلاً تساوي عشرة فجعلها باثني عشر من أجل الجائزة، فهذا لا يجوز، لأن المشتري باثني عشر إما أن يخسر الزائد على العشرة، وإما أن يربح أضعافاً مضاعفة بالجائزة، فيكون هذا من باب الميسر والقمار المحرم، هذه واحدة. فإذا قال البائع: أنا أبيع بسعر الناس، لا أزيد ولا أنقص، فله أن يضع تلك الجوائز تشجيعاً للناس على الشراء منه. ثم نتجه إلى المشتري فنقول له: هل اشتريت هذه السلعة لحاجتك إليها، وأنك كنت ستشتريها سواء كان هناك جائزة أم لا؟ أم أنك اشتريتها من أجل الجائزة فقط؟ فإن قال الأول، قلنا: لا بأس أن تشتري من هذا أو من هذا، لأن السعر ما دام كسعر السوق، وأنت ستشتري هذه السلعة لحاجتك، فحينئذ تكون إما غانماً وإما سالماً، ففي هذه الحال لا بأس أن تشتري من صاحب الجوائز. وأما إذا قال: أنا أشتري ولا أريد السلعة وإنما أشتري لأجل أن أحصل على الجائزة، قلنا: هذا من إضاعة المال، لأنك لا أتدري أتصيب الجائزة أو لا تصيبها. وقد بلغني أن بعض الناس يشتري علب اللبن وهو لا يريدها، يشتريها ويريقها، لعله يحصل على الجائزة، فهذا يكون من إضاعة المال، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن إضاعة المال. بقي شيء ثالث: إذا قال قائل: هذه المعاملة تضر بالبائعين الآخرين، لأن هذا البائع إذا جعل جوائز للمشترين وكان سعره كسعر السوق، اتجه جميع الناس إليه وكسدت السلع عند التجار الآخرين، فيكون هذا ضرر على الآخرين، فنقول هذا يرجع إلى الدولة، فيجب على الدولة أن تتدخل إذا رأت أن هذا الأمر يوجب اضطراب السوق، فإنها تمنعه إذا رأت المصلحة في منعه، أو إذا رأت أنه من التلاعب في الأسواق - والتلاعب في الأسواق يجب على ولي الأمر أن يمنعه -. [الْمَصْدَرُ] فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. "لقاءات الباب المفتوح" (3/72) . الحديث: 82237 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5400 هل عمل مندوب المبيعات من البيع على بيع غيره؟ [السُّؤَالُ] ـ[أعمل مندوب مبيعات لإحدى الشركات، وأقوم بتسويق وعرض بضاعة قد تكون متوفرة في معظم المحلات التي أزورها، وبعض هذه المحلات قد تعاقد مسبقاً مع مورِّدين لبضاعة مشابهة، فهل تقديمي عرض أسعار منافساً لسعر المورِّد المتعاقَد معه يعتبر بيعاً على بيع أخي؟ مع الإشارة إلى أن هذا هو حقيقة عمل مندوب المبيعات في كل شركات الدنيا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله روى البخاري (5142) ومسلم (1412) عن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَبِعْ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ) . وروى مسلم (1408) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وَلاَ يَسُومُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ) . وقد بيَّن أهل العلم الحالة التي يتوجه إليها هذا النهي فقالوا: إن البائع والمشتري لا يخلو أمرهما من الأحوال التالية: أولاً: أن يبدآ في المساومة ومحاولة إقناع كل منهما الآخر، ولم يكن أحدهما إلى الآخر، وفي هذه المرحلة أيضا تبدأ " المزايدات " إذا كان البائع قد عرض سلعته للمزاد، وفيها أيضا تكون " المناقصات " إذا عرض المشتري رغبته في الشراء للمناقصة العلنية. ففي هذه المرحلة لا حرج من البيع على بيع الآخرين أو الشراء على شرائهم أو السوم على سومهم. ثانياً: إذا ركن كلٌّ من البائع والمشتري للطرف الآخر، ورضي ونوى إتمام البيعة، فلا يجوز لأحد أن يدخل بينهما لا بيعاً ولا شراءً ولا سوماً. ثالثاً: أن يتم العقد ويلزم البيع، لكن يبقى خيار المجلس أو خيار الشرط (إذا اشترط أحد المتبايعين أو كلاهما أن يكون له حق فسخ العقد خلال مدة معينة) ، فلا يجوز – أيضاً - حينئذ لأحد أن يدخل بينهما فيحاول أن يبيع بأقل أو يشتري بأكثر. رابعاً: إذا تم العقد بين المتبايعين وانتهى زمن خيار المجلس وافترقا عن مجلسهما، ولم يكن هناك خيار شرط، فذهب بعض العلماء إلى أنه لا حرج على من دخل على المتبايعين وعرض عليهما شيئا أفضل مما سبق له أخذه، وهذا مذهب الشافعية والحنابلة، بدليل رواية النسائي (4504) لحديث ابن عمر وفيها: (لَا يَبِيعُ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ حَتَّى يَبْتَاعَ أَوْ يَذَرَ) وصححها الألباني في " صحيح النسائي ". قال الإمام الشافعي رحمه الله: " ولا أنهى رجلين قبل أن يتبايعا ولا بعدما يتفرقان عن مقامهما الذي تبايعا فيه عن أن يبيع أي المتبايعين شاء؛ لأن ذلك ليس ببيع على بيع غيره فينهى عنه " انتهى. " الأم " (3 / 92) . واختار بعض العلماء تحريم البيع على بيع أخيه في هذه الصورة، أي حتى بعد لزوم البيع، وعدم إمكان الفسخ، لأن المشتري قد يحتال على فسخ العقد، أو تحصل بينه وبين البائع الأول منازعات بسبب أنه يرى أنه كان يمكنه الحصول على تلك السلعة بسعر أقل، قال ابن رجب الحنبلي: " وهو قول طائفة من أصحابنا. وهو أظهر". ومال إليه المرداوي في "الإنصاف" (11/178) ورجحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، قال في "الشرح الممتع " (8/204) " وهذا القول هو الراجح، أي: أن البيع على بيع أخيه حرام، سواء كان ذلك في زمن الخيارين أو بعد ذلك، ولكن إذا كان بعد مدة طويلة فإن ذلك لا بأس به، يعني لو حصل هذا قبل أسبوع أو شهر أو ما شبه ذلك، وجاء وقال: أنا أعطيك مثل هذه السلعة بتسعة وهو قد اشتراها بعشرة فهنا لا بأس به، لأن محاولة الرد في مثل هذه الصورة بعيد " انتهى. والواجب على مندوب المبيعات التنبه للأحكام والأحوال السابقة، حتى لا يقع في الحرج والإثم. فإن علم أن صاحب المحل قد ركن إلى شركة أخرى، وعزم على الشراء منها: فلا يجوز له أن يعرض عليه حينئذ. فإن لم يعلم شيئاً – كما هو حال غالب مندوبي المبيعات –: فليس عليه حرج ولا إثم في عرضه السلعة التي يبيعها بالسعر الذي يشاء. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82267 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5401 حكم شراء برامج الحاسوب المنسوخة [السُّؤَالُ] ـ[عندنا في الجزائر البرامج التي تستعمل في جهاز الكمبيوتر نشتريها من الباعة، ونعلم أن هذه النسخ التي نشتريها ليست أصلية، ونعلم أن بيعها أو شراءها غير جائز؛ لأنها محفوظة الحقوق، وللعلم لا تصلنا النسخ الأصلية حتى نشتريها، وغير متوفرة، فهل عدم توفرها يجيز لنا شراء النسخ غير الأصلية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: هذه المسألة هي جزء من مسألة كبيرة تسمى بـ " الملكية الفكرية "، وهي من المسائل التي طال الحديث حولها شرعيّاً، بل وحتى دوليّاً؛ نظراً للأهمية التي تترتب عليها، فهي تشمل الملكية الصناعية التي تحفظ حقوق براءات الاختراع والاكتشافات والأسماء الصناعية، كما تشمل الملكية الأدبية والفنية التي تشمل حقوق التأليف والتصنيف. والحقيقة أن مثل هذه المسائل النوازل تحتاج إلى دراسة شاملة لجميع الجوانب المتعلقة بها، سواء كانت تشريعية أو تأصيلية أو اقتصادية أو غير ذلك، فالأمر تتجاذبه أطراف مختلفة مؤثرة في الحكم، فكان لا بد من الوقوف على هذه المؤثرات. ونحن ننقل هنا فتاوى بعض الهيئات الشرعية المتخصصة في بحث هذه الأمور النوازل: 1. قرار المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة. " الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده، سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، أمَّا بعد: فإنَّ مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته التاسعة، المنعقدة بمبنى " رابطة العالم الإسلامي " في مكة المكرمة في الفترة من يوم السبت 12 رجب 1406هـ إلى يوم السبت 19 رجب 1406هـ، قد نظر في موضوع حقوق التأليف لمؤلفي الكتب والبحوث والرسائل العلمية: هل هي حقوق ثابتة مملوكة لأصحابها، وهل يجوز شرعاً الاعتياض عنها، والتعاقد مع الناشرين عليها، وهل يجوز لأحدٍ غير المؤلف أن ينشر كتبه وبحوثه ويبيعها دون إذنه، على أنَّها مباحة لكلِّ أحدٍ، أو لا يجوز؟ وعرض على المجلس التقارير والدراسات التي هيأها في هذا الشأن بعض أعضاء المجلس، وناقش المجلس أيضاً رأي بعض الباحثين المعاصرين، من أنَّ المؤلِّف ليس له حقٌّ مالي مشروع فيما يؤلِّفه أو ينشره من كتب علمية، بحجَّة أنَّ العلم لا يجوز شرعاً حجره عن الناس، بل يجب على العلماء بذله، ومن كتم علماً ألْجَمَهُ الله تعالى يوم القيامة بلجام من نارٍ، فلكلِّ من وصل إلى يده بطريق مشروع نسخة من كتابٍ لأحد المؤلفين، أن ينسخه كتابةً، وأن ينشره ويتاجر بتمويل نشره، وبيع نسخه كما يشاء، وليس للمؤلف حقُّ منعه. ونظر المجلس في الرأي المقابل، وما نشر فيه عن حقوق الابتكار، وما يسمى الملكية الأدبية والملكية الصناعية، من أنَّ كل مؤلِّف لكتاب أو بحث أو عمل فنيٍّ أو مخترعٍ لآلة نافعة له الحق وحده في استثمار مؤلَّفه أو اختراعه، نشراً وإنتاجاً وبيعاً، وأن يتنازل عنه لمن شاء بعوض أو غيره، وبالشروط التي يوافق عليها، وليس لأحدٍ أن ينشر الكتاب المؤلَّف أو البحث المكتوب بدون إذن صاحبه، ولا أن يُقَلِّد الاختراع ويتاجر به دون رضى مخترعه. وانتهى المجلس بعد المناقشة المستفيضة إلى القرار التالي: أولاً: إنَّ الكتب والبحوث قبل ابتكار طرق النشر بالمطابع التي تخرج منه الآلاف المؤلَّفة من النسخ، حين لم يكن في الماضي وسيلة لنشر الكتاب إلاَّ الاستنساخ باليد، وقد يقضي الناسخ سنوات في استنساخ كتابٍ كبير ليخرج منه نسخة واحدة، كان الناسخ إذ ذاك يخدم العالم المؤلِّف حينما ينسخ بقلمه نسخة أو عدَّة نسخ لولاها لبقي الكتاب على نسخة المؤلِّف الأصلية معرَّضاً للضياع الأبدي إذا تلفت النسخة الأصلية، فلم يكن نسخ الكتاب عدواناً على المؤلِّف، واستثماراً من الناسخ لجهود غيره وعلمه، بل بالعكس، كان خدمة له، وشهرة لعلمه، وجهوده. ثانياً: أمَّا بعد ظهور المطابع فقد أصبح الأمر معكوساً تماماً، فقد يقضي المؤلِّف معظم عمره في تأليف كتاب نافعٍ، وينشره ليبيعه، فيأخذ شخصٌ آخر نسخة منه فينشرها بالوسائل الحديثة طبعاً وتصويراً، ويبيعه مزاحماً مؤلِّفَهُ ومنافساً له، أو يوزِّعه مجاناً ليكسب بتوزيعه شهرة، فيضيع تعب المؤلِّف وجهوده، ومثل ذلك يقال في المخترع. وهذا مما يثبط همم ذوي العلم والذكاء في التأليف والاختراع، حيث يرون أنَّ جهودهم سينهبها سواهم متى ظهرت ونزلت الميدان، ويتاجر بها منافساً لهم من لم يبذل شيئاً مما بذلوه هم في التأليف أو الابتكار. فقد تغيَّر الوضع بتغيُّر الزمن وظهور المستجدات فيه، مما له التأثير الأساسي بين ما كان وما صار، مما يوجب نظراً جديداً يحفظ لكل ذي جهد جهده وحقَّه. فيجب أن يعتبر للمؤلِّف والمُخْتَرِعِ حقٌّ فيما ألَّف أو ابتكر، وهذا الحقُّ هو ملك له شرعاً، لا يجوز لأحدٍ أن يسطو عليه دون إذنه، وذلك بشرط أن يكون الكتاب أو البحث ليس فيه دعوة إلى منكر شرعاً، أو بدعة أو أيِّ ضلالة تنافي شريعة الإسلام، وإلاَّ فإنَّه حينئذٍ يجب إتلافه، ولا يجوز نشره. وكذلك ليس للناشر الذي يتَّفق معه المؤلِّف ولا لغيره تعديل شيءٍ في مضمون الكتاب، أو تغيير شيءٍ دون موافقة المؤلِّف، وهذا الحقُّ يورَث عن صاحبه، ويتقيَّد بما تقيِّده به المعاهدات الدولية والنظم والأعراف التي لا تخالف الشريعة، والتي تنظِّم هذا الحق وتحدِّده بعد وفاة صاحبه تنظيماً وجمعاً بين حقِّه الخاصِّ والحقِّ العامِّ؛ لأنَّ كل مؤلِّف أو مخترعٍ يستعين بأفكار ونتاج من سبقوه، ولو في المعلومات العامة، والوسائل القائمة قبله. أمَّا المؤلِّف أو المخترع الذي يكون مستأجراً من إحدى دور النشر ليؤلِّف لها كتاباً، أو من إحدى المؤسسات ليخترع لها شيئاً لغاية ما: فإنَّ ما ينتجه يكون من حقِّ الجهة المستأجرة له، ويتبع في حقِّه الشروط المتَّفق عليها بينهما، مما تقبله قواعد التعاقد. والله ولي التوفيق، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه " انتهى. نقلا عن " فقه النوازل " للدكتور محمد بن حسين الجيزاني (3 / 127 – 129) . 2. قرار مجمع الفقه الإسلامي بجدة، التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي. جاء في " قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي " (94) ما يلي: إنَّ مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت، من 1 إلى 6 جمادى الأولى 1409هـ (الموافق 10 إلى 15 كانون الأول (ديسمبر) 1988م، بعد اطلاعه على البحوث المقدَّمة من الأعضاء والخبراء في موضوع (الحقوق المعنوية) ، واستماعه للمناقشات التي دارت حوله، قرَّر ما يلي: أولاً: الاسم التجاري، والعنوان التجاري، والعلامة التجارية، والتأليف والاختراع أو الابتكار هي حقوق خاصَّةٌ لأصحابها، أصبح لها في العرف المعاصر قيمة مالية معتبرة لتموُّل الناس لها، وهذه الحقوق يعتدُّ بها شرعاً، فلا يجوز الاعتداء عليها. ثانياً: يجوز التصرُّف في الاسم التجاري أو العنوان التجاري أو العلامة التجارية، ونقل أيٍّ منها بعوض ماليٍّ إذا انتفى الغرر والتدليس والغش، باعتبار أنَّ ذلك أصبح حقَّاً ماليّاً. ثالثاً: حقوق التأليف والاختراع أو الابتكار مصونة شرعاً، ولأصحابها حقُّ التصرُّف فيها، ولا يجوز الاعتداء عليها، والله أعلم " انتهى. 3. قرار اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية. سئل علماء " اللجنة الدائمة " (13 / 188) ما يلي: أعمل في مجال الحاسب الآلي، ومنذ أن بدأت العمل في هذا المجال أقوم بنسخ البرامج للعمل عليها، ويتم ذلك دون أن أشتري النسخ الأصلية لهذه البرامج، علمًا بأنه توجد على هذه البرامج عبارات تحذيرية من النسخ، مؤداها: أن حقوق النسخ محفوظة، تشبه عبارة (حقوق الطبع محفوظة) الموجودة على بعض الكتب، وقد يكون صاحب البرنامج مسلمًا أو كافرًا، وسؤالي هو: هل يجوز النسخ بهذه الطريقة أم لا؟ . فأجابوا: " لا يجوز نسخ البرامج التي يمنع أصحابها نسخها، إلا بإذنهم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (المسلمون على شروطهم) ؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه) ؛ وقوله صلى الله عليه وسلم: (من سبق إلى مباح فهو أحق به) ، سواء كان صاحب هذه البرامج مسلماً أو كافراً غير حربي؛ لأن حق الكافر غير الحربي محترم كحق المسلم، وبالله التوفيق " انتهى. وبناء على ما سبق فلا يجوز لأحد أن ينسخ شيئاً مما حُفظت حقوق نسخه لأصحابه، كما لا يجوز شراء شيء مما نُسخ من هذه البرامج من غير إذن أصحابها، ومع سهولة وسائل الاتصال اليوم لم يعد هناك ما يصعب تحصيله وشراؤه، فالبرامج الأصلية موجودة ولا بد في الوكالات الرسمية لأصحاب تلك الشركات، كما أنها موجودة في مواقع الشركات نفسها على الإنترنت، ويمكن بكل سهولة شراؤها وتحصيلها من تلك الأماكن. ثانياً: يرى بعض علمائنا المحققين حرمة هذا الأمر إذا كان بقصد التجارة، وأما من اقتنى نسخة لنفسه: فالأمر جائز، وهو قول وسط بين المانعين بالكلية، والمبيحين بالكلية. وقد سبق في جواب السؤال رقم (21927) إجابة مختصرة لهذه المسألة عن الشيخ سعد الحميِّد، فيها التفصيل التالي: " نسخ كتاب أو قرص بغرض المتاجرة ومضارّة صاحبه الأصلي: لا يجوز، أما إذا نسخ الإنسان نسخة واحدة لنفسه: فنرجو ألا يكون بذلك بأس، وتركه أولى وأحسن " انتهى. وهذه فتوى للشيخ ابن عثيمين موافقه لها: السؤال: فضيلة الشيخ! هل يجوز نسخ برامج الحاسب الآلي مع أن الشركات تمنع ذلك والنظام؟ وهل يعتبر ذلك احتكاراً وهي تباع بأسعار غالية، وإذا نسخت تباع بأسعار رخيصة؟ . فأجاب: القرآن؟ . السائل: برامج الحاسب الآلي عموماً. الشيخ: القرآن؟ . السائل: القرآن، وغير القرآن، والحديث، وبرامج أخرى كثيرة. الشيخ: يعني: ما سجل فيه؟ . السائل: ما سجل في الأقراص. الشيخ: أما إذا كانت الدولة مانعة: فهذا لا يجوز؛ لأن الله أمر بطاعة ولاة الأمور، إلا في معصية الله، والامتناع من تسجيلها ليس من معصية الله، وأما من جهة الشركات: فالذي أرى أن الإنسان إذا نسخها لنفسه فقط: فلا بأس، وأما إذا نسخها للتجارة: فهذا لا يجوز؛ لأن فيه ضرراً على الآخرين، يشبه البيع على بيع المسلم؛ لأنهم إذا صاروا يبيعونه بمائة ونسختَه أنت وبعته بخمسين: هذا بيع على بيع أخيك. السائل: وهل يجوز أن أشتريها بخمسين من أصحاب المحلات وهو منسوخ. الشيخ: لا يجوز، إلا إذا قدم لك أنه مأذون له، وأما إذا لم يقدم: فهذا تشجيع على الإثم والعدوان. السائل: إذا لم يؤذن له هو - جزاك الله خيراً -؟ . الشيخ: وإذا كنت أيضاً لا تدري، أحياناً الإنسان لا يدري يقف على هذا المعرض ويشتري وهو لا يدري، هذا لا بأس به، الذي لا يدري ليس عليه شيء. " لقاءات الباب المفتوح " (178 / السؤال رقم 6) . ولمزيد من الفائدة راجع جواب السؤال رقم (52903) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 81614 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5402 هل يعمل في بقالة تبيع اليانصيب أم في محل يبيع الخمر والخنزير!؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا شاب أعيش في أمريكا، منذ شهرين وأنا أبحث عن عملٍ حلالٍ شرعاً، ولكن العرب الذين يعيشون في نفس المدينة إما يبيعون الخنزير أو الخمر، وفي نفس الوقت لا يمكنني الانتقال إلى مدينة أخرى لأن زوجتي طالبة في الجامعة، هل العمل في المطاعم التي تبيع الخنزير في هذه الحالة حرام؟ وقد وجدت عملاً في مدينة أخرى تبعد 20 ميلاً يتمثل في بقالة تبيع أيضاً أوراق اليانصيب، وأضطر إلى الرجوع إلى المنزل بعد منتصف الليل تاركاً زوجتي وابنتي وحدهما، وبحلول فصل الشتاء هذه الأيام تنزل درجة الحرارة إلى تحت الصفر، ويتكون الجليد والضباب مما يجعل الطريق خطرة، فهل العمل في محلات البقالة التي تبيع أوراق اليانصيب حرام؟ وأيهما أفضل في هذه الحالة: هل أعمل في المطاعم التي تبيع الخنزير المتواجدة في نفس المدينة التي أعيش فيها أم في محل البقالة الذي يبيع اليانصيب في المدينة الأخرى؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا أظنك – أخي السائل – تريد منّا أن نفاضل لك بين إثمين كبيرين عظيمين، إثم القمار والميسر في (اليانصيب) الذي نهى عنه الله سبحانه وتعالى في آيات تتلى إلى يوم القيامة حيث يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ) المائدة/90-91، وبين إثم بيع لحم الخنزير أو الخمر التي حرمهما الله سبحانه وتعالى أيضا. أهذا هو ما يرضى به المسلم أن يؤول به الحال إلى التخيير بين كبائر الذنوب؟! وهل هذه هي الحياة التي يسعى في تحصيلها والتنعم بها؟! . لا أظنك – أخي السائل – وأنت المسلم الكريم العزيز بإسلامه، القوي بإيمانه، ترضى أن تبيع المنكر العظيم الذي أفسد الأرض وملأها ظلما ومنكرا وفسادا، فالخمر أم الخبائث، والميسر أكل لأموال الناس بالباطل، والخنزير حرمه الله تحريما قطعيا، بل إن تحريم هذه الأمور من أبرز معالم شريعة الإسلام، فلا ينبغي لمسلم أن يتنازل حتى يبيع ما يغضب الرب سبحانه وتعالى. نعم، لا يجوز في أي حال من الأحوال أن يبيع المسلم المنكرات على الناس، ولو على غير المسلمين؛ لأنه بذلك يكون مشاركا في نشر الإثم، ومعاونا في معصية الله تعالى ومخالفة أمره. وفي موقعنا الكثير من الفتاوى التي تبين هذه المسألة، وتقرر تحريم مشاركة المسلم في بيع المحرمات، ولو على غير المسلمين، فانظر أجوبة الأسئلة: (1830) و (40651) . ويمكنك الاتفاق – إن كنت لا بدَّ مقيماً في تلك البلاد – مع صاحب البقالة على عدم بيعك لليانصيب، وتكتفي ببيع ما فيها من مواد مباحة. وما هذه الحال التي وصلت إليها – أخي الفاضل – من التفكير في هذه الأعمال المحرمة، وكذلك حال كثير من المسلمين في تلك البلاد إلا نتيجة طبيعية للإقامة بين الكفار، وفي دول الكفر، بعيدا عن بلاد المسلمين؛ فإن المجتمع الكافر لا تضبطه حدود، ولا يراعي لله أمراً ولا نهياً، أما مجتمعات المسلمين فهي محافِظة إلى قدرٍ كبير – بحمد الله – على حدود الله سبحانه وتعالى، ولذلك ننصحك بمراجعة الفتاوى المنشورة في موقعنا حول حكم الإقامة في بلاد الكفار، فانظر أجوبة الأسئلة: (13363) و (27211) . وتذكر - أخي السائل - أن تقوى الله سبحانه هي خير خلف على المرء في دنياه وآخرته، فهي في الدنيا مصدر رزق للعبد كما قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) الأعراف/96، وقال تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/2-3، وهي في الآخرة كفارة للذنوب، ووقاية من عذاب الله تعالى، يقول عز وجل: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً) الطلاق/5. والدنيا أيامها معدودة، والأجل آت قريب، ولا يدري المرء أفي يومه تقبضه الملائكة أم في غده، فكيف سيكون حال من قبضت روحه وهو مشتغل في بيع المحرمات، ولم يسمع نصحا ولم يلتفت إلى تذكير؟! ولا نظنك أخي السائل إلا ممن يخاف عذاب الله وعقوبته، ولا ترضى أن يكون هذا حالك، والصبر مفتاح الفرج، فاجتهد في البحث عن عمل حلال طيب، وراجع نفسك في أمر إقامتك في تلك البلاد، ونسأل الله سبحانه لك الهداية والتوفيق للحق والخير. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 81778 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5403 الشراء من البقالة بالآجل لا يعدُّ من ربا النسيئة [السُّؤَالُ] ـ[يوجد بالقرب من منزلنا بقالة، فنقوم بطلب ما نريده منها ونؤخر تسليم الثمن إلى أجل محدود، فهل يعتبر هذا من ربا النسيئة؟ مع العلم أن البائع راضٍ بأي طريقة تم الدفع بها عاجلاً أو مؤخراً فما الحكم في ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله شراء الأشياء من البقالة من تأخير قبض الثمن من النقود ليس من الربا في شيء. وذلك لأن الأصناف التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم ويجري فيها الربا ستة أصناف، الذهب والفضة، ويلحق بهما الآن النقود. والتمر والبر (القمح) والشعير والملح. وهذه الأصناف قسمها العلماء إلى قسمين - حسب اتفاقها في علة جريان الربا فيها -: فالقسم الأول: الذهب والفضة وما ألحق بهما. القسم الثاني: البر والشعير والتمر والملح. فإذا أراد الإنسان أن يشتري شيئاً من القسم الثاني بشيء من القسم الأول، كما لو كان يشتري تمراً بنقود، فلا يجري بينهما الربا، فيجوز الشراء مع تأخير الثمن باتفاق العلماء. وقد اشترى النبي صلى الله عليه وسلم من يهودي شعيراً وأخَّر دفع ثمنه، ورهن عنده درعه. فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: اشْتَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا بِنَسِيئَةٍ وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ. رواه البخاري (1999) ومسلم (1603) . ورواه البخاري (2069) عن أنس رضي الله عنه بلفظ: (رَهَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِرْعًا لَهُ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ يَهُودِيٍّ وَأَخَذَ مِنْهُ شَعِيرًا لِأَهْلِهِ) . وبوب عليه البخاري بقوله: " باب شراء النبي صلى الله عليه وسلم بالنسيئة ". قال ابن حجر: قال ابن بطال: الشراء بالنسيئة جائز بالإجماع. " فتح الباري " (4 / 302) . فيجوز لك شراء ما تشاء من بضائع من البقالة مع تأخير دفع النقود ولا يدخل ذلك في ربا النسيئة. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 75565 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5404 حكم بيع الملابس التي لا يُدرى هل تستخدم في الحلال أو الحرام؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا عندي محلات لبيع الملابس الرجالية والنسائية في عدة مراكز تجارية، وقد قرأت الحالات التي يحل فيها بيع الملابس النسائية، وهذه الملابس لا يجوز بيعها إذا علم التاجر أن من يشتريها سيستعملها فيما حرم الله , ولكن كيف للتجار أو الموظف أن يعرف أنها سوف تستخدمه فيما حرم الله؟ حيث يكون البائع في وضع الذي لا يعلم فيما سوف يستخدم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الملابس النسائية التي يبيعها التجار في محلاتهم لا تخلو من ثلاث حالات: الأولى: أن يعلم البائع أو يغلب على ظنه أن هذه الثياب ستستعمل استعمالاً مباحاً , ولن تستعمل استعمالاً محرماً , فبيع هذه الثياب لا حرج فيه. الثانية: أن يعلم البائع أو يغلب على ظنه أن هذه الثياب ستستعمل استعمالاً محرماً , أي: ستلبسها المرأة وتتزين بها أمام الرجال الأجانب عنها , فبيع هذه الثياب حرام , لقول الله تعالى: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2. ويمكن للبائع أن يعلم ذلك حسب نوعية الثياب وحال المرأة التي تشتريها. فهناك بعض الألبسة عُلِمَ من العادة أن المرأة مهما كانت متبرجة لن تلبسها إلا لزوجها , ولا يمكن أن تخرج بها أمام أحد من الرجال الأجانب عنها , وهناك الألبسة التي يغلب على ظن البائع - وقد يتيقن – أن المشترية لها ستستعملها استعمالاً محرماً. فالواجب على البائع أن يعمل بما علمه أو غلب على ظنه من حال المشترية. وقد تكون الثياب يمكن استعمالها استعمالاً مباحاً أو استعمالاً محرماً , ولكن التزام النساء بالحجاب، أو إلزام الدولة لهن بذلك يمنع من استعمالهن لها استعمالاً محرماً , فلا حرج في بيعها. الثالثة: أن يشك البائع ويتردد هل هذه الثياب ستستعمل استعمالاً مباحاً أم محرماً , لكون الثياب صالحة للاستعمالين , وليس هناك قرائن ترجح أحد الاحتمالين , فبيع هذه الثياب لا حرج فيه , لأن الأصل إباحة البيع وعدم تحريمه , لقول الله تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) البقرة/275 , والواجب على من اشتراها أن يستعملها فيما أحل الله , ولا يجوز أن يستعملها استعمالاً محرماً. وهذه فتاوى لبعض العلماء تؤيد ما سبق: سئل علماء اللجنة الدائمة: ما حكم الاتجار في زينة النساء , وبيعها لمن يعلم البائع أنها سترتديه متبرجة به للأجانب في الشوارع كما يرى من حالها أمامه , وكما عمت به البلوى في بعض الأمصار؟ فأجابوا: " لا يجوز بيعها إذا علم التاجر أن من يشتريها سيستعملها فيما حرم الله؛ لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان , أما إذا علم أن المشترية ستتزين به لزوجها أو لم يعلم شيئاً فيجوز له الاتجار فيها " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (13/67) . وسئل علماء اللجنة الدائمة أيضاً: ما حكم بيع أدوات التجميل الخاصة بالنساء؟ علماً بأن غالبية من يستعملها من المتبرجات الفاجرات العاصيات لله ورسوله , واللاتي يستخدمن هذه الأشياء في التزين لغير أزواجهن والعياذ بالله؟ فأجابوا: " إذا كان الأمر كما ذكر فلا يجوز له البيع عليهن إذا كان يعلم حالهن؛ لأنه من التعاون على الإثم والعدوان , وقد نهى الله تعالى عنه بقوله تعالى: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) المائدة /2 " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (13/105) . وسئل علماء اللجنة الدائمة أيضاً: ما حكم بيع البناطيل الضيقة النسائية بأنواعها , وما يسمى منها بالجنز , والاسترتش , إضافة إلى الأطقم التي تتكون من بناطيل وبلايز , إضافة إلى بيع الجزم النسائية ذات الكعب العالية , إضافة إلى بيع صبغات الشعر بأنواعها وألوانها المختلفة , وخصوصاً ما يخص النساء , إضافة إلى بيع الملابس النسائية الشفافة , أو ما يسمى بالشيفون , إضافة إلى الفساتين النسائية ذات نصف كم , والقصير منها , والتنانير النسائية القصيرة؟ فأجابوا: " كل ما يستعمل على وجه محرم , أو يغلب على الظن ذلك؛ فإنه يحرم تصنيعه واستيراده , وبيعه وترويجه بين المسلمين , ومن ذلك ما وقع فيه كثير من نساء اليوم هداهن الله إلى الصواب: من لبس الملابس الشفافة , والضيقة , والقصيرة , ويجمع ذلك كله: إظهار المفاتن والزينة , وتحديد أعضاء المرأة أمام الرجال الأجانب , قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: " كل لباس يغلب على الظن أنه يستعان بلبسه على معصية؛ فلا يجوز بيعه وخياطته لمن يستعين به على المعصية والظلم , ولهذا كره بيع الخبز واللحم لمن يعلم أنه يشرب عليه الخمر , وبيع الرياحين لمن يعلم أنه يستعين بها على الخمر والفاحشة , وكذلك كل مباح في الأصل علم أنه يستعان به على معصية ". فالواجب على كل تاجر مسلم تقوى الله عز وجل , والنصح لإخوانه المسلمين , فلا يصنع ولا يبيع إلا ما فيه خير ونفع لهم , ويترك ما فيه شر وضرر عليهم , وفي الحلال غنية عن الحرام , (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً * يرزقه من حيث لا يحتسب) الطلاق/3,2 , وهذا النصح هو مقتضى الإيمان , قال الله تعاى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) التوبة/71 , وقال عليه الصلاة والسلام: (الدين النصيحة) , قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: (لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) خرجه مسلم في صحيحه , وقال جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة , والنصح لكل مسلم. متفق على صحته. ومراد شيخ الإسلام رحمه الله بقوله فيما تقدم: " ولهذا كره بيع الخبز واللحم لمن يعلم أنه يشرب عليه الخمر. . إلخ " كراهة تحريم , كما يعلم ذلك من فتاواه في مواضع أخرى " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (13/109) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 75007 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5405 ما حكم بيع نصيبه من شركة كل مالها ديون عند الناس؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم بيع حقي في شركة تبيع السلع على الناس بالتقسيط وكل مالها ديون عند الناس؟ وإذا كان يوجد في الشركة سيارات لم تبع بعد، فكيف يبيع نصيبه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أما السؤال الأول: فهذا بيع دراهم غائبة بدراهم حاضرة أقل منها وهذا لا يجوز. وأما السؤال الثاني: فيبيع نصيبه من السيارات ويبقى له نصيبه من النقود المؤجلة. [الْمَصْدَرُ] الشيخ ابن جبرين الحديث: 10443 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5406 شراء العملات الذهبية المشتملة على صور [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمسلمين شراء وترويج بيع العملات الذهبية التي بها صور بمقابل سعر مالي/نقدي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان السؤال عن شراء وترويج العملات الذهبية المشتملة على أشكال وصور لذوات الأرواح، فهذا فيه تفصيل: 1- إن كانت هذه العملات تتخذ للزينة، لبسا، أو تعليقا، فلا يجوز بيعها ولا الترويج لها. جاء في فتاوى اللجنة الدائمة 13/74: (ما كان عليه صور شيء من ذوات الأرواح، سواء كان عملة ذهبية أو فضية أو ورقية، أو كان قماشا أو آلة، فإذا كان تداوله بين الناس لتعليقه في الحيطان ونحوها مما لا يعتبر امتهانا له، فالتعامل فيه محرم لشموله بأدلة تحريم التصوير، واستعمال صور ذوات الأرواح) . 2- وإن كانت هذه العملات نقودا متداولة، فلا حرج في حملها والتعامل بها، وهي كالدنانير الذهبية التي كان يستعملها المسلمون في القرن الأول قبل أن يكون لهم دينار خاص في عهد عبد الملك بن مروان رحمه الله. وإنما جاز ذلك لمكان الحاجة. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (وأما استصحاب الرجل ما ابتلي به المسلمون اليوم من الدراهم التي عليها صور الملوك والرؤساء فهذا أمر قديم، وقد تكلم عليه أهل العلم، ولقد كان الناس هنا يحملون الجنيه الفرنجي وفيه صورة فرس وفارس، ويحملون الريال الفرنسي وفيه صورة رأس ورقبة طير. والذي نرى في هذا أنه لا إثم على من استصحبه لدعاء الحاجة إلى حمله؛ إذ الإنسان لا بد له من حمل شيء من الدراهم في جيبه، ومنع الناس من ذلك فيه حرج وتعسير، وقد قال الله تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) وقال: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا ". رواه البخاري. وقال لمعاذ بن جبل وأبي موسى عند بعثهما إلى اليمن: " يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا ". وقال للناس حين زجروا الأعرابي الذي بال في المسجد: " دعوه فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين " رواهما البخاري أيضا. فإذا حمل الرجل الدراهم التي فيها صورة، أو التابعية، أو الرخصة وهو محتاج إليها أو يخشى الحاجة فلا حرج في ذلك ولا إثم إن شاء الله تعالى، إذا كان الله تعالى يعلم أنه كاره لهذا التصوير وإقراره وأنه لولا الحاجة إليه ما حمله) انتهى من مجموع فتاوى الشيخ 2/280. وسئلت اللجنة الدائمة السؤال التالي: هناك أمور تقلقني كثيراً ومنها مسألة الصور التي على النقود فقد ابتلينا بها ودخلت المساجد في جيوبنا فهل دخولها إلى المساجد مما يسبب هرب الملائكة عنها فيحرم إدخالها؟ وهل تعتبر من الأشياء الممتهنة؟ ولا تمنع الصور الممتهنة دخول الملائكة إلى البيوت. فأجابت اللجنة: صور النقود لستَ متسبباً فيها وأنت مضطرٌ إلى تملكها وحفظها في بيتك أو حملها معك للانتفاع بها بيعاً وشراءً وهبة وصدقة وتسديد دين ونحو ذلك من المصالح المشروعة فلا حرج عليك، وليست ممتهنة بل مصونة تبعاً لصيانة ما هي فيه من النقد وإنما ارتفع الحرج عنك من أجل الضرورة. انتهى من فتاوى اللجنة الدائمة 1/485. أما إن كان المقصود شراء العملات الذهبية بالنقود فلا حرج في ذلك إذا كان يدا بيد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل سواء بسواء يدا بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد " رواه مسلم (1587) من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه. والنقود الحالية جنس قائم بنفسه، له ما للذهب والفضة من الأحكام، فإذا اشتريت بها ذهبا أو فضة وجب التقابض في الحال لقوله صلى الله عليه وسلم: " فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد ". والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 22390 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5407 حكم بيع مجلات فيها دعاية محرمة وصور شبه عارية [السُّؤَالُ] ـ[رجاء، هل تستطيع أن تخبرني هل يجوز لي أن أشتري متجر/تجارة معينة، إما محطة بنزين/بترول أو دكان/بقالة بحيث أكون مجبورا لبيع السجائر، مجلات الكفار التي يكون فيها صور فتيات شبه عاريات، دعايات كحول، أسهم محرمة، إضافة إلى أشياء أخرى محرمة. وماذا عن مجرد العمل في مثل هذا المتجر، هل دخلي/مرتبي حلال أم حرام. إذا كان حراما، ما الذي بإمكاني فعله ليكون دخلي حلالا. إذا توقفت عن بيع السجائر والمجلات التي ذكرت، هل سيصبح دخلي حلالا؟ وإذا كنت أبيع بنزين/بترول علي أن أضيف ضرائبا لأن هذا قانون البلد التي أسكن فيها.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز بيع المحرم كالسجائر والمجلات الخليعة والداعية إلى الرذيلة، ولو كانت صادرة عن مسلمين، لأن الله سبحانه إذا حرم شيئا حرم ثمنه، ولا يجوز العمل في مثل هذه المجلات لأنه من التعاون على الإثم والعدوان والدخل في هذه الحالة حرام، وعلى الإنسان أن يتقي الله سبحانه في مطعمه ومشربه وجميع نفقاته، وبيع البنزين مباح لا شيء فيه، والضرائب إذا كانت إجبارية فالمكره معفو عنه. [الْمَصْدَرُ] الشيخ: عبد الكريم الخضير. الحديث: 22404 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5408 بيع الوفاء [السُّؤَالُ] ـ[ما هو بيع الوفاء وما حكمه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله بيع الوفاء وحقيقته: بيع المال بشرط أن البائع متى رد الثمن يرد المشتري إليه المبيع. وقرر ما يلي: أولاً: إن حقيقة هذا البيع (قرض جر نفعاً) فهو تحايل على الربا وبعدم صحته قال جمهور العلماء. ثانياً: إن هذا العقد غير جائز شرعاً. [الْمَصْدَرُ] مجمع الفقه الإسلامي ص 146 الحديث: 2147 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5409 حكم بيع ريالات الفضة بريالات الورق متفاضلا [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم بيع ريالات الفضة بريالات الورق متفاضلاً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله في هذه المسألة إشكال وقد جزم بعض علماء العصر بجواز ذلك؛ لأن الورق غير الفضة، وقال آخرون بتحريم ذلك، لأن الورق عملة دارجة بين الناس وقد أقيمت مقام الفضة فألحقت بها في الحكم، أما أنا فإلى حين التاريخ لم يطمئن قلبي إلى واحد من القولين وأرى أن الأحوط ترك ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) وقوله عليه الصلاة والسلام: (من اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه) وقال عليه الصلاة والسلام: (البر حسن الخلق والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس) وعليه فالأحوط في مثل هذا أن يبيع الفضة بجنس آخر كالذهب أو غيره ثم يشتري بذلك الورق، وإن كان الذي بيده الورق يريد الفضة باع الورق بذهب أو غيره ثم اشترى بذلك الفضة المطلوبة. [الْمَصْدَرُ] مجموع فتاوى ومقالات للشيخ ابن باز 6 / 400 الحديث: 13724 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5410 بيع تذاكر البيرة واليانصيب [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز بيع تذاكر البيرة واليانصيب؟ ماذا يقول الإسلام عن هذا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله البيرة خمر، واليانصيب ميسر وقمار، وكلاهما حرمه الله تعالى لقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) المائدة / 90 – 91 وقد سبق بيان حكم اليانصيب في سؤال رقم 6476. وعلى هذا فلا يجوز بيع تذاكر البيرة واليانصيب؛ لأن هذا من التعاون على الإثم والعدوان، قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة / 2. فالواجب ترك هذا العمل فورا، وليعلم المؤمن أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، فإذا توكل الإنسان على ربه يسر له أسباب الرزق؛ كما قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً - وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق /2- 3. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 22907 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5411 هيئة خيرية تريد إصدار بطاقات تخفيض [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز تنفيذ الفكرة الاستثمارية التالية: وهي أن تقوم هيئة خيرية بإصدار بطاقات معينة يمكن لحاملها الحصول على خصومات خاصة 15%، 20%، أو أكثر من المحلات التجارية المختلفة بموجب اتفاقيات تبرمها الهيئة الخيرية مع أصحاب هذه المحلات، على أن تتقاضى الهيئة رسوم معينة من المستفيدين من هذه البطاقة وذلك مقابل ما ستتكلفه الهيئة من توظيف موظفين ومندوبين لإجراء الاتصالات وعقد الإتفاقات مع التجار والمحلات التجارية بالإضافة إلى شراء الآلات التي ستصدر البطاقات وقيمة البطاقات نفسها، أجور مكاتب وموظفين لاستقبال المستفيدين من هذه البطاقة، أجور الإعلانات عن هذه البطاقة وغيرها من التكاليف ... إلخ.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن إصدار هذه البطاقة لا يجوز حسب ما وصفتم وذلك أن ما يدفعه المستفيد من تلك الرسوم قد يضر بالكثير الذين تقل حاجتهم إلى شراء تلك الحاجات من المحلات التجارية فقد تبدو له حاجة صغيرة ويشق عليه الذهاب إلى تلك المحلات المخصصة فيمضي عليه العام وهو لم يستفد من هذه البطاقة ولا يرد إليه ما دفعه من الرسوم السنوية ويكون ذلك شبيهاً بعمل شركات التأمين التجاري وأيضاً فإن فيه ضرراً على بقية المحلات التجارية التي لم تتفق معكم حيث يعرض الناس أو أكثرهم عن التعامل معهم ويجتمعون على الشراء من المحلات التي اتفقتم معها بإحالة أهل البطاقات إليها والضرر محرم بالمسلم فلهذا نمنع من مثل هذه البطاقات التي تعملها بعض الشركات وتحيل على المحلات الخاصة التي تحسم من الثمن جزء عن الحامل لهذه البطاقة وقد اتضح أن هذا الحسم غير صحيح فإنهم يرفعون الأسعار ثم يوهمون صاحب البطاقة أنهم حسموا له ثمن غيره وإنما الذي حسموه هو الزيادة التي رفعوا بها بالسعر عن سائر المحلات والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] من كتاب الفتاوى الجبرينية لفضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين ص 23. الحديث: 10541 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5412 بيع أشياء قد تستعمل استعمالاً محرماً [السُّؤَالُ] ـ[والدتي لديها محل لبيع وتركيب راديو ومسجلات وتلفزيونات وأجهزة إنذار في السيارات وتظليل ورسوم على النوافذ وسماعات كبيرة ومكبرات ومقويات للصوت، هل هذا النوع من العمل حلال؟ نحن نعيش في أمريكا وغالبية الزبائن من المراهقين ليجعلوا سياراتهم تبدو جميلة ويرفعوا صوت الموسيقى.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا علموا أن هذه التجارة ستعين هؤلاء المشترين على الميوعة والتخنث واستعمالها في سماع الغناء والموسيقى فلا يجوز بيعها عليهم. وأما إذا كانت يمكن أن تستعمل في المباحات ولم يعلموا أن المشتري سيستعملها في الحرام فلا مانع من بيعها والمتاجرة بها. فإذا رأى من عليه علامات الاعتدال وسمت الاحترام باع عليه، وإذا جاءه الزبون وعليه علامات الميوعة والفساد والفسوق صرفه. [الْمَصْدَرُ] فضيلة الشيخ ابن جبرين الحديث: 21649 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5413 تصميم موقع يبيع المحرم [السُّؤَالُ] ـ[أنا مصمم صفحات على الإنترنت، ومؤخراً صممت صفحة لزبون يبيع الأقراص الصلبة CD's، ويملك هذا الزبون محل لبيع أشرطة الأغاني في أمريكا، أعطيته تعليمات تشغيل موقعه وطريقة الدعاية له. هل يجوز تصميم مثل هذا الموقع ومساعدة صاحبه لتجهيزه ونشره على الإنترنت؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله القاعدة الشرعية أن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه، والغناء والموسيقى محرم، ولا يجوز لما روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحرى والحرير والخمر والمعازف) . والأدلة على تحريم الغناء تقدم بسطها في غير هذا الموضع انظر سؤال رقم (5011) و (5000) . فإذا تبين لك يا أخي أن هذه الأشياء محرمة فلا يجوز الإعانة على المحرمات لقول الله سبحانه وتعالى: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) ؛ وعليك بتحري الحلال الطيب، واجتناب العمل المحرم أو المساعدة على ما حرم الله، لقول النبي عليه الصلاة والسلام (إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) المؤمنون / 51، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) البقرة / 172. الشيخ د /خالد بن علي المشيقح فننصحك بترك العمل مع أصحاب هذه المواقع، لأن المال الذي يأتيك من إنشاء المواقع المحرمة يعتبر مالاً محرماً، وهو من السحت، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به) رواه الترمذي 558، وصححه الألباني في صحيح الترمذي (501) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 22756 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5414 الاتجّار في الكحول ولوازم أعياد النصارى والواقي الذكري والمعاجين [السُّؤَالُ] ـ[أقمت مشروعا للبيع بالتجزئة. وأنا في أوقات العطل الدينية أبيع سلعا من قبيل: أغراض الزينة الخاصة بالكريسماس، ويوم الأم، وعيد الفصح، و"الهالووين" … الخ، فهل يحرم ذلك؟ كنت أملك محلا تجاريا (سوبر ماركت) ثم بعته، ولم أرغب في الرجوع إلى ذلك العمل مرة أخرى لأني كنت أبيع البيرة ولحم الخنزير.. كما أني أرجو منك يا أخي ألا تمانع أن أسرد بعض الأغراض التي أبيعها، وأرجو أن تخبرني عن حكم بيعها، وهي: الواقي (الذكري) ، وبعض الأشكال (الصور) المصنوعة من السيراميك، والسجائر، واليانصيب، وبعض أنواع العلاج التي تحتوي على الكحول، أو حبوب "الجل"، والحلوى التي قد تحوي أمورا محرمة وقد لا يكون فيها شيء من ذلك، ومعجون الأسنان. بعض هذه السلع يحرم علينا – نحن المسلمين – استعماله، لكن هل يجوز لي بيع تلك السلع للكفار حيث إنهم زبائني الوحيدون؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فقد أحسنت في ترك بيع ما حرم الله من البيرة ولحم الخنزير، ونسأل الله أن يبارك لك في الرزق الحلال وأن يخلف عليك خيرا. وما سألت عنه تفصيله كالآتي: 1- لا يجوز للمسلم أن يشارك في أعياد الكفار كالكريسماس والفصح، ولا أن يبيع ما يستعان به على ذلك، لقول الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) . وكذا الأعياد المبتدعة كعيد الأم، لا يجوز أن يباع فيها ما يكون عونا على إقامتها والاحتفال بها. 2- الأصل جواز استعمال الواقي الذكري وبيعه، إلا إذا علم البائع أو غلب على ظنه أنه يستعمل لغرض محرم، فلا يجوز حينئذ بيعه. والقاعدة في ذلك – كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله -: (كل لباس يغلب على الظن أنه يستعان به على معصية، فلا يجوز بيعه وخياطته لمن يستعين به على المعصية والظلم) شرح العمدة 4/386. وهذا ليس خاصا باللباس، بل هو عام في كل ما يباع ويشترى. 3- يحرم بيع الدخان واليانصيب، وكل سلعة عُلم اشتمالها على أمر محرم. جاء في فتاوى اللجنة الدائمة 13/55 (لا تحل التجارة في الدخان والجراك، وسائر المحرمات، لأنه من الخبائث، ولما فيه من الضرر البدني والروحي والمالي) . وأما اليانصيب فهو الميسر بعينه. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (هذه الصورة التي ذكرها السائل أن يشتري تذكرة ثم قد يحالفه الحظ كما يقول فيربح ربحا كبيرا، هذه داخلة في الميسر الذي قال الله تعالى فيه (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون. وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين) المائدة/90-92. فهذا الميسر – وهو كل معاملة لا دائرة بين الغرم والغنم – لا يدرى فيها المعامل هل يكون غانما أو يكون غارما، كله محرم بل هو من كبائر الذنوب ولا يخفى على الإنسان قبحه إذا رأى أن الله تعالى قرنه بعبادة الأصنام وبالخمر والأزلام) فتاوى إسلامية 4/441. واعلم أن كل ما حرم تناوله واستعماله فإنه يحرم بيعه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها وإن الله عز وجل إذا حرم أكل شيء حرم ثمنه " رواه أحمد وأبو داود (3026) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 5107 4- لا يجوز تصوير ذوات الأرواح من إنسان أو طير أو حيوان، وكون ذلك على هيئة مجسمة أشد تحريما. وعليه فلايجوز بيع شيء من هذه الصور المصنوعة من السيراميك أو غيره إذا كانت على هذه الصفة، أما إذا كانت الصور لغير ذوات الأرواح كالجبال ونحوها من المناظر الطبيعية فلا بأس بصناعتها وبيعها. جاء في فتاوى اللجنة الدائمة 13/73 (بيع صور ذوات الأرواح وشراؤها محرم لما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام " متفق عليه، ولما قد يسببه ذلك من غلو في أهلها، كما قد وقع ذلك في قوم نوح ... ولغير ذلك من النصوص الكثيرة التي وردت في تحريم التصوير واستعمال صور ذوات الأرواح) . 5- وأما العلاجات التي تحتوي على الكحول فإذا كانت نسبة الكحول فيها كبيرة بحيث يسكر الإنسان إذا شرب من هذا الدواء كمية كبيرة فهذا الدواء خمر يحرم استعماله وبيعه، أما إذا كانت نسبة الكحول قليلة بحيث لا يسكر الإنسان مهما شرب من هذا الدواء فيباح استعماله وبيعه. جاء في فتاوى اللجنة الدائمة حول بيع العطورات المشتملة على الكحول: (إذا كانت نسبة الكحول بالعطور بلغت درجة الإسكار بشرب الكثير من تلك العطور، فالشرب من تلك العطور محرم، والاتجار فيه محرم، وكذا سائر أنواع الانتفاع؛ لأنه خمر، سواء كثر أم قل. وإن لم يبلغ المخلوط من العطور بالكحول درجة الإسكار بشرب الكثير منه جاز استعماله والاتجار فيه لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ما أسكر كثيره فقليله حرام) فتاوى اللجنة الدائمة 13/54 6- ما حرم على المسلم استعماله لم يجز بيعه على مسلم أو كافر؛ لأن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة في قول جمهور العلماء، فيحرم عليهم ما يحرم على المسلمين. فلا يجوز أن يباع لهم شيء من الخمر أو الخنزير، ولا غيرهما مما ثبتت حرمته في ديننا، ولو فرض إباحته في شريعتهم؛ لأن شريعة الإسلام ناسخة ومهيمنة على تقدمها من الشرائع. جاء في فتاوى اللجنة الدائمة 13/49 س: هل تجوز المتاجرة في الخمور والخنازير إذا كان لا يبيعها لمسلم؟ ج: لا يجوز المتاجرة فيما حرم الله من الأطعمة وغيرها، كالخمور والخنزير ولو مع الكفرة؛ لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه " (رواه أحمد رقم 2564، صحيح الجامع 5107) ، ولأنه صلى الله عليه وسلم لعن الخمر وشاربها وبائعها ومشتريها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها وعاصرها ومعتصرها (رواه الترمذي برقم 1295 وصحيح الترمذي 1041) . انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 14355 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5415 نسخ الأشرطة والأقراص دون إذن [السُّؤَالُ] ـ[إذا قام شخص بنسخ كتاب أو قرص "سي دي" بدون الحصول على إذن من الكاتب أو الشركة، حتى وإن كان الكاتب أو الشركة غير مسلمَين، فهل يجوز ذلك أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نسخ كتاب أو قرص بغرض المتاجرة ومضارّة صاحبه الأصلي لا يجوز. أما إذا نسخ الإنسان نسخة واحدة لنفسه فنرجو ألا يكون بذلك بأس، وتركه أولى وأحسن. [الْمَصْدَرُ] الشيخ سعد الحميد. الحديث: 21927 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5416 العمل في شركة تبيع الذهب بالدين [السُّؤَالُ] ـ[أعمل في شركة كبيرة لصياغة وتجارة الذهب وطبيعة عملي كمندوب مبيعات، لكن هذه الشركة تقوم ببيع الذهب بالدَّيْن، ولكن تثبيت سعر الذهب عند الدفع (سعر السوق عند الدفع) أي أن الزبون الذي يأخذ 1كيلو من الذهب يكون مدينا بكيلو بالإضافة للأجور، وعندما يدفع إما أن يدفع كيلو ذهب سبائك بالإضافة للأجور أو نقدا سعر الكيلو وقت الدفع + الأجور، كما أننا نبيع الذهب المصاغ وهو يحتوي على أحجار الزركون بسعر الذهب، علما أنه ظاهر للعيان ويعرف الزبون بهذا الأمر , فما حكم البيع وما حكم عملي في هذه الشركة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: نسأل الله تعالى أن يبارك لك في مالك، وأن يجزيك خيرا على سؤالك وتحريك للرزق الحلال. ثانيا: اشتمل سؤالك على أربع مسائل: المسألة الأولى: بيع الذهب مؤجلا أو بالدين، وصورتها كما ذكرت، أن يأخذ الزبون الذهب، ثم يدفع بعد ذلك ذهبا مثله، أو نقودا، أو ذهبا ونقودا، وكل ذلك لا يجوز؛ لأن من شرط بيع الذهب بالذهب أو بالنقود أن يكون يدا بيد، ولا يجوز تأخير شيء من البدلين عن مجلس العقد، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) رواه مسلم (2970) من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه. فبيع الذهب بالذهب: لا بد فيه من شرطين: التساوي في المقدار، والتقابض في مجلس العقد. وبيع الذهب بالفضة أو بما يقوم مقامها كالنقود، لا بد فيه من شرط وهو التقابض في مجلس العقد، وأما تأخير السداد عن المجلس فربا نسيئة محرم، وقد يكون ربا فضل أيضا إذا كان سيدفع ذهبا أكثر، أو ذهبا مساويا مع نقود زائدة. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة: إذا باع إنسان مصاغا من الذهب لآخر، وليس مع المشتري بعض القيمة أو كل القيمة، ولا بعد أيام أو شهر أو شهرين فهل هذا جائز أو لا؟ فأجابوا: " إذا كان الثمن الذي اشترى به مصاغ الذهب ذهبا أو فضة أو ما يقوم مقامهما من الأوراق النقدية أو مستنداتها لم يجز، بل هو حرام؛ لما فيه من ربا النسأ. وإن كان الشراء بعروض كقماش أو طعام أو نحوهما جاز تأخير الثمن " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/466) . وانظر السؤال رقم (22869) ، ورقم (65919) لمزيد الفائدة. المسألة الثانية: وأما بيع الذهب بذهب مع دفع أجرة للتصنيع فهذا حرام، والواجب في بيع الذهب بالذهب التقابض في مجلس العقد، والتماثل في الوزن، بقطع النظر عن صناعة كل صنف. وانظر جواب السؤال (74994) . المسألة الثالثة: بيع الذهب المحتوي على أحجار الزركون بسعر الذهب: وهذا فيه تفصيل: فإن كان يباع بفضة أو بنقود ورقية، فلا حرج في ذلك، ما دام أنه ظاهر للعيان والمشتري يعلم ذلك، كما ذكرت. وإن كان يباع بذهب، فلابد من فصل الفصوص حتى يعلم قدر الذهب الذي فيه، ويتحقق من مساواة الذهب للذهب. وانظر جواب السؤال رقم (36762) المسألة الرابعة: حكم العمل في هذه الشركة: وهو مبني على ما سبق، فحيث كانت الشركة تتعامل بالربا ولا تتقيد بأحكام الشرع، فلا يجوز العمل فيها، لما في ذلك من ارتكاب الحرام أو الإعانة عليه. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم العمل عند أصحاب محلات الذهب الذين يتعاملون بمعاملات غير مشروعة سواء كانت ربوية أو حيلا محرمة أو غشا أو غير ذلك من المعاملات التي لا تشرع؟ فأجاب: " العمل عند هؤلاء الذين يتعاملون بالربا أو الغش أو نحو ذلك من الأشياء المحرمة، محرم لقول الله تعالى: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2، ولقوله: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) النساء/140. ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ) والعامل عندهم لم يغير لا بيده ولا بلسانه ولا بقلبه، فيكون عاصيا للرسول صلى الله عليه وسلم ". انتهى من "فقه وفتاوى البيوع" (ص 392) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 72404 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5417 هل يجوز له بيع الكتب السياسية والروايات المسرحية؟ [السُّؤَالُ] ـ[يوجد عندي العديد من الكتب غير الدينية، وهي تشتمل على كتب سياسية , اقتصادية , تاريخية , والعديد من الروايات والمسرحيات العربية والعالمية،هل يجوز بيع هذه الكتب والاستفادة من ثمنها في شراء كتب دينية أو في أعمال الخير والصدقة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأصل في البيوع الحل والجواز لقوله تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) البقرة/275، قال الجصاص: وهو عام في إباحة سائر البيوع. " أحكام القرآن " (2 / 189) . هذا من حيث الأصل، أما إن كان المبيع – أي: السلعة - محرمة أو أنها تستخدم غالبا في الحرام: فلا يجوز تداولها بيعاً وشراء، وبناء عليه: فإن هذه الكتب المذكورة في سؤالك لا تخلو من حالين: إما أن تكون كتباً نافعة مفيدة لقارئها ولو في غير علوم الدين كالتاريخ والسياسة والفيزياء والحاسوب ونحوها ولا تحتوي - بحسب علمك - على محرمات من كذب، وإشاعة فاحشة، وتلبيس على الناس: فهذه على الأصل المذكور، وهو إباحة البيع وجوازه شرعاً، وإذا جاز البيع: حلَّ لك استخدام المال الناتج عنه بحسب مصلحتك الدينية والدنيوية. وأما إذا كانت هذه الكتب محرَّمة في نفسها أو ضارة لقارئها بحيث تشتمل على كذب، وتزوير للواقع وللثوابت الدينية والشرعية، وإفساد للأخلاق والدين والعقيدة، وتغيير لمعاني الحياء عند المرأة ومعاني الرجولة عند الرجال - كما هو الحال في الكثير من الروايات والمسرحيات العربية منها والأجنبية -: فهذا النوع من الكتب يحرم بيعه، بل يجب إتلافه ولا يحل الاستفادة من ثمنه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله إذا حرَّم على قومٍ شيئاً حرَّم ثمنه) رواه أحمد (2956) وصححه الألباني في " غاية المرام " (318) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 70458 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5418 حكم بطاقات " كاش يو " [السُّؤَالُ] ـ[ظهر في الآونة الأخيرة بطاقات للشراء عن طريق الإنترنت مدفوعة مسبقا وتسمى " كاش يو " , وطريقتها كالتالي: 1. تشتري أولا بطاقة تأسيس ب 55 ريال لفتح حساب. 2. بعدها تستطيع شراء بطاقات مختلفة الأسعار وذلك لتعبئة حسابك، فمثلا هناك بطاقات بـ 10 دولار تشتريها بـ 42 ريال، وهناك بطاقات بـ 30 و 50 دولار إلى 300 دولار. 3. مدة صلاحية البطاقة سنة، وبعدها لا تستطيع استخدام البطاقة حتى لو بقي بها مبلغ من المال إلا إذا دفعت رسم التجديد ومقداره 10 دولار. ولمزيد من المعلومات يمكن الرجوع إلى موقع الشركة على الإنترنت www.cashu.com أفتونا في هذا الأمر، وجزاكم الله خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الذي يظهر لنا في هذه البطاقات هو جواز شرائها والشراء بها، بشرط أن لا يُشترى بها ما يشترط فيه التقابض كشراء العملات المختلفة وشراء الذهب والفضة؛ فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن شراء الذهب والفضة إلا يداً بيدٍ، والأوراق المالية لها حكم الذهب والفضة في التقابض. فعن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثلٍ، سواءً بسواء، يداً بيدٍ، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيدٍ ". رواه مسلم (1587) . وفي قرار للمجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي: "أ. لا يجوز بيع الورق النقدي بعضه ببعض أو بغيره من الأجناس النقدية الأخرى من ذهب أو فضة أو غيرهما نسيئة مطلقا، فلا يجوز مثلا بيع ريال سعودي بعملة أخرى متفاضلا نسيئة بدون تقابض. ب. لا يجوز بيع الجنس الواحد من العملة الورقية بعضه ببعض متفاضلا سواء أكان ذلك نسيئة أم يداً بيدٍ، فلا يجوز مثلا بيع عشرة ريالات سعودية ورقا بأحد عشر ريالا سعوديا ورقا نسيئة أو يدا بيد. ج. يجوز بيع بعضه ببعض من غير جنسه مطلقا إذا كان ذلك يدا بيد، فيجوز بيع الليرة السورية أو اللبنانية بريال سعودي ورقا كان أو فضة أو أقل من ذلك أو أكثر، وبيع الدولار الأمريكي بثلاثة ريالات سعودية أو أقل من ذلك أو أكثر إذا كان ذلك يدا بيد، ومثل ذلك في الجواز بيع الريال السعودي الفضة بثلاثة ريالات سعودية ورق أو أقل من ذلك أو أكثر يدا بيد، لأن ذلك يعتبر بيع جنس بغير جنسه، ولا أثر لمجرد الاشتراك في الاسم مع الاختلاف في الحقيقة" انتهى. " مجلس المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي " (فتوى رقم 59) . ثانياً: انتهاء مدة البطاقة دون استعمالها لا يجعلها غير مباحة؛ لأن التفريط وقع من صاحبها فهو بمنزلة استئجار سيارة أو شقة وعدم استعمالهما في المدة المستأجرة. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 70279 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5419 حكم بيع القطط [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم بيع وشراء القطط؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ذهب أكثر العلماء إلى جواز بيع القط، وذهب بعض أهل العلم إلى تحريمه وهم الظاهرية ورواية عن الإمام أحمد رحمه الله، وحكاه ابن المنذر عن أبي هريرة رضي الله عنه. والقول بتحريم بيعه هو الراجح، لثبوت النهي عن بيعه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وليس له ما يعارضه. روى مسلم (1569) عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ: سَأَلْتُ جَابِرًا عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ قَالَ: زَجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ. وروى أبو داود (3479) والترمذي (1279) عَنْ جَابِرٍ بن عبد الله رضي الله عنهما قَالَ: (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ) صححه الألباني في صحيح أبي داود. و (السِّنَّوْرِ) هو الهر (القط) . وقد ذهب بعض أهل العلم إلى تضعيف هذه الأحاديث، ولكن قولهم مردود. قال النووي في المجموع (9/269) : " وأما ما ذكره الخطابي وابن المنذر أن الحديث ضعيف فغلط منهما، لأن الحديث في صحيح مسلم بإسناد صحيح " انتهى. وقال الشوكاني في "نيل الأوطار" (6/227) رداً على الجمهور الذين حملوا النهي في الحديث على كراهة التنزيه، وأن بيعه ليس من مكارم الأخلاق والمروءات، فقال: " ولا يخفى أن هذا إخراج للنهي عن معناه الحقيقي بلا مقتضٍِ " انتهى. وقال البيهقي في السنن (6/18) رداً على الجمهور أيضاً: " وقد حمله بعض أهل العلم على الهر إذا توحش فلم يقدر على تسليمه، ومنهم من زعم أن ذلك كان في ابتداء الإسلام حين كان محكوماً بنجاسته، ثم حين صار محكوماً بطهارة سؤره حل ثمنه، وليس على واحد من هذين القولين دلالة بينة " انتهى. وجزم ابن القيم بتحريم بيعه في "زاد المعاد" (5/773) وقال: " وكذلك أفتى أبو هريرة رضي الله عنه وهو مذهب طاووس ومجاهد وجابر بن زيد وجميع أهل الظاهر، وإحدى الروايتين عن أحمد، وهو الصواب لصحة الحديث بذلك، وعدم ما يعارضه فوجب القول به " انتهى. وقال ابن المنذر: " إن ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن بيعه فبيعه باطل، وإلا فجائز" انتهى من "المجموع" (9/269) . وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عنه كما سبق في صحيح مسلم. وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/37) : " لا يجوز بيع القطط والقردة والكلاب وغيرها من كل ذي ناب من السباع لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، وزجر عنه ولما في ذلك من إضاعة المال، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وحواب الحديث: 69770 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5420 تحريم بيع الكلب [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم بيع الكلاب وشرائها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: سبق في جواب السؤال (69777) بيان تحريم اقتناء الكلاب، وأن من اقتنى كلبا نقص من أجره كل يوم قيراطان، إلا كلب الصيد وحراسة الماشية وحراسة الزرع، فإنه يجوز اقتناؤها. ثانياً: وأما بيع الكلاب، فبيعها حرام، ولو كان الكلب مما يجوز اقتناؤه. وقد وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة في النهي عن بيع الكلاب، وهي بعمومها تشمل جميع الكلاب، ما يجوز اقتناؤه، وما لا يجوز. فمن هذه الأحاديث: 1- روى البخاري (1944) عن أَبِي جُحَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ. 2- وروى البخاري (2083) ومسلم (2930) عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ. 3- وروى أبو داود (3021) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَإِنْ جَاءَ يَطْلُبُ ثَمَنَ الْكَلْبِ فَامْلأْ كَفَّهُ تُرَابًا) قال الحافظ: إسناده صحيح. وصححه الألباني في صحيح أبي داود. 4- وروى أبو داود (3023) عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا يَحِلُّ ثَمَنُ الْكَلْبِ، وَلا حُلْوَانُ الْكَاهِنِ، وَلا مَهْرُ الْبَغِيِّ) قال الحافظ: إسناده حسن. وصححه الألباني في صحيح أبي داود. قال النووي في "شرح مسلم": " وَأَمَّا النَّهْي عَنْ ثَمَن الْكَلْب وَكَوْنه مِنْ شَرّ الْكَسْب وَكَوْنه خَبِيثًا فَيَدُلّ عَلَى تَحْرِيم بَيْعه , وَأَنَّهُ لا يَصِحّ بَيْعه , وَلا يَحِلّ ثَمَنه , وَلا قِيمَة عَلَى مُتْلِفه سَوَاء كَانَ مُعَلَّمًا أَمْ لا , وَسَوَاء كَانَ مِمَّا يَجُوز اِقْتِنَاؤُهُ أَمْ لا , وَبِهَذَا قَالَ جَمَاهِير الْعُلَمَاء مِنْهُمْ أَبُو هُرَيْرَة وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ وَرَبِيعَة وَالأَوْزَاعِيّ وَالْحَكَم وَحَمَّاد وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَدَاوُد وَابْن الْمُنْذِر وَغَيْرهمْ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: يَصِحّ بَيْع الْكِلاب الَّتِي فِيهَا مَنْفَعَة , وَتَجِب الْقِيمَة عَلَى مُتْلِفهَا. وَحَكَى اِبْن الْمُنْذِر عَنْ جَابِر وَعَطَاء وَالنَّخَعِيّ جَوَاز بَيْع كَلْب الصَّيْد دُون غَيْره. . . ودَلِيل الْجُمْهُور هَذِهِ الأَحَادِيث " انتهى. وقال الحافظ: " ظَاهِر النَّهْي تَحْرِيم بَيْعه , وَهُوَ عَامّ فِي كُلّ كَلْب مُعَلَّمًا كَانَ أَوْ غَيْره مِمَّا يَجُوز اِقْتِنَاؤُهُ أَوْ لا يَجُوز , وَمِنْ لازِم ذَلِكَ أَنْ لا قِيمَة عَلَى مُتْلِفه , وَبِذَلِكَ قَالَ الْجُمْهُور " انتهى. وقال ابن قدامة في "المغني": " لا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِي أَنَّ بَيْعَ الْكَلْبِ بَاطِلٌ , أَيَّ كَلْبٍ كَانَ " انتهى. وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/36) : " لا يجوز بيع الكلاب، ولا يحل ثمنها، سواء كانت كلاب حراسة أو صيد أو غير ذلك، لما روى أبو مسعود عقبة بن عمرو رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن) متفق على صحته " انتهى. وقال الشيخ ابن باز: "بيع الكلب باطل" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (19/39) . وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (8/90) : " لا يجوز بيع الكلب، حتى لو باعه للصيد، فإنه لا يجوز " انتهى بتصرف. ثانياً: استدل من أجاز بيع كلب الصيد بما رواه النسائي (4589) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ إِلا كَلْبِ صَيْدٍ) . وهذا الاستثناء في الحديث: (إِلا كَلْبِ صَيْدٍ) ضعيف. َالَ النسائي بعد روايته للحديث: هَذَا مُنْكَرٌ. وقال السندي في "حاشية النسائي": ضعيف باتفاق المحدثين. وقال النووي في "شرح مسلم": " وَأَمَّا الأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي النَّهْي عَنْ ثَمَن الْكَلْب إِلا كَلْب صَيْد , وَأَنَّ عُثْمَان غَرَّمَ إِنْسَانًا ثَمَن كَلْب قَتَلَهُ عِشْرِينَ بَعِيرًا , وَعَنْ اِبْن عَمْرو بْن الْعَاصِ التَّغْرِيم فِي إِتْلافه فَكُلّهَا ضَعِيفَة بِاتِّفَاقِ أَئِمَّة الْحَدِيث " انتهى. ثالثاً: إذا احتاج إلى الكلب للصيد أو الحراسة ولم يجد أحداً يعطيه إياه إلا بالبيع، جاز له أن يشتريه، ويكون الإثم على البائع، لأنه باع ما لا يجوز له بيعه. قال ابن حزم في "المحلى" (7/493) : " وَلا يَحِلُّ بَيْعُ كَلْبٍ أَصْلا , لا كَلْبَ صَيْدٍ وَلا كَلْبَ مَاشِيَةٍ , وَلا غَيْرَهُمَا , فَإِنْ اضْطُرَّ إلَيْهِ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُعْطِيه إيَّاهُ فَلَهُ ابْتِيَاعُهُ , وَهُوَ حَلالٌ لِلْمُشْتَرِي حَرَامٌ عَلَى الْبَائِعِ، يَنْتَزِعُ مِنْهُ الثَّمَنَ مَتَى قَدَرَ عَلَيْهِ , كَالرِّشْوَةِ فِي دَفْعِ الظُّلْمِ , وَفِدَاءِ الأَسِيرِ , وَمُصَانَعَةِ الظَّالِمِ وَلا فَرْقَ " انتهى. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69818 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5421 يستورد بضاعة ويبيعها قبل وصولها [السُّؤَالُ] ـ[أستورد بضاعة للتجارة فيها، ثم أبيعها قبل أن تصل وأستلمها، فما حكم ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله بيع السلع قبل أن تصل لا يجوز، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم. فلا بد أولاً من حيازتها، ثم بعد ذلك يبيعها، أما أن يبيعها وهي في بلد آخر، ولا يدري هل تصل سليمة أو غير سليمة، فإن هذا لا يجوز. فإن قال قائل: المشتري ملتزم بما تكون عليه السلع سواء نقصت أو لم تنقص، قلنا: ولو رضي بذلك، لأنه قد يرضى بهذا عند العقد طمعاً في الربح، ثم إذا حصل ندم وتأسف، وربما يحصل بينه وبين البائع نزاع، والشرع – ولله الحمد – قد سدَّ كل باب يؤدي إلى الندم وإلى النزاع والخصومة. وكذلك أيضاً لو تلفت قد يحصل نزاع بين الطرفين. فالمهم أنه لا يجوز بيع السلع حتى تصل إلى مقرها عند البائع، ثم يتصرف فيها. [الْمَصْدَرُ] فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. لقاءات الباب المفتوح (3/183) . الحديث: 69833 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5422 حكم بيع أدوات التجميل [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم بيع العطور، أو الاكسسوارات، أو أدوات التجميل، أو الملابس للنساء اللواتي قد يستخدمنها عند الخروج من البيت ويرى الرجال هذه الأشياء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله حكم بيع هذه الأمور فيه تفصيل: أ- إذا بعت هذه الأشياء على من تعلم أنه يستعملها في التبرج المحرم فلا يجوز. ب- إذا بعتها على من تعلم أنه يستعملها في التزين المباح فيجوز. ج- أما إذا لم تعلم عن حال المشتري شيئاً فيجوز بيعها له. سئلت اللجنة الدائمة: ما حكم الاتجار في زينة النساء، وبيعها لمن يعلم البائع أنها سترتديه متبرجةً به للأجانب في الشوارع، كما يرى من حالها أمامه، وكما عمت به البلوى في بعض الأمصار؟ فأجابت: " لا يجوز بيعها إذا علم التاجر أن من يشتريها سيستعملها فيما حرم الله؛ لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان، إما إذا علم أن المشترية ستتزين به لزوجها، أو لم يعلم شيئًا فيجوز له الاتجار فيها " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/67) . انظر سؤال رقم (3149) (34587) (34674) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 67745 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5423 يشتري الذهب بالهاتف ثم يُرسل له [السُّؤَالُ] ـ[يشتري صاحب المحل الذهب من تجار الجملة بواسطة التليفون، فيتفقون على السعر وتكون البضاعة معروضة لدى المشتري ثم يحول له الثمن عن طريق البنك، ويقوم التاجر بإرسال الذهب إليه، فهل يجوز ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله بيع الذهب بالأوراق النقدية يشترط فيه التقابض، أي يقبض المشتري الذهب، ويقبض البائع الثمن في مجلس العقد، ولا يحل لهما التفرق قبل التقابض. راجع السؤال (22869) ، وعلى هذا فلا يجوز شراء الذهب بهذه الطريقة. وقد سئلت اللجنة الدائمة عن مثل ذلك فأجابت: " هذا العقد لا يجوز لتأخير قبض العوضين عنه، الثَّمَن والمُثْمَن، وهما معاً من الذهب أو أحدهما من الذهب والآخر من الفضة، أو ما يقوم مقامهما من الورق النقدي، وذلك يسمى بربا النَّساء، وهو محرم، وإنما يُستأنف البيع عند حضور الثمن بما يتفقان عليه من الثمن وقت العقد يداً بيد " اهـ فتاوى اللجنة الدائمة (13/475) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65919 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5424 حكم بيع واقتناء الحيوانات المحنطة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز بيع وشراء واقتناء الحيوانات المحنطة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نهى الله تعالى ورسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن إضاعة المال، روى البخاري (5975) ومسلم (593) عن الْمُغِيرَة بن شعبة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ نَهَى عَنْ ثَلاثٍ: قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ. وسوف يُسأل كل إنسان يوم القيامة عن ماله: من أين اكتسبه، وفيم أنفقه؟ رواه الترمذي (2417) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. ثانياً: على المسلم الذي رزقه الله تعالى فضل مال أن يشكر ربه على هذه النعمة، ويقدم هذا المال لآخرته، وذلك بإنفاقه في وجوه البر المتنوعة. ومن أعظم ذلك: مساعدة إخوانه المسلمين، وسد حاجتهم وضرورتهم. وذلك هو مقتضى الإخوة الإيمانية، قال الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) الحجرات/10. وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ) رواه البخاري ومسلم. ولا يخفى ما يعني به كثير من المسلمين من المجاعات والأمراض في أماكن كثيرة من العالم. ثالثاً: سئل الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - عن حكم اقتناء الحيوانات والطيور المحنطة وما حكم بيع ما ذكر وهل هناك فرق بين ما يحرم اقتناؤه حيا وما يجوز اقتناؤه حيا في حالة التحنيط؟ فأجاب: " اقتناء الطيور والحيوانات المحنطة سواء ما يحرم اقتناؤه حيا أو ما جاز اقتناؤه حيا - فيه إضاعة للمال وإسراف وتبذير في نفقات التحنيط، وقد نهى الله عن الإسراف والتبذير، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال، ولأن ذلك وسيلة إلى تصوير الطيور وغيرها من ذوات الأرواح، وتعليقها ونصبها في البيوت والمكاتب وغيرها وذلك محرم فلا يجوز بيعها ولا اقتناؤها" اهـ. "مجموع فتاوى ابن باز" (5/377) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 11502 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5425 حكم بيع النظارات والساعات والأواني المطلية بالذهب [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم بيع الساعات والنظارات الرجالية إذا كانت مطلية بالذهب الحقيقي، وكذلك الأواني المنزلية والأدوات الصحية المطلية بالذهب للرجال أو النساء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الأمر كما ذَكرت فلا يجوز بيع الأواني والأدوات الصحية إذا كانت مطلية بالذهب أو الفضة على الرجال والنساء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافهما فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة) متفق على صحته، وقوله صلى الله عليه وسلم: (الذي يأكل في إناء الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم) متفق على صحته واللفظ لمسلم، وبقية الاستعمالات ملحقة بالأكل والشرب، لعموم العلة والمعنى وسداً للذريعة. وهكذا الساعات المطلية والنظارات المطلية بالذهب أو الفضة لا يجوز يبعهما على الرجال وفقنا الله وإياك وأعان الجميع على كل خير. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة (22/156) . الحديث: 21181 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5426 لا يجوز استبدال ذهب قديم بذهب جديد مع إعطاء فرق القيمة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن أستبدل ذهباً قديماً بذهب جديد، وأعطي الفرق بين القيمتين للصائغ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " لا يجوز أن تبدل ذهباً رديئاً بذهب طيّب وتعطي الفرق. هذا محرم ولا يجوز، ويدل لذلك ما ثبت في الصحيحين وغيرهما في قصة بلال رضي الله عنه: جاء إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتمر جيد، فقال له من أين هذا؟ قال بلال: كان عندنا تمر رديء فبعت منه صاعين بصاع ليطعم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أوّه، لا تفعل. عين الربا، عين الربا) رواه البخاري (3212) . فبيّن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن زيادة ما يجب فيه التساوي من أجل اختلاف الوصف أنها هي عين الربا، وأنه لا يجوز للمرء أن يفعله، ولكن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كعادته أرشده إلى الطريق المباح، فأرشده النبي عليه الصلاة والسلام إلى أن يبيع الرديء بدراهم ثم يشتري بالدراهم تمراً جيداً. وعلى هذا فنقول: إذا كان لدى المرأة ذهب رديء، أو ذهب ترك الناس لبسه، فإنها تبيعه بالسوق ثم تأخذ الدراهم وتشتري بها ذهباً طيّباً تختاره، هذه هي الطريقة التي أرشد إليها نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. [الْمَصْدَرُ] فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين، "مجموعة أسئلة تهم الأسرة المسلمة ص (26-27) . الحديث: 12681 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5427 لا يجوز بيع الذهب بنقود إلا إذا استلم الثمن كاملا في المجلس نفسه [السُّؤَالُ] ـ[عندي محل لبيع المجوهرات، ويأتيني بعض أقاربي أو أصدقائي لشراء الذهب، ويطلب مني أن يأخذ الذهب ويأتي بالثمن بعد يوم أو يومين، وأخشى إن قلت له إن هذا حرام أن يؤدي ذلك إلى قطيعة الرحم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز بيع الذهب بالنقود إلا بشرط استلام الذهب والنقود في المجلس نفسه، وهو ما يسميه الفقهاء " التقابض " فيقبض المشتري الذهب، ويقبض البائع الثمن، ولا يجوز بيع الذهب مع عدم التقابض. انظر سؤال رقم (2239) فالواجب عليك أن تبين هذا لمن اشترى منك، والواجب على المسلم السمع والطاعة لما أمر الله به أو رسوله صلى الله عليه وسلم، وأنك لا تفعل هذا لقدحك في أمانته مثلا، بل تفعله اتباعا للشرع، وليكن ذلك منك برفق ولين. سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله: ما حكم إخراج الذهب قبل استلام ثمنه، وإذا كان لقريب يخشى من قطيعة رحمه مع علمي التام أنه سيسدد قيمتها ولو بعد حين؟ فأجاب: (يجب أن تعلم القاعدة العامة بأن بيع الذهب بدراهم لا يجوز أبدا إلا باستلام الثمن كاملا ولا فرق بين القريب والبعيد لأن دين الله لا يُحابى فيه أحد. وإذا غضب عليك القريب بطاعة الله عز وجل فليغضب فإنه هو الظالم الآثم الذي يريد منك أن تقع في معصية الله عز وجل، وأنت في الحقيقة قد بررت (فعلت البر) حين منعته أن يتعامل معك المعاملة المحرمة فإذا غضب أو قاطعك لهذا السبب فهو الآثم وليس عليك من إثمه شيء) (فقه وفتاوى البيوع / جمع وترتيب أشرف عبد المقصود ص389) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 22869 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5428 لا يجوز استبدال الذهب القديم بذهب جديد مع دفع فرق الثمن [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز استبدال الذهب القديم الذي عندي بذهب جديد وأدفع للصائغ فرق الثمن؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز أن تبدل ذهبا رديئاً بذهب طيب وتعطي الفرق. هذا محرم لا يجوز ويدل لذلك ما ثبت في الصحيحين وغيرهما في قصة بلال رضي الله عنه (جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بتمر جيد فقال له من أين هذا؟ قال بلال: كان عندنا تمر رديء فبعت منه صاعين بصاع ليطعم النبي صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوه لا تفعل عين الربا عين الربا) فبين الرسول صلى الله عليه وسلم أن زيادة ما يجب فيه التساوي من أجل اختلاف الوصف أنها عين الربا وأنه لا يجوز للمرء أن يفعله، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم كعادته أرشده إلى الطريق المباح فأرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يبيع الرديء بدراهم ثم يشتري بالدراهم تمرا جيدا وعلى هذا فنقول إذا كان لدى المرأة ذهب رديء أو ذهب ترك الناس لبسه فإنها تبيعه بالسوق ثم تأخذ الدراهم وتشتري بها ذهبا طيبا تختار هذه الطريقة التي أرشد إليها نبينا صلى الله عليه وسلم. [الْمَصْدَرُ] فضيلة الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ (فقه وفتاوى البيوع / جمع وترتيب أشرف عبد المقصود ص386) . الحديث: 49045 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5429 أوصى والدهم بوقف ولم ينفذوه [السُّؤَالُ] ـ[توفي والدي وترك للورثة أملاكاً إلا داراً واحدة حيث أوصى بجعلها وقفاً لله، وصرف إيجارها للفقراء والمحتاجين (كصدقة جارية) . لكن الورثة لم يعملوا بالوصية وباعوا حصصهم للأخ الأصغر، أما أنا الأخ الكبير فلم أبع حصتي خوفاً من الله تعالى، ولكن أخي الصغير يلح كثيراً عليَّ ويريد أن أبيعه حصتي أيضاً، فهل يجوز لي لأتخلص من هذه المشكلة أن أبيع حصتي وأن أدفع مبلغها إلى جهة خيرية أو لبناء مسجد (كصدقة جارية) لوالدي المرحوم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الوصية مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع، قال الله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) البقرة/180. وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ عِنْدَ وَفَاتِكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ زِيَادَةً لَكُمْ فِي أَعْمَالِكُمْ) رواه ابن ماجه (2709) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه. والوقف من أنواع الصدقة الجارية التي ينتفع بها الإنسان بعد موته، كما أخبر بذلك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله: (إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثَةٍ: إِلا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ) رواه مسلم (1631) . ولا تجوز الوصية بأكثر من ثلث المال، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لما أراد أن يوصي بماله كله: (الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ) رواه البخاري (2742) ومسلم (1628) . فإذا كانت هذه الدار ثلث التركة أو أقل فهي كلها وقف، وإن كانت أكثر من الثلث، فالوقف منها ما يعادل ثلث التركة. ثانياً: الوقف لا يجوز بيعه، ولا تملكه والاستيلاء عليه. ولا يجوز للورثة إدخاله في التركة، وتقسيمه مع الميراث. ففي حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لما أراد أن يوقف أرضاً بخيبر قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يُبَاعُ أَصْلُهَا، وَلا يُوهَبُ، وَلا يُورَثُ. . . الحديث) رواه البخاري (2764) ومسلم (1633) . فعلى هذا، لا يجوز لك أن توافق أخيك على بيعها له - بل هذه الدار ليست ملكاً لك حتى تبيعها - وأنت الآن عقبة أمامهم فلا تتنازل، واستمر على الرفض، لعل الله أن يهديهم. وبيع إخوتك لها من قبل لا يصح. وعليك بنصحهم بتقوى الله تعالى، ويعيدوا ثمنها إلى أخيك الأصغر ويجعلوها وقفاً كما أوصى بذلك والدكم. وخوِّفهم من عذاب الله تعالى، وعاقبة أكل المال الحرام، فإن كل جسد نبت من حرام فالنار أولى به. نسأل الله تعالى أن يهديكم ويوفقكم لما فيه خيركم في الدنيا والآخرة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 52724 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5430 يسأل عن بيع اللعب المجسمة، وهل يؤثر في الصيام [السُّؤَالُ] ـ[أعمل في محل لُعب ونبيع الدمى والألعاب التي على شكل البشر، فما حكم ذلك؟ وهل يجوز لي أن أبدأ صيامي فيما بعد بسبب عملي هذا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قد سبق بيان تحريم صنع الصور والتماثيل سؤال رقم 7222، وسبق أيضا بيان تحريم بيعها وشرائها سؤال رقم 49676. لكن إذا كانت هذه الصور والدمى لعبا للأطفال فقد دلت السنة على جوازها؛ ففي الصحيحين من حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: (كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،َ وَكَانَ لِي صَوَاحِبُ يَلْعَبْنَ مَعِي ... الحديث) البخاري 6130، مسلم 2440 قال ابن حجر: وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى جَوَاز اِتِّخَاذ صُوَر الْبَنَات وَاللَّعِب مِنْ أَجْل لَعِب الْبَنَات بِهِنَّ , وَخُصَّ ذَلِكَ مِنْ عُمُوم النَّهْي عَنْ اِتِّخَاذ الصُّوَر , وَبِهِ جَزَمَ عِيَاض وَنَقَلَهُ عَنْ الْجُمْهُور , وَأَنَّهُمْ أَجَازُوا بَيْع اللَّعِب لِلْبَنَاتِ لِتَدْرِيبِهِنَّ مِنْ صِغَرهنَّ عَلَى أَمْر بُيُوتهنَّ وَأَوْلادهنَّ وَقَدْ تَرْجَمَ اِبْن حِبَّان الإِبَاحَةُ لِصِغَارِ النِّسَاء اللَّعِب بِاللَّعَبِ..وفي رِوَايَة جرير عن هشام: " كُنْت أَلْعَب بِالْبَنَاتِ وَهُنَّ اللُّعِب " أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَة وَغَيْره , وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ وَجْه آخَر عَنْ عَائِشَة قَالَتْ: " قَدِمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَة تَبُوك أَوْ خَيْبَر " فَذَكَرَ الْحَدِيث فِي هَتْكه السِّتْر الَّذِي نَصَبَتْهُ عَلَى بَابهَا قَالَتْ: " فَكَشَفَ نَاحِيَة السِّتْر عَلَى بَنَات لِعَائِشَة لُعَب فَقَالَ: مَا هَذَا يَا عَائِشَة , قَالَتْ: بَنَاتِي. قَالَتْ: وَرَأَى فِيهَا فَرَسًا مَرْبُوطًا لَهُ جَنَاحَانِ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قُلْت فَرَس. قَالَ فَرَس لَهُ جَنَاحَانِ؟ قُلْت: أَلَمْ تَسْمَع أَنَّهُ كَانَ لِسُلَيْمَان خَيْل لَهَا أَجْنِحَة؟ فَضَحِكَ " انتهى مختصرا. [والرواية التي ذكرها ابن حجر عند أبي داود برقم 22813، وصححها الألباني في غاية المرام 129] قال الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله: (أما الذي لا يوجد فيه تخطيط كامل، وإنما يوجد فيه شيء من الأعضاء والرأس، ولكن لم تتبين فيه الخلقة، فهذا لاشك في جوازه، وأنه من جنس البنات اللاتي كانت عائشة، رضي الله عنها، تلعب بهن. وأما إذا كان كامل الخلقة، وكأنما تشاهد إنسانا، ولاسيما إن كان له حركة أو صوت، فإن في نفسي من جواز هذه شيئا، لأنه يضاهي خلق الله تماما، والظاهر أن اللعب التي كانت عائشة تلعب بهن ليست على هذا الوصف، فاجتنابها أولى؛ ولكني لا أقطع بالتحريم؛ نظرا لأن الصغار يرخص لهم ما لا يرخص للكبار في مثل هذه الأمور، فإن الصغير مجبول على اللعب والتسلي، وليس مكلفا بشيء من العبادات حتى نقول: إن وقته يضيع عليه لهوا وعبثا، وإذا أراد الإنسان الاحتياط في مثل هذا فليقلع الرأس، أو يحميه على النار حتى يلين، ثم يضغطه حتى تزول معالمه.) مجموع فتاوى الشيخ 2/277-278 وأما قول السائل: وهل يجوز لي أن أبدأ صيامي، فيما بعد، بسبب عملي هذا؟ فلم يتبين لنا مراده به تماما؛ فإن كان يعني أن هذا العمل يبطل الصيام، ويكون المشروع في حقه قضاء الصيام في وقت آخر لا يشتغل فيه بهذا العمل المحرم، فقد سبق بيان أن جميع المعاصي تؤثر في الصيام، فينقص بذلك أجره، وقد يحرم ثواب صومه بالكلية، إذا كثر عمله بالمعاصي، لكن صيامه لا يبطل، ولا يؤمر بقضائه، وإنما عليه أن يكف نفسه عن هذه المعاصي في كل وقت، وخاصة في رمضان. انظر السؤال رقم (37877) و (37989) . وإن كان يريد السؤال عن أمر آخر، فنرجو إيضاحه حتى نتمكن من الإجابة عليه. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49844 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5431 يسأل عن بيع الصور والمجسمات [السُّؤَالُ] ـ[هل بيع الصور والمجسمات للحيوانات حرام ?.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سبق الكلام عن تحريم صناعة هذه التماثيل، والتشديد في شأنها، والأمر بطمسها وإزالتها. انظر إجابة السؤال رقم (7222) ، ويستوي في هذا الحكم صورة كل ما له روح من إنسان أو حيوان. وينبني على ذلك الكلام في حكم بيع هذه الصور والمجسمات؛ فلا شك أنه إذا حرم صناعتها، واقتناؤها، حرم بيعها، وشراؤها. وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما، عن جابرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ: إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالأَصْنَامِ. فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ؛ فَإِنَّهَا يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ؟ فَقَال:َ لا هُوَ حَرَامٌ. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ: قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُود،َ إِنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ، ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَه. البخاري 2236، مسلم 1581. [يستصبح بها الناس: أي: يشعلون بها مصابيحهم. جملوه أي: أذابوه واستخرجوا دهنه] . قال القاضي عياض، رحمه الله: (تضمن هذا الحديث أن ما حرم أكله والانتفاع به، لا يجوز بيعه، ولا يحل أكل ثمنه.) وقال الحافظ ابن حجر، رحمه الله: (وفيه أن الشيء إذا حرم عينه، حرم ثمنه.) وهذا الذي ذكره القاضي وابن حجر ثبت في رواية ابن عباس، رضي الله عنهما، لهذا الحديث، ففي آخره: (إن الله عز وجل إذا حرم أكل شيء حرم ثمنه) مسند أحمد رقم 2223. وقد سئل سماحة الشيخ ابن باز، رحمه الله: هل يجوز للمسلم أن يبيع التماثيل، ويجعلها بضاعة له، ويعيش من ذلك؟ فأجاب: (لا يجوز للمسلم أن يبيع أو يتجر فيها، لما ثبت في الأحاديث الصحيحة من تحريم تصوير ذوات الأرواح، وإقامة التماثيل لها مطلقا، والإبقاء عليها. ولاشك أن في الاتجار فيها ترويجا لها، وإعانة على تصويرها وإقامتها بالبيوت والأندية ونحوها. وإذا كان ذلك محرما، فالكسب من إنشائها وبيعها حرام، لا يجوز للمسلم أن يعيش منه بأكل أو كسوة أو نحو ذلك، وعليه إن وقع في ذلك أن يتخلص منه، ويتوب إلى الله تعالى، عسى الله أن يتوب عليه، قال تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82 وقد صدرت منا فتوى في تحريم تصوير ذوات الأرواح مطلقا، صورا مجسمة أو غير مجسمة، بنحت أو نسخ، أو صبغ أو بآلة التصوير الحديثة " كوداك ") الجواب المفيد في حكم التصوير، لسماحة الشيخ ابن باز 49-50. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49676 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5432 بيع وشراء أسهم الشركات عن طريق البنك [السُّؤَالُ] ـ[يشتري أسهم شركات تعمل في أمور مباحة بماله الخاص عن طريق البنك، ويستعمل أجهزة البنك ويأخذ البنك مبلغاً معيناً مقابل كل سهم يشتريه هذا الرجل أو يبيعه، وذلك مقابل استعمال البنك كوسيط ومقابل استعمال أجهزة البنك؟ فما الحكم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضت السؤال التالي على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله بقوله: يجوز أجرة. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 10161 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5433 والده يريد أن يساعده في عمله التجاري الذي يحتوي بعض المخالفات الشرعية [السُّؤَالُ] ـ[أعمل في مجال الصوتيات والفيديو من خلال الكمبيوتر والفضائيات (وكلها أعمال شرعية ودعوية بفضل الله) ، ولي خبرة جيدة والحمد لله، وأبي يريدني أن أعمل معه في تجارتنا، ولكن عندي بعض المشاكل؛ أولها: أني لا أجيد العمل التجاري. وثاني المشاكل: أن التجارة بها بعض الأشياء المخالفة، مثل دفاتر عليها صور لذوات أرواح، ودفاتر موسيقى، وبطاقات عليها صور ذوات أرواح، وورق لعب وماكينة حلاقة (أعيش في بلاد الغالبية فيها ليسوا ملتحين) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا شك أن بر الوالدين من أعظم القربات التي يتقرب بها العبد إلى ربه، فقد وصى الله تعالى بهما في كل حال، حتى في حال كفرهما بالله تعالى، قد سبق بيان ذلك في الأسئلة رقم: (22782) (5326) (5053) . وبخصوص ما ذكرت فاجتهد أن تقنع والدك بعملك الذي تحسنه، وتستطيع أن تنفع فيه، فكل ميسر لما خُلِق له، ومن إصلاح الأعمال، وأداء الأمانة فيها أن يوضع الإنسان في العمل والمكان الذي يناسبه، ومن إضاعة الأعمال والأموال والتفريط في أمانتها أن يُسند العمل إلى غير أهله، ثم اجتهد أن توجد له البديل القوي الأمين، الذي يعينه على تجارته بدلاً منك، ولو أن تتحمل شيئاً من أجرته، فافعل استرضاءً لأبيك، ولو اقتضى الأمر أن تجعل جزءاً من وقت راحتك لصحبة أبيك فيعمله وإيناسه بوجودك فافعل " (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) البقرة/195، (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) البقرة/83 فإذا اجتهدت في ذلك، ولم يكن فيه ما يقنع أباك، فالرأي لك إن شاء الله أن تأخذ إجازة من عملك الذي أنت فيه إن أمكن وتشارك والدك في عمله في هذه الفترة، ولعل الأمور تسير إلى ما تحب في أثنائها، فإن لم تتيسر لك تلك الإجازة فلا يجب عليك أن تترك عملك أو تخرج من مالك أو تطلق زوجتك إرضاءً لأبويك إذا كان في ذلك ضرر عليك، وعدم طاعتهما في ذلك ليس من العقوق، إن شاء الله، راجع السؤال رقم (9594) و (47040) قال رجل للإمام أحمد: لي جارية وأمي تسألني أن أبيعها قال تتخوف أن تتبعها نفسك؟ [يعني تخاف أن تبقى نفسك متعلقة بالجارية إذا بعتها] ؟ قال: نعم. قال: لا تبعها. قال: إنها تقول: لا أرضى عنك أو تبيعها. قال: إن خفت على نفسك فليس لها ذلك [الآداب الشرعية لابن مفلح (1/448) لكن عليك أيضاً أن تجتهد في استصلاح نفس أبيك وتطييب قلبه، واجتهد أيضاً في تطهير تجارتكم من بيع ما يحرُم بيعه أو ما يغلب على ظنك استعماله في محرم، وإن كنت في تجارتكم وقتاما ً، فلا تبع ذلك وإن أمرك أبوك فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وما ذكرت من الدفاتر التي عليها صور، فهذا مما عمت به البلوى، فإذا كانت هذه الصور مأخوذة فوتوغرافياً، وليست رسماً باليد، فلا حرج في بيع الدفاتر التي عليها مثل تلك الصور – إن شاء الله – لأن المقصود ليس الصورة ذاتها، بل الدفتر، إلا أن تكون الصورة صورة امرأة أو منظراً خليعاً، كما يوجد كثيراً في مثل ذلك، فلا يجوز بيعها لما فيها من إشاعة الفتنة والفساد، ولأن كثيراً من الناس يقصدون اقتناء هذه الصور. أما بيع دفتر الموسيقى فحرام، لأنه إعانة على المنكر، وكذلك بيع آلات الحلاقة لمن تعلم من ظاهر حاله أنه يستعملها في حلق اللحية، أما إذا كان سيستعملها في أمر مباح فبيعها جائز. وقد سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: يوجد عند أبي محل لبيع الأدوات الكهربائية مثل التلفزيون والفيديو وبعض آلاف العزف وكذلك الساعات الذهبية ويطلب مني الجلوس فيه والبيع، ولكني أرفض هل يُعتبر هذا من العقوق؟ وما هو الواجب؟ فأجاب: هذا ليس من العقوق، إذا امتنعت عن فعل المحرم الذي يفعله والدك، لكن الواجب عليك أن تنصحه وتقول له هذا حرام وكسبه حرام، فإن اهتدى فهذا هو المطلوب، وإن لم يهتد فالإثم عليه وأنت لك أجر بنصحه لأن الله تعالى يقول لنبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ليس عليك هداهم..) وإذا قال لك اجلس في الدكان للبيع فلا تبع الأشياء التي تستعمل في محرم، بع الأشياء التي غالباً ما يفعل الناس به الشيء المباح، كالراديو والمسجلات أو الفيديو والتليفزيون فلا تبعه، لأن أكثر الذي يشترون هذه الأشياء يستعملونها في محرم الباب المفتوح (1/192) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 47244 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5434 حكم التعامل المسمى بـ "التيسير الأهلي" أو "التورق المصرفي" [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم هذا التعامل المسمى بالتيسير الأهلي من البنك الأهلي؟ فيما يلي الإجراءات التي يجب مراعاتها عند التعامل بهذا المنتج: 1. يقوم البنك بشراء كمية محددة من سلعة معينة تدخل بذلك في ملكيته دخولاً شرعياً. 2. يقوم البنك بعرض هذه السلع على عملائه. 3. وبما أن هذه السلع تباع عن طريق الوصف لا عن طريق الرؤية غالباً فإن على البنك أن يحدد هذه السلع صنفاً ونوعاً وأن يصفها وصفاً نافياً للجهالة وأن يحدد رقم تخزينها بموجب شهادة التخزين بحيث يكون المبيع معلوماً وموصوفاً وصفاً تنتفي معه الجهالة في البيع. 4. يتقدم العميل بإبداء رغبته في شراء كمية محددة من هذه السلع بثمن مؤجل وبعد موافقة البنك على تلبية هذا الطلب يقوم البنك ببيع تلك الكمية على العميل بما يتفقان عليه من ثمن وأجل. 5. للعميل الحق في أن يتسلم سلعته في مكان تسليمها إذا رغب في ذلك أو أن يوكل البنك في بيعها نيابة عنه. 6. في حال توكيل العميل للبنك ببيع سلعته فإن البنك يقوم ببيعها وكالة على من يرغب شراءها ولا يجوز للبنك أن يبيعها لنفسه حيث إن ذلك من قبيل بيع العينة. بعد أن يقوم البنك ببيع السلعة يودع المبلغ في حساب العميل وبعد ذلك يكون هناك أقساط شهرية من العميل للبنك حسب العقد 4 أو 5 سنوات. ما الواجب فعله فيمن وقع في هذا التعامل المسمى بتيسير الأهلي إذا كان غير جائز؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: التفصيل الذي ذكره السائل يحتوي على ثلاث مسائل وهي: المرابحة، والتورق، والتورق المصرفي الحديث. وقد ذكرنا حكم " المرابحة " و " التورق " في جواب السؤال رقم (36410) . أما " المرابحة ": ففي الجواب المحال عليه قلنا: وشراء السلع (سيارات أو غيرها) عن طريق البنوك لا يجوز إلا عند توفر شرطين: الأول: أن يمتلك البنك هذه السلعة قبل أن يبيعها فيشتري البنك السيارة مثلاً من المعرض لنفسه. الثاني: أن يقبض البنك السيارة بنقلها من المعرض قبل بيعها على العميل. وإذا خلت المعاملة من هذين الشرطين أو أحدهما كانت معاملة محرمة. وأما " التورق ": ففي الجواب المحال عليه – أيضاً - ذكرنا فتوى علماء اللجنة الدائمة في تعريفه وإباحته، وفيه: "مسألة التورق هي أن تشتري سلعة بثمن مؤجل، ثم تبيعها بثمن حال على غير من اشتريتها منه بالثمن المؤجل؛ من أجل أن تنتفع بثمنها، وهذا العمل لا بأس به عند جمهور العلماء" انتهى. ثانياً: أما " التورق المصرفي " فهو معاملة حديثة احتالت فيه البنوك على التورق الشرعي المباح للتوصل إلى الإقراض بالربا، وقد أصدر " المجمعُ الفقهي الإسلامي " في دورته الخامسة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة التي بدأت يوم السبت 11 رجب 1419 هـ الموافق 31 /10 / 1998 م قراراً بجوازِ بيعِ التورقِ، وفيه: "وبعد التداول والمناقشة، والرجوع إلى الأدلة، والقواعد الشرعية، وكلام العلماء في هذه المسألة قرر المجلس ما يأتي: أولاً: أن بيع التورُّق: هو شراء سلعة في حوزة البائع وملكه، بثمن مؤجل، ثم يبيعها المشتري بنقد لغير البائع، للحصول على النقد (الورِق) . ثانياً: أن بيع التورق هذا جائز شرعاً، وبه قال جمهور العلماء، لأن الأصل في البيوع الإباحة، لقول الله تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) البقرة/275، ولم يظهر في هذا البيع رباً لا قصداً ولا صورة، ولأن الحاجة داعية إلى ذلك لقضاء دين، أو زواج أو غيرهما. ثالثاً: جواز هذا البيع مشروط، بأن لا يبيع المشتري السلعة بثمن أقل مما اشتراها به على بائعها الأول، لا مباشرة ولا بالواسطة، فإن فعل فقد وقعا في بيع العينة، المحرم شرعاً، لاشتماله على حيلة الربا فصار عقداً محرماً. رابعاً: إن المجلس: - وهو يقرر ذلك - يوصي المسلمين بالعمل بما شرعه الله سبحانه لعباده من القرض الحسن من طيب أموالهم، طيبة به نفوسهم، ابتغاء مرضاة الله، لا يتبعه منّ ولا أذى وهو من أجلِّ أنواع الإنفاق في سبيل الله تعالى، لما فيه من التعاون والتعاطف، والتراحم بين المسلمين، وتفريج كرباتهم، وسد حاجاتهم، وإنقاذهم من الإثقال بالديون، والوقوع في المعاملات المحرمة، وأن النصوص الشرعية في ثواب الإقراض الحسن، والحث عليه كثيرة لا تخفى، كما يتعين على المستقرض التحلي بالوفاء، وحسن القضاء وعدم المماطلة" انتهى. ثم صدر قرارٌ جديدٌ من " المجمعِ الفقهي الإسلامي " نفسه في المدة من 19 - 23 / 10 / 1424 هـ الذي يوافقه 13 - 17 / 12 / 2003 م وفيه تحذيرٌ وتنبيهٌ للمصارفِ من استغلالِ هذه المعاملةِ على غيرِ وجهها الشرعي، ونَصَّ القرارُ على أن التورق المنظم الذي تجريه بعض البنوك محرم، وقد ذكرنا القرار بكامله في جواب السؤال (98124) . أما " شهادة التخزين " للسلعة التي ذكرها السائل فهي ليست بضاعة مشتراة حقيقة وداخلة في ملك البنك أو غيره من المؤسسات المالية التي تقوم بهذه المعاملة. قال الدكتور محمد بن عبد الله الشباني: "أما ما يُطلق عليه " شهادة التخزين " والتي يشار إليها في بعض عقود صيغ التورق بأنها تمثل حصة محجوزة قيمة وكمية خاصة بسلعة لصالح البنك عن طريق السمسار لغرض التصرف فيها مستقبلاً: فهي لا تمثل شهادة من وكيل البنك تثبت فيها وجود سلع تم استلامها من المنتجين وتم تخزينها في مستودعات خاصة بالبنك أو مخازن مؤجرة لصالح البنك تحدد أن هذه السلع خاصة بالبنك، وما هذه الشهادة إلا شهادة يصدرها المنتجون لهذه السلع لبيوت السمسرة الذين يمارسون عمليات إنشاء وتداول العقود في سوق المعادن العالمي (البورصة) ، حيث يحدد فيها مواصفات هذه السلع وكمياتها وتاريخ تسليمها، ويتم على ضوء هذه الشهادة تداول العقود بيعاً وشراء، ومن ثم فلا يوجد مجال للتعامل مع السلعة نفسها داخل سوق العقود". وقال أيضاً: "فنصوص عقود البيع التي تجريها هذه البنوك تشير إلى أن هذه السلع لا توجد لدى البنك، وأن ما يطلق عليه " شهادة التخزين " لا تمثل حيازة للسلعة ولا شهادة تملُّك، فمن المعروف والمتعارف عليه في سوق البضائع العالمي (البورصة) أن التعامل فيه يتم من خلال بيت السمسرة، والذي يدير عمليات تداول عقود بيع سلع تم شراؤها بسعر متفق عليه مسبقاً مع المنتج، على أن يتم التسليم في تاريخ لاحق يناسب توقيت الحاجة إلى السلعة، وعند حلول الأجل يقوم بيت السمسرة بشراء السلعة محل التعاقد من السوق الحاضر وتسليمها للمشتري، وهذا ما يؤكد أنه لا يوجد مجال للتعامل على السلعة نفسها، ولكون هذا التداول إنما يتم على أوراق، وليس حيازة وتملكاً للسلع، فإن بعض تلك البنوك أشارت في عقودها إلى أن ما يتم يكون على أوراق وليس حيازة وتملكاً للسلع. أما بعض البنوك فقد أشارت إلى أن حيازتها وتملكها للسلع إنما هو بموجب " شهادة التخزين "، حيث يشار في العقد إلى أن السلعة توجد في بلاد أخرى غير البلد الذي يتم فيه تحرير العقد، ولتجنب الإلزام ومن أجل ترسيخ التحايل: لم يشر إلى الوكالة وضرورة تفويض البنك بالبيع نيابة عنه، وإنما أشير إلى ذلك في نص الوكالة، حيث أوضحت الوكالة أن السلع المشتراة من البنك هي سلع يتم تداولها في سوق السلع (البورصة) ، بخلاف بنوك أخرى جعلت نماذج التفويض والوكالة جزءاً من العقد، وهذا الأسلوب هو نوع من التهرب والتضليل ومحاولة إضفاء نوع من صحة البيع، وأنه لا يوجد فيه شروط فاسدة تفسد البيع، ولكن هذا الأسلوب من التحايل لا يغيِّر من حقيقة الأمر" انتهى من مقال موسع في " مجلة البيان ". وقال الشيخ صالح بن عبد الرحمن الحصين: "إذا كانت المصارف الإسلامية لم تستطع حتى الآن تحقيق أهدافها، وكان ذلك بسبب أن الاتجاه العام الغالب لديها في استخدام الموارد لا يمكنها من ذلك ... فإن النتيجة المنطقية لذلك أنها لن تحقق في المستقبل ما عجزت عنه في الماضي. والواقع يثبت أن المصارف الإسلامية بهذا الاتجاه ظلت تقترب من البنوك الربوية شيئاً فشيئاً، وأن أوضح شاهد لذلك ما انتهت إليه المصرفية الإسلامية من اعتماد عمليتي " تيسير الأهلي "، و " التورق المبارك ". والظاهر أنه من الناحية العلمية فإنه من المستحيل القول إن الآثار السلبية للربا الاقتصادية والاجتماعية والسيكولوجية التي تتحقق في التمويل بالفائدة لا تتحقق في التمويل بـ " تيسير الأهلي " أو " التورق المبارك " بل إنه من الناحية الفقهية يستحيل على الفقيه دون أن يخادع نفسه أن يدَّعي وجود فارق بين هاتين العمليتين والاحتيال المحرم على الربا. بهذا الاقتراب من البنوك الربوية: فإن المصارف الإسلامية ستفقد هويتها الحقيقية، ولا يبقى لها إلا الاسم" انتهى من مقال – له - بعنوان " المصارف الإسلامية ما لها وما عليها ". والخلاصة: أننا لا نرى التعامل مع البنوك فيما يدعونه شراء وهو في حقيقته ليس كذلك، وقد يسمون فعلهم هذا " مرابحة " أو " تورقاً " وهذا لا يغيِّر من الحكم شيئاً، وهذه المعاملات هي احتيال للتوصل إلى إقراض الناس بفوائد ربوية. وقد ورد عن السلف النهي عن شراء سلعة بالأجل ثم توكيل البائع في بيعها: أ. عن داود بن أبي عاصم أنه باع من أخته بيعاً إلى أجل، ثم أمَرَتْه أن يبيعه، فباعه، قال: فسألتُ سعيد بن المسيب فقال: أبصِر ألا يكون هو أنت؟ قلت: أنا هو، قال: ذلك الربا، فلا تأخذ منها إلا رأسمالك. " مصنف ابن أبي شيبة " (7 / 275، 276) . ب. وقال ابن القاسم: سألتُ مالكاً عن الرجل يبيع السلعة بمائة دينار إلى أجل، فإذا وجَبَ البيع بينهما قال المبتاع للبائع: بعها لي من رجل بنقد فإني لا أبصر البيع، فقال مالك: لا خير فيه، ونهى عنه. " المدونة " (4/125) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 46564 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5435 حكم بيع التصريف [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم بيع التصريف؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله صورة بيع التصريف: أن يشتري البضاعة ويتفق مع من باعها له أنه إن لم يتمكن من بيعها فإنه سيعيدها للبائع، وما باعه منها يكون قد اشتراه. وهذه الصورة من صور البيع قد صرح العلماء بمنعها، لأن فيها جهالة وغررا، فكل من البائع والمشتري لا يدري قدر الكمية التي سيشتريها، وهل سيعيد كل البضاعة أو بعضها أو لا يعيد منها شيئاً؟ وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بَيْعِ الْغَرَرِ. رواه مسلم (1513) . وبيع الغرر هو كل بيع مجهول العاقبة. قال ابن قدامة في "المغني" (6/325) : " إذا اشترط إن نَفَقَ المبيع وإلا رده فهو شرط فاسد. وهل يفسد به البيع؟ على روايتين ; قال القاضي: المنصوص عن أحمد أن البيع صحيح. وهو قول الحسن , والشعبي والنخعي والحكم وابن أبي ليلى , وأبي ثور. والثانية: البيع فاسد. وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي لأنه شرط فاسد , فأفسد البيع " انتهى بتصرف واختصار. ومعنى (نفق المبيع) أي إن باعه، وهو صورة البيع على التصريف. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن بيع التصريف فقال: " صورته أن يقول: بعت عليك هذه البضاعة فما تصرف منها فهو على بيعه، ولما لم يتصرف فردّه إليَّ، وهذه المعاملة حرام، وذلك لأنها تؤدي إلى الجهل ولا بد، إذ إن كل واحد من البائع والمشتري لا يدري ماذا سيتصرف من هذه البضاعة، فتعود المسألة إلى الجهالة، وقد ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه (نهى عن بيع الغرر) وهذا لا شك من الغرر. ولكن إذا كان لا بد أن يتصرف الطرفان هذا التصرف فليعط صاحب السلعة بضاعته إلى الطرف الآخر ليبيعها بالوكالة وليجعل له أجراً على وكالته فيحصل بذلك المقصود للطرفين، فيكون هذا الثاني وكيلاً عن الأول بأجرة ولا بأس بذلك " انتهى من "لقاءات الباب المفتوح" (3/183) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 46515 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5436 حكم بيع التورق [السُّؤَالُ] ـ[في الآونة الأخيرة قام أحد البنوك بعمل طريقة بيع سلعة بالأقساط، ثم يستطيع المشتري بيعها نقدا على طرف ثالث، فهل هذه الطريقة جائزة أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه المعاملة تعرف عند العلماء باسم: (التورق) مأخوذ من الورِق وهو الفضة، لأن الذي اشترى السلعة إنما اشتراها من أجل الدراهم. وقد اختلف العلماء في حكم هذه المعاملة. و" جمهور العلماء على إباحتها، لعموم قوله تعالى: (وأحل الله البيع) ، ولأنه لم يظهر فيها قصد الربا ولا صورته " انتهى باختصار. "الموسوعة الفقهية" (14/148) . ولأن المشتري يشتري السلعة إما للانتفاع بعينها، وإما للانتفاع بثمنها. وهو ما اختاره علماء اللجنة الدائمة، والشيخ ابن باز رحمهم الله تعالى. جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/161) : " أما مسألة التورق فمحل خلاف، والصحيح جوازها " انتهى. وقال الشيخ ابن باز: " وأما مسألة التورق فليست من الربا، والصحيح حلها، لعموم الأدلة، ولما فيها من التفريج والتيسير وقضاء الحاجة الحاضرة، أما من باعها على من اشراها منه، فهذا لا يجوز بل هو من أعمال الربا، وتسمى مسألة العينة، وهي محرمة لأنها تحايل على الربا " انتهى بتصرف يسير. "مجموع فتاوى ابن باز" (19/245) . وقد ذهب إلى تحريم هذه المعاملة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. انظر: "الفتاوى الكبرى" (5/392) . وقد توسط الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، فقال بجوازها بشروط معينة. قال رحمه الله في رسالة المداينة: " القسم الخامس – أي من أقسام المداينة -: أن يحتاج إلى دراهم ولا يجد من يقرضه فيشتري سلعة بثمن مؤجل، ثم يبيع السلعة على شخص آخر غير الذي اشتراها منه، فهذه هي مسألة التورق. وقد اختلف العلماء رحمهم الله في جوازها، فمنهم من قال: إنها جائزة؛ لأن الرجل يشتري السلعة ويكون غرضه إما عين السلعة وإما عوضها وكلاهما غرض صحيح. ومن العلماء من قال: إنها لا تجوز؛ لأن الغرض منها هو أخذ دراهم بدراهم ودخلت السلعة بينهما تحليلا، وتحليل المحرم بالوسائل التي لا يرتفع بها حصول المفسدة لا يغني شيئا. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) . والقول بتحريم مسألة التورق هذه هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو رواية عن الإمام أحمد. بل جعلها الإمام أحمد في رواية أبي داود من العينة كما نقله ابن القيم في "تهذيب السنن" (5/801) . ولكن نظرا لحاجة الناس اليوم وقلة المقرضين ينبغي القول بالجواز بشروط: 1- أن يكون محتاجا إلى الدراهم، فإن لم يكن محتاجا فلا يجوز، كمن يلجأ إلى هذه الطريقة ليدين غيره. 2- أن لا يتمكن من الحصول على المال بطرق أخرى مباحة كالقرض، فإن تمكن من الحصول على المال بطريقة أخرى لم تجز هذه الطريقة لأنه لا حاجة به إليها. 3- أن لا يشتمل العقد على ما يشبه صورة الربا مثل أن يقول: بعتك إياها العشرة أحد عشر أو نحو ذلك، فإن اشتمل على ذلك فهو إما مكروه أو محرم، نقل عن الإمام أحمد أنه قال في مثل هذا: كأنه دراهم بدراهم، لا يصح. هذا كلام الإمام أحمد. وعليه فالطريق الصحيح أن يعرف الدائن قيمة السلعة ومقدار ربحه ثم يقول للمستدين: بعتك إياها بكذا وكذا إلى سنة. 4- أن لا يبيعها المستدين إلا بعد قبضها وحيازتها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السلع قبل أن يحوزها التجار إلى رحالهم. فإذا تمت هذه الشروط الأربعة فإن القول بجواز مسألة التورق متوجه كيلا يحصل تضييق على الناس. وليكن معلوما أنه لا يجوز أن يبيعها المستدين على الدائن بأقل مما اشتراها به بأي حال من الأحوال؛ لأن هذه هي مسألة العينة " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45042 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5437 البيع قبل التملك وبالتقسيط [السُّؤَالُ] ـ[انتشر بين الناس الشراء من البنوك بالتقسيط مقابل الزيادة في سعر المبيع علماً بأن البنك لا يملك السيارة أو العمارة وليست عنده وإنما يختارها المشتري بالتقسيط بعد أن يُوقع العقد بينهما ويلتزم بالشروط المطلوبة في التسديد ويتسلمها بعد ذلك. والسؤال: هل يجوز هذا البيع لأننا نسمع منكم ومن العلماء ونقرأ في الحديث أنه لا يجوز للإنسان أن يبيع شيئاً إلا إذا ملكه وحازه إلى رحله، والبنك في الواقع لم يملك هذه السيارة والعمارة ولم يشترها لنفسه وإنما اشتراها لهذا المشتري الذي طلبها بعينها بعد ما طلبها على أنها له ويحتجون بأن المشتري ليس ملزماًَ بشرائها لو عدل عنه لكنهم يعلمون أنه عازم عليها ولولا ذلك لم يشتروها؟. والسؤال الثاني: يشترط البنك على المشتري أنه لو عدل عن الشراء فإنه ملزم بدفع ما يلحق البنك من نقص نتيجة عدوله عن الشراء فهل هذا الشرط صحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أجابت على هذا السؤال اللجنة الدائمة للإفتاء وهذا نص الجواب: بعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت بأنه لا يجوز التعامل بالمعاملة المذكورة لأن حقيقتها قرض بزيادة مشروطة عند الوفاء، والصور المذكورة ما هي إلا حيلة للتوصل إلى الربا المحرم بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، فالواجب ترك التعامل بها طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء لمجلة الدعوة العدد 1756 ص 43. الحديث: 10958 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5438 مختصر عن حكم شركة بزناس [السُّؤَالُ] ـ[عُرض عليَّ الاشتراك في معاملة بزناس وفي نفسي شيء منها بسبب ما فيها من غموض وأود أن أعرف هل تجوز لي المشاركة في هذا المعاملة أم لا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المشاركة في الشركة المذكورة وما شابهها من الشركات التي نشأت على منوالها لا يجوز لما في ذلك من المقامرة والميسر والتغرير بالمشتركين، ودفع أشخاص إلى شراء ما لا يحتاجون، وأكل للمال بالباطل ولما فيها من الجهالة والغرر ومجانبة العدل. ولو سألنا بتجرد ما هو قصد أكثر الداخلين في المعاملة مع بزناس؟ هل هو الاستفادة من البرامج الموجودة في القسم الأول من المعاملة؟ أم الدخول في مسألة التسويق للكسب السريع والكبير والمغري في القسم الثاني؟! الجواب بلا ريب أن قصد الأكثرين هو الدخول في بند التسويق وبالتالي يكون مبلغ المائة الدولار الذي يدفع للتوصل إلى الحصول على حوافز التسويق هو ميسر ومقامرة، فهو يدفع مائة دولار ثم لا يدري كم يحصل له في مقابل هذه المائة، هل هو قليل أم كثير، وهل هو عاجل أم متأخر. ثم إن عرض العقد بهذه الطريقة فيه إغراء لأعداد من المغفلين بالدخول فيه على أمل أن تكون شجرته متعادلة الطريفين وطويلة. وقد شكا إليّ أحدهم أنه تورّط بدفع مبلغ (40000) أربعين ألف ريال ليبرم عدداً كبيراً من العقود باسمه بأرقام دخول مختلفة ثم لم يجد عائداً يوفي به المال الذي اقترضه ودفعه لشركة بزناس. وهذا التهافت الذي نجده من أعداد كبيرة من الشباب على الدخول في هذه الشركة بأمل الإثراء السريع يجعلنا نتوقف في صحة ما يحدث.. ثم لو كسب هؤلاء مكاسب كبيرة فإن ذلك على حساب غيرهم من المغفلين الذين سيؤتى بهم كزبائن في شجرة من قبلهم، ولن يجدوا في النهاية من يأتون به لتطويل شجرتهم، فكيف يرضى المؤمن أن يُثري على حساب أموال إخوانه المسلمين. ولحل هذه القضية عمدت الشركة إلى حيلة تعيد بها أعداداً من هؤلاء المساكين إلى ماكينة العملية مرّة أخرى لتزداد مكاسبها وتتضاعف على حساب استنزاف أموال هؤلاء الناس وذلك بإعادة الاشتراك بمبلغ جديد بعد مرور سنة على العقد الأول وهكذا. ويغلّفون هذه الخديعة بحلاوة وضع برامج جديدة وإصدارات جديدة للبرامج السابقة مع أن هذا التجديد غير مضبوط بعدد معيّن للبرامج أو التجديدات. وللتفصيل أنظر الإجابة العلمية المفصَّلة لهذه المعاملة في السؤال رقم 40263. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 41620 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5439 حكم بيع مستحضرات التجميل [السُّؤَالُ] ـ[عندى محل مستحضرات تجميل ولوازم الكوافيرات فهل هذة المهنة حلال ام حرام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله حكم العمل في هذه المهنة فيه تفصيل: أ- إذا بعت هذه الأشياء على من تعلم أنه يستعملها في التبرج المحرم فلا يجوز. ب- إذا بعتها على من تعلم أنه يستعملها في التزين المباح فيجوز. ج- أما إذا لم تعلم عن حال المشتري شيئاً فعلى البراءة الأصلية أي الجواز. قالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: لا يجوز بيعها إذا علم التاجر أن من يشتريها سيستعملها فيما حرم الله؛ لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان، أما إذا علم أن المشترية ستتزين به لزوجها أو لم يعلم شيئا فيجوز له الاتجار فيها. فتوى اللجنة الدائمة (13/67) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 41052 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5440 هل يجوز بيع المحرمات كلحم الخنزير لغير المسلمين؟ [السُّؤَالُ] ـ[أعمل في توكيل ملاحي وأقوم بخدمة السفن العابرة، ومعظم هذه السفن أجنبية والعاملون بها غير مسلمين، ويقوم صاحب الشركة ببيع لحم الخنزير لهذه السفن في بعض الأحيان، ثم يقوم بتوزيع أرباح هذا البيع علينا نحن الموظفين ونحن نقبلها على اعتبار أن بيع لحم الخنزير لغير المسلمين غير محرم، ولم يرد نص في القرآن ولا السنة لتحريم بيعه على غير المسلمين، وكذلك لأنه لا يصح أن نأخذ الخمر كقياس لأن لحم الخنزير متواجد من أيام الرسول عليه الصلاة والسلام، ولو أراد تحريمه ولعنه لفعل كما فعل بالخمر، ولكن هناك من بدأ يشككنا في مدى حلال هذه النقود فهل هي حلال أم حرام؟ وهل لأننا لا نشارك في البيع فإنه لا ضرر علينا من أخذ هذه الأرباح حيث إن صاحب العمل يعطيها لنا كصدقة، فهل يحق لنا قبول الصدقة ونحن نعرف أصلها؟؟ وهل ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام أي حديث واضح وصريح ومؤكد يحرم فيه بيع لحم الخنزير لغير المسلمين، حيث إن لحم الخنزير لم يحرم على أهل الكتاب.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يجوز لأحد أن يفتي في دين الله تعالى بغير علم، ويجب أن يعلم خطورة فعله هذا، والله تعالى حرم ذلك بقوله: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) الأعراف/33 فلا يحل لأحد أن يقول: هذا حلال، وهذا حرام، وليس عنده دليل صحيح على ذلك، قال الله تعالى: (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ) النحل/116 ثانياً: بيع لحم الخنزير حرام سواء بيع لمسلم أو لكافر، والأدلة على ذلك: قول الله تعالى: (قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ) الأنعام/145، وقد عَلَّمنا الرسول صلى الله عليه وسلم قاعدةً عظيمةً، فقال: (إن الله إذا حرَّم شيئاً حرَّم ثمنه) رواه أبو داود (3488) وصححه الشيخ الألباني في " غاية المرام " (318) 2- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح وهو بمكة: (إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام) . فقيل: يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة فإنها يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس؟ فقال: (لا، هو حرام) . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: (قاتل الله اليهود إن الله لما حرم شحومها جملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه. رواه البخاري (1212) ومسلم (1581) . جملوه: أذابوه. قال النووي: وأما الميتة والخمر والخنزير: فأجمع المسلمون على تحريم بيع كل واحد منها. قال القاضي: تضمن هذا الحديث أن ما لا يحل أكله والانتفاع به لا يجوز بيعه , ولا يحل أكل ثمنه , كما في الشحوم المذكورة في الحديث. " شرح مسلم " (11 / 8) . قال ابن رجب الحنبلي – بعد أن ساق أحاديث في تحريم بيع الخمر -: فالحاصل من هذه الأحاديث كلها: أن ما حرم الله الانتفاع به فإنه يحرم بيعه وأكل ثمنه كما جاء مصرحا به في: (إن الله إذا حرَّم شيئاً حرَّم ثمنه) ، وهذه كلمة عامة جامعة تطرد في كل ما كان المقصود من الانتفاع به حراما، وهو قسمان: أحدهما: ما كان الانتفاع به حاصلا مع بقاء عينه، كالأصنام، فإن منفعتها المقصودة منها الشرك بالله وهو أعظم المعاصي على الإطلاق، ويلتحق بذلك كتب الشرك والسحر والبدع والضلال، وكذلك الصور المحرمة وآلات الملاهي المحرمة، وكذلك شراء الجواري للغناء ... والقسم الثاني: ما ينتفع به مع إتلاف عينه، فإذا كان المقصود الأعظم منه محرّماً: فإنه يحرم بيعه، كما يحرم بيع الخنزير والخمر والميتة مع أن في بعضها - كأكل الميتة للمضطر ودفع الغصة بالخمر وإطفاء الحريق به والخرز بشعر الخنزير عند قوم والانتفاع بشعره وجلده عند من يَرَى ذلك - ولكن لما كانت هذه غير مقصودة لم يعبأ بها وحرم البيع، ولكن المقصود الأعظم من الخنزير والميتة: أكلها، ومن الخمر شربها، ولم يلتفت إلى ما عدا ذلك، وقد أشار صلى الله عليه وآله وسلم إلى هذا المعنى لما قيل له: أرأيت شحوم الميتة فإنها يطلي بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس؟ فقال: لا هو حرام ... " جامع العلوم والحكَم " (1 / 415، 416) . وقد سئلت اللجنة الدائمة: هل تجوز المتاجرة في الخمور والخنازير إذا كان لا يبيعها لمسلم؟ فأجابت: " لا يجوز المتاجرة فيما حرم الله من الأطعمة وغيرها، كالخمور والخنزير ولو مع الكفرة؛ لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه) ولأنه صلى الله عليه وسلم لعن الخمر وشاربها وبائعها ومشتريها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها وعاصرها ومعتصرها " اهـ. فتاوى اللجنة الدائمة (13/49) ثالثاً: وأما قول السائل: (إن بيع لحم الخنزير لغير المسلمين غير محرم، ولم يرد نص في القرآن ولا في السنة لتحريم بيعه على غير المسلمين) ، فغير صحيح، فقد سبق أدلة القرآن والسنة وإجماع العلماء على تحريم بيع الخنزير، والأدلة بعمومها تدل على تحريم بيعه على المسلمين والكفار، لأن الأدلة دلت على تحريم بيعه تحريماً عاماً، ولم تفرق بين المسلمين وغيرهم. بل لو قيل: إن المقصود من تحريم بيعه هو بيعه على الكفار أصالةً لم يكن ذلك بعيداً، لأن الأصل في المسلم أنه لن يشتري الخنزير، وماذا يفعل به، وهو يعلم أن الله حرَّمه؟! وكذلك قوله: (إن لحم الخنزير متواجد من أيام الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو أراد تحريمه ولعنه لفعل كما فعل بالخمر) غير صحيح. لأنه لا يُشترط من تحريم الشيء أن يلعن الرسول صلى الله عليه وسلم مَنْ فَعَلَه، بل يكفي أنه ينهى عنه، أو يخبر أنه حرام. كما حرم بيع الخنزير رابعاً: وأما أخذكم هذه الأموال فالأجدر بكم بعد علمكم بأنه مال حرام التنزه والبعد عنه. لاسيما وأخذكم هذا المال سيكون كالإقرار منكم لصاحب الشركة على هذا العمل، والواجب عليكم نصحه، والإنكار عليه ووعظه لترك هذا العمل المحرم، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه. وأما ما أخذتم من هذه الأموال قبل علمكم بالتحريم، فلا حرج فيه إن شاء الله تعالى، قال الله تعالى في آيات تحريم الربا: (فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ) البقرة/275 راجع السؤال رقم (2429) و (8196) نسأل الله تعالى أن يرزقكم حلالاً مباركاً فيه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 40651 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5441 بيع المنحة قبل قبضها [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم شراء رقم منحة أرض تعطيها الدولة؟ علماً بأن الأرض لم تُستلم بعد ولا يعلم متى يتم استلامها - فقط أعطي الشخص رقما من البلدية فيه تاريخ التقديم ورقم الطلب أو المنحة، وقام ببيع هذا الرقم لشخص آخر وقبض المال على أن يقوم عند موعد استلام المنحة بمراجعة البلدية وإنهاء الإجراءات الرسمية لاستلامها، أو يقوم بإعطاء المشتري وكالة شرعية بإنهاء إجراءات الاستلام ونقلها باسمه بعد ذلك.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه المعاملة لا تجوز، لأن هذا من باب الغرر، وبيع ما ليس عنده، وقد قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تبع ما ليس عندك) رواه الترمذي (1322) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1292) . ولأن هذه الأرض تختلف قيمتها باختلاف الأماكن، ففي المعاملة غرر. ثم إن هذا الرقم مجرد وعد، ولم تصبح بعد ملكاً لصاحب الورقة أو الرقم، فكيف يجوز له بيعها، وقد نهى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بيع ما لا يملك. ثم هو لا يدري عن موقعها، فقد تكون في حي أثمان أراضيه مرتفعة، وقد تكون في طرف البلد، أو خارج البلد في مكان غير مرغوب فيه، ثم هو لا يدري هل هي في بطن المخطط أو طرفه، وهل تقع على شارع رئيس أو فرعي وهل هو شارع واحد أو اثنان أو ثلاثة. وكل هذا يؤثر في قيمة الأرض ورغبة الناس فيها. وبناء عليه فلا يجوز بيع ورقة الوعد هذه التي لا يدري كيف ستكون، وإنما ينتظر صاحب الورقة حتى يحصل على الأرض ويطبق ما في المنحة على الواقع ويستخرج بالأرض صكاًّ يثبت ملكيتها ويحدد موقعها ومساحتها، ثم بعد ذلك يبيعها إن شاء. والله ولي التوفيق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 40354 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5442 لا يجوز شراء أسهم البنوك ولا المتاجرة فيها [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز شراء أسهم البنوك والمتاجرة فيها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أسهم البنوك هي نقود في الحقيقة، وعلى هذا (لا يجوز بيع أسهم البنوك ولا شراؤها لكونها بيع نقود بنقود بغير اشتراط التساوي والتقابض، ولأنها مؤسسات ربوية لا يجوز التعاون معها لا ببيع ولا شراء لقوله سبحانه وتعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2 ولما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه لَعَنَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ) رواه الإمام مسلم وليس لك إلا رأس مالك. ووصيتي لك ولغيرك من المسلمين هي الحذر من جميع المعاملات الربوية والتحذير منها والتوبة إلى سبحانه وتعالى مما سلف من ذلك، لأن المعاملات الربوية محاربة لله سبحانه ولرسوله صلى الله عليه وسلم ومن أسباب غضب الله وعقابه كما قال عز وجل: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) البقرة/275 وقال عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278-279) ولما تقدم من الحديث الشريف. اهـ. [الْمَصْدَرُ] سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله (فقه وفتاوى البيوع /أشرف عبد المقصود ص 360) . الحديث: 40409 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5443 حكم (بزناس) ومثيلاتها من عمليات الخداع [السُّؤَالُ] ـ[ظهرت قبل عدة أشهر شركة تسمى (بزناس) تقوم على نوع من التسويق وتتلخص فكرتها في أن يشتري الشخص منتجات الشركة ـ وهي عبارة عن برامج وموقع وبريد إلكتروني ـ بمبلغ 99 دولارا ويُعطى بعد الشراء الفرصة في أن يُسوِّق منتجاتها لآخرين مقابل عمولات محددة. ثم يقوم هذا الشخص بإقناع شخصين آخرين بالانضمام للبرنامج، بمعنى أن يشتري كل منهما منتجات الشركة، ويكون لهما الحق أيضا في جذب مسوقين آخرين مقابل عمولات كذلك. ثم يقوم كل واحد من هذين بإقناع شخصين آخرين بالانضمام، وهكذا. فستتكون من هذه الآلية شجرة من الأتباع الذين انضموا للبرنامج على شكل هرم. أما طريقة احتساب العمولات فتشترط الشركة ألا يقل مجموع الأفراد الذين يتم استقطابهم من خلال المشتري (المشترك) ومن يليه في شجرة المشتري عن 9 أشخاص من أجل الحصول على العمولة (على ألا يقل عدد الأعضاء تحت كل واحد من الاثنين الأولين عن اثنين، وتبلغ العمولة 55 دولاراً. ويتم صرف العمولة في مقابل كل 9 أشخاص (ويسمى كل تسعة أشخاص في التسلسل الهرمي "درجة") . ونظراً إلى أن الهرم يتضاعف كل مرة يضاف فيها مستوى جديد أو طبقة جديدة للشجرة، فإن العمولة تتزايد كل مرة بشكل كبير. إذا افترضنا أن الشجرة تنمو كل شهر، بمعنى أنه في كل شهر ينضم شخصان لكل شخص في الهرم (كما هو افتراض الشركة في موقعها) ، فهذا يعني أن العمولة التي يحصل عليها العضو تصل إلى أكثر من خمسة وعشرين ألف دولار في الشهر الثاني عشر، ويستمر التضاعف في كل شهر وهذا مصدر الإغراء في هذا النوع من البرامج، فمقابل مبلغ زهيد لا يتجاوز 100 دولار، يحصل المشترك على مئات بل آلاف أضعاف المبلغ. ولذلك تسوّق هذه الشركات برامجها من خلال وعود بالثراء الفاحش في مدة يسيرة من خلال النمو المضاعف للهرم. السؤال: ما حكم هذه المعاملة خاصة أنها انتشرت بصورة واضحة وتعددت الأقوال فيها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الكلام على مثل هذه المعاملات التي يسرع انتشارها ويكثر غموضها والتباسها على العامة، ويشتد إغراؤها لا بد فيه من أمرين: الأول: بيان الحكم الشرعي المبني على النصوص والقواعد الشرعية، وعلى تصور المسألة من حيث حقيقتها ونتائجها وتاريخها. الثاني: علاج النفس وتوطينها على الأخذ بالحكم الشرعي وعدم التعلق بالشُّبه. ونظراً لحاجة المسألة إلى إطالة النفس فيها فسنقدِّم بجواب مختصر للسؤال يتلوه ذكر للقواعد الشرعية في هذا المقام وتفصيل للجواب. الجواب المجمل على السؤال: بالنظر إلى صورة هذه المعاملة (بزناس) وحقيقتها، وما ذكره مندوبو هذه الشركة من معلومات وشروط عنها، وكذلك ما ذكره المتكلمون عنها من أدلة وشروط للمنع منها أو إباحتها. وبعرض كل هذا على نصوص القرآن والسنة وقواعد الشريعة في أبواب المعاملات وأٌقوال العلماء يتبين أن هذه المعاملة محرّمة، لعدة وجوه أهمها: 1. أن هذه المعاملة مبنية على الميسر وأكل أموال الناس بالباطل وتحوي تغريراً وخداعاً للناس وإطماعاً لهم في المال واستغلالاً لغريزة حب الإكثار منه عندهم. وقد قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) المائدة / 90، وقال: (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) البقرة / 188، وقال عليه الصلاة والسلام: (إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا) مسلم (2137) وهذا التشبيه في الحديث يجعل هذا التحريم مغلظا جدا. 2. يتبيّن بعد النظر الفاحص أن إدخال السلعة ـ وهي البرامج والموقع والبريد ـ في هذه المعاملة لا يغيِّر من حكمها، لوضوح كون هذه السلعة ليست مقصودة من قِبَل معظم المتهافتين على الشراء. وإذا ثبت هذا بالقرائن المذكورة في تفصيل الجواب فإن دخول السلعة بهذا الشكل لا يزيدها إلا حرمة لاشتمالها على التحايل المؤدِّي إلى معاملة محرمة من معاملات الميسر. 3. المعاملة ليست من قبيل السمسرة المباحة من أوجه متعددة منها: اشتراط دفع مال للدخول فيها بخلاف السمسرة فإنه لا يشترط فيها ذلك، وكذلك فإنه ليس المقصود فيها بيع سلعة لمن يحتاجها وإنما بناء نظام حوافز شبكي. ولو سُلِّم جدلا بأنها سمسرة فإنها محرمة لاشتمالها على التغرير بالمشتري وتمنيته بالباطل وعدم نصحه وعليه فلا يصحُّ قول من أباحها على أنها سمسرة، ولعل ذلك لأن المسألة لم تعرض لهم على حقيقتها، أو لم يتصوَّروها تصوُّرا صحيحا. وهذا الحكم منسحب في مجمله على كثير من المعاملات الموجودة الآن والتي تشابهها مما يطرح في السوق الآن. ومن أراد الاستزادة فليراجع تفاصيل النقاط في الجواب المفصَّل وما يسبقه من قواعد عامة. الجواب المفصَّل: قبل تفصيل الإجابة على هذا السؤال وتحقيقاً لأمر توطين النفس على قبول الحكم الشرعي لا بدَّ من التقديم ببعض القواعد الشرعية ونحوها التي تعين المسلم ـ المذعن لحكم الله ـ على التعامل باطمئنان وثقة وانشراح مع هذه المعاملة ومع أمثالها من المعاملات التي تفتقت عنها وستتفتق عنها عقول بعض أصحاب المشروعات التجارية، لاسيما مع توفر خمسة عوامل رئيسية لانتشار مثل هذه المعاملات. هي: 1- ذيوع وسائل الاتصال والدعاية والإعلان. 2- سهولة التواصل المالي عبر البطاقات ونحوها. 3- تزايد الحاجة للمال عند عامة الناس، بسبب الإغراق في الكماليات. 4- وجود أصل غريزة الطمع وحب المال في النفس البشرية. 5- ضعف التدين وقلة تحرِّي الحلال عند كثير من المسلمين. وفيما يلي عدة قواعد تعين على التعامل مع هذه المعاملة وما ظهر وما سيظهر من مثيلاتها ينبغي الانتباه لها والاهتمام بها: 1- فتنة المال من أعظم الفتن التي تؤثر على الإنسان في دينه وفي بركة ما عنده من مال وولد فينبغي الحذر والتحرِّي في حلِّ مصادره أشد التحري. 2- اتقاء الأمور المشتبهات، قاعدة مقررة في الشريعة حتى لو لم يُسلِّم الإنسان بتحريم الأمر المشتبِه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلَّم: (الحلال بيِّن الحرام بيِّن، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام) البخاري (52) مسلم (1599) . 3- (ما جاءك من هذا المال وأنت غير سائل ولا مشرف فخذه، وما لا فلا تُتْبعه نفسَك) رواه البخاري (138) مرفوعا، أي لا تجعل نفسك تتعلق بالمال الذي ليس في يدك دفعاً لما يحصل في النفس من حزن وحسرة إذا لم تحصُل عليه. والنهي عن التعلُّق في هذا الحديث ورد في الكلام عن العطية وهي هدية مباحة في أصلها فكيف بالتعلُّق بالأموال المشتبهة؟ بل كيف بالتعلُّق بالأموال المحرمة؟ ، فلا بدَّ أن يكون أكثر أثرا سلبيا في النفس وأشد في المنع. 4- (من ترك شيئاً لله عوَّضه الله خيراً منه) رواه أحمد وصححه الألباني، وهذا يعمُّ مَنْ تَرَك الحرام ومن ترك المشتبه فيه. 5- البَرَكة في المال وإن قلَّ أعظم وأولى بالبحث من كثرته من طريق محرم أو مشكوك فيه. 6- على المسلم أن يكون صادقا مع نفسه تمام الصدق في معرفة مقصده من مثل هذه المعاملات هل هو الرغبة في الوصول للمال والسلعة حيلة لإضعاف لوم النفس والناس، أم أن السلعة مقصودة أساسا؟ وأن يعلم أن ما يخفيه من مقاصده معلوم عند الله الذي يعلم السر وأخفى، وأنه سبحانه سائله ومحاسبه عن ذلك. 7- الحكم على الشيء فرع عن تصوره، وإخفاء بعض المعلومات عن المفتي لا يبيح الأخذ بفتواه، ولا يعذر الآخذ بها ما دام يعلم أن المفتي لم تعرض عليه الصورة كاملة، ولم يطَّلع على حقيقة المسألة. 8- (البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك) رواه أحمد (17320) وقال الألباني في صحيح الترغيب 1734 حسن لغيره. 9- آكِل المال الحرام إذا كان معترفا بوقوعه في الحرمة أخف جرما ممن يأكله مستعملا الخديعة والتدليس والحيل؛ لأن الثاني قد أضاف إلى أكله للحرام ذنبا آخر وهو مخادعة الله. قال ابن القيم: (فتغيير صور المحرمات وأسمائها مع بقاء مقاصدها وحقائقها زيادة في المفسدة التي حرمت لأجلها مع تضمنه لمخادعة الله تعالى ورسوله ونسبة المكر والخداع والغش والنفاق إلى شرعه ودينه وأنه يحرم الشيء لمفسدة ويبيحه لأعظم منها ولهذا قال أيوب السختياني يخادعون الله كأنما يخادعون الصبيان لو أتوا الأمر على وجهه كان أهون) إغاثة اللهفان 1/354. 10- ما ثبت عند الإنسان تحريمه فعليه أن يقطع تعلُّق نفسه به وأسفه إذا فاته ورآه عند الآخرين وليحمد الله على أن سلَّمه، وليسألْه سبحانه أن يبغِّض إليه الحرام مهما كثُر ويرزقه دوام اجتنابه، وأن يعينه على مجاهدة نفسه لقطع هذا التعلُّق. 11- أحكام الشرع مبناها على تمام العلم والحكمة. وهي تراعي المصلحة العامة الكلِّية وإن كان فيها ما يُظن أنه إضرار ببعض المصالح الخاصة، فعلى المسلم أن لا ينظر إلى ما يحصِّله هو من نفع مادي خاص ويُغفل ما ترمي إليه الشريعة من المصلحة الكلية العامة. أما تفاصيل الجواب فيمكن حصرها في ثلاث نقاط: أولا: هذه المعاملة بناءً على تكييفها الاقتصادي فيها مشابهة كبيرة بمعاملة (التسلسل الهرمي) أو (التسويق الهرمي) وإن كانت لا تماثلها من جميع الوجوه، وأصل معاملات التسويق الهرمي يقوم على بناء نظام حوافز شبكي هرمي، ولم ينظر الذين وضعوها في الغرب إلا إلى كسب المال بِغضِّ النظر عن حلِّ المصدر وحرمته. وبعرض هذا النظام على نصوص الشريعة وقواعدها يتبين تحريمه من عدة وجوه منها: 1. بناؤه على أكل أموال الناس بالباطل نظراً لأنه لا بدَّ لهذا التسلسل الهرمي من أن يكون له مستوى نهائي، وهو آخر من وصل إليهم التسلسل الهرمي، وهؤلاء خاسرون قطعاً لمصلحة الطبقات الأعلى. ولا يمكن نموُّ الهرم إلا في وجود من يخسر لمصلحة المستويات العليا التي تجني عمولات خيالية، وآخر طبقتين في كل فرع تكون الأولى منهما كاذبة تُمنِّي التي تليها بالربح، والطبقة الأخيرة مستغفلة مخدوعة ستشتري ولن تجد من تبيعه، وقد تقدم ذكر الآيات والأحاديث المشدِّدة في حرمة أكل أموال الناس بالباطل. 2. بناؤه على الميسر وهو أن يدفع شخص مالاً مقابل أن يحصل على مال أكثر منه أو يخسر ماله. وهذا هو واقع من يدخل في مثل هذه المعاملات، وهذا من أهم وأوضح أسباب التحريم. 3. نظراً لاحتواء معاملات التسلسل الهرمي على تغرير وخداع ومفاسد كثيرة فقد منعته وحرَّمته الأنظمة الغربية الكافرة ـ إذا كان في صورته الخالية من إدخال سلعة فيها ـ مع كونهم يبيحون الربا والقمار والميسر أصلاً، وحذَّر عقلاؤهم منه (انظر الموقع التالي والمواقع العديدة المرتبطة به http://skepdic.com/pyramid.html) . وبناء على ما سبق فإن معاملة بزناس التي ورد السؤال عنها تدخلها عدة أوجه من أوجه التحريم هنا بسبب مشابهتها للتسلسل الهرمي في أصل الأسباب التي يحرم من أجلها وهي الميسر وأكل المال بالباطل. ثانيا: إدخال السلعة في هذه المعاملة لا ينقلها إلى الإباحة ولا يزيل أسباب التحريم بل هو أقرب إلى كونه سبباً في تشديد حرمتها. نظرا لكونه تحيُّلا للوصول إلى تمرير هذه المعاملة والإيهام بكون السلعة مقصودة " وتغيير صور المحرمات وأسمائها مع بقاء مقاصدها وحقائقها زيادة على المفسدة التي حُرِّمَت لأجلها مع تضمنه لمخادعة الله ورسوله " إغاثة اللهفان 1/354 ويظهر عدم تأثير السلعة في إباحة المعاملة من خلال الآتي: 1. أهم دافع للشراء عند المشتركين هو التسويق لا السلعة بدليل أن أمثال هذه البرامج والخدمات كانت موجودة قبل هذه الشركة بسنوات ولا تزال، وبأسعار أقلَّ! فما الذي جعل التكالب عليها بهذه الكثرة، ومن هذه الشركة بالذات سوى قصد الدخل المتولد من الاشتراك فيها؟؟. 2. الاحتجاج بأن المواد نافعة جدا وسهلة ولها تميُّز عن غيرها وتستحق أن يدفع فيها مائة دولار، على التسليم به في بعض الخدمات إلا أن هذا الكلام مخدوش بأن هذه البرامج غير محفوظة الحقوق في الموقع عن الاستفادة الشخصية عبر من سبق له الشراء دون أن يدفع المستفيد الجديد شيئاً، بل الاشتراك الواحد يمكن أن يستعمله العشرات ويستفيدوا من كل ما في الموقع من خدمات. وهي غير محفوظة الحقوق إلا عن استغلالها من قبل شركات أخرى. فما الدافع لبذل المال فيها إلا الدخول في هذا التسويق الهرمي (الميسر) ؟. 3. وجود شرط ملجئ للدخول في هذا التسويق الهرمي وهو شرط شراء المنتج بسعر أكثر من قيمة مُماثله؛ من أجل الحصول على العمولة الأكبر واستعمال موقع الشركة في الدعاية والتسويق. فبتأثير الإغراء يدفع الإنسان هذه الزيادة الباهظة على أمل تعويضها وأكثر منها عبر التسويق الذي هو قصده الأول، وهذا هو عين الميسر المنهي عنه شرعاً. 4. ذكر العمولات المغرية نظير التسويق هو دافع الناس للشراء والاشتراك، بدليل عدم شرائهم ـ غالبا ـ إلا بذكرها. وبدليل إمكانية موافقة البعض على الشراء دون الإطلاع على فحوى المواد أو عدم الحاجة إليها من حيث الأصل. وواقع الكثيرين من حيث عدم الاستفادة من أكثر البرامج يزيد تأكيد هذا، بل البعض لم يستعمل شيئا من البرامج أصلا. 5. المبلغ المطلوب للاشتراك (99 دولارا) يوازي في بعض البلاد راتب شهر أو يزيد، ويمتنع في عادة الناس دفع مثل هذا المبلغ نظير هذه البرامج إلا مع وجود قصد الربح المؤمَّل تحصيلُه، ومع ذلك يكثر شراؤها بل قد يقترض الإنسان من أجلها. 6. من اشترى من أجل المنتج (السلعة) عندما يعلم بأن الشركة تصرِّح بأن ثلاثة أرباع ما دفعه سيُنفق على التسويق بدلا من شركات الإعلان فإن ذلك سيحفِّزه نفسيا للاشتراك في التسويق لتعويض ما دفعه من زيادة كبيرة على القيمة فيدخل في عملية التسويق، ثم ينساق وراءها ولا يتوقف عند تعويض خسارته، بل يواصل العملية. 7. بعض المتهافتين يشتري سلعة هذه الشركة أكثر من مرة ـ ووصلت عند بعضهم كما حدّث بنفسه إلى مائة مرة!! ـ مع العلم أن الشراء مرة واحدة كفيل باستفادة هذا المشترك من كل البرامج في أي جهاز شاء وفي أي وقت، وهذه الصورة لا يشك أحد في كونها ميسرا، وفيها دليل واضح على أن قصد هذه المعاملة إنما هو هذا التعامل الميسري. 8. تلزم الشركة المشتركين لاستمرارهم في التسويق واستمرار العمولات المتضاعفة لهم بتجديد الاشتراك سنويا بنفس المبلغ، زعما بأنها ستضيف خدمات جديدة، وهذا التجديد ـ على التسليم بحصوله ـ عبارة عن شراء لمجهول بثمن معلوم؛ إذ هذا المستحدث قد يكون قليلا أو يحوي برامج ليس للمشترك عناية بها، وهذا الشراء محرّم لما فيه من الغرر وجهالة أحد طرفي البيع جهالة مؤثِّرة. 9. رجوع الإنسان إلى نفسه لمعرفة نيَّته وقصده من هذه المعاملة يسهِّل عليه إدراك أن المقصد هو الدخول في التسويق الهرمي خاصة مع وجود أكثر ما يحتاجه من البرامج والخدمات مجانا أو بسعر أقل بكثير في مواقع أخرى، مع إمكانية تركه لشراء ما لا يحتاجه من البرامج إما لسهولته عليه أو عدم اهتمامه به. ثالثا: المعاملة ليست من قبيل السمسرة المباحة لاختلافها عنها في نقاط جوهرية تُغيِّر الحكم وتمنع إلحاقها بها، ومن ذكر من المفتين أنها سمسرة فإنما أجاب على أسئلة لم يذكر فيها من التفاصيل التي تصوِّر له المسألة تصويراً صحيحاً مما يجعل فتواه غير منطبقة على الواقع، ومن شروط صحة الحكم بناؤه على تصوُّرٍ صحيحٍ للمسألة، وعليه فلا يجوز للإنسان أن يُقلِّد من يعلم أن حكمه مبنيٌّ على تصوير ناقص للمسألة. ومن الفروق بين هذه المعاملة وبين السمسرة المباحة: 1. أن السمسرة هي دلالة على سلعة أو منفعة مقصودةٍ لذاتها ستصل في النهاية إلى المستفيد حقيقةً لينتفع بها، أما عملية التسويق الموجودة في هذه الشركة فهي بيع فرص تسويق على أشخاص ليبيعوها لغيرهم لتصل في النهاية إلى شخص أو أشخاص لا يجدون ما يؤمِّلونه من العقد. 2. أن السمسرة لا يشترط أن يدفع فيها السمسار شيئاً من المال إذ ليس من مصلحة صاحب السلعة أن يعرقل السمسار بوضع شرط الدفع له أو الشراء منه، أما هذا التسويق لمن كان قاصدا له فمن شرط الدخول فيه أو الحصول على مِيزاته دفعُ مبلغ ـ ضمن ثمن البرامج ـ ليكون مسوِّقاً، وتجديد الدفع سنويا للاستمرار في التسويق. 3. السمسار يحرص على البحث عن أكثر الناس حاجة للسلعة أما المسوِّق في هذه المعاملة فيحرص على البحث عن الأقدر على تسويق المعاملة، بِغَضِّ النظر عن حاجته. 4. السمسار لا علاقة له بما يفعله المشترون بالسلعة أما المسوِّق في هذه المعاملة فيحتاج إلى أن يستمر في تسويق السلعة حتى يكمل العدد ليحصل على العمولة. 5. في السمسرة يأخذ السمسار على قدر ما يسوِّقه من السلع، أما في هذه المعاملة فقد يشترك اثنان في عدد من تُسوَّق لهم السلعة مباشرة أو بالتسبب ويكون بينهما من التفاوت في العمولات فرق كبير جدا بسبب ما يشترطونه من كيفية لاستحقاق العمولة، وهذا يؤكد أن بناء شبكة التسويق الهرمي هو المقصود أصالةً لا ما يدَّعون من السلع. وهذه الفروق الخمسة بين المعاملتين تدل على اختلاف حقيقتهما بما يمنع من إباحة معاملة بزناس قياسا على السمسرة، لاسيما أن في معاملة بزناس أسباب واضحة للتحريم كما سبق. 6. لو فرضنا أنها سمسرة ـ وهذا غير صحيح ـ فإن الحرمة تدخلها من جهة أن هذا المسوِّق لا يمكن أن يُبيِّن لمن يعرض عليه أن هذه السلعة يوجد مثلها في غير هذه الشركة بربع المبلغ أو نصفه، أو أنه قد لا يحتاج لبعضها، فضلا عن أن يخبره بإمكان الاستفادة الشخصية الكاملة منها من الموقع عبر رقم المسوِّق الخاص دون التأثير عليه ودون دفع شيء، ولا بد أن يركِّز معه على ذكر العمولة الكبيرة التي سيحصل عليها إذا اشترى وسوَّق. 7. من جعلها سمسرة وأباحها اشترط أن لا يكون في تسويقها مخادعة أو أن لا يمدحها بما ليس فيها، وهذا غير متحقق عادة عند كثير من هؤلاء المسوِّقين لما سبق بيانه. وبهذا التفصيل في الجواب يتبيَّن حرمة هذه المعاملة وحرمة مثيلاتها، ونصيحتنا في هذا المقام لأصحاب هذه الشركة ومندوبيها أن يتقوا الله في البحث عن مصادر الرزق البعيدة عن الحرمة أو الشبهة، وأن يتقوا الله في أموال إخوانهم المسلمين قبل أن لا يكون درهم ولا دينار وإنما هي الحسنات والسيئات، وليس هناك إلا جنة أو نار. وصلى الله وسلّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 40263 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5444 حكم بيع التلفاز والفيديو والبلايستيشن [السُّؤَالُ] ـ[لدي محل أجهزة كهربائية، فهل يجوز أن أبيع أجهزة التلفاز والفيديو وأجهزة (البلايستيشن) والاسطوانات الخاصة به، مع العلم أنني لا أعرف لأي غرض ستستخدم هذه الأجهزة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه الأجهزة من التلفاز والفيديو وغيرها - مما يستعمل في الخير والشر، والطاعة والمعصية، لكن يغلب اليوم استعمالها في الشر، من رؤية النساء العاريات، وسماع اللهو واللغو والباطل من الموسيقى وغيرها-. والواجب في مثل هذا أن يعمل الإنسان بما يغلب على ظنه. فلا يجوز بيعها إلا لمن عُلم أو غلب على الظن أنه يستعملها في المباح. أما من عُلم أو غلب على الظن أنه يستعملها في الحرام، فلا يجوز بيعها عليه؛ لقول الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة /2. جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: " كل ما يستعمل على وجه محرم، أو يغلب على الظن ذلك، فإنه يحرم تصنيعه واستيراده وبيعه وترويجه بين المسلمين" اهـ "فتاوى اللجنة الدائمة " (13/109) . وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء، ما نصه: أنا أعمل مهندس إلكترونيات، ومن عملي إصلاح الراديو والتليفون والفيديو ومثل هذه الأجهزة، فأرجو إفتائي عن الاستمرار في هذه الأعمال، مع العلم أن ترك هذا العمل يفقدني كثيرا من الخبرة ومن مهنتي التي تعلمتها طوال حياتي، وقد يقع علي ضرر خلال تركها. فأجابت: " دلت الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة أنه يجب على المسلم أن يحرص على طيب كسبه، فينبغي لك أن تبحث عن عمل يكون الكسب فيه طيبا. وأما الكسب من العمل الذي ذكرته فهذا ليس بطيب؛ لأن هذه الآلات تستعمل غالبا في أمور محرمة" اهـ. "فتاوى اللجنة الدائمة" (14/420) . وأما (البلايستيشن) وأقراصه، فله الحكم السابق نفسه، فيجوز بيعه على من غلب على الظن أن يستعمله استعمالاً مباحاً، ويحرم بيعه على من غلب على الظن أنه يستعمله استعمالاً محرماً. وكثير من الناس الآن يستعمله استعمالاً محرماً، فبدلاً من أن يكون الترفيه شيئاً عارضاً يفعله الإنسان إذا احتاج إليه، صار الترفيه هو الأصل عند كثير من الناس، فينفق فيه كثيراً من عمره وماله وجهده ما بين اللعب بنحو هذه الألعاب، والذهاب إلى النوادي وحمامات السباحة، والسفر والجلوس مع الأصحاب، والذهاب إلى المنتزهات ... إلخ. وكثير ممن يستعمل البلايستيشن أو نحوه من الألعاب يضيع بسببه الصلوات، وينشغل به عن كثير من مصالح دينه ودنياه، مما يجعلنا نجزم بتحريمه على أمثال هؤلاء. وأما من يقدر الأمور حق قدرها، ويلعب بهذه الألعاب قليلاً من الوقت للترويح عن النفس، ولا يضيع بسببها شيئاً من الواجبات ولا مصالح دينية أو دنيوية، ومع خلو هذه الألعاب من المنكرات كالموسيقى وصور النساء العاريات ونحو ذلك فلا حرج في ذلك إن شاء الله تعالى. والأجدر بالمسلم أن يحرص على كسب المال الحلال الذي لا شبهة فيه، وليتذكر قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به) . رواه الطبراني وصححه الألباني في صحيح الجامع (4519) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39744 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5445 حكم بيع جوزة الطيب واستعمالها [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم وضع جوز الطيب في الطعام؟ وهل يحل بيعه في محل العطارة أم لا؟ أم أنه محرم أكله وبيعه كالخمور؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله شجرة " جوزة الطيب " معروفة منذ قديم الزمان، وقد كانت تستخدم ثمارها كنوع من " البهارات " التي تعطي للأكل رائحة زكية، واستخدمها قدماء المصريين دواء لآلام المعدة وطرد الريح. وارتفاع شجرتها حوالي عشرة أمتار، وهي دائمة الخضرة، ولها ثمار شبيهة بالكومثرى، وعند نضجها يتحول ثمرها إلى غلاف صلب، وهذه الثمرة هي ما يعرف بجوزة الطيب، ويتم زراعتها في المناطق الاستوائية، وفي الهند، وإندونيسيا وسيلان. وتأثيرها مماثل لتأثير الحشيش، وفي حالة تناول جرعات زائدة يصاب المرء بطنين في الأذن وإمساك شديد وإعاقة في التبول وقلق وتوتر وهبوط في الجهاز العصبي المركزي والذي قد يؤدي إلى الوفاة. أما عن حكمها فقد اختلفت آراء العلماء فيها إلى قولين: فجمهور العلماء على حرمة استعمال القليل منها والكثير، وذهب آخرون إلى جواز استعمال اليسير منها إذا كانت مغمورة مع غيرها من المواد. قال ابن حجر الهيتمي - المتوفى سنة 974 هجرية - عن جوزة الطيب -: "عندما حدث نزاع فيها بين أهل الحرمين ومصر واختلفت الآراء في حلها وحرمتها طرح هذا السؤال: هل قال أحد من الأئمة أو مقلِّديهم بتحريم أكل جوزة الطيب؟ . ومحصل الجواب،- كما صرح به شيخ الإسلام ابن دقيق العيد - أنها مسكرة، وبالغ ابن العماد فجعل الحشيشة مقيسة عليها، وقد وافق المالكية والشافعية والحنابلة على أنها مسكرة فتدخل تحت النص العام: (كل مسكر خمر، وكل خمر حرام) ، والحنفية على أنها إما مسكرة وإما مخدرة، وكل ذلك إفساد للعقل، فهي حرام على كل حال" انتهى. انظر: " الزواجر عن اقتراف الكبائر " (1 / 212) ، و" المخدرات " لمحمد عبد المقصود (ص 90) . وفي مؤتمر " الندوة الفقهية الطبية الثامنة " - " رؤية إسلامية لبعض المشاكل الصحية " " المواد المحرمة والنجسة في الغذاء والدواء " - والمعقود بدولة الكويت، في الفترة من 22 -24 من شهر ذي الحجة 1415هـ الذي يوافقه 22 - 24 من شهر مايو 1995، قالوا: "المواد المخدرة محرمة، لا يحل تناولها إلا لغرض المعالجة الطبية المتعينة، وبالمقادير التي يحددها الأطباء وهي طاهرة العين. ولا حرج في استعمال " جوزة الطيب " في إصلاح نكهة الطعام بمقادير قليلة لا تؤدي إلى التفتير أو التخدير. وقال الشيخ الدكتور وهبة الزحيلي: لا مانع من استعمال القليل من جوزة الطيب لإصلاح الطعام والكعك ونحوه، ويحرم الكثير؛ لأنها مخدِّرة. والأحوط: هو القول بمنعها ولو كانت مخلوطة مع غيرها وبنسبة قليلة، و" ما أسكر كثيره فقليله حرام ". وللعلم: فإن ثمرة جوزة الطيب - بذرتها ومسحوقها الخاص - ممنوع استيرادها إلى بلاد الحرمين الشريفين، ويقتصر السماح باستيراد مسحوقها المخلوط بغيره من التوابل في حدود النسبة المسموح بها والتي لا تزيد عن 20 %. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39408 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5446 بيع الذهب المستعمل على أنه جديد [السُّؤَالُ] ـ[ما الحكم في أن بعض أصحاب محلات الذهب يشتري ذهباً مستعملا نظيفا، ثم يعرضه للبيع بسعر الجديد. فهل يجوز مثل هذا؟ أو يلزمه تنبيه المشتري بأنه مستعمل؟ أو لا يلزم حيث إن بعض المشترين لا يسأل هل هو جديد أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب عليه النصيحة , وأن يحب لأخيه ما يحب لنفسه , ومن المعلوم لو أن شخصا باع عليك شيئا مستعملا استعمالاً خفيفا لم يؤثر فيه وباعه عليك على أنه جديد لعددت ذلك غشا منه وخديعة , فإذا كنت لا ترضى أن يفعل بك الناس هذا، فكيف تسوغ لنفسك أن تفعله بغيرك؟! وعلى هذا فلا يجوز للإنسان أن يفعل مثل هذا الفعل، حتى يبين للمشتري ويقول له: إن هذا قد استعمل استعمالا خفيفا أو ما أشبه ذلك. [الْمَصْدَرُ] فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين. "مجموعة أسئلة في بيع وشراء الذهب". الحديث: 39181 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5447 تحريم بيع الدم [السُّؤَالُ] ـ[بنك الدم يمنح هدايا للمتبرعين بالدم , هي عبارة سجادة صلاة , وميدالية أو غترة – شماغ - أو غيرهما , وأحياناً ثلاثمائة ريال. أرجو إيضاح رأي الشرع المطهر في هذه الهدايا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا يعتبر بيعاً للدم، وبيع الدم حرام بإجماع العلماء. جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (13/71) : " لا يجوز بيع الدم؛ لما في "صحيح البخاري" , من حديث أبي جحيفة أنه اشترى حَجّاماً , فأمر بمحاجمه فكسرت , فسئل عن ذلك فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم (نهى عن ثمن الدم) . قال الحافظ في "الفتح": " المراد تحريم بيع الدم كما حرم بيع الميتة والخنزير , وهو حرام إجماعاً , أعني بيع الدم وأخذ ثمنه " انتهى. وجاء في "الموسوعة الفقهية" (9/148) : " ويحرم ولا ينعقد بيع الدم المسفوح , لقوله تعالى: (أو دما مسفوحا) . . . وصرح ابن المنذر والشوكاني بإجماع أهل العلم على تحريم بيعه " انتهى. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38605 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5448 حكم بيع الصيدلي لموانع الحمل [السُّؤَالُ] ـ[أنا طالب في الصيدلة في السنة قبل الأخيرة وأواجه مشكلة منع الحمل في الإسلام يقول لقد قرأت إجابات عن هذا الموضوع وكصيدلي أواجه مشكلة أنني سوف أعطي للناس أقراص منع الحمل ولست أدري مدى إباحية هذا الإجراء لكن هل في القرآن أن الله ينفخ في الروح بعد مدة معينة وإذا كان كذلك فما حكم هذا القرص على أساس أنه قد يقتل إنساناً وبعض المسلمين يحكم على استخدام هذه الأقراص على أساس أنها تسبب أمراضاً جانبية للمرأة لكن كل دواء له هذه الأضرار الجانبية؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ننصح أنه لا يبيعها إذا علم أن الذين يستعملونها إما امرأة تريد ألا تحبل إذا زنت مثلاً وإما أنه رجل يريد ألا يُولد له وإما أنه قد انعقد حمل امرأته ويريد إسقاطه فكل هذه من المحرمات فإذا كان مضطراً إلى تعلم الصيدلة فيتعلمها وعندما يريد البيع يخبر الذين يشترونها بأن هذا لا يجوز، لا يجوز إسقاط الحمل ولا يجوز منع الحمل إلا لضرورة ينصحهم ومن لم يقبل فالإثم عليهم، وإن وجد مجالاً لعدم البيع فهو الأولى. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 10101 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5449 لا يدرون عن حل مكسب الذين يرسلون الأطعمة إلى المسجد [السُّؤَالُ] ـ[يقوم بعض الأخوة في رمضان بإرسال بعض الأطعمة للمسجد ويفطر الأخوة في المسجد عليها، ماذا لو أفطر المسلمون على طعام أرسله من دخله من الحرام؟ كموظف البنك .... نحن لا ندري من أرسل أو ماذا أرسل، أرجو التوضيح.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجب بل ليس من الحكمة والمصلحة أن تسألوا عن مصدر دخل من أرسل الطعام من إخوانكم لما في ذلك من التعنت والتكلف، والأصل في أموال المسلمين وطعامهم وشرابهم الحل حتى يتبين لكم غير ذلك. وإذا عرف المسلم أن هذا طعام صاحب كسب حرام بعينه فليتورع عنه. وقد سبقت أجوبة متعددة على مثل هذا السؤال، فانظر (5559) و (4820) و (37711) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 37789 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5450 لا يجوز بيع ما يستعمل في المعصية [السُّؤَالُ] ـ[سمعت من أحد الشيوخ أنه يجوز بيع وخياطة الفساتين النسائية التي لا تستر المرأة أي: الفساتين القصيرة، ويستدل بأن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهدى لعمر بن الخطاب رضي الله عنه ثوب حرير أحمر، فلما لبسه عمر ورآه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له: (إني أعطيته لك لتهديه، وليس لتلبسه) فأهداها عمر لأحد أصحابه في الجاهلية، أو في ما معنى الحديث، فهل هذا الكلام صحيح؟ وإذا كان صحيحاً فهل يمكن القياس على ذلك بجواز بيع السجائر والتبع، والبناطيل النسائية والمايوهات الرجالية والنسائية الخليعة؟ والمولى عز وجل يقول في كتابه: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) فأرجو الإفادة، وحاشى أن يكون هناك تعارض بين القرآن والسنة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحديث رواه البخاري ومسلم وغيرهما في عدة مواضع من عدة طرق، منها رواية البخاري له تحت باب التجارة فيما يكره لبسه للرجال والنساء، من طريق سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: أرسل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى عمر رضي الله عنه بحلّة من حرير أو سيراء، فرآها عليه فقال: (إني لم أرسل بها إليك لتلبسها، وإنما يلبسها من لا خلاق له، إنما بعثت إليك لتستمتع بها) ـ يعني تبيعها. وهذا الحديث يدل على جواز الاتجار في الملابس التي يجوز استعمالها على وجه دون وجه، وجواز هبتها والتبرع بها، وعلى من اشتراها أو أعطيت له تبرعاً أن يستعملها على الوجه المباح دون الممنوع، ومثل ذلك: الحليّ من الذهب، والسلاح والسكاكين والعنب، ونحو ذلك مما يمكن أن يستعمل في مباح أو محرم، فيجوز الاتجار فيه والتبرع به وهبته، وعلى من اشتراه أو وهب له مثلاً أن يستعمله على الوجه المباح: من بيع وهبة ونحو ذلك، دون أن ينتفع به على الوجه الممنوع. أما إذا كان الشيء محرّماً استعماله من كلّ وجه وعلى كل حال، فلا يجوز الاتجار فيه ولا هبته، كالخنزير والأسد والذئب، وليس في الأحاديث دلالة على جواز بيع ما ذكر، فلا يصح قياس بيع السجائر والتبغ والمايوهات الرجالية والنسائية الخليعة على الاتجار فيما يجوز استعماله على وجه دون وجه، وحال دون حال لأنها محرم استعمالها على كل حال. وبالله التوفيق [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة (16/179-181) . الحديث: 34587 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5451 بيع ما لا يجوز لبسه [السُّؤَالُ] ـ[سمعت بعض الناس يقول: يجوز بيع وخياطة الفساتين النسائية التي لا تستر المرأة - أي الفساتين القصيرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى لعمر بن الخطاب رضي الله عنه ثوب حرير أحمر، فلما لبسه عمر ورآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: " إني أعطيته لك لتهديه، وليس لتلبسه " فأهداه عمر لأحد أصحابه في الجاهلية. فهل كلامه صحيح؟ وإذا كان صحيحاً فهل يمكن القياس على ذلك بجواز بيع السجائر والتبغ والبناطيل النسائية والمايوهات الرجالية والنسائية الخليع؟ مع أن الله يقول: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} فأرجوا الإفادة والله يحفظكم ويرعاكم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحديث رواه البخاري (2104) ومسلم (2068) وغيرهما في عدة مواضع من عدة طرق، منها رواية البخاري له تحت باب التجارة فيما يُكره لبسه للرجال والنساء، من طريق سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه، قال: أرسل النبي صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عن بحلة حرير أو سيراء، فرآها عليه فقال: " إني لم أرسل بها إليك لتلبسها، إنما يلبسها من لا خلاق له، إنما بعثت إليك لتستمتع بها يعني تبيعها ". وهذا الحديث يدل على جواز الاتجار في الملابس التي يجوز استعمالها على وجه دون وجه، وجواز هبتها والتبرع بها، وعلى من اشتراها أو أُعطيت له تبرعاً أن يستعمله على الوجه المباح دون الممنوع، ومثل ذلك: الحلي من الذهب والسلاح والسكاكين والعنب ونحو ذلك مما يمكن أن يُستعمل في مباح أو محرم، فيجوز الاتجار فيه والتبرع به وهبته. وعلى من اشتراه أو وُهب له مثلاً أن يستعمله على الوجه المباح من بيعٍ وهبة ونحو ذلك، دون أن ينتفع به على الوجه الممنوع. أما إذا كان الشيء محرماً استعماله من كل وجه وعلى كل حال فلا يجوز الاتجار فيه ولا هبته، كالخنزير والأسد والذئب، وليس في الحديث دلالة على جواز بيع ما ذُكر، فلا يصح قياس بيع السجاير والتبغ والمايوهات الرجالية والنسائية الخليعة على الاتجار فيما يجوز استعماله على وجه دون وجه، وحال دون حال؛ لأنها محرم استعمالها على كل حال. وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 16/179. الحديث: 34674 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5452 شراء الذهب عبر موقع في الانترنت [السُّؤَالُ] ـ[شركة تبيع الذهب عن طريق الإنترنت، هل يجوز أن أشتري منها أو أن أجلب لها الزبائن وأخذ أجرة على ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من المعلوم أن من شروط بيع وشراء الذهب بالنقود في الإسلام أن يحصل التقابض عند العقد لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة مثلاً بمثل سواء بسواء يد بيد ... ، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) رواه مسلم (1578) . وأنا أظن أن شراء الذهب عبر الإنترنت لا يحصل يداً بيد لأنك ترسل لهم القيمة ثم يرسلون لك الذهب بعد مدة، فإذا كان الأمر كذلك فالبيع بهذه الطريقة محرم، ويحرم عليك أن تجلب الزبائن لهذه الشركة، لقول الله تعالى: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) لكن لو حصل الاستلام والتسليم فوراً في مجلس العقد يجوز لك القيام بالدلالة وجلب زبائن لهذه الشركة وأخذ أجرة على هذه الدلالة. ونسأل الله أن يجعل رزقنا حلالاً وصلى الله على نبينا محمد وأله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 34325 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5453 بيع الأشرطة المرئية واقتناء التلفزيون والفيديو [السُّؤَالُ] ـ[هل بيع الأشرطة المرئية والمسموعة حرام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأشرطة المرئية والمسموعة، إذا خلت من الحرام، أبيح سماعها، ورؤيتها، وبيعها، وشراؤها. والمقصود بالحرام: أن تكون مشتملة على خنا أو فجور أو موسيقى أو صور نساء سافرات، وكذا لو اشتملت على كفر أو بدعة إلا لمن كانت نيته الرد على ما فيها، وكان أهلا لذلك. وقد سئلت اللجنة الدائمة: هل يجوز بيع أشرطة الغناء كأشرطة أم كلثوم وفريد الأطرش وما شابههما؟ فأجابت: (بيع هذه الأشرطة حرام؛ لأن ما فيها من الغناء حرام، وسماعه حرام، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه") انتهى من فتاوى اللجنة الدائمة 13/48. وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن التجارة في أشرطة الفيديو التي أقل ما فيها أن تظهر فيها النساء سافرات، وتُمثل فيها قصص الغرام والهيام، وهل مال التاجر حرام، وماذا يجب عليه وكيف يتخلص من هذه الأشرطة؟ فأجاب: (هذه الأشرطة يحرم بيعها واقتناؤها وسماع ما فيها والنظر إليها لكونها تدعو إلى الفتنة والفساد. والواجب إتلافها والإنكار على من تعاطاها، حسما لمادة الفساد، وصيانة للمسلمين من أسباب الفتنة) فتاوى إسلامية 2/369 وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن المتاجرة في أشرطة الغناء المشتملة على المعازف والمزامير والكلام الساقط والغزل الفاحش والدعوة إلى المجون والفساد ونشر الرذيلة بين الجنسين، وعن تأجير المحلات لبائعي هذه النوعية من الأشرطة؟ فأجاب: (إذا كانت هذه الأشرطة تشتمل على ما ذكرتموه من المعازف والمزامير بشتى أنواعها، والدعوة إلى المجون والفساد والفسق ونشر الرذيلة بين الجنسين والكلام الساقط والغزل الفاحش فإنه لا يستريب عاقل فضلا عن مؤمن بالله واليوم الآخر يخشى عقاب الله ويرجو ثوابه بأن شراء هذه الأشرطة وسماعها حرام منكر؛ لأنها مدمرة للأخلاق والمجتمع، معرضة للأمة أن تحل بها العقوبات العامة والخاصة. والواجب على من عنده شيء من هذه الأشرطة أن يتوب إلى الله تعالى وأن يمحو ما فيها من ذلك لينسخ فيها شيئا مفيدا. أما المال العائد من بيعها والمتاجرة فيها فهو مال حرام لا يحل لصاحبه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه ". وأما تأجير المحلات لبائعي هذه النوعية من الأشرطة فهو حرام أيضا، والأجرة المأخوذة على ذلك حرام؛ لأن هذا من التعاون على الإثم والعدوان الذي نهى الله عنه بقوله: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) . وأما إثم المشترين فعليهم، ولا يبعد أن ينال البائع ومؤجر المحل شيء من إثمهم من غير أن ينقص من إثم المشترين شيئا. والله أعلم) فتاوى إسلامية 2/370. وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (13/46) : (يجوز أن تبقي جهاز التلفزيون وجهاز الفيديو في بيتك إذا استطعت أن تضبط نفسك، فتقصرها على سماع المحاضرات الدينية والعلمية النافعة، وقراءة القرآن والنشرات التجارية، والأخبار السياسية، ونحو ذلك من الأمور المباحة. وإن لم تستطع ذلك فلا تبعه؛ لأن الغالب على من يشتري ذلك منك أن يستعمله في اللهو وسائر ما يستعمل فيه من المحرمات، بل أتلف ما لديك من ذلك تخلصا من الشر ولك الأجر، لكن إن وجدت من يغلب على ظنك استعماله لهما في المباح فلا بأس ببيعهما عليه) . والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 32752 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5454 هل يجوز للداخلين في المزاد طلب عدم الزيادة من أحد الحاضرين [السُّؤَالُ] ـ[مجموعة من الناس حضروا أحد المزادات وكانوا متفقين قبل الحضور إلى المزاد أن لا يزيدوا في السعر على بعضهم وبدأ المزاد، وقام زميل لهم ودخل المزاد وبدأ في رفع السعر، فكلموه وقالوا له أنت شريك لنا والزم الصمت ثم بعد انتهاء المزاد قاموا ببيع ما اشتروه ثم قسموا المبلغ فيما بينهم، فما حكم ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرض السؤال التالي على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله بقوله: إذا لم يكن في السوق سواهم فإن ذلك لا يجوز، أما إذا كان في السوق غيرهم فلا بأس أن يتفقوا على شرط أن لا يمنعوا أحداً من دخول المزاد. أما أن يمنعوا أحداً من دخول المزاد ويقولون له أنت شريك في الربح فلا يجوز. سؤال: وإذا أعطوه هل يجب أن يتخلص من المبلغ؟ جواب: إذا أعطوه فهم آثمون. سؤال: ماذا يفعل بالمبلغ؟ جواب: عليه أن يردّه أو أن يتصدق به. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح العثيمين الحديث: 5224 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5455 بيع ما يسهّل فكّ الشفرات الإباحية [السُّؤَالُ] ـ[اشترى شخص " ريسيفر ديجيتال " - بغض النظر عن مسألة جواز شراء الجهاز - وكان معه بطاقة فك شيفرة للأقنية الخلاعية فهل يجوز له بيعها علما أن البائع اشترط عليه شراءها مع الجهاز.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله كل ما استخدم على وجه محرّم فإنه لا يجوز بيعه وهذا الجهاز لا يجوز له بيعه ولا شراؤه، ولا إهداؤه، وذلك لأن فيه إعانة على مشاهدة الحرام والوقوع في الرذيلة والعياذ بالله، وهو معاونة على المنكر الذي جاء الشرع بتحريمه قال تعالى: (ولا تعانوا على الإثم والعدوان) المائدة/3 والواجب عليه إتلاف مثل هذه الآلات المحرمة التي هي من أكبر الأسباب في شيوع الفساد والرذيلة في المجتمع، ومن سعى في نشر هذه الأجهزة فإن عليه أن يحذر من وعيد الله قال عز وجل: (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة) النور/19. وليعلم الأخ السائل وكل مسلم أنه من أعان على نشر الفاحشة بتيسير طرقها ووسائلها أن عليه إثم كل من انحرف وتأثر بسببها، فهي سيئة جارية تجري عليه حتى بعد وفاته، وهذا أمر عظيم ينبغي التنبه له، فالدال على الخير كفاعله، والدال على الشر كفاعله. عن جرير بن عبد الله قال: جاء ناس من الأعراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم الصوف فرأى سوء حالهم قد أصابتهم حاجة فحث الناس على الصدقة فأبطئوا عنه حتى رئي ذلك في وجهه قال: ثم إن رجلا من الأنصار جاء بصرَّة من ورِق ثم جاء آخر ثم تتابعوا حتى عرف السرور في وجهه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سنَّ في الإسلام سنة حسنة فعمل بها بعده كتب له مثل أجر من عمل بها ولا ينقص من أجورهم شيء ومن سنَّ في الإسلام سنة سيئة فعمل بها بعده كتب عليه مثل وزر من عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شيء. رواه مسلم (1017) . قال النووي: قوله صلى الله عليه وسلم: (من سن سنة حسنة ومن سن سنة سيئة) الحديث وفي الحديث الآخر (من دعا إلى الهدى ومن دعا إلى الضلالة) : هذان الحديثان صريحان في الحث على استحباب سن الأمور الحسنة، وتحريم سن الأمور السيئة، وأن من سن سنة حسنة كان له مثل أجر كل من يعمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة كان عليه مثل وزر كل من يعمل بها إلى يوم القيامة، وأن من دعا إلى هدى كان له مثل أجور متابعيه، أو إلى ضلالة كان عليه مثل آثام تابعيه، سواء كان ذلك الهدى والضلالة هو الذي ابتدأه، أم كان مسبوقا إليه، وسواء كان ذلك تعليم علم، أو عبادة، أو أدب، أو غير ذلك. قوله صلى الله عليه وسلم: (فعمل بها بعده) معناه إن سنها سواء كان العمل في حياته أو بعد موته. والله أعلم. " شرح مسلم " (16 / 226، 227) . فيجب عليه المبادرة بالتوبة إلى الله، وإتلاف مثل هذه الآلات، ويجب على المسلم أن يستعمل ما وهبه الله من الخبرة والذكاء في نشر الخير ومنع الشر، وليس في فكّ الشفرات وغيرها لنشر الشر، ولا تجوز المتاجرة في أي وسيلة توصل إلى الشر. والله المستعان. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 21213 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5456 بيع علب ألعاب لا يدري ما بداخلها [السُّؤَالُ] ـ[يوجد لدي بقالة بها بضاعة منها كرتون بداخله اثنا عشر علبة - كراتين، يطلق عليها اسم جرب حظك بداخل كل علبة حلوى وألعاب أطفال عبارة عن سيارة وطائرة ومروحة وقطار، كلها ألعاب أطفال، وهي منوعة، كل علبة يختلف ما بداخلها عن الأخرى من الألعاب المذكورة، فما حكم بيعها على الزبائن؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا النوع من البضائع، ذات الكرتون المغلف، الذي يباع ولا يعلم ما في داخله من أنواع السلع من ألعاب الأطفال وغيرها، هو بيع مجهول يفتقد شرط العلم بالمبيع برؤية أو صفة، لذا فلا يجوز التعامل بهذا النوع من البضائع الفاقد للعلم بالمبيع برؤية أو صفة، لأنه من بيوع الغرر المنهي عنها لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر رواه مسلم 3/1153 [الْمَصْدَرُ] من فتاوى اللجنة الدائمة 13/85. الحديث: 2997 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5457 مكآفات المتبرع بالدم [السُّؤَالُ] ـ[بنك الدم يمنح هدايا للمتبرعين بالدم، وهي عبارة عن سجادة صلاة أو ميدالية أو بعض النقود، أرجو إيضاح رأي الشرع المطهر في هذه الهدايا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز بيع الدم، لما في (صحيح البخاري) من حديث أبي جحيفة قال: رأيت أبي اشترى حجاماً، فأمر بمحاجمه فكسرت، فسألته عن ذلك فقال، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نهى عن ثمن الدم .... ) البخاري 3/12،43، واحمد 4/308،309 قال الحافظ في الفتح: المراد تحريم الدم كما حرم بيع الميتة والخنزير، وهو حرام إجماعاً، أعني: بيع الدم وأخذ ثمنه. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] من فتاوى اللجنة الدائمة ج13/71. الحديث: 6700 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5458 حكم بيع الفيز والتأشيرات [السُّؤَالُ] ـ[استقدمت عمالة أجنبية قبل 8 سنوات تقريباً، وقد بعت الفيز على شخص هنا، على أن يستقدم العمالة ويعملوا على طريقتهم، أي ليس عندي في المؤسسة، وكان هذا شرطاً بيني وبينهم، وعلى اتفاق أن يدفع نسبة آخر كل شهر، وليست إجبارياً، وبعض العمال سافر إلى بلاده، ولا أعرف له عنواناً، والبعض الآخر موجود، ولكن لا آخذ منه شيئاً. فما حكم المال الذي أخذته من بيع الفيز ومن العمال؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله بيع الفيز لا يجوز لأن في بيعها كذباً ومحالفة واحتيالاً على أنظمة الدولة، وأكلاً للمال بالباطل، وقد قال تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام) البقرة/188 وعلى ذلك فإن ثمن الفيز التي بعتها والنسب التي تأخذها من العمال كسب محرم، ويجب التخلص منه، وإبراء ذمتك منه، فما حصلت عليه من ثمن الفيز تنفقه في وجوه البر والخير من فقراء وإنشاء وبناء مرافق تنفع المسلمين. وأما الأموال التي أخذتها من العمال أنفسهم نسبة في كل شهر فإنه يجب عليك ردها إليهم إن كانوا موجودين، أو تيسر إيصالها إليهم في بلدهم على عناوينهم، فإن تعذر معرفتهم أو إيصالها إليهم فأن تتصدق بها عنهم لأن هذه النسبة اقتطعت منهم بغير حق، وبدون عوض، وعليك الاستمرار في التوبة من هذا العمل، وعدم العودة إليه مستقبلاً، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، قال الله تعالى: (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً، ويرزقه من حيث لا يحتسب) الطلاق /2،3 [الْمَصْدَرُ] من فتاوى اللجنة الدائمة ج13/80. الحديث: 9385 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5459 بقالة بأطعمة ذات مشتقات خنزيرية [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز بيع الأطعمة التي تحتوي على مواد محتواها خنزير أو كحولات؟ حيث إنه يكثر في أمريكا وجود مسلمين يملكون محلات بقالة تبيع البيرة ولحم الخنزير والدخان أو يعملون بها.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز بيع ما حرم أكله أو حرم استعماله، ومن ذلك ما ذكر في السؤال. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى اللجنة الدائمة ج13/47. الحديث: 9941 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5460 تأجير أشرطة فيديو [السُّؤَالُ] ـ[أرغب افتتاح محل فيديو بيع وتأجير الأشرطة، مع التقيد بالتعاليم، وعدم المخالفة للأشياء الشرعية، فهل هذا حرام أو الرزق الذي يأتي منه، علماً بأنني لا أريد أن أعمل في شيء يغضب الله تعالى؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الفيديو والراديو والتلفزيون ونحوها من أجهزة الإعلام لا يقال لها في نفسها حلال ولا حرام لأنها آلات، وإنما الذي يحكم عليه استعمالها فما استعمل منه في محرم محض أو الغالب فهو محرم وإلا فهو حلال وعلى هذا إذا كنت لا تستعمل الفيديو إلا في الخير كما ذكرت فهو خير وإلا فهو شر، والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى اللجنة الدائمة ج13/47. الحديث: 10205 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5461 بيع القردة [السُّؤَالُ] ـ[أرغب في دخول مجال التجارة بالحيوانات الأليفة كالقطط والطيور، ومن ضمن هذه الحيوانات قرود الشمبانزي التي يتم تدريبها واستئناسها لأغراض التسلية كعامل جذب لزوار المحل، أو تباع للتسلية في المنازل، مع العلم بأنها غالية الثمن، ولقد أفادني بعض الأخوة جزاهم الله خيراً بأن التجارة في القرود محرمة نظراً لكونها علامة عذاب وسخط، ولما فيه من تغير لفطرتها وسوء استخدامها، إضافة إلى كونها مضيعة للمال، فما الحكم في ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز بيع القطط والقردة والكلاب وغيرها من كل ذي ناب من السباع لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، وزجر عنه ولما في ذلك من إضاعة المال، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى اللجنة الدائمة 13/37. الحديث: 10207 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5462 البيع على التصريف وبيع البضاعة قبل أن تصل [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الشرع في رأيكم في بيع التصريف وبيع البضاعة المشتراة من الخارج قبل أن تصل إلى المحل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذان سؤالان في سؤال واحد السؤال الأول: ما حكم بيع التصريف؟ وصورته أن يقول: بعت عليك هذه البضاعة، فما تصرّف منها فهو على بيعه، وما لم يتصرّف فرده إليّ، وهذه المعاملة حرام، وذلك لأنها تؤدي إلى الجهل ولا بدّ، إذ إن كل واحد من البائع والمشتري لا يدري ماذا سينصرف من هذه البضاعة، فتعود المسألة إلى الجهالة، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الغرر وهذا لا شك أنه من الغرر. ولكن إذا كان لابد أن يتصرف الطرفان فليعط صاحب السلعة بضاعته إلى الطرف الآخر ليبيعها بالوكالة، وليجعل له أجراً على وكالته فيحصل بذلك المقصود للطرفين فيكون الثاني وكيلاً عن الأول بأجرة ولا بأس بذلك. أما بيع السلعة قبل أن تصل فهذا أيضاً لا يجوز، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلعة حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم، فلابد أولاً من حيازتها، ثم بعد ذلك يبيعها، أما أن يبيعها وهي في بلد آخر ولا يدري هل تصل سليمة أو غير سليمة فإن هذا لا يجوز. فإن قال قائل: المشتري ملتزم بما تكون عليه السلع سواء نقصت أو لم تنقص، قلنا: ولو رضي بذلك، لأنه قد يرضى بهذا عند العقد طمعاً في الربح، ثم إذا حصل نقص ندم وتأسف، وربما يحصل بينه وبين البائع نزاع، والشرع - ولله الحمد - قد سدّ كل باب يؤدي إلى الندم وإلى النزاع والخصومة. وكذلك أيضاً لو تلفت قد يحصل نزاع بين الطرفين، فالمهم أن هذا لا يجوز بيع السلع حتى تصل إلى مقرها عند البائع، ثم يتصرف فيها. [الْمَصْدَرُ] لقاء الباب المفتوح لابن عثيمين 54/94 الحديث: 1810 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5463 فتح محل لبيع الزواحف والسباع [السُّؤَالُ] ـ[أود أن أتقدم لسماحتكم بسؤال عن حكم الشرع في الاتجار أو اقتناء الحيوانات التي تستخدم لإشباع الهواية أو لأغراض الزينة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: 1.طيور الزينة مثل: الببغاوات والطيور الملونة. 2.الزواحف مثل: الثعابين والسحالي. 3. المفترسات مثل: الذئاب والأسود والثعالب.. الخ. حيث إنها تستخدم إما لأشكالها الجميلة أو لفرائها، مع العلم بأنها غالية الثمن، وتحفظ تحت الأسر، والتجارة فيها لها مردود عالي جداً؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: بيع طيور الزينة مثل الببغاوات والطيور الملونة والبلابل لأجل صوتها جائز لأن النظر إليها وسماع أصواتها غرض مباح، ولم يأت نص من الشارع على تحريم بيعها أو اقتنائها، بل جاء ما يفيد جواز حبسها إذا قام بإطعامها وسقيها وعمل ما يلزمها، ومن ذلك ما رواه البخاري من حديث أنس قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً، وكان لي أخ يقال له أبو عُمير قال: أحسبه فطيماً وكان إذا جاء قال: (يا أبا عُمير ما فعل النُغير؟) نغر كان يلعب به) ..الحديث، والنغر نوع من الطيور، قال الحافظ ابن حجر في شرحه (فتح الباري) في أثناء تعداده لما يستنبط من الفوائد من هذا الحديث قال: وفيه.. جواز لعب الصغير بالطير، وجواز ترك الأبوين ولدهما الصغير يلعب بما أبيح اللعب به، وجواز إنفاق المال فيما يتلهى به الصغير من المباحات، وجواز إمساك الطير في القفص ونحوه، وقص جناح الطير إذ لا يخلو طير أبي عمير من واحد منهما، وأيهما كان الواقع التحق به الآخر في الحكم، وكذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (دخلت امرأة النار في هرة حبستها لا هي أطعمتها وسقتها ولا هي تركتها تأكل في خشاش الأرض) أخرجه البخاري في الصحيح 4/ 100،152وأحمد 2/261. وإذا جاز هذا في الهرة جاز في العصافير ونحوها. وذهب بعض أهل العلم إلى كراهة حبسها للتربية، وبعضهم منع ذلك، قالوا: لأن سماع أصواتها والتمتع برؤيتها ليس للمرء به حاجة، بل هو من البطر والأشر ورقيق العيش، وهو أيضاً سفه لأنه يطرب بصوت حيوان صوته حنين إلى الطيران، وتأسف على التخلي في الفضاء، كما في كتاب (الفروع وتصحيحه) للمرداوي 4/9، والإنصاف (4/275) ثانياً: من شروط صحة البيع كون العين المعقود عليها مباحة النفع من غير حاجة، والثعابين لا نفع فيها، بل فيها مضرة فلا يجوز بيعها ولا شراؤها، وهكذا السحالي، وهي السحابل، لا نفع فيها، فلا يجوز بيعها ولا شراؤها. ثالثاً: لا يجوز بيع المفترسات من الذئاب والأسود والثعالب وغيرها من كل ذي ناب من السباع لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك ولما في ذلك من إضاعة المال، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعته. [الْمَصْدَرُ] من فتاوى اللجنة الدائمة 13/38. الحديث: 3004 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5464 هل يأخذ ما دفعه في اشتراك الانترنت كاملاً أو تقيّم الأجهزة ويأخذ نصيبه منها؟ [السُّؤَالُ] ـ[منذ حوالي أربع سنوات قمنا بإنشاء شبكه إنترنت صغيرة مكونة من أربعة أجهزة نتقاسم معاً اشتراك الإنترنت ودفع كل منا 200 جنيه لتأسيس هذه الشبكة بعد ذلك اشترك معنا جار آخر في هذه الشبكة بدلاً من عضو انسحب من الشبكة لظروف عمله ودفع هذا الشخص الأخير – طواعية - 200 جنيه أعدناها إلى العضو المنسحب واليوم حدثت مشاكل بسبب قيام أخو العضو الذي اشترك مؤخراً بقطع الإنترنت عن باقي الأعضاء بالشبكة – مرات عديدة - وقرر باقي الأعضاء طرد هذا العضو من الشبكة ورداً لحقه في الأجهزة المستخدمة – سويتش وراوتر - سألنا أهل الاختصاص فقالوا أن تُقَيَّم الأجهزة بسعرها الحالي ويخصم منها 25% نظراً لأنها أجهزة مستعملة ويقسم الباقي علينا ويعطى نصيبه بينما وجهة نظر العضو انه دفع 200 جنيه عند دخوله الشبكة ويريد 200 جنيه مثلها ليخرج ورفض حكم المختصين ونحن نسألكم عن حكم الشرع في هذه المسألة أفتونا مأجورين لنرد الحقوق إلى أصحابها]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا اتفق الشركاء في هذه الأجهزة على فسخ الشركة، فكل واحد من الشركاء يمتلك من الأجهزة ربعها. فإما أن يبتاع الأجهزة ويقسم ثمنها على الجميع، وإما أن تُقَوم ويأخذ هذا العضو المنسحب نصيبه منها، وهذا – قطعاً - سيكون أقل من قيمتها وهي جديدة. هذا من حيث الأصل. غير أن الذي ننصحكم به هو أن يدفع له ما دفعه من المال كاملاً 200 جنيه، وذلك لسببين: 1- حرصاً على إصلاح ذات البين، ودرء الخلاف والنزاع، ما أمكن ذلك، قال الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ) الأنفال/1، ولن يضيع على محسن إحسانه. 2- أن له شبهة فيما يطلب، وذلك لأنه لما دخل في الشركة معكم بدلاً من العضو المنسحب دفع 200 جنيه كاملة، ولم تقوموا بتقويم الأجهزة على ذلك الشخص المنسحب، فهذا الشريك دفع 200 جنيه مع أن الأجهزة كانت تساوي أقل من ذلك. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136528 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5465 تنازل عن حصته في الشركة ولم يوثَّق ذلك كتابة فهل له التراجع؟ [السُّؤَالُ] ـ[اشتركت مع صهري في محل تجاري , وبعد مرور تقريباً سنة قال لي شفويا - بدون أية وثيقة -: إنه متنازل لي عن حقه , وكرر لي ذلك عدة مرات، على أن أرد له ما دفع، على شكل أقساط سنوية، بعد ذلك قمت بشراء قطعة أرضية باسمي الشخصي، دون أن أخبره , على أساس أننا لم نعد شركاء , وبعد مرور سنَة أعطيته قسطاً من المال، كما اتفقنا عليه , في هذه اللحظة فاجئني , وتراجع عن تنازله. سؤالي: هل صهري مشترك معي في الأرض التي اشتريتها من مال الشركة بعد تنازله الشفوي، أم ماذا أصنع؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: ما حصل من شريكك من تنازله عن حصته في الشركة بينك وبينه: لا حرج فيه، ويجب تمضيته، إلا أننا ننبه على أمر يتعلق بمطالبته برأس ماله فقط، فنقول: الأمر لا يخلو من حالين: الأولى: أن يكون رأس مال الشركة موجوداً، مع أرباح، أو بدونها، فهنا: يصح منه المطالبة برأس ماله، ويكون قد تنازل عن أرباحه إن وُجدت. فمطالبته برأس ماله صحيحة، وتنازله عن الأرباح صحيح أيضاً، وهذا هو ما يفهم من سؤالك، لأنه تنازل عن حقه مقابل رد رأس المال، وهذا يعني أن له حقوقاً أخرى أكثر من رأس المال وهي الأرباح. والثاني: أن لا يكون رأس مال الشركة موجوداً، بل يوجد فيه نقص، بسبب حصول خسارة في الشركة، فهنا: ليس من حقه المطالبة برأس ماله، لأنه شريك معك في الربح والخسارة، إلا أن ترضى بإعطائه إياه عن طيب نفس منك، ويكون هذا بيعاً لحصته في الشركة، فيجب تمضيته إن وافقتَ على ذلك. فعن عوف المزني أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلاَّ صُلْحًا حَرَّمَ حَلاَلاً أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا وَالْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إِلاَّ شَرْطًا حَرَّمَ حَلاَلاً أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا) رواه الترمذي (1352) وحسنه الألباني في "إرواء الغليل" (1420) . وقد تصالحت أنت وشريكيك على بيع نصيبه في الشركة بمقدار رأس ماله. ثانياً: ما دام أن شريكك قد تنازل عن حصته في الشركة بينك وبينه , وكرَّر ذلك عن طيب نفس ورضا، بدون إحراج، أو إكراه: وقد قبلت ذلك، فقد انتهت الشركة بينكما , ولا يلزمك إلا أن تدفع له نصيبه من الشركة كما اتفقتم، والاتفاق الشفوي يلزمه شرعاً. جاء في "الموسوعة الفقهية" (35/238) : "قد يُلزم الإنسان نفسه بأمرٍ، فيلزمه ذلك شرعاً، إن لم يخالف الشّرع , بمعنى: أنّ الشّرع جعل التزامه سبباً للزوم , ومن ذلك: أ. العقد , فإذا عقدا بينهما عقداً: لزمهما حكمه , كعقد البيع مثلاً، يلزم به انتقال ملكيّة المبيع إلى المشتري , وملكيّة الثّمن إلى البائع" انتهى. وقد سبق أن ما تم الاتفاق بينكما عليه هو في حقيقته بيع لنصيبه في الشركة. وأما كتابة العقود فهو من باب التوثقة والتأكيد. جاء في "الموسوعة الفقهية" (14/135) : "في التوثيق منفعة من أوجه: أحدها: صيانة الأموال، وقد أمرنا بصيانتها، ونهينا عن إضاعتها. والثاني: قطع المنازعة؛ فإن الوثيقة تصير حكَماً بين المتعامليْن، ويرجعان إليها عند المنازعة، فتكون سبباً لتسكين الفتنة، ولا يجحد أحدهما حق صاحبه؛ مخافة أن تخرج الوثيقة، وتشهد الشهود عليه بذلك، فينفضح أمره بين الناس. والثالث: التحرز عن العقود الفاسدة؛ لأن المتعاملين ربما لا يهتديان إلى الأسباب المفسدة للعقد ليتحرزا عنها، فيحملهما الكاتب على ذلك، إذا رجعا إليه ليكتب. والرابع: رفع الارتياب، فقد يشتبه على المتعاملين إذا تطاول الزمان مقدار البدل، ومقدار الأجل، فإذا رجعا إلى الوثيقة: لا يبقى لواحد منهما ريبة. وهذه فوائد التوثيق بالتسجيل" انتهى. وبما سبق يتضح: 1. أن تنازل صهرك عن حقه في الشركة دون إحراج أو إكراه: يلزمه العمل بمقتضاه. 2. ما تم هو بيع لنصيبه في الشركة والثمن هو رأس المال الذي كان قد دفعه. 3. جمهور العلماء على استحباب كتابة العقود المتعلقة بالبيع، والدَّين، والنكاح، وليس أحد من أهل العلم من يقول إن الكتابة شرط لصحة العقد. 4. الالتزام بالكتابة والإشهاد على المعاملات له منافع عظيمة، وخاصة فيما يتعلق بالديون، وأموال الشركات. وعلى هذا فصهرك – بحسب قولك – ليس له الحق في مشاركتك في أي شيء اشتريته أو بعته بعد تنازله أول مرة، لكن لو أقلته من تنازله السابق , وأشركته في الأرض التي اشتريتها: فهذا خير، وبركة , وليس بواجب عليك، ولعل الله أن يبارك لك في مالك , ويعوضك خيراً , وخصوصا أن بينكما مصاهرة؛ فهو أدعى لتقوية أواصر المحبة، والمودة، والصلة بينكما. وفقنا الله وإياكم لعمل الخير. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 133011 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5466 أدخل أموال الجمعية الخيرية في مضاربة فخسر المال [السُّؤَالُ] ـ[قبل عدة سنوات في طفرة الأسهم اتفقت مع مدير مندوبية تحفيظ القرآن الكريم بإحدى المناطق على أن آخذ مبلغ خمسين ألف ريال للمضاربة بها في الأسهم ولي نسبة عشرون في المائة من الأرباح، ولم نتفق على أي شي يخص موضوع الخسارة والآن لم يبق منها سوى عشرون ألف ريال بسبب تدهور السوق. سؤالي: هل أتحمل أنا الخسارة وأعيدها للجمعية؟ هل مدير المندوبية يتحمل شيئاً معي في هذه الخسارة؟ فنحن في حيرة شديدة ونرغب إبراء ذمتنا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إذا ضارب الإنسان بمال غيره، فالربح بينهما بحسب ما يتفقان عليه، والخسارة على صاحب المال، والعامل (المضارب) إنما يخسر عمله وجهده، ولا يجوز أن يشترط عليه تحمل شيء من الخسارة، ما لم يفرّط، فإن فرط أو خالف ما اشترط عليه وأدى ذلك لخسارته فهو ضامن. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (5/22) : " والوضيعة [الخسارة] في المضاربة على المال خاصة , ليس على العامل منها شيء ; لأن الوضيعة عبارة عن نقصان رأس المال , وهو مختص بملك ربه , لا شيء للعامل فيه , فيكون نقصه من ماله دون غيره ; وإنما يشتركان فيما يحصل من النماء " انتهى. وقال أيضا: "متى شُرِط على المضارِب ضمان المال , أو سهماً من الوضيعة , فالشرط باطل. لا نعلم فيه خلافاً، والعقد صحيح. نص عليه أحمد. وهو قول أبي حنيفة , ومالك. وروي عن أحمد أن العقد يفسد به. وحكي ذلك عن الشافعي ; لأنه شرط فاسد , فأفسد المضاربة , كما لو شرط لأحدهما فضل دراهم. والمذهب الأول " انتهى من "المغني" (5/40) . ثانياً: إذا اجتهد مدير المندوبية ورأى المصلحة في استثمار بعض مال الجمعية - من غير الزكاة – وكان السوق مستقراً بحيث تنتفي المخاطرة والمغامرة بالمال، فلا شيء عليه في حال الخسارة؛ لأنه إنما أراد المصلحة العامة ولم يسلك ما يعد تفريطا في حفظ ما ائتمن عليه. فإن حدث منه تعجّل أو تفريط، أو كان ممنوعا من استثمار المال، فإنه ضامن. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: يوجد لدى هذه الجمعية التعاونية مبلغ مجمد في البنوك لا يستفاد منه، وذلك بعد استكمال بعض الخدمات المطلوب من الجمعية تنفيذها مع بقاء المبلغ كاحتياط لمواجهة بعض المصروفات الطارئة، ورغبة منا في الحصول على عائد حلال فقد فكرنا في تفويض إحدى المؤسسات المالية أو التجارية للمتاجرة فيه في قسم التجارة الذي يقوم ببيع وشراء مواد البناء كالحديد والإسمنت وإعطائنا الربح غير المحدد مع بيان عن المواد التي تم شراؤها وبيعها خلال فترة معينة ويتقاضى المفوض سعياً على عمليات البيع والشراء. نأمل من سماحتكم الإفادة عن جواز مثل هذا العمل الذي يهدف إلى تحريك الأموال التي تعتبر أمانة في أعناقنا لصالح المسلمين جزاكم الله خيراً. فأجابوا: "إذا كان المال المذكور في السؤال من الزكاة: فالواجب صرفه في مصارفه الشرعية من حين يصل إلى الجمعية، وأما إن كان من غير الزكاة: فلا مانع من التجارة فيه لمصلحة الجمعية؛ لما في ذلك من زيادة النفع لأهداف الجمعية وللمساهمين فيها " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/403) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129981 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5467 هل يضر الشركة معاصي الشريك؟ [السُّؤَالُ] ـ[لي شريك يعمل الكبائر ولم أعلم بذلك إلا بعد المشاركة وحدث أكثر من خلاف على أن تنتهي هذه الشركة ولكنها استمرت، فما الحكم في خلط المال؟ وما الحكم في إخراج الزكاة؟ وما المضمون العام لنوع الشركة، حيث إنني أحتاج إلى هذا النوع من التجارة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "كون الشريك يتعاطى الكبائر أو يتعاطى بعض المعاصي لا يمنع صحة الشركة، ولكن إذا كان يتعاطى أموراً أخرى تضر الشركة من كونه يتعامل بالربا أو يتعامل بالرشوة في الشركة أو يعامل معاملات تجعل أموال الشركة فيها مال يحرم فهذا محل النظر، فينبغي لك أيها الشريك أن تنفصل منه وتنهي الشركة حتى لا تأكل الحرام وحتى لا تقر الحرام. أما إن كانت المعاصي ليس لها تعلق بالشركة كأن تتهمه بالمعاصي الخارجية كالزنا أو شرب الخمر أو ما أشبه ذلك مما ليس له تعلق بالشركة فهذا لا يضرك ولا يضر الشركة، ما دامت أعمالها سارية على الوجه الشرعي، فلا يضر ذلك، وأنت بالخيار بعد هذا في إنهاء الشركة أو عدمها، ولكن إنهاؤها مع هذا الصنف أولى حتى لا يضرك قربه منك، فإنهاء الشركة مع هذا الصنف أولى وأحوط، ولكن لو استمرت لبعض الوقت لا يضر الشركة؛ لأن معاصيه على نفسه، إنما يضر الشركة إذا كانت المعاصي تتعلق بالربا أو بالخيانة في المال أو إدخال ما حرم الله في الشركة من بيع المحرمات وشراء المحرمات وأنواع الرشوة والخيانة وأنواع الربا وما أشبه ذلك هذا هو الذي يضر الشركة" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (3/1459) . [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز فتاوى نور على الدرب الحديث: 128884 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5468 يقترض صاحبه مالا من البنك ليدخل معه شريكا في تجارته [السُّؤَالُ] ـ[أملك شركة لاستيراد وتصدير الذهب، وأمر بأزمة مالية حادة، ونظراُ لحاجتي مبلغاً من المال وذلك بسبب التضخم التجاري في السوق المحلي فقد التجأت إلى معارفي وأصدقائي ولكن لم أتحصل على أي مبلغ لظروفهم الاقتصادية الحالية، وقد التجأت إلى مصرف تجاري - علما بأنه لا يوجد مصارف إسلامية في بلادنا - ليقوموا بتمويلي، وعندما علمت أنه يوجد فائدة 5% قيل لي إنها حرام، عندها أشار علي أحد العاملين بالمصرف بأنه يمكن أن يقترض هذا المبلغ ويتحمل العوائد المصرفية - العاملين في المصرف يسمح لهم بأخذ القروض دون فائدة - نظير مشاركتي في الأرباح، أرجو منكم إفادتي في هذا الموضوع.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: التمويل الذي أشرت إليه تمويل محرم؛ لأنه قرض ربوي، يسدد بفائدة قدرها (5%) ، وقد أجمع العلماء على أن كل قرض جر نفعا فهو ربا. قال ابن قدامة رحمه الله: " وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المُسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية، فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا، وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة " انتهى من "المغني" (6/436) . وقد أحسنت في عدم الإقدام على هذا التمويل، وسؤالك عما أشكل عليك، ونسأل الله أن يبارك في مالك ويخلف عليك خيرا. ثانيا: يجوز للعامل في المصرف أن يقترض قرضا حسنا – بلا فوائد – ثم يدخل معك شريكا بهذا المال، على ما تتفقان عليه من الربح، وأما الخسارة – عافاك الله منها – فإنها تكون على قدر مال كل منكما. فلو اشترك زيد وعمرو مثلا، ودفع زيد 100 ألف، ودفع عمرو 200 ألف، فلهما أن يتفقا على ما أرادا من الربح، كأن يجعل لزيد 25% أو 30 % أو غير ذلك، والباقي لعمرو، وأما الخسارة فإنها تكون على قدر المال، فيتحمل زيد منها نصف ما يتحمله عمرو. هذا إذا شارك كل منكما بالمال، وأما إذا كان المال منه، والعمل منك، ولم تشارك بشيء من المال، فهذه مضاربة، والربح فيها على ما تتفقان عليه، والخسارة على صاحب المال فقط. وهذه هي القاعدة في الشركة عموما: أن الخسارة تكون على صاحب المال، بقدر ماله، وأما العامل في المضاربة الذي لا مال له، فإنه في حال الخسارة يخسر عمله وجهده، ولا يضمن شيئا من المال، إلا إذا حصلت الخسارة بسبب تقصير منه أو تعدٍ فإنه يتحملها. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (5/22) : " (والوضيعة على قدر المال) يعني الخسران في الشركة على كل واحد منهما بقدر ماله , فإن كان مالهما متساويا في القدر , فالخسران بينهما نصفين , وإن كان أثلاثا , فالوضيعة أثلاثا. لا نعلم في هذا خلافا بين أهل العلم. وبه يقول أبو حنيفة , والشافعي وغيرهما ... والوضيعة في المضاربة على المال خاصة , ليس على العامل منها شيء ; لأن الوضيعة عبارة عن نقصان رأس المال , وهو مختص بملك ربه , لا شيء للعامل فيه , فيكون نقصه من ماله دون غيره ; وإنما يشتركان فيما يحصل من النماء " انتهى. وانظر شروط المضاربة الصحيحة في جواب السؤال رقم (114537) . ثالثا: لا يجوز العمل في البنوك الربوية، وعلى من ابتلي بذلك أن يبادر بالتوبة وترك العمل، وينظر جواب السؤال رقم (26771) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 119873 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5469 هل يجوز جعل الزوجات شريكات في العمل التجاري [السُّؤَالُ] ـ[بدأ أخي وزوجي مشاركة في عمل تجاري وجعلوا الزوجات شريكات في هذه الشركة لكن تقول أخت زوجي أنه رغم أن الشركة فيها أسماء الزوجات إلا أن الزوجات ليس لهن حق فيها لأنه لا توجد في الإسلام شركة بين الرجل وزوجته. هل هذا صحيح؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما قالته أخت زوجك لا أصل له في الشرع، فلا مانع أن تكون الزوجة شريكة لزوجها في التجارة، وكذا الأخت أو الأم أو الابنة. والأصل في المعاملات الحلّ، والأصل في المشاركين العموم، ومن منع فعليه الدليل. وسواء أدخلها في الشركة بمبلغ تدفعه معه أو وهب لها جزءا من أسهم الشركة فلا بأس بذلك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 9384 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5470 سيشتري هو وزوجته بيتا فهل يكتبه باسمه أو باسمها؟ [السُّؤَالُ] ـ[لدي النية لشراء بناية عبارة عن ستة شقق لتأجيرها، فهل أسجلها باسمي أم باسم زوجتي. علما بأنني سوف أدفع نصف المبلغ وزوجتي سوف تدفع النصف الآخر، ولا مانع لدي أن تسجل البناية باسمها وهي لا تمانع بتسجيل البناية باسمي، ولكن من الناحية الشرعية ما الأفضل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله للزوج أن يهب من ماله لزوجته ما يشاء، وللزوجة أن تهب من مالها لزوجها ما تشاء، كما قال سبحانه: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا) النساء/4، فإذا طابت نفسك بهبة نصيبك لزوجتك، فسجل البناية باسمها، وتكون ملكاً خاصا لها. وإن طابت نفسها بهبة نصيبها لك، فسجل البناية باسمك. وإن رغب كل منكما في الاحتفاظ بنصيبه، فسجلاها شركة بينكما. والمقصود أن التسجيل ينبغي أن يكون موافقاً لحقيقة الحال، هذا هو الأولى والأفضل، حفظاً للحقوق، ومنعاً للنزاع. وإن اقتضى الأمر تسجيل البناية باسم شخص واحد، فللآخر أن يحتفظ بما يثبت حقه، بكتابة ورقة رسمية بذلك والإشهاد عليها. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 89923 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5471 حكم الكفالة المالية وهل تتأثر إذا انتقل الدين إلى دائن آخر؟ [السُّؤَالُ] ـ[رجل أعطى كفالة مالية لشركة استقرضت من بنك تقليدي، ومع مرور الوقت اندمج البنك مع بنك آخر وانتقلت كل حقوق ومسؤليات البنك الأول إلى البنك الثاني، فهل يحق للبنك الجديد أن يطالب الكفيل بالمبلغ المكفول؟ بعبارة أخرى: هل تتأثر الكفالة مع تغير الدائن أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الكفالة المعطاة للشركة إن كانت كفالة قرض ربوي – وهذا هو الظاهر من كلامك، لأنك ذكرت أن البنك تقليدي، أي ربوي - فهي كفالة محرمة، وهي من التعاون على الإثم والعدوان، وقد نهى الله تعالى عن ذلك بقوله: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْم وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2. والواجب عليك أن تتوب إلى الله من فعلك، وأن تعزم أن لا تعود لمثله، ويجب عليك أن تنصح الشخص الذي كفلته أن يتخلص من قرضه ومعاملته المحرمة، كما يجب عليك أن تسحب كفالتك إن أمكنك ذلك. أما إن كانت الكفالة شرعيَّة، وكانت المعاملة غير محرمة: فكفالتك له جائزة، بل هي من فعل الخير، ولك فيها أجر، وهي من الإحسان إلى الناس. ثانياً: المعروف في نظام الشركات – وهو غير مخالف للشرع – أنه في حال بيعها أو اندماجها مع أخرى أنه تنتقل بموجوداتها وذممها إلى الشركة الأخرى، وكل ما للشركة الأولى على الآخرين يصبح للشركة الثانية، وما على الأولى ينتقل ليصبح على الثانية. وعلى هذا فللبنك الجديد أن يطالبك بالمال المكفول. وفي القرض الربوي ليس له شرعاً أن يطالبك إلا برأس المال فقط، دون الفوائد الربوية، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ) رواه مسلم (1218) . قال النووي في شرح مسلم: "قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرِّبَا: (أَنَّهُ مَوْضُوع كُلّه) مَعْنَاهُ الزَّائِد عَلَى رَأْس الْمَال كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى: (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوس أَمْوَالكُمْ) وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْته إِيضَاح , وَإِلَّا فَالْمَقْصُود مَفْهُوم مِنْ نَفْس لَفْظ الْحَدِيث , لِأَنَّ الرِّبَا هُوَ الزِّيَادَة , فَإِذَا وُضِعَ الرِّبَا فَمَعْنَاهُ وَضْع الزِّيَادَة , وَالْمُرَاد بِالْوَضْعِ الرَّدّ وَالْإِبْطَال" انتهى. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69762 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5472 اتفق مع شريكه أن يعطيه ربحا ثابتا كل شهر [السُّؤَالُ] ـ[أعمل تاجرا وأخذت مبلغاً من المال من صديق لي على أساس أنه شريك لي، وأعطيه ربحا ثابتا كل شهر. فهل هذا ربا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه الشركة تعرف عند العلماء بشركة (المضاربة) وهي " أَنْ يَدْفَعَ شَخْصٌ إلَى آخَرَ مَالَهُ لِيَتَّجِرَ فِيهِ , وَيَكُونَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا بِحَسَبِ مَا يَتَّفِقَانِ , وَيُسَمَّى الْقَائِمُ بِالتِّجَارَةِ مُضَارِبًا ". انظر: "الموسوعة الفقهية" (8/116) . ويشترط لجوازها أن يكون توزيع الأرباح بنسبة معلومة من الربح، كالنصف والثلث ونحو ذلك. ولا يجوز أن تكون تلك النسبةُ نسبةً معلومةً من رأس المال، كما لو أخذ منه مالاً ليتجر به واتفقا على أن يعطيه كل شهر –مثلاً- عشرة بالمئة من رأس المال على أنه أرباح. ولا يجوز كذلك أن يكون الربح قدراً معلوماً، من الدراهم –كألف درهم كل سنة أو كل شهر- بل الواجب أن يكون نسبة من الربح، حسب ما يتفقان عليها. فإن اشترط لصاحب المال قدرا معلوما من الدراهم، أو نسبة من رأس المال، كان عقد الشركة محرماً فاسداً. وكل هذا مما اتفق العلماء عليه، ولم يقع بينهم فيه اختلاف، والحمد لله. " قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ لِلْعَامِلِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ثُلُثَ الرِّبْحِ , أَوْ نِصْفَهُ , أَوْ مَا يُجْمِعَانِ عَلَيْهِ , بَعْدَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَعْلُومًا جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ " انتهى من "المغني" (7/138) . قال ابن قدامة في "المغني" (7/146) : " مَتَى جَعَلَ نَصِيبَ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ دَرَاهِمَ مَعْلُومَةً , أَوْ جَعَلَ مَعَ نَصِيبِهِ دَرَاهِمَ , مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِطَ لِنَفْسِهِ جُزْءًا وَعَشْرَةَ دَرَاهِمَ , بَطَلَتْ الشَّرِكَةُ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مِنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى إبْطَالِ الْقِرَاضِ (يعني المضاربة) إذَا شَرَطَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا لِنَفْسِهِ دَرَاهِمَ مَعْلُومَةً. وَمِمَّنْ حَفِظْنَا ذَلِكَ عَنْهُ مَالِكٌ وَالأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ , وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. . . وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحّ ذَلِكَ لِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا , أَنَّهُ إذَا شَرَطَ دَرَاهِمَ مَعْلُومَةً , احْتَمَلَ أَنْ لا يَرْبَحَ غَيْرَهَا , فَيَحْصُلَ عَلَى جَمِيعِ الرِّبْحِ , وَاحْتَمَلَ أَنْ لا يَرْبَحَهَا , فَيَأْخُذَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ جُزْءًا. وَقَدْ يَرْبَحُ كَثِيرًا , فَيَسْتَضِرُّ مَنْ شُرِطَتْ لَهُ الدَّرَاهِمُ. وَالثَّانِي , أَنَّ حِصَّةَ الْعَامِلِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً بِالأَجْزَاءِ , لَمَّا تَعَذَّرَ كَوْنُهَا مَعْلُومَةً بِالْقَدْرِ , فَإِذَا جُهِلَتْ الأَجْزَاءُ , فَسَدَتْ " انتهى. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " لَوْ شَرَطَ فِي الْمُضَارَبَةِ لِرَبِّ الْمَالِ دَرَاهِمَ مُعَيَّنَةً فَإِنَّ هَذَا لا يَجُوزُ بِالاتِّفَاقِ ; لأَنَّ الْمُعَامَلَةَ مَبْنَاهَا عَلَى الْعَدْلِ، وَهَذِهِ الْمُعَامَلاتُ مِنْ جِنْسِ الْمُشَارَكَاتِ ; وَالْمُشَارَكَةُ إنَّمَا تَكُونُ إذَا كَانَ لِكُلِّ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ جُزْءٌ شَائِعٌ كَالثُّلُثِ وَالنِّصْفِ، فَإِذَا جُعِلَ لأَحَدِهِمَا شَيْءٌ مُقَدَّرٌ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَدْلا ; بَلْ كَانَ ظُلْمًا " انتهى من "مجموع الفتاوى" (28/83) . وسئلت اللجنة الدائمة عن رجلين أعطى أحدهما الآخر مبلغا من المال ليتاجر له به، واتفقا على أن يعطيه نسبة 3 بالمئة من رأس المال ربحاً كل شهر. فأجابت: " دفعك المال للتاجر للعمل به في التجارة، وإعطاؤه لك نسبة محددة وهي 3 بالمئة من المبلغ لا يجوز، لأنه من الربح المضمون " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (14/318) . وسئلت أيضاً عن شركة تأخذ الأموال من الناس لتتاجر بها، وتعطيهم نسبة 30 بالمئة من رأس المال سنوياً، وتدعي أنها تربح 100 بالمئة. فأجابت: " إذا كانت الشركة المذكورة تدفع للمشترك مبلغاً محددا مضموناً من الربح، فهذا التعامل لا يجوز، لأنه ربا، والتعامل المباح أن يكون نصيب كل من الشريكين جزءاً مشاعاً كالربع والعشر، يزيد وينقص حسب الحاصل " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (14/321) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65689 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5473 الدخول في شركة من يتعامل بالرشوة والربا [السُّؤَالُ] ـ[شخص تاجر تقدم إليه رجل بملغ مالي لكي يتاجر به، ولكن صاحب المبلغ يتعامل بالرشوة والربا، فهل على هذا التاجر إثم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الذي يكتسب المال من وجوه محرمة كالربا والرشوة والسرقة والغش.. ونحو ذلك، إذا كان ماله مختلطاً فيه الحلال والحرام صحّت معاملته بيعاً وشراءً ومشاركةً مع الكراهة، وإن عُلم أن المال الذي يريد الاتجار فيه من عين الحرام، لم تجز مشاركته ولا العمل معه فيه. قال ابن قدامة في المغني (4/180) : " وإذا اشترى ممن في ماله حرام وحلال , كالسلطان الظالم , والمرابي ; فإن علم أن المبيع من حلال ماله , فهو حلال , وإن علم أنه حرام , فهو حرام ... فإن لم يعلم من أيهما هو , كرهناه؛ لاحتمال التحريم فيه , ولم يبطل البيع ; لإمكان الحلال , قَلَّ الحرام أو كَثُر. وهذا هو الشبهة , وبقدر قلة الحرام وكثرته , تكون كثرة الشبهة وقلتها " انتهى. وجاء في حاشية قليوبي وعميرة (2/418) : " وتصح الشركة وإن كرهت كشركة ذمي وآكل الربا ومن أكثر ماله حرام " انتهى. وفي حاشية الدسوقي (3/277) : " اعلم أن من أكثر ماله حلال وأقله حرام: المعتمد جواز معاملته ومداينته والأكل من ماله كما قال ابن القاسم، خلافا لأصبغ القائل بحرمة ذلك. وأما من أكثر ماله حرام والقليل منه حلال: فمذهب ابن القاسم كراهة معاملته ومداينته والأكل من ماله، وهو المعتمد، خلافا لأصبغ المحرم لذلك. وأما من كان كل ماله حراماً وهو المراد بمستغرق الذمة، فهذا تمنع معاملته ومداينته ويمنع من التصرف المالي وغيره " انتهى. ثانياً: الواجب عليك قبل مشاركة من هذه حاله نصحه وترغيبه في التوبة والتخلص من المظالم، والحرص على طيب الكسب، فإن الجنة طيبة لا يدخلها إلا طيب، وترهيبه من الاستمرار في أكل الحرام فإن كل جسد نبت من حرام فالنار أولى به. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 48005 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5474 هل يجوز الاشتراك بشركة " تسويق نت "؟ [السُّؤَالُ] ـ[ هل يجوز الاشتراك بشركة " تسويق نت "؟ . أرجو الرد لما في ذلك من رد الشبه للجميع.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه الشركة تشبه في عملها شركة " بزناس "، وقد بيَّن أهل العلم حرمة الاشتراك في هذه الشركة، وشركة " تسويق نت " لا تختلف عن بزناس إلا في كونها تبيع بضاعة لها قيمتها، لكن ليس المقصود ذات البضاعة بل التسويق، وتقوم هذه الشركات على ما يُسمَّى " التسويق الهرمي ". قال الشيخ سامي بن إبراهيم السويلم: الفكرة الجوهرية للتسويق الهرمي يسيرة، وتتلخص في أن يشتري الشخص منتجات الشركة مقابل الفرصة في أن يقنع آخرين بمثل ما قام به (أن يشتروا هم أيضاً منتجات الشركة) ، ويأخذ هو مكافأة أو عمولة مقابل ذلك، ثم كل واحد من هؤلاء الذين انضموا للبرنامج سيقنع آخرين ليشتروا أيضاً، ويحصل الأول على عمولة إضافية، وهكذا. ويمكن تعليل القول بحرمة الاشتراك في هذا النوع من البرامج بالأسباب التالية: 1. أنه أكل للمال بالباطل. 2. ابتناؤه على الغرر المحرم شرعاً. أكل المال بالباطل تبين بوضوح مما سبق أن هذا النوع من البرامج لا يمكن أن ينمو إلا في وجود من يخسر لمصلحة من يربح، سواء توقف النمو أم لم يتوقف، فالخسارة وصف لازم للمستويات الأخيرة في جميع الأحوال، وبدونها لا يمكن تحقيق العمولات الخيالية للمستويات العليا، والخاسرون هم الأغلبية الساحقة، والرابحون هم القلة، أي: أن القلة كسبوا مال الأكثرية بدون حق، وهذا أكل المال بالباطل الذي نزل القرآن بتحريمه، ويسمَّى هذا النمط عند الاقتصاديين: تعامل صفري (zero-sum game) ، حيث ما يربحه البعض هو ما يخسره البقية. الغرر أصل الغرر المحرم: هو بذل المال مقابل عوض يغلب على الظن عدم وجوده أو تحققه على النحو المرغوب، ولذلك قال الفقهاء: الغرر هو التردد بين أمرين، أغلبهما أخوفهما، والذي ينضم إلى هذا البرنامج يدفع مبلغاً من المال مقابل أرباح الغالب عدم تحققها. الخلاصة: إن البرامج القائمة على التسلسل الهرمي - ومنها البرنامج المذكور في السؤال - مبنية على أكل المال بالباطل والتغرير بالآخرين؛ لأن هذا التسلسل لا يمكن أن يستمر بلا نهاية، فإذا توقف كانت النتيجة ربح الأقلية على حساب خسارة الأكثرية، كما أن منطق التسويق الهرمي يعتمد على عوائد فاحشة للطبقات العليا على حساب الطبقات الدنيا من الهرم، فالطبقات الأخيرة خاسرة دائماً حتى لو فرض عدم توقف البرنامج، ولا يفيد في مشروعية هذا العمل وجود المنتج، بل هذا يجعله داخلاً ضمن الحيل المحرمة، والعلم عند الله تعالى. انتهى وقال الشيخ – حفظه الله – عن شركة " تسويق نت " تحديداً -: هذا النظام المذكور في السؤال هو نظام " التسويق الهرمي "، مهما تعددت صوره واختلفت تطبيقاته، وخلاصته أن المشترك يقنع الآخرين بالشراء من أجل الاشتراك في التسويق، وطالما كانت العمولات أكبر من قيمة المنتج: فإن الهدف من الشراء هو العمولات بالدرجة الأولى، وأما المنتج فهو تبع، وبناء على ذلك فهو ممنوع شرعاً لما فيه من الغرر الفاحش وأكل المال بالباطل؛ لأن المشترك لا يدري هل ينجح في إقناع مسوِّقين آخرين أم لا، فإن نجح كان رابحاً على حسابهم ومن اشتراكهم، وإلا خسر المقدار المخصص للتسويق الذي دفعه ضمن الثمن، ثم الذين اشتركوا عن طريقه ينطبق عليهم ما ينطبق عليه، فكل طبقة في الشجرة أو الهرم التسويقي خاسرة، إلا إذا وجدت تحتها طبقة أو أكثر تتحمل هي الخسارة، وهكذا. انتهى وانظر سؤال رقم (40263) (41620) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 46595 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5475 شركة للتسويق الهرمي تبيع أشرطة دعوية [السُّؤَالُ] ـ[شركة نشاطها كـ " بزناس " , ولكنها تبيع مقابل الأموال أشرطة دعوية تهدي للخير , فكيف يكون الرد عليهم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سبق في إجابة السؤال: (40263) حرمة الاشتراك في نظام التسويق الهرمي مثل شركة " بزناس "، وحتى لو كانت هذه الشركات تبيع بضاعة حقيقية لها قيمة؛ لأنه ليس المقصود ذات البضاعة، بل التسويق، و " التسويق الهرمي "، قائم على الغرر وأكل أموال الناس بالباطل. قال الشيخ سامي بن إبراهيم السويلم: الفكرة الجوهرية للتسويق الهرمي يسيرة، وتتلخص في أن يشتري الشخص منتجات الشركة مقابل الفرصة في أن يقنع آخرين بمثل ما قام به (أن يشتروا هم أيضاً منتجات الشركة) ، ويأخذ هو مكافأة أو عمولة مقابل ذلك، ثم كل واحد من هؤلاء الذين انضموا للبرنامج سيقنع آخرين ليشتروا أيضاً، ويحصل الأول على عمولة إضافية، وهكذا. وقال أيضاً عن شركة " تسويق نت " وهي شركة تبيع منتجات حقيقية -: هذا النظام المذكور في السؤال هو نظام " التسويق الهرمي "، مهما تعددت صوره واختلفت تطبيقاته، وخلاصته أن المشترك يقنع الآخرين بالشراء من أجل الاشتراك في التسويق، وطالما كانت العمولات أكبر من قيمة المنتج: فإن الهدف من الشراء هو العمولات بالدرجة الأولى، وأما المنتج فهو تبع، وبناء على ذلك فهو ممنوع شرعاً لما فيه من الغرر الفاحش وأكل المال بالباطل؛ لأن المشترك لا يدري هل ينجح في إقناع مسوِّقين آخرين أم لا، فإن نجح كان رابحاً على حسابهم ومن اشتراكهم، وإلا خسر المقدار المخصص للتسويق الذي دفعه ضمن الثمن، ثم الذين اشتركوا عن طريقه ينطبق عليهم ما ينطبق عليه، فكل طبقة في الشجرة أو الهرم التسويقي خاسرة، إلا إذا وجدت تحتها طبقة أو أكثر تتحمل هي الخسارة، وهكذا. اهـ. انتهى وللمزيد فلينظر جواب السؤال رقم: (46595) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45898 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5476 ينبغي استثمار المال وعدم تعطيله ولكن.. بعد كثير من الاحتياط [السُّؤَالُ] ـ[ما هو الحل البديل من وجهة نظر الدين الإسلامي لمن عنده مبلغ من المال يريد يستثمره وليس له أي وسيلة لعمل مشروع تجاري يكسب منه؟ على سبيل المثال: أطفال يتامى أو شخص ليس له أي خبرات في عمل أي مشروع تجاري.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: جاءت الشريعة بحفظ الأموال، وصيانتها من الضياع. فعَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ: قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ) رواه البخاري (2408) ومسلم (593) . قال الحافظ رحمه الله: "قَوْله: (وَإِضَاعَة الْمَال) تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَكْثَر حَمَلُوهُ عَلَى الْإِسْرَاف فِي الْإِنْفَاق , وَقَيَّدَهُ بَعْضهمْ بِالْإِنْفَاقِ فِي الْحَرَام , وَالْأَقْوَى: أَنَّهُ مَا أُنْفِقَ فِي غَيْر وَجْهه الْمَأْذُون فِيهِ شَرْعًا سَوَاء كَانَتْ دِينِيَّة أَوْ دُنْيَوِيَّة، فَمَنَعَ مِنْهُ ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى جَعَلَ الْمَال قِيَامًا لِمَصَالِح الْعِبَاد , وَفِي تَبْذِيرهَا تَفْوِيت تِلْكَ الْمَصَالِح , إِمَّا فِي حَقّ مُضَيِّعهَا وَإِمَّا فِي حَقّ غَيْره , وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ: كَثْرَة إِنْفَاقه فِي وُجُوه الْبِرّ لِتَحْصِيلِ ثَوَاب الْآخِرَة مَا لَمْ يُفَوِّت حَقًّا أُخْرَوِيًّا أَهَمّ مِنْهُ " انتهى. وكنز المال وعدم الاستفادة منه، وإن كان لا يعد تضييعاً للمال إلا أنه تعطيل له، وتضييع للمصالح المترتبة على إعمال هذا المال بالنسبة لصاحبه، وبالنسبة لغيره، فإعمال الأموال يؤدي إلى مصالح عامة، وتعطيلها يفوت هذه المصالح، مع ما قد يحصل بسبب تآكل المال بالصدقة والنفقة. ولهذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (من ولي يتيما له مال فليتجر له ولا يتركه حتى تأكله الصدقة) رواه الدارقطني (2/ 109) والبيهقي (11301) وصححه ابن العربي في "عارضة الأحوذي (2/99) . وروى البيهقي (11303) عن الْحَكَم بْن أَبِى الْعَاصِ قَالَ: قَالَ لِى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ: هَلْ قِبَلَكُمْ مُتَّجَرٌ فَإِنْ عِنْدِى مَالُ يَتِيمٍ قَدْ كَادَتِ الزَّكَاةُ أَنْ تَأْتِىَ عَلَيْهِ؟ قَالَ قُلْتُ لَهُ: نَعَمْ قَالَ: فَدَفَعَ إِلَىَّ عَشْرَةَ آلاَفٍ فَغِبْتُ عَنْهُ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ لِى: مَا فَعَلَ الْمَالُ قَالَ قُلْتُ: هُوَ ذَا قَدْ بَلَغَ مِائَةَ أَلْفٍ ". وروى البيهقي أيضا (11304) عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: " كَانَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تُزَكِّى أَمْوَالَنَا وَإِنَّهَا لَيُتْجَرُ بِهَا فِى الْبَحْرَيْنِ ". وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " لا يجوز أن يولى على مال اليتيم إلا من كان قويا خبيرا بما ولي عليه أمينا عليه، والواجب إذا لم يكن الولي بهذه الصفة أن يستبدل به ... ويستحب التجارة بمال اليتيم لقول عمر وغيره: (اتجروا بأموال اليتامى كيلا تأكلها الصدقة) " انتهى. "الفتاوى الكبرى" (5/ 397) . فعلى هذا، ينبغي لمن عنده مال أو كان ولياً على مال يتيم أن يتجر بهذا المال، ويعمل على تنميته، ولا يتركه تأكله الصدقة والنفقة، ويكون معرضاً للضياع أو السرقة. فإن كان يحسن العمل بنفسه، عمل بنفسه، وإن كان لا يحسن ذلك فإنه يبحث عن رجل ثقة أمين خبير بالتجارة ويشاركه بهذا المال، فينتفع الاثنان معاً. ومن ذلك أيضاً: أن يضعه في أحد البنوك الإسلامية التي تعرف بسلامة معاملاتها من الناحية الشرعية، وعدم تعاملها بمعاملات محرمة كالربا وغيره. وهناك مكاتب متخصصة في تحديد المشروعات مع تقديم دراسة لجدوى المشروع، ومتابعة للمشروع عدة أشهر، مقابل أجر يتفق معه عليها، فيمكن الاستعانة بمثل هذه المكاتب. ولكثرة المحتالين الآن الذين لا يتورعون عن أكل أموال الناس بالباطل ينبغي أن يبذل صاحب المال مزيداً من الاهتمام والتأكد من الشخص الذي يعطيه المال. ويستحسن أن تقوم الحكومات بهذا الدور [وهو تنمية الأموال لأصحابها] ، فإنها أقدر على القيام بذلك من الأفراد، وبدلاً من أن تأخذ أموال الناس قرضاً ربوياً نظير فائدة ثابتة معلومة كل شهر، تكون هناك مشاريع حقيقية نافعة، ويكون العقد عقد مضاربة منضبطاً بأحكام الشرع. وما لم تقم الحكومات بذلك، وقلت الأمانة عند الناس صار من معه مال ولا يحسن التجارة ولا العمل مطمعاً لكل نهاب محتال، فضاعت الأموال، وضاعت معها مصالح الخلق. نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 139359 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5477 يريد فتح مطعم يختلط فيه الرجال بالنساء [السُّؤَالُ] ـ[أريد فتح مطعم في إحدى البلدان الإسلامية حيث يختلط الرجال والنساء، ويغلب على الناس الطابع الغربي في نمط العيش. فهل أنا آثم إذا أتى لتناول الطعام بعض هذه الأجناس المختلطة في مطعمي؟ مع الأخذ في الاعتبار أن هذا هو العمل الذي أحسنه على أتم وجه.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما دام هذا البلد يختلط فيه الرجال بالنساء، ويغلب على الناس الطابع الغربي في العيش، فهذا يعني أن هذا المطعم سيكون فيه جملة من المنكرات: 1- إظهار النساء لزينتهن ومفاتنهن بلا رادع من دين أو خلق. 2- الاختلاط المستهتر بين الرجال والنساء الذي يؤدي إلى كثرة الفواحش. 3- العلاقات المحرمة والمشبوهة التي تكون بين رواد المطعم كحضور الرجل مع عشيقته أو صديقته إلى هذا المطعم. وهذه الأمور ـ كما هو معلوم ـ من المحرمات ومن أخطر الأشياء على المجتمعات. قال ابن القيم رحمه الله: "ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر , وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة , كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة، واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا , وهو من أسباب الموت العام والطواعين المتصلة. فمن أعظم أسباب الموت العام: كثرة الزنا، بسبب تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال والمشي بينهم متبرجات متجملات، ولو علم أولياء الأمر ما في ذلك من فساد الدنيا والرعية قبل الدين لكانوا أشد شيء منعا لذلك" انتهى مختصرا. "الطرق الحكمية" (ص 407-408) . والله تعالى كما حَرَّم معصيته، حَرَّم إعانة العاصي على معصيته، وأوجب نهيه عن هذه المعصية. قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) . وروى مسلم (49) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ) . قال النووي رحمه الله: "قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَلْيُغَيِّرْهُ) هُوَ أَمْر إِيجَابٍ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّة. وَقَدْ تَطَابَقَ عَلَى وُجُوب الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر الْكِتَاب وَالسُّنَّة وَإِجْمَاعُ الْأُمَّة، وَهُوَ أَيْضًا مِنْ النَّصِيحَة الَّتِي هِيَ الدِّين" انتهى. فلا يجوز للمسلم أن يعين عاصياً على معصيته، وفتح هذا المطعم بالطريقة التي ذكرتها فيه إعانة لهؤلاء على انحرافهم، وسكوت على منكرهم وباطلهم. فنظراً لأنك لن تستطيع منع هذه المنكرات بل ستكون معيناً لأهلها عليها، فالنصيحة لك أن تعدل عن هذا العمل إلى غيره، واعلم أن (من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه) ، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) . نسأل الله تعالى أن ييسر أمرك ويرزقك رزقاً حلالاً طيباً. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 137919 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5478 حكم الاستثمار في مجموعة البركة المصرفية [السُّؤَالُ] ـ[بسم الله والسلام عليكم. هناك مجموعة بنكية تسمى مجموعة البركة البنكية (http://www.abg.bh/English/home2.html) . فهل يجوز الاستثمار في برامجها واستخدام منتجاتها المالية؟ وهذه المجموعة تبدو كبنك إسلامي صرف، فما حكم الاشتراك في هذه المجموعة والتعامل معها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله مجموعة البركة المصرفية تلتزم في برامجها وأهدافها موافقة الشريعة الإسلامية، وإحياء ونشر المصرفية الإسلامية، ولها هيئة شرعية تشرف على أعمالها. ولهذا؛ فالأصل جواز الاستثمار في برامجها ومنتجاتها، ما لم يتبين وجود خطأ في أحد البرامج، فيجتنب الاستثمار أو التعامل بهذا البرنامج. وإنما قلنا هذا لأنه وجد من بعض البنوك والمصارف الإسلامية بعض المخالفات، كالتورق المصرفي المنظم في المعادن، واشتراط غرامة التأخير في التعامل ببطاقة الفيزا، أو في بيوع المرابحة، واشتراط نسبة عند السحب ببطاقة الفيزا، وهذه معاملات صدرت فيها قرارات من مجمع الفقه الإسلامي بالتحريم، لكن التزمت المصارف المشار إليها برأي الهيئة الشرعية فيها، ولهذا لا يمكننا الحكم بصحة جميع المعاملات التي تقوم بها المصارف الإسلامية، لكن الأصل هو جواز التعامل، وينبغي الاحتياط والسؤال عن المعاملات التي يدور حولها الخلاف كالمعاملات السابقة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 133508 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5479 الاستثمار في شركة الصكوك الوطنية الإماراتية [السُّؤَالُ] ـ[أرغب في طرح سؤال بخصوص الاستثمار في برنامج الإمارات العربية المتحدة للصكوك الوطنية (http://www.nationalbonds.ae/eng/home.aspx) حيث أن لديهم صكوك ولديهم سحوبات فما حكم الاشتراك في كل منهما؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله بالاطلاع على موقع شركة الصكوك الوطنية وقراءة فتوى الهيئة الشرعية بها، يتبين جواز التعامل بهذه الصكوك إذا جرت المعاملة وفق ما قالته الهيئة الشرعية، لكن يظهر من خلال الموقع عدم توافق الفتوى مع السلوك العملي للشركة، ولهذا أفتى الدكتور سامي إبراهيم السويلم حفظه الله بتحريم التعامل بهذه الصكوك. فقد سئل: نريد معرفة حكم الصكوك الوطنية التي تتوافق مع الشريعة الإسلامية، هل هي مجازة أم لا؟ الصكوك الوطنية: شركة مساهمة خاصة، يقع مقرّها في دبي، وتضم قائمة المساهمين فيها شركات وطنية هي: دبي القابضة، وشركة إعمار العقارية، إضافة إلى بنك دبي، ويبلغ رأسمال الشركة (150 مليون درهم) ، موزعاً بالتساوي على الشركاء الثلاثة. ويتم شراء الصكوك الوطنية بفئات قيمتها (10 دراهم) ، والحد الأدنى للشراء هو (100 درهم) ، أي (10) صكوك، يخصص لكل صك رقم مسلسل ويتم إدخاله في سحب شهري على جوائز تتراوح قيمتها بين (100 درهم) و (مليون درهم) وهو مبلغ الجائزة الشهرية الكبرى. وتوجد هيئة شرعية لمراقبة سير عمل الشركة وموافقته للشريعة الإسلامية وقد أصدرت فتوى بجواز عملها!. فأجاب: "الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: هذا البرنامج الذي تقدمه شركة الصكوك الوطنية بدبي لا يعدو أن يكون صورة من صور اليانصيب المتفق على تحريمه شرعاً. فالمشتري لما أسموه "الصكوك" يدفع (100 درهم) ، وهو الحد الأدنى للاشتراك، وله حق استرداد هذا المبلغ بعد شهر، وكل شهر يدخل في السحب على جوائز تتراوح بين (100) وبين مليون درهم، كما هو مبين في موقع الشركة (nationalbonds.ae) . وهذه معاوضة نقد بنقد مع التفاضل، والتأخير والجهالة، فيدخلها الربا والميسر معاً. وأما الفتوى الصادرة عن الهيئة الشرعية للشركة في هذا الخصوص فهي تختلف في الحقيقة عن عمل الشركة المعلن في موقعها. وبيان ذلك من وجوه: 1. الفتوى تنص على أن العقد بين حامل الصكوك وبين الشركة عقد مضاربة، بينما لا يذكر الموقع شيئاً عن عقد المضاربة، ولا عن طبيعة المشاريع التي يستثمر فيها، ولا عن معدل الأرباح المحققة. فليس في الموقع ما يحدد ويبين الطبيعة الاستثمارية للشركة، بل هو يعلن بكل وضوح عن جوائز السحب التي قد تصل إلى مليون درهم، ويحث الجمهور على الاشتراك طمعاً في الجوائز وليس في الأرباح الاستثمارية. فأين هي المضاربة إذن؟ 2. الفتوى تنص على أن الجوائز يتم توزيعها من نصيب الشركة في أرباح المضاربة من خلال القرعة. لكن تحديد مقدار الجوائز ما بين (100) إلى مليون درهم، ينافي كونها من أرباح الاستثمار التي لا يمكن تحديدها مسبقاً. وهذا يعني أن الشركة تلتزم بجوائز بمبالغ محددة في حال وقوع السحب عليها بغض النظر عن أداء الاستثمار، فتكون المعاملة معاوضة نقد بنقد مجرداً ولا علاقة لها بالمضاربة. أضف إلى ذلك أن الشركة تعلن أن أول سحب سيتم شهر مايو، بينما لا تعلن الأرباح إلا في نهاية العام. فكيف تكون الجوائز من الأرباح مع أن الأرباح لم تحدد ولم تعلم بعد؟ 3. الفتوى تنص على أنه لا يجوز اشتراط السحب على الجوائز في عقد المضاربة، بينما يجعل موقع الشركة هذه الجوائز هي أهم مزايا الاشتراك، ويحدد تواريخ السحب على الصفحة الأولى وجميع صفحات الموقع، ويشجع الزائر على الاشتراك لأنه قد يصبح من أصحاب الملايين. وهذا يجعل السحب على الجوائز هو الهدف من الاشتراك، ولا يخفى أن هذا من أعظم الاشتراط لأنه الأساس الذي من أجله يشتري الناس هذه الصكوك. 4. الفتوى تنص على أن العقد عقد مضاربة، بينما ينص الموقع على حق المشترك في استرداد قيمة الصكوك بعد مضي شهر على الأقل من الاشتراك، وهذا يجعل ثمن الصك بمثابة القرض الذي تلتزم الشركة برد مثله. فإذا انضم لذلك الحصول على الجوائز كان قرضاً جر نفعاً، وهو ربا، بإجماع العلماء. والحاصل: أن مضمون الفتوى شيء وواقع الشركة شيء آخر. وكان الواجب توجيه هذه الأموال للاستثمار المشروع القائم على العمل والإنتاج وتحقيق القيمة المضافة، بدلاً من توظيفه في الحظ والجوائز التي تقتل العمل، ولا تولد أي قيمة للاقتصاد. والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل " انتهى من موقع الإسلام اليوم والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 133504 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5480 حكم تمويل الأسهم عن طريق بنك الجزيرة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم تمويل الأسهم عن طريق بنك الجزيرة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يشترط في التمويل عن طريق الأسهم: 1- أن تكون الأسهم مملوكة للبنك. 2- أن تكون الأسهم مباحة نقية، وليست محرمة أو مختلطة. 3- أن لا يبيعها العميل إلا بعد انتقالها إلى ملكه. ولعلك توضح طريقة التمويل في البنك المذكور، حتى يتم بيان حكمها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 132200 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5481 الاستثمار في التأمين وفي التسويق عبر الإنترنت [السُّؤَالُ] ـ[السؤال: ما حكم خدمات التامين؟ هل من الجائز استثمار الأموال في سندات التأمين التي تكون موحدة فيما بينها على سبيل المثال (الأسواق المشتركة والعوائد التي ترتبط بشكل مباشر بتمويل السوق العادية) مع الاهتمام بالمدخرات من أجل متطلبات المستقبل؟ وما هو الحكم في المشاركة في التسويق عبر الإنترنت (وهو ما يسمي التسويق على المستوى العالمي أو التسويق المباشر) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: التأمين التجاري محرم بجميع صوره، ولهذا لا تجوز المشاركة فيه، ولا استثمار الأموال فيما يتعلق به من أسهم أو سندات وغيرها، وينظر جواب السؤال رقم (22933) . ثانياً: التسويق العالمي له صور متعددة، وكذلك التسويق عبر الإنترنت، ولا يمكن الحكم على شيء من ذلك إلا بعد الوقوف على صفته، وهناك ضوابط عامة نذكرها للفائدة: 1- لا يجوز شراء الذهب أو الفضة أو العملات بالأجل، بل يجب التقابض الفوري. 2- لا يجوز الاتجار في السلع المحرمة، كالخمر والخنزير. 3- لا يجوز شراء أسهم الشركات ذات النشاط المحرم، أو التي تتعامل بالربا وإن كان نشاطها مباحاً. 4- لا يجوز التعامل بالمارجن أو بالهامش، وينظر جواب السؤال رقم (106094) ورقم (93334) . 5- لا يجوز التعامل بالتسويق الشبكي أو الهرمي القائم على المقامرة، وينظر جواب السؤال رقم (97880) ورقم (96708) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131753 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5482 حكم الادخار في بنك الرياض [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الاستقطاع من الراتب وتحويله إلى برنامج الادخار (بنك الرياض) ، علما بأني سألت عن البرنامج، وأفادوني بأنه: مجاز شرعيا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الادخار الذي يجري العمل به في البنوك الربوية يقوم على أساس ضمان رأس المال للعميل، مع زيادة نسبة معلومة من رأس المال، وهذا في حقيقته قرض ربوي محرم، يختلف عن الاستثمار المشروع. وقد سبق بيان شروط الاستثمار المشروع في جواب السؤال رقم (114537) وبالرجوع إلى موقع البنك المذكور لم يتبين لنا طبيعة الادخار المعمول به، إذ لم يذكر شيء عن نوع المشاريع التي يستثمر فيها المال، ولا عن الربح الذي يحصل عليه العميل هل هو نسبة معلومة من رأس المال أم من الأرباح. لكن نضع بين يديك فتوى للدكتورمحمد بن سعود العصيمي حفظه الله، تبين حال البنك المذكور، فقد سئل ما نصه: " ما حكم الاكتتاب في بنك الرياض، وهل فروعه الإسلامية كافية للدخول في الاكتتاب فيه؟ جزاكم الله خيرا فأجاب: " بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله فقد سئلت عن حكم الاكتتاب في بنك الرياض عبر الجوال وعبر الموقع، والحقيقة أنني استغربت كثيرا للسؤال؛ فقد ظننت أن نشاط البنك الربوي أظهر من أن يحتاج إلى توضيح وأن تحريم الاكتتاب لا يحتاج إلى بيان، ولكن مع هذه الأسئلة رأيت أن أتصفح تقرير مجلس الإدارة للسنة المنتهية في 31 ديسمبر 2007م وأنقل منه مباشرة ليس فقط ما يدل دلالة واضحة على تحريم الاكتتاب، بل على ما يدل على حجم المشكلة الربوية في هذا البلد. وألفت نظر القارئ أن التقرير يستخدم كلمة العمولة الخاصة تعبيرا عن الربا، وهو تمييع لأمر محرم في غاية التحريم، وتلبيس وكذب على القارئ والمستثمر يجب أن يفصح عنه، وتلك التسمية لن تخفي الحقيقة المرة، ولن تنطلي على أحد. اشتملت الموجودات في المركز المالي للبنك لعام 2007 والإيضاحات التابعة لها على: 1- نقدية وأرصدة لدى مؤسسة النقد تبلغ 16 مليار ريال، منها 11 مليارا باتفاقيات إعادة الشراء من مؤسسة النقد، ولا شك في حرمة تلك الاتفاقات وحرمة السندات المستخدمة فيها. 2- أرصدة لدى البنوك التجارية والمؤسسات المالية الأخرى مبلغ 4 مليارات ريال، منها 3 مليارات بالربا. 3- صافي الاستثمارات 27 مليار ريال، غالبها بل كلها سندات ربوية داخلية وخارجية، حكومية ومن شركات وبنوك تجارية ومؤسسات مالية. ولا تخفى حرمتها. 4- صافي القروض والسلف فتبلغ 67 مليارا، منها 5 مليارات جاري مدين، و14 مليارا قروض شخصية، و46 مليار قروض تجارية. وللأمانة، فقد نص التقرير أن القروض والسلف أعلاه تتضمن منتجات متوافقة مع مبدأ تجنب الفوائد والتي تظهر بالتكلفة المطفأة قدرها 27 مليار. ويعني ذلك أن 40 مليارا بالربا. أما جانب المطلوبات على البنك في المركز المالي للبنك لعام 2007 والإيضاحات التابعة لها فقد اشتملت على: 1- أرصدة للبنوك التجارية والمؤسسات المالية تبلغ 17 مليارا، منها 16 مليارا بالربا. 2- ودائع العملاء 84 مليارا، منها ما لا يقل عن 34 مليارا ودائع آجلة بالربا. 3- مطلوبات أخرى تصل 4 مليارات ريال، منها ما لا يقل عن مليار بالربا. 4- سندات دين ربوية مصدرة تبلغ مليارا واحدا. أما قائمة الدخل فقد نصت على أن البنك قد حصل على أرباح من الفوائد الربوية في عام 2007 تزيد عن 6 مليارات ريال، و5 مليارات ريال في سنة 2006، أما الربا المدفوع عن عمليات البنك المختلفة فهو 3 مليارات تقريبا في عام 2007 وملياران ونصف في عام 2006. هذا بالإضافة إلى نص التقرير على استخدام البنك للأدوات المالية المشتقة والمقيضات والعقود الآجلة والمستقبلية واتفاقات الأسعار الآجلة والخيارات واتفاقيات البيع وإعادة الشراء. ولا يكاد يجوز شيء منها من الناحية الشرعية. وللأمانة، فقد نص التقرير في موضعين منه على الفروع الإسلامية والمنتجات المصرفية المتوافقة مع أحكام الشريعة، فذكر أن البنك "يقدم لعملائه بالإضافة إلى الخدمات المصرفية التقليدية بعض منتجات مصرفية متوافقة مع مبدأ تجنب العمولات الخاصة، والتي يتم اعتمادها بواسطة هيئة الرقابة الشرعية". وفي ختام هذه الفتوى لي وقفات: - إن الحديث هنا ليس عن مسألة يسيرة ومخالفة صغيرة، بل حديث عن مؤسسة مالية كبرى تمارس الربا ليلاً ونهاراً، سراً وجهاراً، وتؤذن البلد كله بحرب من الله ورسوله. وأن هذا الاكتتاب بكل هذه التغطية الإعلامية مجاهرة بمعصية عظيمة وكبيرة من كبائر الذنوب يخشى مع السكوت عنها على كل البلد من غضب الله ومقته، فالله يغار حين تنتهك محارمه. وهذه آياته الظاهرة في عقاب العصاة في كل مكان لا تخفى على أحد، وتنقل نقلا مباشرا على التلفاز، وهذا مكره سبحانه وتعالى في المرابين أوضح من الواضح، فقد انهارت المؤسسات المالية الربوية في مشكلة الرهن العقاري بين ليلة وضحاها. والله سبحانه وتعالى له جنود السماوات والأرض، ولا يعجزه شيء، تعالى ربنا وتقدس، وأمره بين الكاف والنون، يخفض ويرفع، ويبسط ويقدر، ولا تحابي سننه الكونية أحدا، بل تشمل عقوبته المسلم والكافر. - إن الواجب على ملاك البنك وإدارته والعاملين فيه أن يتوبوا إلى الله تعالى، ويتوقفوا عن ممارسة الربا الصراح عاجلا، وأن يتحولوا التحول الكامل للمصرفية الإسلامية، وأن يصححوا مسار البنك نحو الالتزام بالشريعة الإسلامية، وأن لا يماطلوا في ذلك ولا يتأخروا؛ فإن من أعظم أسباب بلاء الناس في معيشتهم ورزقهم سواء بانقطاع المطر، أو غلاء الأسعار أو كثرة المصايب في البطالة والجرائم أو غيرها هو المجاهرة بهذه المنكرات التي يحرم السكوت عنها ... " انتهى. http://www.halal2.com/ftawaDetail.asp?id=23566 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128577 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5483 حكم شراء أسهم شركة ينساب بسعر التأسيس [السُّؤَالُ] ـ[تعلمون أن شركه سابك سوف تقوم بتوزيع أسهم شركه ينساب على الموظفين بسعر التأسيس حوالي عشره ريال ويخير الموظف في تركها أو أخذها فماذا تنصحوننا بارك الله فيكم]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أسهم ينساب أسهم مختلطة، لكون الشركة أودعت جزءا من رأس مالها في حسابات ربوية، والتعامل في الأسهم المختلطة فيه قولان لأهل العلم، والراجح هو تحريم التعامل فيها، وهو قول أكثر أهل العلم، وممن ذهب إلى ذلك: مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدة، ونص قراره هو: " الأصل حرمة الإسهام في شركات تتعامل أحياناً بالمحرمات، كالربا ونحوه، بالرغم من أن أنشطتها الأساسية مشروعة ". وكذلك المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي في مكة، ونص قراره هو: " لا يجوز لمسلم شراء أسهم الشركات والمصارف إذا كان في بعض معاملاتها ربا، وكان المشتري عالماً بذلك ". وممن قال بالتحريم أيضاً: اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. وعليه؛ فلا يجوز الدخول في هذه الأسهم سواء بسعر التأسيس أو بغيره. وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (112445) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128191 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5484 حكم التعامل بالفوركس الإسلامي! [السُّؤَالُ] ـ[أعلم أن التعامل بنظام الفوركس العادي به ربا ومخالفات أخرى وهو محرم كما أشار إلى ذلك المجمع الفقهي، وسؤالي حول التعامل مع الفوركس الإسلامي هو أيضا به بعض المخالفات ولكن ليس فيه الربا الصريح، وأنا لا أقوم فيه إلا بعملية واحدة أربح بها، وهي شراء الذهب في الرخيص وبيعه في الغالي، وأكسب فرق السعر، لا أتعامل بغيرها وأحقق منها مكاسب طائلة، ولكني علمت أن الفوركس لا يجعلني أتاجر بنقودي التي أودعتها فيه، بل هي مجرد تأمين على الخسارة إن حدثت، ليأخذوا حقهم منها، والمتاجرة تكون عن طريق الرافعة المالية التي تضاعف المبلغ الذي أودعته ربما إلى مائة ضعف، يعني أنا أودعت ألف دولار، وأستطيع إجراء صفقة بمائة ألف دولار، وهم لا يأخذون فائدة على ذلك، ولكن يستفيدون من فرق السعر بين الطلب والبيع، أي لا يقرضوني لسواد عيوني، ولكن لأجل أني لما أقترض فسأقوم بالعملية من خلالهم وسيكسبون، وإن كانوا لا يأخذون الربا. فما حكم الأموال التي أربحها، وإذا كان هناك إثم فعلى من؟ وهل لو أخرجت مبلغا معينا من ذلك المال تكون حلالا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المتاجرة بالهامش، أو بنظام الفوركس صدر فيها قرار من مجمع الفقه الإسلامي بالتحريم والمنع، وينظر نص القرار في جواب السؤال رقم 106094، وما جاء في القرار من أسباب التحريم، لم يسلم ما سمي بالفوركس الإسلامي! من أكثره. فأسباب التحريم التي ذكرها المجمع: 1- " أولاً: ما اشتملت عليه من الربا الصريح، المتمثل في الزيادة على مبلغ القرض، المسماة (رسوم التبييت) ، فهي من الربا المحرم ". فإلغاء بعض المؤسسات التي تتعامل بالمارجن هذه الرسوم، لا يعني حل معاملتها، لبقاء المحاذير التالية: 2- الجمع بين سلف ومعاوضة، وقد ذكرت أنهم لا يقرضونك مجانا، وإنما لتشتري وتبيع من خلالهم، فيستفيدون الفرق. جاء في قرار المجمع: " ثانيا: أن اشتراط الوسيط على العميل أن تكون تجارته عن طريقه، يؤدي إلى الجمع بين سلف ومعاوضة (السمسرة) ، وهو في معنى الجمع بين سلف وبيع، المنهي عنه شرعاً في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يحل سلف وبيع ... ) الحديث رواه أبو داود (3/384) والترمذي (3/526) وقال: حديث حسن صحيح. وهو بهذا يكون قد انتفع من قرضه، وقد اتفق الفقهاء على أن كل قرض جر نفعاً فهو من الربا المحرم. 3- عدم حصول القبض فيما يشترط فيه القبض، كبيع العملات، والذهب والفضة، وهذا من ربا النسيئة. قال المجمع: " بيع وشراء العملات يتم غالباً دون قبض شرعي يجيز التصرف ". 4- الإضرار بالاقتصاد، وفي قرار المجمع: " رابعاً: لما تشتمل عليه هذه المعاملة من أضرار اقتصادية على الأطراف المتعاملة، وخصوصاً العميل (المستثمر) ، وعلى اقتصاد المجتمع بصفة عامة. لأنها تقوم على التوسع في الديون، وعلى المجازفة، وما تشتمل عليه غالباً من خداع وتضليل وشائعات، واحتكار ونجش وتقلبات قوية وسريعة للأسعار، بهدف الثراء السريع والحصول على مدخرات الآخرين بطرق غير مشروعة، مما يجعلها من قبيل أكل المال بالباطل، إضافة إلى تحويل الأموال في المجتمع من الأنشطة الاقتصادية الحقيقية المثمرة إلى هذه المجازفات غير المثمرة اقتصاديا، وقد تؤدي إلى هزات اقتصادية عنيفة تلحق بالمجتمع خسائر وأضرار فادحة." انتهى. فما يسمى بالفوركس الإسلامي! سلم من محذور واحد وهو رسوم التبييت، لكنه لم يسلم من الجمع بين السلف والمعاوضة، ومن محذور تأخير القبض، ومن الإضرار بالاقتصاد. فنصيحتنا لك أن تتقي الله تعالى، وتدع هذه الوسيلة المحرمة من وسائل الكسب، وأن تعلم بأن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته، وأن الحرام ممحوق البركة، سيء العاقبة، نسأل الله لنا ولك العافية. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125758 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5485 يشارك في مركز تجاري على أنه كلما اشتروا (درزن) بماله فله 10 ريالات [السُّؤَالُ] ـ[رغبت في الاشتراك مع أخي وشركائه في مركز تجاري كبير يستورد الملابس الجاهزة فقالوا لي: هات المبلغ الذي لديك ومقداره 200000 ألف ريال وسنشتري به بضاعة، فإن كان مصدرها من خارج المملكة فلك في كل درزن مما دخل عشرة ريالات، وإن كان مصدر البضاعة من داخل الأسواق السعودية فلك ريالان عن كل درزن، وليس لي أي دخل بعد وصول البضاعة للمحل سواء بيعت أم لم تبع، والأرباح كاملة يتم التعرف عليها بعد حساب جميع الدرازن الداخلة للمحل عن طريق الفواتير المثبتة لذلك، فهل هذه المعاملة صحيحة أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه المعاملة لا تصح؛ لأمرين: الأول: أنه لا يجوز أن يجعل للشريك مقدار معين من المال؛ بل يكون له نسبة من الربح مثل: 5% أو 10 % ونحو ذلك. وأما تحديد الربح بمقدار معين من المال فمفسد لعقد الشركة. قال ابن قدامة رحمه الله: " متى جعل نصيب أحد الشركاء دراهم معلومة , أو جعل مع نصيبه دراهم , مثل أن يشترط لنفسه جزءا وعشرة دراهم , بطلت الشركة. قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إبطال القراض (المضاربة) إذا شرط أحدهما أو كلاهما لنفسه دراهم معلومة، وممن حفظنا ذلك عنه مالك والأوزاعي والشافعي , وأبو ثور وأصحاب الرأي " انتهى من "المغني" (5/23) . الثاني: أنه لا يجوز ضمان رأس المال في الشركة، بل إن وقعت خسارة بغير تفريط من العامل، فهي على صاحب المال، والظاهر من سؤالك أن أخاك يضمن لك عودة رأس مالك مع الربح المذكور. وينظر جواب السؤال رقم 100103. والصورة الصحيحة لهذه المعاملة، أن تتفقا على نسبة من الربح، كأن يكون لك 5% أو أقل أو أكثر من الأرباح التي لا يعلم قدرها وحصولها إلا الله، فقد تزيد الأرباح عن المتوقع، وقد تقل، بحسب السوق، وقد تخسر التجارة، فتكون الخسارة على أصحاب الأموال بقدر أموالهم في الشركة. وأما أن يشارك الإنسان بمال، يضمن عودته له، ويأخذ عليه ربحا محدد المقدار – وليس نسبة – فهذا محرم ولا يصح. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125165 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5486 حكم اشتراط ضمان رأس المال في المضاربة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم تثبيت رأس المال في التجارة بحيث يكون الأرباح غير ثابتة؟ مثال على ذلك: أن يقول شخص: أعطني مائة ألف أشغلها لك وتأخذ أرباحها كل شهر - غير ثابت -، بس عندما تحتاج فلوسك تأخذها مائة ألف كاملة دون زيادة أو نقصان. فما الحكم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا العقد يسمى "عقد المضاربة" وهو نوع من أنواع الشركات، والواجب في هذا العقد أن يكون لكل شريك نسبة من الأرباح حسب ما ينفقه الشركاء عليها، وأما الخسائر فالواجب أن تكون على رأس المال، ولا يجوز أن يتحمل منها العامل شيئاً، ولا يجوز أن يشترط في العقد خلاف هذا، بأن يشترط أن صاحب المال متى طلب ماله أخذه كاملاً بدون نقص أو زيادة، بل الواجب في حالة طلبه رأس ماله أن تصفى الشركة، فإن كان هناك ربح أخذ نسبته منه، وإن كان هناك خسارة، كانت على رأس المال. قال ابن قدامة في "المغني" (5/22) : "وَالْوَضِيعَةَ (الخسارة) فِي الْمُضَارَبَةِ عَلَى الْمَالِ خَاصَّةً , لَيْسَ عَلَى الْعَامِلِ مِنْهَا شَيْءٌ ; لِأَنَّ الْوَضِيعَةَ عِبَارَةٌ عَنْ نُقْصَانِ رَأْسِ الْمَالِ , وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِمِلْكِ رَبِّهِ , لَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ فِيهِ , فَيَكُونُ نَقْصِهِ مِنْ مَالِهِ دُونَ غَيْرِهِ ; وَإِنَّمَا يَشْتَرِكَانِ فِيمَا يَحْصُلُ مِنْ النَّمَاءِ" انتهى. وقد نصَّ العلماء رحمهم الله على أنه لو اشترط على العامل ضمان رأس المال ـ كما في السؤال ـ أن هذا الشرط فاسد لا يجوز العمل به. فقد جاء في "الموسوعة الفقهية" (38/63-64) : "وقد نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ رَبُّ الْمَال عَلَى الْعَامِل ضَمَانَ رَأْسِ الْمَال إِِذَا تَلِفَ أَوْ ضَاعَ بِلاَ تَفْرِيطٍ مِنْهُ كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا. وَهَذَا مَا يُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَاتِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، لأَِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْعَامِل أَمِينٌ فِيمَا فِي يَدِهِ، فَإِِِنْ تَلِفَ الْمَال فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ لَمْ يَضْمَنْ، فَاشْتِرَاطُ ضَمَانِ الْمُضَارِبِ يَتَنَافَى مَعَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ" انتهى. وقال ابن قدامة: "متى شرط على المضارب (وهو العامل) ضمان المال , أو سهماً من الوضيعة , فالشرط باطل. لا نعلم فيه خلافاً، والعقد صحيح. نص عليه أحمد. وهو قول أبي حنيفة , ومالك. وروي عن أحمد أن العقد يفسد به. وحكي ذلك عن الشافعي ; لأنه شرط فاسد , فأفسد المضاربة , والمذهب: الأول [يعني: أن العقد صحيح، والشرط فاسد] " انتهى. "المغني" (5/40) . وعلى هذا: فالشرط الوارد في السؤال، وهو أن رب المال متى احتاج ماله أخذه كاملا بلا زيادة ولا نقصان شرط باطل، لا يجوز اشتراطه، ولا العمل به. وانظر جواب السؤال (100103) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 124849 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5487 حكم الاتجار في البورصة في النفط والبضائع [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم العمل بالبورصة العالمية وتجارة النفط فقط دون العملات والذهب ودون العمل بنظام الهامش أيضا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز الاتجار في البضائع عبر البورصة، إذا تحققت شروط البيع الصحيح، ومنها أن يبيع الإنسان ما يملك، والواقع أن البورصة يجري فيها كثيرا بيعُ الإنسان ما لا يملكه وما ليس عنده، وهذا منهي عنه شرعا. فقد روى أبو داود (3503) والترمذي (1232) والنسائي (4613) عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَأْتِينِي الرَّجُلُ فَيَسْأَلُنِي الْبَيْعَ لَيْسَ عِنْدِي أَبِيعُهُ مِنْهُ ثُمَّ أَبْتَاعُهُ لَهُ مِنْ السُّوقِ. قَالَ: (لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ) والحديث صححه الألباني في صحيح النسائي. وقد صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي سنة 1404هـ يبين المحاذير التي تنطوي عليها معاملات البورصة، وهذا نصه: " الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي قد نظر في موضوع سوق الأوراق المالية والبضائع (البورصة) وما يعقد فيها من عقود - بيعاً وشراءً - على العملات الورقية، وأسهم الشركات، وسندات القروض التجارية والحكومية، والبضائع، وما كان من هذه العقود على معجل، وما كان منها على مؤجل. كما اطلع المجمع على الجوانب الإيجابية المفيدة لهذه السوق في نظر الاقتصاديين والمتعاملين فيها، وعلى الجوانب السلبية الضارة فيها. أ- فأما الجوانب الإيجابية المفيدة في البورصة: أولاً: أنها تقيم سوقاً دائمةً تُسَهِّل تلاقي البائعين والمشترين، وتُعْقَدُ فيها العُقُود العاجلة والآجلة على الأسهم والسَّنَدَات والبضائع. ثانياً: أنها تسهل عملية تمويل المؤسسات الصناعية والتجارية والحكومية عن طريق طرح الأسهم وسندات القروض للبيع. ثالثاً: أنها تُسَهِّل بيع الأسهم وسندات القروض للغير والانتفاع بقيمتها؛ لأن الشركات المصدِّرة لا تصفي قيمتها لأصحابها. رابعاً: أنها تسهِّل معرفة ميزان أسعار الأسهم وسندات القروض والبضائع، وتَمَوُّجَاتِها في ميدان التعامل عن طريق حركة العرض والطَّلَب. ب- وأما الجوانب السلبية الضارة في هذه السوق فهي: أولاً: أن العقود الآجلة التي تجري في هذه السوق ليست في معظمها بيعاً حقيقاً، ولا شراء حقيقاً؛ لأنه لا يُجْرَى فيها التَّقَابُض بين طرفي العَقد فيما يُشْتَرَط له التَّقَابُض في العِوَضَين أو في أحدهما شرعاً. ثانياً: أن البائع فيها غالباً يبيع ما لا يملك من عملات وأسهم أو سندات قروض أو بضائع، على أمل شرائه من السوق وتسليمه في الموعد، دون أن يقبض الثمن عند العقد كما هو الشرط في السَّلَم. ثالثاً: أن المشتري فيها غالباً يبيع ما اشتراه لآخر قبل قبضه، والآخر يبيعه أيضاً لآخر قبل قبضه. وهكذا يتكرر البيع والشراء على الشيء ذاته قبل قبضه إلى أن تنتهي الصفقة إلى المشتري الأخير، الذي قد يريد أن يتسلم المبيع من البائع الأول، الذي يكون قد باع ما لا يملك، أو أن يحاسبه على فرق السعر في موعد التنفيذ، وهو يوم التصفية، في حين يقتصر دور المشترين والبائعين ـ غير الأول والأخير ـ على قبض فرق السعر في حالة الربح، أو دفعه في حالة الخسارة، في الموعد المذكور، كما يجري بين المقامرين تماماً. رابعاً: ما يقوم به المتمولون من احتكار الأسهم والسندات والبضائع في السوق للتحكم في البائعين الذين باعوا ما لا يملكون؛ على أمل الشراء قبل موعد تنفيذ العقد بسعر أقل، والتسليم في حينه، وإيقاعهم في الحرج. خامساً: أن خطورة السوق المالية هذه تأتي من اتخاذها وسيلة للتأثير في الأسواق بصفة عامة، لأن الأسعار فيها لا تعتمد كلياً على العرض والطلب الفعليين من قِبَل المحتاجين إلى البيع أو إلى الشراء، وإنما تتأثر بأشياء كثيرة، بعضها مُفْتَعَل من المهيمنين على السوق، أو من المُحتَكِرين للسلع أو الأوراق المالية فيها، كإشاعة كاذبة أو نحوها. وهنا تكمن الخطورة المحظورة شرعاً؛ لأن ذلك يؤدي إلى تقلبات غير طبيعية في الأسعار، مما يؤثر على الحياة الاقتصادية تأثيراً سيئاً. ولذلك قد أثارت سوق البورصة جدلاً كبيراً بين الاقتصاديين، والسبب في ذلك أنها سببت - في فترات معينة من تاريخ العالم الاقتصادي - ضياع ثروات ضخمة في وقت قصير، بينما سببت غنى للآخرين دون جهد. ولذلك كله، فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، بعد اطلاعه على حقيقة سوق الأوراق المالية والبضائع (البورصة) وما يجري فيها من عقود عاجلة وآجلة على الأسهم وسندات القروض والبضائع والعملات الورقية ومناقشتها في ضوء أحكام الشريعة الإسلامية يقرر ما يلي: أولاً: أن غاية السوق المالية (البورصة) هي إيجاد سوق مستمرة ودائمة يتلاقى فيها العرض والطلب والمتعاملون بيعاً وشراء، وهذا أمر جيد ومفيد، ويمنع استغلال المحترفين للغافلين. ولكن هذه المصلحة الواضحة يواكبها في الأسواق المذكورة (البورصة) أنواع من الصفقات المحظورة شرعاً والمقامرة والاستغلال وأكل أموال الناس بالباطل. ولذلك لا يمكن إعطاء حكم شرعي عام بشأنها؛ بل يجب بيان حكم المعاملات التي تجري فيها، كل واحدة منها على حدة. ثانياً: أن العقود العاجلة على السلع الحاضرة الموجودة في ملك البائع التي يجري فيها القبض ـ فيما يشترط له القبض في مجلس العقد شرعاً ـ هي عقود جائزة، ما لم تكن عقوداً على مُحَرَّم شرعاً، أما إذا لم يكن المبيع في ملك البائع، فيجب أن تتوافر فيه شروط بيع السَّلَم. ثالثاً: أن العقود العاجلة على أسهم الشركات والمؤسسات حيث تكون تلك الأسهم في ملك البائع جائزة شرعاً، ما لم تكن تلك الشركات أو المؤسسات موضوع تعاملها مُحَرَّم شرعاً كشركات البنوك الربويَّة وشركات الخمور، فحينئذ يحرم التعاقد في أسهمها بيعاً وشراءً. رابعاً: أن العقود العاجلة والآجلة على سندات القروض بفائدة، بمختلف أنواعها غير جائزة شرعاً، لأنها معاملات تجري بالربا المُحَرَّم. خامسا: أن العقود الآجلة بأنواعها، التي تجري على المكشوف، أي على الأسهم والسلع التي ليست في ملك البائع، بالكيفية التي تجري في السوق المالية (البورصة) غير جائزة شرعاً؛ لما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تبع ما ليس عندك) ، وكذلك ما رواه الإمام أحمد وأبو داود بإسناد صحيح عن زيد بن ثابت رضي الله عنهم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تُبَاع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم) . سادساً: ليست العقود الآجلة في السوق المالية (البورصة) من قبيل بيع السَّلَم الجائز في الشريعة الإسلامية، وذلك للفرق بينهما من وجهين: أ- في السوق المالية (البورصة) لا يدفع الثمن في العقود الآجلة في مجلس العقد. ب- في السوق المالية (البورصة) تُباع السلعة المتعاقَد عليها وهي في ذمة البائع الأول - وقبل أن يحوزها المشتري الأول - عدة بيوعات، وليس الغرض من ذلك إلا قبض أو دفع فروق الأسعار بين البائعين والمشترين غير الفعليين، مخاطرة منهم على الكسب والربح، كالمقامرة سواء بسواء، بينما لا يجوز بيع المبيع في عقد السلم قبل قبضه. وبناء على ما تقدم، يرى المجمع الفقهي الإسلامي أنه يجب على المسؤولين في البلاد الإسلامية ألا يتركوا أسواق البورصة في بلادهم حرة تتعامل كيف تشاء في عقود وصفقات، سواء أكانت جائزة أم محرمة، وألا يتركوا للمتلاعبين بالأسعار فيها أن يفعلوا ما يشاءون، بل يوجبوا فيها مراعاة الطرق المشروعة في الصفقات التي تعقد فيها، ويمنعوا العقود غير الجائزة شرعاً، ليحولوا دون التلاعب الذي يجر إلى الكوارث المالية، ويخرب الاقتصاد العام ويلحق النكبات بالكثيرين، لأن الخير كل الخير في التزام طريق الشريعة الإسلامية في كل شيء، قال الله تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) الأنعام/153. والله سبحانه هو ولي التوفيق، والهادي إلى سواء السبيل، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم " انتهى. وأما العمل بنظام الهامش فلا يجوز، وينظر: سؤال رقم (106094) . وبناء على ذلك فلابد للمتعامل بالبورصة أن يكون على بصيرة بما يجري فيها وألا يقدم على معاملة حتى يتيقن من حلها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 124311 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5488 التورق في السلع عن طريق بنك الجزيرة [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أقترض من بنك الجزيرة، هل صحيح أن بنك الجزيرة تحول إلى بنك إسلامي أم أن قروضه (بيع أرز) من نوع التورق المنظم الذي ترى حرمته؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سبق أن بينا تحريم التعامل بالتورق المصرفي المنظم، وينظر بيان ذلك مفصلا في جواب السؤال رقم 82612 ورقم 98124 والذي يظهر من نشرة الموقع أن التورق فيه من هذا النوع، فقد جاء فيه: " التورق التمويلي: قام بنك الجزيرة بتطوير برنامج أطلق عليه اسم برنامج (دينار) يعد البديل الشرعي للتمويل النقدي، حيث يقوم البنك ببيع سلعة مرابحةً بشروط دفع مؤجلة على العميل المحتاج للنقد، وبعد ذلك يقوم العميل بتعميد البنك ببيعها بثمن حالٍّ في السوق الدولية أو المحلية، ومن ثَمَّ تحصيل ثمنها وإيداعه في حساب العميل، وكل ذلك يتم في وقت قياسي وبتكاليف زهيدة " انتهى. وقد سئل الدكتور محمد العصيمي حفظه الله عن حكم تمويل المعادن من بنك الجزيرة؟ فأجاب: لا أرى جواز التورق في المعادن إلا أن يقبضها العميل، ثم يبيع على غير التاجر الذي اشترى البنك منه. وحيث إن كل ذلك لا يحصل فلا يجوز " انتهى. وأفاد الشيخ أن البنك ساع في أسلمة عملياته كلها. وينظر جواب السؤال رقم 81199. والحاصل: أنه لا حرج أن تشتري من البنك سلعة يملكها، ثم تبيعها بنفسك لتحصل على النقد، وليس لك أن توكل البنك في بيعها. وينبغي التنبه إلى أن التورق لا يسمى اقتراضا، بل هو شراء وبيع للحصول على الورِق أي النقد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 122078 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5489 حكم شراء أسهم شركة "دو" للاتصالات [السُّؤَالُ] ـ[لا أتعامل في البورصة بالمرة ولكنى أحببت أن استثمر بعض الأموال في أسهم إحدى شركات الاتصالات الحديثة، وهي تحديداً شركة "دو" للاتصالات المتكاملة في دولة الإمارات (المشغل الثاني) بعد اتصالات، فهل هناك حرج في شراء أسهمها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله جواز المساهمة في شركةٍ ما يتوقف على معرفة أنشطتها وسلامتها من العمل أو الاستثمار المحرم، وذلك لأن المساهم يعد شريكا في أعمال الشركة وأنشطتها بقدر حصته من الأسهم. وليس لنا معرفة تامة بنظام الشركة ومعاملاتها، لكن إليك بعض الضوابط العامة: 1- لا يجوز شراء الأسهم في شركة تتعامل بالربا قرضا أو اقتراضا؛ لعظم حرمة الربا وإثم المشاركين فيه، وقد جاء في بعض المواقع الإخبارية " أن شركة (دو) وقعت اتفاق قرض بقيمة ثلاثة مليارات درهم (817 مليون دولار) من خلال بنك المشرق وبنك وست ال. بي وهما مديرا الاكتتاب في القرض والمنظمان الرئيسيان له ". فإذا كان هذا قرضا بفائدة، فهو ربا، ولا يجوز شراء أسهمها حينئذ. 2- لا يجوز شراء الأسهم في شركة تودع جزءاً من أموال المساهمين في البنوك الربوية لغير ضرورة الحفظ؛ لما سبق من تحريم الربا قرضا أو إقراضا. 3- لا يجوز شراء الأسهم في شركة لها نشاط محرم، كنشر المواقع الإباحية على الإنترنت - دون رقابة تقلل منها قدر المستطاع -، أو تمكين المشترك من استعمال القنوات المحرمة، أو المشاركة في المسابقات القائمة على الميسر. فإذا سلمت الشركة من ذلك، فلا حرج في شراء أسهمها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121982 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5490 طلب منه الاستمرار في المضاربة بنظام المارجن فخسر المال كله [السُّؤَالُ] ـ[أنا أتاجر في بورصة تسمى بورصة العملات العالمية (الفوريكس) وقد أباحها بعض العلماء الأجلاء وبدأت المتاجرة فيها بمبلغ صغير خاص بي فخسرت وربحت وربحت وخسرت ولكني توصلت إلى طريق ناجحة للمتاجرة في هذه البورصة ولكن لم أتاجر بها لعدم توفر رأس المال وتعرفت على أحد الإخوة من منتدى، وكان في دولة أخرى غير دولتي واتفقت معه أن يدخل هو برأس المال، وأنا أقوم بالمتاجرة وله 80% من الربح ولي 20% من الربح، واتفقنا أن الحد الأقصى للخسارة لا يزيد عن 40% من رأس المال، ولو وصلت الخسارة 40% أقفل كل الصفقات وأنهي العمل وأعيد له ما تبقى من رأس ماله 60% وننهي الاتفاق، وخلال شهر استطعت من خلال المتاجرة تنمية رأس المال 50% ربح، ولكن جاء على السوق وقت كانت الحركة عنيف جدا مما أدى إلى خسارة ال50% ربح وخسارة أكثر من نصف رأس المال وما تبقى كان فقط نصف رأس المال، وقال لي هل ممكن يعود راس المال كاملا من خلال المتاجرة والتعويض؟ قلت له إنني سوف أحاول ذلك وإن شاء الله ممكن، وخيرته من أن نتاجر إلى الوصول إلى 60% فقط من رأس المال كما اتفقنا بالأول أو نصل إلى رأس المال؟ وتاجرت وربحت ووصلت إلى 60% من رأس المال الأصلي وهو مثل اتفاقنا الأول بان الحد الأقصى للخسارة 40% فقط ولكن هو قال لي أن أكمل العمل حتى نصل رأس المال كاملا وأنا وافقت ووقتها لم يشترط علي أي نسبة خسارة لو وصلتها الخسارة نوقف العمل ولم يقل لي أنني مطالب بتعويضه - من مالي الخاص - في حال حصلت خسارة ولكن هذه المرة حركة السوق العنيفة أدت إلى خسارة كل رأس المال تقريبا، وكان هناك بعض المسؤولية علي لأني كنت أخاطر بنسبة مرتفعة بعض الشيء ولكن بهدف التعويض، وبنية طيبة، الآن الرجل يطالبني أن أعوضه من مالي الخاص عن رأس ماله كاملا ثم خفضها إلى نصف رأس ماله ويدعو الله أن يعذبني وينتقم مني، لو لم أعوضه بنصف رأس المال، وأنا لا أملك المبلغ إطلاقا -لو توفر لي المبلغ في المستقبل - هل أكون أنا مطالب بتعويضه من مالي الخاص؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا يجوز المتاجرة بالهامش أو المارجن، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم (106094) ورقم (72210) ، وقد صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي بتحريم التعامل بهذا النظام، وتجد نصه في الجواب الأول المحال عليه. ثانيا: إذا تم الاتفاق بينك وبين صاحب المال على أن له 80% من الربح، ولك 20%، وأنك تتوقف عن المضاربة إذا وصلت الخسارة إلى 40%، وأنه طلب منك الاستمرار في المضاربة لاسترداد رأس، فحصلت الخسارة كما ذكرت، فالأصل أنه لا ضمان عليك؛ لأن عامل المضاربة إنما يخسر عمله فقط، والخسارة تكون على رب المال، إلا إن حصل منك تفريط أو تهاون، فيلزمك التعويض بحسب ما يراه أهل الخبرة. وعليه؛ فينبغي أن يعرض أمرك على بعض المضاربين الموثوق بدينهم، فإن رأوا أنك فرطت وتجاوزت في طريقة المضاربة، فإنك تتحمل ما يقابل ذلك من الخسارة، ويقدره هؤلاء، وإن تصالحتم على شيء معين يرضي الطرفين فلا بأس. وعليك أن تخبر صاحبك بحرمة التعامل بنظام المارجن، حتى لا يعود إليه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121767 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5491 حكم الاكتتاب في شركة معادن [السُّؤَالُ] ـ[السؤال: ما حكم الاكتتاب في شركة "معادن"؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله شركة التعدين العربية السعودية "معادن" تعمل في تنمية الموارد المعدنية في المملكة العربية السعودية، وهذا النشاط مباح من حيث الأصل. غير أن الشركة تتعامل بالقروض الربوية، وبهذا تصنف هذه الشركة ضمن الشركات "المختلطة" التي يكون أصل نشاطها مباحاً، وتتعامل بعض المعاملات المحرمة، وأكثر العلماء المعاصرين على تحريم المساهمة في هذا النوع من الشركات، وأن المساهم سيكون شريكاً في الإثم الحاصل بتلك المعاملات المحرمة. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (112445) . وعلى هذا؛ فلا يجوز المساهمة في هذه الشركة، حتى تنتهي عن المعاملات المحرمة، التي من أعظمها الربا، وقد سئل فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن سعود العصيمي عن المساهمة في هذه الشركة فأجاب: " الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، فقد اطلعت على تقرير مفصل مقدم من الزملاء في مركز الأوائل عن وضع شركة معادن، وقد اشتمل التقرير على بيان كون الشركة قد اقترضت قروضا بعضها قروض ربوية وحصلت على تسهيلات ربوية، ... وحيث إن الأمر كذلك، فلا يجوز في نظري الاكتتاب بها. وإني بهذه المناسبة أدعو القائمين على هذه الشركة العملاقة التي يراد لها أن تكون علامة فارقة في الاقتصاد السعودي أن يسلكوا في تمويلها الطريقة الشرعية الإسلامية المتاحة من كثير من البنوك، وأن يسارعوا إلى تعيين مستشار شرعي لهم يعينهم على طريق الخير في التمويل والاستثمار، فالله سبحانه وتعالى قد قال في كتابه لجميع المؤمنين: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) ، ولا عذر لشركةٍ الآن في السعودية على وجه الخصوص، فالمستشارون الشرعيون كثيرون، والتمويل الإسلامي ميسر وبأسعار منافسة، والبنوك والشركات الاستثمارية تتسابق وتتنافس على جلب الشركات إلى نطاق خدماتها، والله سبحانه وتعالى قد أنذر وأعذر قبل ذلك. وإني على يقين أن السوق السعودية لن يستمر فيها إلا الشركات التي تسلك سبيل التمويل الإسلامي في المدى المتوسط، وما ذلك على الله بعزيز. وفق الله الجميع لكل خير، ورزقنا حسن الاتباع، ووفقنا لما يحبه ويرضاه، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد " انتهى من موقع الشيخ العصيمي. http://www.halal2.com/ftawaDetail.asp?id=24829 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121142 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5492 حكم التعامل مع " بنك فيصل المصري " [السُّؤَالُ] ـ[السؤال: أود منكم الرأي الشرعي في مشروعية التعامل مع بنك "فيصل الإسلامي" في مصر، حيث إني أردت أن أودع مبلغاً من المال فيه، وذهبت للاستفسار عن نظام البنك فقالوا لي ما يلي: أولاً: البنك يشرف عليه هيئة رقابة شرعية. ثانياً: من النظام المعمول به في مصر أن يكون لأي بنك في مصر وديعة في البنك المركزي المصري بنسبه 15 % من نسبة رأس ماله لضمان إذا حصل إفلاس للبنك أن يستطيع أن يساعده، وهذه الأموال تستثمر في مشاريع بعضها شرعي والآخر غير شرعي، ويكون لكل بنك نسبة عائد من استثمار هذه الأموال , ولكن " بنك فيصل " يتنازل عن هذه الأرباح لصالح البنك المركزي. ثالثاً: نسبة العائد لا تحدد مسبقاً على أي نوع من أنواع الاستثمار سواء كان الحساب استثماريّاً أو ودائع أو شهادات الاستثمار. رابعاً: يقوم البنك بإخراج أموال الزكاة عن العائد الذي يضاف لكل حساب استثماري أو ودائع أو شهادات الاستثمار. خامساً: بالنسبة للحساب الجاري لا تستثمر الأموال المودعة فيه، ويقوم البنك بأخذ مبلغ كل عام قدره (20 جنيها) . سادساً: بالنسبة لشهادات الاستثمار يقوم البنك كل سنة بإجراء قرعة يستطيع الفائز في هذه القرعة السفر على نفقه البنك لأداء فريضة الحج. وأود أن أسال عن هذه النقطة: هل يجوز للبنك إذا خسر - وهذا نادر الحدوث حيث إنه يخضع تحت رقابة خبراء اقتصاد - أن يتم الخصم من رأس مال الأشخاص المودعين بنفس نسبة الخسارة؟ وإذا خسر البنك ولم يتم الخصم من رأس المال بالنسبة للمودعين هل يأثمون أم لا؟ وفى حالة عدم علم العملاء بالخسارة فهل يأثمون؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يُحكم على تعاملات البنوك والمؤسسات وفقاً لأسمائها، بل لا بدَّ أن يتوافق واقعها مع اسمها الذي تنتسب إليه وهو " الإسلام "، كما أن وجود هيئة رقابة أو إفتاء شرعية في البنك أو المؤسسة لا يَحكم على أفعالها بأنها صواب إلا أن يكونوا من الثقات في علمهم ودينهم، وتكون قراراتها ملزمة لإدارة البنك. ولسنا في صدد تقويم هذا البنك أو ذاك إنما هو قاعدة عامة تنطبق على الجميع، وما ذكرتَه – أخي الفاضل – في سؤالك لا مطعن فيه، وهو علامة خير إن شاء الله، لكن يهمنا معرفة حقيقة التعامل، والنظر في الصور والمعاملات الأخرى كبيع المرابحة أو التورق المصرفي وهما أكثر التعاملات تداولاً في البنوك التي تنتسب إلى الإسلام، وعند كثير منها مخالفات شرعية واضحة، وقد نبهت بعض قرارات " مجمع الفقه الإسلامي " على سوء تصرف بعض البنوك التي تنتسب إلى الإسلام، وحذروا من التعامل بمثل هذه المخالفات للشرع. وفي قرارهم في مؤتمرهم المعقود في 19 - 23 / 10 / 1424 هـ الذي يوافقه 13 - 17 / 12 / 2003 م قالوا: " كما أن المجلس إذ يقدر جهود المصارف الإسلامية في إنقاذ الأمة الإسلامية من بلوى الربا، فإنه يوصي بأن تستخدم لذلك المعاملات الحقيقية المشروعة دون اللجوء إلى معاملات صورية تؤول إلى كونها تمويلاً محضاً بزيادة ترجع إلى الممول " انتهى. وقال الشيخ صالح بن عبد الرحمن الحصين: " إذا كانت المصارف الإسلامية لم تستطع حتى الآن تحقيق أهدافها، وكان ذلك بسبب أن الاتجاه العام الغالب لديها في استخدام الموارد لا يمكنها من ذلك على نحو ما وضح فيما سبق: فإن النتيجة المنطقية لذلك أنها لن تحقق في المستقبل ما عجزت عنه في الماضي. والواقع يثبت أن المصارف الإسلامية بهذا الاتجاه ظلت تقترب من البنوك الربوية شيئاً فشيئاً، وأن أوضح شاهد لذلك ما انتهت إليه المصرفية الإسلامية من اعتماد عمليتي " تيسير الأهلي "، و " التورق المبارك ". والظاهر أنه من الناحية العملية فإنه من المستحيل القول إن الآثار السلبية للربا الاقتصادية والاجتماعية والسيكولوجية التي تتحقق في التمويل بالفائدة لا تتحقق في التمويل بـ " تيسير الأهلي " أو " التورق المبارك " بل إنه من الناحية الفقهية يستحيل على الفقيه دون أن يخادع نفسه أن يدَّعي وجود فارق بين هاتين العمليتين والاحتيال المحرم على الربا. بهذا الاقتراب من البنوك الربوية: فإن المصارف الإسلامية ستفقد هويتها الحقيقية، ولا يبقى لها إلا الاسم " انتهى من مقال – له - بعنوان " المصارف الإسلامية ما لها وما عليها ". وعلى كل حال: فوجود الرقابة الشرعية والمجالس الشرعية في هذه البنوك علامة خير. وما ذكرتَه من أن البنك لا يحدد مبلغاً معيناً لودائع واستثمارات زبائنه، وأنه يخرج الزكاة عن أموال المودعين، وأنه يشارك في الربح والخسارة في حال المشاركة – وننبه إلى أن البنك إن كان مشاركاً فهو يخسر من ماله، وإن كان مضارباً فهو يخسر جهوده، وخسارة المال تكون على أصحابه – كل ذلك ليس فيه مخالفة شرعية، وما يكون من تعامل مع البنوك المركزية هو أمر تُجبر عليه البنوك الإسلامية جميعها. غير أن هذا لا يكفي للحكم على معاملات البنك كلها بأنها شرعية، بل لا بد من الوقوف على حقيقية معاملاته كلها. ولكن.. باعتبار أن ما ذكرته عن البنك يعطي مؤشراً عن اختلاف البنك عن البنوك الربوية، وأنه لا يتعامل بالربا، فإننا نرى لك جواز التعامل معه حتى يتبين لك أن معاملاته غير منضبطة بالضوابط الشرعية، فتوقف تعاملك معه حينئذ. وفي جواب السؤال رقم (47651) ذكرنا مواصفات البنك الإسلامي فلينظر. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120662 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5493 حكم شهادات الادخار ذات العائد المتغير من بنك فيصل الإسلامي [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم شراء شهادات الادخار ذات العائد المتغير من بنك فيصل الإسلامي المصري، الرجاء الاطلاع على موقع البنك لمعرفة التفاصيل: http://www.faisalbank.com.eg/FIB/Edkhar_2.jsp]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا علم لنا بطرق الاستثمار المعمول بها في بنك فيصل الإسلامي، وسبق أن بينّا ضوابط الاستثمار الشرعي في الجواب رقم (113852) ، فلتراجع. وليس في الموقع بيان لمسألة رأس المال هل هو مضمون على البنك أم لا؟ وليس فيه بيان نسبة الربح التي يلزم بيانها، وقد بينّا في الجواب المحال عليه أنه لابد من بيان نسبة الربح 5% أو 10% مثلاً من الأرباح لا من رأس المال، وأنه لا يصح الاستثمار أو المضاربة إذا لم تبين هذه النسبة عند العقد، خلافاً لما يشيع عند العامة من أن الاستثمار المشروع لا يحدد فيه شيء. والحاصل: أنه إذا توفرت شروط الاستثمار الصحيح في هذا العقد ـ وهو ما لم يظهر لنا من الموقع ـ فلا حرج من الدخول فيه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120659 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5494 حكم الاكتتاب في شركة حلواني إخوان [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الاكتتاب في شركة حلواني إخوان؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله شركة حلواني إخوان تقوم بتصنيع بعض الأغذية، وهو عمل مباح في الأصل، غير أن لها بعض المعاملات الربوية، مما يجعل هذه الشركة تصنف ضمن الشركات المختلطة، وهي التي يكون أصل نشاطها مباحاً، غير أنها تقوم ببعض المعاملات المحرمة، وأكثر العلماء المعاصرين يفتون بتحريم المساهمة في الشركات المختلطة، وأن المساهم سيكون شريكاً في الإثم الحاصل بتلك المعاملات المحرمة. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (112445) . وقد سئل الشيخ محمد بن سعود العصيمي عن حكم الاكتتاب بشركة حلواني إخوان، فأجاب: "الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، فقد اطلعت على تقرير مفصل مقدم من الزملاء في مركز الأوائل عن وضع شركة حلواني، وقد اشتمل التقرير على بيان كون الشركة قد اقترضت قروضا ربوية وحصلت على تسهيلات ربوية، وعندها مصروفات ربوية تدفعها على تلك القروض والتسهيلات، وهناك قرض من بنك مصري في مصر بسعر فائدة ربوي، وحيث إن الأمر كذلك، فلا يجوز في نظري الاكتتاب بها. وإني بهذه المناسبة أستغرب عدم سعي الشركة للحصول على تمويلات إسلامية لجميع تعاملاتها، ولا عذر لها ولا للقائمين عليها أمام الله سبحانه وتعالى، فاحتياجاتهم التمويلية ذات مبالغ زهيدة، وطريقة التمويل بالطريقة الإسلامية الخالصة متاحة من عدد لا يستهان به من البنوك. وأدعو القائمين عليها والمساهمين بها إلى سلوك جادة المؤمنين، واتباع نهج سيد المرسلين، صلى الله عليه وسلم، فإن الدنيا قصيرة جدا، والدنيا دار فتنة وبلاء وامتحان، والعاقل والسعيد من وعظ بغيره، فهذه آيات الله تترى في المرابين والعصاة. وفق الله الجميع لكل خير، ورزقنا حسن الاتباع، ووفقنا لما يحبه ويرضا، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد" انتهى. http://www.halal2.com/ftawaDetail.asp?id=24654 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120425 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5495 حكم الاكتتاب في شركة أسواق العثيم [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الاكتتاب في شركة أسواق العثيم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله شركة أسواق العثيم تعمل في تجارة المواد الغذائية، وهو عمل مباح، وقد أفتى الشيخ محمد بن سعود العصيمي بجواز الاكتتاب فيها، بناء على انضباط أعمال الشركة بالضوابط الشرعية، فقال: "الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد، فقد اطلعت على تقرير مفصل وشامل مقدم من مركز الأوائل للاستشارات الاقتصادية عن شركة عبد الله صالح العثيم، وشملت الدراسة نشرة الإصدار والنظام الأساسي للشركة، وعقد التأسيس، وعقود التمويل واتفاقيات التسهيلات البنكية، وعقود التوريد، وعقد بطاقة اكتساب، وعقود التأمين، والقوائم المالية للشركة المنتهية في نهاية عام 2006م. ثم اطلعت على تقرير محدث عن وضع الشركة كذلك قبل نزولها للاكتتاب، وحيث إن التقريرين دلا على أن أعمال الشركة مطابقة للضوابط الشرعية بفضل الله، وعليه فالاكتتاب فيها جائز. وإني أوصي نفسي والقائمين على هذه الشركة والشركات الأخرى بتقوى الله والانصياع لأوامره، والابتعاد عن نواهيه، فإن البركة والنماء والخير في الدنيا والآخرة في ذلك. والله أعلم، وصلى الله وسلم على رسول الهدي وعلى آله وصحبه أجمعين" انتهى. http://www.halal2.com/ftawaDetail.asp?id=24686 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120424 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5496 استثمر أموال الناس بطريقة محرمة وهو عاجز الآن عن ردها [السُّؤَالُ] ـ[كنت آخذ من الناس مبالغ من المال للاستثمار وأعطيهم عليها ربحاً ثابتاً بعد مدة معينة وعلمت بعد فترة أن ذلك حرام ولو أعطيتهم الآن حقوقهم يجوع أولادي وأسجن لعدم كفاية ما عندي بالنسبة لما لهم عندي فما الحل؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: هذه المعاملة التي كنت تعامل بها الناس هي نوع من المشاركة يسميها الفقهاء: "المضاربة" وهي أن يكون المال من شخص، والطرف الآخر يعمل بهذا المال في التجارة أو غيرها، ويقسم الربح بينهما. وصورتها الصحيحة: أن يتم تقسيم الربح حسب ما يتفقان عليه، سواء كان نصيب كل واحد منهما مساوياً للآخر أو يزيد أحدهما، حسب ما يتراضيان عليه، وأن تكون الخسارة كلها في حالة حصولها على رأس المال، أما الطرف الآخر الذي يشارك بعمله فإنه لا يخسر مالاً، وإنما يكون خسر عمله فقط. والواجب عند تقسيم الربح أن يأخذ كل واحد من الشريكين جزءاً من الربح. أما أن يُعطى صاحب رأس المال نسبة ثابتة من رأس المال كالعُشْر، أو يُعطى مبلغاً ثابتاً كل مدة مثل 1000 ريال مثلاًً، فإن هذا محرم، وقد نقل ابن المنذر رحمه الله إجماع العلماء على تحريم المضاربة إذا اشترط أحد الشريكين قدراً معلوما من الدراهم، وإنما يكون نصيب كل واحد منهما نسبة من الربح. المغني (5/23) . ثانياً: يجب رد الأموال إلى أصحابها، ولا تجوز المماطلة في ذلك، ما دمت تملك ما تسدد به، من نقود، أو أشياء يمكن بيعها، والفقهاء يقولون: إن المفلس تباع أملاكه لسداد دينه، ولا يترك له إلا الأشياء الضرورية، من مسكن وأثاث وثياب .... ونحو ذلك. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ) رواه البخاري (2400) ومسلم (1564) . وفي حديث آخر: (يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ) رواه أبو داود (3628) والنسائي (4689) وابن ماجه (2427) ، وحسنه الألباني في "إرواء الغليل" (1434) . والمطل هو تأخير سداد الحق من غير عذر. ومعنى "يحل عرضه": أي أن يقول: فلان مطلني وظلمني وأكل حقي. و"عقوبته": أي: يجوز للحاكم أن يعاقبه على فعله المحرم. فاتق الله تعالى، وخف عقابه، واحذر من عاقبة أكل الحرام وتأخير حقوق الناس، ولا تخف من المستقبل، فإن الرزق بيد الله سبحانه، وقد وعد أهل طاعته بالمزيد، فقال سبحانه: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل/97، وقال: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/2، 3. وهب نفسك أحد هؤلاء الناس، وغيرك قد أخذ مالك ويماطلك مع قدرته على السداد، خوفاً على أولاده أو مستقبله، فهل ترضى ذلك، وهل تلتمس له عذراً، وهل يسلم من سخطك ودعائك؟ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم موصيا أحد أصحابه: (وانظر ما تحب من الناس أن يأتوه إليك فافعل بهم، وما كرهت أن يأتوه إليك فذرهم منه) رواه أحمد وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (3508) . وراجع جواب السؤال رقم (84030) . فالواجب عليك أن تسدد ما تستطيع تسديده من أموال الناس، وما بقي فإنك تستسمحهم، ويكون ذلك دَيناً عليك تسدده متى استطعت ذلك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120380 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5497 يقترض صاحبه مالا من البنك ليدخل معه شريكا في تجارته [السُّؤَالُ] ـ[أملك شركة لاستيراد وتصدير الذهب، وأمر بأزمة مالية حادة، ونظراُ لحاجتي مبلغاً من المال وذلك بسبب التضخم التجاري في السوق المحلي فقد التجأت إلى معارفي وأصدقائي ولكن لم أتحصل على أي مبلغ لظروفهم الاقتصادية الحالية، وقد التجأت إلى مصرف تجاري - علما بأنه لا يوجد مصارف إسلامية في بلادنا - ليقوموا بتمويلي، وعندما علمت أنه يوجد فائدة 5% قيل لي إنها حرام، عندها أشار علي أحد العاملين بالمصرف بأنه يمكن أن يقترض هذا المبلغ ويتحمل العوائد المصرفية - العاملين في المصرف يسمح لهم بأخذ القروض دون فائدة - نظير مشاركتي في الأرباح، أرجو منكم إفادتي في هذا الموضوع.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: التمويل الذي أشرت إليه تمويل محرم؛ لأنه قرض ربوي، يسدد بفائدة قدرها (5%) ، وقد أجمع العلماء على أن كل قرض جر نفعا فهو ربا. قال ابن قدامة رحمه الله: " وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المُسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية، فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا، وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة " انتهى من "المغني" (6/436) . وقد أحسنت في عدم الإقدام على هذا التمويل، وسؤالك عما أشكل عليك، ونسأل الله أن يبارك في مالك ويخلف عليك خيرا. ثانيا: يجوز للعامل في المصرف أن يقترض قرضا حسنا – بلا فوائد – ثم يدخل معك شريكا بهذا المال، على ما تتفقان عليه من الربح، وأما الخسارة – عافاك الله منها – فإنها تكون على قدر مال كل منكما. فلو اشترك زيد وعمرو مثلا، ودفع زيد 100 ألف، ودفع عمرو 200 ألف، فلهما أن يتفقا على ما أرادا من الربح، كأن يجعل لزيد 25% أو 30 % أو غير ذلك، والباقي لعمرو، وأما الخسارة فإنها تكون على قدر المال، فيتحمل زيد منها نصف ما يتحمله عمرو. هذا إذا شارك كل منكما بالمال، وأما إذا كان المال منه، والعمل منك، ولم تشارك بشيء من المال، فهذه مضاربة، والربح فيها على ما تتفقان عليه، والخسارة على صاحب المال فقط. وهذه هي القاعدة في الشركة عموما: أن الخسارة تكون على صاحب المال، بقدر ماله، وأما العامل في المضاربة الذي لا مال له، فإنه في حال الخسارة يخسر عمله وجهده، ولا يضمن شيئا من المال، إلا إذا حصلت الخسارة بسبب تقصير منه أو تعدٍ فإنه يتحملها. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (5/22) : " (والوضيعة على قدر المال) يعني الخسران في الشركة على كل واحد منهما بقدر ماله , فإن كان مالهما متساويا في القدر , فالخسران بينهما نصفين , وإن كان أثلاثا , فالوضيعة أثلاثا. لا نعلم في هذا خلافا بين أهل العلم. وبه يقول أبو حنيفة , والشافعي وغيرهما ... والوضيعة في المضاربة على المال خاصة , ليس على العامل منها شيء ; لأن الوضيعة عبارة عن نقصان رأس المال , وهو مختص بملك ربه , لا شيء للعامل فيه , فيكون نقصه من ماله دون غيره ; وإنما يشتركان فيما يحصل من النماء " انتهى. وانظر شروط المضاربة الصحيحة في جواب السؤال رقم (114537) . ثالثا: لا يجوز العمل في البنوك الربوية، وعلى من ابتلي بذلك أن يبادر بالتوبة وترك العمل، وينظر جواب السؤال رقم (26771) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 119873 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5498 حكم فتح مقهى تشاهد فيه مباريات كرة القدم ويشرب فيه الدخان [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم فتح كوفي شوب فيه قاعة لمتابعة مباريات كرة القدم المحلية والعالمية فقط، ويسمح بالتدخين فيها وذلك لرغبة الأكثرية.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: يحرم شرب الدخان؛ لما فيه من الخبث والضرر وإضاعة المال، وينظر جواب السؤال رقم (10922) ورقم (9083) . ولا يجوز الإذن بالتدخين في المقهى أو غيره، وفاعل ذلك شريك في الإثم. ثانيا: مشاهدة مباريات كرة القدم لا تخلو من محاذير، لا سيما المباريات العالمية التي تظهر فيها النساء، وتعزف فيها الموسيقى، مع قيام هذه المباريات على القمار، وهو دفع الجوائز فيما لا يجوز. وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: ما حكم مشاهدة المباراة الرياضية، المتمثلة في مباراة كأس العالم وغيره؟ فأجابت: " مباريات كرة القدم التي على مال أو نحوه من جوائز حرام؛ لكون ذلك قمارا؛ لأنه لا يجوز أخذ السَّبَق وهو العوض إلا فيما أذن فيه الشرع، وهو المسابقة على الخيل والإبل والرماية، وعلى هذا فحضور المباريات حرام، ومشاهدتها كذلك، لمن علم أنها على عوض؛ لأن في حضوره لها إقرارا لها. أما إذا كانت المباراة على غير عوض ولم تشغل عما أوجب الله من الصلاة وغيرها، ولم تشتمل على محظور: ككشف العورات، أو اختلاط النساء بالرجال، أو وجود آلات لهو - فلا حرج فيها ولا في مشاهدتها. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ... الشيخ صالح بن فوزان الفوزان ... الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد. "فتاوى اللجنة الدائمة" (15/238) . وعليه؛ فصاحب المقهى إن أمكنه منع جميع المنكرات في مقهاه، كالدخان، والموسيقى، ومشاهدة المباريات المحرمة، جاز له فتح هذا المقهى، وإذا لم يمكنه ذلك لم يجز؛ لحرمة السكوت على المنكر والإعانة عليه، قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2، وقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) رواه مسلم (49) . وينظر جواب السؤال رقم (47396) ، ورقم (96662) ، ورقم (82873) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 119839 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5499 ضوابط لإخلاء الفنادق من المنكرات [السُّؤَالُ] ـ[أود أن أعرف ما إذا كان يجوز في الإسلام امتلاك فندق؟ مع العلم بعجز المرء عن ضمان بيئة خالية من ارتكاب المعاصي؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج على المسلم المستقيم على طاعة الله تعالى أن يمتلك فندقاً، بل ينبغي له أن يفعل ذلك إن أمكنه إخلاء فندقه من المنكرات؛ إنقاذاً لإخوانه من فنادق السوء، التي صارت أماكن اللهو والمنكرات جزءً من كثير منها. وعلى من استطاع إقامة فندق في بلده أن يلتزم بما يُبقيه خارجاً عن الإثم، ومميزاً عن غيره من فنادق السوء، وذلك بالتزامه بالضوابط الشرعية، ومن ذلك: 1. خلو الفندق من العمالة النسائية، والاختلاط المنكر الواقع في كثير من الفنادق، ومما يؤسف له استغلال المرأة أسوأ استغلال في مثل تلك الأماكن، فتوضع النساء الجميلات في واجهة الفنادق من الداخل – قسم الاستعلامات -، وتوضع الأقل جمالاً لتنظيف الغرف! ، ومن رام الالتزام بالشرع: فليتخلص من هذه المفسدة، ولا يوظف امرأة؛ خشية عليها، وعلى غيرها. 2. عدم تشغيل الموسيقى في أرجاء الفندق. 3. عدم تمكين الزبائن من رؤية القنوات الفاسدة المفسدة، وقد جعل الله تعالى لهؤلاء مخرجاً بالقنوات الإسلامية والمحافظة، والتي تحتوي على عرض كل النواحي التي يحتاجها المشاهد، من أخبار، وأفلام وثائقية، وبرامج أطفال، وبرامج دينية، ويُعرض كل ذلك مع خلوه من المعازف، والنساء. 4. التأكد من شخصية المرأة المصاحبة للنزيل؛ خشيةً من أهل الفساد أن يستغلوا غرف الفندق في ارتكاب ما حرَّم الله، ولا بأس من تشغيل بعض زوجات العاملين – أو أخواتهم – في النواحي التي يُحتاج فيها للنساء، كالكشف عن شخصية النساء المنتقبات، أو لعموم التعامل مع النساء النزيلات، وهذا يُعطي ارتياحاً للنزلاء كثيراً، ويبنون به جسوراً من الثقة والمودة بينهم وبين هذا الفندق المحافظ، على أن يُلتزم بأن تكون المرأة العاملة مع زوجها، أو أخيها، ودون أن تكون بارزة للعيان، بل تكون في مكتب خاص يُحافظ به على سترها، وعفافها. 5. خلو الغرف، والمطعم، والصالة، من الأطعمة والأشربة المحرَّمة، وقد جعل الله تعالى في الحلال غنية عن الحرام، وخلو الفندق من هذه المحرَّمات يجلب له البركة، ويجلب له الزبائن العقلاء المحافظين، ولا خير في عكسهم. 6. ولا نرى أن يفتح صاحب الفندق على نفسه أبواباً من الشر بفتحه نادياً صحيّاً، أو حمام سباحة، إلا أن يضبط ذلك بأمرين: أ. عدم مشاركة النزيلات فيهما. ب. الالتزام باللباس الساتر في كلا الأمرين. 7. يفضَّل أن يجعل صاحب الفندق مكتبة إسلامية صغيرة في كل غرفة تحتوي على القرآن الكريم، وعلى كتب ميسرة في فنون الشريعة، وأن يجعل مكتبة أكبر منها في صالة الفندق، أو في غرفة كبيرة مستقلة، ويزودها بأجهزة حديثة، كالحواسيب، والأشرطة الصوتية، والمرئية، والمجلات، والصحف المحافظة الخالية من الشوائب. 8. وننبه – أخيراً – إلى النظافة، والأسعار، فلا ينبغي للقائمين على مثل هذه الفنادق أن تكون فنادقهم متسخة غير نظيفة، بل ينبغي أن تكون مثالاً في النظافة، وحسن الترتيب، كما ينبغي أن لا يُغالى في أسعار الغرف، وتكون مثل هذه الفنادق أنموذجاً في حسن التعامل، والرفق بالناس. ونبشِّر الناس جميعاً أنه قد انتشرت ظاهرة الفنادق الإسلامية المحافظة في كثير من الدول الإسلامية، وهذا أمر تقر له أعين المحافظين، وتنشرح له صدور المستقيمين. والله الموفق [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 119222 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5500 تقتطع الشركة جزءاً من راتبه لتوفر له مبلغاً كبيراً عند تقاعده [السُّؤَالُ] ـ[تقطع الشركة كل شهر جزءا من راتبي، وتستثمره في قطاعات مختلفة من ضمنها أسهم وسندات في البنوك وهو الغالب، ثم تعطي مبلغاً كبيراً من المال عند الخروج إلى المعاش، ما حكم ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه المعاملة محرمة، وسبب تحريمها أمران: الأول: أنها صورة من صور التأمين التجاري، وقد سبق بيان حرمة الاشتراك في التأمين والتعامل به، في جواب السؤال رقم (8889) و (83035) . ومن المحاذير التي يشتمل عليها التأمين التجاري وجعل العلماء يجزمون بحرمته، أنه مشتمل على الربا، وهو ظاهر جداً في هذه المعاملة، حيث يدفع الموظف ألفاً ـ مثلاً ـ ثم يأخذ إذا بلغ سن التقاعد ألفين. الثاني: أنه يتم فيه استثمار الأموال بطريقة محرمة، وهو استثمارها في أسهم البنوك وفي السندات. والواجب على من أراد أن يستثمر مالاً أن يستثمره في مشروعات مباحة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به) رواه الطبراني، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4519) . وكل إنسان سوف يُسأل يوم القيامة عن (ماله: من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه) رواه الترمذي (2417) ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي. وعلى هذا؛ فلا يجوز الاشتراك في هذه المعاملة، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه. نسأل الله تعالى أن يغنينا بحلاله عن حرامه، وبفضله عمن سواه. وينبغي أن يتنبه إلى أن هذا النظام إذا كان إجبارياً تفرضه الدولة، فلا إثم على الموظف في ذلك، لأنه أُدخل في هذه المعاملة بغير اختياره، والإثم في ذلك يقع على من ألزم الموظف بهذه المعاملة المحرمة، وعلى من شارك أو ساعد أو رضي باستثمار المال بطريق محرم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 119118 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5501 حكم أخذ سلفة من الشركة لشراء سيارة مع دفع 4.5% رسوما إدارية [السُّؤَالُ] ـ[أنا موظف أعمل لدى إحدى الشركات، أرغب بامتلاك سيارة وهي من ضروريات عملي، وقد أقرت الشركة نظاماً خاصاً لتسليف الموظف قيمة السيارة التي يرغب شراءها، على أن يتم نقل ملكية السيارة للشركة حين يتم سداد كامل القيمة، ومن ثم تنقل ملكية السيارة إلى الموظف، ويضاف إلى القيمة الأصلية نسبة مقدرة بـ 4.5% تدفع مرة واحدة، وتعتبر كرسوم إدارية – بحسب رؤية الشركة – بحيث تعطي الشركة للمعقب (وهو موظف رسمي لدى الشركة) الذي سيقوم بنقل ملكية السيارة إلى الشركة بدل أتعابه، وبعد ذلك يتم تحميل الموظف كافة التكاليف الإضافية كالتأمين والرسوم المتعلقة بالمرور، وكل ذلك والسيارة باسم الشركة، وفي حال ترك الموظف الشركة يتم بيع السيارة، وتأخذ الشركة المستحق لها، وتعيد المتبقي للموظف - في حال بقاء شيء من المبلغ -، كما أن الموظف يتحمل كافة مصاريف السيارة خلال فترة استهلاكه لها، كما سيتحمل الموظف بطبيعة الحال مصاريف نقل ملكية السيارة لحسابه بعد انقضاء السداد. وكل ذلك لا يكون بناءً على عقد واضح بين الموظف والشركة، وإنما بنود عامة أقرتها الشركة. والسؤال: ما رأي فضيلتكم بما ورد، هل هو أحد القروض الجائزة؟ ، وإن لم يكن كذلك فما هي الصيغة الجائزة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه المعاملة تتم عن طريق إحدى صورتين: الأولى: أن يكون العقد الذي بين الشركة والموظف عقد قرض، وحينئذ فليس لها أن تأخذ منه نسبة (4.5%) ؛ لأن ذلك من القرض الذي يجر نفعا للشركة، وهو ربا. وليست هذه رسوم إدارية كما تزعم الشركة، فإن شراء السيارة ونقل ملكيتها إلى الشركة لو استؤجر له إنسان لم يكلف ذلك إلا شيئا قليلا، فلا وجه لجعل ذلك نسبة من ثمن السيارة. وهذه المعاملة لا تختلف كثيرا عن معاملات البنوك الربوية، إلا من جهة قلة الفائدة الربوية عن نظيرتها في البنوك. الصورة الثانية: أن تشتري الشركة السيارة التي يريدها الموظف – نقدا أو تقسيطا-، فإذا ملكتها وحازتها باعتها على الموظف بثمن مقسط، ولها أن تحتفظ بأوراق السيارة حتى يسدد الموظف ما عليه، وتكون السيارة مرهونة للشركة، فلا يستطيع الموظف بيعها. وفي حال ترك الموظف للشركة، وعدم تسديده لما بقي عليه من الدين، تتولى الشركة بيع السيارة (الرهن) لتستوفي منه ما بقي من حقها، ويكون الباقي لمالكها وهو الموظف. وهذا هو البديل المشروع في هذه المعاملة. وللشركة أن تقرض الموظف قرضا حسنا، بلا فوائد، فتعطيه قدرا من المال يشتري به السيارة، ويسدد قرضه على دفعات تحسم من راتبه شهريا، وهذا معمول به في كثير من المؤسسات. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118417 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5502 شروط التورق في الأسهم [السُّؤَالُ] ـ[ذهبت إلى بنك أبو ظبي الإسلامي لأجد قرضاً إسلامياً فقالوا نحن لا نعطي أموالاً كاش، ولكن نعطي أسهماً، فمثلا نشتري لك أسهماً بمبلغ 50000 درهم ونبيعها لك على أقساط شهرية لمدة سنة، ويكون ثمن البيع 52600 علي 12 شهر، ونعطيك ورق ملكية لهذه الأسهم، ونعطيك جدولاً بأسماء شركات تبيع لك هذه الأسهم، فما حكم ذلك؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه المعاملة قائمة على أمرين: الأول: التورق، وهو أن يشتري الإنسان السلعة بثمن مؤجل، ثم يبيعها - لغير من اشتراها منه - نقدا بثمن أقل غالبا، وسميت المعاملة بذلك نسبة إلى الوَرِق وهي الفضة، لأن المشتري لا غرض له في السلعة، وإنما يريد النقود، والتورق جائز عند جمهور العلماء. والثاني: بيع المرابحة للآمر بالشراء، وهو أن يشتري البنك سلعة معينة يريدها العميل، ثم يبيعها عليه بثمن مقسط أزيد مما اشتراها به، وهذا جائز أيضا، إذا توفرت الشروط التالية: 1- ألا يشتري العميل السلعة من البنك، حتى يملكها البنك ملكا حقيقيا، فإن كانت السلعة أسهما، فلا بد أن تكون أسهما يملكها البنك، أو يشتريها وتدخل في محفظته. 2- أن لا يبيع العميل السلعة حتى يملكها ملكاً حقيقياً ويقبضها من البنك القبض المعتبر شرعاً، فإن كانت أسهما فلابد أن تدخل في محفظته قبل أن يبيعها. 3- ألا يبيع العميل السلعة على البنك، ولا على الجهة التي باعتها على البنك أولاً، وألا يكون هناك تواطؤ أو عرف بذلك؛ لأن هذا من العِينة المحرمة. 4- ألا يتضمن العقد بين البنك والعميل اشتراط غرامة في حال التأخر عن سداد الأقساط؛ لأن ذلك من الربا المحرم. 5- إذا كانت السلعة أسهما، فيشترط أن تكون أسهما لشركات لا تتعامل بالحرام، فلا يجوز التعامل بأسهم الشركات التي نشاطها محرم، أو التي لها معاملات محرمة. وينظر للفائدة جواب السؤال رقم: (95138) و (112445) و (89978) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118270 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5503 حكم الاكتتاب في شركة الصناعات الأساسية الكيميائية [السُّؤَالُ] ـ[ما هو حكم الاكتتاب في شركة الصناعات الأساسية الكيميائية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سئل الشيخ الدكتور عبد العزيز بن فوزان الفوزان حفظه الله عن الاكتتاب في هذه الشركة، فأجاب: " الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فقد سئلت كثيراً عن حكم الاكتتاب في شركة "الصناعات الكيميائية الأساسية"، وهي شركة يبلغ رأس مالها حاليا 220.000.000 ريال سعودي مقسمة إلى 22.000.00 سهم بقيمة اسمية قدرها عشرة ريالات سعودية للسهم، وبعلاوة إصدار قدرها عشرون ريالا سعوديا تمثل بمجملها30% من رأس المال المصدر للشركة، وستكون فترة الاكتتاب في الفترة من 19/5/1429إلى 28/5/1429. الموافق 24/5/2008 م إلى 2/6/2008 م. وبدراسة القوائم المالية للشركة لوحظت عليها الملحوظات الشرعية الآتية: - لدى الشركة نقد لدى البنوك لم يفصح عنه بمبلغ 37،470،237ريالاً. - لدى الشركة قروض بمبلغ 45،500،000ريال سعودي وتمثل 8.82% من إجمالي موجودات الشركة البالغة 515،982،264 ريالاً. - لدى الشركة مصاريف تمويل بمبلغ 5،072،476 ريال تمثل نسبة 1.33% إلى إجمالي المصروفات البالغة 380،699،836 ريالاً. - لدى الشركة إيرادات أخرى بمبلغ 1،372،094ريال لم يفصح عنها. - الشركة لديها مجموعة من اتفاقيات التسويق تخضع لأحكام القوانين الوضعية. وبناء عليه فتكون الشركة من الشركات المختلطة بالربا، فلا يجوز الاكتتاب فيها، ومن تورط في الاكتتاب فيها ظناً منه أنها مباحة فعليه المبادرة ببيع أسهمه فيها أول نزولها للتداول، وقيمتها كاملة له، وليس عليه تطهير فيها، لأن الزيادة في رأس ماله نتجت عن ارتفاع القيمة السوقية للسهم، وليست عن أرباح موزعة من الشركة. وأما من اكتتب فيها بعد علمه بتحريمها فعليه أن يبادر ببيعها أول نزولها للتداول، ويأخذ رأس ماله فقط، ويصرف الباقي في أوجه البر والخير بنية التخلص منه، وتبرئة ذمته من الحرام. وكم يعز علينا معشر المسلمين أن يوجد من إخواننا القائمين على شركاتنا من يتعاملون بالربا إقراضاً واقتراضاً، ويستمرؤون هذا المنكر العظيم ويجاهرون به، ويعلنونه في وسائل الإعلام وكأنهم لم يفعلوا حراماً، ولم يقارفوا منكراً عظيماً، وهم يقرؤون قول ربنا عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ) البقرة/278، 279. وبخاصة أن البدائل الشرعية متوفرة وميسَّرة، فلا حاجة تدعو إلى التعامل بالربا ولا ضرورة! فلماذا الإصرار على الحرام، ومخالفة الشريعة والنظام، والاستمرار في محادة الله ورسوله والمؤمنين! فأسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين، ويردهم إليه رداً جميلاً، ويعيذهم من شرور أنفسهم، وسيئات أعمالهم، ويغنيهم بحلاله عن حرامه. والحمد لله رب العالمين " انتهى نقلا عن موقع الشيخ: http://www.islammessage.com/articles.aspx?cid=1&acid;=160&aid;=2572 وينظر جواب السؤال رقم (83969) ورقم (112445) ورقم (105291) . والله أعلم. الاستثمار [الْمَصْدَرُ] موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118331 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5504 التورق في المعادن عن طريق بنك الجزيرة [السُّؤَالُ] ـ[نريد تمويلاً من بنك الجزيرة، وهو أننا نرهن عقارنا، ويقومون العقار، ويعطوننا تمويلاً يصل إلى 50% أو 70% من قيمة العقار، لكن طريقة التمويل تتم ببيع المعادن، ونحن متخوفين من هذا التمويل، والبنك هو الوحيد الذي وفر لنا هذه الطريقة، الرجاء منكم أن توضحوا لنا هو حلال أو لا؟ ، لأنهم أخبرونا أن طريقتهم شرعية، وهي أنهم يشترون كمية للحديد لعدة أشخاص، يشترونه لهم وبعد ذلك يعطوهم ورقة التوكيل لبيعه، طلبنا طريقة التورق بالأسهم لكن قالوا لنا إن هذا لا يمكن لتمويل العقار، وأن تورق المعادن تشرف عليه هيئة شرعية.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان البنك يبيع عليك الحديد، وتتولى أنت بيعه في السوق لتحصل على المال، فهذا تورق مشروع، وأما إن كنت لا تبيعه بنفسك، وإنما توكل البنك في بيعه، فهذا يسمى: التورق المصرفي المنظم، وقد صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي بتحريمه، كما صدرت بحوث علمية عن جماعة من المختصين تبين أوجه تحريم هذه المعاملة، وينظر بيان ذلك مفصلا في جواب السؤال رقم (82612) ورقم (98124) . وقد سئل الدكتور محمد العصيمي حفظه الله عن حكم تمويل المعادن من بنك الجزيرة؟ فأجاب: "لا أرى جواز التورق في المعادن إلا أن يقبضها العميل، ثم يبيع على غير التاجر الذي اشترى البنك منه. وحيث إن كل ذلك لا يحصل فلا يجوز " انتهى. والبديل المشروع هو شراء سلع حقيقية من البنك، كسيارات أو غيرها، يملكها البنك ويحوزها إليه، ثم يبيعها عليك، وتتولى أنت بيعها في السوق بعد ذلك لتحصل على النقود. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 117761 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5505 المضاربة والاستثمار في أسهم الراجحي [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم المضاربة والاستثمار في أسهم بنك الراجحي؟]ـ [الْجَوَابُ] تجوز المضاربة والاستثمار في أسهم بنك الراجحي ما دام أنها أسهم نقية غير مختلطة. وقد أورد الدكتور محمد العصيمي حفظه الله أسهم الراجحي ضمن قائمة الأسهم المباحة. ينظر: http://www.halal2.com/main.asp?id=69 وهذا إذا كان الاستثمار في أسهم الراجحي نفسه، وأما صناديق الراجحي التي تتعامل في الأسهم المحلية أو الخليجية، فلا تتقيد بالأسهم النقية، بل تتعامل في الأسهم المختلطة، والذي عليه أكثر أهل العلم تحريم التعامل بالأسهم المختلطة. وينظر جواب السؤال رقم (83969) ورقم (112445) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 116021 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5506 يشترط بنك التسليف دفع 2.5% من الإيراد لتمويل مشاريع أخرى [السُّؤَالُ] ـ[يقوم بنك التسليف والادخار السعودي بتمويل مشروعات التعليم المبكر ورعاية الطفولة، وقد سمعت عن التسهيلات التي يقدمها البنك فيقرض الفتيات لافتتاح حضانة ورياض أطفال ولوجود المؤهلات لذا أردت الاستفادة من البنك لكني وجدت شرطا في لائحة البنك أنه يأخذ نسبه 2.5% من إيرادات المشروع لدعم مشاريع أخرى تفيد البلاد. هل هذا القرض ربوي أو فيه شبهة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اشتراط البنك دفع 2.5% من إيرادات المشروع لتمويل مشاريع أخرى، لا يجوز، وهو من أكل المال بالباطل، فإنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه. والواجب على البنك أن يقرض قرضا حسنا، لا يقصد منه إلا الإعانة والتشجيع على إقامة المشاريع النافعة، وهذا ما يعود بالخير على المجتمع كله. وأما اشتراط دفع زيادة على مبلغ القرض فهو شرط ربوي محرم، ومعلوم أن كل قرض جر نفعا فهو ربا، وهذا مجمع عليه بين العلماء. قال ابن قدامة رحمه الله: "وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المُسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية، فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا. وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة" انتهى من "المغني" (6/436) . وعليه؛ فلا يجوز لك المشاركة في هذا المشروع مع وجود هذا الشرط. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 115947 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5507 حكم الاكتتاب في شركات التأمين [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز الاكتتاب في شركات التأمين التالية: المتحدة للتأمين التعاوني، السعودية لإعادة التأمين، بوبا العربية]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه الشركات الثلاثة التي بدأ الاكتتاب فيها مؤخرا (بتاريخ 8 مارس 2008م) لم نقف على نشرتها، لكن نضع بين يديك حقيقة شركات التأمين في المملكة، وأنها قائمة على التأمين التجاري، بموجب اللائحة التي أصدرتها مؤسسة النقد العربي السعودي، والتي ألزمت الشركات أن تعمل بطريقة التأمين التجاري. وفي هذا يقول الدكتور محمد العصيمي حفظه الله: " سبق أن بينتُ في هذا الموقع حكم التأمين التجاري وأن جماهير العلماء المعاصرين على تحريمه، ومنهم هيئة كبار العلماء في السعودية وغيرها من المجامع الفقهية. وحيث إن شركات التأمين لن تتمكن من ممارسة التأمين التعاوني الحقيقي بسبب اللائحة التي أصدرتها مؤسسة النقد العربي السعودي، والتي ألزمت الشركات أن تعمل بطريقة التأمين التجاري، وعليه، فلا يجوز الاكتتاب في شركات التأمين التي بدأ الاكتتاب بها هذا الأسبوع، ولا التي قبلها، ولا يجوز تداول أسهمها بعد التداول لا مضاربة ولا استثمارا. ولا يغيّر من الحكم كون الشركة سمت نفسها بالتعاونية أو الإسلامية؛ إذ الحكم ليس على الصورة بل على الحقيقة. ومن اكتتب في شيء منها جاهلا فعليه أن يخرج ما زاد عن رأسماله تطهيرا. وأما من تعمد ذلك فعليه التوبة والاستغفار والندم على فعله، وتطهير ما زاد عن رأس المال " انتهى من موقع الشيخ بتاريخ 20/5/2007 م: http://www.halal2.com/ftawaDetail.asp?id=14314 وقال أيضا: " أما بعد: فإن شركات التأمين بالمملكة تخضع لنظام مراقبة شركات التأمين التعاوني الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/32) وتاريخ 2/6/1424هـ، وقد نص في مادته الأولى على أن يكون التأمين في المملكة تأمينا تعاونيا، وألا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية، إلا أن اللائحة التي أصدرتها مؤسسة النقد لتنفيذ هذا النظام تخالف هذه المادة من وجوه مما جعل التأمين المبين فيها تجارياً وليس تعاونياً. وجميع شركات التأمين المرخص لها بالعمل في المملكة – بما فيها الشركة المذكورة- ملزمة بالعمل وفق هذه اللائحة، مما يعني أن التأمين الذي تمارسه هو في حقيقته تأمين تجاري، وقد صدر قرار هيئة كبار العلماء بالمملكة بتحريم التأمين التجاري. وإني أناشد المسئولين بضرورة المبادرة إلى تعديل اللائحة التنفيذية لتتفق مع النظام الذي أصدره ولي الأمر؛ إذ من المسلّم به أن اللوائح تفسر الأنظمة ولا تخالفها، ولائحة التأمين هذه لا يشك أدنى متخصص في مخالفتها للمرسوم الملكي فضلاً عن مخالفتها للشريعة التي أسست عليها هذه الدولة المباركة " انتهى. http://www.halal2.com/ftawaDetail.asp?id=12548 وقال الدكتور يوسف الشبيلي حفظه الله: " فإن شركات التأمين بالمملكة تخضع لنظام مراقبة شركات التأمين التعاوني الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/32) وتاريخ 2/6/1424هـ، وقد نص في مادته الأولى على أن يكون التأمين في المملكة تأمينا تعاونيا، وألا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية. إلا أن اللائحة التي أصدرتها مؤسسة النقد العربي السعودي لتنفيذ هذا النظام تخالف هذه المادة من وجوه مما جعل التأمين المبين فيها تجارياً وليس تعاونياً. " انتهى من موقع الشيخ: http://69.20.50.243/shubily/qa/ans.php?qno=120 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 115589 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5508 اكتتب في عدة شركات ويسأل عن الزكاة [السُّؤَالُ] ـ[أنا اكتتبت في عدة شركات (إصدار أولي) بحيث إن أسهمي لم أبعها حتى الآن، وأول اكتتاب كان بشركة (ينساب) ، وآخر اكتتاب كان بشركة (دار الأركان) فهل تجب الزكاة في هذه الشركات التي اكتتبت فيها؟]ـ [الْجَوَابُ] أولا: يجوز الاكتتاب في شركة " دار الأركان "؛ لأن نشاط الشركة في الاستثمار والتطوير العقاري، وهو نشاط مباح، وأعمال الشركة في الجملة موافقة للضوابط الشرعية. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (111869) . وأما شركة ينساب فهي من الشركات المختلطة التي نشاطها مباح من حيث الأصل، إلا أن لها بعض المعاملات المحرمة، كالتعامل بالربا، وأسهم الشركات المختلطة فيها قولان لأهل العلم، والراجح هو تحريم التعامل فيها. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (112445) . ومن أباح الاكتتاب فيها أوجب التخلص من قدر الربح المحرم، وهو هللتان في كل سهم (بالنسبة لشركة ينساب) ، حسب تقدير الدكتور يوسف الشبيلي حفظه الله، وينظر: http://69.20.50.243/shubily/qa/ans.php?qno=125 ثانيا: الزكاة واجبة في الأسهم عند حولان الحول، وحول عروض التجارة هو حول المال الذي اشتريت به، إذا كان نصابا. وزكاة الأسهم فيها تفصيل بحسب نية مالكها: " فإن كان ساهم في الشركة بقصد الاستفادة من ريع الأسهم السنوي، وليس بقصد التجارة؛ فإن صاحب هذه الأسهم لا زكاة عليه في أصل السهم، وإنما تجب الزكاة في الريع، وهي ربع العشر بعد دوران الحول من يوم قبض الريع. وإن كان المساهم قد اقتنى الأسهم بقصد التجارة، زكاها زكاة عروض التجارة، فإذا جاء حول زكاته وهي في ملكه، زكى قيمتها السوقية، فيخرج ربع العشر 2.5 % من تلك القيمة ومن الربح إذا كان للأسهم ربح" انتهى مختصرا من "مجلة مجمع الفقه الإسلامي" (1/879) . ولزيادة الفائدة والتفصيل راجع جواب السؤال رقم (69912) . ولا زكاة في الربح المحرم الذي سبق بيانه؛ لأن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 115097 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5509 بيع الأسهم بعد تملكها مباشرة [السُّؤَالُ] ـ[ي عن المتاجرة بالأسهم، إذا اشتريت سهماً في 11نوفمبر2007، وانتهت التسوية يوم 13 نوفمبر2007 (أي بعد يومين) في الصباح الباكر. إذا بعت أسهمي (أقصد في اليوم الذي انتهت فيه التسوية) . ما قولكم، هل هذا جائز؟ حتى إنه في ذلك اليوم حصلت على الملكية الكاملة للأسهم، وفي ذلك اليوم 13نوفمبر2007 ازدادت قيمة أسهمي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا اشتريت أسهما ودخلت في ملكك، جاز لك بيعها، ولو كان ذلك في نفس اليوم، سواء زادت قيمتها أو نقصت، ما دامت الأسهم في شركة قائمة لها نشاطها وموجوداتها. وإنما حصل الخلاف في بيع الأسهم بعد الاكتتاب مباشرة وقبل أن تزاول الشركة نشاطها وتتحول أموالها إلى موجودات أخرى غير المال، فمن أهل العلم من ذهب إلى تحريم البيع بالزيادة حينئذ؛ لأنه من باب بيع النقود بالنقود مع الزيادة، ومنهم من ذهب إلى الجواز باعتبار أن الشركة تمتلك موجودات أخرى غير النقود وهي ذات قيمة معتبرة شرعاً، ومن ذلك قيمة الترخيص. وأما بعد تحول أموال الشركة - كلها أو أكثرها - إلى موجودات، غير النقود، فيجوز بيعها بنفس السعر، أو بالزيادة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 115146 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5510 حكم الاتجار في العملات في السوق السوداء [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الدين في تجارة العملات الأجنبية بالسوق السوداء دون التقيد بسعر الصرف الرسمي والثروة الناجمة عن هذه التجارة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز الاتجار بالعملات بشرط أن يحصل التقابض في مجلس العقد، فيجوز بيع اليورو بالدولار بشرط أن يقع الاستلام والتسليم في مجلس العقد، وأما إذا اتفقت العملة كأن يبيع دولاراً بدولارين فهذا لا يجوز لأنه من ربا الفضل، فإذا اتحدت العملة فلابد من التساوي والتقابض في مجلس العقد، وإذا اختلفت العملة اشترط التقابض فقط؛ لحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) رواه مسلم (1587) . والعملات النقدية الموجودة اليوم لها ما للذهب والفضة من الأحكام. ولا فرق بين بيع العملات فيما يسمى بالسوق السوداء أو في السوق النظامية. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما الحكم الشرعي في تبادل العملات (في السوق السوداء) مثلا 3000 دج بـ 3000 فرنك فرنسي، مع العلم أن التبادل عن الطريق الشرعي هو مثلا 300 دج بـ 340 فرنك فرنسي. فأجابوا: "إذا كان التبادل بين عملتين من جنس واحد، وجب التساوي بينهما، والتقابض بالمجلس، وحرم التفاضل بينهما، وحرم تأخير القبض فيهما، أو في إحداهما شرعا، وإذا كانتا من جنسين جاز التفاضل بينهما شرعا، سواء كان ذلك في السوق السوداء أم في غيرها، وحرم تأخير بعضهما أو إحداهما" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/444) . وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: ما هو حكم الدين في تجارة العملة، وهو ما يسمى بالسوق السوداء؟ فأجاب: "الاتجار ببيع العملات بعضها مع بعض يسمى بالمصارفة، سواء كان في البنوك أو في السوق الحرة. وإذا اتحد جنس العملات؛ كالذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والريال السعودي مثلاً بالريال السعودي، والمصري بالمصري؛ وجب شيئان: التساوي في المقدار، والتقابض في مجلس العقد. فإن اختلَّ الشرطان أو أحدهما؛ كان ربا. وإن اختلف جنس العملات؛ كأن باع ذهبًا بفضة، أو ريالاً سعوديًا بجنيه مصري مثلاً؛ وجب شيء واحد، وهو التقابض في مجلس العقد، وجاز التفاضل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، مثلاً بمثل، سواء بسواء، يدًا بيد، فإذا اختلفت هذه الأجناس؛ فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يدًا بيد. . .) الحديث [رواه مسلم في صحيحه (3/1211) ] . فالاتجار بالعملات، يحتاج إلى بصيرة بالحكم الشرعي، وتحفظ شديد من الوقوع في الربا " انتهى من "المنتقى من فتاوى الفوزان". والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 115001 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5511 شروط الاستثمار في الفروع الإسلامية بالبنوك الربوية [السُّؤَالُ] ـ[يوجد عندنا في مصر البنك الأهلي المصري، وهو بنك ربوي ولكن تم اتفاق هذا البنك مع بنك التمويل السعودي في الشهر الماضي على فتح فرع معاملات إسلامية بعدم تحديد نسبة للربح، ومع توقع حدوث خسارة عن طريق بنك التمويل السعودي بضمان الدولة، فوضع أبي فيه ماله، فهل هذا يجوز أم محرم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: يجوز التعامل مع الفروع الإسلامية المنشأة في البنوك الربوية، إذا خلت من التعامل المحرم، واستقلت أموالها عن أموال البنك الربوي. وينبغي التأكد من أن معاملات هذه الفروع تتوافق مع الشريعة الإسلامية، وليست مجرد خدعة يخدع بها الناس بتسميتها "إسلامية". ثانيا: من صور الاستثمار: المضاربة، وهي أن يكون المال من العميل، والعمل من البنك، ويشترط لإباحة هذا الاستثمار: 1- أن يستثمر البنك الأموال في أعمال مباحة، كإقامة المشاريع النافعة وبناء المساكن ونحو ذلك، أما استثمار المال في بناء بنوك الربا أو دور السينما أو في إقراض المحتاجين بالربا، فلا يجوز. وعليه؛ فلابد من معرفة طبيعة الاستثمار الذي يقوم به البنك. 2- عدم ضمان رأس المال، فلا يلتزم البنك برد رأس المال، في حال حصول خسارة، فإذا كان رأس المال مضمونا وليس هناك احتمال لخسارته، فهذا عقد قرض في الحقيقة، وما جاء منه من فوائد يعتبر رباً. 3- أن يكون الربح محددا متفقا عليه من البداية، لكنه يحدد بنسبة من الربح لا من رأس المال، فيكون لأحدهما مثلا الثلث أو النصف أو 20% من الأرباح، ويكون الباقي للطرف الآخر، فلا يصح العقد إن كان الربح مجهولا غير محدد، وقد نص الفقهاء على أن المضاربة تفسد في حال جهالة نسبة الربح. قال في مطالب أولي النهى (3/517) : " وإن قال: خذه مضاربة ولك جزء من الربح أو شركة في الربح أو شيء من الربح ونصيب من الربح وحظ منه لم يصح ; لأنه مجهول والمضاربة لا تصح إلا على قدر معلوم " انتهى. وبهذا تعلم أن ما يشيع عند كثير من الناس من أن المضاربة الشرعية هي التي لا يحدد فيها نسبة الربح، كلام لا أصل له، بل لابد من تحديد نسبة الربح، كالنصف أو الثلث أو الربع، والمحذور في البنوك الربوية كونها تحدد هذه النسبة من رأس المال، لا من الربح. فإذا توفرت هذه الشروط جاز الاستثمار في البنك المذكور. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114537 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5512 ما هو "سهم النور الوقفي"؟ وهل تنصحوننا بالمساهمة فيه؟ [السُّؤَالُ] ـ[الوالدة تريد أن تشترك في سهم النور ... http://www.sahmalnour.org/site/ ما رأيك؟ هل تظن أن الاستثمار سيكون عن طريق فوائد ربوية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: "سهم النور" هو مشروع خيري وقفي، يُعنى بنشر كتاب الله تعالى في العالَم، بقراءاته، وترجماته، ونسبة "النور" في اسم المشروع عائدة على كتاب الله تعالى، حيث وصفه الله بالنور في مواضع، منها قوله تعالى: (وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) الشورى/ من الآية 52، وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً) النساء/ 174. وقيمة السهم (120) دولاراً، يٍُستثمر 75 % منه في مشاريع استثمارية، ويغطى بالباقي مصاريف التشغيل والدعاية والإعلان. ويقوم على هذه المشروع نخبة من العلماء، والدعاة، والقادة، وأصل الفكرة رائع، وهو مشرع عالمي كبير. ثانياً: أما بخصوص قنوات استثمار أموال الوقف: فقد قال القائمون على المشروع: إنها قنوات استثمار شرعية، وقد نصوا على ذلك، ومن ذلك قولهم – كما في الموقع -: "أحيل ملف الاستثمار إلى إحدى الشركات المالية، المتخصصة، والموثوقة؛ لضمان المحافظة على الأصل، وتحقيق معدلات ربحية عالية، تحقق شرط الواقف، بتوفير المصحف، وتوزيعه، مع وجود فائض احتياطي لمواجهة أي تقلبات في الأسعار، أو التضخم المالي، ونحو ذلك" انتهى. وقالوا – أيضاً -: "لا يتوفر لدى المشروع لجان رقابة شرعيَّة، لكنه وعوضاً عن ذلك عمِل على تأسيس نظام رقابي شامل، يوفر للمشروع درجة أعلى من الرقابة الشرعية المستدامة، ويتمثل هذا النظام فيما يلي: 1. وجود عدد كبير من العلماء، والفقهاء، وأصحاب الرأي في المسائل الفقهية (وبخاصة الاقتصادية منها) في المجلس التأسيسي للمشروع. 2. وجود أعضاء متخصصين في الاقتصاد الإسلامي في مجلس النظار. 3. توفر لجان رقابة شرعية لدى الجهات التي تقوم على استثمار أموال المشروع. 4. وضع العديد من السياسات، والضوابط الشرعية المتعلقة بمسائل الاستثمار. 5. تعامل المشروع مع الجمعيات الخيرية، والهيئات، والمؤسسات التي يتوفر لدى الكثير منها لجان رقابة شرعيَّة" انتهى. وهذا كله كلام حسن، وبقى أن يرى ذلك منهم عمليّاً، ولم يحن وقت ذلك بعدُ. فمن رأى أن القائمين على المشروع أهل لأن يوثق بهم: فليساهم فيه. ومن أراد أن يقوم بذلك بنفسه، فالأمر إليه، ومشاريع الخير كثيرة لا تُحصى، ويستطيع من أراد نشر الخبر بكل سهولة في أي بلد إسلامي، أو غير إسلامي أن يشتري بنفسه مصاحف، ويقوم بتوزيعها بنفسه، أو يوكِّل جهات موثوقة، وجمعيات دعوية لتقوم بالمهمة عنه، ويكون له صدقة جارية، وعلم يُنتفع به، وزاداً له إلى الآخرة، وكل من يقرأ منه حرفاً يكون له فيه نصيب من الأجر. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ: عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ، أَوْ بَيْتًا لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ) رواه ابن ماجه (242) وحسَّنه المنذري في "الترغيب والترهيب" (1/55) ، والألباني في " صحيح ابن ماجه ". وانظر جوابي السؤال: (43101) و (69948) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114420 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5513 أنواع الودائع المصرفية وحكمها [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم عمل وديعة في بنك إسلامي مثل بنك فيصل الإسلامي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الوديعة هي ما يترك عند الغير لحفظه، دون أن يتصرف فيه، وهذا ينطبق على ما يسمى بصندوق الأمانات الذي يوجد في الفنادق وغيرها، وربما وجد في بعض البنوك. وأما يسمى بالوديعة البنكية، فهو خارج عن هذا المفهوم؛ لأن البنك لا يحتفظ بعين المال بل يتصرف فيه. هذا من حيث الاسم، وأما من حيث الحكم، فالوديعة البنكية نوعان: الأول: وديعة غير استثمارية، وتسمى وديعة تحت الطلب، أو يطلق عليها الحساب الجاري، وصفتها أن يضع العميل ماله في البنك، على أن يسحبه متى شاء، دون أن يجني ربحا من وراء ذلك، ولا حرج في هذه العملية لأنها في حقيقتها قرض من العميل للبنك. لكن إذا كان البنك ربوياً لم يجز الإيداع فيه؛ لأنه يستفيد من هذا المال ويتقوى به على أنشطته المحرمة. إلا إذا كان العميل محتاجاً لحفظ ماله في البنك، ولا يجد بنكاً إسلامياً يحفظ فيه ماله، فلا حرج عليه من حفظه في بنك ربوي. وانظر جواب السؤال رقم (22392) . والنوع الثاني: الوديعة الاستثمارية، وصفتها أن يضع العميل ماله في البنك، في مقابل أرباح يحصل عليها في مدد معينة يتم الاتفاق عليها. وهذه الوديعة لها صور، منها الجائز ومنها المحرم. فمن الصور الجائزة أن يكون العقد بين العميل والبنك عقد مضاربة، فيقوم البنك باستثمار المال في مشاريع مباحة، مقابل نسبة معلومة من الربح، ويشترط لهذا شروط: 1- أن يستثمر البنك المال في أعمال مباحة، كإقامة المشاريع النافعة وبناء المساكن وغير ذلك. ولا يجوز استثمار المال في بناء بنوك الربا أو دور السينما أو في إقراض المحتاجين بالربا. وعليه؛ فلابد من معرفة طبيعة الاستثمار الذي يقوم به البنك. 2- عدم ضمان رأس المال، فلا يلتزم البنك برد رأس المال في حال خسارة البنك، ما لم يحصل من البنك تقصير ويكون هو السبب في الخسارة. لأنه إذا كان رأس المال مضموناً، فهذا عقد قرض في الحقيقة وما جاء منه من فوائد يعتبر رباً. 3- أن يكون الربح محددا متفقا عليه من البداية، لكنه يحدد كنسبة شائعة من الربح وليس من رأس المال، فيكون لأحدهما مثلا الثلث أو النصف أو 20% من الأرباح، ويكون الباقي للطرف الآخر. ولا يصح العقد إن كان الربح مجهولاً غير محدد، وقد نص الفقهاء على أن المضاربة تفسد في حال جهالة نسبة الربح. ومن الصور المحرمة: 1- أن يكون رأس المال مضموناً، فيودع العميل 100 مثلا، ليحصل على فائدة قدرها 10، مع ضمان المائة، وهذا قرض ربوي، وهو المعمول به في أكثر البنوك. وقد يسمى وديعة، أو شهادة استثمار، أو دفتر توفير، وقد توزع الفوائد دوريا، أو بالقرعة، كما في شهادات الاستثمار من الفئة (ج) ، وكل ذلك محرم، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (98152) ورقم (97896) . 2- أن يستثمر البنك المال في مشاريع محرمة كبناء دور السينما والقرى السياحية، التي تشيع فيها المنكرات، وتكثر فيها الآثام، فيحرم الاستثمار في هذا البنك حينئذ؛ لما فيه من التعاون على الإثم والعداون. فهذا حاصل ما يقال في الودائع التي تتعامل بها البنوك. وقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي ما يلي: " أولاً: الودائع تحت الطلب (الحسابات الجارية) سواء أكانت لدى البنوك الإسلامية أو البنوك الربوية هي قروض بالمنظور الفقهي، حيث إن المصرف المتسلم لهذه الودائع يده يد ضمان لها، هو ملزم شرعا بالرد عند الطلب. ولا يؤثر على حكم القرض كون البنك (المقترض) ، مليئاً. ثانياً: إن الودائع المصرفية تنقسم إلى نوعين بحسب واقع التعامل المصرفي: أ - الودائع التي تدفع لها فوائد، كما هو الحال في البنوك الربوية، هي قروض ربوية محرمة، سواء أكانت من نوع الودائع تحت الطلب (الحسابات الجارية) ، أم الودائع لأجل، أم الودائع بإشعار، أم حسابات التوفير. ب - الودائع التي تسلم للبنوك الملتزمة فعليا بأحكام الشريعة الإسلامية بعقد استثمار على حصة من الربح هي رأس مال مضاربة، وتنطبق عليها أحكام المضاربة (القراض) في الفقه الإسلامي التي منها عدم جواز ضمان المضارب (البنك) لرأس مال المضاربة " انتهى من "مجلة مجمع الفقه" عدد 9 جزء 1 صفحة (931) . وبنك فيصل إن كان يلتزم بهذه الضوابط، من استثمار المال في مشاريع مباحة، وعدم ضمان رأس المال للعميل، والاتفاق معه على نسبة معلومة من الربح، فلا حرج في الإيداع فيه وديعة استثمارية، كما لا حرج في فتح الحساب الجاري فيه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 113852 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5514 أخذ تورقا من ساب ولم يكن يعلم بالتحريم [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أسأل عن حكم تمويل التورق المالي من البنك البريطاني (ساب) ؟ منذ فترة خمسة أشهر كنت أبحث عن تمويل لشراء أرض لي، ولكن قبل أن آخذ التمويل أخذت أسأل عنه فوجدت بأن التمويل موقع من قبل العلماء (عبد الله بن سليمان المنيع، عبد الله بن محمد المطلق، محمد القري بن عيد) وكذلك خلال بحثي ورد سؤال للشيخ عبد الله المصلح في برنامج "مشكلات من الحياة" حول التورق المالي فأجاب بأنه حلال ولكن علي التأكد من نقطتين أساسيتين، الأولى: التأكد من البنك في حالة تأخر التسديد بأنه لا يأخذ رسوم إضافية (فائدة متراكبة) ، النقطة الثانية: التأكد من أن البنك يملك السلعة بحيث إذا أراد الشخص أن يأخذها ويتصرف بها تكون موجودة. فقمت بالتأكد من هاتين النقطتين في البنك فأفاد بالنسبة للنقطة الأولى بأنه لا يأخذ أية فوائد على التأخير، وبالنسبة للنقطة الثانية أفاد بأن مركز البيع له موجود في لندن - بريطانيا وإذا أردت رؤية البضاعة فإنه سيقوم بشحنها لي ولكن علي تكلفة الشحن. وبعد هذا كله والاستخارة والدعاء أخذت التمويل وقد تصرفت به للدخول في استثمارات وشراء أرض. ولكن بعد أن أخذت التمويل وجدت مقالاً في جريدة الشرق الأوسط مفاده بأن مجموعة من العلماء من بينهم الشيخ عبد الله المنيع أقروا بعدم مشروعية التورق المالي، وتجد المقال في جريدة الشرق الأوسط: الثلاثاء 13 رمضان 1428 هـ 25 سبتمبر 2007 العدد 10528 على الرابط http://www.asharqalawsat.com/details.asp?section=58&issue;=10528&article;=438485&search;=التورق&state;=true وحاولت جاهدا بعدها الوصول للشيخ المنيع ولكن لم أستطع وقد اهتديت لموقعكم الكريم. فسؤالي هل يعتبر التمويل الذي أخذته حلالاً أم حراماً؟ وإذا كان حراماً فما المطلوب مني فعله؟ مع العلم أني تصرفت بالمبلغ.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله التورق منه ما هو جائز، ومنه ما هو محرَّم، أما الجائز فهو شراء السلعة من تاجر بالأقساط وبيعها نقداً لغيره، وقد بيَّنا جواز هذا النوع من التورق بشروطه في جوابي السؤالين: (45042) و (36410) . وأما المحرَّم فله صورتان: الأولى: أن تشتري سلعة بأقساط، وتبيعها على من اشتريتها منه نفسه، وهو ما يسمَّى " بيع العِينة " وهو محرم، لأنه حيلة اتخذت للتوصل بها إلى القرض بزيادة ربوية، فصارت بذلك محرمة عند جماهير العلماء. والثانية: " تورق البنوك " أو " التورق المنظم "، وصورته: أن تشتري من البنك بضاعة بالأقساط، ثم توكِّل البنك في بيعها نقداً، وهذه المعاملة محرمة، وتسمى: التورق المصرفي المنظم، وقد صدر قرارٌ من " المجمعِ الفقهي الإسلامي" بتحريمه، وينظر نص قرار المجمع في جواب السؤال رقم (98124) . وحيث إنك أقدمت على هذه المعاملة دون علم جازم بالتحريم، واعتمادا على فتوى من يجيزها، فنرجو ألا يلحقك إثم، على ألا تعود لمثلها مستقبلا. وأما المال الذي أخذته فيجوز لك الانتفاع به، ولا يلزمك فيه شيء. وقد سئل الدكتور محمد العصيمي حفظه الله: أخذت تورقا من ساب فما الحكم؟ فأجاب: "ليس عليك شيء إن شاء الله، فقد أخذته بناء على فتوى من عالم معتبر. وحتى لو تراجع عن فتواه السابقة لأمور علمها، فلا يفسد العقد السابق" انتهى من موقعه: "الربح الحلال". والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 113343 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5515 التورق في الأسهم عن طريق الراجحي [السُّؤَالُ] ـ[أود الاستفسار عن تمويل الراجحي عن طريق شراء أسهم وبيعها، علما بأن المبلغ الذي يتم تسديده أكبر من مبلغ التمويل الأصلي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: صورة التمويل المسؤول عنها تسمى "التورق " أي شراء السلع وبيعها بغرض الحصول على الورِق وهي الفضة، ومثلها النقود الآن. وكيفية التورق: أن تشتري سلعة بثمن مقسط، كمائة مثلا، ثم تبيعها – على غير البائع لك نقداً – بثمن أقل، كثمانين مثلا، فتستفيد بذلك الحصول على المال. وقد يجتمع التورق مع المرابحة، فلا يكون المصرف مالكا للسلعة أولا، فيقوم بشرائها بمائة مثلا، ثم يبيعها عليك بالأقساط بمائة وعشرين، ثم تتولى أنت بيعها في السوق نقداً بثمن أقل، بمائة وعشرة أو بمائة مثلا. وقد تبين بهذا أنك أنت الذي تتولى بيع سلعتك بنفسك، وأنك تبيعها على غير المصرف. وهل يجوز توكيل المصرف في بيعها؟ هذا ما يسمى بالتورق المصرفي المنظم، وقد صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي بمنعه، وينظر نصه في جواب السؤال رقم (82612) . كما ينظر الفرق بين التورق والعِينة المحرمة في جواب السؤال رقم (45042) ثانيا: يشترط للتورق في الأسهم أن تكون الأسهم نقية، ولا يجوز الاتجار في الأسهم المختلطة، وعليك أن تشترط على المصرف ذلك. كما يشترط أن يكون المصرف مالكا للأسهم، أو يشتريها ويحولها من محفظة تداول إلى محفظته الخاصة قبل البيع عليك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 113032 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5516 الاشتراك في تمويل الخير بصيغة التورق في البنك السعودي الأمريكي [السُّؤَالُ] ـ[هل قرض البنك السعودي الأمريكي المسمى تمويل الخير بصيغة التورق وتمويل الخير بصيغة المرابحة المجاز من هيئة الرقابة الشرعية هل هو حلال أم حرام؟ وكيف لي أن أتأكد من حلاله وحرامه؟ وهل تنصحنا بأخذه إذا كان محللا من قبل هيئة شرعية؟ وهل يوجد بديل إسلامي حلال مئة بالمائة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: تمويل الخير بصيغة التورق المعمول به في البنك السعودي الأمريكي، قائم على ما يسمى بالتورق المنظم، الذي يبيع فيه البنك السلعة على العميل، ويتوكل عنه في بيعها على عميل آخر، وقد صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي بتحريم هذا النوع من التورق، وينظر بيان ذلك مفصلا في جواب السؤال رقم 82612 ورقم 98124 والصورة الجائزة من التورق، هي شراء السلعة من البنك أو من غيره بثمن مقسط، ثم يقوم المشتري ببيعها بنفسه على جهة أخرى. وهذا يتأتى في السلع التي يقبل عليها الناس كالسيارات مثلا، بخلاف المعادن التي لا يمكن في الغالب بيعها، فتشتري السيارة من البنك بـ 100 مثلا (مقسطة) ثم تبيعها في السوق بـ 80 نقدا، فتحصل بذلك على النقد. ثانيا: أما تمويل الخير بصيغة المرابحة، فلم نقف على صورة العقد الذي يجريه البنك، لكن نضع بين يديك أهم الضوابط اللازمة لمشروعية المرابحة وهي: 1- أن يملك البنك السلعة ملكا حقيقيا، ويقبضها، قبل بيعها على العميل. 2- أن يخلو العقد من اشتراط غرامة على التأخر في سداد الأقساط؛ لأن ذلك من الربا. وينظر جواب السؤال رقم 36408 ورقم 89978. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112831 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5517 حكم المساهمة والمضاربة في الأسهم [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم المساهمة أو المضاربة في الأسهم؟ ويقول: مع العلم أن بعض أهل العلم حرم أسهم جميع الشركات. نرجو الإفادة والتوضيح]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يمكن تقسيم الشركات من حيث أصل نشاطها والأعمال التي تقوم بها إلى ثلاثة أنواع: الأول: شركات أصل عملها مباح، كشركات النقل أو الشحن أو مصانع الملابس والأدوات المكتبية والأثاث والأجهزة الطبية والشركات العقارية ..... إلخ، ولا تتعامل معاملات محرمة كالغش والربا إقراضاً أو اقتراضاً، بل تنضبط بالأحكام الشرعية في جميع معاملاتها. فهذا النوع من الشركات يسمّى بـ "الشركات المباحة" أو "النقية" تجوز المساهمة والمضاربة فيها. النوع الثاني: شركات أصل عملها محرم، كالشركات السياحية والفنادق التي تدعو إلى الرذيلة وتساعد عليها، ومصانع الخمر، والبنوك الربوية، وشركات التأمين التجاري، وشركات طباعة وتوزيع المجلات الخليعة ... إلخ، وهذا النوع من الشركات لا تجوز المساهمة ولا المضاربة فيها، ولا تجوز الدعاية ولا الترويج لها. وهذان النوعان من الشركات، لا إشكال في حكمهما، والأمر فيهما واضح. النوع الثالث: شركات أصل عملها مباح، ولكنها تتعامل ببعض المعاملات المحرمة، كشركات النقل - مثلاً – التي لها أرصدة في البنوك بفوائد ربوية، أو تقوم بتمويل مشروعاتها عن طريق أخذ قروض ربوية من البنوك أو من الناس تحت مسمى "السندات". فهذا النوع من الشركات يسمى بـ "الشركات المختلطة" وقد اختلف العلماء المعاصرون في حكمه، والراجح هو تحريم المساهمة أو المضاربة أو الترويج لها. لأن المساهم شريك في الشركة بمقدار سهمه، فكل ما تتعامل به الشركة من ربا أو غيره من المعاملات المحرمة هو شريك فيه. وأما تحريم الترويج لها، فلما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان، والمساعدة على انتشار الحرام، وإيقاع الناس فيه، وقد قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2. وقد اختار هذا القول جمهور العلماء المعاصرين، منهم علماء اللجنة الدائمة للإفتاء في بلاد الحرمين الشريفين، وصدر بذلك قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، ومجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي. جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (14/299) : "الأصل إباحة المساهمة في أي شركة إذا كانت لا تتعامل بمحرم من ربا وغيره، أما إذا كانت تتعامل بمحرم كالربا فإنها لا تجوز المساهمة فيها. وعليه؛ فإن كان شيء من المساهمات المذكورة في شركة تتعامل بالربا أو غيره من المحرمات فيجب سحبها منها، والتخلص من الربح بدفعه للفقراء والمساكين" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ عبد الرزاق عفيفي.. الشيخ عبد الله بن غديان.. الشيخ صالح الفوزان.. الشيخ عبد العزيز آل الشيخ.. الشيخ بكر أبو زيد. وجاء فيها أيضاً (14/299، 300) : "أولاً: كل شركة ثبت أنها تتعامل بالربا، أخذاً أو إعطاءً، تحرم المساهمة فيها، لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان، قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2. ثانياً: من سبق أن ساهم في شركة تعمل بالربا فعليه أن يبيع سهامه بها، وينفق الفائدة الربوية في أوجه البر والمشاريع الخيرية" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ عبد الرزاق عفيفي.. الشيخ عبد الله بن غديان.. الشيخ عبد الله بن قعود. وقد صدر من مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورة مؤتمره السابع بجدة من 7-12 ذي القعدة 1412هـ الموافق 9 - 14 أيار (مايو) 1992 م، قرار بشأن الأسهم، جاء فيه: "أ- بما أن الأصل في المعاملات الحل فإن تأسيس شركة مساهمة ذات أغراض وأنشطة مشروعة أمر جائز. ب - لا خلاف في حرمة الإسهام في شركات غرضها الأساسي محرم، كالتعامل بالربا أو إنتاج المحرمات أو المتاجرة بها. ج - الأصل حرمة الإسهام في شركات تتعامل أحياناً بالمحرمات، كالربا ونحوه، بالرغم من أن أنشطتها الأساسية مشروعة" انتهى من مجلة المجمع (عدد 6، ج2 ص 1273 والعدد السابع ج 1 ص 73 والعدد التاسع ج2 ص5) . كما صدر من مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلام في دورته الرابعة عشرة سنة 1415 هـ الموافق 1995 قرار بهذا الخصوص، ونصه: "1- بما أن الأصل في المعاملات الحل والإباحة فإن تأسيس شركة مساهمة أغراضها وأنشطتها مباحة أمر جائز شرعا. 2- لا خلاف في حرمة الإسهام في شركات غرضها الأساسي محرم، كالتعامل بالربا أو تصنيع المحرمات أو المتاجرة فيها. 3- لا يجوز للمسلم شراء أسهم الشركات والمصارف إذا كان في بعض معاملاتها ربا أو تصنيع المحرمات أو المتاجرة فيها. 4- إذا اشترى شخص وهو لا يعلم أن الشركة تتعامل بالربا، ثم علم فالواجب عليه الخروج منها. والتحريم في ذلك واضح لعموم الأدلة من الكتاب ولسنة في تحريم الربا؛ ولأن شراء أسهم الشركات التي تتعامل بالربا مع علم المشتري بذلك يعني اشتراك المشتري نفسه في التعامل بالربا، لأن السهم يمثل جزءا شائعا من رأس مال الشركة، والمساهم يملك حصة شائعة في موجودات الشركة، فكل مال تقرضه الشركة بفائدة، أو تقترضه بفائدة فللمساهم نصيب منه، لأن الذين يباشرون الإقراض والاقتراض بالفائدة يقومون بهذا العمل نيابة عنه وبتوكيل منه، والتوكيل بعمل محرم لا يجوز. وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا والحمد لله رب العالمين" انتهى. وسئل الدكتور محمد بن سعود العصيمي حفظه الله: عن حكم المضاربة في الأسهم المختلطة؟ فأجاب: " لا يجوز عند جماهير العلماء إلا الأسهم النقية، سواء المضاربة والاستثمار " انتهى. http://www.halal2.com/ftawaDetail.asp?id=1201 وأما القول بتحريم أسهم جميع الشركات، فقول غير صحيح، لوجود بعض الشركات من النوع الأول، وهي التي تنضبط بالأحكام الشرعية في تعاملاتها، ولكن ... لعل من قال بذلك حمله على هذا القول أن الشركات من النوع الأول قليلة جداً، وأكثر الشركات هي من النوعين الثاني والثالث. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112445 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5518 حكم الاكتتاب في شركة بترورابغ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الاكتتاب في شركة بترورابغ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نشاط هذه الشركة في تكرير النفط والصناعات البتروكيماوية، وهو نشاط مباح، غير أن هذه الشركة قد اقترضت قروضاً ربوية، وتضع أموالاً في البنوك الربوية. وعلى هذا، تصنف هذه الشركة ضمن "الشركات المختلطة" التي يكون أصل عملها مباحاً، ولكنها تتعامل معاملات محرمة، كالربا وغيره، وأكثر العلماء المعاصرين على تحريم المساهمة في هذا النوع من الشركات، وبهذا أفتى علماء اللجنة الدائمة للإفتاء، وصدر بذلك قرار من "مجمع الفقه الإسلامي" التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، و"مجمع الفقه الإسلامي " التابع لرابطة العالم الإسلامي. وانظر جواب السؤال رقم (112445) . وقد سئل الشيخ الدكتور محمد بن سعود العصيمي عن المساهمة في هذه الشركة "بترورابغ"؟ فأجاب: "اطلعت على القوائم المالية للشركة قبل صدور نشرة الإصدار وبعدها، ولا شك في أهمية نشاط الشركة للبلد ولاقتصاده، ولكنها للأسف قد اقترضت قروضا ضخمة بالفائدة الربوية، ووضعت جزءا كبيرا من مواردها في بنوك ربوية وحسابات ربوية، وعليه فلا أرى جواز الاكتتاب بها. وإني أدعو الله سبحانه وتعالى أن ييسر للقائمين عليها طريقة شرعية لتحويل تلك التعاملات المحرمة إلى معاملات شرعية، خاصة وقد ظهر جلياً من خلال الاتصال ببعض مسئولي الشركة حرص عدد منهم على ذلك. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين" انتهى. http://www.halal2.com/ftawaDetail.asp?id=19854 [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111785 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5519 أراد الخروج من صندوق التوفير واشترط عليه ترك شيء من المال [السُّؤَالُ] ـ[كان عندي مبلغ وضعته في صندوق توفير البريد ظل فترة ثم علمت أن ما ينتج من أرباح لهذا المال ما هو إلا ربا فذهبت لأسحب المبلغ وأنهي الدفتر فأخبرتني موظفة البريد أني لا أستطيع أن ألغيه نهائيا وأني لابد أن أترك مبلغ 10.00 جنيه على الأقل فيه مع العلم أن مبلغ الفائدة المحققة 20.00 جنيها فقمت بسحب المبلغ وأخرجت 10.00 جنيه منه ووضعتها بأحد المساجد واعتبرت أن المبلغ المتبقي في الصندوق (10.00جنيه) مكمل لمبلغ الفائدة فهل ما فعلت صحيح؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: صندوق التوفير الذي يعطي نسبة محددة على المال الموضوع لا يجوز الاشتراك فيه لأن هذا هو الربا الذي حرمه الله ورسوله، ولا يختلف هذا عن البنوك الربوية إلا في الاسم فقط، وقد أحسنت بخروجك منه. ومعلوم أن من تاب من الربا فليس له إلا رأس ماله فقط؛ لقوله تعالى: (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ) البقرة/279. فيجب على من أخذ الفائدة الربوية أن يتخلص منها، بإنفاقها في وجوه البر، وقد فعلت ذلك بنصف الفائدة حيث دفعته لأحد المساجد، وأما النصف الباقي الذي أعطيته للصندوق، فالذي يظهر أن هذا جائز أيضا، لأن هذا المال في الحقيقة ملك للصندوق لأنه أخذته بالربا، والربا لا يكون سبباً صحيحاً لتملك الفائدة، فليس لك أن تأخذ إلا رأس مالك فقط. ثانيا: إذا كان الأمر كما ذكرت، من اشتراط الصندوق بقاء شيء من المال لديه، فلا حرج عليك في ترك مبلغ من المال في الصندوق، لأنك مكره على ذلك، ولست مختاراً، ولكن يجب عليك أن تعلم أنه لا حق لك في هذا الصندوق، لأن المبلغ الذي تركته فيه هو من أموال الربا وليس ملكا لك. فلا يجوز لك مطالبة الصندوق بأي مبلغ بعد اليوم، بل تعتبر نفسك قد أنهيت معاملتك معه إلى الأبد. نسأل الله أن يخلف عليك خيرا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111792 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5520 جواز الاكتتاب في شركة دار الأركان [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الاكتتاب في شركة دار الأركان للتطوير العقاري؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله شركة دار الأركان للتطوير العقاري تقوم بشراء الأراضي وتطويرها والبناء عليها، ثم تبيع هذه العقارات. وقد صدر قرار من الهيئة الشرعية لمركز الأوائل للاستشارات الاقتصادية بجواز الاكتتاب فيها، وهذا نص القرار: "الموضوع: حكم الاكتتاب في أسهم شركة دار الأركان قرار الهيئة الشرعية رقم (16) الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فإن الهيئة الشرعية لمركز الأوائل للاستشارات الاقتصادية في اجتماعها السابع، المنعقد يوم الاثنين 09/11/1428هـ الموافق 19/11/2007م، في مقر المركز بمدينة الرياض قد اطلعت على مذكرة العرض المقدمة من أمين الهيئة الشرعية المبنية على "تقرير مراجعة" الذي قامت بإعداده لجنة المراجعة والتدقيق الشرعي في المركز بخصوص النظر في مدى تطابق عمليات شركة دار الأركان للتطوير العقاري وأنشطتها للضوابط الشرعية تمهيدا لطرحها للاكتتاب العام، وشمل التقرير المشار إليه أعلاه المستندات التالية: 1- نشرة الإصدار. 2- النظام الأساسي للشركة. 3- عقد تأسيس الشركة. 4- عقود التمويل واتفاقيات التسهيلات البنكية مع بعض البنوك التجارية السعودية. 5- نشرة إصدار الصكوك 1، و2. 6- نماذج من عقود بيع الوحدات السكنية، واتفاقية تطوير منطقة إسكانية. 7- نماذج عقود مقاولات. 8- القوائم المالية للشركة عن الفترة المنتهية في 31 يونيو 2007م. وبعد التأمل والنظر في مذكرة العرض والتقرير المشار إليهما أعلاه وبعد المداولة والمناقشة رأت الهيئة جواز الاكتتاب في أسهم شركة دار الأركان المطروحة للاكتتاب العام؛ لأن نشاط الشركة في الاستثمار والتطوير العقاري، وهو نشاط مباح، وأعمال الشركة في الجملة موافقة للضوابط الشرعية، أما إصدارات الصكوك المشار إليها في رقم خمسة أعلاه فتتحفظ الهيئة على هيكلتها وبعض بنودها إلا أن هذا التحفظ لا يمنع من جواز الاكتتاب في أسهم شركة دار الأركان المطروحة للاكتتاب العام لأن هذه الصكوك مجازة من الهيئة الشرعية لبنك ينيوكورن الاستثماري في دولة البحرين. ونوصي الشركة بمواصلة الالتزام في جميع أعمالها بالضوابط الشرعية، وتحسين هيكلتها للصكوك في الإصدارات القادمة لتكون أكثر توافقا مع الضوابط الشرعية. وفق الله الجميع لهداه، وجعل العمل في رضاه، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم" انتهى. الهيئة الشرعية: عبد الله بن سليمان بن منيع (رئيساً) أ. د. عبد الله بن محمد المطلق (نائباً) أ. د. عبد الله بن موسى العمار (عضواً) د. عبد العزيز بن فوزان الفوزان (عضواً) د. يوسف بن عبد الله الشبيلي (عضواً) د. محمد بن سعود العصيمي (عضواً وأميناً) http://www.halal2.com/ftawaDetail.asp?id=18892 والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111869 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5521 حكم الاكتتاب في شركة الشرق الأوسط للكابلات المتخصصة (مسك) [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الاكتتاب في شركة الشرق الأوسط للكابلات المتخصصة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نشاط شركة الشرق الأوسط للكابلات المتخصصة مباح في الأصل وهو إنتاج الكابلات الصناعية، وكابلات التحكم، وكابلات أنظمة الحريق، والكابلات المقاومة للحريق، وكابلات نقل المعلومات، وكابلات التقنية العالية والتي تستخدم في مشاريع البترول والغاز والبتروكيماويات ومحطات الكهرباء والتحلية وغيرها من المشاريع الصناعية. غير أن القوائم المالية لهذه الشركة تبين أنها تتعامل بالقروض الربوية، مما يجعلها تندرج تحت ما يسمى بـ "الشركات المختلطة" وهي الشركات التي أصل نشاطها مباح غير أنها تتعامل ببعض المعاملات المحرمة. وقد ذهب أكثر العلماء المعاصرين إلى تحريم المساهمة في هذه الشركات. وبهذا أفتى علماء اللجنة الدائمة للإفتاء في بلاد الحرمين الشريفين، وصدر بذلك قرار المجمع الفقهي. وقد سئل الشيخ الدكتور محمد بن سعود العصيمي عن المساهمة في هذه الشركة "مسك"، فقال: "فقد اطلعت على نشرة الاكتتاب، وعلى القوائم المالية للشركة المنشورة في نشرة الاكتتاب، وقد تبين جليا أن الشركة تتعامل بالقروض الربوية مع وجود قليل من التمويلات بالمرابحات الإسلامية. وحيث إن الشركة قد اقترضت قروضا ربوية وعندها سحب على المكشوف بطريقة ربوية، فلا أرى جواز الاكتتاب بها. وإن مما سرني ما سمعت من توجه في الشركة إلى التمويل الإسلامي، وأدعو الله أن يعينهم على هذه التوجه، وأنصحهم بالبعد عن التمول من البنوك الربوية حتى بالطريقة المسماة بالمرابحة، فالشواهد كثيرة على أن التطبيق في البنوك الربوية مخالف للفتاوى المنشورة. وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، ورزقنا الحلال وجنبنا الحرام بمنه وكرمه. والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين" انتهى. http://www.halal2.com/ftawaDetail.asp?id=18504 والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111879 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5522 هل يجوز استثمار أموال الزكاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[يتجمع لدى الجمعيات الخيرية أموال الزكاة، وتكون كثيرة جداً، لاسيما في شهر رمضان، فهل يجوز للجمعية أن تقوم باستثمار هذه الأموال، وتكون أرباحها للفقراء والمساكين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب صرف الزكاة إلى أهلها المذكورين في قوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة/60. فالزكاة حق لهؤلاء الأصناف في مال الأغنياء، فما دام أحد من هذه الأصناف موجوداً، فالواجب أن يدفع حقه إليه، واستثمار أموال الزكاة يؤدي إلى تأخير دفع الزكاة إلى أهلها، أو منع دفعها بالكلية، إذا حصلت خسارة للمشروع وذهب رأس المال. ولهذا أفتى العلماء المعاصرون بأنه لا يجوز استثمار أموال الزكاة. فقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن حكم استثمار بعض الجمعيات الخيرية لأموال الزكاة. فأجاب: " وأما استثمارها في شراء العقارات وشبهها فلا أرى ذلك جائزاً؛ لأن الواجب دفع حاجة الفقير المستحق الآن , وأما الفقراء في المستقبل فأمرهم إلى الله " انتهى. "لقاءات الباب المفتوح" (1/67) . وسئل علماء اللجنة الدائمة: عن جمعية خيرية تريد استثمار أموالها. فأجابوا: " إذا كان المال المذكور في السؤال من الزكاة: فالواجب صرفه في مصارفه الشرعية من حين يصل إلى الجمعية، وأما إن كان من غير الزكاة: فلا مانع من التجارة فيه لمصلحة الجمعية؛ لما في ذلك من زيادة النفع لأهداف الجمعية وللمساهمين فيها " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/403، 404) . وسئلوا – أيضاً -: هل يمكن للهيئة الخيرية الإسلامية العالمية استثمار أموال الزكاة التي قد تودع في المصارف حتى يتم إنفاقها، والتي لن يؤثر استثمارها على ترتيب وتنفيذ إنفاقها في مصارف الزكاة المحددة شرعا، على أن يكون استثمارها في مجالات سائلة، حيث يمكن الحصول عليها عند الحاجة إليها وفي مجالات استثمار مدروسة وموثوقة، ولا نقول مضمونة حتى لا تشوبها حرمة أو شبهة، على أن الهيئة ليست شخصاً بذاته أو أشخاصاً يمثلون أنفسهم، وإنما هي شخصية اعتبارية قائمة بذاتها، والأشخاص فيها يبذلون جهدهم ويجتهدون رأيهم لما فيه خير الإسلام والمسلمين؟ فأجابوا: " لا يجوز لوكيل الجمعية استثمار أموال الزكاة، وإن الواجب صرفها في مصارفها الشرعية المنصوص عليها بعد التثبت في صرفها في المستحقين لها؛ لأن المقصود منها سد حاجة الفقراء وقضاء دين الغرماء؛ ولأن الاستثمار قد يفوت هذه المصالح أو يؤخرها كثيراً عن المستحقين " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/454، 455) . والذين أجازوا استثمار أموال الزكاة اشترطوا: أن يكون ذلك بعد سد حاجة أهل الزكاة الماسة. فقد جاء في قرارات المجمع الفقهي: " يجوز من حيث المبدأ توظيف أموال الزكاة في مشاريع استثمارية تنتهي بتمليك أصحاب الاستحقاق للزكاة، أو تكون تابعة للجهة الشرعية المسؤولة عن جمع الزكاة وتوزيعها، على أن تكون بعد تلبية الحاجة الماسة الفورية للمستحقين وتوافر الضمانات الكافية للبعد عن الخسارة " انتهى. "مجلة المجمع الفقهي". وهذا الشرط يصعب جداً – بل يتعذر – القول بوجوده، فإن أعداد الفقراء والمساكين والمجاهدين في سبيل الله وأبناء السبيل والمدينين والمؤلفة قلوبهم تقدر بالملايين، فيجب دفع الزكاة إلى هؤلاء ولا يجوز تأخيرها. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111774 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5523 حكم الاكتتاب في شركة كيمانول [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الاكتتاب في شركة كيمانول؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله شركة كيمانول تعمل في إنتاج وتسويق الفورمالدهيد ومشتقاته ومحسنات الخرسانة، وهو عمل مباح في الأصل، غير أن لها بعض المعاملات الربوية، مما يجعل هذه الشركة تصنف ضمن الشركات المختلطة، وهي التي يكون أصل نشاطها مباحاً، غير أنها تقوم ببعض المعاملات المحرمة، وأكثر العلماء المعاصرين يفتون بتحريم المساهمة في هذا النوع من الشركات، وأن المساهم سيكون شريكاً في الإثم الحاصل بتلك المعاملات المحرمة. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (112445) . وقد سئل فضيلة الشيخ الدكتور محمد العصيمي: ما حكم الاكتتاب في شركة كيمانول؟ فأجاب: " الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد: فإن نشاط هذه الشركة في الصناعات الكيميائية، وهو نشاط مباح. ومن خلال قراءة نشرة الإصدار للشركة تبين أن لديها تسهيلات بنكية مشتملة على قروض محرمة. وقد وقعت الشركة اتفاقية مرابحة أساسية في مطلع عام 2008م. وحيث إن القوائم المالية للشركة تحتوي على قروض وتسهيلات بنكية فلا أرى جواز الاكتتاب بها. وإني أوصي هذه الشركة وغيرها من الشركات بتقوى الله عز وجل، والخوف من أليم سخطه، فإن الدنيا فانية، وإن كل مسؤول في الشركة عن القروض والتسهيلات الربوية سيقف أمام ربه وسائله عن كل ذلك، وسيكون عليه إثم من ساهم في الشركة. وقد من الله علينا بكثرة طرق التمويلات الإسلامية المتاحة من البنوك التجارية في السعودية، فلا عذر لأحد" انتهى. http://www.halal2.com/ftawaDetail.asp?id=25389 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112120 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5524 حكم الاستثمار في مقاهي الإنترنت [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الاستثمار والتجارة في مقاهي الإنترنت؟ مع أنني لا أدري هل المستخدم سيدخل على مواقع مفيدة أو مواقع ضارة محرمة؟ وهناك برامج المحادثات التي تتم والتعارف فيها، وكثيراً ما تكون بين الجنسين، وقد يتم تبادل الصور الإباحية والأفلام والأغاني من خلالها.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " إذا كانت هذه الأجهزة يتم لمستخدمها التوصل إلى أمور منكرة باطلة، تضر بالعقيدة الإسلامية، أو يتم من خلالها الاطلاع على الصور الفاتنة، والأفلام الماجنة، والأخبار الساقطة، أو حصول المحادثات المريبة، أو الألعاب المحرمة، ولا يمكن لصاحب المحل أن يمنع هذه المنكرات، ولا أن يضبط تلك الأجهزة – فإنه والحال ما ذكر يحرم الاتجار بها؛ لأن ذلك من الإعانة على الإثم والمحرمات، والله جل وعلا قال في كتابه العزيز: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ بكر أبو زيد. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/284) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112137 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5525 حكم الأسهم في شركه تأمين سيارات [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الأسهم في شركه تامين سيارات وهل الأرباح التي أخدها حلال أم حرام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله جميع صور التأمين التجاري المتعامل به الآن حرام لاشتماله على الربا والغرر. راجع الأسئلة رقم (8889) ، (10805) . وسئل الشيخ ابن جبرين عن حكم التأمين على السيارات. فأجاب: التأمين في نظري نوع من الغرر حيث إن الشركة قد تأخذ من بعض المُؤَمّنين أموالاً كل سنة ولا تعمل معهم شيئاً، ولا يحتاجون إليها في إصلاح ولا غيره، وقد تأخذ من البعض الآخر مالاً قليلاً وتخسر عليه الشيء الكثير. وهناك قسم من أهل السيارات قليل إيمانهم وخوفهم من الله تعالى فمتى أمّن أحدهم على سياراته فإنه لا يبالي بما حصل فيتعرض للأخطار ويتهور في سيره فيسبب حوادث ويقتل أنفساً مؤمنة، ويتلف أموالاً محترمة ولا يهمه ذلك حيث عرف أن الشركة سوف تتحمل عنه ما ينتج من آثار ذلك، فأنا أقول: إن هذا التأمين لا يجوز بحال لهذه الأسباب وغيرها سواء على السيارات أو الأنفس أو الأموال أو غيرها اهـ "فتاوى إسلامية" (3/5) . وإذا كان هذا هو حكم التأمين فالمساهمة في شركاته حرام. ولذلك قال علماء اللجنة الدائمة: لا يجوز للإنسان أن يساهم في شركات التأمين التجاري؛ لأنَّ عقود التأمين المشتملة على الغرر والجهالة والربا محرَّمة في الشريعة الإسلامية اهـ. "فتاوى إسلامية" (2 / 43) . وعلى هذا فالأرباح المأخوذة من أسهم شركات التأمين حرام. وعلى المسلم الذي ابتلي وأخذ شيئاً من هذه الأرباح أن يتخلص منها، وينفقها في وجوه الخير. والواجب على المسلم أن يتحرى الكسب الطيب الحلال، فإن كل جسم نبت من حرام فالنار أولى به. نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 22933 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5526 شراء كروت الجوال وتوكيل من يبيعها مقابل نسبة من الربح [السُّؤَالُ] ـ[يقوم بعض الأشخاص بشراء كمية من كروت الهاتف الجوال بسعر أرخص من الوكيل المعتمد عن طريق أن يجمع بعض الناس أموالا ثم يبيتونها عند فرد أو شركة أو بنك لمدة أسبوع، ثم تأتي الكروت من خارج البلاد، وحسب الاتفاق: إما أن آخذ كروتي وأبيعها بنفسي والربح كله لي، أو يبيع الشخص جامع المال هو الكروت نيابة عن صاحب المال نظير نسبة من الربح للتبييت والإدارة، فيحصل صاحب المال على ماله مضافا إليه جزء من الربح، ثم في اليوم التالي يأخذ المال في دورة جديدة وهكذا. أو صورة أخرى: وهى مدة شهر مقسم على ثلاثة أقسام، كل قسم عشرة أيام، القسم الأول والثاني يشترى جامع المال الكروت ويبيعها هو ويعطى صاحب المال ربحا فقط، وفى نهاية الشهر - المدة الثالثة - يعطى الجامع صاحب المال ماله الأصلي مضافا إليه الربح، إما على صورة كروت أو مال، حسب الاتفاق المسبق، فأي هذه المعاملات حلال؟ وإذا لم تكن حلالا فما يجب عمله لتصبح حلالا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا جمعتم المال، واشتريتم الكروت، ثم تولى كل فرد بيع نصيبه بنفسه، فلا حرج في ذلك. ثانيا: إذا تم الاتفاق مع شخص ما، على أن يبيت المال لديه، ويأخذ الكروت ويبيعها، مقابل نسبة معلومة من الربح، كالنصف أو الربع أو 10% مثلا، فهذا جائز أيضا. وهو من التوكيل بأجرة، وفيه شبه بالمضاربة. قال في "كشاف القناع" (3/615) في مسائل ملحقة بالمضاربة: " وبيع متاعِه بجزءٍ مشاع من ربحه " انتهى. وينظر للفائدة جواب السؤال رقم 45726. ثالثا: إذا تم الاتفاق مع شخص على بيع هذه الكروت مقابل نسبة من الربح، على أن يتم تقسيم الربح الحاصل كل عشرة أيام أو عشرين يوما، فلا حرج في ذلك. وذلك لما ذكرنا من شبه هذه المسألة بالمضاربة، وفي المضاربة يجوز أن يقسم الربح قبل نهاية المدة إذا رضي الطرفان بذلك. قال في "زاد المستقنع": " ولا يقسم – أي الربح- مع بقاء العقد إلا باتفاقهما " انتهى. وينظر: "الشرح الممتع" (9/425) . فيجوز أن يتفق صاحب المال والعامل على أن يُقسم الربح نهاية كل شهر أو كل عشرة أيام مثلا، فيأخذ صاحب المال نصيبه من الربح، ويأخذ العامل كذلك نصيبه. ثم في نهاية المدة، يقسم الربح الحاصل كذلك. ولصاحب المال أن يأخذ ربحه نقودا، وهذا هو الأصل، وله أن يأخذه في صورة كروت، إذا كان الاتفاق على ذلك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 108854 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5527 نشر الإعلانات في المواقع [السُّؤَالُ] ـ[أنا صاحب أحد المواقع وأستقبل إعلانات وأكون كالناشر، أي أنشر الإعلانات في موقعي، وأيضا قد لاحظت أنه قد تظهر في مواقع توجد صور نساء، ومواقع أخرى إسلامية، ومواقع أخرى نظيفة من المحرمات، لكن أريد معرفة هل بإمكاني أن أكون ناشرا للإعلانات؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج عليك في إنشاء موقع لنشر الإعلانات، على أن تكون هذه الإعلانات مقيدة بالضوابط الشرعية، بألا تحتوي على صور النساء، ولا على أصوات المعازف، ولا تدعو لشراء شيء من المحرمات من خمور أو لحم خنزير أو غيرها من المحرمات، ولا تروج للمعاملات البنكية الربوية، ولا إلى المواقع السياحية الفاسدة، ولا إلى الأمور المشبوهة. وتذكر أخي الكريم أنك مؤتمن بعملك هذا على أخلاق المسلمين وأموالهم وأعراضهم، فإذا راقبت الله تعالى في إعلانك فقد حفظت الأمانة وأديتها، وإذا قصرت وأعنت على نشر الحرام وإفساد المجتمعات فقد ضَيَّعت وفَرَّطت وخنت الأمانة. يقول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) الأنفال/27. وانظر جواب السؤال رقم: (93376) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 107677 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5528 حكم المتاجرة في العملات بنظام الفوركس مع دفع رسوم على التبييت [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز التعامل في العملات فيما يسمى الفوركس والذي يتم التداول فيه عن طريق الإنترنت؟ وما رأيكم في التبييت وكذلك تأخر التسليم (المقاصة) من يوم إلى يومين بعد إنهاء العقد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز الاتجار في العملات إذا تحقق القبض، وسلمت المعاملة من الشروط الربوية، كاشتراط رسوم التبييت، وهي الفائدة المشروطة على المستثمر إذا لم يتصرف في الصفقة في اليوم نفسه. أما القبض فسبق الكلام عليه في جواب السؤال رقم (72210) . وأما رسوم التبييت والمتاجرة بالهامش، فقد صدر فيها قرار من مجمع الفقه الإسلامي، وهذا نصه: " الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه. أما بعد: فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، برابطة العالم الإسلامي، في دورته الثامنة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة، في الفترة من 10-14/3/1427هـ الذي يوافقه 8-12 إبريل 2006م، قد نظر في موضوع: (المتاجرة بالهامش، والتي تعني (دفع المشتري [العميل] جزءاً يسيراً من قيمة ما يرغب شراءه يسمّى [هامشاً] ، ويقوم الوسيط [مصرفاً أو غيره] ، بدفع الباقي على سبيل القرض، على أن تبقى العقود المشتراة لدى الوسيط، رهناً بمبلغ القرض. وبعد الاستماع إلى البحوث التي قدمت، والمناقشات المستفيضة حول الموضوع، رأى المجلس أن هذه المعاملة تشتمل على الآتي: 1- المتاجرة (البيع والشراء بهدف الربح) ، وهذه المتاجرة تتم غالباً في العملات الرئيسية، أو الأوراق المالية (الأسهم والسندات) ، أو بعض أنواع السلع، وقد تشمل عقود الخيارات، وعقود المستقبليات، والتجارة في مؤشرات الأسواق الرئيسة. 2- القرض، وهو المبلغ الذي يقدمه الوسيط للعميل مباشرة إن كان الوسيط مصرفاً، أو بواسطة طرف آخر إن كان الوسيط ليس مصرفاً. 3- الربا، ويقع في هذه المعاملة من طريق (رسوم التبييت) ، وهي الفائدة المشروطة على المستثمر إذا لم يتصرف في الصفقة في اليوم نفسه، والتي قد تكون نسبة مئوية من القرض، أو مبلغاً مقطوعاً. 4- السمسرة، وهي المبلغ الذي يحصل عليه الوسيط نتيجة متاجرة المستثمر (العميل) عن طريقه، وهي نسبة متفق عليها من قيمة البيع أو الشراء. 5- الرهن، وهو الالتزام الذي وقعه العميل بإبقاء عقود المتاجرة لدى الوسيط رهناً بمبلغ القرض، وإعطائه الحق في بيع هذه العقود واستيفاء القرض إذا وصلت خسارة العميل إلى نسبة محددة من مبلغ الهامش، ما لم يقم العميل بزيادة الرهن بما يقابل انخفاض سعر السلعة. ويرى المجلس أن هذه المعاملة لا تجوز شرعاً للأسباب الآتية: أولاً: ما اشتملت عليه من الربا الصريح، المتمثل في الزيادة على مبلغ القرض، المسماة (رسوم التبييت) ، فهي من الربا المحرم، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278، 279. ثانيا: أن اشتراط الوسيط على العميل أن تكون تجارته عن طريقه، يؤدي إلى الجمع بين سلف ومعاوضة (السمسرة) ، وهو في معنى الجمع بين سلف وبيع، المنهي عنه شرعاً في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يحل سلف وبيع ... ) الحديث رواه أبو داود (3/384) والترمذي (3/526) وقال: حديث حسن صحيح. وهو بهذا يكون قد انتفع من قرضه، وقد اتفق الفقهاء على أن كل قرض جر نفعاً فهو من الربا المحرم. ثالثاً: أن المتاجرة التي تتم في هذه المعاملة في الأسواق العالمية غالباً ما تشتمل على كثير من العقود المحرمة شرعاً، ومن ذلك: 1- المتاجرة في السندات، وهي من الربا المحرم، وقد نص على هذا قرار مجمع الفقه الإسلامي بجدة رقم (60) في دورته السادسة. 2- المتاجرة في أسهم الشركات دون تمييز، وقد نص القرار الرابع للمجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في دورته الرابعة عشرة سنة 1415هـ على حرمة المتاجرة في أسهم الشركات التي غرضها الأساسي محرم، أو بعض معاملاتها ربا. 3- بيع وشراء العملات يتم غالباً دون قبض شرعي يجيز التصرف. 4- التجارة في عقود الخيار وعقود المستقبليات، وقد نص قرار مجمع الفقه الإسلامي بجدة رقم (63) في دورته السادسة، أن عقود الخيارات غير جائزة شرعاً، لأن المعقود عليه ليس مالاً ولا منفعة ولا حقاً مالياً يجوز الاعتياض عنه.. ومثلها عقود المستقبليات والعقد على المؤشر. 5- أن الوسيط في بعض الحالات يبيع ما لا يملك، وبيع ما لا يملك ممنوع شرعاً. رابعاً: لما تشتمل عليه هذه المعاملة من أضرار اقتصادية على الأطراف المتعاملة، وخصوصاً العميل (المستثمر) ، وعلى اقتصاد المجتمع بصفة عامة. لأنها تقوم على التوسع في الديون، وعلى المجازفة، وما تشتمل عليه غالباً من خداع وتضليل وشائعات، واحتكار ونجش وتقلبات قوية وسريعة للأسعار، بهدف الثراء السريع والحصول على مدخرات الآخري بطرق غير مشروعة، مما يجعلها من قبيل أكل المال بالباطل، إضافة إلى تحويل الأموال في المجتمع من الأنشطة الاقتصادية الحقيقية المثمرة إلى هذه المجازفات غير المثمرة اقتصاديا، وقد تؤدي إلى هزات اقتصادية عنيفة تلحق بالمجتمع خسائر وأضرار فادحة. ويوصي المجمع المؤسسات المالية باتباع طرق التمويل المشروعة التي لا تتضمن الربا أو شبهته، ولا تحدث آثاراً اقتصادية ضارة بعملائها أو بالاقتصاد العام كالمشاركات الشرعية ونحوها، والله ولي التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين " انتهى من "مجلة المجمع الفقه الإسلامي" العدد 22 ص 229 ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106094 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5529 حكم الاكتتاب في أسهم سبكيم [السُّؤَالُ] ـ[أنا موظف في شركة سبكيم ومن ضمن المزايا الموجودة لدينا بالشركة برنامج الموظفين الاستثماري (الأسهم) فكرة البرنامج أنه بناءً على شروط معينة يحق للموظف الدخول في هذا البرنامج والاشتراك في شراء عدد معين من الأسهم بسعر تنافسي خاص للموظفين ولكن لا يتملكون الأسهم إلا بعد ثلاثة سنين من بداية البرنامج. وفي حالة نزول قيمة الأسهم عن المشترى به بعد ثلاث سنوات، تعوض الشركة موظفها بنفس القيمة التي اشترك بها في هذا البرنامج. هل هذا جائز أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: جواز التعامل بالأسهم يتوقف على طبيعة هذه الأسهم، فإن كانت مباحة جاز التعامل بها، وإن كانت محرمة كأسهم البنوك الربوية لم يجز التعامل بها، وكذلك أسهم الشركات التي تتعامل بالربا ولو كان نشاطها في الأصل مباحا، وتسمى: "الأسهم المختلطة"، والراجح هو تحريم التعامل فيها. وينظر جواب السؤال رقم (45319) . بناءً على ذلك: لا يجوز التعامل في أسهم (سبكيم) لأنها من الأسهم المختلطة. فقد سئل الدكتور محمد العصيمي حفظه الله: عن حكم الاكتتاب في سبكيم. فأجاب: "الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد: فقد اطلعت على نشرة الاكتتاب المفصلة للشركة السعودية العالمية البتروكيماويات (سبكيم) المنشورة في موقع هيئة السوق المالية، وتبين لي أن أغراض الشركة الحالية أغراض مباحة وهي إنتاج البتروكيماويات وتصب في خانة دعم الاقتصاد الوطني، ونشد على يد القائمين عليها في أهمية تلك الأنشطة الاقتصادية النافعة. وهي شركة قابضة لمجموعة من الشركات هي: الشركة العالمية للميثانول وشركة الخليج للصناعات الكيميائية المتقدمة المحدودة، ومجمع الاسيتيل وهو عبارة عن عدة شركات. وبدراسة القوائم المالية للفترة المنتهية في 31ديسمبر2005م تبين أنها تحتوي على بنود محرمة هي الاستثمار في سندات التنمية الحكومية بقيمة 259.5 مليون ريال، بالإضافة إلى قروض ربوية (باستثناء قرض صندوق التنمية الصناعي) تبلغ 1118 مليون ريال، وقد حصلت الشركة على ربا من السندات الحكومية قدره 36,9 مليون ريال. وحيث إن ذلك الواقع هو واقع الشركة فلا يجوز الاكتتاب فيها. وفي الختام، أذكر القائمين على الشركة وفيهم من أهل الخير والصلاح بتقوى الله سبحانه وتعالى باجتناب الربا تمويلا واستثمارا، وأن يؤمنوا على ممتلكات الشركة تأمينا تعاونيا بدل التأمين التجاري، كما أتمنى على القائمين على الشركة أن يتم تمويل مجمع الاسيتيل من صندوق الاستثمارات العامة بالطريقة الإسلامية وليس قرضا تجاريا كما ذكر في النشرة. ولا يفوتني أن أشكرهم على تغيير قروض الشركة العالمية للميثانول إلى تمويل إسلامي وأشكرهم كذلك على ودائع المرابحة التي تقارب المليار ريال وينتظر المساهمون المزيد من ذلك التحول في القريب العاجل، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين" انتهى من موقع الشيخ على الإنترنت. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105291 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5530 اشترى أسهم شركة ثم علم أنها تتعامل بالربا [السُّؤَالُ] ـ[اشتريت أسهماً في شركة على أنها لا تتعامل بالحرام، ثم عرفت بعد ذلك أن لها أموالاً في البنوك الربوية. فماذا أفعل في هذه الأسهم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يلزمك بيعها والتخلص منها، ولا حرج عليك في ذلك، لأنك لم تكن تعلم أنها محرمة. وقد سئل الشيخ الدكتور محمد بن سعود العصيمي عن ذلك فأجاب: "الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد: فمن تعامل في شركة جائزة ثم تحولت إلى شركة غير جائزة، أو اشتراها ولم يعلم أنها محرمة ثم علم بذلك، أو اشتراها بناء على فتوى المجيزين للشركات المختلطة ثم تبين له أنها لا تجوز فحكمه كالآتي: يجب عليه بيع ما يملك من أسهم تلك الشركة ولا يجب عليه تطهير شيء، وإن كان بيعه يسبب خسارة فله الانتظار إلى أن يحصل رأس ماله" انتهى. http://www.halal2.com/ftawaDetail.asp?id=15 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105476 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5531 توضيح فتوى اللجنة الدائمة في تحريم بيع الأسهم إذا كانت تمثل نقوداً [السُّؤَالُ] ـ[أرجو توضيح المقصود من هذه الفتوى حيث إني فهمت أنها تحرم بيع الأسهم المملوكة في أغلب الشركات حتى النقية وهذا خلاف المشهور: السؤال اشتريت عدة أسهم من شركة الراجحي المصرفية للاستثمار، وأريد بيعها الآن، والسؤال: ما حكم شراء الأسهم من هذه الشركة؟ وما حكم بيعها؟ وهل يجوز أن أتعامل مع الشركة المذكورة بشراء أسهم أو بيعها؟ الجواب: إذا كانت الأسهم أسهما تجارية (عبارة عن نقود يباع بها ويشترى طلبا للربح) ، فلا يجوز بيعها؛ لأنه يكون بيع نقود بنقود غائبة، وغير متساوية، وذلك هو الربا بنوعيه: التفاضل والنسيئة. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. (14/352) .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المقصود من هذه الفتوى أن الأسهم إذا كانت تمثل نقودا فقط، فإنه لا يجوز بيعها بأزيد أو أنقص، بل لابد من التساوي والتقابض. والأسهم تكون نقودا فقط في مرحلة تأسيس الشركة قبل أن تتحول النقود إلى موجودات أو يتحول كثير منها إلى موجودات. وأما الأسهم التي تمثل موجودات، كمصانع أو معدات، أو معادن، أو زروع، أو عقارات أو غير ذلك، فإنه يجوز بيعها وشراؤها، إذا كانت نقية، وهذا ما تجده في نفس الفتاوى، راجع الفتوى السابقة واللاحقة للفتوى التي نُقلت. هذا؛ وقد ذهب بعض أهل العلم إلى جواز بيع الأسهم بعد الإذن في تداولها باعتبار أن الشركة تمتلك موجودات أخرى غير النقود وهي ذات قيمة معتبرة شرعاً، ومن ذلك قيمة الترخيص، ولأن التغيرات في قيمة السهم بعد بدء التداول لا ترتبط ارتباطا كليا بالتغير في قيمة موجودات الشركة نفسها أو مطلوباتها، وإنما ترجع إلى عوامل أخرى كالعرض والطلب على الأسهم والمؤشر العام والحقوق المعنوية وغير ذلك. وانظر جواب السؤال رقم (82146) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 104433 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5532 أخذ مالا ليضارب فيه فهل يصح أن يكتب على نفسه شيكا بالمبلغ؟ [السُّؤَالُ] ـ[شخص أعطى لآخر مبلغا من المال ليضارب له به في الأسهم نظير نسبة محددة. فكتب الآخذ للمعطي شيكا بقيمة المبلغ وترك التاريخ مفتوحا، ليكون المعطي مطمئنا على ماله فما حكم ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا أعطى الإنسان ماله لغيره ليضارب له في تجارة مباحة، من أسهم أو غيرها، فإنه لا يجوز أن يشترط عليه ضمان المال، بل المضارب أمين، فلا يضمن إلا إذا تعدى أو قَصَّر أو خالف شرط صاحب المال. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (5/22) : " الخسران في الشركة على كل واحد منهما بقدر ماله , فإن كان مالهما متساويا في القدر , فالخسران بينهما نصفين , وإن كان أثلاثا , فالوضيعة أثلاثا. لا نعلم في هذا خلافا بين أهل العلم. وبه يقول أبو حنيفة , والشافعي وغيرهما ... والوضيعة (الخسارة) في المضاربة على المال خاصة , ليس على العامل منها شيء ; لأن الوضيعة عبارة عن نقصان رأس المال , وهو مختص بملك ربه , لا شيء للعامل فيه , فيكون نقصه من ماله دون غيره ; وإنما يشتركان فيما يحصل من النماء " انتهى. وقال أيضا: " متى شرط على المضارب ضمان المال , أو سهماً من الوضيعة , فالشرط باطل. لا نعلم فيه خلافا. نص عليه أحمد. وهو قول أبي حنيفة , ومالك" انتهى من "المغني" (5/40) . وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة 1408هـ، الموافق 1988م بشأن سندات المقارضة: "لا يجوز أن تشتمل نشرة الإصدار أو صكوك المقارضة على نص بضمان عامل المضاربة رأس المال أو ضمان ربح مقطوع أو منسوب إلى رأس المال، فإن وقع النص على ذلك صراحة أو ضِمنا بطل شرط الضمان واستحق المضارب ربح مضاربة المثل " انتهى من "مجلة مجمع الفقه الإسلامي" (4/3/2159) . وعلى هذا، فالذي ينبغي أن يكتب بينكما عقد مضاربة، يذكر فيه رأس المال، وكيفية توزيع الأرباح، ومجال التجارة، ومدة العقد ... ونحو ذلك مما يقطع النزاع، ويحفظ لكل واحد من المتعاقدين حقه، ويشهد على ذلك شاهدان. ولكن.. إذا نظرنا إلى الواقع، فنظراً لفساد ذمم كثير من الناس، وقلة أمانتهم، وتكرار قضايا الاحتيال، وأكل الأموال بالباطل، فإن أصحاب الأموال يلجأون إلى كتابة "شيك" أو "وصل أمانة" ليضمن حقه، حتى لا يتلاعب به شريكه ويأكل عليه أمواله، فإذا ذهب إلى المحكمة ومعه عقد الشركة فإن القضية قد تبقى في المحكمة سنوات حتى يأخذ حقه، أما قضايا "الشيك " أو "وصل الأمانة" فهي أسرع، وأَضمن لحقه، وهذا التصرف لا بأس به، لكن لا يجوز لصاحب المال أن يطالب بماله إلا في الأحوال التي حصل يثبت فيها تقصير العامل أو تسببه في تضييع المال. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103920 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5533 حكم الاكتتاب في الشركة المتحدة الدولية للمواصلات (بدجت السعودية) [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الاكتتاب في الشركة المتحدة الدولية للمواصلات (بدجت السعودية) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نشاط هذه الشركة نشاط مباح وهو تأجير السيارات، وبيع السيارات المستعملة، غير أن لها تعاملات ربوية، وتتعامل بالتأمين التجاري ـ وهو محرم ـ مما يجعل هذه الشركة من الشركات المختلطة، وأكثر العلماء المعاصرين على تحريم المساهمة في الشركات المختلطة، وهو ما اختاره علماء اللجنة الدائمة للإفتاء، وصدر به قرار المجمع الفقهي. وعلى هذا، فلا يجوز الاكتتاب في هذه الشركة. وقد سئل الشيخ الدكتور محمد العصيمي عن الاكتتاب في هذه الشركة (بدجت السعودية) فأجاب: "فقد اطلعت على نشرة الاكتتاب الصادرة من الشركة المتحدة الدولية للمواصلات، المطروحة للاكتتاب العام، وحيث إن نشاط الشركة نشاط مباح وهو تأجير السيارات تأجيرا قصيرا وطويل الأجل، وبيع السيارات المستخدمة، وبعض الخدمات ذات العلاقة، إلا أن النشرة قد نصت على أن للشركة مطلوبات على البنوك تبلغ مائة وثمانية عشر مليونا منها قرض لأجل بأكثر من خمسة وثلاثين مليونا وذلك بضمان عوائد التأمين على السيارات المملوكة للشركة، وهو في العرف البنكي قرض ربوي، والباقي قرض تمويل تأجيري لم يفصح عن طبيعته. وكذلك لدى الشركة نقد لدى البنوك بقيمة تزيد على عشرين مليون ريال لم يفصح عن طبيعته، ومن البعيد أن يكون حسابا جاريا بدون فائدة ربوية، كذلك فمن ضمن مصادر الدخل الأخرى (ص28) مبلغ يزيد على أربعة عشر مليونا سمته الشركة دخل التعويض والاسترداد يفرض على العميل المستأجر للسيارات وما هو إلا تأمين تجاري بحت، ثم هناك تسهيلات قصيرة ومتوسطة الأجل بلغت رسومها أكثر من ثمانية ملايين ريال. ومع كل هذا فقد نصت نشرة الاكتتاب على أن "جميع عمليات تمويل السيارات تتم وفق أحكام الشريعة الإسلامية، كما تسعى الشركة مستقبليا للحفاظ على هذه التوجه" ص 28، ثم خففت النشرة من قوة العبارة السابقة في مكان آخر وقالت: "وتهدف الشركة إلى جعل جميع التسهيلات الائتمانية التي تحصل عليها والمتعلقة بالسيارات متوافقة مع الشريعة الإسلامية" ص 32. وحيث إن ما نص عليه من الالتزام بالضوابط الشرعية في تمويل السيارات طيب ومشروع وتشكر عليه الشركة، إلا أنه غير كافٍ في جعلها من الشركات المباحة، حيث يجب أن تلتزم بالضوابط الشرعية في القروض كلها، وفي الاستثمارات كلها، وهو أمر لم تنص عليه النشرة، بل الحقائق التي ذكرت أعلاه تدل على خلافه، وعليه فلا أرى جواز الاكتتاب بها. وإني أوصي القائمين على هذه الشركة بتقوى الله عز وجل، والحرص على رضاه والتقرب إليه في كل الأمور خاصة في أمور التمويل والاستثمار. وقد وجد من التمويلات الإسلامية ما يفي بكل احتياجاتها التمويلية، خاصة أنها تقوم بنشاط يسهل على البنوك التجارية الإسلامية تغطيته بعقود شرعية، بل وأن تضع لمديوينته صكوكا إسلامية متداولة قائمة على التأجير التشغيلي الحقيقي وليس الصوري. وأرجو أن يكون ذلك بديلا لما ذكرته الشركة في ملخص النظام الأساسي من إصدار السندات والأسهم الممتازة. كما أوصيهم بالتأمين التعاوني الحقيقي والالتزام به، لا كما أشارت نشرة الاكتتاب في ص 43. وإن مما يعين الشركة على مثل ذلك التوجه الشرعي تعيين مستشار شرعي لها، خاصة أنها نصت في النشرة على سعيها للحفاظ على التوجه الإسلامي في التمويل. وإن الشركات المساهمة مشكورة تحتاط في أمور كثيرة من المخاطر (مثل المخاطر الائتمانية والسوقية والتسويقية ومخاطر تقلبات العملة وأسعار الفائدة وغيرها) ، وهذه أمور يحمدون عليها وتدل على الحرص على تسيير أمور الشركات على الوجه اللائق من الناحية الفنية والاقتصادية. إلا أني أذكرهم ونفسي المقصرة أن حق الله أولى، وأننا يجب أن نوقر الله سبحانه وتعالى وأن نحسب حساب المخاطرة في عصيانة أشد من حسباننا للمخاطرات السابقة. فالله سبحانه يمهل ولا يهمل، وهو عز وجل يغار على محارمه أن تنتهك، ولا طاقة لأحد بعقابه في الدنيا ولا في الآخرة. وإن المثلات أمامنا في كل مكان وعلى كل مستوى. فالحذر الحذر، فإن الله بالمرصاد. (مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا) . وفق الله الجميع لكل خير، وعصمنا وإياهم من الزلل، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين" انتهى من موقع الشيخ على الإنترنت. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103798 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5534 حكم الاكتتاب في شركة جبل عمر [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الاكتتاب في شركة جبل عمر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله شركة جبل عمر نشاطها: تطوير بعض الأراضي المحيطة بالمسجد الحرام، بمكة، وهو نشاط مباح، لا حرج فيه، ولا يوجد في قوائم الشركة المالية المنشورة في نشرة الاكتتاب قروض أو استثمارات محرمة، فلا حرج من الاكتتاب فيها. وقد سئل الشيخ الدكتور محمد بن سعود العصيمي عن حكم الاكتتاب في هذه الشركة، فأجاب: "الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد: فقد كثر السؤال عن حكم الاكتتاب في (شركة جبل عمر للتطوير) ، وحيث إن نشاط الشركة نشاط مباح، وهو تطوير بعض الأراضي المحيطة بالحرم المكي الشريف، ولم يظهر في القوائم المالية المنشورة في نشرة الاكتتاب المطولة قروض ولا استثمارات محرمة، فأرى جواز الاكتتاب بها. وإني أسأل الله للقائمين على هذه الشركة المباركة التوفيق والسداد، وأن يستمروا على نهجهم القويم في التمويل والاستثمار الإسلامي، ويكونوا عند مستوى تطلعات المستثمرين خاصة أن اللجنة التأسيسية تتكون من رجالات عرفوا بحرصهم على التعاملات المالية الإسلامية. وإني أذكر كل مساهم أن الربا حرام في كل وقت وفي كل مكان، وهو أشد حرمة في مكة وعند بيت الله الحرام. وأذكرهم أن المشركين قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم لم يروا أن يجعلوا في تمويل بناء الكعبة إلا مالاً طيباً، فلم يدخلوا مهر بغي ولا بيعاً ربوياً ولا مظلمة أحد من الناس. والمسلمون أولى بذلك التقدير والاحترام لدين لله سبحانه وتعالى وللمشاعر المقدسة، (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) . والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين" انتهى. وبمثل ذلك أفتى الشيخ الدكتور يوسف بن عبد الله الشبيلي، عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103415 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5535 المشاركة في مسابقة ثقافية بمبلغ مالي مقابل جائزة مرتقبة [السُّؤَالُ] ـ[أقوم بعمل مسابقة ثقافية نصف شهرية بالكيفية التالية: 1- يدفع كل متسابق قيمة اشتراك 100 ريال، ويحق له الاشتراك في المسابقة مدى الحياة، وله سحب هذا المئة في أي وقت. 2- أقوم بتشغيل الأموال التي جمعتها من الاشتراكات في مشاريع ناجحة ومضمونة وأوزع منها الأرباح على الفائزين، ولا أعطي الأرباح من الاشتراكات. 3- أعطي جائزة خمسة آلاف ريال لكل واحد من الفائزين، وهم ثلاثة من كل ألف]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه المسابقة لا يجوز إنشاؤها ولا الاشتراك فيها، وذلك لقيامها على الربا، لأن المال المدفوع لك يعتبر قرضا، لا وديعة؛ إذ الوديعة تحفظ كما هي، ولا يتصرف في عينها، وأما القرض فهو أخذ المال ورد بدله، وإذا ترتب على القرض منفعة مشروطة للمقرض كان ذلك ربا، والمنفعة هنا هي الحصول على الجائزة، ولولا ذلك ما دفع الناس أموالهم. واعلم أن معاملتك هذه هي عين ما يسمى في بعض البلدان بشهادات الاستثمار فئة (ج) مع فارق واحد وهو هذه المسابقة الثقافية، لكنه فارق غير مؤثر، لأن المدار على دفع المال بهدف الحصول على الجائزة المرجوة. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: عندنا في مصر ما يسمى بشهادات الاستثمار التي تباع في البنوك, وتسمى الفئة (ج) وهي بدون فوائد , أي: لو اشتريت شهادة, ثم أردت أن أردها ولو بعد عشر سنوات أو أكثر أو أقل, فهي ترد بنفس السعر الذي اشتريت فيه. وبعد ذلك يقوم الكمبيوتر بسحب رقم من أرقم الشهادات المباعة في الجمهورية, ويكون هذا هو الفائز الأول, ويوجد فائز ثان, وثالث إلى أكثر من (400) فائز, ويحصل الفائز الأول على عشرين ألف جنيه قيمة الفائزية. فأريد أن أعرف أنه لو اشتريت من هذه الشهادات ثم كنت من أحد الفائزين, فهل يجوز لي أن آخذ هذا المبلغ أم لا؟ وهل أكون مرتكباً إثماً؟. فأجابوا: " ما ذكرته في سؤلك مما يتعلق بشهادة الاستثمار, نوع من أنواع القمار (اليانصيب) وهو محرم, بل من كبائر الذنوب, بالكتاب والسنة والإجماع " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/305) . وقال الدكتور علي السالوس في كتابه: " معاملات البنوك الحديثة في ضوء الإسلام" ص 38: " وإذا كان البنك الربوي قد صنف الشهادات أصنافا ثلاثة، فجعل الأولى غير الثانية بقصد جذب أكبر عدد ممكن، فإنه في المجموعة الأخيرة خطا خطوة أبعد، فجاء إلى مجموع الربا، ثم قسمه إلى مبالغ مختلفة لتشمل عددا أقل بكثير جدا من عدد المقرضين، ثم لجأ إلى توزيع هذه المبالغ المسماة بالجوائز عن طريق القرعة! وبهذا ربما نجد صاحب قرض ضئيل يأخذ آلاف الجنيهات، على حين نجد صاحب الآلاف قد لا يأخذ شيئا. فالأول أخذ نصيبه من الربا ونصيب مجموعة كبيرة غيره، والثاني ذهب نصيبه لغيره، وفي كل مرة يتم التوزيع يترقبه المترقبون، يخرج هذا فرحا بما أصاب، ويحزن ذلك لما فاته، وهكذا في انتظار مرة تالية، أليس هذا هو القمار؟ فالبنك الربوي لجأ إلى المقامرة بالربا! فمن لم يُغره نصيبه من الربا في المجموعتين، فليقامر بنصيبه في المجموعة الثالثة ... ألا يمكن إذن أن تكون المجموعة (ج) أسوأ من أختيها؟ " انتهى. وإذا كنت تريد الرزق الحلال المبارك فيه، وهذا ما نؤمّله ونرجوه، فإنه يمكن أن تتفق مع هذا العدد من الناس على استثمار أموالهم، ولهم هذه النسبة الكبيرة من الأرباح، ولك الباقي، على أن لا يُضمن رأس مالهم، بل إن حصلت الخسارة بلا تفريط منك، خسروا أموالهم وخسرت عملك، وإن حصل الربح، قُسم بينكم بحسب الاتفاق. هذا ويشترط أن يكون استثمارك للمال في مشاريع مباحة، كما لا يخفى. ونسأل لنا ولك التوفيق والسداد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 101657 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5536 يستثمر أموال غيره ويتحمل نصف الخسارة [السُّؤَالُ] ـ[مستثمر في أموال الغير - هل يجوز له في حال الربح أن يعطي 80% من الربح ويحتفظ بالباقي كأتعاب وفي حال الخسارة توزع 50% لكلا الطرفين؟ في حال عدم الجواز, ما هي الصيغة الشرعية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: المستثمر لأموال الآخرين، إما أن يشارك بعمله فقط، ويكون المال كله من غيره، وإما أن يشارك بماله وعمله، فالأول يسمى عامل مضاربة، وربحه يكون بحسب ما اتفق عليه مع أصحاب المال، فيجوز أن يكون 20% أو أكثر أو أقل، ويجب أن تحدد هذه النسبة في عقد المضاربة. وأما الخسارة، فلا يتحمل منها شيئا، وتكون الخسارة كلها على صاحب رأس المال، ويخسر العامل عمله وجهده، إلا إذا حصلت الخسارة بسبب تقصير أو اعتداء من العامل، فإنه يتحملها حينئذ. وإذا اشتُرط في المضاربة أن الخسارة أو جزءا منها – ك 50% - يتحملها العامل، فالشرط باطل، والعقد مختلف فيه، هل يصح أو يفسد. ثانيا: وأما إن كنت مشاركا بمالك وعملك، فإن الربح يكون حسب الاتفاق، كما سبق. وأما الخسارة فتكون بنسبة رأس المال، فإذا كان لك عشر المال مثلا، فإنك تحمل عشر الخسارة، وإذا كان لك نصف المال، فإنك تتحمل نصف الخسارة وهكذا. ومن كلام أهل العلم في كون العامل في المضاربة لا يتحمل الخسارة في المال، وأن الشركاء في المال يخسرون على قدر أنصبتهم: قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (5/22) : " الخسران في الشركة على كل واحد منهما (يعني: الشريكين) بقدر ماله , فإن كان مالهما متساويا في القدر , فالخسران بينهما نصفين , وإن كان أثلاثا , فالوضيعة (الخسارة) أثلاثا. لا نعلم في هذا خلافا بين أهل العلم. وبه يقول أبو حنيفة , والشافعي وغيرهما ... والوضيعة في المضاربة على المال خاصة , ليس على العامل منها شيء ; لأن الوضيعة عبارة عن نقصان رأس المال , وهو مختص بملك ربه , لا شيء للعامل فيه , فيكون نقصه من ماله دون غيره ; وإنما يشتركان فيما يحصل من النماء " انتهى. وقال أيضا: " متى شرط على المضارب (العامل) ضمان المال , أو سهماً من الوضيعة (يعني: جزءً من الخسارة) , فالشرط باطل. لا نعلم فيه خلافا والعقد صحيح. نص عليه أحمد. وهو قول أبي حنيفة , ومالك. وروي عن أحمد أن العقد يفسد به. وحكي ذلك عن الشافعي ; لأنه شرط فاسد , فأفسد المضاربة , والمذهب الأول " انتهى من "المغني" (5/40) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 100103 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5537 حكم الاكتتاب في شركة كيان [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز الاكتتاب في أسهم شركة كيان؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله شركة كيان نشاطها في الصناعات البتروكيميائية وهو نشاط مباح، ويبلغ رأسمالها (15 مليار ريال) ، وليس عليها قروض في الوقت الراهن إلا أنها وقعت اتفاقية مع مجموعة من البنوك للحصول على تمويل بما يقارب (4.8 مليار دولار) لتغطية تكاليف بناء المشروع. ووفقاً لما جاء في نشرة الإصدار فإن بعض هذا التمويل سيكون بقروض بالفائدة من بنوك ربوية، والجزء الأكبر منه سيكون بمرابحات إسلامية. والموقع يتبنى القول بتحريم المساهمة في الشركات التي تتعامل بالحرام قرضا أو إقراضا، ولو كان نشاطها العام مباحا. وانظر جواب السؤال رقم (45929) وممن أفتى بتحريم الاكتتاب في هذه الشركة الدكتور محمد العصيمي حفظه الله حيث قال: " الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد: فإن نشاط هذه الشركة في الصناعات البتروكيميائية وهو نشاط مباح وحيوي بالنسبة للاقتصاد السعودي. وقد تصفحت نشرة الاكتتاب وتبين لي أن الشركة ليس لديها في الوقت الراهن قروض ولا استثمارات محرمة، بل نصت على أن النقدية في البنوك البالغة 15 مليار في مرابحات إسلامية تدر عائدا بنسبة 4.5%. ومع تحفظي المعروف على طريقة كثير من البنوك التجارية التي تقدم منتجات إسلامية عبر نوافذ إسلامية في مرابحاتها وعدم الضبط الشرعي لها، بل وصورية كثير من عملياتها، خاصة إذا كانت المبالغ ضخمة جدا لا تستوعبها السلع المتاحة للمرابحة، ومع ذلك فإني أحيي مثل هذه الخطوة المباركة وأعتقد أنها خطوة على الطريق الصحيح. إلا أن نشرة الاكتتاب أفصحت عن عزم الشركة على الاقتراض من البنوك التجارية قروضا ربوية وإسلامية بل ونصت على أن شركة سابك حصلت على خطابات تعهد والتزام بخصوص التسهيلات الائتمانية. ومع أن النشرة نصت مشكورة على أنه "من المتوقع أن تقوم مصارف إسلامية وبنوك محلية وإقليمية وعالمية بالإضافة إلى جهات حكومية وشبه حكومية بالمساهمة في تمويل المشروع، مع التركيز على زيادة حصة المصارف الإسلامية في التمويل". والأخبار المدرجة في موقع تداول تؤكد ذلك التوجه في الاقتراض، وأن التمويل لن يكون إسلاميا خالصا. وحيث إن نشرة الاكتتاب تمثل في وجهة نظري الإيجاب المقدم من الشركة نحو المشاركين لقبول الاكتتاب، وحيث احتوت على ما ذكر آنفا، فإني أرى أنه لا يصح لمسلم أن يدخل شريكا في مثل ذلك العقد، ولا أن يرضى به، ولا أن يوكل في مثل ذلك التصرف. وعليه؛ فالشركة لا يجوز الاكتتاب بها. وإني بهذه المناسبة أدعو القائمين على هذه الشركة وغيرها من الشركات إلى تجنب الاقتراض المحرم والاستثمار المحرم، فالبدائل الإسلامية – ولله الحمد- متاحة وكافية، وأذكرهم بتقوى الله عز وجل وبالأمانة التي تحملوها في أعناقهم وسيسألون عنها يوم القيامة. والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين " انتهى من موقع الشيخ: http://www.halal2.com/ftawaDetail.asp?id=13561 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 99545 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5538 تعجيل الزكاة وكيف يخرج زكاته إن كان ماله في بنك إسلامي؟ [السُّؤَالُ] ـ[لي مبلغ في بنك إسلامي، فهل يجوز إخراج الزكاة خلال العام مقدماً، كأن يكون كلما أتاني أرباح؛ لأني أخشي أنه عندما يأتي وقت الزكاة لا يكون معي مال الزكاة؟ وأيضاً هل الزكاة على رأس المال فقط أم على الأرباح أيضاً؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يجوز للمسلم أن يستثمر أمواله في البنوك الربوية، ولا التي تسمى إسلامية وليس حالها كذلك، بل يجب أن يكون واقعها يتطابق مع اسمها، فإذا كان البنك إسلاميّاً لا يتعامل بالربا أخذاً ولا إعطاءً، ويستثمر أمواله ويوزع الأرباح على المستثمرين وفق الأحكام الشرعية الإسلامية، فلا حرج من استثمار المال فيه. وانظر جواب السؤال رقم: (47651) . ثانياً: أما مسألة تعجيل الزكاة: فالصحيح جواز ذلك، وهو قول جمهور العلماء، والأفضل ألا يعجل زكاته، إلا إذا وجد سبب لذلك. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وأما تعجيل الزكاة قبل وجوبها بعد سبب الوجوب: فيجوز عند جمهور العلماء، كأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد، فيجوز تعجيل زكاة الماشية، والنقدين، وعروض التجارة، إذا ملك النصاب" انتهى. " مجموع الفتاوى " (25 / 85، 86) . وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: "لا بأس بإخراج الزكاة قبل حلول الحول بسنَة، أو سنتين، إذا اقتضت المصلحة ذلك، وإعطاؤها الفقراء المستحقين شهريّاً" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان. " فتاوى اللجنة الدائمة " (9 / 422) . وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: ما حكم تعجيل الزكاة لسنوات عديدة للمنكوبين، والذين تحل بهم مصائب؟ . فأجاب: "تعجيل الزكاة قبل حلولها لأكثر من سنة: الصحيح: أنه جائز لمدة سنتين فقط، ولا يجوز أكثر من ذلك، ومع هذا لا ينبغي أن يعجل الزكاة قبل حلول وقتها، اللهم إلا أن تطرأ حاجة كمسغبة شديدة (مجاعة) ، أو جهاد، أو ما أشبه ذلك، فحينئذ نقول: يُعجل؛ لأنه قد يعرض للمفضول ما يجعله أفضل، وإلا فالأفضل ألا يزكي إلا إذا حلت الزكاة؛ لأن الإنسان قد يعتري ماله ما يعتره من تلف، أو غيره، وعلى كل حال ينبغي التنبه إلى أنه لو زاد عما هو عليه حين التعجيل: فإن هذه الزيادة يجب دفع زكاتها. " فتاوى الشيخ العثيمين " (18/328) . ثالثاً: تجب الزكاة على المال كله – رأس المال وأرباحه - إذا حال الحول على رأس المال، وكان قد بلغ النصاب، والحول هو: مرور سنة هجرية. سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: لدي مال قدره خمسة عشر ألف ريال (15000 ريال) سلمته لرجل يتاجر فيه، على أن له نصف الربح، فهل على هذا المال زكاة؟ وأيهما يزكى رأس المال أم الربح أم كلاهما؟ وإذا كان على رأس المال زكاة ورأس المال قد اشترينا به بضائع عينية كسجاد وأثاث وأشباههما، فما الحكم والحالة هذه؟ . فأجابوا: "تجب الزكاة في المال المذكور المعد للتجارة إذا حال عليه الحول، ويزكَّى رأس المال مع الربح عند تمام الحول، وإن كان المال اشتري به عروض للتجارة: فيقدر ثمنها عند تمام الحول بما تساوي حينئذ، وتخرج الزكاة بواقع اثنين ونصف في المائة 2.5 % من مجموع المال مع الأرباح" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان. " فتاوى اللجنة الدائمة " (9 / 356، 357) . وقالوا – أيضاً -: "تجب الزكاة على رأس المال والأرباح إذا حال الحول على الأصل، وحول الأرباح: حول أصلها" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان. " فتاوى اللجنة الدائمة " (9 / 356، 357) . وننبه الأخ السائل أنه إن كان البنك الإسلامي يخرج زكاة مال عملائه: فهذا يجزئه عن إخراجها إن كان البنك موثوقاً في تصريفها في وجهتها الشرعية، وعليه أن يزكي ما في يده وما يملكه مما ليس في البنك. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98528 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5539 التورق المصرفي واختلاف الفتوى فيه بين المجامع الفقهية وعلماء البنوك [السُّؤَالُ] ـ[القرض بالتورق وجدت أنه مجاز من كبار العلماء في البنوك، ولكن قرأت في موقعكم أن شروط التورق التي يطرحها البنك من البداية جعلته حراماً، وأنا في حيرة، ما فهمته من إجابات بعض الأسئلة على موقعكم أنه لا يجوز أن أوكِّل البنك في بيع السلعة التي قمت بشرائها، أو أنه لا يجوز أن أبيع السلعة للبنك نفسه، وهذا النظام هو المتبع لدى البنوك، والمجاز من كبار العلماء، فكيف أفهم الصحيح؟ لأنني قرأت الإجازة في البنك، وبناء عليه أخذت قرضاً، مضطراً لسداد ديون عليَّ، ولظروف قاسية اضطررت للاستدانة، وأنا راتبي لا يكفيني وأولادي، ومساعدة أبي وإخوتي، وكنت لا أملك شقة في مصر، اضطررت للاستدانة لسداد الدين والتوسيع على أولادي، حاولت ألا أقع في الشبهات؛ لأني سمعت أكثر من رأي في هذا الموضوع، ولما وجدته مجازاً من كبار العلماء هنا أقدمت عليه، إذا كان ما فعلتُه حراماً: كيف السبيل؟ وقد سددت الديون وعليَّ الآن أقساط القرض بالفائدة، جزاكم الله خيراً، وادعوا لي بالخلاص من هذا الهم الذي يؤرقني ليل نهار، إنني أشعر بالذنب، مع العلم أنني استخرت الله قبل الإقدام على هذا، وعرض عليَّ البنك بعد فترة منحي بطاقة ائتمان دون مصاريف سنوية، وعلمت أنني لو سددت المبلغ المستحق قبل الموعد لا يأخذ مني فائدة، بصِّروني، جزاكم الله خيراً، وكيف أكفِّر عما فعلت، وكيف التوبة، وأنا لا أستطيع سداد كل القرض مرة واحدة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: التورق منه ما هو جائز، ومنه ما هو محرَّم، أما الجائز فهو شراء السلعة من تاجر بالأقساط وبيعها نقداً لغيره، وقد بيَّنا جواز هذا النوع من التورق بشروطه في جوابي السؤالين: (45042) و (36410) . وأما المحرَّم فله صورتان: الأولى: أن تشتري سلعة بأقساط، وتبيعها على من اشتريتها منه نفسه، وهو ما يسمَّى " بيع العِينة " وسميت بالعينة لأن عين السلعة التي باعها رجعت إليه بعينها، وهو محرم، لأنه حيلة اتخذت للتوصل بها إلى القرض بزيادة ربوية، فصارت بذلك محرمة عند جماهير العلماء. والثانية: " تورق البنوك " أو " التورق المنظم "، وصورته: أن تشتري من البنك بضاعة بالأقساط - وفي الغالب تكون مرابحة، ثم توكِّل البنك في بيعها نقداً، وهذه المعاملة – أيضاً - محرمة. وقد صدر قرارٌ من " المجمعِ الفقهي الإسلامي " المنعقد في المدة من 19 - 23 / 10 / 1424 هـ الذي يوافقه 13 - 17 / 12 / 2003 م فيه تحريم هذه المعاملة، وفيه تحذيرٌ وتنبيهٌ للمصارفِ من استغلالِ هذه المعاملةِ على غيرِ وجهها الشرعي، وفيه: " بعد الاستماع إلى الأبحاث المقدمة حول الموضوع، والمناقشات التي دارت حوله، تبيَّن للمجلس أن التورق الذي تجريه بعض المصارف في الوقت الحاضر هو: قيام المصرف بعمل نمطي يتم فيه ترتيب بيع سلعة (ليست من الذهب أو الفضة) من أسواق السلع العالمية أو غيرها، على المستورق بثمن آجل، على أن يلتزم المصرف - إما بشرط في العقد أو بحكم العرف والعادة - بأن ينوب عنه في بيعها على مشتر آخر بثمن حاضر، وتسليم ثمنها للمستورق. وبعد النظر والدراسة، قرر مجلس المجمع ما يلي: أولاً: عدم جواز التورق الذي سبق توصيفه في التمهيد للأمور الآتية: 1. أن التزام البائع في عقد التورق بالوكالة في بيع السلعة لمشتر آخر أو ترتيب من يشتريها يجعلها شبيهة بالعينة الممنوعة شرعاً، سواء أكان الالتزام مشروطاً صراحة، أم بحكم العرف والعادة المتبعة. 2. أن هذه المعاملة تؤدي في كثير من الحالات إلى الإخلال بشروط القبض الشرعي اللازم لصحة المعاملة. 3. أن واقع هذه المعاملة يقوم على منح تمويل نقدي بزيادة من البنك للمستورق، وعملية البيع والشراء تكون صورية في معظم أحوالها. وهذه المعاملة غير التورق الحقيقي المعروف عند الفقهاء، وقد سبق لـ " المجمع " في دورته الخامسة عشرة أن قال بجوازه بمعاملات حقيقية وشروط محددة بينها قراره؛ وذلك لما بينهما من فروق عديدة فصلت القول فيها البحوث المقدمة. التورق الحقيقي يقوم على شراء حقيقي لسلعة بثمن آجل، تدخل في ملك المشتري، ويقبضها قبضاً حقيقيّاً، وتقع في ضمانه، ثم يقوم ببيعها هو بثمن حالٍّ لحاجته إليه، قد يتمكن من الحصول عليه، وقد لا يتمكن، والفرق بين الثمنين الآجل والحال لا يدخل في ملك المصرف الذي طرأ على المعاملة لغرض تبرير الحصول على زيادة لما قدم من تمويل لهذا الشخص بمعاملات صورية في معظم أحوالها، وهذا لا يتوافر في المعاملة المبينة التي تجريها بعض المصارف. ثانياً: يوصي " مجلس المجمع " جميع المصارف بتجنب المعاملات المحرمة، امتثالاً لأمر الله تعالى. كما أن المجلس إذ يقدر جهود المصارف الإسلامية في إنقاذ الأمة الإسلامية من بلوى الربا: فإنه يوصي بأن تستخدم لذلك المعاملات الحقيقية المشروعة دون اللجوء إلى معاملات صورية تؤول إلى كونها تمويلاً محضاً بزيادة ترجع إلى الممول " انتهى بتصرف يسير. وقال الشيخ عبد الرحمن بن إبراهيم العثمان – وفقه الله -: مسببات القول بعدم جواز التورق المصرفي المنظم: 1. الربا. 2. (وهو في معنى ما قبله) أن المستورق لا يقصد السلعة، وإنما يقصد النقد، والبيع الحاصل بيع صوري، فتؤول المسألة إلى نقود حالَّة بنقود مؤجلة أكثر منها. ومما يدل على صورية البيع: أن البنك لا يقبض السلع الدولية قبضاً حقيقيّاً، ولا يقبض الإيصالات الأصلية للمخازن التي تودع فيها هذه السلع، وهي التي تتداول في البورصة، وتنتقل من يد إلى يد تنتهي إلى مستهلك يستطيع أن يتسلم بها ما اشتراه. والشأن في المستورق أشد؛ فهو لا يقبض السلعة قبضاً حقيقيّاً ولا حكميّاً، ومن ثم فهو يبيع ما لم يقبض، بل ما لم يُعيَّن؛ لأن ما يبيعه البنك على العميل جزء مما تملكه البنك مما هو محدد برقم الصنف، وهذا الرقم لا يكون للأجزاء الصغيرة، ولكنه رقم للوحدة الكبيرة التي يجزؤها البنك على المتورقين. 3. أن التوكيل للبنك في التورق المنظم ينافي مقتضى عقد الوكالة؛ لأن ما يعمله البنك باعتباره وكيلاً ينافي مصلحة المستورق، فهو يبيع السلعة بثمن أقل من الثمن الذي اشترى به المستورق (والعقد إذا كان له مقصود يراد في جميع صوره، وشُرط فيه ما ينافي ذلك المقصود: فقد جمع بين المتناقضين؛ بين إثبات المقصود ونفيه، فلا يحصل شيء، ومثل هذا الشرط باطل بالاتفاق) ، وانضمام الوكالة إلى التورق شرط وإن لم يصرح به؛ فإنه لولا هذه الوكالة لما قبل المستورق بالشراء من البنك ابتداء. 4. ضمان المشتري النهائي: فيتفق البنك مع طرف مستقل يلتزم بشراء السلع التي يتوسط فيها، وهذا الالتزام ضمان للسعر المباع ألا يتجاوز حدوداً معينة؛ حماية من تقلب الأسعار، ويقابل هذا الضمان التزام البنك بالبيع عليه، بمعنى أنه لا يحق للبنك أن يبيع السلع في السوق حتى ولو ارتفع سعرها المتفق عليه مع المشتري الثاني، وبذلك يكون هذا الضمان من الطرفين: من البنك بالبيع على المشتري الثاني، ومن المشتري بالشراء بالثمن المحدد. 5. مخالفة التورق المنظم للتورق الذي أجازه جمهور الفقهاء، وهذه المخالفة من وجوه منها: أ. أن البنك يتولى بيع السلعة التي اشتريت منه لمن يشاء، في حين أن المستورق هو الذي يتولى البيع في التورق الفردي، وليس للبائع الأول علاقة ببيع السلعة ولا بالمشتري النهائي. ب. وجود اتفاق سابق بين البنك والمشتري النهائي يتضمن شراء ما يعرضه البنك من سلع بالثمن الذي اشتراها به المصرف كما تقدم، أما في التورق الفردي فالمستورق هو الذي يبيع سلعته بمثل الثمن الذي اشتراها به أو أقل أو أكثر. 6. أن التورق المنظم يدخل في بيع العينة المحرم؛ لأن البنك هو مصدر السيولة للمستورق في الحالتين، فالنقد يحصل عن طريقه وبواسطته، ولولا علم المشتري بأن البنك سيوفر له النقد الحاضر لاحقاً لما أقبل على هذا العمل ابتداء. 7. أن التورق المصرفي المنظم لا يدخل في بيع العينة الذي أجازه الشافعي؛ لأنه يشترط ألا يكون هناك ارتباط بين البيعتين، وألا تظهر نية الحصول على النقد، وكلا الشرطين غير متحقق هنا. 8. قضاؤه على أهداف البنوك الإسلامية من وجوه: أ. محاكاتها للبنوك الربوية في تقديم التمويل، ومنح الائتمان. ب. الاكتفاء به عن صيغ الاستثمار الأخرى، وقد تجاوزت نسبة التورق 60% من أعمال التمويل في البنك. ج. الالتباس بين البنك الإسلامي والربوي. د. إهدار الجهود المبذولة لتوجيه البنوك الإسلامية إلى تمويل في صورة استثمار عن طريق المشاركة والمضاربة والسَّلَم ونحوها. 9. تهجير أموال المسلمين؛ لأن تجارة التورق المنظم تكون في السوق الدولية، فتُهجر بها أموال المسلمين ليستفيد منها غيرهم. " موقع المسلم " باختصار. ثانياً: وأما قول السائل بأنه قد أباح هذا البيع كبار العلماء: فليس صحيحاً، فالذين أباحوه هم اللجان الشرعية في البنوك الإسلامية، أو الفروع الإسلامية في البنوك الربوية! مع التنبيه أنه ليس كلهم أجاز هذه المعاملة. وقد ردَّ كثيرون على القول بالإباحة من تلك اللجان الشرعية، وفي قرار " مجلس المجمع الفقهي " التنصيص على هذه المصارف بعنوان القرار ونصه وخاتمته، وللشيخ خالد المشيقح بحث موسع في تحريم هذه المعاملة، فلينظر في " مجلة البحوث الإسلامية " (73 / 234 - 237) ، ويوجد ردود من الدكتور على السالوس، والدكتور سامي سويلم، والدكتور عبد الله بن حسن السعيدي – وكلاهما قدَّم بحثاً في المسألة لمجلس المجمع الفقهي -، والشيخ عبد الرحمن العثمان، والدكتور محمد بن عبد الله الشباني، انظرها في موقع " المسلم ". وانظر جواب السؤال رقم: (60185) . وأما ما يتعلق بك أنت أخي السائل، فما دمت قد وثقت في تلك اللجان، وأخذت برأيهم، وأنت لا تدري أن قولهم ضعيف، فنرجو أن لا يكون عليك حرج، مع العزم على عدم العود إلى ذلك مستقبلاً. ونسأل الله تعالى أن يوفقك إلى كل خير ويعينك على سداد ما عليك من ديون. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98124 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5540 إذا علم أن الشركة ستقترض بالربا فمتى يلزمه بيع الأسهم؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا علم أن الشركة ستقترض بالربا فمتى يلزمه بيع الأسهم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب على من يريد المشاركة والاكتتاب في أي شركة أن يتأكد من حل نشاطها، ومصادرها ومواردها، إذ لا يجوز الاكتتاب في شركة ذات نشاط محرم، كالربا والقمار والدعارة ونحوها، ولا يجوز أيضا الاكتتاب في شركة ذات نشاط مباح، لكنها تقترض أو تقرض بالربا، لأن السهم حصة شائعة في مال الشركة، والمساهم شريك في كل معاملة تجري فيها، والإدارة تتصرف بمقتضى كونها شريكا، ووكيلا عن بقية المساهمين. والمقصود أن أي عمل محرم كالاقتراض بالربا، يلحق المساهمَ إثمه بمقتضى كونه أحد الشركاء، ولهذا وجب عليه إنكار ذلك، والخروج من الشركة في حال إصرارها على التعامل المحرم. وفي الحالة المسئول عنها، يجوز للمساهم أن يبقى في الشركة، إلى أن يتحقق من أن الشركة ستقترض بالربا، فيبيع أسهمه حينئذ، سواء كان ذلك قبل الاكتتاب الرسمي أو بعده. وينبغي أن يعلن كل مسلمٍ يخاف من الربا ومن شؤم عاقبته، موقفَه من الشركة، وعزمَه على تركها في حال اقتراضها بالربا، وأن يشاع ذلك وينشر إبراءً للذمة، ونصحاً للقائمين على الشركة، وأملا في عدولهم عن قرار الاقتراض المحرم، ومعلوم أن بعض المصارف الإسلامية يمكنها توفير سيولة مناسبة لهذه الشركات، عن طريق عقود شرعية مباحة، فتستغني بذلك عن الحرام. وإنما قلنا إنه يبيع حال تحققه من أن الشركة ستقترض بالربا، لأن بقاءه بعد ذلك فيه نوع إعانة وتقوية لهم على ما يريدون، وخروجه وخروج غيره من أهل الخير، فيه تذكير ونصح للشركة كما سبق. وأما بقاؤه حتى يقع الاقتراض بالفعل، فهذا مشاركة في العقد الربوي المحرم، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: (هم سواء) رواه مسلم (1598) من حديث جابر رضي الله عنه. وقد وجهنا هذا السؤال للدكتور محمد العصيمي حفظه الله، ونصه: " اشترى أسهما قبل الاكتتاب، ثم علم أن الشركة ستقترض بالربا، هل يلزمه البيع الآن، أم عند اقتراض الشركة بالفعل، أم قبيل ذلك إذا عرف الموعد؟ فأجاب: " الأورع قبل القرض، والواجب عند القرض الفعلي إلا أن يكون خسران، فينتظر رأسماله، والله أعلم " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98064 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5541 تحريم الاكتتاب في شركة المملكة القابضة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الاكتتاب في شركة المملكة القابضة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله شركة المملكة القابضة تقوم بالاستثمار في الأسهم، وليس لها أنشطة أخرى تذكر، ولها استثمارات في بنوك ربوية، وشركات إعلامية، واستثمارات فندقية، ولا شك في تحريم الاستثمار في البنوك الربوية، وأما الاستثمارات الإعلامية والفندقية، فكثير منها محرم لا ينضبط بالضوابط الشرعية، وبناء على هذا؛ فنشاط هذه الشركة محرم فتحرم المساهمة فيها. وقد سئل عنها الشيخ الدكتور محمد بن سعود العصيمي، فأجاب: "قد اطلعت على ملف في موقع الشركة في الشبكة يلخص الاستثمارات التي قامت بها الشركة منذ إنشائها، ثم اطلعت على نشرة الإصدار المفصلة، ووجدت فروقا ليست جوهرية في مجمل النشاط. وشركة المملكة القابضة هي عبارة عن محفظة استثمارية لأسهم شركات مدرجة في السوق المحلية وبعض الأسواق العالمية، وقد نصت نشرة الإصدار على أن الشركة "لا تزاول أية عمليات أو أنشطة تذكر، وتتألف محفظة الشركة بشكل أساسي من استثمارات ضئيلة ضمن أسهم في شركات عامة مدرجة". واستثمارات الشركة من الناحية الإجمالية ثلاثة أنواع، وهي: استثمارات مالية في بنوك ربوية محلية وعالمية مثل مجموعة سامبا، وسيتي كورب المالكة لمصرف سيتي بانك، واستثمارات إعلامية، في نيوز كوربوريشن وشركة تايم ورنر والشركة السعودية للأبحاث والتسويق، ومجموعة استثمارات فندقية وعقارية، مثل فنادق فيرمونت وفنادق فورسيزن، وفندق جورج الخامس ومنتجعات موفنبيك ومنتجع ديزني لاند في باريس. وحيث إن المجموعة الأولى عبارة عن بنوك ربوية، وحيث إن المجموعة الثانية أنشطة إعلامية تحتوي على جميع أنواع المحرمات الإعلامية من كتابات وأفلام وحلقات نقاش ومسلسلات مخالفة لأصول الشرع ومسلماته، ثم أفلام هابطة تنشر العري والمجون وأغان خالعة وموسيقى محرمة، وحيث إن المجموعة الثالثة تحتوي على أنشطة فندقية لا يراعى فيها شيء من الضوابط الشرعية سواء في الأكل المقدم أم في الترفيه الموجود فيها، وكل تلك معلوم من الدين بالضرورة تحريمها، وتحريم الاشتراك بها، وعليه، فلا أرى جواز الاكتتاب بها، بل إن معرفة أنشطة الشركة كافٍ لأي مسلم للحكم على تلك الشركة بالتحريم. وفي الختام أسأل الله جل وعلا أن يهدي القائمين على هيئة السوق المالية وعلى هذه الشركة وعلى كل الشركات السعودية لما يحبه ويرضاه، وأن يعصمنا وإياهم من غضب الله سبحانه وتعالى وشديد انتقامه، فإن الله سبحانه يمهل ولا يهمل، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه) . ويوشك الرب جل وعلا أن ينتقم ممن ينتهك محارمه. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين" انتهى. [الْمَصْدَرُ] الحديث: 97977 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5542 ترغب في عمل مشروع خاص لتشجيع النساء على العمل [السُّؤَالُ] ـ[أنا مسلمة أوروبية وتجبر الحكومة النساء هذه الأيام أن يعملن خارج بيوتهن إذا كن يحصلن على أموال من الحكومة وأرغب فى أن أفتتح مشروعا خاصا بي لكي أحفز النساء المسلمات وأساعدهن على أن يفتتحن مشاريع خاصة بهن بدلا من العمل بالشركات الاعتيادية فبعد ذلك على الأقل سيكون بوسعهن أن يباشرن أعمالهن من منازلهن وأن يعتنين بالأطفال بدلا من الخروج والاختلاط وما إلى ذلك حتى إنهن يمكنهن أن يقمن بتوظيف مسلمات أخريات مع الوقت. فهل هناك ما يحرم في ذلك؟ أريد مساعدتهن بإعطائهن البديل كما أننى أنوى الخير كل الخير للأمة..]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان المشروع يقوم على عمل مباح، ولم يصحبه شيء من المحاذير كالاقتراض بالربا، أو الاختلاط، فلا حرج في ذلك، وإذا كان يرجى منه تحفيز المسلمات على إنشاء مشاريع خاصة بهن، بحيث لا يحتجن إلى الخروج والاختلاط، فهذا عمل نافع، يرجى لك ثوابه وأجره عند الله تعالى. وراجعي السؤال رقم (22397) ففيه ذكر ضوابط عمل المرأة. وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء (13/16) : ما حكم المرأة أن تكون تاجرة سواء كانت مسافرة أو مقيمة؟ الجواب: الأصل إباحة الاكتساب والاتجار للرجال والنساء معا في السفر والحضر؛ لعموم قوله سبحانه: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) وقوله صلى الله عليه وسلم لما سئل أي الكسب أطيب؟ قال: (عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور) ولما هو ثابت أن النساء في صدر الإسلام كن يبعن ويشترين باحتشام وتحفظ من إبداء زينتهن، لكن إذا كان اتجار المرأة يعرضها لكشف زينتها التي نهاها الله عن كشفها، كالوجه، أو لسفرها بدون محرم، أو لاختلاطها بالرجال الأجانب منها على وجه تخشى فيه فتنة، فلا يجوز لها تعاطي ذلك، بل الواجب منعها؛ لتعاطيها محرما في سبيل تحصيل مباح " انتهى. نسأل الله لك التوفيق والتسديد وأن يأجرك على نيتك وعملك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97751 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5543 بعد هبوط الأسهم هل يبقى في السوق ليسترد ماله؟ [السُّؤَالُ] ـ[اشتريت أسهم شركة مكة في وقت ارتفاع الأسهم ثم نزل السوق وخسرت ما يقارب الثمانمائة ألف ريال بسبب هذا الانخفاض في قيمه السهم ثم قررت أن أبيع أسهم شركة مكة وأدخل مضاربا في السوق حيث أبيع وأشتري في أسهم شركة مكة لأستفيد من ارتفاعات السوق وانخفاضاته وللأسف ازددت خسارة فقررت أن أبقى في السوق لحين ارتفاع سهم شركة مكة إن شاء الله ثم أبيع وآخذ رأس مالي فقط وأخرج من السوق والسوق تمارس فيه مخالفات شرعية فهل بقائي في السوق يلحقني فيه إثم رغم أن الهيئة تحاول جاهدة لضبط السوق.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج عليك في البقاء في السوق حتى ترتفع الأسهم، وتحصل على مالك، مع عدم الدخول في أي مخالفة شرعية تعلمها. هذا من حيث الحكم الشرعي. ولكن.. لا بد لك من استشارة أهل العلم والخبرة بسوق الأسهم هل يتوقعون ارتفاعه أم استمرار هبوطه. ونسأل الله تعالى أن يخلف عليك خيرا، وأن يجعل في هذا المصاب تكفيرا لسيئاتك ورفعا لدرجاتك، وأن يبارك في مالك، ويجعله عونا لك على طاعته ومرضاته. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97151 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5544 هل للمكتب الدعوي أن يأخذ الفائض من عملية الشراء والتوزيع على الفقراء؟ [السُّؤَالُ] ـ[نحن عاملون في مكتب دعوة جاليات بدا لنا إقامة مشروع دعوي استثماري أحببنا أن نرفع لكم صورة المشروع لأخذ توجيهاتكم والحكم الشرعي فيه سائلين الله أن يعظم لكم المثوبة والأجر. وصورة المشروع كالتالي: أن يقوم المكتب بالتعاقد مع إحدى المؤسسات أو المصانع الوطنية لتوفير عصيرات مبردة لتوزيعها مجانا سقيا للحجاج وتكون تكلفة عبوة العصير الواحدة على المكتب مثلاً 70 هللة بينما يتم طرحها للراغبين في المساهمة بريال واحد ويصبح فائض المبلغ لدعم أعمال المكتب، ويكتب في الإعلان ريع المشروع لدعم أعمال المكتب الدعوية. ما هو الحكم الشرعي في هذه المسألة؟ وتوجيهاتكم لطرح المشروع بطريقة سليمة دون وجود محاذير شرعية.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج عليكم في المعاملة الواردة في السؤال، وما دمتم تكتبون في الإعلان: " ريع المشروع لدعم أعمال المكتب الدعوية، وذلك لأن المتبرع قد دخل على بصيرة، ويعلم أنكم تربحون من هذه المعاملة، وأن هذه الربح سيدعم الأعمال الدعوية للمكتب. ولا يلزمكم أن تبينوا للمتبرع كم قدر الربح الذي ستربحونه تحديداً، لأن المساهم قد دخل في المعاملة بنيّة التبرع، وليس بنية المعاوضة، ومعلوم أن التبرعات يتسامح فيها في العادة، لأنها ليست مبنية على المنازعة والخصومة. ونسأل الله تعالى أن يبارك في جهودكم وان ينفع بكم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96641 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5545 يستدين من صديقه ويرد إليه المال مع نسبة من الربح [السُّؤَالُ] ـ[أعمل بالتجارة، هل يجوز لي الاستدانة من صديق نصراني لي مبلغاً من المال على أن أرجعه له بعد فترة مع ربح وبالاتفاق معه، أحدد أنا الفترة وأحدد ربحه حسب ما أراه.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا يجوز للمسلم أن يتخذ النصراني صديقا وخليلا، لأن الله عز وجل قطع المودة بينهما، فقال: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) المجادلة/22 وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُبِيناً) النساء/144 وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) المائدة/51. وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون) التوبة/23. وقال عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) آل عمران/118. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا) رواه أبو داود (4832) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود. إلى غير ذلك من النصوص الدالة على تحريم موالاة الكفار ومودتهم واتخاذهم بطانة وأصدقاء، وانظر جواب السؤال رقم (2179) . ثانيا: يجوز التعامل مع الكفار بالبيع والشراء والقرض والرهن ونحو ذلك، ولا حرج عليك في أن تستدين منه مالا، لكن لا يجوز أن يكون ذلك بفائدة، لأن هذا من الربا المحرم، فمن استدان من غيره مائة على أن يردها مائة وعشرة مثلا، فقد وقع في الربا الذي هو من أعظم الكبائر، لأن كل قرض جرّ نفعا فهو ربا. والصورة الجائزة هنا: أن تأخذ منه المال، وترده إليه دون زيادة، وهذا هو القرض الحسن المشروع. ويجوز أن يدخل معك شريكا، فيعطيك المال لتدخله في تجارتك، على أن يكون له نسبة معلومة من الربح الذي يقدره الله لك – وليس من رأس ماله – كخمسة أو عشرة في المائة من أرباحك، ويجب الاتفاق على هذه النسبة قبل بدء الشركة، ولا يجوز أن تكون مجهولة. ولكما أن تتفقا على أي نسبة كانت، قليلة أو كثيرة. فتتفقان على أنك ستستثمر له ماله لمدة سنة مثلا، ويكون له ربع الربح أو 10% من الربح، فما حصلت عليه من الربح، قليلا كان أو كثيرا، أعطيته منه نسبته. وإذا لم تربح شيئا، فلا يستحق شيئا. وهذا ما يسمى في الشريعة الإسلامية بالمضاربة. وفي حال الخسارة فإن الخسارة توزع على الشركاء بحسب نسبة رأس مال كل شريك، ولا يجوز الاتفاق على توزيع الخسائر بغير ذلك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96508 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5546 حكم الاكتتاب بالشركة السعودية للطباعة والتغليف [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الاكتتاب في الشركة السعودية للطباعة والتغليف؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه الشركة نشاطها: طباعة الصحف والمجلات والطباعة التجارية والتغليف، وهي مملوكة لـ "المجوعة السعودية للأبحاث والتسويق" وقد نصت نشرة الاكتتاب على أن الشركة ستقوم بجميع أعمال الطباعة لمطبوعات المجموعة، ومن هذه المطبوعات مجلات معروفة بالخلاعة والمنكرات. وأيضاً: قامت الشركة باقتراض ربوي من أحد البنوك، ولكنه في صورة إجارة منتهية بالتمليك. وعلى هذا؛ فلا يجوز الاكتتاب في هذه الشركة، لأن لها أنشطة محرمة، ولتعاملها بالربا. وقد سئل عن الاكتتاب فيها الشيخ الدكتور محمد بن سعود العصيمي، فأجاب: " الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد: فقد اطلعت على نشرة اكتتاب الشركة السعودية للطباعة والتغليف (المعروفة سابقا بشركة المدينة المنورة للطباعة والنشر) . وهي مملوكة من عدة شركات هي: المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق بنسبة 60% والشركة الفكرية للدعاية والإعلان القابضة بنسبة 15%، والشركة السعودية للأبحاث والنشر بنسبة 10%، وشركة المصنفات العلمية القابضة المحدودة بنسبة 10%، والشركة السعودية للنشر المتخصص بنسبة 5%، وبذلك فإن المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق تمتلك نسبة 100% من أسهم الشركة، وتعد تابعة لها. ونشاط الشركة طباعة الصحف والمجلات والكتب والطباعة التجارية وطباعة أوراق الكرتون والتغليف. وقد نصت النشرة على أن الشركة "تقوم بجميع أعمال الطباعة لمطبوعات المجموعة التي تزيد على أربع عشرة مطبوعة رائدة وذلك حسب الاتفاقية طويلة المدى التي تربط بين الطرفين والتي تخول الشركة أن تكون المطابع الحصرية للمجموعة بناء على اتفاقيات خدمات طباعة موقعة بين المجموعة والشركة مدتها خمس سنوات قابلة للتجديد". كذلك تمتلك الشركة 40% من "الشركة المتحدة للطباعة والنشر" الإماراتية. وحيث إن من ضمن هذه المجلات التي تطبعها الشركة في السعودية وفي الإمارات جرائد ومجلات مليئة بالمحاذير الشرعية وأخص منها مجلة "سيدتي" و"أزياء سيدتي" و"الجميلة" و"زهرة الخليج" وغيرها، وحيث إن العلماء مجمعون على أن الشرط الأول في جواز الاكتتاب والمضاربة والاستثمار في شركة مساهمة أن يكون نشاطها حلالا، فعليه؛ لا أرى جواز الاكتتاب في هذه الشركة. والجدير بالذكر أن الشركة قد قامت بعملية تمويل مع أحد البنوك المحلية بحيث باعت أرضا تملكها على البنك، ثم استأجرتها منها تأجيرا رأسماليا مع وعد بالتمليك. وحيث ذكر في النشرة أن ذلك مقرٌ من الهيئة الشرعية للبنك، فأود الإيضاح أن هذه الصورة لا يمكن أن يقال بجوازها، حيث إن التمويل التأجيري لمدة سنتين ونصف، يجعل العملية تأجيرا صوريا لتمويل ربوي. فقد اشترى البنك الأرض وما عليها من مبنى من الشركة بمبلغ 130 مليون ريال سعودي ثم استأجرتها الشركة منه إيجارا رأسماليا مع وعد بالتمليك لمدة 30 شهرا بمبلغ 137.320.242 ريال سعودي. وواضح أنه تمويل ربوي في صورة عقد إجارة، فلا يعقل أن يستأجر أصل ب40% من قيمته سنويا!! كذلك ينص نظام الشركة على أنه يجوز لها إصدار أسهم ممتازة وسندات بالقروض التي تعقدها، من دون إشارة إلى ضبط ذلك بالضوابط الشرعية، وتقوم الشركة بعقود تأمين تجاري على العاملين وأصول الشركة، وعلى النقل البحري. وإني أوصي القائمين على هذه الشركة بتقوى الله عز وجل، والنصح لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، والكف عن نشر وطباعة المجلات والجرائد المحرمة، والاكتفاء بالعمليات الطباعية المباحة، وفي الحلال المباح غنية عن الحرام. وأذكرهم بقول الله تبارك وتعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) وبحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا) رواه مسلم. وفق الله الجميع لكل خير، وعصمنا وإياهم من الزلل، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين" انتهى. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96069 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5547 حكم التورق في الأسهم عن طريق الراجحي [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم التورق بالأسهم المعمول به في مصرف الراجحي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله التورق المعمول به في المصارف الآن على نوعين: الأول: تورق حقيقي، هو أن يشتري الإنسان السلعة بثمن مؤجل، ثم يبيعها - لغير من اشترى منه - نقدا بثمن أقل، وسميت المعاملة بذلك نسبة إلى الوَرِق وهي الفضة، لأن المشتري لا غرض له في السلعة، وإنما يريد النقود. وهذه المعاملة جائزة عند جمهور العلماء. والثاني: وهو ما يسمى بالتورق المصرفي المنظم: وصورته أن يشتري البنك السلعة، ثم يبيعها على العميل بالأقساط، دون أن يقبض البنك السلعة قبل بيعها، ويقوم العميل بتوكيل البنك في بيعها بثمن أقل، والعميل لم يقبض السلعة أيضا، ولم يرها، وهو غير مهتم بها غالبا، وإنما غرضه النقود، وهذه الصورة محرمة، وقد شاع وجودها في هذه الأيام، وتعاملت بها بعض البنوك على أنها صورة مشروعة من التورق، وقد أفتى عدد من أهل العلم بتحريمها، كما صدر عن مجمع الفقه الإسلامي قرار بتحريمها. وانظر نص القرار في جواب السؤال (82612) . ثانيا: أفاد الدكتور يوسف الشبيلي حفظه الله أن برنامج وطني للتورق في الأسهم لدى الراجحي، يدخل في نوع التورق الحقيقي الجائز. ينظر: http://69.20.50.243/shubily/qa/ans.php?qno=46#_ftn2 لكن سبق أن بينا أن الاشتراك في برنامج وطني يُشترط فيه الاقتصار على شراء الأسهم النقية. وانظر جواب السؤال رقم (73296) . وبناء على ذلك، فإذا أردت التورق عن طريق هذا البرنامج، فاقتصر على شراء الأسهم النقية، عن طريق الراجحي، بالأقساط، ثم تتولى بيعها بعد ذلك، لتحصل على النقود. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 95138 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5548 حكم إنشاء صحيفة إعلانات [السُّؤَالُ] ـ[ما هو حكم صنع جريدة خاصة بالإعلانات التجارية، مثل: طلب عمل، بيع شقق، بيع سيارات، التعريف ببعض المؤسسات ... إلخ، وإعلانات تجارية لبعض المؤسسات؟ وإذا كان الأمر جائزاً فما هي الضوابط الشرعية التي يجب الالتزام بها مثلا في اختيار المؤسسات والإعلانات ونوعها؟ والضوابط في أخذ مال من الشركات، أو من الراغبين في وضع إعلان في الجريدة؟ مع العلم أني سأكون أنا المشرف عليها مع بعض أصحابي، بحيث يمكننا اختيار الإعلانات التي توضع في الجريدة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تنتشر المخالفات الشرعية في كثير من الصحف والمجلات اليومية والأسبوعية، وقد بينَّا بعض هذه المخالفات، وحكم العمل في تلك الصحف، وحكم بيعها في جوابي السؤالين (89737) و (82704) ، فلينظرا. وأما بخصوص الصحف الخاصة بنشر الإعلانات: فإن الأصل في إنشائها وتوزيعها الحل والإباحة، لكنَّ هذه الإباحة لها ضوابط وشروط، ويجمعها: تجنب الإعلانات المخالفة للشرع، ومن ذلك: 1. تجنب إعلانات السياحة والفساد. والإعلان عن أماكن السياحة التي يوجد فيها محرمات مثل الخمور والاختلاط وكشف العورات على الشواطئ والملاعب: كل ذلك يدخل في التعاون على الإثم والعدوان، ويدخل في حب إشاعة الفاحشة. قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2. وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) النور/19. 2. تجنب إعلانات مؤسسات الربا والميسر والكسب المحرَّم، مثل الدعاية والإعلان للبنوك الربوية، وشركات التأمين، ومصانع ومحلات تبيع المنكرات. 3. تحنب إعلانات الأعياد البدعية والمشابهة للكفار، كالإعلان عن الاحتفال بالمولد النبوي، أو ليلة النصف من شعبان، أو الإعلان عن أعياد ميلاد الأشخاص. 4. تجنب وضع صور النساء، وصور ذوات الأرواح المرسومة باليد. 5. تجنب الإعلانات عن مؤتمرات تعقد فيها ندوات تخالف الشرع أو تحاربه. 6. تجنب إعلانات المدح والثناء للميت، وخاصة إن كان غير مسلم. وهذه بعض الفتاوى في الإعلان عن بعض تلك المحاذير: 1. سئل علماء اللجنة الدائمة: من الناس من يعمل في توزيع الإعلانات على البيوت، أي: يضع الإعلان أمام الباب، هذه الإعلانات كل محل له ورقة منفصلة، فهناك إعلانات عن محل لبيع الأحذية، ومحل لبيع الموبيليا، ولكن هناك إعلانات عن محلات المواد الغذائية، وهذا إعلان يعرض معظم ما لديه، فيعرض بجانب السكر والأرز يعرض الخمور، أو يعرض لحوم البقر والخرفان، ولحوم الخنزير، فما الحكم في توزيع هذه الإعلانات؟ بعض الناس يوزعون الإعلانات التي تحتوي على مواد غذائية، أما الإعلانات التي يكون داخل فيها الخمر والخنزير فيلقونها في الزبالة بدون أن يدري صاحب الإعلان، ولكن يحاسبونه عليه اعتبارا أنه وزعها، فما حكم المال؟ بعض علماء أوربا قالوا: إن الخمر والخنزير حلال في شريعة هؤلاء، فهل معنى ذلك أننا نعمل في محلات الخمر والخنزير، فما رد فضيلتكم على هذا الكلام؟ فأجابوا: "يحرم على المسلمين بيع الخمر والخنزير، ولا يحل لهم التعاون مع غيرهم في ترويج المحرم: بتسويقه، أو الدعاية له، أو الإعلان عنه، أو إلصاق الإعلانات عنه على المنازل؛ لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان، وقد نهى الله تعالى عن ذلك بقوله جل شأنه: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) ، والمبالغ التي يأخذها الأجير مقابل إلصاق الإعلان عن المحرم لا تجوز، ولو رمى الإعلان عن المحرم ولم يلصقه لا يحل له المال؛ لأنه من أكل المال بالباطل" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان. " فتاوى اللجنة الدائمة " (14 / 429، 430) . 2. وسئل علماء اللجنة الدائمة – أيضاً -: رجل يعمل صحفيّاً في جريدة بمصر ويكتب أخباراً، ويعمل إعلانات يدفعون الأجر فيها تأييداً لمن يحاد الله ورسوله، وبالنسبة للإعلانات يقوم بدور الوسيط بين الجريدة وبين العامة، يذهب للناس (مثلا التجار) يحثهم على عمل إعلانات، فيقومون بدفع الثمن لهذه الإعلانات بمحض اختيارهم، كي تنشر أسماء متاجرهم في الجريدة، وهذا نوع من أنواع الدعاية، ثم يؤيدون فيها الطاغوت، ومن جرَّاء هذا له نسبة معينة من أجر الإعلان، فيأخذ مالاً، فهل هذا المال حلال أم حرام؟ وإذا كان هذا المال حراماً فهل يجوز لي أن آكل منه كابن لهذا الرجل، وكذلك باقي إخوتي؟ علماً بأن له دخلاً آخر من عمل حكومي وظيفي، وهل المال الذي يأخذه من وظيفة الحكومة جائز؟ . فأجابوا: "أولاً: العمل من أجل خدمة من يحاد الله ورسوله لا يجوز؛ لأنه تعاون معهم على الإثم والعدوان الذي نهى الله سبحانه وتعالى عباده عنه بقوله: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) . ثانياً: ما كسب من المال بسبب التعاون معهم في شرهم حرام. ثالثاً: إذا كان مال أبيك الذي كسبه من أجل العمل مع من يحاد الله ورسوله متميزا عما كسبه من وظيفته الأخرى أو غيرها من الطرق المباحة: فلا يجوز لك أن تأكل أنت ولا إخوانك منه، وإن كان غير متميز جاز لك على القول الصحيح من أقوال العلماء أن تأكل منه، وتركه احتياطا أولى، سيما إن كان الحرام هو الأكثر" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. " فتاوى اللجنة الدائمة " (15 / 102، 103) . 3. وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: إعلانات التعازي في الصحف والشكر على التعزية والإعلان عن وفاة شخص، ما رأي الشريعة في ذلك؟ . فأجاب: "الإعلان في الصحف عن وفاة شخص إذا كان لغرض صحيح وهو أن يعلم الناس بوفاته فيحضروا للصلاة عليه وتشييعه والدعاء له، وليعلم من كان له على الميت دين أو حق حتى يطالب به أو يسامحه: فالإعلان لأجل هذه الأغراض لا بأس به، ولكن لا يبالغ في كيفية نشر الإعلان من احتجاز صفحة كاملة من الصحيفة؛ لأن ذلك يستنفذ مالاً كثيراً لا داعي إليه، ولا تجوز كتابة هذه الآية التي اعتاد كثير من الناس كتابتها في الإعلان عن الوفاة وهي قوله تعالى: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً، فَادْخُلِي فِي عِبَادِي، وَادْخُلِي جَنَّتِي) الفجر/ 27 - 30؛ لأن هذا فيه تزكية للميت، وحكم بأنه من أهل الجنة، وهذا لا يجوز؛ لأنه تقوُّل على الله سبحانه، وشبه ادعاء لعلم الغيب؛ إذ لا يُحكم لأحد معين بالجنة إلا بدليل من الكتاب والسنة، وإنما يرجى للمؤمن الخير، ولا يجزم له بذلك" انتهى. " المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (2 / 159) . والخلاصة: أنه ينبغي عليكم تجنب الإعلان والدعاية للمحرمات والمخالفات الشرعية، وما عداه فيجوز لكم الدعاية له والإعلان عنه. أما أخذ الأموال من الشركات أو الأشخاص الذين يريدون الإعلان عندكم فلا حرج فيه، ما دام الإعلان ليس فيه محرم، وتم العقد بينكم بالتراضي. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93376 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5549 حكم شراء أسهم شركة أجنبية [السُّؤَالُ] ـ[ما هو حكم الشريعة في شراء أسهم لشركة أجنبية؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله 1. تعريف السهم: السهم هو: جزء محدد من إجمالي رأس مال الشركة. يعرف السهم بأنه: نصيب المساهم في شركة من شركات الأموال أو الجزء الذي ينقسم على قيمته مجموع رأس مال الشركة المثبت في صك له قيمة اسمية، حيث تمثل الأسهم في مجموعها رأس مال الشركة، وتكون متساوية القيمة. وبناء عليه يمثل السهم وثيقة مستقلة تعطى للمساهم وتتضمن المعلومات الخاصة بالشركة، مثل اسم الشركة ومقدار رأس مالها وجنسيتها ومركزها الرئيسي ورقم السهم وقيمته واسم صاحبه إن كان سهما اسميا أو يكتب فيه أنه لحامله. 2. حكمه: لا حرج ابتداءً من بيع وشراء الأسهم، لكن عليه أن يتجنب أموراً، وهي: 1. بيع وشراء الأسهم في الشركات التي يحرم المشاركة فيها لبيعها ما لا يحل، أو إعانتها على الفساد والباطل. 2. بيع وشراء أسهم البنوك الربوية. 3. وضع أموال الأسهم في البنوك الربويَّة، وبالتالي تكون الأرباح مختلطة بأموال الربا. أ. سئلت اللجنة الدائمة عن المساهمة في شركات خاصة بالأعمال الخيرية والزراعية والبنوك وشركات التأمين والبترول، فأجابت: يجوز للإنسان أن يساهم في هذه الشركات إذا كانت لا تتعامل بالربا، فإن كان تعاملها بالربا: فلا يجوز، وذلك لثبوت تحريم التعامل بالربا في الكتاب والسنة والإجماع. وكذلك لا يجوز للإنسان أن يساهم في شركات التأمين التجاري؛ لأنَّ عقود التأمين المشتملة على الغرر والجهالة والربا: محرَّمة في الشريعة الإسلامية. " فتاوى إسلامية " (2 / 43) . ب. وهذا نص السؤال والجواب لهيئة الفتوى في بيت التمويل الكويتي حول النقطة الثالثة السؤال: هل يجوز بيع وشراء أسهم الشركات الأجنبية مثل جنرال موتورز فليبس شركات مرسيدس مع العلم أن هذه الشركات صناعية ولكنها لا تتورع بالنسبة للإقراض والاقتراض بفائدة؟ الجواب: إن مبدأ المشاركة في أسهم شركات صناعية تجارية أو زراعية مبدأ مُسَلَّم به شرعاً لأنه خاضع للربح والخسارة وهو من قبيل المضاربة المشتركة التي أيدها الشارع على شرط أن تكون هذه الشركات بعيدة عن المعاملة الربوية أخذا وعطاء ويُفهم من استفتاء سيادتكم أنه ملحوظ عند الإسهام أن هذه الشركات تتعامل بالربا أخذا وعطاء وعلى هذا فإن المساهمة فيها تعتبر مساهمة في عمل ربوي وهو ما نهى عنه الشارع والله سبحانه وتعالى أعلم. " كتاب الفتاوى الشرعية في المسائل الاقتصادية "الأجزاء بيت التمويل الكويتي فتوى رقم (532) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 21127 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5550 توفي وترك أسهما مباحة ومختلطة [السُّؤَالُ] ـ[والدي متوفى ولديه أسهم في الشركات وهي شركة سابك وشركة الأسمنت الجنوبية وشركة النقل الجماعي، وهناك أرباح من الشركات آخذها بصفتي أنا الوكيل الشرعي، ولا أدري هل الشركات المذكورة أعلاه حرام؟ وماذا يجب علي؟ هل أبيع أسهم الشركات كلها أم أتركها كما هي وآخذ أرباحها؟ وكيف تقسم بين إخواني وأخواتي في حالة بيعها، وكذلك والدتي لازالت على قيد الحياة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: ما تركه الوالد من أسهم وغيرها، يدخل في التركة التي يجب تقسيمها القسمة الشرعية التي بينها الله في كتابه، فللزوجة الثمن، والأولاد للذكر منهم مثل حظ الأنثيين. وأما أرباح الأسهم المباحة، فتقسم على الورثة حسب قسمة الميراث، ولا يجوز لك الاستئثار بها بحجة أنك الوكيل الشرعي، كما قد يفهم من سؤالك. وإذا رأى الورثة أن يحتفظوا بالأسهم المباحة، أو أن يتركوها دون تقسيم، ويوكلوا أحدهم في متابعتها، على أن توزع أرباحها بينهم على حسب إرثهم، فلهم ذلك. ثانيا: الشركات التي أصل نشاطها مباح، ولكنها تتعامل بالحرام كالربا، قرضاً أو اقترضاً، لا يجوز المساهمة فيها، وعلى من ابتلي بالدخول فيها أن يخرج منها، ويتخلص من القدر المحرم، فإن لم يفعل حتى مات، فعلى الورثة أن يفعلوا ذلك قبل تقسيم التركة. وقد أوردنا قائمة بأسماء الأسهم المباحة (النقية) في الجواب رقم (73296) ، ومنه يتبين أن شركة النقل الجماعي أسهمها مباحة. وأما سابك وأسمنت الجنوبية فليستا من الأسهم النقية. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 85181 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5551 أهداها أبوها أسهما في بنك ربوي فماذا تعمل بها؟ [السُّؤَالُ] ـ[أهداني أبي 50 سهما من أسهم بنك الرياض، وأنا أعرف أن بنك الرياض من البنوك الربوية، وأبي كان من المساهمين، وساهم باسمي منذ أن كنت طفلة والآن كبرت، وأعطاني إياها، ما العمل في هذه الأسهم؟ هل حلال أن أبيعها وأن أضارب بها بأسهم شركات نقية وأستفيد من المبلغ الذي يتكون من المضاربة أو أتصدق؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز شراء أسهم البنوك الربوية، وعلى من ابتلي بشيء من ذلك أن يتوب إلى الله تعالى، وأن يأخذ رأس ماله، ثم يتخلص من الباقي بإنفاقه في مصالح المسلمين وأوجه الخير. ولما كانت هذه الأسهم محرمة، فإن الأصل أنه لا يجوز لك بيعها على أحد، بل سبيل الخروج منها هو ردها على البنك، فإن تعذر ذلك، جاز لك بيعها، وأخذ رأس المال الذي وضع فيها، والتخلص من الباقي كما سبق. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: كان لي مساهمات في شركة، وأفلست هذه الشركة قبل 25 عاما، وكان هناك أوصياء على الشركة، اشتروا بالمبلغ المتبقي أسهما في بنك الرياض قبل 25 عاما، بمبلغ 1000 ريال للسهم الواحد، والآن ثمن السهم الواحد ثلاثين ألف، وأنا بحاجة لهذا المبلغ، فهل يجوز لي أن آخذ المبلغ الحالي للسهم؟ علما بأن شراءهم لأسهم هذا بنك الرياض تم بدون علمنا طيلة هذه المدة. فأجابوا: "تسلم المبلغ كله، أصله وفائدته، ثم أمسك أصله؛ لأنه ملك لك، وتصدق بالفائدة في وجوه الخير؛ لأنها ربا، والله يغنيك من فضله ويعوضك خيرا منها، ويعينك على قضاء حاجتك، ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب، ومن يتوكل على الله فهو حسبه. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم" انتهى. عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. عبد الرزاق عفيفي.. عبد الله بن غديان.. عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/506) . وسئلوا أيضا (13/508) : ما حكم المساهمة في الشركات والبنوك؟ وهل يجوز للشخص المكتتب في شركة أو بنك أن يبيع الأسهم الخاصة بعد الاكتتاب على مكاتب بيع وشراء الأسهم، ومن المحتمل بيعها بزيادة عن قيمة ما اكتتب به الشخص؟ وما حكم الفائدة التي يأخذها المكتتب كل سنة عن قيمة أسهمه المكتتب فيها؟ فأجابوا: "المساهمة في البنوك أو الشركات التي تتعامل بالربا لا تجوز، وإذا أراد المكتتب أن يتخلص من مساهمته الربوية فيبيع أسهمه بما تساوي في السوق، ويأخذ رأس ماله الأصلي فقط، والباقي ينفقه في وجوه البر، ولا يحل له أن يأخذ شيئاً من فوائد أسهمه أو أرباحها الربوية، أما إن كانت المساهمة في شركة لا تتعامل بالربا فأرباحها حلال " انتهى. ولا تتأسفي على فوات هذا المال، فإنه مال حرام لا خير لك فيه، ويرجى أن يعوضك الله خيرا منه، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه. وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 84136 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5552 حكم المضاربة (قصيرة الأجل) في الأسهم المختلطة والمحرمة [السُّؤَالُ] ـ[ما هو حكم المضاربة القصيرة الأجل في الشركات المختلطة والمحرمة في سوق الأسهم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا تجوز المساهمة في شركات تتاجر في الحرام، أو تتعامل به، من ربا وغيره، سواء قل الحرام أو كثر؛ لأن السهم حصة شائعة في مال الشركة، فتعاملها بالحرام يعني أن كل مساهم فيها شريك في هذا الحرام. ثانيا: الأسهم المحرمة والمختلطة، لا يجوز الاتجار فيها، بيعا أو شراء أو مضاربة، سواء كانت قصيرة الأجل أو طويلة الأجل؛ لأنه لا يجوز بيع الحرام، قليلا كان أو كثيرا، والعقد المتضمن ذلك عقد فاسد لا يجوز الإقدام عليه. قال الدكتور محمد بن سعود العصيمي حفظه الله: " وبعض الناس يفرق بين المضاربة وبين الاستثمار طويل الأجل، ويقول: إن المضارب لا عليه إن اشترى أسهم شركة تقترض أو تقرض بالربا. والذي أرد به على هؤلاء أن أسألهم: ما المسوغ الشرعي لك في ربح السهم في حال ارتفاعه؟ فلن يكون له إجابة إلا أن يقول: إنني شريك في تلك الشركة. وكذلك أقول له: ماذا لو خسرت الشركة بعد أن اشتريت بدقائق، هل تستطيع أن تنفي صلتك بالشركة، حتى لا تتحمل أي خسارة؟ طبعا لن يستطيع ذلك، وسيكون عليه من الخسارة ما على بقية حملة الأسهم الاعتيادية لتلك الشركة المساهمة، بل لو حدث للشركة اندماج مع شركة أخرى، أو لو بيعت على شركة أخرى، أو لو أفلست، أو سحبت من التداول أو سحب ترخيصها بالعمل، لكان لكل ذلك أثر على المضارب وعلى المستثمر على وجه السواء. ومن ثَمّ، فلا فرق هنا بين المضارب وبين المستثمر ... " انتهى. وسئل حفظه الله عن حكم المضاربة في الأسهم المختلطة؟ فأجاب: " لا يجوز عند جماهير العلماء إلا الأسهم النقية، سواء المضاربة والاستثمار " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83969 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5553 لديها أموال أيتام أمانة وقد تأكله الزكاة فهل تأثم إذا لم تستثمره؟ [السُّؤَالُ] ـ[جاءتني أرملة ووضعت عندي مبلغا من المال أمانة لها لوقت الحاجة وهذا المال يخص أيتامها وانأ أخاف أن تأكله الصدقة كما قال رسولنا الكريم صلوات ربي وسلامه عليه، مع العلم أنها لم تطلب مني تشغيله لها، ولو فعلت فليس عندي أي موضع لأضعه فيه، فهل علي من إثم في هذا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا إثم عليك في عدم استثمار هذا المال، لأنكِ إنما أخذيته على سبيل الأمانة لتحفظيه، فالواجب عليك هو حفظه وأداؤه إلى أهله عند طلبهم، قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) النساء/ 58. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ) رواه الترمذي (1264) وأبو داود (3534) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. وينبغي أن تنصحي وتبيني لهذه الأخت أن هذا المال تجب فيه الزكاة، وأن الزكاة قد تأكله ما لم يستثمر. وننبه إلى أن حديث: (ألا من ولى يتيما له مال فليتجر فيه ولا يتركه حتى تأكله الصدقة) رواه الترمذي (641) وضعفه الألباني في ضعيف الترمذي، لكن معناه صحيح واضح؛ لأن مال اليتيم كغيره من الأموال، إذا بلغ نصابا وحال عليه الحول وجبت فيه الزكاة، فإذا لم يستثمر، وأخذت منه الزكاة كل عام، أدى ذلك إلى نقصه. وقد ثبت هذا من كلام عمر رضي الله عنه: (اتجروا بأموال اليتامى لا تأكلها الزكاة) رواه الدارقطني والبيهقي وقال: إسناده صحيح. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83575 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5554 الاستثمار في صناديق بنك البلاد [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الاستثمار في صناديق بنك البلاد الاستثمارية: المرابح والسيف وأصايل؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: سبق بيان حكم الاكتتاب في بنك البلاد، في جواب السؤال رقم (46588) ثانيا: بالتعرف على نظام الصناديق المذكورة من خلال الموقع الرسمي لبنك البلاد تبين ما يلي: 1- أن الصندوق المرابح يقوم على استثمار الأموال المودَعة في عمليات المرابحة التجارية التي تشتمل على شراء مختلف أنواع السلع الرائجة - ما عدا الذهب والفضة - ثم بيعها بسعر أعلى من سعر شرائها لتحقيق الربح، وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية. 2- أن صندوق أصايل يقوم على استثمار الأموال في أسهم الشركات السعودية النقية المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية. 3- أن صندوق السيف يقوم على استثمار الأموال في الأسهم الكويتية المنتقاة وفقاً للضوابط الشرعية المعتمَدة من قِبَل مؤشر " جلوبل " الإسلامي. وصرح الدكتور يوسف الشبيلي أحد أعضاء هيئة الرقابة بالبنك، بأن صندوق أصايل والسيف المتعلقين بالأسهم، لا تستثمر فيهما الأموال بشركاتٍ تقترض أو تودع بالربا، وأن صندوق المرابح خاص بالمتاجرة بالسلع الدولية المباحة بطريقة البيع الآجل. انتهى، نقلا عن موقع الدكتور الشبيلي. وإذا كان الأمر على ما ذُكر، فلا حرج في الاستثمار في هذه الصناديق. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83227 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5555 لديه مقهى إنترنت ويسأل عن كسبه [السُّؤَالُ] ـ[أنا شاب مسلم والحمد لله، لدي محل تجاري للإنترنت، ولا أدري هل كل ما أكسب منه فيه شبهة أم ماذا؟ مع العلم بأني أريد أن أتزوج منه وأحج، إن شاء الله.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله محل الإنترنت إذا أمكن ضبطه ومنع المنكر منه، فلا حرج في فتحه، والمكسب الناتج منه حلال. وأما إذا لم يمكن ضبطه، ولا التحكم فيه، بل صار رواده يستعملونه فيما حرم الله، من مطالعة الفساد، واقتراف الرذائل، كما هو الغالب على حال هذه المحلات وروادها، فلا يجوز فتحه، والكسب الناتج عنه محرم، وحينئذ يتعين عليك تحويل المحل إلى مشروع آخر، تسلم فيه من الإثم، وتجني منه الربح الحلال، الذي يكون عونا لك على الطاعة، من الحج والزواج وغيره. وانظر جواب السؤال رقم (34672) . وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء سؤالا مفصلا عن مقاهي الإنترنت، يحسن إيراده هنا بنصه: " س: مما يدور عنه الحديث الآن عن مقاهي الإنترنت التي انتشرت في الآونة الأخيرة، وبأعداد كبيرة، ما حكم الاستثمار والتجارة في هذه المقاهي؟ مع وجود بعض المضار والمحرمات الموضحة بالصور التالية: الصورة الأولى: الانترنت يؤجر المستخدم جهاز الكمبيوتر بالساعة، مع أننا لا نعلم عن ما سوف يستعمل المستخدم الإنترنت، هناك عدة برامج ومواقع كثيرة يستطيع أن يتصفحها المستخدم، منها ما هو النافع والضار، ومن المواقع ما تستطيع مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية التحكم فيه وإلغاء الموقع، ولكن يوجد بعض المستخدمين من يستطيع الدخول للمواقع الممنوعة والمغلقة. ملاحظة: لا نستطيع التحكم على البرنامج إلا بإلغاء الخدمة. الصورة الثانية: هناك ما يسمى ببرنامج الميكروسوف شات، وهو للمحادثة والمراسلة، يتم من خلاله تحدث المستخدمين مع العبارات والألفاظ البذيئة والفاحشة، ويمكن من خلاله إرسال واستقبال بعض الصور والأفلام الخليعة، ومن الممكن أن يتحكم في إرسال الصور والأفلام واستقبالها فقط، ولكن يوجد من يستطيع أن يكسر التحكم بطرق ملتوية. الجواب: إذا كان هذه الأجهزة يتم لمستخدمها التوصل إلى أمور منكرة باطلة، تضر بالعقيدة الإسلامية أو يتم من خلالها الاطلاع على الصور الفاتنة والأفلام الماجنة، والأخبار الساقطة، أو حصول المحادثات المريبة، أو الألعاب المحرمة، ولا يمكن لصاحب المحل أن يمنع هذه المنكرات، ولا أن يضبط تلك الأجهزة، فإنه ـ والحال ما ذكر ـ يحرم الاتجار بها، لأن ذلك من الإعانة على الإثم والمحرمات، والله جل وعلا قال في كتابه العزيز: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثم وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2 وبالله التوفيق " انتهى من " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (26/284) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82873 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5556 شراء أسهم الشركة المصرية للاتصالات [السُّؤَالُ] ـ[ي حول شرعية شراء أسهم الشركة المصرية للاتصالات فأنا أقيم خارج مصر وعلمت أن الشركة جديدة في البورصة ومستقبل أسهمها مبشر، ولا أعلم إن كانت هذه الشركة من التصنيف الذي يدخل ضمن الشركات المختلطة، أي أن هناك جزءً من إيرادها من مصدر محرم مثل عوائد البنوك مثلا أم لا؟ فكيف لي أن أعرف مثل هذه المعلومة؟ وإن كانت كذلك فما الجزء الواجب علي التخلص منه لكي أبتعد عن الدخل المحرم؟ وهل هناك مانع من بيع وشراء الأسهم عموما؟ لأني سمعت رأيا يقول إن التجارة في الأسهم بيعا وشراء حرام أساسا وغير مباح وإنما المباح هو الاستثمار بها فقط أي شراؤها والاحتفاظ بها فقط.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: يجوز الاتجار في أسهم الشركات التي نشاطها مباح، ولا تتعامل معاملات محرمة، ولا وجه لتحريم الاتجار فيها. فالسهم حصة شائعة في مال الشركة، ولمالك هذه الحصة أن يحتفظ بها، أو يبيعها بعد تملكها، لأنه تصرف مشروع في ملكه. وقد ذكرنا فتوى مفصلة في ذلك لسماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله في جواب السؤال رقم (82146) . ثانيا: لا يجوز شراء أسهم الشركات التي تقترض بالربا، أو تودع جزءا من أموال المساهمين في البنوك الربوية لغير ضرورة الحفظ، وهذا ما يسمى بالأسهم المختلطة، وراجع جواب السؤال رقم 45319. ثالثا: الشركة المذكورة لا علم لنا بحالها، ولعلك بسؤال الشركة نفسها تتوصل إلى حقيقتها، أو بالاطلاع على نشرة ميزانيتها، وهذا أدق، لكنه يكون في نهاية العام. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83162 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5557 التورق المصرفي المنظم [السُّؤَالُ] ـ[ما رأي الشرع في القروض التي يقدمها البنك السعودي البريطاني تحت مسمى التورق؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: التورق هو أن يشتري الإنسان السلعة بثمن مؤجل، ثم يبيعها – لغير من اشتراها منه - بثمن حالٍّ أقل، وسميت المعاملة بذلك نسبة إلى الورِق وهي الفضة، لأن المشتري لا غرض له في السلعة وإنما يريد النقود. وهذه المعاملة جائزة عند جمهور العلماء. جاء في "الموسوعة الفقهية" (14/147) : " والتورق في الاصطلاح أن يشتري سلعة نسيئة , ثم يبيعها نقدا - لغير البائع - بأقل مما اشتراها به ; ليحصل بذلك على النقد. ولم ترد التسمية بهذا المصطلح إلا عند فقهاء الحنابلة , أما غيرهم فقد تكلموا عنها في مسائل (بيع العينة) ... حكم التورق: جمهور العلماء على إباحته سواء من سماه تورقا وهم الحنابلة، أو من لم يسمه بهذا الاسم وهم من عدا الحنابلة. لعموم قوله تعالى: (وأحل الله البيع) ولقوله صلى الله عليه وسلم - لعامله على خيبر: (بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا) [و"الجمع" و "الجنيب" نوعان من أنواع التمر] . ولأنه لم يظهر فيه قصد الربا ولا صورته. وكرهه عمر بن عبد العزيز ومحمد بن الحسن الشيباني. وقال ابن الهمام: هو خلاف الأولى , واختار تحريمه ابن تيمية وابن القيم لأنه بيع المضطر والمذهب عند الحنابلة إباحته " انتهى. وأما إذا باع السلعة لمن اشتراها منه، فهذا هو بيع العينة كما سبق، وهو محرم. وراجع جواب السؤال رقم (45042) . ثانيا: التورق الذي يتم عن طريق البنوك له ثلاث صور: الأولى: أن يشتري البنك السلعة شراء حقيقيا، ثم يبيعها على العميل بالأقساط. وإذا ملكها العميل وقبضها باعها – لغير البنك - بثمن حال أقل، وهذه المعاملة جائزة. الصورة الثانية: ألا يشتري البنك السلعة، وإنما يدفع ثمنها عن العميل، مقابل أخذ ثمن أعلى مقسط، ثم يتولى العميل بيع السلعة أو يوكل البنك في بيعها. وهذه المعاملة محرمة؛ لأنها حيلة على ارتكاب الربا، لأن حقيقة المعاملة أن البنك أقرض العميل ثمن السلعة، وأخذه مع زيادة. وراجع جواب السؤال رقم (36408) . الصورة الثالثة: وتسمى التورق المصرفي المنظم: أن يشتري البنك السلعة، ثم يبيعها على العميل بالأقساط، دون أن يقبض البنك السلعة قبل بيعها، ويقوم العميل بتوكيل البنك في بيعها بثمن أقل، والعميل لم يقبض السلعة أيضا، ولم يرها، وهو غير مهتم بها غالبا، وإنما غرضه النقود، وهذه الصورة محرمة كالتي قبلها، وقد شاع وجودها في هذه الأيام، وتعاملت بها بعض البنوك على أنها صورة مشروعة من التورق، وقد أفتى عدد من أهل العلم بتحريمها، كما صدر عن مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي قرار بالتحريم، وقد ذكرنا نص القرار في جواب السؤال رقم (98124) . وانظر للتعرف على حقيقة هذا التورق والأسباب الداعية إلى تحريمه: http://69.20.50.243/shubily/qa/ans.php?qno=46#_ftn2 http://www.almoslim.net/articles/show_article_main.cfm?id=974 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82612 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5558 حكم شراء أسهم نقية عن طريق البنوك الربويَّة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم شراء الأسهم في شركات غير محرمة، ولكنها تشترط لشراء أسهمها أن يتم عن طريق البنوك فقط؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز شراء أسهم الشركات المباحة عن طريق البنوك، وما تستوفيه البنوك الربوية من أموال من المشتري أو من الشركة إنما هو مقابل خدمة الوساطة، وهي أجرة مباحة لهم لأنها مقابل عمل مباح. قال الشيخ العثيمين رحمه الله: "معاملة البنوك على وجه مباح: لا بأس بها، فمثلاً: لي أن أشتري منهم، أو أصرف منهم، أو أحوِّل عن طريقهم، فلا بأس بهذا؛ لكن المحظور هو الربا، فإذا لم يكن رباً: فلا بأس، وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه اشترى من اليهود، وقبِل الهدية منهم، وهم يأكلون السحت، ويأخذون الربا، وقد مات عليه الصلاة والسلام ودرعُه مرهونة عند يهودي". " لقاءات الباب المفتوح " (70 / السؤال رقم 7) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82631 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5559 بيع المرابحة للآمر بالشراء [السُّؤَالُ] ـ[يوجد عندنا مؤسسة مهمتها تنمية أموال الأيتام مسؤول عنها قاضي القضاة والمحاكم الشرعية وهي تعنى بأموال الأيتام وتنميتها عن طريق تشغيلها بالمشاريع والإقراض، طريقة هذه المؤسسة تقوم على التالي:- أن يقوم الشخص الراغب بشراء أي سلعة (شقة، سيارة، أثاث، أرض) باختيار هذه السلعة، ثم يذهب إلى هذه المؤسسة التي تنتدب أحد موظفيها لمعاينة هذه السلعة، ثمّ تقوم المؤسسة بشراء هذه السلعة، ثم تقوم ببيعها للشخص الذي يرغب بشرائها بطريقة التقسيط والمرابحة (نسبة ربح معينة 5%) . هل هناك أي شك بالربا في هذه الطريقة في البيع؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: رعاية الأيتام، واستثمار أموالهم وتنميتها بما يعود بالنفع عليهم، عمل صالح نافع، نسأل الله أن يجزي القائمين عليه خير الجزاء، وهو داخل في كفالة اليتيم التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: " (أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا) رواه البخاري (5304) ومسلم (2983) . قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: " (كَافِل الْيَتِيم) الْقَائِم بِأُمُورِهِ مِنْ نَفَقَة وَكِسْوَة وَتَأْدِيب وَتَرْبِيَة وَغَيْر ذَلِكَ , وَهَذِهِ الْفَضِيلَة تَحْصُل لِمَنْ كَفَلَهُ مِنْ مَال نَفْسه , أَوْ مِنْ مَال الْيَتِيم بِوِلَايَةٍ شَرْعِيَّة " انتهى. وقد ورد في الاتجار في مال اليتيم ما جاء عن عمر رضي الله: (ابتغوا بأموال اليتامى لا تأكلها الصدقة) أخرجه الدارقطني والبيهقي وقال: " هذا إسناد صحيح، وله شواهد عن عمر رضى الله عنه ". ويروى مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وضعف الألباني رحمه الله الحديث مرفوعا وموقوفا. انظر: "إرواء الغليل" (3/258) . ثانيا: الصورة المسئول عنها يسميها العلماء: بيع المرابحة للآمر بالشراء، وحاصلها: أن الإنسان قد يرغب في سلعة ما، فيذهب إلى شخص أو مؤسسة أو مصرف، فيحدد له السلعة المطلوبة، ومواصفاتها، ويعده أن يشتريها منه بعد شراء المؤسسة أو المصرف لها، بربح يتفقان عليه، وهذه المعاملة لا تجوز إلا عند توفر شرطين: الأول: أن تمتلك المؤسسة هذه السلعة قبل أن تبيعها، فتشتري الشقة أو السيارة لنفسها شراء حقيقيا، قبل أن تبيعها على الراغب والطالب لها. الثاني: أن تقبض المؤسسة السلعة قبل بيعها على العميل. وقبضُ كل شيء بحسبه، فقبض السيارة مثلا يكون بنقلها من محلها، وقبض الدار بتخليتها واستلام مفاتيحها، وهكذا. وإذا خلت المعاملة من هذين الشرطين أو أحدهما كانت معاملة محرمة، وبيان ذلك: أن المصرف أو المؤسسة إذا لم تشتر السلعة لنفسها شراء حقيقيا، وإنما اكتفت، بدفع شيك بالمبلغ عن العميل، كان هذا قرضا ربويا؛ إذ حقيقته أنها أقرضت العميل ثمن السلعة (مائة ألف مثلا) على أن تسترده مائة وسبعة آلاف. وإذا اشترت السلعة لكن باعتها قبل قبضها، كان ذلك مخالفاً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام: (إذا اشتريت مبيعاً فلا تبعه حتى تقبضه) رواه أحمد (15399) والنسائي (4613) وصححه الألباني في صحيح الجامع (342) . وأخرج الدارقطني وأبو داود (3499) عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: (نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم) والحديث حسنه الألباني في صحيح أبي داود. وفي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه) رواه البخاري (2132) ، ومسلم (1525) ، وزاد: قال ابن عباس: وأحسب كل شيء مثله. أي: لا فرق بين الطعام وغيره في ذلك. وقبض كل شيء بحسبه كما سبق، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وما ينقل: مثل الثياب والحيوان والسيارات وما أشبه ذلك يحصل قبضها بنقلها؛ لأن هذا هو العرف " انتهى من "الشرح الممتع" (8/381) . وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (13/153) : " إذا طلب إنسان من آخر أن يشتري سيارة معينة أو موصوفة بوصف يضبطها، ووعده أن يشتريها منه، فاشتراها من، طُلبت منه، وقبضها، جاز لمن طلبها أن يشتريها منه بعد ذلك نقدا أو أقساطا مؤجلة، بربح معلوم، وليس هذا من بيع الإنسان ما ليس عنده؛ لأن من طُلبت منه السلعة إنما باعها على طالبها بعد أن اشتراها وقبضها، وليس له أن يبيعها على صديقه مثلا قبل أن يشتريها أو بعد شرائه إياها وقبل قبضها؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم " انتهى. وقد صدر عن مجمع الفقه الإسلامي قرار يفيد جواز بيع المرابحة بهذه الصورة. ومما جاء فيه: "بيع المرابحة للآمر بالشراء إذا وقع على سلعة بعد دخولها في ملك المأمور، وحصول القبض المطلوب شرعاً، هو بيع جائز، طالما كانت تقع على المأمور مسؤولية التلف قبل التسليم، وتبعة الرد بالعيب الخفي ونحوه من موجبات الرد بعد التسليم، وتوافرت شروط البيع وانتفت موانعه " انتهى من مجلة المجمع (5/2/753، 965) . وعلى هذا، فإذا كانت المؤسسة المسئول عنها، تشتري السلعة شراءً حقيقياً، ليس صورياً على الأوراق فقط، وتنقلها من مكانها ثم تبيعها، فالبيع صحيح، وهذه المعاملة جائزة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 81967 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5560 الاستدانة من أجل الدخول في المساهمات [السُّؤَالُ] ـ[ما رأيكم فيمن يستدين من أجل الدخول في المساهمات؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا ينبغي للإنسان أن يتوسع في الاستدانة، بل ينبغي أن لا يستدين إلا لحاجة أو ضرورة. فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ من الدين، روى البخاري (833) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلَاةِ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ. [والمغرم هو الدين] فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ مِنَ الْمَغْرَمِ! فَقَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ، وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ) . وكان صلى الله عليه وسلم يدعو بقضاء الدين: فقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (اللَّهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ، وَأَغْنِنَا مِنْ الْفَقْرِ) رواه البخاري (4888) . ومن خطورة الدين: أن الشهيد الذي مات في سبيل الله في المعركة، لا يغفر له الدين. روى مسلم (1886) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْن) . وروى النسائي (4605) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ وَضَعَ رَاحَتَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ ثُمَّ قَالَ: (سُبْحَانَ اللَّهِ! مَاذَا نُزِّلَ مِنَ التَّشْدِيدِ! فَسَكَتْنَا وَفَزِعْنَا، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ سَأَلْتُهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا هَذَا التَّشْدِيدُ الَّذِي نُزِّلَ؟ فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ رَجُلًا قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ أُحْيِيَ، ثُمَّ قُتِلَ، ثُمَّ أُحْيِيَ، ثُمَّ قُتِلَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، مَا دَخَلَ الْجَنَّةَ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ دَيْنُهُ) حسنه الألباني في صحيح النسائي (4367) . فلهذه الأدلة - وغيرها – ينبغي للإنسان ألا يتوسع في الديون، فيقترض لحاجة، ولغير حاجة، أو يقترض مبالغ كبيرة من أجل الدخول بها في تجارة، ولا يدري قد لا يوفق في هذه التجارة، فماذا سيكون تصرفه؟ وكيف يمكنه أن يسدد مبالغ كبيرة من راتبه الذي لا يكاد يكفيه؟! ولهذا، فعلى العاقل أن يقنع بما رزقه الله من الرزق الحلال، ولا ينظر إلى من هو فوقه في أمور الدنيا والمال، وإنما ينظر إلى من هو تحته، وأقل منه مالاً، فإن كان راتبه لا يكفيه، فليبحث عن عمل آخر، يرزقه الله تعالى منه ما يكفيه، أما أن يخاطر ويقترض ما يعجز عن تسديده، فهذا مما لا ينبغي. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: ما حكم المساهمة مع الشركات؟ وما حكم الاقتراض لشراء الأسهم؟ فأجاب: "وضع الأسهم في الشركات فيه نظر، لأننا سمعنا أنهم يضعون فلوسهم لدى بنوك أجنبية، أو شبه أجنبية ويأخذون عليها أرباحاً، وهذا من الربا، فإن صح ذلك فإن وضع الأسهم فيها حرام، ومن كبائر الذنوب؛ لأن الربا من أعظم الكبائر، أما إن كانت خالية من هذا فإن وضع الأسهم فيها حلال إذا لم يكن هناك محذور شرعي آخر. وأما استدانة الشخص ليضع ما استدانه في هذه الأسهم فإنه من السفه، سواء استدان ذلك بطريق شرعي كالقرض، أو بطريق ربوي صريح، أو بطريق ربوي بحيلة يخادع بها ربه والمؤمنين، وذلك لأنه لا يدري هل يستطيع الوفاء في المستقبل أم لا، فكيف يشغل ذمته بهذا الدين، وإذا كان الله تعالى يقول: (وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) ولم يرشد هؤلاء المعدمين إلى الاستقراض مع أن الحاجة إلى النكاح أشد من الحاجة إلى كثرة المال، وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم لم يرشد من لم يستطع الباءة إلى ذلك، ولم يرشد من لم يجد خاتماً من حديد يجعله مهراً إلى ذلك، فإذا كان هذا، دل على أن الشارع لا يحب أن يشغل المرء ذمته بالديون، فليحذر العاقل الحريص على دينه وسمعته من التورط في الديون " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/195) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82011 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5561 إشكالات وجوابها في بيع أسهم الشركات [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم بيع أسهم الشركات؟ أسأل هذا السؤال لأنني سمعت أن هناك من يحرمها لأن الشركات يكون في خزينتها نقود، فيكون هذا بيعاً للنقود بالنقود، وهو غير جائز في الشرع إلا بشروط معينة. ويقول أيضاً: إن الشركات يكون لها ديون وعليها ديون , وبيع الدين لا يجوز إلا بشروط معينة أيضاً. وأيضاً: نصيب هذا السهم في الشركة غير معروف تحديداً , فيكون فيه نوع من الجهالة فلا يصح البيع. فما رأيكم في هذا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تقدم في جواب السؤال (8590) أنه لا حرج في بيع الأسهم وشرائها والمتاجرة فيها إذا لم يكن نشاط الشركة محرماً. وأما كون الشركة عندها نقود أو ديون فإن دخول النقود والديون في بيع الأسهم ليس مقصوداً، وإنما جاء تبعاً , وقد ذكر العلماء قاعدة: (أنه يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً) بمعنى أنه يغتفر في الشيء التابع ما لا يغتفر في الشيء المستقل , فهذه النقود والديون إذا بيعت على سبيل الاستقلال لم يصح البيع إلا بشروط معينة، أما إذا دخلت في البيع تبعاً وليست هي المقصودة فلا بأس بذلك. وأما كون ما يقابل السهم من ممتلكات الشركة مجهولاً , فالجواب عن هذا أن يقال: بل هو معلوم على سبيل الإجمال , وهذا العلم الإجمالي يكفي لصحة البيع , وقد ذكر العلماء رحمهم الله أن الجهل اليسير لا يمنع صحة البيع. ويدل لصحة بيع السهم ولو كان في الشركة نقود، ولو كان نصيب السهم ليس معلوماً بدقة: " ما ورد أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه لما توفى كان ذا مال كثير , فراضى ورثته إحدى زوجاته وهي تماضر الأشجعية على أن تأخذ مقابل سهمها في الميراث مبلغ ثمانين ألف دينار , وكانت التركة تشمل نقوداً وعقاراً ورقيقاً وحيواناً , وكان هذا بعد أن استشار الخليفة عثمان الصحابة , فكان إجماعاً , ولم تكن الدقة في معرفة التركة وتعدد أنواعها وكونها غير مصفاة مانعاً من ذلك , وهذا هو عين بيع الأسهم من الشركات سواء سميناه بيعاً أو صلحاً أو معاوضة " انتهى. قاله فضيلة الشيخ عبد الله البسام. "مجلة المجمع الفقهي" (4/1/712) . وجاء في فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: " ورد إلينا استفتاء عن هذه الشركات المساهمة " كشركة الكهرباء، والأسمنت، والغاز " ونحوها مما يشترك فيه المساهمون ثم يرغب بعضهم بيع شيء من سهامهم بمثل قيمتها أو أقل أو أكثر حسب نجاح تلك الشركة وضده، وذكر المستفتي أن الشركة عبارة عن رؤوس أموال بعضها نقد وبعضها ديون لها وعليها , وبعضها قيم ممتلكات وأدوات مما لا يمكن ضبطه بالرؤية ولا بالوصف، واستشكل السائل القول بجواز بيع تلك السهام، لأن المنصوص عليه اشتراط معرفة المتبايعَيْن للمبيع، كما أنه لا يجوز بيع الدًّين في الذمم، وذكر أن هذا مما عمت به البلوى. هذا حاصل السؤال منه، ومن غيره ـ عن حكم هذه المسألة. والجواب: الحمد لله. لا يخفى أن الشريعة الإسلامية كفيلة ببيان كل ما يحتاج الناس إليه في معاشهم ومعادهم، قال تعالى: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ) النحل/89. والكلام على هذا مبني على معرفة حكم عقد هذه الشركة ومساهمة الناس فيها , ولا ريب في جواز ذلك، ولا نعلم أصلاً من أصول الشرع يمنعه وينافيه، ولا أحداً من العلماء نازع فيه. إذا عرف هذا فإنه إذا كان للإنسان أسهم في أية شركة وأراد بيع أسهمه منها فلا مانع من بيعها , بشرط معرفة الثمن، وأن يكون أصل ما فيه الاشتراك معلوماً، وأن تكون أسهمه منها معلومة أيضاً. فإن قيل: إن فيها جهالة، لعدم معرفة أعيان ممتلكات الشركة وصفاتها؟ فيقال: إن العلم في كل شيء بحسبه، فلابد أن يطلع المشتري على ما يمكن الاطلاع عليه بلا حرج ولا مشقة، ولابد أن يكون هناك معرفة عن حالة الشركة ونجاحها وأرباحها، وهذا مما لا يتعذر علمه في الغالب، لأن الشركة تصدر في كل سنة نشرات توضح فيها بيان أرباحها وخسارتها، كما تبين ممتلكاتها من عقارات ومكائن وأرصدة كما هو معلوم من الواقع، فالمعرفة الكلية ممكنة ولا بد، وتتبع الجزئيات في مثل هذا فيه حرج ومشقة، ومن القواعد المقررة: " أن المشقة تجلب التيسير " وقد صرح الفقهاء رحمهم الله باغتفار الجهالة في مسائل معروفة في أبواب متفرقة مثل جهالة أساس الحيطان، وغير ذلك. فإن قيل: إن في هذه الشركات نقوداً، وبيع النقد بنقد لا يصح إلا بشرطه. فيقال: إن النقود هنا تابعة غير مقصودة، وإذا كانت بهذه المثابة فليس لها حكم مستقل، فانتفى محذور الربا، كما سيأتي في حديث ابن عمر. فإن قيل: إن للشركة ديوناً في ذمم الغير، أو أن على تلك السهام المبيعة قسطاً من الديون التي قد تكون على أصل الشركة، وبيع الدَّيْن في الذمم لا يجوز إلا لمن هو عليه بشرطه. فيقال: وهذا أيضاً من الأشياء التابعة التي لا تستقل بحكم بل هي تابعة لغيرها، والقاعدة: " أنه يثبت تبعاً مالا يثبت استقلالاً " ويدل على ذلك حديث ابن عمر مرفوعاً: (مَنْ ابْتَاعَ عَبْدًا فَمَالُهُ لِلَّذِي بَاعَهُ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ) رواه مسلم (1543) وغيره، فعموم الحديث يتاول مال العبد الموجود والذي له في ذمم الناس، ويدل عليه أيضاً حديث ابن عمر الآخر: (من باع نخلاً بعد أن تؤبر فثمرتها للذي باعها إلا أن يشترط المبتاع) متفق عليه. ووجه الدلالة أن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها لا يجوز، لكن لما كانت تابعة لأصلها اغتفر فيها ما لم يغتفر لو كانت مستقلة بالعقد. ومما يوضح ما ذكر: أن هذه الشركة ليس المقصود منها موجوداتها الحالية، وليست زيادتها أو نقصها بحسب ممتلكاتها وأقيامها الحاضرة، وإنما المقصود منها أمر وراء ذلك وهو نجاحها ومستقبلها وقوة الأمر في إنتاجها والحصول على أرباحها المستمرة غالباً , وبما ذكر يتضح وجه القول بجواز بيعها على هذه الصفة. والله سبحانه أعلم ". انتهى من "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم" المجلد السابع. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82146 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5562 يسأل عن بنك الجزيرة [السُّؤَالُ] ـ[هل بنك الجزيرة في المملكة العربية السعودية ربوي أم إسلامي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سئل الدكتور محمد بن سعود العصيمي حفظه الله: ما حكم الوظيفة في بنك الجزيرة؟ وهل إذا لقيت وظيفة أخرى أترك الوظيفة في بنك الجزيرة؟ فأجاب: "الأصل جواز التوظف في بنك الجزيرة، لأنه فيما يظهر ساعٍ في أسلمة عملياته كاملة. ولكن، ومن باب النصح، أرى أن تشترط لنفسك أن تعمل وفق قرارات الهيئة الشرعية , وإن ألزمت بعد العمل بما لا يوافق القرارات، فلا تترك العمل مباشرة، بل بلغ الهيئة الشرعية أولا، وخذ التوجيه منهم. ونحن وغيرنا على أحر من الجمر في انتظار انتهاء أسلمة البنك كاملا، ووفق الله القائمين عليه إلى كل خير , والله أعلم " انتهى. http://www.halal2.com/ftawaDetail.asp?id=335 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 81199 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5563 السحب على الشهادات الإستثمارية [السُّؤَالُ] ـ[عندنا في مصر ما يسمى بشهادات الاستثمار التي تباع في البنوك, وتسمى الفئة (ج) وهي بدون فوائد, أي أن: لو اشتريت شهادة, ثم أردت أن أردها ولو بعد عشر سنوات أو أكثر أو أقل, فهي ترد بنفس السعر الذي اشتريت فيه. وبعد ذلك يقوم الكمبيوتر بسحب رقم من أرقم الشهادات المباعة في الجمهورية, ويكون هذا هو الفائز الأول, ويوجد فائز ثاني, وثالث إلى أكثر من (400) فائز, ويحصل الفائز الأول على عشرين ألف جنيه قيمة الفائزية. فأريد أن أعرف أنه لو اشتريت من هذه الشهادات ثم كنت من أحد الفائزين, فهل يجوز لي أن آخذ هذا المبلغ أم لا؟ وهل أكون مرتكباً إثماً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما ذكرته في سؤلك مما يتعلق بشهادة الاستثمار, نوع من أنواع القمار (اليانصيب) وهو محرم, بل من كبائر الذنوب, بالكتاب والسنة والإجماع. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 13/305. الحديث: 10064 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5564 مبلغ كبير لصاحب شهادة استثمار [السُّؤَالُ] ـ[يصدر البنك XXX شهادات استثمار (المجموعة ج) وهي عبارة عن شهادات تشترى من البنك, ويجري السحب عليها (الشهادة المشتراة) شهرياً, والشهادة التي تفوز تربح مبلغاً كبيراً من المال. مع احتفاظ صاحب الشهادة إلى البنك واخذ قيمتها في أي وقت شاء. فما حكم الشرع في هذا المبلغ الطائل من المال الذي يفوز به صاحب الشهادة الرابحة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الواقع كما ذكر, فهذه المعاملة من الميسر (القمار) , وهو من كبائر الذنوب, لقوله تعالى: (يا أيها الذين أمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون. إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون) سورة المائدة 91,90. فعلى من يتعامل به أن يتوب إلى الله, ويستغفره, ويجتنب التعامل به, وعليه أن يتخلص مما كسبه منه, عسى الله أن يتوب عليه. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 13/301. الحديث: 8886 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5565 الاستثمار في الأندية الكروية [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم شراء أسهم أندية الكرة في أوروبا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، فأجاب حفظه الله: في الكرة مفاسد (كثيرة) من كشف عورات وشتائم (وغير ذلك) ، فالمشاركة فيها محرمة، ليبحثوا عن غيرها، ويرزقهم الله. انتهى. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن صالح العثيمين الحديث: 12047 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5566 الاشتراك في برنامج وطني لتقسيط الأسهم السعودية للراجحي [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم "برنامج وطني لتقسيط الأسهم السعودية" في بنك الراجحي؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله بعد الاطلاع على " برنامج وطني لتمويل أو تقسيط الأسهم" من خلال موقع شركة الراجحي المصرفية، تبين أنه يقوم على المرابحة في الأسهم، بحيث تشتري الشركة (البنك) الأسهم التي يريدها العميل، ثم تبيعها عليه بالأقساط، والعميل له الحرية في اختيار الأسهم التي يرغب في شرائها. ومما جاء في النشرة التعريفية: " ... والذي يعطي العميل الفرصة لامتلاك أسهم الشركات التي يرغبها وبالكمية المطلوبة ومن ثم يقوم بسدادها بأقساط مريحة ". ومعلوم أن الأسهم منها ما هو نقي، ومنها ما هو مختلط، والشركة تتعامل بالنوعين، والذي نعتمده في هذا الموقع هو تحريم التعامل في الأسهم المختلطة. وعليه فلا حرج من الدخول في برنامج وطني لتقسيط الأسهم، بشرط شراء أسهم شركات نقية، لا مختلطة. قال الدكتور محمد بن سعود العصيمي فيما يخص سؤالك: " وأما شراء أسهم نقية من الراجحي بالأجل على أن تسددها بعد ذلك بربح فلا بأس به. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 73296 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5567 شراء أسهم شركات كمبيوتر [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز شراء أسهم شركات الكمبيوتر وما شابهها، مع ذكر السبب؟ وإذا كان جائزا، فهل تجوز المساهمة في الشركات التي تستثمر المال في بيع وشراء أسهم شركات أخرى لا تتعامل إلا في الأجهزة التكنولوجية فقط، مع ذكر السبب؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز للإنسان أن يساهم في هذه الشركات إذا كانت لا تتعامل بالربا (ولا تبيع أمراً محرماً ولا تتعامل بطريقة غير شرعية) فإن كان تعاملها بالربا فلا يجوز، وذلك لثبوت تحريم التعامل بالربا في الكتاب والسنة والإجماع ويراجع كتاب فتاوى إسلامية 2/392، ويراجع سؤال رقم 8590 [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 1210 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5568 الاستثمار في شبكات خدمات الإنترنت [السُّؤَالُ] ـ[لقد فتح الله أمامي الطريق إلى جنته مؤخرا وأصبحت مسلما. وما أود أن أعرفه هو رأي الإسلام في الإنترنت. فأنا لدي الرغبة في الاستثمار في شركة مايكروسوفت التي توفر خدمة الإنترنت. وكما نعرف فإن الأمر بيد مستخدم الإنترنت في أن يقرر ما يريد أن يشاهده: صور النساء العاريات أم المعلومات المفيدة، ولكني أعرف أن 60% من مستخدمي الإنترنت في الولايات المتحدة يستخدمون الشبكة لمشاهدة المواقع السيئة.]ـ [الْجَوَابُ] ما دامت المسألة قد اشتبهت عليك وما دمت تقول إنّ هذا النّوع من الاستثمار فيه فتح المجال للمستخدم للدخول إلى الصفحات النافعة والضارّة وأنّ أكثر من نصف المشتركين يستعملون الصّفحات الضارّة فاعمل إذن بقول النبي صلى الله عليه: (دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لا يَرِيبُكَ) . رواه الترمذي 2442 وقال هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. واترك هذا المجال وابحث عن نوع آخر من الاستثمار يكون حلالا والله يوفقنا وإياك للكسب الطيّب. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2467 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5569 حكم الاتجار في العملات [السُّؤَالُ] ـ[أبحث عن معلومات عن الاستثمار في العملات (FOREX Market) . كما هو الحال هذه الأيام، فقد أصبح أمرا شائعا كثيرا أن يستثمر الناس في اليورو من أجل الربح. وهناك سمسار يتصل بي دائما كي أستثمر في الدولارات الأمريكية واليورو. فهل تجوز التجارة في العملات؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الاتجار بالعملات يجوز بشرط أن يحصل التقابض في مجلس العقد، فيجوز بيع اليورو بالدولار بشرط أن يقع الاستلام والتسليم في مجلس العقد، وأما إذا اتفقت العملة كأن يبيع دولاراً بدولارين فهذا لا يجوز لأنه من ربا الفضل، فلابد من التساوي والتقابض في مجلس العقد إذا اتحدت العملة، ودليل ذلك ما رواه عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) رواه مسلم (1587) . وجاء في "مجموع فتاوى ابن باز" (19/171– 174) : " المعاملة بالبيع والشراء بالعُمَل جائزة، لكن بشرط التقابض يداً بيد إذا كانت العمل مختلفة، فإذا باع عملة ليبية بعملة أمريكية أو مصرية أو غيرهما يداً بيد فلا بأس، كأن يشتري دولارات بعملة ليبية يداً بيد، فيقبض منه ويُقبضه في المجلس، أو اشترى عملة مصرية أو إنجليزية أو غيرها بعملة ليبية أو غيرها يداً بيد فلا بأس، أما إذا كانت إلى أجل فلا يجوز، وهكذا إذا لم يحصل التقابض في المجلس فلا يجوز، لأنه والحال ما ذكر يعتبر نوعاً من المعاملات الربوية، فلا بد من التقابض في المجلس يداً بيد إذا كانت العُمَل مختلفة، أما إذا كانت من نوع واحد فلا بد من شرطين: التماثل والتقابض في المجلس، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ. . . ثم ذكر الحديث) . والعُمَل حكمها حكم ما ذكر، إن كانت مختلفة جاز التفاضل مع التقابض في المجلس، وإذا كانت نوعاً واحداً مثل دولارات بدولارات، أو دنانير بدنانير فلا بد من التقابض في المجلس والتماثل، والله ولي التوفيق " انتهى. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 72210 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5570 التوفير في مكتب البريد وكيفية إخراج الزكاة؟ [السُّؤَالُ] ـ[لدي مبلغ من المال في مكتب البريد لم يبلغ النصاب وذهبت إلى بنك إسلامي ووضعت مبلغاً من المال، فكيف أحسب الزكاة - مع العلم عند جمع المبلغيْن يبلغ المبلغ النصاب -؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يجوز وضع المال في مكاتب البريد، ولا في البنوك الربوية التي تأكل الربا وتوكله للمودعين، ولا يخلو المودع فيهما من هذا، فهو إما أن يكون آكلاً أو موكلاً للربا أو جامعاً بينهما. عن أبي جحيفة رضي الله عنه قال: (لعن النبي صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله) . رواه البخاري (5032) . ثانياً: من ملَك نقوداً تبلغ النصاب – ولو كانت متفرقة، بعضها في مكان وبعضها في مكان آخر- وجب عليه إخراج زكاتها إذا مَرَّ عليها الحول، ويبدأ حساب الحول من يوم بلوغ المال النصاب، فإذا تمت سنة هجرية أخرج الزكاة، وقيمتها ربع العشر (2.5 بالمئة) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 70315 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5571 المساهمة في " اتحاد الاتصالات " وكلمة عن تضارب الفتاوى فيها وفي غيرها [السُّؤَالُ] ـ[نرغب في فتوى صريحة عن حكم المساهمة في شركة اتحاد الاتصالات، والملاحظ هذه الأيام هو تضارب الفتاوى. حيث ما كان محرماً في السابق أصبح في هذه الأيام فتاوى تبيحه، وهذا قد جلب خسائر وأضراراً للكثير من الناس، ومثال على ذلك المساهمة في " التعاونية للتأمين "، والعمل في البنوك الربوية وما إلى ذلك، وقد سمعنا ببعض الفتاوى عن شركة اتحاد الاتصالات ولكنها مبهمة فيقال مثلا (ننصح بالامتناع عنها) ، وهذا لا يبيِّن تحليلها أم تحريمها، وجزاكم الله خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: أما فيما يتعلق بما أفتينا به هنا فنحن بفضل الله تعالى لم نغيِّر فتوانا في شيء مما ذكرتَه، ولو غيَّرنا شيئاً من أقوالنا لتبيُّن الدليل بخلاف ما ذكرنا ورجحنا لما عابنا ذلك؛ لأننا نتبع الحق فيما يظهر لنا، لكن هذه المسائل واضحة بيِّنة فلم نغيِّر فتوانا في شيء مما جاء في السؤال. وقد بيَّنا حرمة العمل في البنوك الربوية في أجوبة كثيرة ومنها: جواب السؤال رقم (26771) – بتوسع – و (866) و (11349) . وبيَّنا حكم " التعاونية للتأمين " في جواب السؤال رقم (36955) وفيه توسع في ذكر الأدلة وتحريم هذا العقد. ثانياً: أما ما تراه من اختلاف القول في المسألة الواحدة من أهل العلم والفتيا: فقد بيَّنا الموقف من اختلاف العلماء في جواب السؤال رقم (22652) وفيه – وهو ملخص كلام للشيخ ابن عثيمين -: "إذا كان المسلم عنده من العلم ما يستطيع به أن يقارن بين أقوال العلماء بالأدلة والترجيح بينها ومعرفة الأصح والأرجح: وجب عليه ذلك، وأما إذا كان المسلم ليس عنده من العلم ما يستطيع به الترجيح بين أقوال العلماء: فهذا عليه أن يسأل أهل العلم الذين يوثق بعلمهم ودينهم ويعمل بما يفتونه به، فإذا اختلفت أقوالهم: فإنه يتبع منهم الأوثق والأعلم، ولا يجوز للمسلم أن يأخذ من أقوال العلماء ما يوافق هواه ولو خالف الدليل، ولا أن يستفتي من يرى أنهم يتساهلون في الفتوى، بل عليه أن يحتاط لدينه فيسأل من أهل العلم من هو أكثر علماً، وأشد خشية لله تعالى" انتهى. ثالثاً: أما المساهمة في شركات الاتصالات فقد سبق بيانه في جواب السؤال رقم (34512) وقلنا هناك: " ينبغي على المسلم الابتعاد عن الشبهات والتورع عن الدخول في المكاسب المختلطة ومن أصر على المساهمة واشترى أسهما منها فعليه أن يتخلص من أرباح الجزء المحرم من هذه المكاسب وذلك عن طريق التحري والسؤال والاجتهاد وغلبة الظن " انتهى. والذي دعانا لهذا هو أن نشاط هذه الشركات مباح في الأصل، ولكن شابه شيء من المحرمات كبعض المسابقات التي هي نوع من الميسر، وغير ذلك. فكان منا النصح بالابتعاد عن الشبهات، وهذا لمن لم يظهر له التحريم أو الجواز. فالخلاصة: أننا نقول بالابتعاد عن هذه المساهمات؛ لأنها ليست حلالاً صرفاً، ونرى أن من أخذ بالقول الآخر فعليه أن يطهِّر ماله من الأرباح المحرمة. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69978 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5572 ما حكم شراء وبيع أسهم البنوك الإسلامية؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما هو حكم شراء وبيع أسهم البنوك الإسلامية؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كانت هذه البنوك سمت نفسها بهذا الاسم (إسلامية) لخداع الناس، وهي تتعامل بالربا أو غيره من المعاملات المحرمة فليست بنوكاً إسلامية، ولا يجوز المساهمة فيها، ولا المتاجرة في أسهمها بالبيع والشراء، لأن ذلك من المعاونة لها على فعل المحرم، وقد قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2. وأما إذا كانت هذه البنوك إسلاميةً حقيقةً، فتتقيد في معاملاتها بنصوص الوحيين: الكتاب والسنة، ولا تتعامل معاملات محرمة، فلا حرج في المساهمة فيها، والمتاجرة في أسهمها، بل ينبغي ذلك، لما فيه من تشجيعها ومساعدتها على ما تقابله من تحديات نتيجة لانتشار الربا والمعاملات المحرمة. وقد سبق في جواب السؤال رقم (47651) مواصفات البنك الإسلامي. وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/506) : " البنوك إذا أسست على ربا، وتتعامل بالربا، فلا تجوز المساهمة فيها، لأن هذا من التعاون على الإثم والعدوان، وقد نهى الله عنه بقوله: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) " انتهى. وجاء فيها أيضاً (13/507) : " تجوز المساهمة في البنوك التي لا تتعامل بالربا، والربح الذي يحصل عليه المساهم من البنك، وهو ناتج عن معاملة ليست بمحرمة لا شيء فيه، فهو حلال " انتهى. وجاء فيها أيضاً (13/508) : " المساهمة في البنوك أو الشركات التي تتعامل بالربا لا تجوز، وإذا أراد المكتتب أن يتخلص من مساهمته الربوية فيبيع أسهمه بما تساوي في السوق ويأخذ رأس ماله الأصلي فقط، والباقي ينفقه في وجوه البر، ولا يحل له أن يأخذ شيئاً من فوائد أسهمه أو أرباحها الربوية، أما إن كانت المساهمة في شركة لا تتعامل بالربا فأرباحها حلال " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 67657 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5573 حكم الاكتتاب في بنك البلاد [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الاكتتاب في بنك البلاد؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله بنك البلاد لديه هيئة شرعية جيدة من أهل الفقه والتحري والتثبت، وقد أعلن مراراً أنه يريد أن يكون بنكاً إسلامياً، وأنظمته يجري كتابتها وصياغتها، فإذا كانت موافقة للشريعة وكانت أعماله التي سيجريها عند فتحه موافقة للشريعة فلا حرج في المشاركة فيه، وهذا لا يتم التأكد منه إلا بسؤال الثقات من أفراد هذه اللجنة الشرعية وبالممارسة التي ستحصل من البنك بعد افتتاحه. فمن عرف جواز الأنظمة والممارسات جازت له المساهمة. وقد أصدرت الهيئة الشرعية للبنك القرار التالي: قرار الهيئة الشرعية لبنك البلاد: القرار ذو الرقم (100) بتاريخ 1/1/1426هـ. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فقد درس فريق العمل الشرعي في بنك البلاد في اجتماعه (المائة) المنعقد يوم الخميس 01/01/1426هـ، ما ورد إليه من أسئلة عديدة حول حكم الاكتتاب في بنك البلاد، وقرر ما يأتي: أولاً: يجوز الاكتتاب في بنك البلاد؛ لأن البنك يخضع لسياسة شرعية تلزمه بعرض جميع أعماله على الهيئة الشرعية والالتزام بقراراتها، ومراقبة تطبيقها من خلال إدارة الرقابة الشرعية، وتنص السياسة الشرعية للبنك على ما يأتي: "بتوفيق من الله التزم بنك البلاد على نفسه منذ بداية تأسيسه تطبيق الشرع المطهر في جميع معاملاته. كما يحمل على عاتقه مراعاة مقاصد الشريعة وغايات الاقتصاد الإسلامي. ولتحقيق هذا الهدف السامي التزم في نظامه بوجود هيئة شرعية مستقلة عن جميع إدارات البنك، يعرض عليها البنك جميع أعماله؛ للتأكد من مدى موافقتها لأحكام الشريعة الإسلامية. وتجدر الإشارة في هذا المقام إلى الآتي: 1. قرارات الهيئة الشرعية ملزمة لكل إدارات البنك. 2. لا يقدم أي منتج للعملاء إلا بعد عرضه على الهيئة الشرعية، وموافقتها عليه. 3. تقوم الهيئة بمراقبة أعمال البنك؛ للتأكد من موافقة الأعمال لقراراتها. وتتولى ذلك إدارة الرقابة الشرعية. 4. تعمل الهيئة الشرعية على تطوير المنتجات بما يتفق مع القواعد الشرعية، ويحقق أهداف الاقتصاد الإسلامي وغاياته. 5. على الهيئة الشرعية تحمل مسؤولية نشر الوعي المصرفي الإسلامي في البنك، وفي مختلف جهات المجتمع." أ. هـ. وقد بدأ فريق العمل الشرعي في تنفيذ هذه السياسة منذ تشكيله في شهر ربيع الآخر لعام 1425هـ فدرس النظام الأساسي للبنك، وعقد التأسيس، ونشرة الاكتتاب المفصلة، ونشرة الاكتتاب المختصرة، ونموذج الاكتتاب، واتفاقية البنوك المشاركة في الاكتتاب، واتفاقية البنك مع مدير الاكتتاب؛ فلم يجد فيها ما يمنع من جواز الاكتتاب فيه والتعامل معه. هذا وقد فرغ فريق العمل الشرعي من دراسة عدد من عقود البنك وإجازتها، وأنهى عدداً من الضوابط الشرعية لمعاملاته. ثانياً: يجوز بيع أسهم البنك وشراؤها وتداولها بعد الإذن بتداول الأسهم في السوق؛ لأنه يملك موجودات ذات قيمة معتبرة شرعاً، ومنها: التراخيص الممنوحة للعمل كبنك، ووجود مبنى رئيس للإدارة العامة للبنك، وعدد من الفروع العاملة للبنك بتجهيزاتها يعمل فيها أكثر من ستمائة موظف، فضلاً عن وجود العديد من الأنظمة والأجهزة، إضافة للعلاقات التعاقدية مع مؤسسة النقد العربي السعودي، ومع أكثر من مئة بنك مراسل على مستوى العالم، ولأن التغيرات في قيمة السهم بعد بدء التداول لا ترتبط ارتباطا كليا بالتغير في قيمة الموجودات العينية للشركة أو مطلوباتها، بل يؤثر فيها عوامل أخرى كالعرض والطلب على الأسهم والمؤشر العام، والحقوق المعنوية وغير ذلك. ثالثاً: لا يجوز للمكتتب أن يستعمل اسم شخصٍ آخر في الاكتتاب، سواء أكان ذلك بعوض يدفعه لصاحب الاسم أم بغير عوض، لما في ذلك من تجاوز الحد المستحق له نظاما، وتعديه على حق غيره ممن التزم بالنظام، إذ إن مقتضى العدالة أن تتكافأ فرص المساهمين في الحصول على الأسهم، ولا يتحقق ذلك إلا بأن يحدد لكل واحد من المكتتبين سقف أعلى لا يتجاوزه، فالمنع من استخدام الشخص اسم غيره من السياسة الشرعية التي تتفق مع مقاصد الشريعة من جعل المال دولة بين الناس كلهم فقيرهم وغنيهم، لا أن يكون محصوراً بأيدي فئة قليلة. وفضلا عن ذلك، فإن هذا التصرف نوع من التدليس، وهو مظنة الخلاف والخصومة بين الأطراف. رابعاً: يجوز للمكتتب اقتراض قيمة الاكتتاب بقرضٍ حسنٍ يرده للمقرض بمثله بدون زيادة، فإن كان القرض مشروطاً بزيادة يدفعها المقترض للمقرض فهو محرم، سواء أكانت الزيادة المشروطة نسبية أم بمبلغ مقطوع، وسواء سمي ذلك تمويلاً أم تسهيلات بنكية أم غير ذلك، لأنه من الربا. وعوضاً عن ذلك يجوز للمكتتب الذي لا يجد ما يكفي من المال الدخول مع صاحب المال في عقد مشاركة، وما يتحقق من ربح بعد بدء التداول يتقاسمانه بينهما بحسب اتفاقهما. ويشترط أن تكون الحصة المشروطة لكل منهما من الربح شائعة كأن يقول: خذ هذا المال وما كان من ربح فيه فلك 20% منه، ولي 80%، أما لو حددت حصة الواحد منهما بمبلغ مقطوع فلا يجوز كما لو قال: خذ هذا المال فاكتتب به ولك ألف ريال من الربح ولي ما زاد على ذلك؛ لأن هذا يؤدي إلى قطع المشاركة في الربح، فقد لا تربح تلك الأسهم إلا المبلغ المذكور أو أقل، أو قد تربح أرباحا كبيرة فيشعر بالغبن. ولا يخفى أن دخول صاحب المال في عقد مشاركة مع من سيسجل السهم باسمه أقرب إلى تحقيق العدل بينهما من استئثار صاحب المال بكامل الربح، لا سيما أن هذه المشاركة لا يظهر ما يمنع منها نظاماً، فقد نص نظام الشركات على جواز أن يكون السهم مملوكاً بالاشتراك لشخصين فأكثر، على أن يكون مسجلاً باسم شخص واحد في مقابل الشركة. وفي الختام، نسأل الله أن يوفق القائمين على بنك البلاد للاستمرار بالالتزام بأحكام الشريعة، كما نحث القائمين على الشركات المساهمة على البعد عن المعاملات المحرمة في التمويل والاستثمار وغيرهما، ونحث المتعاملين في سوق المال على دعم الشركات المساهمة التي تلتزم بأحكام الشريعة الإسلامية. وفق الله الجميع لهداه، وجعل العمل في رضاه، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. أعضاء فريق العمل الشرعي في بنك البلاد الشيخ أ. د. عبد الله بن موسى العمار الشيخ د. عبد العزيز بن فوزان الفوزان الشيخ د. يوسف بن عبد الله الشبيلي الشيخ د. محمد بن سعود العصيمي والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 46588 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5574 هل يساهم في شركة تضع أموالها في البنوك ويخرج جزء من الأرباح؟ [السُّؤَالُ] ـ[أباح العلماء المشاركة في الأسهم التي أصلها حلال وموضوعة في بنوك ربوية بشرط إخراج 15 % من أصل الأرباح في الصالح العام. والسؤال: هل يجوز إعطاؤها للأقارب للانتفاع بها مثلا الأم أو الإخوة؟]ـ [الْجَوَابُ] أولاً: المساهمة في الشركات والمؤسسات التجارية تجوز بشرط أن يكون بيعها وشراؤها لمواد مباحة، وأن لا تتعامل معاملات محرمة , ومن أعظم المحرمات: أكل الربا، فإذا اختل أحد هذين الشرطين بأن تاجرت الشركة بمواد محرمة أو أنتجت المصانع شيئاً محرماً , أو تعاملت بالربا: كانت المساهمة حراماً، ووجب ترك ذلك إلى ما يباح، وإخراج نسبة مئوية من الأرباح لا يجيز تلك المساهمة، ولا يحل ذلك الربح. سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله عن حكم المساهمة في الشركات. فأجاب: " وضع الأسهم في الشركات فيه نظر؛ لأننا سمعنا أنهم يضعون فلوسهم لدى بنوك أجنبية، أو شبه أجنبية ويأخذون عليها أرباحاً، وهذا من الربا، فإن صح ذلك: فإن وضع الأسهم فيها حرام، ومن كبائر الذنوب؛ لأن الربا من أعظم الكبائر، أما إن كانت خالية من هذا فإن وضع الأسهم فيها حلال إذا لم يكن هناك محذور شرعي آخر " انتهى. " مجموع فتاوى ابن عثيمين " (18 / السؤال رقم 119) . وسئل علماء اللجنة الدائمة: هل يجوز المساهمة بالشركات والمؤسسات المطروحة أسهمها للاكتتاب العام في الوقت الذي نحن يساورنا الشك من أن هذه الشركات أو المؤسسات تتعامل بالربا في معاملاتها، ولم نتأكد من ذلك، مع العلم أننا لا نستطيع التأكد من ذلك، ولكن كما نسمع عنها من حديث الناس. فأجابوا: " الشركات والمؤسسات التي لا تتعامل بالربا وشيء من المحرمات: يجوز المساهمة فيها، وأما التي تتعامل بالربا وشيء من المحرمات: فيحرم المساهمة فيها. وإذا شك في أمر شركة ما: فالأحوط له ألا يساهم عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه) . الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. " فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (14 / 310، 311) . وسبق في جواب السؤال رقم (21127) ذكر فتوى اللجنة الدائمة في حكم المساهمة في شركات خاصة بالأعمال الخيرية والزراعية والبنوك وشركات التأمين والبترول. وفي جواب السؤال رقم (8590) تجد حكم المتاجرة بالأسهم المباحة والتحذير من المحرمة. ثانياً: الأموال التي يأخذها المساهم مساهمة محرمة يجب عليه – بعد سحب مساهمته وإيقافها – التخلص من الأموال الزائدة عن رأس ماله، وله أن يصرفها في وجوه الخير المختلفة، دون أن يرجع نفع ذلك لنفسه، فلا يُسقِط بها واجباً، ولا يدفع عن نفسه مضرة أو ظلماً , فلا يجوز له أن ينفق منها على نفسه , ولا على أهله الذين يجب عليه أن ينفق عليهم. وانظر تفصيل هذا في جواب السؤال رقم: (292) و (81952) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45929 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5575 حكم الاتجار بأسهم شركتي: (سابك وإسمنت) [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الاتجار بالأسهم الخاصة بالشركات الصناعية وخصوصا تلك المتداولة في السعودية مثل سابك وإسمنت, علما أنني لا أعلم كيف تدير مثل هذه الشركات أموالها؟ يرجى التفصيل إن أمكن.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأصل إباحة المساهمة في أي شركة لا تتعامل بمحرم من ربا وغيره، فإن تعاملت في محرم لم يجز المساهمة فيها؛ لأن السهم حصة شائعة في مال الشركة، فيحل ويحرم بحسب النشاط المتداول فيها. وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء (14/301) : هل تصح المساهمة في الشركات التجارية كشركة سابك، وشركة الراجحي للاستثمار ... ؟ فأجابت: "تجوز المساهمة في الشركات التي تتاجر في الحلال، بتنمية أموالها وأموال مساهميها عن طريق الاستثمارات الشرعية، والواجب على المسلم في هذا أن يسأل ويحتاط عن نشاط أي من الشركات، فإن وجدها على ما ذكر ساهم فيها، وإلا تركها. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. عبد العزيز آل الشيخ.. عبد الله بن غديان.. صالح الفوزان.. بكر أبو زيد. وينبغي التنبه إلى أن كثيرا من الشركات تضع جزءا من مال المساهمين في البنوك الربوية، وذلك لضمان عدم الخسارة، وتحصيل الفائدة الربوية، ودمجها مع أرباح الاستثمارات. ولا يجوز المساهمة في هذا النوع من الشركات، لأنه أكل صريح للربا، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء. رواه مسلم (1598) . ولا يكفي لإباحة هذه الأسهم أن يتخلص المساهم من نسبة الربا. وينبغي أن يَعلم كل مساهم "أنه بمجرد شرائه أسهم شركة ما فإنه يكون شريكا فيها، ليس شريكا في المال فحسب، بل شريك في العمل أيضا، وكونه لا يباشر العمل ليس معناه عدم مشاركته فيه، فإن مباشرة جميع الشركاء أعمال الشركة أمر غير متصور، لكنه حاصل من خلال تفويضهم من يقوم بالعمل عنهم، ويعمل لحسابهم ... والمساهم في الشركات المشبوهة التي تزاول الربا ضمن أعمالها يكون بإسهامه هذا قد أكل الربا فاستحق بذلك اللعن، فإن لم يأكله، كأن تصدق به، فهو موكله، على أن المساهم في الشركة المساهمة المشبوهة ليس أقل شأنا من كاتبه وشاهديه اللذين لعنا في الحديث، وتصدقه بالربا لا يعني عدم إسهامه فيه" انتهى من "الربا في المعاملات المصرفية المعاصرة" (1/751) ، رسالة دكتوراه أعدها الباحث: عبد الله بن محمد السعيدي. وقد صدر من مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 7-12 ذي القعدة 1412هـ الموافق 9 - 14 أيار (مايو) 1992 م، قرار بشأن الأسهم، جاء فيه: "أ- بما أن الأصل في المعاملات الحل فإن تأسيس شركة مساهمة ذات أغراض وأنشطة مشروعة أمر جائز. ب - لا خلاف في حرمة الإسهام في شركات غرضها الأساسي محرم، كالتعامل بالربا أو إنتاج المحرمات أو المتاجرة بها. ج - الأصل حرمة الإسهام في شركات تتعامل أحياناً بالمحرمات، كالربا ونحوه، بالرغم من أن أنشطتها الأساسية مشروعة" انتهى من مجلة المجمع (عدد 6، ج2 ص 1273 والعدد السابع ج 1 ص 73 والعدد التاسع ج2 ص5) . كما صدر من مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلام في دورته الرابعة عشرة سنة 1415 هـ الموافق 1995 قرار بهذا الخصوص، جاء فيه: "3- لا يجوز للمسلم شراء أسهم الشركات والمصارف إذا كان في بعض معاملاتها ربا أو تصنيع المحرمات أو المتاجرة فيها. 4- إذا اشترى شخص وهو لا يعلم أن الشركة تتعامل بالربا، ثم علم فالواجب عليه الخروج منها. والتحريم في ذلك واضح لعموم الأدلة من الكتاب والسنة في تحريم الربا؛ ولأن شراء أسهم الشركات التي تتعامل بالربا مع علم المشتري بذلك يعني اشتراك المشتري نفسه في التعامل بالربا، لأن السهم يمثل جزءا شائعا من رأس مال الشركة، والمساهم يملك حصة شائعة في موجودات الشركة، فكل مال تقرضه الشركة بفائدة، أو تقترضه بفائدة فللمساهم نصيب منه، لأن الذين يباشرون الإقراض والاقتراض بالفائدة يقومون بهذا العمل نيابة عنه وبتوكيل منه، والتوكيل بعمل محرم لا يجوز. وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا والحمد لله رب العالمين" انتهى. وممن وقع على هذا القرار: الشيخ عبد العزيز بن باز - رئيس المجمع- رحمه الله، والشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام، والشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد، والشيخ صالح الفوزان، والشيخ محمد بن عبد الله السبيل. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45319 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5576 هل الكسب من محل الإنترنت حلال أم حرام؟ [السُّؤَالُ] ـ[استفسار عن مكسب الإنترنت حلال أم حرام مع العلم أن هذا المحل هو الدخل الوحيد لعائلة مسلمة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الإنترنت يستخدم في الحلال والحرام، والخير والشر، فإذا أمكن ضبط المحل ومنع استعمال الإنترنت على الوجه المحرم، فالكسب الناتج حينئذ حلال. وإذا أهمل صاحب المحل في الإنكار على زبائنه ومنعِهم من الحرام، كان آثما، لعدم إنكاره المنكر، ولمعاونته لهم على الإثم والمعصية، وكان الكسب الناتج حينئذ خبيثا محرما. وانظر السؤال (34672) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39903 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5577 قرض بفائدة [السُّؤَالُ] ـ[الدولة وضعت تمويلا خاصا للاستثمار بالنسبة للشباب العاطل عن العمل المتخرج من الجامعات. وهذا التمويل مقسم إلى جزأين: الجزء الأول تمويل الاستثمار بـ 30 % من طرف صندوق تشغيل الشباب وإعادته خلال 5 سنوات بدون فوائد. الجزء الثاني تمويل الاستثمار بـ 70% من طرف بنك الدولة وإعادته خلال مدة 5 سنوات بفائدة قدرها 4 %. ما هو الحكم الشرعي في هذا التمويل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا إشكال في الاستثمار عن طريق النوع الأول من التمويل، لأنه من القرض الحسن. أما النوع الثاني: فهو قرض ربوي محرم، مهما كان حجم الفائدة الربوية. قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: (وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المُسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية، فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا. وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة. ولأنه عقد إرفاق وقربة (يعني: القرض) ، فإذا شرط فيه الزيادة أخرجه عن موضوعه) المغني 6/436 فإن أمكنك الاشتراك في النوع الأول، فلا حرج عليك؛ لما ذكرنا من إباحته. وإن كان ذلك مشروطا باشتراكك في النوع الثاني، حرمت المشاركة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39505 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5578 كيف يتخلص من أسهم البنوك الربوية؟ [السُّؤَالُ] ـ[رجل اشترى أسهما من بنك يتعامل بالربا، ويريد الآن أن يتخلص منها، فماذا يفعل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يجوز شراء أسهم البنوك الربوية، أو الشركات القائمة على الربا؛ لما في ذلك من أكل الربا , وقد لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ. رواه مسلم (1597) . وقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي في دورة مؤتمره السابع بجدة في 1412هـ ما يلي: " لا خلاف في حرمة الإسهام في شركات غرضها الأساسي محرم، كالتعامل بالربا، أو إنتاج المحرمات، أو المتاجرة بها " انتهى. " مجلة المجمع الفقهي" العدد السابع، المجلد الأول، (ص711) . ثانيا: من ابتلي بشراء هذه الأسهم، فالواجب عليه أن يتوب إلى الله تعالى، بالندم على ما فات، والعزم على عدم العود، وبالخروج من البنك أو الشركة، وبيع هذه الأسهم، وليس له إلا رأس ماله فقط، وما زاد على رأس المال فإنه ينفقه في وجوه البر. سئل علماء اللجنة الدائمة: كانت لي مساهمات في شركة، وأفلست هذه الشركة قبل 25 عاما، وكان هناك أوصياء على الشركة، اشتروا بالمبلغ المتبقي أسهما في بنك الرياض قبل 25 عاما، بمبلغ ألف ريال للسهم الواحد، والآن ثمن السهم الواحد 30 ألف ريال، وأنا بحاجة لهذا المبلغ، فهل يجوز لي أن آخذ المبلغ الحالي للسهم؟ علما بأن شراءهم لأسهم بنك الرياض تم بدون علمنا طيلة هذه المدة. فأجابوا: " تسلّم المبلغ كله، أصله وفائدته، ثم أمسك أصله؛ لأنه ملك لك، وتصدق بالفائدة في وجوه الخير؛ لأنها ربا، والله يغنيك من فضله، ويعوضك خيرا منها، ويعينك على قضاء حاجتك، ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب، ومن يتوكل على الله فهو حسبه " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/506) . وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/508) أيضاً: " المساهمة في البنوك أو الشركات التي تتعامل بالربا لا تجوز، وإذا أراد المكتتب أن يتخلص من مساهمته الربوية فيبيع أسهمه بما تساوي في السوق، ويأخذ رأس ماله الأصلي فقط، والباقي ينفقه في وجوه البر، ولا يحل له أن يأخذ شيئا من فوائد أسهمه أو أرباحها الربوية، أما إن كانت المساهمة في شركة لا تتعامل بالربا فأرباحها حلال " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 35726 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5579 عشر نصائح للذين فقدوا أموالهم في شركات الاستثمار [السُّؤَالُ] ـ[ما هي النصيحة التي تقدم لمن فقدوا أموالهم في شركات الاستثمار؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله 1- ينبغي على المسلم أن يسعى في استثمار أمواله في مجال مباح، ليس بمحرم، وأن يجتنب الشبهات. 2- أن يختار القوي الأمين القادر على إدارة المال وتنميته واستثماره الخبير بوجوه تقليبه. 3- أن يكون عقد المضاربة والاستثمار صحيحاً شرعاًَ، خالياً من الشروط الباطلة والمحرمة، فلا يجوز الدخول في عقد فيه ضمان رأس المال أو مبلغاً محدداً من الأرباح ويجب أن تكون نسبة الشريكين معلومة ... الخ. 4- على المضارب المستثمر أن يتقي الله تعالى في إدارته لأموال الناس، فلا يأخذ ما لا قدرة له على إدارته، ولا يقبل من أحد مالاً يعلم أنه سيُقصر في استثماره، وعليه أن يلتزم بشروط المضاربة، فإذا شرط لرب المال أن يستثمر المال في بلد معين، فلا يجوز أن يخرج عنه، وإذا شرط أن يستثمر له في مجال معين فلا يجوز أن يتعداه، ولا يجوز أن يحتال على الناس فيوهمهم أنه يربح وهو لا يربح، ومن الكبائر أن يعطي أرباح المساهمين القدامى من رؤوس أموال الجدد وليس عنده تجارة حقيقة ينمي فيها المال، ولا يجوز أن يغري الناس بنسب أرباح عالية وهو يعلم يقيناًَ أنه لا توجد لديه تجارة تنتج مثل هذه النسبة من الأرباح. 5- وعليه أن يخاف الله في أموال الناس فيوفر لها من الطاقم الإداري والمالي وأصحاب الخبرات، القادرين على تنمية هذه الأموال التي يستلمها الناس. في حالة حدوث الخسارة: - يجب على المضارب أن يكون صادقاً أميناً بإبلاغ الناس بحقيقة ما حصل. - وإذا حصل منه تعد أو تفريط فعليه ضمان ما فرط فيه. ويتحمل هو الخسارة الناتجة من تضييعه وتفريطه. - على رب المال إذا خسر أن يرضى بقضاء الله وقدره وأن يسعى إلى تخفيف المصيبة ومعالجة آثارها وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من رأس المال بكل الطرق المباحة والمشروعة. - إن الرضى بالقضاء والقدر يجنب من خسر ماله الانهيار النفسي والإحباط المعنوي، فلا يصاب بالجنون أو بسكتة قلبية، أو ينتحر كما يقع لبعض غير الصابرين، وعليه أن يتذكر الحقائق التالية: المصائب التي تصيب الإنسان في نفسه، أو ماله أو في أسرته، أو في مجتمعه ليست شراً محضاً، يوجب الجزع بل هي خير للمؤمن إن أحسن تلقيها والتعامل معها، فهي: أ – خير له كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) رواه مسلم (2999) . ب – لعل الله أراد به خيرا: روى البخاري (5645) عن أَبي هُرَيْرَةَ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ) . قال الحافظ: قَالَ أَبُو عُبَيْد الْهَرَوِيُّ: مَعْنَاهُ يَبْتَلِيه بِالْمَصَائِبِ لِيُثِيبَهُ عَلَيْهَا. ج- ولعل الله يحبه: (إِذَا أَحَبَّ اللَّه قَوْمًا اِبْتَلاهُمْ , فَمَنْ صَبَرَ فَلَهُ الصَّبْر، وَمَنْ جَزَع فَلَهُ الْجَزَع) . وَرُوَاته ثِقَات. وعن سَخْبَرَة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (مَنْ أُعْطِيَ فَشَكَرَ , وَابْتُلِيَ فَصَبَرَ , وَظَلَمَ فَاسْتَغْفَرَ , وَظُلِمَ فَغَفَرَ , أُولَئِكَ لَهُمْ الأَمْن وَهُمْ مُهْتَدُونَ) . أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ حَسَن اهـ كلام الحافظ. د- لقد أبان الله في كتابه طريقة تريح القلوب، وتهدئ ثائرة النفس، وذلك بالصبر والاسترجاع، وقرن ذلك بالجزاء الأوفى من الله، والثواب الذي يرفع الله به درجة الصابر المحتسب، وهو وعد من الله سينجزه سبحانه، كما قال سبحانه: (وبشّر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) البقرة/155-157. قال القرطبي: وقد جعل الله عز وجل، كلمات الاسترجاع، وهي قول المصاب: إنا لله وإنا إليه راجعون ملجأ وملاذاً لذوي المصائب، وعصمة للممتحنين من الشيطان، لئلا يتسلط على المصاب فيوسوس له بالأفكار الرديئة، فيهيّج ما سكن، ويظهر ما كمن لأنه إذا لجأ لهذه الكلمات، الجامعات لمعاني الخير والبركة، فإن قوله: إنا لله إقرار بالعبودية، والملك واعتراف العبد لله، بما أصابه منه، فالملك يتصرف في ملكه كيف يشاء، وقوله: إنا إليه راجعون إقرار بأن الله يهلكنا، ثم يبعثنا، فله الحكم في الأولى، وله المرجع في الأخرى , وفيه كذلك رجاء من عند الله بالثواب. ومن بركة هذا الاسترجاع العاجلة، بالإضافة إلى ما ذكر، ما ورد عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من مسلم تصيبه مصيبة، فيقول ما أمره الله به: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيراً منها، إلا أخلف الله خيراً منها. هـ - أنها كفارة للسيئات لما روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَا مِنْ مُصِيبَةٍ تُصِيبُ الْمُسْلِمَ إِلا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا عَنْهُ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا. رواه البخاري ومسلم. د – أنّ المطلوب التماسك والصبر عند أول سماع الأنباء السيئة وورود خبر انهيار شركات الاستثمار مثلا وهذا يحمي من الجلطة والسكتة والانهيارات النفسية والعصبية، بالإضافة إلى أنّ الصبر الذي يثاب عليه المرء هو ما كان عند بداية الصدمة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى. رواه البخاري (1238) ومسلم (926) . قال النووي: مَعْنَاهُ الصَّبْر الْكَامِل الَّذِي يَتَرَتَّب عَلَيْهِ الأَجْر الْجَزِيل لِكَثْرَةِ الْمَشَقَّة فِيهِ اهـ. و إن العبد إذا أحسن التعامل مع المصيبة صارت في حقه نعمة، إذ يكفر الله بها من خطاياه، ويرفع بها درجته. قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت ويبتلي الله بعض القوم بالنعم ز - على المسلم أن يوقن يأن ذهاب ماله ليس دليلا على إهانة الله له فقد أخبرنا الله أن الغنى والفقر مطيتا الابتلاء والامتحان. فقال سبحانه: (فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ) الفجر / 16. ح - على المسلم أن يقتدي عند المصيبة بمن سبق من أهل البلاء من عباد الله الصالحين، قال تعالى في تفريجه عن أيوب عليه السلام (رحمة من عندنا) أي رفعنا عنه شدته وكشفنا ما به من ضر رحمة منا به ورأفة واحسانا (وذكرى للعابدين) أي تذكرة لمن ابتلى في جسده أو ماله أو ولده فله أسوة بنبي الله أيوب حيث ابتلاه الله بما هو أعظم من ذلك فصبر واحتسب حتى فرج الله عنه وقد جاء للوليد بن عبد الملك شيخ من عبس كفيف البصر، ولما جلس عنده في عشية أحد أيام، سأله الوليد عن حاله؟ فقال: يا أمير المؤمنين، لقد بت في ليلة من الليالي، وما في عبس رجل أكثر مني مالاً، وخيلاً وإبلاً، وولداً ولا أعزهم نفراً، وأكثرهم جاهاً. فطرقنا سيل ذهب بالأهل والولد والمال، ولم يبق من ظعننا إلا غلام ولد حديثاً، وبكر شرود وهو ولد الناقة الصغير , فاتجهت للصبي وحملته، ثم لحقت بالبكر الذي ند، ولما عجزت عن اللحاق به، وضعت الصبي في الأرض، وسرت وراء البكر، فسمعت صراخ الصبي، ولما رجعت إليه وجدت الذئب قد أكله، فلحقت بالبعير، ولما أمسكت به، رمحني برجله على وجهي، فذهب بصري، وألقاني على قفاي , ولما أفقت إذا بي في المساء من أصحاب الثروة والمال والحلال، والولد والجاه والمكانة بين القبائل، قد أصبحت في الغداة، صفر اليدين لا بصر في عينيّ، ولا ولد ولا أهل ولا مال، فحمدت الله على ذلك، فقال الوليد: اذهبوا به إلى عروة بن الزبير، ليعلم أن في الدنيا من هو أكثر منه بلاء، وأشد تحملا وصبراً. فإذا ابتليت بمحنة فاصبر لها صبر الكريم فإن ذلك أحكم وإذا ابتليت بكربة فالبس لها ثوب السكوت فإن ذلك أسلم لا تشكونّ إلى العباد فإنما تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم وكم من بلاء يكون نعمة على صاحبه، فرب عبد تكون الخيرة له في الفقر والمرض، ولو صح بدنه وكثر ماله لبطر وبغى (ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض) الشورى / 27 0 كن عن همومك معرضا وكل الأمور إلى القضا وأبشر بخير عاجل تنسى به ما قد مضى فلرب أمر مسخط لك في عواقبه رضى ولربما ضاق المضيق ولربما اتسع الفضا الله يفعل ما يشاء فلا تكن معترضا الله عودك الجميل فقس على ما قد مضى ط- إن انهيار شركات الاستثمار لا يعني أنه لا يرجع إليه شيء من ماله بل ربما يعود إليه نصفه أو أكثر أو أقل، وحتى لو خسر المال كله فليست تلك نهاية العالم، ولا فقدان كل الأمل بل يمكن أن يرزقه الله مالاًَ آخر في المستقبل ويعوضه إذا صبر. 6- تجب التوبة إلى الله على كل من كذب بالمعلومات أو أوهم غيره بشيء غير حقيقي أو استعمل التلبيس والتدليس، أو كان يأخذ مالاً من الناس لاستثماره بأمر معين ثم يخدعهم بوضعه في شركات الاستثمار المنهارة ويقسم الربح بينه وبينهم. وكذلك من غامر بأموال الناس أو بمدخرات أخته أو أمه أو زوجته ولم يبين لها حقيقة ما سيفعله بمالها وكذلك من اقترض بالربا ليدخل في شركات الاستثمار هذه، ولعل في انكشاف الحقائق دروساً عظيمة وعبراًَ بليغة تجب الاستفادة منها. 7- ينبغي على الناصحين والذين سبق وأن حذروا الناس من أمثال هذه المغامرات، أن يعلموا أنه لا مجال للشماتة في مثل هذه الأحوال وأن عليهم السعي بكل وسيلة لتخفيف المصاب، والتسلية عن الأحزان وتقديم أنواع المساندة للمتضررين. 8- إن الدين الإسلامي وأهله الصادقين المتمسكين به لا يتحملون بأي حال من الأحوال نتائج أي عمل من أعمال الكذب أو الغش أو التدليس أو الخيانة أو سوء التصرف أو المغامرة بالأموال على غير هدى والخبط العشوائي فيها وتبديدها ي مجالات خاسرة أو تعريضها للنصب والاحتيال وإنما يتحمل كل مذنب ومفرط جريرة ما فعله هو وحده ولا يجوز أن يحمَّل الآخرون نتيجة طيشه ومسؤولية سوء تصرفه أو كذبه واحتياله قال الله تعالى: (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) وقال تعالى: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا) وقال (اعدلوا هو أقرب للتقوى) وقال تعالى: (كونوا قوامين بالقسط) . 9- يجب سلوك السبل الشرعية عند حصول الخسائر فيقسم المال الباقي بعد الخسارة على أصحاب رأس المال فيكونون أسوة فيعطى كل منهم نسبة من المال الباقي بحسب نسبته من رأس المال الأصلي. ولا يجوز أن يقوم سوق السماسرة المحرم بشراء الديون والأموال التي لم يتم تحصيلها بمبالغ أقل لأن ذلك يجمع بين ربا الفضل وربا النسيئة، والربا من أكبر الكبائر. 10- ينبغي على المسلمين أن يتسع صدور بعضهم لبعض، فلا مجال للسباب أو المشاتمة أو طلاق الزوجة أو العقوق وقطع الرحم أو الاعتداء على الآخرين. وينبغي على المقتدرين من المسلمين المساعدة بما أمكن في تعويض أصحاب رأس المال من المساكين والضعفاء والأيتام والأرامل، والعجائز، وأصحاب الدخول المحدودة والذين باعوا بيوتهم، وسياراتهم وقاموا بتصفية تجاراتهم لوضعها في الاستثمار الخاسر، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأموال الخيرية التي وضع بعضها ظلماً وعدواناً في هذه المضاربات بلا إذن من المتبرعين بها وليس وراءها أصوات تلح وتطالب بحقها. وعلى المحامين المسلمين السعي في إعانة الضعفاء على تحصيل حقوقهم واحتساب الأجر في استنقاذ الأموال الخيرية، وتبرئة الأبرياء وتقديم المشورة والنصح في الدين. نسأل الله أن يخلف للمصابين وأن يعوضهم خيرا من عنده ويرزقهم الصبر على ما أصابهم وهو خير الرازقين. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 34808 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5580 أسهم شركات الاتصالات والخدمات [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم شراء أسهم شركات الاتصالات علماً أن هذه الشركات تزود قطاعات تعمل في المحرمات كبنوك الربا وغيرها، ويتم عن طريقها خدمات محرمة أخرى مثل مسابقات الميسر التلفزيونية وخطوط 700 لطلبات الموسيقى والأغاني وغير ذلك بالإضافة إلى الخدمات الجائزة الكثيرة والمباحة كما هو معلوم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ينبغي على المسلم الابتعاد عن الشبهات والتورع عن الدخول في المكاسب المختلطة ومن أصر على المساهمة واشترى أسهما منها فعليه أن يتخلص من أرباح الجزء المحرم من هذه المكاسب وذلك عن طريق التحري والسؤال والاجتهاد وغلبة الظن. نسأل الله أن يكفينا بحلاله عن حرامه وأن يغنينا بفضله عمن سواه. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 34512 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5581 المتاجرة بالأسهم [السُّؤَالُ] ـ[يستثمر العديد من المسلمين في الأسهم (سوق الأسهم) . ويقولون أنه طالما وجدت مخاطرة احتمال المكسب والخسارة , وطالما أن هذا النوع من الاستثمار يتصل بالأعمال التجارية ولا يشمل التداول الجانبي للأسهم؟ أو الضلوع في استثمارات بفوائد, فلم لا. نرجو توضيح حدود الاستثمار في سوق الأسهم, وهل هو محرم, ولماذا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا بأس ببيع الأسهم وشرائها إذا كانت أسهماً لشركات مباحة، فإذا كانت الشركة زراعية مثلا تنتج المحاصيل الزراعية المباحة فيجوز له شراء أسهمها وبيعها، كذلك إذا كانت الشركة تعمل في العقار أو الصناعة وما أشبه ذلك. ويجوز له أن يشتري أسهم الآخرين ويدفع لهم الثمن فوراً حتى لا يكون بيع دين بدين. ويستثنى من ذلك إذا كانت الشركة تتعامل بالمحرمات كبيع الخمور والدخان وأشرطة الغناء فلا يجوز المساهمة بها، أو شراء أسهمها. وإذا كانت تتعامل بالربا علانية فلا يجوز له التعامل معها، لكن إذا اضطرت الشركات الصناعية والزراعية والتجارية إلى إيداع أموالها لدى البنوك لحفظها من الضياع والسرقة فيجوز للضرورة وعلى القائمين على الشركات التخلص من الربا الذي تدفعه إليها البنوك على الودائع. وكذلك على الشركات أن تمتنع عن تشغيل مصانعها وخطوط إنتاجها بالقروض الربوية بل يكون ذلك من سيولتها وأموال المساهمين. والله ولي التوفيق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 8590 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5582 نظام الادخار في أرامكوا والموقف من اختلاف الفتوى فيه [السُّؤَالُ] ـ[نحن مجموعة من موظفي أرامكو السعودية، يهمنا كما يهم أي فرد مسلم شرعية الأموال التي يحصل عليها، وإننا في الآونة الأخيرة وقعنا في حيرة عظيمة لا يعلم بها إلا الله عز وجل، لعل عندكم شيئاً من علم عن نظام الادخار في أرامكو السعودية، (فالشركة تحفزني بأن أدخر عندهم بإعطائي مكافئة عند التقاعد أو عند ترك العمل في الشركة. المساهمة هي نسبة مئوية من مساهمتي حسب بقائي في الخدمة، مثلاً إذا كانت مساهمتي الكلية 100000 ريال وخدمتي في الشركة 10 سنوات فتكون مكافئتي من الشركة هي 100000 ريال. وإذا كانت مدة خدمتي 7 سنوات فتكون مكافئتي 70% فقط من 100000 ريال وهي 70000 ريال. وإننا كما نعلم مسبقا أن هذا النظام محرم شرعا بحكم فتوى اللجنة الدائمة الصادر في ذلك، ولكننا في الآونة الأخيرة جاءتنا فتوى من الشيخ عبد الله بن منيع حفظه الله بجواز هذا النظام الادخاري، فوقعنا بذلك في حيرة، فلا نعلم هل نتبع اللجنة أم نتبع الشيخ المنيع بحكم تخصصه في المجالات الاقتصادية.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نظام الادخار المعمول به في شركة أرامكوا نظام محرم، وهو ربا صريح؛ لكونه قرضاً جر نفعاً، فإن من دفع 100,000 ليأخذها بعد مدة عشر سنوات، أو سبع، أو غير ذلك، مضافا إليها مكافأة قدرها 100,000 أو 70,000، أو ريالا واحدا، فقد وقع في الربا الصريح، المحرم بإجماع العلماء. قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: (وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المُسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية، فأسلف على ذلك، أَنَّ أخذ الزيادة على ذلك ربا. وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرضٍ جرَّ منفعة.) المغني 6/436 ولا عبرة بتسمية الشركة لهذه المعاملة ادخارا أو استثمارا أو مضاربة، فإن كل استثمار ضُمن فيه رأس المال لصاحبه، فهو عقد قرض، وإن سماه الناس غير ذلك، فالعبرة بحقائق الأشياء لا بمسمياتها. أما الاستثمار، أو التوفير، أو الادخار المشروع فيقوم على أسس أهمها: 1- أن يكون المال منك، والعمل من الطرف الآخر، ولا مانع أن يدخل بحصة من المال مع العمل. 2- أن يكون مجال الاستثمار مباحا، معلوما لك، فإن غالب هذه الشركات تستثمر المال بوضعه في بنوك الربا، أو إقامة مشاريع غير مباحة. 3- أن تتفقا على نسبة محددة من الربح، لا من رأس المال، فيكون لك 50 % أو 10 % من الربح مثلا. 4- أن لا يضمن المضارب لك رأس المال، بل متى وقعت الخسارة - بلا تفريط منها - فالخسارة في مالك، ويخسر هو عمله. وحيث كان رأس المال مضمونا فالمعاملة قرض يلزم سداده دون زيادة، فإن اشتُرطت فيه الزيادة فهو ربا. نسأل الله أن يصرف عنا الربا وشره وخطره، وأن يغنينا بحلاله عن حرامه. والحاصل أن نظام الادخار في شركة أرامكو محرم؛ لضمان رأس المال فيه، ولكون الربح نسبة محددة من رأس المال، فهو حينئذ قرض بفائدة، ولجهالة الجهة التي تستثمر فيها الأموال. وقد أشارت اللجنة الدائمة إلى بطلان الدعوى بأن ما يعطاه الموظف مكافأة من الشركة؛ لأنها لا تعطي هذا إلا لمن يدخر، ولو كانت مكافأة محضة لشملت جميع الموظفين. - وكما ذكر السائل فقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء برئاسة الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله ومعه الشيخ عبد الرزاق عفيفي والشيخ عبد الله بن غديان والشيخ عبد الله بن قعود – وهم من كبار العلماء – عن نظام الإدخار في شركة أرامكوا فأجابوا بما نصه: " الاشتراك في نظام الادخار بشركة أرامكوا حرام؛ لما فيه من ربا الفضل وربا النسأ، وذلك لما فيه من تحديد نسبة ربوية تتراوح ما بين خمسة بالمائة ومائة بالمائة من المال المدخر للموظف السعودي، وكذا ما يُعطاه الموظف المُدَخِر من المكافأة دون من لم يدخر من موظفيها، كما هو منصوص في نظام ادخارها. " فتاوى اللجنة الدائمة 13/510-515 وكذا أفتى الشيخ محمد بن صالح العثيمين وغيره من أهل العلم بتحريم نظام الإدخار في شركة أرامكوا. ثانياً: إذا اختلف العلماء في الحكم الشرعي في مسألة شرعية فعلى المستفتي أن يجتهد في معرفة الحق بالنظر في أدلة كلا الفريقين فيعمل بما ترجح له. هذا فيما لو كان المستفتي طالب عالم له القدرة على الترجيح. أما إن لم يتمكن من الترجيح نظراً لعدم تخصصه في العلم الشرعي فالواجب عليه أن يأخذ بقول الأعلم والأوثق عنده، وليس له أن يتخير من الأقوال ما يشاء. وفي مسألتنا هذه تبين أن كبار العلماء أفتوا بالتحريم، وهم أعلم وأوثق ممن خالفهم – وليس هذا قدحاً في الطرف الثاني -، لذا فالواجب عليك الابتعاد عن هذا النظام لما تقدم. وقد سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله عن موقف المسلم من اختلاف العلماء فأجاب: " إذا كان المسلم عنده من العلم ما يستطيع به أن يقارن بين أقوال العلماء بالأدلة، والترجيح بينها، ومعرفة الأصح والأرجح وجب عليه ذلك، لأن الله تعالى أمر برد المسائل المتنازع فيها إلى الكتاب والسنة، فقال: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) النساء/59. فيرد المسائل المختلف فيها للكتاب والسنة، فما ظهر له رجحانه بالدليل أخذ به، لأن الواجب هو اتباع الدليل، وأقوال العلماء يستعان بها على فهم الأدلة. وأما إذا كان المسلم ليس عنده من العلم ما يستطيع به الترجيح بين أقوال العلماء، فهذا عليه أن يسأل أهل العلم الذين يوثق بعلمهم ودينهم ويعمل بما يفتونه به، قال الله تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) الأنبياء/43. وقد نص العلماء على أن مذهب العامي مذهب مفتيه. فإذا اختلفت أقوالهم فإنه يتبع منهم الأوثق والأعلم، وهذا كما أن الإنسان إذا أصيب بمرض فإنه يبحث عن أوثق الأطباء وأعلمهم ويذهب إليه لأنه يكون أقرب إلى الصواب من غيره، فأمور الدين أولى بالاحتياط من أمور الدنيا. ولا يجوز للمسلم أن يأخذ من أقوال العلماء ما يوافق هواه ولو خالف الدليل، ولا أن يستفتي من يرى أنهم يتساهلون في الفتوى. بل عليه أن يحتاط لدينه فيسأل من أهل العلم من هو أكثر علماً، وأشد خشية لله تعالى " انتهى من كتاب اختلاف العلماء أسبابه وموقفنا منه ص23، أنظر السؤال (22652) . وعلى المسلم أن يحذر من استفتاء من عُرف بالتساهل ومخالفة من هو أعلم منه من العلماء الثقات، وليحذر المسلم من اتباع الهوى والأخذ بالفتاوى التي توافق ما تريده نفسه وتهواه فإن المسلم مطالب بمخالفة هوى النفس، قال تعالى: (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى) والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 30842 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5583 الاشتراك في نظام الإدخار في شركة البترول [السُّؤَالُ] ـ[1. ما حكم الإدخار في شركة أرامكو خصيصا سواءًَُ مستثمر أو لا؟ 2. ماهي التقية عند السنة والشيعة؟ 3. هل يجوز تسمية الشيخ إبن باز بالإمام؟ ومن هم الأئمة عند السنة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله 1- الادخار في شركة أرامكو سواء استثمر أم لا الذي يظهر منعه لأنه أخذ لمالٍ أقل وبذل مال أكثر من المال المأخوذ وهذا عين الربا لأنه مع استثماره غير خاضع للزيادة أو النقص بل ربحه مضمون فالظاهر منعه. 2- التقية عند أهل السنة المداراة دون المداهنة عند الحاجة إلى المداراة والنطق بما لا يعتقده الشخص إذا خاف المسلم على نفسه وقلبه مطمئن بالإيمان. أما عند الشيعة فهي إظهار الموافقة للمخالف ولو كان محقا مع إبطان مخالفته والاستمرار على ما عندهم من ضلالات وهي عين النفاق الذي هو إظهار الإسلام وإبطان الكفر. 3 – الشيخ ابن باز إمام من أئمة الهدى، وممن برز في علوم الشريعة ونصرها واهتم بها واستحق الإمامة في الدين. [الْمَصْدَرُ] الشيخ: عبد الكريم الخضير. الحديث: 21087 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5584 لديه بطاقة ائتمان ويشتري السلع لغيره من الإنترنت بربح [السُّؤَالُ] ـ[عندي بطاقة ائتمان إسلامية أقوم أحيانا ببيع الأشياء التي تكون على الإنترنت (مثل تذاكر الطيران والكتب وما إلى ذلك) لأناس ليس عندهم بطاقات ائتمان، فمثلا الشيء الذي سعره 100 دولار أعطيه للمشتري بـ 120 دولار وهو يوافق على هذا السعر، فهل ما أكسبه من مال من هذا الشغل يعتبر حلالاً؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج في استعمال بطاقة الائتمان في الشراء عن طريق الإنترنت وغيره إذا خلت من المحاذير الشرعية، وينظر في ذلك جوال السؤال رقم (118034) . وأما توفير هذه السلع لأناس ليس لديهم بطاقة ائتمان فله صورتان: الأولى: أن تشتري السلعة التي يرغبون فيها ويشيرون بها عليك، ثم إذا ملكتها ووصلت إليك بعتها عليهم بالربح الذي ذكرت، فهذا جائز؛ لأنه من البيع الذي أحله الله. ولا يجوز بيعها عليهم قبل تملكك وحيازتك لها؛ لما روى النسائي (4613) وأبو داود (3503) والترمذي (1232) عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَأْتِينِي الرَّجُلُ فَيَسْأَلُنِي الْبَيْعَ لَيْسَ عِنْدِي أَبِيعُهُ مِنْهُ، ثُمَّ أَبْتَاعُهُ لَهُ مِنْ السُّوقِ قَالَ: (لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ) والحديث صححه الألباني في صحيح النسائي. وروى أحمد (15399) والنسائي (4613) أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَشْتَرِي بُيُوعًا، فَمَا يَحِلُّ لِي مِنْهَا وَمَا يُحَرَّمُ عَلَيَّ، قَالَ: (فَإِذَا اشْتَرَيْتَ بَيْعًا فَلَا تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ) وصححه الألباني في صحيح الجامع (342) . وأخرج الدارقطني وأبو داود (3499) عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه (نَهَى أَنْ تُبَاعَ السِّلَعُ حَيْثُ تُبْتَاعُ حَتَّى يَحُوزَهَا التُّجَّارُ إِلَى رِحَالِهِمْ) والحديث حسنه الألباني في صحيح أبي داود. وفي الصحيحين من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ) رواه البخاري (2133) ومسلم (1525) وزاد: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَأَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ. والصورة الثانية: أن يكون دورك هو التمويل فقط، أي دفع 100 عن المشتري، لتسترد 120 من غير أن تشتري السلعة لنفسك وتقبضها أولا، وهذا إقراض بالربا، فلا يجوز، وهو كبيرة من كبائر الذنوب؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278، 279. وروى مسلم (1598) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 137072 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5585 التوكيل في الشراء عن طريق بطاقة " الكرديت كارد". [السُّؤَالُ] ـ[أعيش في أفريقيا وأريد شراء بعض الأغراض عبر الإنترنت من الولايات المتحدة، ويتطلب الشراء الدفع عن طريق "الكردت كارد" وليس لدي ذلك، ولكن لدي صديق هناك سيشتري لي هذه الأغراض مستخدماً الكرت الذي لديه، وأقوم أنا بإرسال المبلغ إليه، فهل هذا جائز؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز استعمال البطاقات التي يُلزَم أصحابها بدفع غرامة مالية حال تأخرهم في السداد، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (97530) (11179) . فإن كانت بطاقة صديقك خالية من هذا الشرط، فلا حرج عليك في توكيله بشراء ما تريد وإرسال المبلغ المستحق له فيما بعد ذلك. وأما إذا كانت تشتمل على هذا الشرط، فلا يجوز لك توكيله بالشراء عن طريق هذه البطاقة؛ لأن ما لا يجوز للإنسان فعله لا يجوز له أن يوكل غيره فيه. جاء في " الموسوعة الفقهية الكويتية " (25 /66) : " لاَ يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ لِغَيْرِهِ فِي كُل مَا لاَ يَصِحُّ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ بِنَفْسِهِ ... لأَِنَّ الْوَكِيل يَقُومُ مَقَامَ الأَْصِيل ". وقال الشيخ ابن عثيمين: " هذه قاعدة: فكل من له التصرف في شيء فله أن يوكل وله أن يتوكل، ومن ليس له التصرف فيه، فليس له أن يوكل، وليس له أن يتوكل ". الشرح الممتع (9/90) . والواجب عليك أن تبحث عن طريقة أخرى تشتري بها ما تحتاجه من الأغراض، خاصة بعد وجود عدد من البطاقات التي يمكن شحنها بمبالغ محددة واستخدامها بحدود هذا المبلغ من غير احتساب فوائد ربوية. فإن كانت هذه البطاقة خالية من هذا الشرط الربوي، فلا حرج عليك أن توكل صاحبك أن يشتري لك، ثم ترسل له المبلغ بعد ذلك، وهذا لا يعتبر صرف نقود بنقود حتى يشترط فيه التقابض، ولكنه في حقيقته اقتراض منك من صاحبك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129976 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5586 قريبه يسدد أقساط الفيزا الربوية عن طريق الإيداع في حسابه [السُّؤَالُ] ـ[لي قريب وعنده فيزا إسلامية على حد قول البنك , وعند نهاية كل شهر يقوم قريبي بإيداع قيمة القسط المستحق على الفيزا في حسابي لكي أودعه في حساب الفيزا التي تخصه ,لأنه لا يملك أي حساب في البنك الذي قد أعطاه الفيزا , بينما أنا أملك حسابا فيه , السؤال هو: 1- هل عليّ أي إثم بمساعدته على تسديد الفيزا؟ لأنه في نظري لا أعتقد بأن الفيزا التي معه إسلامية , لأن البنك يأخذ عليه عمولة تمويل عند نهاية كل شهر وهنالك عمولة تأخير في حالة التأخر في السداد. 2- (تابع للسؤال الأول) , عندي في حسابي مبلغ من المال , فعندما أودع قريبي مبلغ قسط الفيزا في حسابي , اختلط مبلغ قسط الفيزا بمالي الذي في الحساب , فهل أصبح مالي حراماً؟ وماذا يجب أن أفعل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج في التعامل ببطاقة الفيزا إذا سلمت من المحاذير التالية: 1- اشتراط فائدة أو غرامة في حال التأخر عن السداد. 2- أخذ رسوم إصدار على البطاقة غير المغطاة، زيادة على التكلفة الفعلية. 3- أخذ نسبة على عملية السحب في حال كون الفيزا غير مغطاة، ويجوز أخذ الأجرة الفعلية فقط،، وما زاد على ذلك فهو ربا. 4- شراء الذهب والفضة والعملات النقدية، بالبطاقة غير المغطاة. وينظر جواب السؤال رقم (118034) ورقم (97530) . وإذا كان البنك يأخذ عمولة في حال التأخر في السداد، فهذه بطاقة ربوية لا يجوز التعامل بها، ولا إعانة من يتعامل بها؛ لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2. وعليه؛ فالواجب نصح قريبك بإلغاء هذه البطاقة، والامتناع عن مساعدته في سداد قسط الفيزا بالطريقة التي ذكرت. ولا يضر اختلاط ماله بمالك، فإن ماله الذي أودعه في حسابك مالٌ مملوك له، والتحريم إنما هو في نفس الاقتراض الربوي أو التعامل بالفيزا الربوية. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129776 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5587 قبول التبرعات ممن يدفع ببطاقة الفيزا مع أخذ شركة الفيزا نسبة 2.5% من المال [السُّؤَالُ] ـ[أنا أعيش في الغرب لمدة محدودة إن شاء الله، وهناك الكثير من الإخوة هنا يقومون بعمل مشاريع خيرية في بلاد المسلمين ويقومون بجمع التبرعات من الإخوان هنا ولكن بعضهم يجمع التبرعات عن طريق شبكة الإنترنت ويسمح بالدفع باستخدام بطاقة الفيزا، ومن المعلوم أن شركة الفيزا تقوم بخصم قيمة 2.5% من المال كرسوم تحصيل ومعظم بطاقات الفيزا هنا هي من النوع غير المغطى. فما الحكم الشرعي جزاكم الله خيراً؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا حرج في جمع التبرعات عن طريق الإنترنت والسماح لمريد التبرع بالدفع عن طريق الفيزا، على أن تتحمل الجهة الجامعة للتبرعات عمولة شركة الفيزا، ولا يتحملها الدافع. وذلك أن أخذ شركة الفيزا هذه العمولة (2.5%) من الجهة الجامعة للتبرعات، يعتبر أجرة على تحصيل المال لها. ولا يجوز أخذ النسبة من العميل (دافع التبرع) ثم إعطاؤها لشركة الفيزا، في حال كون الفيزا غير مغطاة؛ لأن ذلك مآله إلى الربا، لكونه قرضا جر نفعا، فالسحب من الفيزا غير المغطاة: قرض يأخذه العميل من الشركة، فلا يجوز أن يدفع زيادة عليه. وقد قد صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي بذلك في دورته الثانية عشرة بالرياض في المملكة العربية السعودية، من 25 جمادى الآخرة 1421هـ إلى غرة رجب 1421هـ (23-28 سبتمبر 2000) ، ونصه: " ب- جواز أخذ البنك المصدر من التاجر عمولة على مشتريات العميل منه، شريطة أن يكون بيع التاجر بالبطاقة بمثل السعر الذي يبيع به بالنقد. ثالثاً: السحب النقدي من قبل حامل البطاقة اقتراضٌ من مصدرها، ولا حرج فيه شرعاً إذا لم يترتب عليه زيادة ربوية، ولا يعد من قبيلها الرسوم المقطوعة التي لا ترتبط بمبلغ القرض أو مدته مقابل هذه الخدمة. وكل زيادة على الخدمات الفعلية محرمة لأنها من الربا المحرم شرعاً، كما نص على ذلك المجمع في قراره رقم 13 (10/2) و 13 (1/3) . " انتهى محل الغرض منه، وينظر نصه كاملا في "مجلة مجمع الفقه" المجلد الثالث ص 673، وفي جواب السؤال رقم 97530 ثانيا: إذا كان المتبرع يتعامل ببطاقة فيزا ربوية، فلا حرج في قبول تبرعه؛ لأنه مال مملوك له يجوز له التصرف فيه، وعليه إثما الربا. وينظر للفائدة: سؤال رقم (102744) ورقم (118034) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129269 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5588 حكم التعامل ببطاقة الائتمان مسبوقة الدفع [السُّؤَالُ] ـ[أريد رأيكم في حكم استخدام الفيزا التي يصدرها موقع (الروقي ماستر كارد) لأنني أود شراء بعض الأشياء من الإنترنت لكن الموقع لا يقبل إلا فيزا أو ماستر كارد صادرة من بنك أمريكي ولم أجد إلا موقع الروقي ماستر كارد، حيث ذكر بعض المعلومات منها: -سرعة الإصدار وذلك خلال 30 ثانية فقط من اكتمال الإجراءات والإيداع -سهولة إجراءات تسجيل البطاقة - حدود شحن وإعادة شحن 2500 دولار - جميع العمليات تتم من الموقع مباشرة الشحن وإعادة الشحن فوري - الشحن من الروقي أو شركاء التوزيع أو مراكز الشحن المعتمدين -طلب البطاقة والتسجيل والاطلاع على الرصيد من موقعنا -أول موقع عربي للبطاقات معتمد ومرخص رسمياً من البنك المصدر -البطاقة صادرة من فرست بنك اوف ديلاوار ويو إس بنك الأمريكي -عملة البطاقة دولار أمريكي -البطاقة افتراضية وليست بلاستيكية بمعنى أنها خاصة للإنترنت -البطاقة قابلة لإعادة الشحن، وهذا الرابط للمزيد من المعلومات: http://roqicard.com/app/Default.aspx أرجو أن تخبروني ما حكم استخدام هذه البطاقات فقد قال لي هو إنها حلال وشبهها ببطاقات "سوا" أنها تشحن وتستخدم. أتمنى أن تفيدوني عاجلا للضرورة، فلا أريد أن أقع بالربا لا من قريب ولا بعيد وجزاكم الله خير.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا حرج في التعامل ببطاقة الائتمان التي يشحنها العميل بالمبلغ الذي يريد، ولا حرج في أخذ الجهة المصدرة لها عمولة أو رسوم تجديد في مقابل تقديم هذه الخدمة. ولا حرج في شراء السلع بهذه البطاقة عن طريق الإنترنت، إلا ما يشترط فيه القبض كالذهب والفضة، لعدم حصول القبض الفوري حينئذ. وينظر جواب السؤال رقم (89787) . ثانياً: بالنظر في الموقع المذكور تبين أن سعر صرف الدولار فيه يزيد على سعر السوق، ولا حرج في ذلك، فللمتصارفين أن يتصارفا بالسعر الذي يتفقان عليه، لكن يشترط حصول القبض الفوري حقيقة أو حكما. وإذا كان مشتري البطاقة يدفع الريالات، ويستلم من فوره بطاقة مشحونة بما يقابلها من الدولارات، فقد حصل القبض المطلوب. ثالثاً: ينبغي الحذر عند شراء هذه البطاقات من التعامل مع جهات غير موثوقة، ولا علم لنا بالموقع المسئول عنه ولا بالقائمين عليه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129083 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5589 يؤجر الفندق لمن يسدد ببطاقة الفيزا ويتأخر في مراجعة البنك الربوي لتحصيل ماله منه [السُّؤَالُ] ـ[والدي لديه فندق صغير وبفضل الله لا يوجد فيه المواد الكحولية أو ما شابه ذلك من المحرمات، غير أنه يقبل من الزبائن نظام الدفع بالبطاقة، وهو أن يقوم النزيل بدفع رسوم الغرفة عن طريق البطاقة التي لديه، ومن ثم يقوم والدي بالذهاب إلى البنك لأخذ هذا المبلغ كل شهر، وخلال هذه المدة (شهر) لابد وأن البنك يستخدمها في استثماراته الخاصة، والتي لا شك أنها تعتمد على الربا، وقد ناصحته بأن يذهب كل يوم لاستخلاص المبلغ من البنك، ولكنه لم يستمع لنصيحتي، فما رأي الشرع في ذلك؟ كما أني أعمل لديه في الفندق وأتقاضى أجراً على ذلك، فهل هذا حرام؟ أرجو التوضيح في كل ما سبق؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يجوز لصاحب الفندق وللبائع أن يتقاضى أجرته أو ثمن سلعته من العميل عن طريق البطاقة البنكية، أو بطاقة الفيزا، سواء كانت البطاقة مشروعة أو ممنوعة، أما المشروعة الخالية من المحاذير فأمرها واضح، وأما الممنوعة فلأن إثم الحرام فيها راجع على البنك والعميل، ولا علاقة للمؤجر والبائع بذلك؛ إذ لهما أن يؤجرا أو يبيعا لمن اقترض ماله بالربا، وإثم الربا على فاعله. ثانياً: لا يظهر لنا وجهٌ لإلزام والدك بتحصيل المال من البنك يوميا؛ أنه لا يخفى أن مراجعة البنك يومياً فيها شيء من المشقة، ولا يمكن الجزم بأن البنك يستفيد من مال والدك في التعاملات الربوية، لأن البنوك قد يكون لها بعض المعاملات المباحة، فإذا ما تعامل البنك بهذا المال في الربا فإثم ذلك يقع عليه لا على والدك، الذي يقصد حفظ المال، ولا يقصد – بالطبع – مساعدة البنك على الربا. ثالثاً: لا حرج في عملك في الفندق وتقاضيك الأجر على ذلك، سواء سلم تعامل والدك من الإعانة على الربا أو لم يسلم؛ لأن أجرتك إنما هي في مقابل العمل المباح الذي تقوم به. ونسأل الله تعالى أن يوفقك ووالدك إلى كل خير وهدى وبر. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128548 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5590 حكم استخراج فيزا ربوية للتمكن من سحب الراتب مباشرة دون تأخير [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم عمل فيزا في بنك ربوي لتحصيل المرتب الشهري فقط؟ فبدون الفيزا يتأخر المرتب بضع أيام مع العلم سيتم سحب المرتب من البنك شهريا بمجرد نزوله بالبنك لئلا يستفيد البنك به في أي معاملة ربوية .... ولكن تظل بعض الجنيهات ليظل الحساب مفتوحا. وجزاكم الله خيرا]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا يجوز فتح حساب في البنك الربوي إلا لضرورة حفظ المال عند عدم وجود البنك الإسلامي، ويقتصر حينئذ على الحساب الجاري، تقليلا للشر ما أمكن. وإذا كانت جهة العمل تضع الراتب في بنك ربوي، وجب السعي في تحويل الراتب إلى بنك إسلامي إن وجد، فإن أبت جهة العمل ذلك فعلى الموظف أن يسحب الراتب فور نزوله في البنك، ثم يحتفظ به أو يضعه في بنك إسلامي، ولا حرج حينئذ في إبقاء بعض المال ليظل الحساب مفتوحا. ثانيا: يجوز التعامل بالفيزا إذا سلمت من المحاذير التالية: 1- اشتراط فائدة أو غرامة في حال التأخر عن السداد. 2- أخذ رسوم إصدار على البطاقة غير المغطاة، زيادة على التكلفة الفعلية. 3- أخذ نسبة على عملية السحب في حال كون الفيزا غير مغطاة، ويجوز أخذ الأجرة الفعلية فقط،، وما زاد على ذلك فهو ربا. 4- شراء الذهب والفضة والعملات النقدية، بالبطاقة غير المغطاة. وقد صدر عن مجمع الفقه الإسلامي قرار بهذا الشأن، وراجع جواب السؤال رقم 97530 فإذا وجد شيء من هذه المحاذير لم يجز التعامل بالفيزا ولو كان المراد هو استعمالها في نطاق محدود كالذي ذكرت؛ لأن التوقيع على الربا والتزامه محرم لا يجوز. وتأخر الراتب بضعة أيام لا يعد ضرورة تبيح التعامل بالفيزا الربوية. وعليه؛ فلا نرى جواز استصدار الفيزا الربوية لهذا الغرض. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128460 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5591 يشحن بطاقة الائتمان بمبلغ معين ويشتري بها عن طريق الإنترنت [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز الشراء عن طريق الإنترنت، علما أنه يوجد عندي بطاقة ائتمان للشراء من الإنترنت من أحد البنوك في الأردن، أشحنها بأي مبلغه أريده، والبنك يأخذ دينارا واحدا فقط عند كل عملية شحن، وبدون أي دفعات أخرى.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: يجوز شراء السلع عن طريق الإنترنت، إلا أن ما يشترط فيه القبض كالذهب والفضة، إن كان يتأخر وصوله إلى المشتري لم يجز شراؤه عن طريق الإنترنت، وقد أصدر مجمع الفقه الإسلامي قرارا بمنع شراء الذهب ببطاقة الائتمان لعدم حصول القبض الفوري. وينظر: سؤال رقم (89787) . ثانيا: لا حرج في التعامل ببطاقة الائتمان التي يشحنها العميل بالمبلغ الذي يريد، ولا حرج في أخذ البنك العمولة المذكورة في مقابل تقديم هذه الخدمة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126703 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5592 حكم بطاقة قسّط الائتمانية من الراجحي [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم استخدام بطاقة "قسط" الائتمانية التي يصدرها مصرف الراجحي]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج في التعامل ببطاقة الفيزا إذا سلمت من المحاذير التالية: 1- اشتراط فائدة أو غرامة في حال التأخر عن السداد. 2- أخذ رسوم إصدار على البطاقة غير المغطاة، زيادة على التكلفة الفعلية. 3- أخذ نسبة على عملية السحب في حال كون الفيزا غير مغطاة، ويجوز أخذ الأجرة الفعلية فقط،، وما زاد على ذلك فهو ربا. 4- شراء الذهب والفضة والعملات النقدية، بالبطاقة غير المغطاة. وقد صدر عن مجمع الفقه الإسلامي قرار بهذا الشأن، وراجع جواب السؤال رقم (97530) . وقد جاء في موقع البنك على الإنترنت: " رسوم إصدار واستخدام البطاقة هي نفس رسوم أي بطاقة ائتمانية من المصرف " انتهى. فإن كانت هذه الرسوم هي التكلفة الفعلية التي يتحملها البنك للجهة المصدرة، فلا حرج. لكن أفاد الدكتور محمد العصيمي حفظه الله أن هذه الرسوم زائدة على التكلفة الفعلية، فتكون ربا. وكذلك أفاد بأن ما يأخذه البنك على السحب النقدي أكثر من التكلفة الفعلية، فتكون بطاقة فيزا الراجحي مشتملة على محذورين يمنعان التعامل بها. وإذا كانت بطاقة (قسّط) يؤخذ فيها من الرسوم ما يؤخذ في بقية البطاقات الائتمانية لدى البنك، فهي ممنوعة كذلك. فقد سئل الشيخ حفظه الله: ما حكم بطاقة فيزا وماستر كارد الائتمانية الصادرة من مصرف الراجحي وهل هناك ملحوظات شرعية عليها؟ فأجاب: "الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد: فقد كنت أفتي بجواز البطاقة لحاجة الناس لها، ولقلة البدائل الشرعية، ومع ذلك فالبطاقة لا تخلو من ملحوظات شرعية، وهي: - أن تكلفة الرسم السنوي للعضوية ليس على قدر التكلفة الفعلية، والزيادة ربا على القرض المقدم. وقل مثل ذلك على رسم الصورة الشخصية، ورسم ضياع البطاقة، ورسم التجديد السنوي. - أن تكلفة السحب النقدي فيها أيضا ليست على حسب التكلفة الفعلية. والتكلفة الفعلية في بنك كبير مثل مصرف الراجحي لا يمكن أن تصل إلى خمسة عشر ريالا، فضلا أن تكون 36 ريالا، والزيادة ربا محض. - أن المصارفة على دين العميل الثابت في ذمته بالعملات الأخرى يتم مع الدولار والريال بأسعار ليست بسعر اليوم. والواجب شرعا أن تكون بسعر يومه، ولا يصح للبنك أن يستربح على العميل في ذلك. وحيث إنه يوجد في السوق السعودية بطاقة أكثر انضباطا من الناحية الشرعية وهي بطاقة بنك البلاد وتخلو من الملحوظات السابق ذكرها، فلا أرى جواز التعامل ببطاقة مصرف الراجحي ما لم تعدل تلك الملحوظات. وإني أدعو القائمين على المصرف للسرعة في تغييرها والانصياع إلى قرارات الهيئة الشرعية في ذلك. والله أعلم " انتهى من "موقع الشيخ على الإنترنت: http://www.halal2.com/ftawaDetail.asp?id=16813 وعليه؛ فلا يجوز التعامل بهذه البطاقة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 122203 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5593 حكم التعامل ببطاقة الفيزا لبنك دبي الإسلامي مع دفع (75 درهما) أجرة البطاقة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم استعمال الفيزا كادر الخاص ببنك دبي الإسلامي، مع العلم أن شروط الاشتراك كالآتي: 1- يسحب مبلغ 60 درهم كل سحب كاش، والحد الأقصى للسحب هو 3000 درهم، البنك يقول إن هذه ال 60 هي ما تأخذه شركة فيزا العالمية من البنك نظير السحب الكاش. 2- 75 درهم أجرة البطاقة ونظير الخدمات الآتية: أ) استخدام الفيزا والشراء من أي مكان في العالم. ب) سحب كاش 80% من سقف الائتمان. ج) خصومات على مطاعم وفنادق، والحصول علي كوبونات وجبات مجانية. د) خدمة مساعدة الطريق. هـ) تأمينات على الحقائب خلال السفر، وتأمينات على المشتريات خارج الدولة في حال الفقدان.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز التعامل ببطاقة الائتمان بشروط وضوابط سبق بيانها في جواب السؤال رقم (118034) ، ورقم (101947) . وما ذكرته هنا من أخذ البنك مبلغ 60 درهما على كل سحب كاش، إن كان هو الأجرة الفعلية لهذه الخدمة، ولا يستفيد البنك منها شيئا، فلا حرج في ذلك. وكذلك ما يأخذه البنك من رسم الإصدار أو التجديد، إن كان هو الأجرة الفعلية على البنك، ولا يربح منها شيئا، فلا حرج في ذلك. وقد أصدر مجمع الفقه الإسلامي قراره رقم: 108 (2/12) : بشأن بطاقة الائتمان غير المغطاة، وحكم العمولة التي يأخذها البنك، جاء فيه: " جواز أخذ مُصدرها من العميل رسوما مقطوعة عند الإصدار أو التجديد بصفتها أجرا فعليا على قدر الخدمات المقدمة على ذلك ... السحب النقدي من قبل حامل البطاقة اقتراض من مُصدرها، ولا حرج فيه شرعا إذا لم يترتب عليه زيادة ربوية، ولا يعد من قبيلها الرسوم المقطوعة التي لا ترتبط بمبلغ القرض أو مدته مقابل هذه الخدمة، وكل زيادة على الخدمات الفعلية محرمة لأنها من الربا المحرم شرعا " انتهى. وينظر: نص القرار كاملا، في جواب السؤال رقم (97530) . وإذا أفادت الهيئة الشرعية في البنك بأن هذه الرسوم هي الأجرة الفعلية للخدمة، فالعهدة عليها، مع التنبيه على أمرين: الأول: أن خدمة الخصومات لا يجوز أن يؤخذ في مقابلها أجرة، وينظر جواب السؤال رقم (13743) . والثاني: أن خدمة التأمين على الحقائب والمساعدة في الطريق، لا يجوز أن يؤخذ في مقابلها شيء ما لم يكن التأمين تعاونيا. فإذا كان البنك يأخذ رسم الإصدار (75 درهما) كتكلفة فعلية لإصدار الفيزا، ويتبرع بباقي الخدمات، أو يأخذ زيادة على التكلفة يضعها في تأمين تعاوني بشروطه المعتبرة شرعا، فلا حرج في ذلك، وليس له أن يأخذ شيئا مقابل ما يقدمه من خصومات. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121237 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5594 التعامل ببطاقة فيزا البنك السعودي البريطاني في المشتريات فقط [السُّؤَالُ] ـ[لدي بطاقة فيزا البنك السعودي البريطاني، وأنا أستخدمها في المشتريات من غير سحب نقدي، ولا يوجد على هذه البطاقة أي رسوم سنوية , فما حكم استخدامي لها بهذه الطريقة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج في التعامل ببطاقة الفيزا إذا سلمت من المحاذير التالية: 1- اشتراط فائدة أو غرامة في حال التأخر عن السداد. 2- أخذ رسوم إصدار على البطاقة غير المغطاة، زيادة على التكلفة الفعلية. 3- أخذ نسبة على عملية السحب في حال كون الفيزا غير مغطاة، ويجوز أخذ الأجرة الفعلية فقط،، وما زاد على ذلك فهو ربا. 4- شراء الذهب والفضة والعملات النقدية، بالبطاقة غير المغطاة. وقد صدر عن مجمع الفقه الإسلامي قرار بهذا الشأن، وراجع جواب السؤال رقم (97530) . وننبه على أمرين: الأول: أنه لا يجوز استصدار بطاقة الفيزا إذا كان فيها شرط غرامة التأخير ولو كان العميل عازما على السداد في الوقت؛ لما في ذلك من الموافقة على الربا وإقراره، وينظر جواب السؤال رقم (13725) . الثاني: أن كثيرا من المحلات تضيف عمولة أو نسبة تصل إلى 3.5 % على العميل في حال شرائه ببطاقة الفيزا، وهذا لا يجوز حسب قرار مجمع الفقه الإسلامي، وينظر جواب السؤال رقم (103187) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118034 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5595 تعامل ببطاقة فيزا البنك الأهلي فألزم بمبلغ إضافي على السداد الجزئي [السُّؤَالُ] ـ[أخذت بطاقة ماستر كارد من البنك الأهلي لأشتري بها عبر الإنترنت، ورغبت بأن يكون السداد نقدياً لكامل المبلغ حتى لا يكون هناك نسبة تحسب علي، وتفاجأت عند صدور الكشف الخاص بالحساب الشهري بأنهم قاموا باحتساب مبلغ إضافي لرسوم الإصدار رغم أن المندوب أفادني بأنها مجانية، ومبلغ إضافي باعتبار أن السداد جزئي، مع العلم بأني طلبت في النموذج بأن يكون السداد كامل المبلغ، ولكن خطأ الموظف الذي أدخل بياناتي، احتسبوا علي نسبة وقاموا بتقسيط المبلغ، وعند مواجهتهم بذلك أجابوا بأن سياسة البنك لا تتحمل خطأ الموظف، ولا تعيد المبلغ المضاف بسبب تقسيط المبلغ، ورفضوا كل محاولاتي للتحاور معهم بحجة (سياسة البنك) ، وأنا الآن أوقفت التعامل ببطاقتهم وبانتظار إجابتكم علي، أفيدوني ماذا أفعل معهم؟ وهل علي إثم في احتساب مبلغ علي بسبب خطأ الموظف، رغم أني أوقفت التعامل معهم لحين الحصول على إجابتكم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يشترط لجواز التعامل ببطاقة الفيزا أن تخلو من المحاذير الشرعية، ومنها: اشتراط أو فرض غرامة أو زيادة في حال تقسيط السداد، أو التأخر فيه، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم (104244) و (116442) . كما يشترط أن تكون رسوم الإصدار لا تزيد عن التكلفة الفعلية التي يتكلفها البنك، وينظر جواب السؤال رقم (97530) . وقد أحسنت في إيقاف التعامل بهذه البطاقة، لأنه لا يجوز لك العمل بها والحال ما ذكرت. وقد بينا في أجوبة سابقة أنه لا يجوز التعامل ببطاقة الفيزا التي يفرض فيها غرامة على التأخير ولو عزم الإنسان على السداد في الوقت دون تأخير؛ لأن دخوله في هذا العقد يعني إقرار الربا والموافقة عليه، مع أنه قد يتأخر في السداد لسفر أو انشغال فيُلزم بالربا فعلا. وأما المبلغ الذي فرضوه عليك نتيجة خطأ الموظف، فإثم ذلك عليهم، وليس عليك إثم إن شاء الله، لأنك لم ترض به ولكنك دفعته مكرهاً. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 117522 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5596 حكم التعامل ببطاقة أميالي التابعة للبنك الأهلي [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكنني الاشتراك في بطاقة الأهلي " أميالي الإسلامية " على حسب قولهم؟ حتى إذا كنت سأسدد كل ما علي من متطلبات قبل الفترة المحددة حتى لا يتم احتساب أي زيادة على، حيث إن 1 ريال = اميل.. علما بأنني بدلا من شراء أي شيء نقدا سأستخدم البطاقة وفي نفس اليوم أرجع مبلغ الشراء من حسابي إلى حسابهم، وبذلك أستفيد من الأميال التي سأحصل عليها بمجرد الشراء بالبطاقة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز التعامل ببطاقة الائتمان التي يُشترط فيها غرامة في حال التأخر في السداد؛ لأن ذلك من الرضا بالربا والتزامه، ولأنه قد يحدث للإنسان من الأسباب ما يوقعه في هذا التأخر، فيكون موكلاً للربا، وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله، وكاتبه، وشاهديه. وقال: هم سواء. رواه مسلم (1598) . وقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الثانية عشرة بالرياض في المملكة العربية السعودية، من 25 جمادى الآخرة 1421هـ إلى غرة رجب 1421هـ (23 - 28 سبتمبر 2000) بشأن بطاقات الائتمان: " لا يجوز إصدار بطاقة الائتمان غير المغطاة ولا التعامل بها، إذا كانت مشروطة بزيادة فائدة ربوية، حتى ولو كان طالب البطاقة عازما على السداد ضمن فترة السماح المجاني " انتهى. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: تقوم البنوك بمنح عملائها بطاقة تسمى (الفيزا) ، حيث تمكنه من سحب مبالغ نقدية من البنك ولو لم يكن في حسابه تلك اللحظة أي مبلغ، على أن يقوم بردها للبنك بعد فترة زمنية محددة، وإذا لم يتم التسديد قبل انقضاء تلك الفترة فإن البنك يطلب زيادة أكثر مما سحب العميل، مع العلم أن العميل يقوم بدفع مبلغ سنوي للبنك مقابل استخدامه لتلك البطاقة، أرجو بيان حكم استخدام هذه البطاقة؟. فأجاب: " هذه المعاملة محرمة؛ وذلك لأن الداخل فيها التزم بإعطاء الربا إذا لم يسدد في الوقت المحدد، وهذا التزام باطل، ولو كان الإنسان يعتقد أو يغلب على ظنه أنه مُوفٍ قبل تمام الأجل المحدد، لأن الأمور قد تختلف، فلا يستطيع الوفاء، وهذا أمر مستقبل، والإنسان لا يدري ما يحدث له في المستقبل، فالمعاملة على هذا الوجه محرمة. والله أعلم " انتهى من مجلة الدعوة العدد 1754 ص 37. ولمعرفة شروط التعامل ببطاقة الائتمان: ينظر جواب السؤال رقم (101947) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 116442 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5597 بطاقة فيزا وماستر كارد الصادرة من مصرف الراجحي [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم التعامل ببطاقة فيزا وماستر كارد الائتمانية التي يصدرها مصرف الراجحي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج من التعامل بالبطاقة الائتمانية غير المغطاة، إذا خلت من المحاذير الشرعية، كاشتراط فائدة أو غرامة تأخير في حال التأخير عن السداد، أو أخذ نسبة على عملية السحب، أو زيادة رسوم الإصدار أو السحب عن التكلفة الفعلية. وقد سئل الشيخ الدكتور محمد بن العصيمي عن هذه بطاقة فيزا وماستر كارد الصادرة من مصرف الراجحي، فقال: "كنت أفتي بجواز البطاقة لحاجة الناس لها، ولقلة البدائل الشرعية، ومع ذلك فالبطاقة لا تخلو من ملحوظات شرعية، وهي: - أن تكلفة الرسم السنوي للعضوية ليس على قدر التكلفة الفعلية، والزيادة ربا على القرض المقدم. وقل مثل ذلك على رسم الصورة الشخصية، ورسم ضياع البطاقة، ورسم التجديد السنوي. - أن تكلفة السحب النقدي فيها أيضا ليست على حسب التكلفة الفعلية، والتكلفة الفعلية في بنك كبير مثل مصرف الراجحي لا يمكن أن تصل إلى خمسة عشر ريالا، فضلا أن تكون 36 ريالا، والزيادة ربا محض. - أن المصارفة على دين العميل الثابت في ذمته بالعملات الأخرى يتم مع الدولار والريال بأسعار ليست بسعر اليوم. والواجب شرعا أن تكون بسعر يومه، ولا يصح للبنك أن يستربح على العميل في ذلك. وحيث إنه يوجد في السوق السعودية بطاقة أكثر انضباطا من الناحية الشرعية وهي بطاقة بنك البلاد وتخلو من الملحوظات السابق ذكرها، فلا أرى جواز التعامل ببطاقة مصرف الراجحي ما لم تعدل تلك الملحوظات. وإني أدعو القائمين على المصرف للسرعة في تغييرها والانصياع إلى قرارات الهيئة الشرعية في ذلك. والله أعلم" انتهى. http://www.halal2.com/ftawaDetail.asp?id=16813 [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112140 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5598 حكم أخذ البنك خمسين ريالا على سحب كل ألف ببطاقة الفيزا [السُّؤَالُ] ـ[فيه إمكانية في بنك البلاد لأخذ قرض، ثم يقسَّط بعد ذلك؛ المفروض أن الشخص يأخذ القرض على شكل رصيد يسحب منه مشتريات (ببطاقة فيزا) ، لكن الآن هناك إمكانية لأخذ المبلغ كاش ببطاقة أيضا، لكن من الصراف الآلي، على أكثر من مرة، ويتم خصم رسوم إدارية على كل سحبة بمعدل 50 ريال لكل ألف ريال، فلو احتجت قرضا بـ 30 ألف تسحبه كاش 28500، فيخصم 1500 ريال. من قيمة المبلغ كرسوم إدارية (على حد تعبير البنك) ؛ فهل طريقة الكاش هذه حلال أو ربا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز التعامل ببطاقة الفيزا، إذا خلت من المحاذير الشرعية، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (97846) . وللبنك أن يأخذ مبلغا مقطوعا، يمثل التكاليف الفعلية التي تكلفها في عملية القرض، وهذا ما جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي، ونصه: " ثانياً: يجوز إصدار البطاقة غير المغطاة إذا لم تتضمن شروط زيادة ربوية على أصل الدين. ويتفرع على ذلك: أ) جواز أخذ مصدرها من العميل رسوماً مقطوعة عند الإصدار أو التجديد بصفتها أجرا فعليا على قدر الخدمات المقدمة على ذلك. ب) جواز أخذ البنك المصدر من التاجر عمولة على مشتريات العميل منه، شريطة أن يكون بيع التاجر بالبطاقة بمثل السعر الذي يبيع به بالنقد. ثالثاً: السحب النقدي من قبل حامل البطاقة اقتراضٌ من مصدرها، ولا حرج فيه شرعاً إذا لم يترتب عليه زيادة ربوية، ولا يعد من قبيلها الرسوم المقطوعة التي لا ترتبط بمبلغ القرض أو مدته مقابل هذه الخدمة. وكل زيادة على الخدمات الفعلية محرمة؛ لأنها من الربا المحرم شرعاً، كما نص على ذلك المجمع في قراره رقم 13 (10/2) و 13 (1/3) " انتهى. وانظر نص القرار كاملا في جواب السؤال رقم (97530) . ولا يظهر لنا أن تكاليف البنك في عملية سحب ألف ريال، تختلف عن تكاليفه في عملية سحب ثلاثين ألفا. والحاصل أن البنك إن كان يأخذ هذا المبلغ – وهو الخمسون ريالا- على كل ألف، بحيث يزيد المبلغ بزيادة المسحوب، ولو كان في عملية واحدة، فهذا ربا محرم. وما ذكرته عن بنك البلاد ليس صحيحا، وقد وجهنا سؤالك إلى الدكتور محمد العصيمي حفظه الله – وهو عضو في الرقابة الشرعية على البنك - فأجاب بقوله: " ليس صحيحا، بل البنك يأخذ 20 ريالا للسحبة مهما بلغ المبلغ ". والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106872 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5599 بطاقة الائتمان " أمريكان إكسبريس ": تعريفها، وأنواعها، وأحكامها [السُّؤَالُ] ـ[آمل منكم التكرم بإفادتنا في هذه المسألة: أنا مشترك منذ فترة في بطاقة الائتمان المعروفة " أميركان إكسبريس "، وكنت أسدد مستحقات هذه البطاقة بصفة منتظمة، وبالتالي لم يكن لدي أي مشكلات مالية معها، إلى أن حدث وكنت مسافراً لمدة سنة خارج المملكة، واستخرجت بطاقة ائتمان جديدة، فأرسلتُ إلى " الأميركان إكسبريس " طالباً إلغاء مبلغ مستحق - حوالي 250 ريالاً - أو إلغاء بطاقتي، ولم أحصل على إجابة منهم، وانشغلت عن متابعة طلبي بحكم مشاغل تواجدي في الخارج، وثقتي بأنهم إما سيلغون البطاقة فلا يتبقى لي سوى المبلغ المذكور لأسدده لهم لاحقاً دون زيادة، أو أنهم سيلغون المبلغ فلا تكون لهم عندي أي مستحقات، إلى أن فوجئت بكشف حساب يصلني منهم قبل شهرين - تقريباً - يطالبني بسداد مستحقات مالية متأخرة عن ذلك المبلغ، والمشكلة أنهم فرضوا عليَّ دفع فوائد على المبلغ المتأخر لبضعة أشهر وصلت إلى حوالي 500 ريال! وأنا هنا في حيرة وتساؤل: هل يصح شرعاً دفع المبلغ الزائد الذي يطالبون به كفائدة مقابل تأخيري في سداد المبلغ الأصلي؟ هل يعتبر ذلك رباً؟ وإذا كان جوابكم بنعم ولا يجوز دفع تلك الفائدة لهم: فكيف يكون الإجراء الذي أتخذه؟ علماً بأنهم يتوعدونني في حالة عدم السداد بوضع اسمي في " قائمة الممتنعين عن الدفع " والتي يتم تداولها بين البنوك ومؤسسة النقد السعودي، مما قد يضرني مستقبلاً في تعاملاتي المالية مع هذه الجهات. أرجو إفادتي، وجزاكم الله خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: بطاقة الائتمان هي بطاقة معدنية أو بلاستيكية ممغنطة، عليها اسم حاملها، وتاريخ إصدارها، وتاريخ نهاية صلاحيتها، ورقم سري لا يعرفه إلا حاملها وهي مستند يعطيه مُصدِرُه، لشخص طبيعي أو اعتباري - بناء على عقد بينهما - يمكنه من شراء السلع، أو الخدمات ممن يعتمد المستند، دون دفع الثمن حالاً، لتضمنه التزام المُصْدِر بالدفع. "بطاقة الائتمان" للشيخ بكر أبو زيد (ص 3، 4) . ثانياً: منظمة: " أمريكان إكسبريس " تمنح تراخيص إصدار ثلاثة أنواع من البطاقات هي: 1. بطاقة أمريكان إكسبريس الخضراء. 2. بطاقة أمريكان إكسبريس الذهبية. 3. بطاقة أمريكان إكسبريس الماسية. وبطاقات هذا النوع الائتمانية يمكن جعلها في قسمين: القسم الأول: بطاقات الائتمان العادية، ويقال: بطاقة الاعتماد الشهري، أو الخصم الشهري. وحقيقتها: بطاقة محلية، ودولية، تصدر برسوم اشتراك، ورسوم تجديد، تُمَكِّن حاملَها من استخدامها في المحلات التجارية للشراء، أو تلقي الخدمات في مكاتب الطيران، أو الفنادق، أو المطاعم … ونحوها. كما يمكن استخدامها على نحو بطاقة الصراف الآلي للسحب بواسطة الصراف الآلي، أو أنظمة التحويل الإلكتروني، ولا يلزم للحصول عليها وجود حساب لحاملها لدى البنك المُصْدِر لها، بل البنك يقرضه مبلغاً له حد أعلى ويسمى في اصطلاحهم: "الخط الائتماني". ويطالب البنك - المُصْدِرُ لها - حاملَها بتسديد مسحوباته خلال مدة لا تزيد عن شهر غالباً، وفي حال المماطلة يقوم بالبنك بمطالبته، ويلغي البنك البطاقة، ويرتب عليه فوائد التأخير. فهذه البطاقة تعتمد العناصر الآتية: 1. لا يلزم لإصدارها وجود حساب للعميل في "بطاقة أمريكان إكسبريس" و"الداينرز كلوب"، وقد تشترط بعض جهات الإصدار ذلك. 2. يقوم البنك بإقراض العميل - حامل البطاقة - مبلغاً له حد أعلى يسمى: "الخط الائتماني". 3. يلزم حاملها بالتسديد خلال شهر غالباً. 4. يلزم حاملها بدفوعات أربعة: رسم الاشتراك، ورسم التجديد، وفوائد الإقراض، والتأخير. في حال عدم التسديد يطالب قضائيّاً، وتلغى عضوية حاملها أو تسحب منه البطاقة. القسم الثاني: بطاقات الائتمان القرضية، ويقال: بطاقة الائتمان، أو بطاقة التسديد بالأقساط. وهذه أقوى البطاقات انتشاراً، وهي آخرها إصداراً، وأكثرها رواجاً، خاصة في الدول الصناعية، والمتحضرة، وينصرف إليها مصطلح: " بطاقة الائتمان " عند الإطلاق. وحقيقتها مثل: " بطاقة الخصم الشهري " كما تقدم. لكن تفترق عنها بأن هذه البطاقة يكون التسديد فيها غير محدد بشهر مثلاً، لكنه ديْن متجدد على شكل دفعات، بحيث تعطي العميل - حامل البطاقة - قدرة على استخدامها، ما دام منتظماً بتسديد الفوائد المستحقة عليها شهريّاً، وهي أكثر" البطاقات " فرضاً للفوائد على حاملها، لهذا فهي تغل ربحاً مجزياً لمُصْدِرها. وهذه البطاقة تعتمد العناصر الآتية: 1. لا يلزم لإصدارها وجود حساب للعميل. 2. يقوم البنك - المُصْدِرُ لها - بإقراض العميل - حامل البطاقة - مبلغاً له حد أعلى يسمى: " الخط الائتماني ". 3. التسديد يكون بالتقسيط على شكل دفعات، وليس محدداً بشهر. 4. يلزم حاملها بدفوعات أربعة: رسم الاشتراك " العضوية "، ورسوم التجديد، وفوائد الإقراض، وفوائد التأخير. " بطاقة الائتمان " (ص 8 – 11) . وبعد معرفة طبيعة هذه البطاقة، فالمشاركة فيها حرام؛ لوجود القرض الذي يجر منفعة ربوية؛ ولوجود شرط الغرامة في حال التأخر في السداد إذا انتهت مدة الإمهال. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هناك بطاقة لتسهيل الأعمال المالية في الدول الغربية، بحيث تجعل الفرد يستغنى عن حمل نقود معه، فبهذه البطاقة يستطيع شراء أي شيء يريد، ثم في آخر كل شهر تأتيه فاتورة بالمبالغ التي صرفها، فيسددها كاملة بدون أي فائدة ربوية، وفي هذه العملية حماية للفرد من سرقة أمواله، ولكن هناك شرط لأخذ هذا الكرت، وهو في حالة التأخر عن تسديد قيمة الفاتورة مدة تزيد عن 25 يوماً: فلهم الحق في أخذ نسبة فائدة ربوية عن كل يوم تأخير، فهل يجوز أخذ هذا الكرت، علماً أنه من الممكن جدّاً تلافي الوقوع في الربا، بتسديد الفاتورة خلال الخمسة والعشرين يوماً، والمعطاة كمهلة للتسديد؟ . فأجابوا: "إذا كان الواقع كما ذكر: فلا يجوز التعامل المذكور؛ لما فيه من التعاقد على الربا، والدخول عليه، باشتراط فوائد تدفع زيادة على المبلغ الذي سدده عنه معطي البطاقة في حالة التأخير" انتهى. " فتاوى اللجنة الدائمة " (13 / 524) . الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: هناك بطاقات ائتمانية تصدرها بعض البنوك، وشركات الصرافة، هذه البطاقة يستفاد منها عند السفر للخارج يسدد بها حساب البنوك، أو بعض المشتريات من الأسواق، فعندما تأتي الفواتير تخصم من حسابه في البنك، أو الشركة، وأحياناً يكون رصيده لا يغطي فيبقى عليه مبالغ للبنك، فالبنك يتحصل عليها فوائد ربوية بنسب معينة، أحياناً تكون عن غير قصد من هذا الشخص فما حكمها؟ وماذا يعمل من حدث له ذلك في السابق؟ . فأجاب: "هذه المعاملة حرام؛ لأنها معاملة على التزام الربا، وهو إن كان يدفع قبل أن يحل عليه الربا، لكنه قد دخل على التزام الربا، فهي حرام، ومن وقعت منه وكان هو المستفيد: فالزائد الربوي هذا يتصدق به بنية التخلص منه، وإذا كان هو المظلوم والذي أخذ منه ظالم: فتوبته تكفي؛ لأنه مظلوم وليس بظالم" انتهى. " لقاءات الباب المفتوح " (17 / السؤال رقم 19) . وقال الشيخ بكر أبو زيد حفظه الله: "إن " بطاقة الائتمان " بأنواعها: فيزا، أمريكان إكسبريس، ماستركارد، أو غيرها، جميعاً في حقيقتها عقد ربوي، مبني على الاستتار بالبطاقة التي اتفقت أطرافها الثلاثة أو الأربعة على: التعاون على الإثم والعدوان، وأكل الربا، والله سبحانه يقول: (وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) الأنفال/71. وهنا خانوه من قبل بالقرض بالفائدة علناً دون تغليفها " ببطاقة ائتمان "، ثم غلفوه بما يسمي: "بطاقة الائتمان"، وكلاهما تحايل على انتهاك محارم الله، وقد صب الله غضبه، ولعنته على من استحل محارمه بالحيل من اليهود، فقال سبحانه: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ) المائدة/13" انتهى. " بطاقة الائتمان " للشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد (ص 24) . رابعاً: بعد أن علمتَ حكم الاشتراك في البطاقة المسئول عنها: فإنه يلزمك التوبة الصادقة، وبخصوص الغرامات: فإنه لا يجوز لك دفعها لهم؛ لأنها ربا، فإن استطعت التخلص من دفعها: فافعل ذلك، ولا حرج عليك، وإن كان يلحقك ضرر جراء عدم دفعها: فادفعها، واحتسبها عند الله، ونسأل الله أن يعوضك خيراً منها. وانظر الفتوى في ذلك في جواب السؤال رقم: (824) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106245 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5600 حكم بطاقة الفيزا لبنك فيصل الإسلامي [السُّؤَالُ] ـ[ما رأيكم في فيزا بنك فيصل الإسلامي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج في التعامل ببطاقة الفيزا إذا سلمت من المحاذير التالية: 1- اشتراط فائدة أو غرامة في حال التأخر في السداد. 2- أخذ رسوم إصدار على البطاقة غير المغطاة، زيادة على التكلفة الفعلية. 3- أخذ نسبة على عملية السحب في حال كون الفيزا غير مغطاة، ويجوز أخذ الأجرة الفعلية فقط،، وما زاد على ذلك فهو ربا. 4- شراء الذهب والفضة والعملات النقدية بها. 5- إضافة البائع النسبة التي يطلبها منه البنك على المشتري بدون أن يعلم المشتري ذلك. وينظر جواب السؤال رقم (13725) و (103187) . وليس لدينا اطلاع على بطاقة الفيزا التابعة لبنك فيصل الإسلامي. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105062 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5601 حكم شحن بطاقة الماستر كارد ثم شراء السلع بها [السُّؤَالُ] ـ[أستعمل بطاقة ائتمان غير مغطاة (ماستر كارد) ولكن على النحو التالي: أولا: لا يوجد أي بنك إسلامي هنا (أقيم في ألمانيا) ، ثانيا: هذه الشركة المصدرة للبطاقة لا توفر خدمة فتح حساب جاري لتغطية الكارد ولا حتى تغطيته بأي حساب بنكي آخر، ولكن يمكن شحن الكارد وذلك بتحويل مبلغ مالي إلى حساب الشركة البنكي، فأنا لا أستعمل الكارد إلا عند عمليات الشراء لتجنب الزيادات الربوية وقبل أي عملية شراء أشحن الكارد بقيمة المشتريات (ولا توجد أي مصاريف أخرى) بحيث لا يكون هناك مجال بأن أتأخر في التسديد ممّا يؤدي إلى بدء العداد الربوي، فهل يجوز هذا النوع من الاستعمال؟ وهل يجوز لي أن أدلّ أصدقائي على هذا الكارد وإن كانوا يستعملون بطاقات ائتمان مغطاة، ولكن لدى بنوك ربوية وذلك لأنّ هذه الشركة لا تأخذ رسوما سنوية على الكارد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز التعامل ببطاقة الفيزا إذا سلمت من المحاذير الشرعية، وينظر في ذلك جواب السؤال رقم (97846) و (97530) . وإذا كنت تدفع المال أولا، وهو ما يسمى بشحن الكارد، ثم تشتري السلع بالبطاقة، فلا حرج في ذلك. وينبغي التنبيه على أمرين: الأول: أنه لا يجوز الدخول في عقد الفيزا إذا تضمن اشتراط غرامة على التأخير؛ لأنه شرط ربوي محرم، فلا يجوز إقراره ولو كان الإنسان عازما على السداد في الوقت. إلا إذا اضطر للتعامل بها، فلا حرج في ذلك بشرط أن يعلم من نفسه القدرة على تسديد المبلغ في فتره السماح قبل حساب الفوائد الربوية. وانظر جواب السؤال رقم (3402) . الثاني: أنه يجوز للبنك أن يأخذ عمولة من البائع، وقد اختلف العلماء هل يجوز تحميل هذه العمولة على المشتري أم لا؟ ، وينظر في هذا جواب السؤال (103187) . ولا حرج في دلالة الأصدقاء على هذه البطاقة ما دامت سالمة من المحذورات الشرعية. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 104244 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5602 حكم بطاقة الفيزا لبنك الرياض [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم بطاقة فيزا الشراء من بنك الرياض؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا حرج في التعامل ببطاقة الفيزا إذا سلمت من المحاذير التالية: 1- اشتراط فائدة أو غرامة في حال التأخر عن السداد. 2- أخذ رسوم إصدار على البطاقة غير المغطاة، زيادة على التكلفة الفعلية. 3- أخذ نسبة على عملية السحب في حال كون الفيزا غير مغطاة، ويجوز أخذ الأجرة الفعلية فقط،، وما زاد على ذلك فهو ربا. 4- شراء الذهب والفضة والعملات النقدية، بالبطاقة غير المغطاة. وقد صدر عن مجمع الفقه الإسلامي قرار بهذا الشأن، وراجع جواب السؤال رقم (97530) . ثانيا: ليس لنا اطلاع على بطاقة الفيزا التابعة لبنك الرياض، لكن سئل الدكتور محمد العصيمي حفظه الله: ما حكم بطاقة بنك الرياض الائتمانية؟ فأجاب: " بطاقة ربوية لا تجوز بحال " انتهى من موقع الشيخ على الإنترنت. http://www.halal2.com/ftawaDetail.asp?id=492 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103493 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5603 ليس للبائع أن يزيد في ثمن السلعة إذا تعامل المشتري ببطاقة الائتمان [السُّؤَالُ] ـ[اشتريت سلعة من محل عبر بطاقة سامبا الخير الائتمانية وعندما قررت الشراء أبلغت صاحب المحل بالبطاقة فقال لي: سوف أزيد عليك المبلغ بما يعادل 3.5% وعندما سألته لماذا؟ قال لأن البنك يأخذ مني مبلغ 3.5% من قيمة السلعة المباعة، فهل هذا البيع فيه شيء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا حرج في التعامل بالبطاقة الائتمانية إذا توفرت عدة شروط: 1- عدم اشتراط فائدة أو غرامة في حال التأخر في السداد. 2- عدم أخذ نسبة على عملية السحب في حال كون الفيزا غير مغطاة، ويجوز أخذ الأجرة الفعلية فقط،، وما زاد على ذلك فهو ربا. 3- أن لا يتم بيع وشراء الذهب والفضة والعملات النقدية، بالبطاقة غير المغطاة. وينظر جواب السؤال رقم (13725) . ثانيا: يجوز للبنك أن يأخذ عمولة من التاجر، في مقابل هذه الخدمة التي يقدمها، وهي تسهيل الشراء، وتحصيل المال من العميل (المشتري) ولا يجوز للتاجر أن يضيف هذه العمولة على ثمن السلعة، وقد أصدر مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الثانية عشرة بالرياض في المملكة العربية السعودية، من 25 جمادى الآخرة 1421هـ إلى غرة رجب 1421هـ (23-28 سبتمبر 2000) قرارا بشأن بطاقات الائتمان، وجاء فيه فيما يخص هذه العمولة: " جواز أخذ البنك المصدر من التاجر عمولة على مشتريات العميل منه، شريطة أن يكون بيع التاجر بالبطاقة بمثل السعر الذي يبيع به بالنقد " انتهى من "مجلة مجمع الفقه" المجلد الثالث ص 673. ووجه المنع: أن المشتري إن كان يتعامل ببطاقة غير مغطاة، فهو مقترض من البنك، وفي حال دفعه عمولة للتاجر لتصل إلى البنك، يكون قد اقترض قرضا ربويا ن لأنه سيسدد القرض للبنك أكثر مما أخذه منه، بنسبة 3.5%. وإن كانت البطاقة مغطاة، فالبنك ضامن وكفيل للمشتري، ولا يجوز أخذ أجرة أو عمولة على هذا الضمان. والحاصل: أنه لا يجوز للبائع أن يجعل هذه العمولة عليك، وإذا أصر على ذلك، فإما أن تحضر نقودا أو تشتري من غيره. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 103187 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5604 بيع السلع لمن يسدد ببطاقة الفيزا مع دفع عمولة للبنك تزاد في ثمن السلعة [السُّؤَالُ] ـ[أعمل محاسبا بإحدى الشركات التي لها معارض بيع تستخدم أجهزة الفيزا والماستر كارد لجميع البنوك بعملية البيع، والبنك يأخذ عمولة منا على قيمة كل عملية من 2% إلى 3% نقوم بتسجيلها كمصروفات بنكية ونحصلها من العميل مع المبيعات. السؤال: هل استخدام هذه الأجهزة مباح شرعا؟ وإن كان غير مباح فهل يعد مستخدمها يسهل الربا؟ وهل ما نقوم بتسجيله كمصروفات بنكية هو تسجيل للربا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا حرج في إصدار البطاقات الائتمانية، واستعمالها، إذا سلمت من المحاذير الشرعية كاحتساب فائدة على التأخر في السداد، أو أخذ نسبة على السحب، لاندراج ذلك في الربا المحرم. وقد أصدرت بعض البنوك الإسلامية بطاقات خالية من هذه المحاذير. ثانيا: لا حرج على البائع في تقاضي ثمن المبيع من المشتري عن طريق هذه البطاقات، سواء كانت البطاقة مشروعة أو ممنوعة، أما المشروعة الخالية من المحاذير فأمرها واضح، وأما الممنوعة فلأن إثم الحرام فيها راجع على البنك والعميل، ولا علاقة للبائع بذلك؛ إذ له أن يبيع لمن اقترض بالربا، وإثم الربا على فاعله. ثالثا: يجوز للبائع أن يدفع عمولة للبنك، بشرط ألا يزيدها على المشتري، بل يبيع له السلعة كما يبيعها لمن يشتري بالنقد. وقد نص قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن بطاقة الائتمان على: " جواز أخذ البنك المصدر من التاجر عمولة على مشتريات العميل منه، شريطة أن يكون بيع التاجر بالبطاقة بمثل السعر الذي يبيع به بالنقد " انتهى، وانظر نص القرار كاملا في جواب السؤال رقم (97530) . وخلاصة الجواب: أنه يجوز لكم تحصيل ثمن المبيعات عن طريق بطاقات الائتمان، بأنواعها، كما يجوز دفع عمولة للبنك لتسهيل هذه العملية، بشرط ألا تزاد العمولة على المشتري. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 102744 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5605 السحب ببطاقة الائتمان مقابل دفع 700 درهم أجرة كل ثلاثة أشهر [السُّؤَالُ] ـ[هناك بنك عرض علي كريدت كارد بقيمة عشرون ألف درهم أقوم بسحبها من الصراف على أربع دفعات أي كل دفعة أقصى شيء خمسة آلاف ويقوم بأخذ أجور عن كل سحب تسعون درهم وهذه الأجور ثابتة سواء سحبت خمسة آلاف أو خمسمائة فإن البنك يستقطع مني تسعين درهماً بالإضافة إلى أن البنك يستقطع مني كل ثلاثة شهور سبعمائة درهم وهو يسميها أجور! وأخبروني أنني إذا التزمت بالتسديد بالأوقات المحددة فإن البنك سيقوم بإعطائي بعض المبالغ كهدايا عن التزامي معهم ولم يذكر قيمة المبالغ وقالوا إن البنك في حينها يحددها ونحن لا نذكرها حتى لا يكون في التعامل شبهة من الربا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز التعامل بهذه البطاقة؛ لقيامها على الربا، وهو القرض الذي يجر نفعا للمقرض وذلك أنك تقترض 20 ألف درهم، لتردها مع زيادة وهي 700 درهم كل ثلاثة أشهر، مما أسموه أجورا، ولا وجه له، فكل درهم تأخذه الشركة صاحبة البطاقة زيادة على التكلفة الفعلية، فهو ربا، ولاشك أن التكلفة الفعلية لا تصل بحال إلى هذا المبلغ الكبير كل ثلاثة أشهر. والمقصود أن هذا تحايل على الربا، وتسمية للأمور بغير أسمائها الحقيقية، والواجب الحذر من ذلك، وعدم الدخول في هذه المعاملة. قال الدكتور محمد العصيمي حفظه الله في إحدى البطاقات المشابهة: " إذا كانت كما ذكر السائل فهي محرمة. وأعرف عنها أيضا أن البنك يأخذ رسما شهريا على العميل تحت مسمى الرسوم. ولا شك أن الرسوم على البطاقات التي تقدم الإقراض لا بد أن تكون حسب التكلفة الفعلية على المُصْدِر وهو البنك، ولا يجوز له الاسترباح من تلك الرسوم، لأن القرض المقدم بالبطاقة سيكون قرضا ربويا متى ما أخذ البنك رسما إداريا أكثر من التكلفة الفعلية " انتهى من موقع الشيخ: http://www.halal2.com/ftawaDetail.asp?id=8215 نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 102055 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5606 حكم بطاقة المبارك الائتمانية [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم بطاقة المبارك الائتمانية من البنك العربي الوطني؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج في التعامل بالبطاقة الائتمانية إذا سلمت من المحاذير التالية: 1- اشتراط فائدة أو غرامة في حال التأخر في السداد. 2- أخذ نسبة على عملية السحب في حال كون الفيزا غير مغطاة، ويجوز أخذ الأجرة الفعلية فقط،، وما زاد على ذلك فهو ربا. 3- شراء الذهب والفضة والعملات النقدية، بالبطاقة غير المغطاة. وينظر قرار مجمع الفقه الإسلامي المتعلق بهذه المسألة في جواب السؤال رقم (97530) . وليس لنا اطلاع على نظام هذه البطاقة، لكن سئل الدكتور محمد العصيمي حفظه الله عنها فأجاب: " ذكرت أنها لا تجوز، لأن الزيادة في الرسوم الشهرية عن التكلفة الفعلية ليس له مبرر إلا القرض المقدم عبر البطاقة، وهو الربا بعينه، ولكنه مقدم، ثم إنها تفرض على المتأخر رسما ربويا، يسمى رسم التأخر عن السداد، وهو الربا المحرم بالقرآن، وإن زعم أنه يصرف على الخيرات. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمس الحاجة للصرف على الفقراء والمساكين من أهل الصُّفَّة، ومع ذلك فقد جعل كل ربا الجاهلية موضوعا، وأوصي نفسي وإخواني بالحذر من مداخل الشيطان، وخاصة في الربا، وقد كان أهم مدخل للربا عند النصارى وضع الربا على المتأخرات من القروض الشخصية. والله المستعان " انتهى من موقع الشيخ العصيمي. http://www.halal2.com/ftawaDetail.asp?id=393 وقال أيضا: " إذا كانت كما ذكر السائل فهي محرمة. وأعرف عنها أيضا: أن البنك يأخذ رسما شهريا على العميل تحت مسمى الرسوم. ولا شك أن الرسوم على البطاقات التي تقدم الإقراض لا بد أن تكون حسب التكلفة الفعلية على المصدر وهو البنك، ولا يجوز له الاسترباح من تلك الرسوم، لأن القرض المقدم بالبطاقة سيكون قرضا ربويا متى ما أخذ البنك رسما إداريا أكثر من التكلفة الفعلية. وإني أوجه دعوة لأصحاب الفضيلة المشايخ المفتين بجوازها بالتراجع عن تلك الفتوى، فإن الربا المحرم إنما أجيز في بدايات تجويزه في الغرب الكافر بمثل تلك الرسوم. والله أعلم " انتهى. http://www.halal2.com/ftawaDetail.asp?id=8215 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 101947 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5607 التعامل ببطاقة الفيزا للبنك البريطاني عند السفر للخارج [السُّؤَالُ] ـ[طلبت بطاقة الفيزا من البنك البريطاني ولم أكن أعلم بأنها ربوية وأنا لم أطلبها إلا لحاجتي لها عند السفر للخارج وأنا لن أستعملها إلا عند السفر للخارج فقط فهل علي شيء؟ أثابكم الله وأنا على استعداد على أن ألغيها إذا كان لا يجوز لي استخدامها حتى في السفر للخارج.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج في التعامل ببطاقة الفيزا إذا سلمت من المحاذير الشرعية التالية: 1- اشتراط فائدة أو غرامة في حال التأخر في السداد. 2- أخذ نسبة على عملية السحب في حال كون الفيزا غير مغطاة، ويجوز أخذ الأجرة الفعلية فقط، وما زاد على ذلك فهو ربا. 3- شراء الذهب والفضة والعملات النقدية، بالبطاقة غير المغطاة. وليعلم أن أكثر بطاقات الفيزا تشترط غرامة في حال التأخر في السداد، وهذا شرط ربوي محرم، لا يجوز إقراره ولا الدخول في عقد يتضمنه، ولو كان الإنسان واثقا من نفسه أنه لن يتأخر في السداد، لحرمة إقرار الربا والتزامه. وبناء على ذلك فإذا سلمت بطاقة الفيزا المسئول عنها من المحاذير المذكورة، فلا حرج في استعمالها، وإذا تضمنت واحدا من هذه المحاذير لم يجز التعامل بها. وانظر السؤال رقم (97530) للفائدة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97940 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5608 التعامل ببطاقة الفيزا الربوية مع العزم على عدم التأخر في السداد [السُّؤَالُ] ـ[ي هو هل يجوز ما يسمى ببطاقة فيزا الإسلامية التي تصدرها بنوكنا المحلية، حيث أني سمعت أن أحد المفتين أفتى بجواز أخذ هذه الفيزا طالما لا يتم استعمالها في السحب النقدي وينحصر استعمالها في شراء البضائع، وعند اتصالي بأحد هذه البنوك للاستفسار أخبروني أنه لا رسوم على شراء البضائع إلا إذا تم إرجاع مالهم على دفعات شهرية وليس في نفس الشهر والسبب كما يقولون أن هذه مرابحة، وأنا لا أدري كيف تكون مرابحة وهم لم يمتلكوا هذه السلعة وأما السحب النقدي فهم يقولون أنهم يأخذون على كل مبلغ نقدي يتم سحبه زيادة نقدية، وسؤالي هو كالأتي: أنا عندي نية تامة في حالة جواز امتلاك هذه البطاقة أن لا أسحب بها نقودا وأن أدفع كامل المبلغ لهم في نفس الشهر في حالة شرائي سلعة فهل يجوز لي أخذ هذه البطاقة وهل آثم إذا وقعت على عقد الإصدار لكونه يحتوي على شروط ربوية باطلة كشرط دفع الزيادة في حالة السحب النقدي؟ أفتوني مأجورين]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا حرج في التعامل ببطاقة الفيزا إذا سلمت من المحاذير الشرعية التالية: 1- اشتراط فائدة أو غرامة في حال التأخر في السداد. 2- أخذ نسبة على عملية السحب في حال كون الفيزا غير مغطاه، ويجوز أخذ الأجرة الفعلية فقط،، وما زاد على ذلك فهو ربا. 3- شراء الذهب والفضة والعملات النقدية، بالبطاقة غير المغطاة. وقد صدر عن مجمع الفقه الإسلامي قرار بهذا الشأن، وفيه بيان هذه المحذورات، راجع السؤال رقم (97530) ثانيا: لا يجوز التوقيع على العقد الربوي ولا الدخول فيه، ولو كان الإنسان عازما على السداد في الوقت دون تأخير؛ لأن العقد المحرم لا يجوز إقراره، ولأنه قد يتأخر الإنسان في السداد لظرف ما، من نسيان أو مرض أو غيره، فيقع في الربا. قال في الإنصاف (4/473) : " فائدة: يحرم تعاطيهما عقداً فاسدا. فلو فعلا: لم يملك به، ولا ينفذ تصرفه، على الصحيح من المذهب " انتهى. وعليه، فلا ينبغي لك الإقدام على الدخول في نظام البطاقة من غير ضرورة؛ أولا لأنك سوف تضطر إلى التوقيع على شروط باطلة، وثانيا لأن البطاقة، وإن كان في نيتك ألا تستخدمهما في سحب الأموال، وما يترتب على ذلك من دفع الزيادة الربوية؛ فنفس البطاقة صالحة لذلك، والإنسان يحتاط لفنسه، ولا يعرضها لمواطن الفتن، وفتنة المال من أشدها. وانظر إجابات الأسئلة (13735) و (13725) و (3402) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97846 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5609 قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن الفيزا كارد وأخذ الرسوم عليها [السُّؤَالُ] ـ[ما هو حكم بطاقات الائتمان (الفيزا كارد) الصادرة من بنوك إسلامية مع العلم أنه لا يتم احتساب أي فائدة حتى ولو لم يدفع في الوقت المحدد, فقط يتم تحصيل رسوم سنوية ثابتة المبلغ لقاء هذه الخدمة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز التعامل ببطاقات الائتمان الخالية من المحذور الشرعي، كاحتساب فائدة على التأخر في السداد، أو أخذ نسبة على السحب، لاندراج ذلك في الربا المحرم، وأما أخذ البنك رسوما مقطوعة عند الإصدار أو التجديد بصفتها أجرا فعليا على قدر الخدمات المقدمة، فلا حرج فيه. وقد صدر عن مجمع الفقه الإسلامي قرار برقم: 108 (2/12) بشأن بطاقة الائتمان غير المغطاة، وحكم العمولة التي يأخذها البنك. وهذا نص القرار: " إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الثانية عشرة بالرياض في المملكة العربية السعودية، من 25 جمادى الآخرة 1421هـ إلى غرة رجب 1421هـ (23-28 سبتمبر 2000) . بناء على قرار المجلس رقم 5/6/1/7 في موضوع الأسواق المالية بخصوص بطاقة الائتمان، حيث قرر البت في التكييف الشرعي لهذه البطاقة وحكمها إلى دورة قادمة. وإشارة إلى قرار المجلس في دورته العاشرة رقم 102/4/10، موضوع (بطاقات الائتمان غير المغطاة) . وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله من الفقهاء والاقتصاديين، ورجوعه إلى تعريف بطاقة الائتمان في قراره رقم 63/1/7 الذي يستفاد منه تعريف بطاقة الائتمان غير المغطاة بأنه: " مستند يعطيه مصدره (البنك المصدر) لشخص طبيعي أو اعتباري (حامل البطاقة) بناء على عقد بينهما يمكنه من شراء السلع، أو الخدمات، ممن يعتمد المستند (التاجر) دون دفع الثمن حالاً لتضمنه التزام المصدر بالدفع، ويكون الدفع من حساب المصدر، ثم يعود على حاملها في مواعيد دورية، وبعضها يفرض فوائد ربوية على مجموع الرصيد غير المدفوع بعد فترة محددة من تاريخ المطالبة، وبعضها لا يفرض فوائد. قرر ما يلي: أولاً: لا يجوز إصدار بطاقة الائتمان غير المغطاة ولا التعامل بها، إذا كانت مشروطة بزيادة فائدة ربوية، حتى ولو كان طالب البطاقة عازماً على السداد ضمن فترة السماح المجاني. ثانياً: يجوز إصدار البطاقة غير المغطاة إذا لم تتضمن شروط زيادة ربوية على أصل الدين. ويتفرع على ذلك: أ) جواز أخذ مصدرها من العميل رسوماً مقطوعة عند الإصدار أو التجديد بصفتها أجرا فعليا على قدر الخدمات المقدمة على ذلك. ب) جواز أخذ البنك المصدر من التاجر عمولة على مشتريات العميل منه، شريطة أن يكون بيع التاجر بالبطاقة بمثل السعر الذي يبيع به بالنقد. ثالثاً: السحب النقدي من قبل حامل البطاقة اقتراضٌ من مصدرها، ولا حرج فيه شرعاً إذا لم يترتب عليه زيادة ربوية، ولا يعد من قبيلها الرسوم المقطوعة التي لا ترتبط بمبلغ القرض أو مدته مقابل هذه الخدمة. وكل زيادة على الخدمات الفعلية محرمة (يعني إذا زادت الرسوم عن الخدمات) لأنها من الربا المحرم شرعاً، كما نص على ذلك المجمع في قراره رقم 13 (10/2) و 13 (1/3) . رابعاً: لا يجوز شراء الذهب والفضة وكذا العملات النقدية بالبطاقة غير المغطاة. " انتهى نص قرار المجمع. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97530 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5610 استعمال بطاقة الائتمان مع العزم على عدم التأخر في السداد [السُّؤَالُ] ـ[أنا أقيم في مدينة القدس في فلسطين وكما هو معلوم عند فضيلتكم أنه لا وجود لبنوك إسلامية في فلسطين المحتلة وأنها ربوية. فما حكم استعمال البطاقة الائتمانية في تلك البنوك الآنف ذكرها مع العلم أنني إذا لم أسدد ما علي من دين في تاريخ محدد وجب دفع الربا للبنك إلا أنني لن أتأخر أبدا وذلك تجنبا من الربا. أنا أعلم أن البطاقة عقد ربوي وأن ما بني على باطل فهو باطل إلا أنني لا أعطي ولا آخذ الربا , لكني أنوي استعمالها لأنني لا أملك أن أدفع ثمن بعض الأغراض المكلفة جدا دفعة واحدة وإنما بالتقسيط الطويل ولا أعرف إن كانت بنظر الشريعة ضروريات إلا أنني بحاجة شبه ماسة لاقتنائها في أقرب وقت ممكن ولا أريد أن أتبع الهوى فأحيد عن الحق وأجانبه. وأنوه إلى أنني أدفع مبلغاً محددا كل شهر مصاريف خدمة مقابل خدمة هذه البطاقة الائتمانية بغض النظر إن استخدمتها مرة واحدة في الشهر أم عدة مرات فهو ثابت لا يتأثر.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز التعامل ببطاقة الائتمان المتضمنة لشرط ربوي ولو كان الإنسان عازما على السداد في الوقت، لأن الربا لا يجوز إقراره ولا الدخول في عقده، ولأنه قد يقع الإنسان في الربا فعلا، بتأخره في السداد لعذر من نسيان أو سفر ونحوه. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " تقوم البنوك بمنح عملائها بطاقة تسمى (الفيزا) ، حيث تمكنه من سحب مبالغ نقدية من البنك ولو لم يكن في حسابه تلك اللحظة أي مبلغ، على أن يقوم بردها للبنك بعد فترة زمنية محددة، وإذا لم يتم التسديد قبل انقضاء تلك الفترة فإن البنك يطلب زيادة أكثر مما سحب العميل، مع العلم أن العميل يقوم بدفع مبلغ سنوي للبنك مقابل استخدامه لتلك البطاقة، أرجو بيان حكم استخدام هذه البطاقة. فأجاب: " هذه المعاملة محرمة، وذلك لأن الداخل فيها التزم بإعطاء الربا إذا لم يسدد في الوقت المحدد، وهذا التزام باطل، ولو كان الإنسان يعتقد أو يغلب على ظنه أنه موف قبل تمام الأجل المحدد لأن الأمور قد تختلف فلا يستطيع الوفاء وهذا أمر مستقبل والإنسان لا يدري ما يحدث له في المستقبل، فالمعاملة على هذا الوجه محرمة. والله أعلم " انتهى من مجلة الدعوة العدد 1754 ص 37. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96613 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5611 العمل بوظيفة مندوب تسويق بطاقات الفيزا [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم العمل كمندوب تسويق بطاقات الفيزا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا حرج في استعمال بطاقة الفيزا إذا خلت من المحاذير الشرعية، وهذه المحاذير كما يلي: 1- أن يُشترط فيها غرامة أو زيادة عند التأخر في السداد. 2- أن يؤخذ في مقابل استخراجها أو السحب بها مبلغ زائد عن التكاليف الفعلية. وقد أصدر المجمع الفقهي قراره رقم: 108 (2/12) بشأن بطاقة الائتمان غير المغطاة، وحكم العمولة التي يأخذها البنك. وهذا نص القرار: "إشارة إلى قرار المجلس في دورته العاشرة رقم 102/4/10، موضوع (بطاقات الائتمان غير المغطاة) . وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله من الفقهاء والاقتصاديين، ورجوعه إلى تعريف بطاقة الائتمان في قراره رقم 63/1/7 الذي يستفاد منه تعريف بطاقة الائتمان غير المغطاة بأنه: "مستند يعطيه مصدره (البنك المُصدر) لشخص طبيعي أو اعتباري (حامل البطاقة) بناء على عقد بينهما يمكنه من شراء السلع، أو الخدمات، ممن يعتمد المستند (التاجر) دون دفع الثمن حالا لتضمنه التزام المصدر بالدفع، ويكون الدفع من حساب المُصدر، ثم يعود على حاملها في مواعيد دورية، وبعضها يفرض فوائد ربوية على مجموع الرصيد غير المدفوع بعد فترة محددة من تاريخ المطالبة، وبعضها لا يفرض فوائد. قرر ما يلي: أولا: لا يجوز إصدار بطاقة الائتمان غير المغطاة ولا التعامل بها، إذا كانت مشروطة بزيادة فائدة ربوية، حتى ولو كان طالب البطاقة عازما على السداد ضمن فترة السماح المجاني. ثانيا: يجوز إصدار البطاقة غير المغطاة إذا لم تتضمن شروط زيادة ربوية على أصل الدين. ويتفرع على ذلك: أ) جواز أخذ مُصدرها من العميل رسوما مقطوعة عند الإصدار أو التجديد بصفتها أجرا فعليا على قدر الخدمات المقدمة على ذلك. ب) جواز أخذ البنك المُصدر من التاجر عمولة على مشتريات العميل منه، شريطة أن يكون بيع التاجر بالبطاقة بمثل السعر الذي يبيع به بالنقد. ثالثا: السحب النقدي من قبل حامل البطاقة اقتراض من مُصدرها، ولا حرج فيه شرعا إذا لم يترتب عليه زيادة ربوية، ولا يعد من قبيلها الرسوم المقطوعة التي لا ترتبط بمبلغ القرض أو مدته مقابل هذه الخدمة. وكل زيادة على الخدمات الفعلية محرمة لأنها من الربا المحرم شرعا، كما نص على ذلك المجمع في قراره رقم 13 (10/2) و 13 (1/3) . رابعا: لا يجوز شراء الذهب والفضة وكذا العملات النقدية بالبطاقة غير المغطاة". انتهى نص قرار المجمع. وانظر جواب السؤال رقم (13725) ففيه تحريم التعامل بـ (فيزا سامبا) ولو سدد في الوقت المحدد. ثانيا: إذا كانت بطاقة الفيزا من النوع الجائز الخالي من المحاذير، فلا حرج عليك في العمل في تسويقها. وأما إن كانت من النوع المحرم، فلا يجوز لك العمل بهذه الوظيفة؛ لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان، قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم كاتب الربا وشاهديه، كما روى مسلم (1598) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ. وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 89787 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5612 استخدام بطاقة الائتمان في السحب المالي [السُّؤَالُ] ـ[تقوم البنوك بمنح عملائها بطاقة تسمى (الفيزا) ، حيث تمكنه من سحب مبالغ نقدية من البنك ولو لم يكن في حسابه تلك اللحظة أي مبلغ، على ان يقوم بردها للبنك بعد فترة زمنية محددة، وإذا لم يتم التسديد قبل انقضاء تلك الفترة فإن البنك يطلب زيادة أكثر مما سحب العميل، مع العلم أن العميل يقوم بدفع مبلغ سنوي للبنك مقابل استخدامه لتلك البطاقة، أرجو بيان حكم استخدام هذه البطاقة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه المعاملة محرمة، وذلك لأن الداخل فيها التزم بإعطاء الربا إذا لم يسدد في الوقت المحدد، وهذا التزام باطل، ولو كان الإنسان يعتقد او يغلب على ظنه أنه موف قبل تمام الأجل المحدد لأن الأمور قد تختلف فلا يستطيع الوفاء وهذا أمر مستقبل والإنسان لا يدري ما يحدث له في المستقبل، فالمعاملة على هذا الوجه محرمة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين مجلة الدعوة العدد 1754 ص 37. الحديث: 11179 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5613 الشراء بواسطة البطاقات [السُّؤَالُ] ـ[نرجو من فضيلتكم إفادتنا عن استخدام بطاقة الشبكة السعودية في شراء بعض الاحتياجات من المحلات التجارية والتي تكون بالطريقة التالية: عندما يتحدد مبلغ الشراء مثلا (150 ريالا) يقدم البطاقة للبائع ويمررها بالجهاز الموجود لديه، وتخصم القيمة الشرائية في الحال وذلك بتحويل المبلغ المشترى به من حساب المشتري إلى حساب البائع في نفس الوقت، أي: قبل مغادرة المشتري المتجر.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الأمر كما ذكر فإنه لا مانع من استخدام البطاقة المذكورة؛ إذا كان المشتري لديه رصيد يغطي المبلغ المطلوب. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. فتاوى اللجنة الدائمة 13 / 527. الحديث: 10826 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5614 التعامل بـ (فيزا سامبا) حرام ولو سدد في الوقت المحدد [السُّؤَالُ] ـ[سمعت أن التعامل ب بطاقة (فيزا سامبا) حرام، لكن إذا كنت متأكداً أنني سوف أسدد المبلغ للبنك في المدة المحددة وبالتالي لن يأخذ منى أي فوائد فهل يكون حكمها التحريم أيضاً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما سمعته أيها السائل عن تحريم التعامل ببطاقة (فيزا سامبا) صحيح، وقد سبق بيان ذلك في السؤال رقم (13735) . والتعامل بها حرام حتى ولو تأكد العميل أنه يسدد المبلغ للبنك في الوقت المحدد. وقد سبق في إجابة السؤال المشار إليه أنها حرام لأن البنك يقرض العميل مقابل فائدة وهذه الفائدة هي قيمة الاشتراك السنوي في الفيزا، مع فائدة أخرى قد تحصل للبنك عند تأخر العميل عن السداد. فقيمة الفيزا عبارة عن ربا يدفعه العميل للبنك، وهذا الربا يدفعه العميل سواء سدد المبلغ في وقته أم لا. وأيضاً: العميل قد دخل المعاملة مع البنك وهو ملتزم بالربا إذا تأخر عن السداد، وهذا أيضاً محرم، لأنه لا يجوز للمسلم أن يلتزم بفعل ما حرمه الله تعالى. وقد يظن العميل أنه يتمكن من السداد في الموعد المحدد ثم يحصل له مانع يمنعه من السداد فيدفع الربا للبنك. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في حكم هذه المعاملة: العقد على هذه الصفة لا يجوز لأن فيه ربا وهو قيمة الفيزا، وفيه أيضًا التزام بالربا إذا تأخر التسديد اهـ. وفي فتوى أخرى له: هذه المعاملة محرمة، وذلك لأن الداخل فيها التزم بإعطاء الربا إذا لم يسدد في الوقت المحدد، وهذا التزام باطل، ولو كان الإنسان يعتقد أو يغلب على ظنه أنه موف قبل تمام الأجل المحدد لأن الأمور قد تختلف فلا يستطيع الوفاء وهذا أمر مستقبل والإنسان لا يدري ما يحدث له في المستقبل، فالمعاملة على هذا الوجه محرمة. والله أعلم اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 13725 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5615 بطاقة ((فيزا)) سامبا [السُّؤَالُ] ـ[يتداول بين الناس في الوقت الحاضر بطاقة (فيزا سامبا) صادرة من بعض البنوك، وقيمة هذه البطاقة إذا كانت ذهبية (548) ريالاً وإذا كانت فضية (245) ريالاً تسدد هذه القيمة سنوياً للبنك لمن يحمل بطاقة فيزا للاستفادة منها كاشتراك سنوي. وطريقة استعمال هذه البطاقة أنه يحق لمن يحمل هذه البطاقة أن يسحب من فروع البنك المبلغ الذي يريده (سلفة) ويسدد بنفس القيمة خلال مدة لا تتجاوز أربعة وخمسين يومًا، وإذا لم يسدد المبلغ المسحوب (السلفة) خلال الفترة المحدودة. يأخذ البنك عن كل مائة ريال من (السلفة) المبلغ المحسوب. فوائد قيمتها ريالاً وخمس وتسعين هللة (1.95) كما أن البنك يأخذ عن كل عملية سحب نقدي لحامل البطاقة (3.5) ريال عن كل (100) ريال تسحب منهم أو يأخذون (45) ريالاً كحد أدنى عن كل عملية سحب نقدي. ويحق لمن يحمل هذه البطاقة شراء البضائع من المحلات التجارية التي يتعامل معها البنك دون أن يدفع مالاً نقديًا وتكون سلفة عليه للبنك. وإذا تأخر عن سداد قيمة الذي اشتراه أربعة وخمسين يومًا يأخذون على حامل البطاقة عن كل مائة ريال من قيمة البضاعة المشتراة من المحلات التجارية التي يتعامل معها البنك فوائد قيمتها ريالاً وخمس وتسعين هللة (1.95) . فما حكم استعمال هذه البطاقة والاشتراك السنوي مع هذا البنك للاستفادة من هذه البطاقة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عُرِض هذا السؤال على اللجنة الدائمة فأجابت: إذا كانت حال بطاقة (سامبا فيزا) كما ذكر فهو إصدار جديد من أعمال المرابين وأكل لأموال الناس بالباطل وتأثيمهم وتلويث مكاسبهم وتعاملهم، وهو لا يخرج عن حكم ربا الجاهلية المحرم في الشرع المطهر (إما أن تقضي وإما أن تربي) لهذا فلا يجوز إصدار هذه البطاقة ولا التعامل بها. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم. وسئل عنها الشيخ ابن عثيمين رحمه الله فقال: الجواب: العقد على هذه الصفة لا يجوز لأن فيه ربا وهو قيمة الفيزا، وفيه أيضًا التزام بالربا إذا تأخر التسديد اهـ. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 13735 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5616 استخدام بطاقة الائتمان للزواج [السُّؤَالُ] ـ[سأتزوج في الشهر المقبل وليس لدي مال ولا أجد من يقرضني فهل يجوز أن أستعمل بطاقة الائتمان؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الربا من الأمور المحرمة في الشريعة الإسلامية تحريماً قطعياً. 1- قال الله تعالى: {وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} البقرة / 275. 2. وقال {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين} البقرة / 278. 3- عن عون بن أبي جحيفة قال: رأيت أبي اشترى حجاما فأمر بمحاجمه فكسرت فسألته عن ذلك قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الدم وثمن الكلب وكسب الأمة ولعن الواشمة والمستوشمة وآكل الربا وموكله ولعن المصور. رواه البخاري (2123) . وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله. رواه مسلم (1597) . 4- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اجتنبوا السبع الموبقات قالوا يا رسول الله وما هن قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات. رواه البخاري (2615) ومسلم (89) . 5- عن سمرة بن جندب رضي اللهم عنهم قال: قال النبي صلى اللهم عليه وسلم: رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم وعلى وسط النهر رجل بين يديه حجارة فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد الرجل أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فرده حيث كان فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان فقلت ما هذا فقال الذي رأيته في النهر آكل الربا. رواه البخاري (1979) . 6. وقد انعقد الإجماع على تحريم الربا وبطاقة الائتمان مشتملة على الربا. انظر (11179) و (5540) . لذا لا نجد للسائل الفاضل من وصية أنفع من وصية النبي صلى الله عليه وسلم، وهي الصوم حتى يهذب نفسه ويعودها الطاعة، ويضيق على الشيطان مداخله: عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال لنا النبي صلى الله عليه وسلم " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وِجاء". رواه البخاري (4778) ومسلم (1400) . الباءة أي: تكاليف الزواج. ومعنى وجاء أي: وقاية من الوقوع في الإثم. ونرجو مراجعة الأسئلة: 590 و 665 و 3402. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 6847 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5617 تسديد الرسوم الدراسية بالبطاقة الربوية [السُّؤَالُ] ـ[: أنا قلق جدا بشأن دراستي، ما شاء الله فأنا أحقق نتائج جيدة جداً والمشكلة هي أنني لا أملك المال الكافي لإتمام دراستي. أنا لست أمريكي ولهذا فلا أحصل على الكثير من المعونات، سمحوا لي بالدراسة لمدة فصلين بشرط أن أسدد أقساط الدراسة بعد العمل خلال هذا الصيف. مكتب الشؤون المالية في الجامعة أعطاني مهلة لدفع مصاريف الدراسة 8000$ وإذا لم أستطع أن أسددها فإن تعليمي سيتوقف هنا. أحاول جهدي أن أحصل على عمل خلال الصيف ولكنني لم أحصل عليه بعد وسؤالي هو: إذا لم أستطع أن أحصل على هذا المبلغ خلال 3 أشهر فهل أستطيع استعمال بطاقة الائتمان لدفع مصاريف الدراسة؟ أعلم بأني لن أستطيع سداد المبلغ للبنك في الوقت المحدد وسأضطر لدفع الربا، كما أنني خطبت فتاة وقد وافق أهلها على زواجنا وإذا توقف تعليمي هنا فلن يسمح لي أهلها بالزواج. أشعر بالحزن من كل هذه الأمور فأرجو أن تخبرني ماذا أفعل في مثل هذه الحالة.]ـ [الْجَوَابُ] لا يجوز للمسلم أن يعطي الربا مهما كانت الظروف فإن آكل الربا وموكله على خطر عظيم كما في الحديث الصحيح: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء) فهل يسرك أن تدخل تحت صفة من يستحق دعاء النبي صلى الله عليه وسلم عليهم بالطرد من رحمة الله تعالى. إن الخسارة فادحة جداً ولا مقارنة. ونقطة أخرى وهي أن تعلم أن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، ومن اتقى الله تعالى يوشك الله تعالى أن يغنيه من فضله ويفرج له كربه وييسر له أمره، والله تعالى يختار لعبده أفضل مما يختار العبد لنفسه، فاتق الله وتوكل عليه ولا تُعَرض نفسك لسخطه، قال تعالى: (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون) وفقك الله لما يحب ويرضى ويسر أمرك. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 5540 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5618 التعامل ببطاقات الائتمان الربوية في حالة الضرورة [السُّؤَالُ] ـ[من شروط استئجار السيارات أن يكون عندنا بطاقات ائتمان. ليس من الواجب أن ندفع أي شيء من خلال البطاقة وإنما يجب إبراز البطاقة للضمان فقط. عند إرجاع السيارة ندفع نقدا ولا نستعمل البطاقة مطلقا. فهل يجوز لي أن استخرج بطاقة ائتمان لهذا الغرض؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأصل أن المعاملات الربويّة محرمة ولا يجوز الدّخول فيها ومن ذلك الشّروط الرّبوية الموجودة في عقود البطاقات الائتمانية، وفي بعض البلدان يكثر الاعتماد على هذه البطاقات حتى لا يكاد الشّخص ينفكّ عن استعمالها وقد عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين: بطاقة الفيزا تشتمل على شرط ربوي إذا تأخرت عن التسديد جعلوا عليّ غرامة لكن المكان الذي أقيم فيه في أمريكا لا يمكن لي أن أستأجر سيارة ولا محلا وكثير من الخدمات العامة لا تمكن إلا ببطاقة الفيزا وإذا لم أتعامل بها أقع في حرج كبير لا أطيقه، فهل التزامي بالتسديد في وقت معين حتى لا يصبح عليّ ربا يبيح لي التعامل بهذه البطاقة في وضع الحرج الذي أعيش فيه؟ فأجاب - حفظه الله - بما يلي: إذا كان الحرج متيقنا واحتمال التأخير عن التسديد ضعيف، فأرجو أن لا يكون فيها بأس. سؤال: هل الشرط الربوي الفاسد يُبطل العقد أم لا؟ الجواب: وإن كان في العقد شرط باطل فإنه لا يُبطل العقد لأمور: (1) الضرورة، (2) ولأنه لا يتحقق لأن الرجل غالب على ظنه أنه سيوفي، فمن أجل أنه غالب على ظنه أنه سيوفي والشرط غير متحقق ومن أجل الضرورة - وهذه هي النقطة الأخيرة والمهمة - فأرجو أن لا يكون في هذا بأس؛ لأن عندنا أمرا متحققا وهو الضرورة وعندنا أمر مشكوك فيه وهو التأخر، فمراعاة المتيقن أولى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن صالح العثيمين الحديث: 3402 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5619 رضخت لزوجها في استصدار بطاقة " فيزا " [السُّؤَالُ] ـ[السلام عليكم، كنت أملك بطاقة ائتمان، حصلت عليها عندما أردت استئجار سيارة. كنت حريصة جداً ألاّ أتجاوز ما أستطيع دفعه باستخدام البطاقة لئلَّا أضطر لدفع فائدة. ولكن ذات مرة، لم أستطع دفع الفاتورة كاملة ووقعت في الفائدة واستطعت سداد المبلغ بعد عدة أشهر بمساعدة زوجي والذي كان يستخدم البطاقة من وقتٍ لآخر. أخبرت زوجي بعد دفع الفاتورة أني سأتخلص من هذه البطاقة لكي لا نقع في الربا مرة أخرى، ولكن زوجي طلب مني أن أتقدم للحصول على بطاقةٍ باسمه ما دمت سأتخلص من بطاقتي. كانت لديه فيما سبق بطاقتان ولم يكن يستطع السداد. صار شديد الغضب ومؤذياً، وحتى أحافظ على السلام، حصلت على بطاقة له، وقال بأنه سيكون مسئولاً عنها إن لم يستطع السداد. لم أستخدم هذه البطاقة نهائياً، وخلال الستة أشهر الماضية لم يستطع زوجي دفع المبلغ كاملاً، مما أدى إلى تراكم الفائدة. سؤالي هو: من المسئول أمام الله عن هذه البطاقة؟ أنا، لأني حصلت عليها من أجله، أم هو لأنه طلبها؟ إذا كنت أن المسئولة، ماذا يجب عليّ أن أفعل لسداد هذه المبالغ وقد منعني زوجي من العمل وهو لا يستطيع أن يسدّ حتى القليل منها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب عليك التوبة إلى الله عزّ وجل من معاونة زوجك على الإثم والعدوان في استصدار هذه البطاقة الربوية، وقد قال الله تعالى: (وتعاونوا على البرّ والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) ، وكان الواجب عليك الامتناع عن استصدارها وعدم الاستجابة لطلبه ولو أصرّ عليك امتثالا لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلّ) َ رواه الإمام أحمد في مسند علي رضي الله عنه. وهو في صحيح الجامع 7520. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 665 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5620 حكم شراء عقار عن طريق برنامج "تمويل منازل" [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم تملك منزل عن طريق "برنامج منازل" بعقد تأجير مع الوعد بالبيع، وفي حالة تأخر سداد أيٍّ من الأقساط: سوف يفرض البنك رسماً بحد أدنى قدره 16 % في السنَة، وتُعتبر غرامات تأخير تصرف للأغراض الخيرية، ولا تدخل في أرباح البنك. "برنامج منازل": في سعينا الدائم إلى مساعدة عملائنا على امتلاك المنازل بتمويل متوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية، وإيماناً منَّا في تحقيق كل ما يلبِّي رغبات عملائنا الكرام: تمَّ طرح " تمويل منازل " المصمم على أساس استئجار العقار مع خيار التملك، حيث يقوم العميل بتسديد جزء من الإيجار مقدَّماً على أن يتم تسديد الدفعات المتبقية من الإيجار إلى البنك بأقساط شهرية ميسرة. سوف يمكنكم هذا التمويل من تحقيق التالي: • امتلاك منزل جاهز (فيلا، دبلكس، أو عمارة سكنية) . • امتلاك منزل قيد الإنشاء - على وشك الانتهاء -. • امتلاك أرض لبناء منزل المستقبل. • الحصول على تمويل مقابل العقار الذي تملكه حاليّاً. • الحصول على تمويل منزلك، وتمويل إضافي للأثاث. المزايا والفوائد: • حد التمويل المتوفر لغاية 5,000,000 ريال سعودي. • مدة التمويل المتوفر لغاية 25 سنة. • التمويل متاح لموظفي الحكومة، والشركات الخاصة، والبنوك، وأصحاب المؤسسات الفردية. • يمكن الحصول على التمويل بشكل مشترك بين الزوج والزوجة، أو الأقارب من الدرجة الأولى. • تغطية مجانية بالتعاون مع " ساب تكافل " على محتويات المنزل لمدة عام واحد عند حصولك على تمويل " منازل ".]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: هذا العقد اشتمل على شرط ربوي، وهو "الغرامة" أو "الرسم" الذي يفرضه البنك على العميل في حال تأخره عن دفع قسط من الأقساط، وتسميتها "رسماً" لا يؤثر في حكم تحريمها، ودفعها للجهات الخيرية لا يجعلها حلالاً، فلا يحل للدائن أن يزيد شيئاً على الدين مقابل تأخر المدين عن سداده، ولو لم يأخذ الدائن تلك الزيادة لنفسه، ولو أراد جعلها في وجوه الخير المختلفة. وقد سبق بيان تحريم هذه الغرامة ولو كانت ستنفق في أوجه الخير في جواب السؤال رقم: (101384) و (126950) . ثانياً: بخصوص "عقد الإيجار المنتهي بالتمليك" المذكور في السؤال: لم نقف على تفصيله، لكن هذا النوع من العقود له صور محرمة وأخرى جائزة، سبق ذكرها في جواب السؤال رقم: (97625) . كما أن قولهم: "الحصول على تمويل مقابل العقار الذي تملكه حالياً، والحصول على تمويل منزلك، وتمويل إضافي للأثاث" يحتاج إلى الوقوف على حقيقة هذا التمويل، حتى يمكن الحكم عليه هل هو جائز أم لا؟ والله أعلم [الْمَصْدَرُ] موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 140247 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5621 التفصيل في حكم " عقود الصيانة " ومتى يكون لها حكم " التأمين التجاري " [السُّؤَالُ] ـ[بعدما سمعت أن بعض المشايخ أجازوا " التأمين التجاري " بحكم أنه يشبه حماية القوافل في الماضي: خطر في بالي هذا التساؤل: ما الفرق بين التأمين التجاري، وعقود الصيانة العامة؟ وأعني بعقود الصيانة: هي أنني صاحب منشأة حكومية - كوزارة التجارة مثلاً - أكتب عقداً مع شركةٍ ما للصيانة، أدفع لها سنويّاً مبلغاً وقدره مليون ريال – مثلاً -، ومقابل هذا المبلغ: أتكفل بصيانة الكهرباء، والسباكة، من ناحية أجور اليد فقط - وقد يكون حساب القطع عليهم، أو على شركة الصيانة -، طبعاً وقلْ مثل ذلك في صيانة أجهزة الحاسب الآلي للشركات الكبرى، أو البنوك، وقل مثله في عقود صيانة البرامج المحاسبية – مثلاً - ... إلخ. أرجو أن تكون الصورة وضحت. إذا كان هذا العقد جائزاً: فما الفرق بينه وبين عقد التأمين التجاري؟ شركة التأمين تأخذ مني مبلغًا مقابل أن تصلح لي سيارتي، وشركة الصيانة تأخذ من الوزارة مبلغًا مقابل إصلاح ما فسد في السباكة، والكهرباء. شركة التأمين لديها التزامات مالية - تكاليف قانونية، استئجار معارض، موظفون، معدات، وأجهزة ... إلخ -، وشركة الصيانة لديها التزامات مالية - تكاليف قانونية، موظفون، معدات، وأجهزة ... إلخ -. فما الفرق بينهما؟ هذا ما دار في نفسي من تساؤل. 1. هل هناك فرق دقيق بينهما لم أنتبه إليه يجيز عمل شركة الصيانة، ويحرم عمل شركة التأمين؟ . 2. إذا كان عمل شركة الصيانة حراماً: فمعناه أن كل مال تساهم به في هذه الشركة هو مال حرام، هل هذا صحيح؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "عقود الصيانة" من العقود المستحدثة، ولها عدة صور، ولهذا لا يصح أن تعطى حكماً واحداً، بل منها ما هو جائز، ومنها ما هو محرم. ويمكننا جمع أشهر صور تلك العقود مع بيان أحكامها فيما يلي: 1. أن تتكفل الشركة البائعة للجهاز بالصيانة الدورية، أو بالصيانة في حال حدوث خلل فيه، وقد تكون الصيانة مجرد إصلاح، وقد تكون مع وضع قطع بديلة لما يتلف منها. وحكم هذه الصور: الجواز، ويجوز للشركة البائعة أن ترفع سعر بيع الجهاز مقابل تلك الخدمة. 2. أن تتكفل "شركة صيانة" – وليست الشركة البائعة - بالفحص الدوري على الجهاز – أسبوعيّاً، أو شهريّاً – مقابل مبلغ معيَّن، ويُعرف في العقد عدد الأجهزة المراد فحصها وصيانتها، وتعرف نوعية الصيانة، ويكون العقد لمدة محدودة. وحكم هذا العقد: الجواز، وهو في حقيقته عقد إجارة، ويشترط لجوازه – بالإضافة لما سبق – أن لا يشتمل عقد الفحص والصيانة على توفير قطع غيار لما يتلف من قطع الجهاز، بل تكون هذه القطع على صاحب الجهاز. إلا إذا كانت المواد المستعملة في الصيانة يسيرة لا يُحسب لها حساب في العادة، أو كانت معروفة أنها من لوازم الصيانة: لم يكن ذلك بمانع من القول بجواز هذا العقد. 3. أن يشتمل عقد الصيانة مع الفحص الدوري على استبدال القطع التالفة بأخرى جديدة. وحكم هذا العقد: التحريم؛ لأنه يشتمل على الغرر الفاحش، وهو عقد مقامرة، فقد يكون ثمن القطع الجديدة أضعاف قيمة عقد الصيانة، وقد لا تحتاج الأجهزة لتبديل قطع شيء منها، وصاحب الجهاز في هذه الحال إما أن يكون " غانماً "، أو " غارماً "، وهذا هو ضابط عقود المقامرة، فيغنم صاحب الجهاز في حال حصوله على قطع غيار بأكثر مما دفعه لشركة الصيانة، وقد يغرم بأن لا تحتاج أجهزته لقطع غيار، فيضيع عليه ما دفعه لهم. وهذه الصورة من عقود الصيانة تشبه عقود التأمين التجاري المحرَّم. 4. أن يكون عقد الصيانة ليس دوريّاً، ولكن على حسب حصول الخلل في الأجهزة المعقود عليها، فإذا حصل خلل فيها: تمَّ استدعاء شركة الصيانة، وإن لم يحصل خلل: لا يأتي أحد لرؤيتها. وحكم هذا العقد: التحريم، وهو عقد مقامرة، لأن صاحب الجهاز يكون غانماً إذا كثر تعطل الجهاز، ويكون غارماً إذا قل تعطله. وهذه الصورة – أيضاً - من عقود الصيانة تشبه عقود التأمين التجاري المحرَّم. وهذه بعض الفتاوى المتعلقة بعقود الصيانة: 1. قرار " مجلس مجمع الفقه الإسلامي ": ففي قرار رقم: 103 (6/11) بشأن "عقد الصيانة" قال "المجمع": الحمد لله رب العالمين، والسلام على سيدنا محمد، خاتم النبيين، وعلى آله، وصحبه، وسلم. أما بعد: فإن "مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي "المنبثق عن "منظمة المؤتمر الإسلامي" في دورة انعقاد مؤتمره الحادي عشر بالمنامة في دولة البحرين، من 25 - 30 رجب 1419 هـ (14 - 19 نوفمبر 1998) : بعد اطِّلاعه على الأبحاث المقدمة إلى "المجمع" بخصوص موضوع "عقد الصيانة"، واستماعه إلى المناقشات التي دارت حوله: قرر ما يلي: أولاً: عقد الصيانة هو عقد مستحدث مستقل تنطبق عليه الأحكام العامة للعقود، ويختلف تكييفه، وحكمه، باختلاف صوره، وهو في حقيقته عقد معاوضة، يترتب عليه التزام طرف بفحص وإصلاح ما تحتاجه آلة، أو أي شيء آخر، من إصلاحات دورية، أو طارئة، لمدة معلومة، في مقابل عِوض معلوم، وقد يلتزم فيه الصائن بالعمل وحده، أو بالعمل والمواد. ثانياً: عقد الصيانة له صور كثيرة، منها ما تبين حكمه، وهي: 1. عقد صيانة غير مقترن بعقد آخر، يلتزم فيه الصائن بتقديم العمل فقط، أو مع تقديم مواد يسيرة لا يعتبر العاقدان لها حساباً في العادة. هذا العقد يكيَّف على أنه عقد إجارة على عمل، وهو عقد جائز شرعاً، بشرط أن يكون العمل معلوماً، والأجر معلوماً. 2. عقد صيانة غير مقترن بعقد آخر، يلتزم فيه الصائن تقديم العمل، ويلتزم المالك بتقديم المواد. تكييف هذه الصورة، وحكمها: كالصورة الأولى. 3. الصيانة المشروطة في عقد البيع على البائع لمدة معلومة. هذا عقد اجتمع فيه بيع وشرط، وهو جائز، سواء أكانت الصيانة من غير تقديم المواد، أم مع تقديمها. 4. الصيانة المشروطة في عقد الإجارة على المؤجر، أو المستأجر. هذا عقد اجتمع فيه إجارة وشرط، وحكم هذه الصورة: أن الصيانة إذا كانت من النوع الذي يتوقف عليه استيفاء المنفعة: فإنها تلزم مالك العين المؤجرة من غير شرط، ولا يجوز اشتراطها على المستأجر، أما الصيانة التي لا يتوقف عليها استيفاء المنفعة: فيجوز اشتراطها على أيٍّ من المؤجر، أو المستأجر، إذا عُيِّنت تعيُّناً نافياً للجهالة. وهناك صور أخرى يرى " المجمع " إرجاءها لمزيد من البحث، والدراسة. ثالثاً: يشترط في جميع الصور: أن تعيَّن الصيانة تعييناً نافياً للجهالة المؤدية إلى النزاع، وكذلك تبيين المواد إذا كانت على الصائن، كما يشترط تحديد الأجرة في جميع الحالات. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، وسلم. "مجلة المجمع" (العدد الحادي عشر ج 2، ص 279) . 2. سئل الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله: صاحب شركة صيانة سيارات يسأل عن عقد الضمان وصورته: أن يتعاقد صاحب شركة الصيانة مع صاحب معرض سيارات مستعملة، أو ما يسمَّى بصالات السيارات المستعملة، وخاصة المستوردة من الخارج، فيقوم صاحب الشركة بفحص السيارة، ويعطي شهادة ضمان على السيارة السليمة مدة محددة على حسب صلاحية السيارة، على أن يدفع صاحب المعرض - أو الصالة - مبلغاً مقطوعاً مرة واحدة، ويتكفل صاحب الشركة بضمان السيارة تلك المدة المحددة بحيث لو حصل للسيارة عطل: فإن مشتري السيارة من المعرض يرجع على صاحب الشركة الضامنة، فتقوم بإصلاح السيارة بدون دفع مال، بشرط أن لا يقوم المشتري عند حصول عطل بإصلاح السيارة في مكان آخر. ويستثنى من الأعطال ما هو خارج عن الإرادة مثل حوادث السيارات. فأجاب: نرى أن مثل هذا لا يجوز؛ فإنه داخل في عمل " التأمين " الذي رَجَّح العلماء عدم جوازه؛ وذلك لأن صاحب المعرض - أو صاحب صالات السيارات - يدفع مبلغاً محدداً لشركة الصيانة، سواءً حصل أعطال، أو لم يحصل، فتارة لا يحصل تعطيل لهذه السيارات: فيأخذ صاحب شركة الصيانة ذلك المال من صاحب المعرض في غير مقابل، ولا يرد عليه شيئاً؛ حيث لا يحصل ما يحتاج إلى الإصلاح. وأحيانًا قد يحصل تعطيل كثير في السيارات، ينفق عليها صاحب شركة الصيانة أموالًا طائلة أكثر مما دفعه له صاحب صالات السيارات المستعملة، فيتضرر صاحب الشركة، ثم إن هذا التعاقد، وهذا الضمان قد يسبِّب أن أكثر المشترين يتهورون، ويخاطرون في مسيرهم، فتكثر الحوادث، ويحصل أنواع التعطيل، وإذا نصحوا باستعمال الرفق يحتجون بأن السيارة مضمونة لمدةٍ محددة كسنَة، أو أكثر. فعلى هذا نقول: إن على صاحب المعرض - أو ما يسمى بصالات السيارات المستعملة - سواءً مستوردة من الخارج، أو غير مستوردة: أن يفحص سياراته بنفسه، أو يستأجر عُمَّالًا يفحصونها، ويصلحون ما فيها من الأخطاء، ثم يبيعونها، ولا بأس أن يضمنوا للمشتري إصلاحها لمدة محددة، ولأشياء خاصة، باستثناء الحوادث المرورية، وما أشبهها. " الفتوى رقم 816 " من موقع الشيخ رحمه الله. http://ibn-jebreen.com/ftawa.php?view=vmasal&subid;=816&parent;=4193 وهذا الجواب ينطبق على الصورة الرابعة من صور عقود الصيانة. والصورة التي ذكرها الشيخ في آخر جوابه أنها جائزة وهي عقد الصيانة من البائع نفسه، هي الصورة الأولى التي ذكرنا أنها جائزة. 3. وقال الشيخ سامي السويلم حفظه الله: إذا كانت الشركة البائعة للأجهزة هي التي تقوم بالصيانة: فلا مانع من ذلك، ولا مانع من أن يختلف المبلغ المدفوع للصيانة تبعاً لاختلاف الخدمة ذاتها، أما أن تقوم شركات بالصيانة غير الشركات التي باعت السلعة: فلا يجوز؛ لأنه يكون صورة من صور التأمين التجاري المحرم، وبذلك يتبين حكم عقد الصيانة، فالضمان الذي تقدمه شركة الصيانة تابع للعمل الذي تقوم به، وهو عمل الصيانة الدورية، وهذه الصيانة الدورية من شأنها أن تقلل من احتمالات وقوع الخلل، ومن ثم تقلل من الحاجة للضمان ابتداء، أما إذا كان عقد الصيانة مجرد ضمان بلا عمل يدرأ الخطر: فهو تأمين تجاري بحت. http://almoslim.net/node/54932 وبهذا يتبين أن من عقود الصيانة ما هو مباح جائز، ومنها ما يكون صورة من صور التأمين التجاري فيكون محرماً. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 140002 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5622 شراء الشقق بالتقسيط قبل البناء [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم شراء شقة بالتقسيط من الشركة صاحبة العقار مباشرة ودون وسيط في حالة أن العقار تحت الإنشاء وموعد التسليم بعد سنتين أو ثلاثة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز شراء المنزل والشقة قبل بنائها إذا وصفت وصفا بينا يزيل الجهالة، سواء دفع الثمن كاملا أو مقسطا، وهذه صورة من صور عقد الاستصناع. وقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي رقم 50 (1/6) بشأن التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائها: " هناك طرق مشروعة يستغنى بها عن الطريقة المحرمة، لتوفير المسكن بالتملك منها: د- أن تملّك المساكن عن طريق عقد الاستصناع - على أساس اعتباره لازماً - وبذلك يتم شراء المسكن قبل بنائه، بحسب الوصف الدقيق المزيل للجهالة المؤدية للنزاع، دون وجوب تعجيل جميع الثمن، بل يجوز تأجيله بأقساط يتفق عليها، مع مراعاة الشروط والأحوال المقررة لعقد الاستصناع لدى الفقهاء الذين ميَّزوه عن عقد السلم " انتهى. وجاء في قرار آخر للمجمع بيان شروط الاستصناع، وهذا نصه: " إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 7-12 ذي القعدة 1412هـ الموافق 9 - 14 أيار (مايو) 1992 م، بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع عقد الاستصناع، وبعد استماعه للمناقشات التي دارت حوله، ومراعاة لمقاصد الشريعة في مصالح العباد والقواعد الفقهية في العقود والتصرفات، ونظراً لأن عقد الاستصناع له دور كبير في تنشيط الصناعة، وفي فتح مجالات واسعة للتمويل والنهوض بالاقتصاد الإسلامي، قرر ما يلي: أولاً: إن عقد الاستصناع - وهو عقد وارد على العمل والعين في الذمة - ملزم للطرفين إذا توافرت فيه الأركان والشروط. ثانياً: يشترط في عقد الاستصناع ما يلي: أ- بيان جنس المستصنع ونوعه وقدره وأوصافه المطلوبة. ب- أن يحدد فيه الأجل. ثالثاً: يجوز في عقد الاستصناع تأجيل الثمن كله، أو تقسيطه إلى أقساط معلومة لآجال محددة. رابعاً: يجوز أن يتضمن عقد الاستصناع شرطاً جزائياً بمقتضى ما اتفق عليه العاقدان ما لم تكن هناك ظروف قاهرة. والله أعلم " انتهى، نقلا عن مجلة المجمع (ع 7، ج2 ص 223) . والحاصل: أنه يجوز لك شراء شقة بالتقسيط ضمن عقار تحت الإنشاء، بشرط أن توصف وصفا يزيل الجهالة، وأن يحدد أجل التسليم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136921 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5623 طرق الحصول على العناوين البريدية للآخرين لتسويق السلع بمراسلتهم عليها، وحكمها [السُّؤَالُ] ـ[أنا أعمل في مجال التسويق الإلكتروني، ومن مهام عملي: عرض خدمات الشركة على عملاء جدد، أي: الترويج، والإعلان عن خدماتنا، ومنتجاتنا، عن طريق البريد الإلكتروني، فهناك برامج معدة لتجلب الإيميلات المسجلة على أي موقع أحدده. فهل استخدام مثل هذه البرامج لهذا الغرض به أي شبهة؟ . وهل هناك فرق بين المواقع، والمنتديات، والأدلة في ذلك؛ حيث إن الأدلة تعرض مواقع لشركات، والشركات تعرض إيميلاتها للجميع، فهل ممكن أستخدم هذه البرامج في جمعها لتيسير الأمر عليَّ؟ . علماً أن منها برامج مرخصة، وأستطيع أن أشتريها إذا تطلب الأمر. وجزاكم الله خيراً، وآسف على الإطالة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: العمل في التسويق التجاري، العادي، والإلكتروني: جائز من حيث الأصل، إلا أن هذا التسويق يكون حراماً إذا كان لشركة أو مواقع تحتوي على سلع وبضائع محرمة، كمواقع بيع الأشرطة الغنائية، أو كتب البدعة والفسوق، أو بيع الأدوات الموسيقية، أو اللحوم المحرَّمة، أو المجلات الفاسدة، وما يشبه ذلك من المحرمات في شرعنا. وقد ذكرنا جملة منها، مع بيان الحكم الشرعي في تسويقها في جوابي السؤالين: (107677) و (93376) ، فلينظرا. ثانياً: أما بخصوص الحصول على البريد الإلكتروني للآخرين؛ لتسويق البضائع والسلع بمراسلتهم عليه: ففيه تفصيل: 1. إذا كان الموقع – أو المنتدى - الذي يُعطي البريد الإلكتروني للمنتسب له يخبره في الأصل وقبل الموافقة على الانتساب له أنه من حقه بيع القوائم البريدية لشركات ومواقع التسويق: فلا حرج عليهم من ذلك، ولا حرج عليكم من التعامل مع تلك المواقع والمنتديات، والحصول على القوائم البريدية التي يملكونها. 2. وإذا كان الموقع – أو المنتدى – لم يخبر المنتسبين له بحقه في بيع قوائمه البريدية: فلا يحل له الاستيلاء عليها لبيعها؛ لأنه مؤتمن عليها، ولا يحل لكم التعامل مع تلك المواقع والمنتديات. 3. لا يجوز استعمال برامج الاختراق – الهكر – للوصول إلى قوائم بريد موقع، أو منتدى؛ لأن هذا من التعدي على خصوصيات الآخرين، وبعضهم يزيد على هذا التعدي فيخترق البريد. 4. من أظهر بريده في موقع، أو منتدى: فيجوز مراسلته لتسويق السلع المباحة له، ويجوز استعمال برامج معينة تجمع تلك العناوين البريدية؛ لمراسلتهم. 5. وإذا تمت مراسلة أصحاب تلك العناوين البريدية فينبغي أن يوجد في الرسالة إمكانية لكي يبدي المراسَل رغبته بإلغاء الاشتراك في تلك القائمة، وعدم مراسلته مجدداً، لأن إظهاره لبريده لا يعني رغبته بأن يستقبل عليه رسائل تسويقية، فإذا ما أبدى رغبته بعدم ذلك: فيجب احترام تلك الرغبة، ولا يجوز مراسلته مرة أخرى. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 135514 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5624 هدي النبي صلى الله عليه وسلم في البيع والشراء [السُّؤَالُ] ـ[أرغب في معرفة السنَّة في التجارة , كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يتاجر، ويصف السلَع، ويتبادلها، ويعيدها ... الخ]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يمكن تلخيص هدي النبي صلى الله عليه وسلم في التجارة، والبيع، والشراء فيما يلي: 1. عمل النبي صلى الله عليه وسلم بالتجارة قبل البعثة مع عمه أبي طالب؛ وعمل لخديجة كذلك، وسافر لذلك إلى بلاد الشام , وكان أيضا يتاجر في الأسواق؛ فمجنة، وعكاظ: كانت أسواقاً في الجاهلية، وكان التجار يقصدونها للبيع، والشراء. 2. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يباشر البيع بنفسه، كما سيأتي في حديث جمل عمر، وجمل جابر رضي الله عنهما، أو يُوكل ذلك إلى أحدٍ من أصحابه، كما في عُرْوَةَ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ الْبَارِقِيِّ قَالَ: أَعْطَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم دِينَاراً يَشْتَرِي بِهِ أُضْحِيَةً - أَوْ شَاةً - فَاشْتَرَى شَاتَيْنِ، فَبَاعَ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ، فَأَتَاهُ بِشَاةٍ وَدِينَارٍ، فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِي بَيْعِهِ، فَكَانَ لَوِ اشْتَرَى تُرَابًا لَرَبِحَ فِيهِ. رواه الترمذي (1258) وأبو داود (3384) وابن ماجه (2402) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ". 3. كان صلى الله عليه وسلم يأمر التجار بالبرِّ، والصدق، والصدقة. أ0 عن حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا) . رواه البخاري (1973) ومسلم (1532) . ب. عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمُصَلَّى، فَرَأَى النَّاسَ يَتَبَايَعُونَ فَقَالَ: (يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ) ، فَاسْتَجَابُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَفَعُوا أَعْنَاقَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ إِلَيْهِ فَقَالَ: (إِنَّ التُّجَّارَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فُجَّاراً، إِلاَّ مَنِ اتَّقَى اللَّهَ وَبَرَّ وَصَدَقَ) . رواه الترمذي (1210) وابن ماجه (2146) ، وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " (1785) . ج. وعَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ قال: كان صلى الله عليه وسلم يقول: (يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ إِنَّ الْبَيْعَ يَحْضُرُهُ اللَّغْوُ وَالْحَلِفُ، فَشُوبُوهُ بِالصَّدَقَةِ) . رواه الترمذي (1208) وأبو داود (3326) والنسائي (3797) وابن ماجه (2145) ، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود". 4. وكان صلى الله عليه وسلم يأمر بالسماحة، واليسر، في البيع والشراء. عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى) . البخاري (1970) قال ابن حجر – رحمه الله -: وفيه الحض على السماحة في المعاملة , واستعمال معالي الأخلاق , وترك المشاحة , والحض على ترك التضييق على الناس في المطالبة، وأخذ العفو منهم. " فتح الباري " (4 / 307) . ومن صور سماحته صلى الله عليه وسلم: أ. عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَكُنْتُ عَلَى بَكْرٍ صَعْبٍ لِعُمَرَ، فَكَانَ يَغْلِبُنِي فَيَتَقَدَّمُ أَمَامَ الْقَوْمِ، فَيَزْجُرُهُ عُمَرُ وَيَرُدُّهُ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ فَيَزْجُرُهُ عُمَرُ وَيَرُدُّهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِعُمَرَ: (بِِعْنِِيهِِ) قَالَ: هُوَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: (بِعْنِيهِ) فَبَاعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (هُوَ لَكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ تَصْنَعُ بِهِ مَا شِئْتَ) . رواه البخاري (2610) . ب. وعن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ يَسِيرُ عَلَى جَمَلٍ لَهُ قَدْ أَعْيَا فَأَرَادَ أَنْ يُسَيِّبَهُ قَالَ: فَلَحِقَنِى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَدَعَا لِي وَضَرَبَهُ فَسَارَ سَيْرا لَمْ يَسِرْ مِثْلَهُ قَالَ: (بِعْنِيهِ بِوُقِيَّةٍ) قُلْتُ: لاَ، ثُمَّ قَالَ: (بِعْنِيهِ) ، فَبِعْتُهُ بِوُقِيَّةٍ وَاسْتَثْنَيْتُ عَلَيْهِ حُمْلاَنَهُ إِلَى أَهْلِي فَلَمَّا بَلَغْتُ أَتَيْتُهُ بِالْجَمَلِ فَنَقَدَنِي ثَمَنَهُ ثُمَّ رَجَعْتُ فَأَرْسَلَ فِي أَثَرِى فَقَالَ: (أَتُرَانِي مَاكَسْتُكَ لآخُذَ جَمَلَكَ خُذْ جَمَلَكَ وَدَرَاهِمَكَ فَهُوَ لَكَ) . رواه البخاري (1991) ومسلم (715) - واللفظ له -. 5. وكان صلى الله عليه وسلم يحسن أداء الحقوق لأهلها، ويحث عليه. عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم سِنٌّ مِنَ الإِبِلِ فَجَاءَهُ يَتَقَاضَاهُ فَقَالَ: (أَعْطُوهُ) ، فَطَلَبُوا سِنَّهُ فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ إِلاَّ سِنًّا فَوْقَهَا، فَقَالَ (أَعْطُوهُ) ، فَقَالَ: أَوْفَيْتَنِي أَوْفَى اللَّهُ بِكَ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً) . رواه البخاري (2182) ومسلم (1601) . 8. وكان صلى الله عليه وسلم يحث على إقالة النادم. عنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَقَالَ مُسْلِماً أَقَالَهُ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) . رواه أبو داود (3460) وابن ماجه (2199) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ". والإقالة: هي المسامحة، والتراجع عن البيع، أو الشراء، وتدل على كرمٍ في النفس. " وصُورَة إِقَالَة الْبَيْع: إِذَا اِشْتَرَى أَحَد شَيْئًا مِنْ رَجُل ثُمَّ نَدِمَ عَلَى اِشْتِرَائِهِ، إِمَّا لِظُهُورِ الْغَبْن فِيهِ أَوْ لِزَوَالِ حَاجَته إِلَيْهِ، أَوْ لِانْعِدَامِ الثَّمَن: فَرَدَّ الْمَبِيع عَلَى الْبَائِع، وَقَبِلَ الْبَائِع رَدَّهُ: أَزَالَ اللَّه مَشَقَّته وَعَثْرَته يَوْم الْقِيَامَة، لِأَنَّهُ إِحْسَان مِنْهُ عَلَى الْمُشْتَرِي , لِأَنَّ الْبَيْع كَانَ قَدْ بَتَّ فَلَا يَسْتَطِيع الْمُشْتَرِي فَسْخه " انتهى. من "عون المعبود". 6. وكان صلى الله عليه وسلم يساوم في الشراء، ولا يبخس الناس بضاعتهم، كما مر معنا في حديث جمل جابر. وعن سُوَيْدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: جَلَبْتُ أَنَا وَمَخْرَمَةُ الْعَبْدِيُّ بَزًّا مِنْ " هَجَرَ " فَأَتَيْنَا بِهِ مَكَّةَ، فَجَاءَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْشِي، فَسَاوَمَنَا بِسَرَاوِيلَ، فَبِعْنَاهُ. رواه الترمذي (1305) وقال: حسن صحيح، وأبو داود (3336) والنسائي (4592) وابن ماجه (2220) . 7. وكان صلى الله عليه وسلم يأمر برجحان الوزن. عن سُوَيْد بْنِ قَيْسٍ قَالَ: (رأى) رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً يَزِنُ بِالأَجْرِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (زِنْ وَأَرْجِحْ) . وهو تتمة الحديث السابق. 8. وكان صلى الله عليه وسلم يأمر بإنظار المعسر، والحط عنه. عن أبي اليسر رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِراً أَوْ وَضَعَ عَنْهُ أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ) . رواه مسلم (3006) . 9. وكان صلى الله عليه وسلم ينهى عن التعامل بالربا، وبيع الغرر، وبيع العِينة، والتجارة بالمحرمات , وعن الغش والخداع. والأدلة على ذلك كثيرة، ومشتهرة. وليس عندنا تفاصيل بيعه وشرائه في كل معاملاته التجارية صلى الله عليه وسلم؛ فقد كانت تجارته في الجاهلية، ولم يكن نبيّاً حتى تُنقل تصرفاته من أصحابه، وما نُقِلَ عن سنَّته صلى الله عليه وسلم كافٍ إن شاء الله. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 134621 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5625 يرسلون الذهب إلى شركة فتقوِّم ثمنه ثم ترسل لهم حسابه بعد ذلك [السُّؤَالُ] ـ[ما حكمة الصفقة التجارية التالية: تقوم الشركة بإرسال صُرة إلى الزبائن الراغبين ببيع مجوهراتهم الذهبية إلى هذه الشركة ومن ثم يقوم الزبائن بوضع هذه المجوهرات الذهبية داخل تلك الصرة ثم يرسلونها إلى تلك الشركة حيث تقوم هذه الشركة بحساب سعر تلك المجوهرات الذهبية ومن ثم تقوم بإرسال المال المستحق إلى الزبائن. أرجو الأخذ بعين الاعتبار أنه من الصعب أو المستحيل أن تقوم الشركة بالذهاب إلى بيت كل زبون خصوصا الذين يعيشون في أماكن بعيدة , فما حكم الشريعة الإسلامية في مثل هذه الصفقة؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله روي البخاري (2134) ومسلم (1586) عن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ رِبًا، إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا، إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا، إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ) . ومعنى: هاء وهاء: خذ وهات. وروى مسلم (1587) عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ. فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) . وقد أجمع العلماء على أنه لا يجوز تأخير أحد الربويين إذا بيع بالآخر، وأنه يجب على المتعاقدين أن يتقابضا في المجلس. فتأخير القبض في أحد الربويين المتحدين في علة ربا الفضل لا يجوز، وهو ربا النسيئة، فإذا كان عندنا ربويان اتحدا في علة ربا الفضل ولو اختلف جنسهما فإنه لابد عند مبادلة أحدهما بالآخر أن يكون ذلك يداًَ بيد. قال الإمام الشافعي رحمه الله: " إذَا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ: فَلَا بَأْسَ بِالْفَضْلِ فِي بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ، وَلَا خَيْرَ فِيهِ نَسِيئَةً " "الأم" (3/24) وقال ابن قدامة في "المغني" (4/30) : " كُلُّ جِنْسَيْنِ يَجْرِي فِيهِمَا الرِّبَا بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ , كَالْمَكِيلِ بِالْمَكِيلِ , وَالْمَوْزُونِ بِالْمَوْزُونِ , وَالْمَطْعُومِ بِالْمَطْعُومِ , عِنْدَ مَنْ يُعَلِّلُ بِهِ , فَإِنَّهُ يَحْرُمُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْأُخَرِ نَسَاءً , بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ ; وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ عليه السلام: (فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ) " انتهى. وراجع: "المبسوط 14/10) – "تبيين الحقائق" (4/135) – "الموسوعة الفقهية" (26/350) سئل علماء اللجنة: أحيانا يشتري صاحب المحل ذهبا بالجملة بواسطة التلفون من مكة أو من خارج المملكة، وهو في الرياض، من صائغ معروف لديه، والبضاعة معروفة لدى المشتري، كأن تكون غوايش أو غير ذلك، ويتفقون على السعر، ويحول له الثمن بالبنك، فهل يجوز ذلك أو ماذا يفعل؟ فأجابت اللجنة: " هذا العقد لا يجوز أيضا؛ لتأخر قبض العوضين عنه، الثمن والمثمن، وهما معا من الذهب أو أحدهما من الذهب والآخر من الفضة، أو ما يقوم مقامهما من الورق النقدي، وذلك يسمى بربا النسأ، وهو محرم، وإنما يستأنف البيع عند حضور الثمن بما يتفقان عليه من الثمن وقت العقد يدا بيد " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/475) وقال علماء اللجنة أيضا: " لا يجوز بيع الذهب بالذهب، ولا الفضة بالفضة إلا مثلا بمثل، يدا بيد، سواء كان العوضان من المصاغ أم من النقود أم كان أحدهما مصاغا والآخر من النقود، وسواء كان العوضان من ورق البنكنوت أم كان أحدهما من ورق بنكنوت والآخر مصاغا أم من النقود. وإذا كان أحد العوضين ذهبا مصوغا، أو نقدا، وكان الآخر فضة مصوغة أو نقدا، أو من العُمل الأخرى - جاز التفاوت بينهما في القدر، لكن مع التقابض قبل التفرق من مجلس العقد، وما خالف ذلك في هذه المسألة فهو ربا، يدخل فاعله في عموم قوله تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ... الآية. البقرة/275 " انتهى "فتاوى اللجنة" (13/484) وفتاوى العلماء في ذلك أكثر من أن تحصى. والخلاصة: أن هذه المعاملة المسئول عنها لا تجوز؛ لأنها من المعاملات الربوية المنهي عنها، وليس المطلوب أن تنتقل الشركة إلى كل زبون في مكانه؛ لكن بالإمكان أن ترسل له ثمن الذهب، مع المندوب الذي يستلم الذهب من بائعه، أو توكل من تشاء في ذلك، أو ينتقل هو إلى مقر الشركة، ليبيع بنفسه عندها، ويستلم الثمن. وعلى أية حال، فلا يظهر لنا صعوبة في إيجاد المخرج الشرعي، من هذه المعاملة الممنوعة؛ ومن يتق الله مخرجا!! والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127218 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5626 شراء أجهزة من المؤسسة الاستهلاكية بنظام المرابحة [السُّؤَالُ] ـ[أود أن أطرح عليكم مسألة تخوفا من الحرام؛ أنا موظف أعمل في قوة دفاع البحرين، ويوجد لدينا مؤسسة استهلاكية تابعة لقوة الدفاع، (تقوم ببيع أجهزة إلكترونية، عن طريق شركة مستأجِرة داخل المؤسسة، بتقسيط على موظفي قوة الدفاع فقط) . الطريقة هي: إذا أردت أن أشتري جهازا، أذهب إلى المؤسسة الاستهلاكية، ثم أختار جهازا من الأجهزة التابعة إلى الشركة المستأجرة، فتقوم المؤسسة الاستهلاكية بشراء الجهاز الذي أنا اخترته من الشركة نفسها، وتبيعه علي بتقسيط، وتقوم الشركة المستأجرة بتوصيله لي إلى المنزل. المؤسسة الاستهلاكية لا تملك الأجهزة الالكترونية، هي مجرد وسيط بين الموظف والشركة المستأجرة، وسعر الأجهزة ثابت، سواء اشتريته أقساط، أو دفعت فورا. هل هذه المعاملة محرمة، أرجو أن تفيدوني. وجزاكم الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المعاملة المسئول عنها يسميها العلماء: بيع المرابحة للآمر بالشراء، وحاصلها: أن الإنسان قد يرغب في سلعة ما، فيذهب إلى شخص أو مؤسسة أو مصرف، فيحدد له السلعة المطلوبة، ويعده أن يشتريها منه بعد شراء المؤسسة أو المصرف لها، بربح يتفقان عليه، وهذه المعاملة تجوز عند توفر شرطين: الأول: أن تمتلك المؤسسة هذه السلعة قبل أن تبيعها، فتشتري الجهاز لنفسها شراء حقيقيا، قبل أن تبيعه على الموظف. الثاني: أن تقبض المؤسسة الجهاز قبل بيعه على الموظف. فإذا لم تشتر المؤسسة الجهاز لنفسها شراء حقيقيا، وإنما اكتفت، بدفع شيك بالمبلغ عن الموظف، كان هذا قرضا منها للموظف، فإن كانت لا تسترده بزيادة – كما يفهم من سؤالك – فهو قرض حسن، وإن كانت تسترده مع زيادة فهو قرض ربوي محرم. وإذا اشترت المؤسسة الجهاز لكن باعته قبل قبضه، كان ذلك مخالفاً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام: (إذا اشتريت مبيعاً فلا تبعه حتى تقبضه) رواه أحمد (15399) والنسائي (4613) وصححه الألباني في صحيح الجامع (342) . وأخرج الدارقطني وأبو داود (3499) عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: (نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم) والحديث حسنه الألباني في صحيح أبي داود. وفي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه) رواه البخاري (2132) ، ومسلم (1525) ، وزاد: قال ابن عباس: وأحسب كل شيء مثله. أي: لا فرق بين الطعام وغيره في ذلك. وقبض كل شيء بحسبه كما سبق، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وما ينقل: مثل الثياب والحيوان والسيارات وما أشبه ذلك يحصل قبضها بنقلها؛ لأن هذا هو العرف " انتهى من "الشرح الممتع" (8/381) . فلابد من أخذ المؤسسة للجهاز ونقله إليها، قبل أن تبيعه عليك. والحاصل أن المؤسسة إن كانت تشتري الأجهزة ثم تبيعها على الموظفين، فلا بد من قبضها للأجهزة قبل بيعها. وإن كانت لا تشتريها وإنما تدفع ثمنها عن الموظف فهذا قرض وهو دائر بين أن يكون قرضاً حسناً جائزاً أو قرضاً ربوياً محرماً، كما سبق، فإن كان حسناً فلا حرج في هذه المعاملة، وقد أحسنت المؤسسة بذلك. وينظر للفائدة: سؤال رقم (36408) و (104815) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125717 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5627 يلزمهم البنك بتسلم مبلغ الحوالة بالعملة المحلية [السُّؤَالُ] ـ[أعمل في مجال " الحوالات المالية "، حيث يتم إرسال المبلغ لمكتبنا بالدولار - عن طريق البنوك المحلية - ونعطيه للناس بالدولار، ويدفع المرسِل نسبة قليلة أجرة الإرسال، ولكن تغير الأمر بعد حصار " قطاع غزة "، حيث لم يكن بالإمكان إعطاء الناس حوالاتهم بالدولار كما يتم إرساله، وإنما بالعملة المحلية، وبسعر صرف البنك، وهو أقل من سعر صرف السوق بنسبة 3 % يعني: كل مائة دولار، يخسر فيهن المستلم 3 دولار، وهذا لأن البنك يسلِّم لنا قيمة الحوالة التي نسلمها للناس بهذه القيمة، وأنا بصراحة: أرى أن هذه المعاملة فيها غبن للمستلم؛ حيث إن من حقه استلام حوالته بالدولار - كما تم إرسالها - فهل لك أن تفيدني؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سبق الكلام على الحوالة في جواب السؤال رقم (87656) و (110938) . وإذا تمت الحوالة فالواجب أن يسلم المبلغ بالعملة التي تم تحويلها، ولا يجوز إجبار المستلم على صرفه بالعملة المحلية، لأن هذا إجبار للإنسان أن يبيع ملكه، وبالسعر الذي لا يريده، وقد قال الله تعالى: (لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) النساء/29، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما البيع عن تراض) رواه ابن حبان، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1283) . وإذا كنتم مكرهين على صرفها بالعملة المحلية وبالسعر الذي يحدده البنك، فلا إثم عليكم في ذلك، وإنما الإثم على من ظلم الناس وأكل حقوقهم بغير حق. ولكن عليكم أن تبينوا للعميل ذلك، حتى لا يكون هناك خداع أو غش. ونسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين، ويعيد إليهم حقوقهم المغتصبة، ويكبت أعداءهم. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112207 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5628 عقد مرابحة أصدره بنك المغرب المركزي [السُّؤَالُ] ـ[أفتوني في صحة هذا العقد البنكي شرعاً (مرابحة) هل هو جائز؟ وهذه شروط هذا العقد كما أصدرها البنك: المرابحة: المادة 9: - يقصد بالمرابحة كل عقد تقتني بموجبه إحدى مؤسسات الائتمان على سبيل التمليك وبناء على طلب أحد العملاء، منقولاً، أو عقاراً من أجل إعادة بيعه له بتكلفة الشراء مع زيادة ربح معلوم يتم الاتفاق عليه مسبقا. - يتم الأداء من طرف العميل الآمر بالشراء دفعة واحدة، أو بدفعات متعددة، في مدة يتم الاتفاق عليها مسبقا. - يتم إدراج الربح بمنتجات مؤسسة الائتمان على مدى مدة العقد. المادة 10: لا يجوز أن يكون موضوع عقد المرابحة اقتناء ممتلكات غير موجودة عند تاريخ توقيع العقد. المادة 11: - ينبغي أن يحدد عقد المرابحة بشكل دقيق واجبات وحقوق كل طرف من الطرفين، وكذا الشروط العامة التي تنظم علاقتهما. - ويجب أن يتضمن بنودا تحدد على الخصوص: 1. المنقول، أو العقار موضوع عقد المرابحة. 2. ثمن الشراء. 3. المصاريف، والرسوم المؤداة من طرف مؤسسة الائتمان من أجل شراء الملك موضوع المرابحة، وتلك التي يتعين على العميل أداؤها. 4. ربح مؤسسة الائتمان. 5. - مدة العقد. 6. كيفيات الأداء. 7. الضمانات التي قدمها العميل. 8. قيمة التسبيق الذي دفعه العميل عند الاقتضاء. المادة 12: أطراف عقود المرابحة هم: العميل الآمر بالشراء، ومؤسسة الائتمان، والبائع. المادة 13: لا يجوز لمؤسسة الائتمان في أي حال من الأحوال مراجعة هامش ربحها المتعاقد عليه.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه المواد والبنود من إصدار " بنك المغرب المركزي "، وقد أوضحت مذكرة لـ " بنك المغرب المركزي ": أن إعداد هذا العقد قد تمَّ بناء على القواعد التي وضعتها " هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية " (AAOIFI) ، والتي يوجد مقرها بالبحرين، وتشمل هذه الهيئة في عضويتها 155 عضواً، من أكثر من 40 بلداً، وتناط بها مهمة إعداد وإصدار معايير المحاسبة، والمراجعة، والأخلاقيات، ومعايير التدقيق، والمعايير الشرعية للصناعة المصرفية والمالية الإسلامية. وهذا العقد "المرابحة" يرى بعض الباحثين جوازه، ويرى آخرون أن شروط الجواز غير متوفرة في هذا العقد. فشراء السلع عن طريق البنوك أو غيرها لا يجوز إلا عند توفر شرطين: الأول: أن يمتلك البنك هذه السلعة قبل أن يبيعها، فيشتري البنك السيارة مثلاً من المعرض لنفسه. الثاني: أن يقبض السيارة بنقلها من المعرض قبل بيعها على العميل. وإذا خلت المعاملة من هذين الشرطين - أو أحدهما -: كانت معاملة محرمة. ومن العلماء من يقول بعدم جواز بيع المرابحة أصلاً؛ حتى لو توفر هذان الشرطان، لأن شراء البنوك قد وقع أصلا للمشتري، وليس للبنك، وحقيقة المعاملة عندهم هي: قرض بفائدة، وليس معاملة بيع وشراء، ومن هؤلاء القائلين بهذا: الشيخان: العثيمين والألباني. وفي سؤال موجه لعلماء اللجنة الدائمة ذُكر فيه ما تفعله بعض البنوك الإسلامية بما تسميه " مرابحة " وهو مطابق لما تفعله البنوك الربوية بما تسميه " فائدة "، وقد ذكر علماء اللجنة الدائمة تحريم هذا الفعل، وهذا نص السؤال والجواب. السؤال: فالتاجر الذي يأتي البنك، ولا يملك نقوداً حاضرة - بمعنى (سيولة) - يقول له البنك: نحن لا نقرضك مالاً على أساس أنها بنك إسلامي، ولكن نسألك عن البضاعة ونوعها، ونحن نشتريها ثم نبيعها لك، بشرط أن تتكفل أنت بجميع مصاريف، الشحن، والتأمين، وجميع الالتزامات الأخرى التي تترتب على نقل هذه البضاعة، ونأخذ منك عشرة في المائة. هذه هي صورة معاملة البنك الإسلامي مع التاجر الذي لجأ إليه يريد المال الحاضر (السيولة) ، أرجو الجواب على هذا، وجزاكم الله خيراً. الجواب: الحمد لله "أولاً: المصارف والبنوك التي لا تتعامل بالربا: يجوز التعامل معها، وإذا كانت تتعامل بالربا: فلا يجوز التعامل معها، وليست بنوكاً إسلامية. ثانياً: الصورة التي ذكرت من التعامل بين التاجر والمصرف تحت اسم " بيع المرابحة ": لا تجوز؛ لأن شراء البنك للبضاعة من التاجر شراء صوري، لا حقيقي، وليس له حاجة في البضاعة، وإنما قصده النسبة 10 %، وقد نبهنا عليها غير مرة لمن سأل عن ذلك " انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. " فتاوى اللجنة الدائمة " (13 / 310، 311) . وفي جواب السؤال رقم (10958) تجد فتوى أخرى لعلماء اللجنة الدائمة في تحريم هذه المعاملة. وانظر جواب السؤال رقم: (36408) لتقف على ما يشترط لجواز بيع المرابحة الذي تجريه البنوك. فليحذر المسلم من الخديعة وإدخاله في معاملات صورية، أو مشبوهة، وقد صدرت فتاوى وتحذيرات كثيرة من مجامع إسلامية، ومن لجان فتوى موثوقة تحذِّر البنوك الإسلامية وغيرها من المعاملات المخالفة للشرع، وتنبههم إلى ضرورة ظهور الفروق الواضحة البيِّنة بين معاملاتهم ومعاملات البنوك الربوية، ومن أمثلة ذلك " التورق المصرفي الذي تجريه كثير من البنوك الإسلامية "، وقد صدر قرارٌ من " المجمعِ الفقهي الإسلامي " في المدة من 19 - 23 / 10 / 1424 هـ الذي يوافقه 13 - 17 / 12 / 2003 م فيه تحريم هذه المعاملة، وفيه تحذيرٌ وتنبيهٌ للمصارفِ من استغلالِ هذه المعاملةِ على غيرِ وجهها الشرعي، وفيه: "ثانياً: يوصي " مجلس المجمع " جميع المصارف بتجنب المعاملات المحرمة، امتثالاً لأمر الله تعالى. كما أن المجلس إذ يقدر جهود المصارف الإسلامية في إنقاذ الأمة الإسلامية من بلوى الربا: فإنه يوصي بأن تستخدم لذلك المعاملات الحقيقية المشروعة دون اللجوء إلى معاملات صورية تؤول إلى كونها تمويلاً محضاً بزيادة ترجع إلى الممول" انتهى. وللأسف قد أباح هذه المعاملة: بعض اللجان الشرعية في بعض البنوك الإسلامية! وقد ردَّ كثيرون على القول بالإباحة من تلك اللجان الشرعية، وفي قرار " مجلس المجمع الفقهي " التنصيص على هذه المصارف بعنوان القرار ونصه وخاتمته، وللشيخ خالد المشيقح بحث في تحريم هذه المعاملة، فلينظر في " مجلة البحوث الإسلامية " (73 / 234 - 237) ، ويوجد ردود من الدكتور على السالوس، والدكتور سامي سويلم، والدكتور عبد الله بن حسن السعيدي - وكلاهما قدَّم بحثاً في المسألة لمجلس المجمع الفقهي -، والشيخ عبد الرحمن العثمان، والدكتور محمد بن عبد الله الشباني، انظرها في موقع "المسلم". ويُسمع هنا مناقشة قرار المجمع الفقهي، والرد على المبيحين: http://liveislam.com/iqa/av/jummaah001/twrog/tawarog.rm وانظر جواب السؤال رقم: (60185) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111896 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5629 الاستصناع الموازي، صورته وحكمه [السُّؤَالُ] ـ[أنا من المغرب وسأفتح إن شاء الله تعالى شركة استيراد وتصدير. ومنذ أشهر بدأت بالفعل بالعمل على صفقة. حيث تتولى شركتنا دراسة المشروع وتكاليفه، وأيضا نتكلف بالشركة المصدرة للبضاعة، حيث إنني قضيت وقتاً طويلاً جداً في البحث عنها مع كل المصاريف. السؤال: شركتنا ستقوم باستيراد البضاعة وعمل عقد طويل الأمد (بين 6 أشهر إلى 12 شهر) حيث إننا سنلتزم أمام المصنع المُصَدِّر أننا سنقوم باستيراد هذه الكمية شهريا لمدة معينة وبثمن معين. والزبون الذي بالمغرب الذي يريد هذه البضاعة يعلم الثمن الأصلي للبضاعة وتكلفة الجمارك والنقل وكل شيء. هل يجوز لنا أخذ المال منه وإحضار السلعة المتفق عليها له من المصنع مقابل أجر أو نسبة معلومة من الثمن (مثلا 5 بالمئة أو دولار على كل قطعة) أو أن هذا يعتبر بيع ما ليس لدينا؟ حيث إننا كما قلت نشتري بماله الذي أعطاه لنا مسبقاً؟ وهل يجوز لنا أخذ مبلغ العقد الكلي أو النصف لضمان عدم تراجعه وتوريطنا بالبضاعة التي ستأتي له خصوصا. وإذا ما تمت الصفقة وأخذنا مال العقد كله (الثمن الكلي للسلعة طوال الأشهر المتفق عليها) هل يحق لنا استغلال ذلك المال بتجارة أخرى بما يعرف في التجارة دوران المال وعدم توقفه أم علينا أخذ إذنه واقتسام الأرباح معه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كانت البضاعة التي تتعاقدون على بيعها بعد أشهر مواد خام (في صورتها الأولية) ولم تجر عليها أية عمليات صناعية فهذا العقد يسمى "بيع السَّلَم" وهو جائز، ومن شروط جوازه: تسليم الثمن كاملاً في مجلس العقد، فلا يجوز تأجيل بعض الثمن، وإذا استلمتم الثمن فهو ملككم تتصرفون فيه كما تشاؤون. وأما إذا كانت البضاعة مصنعة – وهو الغالب – أي: جرت عليها عمليات تصنيع، كالثياب والسيارات، والأجهزة والأثاث، والمفروشات.. إلخ فهذا العقد يسمى "عقد الاستصناع" وهو جائز أيضاً، ومعنى عقد الاستصناع أن يتفق المشتري مع البائع أن يبيع له شيئاً مصنوعاً، بالمواصفات التي يتفقان عليها. ولا يشترط في عقد الاستصناع أن يقدم الثمن كله أو بعضه، فيجوز تقديم الثمن أو تأجيله أو تقسيطه، حسب الاتفاق. وإذا استلمتم الثمن فهو ملككم تتصرفون فيه وتتاجرون به كما تشاؤون، ولا يلزمكم استئذان المشتري منكم. وحقيقة الدور الذي تقومون به، يسميه المعاصرون "الاستصناع الموازي" ومعناه: أن يعقد الشخص عقدين للاستصناع، يكون في أحدهما بائعاً (صانعاً) ويكون في الآخر مشترياً (مسْتَصْنِعاً) ثم يأخذ السلعة من البائع له ويسلمها إلى المشتري، وهو عقد جائز. ولا حرج أن تتفق مع المشتري على زيادة 5% على الثمن الأصلي، أو دولار لكل قطعة، إذا كان عدد القطع معلوماً، والثمن الأصلي معلوماً، حتى لا يقع نزاع بعد ذلك في تحديد الثمن. وقد ذكرنا قرار المجمع الفقهي الخاص بعقد الاستصناع في جواب السؤال رقم (2146) . وهذه هي الكيفية الممكنة لتصحيح معاملاتكم، أما عقد الوكالة فلا يصح أن تتعاقدوا على أن تكونوا وكلاء للتاجر في بلدكم لتشتروا له بضاعة مقابل أجر معلوم، كخمسة في المائة مثلاً أو دولار مقابل كل سلعة، وذلك لأن الوكيل مؤتمن غير ضامن، فلا يضمن ما يتلف من غير تعد منه أو تفريط، فإذا تلفت هذه البضائع قبل قبض التاجر لها من غير تفريط ولا تعد منكم فإن عقد الوكالة يقتضي أن لا تضمنوا هذه البضائع، وواقعكم على خلاف هذا. أضف إلى ذلك: أنكم إذا كنتم وكلاء فإن المال الذي تأخذونه منه كثمن للبضائع يعتبر أمانة في أيديكم قبل أن تسلموه للمصنع، وليس ملكاً لكم، فليس لكم أن تتصرفوا فيه، وواقعكم يخالف هذا أيضا. وبهذا يتبين أن ما تتعاملون به لا يستقيم أن يكون عقد الوكالة إلا إذا التزمتم بآثار عقد الوكالة، وهو ما لا يتأتى مع الواقع. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112115 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5630 يتفق مع الزبون على قيمة العقد وربحه ثم يشتريه نقداً ويقسطه عليه [السُّؤَالُ] ـ[منذ فترة وأنا أبيع بالتقسيط. وطريقتي هي: يأتيني المشتري، أو يهاتفني عبر الجوال بسؤاله لي عن التقسيط، وأخبره بأننا نقوم بالتقسيط، ويسأل عما نقسطه، ويجيب أنه يرغب في سلعة، نقوم بتصفية مبلغ من المال كقوله: " أرغب في خمسة آلاف ريال ". أقول له: بأنني سأبيعك سلعة كذا بالتقسيط، وتصبح عليك بقيمة كذا، وقسط قدره كذا، فإن وافق: ذهبت واشتريت السلعة، وبعد امتلاكها عن نفسي: فهو بالخيار، إما أن يقبل أو يرفض، وإن وافق: أتيته بالعقد، وطلبت عليه كفلاء، وبعد توقيع العقد: أقوم بتسليمه الفاتورة الخاصة بالشراء - فاتورة ما اشتريناه من سلعة - التي تمكنه من استلام ما بعناه إياه، أو إعادة بيعه إن رغب بذلك على صاحب المؤسسة، أو من رغب، وليس البيع علينا. هل هذه الطريقة فيها شيء من الحرام؟ وإذا كان فيها شيء من الحرام: فما هي الطريقة الصحيحة التي ليس فيها شيء؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه المعاملة محرمة، وسبب تحريمها: 1- أنك تبيع السلعة وأنت لم تنقلها من عند من باعها لك، وقد (نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تباع السلع حيث تباع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم) رواه أبو داود (3499) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود. 2- أنك تربح فيما لم يدخل في ضمانك، وهذا لا يجوز، لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن ربح ما لم يُضمن) رواه الترمذي (1234) وحسنه الألباني في "إرواء الغليل" (1386) . 3- أن كثيراً من المشترين في هذه الصورة يبيعون السلعة للطرف الأول (وهو من باعها لك) فتكون المعاملة بهذه الطريقة صورة من صور بيع العينة، وهو محرم، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه، ولأنه حيلة على الربا. والذين يجيزون هذه المعاملة يشترطون لها شرطين: 1- أن تقبض السلعة، وتكون في ضمانك، وتنقلها من مكانها. 2- أن لا تبيعها قبل تملكها. وإذا كان الشرط الثاني متوفراً في معاملتكم: فإن الشرط الأول مفقود، واختلال أحد الشرطين يجعل المعاملة من المحرمات. وقد بينَّا هذا في جواب السؤال رقم: (36408) فلينظر. وفي جواب السؤال رقم (10958) تجد فتوى لعلماء اللجنة الدائمة في تحريم هذه المعاملة. ونسأل الله أن يوفقكم لمرضاته، وأن ييسر لكم العمل الطيب، والكسب المبارك. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105395 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5631 مطالبة المستأجر بمال مقابل إنهاء عقد الإجارة قبل وقته [السُّؤَالُ] ـ[استأجرت محلاً لمدة عشر سنوات، وبعد مرور ثلاث سنوات. جاءني صاحب المحل وطلب مني إلغاء عقد الإجارة وأترك المحل له. فهل يجوز لي أن أطالبه بمبلغ من المال تعويضاً لي عن ترك المحل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا تم عقد الإجارة فهو عقد ملزم للطرفين، لا يجوز لأحدهما فسخه أو إلغاؤه إلا برضا الطرف الآخر. وعلى هذا، فلست ملزماً بفسخ العقد، وترك المحل لصاحبه، بل لك الحق في إلزامه بالعقد الذي بينكما. ولك أن تطالب بمبلغ من المال قلَّ أو كثر مقابل تنازلك عما تبقى لك من المدة، ولا حرج في ذلك. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: "إذا كان هذا المستأجر له مدة معينة، وجاءه صاحب الدكان يطلب منه الخروج قبل انتهاء هذه المدة: فلا حرج عليه أن يطلب عوضاً عن إسقاط حقه فيما بقي من المدة. مثال ذلك: أن يكون قد استأجر هذا الدكان عشر سنين، ثم يأتيه صاحب الدكان بعد مضي خمس سنين، ويطلب منه أن يُفرِّغ الدكان له، فلا حرج على المستأجر حينئذٍ أن يقول: أنا لا أخرج وأدع بقية مدتي إلا بكذا وكذا؛ لأن هذا معاوضة على حق له ثابت بمقتضى العقد الذي أمر الله بالوفاء به في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) . أما إذا كانت المدة قد انقضت، وكان بقاء المستأجر في هذا الدكان بمقتضى قانون من الدولة: فإنه لا يجوز له أن يمتنع من الخروج إلا بعوض، بمعنى: أنه لا يجوز له أن يطلب عوضاً عن الخروج من هذا الدكان الذي قد تمت مدته، بل يجب عليه أن يسلم الدكان إلى صاحبه بعد فراغ المدة، ولا يأخذ منه عوضاً على ذلك؛ لأن بقاءه في دكان بدون إذن مالكه مع انتهاء مدة الإجارة: ظلم له، والظلم محرم، كما قال الله تعالى في الحديث القدسي: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا) " انتهى من "فتاوى نور على الدرب". والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105404 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5632 الشرط الجزائي وغرامة التأخير في عقد التوريد [السُّؤَالُ] ـ[أنا أعمل في أحد الدوائر الحكومية في قسم المشتريات فعندما نريد أن نشتري مواداً وتجاوزت مدة التوريد عن 15 يوم والسعر عن 100,000 فنأخذ من المورد 10% من المناقصة ضماناً لنا ترد بعد توريد المواد فهل يوجد مخالفة شرعية في هذا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج في أخذ مبلغ مالي من المورّد لضمان تسليم السلعة في الوقت المحدد، وهو من الشرط الجزائي الذي جوزه أهل العلم. على أنه إذا لم يَفِ المورد بما طلب منه، وكان المبلغ كثيرا عرفا، فإنه يرجع إلى المحكمة الشرعية التي تستعين بأهل الخبرة في تقدير الضرر الذي لحق بالجهة الطالبة أو المستوردة. قال الدكتور يوسف الشبيلي في عقد التوريد: " وغرامات التأخير التي يضعها المستورد على المورد في حال تأخيره إذا كانت خصماً من قيمة العقد فهي جائزة؛ لأنها ليست زيادة في دين ثابت في الذمة بل هي خصم منه، وهي نوع من الشروط الجزائية، وقد أفتى مجلس هيئة كبار العلماء بالمملكة بجوازها وبأن: " الشرط الجزائي الذي يجري اشتراطه في العقود شرط صحيح معتبر يجب الأخذ به، ما لم يكن هناك عذر في الإخلال بالالتزام الموجب له يعتبر شرعاً، فيكون العذر مسقطاً لوجوبه حتى يزول. وإذا كان الشرط الجزائي كثيراً عرفاً بحيث يراد به التهديد المالي، ويكون بعيداً عن مقتضى القواعد الشرعية، فيجب الرجوع في ذلك إلى العدل والإنصاف على حسب ما فات من منفعة أو لحق من مضرة، ويرجع تقدير ذلك عند الاختلاف إلى الحاكم الشرعي عن طريق أهل الخبرة والنظر " أبحاث هيئة كبار العلماء 1/214 " انتهى من موقع الشيخ على الإنترنت. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105290 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5633 مطالبة المالك بمال مقابل تغيير عقد الإجارة لشخص آخر [السُّؤَالُ] ـ[أنا مستأجر لمحل في شركة، وقررت " تقبيل " المحل لشخص، ورفضت الشركة عملية " التقبيل " إلا بشرط أن ندفع لها 60.000 ريالاً بشيك مصدق، وهو عبارة عن 50% من قيمة الإيجار السنوي، وذلك تحت مُسمى " نسبة الشركة " لقاء التنازل، حيث إنه لا يتم كتابة أي عقد جديد للمستأجر الجديد إلا بعد أن تأخذ الشركة مبلغ 50 % من قيمة الإيجار السنوي، علماً بأن هذه الفقرة غير موجودة في العقود تماماً، بل يأخذون هذه الزيادات من ثغرة في العقد وهي: " التنازل، أو الإحالة ": وتنص على: " من المفهوم، والمتفق عليه صراحة: أنه لا يحق للمستأجر التنازل عن هذا العقد لأي طرف ثالث، سواء كان ذلك كليّاً، أو جزئيّاً ...... دون إذن خطي مسبق من المؤجِّر ". إذا كان من حق الشركة أن تكتب هذا الشرط في العقد: فهل يترتب على هذا الشرط أي التزامات مالية؟ . وإذا أجَّرت الشركة المحل واستلمت أجرته السنوية كاملة: فما وجه الحق في أن تأخذ الشركة نصف الإيجار على كل عملية تقبيل؟ . علماً أن نسبة التقبيل الآن زادت من 50 % إلى 100 %، ثم إلى 200 % من قيمة الإيجار، يعني: إذا كان الإيجار للمحل 120.000 ريالاً فلا بد من دفع 240.000 ريالاً للشركة، فقط لقاء نقل العقد من المستأجر القديم إلى المستأجر الجديد. فما وجه الحق في أن تأخذ الشركة ضعف قيمة الإيجار على كل عملية تقبيل؟ علماً بأن هذه الزيادة - نسبة التقبيل - غير موجودة في العقود تماماً. فما رأيكم في هذا الموضوع؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله معنى التقبيل: أن يتنازل المستأجر عن المكان الذي استأجره لمستأجر آخر، يأخذ المحل بما فيه من بضائع ورفوف وغير ذلك، ويدفع ثمن هذه الأشياء للمستأجر الأصلي، ويدفع أجرة المحل للمالك. وهذه المعاملة جائزة بشرط أن لا يكون المالك قد اشترط على المستأجر أن لا يتنازل لأحد، ولا يؤجر المحل لأحد. لأن الواجب الوفاء بهذا الشرط، لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) المائدة/1. ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلمون على شروطهم) . رواه أبو داود (3594) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: "مَن استأجر عيناً: فله أن يؤجرها لغيره بمثل ما استأجرها به، أو بأكثر منها، أو بأقل، وبنفس مدة الإجارة المتفق عليها، ممن يقوم مقامه في الانتفاع، أو دونه، لا بأكثر منه ضرراً؛ لأنه يملك الانتفاع بالعين المؤجرة، فجاز له أن يستوفيها بنفسه، أو بغيره، إلا أن يشترط المؤجر المالك أن لا يؤجرها لغيره، أو أن لا يؤجرها لأصحاب مهن وحرف حددها، فهما على ما اشترطا" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ صالح بن فوزان، الشيخ الفوزان بكر أبو زيد. " فتاوى اللجنة الدائمة " (15 / 88) . وعلى هذا؛ فالمالك ليس ملزماً بتغيير العقد باسم المستأجر الجديد، بل له الحق في إلزام المستأجر الأول بإتمام العقد ودفع الأجرة إلى أن تنتهي المدة المتفق عليها. وإذا طالب المالك بمبلغ من المال مقابل التنازل عن حقه في العقد الأول، وتغيير العقد باسم المستأجر الجديد، فله الحق في ذلك، قلَّ المبلغ الذي يطلبه أو كثر. وانظر جواب السؤال رقم (105404) [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105405 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5634 شراء سيارة من الشركة المصنعة عن طريق البنك التابع لها [السُّؤَالُ] ـ[أنا أعيش في ألمانيا.. وكل شركة من شركات صناعة السيارات الألمانية لها بنك خاص بها.. فمثلا شركة مرسيدس لديها بنك مرسيدس وشركة بي ام دبليو لديها بنك بي ام دبليو ... وعن طريق البنك الملحق بالشركة يتم البيع بالتقسيط. فما حكم شراء السيارات بالتقسيط من هذه الشركات؟ علما بأنه لا يوجد طرف ثالث في البيع ... ]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا كان الشراء من البنك، فيشترط أن يملك البنك السيارة، أو يشتريها لنفسه أولا، ثم يبيعها عليك بالتقسيط. وأما إن كان لا يملك السيارة، ولا يشتريها لنفسه أولا، وإنما يقتصر دوره على أن يدفع للشركة ثمن السيارة نيابة عنك، ثم يسترد منك الثمن مقسطا بزيادة، فهذا لا يجوز؛ لأن حقيقته أنه أقرضك ثمن السيارة، ودفعه نيابة عنك، على أن يسترد القرض بزيادة، فهو قرض جر نفعا، فيكون ربا. وكون البنك ملحقا بالشركة، لا يعني أنه يملك السيارات التي تملكها الشركة، ولذلك اشترطنا أن يملك البنك السيارة أولا قبل بيعها عليك. وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (20091) ورقم (36410) . ثانيا: إذا كان الشراء من الشركة، من غير وساطة البنك، فلا حرج في ذلك، ولو كان السعر بالتقسيط أعلى من السعر نقداً، لأن الشركة تبيع ما تملكه وتحوزه. وأما إدخال البنك في هذه المعاملة، فإن كان لمجرد تحويل الأقساط عليه، لتصل إلى الشركة فلا حرج، وإن كان ليدفع المبلغ للشركة كاملا ثم يتقاضاه منك مقسطا، فهذا هو الربا، كما سبق، وهذه الصورة شائعة في تعامل شركات السيارات، فينبغي الانتباه والحذر. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 104815 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5635 مسائل في " خلو الرجل "، وكلمة لأصحاب العقارات للتخفيف على الناس [السُّؤَالُ] ـ[ي متعلق بالسكن , إذ نظراً لارتفاع كلفته يلجأ العديد من الناس في " المغرب " لوسائل يخفضون بها أجرة الكراء , وهي كما يلي: " شراء مفتاح "، وهي دفع مبلغ مالي كبير لصاحب المنزل مقابل السكن بأجرة مخفضة، ويصبح المقرض بموجب العقد مالكاً لحق التصرف في المنزل، بحيث يمكنه إن أراد تغيير سكناه أن يسكِّن أي شخص يرد له المبلغ الذي دفعه لصاحب المنزل، أرجو إفادتي , هل هذه الطرق مشروعة لخفض كلفة الإيجار أم لا؟ وفي حالة النفي هل توجد وسيلة حلال تؤدي نفس الغرض؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله 1. الذي يظهر لنا أن ما يسميه السائل " شراء مفتاح " هو ما يسمى في بعض الدول " الخلو " أو " نقل قدم " أو " الفروغية "، وهو المال الذي يُدفع للمالك – أو للمستأجر بعقد شرعي – مقابل التمكين من العقار. 2. لا يُغيِّر دفع هذا المبلغ من طبيعة العقد، فهو لا يزال عقد إجارة. 3. لا ينبغي تسمية المال المدفوع قرضاً؛ لأنه لا يرده المالك إلى المستأجر، ولو كان قرضاً لكانت المعاملة محرَّمة؛ لأنه يصبح من القروض التي تجر منافع، وهي عقود ربوية بلا شك، وينطبق على ذلك القاعدة المتفق عليها " كل قرضٍ جرَّ نفعاً فهو رباً ". 4. يجوز للمستأجر أن يؤجر العقار بأقل أو أكثر من الأجرة التي تعاقد عليها مع المالك، وله أن يأخذ مقابل ذلك ما يسمى ب: "شراء المفتاح" أو "خلو الرجل" ما لم ينص العقد مع المالك على عدم ذلك. قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: "إذا استأجر إنسانٌ بيتاً، أو شقةً، أو معرضاً – مثلاً – مدة، وبقي له منها زمن: جاز له أن يؤجرها لمثله بقية تلك المدة بقليل، أو كثير، دون غبن. أما إن كانت مدة إجارته قد انتهت: فليس له أن يؤجر ذلك البيت، أو الشقة، أو المعرض –مثلاً - أحداً إلا برضا المالك، وإلا كان ما أخذه من الأجرة محرَّماً، سواء كان قليلاً، أم كثيراً؛ لأن منافع البيت بعد انتهاء مدة الإجارة حق لمالك العين، فتصرف غيره فيها بغير رضاه: اعتداء على حقه، فكان ممنوعاً، وكان الكسب من ذلك من أكل أموال الناس بالباطل، لكن إذا كان المستأجر للمحل له مال في المحل، من فرش، أو ديكورات، أو مكيفات، أو إنارة، ونحو ذلك: فلا مانع أن يتفق المالك أو المستأجر الجديد مع مالكها على ثمن معلوم لتلك الأموال، ولا يسمَّى هذا " نقل قدم "، وإنما هو بيع لتلك الأشياء التي يملكها المستأجر، وإن لم يرغب المالك أو المستأجر الجديد شراءها: فعلى صاحبها أن ينقلها لانتهاء مدة إجارته" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد. " فتاوى اللجنة الدائمة " (15 / 92) . وسئل الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله: ما رأي الدين في المبالغ التي تدفع كخلو لإيجار الأماكن والمحلات، سواء من المؤجر للمستأجر أو من المستأجر للمؤجر؟ . فأجاب: "إذا استأجر الإنسان محلاً مدة معلومة: فله أن يسْكُنه تلك المدة، وأن يؤجِّره لغيره ممن هو مثله في الاستعمال، أو أقل منه؛ أي: أن له أن يستغل منفعة المحل بنفسه، وبوكيله. أما إذا تمت مدته: فإنه يجب عليه إخلاء المحل لصاحبه الذي أجَّره إياه، ولا حق له في البقاء، إلا بإذن صاحبه، وليس له الحق في أن يمتنع عن إخلاء المحل إلا بأن يدفع له ما يسمى بـ " نقل القدم " أو " الخلو "؛ إلا إذا كان له مدة باقية فيه" انتهى. " المنتقى من فتاوى الفوزان " (3 / 221 السؤال رقم 336) . وانظر جواب السؤال رقم: (1839) ففيه قرار " مجمع الفقه الإسلامي " حول هذه المسألة بتفصيلات علمية. والمرجو ممن وسَّع الله تعالى عليهم في المال والعقار أن يراعوا حال الناس، وضعفهم، وصعوبة الحياة، وقلة أو ندرة الحصول على أعمال تدر دخلاً يكفي الرجل وأسرته، وليعلموا أن ما يفعلونه من تخفيف الأجرة على المستأجرين يدخل في الإنفاق، والصدقات، والرحمة للخلق، وكل ذلك من أعظم الطاعات والأعمال الصالحة، وقد وعد الله تعالى أهلها بالخير والثواب في الدنيا والآخرة. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ) . رواه البخاري (4407) ومسلم (993) . وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما قال: قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ) . رواه الترمذي (1924) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ". وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ) . رواه مسلم (2699) . نسأل الله تعالى أن يكتب لمن أنفق، وتصدَّق، ورحم: الأجرَ، والثوابَ، وأن يفرِّج عنهم وييسر لهم أمورهم في الدنيا والآخرة. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 104720 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5636 المساهمة في بنك لا يتعامل بالربا [السُّؤَالُ] ـ[إن البنك الإسلامي لديه أسهما للبيع، قيمة السهم الواحد مبلغ مائة وعشرة دولارات أمريكية، والذي فهمناه أن البنك المذكور لا يتعامل بالربا، وأن قيمة الأسهم توضع في الأعمال التجارية، الخالية من معاملة الربا، وتقسم الأرباح على المستفيدين، وخشية من الوقوع في المحذورات؛ نأمل إفتاءنا عن إجازة ذلك من عدمه.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تجوز المساهمة في البنوك التي لا تتعامل بالربا، والربح الذي يحصل عليه المساهم من البنك وهو ناتج عن معاملة ليست بمحرمة لا شيء فيه، فهو حلال. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء فتاوى اللجنة الدائمة 13/507. الحديث: 10274 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5637 دفع قيمة الكشف الطبي مقدما [السُّؤَالُ] ـ[صاحب مستشفى يقول للزبائن: ادفعوا خمسمائة ريال مقابل عشرين كشفا طبيا سنويا سواء كانت لمرض يصيبه أو فحص عام يجريه على مدار السنة، بحيث إذا استنفذ العدد كان ذلك مقابل المبلغ وإذا لم يستنفذ العدد عدد الكشوفات أو المراجعات إما لتركه المجيء للفحص العام أو لعدم مرضه لا يسترجع شيئا من النقود؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله: - اتفقوا على عدد معين؟ - نعم، - هذا لا بأس به. سؤال: لو لم يأت هذا العشرين كلها سواء لأنه لم يمرض أو كسل فلم يأت ليفحص فالخمسمائة تذهب. جواب: معناه أنه فرّط في حقه. سؤال: نعم، يعني أسقط حقه مثلا فلا بأس بذلك؟ جواب: لا بأس بذلك لأنه معلوم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن صالح العثيمين الحديث: 6892 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5638 شراء السلع عن طريق البنك حتى لا تستولي عليها الدولة [السُّؤَالُ] ـ[ليزينك: أحد العقود في بنوك بلدنا , وأصل ماهية هذا العقد أنه يجمع بين دين (قرض) وإجارة في عقد واحد. وموقف البنك من هذا العقد وساطة بين المشتري والبائع , بأن يعقد دينا للمشتري ويستأجر سلعة من البائع وأحيانا هو يكون بائعا بشكل أنه يقدم دينا للبائع ويشتري العقار (أو السلعة: جهاز، آلة..الخ) ثم يؤجره للبائع نفسه أو يبيعه له. ويضع البنوك شروطا لحماية حقوقهم وللاستفادة من الربح أكثر ومن أمثلة ذلك: 1. صيانة وتعمير القطع التالفة والمصاريف لها تكون في ذمة المشتري بعد تسليم البضاعة مع منع البيع والتطوير والتغيير في حقه 2. ولا تنتقل السلعة إلى تصرفه تاما إلا بعد دفع كل دفعات ليزنك للبنك 3. دفعات ليزنك تحسب بإضافة فائض ربوي (%) على أصل قيمة السلعة وتقسم على زمن محدد (يقدرونه من سنة إلى 5 سنوات) 4. إذا لم يتم دفع دفعات ليزنك في وقته يضاف إليه 5% زيادة عل كل مدة تزاد عليه، وإذا لم يتم دفعه حتى بعد هذه المدة تسحب منه السلعة وتسلم لصاحبه وقصدنا من هذا السؤال: أن في بلدنا الآن ليس فقط حرب مع الإسلام فحسب، بل مع أصحاب الأموال أيضا, فبمجرد بروز أموالهم في الساحة إما يتهمون كممولين لإسلاميين أو سحب منهم أملاكهم وتصادر بدون أي اعتراض أو امتناع أو يعرضون أنفسهم للخطر والهلاك والتصفية الجسدية. ونحن قادرون على شراء هذه الأجهزة مباشرة بدون تدخل أو مشاركة البنك، ولكن ذلك معرض للخطر ونحن نريد حماية حقوقنا حتى لا تسحب منا أملاكنا ونحتمي بنظامهم هم، حتى إذا أرادوا سحب الأملاك نقول لهم: ادفعوا الديون للبنك وخذوا الأجهزة أو أن هذا الملك باسم البنك الفلاني، فلا يستطيعون التعرض لها. وهل يمكن تغير بعض الأحكام الشرعية في ظل هذه الظروف كما ثبت عن عمر بن الحطاب إسقاطه لحد السرقة في عام الرمادة. جزاكم الله خيرا وأجزل مثوبتكم في الدنيا والآخرة]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: شراء السلع عن طريق البنك له صورتان: الأولى: أن يكون البنك مجرد مموّل، يقرض العميل ثمن السلعة أو يدفعها نيابة عنه، مقابل أن يسترد المبلغ وزيادة، كأن يكون ثمن السلعة ألفا، فيستردها ألفا ومائتين، وهذه صورة محرمة؛ لأن حقيقتها قرض بفائدة، فهو ربا. الثانية: أن يشتري البنك السلعة شراء حقيقيا، ثم يبيعها على العميل بثمن مؤجل أكثر، وهذا لا حرج فيه، وهو ما يسمى ببيع المرابحة للآمر بالشراء، ولا يجوز للبنك أن يعقد البيع مع العميل حتى يشتري السلعة، لما ثبت من النهي عن بيع الإنسان ما لا يملك. وله أن يأخذ وعدا من العميل بشراء السلعة حال تملكه لها، وهذا الوعد غير ملزم. ثانيا: للبنك - في حال بيع السلعة على العميل – أن يحتفظ بالمستندات، حتى يسدد العميل جميع الأقساط، وقد نص الفقهاء على جواز رهن المبيع على ثمنه، وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي: " لا حق للبائع في الاحتفاظ بملكية المبيع بعد البيع، ولكن يجوز للبائع أن يشترط على المشتري رهن المبيع عنده لضمان حقه في استيفاء الأقساط المؤجلة ". ثالثا: بناء على ملك العميل للسلعة، فإن صيانتها، وضمان تلفها عليه، لكنه يمنع من بيعها إذا كانت مرهونة للبنك، إلا بإذنه. رابعا: لا يجوز للبنك أن يشترط فائدة أو غرامة على التأخير في سداد الأقساط؛ لأن ذلك من الربا المحرم. والأصل أنه لا يجوز التعاقد مع البنك في حال وجود هذا الشرط الربوي؛ لما في ذلك من التزام الربا والرضا به، لكن جوز الشيخ ابن عثيمين رحمه الله الدخول في عقد (بطاقة الفيزا) مع وجود هذا الشرط الربوي، إذا اضطر الإنسان لذلك. وعليه فيمكن الأخذ بهذا، في حال عدم القدرة على إلغاء الشرط الربوي، والخوف من استيلاء الدولة على أموال المسلمين وممتلكاتهم. خامسا: لا يجوز النص على الفائدة، كأن يقول البنك إن ثمن السلعة ألف، والفائدة خمسمائة، وإنما تندرج الفائدة ضمن ثمن السلعة، كما سبق. جاء في نص قرار مجمع الفقه الإسلامي: " ثانياً: لا يجوز شرعاً، في بيع الأجل، التنصيص في العقد على فوائد التقسيط، مفصولة عن الثمن الحال، بحيث ترتبط بالأجل، سواء اتفق العاقدان على نسبة الفائدة أم ربطها بالفائدة السائدة ". سادسا: عقد الإجارة المنتهي بالتمليك، على الصورة الواردة في السؤال، لا يجوز، وينظر السؤال رقم (14304) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98920 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5639 وجوب تحديد مدة الإيجار، وحكم تأجير إعلانات لمواقع مقابل كل ضغطة [السُّؤَالُ] ـ[يقوم الموقع بتأجير مكان في الصفحة للإعلانات للمواقع الأخرى، هل يشترط تحديد المدة، كأن أقول سأضع الإعلان عندي لمدة سنة؟ أم يجوز عدم التحديد؟ وأيضاً هل يجوز أن يكون الأجر متغيراً كأن يكون حسب عدد الزوار الذين يضغطون على الإعلان مثلا على كل ضغطة 1 ريال؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا حرج من تأجير مكان في الموقع للإعلان عن المواقع بشرط ألا يكون محتوى تلك المواقع محرماً، كمواقع التعارف بين الرجال والنساء، أو مواقع أغان وأفلام ومسرحيات محرَّمة، أو روابط صوتية ومرئية فاسدة، أو مواقع لأهل البدعة، وما يشبه ذلك: فلا يجوز الدعاية لهؤلاء، لأن في ذلك مشاركة لهم في الحرام الذي يدعون إليه. قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/ 2. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا) رواه مسلم (2674) . واحتساب ترك المحرَّم والمشتبه والمختلط مما يدل على قوة الإيمان واليقين، ومما يبشر صاحبه بالرزق الحلال والبركة والأجور العظيمة. ثانياً: أما مدة التأجير فمن شروط صحة عقد الإجارة: كون المدة معلومة، والأجرة معلومة. قال ابن قدامة – رحمه الله -: ولا خلاف بين أهل العلم في إباحة إجارة العقار , قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم , على أن استئجار المنازل والدواب جائز. ولا تجوز إجارتها إلا في مدة معينة معلومة. " المغني " (5 / 260) . وقال – رحمه الله -: الإجارة إذا وقعت على مدة: يجب أن تكون معلومة كشهر، وسنَة، ولا خلاف في هذا نعلمه. " المغني " (5 / 251) . ويجوز في عقد الإجارة، أن يتفق على أن كل يوم بكذا، أو كل شهر بكذا، من غير أن يحدد نهاية المدة، قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني": " من استأجر فرساً مدة غزوة كل يوم بدرهم فالمنصوص عن الإمام أحمد صحته، لأن عليا رضي الله عنه أجر نفسه كل يوم ولو بثمره، وكذلك الأنصاري ولم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم انتهى. وعلى هذا، فإما أن تحدد في العقد مع الموقع المدة كاملة لشهر أو سنة مثلاً، وإما أن تحدد الأجرة لكل يوم – مثلا – وإن لم تحدد نهاية المدة. ثالثاً: وأما بالنسبة للتأجير بحسب عدد الضغطات على الإعلان: فالذي يظهر أنه لا بأس به. على أن يُتفق على سعر الضغطة الواحدة، وعلى أن لا تتسبب في زيادة عدد الداخلين باستعمال برنامج، أو باستئجار من يفعل ذلك. وهذا يشبه ما نقل عن الصحابة من عملهم في السقي كل دلو بتمرة. فعن كعب بن عجرة قال: سقيت يهودي كل دلو بتمرة، فجمعتُ تمراً فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم ... . قال الهيثمي رحمه الله: رواه الطبراني في " الأوسط "، وإسناده: جيِّد. " مجمع الزوائد ومنبع الفوائد " (11 / 230) . وحسَّنه الألباني في " صحيح الترغيب والترهيب " (3271) . وجهالة عدد الزوار عند عقد الإجارة لا يؤثر في صحة العقد؛ لأن مآل الجهالة إلى علم. وعليه: فلو أجرتَ تلك المواقع المباحة شهريّاً أو سنويّاً بسعر ثابت: فجائز، ولو كان عقد الإجارة على حسب عدد زوار موقعهم المعلَن عنه في موقعك: فجائز، بشرط تحديد سعر الضغطة الواحدة، وبشرط آخر مهم: وهو أن لا تتسبب في كثرة عدد الزيارات لموقعهم عن طريق برنامج، أو عن طريق استئجار موقع آخر أو أشخاص ليقوموا بالدخول على الموقع المعلَن عنه؛ ليرتفع رصيدك في ذلك الموقع، فإن فعلتَ ذلك: أثمت، وكان ما استوفيتَه من مال مقابله من ذلك الموقع مالاً محرَّماً عليك، ووجب عليك إرجاعه لهم. وقد رفعتْ شركات كثيرة على مواقع عالمية مشهورة يتهمونهم بتزوير نتائج زوَّار الإعلانات لديهم، وقد جاء في صحيفة " الجزيرة " العدد 113، الأحد 22 ربيع الأول 1426 هـ: يُذكر أن تزوير إعلانات " الدفع مقابل كل ضغطة " يعدُّ مشكلة كبيرة تواجه صناعة البحث عبر الإنترنت، حيث يقوم بعض الناس - منهم منافسون، أو عاملون متضررون من شركاتهم - بالضغط أكثر من مرة بصورة متواصلة على الإعلانات؛ للعمل على زيادة قيمة فاتورة المعلن! وهو ما قد يكلِّف المعلنين كثيراً من الأموال، كما أنه من الصعب تعقب الفاعل، أو إيقافه. وتشير إحصاءات مؤسسة " سيمبو " غير الربحية أن ما بين 36 و 58 % من المعلِنين يشعرون بالقلق الشديد إزاء عملية تزوير الإعلانات، ولكنهم لا يستطيعون دوماً تعقب الفاعل. انتهى ولمزيد الفائدة راجع جواب السؤال (98817) والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98527 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5640 استيراد البضائع عن طريق البنك [السُّؤَالُ] ـ[مهنة شخصٍ تتطلب استيراد مواد تشغيل معملة من الخارج وبدلاً من أن يقوم هو بالدّفعِ لما يشتري من البائع يدفع عنه المصرف فور تسلّمه البضاعة، وهو لا يقوم للتسديد للمصرف إلاً بعد مدّة من الزّمن يتمّ الاتّفاق عليها، ومقابل تأجيل الدّفع يلتزم بدفع زيادة على ما دفع المصرف للبائعِ، وتكون هذه الزّيادة قابلة للنقاش والتّفاوض فيمكن أنْ تكون خمسة بالمائة، ويمكن أن تكون غير ذلك؟ تأجيلُ الدّفع تكون هناك زيادة على ثمن البضاعة إن دفع الثّمن فوراً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه المعاملة لها صورتان: الأولى: أن يشتري المصرف البضاعة لنفسه، ثم يبيعها على العميل بعد تملكها، وهذا ما تفعله بعض المصارف الإسلامية، ويسمى بيع المرابحة عن طريق فتح الاعتماد المستندي لصالح العميل، وهذا جائز، لأن البنك إذا اشترى السلعة لنفسه وملكها، جاز أن يبيعها بثمن أعلى، حالاً أو مقسطا، فيشتريها بمائة مثلا، ويبيعها بمائة وعشرة على أقساط. ولكن يشترط هنا أن يفتح المصرف الاعتماد المستندي باسمه ولصالحه، حتى يتحقق شراؤه الصحيح للسلعة، ولا يكون الأمر مجرد حيلة. الصورة الثانية: أن يكون دور المصرف هو التمويل فقط، فلا يشتري السلعة لنفسه، وإنما يشتريها للعميل، في مقابل أخذ ربح أو فائدة، وهذا عقد ربوي محرم، لأن حقيقته أنه قرض بفائدة، فالمصرف يقرض العميل مائة، ليستردها مائة وعشرة. وينظر تفصيل ذلك في: "الخدمات الاستثمارية في المصارف" للدكتور يوسف الشبيلي (2/470) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96749 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5641 الحيلة الثلاثية على الربا [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أشتري سيارة بالتقسيط، ثم أبيعها لأستفيد من ثمنها، لحاجتي الماسة للنقود، ولكن طريقة الشركة التي سوف أشتري السيارة منها كما يلي: تشتري السيارة ببطاقة جمركية، أي بدون الذهاب إلى المرور لاستخراج لوحات، مجرد عقد بيع بين الشركة والمعرض، والسيارة في مكانها، ثم آخذ أنا البطاقة الجمركية ولي حرية التصرف في البيع. السؤال: هل هذه الطريقة شرعية؟ وهل يجوز لي أن أبيعها على نفس المعرض، مع العلم أن السيارة في مكانها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: شراء السلعة ثم بيعها على غير البائع الأول، لأجل الحصول على النقود، يسمى " التورق " مأخوذ من " الورِق " وهو الفضة، وهو جائز عند جمهور الفقهاء. انظر جواب السؤال رقم (45024) . وطلب الإنسان من غيره أن يشتري سلعة، ثم يبيعها له بثمن مقسط، يسمى بيع المرابحة للآمر بالشراء، وهو جائز بشرطين: الأول: أن تقوم الشركة بشراء السلعة لنفسها، قبل أن تبيعها على العميل. الثاني: أن تقبض الشركة السلعة، قبل بيعها على العميل. وإذا خلت المعاملة من هذين الأمرين، أو من أحدهما، كانت معاملة محرمة. فقد ورد النهي عن بيع الإنسان ما لا يملك، وعن بيع ما ليبس عنده، وعن بيع السلع قبل قبضها: فعن حكيم بن حزام رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (لا تبع ما ليس عندك) رواه أبو داود (3503) والنسائي (4613) والترمذي (1232) وابن ماجه (2187) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. وروى أحمد (15399) والنسائي (4613) أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ أَخْبَرَهُ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَشْتَرِي بُيُوعًا فَمَا يَحِلُّ لِي مِنْهَا وَمَا يُحَرَّمُ عَلَيَّ قَالَ: (فَإِذَا اشْتَرَيْتَ بَيْعًا فَلَا تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم: 342 وأخرج أبو داود (3499) والدارقطني (3/13) عن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم " والحديث حسنه الألباني في صحيح أبي داود. وفي الصحيحين من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه) رواه البخاري (2132) ومسلم (1525) ، وزاد: قال ابن عباس: " وأحسب كل شيء مثله " أي لا فرق بين الطعام وغيره في ذلك. وانظر حول بيع المرابحة إجابة السؤال رقم (36408) . وبناء على ذلك: فليس للشركة أن تبيع السيارة حتى تقبضها؛ وقبض كل شيء بحسبه، فقبض السيارة: أن تنقل من محلها. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وما ينقل: مثل الثياب والحيوان والسيارات وما أشبه ذلك يحصل بنقلها؛ لأن هذا هو العرف " انتهى من "الشرح الممتع" (8/381) . ومنه تعلم أنه لا يصح أن تبقى السيارة في مكانها، بل على الشركة أن تنقلها من المعرض، قبل أن تبيعها عليك. وهذا هو القول الراجح في المسألة، أنه لا يجوز بيع السلع قبل قبضها، لا فرق في ذلك بين الطعام وغيره، وهو مذهب الشافعي، وقول أبي يوسف ومحمد من الحنفية، ورواية عن أحمد. جاء في "الموسوعة الفقهية" (9/123) : " وقد ذهب الفقهاء مذاهب في بيع المبيع قبل قبضه: فمذهب الشافعية , وهو قول أبي يوسف الأول , وقول محمد , وهو أيضا رواية عن الإمام أحمد: أنه لا يصح بيع المبيع قبل قبضه , سواء أكان منقولا أم عقارا , وإن أذن البائع , وقبض الثمن. وذلك لحديث {حكيم بن حزام رضي الله عنه , قال: قلت: يا رسول الله: إني أشتري بيوعا , فما يحل لي منها , وما يحرم علي؟ قال: إذا اشتريت بيعا فلا تبعه حتى تقبضه} وحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {لا يحل سلف وبيع , ولا شرطان في بيع , ولا ربح ما لم يضمن , ولا بيع ما ليس عندك} . ومعنى {ربح ما لم يضمن} ربح ما بيع قبل القبض. مثل: أن يشتري متاعا , ويبيعه إلى آخر قبل قبضه من البائع , فهذا البيع باطل , وربحه لا يجوز , لأن المبيع في ضمان البائع الأول , وليس في ضمان المشتري منه , لعدم القبض. ولحديث زيد بن ثابت رضي الله عنه , {أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع , حتى يحوزها التجار إلى رحالهم} . والمراد بحوز التجار: وجود القبض , كما في الحديث قبله. ولضعف الملك قبل القبض , لانفساخ العقد بتلفه. وهذا هو المعنى الذي علل به الشافعية النهي عن البيع قبل القبض. وعلل الحنابلة , عدم الجواز على هذه الرواية التي اختارها ابن عقيل من أئمتهم , بأنه لم يتم الملك عليه , فلم يجز بيعه , كما لو كان غير متعين , وكما لو كان مكيلا أو موزونا. ومذهب الحنفية أنه لا يصح بيع المنقول قبل قبضه , ولو كان من بائعه , وذلك للحديث المذكور برواياته , فإنه منهي عن بيع المبيع قبل قبضه. ولأن في البيع قبل القبض غرر انفساخ العقد الأول , على تقدير هلاك المبيع في يد البائع , وإذا هلك المبيع قبل القبض ينفسخ العقد , فيتبين أنه باع ما لا يملك , والغرر حرام غير جائز , لأن النبي صلى الله عليه وسلم {نهى عن بيع الحصاة , وعن بيع الغرر} . ولا يفرق الحنفية في ذلك بين الطعام وبين غيره من المنقولات , وذلك: لقول ابن عباس كما تقدم آنفا: ولا أحسب كل شيء إلا مثله , أي مثل الطعام. وعضد قول ابن عباس ما روي عن ابن عمر , قال: " ابتعت زيتا في السوق , فلما استوجبته , لقيني رجل , فأعطاني فيه ربحا حسنا , فأردت أن أضرب على يده (أي أن أقبل إيجابه , وأتفق على العقد) فأخذ رجل من خلفي بذراعي , فالتفت , فإذا زيد بن ثابت رضي الله عنه فقال: لا تبعه حيث ابتعته , حتى تحوزه إلى رحلك , {فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع , حتى يحوزها التجار إلى رحالهم} ... وأجاز الشيخان من الحنفية - أبو حنيفة وأبو يوسف - بيع العقار قبل قبضه استحسانا , وذلك استدلالا بعمومات حل البيع من غير تخصيص , ولا يجوز تخصيص عموم الكتاب بخبر الواحد. ولأنه لا يتوهم انفساخ العقد في العقار بالهلاك , بخلاف المنقول. ولأن العقار مقدور التسليم , ولا يرد عليه الهلاك إلا نادرا بغلبة الماء والرمل , والنادر لا يعتد به ... وخالف الإمام محمد , فلم يجز بيع العقار أيضا قبل قبضه , وهو قول أبي يوسف الأول , وقول الشافعي كما قدمنا , وذلك لإطلاق الحديث , وقياسا على المنقول " انتهى. والسيارة لا شك أنها من المنقول، فلا يجوز بيعها قبل قبضها، في مذهب الحنفية أيضا. وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (13/153) : " إذا طلب إنسان من آخر أن يشتري سيارة معينة أو موصوفة بوصف يضبطها، ووعده أن يشتريها منه، فاشتراها مَن طُلبت منه، وقبضها، جاز لمن طلبها أن يشتريها منه بعد ذلك نقدا أو أقساطا مؤجلة بربح معلوم، وليس هذا من بيع الإنسان ما ليس عنده؛ لأن من طُلبت منه السلعة إنما باعها على طالبها بعد أن اشتراها وقبضها، وليس له أن يبيعها على صديقه مثلا قبل أن يشتريها أو بعد شرائه إياها وقبل قبضها؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم " انتهى. ثانيا: إذا قامت الشركة بشراء السيارة ونقلها من المعرض، فلا حرج في أن تبيعها عليك دون الذهاب إلى المرور واستخراج اللوحات لها؛ لأن هذه الإجراءات توثيق للحق، وليست شرطا لصحة البيع وانتقال الملك. ثالثا: لا يجوز لك في هذه الصورة أن تبيع السيارة على المعرض، لأنه من التحايل على الربا. وهذه الحيلة تسمى الحيلة الثلاثية أو المثلثة، وقد نبه عليها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وغيره. قال: " أو يواطئا ثالثا على أن يبيع أحدَهما عرَضا، ثم يبيعه المبتاع لمعامِله المرابي، ثم يبيعه المرابي لصاحبه، وهي الحيلة المثلثة " انتهى من مجموع الفتاوى (29/28) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وكذلك انتشرت حيلة سابقة، يأتي الفقير إلى شخص فيقول: أنا أحتاج ألف ريال، فيذهب التاجر إلى صاحب دكان عنده أكياس أرز أو أي شيء، فيشتري التاجر الأكياس من صاحب الدكان مثلا بألف ريال، ثم يبيعها على المحتاج بألف ومائتين، ونحن نعلم أنه لا يجوز أن يباع قبل قبضه، فكيفية القبض عندهم أن يمسح على الأكياس بيده، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم، فهل هذا قبض؟! هذا يسمى عدّا لا يسمى قبضا، لكن كانوا يفعلون هذا. بعد ذلك يأتي الفقير إلى صاحب الدكان الذي عنده هذه الأكياس، ويبيعها عليه بأقل مما اشتراها منه التاجر، لأن الفقير يريد الدراهم ولا يريد أكياس طعام، فمثلا يبيعها على صاحب الدكان بألف إلا مائة ريال، فيؤكل المسكين الفقير من الجانبين، من جانب التاجر الأول ومن صاحب الدكان، فصاحب الدكان أخذ منه مائة ريال، والتاجر أخذ مائتين زائدا على الألف، وهذه سماها شيخ الإسلام رحمه الله المسألة الثلاثية، لأنها مكونة من ثلاثة أشخاص، ومسائل الربا لا تحل بالحيل. واعلم أنه كلما احتال الإنسان على محرم لم يزدد إلا خبثا، فالمحرم خبيث، فإذا احتلت عليه صار أخبث؛ لأنك جمعت بين حقيقة المحرم وبين خداع الرب عز وجل، والله سبحانه لا تخفى عليه خافية، وإنما الأعمال بالنيات " انتهى من "الشرح الممتع" (8/211) . والحيلة فيما ذكرت واضحة، لا سيما والسيارة باقية في محلها، وعلى صفتها الأولى، لم توضع لها لوحات، ولم تسجل باسم أحد. والحاصل: أنه لابد من شراء الشركة للسيارة شراء حقيقيا، ونقلها من المعرض قبل بيعها عليك، وأنه لا يجوز أن تبيع السيارة على نفس المعرض. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96706 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5642 يتفق مع زملائه على أن يشتري سلعة ويبعها عليهم بزيادة [السُّؤَالُ] ـ[أشتري سلعة حلالا بـ 200 ريال وأبيعها على زملاء بـ 300 ريال بعد الاتفاق معهم على المبلغ هل هذا البيع جائز؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه المعاملة تجوز بشروط: الأول: أن تشتري السلعة، وتقبضها، ثم تبيعها عليهم، لقوله صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام رضي الله عنه: (إذا اشتريت مبيعا فلا تبعه حتى تقبضه) رواه أحمد (15399) والنسائي (613) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (342) . وعند أحمد: عن حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَشْتَرِي بُيُوعًا، فَمَا يَحِلُّ لِي مِنْهَا وَمَا يُحَرَّمُ عَلَيَّ؟ قَالَ: (فَإِذَا اشْتَرَيْتَ بَيْعًا فَلا تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَه) .ُ وأخرج الدارقطني وأبو داود (3499) عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه (نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم) والحديث حسنه الألباني في صحيح أبي داود. فلا يجوز أن تعقد معهم البيع قبل أن تملك السلعة وتقبضها. لكن يجوز أن تعدهم بإحضارها، وأن يعدوك بشرائها، وأن تتفق معهم على قدر الثمن، وهذا الوعد غير ملزم لواحد منكما. الثاني: ألا تكون وكيلا لهم في الشراء، فلا يصح أن يوكلوك في شراء سلعة، فتشتريها بـ 200 ثم تبيعها عليهم بأزيد، لأن الوكيل لا يجوز أن يربح من موكله إلا بعلمه. وإنما تتعامل معهم على أنك بائع، تشتري السلعة التي يرغبون فيها، وتربح عليهم. الثالث: أن تبيع لهم بسعر السوق، وأما الزيادة الكبيرة، في حال جهلهم بالسعر الحقيقي، فهي غبنٌ لا يجوز فعله. فإن علموا السعر الحقيقي ورضوا بذلك فلا حرج، وإن لم يعلموا السعر الحقيقي فلا يجوز أن تزيد في الثمن زيادة فاحشة. وراجع السؤال رقم (13341) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 87782 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5643 هل يعمل في شركة تبيع أحباراً أصلية وأخرى مقلدة؟ [السُّؤَالُ] ـ[ذهبت للعمل في شركة لمهمات المكاتب للعمل بها أمين مخزن، والشركة تقوم بالعمل في أحبار الطابعات التي منها الحبر الأصلي، ومنها المقلد، وتعتمد الشركة في بيعها على الحبر غير الأصلي، وهي في بيعها تُعلم المشتري بأن هناك أصليّ وهناك تقليد وتسميه " درجة ثانية "، والمشتري على علم بأن هناك الأصلي والتقليد، علماً بأن الشركات التي تنتج الأحبار الأصلية تحارب الأحبار المقلدة، فما حكم الشرع في ذلك؟ وهل يجوز أن أعمل في هذه الشركة أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا مانع من أن تبيع الشركات والمصانع مواد من درجة ثانية أو ثالثة، وفي كل ما يُصنع الآن ويُنتج – تقريباً – درجاتٍ في الصناعة بحسب ما يكون فيه من مواد، والناس يتفاوتون في قدرتهم على الشراء، فمن الطبيعي أن لا تكون المواد كلها أصلية؛ لارتفاع أثمانها، وعدم قدرة كثيرين على شرائها. وقد اتفق العلماء على أن " الأصل في المعاملات الإباحة "، ومعنى الأصل: أي القاعدة المستمرة المطردة، ومما يدل على هذه القاعدة: 1. قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) البقرة/29. 2. وقوله تعالى: (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) لقمان/20. 3. عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: قال صلى الله عليه وسلم: (مَا أَحَلَّ اللَّهُ في كِتَابِهِ فَهُوَ حَلاَلٌ، وَمَا حَرَّمَ فَهُوَ حَرَامٌ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ عَافِيَةٌ، فَاقْبَلُوا مِنَ اللَّهِ عَافِيَتَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُنْ نَسِيًّا) ، ثُمَّ تَلاَ هَذِهِ الآيَةَ (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) – مريم/64 -. رواه الحاكم (2 / 375) وحسَّنه الألباني في " غاية المرام " (ص 14) . لكن ينبغي التفريق بين كون المادة درجة ثانية أو ثالثة وبين كونها " مقلَّدة " تحمل اسم المادة الأصلية وتختلف جودتها عنها؛ لأن في هذا غشّاً للمشترين، وهذا الفعل فيه غرر وكذب يجب أن ينزَّه عنه المسلم. وعليه: فإن كانت تلك الأحبار درجة ثانية: فيجوز بيعها بشرط تبيين حقيقة جودتها للمشتري، وبشرط عدم حملها لعلامة حبرٍ آخر، وإن كانت تلك الأحبار " تقليداً " للحبر الأصلي: في شكلها وعبوتها واسمها: فهو غشٌّ وغرر لا يجوز لكم شراؤه ولا بيعه للناس، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (من غشنا فليس منا) رواه مسلم (101) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82784 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5644 بيع المرابحة للآمر بالشراء [السُّؤَالُ] ـ[يوجد عندنا مؤسسة مهمتها تنمية أموال الأيتام مسؤول عنها قاضي القضاة والمحاكم الشرعية وهي تعنى بأموال الأيتام وتنميتها عن طريق تشغيلها بالمشاريع والإقراض، طريقة هذه المؤسسة تقوم على التالي:- أن يقوم الشخص الراغب بشراء أي سلعة (شقة، سيارة، أثاث، أرض) باختيار هذه السلعة، ثم يذهب إلى هذه المؤسسة التي تنتدب أحد موظفيها لمعاينة هذه السلعة، ثمّ تقوم المؤسسة بشراء هذه السلعة، ثم تقوم ببيعها للشخص الذي يرغب بشرائها بطريقة التقسيط والمرابحة (نسبة ربح معينة 5%) . هل هناك أي شك بالربا في هذه الطريقة في البيع؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: رعاية الأيتام، واستثمار أموالهم وتنميتها بما يعود بالنفع عليهم، عمل صالح نافع، نسأل الله أن يجزي القائمين عليه خير الجزاء، وهو داخل في كفالة اليتيم التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: " (أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا) رواه البخاري (5304) ومسلم (2983) . قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: " (كَافِل الْيَتِيم) الْقَائِم بِأُمُورِهِ مِنْ نَفَقَة وَكِسْوَة وَتَأْدِيب وَتَرْبِيَة وَغَيْر ذَلِكَ , وَهَذِهِ الْفَضِيلَة تَحْصُل لِمَنْ كَفَلَهُ مِنْ مَال نَفْسه , أَوْ مِنْ مَال الْيَتِيم بِوِلَايَةٍ شَرْعِيَّة " انتهى. وقد ورد في الاتجار في مال اليتيم ما جاء عن عمر رضي الله: (ابتغوا بأموال اليتامى لا تأكلها الصدقة) أخرجه الدارقطني والبيهقي وقال: " هذا إسناد صحيح، وله شواهد عن عمر رضى الله عنه ". ويروى مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وضعف الألباني رحمه الله الحديث مرفوعا وموقوفا. انظر: "إرواء الغليل" (3/258) . ثانيا: الصورة المسئول عنها يسميها العلماء: بيع المرابحة للآمر بالشراء، وحاصلها: أن الإنسان قد يرغب في سلعة ما، فيذهب إلى شخص أو مؤسسة أو مصرف، فيحدد له السلعة المطلوبة، ومواصفاتها، ويعده أن يشتريها منه بعد شراء المؤسسة أو المصرف لها، بربح يتفقان عليه، وهذه المعاملة لا تجوز إلا عند توفر شرطين: الأول: أن تمتلك المؤسسة هذه السلعة قبل أن تبيعها، فتشتري الشقة أو السيارة لنفسها شراء حقيقيا، قبل أن تبيعها على الراغب والطالب لها. الثاني: أن تقبض المؤسسة السلعة قبل بيعها على العميل. وقبضُ كل شيء بحسبه، فقبض السيارة مثلا يكون بنقلها من محلها، وقبض الدار بتخليتها واستلام مفاتيحها، وهكذا. وإذا خلت المعاملة من هذين الشرطين أو أحدهما كانت معاملة محرمة، وبيان ذلك: أن المصرف أو المؤسسة إذا لم تشتر السلعة لنفسها شراء حقيقيا، وإنما اكتفت، بدفع شيك بالمبلغ عن العميل، كان هذا قرضا ربويا؛ إذ حقيقته أنها أقرضت العميل ثمن السلعة (مائة ألف مثلا) على أن تسترده مائة وسبعة آلاف. وإذا اشترت السلعة لكن باعتها قبل قبضها، كان ذلك مخالفاً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام: (إذا اشتريت مبيعاً فلا تبعه حتى تقبضه) رواه أحمد (15399) والنسائي (4613) وصححه الألباني في صحيح الجامع (342) . وأخرج الدارقطني وأبو داود (3499) عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: (نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم) والحديث حسنه الألباني في صحيح أبي داود. وفي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه) رواه البخاري (2132) ، ومسلم (1525) ، وزاد: قال ابن عباس: وأحسب كل شيء مثله. أي: لا فرق بين الطعام وغيره في ذلك. وقبض كل شيء بحسبه كما سبق، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وما ينقل: مثل الثياب والحيوان والسيارات وما أشبه ذلك يحصل قبضها بنقلها؛ لأن هذا هو العرف " انتهى من "الشرح الممتع" (8/381) . وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (13/153) : " إذا طلب إنسان من آخر أن يشتري سيارة معينة أو موصوفة بوصف يضبطها، ووعده أن يشتريها منه، فاشتراها من، طُلبت منه، وقبضها، جاز لمن طلبها أن يشتريها منه بعد ذلك نقدا أو أقساطا مؤجلة، بربح معلوم، وليس هذا من بيع الإنسان ما ليس عنده؛ لأن من طُلبت منه السلعة إنما باعها على طالبها بعد أن اشتراها وقبضها، وليس له أن يبيعها على صديقه مثلا قبل أن يشتريها أو بعد شرائه إياها وقبل قبضها؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم " انتهى. وقد صدر عن مجمع الفقه الإسلامي قرار يفيد جواز بيع المرابحة بهذه الصورة. ومما جاء فيه: "بيع المرابحة للآمر بالشراء إذا وقع على سلعة بعد دخولها في ملك المأمور، وحصول القبض المطلوب شرعاً، هو بيع جائز، طالما كانت تقع على المأمور مسؤولية التلف قبل التسليم، وتبعة الرد بالعيب الخفي ونحوه من موجبات الرد بعد التسليم، وتوافرت شروط البيع وانتفت موانعه " انتهى من مجلة المجمع (5/2/753، 965) . وعلى هذا، فإذا كانت المؤسسة المسئول عنها، تشتري السلعة شراءً حقيقياً، ليس صورياً على الأوراق فقط، وتنقلها من مكانها ثم تبيعها، فالبيع صحيح، وهذه المعاملة جائزة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 81967 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5645 هل يشتري بضائع مباحة من مؤسسة تبيع خموراً؟ [السُّؤَالُ] ـ[في بلادنا مؤسسات حكومية تبيع مخلفات الأصناف من مواد غذائية ومنزلية وأقمشة وألبسة ومواد تنظيف إضافة لذلك الخمور - والعياذ بالله - ولكن قسم مبيع الخمور خارج المبنى الرئيسي وبمنعزل عن كافة الأصناف، علماً أن أسعار تلك المؤسسات أدنى بكثير من أسعار السوق. سؤالي: هل يجوز التعامل مع هذه المؤسسات أو ما شابه ذلك - وخاصة ذوي الدخل المحدود -؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لقد حرم الله تعالى شرب الخمر، وحرم تصنيعها وبيعها وشراءها، ولو كان البيع لغير المسلمين. فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح وهو بمكة: (إنَّ الله وَرَسولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الخَمْرِ والمَيْتَة والخِنْزِير وَالأَصْنَام) . رواه البخاري (1212) ومسلم (1581) . وسئل علماء اللجنة الدائمة: هل تجوز المتاجرة في الخمور والخنازير إذا كان لا يبيعها لمسلم؟ فأجابوا: " لا يجوز المتاجرة فيما حرم الله من الأطعمة وغيرها، كالخمور والخنزير ولو مع الكفرة؛ لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه) ؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم (لعن الخمر وشاربها وبائعها ومشتريها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها وعاصرها ومعتصرها) " انتهى. " فتاوى اللجنة الدائمة " (13 / 49) . وأما ما ورد في السؤال من شراء بضائع أخرى ممن يبيع الخمر , فلا حرج فيه، وقد قال الله تعالى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) البقرة/275. ولم يزل المسلمون يشترون المباح ممن يبيعه من الكفار والفساق مع كونهم يبيعون الحرام في أماكن أخرى، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يشتري من اليهود، وهم أكلة الربا، وأكلة أموال الناس بالباطل. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 75003 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5646 حكم بيع الملابس التي لا يُدرى هل تستخدم في الحلال أو الحرام؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا عندي محلات لبيع الملابس الرجالية والنسائية في عدة مراكز تجارية، وقد قرأت الحالات التي يحل فيها بيع الملابس النسائية، وهذه الملابس لا يجوز بيعها إذا علم التاجر أن من يشتريها سيستعملها فيما حرم الله , ولكن كيف للتجار أو الموظف أن يعرف أنها سوف تستخدمه فيما حرم الله؟ حيث يكون البائع في وضع الذي لا يعلم فيما سوف يستخدم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الملابس النسائية التي يبيعها التجار في محلاتهم لا تخلو من ثلاث حالات: الأولى: أن يعلم البائع أو يغلب على ظنه أن هذه الثياب ستستعمل استعمالاً مباحاً , ولن تستعمل استعمالاً محرماً , فبيع هذه الثياب لا حرج فيه. الثانية: أن يعلم البائع أو يغلب على ظنه أن هذه الثياب ستستعمل استعمالاً محرماً , أي: ستلبسها المرأة وتتزين بها أمام الرجال الأجانب عنها , فبيع هذه الثياب حرام , لقول الله تعالى: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2. ويمكن للبائع أن يعلم ذلك حسب نوعية الثياب وحال المرأة التي تشتريها. فهناك بعض الألبسة عُلِمَ من العادة أن المرأة مهما كانت متبرجة لن تلبسها إلا لزوجها , ولا يمكن أن تخرج بها أمام أحد من الرجال الأجانب عنها , وهناك الألبسة التي يغلب على ظن البائع - وقد يتيقن – أن المشترية لها ستستعملها استعمالاً محرماً. فالواجب على البائع أن يعمل بما علمه أو غلب على ظنه من حال المشترية. وقد تكون الثياب يمكن استعمالها استعمالاً مباحاً أو استعمالاً محرماً , ولكن التزام النساء بالحجاب، أو إلزام الدولة لهن بذلك يمنع من استعمالهن لها استعمالاً محرماً , فلا حرج في بيعها. الثالثة: أن يشك البائع ويتردد هل هذه الثياب ستستعمل استعمالاً مباحاً أم محرماً , لكون الثياب صالحة للاستعمالين , وليس هناك قرائن ترجح أحد الاحتمالين , فبيع هذه الثياب لا حرج فيه , لأن الأصل إباحة البيع وعدم تحريمه , لقول الله تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) البقرة/275 , والواجب على من اشتراها أن يستعملها فيما أحل الله , ولا يجوز أن يستعملها استعمالاً محرماً. وهذه فتاوى لبعض العلماء تؤيد ما سبق: سئل علماء اللجنة الدائمة: ما حكم الاتجار في زينة النساء , وبيعها لمن يعلم البائع أنها سترتديه متبرجة به للأجانب في الشوارع كما يرى من حالها أمامه , وكما عمت به البلوى في بعض الأمصار؟ فأجابوا: " لا يجوز بيعها إذا علم التاجر أن من يشتريها سيستعملها فيما حرم الله؛ لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان , أما إذا علم أن المشترية ستتزين به لزوجها أو لم يعلم شيئاً فيجوز له الاتجار فيها " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (13/67) . وسئل علماء اللجنة الدائمة أيضاً: ما حكم بيع أدوات التجميل الخاصة بالنساء؟ علماً بأن غالبية من يستعملها من المتبرجات الفاجرات العاصيات لله ورسوله , واللاتي يستخدمن هذه الأشياء في التزين لغير أزواجهن والعياذ بالله؟ فأجابوا: " إذا كان الأمر كما ذكر فلا يجوز له البيع عليهن إذا كان يعلم حالهن؛ لأنه من التعاون على الإثم والعدوان , وقد نهى الله تعالى عنه بقوله تعالى: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) المائدة /2 " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (13/105) . وسئل علماء اللجنة الدائمة أيضاً: ما حكم بيع البناطيل الضيقة النسائية بأنواعها , وما يسمى منها بالجنز , والاسترتش , إضافة إلى الأطقم التي تتكون من بناطيل وبلايز , إضافة إلى بيع الجزم النسائية ذات الكعب العالية , إضافة إلى بيع صبغات الشعر بأنواعها وألوانها المختلفة , وخصوصاً ما يخص النساء , إضافة إلى بيع الملابس النسائية الشفافة , أو ما يسمى بالشيفون , إضافة إلى الفساتين النسائية ذات نصف كم , والقصير منها , والتنانير النسائية القصيرة؟ فأجابوا: " كل ما يستعمل على وجه محرم , أو يغلب على الظن ذلك؛ فإنه يحرم تصنيعه واستيراده , وبيعه وترويجه بين المسلمين , ومن ذلك ما وقع فيه كثير من نساء اليوم هداهن الله إلى الصواب: من لبس الملابس الشفافة , والضيقة , والقصيرة , ويجمع ذلك كله: إظهار المفاتن والزينة , وتحديد أعضاء المرأة أمام الرجال الأجانب , قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: " كل لباس يغلب على الظن أنه يستعان بلبسه على معصية؛ فلا يجوز بيعه وخياطته لمن يستعين به على المعصية والظلم , ولهذا كره بيع الخبز واللحم لمن يعلم أنه يشرب عليه الخمر , وبيع الرياحين لمن يعلم أنه يستعين بها على الخمر والفاحشة , وكذلك كل مباح في الأصل علم أنه يستعان به على معصية ". فالواجب على كل تاجر مسلم تقوى الله عز وجل , والنصح لإخوانه المسلمين , فلا يصنع ولا يبيع إلا ما فيه خير ونفع لهم , ويترك ما فيه شر وضرر عليهم , وفي الحلال غنية عن الحرام , (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً * يرزقه من حيث لا يحتسب) الطلاق/3,2 , وهذا النصح هو مقتضى الإيمان , قال الله تعاى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) التوبة/71 , وقال عليه الصلاة والسلام: (الدين النصيحة) , قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: (لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) خرجه مسلم في صحيحه , وقال جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة , والنصح لكل مسلم. متفق على صحته. ومراد شيخ الإسلام رحمه الله بقوله فيما تقدم: " ولهذا كره بيع الخبز واللحم لمن يعلم أنه يشرب عليه الخمر. . إلخ " كراهة تحريم , كما يعلم ذلك من فتاواه في مواضع أخرى " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (13/109) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 75007 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5647 هل يجوز أن يشترك في شركة هواتف ويستقبل المكالمات فقط دون أن يتصل؟ [السُّؤَالُ] ـ[اشتريت خط هاتف نقال (مسبق الدفع) ، وأعطاني البائع رقم الهاتف دون أن أضطر للاتصال بالمجيب الآلي للخدمة، وبالتالي لم يبدأ العداد بالحساب بالنسبة للخط، وأعطيت رقم الهاتف لأصدقائي ليتصلوا بي، وأنا لا أتصل بأحد، وبذلك لست مضطراً لتعبئة رصيدي، ثم قال لي بعض الإخوة: إن هذا يعتبر غشّاً للشركة، إذ إنها تبيع الخط على أساس أنك تدفع كل شهر مبلغاً معيناً سواء استعملت ما في رصيدك بعد التعبئة أو تركته إلى أجل آخر، وأقول أنا: إن الشركة لم تشترط أي شيء، وهي تستطيع في نفس الوقت أن تجعل ما أفعله أمراً غير ممكن، كما هو الحال في شركات أخرى، وقد دفعت مقابل الخط نفسه مالاً، وفي مقابل أني لا أعبأ فأنا أيضا لا أتصل. فما رأيكم في هذا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إن كانت الشركة تشغِّل خط الهاتف مقابل رسوم محددة - للتأسيس - تستوفيها، وتقدِّم خدمة استقبال المكالمات دون مقابل، ولا تستوفي رسوماً أخرى إلا ثمن المكالمات الصادرة: فلا حرج عليك فيما فعلته، ولا يلزمك الاتصال بالآخرين ليكون عملك جائزاً؛ لأن الشركة رضيت بهذا، وهي قد أخذت حقها برسوم التأسيس، وقد أخذت ثمن المكالمات الصادرة إلى جهازك من الطرف المتصل. وأما إن كانت الشركة توجب على صاحب الجهاز رسوماً شهرية مقابل تشغيل خطه للصادر والوارد – بغض النظر عن استعماله لهذين الأمرين – فإن لها الحق في استيفاء هذه الرسوم ولو لم يتصل صاحب الهاتف، بل ولو لم يستقبل؛ لأن هذه الرسوم هي مقابل منفعة موجودة، وهو الذي لم يستفد منها، أشبه ما يكون بسيارة أو شقة مستأجرتيْن ولم ينتفع المستأجر بهما حتى انتهت مدة العقد. وتطبيق الجواب على الواقع إنما يكون عندك في بلدك بحسب تعليمات ونظام الشركة المشغلة للهواتف. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 70473 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5648 حكم بطاقات " كاش يو " [السُّؤَالُ] ـ[ظهر في الآونة الأخيرة بطاقات للشراء عن طريق الإنترنت مدفوعة مسبقا وتسمى " كاش يو " , وطريقتها كالتالي: 1. تشتري أولا بطاقة تأسيس ب 55 ريال لفتح حساب. 2. بعدها تستطيع شراء بطاقات مختلفة الأسعار وذلك لتعبئة حسابك، فمثلا هناك بطاقات بـ 10 دولار تشتريها بـ 42 ريال، وهناك بطاقات بـ 30 و 50 دولار إلى 300 دولار. 3. مدة صلاحية البطاقة سنة، وبعدها لا تستطيع استخدام البطاقة حتى لو بقي بها مبلغ من المال إلا إذا دفعت رسم التجديد ومقداره 10 دولار. ولمزيد من المعلومات يمكن الرجوع إلى موقع الشركة على الإنترنت www.cashu.com أفتونا في هذا الأمر، وجزاكم الله خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الذي يظهر لنا في هذه البطاقات هو جواز شرائها والشراء بها، بشرط أن لا يُشترى بها ما يشترط فيه التقابض كشراء العملات المختلفة وشراء الذهب والفضة؛ فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن شراء الذهب والفضة إلا يداً بيدٍ، والأوراق المالية لها حكم الذهب والفضة في التقابض. فعن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثلٍ، سواءً بسواء، يداً بيدٍ، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيدٍ ". رواه مسلم (1587) . وفي قرار للمجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي: "أ. لا يجوز بيع الورق النقدي بعضه ببعض أو بغيره من الأجناس النقدية الأخرى من ذهب أو فضة أو غيرهما نسيئة مطلقا، فلا يجوز مثلا بيع ريال سعودي بعملة أخرى متفاضلا نسيئة بدون تقابض. ب. لا يجوز بيع الجنس الواحد من العملة الورقية بعضه ببعض متفاضلا سواء أكان ذلك نسيئة أم يداً بيدٍ، فلا يجوز مثلا بيع عشرة ريالات سعودية ورقا بأحد عشر ريالا سعوديا ورقا نسيئة أو يدا بيد. ج. يجوز بيع بعضه ببعض من غير جنسه مطلقا إذا كان ذلك يدا بيد، فيجوز بيع الليرة السورية أو اللبنانية بريال سعودي ورقا كان أو فضة أو أقل من ذلك أو أكثر، وبيع الدولار الأمريكي بثلاثة ريالات سعودية أو أقل من ذلك أو أكثر إذا كان ذلك يدا بيد، ومثل ذلك في الجواز بيع الريال السعودي الفضة بثلاثة ريالات سعودية ورق أو أقل من ذلك أو أكثر يدا بيد، لأن ذلك يعتبر بيع جنس بغير جنسه، ولا أثر لمجرد الاشتراك في الاسم مع الاختلاف في الحقيقة" انتهى. " مجلس المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي " (فتوى رقم 59) . ثانياً: انتهاء مدة البطاقة دون استعمالها لا يجعلها غير مباحة؛ لأن التفريط وقع من صاحبها فهو بمنزلة استئجار سيارة أو شقة وعدم استعمالهما في المدة المستأجرة. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 70279 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5649 هل يجوز تأخير دفع ثمن الذهب وقيمة صياغته؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز تقديم مبلغ إلى حرفي لصنع حلي على أن يتم له الباقي عند الانتهاء علما أن المبلغ المقدم أولاً لا يستعمل في شراء الذهب؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الذي يفهم من السؤال أنك ستشتري الذهب من هذا الحرفي، ويقوم هو بتصنيعه، فإن كان الأمر كذلك، فلا يجوز، بل الواجب دفع ثمن الذهب (النقود) واستلامه في مجلس واحد، وأما أجرة التصنيع فيجوز تأخيرها. وأما إذا كان المقصود من السؤال أنك ستعطي هذا الحرفي الذهب من عندك ليقوم بتصنيعه، فلا حرج في تأخير الأجرة. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الذهب بالذهب , والفضة بالفضة , والبُر بالبُر , والشعير بالشعير , والتمر بالتمر , والملح بالملح , مثلاً بمثل , سواءً بسواء , يداً بيدٍ) . وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من زاد أو استزاد فقد أربى) ، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم (أنه أُتي بتمر جيدٍ فسأل عنه فقالوا: كنا نأخذ الصاع بصاعين , والصاعين بثلاثة , فأمر النبي صلي الله عليه وسلم برد البيع، وقال: هذا عين الربا) ، ثم أرشدهم أن يبيعوا التمر الرديء , ثم يشتروا بالدراهم تمراً جيِّداً. ومن هذه الأحاديث نأخذ أن ما ذكره السائل من تبديل ذهب بذهب مع إضافة أجرة التصنيع إلى أحدهما أنه أمر محرم لا يجوز , وهو داخل في الربا الذي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه، والطريق السليم في هذا أن يباع الذهب الكسر بثمن من غير مواطأة ولا اتفاق , وبعد أن يقبض صاحبه الثمن فإنه يشتري الشيء الجديد , والأفضل أن يبحث عن الشيء الجديد في مكان آخر , فإذا لم يجده رجع إلى من باعه عليه واشترى بالدراهم وإذا زادها فلا حرج , المهم ألا تقع المبادلة بين ذهب وذهب مع دفع الفرق ولو كان ذلك من أجل الصناعة. هذا إذا كان التاجر تاجر بيع , أما إذا كان التاجر صائغاً فله أن يقول: خذ هذا الذهب اصنعه لي على ما يريد من الصناعة وأعطيك أجرته إذا انتهت الصناعة، وهذا لا بأس به " انتهى. "مجموعة أسئلة في بيع وشراء الذهب" (السؤال الأول) . وسئل الشيخ – أيضاً -: هل يلزم تسديد أجرة التصنيع عند استلام الذهب أو نعتبره حساباً جارياً؟ فأجاب: " لا يلزم أن يسدد لأن هذه الأجرة على عمل , فإن سلمها حال القبض: فذاك، وإلا متى سلمها صح " انتهى. "مجموعة أسئلة في بيع وشراء الذهب" (السؤال العاشر) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 59936 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5650 حكم بيع التورق [السُّؤَالُ] ـ[في الآونة الأخيرة قام أحد البنوك بعمل طريقة بيع سلعة بالأقساط، ثم يستطيع المشتري بيعها نقدا على طرف ثالث، فهل هذه الطريقة جائزة أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه المعاملة تعرف عند العلماء باسم: (التورق) مأخوذ من الورِق وهو الفضة، لأن الذي اشترى السلعة إنما اشتراها من أجل الدراهم. وقد اختلف العلماء في حكم هذه المعاملة. و" جمهور العلماء على إباحتها، لعموم قوله تعالى: (وأحل الله البيع) ، ولأنه لم يظهر فيها قصد الربا ولا صورته " انتهى باختصار. "الموسوعة الفقهية" (14/148) . ولأن المشتري يشتري السلعة إما للانتفاع بعينها، وإما للانتفاع بثمنها. وهو ما اختاره علماء اللجنة الدائمة، والشيخ ابن باز رحمهم الله تعالى. جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/161) : " أما مسألة التورق فمحل خلاف، والصحيح جوازها " انتهى. وقال الشيخ ابن باز: " وأما مسألة التورق فليست من الربا، والصحيح حلها، لعموم الأدلة، ولما فيها من التفريج والتيسير وقضاء الحاجة الحاضرة، أما من باعها على من اشراها منه، فهذا لا يجوز بل هو من أعمال الربا، وتسمى مسألة العينة، وهي محرمة لأنها تحايل على الربا " انتهى بتصرف يسير. "مجموع فتاوى ابن باز" (19/245) . وقد ذهب إلى تحريم هذه المعاملة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. انظر: "الفتاوى الكبرى" (5/392) . وقد توسط الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، فقال بجوازها بشروط معينة. قال رحمه الله في رسالة المداينة: " القسم الخامس – أي من أقسام المداينة -: أن يحتاج إلى دراهم ولا يجد من يقرضه فيشتري سلعة بثمن مؤجل، ثم يبيع السلعة على شخص آخر غير الذي اشتراها منه، فهذه هي مسألة التورق. وقد اختلف العلماء رحمهم الله في جوازها، فمنهم من قال: إنها جائزة؛ لأن الرجل يشتري السلعة ويكون غرضه إما عين السلعة وإما عوضها وكلاهما غرض صحيح. ومن العلماء من قال: إنها لا تجوز؛ لأن الغرض منها هو أخذ دراهم بدراهم ودخلت السلعة بينهما تحليلا، وتحليل المحرم بالوسائل التي لا يرتفع بها حصول المفسدة لا يغني شيئا. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) . والقول بتحريم مسألة التورق هذه هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو رواية عن الإمام أحمد. بل جعلها الإمام أحمد في رواية أبي داود من العينة كما نقله ابن القيم في "تهذيب السنن" (5/801) . ولكن نظرا لحاجة الناس اليوم وقلة المقرضين ينبغي القول بالجواز بشروط: 1- أن يكون محتاجا إلى الدراهم، فإن لم يكن محتاجا فلا يجوز، كمن يلجأ إلى هذه الطريقة ليدين غيره. 2- أن لا يتمكن من الحصول على المال بطرق أخرى مباحة كالقرض، فإن تمكن من الحصول على المال بطريقة أخرى لم تجز هذه الطريقة لأنه لا حاجة به إليها. 3- أن لا يشتمل العقد على ما يشبه صورة الربا مثل أن يقول: بعتك إياها العشرة أحد عشر أو نحو ذلك، فإن اشتمل على ذلك فهو إما مكروه أو محرم، نقل عن الإمام أحمد أنه قال في مثل هذا: كأنه دراهم بدراهم، لا يصح. هذا كلام الإمام أحمد. وعليه فالطريق الصحيح أن يعرف الدائن قيمة السلعة ومقدار ربحه ثم يقول للمستدين: بعتك إياها بكذا وكذا إلى سنة. 4- أن لا يبيعها المستدين إلا بعد قبضها وحيازتها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السلع قبل أن يحوزها التجار إلى رحالهم. فإذا تمت هذه الشروط الأربعة فإن القول بجواز مسألة التورق متوجه كيلا يحصل تضييق على الناس. وليكن معلوما أنه لا يجوز أن يبيعها المستدين على الدائن بأقل مما اشتراها به بأي حال من الأحوال؛ لأن هذه هي مسألة العينة " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45042 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5651 حكم بيع أرقام هواتف وسيارات مميزة بأسعار باهظة [السُّؤَالُ] ـ[ما هو الحكم في: شراء وبيع الأرقام (أرقام الهواتف والسيارات) ، وإذا اشترى أحدهم رقم لوحة سيارة ثم باعه فهل هذا المال حلال؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ينبغي لكل مسلم أن يعلم: أن الله تعالى نهى عن الإسراف والتبذير، وهما مجاوزة الحد في إنفاق الأموال. قال تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأعراف/31. وقال تعالى: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا. إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) الإسراء/26، 27. وليعلم كل مسلم أنه لن تزول قدمه إلى جنة ولا إلى نار حتى يسأله الله تعالى عن أشياء، ومنها: عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه. عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع عن عمره فيم أفناه، وعن علمه ما فعل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه) . رواه الترمذي (2417) وقال: حسن صحيح، وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الترغيب والترهيب " (126) . وليُعلم بعد هذا: أن شراء أرقام هواتف الجوالات والسيارات المميزة بآلاف الدنانير والريالات نوع من الإسراف أو التبذير أومن الإنفاق في الحرام، وأن الله تعالى سائل كل واحد من هؤلاء عن ماله هذا الذي أنفقه في مثل هذه المجالات. وبخاصة أننا نرى المسلمين في أكثر بقاع الأرض في بأس وضنك في حياتهم ومعيشتهم، وأن بعضهم لا يجد لقمة يسد بها جوعه، وآخرين لا يجدون لباساً يواري سوآتهم، وآخرين لا يجدون سكناً يؤويهم، بل قد هدِّمت بيوت بعضهم فوق رؤوسهم. وفي هذا الوقت العصيب نجد من المسلمين من اشترى لوحة سيارة تحمل الرقم (1) بما يعادل (2.18 مليون دولاراً) ! وذلك في مزاد علني. وفي المزاد نفسه بيعت اللوحة التي تحمل رقم 2 بما يعادل (1.11) مليون دولاراً! وقال منظمو المزاد: إن حصيلة المزاد في اليوم الأول بلغت نحو (3.9) ملايين دولاراً! وهكذا الأمر بالنسبة لأرقام الجوالات والتي بيع رقم منها بما يعادل (360 ألف دولاراً) ! وقد انتشرت هذه الحمى في بلدان متعددة كان الأولى أن ينتشر فيه مساعدة المسلمين وحفظ الأموال من السفه والإسراف والتبذير. والملاحظ أن الذي يدفع هؤلاء إلى مثل هذا الشراء أمور منكرة كالكبر والتعالي والتفاخر على غيرهم، " ومن أبرز التعليقات التي قيلت حول هذا الموضع ما نشرته إحدى الصحف عن عريس تقدم يطلب يد إحدى الفتيات للزواج ويقول العريس لوالد الفتاة: " ما تحتاج تسأل عني شوف رقم سيارتي تعرفني ". " ومن الملاحظ أن سعر الرقم المتميز يبلغ ضعف ثمن سيارة " رولزرويس " التي يتراوح سعرها في الإمارات بين مليون ومليون ونصف المليون درهم، كما أنه ربما يبلغ خمسة أضعاف ثمن سيارة فخمة مثل " المرسيدس "، أو عشرة أضعاف سعر سيارة شهيرة مثل " اللكزس " التي يفضلها الأثرياء ". واعلم بعد هذا كم يمكن أن يُشترى من طعام وشراب ولباس بل وسيارات وهواتف لمن يحتاجها؟ وكم شاب يمكن أن تعفه بالزواج؟ وكم من سجين يمكن أن تطلِق سراحه بدينٍ سجن به؟ وكم من تائه عن الصراط ومنحرف يمكن أن ترجعه إلى الصراط المستقيم فيما لو اشتري بها كتب أو وزعت بها أشرطة دينية؟ الرقم المتميز لا يعني تميز صاحبه أو يعتبر تميزاً له بالسذاجة والاهتمام بتوافه الأمور، والرقم المتميز ليس هو تقنية – كما في السيارات نفسها – يبحث عنها الإنسان لما فيها من راحة أو سرعة أو أمان، والرقم المتميز ليس هو تمتع بالنظر إليه – كبعض الطيور – بل هو تعالٍ وتفاخر وتبذير للأموال. ولو كان الرقم المميز في رقم هاتف لشركة تجارية – مثلاً – أو دائرة مهمة يحتاجها الناس أو ما شابه ذلك لكان لشرائه وجه على أن لا يبلغ سعره ما ذكرناه. وشراء الرقم المتميز يشبه إلى حد بعيد ما جاء النهي عنه من لبس ثوب الشهرة. " من لبس ثوب شهرة ألبسه الله يوم القيامة ثوبا مثله – وفي لفظ: " ثوب مذلة " - " زاد بعض الرواة: " ثم تلهب فيه النار ". رواه أبو داود (4029) وابن ماجه (3607) . قال ابن القيم: هذا لأنه قصد به الاختيال والفخر، فعاقبه الله بنقيض ذلك، فأذله، كما عاقب من أطال ثيابه خيلاء بأن خسف به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة. " زاد المعاد " (1 / 145، 146) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: وتكره الشهرة من الثياب، وهو المترفع الخارج عن العادة، والمتخفض الخارج عن العادة؛ فإن السلف كانوا يكرهون الشهرتين: المترفع والمتخفض، وفى الحديث " من لبس ثوب شهرة ألبسه الله ثوب مذلة "، وخيار الأمور أوساطها. " مجموع الفتاوى " (22 / 138) . والخلاصة: أنه لا يجوز بيع وشراء هذه الأرقام المميزة، ولو جاز لبعض الناس ما جاز لهم أن يبذلوا فيها هذه الأموال الطائلة. والواجب على من وهبه الله المال أن يشكر هذه النعمة ويحاف عليه، وأن لا ينفقه فيما يبغض الله تعالى أو فيما لا طائل وراءه، وليعلم أنه مسئول عن هذا المال يوم القيامة: من أين اكتسبه وفيم أنفقه. والله الموفق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 40752 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5652 البيع بالتقسيط للآمر بالشراء [السُّؤَالُ] ـ[عرض على المساهمة في مشروع بيع أجهزة منزلية بتقسيط وذلك بالصورة التالية: نحن لا نملك محلا فيأتي الزبون ويقول أريد أجهزة معينة (مثل أربع مكيفات) فنشتري هذه الأجهزة وندفع ثمنها لمحل نتعامل معه في الشراء منه دائما ثم نبيعها للزبون الذي يريد شراءها بعد الاتفاق على ثمنها بتقسيط. (مثلا: سعرها نقدا 1200ريالا فتباع عليه أقساط بـ 2000 ريالا) . بعض المشترين يأخذها ليستخدمها، وبعضهم يأخذها ليبعها على نفس المحل الذي نشتري منه وذلك لأن أفضل سعر يجده المشترى في هذا المحل. والآن نحن نقوم بهذه الطريقة حتى يصبح لدينا رأس مال يكفي لعمل محل لبيع الأجهزة مباشرة بالنقد والتقسيط. هل طريقة البيع هذه صحيحة؟ نرجو توضح ذلك لنا ولكثير من المسلمين الذين يمارسون هذه الطريقة في البيع.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الأمر كما ذكرت من أنك تشتري السلعة التي يرغب فيها الزبون شراء حقيقيا، وتقبضها إليك، ثم تبيعها عليه بثمن مقسط، فلا حرج في ذلك، ولو كان ثمنها بالتقسيط أعلى من ثمنها في البيع الحال. ولا يضر كون المشتري منك، يبيع السلعة على المحل الأول، لأنه لا علاقة بينه وبين هذا المحل. سئلت اللجنة الدائمة: (اتفقنا أنا ورجل أن أشتري له سيارة فقلت له هي من المعرض ب (50000) خمسين ألف ريال وإذا أحضرتها لك تدفع لي (60000) ستين ألف ريال فهل هذا حلال؟) فأجابت: (لا بأس ببيع سيارة أو غيرها من السلع، إذا كان بيعك لها بعد شرائك لها وحيازتها في ملكك، فيجوز أن تبيعها بثمن حال أو بثمن مؤجل أكثر من الحال، سواء كان الثمن المؤجل مقسطا أو غير مقسط؛ وذلك لقوله تعالى: (وَأَحَلَّ اللهُ البَيْعَ) البقرة/275، وقوله تعالى: (يَا أَيُّها الذينَ آمَنوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًى فَاكتُبوه) البقرة/282، وهذا يدخل فيه ثمن المبيع بالمؤجل) . أما بيع السلعة على من طلبها قبل شرائها وحيازتها فلا يجوز، لما ثبت على النبي _ صلى الله عليه وسلم _ من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: (نَهَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُبَاعَ السِّلَعُ حَيْثُ تُبْتَاعُ حَتَّى يَحُوزَهَا التُّجَّارُ إِلَى رِحَالِهِمْ) رواه أبو داود (3499) ، قال الشيخ الألباني: حسن لغيره. وقال عليه الصلاة والسلام: (من اشترى طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه) رواه مسلم (1596) . وقال _ صلى الله عليه وسلم _ (لا تبع ما ليس عندك) رواه أحمد وأبو داود (3503) وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع (7206) . وقال ابن عمر رضي الله عنهما (كنا نشتري الطعام جزافا، فيبعث إلينا رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ من ينهانا أن نبيعه حتى ننقله إلى رحالنا) رواه البخاري ومسلم (1527) وأما بيع العينة المحرم: هو أن يشتري سلعة بثمن مؤجل، ثم يبيعها على من باعها له بثمن أقل منه، وهذا غير حاصل هنا. وانظر السؤال رقم (36408) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 40000 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5653 ما يشترط لجواز بيع المرابحة الذي تجريه البنوك [السُّؤَالُ] ـ[عن مدى صحة العملية التالية وحكمها وما الحكم المترتب على من سبق وأن تعامل بها وماذا عليه أن يفعل؟ تفاصيل وخطوات عملية المرابحة (كما تُدعى لدى البنك) : 1- يحضر المشتري عرض أسعار باسم البنك من صاحب السلعة الرئيسي (معرض أو وكالة سيارات مثلا) متضمنا وصف السيارة ولونها ومواصفاتها وسعرها (مائة ألف ريال مثلا) . 2- يقوم المشتري بإحضار خطاب تعريف بالراتب ونموذج تحويل الراتب للبنك للمدة المتفق عليها مع البنك (ثلاث سنوات مثلا) لسداد القيمة الإجمالية والمتضمنة أصل السعر مضافا إليه فائدة البنك (7% مثلا) . 3- يتم إبرام العقد متضمنا مصاريف إصدار العقد بمبلغ معين (1000ريال مثلا) والتوقيع عليه من قبل المشتري والبنك والشهود. 4- يقوم البنك بإصدار شيك مصرفي باسم المعرض أو الوكالة بقيمة السيارة المضمنة بعرض الأسعار المشار إليه في البند (1) أعلاه. 5- يقوم المشتري باستلام الشيك وتسليمه لصاحب المعرض أو الوكالة ومن ثم تنهى إجراءات تسجيل السيارة باسم المشتري واستلامها. انتهى.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه المعاملة حرام ولا تجوز، وحقيقة هذه المعاملة أنها قرض بفائدة وهذا هو عين الربا، إذ إن البنك قد أعطى المشتري شيكاً بـ (مئة ألف) وأخذه منها على أقساط مضافاً عليه الفائدة وما يسمونه مصاريف العقد. وتسمية هذا بيعاً لا يبيحه لأن حقيقة المعاملة أنها قرض ربوي وليست بيعاً، لأن البنك لم يشتر السيارة من المعرض، ولا باعها على المشتري وإنما أعطاه شيكاً بالمبلغ. وشراء السلع (سيارات أو غيرها) عن طريق البنوك لا يجوز إلا عند توفر شرطين: الأول: أن يمتلك البنك هذه السلعة قبل أن يبيعها فيشتري البنك السيارة مثلاً من المعرض لنفسه. الثاني: أن يقبض السيارة بنقلها من المعرض قبل بيعها على العميل. وإذا خلت المعاملة من هذين الشرطين أو أحدهما كانت معاملة محرمة، وبيان ذلك: أن البنك إذا لم يشتر السيارة لنفسه شراء حقيقيا، وإنما اكتفى بدفع شيك بالمبلغ عن العميل، كان هذا قرضا ربويا؛ إذ حقيقته أن البنك أقرض العميل ثمن السيارة (مائة ألف مثلا) على أن يسترد قرضه مائة وسبعة آلاف. وإذا اشترى البنك السيارة ثم باعها قبل أن يقبضها، كان ذلك مخالفا لقول النبي صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام " إذا اشتريت مبيعا فلا تبعه حتى تقبضه " رواه أحمد (15399) والنسائي (4613) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم: 342 وأخرج الدارقطني وأبو داود (3499) عن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم " والحديث حسنه الألباني في صحيح أبي داود. وفي الصحيحين من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه " [البخاري 2132، ومسلم 1525، وزاد: قال ابن عباس: وأحسب كل شيء مثله] أي لا فرق بين الطعام وغيره في ذلك، وعليه فليس للبنك أن يبيع السيارة حتى يقبضها. وقبض كل شيء بحسبه، فقبض السيارة: أن تنقل من محلها، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (وما ينقل: مثل الثياب والحيوان والسيارات وما أشبه ذلك يحصل قبضها بنقلها؛ لأن هذا هو العرف) انتهى من الشرح الممتع 8/381 وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (13/153) : (إذا طلب إنسان من آخر أن يشتري سيارة معينة أو موصوفة بوصف يضبطها، ووعده أن يشتريها منه، فاشتراها مَن طلبت منه، وقبضها، جاز لمن طلبها أن يشتريها منه بعد ذلك نقدا أو أقساطا مؤجلة بربح معلوم، وليس هذا من بيع الإنسان ما ليس عنده؛ لأن من طُلبت منه السلعة إنما باعها على طالبها بعد أن اشتراها وقبضها، وليس له أن يبيعها على صديقه مثلا قبل أن يشتريها أو بعد شرائه إياها وقبل قبضها؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم) انتهى. وأما حكم من تعامل بهذه المعاملة في الماضي، فإن كان وقتها لا يعلم بتحريمها، وأقدم عليها وهو يظن أنها حلال فلا شيء عليه، لقول الله تعالى بعد ما ذكر تحريم الربا (فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف) البقرة / 275، راجع السؤال رقم (2492) . وأما من أقدم عليها وهو يعلم أنها حرام، فقد اجترأ على كبيرة الربا، وعرّض نفسه لحرب من الله ورسوله، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ () فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ) البقرة، فعليه التوبة من هذه المعصية الكبيرة، والعزم على عدم فعلها مرة أخرى. وأما انتفاعه بالسيارة التي اشتراها بهذه الطريقة فلا حرج فيه إن شاء الله تعالى بعد التوبة والندم. راجع السؤال رقم (22905) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36408 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5654 يشتري سيارة من البنك بثمن مقسط، ثم يبيعها ليستفيد من ثمنها في زواجه [السُّؤَالُ] ـ[أنا شاب وأرغب في إكمال نصف ديني وأتزوج وقمت بخطبة إحدى الفتيات والزواج له مصاريف وتكاليف باهظة جدا من مهر وملحقاته، وأنا لا أملك كل ذلك فدلني أحد الأخوة بأن هناك نظام يسمى بالمرابحة لدى البنوك فذهبت وأخبرني المختص بأن علي أن أذهب إلى أحد المعارض (ولم يحدد) لآخذ سيارة ويقوم البنك بشرائها والتنازل لي بها مقابل أن يأخذ نسبة أرباح تقدر بـ 40741 ريال على المبلغ الأصلي وهو 95000 ريال على مدة 6.5سنوات ولا يوجد لدي حلول أخرى حيث إن أبي مديون جداً، وقد حاولت الاقتراض من أي شخص بدون أرباح فلم أجد سوى أحد البنوك والذي يأخذ نسبة ربح بدون أي بيع ونحوه (مال بمال) وهذا يعد ربا صريحا. وأنا أريد الزواج وأخشى على نفسي من الفتنة، أفتونا مأجورين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه المعاملة التي تريد أن تقدم عليها تتضمن معاملتين: الأولى: شراء السيارة عن طريق البنك، ولا يجوز ذلك إلا عند توفر شرطين: الأول: أن تكون السيارة مملوكة للبنك، فيشتري البنك السيارة لنفسه من المعرض، قبل أن يبيعها عليك. الثاني: أن يقبض البنك السيارة بنقلها من المعرض قبل بيعها عليك. وإذا خلت المعاملة من هذين الشرطين أو أحدهما كانت معاملة محرمة، انظر السؤال رقم (36408) والمعاملة الثانية: هي بيع هذه السيارة التي ما اشتُريت إلا لهذا الغرض وهو الحصول على المال، وهذا ما يسمى بالتورق أي الشراء والبيع لأجل الحصول على الورِق: أي الفضة. وهذا جائز عند جمهور العلماء، بشرط أن تبيع السيارة على غير من اشتريتها منه. جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (13/161) : نرجو إفادتنا عن مسألة التورق وما حكمها؟ فأجابت اللجنة: مسألة التورق هي أن تشتري سلعة بثمن مؤجل، ثم تبيعها بثمن حال على غير من اشتريتها منه بالثمن المؤجل؛ من أجل أن تنتفع بثمنها، وهذا العمل لا بأس به عند جمهور العلماء) انتهى. انظر السؤال رقم (45042) فإذا انضبطت المعاملتان بما سبق فلا حرج عليك، إن شاء الله. ونسأل الله أن يوفقك ويعينك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36410 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5655 عقد الاستصنا ع [السُّؤَالُ] ـ[ما هو عقد الاستصناع؟ وما حكمه؟ وما شروطه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إن عقد الاستصناع - وهو عقد وارد على العمل والعين في الذمة - ملزم للطرفين إذا توافرت فيه الأركان والشروط. ثانياً: يشترط في عقد الاستصناع ما يلي: أ - بيان جنس المستصنع ونوعه وقدره وأوصافه المطلوبة. ب - أن يحدد فيه الأجل. ثالثاً: يجوز في عقد الاستصناع تأجيل الثمن كله، أو تقسيطه إلى أقساط معلومة لآجال محددة. رابعاً: يجوز أن يتضمن عقد الاستصناع شرطاً جزائياً بمقتضى ما اتفق عليه العاقدان ما لم تكن هناك ظروف قاهرة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] مجمع الفقه الإسلامي ص 144 الحديث: 2146 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5656 بدل الخلو [السُّؤَالُ] ـ[في كثير من البلدان والأسواق والشوارع التي بها مواقع مهمة يعمد بعض المستأجرين إلى التنازل لمستأجر آخر مقابل مبلغ مالي، فما حكم ذلك.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أصدر مجمع الفقه الإسلامي قراراً برقم (6) د 4 /08/88 بشأن بدل الخلو جاء فيه ما يلي: أولاً: تنقسم صور الاتفاق على بدل الخلو إلى أربع صور هي: 1- أن يكون الاتفاق بين مالك العقار وبين المستأجر عند بدء العقد. 2- أن يكون الاتفاق بين المستأجر وبين المالك وذلك في أثناء مدة عقد الإجارة أو بعد انتهائها. 3- أن يكون الاتفاق بين المستأجر وبين مستأجر جديد، في أثناء مدة عقد الإجارة أو بعد انتهائها. 4- أن يكون الاتفاق بين المستأجر الجديد وبين كل من المالك والمستأجر الأول قبل انتهاء المدة أو بعد انتهائها. ثانياً: إذا اتفق المالك والمستأجر على أن يدفع المستأجر للمالك مبلغاً مقطوعاً زائداً عن الأجرة الدورية - وهو ما يسمى في بعض البلاد خلواً - فلا مانع شرعاً من دفع هذا المبلغ المقطوع على أن يعد جزءاً من أجرة المدة المتفق عليها، وفي حالة الفسخ تطبق على هذا المبلغ أحكام الأجرة. أما إذا انقضت مدة الإجارة ولم يتجدد العقد صراحة أو ضمناً عن طريق التجديد التلقائي حسب الصيغة المفيدة له، فلا يحل بدل الخلو، لأن المالك أحق بملكه بعد انقضاء حق المستأجر. ثالثاً: إذا تم الاتفاق بين المستأجر الأول وبين المستأجر الجديد في أثناء مدة الإجارة على التنازل عن بقية مدة العقد، لقاء مبلغ زائد عن الأجرة الدورية، فإن بدل الخلو هذا جائز شرعاً، مع مراعاة مقتضى عقد الإجارة المبرم بين المالك والمستأجر الأول لأنّ كثيرا من عقود الإجارة تنصّ على أنه لا يجوز للمستأجر إيجار العين لمستأجر آخر، ولا أخذ بدل الخلو فيه إلا بموافقة المالك فلا بدّ من التقيّد بذلك. رابعاً: إذا تم الاتفاق بين المستأجر الأول وبين المستأجر الجديد بعد انقضاء المدة فلا يحل بدل الخلو، لانقضاء حق المستأجر الأول في منفعة العين. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب مجمع الفقه الإسلامي الحديث: 1839 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5657 حكم إجراء العقود بآلات الاتصال الحديثة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم عقود البيوع والإجارة ونحوها التي تُجرى بواسطة المخترعات الحديثة كالهاتف والفاكس والتلكس والانترنت وغيرها وإذا كان مجلس العقد المعتاد في المكتب والدكان فكيف يكون في حالة استخدام الآلات الحديثة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ينعقد العقد شرعا إذا حصل الإيجاب والقبول بالشروط الشّرعية مع انتفاء الموانع ومثال الإيجاب والقبول في عقد البيع أن يقول البائع بعتك ويقول المشتري قبلت، ونظراً إلى التطور الكبير الذي حصل في وسائل الاتصال وجريان العمل بها في إبرام العقود لسرعة إنجاز المعاملات المالية والتصرفات، وباستحضار ما تعرض له الفقهاء بشأن إبرام العقود بالخطاب وبالكتابة وبالإشارة وبالرسول، وما تقرر من أن التعاقد بين الحاضرين يشترط له اتحاد المجلس - عدا الوصية والإيصاء والوكالة - وتطابق الإيجاب والقبول، وعدم صدور ما يدل على إعراض أحد العاقدين عن التعاقد، والموالاة بين الإيجاب والقبول بحسب العرف قرر ما يلي: أولاً: إذا تم التعاقد بين غائبين لا يجمعهما مكان واحد، ولا يرى أحدهما الآخر معاينة، ولا يسمع كلامه، وكانت وسيلة الاتصال بينهما الكتابة أو الرسالة أو السفارة (الرسول) ، وينطبق ذلك على البرق والتلكس والفاكس وشاشات الحاسب الآلي (الحاسوب) ، ففي هذه الحالة ينعقد العقد عند وصول الإيجاب إلى الموجه إليه وقبوله. ثانياً: إذا تم التعاقد بين طرفين في وقت واحد وهما في مكانين متباعدين، وينطبق هذا على الهاتف واللاسلكي، فإن التعاقد بينهما يعتبر تعاقداً بين حاضرين، وتطبق على هذه الحالة الأحكام الأصلية المقررة لدى الفقهاء المشار إليها في الديباجة. ثالثاً: إذا أصدر العارض، بهذه الوسائل، إيجاباُ محدد المدة يكون ملزماً بالبقاء على إيجابه خلال تلك المدة، وليس له الرجوع عنه. رابعاً: إن القواعد السابقة لا تشتمل النكاح لاشتراط الإشهاد فيه، ولا الصرف لاشتراط التقابض، ولا السَّلَم لاشتراط تعجيل رأس المال. خامساً: ما يتعلق باحتمال التزييف أو التزوير أو الغلط يرجع فيه إلى القواعد العامة للإثبات. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] مجمع الفقه الإسلامي ص111 الحديث: 1848 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5658 هل يشتري سيارة من الجمارك بسعر مخفض بدلاً من معاق؟ [السُّؤَالُ] ـ[هناك أخ معاق من حقه شراء سيارة من الجمارك بسعر منخفض عن السوق نظراً لظروفه الصحية، وهو لا يريد شراءها، ويعرض علي شراءها لحسابي الخاص للانتفاع بها. فهل يجوز لي ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاًَ: الضرائب ـ ومنها الجمارك ـ التي تفرضها الدولة على المواطنين أو المقيمين بها من المسلمين، طريقة محرمة لتمويل خزينة الدولة بالأموال، ومن أكل أموال الناس بالباطل، والطريقة التي تفرض بها هذه الضرائب لا تراعي الشروط التي ذكرها العلماء لجواز مثل هذه الطريقة لتمويل بيت المال، فليست هناك ضرورة ملحة لذلك، وهذه الضرائب تفرض في الغالب على الفقراء، أما الأغنياء فلهم طرقهم المعروفة للتهرب من هذه الضرائب، ثم هذه الأموال التي تجمع من الفقراء، في كثير من الدول ـ وللأسف ـ ينفق منها على الممثلين والمغنيين واللاعبين والمسارح والمهرجانات والحفلات ونشر الرذيلة، ومحاربة الفضيلة ... وغير ذلك من أوجه الإنفاق المحرمة. فاجتمع في هذا: تحريم طريقة جمع الأموال، وتحريم طريقة إنفاقها. وكل إنسان سيسأل يوم القيامة عن ماله: من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ والواجب على الحكومات أن تهتم بالطرق الشرعية الصحيحة لزيادة مواردها المالية، كالمشاريع الناجحة الزراعية والصناعية، والتكنولوجية ... إلخ. وقد سبق في جواب السؤال رقم (39461) بيان تحريم الجمارك، وأنها من كبائر الذنوب، وأنها أكبر من الزنا. وذكرنا في جواب السؤال (42563) فتوى علماء اللجنة الدائمة في تحريمها. ثانياً: إذا ثبت تحريم الجمارك على المسلمين فلا حرج على المسلم أن يفعل ما يسقط به عن نفسه هذه الجمارك أو يخففها. ومن هذا: ما جاء السؤال عنه من شراء السيارة باسم معاق، تعطيه الدولة السيارة معفاة من الجمارك. وانظر جواب السؤال رقم (93088) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 116459 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5659 هل تؤخذ الجمارك من غير المسلمين؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أخذ الجمارك من غير المسلمين إذا قاموا بتصدير بضاعتهم إلى بلاد المسلمين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، لا حرج في أخذ الجمارك من غير المسلمين على البضاعة التي يأتون بها لبيعها للمسلمين. فقد روى البيهقي (18543) عن أنس رصي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر أن يؤخذ من أهل الذمة نصف العشر، وممن لا ذمة له: العشر. وجاء في " الموسوعة الفقهية " (30 / 102، 103) : "يؤخذ العشر من تجارة غير المسلمين عند دخولهم بها إلى دار الإسلام، وذلك في الجملة، ... . استدل الفقهاء لمشروعية العشر على غير المسلم بالسنَّة، والإجماع، والمعقول، أما السنَّة: فقوله: (إنما العشور على اليهود والنصارى، وليس على المسلمين عشور) . [الحديث ضعيف، ضعفه الألباني في ضعيف أبي داود (3046) ] فالحديث يدل على أنه لا يؤخذ من المسلم مال سوى الزكاة، ويؤخذ من اليهود والنصارى عشر التجارات كما تؤخذ منهم الجزية. وأما الإجماع: فقد بعث عمر بن الخطاب رضي الله عنه العُشَّار ليأخذوا العُشْر بمحضر من الصحابة رضوان الله عليهم، ولم يخالفه في ذلك أحد، فكان إجماعا سكوتيّاً. وأما المعقول: فالتاجر الذي ينتقل بتجارته من بلد إلى آخر يحتاج إلى الأمان، والحماية من اللصوص وقطاع الطرق، والدولة الإسلامية تتكفل بتأمين ذلك عبر طرقها وممراتها التجارية، فالعُشر الذي يؤخذ من التاجر هو في مقابل تلك الحماية، والانتفاع بالمرافق العامة للدولة الإسلامية" انتهى. وأما أخذ الجمارك من المسلمين فقد سبق في جواب السؤال رقم (39461) و (42563) و (93088) أنه محرم، ومن كبائر الذنوب. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111886 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5660 حكم شراء البضائع المصادَرة من الجمارك [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لي شراء سيارة محجوزة من " الديوانة " إن كانت دخلت بطريق غير قانونية، أو فرّط فيها صاحبها لعدم قدرته على تسديد مستحقاتها لـ " الديوانة "، أو من تلقاء نفسه لكي لا توظف عليه، مع العلم عند البيع بالمزاد العلني، أو قبله، لا يمكنك أن تعرف وضعية كل سيارة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " الديوانة " هي ما يسمَّى " الجمرك " في دول المشرق، والأصل أن العمل في " الجمارك "، وتحصيل الرسوم على ما يجلبه المسلمون من بضائع أو أمتعة: أنه حرام؛ أجوبة الأسئلة: (39461) و (42563) و (93088) . وأما أخذ الجمارك من غير المسلمين فهو جائز، كما سبق بيان ذلك في السؤال رقم (111886) . والبضائع التي تتم مصادرتها في الجمارك لا تخلو من حالين: الأولى: أن تكون هذه المصادرة بحق، كما لو كانت لغير مسلم ولم يدفع الجمارك المفروضة عليه. أو كانت غير مطابقة للمواصفات المسموح بها، وأراد صاحبها تهريبها إلى داخل البلاد. أو لم يمكن التعرف على صاحبها .... ونحو ذلك من الأسباب الصحيحة التي يمكن بسببها مصادرة هذه البضائع. وفي هذه الحالة لا بأس بشرائها إذا عرضت في المزاد، لأنها خرجت من ملك أصحابها على وجه مباح. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: "ما يؤخذ غرامة على المخالفين في بعض البضائع، إذا دخلوا بها وصودرت منهم: فهل يجوز أن تُشتَرى من الجهات المسؤولة أو لا؟ الجواب: نعم، يجوز أن تُشترى؛ لأنها الآن خرجت عن ملك أصحابها بمقتضى العقوبة، والعقوبة المالية جائزة في الشريعة، ولها وقائع وقعت في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم؛ فيجوز أن يشتريها الإنسان، وتدخل ملكه، ولا حرج عليه في ذلك، كالمغصوب إذ جُهِلَ مالكه وبِيعَ وتُصُرِّف فيه على وجه جائز: فلا حرج أن يشتريه. فإن قال قائل: أنا أعلم رب هذه العين التي صودرت أنه فلان، فكيف يجوز لي أن أشتريها؟! نقول: نعم؛ لأنها أُخذت بحق، أما لو جاءتك وهي مسروقة تعرف أنها سرقت: فهنا لا يجوز أن تشتريها، لكن إذا صودرت عقوبة: فقد أخذت بحق؛ لأن لولي الأمر أن يعاقب من خالف ما يجب عليه بما يرى أنه أردع وأنفع، ولولا هذا لكانت الأمور فوضى وصار كل إنسان يعمل على ما يريد، وهذا لا يمكن، ولذلك نرى أن الأنظمة التي ليس فيها مخالفة للشريعة، وإنما هي اجتهادية: أنه يجب اتباعها؛ امتثالاً لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ) النساء/ 59" انتهى. " الشرح الممتع " (10 / 195، 196) . الحالة الثانية: أن تكون المصادرة بغير حق، كما لو كانت البضائع لمسلم وصودرت لعجزه عن دفع الجمارك. وفي هذه الحالة لا يجوز شراؤها، لأنها لا تزال ملكاً لصاحبها، وتم أخذها منه غصباً. قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: "إذا تيقن الإنسان من كون السلعة المعروضة للبيع أنها مسروقة أو مغصوبة، أو أن من يعرضها لا يملكها ملكاً شرعياً، وليس وكيلاً في بيعها، فإنه يحرم عليه أن يشتريها؛ لما في شرائها من التعاون على الإثم والعدوان، وتفويت السلعة على صاحبها الحقيقي، ولما في ذلك من ظلم للناس وإقرار المنكر، ومشاركة صاحبها في الإثم، قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2 " انتهى. فتاوى اللجنة الدائمة" (13/82) . وإذا لم يمكن معرفة هل هذه البضائع مصادرة بحق أم بغير حق؟ وكان ذلك في دولة أكثر أهلها مسلمون، فينبغي التورع عن شرائها، لأن الغالب أنها لأحد المسلمين وعجز عن دفع جماركها، ولا يغتر الإنسان برخص ثمنها، فإن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111698 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5661 تقديم بيان غير صحيح بالراتب لينجو من ضريبة موضوعة باختياره [السُّؤَالُ] ـ[مدرس في الجامعة اشترطوا عليه ليعطوه إجازة بدون راتب أن يودع 25% من دخله في عمله عند غيرهم في بنك ربوي ويأخذون جزءاً منه ضريبة، فهل يجوز له أن يقدّم بياناً غير صحيح بمرتبّه ليتفادى مبلغاً أعلى يوضع في البنك، ويخصم منه ضريبة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرض السؤال التالي على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله بقوله: الظاهر أنه لا يجوز، لأنه متعاقد معهم، وإذا كان متعاقدا فإنه لا يجوز أن يتحيّل على أنظمتهم. سؤال: ولو كان فيه ظلماً وضريبة. جواب: ولكن هو الذي رضي بهذا من الأصل. أهـ والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن صالح العثيمين الحديث: 5218 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5662 التحايل على الدولة بشراء مزرعة وتسجيل قيمتها بأقل من ثمنها وزكاة ثمارها [السُّؤَالُ] ـ[في العام الماضي اشترى والدي مزرعة من أحد الأشخاص لكنه أمرني أن أذهب أنا مع البائع إلى الحكومة لتسجيل عقد البيع على أساس أن أكون المشتري، ولتكون المزرعة باسمي؛ وذلك لأنه يود الحصول على مزرعة أخرى كان قدَّم عليها لدى الدولة باسمه؛ حيث أنهم كانوا سيلغون طلبه لتلك المزرعة لو أن المزرعة التي لدينا الآن كانت باسمه، فهو يريد الآن أن يمتلك مزرعتين! عندما ذهبنا أنا والبائع إلى الحكومة قلت إنني دفعت له مبلغاً معيَّناً وهو المبلغ الذي قال لي أبي أن أقول إنني دفعته، ولكن في الواقع ذلك لم يكن هو المبلغ الذي استلمه صاحب المزرعة السابق، بل استلم مبلغاً أكبر، فالدولة تطلب من مشتري المزرعة أن يدفع قيمة مالية إضافية إجبارية للحكومة على حسب المبلغ الذي دفعه المشتري للبائع، وكلما كانت قيمة المزرعة أكبر كان تلك القيمة المالية أعلى (لا أذكر لم هي تلك القيمة المالية، لكني أظنها تأميناً) ، لذلك فإن والدي أراد إخفاء السعر الحقيقي الذي بيعت به المزرعة حتى يدفع مبلغاً أقل. فهل يجوز ما فعله أبي؟ وهل يجوز ما فعلته أنا عندما كذبت بشأن سعر المزرعة؟ . وهذه المزرعة ممنوعة من التسويق من قبل الدولة، فهل تجب عليها الزكاة حتى وإن لم تكن منتجاتها ستباع وتشترى؟ إذا كان الجواب بنعم تجب الزكاة: فمن المسئول عن دفع الزكاة هل هو أنا أم والدي؛ لأن المزرعة مكتوبة باسمي؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: حكم تسجيلك للمزرعة التي دفع والدك ثمنها باسمك يختلف باختلاف السبب الدافع لهذا الأمر، فإن فعلتما ذلك من أجل دفع ضر عنكم، مثل أن يوجد قانون جائر يمنع مِن تملك أكثر من مزرعة: فيجوز لكم فعل ذلك، ولا حرج في تسجيل المزرعة المشتراة باسمك أو باسم غيرك، وأما إن كان هذا الفعل منكما من أجل الحصول على منفعة ليست من حقكم، مثل أن تَشترط الدولة للحصول على مزرعة عن طريقها هبةً أو بسعرٍ مخفَّض: عدم وجود مزرعة عند المتقدم بالطلب: فهذا الفعل منكما حرام، وهو من أكل أموال الناس بالباطل. وإذا أردتم إصلاح الوضع - إن كان الأمر على الصورة الثانية -: فيمكنك أن تشتري المزرعة أنت شراءً حقيقيّاً من والدك، وتكون لك، أو أنكم تبيعونها، ويرجع الأمر كما كان، وهو أن والدك لا يملك مزرعة. ثانياً: وأما حكم الكذب في الإخبار عن حقيقة ثمن المزرعة من أجل توفير الرسوم الضريبية: فإن هذا الأمر جائز؛ لأن أخذ أموال الناس عن طريق الجمارك أو الضرائب من المحرمات، ولا حرج على المسلم إذا سعى في إنقاذ ماله من ذلك، لكن كلما أمكن التعريض والكلام المحتمل فهو أولى من الكذب. قال ابن حزم رحمه الله: "واتفقوا أن المراصد الموضوعة للمغارم [أي الضرائب] على الطرق، وعند أبواب المدن، وما يؤخذ في الأسواق من المكوس على السلع المجلوبة من المارة، والتجار: ظلم عظيم، وحرام، وفسق " انتهى. " مراتب الإجماع " (ص 121) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عند ذِكر ما يأخذه الإمام: "ونوع يحرم أخذه بالإجماع ... كالمكوس التي لا يسوغ وضعها اتفاقا" انتهى. " مجموع الفتاوى " (28 / 278) . وليست هذه من حقوق السلطان، بل من سمَّاها حقّاً فإنه يقع في إثم عظيم. قال النووي رحمه الله: "مما يتأكد النهيُ عنه والتحذيرُ منه: ما يقولُه العوامّ وأشباهُهم في هذه المكوس التي تُؤخذُ ممن يبيع أو يشتري ونحوهما فإنهم يقولون: هذا حقّ السلطان، أو عليك حقّ السلطان، ونحو ذلك من العبارات المشتملة على تسميته حقّاً أو لازماً ونحو ذلك، وهذا من أشدّ المنكرات، وأشنع المستحدثات حتى قال بعضُ العلماء: من سمَّى هذا حقّاً فهو كافرٌ خارجٌ عن ملّة الإِسلام! والصحيحُ: أنه لا يكفرُ، إلا إذا اعتقده حقّاً مع علمه بأنه ظلم، فالصوابُ أن يُقال فيه المَكسُ، أو ضريبةُ السلطان، أو نحو ذلك من العبارات" انتهى. " الأذكار " (ص 369) . وانظر أجوبة الأسئلة (39461) و (25758) و (42563) . وأما إن كان المستوفى من معاملات البيع والشراء هو رسوم عادية تتعلق بخدمات تؤدى للبائع أو المشتري أو لكليهما: فلا يجوز التهرب منها بحال، بل يصبح هذا حقّاً للآخذ لا يجوز التحايل عليه، والتهرب من دفع ما له من حق. ثالثاً: وفيما يتعلق بسؤالك عن زكاة ما يخرج من المزرعة: فاعلم أن الزكاة واجبة على صاحب المزرعة الحقيقي، وهو هنا والدك. ولا يشترط لوجوب الزكاة في الزروع والثمار أن تكون للبيع بل تجب فيها الزكاة ولو كانت من أجل أن يأكل منها صاحبها وأولاده وأهله. سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: عندي في منزلي خمس نخلات، وكلها مثمرة، هل في ثمارها زكاة؟ وما مقدارها؟ . فأجاب: "هذه مسألة في الحقيقة السؤال عنها جيد، كثير من الناس عندهم بيوت فيها نخل، والنخل تكون ثمارها بالغة للنصاب، ومع ذلك لا يزكونه؛ لأنهم يظنون أن الزكاة تجب في الحوائط الكبيرة، أما النخلات التي في البيت: فيظن كثير من الناس أنه ليس فيها زكاة، ولكن الأمر ليس كذلك، بل نقول: إذا كان في بيتك نخل وعندك بستان آخر، وكانت النخل الموجودة في البيت لا تبلغ النصاب: فإنها تضم إلى النخل الذي في البستان. أما إذا لم يكن عندك بستان: فإننا ننظر في النخل الذي في البيت، إن كان يبلغ النصاب: وجبت الزكاة، وإن كان لا يبلغ النصاب: فلا زكاة فيه. والنصاب ثلاثمائة صاع، بصاع النبي صلى الله عليه وسلم ... . الخلاصة: أن النخل الذي في البيت إن كان مالك البيت عنده بستان فيه نخل: فإن ثمرة النخل الذي في البيت تضم إلى ثمرة النخل الذي في البستان، فإذا بلغ مجموعها نصاباً: وجب إخراج الزكاة. وإن لم يكن له بستان: فإننا نعتبر النخل الذي في البيت بنفسه، ونقول: إذا بلغت ثمرتها نصاباً: وجب فيها الزكاة، وإلا فلا. والزكاة نصف العشر فيما يسقى بمؤونة، والعشر كاملاً فيما يسقى بلا مؤونة" انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (18 / السؤال رقم 39) . ووقع خلاف بين العلماء في الزرع الذي يُزكى، وما رجحناه في موقعنا هو أن الزكاة تجب في الثمر الذي يكال ويدخر، وانظر ذلك في جواب السؤال رقم (3593) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93088 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5663 حاصل على إعفاء جمركي فهل يحق لغيره شراء سلعة باسمه؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا ومجموعة من الإخوة نعمل بالسلك الدبلوماسي بإحدى الدول التي تعطينا إعفاء جمركيا ويأتي بعض أبناء تلك الدولة لشراء سلعة لهم باسمنا للحصول على الإعفاء مقابل مبلغ مالي يدفع لنا فهل هذا جائز؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا السؤال مشتمل على أمرين: الأول: ما يسمى بالجمارك، وهي الضرائب التي تؤخذ على الأمتعة والبضائع، وأخذُ ذلك من المسلمين محرم تحريما شديدا، وهو المَكس الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ صَاحِبَ الْمَكْسِ فِي النَّارِ) رواه أحمد (16553) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (3405) وانظر السؤال رقم (25758) ويشرع للإنسان أن يتخلص من هذه الرسوم المحرمة بكل وسيلة ممكنة لا يترتب عليها ضرر أو مفسدة أعظم، ولو كان ذلك بالحيلة أو بدفع مبلغ للتخلص من الظلم الواقع عليه. وإذا قال قائل: إن هذا من باب تنازل الإنسان عن حقه مقابل مال، وهذا جائز، (وهو ما يعرف عند الفقهاء بالإسقاط أو الفراغ، وقد أجاز المالكية الاعتياض عن حق الشفعة، وأجاز الحنفية النزول عن الوظائف وإسقاط حق الحضانة مقابل مال. ينظر الموسوعة الفقهية الكويتية 4/243، 32/83) فالجواب: ليس هذا من هذا، فإن الذين يسمحون بالإعفاء الجمركي لا يسمحون به إلا لأعضاء السلك أنفسهم، ولا يسمحون لهم أن يستغلوا هذه الميزة في التكسب من وراء ذلك في بضائع لغيرهم، ثم إن تمرير بضائع الغير مشتمل على نوع من الحيلة والخداع، وهذا إذا جاز فإنما يجوز للحاجة، ولا أن يربح من ورائه. وفيما يلي بعض النصائح: 1- إن الواجب على هؤلاء العاملين في هذا السلك خدمة إخوانهم مجاناً، لأنها من باب رفع الظلم عنهم، وهذا واجب علي قدر الاستطاعة. 2- إذا كانوا لا يريدون تقديم هذه الخدمة مجاناً، فلا يجوز لهم أخذ زيادة على أجرة المثل فيما يتكلفونه من شحن البضائع واستلامها وإنهاء الإجراءات أو السفر بها ونحو ذلك. مع تنبيههم إلى أن الواجب عليهم الرفق بإخوانهم المسلمين، وإحسان النيّة في ذلك، ولا يكون همهم مجرد جمع الأموال. والله الموفق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45713 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5664 فتوى اللجنة الدائمة في الجمارك [السُّؤَالُ] ـ[قرأت في كتاب (الزواجر عن اقتراف الكبائر) لابن حجر الهيتمي في حكم المكوس، ونهي النبي صلى الله عليه وسلم عنها، وأن أصحابها أشد الناس عذابا يوم القيامة، وكثير من الدول يعتمد اقتصادها على تحصيل الرسوم الجمركية على الواردات والصادرات وهذه الرسوم بالتالي يقوم التجار بإضافتها إلى ثمن البضاعة المباعة بالتجزئة للجمهور، وبهذه الأموال المحصلة تقوم الدولة بمشروعاتها المختلفة لبناء مرافق الدولة. فأرجو توضيح حكم هذه الرسوم وحكم الجمارك والعمل بها وهل يعتبر نفس حكم المكوس أم لا يعتبر نفس الحكم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تحصيل الرسوم الجمركية من الواردات والصادرات من المكوس، والمكوس حرام، والعمل بها حرام، ولو كانت ممن يصرفها ولاة الأمور في المشروعات المختلفة كبناء مرافق الدولة لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن أخذ المكوس وتشديده فيه، فقد ثبت في حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه في رجم الغامدية التي ولدت من الزنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له) الحديث رواه أحمد ومسلم وأبو داوود وروى أحمد وأبو داوود والحاكم عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يدخل الجنة صاحب مكس) وصححه الحاكم. وقد قال الذهبي في كتابه الكبائر: والمكاس داخل في عموم قوله تعالى: (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) الشورى/42. والمكاس من أكبر أعوان الظلمة بل هو من الظلمة أنفسهم فإنه يأخذ ما لا يستحق، واستدل على ذلك بحديث بريدة وحديث عقبة المتقدمين ثم قال: والمكاس فيه شبه من قاطع الطريق وهو من اللصوص، وجابي المكس وكاتبه وشاهده وآخذه من جندي وشيخ وصاحب راية شركاء في الوزر آكلون للسحت والحرام. انتهى. ولأن ذلك من أكل أموال الناس بالباطل وقد قال تعالى: (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) البقرة/188. ولما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في خطبته بمنى يوم العيد في حجة الوداع: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا) . فعلى المسلم أن يتقي الله ويدع طرق الكسب الحرام ويسلك طرق الكسب الحلال وهي كثيرة ولله الحمد ومن يستغن يغنه الله، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/2-3 وقال: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) الطلاق/ 4 وبالله التوفيق [الْمَصْدَرُ] من فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء 23 / 489. الحديث: 42563 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5665 يأمر الطلاب بدفع مبلغ لإصلاح الفصل ويعطيهم درجات مشاركة [السُّؤَالُ] ـ[يطلب المدرس منا مبلغا معينا (30) ريال ندفعه قبل الاختبار لتصليح الفصل ويترتب على ذلك زيادة في درجات المشاركة أو الاختبار إذا لم يكن هنالك نقص في المشاركة ويدعي أن ذلك حلال بحجة أن الزيادة لا تكون على ورقة الاختبار وإنما تكون في المجموع النهائي للدرجات وأن الفرصة متاحة للجميع وأن الدفع كان قبل الاختبار وأن الذي لا يستطيع دفع المبلغ فإنه يخففه عنه فإذا لم يستطع فإنه يعفيه من الدفع ويكون له ما لباقي الطلاب الذين دفعوا من الزيادة في الدرجات فهل عمله هذا صحيح؟ والرجاء أن يكون الجواب بالتفصيل مع ذكر الأدلة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ليس للمدرس أن يأخذ من الطلاب شيئا، ولو كان بقصد تصليح الفصل، فإن ذلك ليس من مسئولية الطلاب، وإنما هو من مسئولية المدرسة وهذا المال يشبه من بعض الوجوه المكوس المحرمة، وانظر في تحريم المكوس السؤال رقم 39461 ودرجات المشاركة إنما تعطى للطالب على اجتهاده ونشاطه أثناء الدراسة، لا على دفعه المال للمدرّس أو المدْرسة، وكذلك درجة الاختبار، تنبني على ما كتبه الطالب في ورقة الإجابة، ولا علاقة لها بإصلاح الفصل أو تزيينه. فإعطاء المدرس درجات للطلاب مقابل دفعهم المال، مخالف لنظام التعليم، مع ما فيه من ظلم الناس في أموالهم، وتعريض الطلاب الفقراء للحرج في إخبارهم المدرس بعدم استطاعتهم دفع المبلغ كله أو بعضه. فعلى المدرس أن يتقي الله تعالى، وأن يعطي لكل طالب ما يستحقه من الدرجات حسب النظام التعليمي القائم، وأن لا يسأل الطلاب شيئا من المال مهما قل. وللمدرس أن يحث الطلاب على الإنفاق والتبرع لإصلاح الفصل أو لغير ذلك من الأنشطة الخيرية، فإن ذلك يدخل في باب التعاون على البر والتقوى، وفيه تعويد للطلاب على بذل الأموال وإنفاقها في وجوه الخير والبر، على أن لا يكون لذلك علاقة بالدرجات التي يحصل عليها الطالب. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 40234 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5666 عملها صياغة النشرات الدعوية وتقتبسها من غيرها [السُّؤَالُ] ـ[طبيعة عملي صياغة نشرات دينية وتوعوية لمركز إسلامي، ولكني غير مبدعة في الكتابة، فأضطر لأن أستفيد من الأشعار والكتابات الأدبية لشعراء وكتاب عدة وأقتبس التشبيهات والتراكيب البلاغية والعبارات الغريبة والألفاظ الجميلة وطرق العرض الإبداعية والجديدة وأحاول تغييرها قليلاً بإضافة وحذف بعض الكلمات لتتناسب مع موضوع النشرة التي أكتبها بحيث تكون المقالة بفقراتها عبارة عن تركيب مع تغيير ولا أضيف جملاً من عندي ألا نادراً، وتظهر المقالة مؤثرة جدا وتخدم الفكرة الأساسية، فهل تعتبر هذه سرقة ولا يجوز لي عمل ذلك، ظللت على هذه الحال أكثر من سنتين ولكني انتبهت الآن ولا أستطيع مصارحة أرباب العمل وزميلاتي بالحقيقة، فهل يعتبر الراتب الذي آخذه مالاً حراماً؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج في الاستفادة والاقتباس مما كتبه الآخرون من العبارات الجميلة، والألفاظ المنمقة، وطرق العرض الإبداعية على النحو الذي ذكرت، بحيث يخرج المقال مؤثراً متناسقاً، فلم يزل الكتاب يأخذ بعضهم من بعض. والبحث عن المادة، والتأليف بين الجمل والفقرات واختيار المناسب منها عمل يحتاج إلى جهد ووقت، ولعلك من خلال هذه الممارسة تصلين إلى مرحلة تستغنين فيها عن كثرة الاقتباس. والممنوع في هذا المقام هو سرقة مقالات الآخرين أو نشراتهم أو سرقة أجزاء متكاملة منها، وأما اقتباس الجمل والكلمات من عدة مقالات، فلا يظهر أن ذلك يدخل في السرقة. ومن المحظور كذلك: تشبع الإنسان بما لم يعط، وإيهام الزملاء بأن هذه الكتابة المؤثرة من إبداعه وإنتاجه، بل ينبغي أن يكون الإنسان صادقا مع نفسه وغيره، فيشير إلى أن جهده هو الجمع والتنسيق واختيار الكلمات والجمل المناسبة والاستفادة من أعمال الآخرين. فعن أسماء رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ) رواه البخاري (5219) ومسلم (2129) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131437 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5667 تلخص المناهج وتبيعها على الطالبات وتمنعهن من التصوير [السُّؤَالُ] ـ[عندنا مدرسة (من خارج الكلية) تلخص مناهجنا وتقوم ببيع ملخصاتها على الطالبات بسعر قد أستطيعه أنا ولله الحمد.. إلا أني أعرف من لا تستطيع دفعه. تمنع بل وتكتب على أوراقها (لا أحلل من تصور الأوراق دون إذني) .. أي أنها تريد من كل طالبة أن تشتري منها.. سؤالي: هل يحق لها هذا الشرط؟ وهل يجوز أن تشترك مجموعة من الطالبات لدفع ثمن ملزمة واحدة؟ وهل يجب أخذ إذنها بذلك؟ أم أنها ببيعها للطالبة تمتلك الطالبة حرية التصرف بأوراقها فتقتسم مع زميلاتها المبلغ؟ أليس المشتري يملك أحقية التصرف فيما اشترى؟ فلو أني اقتسمت مبلغ كتاب مع شخص آخر جاز ذلك دون أدنى شك..]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه المسألة راجعة لما يعرف بحق التأليف والاختراع، وهو حق معتبر شرعا لا يجوز الاعتداء عليه؛ لما يترتب على حفظ هذا الحق من المصالح العامة، كقيام التأليف واستمراره، ومنع التكسب بأعمال الآخرين وجهودهم، ولوجوب الوفاء بالعقود والشروط، لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) المائدة/1، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ) رواه أبو داود (3594) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. فإذا كان المؤلف أو الناشر ينص على منع التصوير للبيع أو للاستعمال الخاص، لزم الوفاء بذلك؛ مع مراعاة أن التصوير للاستعمال الخاص هنا يعود بالضرر المحقق على المؤلفة، لاستغناء كثير من الطالبات بهذا التصوير عن شراء الكتاب. وقد سبق الكلام على حق التأليف والاختراع ونقل كلام أهل العلم فيه، وينظر جواب السؤال رقم (26307) ورقم (454) . وأما اشتراك مجموعة من الطالبات في شراء نسخة واحدة يتبادلنها فيما بينهن من غير تصوير، فلا مانع منه؛ لعدم وجود ما يقتضي المنع. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129191 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5668 حكم تحميل الكتب غير المجانية من المواقع عن طريق برامج الاختراق وغيرها [السُّؤَالُ] ـ[حكم تحميل الكتب غير المجانية من المواقع عن طريق برامج الاختراق وغيرها السؤال: أرجو منك توضيح حكم تحميل بعض الكتب الإلكترونية (غير المجانية) من برامج المشاركة - أو ما يسمَّى بـ Peer-to-Peer " -؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الكتب التي تعرضها المواقع الإلكترونية منها ما يتمكن الزائر من تحميل تلك الكتب – أو بعضها – لجهازه، ومنها ما يكون للتصفح – كاملاً أو لأجزاء منه – ولا يستطيع تنزيل الكتاب. والكتب التي يُسمح بتنزيلها: لا إشكال في حكمها، ولا سؤال عنها أصلاً، وأما التي يمنع أصحاب الموقع من تنزيلها: فإن الأصل هو المنع من تنزيلها؛ وذلك لأن لأصحابها حقوقاً تضيع عليهم بذلك التنزيل غير مدفوع الثمن. والطريقة التي وردت في السؤال - (Peer-to-Peer) وتعني: الاتصال الندِّي المباشر- هي ما يسلكه " المخترقون " للمواقع التي تعرض مواد محفوظة الحقوق لأهلها، فيتمكنون من خلالها من الاستيلاء على تلك المواد، ولا يخفى أن كثيراً من تلك المواد محرَّم أصلاً، ولو بالمجان، كالأغاني، والأفلام، وإنما كلامنا هنا عن المباح منها، كالكتب العلمية المفيدة. وقد صدرت الفتاوى المتنوعة من علماء اللجنة الدائمة للإفتاء، ومن المجامع الفقهية، باحترام تلك الحقوق المحفوظة لأصحابها، والمنع من الاستيلاء عليها من غير رضا أصحابها، وقد سبق أن ذكرنا هذه المسألة، ونقلنا تلك الفتاوى وغيرها، فانظر أجوبة الأسئلة: (81614) و (95173) و (38847) و (116782) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127236 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5669 هل لمصحف التجويد حقوق طبع لمن يريد جعله في برنامج للجوال؟ [السُّؤَالُ] ـ[يوجد نسخة من المصحف باسم " مصحف التجويد الملون "، والدار التي نشرته تمنع نسخه، وتوزيعه، ويقولون: إن لديهم حقوق نشر، ويستطيعون منع، ومعاقبة كل من يخالفها، فهل يجوز شرعاً أن نستخدم نسختهم في برنامجنا، باعتبار أنه قرآن كريم، ولا يوجد حقوق نشر له، أم يجب إتباع حقوق النشر المذكورة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فإن " مصحف التجويد " الوارد ذِكره في السؤال قد بذل فيه أصحابه جهداً بيِّناً، وهو كغيره من أعمال البشر لا يخلو من ملاحظات، وأخطاء، وقد نبَّه بعض أهل الاختصاص على تلك الأخطاء. والكلام - أخي السائل – ليس عن كلام الله تعالى نفسه المسطور في المصحف، بل هو عن ابتكار الطريقة في إخراجه، ولا شك أن هذا قد كلَّف أصحابه وقتاً، وجهداً، ومالاً، وطريقتهم المبتكرة هذه: هي مما حفظه لهم الشرع، فجعل لهم حق بيعها، وإجارتها، ومنع أحدٍ من استعمالها إلا بإذنٍ منهم، وهو من الحقوق المعنوية الذي صدرت الفتاوى من أهل الاختصاص في زماننا هذا بحفظها لأصحابها. فانظر أجوبة الأسئلة: (81614) و (21899) و (454) . وما ذكرناه هنا من المنع من الاستيلاء على حقوق الآخرين دون إذنٍ منهم: هو باعتبار الأصل، ولكن قد تعرض بعض الحالات التي يجوز فيها لكم استعمال مطبوعة ذلك المصحف دون إذن من أصحابه، وذلك في حال: أن لا يكون من أوجه النفع عند أصحاب المصحف ما تسألون عنه، فمصحف التجويد الملون الوارد في السؤال هو ما كان مطبوعاً على ورق، يُجمع بين دفتين للقراءة منه، فإذا لم يكن عند دار النشر برنامج لذلك المصحف، يحمَّل على الجوالات: فالظاهر أنه يجوز لكم صنع برنامج يتمكن أصحاب الجوالات من الاستفادة منه، وهذا لا يؤثر على أصحاب المصحف؛ لاختلاف أوجه الاستعمال، وبخاصة إن كان البرنامج مجانيّاً. وانظر جواب السؤال رقم: (95173) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126897 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5670 حكم نسخ أفلام الكرتون وإزالة الموسيقى منها وبيعها [السُّؤَالُ] ـ[أنا رجل مريض نفسياً وأعاني من مرض الخوف أو ما يسمى الرهاب، وأعيش في غرفة صغيرة مع زوجتي وابنتي، وليس لي دخل أبداً، وحاولت كثيراً أن أعمل أعمالاً في المنزل ولم أجد عملاً، أو ربما لا أجيده، وبعد جهد وحيث خبرتي في مجال الحاسب اشتريت كمية من أفلام الكرتون الإسلامية، ومنها التي تحتوي على موسيقى، علماً أن إزالة الموسيقى أمر صعب جداً من الناحية البرمجية، ولكنها أفلام كرتون قديمة، وليست من الجديدة التي تحتوي على انحرافات عقائدية أو صليب، إنما هي قصص عن الزمان القديم وحكايات، وبعد عملي بهذا العمل أصبح يدر علي ربحاً جيداً، ولكن ضميري لم يرتح فما رأي فضيلتكم؟ وهل يجوز أن أبيعها أو لا يجوز؟ أفتوني جزاكم الله خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يجوز بيع أفلام الكرتون التي لا تشتمل على محاذير شرعية، كالانحراف العقدي، أو الدعوة للرذيلة، أو المشتملة على الموسيقى. وما كان مشتملا على موسيقى، إن أمكن إزالة الموسيقى منه جاز بيعه، وإلا لم يجز. ثانياً: نسخ هذه الأفلام وبيعها فيه تفصيل من جهة كونها مملوكة لشركات تمنع نسخها أو تأذن في ذلك: فإذا كانت هذه الأفلام قد نص أصحابها ومعدّوها على أن الحقوق محفوظة لهم، وأنه لا يجوز نسخها نسخاً عاماً أو خاصاً، فالأصل هو الوفاء لهم بهذا الشرط،؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ) رواه أبو داود (3594) وصححه الألباني في "الإرواء" (1303) . وانظر: "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/188) . وإذا كانوا أذنوا في نسخها، أو وضعها أصحابها في الإنترنت لتحميلها، فلا حرج في نسخها وبيعها، إلا أن يأذنوا في النسخ فقط دون البيع. وإذا كانت هذه الأفلام لشركات تحارب الإسلام والمسلمين فلا حرج في نسخها وبيعها، لأنهم لا حرمة لهم ولا لأموالهم. وإذا كنت ستعمل على أفلام قديمة وتبذل جهداً في إزالة الموسيقى منها، فالذي يظهر أنه يجوز لك نسخها وبيعها للجهد المبذول في ذلك، ولكونها مع – وجود الموسيقى – مما يحرم بيعه. وينظر تفصيل الكلام في نسخ الأفلام والبرامج في السؤال رقم (95173) ورقم (81614) ورقم (52903) . ونسأل الله تعالى أن يشفيك ويعافيك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126460 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5671 هل يجوز لطالب العلم أن يأخذ أجرة على مؤلفاته وأشرطته ودروسه في الفضائيات؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم أخذ الداعية أجراً مقابل مصنفاته، وأشرطته، وإلقائه الدروس عبر القنوات الفضائية؟ وهل الحكم يختلف باختلاف النية بحيث تكون الأولى من أجل الكسب فقط، والثانية نفع الأمة لكن يحصل الكسب؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: تأليف الكتب، وإنتاج الأشرطة يعتبران من الحقوق الخاصة بأصحابها، وهي حقوق مصونة في الشرع، فلا يجوز الاعتداء عليها بالنسخ، أو الطباعة، أو الإنتاج، من غير إذن أصحابها، ولا حرج على أصحابها في طلب مبالغ مقابلها. وقد ذكرنا في جواب السؤال رقم: (21899) قرار " مجلس الفقه الإسلامي ": أن حقوق التأليف، والاختراع، أو الابتكار: مصونة شرعاً، ولأصحابها حق التصرف فيها، ولا يجوز الاعتداء عليها. ثانياً: أما أخذ الداعية، أو العالِم مالاً مقابل تعليمه الناس الأحكام الشرعية، أو كيفية قراءة القرآن، في المساجد، أو المدارس، أو الفضائيات: فإن كان ما يُعطاه من بيت مال المسلمين [أموال الدولة] : فلا خلاف في جوازه، وإن كان يُعطاه من غيره: فللعلماء فيه أقوال ثلاثة: 1. الجواز، وهو قول جمهور العلماء، من المالكية، والشافعية، وبه قال متأخرو الحنفية، وهو الذي يرجحه الشيخان ابن باز، والعثيمين، رحمهما الله، وعلماء اللجنة الدائمة للإفتاء. 2. المنع، وهو قول المتقدمين من الحنفية، ورواية عن الإمام أحمد. 3. الجواز للحاجة [كما لو كان العالم فقيراً محتاجاً إلى المال] ، وهو رواية عن الإمام أحمد، وقد مال إلى القول به: شيخ الإسلام ابن تيمية. جاء في " الموسوعة الفقهية " (13 / 14 – 16) : "لا خلاف بين الفقهاء في جواز أخذ الرِّزق من بيت المال على تعليم القرآن، وتدريس علم نافع، من حديث، وفقه، ونحوهما؛ لأن هذا الرزق ليس أجرة من كل وجه، بل هو كالأجرة. وإنما اختلفوا في الاستئجار لتعليم القرآن، والحديث، والفقه، ونحوهما من العلوم الشرعية: فيرى متقدمو الحنفية - وهو المذهب عند الحنابلة - عدم صحة الاستئجار لتعليم القرآن، والعلم الشرعي، كالفقه، والحديث؛ لحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: علمتُ ناسا من أهل الصفَّة القرآن، والكتابة، فأهدى إليَّ رجل منهم قوساً، قال: قلت: قوس، وليس بمال، قال: قلت: أتقلدها في سبيل الله، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم وقصصت عليه القصة، فقلت: يا رسول الله، رجل أهدى إليَّ قوساً ممن كنت أعلمه الكتاب والقرآن، وليست بمال، وأرمي عنها في سبيل الله، قال: (إن كنتَ تحبُّ أن تُطوَّق طوقاً من نارٍ فَاقْبَلْها) ؛ وحديث أبي بن كعب رضي الله عنه، أنه عَلَّم رجلا سورة من القرآن، فأهدى له خميصة، أو ثوبا، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إنَّكَ لَوْ لَبِسْتَها لأَلْبَسَك الله مَكَانَها ثَوْباً مِن نارٍ) ؛ ولأنه استئجار لعمل مفروض، فلا يجوز، كالاستئجار للصوم والصلاة ... ؛ ولأن الاستئجار على تعليم القرآن والعلم سبب لتنفير الناس على تعليم القرآن والعلم؛ لأن ثقل الأجر يمنعهم من ذلك، وإلى هذا أشار الله جل شأنه في قوله عز وجل: (أََمْ تَسْأَلهُم أَجْراً فَهُم من مغْرَمٍ مُثْقَلُون) فيؤدي إلى الرغبة عن هذه الطاعة، وهذا لا يجوز. وذهب متأخرو الحنفية - وهو المختار للفتوى عندهم - والمالكية في قول، وهو القول الآخر عند الحنابلة - يؤخذ مما نقله أبو طالب عن أحمد - إلى جواز الاستئجار على تعليم القرآن والفقه، لخبر: (إنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتم عَلَيْهِ أَجْراَ كِتَاب الله) ؛ ولما روي عن عبد الجبار بن عمر أنه قال: (كل من سألت من أهل المدينة لا يرى بتعليم الغلمان بالأجر بأساً) ؛ ولأن الحفاظ، والمعلمين - نظراً لعدم وجود عطيات لهم في بيت المال - ربما اشتغلوا بمعاشهم، فلا يتفرغون للتعليم حسبة، إذ حاجتهم تمنعهم من ذلك، فلو لم يفتح لهم باب التعليم بالأجر: لذهب العلم، وقلَّ حفاظ القرآن. والمذهب عند المالكية: جواز الاستئجار على تعليم القرآن، أما الإجارة على تعليم الفقه وغيره من العلوم، كالنحو والأصول والفرائض فإنها مكروهة عندهم. وفرَّق المالكية بين جواز الإجارة على تعليم القرآن، وكراهتها على تعليم غيره: بأن القرآن كله حق لا شك فيه، بخلاف ما عداه مما هو ثابت بالاجتهاد، فإن فيه الحق والباطل، وأيضا فإن تعليم الفقه بأجرة ليس عليه العمل، بخلاف القرآن، كما أن أخذ الأجرة على تعليمه يؤدي إلى تقليل طالبه. وذهب الشافعية - على الأصح - إلى جواز الاستئجار لتعليم القرآن، بشرط تعيين السورة والآيات التي يعلمها، فإن أخل بأحدهما لم يصح، وقيل: لا يشترط تعيين واحد منهما، أما الاستئجار لتدريس العلم: فقالوا: بعدم جوازه إلا أن يكون الاستئجار لتعليم مسألة، أو مسائل مضبوطة، فيجوز" انتهى. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ولهذا لما تنازع العلماء في أخذ الأجرة على تعليم القرآن، ونحوه: كان فيه ثلاثة أقوال في مذهب الإمام أحمد، وغيره، أعدلها: أنه يباح للمحتاج. قال أحمد: أجرة التعليم خير من جوائز السلطان، وجوائز السلطان خير من صلة الإخوان. " مجموع فتاوى ابن تيمية " (30 / 192، 193) . وأدلة الجواز قوية، لا يمكن دفعها، كحديث الصحيحين: (إنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتم عَلَيْهِ أَجْراَ كِتَاب الله) ، وكذا حديث تزويج النبي صلى الله عليه وسلم صحابيّاً على تعليم امرأته القرآن. قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: "يجوز لك أن تأخذ أجراً على تعليم القرآن؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم زوَّج رجلا امرأة بتعليمه إياها ما معه من القرآن، وكان ذلك صداقها، وأخذ الصحابي أجرة على شفاء مريض كافر بسبب رقيته إياه بفاتحة الكتاب، وقال في ذلك النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله) أخرجه البخاري ومسلم، وإنما المحظور: أخذ الأجرة على نفس تلاوة القرآن، وسؤال الناس بقراءته" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. " فتاوى اللجنة الدائمة " (15 / 96) . وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: "لا حرج في أخذ الأجرة على تعليم القرآن، وتعليم العلم؛ لأن الناس في حاجة إلى التعليم؛ ولأن المعلم قد يشق عليه ذلك، ويعطله التعليم عن الكسب , فإذا أخذ أجرة على تعليم القرآن، وتحفيظه، وتعليم العلم: فالصحيح أنه لا حرج في ذلك ... ثم استدل بحديث أخذ الأجرة على الرقية ... ثم قال: وقال صلى الله عليه وسلم: (إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله) رواه البخاري في الصحيح أيضاً , فهذا يدل على أنه لا بأس بأخذ الأجرة على التعليم، كما جاز أخذها على الرقية. " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (5 / 364، 365) . ثالثاً: أما ما استدل به المانعون: فحديث عبادة بن الصامت وحديث أبي بن كعب رضي الله عنهما قد ضعفهما بعض أهل العلم: قال ابن عبد البر رحمه الله: وأما حديث القوس فمعروف عند أهل العلم؛ لأنه روي عن عبادة من وجهين، وروي عن أبي بن كعب من حديث موسى بن علي عن أبيه عن أبي بن كعب، وهو منقطع. وليس في هذا الباب حديث يجب به حجة من جهة النقل، والله أعلم. " التمهيد " (21 / 114) . وقال ابن بطَّال رحمه الله: "واحتجوا بأحاديث ضعاف، منها: حديث عبادة بن الصامت ... وأما قول الطحاوى: إن تعليم الناس القرآن بعضهم بعضاً فرض: فغلط؛ لأن تعلم القرآن ليس بفرض، فكيف تعليمه؟! وإنما الفرض المتعين منه على كل أحد: ما تقوم به الصلاة، وغير ذلك: فضيلة، ونافلة، وكذلك تعليم الناس بعضهم بعضاً الصلاة ليس بفرض متعين عليهم، وإنما هو على الكفاية، ولا فرق بين الأجرة على الرقَى، وعلى تعليم القرآن؛ لأن ذلك كله منفعة. وقوله عليه السلام: (إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله) هو عام يدخل فيه إباحة التعليم وغيره، فسقط قولهم" انتهى باختصار. " شرح صحيح البخاري " (6 / 405، 406) . رابعاً: أما ضابط النية في تحصيل الأجر الأخروي مع الدنيوي: فهو ما قاله بعض الأئمة، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من التفريق بين من يقوم بالعمل الصالح ليأخذ الأجر، وبين من يأخذ ليقوم به، فالأول فعله حسن، والثاني: ليس له في الآخرة أجر، وإنما أخذ أجره في الدنيا، والأول يقصد الدين، والمال وسيلة له، والثاني يقصد المال، والدين وسيلة له، وشتان ما بينهما. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وجماع هذا: أن المستحب: أن يأخذ ليحج، لا أن يحج ليأخذ، وهذا في جميع الأرزاق المأخوذة على عمل صالح، فمن ارتزق ليتعلم، أو ليعلِّم، أو ليجاهد: فحسن، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مثل الذين يغزون من أمتي ويأخذون أجورهم مثل أم موسى ترضع ابنها، وتأخذ أجرها) ، شبههم بمن يفعل الفعل لرغبة فيه كرغبة أم موسى في الإرضاع، بخلاف الظئر (المرضعة) المستأجر على الرضاع إذا كانت أجنبية. وأما من اشتغل بصورة العمل الصالح لأن يرتزق: فهذا من أعمال الدنيا، ففرق بين من يكون الدين مقصوده والدنيا وسيلة، ومن تكون الدنيا مقصوده، والدين وسيلة، والأشبه: أن هذا ليس له في الآخرة من خلاق، كما دلت عليه نصوص، ليس هذا موضعها. " مجموع الفتاوى " (26 / 19، 20) . فالوصية لأهل العلم وطلاَّبه أن يقصدوا في خروجهم على الفضائيات: تعليم الناس، ورفع الجهل عنهم، ونشر الاعتقاد الصحيح، ومن أغناه الله من فضله فليستعفف عن المال، ومن احتاج فليأخذ ما يتيسر له دون اشتراط مبالغ باهظة، وليجعل المال وسيلة له، لا غاية، حتى لا يُحرم الأجر الأخروي. والوصية للمؤلفين، والخطباء، والمدرسين، أن يراعوا أحوال الناس، وأن لا يبالغوا في حقوق الطبع، والتأليف، والتوزيع، وليكن على بالهم الأجور الأخروية، والثواب الجزيل من الله لمن نشر علماً، أو رفع جهلاً، والفوز برضا الله وثوابه لا يعدله شيء. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120296 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5672 تحميل الكتب والبرامج المجانية من الإنترنت [السُّؤَالُ] ـ[تتوفر كتب كاملة على الإنترنت , سواء دينية أو علمية , هل يجوز لي حفظها وقراءتها أو طباعة الدروس التي أحتاجها منها؟ وأيضا أريد أن أسأل عن برامج الكمبيوتر والجوال المتوفرة على الإنترنت مجانا , هل جميعها لا يجوز تحميلها؟ وكيف أعرف البرامج المصرح بتحميلها؟ أم أنه لا يوجد ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج في الاستفادة من الكتب المجانية الموجودة على الإنترنت، بقراءتها أو حفظها أو طباعة ما تحتاجين منها؛ لأنها لم توضع على الشبكة إلا لذلك، وينظر جواب السؤال رقم (38847) . وكذلك لا حرج في تحميل برامج الكمبيوتر والجوال المجانية الموجودة على الإنترنت. والأصل جواز تحميل تلك الكتب والبرامج، وتكون المسؤولية واقعة على الموقع الذي نشرها إذا كان صاحبها لا يأذن بذلك، ولا يلزم المتصفح أن يتأكد من كل كتاب أو برنامج أن صاحبه موافق على تحميله. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 116782 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5673 تصفح الكتب وتحميلها من الإنترنت [السُّؤَالُ] ـ[يوجد في الإنترنت مواقع ومنتديات تحميل كتب مجانية، ما حكم تصفحها وطباعة الصفحات التي أريدها، سواء للدراسة أو للبحث أو للاطلاع؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج في تصفح الكتب والمواقع الموجودة على الإنترنت، وتحميل الكتب المسموح بتحميلها، أو تحميل أجزاء منها، للدراسة أو البحث والاطلاع، وينبغي الإحالة على المصدر في حال الاقتباس منها في الأبحاث والدراسات، وينظر: جواب السؤال رقم (38847) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 116786 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5674 نسخ البرامج والكراك والسيريال [السُّؤَالُ] ـ[لدي موقع يوجد فيه برامج والحمد لله قمت بإزالة الكراك والسريال منها ولكن يوجد لدي منتدى وفيه أعضاء يشاركون ويقومون بإنزال الكراك والسريال للبرامج , وتتّبعهم لإزالة الكراك والسريال يتعبني جدا حتى إنني لا أستطيع ذلك , فما حكم ترك المجال لهم، وهل آثم في فعل ذلك؟ وهل لو وضعت عنوان في أعلى المنتدى أنه ممنوع وضع الكراك والسريال ومن وضعه فليتحمل وزر ذلك فهل يكفيني ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحكم في وضع الكراك والسيريال مبني على حكم نسخ البرامج نفسها، فما جاز نسخه منها جاز وضع الكراك له، وما منع نسخه منع وضع الكراك أو السيريال له. وقد بينا حكم نسخ البرامج في أسئلة سابقة، وهذا حاصل ما ذكرناه: أولا: إذا كانت برامج الحاسب قد نص أصحابها ومعدّوها على أن الحقوق محفوظة لهم، وأنه لا يجوز نسخها نسخا عاما أو خاصا، فالأصل هو الوفاء لهم بهذا الشرط،؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ) ولقوله صلى الله عليه وسلم: (من سبق إلى مباح فهو أحق به) ، وهذا ما استدل به الشيخ ابن باز رحمه الله في فتواه مع اللجنة الدائمة. انظر: "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/188) . ويتأكد هذا بأن حق التأليف والاختراع والإنتاج، وغيرها من الحقوق المادية والمعنوية، مكفولة لأصحابها، لا يجوز الاعتداء عليها، ولا المساس بها، من غير إذن أصحابها، ومن ذلك: الأشرطة، والاسطوانات، والكتب. ومما لا شك فيه أن أصحاب الأشرطة والاسطوانات، قد بذلوا في إعدادها وقتا وجهدا ومالا، وليس في الشريعة ما يمنعهم من أخذ الربح الناتج عن هذه الأعمال، فكان المعتدي على حقهم، ظالما لهم. ثم إنه لو أبيح الاعتداء على هذه الحقوق، لزهدت هذه الشركات في الإنتاج والاختراع والابتكار، لأنها لن تجني عائدا، بل قد لا تجد ما تدفعه لموظفيها، ولا شك أن توقف هذه الأعمال قد يمنع خيراً كثيراً عن الناس، فناسب أن يفتي أهل العلم بتحريم الاعتداء على هذه الحقوق. ثانيا: إذا لم يكن هناك نص على منع النسخ الخاص، فيجوز نسخها بغرض الاستفادة الشخصية، دون التربح. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين في هذه المسألة: " يُتبع فيها ما جرى به العُرف، اللهم إلا شخص يريد أن ينسخها لنفسه ولم ينصّ الذي كتبها أولاً على منع النسخ الخاص والعام فأرجو أن لا يكون به بأس، أما إذ نصّ الشخص الذي كتبها أولاً على المنع الخاصّ والعامّ فلا يجوز مطلقا " انتهى. ثالثا: ما ذكرناه في الحالتين هو الحكم باعتبار الأصل، ولكن قد تعرض بعض الحالات التي يجوز فيها النسخ والتصوير بدون إذن أصحابها، وذلك في حالات: 1- إذا لم تكن موجودة بالأسواق، فيجوز نسخها، للحاجة، وتكون للتوزيع الخيري، فلا يبيع ولا يربح منها شيئا. 2- إذا اشتدت الحاجة إليها وأصحابها يطلبون أكثر من ثمنها، وقد استخرجوا تكلفة برامجهم مع ربح مناسب معقول، يعرف ذلك كله أهل الخبرة، فعند ذلك إذا تعلقت بها مصلحة للمسلمين جاز نسخها، دفعاً للضرر، بشرط عدم بيعها للاستفادة الشخصية. 3- إذا كانت ملكا لغير معصوم فلا حرج من نسخها، والمعصوم هو المسلم والذمي والمستأمن، بخلاف الحربي. وبناء على ذلك، فما كان نسخه ممنوعا، فإنه يلزمك منع رواد المنتدى من وضع روابط لتحميله أو لتحميل الكراك الخاص به، ولا يكفي وضع إعلان بالمنع، لأنه منكر تقدر على إزالته. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 102352 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5675 حكم طباعة كتب السلف والمعاصرين وبيعها وهل يشترط الإذن [السُّؤَالُ] ـ[حكم طبع وبيع الكتب الدينية والربح منها مثل كتب السلف وأيضا بالنسبة لكتب الشيوخ المعاصرين والذين يؤلفوها للانتفاع بها وليس للربح فهل الربح من هذه الكتب يكون ليس من حقي لقد قرأت الإجابات على أسئلة حقوق الملكية الفكرية ولكن أرجو التوضيح.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: حق التأليف من الحقوق المعنوية المصونة شرعا، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم (26307) . ثانيا: طباعة الكتب الدينية وبيعها لا حرج فيه؛ لأن الأصل الحل، ولما فيه من نشر العلم، وتجويد طباعة مصنفاته، وتوسيع نشرها بين الناس، حيث يتعذر نشرها وتداولها، وتحمل تكلفتها إلا بذلك. وبناء على ذلك: فلا حرج في طباعة أي كتاب من كتب السلف أو المعاصرين، إلا إذا كان أصحابها يمنعون من ذلك، فلابد من إذنهم، مع مراعاة الأمانة والدقة في نشر هذه الكتب. ويدخل في ذلك ما ألفه العالم بغير غرض الربح، فإنه تجوز طباعته والتربح منه، ما لم يمنع من ذلك، فيشترط إذنه أو إذن ورثته. جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/187) : " س: هل يجوز أن أسجل شريط من الأشرطة وأبيعها، ولكن دون طلب الإذن من صاحبها، أو إن لم يكن صاحبها على قيد الحياة من الدار الخاصة بها، أي بتسجيلها؟ وهل يجوز أن أصور كتابا من الكتب، وأجمع منها عددا كبيرا وأبيعها؟ وهل يجوز كذلك أن أصور كتابا من الكتب ولكن لا أبيعه، وإنما احتفظ به لنفسي، وهذه الكتب التي تحمل علامة (حقوق الطبع محفوظة) هل أطلب الإذن أم لا؟ أفيدونا بارك الله فيكم. ج: لا مانع من تسجيل الأشرطة النافعة وبيعها، وتصوير الكتب وبيعها؛ لما في ذلك من الإعانة على نشر العلم إلا إذا كان أصحابها يمنعون من ذلك، فلا بد من إذنهم " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 99558 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5676 حكم نسخ البرامج [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم نسخ برامج الحاسب الآلي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا كانت برامج الحاسب قد نص أصحابها ومعدّوها على أن الحقوق محفوظة لهم، وأنه لا يجوز نسخها نسخا عاما أو خاصا، فالأصل هو الوفاء لهم بهذا الشرط،؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ) رواه أبو داود (3594) وصححه الألباني في "الإرواء" (1303) . وانظر: "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/188) . ويتأكد هذا بأن حق التأليف والاختراع والإنتاج، وغيرها من الحقوق المادية والمعنوية، مكفولة لأصحابها، لا يجوز الاعتداء عليها، ولا المساس بها، من غير إذن أصحابها، ومن ذلك: الأشرطة، والاسطوانات، والكتب. وقد صدر عن مجمع الفقه الإسلامي قرار بخصوص الحقوق المعنوية، جاء فيه: " أولاً: الاسم التجاري، والعنوان التجاري، والعلامة التجارية، والتأليف والاختراع أو الابتكار، هي حقوق خاصة لأصحابها، أصبح لها في العُرف المعاصر قيمة مالية معتبرة لتموّل الناس لها، وهذه الحقوق يعتد بها شرعاً، فلا يجوز الاعتداء عليها ... ثالثاً: حقوق التأليف والاختراع أو الابتكار مصونة شرعاً، ولأصحابها حق التصرف فيها، ولا يجوز الاعتداء عليها " انتهى باختصار. ومما لا شك فيه أن أصحاب الأشرطة والاسطوانات، قد بذلوا في إعدادها وقتا وجهدا ومالا، وليس في الشريعة ما يمنعهم من أخذ الربح الناتج عن هذه الأعمال، فكان المعتدي على حقهم، ظالما لهم، وآكلاً أموالهم بالباطل. ثم إنه لو أبيح الاعتداء على هذه الحقوق، لزهدت هذه الشركات في الإنتاج والاختراع والابتكار، لأنها لن تجني عائدا، بل قد لا تجد ما تدفعه لموظفيها، ولا شك أن توقف هذه الأعمال قد يمنع خيراً كثيراً عن الناس، فناسب أن يفتي أهل العلم بتحريم الاعتداء على هذه الحقوق. ثانيا: إذا لم يكن هناك نص على منع النسخ الخاص، فيجوز نسخها بغرض الاستفادة الشخصية، دون التربح. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين في هذه المسألة: " يُتبع فيها ما جرى به العُرف، اللهم إلا شخص يريد أن ينسخها لنفسه ولم ينصّ الذي كتبها أولاً على منع النسخ الخاص والعام فأرجو أن لا يكون به بأس، أما إذا نصّ الشخص الذي كتبها أولاً على المنع الخاصّ والعامّ فلا يجوز مطلقا " انتهى. وانظر جواب السؤال رقم (454) . ثالثا: ما ذكرناه في الحالتين هو الحكم العام باعتبار الأصل، ولكن قد تعرض بعض الحالات التي يجوز فيها النسخ والتصوير بدون إذن أصحابها، وذلك في حالين: 1- إذا لم تكن موجودة بالأسواق، للحاجة، ويكون نسخها للاستعمال الشخصي أو للتوزيع الخيري، فلا يبيع ولا يربح منها شيئا. 2- إذا اشتدت الحاجة إليها وأصحابها يطلبون أكثر من ثمنها، وقد استخرجوا تكلفة برامجهم مع ربح مناسب معقول، يعرف ذلك كله أهل الخبرة، فعند ذلك يجوز نسخها للاستفادة الشخصية، لا بقصد بيعها. ومنه يستفاد حكم: 1- نسخ الأناشيد من النسخ الأصلية وجمعها في شريط واحد: هذا لا حرج فيه، لأن أصحاب الأشرطة لا ينصّون على منع النسخ الخاص، وإنما ينصون على حفظ حقوقهم، وهذا منصب على منع النسخ لغرض الاتجار، أو ما يلحِق بهم الضرر كالنسخ العام لأجل التوزيع، وأما النسخ الخاص، فلا يدخل في هذا. وقد سئلت اللجنة الدائمة: هل يجوز أن أسجل شريطا من الأشرطة وأبيعه، دون طلب الإذن من صاحبه بذلك، أو إن لم يكن صاحبه على قيد الحياة من الدار الخاصة به؟ وهل يجوز أن أصور كتابا من الكتب وأجمع منه عددا كبيرا وأبيعه؟ وهل يجوز كذلك أن أصور كتابا من الكتب ولكن لا أبيعه، وإنما أحتفظ به لنفسي، وهذه الكتب التي تحمل علامة (حقوق الطبع محفوظة) هل أطلب الإذن أم لا؟ فأجابت: " لا مانع من تسجيل الأشرطة النافعة وبيعها، وتصوير الكتب وبيعها؛ لما في ذلك من الإعانة على نشر العلم إلا إذا كان أصحابها يمنعون من ذلك، فلا بد من إذنهم ". انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/187) . 2- تحميل البرامج من المواقع وإنزالها بالمنتديات: إذا كانت مواقع البرامج تسمح بتنزيلها والاستفادة منها مجانا، فلا حرج عليك في تنزيلها، ووضعها في المنتديات، أو الاحتفاظ بها لنفسك. وأما إن كانت لا تسمح بالتنزيل، أو تسمح بتنزيل نسخة تجريبية، فلا يجوز الاعتداء على حقهم، بكسر الحماية، أو البحث عما يسمى بالكراك أو الرقم السري، ونحو ذلك؛ إذ لا فرق بين وضع البرامج في مواقع، أو على أسطوانات، فما ذكره أهل العلم في احترام الحقوق، والوفاء بالشروط، ينطبق على الأمرين، ويُستثنى منه ما استثني في الأول. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 95173 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5677 استخدام أقراص منسوخة من أنظمة التشغيل في صيانة الأجهزة وتهيئتها [السُّؤَالُ] ـ[أرغب بفتح محل لصيانة الحاسب الآلي ومن المعلوم أنه توجد أقراص منسوخة من أنظمة التشغيل لتركيبها على الحاسبات بعد تهيئتها فهل يجوز استخدام هذه الأقراص لتركيبها في أجهزة الزبائن بعد التهيئة ? وهل ما أحصله من مال من الزبون لقاء ما سبق يعتبر حلالا أم حراماً؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز نسخ الأقراص التي لم يأذن أصحابها في نسخها، وذلك مراعاةً لحق الاختراع وهو حق معتبر لا يجوز الاعتداء عليه، والتزاما بالشرط الذي تعاقد عليه المتعاقدان. جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز: " لا يجوز نسخ البرامج التي يمنع أصحابها نسخها إلا بإذنهم، لقوله صلى الله عليه وسلم: (المسلمون على شروطهم) ، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يحلّ مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه) وقوله صلى الله عليه وسلم: (من سبق إلى مباح فهو أحقّ به) ، سواء كان صاحب هذه البرامج مسلما أو كافرا غير حربي لأنّ حقّ الكافر غير الحربيّ محترم كحقّ المسلم. والله أعلم ". انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في هذه المسألة ما يلي: " يُتبع فيها ما جرى به العُرف، اللهم إلا شخص يريد أن ينسخها لنفسه ولم ينصّ الذي كتبها أولاً على منع النسخ الخاص والعام فأرجو أن لا يكون به بأس، أما إذ نصّ الشخص الذي كتبها أولاً على المنع الخاصّ والعامّ فلا يجوز مطلقا " انتهى. وبناء على ذلك: فلا يجوز نسخ الأقراص الخاصة بأنظمة التشغيل وغيرها، ما لم يأذن أصحابها بذلك. لكن إذا كانت هذه الأقراص لشركة من دولة محاربة للمسلمين فلا حرج في نسخها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 72848 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5678 نسخ الأشرطة والأسطوانات بهدف التوزيع الخيري [السُّؤَالُ] ـ[نقوم بنسخ أشرطة دينية ونوزعها أو نبيعها بأسعار زهيدة لسد مبالغ التوزيع، ولكن الأشرطة محفوظة، والهدف هو نشر العلم والدعوة. وبالمثل الاسطوانات الليزرية فبعضها يجب أن تقسم أنه أصلي، والحصول على النسخ الأصلية قد يكون صعباً ومكلفاً وغرض هذا العلم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله حقوق التأليف والاختراع والإنتاج، وغيرها من الحقوق المالية والمعنوية، مكفولة لأصحابها، لا يجوز الاعتداء عليها، ولا المساس بها، من غير إذن أصحابها. ومن ذلك الأشرطة، والاسطوانات، والكتب. وينظر في ذلك ما كتبه الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد حفظه الله عن حقوق التأليف والطبع، في كتابه "فقه النوازل" (2/101- 187) . وقد سئلت اللجنة الدائمة: هل يجوز أن أسجل شريطا من الأشرطة وأبيعه، دون طلب الإذن من صاحبه بذلك، أو إن لم يكن صاحبه على قيد الحياة من الدار الخاصة به؟ وهل يجوز أن أصور كتابا من الكتب وأجمع منه عددا كبيرا وأبيعه؟ وهل يجوز كذلك أن أصور كتابا من الكتب ولكن لا أبيعه، وإنما أحتفظ به لنفسي، وهذه الكتب التي تحمل علامة (حقوق الطبع محفوظة) هل أطلب الإذن أم لا؟ فأجابت: " لا مانع من تسجيل الأشرطة النافعة وبيعها، وتصوير الكتب وبيعها؛ لما في ذلك من الإعانة على نشر العلم إلا إذا كان أصحابها يمنعون من ذلك، فلا بد من إذنهم ". انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/187) . وسئلت اللجنة أيضا: أعمل في مجال الحاسب الآلي، ومنذ أن بدأت العمل في هذا المجال أقوم بنسخ البرامج للعمل عليها، ويتم ذلك دون أن أشتري النسخ الأصلية لهذه البرامج، علما بأنه توجد على هذه البرامج عبارات تحذيرية من النسخ، مؤداها أن حقوق النسخ محفوظة، تشبه عبارة (حقوق الطبع محفوظة) الموجودة على بعض الكتب، وقد يكون صاحب البرنامج مسلما أو كافرا. وسؤالي هو: هل يجوز النسخ بهذه الطريقة أم لا؟ فأجابت: " لا يجوز نسخ البرامج التي يمنع أصحابها نسخها إلا بإذنهم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ) ولقوله صلى الله عليه وسلم: (من سبق إلى مباح فهو أحق به) سواء كان صاحب هذه البرامج مسلما أو كافرا غير حربي؛ لأن حق الكافر غير الحربي محترم كحق المسلم ". انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/188) . كما صدر قرار عن مجمع الفقه الإسلامي بخصوص الحقوق المعنوية، ومما جاء فيه: " أولاً: الاسم التجاري، والعنوان التجاري، والعلامة التجارية، والتأليف والاختراع أو الابتكار، هي حقوق خاصة لأصحابها، أصبح لها في العُرف المعاصر قيمة مالية معتبرة لتموّل الناس لها. وهذه الحقوق يعتد بها شرعاً، فلا يجوز الاعتداء عليها. . . . ثالثاً: حقوق التأليف والاختراع أو الابتكار مصونة شرعاً، ولأصحابها حق التصرف فيها، ولا يجوز الاعتداء عليها " انتهى باختصار. ومما لا شك فيه أن أصحاب الأشرطة والاسطوانات، قد بذلوا في إعدادها وقتا وجهدا ومالا، وليس في الشريعة ما يمنعهم من أخذ الربح الناتج عن هذه الأعمال، فكان المعتدي على حقهم، ظالما لهم، وآكلاً أموالهم بالباطل. ثم إنه لو أبيح الاعتداء على هذه الحقوق، لزهدت هذه الشركات في الإنتاج والاختراع والابتكار، لأنها لن تجني عائدا، بل قد لا تجد ما تدفعه لموظفيها، ولا شك أن توقف هذه الأعمال قد يمنع خيراً كثيراً عن الناس، فناسب أن يفتي أهل العلم بتحريم الاعتداء على هذه الحقوق. هذا هو الحكم باعتبار الأصل، ولكن قد تعرض بعض الحالات يجوز فيها النسخ والتصوير بدون إذن أصحابها، وذلك في حالين: 1- إذا لم تكن موجودة بالأسواق، للحاجة، وتكون للتوزيع الخيري، فلا يبيع ولا يربح منها شيئا. 2- إذا اشتدت الحاجة إليها وأصحابها يطلبون أكثر من ثمنها، وقد استخرجوا تكلفة برامجهم مع ربح مناسب معقول، يعرف ذلك كله أهل الخبرة، فعند ذلك إذا تعلقت بها مصلحة للمسلمين جاز نسخها، دفعاً للضرر بشرط عدم بيعها للاستفادة الشخصية. والله الموفق. ويمكنكم الاتصال ببعض الشركات المنتجة، وإعلامهم بالهدف الخيري الذي تهدفون إليه، ليأذنوا لكم في النسخ، أو يعطوا لكم سعرا مناسباً. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 52903 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5679 حقوق التأليف وحكم تصوير أجزاء من المراجع العلمية [السُّؤَالُ] ـ[هل تصوير أجزاء من المراجع العلمية بغرض الدراسة حرام علماً بأن الثمن الباهظ لهذه المراجع هو الدافع وراء التصوير؟ . وإذا هناك مكسب من التصوير فهل هو حرام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الذي يظهر أن حقوق التأليف معتبرة لأصحابها وورثتهم من بعدهم، وأن تصويرها ونسخها باليد بقصد الاستعمال الشخصي لا بقصد البيع: ليس فيه حرج ما لم ينص صاحبها على منع النسخ الخاص، وأما إذا صوِّر بقصد البيع والتجارة فهذا يمنع منه. قال الشيخ بكر بن عبد لله أبو زيد: إن هذه الفقرات التي تعطي التأليف الحماية من العبث، والصيانة عن الدخيل عليه، وتجعل للمؤلف حرمته والاحتفاظ بقيمته وجهده، هي مما علم من الإسلام بالضرورة، وتدل عليه بجلاء نصوص الشريعة وقواعدها وأصولها، مما تجده مسطراً في " آداب المؤلفين "، و " كتب الاصطلاح ". " فقه النوازل " (2 / 65) . وقد قرر مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في موضوع الحقوق المعنوية ما يلي: أولاً: الاسم التجاري، والعنوان التجاري، والعلامة التجارية، والتأليف والاختراع أو الابتكار، هي حقوق خاصة لأصحابها، أصبح لها في العُرف المعاصر قيمة ماليَّة معتبرة لتموّل الناس لها، وهذه الحقوق يعتد بها شرعاً، فلا يجوز الاعتداء عليها. ثانياً: يجوز التصرف في الاسم التجاري أو العنوان التجاري أو العلامة التجارية ونقل أي منها بِعِوَض مالي، إذا انتفى الغرر والتدليس والغش، باعتبار أن ذلك أصبح حقاً ماليّاً. ثالثاً: حقوق التأليف والاختراع أو الابتكار مصونة شرعاً، ولأصحابها حق التصرف فيها، ولا يجوز الاعتداء عليها. " مجلة المجمع " (ع 5، ج 3، ص 2267) . قال علماء اللجنة الدائمة للبحوث العلمية: لا مانع من تسجيل الأشرطة النافعة وبيعها، وتصوير الكتب وبيعها، لما في ذلك من الإعانة على نشر العلم إلا إذا كان أصحابها يمنعون من ذلك فلا بد من إذنهم. " فتاوى اللجنة الدائمة " (13 / 187) . وراجع سؤال رقم (454) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 26307 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5680 تنزيل المحاضرات من الإنترنت وتوزيعها للدعوة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم من يقوم بتنزيل بعض المحاضرات من الإنترنت ثم يقوم بتسجيلها وتوزيعها على الشباب لأجل نشر دعوة الله تبارك وتعالى وحتى تعم الفائدة، فهل يعد هذا العمل اعتداء على حرمات الغير.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأصل أن أصحاب المواقع إنما وضعوا هذه المواد المسجلة للاستماع إليها والانتفاع بما فيها، ومنهم من يتيح خدمة تنزيلها وحفظها، وهذا إذن منهم في نسخها. وعليه فلا حرج في تنزيل هذه المحاضرات، وتسجيلها وتوزيعها على الشباب وغيرهم، بل هذا عمل صالح نافع، لما فيه من الدعوة إلى الله تعالى، والإعانة على الخير، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا " رواه مسلم (2674) من حديث أبي هريرة. ولا يجوز التحايل على تنزيل المحاضرات من المواقع التي لا تسمح بذلك، لما فيه من الاعتداء على حق الغير في التأليف والجمع والاختراع ونحو ذلك، وهي حقوق معنوية مكفولة لأصحابها، كما جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من 1-6 جمادى الأول 1409هـ الموافق10-15 كانون الأول (ديسمبر) 1988م: (أولاً: الاسم التجاري، والعنوان التجاري، والعلامة التجارية، والتأليف والاختراع أو الابتكار، هي حقوق خاصة لأصحابها، أصبح لها في العُرف المعاصر قيمة مالية معتبرة لتموّل الناس لها. وهذه الحقوق يعتد بها شرعاً، فلا يجوز الاعتداء عليها .... ثالثاً: حقوق التأليف والاختراع أو الابتكار مصونة شرعاً، ولأصحابها حق التصرف فيها، ولا يجوز الاعتداء عليها) . انظر سؤال رقم (454) و (21927) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 38847 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5681 حقوق الملكية الفكرية [السُّؤَالُ] ـ[ما هي نظرة الفقهاء المسلمين إلى حقوق الملكية الفكرية كالاسم التجاري، والعلامة التجارية، وحقوق التأليف والاختراع؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الاسم التجاري، والعنوان التجاري، والعلامة التجارية، والتأليف والاختراع أو الابتكار هي حقوق خاصة لأصحابها أصبح لها في العرف المعاصر قيمة مالية معتبرة لتموّل الناس لها، وهذه الحقوق يعتد بها شرعاً فلا يجوز الاعتداء عليها. ثانياً: يجوز التصرف في الاسم التجاري أو العنوان التجاري أو العلامة التجارية ونقل أي منها بعوض مالي إذا انتفى الغرر والتدليس والغش باعتبار أن ذلك أصبح حقاً مالياً. ثالثاً: حقوق التأليف والاختراع أو الابتكار مصونة شرعاُ، ولأصحابها حق التصرف فيها، ولا يجوز الاعتداء عليها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] قرار مجلس الفقه الإسلامي الخامس عام 1409. الحديث: 21899 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5682 حكم نسخ برامج الحاسب الآلي [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم نسخ برامج الكمبيوتر التي لم أشترها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عن هذا السؤال أجابت اللجنة الدائمة للإفتاء برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز: بأنه لا يجوز نسخ البرامج التي يمنع أصحابها نسخها إلا بإذنهم لقوله صلى الله عليه وسلم: " المسلمون على شروطهم " ولقوله صلى الله عليه وسلم: " لا يحلّ مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه " وقوله صلى الله عليه وسلم: " من سبق إلى مباح فهو أحقّ به "، سواء كان صاحب هذه البرامج مسلما أو كافرا غير حربي لأنّ حقّ الكافر غير الحربيّ محترم كحقّ المسلم. والله أعلم. فتاوى اللجنة رقم 18453 وقد وردنا من الشيخ محمد بن صالح العثيمين في هذه المسألة ما يلي: يُتبع فيها ما جرى به العُرف، اللهم إلا شخص يريد أن ينسخها لنفسه ولم ينصّ الذي كتبها أولاً على منع النسخ الخاص والعام فأرجو أن لا يكون به بأس، أما إذ نصّ الشخص الذي كتبها أولاً على المنع الخاصّ والعامّ فلا يجوز مطلقا. [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة رقم 18453 الشيخ محمد بن صالح العثيمين الحديث: 454 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5683 حكم صرف العملة بعملة أخرى مع تحويلها إلى بلد آخر [السُّؤَالُ] ـ[نحن نعيش في بلاد الغرب، ويوجد عمل وهو كما يلي: أنا أريد أن أبعث نقوداً إلى بلدي، فأعطي النقود بعملة البلد الذي أعيش فيه إلى الذي يعمل بالتحويل، وهو يعطي دولار إلى الاهل في بلدي، وإنه يرى كم هو سعر الدولار مقابل هذه العملة التي أعطيها له، ويأخذ على كل مئة دولار عمولة تحويل خمسة دولار، ويقول لي: بعد يومين يذهب الذي بعثت له النقود لاستلامها، فهل هذا العمل نوع من الربا، أم يجوز العمل به؟ وإذا كان يجوز العمل به، فما هو المحرم في هذاالمجال من التعامل؟ أرجو أن توضحوا لنا وجزاكم الله خير]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: المعاملة المذكورة تشتمل على عقدين هما: عقد الصرف، وعقد الحوالة. وللعلماء المعاصرين قولان فيها هما: القول الأوّل: لا يجوز هذا النّوع من التعامل. وعلّلوا لذلك بأنّه يشتمل على العقدين، وقد " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ ". أخرجه الترمذيّ برقم (1231) ، وقال: (حديث حسن صحيح) ، والنسائيّ برقم (4646) ، وأحمد في المسند (2/432) . وحسّنه الألباني في الإرواء برقم (1306) . ولأنّ الصّرف يشترط فيه التقابض؛ لقول رَسُولِ اللَّهِ - صلّى الله عليه وسلّم -: " الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ ". أخرجه مسلم برقم (1587) . وهو غير حاصل في هذا التّعامل. ورد في الموسوعة الفقهية الكويتية (32 / 283) ما يأتي: (اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ عَقْدِ الصَّرْفِ التَّقَابُضُ فِي الْبَدَلَيْنِ قَبْل التَّفَرُّقِ، قَال ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُل مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْل الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْمُتَصَارِفَيْنِ إذَا افْتَرَقَا قَبْل أَنْ يَتَقَابَضَا أَنَّ الصَّرْفَ فَاسِدٌ. وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِمَا رَوَى عُبَادَةَ بْنُ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ) انتهى. وعلى هذا فالمخرج الشّرعيّ في هذا التّعامل هو أن تعقد مع المحوِّل عقد الصّرف، وتقبض منه قيمة العملة المحوّل إليها، ثمّ تعقد معه عقد الحوالة إلى بلدك. وإن تعذّر وجود العملة المحوّل إليها، فخذ منه الشّيك، أو ورقة الحوالة؛ لأنّه بمثابة القبض، كما قرّر ذلك أهل العلم. ورد في فتاوى اللجنة الدائمة (13 / 448) : السؤال الأول من الفتوى رقم (4721) س1: ما حكم المال المحول من عملة لعملة أخرى، مثلا أقبض راتبي بالريال السعودي، وأحوله للريال السوداني، علما بأن الريال السعودي يساوي ثلاثة ريالات سودانية، هل هذا ربا؟ ج1: يجوز تحويل الورق النقدي لدولة إلى ورق نقدي لدولة أخرى، ولو تفاوت العوضان في القدر؛ لاختلاف الجنس، كما في المثال المذكور في السؤال، لكن بشرط التقابض في المجلس، وقبض الشيك، أو ورقة الحوالة حكمه حكم القبض في المجلس. وينظر: فتاوى اللجنة (13/452) ، مجلّة البحوث الإسلاميّة (26/156-157) ، والقبض تعريفه وأقسامه وصوره وأحكامه للثبيتيّ (ص63-64) . والقول الثّاني أنّ هذا التّعامل جائز. وعلّلوا لذلك بأنّ المحوّل وكيل بأجرة، فهو وكيل عن صاحب المال في إيصال المبلغ إلى البلد المحوّل إليه، والمبلغ الذي يأخذه على الحوالة، هو عوض عن توكّله في نقل المبلغ، ولا حرج في ذلك. وهذا اختيار الدكتور يوسف الشبيلي في فقه المعاملات المصرفيّة (ص32) . والحاصل: أن تحويل المال في دولة، واستلامه في دولة أخرى، بعملة مختلفة عن العملة التي تسلمها الصراف الأول: جائز، إذا استلم المودِع شيكا، أو سندا بقبض المبلغ، وتم تحديد سعر الصرف الذي تحول به العملة إلى البلد الآخر. وأما على القول الآخر، فلا إشكال في المعاملة، لأنها تعتبر وكالة بأجر، وليست صرفا. وينظر الجواب على سؤال رقم (87656) ، ورقم (111927) ، ورقم (110938) . ثانيا: المبلغ الذي يأخذه المحوّل حلال له، لا حرج عليه في ذلك؛ لأنّه أجرة التّحويل على القول الأول، أو أجرة الوكالة على القول الآخر. وقد سئلت اللجنة الدائمة عن حكم هذا المبلغ، فأجابوا بما يلي: السؤال الثالث من الفتوى رقم (12416) س3: هل يجوز أخذ عمولة على صرف وتحويل العملات؟ ج3: يجوز. فتاوى اللّجنة الدّائمة (13 / 454) . والله أعلم. وينظر فتاوى اللجنة الدائمة (13/460) ، [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131825 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5684 إذا اشترى سلعة ودفع الثمن وبقي له شيء لدى البائع [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للبائع أن يؤجل إرجاع الباقي للمشتري في حالة عدم وجود صرف للعملة؟ مثال: أن يعطي المشتري ورقة مائة ريال للبائع وذلك لشراء بضاعة بقيمة عشرين ريالاً، فلا يكون لدى البائع صرف، عند ذلك يتفق مع البائع أن يقوم بتأجيل إرجاع البائع للثمانين ريالاً إلى الغد أو حتى إلى فترة قصيرة يتم فيها الافتراق بينهما، وما الحكم إذا لم يكن هناك افتراق كأن يذهب البائع ليبحث عن الصرف، أو يذهب إلى صندوق النقود بداخل المحل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما يتركه المشتري لدى البائع في حال عدم وجود صرف لديه، يعتبر أمانة، ولا حرج في ذلك، سواء اتفقا على أخذه بعد زمن يسير أو كثير. قال في "كشاف القناع" (3/269) : " ولو اشترى فضة بدينار ونصف دينار ودفع المشتري إلى البائع دينارين ليأخذ قدر حقه منه، فأخذ البائع قدر حقه من الدينارين، ولو بعد التفرق صح الصرف لحصول التقابض قبل التفرق، والذي تأخر إنما هو تمييز حقه من حق الآخر، والزائد من الدينارين أمانة في يد البائع " انتهى بتصرف. وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: أفيدكم بأني صاحب بقالة، وقد واجهتني مشكلة في البيع، وهي أني أحيانًا إذا جاءني المشتري واشترى بعض الأشياء وأعطاني مبلغًا فيبقى له باقي، فإذا لم يكن لدي صرف أي بقي له عندي مبلغ يقول: غدًا آتيك وآخذ الباقي، مثال ذلك: (إذا اشترى بمبلغ 50 ريالًا يعطيني 100، فلا أجد عندي 50 ريالًا، فيقول: أبقها عندك إلى وقت آخر) ، فهذه - يا سماحة الشيخ - أخبرني بعض الناس أنها صورة من صور الربا، وأنا لا أستطيع إقناع المشترين، فأرجو من سماحتكم تزويدي بفتوى خطية عاجلة لكي أكون على بصيرة. فأجابوا: " ليس في إبقاء المشتري بعض نقوده عند البائع شيء من الربا؛ لأن هذا من باب البيع وائتمان البائع على بقية الثمن، وليس من باب الصرف. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد. "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/180) . ومنه يعلم حكم المسألة الثانية وهي: ذهاب البائع لإحضار الباقي من داخل المحل، أو من محل مجاور، وأنه لا حرج في ذلك؛ لأن هذا ليس من باب الصرف، الذي يشترط فيه التقابض، وإنما هو تمييز للحق، ورد للمال لصاحبه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120696 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5685 حكم تظهير الشيك والعمل في الصرافة [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أسأل عن التعامل بالشيكات ومهنة الصرافة ما الحكم في ذلك؟ ملاحظة: نفرض أن معي شيكا وملزم أن آتي بنقود للموظفين الذين يعملون عندي ولا أستطيع جلب النقود إلا من وراء صرافة الشيك.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: يجوز التعامل بالشيك، ويقوم مقام قبض النقود في عملية الصرف، كأن يعطيك ألف ريال، وتعطيه شيكا بما يقابلها من الدولار، بشرط أن يكون الشيك مصدقا. ويجوز التعامل بالشيك المؤجل، كأن تشتري سلعة بثمن مؤجل، وتعطي البائع شيكا بذلك. ولا يجوز بيع الشيك المؤجل بأقل مما فيه من النقود، وصورة ذلك: أن يكون لديك شيك مؤجل، فتحتاج إلى المال، فتدفع الشيك للبنك أو لغيره، ليعطيك نقودا أقل مما في الشيك، ويأخذ الشيك ليستوفيه في وقته، فهذا محرم لأنه من بيع النقود بالنقود مع التفاضل والتأجيل، ففيه ربا الفضل والنسيئة. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل بيع الشيكات أو الكمبيالات حلال ولو كان بالخسارة، أي أقل من الثمن المكتوب؟ فأجابوا: "بيع الشيكات على الكيفية المذكورة لا يجوز؛ لما فيه من ربا النسأ وربا الفضل " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/333) . وذهب بعض العلماء إلى أن هذه المعاملة ليست من باب بيع نقود بنقود مع التفاضل والتأخير، وإنما هي من باب القرض الذي اشترط المقرض فيه أن يسترده بزيادة، وهذه العملية تسمى أيضا بخصم الأوراق التجارية. وعلى كلا القولين هذه المعاملة محرمة وصورة من صور الربا. قال الدكتور علي السالوس حفظه الله: " هذه صورة أخرى من صور الإقراض التي تقوم بها البنوك الربوية، فالأوراق التجارية صكوك تتضمن التزاما بدفع مبلغ من النقود يستحق الوفاء عادة بعد وقت قصير، وتقبل التداول بطريق التظهير أو المناولة، ويقبلها العرف التجاري أداة لتسوية الديون ... ويقصد بالخصم أو القطع: دفع البنك لقيمة الورقة قبل ميعاد استحقاقها بعد خصم مبلغ معين يمثل فائدة القيمة المذكورة عن المدة بين تاريخ الخصم وميعاد الاستحقاق، مضافا إليها عمولة البنك ومصاريف التحصيل " إلى أن قال: " أما الفائدة التي يأخذها البنك فهي نظير الإقراض، ولذلك تختلف تبعا لقيمة الورقة التجارية وموعد الاستحقاق، فإن افترضنا أن الورقة التجارية قيمتها ألف جنيه، وموعد السداد بعد شهر، واحتاج صاحبها إلى قيمتها في الحال، فإن البنك يعطيه مثلا تسعمائة وخمسين محتسبا فائدة قدرها خمسون جنيها، فكأنه أقرضه تسعمائة وخمسين، ويسترد البنك دَيْنه بعد شهر بزيادة خمسين، وهي بلا شك زيادة ربوية محرمة " انتهى من "الاقتصاد الإسلامي" (1/199) . ثانيا: يجوز العمل في مهنة الصرافة، إذا ضبطت بالضوابط الشرعية، ومنها اشتراط القبض عند تبديل العملات المختلفة، كالجنيه بالدولار؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ .... مِثْلا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) رواه مسلم (1587) . وهذه العملات تقوم مقام الذهب والفضة، ولها ما لها من الأحكام. وينظر جواب السؤال رقم (72214) و (110938) و (115001) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114733 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5686 دفع تأمين لتجميد سعر الصرف [السُّؤَالُ] ـ[عندي شركة استيراد وتصدير، وأحتاج أن أحول أموالاً إلى المُصَدِّر بعملة أجنبية، ولكن تواجهني مشكلة اختلاف قيمة العملة واضطرابها مما يعرضني للخسارة، وهناك إمكانية لتجميد سعر الصرف عندما نريد تحويل عملة أجنبية ما إلى العملة الوطنية. حيث تكون حساباتنا بالعملة الوطنية وبسبب خوفنا من نزول صرف سعر تلك العملة مقابل العملة الوطنية نقوم بدفع مقابل تجميد سعر الصرف في مستوى نريده لكي لا نتعرض للخسارة غير المحسوبة. فهل هذه العملية جائزة مع العلم أنه إذا لم نقم بها فإننا قد نتعرض لخسارة كبيرة وخاصة أننا نتعامل بعملات سريعة التغير كالدولار واليورو وغيرها ... ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله حقيقة هذا التجميد هي بيع عملة بعملة أخرى مع عدم التقابض في مجلس البيع، والمشتري بالخيار: له أن يمضي الصفقة بالسعر المتفق عليه، وله أن يترك ذلك، لكن بشرط أن يدفع للبنك ما تم الاتفاق عليه مقابل تجميد سعر الصرف، وهذا العقد حرام، لأنه بيع عملة بأخرى من غير تقابض في المجلس. وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: هل يجوز شراء العملات الأجنبية، بما يسمى: (عقد حق الخيار) حيث تتم عملية الشراء على النحو التالي: يقوم المشتري بالاتفاق مع مصرف ما، على حق الخيار الذي منحه المصرف للمشتري (المستفيد) يدفع المستفيد رسما أو علاوة للبائع (المصرف) يسدد وقت الدخول في عقد حق الخيار لشراء العملة، وخلال المدة المتفق عليها يمكن للمشتري أن يدفع السعر المتفق عليه، ويشتري العملة، بغض النظر عن السعر السائد في السوق وقت الشراء الفعلي، كما أن المشتري ليس ملزما بأن يشتري العملة، ويقتصر التزامه في حالة عدم رغبته في إتمام عملية الشراء على دفع العلاوة التي سددها في بداية العقد مقابل إتاحة حق الخيار له؟ مثال: عقد حق الخيار في شراء 100.000 مارك بسعر 2.20 ريال للمارك، مدة حق الخيار 3 أشهر، رسم حق الخيار دفع للمصرف 5 هللات للمارك الواحد. فأجابت: "لا يجوز بيع وشراء العملات بعضها ببعض إلا إذا تم التقابض في مجلس العقد، وإذا كانت من جنس [واحد] فلا بد من التماثل مع التقابض، فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائبا بناجز) فدل قوله عليه الصلاة والسلام: (ولا تبيعوا منها غائبا بناجز) على اشتراط التقابض في مجلس العقد، وعدم صحة بيع الخيار" انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (13 / 456) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112021 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5687 حكم ما يفعله تجار الذهب من أخذ الذهب من تجار الجملة وتسديد القيمة على دفعات [السُّؤَالُ] ـ[أنا أحد العاملين في التجارة بيعا وشراء في الذهب المصاغ، والذي نقوم بشرائه من التجار المستوردين بالجملة، نسدد القيمة لهم على دفعات، فهل هذه الطريقة التي أتعامل بها ويتعامل بها جميع العاملين في هذه المهنة حلال أو حرام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الواقع كما ذكر من البيع والشراء في الذهب المصوغ؛ فالتعامل فيه على هذه الطريقة حرام، إذا كان الثمن الذي يسدد به ما اشترى من الذهب المصاغ على دفعات من النقدين الذهب أو الفضة أو ما يقوم مقامهما من الأوراق النقدية؛ لما في ذلك من ربا النسأ، وقد يجتمع في هذا التعامل ربا الفضل وربا النسأ إذا اتحد ما اشترى وما دفع ثمنا له، بأن كان كل منهما ذهبا مثلا، وكان متفاوتا في الوزن، وكان التسديد على دفعات. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/467) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112037 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5688 عنده شركة استيراد وتصدير ومضطر للتعامل مع البنوك الربوية [السُّؤَالُ] ـ[عندي شركة استيراد وتصدير ونحن بالمغرب لا يوجد لدينا بنوك أو شركات إسلامية. وجميع التعاملات التجارة الدولية تتم عبر البنوك مما يضطرنا لفتح حساب بالبنك باسم الشركة أو اسم المسؤول. هل في هذا حرج أو لا؟ وإذا كان هذا غير جائز فما العمل؟ وكيف نقوم بتسيير شؤوننا؟ كذلك أنا لدي حساب في بنك تقليدي بالمغرب. هل يجوز وضع المال هناك دون أخذ الفوائد أو أخذها والتصدق بها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز فتح حسابات في البنوك الربوية، وإن لم يأخذ صاحب الحساب فوائد ربوية، لما في ذلك من الإعانة لهذه البنوك على الإثم والمنكر، والله تعالى يقول: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2. لكن إذا احتاج المسلم لوضع أمواله عندهم، كأن لم يجد مأمنا في غيرها، أو كان رجل أعمال ولا يمكنه إتمام أعماله إلا عن طريق الشيكات، أو عن طريق التحويل البنكي، ونحو ذلك، فلا حرج في فتح حساب في البنك، على أن يكون الحساب بغير فوائد، وبهذا أفتى العلماء المعاصرون، فقد جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة (13/346) : " لا يجوز إيداع النقود ونحوها في البنوك الربوية ونحوها من المصارف والمؤسسات الربوية، سواء كان إيداعها بفوائد أو بدون فوائد؛ لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان، وقد قال تعالى) : ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) ، إلا إذا خيف عليها من الضياع، بسرقة أو غصب أو نحوهما، ولم يجد طريقا لحفظها إلا إيداعها في بنوك ربوية مثلا، فيرخص له في إيداعها في البنوك ونحوها من المصارف الربوية بدون فوائد , محافظةً عليها؛ لما في ذلك من ارتكاب أخف المحظورين" انتهى. وجاء في قرارات "مجمع الفقه الإسلامي": "يحرم على كل مسلم يتيسر له التعامل مع مصرف إسلامي أن يتعامل مع المصارف الربوية في الداخل أو الخارج؛ إذ لا عذر له في التعامل معها مع وجود البديل الإسلامي، ويجب عليه أن يستعيض عن الخبيث بالطيب، ويستغني بالحلال عن الحرام" انتهى. فإذا لم تتمكنوا من التعاملات مع الخارج إلا عن طريق البنوك الربوية ولم تجدوا بديلاً عنها فإنه لا حرج عليكم في التعامل معها في الحسابات الجارية، وإذا أعطوكم فوائد مع كونكم لم تتعاقدوا عليها فعليكم أن تنفقوها في مصالح المسلمين العامة كالمساجد والطرق ونحو ذلك مما يشترك فيه المسلمون، أو تعطوها للفقراء من المسلمين. فهذا هو مصرف المال الحرام، جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/354) : " الفوائد الربوية من الأموال المحرمة، قال تعالى: (وأحل الله البيع وحرم الربا) ، وعلى من وقع تحت يده شيء منها التخلص منها بإنفاقها فيما ينفع المسلمين، ومن ذلك: إنشاء الطرق وبناء المدارس , وإعطاؤها الفقراء" انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112136 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5689 إقراض البنك المال للطلاب وحديثي التخرج بفائدة [السُّؤَالُ] ـ[ظاهرة جديدة طرحتها البنوك وهى إعطاء مبلغ مالي للطلاب وحديثي التخرج بضمان الجامعة أو العمل بحيث ينقسم المبلغ إلى 60% نقدي و40% مشتريات والفائدة على السحب النقدي تبدأ من أول يوم سحب والفائدة على المشتريات تبدأ من بعد 45 يوم من تاريخ السحب فأريد أن أعرف هل هذا ربا؟ وإن كان ربا وقد تم التعامل فما الكفارة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: ما ذكرته صورة من صور القرض الربوي الذي تمارسه البنوك الربوية، إصرارا على الباطل، ومجاهرة بالإثم، ونشرا للفساد في الأرض، فإن الله تعالى توعد أهل الربا بالحرب، وجعل عاقبته المحق، ولهذا كثرت الجرائم، والحوادث، والأمراض، والابتلاءات، وظن بعض الغافلين أن البنوك تحسن إلى الشباب والعاطلين، وما شعروا أن الربا من أسباب بلائهم وفقرهم وتدهور مجتمعاتهم. وقد أجمع أهل العلم قديما وحديثا – إلا من شذ – أن كل قرض جر نفعا فهو ربا، فالقروض ذات الفوائد ربا محرم من غير شك. قال ابن قدامة رحمه الله: " وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المُسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية، فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا. وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة" انتهى من "المغني" (6/436) . ولا فرق بين أن يكون القرض مالا، أو عينا، أو شيئا اشتري بالمال، فإن اشتراط الفائدة في ذلك كله محرم. وجاء في قرار مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر سنة 1385 هـ الموافق 1965م، والذي ضم ممثلين ومندوبين عن خمسة وثلاثين دولة إسلامية: " الفائدة على أنواع القروض كلها ربا محرم، لا فرق في ذلك بين ما يسمى بالقرض الاستهلاكي، وما يسمى بالقرض الإنتاجي؛ لأن نصوص الكتاب والسنة في مجموعها قاطعة في تحريم النوعين ... الحسابات ذات الأجل، وفتح الاعتماد بفائدة، وسائر أنواع الإقراض بفائدة كلها من المعاملات الربوية وهي محرمة " انتهى. وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي سنة 1985م: " أن كل زيادة أو فائدة على الدين الذي حل أجله وعجز المدين عن الوفاء به مقابل تأجيله، وكذلك الزيادة أو الفائدة على القرض منذ بداية العقد، هاتان الصورتان ربا محرم شرعاً " انتهى. ثانيا: من ابتلي بهذا القرض فالواجب عليه أن يتوب إلى الله تعالى توبا نصوحا، بالندم على ما قدم، والعزم على عدم العود إليه أبدا. وإن استطاع أن يعجل سداد القرض كان خيرا، حتى يتخلص من الربا وآثاره، نسأل الله العافية. ولا يلزم المقترض أن يرد غير ما أخذ. ولكنه ـ للأسف ـ لا يستطيع فعل ذلك، فهو مضطر إلى دفع الفائدة الربوية، فإن تاب من الربا، فليدفعها مضطراً، وليعزم على عدم العودة إلى ذلك مرة أخرى، والله تعالى يتوب على من تاب. نسأل الله تعالى أن يحفظنا وإياك من الربا وخطره وشره. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 110112 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5690 تب إلى الله ولا يلزمك التعجيل بسداد القرض الربوي [السُّؤَالُ] ـ[تزوجت وعشت في شقة صغيرة لمدة 4 سنوات وعندما رزقت بالولد أردنا أن نستبدل شقتنا بشقة أكبر فبعت هذه الشقة ووضعت ثمنها كمقدمة50% للشقة الجديدة في مدينة جديدة وأردت أن أقسط بقية الثمن مع المدينة ولكني فوجئت أن نظام المدينة في التقسيط مجحف ولن يراعوا أني دفعت نصف ثمن الشقة وسيأخذون الفوائد على المبلغ كله فاضطررت إلى أن آخذ قرضاً من البنك بفوائد ربوية ومن يومها وأنا محتار هل ما فعلته يمكن أن يكون في بند المضطر أم لا؟ وهل إذا كان حراما فهل أبيع سيارتي القديمة لأسدد جزءا من هذا القرض على سبيل التكفير الجزئي لما اقترفته وأحاول أن اشترى سيارة بالقسط بعد مدة طالما أن القسط حلال كما قرأت، أستحلفكم بالله أعينوني فأنا أعيش في بلد دار إفتاؤه تحلل أغلب المسائل الفقهية بسهولة ويسر وعندما ذهبت إليهم أحلوا لي القرض، وأنا أعلم أنه حرام.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الاقتراض من البنوك أو غيرها بنظام الفائدة هو صورة من ربا الجاهلية الذي هدمه الإسلام، وحرمه تحريما شديدا، ورتب عليه من الوعيد ما لم يرتبه على غيره من الذنوب. وشراء المنزل لا يعد ضرورة تبيح الربا؛ إذ الضرورة ما يترتب على فقدها الهلاك أو ما يقاربه، والحاجة إلى السكن يمكن دفعها بالاستئجار، أو البقاء في السكن الصغير، إلى أن يوسع الله. وقد كان خيراً لك أن تتحمل الظلم بزيادة ثمن الشقة، بدلاً من أن تلجأ إلى التعامل بالربا. ولهذا فالواجب عليك هو التوبة إلى الله تعالى من هذا الذنب العظيم، والعزم على عدم العود إليه أبدا. وراجع السؤال رقم (39829) واعلم أنك كلما تعجلت في سداد هذا القرض فهو أفضل، حتى تتخلص من آثار الربا وشؤم عاقبته، لكن لا يلزمك ذلك، وعليه فلا يلزمك بيع سيارتك لتسدد جزءاً من الدين. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 85562 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5691 حكم الصرافة والمتاجرة بالعملة [السُّؤَالُ] ـ[ما الحكم في الصرافة للأوراق النقدية؟ هل الربح الناتج عن بيع عملة نقدية بعملة نقدية أخرى حسب سعر السوق جائز؟ أيضا ما الحكم إذا قمت على سبيل المثال بتحويل ألف ريال إلى اليورو، ثم مباشرة قمت بتحويلها إلى الدولار، ثم مباشرة قمت بتحويلها إلى ريال، وأصبح معي ألف وعشرة ريالات اعتمادا على السعر العالمي لصرف العملات؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الاتجار في العملات على الصفة التي ذكرتها جائز؛ بشرط أن يحصل التقابض في مجلس العقد، فيجوز بيع الريال باليورو بشرط أن يتم الاستلام والتسليم في مجلس العقد، ويصح أيضاً تحويل اليورو إلى الدولار بعد ذلك بالشرط السابق، وبالتالي فالربح الذي ينتج من هذا البيع هو ربح جائز، ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) رواه مسلم (1587) . وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/458) : " يشترط لصرف العملات بعضها ببعض التقابض في مجلس العقد، ولا يجوز استلام بعضها وتأجيل البعض الآخر، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فإذا اختلفت الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد) " انتهى. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 72214 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5692 دفع ثمن أرض ولم تتم المعاملة فهل يستوفي ما دفعه أم قيمتها حاليّاً؟ [السُّؤَالُ] ـ[اشترى خالي قطعة أرض من شخص اسمه حسين، حدث هذا منذ تسع سنوات، ثم تبين فيما بعد أن حسين قد باع قطعة أرض ملك لأبناء أخيه، لا نعرف إن كان حقا فعل ذلك عن طريق الخطأ أم متعمداً، المهم: أن خالي يريد أن يسترد ماله لأن حسين لم يعد بوسعه التعويض العيني، حسين يقول له إنه مستعد أن يرد له ماله، لكن المبلغ نفسه الذي دفعه رغم القيمة العينية تتعدى بكثير المبلغ بسبب التضخم المالي فما كان قيمته ثلاثة آلاف يساوي الآن تقريبا عشرة آلاف دينار، والأرض في حد ذاتها تضاعفت قيمتها. فما حكم الإسلام في هذا الأمر هل يرد له المبلغ نفسه، أم يرد له قيمة الأرض؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز لأحدٍ من الناس أن يبيع ما لا يملك، فإن فعل فبيعه باطل، وما حصل من بائع الأرض من بيعه ما يملكه أبناء أخيه هو من هذا الباب، والواجب عليه التوبة والاستغفار. ولخالك – المشتري – في ذمة هذا البائع المبلغ الذي دفعه، بغض النظر عن تغير العملة واختلاف قوتها الشرائية، وبغض النظر عن ارتفاع قيمة الأرض؛ لأن المبلغ الذي دفعه خالك صارَ ديْناً في ذمة ذلك البائع، والواجب رد المبلغ نفسه. وفي القرار رقم: 42 (4 / 5) بشأن تغير قيمة العملة، قال "مجلس مجمع الفقه الإسلامي": "العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ما: هي بالمثل وليس بالقيمة؛ لأن الديون تُقضى بأمثالها، فلا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة، أيا كان مصدرها، بمستوى الأسعار" انتهى. مجلة " المجمع " (عدد 5، ج3 ص 1609) . وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: "يجب على المقترض أن يدفع الجنيهات التي اقترضها وقت طلب صاحبها، ولا أثر لاختلاف القيمة الشرائية، زادت أو نقصت" انتهى. " فتاوى اللجنة الدائمة " (14 / 146) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 70477 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5693 ماتت عن زوج وأم وأربع بنات وخمسة أبناء [السُّؤَالُ] ـ[توفيت والدتي وتركت مبلغ (31726) ولها من الورثة أم وزوج وأربع بنات وخمس أولاد. ما نصيب كل منهم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا ماتت المرأة وتركت: أمًّا، وزوجاً، وأربع بنات، وخمسة أولاد، فإن التركة تقسم كما يلي: الأم لها السدس؛ لقوله تعالى: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ) . ويكون نصيبها: (5287.6) . والزوج له الربع؛ لقوله تعالى: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ، فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ) . ويكون نصيبه: (7931.5) . والباقي يقسم بين الأبناء والبنات للذكر مثل نصيب الأنثيين؛ لقوله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) . ويكون نصيب الابن الواحد: (2643.8) . ونصيب البنت الواحدة: (1321.9) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 141292 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5694 هل يلزم الزوجة والابن دفع إيجار المنزل للورثة بعد وفاة الأب [السُّؤَالُ] ـ[تسكن والدتي في عمارة والدي وقد توفي والدي وله زوجة أخرى تسكن في مكان آخر فهل يلزم والدتي دفع قيمة إيجار لبقية الورثة؟ وهل يلزم أخي والذي يسكن في نفس لعمارة دفع إيجار للورثة وهو لم يكن يدفع في السابق؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله التركة هي جميع ما تركه الميت من مال – بعد تجهيزه وقضاء دينه وإنفاذ وصيته – فيدخل فيها المنزل الذي كان يعيش فيه مع زوجاته وأولاده، وغيره من المنازل أو الأراضي أو النقود التي مات وهي في ملكه. ويقسم كما أمر الله تعالى؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِه ِ) رواه البخاري (2398) ومسلم (1619) . والمال يشمل جميع ما ذكرنا. وأما انتفاع الزوجة بالشقة التي تسكنها في عمارة الوالد فقد كان انتفاعا مؤقتا بحياة الوالد، لأنها من جملة نفقتها الواجبة عليه. وهكذا الحال في شقة الابن التي يسكنها، إنما كان سكنه له انتفاعا مؤقتا بحياة أبيه؛ فلما مات صاحب المال: وجب توزيع جميعه بحسب القسمة الشرعية، إما بأن يقسم عين المال (العمارة وغيرها من التركة) ، كل حسب نصيبه، أو تبقى العمارة على حالها، ملكا لجميع الورثة، إن رأوا ذلك، ويدفع كل من الزوجة والابن إيجار شقتيهما، ثم يضم إلى باقي ريع العمارة، ويوزع على الورثة جميعا، بمن فيهم الزوجة التي تسكن في العمارة والولد. ولا يلزمهما أن يدفعا شيئا مقابل المدة التي سكناها قبل وفاة الوالد. وللاستزادة: راجع جواب السؤال: (113881) ، (136043) . وينظر للفرق بين النفقة والعطية جواب السؤال: (119655) . والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 140596 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5695 مات مع اثنين من أبنائه في حادث فكيف تقسم التركة؟ [السُّؤَالُ] ـ[توفي اثنان من إخواني أعمارهم 23 و 17 غير متزوجين في حادث سيارة ثم توفي والدي بعدهم بأربع ساعات، وقد تسلمت دياتهم الثلاثة، سؤالي: من يرث إخواني؟ لأنه في صك حصر الورثة يرثهم والدي المتوفى رحمه الله ووالدتي. وكيف يكون توزيع الديات الثلاث؟ حيث إن ورثة والدي: أمه وزوجته وابنان وخمسة بنات. وورثة إخواني: والدي ووالدتي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: أما ميراث أخويك فيوزع على أبيك وأمك فقط. ويكون للأم السدس، وللأب الباقي. لقول الله تعالى: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ، فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ) . قال ابن كثير عن الإخوة: " فإنهم لا يرثون مع الأب شيئًا، ولكنهم مع ذلك يحجبون الأم عن الثلث إلى السدس، فيفرض لها مع وجودهم السدس، فإن لم يكن وارث سواها وسوى الأب، أخذ الأب الباقي ". انتهى من " تفسير القرآن العظيم (2/228) . ثانياً: ثم بعد ذلك يتم توزيع تركة الأب وهي: [ما أخذه من دية أخويك، مع ديته هو، مع أمواله الأخرى التي تركها] يوزع ذلك كله على ورثته. على النحو التالي: الأم: لها السدس؛ لقوله تعالى: (وَلأبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ) . الزوجة: لها الثمن؛ لقوله تعالى: (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ) . والباقي يوزع على الأولاد، للذكر مثل نصيب الأنثيين؛ لقوله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 140484 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5696 كان مترددا في الوصية ببعض ماله أو جعله وقفاً [السُّؤَالُ] ـ[توفي والدي رحمة الله وخلف وراءه ذرية ومالا والحمد لله، فالراشدون منا سبعة عشرا والقاصرين منا خمسة، وكان والدي رحمة الله قد قسم ماله في حال حياته إلى ثلاثة أقسام. القسم الأول: مال قد قسمه والدي رحمه الله بين والدتي وخالتي وأبنائهما من ذكور وإناث وكل قد أخذ ما قسم له وانتهت القسمة بينهما بالتراضي. والقسم الثاني: مال جعله في سبيل الله وهو: أربع أراضي وغراف (بوكلين) وقلاب وعمارة مكونة من أربع شقق. والقسم الثالث: مال لم يقسمه ولم يسبله وهو عبارة عن أرض. وسؤالنا هو في القسم الثاني فقد كان رحمه الله يقول في هذا المال هو وقف، وأحيانا يقول في سبيل الله، وأحيانا يقول للمحتاج من أبنائي، وأحيانا يقول هو لي ولوالدي، وأحيانا يقول يرى الحاضر ما لا يرى الغائب، وقد كان في حال حياته رحمه الله يبيع منه، وكان بعضنا يستفيد من هذا المال. هذا وقد اجتمعنا نحن وإخوتي وتشاورنا في هذا المال كثيرا وقد اتفقنا نحن وإخوتي على ما يلي: * صرف مبلغ وقدرة خمسون ألف ريال لأحد القصار حيث إن هذا القاصر ليس له نصيب في القسم الأول لأنه حضر بعد التقسيم وكان والدنا رحمه الله دائما ما يقول: سأعطيه ولكنه مات ولم يعطه. * توقيف العمارة لصالح والدنا وتكون العمارة وقفا خيريا مع إخراج نصيب القصار من العمارة وصرفه لهم حتى يبلغوا الرشد وتكون مصارف هذا الوقف في سداد الدين (لأن العمارة مرهونة في البنك العقاري) ومن ثم تصرف في أوجه الخير المتعددة. فما هو توجيهكم حفظكم الله في هذا الاتفاق بارك الله في الجميع؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: ما قسمه والدك رحمه الله في حياته يجب عليه أن يعدل فيه بين أولاده، فيعطي الذكر مثل حظ الأنثيين، فإن كان قد حصل تفضيل لبعض الأولاد على بعض وحصل التراضي على ذلك، فرضا البالغين الراشدين صحيح ومعتبر، ورضا القصر غير معتبر، ويبقى حقهم في الأخذ مثل هذه الزيادة محفوظاً لهم. قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: "يلزم والدك إن أراد قسمة ماله أو بعض ماله بين أولاده أن يقسمه على الذكور والإناث، وفق المواريث الشرعية: للذكر مثل حظ الأنثيين، ولا يلتفت إلى ما سينجبه بعد إلا إن كان حملا، فيؤخر ما أراد قسمته حتى يستهل الحمل، ولا يجوز له أن يزيد أحدا منهم على ما في كتاب الله: (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) باسم صدقة أو هبة أو بيع بأقل من ثمن المثل، إلا إذا سمح الآخرون، وكانوا مرشدين، ويسري سماحهم في حقهم فقط، ولا ينوب هو عن أولاده الصغار ذكورا أو إناثا في إجازة ذلك" انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (16/197) . ثانياً: المال الذي لم يقسمه ولم يسبله ولم يوص فيه بشيء (وهو القسم الثالث) هو من مال الورثة، يوزع عليهم بما فرض الله. ثالثاً: أما القسم الثاني، فقد ذكرت أن الوالد كان متردداً فيه، وكونه يبيع منه، ويقركم على الاستفادة منه دليل على أنه لم يجزم بوقفه، لأن الوقف لا يجوز بيعه، فإذا رضي البالغون بالتبرع بنصيبهم منه على النحو الذي ذكرت فلا حرج في ذلك، لأن المال لهم، ويبقى حق الصغار محفوظاً لهم كما فعلتم. ولكنك ذكرت أنكم أعطيتم أحد القصر 50 ألف ريال من هذا القسم، لأنه لم يأخذ شيئاً من القسم الأول لكونه جاء بعده. وهذه العطية لا تنفذ إلا في حق البالغين فقط، أما سائر القصر فلا يجوز أن يحسب ذلك من مالهم. فعلى هذا، ينظر كم نصيب كل واحد من الورثة في هذا المال، ثم تكون العطية من أموال الكبار البالغين فقط. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 140375 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5697 أوصى جده لورثته الفقراء فهل يجوز له الأخذ من الوصية؟ [السُّؤَالُ] ـ[جدي له أملاك من عمائر وأسواق وغيرها وقد توفي رحمه الله ونحن ممن يرثه ولكن أوصى بثلثي ماله للحرم وأوصى بالثلث الآخر للفقراء والمحتاجين من ورثته، فهل يجوز لي أن آخذ منها؟ علما بأني موظف.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز للمسلم أن يوصي بأكثر من ثلث ماله، ولا أن يوصي بشيء من ماله لورثته، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (111918) ، (111917) . وبناء على ذلك، فوصية جدك لا يصح منها إلا ما أوصى به للحرم، وتنفذ في الثلث فقط. وأما الثلث الثاني للحرم، والثلث الذي أوصى به لورثته الفقراء، فلا يصحان ولا ينفذان إلا بإجازة الورثة. قال النووي: " وأجمع العلماء في هذه الأعصار على أن من له وارث، لا تنفذ وصيته بزيادة على الثلث إلا بإجازته [يعني: إجازة الورثة] ، وأجمعوا على نفوذها بإجازته في جميع المال ". انتهى من " شرح صحيح مسلم " (11/77) . وقال ابن قدامة: " وجملة ذلك: أن الإنسان إذا أوصى لوارثه بوصية فلم يجزها سائر الورثة لم تصح بغير خلاف بين العلماء، قال ابن المنذر وابن عبد البر: أجمع أهل العلم على هذا، وجاءت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ". انتهى من " المغني " (6/ 449) . وإذا أجاز بعض الورثة الوصية الزائدة على الثلث أو الوصية للوارث، ولم يجز البعض الآخر، ففي هذه الحال تنفذ الوصية في نصيب من أجاز منهم فقط. وفي حال إجازة الورثة أو بعضهم وصية جدك لورثته المحتاجين والفقراء فيجوز لك الأخذ منها إذا كنت فقيراً محتاجاً. والموظف إذا لم يكن دخلُه يُحقِّق له كفايته من حاجات المعيشة الضرورية فهو من الفقراء، وأما إذا كان راتبه يكفيه فلا يجوز له أن يأخذ منها. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " كل من ليس له كفاية تكفيه وتكفى عياله، فهو من الفقراء والمساكين ". انتهى من " مجموع الفتاوى" (28/570) . وقال الشيخ ابن باز: " ومن كان له دخل يكفيه للطعام وللشراب، وللكساء، وللسكن، من وقف، أو كسب، أو وظيفة، أو نحو ذلك، فإنه لا يسمى فقيرا ولا مسكينا ". انتهى من " فتاوى ابن باز" (14 / 266) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 140278 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5698 باعت لهم الدولة قطعة أرض ثم صادرتها منهم [السُّؤَالُ] ـ[أبي قبل أن يتوفى استأجر قطعة أرض زراعية من الدولة وأقام بناء عليها داراً للسكنى، وزرعها بستاناً، وبعد 7 سنوات توفي والدي وتحول عقد الإيجار إلى والدتي وبعد فترة زمنية أصدرت الحكومة قرار تمليك الأراضي الزراعية المستأجرة منها مقابل رسوم نقوم بدفعها وتملكنا الأرض وبعد مرور 8 سنوات من تمليك الأرض لنا صدر أمر ثاني بمصادرة الأراضي الزراعية وعدم تعويضنا أي مبلغ وإعلانها في المزاد العلني. دخلنا المزاد وقمنا باستئجار الأرض مرة ثانية وأصبحت الأرض لنا إيجار وكل الممتلكات من بستان ودار سكنى هي عائدة للدولة لأنه تم مصادرتها سابقاً، ولا نعرف سبب المصادرة إلى الآن. سؤالي: قمنا ببيع الأرض قبل فترة. ونحن أولاد وبنات، هل نقوم بتوزيع المال باعتبار أن الأرض عائدة لأبي سابقاً؟ أو نعطي المال إلى والدتي لأن الأرض تعتبر لها، لأنه بعد مصادرة الأرض قامت والدتي واستأجرت الأرض مرة ثانية من الدولة في المزاد الذي قام على الأرض.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: أولا ً: عقد الإيجار بعد موت المستأجر ينتقل لجميع الورثة. قال النووي: " لا تنفسخ الإجارة بموت المتعاقدين، بل إن مات المستأجر قام وارثه في استيفاء المنفعة مقامه ". "روضة الطالبين" (5/245) . وانتقال عقد الإيجار إلى والدتكم اسماً لا يغير من حقيقة الأمر شيئاً. ثانياً: بما أنكم قد اشتريتم الأرض، فهي ملك لكم، ولا يؤثر على ذلك قرار مصادرة الأرض؛ لأنه من الغصب، وأخذ المال بغير حق. ولا حرج عليكم من بيعها إذا تمكنتم من ذلك، ويلزمكم توزيع المال على جميع الورثة، فتعطى الأم الثمن، ويكون الباقي بينكم للذكر مثل حظ الأنثيين، لأنها انتقلت لكم على أنها إيجار بعد وفاة والدكم، حسب نسبة الميراث لكل واحد منكم، ثم حصل التمليك بناء على هذه النسبة. ولمزيد من الفائدة عن أحكام الغصب يراجع جواب السؤال رقم (10323) . والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 139451 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5699 هل يجوز تغيير الوصية للمصلحة؟ [السُّؤَالُ] ـ[توفي والدي رحمة الله تعالى له ولجميع موتى المسلمين، وعمل وصية له ذكر فيها أن يعمل ثلث ما ورائه من مال لدور أرضي لفلة من أملاكه ذكره في الوصية يضحى له ولأخيه ووالدته وجدته والباقي يتصرف بها الوكيل المذكور بالوصية علماً ان لديه فله +عمارة من دورين وملحق علوي في حي شعبي + استراحة صغيرة يوجد بها دور. السؤال: هل يجوز أن ننقل الدور المذكور في الوصية إلى العمارة المذكورة، بحيث يصبح الوصية للعمارة كاملة، ونقوم بتوزيع التركة على الورثة، وهي الفلة كاملة +الاستراحة وذلك لما لدى بعض إخواني من ديون نستطيع أن نقوم بسدادها، حيث إن الفلة +الاستراحة يأتي بسعر جيد.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: يشترط في صحة الوصية أن لا تكون لوارث، إلا أن يقبل باقي الورثة بذلك. لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُل ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلاَ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ) رواه أبو داود (2870) ، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود". " وَلأَِنَّ فِي إِيثَارِ بَعْضِ الْوَرَثَةِ مِنْ غَيْرِ رِضَا الآْخَرِينَ ضَرَرًا يُؤَدِّي إِلَى الشِّقَاقِ وَالنِّزَاعِ، وَقَطْعِ الرَّحِمِ وَإِثَارَةِ الْبَغْضَاءِ وَالْحَسَدِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ. وَمَعْنَى الأَْحَادِيثِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ لاَ تَنْفُذُ مَهْمَا كَانَ مِقْدَارُ الْمُوصَى بِهِ، إِلاَّ بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ فَإِنْ أَجَازَ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ: فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْظْهَرِ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ، إِلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ صَحِيحَةٌ. "الموسوعة الفقهية" (43 / 246-247) . وبناء على ذلك: فإذا كان الذي سيستفيد من هذه الوصية هو بعض الورثة دون بعض، فلا يجوز إنفاذها، إلا بإذن باقي الورثة، فإن لم يأذنوا لم تنفذ من الأصل، لا في العمارة، ولا في الفلة، ولا في غيرها. ثانيا: تغيير الوصية: تنفيذ وصية الميت واجب، وعدم تنفيذها أو تغيير حكمها، مع توفر شروط صحتها لا يجوز، ومرتكب ذلك آثم؛ لقول الله تعالى: (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) البقرة/181 لكن إن كان تغييرها لأفضل مما أوصى به الموصي، فقد اختلف أهل العلم في جوازه. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " تغيير الوصية لما هو أفضل فيه خلاف بين أهل العلم: فمنهم من قال: إنه لا يجوز؛ لعموم قوله تعالى: (فمن بدله بعد ما سمعه) البقرة/ 181، ولم يستثن إلا ما وقع في إثم فيبقى الأمر على ما هو عليه لا يغير. ومنهم من قال: بل يجوز تغييرها إلى ما هو أفضل؛ لأن الغرض من الوصية التقرب إلى الله عز وجل، ونفع الموصى له، فكل ما كان أقرب إلى الله، وأنفع للموصى له، كان أولى أيضاً، والموصي بشر قد يخفى عليه ما هو الأفضل، وقد يكون الأفضل في وقت ما غير الأفضل في وقت آخر، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز تحويل النذر إلى ما هو أفضل مع وجوب الوفاء به ... والذي أرى في هذه المسألة: أنه إذا كانت الوصية لمعين، فإنه لا يجوز تغييرها، كما لو كانت الوصية لزيد فقط، أو وقف وقفاً على زيد، فإنه لا يجوز أن تُغير، لتعلق حق الغير المعين بها. أما إذا كانت لغير معين - كما لو كانت لمساجد، أو لفقراء - فلا حرج أن يصرفها لما هو أفضل " انتهى. "تفسير القرآن للعثيمين" (4 / 256) . والخلاصة: أنه إذا كان المنتفع بالوصية أحد الورثة: لم يجز تنفيذها إلا بإذن باقي الورثة؛ فإذا لم يأذنوا: لم ينفذ منها شيء، وإن أذنوا: فمن حقهم أن ينقلوها إلى شيء آخر، كما ورد في السؤال؛ لأنه أصل الوصية لا ينفذ إلا بإذنهم، فتغيير صفة في الموصى به: أولى أن يرجع إلى إذنهم، ولهم أن يأذنوا في تنفيذ الوصية كلها، أو بعض منها. وإن لم يكن المنتفع بالوصية أحد الورثة: لم يجز تغييرها إلا بإذن الموصى إليه، لأن الحق له، ولا يجوز التعدي على حقه، من أجل حظ باقي الورثة. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 138349 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5700 توفي وله أخوات شقيقات وأخوة غير أشقاء [السُّؤَالُ] ـ[توفيت الأم وتركت قطعة من الأرض ولها ثلاث بنات وصبي واحد وتمت قسمة الأرض مثل ما ورد في القرآن الكريم للذكر مثل حظ الأنثيين ولكن بعد فترة توفي الشاب فكيف نقسم تركته مع العلم أن لهم إخوة غير أشقاء (خمسة بنات وأربعة شباب) وجزاكم الله خيرا]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: أولاً: أما الأخوات الشقيقات الثلاث، فلهن " الثلثان " من ميراث أخيهن الشقيق. لقوله تعالى: (يسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ) . والكلالة: هو الميت الذي ليس له أب، ولا ابن. قال ابن كثير: " فإن كان لمن يموت كلالة، أختان، فُرض لهما الثلثان، وكذا ما زاد على الأختين في حكمهما ". انتهى " تفسير ابن كثير " (2/484) . ثانياً: أما الأخوة غير الأشقاء، فيختلف نصيبهم في الميراث بين كونهم إخوة لأم أو لأب، وهذا ما لم يبينه السائل، ولذلك سنبين الحكم في كلا الاحتمالين. إذا كانوا إخوة لأم: فإن نصيبهم هو الثلث، يتقاسمونه فيما بينهم بالسوية للذكر مثل نصيب الأنثى. لقوله تعالى: (وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ) [النساء/12] والمراد بهذه الآية " الإخوة لأم " بإجماع العلماء، كما ذكر القرطبي في تفسيره " الجامع لأحكام القرآن " (5/78) . وأما إن كانوا إخوة لأب: فيكون لهم حكم العصبة، ويأخذون ما تبقى من المال بعد نصيب الأخوات الشقيقات، وهو " الثلث " في هذه المسألة. ويتقاسمونه بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين. ويدل على ذلك قوله تعالى: (وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) . قال ابن قدامة المقدسي: " فإن كان أخوات لأب وأم، وأخوات لأب، فللأخوات من الأب والأم الثلثان، وليس للأخوات من الأب شيء إلا أن يكون معهن ذكر فيعصبهن فيما بقي، للذكر مثل حظ الأنثيين ". انتهى " المغني " (7 /14) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 138058 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5701 مات وترك بنات أخت وأبناء ابن أخت [السُّؤَالُ] ـ[مات ليس له أبناء وله بنات أخت وأحفاد من ابن أخته من يرثه وكيف يكون التقسيم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله بنات الأخت من ذوات الأرحام، وقد اختلف في توريثهم، والصحيح أنهم يرثون إذا لم يوجد أحد من أصحاب الفروض أو العصبة. وممن ذهب إلى توريثهم: علي وابن مسعود وابن عباس في أشهر الروايات عنه , ومعاذ بن جبل وأبو الدرداء وأبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم، وهو قول الحنفية والإمام أحمد , ومتأخري المالكية والشافعية. ينظر: "الموسوعة الفقهية" (3/54) . وأما كيفية توريث ذوي الأرحام، فإنه ينزل الموجود منهم منزلة من أدلى به، ويأخذ نصيبه من التركة، ففي الحالة المذكورة في السؤال، ينزل بنات الأخت منزلة الأخت، ويأخذن نصيبها، وهو النصف، ثم يرد إليهن باقي التركة، فيأخذن التركة كلها، لأنه لا يوجد وارث غيرهن. ولا شيء لأولاد ابن الأخت؛ لأن القريب من ذوي الأرحام يسقط البعيد. قال في "كشاف القناع" (4/456) : " فإن انفرد واحد من ذوي الأرحام أخذ المال كله، لأنه ينزّل منزلة من أدلى به , فإما أن يدلي بعصبة فيأخذه تعصيبا، أو بذي فرض فيأخذه فرضا وردا ... فإن كان بعضهم أي ذوي الأرحام أقرب من بعض , فالميراث لأقربهم ويسقط البعيد منهم كما يسقط البعيد من العصبات بقربهم , كخالة وأم أبي أم أو خالة وابن خال , فالميراث للخالة ; لأنها تلقى الأم بأول درجة بخلاف أم أبيها وابن أخيها. وكذا بنت بنت بنت وبنت بنت ابن المال لبنت بنت الابن ; لأنها تلقى الوارثة بالفرض , وهي بنت الابن بأول درجة ". وعليه؛ فالتركة كلها تكون لبنات الأخت، تقسم بينهن بالسوية. ولو كان أوصى لأولاد ابن أخته بما لا يزيد عن الثلث كان حسنا؛ لما روى البخاري (5659) ومسلم (1628) أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنِّي أَتْرُكُ مَالًا، وَإِنِّي لَمْ أَتْرُكْ إِلَّا ابْنَةً وَاحِدَةً، فَأُوصِي بِثُلُثَيْ مَالِي وَأَتْرُكُ الثُّلُثَ؟ فَقَالَ: لَا. قال: فَأُوصِي بِالنِّصْفِ وَأَتْرُكُ النِّصْفَ؟ قَالَ: لَا. قال: فَأُوصِي بِالثُّلُثِ وَأَتْرُكُ لَهَا الثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 137224 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5702 هل يرث الجد في منزل ولده الذي يسكنه أحفاده [السُّؤَالُ] ـ[توفى رجل عن زوجة وأربعة أبناء ووالد، ورث الوالد " الجد " فى ولده من المال، ولكن هل له حق ميراثى في المنزل الذي يقطن به أحفاده؟ س2 وهل إذا مات الجد يرث أبناء العمة المتوفاة قبل الجد، والعم، هذا الجزء من المنزل وابناء الابن كذلك؟ وكيف توزع هذا "القيمه الماديه لهذا الجزء "على الورثه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا مات الإنسان قسمت تركته على ورثته، كما أمر الله تعالى، ويدخل في التركة جميع ما خلّفه الميت من مال أو متاع، ومنها منزله وسيارته، بل وثيابه وأدواته، وإن جرت العادة بالتسامح في بعض هذه الأشياء. والمقصود أن الجد له نصيب في منزل ولده المتوفى، إلا أن يتنازل هو عن نصيبه لأحفاده، أو يعطيه الأحفاد قيمته مالا، أو شيئا آخر من التركة. وإذا مات الجد قسمت تركته بين ورثته الأحياء، فإن ترك ابنا (العم) ، وأبناء بنت (أبناء العمة) ، وأبناء ابن، فلا شيء لأبناء البنت لأنهم من ذوي الأرحام، ولا شيء لأبناء الابن؛ لأنهم يحجبون بالابن (العم) ، ولهذا الابن بقية التركة بعد أصحاب الفروض إن وجدوا، كأن يكون للجد زوجة فتأخذ الثمن، ويكون الباقي للابن. وننبه أن القسمة المنضبطة لا تكون إلا بعد وفاة هذا الجد، والتحقق من ورثته الموجودين حينئذ. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136706 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5703 أوصى بأن يتساوى أولاده الذكور والإناث في الميراث [السُّؤَالُ] ـ[مات أبو صديقي وللمتوفى أبناء وبنات، وتدعي إحدى البنات أن أباهم قد قال حال حياته "أبنائي وبناتي متساون"، وتوافق تلك البنت في دعواها زوجة المتوفى (وهي أم الأبناء) ، مع العلم أنها لا توجد أي وصية مكتوبة من المتوفى تدعم ذلك، وعلى أساس هذا الإدعاء تطلب البنات مساوتهن مع الذكور، مع أن الشرع ينص على أن للذكر مثل حظ الأنثيين، فهل يستحق بنات المتوفى أسهما متساويا مع الذكور؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا مات الإنسان وترك مالا أو متاعا قسمت تركته بين ورثته، فإن كان له أولاد ذكور وإناث، فللذكر مثل حظ الأنثيين؛ لقوله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) النساء/11. وإذا أوصى الرجل بالتسوية بين الذكور والإناث، فهذه الوصية جائرة محرمة؛ لأن القدر الزائد على نصيب الإناث يعتبر " وصية لوارث "، والوصية لوارث لا تجوز، وإن وقعت: فلا تنفذ إلا بموافقة جميع الورثة؛ لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ) والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود. ورواه الدارقطني من حديث ابن عباس رضي الله عنهما بلفظ: (لا تجوز الوصية لوارث إلا أن يشاء الورثة) وحسنه الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام. وعليه؛ فلو فرض أن المتوفى أوصى بذلك حقا، فإن الوصية لا تنفذ إلا بموافقة الورثة، فإن أجازها البعض دون البعض نفذت في حق من أجازها، وبطلت في حق من لم يجزها. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (6/58) : " إذا وصى لوارثه بوصية , فلم يُجزها سائر الورثة , لم تصح، بغير خلاف بين العلماء. قال ابن المنذر , وابن عبد البر: أجمع أهل العلم على هذا. وجاءت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فروى أبو أمامة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ) رواه أبو داود. وابن ماجه , والترمذي ... وإن أجازها , جازت , في قول الجمهور من العلماء " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136582 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5704 لا ميراث للابن المتبنى [السُّؤَالُ] ـ[نحن 12 أخ وأخت ووالدنا متزوج من امرأتين واحدة مطلقة والثانية في ذمته وفى آخر يوم لوفاته جمع أخي الكبير وابن عمى وقال لهم إن أخاكم فلان لا يرث لأنه ليس ابني وهو ابني بالاسم فقط فهل نوزع الميراث على هذا الأخ؟ وهل إذا حرمناه من الميراث يكون هناك عذاب لوالدنا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يحرم التبني في الإسلام؛ لقوله تعالى: (وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ) الأحزاب/4، 5 ولما يترتب على نسبة الولد إلى من تبناه من مفاسد تتعلق بالمحرمية والإرث. وينظر جواب السؤال رقم (95216) ورقم (5201) . ومن ثبت أنه ابن بالتبني فلا حق له في الميراث، لعدم وجود السبب الشرعي المقتضي للإرث، وكان ينبغي لوالدك أن يوصي له بشيء تطييبا لخاطره، فإن الوصية مشروعة في حدود الثلث، وإن أعطيتموه من نصيبكم فحسن. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136207 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5705 مات وترك أبوين وزوجتين وأولادا وإخوة [السُّؤَالُ] ـ[توفى الأب وله ولد وبنت من الزوجة الأولى، وبنت من الزوجة الثانية، والزوجتان موجودتان، وله أب وأم وإخوة. فكيف يقسم الميراث بين الجميع؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا مات الرجل وترك أباً وأماً وإخوة وزوجتين، وولداً وبنتاً من الزوجة الأولى، وبنتاً من الزوجة الثانية، فإن التركة تقسم كما يلي: للأب السدس، وللأم السدس أيضا؛ لقوله تعالى: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ) النساء/11 وللزوجتين الثمن يشتركان فيه؛ لقوله تعالى: (فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ) النساء/12. ولأولاده من الزوجتين الباقي، للذكر مثل حظ الأنثيين؛ لقوله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) النساء/11. ولا شيء للإخوة؛ لأنهم محجوبون بالأب وبالولد الذكر. قال ابن قدامة رحمه الله: " ولا يرث أخٌ ولا أختٌ لأب وأم، أو لأب، مع ابن، ولا مع ابن ابن، وإن سفل، ولا مع أب ... أجمع أهل العلم على هذا بحمد الله ... " انتهى من "المغني" (7 /4) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136189 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5706 هل شقة الزوجية تدخل في التركة؟ [السُّؤَالُ] ـ[توفى شخص عن أب وأم وزوجة وأخ وابنتين، فكيف توزع تركته؟ وهل شقة الزوجية من التركة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا مات الرجل وترك أبا وأما وزوجة وأخا وبنتين، فإن تركته تقسم كما يلي: للأب السدس، وللأم السدس أيضا؛ لقوله تعالى: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ) النساء/11. وللزوجة الثمن، لقوله تعالى: (فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ) النساء/12. وللبنتين الثلثان؛ لقوله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ) النساء/11. ولا شيء للأخ لأنه محجوب بالأب. ويلاحظ هنا أن مجموع هذه الفروض (السدسان، والثمن، والثلثان) أكثر من الواحد الصحيح، وهو ما يعرف عند العلماء باسم "العَوْل" وقد سبق الكلام على العَوْل، وعلى هذه الصورة تحديداً في جواب السؤال رقم (131556) . والتركة: جميع ما تركه الميت من مال، فيدخل فيها الشقة أو المنزل الذي كان يعيش فيه مع زوجته وأولاده، ما لم يكن قد وهبه لزوجته، أو جعله مهرا لها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136043 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5707 مات عن زوجة وثلاثة أبناء وثلاث بنات [السُّؤَالُ] ـ[أب توفي والورثة: زوجته و5 إخوان أشقاء 3 ذكور و2 إناث وأخت من الأب. ولديهم بيت لم يبيعوه ويتقاسموا التركة. والآن توفيت الزوجة أم الأشقاء، أما أم الأخت من الأب فهي متوفية من قبل وفاة الأب. السؤال: إذا بيع البيت كيف توزع الحصص الآن؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله حسب ما ورد في سؤال السائل: إذا توفي الرجل وترك زوجة وثلاثة أولاد ذكور وبنتين، كلهم أشقاء، وبنتا هي أختهم لأبيهم. فإذا بيع البيت فللزوجة: الثمن؛ لقوله تعالى: (فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ) النساء/12. وما تبقى فللأولاد جميعا (الستة) : للذكر مثل حظ الأنثيين. وحيث إن الزوجة ماتت بعد وفاة الزوج، فإن نصيبها يوزع على أولادها فقط (الخمسة) : للذكر مثل حظ الأنثيين. فإن كان أحد أبويها (أو كلاهما) موجوداً بعد وفاتها، فللموجود منهما السدس لقول الله تعالى: (وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ) النساء/11، والباقي يقسم بين الأبناء والبنات: للذكر مثل حظ الأنثيين. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136023 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5708 مات وترك ثلاث بنات ووالدين وزوجة [السُّؤَالُ] ـ[إذا مات أحدهم وترك تركة 100 درهما، وكان الورثة هم: ثلاث بنات ووالداه (أمه وأبوه) وزوجة فكيف تقسم عليهم التركة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا مات الإنسان وترك ثلاث بنات ووالديه وزوجة، فإن التركة وهي 100 درهم تقسم كما يلي: للزوجة: الثمن؛ لوجود الفرع الوارث وهن البنات، قال تعالى: (فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ) النساء/12. وللأب السدس، وللأم السدس كذلك؛ لوجود الفرع الوارث وهن البنات، قال تعالى: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ) النساء/11. وللبنات: الثلثان؛ لقوله تعالى: (فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ) النساء/11. فتقسم التركة على 24 سهما، للزوجة منها الثمن وهو 3 أسهم، وللأب السدس وهو 4، وكذلك الأم، وللبنات الثلثان، وهو 16، فتعول إلى 27، ولما كان نصيب البنات وهو 16 لا ينقسم على رؤسهن قسمة صحيحة، فإن المسألة تصحح إلى 81 وذلك بضرب عدد رؤسهن في مصح المسألة. فيكون نصيب الزوجة = 100 × 9 ÷ 81 = 11.1 ونصيب الأب = 100 × 12 ÷ 81 = 14.8 ونصيب الأم = 100 × 12 ÷ 81 = 14.8 ونصيب كل بنت = 100 × 16 ÷ 81 = 19.7 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 135973 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5709 مات وترك زوجة وبنتين وابن أخ شقيق وأختين لأم وأختا لأب وعما شقيقا [السُّؤَالُ] ـ[هلك هالك وترك زوجة وبنتين وابن أخ شقيق وأختين لأم وأخوين لأم وأختا لأب وعما شقيقا وخلف تركة قدرها 110000 درهما. والمطلوب: تحديد الأنصبة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا مات رجل وترك زوجة وبنتين وابن أخ شقيق وأختين لأم وأختا لأب وعما شقيقا، فإن تركته تقسم كما يلي: للزوجة الثمن لوجود الفرع الوارث، قال تعالى: (فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ) النساء/12. وللبنتين: الثلثان؛ لقوله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ) النساء/11. وللأخت لأب: الباقي تعصيبا؛ لأن الأخوات مع البنات عصبة. قال ابن بطال رحمه الله: (أجمعوا على أن الأخوات عصبة البنات، فيرثن ما فضل عن البنات، فمن لم يخلف إلا بنتا وأختا فللبنت النصف وللأخت النصف الباقي على ما في حديث معاذ، وإن خلف بنتين وأختا فلهما الثلثان وللأخت ما بقى، وإن خلف بنتا وأختا وبنت ابن فللبنت النصف ولبنت الابن تكملة الثلثين وللأخت ما بقي على ما في حديث ابن مسعود، لأن البنات لا يرثن أكثر من الثلثين ولم يخالف في شيء من ذلك إلا ابن عباس فإنه كان يقول: للبنت النصف، وما بقى للعصبة، وليس للأخت شيء.." انتهى من "فتح الباري" (12/24) . ولا شيء للأختين لأم لوجود البنتين. ولا شيء لابن الأخ الشقيق ولا للعم، لأنهما محجوبان بالأخت لأب. وعند تقسيم التركة، تقسم التركة إلى 24 جزءاً متساوياً، للزوجة منها الثمن وهو 3، وللبنتين الثلثان وهو 16 لكل منهما 8، وللأخت لأب الباقي وهو 5. فنصيب الزوجة من التركة =110000× 3 ÷ 24= 13750. ونصيب كل بنت = 110000× 8 ÷ 24 = 36666.6. ونصيب الأخت لأب = 110000× 5 ÷ 24 = 22916.6. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 135962 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5710 ميراث العم والعمة [السُّؤَالُ] ـ[ما نصيب العم والعمة في الإرث?]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله العم عصبة من العصبات، فإذا فضل شيء بعد أصحاب الفروض، ولم يكن محجوبا، أخذ بقية التركة. وإذا انفرد، أي لم يوجد وارث أولى منه أخذ جميع التركة. ويُحجب العم بوجود الابن أي ابن المتوفى، وابن الابن، وبالأب وبالجد (أبي الأب) ، والأخ الشقيق، وابن الأخ الشقيق، والأخ لأب، وابن الأخ لأب. فلو مات شخص وترك عما فقط، أخذ العم جميع التركة. وإن مات وترك زوجة وبنتا وعما: فللزوجة الثمن، وللبنت النصف، والباقي للعم. وإن مات وترك زوجة وابنا وعما، فللزوجة الثمن، والباقي للابن، ولا شيء للعم، لأنه محجوب بالابن. وأما العمة فإنها من ذوات الأرحام، وفي توريثهم خلاف، والراجح أنهم يرثون إذا لم يوجد صاحب فرض ولا عصبة. فلو مات شخص عن عمة فقط، أخذت العمة جميع التركة. وإن مات عن زوجة وبنت وعمة، فللزوجة الثمن، وللبنت النصف، ولا شيء للعمة لوجود أصحاب الفرض، وما بقي من التركة يردّ على البنت فقط. وينظر جواب السؤال رقم (85495) ورقم (130583) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 135906 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5711 هل تقسم ديته على أمه وإخوته الأشقاء وأخيه لأمه وأخته المتوفاة بعده؟ [السُّؤَالُ] ـ[مات أخي وسلمت الدولة الدية إلى أمنا لأن الأب متوفى ونحن إخوة وأخوات أشقاء ولنا أخت توفيت بعد الحادثة، وتركت ابناً وبنتين، ولنا أيضاً أخ لأم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله دية المقتول تدخل في تركته، وتقسم على جميع ورثته من كان منهم حيا بعد موته. والأصل في ذلك: ما روى أبو داود (4564) عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قَضَى إِنَّ الْعَقْلَ [الدية] مِيرَاثٌ بَيْنَ وَرَثَةِ الْقَتِيلِ عَلَى قَرَابَتِهِمْ، فَمَا فَضَلَ فَلِلْعَصَبَةِ) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود. قال ابن قدامه رحمه الله: "ودية المقتول موزعة عنه، كسائر أمواله" انتهى من "المغني" (9/184) . وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: شخص قُتِلَ قَتَلَ خطأٍ واستحقت على قاتله دية الخطأ، فهل هذه الدية تعتبر جزءا من التركة بحيث يجوز ضمها إلى التركة، وقضاء دين المقتول منها، ودخول وصيته فيها، أم أنها حق للورثة لا علاقة لها بالتركة؟ فأجاب: "هذه الدية تعتبر جزءا من التركة يقضى منها دينه الذي لله والذي لعباده، وتنفذ منها وصاياه، الثلث فأقل، وهكذا دية العمد، والباقي للورثة، ولا أعلم في هذا خلافا بين أهل العلم، والله ولي التوفيق " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (20/ 219) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل لأولياء المقتول أن يعفوا والمقتول عليه دين؟ فأجاب: "ليس لهم أن يعفوا، وذلك لأن حق أولياء المقتول لا يَرِد إلا بعد الدين؛ لقول الله تعالى في آية المواريث: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ) النساء/12، فليس لهم حق في إسقاط الدية؛ لأن الدية تَرْكٌ في التركة، ولهذا تضاف إليها، فإذا قدرنا أنه قتل وعنده خمسون ألفاً والدية مائة ألف صار ماله مائة وخمسين ألفاً " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (122/ 23) . وعليه؛ فهذه الدية تقسم على ورثة الميت ومنهم أخته التي كانت حية بعده ثم توفيت، فيعطى نصيبها لورثتها. وتركة أخيك (الدية وغيرها) تقسم كما يلي: للأم السدس؛ لقوله تعالى: (فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) النساء/11. وللأخ لأم: السدس؛ لقوله تعالى: (وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) النساء/12. قال ابن قدامة رحمه الله: " والمراد بهذه الآية الأخ والأخت من الأم , بإجماع أهل العلم. وفي قراءة سعد بن أبي وقاص: " وله أخ أو أخت من أم " , والكلالة في قول الجمهور: من ليس له ولد , ولا والد , فشرط في توريثهم عدم الولد والوالد , والولد يشمل الذكر والأنثى , والوالد يشمل الأب والجد " انتهى من "المغني" (6/ 163) . والباقي للإخوة والأخوات تعصيبا؛ للذكر مثل حظ الأنثيين. وتدخل فيهم الأخت المتوفاة كما سبق، ويعطى نصيبها لورثتها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 135701 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5712 يريد أن يسجل الأرض لأبنائه الذكور دون الإناث، على أن يقوموا بسداد الدين الذي عليه [السُّؤَالُ] ـ[شيخ كبير له أبناء ذكور وإناث وله قطعة أرض ومباني وعليه دين اتفق مع أبنائه الذكور على أن يقوموا بسداد الدين عنه ويسجل لهم الأرض والمباني لهم، فهل يجوز وما هو الحل الشرعي إذا أرادوا عدم خروج الأرض للغير؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز تخصيص الأولاد الذكور دون الإناث بتسجيل الأرض لهم؛ لما فيه من مخالفة حكم الله وشرعه، ولما يتضمنه من الظلم والحيف، والاقتداء بفعل أهل الجاهلية. قال الله تعالى: (لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً) سورة النساء/7. قال سعيد بن جبير وقتادة: كان المشركون يجعلون المال للرجال الكبار، ولا يورثون النساء ولا الأطفال شيئا، فأنزل الله: (لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً) . قال ابن كثير: " أي: الجميع فيه سواء في حكم الله تعالى، يستوون في أصل الوراثة وإن تفاوتوا بحسب ما فرض الله تعالى لكل منهم، بما يدلي به إلى الميت من قرابة، أو زوجية، أو ولاء " انتهى. "تفسير ابن كثير" (2 / 219) . وعن النُّعْمَان بْن بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ) متفق عليه. قال الشيخ الفوزان حفظه الله: "حرمان الزوجات من ميراث أزواجهن، وكذلك حرمان البنات من ميراث آبائهن من فعل الجاهلية؛ لأن أهل الجاهلية هم الذين يحرمون الإناث من الميراث؛ لأنهم يقولون: إنما يستحق الإرث من يحمي الذمار ويحمل السلاح، فهم يحرمون النساء والصغار من الميراث ". "المنتقى من فتاوى الفوزان" (71 / 5) . والحل الصحيح في هذا، أن يبيع الأب جزءا من أرضه لمن أراد أن يشتريها من أولاده (الذكور والإناث) ، بما يقضي به الدين الذي عليه، بشرط أن يكون البيع بالسعر الحقيقي للأرض، دون محاباة أو تحايل. وبذلك تبقى الأرض، ويقضى الدين، وينتفي الظلم. فإن لم يمكن لأحد من الأولاد أن يشتريها، فلا يبقى إلا بيعها لغيرهم حتى يقضي الوالد ما عليه من الدين. والواجب على المسلم أن يحسن الاستعداد للقاء الله، وألا يختم حياته بمعصية، فيفضل الذكور على الإناث، ويمنع الإناث من حقهن الشرعي، فيلقى الله تعالى عاصياً. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 135663 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5713 توفي عن زوجة وأولاد وإخوة وأخوات [السُّؤَالُ] ـ[كيف سيتم توزيع املاك مسلم لديه زوجة وابنتين (أقل من 16 عام) وابن (8 سنوات) وأختين غير متزوجتين (فوق الثلاثين) و3 اخوة متزوجين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا توفي الرجل عن زوجة وابن وابنتين وإخوة وأخوات. فالتركة تقسم كالتالي: للزوجة الثمن، لوجود الأولاد، لقول الله تعالى: (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ) النساء/12. وللأولاد: (الابن والبنتين) الباقي، للذكر مثل حظ الأنثيين، لقول الله تعالى: (يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) النساء/11. وأما الإخوة والأخوات فليس لهم شيء، لأنهم محجوبون بالابن بإجماع العلماء. وعند تقسيم التركة: تقسم التركة إلى اثنين وثلاثين جزءاً. للزوجة منها: 4. وللابن: 14. ولكل واحدة من البنتين: 7. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 135520 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5714 قد ترث المرأة مثل الرجل وأكثر منه [السُّؤَالُ] ـ[الأنثى في الإسلام ترث نصف الذكر، ولكن إذا توفي رجل وترك أما وأبا نجدهما يرثان بالتساوي. كيف تفسر ذلك.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله للمرأة حالات مختلفة في الإرث: 1- فتارة تأخذ نصف نصيب الرجل، كالبنت مع أخيها الذكر، وكالأم مع الأب مع عدم وجود الأولاد أو الزوج أو الزوجة، وهو المثال الذي ذكرت، فترث المرأة هنا نصف الرجل، لأن الأم لها الثلث حينئذ، وللأب الباقي وهو الثلثان، وليس الأمر كما ظننت من تساويهما في هذه المسألة. 2- وتارة تأخذ مثله، كالأم مع الأب في حال وجود الابن، فللأم السدس، وللأب السدس، والباقي للابن. وكالأخ والأخت لأم، فإنهما يرثان بالتساوي؛ لقوله تعالى: (وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ) النساء/12 3- وتارة تأخذ أكثر منه، كالزوج مع ابنتيه، فله الربع، ولهما الثلثان، أي لكل واحدة منهما الثلث. وكالزوج مع ابنته الوحيدة، فله الربع، ولها النصف، ويرد الربع الباقي لها أيضا. 4- وتارة ترث ولا يرث، كما لو ماتت امرأة وتركت: زوجاً وأباً وأماً وبنتاً وبنت ابن، فإن بنت الإبن ترث السدس، فى حين لو أن المرأة تركت ابن ابن بدلاً من بنت الابن لكان نصيبه صفراً؛ لأنه كان سيأخذ الباقي تعصيباً، ولا باقي. وما سبق من الحالات له أمثلة كثيرة تجدها في كتب المواريث. ولله الحكمة التامة فيما قدر وشرع، (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا) الأحزاب/36 ومن الحكمة التي يذكرها العلماء في كون نصيب المرأة على النصف من نصيب الرجل في بعض الحالات: أن المرأة ليست مكلفة بالنفقة على نفسها أو بيتها أو أولادها، ولا بدفع المهر عند زواجها، وإنما المكلف بذلك الرجل، كما أن الرجل تعتريه النوائب في الضيافة والدية والصلح على الأموال ونحو ذلك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 135065 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5715 بنى بعض الورثة شقتين في بيت الوالد فهل يدخل هذا في التركة [السُّؤَالُ] ـ[توفي أبي وترك مبنى (من أربعة طوابق) ، ولكن قبل مماته قام إخوتي الكبار ببناء شقتين فوق المبنى المذكور، والمؤلف من شقتين. إخوتي قاموا ببناء الشقتين بمجهودهم الخاص، وليس بمساعدة أحد فوق المبنى المذكور سابقا وبموافقة الوالد قبل موته. السؤال هو: هل تدخل الشقتين التي بناهما إخوتي مع إجمالي الميراث الذي يقسم على الورثة. أرجو الإجابة على السؤال بالتفصيل لأنها مسألة حساسة جدا، وقد زرعت نوعا من المشاكل بين إخوتي الكبار وباقي الأسرة، وخاصة البنات منهن. أفتوني جزاكم الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما قام به إخوتك من البناء يحتمل أمرين: الأول: أنهم فعلوا ذلك على سبيل الهبة والتبرع منهم، للوالد أو للأسرة، فهذا يدخل في تركة الأب، ويقسم على جميع الورثة. الثاني: أنهم أرادوا الاحتفاظ به لأنفسهم ولم يريدوا التبرع، فهو ملك لهم، ولا يدخل في تركة الأب، لكن يراعى كون البناء تم على أرض الوالد، وهذا الحق (أي البناء) لا يجوز أن يختص به ولد عن ولد، لوجوب العدل بين الأبناء في العطية، إلا أن يوجد ما يدعو للتفضيل كشدة فقر الولد، أو حاجته لهذا المسكن، أو موافقة بقية الأولاد ذكورا وإناثا. فهنا يقال: إن كان إعطاء حق البناء لإخوتك دون بقيتهم مبنيا على سبب يوجب تفضيلهم، أو كان ذلك بموافقة بقية الأولاد، فلا إشكال، وتكون الشقتان ملكا لهما. وإن كان هذا من التفضيل الممنوع الذي لا مسوّغ له، ولم يرض به بقية الإخوة آنذاك، ولم يرضوا به الآن، فالواجب العدل في قسمة هذا الحق، بأن تعطى فرصة البناء لبقيتهم، إن كان يمكن ذلك، أو يدفع أصحاب الشقتين مقابلا ماليا، نظير بنائهم فوق المبنى المملوك للجميع الآن، وهذا المقابل يقدره أهل الخبرة. على أن أهم ما ننصحكم به الآن أن تحرصوا على الألفة والمحبة، وصلة الرحم التي بينكم، وأن تبذلوا ما في وسعكم لبقاء ذلك وتقويته. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 134415 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5716 مات وترك أمًّا وسبع بنات وأربعة بنين [السُّؤَالُ] ـ[ميراث 12 ألف ريال كيف يتم توزيعها على أم وسبعة بنات وأربعة أولاد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا مات الميت وترك أمًّا وسبع بنات وأربعة بنين، فإن التركة تقسم كما يلي: للأم السدس؛ لقوله تعالى: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ) النساء/11. وللبنات والأبناء الباقي، للذكر مثل حظ الأنثيين؛ لقوله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) النساء/11. فيكون نصيب الأم من التركة = 2000 ريال. ونصيب كل بنت = 666.6 ريالاً. ونصيب كل ابن = 1333.3 ريالاً. وإذا كان مقصودك بالأم: زوجة الميت، فإن التركة تقسم كما يلي: للزوجة الثمن والباقي للأولاد للذكر مثل حظ الأنثيين. فيكون نصيب الزوجة = 1500 ريال. ونصيب كل بنت = 700 ريال. ونصيب كل ابن = 1400. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 133506 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5717 قسم البيت بين أولاده قبل وفاته مع التفاوت [السُّؤَالُ] ـ[هنالك أربع أشخاص: بنتين وولدين فقط، وقد توفي والدهم وترك لهم عمارة، واتفقوا قبل وفاته على أن يكون نصيب الأخ الأكبر الدور الأرضي المكون من شقتين، والدور الثاني للأخ الأصغر المكون من شقتين مفتوحة على بعض، والملحق والسطح يكون للأخوات، علماً بأنه لم يجهز الدور الثاني والثالث للسكن، وقد سمح الأخ الأكبر لأخيه الأصغر المكوث معه في إحدى الشقق التي تخصه بموجب الاتفاقية أو الوصية، فهل على الأخوات انتظار الأخوين أن يكملا ما تبقى من العمارة للاستفادة من السكن أو الإيجار، أم أن لهن أن يطالبن بنصيبهن من المنزل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يجوز للإنسان أن يقسم ماله في حياته، بشرط ألا يقصد الإضرار ببعض الورثة. قال في " الإنصاف " (7/142) : " لا يكره للحي قسم ماله بين أولاده. على الصحيح من المذهب. وعنه: يكره. (يعني: عن الإمام أحمد قول آخر بالكراهة) قال في الرعاية الكبرى: يكره أن يقسم أحد ماله في حياته بين ورثته إذا أمكن أن يولد له" انتهى. وتكون القسمة على ما جاء في الشرع، فللذكر مثل حظ الأنثيين. ثانياً: إذا قسم الأب ماله، وأعطى كل فرد نصيبه وملّكه إياه، فهذا له حكم الهبة والعطية، ويشترط فيها العدل بين الأولاد، وإعطاء الذكر ضعف ما للأنثى كما سبق، إلا أن يرضى الأولاد بالتفاضل رضاً صريحاً لا يحمل عليه الحياء، فيجوز التفاضل حينئذ. وإذا قسم ماله، ولم يملّك كل فرد نصيبه، فهذا له حكم الوصية، ولا تجوز الوصية لوارث، فإن فعل، فللورثة بعد موته إنفاذ الوصية أو رفضها. وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: أنا عندي من الأولاد بنت واحدة، وأملك بيتاً من طابقين، ولي إخوان، فهل أستطيع أن أمنح بنتي جزءاً من البيت، أم هذه المنحة تؤثر على حق الورثة، وبالتالي تكون المنحة حراماً؟ فأجابت: "إذا كان منحك للجزء من بيتك لابنتك منجّزاً ولم تقصد حرمان بقية الورثة بأن قبضتْه في الحال، وملكت التصرف فيه- فلا بأس بذلك؛ لأن هذا من باب العطية، وإن كان منحك لها بالوصية فهذا لا يجوز؛ لأنه لا وصية لوارث، لما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا وصية لوارث) " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (16/213) . والظاهر من سؤالك أنه لم يتم تمليك كل فرد نصيبه، فتكون المسألة من باب الوصية، وللورثة الخيار في إمضائها أو ردها لأنها وصية لوارث، ولصاحب النصيب الأقل أن يطالب بحقه، ذكراً كان أو أنثى، أو يطالب بتقسيم البيت الموجود على حالته الآن. ولا يجوز الاعتماد على موافقةٍ مبنية على الحياء، فإن ما أخذ بسيف الحياء فهو حرام، ولا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه، ولذا إن عُلم كراهة الأخ الأصغر أو كراهة البنتين أو إحداهما لهذا التقسيم، فلابد من إعادة القسمة على وجهها الصحيح، فإن الله تعالى تولى قسمة الميراث بنفسه، وتوعّد من تعدّى ذلك فقال: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) النساء/13، 14. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 132928 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5718 ماتت وتركت ستة أبناء وثلاث بنات وأوصت ببعض مجوهراتها [السُّؤَالُ] ـ[توفيت والدتي منذ عامين تقريبا وتوفى والدي قبلها ونحن الآن 6 إخوة (5 متزوجون) و3 أخوات (متزوجات وماتت إحداهن وتركت بنتين) و5 أخوات غير شقيقات. وقد تركت والدتي بعض المجوهرات ونصحت بتوزيع جزءً منها فكيف يتم حساب الباقي أم أنه وفقا لهدى الإسلام يجب توزيع جميع المجوهرات التي تركتها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا أوصت والدتك بتوزيع جزء من مجوهراتها، فيلزم إنفاذ وصيتها بإخراج بعض المجوهرات، ولكن بشرطين: 1- أن تكون الوصية بثلث التركة فأقل، فإذا كان الجزء الذي أوصت الوالدة بتوزيعه أكثر من الثلث فلا يلزمكم إلا توزيع الثلث فقط. 2- أن تكون هذه الوصية لغير وارث، فإن كانت أمرت بتوزيع هذا الجزء على أحد من الورثة (أبنائها أو بناتها) فهي وصية غير صحيحة لا يلزم العمل بها، وفي هذه الحالة تلغى الوصية وتوزع جميع التركة على الورثة حسب القسمة الشرعية. فإذا توفر هذان الشرطان وجب تنفيذ الوصية، وما بقي من التركة بعدها يقسم على ورثتها الموجودين عند وفاتها. وهم أولادها الذكور والإناث للذكر مثل حظ الأنثيين، ولا شيء للأخوات غير الشقيقات (لأن الذي نفهمه من سؤالك أنهن أخوات لكم من الأب لا من الأم) . وقد ذكرت أن إحدى أخواتك قد توفيت وتركت بنتين، فإن كانت وفاتها قبل وفاة الأم فلا شيء لها ولا لابنتيها، وإن كانت وفاتها بعد وفاة الأم فلها نصيبها من ميراث والدتها، ثم ينتقل هذا النصيب إلى ورثتها، وهم ـ حسب ما ورد في السؤال ـ: زوجها وله الربع، وبنتاها، ولهما الثلثان مناصفة. والباقي من التركة يكون لإخوانها وأخواتها الأشقاء للذكر مثل حظ الأنثيين. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131793 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5719 مات وترك زوجة وبنتا وأولاد إخوة [السُّؤَالُ] ـ[أريد رأي الشرع في توزيع إرث: مات رجل وترك زوجة وابنة واحدة كيف توزع تركة هذا الرجل مع العلم أنه ليس له أولاد وله أولاد إخوة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا مات الرجل وترك زوجة وبنتا وأبناء إخوة، فإن التركة تقسم كما يلي: للزوجة الثمن؛ لقوله تعالى: (فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ) النساء/12. وللبنت النصف؛ لقوله تعالى: (وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) النساء/11. ولأبناء الإخوة الباقي؛ لأنهم عصبة، قال صلى الله عليه وسلم: (أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ) رواه البخاري (6732) ومسلم (1615) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. وهذا الباقي يكون للذكور فقط من أولاد الإخوة، أما الإناث فليس لهن شيء، فإن لم يكن فيهم ذكر واحد، فالباقي يرد على البنت، فتأخذ الزوجة الثمن، ويكون باقي التركة كله للبنت. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131737 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5720 توفي وترك زوجة وأولادا وأبوين ثم توفي الأب وله ورثة [السُّؤَالُ] ـ[توفي والدي وترك لنا سيارة وله 3 أولاد و7 بنات بالإضافة إلى والديه وزوجته. بعد سنتين توفي جدي (والد والدي) وله ولدان وبنت وجميعهم متزوجون ولديهم أولاد ولا زالت السيارة لدينا نستخدمه، ونظراً لقدمها ننوي بيعها وتوزيع قيمتها على الورثة. كيف يتم توزيع قيمة السيارة بين الورثة وخصوصا ورثة جدي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا توفي والدك وترك ثلاثة أولاد ذكور وسبع بنات وزوجة وأبا وأما، فإن تركته تقسم كما يلي: للزوجة الثمن لوجود الفرع الوارث. وللأب: السدس، وللأم: السدس أيضا؛ لوجود الولد، قال الله تعالى: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ) النساء/11. وللأولاد الباقي، للذكر مثل حظ الأنثيين؛ لقوله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) النساء/11. وإذا مات الجد بعد ذلك فإن تركته تقسم على ورثته وهم: زوجة، وولدان وبنت. للزوجة: الثمن لوجود الفرع الوارث. والباقي لأولاده للذكر مثل حظ الأنثيين. فإذا علم نصيب الجد من السيارة بحسب المسألة الأولى، فإنه يقسم على ورثته كما في المسألة الثانية. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131728 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5721 مات وترك أربع زوجات وبنتا وابنين وإخوة وأخوات [السُّؤَالُ] ـ[توفى أبي وأتساءل عن كيفية توزيع الإرث بين أربع زوجات وابنة وولدين واثني عشر أخا وأختا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا توفي الرجل وترك أربع زوجات وبنتا وابنين واثني عشر أخا وأختا، فإن التركة تقسم كما يلي: للزوجات الثمن، يوزع بينهن بالتساوي، لوجود الفرع الوارث؛ لقوله تعالى: (فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ) النساء/12. ولأولاده (الابنان والبنت) الباقي، للذكر مثل حظ الأنثيين، لقوله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) النساء/11. ولا شيء للإخوة والأخوات؛ لأنهم محجوبون بالأبناء. ولتقسيم التركة، تقسم التركة إلى 40 جزء متساوية، للزوجات منها 5 أسهم، تقسم عليهن بالتساوي، وللبنت 7 أسهم، ولكل واحد من الابنين 14 سهماً. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131624 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5722 اعتراض من ملحد على مسائل العَوْل في المواريث [السُّؤَالُ] ـ[عُرض علي هذا السؤال من أحد الملاحدة وقال فيه إن هناك أخطاء حسابية في القرآن -تعالى الله سبحانه- إذا مات أحدهم وكان الورثة 3 بنات ووالديه وزوجته، نصيب الـ 3 بنات = ثلثا التركة استناداً لقوله: (فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك) .. ونصيب والديه= السدس + السدس = ثلث التركة (ولأبويه كل واحد منهما السدس مما ترك) .. نصيب زوجته= ثمن التركة (فلهن الثمن مما تركتم) .. مجموع الحصص = الثلثين للبنات + الثلث للوالدين + الثمن للزوجة = 1.125 ... أي لو ترك المتوفي 1000 دينار لاحتاج القاضي لـ 1125 دينار ليوزعها عليهم حسب القرآن.. هذا ما قاله لي ذلك الملحد نقلته نصاً لكم، أرجو الإجابة عن ذلك.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الإشكال الذي أثاره ذلك الملحد ليس بمشكل في الواقع، وقد أجاب عليه العلماء. وليس هذا الإشكال خاصاً بالمسألة التي ذكرها، بل له أمثله كثيرة، ويسمي العلماء هذا النوع من المسائل بـ "العَوْل" ومعناه عند علماء المواريث: زيادة فروض الورثة عن التركة. وطريقة حل هذا النوع من المسائل: أن ينقص نصيب كل واحد من الورثة بمقدار ما حصل به العول في المسألة، وذلك هو العدل، حتى لا ينقص واحد من الورثة دون الباقي. ولم تقع مسألة فيها عَوْل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أبي بكر رضي الله عنه، وإنما وقعت في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فهو أول من حكم به حين رفعت إليه مسألة: زوج وأختين (شقيقتين أو لأب) ، فقال: فرض الله للزوج النصف، وللأختين الثلثين، فإن بدأت بالزوج لم يبق للأختين حقهما، وإن بدأت بالأختين لم يبق للزوج حقه، فاستشار الصحابة في ذلك، فأشاروا عليه بالعَوْل، وقاسوا ذلك على الديون إذا كانت أكثر من التركة، فإن التركة تقسم عليها بالحصص، ويدخل النقص على الجميع. وانقضى زمن عمر رضي الله عنه على ذلك، ثم أظهر عبد الله بن عباس خلافاً في المسألة، فكان لا يقول بالعول ... ثم انقرض هذا الخلاف، ورجع جميع العلماء إلى ما قضى به عمر وجمهور الصحابة. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني": "ولا نعلم اليوم قائلاً بمذهب ابن عباس رضي الله عنهما، ولا نعلم خلافاً بين فقهاء العصر في القول بالعول، بحمد الله" انتهى. انظر: "التحقيقات المرضية في المباحث الفرضية" للشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله ص 161 – 166. وعلى هذا، فطريقة حل المسألة التي ذكرها ذلك الملحد: الزوجة لها الثمن، والبنات لهن الثلثان، والأب له السدس، والأم لها السدس. وحتى يتم توزيع التركة على الورثة تقسم التركة إلى 24 جزءاً متساوية وهو ما يسميه العلماء بـ "أصل المسألة" وهو أقل عدد تخرج منه فروض المسألة بلا كسر، وهو شبيه بعملية "توحيد المقامات" عند جمع الكسور الاعتيادية مختلفة المقامات، مثل: نصف وثلث. وإذا أخرجنا سهام كل وارث في المسألة، فللزوجة الثمن: 3، ولكل من الأب والأم السدس: 4، وللبنات الثلثان 16، ومجموع هذه السهام 27 أكثر من أصلها وهو 24 وهذا هو "العَوْل"، وهو الاعتراض الذي اعترض به ذلك الملحد. فلا يمكن أن يعطى كل وارث سهمه كاملاً لأن التركة لن تكفي، وحينئذ، فالعدل: أن ينقص نصيب كل وارث بمقدار ما حصل في المسألة من العول، فبدلاً من تقسيم التركة إلى 24 جزءاً متساوية، يتم تقسيمها إلى 27 جزءاً متساوياً، وهو مجموع سهام الورثة. فيكون التقسيم النهائي للمسألة: للزوجة: 3 أسهم من 27، بدلاً من 24، فصار الثُمْن الذي تستحقه تُسْعاً بسبب العول. ولكل واحد من الأبوين 4 أسهم من 27، بدلا من 24. وللبنات 16 سهماً من 27، بدلا من 24. فنجد أن النقص دخل على سهام جميع الورثة، وبهذا يتحقق العدل، وينتهي الإشكال الذي ذكره ذلك الملحد. وننا لننتهز الفرصة وندعو ذلك الشخص إلى مراجعة نفسه، والتأمل فيما هو عليه من دين، ومقارنته بالإسلام، فلن يجد أعدل ولا أحسن من الإسلام، فهو دين الله المحفوظ من التحريف والتبديل، وليعد النظر في تشريعات الإسلام، ومنها هذا النوع من مسائل المواريث: "العَوْل"، فلن يجد في الأديان المنسوبة إلى السماء، أو المذاهب الأرضية أعدل وأحسن من ذلك. وليبادر إلى الدخول في هذا الدين، ليكون من الناجين من عذاب الله وسخطه، وليفوز فوزاً لا خسارة بعده. نسأل الله له الهداية والتوفيق والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131556 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5723 لا ميراث للأحفاد من جدهم إذا كان له ابن حي أو أبناء [السُّؤَالُ] ـ[توفي جدي قبل أبيه، وأبناء جدي ومنهم أبي وأعمامي لم يرثوا شيئاً من جدهم، أما أبناء والد جدي ورثوا وعندما نقول لهم أعطونا من الورث أو لماذا نحن لا نرث؟ يقولون: إن جدكم مات قبل أبيه لذلك لا ترثون. وأيضاً يقولون حتى ترثوا لابد أن يتوفى جميع أبناء والد جدي وهم الآن على قيد الحياة. السؤال: هل حجتهم صحيحة؟ أي: أننا لا نرث من الناحية الشرعية.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من شروط الإرث: تحقق حياة الوارث بعد موت المورث. ولهذا فإن والدك وأعمامك يرثون من أبيهم إذا مات في حياتهم وترك مالاً. وأما إذا مات والد الجد فإنه يرثه ورثته الأحياء، وهم أبناؤه، ولا يرثه أبناء ابنه المتوفى؛ لأنهم محجوبون حينئذ. والقاعدة: أنه إذا اجتمع في المسألة ابن أو أبناء، مع أبناء ابن، فإن أبناء الابن (الأحفاد) يُحجبون بأعمامهم ولا يرثون شيئا. وعليه؛ فما قيل لكم صحيح، فلا ميراث لأبيك وأعمامك من والد جدك، ما دام له أبناء. وقد سئل الشيخ عبد الله بن جبرين حفظه الله: هل يرث الأحفاد جدهم إذا كان والدهم قد توفي قبل الجد؟ وإذا كانت الإجابة بالنفي فلماذا؟ فأجاب: "الأحفاد هم أولاد البنين دون أولاد البنات، فإذا مات أبوهم قبل أبيه لم يرثوا من الجد إن كان له ابن لصلبه أو بنون؛ فإن الابن أقرب من ابن الابن، فإن كان الجد ليس له بنون ولو واحداً وإنما له بنات: فللأحفاد ما بقي بعد ميراث البنات، وكذا يرثون جدهم إن لم يكن له بنون ولا بنات فيقومون مقام أولاده للذكر مثل حظ الأنثيين " انتهى من "مجلة الحرس الوطني" (العدد 264، تاريخ 1 / 6 / 2004) . لكن يمكن لهؤلاء الأحفاد أن يحصلوا على شيء من تركة جدهم بطريقين: الطريق الأول: أن يوصي لهم الجد قبل وفاته بالثلث من تركته أو أقل، وهذا في حال أن يكون له مال كثير، وهذه الوصية أوجبها بعض العلماء واستحبها كثيرون. ودليل هذا قوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) البقرة/180. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: من فوائد الآية: وجوب الوصية للوالدين والأقربين لمن ترك مالاً كثيراً؛ لقوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ) ؛ واختلف العلماء رحمهم الله هل هذا منسوخ بآيات المواريث أم هو محكم، وآيات المواريث خَصَّصَتْ؟ على قولين؛ فأكثر العلماء على أنه منسوخ؛ ولكن القول الراجح أنه ليس بمنسوخ؛ لإمكان التخصيص؛ فيقال: إن قوله تعالى: (لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) مخصوص بما إذا كانوا وارثين؛ بمعنى أنهم إذا كانوا وارثين فلا وصية لهم اكتفاءً بما فرضه الله لهم من المواريث؛ وتبقى الآية على عمومها فيمن سوى الوارث ... ومنها: جواز الوصية بما شاء من المال؛ لكن هذا مقيد بحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (أتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا؛ قال: فالشطر؟ قال: لا؛ قال: فالثلث؟ قال: الثلث؛ والثلث كثير) متفق عليه؛ وعلى هذا فلا يزاد في الوصية على ثلث المال؛ فتكون الآية مقيدة بالحديث. ومنها: أن الوصية الواجبة إنما تكون فيمن خلّف مالاً كثيراً؛ لقوله تعالى: (إِنْ تَرَكَ خَيْرًا) ، فأما من ترك مالاً قليلاً: فالأفضل أن لا يوصي إذا كان له ورثة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: (إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس) متفق عليه " انتهى من " تفسير سورة البقرة " (2/306) . والطريق الثاني: أن يهب أعمامهم لهم من نصيبهم شيئاً يوزعونه عليهم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131473 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5724 أعطى والده مالاً فهل يطالب به الورثة بعد موت الوالد؟ [السُّؤَالُ] ـ[لي أخ يقول: إنه أعطى الوالد مبالغ مالية منذ زمن طويل، وقام الوالد بشراء أرض، وهي الآن مسجلة باسم الوالد، ولما طالب الأخ والده بنصيبه من قطعة أرض - يقول: إنه دفع حوالي ثلث تكلفتها منذ ما يزيد على الثلاثين عاماً - لم يعترف له الوالد بشيء، وإنما طالبه بإيجار شقة يسكن الأخ فيها منذ ما يزيد على الثلاثين عاماً في عمارة مملوكة للوالد، ولم يدفع الأخ لوالده أي إيجار. وكان يقول له: إن الإيجار أقل بكثير من ثمن ما يدعيه من نصيبه في الأرض، مع العلم أن الوالد له عقارات كثيرة، وقد توفي الوالد مؤخراً وورث هذا الأخ مبالغ كبيرة كباقي الورثة، ولكنه يطالب الورثة الآن بنصيبه من قطعة الأرض التي يدعي أنه دفع أكثر من ثلث قيمتها عند الشراء منذ ما يزيد عن الثلاثين عاماً. وعند قول الورثة له بأنه كان ساكنا في عقارات الوالد لمدة تزيد عن الثلاثين عاماً بدون إيجار، وإنك ومالك لأبيك، وأن الوالد أنكر ملكيتك لشيء في الأرض في حياته، ولم ينكر أخذ المبلغ من الأخ، ولكن كان يقول: إن الأرض وجميع العقارات التي يملكها الوالد هي لجميع أولاده من بعده، وأنه يترك لهم خيراً كثيراً. كان الأخ يجيب على ذلك بأنه كان هناك أكثر من أخ آخر ساكنين في عقارات الوالد ولم يدفعوا للوالد شيئاً مقابل ذلك، وكذلك لم يدفعوا للوالد أي مبالغ مالية كمساهمة في شراء أراضي أو عقارات كما فعل هو. والسؤال الآن: هل يحق للأخ مطالبة الورثة بنصيب في قطعة الأرض هذه؟ علماً بأن الوالد موصي بثلث ماله وقفاً لأعمال الخير، ونريد رأي الشرع في ذلك للتفاهم مع الأخ بطريقة ودية بدون الذهاب إلى المحاكم والخصومات.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما يدفعه الابن لوالده يحتمل وجوهاً عدة: الأول: أن يكون على سبيل الهبة، فلا يجوز له الرجوع والمطالبة به؛ لما روى أبو داود (3539) والترمذي (2132) والنسائي (3690) وابن ماجه (2377) عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً أَوْ يَهَبَ هِبَةً فَيَرْجِعَ فِيهَا إِلَّا الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ. وَمَثَلُ الَّذِي يُعْطِي الْعَطِيَّةَ ثُمَّ يَرْجِعُ فِيهَا كَمَثَلِ الْكَلْبِ يَأْكُلُ فَإِذَا شَبِعَ قَاءَ ثُمَّ عَادَ فِي قَيْئِهِ) والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود. الثاني: أن يكون على سبيل القرض، فيجوز له المطالبة به في حياة الوالد وبعد موته. الثالث: أن يأخذه الوالد منه لحاجته إليه، فيصير ملكاً للوالد، ولا يحل للابن المطالبة به؛ لحديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي مَالا وَوَلَدًا، وَإِنَّ أَبِي يُرِيدُ أَنْ يَجْتَاحَ مَالِي، فَقَالَ: (أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيكَ) رواه ابن ماجه (2291) وابن حبان في صحيحه (2/142) من حديث جابر، وأحمد (6902) من حديث عبد الله بن عمرو. والحديث صححه الألباني في صحيح ابن ماجه. وروى أحمد عن عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: أَتَى أَعْرَابِيٌّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ أَبِي يُرِيدُ أَنْ يَجْتَاحَ مَالِي. قَالَ: (أَنْتَ وَمَالُكَ لِوَالِدِكَ) إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ، وَإِنَّ أَمْوَالَ أَوْلَادِكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ، فَكُلُوهُ هَنِيئًا) . وله طرق وشواهد يصح بها. انظر: "فتح الباري" (5/211) ، و "نصب الراية" (3/337) . وروى الحاكم (2/284) والبيهقي (7/480) عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أولادكم هبة الله لكم (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ) فهم وأموالهم لكم إذا احتجتم إليها) . والحديث صححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2564) . وهذا الأخذ مقيد بشروط بينها أهل العلم: أحدها: أن لا يجحف بالابن , ولا يضر به , ولا يأخذ شيئا تعلقت به حاجته. الثاني: أن لا يأخذ من مال ولده فيعطيه الآخر. الثالث: أن يكون الأب محتاجاً للمال، فلا يجوز له أن يأخذ ما لا يحتاجه عند جمهور الفقهاء خلافاً للحنابلة. وينظر جواب السؤال رقم (104298) ورقم (9594) . وما ذكرت من مطالبة أخيك للوالد، ومطالبة الوالد له بإيجار الشقة، يخرج الاحتمال الأول وهو احتمال الهبة المحضة. وعليه؛ فإن كان الأمر قد تم على سبيل القرض، وأن والدك قد جعل أجرة السكن في مقابل ذلك، وأن أخاك يرى هذه الأجرة دون ما دفعه من مال، فله أن يأخذ ما زاد على إيجار السكن، فيُنظر كم دفع من مال، وكم تساوي أجرة الشقة خلال هذه السنوات، فيرد إليه ما زاد عن الأجرة. والمقاصة هنا بين (المال الذي دفعه) وبين الأجرة، دون نظر إلى قيمة الأرض، فإنه إنما دفع مالا، ولم يشتر أرضاً. وليس له في هذه الحال أن يحتج بكون بعض إخوانه قد سكنوا مثله بلا أجرة، فقد يرى الأب حاجة بعض الأبناء فيخصهم بذلك. وإن كان الوالد قد أخذ هذا المال عند حاجته إليه دون أن يضر بأخيك، فقد صار المال ملكا له، وليس لأخيك المطالبة به لما تقدم من الحديث. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131420 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5725 الأخت الشقيقة أو لأب مع البنت تحجب أبناء الإخوة [السُّؤَالُ] ـ[توفي رجل وترك وراءه بنتا وأختا شقيقة وزوجة، وأولاد أخ شقيق وأولاد إخوة لأب. فكيف توزع التركة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كان الواقع هو ما ذكرتم فالتركة تجعل ثمانية سهام متساوية: سهم منها وهو الثمن للزوجة، وللبنت النصف أربعة، والباقي للأخت الشقيقة. وليس لأولاد الإخوة شيء؛ لأن الأخت الشقيقة في هذه المسألة وأمثالها تحجب أبناء الإخوة لأب وأم أو لأب. وهكذا الأخت لأب في مثل هذه المسألة تحجب أبناء الإخوة؛ لأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك، وذلك مستثنى من قوله صلى الله عليه وسلم: (ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر) متفق على صحته" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (20/197) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130961 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5726 مكافأة نهاية الخدمة هل توزع على جميع الورثة؟ [السُّؤَالُ] ـ[زوجي متوفى يرحمه الله وله ورثة أبناء وبنات متزوجون وقُصَّر وزوجة ثانية وأخذنا مكافأة نهاية الخدمة مِن عمله، مَنْ يستحقها؟ الورثة جميعا أو القصر فقط؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله مكافأة نهاية الخدمة تعطى للموظف بناء على سنوات عمله، بواقع شهر عن كل سنة أو حسبما يتم الاتفاق عليه بين الموظف وجهة العمل، فهي مال مستحق للموظف يأخذه في حياته أو يدفع لورثته بعد مماته. وعليه؛ فهذه المكافأة تضم إلى ماله وتقسم على جميع الورثة. وهكذا لو كان لزوجك ديون أو مستحقات على آخرين، فإنه في حال قبضها تضم إلى التركة وتوزع على جميع الورثة. وأما ما تدفعه التأمينات الاجتماعية أو الضمان الاجتماعي للزوجة أو القصّر، فهذه إعانة من الدولة، لا يأخذها إلا المستحق بحسب الشروط التي وضعها النظام، ولا تدخل في تركة المتوفى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130936 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5727 مات وترك زوجة وخمسة بنات وعمة [السُّؤَالُ] ـ[مات رجل وترك زوجة وخمسة بنات وعمة كيف يرثون؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا مات رجل وترك زوجة وخمسة بنات وعمة، فللزوجة الثمن لوجود الفرع الوارث. قال تعالى: (فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ) النساء/12. وللبنات الثلثان؛ لقوله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ) النساء/11. والباقي يرد على البنات فقط. وأما العمة فهي من ذوي الأرحام وقد اختلف الفقهاء في توريثهم، ومن قال بتوريثهم كالإمام أحمد رحمه الله اشترط ألا يوجد صاحب فرض، وقد وجد هنا، وهم البنات. وأما الزوجة، فلا يردّ عليها شيء، ولا تأخذ أكثر من فرضها، وقد حكي هذا إجماعا. قال ابن قدامة رحمه الله: " باب ذوي الأرحام وهم الأقارب الذين لا فرض لهم ولا تعصيب.. وذكر منهم العمات.. ثم قال: فهؤلاء يسمون ذوي الأرحام. وكان أبو عبد الله [أحمد بن حنبل] يورثهم إذا لم يكن ذو فرض , ولا عصبة , ولا أحد من الوارث , إلا الزوج , والزوجة. روي هذا القول عن عمر , وعلي , وعبد الله , وأبي عبيدة بن الجراح , ومعاذ بن جبل , وأبي الدرداء رضي الله عنهم. وبه قال شريح , وعمر بن عبد العزيز , وعطاء , وطاوس , وعلقمة , ومسروق , وأهل الكوفة. وكان زيد لا يورثهم , ويجعل الباقي لبيت المال. وبه قال مالك , والأوزاعي , والشافعي رضي الله عنهم وأبو ثور , وداود , وابن جرير " انتهى من "المغني" (6/205) . وقال أيضا: " فأما الزوجان , فلا يردّ عليهما باتفاق من أهل العلم , إلا أنه روي عن عثمان رضي الله عنه أنه رد على زوج. ولعله كان عصبة , أو ذا رحم , فأعطاه لذلك , أو أعطاه من مال بيت المال , لا على سبيل الميراث " انتهى من "المغني" (6/186) . واعلم أن مسألة الرد مختلف فيها كذلك بين الفقهاء، فمنهم من لا يرى الرد، ويعيد الفائض إلى بيت المال، وإلى ذلك ذهب مالك والشافعي رحمهما. قال ابن قدامة في الموضع السابق: " وجملة ذلك: أن الميت إذا لم يخلف وارثا إلا ذوي فروض , ولا يستوعب المال , كالبنات والأخوات والجدات , فإن الفاضل عن ذوي الفروض يردّ عليهم على قدر فروضهم , إلا الزوج والزوجة. روي ذلك عن عمر , وعلي , وابن مسعود , وابن عباس رضي الله عنهم. وحكي ذلك عن الحسن , وابن سيرين , وشريح , وعطاء , ومجاهد , والثوري , وأبي حنيفة , وأصحابه. قال ابن سراقة: وعليه العمل اليوم في الأمصار ... وذهب زيد بن ثابت إلى أن الفاضل عن ذوي الفروض لبيت المال , ولا يرد على أحد فوق فرضه. وبه قال مالك , والأوزاعي , والشافعي رضي الله عنهم ". والراجح ما ذهب إليه القائلون بالرد، والقائلون بتوريث ذوي الأرحام؛ لأن هؤلاء أولى من بيت المال؛ لقوله تعالى: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ) الأحزاب/6. لكن حيث وجد صاحب فرض، ردّ عليه الباقي، ولم يرث ذو الرحم، كما سبق. وعليه؛ فإن الزوجة في هذه المسألة تأخذ الثمن، ثم تقسم باقي التركة على البنات بالتساوي، فرضا وردّا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130583 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5728 ماتت عن زوج وأم وبنتين وأخوات [السُّؤَالُ] ـ[ماتت امرأة وتركت زوجها وبنتين وأمها وأربع أخوات. كيف يرثون؟ وهل هناك طرف آخر له الحق في الإرث؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا ماتت المرأة وتركت زوجاً وبنتين وأماً وأربع أخوات، فإن التركة تقسم كما يلي: للزوج الربع؛ لوجود البنتين، قال تعالى: (فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ) النساء/12. وللبنتين الثلثان؛ لقوله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ) النساء/11. وللأم السدس لوجود البنات. قال تعالى: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ) النساء/11، و (الولد) : يشمل الذكر والأنثى. أما الأخوات فليس لهن شيء، لأنهن يرثن في هذه المسألة ما تبقى من التركة بعد أصحاب الفروض، ولم يتبق لهن شيء. وعند تقسيم التركة على الورثة نجد أن سهام الورثة أكثر من الواحد الصحيح، وهو ما يسميه العلماء بـ "العول"، وفي هذه الحالة لا يمكن أن يأخذ كل واحد من الورثة نصيباً كاملاً، لأن التركة لن تكفي ذلك، والعدل في هذا: أن يدخل النقص على جميع الورثة. ففي هذه المسألة بدلاً من أن نقسم التركة إلى 12 جزءاً متساوياً ثم نوزعها على الورثة، تقسم التركة إلى 13 جزءاً متساويا. يكون للزوج منها 3، وللبنتين 8، وللأم 2. وينبغي الرجوع للمحكمة للتأكد من انحصار الورثة فيمن ذكرت. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130581 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5729 جواز مطالبة القريب بالإرث ولو عن طريق المحكمة [السُّؤَالُ] ـ[ماتت أمي ولم تأخذ حقها الشرعي من أخيها، وذلك خوفا منها على قطيعة الرحم، ولكن كانت تريده فهل يحق لنا نحن أبناؤها مطالبة خالنا بحق أمنا حتى لو وصل الأمر إلى قطيعة الرحم بيننا وبينه، أو الوصول إلى المحاكم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لكم أن تطالبوه بحق الوالدة من الميراث ولو بالوصول إلى المحاكم، إلا إذا كانت الوالدة سمحت، فإن كانت أبرأت أخاها من حقها فليس لكم ذلك. الحق لها، أما إذا كانت ما أبرأت ولكنها تركت المطالبة والمخاصمة فلكم أن تطالبوا وتخاصموا في طلب حقكم ولا حرج في ذلك والحمد لله" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (20/232) . [الْمَصْدَرُ] موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130481 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5730 توفي عن زوجة وأم وأبناء وبنات وإخوة وأخوات، فكيف توزع التركة؟ [السُّؤَالُ] ـ[رجل توفي عن (3) أبناء، و (3) بنات، وزوجة، وأم (جدة) ، وأخوين شقيقين، وأختين شقيقتين، وأخت لأم، وأخوين لأم. لم تقسم التركة بعد الوفاة، ثم ماتت الأم (الجدة) ، ثم ماتت الزوجة. كيف تقسم التركة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: مع وجود أبناء للميت فإن الإخوة والأخوات لا يرثون شيئاً، سواءً كانوا إخوة أشقاء أو لأم. قال ابن قدامة: " ولا يرث أخٌ ولا أختٌ لأب وأم، أو لأب، مع ابن، ولا مع ابن ابن، وإن سفل، ولا مع أب. أجمع أهل العلم على هذا بحمد الله ... ". انتهى " المغني" (7 /4) . وقال ابن المنذر: " وأجمعوا على أن الإخوة من الأم لا يرثون مع ولد الصلب، ذكراً كان أو أنثى". انتهى من "الإجماع" لابن المنذر ص (18) . وبناء على ذلك فالوارثون من هذا الميت هم: الأبناء، والبنات، والزوجة، والأم، فقط. فيكون للأم السدس، لقوله تعالى: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ) النساء/11. وللزوجة الثمن، لقوله تعالى: (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ، فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ) النساء/12. وما بقي من التركة فيقسم على الأولاد للذكر مثل حظ الأنثيين، لقوله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) النساء/11، فيقسم الباقي إلى تسعة أسهم، ويأخذ كل ابن منها سهمين، ولكل بنت سهم واحد. ثانياً: بعد تقسيم التركة حسب التفصيل السابق، يؤخذ نصيب الأم وهو السدس، ويوزع على ورثتها. وهم حسب ما في السؤال إخوان وأخوات الميت الذين هم أولادها، فيوزع بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين. وأما نصيب الزوجة وهو " الثمن" فيقسم على أبنائها وبناتها للذكر مثل حظ الأنثيين إن لم يكن لها ورثة آخرون كأب أو أم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130287 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5731 الإخوة الأشقاء يحجبون الإخوة لأب [السُّؤَالُ] ـ[توفي رجل عن زوجة وأخوين أحدهما شقيق والثاني أخ لأب فقط، وأختين شقيقة وأخت لأب، أعطيت الحصة أو الإرث للشقيق والأخت الشقيقة ولم يعط الأخ لأب وأخته شيئا من الإرث.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كان الواقع هو ما ذكرتم في السؤال، فإن الإرث يكون للزوجة والشقيق والشقيقة إذا كان دينهم واحدا وهو الإسلام أو ضده. أما الأخ لأب والأخت لأب فلا حظ لهما في الإرث؛ لأن الشقيق والشقيقة يحجبانهما بالإجماع لكونهما أقوى قرابة منهما، والزوجة تعطى الربع فقط وهو سهم من أربعة أسهم متساوية، والباقي ثلاثة أسهم، للشقيق والشقيقة، للشقيق سهمان وللشقيقة سهم؛ لقول الله عز وجل: (وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) الآية في آخر سورة النساء. وفق الله الجميع" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (20/199) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129922 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5732 مات ولا وارث له من العصبة أو أصحاب الفروض [السُّؤَالُ] ـ[توفي رجل وليس له أبناء ولا زوجة، وله أخ لأم , وأخت لأم , وأخت لأب , ولقد ماتوا جميعا قبله , أي لا يوجد له أحد من العصبة ولا من أصحاب الفروض. وله ابن وبنت أخ لأم , وابن وبنت أخت لأم , وبنت أخت لأب. وترك وصية (لابن أخ الأم) بأن يرث كل أملاكه , ولا يرثه غيره. علما أنه كان يقول هذا الكلام وهو في صحته ولقد أشهد على ذلك أكثر من شاهد. ولقد كان سيسجل له كل أملاكه ولكنه مات فجأة. فكيف يكون الميراث؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا لم يكن له عصبة ورثه الأرحام، والعصبة هم الأقارب من جهة النسب كالأعمام وأبنائهم وإن نزلوا، وأعمام الجد وإن علوا، فإذا انقطع العصبة كلهم فيرثه ذوو الأرحام، فيكون ابن أخته ينزل منزلة أخته التي من الأب، وأولاد أخيه من الأم ينزلون منزلة أخيه من الأم، وأولاد أخته من الأم ينزلون منزلة أخته من الأم، ويقسم عليهم الميراث كما يقسم على من أدلوا به. وأما ما خصّ به ابن أخيه فإن ذلك لا يصح إلا أن يكون وصية ففي تلك الحالة يكون وارثاً ولا وصية لوارث. والله أعلم فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله. [الْمَصْدَرُ] سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله الحديث: 129738 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5733 توفي عن زوجة وبنت وأختين شقيقتين وأبناء عم [السُّؤَالُ] ـ[رجل توفي عن زوجة وبنت وأختين شقيقتين وأبناء عمومة، فكيف توزع تركته؟ أرجو التوضيح مع كيفية الاستدلال.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الزوجة لها الثمن. لقول الله تعالى: (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ) . والبنت لها النصف. لقوله تعالى: (يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) . والشقيقتان لهما الباقي، فقد ثبت في صحيح البخاري (6736) عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن الأخوات (الشقيقات أو لأب) يكن عصبة مع البنت (واحدة أو أكثر) فيكون لهما الباقي من التركة. فتقسم التركة ثمانية أسهم: سهم للزوجة، وأربعة أسهم للبنت، وثلاثة أسهم للشقيقتين، وأما أبناء العم فليس لهم شيء. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله الحديث: 129189 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5734 ماتت مطلقته الرجعية في عدتها فهل يرثها؟ [السُّؤَالُ] ـ[رجل تزوج من امرأة وطلقها الطلقة الأولى وفي أثناء العدة توفيت المرأة فهل يستحق الزوج إرثه منها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا توفيت المرأة وهي لم تخرج من عدة الطلاق الرجعي فإن زوجها يرثها بإجماع المسلمين؛ لأنها في حكم الزوجات ما دامت في العدة، وهكذا لو مات فإنها ترثه، أما إذا كان الطلاق غير رجعي كالطلاق الواقع على مال بذلته المرأة للزوج ليطلقها، وهكذا إذا خالعته على مال فخلعها على ذلك بغير لفظ الطلاق، وهكذا المرأة التي يفسخ الحاكم نكاحها من زوجها لمسوغ شرعي يقتضي ذلك، وهكذا من طلقها زوجها الطلقة الأخيرة من الثلاث ولم يكن متهما بقصد حرمانها من الميراث فإن هذه الفرقة في الصور الأربع فرقة بائنة ليس فيها توارث بين الزوجين مطلقا" انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (20/257) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128786 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5735 ما يدفع من التأمينات الاجتماعية للبنات والزوجة خاص بهن لا يشاركهن فيه بقية الورثة [السُّؤَالُ] ـ[لقد توفى الوالد (رحمه الله) وكان يتقاضى راتبه التقاعد من التأمينات علما أن التأمينات مَنْ يُتوفى يخصم نصف راتبه التقاعدي، ويبقى النصف لمن يعولهم من زوجات وأولاد لا يزيد عمره عن 25 سنة والبنات من لم تتزوج أو تتوظف، ويقسم النصف عليهم. السؤال: هل يحق للورثة من الأولاد من فوق 25سنة والبنات المتزوجات الأخذ من هذا الراتب؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما يدفع من التأمينات (الاجتماعية) أو الضمان الاجتماعي للبنات والزوجة هو ملك لهن خاصة، ولا يحق لباقي الورثة أن يأخذوا من هذا المال شيئا؛ لأنه ليس من التركة، بل إعانة مشروطة من الدولة، وهي التي تتولى تحديد من يستحق هذه الإعانة، فمن كان غير مستحق لهذا المال – بناء على شروط استحقاقه – فلا يجوز له الأخذ من هذا المال. وأما ما كان يتقاضاه الوالد في حياته، فما فضل منه بعد موته فإنه يقسم مع بقية تركته على جميع الورثة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128759 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5736 إذا مات الزوجان في حادث معا فمن يرث الآخر؟ [السُّؤَالُ] ـ[عندي قريبة توفاها الله هي وزوجها معا في حادث ولم يمض على زواجهما إلا خمس شهور تقريباً وكان هذا الزواج الأول لها، أما هو كان لديه زوجة أولى وأولاد وبنات وعندما مات لا تزال على ذمته. سؤالي: قريبتي الزوجة الثانية من يرثها؟ وفيم ينحصر إرثها؟ والذهب الذي أحضره الزوج المتوفى لها في العرس من حق مَنْ؟ ورثتها هي أم ورثة الزوج؟ أم الاثنين معاً؟ وكيف يقسم؟ مع العلم أن له أبناء وبنات وأب وإخوة، وهي لديها أم وأختان وأخ. ومؤخرها المتفق عليه في عقد الزواج، هل يعطيه أهل الزوج لورثتها أم يسقط حقها وحقهم فيه؟ ولها منزل خاص بها استأجره الزوج ليكون بيتاً للزوجية وفرشه وأثثه، لمن يعود الأثاث والفرش؟ وله منزل ملك له تقيم فيه زوجته الأولى وأبناؤها، هل لقريبتي أن ترث فيه وفيما ترك زوجها أم لا؟ نرجو التوضيح المفصل والكامل الله يبارك فيكم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إذا مات الميت ورثه ورثته الأحياء، ولابد أن نتحقق من حياة الوارث بعد موت المورِّث. ففي الصورة المسؤول عنها: إذا تبين لنا أن أحد الزوجين تأخرت وفاته عن الآخر ولو بلحظة، فإن المتأخر في الوفاة يرث الآخر، ثم ينتقل الإرث إلى ورثته بعد ذلك. أما إذا لم نعلم أي الزوجين مات أولاً، فإن جمهور العلماء على أنه لا يثبت التوارث بينهما، فلا يرث أحدهما الآخر، لأن من شروط الإرث: أن نتحقق من حياة الوارث بعد موت المورِّث، وهذا الشرط مفقود هنا. فتقسم تركة الزوج على ورثته، ولا ترث منه الزوجة شيئاً. وتقسم تركة الزوجة على ورثتها، ولا يرث منها الزوج شيئاً. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في حكم ما لو مات جماعة يتوارثون في حادث عام، قال: "فمتى وقع ذلك فلا يخلو من خمسة أحوال: الأولى: أن نعلم المتأخر منهم بعينه فيرث من المتقدم ولا عكس. الثانية: أن نعلم أن موتهم وقع دفعة واحدة فلا توارث بينهم، لأن من شروط الإرث حياة الوارث بعد موت مورثه حقيقةً أو حكماً ولم يوجد. الثالثة: أن نجهل كيف وقع الموت هل كان مرتباً أو دفعة واحدة. الرابعة: أن نعلم أن موتهم مرتب، ولكن لا نعلم عين المتأخر. الخامسة: أن نعلم المتأخر ثم ننساه. وفي هذه الأحوال الثلاث [الأخيرة] لا توارث بينهم عند الأئمة الثلاثة [أبو حنيفة ومالك والشافعي] وهو اختيار الموفق ابن قدامة والمجد والشيخ تقي الدين ابن تيمية وشيخنا عبد الرحمن السعدي، وشيخنا عبد العزيز بن باز، وهو الصحيح، لأن من شروط الإرث حياة الوارث بعد موت المورث حقيقةً أو حكماً، ولا يحصل ذلك مع الجهل، إلا أن الشافعية قالوا في الحال الأخيرة: يوقف الأمر حتى يذكروا أو يصطلحوا، لأن التذكر غير ميؤوس منه" انتهى من "تسهيل الفرائض" (صـ 142، 143) . وعلى هذا؛ فعند تقسيم تركة الزوجة: إن كان الزوج قد تأخرت وفاته عن الزوجة، فإنه يرث منها، وتقسم تركتها كما يلي: الزوج له النصف، والأم لها السدس، والأخ والأختان لهم الباقي، للذكر مثل حظ الأنثيين. فإن كنا لا نعلم أن الزوج تأخرت وفاته عنها، فتقسم تركتها على الأم والإخوة كما يلي: للأم السدس، والباقي للإخوة للذكر مثل حظ الأنثيين. وأما تقسيم تركة الزوج: فإن كانت الزوجة قد تأخرت وفاتها عنه، فإنها ترثه، وتقسم تركته كما يلي: للزوجتين معاً الثمن، وللأب السدس، والأبناء لهم الباقي للذكر مثل حظ الأنثيين، ولا شيء للإخوة. فإن لم نعلم أالزوجة ماتت بعده، فإنها لا ترثه، ويقسم ميراثه كالتقسيم السابق، فللأب السدس، وللزوجة الأولى الثُّمن كاملاً، وللأبناء الباقي للذكر مثل حظ الأنثيين. ثانياً: تركة قريبتك هي جميع ما تركته من مال تملكه، فيدخل في ذلك: مهرها الذي أعطي لها من ذهب أو نقود، وكذلك الهدايا التي أعطيت لها؛ لأنها أصبحت ملكا لها. وأما مؤخر صداقها: فهو دين على الزوج، فلابد من أخذه من تركته ويضاف على تركتها، ثم يقسم على ورثتها. ويدخل في التركة: ديتها في حال كون الحادث تسبب فيه إنسان، زوجها أو غيره، وطالب ورثتها بالدية، أو دفع التأمين لهم ديتها. وأما أثاث البيت وفرشه، فهو ملك للزوج، إلا إذا كان جزءا من المهر كما هو العرف في بعض البلدان، أو كان شيء منه أهداه الزوج لزوجته. ثالثاً: تركة الزوج: ما تركه من مال مملوك له، ومنه: منزله الذي يملكه، وهذه التركة توزع على جميع ورثته. وينبغي أن يرجع في مسألة الميراث هذه إلى المحكمة الشرعية لتتولى حصر الورثة وحصر التركة، ومعرفة ملابسات الوفاة ومن توفي من الزوجين أولا، ولأن توارث الزوجين في مثل هذه الحالة فيه خلاف بين الأئمة فالذي يتولى حسم الخلاف بين الورثة هو القاضي. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127945 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5737 ماتت عن أخ وأختين [السُّؤَالُ] ـ[ما نصيب الميراث في الأخت المتوفاة وليس لها أولاد. وأخوات المتوفاة أخ واحد وأختان وأخت متوفاة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا لم يكن لهذه الأخت ورثة آخرون، فليس لها زوج ولا أب ولا أم ولا جد، فإن جميع تركتها تقسم بين إخوتها الأحياء، للذكر مثل حظ الأنثيين، فللأخ النصف، ولكل أخت: الربع. ولا شيء للأخت المتوفاة لأن شرط الإرث: حياة الوارث بعد موت المورث. قال الله تعالى في ميراث الإخوة: (وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) النساء/176. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127818 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5738 توفي والدهنَّ ولم يعطهنَّ أشقاؤهنَّ نصيبهنَّ من ميراث المحلات [السُّؤَالُ] ـ[ي عن مسألة إرث، نحن سبع بنات، وستة صبيان، والدنا يملك محلَّين، المهم: أن الأب قبل وفاته لم يعترف بأن البنات لهنَّ نصيب في الإرث، إلا الخمس في نصيب الأب، والصبيان والأم كلهم مشتركون في الخمس!! ، مع العلم أن الصبيان لهم كل شيء، من أرباح، وغير ذلك، والأب توفي منذ 15 عاماً، ولم تأخذ البنات شيئاً من الإرث؛ لأن الصبيان أخذوا كل شيء لهم ولأولادهم، وأيضا أخذوا قروضاً من البنوك، ومن التجار أيضاً، ولم يسددوها، وعندما طلبنا - نحن البنات - ميراثنا قالوا: إن المحلات عليها ديون، وليس لكم حقوق بسبب الديون، على الرغم من أنهم ينفقون ببذخ شديد، هم وأولادهم، ولم يسددوا أية ديون. السؤال هو: هل من المعقول أن البنات لا تأخذ شيئاً من ميراثهم من المحلات، سواء بيعت هذه المحلات أو أُجرت؟ وجزاكم الله كل خير.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لم يختلف أهل العلم والدين في مسألتكم هذه، فنصيبكن من ميراث والدكم: للذَّكَر مثل حظ الأنثيين؛ لقول تعالى (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) النساء/ من الآية 11، وترث أمُّكنَّ من الميراث: الثمُن؛ لقوله تعالى (فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ) النساء/ من الآية 12. فالواجب على من تولى قسمة ميراثكم أن يُعطي كل ذي حقٍّ حقَّه، وما أُخذ من نصيبكم فهو سحت على آكله، ويجب عليه التوبة، وإرجاع الحق لأهله. ولم يكن لوالدكنَّ أن يغيِّر في نصيبكن من الميراث، والخمس ليس نصاباً مفروضاً لأحد من الورثة، لا في قضيتكنَّ، ولا في غيرها، بل هذا الذي فعله الوالد وأبناؤه الذكور من بعده، هو من أحكام الجاهلية، التي تضاد حكم الله وشرعه. قال الله تعالى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) المائدة /50. وليس لأحدٍ كائناً من كان أن يغير من نصيب الورثة شيئاً، فيسلبه من المستحق، ويزيده ـ على هواه ـ لمن يشاء، ولو كان كلامه وصية: فوصيته باطلة من جهتين: الأولى: أنها وصية لوارث، وهي محرمة، والثانية: أن فيها سلباً لحقوقكن التي شرعها لكنَّ رب العالمين، وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم هذين الأمرين في حديث واحد، فعن أبي أُمَامَةَ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ) رواه الترمذي (2121) وأبو داود (2870) والنسائي (3641) وابن ماجه (2713) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ". ثانياً: الورثة الشرعيون – ذكوراً وإناثاً - يرثون كل ما تركه مورِّثُهم، من مال، أو أعيان، أو متاع، قلَّ، أو كثر؛ لقوله تعالى (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) النساء/ 7. ونصيبكنَّ في المحلات التي تركها والدكنَّ لا يختلف عن نصيبكنَّ في المال الذي خلَّفه وراءه، ويجب إشراككنَّ في ملكية تلك المحلات بحسب نصيبكنَّ، كما هو الحال بالنسبة لوالدتكنَّ، وأشقائكنَّ، فإذا بيعت المحلات: أخذتنَّ من ثمنها نصيبكنَّ المحدد، وإذا أُجِّرت: أخذتنَّ من إيجارها بقدر نصيبكنَّ الشرعي. ومن أراد أن يشتري حصتكنَّ من أشقائكنَّ: فله ذلك، فيقدَّر قيمة النصيب المراد بيعه، ويباع على من يرغب بالشراء، وليس للورثة أن يُلزموا شقيقاتهم بالبقاء شركاء في المحلات، وصاحب النصيب حرُّ التصرف في البقاء، أو البيع. والديون التي ترتبت على المحلات بعد الوفاة: إنما هي على من تولى إدارتها إن كانوا قد اغتصبوا حقكنَّ فيها، وهي ديونٌ مشتركة على جميع الورثة إن كانت البنات قد تمكنّ من أخذ نصيبهن، إلا أنهن رضين ببقاء أشقائهنَّ يعملون فيها، ويتولون إدارتها، إلا أن يقع من الذكور: تعد أو تفريط في أمور الإدارة، فعليهم وحدهم تحمل ذلك. وإن كانت الديون على المحلات قد ترتبت عليها قبل وفاة والدكم: فتسدَّد من المحلات نفسها، قبل تقسيمها على الورثة؛ لما قاله تعالى (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ) النساء/ من الآية 11، فقضاء الديون، والوصية يقدمان على تقسيم الميراث. هذا هو حقكم الذي كفله لكم الشرع المطهَّر، وما قاله والدكنَّ، وما فعله أشقاؤكنَّ: ليس من الشرع في شيء، فلكنَّ المطالبة بحقكنَّ من الجهات الشرعية، وهي تحصِّل لكنَّ حقوقكنَّ. ويجب عليكنَّ نصح أشقائكنَّ بالتوبة من أخذهم القروض الربوية، كما تنصحونهم بتقوى الله وتذكرونهم باليوم الآخر، ووجوب إعطائكن حقوقكن، وليكن هذا قبل رفع الأمر للجهات الشرعية التي تضع الأمور في نصابها، وتحصل لكن حقوقكن، فلعلهم أن يتوبوا ويُرجعوا الحقوق من غير حاجة لرفع قضية، وكما ننصحكم أيضاً بتوسيط أهل الخير بينكن وبين أشقائكم لإرجاع الحق لأهله، فإن لم يستجيبوا لهذا ولا ذاك: فأنتم معذورون برفع قضية عليهم لاسترجاع حقكن المسلوب. فإن عجزتم عن نيل حقكم في الدنيا، ففي الآخر تقضى المظالم، لا بالدرهم ولا بالدينار، فلا شيء من ذلك كله هناك، ولا قيمة له لو أنه كان موجودا، بل بما هو أغلى وأعز: بالحسنات والسيئات: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لِأَخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَخِيهِ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ) . رواه البخاري (6543) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127188 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5739 مات الزوجان وبنتهما على الترتيب في حادث فكيف تقسم تركتهم ودياتهم؟ [السُّؤَالُ] ـ[السلام عليكم في حادث سيارة توفيت العائلة جميعها المكونة من ثلاث أفراد أب وأم وطفله حسب الترتيب التالي أولا الأم ثانيا الأب ثالثا الابنة الأم لها أب وأم وإخوة وأخوات الأب له أم وأخوات وأخ السؤال من يأخذ الدية الشرعية وكيف توزع الدية وباقي التركة والأموال]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان المتسبب في الحادث من غير هؤلاء كسيارة أخرى، وكان المقصود بالأب والأم: الزوج والزوجة، وقد ماتوا على الترتيب الذي ذكرت، فإن المتأخر منهم موتاً يرث المتقدم، وتضاف دية كل ميت إلى تركته، وتقسم على ورثته. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " إذا مات متوارثان فأكثر بهدم أو غرق أو حرق أو طاعون أو نحو ذلك فلهما خمس حالات: إحداهن: أن يتأخر موت أحد المتوارثين ولو بلحظة فيرث المتأخر إجماعا ... إلخ " انتهى من "الفوائد الجلية في المباحث الفرضية". وعليه؛ فإن دية الزوجة وبقية تركتها تقسم كما يلي: لزوجها: الربع، لوجود الفرع الوارث. ولبنتها (الطفلة) : النصف. ولأبيها السدس. ولأمها السدس. ولا شيء لإخوانها وأخواتها؛ لحجبهم بالأب. ويلاحظ في هذه المسألة أن نصيب الورثة أكثر من الواحد الصحيح، وهو ما يسمى عند العلماء بـ "العَوْل" فيدخل النقص على جميع الورثة تحقيقاً للعدل، فعند تقسيم التركة، تقسم التركة 13 جزءاً متساوياً: للزوج منها 3، وقد كان له في الأصل: الربع: 3 أجزاء من 12. وللبنت: 6. وللأم: 2. وللأب: 2. ودية الزوج وبقية تركته - ومنها الربع الذي استحقه من تركة زوجته -، يقسم كما يلي: لبنته: النصف. ولأمه: السدس. ولأخيه وأخواته: الباقي، تعصيبا للذكر مثل حظ الأنثيين. ودية الطفلة وما أخذته من تركة وديتي أبيها وأمها، يقسم بين ورثتها الأحياء، ولا وارث هنا غير جدتيها وعمها (أخو أبيها) . وأما عماتها وخالاتها فهن من ذوات الأرحام، فلا يرثن مع وجود العصبة. ولا شيء كذلك للجد (أبو الأم) ، ويعتبر من ذوي الأرحام. فللجدتان (أم الأب، وأم الأم) : السدس، يقتسمانه بالسوية. والباقي للعم تعصيباً. وينبغي الرجوع في ذلك للمحكمة للتأكد من انحصار الورثة فيما ذكرت. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126997 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5740 ماتت وتركت زوجا وأولادا وأبوين غير مسلمين [السُّؤَالُ] ـ[ماتت زوجتي وتركت بنتاً وولدين وزوجاً (أنا) وثلاث أخوات مسيحيات وأخوين أحدهما مسيحي وأب وأم غير مسلمين كذلك. فكيف نتقاسم تركتها وما هي نسبة كل واحد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كانت الزوجة مسلمة فلا يرثها غير ورثتها المسلمين؛ لما روى البخاري (6764) ومسلم (1614) عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ) . قال شيخ الإسلام رحمه الله: " وقد اتفق المسلمون على أن الكافر لا يرث المسلم , ولا يتزوج الكافر المسلمة " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (3/130) . وتقسم تركتها كما يلي: للزوج (وهو أنت) الربع؛ لوجود الفرع الوارث (الأولاد) . قال تعالى: (فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ) النساء/12. والباقي للبنت والولدين، للذكر مثل حظ الأنثيين؛ لقوله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) النساء/11. ولا شيء لأخيها المسلم، لأنه محجوب بوجود الولد الذكر. ولا شيء لأبيها وأمها غير المسلمين كما سبق. ولتقسيم التركة على الورثة، فإنها تقسم إلى 60 جزءا متساوية، للزوج منها 15، ولكل ابن 18، وللبنت 9. وإذا كانت الزوجة غير مسلمة، فلا يرثها إلا من كان على دينها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126413 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5741 هل يجوز توزيع ميراث من أصيب بفقدان الذاكرة أو مرض الموت؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز تقسيم أموال رجل معه مرض " الزهايمر " - ضعف شديد في الذاكرة، والإدراك - على ورثته؟ ما هو الحكم الشرعي في هذه الحالة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز لأحدٍ أن يرث من تُعلم حياته، حتى لو كان مريضاً بفقدان الذاكرة، أو سقط تكليفه لكبَر أو خرَفٍ، أو فقدان الذاكرة، أو ضعف البدن، بل وكذلك الأمر لو كان في مرض الموت؛ لأن من شروط الإرث المتفق عليها بين العلماء: موت المورِّث، إما حقيقة، أو حُكماً كحال المفقود الذي لا يُعلم عنه خبر، أو تقديراً كحال الجنين الذي تُضرب أمه فيورث ذلك الجنين من ديته، فيقدَّر حيّاً، ثم يقدَّر أنه مات لتورث عنه تلك الدية. وفي " الموسوعة الفقهية " (3 / 22) : وللإرث شروط ثلاثة: أولها: تحقق موت المورِّث، أو إلحاقه بالموتى حكماً، كما في المفقود إذا حكم القاضي بموته، أو تقديراً، كما في الجنين الذي انفصل بجناية على أمه توجب غرَّة. ثانيها: تحقق حياة الوارث بعد موت المورث، أو إلحاقه بالأحياء تقديراً، كحمل انفصل حيّاً حياة مستقرة لوقت يظهر منه وجوده عند الموت ولو نطفة. ثالثها: العلم بالجهة المقتضية للإرث، من زوجية، أو قرابة، أو ولاء، وتعين جهة القرابة، من بنوة، أو أبوة، أو أمومة، أو أخوة، أو عمومة، والعلم بالدرجة التي اجتمع الميت والوارث فيها. انتهى وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: أما موت المورِّث: فلقوله تعالى: (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَك) النساء/ من الآية 176، والهلاك: الموت، وتركه لماله لا يكون إلا بعد انتقاله من الدنيا إلى الآخرة. ويحصل تحقق الموت بالمعاينة، والاستفاضة، وشهادة عدلين. وأما الموت حكماً: فذلك في المفقود إذا مضت المدة التي تحدد للبحث عنه؛ فإننا نحكم بموته إجراء للظن مجرى اليقين عند تعذره؛ لفعل الصحابة رضي الله عنهم. " تسهيل الفرائض " (ص 18، 19) . وعليه: فلا يجوز تقسيم مال الرجل المصاب بمرض " الزهايمر " ولا غيره من الأمراض ما دام أنه على قيد الحياة. ثم إننا نشير هنا إلى أمرين يتعلقان بذلك: 1. أنه من المحتمل أن يكتب الله تعالى لهذا المريض الشفاء. 2. أنه من المحتمل وفاة أحد الورثة قبل ذلك المريض،، فيكون من مات من الورثة قبل وارثه مات معه نصيبه من الميراث، وإذا كان قد أخذ ميراثه من ذلك المورِّث الحي: يكون قد أخذ ما لا يحل له من المال. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126327 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5742 ماتت عن زوج وبنتين وأختين وجدة وخال وخالتين [السُّؤَالُ] ـ[هلكت امرأة عن زوج وبنتين وأختين وخالتين وخال وجدة. فكيف توزع التركة؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا ماتت المرأة وتركت زوجا وبنتين وأختين وخالتين وخالا وجدة فإن التركة توزع كما يلي: للزوج الربع، لوجود البنات، قال الله تعالى: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ) النساء/12. وللبنتين: الثلثان، لقوله تعالى: (فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ) النساء/11. وللجدة: السدس. ولا شيء للخالتين ولا للخال لأنهم من ذوات الأرحام. ولا شيء للأختين لأنهما إنما يرثان في هذه الحالة ما بقي بعد أصحاب الفروض، وهنا لم يبق شيء، بل زادت الفروض عن التركة، وهو ما يسميه العلماء "العَوْل". ولتقسيم التركة فإنها تقسم إلى ثلاثة عشر جزءاً متساوياً: للزوج منها 3، وللبنتين 8، وللجدة 2. ويلاحظ أن نصيب كل وارث قد نقص عن الفرض المحدد له شرعاً، وذلك بسبب العول الذي حصل في المسألة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126233 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5743 قيل إن خالها اقترض من أمها قبل وفاتها لكنه أنكر ثم أعطاها المال هدية [السُّؤَالُ] ـ[توفت والدتي رحمها الله منذ سنين، وعندما ماتت قيل إنها كانت تقرض لأخيها مبلغ من المال قيل إنه عشرين وقيل من جهة أخرى إنه عشرة، وعندما واجهه خال بذلك الكلام أنكر ذلك الموضوع بشدة، ومع العلم أنه لا يوجد ما يثبت هذا الكلام، ومن ضمن ما سمعنا أنه عندما ذهب ليرجعها هذا المال لأنها كانت مريضة رفضت وقالت: إذا توفاني الله أعطهم إلى ابنتي عندما تتزوج (وهي أنا) ، وهذا من ضمن ما سمعنا والله اعلم إن كان من حكاوي هؤلاء الناس أم لا، وعندما كان يقابلني خالي هو كان من يفتح ذلك الموضوع ويقول إنها لم تعطني شيئا ويضحك ويقول (إنها لم تكن تملك شيئاً) ، مع العلم أنها كانت تملك مبلغاً لا نعلم عدده بالتحديد، حتى أبي لا يعلم، وعندما جاء موعد زواجي وبالتحديد قبلها بيوم كان في بيتنا وطلب مني مصحفاً وأمسكه وأمام أبي وعمي وخالي الثاني وأمامي حلف بالله أنه ما سوف يعطيني إياه من حر ماله وليس رد دين، وفعلاً جاءني بعد فرحي وقد وضع لي مبلغاً في بنك (عشره آلاف) وقال لي هذا مني لك، والدتك لم تعطني إلا مبلغاً هدية عند زواج أولادي الثلاثة (نقطه) لكل منهم وهذا رداً له وزيادة مني لك، وأيضا حسابات قديمة هدايا كانت تعطيها لي ولم أدفع ثمنها، وعندما قلت له: إنني كنت أسمع بأنه دين، وهذا حرام إن كنت لا اقتسمه مع إخوتي. يقول: هذا لم يكن كذلك، إنه مني لك وانتهى على ذلك، وإني في حيرة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا لم يكن لديكم ما يثبت أن والدتك أقرضت خالك، وحلف هو بالله أنه لم يأخذ منها شيئاً، فالأصل أن يصدّق، لما روى البخاري (4552) ومسلم (1711) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) . وروى ابن ماجه (2101) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلاً يَحْلِفُ بِأَبِيهِ، فَقَالَ: (لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، مَنْ حَلَفَ بِاللَّهِ فَلْيَصْدُقْ، وَمَنْ حُلِفَ لَهُ بِاللَّهِ فَلْيَرْضَ، وَمَنْ لَمْ يَرْضَ بِاللَّهِ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ) والحديث حسنه الحافظ ابن حجر في فتح الباري. وقد أصبت في أن هذا المال لو كان دَيْناً فإن يكون ملكاً لجميع الورثة، إخوتك ووالدك كذلك، ولكن هذا لم يثبت. وعلى هذا؛ فلا حرج عليك في قبول هذه الهدية اعتماداً على قَسَم خالك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126202 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5744 ورثوا منزلا وسكن فيه بعضهم وعليه تكاليف سنوية للبلدية فمن يدفعها [السُّؤَالُ] ـ[لقد ورث ستة أشخاص منزلا عن والدهم , أربعة منهم يعيشون في المنزل , وهناك تكاليف سنوية تٌدفع لمجلس البلدية، وذلك للملكية. فمن يجب عليه الدفع من هؤلاء الورثة؟ وهل هناك أي مسألة متعلقة بهذا الأمر؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما تركه الميت من منزل أو غيره يكون ملكا لورثته، يقسم بينهم كما أمر الله تعالى، فإن أبقاه الورثة دون قسمة، ولم يكونوا جميعا يسكنون البيت؛ فالأصل في هذه الحالة: أن يدفع الإخوة الذين يسكنون البيت أجرة سكنهم فيه كاملة. وحينئذ: لن تكون هناك مشكلة في تكاليف البلدية التي تدفع لأجل الملكية، لأنها ستدفع من هذا المال، الذي هو أجرة السكن، ثم يقسم الباقي على الورثة جميعا، بمن فيهم السكان، كل حسب نصيبه. فإن لم يدفع السكان أجرة سكنهم، فمن الممكن أن الورثة على أن يتحمل السكان الأربعة تكاليف البلدية وحدهم، مقابل سكنهم في البيت؛ لأن من حق بقية الورثة أن يطالبوهم بدفع أجرة على ذلك. فإن أبوا دفع تكاليف البلدية، فلباقي الورثة المطالبة بقسمة المنزل أو بيعه، أو إلزام الساكنين بدفع أجرة السكن. ونصيحتنا: أن يتم تقسيم المنزل، ثم لمن شاء من الورثة أن يتبرع بنصيبه لأخيه، أو أن يسكنه فيه بلا أجرة، أو يؤجره عليه، أو يبيعه له، فليفعل، وهذا خير من تركه بلا قسمة، وربما كان سكوت بعضهم عن المطالبة بالقسمة حياء من إخوانه، لكن ما أخذ بسيف فهو حرام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اسْمَعُوا مِنِّي تَعِيشُوا: أَلَا لَا تَظْلِمُوا، أَلَا لَا تَظْلِمُوا، أَلَا لَا تَظْلِمُوا؛ إِنَّهُ لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ) . رواه الإمام أحمد في مسنده (20172) ، وصححه الألباني. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125953 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5745 مات الرجل عن زوجتين وخمسة أولاد وبنت ثم ماتت الأولى وأحد أبنائها [السُّؤَالُ] ـ[رجل توفي وترك زوجتين. الأولى لها ولدان والثانية لها بنت وثلاثة أولاد. بعد وفاته بمدة قصيرة ماتت الزوجة الأولى واحد ولديها. أي بقي على قيد الحياة ولد وحيد (من الزوجة الأولى) والزوجة الثانية وأبناؤها. كيف يقسم الإرث في هده الحالة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا مات الرجل عن زوجتين وخمسة أولاد وبنت، ولم يترك ورثة غير هؤلاء، فليس لديه أب ولا أم ولا جد، فلزوجتيه: الثمن، يشتركان فيه. قال تعالى: (فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ) النساء/12 والباقي يقسم بين الأبناء: للذكر مثل حظ الأنثيين؛ لا فرق بين أبناء زوجة وأخرى. وتقسم التركة ـ هنا ـ ثمانية أسهم: للزوجتين منها واحد، والباقي وهو 7 يقسم على الأولا، وتصح المسألة من 176 للزوجتين منها 22، والباقي للأولاد. فنصيب كل زوجة = التركة × (11 ÷ 176) ونصيب البنت = التركة × (14 ÷ 176) ونصيب كل ذكر = التركة × (28 ÷ 176) . ثانيا: إذا ماتت الزوجة الأولى، ورثها ورثتها وهم الولدان – وأبوها وأمها وجدتها إن وجدوا -، ولا شيء لأولاد الزوجة الثانية. ثم إذا مات أحد أبناء الأولى، فإن تركته تنتقل إلى ورثته، فينظر هل له أولاد وزوجة أم لا، فإن لم يكن فتركته كلها لأخيه. وإن ماتت الزوجة الأولى مع أحد أبنائها في لحظة واحدة، لم يرث هذا الابن من أمه، ويكون ميراثهما لورثتهما، فميراث الزوجة لابنها الحي، ولمن وجد من أبيها أو أمها أو جدتها. وميراث الولد كله لأخيه – إذا لم يكن له ولد ولا زوجة - كما سبق. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125916 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5746 إذا ماتت وتركت ولدا وبنتا [السُّؤَالُ] ـ[مات والدي وترك وراءه والدتي وأختي وأنا، ولم يخلف لنا شيء كتركه. إلا أني أتسأل في حال أننا نريد أن نقسم التركة التي ستتركها والدتي لنا بعد عمر طويل ان شاء الله، فكيف تقسم هذه التركة، هل تقسم مناصفة بيني وبين أختي، أم ثلثين لي وثلث لأختي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا مات الرجل أو المرأة وترك أولادا ذكورا وإناثا، فللذكر مثل حظ الأنثيين؛ لقوله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) النساء/11. وعليه فلو ماتت والدتك ولم يكن لها ورثة غيرك وأختك، أي ليس لها أب أو أم أو جد، فإن تركتها تقسم بينكما، ويكون لك ضعف ما لأختك، فلك الثلثان ولها الثلث، وإن كان لها وارث غيركما، أخذ نصيبه، ثم قسم الباقي بينك وبين أختك كما سبق، أي لك ضعف ما لها. على أننا لا ننصح بتعجل السؤال عن هذا الآن، وإنما ينظر في التركات وقسمتها حسب واقعها حين الوفاة، ولا أحد يدري من سيرث الآخر، وما يكون حاله في غد؛ إلا الله. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125798 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5747 مات وترك زوجة وأمًّا وبنات وإخوة وأخوات [السُّؤَالُ] ـ[إذا مات رجل وترك مبلغا وقدره مائة وأربعون ألف ريال وله زوجة وأم وأربع بنات وأربع شقيقات وخمسة أشقاء كم نصيب كل واحد منهم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا مات الرجل وترك زوجة وأمًّا وأربع بنات، وخمسة إخوة أشقاء، وأربع أخوات شقيقات، فإن التركة تقسم كما يلي: للزوجة: الثمن؛ لوجود الفرع الوارث وهن البنات، قال تعالى: (فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ) النساء/12. وللأم السدس لوجود الفرع الوارث وهن البنات، قال تعالى: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ) النساء/11. وللبنات: الثلثان؛ لقوله تعالى: (فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ) النساء/11. وللإخوة والأخوات الشقيقات: الباقي تعصيبا، للذكر مثل حظ الأنثيين. ولتقسيم التركة على الورثة هنا فإن التركة تقسم إلى 336 جزءاً متساوية. للزوجة منها 42، وللأم 56، وللبنات 224، لكل بنت 56، ولكل أخ شقيق 2، ولكل أخت شقيقة 1. وإذا كانت التركة 140000 ريال، فإنها تقسم كما يلي: للزوجة 140000 × (42 ÷ 336) = 17500 ريال. وللأم 140000 × (56 ÷ 336) = 23333.3 ولكل بنت 140000 × (56 ÷ 336) = 23333.3 ولكل أخ شقيق 140000 × (2 ÷ 336) = 833.3 ولكل أخت شقيقة 140000 × (1 ÷ 336) = 416.6 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125253 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5748 إذا مات الخاطب قبل العقد فهل ترثه المخطوبة؟ [السُّؤَالُ] ـ[خطب رجل امرأة ووافق أقاربها على ذلك واتفقوا معه على المهر ولكنه لم يدفعه ثم مات الخاطب فما حكم ذلك؟ وهل ترثه المرأة المذكورة وتحاد عليه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كان الواقع هو ما ذكرتم في السؤال ولم يجر عقد النكاح بينهما بالإيجاب من الولي والقبول من الزوج مع توفر الشروط المعتبرة وخلو الزوجين من الموانع فإن المرأة المذكورة لا ترث وليس عليها عدة ولا حداد، لأنها ليست زوجة لخاطبها، بل هي أجنبية منه، لكونه لم يتم له عقد النكاح الشرعي، وإنما حصلت منه الخطبة والاتفاق مع أقاربها على المهر فقط، وهذا وحده لا يعتبر نكاحاً، وليس في هذا خلاف بين أهل العلم رحمهم الله وإن كان أهل المخطوبة قد قبضوا منه مالا فعليهم رده إلى ورثته" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله. "فتاوى إسلامية" (3/124) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125095 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5749 توفي وترك زوجة وابنا وثلاث بنات ثم ماتت الزوجة [السُّؤَالُ] ـ[توفي الأب قبل خمس سنين وقد قسم الميراث عندما كان على قيد الحياة، والآن بعد خمس سنين فكر الأولاد في سهمهم في الميراث والآن ما بقى إلا بيت، ويوجد في العائلة الآن ولد وثلاث بنات، وتوفيت الزوجة أثناء هذه الفترة، فكيف يقسمون ميراث هذا البيت؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كانت التركة التي خلّفها الميت دون تقسيم هي البيت، ويريد الورثة تقسيمه الآن ففي ذلك تفصيل: إذا كانت الزوجة أما للأولاد المذكورين فإن نصيبها من التركة يقسم بينهم، فيقسم البيت كله بين الولد الذكر والبنات الثلاث، للذكر مثل حظ الأنثيين، فيجعل البيت على خمسة أسهم، لكل بنت سهم، وللذكر سهمان. فنصيب البنت = التركة ÷ 5 ونصيب الذكر = التركة ÷ 5 × 2 وإن كانت الزوجة ليست أما لهم، فإن نصيبها وهو الثُمْن يذهب لورثتها، ويقسم باقي البيت على الأولاد للذكر مثل حظ الأنثيين. ولتقسيم البيت على الورثة فإنه يقسم إلى أربعين جزءاً متساوية، سواء قُسِّم بالأمتار أو بيع البيت وقُسِّم ثمنه. للزوجة منها الثمن وهو خمسة أسهم. ولكل بنت سبعة أسهم. وللابن أربعة عشر سهماً. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 124296 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5750 إذا مات وترك بنات مع إخوة وأخوات شقيقات وأخت لأب [السُّؤَالُ] ـ[توفي رجل متزوج وله أربع بنات ووالدته وخمسة إخوة وأربع أخوات والخامسة أخته من أبيه هل لها نصيب في القسمة، وما هو نصيب كل واحد منهم؟ وكيف القسمة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا مات الرجل وترك زوجة وأما وأربع بنات، وخمسة إخوة، وأربع أخوات شقيقات، وأختا لأب، فلا شيء للأخت لأب؛ لأنها محجوبة بالإخوة الأشقاء. وتقسم التركة كما يلي: للزوجة: الثمن؛ لوجود الفرع الوارث وهن البنات، قال تعالى: (فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ) النساء/12. وللأم السدس، لوجود الفرع الوارث وهن البنات، قال تعالى: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ) النساء/11. وللبنات: الثلثان؛ لقوله تعالى: (فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ) النساء/11. وللإخوة والأخوات الشقيقات: الباقي تعصيبا، للذكر مثل حظ الأنثيين. فتقسم التركة أربعة وعشرين جزءاً، للزوجة منها الثمن: 3، وللأم السدس: 4، وللبنات الثلثان: 16، وللإخوة والأخوات الأشقاء الباقي: 1 يقتسمونه بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 123577 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5751 مات والده وعمه ثم ماتت جدته فهل يرث منها [السُّؤَالُ] ـ[أريد الاستفسار عن كيفية تقسيم الميراث بالطريقة الشرعية في هذه الحالة: أبي وعمي توفيا، وكانت أمهم على قيد الحياة. ثم توفيت بعدهم بفترة قصيرة، ويوجد لديها ثلاث بنات على قيد الحياة هن عماتي. وترك أبي وعمي منزلا باسمهما مناصفة لدى أبي رحمه الله ذكران وأمي، ولدى عمي ذكران وبنتان وزوجة. هل يكون لعماتي نصيب في الميراث؟ وهل نحن نرث في جدتي؟ وجزاكم الله كل خير.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: ميراث أبيك يقسم بين ولديه الذكرين وزوجته وأمه، ولا شيء للعم ولا لأولاده ولا للعمات من ميراث أبيكم، لأنهم محجوبون بوجود الابن الذكر. فللأم السدس، وللزوجة الثمن، والباقي للولدين الذكرين. وميراث عمك يقسم بين أولاده الذكور والإناث وزوجته وأمه، ولا شيء لكم ولا لعماتكم من ميراث عمكم. فللأم السدس، وللزوجة الثمن، والباقي بين الأولاد للذكر مثل حظ الأنثيين. وبهذا يتبين أن لجدتك نصيبا من تركة أبيك، ونصيبا من تركة عمك، وهو السدس من كل منهما، فيكون نصيبها من البيت السدسان أي الثلث. فإن كان لوالدك أو لعمك مال آخر، سوى البيت، فإنها تأخذ نصيبها فيه أيضا. ثانيا: إذا ماتت الجدة، فتركتها لورثتها، وهم: بناتها الثلاث ولهم الثلثان، والباقي يكون لبنات ابنيها وإخوانهم الذكور تعصيبا، للذكر مثل حظ الأنثيين. وعليه فثلث تركة الجدة يكون بين الذكور الأربعة والبنتين. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 122910 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5752 توفي وترك أبا وأخا وأولاداً [السُّؤَالُ] ـ[أبى توفى ولي ثلاثة إخوة ذكور، وأنا البنت الوحيدة، وعمي ليس لديه ذكور، وجدي أبو أبى عايش على قيد الحياة، هل لنا حق من الميراث؟ وللعلم الميراث بيت مكون من أربع طوابق.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا انحصر الورثة في هؤلاء، فلم يكن لأبيك زوجة على قيد الحياة، ولا أم، فإن التركة تقسم كما يلي: لأبيه (جدك) : السدس. ولأولاده (أنت وإخوانك) : الباقي، للذكر مثل حظ الأنثين. وأما الأخ (عمك) فليس له شيء، لأنه محجوب بوجود أبي الميت وأبنائه الذكور. ولتقسيم التركة على الورثة، يقسم البيت المذكور ـ أو ثمنه إن تم بيعه ـ إلى 42 جزءاً متساوياً، لجدك منها 7، ولك 5، ولكل واحد من إخوانك 10. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 122592 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5753 ماتت أمهم ولها أرض ثم مات أبوهم بعد أن تزوج وأنجب فكيف تقسم الأرض؟ [السُّؤَالُ] ـ[الأم لها قطعة أرض60 متر ولها (5) أولاد ذكور، والزوج موجود، ثم ماتت الأم وتزوج الأب ورزق بـ (3) أولاد: ذكرين وأنثى، والأم موجودة ومات الأب. كم يرث كل واحد من هذه الأسرة من قطعة الأرض؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا ماتت الزوجة وتركت: زوجا وخمسة أولاد ذكور، وانحصر الورثة في هؤلاء، فلم يكن لها أب أو أم على قيد الحياة، وكانت التركة قطعة أرض60 مترا، فإن التركة تقسم كما يلي: للزوج الربع، لوجود الأبناء. قال تعالى: (فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ) النساء/12. وللأولاد الباقي. فيكون نصيب الزوج [والدك] من الأرض 15 مترا، ونصيب كل ابن 9 أمتار. فإذا مات والدك بعد ما تزوج وأنجب فيقسم ميراثه من الأرض (15 متراً) كالتالي: إذا مات الزوج، وترك زوجة (الزوجة الثانية) ، وسبعة أبناء ذكور وأنثى واحدة (وهم أولاده من الزوجتين) وانحصر الورثة في هؤلاء، فلم يكن له أب أو أم على قيد الحياة، فإن التركة تقسم كما يلي: للزوجة الثمن؛ لوجود الأولاد. قال تعالى: (فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ) النساء/12. والباقي للأولاد، للذكر مثل حظ الأنثين. فنصيب الزوجة من قطعة الأرض (15 مترا) = 1.875 مترا. ونصيب البنت = 0.875 مترا. ونصيب كل ذكر = 1.75 مترا. وبهذا تعلم أن الأولاد من الزوجة الأولى، يرثون من أمهم أولا، ثم يرثون من نصيب أبيهم ثانيا. ولهذا فنصيب كل ذكر من أولئك الخمسة = 9 + 1.75 = 10.75 مترا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 122166 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5754 تصرف أحد الورثة في التركة مع سكوت الباقين [السُّؤَالُ] ـ[توفي أبي ولديه مزرعة نخيل، عرضت على إخوتي أن نتقاسم تكاليفها، فرفضوا فصرت أتحمل تكاليفها من سقي وراتب عامل لوحدي، وفي نهاية العام آخذ المحصول لوحدي، وإخوتي لم يعارضوني في ذلك والتزموا الصمت، ولم أر منهم أي تصرف يدل على عدم رضاهم، فهل ما آخذ من محصول حلال علي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما تركه الميت من مزرعة وغيرها حق لجميع الورثة، فلا يجوز لأحد التصرف في شيء من ذلك إلا بإذنهم، لكن إن علم إخوانك بما تقوم به من السقي والرعاية وإحضار العامل وأخذ المحصول، ولم يعترضوا عليك، وكانوا راشدين، فسكوتهم يعتبر إذنا لك في التصرف في نصيبهم من المزرعة، ولا حرج عليك حينئذ في أخذ المحصول، إلا أن يغلب على ظنك أن سكوتهم أو سكوت بعضهم إنما هو حياء منك - خاصة إن كن نساء - فلا يجوز لك أن تتصرف في نصيب من هذا حاله، ويلزمك أخذ إذنه أو الاتفاق معه على أن يكون له نسبة من المحصول؛ لأن ما أخذ بسيف الحياء فهو حرام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ) رواه أحمد (20172) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (7662) . وينظر في تحريم ما أخذ بسيف الحياء: "تحفة المحتاج" (6/317) . وإن كان فيهم صغار غير راشدين، فسكوتهم أو إذنهم لا يعتبر، فإن أذن لك وليهم، فإنك تعتبر أجيرا في نصيبهم، فتأخذ أجرتك بعد بيع المحصول، وترد لهم بقية نصيبهم، وأجرتك يلزم تحديدها ابتداء، وأما مضى فلك فيه أجرة المثل. والأصل في ذلك أن غير الراشد لا يصح تبرعه، وليس لوليه أن يتبرع بماله، بل ينميه ويستثمره له فيما يعود عليه بالمصلحة. والذي ننصحك به هو التكلم مع إخوانك وأخذ الإذن الصريح من الراشدين منهم، وعدم الاكتفاء بسكوتهم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120375 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5755 كتب له أبوه أرضا لينفق منها على أخواته فهل تدخل في التركة؟ [السُّؤَالُ] ـ[تزوج أبي امرأة وأنجب منها 3 أولاد وبنتين، وسافر للعمل فكان يعمل ويرسل لها لتنفق على أبنائها وتشتري أراضي، وعندما عاد ردت له قسما منها وبقي له عندها 10 دونمات ورثها أبناؤها بعد وفاتها، ثم تزوج أمي وأنجب منها 4 بنات وولدين أنا وأخي فكتب لنا أبي أنا وأخي 45 دونم عندما كنا في سن 6 سنوات، وعندما بلغنا أخبرنا أبي أنه كتب لنا هذه الأرض لكي ننفق على أخواتنا الشقيقات وليس (غير الشقيقات) لأنهن كن متزوجات، أما أخواتي فكن صغاراً. وقد أنفق أبي على إخوتي الذكور حتى درسوا وتزوجوا واستقروا، أما أنا فلم أدرس، وقد كنت أنفق على أخواتي حتى تزوجن وأمي وأبي العاجز منذ سن 19 سنة حتى سني هذا 33 سنة، مع العلم أن أخي الثاني لا ينفق على أخواتي، حتى إنني كنت أنفق عليه أيضاً، وعندما بلغت سن 25 سنه توفي أبي وبقيت أنفق عليهم، وعندما بلغت سن 23 سنه باع أبي من أرضه التي باسمه وساعدني بالمصروف وساعدني ببناء بيتي الصغير، وعندما كنت أطلب من إخوتي المساعدة بالمصروف رفضوا بحجة أن أبي كتب لي الأرض لكي أنفق على أهلي، وبعد وفاة أبي ورثنا جميعاً من أبي الذي كان له 10 دونمات. فهل يجب علي رد هذه الأراضي لإخوتي جميعاً حسب الشريعة والميراث أم تبقى لي أم ماذا أفعل؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يلزم الأب أن يعدل بين أولاده في العطية، كما يلزمه إذا قسم تركته في حياته أن يقسمها كما أمر الله تعالى؛ لما روى البخاري (2586) ومسلم (1623) عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: (إِنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي نَحَلْتُ [أي: أعطيت] ابْنِي هَذَا غُلَامًا كَانَ لِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَهُ مِثْلَ هَذَا؟ فَقَالَ: لَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَارْجِعْهُ " وفي لفظ لمسلم (1623) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا بَشِيرُ، أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ: أَكُلَّهُمْ وَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَلَا تُشْهِدْنِي إِذًا، فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ) . وينظر جواب السؤال رقم (22169) . وأما النفقة فإنها تكون بحسب حاجة الابن المنفق عليه، فمن احتاج للدراسة أو الزواج أعطاه ما يكفي لسد حاجته، ولا يلزمه أن يعطي غيره ممن لا يحتاج لذلك، بل ليس له أن يعطيه حينئذ أو أن يوصي له بذلك. وكون والدك أعطاك هذه الأرض لتنفق منها على أخواتك، ثم عليه وعلى والدتك، لا حرج فيه إذا كان على سبيل الانتفاع لا التمليك، فله أن يمكنك من الانتفاع بالأرض والقيام عليها، لتقوم بالنفقة، وليس له أن يخصك بملكية هذه الأرض دون غيرك من أولاده. وعليه؛ فإذا مات الوالد وجب تقسيم تركته على جميع الورثة كما أمر الله، ومن هذه التركة: الأرض التي كتبها باسمك واسم أخيك، فعليك أن تبادر بذلك، وأن تعلم أن هذا من إقامة الواجب، ومن الإحسان للأب حتى لا يلحقه إثم الظلم والجور. وقليل من المال الحلال يبارك فيه، خير من أضعافه من المال الحرام الذي تمحق بركته. نسأل الله تعالى أن يوفقك لطاعته ومرضاته، وأن يغنيك بحلاله عن حرامه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 119216 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5756 توفيت عن زوج وخمسة أبناء وأربع بنات [السُّؤَالُ] ـ[توفيت الأم عن زوجها وخمسة أبناء وأربع بنات، وهي تملك بعض الأموال والذهب والأراضي. كيف يكون تقسيم المال والذهب والأراضي؟ هل يجوز إذا اتفقنا جميعاً على أن نتصدق بالمال كصدقة جارية عن أمنا؟ وهل يجوز أن نتنازل نحن الذكور بما فيهم الوالد عن الذهب ليكون من نصيب الإناث؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا توفيت المرأة عن: زوج وخمسة أبناء وأربع بنات، فإن التركة تقسم كما يلي: للزوج الربع، لقوله تعالى: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ) النساء/12. وللأولاد: الباقي، للذكر مثل حظ الأنثيين، لقوله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) النساء/11. وعند تقسيم التركة على الورثة، تقسم التركة إلى 56 جزء متساوية، ويكون نصيب الزوج منها 14 ونصيب كل ابن 6 ونصيب كل بنت 3. فنصيب الزوج = التركة × 14 ÷56 ونصيب كل بنت = التركة × 3 ÷ 56 ونصيب كل ابن = التركة × 6 ÷ 56 ثانيا: للوارث أن يتبرع بنصيبه كأن يجعله وقفا (صدقة جارية) على أمه، بشرط أن يكون بالغا رشيدا، لأن الصغير والسفيه الذي لا يحسن التصرف في المال لا يصح تبرعهما. فلا حرج عليكم من التبرع بجزء من المال أو كله ليكون صدقة جارية عن والدتكم، وهذا من الإحسان إليها. ثالثا: يجوز للورثة الذكور أن يتنازلوا عن نصيبهم من الذهب للورثة الإناث، إذا كانوا بالغين راشدين كما سبق. وتنازل الوالد عن نصيبه من الذهب للبنات، هو من باب العطية والهبة، والأصل أن يعدل الوالد في عطيته بين أولاده فلا يميز الإناث على الذكور، لكن إن كان هذا برضا الذكور، فلا حرج، وهم في ذلك محسنون مثابون إن شاء الله. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118766 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5757 توفي والدها أولا ثم توفي جدها فكيف تقسم التركة؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا فتاة توفى والدي عام 1996، وفي هذا الوقت كان أبو أبي (جدي) على قيد الحياة ولأبي أربع إخوة، و5 أخوات وزوجة واحدة، وهى لا تزال على قيد الحياة ولدي 3 إخوة وأخت واحدة، ولم يقسم ميراث والدي بعد وفاته وتوفى جدي عام 2003 وفي هذا الوقت أيضا لم يكن ميراث أبي قد تم تقسيمه لكن الجميع الآن على قيد الحياة باستثناء جدي، والآن فإن أعمامي (إخوة أبي) يريدون تقسيم ميراث أبي وهناك الكثير من الأملاك. السؤال الأول: طبقا للشريعة كيف يجب تقسيم ميراث أبي بيننا وما هو نصيبي؟ السؤال الثاني: بما أن جدي كان على قيد الحياة عند وفاة والدي بينما أنه لم يعد كذلك في الوقت الذي نقوم فيه بتقسيم الميراث، فهل علينا تقسيم الميراث وتخصيص نصيب لجدي أم علينا أن نحسب الميراث باعتبار أن جدي ليس على قيد الحياة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا مات الميت قسمت تركته على الأحياء من ورثته، وعليه فينظر من هم الورثة عند موت والدك أولا، وقد ذكرت: الجد، وأعمامك وعماتك، والزوجة وأولاده، فالمسألة كما يلي: مات وترك: أبا وزوجة وأولادا ذكورا وإناثا، وإخوة ذكورا وإناثا. فللأب (جدّك) : السدس؛ لقوله تعالى: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ) النساء /11. وللزوجة: الثمن؛ لوجود الأولاد، قال تعالى: (فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ) النساء/12. وللأولاد الباقي، للذكر مثل حظ الأنثيين؛ لقوله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) النساء/11. ولا شيء للإخوة (أعمامك وعماتك) ؛ لأنهم محجوبون بالولد الذكر. ثانيا: يضاف نصيب الجد من هذه التركة (تركة أبيك) إلى بقية أملاكه، وينظر في الورثة الموجودين عند موته، وهم: أربعة أولاد ذكور، وخمس بنات، وأولاد ابن (ذكور وإناث) وهم أنت وإخوانك. وفي هذه المسألة لا شيء لك ولإخوانك؛ لأن أولاد الابن لا يرثون مع وجود أولاد الميت الذكور، فتقسم تركة جدك بين أولاده الذكور الأربعة والبنات الخمس، وهم (أعمامك وعماتك) للذكر مثل حظ الأنثيين. ولعله قد تبين لك أنه عند تقسيم تركة والدك، يكون لجدك نصيب منها، كما سبق؛ لأنه كان حيا عند وفاة والدك. وتبين أيضا أنك وإخوانك لا ميراث لكم من جدكم؛ لأنكم محجوبون بوجود أبنائه الأحياء (أعمامكم) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 117650 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5758 أولاد البنت لا يرثون مع وجود أبناء الإخوة [السُّؤَالُ] ـ[ماتت امرأة وتركت زوجا، وثلاث بنات، وحفيدا وحفيدة لبنت لها توفيت في حياتها، وكان لها ثلاث إخوة ذكور ماتوا كلهم في حياتها، هل أبناؤهم يرثون منها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا ماتت المرأة وتركت: زوجا، وثلاث بنات، وأولاد بنت، وأبناء إخوة، فإن التركة تقسم بين الزوج والبنات وأبناء الإخوة، ولا شيء لأولاد البنت المتوفاة. فللزوج الربع، لوجود البنات، قال تعالى: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمْ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ) النساء/12. وللبنات الثلثان، لقوله تعالى: (فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ) النساء/11. ولأبناء الإخوة الباقي؛ لأنهم عصبة، قال صلى الله عليه وسلم: (أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ) رواه البخاري (6732) ومسلم (1615) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. وأما أولاد البنت المتوفاة، فهم من ذوي الأرحام، وذوو الأرحام لا يرثون مع وجود أصحاب الفروض والعصبات، لأن ما بقي بعد أصحاب الفروض يأخذه العصبة. قال ابن قدامة في "المغني" (6/209) : " فمتى خلّف الميت عصبة , أو ذا فرضٍ من أقاربه , أخذ المال كله , ولا شيء لذوي الأرحام، وهذا قول عامة من وَرَّث ذوي الأرحام " انتهى. ويستحب لمن عنده مال كثير أن يوصي لذوي أرحامه إذا علم أنهم لن يرثوا منه، والوصية تكون بما لا يزيد عن الثلث. وينبغي أن يعلم أن أولاد البنات في هذه الصورة المسؤول عنها تعطيهم بعض القوانين الوضعية نصيب أمهم، التي لو قدر أنها تأخذه لو كانت حية، ويسمون هذا بـ "الوصية الواجبة"، وهذا مخالف للشريعة الإلهية، وتعديل واستدراك عليها، واتهام لها بالنقص. وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال رقم (98018) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 117170 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5759 هل يجوز إخفاء بعض التركة حتى لا يطبق فيها قانون الوصية الواجبة [السُّؤَالُ] ـ[لا يخفى عليكم ما يعمل به في بعض البلدان الإسلامية من العمل بالوصية الواجبة والخاصة بميراث الحفيد من الجد، وعلمنا من فتاوى لكم سابقة أن العمل بهذه الوصية لا يجوز، مع التواصي بالأيتام خيراً، ونحن لدينا نفس هذه المشكلة، فإن أبانا رحمه الله توفي خارج البلد ونحن نقيم في المملكة، وما هو موجود بالمملكة قسم حسب التقسيم الشرعي، ولكن ما هو موجود في البلد الأصلي لا يمكن توزيعه إلا بطريقة الوصية الواجبة، فهل يجوز لنا أن نحاول ببعض الطرق لكي لا نظهر جميع الممتلكات في هذه القسمة، مع العلم أننا نقوم بالإحسان لأبناء أخينا المتوفى قبل الوالد، ومؤمنين لهم السكن، وكذلك المصروف الشهري، وكل ما هم بحاجة إليه. مع العلم أنه من الصعب إقناعهم بتقبل التنازل عما قد يرثونه بهذه الوصية.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب تقسيم التركة كما أمر الله تعالى، فإذا كان للمتوفى أولاد ذكور، وكان له أولاد ابن متوفى، فإن هؤلاء الأحفاد لا يرثون منه؛ لحجبهم بأعمامهم، وما يسمى بالوصية الواجبة لا يصح، ولا يلزم العمل به، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (98018) و (70575) . وإذا كان الأمر كما ذكرتم من أنكم ستلزمون باتباع قانون الوصية الواجبة في حال تقسيم التركة، فلكم أن تخفوا بعض التركة لئلا يلحقها هذا الجور، ومعلوم أن الإنسان مطالب بحفظ ماله، مأمور بالدفع عنه، كما روى مسلم (140) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي؟ قَالَ: فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ. قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي؟ قَالَ: قَاتِلْهُ. قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي؟ قَالَ: فَأَنْتَ شَهِيدٌ. قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ: هُوَ فِي النَّارِ) . وإن رضيتم بإعطائهم ما تطيب به نفوسهم، فحسن، ولكم الأجر إن شاء الله. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 117064 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5760 مات عن ابنين وخمس بنات وترك ست شقق [السُّؤَالُ] ـ[توفي رجل وليس له ورثة سوى (ابنان وخمس بنات) وترك لهم بناية مكونة من 6 شقق.. يريد الورثة معرفة نصيب كل واحد منهم من الشقق مثال (نصيب الولد هل هو شقة كاملة أم شقة ونصف أم ماذا؟؟) وكذلك نصيب البنت، مع العلم أن الشقق تتفاوت في قيمتها. وأرجو النصيحة لمن يتهاون في أموال اليتامى ويعمل على القسمة حسب هواه وليس بالشرع]ـ [الْجَوَابُ] إذا انحصر الورثة في ابنين وخمس بنات، فإن التركة تقسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين، كما قال الله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) النساء/11. فتقسم العمارة تسعة أجزاء متساوية، يكون لكل ابن منها جزاءان، ولكل بنت جزء واحد. ويجب عند التقسيم أن تراعى قيم الشقق، فقد ذكرتَ في سؤالك أنها متفاوتة القيم، وعلى هذا، لا يمكن القول بأن نصيب الابن شقة أو أكثر أو أقل. وهذه القسمة لا يجوز لأحد أن يغير فيها أو يبدل أو يتجاوز في تطبيقها، فإن الله تعالى قسم الميراث بنفسه، وتوعد من خالف فيها فقال بعد ذكر المواريث: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) النساء/13، 14. وإذا كان أحد الورثة صغيرا، وجب الاحتفاظ له بنصيبه، واستُحب لوليه أن ينمّيه له بما يعود عليه بالربح والنفع، ولا يجوز أكله والاعتداء عليه؛ لقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) النساء/10. وأكل مال اليتيم كبيرة من كبائر الذنوب، بل من السبع الموبقات التي هي من أكبر الكبائر، كما روى البخاري (2767) ومسلم (89) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ قَالَ الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ) . وأكل مال اليتيم قد يكون بظلمه حقه في الميراث، أو بالاعتداء عليه بعد القسمة، وكل هذا محرم، وفاعله معرض لغضب الله تعالى وسخطه، فالحذر الحذر من ذلك. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 116069 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5761 ميراث المطلقة الرجعية والبائن وانتقالها إلى عدة الوفاة إذا مات زوجها [السُّؤَالُ] ـ[هناك امرأة مطلقة طلاقا عرفيا (بدون عقد) وعندما توفي زوجها لم تعتد بحجة أنها مطلقة منه إلا أنها ورثت منه. ما الحكم في ذلك?]ـ [الْجَوَابُ] أولا: قولك: " هناك امرأة مطلقة طلاقا عرفيا (بدون عقد) " لعلك تعني به أن طلاقها لم يسجل في الأوراق الرسمية، وعدم تسجيل الطلاق لا يؤثر في الحكم، فليس من شرط وقوع الطلاق أن يتم تسجيله. ثانيا: إذا طلقت الزوجة طلاقا رجعيا وانقضت عدتها، ثم مات زوجها فإنه لا تلزمها عدة الوفاة؛ ولا ترث منه؛ لأنها قد بانت من زوجها بانقضاء عدتها. ثالثا: إذا طلقت الزوجة طلاقا رجعيا، ومات زوجها أثناء عدة الطلاق، فإنها ترث منه، وتنتقل إلى عدة الوفاة، فتعتد أربعة أشهر وعشرا من يوم وفاته؛ لأن الرجعية لا تزال زوجة ما دامت في العدة. رابعا: إذا طلقت الزوجة طلاقا بائنا كالطلقة الثالثة، ثم مات زوجها، وهي في العدة أو بعد انقضاء عدتها، فلا ترث ولا تعتد للوفاة، إلا أن يكون الزوج قد طلقها في مرض موته وكان متهما بقصد حرمانها من الميراث كما سيأتي. هذا حاصل ما قرره أهل العلم في ميراث المطلقة، وفي اعتدادها لوفاة زوجها. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (8/94) : " وإذا مات زوج الرجعية , استأنفت عدة الوفاة , أربعة أشهر وعشرا , بلا خلاف. وقال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على ذلك. وذلك لأن الرجعية زوجة يلحقها طلاقه , وينالها ميراثه , فاعتدت للوفاة , كغير المطلقة. وإن مات مطلق البائن في عدتها , بنت على عدة الطلاق [أي: لا تعتد للوفاة] , إلا أن يطلقها في مرض موته , فإنها تعتد أطول الأجلين من عدة الوفاة أو ثلاثة قروء. نص على هذا أحمد وبه قال الثوري وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن , وقال مالك والشافعي وأبو عبيد وأبو ثور وابن المنذر: تبني على عدة الطلاق ; لأنه مات وليست زوجة له , لأنها بائن من النكاح , فلا تكون منكوحة ... وإن مات المريض المطلّق بعد انقضاء عدتها بالحيض , أو بالشهور , أو بوضع الحمل , أو كان طلاقه قبل الدخول , فليس عليها عدة لموته ... وأما المطلقة في الصحة إذا كانت بائنا , فمات زوجها , فإنها تبني على عدة الطلاق , ولا تعتد للوفاة. وهذا قول مالك والشافعي وأبي عبيد وأبي ثور وابن المنذر " انتهى. وينظر: "الموسوعة الفقهية" (10/291) ، (29/325) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل ترث المرأة المطلقة التي توفي زوجها فجأة وكان قد طلقها وهي في فترة العدة أو بعد انقضاء العدة؟ فأجاب: "المرأة المطلقة إذا مات زوجها وهي في العدة فإما أن يكون الطلاق رجعياً أو غير رجعي. فإذا كان الطلاق رجعياً فهي في حكم الزوجة، وتنتقل من عدة الطلاق إلى عدة الوفاة. والطلاق الرجعي هو أن تكون المرأة طلقت بعد الدخول بها بغير عوض، وكان الطلاق لأول مرة أو ثاني مرة، فإذا مات زوجها فإنها ترثه؛ لقوله تعالى: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) . وقوله تعالى: (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبنية وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً) فقد أمر الله سبحانه وتعالى الزوجة المطلقة أن تبقى في بيت زوجها في فترة العدة، وقال: (لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً) يعني به الرجعة. أما إذا كانت المطلقة التي مات زوجها فجأة مطلقة طلاقا بائناً مثل أن يكون الطلقة الثالثة، أو أعطت الزوج عوضا ليطلقها، أو كانت في عدة فسخ لا عدة طلاق فإنها لا ترث ولا تنتقل من عدة الطلاق إلى عدة الوفاة. ولكن هناك حالة ترث فيها المطلقة طلاقا بائنا مثل إذا طلقها الزوج في مرض موته متهماً بقصد حرمانها، فإنها في هذه الحالة ترث منه ولو انتهت العدة ما لم تتزوج، فإن تزوجت فلا إرث لها " انتهى من "فتاوى إسلامية" (3/53) . وبهذا بالتفصيل الذي ذكرناه يعلم الجواب. وفي حال أخذها ميراثا لا تستحقه فإنه يلزمها رده إلى الورثة، ولا يحل لها التمسك به. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114846 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5762 مات وترك زوجة وأولاداً فهل لبقية الورثة حق في بيت الزوجية؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل للورثة حق شرعي في المنزل الذي يسكنون فيه أم يبقى للزوجة وأولادها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما تركه الميت – بعد تجهيزه وقضاء دينه وإنفاذ وصيته – يعتبر ميراثاً، يستوي في ذلك المنزل الذي كان يسكن فيه هو وأولاده، وغيره من المنازل أو الأراضي أو النقود التي كان يملكها، فجميع ذلك يدخل في التركة، ويقسم كما أمر الله تعالى. وذلك لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ) رواه البخاري (2398) ومسلم (1619) . والمال يشمل جميع ما ذكرنا. وإذا كان في أولاد الميت ذكر، فإنه لا يرث معهم غير الزوجة (زوجة الميت) وأبويه (أبو الميت وأمه) ، بخلاف إخوان الميت وأخواته وأبناء إخوانه وأعمامه وأبنائهم، فإنهم لا يرثون حينئذ، لحجبهم بالولد الذكر. وإذا كان للميت زوجة أخرى أو أولاد من زوجة أخرى، فإنهم يشتركون جميعاً في إرث المنزل. وهذا ما لم يكن الأب (المتوفى) قد وهب المنزل في حياته لزوجته، فإنه يصير ملكاً لها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 113881 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5763 ميراث المطلقة [السُّؤَالُ] ـ[إذا طلق الرجل امرأته ثم مات وهي في العدة، هل ترث منه أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المطلقة لا تخلو من ثلاث حالات: 1- أن يكون الطلاق رجعياً، كالطلقة الأولى أو الثانية. فإن مات زوجها وهي في العدة فإنها ترثه بإجماع العلماء، وذلك لأن المطلقة الرجعية لا تزال زوجته ما دامت في العدة، فإن انقضت عدتها فلا ترث، لأنها صارت أجنبية من الزوج المطلق. 2- أن يكون الطلاق بائناً كالطلقة الثالثة، ويكون الطلاق في حال صحة الزوج. فإن مات زوجها فإنها لا ترثه بإجماع العلماء، لانقطاع الصلة بينها وبين زوجها المطلق. 3- أن يكون الطلاق بائناً كالطلقة الثالثة، ويكون الطلاق في حال مرض الزوج مرض موت، ويكون الزوج متهماً بقصد حرمانها من الميراث، فقد اختلف العلماء في توريثها منه، فذهب الإمام الشافعي إلى أنها لا ترث، وذهب الإمام أبو حنيفة إلى أنها ترث ما دامت في العدة، وذهب الإمام أحمد إلى أنها ترث ما لم تتزوج زوجاً آخر، معاملةً للزوج بنقيض قصده. وانظر: "المغني" (9/194- 196) . وقد اختار مذهب الإمام أحمد في هذا، جماعة من علمائنا المعاصرين، منهم سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ محمد بن عثيمين، والشيخ صالح بن فوزان الفوزان. انظر: "الفوائد الجلية في المباحث الفرضية" للشيخ ابن باز (ص 6) ، "التحقيقات المرضية في المباحث الفرضية" للشيخ صالح الفوزان (ص 33- 36) . وقد سئل فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: هل ترث المرأة المطلقة التي توفي عنها زوجها وهي في فترة العدة أو بعد انقضاء العدة؟ فأجاب: "المرأة المطلقة إذا مات زوجها وهي في العدة فإما أن يكون الطلاق رجعياً أو غير رجعي: فإذا كان الطلاق رجعياً فهي في حكم الزوجة وتنتقل من عدة الطلاق إلى عدة الوفاة، والطلاق الرجعي هو أن تكون المرأة طلقت بعد الدخول بها بغير عوض وكان الطلاق لأول مرة أو ثاني مرة، فإذا مات زوجها فإنها ترثه، لقول الله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) البقرة/228. وقوله تعالى: (يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا) الطلاق/1. فقد أمر الله سبحانه وتعالى الزوجة المطلقة أن تبقى في بيت زوجها في فترة العدة، وقال: (لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا) الطلاق/1. يعني به الرجعة. أما إذا كانت المطلقة التي مات زوجها فجأة مطلقة طلاقاً بائناً مثل الطلقة الثالثة، أو أعطت الزوج عوضاً ليطلقها، أو كانت في عدة فسخ لا عدة طلاق، فإنها لا ترث ولا تنتقل من عدة الطلاق إلى عدة الوفاة. ولكن هناك حالة ترث فيها المطلقة طلاقاً بائناً مثل إذا طلقها الزوج في مرض موته متهماً حرمانها فإنها في هذه الحالة ترث منه ولو انتهت العدة ما لم تتزوج، فإنها إن تزوجت فلا إرث لها" انتهى. "فتاوى علماء البلد الحرام" (ص334) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111905 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5764 الميراث لا يثبت بالرضاع [السُّؤَالُ] ـ[توفيت امرأة وليس لها أحد يرثها من أقاربها، ولكن لها ابن من الرضاع، فهل له نصيب من الميراث؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أسباب الإرث معلومة محددة في الشرع، منها ما أجمع عليه العلماء وهي ثلاثة: عقد الزوجية، القرابة، الولاء (العتق) . وهناك أسباب أخرى اختلف فيها العلماء وهي: المولاة والمعاقدة، إسلامه على يديه، الالتقاط، جهة الإسلام [بمعنى أن بيت المال يرث من ليس له وإرث] . وقد فصَّل فضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان القول في هذه الأسباب في كتابه "التحقيقات المرضية في المباحث الفرضية" (ص 31- 44) . وليس من هذه الأسباب: الرضاع. فمن ماتت وليس لها وارث فإن مالها يذهب إلى بيت مال المسلمين، ولا يستحق ميراثها ابنها من الرضاع. وقد سئل فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: إذا توفيت امرأة ولها مال وليس بعدها وارث وأقرب شخص إليها هو من قامت بإرضاعه رجلاً كان أو امرأة فهل هو أحق بتركتها أم تؤول إلى بيت مال المسلمين؟ فأجاب: "ليست الصلة بالرضاع من أسباب الإرث، فأخوه من الرضاع وأبوه من الرضاع ليس له إرث ولا ولاية ولا نفقة ولا شيء من حقوق القرابات، ولكن لا شك أن له شيئاً من الحقوق التي ينبغي أن يكرم بها، وأما الإرث فلا حق له في الإرث، وذلك لأن أسباب الإرث ثلاثة: القرابة والزوجية والولاء [العتق] ؛ وليس الرضاع من أسبابها. وعلى هذا فالمرأة المذكورة يكون ميراثها لبيت مال المسلمين، يصرف إلى بيت المال، ولا يستحقه هذا الابن من الرضاع" انتهى. "فتاوى علماء البلد الحرام" (ص334) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111914 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5765 الحكمة من منع الوصية بأكثر من الثلث [السُّؤَالُ] ـ[لماذا منعت الوصية بأكثر من الثلث؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله منع الرسول صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه من الوصية بأكثر من الثلث، فقال عليه الصلاة والسلام: (إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ) رواه البخاري (2742) ومسلم (1628) . وقد أشار الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث إلى الحكمة من هذا المنع، وهي أن يترك المال للورثة، فلا يحتاجون معه لسؤال الناس، وأن هذا خير له من أن يوصي ثم يترك ورثته فقراء. فأراد الرسول صلى الله عليه بذلك: تحقيق العدل بين الوصية وبين حق الورثة في المال، وإذا كان الموصي يريد بالوصية الثواب، فإن تركه المال لورثته الفقراء المحتاجين إليه أكثر ثواباً، فإن إعطاء القريب الفقير أفضل من إعطاء من ليس قريباً. ولهذا يستحب لمن كان ورثته فقراء، وكان ماله قليلاً بحيث لا يغني الورثة، يستحب له أن لا يوصي، ويترك المال لورثته. قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لرجل أراد أن يوصي: (إنك لن تدع طائلاً إنما تركت شيئاً يسيراً، فدعه لورثتك) ، ذكره ابن قدامه رحمه الله في "المغني" ثم قال: "متى كان المتروك لا يفضل عن غنى الورثة، فلا تستحب الوصية، لأن النبي صلى الله عليه وسلم علل المنع من الوصية بقوله: (أن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة) ، ولأن إعطاء القريب المحتاج خير من إعطاء الأجنبي، فمتى لم يبلغ الميراث غناهم، كان تركه لهم كعطيتهم إياه، فيكون ذلك أفضل من الوصية به لغيرهم" انتهى. "المغني" (8/392، 393) . وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: "منعت الوصية بأكثر من الثلث لأن حق الورثة يتعلق بالمال، فإذا أوصى بزائد عن الثلث صار في ذلك هضم لحقوقهم، ولهذا لما استأذن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوصي بثلثي ماله قال: (لا، قال: فالشطر؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، قال: فالثلث؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: الثلث والثلث كثير. إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس) . فأشار الرسول عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث إلى الحكمة في منع ما زاد على الثلث، ولهذا لو أوصى بزائد على الثلث وأذن الورثة فلا بأس بذلك" انتهى. "فتاوى علماء البلد الحرام" (ص333) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111918 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5766 ميراث من توفي في حياة أبيه [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم الشرع في منع الرجل المتوفي في حياة والده من الميراث حتى ولو كان له أولاد صغار فقراء؟ وهل يجوز أن نعطيهم شيئاً كرهاً عن الآخرين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "يشرع للرجل إذا مات ابنه في حياته وترك أولاداً أن يوصي لهم بشيء أقل من الثلث ولو كره أعمامهم، فإن للرجل التصرف في الثلث بعد الموت، فإذا لم يرثه أولاد ابنه استحب أن يوصي لهم بإرث أبيهم إن كان ثلثاً أو أقل منه حسب اجتهاده، فإن لم يفعل فلا شيء لهم إلا إذا سمح أعمامهم" انتهى. فضيلة الشيخ ابن جبرين. "فتاوى إسلامية" (3/54) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112122 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5767 ماتت عن أم وأختين شقيقتين وزوج [السُّؤَالُ] ـ[توفيت امرأة عن أم وأختين شقيقتين وزوج، كيف تقسم التركة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله للأم السدس، لوجود الأختين الشقيقتين، قال الله تعالى: (فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) النساء/11. وللأختين الثلثان؛ لقوله تعالى: (فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ) النساء/176. ولك (الزوج) النصف؛ لقوله تعالى: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ) النساء/12. ومجموع هذه الأنصبة أكثر من التركة، ويسمي العلماء هذه الحالة: "العَوْل". أي: زيادة أنصبة الورثة عن التركة، فينقص نصيب كل واحد من الورثة بمقدار هذه الزيادة، وهي الربع هنا. وحينئذ تقسم التركة كالتالي: تقسم ثمانية أجزاء متساوية، للأم منها جزء واحد، وللأختين أربعة أجزاء، وللزوج ثلاثة. ويعطى كل وارث نصيبه كما يلي: نصيب الأم = التركة × 1 ÷ 8 ونصيب كل أخت = التركة × 2 ÷ 8 ونصيب الزوج = التركة × 3 ÷ 8 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109214 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5768 وهبهم والدهم بيتاً، ثم تزوج وأنجب، ومات، فهل يدخل البيت في التركة؟ [السُّؤَالُ] ـ[بعد وفاة والدتي بمدة احتاج والدي أن يتزوج، وكان في أواخر العقد السادس من عمره، وله منزلان، واقترحنا عليه قبل أن يتزوج أن يكتب البيت القديم بأسمائنا بيعاً وشراءً، ووافق أبي، ولكن أظن أنه وافق على كره منه، وتزوج أبي، مع توضيح هذا الأمر للزوجة الجديدة ولأهلها، ورزق الله أبي من هذا الزواج بنتاً، وتوفي رحمه الله، الآن عندنا بيتان: القديم نملكه نحن الأخوة الأربعة بالبيع من أبي قبل زواجه، والثاني: كلنا شركاء فيه، نحن الإخوة الأربعة، وأختنا من الزوجة الجديدة، وأمها. فهل هذا يجوز؟ علماً بأني خوفاً مِن عدم جوازه فقد أعطيت لأختي ووالدتها بعد أن بعت نصيبي في البيت الأول أكثر مما لهم من حق فيما يخص نصيبي الذي بعته، وما بقي لهم من نصيب فعند إخوتي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نسأل الله تعالى أن يرحم والديك، وأن يسكنهما الفردوس، ونسأله تعالى أن يجزيك خيراً على اهتمامك وسؤالك وتحريك للحلال. ثانياً: ما فعلتموه مع أبيكم من الطلب أن يسجِّل البيت الأول باسمكم جميعاً: لم يكن لكم فيه حق، لأن الزواج من حقه، فلماذا يتنازل لكم عن ملكه مقابل زواجه؟ ولأنه لم يكن عن طيب نفس منه. وإذا كنتم تجزمون أن ذلك كان عن كُرهٍ منه، وعدم رغبة: فإنه ليس لكم تملكه، ويجب عليكم وضعه في التركة ليرثه الورثة جميعاً، وقد حرَّم الله تعالى علينا أخذ أموال الناس إلا برضاهم، وطيب نفوسهم. قال الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) النساء/29. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ) رواه ابن ماجه (2185) ، وصححه الألباني في " صحيح ابن ماجه ". وعَنْ عَمْرِو بْنِ يَثْرِبِيٍّ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (أَلَا وَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ شَيْءٌ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ) . رواه أحمد (20577) ، وصححه الألباني في " إرواء الغليل " (1459) . قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "فلا يصح - أي البيع - من المكره إلا بحق، فلو أن سلطاناً جائراً أرغم شخصاً على أن يبيع هذه السلعة لفلان فباعها فإن البيع لا يصح؛ لأنها صدرت عن غير تراض، ومثل ذلك ما لو علمت أن هذا البائع باع عليك حياءً أو خجلاً فإنه لا يجوز لك أن تشتري منه مادمت تعلم أنه لولا الحياء والخجل لم يبع عليك" انتهى. " الشرح الممتع " (8 / 108) . وعليه: فإن ثبت لديكم أن ما بذله لكم والدكم كان من غير طيب نفس: فلا يحل لكم، ويجب عليكم تقسيمه مع البيت الآخر بين ورثته جميعاً، ومن أبى من أشقائك: فإنما إثمه على نفسه، ويلزم من رضي منكم بهذا الحكم أن يجعل نصيبه من ذلك البيت في التركة، ولا يتوقف بذله له على بذل أشقائه، وإرجاعهم لنصيبهم. وإن كان أعطاكم إياه بطيب نفس، أو طابت نفسه فيما بعد وقبل أن ينجب من زوجته الثانية: فإنه حلال لكم، ولستم ملزمين بجعله في ميراثه. وما فعلته من إعطاء أختك وأمها من نصيبك: أمرٌ تُشكر عليه، ويدل على حسن خلق وورع عن الحرام، نسأل الله أن يعوضك خيراً منه في الدنيا والآخرة. وينظر جواب السؤال رقم: (88197) ففيه زيادة تفصيل. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 108508 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5769 توفي وترك خالاً وخالتين وابن عم وأولاد ابن عم [السُّؤَالُ] ـ[توفي شخص ولم يترك سوى خال وخالتين وابن عم وابنة عم وأبناء عم آخرين لكنهم متوفون، ولهم أولاد، فما نصيب كل واحد منهم من الميراث؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أما الخال والخالتان وابنة العم فليسوا من العصبات، ولا من أصحاب الفروض، وإنما هم من ذوي الأرحام فلا يستحقون شيئا من الميراث مع وجود صاحب فرض أو مُعصِّب. انظر: "المهذب" لأبي إسحاق الشيرازي (2/24) ، "روضة الطالبين" (6/57) ، "حاشية ابن عابدين" (3/78) . وفي هذه المسألة يوجد ابن عم، وهو من العصبات، فلا نصيب للخال والخالتين وابنة العم. وأولاد أبناءِ العم لا شيء لهم أيضاً، لأنهم إن كانوا إناثاً فهن من ذوي الأرحام، فلا يرثون مع وجود صاحب فرض أو عصبة، وإن كانوا ذكوراً فهم عصبة إلا أن ابن العم الموجود أقرب منهم إلى الميت فيكون هو الأحق بالميراث، لأن العصبة إذا تعددوا واتحدوا في الجهة (وهي هنا العمومة) كان الترجيح بينهم بالدرجة، فيقدم أقربهم درجة إلى الميت، وابنُ العم أقرب إلى الميت من ابن ابن العم، فيكون الميراث لابن العم، ولا شيء لابن ابن العم. ودليل ذلك من السنة: قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ) رواه البخاري (6732) ومسلم (1625) . والمعنى: أن الرجال من العصبة يأخذون الباقي من التركة بعد أصحاب الفروض، وإذا اجتمع أكثر من عاصب فالأحق بالميراث الأقرب. وانظر: "فتح الباري" شرح الحديث المتقدم. والعاصب الأقرب في المسألة التي بين أيدينا هو ابن العم. فإذا كان الميت لم يترك إلا من ورد ذكرهم في السؤال فالمال كلُّه لابن العم. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤ ال وجواب الحديث: 107056 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5770 إذا مات وترك ابنا فإنه يحجب الإخوة والأخوات [السُّؤَالُ] ـ[أنا تونسي الأصل، لي عمي مقيم في فرنسا ولم يعد منذ سفره لأول مرة أي منذ حوالي 40 سنة. توفي أخيرا في حادث مدبّر بفرنسا، وتم دفنه في بلادنا. القضية هو أنه سيصرف تعويض لأهله سببه الحادث الذي تعرض له. عمي هذا تزوج عدة مرات أولها كانت فرنسية وله منها أربع بنات لا نعرف عنهم شيئا، ولا نعرف لهن مكانا، وقد تزوج من جزائرية ولها منه بنت مقيمة بالجزائر، ولدينا بها اتصال. الزوجة الأخيرة - أحد المدبرين لقتله - كانت جزائرية وقد طلقها قبل موته، وله منها ولدان مقيمان بفرنسا. هذا ما نعلمه عن أزواجه، ولا ندري إن كان الزواج بالجزائريتين شرعيا أم لا؟ وعلى أغلب الظن غير شرعي. السؤال: هل لإخوته (ثلاثة أولاد وثلاثة بنات) حق في هذا التعويض؟ وإن كان نعم، فكم نصيب كل واحد؟ هذا، وإن تعذر تمكين أبنائه من حقوقهم، ماذا يفعل بنصيبهم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الأولاد منسوبين إليه في حياته، وهو مقر بذلك، فلا يجوز الطعن في نسبهم، ولا الادعاء بأن الزواج من أمهم غير شرعي، كيف وأنت تقول: إنه طلق الزوجة الأخيرة قبل موته، وهل يكون طلاق من غير زواج؟! والرجل لو ادعى لقيطا مجهول النسب ونسبه لنفسه، ولم ينازعه في ذلك أحد، نسب إليه شرعا، وتوارثا. قال في "كشاف القناع" (4/235) : " وإن أقر إنسان أن اللقيط ولده، وأمكن ذلك، ألحق به ; لأنه استلحاق لمجهول النسب ادعاه من يمكن أنه منه من غير ضرر فيه، ولا دافع عنه، ولا ظاهر يرده، فوجب اللحاق ; ولأنه محض مصلحة للطفل لوجوب نفقته , وكسوته , واتصال نسبه , فكما لو أقر له بمال " انتهى بتصرف. وهذا التعويض حكمه حكم الدية، فيقسم على الورثة حسب القسمة الشرعية. وعلى هذا، فتركة هذا الرجل مضافاً إليها التعويض يقسم على أولاده الذكور والإناث جميعاً من زوجاته الثلاثة، للذكر مثل حظ الأنثيين، وإذا كنتم لا تعلمون شيئاً عن بناته من الزوجة الأولى فيمكنكم إخبار الحكومة الفرنسية وهي تتولى البحث عنهن. أما أنتم فليس لكم من التعويض ولا التركة شيء، لأن وجود ابن للمتوفى يمنع إخوة الميت ذكوراً وإناثاً من الميراث. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106599 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5771 أوصى الأب بسيارة لأحد أبنائه [السُّؤَالُ] ـ[توفي والدي وترك الوالدة و6 أشقاء فقط، وكان مما لديه سيارة قيمتها خمسة وعشرون ألف ريال، وكان قد نقلها لاسم أخينا الأكبر في حياته من أجل أن يبيعها له ليتصرف في قيمتها، وهذا ما أخبرنا به الوالد قبل وفاته. والآن بعد وفاته أفاد هذا الأخ الأكبر أن الوالد أوصاه وقال له أن تكون السيارة باسم أخ لنا آخر دون البقية فهل هذا جائز؟ أم لا وصية لوارث؟ وأيضا إن كانت هبة فهل يجوز أن يهب أحد أبنائه ما قيمته غالية دون البقية؟ علما أننا جميعا كنا نساعده في المصروف الشهري بشكل متساوٍ؟ علما أيضا أن السيارة لم تنقل إلى ذمة الموهوب له في حياة الوالد بل كما سبق شرحه مازالت باسم أخينا الأكبر، فما رأيكم الشرعي تفصيلا رحمكم الله؟ هل هذا جائز أم يلحق الوالد إثم في هذا الأمر؟ حيث إن أخانا مصر على أن السيارة له حسب ما قال الوالد. رجاء أيضا نصح أخينا هذا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الوالد قد أوصى بالسيارة بعد وفاته لأخيك، أو وهبها له في حياته، فإنها تكون من جملة التركة، تقسم على جميع الورثة. والوصية للوارث لا تجوز، ولا تنفذ إلا بموافقة بقية الوارثة، فمن أجاز منهم الوصية وكان بالغا راشدا، سقط نصيبه، ومن تمسك بحقه أخذه. وأما غير الراشد كالصغير، فلا تعتبر موافقته، ولا يجوز أن يُنقص من نصيبه شيء لصالح الموصى له. والدليل على هذا ما رواه أبو داود (2870) والترمذي (2120) والنسائي (4641) وابن ماجه (2713) عن أَبي أُمَامَةَ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ) والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود. وفي إحدى روايات الحديث عن ابن عباس رضي الله عنه: (لا تجوز الوصية لوارث إلا أن يشاء الورثة) رواه الدارقطني وحسنه الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام. وقال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (6/58) : "إذا وصى الإنسان لوارثه بوصية , فلم يُجزها سائر الورثة , لم تصح، بغير خلاف بين العلماء. قال ابن المنذر وابن عبد البر: أجمع أهل العلم على هذا. وجاءت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ... وإن أجازها , جازت , في قول الجمهور من العلماء " انتهى. وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (16/317) : " الوصية لا تجوز بأكثر من الثلث، ولا تصح لوارث، إلا أن يشاء الورثة المرشدون بنصيبهم؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والدارقطني وزاد في آخره: (إلا أن يشاء الورثة) " انتهى. وأما إذا كان الوالد وهبها له في حياته، فهي أيضاً هبة غير جائزة، ويجب إرجاعها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب العدل بين الأولاد في الهبة، وقد سبق بيان ذلك بأدلته في جواب السؤال رقم (22169) . والنصيحة للموصى له أن يترك المطالبة بهذه الوصية، لأنها خلاف الشرع، ولعله إذا تركها لم يلحق الأب إثم بخصوصها. فإن أصر على المطالبة فالأمر راجع إلى بقية الورثة، كما سبق. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106236 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5772 أوصى بقطعة أرض لأصغر أبنائه [السُّؤَالُ] ـ[نحن ستة أخوه، وترك لنا أبونا ثلاثة بيوت وقطعة أرض، وقبل أن يموت والدنا أوصى والدي بقطعة الأرض تكون من نصيبي، وقال كل اثنين من الأولاد في بيت وقطعة الأرض لأخوكم الصغير خوفا من إخوتي الكبار أن يأكلوا حقي؛ السؤال هو: هل قطعة الأرض من نصيبي شرعا؛ وذلك لان إخوتي اعترضوا على أن تكون قطعة الأرض من نصيبي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما قام به والدكم هو وصية لأحد الورثة، وهو ابنه الصغير، وهذه الوصية لا تجوز إلا بإذن باقي الورثة. وذلك لما روى أبو داود (2870) والترمذي (2120) والنسائي (4641) وابن ماجه (2713) عن أَبي أُمَامَةَ قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ) والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود. وفي إحدى روايات الحديث عن ابن عباس رضي الله عنه: (لا تجوز الوصية لوارث إلا أن يشاء الورثة) رواه الدارقطني وحسنه الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (6/58) : " (ولا وصية لوارث , إلا أن يجيز الورثة ذلك) وجملة ذلك أن الإنسان إذا وصى لوارثه بوصية , فلم يُجزها سائر الورثة , لم تصح، بغير خلاف بين العلماء. قال ابن المنذر , وابن عبد البر: أجمع أهل العلم على هذا. وجاءت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ... وإن أجازها [باقي الورثة] , جازت , في قول الجمهور من العلماء " انتهى. وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (16/317) : " الوصية لا تجوز بأكثر من الثلث، ولا تصح لوارث، إلا أن يشاء الورثة المرشدون بنصيبهم؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والدارقطني وزاد في آخره: (إلا أن يشاء الورثة) " انتهى. فإذا لم يوافق إخوانك على الوصية لك بالأرض، فإنها تدخل في التركة وتقسم. ومن وافق منهم وكان بالغا رشيدا، سقط نصيبه منها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106143 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5773 دية الميت تقسم على ورثته [السُّؤَالُ] ـ[منذ عدة شهور توفيت والدتي بحادثة دهس سيارة، ولقد تم التصالح مع السائق مسبب الحادث، وحسب العرف الشائع عندنا دفع مبلغ قدره خمسون ألف ليرة سورية، كدية لنا، والسؤال: هل يجوز لي أن أنفق وأتصدق من هذه الأموال عن والدتي، وأن يحج عنها شخص آخر؟ وهل تصح زيارة القبور أيام الأعياد ويوم الجمعة، وهل صحيح بأن الأرواح تعود للأموات في مثل هذه الأيام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "أما الدية، فإنها تعتبر من تركة المتوفاة، فتكون للورثة، كل يأخذ نصيبه منها، بعد ما تسدد ديون الميت وتنفذ وصاياه الشرعية، وكل يتصرف في نصيبه، فإذا وصل إليك شيء من هذه التركة، فإنك تتصرف فيه، إن شئت تحج منه عن أمك، أو تتصدق منه عن أمك من نصيبك الخاص. أما نصيب بقية الورثة، فلا يجوز التصرف فيه إلا بإذن، فإذا اتفقتم، أو اتفق بعضكم على أن يتصدقوا وأن يحجوا عن أمهم من نصيبهم وميراثهم جاز ذلك، أما من لم تطب نفسه ولم يأذن بذلك، يدفع إليه نصيبه، ولا يؤخذ منه شيء، لا لصدقة ولا حجة. وأما قضية زيارة القبور، فإنها مشروعة في سائر الأيام، لا في يوم الجمعة خاصة، أو في يوم العيد خاصة، بل في سائر الأيام. والزيارة المشروعة هي الزيارة التي يكون القصد منها الاعتبار، والاتعاظ، والتوبة إلى الله سبحانه وتعالى وتذكر الموت، كما قال صلى الله عليه وسلم: (زوروا القبور فإنها تذكر بالآخرة) ، ويكون القصد منها أيضاً نفع الأموات بالدعاء لهم والاستغفار لهم، والترحم عليهم، فإنهم بحاجة إلى دعوات الأحياء واستغفارهم في سائر الأيام لا في يوم الجمعة خاصة، ولا في العيد خاصة. وكونه ترد أرواحهم في هذين اليومين خاصة لم يثبت فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا من علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، ولا يجوز الكلام فيه إلا بدليل صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم" انتهى. والله أعلم. "مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (2/623) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105446 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5774 حق المرأة في الميراث [السُّؤَالُ] ـ[عندنا في بلدنا عادة حينما يتوفى الرجل ويترك خلفه بنات وأبناء ولهم إرث منه، العادة: هي أن يطلب من البنات التنازل عن إرثهن، وغالباً ما يتنازلن مجاملة وحياء، فما حكم هذه العادة؟ فقد جرت معي مع أخوي الاثنين، فقد تنازلت أختانا عن نصيبهما من الإرث، وأخذناه نحن الذكور فقط، فهل علينا في ذلك إثم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " هذا العمل لا يجوز، الإلحاح على البنات حتى يتركن إرثهن لإخوانهن، هذا لا يجوز، لا سيما وأنك ذكرت أنهن يتركنه حياءً ومجاملة، فيكون هذا قريباً من الإكراه، فلا يجوز مثل هذا العمل، بل الله سبحانه وتعالى أعطى البنات حقهن، كما قال سبحانه: (يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) النساء/11، فالله جل وعلا جعل للبنات نصيباً من الميراث، وجعل للبنين نصيباً من الميراث، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه) والبنت قد تكون أحوج إلى الميراث من الولد، لضعفها وعجزها عن الاكتساب، بخلاف الولد، فإنه يقوى على الاكتساب، وعلى السفر وطلب الرزق. وعلى كل حال: هذا التصرف لا يجوز، ولا يصح استضعاف النساء، والتغلب عليهن، وأخذ نصيبهن ولو كان هذا بصورة التبرع منهن، لأنهن لا يتبرعن بهذا عن طيب نفس، وإنما يتبرعن به كما ذكرت حياء ومجاملة" انتهى. والله أعلم. "مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (2/625) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105451 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5775 توفيت عن أخت وبنات عم وأبناء أبناء عم [السُّؤَالُ] ـ[توفيت امرأة عن أخت شقيقة، وبنت عم، وثمانية أبناء أبناء عم، وأربع بنات عم. كيف تقسم التركة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا توفيت امرأة عن أخت شقيقة، وبنت عم، وثمانية أبناء أبناء عم، وأربع بنات عم، فتقسم التركة كما يلي: للأخت الشقية النصف فرضا؛ لقوله تعالى: (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ) النساء/176. والباقي لأبناء أبناء العم، تعصيبا؛ يقسم عليهم بالسوية، لقوله صلى الله عليه وسلم: (أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ) رواه البخاري (6732) ومسلم (1615) . ولا شيء لبنت العم، ولا لبنات العم الأربع، لأنهن لا يرثن لا بفرض ولا تعصيب. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 104394 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5776 أوصت بحرمان ابنها الأكبر من ميراثها لأنها زوجته من مالها [السُّؤَالُ] ـ[امرأة ماتت وتركت مبلغا من المال وبعضا من الذهب وقبل موتها أوصت بأن لا يعطي ابنها الأكبر من مالها لأنها زوجته من مالها، وقالت: يكفي أني زوجته..والفلوس والذهب تقاسموها فيما بينكم ولا تعطوا ابني الأكبر شيئا لأنه قد أخذ حقه.. فهل ننفذ وصيتها .... أم نعطي ابنها الأكبر قسمته ... وهل نقسم المال في الوقت الحالي أم ننتظر الأبناء الصغار حتى يكبروا..لأنهم حاليا ما زالوا قصر.. وأيضا الأبناء والبنات الكبار يطالبوننا بالقسمة الآن.. فما هو الحل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: هذه الوصية المتضمنة حرمان الابن الأكبر من الميراث، لا تجوز ولا تصح، لما فيها من تعدي حدود الله، والمضارة بأحد الورثة، وقد قال تعالى: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ) النساء/12 قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: " أي: لتكون وصيته على العدل لا على الإضرار والجور والحيف بأن يحرم بعض الورثة أو ينقصه، أو يزيده على ما قدر الله له من الفريضة، فمن سعى في ذلك، كان كمن ضاد الله في حكمته، وقسمته " انتهى. ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنه: " الإضرار في الوصية من الكبائر ". قال الحافظ في الفتح: رواه سعيد بن منصور موقوفا بإسناد صحيح، ورواه النسائي ورجاله ثقات. وتزويج الأم لابنها عمل صالح، ولا يلزمها أن تعطي لبقية إخوانه نظير ما دفعته من المال، بل من احتاج منهم للزواج في حياتها زوجته، ومن الخطأ ما يفعله بعض الناس إذا زوج ولدا من أولاده أن يوصي للبقية بمال، ويظن هذا من العدل، ومثله ما حصل هنا من المرأة المسئول عنها، فإنها أرادت حرمان ولدها من التركة، ظنا منها أن ذلك من العدل. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " لا يجوز للإنسان أن يفضل بعض أبنائه على بعض إلا بين الذكر والأنثى فإنه يعطي الذكر ضعف ما يعطي الأنثى لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله واعدلوا في أولادكم) فإذا أعطى أحد أبنائه 100 درهم وجب عليه أن يعطي الآخرين مائة درهم ويعطي البنات 50 درهما، أو يرد الدراهم التي أعطاها لابنه الأول ويأخذها منه، وهذا الذي ذكرناه في غير النفقة الواجبة، أما النفقة الواجبة فيعطي كلا منهم ما يستحق، فلو قدّر أن أحد أبنائه احتاج إلى الزواج، وزوّجه ودفع له المهر لأن الابن لا يستطيع دفع المهر فإنه في هذه الحال لا يلزم أن يعطي الآخرين مثل ما أعطى لهذا الذي احتاج إلى الزواج ودفع له المهر لأن التزويج من النفقة، وأود أن أنبه على مسألة يفعلها بعض الناس جهلا؛ يكون عنده أولاد قد بلغوا النكاح فيزوجهم، ويكون عنده أولاد آخرون صغار، فيوصي لهم بعد موته بمثل ما زوج به البالغين وهذا حرام لا يجوز لأن هذه الوصية تكون وصية لوارث والوصية لوارث محرمة لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث) ، فإن قال: أوصيت لهم بهذا المال لأني قد زوجت إخوتهم بمثله، فإننا نقول إن بلغ هؤلاء الصغار النكاح قبل أن تموت فزوجهم مثلما زوجت إخوتهم، فإن لم يبلغوا فليس واجبا عليك أن تزوجهم " انتهى من فتاوى إسلامية (3 / 30) . والحاصل: أنه لا يجوز أن يوصى الإنسان لبقية الأبناء بمبالغ لزواجهم، ولا أن يحرم من سبق تزويجه، من ميراثه كله أو من بعضه؛ لأن ذلك من تعدي حدود الله تعالى ومن الإضرار في الوصية. والواجب قسمة التركة على جميع الورثة، كل يأخذ نصيبه الشرعي منها. ثانياً: وأما مطالبة بعض الورثة بقسمة التركة، فهذا حقهم، فيجب إجابتهم لذلك، وأما الصغار، فيحفظ لهم مالهم، وينفق عليهم منه، فإذا بلغوا وكانوا راشدين أعطوا ما تبقى من أموالهم، لقول الله تعالى: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً) النساء/6. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 104346 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5777 توفيت عن أخ شقيق وأخ لأب وأولاد إخوة [السُّؤَالُ] ـ[توفيت امرأة عن أخ شقيق، وأخ لأب، ولها أخوان توفيا في حياتها، أحدهما أخ شقيق، والآخر أخ لأب، ولهما أولاد، فكيف تقسم التركة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إذا وجد أحد من الإخوة الأشقاء أو لأب (ذَكَر) فإن أولاد الإخوة لا يرثون. وعلى هذا، فأولاد الإخوة – هنا – لا يرثون شيئاً. ثانياً: إذا وجد أحد من الإخوة الأشقاء (ذَكَر) فإن الإخوة لأب لا يرثون شيئاً، ذكوراً كانوا أم إناثاً. وهذا كله مجمع عليه بين أهل العلم. انظر: "المغني" (9/22، 23) . وعلى هذا، فالتركة في هذا المسألة تقسم على الأخ الشقيق والأخت الشقيقة، للذكر مثل حظ الأنثيين، ودليل ذلك قول الله تعالى: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم ٌ) النساء/176. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 21925 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5778 توفي عن أم وإخوة أشقاء وإخوة لأب [السُّؤَالُ] ـ[توفي رجل عن أم، وخمس إخوة أشقاء، وأختين شقيقتين، وأخوين من الأب. فكيف تقسم التركة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سبق في إجابة السؤال (21925) أنه إذا وجد أحد من الإخوة الأشقاء (ذكر) فإن الإخوة لأب لا يرثون، بإجماع العلماء. وعلى هذا، فتقسم التركة في هذه المسألة على النحو التالي: للأم السدس، لقول الله تعالى: (فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ) النساء/11. والباقي من التركة للإخوة الأشقاء، ذكوراً وإناثاً، للذكر مثل حظ الأنثيين، لقول الله تعالى: (وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ) النساء/176. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 12684 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5779 توفي عن أم وأب وزوجة لم يدخل بها [السُّؤَالُ] ـ[إذا توفي الزوج عن زوجة لم يتم الدخول بها، وأب، وأم، وأخ واحد، وأخت واحدة، فكيف تقسم التركة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: يثبت التوارث بين الزوجين بمجرد العقد، فلو مات أحد الزوجين قبل الدخول ثبت الإرث للآخر منهما. روى الترمذي (1145) عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى مَاتَ، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَهَا مِثْلُ صَدَاقِ نِسَائِهَا لا وَكْسَ وَلا شَطَطَ، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ، وَلَهَا الْمِيرَاثُ. فَقَامَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ الأَشْجَعِيُّ فَقَالَ: قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ، امْرَأَةٍ مِنَّا، مِثْلَ الَّذِي قَضَيْتَ، فَفَرِحَ بِهَا ابْنُ مَسْعُودٍ. صححه الألباني في "الإرواء" (1939) . (لا وَكْسَ) أَيْ لا نَقْصَ. (وَلا شَطَطَ) أَيْ وَلا زِيَادَةَ. قال ابن قدامة في "المغني": " وَلا فَرْقَ فِي مِيرَاثِ الزَّوْجَيْنِ بَيْنَ مَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ ; لِعُمُومِ الآيَةِ , وَلأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى لِبِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ بِالْمِيرَاثِ , وَكَانَ زَوْجُهَا مَاتَ عَنْهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا , وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا. وَلأَنَّ النِّكَاحَ صَحِيحٌ ثَابِتٌ , فَيُوَرَّثُ بِهِ , كَمَا بَعْدَ الدُّخُولِ" اهـ. وقال أيضاً: " أَمَّا الْمِيرَاثُ فَلا خِلَافَ فِيهِ ; فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ فَرْضًا، وَعَقْدُ الزَّوْجِيَّةِ هَاهُنَا صَحِيحٌ ثَابِتٌ , فَيُورَثُ بِهِ ; لِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ النَّصِّ " اهـ. ثانياً: في المسألة المذكورة في السؤال لا يرث الإخوة شيئاً، فإن العلماء أجمعوا على أنه لا ميراث للإخوة مع الأب. انظر: "المغني" (9/6) . ثالثاً: إذا وُجد جمع من الإخوة (وهما اثنان فصاعداً) فللأم السدس، سواء كان الإخوة وارثين أو غير وارثين، ذكوراً أو إناثاً. ودليل ذلك قوله تعالى: (فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ) النساء/11. قال الشيخ ابن عثيمين في "تسهيل الفرائض" ص 33: وترث (الأم) السدس إن كان للميت فرع وارث، أو كان له عدد من الإخوة أو الأخوات أو منهما؛ لقوله تعالى: (وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُس) النساء/11. ولا فرق بين أن يكون الإخوة ذكوراً أو إناثاً، أو مختلفين: أشقاء أو لأب أو لأم، ولا بين أن يكونوا وارثين أو محجوبين بالأب، كما هو ظاهر الآية الكريمة؛ لأن الله فرض للأم الثلث مع الأب ثم قال: (فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُس) فأتى بالفاء الدالة على ارتباط الجملة الثانية بالأولى وبنائها عليها، والإخوة لا يرثون مع الأب، ومع ذلك فجعل للأم السدس في هذه الحال، وهذا هو قول جمهور العلماء. واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أنهم لا يحجبون الأم إلى السدس إذا كانوا محجوبين بالأب. وهو خلاف ظاهر الآية الكريمة اهـ. وقال في "نيل المآرب" (2/62) : " وهذا الحكم ثابت في أخ وأخت، ولا فرق في الحاجب للأم إلى السدس من الإخوة بين كونه وارثاً أو محجوباً بالأب" اهـ. رابعاً: وعلى هذا، تقسم التركة في الصورة المسؤول عنها كالتالي: للزوجة الربع لعدم وجود فرع وارث لزوجها المتوفى، قال الله تعالى: (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ) النساء/12. وتأخذ الأم السدس لوجود جمع من الإخوة. وللأب الباقي من التركة. لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ) . رواه البخاري (6732) ومسلم (1615) . و (أَوْلَى) أي: أقرب. فتقسم التركة اثني عشر سهماً متساوياً، يكون للزوجة ثلاثة أسهم، وللأم سهمان، والباقي سبعة للأب. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 11724 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5780 هل يجب التصدق بملابس الميت [السُّؤَالُ] ـ[هل صحيح ما يقوله الناس إذا توفي الميت يجب التصدق بجميع ملابسه ومستلزماته قبل اليوم الثالث من موته؟ وماذا نفعل بملابس الميت وأدواته اليومية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا القول غير صحيح، بل ملابس الميت ومستلزماته تدخل في جملة تركته، ويستحقها ورثته، ولهم استعمالها أو بيعها، ولا يجب عليهم التصدق بها، لكن إن اختاروا أن يتصدقوا بها ابتغاء الأجر، فهذا لهم، بشرط أن يكونوا بالغين راشدين، وأما الصغير فليس لأحد أن يتصدق بنصيبه من هذه الأشياء أو غيرها. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجوز لأهل الميت أن يستخدموا ملابس الميت؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم إذا مات الميت فجميع ما يملكه ملك للورثة من ثياب وفرش وكتب وأدوات كتابة وماصة (منضدة) وكرسي كل شيء حتى شماغه وغترته التي عليه، تنتقل إلى الورثة، وإذا انتقلت إلى الورثة فهم يتصرفون فيها كما يتصرفون بأموالهم، فلو قالوا - أي الورثة - وهم مرشدون: ثياب الميت لواحد منهم، ولبسها، فلا بأس. ولو اتفقوا على أن يتصدقوا بها فلا بأس، ولو اتفقوا على أن يبيعوها فلا بأس، هي ملكهم يتصرفون فيها تصرف الملاك في أملاكهم " انتهى من "فتاوى نور على الدرب". وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: هل يجوز الاحتفاظ بملابس الميت وإن لم يكن ذلك جائزًا فما هو الأفضل أن يفعل بها؟ فأجاب: " يجوز الانتفاع بملابس الميت لمن يلبسها من أسرته، أو أن تعطى لمن يلبسها من المحتاجين ولا تهدر، وعلى كل حال هي من التركة إذا كانت ذات قيمة فإنها تصبح من التركة تلحق بتركته وتكون للورثة. والاحتفاظ بها للذكرى لا يجوز ولا ينبغي، وقد يحرم إذا كان القصد منها التبرك بهذه الثياب، وما أشبه ذلك، ثم أيضًا هذا إهدار للمال، لأن المال ينتفع به، ولا يجعل محبوسًا لا ينتفع به " انتهى من "المنتقى" (2/271) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 102403 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5781 حكم تخصيص جزء من التركة لكفالة أيتام [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن أخصص جزءا من التركة في كفالة أيتام مع موافقة جميع الورثة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا شك أن كفالة اليتيم من أعمال البر العظيمة، وخصال الخير الحميدة، التي أمر الله تعالى بها في كتابه، وحث عليها نبينا صلى الله عليه وسلم في سنته، كما سبق بيانه في جواب رقم (47061) ويجوز للورثة أن يخصصوا جزءا من التركة لهذا الغرض العظيم، بشرط أن يكونوا بالغين راشدين، وأما الصغير منهم فلا يجوز التبرع بشيء من ماله ولو أذن؛ لأن إذنه غير معتبر. فإذا كان في الورثة صغار، جاز للبالغين الراشدين فقط أن يتبرعوا بشيء من نصيبهم لكفالة الأيتام. ومن تبرع بشيء من مال الصغير، فإنه يلزم بدفعه للصغير من ماله الخاص. قال في "شرح منتهى الإرادات" (2/175) : " وحرم تصرف ولي صغير إلا بما فيه حظٌّ للمحجور عليه لقوله تعالى: (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) ، وإذا تبرع الولي بصدقة أو هبة أو حابى بأن باع من مال موليه بأنقص من ثمنه، أو اشترى له بأزيد، ضمن ما تبرع به وما حابى به " انتهى مختصرا. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن تنازل الورثة لأحد إخوانهم بقطعة أرض ليبني عليها مسكنا. فأجاب: " إذا كان الورثة كلهم بالغين مرشدين فلا بأس أن يتنازلوا عن قطعة أرض لأحد إخوانهم، وأما إذا كان فيهم قصار فلا يجوز أن يتنازل أحدٌ فيما يختص بهؤلاء الصغار أي أن نصيبهم من التركة يجب أن لا يؤخذ منه شيء، أما لو تنازل أحد الكبار المرشدين عن نصيبه لأخيه فهذا لا بأس به " انتهى من "فتاوى نور على الدرب". والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 102408 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5782 مات وترك زوجة وولدين وثلاث بنات [السُّؤَالُ] ـ[توفى والدي وترك مبلغ 20.000 ديناراً. كيف توزع على ورثته: الزوجة وولدين و3 بنات؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا توفي الأب وترك زوجة وولدين ذكرين وثلاث بنات، فللزوجة الثمن لقوله تعالى: (فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ) النساء/12 والباقي للأولاد (الذكور والإناث) للذكر مثل حظ الأنثيين؛ لقوله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) النساء/11. وعلى هذا، فنصيب الزوجة: 2500 ديناراً ونصيب كل ذكر: 5000 ديناراً ونصيب كل بنت: 2500 ديناراً والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 100795 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5783 مات عن أم وأم وزوجة وتسعة أولاد ذكور وست بنات [السُّؤَالُ] ـ[رجل مات عن أم وأب وزوجة وتسعة أولاد ذكور وست بنات، والتركة 538.000 ريالاً، فكيف تقسم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا انحصر الورثة في هؤلاء، فللأم السدس، وللأب السدس، وللزوجة الثمن، والباقي للأولاد للذكر مثل حظ الأنثيين. ولتوزيع التركة على الورثة (حسابياً) يتم تقسيم التركة إلى 576 جزءاً متساوياً، ويكون للأب 96 سهماً، وللأم 96 سهماً، وللزوجة 72 سهماً، ولكل واحد من الأبناء 26 سهماً، ولكل واحدة من البنات 13 سهماً. أي أن: نصيب الأب: 538000 × 96 ÷ 576 = 89666.7 نصيب الأم: 538000 × 96 ÷ 576 = 89666.7 نصيب الزوجة: 538000 × 72 ÷ 576= 67250 نصيب كل واحد من الأبناء: 538000× 26 ÷ 576 = 24284.7 نصيب كل واحدة من البنات: 538000 × 13÷ 576 = 12142.4 والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 99960 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5784 أوصى للذكور وحرم الإناث فماذا يلزم الورثة [السُّؤَالُ] ـ[قبل أن يموت جدي كتب وصية لتقسيم الأراضي والمباني وأتى بالشهود ووقعوا عليها وفي الوصية كان الإنصاف الكبير والكثير للذكور على حساب الإناث أي كتب لهم كل شيء تقريبا ولم يبق إلا غرفة صغيرة للإناث. أولا: ما حكم هذه الوصية؟ أهي باطلة كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم (لا وصية لوارث) . ثانيا: عندما طالبت الإناث بحقهن الشرعي رفض الذكور رفضا قاطعا الحكم بغير الوصية الموصى بها فما حكم موقفهم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا تجوز الوصية لوارث؛ لما روى أبو داود (2870) والترمذي (2120) والنسائي (4641) وابن ماجه (2713) عن أَبي أُمَامَةَ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ) والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود. ولا تنفذ هذه الوصية إلا بموافقة الورثة، لقول الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لا تجوز الوصية لوارث إلا أن يشاء الورثة) رواه الدارقطني وحسنه الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (6/58) : " إذا وصى لوارثه بوصية , فلم يُجزها سائر الورثة , لم تصح، بغير خلاف بين العلماء. قال ابن المنذر , وابن عبد البر: أجمع أهل العلم على هذا. وجاءت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فروى أبو أمامة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه , فلا وصية لوارث) . رواه أبو داود. وابن ماجه , والترمذي ... وإن أجازها , جازت , في قول الجمهور من العلماء " انتهى. وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (16/317) : " الوصية لا تجوز بأكثر من الثلث، ولا تصح لوارث، إلا أن يشاء الورثة المرشدون بنصيبهم؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والدارقطني وزاد في آخره: (إلا أن يشاء الورثة) " انتهى. وبناء على هذا فما قام به جدك من الوصية للورثة الذكور وحرمان الإناث، ظلم وإثم كبير، فإن المال مال الله تعالى، والإنسان مستخلف فيه، يقوم فيه بما يرضي الله تعالى، وقد قسم سبحانه الميراث بنفسه، وحذر من التعدي على حدوده، فقال بعد ذكر المواريث: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) النساء/13، 14، ولا أعجب من هذا الإنسان الذي يختم حياته بالظلم والمعصية، ويأبى إلا أن يموت وقد خلّف وراءه الظلم والحرمان والقطيعة. والواجب على الورثة إبطال هذه الوصية، وقسمة التركة كما أمر الله تعالى، ولا يجوز لهم الاعتداء على حق الإناث اعتماداً على هذه الوصية. فإنهم بذلك مشاركون لذلك " الجد " في الإثم والعدوان، بل إثمهم أكبر وأعظم، لأنهم هم الذين اغتصبوا الحق من أهله في الحقيقة، نسأل الله تعالى أن يهديهم ويلهمهم رشدهم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 99506 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5785 توفي عن زوجة وثلاثة أولاد وخمسة بنات [السُّؤَالُ] ـ[توفي رجل عن زوجته وعن ولدين شقيقين وولد غير شقيق، وعن خمس بنات يمكن ترد علي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا توفي الرجل وترك زوجة، وثلاثة أولاد ذكور، اثنان منهما من زوجة، والثالث من زوجة أخرى، وترك خمس بنات، فإن التركة تقسم كما يلي: للزوجة الثمن؛ لوجود الفرع الوارث، قال تعالى: (فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ) النساء/12. وللأولاد ذكورا وإناثا الباقي، للذكر مثل حظ الأنثيين؛ لقوله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) النساء/11. ولتوزيع التركة (حسابياً) على الورثة يتم تقسيم التركة إلى 88 سهماً متساوياً، للزوجة منها 11 سهماً، ولكل ابن 14 سهماً، ولكل بنت 7 أسهم. أي أن: نصيب الزوجة = التركة × 11÷ 88 نصيب الابن الواحد = التركة × 14÷ 88 نصيب البنت الواحدة =التركة × 7÷ 88 وبهذه المعادلة يمكن معرفة نصيب كل وارث على وجه الدقة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 99273 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5786 أهدى لأمه هدية ثم أوصت له بها بعد وفاتها [السُّؤَالُ] ـ[أحضرت هدية قيمة لوالدتي قبل وفاتها؛ وحصل أنها قالت للجميع إن هذه الهدية ترجع لمن أتى بها بعد وفاتي؟ هل تعتبر هذه من الميراث الذي أستأذن به إخوتي، مع العلم أنهم ليس لديهم مانع في ذلك؟ ولكن ما حيرني هو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا وصية لوارث) ، هذا في حال إذا اعتبرنا هذه الهدية من الميراث.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما أهديته لوالدتك وقبلته منك، صار ملكا لها، والأصل أن يدخل في تركتها التي توزع على جميع ورثتها، إلا أن قولها: إن الهدية ترجع لمن أتى بها بعد وفاتي، صريح في الوصية لك، وهي وصية لوارث كما ذكرت، وقد روى أبو داود (2870) والترمذي (2120) والنسائي (4641) وابن ماجه (2713) عن أَبي أُمَامَةَ قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ) والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود. ولا تنفذ هذه الوصية إلا بموافقة الورثة، بشرط أن يكونوا راشدين، وأما غير الراشد كالصغير، فلا تعتبر موافقته، ولا يجوز أن يُنقص من نصيبه شيء لصالح الموصى له. جاء في إحدى روايات الحديث السابق عن ابن عباس رضي الله عنه: (لا تجوز الوصية لوارث إلا أن يشاء الورثة) رواه الدارقطني وحسنه الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (6/58) : " (ولا وصية لوارث , إلا أن يجيز الورثة ذلك) وجملة ذلك أن الإنسان إذا وصى لوارثه بوصية , فلم يُجزها سائر الورثة , لم تصح، بغير خلاف بين العلماء. قال ابن المنذر , وابن عبد البر: أجمع أهل العلم على هذا. وجاءت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فروى أبو أمامة , قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه , فلا وصية لوارث) . رواه أبو داود. وابن ماجه , والترمذي ... وإن أجازها , جازت , في قول الجمهور من العلماء " انتهى. وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (16/317) : " الوصية لا تجوز بأكثر من الثلث، ولا تصح لوارث، إلا أن يشاء الورثة المرشدون بنصيبهم؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والدارقطني وزاد في آخره: (إلا أن يشاء الورثة) " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98771 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5787 حكم ما يسمى بـ "الوصية الواجبة" [السُّؤَالُ] ـ[في بعض البلاد يوجد في نظام الميراث ما يسمى بالوصية الواجبة؟ فهل لها أصل في الشرع؟ وهل المال المأخوذ بها حلال؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: في بعض البلاد الإسلامية تأخذ المحاكم بهذا القانون، وفيه اقتطاع جزء من التركة ويُعطى للأحفاد باسم "الوصية الواجبة". وحاصل ما عليه هذا القانون: أن الوصية تجب لأهل الطبقة الأولى من أولاد البنات، ولأولاد الأبناء وإن نزلت طبقاتهم بشرط ألا يكون بينه وبين الميت أنثى، وصية بمثل ما كان يستحقه والدهم ميراثا في تركة أبيه لو كان حيا عند موت الجد، بشروط: 1- ألا يزيد عن الثلث، فإن زاد عن الثلث أخذ الأحفاد الثلث فقط. 2- أن يكون الحفيد غير وارث. 3- ألا يكون الجد الميت قد أعطاه قدر ما يجب له بوصية أو تبرع أو غير ذلك. الأصل الشرعي لهذه الوصية: قالت المذكرة التفسيرية في الأصل الشرعي لهذه الوصية: "القول بوجوب الوصية للأقربين غير الوارثين مروي عن جمع عظيم من فقهاء التابعين، ومن بعدهم من أئمة الفقه والحديث، ومن هؤلاء: سعيد بن المسيب والحسن البصري وطاووس والإمام أحمد وداود والطبري وإسحاق بن راهويه وابن حزم، والأصل في هذا قوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) البقرة/180، والقول بإعطاء جزء من مال المتوفى للأقربين غير الوارثين على أنه وصية وجبت في ماله إذا لم يوص له مذهب ابن حزم، ويؤخذ من أقوال بعض التابعين، ورواية في مذهب الإمام أحمد " انتهى. وهذا النص يفيد أمرين: الأول: وجوب الوصية. والآية تفيد وجوب الوصية من وجهين: 1- لفظ: (كتب) فإنه بمعنى: فُرض. 2- قوله: (حقا على المتقين) فهو من الألفاظ التي تدل على الوجوب. الثاني: أنه إذا لم يوص، فإنه تنفذ الوصية بغير إرادته، بحكم القانون، ونسبوا هذا إلى ابن حزم رحمه الله، وسيأتي أن ابن حزم لم يقل بهذا التفصيل الذي قال به القانون. وقد اختلف العلماء في هذه الآية هل هي منسوخة أم لا؟ فذهب الجمهور إلى النسخ (ومنهم الأئمة الأربعة أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رحمهم الله) ، واستدلوا على ذلك بعدة أدلة: 1- أن من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من لم ينقل عنهم وصايا، ولم ينقل نكير لذلك، ولو كانت واجبة لم يخلوا به، ولنقل عنهم العمل بها نقلاً ظاهراً. 2- أن الوصية عطية، والعطية لا تجب في الحياة، فلا تجب بعد الوفاة. 3- أن الوصية للوارث نسخت بآيات المواريث عند الجمهور، أو نسخت بحديث: (لا وصية لوارث) عند بعض العلماء، فنُسخت هذه الآية في جملة معناها وأحكامها، ومن أحكامها: الوصية للأقارب. وقال ابن عبد البر رحمه الله: "أجمعوا على أن الوصية غير واجبة إلا طائفة شذت فأوجبتها" انتهى من "التمهيد" (14/292) . وروى أبو داود (2869) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: ("إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ" فَكَانَتْ الْوَصِيَّةُ كَذَلِكَ حَتَّى نَسَخَتْهَا آيَةُ الْمِيرَاثِ) صححه الألباني في "صحيح أبي داود". وذهب بعض السلف، (وقال به ابن عباس رضي الله عنهما في إحدى الروايتين عنه) إلى أن الآية ليست منسوخة، بل خُصَّ منها الوصية للأقارب الوارثين، وبقي الوجوب في حق غير الوارثين. فهذه الآية تُخَصُّ إما بآيات المواريث، أو بحديث: (لا وصية لوارث) . انظر: "المغني" (8/391) ، "المحلى" (9/312) . الانتقادات الموجهة إلى هذه الوصية القانونية: 1- وهذه الوصية – وإن كانوا هم يسمونها "وصية" – إلا أنها في حقيقة الأمر "ميراث". ولذلك قال الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه "شرح قانون الوصية" (ص 239) بعد أن ذكر أحكام الوصية في القانون، قال: "هذه خلاصة أحكام الوصية الواجبة. . . وهذه الأحكام في غايتها ومرماها وفي الغرض منها والسبب الباعث عليها تنحو نحو الميراث، فالقانون جعل بهذه الوصية لأولاد من يموت في حياة أبويه ميراثاً مفروضاً، هو ميراثه الذي كان يستحقه لو بقي بعد وفاة أصله، على ألا يتجاوز الثلث، وإذا كان هذا غاية القانون، فكل الأحكام تتجه إلى جعل هذه الوصية ميراثاً، ولذا تجب من غير إيجاب، وإذا وجبت صارت لازمة، لا تقبل عدم التنفيذ، وبذلك تشابهت مع الميراث" انتهى. وإذا كانت ميراثا فهي باطلة بطلانا قطعيا، لأن الله تعالى قد قسم المواريث بنفسه وبينها في كتابه تفصيلا، ثم قال: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) النساء/13-14. فهذه الوصية الواجبة ما هي إلا استدراك وتعديل على حكم الله تعالى، وكفى بهذا إثما وضلالا مبينا، فإنه لا أحد أحسن حكما من لله عز وجل (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) المائدة/50. 2- الآية التي استدلوا بها على مشروعية هذه الوصية، قد خالفوها من ثلاثة أوجه: الأول: قوله تعالى: (إن ترك خيرا) فهذا تقييد للأمر بالوصية فلا يؤمر بالوصية إلا من ترك خيرا، وهو المال الكثير. قاله علي وابن عباس رضي الله عنهم، وقد اختلف العلماء في مقداره، واختار ابن قدامة رحمه الله أن المراد بذلك المال الكثير الذي يفضل منه شيء بعد إغناء الورثة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم علَّل المنع من الوصية بأكثر من الثلث بقوله: (أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ) رواه البخاري (1296) ومسلم (1628) . انظر: "المغني" (8/391) . فهذا القيد (إن ترك خيرا) شرط للوجوب كما هو ظاهر، والقانون أهمل هذا الشرط، وأعطاهم جزءاً من التركة سواء ترك الميت مالاً كثيراً أم قليلاً. الوجه الثاني: قوله تعالى: (والأقربين) عام في جميع الأقربين، فيشمل الأحفاد والإخوة وأولادهم، والأعمام والأخوال وأولادهم، وغيرهم من الأقارب، فتخصيصه بالأحفاد مخالفة أخرى للآية. الوجه الثالث: الآية لم تحدد الوصية بقدر معين، لا نصيب الأب ولا غيره، فإذا أوصى الرجل مثلاً لحفيده بالسدس فقد امتثل الأمر الوارد في الآية، غير أن القانون لا يكتفي بهذا، بل يكمل له نصيب أبيه الذي لو فرض أنه كان حيا لأخذه، بشرط ألا يزيد على الثلث، وهذه مخالفة ثالثة للآية. 3- سبب تشريع القانون كما في المذكرة التفسيرية تكرر الشكوى عن حالة موت الأب في حياة أبيه ويترك أولاده صغارا فقراء محتاجين ثم يموت الجد ويأخذ أعمامهم الميراث كله، ويبقى هؤلاء الأحفاد فقراء، في حين أن أباهم لو كان حياً لكان له نصيب من الميراث. فإن كان هذا هو سبب تشريع القانون، فلماذا أعطى القانون الأحفاد جزءاً من التركة ولم يشترط فقرهم؟ بل أعطاهم ولو كانوا أغنياء، وكان الواجب الاقتصار على حالة الحاجة. قال الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله (ص244) : " والحق أننا إن أخذنا بالوجوب (يعني وجوب الوصية) يجب أن نعتبر الاحتياج، لأن الوصايا من باب الصدقات فيجب أن تكون للفقراء، ولأن الوصية الواجبة تقدم على غيرها فيجب أن تكون القربة فيها أوضح " انتهى بتصرف يسير. 4- قصر القانون الأقارب الذين يستحقون هذه الوصية على الأحفاد فقط، وأعطاهم نصيب أبيهم، وقد يفهم من القانون أن هذا مذهب ابن حزم رحمه الله، وليس هذا مذهبه، فابن حزم رحمه الله لا يخص الوصية بالأحفاد بل تكون لجميع الأقارب غير الوارثين، ويوجب على الموصي أن يوصي لثلاثة من أقاربه على الأقل، لأن هذا هو أقل الجمع، ثم إن ابن حزم رحمه الله لم يحدد الجزء من المال الموصى به بمقدار معين، بل بما يشاء الميت، فإن لم يوص فالورثة أو الوصي هم الذين يحددون مقدار ما يخرجونه من المال للأقارب. قال ابن حزم رحمه الله: " فمن مات ولم يوص: ففرضٌ أن يُتصدق عنه بما تيسر، ولا بد ; لأن فرض الوصية واجب , كما أوردنا , فصح أنه قد وجب أن يخرج شيء من ماله بعد الموت , فإذ ذلك كذلك فقد سقط ملكه عما وجب إخراجه من ماله. ولا حدّ في ذلك إلا ما رآه الورثة , أو الوصي مما لا إجحاف فيه على الورثة ". إلى أن قال: " وفرضٌ على كل مسلم أن يوصي لقرابته الذين لا يرثون , إما لرقٍّ , وإما لكفر , وإما لأن هنالك من يحجبهم عن الميراث، أو لأنهم لا يرثون فيوصي لهم بما طابت به نفسه , لا حدّ في ذلك , فإن لم يفعل أُعطوا ولا بدّ ما رآه الورثةُ , أو الوصيُّ " انتهى من "المحلى" (8/351) . فهذا ابن حزم يصرح أنه لا حد لهذه الوصية. 4- هذه الوصية بهذا التفصيل الوارد في القانون، لم يقل بها أحد من علماء الإسلام قاطبة على مدار أربعة عشر قرناً من الزمان، وكفى بهذا دليلاً على بطلان هذا القانون، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ) رواه الترمذي (2167) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. فلو كانت هذه الوصية بهذا التفصيل حقاً، لما تركت الأمة بأسرها العمل بها، حتى يأتي هؤلاء المتأخرون وينصفون من ظلمه الأئمة والعلماء والمسلمون على مدار أربعة عشر قرناً!! 5- هناك حالات كثيرة إذا تأملها الإنسان المنصف تبين له بطلان هذا القانون، منها: أ- قد يكون الأحفاد أغنياء وأعمامهم (أولاد الميت) فقراء، والقانون في هذه الحالة أيضاً يعطي الأحفاد جزءاً من التركة تحت مسمى "الوصية الواجبة"! مع أن أعمامهم أولى بهذا المال منهم، لأنهم أقرب إلى الميت منهم، ولحاجتهم إليه. ب - لماذا يراعي القانون الأحفاد ولا يراعي الأجداد والجدات غير الوارثين، مع أنهم في الغالب أشد حاجة ويكونون مرضى، وعاجزين عن العمل، ويحتاجون إلى علاج ونفقات. فلماذا يعطي القانون بنت البنت ولا يعطي أم الأب مثلاً؟! ج - أن بنت البنت قد تأخذ أكثر مما ترثه بنت الابن، فلو مات شخص عن بنت، وبنت بنت متوفاة، وبنت ابن، وترك 30 فدانا مثلا، فإن مقدار الوصية الواجبة لبنت البنت هنا هو ثلث التركة وهو 10 أفدنة نصيب أمها لو كانت حية. وتأخذ البنت وبنت الابن الباقي فرضا وردا بنسبة 1:3، فيكون نصيب بنت الابن خمسة أفدنة أي نصف ما أخذته بنت البنت!! مع أن بنت الابن أحق منها، ولذلك انعقد إجماع العلماء على أن بنت الابن ترث، وأن بنت البنت لا ترث، فكيف يُعطى غير الوارث أكثر من الوارث، مع أنهما في درجة قرابة واحدة؟! د - أن بنت الابن قد تأخذ أكثر من البنت، وذلك فيما إذا مات شخص عن بنتين، وبنت ابن متوفى، وأخت شقيقة، وترك 18 فدانا مثلا، فإن مقدار الوصية لبنت الابن ثلث التركة وهو 6 أفدنة، أما الباقي فيقسم بين البنتين والأخت الشقيقة، فتأخذ البنتان الثلثين 8 أفدنة، لكل منهما 4 أفدنة، وتأخذ الأخت الشقيقة الباقي وهي 4 أفدنة!! وهذا الشذوذ والاختلاف دليل على نقص البشر، وتصديق لقوله تعالى: (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) النساء/82. وأقوى هذه الاعتراضات على القانون: أن هذه الوصية صارت في حقيقة الأمر ميراثاً، ولذلك يأخذ الأحفاد هذا النصيب وإن لم يوص الميت لهم بشيء، ويأخذونه سواء ترك مالا كثيرا أو قليلاً، وسواء كانوا فقراء أم أغنياء، وهذه كله يدل على أنها ميراث، وهذا اعتراض منهم على حكم الله تعالى وتغيير له. ثانياً: وأما الحالة التي زعموا أنهم وضعوا هذا القانون علاجاً لها، وهي "فقر الأحفاد" فيمكن حلها بطرق لا تتعارض مع الشرع. الطريقة الأولى: أن يُعَلَّم الأغنياء أنه يجب عليهم أو على أقل تقدير يستحب أن يوصوا لأقاربهم الفقراء بجزء من أموالهم. الطريقة الثانية: إذا لم يوص فإن الورثة إذا كانوا أغنياء ينبغي لهم أن يعطوا الأحفاد أو غيرهم من الأقارب الفقراء جزءا من هذا المال، ويكون صدقة منهم وصلة للرحم. فبهاتين الطريقتين يمكن علاج تلك المشكلة من غير الوقوع في مخالفة الشرع. ثالثاً: أما أخذ المال بهذه الوصية، فهو حرام، لقول الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) النساء/30. وأكل المال بالباطل هو أخذه من غير سبب شرعي يبيح ذلك. ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا) رواه البخاري (67) ومسلم (1679) . نسأل الله تعالى أن يرد المسلمين إلى دينهم ردا جميلا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98018 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5788 تمنعهم أمهم من أخذ نصيبهم من تركة والدهم، ومسائل في العدل في العطية [السُّؤَالُ] ـ[توفى رجل وترك زوجة و3 أبناء (2منهم تحت سن 21 يعني: قُصََّر) وبنتين، زوّج الأب بنتاً واحدة فقط من أولاده الخمسة قبل وفاته، والابنة الأخرى وواحد من الأولاد الذكور أنهوا دراستهم، ويعملون الآن، أما الولدان الآخران فما زالا في مرحلة الدراسة. كانت الأم تعمل مع الأب، ويضعوا مرتباتهما هما الاثنان مع بعض بموافقة الزوجة طبعاً (فهي كانت موافقة، وكانت تقول له: المهم أن مكافأة نهاية الخدمة تكون لي، وهذا ما حدث) ثم يأخذ الزوج ما يدخرونه ويشتري عقارات باسمه هو. الأسئلة: هل عندما يقسم الورثة مال أبيهم هل يضعوا في الاعتبار مرتبات أمهم السابقة، ويفصلونها بعيداً عن التركة، ثم يتم توزيع التركة عليهم جميعاً؟ (أي: الزوجة و3 أبناء وبنتان) ، تقول الأم: إنه لن يتم تقسيم تركة أبيكم إلا أن ينهي الجميع دراسته، ويتم تزوجهم، كما زوَّج أبيكم أختكم الكبرى، ثم بعد ذلك سيتم توزيع التركة شرعاً (للذكر مثل نصيب البنتين) فهل هذا جائز؟ ومتى يتم شرعاً تقسيم التركة؟ الزوجة لا تريد أحداً من الأبناء معرفة ما هي تركة أبيهم بالضبط كي لا يأتي أحد منهم عندما تقرر القسمة ويقول نصيبي كان أكثر من ذلك فهل هذا جائز؟ قبل أن يتوفى الأب اشترى سيارة وكتبها باسم ابنه الكبير نزولا على رأى زوجته بحجة أن منصب ابنه يسمح له إذا تمت عملية سحب للرخص أن يسترجعها بسهوله، وكان الأب ينوى أن يشتري لكل من أبنائه سيارة بنفس ثمن سيارة أخيهم ويشتري للبنت غير المتزوجة أيضا سيارة، ولكن بنصف الثمن، وقد دفع لإحضار سيارتها أكثر من نصف الثمن ثم توفي، ويعطي للبنت المتزوجة نصيبها هي الأخرى، ولكن بعد وفاة الأب قالت الأم: إن السيارة للابن الكبير، وأبوه اشتراها له؛ لأنه ابن بار به، والأب حر في التصرف في ماله ويعطى أي أبنائه ما يشاء، ما دام هذا الابن بارّاً، وبالنسبة لسيارة البنت التي تم دفع أكثر من نصفها سحبت الأم هذه النقود بحجة أنها لا تستطيع أن تكمل الباقي؛ لأنها إذا سحبت نقوداً من البنك سيتم تحويل الميراث كله للمجلس الحسبي الذي سيقوم بحجب نصيب القصَّر على جنب، ولا تستطيع التصرف في نصيب القصَّر إلا بالرجوع للمجلس الحسبي، فهل هذا جائز؟ من الأسباب التي تتخذها الأم لعدم قسمة الميراث - كما قلت لسماحتكم - المجلس الحسبي، حيث تقول على القصَّر: هل يعقل أن أظل أصرف عليهم حتى يبلغوا، ثم بعد ذلك عند بلوغهم يأخذون نصيبهم كله دون أي اعتبار لما صرفته عليهم فيما سبق من حسابي حتى بلغوا؟ وقد طلبت الأم من أبنائها الثلاثة الراشدين بعد وفاة أبيهم عمل توكيل رسمي لها شامل لكي تستطيع التصرف في الميراث، وستطلب من القصَّر عند بلوغهم ذلك أيضاً، فما حكم الإسلام في كل نقطة؟ . وجزاكم الله عنَّا وعن الإسلام خيراً، وجعل الله عملكم خالصاً لوجهه الكريم، وفي ميزان حسناتكم، وأنا فعلاً أعتذر عن الإطالة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الأصل في مال الزوجة أنه مِلك لها، ولا يحل لزوجها أخذه، أو أخذ شيءٍ منه إلا بطيب نفسٍ منها، وقد حرَّم الله تعالى أكل أموال الناس بالباطل، وأذن للزوج أن يأخذ من مال زوجته إن تنازلت عن شيء منه بطيب نفْس، لا بإكراه ولا بإحراج. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) النساء/ 29. وقال تعالى: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) النساء/4. ثانياً: بذل الزوجة راتبها لزوجها عن طيب نفس هو تبرع منها يمتلكه الزوج بقبضه، وعلى هذا فلا يراعى مرتبات الأم السابقة التي أعطتها لزوجها، لأنها لم تكن قرضاً حتى تستردّها من التركة. ثالثاً: إذا مات المورّث: فإن أمواله تنتقل بموته للورثة مباشرة، ولا يجوز لأحدٍِ أن يُخفي التركة عن الورثة، ولا يجوز لأحدٍ أن يعطِّل قسمة الميراث، فإن اتفق الورثة على عدم تقسيم التركة كلها أو بعضها فلا حرج في ذلك، فإن رغب واحد منهم في حصته فيجب أن يعطى له نصيبه من الميراث، فإما أن يباع العقار ويُعطى نصيبه منه، أو يشتري أحد الورثة – أو كلهم – نصيبه، فيدفعون له ثمن حصته من الميراث، دون ظلم أو بخس. وينظر جواب السؤال رقم (4089) . رابعاً: الواجب على الأب والأم أن يعدلوا بين أولادهم في العطية، ولا يجوز لهم تفضيل أحدهم على الآخر، ولو كان هذا المفضَّل بارّاً بوالديه، لكن لهما أن يفضلا أحد الأولاد إذا وجد سبب شرعي يقتضي ذلك، كما لو كان صاحب عائلة كبيرة لا يستطيع النفقة عليها، أو كان معاقاً. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (36872) . فإن أعطى أحد الوالدين أحداً من أولادهم عطية دون الآخرين: وجب عليهم استردادها، ووجب على الولد إرجاعها وعدم قبولها. ومنه يُعلم: أن السيارة التي اشتراها الوالد لابنه: لا يحل له أخذها، وادعاء حاجة الابن للسيارة يكن علاجها بشراء الأب سيارة ليركبها ابنه، لكن لا تكون ملكاً له، بل تكون مِلكاً للأب، حتى إذا مات الأب: صارت من التركة. فليس للابن إلا أن يجعل السيارة التي اشتراها له والده في التركة، أو يقدِّر ثمنها، ويتملكها خصماً من نصيبه في الميراث، وإذا سمح الورثة له بتملكها: صارت ملكاً له. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله – عن مسألة مشابهة: " أما ما ذكره الأخ السائل من أن الأب منح ابنه أرضاً ... فإنه لا يحل له أن يعطيه أرضاً دون إخوته، وإذا قدِّر أنه أعطاه: فإنه يجب عليه في حياته أن يعطي الآخرين مثل ما أعطاه، أو يرد الأرض، وتكون من جملة المال الذي يورَث من بعده، فإن مات قبل ذلك: فإن سمح الأولاد بهذه العطية: فهي ماضية نافذة، كما لو سمحوا بها في حياته، وإن لم يسمحوا بها: فإنها ترد في الميراث، وتورث من جملة ماله " " لقاءات الباب المفتوح " (39 / السؤال رقم 1) . وقال – رحمه الله – فيمن احتاج أحد أبنائه سيارة: أنه يشتري سيارة لينتفع بها الابن ولكن تكون ملكاً للأب، لأن الابن يحتاج إلى الانتفاع بها فقط. وانظر " لقاءات الباب المفتوح " (73 / السؤال رقم 27) . خامساً: كما يجب على الوالديْن العدل في النفقة التي لها سبب إن تكرر السبب نفسه مع غيره من الأولاد، فإذا زوَّج أحد أولاده: وجب عليه تزويج باقي أولاده إن احتاجوا إلى الزواج، وكان عند والديه المقدرة على تزويجه، ولا يشترط أن تتساوى التكلفة، فقد يكلِّف زواج أحدهم ما لا يكلفه الآخر، ولا يحل للوالدين إذا زوَّجا أحد أولادهم أن يبذلوا تكلفة الزواج مالاً لباقي أولادهم، وبعد الوفاة لا يحل أخذ هذا المال من التركة وإعطائه للأولاد الذين لم يتزوجوا في حياة أبيهم، إلا إذا رضي الورثة بذلك. وما قلناه في التزويج نقوله في العلاج، والتعليم، وغيرهما. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله -: الأصل أنه لا يحل للوالد أن يعطي أحداً من أبنائه أو بناته شيئاً إلا إذا أعطى الآخرين مثله؛ لأن بشير بن سعد الأنصاري رضي الله عنه أعطى ابنه النعمان بن بشير عطية، فأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليُشهده على عطية ابنه، فقال له: (ألك بنون؟ قال: نعم، قال: أنحلتهم مثل هذا؟ قال: لا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) ، وقال له أيضاً: (أَشْهِد على هذا غيري؛ فإني لا أشهد على جور) ، فلا يجوز للأب أن يخص أحد أولاده من بنين أو بنات بشيء إلا إذا أعطى الآخرين مثله، أو إذا سمحوا، وطابت نفوسهم عن اختيار، ورضا، وهم راشدون، فإن هذا أيضاً لا بأس به، وإلا إذا كان عطاء لدفع حاجة النفقة، أو حاجة الزواج، مثل أن يكون أحدهم غنيّاً ولا يحتاج إلى نفقة أبيه، والثاني فقيراً يحتاج إلى نفقة أبيه، فينفق على هذا الفقير بقدر حاجته، فإن ذلك جائز، وإن لم يعط الآخر الغني، وكذلك لو احتاج أحد الأبناء إلى زواج فزوَّجه؛ فإنه لا يلزمه أن يعطي الآخرين مثل ما أعطى هذا لزواجه، ولكن يجب عليه إذا بلغ الآخرون سن الزواج وأرادوا أن يتزوجوا أن يزوجهم كما زوَّج الأول. وبهذه المناسبة أشير إلى مسألة يفعلها بعض الناس، وهي: أنه يكون له أولاد بلغوا سن الزواج، فيزوجهم، ويكون له أولاد صغار، ولم يبلغوا سن الزواج، فيوصي لهم بعد الموت بمقدار ما أعطى إخوتهم: فإن هذه الوصية حرام، وباطلة؛ وذلك لأن تزويجه للكبار كان دفعاً لحاجتهم، وهؤلاء الصغار لم يبلغوا سنّاً يحتاجون فيه للزواج، فإذا أوصى لهم بعد موته بمثل ما زوج به الآخرين: فإن ذلك حرام، ولا يصح، ولا تنفذ الوصية. " لقاءات الباب المفتوح " (39 / السؤال رقم 1) . وقال – رحمه الله -: لا يجوز للرجل إذا زوَّج أبناءه الكبار أن يُوصي بالمهر لأبنائه الصغار، ولكن يجب عليه إذا بلغ أحد من أبنائه سن الزواج أن يزوِّجه كما زوَّج الأول، أما أن يوصي له بعد الموت: فإن هذا حرام، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث) . " مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " (18 / جواب السؤال رقم 296) . وعليه: فما تقوله الأم من تأخير تقسيم التركة حتى يتم تزويج الباقي من أولادها وإتمامهم دراستهم أمرٌ منكر، ولا يحل لها فعله، ولا يحل للأولاد قبوله. سادساً: لا يلزم الأولاد عمل توكيل لأمهم للتصرف في التركة؛ لأنها لا تملك إلا نصيبها، وإن أرادوا توكيلها في نصيبهم فلهم ذلك، وقد بيَّنا أنه لا يجوز للأم التحكم في التركة، وفي نصيب أولادها، بل عليها فتح المجال لتقسيمها وفق الشرع إذا طلب الأولاد ذلك. وأما النفقة على الأولاد: فإن الأم ليست ملزمة بالنفقة عليهم إلا أن يكونوا لا يملكون مالاً، وتكون هي قادرة على الإنفاق عليهم، وأما مع تملكهم للمال فإن النفقة تكون في أموالهم. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97842 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5789 مات وترك بنتا وأخوين لأم وأبناء عم [السُّؤَالُ] ـ[إذا مات شخص وترك بنتا وأخوين للأم وأبناء العم هل أبناء العم يرثون أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا مات وترك بنتا وأخوين لأم وأبناء العم، فللبنت النصف لانفرادها، قال تعالى: (وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) النساء/11 ولأبناء العم الذكور: الباقي تعصيبا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ) رواه البخاري (6732) ومسلم (1615) . ولا شيء للأخوين لأم، لأنهما محجوبان بالبنت؛ إذ شرط إرثهما عدم وجود الفرع الوارث. جاء في "الموسوعة الفقهية" (3/41) : " ميراث أولاد الأم ... ولهم ثلاث حالات: الأولى: السدس فرضا للواحد منهم , ذكرا كان أو أنثى , وذلك إذا لم يكن للمتوفى فرع وارث ذكرا كان أو أنثى , أو أصل مذكر وارث كالأب والجد وإن علا. الثانية: الثلث فرضا إذا كانوا أكثر من واحد ذكورا أو إناثا أو مختلفين يقسم بينهم بالسوية , وذلك إذا لم يكن للمتوفى فرع وارث، أو أصل مذكر. الثالثة: أنهم يحجبون بالابن وابن الابن وإن نزل , والبنت وبنت الابن وإن نزل , وبالأب والجد وإن علا. ودليل ما ذكر قوله تعالى: (وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) النساء/12. إذ المراد منه أولاد الأم إجماعا. ويدل عليه قراءة أبي وسعد بن أبي وقاص (وله أخ أو أخت من الأم) " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 97492 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5790 اشترى أرضا وكتبها باسم أمه فتنازع الورثة بعد موتها [السُّؤَالُ] ـ[تم الاشتراك بيني وبين أخي على شراء أرض في بلدنا وبالفعل تم شراء الأرض وتسجيلها باسم أمنا تفادياً للقوانين ولم نقصد هبتها وإعطاءها لوالدتنا، وبعد فترة توفيت والدتنا وتم الخلاف بيننا (أنا وأخي) من جهة وبين أختنا وزوجها من جهة أخرى حيث يطالبون بحصة أختي من الأرض على أنها جزء من إرث والدتنا. السؤال: هل تعتبر الأرض من إرث والدتنا؟ وهل يجوز لنا استرجاع الأرض؟ وكيف يتم لنا ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الأمر كما ذكر السائل من أن الأرض لم توهب ولم تعط للوالدة، وإنما جرى تسجيلها باسمها لسبب ما، فإن الأرض تبقى على ملكه هو وأخيه، ولا تدخل في تركة الأم، ولا تقسّم بين الورثة. وإذا كانت الأخت تعلم بحقيقة الأمر، وأن الأرض لم توهب لأمها، فلا يجوز لها المطالبة بشيء منها. ولو فرض أنها رفعت الأمر للمحكمة فقضت لها بشيء من الأرض اعتمادا على الأوراق المسجلة، لم يجز لها أخذ ذلك، فإن القضاء لا يبيح حراما، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ وَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلَا يَأْخُذْ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ) رواه البخاري (6967) ومسلم (1713) . فهذا الحديث يدل على أن حكم الحاكم بناء على ما ظهر له من كلام الخصمين وأدلتهم لا يجعل الباطل حقاً، ولا الحرام حلالاً. وقوله صلى الله عليه: (فإنما أقطع له قطعة من النار) أي: إن أخذها مع علمه بأنها حرام عليه دخل النار. فتح الباري. فينبغي نصح هذه الأخت، وتخويفها بالله تعالى، وتحذيرها من أكل المال بالباطل، وتذكيرها بما جاء في وعيد من أخذ شبرا من الأرض بغير حق، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ ظُلْمًا فَإِنَّهُ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ) رواه البخاري (3198) ومسلم (1610) . وينبغي عليكم أيضاً مراعاة حق الرحم والقرابة، وتقديم ذلك على متاع الدنيا الزائل، فإن كان بإمكانكم إعطاء الأخت ما تريد أو إرضاءها بشيء فافعلا ذلك ابتغاء ما عند الله تعالى، (وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى) القصص/60 نسأل الله تعالى أن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96119 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5791 مات وترك إخوة وأخوات أشقاء ولأب [السُّؤَالُ] ـ[رجل تزوج امرأة وأنجب منها 5 أولاد و3 بنات ثم توفيت تلك المرأة ثم تزوج امرأة ثانية وأنجب منها 2 أولاد و 4 بنات ثم توفي ذلك الرجل وترك ميراثا هو بساتين وبيوت تم بيع بعض البساتين وتمت القسمة حسب الشرع وبعد سنوات توفي أحد أبناء الزوجة الثانية (هذا الابن غير متزوج) ووالدته على قيد الحياة ولم يتم تقسيم بقية الإرث. السؤال: هل يرث الابن ما تبقى من تركة أبيه؟ علما أن هذا الابن حصل على بعض منها أثناء حياته ولمن تكون حصته وكيف تكون القسمة؟ أرجو التفصيل وأصح أقوال أهل العلم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا توفي الرجل وترك مالا، فإنه يقسم بين ورثته كما أمر الله، وذلك بعد سداد ديونه وتنفيذ وصيته. وعليه فهذا الابن المسئول عنه، له نصيبه الكامل من ميراث أبيه، من البساتين والبيوت وغيرها، وإذا توفي انتقل نصيبه إلى ورثته. فالواجب النظر أولا في ميراثه من أبيه، وتحديد هذا الميراث، ما قسم منه، وما لم يقسم، ثم ينتقل نصيبه هذا إلى ورثته، وهم: أمه، وأخوه الشقيق، وأخواته الشقيقات (الأربع) . وأما إخوانه وأخواته من جهة الأب، فليس لهم من ميراثه شيء لأنهم محجوبون بوجود الأخ الشقيق. وعلى هذا فيكون لأمه السدس، والباقي للأخ الشقيق وأخواته الشقيقات، للذكر مثل حظ الأنثيين. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 95517 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5792 توفي عن زوجة وأخت شقيقة وإخوة لأب ذكورا وإناثا [السُّؤَالُ] ـ[توفي شخص وترك زوجة بدون أولاد وأختا شقيقة وأربعة من الأب ثلاثة ذكور وبنت، ووالداه متوفيان، فكيف تتم عملية تقسيم الإرث فيما بينهم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان ورثة المتوفاة هم من ذكر في السؤال، فتقسم التركة كما يلي: للزوجة الربع؛ لقوله تعالى: (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ) النساء/12. وللأخت الشقيقة النصف، لقوله تعالى: (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ) النساء/176. والباقي وهو الربع يأخذه الإخوة لأب، الذكور والإناث، يقسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين؛ لقوله تعالى: (وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) النساء/176. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 95520 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5793 هل يأخذ الأحفاد بقانون الوصية الواجبة شيئا من الميراث؟ [السُّؤَالُ] ـ[امرأة توفيت وتركت زوجا وثلاثة أبناء وبنتا، ولها أيضا أولاد ابن رابع متوفى، وهم ابن وبنتان. والسؤال: هل يرث أولاد الابن المتوفى؟ وما صحة ما يسمى بالوصية الواجبة؟ علما بأن المتوفاة ماتت ولم توص لهم بشيء، وهل من نصيحة لأبناء المتوفى؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا مات الإنسان فإن تركته تقسم على ورثته الأحياء فقط، وهذا متفق عليه بين الفقهاء، ولهذا قرر أهل العلم أن من شروط الإرث: تحقق حياة الوارث بعد موت المورث. انظر: "الموسوعة الفقهية" (3/22) فالابن الرابع المتوفى ليس له نصيب من التركة. وأولاده لا يرثون أيضا، لأن الأحفاد لا يرثون من جدهم في حالة وجود أحد من أعمامهم، بإجماع العلماء. انظر "المغني " (9/22) ، "التحقيقات المرضية في المباحث الفرضية " للشيخ صالح الفوزان (ص 114-115) . وعليه فلا شيء لأبناء الابن الذي توفي قبل موت أمه؛ لأنهم محجوبون بوجود أعمامهم. والتركة تقسم بين الأحياء فقط، وهم: الزوج والأبناء الثلاثة والبنت، فللزوج الربع لوجود الفرع الوارث، والباقي للأبناء والبنت، للذكر مثل حظ الأنثيين. ثانيا: يستحب إعطاء أولاد الابن المتوفى شيئا من التركة، إما بأن توصي لهم جدتهم قبل وفاتها بما لا يزيد عن الثلث، وإما بأن يتبرع لهم أعمامهم وعمتهم بما يطيب خاطرهم، لا سيما إذا كانوا محتاجين. وقد سبق في جواب السؤال رقم (98018) بيان بطلان قانون الوصية الواجبة، وأن المال المأخوذ به مال حرام. ثالثا: نصيحتنا لأبناء الابن المتوفى، أن يتقوا الله تعالى، وأن يحذروا من أكل المال بالباطل، فإنه لا حق لهم في هذه التركة كما سبق، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسٍ منه) رواه أحمد (20714) وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم 7662. وقال صلى الله عليه وسلم: (كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به) رواه الطبراني وأبو نعيم عن أبي بكر رضي الله عنه، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 4519. وليعلموا أن حكم المحكمة المخالف للشرع، لا يبيح لهم أكل هذا المال، ولا يجوّز لهم المطالبة به ولا مقاضاة الورثة لأجله. ونصيحتنا لمن يتولى القضاء أن يرفض هذا القانون وأن يبرأ منه؛ لما فيه من التعدي والاستدراك على القسمة التي قسمها الله تعالى بنفسه. وأما الورثة من الزوج والأبناء والبنات، فينبغي لهم التبرع بشيء من التركة لأبناء أخيهم المتوفى، تطييبا لخاطرهم، وحفظا على المودة والألفة بينهم، لا سيما إذا كانوا فقراء. نسأل الله تعالى أن يوفق الجميع لما يحب ويرضى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 94838 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5794 توفي عن زوجة وأربعة أبناء وأربع بنات [السُّؤَالُ] ـ[إذا مات شخص وترك 4 بنات و 4 أولاد، وزوجة، وترك مثلا 120000 درهماً، كيف توزع تركته؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تقسيم هذه المسألة من مسائل الفرائض يحكم به آيتان من كتاب الله: الأولى: قوله سبحانه وتعالى في بيان ميراث الزوجة: (فإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم) النساء/12. فتفرض هذه الآية للزوجة الثمن من التركة إذا وجد ولد للزوج. الثانية: قوله سبحانه وتعالى في بيان ميراث الأولاد إذا اجتمع منهم ذكور وإناث، أي: (بنين وبنات) : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) النساء/11. وعلى هذا يكون تقسيم التركة على النحو التالي: 1- للزوجة ثمن التركة. 2- الباقي يكون للبنين والبنات، للذكر مثل حظ الأنثيين. وأما تقسيم التركة (120000درهماً) فيكون حسب الجدول التالي: الوارثون أصل المسألة تصحيح المسألة تقسيم التركة المجموع 8 96 120000 زوجة 1 12 15000 4 أبناء ذكور 7 56 70000 4 بنات إناث 28 35000 قيمة السهم الواحد: (120000) ÷ (96) = (1250) درهما. نصيب الزوجة من التركة = (12) * (1250) = (15000) درهماً. نصيب الأبناء جميعاً = (56) * (1250) = (70000) درهماً. نصيب الابن الواحد من الذكور = (70000) ÷ (4) = (17500) درهم. نصيب البنات جميعاً = (28) * (1250) = (35000) درهماً. نصيب البنت الواحدة من الإناث = (35000) ÷ (4) = (8750) درهما. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 93016 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5795 ماتت عن بنت وزوج وأخ شقيق [السُّؤَالُ] ـ[لدي أخت توفيت منذ شهرين وهى تلد.. وسبب الوفاة هو خطأ كبير جدا من الطبيب الذي تولى عملية الولادة وتم رفع قضية على الطبيب ودفع الطبيب مبلغا من المال كتعويض (دية) وأريد أن أعرف ما هى الطريقة الشرعية لتقسيم هذا المبلغ.. كم تأخذ المولودة الصغيرة لأنها على قيد الحياة؟ وكم يأخذ والدها؟ وهل هناك أيضا من له حق في هذا المال؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه الدية تقسم على الورثة، شأنها شأن بقية التركة. والواجب قبل تقسيم التركة أن يحصر الورثة، ليتبين نصيب كل وارث. وقد ذكرت أن للمتوفاة بنتا وزوجا: فأما الزوج فله الربع لوجود الفرع الوارث وهو البنت، قال تعالى: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ) النساء/12. وأما البنت فلها النصف، لقوله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) النساء/11. وإذا لم يكن للمتوفاة أب أو أم على قيد الحياة، فإن باقي التركة وهو الربع يكون للعصبة، وهم الأخ أو الإخوة الأشقاء، للذكر مثل حظ الأنثيين، فإن لم يوجد أحد من الأشقاء فيكون الباقي للإخوة من الأب. . . وهكذا حسب ترتيب العصبات. وينبغي أن تتولى المحكمة تقسيم التركة، بعد إعلان الوفاة، وإجراء حصر الورثة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 92969 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5796 أوصت لابنتها بالذهب، فهل لإخوانها نصيب؟ [السُّؤَالُ] ـ[توفيت زوجتى وتركت ابنة وحيدة عمرها 23 سنة وبعض المشغولات الذهبية التي اشتريتها لها من مالي الخاص. هل هذه المشغولات من نصيب الابنة حيث كانت والدتها تقول دائما: إنه لها بعد وفاتها؟ أم لي نصيب في هذا الذهب؟ وهل يدخل أشقاؤها في هذا الذهب؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما تركه الإنسان بعد موته، يقسم على ورثته، وذلك بعد سداد ديونه وتنفيذ وصيته. وما دام أن الزوجة كانت تقول: إن الذهب يكون لابنتها بعد وفاتها، فهذه وصية منها، لكنها وصية لوارث، فلا تنفذ إلا بموافقة بقية الورثة؛ لما روى أبو داود (2870) والترمذي (2120) والنسائي (4641) وابن ماجه (2713) عن أَبي أُمَامَةَ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ) صححه الألباني في صحيح أبي داود. ورواه الدارقطني من حديث ابن عباس رضي الله عنه بلفظ: (لا تجوز الوصية لوارث إلا أن يشاء الورثة) وحسنه الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام. فالوصية للوراث (وهي البنت) هنا، تُوقف على موافقة الورثة، وهم: أنت، وأشقاؤها، فمن أجاز الوصية، وكان راشدا، سقط نصيبه من الذهب، ومن لم يُجِزها، فله نصيبه. وكذلك الوصية بما زاد على ثلث التركة، لا تَنفذ في الزائد إلا بموافقة الورثة. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (6/58) : " إذا وَصَّى الإنسان لوارثه بوصية , فلم يُجزها سائر الورثة , لم تصح، بغير خلاف بين العلماء. قال ابن المنذر وابن عبد البر: أجمع أهل العلم على هذا. . . وإن أجازها , جازت , في قول الجمهور من العلماء " انتهى. وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (16/317) : " الوصية لا تجوز بأكثر من الثلث، ولا تصح لوارث، إلا أن يشاء الورثة المرشدون بنصيبهم؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والدارقطني وزاد في آخره: (إلا أن يشاء الورثة) " انتهى. وخلاصة الجواب: أن وصية الأم لابنتها بالذهب لا تنفذ إلا برضى الورثة، فإن لم يرضوا فإن الذهب يقسم على الورثة حسب الأنصبة الشرعية، ويكون لك ـ أيها الزوج ـ ربع هذا الذهب، حتى وإن كنت أنت الذي اشتريته، وللبنت النصف، والباقي لإخوتها الأشقاء. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 91530 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5797 توفيت عن أربع بنات وأخت شقيقة وبنت ابن [السُّؤَالُ] ـ[امرأة توفيت عن 4 بنات وبنت ابن وأخت شقيقة و3 أبناء أخ شقيق و5 بنات أخ شقيق فما نصيب كل شخص؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ينحصر إرث المرأة المذكورة في بناتها وأختها الشقيقة، فللبنات الثلثان، والباقي للأخت الشقيقة تعصيبا، ولا شيء لبنت الابن، ولا لأبناء الأخ الشقيق، ولا لبنات الأخ الشقيق. قال الله تعالى في ميراث البنات: (فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ) النساء/11. وذهب جمهور العلماء إلى أن الأخوات يعصبن البنات، وحكاه بعضهم إجماعا. قال البخاري في صحيحه: باب ميراث الأخوات مع البنات عصبة. ثم روى بإسناده عن الأسود قال: قضى فينا معاذ بن جبل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: النصف للابنة، والنصف للأخت. قال ابن بطال رحمه الله: (أجمعوا على أن الأخوات عصبة البنات، فيرثن ما فضل عن البنات، فمن لم يخلف إلا بنتا وأختا فللبنت النصف، وللأخت النصف الباقي على ما في حديث معاذ، وإن خلف بنتين وأختا فلهما الثلثان، وللأخت ما بقى، وإن خلف بنتا وأختا وبنت ابن، فللبنت النصف، ولبنت الابن تكملة الثلثين، وللأخت ما بقي على ما في حديث ابن مسعود، لأن البنات لا يرثن أكثر من الثلثين " انتهى من "فتح الباري" (12/24) . وقال ابن قدامة في "المغني" (6/164) : " وهذا قول عامة أهل العلم , يروى ذلك عن عمر , وعلي , وزيد , وابن مسعود , ومعاذ , وعائشة رضي الله عنهم. وإليه ذهب عامة الفقهاء " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 90925 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5798 إذا أعطاها والدها نصيب أختها من الميراث فهل يلزمها رده [السُّؤَالُ] ـ[نحن 4 أخوات كلنا متزوجات ولنا أولاد. مند قرابة 6 سنوات وقبل وفاة أمي رحمها الله قررنا موافقة أبى بشأن الميراث وأن نتنازل لأختنا (ش) عن البيت العائلي كي تتمكن من رعاية أمي المريضة آنذاك ونكتفي نحن الثلاثة بقطع أرضية لكل واحدة منا. لكنها رفضت المجيء حتى يكتب البيت باسمها قانونيا. ولكن إلى الآن وبعد وفاة أمي لم تلتزم أختي بشروطنا وتنتقل إلى البيت لمراعاة والدي كبير السن (رغم حصولها على الأوراق الرسمية بامتلاكها المنزل قرابة سنة) اكتشفنا بعد ذلك أن أختنا (ش) كتب لها البيت العائلي وقطعة الأرض التي تعود شرعا لأختنا الكبيرة، وبالتالي (ش) حصلت على البيت وقطعة أرض. (ب) حصلت على قطعة أرض، (ف) حصلت على قطعة أرض، وأختنا الكبيرة حرمت من قطعة أرضها وأعطيت لـ (ش) . حاولنا إقناع الوالد بأن هذه القسمة غير عادلة ولكنه شيخ كبير قارب التسعين سنة رفض بالإضافة إلى أنه لا يعرف أحكام الدين ولا يتقبل الرأي الآخر ولا حتى المناقشة. حاولنا إقناع أختنا (ش) بإرجاع قطعة الأرض إلى أختها لكي ننجي والدنا من النار لكنها رفضت بحجة أن والدنا يتبرأ منها إذا فعلت ذلك وأنها غير مسئولة وهو الذي سيدخل النار وليست هي. من فضلك أنا الأخت (ب) متعبة جدا مما جرى وما زال يجري نور بصيرتي وقلبي 1- هل لي أن أقبل بهذا الحق بعد أن حرمت أختي من حقها بدون سبب؟ 2- وهل أخذ (ش) لحق أختها حلال عليها وليست مسئولة أمام الله بأخذ حق غيرها، حتى وإن أعطاها إياه أبوها؟ 3- ماذا بإمكاني أن أفعل حتى أنجي أبي من النار؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: يجوز للشخص أن يقسم ميراثه في حياته، على القسمة الشرعية التي بينها الله تعالى. ويجوز تخصيص بعض الأبناء بالعطية لوجود مسوغ شرعي، لا سيما مع رضا بقية الأولاد، كما هو الحال في مسألتكم، وتنازلكم عن البيت لصالح أختكم، في مقابل بقائها فيه وخدمة والديكم. ثانيا: ما فعله والدك من حرمان أختك الكبيرة من نصيبها وإعطائها للأخت (ش) : منكر عظيم، ومحرم واضح، واعتداء على القسمة التي قسمها الله تعالى. وقد قال سبحانه في ختام الكلام على المواريث: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) النساء/13، 14 وقال سبحانه: (يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) النساء/176 فالواجب عليه أن يتوب إلى الله تعالى، وأن يرد إلى ابنته نصيبها، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة. ثالثا: لا يجوز للأخت (ش) الاحتفاظ بنصيب أختها، بحجة أن أباها هو الذي أعطاها، فإنها تعلم أن أباها قد وقع في الظلم والخطأ، ولا يجوز لها أن تقره على ذلك، ولا أن ترضى به، وإلا كانت شريكة في الذنب والإثم. فيجب عليها أن ترد قطعة الأرض لأختها، لأمرين: الأول: أن تخفف الإثم عن أبيها. الثانية: أن تبرأ هي من المشاركة في الظلم والإثم. وكل من أخذ مالا أو شيئا يعلم أنه نصيب غيره، فهو ظالم معتد، ولو جاءه عن طريق الأب أو القاضي أو غيرهما، وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّهُ يَأْتِينِي الْخَصْمُ، فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ، فَأَحْسِبُ أَنَّهُ صَدَقَ، فَأَقْضِيَ لَهُ بِذَلِكَ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ فَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَةٌ مِنْ النَّارِ، فَلْيَأْخُذْهَا أَوْ فَلْيَتْرُكْهَا) رواه البخاري (2458) ومسلم (1713) . فقول الأخت (ش) إنها غير مسئولة وأن الإثم على أبيها فقط، غير صحيح، بل هي شريكة في الإثم والظلم وقطع الرحم. ولا ندري كيف ترضى أخت بظلم أختها، وحرمانها من إرثها؟! وما هذا الطمع والجشع الذي يحمل الإنسان على أن يحوز نصيبه ونصيب أخيه؟! وأي سعادة يجنيها الإنسان، وهو مستولٍ على حق غيره، متجاهل له، معرض نفسه لدعوة المظلوم التي ليس بينها وبين الله حجاب. وكما قيل: تنام عيناك والمظلوم منتبه يدعو عليك وعين الله لم تنم وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: والدتي تملك بيتا صغيرا قمت أنا ببنائه من جديد، ولي أخ لم يشترك معي بشيء إطلاقا، ولكنه يغضب والدتي ووالدي كثيرا جدا، ويعاملهم معاملة سيئة للغاية طوال حياته حتى الآن، وهو الآن يعيش خارج البيت، فغضبت والدتي وقررت أن تكتب هذا البيت لي، راجعتها كثيرا ولكنها مصممة على كتابته لي، فأنا الآن أسأل: هل يقع على والدتي ذنب في كتابتها لي البيت وحرمان أخي منه؟ وهل يقع علي أي ذنب لو قبلت ذلك من والدتي؟ فأجابوا: "إذا كان الواقع كما ذكر فلا يجوز لوالدتك أن تعطيك البيت دون أخيك؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) ولما ورد في معناه من الأحاديث. وإن فعلتْ ما ذكر فهي آثمة وأنت آثم؛ لكون قبولك ذلك منها مشاركة لها في الإثم والعدوان، وقد نهى الله سبحانه وتعالى عن ذلك بقوله: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) ويجب أن ترد العطية أو أن تعطي الابن الثاني ما يعادلها. وإذا رأيت أنها مصرة على عدم إشراكه معك فلا مانع من قبول العطية وإعطاء أخيك نصفها؛ إبراء لذمتك إذا لم يكن لها من الأولاد غيركما. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (16/207) وسئلوا أيضا عن رجل أعطى كل واحد من أولاده الذكور قطعة أرض ليبني عليها بيتا، ولم يعط ذلك للبنات، ثم مات الأب، فما حكم أخذ الذكور لهذه الأرض؟ فأجابوا: "إذا كانت أخواتكم قد رضين بالعملية فلا حرج عليكم، وإن كن لم يرضين فالواجب إعطاؤهن حقهن من الأرض مقسما لهن على حسب الميراث؛ للذكر مثل حظ الأنثيين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (16/236) . فنقول لأختنا (ش) : اتقي الله تعالى، واحذري عقابه، وردي الأرض لأختك، ولو بدون أن يعلم أباك، حتى تخرجي من إثم الظلم، وشؤم عاقبته. وعلى بقية الأخوات الاستمرار في نصح الأب، ونصح أختهم، والتشديد عليها في ذلك، ولو بمقاطعتها، حتى ترد الحق لأختها. وأما أخذك لنصيبك، فلا حرج عليك في ذلك. نسأل الله أن يصلح أحوالكن، وأن يهدي الوالد إلى الحق والصواب. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 90063 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5799 إذا وهب لولده شيئا ثم مات قبل أن يحوزه الابن [السُّؤَالُ] ـ[عائلتي تتكون من أبي رحمه الله وأمي وأخي، قبل أن يتوفى أبي بسبع سنوات كتب لي أنا وأخي لكل واحد منا تنازلا عن 3 أفدنة من الأرض من إجمالي ما يملك وعددها 14 فدانا، فما حكم الشرع في ذلك؟ وهل هذا يجوز أو لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: للأب أن يهب أولاده ما يشاء بشرط أن يعدل بينهم في الهبة، وهو ما فعله والدك حيث أعطاك مثل ما أعطى أخاك. ثانيا: الهبة لا تملك ولا تلزم إلا بالقبض، في قول جمهور العلماء. فإذا لم يقبض الولد الهبة ويحوزها لنفسه، ثم مات الأب، فإن الهبة تبطل، ويصير المال جزءا من تركة الميت، تقسم على جميع ورثته. قال الإمام الشافعي رحمه الله في "الأم" (4/64) : " وإذا وهب الرجل لابنه جارية، فإن كان الابن بالغا لم تكن الهبة تامة حتى يقبضها الابن , وكذلك روي عن أبي بكر وعائشة وعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهم " انتهى. وقبض الأرض يكون بحيازتها والتصرف فيها، وحيازة الأرض ـ إن كانت زراعية يكون بالعمل فيها أو تأجيرها لمن يزرعها، ونحو ذلك من التصرفات. وحيازة الأرض غير الزراعية (كالتي تعد للبناء عليها) يكون بمجرد تسجيل ذلك ومعرفة حدودها. وعلى هذا، فإن كنت قبضت هذه الأفدنة فهي لك الآن، وإن كان الأمر مجرد تسجيل تنازل من قبل الأب، مع حيازته للأرض وتصرفه فيها دونك، فالهبة لم تتم، وهذه الأرض تدخل في التركة، وتقسم على جميع الورثة، فلأمك منها نصيب. وهذا يقال في حق أخيك أيضا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 89882 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5800 في نفسها حرج وضيق من كون الزوجة الثانية قد ترث مثلها [السُّؤَالُ] ـ[والدي تزوج من امرأة ثانية من فترة وهذا بعد زواجه من أمي لمدة خمسة وعشرين سنة. منذ ذلك الوقت الوالدة مقهورة أن هذه المرأة سترث كما سترث وهي تقول: أنا تعبت طيلة هذه السنين وتأتي هذه المرأة وتحصل من الإرث نفس القسمة التي سأحصلها، أنا لا أقبل بهذا أبدا. وعندما سألت شيخا بخصوص هذا الموضوع قال لي إن في بلاده عرفاً في الورث وهو أن المرأة الثانية لا ترث من الممتلكات التي وجدت خلال فترة زواج الرجل الأول وفي فترة الزواج الثاني كلا الزوجتين ترثان مما زاد من الممتلكات. فهل هذا يصح؟ وهل توجد حلول أخرى؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: قد أباح الله عز وجل للرجل أن يتزوج بواحدة واثنتين إلى أربع، يجمع بينهن، كما قال تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُوا) النساء/3. وإذا تزوج الرجل بثانية، ثم مات، اشتركت الزوجتان في إرثه، لا مزية لواحدة على الأخرى، وتدخلان في قوله تعالى: (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ) النساء/12. هذا حكم الله تعالى، وهو أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين، وعلى كل مؤمن ومؤمنة أن يسلم وينقاد ويذعن، وألا يكون في نفسه حرج ولا ضيق من حكم الله تعالى وما شرعه، كما قال سبحانه: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا) الأحزاب/36. وقال تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) النساء/65. والنصيحة للوالدة الكريمة أن تتقي الله تعالى، وأن ترضى بما قسم سبحانه، وأن توقن بأن حكم الله تعالى هو العدل والرحمة والخير والهدى (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) المائدة/50. وأن تحذر أشد الحذر من الاعتراض على حكم الله أو الرفض له أو وجود الحرج والضيق النفسي منه، فإن ذلك عظيم الخطر. ولا يدري الإنسان أيكون وارثا أو موروثا، فلم التعلق بالدنيا والركون إليها مع خسارة الدين بالاعتراض وعدم الرضى بما قسم الله؟ ثانيا: الممتلكات التي وجدت خلال فترة الزواج الأول، على نوعين: الأول: ما انتقلت ملكيته من الزوج إلى الزوجة بهبة أو لكونه جزءا من صداقها أو غير ذلك، فهذا صار ملكا للزوجة، ولا يدخل في تركة الزوج إن مات. ومثاله: أن يهب الزوج لزوجته بيتا أو ذهبا أو أثاثا. أو أن يكون الذهب أو الأثاث جزءا من المهر، كما هو العرف في بعض البلدان. الثاني: ما كان ملكا للزوج واستمرت ملكيته له حتى مات، فهذا يدخل في تركته، ويوزع على جميع ورثته حسب أنصبائهم. ومثاله: أن يكون للزوج عقارات أو نقود، ملكها قبل زواجه الأول، أو بعده، أو بعد زواجه الثاني، ولم يُخرجه من ملكه بهبة ونحوها، فهذا يدخل في تركته بعد موته. ولعل ما ذكره الشيخ المشار إليه ينطبق على أثاث البيت ونحوه، مما تعارف الناس في بعض البلدان على أنه من مهر الزوجة، فيكون ملكا لها، ولا يدخل في تركة الزوج. وكذلك مؤخر الصداق (المهر) للزوجة أن تأخذه من التركة قبل قسمتها؛ لأنه في حكم الديْن. وبعض الأزواج يهبون الزوجة الأولى بعض المال أو العقار ليكون ملكا لها، وهذا إن كان قبل الزواج الثاني فلا حرج فيه، وإن كان بعده فلا يجوز إلا أن يعطي الأخرى مثلها، وقد سئلت اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء: لي زوجتان، وأريد أن اشتري ذهباً لإحداهما على سبيل الهدية. فهل يجوز لي ذلك؟ أم يكون هذا من عدم العدل بين الزوجات. مع العلم أنني غير مقصر في حقوق الزوجة الأخرى. فأجابت: " من كان له زوجتان فأكثر فإنه يجب عليه أن يعدل بينهن، ولا يحل له أن يخص إحدى زوجاته بشيء دون الأخرى من النفقة والسكنى والمبيت، وقد جاء الوعيد الشديد فيمن كانت عنده امرأتان فلم يعدل بينهما، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كانت له امرأتان يميل لإحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة وأحد شقيه ساقط) . وفي رواية: (يجر أحد شقيه ساقطاً أو مائلاً) أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (2/295، 347، 471) وأخرج النسائي وابن ماجة في سننهما نحوه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل) أخرجه أبو داود في سننه (2/601) ، وأخرج الترمذي في "الجامع" نحوه. وفي هذه الأدلة دليل على توكيد وجوب العدل بين الضرائر، وأنه يحرم ميل الزوج لإحداهن ميلاً يكون معه بخسٌ لحق الأخرى دون ميل القلوب، فإن ميل القلب لا يملك؛ ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي في القَسْم بين نسائه ويقول: (اللهم هذا قَسْمي فيما أملك، فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك) (يعني المحبة القلبية) . وعلى ذلك لا يحل لهذا الزوج أن يخص زوجته بشيء مما يملكه دون الأخرى، فإذا وهب لإحدى زوجاته داراً ونحوها وجب عليه أن يسوي بين زوجاته في ذلك، فيعطي كل واحدة مثل ذلك أو قيمته، إلا أن تسمح الزوجة الثانية في ذلك " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (16/189) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 88197 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5801 إذا انفرد الواحد من ذوي الأرحام أخذ جميع التركة [السُّؤَالُ] ـ[لي قريبة عجوز ليس لديها سوى وريث وحيد وهو ابن أختها الشقيقة الوحيدة المتوفاة وذلك بعد إحصاء الورثة، وهي بذلك تريد أن تعرف نصيبه من الإرث وهل يجوز أن تكتب باقي التركة لشخص قامت بتربيته حيث إنها ليس لديها أولاد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ابن الأخت الشقيقة، من ذوي الأرحام، وقد اختلف العلماء في توريثهم، والصحيح أنهم يرثون إذا لم يوجد أحد من أصحاب الفروض أو العصبة. وممن ذهب إلى توريثهم: علي وابن مسعود وابن عباس في أشهر الروايات عنه , ومعاذ بن جبل وأبو الدرداء وأبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم، وهو قول الحنفية والإمام أحمد , ومتأخري المالكية والشافعية. ينظر: "الموسوعة الفقهية" (3/54) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وقد اختلف العلماء رحمهم الله في توريث ذوي الأرحام، ولكن القول الراجح المتعين أن توريثهم واجب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الخالة بمنزلة الأم) ، وقال أيضا: (الخال وارث من لا وارث له) ، ولقول الله تعالى: (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) . والقول بعدم التوريث قول ضعيف، فكيف نحرم الخال أو أبا الأم من مال القريب ثم نضعه في بيت المال ليأكله أبعد الناس؟! مثل هذا لا تأتي به الشريعة، فالصواب المقطوع به أن ذوي الأرحام وارثون، لكن بعد أن لا يكون ذو فرض أو عاصب " انتهى من "الشرح الممتع" (5/73) . وأما كيفية توريث ذوي الأرحام، فإنه ينزل الموجود منهم منزلة من أدلى به، ويأخذ نصيبه من التركة، ففي الحالة المذكورة في السؤال، ينزل ابن الأخت منزلة الأخت، ويأخذ نصيبها، وهو النصف، ثم يرد إليه باقي التركة، فيأخذ التركة كلها، لأنه لا يوجد وارث غيره. قال في "كشاف القناع" (4/456) : " فإن انفرد واحد من ذوي الأرحام أخذ المال كله، لأنه ينزّل منزلة من أدلى به , فإما أن يدلي بعصبة فيأخذه تعصيبا، أو بذي فرض فيأخذه فرضا وردا ". وانظر: "الموسوعة الفقهية" (3/54) . وبناء على ذلك، فإذا ماتت هذه المرأة، ولم يكن لها وارث غير ابن أختها، فإنه يأخذ جميع التركة. ولها أن توصي بما لا يزيد عن الثلث لذلك الشخص الذي ربته، أو لغيره؛ لما روى البخاري (5659) ومسلم (1628) أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنِّي أَتْرُكُ مَالًا، وَإِنِّي لَمْ أَتْرُكْ إِلَّا ابْنَةً وَاحِدَةً، فَأُوصِي بِثُلُثَيْ مَالِي وَأَتْرُكُ الثُّلُثَ؟ فَقَالَ: لَا. قال: فَأُوصِي بِالنِّصْفِ وَأَتْرُكُ النِّصْفَ؟ قَالَ: لَا. قال: فَأُوصِي بِالثُّلُثِ وَأَتْرُكُ لَهَا الثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ) . فأجاز له الرسول صلى الله عليه وسلم أن يوصي بثلث ماله، وقد اتفق العلماء على أنه لا تجوز الوصية بأكثر من الثلث. انظر: "المغني" (8/404) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 85495 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5802 مات عن زوجة وأولاد إخوة ذكورا وإناثا [السُّؤَالُ] ـ[توفي رجل عن زوجة وليس له أولاد، وله إخوة رجال وأخت، الجميع متوفون، ولهم أولاد ذكور وإناث. فكيف تقسم التركة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا مات الرجل عن زوجة، وأولاد إخوة، ذكورا وإناثا، وانحصر الورثة في هؤلاء، فللزوجة الربع لعدم وجود أحد من الأولاد، وللذكور من أبناء الإخوة الرجال: الباقي، تعصيبا، يقسم عليهم بالتساوي ولا شيء لأبناء الأخت، ولا لبنات الإخوة؛ لأنهم ليسوا من العصبة. قال الله تعالى في ميراث الزوجات: (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ) النساء/12. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ) رواه البخاري (6732) ومسلم (1615) . وهذا دليل على توريث العصبة من الرجال، وأن الأقرب منهم يقدم على الأبعد، وأنهم يرثون بعد أصحاب الفروض إن بقي لهم شيء. والمقصود بالفرائض: الأنصبة المقدرة، كالنصف والربع والثمن. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 85136 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5803 توفي وترك أسهما مباحة ومختلطة [السُّؤَالُ] ـ[والدي متوفى ولديه أسهم في الشركات وهي شركة سابك وشركة الأسمنت الجنوبية وشركة النقل الجماعي، وهناك أرباح من الشركات آخذها بصفتي أنا الوكيل الشرعي، ولا أدري هل الشركات المذكورة أعلاه حرام؟ وماذا يجب علي؟ هل أبيع أسهم الشركات كلها أم أتركها كما هي وآخذ أرباحها؟ وكيف تقسم بين إخواني وأخواتي في حالة بيعها، وكذلك والدتي لازالت على قيد الحياة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: ما تركه الوالد من أسهم وغيرها، يدخل في التركة التي يجب تقسيمها القسمة الشرعية التي بينها الله في كتابه، فللزوجة الثمن، والأولاد للذكر منهم مثل حظ الأنثيين. وأما أرباح الأسهم المباحة، فتقسم على الورثة حسب قسمة الميراث، ولا يجوز لك الاستئثار بها بحجة أنك الوكيل الشرعي، كما قد يفهم من سؤالك. وإذا رأى الورثة أن يحتفظوا بالأسهم المباحة، أو أن يتركوها دون تقسيم، ويوكلوا أحدهم في متابعتها، على أن توزع أرباحها بينهم على حسب إرثهم، فلهم ذلك. ثانيا: الشركات التي أصل نشاطها مباح، ولكنها تتعامل بالحرام كالربا، قرضاً أو اقترضاً، لا يجوز المساهمة فيها، وعلى من ابتلي بالدخول فيها أن يخرج منها، ويتخلص من القدر المحرم، فإن لم يفعل حتى مات، فعلى الورثة أن يفعلوا ذلك قبل تقسيم التركة. وقد أوردنا قائمة بأسماء الأسهم المباحة (النقية) في الجواب رقم (73296) ، ومنه يتبين أن شركة النقل الجماعي أسهمها مباحة. وأما سابك وأسمنت الجنوبية فليستا من الأسهم النقية. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 85181 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5804 مصالحة الجد عن نصيبه من التركة قبل حصرها [السُّؤَالُ] ـ[توفى والدي ولديه ثروة من المال والعقارات كما لديه ستة من الأولاد وبنت واحدة وزوجة وأب. نعرف بأن والد أبي يرث السدس من تركته، والد أبي رجل كبير في السن تقريبا في عمر التسعين. السؤال هنا: هل يحق لنا (أولاد والدي وزوجته) الطلب من جدنا بأن يتنازل لنا عن حصته من إرث والدنا قبل إتمام عملية الحصر وذلك برضاه ودون إكراه وبمقابل أو بدون حسب ما يطلب منا وعلى أن نلتزم بالنفقة على جدنا كما كان يعمل والدنا وأكثر. يأتي طلبنا هذا ليس لأجل حرمان جدنا من حقه الشرعي ولكن بحكم أن إجراءات حصر التركة تأخذ وقتاً طويلاً وإذا توفى جدنا قبل إنهاء حصر التركة دخلنا مع ورثته في دوامة لا يعلمها إلا الله. هل هناك شروط لأجل أن يتنازل جدنا عن حصته لأولاد ابنه الذي يعلم الله بأنه لم يقصر في حقه بشهادة الكبير والصغير. هل علينا إثم إذا طلبنا من جدنا ذلك ورضينا بما يقرره هو؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا كان الأمر كما ذكرت فإن ما تريدونه من تنازل الجد عن حقه من التركة بمقابل يسميه العلماء "صلحاً" وهو في الصورة التي سألت عنها: صلح عن شيء مجهول، لأن الجد لا يعلم مقدار نصيبه من التركة، والصلح عن شيء مجهول لا يجيزه بعض الأئمة – كالشافعي – كما أنه لا يجوز بيع شيء مجهول. قال الإمام الشافعي رحمه الله في "الأم" (3/226) : " ومن الحرام الذي يقع في الصلح: أن يقع عندي على المجهول الذي لو كان بيعاً كان حراما. وإذا مات الرجل فصالح بعض الورثة بعضاً، فإن وقع الصلح على معرفة من المصالِح والمصالَح بحقوقهم، أو إقرار بمعرفتهم بحقوقهم , وتقابض المتصالحان قبل أن يتفرقا فالصلح جائز. وإن وقع على غير معرفة منهما بمبلغ حقهما أو حق المصالح منهما: لم يجز الصلح كما لا يجوز بيع مال امرئ لا يعرفه " انتهى. وعند الإمام أحمد رحمه الله يصح الصلح عن المجهول إذا كان لا يمكن العلم به، أما إذا كان يمكن العلم به – كما في مسألتكم – لم يجز الصلح. قال ابن قدامة رحمه الله: " ويصح الصلح عن المجهول إذا كان مما لا سبيل إلى معرفته ... فأما ما يمكنهما معرفته , كتركة موجودة , أو يعلمه الذي هو عليه , ويجهله صاحبه , فلا يصح الصلح عليه مع الجهل. قال أحمد: إن صولحت امرأة من ثُمُنها – يعني نصيبها من الميراث - لم يصح. واحتج بقول شريح: أيما امرأة صولحت من ثمنها , لم يتبين لها ما ترك زوجها , فهي الريبة كلها – يعني يُشك في الورثة أنهم يريدون أكل أموالها ويخدعونها - قال: وإن ورث قوم مالا ودورا وغير ذلك , فقالوا لبعضهم: نخرجك من الميراث بألف درهم. أكره ذلك , ولا يُشترى منها شيء وهي لا تعلم، لعلها تظن أنه قليل , وهو يعلم أنه كثير، ولا يَشتري حتى تعرفه وتعلم ما هو , وإنما يصالح الرجل الرجل على الشيء لا يعرفه , ولا يدري ما هو فيصالحه , فأما إذا علم فلِمَ يصالحه؟! إنما يريد أن يهضم حقه ويذهب به " انتهى من "المغني" (7/23) باختصار. وعلى هذا، فلا يجوز لكم أن تطلبوا من جدكم التنازل عن حقه مقابل مال تدفعونه له، لأن ذلك قد يوجه إليكم أصابع الاتهام أنكم تريدون أن تأكلوا حق الجد من الميراث، وتحرموه منه، حتى لا يذهب إلى ورثته من بعده. وإذا كنتم تريدون فعلاً التخلص من الإجراءات التي قد تتأخر، فعليكم بحصر التركة وتمييز نصيب الجد، وحينئذ ينتفي المحذور الذي تخافون منه. ثانياً: إذا كان الجد صحيحاً عاقلاً ولم يتأثر عقله بكبر السن، فلا حرج عليكم إن تنازل لكم عن حقه من التركة كله أو بعضه، بشرط أن يكون ذلك برضاه، ومن غير طلب منكم، لأنكم إن طلبتم ذلك فقد يوافق حياء وخجلاً. ثالثاً: يجب عليكم أن تحرصوا على العدل وعدم أكل حقوق الناس، وقد تولى الله تعالى بنفسه قسمة المواريث، وقال عنها: (فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً) النساء /11. فلا يجوز لكم التحايل لأكل حقوق الآخرين. نسأل الله تعالى أن يوفقكم لأكل الحلال واجتناب الحرام. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 84098 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5805 كيف يقتسمون أجرة بيت ورثوه معاً؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يكون المال المحصّل عن طريق تأجير بيت ورثه إخوان وأخوات أيضا خاضعا لقاعدة للذكر مثل حظ الأنثيين؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إذا ترك الميت أولاداً وبناتٍ، فإننا نبدأ بالأب والأم والزوج أو الزوجة، فيأخذ هؤلاء نصيبهم، ثم يقسم الباقي من التركة على الأولاد كما أمر الله تعالى، للذكر مثل حظ الأنثيين، قال تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ) النساء/11. وكذلك لو ورثه إخوانه وأخواته الأشقاء، أو من جهة الأب، فإن حقهم من التركة يقسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين، قال تعالى: (وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ) النساء/176. وهذا مجمع عليه بين أهل العلم. قال ابن عبد البر رحمه الله: " وأما قوله تعالى في آخر سورة النساء (وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين) فلم يختلف علماء المسلمين قديما وحديثا أن ميراث الإخوة للأم ليس هكذا، فدل إجماعهم على أن الأخوة المذكورين في هذه الآية هم إخوة المتوفى لأبيه وأمه [الأشقاء] أو لأبيه " انتهى من "التمهيد" (5/200) . وينظر: " المغني " (6 /162) ، " فتاوى اللجنة الدائمة " (16 /530) وأما الإخوة لأم فإنهم يرثون بالسوية لا فرق بين ذكرهم وأنثاهم، لقوله تعالى: (وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ) النساء/12. والكلالة: من لا والد له ولا ولد. فالأخ من جهة الأم يرث بهذا الشرط: ألا يكون للميت أصل ولا فرع وارث، ونصيبه: السدس. فإن كانوا أكثر من واحد، ذكورا، أو إناثا، أو ذكورا وإناثا، فلهم الثلث، يقتسمونه بالسوية. ثانياً: وأما الأجرة المأخوذة من تأجير بيت ورثوه معاً، فهذه الأجرة تقسم عليهم حسب ما يملكه كل واحد منهم في البيت، وحيث إنهم يمتلكون " للذكر مثل حظ الأنثيين " فتقسم الأجرة أيضاً كذلك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83283 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5806 كيف يقسم ثمن الأرض على هؤلاء الورثة؟ [السُّؤَالُ] ـ[أرجو شرح تقسيم قطعة أرض بين أفراد أسرة ورثوها عن جدهم الذي توفي منذ نحو 35 عاما وترك ولدين من زوجته الأولى وخمس بنات من زوجته الثانية التي تزوجها بعد أن توفيت زوجته الأولى، وقد توفيت الزوجة الثانية منذ أربع سنوات وكذلك توفي الولدان. وسوف تباع قطعة الأرض وتقسم بين السبعة، فما هو الحكم في تقسيم هذه الأرض وكيف تقسم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الزوجة الأولى لا ترث من الجد لأنها توفيت قبله. وأما الزوجة الثانية فإنها ترثه، ونصيبها يأخذه ورثتها. وكذلك الولدان، يرثان، ونصيبهما لورثتهما. وعلى ذلك فتركة الجد تقسم على هؤلاء الثمانية: الولدان، وخمس بنات، وزوجة. للزوجة الثمن، والباقي للأولاد، للذكر مثل حظ الأنثيين. وأما كيفية تقسيم الأرض إذا بيعت، فإن ثمنها يقسم 72 جزءا متساوية، للزوجة تسعة منها، ولكل بنت سبعة أجزاء، ولكل ولد أربعة عشر جزءاً. فإذا بيعت الأرض، فنصيب كل شخص يحسب كالتالي: يقسم ثمن الأرض على 72 ثم يضرب الناتج في عدد الأجزاء التي يستحقها. فنصيب الزوجة = ثمن الأرض مقسوما على 72 × 9 ونصيب كل ابن = ثمن الأرض مقسوما على 72 × 14 ونصيب كل بنت = ثمن الأرض مقسوما على 72 × 7 وينظر فيمن يرث الزوجة، فيقسم نصيبها عليهم. وكذلك ينظر فيمن يرث الولدين الذكرين، فيقسم نصيب كل منهما على ورثته. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83385 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5807 مات وترك زوجة وابنين وثلاث بنات [السُّؤَالُ] ـ[توفي أخي الشقيق وترك وراءه زوجة، وأما، وولدين قصرا، وثلاث بنات. واحدة بلغت الرشد - وقمت ببيع ممتلكات له وبلغت القيمة (190000) ريال أقوم بالصرف منها على أولاده وزوجته وسددت منها ديونه قرابة ثمانية أشهر حتى نزل لهم راتبه التقاعدي والآن أريد إعطاء كل وريث ورثه ونصيبه، ويبقى منها تقريبا 160 ألف تقريبا. فكم نصيب كل منهم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا فرق في الميراث بين الصغير والكبير، فالأولاد الصغار لهم نصيبهم من الميراث كالكبير سواء بسواء. لكن الصغير لا يعطى المال بيده، وإنما يعطى لوليه الذي يتولى الإنفاق عليه، ويرجع في تحديده إلى المحكمة المختصة بذلك؛ حفاظاً على أموال اليتامى. ثانياً: إذا كان الورثة من ذكرت فللزوجة الثمن؛ لقول الله تعالى: (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم) النساء /12. وللأم السدس؛ لقول الله تعالى: (وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ) النساء /11. وللأولاد الباقي، للذكر مثل حظ الأنثيين؛ لقول الله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) النساء /11. ثالثاً: وأما قسمة التركة المسئول عنها، فإنها تقسم إلى أربعة وعشرين (24) جزءاً متساوياً، يكون للزوجة منها ثلاثة أجزاء، وللأم أربعة، والباقي (17 جزءاً) يقسم على الأولاد للذكر مثل حظ الأنثيين. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83056 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5808 إذا مات وترك والدا وأولادا فكيف توزع التركة؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا عملت وجمعت رأس مال وتوفاني الله ووالدي عايش فهل تعود التركة لوالدي أو إلى أولادي أنا ?.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا مات الإنسان وله والد حي وأبناء ذكور، أو ذكور وإناث، فالوالد له سدس التركة، وللزوجة الثمن إن وجدت، ثم الباقي للأولاد للذكر مثل حظ الأنثيين. وأما إن كان الأولاد إناثا فقط، بنتا أو أكثر، فإن الزوجة تأخذ الثمن – إن وجدت – ثم تأخذ البنت أو البنات ما فرض الله لهن: النصف للواحدة، والثلثين للبنتين فأكثر، ثم يأخذ الأب السدس مضافاً إليه الباقي من التركة بعد أن تأخذ الزوجة والبنات نصيبهن. وقد دل على ذلك قوله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ) النساء/11 قال ابن قدامة رحمه الله: للأب ثلاثة أحوال في الميراث: الحال الأولى: يرث فيها بالفرض، وهي مع الابن أو ابن الابن، فليس له إلا السدس والباقي للابن ومن معه. لا نعلم في هذا خلافا، وذلك لقول الله تعالى: (وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ) النساء / 11. الحال الثانية: يرث فيها بالتعصيب المجرد، وهي مع غير الولد (والولد يشمل الذكر والأنثى) ، فيأخذ المال إن انفرد. وإن كان معه ذو فرض، كزوج، أو أم، أو جدة، فلذي الفرض فرضه، وباقي المال له، لقول الله تعالى: (فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ) النساء / 11. فأضاف الميراث إليهما، ثم جعل للأم الثلث، فكان الباقي للأب. الحال الثالثة: يجتمع له الأمران: الفرض والتعصيب، وهي مع إناث الولد، أو ولد الابن (يعني مع البنت أو بنت الابن) ، فله السدس، لقوله تعالى: (لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ) . وللأب السدس مع البنت بالإجماع، ثم يأخذ ما بقي بالتعصيب، لما روى ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فهو لأولى رجل ذكر) . متفق عليه. والأب أولى رجل بعد الابن وابنه. وأجمع أهل العلم على هذا كله، فليس فيه بحمد الله اختلاف نعلمه " انتهى من "المغني" (6/169) باختصار وتصرف يسير. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83065 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5809 كيفية توزيع التركة على الأولاد [السُّؤَالُ] ـ[توفي الوالد وترك بيتا باسمه وقام أحد الأبناء ببناء بيت على مساحة الأرض كاملة ولم يساهم في بناء البيت أحد من الأبناء وهم أحياء مع العلم أن الزوجة توفيت قبل الزوج والأجداد توفيا قبل الوالدين بمدة طويلة ونريد الآن والورثة الذكور عددهم (3) والبنات (2) كيف يتم توزيع التركة بينهم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما تركه الوالد والوالدة من ممتلكات (البيت وغيره) تقسم عليكم حسب القسمة الشرعية، للذكر ضعف الأنثى. فتقسم التركة إلى ثمانية أجزاء متساوية، يكون لكل ابن منها جزءان، ولكل بنت جزء واحد، لقول الله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) النساء/11. وأما البيت الذي بناه أخوكم على الأرض، فإن كان قد بناه لكم على سبيل الهدية والمنحة فهو لكم، وإن كان قد بناه على أنه ملك له فهو له، ولكن تبقى الأرض لكم تقسم عليكم جميعاً كما سبق، للذكر مثل حظ الأنثيين. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 76418 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5810 حكم أخذ المسلم ميراثه من كافر للتصدق به [السُّؤَالُ] ـ[لدي عم غير مسلم توفي وليس له وريث غيري، فهل يجوز لي أن أخذ الميراث لأنفقه على وجوه الخير المتنوعة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المسلم لا يرث الكافر، والكافر لا يرث المسلم، لما ثبت في صحيح البخاري من قوله صلى الله عليه وسلم: " لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم " ولو كان ذلك لغرض الصدقة به لعموم الحديث، ولأن المسلم لا يؤمر بالمحرم ليفعل المشروع، والله أعلم. وهذا ما أفاده الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز لما سألته عن هذه المسألة قال لا يطالب بإرثه حتى ولو كان للتصدق به لكن إن أعطي المال تخلص منه في أي وجه من وجوه الخير والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2261 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5811 مسألة ميراث [السُّؤَالُ] ـ[هل يمكن لأحد أن يخبرني عن حكم الإسلام في الإرث لهذه الحالة: توفي والدي وترك أربعة أبناء وثلاث بنات ووالدتي لا تزال على قيد الحياة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه المسألة التي سألت عنها في الميراث قسمتها كما يلي: للزوجة الثمن لأن للميت أولادا قال تعالى: " فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ " النساء آية 12 والسبعة أثمان الباقية تقسم إلى أحد عشر قسما متساوية لكل ذكر من أولاده الذكور قسمان ولكل أنثى من بناته الأربعة قسم واحد لقوله تعالى " يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ " النساء آية 11 توضيح بمثال لو ترك الميت المذكور عقارا وأموالا مجموع قيمتها 88000 دولار مثلا فإن لم يكن عليه دين ولم يوص بشيء فإننا نقسمها كالتالي: للزوجة الثمن 1/8 أي 11000 دولار والسبعة وسبعون ألفا الباقية تقسم إلى أحد عشر قسما ليكون للذكر ضعف الأنثى 88000 - 11000 = 77000 / 11 = 7000 فيكون نصيب الابن 7000 * 2 = 14000 دولار ويكون نصيب البنت 7000 دولار لكل واحدة. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 307 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5812 مسألة ميراث [السُّؤَالُ] ـ[أرجو التوضيح حول موضوع الورث التالي وفقا للكتاب والسنة: أب له أربعة (4) أبناء وثلاث (3) بنات، وقد مات أحد الأبناء ووالده مايزال على قيد الحياة. وبعد ذلك بفترة ماتت زوجة الأب وتركت خلفها بعض ممتلكاتها الخاصة. والأسئلة هي: 1- كيف تقسم ممتلكات الأم؟ 2- كيف يقسم ورث الأب بعد موته خصوصا فيما يتعلق بالإبن المتوفى؟ فقد مات الإبن وترك زوجتين {وله من الأولى ولد، ومن الثانية ثلاثة (3) أبناء} . هل يرث أبناء الولد المتوفى أي شيء؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله جاء في السؤال التعبير مرة بـ (زوجة الأب) ومرة أخرى بـ (الأم) ، ونظراً لأن الحكم يختلف فسوف يكون الجواب على كلا الاحتمالين: أولاً: تقسيم تركة الابن المتوفي: لزوجتيه الثمن، يقتسمانه بينهما بالسوية لأبيه السدس وإن كانت المرأة (محل الاحتمال في السؤال) أماً فلها السدس، وإن كانت زوجة أبيه وليست أماً له فلا شيء لها. والباقي لأبنائه الأربعة يقتسمونه بالتساوي بينهم. ثانياً: تقسيم تركة زوجة الأب أو الأم: إن كانت زوجة أب وليس لها أولاد – من زوجها الحالي أو من غيره إن كانت تزوجت قبله – فلزوجها النصف ولم يخبرنا السائل عن باقي ورثتها حتى نقسم باقي التركة. وإن كان لها أولاد – من زوجها الحالي أو من غيره – فلزوجها الربع، ولم يخبرنا السائل باقي ورثتها. وإن كانت أماً فلزوجها الربع، ولأولادها الأحياء وقت موتها الباقي للذكر مثل حظ الأنثيين (أي: ضعف الأنثى) ثالثاً: تقسيم تركة الأب لزوجته - إن كان له زوجة – الثمن والباقي لأولاده الأحياء وقت موته للذكر مثل حظ الأنثيين. فإن لم يكن له زوجة فالتركة كلها لأولاده للذكر مثل حظ الأنثيين. وأما أولاد الابن المتوفى في حياة أبيه فإنهم لا يرثون من جدهم أو جدتهم شيئاً، وكون الابن يرث – ولو كان حياً - لا يعني ذلك أن ينتقل نصيبه إذا مات إلى أولاده، لأن أولاد في هذه الصورة يحجبون من الإرث لوجود أعمامهم بإجماع العلماء. والله تعالى اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 7019 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5813 تقسيم الميراث وحرمان الابن تارك الصلاة [السُّؤَالُ] ـ[شخص يعيش في بلاد الكفر وأحد أولاده تارك للصلاة بالكلية - ونعلم بأنّ ترك الصلاة كفر مخرج من الملة -، والنظام في هذا البلد يمكّن الأب من توزيع تركته قبل وفاته، فهل يجوز أو يجب عليه أن يكتب عند المحامي أنه إذا لم يصلي الولد تقسم التركة ويحذف الولد ويقسم القسمة الشرعية على الباقي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله: لا بأس، لا بأس أن يوصي بأنه إذا لم يُسْلم قبل موت أبيه فلا حظ له في الميراث. سؤال: ويكتب الأنصبة موزعة؟ الجواب: حسب الأنصبة، لا يدرى لأنه ربما يموت بعض الموجودين. انتهى، فيُمكن إذن أن يكتب في وصيته عند المحامي أن تقسّم تركته إذا مات حسب الشريعة الإسلامية وأنّ ولده إذا لم يصلي ويُسلم قبل موته فلا حظّ له في الميراث والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 4030 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5814 توزيع تركة الأب وزوجته شريكته [السُّؤَالُ] ـ[إذا توفي والدي هل يلزم أمي أن تقسم التركة مباشرة حتى لو كان جميع الأبناء موافقون على أنها تمتلك الإرث حتى موتها. إذا أخذت أمي نصيبها وهو النصف (لأنها كانت شريك فعلي لوالدي في تجارته) وفرقت النصف الآخر علينا حسب الشرع فهل يمكن لها أن تهدي أحد أبنائها؟ لكي أخصص اكثر، إذا أرادت الأم أن تشتري لأحد أبنائها بيتا من نصيبها في الإرث فهل هذا البيت يجب أن يقسم على جميع الأبناء بعد موتها؟ كيف نستطيع أن نثبت أن الأم أهدت البيت للولد ولم تتركه ليتقاسمه الأبناء بعد موتها؟ هل يمكن أن تضيف هذا في وصيتها؟ وهل يجب أن يوافق جميع الاخوة على هذا ويوقعوا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأصل في التركات أن تقسم على الورثة بعد وفاة المورث، وذلك بعد أخذ نفقة تجهيزه وتكفينه وقضاء ديون الله وديون العباد المستحقة عليه وإخراج الوصية إذا ترك وصية، ويكره تأخير قسمة التركة، لما يترتب عليه من ضرر بالوارث، وأما إذا كان الورثة متفقين على تأجيل اقتسام التركة فلا حرج. وإذا كانت أمكم شريكة لأبيكم في تجارته فإنها تأخذ حصتها من الشّركة ويكون لها ثُمُن حصّة أبيكم ثم يكون لكم للذّكر مثل حظّ الأنثيين إذا لم يوجد للميت أبوين وإذا رأيتم أنتم وأمكم إبقاء كلّ شيء على ما هو عليه وترك التجارة تسير فلا حرج في ذلك ونصيب كلّ واحد معلوم متى أراد أن يطالب به فله ذلك. ولا يجوز للأم أن تخصّ أحد أولادها بعطية دون الآخرين لما رواه النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: تصدق أبي عليّ ببعض ماله، فقالت أمي: لا أرضى حتى تُشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليشهده على صدقتي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفعلت هذا بولدك كلهم؟ قال: لا: قال: اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم. فرجع أبي فردّ تلك الصدقة. متفق عليه ولمزيد من التفصيل في هذا وللإجابة على بقية السؤال (يُراجع جواب السؤال رقم 1511) ولا يجوز للأم أن توصي بشيء إلى أحد ورثتها بعد موتها لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا وصية لوارث) رواه الخمسة عن أبي أمامة، ولو فعلت فلا تنفذ وصيتها لمخالفتها للشرع. والله تعالى أعلم يراجع: كشف القناع 4/342 وغاية المنتهى 2/335 والمغني 5/604 [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 4089 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5815 هل السرقة تمنع من الميراث؟ [السُّؤَالُ] ـ[فتاة فرت من والدتها (الأرملة) بعد أن أخذت أموالها ومقتنياتها. لقد تربت المذكورة تربية غير إسلامية وكانت لا تطيع والدتها. الوالدة تريد قطع جميع الأمور المتعلقة بابنتها تماما. فهل لا يزال للمذكورة حق في الإرث؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: موانع الإرث ثلاثة: 1- القتل، فالقاتل لا يرث من المقتول شيئاً؛ لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْقَاتِلُ لا يَرِثُ " رواه الترمذي (2109) وصححه الألباني في صحيح الترمذي (1713) وقال الترمذي: " ... وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْقَاتِلَ لا يَرِثُ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً وقَالَ بَعْضُهُمْ إِذَا كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً فَإِنَّهُ يَرِثُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ " 2- اختلاف الدين، فلا يرث المسلم من الكافر، ولا الكافر من المسلم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يرث المسلم من الكافر والكافر من المسلم " رواه البخاري (6764) ومسلم (1614) . 3- الرق، فلو كان الأب رقيقاً والابن حرّاً فلا توارث بينهما؛ لأن الرقيق لا يملك شيئاً وماله لسيده، فلو ورث الرقيق لذهب المال إلى السيد وهو أجنبي. انظر كتاب " التحقيقات المرضية " للفوزان (ص45) . وبناءً عليه فالسارق لا يُمنع من الميراث، لكنه يُطالب بإعادة ما سرق. وإذا لم يُعده فإنه تحسب قيمة المسروق بالتقريب وتُجعل من ضمن الميراث ثم يقسم فإن بقي شيء خلاف ما سرقه أعطي إليه وإلا فلا يُعطى شيئاً، ويبقى عليه إثم السرقة والعقوق. ثانياً: مثل هذا هو ما يجني الوالدان غالباً من ثمار تفريطهما في تربية أولادهما في دنياهم قبل أن يحاسبهم الله يوم القيامة، وقد جعل الله تعالى الأب والأم مسئوليْن عن أولادهما عن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته: الإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته، والرجل راع في مال أبيه ومسئول عن رعيته، وكلكم راع ومسئول عن رعيته " رواه البخاري (853) ومسلم (1829) ، وأمرهما أن يقيا أنفسهما وأبناءهما النار فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} التحريم / 6، وما نراه الآن من عقوقٍ من الأبناء إنما هو بعض ثمار التفريط في التربية الإسلاميَّة الحقَّة للأبناء، فيتربى الأبناء تربية بعيدة عن أحكام الشرع فلا يعرف حقَّ أبويه فضلا عن حق الله تعالى، فكيف يرجو الآباء والأمهات صلاح الأبناء وقد ابتعدوا بهم عن الصراط السوي في التربية والعناية؟! وأما من لم يقصِّر في العناية والتربية الإسلاميَّة الحقة، ثم لم يكن أبناؤه على هداية فإنما هو ابتلاء يبتلي الله تعالى به الآباء والأمهات، ومن فرَّط فإن ذلك يكون من باب العقوبة. ثالثاً: قطع جميع الأمور المتعلقة بالبنت قد لا يكون سبيلاً دائما للإصلاح، بل هو أقرب إلى الانتقام والعقوبة والتي تثمر نتائج سيئة بعكس ما يتصور الفاعل، فإن بقاء البنت بجانب أهلها خير بكثير من فرارها أو طردها خارج البيت، لأن الفساد المترتب على خروج البنت من بيت أهلها أعظم بكثير من الفساد الذي يمكن أن يكون منها وهي عند أهلها. لذا لم يشرع الهجر في ديننا لذاته، بل لما يؤدي إليه من إصلاح، فإن أدَّى إلى فسادٍ أعظم لم يشرع. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 13772 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5816 لا يجوز حرمان الولد المسلم من الميراث [السُّؤَالُ] ـ[ي يتعلق بحرمان الأبناء من الميراث وعلى وجه الخصوص الابن (أو البنت) الذي لا يطيع والديه في قضايا الزواج. على سبيل المثال لو تزوج رجل من امرأة غير مسلمة. فمن المعروف أن المسلم يمكنه أن يتزوج من اليهود أو النصارى. في أيامنا هذه يصعب أن تجد شخصاً كهؤلاء في بلاد الغرب فالدين بعيد عن هؤلاء بعد الشمس عن الأرض. هل يعتبر الكاثوليك والبروتستانت ومن على شاكلتهم اليوم من " أهل الكتاب "؟ هل مؤكد أنه يحرم على المسلمة الزواج من غير المسلم؟ فنحن لا زلنا نرى حدوث هذا وتحوله لعادة بين كثير من الفتيات المسلمات.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز للمسلم أن يتزوج الكتابية اليهودية أو النصرانية ما دامت محصنة عفيفة كما قال الله تعالى (والمحصنات من أهل الكتاب) ولكنّ هذا أمر لا يُنصح به خصوصا عند وجود المسلم في بلاد الكفار تحت طائلة قوانينهم وتشريعاتهم الكفريّة. ولا يجوز لمسلمة بأيّ حال من الأحوال أن تتزوج كافرا لا كتابيا ولا غيره عفيفا أو غير عفيف لقوله تعالى: (لا هنّ حلّ لهم ولا هم يحلّون لهنّ) . والنّصارى المعاصرون ما داموا ينتسبون إلى عيسى ويعظّمونه ويدّعون اتّباعه فإنّهم من أهل الكتاب وتنطبق عليهم أحكام أهل الكتاب الواردة في القرآن والسنّة مع اعتقادنا بكفرهم وضلالهم. وإذا تزوج الابن المسلم من كافرة فلا يحلّ لأيّ من أبويه حرمانه من الميراث ما دام مسلما لم يخرج عن دائرة الإسلام ولم يرتكب ما يوجب كفره وخروجه عن دينه، ومن أقدم على عمل يسبب حرمان وارثه المسلم من تركته فقد تعدّى حدود الله وظلم نفسه وارتكب كبيرة عظيمة من الكبائر. والله يحكم ما يشاء ويفعل ما يُريد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2086 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5817 قسم ماله قبل موته وأعطى بعض الأولاد دون بعض [السُّؤَالُ] ـ[قام والدي بتقسيم كل ما يملك وهو المنزل الذي نشأنا فيه وتمليكه لثلاثة من أولاده دون الآخرين وأقصد أختين وأخ وأنا. وإخواني بارك الله فيهم ولهم ميسورو الحال، وأنا وأخي نعمل بالأجر خارج بلادنا، وأخواتي متزوجات، وعندما حصل التقسيم والتمليك كنا خارج البلاد، وما زلنا لم نغصب والدينا، والدليل أنهم يدعون لنا ويؤكدون عفوهم عنا. هل يجوز لوالدي منح ولد وحرمان الآخر في شيء كهذا؟ وبماذا تنصحنا أن نقول لوالدنا؟ لأننا سمعنا بأن هذا الفعل منافٍ للشريعة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: الذي فعله والدك هو إعطاء لبعض أولاده دون الآخرين، وليس قسمة لأمواله بين ورثته في حياته، لأنه لم يعط جميع الورثة، وإنما خص بعض أولاده. وتخصيص بعض الأولاد بالعطية من غير سبب يبيح ذلك حرام. وقد امتنع النبي صلى الله عليه وسلم من الشهادة على مثل ذلك، وسماه جورا، وذلك فيما رواه البخاري (2586) ومسلم (1623) عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه أَنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلَامًا، فَقَالَ: أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَ مِثْلَهُ؟ قَالَ لَا قَالَ: (فَارْجِعْهُ) . ومعنى (نحلت ابني غلاما) أي أعطيته غلاما. ورواه البخاري (2587) عَنْ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ (يعني: أمه) لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً، فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ: لَا. قَالَ: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ) قَالَ: فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ. وفي رواية للبخاري أيضا (2650) : (لا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ) . وفي رواية لمسلم (1623) عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه قَالَ: انْطَلَقَ بِي أَبِي يَحْمِلُنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اشْهَدْ أَنِّي قَدْ نَحَلْتُ النُّعْمَانَ كَذَا وَكَذَا مِنْ مَالِي، فَقَالَ: أَكُلَّ بَنِيكَ قَدْ نَحَلْتَ مِثْلَ مَا نَحَلْتَ النُّعْمَانَ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: (فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي) ثُمَّ قَالَ: (أَيَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا إِلَيْكَ فِي الْبِرِّ سَوَاءً) قَالَ: بَلَى. قَالَ: (فَلا إِذًا) ثانياً: على من وقع في هذا الجور أن يتوب إلى الله تعالى، وأن يرجع في عطيته تلك، أو يعطي سائر أولاده مثله. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فارجعه) قال ابن قدامة رحمه الله: " يجب على الإنسان التسوية بين أولاده في العطية , إذا لم يختص أحدهم بمعنى يبيح التفضيل , فإن خص بعضهم بعطيته , أو فاضل بينهم فيها أثم , ووجبت عليه التسوية بأحد أمرين ; إما رد ما فضل به البعض , وإما إتمام نصيب الآخر. قال طاوس: لا يجوز ذلك , ولا رغيف محترق. وبه قال ابن المبارك وروي معناه عن مجاهد , وعروة " انتهى من "المغني" (5/387) . وإذا رضي من مُنِعوا من العطية بذلك وطابت نفوسهم، فلا حرج على الوالد في تخصيص بعض أولاده بها، لأن الحق كان لإخوتهم وقد رضوا بإسقاطه، مع أن الأفضل أنه لا يفعل ذلك حتى مع رضاهم. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " يجب على الوالد العدل بين أولاده ذكورهم وإناثهم حسب الميراث، ولا يجوز له أن يخص بعضهم بشيء دون البقية إلا برضى المحرومين إذا كانوا مرشدين، ولم يكن رضاهم عن خوف من أبيهم، بل عن نفس طيبة ليس في ذلك تهديد ولا خوف من الوالد، وعدم التفضيل بينهم أحسن بكل حال، وأطيب للقلوب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) متفق على صحته " انتهى. " فتاوى الشيخ ابن باز " (20/51) ثالثاً: سبق في جواب السؤال رقم (36872) أنه لا حرج في تفضيل بعض الأولاد بالعطية إذا كان هناك سبب يقتضي ذلك كحاجته وفقره أو كونه طالب علم ونحو ذلك. فإن كان هناك سبب شرعي لتخصيص والدكم هؤلاء بالعطية فلا حرج عليه، وإن لم يكن هناك سبب شرعي ولم ترضوا بذلك فالواجب عليه رد هذه العطية والعدل بينكم. رابعاً: وعليكم إذا لم ترضوا بذلك أن تناصحوا أباكم بلطف ولين وتبيّنوا له أن الواجب عليه العدل بينكم، وقد تحتاجون إلى بيان ذلك له بالأدلة الشرعية، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (67652) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 72793 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5818 توفيت ولها بنت وأخ [السُّؤَالُ] ـ[توفيت سيدة لها تركة ولها ابنة وأخ فما نصيب كل منهما؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله البنت لها النصف، لقول الله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) النساء/11 ولم يبيّن السائل حال هذا الأخ، هل هو أخ شقيق أو أخ من الأب فقط أو من الأم فقط؟ فإن كان شقيقاً أو من الأب فقط فله باقي التركة بعد أخذ البنت نصيبها (النصف) وذلك لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ) رواه البخاري (6773) ومسلم (1615) . وهذا الأخ هو أقرب رجل ذكر من أقاربها، فله الباقي بعد أخذ البنت نصيبها. أما إذا كان هذا الأخ أخاً من الأم فقط، فيختلف تقسيم التركة. يكون للبنت النصف كما سبق، ويسقط هذا الأخ من الأم، فلا يستحق شيئاً من الميراث، لأن الأخ من الأم لا يرث شيئاً مع وجود أحد من الأولاد (ذكوراً كانوا أم إناثاً) لقول الله تعالى: (وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ) يعني من الأم (فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ) النساء/12. فلا يرث الأخ من الأم إلا إذا كان الميت كلالة. والكلالة: الذي لا والد له ولا ولد. أي: لا أب له ولا جدّ ولا ابن ولا بنت. وقد أجمع العلماء على أن الإخوة من الأم لا يرثون شيئاً إذا وجد أحد من الأولاد (ذكوراً أم إناثاً) – نقله ابن قدامة في "المغني" (9/7) . فعلى هذا، يكون للبنت النصف كما سبق، ثم إن وُجد أحد من العصبة كالأعمام وأبنائهم فالباقي بعد نصيب البنت لأقرب رجل منهم، فإن لم يوجد فإن هذا الباقي يُردّ على البنت، فتأخذ التركة كلها. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 72571 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5819 اختلاف الدين وأثره على التوارث [السُّؤَالُ] ـ[هل يرث المسلم من قريبه الكافر إذا مات والعكس وماذا يقول المسلمون في ميراث أهل الأديان المختلفة بعضهم من بعض؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلاف الدين أحد موانع التوارث، فلا يرث الكافر المسلم اتفاقاً، وكذلك لا يرث المسلم كافراً. لقوله صلى الله عليه وسلم: لا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ. " رواه البخاري 6262. ولو أسلم الكافر قبل قسمة التركة ورث عند الإمام أحمد ترغيباً له في الإسلام، وأما توارث أهل الكفر فيما بينهم، فعند الإمامين أبي حنيفة والشافعي وفي رواية عن أحمد: يثبت التوارث بينهم وإن اختلفت مللهم، لقول الله تعالى: " والذين كفروا بعضهم أولياء بعض " سورة الأنفال 73. ولأن الكفار على اختلاف مللهم كالنفس الواحدة في معاداة المسلمين. [الْمَصْدَرُ] الموسوعة الفقهية 2/308 الحديث: 2815 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5820 قبول أموال الكفار [السُّؤَالُ] ـ[أنا مسلم وزوجتي نصرانية. وأسأل هل يجوز لي أن آخذ شيء من المال الذي ورثته زوجتي وأصرفه، حيث أني لم أرث المال أنا، ولأنها زوجتي والمال يخصها؟ إذا أوصت زوجتي بممتلكاتها لي – في حال موتها قبلي- فهل يجوز أن آخذ ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله 1. لا مانع من أخذ شيء من مال زوجتك الذي ورثته، بشرط أن يكون ذلك برضاها. والله تعالى يقول: (فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً) النساء / 4. قال القرطبي رحمه الله: قوله تعالى فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا مخاطبة للأزواج ويدل بعمومه على أن هبة المرأة صداقها لزوجها بكرا كانت أو ثيبا جائزة وبه قال جمهور الفقهاء ... واتفق العلماء على أن المرأة المالكة لأمر نفسها إذا وهبت صداقها لزوجها نفذ ذلك عليها ولا رجوع لها فيه." تفسير القرطبي " (5 / 24، 25) . وأموال الكفار عموماً إذا بذلت لمسلمٍ عن طيب نفس فليس في أخذها حرج: فقد أكل النبي صلى الله عليه وسلم عند اليهود. رواه البخاري (2424) ومسلم (4060) . وأهدى له ملك أيلة – بلدة بساحل البحر – وكان كافراً بغلة بيضاء وبردةً. رواه البخاري (1411) ومسلم (1392) . وبذل عنه النجاشي مهر أم حبيبة وكان كافراً. عن أم حبيبة أن رسول الله صلى اللهم عليه وسلم تزوجها وهي بأرض الحبشة زوَّجها النجاشي وأمهرها أربعة آلاف وجهزها من عنده وبعث بها مع شرحبيل بن حسنة ولم يبعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء وكان مهر نسائه أربع مائة درهم. رواه النسائي (3350) – واللفظ له – وأبو داود (2086) والحاكم (2 / 181) وصححه وأقره الذهبي. وغير ذلك كثير. 2. ووصيتها لك – وهي على دينها قبل موتها – بممتلكاتها يحل لك أيضا هذه الممتلكات، فالوصية غير الميراث، فلو لم توصِ وماتت فلا يحل لك أن ترث منها شيئاً. قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم " رواه البخاري (6383) ومسلم (1614) . قال الإمام ابن عبد البر رحمه الله: وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا يرث المسلم الكافر " مِن نَقل الأئمة الحفاظ الثقات فكل من خالف ذلك محجوج به والذي عليه سائر الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار مثل مالك والليث والثوري والأوزاعي وأبي حنيفة والشافعي وسائر من تكلم في الفقه من أهل الحديث أن المسلم لا يرث الكافر كما أن الكافر لا يرث المسلم إتباعا لهذا الحديث وأخذا به وبالله التوفيق. " التمهيد " (9 / 164) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 6964 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5821 هل يرث ابن الابن جده؟ [السُّؤَالُ] ـ[سمعت بأن الرجل إذا مات وترك أطفالا ووالده لا زال حياً فإن الأولاد لا يرثون من جدهم (والد أبيهم) . أريد أن أعلم إذا كان هذا صحيحاً حسب الشريعة الإسلامية لأنني أشعر بأن الله لا يمكن أن يأمر بقسمة غير عادلة كهذه خصوصاً وأن هؤلاء الأيتام بحاجة لعناية كبيرة. إذا كان مثل هذا الحكم صحيحا فيجب أن يكون هناك شروط، هل يمكن أن توضح هذا حسب أحكام الإرث في الشريعة مع ذكر الدليل من القرآن والسنة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما ذكرته من عدم إرث أبناء الابن المتوفى من جدهم، صحيح لكن بشرط أن يكون للجد المتوفى ابن حي أو أكثر، فحينئذ يُحجب أبناء الابن بوجود الابن الذي هو عمهم. لكن إذا لم يكن للجد ابن حي فإنه يرث أولاد أبنائه. وما يظنه بعض العامة من أن أبناء الابن يأخذون نصيب أبيهم، مخالف للإجماع على أن شرط الإرث: تحقق حياة الوارث بعد موت مورثه، ولما كان الابن قد توفي من قبل، استحال أن يكون له نصيب من تركة أبيه الذي مات بعده. قال في تحفة المحتاج في شرح المنهاج (6/402) : (فلو اجتمع الصنفان) أي أولاد الصلب وأولاد الابن (فإن كان من ولد الصلب ذكر) وحده أو مع أنثى (حجب أولاد الابن) إجماعا) . لكن في الحالة التي لا يرث فيها أبناء الابن، تستحب الوصية لهم بما لا يزيد على ثلث التركة، لاسيما إذا كانوا فقراء محتاجين. وخلاصة الجواب: أن أولاد الابن يرثون من جدهم بشرط ألا يكون له ابن حي فإن كان له ابن حي (سواء كان هذا الابن أباهم أو عمهم) فإنهم لا يرثون، وعلى هذا أجمع العلماء) ويجب أن يعتقد المسلم أن ما قضاه الله تعالى هو الحكمة والعدل والرحمة وإن خفي عليه ذلك؛ وأن الله تعالى يشرع للعباد ما فيه صلاحهم وفلاحهم وسعادتهم (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) البقرة / 185. (يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفاً) النساء / 28 (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) النساء / 65 (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) الأحزاب / 36 (ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون) المائدة / 50. انظر سؤال رقم (1239) (13932) (22466) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20782 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5822 هل يجوز له أن يرث عقارا اشتري بقرض ربوي؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمسلم أن يرث عقارا تم شراؤه بقرض ربوي؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من اقترض قرضاً ربوياً، ثم اشترى به عقاراً، فإنه إذا مات، صار العقار من جملة تركته التي تورث عنه، وقد أثم بتعامله الربوي. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (ما حَرُمَ لكسبه فهو حرام على الكاسب مثل الربا، فإذا مات الإنسان الذي كان يتعامل بالربا فماله حلال لورثته. أما ما حُرِّم لعينه كالخمر فذلك حرام على الناقل ومن ينتقل إليه. وكذلك ما كان محرماً قد بقي فيه التحريم مثل المغصوب والمسروق. فلو أن إنساناً سرق مالاً ثم مات فإنه لا يحل للوارث، ثم إن كان يعلم صاحبه أعطاه إياه وإلا تصدق به عنه) انتهى من: لقاءات الباب المفتوح 1/304 وأفتت اللجنة الدائمة فيمن بنى منزلا بقرض ربوي أنه تلزمه التوبة والاستغفار، ولا يلزمه هدم المنزل، بل ينتفع به بالسكنى وغيرها. (فتاوى اللجنة الدائمة 13/411) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20709 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5823 هل يجوز أن يقسم ماله بين ورثته في حياته؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للرجل أن يقسم ماله في حياته بين ورثته؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم. يجوز ذلك بشرط ألا يقصد بهذا الإضرار ببعض الورثة، فيمنع بعضهم أو يعطيهم دون حقهم إضراراً بهم. فإن الله عز وجل قسم الميراث بنفسه، وتوعد من خرج عن هذه القسمة فقال: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) النساء/13، 14 والأفضل ألا يفعل ذلك، بل يُبقي ماله معه، فإذا مات قُسّم على الورثة الموجودين حين وفاته حسب القسمة الشرعية، والإنسان لا يدري من الذي سيموت أولاً حتى يقسم أمواله على ورثته، وقد يطول به العمر ويحتاج إلى هذا المال. قال في " الإنصاف " (7/142) : " لا يكره للحي قسم ماله بين أولاده. على الصحيح من المذهب. وعنه: يكره. (يعني: عن الإمام أحمد قول آخر بالكراهة) قال في الرعاية الكبرى: يكره أن يقسم أحد ماله في حياته بين ورثته إذا أمكن أن يولد له " انتهى. وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة": " (16/463) : " ننصح والدك ألا يقسم ماله في حياته، فربما احتاج إليه بعد ذلك " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 71297 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5824 حكم الوصية بمنع بعض الأبناء من الإرث [السُّؤَالُ] ـ[أود أن أعرف هل يجوز للشخص أن يمنع أحد أبنائه من الإرث حيث أنه حصل بينه وبين صهره بعض المشاكل، وهل يمكن أن يكون ذلك عذرا يمنع به إحدى بناته من الإرث؟ وهل لشخص له عشرة أبناء أن يعطي أحدهم أكثر من الآخرين؟ في حين أنه لا زال حيا كأن يكتب باسمه بيتا أو أرضا. ويقول بأن ذلك ليس حراما لأن هذا ماله وليس لأحد شأن فيه؟!]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا تجوز هذه الوصية لمخالفتها لمقتضى الشرع والعدل الذي أمر الله به - خاصة بين الأولاد قال الله تعالى: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (7) النساء ثمّ قال عزّ وجلّ: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍءَابَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (11) النساء ثمّ هدّد الله تعالى الذين يخالفون قسمته في الميراث ويتلاعبون في ذلك بقوله سبحانه: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14) النساء فمن منع بعض أولاده من الميراث أو أعطاهم أقلّ من حقّهم أو زاد آخرين أكثر من حقّهم الشّرعي أو أدخل من ليس بوارث في الميراث فهو عاصٍ آثم مرتكب لكبيرة من الكبائر، وكذلك لا تجوز الوصيّة لوارث لأنّ له حقّا شرعيا محددّا وذلك لما رواه أحمد وأبو داود والترمذي - رحمهم الله - عن أبي أمامة - رضى الله عنه - أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث ". سنن الترمذي 2046 فإن ثبت ثبوتا شرعيا ما يوجب كفر بعض الأولاد كترك الصلاة حال وفاة الأب فإنه لا إرث لهم وإن لم يوص بذلك لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يرث المسلم الكافر والكافر المسلم " متفق على صحته. أمّا إعطاء بعض الأولاد عطيّة دون الآخرين بدون سبب شرعي فهو حرام وظلم أيضا ويوغر صدور الإخوان بعضهم على بعضهم والدليل على التحريم ما رواه البخاري ومسلم رحمهما الله عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن أباه أتى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إني نحلت ابني هذا غلاما كان لي فقال عليه الصلاة والسلام: " أكل ولدك نحلته مثل هذا؟ فقال: لا. قال فأرجعه ". ولفظ مسلم فقال: " اتقوا الله واعدلوا في أولادكم ". فرجع أبي في تلك الصدقة. وفي رواية عنه رضي الله عنه قَالَ انْطَلَقَ بِي أَبِي يَحْمِلُنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اشْهَدْ أَنِّي قَدْ نَحَلْتُ النُّعْمَانَ كَذَا وَكَذَا مِنْ مَالِي فَقَالَ أَكُلَّ بَنِيكَ قَدْ نَحَلْتَ مِثْلَ مَا نَحَلْتَ النُّعْمَانَ قَالَ لا قَالَ فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي ثُمَّ قَالَ أَيَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا إِلَيْكَ فِي الْبِرِّ سَوَاءً قَالَ بَلَى قَالَ فَلا إِذًا. مسلم 3059 أمّا إن كانت العطيّة لأحد الأولاد لسبب شرعي كفقره أو دين عليه أو نفقة علاجه فلا حرج في ذلك، والله تعالى أعلم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 1511 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5825 هل للأحفاد حق في ميراث جدهم؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا ماتت الابنة قبل أبيها فهل يكون لأولادها الحق في الميراث الشرعي بدلا منها من أبيها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأحفاد إما أن يكونوا أولاداً لذكور أو يكونوا أولاداً لإناث. أما أولاد الإناث فلا يرثون من جدهم، سواء كانت أمهم حية أم ميتة. وأما أولاد الذكور فإنهم يرثون من جدهم بشرط عدم وجود أحد من أبناء الجد، سواء كان هذا الابن الموجود أباهم أو أحد أعمامهم، فإن وجد من أبنائه الذكور أحد فإنهم لا يرثون، سواء كان أبوهم حيا أم ميتاً. انظر: "التحقيقات المرضية في المباحث الفرضية" لفضيلة الشيخ صالح الفوزان (ص 65، 125) . ولا يعلم في الشرع أبداً أن يأخذ الحفيد من جده نصيب أبيه الميت، الذي لو فرض أنه كان حيا لأخذه!!!! بل التركة توزع على الورثة الأحياء عند موت مورثهم، فكيف نورث هذا الأب الذي مات قبل الجد، ثم نأخذ هذا النصيب ونعطيه أولاده؟! سبحانك هذا بهتان عظيم. ويمكن لهؤلاء الأحفاد الذين لا يرثون لوجود أحد من أبناء جدهم أن يحصلوا على شيء من تركة جدهم بطريقين: الطريق الأول: أن يوصي لهم الجد قبل وفاته بالثلث من تركته أو أقل، وهذا في حال أن يكون له مال كثير، وهذه الوصية أوجبها بعض العلماء واستحبها كثيرون. ودليل هذا قوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) البقرة/180. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: من فوائد الآية: وجوب الوصية للوالدين والأقربين لمن ترك مالاً كثيراً؛ لقوله تعالى: (كتب عليكم) ؛ واختلف العلماء رحمهم الله هل هذا منسوخ بآيات المواريث أم هو محكم، وآيات المواريث خَصَّصَتْ؟ على قولين؛ فأكثر العلماء على أنه منسوخ؛ ولكن القول الراجح أنه ليس بمنسوخ؛ لإمكان التخصيص؛ فيقال: إن قوله تعالى: (للوالدين والأقربين) مخصوص بما إذا كانوا وارثين؛ بمعنى أنهم إذا كانوا وارثين فلا وصية لهم اكتفاءً بما فرضه الله لهم من المواريث؛ وتبقى الآية على عمومها فيمن سوى الوارث ... ومنها: جواز الوصية بما شاء من المال؛ لكن هذا مقيد بحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (أتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا؛ قال: فالشطر؟ قال: لا؛ قال: فالثلث؟ قال: الثلث؛ والثلث كثير) متفق عليه؛ وعلى هذا فلا يزاد في الوصية على ثلث المال؛ فتكون الآية مقيدة بالحديث. ومنها: أن الوصية الواجبة إنما تكون فيمن خلّف مالاً كثيراً؛ لقوله تعالى: (إن ترك خيراً) ، فأما من ترك مالاً قليلاً: فالأفضل أن لا يوصي إذا كان له ورثة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: (إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس) متفق عليه. " تفسير سورة البقرة " (2 / 306، 307) . الطريق الثاني: أن يهب أعمامهم لهم من نصيبهم شيئاً يوزعونه عليهم. أما أن يحسب نصيب والدهم ويُعطى لهم وهو ليس على قيد الحياة: فهذا لا يُعرف له أصل في الشرع، ويسمى هذا في بعض الدول بـ " الوصية الواجبة "، فيُعطون أولاد الابن المتوفى في حياة أبيه – أي: جدهم - نصيب أبيهم بشرط ألا يزيد عن الثلث، ويُعطون أولاد البنت نصيب أمهم بشرط ألا يزيد عن الثلث، ولو لم يوص الجد لهم بشيء!! وهذا مخالف للشرع، وغير موجب للطاعة؛ لأن فيه مشاركة لله تعالى في التشريع، وتعديّاً على حقوق الورثة، وقد نسبوا هذا القول لابن حزم رحمه الله، وهو محض تقول عليه؛ لأن ابن حزم قد أوجب الوصية للأقارب الذين لا يرثون، وهذا يشمل العم والخال وجميع الأقارب، وهم لا يجعلون لهؤلاء نصيباً في التركة، وأيضاً: لم يوجب ابن حزم نسبة معينة أو نصيباً مفروضاً، وهم قد فعلوا ذلك بإعطائهم نصيب أمهم أو أبيهم، وأيضاً: فإن ابن حزم يرى أنهم يُعطوْن في حال أن يوصي الجد، وهم يجعلون لهؤلاء الأحفاد نصيباً ولو لم يوص الجد، فاختلف ما قاله ابن حزم عما نسبوه إليه، فالواجب على القضاة أن لا يحكموا بمثل هذا، وليعلموا أنهم بحكمهم هذا يخالفون شرع الله تعالى، ويأخذون المال ممن جعله الله تعالى حقا له، ويعطونه لمن لا يستحقه. وفي هذا مضادة لحكم الله وشرعه، وقد اعترض كثير من علماء الأزهر على " قانون " الوصية الواجبة، وأفتوا بخلافه، ونشرت أبحاث في مجلة الأزهر وغيرها في الرد على هذا القانون، وبيان مخالفته للشرع. وقد سئل الشيخ عبد الله بن جبرين حفظه الله: هل يرث الأحفاد جدهم إذا كان والدهم قد توفي قبل الجد؟ وإذا كانت الإجابة بالنفي فلماذا؟ فأجاب: الأحفاد هم أولاد البنين دون أولاد البنات، فإذا مات أبوهم قبل أبيه لم يرثوا من الجد إن كان له ابن لصلبه أو بنون؛ فإن الابن أقرب من ابن الابن، فإن كان الجد ليس له بنون ولو واحداً وإنما له بنات: فللأحفاد ما بقي بعد ميراث البنات، وكذا يرثون جدهم إن لم يكن له بنون ولا بنات فيقومون مقام أولاده للذكر مثل حظ الأنثيين. " مجلة الحرس الوطني " (العدد 264، تاريخ 1 / 6 / 2004) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 70575 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5826 كتابة وصية تقسم الإرث بالشريعة الإسلامية [السُّؤَالُ] ـ[أعيش في بلد لا يتم فيه تطبيق الشريعة الإسلامية، بعض المسلمين مع الأسف يحتكمون لقانون الكفار في مسائل النفقة والإرث. على ضوء هذا، هل يجوز أن أكتب وصية معترف بها في المحكمة ومصدقة وأذكر بها أنه عند موتي يجب تقسيم الإرث حسب الشريعة الإسلامية؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين فأجاب حفظه الله بقوله: إذا كان لن يوزع حسب الطريقة الإسلامية فيجب عليه ذلك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 6902 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5827 هل يُعطى المسلم بالاسم فقط شيئا من الميراث [السُّؤَالُ] ـ[هل يجب على المسلم أن يطبق ما ورد في القرآن من قوانين تخص الإرث؟ ماذا إذا كان بعض أفراد العائلة كفارا (هم مسلمون لكنهم لا يصلون ولا يصومون ... الخ) فماذا يكون الحكم؟ سعت الناس يقولون أن تلك القوانين تطبق إذا كان جميع أفراد العائلة يتبعونها فهل هذا صحيح؟.]ـ [الْجَوَابُ] لا يسقط شيء من دين الله لاختلاف الزمن أو المكان أو الحال، لا أحكام الإرث ولا غيرها صالح في كل زمان ومكان للعرب والعجم ذكرهم وأنثاهم غنيهم وفقيرهم بدويهم وحضرهم، كلهم في ذلك سواء. ولما ذكر الله تعالى في سورة " النساء " المواريث قال في آخر الآية: {فريضةً من الله إن الله كان عليماً حكيماً} (سورة النساء/11) . قال الإمام ابن كثير في شرح هذه الآية: هو فرض من الله حَكَمَ به وقضاه، والله عليم حكيم الذي يضع الأشياء في محالها ويعطي كلاًّ ما يستحقه بحسبه، ولهذا قال الله تعالى {إن الله كان عليماً حكيماً} . " التفسير " (1 / 500) ثم قال الله تعالى في شأن أحكام المواريث ومقاديرها: {تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم. ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين} (النساء / 13-14) . فالآية الكريمة يقرر الله تعالى فيها: أن ترك العمل بالميراث بما يقتضي الشرع تعدٍّ لحدود الله تعالى، وأن فاعل ذلك خالد في النار وله عذاب مهين. واعلم - رحمك الله - أن علم الميراث نصف العلم كما قال بعض العلماء، قال ابن كثير: قال ابن عيينة: إنما سمي الفرائض نصف العلم لأنه يُبتلى به الناس كلهم. " التفسير " (2 / 497) . ثانياً: إذا ترجح لديك أن تارك الصلاة كافر مرتد - وهو الراجح والله أعلم - فلا يجوز لكافر أن يرث من مال المسلم شيئاً ولا يجوز للمسلم أن يرث من مال الكافر شيئاً. عن أسامة بن زيد رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم ". رواه البخاري (6383) ومسلم (1614) . وعليه: لا يرث تاركو الصلاة من الذين يقيمونها ولا يرث مقيمو الصلاة من الذين تركوها شيئاً. ثالثاً: ينبغي أن تتأكد إن كان تارك الصلاة هذا، قد تركها تركاً مطلقاً أم أنه يصلي بعض الفروض ويترك بعضا، فإن كان الثاني فلا يكون كافراً، لأن الكافر الذي يترك الصلاة بالكلية ويقطعها قطعاً مطلقاً. رابعاً: مما سبق يتبين أن إقامة حدود الله في المواريث واجب على كل حال سواء أكان جميع أفراد العائلة قابلين بهذا الحكم أو بعضهم لأن حكم الله ثابت، علما أنّ كل من لم يقبل بحكم الله ولم يرضَ به فهو كافر لا يرث من قريبه المسلم شيئا ولا يرث منه قريبه المسلم إذا مات على اعتراضه وسخطه على حكم الله وكفره. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 7578 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5828 أوصى لبناته بالثلث تأديبا للابن الذي أخذ المال كله فما الحكم؟ [السُّؤَالُ] ـ[قبل وفاة أبي بعام قام بتسليم كل فرد منا 3 بنات وولد أوراق الحسابات الخاصة التي قام بادخارها كل منا وطوال سنوات الغربة التي عاني فيها الكثير كنا نعلم كم عاني من أجل أن يوفر لنا ذلك فلم يجرأ أحد منا سحب أي مبلغ دون الرجوع إليه احتراماً له. وحدث أن قام أخي بسحب كل ما يوجد في الحساب إزاء مشاجرة تمت بين أخي وأختي وكان أبي يرحمه الله في صف البنات مما جعل أخي سامحه الله أن يقوم بسحب كافه الأموال التي كان أبي قد وضعها في حسابه وسلمه أوراقها، وعندما علم أخي بهذه الوصية أقام دعوة قضائية يطعن في الوصية وشرعيتها، وعند علم أبي بذلك من البنك أصابته صدمة عنيفة وبلغه بإرجاع النقود لاحتياجه لهل في مرضه ورفض أخي إرجاع النقود لأبي مما كان له أثر سيء لديه وتوفى أبي وهو غاضب عليه وكان قد كتب وصية بثلث التركة للبنات وكانت هذه الوصية بمثابة عقاب لأخي كتبها أبي قبل وفاته وهو مدرك تماماً ما أوصى به. وقد قمت عن نفسي برفض هذه الوصية وذلك لعدم ارتياحي لها وتمسكت بحقي الشرعي فقط ونصحت إخوتي البنات بترك هذه الوصية وذلك لندفع أي شك في خطأ وقع فيه والدنا وكذلك حفاظاً على صلة الرحم مع أخي كما أوصانا الله بها، فلم تفلح محاولاتي العديدة لإقناعهم ومضوا في طريقهم لتنفيذ الوصية عن طريق القضاء. ولم تفلح دموع أمي رحمها الله أن تثنيهم عن مواصلة المطالبة بتنفيذها. وحاولت أيضاً مراراً مع أخي لكي أثنيه عن الدخول مع إخوتي البنات للنزاع في المحاكم حفاظاً على اسم وسمعة والدنا، وطلبت منه أن يعتبر ذلك عقاباً له في الدنيا لما سلف أن فعله مع أبي، فرفض التنازل عما يعتبره حقه لأي سبب كان، واتهمني كل طرف منهم بعدم مساندة الحق وكنت قد نزهت نفسي بالخوض في نزاعاتهم بتوكيل محامي عني يعلن رفضي لهذه القضية من البداية. أرجو إفادتي بما ترونه في حكم الشرع وما موقف إخوتي الشرعي، ثم ما هي واجباتي نحوهم وهم متخذين موقف مني في هذا الموضوع رغم محاولتي الكثيرة لصلتهم وبرهم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إنه لمما يؤسف منه أن يحدث مثل هذا بين مجموعة من الإخوة، ومما يزيد الأمر أسفاً أن يكون سبب الخلاف هو المال، وحقيقةً فإني أشكر الأخت السائلة على طيب نفسها ورجاحة عقلها حيث آثرت السلامة على الدخول في شجار مع أخيها، وسعت في احتواء القضية وحلها داخل نطاق الأسرة وهذا بحد ذاته يعتبر بداية الحل السليم لهذه القضية، وأما عن الإجابة على هذا السؤال فسوف يكون في النقاط التالية: الأولى: هذا المال الذي كان أبوكم قد ادخره لكم وتعب فيه من أجل نفعكم به، حق جميع من كتب الله له الميراث فيه، كل شخص منكم يملك نصيبه الشرعي بعد وفاة أبيكم وليس لأحدكم أن يستأثر بهذا المال دون باقي الورثة لأنه يكون معتدياً على حق الغير، قال الله تعالى (ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) البقرة/190 وعن أبي حرة الرقاشي عن عمه قال كنت آخذاً بزمام ناقة رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل مال امرء إلا بطيب نفس منه) رواه أحمد (20172) وصححه الألباني في صحيح الإرواء (1761) وعلى هذا فما فعله أخوكم من أخذ هذا المبلغ يعتبر تصرفاً محرماً لاسيما وأنه أخذ المال والأب على قيد الحياة وهو لا يستحق شيئاً من المال إلا بعد وفاة أبيه، بل ولا يستحق بعد وفاته إلا ما قسمه الله له في الميراث وعليه فالواجب على أخيكم التوبة إلى الله وإعادة الحقوق إلى أصحابها. الثانية: الوصية التي وصى بها والدكم وصية غير شرعية ولا يجوز لَكُنَّ المطالبة بها، لأن الشخص الوارث لا يجوز أن يُخص بوصية لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث) رواه الترمذي (2120) وصححه الألباني في صحيح الترمذي (1722) فلا تجوز لكن المطالبة بها - وإن كان أخوكن قد أخذ عليكن المال - ولكن طالبن بما أعطاكن الله إياه من الميراث. الثالثة: موقفك منهم هو أن تستمري في النصح والتوجيه وجمع الكلمة ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، وتذكري أن لك من الله الأجر والثواب على ذلك , قال الله تعالى: (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) النساء/114 كرري على أخواتك ألا يطالبن إلا بما لهن من الحقوق، وأن المطالبة بالثلث أمر لا يجوز، وحاولي أيضاً مع أخيك بالتي هي أحسن أن يعطي أخواتك مالهن من الحقوق، وأن يكون رحمة على أخواته بعد وفاة أبيه بدلاً من أن يكون عذاباً عليهن، وسوف تجدين في سبيل ذلك عناءً ولا شك، لكن اصبري ونسأل الله أن يثيبك على ذلك. رابعاً: إذا كنت على الحق فلا يضّرك لوم اللائمين ولا اتهامهم لك بالانحياز إلى طرف دون آخر فأثبتِي على الحق. وأخيراً فإننا ندعوكم جميعاً لأن تتقوا الله تعالى وأن تدرؤوا عنكم هذا الخلاف الفاضح الذي لا يفرح به إلا الشيطان ومن في قلبه مرض وكل شامت وحاسد. أسأل الله أن يصلح ذات بينكم وصلى الله على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 21696 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5829 إذا كانت الزوجة تنفق على البيت هل يختلف نصيبها من الميراث [السُّؤَالُ] ـ[حددت الآية 11 من سورة النساء أن للمرأة نصف ما للرجل في الإرث. كما أني أفترض أن الحكم الذي يقضي بأن المرأة ترث نصف ما يرثه الرجل هو مبني على الأمر الموجود في الآية رقم 34 من سورة النساء التي تقضي بقوامة الرجل على المرأة. وسؤالي هو: ماذا يحصل إذا كانت المرأة هي المكتسب الأساسي للرزق (أي أنها هي التي تعمل) في العائلة (وليس الرجل) ؟ أو: ما هو الحكم إذا كانت المرأة وزوجها يتكسبان الرزق ويعمل كل واحد منهما؟ فهل ينطبق عليها نفس الحكم أيضا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد: فإن للأنثى نصف الذكر في الميراث سواءً كانت تعمل وتنفق أم لا لأنّ هذا حكم الله تعالى قال عز وجل: " يوصيكم الله في أولادكم للذكرمثل حظ الأنثيين " النساء/11 يقضي بأنه إذا اجتمع رجل وامرأة وورثا من جهة واحدة أن للذكر مثل حظ الأنثيين، ويستثنى من ذلك ميراث الإخوة لأم في مسألة الكلالة، الواردة في قوله تعالى: (وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث " النساء/12 وصورة الكلالة: ألا يترك المتوفى أصلا ولا فرعا، فإن كان له إخوة من أمه، فللذكر مثل الأنثى، قال القرطبي رحمه الله (وهذا إجماع من العلماء، وليس في الفرائض موضع يكون فيه الذكر والأنثى سواء إلا في ميراث الإخوة للأم) . ولأهمية شأن الميراث، تولى الله سبحانه وتعالى قسمته بنفسه، ولم يتركه لاجتهاد مجتهد أو تأويل متأول، ولهذا ختم الله الآية بقوله: (فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما) . وعقب سبحانه على أحكام الميراث بقوله: (تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم. ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين) النساء/13-14. ومن هذا يعلم أنه لا مجال لتغيير هذه الأحكام ولا تبديلها، ولا الاقتراح عليها، لأنها جاءت من عند الله العليم الحكيم، الذي لا يظلم الناس مثقال ذرة، وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها. وقد استنبط بعض العلماء الحكمة من تفضيل الذكر على الأنثى في الميراث، من قوله تعالى: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم) النساء/34. وقالوا: لما كان الرجل مكلفا بالنفقة على المرأة، وعلى أولادها، وخدمها، وكانت هي معفاة من ذلك، ناسب أن يزاد في نصيبه على نصيبها. وهذه حكمة ظاهرة ولا شك. قال العلامة الشنقيطي رحمه الله في " أضواء البيان ": (لأن القائم على غيره المنفق ماله عليه مترقب للنقص دائما، والمقوم عليه المنفق عليه المال مترقب للزيادة دائما، والحكمة في إيثار مترقب النقص على مترقب الزيادة جبرا لنقصه المرتقب ظاهرة جدا. 1/308 وينبغي أن يكون معلوما أن الإسلام سبق جميع الاعراف والقوانين إلى تكريم المرأة وإنصافها، ومنحها ذمة مالية مستقلة، في حين ظلت المرأة الأوروبية إلى وقت قريب محرومة من حق التملك! وما ورد في السؤال عن المرأة التي تقوم بالإنفاق أو تشارك فيه، جوابه: أن المرأة غير مطالبة بذلك، ولها الامتناع عن العمل، أو الامتناع عن بذل مالها الذي كسبته بعملها، ومطالبة زوجها بالنفقة والمسكن لها ولأولادها، فإن امتنع الزوج من أداء هذا الحق، كان لها طلب الطلاق. وإذا رضيت بالانفاق عليه ومشاركته مصاريف البيت وأعباء المعيشة فهذا إحسان منها تؤجر عليه وتُثاب. ولكن ليس بواجب عليها ولذلك لا يؤثر في نصيبها من الميراث. وينبغي التنبه إلى أن هذه الزوجة ربما أخذت نصف تركة أبيها أو أمها، إذا لم يكن لها أخ وارث، وربما ورثت أخاها أو أختها، إضافة إلى ما تستحقه من تركة زوجها بعد موته. وقد يكون الزوج على عكس حالها تماما، أعني أنه ورث شيئا قليلا من تركة أبيه أو أمه أو إخوانه، أو لم يرث شيئا. واغرض من هذا التنبيه، بيان أن قوله تعالى " للذكر مثل حظ الأنثيين " متعلق بالذكر والأنثى من أبناء الميت، وليس منطبقا على الزوج مع زوجته؛ إذ لكل منهما جهة مستقلة يرث منها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 14357 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5830 لا وصية لوارث [السُّؤَالُ] ـ[إذا أوصى بثلث ماله للفقراء، فهل يجوز لورثته أن يأخذوا من هذه الوصية إذا كانوا فقراء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، يجوز، قال شيخ الإسلام رحمه الله: (ولا تصح الوصية لوارث بغير رضى الورثة، ويدخل وارثه في الوصية العامة بالأوصاف دون الأعيان) اهـ الاختيارات ص: 190. والمعنى: أن الوصية العامة وهي التي لا يقصد بها شخص معين إذا كانت بالأوصاف كما لو أوصى للفقراء أو طلبة العلم أو المجاهدين ونحو ذلك من الأوصاف يجوز لمن اتصف بهذا الوصف أن يأخذ من الوصية ولو كان وارثاً، وأما إذا كانت الوصية العامة بالأعيان كما لو أوصى لأقاربه، لم يدخل الورثة في هذه الوصية. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 23300 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5831 أخذ الإرث من والده الكافرعلى أنه دية لقتله والدته [السُّؤَالُ] ـ[قتل والدي والدتي وأنا صغير حيث كنت آنذاك في 15 من عمري. والداي كافران, وعندما وقع القتل كنت على غير الإسلام أنا أيضا. لم يُسجن والدي بسبب جريمته , وهو الآن في أرذل العمر, وقد يموت قريبا. والدي يخطط في أن يترك لي مالا كثيرا. فهل يجوز لي قبول هذا المال؟ وهل تعتبر ديّة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله بقول: إذا كان سيعطيك إياه على أنه دية فلا تأخذه لأنه كافر وأنت مسلم ولا يرث المسلم من الكافر، والدية من الإرث، وإذا كان سيعطيك إياه تطييباً لخاطرك فلا بأس أن تأخذه، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 9112 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5832 تركة ميت له زوجة وأبناء وأخوات وأحفاد [السُّؤَالُ] ـ[توفي والدي مؤخرا (أسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر له الذنوب ويرحمه) ، وترك من خلفه أفراد العائلة، وهم: زوجته، 4 أبناء (3 منهم متزوجون، وله أيضا 3 أحفاد) 3 أخوات (إحداهن متزوجة، والأخرى أرملة، والثالثة عانس) أمه وأبوه. وقد قرأت القرآن، لكني وجدت صعوبة في فهم شروط الإرث. أرجو أن تبين لي كيف يتم التقسيم الصحيح لأملاكه، وما هي النسبة التي يجب أن نتصدق بها من تلك الأملاك (إن كان ذلك واجبا) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب عليك أن تراجع أقرب محكمة شرعية لديك لتتولى قسمة الميراث بعد إخراج الديون المستحقة وتنفيذ وصية الميت بالثلث فأقل. ثم تكون قسمة الميراث على الورثة متى توفرت شروط الإرث، وانتفت موانعه. وعلى كل حال في حال توفر الشروط، وانتفاء الموانع وعدم وجود سوى هؤلاء الورثة: _ فإن الزوجة تأخذ الثمن لوجود الفرع الوارث. _ والأب السدس لوجود الفرع الوارث من الذكور. _ والأم السدس لوجود الفرع الوارث. _ والأبناء الباقي (يقسم بينهم بالتساوي ماداموا ذكوراً) ، أما الأحفاد، والأخوات فلا حظ لهم لأنهم محجوبون (بالفرع الوارث وهو الأبناء) . [الْمَصْدَرُ] الشيخ وليد الفريان الحديث: 11021 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5833 قسمة رجل مات وترك زوجة وأماً وأخاً وأختاً [السُّؤَالُ] ـ[مات رجل وترك من خلفه زوجة وأخ وأخت وأم. فكيف تقسم ممتلكاته بين الورثة هؤلاء؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله تقسم ممتلكات هذا الرجل بين ورثته المذكورين على النحو التالي: للزوجة الربع، وللأم السدس، والباقي على الأخوة للذكر مثل حظ الأنثيين. فلو كانت التركة مثلاً: 18000 فللزوجة: ربع التركة وتساوي: 4500، وللأم: سدس التركة وتساوي: 3000، والباقي (18000 - 7500 = 10500) يقسم ثلاثة أقسام: ثلث للأنثى ويساوي: 3500، وثلثان للذكر ويساوي: 7000، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ سعد الحميد. الحديث: 11803 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5834 هل يجوز اصطلاح الورثة أن يأخذ الذكر مثل الأنثى [السُّؤَالُ] ـ[أغلب الأسئلة (التي تتعلق بموضوع الإرث) الموجودة على الموقع هي في حالة ما إذا كان الزوج/الأب هو المتوفى. لكن في وضعي، فإن والدتي هي التي توفيت، وقد تركت بعض المال والأملاك لعائلتها. وكوني أكبر ذريتها (وأنا امرأة) فقد عُهد إلي بمهمة القيام على تقسيم التركة. وأحيطكم علما بما يلي: أن والدتي هي ممن دخل في الإسلام. وعندما ماتت، فقد تركت أخت لها وأخوين (وجميعهم غير مسلمين) ، وقد مات والداها في الماضي. والدتي عندها 5 أبناء، 3 بنات وولدين، وأحدهما قاصر (وفقا لمفهوم دولتي عن القانون الإسلامي فإن من يبلغ من العمر 18 عاما يعتبر راشدا. وكل من لم يبلغ ذلك السن يعد قاصرا) وعليه، فإنه يجب مراعاة مسألة إقامة وصي قانوني عليه. زوج والدتي، وهو والد اخوتي الأربعة، ما يزال على قيد الحياة. أما أنا فولدت من أب آخر وقد مات عندما كان عمرى 18 شهرا. وقد تزوجت والدتي بعد ذلك بزوجها الأخير وكانت زوجته الوحيدة قانونيا إلى أن ماتت. فكيف يمكن تقسيم التركة وفقا لقانون الشريعة؟ سؤال آخر: فقد علمت بأنه، مع أن تقسيم تركة الميت المسلم محكوم بالقانون الإسلامي، إلا أنه إذا وافق الورثة المستحقون على تقسيم التركة المذكورة وفقا لترتيباتهم الخاصة، فإن قرارهم سوف (overwrite تعني "يفرط في الكتابة"، لكن السياق يبين أن المقصود "يلغي") ذلك القانون. هل هذا صحيح؟ إذا كان اتفاق الورثة فيما بينهم يلغي القانون (الحكم الشرعي) ، فما هي الطريقة الصحيحة لعمل وتنفيذ ذلك؟ هل يتم تقسيم التركة أولا حسب القانون، ثم بعد ذلك يتم إعادة تقسيمها وفقا لاتفاقهم الأولي، أم هل يمكن تقسم التركة وفقا لترتيبات الوارثين من البداية؟ أرجو أن توضح ذلك بالتفصيل حيث أني أريد أن أتأكد من أني أقوم بهذه المسؤولية بما يتفق والقانون. وأي شيء أقل من ذلك يعني أن الله سيسائلني يوم القيامة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا بد من التنبيه على أمر وهو قولك في السؤال " قانون الشريعة "، وهو تعبير غير جيد، فلعلك تستخدمين لفظ " أحكام الشريعة الإسلامية " بدلا منه. بخصوص ما سألت فإنه اتضح من السؤال أن الإرث انحصر في زوج والدتك وأنت وأخوتك، وعدد الذكور اثنان والإناث ثلاث. يمكنكم بطريقة سهلة أن تقسموا المال اثني عشر قسما، يأخذ منه زوج والدتك ثلاثة أقسام، والباقي بينك وبين إخوتك للذكر مثل حظ الانثيين (أو اقسموا الباقي سبعة أقسام للذكر قسمان وللأنثى قسم واحد) . فلو كان المبلغ مثلا 10000 (عشرة آلاف) ، فيقتطع منه (2500) للزوج، ويبقى (7500) تقسم على سبعة، فيكون كل قسم (1071.5) تقريبا وهو نصيب كل أنثى، ويضرب في اثنين فيكون الناتج (2143) وهو نصيب كل ذكر من الأولاد. وهذه القسمة المذكورة فيما إذا أراد كل واحد من الورثة أن يأخذ نصيبه الذي شرعه الله له. أما إذا اصطلح الورثة فيما بينهم واتفقوا على اقتسام المال مثلا بينهم بالتساوي بحيث لا يكون هناك فرق بين الزوج والأولاد ولا بين الذكور والإناث، فهذا جائز شرعا، وأما كيفية تطبيقه رسميا فهذا عائد لظروف بلدكم ونظام الحكم فيها. [الْمَصْدَرُ] الشيخ سعد الحميد. الحديث: 12221 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5835 توزيع تركة على أم وأب وأربعة أخوة [السُّؤَالُ] ـ[توفي شخص عن أم، أب، وأربعة أخوة فيكف توزع التركة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين: القول الأول: وهو الذي عليه الأكثر وهو الصحيح من مذهب الحنابلة، أنه إذا كان في المسألة أبوان وجمع من الإخوة فللأم السدس والباقي للأب، لقول الله تعالى: (فإن كان له إخوة فلأُمِّه السدس) فالآية الكريمة تدل بعمومها على أن الإخوة يحجبون الأم من الثلث إلى السدس سواء كانوا وارثين أو محجوبين. قال الرملي من الشافعية: اعْلَمْ أَنَّ شَرْطَ الْحَجْبِ فِي كُلِّ مَا مَرَّ الإِرْثُ , فَمَنْ لَمْ يَرِثْ لِمَانِعٍ مِمَّا يَأْتِي لا يَحْجُبُ غَيْرَهُ حِرْمَانًا وَلا نُقْصَانًا أَوْ يُحْجَبُ كَذَلِكَ إلا فِي صُورَةٍ , كَالإِخْوَةِ مَعَ الأَبِ يُحْجَبُونَ بِهِ وَيَرُدُّونَ الأُمَّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ , وَوَلَدَاهَا مَعَ الْجَدِّ يُحْجَبَانِ بِهِ وَيَرُدَّانِهَا إلَى السُّدُسِ , وَفِي زَوْجٍ وَشَقِيقَةٍ وَأُمٍّ وَأَخٍ لأَبٍ لا شَيْءَ لِلأَخِ مَعَ أَنَّهُ مَعَ الشَّقِيقَةِ يَرُدَّانِ الأُمَّ إلَى السُّدُسِ. نهاية المحتاج شرح المنهاج ج/6 ص/ 16 ومذهب المالكية: (وَكُلُّ مَنْ لا يَرِثُ بِحَالٍ فَلا يَحْجُبُ وَارِثًا) إلا فِي خَمْسِ مَسَائِلَ:.. الثَّانِيَةُ: أَبَوَانِ وَإِخْوَةٌ يَحْجُبُونَ الأُمَّ إلَى السُّدُسِ وَلا يَرِثُونَ لِحَجْبِهِمْ بِالأَبِ. انظر حاشية العدوي ج/2 ص/388 القول الثاني: أن لها الثلث مع الإخوة المحجوبين بالأب وهو قول بعض العلماء المتأخرين واختاره شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية. وبقيّة الأصحاب على خلافه ووجهه: أن الأخوة لا يحجبون الأم إلى السدس إلا إذا كانوا وارثين ـ ليستفيدوا من هذا الحجب ـ وقد يستدل له بقوله تعالى: (فإن كان له إخوة فلأمِّه السدس) ولم يذكر الأب، فدل على أن حكم ذلك انفراد الأم مع الإخوة، فيكون الباقي بعد السدس كله لهم، وقد اختار هذا القول من الحنابلة في هذا العصر الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي حيث قال ما نصُّه: (والصحيح أن الإخوة المحجوبين لا يحجبون الأم عن الثلث، لأن قوله تعالى: (فإن كان له إخوة) المراد بهم الوارثون ـ فكما لا يدخل فيهم المحجوب بوصف لا يدخل فيهم المحجوب بشخص، ولأن قاعدة الفرائض أن من لا يرث لا يحجب لا حرماناً ولا نقصاناً، ولأن الحكمة في تنقيصهم للأم لأجل أن يتوافر عليهم، فإذا لم يكونوا وارثين لم يكونوا حاجبين ـ والله أعلم. انظر التحقيقات المرضية للفوزان ص87-88 قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فَصْلٌ وَالإِخْوَةُ لا يَحْجُبُونَ الأُمَّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ إلا إذَا كَانُوا وَارِثِينَ غَيْرَ مَحْجُوبِينَ بِالأَبِ فَلِلأُمِّ فِي مِثْلِ أَبَوَيْنِ وَأَخَوَيْنِ الثُّلُثِ. وَالْجَدُّ يُسْقِطُ الإِخْوَةَ مِنْ الأُمِّ إجْمَاعًا وَكَذَا مِنْ الأَبَوَيْنِ أَوْ الأَبِ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ الإِمَامِ أَحْمَدَ وَاخْتَارَهَا بَعْضُ أَصْحَابِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ الصِّدِّيقِ وَغَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم. انظر الفتاوى الكبرى ج/5 ص/446. وحيث أن هذه المسألة فيها خلاف فعليك بالرجوع إلى قاضي البلد، لأن حكم الحاكم يرفع الخلاف، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 13632 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5836 ما هو نصيب البنت في الميراث [السُّؤَالُ] ـ[هل للابنة حق في أملاك أمها؟ إذا كان الجواب نعم، فما هو نصيبها؟ أرجو التعليق.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله البنت إذا ورثت سواء من أمها أو أبيها فإن نصيبها في الميراث له حالات: 1- إذا انفردت البنت أي لم يكن لها أخ أو أخت (أي فرع وارث) فلها نصف ميراث الميت. قال تعالى: (وإن كانت واحدة فلها النصف) النساء / 11. 2- إذا كان هناك أكثر من بنت - بنتان فأكثر - وليس هناك أبناء ذكور للميت فيكون لهن الثلثان. قال تعالى: (فإن كن نساءً فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك) النساء / 11. 3- إذا كان معها فرع وارث ذكر (واحد أو أكثر) : فإن لهما الباقي بعد إعطاء كل صاحب فرض، ويكون نصيبها نصف نصيب أخيها (للذكر مثل حظ الأنثيين) سواء كانوا اثنين أو جمع من الإخوة ذكوراً وإناثاً، فإن للذكر مثل حظ الأنثيين. قال تعالى: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) النساء / 11. وهذه الأنصبة قد قسمها الله عز وجل فلا يجوز لأحد أي يغيّر فيها شيئاً ولا أن يحرم وارثاً ولا أن يدخل من ليس بوارث ولا أن يُنقِص وارثاً شيئاً من نصيبه ولا أن يزيد وارثاً فوق نصيبه الشرعي. والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 12911 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5837 هل يجوز للجدّة أن توصي لأحفادها مع وجود الآباء [السُّؤَالُ] ـ[الأسئلة تتعلق بأحكام الإرث. طُلِّقت والدتي ثم تزوجت مرة أخرى. وقد حصلت على المال، الذي ستتركه لأقاربها، نتيجة لزواجها الأول، وليس الأخير. 1- والدتي عندها ابن واحد (وهو أنا، الابن الوحيد من زوجها الأول) ، وزوج، وحفيدان، وعدد من إخوتها وأخواتها، ويقيم أحد إخوتها في نفس البلد الذي تقيم فيه والدتي (الولايات المتحدة) . 2- ومما أفهمه من أحكام الإرث، فإن لوالدتي الحق أن توزع ما لا يزيد على الثلث في أي طريق يناسبها على ألا يتعارض ذلك مع الإسلام. 3- وبعد توزيع ذلك الثلث (أو أقل منه) ، فإن الباقي، حسب علمي، يجب أن يوزع نصفه للابن، وربعه لزوجها الحالي. فهل هذا صحيح؟ 4- هل هناك أي أقارب آخرين يحق لهم أن يرثوا والدتي؟ 5- والدتي أرادت ببساطة أن تقسم موجوداتها على قسمين، قسم لي والآخر لحفيديها، لكني أخبرتها أني أريد التأكد من أنها فعلت ما هو صحيح إسلاميا، ولذلك طرحت أسئلتي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا السؤال فيه عدة مباحث: الأول: من لهم الحق في الميراث في هذه الحال: الأب والأم، والزوج والزوجة، والأبناء لا يحجبون إذا وُجدوا، وإنما يأخذ كل منهم نصبيه المقدر الذي فرضه الله له، أما البنات فإذا وجد معهم ذكور فإنهم يرثون بالتعصيب للذكر مثل حظ الأنثيين. وفي هذه المسألة المتعلّقة بك فإن الذين لهم الحق في الميراث هم: الزوج: وله الربع لوجود الابن (الفرع الوارث) الابن: له باقي التركة لأنه يرث بالتعصيب. الإخوة والأخوات: يُحجبون بالابن، وليس لهم حق في الميراث. الثاني: حكم الوصية للوارث: لا تجوز الوصية لأحد من الورثة فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إِنَّ اللَّهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ وَلا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ..) رواه الترمذي (الوصايا/2047) وصححه الألباني في صحيح أبي داود برقم (1722) قال الشيخ تقيّ الدين: (اتفقت الأمة عليه) . إلا إذا أجازها الورثة ففي هذه الحال تصح وتكون موقوفة على إجازتهم. الثالث: وقت اعتبار الوصية وتعتبر الوصية بحال الموت. قال الموفّق: لا نعلم خلافاً بين أهل العلم في أن اعتبار الوصية بالموت. انظر " الملخص الفقهي " للفوزان ج/2 ص/174. قال ابن حجر: وَاتَّفَقُوا عَلَى اِعْتِبَار كَوْن الْمُوصى لَهُ وَارِثًا بِيَوْمِ الْمَوْت حَتَّى لَوْ أَوْصَى لأَخِيهِ الْوَارِث حَيْثُ لا يَكُون لَهُ اِبْن يَحْجُب الأَخ الْمَذْكُور فَوُلِدَ لَهُ اِبْن قَبْل مَوْته يَحْجُب الأَخ فَالْوَصِيَّة لِلأَخِ الْمَذْكُور صَحِيحَة , وَلَوْ أَوْصَى لأَخِيهِ وَلَهُ اِبْن فَمَاتَ الابْن قَبْل مَوْت الْمُوصِي فَهِيَ وَصِيَّة لِوَارِثٍ. أهـ وعلى هذا يجوز لوالدتك أن توصي لحفيديها (أولادك) مادام ليس لهم حق في الميراث، وكذلك توصي لإخوانها وأخواتها، بشرط أن لا تزيد على الثلث؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الثلث والثلث كثير) رواه البخاري (الوصايا/2538) أما العطية حال الحياة فإنها هبة ويراجع جواب سؤال رقم (10447) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 13749 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5838 مات وترك زوجة وأماً وصبيين وأخوة وأخوات [السُّؤَالُ] ـ[توفي زوج أختي منذ فترة قريبة، وترك بعض الأملاك. وأفراد عائلته هم كما يلي: -زوجة -صبيان قاصران -والدة (أما والده فقد مات منذ عدة سنوات) -3 إخوة (منهم واحد متزوج) -3 أخوات (اثنان متزوجتان، وواحدة مطلقة) فكيف يمكن تقسيم أملاكه بين المذكورين حسب الشريعة؟ أرجو التوضيح.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يأخذ أصحاب الفروض فرضهم وهم: الزوجة: لها الثمن؛ لوجود أولاد للميت قال الله تعالى: (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُم) أي الزوجات (إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تركتم) النساء/12 الأم: لها السدس، قال تعالى: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ) النساء/11. الصبيَّان: لهما باقي المال؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا تَرَكَتْ الْفَرَائِضُ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ) رواه البخاري (الفرائض/6249) ومسلم (3028) . أما الإخوة والأخوات: فليس لهم نصيب في الميراث لأنهم محجوبون بأولاد الميت الذكور. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 13965 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5839 أخوها سيتزوج من فاسقة وأهله سيحرمونه من الميراث [السُّؤَالُ] ـ[أخي الكبير كان يدرس في أمريكا منذ 7 سنوات تقريبا، ونحن من عائلة محافظة جدا وفي الفترة الأخيرة تعرف على فتاة مسلمة من بلدنا ولكن الغرب أثر بها، وقررا الزواج ولكن أهلي رفضوا الزواج لأنها ليست امرأة ملتزمة بالدين فهي لا تلبس ملابس محتشمة وتشرب الخمر. أهلي حاولوا الكثير لكي يثنوه عن الزواج بها ولكنه ازداد إصرارا ويهدد انه سيمضي قدما في الزواج سواء ساعدوه أو لا، وبناء على ذلك هدده أهلي بأنهم سيقطعون أي علاقة به إن تزوجها وسيحرمونه من الميراث. وسؤالي: هل لأخي الحق في الزواج من تلك الفتاة وأن لا ينفذ رغبة والديه؟ وهل لأهلي أن يرفضوا هذا الزواج ويقطعوا علاقتهم به ويحرموه من الميراث؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أما الزواج فإن كان لك سلطة على أخيك لثنيه أو إقناعه بالعدول عن فكرة الزواج من هذه المرأة فاعلمي أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بالزواج من ذات الدين وهذه المرأة عاصية ومخالفة للدين كيف وهي لا تحتشم في لباسها وتشرب الخمر، فهذه امرأة لا ينبغي الزواج منها. أما عصيان الوالدين فهو ذنب أعظم من سابقه وهما قد أمرا بطاعة والبعد عن المعصية فيجب عليه طاعتهما، والحذر من مخالفتهما، أما رفض أهلك للزواج فهو صحيح شرعا، لأنه أمر بالمعروف ونهي عن منكر، وأخذ على يد السفيه. ويجوز بل ينبغي هجره إذا كان الهجر سيؤثر في ردعه لأن زواجه بهذه المرأة سيبعده عن دينه، وفي أمريكا وغيرها من بلدان الكفر كثير من أفراد الجاليات الهندية والباكستانية والعربية قد انسلخوا من دينهم، ولم يبق لهم من الإسلام إلا الاسم. أما الحرمان من الميراث فلا يُحرم منه إلا إذا ارتد عن الدين، أما ما دام داخل دائرة الإسلام ولم يرتكب ناقضا من نواقض الدّين ومكفّرا من المكفّرات فلا يجوز حرمانه من الميراث، لأنه من حدود الله، وحدود الله لا يجوز تغييرها، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 3810 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5840 مسألة في الوصية والميراث [السُّؤَالُ] ـ[عندي زوجة وابنان وأم وأخت وجدة (أم أمي) . ولقد ربّانا جدُّنا (أبو أمي وقد مات) وكان هو العائل لنا منذ انفصالنا عن أبينا من 23 عامًا. ولم يتصل أبي بنا أبدًا خلال هذه المدة الطويلة. ولم يتول أبي الإنفاق علينا منذ هذا الانفصال. أملك بيتًا كانت أمي قد أهدتني جزءًا منه واستثمرت أنا مالي في جزء منه. والبيت الآن باسمي أنا، ويشكّل 80 % من ثروتي. وبقية ثروتي المتواضعة عبارة عن أموال نقدية وأسهم. فكيف إذن ينبغي لي كتابة وصيتي الأخيرة في حدود الشريعة الإسلامية؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا تجب كتابة الوصية المتعلقة بتقسيم تركة شخص ما في حياته؛ لأن من شروط الإرث تحققَ موت المورث، فإذا تحقق موته وجب تقسيم تركته بالقسمة الشرعية بين ورثته الأحياء، وذلك لأن نصيبَ كل وارث محدد ومفروضٌ في الشريعة لقوله تعالى (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) النساء/7 والأفضل أن يترك التقسيم المبكر للتركة إلا إذا خشي المورث الفساد والجدال بين الورثة أو عدم تطبيق الحكم الشرعي في تقسيم تركته لكونه في بلاد تطبق القانون الوضعي لا الشرعي، فحينئذ يمكنه كتابة ذلك مسبقا. ثانيا: لو قُدِّر أن ممتلكاتك سوف ينحصر توزيعها على المذكورين في السؤال فقط وهم الابنان والزوجة والأم وأم الأم والأخت والأب (ذكرت أن أباك حي فهو وإن انفصل عنكم ولم يؤد ما يجب عليه تجاهكم من إنفاق وغيره لكنه يرث منكم وترثونه) ، فسوف يكون تقسيم التركة عليهم بما يلي: الزوجة لها الثمن، ولكل واحد من الأب والأم السُّدُس، والابنان يأخذان الباقي من التركة بالسوية. ولا يجوز لك أن توصي لأحد هؤلاء شيئا زائدا عن نصيبه المفروض لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث) . رواه الترمذي (2046) وصححه الألباني. أما الأخت فهي محجوبة بالابنين والأب فلا ترث بوجودهم. وأما الجدة من جهة الأم فهي محجوبة بالأم، فلا ترث. ويجوز لك أن توصي لهما (الأخت والجدة) ببعض التركة الذي لا يتجاوز الثلث. ثالثا: ذكرت في السؤال أن أمك أهدت لك جزءا من البيت ولم تذكر أنها أعطت أختك شيئا منها، فإن لم تكن أعطيتها شيئا فقد مالت عن العدل في العطية والهبة بين الأولاد، ولا يجوز للشخص أن يَهَبَ لبعض أولاده ويترك بعضهم، أو يُفَضِّل بعضهم على بعض في الهبة، بل يجب العدل بينهم، لحديث النعمان بن بشير: أنّ أباه أتى به النبي صلى الله عليه وسلم، لمَّا نَحَلَهُ نِحْلَةً (أي: أعطاه هدية) لِيَشْهَدَ عليها النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أَكُلُّ وَلَدِكَ نَحَلْتَ مثل هذا؟ فقال: لا. فقال: أرْجِعْه. ثم قال: اتقوا الله واعدلوا في أولادكم) رواه البخاري (2398) . والعدل بين الأولاد يكون بأن يعطي الابن مثل حظ البنتين، لأن هذه قسمة الله تعالى في الميراث، ولا أعدل من قسمة الله. وعلى هذا فإما أن تعطي أختك ثلث ما أخذته من والدتك، أو تعيد الهدية لوالدتك. إلا إذا تنازلت الأخت عن حقها فلا بأس. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 47032 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5841 تقسيم تركة الوالدين بين الأبناء والبنات؟ [السُّؤَالُ] ـ[مال الوالدين سيتم تقسميه على أربع أبناء ذكور وبنت واحدة. فما نصيب كل فرد في الميراث طبقًا للشريعة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا مات أحد الوالدين وكلاهما وليس في ورثتهما سوى أربعة أبناء وبنت فقط فسوف يتم تقسيم التركة بينهم بأن يكون للذكر مثل حظ الأنثيين، أي يكون للبنت سهم واحد ولكل من الأبناء سهمان، فتقسم التركة على تسعة، للبنت منها سهم واحد، والأسهم الثمانية المتبقية للأبناء الأربعة، لكل واحد منهم سهمان، وذلك بعد أخذ نفقة تجهيز الميت وتكفينه وقضاء ديون الله وديون العباد المستحقة عليه وإخراج الوصية إذا أوصى قبل موته. والدليل على ذلك قوله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ ... مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ) النساء/11. مثال يوضح هذا التقسيم: لو قُدِّر بعد تكفين الميت وقضاء ديونه ووصيته أن مقدار التركة تسعة آلاف (9000) مثلا، فيكون للبنت ألفٌ (1000) ، ولكل ابن ضعفَ نصيبها أي ألفين (2000) . أما إذا وجد مع الأولاد ورثة آخرون كأبي المتوفى أو أمه أو جده أو جدته، فيعطى هؤلاء نصيبهم ثم تقسم بقية التركة على الأبناء والبنت بالطريقة المذكورة. تنبيه: في حال موت أحد الزوجين قبل الآخر فإن الحيَّ منهما يرث الميت. وفي الصورة المسئول عنها يكون نصيب الزوج إن ماتت الزوجة قبله الربع، ويكون نصيب الزوجة إن مات الزوج قبلها الثُّمُن. وللأولاد المتبقي من التركة للذكر مثل حظ الأنثيين كما سبق بعد أن يأخذ الموجود من الزوجين نصيبه. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 47057 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5842 تعويض ميراث النساء بالهدايا [السُّؤَالُ] ـ[ما قولكم في من يعوض ميراث النساء بالهدايا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله كان مال الميت في نظام الجاهلية الجائر ينتقل إلى الكبير من أبنائه، فإن لم يكن فإلى أخيه أو عمه، فلا يورثون الصغار، ولا الإناث، بحجة أن هؤلاء لا يَحْمُون الذِّمار، (والذِّمار: كل ما يجب على الإنسان أن يحميه ويدافع عنه من الأهل والعِرْضِ، ونحو ذلك) ولا يقاتلون ولا يحوزون المغانم. كان هذا منطق الجاهلية الذي أصبح يحيك في صدور بعض من انتكست فطرته في هذا العصر، وقد جاء الإسلام معلنا بطلان نظام الجاهلية في التوريث إجمالا بقوله تعالى: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) النساء/7، ثم نزلت الآيات مبينة تفاصيل توزيع التركة بين النساء والرجال كل ذلك بعدل وحكمة من أحكم الحاكمين. [انظر التحقيقات المرضية في المباحث الفرضية ص 17] ومنه تعلم أن حرمان النساء من الميراث دون سبب شرعي جريمة من الجرائم، وعدوان على شريعة الله، وتعد على حدوده سبحانه، وقد قال تعالى بعد آيات المواريث (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) النساء/13-14، وثبت في حديث أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ) رواه مسلم (137) وأما تعويض النساء عن حقهن في الميراث بالهدايا أو غير ذلك فلا يغني من الحق شيئا، ولا يزال الإثم يلحق من فعل ذلك مهما قُدِّم، حتى لو قدم لهن من الهدايا ما يفوق الميراث، لأنه يُقَدَّمُ على أنه هدية، ولم يقدم لهن حقهن الشرعي في الميراث. ولو قدمه على أنه تعويض عن حقهن في الميراث لمن ينفعه ذلك أيضاً، لأن الهدية شيء، والبيع والمعاوضة شيء آخر، فلا بد من انتقال حقهن في الميراث إليهن، ولا بد من تمكنهن من التصرف فيه بإبقائه على ما هو عليه، أو بيعه، أو هبته، أو غير ذلك مما يحق للمالك في ملكه. وأما أن يبقى الميراث تحت تصرف الرجال، فيضطر النساء – إلى بيعه إليهم – أو التنازل عنه بعوض عنه، أو بغير عوض، فلا يجوز، بل هو غصب وظلم، لقول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) النساء/29 وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ) رواه ابن ماجة (2185) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة. وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ) رواه أحمد (20172) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (7662) وهكذا الحال لو كان الدافع إلى البيع الحياء من الرجال، والحرص على رضاهم وودِّهم، لعموم الأدلة السابقة. قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله -: " فلا يصح – أي البيع – من المكره إلا بحق، فلو أن سلطاناً جائراً أرغم شخصاً على أن يبيع هذه السلعة لفلان فباعها فإن البيع لا يصح، لأنها صدرت عن غير تراض، ومثل ذلك ما لو علمت أن هذا البائع باع عليك حياءً أو خجلاً فإنه لا يجوز لك أن تشتري منه مادمت تعلم أنه لولا الحياء والخجل لم يبع عليك " اهـ الشرح الممتع (8/121) ويشتد الإثم ويعظم إذا كانت المرأة المحرومة من الميراث يتيمة، أي لم تبلغ فمات والدها، وحرمت من الميراث، لأن ذلك داخل في الاعتداء على حدود الله، وهو داخل أيضا في أكل أموال اليتامى، وقد قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) النساء/10. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 47142 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5843 هل يأخذ من مال أبيه الذي اكتسبه من الحرام [السُّؤَالُ] ـ[الرجاء الإفتاء في هذه المسألة، فأنا شاب أبلغ من العمر 21 عاما.. أدرس في كلية التجارة ويعمل والدي في السياحة (قطاع خاص في إحدى المدن السياحية. وهو مهندس كهرباء يعمل في القرية بمنصب مدير إدارة هندسية مما يعنى أنه مسئول عن كل ما يتعلق بالكهرباء؛ ابتداء من مصابيح الإضاءة وانتهاء بمضخة المياه، مرورا بثلاجات الخمرة وإضاءة صالات الرقص والتليفزيونات وما إلى ذلك وهو يتقاضى على هذا العمل راتباً كبيراً قدره أربعة آلاف جنيه، أما أنا فكنت أعمل بجانب الدراسة في مطعم- حبا في العمل فقط لا للحاجة- وعندما أردت الاستقلال بنفسي وإنشاء مشروع صغير أديره لم أجد سوى أبي لآخذ منه ما أحتاج من مال. ولشكي في مال أبي من حيث الحل والحرمة توجهت بشكوكي إلى أحد المشايخ المشهود لهم بأنهم من أهل السنة، فأفتى لي بأن ماله مختلط ولا يجوز لي منه إلا الضروري كالأكل والشرب واللبس ومصاريف الدراسة، أما ما أحتاجه كرأس مال لمشروعي فيجوز أخذه منه على سبيل القرض وقد كان والآن أبي يريد مساعدتي بدافع الأبوة فيقف معي في المحل وفى بعض الأوقات كنت أترك له المحل وأذهب لقضاء حاجات للمحل ولنفسي، وهكذا بدأ أبى يتعلم عملي ويعمل بنفسه وهنا بدأت المشكلة الأولى.. وهى أنني كنت قد حسبت كل المبالغ التي كنت قد أخذتها من أبى حسابا دقيقا، أما بعد وقوفه معي أصبح الأمر مختلطا فأبى ٌقد يخرج من جيبه مالا يضعه في درج المحل أو قد يشترى بضاعة للمحل من جيبه الخاص. وهذا يمكن بكثير من المجهود حصره، أما ما لا يمكن حصره هو أنه قد يشتري طعاما للبيت ثم يجد المحل محتاجا له فيأتي ببعض ما اشتراه للبيت ويضعه في المحل, ويكون هذا دون علمي واستشارتي ودون أن يحسبه كم يتكلف علىّ لأرده. أما المشكلة الثانية.. فأبى غير مقتنع بردي المال له فهو يعتبره مالي ومال إخوتي وأنه يعمل ويأت بهذا المال من أجلنا فهو لن يقبل رد المال أبدا أما المشكلة الثالثة.. أنه غير مقتنع بحرمة ماله - إن كان حراما - فهو يرى أنه من (الضرورات التي تبيح المحظورات) فإن عمله الحكومي يتقاضى عنه ما يقل قليلا عن 400 جنيه - لاحظوا الفرق أكرمكم الله-.. ونحن أسرة مكونة من خمسة أفراد منهم اثنان يدرسون دراسة جامعية.. وهو يرى أن مال الدولة كله حرام فالدولة تتعامل بالقروض الربيوية وتأخذ الضرائب وتجيز العمل في تجارة الخمور، وبالتالي فلا أحد يعمل إلا وفى ماله جزء حرام ... والسؤال الآن 1- ما حكم مال أبى؟ وهل تنطبق عليه قاعدة الضرورات تبيح المحظورات؟ وإن كان كذلك هل يجوز لنا الحرام بالتبعية؟ 2- كيف أحسب ما أدخله أبى عندي من مال إن كان هو لا يستطيع حسابه؟ 3- كيف لي أن أرد له هذا المال –إن وجب الرد- إن كان هو رافضا أخذه؟ وهل يجوز لي أن أصر على الرفض وأن أسدد ما علي من ديون لأصحابها (رد المظالم) ؟ 4- ما الذي يجوز لي من مال أبي؟ وإذا مات هل يجوز لي أن أرث ماله؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا شك أن العمل في مجال السياحة على ما هو موجود في واقعنا الآن، لاسيما في بلادكم، تشوبه الكثير من المخالفات الشرعية، من رعاية الاختلاط، والتبرج، وربما الخمور والمحرمات الأخرى، وإذا كان الأمر كذلك، كان جزء من مال أبيك محرما، وهو ما يسمى عند العلماء بالمال المختلط. وقد قرر أهل العلم أن من كان له مال مختلط من الحلال والحرام، فإنه يجوز الأكل من ماله، وتجوز سائر وجوه معاملته، إلا أن التورع عن ذلك أولى. أما احتجاج والدك بأن ذلك ضرورة، فهو غير صحيح، لأن أبواب الحلال كثيرة جدا، وقد قال تعالى: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) ، ولو فتح الإنسان على نفسه هذا الباب، لولج كل أبواب الحرام بحجة الضرورة. واعلم أن أكل الحرام له عواقب وخيمة، لو لم يكن منها إلا الحرمان من إجابة الدعاء، كما جاء في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلا طَيِّبًا ... ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ له " رواه مسلم برقم 1015 ومال أبيك الذي اكتسبه عن طريق هذا العمل المحرّم يسمّيه العلماء مالاً محرّماً لكسبه، أي أنه اكتسبه بطريق محرّم، وقد ذهب بعض العلماء إلى أن هذا المال يكون حراماً على مكتسبه فقط، وأما من أخذه منه بطريق مباح فلا يحرم عليه كما لو أعطاك والدك هدية أو نفقة وما أشبه ذلك. قال الشيخ ابن عثيمين: " قال بعض العلماء: ما كان محرما لكسبه، فإنما إثمه على الكاسب لا على من أخذه بطريق مباح من الكاسب، بخلاف ما كان محرما لعينه، كالخمر والمغصوب ونحوهما، وهذا القول وجيه قوي، بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم اشتري من يهودي طعاما لأهله، وأكل من الشاة التي أهدتها له اليهودية بخيبر، وأجاب دعوة اليهودي، ومن المعلوم أن اليهود معظمهم يأخذون الربا ويأكلون السحت، وربما يقوي هذا القول قوله صلى الله عليه وسلم في اللحم الذي تصدق به على بريرة: (هو لها صدقة ولنا منها هدية) " القول المفيد على كتاب التوحيد 3 / 112 وقال الشيخ ابن عثيمين: " وأما الخبيث لكسبه فمثل المأخوذ عن طريق الغش، أو عن طريق الربا، أو عن طريق الكذب، وما أشبه ذلك؛ وهذا محرم على مكتسبه، وليس محرما على غيره إذا اكتسبه منه بطريق مباح؛ ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعامل اليهود مع أنهم كانوا يأكلون السحت، ويأخذون الربا، فدل ذلك على أنه لا يحرم على غير الكاسب " تفسير سورة البقرة 1/198 وعليه، فلك أن ترث والدك، وليس عليك أن تحسب ما أدخله عليك، أو أن ترد ما أدخله عليك، إلا أن التورع عن الأكل من ماله إن استطعت أولى. والله أعلم. للمزيد انظر (أحكام القرآن لابن العربي 1 / 324، المجموع 9 / 430، الفتاوى الفقهية الكبرى للهيتمي 2 / 233، كشاف القناع 3 / 496، سؤال رقم 21701) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45018 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5844 هل تخلع السن الذهب من الميت؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا توفي إنسان وكان أحد أسنانه من ذهب هل يترك هذا السن أو يخلع؟ وإذا كان هذا الخلع يترتب عليه مضرة لبقية الأسنان فما الحكم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يجب أن نعلم أن السن الذهب لا يجوز أن يركب إلا عند الحاجة إليه، فلا يجوز أن يركبه أحد للزينة اللهم إلا النساء إذا جرت عادتهن التزيّن بتحلية الأسنان بالذهب فلا بأس. أما الرجال فلا يجوز أبداً إلا لحاجة. ثانياً: إذا مات من عليه أسنان من ذهب فإن كان يمكن خلع السن بدون مُثلةٍ (أي تمثيل به وهو تقطيع بعض أجزاء الميت) خُلِع؛ لأن ملكه انتقل إلى الورثة وإن كان لا يمكن خلعه إلا بمِثُلْة بحيث تسقط بقية الأسنان فإنه يبقى ويدفن معه. ثم إن كان الوارث بالغاً عاقلاً رشيداً وسمح بذلك تُرك ولم يتعرض له، وإلا فقد قال العلماء: إنه إذا ظن أن الميت بَلي حُفر القبر وأخذ السن لأن بقاءه إضاعة مال. وقد نهى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك. [الْمَصْدَرُ] فضيلة الشيخ ابن عثيمين. الباب المفتوح (/155) . الحديث: 40225 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5845 خانت زوجها وسحرته وانقلب على أهله [السُّؤَالُ] ـ[لقد تزوج ابني بامرأة سوء عملت له سحراً، فانقلب على أهله جميعاً، وصار لا يرد لها أي طلب مهما كان. وقد قبضت هيئة الأمر بالمعروف عليها هي وعشيقها وثبتت تلك الجريمة عليها، ومع ذلك فابني رفض طلاقها ودائماً يدافع عنها. ودخلنا بينها فوجدنا أشياء غريبة فقد وجدنا حذاء موضوعاً على كتاب الله فوق الدولاب (والعياذ بالله) ووجدنا أشياء أخرى، وعندها خادمات من بلاد يعرفون بالسحر. مما جعلنا نقطع أنها سحرت ابني، وقد ذهبنا إلى أحد المشايخ ليقرأ عليه فظهرت عليه علامات السحر. وهو الآن يرفض العلاج ولا يصدقنا أنه مسحور. فماذا نفعل؟ هل تقوم بالذهاب إلى أحد السحرة لفك السحر؟ وقد توفي والده وهو الآن يطالبنا بنصيبه من ميراث أبيه، فهل نعطيه المال، وهو مسحور يضيع أمواله، وهذه المرأة قد سلبت جميع أمواله وضيعتها على السحر والشعوذة، مع العلم أن له أولاداً يحتاجون إلى هذا المال.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا شك أن ما أصاب ابنكم هو من البلاء لكم، ونسأل الله تعالى أن يصبِّركم، ويثبتكم على دينه، كما نسأل الله له الشفاء، والظاهر أنه واقع تحت تأثير السحر، فلا ينبغي لكم مؤاخذته على تصرفاته معكم، ولا يرضى عاقل أن يعلم عن امرأته بشيء مما فعلته ويسكت عنها، لكن يبدو أن السحر قد أثَّر عليه تأثيراً بالغاً حتى وقف معها وانقلب عليكم. وقد سبق في جواب السؤال رقم (11290) حرمة علاج السحر بالسحر، وفيه وفي جواب السؤال رقم (12918) بيان العلاج الشرعي للسحر. ويمكنكم علاج ولدكم بالقراءة على الماء وسقيه له دون علمه، وعليكم ملازمة الدعاء مع استعمال العلاج، فلعل الله تعالى أن يكشف عنه البأس والضر. ثانياً: يتوقف دفع حق ولدكم من الميراث على حسن تصرفه بالمال، فإن كان المال سيقع في يده أو يد زوجته ولن يحسنا التصرف فيه: فلا يجوز لكم تمكينه من المال، وليبقَ معكم، ولتنفقوا عليه وعلى أبنائه منه، وهو أمانة في أيديكم لا ينبغي لكم التفريط فيه. قال الله تعالى: (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلا مَعْرُوفًا. وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا) النساء/5، 6. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي: {السفهاء} جمع " سفيه " وهو: من لا يحسن التصرف في المال، إما لعدم عقله , كالمجنون والمعتوه , ونحوهما، وإما لعدم رشده , كالصغير وغير الرشيد، فنهى الله الأولياء أن يؤتوا هؤلاء أموالهم , خشية إفسادها وإتلافها، لأن الله جعل الأموال قياماً لعباده , في مصالح دينهم ودنياهم، وهؤلاء لا يحسنون القيام عليها وحفظها، فأمر الله الولي أن لا يؤتيهم إياها بل يرزقهم منها , ويكسوهم , ويبذل منها , ما يتعلق بضروراتهم وحاجاتهم الدينية والدنيوية , وأن يقولوا لهم قولاً معروفاً , بأن يعِدوهم إذا طلبوها أنهم سيدفعونها لهم بعد رشدهم , ونحو ذلك , ويلطفوا لهم في الأقوال , جبراً لخواطرهم، وفي إضافته تعالى الأموال إلى الأولياء إشارة إلى أنه يجب عليهم أن يعملوا في أموال السفهاء , ما يفعلونه في أموالهم , من الحفظ , والتصرف , وعدم التعرض للأخطار. وفي الآية دليل على أن نفقة المجنون والصغير والسفيه , في مالهم , إذا كان لهم مال لقوله (وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ) . " تفسير السعدي ". وينبغي رفع الأمر إلى المحكمة الشرعية وأقامة البينة على أن هذا الولد لا يحسن التصرف في ماله، حتى تقوم المحكمة بالحجر عليه وتعين ولي على ماله. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 39795 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5846 هل يعطي بعض أولاده دون الآخرين إذا كان فقيراً؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للوالد أن يعطي بعض أولاده مالاً ولا يعطي الآخرين إذا كان هذا الولد فقيراً أو عاجزاً عن العمل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله جَوَّز بعض أهل العلم تفضيل بعض الأبناء، إذا وجد مسوغ شرعي، كأن يكون أحدهم مقعداً، أو صاحب عائلة كبيرة، أو لاشتغاله بطلب العلم، أو كان أحدهم فاسقا أو مبتدعا، فيصرف عنه بعض المال. قال ابن قدامة رحمه الله: " فإن خص بعضهم لمعنى يقتضي تخصيصه , مثل اختصاصه بحاجةٍ , أو زمانة , أو عمى , أو كثرة عائلة , أو اشتغاله بالعلم أو نحوه من الفضائل , أو صرف عطيته عن بعض ولده لفسقه , أو بدعته , أو لكونه يستعين بما يأخذه على معصية الله , أو ينفقه فيها , فقد روي عن أحمد ما يدل على جواز ذلك ; لقوله في تخصيص بعضهم بالوقف: لا بأس به إذا كان لحاجة , وأكرهه إذا كان على سبيل الأثرة. والعطية في معناه [أي في معنى الوقف] . ويحتمل ظاهر لفظه المنع من التفضيل أو التخصيص على كل حال ; والأول أولى إن شاء الله " انتهى من "المغني " (5/388) باختصار. وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (16/193) : " المشروع في عطية الأولاد هو التسوية بينهم في العطاء على السواء، ولا يجوز التفضيل إلا لمسوغ شرعي؛ لكون أحدهم مقعداً أو صاحب عائلة كبيرة أو لاشتغاله بالعلم، أو صرف عطية عن بعض ولده لفسقه أو بدعته، أو لكونه يعصي الله فيما يأخذه " انتهى. وينظر: "الفتاوى الكبرى" لشيخ الإسلام ابن تيمية (5/435) والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36872 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5847 منع البنت من الميراث لئلا يأخذه زوجها [السُّؤَالُ] ـ[بعض الناس يمنع ابنته من الإرث خوفاً على ثروته أن يأخذ من يتزوج ابنته نصيبها من هذه الثروة، هل هذا جائز؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله بين الله تعالى الورثة ونصيب كل منهم في سورة النساء، ومن هؤلاء: البنات، وأوصى بإيتاء كل ذي حقٍ حقه، وختم آيات الميراث الأولى منها بقوله: {تلك حدود الله ومن يطع الله ورسول يُدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم. ومن يعص الله ورسول ويتعدَّ حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذابٌ مهين} وختم الآية الأخيرة من السورة بقوله: {يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم} . فمن حرم البنت أو غيرها من الحق الذي جعل الله لها دون رضاها وطيب نفسٍ منها فقد عصى الله ورسول صلى الله عليه وسلم واتبع هواه واستولت عليه العصبية الممقوته والحمية الجاهلية، ومأواه جهنم إن لم يتب ويؤدي الحقوق لأربابها. وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 16/493 الحديث: 34657 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5848 هل ترث الأم من الرضاعة [السُّؤَالُ] ـ[هل للأم من الرضاعة أن ترث ابنها من الرضاعة إذا مات وله أولاد وزوجة، وكم ترث؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا تستحق الأم من الرضاع الإرث ممن أرضعته بسبب أنها أرضعته، سواءً كان له ورثة أم لا. وقد تستحق الإرث بسبب آخر (غير الرضاعة) كأن تكون المرضعة جدة للرضيع، أو أختاً له من النسب، فتستحق الإرث لقرابة النسب. وبالله التوفيق. [الْمَصْدَرُ] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (16/483) الحديث: 34661 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5849 غير مسلمة متزوجة بمسلم فهل ترثه؟ [السُّؤَالُ] ـ[سمعت بأنه لا يجوز لنا أن نرث من غير المسلمين ولا أن نورثهم، فهل هذا ينطبق هذا على الزوجة اليهودية أو النصرانية التي مات زوجها المسلم؟ هل ترث منه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نعم، لا يجوز للمسلم أن يرث الكافر، ولا الكافر أن يرث المسلم، فإذا مات المسلم وترك زوجة يهودية أو نصرانية فلا يجوز لها أن ترثه. عن أسامة بن زيد قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم " رواه البخاري (6383) ومسلم (1614) . قال الإمام ابن عبد البر رحمه الله: وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا يرث المسلم الكافر " مِن نَقل الأئمة الحفاظ الثقات فكل من خالف ذلك محجوج به والذي عليه سائر الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار مثل مالك والليث والثوري والأوزاعي وأبي حنيفة والشافعي وسائر من تكلم في الفقه من أهل الحديث أن المسلم لا يرث الكافر كما أن الكافر لا يرث المسلم اتباعا لهذا الحديث وأخذا به، وبالله التوفيق. " التمهيد " (9 / 164) . والله اعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 26171 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5850 والدهم يتحرش بهم فهل يقاطعونه؟ [السُّؤَالُ] ـ[والد أطفالي تم سجنه بسبب تحرشه الجنسي بهم، فهل يرث منهم إذا ماتوا قبله؟ هل له أي من حقوق الأب؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا الأب المجرم الخائن للأمانة يجب نصحه ودعوته إلى الله تعالى، وتذكيره بلقائه، وتنفيره من هذا الأمر العظيم الذي يتنافى مع الأبوة. فإن الأولاد بضعة من الرجل، فكيف يشتهي الرجل أولاده؟! فإنا لله وإنا إليه راجعون. فإن لم ينفع معه النصح والتذكير فالواجب الأخذ على يديه وعقوبته عقوبة بالغة تردعه وأمثاله عن مثل هذه الجريمة الشنعاء. وهذا المنكر العظيم لا يسقط حقه في البر والإحسان والصلة، مع أمن الوقوع في شيء من الحرام. فإن الله تعالى أمر بالإحسان إلى الوالدين ولو كانا يجاهدان ولدهما على أن يشرك بالله، قال الله تعالى: (َإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) لقمان / 15 فعلى أولاده أن يحسنوا إليه ويبروه، وعليهم الإحتراز والاحتياط التام في معاملتهم مع والدهم، فلا يبقى أحدهم معه منفرداً، وإذا مات أحد أولاده كان له الحق في إرثه، كسائر الآباء مع أبنائهم. وينبغي الإكثار من الدعاء له بالهداية والتوفيق للتوبة، فإن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 33603 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5851 حكم وصية المسلم للكافر والكافر للمسلم [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم وصية المسلم للكافر بأن يجعل له شيئا من ماله أقلّ من الثلث وما حكم العكس أي هل يقبل المسلم مالا من كافر إذا أوصى إليه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يتفق الفقهاء المسلمون من الحنفية والحنابلة وأكثر الشافعية على صحة الوصية إذا صدرت من مسلم لذميّ، أو من ذمي لمسلم، بشروط الوصية الشّرعية، واحتجوا لذلك بقوله تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) سورة الممتحنة /8، ولأن الكفر لا ينافي أهلية التملك، وكما يصح بيع الكافر وهبته فكذلك تصحّ وصيته. ورأى بعض الشافعية أنها إنما تصح للذمي إذا كان معيّناً، كما لو قال: أوصيت لفلان، أما لو قال: أوصيت لليهود أو للنصارى.. فلا تصح، لأنه جعل الكفر حاملاً على الوصية، أما المالكية فيوافقون من سواهم على صحة وصية الذمي لمسلم، أما وصية المسلم لذمي فيرى ابن القاسم وأشهب الجواز إذا كانت على وجه الصّلة، بأن كانت لأجل القرابة، وإلا كُرهت، إذ لا يوصي للكافر ويدع المسلم، إلا مسلم مريض الإيمان. الموسوعة الفقهية 2/312 واليوم نرى بعض المسلمين مع الأسف وخصوصا من المقيمين في بلاد الكفار يوصون بمبالغ طائلة من أموالهم لجمعيات نصرانية أو يهودية أو غيرها من جمعيات الكفار بحجة أنها جمعيات خيرية أو تعليمية أو إنسانية ونحو ذلك مما لا وجه لانتفاع المسلمين به، ولا ينتفع بهذه المبالغ إلا الكفّار ويتركون إخوانهم المسلمين المضطهدين والمشردين والجياع في العالم دون إعانة ولا إغاثة وهذا من ضعف الإيمان ومن علامات انحلاله وهو كذلك من دلائل الولاء للكفّار ومجتمعاتهم الكافرة والإعجاب بهم نسأل الله السلامة والعافية وصلى الله على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2722 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5852 قسمة تركة من مات عن زوجة وابنين وبنت [السُّؤَالُ] ـ[عندي سؤال بخصوص الورث، افترض أن وضع العائلة هو كما يلي: أب، أم، أبنة، ولدين، في حالة وفاة الأب، ما هو النصيب الشرعي لكل فرد من أفراد العائلة المتبقين؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا مات ربّ الأسرة المكوّنة من زوجة وبنت وابنين فللزوجة الثمن لقوله تعالى: (فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ) النساء آية 12، وباقي التّركة تقسم إلى خمسة أسهم لكل ابن سهمان وللبنت سهم واحد لقوله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ) سورة النساء آية 11، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2479 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5853 التنازل عن قرض الصندوق العقاري للغير [السُّؤَالُ] ـ[زوجة والدي طلع لها قرض الصندوق العقاري وهي لا تستطيع أن تأخذه وحدها وأريد أن آخذه أنا وأخي من أبي الذي هو ابنها ونحن الذين سوف نسدد الأقساط، هل هذا جائز؟ علما أن اسمي موجود في الصندوق العقاري ولكن لم يأتِ دوري بعد؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج في التنازل عن قرض الصندوق العقاري لشخص آخر بشرط موافقة البنك. فقد سئل الشيخ عبد الله بن منيع حفظه الله: حصل شخص على قرض من الصندوق العقاري، ويريد أن يتنازل عنه لشخص آخر مقابل مبلغ خمسين ألف ريال، وأن يتنازل له هذا الشخص عن القرض الذي قدمه على الصندوق، وقد يتأخر خروج هذا القرض 10 سنوات. أرجو التكرم بالإجابة سريعاً. فأجاب: "لا يخفى أن منح القرض لأي مواطن من المواطنين يعتبر اختصاصاً له من ولي الأمر، ومساعدة له في تأمين مسكن له كما تقتضيه المصلحة المقتضية لرعاية مصالح المواطنين، وإذا وجد اتفاق بين من كان مختصاً بهذا القرض مع آخر على أساس أن يتنازل له عن هذا الاختصاص في مقابل مبلغ من المال، أو على غير مقابل فذلك جائز، بشرط أن يكون البنك العقاري طرفاً في هذا التنازل بحيث يجيزه ويجري إجراءاته نحو تحويل هذه المنحة أو هذا الاختصاص من شخص ذلك الرجل المختص بهذه المنحة، أو بهذا القرض إلى الرجل الذي تم التنازل له، فإذا كانت هناك موافقة من البنك العقاري وإجراء نحو هذا التحويل فلا بأس بذلك، وهذا الشرط مبني على أن البنك العقاري طرف مع من منح هذا القرض فلا يجوز أن يتصرف الممنوح بهذا القرض تصرفاً فردياً؛ بل يجب أن يكون ذلك مبنياً على اتفاقه مع البنك في هذا التنازل، فمتى تم التنازل برضا البنك العقاري وتحويله هذا الاختصاص إلى المتنازل له فلا بأس بذلك، ولا يظهر لي مانع من أخذ عوض عن هذا التنازل لأنه اختصاص، والاختصاص ملك لمن اختص به، وله أن يعتاض عنه بما يجري الاتفاق فيما بينه وبين من اختص به" انتهى من "موقع الإسلام اليوم". وسئل الشيخ خالد المشيقح حفظه الله: أخي مقدم على صندوق التنمية العقاري , وهو لا زال ينتظر دوره في القائمة , فهل يجوز له أن يتنازل عن دوره لي على أن أدفع له مبلغا معينا نظير هذا التنازل؟ فأجاب: "التنازل عن دوره في صندوق التنمية العقاري مقابل مبلغ مالي لا بأس به، لأنه تنازل عن حق مالي، والحقوق المالية يجوز بيعها بعوض، لكن لابد من إذن البنك العقاري، فإذا أذن البنك العقاري واتفق الطرفان على أن يدفع له مالاً مقابل أن يقوم مقامه، فإن هذا جائز ولا بأس به " انتهى، وينظر جواب السؤال رقم (36397) . وعليه؛ فيجوز لزوجة أبيك أن تتنازل عن هذا القرض لك ولابنها بشرط موافقة البنك على ذلك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 137835 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5854 هل يستوفي دينه ممن يتعامل بالربا؟ [السُّؤَالُ] ـ[أقرضت مالا لشخص منذ مدة لحاجة شخصية. وهو يريد الآن أن يستثمر في مشروع الغالب في الظن أنه سيكون عن طريق قرض ربوي. سؤالي: هل يجوز لي أن أسترد مالي من هذا الشخص؟ مع علمي أنه سيعطيني من المال الذي سيأخذه عن طريق الربا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج في إقراض المال لمن يحتاجه في أمر مباح، وهو من الإحسان وبذل الخير والمعروف، ولفاعله الأجر والثواب من الله تعالى؛ لحديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من مسلم يقرض مسلما قرضا مرتين إلا كان كصدقتها مرة) رواه ابن ماجه (2430) وابن حبان في صحيحه والبيهقي مرفوعا وموقوفا، وحسنه الألباني في "إرواء الغليل" (5/ 225) . وإذا كان صاحبك سيقترض بالربا ليقيم مشروعه، فإثم الربا عليه، ولا يضرك لو سدد الدين من ربح هذا المشروع، فإن الربا هو فيما أخذه من البنك لا فيما نتج من أرباح المشروع. ولو فرض أنه سدد الدين من فوائد ربوية، جاز لك أخذها منه؛ لأنك تأخذ المال بوجه مشروع وهو استرداد القرض. وينبغي نصح صاحبك بالبعد عن الربا الذي هو سبب المحق والخسران في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278، 279. وروى مسلم (1598) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 137772 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5855 تقرضهم المؤسسة وتشترط مبلغا يرد للموظف عند نهاية الخدمة [السُّؤَالُ] ـ[المؤسسة التي أعمل بها تمنح موظفيها ((سلفة)) على الراتب ويخصم القسط الشهري من السلفة كل شهر من الراتب وقيمة القسط يحددها المقترض ضمن جدول وضعته المؤسسة على أن يكون بمدة أقلها سنة وأكثرها 3 سنوات.القرض الممنوح يسدد كاملا بلا زيادة أو نقصان. ولكن اشترطت المؤسسة دفع مبلغ خمسون دينارا أردنيا تخصم من راتب المقترض على أن تعيدها المؤسسة للمقترض عند نهاية خدمته في المؤسسة. علما أن القرض الذي استحقه هو 1200 دينارا أردنيا. ما حكم التعامل مع المؤسسة بهذا النوع من القروض؟ وهل قيمة الطوابع التي يجب وضعها على قسية تقديم القرض بها أي مخالفة شرعية سيما وأن كل المعاملات لابد لها من طوابع.؟ وجزاكم الله خيرا]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: القرض من عقود الإحسان والإرفاق، ولا يجوز للمقرض أن يجعل القرض وسيلة إلى انتفاعه هو، ولهذا كان من القواعد المتفق عليها بين العلماء: أن كل قرض جَرَّ نفعا للمقرض فهو ربا. جاء في " الموسوعة الفقهية " (3 / 265، 266) : "إنّ انتفاع الدّائن من عمليّة الاستدانة إمّا أن يتمّ بشرطٍ في العقد، أو بغير شرطٍ، فإن كان بشرطٍ فهو حرامٌ بلا خلافٍ، قال ابن المنذر: أجمعوا على أنّ المسلف - أي الدّائن - إذا شرط على المستلف زيادةً أو هديّةً، فأسلف على ذلك، أنّ أخذ الزّيادة على ذلك رباً، وقد روى عليّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: (كلّ قرضٍ جرّ منفعةً فهو رباً) وهو وإن كان ضعيف السّند إلاّ أنّه صحيحٌ معنًى، وروي عن أبيّ بن كعبٍ، وعبد الله بن عبّاسٍ، وعبد الله بن مسعودٍ، أنّهم نهوا عن كلّ قرضٍ جرّ منفعةً للمقرض. أمّا إن كانت المنفعة الّتي حصل عليها الدّائن من المدين غير مشروطةٍ، فيجوز ذلك عند جمهور الفقهاء: الحنفيّة، والشّافعيّة، والمالكيّة، والحنابلة" انتهى. وعليه، فلا يجوز للمؤسسة اشتراط دفع هذا المبلغ (50 دينارا) على أن ترده للموظف عند نهاية خدمته، وهو من باب اشتراط قرض في قرض، ولا يجوز لما تقدم. وينظر جواب السؤال رقم (106378) . ثانيا: إذا كانت المعاملة لا يمكن إجراؤها إلا بتقديم طلب عليه طابع بريد، ولا منفعة للمؤسسة من وراء هذا الطابع، فلا حرج في ذلك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136919 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5856 اقترض من زوجته ذهبا، فلما جاء يقضيها ارتفع سعر الذهب، فهل هذا من الربا؟ [السُّؤَالُ] ـ[احتجت مالا فاقترضت ذهبا من زوجتي واتفقنا أن أعيد لها ذهبا , وبعد مدة سنتين ارتفع سعر الذهب ارتفاعا خياليا إلى الضعف. فأصبحت مرغما أن أدفع ضعف ثمن الذهب الذي اقترضته أول مرة. هل تعتبر هذه الزيادة ربا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من اقترض ذهباً فالواجب عليه أن يرد ذهباً مثله في الوزن، ولا عبرة باختلاف قيمة الذهب، ولا يعد زيادة قيمته شيئاً من الربا، ومثل ذلك لو كان القرض بعملة من العملات النقدية، فالواجب قضاء الدين بالعملة نفسها، ولو اختلفت قيمتها عن يوم القرض. ويجوز لك أن تؤدي بدل الذهب نقوداً، ولكن بشرط أن يكون ذلك بسعر يوم السداد، وتسدد الثمن كاملا، ولا يبقى عليك شيء منه. قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: "يجب قضاء القروض بمثلها من جنسها، وهو مقتضى العدل؛ فإن ارتفاع القيمة المذكورة وهبوطها من الأمور التي يعود نفعها وضررها على الطرفين، وتقلب الأسعار ارتفاعا وانخفاضا قد كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يغير من أجله القاعدة الشرعية التي رسمها للمسلمين؛ ليسيروا على ضوئها في التعامل. وللمقترض أن يرد قيمة القرض وقت القضاء إذا رضي صاحب الحق بذلك؛ لما ثبت عن ابن عمر رضي الله عنه، أنه قال: كنا نبيع الإبل بالدنانير، ونأخذ الدراهم، ونبيع بالدراهم، ونأخذ الدنانير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء) " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (13 / 275) وقالوا أيضا: "إقراض الذهب ثم رده بمقدار وزنه لا حرج فيه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب، وزنا بوزن، مثلا بمثل) وهكذا رد قيمته بالسعر الحاضر يدا بيد" انتهى باختصار. "فتاوى اللجنة الدائمة" (14 / 113) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "إذا أقرض الإنسان شخصاً دولارات فإنه يثبت في ذمة المقترض دولارات فقط، سواء اشترط ذلك أم لم يشترط، ولا يلزمه - أي لا يلزم المقترض - أن يوفي سواها، سواء زادت قيمتها أم نقصت أم بقيت على ما هي عليه، فمن اقترض شيئاً لم يثبت في ذمته إلا ما اقترضه فقط، ولكن لو أراد المقترض أن يوفي المقرض من عملة أخرى واتفقا على ذلك فلا بأس ولكن بشرط أن تكون بسعر يومها وألا يتفرقا وبينهما شيء " انتهى ملخصا. "فتاوى نور على الدرب" (244/3) . والخلاصة: الواجب عليك أن ترد الذهب كما أخذته بوزنه، ولا يعد ارتفاع ثمنه ربا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136609 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5857 إقراض الذهب على أن يرد مثله في الوزن والشكل [السُّؤَالُ] ـ[قرأت السؤال رقم 131795 حول التي باعت ذهبها لتقرض قيمته لأخيها. إن كثيرا من الناس يقعون في هذا المحظور، والشبهة فيه أنه لولا طلب أخيها أو قريبها منها القرض لما باعت الذهب فهي باعته لأجله وكما ورد في السؤال تشترط أن يرده ذهبا سؤالي: ماذا لو أعطته الذهب واشترطت عليه أن يرده لها بنفس الوزن والشكل وباعه المقترض نفسه وتصرف بقيمته أما في ذلك مخرج من الحالة الحرام وهناك شبهة أخرى قد يعيد لها نفس وزن الذهب ولكن بشكل آخر قد تزيد أجرة صياغته أو تنقص وهو في الحالين يغرم قيمة الصياغة لأنه كما هو معلوم يبيع الذهب وزنا بدون صياغ أفيدونا جزاكم الله خير افقد لا يكون يخلو بيت من هذه المعاملة]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز إقراض الذهب على أن يُرد مثله وزنا، ويجوز للمقترض أن يرد أفضل مما أخذ، إذا لم يكن هذا عن تواطؤ أو اشتراط. وأما اشتراط رده على نفس الشكل الذي كان عليه، فيجوز، إن كان الشكل موجودا وجودا غالبا في السوق، أو يمكن صناعة مثله بيسر، والقاعدة أن المثلي يرد في القرض بمثله، فإن لم يوجد مثله رد قيمته وقت القرض. وينظر: الشرح الممتع (9/104) . والفقهاء يعدون المكيل والموزون مثليّا، إلا إذا دخلته الصناعة المباحة، فيكون قيميا، وهذا بالنسبة لما كان في زمنهم، لتعذر الصناعة على نفس الهيئة والشكل، وأما اليوم فيمكن صناعة آلاف النسخ على هيئة وشكل واحد. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والصحيح أن المثلي ما كان له مثيل، مطابق أو مقارب تقاربا كثيرا، ويدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لزوجته التي كسرت الإناء، وأفسدت الطعام: «إناء بإناء، وطعام بطعام» ولم يضمنها بالقيمة، ثم إننا نقول: الصناعة الآن تتقدم، ومن المعلوم أن الفناجيل ـ مثلا ـ من الزجاج مصنوعة، وهي مثلية قطعا، فمماثلة الفنجال للفنجال أشد من مماثلة صاع البر لصاع البر، وهذا أمر معلوم، والحلي ـ مثلا ـ والأقلام، والساعات، كل هذه مثلية، وهي على حد الفقهاء ليست مثلية " انتهى من "الشرح الممتع" (10/ 122) . وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (14/113) : " ما حكم أن يستلف إنسان من آخر ذهبا سبيكة أو سلسلة، ثم يرجع له ذهبا غيره بنفس الوزن والقيمة، أو يستلف دينارا من الذهب ثم يرجعه له بعد ذلك دينارا بنفس القيمة؟ الجواب: إقراض الذهب ثم رده بمقدار وزنه لا حرج فيه؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «الذهب بالذهب، وزنا بوزن، مثلا بمثل» وإن زاده من دون شرط ولا تواطؤ على الزيادة فلا حرج؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إن خيار الناس أحسنهم قضاء» ... " انتهى. والحاصل: أن رد الذهب ذهبا، بنفس الوزن، وعلى نفس الشكل: هو الأصل، وهو الأقرب إلى العدل أيضا، فإن رد المقترض أكثر وزنا، أو أحسن صياغة، من غير اشتراط من المقترض، فلا بأس به. وأما أن المقترض سوف يغرم قيمة الصياغة: فقد دخل هو في ذلك على بينة، ثم إنه هو المنتفع بالقرض، وغرمه هو أقرب إلى العدل من غرم صاحب المال، لأنه محسن إليه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136433 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5858 إذا أقرضته الدولة لأجل الدراسة بشرط أنه إذا تأخر في السداد لزمته الفائدة [السُّؤَالُ] ـ[أنا على وشك دخول الجامعة وقد ادخرت بعض المال لكنه غير كاف وتقدم الحكومة حيث أعيش قرضاً للطلاب لا يكون عليك أن تدفع فيه فائدة إذا أعدته في خلال 6 أشهر بعد التخرج بينما تقوم الحكومة بتحميلك فائدة إذا لم تقم بإعادة القرض في خلال الستة أشهر. وأنا أنوي أن آخذ فقط على قدر حاجتي وأن أرد القرض في خلال الستة أشهر قبل زيادة الفائدة فهل يجوز قبول هذا القرض؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز التوقيع على عقد القرض المشتمل على هذا الشرط الربوي؛ لما في ذلك من التزام الربا، ثم احتمال الوقوع فيه فعلا إذا حصلت ظروف أدت إلى تأخير السداد. وقد بَيَّن أهل العلم هذا في مسألة مشابهة وهي القرض عن طريق بطاقة الائتمان: جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الثانية عشرة بالرياض في المملكة العربية السعودية، من 25 جمادى الآخرة 1421هـ إلى غرة رجب 1421هـ (23 - 28 سبتمبر 2000) بشأن بطاقات الائتمان: " لا يجوز إصدار بطاقة الائتمان غير المغطاة ولا التعامل بها، إذا كانت مشروطة بزيادة فائدة ربوية، حتى ولو كان طالب البطاقة عازما على السداد ضمن فترة السماح المجاني " انتهى. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: تقوم البنوك بمنح عملائها بطاقة تسمى (الفيزا) ، حيث تمكنه من سحب مبالغ نقدية من البنك ولو لم يكن في حسابه تلك اللحظة أي مبلغ، على أن يقوم بردها للبنك بعد فترة زمنية محددة، وإذا لم يتم التسديد قبل انقضاء تلك الفترة فإن البنك يطلب زيادة أكثر مما سحب العميل، مع العلم أن العميل يقوم بدفع مبلغ سنوي للبنك مقابل استخدامه لتلك البطاقة، أرجو بيان حكم استخدام هذه البطاقة؟. فأجاب: " هذه المعاملة محرمة؛ وذلك لأن الداخل فيها التزم بإعطاء الربا إذا لم يسدد في الوقت المحدد، وهذا التزام باطل ولو كان الإنسان يعتقد أو يغلب على ظنه أنه مُوفٍ قبل تمام الأجل المحدد؛ لأن الأمور قد تختلف، فلا يستطيع الوفاء، وهذا أمر مستقبل، والإنسان لا يدري ما يحدث له في المستقبل، فالمعاملة على هذا الوجه محرمة. والله أعلم " انتهى من مجلة الدعوة العدد 1754 ص 37. لكن إن لم تستطع الدراسة إلا بأخذ القرض من الدولة، وعزمت على السداد في الوقت دون أن تضطر إلى دفع الفائدة، فنرجو أن تكون معذورا. وقد توجه الموقع بالسؤال التالي إلى فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: " بطاقة الفيزا تشتمل على شرط ربوي إذا تأخرت عن التسديد جعلوا عليّ غرامة لكن المكان الذي أقيم فيه في أمريكا لا يمكن لي أن أستأجر سيارة ولا محلا وكثير من الخدمات العامة لا تمكن إلا ببطاقة الفيزا وإذا لم أتعامل بها أقع في حرج كبير لا أطيقه، فهل التزامي بالتسديد في وقت معين حتى لا يصبح عليّ ربا يبيح لي التعامل بهذه البطاقة في وضع الحرج الذي أعيش فيه؟ فأجاب بما يلي: إذا كان الحرج متيقنا واحتمال التأخير عن التسديد ضعيف، فأرجو أن لا يكون فيها بأس. سؤال: هل الشرط الربوي الفاسد يُبطل العقد أم لا؟ الجواب: وإن كان في العقد شرط باطل فإنه لا يُبطل العقد لأمور: (1) الضرورة، (2) ولأنه لا يتحقق لأن الرجل غالب على ظنه أنه سيوفي، فمن أجل أنه غالب على ظنه أنه سيوفي والشرط غير متحقق ومن أجل الضرورة - وهذه هي النقطة الأخيرة والمهمة - فأرجو أن لا يكون في هذا بأس؛ لأن عندنا أمرا متحققا وهو الضرورة وعندنا أمر مشكوك فيه وهو التأخر، فمراعاة المتيقن أولى. والله أعلم ". ونصيحتنا أن تبحث عن وسيلة أخرى لتوفير مصاريف الدراسة، بعدا عن الربا وخطره. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136378 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5859 هل يقترض ممن يقترض من بنك ربوي؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز اقتراض مبلغ مالي من شخص وهذا الشخص يقترض من بنك ربوي مع العلم أنني سأرجع له المبلغ الذي سأقترضه بدون فائض أي ليس ربوي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجوز للشخص أن يقترض قرضا حسنا ممن يتعامل بالربا , وكذلك يجوز له إجراء كل معاملة مباحة، مع هذا الشخص. جاء في فتاوى "نور على الدرب" للشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "يجوز للإنسان أن يتعامل مع شخص يتعامل بالربا لكن معاملته إياه بطريق سليم فمثلا يجوز أن يشتري من هذا الرجل المرابي أن أشتري منه سلعة بثمن ويجوز أن يستقرض منه ولا حرج فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يعامل اليهود مع أنهم أكالون للسحت، فقد قبل هديتهم، وقد قبل دعوتهم، وقد باع واشترى منهم، صلى الله عليه وسلم، قبل هديتهم في قصة المرأة اليهودية التي أهدت إليه شاة يوم فتح خيبر، وأجاب دعوتهم حين أجاب دعوة غلام يهودي في المدينة، واشترى منهم، فقد اشترى صلى الله عليه وسلم طعاما لأهله من يهودي ورهنه درعه، أي أعطاه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم درعه رهناً، ومات ودرعه مرهونة، والخلاصة أن من كان يكتسب الحرام وتعاملت معه معاملة مباحة لا حرج عليك فيها" انتهى. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136031 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5860 هل يقبل سداد ديْنه ممن في ماله شبهة حرام؟ [السُّؤَالُ] ـ[شخص لي عليه ديْن، سدَّده لي من مال به شبهة حرام، هل أقبله؟ مع العلم أنه إذا لم أقبل هذا المبلغ يحتمل أن يضيع.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا مانع من قبولك سداد الدين ممن ماله به شبهة حرام، وبيان ذلك: أن المال المحرم الذي يسدد الدائن به دينه لا يخلو من أن يكون محرَّماً لذاته، أو يكون محرَّماً لكسبه ووصفه، فإن كان محرما لذاته، كأن يكون مسروقاً، أو مغصوباً: فلا يحل لأحدٍ قبضه منه، بأي سبب كان ذلك القبض، فلا يقبضه بائع له ولا وارث، ولا دائن، بل يجب على من قبضه منه: رده إلى صاحبه. وإن كان المال محرَّماً لكسبه، ووصفه، كأن يكون قبضه جرَّاء عقد محرَّم كالربا، أو كان يعمل في مكان لا يحل له العمل فيه: فإنما إثمه على كاسبه، ويجوز لمن انتقل إليه هذا المال بطريق مباح أن ينتفع به، كمن يقبله هدية أو سداداً لدين ونحو ذلك. ودليل ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعامل اليهود في المدينة بالبيع، والشراء، وكان يأكل من طعامهم، وهم الذين وصفهم الله تعالى بأكل الربا، والسحت، وأخذهم أموال الناس بالباطل. وقد سبق تقرير ذلك بالتفصيل في موقعنا في العديد من الإجابات، انظر منها: (39661) و (85419) . والمال الذي فيه شبهة: هو أخف حكما من القسم الثاني، لأننا لا نجزم بتحريمه، وإنما اشتبه أمره علينا، هل هو حلال أم حرام؟ فلا حرج عليك من قبوله سداداً لدينك، وإثم ذلك ـ إن كان فيه إثم ـ هو على من اكتسبه بطريقة محرمة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في حديثه عن المال من شبهة: " وأما قبضه الشبهة: فليس محرَّماً، بل ورعٌ مستحب. وقال: وليس تركُ الشبهة واجباً " انتهى. " جامع المسائل " (1 / 47) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136028 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5861 حكم سداد القرض عن المدينين مقابل مبلغ أو نسبة [السُّؤَالُ] ـ[أريد الاستفسار عن مكاتب سداد المديونيات وأقصد بذلك من لديه قرض في البنوك السعودية بحيث أسدد مديونية العميل لدى البنك لاستخراج قرض جديد أكبر بحيث يكون مردود المكتب بحالتين: تحديد مبلغ مقطوع على كل عميل , أو تحديد نسبة معينة من المبلغ المسدد. ما الحكم في هذه المكاتب وحكم الحالتين السابقتين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سداد الدين عن العميل إن كان بإعطائه مالا ليسدد دينه، فهذا إقراض للعميل، فإن ترتب عليه فائدة فهذا عين الربا، سواء كانت الفائدة مبلغا مقطوعا أو نسبة من المبلغ المسدد. وقد أجمع العلماء على أن كل قرض جر نفعا فهو ربا. قال ابن قدامة رحمه الله: " وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المُسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية، فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا. وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة" انتهى من "المغني" (6/436) . وإن كان سداد الدين بأن يبيع المكتب سلعة على العميل بثمن مؤجل، ثم يبيعها العميل ليوفي دينه للبنك، فهذا لا حرج فيه، بشرط أن يكون المكتب مالكا للسلعة، وأن يبيعها العميل لطرف ثالث لا علاقة له بالمكتب بحيث تنتفي الحيلة على الربا، وهو ما يسمى عند العلماء بـ "التورق" وجمهور العلماء على جوازه. ولمزيد الفائدة عنه انظر جواب السؤال (45042) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 135334 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5862 حكم الاقتراض مع الفائد، والنّظام الإسلاميّ للتخلّص من التضخّم [السُّؤَالُ] ـ[في أغلب الدول توجد مؤسسات يطلق عليها البنوك المركزية. ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال يوجد البنك الاحتياطي الفدرالي، وهو مؤسسة عامة تمتلكها الحكومة الأمريكية، وتقوم بإقراض وزارة المالية بالعملة الأمريكية، والتي تسدد مرة أخرى للبنك الاحتياطي الفدرالي، ويمكنك مراقبة الاقتصاد من خلاله. فعلى سبيل المثال: إذا قمت بزيادة التمويل النقدي فإن الأسعار سترتفع (لكن الأجور لن ترتفع) ، كما أن البنوك تقوم بعملية يطلق عليها أعمال الاحتياطي المصرفية الجزئيةِ، وهذه العملية تعني أن البنوك تقوم بالاحتفاظ بجزء من الأموال التي تم إيداعها، ويقومون بإقراض الباقي، وبالتالي ما فعلته البنوك هو استدعاء الإيداعات الجزئية التي ينبغي عليهم الاحتفاظ بها، ويدخلون البقية كبيانات في سجلات الحفظ. فما هو النظام الإسلامي إذا كانوا يقرضون أموالا لا يمتلكونها، ويقرضونها بفائدة ليعاد دفعها لهم. وكيف تتمّ هيكلة الأموال في الإسلام، حتى لا نصاب بالتضخم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أخي الكريم إنّ النّظام المذكور – كما تفضّلت – للكفّار، ومع الأسف أنّ كثيراً من المسلمين ابتلوا به إلاّ من رحم الله، وهو مبنيّ على الرّبا الصّريح، وقد ثبت عن ابن عبّاس – رضي الله عنهما – أنّه قال: " كُلُّ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةٍ فَهُوَ رِبًا ". أخرجه البيهقيّ في السنن الكبرى للبيهقي (5 / 349) . وصحّحه الألبانيّ في إرواء الغليل برقم (1397) . قال ابن قدامة في المغني (6/436) : (وكلّ قرض شرط فيه أن يزيده، فهو حرام بغير خلاف. قال ابن المنذر: أجمعوا على أنّ المسلف إذا شرط على المستسلف زيادة أو هدية، فأسلف على ذلك، أنّ أخذ الزيادة على ذلك ربا. وقد روي عن أبيّ بن كعب، وابن عبّاس، وابن مسعود أنّهم نهوا عن قرض جرّ منفعة، ولأنّه عقد إرفاق وقربة، فإذا شرط فيه الزيادة أخرجه عن موضوعه، ولا فرق بين الزيادة في القدر أو في الصفة) . وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (13 / 386) ما يأتي: الفتوى رقم (4047) . س2: هل يجوز لي شرعا أن آخذ قرضا من البنك بفوائد ربوية؛ لكي أفتح به محلا أستغني به عن الخدمة في مثل هذه الأعمال التي يقوم عليها شخص كافر؟ ج2: لا يجوز لك أن تأخذ قرضا بفائدة من بنك أو غيره، لا للغرض الذي ذكرت، ولا لغيره؛ لأنّ القرض بفائدة من الرّبا المحرّم بالكتاب والسنة والإجماع. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عضو ... عضو ... نائب رئيس اللجنة ... الرئيس عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز. وينظر: جواب السؤال رقم (39829) . أمّا كيفيّة الخروج من التضخّم، فاعلم أنّ البنوك الربويّة ليست الحلّ الوحيد للخروج منه، فالشّريعة الإسلاميّة فتحت لنا أبواباً عدّة لاستثمار الأموال، كالتّجارة، والصناعة وغيرهما من طرق الكسب الحلال. جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (13 / 274) : (ثانيا: لم يضطرنا الله تعالى في تنمية الأموال وحفظها من النقصان إلى إيداعها في البنوك مثلا بفائدة ربويّة، ولم يضيّق علينا في طرق الكسب الحلال، حتى نلجأ إلى التعامل الربويّ، بل شرع لنا الاستثمار عن طريق التجارة والزراعة والصناعة، وغيرها من وجوه الإنتاج والاستثمار؛ لتنمية الأموال، وبيّن لنا الحلال من الحرام، فمن استطاع أن يباشر بنفسه طريقا من طرق الكسب الحلال فليفعل، ومن لم يستطع أعطى ماله أمينًا موثوقًا خبيرًا بطرق الاستثمار؛ ليعمل له فيه بنسبة معلومة من الربح، ويسمى ذلك: شركة مضاربة أو مزارعة أو مساقاة، تبعًا لاختلاف أنواع الأعمال، وهذه الطرق ونحوها من أسباب الكسب الحلال، وحفظ الأموال من النقصان بحول الله وقوته مع التوزيع العادل للأرباح والخسارة. فدعوى الطرف الثاني أنه لا طريق لحفظ المال من النقصان إلا إيداعه في البنوك الربوية بفائدة ربوية غير صحيحة. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عضو ... عضو ... الرئيس عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز وللخروج من هذا الدّاء فكّر المسلمون في إنشاء البنوك الإسلاميّة التي تكون معاملاتها وفق الضّوابط الشّرعيّة في الإقراض وغيره. ويصعب الآن ذكر تفاصيل شاملة للأنظمة المعمول بها في هذه البنوك الإسلاميّة، ويمكن مراجعة موقع البنك الإسلاميّ للتنمية بجدّة، أو اللّجان الشّرعيّة في البنوك الإسلاميّة الأخرى للوقوف على حقائق معاملاتها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 132337 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5863 اقترض مالاً ثم مات المقرض ولا يعرف أحداً من أقاربه [السُّؤَالُ] ـ[أخذت ديناً من رجل، ثم توفي الرجل ولم أعرف له أحداً أبداً ومرت مدة طويلة على وفاة ذلك الرجل فماذا أفعل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا كان عند الإنسان دين أو رهن أو وديعة لآخر ولم يعرف ورثته بعد موته وسأل واجتهد ولم يعرف أحداً تصدق له بها في وجوه البر، مثل التصدق على فقراء أو في عمارة مسجد أو أي مشاريع أخرى إسلامية حتى ينتفع الميت، بشرط أن يكون اعتنى واجتهد وسأل عن أقاربه ولم يجد أحداً وما وجد من يدله بعد الاجتهاد، فإنه يتصدق بها على الفقراء أو يصرفها في تعمير مسجد أو نحوه من المشاريع الخيرية أو إذا سلمها للحاكم أو للقاضي في البلد وأخذ سنداً عليها من عنده كفى، لكن إنجازها وصرفها في وجوه الخير أسرع في الخير وأنفع لصاحبها؛ لأنه يؤجر على ذلك ويتصدق بها عنه بالنية" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (3/1464) . [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز فتاوى نور على الدرب الحديث: 132202 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5864 باعت الذهب وأقرضته ثمنه واتفقا على أن يرده ذهبا [السُّؤَالُ] ـ[باعت الذهب وأقرضته ثمنه واتفقا على أن يرده ذهبا السؤال: طلب أخي من أمي مبلغاً من المال، وأمي لا تملك سيولة نقدية في هذا الوقت، فقالت له: سوف أبيع الذهب وأعطيك ثمنه. هي قد باعته ذهباً خاماً - أي بعد خصم المصنعية -، وكان الاتفاق على أن يرده ذهباً مشغولاً - كحالة الذهب الذي بيع -، طبعاً سيكون هناك فرق حتى ولو لم يكن هناك تغير في سعر الذهب. أسأل: كيف يرد هذا المال؟ هل يرد نفس المبلغ نقداً؟ أم يرد قيمة الجرامات التي بيعت؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب في القرض أن يُرد مثله، ولا يجوز الاتفاق على أن ترد النقود ذهباً، أو يرد الذهب نقوداً؛ سواء اتفقا على أن يكون الذهب خاماً أو مشغولاً؛ لأن هذا يعتبر بيعاً للذهب بنقود مع تأجيل قبض الثمن، وهو لا يجوز، بل صورة من صور الربا. روى مسلم (1587) عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ ... مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) . والعملات الحالية تقوم مقام الذهب والفضة، ولها ما لهما من الأحكام، ويجري في ذلك كله قوله صلى الله عليه وسلم: (فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) ، فمن أعطى نقوداً ليأخذ ذهباً، وجب أن يكون ذلك يداً بيد. وعليه؛ فإن أخاك يرد إلى أمه مثل ما أخذ من النقود، ولا يجوز أن يُشترط عليه أن يرد ذهباً مهما كان نوع الذهب؛ لأنه لم يستلم ذهباً، وإنما استلم نقوداً. وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (99642) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131795 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5865 اقترض من مؤسسة بدون فائدة فأحالته على البنك وطلب البنك عمولة [السُّؤَالُ] ـ[اقترضت مبلغا من المال من مؤسسة بدون فائدة، والمؤسسة بدورها أحالتني على البنك لاستلام المبلغ من رصيدها، وعند استلام المبلغ أخبرني الموظف في البنك أن على سحب المبلغ عمولة لا أدري كثيرة أم قليلة فلم آخذ، فما هو الحكم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يلزمك سؤال البنك لمعرفة وجه أخذ العمولة، فإن كان البنك يأخذها نظير تقديم هذه الخدمة وهي تحويل المال من رصيد المؤسسة إلى رصيدك أو يدك، وكانت مبلغا يسيراً يناسب أجور الخدمات، ولا يرتبط بالمبلغ المسحوب زيادة ونقصا، فلا حرج في ذلك. وإن ارتبطت العمولة بالمبلغ المسحوب، فيخشى أن يكون ذلك تحايلا على الفائدة الربوية المحرمة، وتكون المؤسسة تدعي أنها لا تتعامل بالفائدة لكنها في الواقع تقترض بالفائدة وتعطيك، أو تكفلك عند البنك ليقرضك بفائدة. ولا يخفى أنه لا يجوز الاقتراض بفائدة، وأن ذلك من الربا المحرم. وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (39829) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131583 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5866 الفرق بين القرض والبيع [السُّؤَالُ] ـ[أخذتُ من بعض الأخوات مقدارا من الذهب كقرض حسن، وتعهدتُ بإرجاعه بعد مده من الزمن ذهبا (وزناً بوزن) . أرجو أن تبينوا لنا: هل يدخل ذلك في باب الربا؟ وجزاكم الله خيرا]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: جاءت النصوص المتكاثرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في بيان أجناس الربا، وأنواعه، ومنها حديث عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) رواه مسلم (1587) . ثانيا: القرض جائز، ومندوب إليه، بإجماع المسلمين، سواء في الأموال الربوية، أو غيرها. قال ابن القطان في " الإقناع في مسائل الإجماع" (ص197) : " وأجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن استقراض الدنانير والدراهم، والقمح والشعير والتمر والذهب، وكل ما له مثل من سائر الأطعمة المكيل منها والموزون: جائز " انتهى. ثالثا: استشكل السائل قرض الذهب بالذهب بناء على أنه مبادلة ربوي بجنسه مع تأخر القبض. والجواب عن ذلك من وجوه: الأول: أن النصوص في اشتراط التقابض " يداً بيد " إنما هي في البيع " فبيعوا كيف شئتم "، وليس فيها ذكر للقرض. الثاني: أن القرض تبرع وإرفاق وإحسان بخلاف البيع فإنه مبادلة أصل المال من غير إرجاع. قال ابن القيم رحمه الله في "إعلام الموقعين عن رب العالمين" (2/11) : " وأما القرض فمن قال إنه على خلاف القياس فشبهته أنه بيع ربوي بجنسه مع تأخر القبض، وهذا غلط؛ فإن القرض من جنس التبرع بالمنافع كالعارية؛ ولهذا سماه النبي صلى الله عليه وسلم منيحة فقال: "أو منيحة ذهب أو منيحة ورق" وهذا من باب الإرفاق لا من باب المعاوضات، فإن باب المعاوضات يعطي كل منهما أصل المال على وجه لا يعود إليه، وباب القرض من جنس باب العارية والمنيحة ... وليس هذا من باب البيع في شيء بل هو من باب الإرفاق والتبرع والصدقة " انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع على زاد المستقنع (9/93) : (وهو عقد إرفاق يقصد به تمليك المُقرَض للمقترض، أي: تمليك الرجل الذي أقرضتَه لِمَا تُقْرِضُه ... فهو إذاً عقد إرفاق ولا يقصد به المعاوضة والمرابحة، وإنما هو إحسان محض، ولهذا جاز القرض مع أن صورته صورة ربا، فإنه إذا باع درهماً بدرهم ولم يحصل بينهما تقابض: كان ربا، وإذا أقرضه درهماً وبعد شهر أعطاه إياه: لم يكن ربا، مع أن الصورة صورة ربا، ولا يختلف إلا بالقصد، ولما كان المقصود بالقرض الإرفاق والإحسان صار جائزاً) . الثالث: معلوم أن الناس يقترضون من بعضهم النقود والدراهم والدنانير وسائر الأموال والأمتاع كالشعير والإبل ... ويردون مثلها منذ عهد النبوة إلى اليوم، ولا يقال إن هذا ربا فعن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ اشْتَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا مِنْ يَهُودِيٍّ بِنَسِيئَةٍ وَرَهَنَهُ دِرْعًا لَهُ مِنْ حَدِيدٍ) رواه البخاري (2251) ، ومسلم (1603) . – والشعير من الأجناس الربوية -. ولو أوجبنا التقابض في القرض لانعدم القرض في الأموال الربوية جميعها. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 131000 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5867 أقرضه نقودا ثم عاد وطالبه بسدادها ذهبا [السُّؤَالُ] ـ[أعطيت أخي مبلغاً من المال 537500 ليرة سورية (قرضاً) في الشهر الثاني من عام 2004، وكان سعر الغرام الذهب في ذلك الوقت 580 ليرة سورية تقريباً، وبعد قرابة الأربعة أشهر - أي في الشهر السادس من نفس العام - سألته إذا كان لديه أي مانع من تحويل مبلغ الدين إلى ذهب (طبعاً بسعر غرام الذهب في هذا اليوم) فأجابني بأنه لا مانع لديه (علماً أن أخي يعمل تاجر ذهب ومجوهرات) فسألته عن سعر غرام الذهب في هذا اليوم (أي بعد أربعة أشهر المذكورة سابقاً) وقد كان 625 ليرة سورية، فسألته عن وزن الذهب الذي يعادل قيمة الدين؟ فأخبرني بأنه 860 غرام، فقمت بإعطائه مبلغ 25000 ليرة سورية، وقلت له: " أصبح لي عندك اليوم 900غرام "، (على اعتبار أن سعر 40 غرام من الذهب في هذا اليوم 25000 ليرة سورية) ، السؤال الآن: هل يصح ما قمت به من تحويلي لمبلغ الدين إلى ما يكافئه من الذهب؟ وإذا لم يصح فهل أسترد الدين على هيئة ذهب أم مال؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما دمت أقرضت أخاك مبلغا من المال 537500 ليرة سورية، فإنه يلزم سداد القرض بهذه العملة، ولا يجوز الاتفاق على سداده بالذهب أو بالفضة أو بعملة أخرى؛ لأن هذا يكون بيعاً للذهب بدون حصول قبض الثمن والذهب في مجلس العقد، وهو صورة من صور الربا. ويجوز عند سداد القرض أن يتراضى الطرفان على صرفه بعملة أخرى – دون اتفاق سابق – بشرط أن يتم الصرف بسعر يوم السداد، وأن ينصرفا وليس بينهما شيء. فيجوز عند سداد أخيك للقرض أن تأخذ مقابل هذا المبلغ عملة أخرى أو ذهباً، بسعر يوم السداد، ولا يبقى بينكما دَيْن؛ لما روى أحمد (6239) وأبو داود (3354) والنسائي (4582) والترمذي (1242) وابن ماجه (2262) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: كُنْتُ أَبِيعُ الْإِبِلَ بِالدَّنَانِيرِ [أي مؤجلاً] وَآخُذُ الدَّرَاهِمَ، وَأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ وَآخُذُ الدَّنَانِيرَ، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: (لَا بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَهَا بِسِعْرِ يَوْمِهَا، مَا لَمْ تَفْتَرِقَا وَبَيْنَكُمَا شَيْءٌ) والحديث صححه بعض العلماء كالدارقطني والحاكم والنووي. وصوّب شعبة والترمذي والبيهقي أنه موقوف، ورجحه الحافظ في "الدراية" (2/155) ، والألباني في "إرواء الغليل" (5/173) . وانظر للفائدة جواب السؤال رقم (99642) ورقم (68842) . وأما ما دفعته بعد ذلك وهو 25000 ليرة سورية، فإنك تسترده، أو تبقيه دَيْناً على أخيك، وتسترد الجميع مالاً، لا ذهباً. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130316 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5868 تريد أن تقرض من مالها ووالداها لا يرضيان بذلك [السُّؤَالُ] ـ[لقد عرفت منزلة المقرض عند الله , أحب أن أقوم بهذا العمل، ولكن المشكلة أن والدي لا يرضيان بذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لك أن تقرضي بغير علمهما؛ لأنهما ليس لهما أن يمنعاك من هذا الأمر الشرعي، ولكن ينبغي أن تظهري طاعتهما في ذلك حتى لا يكون بينكما شر، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ) . وليس من المعروف منعك من التوسيع على إخوانك في الله وأخواتك في الله، ليس هذا من المعروف، وإذا كانا يخشيان ذهاب المال فاحتاطي وأقرضي بالرهن، وبالضمان، جمعاً بين المصالح، بين حفظ مالك وبين إرضاء والديك، وإذا كانا لا يسمحان لو بالضمان ولو بالرهن، فأقرضي سراً ولا حرج عليك في ذلك" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (3/1461) . [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز فتاوى نور على الدرب الحديث: 128931 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5869 رهنه أرضاً زراعية يستفيد منها حتى يسدد له الدَّين [السُّؤَالُ] ـ[عندي أرض رهنتها لرجل بمبلغ ألف جنيه، بحيث يستغلها ويأخذ غلتها كاملة حتى أرد إليه مبلغ الألف جنيه وبالتالي يرد علي أرضي، فهل هذه الصورة من الرهن جائزة، وما الصورة الشرعية للرهن؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الرهن جائز، لأن الله جل وعلا قال: (فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) البقرة/283، فإذا اقترضت من زيد أو عمرو ألف جنيه أو أقل أو أكثر، ورهنته أرضاً أو سيارة أو سلاحاً أو غير ذلك فلا بأس، ولكن ليس له أن يستغل ذلك زيادة على حقه، بل الغلة تكون لك، ولكن يمكنه أن يستغلها بالأجرة، وتسقط الأجرة من الدين، أو يسلمها لك، فالأرض تكون مرهونة عنده، وتؤجرها عليه بأجرة معلومة تخصم من الدين. أما أن يستغلها في مقابل إنظاره لك وتركه المال عندك حتى توفيه، فهذا قرض جر منفعة فلا يجوز، وهذا شبيه بمن اقترضت منه ألفاً على أن تعطيه ألفاً ومائة أو ألفاً ومائتين، فلا يجوز وهو من الربا، فإذا استغل الأرض في الزراعة ونحوها بدون أجرة فلا يجوز؛ لأن معناه الاستفادة من هذه الأرض في مقابل القرض الذي أعطاك، فهو مثل لو أعطيته زيادة مائة أو مائتين أو أكثر أو أقل، فكله ربا" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (3/1457) . [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز فتاوى نور على الدرب الحديث: 128156 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5870 تقترض الوزارة من البنك بفائدة وتقرض العاطلين بدون فائدة [السُّؤَالُ] ـ[إخواني الأعزاء: إني من العراق وأسكن بغداد، حاصل على شهادة البكالوريوس في علوم الحاسبات، عاطل عن العمل حيث أعمل أعمالاً حرة لا تسد حاجتي لأن واردها قليل والحمد لله على كل شيء، وإني مسجل في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية مع العاطلين عن العمل منذ بدء الاحتلال لبلدي على أمل أن تهيأ لي هذا الدائرة عملاً وظيفياً في أحد دوائر الدولة، ولكن منذ بداية عام 2004 ولحد هذه اللحظة لا يوجد أي شي، ولكن في الآونة الأخيرة ارتأت هذه الوزارة بمقترح: " المشاريع الصغيرة " وكنت من الذين اختيروا عن طريق القرعة، حيث سيقومون بإعطائي قرضاً من أجل مشروع صغير والسداد يكون على أساس مدة سهلة ومريحة بالنسبة لي، ولكن المشكلة أن القرض سوف يتم صرفه عن طريق مصرف، بالنسبة لي سيكون السداد بدون فائدة ولكن المصرف سيقوم بأخذ الفائدة من الدائرة المعنية والتي قامت باقتراح وتنفيذ هذا المشروع، أي أنني سوف أقوم بتسديد المبلغ نفسه بدون فائدة والفائدة سوف تدفعها الدولة إلى المصرف فهل هذا يعتبر من ضمن القروض الربوية؟ وهل يجوز لي أخذ هذا القرض أم لا؟ جزاكم الله خيراً ووفقكم لما هو خير الإسلام والمسلمين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الأمر كما ذكرت، فلا حرج في أخذك هذا القرض؛ لأنه قرض حسن بغير فائدة. وكون المقرض لك – وهو الدائرة المعنية – اقترضت هذا المال بالربا، لا يضرك؛ لكونك لم تتعامل بالربا، ولأن من يقترض بالربا يملك المال الذي اقترضه على الراجح من أقوال العلماء، ويجوز له التصرف فيه بالهبة أو القرض أو غيره، مع إثمه ومعصيته في تعامله بالربا. وينظر: "المنفعة في القرض" لعبد الله بن محمد العمراني، ص 245- 254. ونسأل الله أن ييسر أمرك ويقضي حاجتك ويبارك لك في رزقك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126366 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5871 هل يجوز أن يتحمَّل ديون والده المتوفى [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن أحمل عن والدي بعض الديون التي استدانها، فعلى حسب علمي أن هناك حديث يقول: إن الرجل إذا مات وفي ذمته بعض الديون فإنه لا يدخل الجنة فهل هذا صحيح؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم يجوز، بل يستحب ويتأكد ما دام في استطاعتك، أن تتحمل عن والدك ديونه التي عليه للناس، وبتحملك إياها عنه تبرأ ذمته منها، وتتعلق بذمتك أنت، ولك من الله تعالى الجزاء الموفور بفضله. فقد روى الترمذي (1078) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ) صححه الألباني في "صحيح الجامع" (6779) وغيره. قال السندي: " أَيْ مَحْبُوسَة عَنْ الدُّخُول فِي الْجَنَّة " انتهى. وقال في تحفة الأحوذي: " قَالَ السُّيُوطِيُّ: أَيْ مَحْبُوسَةٌ عَنْ مَقَامِهَا الْكَرِيمِ. وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ: أَيْ أَمْرُهَا مَوْقُوفٌ لَا حُكْمَ لَهَا بِنَجَاةٍ وَلَا هَلَاكٍ حَتَّى يُنْظَرَ هَلْ يُقْضَى مَا عَلَيْهَا مِنْ الدَّيْنِ أَمْ لَا " اِنْتَهَى. وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ (4/30) : ِ" فيهِ الْحَثُّ لِلْوَرَثَةِ عَلَى قَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ , وَالْإِخْبَارُ لَهُمْ بِأَنَّ نَفْسَهُ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ " انتهى. وقال الصنعاني: " وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ الدَّلَائِلِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَزَالُ الْمَيِّتُ مَشْغُولًا بِدَيْنِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَفِيهِ حَثٌّ عَلَى التَّخَلُّصِ عَنْهُ قَبْلَ الْمَوْتِ , وَأَنَّهُ أَهَمُّ الْحُقُوقِ ´انتهى. "سبل السلام" (1/469) وروى البخاري (2295) عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِجَنَازَةٍ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهَا فَقَالَ: هَلْ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ؟ قَالُوا: لَا. فَصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ أُتِيَ بِجَنَازَةٍ أُخْرَى فَقَالَ: هَلْ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ. قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: عَلَيَّ دَيْنُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَصَلَّى عَلَيْهِ. وقال ابن باز رحمه الله: " إذا مات الإنسان وعليه دين مؤجل فإنه يبقى على أجله إذا التزم الورثة بتسديده واقتنع بهم صاحب الدين، أو قدموا ضمينا مليئا أو رهنا يفي بالدين، وبذلك يسلم الميت من التبعة إن شاء الله " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (19/305) وقال ابن عثيمين: " إن تعذر تعجيل الدين استحب أن يُتَكَفل به عنه " انتهى. "شرح الكافي" (2/11) وسئل علماء اللجنة: من مات وعليه دين لم يستطع أداءه لفقره هل تبقى روحه مرهونة معلقة؟ فأجابوا: " أخرج أحمد والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه) وهذا محمول على من ترك مالاً يقضى منه دينه، أما من لا مال له يقضى منه فيرجى ألا يتناوله هذا الحديث؛ لقوله سبحانه وتعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) وقوله سبحانه: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ) كما لا يتناول من بيّت النية الحسنة بالأداء عند الاستدانة، ومات ولم يتمكن من الأداء؛ لما روى البخاري رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله) " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (8/344) للاستزادة: راجع إجابة السؤال رقم: (71183) [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 126239 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5872 يأخذ قرضا من الدولة للدراسة ويسدد نصفه فقط [السُّؤَالُ] ـ[أدرس في ألمانيا , حيث أن الطلاب لديهم الإمكانية للحصول على مبلغ من المال شهرياً. وذلك عن طريق تعبئة نموذج طلب , ويقوم الأشخاص المؤهلون بحساب المبلغ الذي ستحصل عليه وذلك بناءً على دخل الأبوين , والإيجار وغير ذلك من الأمور. وبعد الانتهاء من الدراسة , يجب عليك أن ترجع نصف المبلغ وذلك عن طريق دفعات شهرية للدولة وبدون أي فائدة ربوية - ويمكن أن تدفع أقل من نصف المبلغ – , ولا يجب عليك دفع النصف الثاني من المبلغ. فهل يجوز التقدم لمثل هذا الدعم المالي لحصول على مثل راتب شهري من الدولة؟ وهل يمكن أن تكون محرمة لأنك لن تدفع النصف الثاني من المبلغ للدولة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان القرض سيرد دون زيادة، فلا حرج في أخذه، سواء سُدد كاملا، أو سدد نصفه، أو أقل من نصفه، أو حتى لم يسدد منه شيء قط؛ لأن هذا تبرع من الدولة، ولها أن تسقط الدين كله أو بعضه. والأصل في ذلك أن القرض عقد تبرع ابتداء، وللمقرض ألا يسترد ماله، ويستحب ذلك إذا كان المدين معسرا، كما قال تعالى: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) البقرة/280 وروى مسلم (1653) عن أَبِي قَتَادَةَ قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللَّهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ أَوْ يَضَعْ عَنْهُ) . ومعنى (ينفس عن معسر) أي: يمد له في الأجل، وينظره. ومعنى (يضع عنه) أي: يسقط عنه الدين أو بعضه. وأما إذا كان محل الإشكال أن هذه الدولة ليست دولة إسلامية، وسوف يكون انتفاع الطالب هنا من أموال الكفار؛ فهذا ـ أيضا ـ ليس فيه حرج إن شاء الله، وقبول عطية المشرك وهبته جائز، وقد ترجم على ذلك الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه: باب قبول الهدية من المشركين، وروى فيه ـ (2618) ـ حديث: عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: (كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثِينَ وَمِائَةً، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ مَعَ أَحَدٍ مِنْكُمْ طَعَامٌ؟ فَإِذَا مَعَ رَجُلٍ صَاعٌ مِنْ طَعَامٍ، أَوْ نَحْوُهُ، فَعُجِنَ. ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ مُشْرِكٌ مُشْعَانٌّ طَوِيلٌ بِغَنَمٍ يَسُوقُهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَيْعًا أَمْ عَطِيَّةً، أَوْ قَالَ: أَمْ هِبَةً؟ قَالَ: لَا، بَلْ بَيْعٌ. فَاشْتَرَى مِنْهُ شَاةً فَصُنِعَتْ..) الحديث. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " وَفِي هَذَا اَلْحَدِيثِ: قَبُولُ هَدِيَّة اَلْمُشْرِك لِأَنَّهُ سَأَلَهُ هَلْ يَبِيعُ أَوْ يُهْدِي؟ وَفِيهِ: فَسَادُ قَوْل مَنْ حَمَلَ رَدَّ اَلْهَدِيَّةِ عَلَى اَلْوَثَنِيِّ دُونَ اَلْكِتَابِيِّ لِأَنَّ هَذَا اَلْأَعْرَابِيَّ كَانَ وَثَنِيًّا ". وانظر: جواب السؤال رقم (6964) ، ورقم (85108) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125914 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5873 مذاهب العلماء في زكاة الدَّيْن، والراجح من أقوالهم [السُّؤَالُ] ـ[دخلت مع أحد الأشخاص كشريك مساهم بالمال فقط، وهو يتولى العمل، ولكنني لم يعجبني العمل، فلم أطلب منه أي فوائد، كما أنه لم يعطني شيئاً، بعد ثلاث سنوات طلبت منه أن يعطيني المال الذي أعطيته، ولكنه يقول: إن ظرفه لا يسمح له في الوقت الحالي، ويبرم لي مواعيد من حين لآخر، غير أني متأكد من أنه سيرد لي هذا المال، إلا أني أتساءل ما إذا كان على هذا المبلغ من زكاة يجب دفعها]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الدَّين الذي للمسلم على غيره لا يخلو من أن يكون على أحد حالين: الأولى: أن يكون عند مقرٍّ به، معترف بمقداره، باذل له. والثانية: أن يكون عند معترف به، لكنه معسر، أو مماطل، أو يكون عند جاحد له. ففي الحال الأولى: يزكي الدَّين بإضافته إلى ما معه من مال، فيزكي عن جميع ماله، وذلك كل عام، ولو لم يقبضه من المدين؛ لأنه بمثابة الوديعة، ويجوز له أن يؤجل أداء زكاة الدَّيْن لحين قبضه، ويؤدي زكاته عن الأعوام كلها. وفي الحال الثانية: ليس عليه زكاة، لكنه إذا قبضه فالأحوط له: أن يزكيه عن عامٍ واحد، ولو مكث عند المعسر، أو المماطل، أو الجاحد، أعواماً عديدة. هذا ملخص للراجح من أقوال العلماء في هذه المسألة، وهناك اختلاف بينهم فيما ذكرنا من مسائل، وهذا عرض مختصر لأقوالهم في ذلك: جاء في " الموسوعة الفقهية " (23 / 238، 239) : "الدَّيْن مملوك للدائن، ولكنه لكونه ليس تحت يد صاحبه: فقد اختلفت فيه أقوال الفقهاء: فذهب ابن عمر، وعائشة، وعكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنهم: إلى أنه لا زكاة في الدَّين، ووجهه: أنه غير نامٍ، فلم تجب زكاته، كعروض القُنية - وهي العروض التي تقتنى لأجل الانتفاع الشخصي -. وذهب جمهور العلماء: إلى أن الدَّيْن الحالَّ قسمان: دين حال مرجو الأداء، ودين حال غير مرجو الأداء. فالدَّين الحالُّ المرجو الأداء: هو ما كان على مقرٍّ به، باذلٍ له، وفيه أقوال: فمذهب الحنفية، والحنابلة، وهو قول الثوري: أن زكاته تجب على صاحبه كلَّ عام؛ لأنه مال مملوك له، إلا أنه لا يجب عليه إخراج الزكاة منه ما لم يقبضه، فإذا قبضه زكاه لكل ما مضى من السنين. ووجه هذا القول: أنه ديْن ثابت في الذمة، فلم يلزمه الإخراج قبل قبضه؛ ولأنه لا ينتفع به في الحال، وليس من المواساة أن يخرج زكاة مال لا ينتفع به، على أن الوديعة التي يقدر صاحبها أن يأخذها في أي وقت ليست من هذا النوع، بل يجب إخراج زكاتها عند الحول. ومذهب الشافعي في الأظهر، وحماد بن أبي سليمان، وإسحاق، وأبي عبيد: أنه يجب إخراج زكاة الديْن المرجو الأداء في نهاية كل حول، كالمال الذي هو بيده، لأنه قادر على أخذه والتصرف فيه. وجعل المالكية الديْن أنواعا: فبعض الديون يزكَّى كل عام، وهي دين التاجر المدير [أي الذي يبيع ويشتري للتجارة] عن ثمن بضاعة تجارية باعها. وبعضها يزكَّى لحولٍ من أصله لسنَة واحدة عند قبضه، ولو أقام عند المدين سنين، وهو ما أقرضه لغيره من نقد، وكذا ثمن بضاعة باعها محتكر. وبعض الديون لا زكاة فيه، وهو ما لم يقبض، من نحو هبة، أو مهر، أو عوض جناية. وأما الديْن غير المرجو الأداء: فهو ما كان على معسرٍ، أو جاحد، أو مماطل، وفيه مذاهب: فمذهب الحنفية فيه، وهو قول قتادة وإسحاق، وأبي ثور، ورواية عن أحمد، وقول للشافعي: أنه لا زكاة فيه؛ لعدم تمام المِلك؛ لأنه غير مقدور على الانتفاع به. والقول الثاني: وهو قول الثوري، وأبي عبيد ورواية عن أحمد، وقول للشافعي هو الأظهر: أنه يزكيه إذا قبضه لما مضى من السنين؛ لما روي عن علي رضي الله عنه في الدين المظنون: (إن كان صادقا فليزكه إذا قبضه لما مضى) . وذهب مالك إلى أنه: يزكيه إذا قبضه لعامٍ واحد وإن أقام عند المدين أعواماً، وهو قول عمر بن عبد العزيز، والحسن والليث، والأوزاعي" انتهى باختصار يسير. والذي رجحناه هنا: هو ما يفتي به علماء اللجنة الدائمة للإفتاء، والشيخ محمد بن صالح العثيمين. وانظر جواب السؤال رقم (1117) . وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله بعد عرض الأقوال في المسألة -: "والصحيح: أنه تجب الزكاة فيه كل سنة، إذا كان على غني باذل؛ لأنه في حكم الموجود عندك؛ ولكن يؤديها إذا قبض الدين، وإن شاء أدى زكاته مع زكاة ماله، والأول: رخصة، والثاني: فضيلة، وأسرع في إبراء الذمة. أما إذا كان على مماطل، أو معسر: فلا زكاة عليه، ولو بقي عشر سنوات؛ لأنه عاجز عنه، ولكن إذا قبضه: يزكيه مرة واحدة في سنَة القبض فقط، ولا يلزمه زكاة ما مضى. وهذا القول قد ذكره الشيخ العنقري في حاشيته عن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، وأحفاده، رحمهم الله، وهو مذهب الإمام مالك رحمه الله، وهذا هو الراجح؛ لما يلي: أولاً: أنه يشبه الثمرة التي يجب إخراج زكاتها عند الحصول عليها، والأجرة، التي اختار شيخ الإسلام وجوب الزكاة فيها حين القبض، ولو لم يتم عليها حول. ثانياً: أن من شرط وجوب الزكاة: القدرة على الأداء، فمتى قدر على الأداء: زكَّى. ثالثاً: أنه قد يكون مضى على المال أشهر من السنَة قبل أن يخرجه ديْناً. رابعاً: أن إسقاط الزكاة عنه لما مضى، ووجوب إخراجها لسنَة القبض فقط: فيه تيسير على المالك؛ إذ كيف نوجب عليه الزكاة مع وجوب إنظار المعسر، وفيه أيضاً تيسير على المعسر؛ وذلك بإنظاره. ومثل ذلك: المال المدفون المنسي، فلو أن شخصاً دفن ماله خوفاً من السرقة، ثم نسيه: فيزكيه سنة عثوره عليه فقط. وكذلك المال المسروق إذا بقي عند السارق عدة سنوات، ثم قدر عليه صاحبه: فيزكيه لسنَة واحدة، كالديْن على المعسر" انتهى. " الشرح الممتع على زاد المستقنع " (6 / 27، 28) . والخلاصة: عليك أن تزكي هذا المال عن السنوات الثلاثة التي كنت مشاركاً فيها لصاحبك. وبعد ذلك ـ من أول اتفاقك معه على رد المال ـ فقد تحول هذا المال من مال مشاركة إلى دَيْن على صاحبك، والظاهر من حال صاحبك أنه معسر، فلا زكاة عليك في هذا المال حتى تقبضه، فتزكيه عن سنة واحدة فقط، وإن كان قد بقي في ذمة صاحبك عدة سنوات. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125854 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5874 حسن القضاء للدائن بإعطائه زيادة لا يعد ربا [السُّؤَالُ] ـ[استدنت مبلغا من شخص وتأخرت عليه فترة طويلة، وأراه تضرر من ذلك وكرهه، هل إذا أهديت إليه شيئا بعد أن سددت دينه له على سبيل الهدية وفي نيتي أنه محاولة تعويض ما أصابه من ضرر دون علمه يكون ربا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إذا سددت الدين الذي عليك وزدت عليه شيئا بطيب نفس منك وبدون شرط سابق من الدائن، أو أهديت له شيئا جبرا لما حصل من التأخير، فهذا حسن، ولا بأس به؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استسلف من رجل بَكْرا [الصغير من الإبل] ، ورَدَّ خيارا رباعيا [البعير إذا دخل في السنة السابعة] ، وقال: (خيار الناس أحسنهم قضاء) خرجه مسلم في صحيحه. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد. "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/182) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125100 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5875 لا يجوز المطالبة بأكثر من الدَّيْن بسبب ارتفاع الأسعار؟ [السُّؤَالُ] ـ[السؤاك: قمت بإنجاز مشروع تصميم مسكن لشخص مقابل مبلغ من المال أخذت جزء من المال ولم أتسلم الباقي منه رغم مرور سنتين. هل يجوز لي بعد مرور هذه المدة بأن أزيد عن المبلغ المتفق عليه بسبب ارتفاع الأسعار مقارنة عن المدة السابقة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز لك الزيادة على المبلغ المتفق عليه بسبب ارتفاع الأسعار؛ لأن الديون الثابتة بعملة ما إنما تؤدى بمثلها لا بقيمتها. جاء في قرار صادر عن المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي: " العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ما، هي بالمثل وليس بالقيمة؛ لأن الديون تقضى بأمثالها، فلا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة، أياً كان مصدرها، بمستوى الأسعار " انتهى. وانظر جواب السؤال رقم (68842) ، (95515) . فعلى هذا؛ ليس لك أن تأخذ إلا الدَّيْن الثابت على صاحبك فقط. ونسأل الله تعالى أن يخلف عليك خيرا، ويبارك لك في مالك. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120864 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5876 إذا غادر البلد وعليه دين هل يتركه ليقوم التأمين بسداده؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا استلمت قرضاً من البنك في بلد العمل، وبدأت في تسديده ثم أنهي عملي ورجعت إلى بلدي، وبقي القرض لم يسدد بكامله، لكن البنك لم يطلب مني أية تسوية للمبلغ الباقي باعتبار أن التامين هو الذي يتولى دفع ذلك المبلغ الباقي، فهل أنا خالص النية والذمة وأديت الأمانة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من أخذ قرضا من بنك أو غيره لزمه سداده، وحرم عليه التهرب منه أو المماطلة في أدائه، سواء بقي في البلد أو سافر منها؛ إذ لا تبرأ ذمته إلا بالسداد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ) رواه البخاري (2287) ومسلم (1564) . والمطل: المماطلة، وقوله صلى الله عليه وسلم: (عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ) رواه أحمد (20156) ، وقال شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند: حسن لغيره. فالواجب سداد القرض، إلا أن يكون القرض ربويا، فيلزم سداد الأصل فقط دون الفائدة، ويشرع التخلص من الفائدة بكل وسيلة لا تعود عليه بالضرر. وأما التأمين: فإن كان تأمينا تعاونيا، جاز الاستفادة منه بحسب اللوائح المنظمة له، فإن كان المتّبع فيه سداد الديون عمن ترك العمل وغادر البلد، فلك الاستفادة من ذلك، وإلا لزمك سداد الدين بنفسك. وإن كان التأمين تجاريا (وهو الذي تتعامل به شركات التأمين) ، فليس لك أن تستفيد منه إلا بقدر ما دفعت له من أقساط، وينظر: جوال السؤال رقم (39474) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118477 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5877 لو اشترى سيارة بالتقسيط ومات فهل لا يغفر له حتى يقضى عنه؟ [السُّؤَالُ] ـ[اشتريت سيارة بالتقسيط، في هذه الحالة إذا توفيت قبل تمام سداد الأقساط، هل يصبح هذا القسط بمثابة دين علي لا يغفر لي حتى يتم سداده؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: يجوز شراء سيارة أو غيرها من السلع بالتقسيط، ولو كان ذلك بسعر أعلى من سعر البيع نقداً، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم (13973) ورقم (113945) . ثانيا: الأقساط المستحقة عليك تعتبر دينا في ذمتك. ولا ينبغي للإنسان أن يستدين إلا من حاجة، لما جاء في النصوص من الاستعاذة من الدَّيْن وسؤال الله قضاءه، ولارتهان النفس بهذا الدين حتى يقضى، وقد روى مسلم (1886) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلا الدَّيْنَ) . قال النووي في "شرح مسلم": " وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِلا الدَّيْن) فَفِيهِ تَنْبِيه عَلَى جَمِيع حُقُوق الآدَمِيِّينَ , وَأَنَّ الْجِهَاد وَالشَّهَادَة وَغَيْرهمَا مِنْ أَعْمَال الْبِرّ لا يُكَفِّر حُقُوق الآدَمِيِّينَ , وَإِنَّمَا يُكَفِّر حُقُوق اللَّه تَعَالَى " انتهى. وروى النسائي (4605) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ وَضَعَ رَاحَتَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ ثُمَّ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! مَاذَا نُزِّلَ مِنَ التَّشْدِيدِ؟ فَسَكَتْنَا وَفَزِعْنَا، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ سَأَلْتُهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا هَذَا التَّشْدِيدُ الَّذِي نُزِّلَ؟ فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَوْ أَنَّ رَجُلا قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أُحْيِيَ، ثُمَّ قُتِلَ، ثُمَّ أُحْيِيَ، ثُمَّ قُتِلَ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مَا دَخَلَ الْجَنَّةَ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ دَيْنُهُ. حسنه الألباني في صحيح النسائي (4367) . قال ابن عبد البر رحمه الله في "التمهيد" (23/238) : " والدين الذي يُحبَسُ به صاحبُه عن الجنة، والله أعلم، هو الذي قد تَرك له وفاءً ولم يوص به، أو قدر على الأداء فلم يؤد، أو ادَّانه في غير حق، أو في سَرَف [إسراف] ومات ولم يؤده. وأما من ادَّان في حق واجب لفاقةٍ وعسرة، ومات ولم يترك وفاء، فإن الله لا يحبسه به عن الجنة إن شاء الله " انتهى. ومن اشترى سيارة بالتقسيط فإنه في حال وفاته يمكن سداد دينه أو جزء كبير منه من ثمن السيارة بعد بيعها. ولهذا نقول: لا حرج عليك في هذه المعاملة ما دمت عازما على السداد، وينبغي أن تكتب وصية بما عليك. نسأل الله تعالى لنا ولك العون والتوفيق والسداد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118124 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5878 تحويل العملات إلى بلد آخر وأخذ الأجرة على ذلك [السُّؤَالُ] ـ[نحن لدينا شركة تحويل أموال إلى القرن الإفريقي ونحب أن نستوضح عن معاملاتنا. السؤال جاءني رجل يريد التحويل إلي السودان ودفع لي مائة ريال وقلت له أدفع لك خمسمائة وعشرين جنيها سودانيا وطلبت منه أيضا دفع رسوم تحويل عشرين ريالا ثم سلمته إيصالا بالتحويل واتفقت معه علي دفع المال في السودان بعد ثلاثة أيام. -هل رسوم التحويل جائزة؟ - سعر الصرف في السودان خمسمائة وخمس وعشرون هل يجوز أن أقول للمرسل سعر التحويل خمسمائة وعشرون لأربح خمسة جنيهات؟ - هل دفع المال في السودان بعملة غير التي استلمتها من المرسل جائز؟ - هل إعطاء الإيصال يغني عن التقابض لتعذر التسليم في نفس الوقت؟ -إذا اتصل المرسل وطلب تحويل مائة دولار إلي السودان علي أن يدفع بعد أسبوع أو شهر فقبلت المعاملة وأرسلت له سند تحويل عبر الفاكس أو الإيميل مدون عليها أنه دين علي المرسل لأجل، على أن يدفع المال بالريال بسعر صرف نفس يوم السداد هل هذه المعاملة جائزة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: تبديل عملة بعملة، يسمى بالصرف، ويشترط فيه التقابض في مجلس العقد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ ... مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) رواه مسلم (2970) من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه. والريالات والدولارات وغيرها من العملات أجناسٌ مستقلة لها ما للذهب والفضة من الأحكام، فلا يجوز شراء عملة بعملة إلا يدا بيد. وقد ذهب كثير من أهل العلم إلى أن القبض يحصل باستلام الشيك المصدق، أو ورقة الحوالة. جاء في قرار مجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته الحادية عشرة ما نصه: " بعد الدراسة والبحث قرر المجلس بالإجماع ما يلي: " أولا: يقوم استلام الشيك مقام القبض عند توفر شروطه في مسألة صرف النقود بالتحويل في المصارف. ثانياً: يعتبر القيد في دفاتر المصرف في حكم القبض لمن يريد استبدال عملة بعملة أخرى سواء كان الصرف بعملة يعطيها الشخص للمصرف أو بعملة مودعة فيه " انتهى. وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما حكم المال المحول من عملة لعملة أخرى، مثلاً أقبض راتبي بالريال السعودي، وأحوله للريال السوداني، علماً بأن الريال السعودي يساوي ثلاثة ريالات سودانية، هل هذا رباً؟ فأجابوا: "يجوز تحويل الورق النقدي لدولة إلى ورق نقدي لدولة أخرى، ولو تفاوت العوضان في القدر؛ لاختلاف الجنس، كما في المثال المذكور في السؤال، لكن بشرط التقابض في المجلس، وقبض الشيك أو ورقة الحوالة حكمه حكم القبض في المجلس " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/448) . وعليه؛ فإذا أعطيت العميل إيصالا معتمدا بالتحويل، كان هذا بمثابة القبض. ثانيا: يجوز للشركة أو البنك أخذ رسوم على التحويل، لأنها أجرة في مقابل توفير المال في البلد الآخر. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (87656) . ثالثا: للشركة أن تصارف العميل بما يتفقان عليه من السعر، ولو كان أقل أو أكثر من سعر السوق، بشرط عدم خديعة العميل. فيجوز أن تصارف العميل على أن المائة ريال بخمسمائة وعشرين جنيها، وإن كان سعر الصرف في السودان بخمسمائة وخمسة وعشرين جنيها؛ وقد تسامح العلماء في بيع السلعة بأكثر من ثمن السوق، إذا كان الفارق يسيراً، أما إذا كان الفارق كبيراً، فهذا محرم، لما فيه من خداع المشتري وأكل ماله بالباطل. رابعا: الصورة الأخيرة المسؤول عنها لا تجوز، لأن الشركة تكون أقرضت العميل 100 دولارا، أو ما يعادلها من العملة السودانية التي تم تحويلها إلى السودان، واتفقت معه على أن يكون السداد بالريال، ولا يجوز في القرض أن يتم الاتفاق على أن يكون السداد بعملة أخرى غير عملة القرض، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (99642) . ولأن في هذه المعاملة تم بيع عملة بأخرى من غير أن يحصل التقابض في مجلس العقد، وهذا محرم كما سبق [صرف 100 دولار بما يقابلها بالعملة السودانية ثم تحويلها إلى السودان] . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111927 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5879 هل يدخل في عملية مرابحة ليسدد القرض الذي عليه؟ [السُّؤَالُ] ـ[لدي قرض في البنك الهولندي ويتبقى من المبلغ 30 ألف ريال وأريد أن أستلف هذا المبلغ من صديقي لتسديد البنك وبعد ذلك سوف أقوم بأخذ قرض آخر من نفس البنك عن طريق المرابحة الإسلامية ثم أسدد المبلغ الذي دفعه لي صديقي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا ينبغي للمسلم أن يتهاون في شأن الدين، ويحمل نفسه ديوناً بمبالغ كبيرة، من غير ضرورة أو حاجة ماسة لذلك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ من الدين، وكان يقول: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ. فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ الْمَغْرَمِ. قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ، وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ) رواه البخاري (2397) ومسلم (589) . والمأثم هو الإثم. والمغرم: الدَّين. وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الشهيد يغفر له كل شيء إلا الدين. رواه مسلم. وهذا مما يدل على خطورة أمر الدين. فلا ننصحك بما يسمى "المرابحة" إلا إذا كنت مضطراً لذلك أو هناك حاجة ماسة للأموال. ثانياً: عملية "المرابحة" التي تجريها بعض البنوك لا يخلو كثير منها من مؤاخذات شرعية، وقد تكون عملية البيع صورية على الورق فقط، فتكون حيلة على ارتكاب الربا، وقد حذر منها كثير من العلماء والباحثين. فيجب قبل الدخول فيها التأكد من موافقتها للشرع. ولمعرفة شروط جوازها ـ عند من أجازها ـ انظر جواب السؤال رقم (36408) . وانظر للأهمية جواب السؤال (111896) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109938 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5880 عليها دين لجدتها فهل يجوز أن تنفق على علاجها منه [السُّؤَالُ] ـ[جدتي أقرضتني مبلغا من المال وبعدها مرضت وشلت شللا نصفيا، وهي بحاجة لنفقة من لباس وحفاظات وغيرها، هل أستطيع إرجاع المال لها بالتكلف بكل ما يلزمها من أطباء وحفاظات وغيرها، وأكون قد رددت لها دينها هكذا، وأمي تقوم بالإدارة عليها هل لي أن أعطيها من فلوس جدتي على أنها مديرة لها، وأحسبه من الدين؟ وشكرا لكم]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: إذا أقرض الإنسان غيره قرضا، فليس له أن يأخذ منه - قبل سداد الدين - هديةً أو يقبل منه نفعا، إلا في حالات ثلاث: 1- أن يكون مما جرت به عادتهما قبل القرض. 2- أن يأخذ الهدية بنية رد مثلها. 3- أن يأخذها ويحتسبها من دينه. فلو أن لجدتك ألف ريال مثلا، وقدمتِ لها شيئا ب 100 ريال، ولم تكن هذه عادتك من قبل معها، فليس لها أن تأخذها منك إلا بنية أن ترد هدية مثلها، أو أن تحتسبها من الدين، فيصبح الدين الذي لها 900 ريال فقط. قال في زاد المستقنع: " وإن تبرع لمقرضه قبل وفائه بشيء لم تجر عادته به، لم يجز، إلا أن ينوي [أي المقرض] مكافأته [أي رد مثله] أو احتسابه من دينه] . وقال في "كشاف القناع" (3/318) : " (وإن فعل) المقترض شيئا (مما فيه نفعٌ) للمقرض من هدية ونحوها (قبل الوفاء لم يجز) كما تقدم (ما لم ينو) المقرضُ (احتسابه من دينه , أو مكافأته عليه) أي: ما فعله مما فيه نفع فيجوز، نص عليه (إلا أن تكون العادة جارية بينهما) أي: بين المقرض والمقترض (به) أي: بما ذكر من الإهداء ونحوه (قبل القرض) فإن كانت جارية به جاز؛ لحديث أنس مرفوعا قال: إذا أقرض أحدكم قرضا , فأهدى إليه أو حمله على الدابة فلا يركبها ولا يقبله , إلا أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك رواه ابن ماجه بسند فيه كلام " انتهى. ثانيا: إذا كانت جدتك لا تعلم أنه يلزمها الامتناع عن قبول هديتك ونفقتك، أو كانت تظن أن ما تقومين به هو من الإحسان وصلة الرحم، فليس لك أن تحسبي هذه النفقة من الدين من دون علمها، بل لا بد من إخبارها واستئذانها، فإن أذنت ووكلتك في شراء ما تحتاجه فلا بأس، وإن لم تأذن فالدين باق كما هو، وأنت مخيرة بين الإحسان إليها أو ترك ذلك. وينبغي أن تعلمي أنه ليس من مكارم الأخلاق أن يبدو الإنسان في صورة المتبرع المحسن، وهو إنما ينفق من مال المتبرع له، كما أن هذا العمل في نوع خداع وتغرير، فقد لا ترضى الجدة بدفع مالها في نفقات العلاج، وقد تختار التقليل من مراجعة الأطباء، وإيثار الاحتفاظ بالمال. فالصواب، والأحوط لك، أن تردي مالها إليها، لا سيما وهي في هذه الحالة التي تحتاج فيها إلى المال والنفقة، فإن عجزت عن ذلك، أو كان الدين كبيرا، فيمكنك أن ترديه على دفعات، لتفعل به ما تشاء، أو أن تستأذنيها في الصرف عليها منه. على أننا ننبهك هنا ـ أيتها السائلة الكريمة ـ إلى أن نفقة الجدة، إن لم يكن لها مال يكفي حاجتها، واجبة على القادر من أحفادها، إن لم يكن لها من هو أقرب نسبا إليها منهم، أو كان لها أقرب نسبا، لكنه فقير يعجز عن نفقتها. قال ابن قدامة رحمه الله: " ويجب الإنفاق على الأجداد والجدات وإن علوا وولد الولد وإن سفلوا وبذلك قال الشافعي والثوري وأصحاب الرأي ". ثم قال: " ويشترط لوجوب الإنفاق ثلاثة شروط أحدها: أن يكونوا فقراء لا مال لهم ولا كسب يستغنون به عن إنفاق غيرهم، ... الثاني: أن تكون لمن تجب عليه النفقة، ما ينفق عليهم، فاضلا عن نفقة نفسه ... الثالث: أن يكون المنفق وارثا، لقول الله تعالى: (وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ) البقرة /233 ثم ذكر أن للقرابة التي لا ترث أحوال، يعنينا منها هنا: " أن يكون القريب محجوبا عن الميراث بمن هو أقرب منه، فينظر: فإن كان الأقرب موسرا، فالنفقة عليه، ولا شيء على المحجوب به، لأن الأقرب أولى بالميراث منه، فيكون أولى بالإنفاق، وإن كان الأقرب معسرا، وكان من ينفق عليه من عمودي النسب [يعني: الأصول والفروع] : وجبت نفقته على الموسر " انتهى. انظر: المغني، لابن قدامة (11/374-376) ط هجر. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الاسلام سؤال وجواب الحديث: 106389 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5881 سداد القرض بعملة أخرى لانخفاض العملة [السُّؤَالُ] ـ[أعطيت لشخص 2000$ قرضا مع العلم في ذلك الوقت 100$ مقابل 150000 ديناراً. الآن تغيرت الموازين اليوم 100$ صار مقابل 127000 ديناراً. يعني الخسارة في كل 100$ 23000. السؤال: هل يجوز لي أخذ دينار بدلا من الدولار وأحسب 150000 دينارا لكل 100$ أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأصل أن يسدد القرض بنفس العملة التي أخذها المقترض، إلا أن يصطلح الطرفان وقت السداد على أخذ عملة أخرى، بشرط أن يتم ذلك بسعر يوم السداد، لا بالسعر الذي كان يوم القرض. وهكذا في كل دفعة، يجوز أن يصطلح الطرفان عند وقت سدادها على الدفع بعملة أخرى، بسعر يوم سدادها. وانخفاض العملة لا أثر له هنا، ما دام العمل جاريا بها في الأسواق. ولا يجوز عند الاقتراض أن يشترط السداد بعملة أخرى، ومن فعل ذلك فقد وقع في الربا، لأن حقيقة عمله هي: بيع عملة حاضرة بعملة أخرى مؤجلة، وهذا من الربا. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما حكم ما لو اقترض شخص ألف دولار، وعند حلول الأجل سدد ما اقترضه بعملة غير الدولار، بأن كان الدفع بالريالات، فدفع بدلا من الألف دولار أربعة آلاف سعوديا؟ مع العلم أن الألف دولار حين القرض يعادل 3500 ريال سعوديا. فأجابوا: "يرد المقترض جنس المال الذي اقترضه، وإذا أراد أن يقضيه بعملة أخرى فيكون بسعر الدولارات وقت القضاء، ولكن لا يجوز للمسلم أن يشترط ذلك عند عقد القرض؛ لأنه والحال ما ذكر يكون صرفا بدون تقابض، وذلك لا يجوز لحديث عبادة " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (14/166) . وقد سبق بيان ذلك على وجه التفصيل في جواب السؤال رقم (99642) . والحاصل: أن المقرض يسترد 2000$، كما أقرض، أو إذا جاء يوم السداد، تصالح مع المقترض على عملة أخرى، بسعر يوم السداد، مهما بلغت. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105294 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5882 يريد الاقتراض من غيره ويخشى أن يكون ماله حراما [السُّؤَالُ] ـ[كنت أتاجر بمال حرام والآن أريد الخلاص منه وأن أبدأ بمال حلال، ولكن أصبحت أشك في أي أموال أريد أن أقترضها، وأخاف أن تكون حراما؟ كيف أتخلص من شكوكي وأغلب أموال الناس أجد فيها بعض المعاملات الحرام، وخوفي أن أقترض مالا من شخص أشك فيه ويأتي علي يوم أكتشف فيه أن أموالي حرام مرة أخرى فماذا أفعل؟ أرجو أن تدعو الله أن يرزقني مالا حلال لا أشك فيه. وما هو الحل لمشكلتي؟ وكيف أتخلص من شكوكي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: نهنئك على التوبة من الاتجار بالمال الحرام، ونسأل الله تعالى أن يتقبل منك، ويهيئ لك أسباب الرزق الحلال، وأن يبارك لك فيه. ثانيا: ينبغي إحسان الظن بالمسلم، وحمله على السلامة ما أمكن، فالأصل في الأموال التي معه أنه اكتسبها بطريق مباح، حتى يثبت خلاف ذلك، ومن كان هذا حاله جاز التعامل معه في ماله بيعا وشراء وهبة وقرضا وغير ذلك. وقد قَررَّ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هذا الأصل. فقال رحمه الله: " جميع الأموال التي بأيدي المسلمين واليهود والنصارى التي لا يُعلم بدلالة ولا أمارة أنها مغصوبة أو مقبوضة قبضا لا يجوز معه معاملة القابض، فإنه يجوز معاملتهم فيها بلا ريب، ولا تنازع في ذلك بين الأئمة أعلمه. ومعلوم أن غالب أموال الناس كذلك ... فإذا نظرنا إلى مال معين بيد إنسان لا نعلم أنه مغصوب، ولا مقبوض قبضا لا يفيد المالك، واستوفيناه منه أو اتّهبناه منه [أي أخذناه هبة] أو استوفيناه عن أجرة أو بدل قرض لا إثم علينا في ذلك بالاتفاق، وإن كان في نفس الأمر قد سرقه أو غصبه. فإذا لم أعلم حال ذلك المال الذي بيده بنيت الأمر على الأصل ... لكن إن كان ذلك الرجل معروفاً بأن في ماله حراماً ترك معاملته ورعاً، وإن كان أكثر ماله حراماً، ففيه نزاع بين العلماء. وأما المسلم المستور فلا شبهة في معاملته أصلا، ومن ترك معاملته ورعاً كان قد ابتدع في الدين بدعة ما أنزل الله بها من سلطان " انتهى من "مجموع الفتاوى" (29/323- 327) بتصرف واختصار. والمال الحرام نوعان: الأول: ما كان محرما لكسبه، فهذا حرام على كاسبه فقط، ولا يحرم على من أخذه منه بوجه مشروع، وذلك كالمال الذي كسبه صاحبه من الربا أو من العمل في بعض الوظائف المحرمة، فهذا إن اقترضتَ منه، لم يلحقك إثم؛ لأنك أخذته منه بوجه مشروع، ولكن كره بعض أهل العلم الاقتراض ممن هذا حاله. والنوع الثاني: ما كان محرما لعينه، كالخمر، أو كان مستحقا للغير، كالمال المنهوب أو المسروق أو المغصوب، فهذا لا يجوز قبوله عن طريق الهبة أو القرض أو البيع والشراء، لأنه في حال الخمر مال مهدر شرعا، وفي حال المسروق والمغصوب، يجب رده إلى صاحبه. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " قال بعض العلماء: ما كان محرما لكسبه، فإنما إثمه على الكاسب لا على من أخذه بطريق مباح من الكاسب، بخلاف ما كان محرما لعينه، كالخمر والمغصوب ونحوهما، وهذا القول وجيه قوي، بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاما لأهله، وأكل من الشاة التي أهدتها له اليهودية بخيبر، وأجاب دعوة اليهودي، ومن المعلوم أن اليهود معظمهم يأخذون الربا ويأكلون السحت، وربما يقوي هذا القول قوله صلى الله عليه وسلم في اللحم الذي تصدق به على بريرة: (هو لها صدقة، ولنا منها هدية) " انتهى من "القول المفيد على كتاب التوحيد" (3 / 112) . وقال أيضا: " وأما الخبيث لكسبه فمثل المأخوذ عن طريق الغش، أو عن طريق الربا، أو عن طريق الكذب، وما أشبه ذلك؛ وهذا محرم على مكتسبه، وليس محرما على غيره إذا اكتسبه منه بطريق مباح؛ ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعامل اليهود مع أنهم كانوا يأكلون السحت، ويأخذون الربا، فدل ذلك على أنه لا يحرم على غير الكاسب " انتهى من "تفسير سورة البقرة" (1/198) . وبهذا يتبين أن الأصل في الأموال التي بأيدي الناس أن لهم التصرف فيها، ويجوز معاملتهم فيها. وما يوجد في بعض معاملاتهم من الحرام، لا يعني أن تكون تلك الأموال حراماً على جميع الناس، بل منها ما يكون حراماً على من اكتسبه فقط، ومنها ما يحرم على كل من علم بها. كما سبق. نسأل الله لنا ولك التوفيق والعون والهداية والسداد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105239 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5883 حكم قبول المقرِض هديةً من المقترض [السُّؤَالُ] ـ[اقترض مني شخص مبلغاً من المال وأهداني هدية قبل أن يرد القرض إليّ، فما حكم قبولي لهذه الهدية؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الشخص الذي اقترض منك قد جرت العادة قبل القرض أن يهدي لك هدية، كما لو كان صاحبك أو قريبك ونحو ذلك فلا بأس بقبول الهدية حينئذ لأنها ليست بسبب القرض. أما إذا كان هذا الشخص لم تجر العادة بأن يهدي لك فلا يجوز لك قبولها لأنها قد تكون بسبب القرض، فإذا قبلتها تكون قد وقعت في الربا لأن القاعدة في القرض أن "كل قرض جَرَّ نفعاً فهو ربا" وهذا القرض قد جر لك نفعاً. ينظر السؤال (30842) ، (39505) . وأيضاً: لأنه قد يكون دفعها إليك حتى تؤجل مطالبته بالدَّيْن، وهذا أيضاً من الربا. وقد دل على ذلك ما رواه ابن ماجه (2432) عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَقَ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ الرَّجُلُ مِنَّا يُقْرِضُ أَخَاهُ الْمَالَ فَيُهْدِي لَهُ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا أَقْرَضَ أَحَدُكُمْ قَرْضًا فَأَهْدَى لَهُ أَوْ حَمَلَهُ عَلَى الدَّابَّةِ فَلا يَرْكَبْهَا وَلا يَقْبَلْهُ، إِلا أَنْ يَكُونَ جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ قَبْلَ ذَلِكَ) . حسنه شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى" (6/159) . ورَوَى ابْنُ سِيرِينَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه أَسْلَفَ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ رضي الله عنه عَشَرَةَ آلافِ دِرْهَمٍ , فَأَهْدَى إلَيْهِ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ مِنْ ثَمَرَةِ أَرْضِهِ , فَرَدَّهَا عَلَيْهِ , وَلَمْ يَقْبَلْهَا , فَأَتَاهُ أُبَيٍّ , فَقَالَ: لَقَدْ عَلِمَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ أَنِّي مِنْ أَطْيَبِهِمْ ثَمَرَةً , وَأَنَّهُ لا حَاجَةَ لَنَا , فَبِمَ مَنَعْتَ هَدِيَّتَنَا؟ ثُمَّ أَهْدَى إلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَبِلَ. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: فَكَانَ رَدُّ عُمَرَ لَمَّا تَوَهَّمَ أَنْ تَكُونَ هَدِيَّتُهُ بِسَبَبِ الْقَرْضِ , فَلَمَّا تَيَقَّنَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِسَبَبِ الْقَرْضِ قَبِلَهَا , وَهَذَا فَصْلُ النِّزَاعِ فِي مَسْأَلَةِ هَدِيَّةِ الْمُقْتَرِضِ اهـ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ (3814) عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قال: أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ فَلَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ لِي: إِنَّكَ بِأَرْضٍ الرِّبَا بِهَا فَاشٍ، إِذَا كَانَ لَكَ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ فَأَهْدَى إِلَيْكَ حِمْلَ تِبْنٍ أَوْ حِمْلَ شَعِيرٍ أَوْ حِمْلَ قَتٍّ فَلا تَأْخُذْهُ فَإِنَّهُ رِبًا. و (القَتّ) نبات تأكله البهائم. وقد ورد هذا المعنى عن جماعة من الصحابة، قال ابن القيم في "إعلام الموقعين" (3/136) : "وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَعْيَانِهِمْ (يعني الصحابة) كَأُبَيّ بن كعب وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ نَهَوْا الْمُقْرِضَ عَنْ قَبُولِ هَدِيَّةِ الْمُقْتَرِضِ , وَجَعَلُوا قَبُولَهَا رِبًا" اهـ. وقال الشوكاني في "نيل الأوطار" (6/257) : "وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْهَدِيَّةَ وَالْعَارِيَّةَ وَنَحْوَهُمَا إذَا كَانَتْ لِأَجْلِ التَّنْفِيسِ فِي أَجَلِ الدَّيْنِ (أي تأخير السداد) , أَوْ لأَجْلِ رِشْوَةِ صَاحِبِ الدَّيْنِ , أَوْ لأَجْلِ أَنْ يَكُونَ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ مَنْفَعَةٌ فِي مُقَابِلِ دَيْنِهِ فَذَلِكَ مُحَرَّمٌ ; لأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الرِّبَا أَوْ رِشْوَةٌ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لأَجْلِ عَادَةٍ جَارِيَةٍ بَيْنَ الْمُقْرِضِ وَالْمُسْتَقْرِضِ قَبْلَ التَّدَايُنِ فَلا بَأْسَ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِغَرَضٍ أَصْلا فَالظَّاهِرُ الْمَنْعُ لإِطْلَاقِ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ" اهـ. وذهب بعض العلماء إلى جواز أخذ المقرِض الهدية من المقترض غير أن الأفضل له أن يردها تورعاً، قال ابن القيم في "إعلام الموقعين" (3/136) : "وَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهَدْيُ أَصْحَابِهِ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ" اهـ. فإن قلت: هل يوجد حل آخر غير رد الهدية وغير الوقوع في الربا؟ فالجواب: نعم، إن أبيت إلا قبولها فأمامك أحد خيارين: إما أن تكافئه عليها بمثلها أو أكثر، وإما أن تحتسبها من الدين، فتسقط قيمة الهدية من الدين الذي على صاحبك. رَوَى سَعِيدٌ بن منصور فِي سُنَنِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إنِّي أَقْرَضْت رَجُلا بِغَيْرِ مَعْرِفَةٍ فَأَهْدَى إلَيَّ هَدِيَّةً جَزْلَةً. قَالَ: رُدَّ إلَيْهِ هَدِيَّتَهُ، أَوْ احْسبهَا لَهُ. وروى سعيد بن منصور أيضاً عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: إنِّي أَقْرَضْت رَجُلا يَبِيعُ السَّمَكَ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، فَأَهْدَى إلَيَّ سَمَكَةً قَوَّمْتهَا بِثَلاثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا. فَقَالَ: خُذْ مِنْهُ سَبْعَةَ دَرَاهِمَ. انظر: "الفتاوى الكبرى" لابن تيمية (6/159) . قال الشيخ ابن عثيمين في " الشرح الممتع" (9/61) : "فإن قال قائل: ما دامت المسألة حراماً فلماذا لا يردها أصلاً؟ قلنا: لأنه قد يمنعه الحياء والخجل وكسر قلب صاحبه من الرد، فنقول: خذها وانو مكافأته عليها بمثلها أو أكثر، أو احتسبها من دَيْنه، وهذا لا بأس به" اهـ بتصرف. وما سبق من التحريم إذا كانت الهدية قبل وفاء القرض، فإذا كنت بعد الوفاء فلا بأس بقبولها. قال الشيخ ابن عثيمين في " الشرح الممتع" (9/59) : "إذا أعطى هدية بعد الوفاء قليلة أو كثيرة فإن ذلك جائز" اهـ. وانظر: "المغني" (6/437) ، "الشرح الممتع" (9/59-61) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 49015 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5884 أسقط الدين ثم طالب به [السُّؤَالُ] ـ[كان لي دين على أحد أصدقائي، وأتى بالمال ليسدد الدين فقلت له لا أريد شيئاً ولم آخذه، ثم احتجت إلى المال بعد ذلك فطالبته بالدين فسدده لي. فهل يجوز ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا أسقط الدائنُ الدينَ عن المدين فقد برئت منه ذمة المدين، وإذا برئت ذمته فإنها لا تنشغل مرة أخرى إلا بدين جديد. وعلى هذا فلا يجوز لك مطالبته بالدين بعد أن أسقطته عنه، والمال الذي دفعه إليك لا حق لك فيه، وعليك إعادة المال إليه. وقد سئلت اللجنة الدائمة عن رجل سامح المدين في الدين ثم طالبه به وأخذه منه. فأجابت: إذا كان الأمر كما ذُكر فليس لك الحق في أخذ المبلغ الذي سامحت المدين فيه اهـ فتاوى اللجنة الدائمة (13/177) . فإذا أعلمته بذلك وسمحت نفسه بأن يترك لك المال فلا بأس بأخذه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 26842 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5885 كتابة الدين والإشهاد عليه [السُّؤَالُ] ـ[ما هي الطريقة الصحيحة للمداينة؟ هل أكون آثماً إذا لم أحضر شهودا عندما أقرض بعض المال لشخص أخر؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الطريقة الصحيحة للمداينة هي ما ذكرها الله تعالى في سورة البقرة في آية الدين، وهي قوله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلْ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282) وَإِنْ كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) البقرة/282-283. فالطريقة الصحيحة للدين هي: 1- تحديد أجل الدين، أي المدة التي سيسدد بعدها الدين. 2- كتابة الدين وأجله. 3- إذا كان الذي سيكتب الدين شخصاً آخر غير المدين، فالمدين هو الذي يملي عليه صيغة الكتابة. 4- إذا كان المدين لا يستطيع الإملاء لمرض أو غيره، فإن الذي يتولى الإملاء هو وليه. 5- الإشهاد على الدين، فتشهد عليه رجلين، أو رجلاً وامرأتين. 6- للدائن أن يطالب المدين بتوثيق الدين برهن يقبضه الدائن، والفائدة من الرهن أنه إذا جاء موعد سداد الدين وامتنع المدين من الوفاء، فإن الرهن يباع ويُستوفى منه الدين، ثم إن بقي من ثمنه شيء رُدَّ لصاحبه وهو المدين. وتوثقة الدين بإحدى هذه الطرق الثلاثة (الكتابة، والإشهاد، والرهن) إنما هو على سبيل الاستحباب والأفضل، وليس ذلك بواجب، وذهب بعض العلماء إلى وجوب كتابة الدين، ولكن أكثر العلماء على الاستحباب وهو الراجح. انظر: تفسير القرطبي 3/383. والحكمة من ذلك: توثيق الحقوق حتى لا تكون عرضة للضياع، لكثرة النسيان، ووقوع المغالطات، والاحتراز من الخونة الذين لا يخشون الله تعالى. فإذا لم تكتب الدين ولم تشهد عليه ولم تأخذ رهنا فلا تأثم بذلك، والآية نفسها تدل على هذا (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ) والائتمان يكون بعدم توثيق الدين بالكتابة أو الشهود أو الرهن. ولكن في هذه الحال يُحتاج إلى التقوى والخوف من الله، ولهذا أمر الله في هذه الحال من عليه الحق أن يتقي الله ويؤدي أمانته (فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ) . انظر: تفسير السعدي ص: 168-172. وإذا لم يُكتب الدين ثم أنكره المدين أو ماطل بسداده، فلا يلومَنَّ الدائنُ إلا نفسَه لأنه هو الذي عَرَّض حقه للضياع، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الدين إذا لم يُكتب، فإنه لا يقبل دعاء الدائن على المدين إذا ماطله أو أنكر الدين. فقال صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة يدعون الله فلا يستجاب لهم. . . وذكر منهم: ورجلٌ كان له على رجل مال فلم يُشهد عليه) صحيح الجامع (3075) . ومن تأمل في هذه التشريعات وغيرها علم كمال الشريعة الإسلامية، ومدى حرصها على حفظ الحقوق، وعدم تعريضها للضياع، فالله سبحانه وتعالى يأمر صاحب المال أن يحافظ على ماله، وأن لا يعرضه للضياع، مهما كان قليلاً (وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ) . فهل توجد شريعة جمعت بين مصالح الدين والدنيا على وجه كامل كما جمعت بينهما الشريعة الإسلامية؟! وهل يمكن أن يأتي أحدٌ بأكمل من هذه التشريعات؟! وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) المائدة/50. نسأل الله تعالى أن يثبتنا على دينه حتى نلقاه عليه. والله تعالى أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 13180 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5886 يحرم دفع الفوائد بسبب التضخم [السُّؤَالُ] ـ[هل يحرم دفع الفوائد في القروض بسبب التضخم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نعم، يحرم دفع الفوائد في القروض ولو بسبب التضخم. وقد اتفق العلماء على أن القرض إذا اشترط فيه أن يرد بزيادة، فذلك الربا الذي حرمه الله ورسوله، قال ابن قدامة في "المغني" (6/436) : "وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المُسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية، فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا. وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة" انتهى. وقد نص العلماء على أنه يجب على المقترض أن يدفع مثل المال الذي اقترضه، ولو زادت قيمته يوم الوفاء أو نقصت عن قيمته يوم القرض. غير أن الإمام أحمد رحمه الله استثنى صورة وهي إذا منع الحاكم التعامل بالعملة التي وقع القرض بها، فإنه يقومها يوم أخذها ويسدد القرض من العملة الجديدة. وذلك لأن منع التعامل بها قد أذهب ماليتها، وصارت لا قيمة لها. قال ابن قدامة في "المغني" (6/441) : "ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُسْتَقْرِضَ يَرُدُّ الْمِثْلَ , سَوَاءٌ رَخُصَ سِعْرُهُ أَوْ غَلا , أَوْ كَانَ بِحَالِهِ. . . . وَإِنْ كَانَ الْقَرْضُ فُلُوسًا فَحَرَّمَهَا السُّلْطَانُ , وَتُرِكَتْ الْمُعَامَلَةُ بِهَا , كَانَ لِلْمُقْرِضِ قِيمَتُهَا , وَلَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهَا. . . وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَالشَّافِعِيُّ: لَيْسَ لَهُ إلا مِثْلُ مَا أَقْرَضَهُ ; لأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِعَيْبٍ حَدَثَ فِيهَا , فَجَرَى مَجْرَى نَقْصِ سِعْرِهَا. والدليل على ما قالناه: أَنَّ تَحْرِيمَ السُّلْطَانِ لَهَا يمنع إنْفَاقِهَا , ويبطل مَالِيَّتِهَا , فَأَشْبَهَ تَلَفَ أَجْزَائِهَا , وَأَمَّا رُخْصُ السِّعْرِ فَلا يَمْنَعُ رَدَّهَا , سَوَاءٌ كَانَ كَثِيرًا , أَوْ قَلِيلا ; لأَنَّهُ لَمْ يَحْدُثْ فِيهَا شَيْءٌ , إنَّمَا تَغَيَّرَ السِّعْرُ , فَأَشْبَهَ الْحِنْطَةَ إذَا رَخُصَتْ أَوْ غَلَتْ " اهـ باختصار. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 12541 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5887 الاقتراض من البنوك لعمل مشروع بضمان من الدولة [السُّؤَالُ] ـ[أريد أن أعرف حكم إقامة مشروع أعين به نفسي على أن الدولة هي التي تضمنني والبنوك والجمعيات هي التي تقرضني على أساس أن الدولة هي صاحبة الفكرة من أجل التقليص من البطالة وكما تعلمون أنه في عصرنا الحالي لا توجد مناصب شغل شاغرة إلا لأصحاب النفوذ أو من يدفع الرشوة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان القرض الذي ستحصل عليه قرضا حسنا لا تشترط فيه الفائدة الربوية، فلا حرج عليك في أخذه وإقامة المشروع به، مع العزم على سداده، لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ) رواه البخاري (2387) . وأما إذا كان القرض تشترط فيه فائدة ربوية فلا يجوز الإقدام عليه مهما كانت الفائدة قليلة، لعظم حرمة الربا، وشناعته، وما جاء فيه من اللعن لآكله وموكله، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الربا مع الدولة أو المؤسسات التابعة لها أو مع عامة الناس. وأبواب الرزق الحلال موجودة وإن بدا للإنسان أنها قليلة، لكن من اتقى الله تعالى هيأ له الأسباب، وفتح له الأبواب، ورزقه من حيث لا يحتسب، كما وعد سبحانه بقوله: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/2،3. ولا يجوز لأحد أن يستعجل الرزق المقدّر بارتكاب الحرام، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها، وتستوعب رزقها، فاتقوا الله، وأجملوا في الطلب، ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله، فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته) رواه أبو نعيم في الحلية، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2085) . وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: لعدم توافر فرص العمل عندنا؛ قامت الدولة بعمل مشروع الصندوق الاجتماعي، وهو عبارة عن مشروعات صغيرة للشباب الخريجين، وتقدمت لذلك بمشروعي وهو مضرب أرز خط كامل، بما أني أمتلك خبرة في هذا المجال، وبعد مناقشة المشروع ودراسة الجدوى تمت الموافقة عليه، وتحولت أوراقي للصرف من البنك، وعند ذلك عرفت بأن الموضوع عبارة عن قرض يسدد بعد 5 سنوات أو على مدار 5 سنوات بفائدة 9%، والبعض قال: إنه يعتبر ربا، فتوقفت عن الصرف حتى أسأل فضيلتكم. فما حكم هذا القرض؟ فأجابت: " إذا كان الأمر كما ذكر في السؤال؛ فإن هذا العمل لا يجوز؛ لأنه يقوم على الربا الصريح، وقد حرم الله الربا، ولعن آكله وموكله وشاهديه وكاتبه، فعليك بالتماس الرزق من وجه حلال، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) الطلاق 2-3 عبد العزيز بن عبد الله بن باز .... عبد العزيز آل الشيخ .... عبد الله بن غديان ...... صالح الفوزان ... بكر أبو زيد " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/425) . وانظر جواب السؤال رقم (45852) نسأل الله أن يرزقك من فضله، وأن يغنيك بحلاله عن حرامه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 101568 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5888 سداد القرض بعملة أخرى.. الصور الجائزة والممنوعة [السُّؤَالُ] ـ[اقترضت مبلغا من صديق لي بالدولار، ورددت له المبلغ بالريال السعودي على دفعات بنفس قيمة المبلغ في ذلك الوقت فما حكم ذلك؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأصل أن يسدد القرض بنفس العملة التي أخذها المقترض، إلا أن يصطلح الطرفان وقت السداد على أخذه بعملة أخرى، فلا حرج في ذلك، بشرط أن يتم ذلك بسعر يوم السداد، لا بالسعر الذي كان يوم القرض. وهكذا في كل دفعة، يجوز أن يتفق الطرفان عند وقت سدادها على الدفع بعملة أخرى، بسعر اليوم. وينبغي أن تعلم أن الصور المحرمة في هذه المعاملة ثلاث: الصورة الأولى: أن يتفق الطرفان عند عقد القرض على السداد بعملة أخرى، فهذا محرم؛ لأن حقيقة المعاملة حينئذ: بيع عملة حاضرة بعملة أخرى مؤجلة، وهذا من ربا النسيئة؛ لأن من شرط بيع العملات المختلفة، بعضها ببعض أن يكون ذلك يدا بيد، كما دل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة مثلاً بمثل سواء بسواء يداً بيد ... ، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) رواه مسلم (1578) من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه. والعملات الحالية تقوم مقام الذهب والفضة، ولها ما لهما من الأحكام. الصورة الثانية: ألا يتفقا على ذلك عند ابتداء العقد، لكن يتفقان وقت السداد على عملة أخرى، ويقدّران ذلك بسعر يوم القرض. وهذا محرم أيضا، وهو في معنى الصورة السابقة، واستدل الفقهاء على التحريم بالحديث المشهور الذي رواه أحمد (6239) وأبو داود (3354) والنسائي (4582) والترمذي (1242) وابن ماجه (2262) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ أَبِيعُ الْإِبِلَ بِالدَّنَانِيرِ [أي مؤجلا] وَآخُذُ الدَّرَاهِمَ، وَأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ وَآخُذُ الدَّنَانِيرَ، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال (لَا بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَهَا بِسِعْرِ يَوْمِهَا مَا لَمْ تَفْتَرِقَا وَبَيْنَكُمَا شَيْءٌ) والحديث صححه بعض العلماء كالنووي، وأحمد شاكر، وصححه آخرون من قول ابن عمر، لا من قول النبي صلى الله عليه وسلم منهم الحافظ ابن حجر والألباني. وانظر: "إرواء الغليل" (5/173) . وهناك علة أخرى للتحريم، وهي أنك إذا أخذت أكثر من سعر يوم السداد، فقد ربحت فيما لم يدخل في ضمانك، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن. رواه أصحاب السنن بإسناد صحيح. الصورة الثالثة: أن يصطلحا وقت السداد على السداد بعملة أخرى، لكن يفترقا وبينهما شيء، ومثاله أن يكون القرض ألف دولار، فيصطلحا عند حلول الأجل على السداد بالجنيهات، على 5000 مثلا، فيأخذ منه 4000 ويبقى في ذمة المقترض 1000، فلا يجوز ذلك؛ لأنه يشترط في بيع العملات بعضها ببعض أن يكون ذلك يداً بيد، كما تقدم. قال الخطابي رحمه الله في شرح حديث ابن عمر السابق: " وَاشْتُرِطَ أَنْ لَا يَتَفَرَّقَا وَبَيْنهمَا شَيْء لِأَنَّ اِقْتِضَاء الدَّرَاهِم مِنْ الدَّنَانِير صَرْف (بيع عملة بأخرى) وَعَقْد الصَّرْف لَا يَصِحّ إِلَّا بِالتَّقَابُضِ " انتهى نقلا عن "عون المعبود". لكن إن كان القرض يسدد على دفعات، فلا حرج أن يتفقا عند سداد كل دفعة على أخذها بسعر يوم السداد، فهذا لا محذور فيه، لسلامته من التأخير في عملية الصرف. وإليك بعض ما قاله أهل العلم في هذه المسألة: سئل علماء اللجنة الدائمة للافتاء: " تسلفت دراهم من إنسان (عملة فرنسية) على أن أرجعها له في فرنسا ولكن لما جاء إلى الجزائر طلب مني أن أعطيه دراهم جزائرية بالزيادة. ما الحكم في ذلك؟ فأجابوا: يجوز أن تسددها له في الجزائر بمثلها عملة فرنسية أو بقدر صرفها يوم السداد من العملة الجزائرية، مع القبض قبل التفرق " انتهى "فتاوى اللجنة الدائمة" (14/143) . وسئلوا أيضا (14/144) : " ما حكم الاقتراض بعملة ثم سداد الدين بعد عدة شهور بعملة أخرى، وقد يكون هناك اختلاف في سعر العملة خلال مدة الدين؟ فأجابوا: إذا اقترض شخص عملة دون أن يشرط عليه فائدة، أو رَدَّ عملة أخرى بقيمتها وقت السداد دون أن يشرط عليه ما فيه جر نفع للمقرض جاز ذلك؛ لما فيه من التعاون بين المسلمين وقضاء حوائجهم. أما إن اشترط عليه فائدة لهذا القرض، أو رد بديله بعملة (ما) أو تقديم أي نفع للمقرض - حرم ذلك؛ لكونه من الربا المحرم بالكتاب والسنة وإجماع أهل العلم" انتهى. وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: طلب مني أحد أقاربي المقيمين بالقاهرة قرضاً وقدره 2500جنيه مصري وقد أرسلت له مبلغ 2000دولار باعهم وحصل على مبلغ 2490جنيها مصريا، ويرغب حاليا في سداد الدين، علما بأننا لم نتفق على موعد وكيفية السداد، والسؤال: هل أحصل منه على مبلغ 2490 جنيهاً مصرياً وهو يساوي حاليا1800دولار أمريكي (أقل من المبلغ الذي دفعته له بالدولار) أم أحصل على مبلغ 2000 دولار علماً بأنه سوف يترتب على ذلك أن يقوم هو بشراء (الدولارات) بحوالي 2800جنيه مصري (أي أكثر من المبلغ الذي حصل عليه فعلاً بأكثر من 300جنيه مصري) ؟ فأجاب: " الواجب أن يرد عليك ما أقرضته دولارات لأن هذا هو القرض الذي حصل منك له. ولكن مع ذلك إذا اصطلحتما أن يسلم إليك جنيهات مصرية فلا حرج، قال ابن عمر رضي الله عنهما كنا نبيع الإبل بالبقيع أو بالنقيع بالدراهم فنأخذ عنها الدنانير، ونبيع بالدنانير فنأخذ عنها الدراهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تتفرقا وبينكما شيء) فهذا بيع نقد من غير جنسه فهو أشبه ما يكون ببيع الذهب بالفضة، فإذا اتفقت أنت وإياه على أن يعطيك عوضاً عن هذه الدولارات من الجنيهات المصرية بشرط ألا تأخذ منه جنيهات أكثر مما يساوي وقت اتفاقية التبديل، فإن هذا لا بأس به، فمثلاً إذا كانت 2000دولار تساوي الآن 2800جنيه لا يجوز أن تأخذ منه ثلاثة آلاف جنيه ولكن يجوز أن تأخذ 2800جنيه، ويجوز أن تأخذ منه 2000دولار فقط يعنى أنك تأخذ بسعر اليوم أو بأنزل، أي لا تأخذ أكثر لأنك إذا أخذت أكثر فقد ربحت فيما لم يدخل في ضمانك، وقد نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن ربح ما لم يضمن، وأما إذا أخذت بأقل فإن هذا يكون أخذاً ببعض حقك، وإبراء عن الباقي، وهذا لا بأس به " انتهى نقلا عن "فتاوى إسلامية" (2/414) . وانظر السؤال رقم (23388) ورقم (12541) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 99642 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5889 يستدين من صديقه ويرد إليه المال مع نسبة من الربح [السُّؤَالُ] ـ[أعمل بالتجارة، هل يجوز لي الاستدانة من صديق نصراني لي مبلغاً من المال على أن أرجعه له بعد فترة مع ربح وبالاتفاق معه، أحدد أنا الفترة وأحدد ربحه حسب ما أراه.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا يجوز للمسلم أن يتخذ النصراني صديقا وخليلا، لأن الله عز وجل قطع المودة بينهما، فقال: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) المجادلة/22 وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُبِيناً) النساء/144 وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) المائدة/51. وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون) التوبة/23. وقال عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) آل عمران/118. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا) رواه أبو داود (4832) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود. إلى غير ذلك من النصوص الدالة على تحريم موالاة الكفار ومودتهم واتخاذهم بطانة وأصدقاء، وانظر جواب السؤال رقم (2179) . ثانيا: يجوز التعامل مع الكفار بالبيع والشراء والقرض والرهن ونحو ذلك، ولا حرج عليك في أن تستدين منه مالا، لكن لا يجوز أن يكون ذلك بفائدة، لأن هذا من الربا المحرم، فمن استدان من غيره مائة على أن يردها مائة وعشرة مثلا، فقد وقع في الربا الذي هو من أعظم الكبائر، لأن كل قرض جرّ نفعا فهو ربا. والصورة الجائزة هنا: أن تأخذ منه المال، وترده إليه دون زيادة، وهذا هو القرض الحسن المشروع. ويجوز أن يدخل معك شريكا، فيعطيك المال لتدخله في تجارتك، على أن يكون له نسبة معلومة من الربح الذي يقدره الله لك – وليس من رأس ماله – كخمسة أو عشرة في المائة من أرباحك، ويجب الاتفاق على هذه النسبة قبل بدء الشركة، ولا يجوز أن تكون مجهولة. ولكما أن تتفقا على أي نسبة كانت، قليلة أو كثيرة. فتتفقان على أنك ستستثمر له ماله لمدة سنة مثلا، ويكون له ربع الربح أو 10% من الربح، فما حصلت عليه من الربح، قليلا كان أو كثيرا، أعطيته منه نسبته. وإذا لم تربح شيئا، فلا يستحق شيئا. وهذا ما يسمى في الشريعة الإسلامية بالمضاربة. وفي حال الخسارة فإن الخسارة توزع على الشركاء بحسب نسبة رأس مال كل شريك، ولا يجوز الاتفاق على توزيع الخسائر بغير ذلك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96508 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5890 هل يجوز الاشتراط على المقترض أن يدفع فرق سعر العملة إذا نقصت؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا طالب في إحدى الجامعات البريطانية، وبصفتي طالب بريطاني فالحكومة ها هنا تعطيني قرضاً لكي أتم دراستي، القرض هذا - كما يكتب في شروطه - أنه ليس بربوي يسقط بعد 25 عاماً من تاريخ أخذه، لا يدفع إلا إذا أصبح الطالب يعمل ويتقاضى راتباً فوق الخمسة عشر ألف باوند، لكنه فيه ما يعرف بالتضخم، أي: إذا نزلت قيمة العملة بمقدار 0.01 بالمائة يجب عليَّ دفعها، سألت كثيراً، بعض هيئات الفتوى في أوروبا أفتاني بالجواز، وكذا بعض المشايخ، وبعض المشايخ أفتى بحرمة ذلك فلا أعلم فماذا أفعل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز لمن استدان من أحدٍ مالاً أن يلتزم بإرجاع قيمته وقت القرض، بل يجب عليه أداء القرض بمثل ما أخذه لا بقيمته، وهذا قول جمهور العلماء قديماً وحديثاً، وهو ما تفتي به المجامع الفقهية المعاصرة، وهذا في حال أن تبقى العملة متداولة، كما هي ولو تغير سعر صرفها. أما إذا ألغيت العملة بالكلية وصار الناس لا يتعاملون بها: فهنا للعلماء فيها أقوال: فمنهم من قال: على المدين القيمة وقت القرض. ومنهم من قال: إن المعتبر قيمتها وقت المنع. وقال آخرون: المعتبر قيمتها وقت الوفاء. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: " وأقرب شيء أن المعتبر: القيمة وقت المنع؛ وذلك لأنه ثابت في ذمته " عشرة فلوس " إلى أن مُنعت، يعني: قبل المنع بدقيقة واحدة لو طلبه لأعطى عشرة فلوس، ولكان الواجب على المقرض قبولها، فإذا كان كذلك: فإننا نقدرها وقت المنع " انتهى. " الشرح الممتع " (9 / 104) . هذا هو الحكم في حال إبطال العملة، والعمل بغيرها، أما إذا كانت العملة باقية ويتعامل بها الناس: فإن الواجب أداؤها كما هي، ولو تغير سعر صرفها بالنسبة لغيرها، ولو اختلفت القوة الشرائية، ولو حصل تضخم، وهذا نص قرار " مجمع الفقه الإسلامي الدولي " المنبثق عن " منظمة المؤتمر الإسلامي " وهو كافٍ وافٍ في المسألة: قرار رقم: 115 (9 / 12) : بشأن موضوع " التضخم وتغير قيمة العملة " إن " مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي " المنبثق عن " منظمة المؤتمر الإسلامي " في دورته الثانية عشرة بالرياض في المملكة العربية السعودية، من 25 جمادى الآخرة 1421هـ - 1 رجب 1421هـ، الموافق 23 – 28 أيلول (سبتمبر) 2000 م. بعد اطلاعه على البيان الختامي للندوة الفقهية الاقتصادية لدراسة قضايا التضخم (بحلقاتها الثلاث بجدة، وكوالالمبور، والمنامة) وتوصياتها، ومقترحاتها، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حول الموضوع بمشاركة أعضاء المجمع وخبرائه وعدد من الفقهاء. قرر ما يلي: أولاً: تأكيد العمل بالقرار السابق رقم 42 (4 / 5) ونصه: " العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ما هي بالمثل، وليس بالقيمة؛ لأن الديون تقضى بأمثالها، فلا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة، أيّاً كان مصدرها بمستوى الأسعار ". ثانياً: يمكن في حالة توقع التضخم التحوط عند التعاقد بإجراء الدين بغير العملة المتوقع هبوطها، وذلك بأن يعقد الدين بما يلي: أ. الذهب أو الفضة. ب. سلعة مثلية. ج. سلة (مجموعة) من السلع المثلية. د. عملة أخرى أكثر ثباتاً. هـ. سلة (مجموعة) عملات. ويجب أن يكون بدل الدين في الصور السابقة بمثل ما وقع به الدين؛ لأنه لا يثبت في ذمة المقترض إلا ما قبضه فعلاً. وتختلف هذه الحالات عن الحالة الممنوعة التي يحدد فيها العاقدان الدين الآجل بعملة ما مع اشتراط الوفاء بعملة أخرى (الربط بتلك العملة) أو بسلة عملات، وقد صدر في منع هذه الصورة قرار المجمع رقم 75 (6 / 8) ثالثاً: لا يجوز شرعاً الاتفاق عند إبرام العقد على ربط الديون الآجلة بشيء مما يلي: أ. الربط بعملة حسابية. ب. الربط بمؤشر تكاليف المعيشة، أو غيره من المؤشرات. ج. الربط بالذهب أو الفضة. د. الربط بسعر سلعة معينة. هـ. الربط بمعدل نمو الناتج القومي. و. الربط بعملة أخرى. ز. الربط بسعر الفائدة. ح. الربط بمعدل أسعار سلة من السلع. وذلك لما يترتب على هذا الربط من غرر كثير، وجهالة فاحشة، بحيث لا يعرف كل طرف ما له وما عليه، فيختل شرط المعلومية المطلوب لصحة العقود. وإذا كانت هذه الأشياء المربوط بها تنحو منحى التصاعد: فإنه يترتب على ذلك عدم التماثل بين ما في الذمة وما يطلب أداؤه، ومشروط في العقد: فهو ربا. وهذا القرار من المجلس يوافق ما يفتي به علماء اللجنة الدائمة، والشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمهما الله -. قال علماء اللجنة الدائمة: يجب على المقترض أن يدفع الجنيهات التي اقترضها وقت طلب صاحبها، ولا أثر لاختلاف القيمة الشرائية، زادت أو نقصت. " فتاوى اللجنة الدائمة " (14 / 146) . وانظر جواب السؤال رقم (23388) فسؤاله مطابق لسؤالك، ويكتمل الجواب بما ها هنا وهناك. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 95515 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5891 هل يجوز إقراض الأسهم؟ [السُّؤَالُ] ـ[احتجت إلى مال، فسألت صاحبي أن يقرضني إياه، فقال: ليس عندي سيولة، ولكن عندي خمسة أسهم في شركة الأسمنت أقرضك إياها وتعيدها لي خمسة أسهم من نفس الشركة، وسأقوم بأخذ الأسهم وبيعها لقضاء حاجتي ثم أشتري له بعد ذلك من سوق الأسهم بنفس العدد لنفس الشركة، فهل يجوز ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: لا يظهر مانع من ذلك ما دام سيردها بنفس العدد لنفس الشركة، ولا يؤثر الارتفاع أو الانخفاض في سعر السهم على القرض. الشيخ عبد الرحمن البراك. بشرط أن لا تكون الأسهم أسهماً لمؤسسة نقدية، كأسهم البنوك الإسلامية – مثلاً – لأن غالب الموجود فيها سيولة نقدية. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 84357 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5892 هل يرهن منزله لمصرف غير إسلامي حتى يشتري منزلا آخر؟ [السُّؤَالُ] ـ[عائلة تعيش في شقة صغيرة وغير صالحة للعيش، بالإيجار، مع العلم أن لديهم بيتا لكن في مدينة أخرى ويتعذر على رب الأسرة أن يترك أسرته في هذا المكان وذلك لأن عملها في مكان آخر ولا يوجد لديها الدخل الكافي لشراء منزل في المدينة المقيم بها فهل يجوز رهن المنزل الذي لديها لمصرف غير إسلامي لشراء منزل آخر في المدينة المقيم بها مع العلم أنه لا يوجد مصارف إسلامية في مدينته ورب الأسرة يعمل لسداد دين كبير عليه وكل ما يعمل به يذهب في هذا الدين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان المقصود هو الاقتراض من المصرف، ورهن المنزل لديه، توثيقا للدين، فينظر: أولا: إن كان القرض يسدد مع زيادة (فائدة) فهو قرض ربوي محرم. قال ابن قدامة رحمه الله: " وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المُسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية، فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا. وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة" انتهى من "المغني" (6/436) . ثانيا: إن كان القرض يسدد من غير زيادة، لكن البنك يستفيد من المنزل مجانا حتى يتم السداد، فهذا أيضا محرم، وهو صورة من صور الربا، وقد نص الفقهاء على أن الرهن إذا كان في قرض، فلا يجوز للمرتهن (كالمصرف) الانتفاع به مجانا؛ لأن هذا حيلة على القرض الربوي، بل إذا أراد المصرف أن ينتفع به، فإنه يستأجره بأجرة مثله من غير محاباة. قال ابن قدامة في "المغني" (4/250) : "إن أذن الراهن للمرتهن في الانتفاع بغير عوض , وكان دين الرهن من قرض , لم يجز ; لأنه يحصل قرضا يجر منفعة , وذلك حرام. قال أحمد: أكره قرض الدور، وهو الربا المحض. يعني: إذا كانت الدار رهنا في قرض ينتفع بها المرتهن ... " انتهى. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: تنتشر في بعض قرى مصر عادة رهن الأراضي الزراعية، إذ يقوم الرجل الذي يحتاج إلى مال بأخذ المال من الرجل الذي يملك المال، وفي مقابل أخذ المال، يأخذ صاحب المال الأرض الزراعية التي هي ملك للمدين كرهن، ويأخذ صاحب المال الأرضَ وينتفع بثمارها وما تدره الأرض، ولا يأخذ صاحب الأرض شيئا، وتظل الأرض الزراعية تحت تصرف الدائن حتى يدفع المدين المال لصاحبه. فما حكم رهن الأرض الزراعية، وهي أخذ ما تدره الأرض حلال أم حرام؟ فأجابوا: "من أقرض قرضا فإنه لا يجوز له أن يشترط على المقترض نفعا في مقابل القرض؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كل قرض جر نفعا فهو ربا) وقد أجمع العلماء على ذلك، ومن ذلك ما ذكر في السؤال من رهن المقترض للمقرض الأرض، وانتفاعه بها إلى تسديد القرض الذي له على صاحب الأرض، وهكذا لو كان له عليه دين، لم يجز لصاحب الدين أن يأخذ غلة الأرض أو الانتفاع بها في مقابل إنظار المدين، ولأن المقصود من الرهن الاستيثاق لحصول القرض أو الدين، لا استغلال الرهن في مقابل القرض أو الإهمال في تسديد الدين " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (14/177) . ثالثا: إن كان القرض يسدد من غير زيادة، والمنزل المرهون لا ينتفع به البنك، أو ينتفع به بأجرة مثله، فهذا جائز، وهو قرض حسن ولا إشكال فيه. وإذا كان القرض محرما كما في الحالة الأولى والثانية، فإنه لا يجوز الدخول فيه، ولو كانت الأسرة بحاجة للمنزل، كما ذكرتِ، لما جاء في الربا من الوعيد الشديد، نسأل الله العافية. هذا وإن كانت مسألة الرهن على غير ما تصورنا، فلعلك توضحين الأمر. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83321 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5893 الاستدانة من أجل الدخول في المساهمات [السُّؤَالُ] ـ[ما رأيكم فيمن يستدين من أجل الدخول في المساهمات؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا ينبغي للإنسان أن يتوسع في الاستدانة، بل ينبغي أن لا يستدين إلا لحاجة أو ضرورة. فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ من الدين، روى البخاري (833) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلَاةِ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ. [والمغرم هو الدين] فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ مِنَ الْمَغْرَمِ! فَقَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ، وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ) . وكان صلى الله عليه وسلم يدعو بقضاء الدين: فقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (اللَّهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ، وَأَغْنِنَا مِنْ الْفَقْرِ) رواه البخاري (4888) . ومن خطورة الدين: أن الشهيد الذي مات في سبيل الله في المعركة، لا يغفر له الدين. روى مسلم (1886) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْن) . وروى النسائي (4605) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ وَضَعَ رَاحَتَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ ثُمَّ قَالَ: (سُبْحَانَ اللَّهِ! مَاذَا نُزِّلَ مِنَ التَّشْدِيدِ! فَسَكَتْنَا وَفَزِعْنَا، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ سَأَلْتُهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا هَذَا التَّشْدِيدُ الَّذِي نُزِّلَ؟ فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ رَجُلًا قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ أُحْيِيَ، ثُمَّ قُتِلَ، ثُمَّ أُحْيِيَ، ثُمَّ قُتِلَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، مَا دَخَلَ الْجَنَّةَ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ دَيْنُهُ) حسنه الألباني في صحيح النسائي (4367) . فلهذه الأدلة - وغيرها – ينبغي للإنسان ألا يتوسع في الديون، فيقترض لحاجة، ولغير حاجة، أو يقترض مبالغ كبيرة من أجل الدخول بها في تجارة، ولا يدري قد لا يوفق في هذه التجارة، فماذا سيكون تصرفه؟ وكيف يمكنه أن يسدد مبالغ كبيرة من راتبه الذي لا يكاد يكفيه؟! ولهذا، فعلى العاقل أن يقنع بما رزقه الله من الرزق الحلال، ولا ينظر إلى من هو فوقه في أمور الدنيا والمال، وإنما ينظر إلى من هو تحته، وأقل منه مالاً، فإن كان راتبه لا يكفيه، فليبحث عن عمل آخر، يرزقه الله تعالى منه ما يكفيه، أما أن يخاطر ويقترض ما يعجز عن تسديده، فهذا مما لا ينبغي. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: ما حكم المساهمة مع الشركات؟ وما حكم الاقتراض لشراء الأسهم؟ فأجاب: "وضع الأسهم في الشركات فيه نظر، لأننا سمعنا أنهم يضعون فلوسهم لدى بنوك أجنبية، أو شبه أجنبية ويأخذون عليها أرباحاً، وهذا من الربا، فإن صح ذلك فإن وضع الأسهم فيها حرام، ومن كبائر الذنوب؛ لأن الربا من أعظم الكبائر، أما إن كانت خالية من هذا فإن وضع الأسهم فيها حلال إذا لم يكن هناك محذور شرعي آخر. وأما استدانة الشخص ليضع ما استدانه في هذه الأسهم فإنه من السفه، سواء استدان ذلك بطريق شرعي كالقرض، أو بطريق ربوي صريح، أو بطريق ربوي بحيلة يخادع بها ربه والمؤمنين، وذلك لأنه لا يدري هل يستطيع الوفاء في المستقبل أم لا، فكيف يشغل ذمته بهذا الدين، وإذا كان الله تعالى يقول: (وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) ولم يرشد هؤلاء المعدمين إلى الاستقراض مع أن الحاجة إلى النكاح أشد من الحاجة إلى كثرة المال، وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم لم يرشد من لم يستطع الباءة إلى ذلك، ولم يرشد من لم يجد خاتماً من حديد يجعله مهراً إلى ذلك، فإذا كان هذا، دل على أن الشارع لا يحب أن يشغل المرء ذمته بالديون، فليحذر العاقل الحريص على دينه وسمعته من التورط في الديون " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/195) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 82011 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5894 أخذ القروض بفوائد من أجل الزواج [السُّؤَالُ] ـ[أنا شاب مقبل على الزواج وقد أتم الله نعمتة علي بأني أتممت عقد القران منذ فترة قليلة والآن لدي بعض الديون القليلة وبعض الأقساط المتأخرة، هل يجوز أن أحصل على قرض من البنك الذي أتعامل معه حتى أسدد هذه الديون والأقساط المتأخرة على أن أسدد هذا القرض على أقساط وبفوائد؟ أنا مدرك تماما أن هذا القرض ربوي ولكن أنا مقبل على التزامات أكثر في الفترة القادمة فلدي تشطيب شقتي وطبعا لن أقدر على سداد جميع الديون والأقساط مع تشطيب الشقة فهذا عبء رهيب لا تساعدني إمكانياتي المادية عليه فهل هذا القرض حرام أم حلال؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نسأل الله أن ييسر لك أمر الزواج وأن يعينك عليه، وأما أخذ القروض بالفوائد الربوية فهو من المحرمات العظيمة والكبائر الجسيمة التي لا يجوز الإقدام عليها في مثل هذه الحال، والله تعالى يقول: (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً) ونوصيك بالاستعانة بالله والالتجاء إليه في تيسير أمورك مع حسن التخطيط والاقتصاد والصبر حتى يكتب الله لك الفرج القريب، وللاستزادة حول حكم القروض الربوية والتفصيل في أحكامها ننصحك بمراجعة الأسئلة التالية في الموقع (45910) ، (22905) ، (21914) [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 75674 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5895 حكم الاقتراض ممن ماله حرام [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أن استلف من شخص تجارته معروفة بالحرام وأنه يتعاطى الحرام؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " لا ينبغي لك يا أخي أن تقترض من هذا أو أن تتعامل معه ما دامت معاملاته بالحرام , ومعروف بالمعاملات المحرمة الربوية أو غيرها فليس لك أن تعامله , ولا أن تقترض منه، بل يجب عليك التنزُّه عن ذلك والبعد عنه. لكن لو كان يتعامل بالحرام وبغير الحرام , يعني معاملته مخلوطة فيها الطيب والخبيث , فلا بأس , لكن تركه أفضل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) [رواه الترمذي (2518) وصححه الألباني في صحيح الترمذي] ، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه) متفق عليه. ولقوله صلى الله عليه وسلم: (الإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس) [رواه الترمذي (2389) وصححه الألباني في صحيح الترمذي] . فالمؤمن يبتعد عن المشتبهات , فإذا علمت أن كل معاملاته محرمة وأنه يتجر في الحرام فمثل هذا لا يعامل ولا يقترض منه " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (19/286) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 74986 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5896 تنازل عن حقٍّ ماليٍّ له فهل له الرجوع عن تنازله؟ [السُّؤَالُ] ـ[إذا سامح شخص شخصاً آخر على أمور مالية، فهل له بعد ذلك أن يقول له إنه غير مسامحه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من كان له حق عند غيره – سواء كان حقاًّ مالياً أم غيره – ثم تنازل عنه، فقد برئت ذمة الطرف الثاني، ولا يجوز للأول أن يرجع ويطالب بحقه السابق، أو يقول: إنه غير مسامحه. قال ابن قدامة في "المغني" (8/250) : " وإذا كان له في ذمة إنسان دين , فوهبه له , أو أبرأه منه , أو أحله منه , صح , وبرئت ذمة الغريم منه. . . وإن قال: تصدقت به عليك. صح. . . وإن قال: عفوت لك عنه. صح. . . وإن قال: أسقطته عنك. صح. . . وإن قال: ملكتك إياه. صح ; لأنه بمنزلة هبته إياه " انتهى باختصار. وجاء في "الموسوعة الفقهية" (1/144) : " اتفق العلماء على عدم جواز الرجوع في الإبراء بعد قبوله لأنه إسقاط , والساقط لا يعود، كما تنص على ذلك القاعدة المشهورة " انتهى بتصرف يسير. وقال في "الغرر البهية" (3/392) : " يمتنع الرجوع في هبة الدين، لأنه لا بقاء له " انتهى بتصرف. يعني: لأنه تبرأ منه ذمة المدين، فلا يعود مرة أخرى. وفي "تحفة المحتاج" (6/310) : " هبة الدين لا رجوع فيه جزماً " انتهى. وإسقاط الحق بمنزلة الهبة، وقد حَرَّم الرسول صلى الله عليه وسلم الرجوع في الهبة، فقال: (العَائِد في هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيءُ ثُمَّ يَعُودُ في قَيْئِهِ، لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ) رواه البخاري (2589) ، (6975) ومسلم (1622) . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " قوله: (لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ) أي: لا ينبغي لنا معشر المؤمنين أنْ نتصف بصفةٍ ذميمةٍ، يشابهنا فيها أخسُّ الحيوانات، في أخسِّ أحوالها، قال الله سبحانه وتعالى: (لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلهِ المَثَلُ الأَعْلَى) النحل/60، ولعلَّ هذا أبلغ في الزجر عن ذلك وأدلُّ على التحريم، مما لو قال مثلاً: (لا تعودوا في الهبة) " انتهى. " فتح الباري " (5 / 294) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 75056 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5897 سدّد دينا بشيك ولم يصرفه البائع إلى الآن [السُّؤَالُ] ـ[اشتريت بضائع من شركة وأعطيتهم شيكاً بالمبلغ، مضى على هذا وقت طويل ولم يصرفوا الشيك حتى انتهت مدة صلاحية الشيك، فهل لا زلت مديناً لهم بالمال أم أنه خطأهم أنهم لم يصرفوا الشيك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله: نعم لا زلت مدينا لهم؛ لأن الشيك لمّا لم يصرف بقي رصيده عند البنك لك، فأنت مدين لهم؛ لأن الشيكات عبارة عن حوالة على البنوك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن صالح العثيمين الحديث: 6362 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5898 عليه دين من شراء شيء محرم فهل يسدده [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لشخص أن يسدد دينا على شيء محرم اشتراه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يُنظر في هذا الشيء المحرم فإن كانت المعاملة مع شخص مسلم فإنه لا يجوز التسديد حينئذٍ لأن الله تعالى إذا حرّم شيئاً حرّم ثمنه، ولأن ما حرم الشارع بيعه فلا ثمن له، فقد نهى صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب وقال: (فإن جاء يطلب ثمنه فاملأوا كفّه تراباً) وهو في الصحيح من حديث ابن عباس. وعن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن رواه البخاري (2083) ، وَالْحُلْوَان مَصْدَر حَلَوْته حُلْوَانًا إِذَا أَعْطَيْته، وَأَصْله مِنْ الْحَلاوَة شُبِّهَ بِالشَّيْءِ الْحُلْو مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ يَأْخُذهُ سَهْلا بِلا كُلْفَة وَلا مَشَقَّة يُقَال حَلَوْته إِذَا أَطْعَمْته الْحُلْو، وَالْحُلْوَان أَيْضًا الرِّشْوَة. لكن إن أكْره على التسديد فحينئذ يسدد ويستغفر الله ويتوب إليه من شراء المحرمات سواء من المسلم أو من غيره. وإن كانت المعاملة مع غير مسلم وهو في دينه لا يرى حرمة الشيء الذي باعه فلا بد من التسديد مع التوبة، وعلى المسلم أن ينتهي عن التعامل بما حرم الله عز وجل. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 5980 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5899 استدان مالاً ومات صاحب الدَّين ولا يعرف كيف يردَّه [السُّؤَالُ] ـ[والد زوجي كان مستدين مبلغاً من المال من قبل سنة 1948 م، ولم يكن لديه مال لسداده وتوفى صاحب المال، وحصلت نكسة فلسطين وطردنا منها. واستمرت الحالة المادية عنده بالانعدام، وتوفى والد زوجي وأنا وزوجي حالتنا المادية كانت غير جيدة والآن أريد سداد هذا الدين أنا وزوجي علماً بأننا موجودون في السعودية من سنة 67 م ولا أعلم شيئاً عن ورثة صاحب المال وزوجي له أخ ليس لديه عمل ولديه أسرة وأطفال معاقون وبصره ضعيف جداً ولا يقدر على العمل فهل يصح إعطاء هذا الدين إلى أخي زوجي بنية سداد هذا الدين عن الشخص الميّت وتكون صدقة عن الذي له المبلغ ...... أفيدوني جزاكم الله عني كل خير]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب البحث عن ورثة صاحب هذا المال بكل الطرق والاجتهاد في البحث عنهم، وعدم التهاون في ذلك وتسليم المبلغ إليهم، فإذا تعذَّر ذلك فيُتصدَّق بالمبلغ بنيَّة أن يكون أجره له، في أيِّ وجه من وجوه الخير، ويراعى في ذلك حاجات المسلمين. والنصيحة أن لا يعطيه لأخيه لما قد يكون في ذلك من المحاباة ولئلا يتَّهم فيه، ويلوك الناس عرضه بسبب ذلك. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 21626 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5900 خطورة أمر الدَّيْن [السُّؤَالُ] ـ[أنا أعمل لأساعد زوجي في تكاليف المعيشة، فمُرَتَّبُه لا يكفي لسد احتياجاتنا الأساسية وتعليم أبنائنا، وكنت قد اقترضت مبلغا من المال من بعض الناس لسداد بعض الديون، والحمد لله، يمكنني أن أقول إن الله يختبر إيماننا فيما يتعلق " بالمال ". وفي يوم من الأيام كنت أستمع لمحاضرة حول العقوبة الشديدة على المسلم الذي لم يسدد ديونه، كما ذكر أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي على الميت الذي لم يسدد ديونه، وقد أورد المحاضر دعاءً لكني لم أتمكن من كتابته. أرجو أن تخبرني ما هي العقوبات؟ وتزودني بالدعاء لمساعدتي في تسديد ديوني؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد للَّه أولا: يعرف الفقهاء الدَّين بأنه " لزوم حق في الذمة " كما في "الموسوعة الفقهية" (21/102) ، ومعاني الدَّينِ اللغوية تدور حول الانقياد والذل، وبين المعنى الشرعي والمعنى اللغوي رابط ظاهر، فإن المَدين أَسيرٌ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (إِنَّ صَاحِبَكُمْ مَأْسُورٌ بِدَيْنِهِ) رواه أبو داود (3341) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود. ثانيا: قد جاءت الشريعة الإسلامية بالتشديد في أمر الدين، والتحذير منه، والترغيب في احتراز المسلم منه، ما أمكنه ذلك: فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ. فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ مِنَ الْمَغْرَمِ؟! فَقَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ [أي: استدان] حَدَّثَ فَكَذَبَ، وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ) رواه البخاري (832) ومسلم (589) وروى النسائي (4605) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ رضي الله عنه قَالَ: (كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ وَضَعَ رَاحَتَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ ثُمَّ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! مَاذَا نُزِّلَ مِنَ التَّشْدِيدِ؟ فَسَكَتْنَا وَفَزِعْنَا، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ سَأَلْتُهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا هَذَا التَّشْدِيدُ الَّذِي نُزِّلَ؟ فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَوْ أَنَّ رَجُلا قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أُحْيِيَ، ثُمَّ قُتِلَ، ثُمَّ أُحْيِيَ، ثُمَّ قُتِلَ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مَا دَخَلَ الْجَنَّةَ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ دَيْنُهُ) حسنه الألباني في صحيح النسائي (4367) وقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة على من مات وعليه ديناران، حتى تكفل بسدادهما أبو قتادة رضي الله عنه، فلما رآه من الغد وقال له قد قضيتها، قال صلى الله عليه وسلم: (الْآنَ بَرَدَتْ عَلَيْهِ جِلْدُهُ) مسند أحمد (3/629) وحسنه النووي في "الخلاصة" (2/931) وابن مفلح في "الآداب الشرعية" (1/104) وحسنه محققو مسند أحمد. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري" (4/547) : " وفي هذا الحديث إشعار بصعوبة أمر الدين وأنه لا ينبغي تحمله إلا من ضرورة " انتهى. وعَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ مَاتَ وَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ ثَلَاثٍ: الْكِبْرِ وَالْغُلُولِ وَالدَّيْنِ، دَخَلَ الْجَنَّةَ) رواه الترمذي (1572) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ) رواه الترمذي (1078) قال المباركفوري في "تحفة الأحوذي" (4/164) : " قوله: (نفس المؤمن معلقة) قال السيوطي: أي محبوسة عن مقامها الكريم. وقال العراقي: أي أمرها موقوف لا حكم لها بنجاة ولا هلاك حتى ينظر هل يقضى ما عليها من الدين أم لا " انتهى. وقد جاء عن كثير من السلف التحذير من الدين أيضا: فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (َإِيَّاكُمْ وَالدَّيْنَ فَإِنَّ أَوَّلَهُ هَمٌّ وَآخِرَهُ حَرْبٌ) رواه مالك في الموطأ (2/770) وفي "مصنف عبد الرزاق" (3/57) : قال ابن عمر رضي الله عنهما: (يا حمران! اتق الله ولا تمت وعليك دين، فيؤخذ من حسناتك، لا دينار ثَمَّ ولا درهم) ثالثا: لم يأت كل هذا التشديد في أمر الدين إلا لما فيه من المفاسد على مستوى الفرد وعلى مستوى المجتمع. أما على مستوى الفرد فيقول القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (3/417) : " قال علماؤنا: وإنما كان شينا ومذلة لما فيه من شغل القلب والبال، والهم اللازم في قضائه، والتذلل للغريم عند لقائه، وتحمل منته بالتأخير إلى حين أوانه، وربما يعد من نفسه القضاء فيخلف، أو يحدث الغريم بسببه فيكذب، أو يحلف له فيحنث، إلى غير ذلك، وأيضا فربما قد مات ولم يقض الدين فيرتهن به، كما قال عليه السلام: (نسمة المؤمن مرتهنة في قبره بدينه حتى يقضى عنه) رواه الترمذي 1078 وكل هذه الأسباب مشائن في الدين تذهب جماله وتنقص كماله " انتهى. وأما على مستوى المجتمع، فيذكر المتخصصون من المفاسد ما هـ خطير على وضع الاقتصاد الأمثل: 1- نمو النزعة إلى تفضيل العاجل أو التلهف الزمني. 2- ضعف روح المسؤولية والاعتماد على الذات. 3- سوء توزيع الثروة. وللتوسع في فهم هذه المفاسد ينظر دراسة فضيلة الشيخ سامي السويلم بعنوان "موقف الشريعة الإسلامية من الدين" (6-11) رابعا: وانطلاقا مما سبق اشترط العلماء لجواز الدين شروطا ثلاثة: 1- أن يكون المستدين عازما على الوفاء. 2- أن يعلم أو يغلب على ظنه قدرته على الوفاء. 3- أن يكون في أمر مشروع. يقول ابن عبد البر في "التمهيد" (23/238) : " والدين الذي يُحبَسُ به صاحبُه عن الجنة، والله أعلم، هو الذي قد تَرك له وفاءً ولم يوص به، أو قدر على الأداء فلم يؤد، أو ادَّانه في غير حق، أو في سرف ومات ولم يؤده. وأما من ادَّان في حق واجب لفاقةٍ وعشرةٍ، ومات ولم يترك وفاء، فإن الله لا يحبسه به عن الجنة إن شاء الله " انتهى. خامسا: وما دمت - أختي السائلة الكريمة – قد ابتليت بالدين لقيامك بواجب مساعدة الزوج والأسرة على النهوض بأعباء الحياة، فلك الأجر عند الله سبحانه وتعالى على هذه العشرة الحسنة، فأسأل الله أن يجزل لك الأجر والمثوبة، واعلمي أنه سبحانه سيعينك على سداد هذا الدين، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ) رواه البخاري (2387) . واستعيني على ذلك بالحرص والسعي الجاد لسداد الدين، وبالتوكل على الله تعالى، وبدعائه سبحانه أن ييسر لك ما تقضين به دينك. وفي السنة النبوية مجموعة من الأدعية التي جاءت بخصوص الاستعانة بالله على قضاء الدين، وهي: 1- عَنْ سُهَيْلٍ قَالَ: كَانَ أَبُو صَالِحٍ يَأْمُرُنَا إِذَا أَرَادَ أَحَدُنَا أَنْ يَنَامَ أَنْ يَضْطَجِعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ يَقُولُ: (اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ وَرَبَّ الْأَرْضِ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ اللَّهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ وَأَغْنِنَا مِنْ الْفَقْرِ) وَكَانَ يَرْوِي ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رواه مسلم (2713) 2- وعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ مُكَاتَبًا جَاءَهُ فَقَالَ: إِنِّي قَدْ عَجَزْتُ عَنْ كِتَابَتِي فَأَعِنِّي. قَالَ: أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ عَلَّمَنِيهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلِ صِيرٍ دَيْنًا أَدَّاهُ اللَّهُ عَنْكَ؟! قَالَ: قُلْ: (اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ) رواه الترمذي (2563) وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وحسنه الألباني في صحيح الترمذي الكتابة: المال الذي كاتب به السيد عبده، جبل صِير: هو جبل لطيء، ويروى صبير. 3- وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ الْمَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أَبُو أُمَامَةَ، فَقَالَ يَا أَبَا أُمَامَةَ! مَا لِي أَرَاكَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ؟! قَالَ: هُمُومٌ لَزِمَتْنِي وَدُيُونٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: أَفَلَا أُعَلِّمُكَ كَلَامًا إِذَا أَنْتَ قُلْتَهُ أَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّكَ، وَقَضَى عَنْكَ دَيْنَكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: (قُلْ إِذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ) قَالَ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ، فَأَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمِّي، وَقَضَى عَنِّي دَيْنِي. رواه أبو داود (1555) وفيه غسان بن عوف قال الذهبي: غير حجة. لذلك ضعف الشيخ الألباني الحديث في ضعيف أبي داود. ولكن الدعاء المذكور، وهو قوله: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن.. ثابت في الصحيحين من غير قصة أبي أمامة هذه، والله أعلم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 71183 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5901 إذا لم يجد الدائن ليردّ المال فماذا يفعل [السُّؤَالُ] ـ[منذ عدة سنوات قمت بالاقتراض من أحد الأصدقاء، ولكني لا أعرف مكانه وقمت بالبحث عنه طويلاً ولم أجده، مما سبب لي قلقاً كبيراً فماذا أفعل بالمال الذي اقترضته؟ كما أن قيمة العملة التي اقترضت بها قد انخفضت في السنوات الأخيرة فهل عليّ أن أرد المبلغ كما أخذته أم آخذ في الحسبان قيمة انخفاض العملة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كانت العملة التي اقترضتها منه لا زالت ذات قيمة فعليك ردّها بنفس المبلغ، فإذا اجتهدت في الوصول إلى الشّخص ولم تجده فتصّدق بالمبلغ نيابة عنه والله يوصل الأجر إليه، وهو بالعباد بصير وعلى كلّ شيء قدير. ولكن لو قدر أنك استطعت معرفة مكانه فيما بعد، أو التقيت به، فيجب عليك سداده - وإن كنت قد تصدقت بالمبلغ عنه - إلا أن يقر تصرفك ويسقط حقه بالمطالبة. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2806 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5902 حكم الكفالة المالية وهل تتأثر إذا انتقل الدين إلى دائن آخر؟ [السُّؤَالُ] ـ[رجل أعطى كفالة مالية لشركة استقرضت من بنك تقليدي، ومع مرور الوقت اندمج البنك مع بنك آخر وانتقلت كل حقوق ومسؤليات البنك الأول إلى البنك الثاني، فهل يحق للبنك الجديد أن يطالب الكفيل بالمبلغ المكفول؟ بعبارة أخرى: هل تتأثر الكفالة مع تغير الدائن أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: الكفالة المعطاة للشركة إن كانت كفالة قرض ربوي – وهذا هو الظاهر من كلامك، لأنك ذكرت أن البنك تقليدي، أي ربوي - فهي كفالة محرمة، وهي من التعاون على الإثم والعدوان، وقد نهى الله تعالى عن ذلك بقوله: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْم وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2. والواجب عليك أن تتوب إلى الله من فعلك، وأن تعزم أن لا تعود لمثله، ويجب عليك أن تنصح الشخص الذي كفلته أن يتخلص من قرضه ومعاملته المحرمة، كما يجب عليك أن تسحب كفالتك إن أمكنك ذلك. أما إن كانت الكفالة شرعيَّة، وكانت المعاملة غير محرمة: فكفالتك له جائزة، بل هي من فعل الخير، ولك فيها أجر، وهي من الإحسان إلى الناس. ثانياً: المعروف في نظام الشركات – وهو غير مخالف للشرع – أنه في حال بيعها أو اندماجها مع أخرى أنه تنتقل بموجوداتها وذممها إلى الشركة الأخرى، وكل ما للشركة الأولى على الآخرين يصبح للشركة الثانية، وما على الأولى ينتقل ليصبح على الثانية. وعلى هذا فللبنك الجديد أن يطالبك بالمال المكفول. وفي القرض الربوي ليس له شرعاً أن يطالبك إلا برأس المال فقط، دون الفوائد الربوية، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ) رواه مسلم (1218) . قال النووي في شرح مسلم: "قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرِّبَا: (أَنَّهُ مَوْضُوع كُلّه) مَعْنَاهُ الزَّائِد عَلَى رَأْس الْمَال كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى: (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوس أَمْوَالكُمْ) وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْته إِيضَاح , وَإِلَّا فَالْمَقْصُود مَفْهُوم مِنْ نَفْس لَفْظ الْحَدِيث , لِأَنَّ الرِّبَا هُوَ الزِّيَادَة , فَإِذَا وُضِعَ الرِّبَا فَمَعْنَاهُ وَضْع الزِّيَادَة , وَالْمُرَاد بِالْوَضْعِ الرَّدّ وَالْإِبْطَال" انتهى. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69762 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5903 هل يجوز أخذ قرض من الصندوق الاجتماعي الحكومي؟ [السُّؤَالُ] ـ[تقدم الحكومة عندنا قرضا لشباب الخريجين عوضاً عن توظيفهم في الحكومة، فهل هذا القرض حلال أم حرام؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اتفق العلماء على أن القرض إذا اشترط فيه أن يرده بزيادة فهو ربا محرم. قال ابن قدامة رحمه الله: " وكل قرضٍ شرَط فيه أن يزيده: فهو حرام , بغير خلاف، قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المسلِّف إذا شرَط على المستسلف زيادة أو هدية , فأسلف على ذلك: أن أخذ الزيادة على ذلك ربا. وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة " انتهى. "المغني" (4/211) . وقال ابن عبد البر: " وكل زيادة في سلف أو منفعة ينتفع بها المسلف فهي ربا , ولو كانت قبضة من علف , وذلك حرام إن كان بشرط " انتهى. "الكافي " (2/359) . وعليه: فإذا كان القرض ربويّاً وذلك بأن يشترط إرجاع المبلغ المقترض بزيادة: فإنه لا يجوز لكم أخذ هذا المبلغ؛ لأن العقد ربوي، ولا يخفى عليكم أن الربا من كبائر الذنوب، ويغنيكم الله عن هذا القرض وأشباهه. أما إن كانت هذه القروض قروضاً حسنة، وليست ربويَّة، فيُرجع المقترض مثل ما أخذ من غير زيادة، فلا حرج من أخذ هذا القرض والانتفاع به. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 69973 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5904 المشروع الصدقة عنهم [السُّؤَالُ] ـ[قبل عدة سنوات أخذت من عدد من الزملاء مبلغ 100 ريال سعودي وبعدها سافرت إلى منطقة أخرى ونسيت هؤلاء الزملاء وكذلك هم نسوني والآن أنا لا أعرف أين هم فماذا أفعل بالمبلغ الذي على عاتقي؟ أخبروني جزاكم الله خيرا]ـ [الْجَوَابُ] إذا كان الواقع كما ذكرت في السؤال وهو نسيانك أصحاب المئة فالمشروع لك أن تتصدق عنهم ومتى ذكرت أحدا منهم فأعطه حقه إلا أن يسمح بالصدقة التي فعلتها عنه وبذلك تبرا ذمتك ويحصل لك ولهم الأجر. [الْمَصْدَرُ] الشيخ ابن باز رحمه الله فتاوى إسلامية 3/10 الحديث: 4693 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5905 إذا تغيرت قيمة العملة كيف يؤدي القرض؟ [السُّؤَالُ] ـ[أقرضت صديقاً لي قرضاً حسناً وسلمته مبلغ القرض بالريال السعودي، والآن وقت سداد القرض انخفض الجنيه المصري أمام الريال السعودي، وصديقي هذا يريد رد قرضي بالجنيه المصري على أساس سعر صرف الجنيه مقابل الريال وقت استلامه القرض مما يعنى أن يعود لي أصل مالي ناقصاً عما استلمه، وأنا رفضت ذلك، وقلت له: يا أخي سلمتك المال بالريال السعودي بيدك ردَّ عليَّ قرضي بالريال السعودي مثلما استلمته والقروض تكون بالمثل، ويكفى أنني حرمت نفسي من استثمار مالي مما كان سوف يعود على بفائدة من أي نشاط حلال، وأعطيتك قرضاً حسناً لوجه الله تعالى أصلحتَ به تجارتَك وتاجرتَ وربحتَ بارك الله لك، فرفض ذلك، فما الحكم في الإسلام، هل يجب عليه رد قرضي بالريال السعودي أم لا؟ وإذا كانت الإجابة بأنه يجب عليه رد قرضي بالريال السعودي ورفض قبول الفتوى، فما حكمه عند الله؟ وهل يكون المقدار الذي نقص من مالي لي في ذمته أطالبه به أمام الله يوم القيامة أم لا؟ أفتونا في ذلك مأجورين حيث إن سداد القرض متوقف على فتواكم وجزاكم الله خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب على من أخذ ديْناً من آخر بعملة أن يردَّها بمثلها دون أن يردَّ قيمتها عند أخذ الدَّيْن؛ بل ولا يجوز أن يُذكر في العقد أن السداد يكون بعملة أخرى غير العملة المستَلمة، فلا يجوز - مثلاً - أن يقترض رجل من آخر ريالات سعودية ويحسب قيمتها عند أخذها ويردها جنيهات مصرية، ويجوز دفع قيمة الفرق بين العملتين عن طيب نفس من غير إلزام وعلى هذا جاءت فتاوى المجامع الفقهية وكثير من علمائنا المحققين. أ. ففي القرار رقم: 42 (4 / 5) بشأن تغير قيمة العملة، قال " مجلس مجمع الفقه الإسلامي " المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من 1-6 جمادى الأولى 1409هـ الموافق10-15 كانون الأول (ديسمبر) 1988 م: بعد اطلاعه على البحوث المقدمة من الأعضاء والخبراء في موضوع تغير قيمة العملة، واستماعه للمناقشات التي دارت حوله، وبعد الاطلاع على قرار " المجمع " رقم 21 (9 / 3) في الدورة الثالثة، بأن العملات الورقية نقود اعتبارية فيها صفة الثمنية كاملة، ولها الأحكام الشرعية المقررة للذهب والفضة من حيث أحكام الربا والزكاة والسلم وسائر أحكامها: قرر ما يلي: العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ما: هي بالمثل وليس بالقيمة؛ لأن الديون تُقضى بأمثالها، فلا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة، أيا كان مصدرها، بمستوى الأسعار. مجلة " المجمع " (عدد 5، ج3 ص 1609) . وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: أقرضني أخي في الله - حسن - ألفي دينار تونسي، وكتبنا عقدا بذلك ذكرنا فيه قيمة المبلغ بالنقد الألماني، وبعد مرور مدة القرض - وهي سنة ارتفع ثمن النقد الألماني، فأصبح إذا سلمته ما هو في العقد أكون أعطيته ثلاثمائة دينار تونسي زيادة على ما اقترضته. فهل يجوز لمقرضي أن يأخذ الزيادة، أم أنها تعتبر ربا. .؟ ولا سيما وأنه يرغب السداد بالنقد الألماني ليتمكن من شراء سيارة من ألمانيا. فأجاب: ليس للمقرض - حسن - سوى المبلغ الذي أقرضك وهو ألفا دينار تونسي، إلا أن تسمح بالزيادة فلا بأس، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن خيار الناس أحسنهم قضاءً) رواه مسلم في صحيحه، وأخرجه البخاري بلفظ: (إن من خيار الناس أحسنهم قضاء) . أما العقد المذكور: فلا عمل عليه، ولا يلزم به شيء لكونه عقداً غير شرعي، وقد دلت النصوص الشرعية على أنه لا يجوز بيع القرض إلا بسعر المثل وقت التقاضي إلا أن يسمح من عليه القرض بالزيادة من باب الإحسان والمكافأة للحديث الصحيح المذكور آنفاً " انتهى. " فتاوى إسلاميَّة " (2 / 414) . وقال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - في جواب سؤال مشابه لسؤال السائل -: " الواجب أن يرد عليك ما أقرضتَه دولارات؛ لأن هذا هو القرض الذي حصل منك له، ولكن مع ذلك إذا اصطلحتما أن يسلم إليك جنيهات مصرية: فلا حرج، قال ابن عمر رضي الله عنهما: كنا نبيع الإبل بالدراهم فنأخذ عنها الدنانير، ونبيع الدنانير فنأخذ عنها الدراهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تتفرقا وبينكما شيء) ، فهذا بيع نقد من غير جنسه، فهو أشبه ما يكون ببيع الذهب بالفضة، فإذا اتفقتَ أنت وإياه على أن يُعطيك عوضاً عن هذه الدولارات من الجنيهات المصرية بشرط ألا تأخذ منه جنيهات أكثر مما يساوي وقت اتفاقية التبديل، فإن هذا لا بأس به، فمثلاً: إذا كانت 2000 دولار تساوي الآن 2800 جنيه: لا يجوز أن تأخذ منه ثلاثة آلاف جنيه، ولكن يجوز أن تأخذ 2800 جنيه، ويجوز أن تأخذ منه 2000 دولار فقط، يعني أنك تأخذ بسعر اليوم أو بأنزل، أي: لا تأخذ أكثر؛ لأنك إذا أخذت أكثر فقد ربحتَ فيما لم يدخل فيما ضمانك، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن، وأما إذا أخذتَ بأقل: فإن هذا يكون أخذاً ببعض حقك، وإبراء عن الباقي، وهذا لا بأس به " انتهى. " فتاوى إسلاميَّة " (2 / 414، 415) . وإذا خالف أحد الطرفين هذا الحكم فإنه يكون آخذاً للفرق بين قيمة العملتين بغير حق، وهو من المحرمات حيث قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً) النساء / 29. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 68842 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5906 حكم الذهاب للحج والعمرة والدفع بواسطة قروض الائتمان [السُّؤَالُ] ـ[انتشرت في الآونة الأخيرة إعلانات من شركات السياحة التي تقوم بتنظيم رحلات الحج والعمرة والتي تعلن فيها عن قيامها بتقسيط تكاليف الرحلات من باب التيسير على راغبي الحج والعمرة، ولاجتذاب أكبر قدر منهم خاصة في ظل حالة الكساد التي تمر بها العديد من الدول، وقلة السيولة المالية في أيدي مواطنيها، وقد أعلنت أيضا بعض الشركات عن قبول الدفع عن طريق كروت الائتمان. السؤال هو: ما حكم الشرع فيمن يحج ويعتمر بهذه الطريقة؟ وهل يصح الحج أو العمرة في هذه الحالة - خاصة أن بعض الفقهاء قد أفتى بجواز تمويل الحج عن طريق القروض التي تسدد على أقساط مناسبة كنوع من التيسير في ظل الارتفاع الشديد في تكاليف الرحلات -؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الحج أحد أركان الإسلام، ومبانيه العظام، وهو فرض ثابت بكتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأجمع المسلمون على ذلك. قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) آل عمران/97. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْس: شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ) رواه البخاري (8) ومسلم (16) . ولا يجب الحج إلا على المستطيع، ومن الاستطاعة: القدرة المالية، والقدرة البدنية للسفر وأداء المناسك. ولا يكلف الإنسان بالاستدانة للحج؛ ولا يستحب له أن يفعل ذلك، فإن خالف واستدان فالحج صحيح إن شاء الله تعالى. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: بعض الناس يأخذ سلفيات من الشركة التي يعمل بها، يتم خصمها من راتبه بالتقسيط ليذهب إلى الحج، فما رأيكم في هذا الأمر؟ فأجاب: " الذي أراه أنه لا يفعل؛ لأن الإنسان لا يجب عليه الحج إذا كان عليه دَيْن، فكيف إذا استدان ليحج؟! فلا أرى أن يستدين للحج؛ لأن الحج في هذه الحال ليس واجباً عليه، ولذا ينبغي له أن يقبل رخصة الله وسعة رحمته، ولا يكلف نفسه دَيْناً لا يدري هل يقضيه أو لا؟ ربما يموت ولا يقضيه ويبقى في ذمته " انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (21/93) . أما إن كانت استدانته بقرض ربوي ليحج، فإن هذا من أكبر الكبائر. وتحريم الربا أشهر من أن يُستدل له. قال الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278، 279. وقال تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) البقرة/275. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ. رواه مسلم (1597) . فكيف يرضى مسلم أن يفعل كبيرة توعد الله تعالى بالحرب عليها من أجل أن يحج، وهو غير واجب عليه إذا لم يكن مستطيعاً. وقد سبق في جواب السؤال (20107) ، (11179) بيان تحريم القروض الائتمانية وأنها نوع من الربا. أما من حيث صحة الحج فإنه يصح ولو كان المال الذي يحج به حراماً، ولكنه ليس حجاً مبرورا. حتى قال بعض الأئمة: إذَا حَجَجْت بِمَالٍ أَصْلُهُ سُحْتٌ فَمَا حَجَجْت وَلَكِنْ حَجَّتْ الْعِيرُ لا يَقْبَلُ اللَّهُ إلا كُلَّ طَيِّبَةٍ مَا كُلُّ مَنْ حَجَّ بَيْتَ اللَّهِ مَبْرُورُ. و (العير) الدابة التي يركبها الحاج. (أي: الحمار) . انظر السؤال (34517) . قال النووي رحمه الله: إذا حج بمال حرام أو راكباً دابة مغصوبة أثم وصح حجه وأجزأه عندنا، وبه قال أبو حنيفة ومالك والعبدري، وبه قال أكثر الفقهاء. " المجموع " (7 / 40) . وسئل علماء اللجنة الدائمة: ما حكم من حج من مال حرام – يعني: فوائد بيع المخدرات - ثم يرسلون تذاكر الحج لآبائهم ويحجون، مع علم بعضهم أن تلك الأموال جمع من تجارة المخدرات، هل هذا الحج مقبول أم لا؟ . فأجابوا: كون الحج من مال حرام لا يمنع من صحة الحج، مع الإثم بالنسبة لكسب الحرام، وأنه ينقص أجر الحج، ولا يبطله. " فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (11 / 43) . وفي الباب حديث مشهور لكنه ضعيف: عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن حج بمال حرام فقال: لبيك اللهم لبيك، قال الله عز وجل: لا لبيك ولا سعديك وحجك مردود عليك) . قال ابن الجوزي: وهذا لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. " العلل المتناهية " (2 / 566) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 65494 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5907 يجوز وضع بعض الدين المؤجل مقابل تعجيله [السُّؤَالُ] ـ[عليّ ديون مؤجلة، وطلب مني الدائن سدادها قبل وقتها فوافقت لكن بشرط أن يخصم بعض الديون. فهل يجوز ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا أراد الدائن أو المدين تسديد الديون المؤجلة قبل وقتها فإنه يجوز خصم بعض الدين مقابل التعجيل في السداد. وهذه المسألة تسمى عند العلماء بمسألة (ضَعْ وتَعَجَّلْ) أي ضع بعض الدين المؤجل، وتعجل في تسديده. وقد اختلف العلماء في جواز هذه المعاملة، فذهب أكثر العلماء إلى تحريمها، واحتجوا: بأن هذه المعاملة تشبه الربا المجمع على تحريمه وهو: الزيادة في الدين مقابل التأخير. وفي هذه الصورة نقص الدين مقابل التعجيل. قال السرخسي في كتابه "المبسوط": وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ إلَى أَجَلٍ , وَهُوَ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ فَحَطَّ عَنْهُ شَيْئًا عَلَى أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ مَا بَقِيَ فَلا خَيْرَ فِيهِ. . . لأَنَّ هَذَا مُقَابَلَةُ الأَجَلِ بِالدَّرَاهِمِ وَمُقَابَلَةُ الأَجَلِ بِالدَّرَاهِمِ رِبًا , أَلا تَرَى أَنَّ فِي الدَّيْنِ الْحَالِّ لَوْ زَادَهُ فِي الْمَالِ لِيُؤَجِّلَهُ لَمْ يَجُزْ فَكَذَلِكَ فِي الْمُؤَجَّلِ إذَا حَطَّ عَنْهُ الْبَعْضَ لِيُعَجِّلَ لَهُ مَا بَقِيَ اهـ وقال ابن رشد المالكي في كتابه "بداية المجتهد" (2/144) : وعمدة من لم يُجِزْ "ضع وتعجل" أنه شبيه بالزيادة مع النظرة [أي التأجيل] المجمع على تحريمها اهـ. وذهب آخرون إلى جوازها. . منهم عبد الله بن عباس وزيد بن ثابت رضي الله عنهم. وهو أحد القولين لكل من الإمامين الشافعي وأحمد، واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وأجازها ابن عابدين من فقهاء الحنفية كما في حاشيته على "الدر المختار" (5 / 160) . واستدلوا على جوازها بعدة أدلة: 1- منها: ما رواه الحاكم والطبراني عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم: لما أمر بإخراج بني النضير جاءه ناس منهم فقالوا: يا نبي الله، إنك أمرت بإخراجنا ولنا على الناس ديون لم تَحِلَّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ضعوا وتعجلوا. قال في مجمع الزوائد فيه مسلم بن خالد الزنجي وهو ضعيف وقد وُثِّق اهـ. وقال ابن القيم رحمه الله في أحكام أهل الذمة (1/396) : وإسناده حسن ليس فيه إلا مسلم بن خالد الزنجي وحديثه لا ينحط عن رتبة الحسن اهـ. 2- ومنها: قول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: إنما الربا أَخِّرْ لي وأنا أزيدك، وليس عَجِّلْ لي وأنا أضع عنك. 3- ومنها: أن هذه المعاملة فيها مصلحة للطرفين (الدائن والمدين) فالدائن يستفيد تعجيل الدين، والمدين يستفيد بوضع بعض الدين عنه. وأجابوا عن دليل من حَرَّم ذلك، بأن قياس هذه المعاملة على الربا لا يصح، لأنها عكس الربا. ففي الربا يزيد الدين مقابل زيادة الأجل. وهنا نقص الدين ونقص الأجل. فكيف تقاس المسألة على عكسها؟! وهذا هو معنى كلام ابن عباس السابق. قال ابن القيم رحمه الله: وهذا ضد الربا فإن ذلك يتضمن الزيادة في الأجل والدين، وذلك إضرار محض بالغريم، ومسألتنا تتضمن براءة ذمة الغريم من الدين وانتفاع صاحبه بما يتعجله، فكلاهما حصل له الانتفاع من غير ضرر، بخلاف الربا المجمع عليه، فإن ضرره لاحق بالمدين، ونفعه مختص برب الدين، فهذا ضد الربا صورة ومعنى اهـ وسئلت اللجنة الدائمة عن هذه المسألة فقالت: [هذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم، والصحيح من قوليهم جواز الوضع والتعجيل وهو رواية عن الإمام أحمد واختيار الشيخين ابن تيمية وابن القيم ومنسوب إلى ابن عباس رضي الله عنهما ... اهـ] فتاوى اللجنة (13/168) . ومن قرارات المجمع الفقهي: الحطيطة من الدين المؤجل، لأجل تعجيله، سواء أكانت بطلب الدائن أو المدين، (ضع وتعجل) جائزة شرعاً، لا تدخل في الربا المحرم اهـ والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 13945 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5908 يقترضون ولا يعيدون فما العمل [السُّؤَالُ] ـ[نحن في حالة سيئة جداً حيث أن الناس هنا لا يحفظون الأمانة ولا الكلمة الحمد لله فزوجي يعمل وقلبه عطوف جداً وعندما يسأله الناس أن يقترضوا منه مالاً أو كتباً إسلامية (غير رخيصة) فإن هؤلاء الأخوة (أغلبهم لا يعملون ويعيشون على معونات الحكومة) لا يعيدون ما اقترضوه وربما يعطون تلك الكتب لشخص آخر بدون علم زوجي، وزوجي يجده من الصعب أن يطلب منهم ما اقترضوه، أشعر بأنني سأطلب منهم أن يعيدوا ما اقترضوه ولكن زوجي لا يحب هذا ولا أنا كذلك فماذا نفعل؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اعلمي أنّ الله عز وجل لا يضيع أجر من أحسن عملاً، والقرض الحسن من أفضل القربات وأجل الطاعات. ولكن إن علم زوجك أنّ هذا المقترض لا يحفظ الأمانة ولا يؤديها ويماطل في سداد الدّين فلا حرج عليه إذا امتنع عن إقراضه المال وإعارته الكتب. وأما إن كان معسراً لا مال عنده فالأفضل إنظاره والرفق به قال الله عز وجل: (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) . وأما لو طلبت حق زوجك أو طلبه هو: فلا حرج عليه لأنه حق له ولكن عليه أنْ يرفق ويحسن فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مات رجل فقيل له: ما كنت تقول؟ قال: كنت أبايع الناس فأتجوز عن الموسر وأخفف على المعسر، فغفر له) رواه البخاري رقم 2216 ويجب على من استدان أنْ يردّ الدين قال الله: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ) البخاري 2212 واعلمي أنه لا يضيع شيء عند الله وأنكما ستستردان ما ذهب وضاع عليكما في الدنيا وأنكما ستأخذانه حسنات يوم القيامة أحوج ما يكون الناس إلى الحسنات. والله ولي التوفيق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 5345 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5909 اقترض من زوجته ويريد أن يتزوج عليها [السُّؤَالُ] ـ[عندما تزوجت زوجي من 11 عاماً واقترض مني 40000 ريال ووقع ورقة بالدين وهو يتكلم عن أنه سوف يتزوج مما يعني أن معه مال كثير فهل لي أن أطالب بمالي أم لا؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا مانع أن تطالب الزوجة بمالها من زوجها، فهو حق خالص لها، لكن ننبه إلى أمور: 1. لا ينبغي للزوجة أن تضيق على زوجها فقط من أجل أنه يرغب بالزواج من ثانية، والأصل أن يكون التعاون بين الناس – وبين الزوجين أولى وأحرى - على البر والتقوى، وأن لا يضيَّق على مريد الحلال. 2. لا ينبغي لصاحب المال أن يطالب المعسِر بدَيْنه، وقد قال الله تعالى {وإن كان ذو عسرة فنظرَة إلى ميسرة} البقرة / 280. 3. لا يحل للمدين والذي يجد من المال ما يسدد به دينه أن يماطل بسداد ديْنه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " مطلُ الغني ظلم ". رواه البخاري (2166) ومسلم (1564) . 4. لا نرى للزوج أن يتزوج من مال زوجته، فإن هذا مؤذٍ لها، فعليه أن يرد الدين لزوجته، فإن بقي معه ما يتزوج به تزوج وإلا فلا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 9419 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5910 شراء البيوت عن طريق البنك [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أخذ قرض بفائدة من بنك بريطاني من أجل شراء منزل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان البنك يملك البيت فيجوز أن يبيعه عليك بثمن معلوم مؤجّل أو مقسّط على دفعات ولو كان زائدا على ثمنه نقدا وذلك على القول الرّاجح من أقوال أهل العلم. وأمّا إذا كان البنك سيدخل في العملية ممولا بحيث يُقرضك ثمن البيت ثمّ أنت تسدّد له بالزيادة فهذه عملية ربوية واضحة لا شكّ في تحريمها. وقد تطغى العمليات الربوية في كثير من البلدان في مجال شراء العقارات بحيث لا يكاد الشّخص يرى أمامه بديلا حلالا، ولكن المسلم عليه أن يصبر ويتحرّى الحلال: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3) سورة الطلاق. وصلى الله على نبينا محمد. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2128 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5911 ماذا يفعل من اقترض بالربا [السُّؤَالُ] ـ[سؤالي هو: كيف يُطهر المرء نفسه أو تجارته مما حصل في الماضي دون العلم بأنه حرام؟ على سبيل المثال، أملك محلاً للملابس موّلته من قرض ربوي ما زلت أسدده للبنك الذي اقترضت منه حتى اليوم. أيضاً، خسرت في تجارة في الماضي واضطررت لإعلان الإفلاس، مما يعني عدم سداد كثير من الناس. ما هو واجبي من الناحية الإسلامية في هذه الحالة؟ لقد حاولت جهدي لسداد كل ما أستطيع، ولكن لم أستطع سداد المبلغ كاملاً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب عليك أن تتوب إلى الله تعالى من كلّ قرض ربوي أقدمت عليه والنبي صلى الله عليه وسلم قد لعن في الربا الآخذ والمعطي والآكل والمؤكل كما جاء في الحديث الصحيح: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى الْآخِذُ وَالْمُعْطِي فِيهِ سَوَاءٌ " رواه مسلم 1584 وعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ رواه مسلم رقم 1598 والمسلم إذا أراد أن يُقدم على أمر معيّن لا يعلم حكمه فعليه أن يسأل أهل العلم عن حكمه قبل أن يُقدم عليه، وليس الجهل عذرا في جميع الحالات، وبالنسبة للقروض التي اقترضتها عليك أن تحاول ردّ رأس المال الذي اقترضته فقط، فإذا أُكرهت على دفع الربا وهي الزّيادة فنرجو إذا حسنت توبتك أن يعفو الله عنك، وتستمر في تجارتك وتتصدّق بما يتيسّر لتطهير نفسك ومالك، نسأل الله أن يُغنينا بحلاله عن حرامه وبفضله عمن سواه. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 824 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5912 مدين لأشخاص وبأموال يجهلها [السُّؤَالُ] ـ[أصبحت مديوناً لدرجة أنني لا أتذكر جميع الناس الذين يطالبونني بالمال ولا حتى المبلغ المطلوب مني. فماذا أفعل لأحل هذه المشكلة، ومتى أستطيع أن أحج دون أن تؤدي الديون إلى ردّ حجتي. جزاك الله خيرا.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذا السؤال له جانبان: الأول: ماذا تفعل لحل هذه المشكلة؟ الثاني: متى تستطيع الحج دون أن تؤدي الديون إلى ردّ حجتك؟ أما الأول: فتسعى إلى تسديد ديون الناس الذين تعلمهم، ومن طالبك بدين ومعه ما يثبته أو تذكرت أنك مدين له فسدد له، ومن تعرفه وتعرف مقدار دينه ولكنك لم تجده أو تعرف مقدار دين ولا تعرف صاحبه فتصدق بمقدار الدين عنه فإن جاء فخيره بين ثواب الصدقة أو أن تسدد له دينه ويكون الثواب لك. وأما الثاني: فإذا أردت الحج فإما أن تسدد لدائنيك لا سيما الذين تعرف منهم، وإما أن تستأذن منهم وتحج وفقك الله، ويسر لك قضاء دينك وأداء فرضك. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 5979 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5913 كيفية تسديد القرض الربوي عن الميت [السُّؤَالُ] ـ[توفي والدي قريباً، وقبل وفاته اقترض مبلغاً كبيراً من المال من أجل أشياء عاجلة، وكان هذا القرض قرضاً ربوياً. لم يستطع والدي سداد هذا القرض قبل وفاته. ولا نملك -نحن أبناؤه- المال الكافي في الوقت الحالي لسدّ هذا القرض، فماذا نفعل؟ نرجو الردّ بأسرع ما يمكن، حيث أني قلق من هذا الموضوع.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عليكم أن تحاولوا قضاء ديّن أبيكم برّا به، وحاولوا أيضا أن لا تردّوا إلا المبلغ الذي اقترضه دون أيّ زيادة ربوية، وأن تعظوا أصحاب المال وتنصحوهم بأخذ المبلغ الأصلي فقط، ولا بأس أن تفاوضوهم وتساوموهم على ذلك بحيث لا يكون لهم إلا رؤوس أموالهم لا يَظلمون ولا يُظلمون، وادعوا لميتكم بالمغفرة والرّحمة. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 2379 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5914 أرباح المقترض بربا [السُّؤَالُ] ـ[أسسنا مشروعا تجاريا بقرض ربوي ندفعه على أقساط. هل أرباح المشروع حلال وهل العمل فيه حلال.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الاقتراض بالربا من أكبر الكبائر وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله والمقترض بالربا مؤكل للربا ومعط له للمقرض. ومن فعل ذلك فعليه أن يتوب إلى الله ويحاول بقدر استطاعته أن لا يردّ إلا رأس المال الذي اقترضه دون زيادة وينصح من أقرضه فإن لم يتمكن من ذلك - كالمقترض من البنوك الربوية فإنهم نادرا ما يسامحون بل يأخذون حقهم بالقوّة - واضطر لردّ المبلغ مع الزيادة ردّه مع التوبة إلى الله عزّ وجل، وما اشتراه المقترض أو أنشأه من الأمور أو التجارات المباحة يجوز له أن يعمل فيه ويكسب، وعليه أن يُكثر من الصدقات لتطهير ماله ونفسه من سيئات ما فعل. وليس العامل في المؤسسة المنشأة بمال مقترَض من البنك مسؤولا عن ذلك الاقتراض فيجوز له العمل فيها ما دام العمل مباحا كغسيل الملابس وكيّها ونحو ذلك. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 244 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5915 اقترض بربا لصديقه ثم تاب فماذا عليه [السُّؤَالُ] ـ[اقترض بالربا باسمه لصديقه من باب مساعدة صديقه - بزعمه - وتاب فهل يجب عليه نقل الدين باسم صديقه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله: إذا أمكن فيجب عليه لئلا (يُعتبر راضيا) ، ولئلا يبقى مصرّا على المساعدة على الربا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن صالح العثيمين الحديث: 9664 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5916 اقترض بالربا قبل أن يُسلم فكيف يسددّه بعد الإسلام [السُّؤَالُ] ـ[إذا أخذ شخص قرضا بربا وكان ذلك قبل إسلامه فهل يجب عليه بعد إسلامه أن يسدده مع الربا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، فأجاب حفظه الله: ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه خطب الناس يوم عرفة وقال: " ربا الجاهلية موضوع "، مع أنه في الجاهلية وقبل ثبوت حكم الربا، فإذا تمكن أن لا يعطي الربا فليفعل ولكن لا يربح مرتين، بل يأخذ ولي الأمر من هذا الذي التزم بالربا يأخذ منه ما التزم به فيتصدق به أو يجعله في بيت المال. سؤال: قلتَ - حفظك الله- لا يربح مرتين، ما هما المرتان؟ الجواب: الأول: انتفاعه بالمال الذي أخذه من البنك مثلا. الثاني: الزيادة إذا قلنا لا تعطيها للأول معناه أنه ربحها.. لا يدفعها للمرابي، مثلا لو استقرض مليون بزيادة مائة ألف، هل نقول ادفع المليون، والمائة ألف لك؟ لا، نقول ادفع المليون ولا تدفع المائة ألف للمرابي لكن لا تربح فيكون المائة ألف لك.. تُجعل في بيت المال أو يتصدق بها. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن صالح العثيمين الحديث: 3685 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5917 دفع الفوائد بسبب التضخم ربا [السُّؤَالُ] ـ[أعلم بأن دفع الربا حرام، ولكن ما حكم دفع الربا الناتج عن التضخم؟ مثلا: إذا اقترضت مبلغ 50 جنيها وأريد أن أعيدها بعد 5 سنوات، قيمة ال50 جنيها بعد 5 سنوات ستتغير ولذلك فإنني سأدفع القيمة المساوية للمبلغ الذي اقترضته بعد 5 سنوات. أريد أن آخذ قرضاً للطلاب وعليه فائدة تضخم فهل هذا يجوز؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إذا اقترضت من شخص أو جهة مبلغ 50 جنيها لمدة خمس سنوات، فلا يجب عليك إلا تسديد هذا المبلغ بنفس العملة، ولو انخفضت قيمتها، ما دام التعامل بهذه العملة جارياً. وقد سبق في السؤال رقم (12541) أن دفع زيادة في القرض بسبب نقص قيمة العملة حرام، ويعتبر من الربا. وهو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء. ثانياً: من اقترض بعملة، واتفق على التسديد بغيرها فقد وقع في الربا، لأن حقيقة عمله هي: بيع عملة حاضرة بعملة أخرى مؤجلة، وهذا محرم وهو نوع من نوعي الربا، ويسمى "ربا النسيئة". لكن للمقترض أن يصطلح مع مقرضه – عند موعد السداد – على أن يسلم له قرضه بعملة أخرى. ففي المثال السابق، إذا مضت خمس سنوات، وجب عليك أن تسدد 50 جنيها، ولك أن تصطلح مع المقرض – يوم السداد - على أن تسلمه ما يعادلها من العملات الأخرى كالدولار مثلا، ولكن بشرط أن يكون ذلك بسعر الصرف يوم السداد. ثالثاً: وأما أخذ القرض وعليه فائدة تضخم، فقد سبق أن الزيادة في القرض مقابل التضخم حرام، وأنه من الربا، وعلى هذا، فلا يجوز لك أخذ هذا القرض. لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ. رواه مسلم (1598) . و"آكل الربا" هو الآخذ، و "مؤكله" المعطي. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 23388 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5918 حكم الاقتراض من بنك متعامل مع شركته بدون ربا [السُّؤَالُ] ـ[شركة لها معاملات وحسابات مع أحد البنوك وهذا البنك يقبل أن يقرض موظفي الشركة مبلغاً معيناً بدون زيادات ربوية ويطلب تحويل جزء من راتب الموظف إليه، فهل يجوز للموظف أن يقترض من هذا البنك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله بقوله: لا مانع من اقتراض الموظف من هذا البنك مادام القرض بدون ربا. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد بن صالح العثيمين الحديث: 7309 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5919 إعطاء هدية عند ردّ الشيء المستعار [السُّؤَالُ] ـ[أعارتني صديقتي ماكينة خياطة. وقد فكرت أن أخيط لها شيئا بماكينتها أو أشتري لها هدية تعبيراً عن شكري لها، فهل يعد ذلك من فروع الربا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله هذه تعتبر هدية مقابل هذا الجميل الذي صنعته إليك صديقتك ومكافأة لها على هذا المعروف، وليس هذا ربا، وإنما فعلك هذا من السنة، فقد جاء في الحديث الصحيح عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( ..... وَمَنْ آتَى إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَعْلَمُوا أَنْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ) رواه النسائي (الزكاة /2520) وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي برقم (2407) ، وقد قال الله تعالى: (هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلا الإِحْسَان) الرحمن /60، وروى البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِنٌّ مِنْ الإِبِلِ فَجَاءَهُ يَتَقَاضَاهُ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَعْطُوهُ فَطَلَبُوا سِنَّهُ فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ إِلا (سِنًّا) فَوْقَهَا فَقَالَ أَعْطُوهُ فَقَالَ أَوْفَيْتَنِي وَفَى اللَّهُ بِكَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً) (في الاستقراض وسداد الديون / 2393) قال ابن حجر: وَوَجْهُ اَلدَّلالَةِ مِنْهُ أَنَّ اَلنَّبِيَّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَبَ لِصَاحِبِ اَلسَّنِّ اَلْقَدْرَ اَلزَّائِد عَلَى حَقِّهِ. وَفِيهِ حُسْنُ خُلُقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِظَمُ حِلْمِهِ وَتَوَاضُعه وَإِنْصَافه. و (السنّ) هو الجمل في عمر معيّنة. وهذا يختلف تماماً عن اقتراض مال واشتراط ردّه مع زيادة، فهذا عين الربا، والله الموفق. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 14032 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5920 نظام الجمعيات [السُّؤَالُ] ـ[قال لي صديق أثق في كلامه إن شاء الله أن الشيخ بن باز رحمه الله قال في أحد الدروس أن نظام الجمعيات محرم شرعا. فما حقيقة هذا القول؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المعروف المشهور عن الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله القول بجواز نظام الجمعيات، وقد خالف في ذلك بعض العلماء أمثال الشيخ صالح الفوزان، فقد ذهب إلى تحريم هذه المعاملة في كتابه " البيان لأخطاء بعض الكتَّاب " (ص 377 - 380) . ولمجلس هيئة كبار العلماء قرار في حكم هذه الجمعيات، وهذا نصه: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير الخلق أجمعين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين. أما بعد فقد نظر مجلس هيئة كبار العلماء في دورته الرابعة والثلاثين المنعقدة في مدينة الطائف ابتداء من 16 / 2 / 1410 هـ، إلى 26 / 2 / 1410 هـ في الاستفتاءات المقدمة من بعض الموظفين مدرسين وغيرهم إلى سماحة الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد والمحالة من سماحته إلى المجلس عن حكم ما يسمى بجمعيات الموظفين وصورتها " أن يتفق عدد من الموظفين يعملون في الغالب في جهة واحدة مدرسة أو دائرة أو غيرهما على أن يدفع كل واحد منهم مبلغاً من المال مساوياً في العدد لما يدفعه الآخرون، وذلك عند نهاية كلِّ شهرٍ ثم يدفع المبلغ كله لواحدٍ منهم، وفي الشهر الثاني يدفع لآخر وهكذا حتى يتسلم كلُّ واحدٍ منهم مثل ما تسلمه مَن قبله سواء بسواء دون زيادة أو نقص ". كما اطلع على البحث الذي أعده فضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان المنيع في حكم القرض الذي يجر نفعاً، ثم جرت مداولات ومناقشات لم يظهر للمجلس بعدها بالأكثرية ما يمنع هذا النوع من التعامل لأن المنفعة التي تحصل للمقرِض لا تنقص المقترض شيئاً من ماله وإنما يحصل المقترض على منفعةٍ مساويةٍ لها ولأن فيه لهم جميعاً من غير ضرر على واحدٍ منهم أو زيادة نفع لآخر، والشرع المطهر لا يرد بتحريم المصالح التي لا مضرة فيها على أحدٍ بل ورد بمشروعيتها. وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه. هيئة كبار العلماء. مجلة البحوث الإسلامية (27 / 349، 350) . وأما الشيخ ابن باز رحمه الله فله فتوى في إباحة هذه الجمعيات فقد سئل رحمه الله عن حكمها فقال: ليس في ذلك بأس، وهو قرض ليس فيه اشتراط نفع زائد لأحد، وقد نظر في ذلك مجلس هيئة كبار العلماء فقرر بالأكثرية جواز ذلك لما فيه من المصلحة للجميع وبدون مضرة ... والله ولي التوفيق فتاوى إسلامية 2/413. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 8995 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5921 حكم زكاة الدَّيْن وهل تُخرج من غير المال؟ [السُّؤَالُ] ـ[استدان مني أخي خمسة آلآف ريال، واستدانت مني أختي خمسمائة ريال، وأنا أخرج الزكاة دائما في رمضان، فهل أخرج الزكاة عن الدين؟ وهل يجوز أن أضعها في إفطار صائم أو في مبنى الوقف الخيري لمكتب الدعوة والإرشاد؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: قال علماء اللجنة الدائمة: إذا كان المَدين معسراً أو كان مليئاً لكنه مماطل ولا يمكن الدائن استخلاص دينه منه، إما لكونه لايجد لديه من الإثبات ما يستخلص به حقه لدى الحاكم، أو لديه الإثبات لكن لا يجد مِن ولي الأمر ما يساعده على تخليص حقه، كما في بعض الدول التي لا نصرة فيها للحقوق: فلا تجب الزكاة على الدائن حتى يقبض دينه ويستقبل به حولا. وأما إذا كان المدين مليئاً ويمكن استخلاص الدين منه: فالزكاة واجبة على الدائن كلما حال الحول، وكان الدين نصاباً بنفسه أو بضمه إلى غيره من النقود ونحوها. " فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (9 / 191) . ثانياً: ومن وجبت الزكاة في ماله فلا يجوز له صرفها إلا في مصارفها الشرعية، وقد سبق بيانها في جواب على السؤال رقم (6977) ، فلا يجوز وضع زكاة المال في إفطار الصائم ولا في مبنى الوقف الخيري، لأن ذلك ليس من مصارف الزكاة الثمانية التي حددها الله سبحانه وتعالى. وقد سبق في عدة أجوبة عدم جواز دفع الزكاة في بناء المساجد والمدارس وكذلك في طباعة المصحف، فانظرها في (13734) و (21797) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50014 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5922 هل يجوز أن يضمن شخصاً في قرض من البنك؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما هو حكم الإسلام في ضمان أخ في قرض من البنك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان هذا القرض ربوياً (كما هو واقع أكثر البنوك) بمعنى أن البنك يأخذ عليه فائدة فإنه لا يجوز لك أن تضمن المقترض، لأن في ذلك إعانة للمتقرض والبنك على الربا الذي حرمه الله ورسوله وأجمع المسلمون على تحريمه. سئل علماء اللجنة عن حكم كفالة المقترض من بنك ربوي فأجابوا: إذا كان الواقع كما ذُكر من أخذ البنك فائدة على القرض: لم يجز للمدير ولا للمحاسب ولا لأمين الصندوق التعاون معهم في ذلك؛ لقوله تعالى: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2؛ ولما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم " لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء ". " فتاوى اللجنة الدائمة " (13 / 410) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 50016 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5923 يستحي أن يرد المال لجاره لأنه زهيد جدا [السُّؤَالُ] ـ[كنت صغيرا حوالي 11 أو 12 سنة على ما أتذكر، وفي ذهابي إلى المدرسة وأخذ وسيلة المواصلات وجدت أن مالي قد فقدته ولم يتبق معي غير مبلغ لم يكمل ثمن الأجرة ولم يكن معي 5 قروش مصرية لكي تكمل الأجرة وهي أصغر عملة مصرية فأعطاني شخص يسكن بجواري ولكني لا أعرفه شخصيا ولا هو يعرفني، أعطاني ما يكمل الأجرة على أن يأتي إلى المنزل ويأخذ المبلغ بعد ذلك وفات من العمر الكثير الآن ولم يأخذ شيئا مني لأنه لم يأت وعمري الآن 18 عاما فهل هذا يعتبر دينا يجب رده أم لا علما بأني أخجل أن أذهب له وأعطه هذا المبلغ لأنه صغير جدا وبعد هذه المدة كلها من السنين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله مثل هذا المبلغ الزهيد الغلب أن من يدفعه يدفعه على سبيل الهدية لا على سبيل القرض، ولذلك لم يأت لأخذه، وربما يكون أخبرك أنه سيأتي لأخذه دفعاً للحرج عنك، حتى تقبل أخذ هذا المبلغ منه ولا ترده، وعليك أن تقابل إحسانه بالإحسان فتكافئه عليه إما بهدية أو بدعاء أو نحو ذلك، ومع ذلك فإنه بإمكانك ـ حتى تتغلب على مسألة الخجل ـ أن تذهب وتسلم عليه وتسأل عن أحواله، وتخبره بأنك لا تنسى موقفه القديم، وتشكره على ذلك، مبينا أن هذا المبلغ باق في ذمتك، ولم يمنعك من رده له إلا الحرج، فإن أعفاك فالحمد لله، وإلا فادفعه له. وهذا باب من أبواب الدعوة إلى الله، يدرك منه المخاطب عظم شأن الحقوق، وأهمية التحلل منها أو سدادها مهما بلغت. زادك الله حرصاً وأمانة، ووفقك لكل خير. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 45687 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5924 هل يلزم الابن بسداد دين والدته؟ [السُّؤَالُ] ـ[والدتي لا تصلي وحسب علمي فهي تعتبر كافرة، واعتادت أن تقترض الأموال ولا تعيدها، تعِد من تقترض منه بأنها ستعيد المال في أسرع وقت ولكنها لا تفعل، لا تصلي، ولا تصوم أبداً، هل يجب عليَّ أن أسدد ديونها إذا ماتت؟ نصحتها كثيراً ولكن دون جدوى وحسب علمي فالمبالغ كبيرة كما أنه توجد فوائد ربوية، وهي تفضل الذهاب في إجازة على أن تسدد ديونها، وأعلم من يقرضها من الكفار، وأنا لا أستطيع أن أسدد ما اقترضت. ماذا يجب عليّ فعله، فقد هداني الله، ولكن والدتي لا تصلي، ولا تصوم، ولا تزكي، ولا تلتزم بالحجاب الشرعي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: عليكِ شكر الله تعالى على ما أنعم عليكِ من الهداية والتوفيق، وهي نعمة يفتقدها كثيرون، وها أنتِ ترينها مفقودة في أقرب الناس إليك، وبالشكر تزداد النعم، قال الله تعالى: (لئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ) إبراهيم/7 وعليكِ أن تبذلي وسعك في إنقاذ والدتكِ من النار، بدعوتها بالتي هي أحسن للتي هي أقوم، فتذكرينها دوماً بالآخرة ولقاء الله تعالى ترغيباً وترهيباً لعل الله أن يصلح حالها، وعليكِ بذل الجهد في ذلك مع عدم اليأس والقنوط، وابحثي عمن يؤثر على قلبها وعقلها من أشقاء أو صديقات أو جيران هداهم الله تعالى للصراط المستقيم ليدلوها على ما فيه صلاح دينها. ثانياً: لا يجب عليكِ سداد ديونها – حتى لو كانت مسلمة - لا في حال حياتها ولا بعد مماتها، إلا أن تكون قد تركت مالاً، فحينها يجب عليكم قضاء دَيْنها من مالها (التركة) لتعلق حقوق الناس به، فإن وفَّى المال وإلا ذهب الدين على صاحبه، وليس لأحدٍ منهم أن يطالبكم بسداد الدين؛ لأن الدَّيْن إنما كان على أمكم لا عليكم، وأما أنتم فلم تُشغل ذممكم بشيء منه، لكن إن ماتت على الإسلام فيندب لكم قضاء ديْنها برّاً بها من غير وجوب. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فإن دين الميت لا يجب على الورثة قضاؤه لكن يقضى من تركته. " منهاج السنة " (5 / 232) . وعليكِ تحذير الناس من إعطائها المال، لما فيه من نصحهم، والحفاظ على أموالهم؛ ولما فيه من تخفيف الالتزامات الدنيوية والعقوبات الأخروية على والدتكِ بأخذها لمال الناس وعدم إرجاعه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 43085 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5925 هل يقدم الزواج على دفع الديون [السُّؤَالُ] ـ[إذا كان على الشخص مظالم في شكل ديون، وإمكانيته في الوقت الحاضر لا تسمح له برد المظالم، وفي نيته رد تلك المظالم متى ما استطاع ذلك، علماً بأن أصحاب تلك المظالم (الديون) غير موجودين معه في نفس البلد، وإذا مثلاً حصل له مالاً وهو خائف على نفسه من الفتن، ويرغب أن يتزوج فهل يقدم الزواج أم رد المظالم؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يجب تقديم رد المظالم من الديون ونحوها على الزواج، إلا إذا أذن أصحاب الديون له بتقديم الزواج على تسديد ديونه فيجوز حينئذ. أما بالنسبة لخشيته الفتنة على نفسه فعليه أن يصوم حفظاً لنفسه منها، لقوله صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أحصن للفرج وأغض للبصر، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) متفق عليه وبالله التوفيق [الْمَصْدَرُ] فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء 14/39 الحديث: 33700 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5926 هل تصير الأمة حرة إذا تزوجها سيدها؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل تصير الأمة حرة إذا تزوجها سيدها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اتفق العلماء على أنه لا يجوز للسيد أن يتزوج أمته، لأن عقد الملك أقوى من عقد الزوجية، ويفيد ما يفيده عقد الزوجة وزيادة، ويجوز له أن يتزوج أمَةَ غيره إذا توفرت شروط ذلك. قال ابن قدامة رحمه الله: " وليس للسيد أن يتزوج أمَتَه؛ لأن ملك الرق بة يفيد ملك المنفعة وإباحة البضع، فلا يجتمع معه عقدٌ أضعفُ منه، ولو ملك زوجته وهي أمة انفسخ نكاحها، وكذلك لو ملكت المرأة زوجها انفسخ نكاحها، ولا نعلم في هذا خلافا" انتهى. " المغني " (7/527) . وقال القرطبي رحمه الله في تفسير قوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ) النساء/25. " قوله تعالى: (فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم) أي: فَلْيَتَزَوّج بأَمَة الغير، ولا خلاف بين العلماء أنه لا يجوز له أن يتزوّج أَمَةَ نفسه؛ لتعارض الحقوق واختلافها " انتهى. " الجامع لأحكام القرآن " (5/139) . وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: " يحرم على العبد أن يتزوج سيدته للإجماع، ولأنه يتنافى كونها سيدته مع كونه زوجها؛ لأن لكل منهما أحكاماً. ويحرم على السيد أن يتزوج مملوكته؛ لأن عقد الملك أقوى من عقد النكاح، ولا يجتمع عقدٌ مع ما هو أضعفُ منه " انتهى. " الملخص الفقهي " (2/344) . والحاصل: أن عقد النكاح لا ينعقد بين السيد وأمته، وتبقى في ملكه وذمته ولا تكون حرة بذلك. وإذا أراد الرجل أن يتزوج أمته، فإنه يعتقها أولاً حتى تصير حرة، ثم يتزوجها. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ثَلاَثَةٌ لَهُمْ أَجْرَانِ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ، وَآمَنَ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَالْعَبْدُ الْمَمْلُوكُ إِذَا أَدَّى حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ، وَرَجُلٌ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَةٌ فَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا، وَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا، ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَتَزَوَّجَهَا، فَلَهُ أَجْرَانِ) رواه البخاري (97) ومسلم (154) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128160 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5927 هل الأفضل الصبر عن وطء الأمة؟ [السُّؤَالُ] ـ[الآية/25 من سورة النساء تدل على أن الصبر عن نكاح الأمَةِ أفضل لئلا يكون الولد عبداً. هل يشمل ذلك وطء الأمة دون زواج؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) النساء/25. دلت هذه الآية الكريمة على أن الأفضل للرجل ألا يتزوج أمة. قال السعدي رحمه الله: "فالحاصل أنه لا يجوز للحر المسلم نكاح أمة إلا بأربعة شروط ذكرها الله: الإيمان بهن، والعفة ظاهرا وباطنا، وعدم استطاعة طول الحرة، وخوف العنت، فإذا تمت هذه الشروط جاز له نكاحهن. ومع هذا فالصبر عن نكاحهن أفضل لما فيه من تعريض الأولاد للرق، ولما فيه من الدناءة والعيب. وهذا إذا أمكن الصبر، فإن لم يمكن الصبر عن المحرم إلا بنكاحهن وجب ذلك" انتهى. أما إذا وطئ السيد أمته فولدت له فإن الولد يكون حرا ولا يكون عبداً، فليس في وطء السيد أمته المحذور السابق في زواج الحر من الأمة. ولذلك لا تجد في القرآن الكريم كراهية وطء السيد أمته، ولا تفضيل الصبر على ذلك، بل جاءت الآيات العديدة التي تنص على حل جماع ملك اليمين، نحو قول الله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ. إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ. فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) المؤمنون/5-7. وانظر جواب السؤال رقم: (10382) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125442 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5928 ما هو مِلك اليمين؟ وهل يشترط لمالك اليمين أن يكون متزوجاً؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما هو " ملك اليمين "؟ وهل يجب أن يكون الشخص متزوجاً كي يحصل على واحدة منهن؟ وكيف لك أن تنهي الأمر وتحصل على واحدة، وتنص على أنها من ملك يمينك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إذا أقدر الله تعالى المجاهدين المسلمين على الكفار المحاربين: فإن رجالهم يكون أمرهم بين القتل أو الفداء أو العفو عنهم أو استرقاقهم وجعلهم عبيداً، ويكون الأمر راجعاً في اختيار واحدة من هذه الأربع إلى الإمام حسب ما يراه من المصلحة في ذلك. وأما النساء فإنهن يصرنَ إماء وملك يمين، والأطفال الذكور يصيرون عبيداً، ويقسِّم القائد والإمام هؤلاء بين المحاربين المجاهدين. قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله: وسبب الملك بالرق: هو الكفر، ومحاربة الله ورسوله، فإذا أقدر اللهُ المسلمينَ المجاهدين الباذلين مُهَجهم وأموالهم وجميع قواهم وما أعطاهم الله لتكون كلمة الله هي العليا على الكفار: جعلهم ملكاً لهم بالسبي إلا إذا اختار الإمام المنَّ أو الفداء لما في ذلك من المصلحة للمسلمين. " أضواء البيان " (3 / 387) . فقد حصر الإسلام مصادر الرق التي كانت قبل الرسالة المحمدية في مصدر واحد وهو: رق الحرب الذي يفرض على الأسرى من الكفار. وقد أكرمهن الإسلام في رقهن عما كنَّ يلقينه في غير بلاد الإسلام، فلم تعد أعراضهن نهباً مباحاً لكل طالب على طريقة البغاء، وكان هذا هو مصير أسيرات الحروب في أغلب الأحيان، وإنما جعلهن ملكاً لصاحبهن وحده، وحرَّم أن يشترك معه أحد في جماعها حتى لو كان ابنه، وجعل من حقهن نيل الحرية بالمكاتبة، ورغَّب في عتقها ووعد بالثواب على ذلك، وجعل عتقها واجباً شرعياً في بعض الكفارات ككفارة القتل الخطأ والظِهار واليمين، وكن يلقين أحسن المعاملة من أسيادهن كما أوصاهم بذلك الشرع المطهر. ثانياً: ولا يجب أن يكون المجاهد متزوجاً حتى يحصل على ملك اليمين، ولم يقل أحدٌ من أهل العلم بهذا. ثالثاً: إذا تملك المجاهد أمة أو عبداً فإنه يجوز له أن يبيعهما، وفي كلا الحالتين – التملُّك من المعركة أو من البيع – لا يجوز للرجل أن يعاشر الأمَة إلا بعد أن تحيض حيضة يُعلم بها براءة رحمها من الحمل، فإن كانت حاملاً: فعليه أن ينتظر حتى تضع حملها. عن رويفع بن ثابت الأنصاري قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم حنين قال: " لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره - يعني: إتيان الحبالى -، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقع على امرأة من السبي حتى يستبرئها، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيع مغنما حتى يقسم ". رواه أبو داود (2158) ، وحسَّنه الشيخ الألباني في " صحيح أبي داود " (1890) . ولأسباب متعددة منها: ترك المسلمين الجهاد من أزمات متطاولة، وصار وجود الرقيق الآن نادراً جداً، مما يوجب على المسلم الإحتياط ومزيد التثبت من إثبات الرق لأحد رجلاً كان أم امرأةً. وللمزيد يراجع السؤال رقم (26067) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 12562 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5929 هل يشتري هذه المرأة التي يزعم مرافقها أنها ملكه؟ [السُّؤَالُ] ـ[منذ أيام التقيت برجل مسيحي هنا في السعودية وقد كانت معه امرأة مسيحية أيضا كان قد جاء معها من خارج المملكة، وقد عرض ذلك الرجل أن يبيعني تلك المرأة بعد أن أخبرني أنه اشتراها من حيث جاء، وقد قابلت تلك المرأة وأخبرتني أن ذلك الرجل يملكها بعد أن اشتراها، فهل يجوز شراء تلك المرأة، وهل يسمى ذلك ملك يمين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز بيع المرأة الحرة، سواء كانت مسلمة أو كافرة؛ لما روى البخاري (2227) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (قَالَ اللَّهُ: ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ) . وأما الأَمَة فيجوز بيعها، وامتلاكها، لكن يندر جدا وجود الإماء في هذا العصر. ولهذا لا يجوز شراء صبي على أنه عبد، أو شراء امرأة على أنها أَمَة، حتى يتأكد الإنسان من وجود الرق. وبعض البلدان الفقيرة يبيعون أولادهم وبناتهم، وهم أحرار، وهؤلاء لا يجوز بيعهم بحال. كما أن البعض يخلط بين الخادمة والأمة، والخادمة حرة، تؤجر نفسها للخدمة، فلا يجوز بيعها، كما لا يجوز الاستمتاع بالنظر إليها أو لمسها؛ لأنها كسائر الأجنبيات، وأما الأمة فيجوز الاستمتاع بها. وينظر جواب السؤال رقم (12562) . وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: قد ذكرتم جواز شراء الجواري -الإماء- إذا كان ذلك بسببٍ مشروع ولم تذكروا هذا السبب؟ فأجاب: "إذا كان الرق ثبت بسببٍ شرعي، أي: بطريق شرعي، وذلك لأنه يوجد أناس يبيعون بناتهم، فهل إذا باعوهن يكن أرقاء؟ لا. ويوجد أناس يسرقون البنات ويبيعونهن، هل يكون هذا طريقاً شرعياً؟ لا. فالطريق الشرعي أصله: هو أن المسلمين إذا قاتلوا الكفار وغلبوهم واستولوا على أهليهم صار النساء سبياً، وكن أرقاء بهذا السبي " انتهى من "دروس وفتاوى الحرم المدني". فلا يجوز لك شراء هذه المرأة حتى يثبت صاحبها أنها أمةٌ مملوكة، وأنّى له ذلك! على أننا ننبه إلى الحذر من أصحاب الأغراض السيئة الذين يمكنهم استعمال هذه الحيلة لنشر الأمراض بين المسلمين، أو تشويه سمعتهم بأنهم يتاجرون في النساء، أو خداعهم وأخذ أموالهم، فيبيع الرجل صاحبته، ويقبض المال، ثم ما تلبث أن تهرب خلفه. نسأل الله أن يحفظنا من كل سوء ومكروه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 104584 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5930 جماع أسيرة الحرب [السُّؤَالُ] ـ[في الوقت الحالي، هل تجوز مجامعة أسيرة الحرب دون الزواج بها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يحل للرجل من النساء إلا الزوجة والأمة – الجارية -، والزوجة تحل بعد الزواج الشرعي. والأمَة تحل للرجل بمِلك اليمين، وتكون – أصلاً – من سبايا الحروب، ويمكن للمسلم أن يحصل عليها من ولي الأمر إن كان قد شارك المقاتل في الجهاد، أو بشرائها من صاحبها، وهي تحل له بمجرد المِلك بعد استبرائها بحيضة أو أن تضع حملها إن كانت حاملاً. قال تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ. إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) المؤمنون/5،6 والمعارج/29،30. عن أبي سعيد الخدري قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم - في سبايا أوطاس -: " لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة ". رواه أبو داود (2157) . والحديث: صححه الشيخ الألباني في " إرواء الغليل " (187) . وسبق في جواب السؤال رقم (10382) أن الإسلام أباح للرجل أن يجامع أمَته سواء كان له زوجة أو زوجات أم لم يكن متزوجا. وفي جوابَيْ السؤالين (5707) و (12562) أن السبايا تكون بتوزيع من ولي الأمر في الجهاد؛ لأنه قد يحكم بالفداء أو المن. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20085 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5931 ما الحكمة من جواز الاستمتاع بملك اليمين [السُّؤَالُ] ـ[في كتاب " الرحيق المختوم " يقول المؤلف في باب " بيت النبوة" أنه صلي الله عليه وسلم كان عنده إضافة إلى زوجاته أربع نساء مما ملكت يمينه 1- اذا ما ملكت اليمين ليس بحرام؟ 2- هل من الممكن لأي مسلم أن يكون لديه ما ملكت اليمين؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الله سبحانه وتعالى له الحكمة البالغة في شرائعه التي شرعها لعباده، لكن هذه الحكمة لا تظهر إلا لمن بحث عنها وهو مؤمن بتمام حكمته سبحانه وتعالى، ونظر وتأمل في المصالح التي تترتب على شرع الله تعالى والتي قد لا يراها الإنسان في النظر العابر غير المتأمل، خاصة إذا وُجد من يطعن في هذه التشريعات لمخالفتها لما يظنه حقا وحكمة ومصلحة. أما الجواب التفصيلي على سؤالك عن سبب إباحة المرأة المملوكة بملك اليمين على سيدها: فالجواب: أن ذلك لإباحة الله له، قال تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) المؤمنون/6، المعارج/30، وذلك بشرط أن يكون ملكه لها كان بوجه صحيح، وألا تكون هذه الأمة قد زوَّجها سيدها برجل آخر وهي لا تزال في عصمة هذا الزوج، وسبب هذه الإباحة أن هذه الأمة داخلة في ملكه، بسبب بذله للمال بالشراء أو بذله لنفسه في سبيل الله. قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله: وسبب الملك بالرق: هو الكفر، ومحاربة الله ورسوله، فإذا أقدر اللهُ المسلمينَ المجاهدين الباذلين مُهَجهم وأموالهم وجميع قواهم وما أعطاهم الله فتكون كلمة الله هي العليا على الكفار: جعلهم ملكاً لهم بالسبي إلا إذا اختار الإمام المنَّ أو الفداء لما في ذلك من المصلحة للمسلمين. أ. هـ " أضواء البيان " 3/387. قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله: فإن قيل: إذا كان الرقيق مسلماً فما وجه ملكه بالرق؟ مع أن سبب الرق الذي هو الكفر ومحاربة الله ورسله قد زال. فالجواب: أن القاعدة المعروفة عند العلماء وكافة العقلاء: أن الحق السابق لا يرفعه الحق اللاحق، والأحقية بالأسبقية ظاهرة لا خفاء بها. فالمسلمون عندما غنموا الكفار بالسبي: ثبت لهم حق الملكية بتشريع خالق الجميع، وهو الحكيم الخبير، فإذا استقر هذا الحق وثبت، ثم أسلم الرقيق بعد ذلك كان حقه في الخروج من الرق بالإسلام مسبوقاً بحق المجاهد الذي سبقت له الملكية قبل الإسلام، وليس من العدل والإنصاف رفع الحق السابق بالحق المتأخر عنه كما هو معلوم عند العقلاء. نعم، يحسن بالمالك ويجمل به أن يعتقه إذا أسلم، وقد أمر الشارع بذلك ورغَّب فيه، وفتح له الأبواب الكثيرة كما قدمنا ـ يشير بذلك إلى كون الله تعالى قد جعل الدخول في الإسلام شرطا في عتق الرقبة في أبواب الكفارات ـ فسبحان الحكيم الخبير (وتمَّت كلمة ربِّك صدقاً وعدلا لا مبدِّل لكلماته وهو السميع العليم) الأنعام/115. فقوله {صدقاً} أي: في الأخبار، وقوله {عدلاً} أي: في الأحكام. ولا شك أن من ذلك العدل: الملك بالرق وغيره من أحكام القرآن. وكم من عائب قولاً صحيحاً وآفته من الفهم السقيم " أضواء البيان " (3 / 389) أما امتلاك المسلم للرقيق فإنه ينبغي التحرز الشديد في ثبوت الرق لمن يُباع أو يُشترى الآن لأن الإسلام حصر مصادر الرق التي كانت متعددة قبل الرسالة المحمدية في مصدر واحد وهو: رق الحرب الذي يفرض على الأسرى من الكفار في حال قتال المسلمين لهم فلا يسري الرق إلا عليهم أو على من كان من نسلهم، ويمكنك مراجعة السؤال (26067) (12562) ففيهما زيادة تفصيل. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 13737 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5932 الإسلام والرق [السُّؤَالُ] ـ[كثيرا ما أسمع من دعاة الدين النصراني ذم الإسلام وتوجيه الاتهامات إليه بسبب أن الإسلام أباح الرق، وهذا فيه الاعتداء على حرية الإنسان وحقوقه، فكيف نمكن أن نجيب على هؤلاء؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الخوض في الحديث عن الرق وإثارة الأسئلة حوله من قبل دعاة التنصير والصادين عن دين الإسلام مما يثير حفيظة المتعقل , ومما يشير بأصابع الاتهام نحو الأغراض المستترة وراء هذه التساؤلات. ذلك أن الرق في اليهودية والنصرانية مقرر ثابت على صور ظالمة , وكتبهم بتفاصيل الحديث عنه والاستحسان له طافحة، وعليه فإن أول ما يستلفت النظر: كيف يسعى الكنسيون للدعوة إلى التنصير، والنصرانية تقول بالرق ومشروعيته؟ وبمعنى آخر: كيف يثيرون أمراً هم غارقون فيه إلى الأذقان؟ أما أمر الرق في الإسلام فمختلف تماماً إذا ما قورن بين النظرتين , وإذا ما قورن كذلك بما عليه حال الرق حين مجيء الإسلام. ولذلك لا بد من بسط القول في هذا الموضوع شيئاً ما مع الإشارة إلى ما عند اليهودية والنصرانية والحضارة المعاصرة في هذا الموضوع (الرق) ثم نذكر ما في الإسلام. وقد تعرض الإسلام في هذا لإفك كثير على حين نَجَا مجرمون عريقون في الإجرام لم تشر إليهم – مع الأسف – أصابع الاتهام. الإسلام والرق: يقرر الإسلام أن الله عز وجل خلق الإنسان كامل المسئولية وكلفه بالتكاليف الشرعية ورتب عليها الثواب والعقاب على أساس من إرادته واختياره. ولا يملك أحد من البشر تقييد هذه الإرادة، أو سلب ذلك الاختيار بغير حق , ومن اجترأ على ذلك فهو ظالم جائر. هذا مبدأ ظاهر من مبادئ الإسلام في هذا الباب وحينما يثار التساؤل: كيف أباح الإسلام الرق؟ نقول بكل قوة وبغير استحياء: إن الرق مباح في الإسلام , ولكن نظرة الإنصاف مع التجرد وقصد الحق توجب النظر في دقائق أحكام الرق في الإسلام من حيث مصدره وأسبابه ثم كيفية معاملة الرقيق ومساواته في الحقوق والواجبات للحر وطرق كسب الحرية وكثرة أبوابها في الشريعة، مع الأخذ في الاعتبار نوع الاسترقاق الجديد في هذا العالم المتدثر بدثار الحضارة والعصرية والتقدمية. لقد جاء الإسلام وللرق أسباب كثيرة، منها: الحروب، المدين إذا عجز عن الدين، يكون رقيقا، السطو والخطف، الفقر والحاجة. وما انتشر الرق ذلك الانتشار الرهيب في قارات الدنيا إلا عن طريق هذا الاختطاف، بل كان المصدر الأعظم في أوربا وأمريكا في القرون الأخيرة. والإسلام يقف بنصوصه من هذا موقفاً حازماً حاسماً، جاء في حديث قدسي: قال الله تعالى: (ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ كُنْتُ خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ، ذكر منهم: رَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ) رواه البخاري (2227) . ومن الطريف أنك لا تجد في نصوص القرآن والسنة نصاً يأمر بالاسترقاق , بينما تحفل آيات القرآن وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم بالعشرات من النصوص الداعية إلى العتق والتحرير. كانت مصادر الرق ومنابعه كثيرة عند ظهور الإسلام , بينما طرق التحرر ووسائله تكاد تكون معدومة , فقلب الإسلام في تشريعاته النظرة فأكثر من أسباب الحرية، وسَدَّ مسالك الاسترقاق , ووضع من الوصايا ما يسد تلك المسالك. فقد حصر الإسلام مصادر الرق التي كانت قبل الرسالة المحمدية في مصدر واحد فقط وهو: رق الحرب الذي يفرض على الأسرى من الكفار وكذا على نسائهم وأولادهم. قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله: " وسبب الملك بالرق: هو الكفر، ومحاربة الله ورسوله، فإذا أقدر اللهُ المسلمينَ المجاهدين الباذلين مُهَجهم وأموالهم وجميع قواهم وما أعطاهم الله لتكون كلمة الله هي العليا على الكفار: جعلهم ملكاً لهم بالسبي إلا إذا اختار الإمام المنَّ أو الفداء لما في ذلك من المصلحة للمسلمين " انتهى من " أضواء البيان " (3/387) . وقال أيضاً: فإن قيل: إذا كان الرقيق مسلماً فما وجه ملكه بالرق؟ مع أن سبب الرق الذي هو الكفر ومحاربة الله ورسله قد زال. فالجواب: أن القاعدة المعروفة عند العلماء وكافة العقلاء: أن الحق السابق لا يرفعه الحق اللاحق، والأحقية بالأسبقية ظاهرة لا خفاء بها. فالمسلمون عندما غنموا الكفار بالسبي: ثبت لهم حق الملكية بتشريع خالق الجميع، وهو الحكيم الخبير، فإذا استقر هذا الحق وثبت، ثم أسلم الرقيق بعد ذلك كان حقه في الخروج من الرق بالإسلام مسبوقاً بحق المجاهد الذي سبقت له الملكية قبل الإسلام، وليس من العدل والإنصاف رفع الحق السابق بالحق المتأخر عنه كما هو معلوم عند العقلاء. نعم، يحسن بالمالك ويجمل به أن يعتقه إذا أسلم، وقد أمر الشارع بذلك ورغَّب فيه، وفتح له الأبواب الكثيرة. فسبحان الحكيم الخبير (وتمَّت كلمة ربِّك صدقاً وعدلا لا مبدِّل لكلماته وهو السميع العليم) الأنعام/115. فقوله: (صدقاً) أي: في الأخبار، وقوله: (عدلاً) أي: في الأحكام. ولا شك أن من ذلك العدل: الملك بالرق وغيره من أحكام القرآن. وكم من عائب قولاً صحيحاً وآفته من الفهم السقيم " انتهى من "أضواء البيان" (3 / 389) . ولقد كان الأسر في الحروب من أظهر مظاهر الاسترقاق , وكل حرب لابد فيها من أسرى , وكان العرف السائد يومئذ أن الأسرى لا حرمة لهم ولا حق، وهم بين أمرين إما القتل وإما الرق، ولكن جاء الإسلام ليضيف خيارين آخرين: المن والفداء، قال الله تعالى: (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً) محمد/4. ففي غزوة بدر أخذ النبي صلى الله عليه وسلم الفداء من أسرى المشركين وأطلق سراحهم، وأطلق الرسول صلى الله عليه وسلم كثيراً من الأسرى في غزواته مجاناً، منَّ عليهم من غير فداء، وفي فتح مكة قيل لأهل مكة: اذهبوا فأنتم الطلقاء. وفي غزوة بني المصطلق تزوج الرسول أسيرة من الحي المغلوب ليرفع من مكانتها , حيث كانت ابنة أحد زعمائه , وهي أم المؤمنين جويرة بنت الحارث رضي الله عنها، فما كان من المسلمين إلا أن أطلقوا سراح جميع هؤلاء الأسرى. فالإسلام ليس متعطشا لدماء الأسرى، بل ولا متعطشا حتى لاسترقاقهم. ومن هذا تدرك الصورة المحدودة والمسالك الضيقة التي يلجأ إليها في الرق , وهو لم يلغه بالكلية , لأن هذا الأسير الكافر المناوئ للحق والعدل كان ظالماً، أو معيناً على ظلم، أو أداة في تنفيذه أو إقراره , فكانت حريته فرصة لفشو الطغيان والاستعلاء على الآخرين، والوقوف في وجه الحق، ومنعه من الوصول إلى الناس. إن الحرية حق أصيل للإنسان، ولا يسلب امرؤ هذا الحق إلا لعارض نزل به , والإسلام – عندما قبل الرق في الحدود التي أوضحناها – فهو قيّد على إنسان استغلَّ حريته أسوأ استغلال .... فإذا سقط أسيراً إثر حرب عدوان انهزم فيها، فإن إمساكه بمعروف مدة أسره تصرف سليم. ومع كل هذا فإن فرصة استعادة الحرية لهذا وأمثاله في الإسلام كثيرة وواسعة. كما أن قواعد معاملة الرقيق في الإسلام تجمع بين العدالة والإحسان والرحمة. فمن وسائل التحرير: فرض نصيب في الزكاة لتحرير العبيد , وكفارات القتل الخطأ والظهار والأيمان والجماع في نهار رمضان , إضافة إلى مناشدة عامة في إثارة للعواطف من أجل العتق والتحرير ابتغاء وجه الله. وهذه إشارات سريعة لبعض قواعد المعاملة المطلوبة عدلاً وإحساناً مع هؤلاء: 1- ضمان الغذاء والكساء مثل أوليائهم: عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هُمْ إِخْوَانُكُمْ، جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ , فَمَنْ جَعَلَ اللَّهُ أَخَاهُ تَحْتَ يَدِهِ , فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ , وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ , وَلَا يُكَلِّفُهُ مِنْ الْعَمَلِ مَا يَغْلِبُهُ فَإِنْ كَلَّفَهُ مَا يَغْلِبُهُ فَلْيُعِنْهُ عَلَيْهِ) رواه البخاري (6050) . 2- حفظ كرامتهم: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكَهُ وَهُوَ بَرِيءٌ مِمَّا قَالَ جُلِدَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ) رواه البخاري (6858) . وأعتق ابن عمر رضي الله عنهما مملوكاً له، ثم أخذ من الأرض عوداً أو شيئاً فقال: ما لي فيه من الأجر ما يساوي! هذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (مَنْ لَطَمَ مَمْلُوكَهُ أَوْ ضَرَبَهُ فَكَفَّارَتُهُ أَنْ يُعْتِقَهُ) رواه مسلم (1657) . 3- العدل مع الرقيق والإحسان إليهم روى أن عثمان بن عفان رضي الله عنه دَعَك أُذُن عَبْدٍ له على ذنب فعله، ثم قال له بعد ذلك: تقدم واقرص أذني، فامتنع العبد فألح عليه، فبدأ يقرص بخفة، فقال له: اقرص جيداً، فإني لا أتحمل عذاب يوم القيامة، فقال العبد: وكذلك يا سيدي: اليوم الذي تخشاه أنا أخشاه أيضاً. وكان عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه إذا مشى بين عبيده لا يميزه أحد منهم – لأنه لا يتقدمهم، ولا يلبس إلا من لباسهم. ومر عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوماً فرأى العبيد وقوفاً لا يأكلون مع سادتهم، فغضب، وقال لمواليهم: ما لقوم يستأثرون على خدامهم؟ ثم دعا الخدم فأكلوا معهم. ودخل رجل على سلمان رضي الله عنه فوجده يعجن – وكان أميراً - فقال له: يا أبا عبد الله ما هذا؟! فقال بعثنا الخادم في شغل فكرهنا أن نجمع عليه عملين! 4- لا مانع أن يتقدم العبد على الحر في بعض الأشياء: فيما يفضله فيه من شئون الدين والدنيا، وقد صحت إمامته في الصلاة، وكان لعائشة أم المؤمنين عبد يؤمها في الصلاة، بل لقد أمر المسلمون بالسمع والطاعة إذا ملك أمورهم عبد! 5- وله أن يشتري نفسه من سيده ويكون حراً فإذا حدث لأمر ما أن استرق ثم ظهر أنه أقلع عن غيه، ونسي ماضيه وأضحى إنساناً بعيد الشر قريب الخير، فهل يجاب إلى طلبه بإطلاق سراحه؟ الإسلام يرى إجابته إلى طلبه، ومن الفقهاء من يوجب ذلك ومنهم من يستحبه!!! وهو ما يسمى عندنا مكاتبة العبد لسيده (بمعنى أن العبد يشتري نفسه من سيده مقابل مال يدفعه له على أقساط) قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ) النور/33. هذا عدل الإسلام مع الرقيق وإحسانه إليهم، ومعاملته لهم. فكان من نتائج هذه الوصايا: أن أصبح الرقيق صديقا لمالكه في كثير من الأحيان، بل أحله بعضهم محل الابن، يقول سعد بن هاشم الخالدي في وصف غلام له: ما هو عبد لكنه ولد * خولنيه المهيمن الصمد شد أزري بحسن خدمته * فهو يدي والذراع والعضد وكان من نتيجة معاملة المسلمين للأرقاء هذه المعاملة، اندماج الأرقاء في الأسر الإسلامية إخوة متحابين، حتى كأنهم بعض أفرادها. يقول جوستاف لوبون في "حضارة العرب" (ص459-460) : "الذي أراه صادقاً هو أن الرق عند المسلمين خير منه عند غيرهم، وأن حال الأرقاء في الشرق أفضل من حال الخدم في أوروبا، وأن الأرقاء في الشرق يكونون جزءاً من الأسرة ... وأن الموالي الذين يرغبون في التحرر ينالونه بإبداء رغبتهم.. ومع هذا لا يلجأون إلى استعمال هذا الحق" انتهى. كيف معاملة غير المسلمين للرقيق؟ موقف اليهود من الرقيق: ينقسم البشر عند اليهود إلى قسمين: بنو إسرائيل قسم، وسائر البشر قسم آخر. فأما بنو إسرائيل فيجوز استرقاق بعضهم حسب تعاليم معينة نص عليها العهد القديم. وأما غيرهم، فهم أجناس منحطة عند اليهود، يمكن استعبادها عن طريق التسلط والقهر، لأنهم سلالات كتبت عليها الذلة باسم السماء من قديم، جاء في الإصحاح الحادي والعشرين من سفر الخروج (2- 12) ما نصه: (إذا اشتريت عبداً عبرانياً فست سنين يخدم، وفي السابعة يخرج حراً مجاناً، إن دخل وحده، فوحده يخرج، إن كان بعل امرأة تخرج امرأته معه , إن أعطاه سيده امرأة وولدت له بنين وبنات فالمرأة وأولادها يكونون للسيد، وهو يخرج وحده، ولكن إذا قال العبد: أحب سيدي وامرأتي وأولادي لا أخرج حراً، يقدمه سيده إلى الله، ويقربه إلى الباب أو إلى القائمة، ويثقب سيده أذنه بالمثقب يخدمه إلى الأبد) . أما استرقاق غير العبراني فهو بطريق الأسر والتسلط لأنهم يعتقدون أن جنسهم أعلى من جنس غيرهم، ويلتمسون لهذا الاسترقاق سنداً من توراتهم المحرفة، فيقولون: إن حام بن نوح – وهو أبو كنعان- كان قد أغضب أباه، لأن نوحاً سكر يوماً ثم تعرى وهو نائم في خبائه، فأبصره حام كذلك، فلما علم نوح بهذا بعد استيقاظه غضب، ولعن نسله الذين هم كنعان، وقال – كما في التوراة في "سفر التكوين" إصحاح (9/25- 26) : (ملعون كنعان عبد العبيد يكون لإخوته، وقال: مبارك الرب إله سام، وليكن كنعان عبداً لهم) . وفي الإصحاح نفسه (27) : (ليفتح الله ليافث فيسكن في مساكن سام، وليكن كنعان عبداً لهم) . وفي سفر التثنية الإصحاح العشرون (10-14) : (حين تقرب من مدينة لكي تحل بها استدعها إلى الصلح، فإن أجابتك إلى الصلح وفتحت لك، فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويستعبد لك، وإن لم تسالمك بل عملت معك حربا فحاصرها، وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف، وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة، كل غنيمتها فتغتنمها لنفسك) . موقف النصرانية من الرقيق: جاءت النصرانية فأقرت الرق الذي أقره اليهود من قبل، فليس في الإنجيل نص يحرمه أو يستنكره. والغريب أن المؤرخ (وليم موير) يعيب نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم بأنه لم يبطل الرق حالاً، مع تغاضيه عن موقف الإنجيل من الرق، حيث لم ينقل عن المسيح، ولا عن الحواريين ولا عن الكنائس شيئاً في هذه الناحية. بل كان بولس يوصي في رسائله بإخلاص العبيد في خدمة سادتهم، كما قال في رسالته إلى أهل إفسس. أمر بولس العبيد بطاعة سادتهم كما يطيعون المسيح، فقال في رسالته إلى أهل إفسس الإصحاح السادس (5-9) : (أيها العبيد، أطيعوا سادتكم حسب الجسد بخوف ورعدة في بساطة قلوبكم كما للمسيح، لا بخدمة العين كمن يرضى الناس، بل كعبيد المسيح، عاملين مشيئة الله من القلب، خادمين بنية صالحة كما للرب ليس للناس، عالمين أن مهما عمل كل واحد من الخير فذلك يناله من الرب عبدا كان أو حرا) . وفي المعجم الكبير للقرن التاسع عشر (لاروس) : " لا يعجب الإنسان من بقاء الرق واستمراره بين المسيحيين إلى اليوم، فإن نواب الدين الرسميين يقرون صحته ويسلمون بمشروعيته ". وفيه: " الخلاصة: أن الدين المسيحي ارتضى الاسترقاق تماماً، إلى يومنا هذا، ويتعذر على الإنسان أن يثبت أنه سعى في إبطاله ". وأقر القديسون أن الطبيعة جعلت بعض الناس أرقاء. فرجال الكنيسة لم يمنعوا الرق ولا عارضوه بل كانوا مؤيدين له، حتى جاء القديس الفيلسوف توماس الأكويني فضم رأي الفلسفة إلى رأي الرؤساء الدينيين، فلم يعترض على الرق بل زكاه لأنه - على رأي أستاذه أرسطو - حالة من الحالات التي خلق عليها بعض الناس بالفطرة الطبيعية، وليس مما يناقض الإيمان أن يقنع الإنسان من الدنيا بأهون نصيب. "حقائق الإسلام" للعقاد (ص215) . وجاء في قاموس الكتاب المقدس للدكتور جورج يوسف: "إن المسيحية لم تعترض على العبودية من وجهها السياسي ولا من وجهها الاقتصادي، ولم تحرض المؤمنين على منابذة جيلهم في آدابهم من جهة العبودية، حتى ولا المباحثة فيها، ولم تقل شيئاً ضد حقوق أصحاب العبيد، ولا حركت العبيد إلى طلب الاستقلال، ولا بحثت عن مضار العبودية، ولا عن قساوتها , ولم تأمر بإطلاق العبيد حالاً، وبالإجماع لم تغير النسبة الشرعية بين المولى والعبد بشيء، بل بعكس ذلك فقد أثبتت حقوق كل من الفريقين , وواجباته". أوربا المعاصرة والرقيق: من حق القارئ أن يسأل وهو في عصور النهضة والتقدم عن رائدة التقدم في هذه العصور، وعدد من كانوا يموتون بسبب طرق الاصطياد, وفي الطريق إلى الشواطئ التي ترسو عليها مراكب الشركة الإنجليزية وغيرها , ثم إن الباقين يموتون بسبب تغير الطقس , ويموت نحو 4% أثناء الشحن , و 12 % أثناء الرحلة , فضلاً عمن يموتون في المستعمرات!!! ومكثت تجارة الرقيق في أيدي شركات إنجليية حصلت على حق احتكار ذلك بترخيص من الحكومة البريطانية , ثم أطلقت أيدي جميع الرعايا البريطانيين في الاسترقاق , ويقدر بعض الخبراء مجموع ما استولى عليه البريطانيون من الرقيق واستعبدوه في المستعمرات من عام 1680 / 1786م حوالي 2130000 شخصاً. فعندما اتصلت أوربا بإفريقيا السوداء كان هذا الاتصال مأساة إنسانية , تعرض فيها زنوج هذه القارة لبلاء عظيم طوال خمسة قرون، لقد نظمت دول أوربا وتفتقت عقليتها عن طرق خبيثة في اختطاف هؤلاء واستجلابهم إلى بلادهم ليكونوا وقود نهضتها , وليكلفوهم من الأعمال مالا يطيقون , وحينما اكتُشِفَتْ أمريكا زاد البلاء , وصاروا يخدمون في قارتين بدلاً من قارة واحدة!! تقول دائرة المعارف البريطانية (2/779) مادة Slavery: " إن اصطياد الرقيق من قراهم المحاطة بالأدغال كان يتم بإيقاد النار في الهشيم الذي صنعت منه الحظائر المحيطة بالقرية حتى إذا نفر أهل القرية إلى الخلاء تصيدهم الإنجليز بما أعدوا لهم من وسائل ". وتم نقل مليون زنجي أفريقي إلى أمريكا مقابل موت تسعة ملايين أثناء عملية الاصطياد والشحن والنقل، وذلك في الفترة ما بين عام 1661م إلى عام 1774م، أي أن عشر الذين كانوا يصطادونهم فقط هم الذين يبقون أحياء، ويتم نقلهم إلى أمريكا، لا ليجدوا الراحة واللذة، بل ليجدوا السخرة والتعذيب!! وكان لهم في ذلك قوانين يخجل منها العقلاء! فكان من قوانينهم السوداء في ذلك: من اعتدى على سيده قُتل، ومن هرب قطعت يداه ورجلاه وكوي بالحديد المحمى , إذا أبق للمرة الثانية قُتل! وكيف سيهرب وقد قطعت يداه ورجلاه!! ومن قوانينهم: يحرم التعليم على الرجل الأسود ويحرم على الملونين وظائف البيض. وفي قوانين أمريكا: إذا تجمع سبعة من العبيد عُدَّ ذلك جريمة، ويجوز للأبيض إذا مر بهم أن يبصق عليهم، ويجلدهم عشرين جلدة. ونص قانون آخر: العبيد لا نفس لهم ولا روح، وليست لهم فطانة ولا ذكاء ولا إرادة، وأن الحياة لا توجد إلا في أذرعهم فقط. والخلاصة في ذلك: أن الرقيق من جهة الواجبات والخدمة والاستخدام عاقل مسئول يعاقب عند التقصير , ومن جهة الحقوق شيء لا روح له ولا كيان بل أذرعة فقط!! ثم أخيرا وبعد قرون طويلة من الاستعباد والظلم تم تحرير البروتوكول الخاص بمنع الرق والعمل للقضاء عليه، والمحرر في مقر الأمم المتحدة عام 1953 م. وهكذا لم تستفق ضمائرهم إلا في هذا القرن الأخير بعد ما بنوا حضارتهم على رفات الأحرار الذين استعبدوهم ظلماً وقهراً، وأي منصف يقارن بين هذا وبين تعاليم الإسلام -الذي مضى له أكثر من 14 قرناً- يرى أن إقحام الإسلام في هذا الموضوع أحق بالمثل السائر: "رمتني بدائها وانسلت! ". والله أعلم انظر كتاب: "شبهات حول الإسلام" لمحمد قطب، "تلبيس مردود في قضايا خطيرة" للشيخ الدكتور صالح بن حميد إمام الحرم المكي. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 94840 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5933 تعرف عليها ثم اتفق معها على أن تكون أمة له!! [السُّؤَالُ] ـ[لقد تعرفت منذ حوالي 6 شهور عن طريق صديقة لي على شخص مسافر لإكمال دراسته وكانت وسيلة الاتصال بيننا الإنترنت وكانت طبيعة الكلام بيننا عادية كأخ وأخت وكان ينصحني في أمور الدين ومنذ حوالي شهر ونصف طلب مني الارتباط وقال إنه سوف يتقدم لي بمجرد إنهاء دراسته بعد سنتين لكنني فوجئت به يوما يعرض علي موضوعا لم أعرفه من قبل ليحل كلامنا لبعض ولا تكون هناك حرمانية في كلامنا كشخصين مرتبطين وهو أن أقول له وهبتك روحي كامرأة حرة مسلمة ليست لأحد من الرجال وأن يقول قبلت وأخبرني أنه بذلك أصبح حليلة له ولا يوجد أي حرمانية في كلامنا بل نصبح كزوج وزوجته وقد سمى لي هذا بأنه ملك اليمين وقال لي إنه سأل متخصصين في هذا الموضوع وأجازوه لكني في ريبة من هذا الموضوع وقد حاولت أن أسال كثيرا إن كان هذا صحيحا أو لا؟ وهل يوجد ملك يمين في عصرنا هذا أو لا؟ أنا محتارة حقا وأرجو الإفادة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله اعلمي – وفقك الله – أنَّ ديننا العظيم قد حذرنا تحذيراً شديداً من إقامة العلاقات بين الجنسين خارج نطاق الزواج، وأوصد الباب بشدة أمام مصيبة برامج التعارف التي ذاعت وانتشرت عبر الصحف والمجلات وشبكة الإنترنت، وما ذلك إلا درءاً للفتنة، ومنعاً لحوادث العشق والغرام التي تؤول بأصحابها غالباً إلى الفواحش الخطيرة، وانتهاك حرمات الله، والعياذ بالله أو تؤدي بهم إلى زيجات فاشلة محفوفة بالشك وفقدان الثقة. وأنت – وفقك الله – أخطأت بادئ الأمر حين أقمت علاقة تعارف وصداقة مع شاب لا يمت لك بصلة. أما قولكِ (وهبتك روحي .......... ) فهذا خطأ، أولاً: لأنه لا يحل لرجل أن يتزوج امرأة من غير إذن وليها بكراً كانت أم ثيباً وذلك قول جمهور العلماء منهم الشافعي ومالك وأحمد لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي) رواه الترمذي (1101) وأبو داود (2085) وابن ماجه (1881) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " (1 / 318) . وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل، فنكاحها باطل) رواه الترمذي (1102) وأبو داود (2083) وابن ماجه (1879) وصححه الألباني في إرواء الغليل (1840) . ثانياً: ولأنه لا يحل لامرأة أن تهب نفسها لرجل، ولا تكون بذلك حلالاً له، فقد كان هذا خاصاً بالنبي صلى الله عليه وسلم فقط، وليس لأحد من أمته أن يفعل ذلك، قال الله تعالى: (وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) الأحزاب/50. أما قوله (بأنه ملك اليمين) فهذا خطأ أيضاً، لأن الحرة المسلمة لا يمكن أن تصير أمة مملوكة، بل ملك اليمين (الأمة) تكون من دولة كافرة محاربة للمسلمين إذا تم للمسلمين الاستيلاء عليها. قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله: " وسبب الملك بالرق: هو الكفر، ومحاربة الله ورسوله، فإذا أقدر اللهُ المسلمينَ المجاهدين لتكون كلمة الله هي العليا على الكفار: جعلهم ملكاً لهم " انتهى باختصار من "أضواء البيان" (3 / 387) . وأخيراً نحب أن نقول لك: إن الزواج الذي قام على غير أسس شرعية سليمة مصيرُه الفشل الذريع، وعضُّ أصابع الندم، كما أنَّ الشاب الذي يظل طوال هذه المدة الطويلة يقيم علاقة مع فتاة أجنبية عنه عبر الشات والهاتف، هو في الواقع شابٌّ يفتقد الوازع الديني والحياء والأدب، ولا يؤتمن على أعراض المسلمين، فننصحكِ بالتوبة إلى الله والرجوع إليه والابتعاد عن هذا الشاب، فهو أسلم لك. قبل أن تندمي وقت لا ينفع الندم، ولك عبرة في قصص كثيرة وأحداث مؤلمة كانت بدايته محادثة ومكالمة هاتفية، ثم كانت نهايتها الشقاء والندم. وللفائدة انظري إلى الأسئلة التالية: (26067) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 76324 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5934 جماع الأمة لا يعتبر زنى [السُّؤَالُ] ـ[في حديث: رأيت أبا سعيد وسألته عن العزل في الجماع فقال أبو سعيد " ذهبنا مع الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق وأسرنا بعض العرب، وبسبب طول بعدنا عن زوجاتنا أردنا أن نعزل في الجماع وسألنا الرسول صلى الله عليه وسلم هل هذا جائز فقال " من الأفضل عدم فعل هذا " فكل روح قدر الله أن توجد فلن تقوم الساعة حتى توجد. هل هذا الحديث يعني أن الصحابة لم يفعلوا الزنى عندما عزلوا في جماعهم مع النساء الأسرى؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: هذا الحديث رواه البخاري (2542) عَنْ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ قَالَ رَأَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ فَأَصَبْنَا سَبْيًا مِنْ سَبْيِ الْعَرَبِ فَاشْتَهَيْنَا النِّسَاءَ فَاشْتَدَّتْ عَلَيْنَا الْعُزْبَةُ وَأَحْبَبْنَا الْعَزْلَ فَسَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لا تَفْعَلُوا مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلا وَهِيَ كَائِنَةٌ. وفي رواية له (7409) " أَنَّهُمْ أَصَابُوا سَبَايَا فَأَرَادُوا أَنْ يَسْتَمْتِعُوا بِهِنَّ وَلا يَحْمِلْنَ فَسَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْعَزْلِ فَقَالَ مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لا تَفْعَلُوا فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ كَتَبَ مَنْ هُوَ خَالِقٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ". وهو عند مسلم (1438) بلفظ: " فَسَبَيْنَا كَرَائِمَ الْعَرَبِ فَطَالَتْ عَلَيْنَا الْعُزْبَةُ وَرَغِبْنَا فِي الْفِدَاءِ فَأَرَدْنَا أَنْ نَسْتَمْتِعَ وَنَعْزِلَ فَقُلْنَا نَفْعَلُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا لا نَسْأَلُهُ فَسَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لا عَلَيْكُمْ أَنْ لا تَفْعَلُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ خَلْقَ نَسَمَةٍ هِيَ كَائِنَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلا سَتَكُون ". أفاد الحديث أن الباعث على العزل أمران: الأول: كراهة أن يحملن، والثاني: رغبتهم في الفداء، ولو حملت الأمة المسبية لم يمكن بيعها. كما أفاد أن العزل لا يغير من الأمر شيئاً، فإن الله إذا قدر حصول الولد، سبق الماء قبل أن يشعر به الرجل. ثانياً: أباح الله الاستمتاع بالأمة إذا ملكها الرجل، ولا يعتبر ذلك زنا كما ذكر السائل، قال تعالى في وصف المؤمنين: (والذين هم لفروجهم حافظون، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملمومين) . والمقصود بملك اليمين في الآية الإماء. راجع سؤال رقم (10382) و (12562) فإذا تُبين ذلك فأعلم أن الصحابة رضي الله عنهم لم يخطر ببالهم ما فهمه السائل من الوقوع في الزنا ولكن كان مرادهم من السؤال هو حكم العزل عن الإماء التي ملكوهن في الجهاد. ثم إن العزل يكون مع الأمة ويكون مع الزوجة إذا رضيت بذلك. يراجع سؤال رقم (11885) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 20802 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5935 لا يجوز للسيِّد جِمَاعُ أمته المُتزَوَّجَة [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للرجل جماع أمته المتزوجة؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز للرجل جماع أمته المزَوَّجة، ومن فعل ذلك فقد أتى محرَّماً، وعليه التعزير، قال ابن قدامة في المُغْنِي: فإن زَوَّج أمته حَرُم عليه الاستمتاع،.. قال: فأما تحريم الاستمتاع بها فلا شك فيه ولا اختلاف، فإنها قد صارت مباحة للزوج، ولا تحِلُّ المرأة لرجلين، فإن وَطِئَها لَزِمَهُ الإثم والتعزير. وقال: قال أحمد يجلد ولا يُرجم. يعني أنه يعزَّر بالجلد.. ج/9 ص/497. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 13202 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5936 استأجر امرأة لخدمته ثم اتفق معها على أن تكون امة له [السُّؤَالُ] ـ[قبل عدة سنوات احتجت لبعض الخدم لأجل راحتي ومساعدتي ولكي أتمكن من تحقيق أعمالي، كانت عندي الاستطاعة أن أدفع للخدم ما أرادوه وأن أريحهم حسب شروطهم. كان بينهم امرأة صغيرة السن وقد وافقت على شروط العقد، هذه الخادمة تكون موجودة فقط حين حاجتي لها وتذهب حين عدم الحاجة لها. بما أن تلك الفتاة لا زالت تسكن مع أهلها وليست متزوجة فقد وافقت بأن أكون سيدها وسمحت لي بأن ألمسها وأنظر إليها، أمضينا الكثير من الأوقات سويّاً ثم حررتها من العقد المبرم بيننا وتزوجتها. - يمكن أن نتخذ العبيد وقت الحرب، ولكن متى يكون هذا؟ - كيف نتخذ العبيد وما هي الشروط الشرعية؟ - هل يجوز للسيد والأمة أن تكون بينهما علاقة جسدية وإلى أي حد؟ - هل هناك حدود للفارق في العمر بين السيد وأمته؟ - هل يمكن أن يتم هذا بالسر أم يجب إعلانه؟ - ما هو الحد الأدنى للعمر الذي يجب أن يكون عليه السيد والأمة؟ - هل توجد الإماء في وقت الحرب فقط؟ وهل هناك طريقة أخرى لامتلاك أمة؟ - هل صحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يملك العديد من العبيد؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله بعض الأسئلة متكررة ومتداخلة ولذا سنجيب عليها – إن شاء الله – جميعها في هذه النقاط: أولاً: فعلُك الذي فعلتَ مع الخادمة حرام لا يحل لك، والخادمة ليست أمَة حتى تستحل لمسها ومعاشرتها، فالخادمة حرَّة لا تحل لك إلا بالزواج وهو الذي فعلتَه لكن متأخراً – مع الأسف -. والعقد الذي بينك وبين الخادمة هو عقد إجارة على عمل وهو الخدمة في المنزل، وليس عقداً تستحل فيه معاشرتها، فقولك "أنها وافقت بأن تكون سيدها وسمحت لك بلمسها والنظر إليها وأنك قد حررتها من العقد المبرم بينكما " كل هذا ليس له أصل من الصحة الشرعيَّة بالمعنى الذي ذهبتَ إليه. فالحرة لا يمكن أن تصير أمة إلا كانت كافرة من دولة محاربة للمسلمين وتم للمسلمين الإستيلاء عليها، وهذا مفقود في الحال التي تسأل عنها. ثانياً: يمكن اتخاذ العبيد والإماء من الحروب التي تكون بين المسلمين والكفار، لا ما يكون بين المسلمين أنفسهم في وقت الفِتَن. فقد حصر الإسلام مصادر الرق التي كانت قبل الرسالة المحمدية في مصدر واحد وهو: رق الحرب الذي يفرض على الأسرى من الكفار وكذا على نسائهم وأولادهم. قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله: وسبب الملك بالرق: هو الكفر، ومحاربة الله ورسوله، فإذا أقدر اللهُ المسلمينَ المجاهدين الباذلين مُهَجهم وأموالهم وجميع قواهم وما أعطاهم الله فتكون كلمة الله هي العليا على الكفار: جعلهم ملكاً لهم بالسبي إلا إذا اختار الإمام المنَّ أو الفداء لما في ذلك من المصلحة للمسلمين. أ. هـ " أضواء البيان " (3 / 387) . ثالثاً: يمتلك المجاهدون الإماء كما يمتلكون الغنائم، ويجوز لمن تملَّك أمَةً أو عبداً أن يبيعهما، وفي كلا الحالتين – التملُّك من المعركة أو من البيع – لا يجوز للرجل أن يعاشر الأمَة إلا بعد أن تحيض حيضة يُعلم بها براءة رحمها من الحمل، فإن كانت حاملاً: فعليه أن ينتظر حتى تضع حملها. فعن رويفع بن ثابت الأنصاري قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم حنين قال: " لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره - يعني: إتيان الحبالى -، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقع على امرأة من السبي حتى يستبرئها، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيع مغنما حتى يقسم ". رواه أبو داود (2158) ، وحسَّنه الشيخ الألباني في " صحيح أبي داود " (1890) . رابعاً: يجوز أن تكون علاقة جسدية بين الرجل وأمَته كما يكون بين الرجل وزوجته إلا أن يكون قد زوجها من غيره فليس له أن يعاشرها لأن المرأة لا تحل لرجلين في وقت واحد. خامساً: لا حدود للفارق في السنِّ بين الرجل وأمَته، إلا أنه لا يجوز له معاشرتها إلا بعد أن تكون مطيقةً لذلك. سادساً: ينبغي أن تكون العلاقة بين الرجل وأمَته معلَنة غير سريَّة؛ وذلك لترتب أحكامٍ على هذا الإعلان، ومنها: ما قد يكون بينهما من أولاد، ومنه دفع الريبة عنه وعنها من قِبل الناس ومن يشاهدهما سويّاً. سابعاً: كان النبي صلى الله عليه وسلم يملك بعض الإماء والعبيد، ومنهم: قال ابن القيم: زيد بن حارثة بن شراحيل، حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، أعتقه وزوَّجه مولاته أمَّ أيمن، فولدت له أسامة، ومنهم أسلم، وأبو رافع، وثوبان، وأبو كبشة سُلَيم، وشقران - واسمه صالح -، ورباح - نوبي -، ويسار - نوبي أيضاً، وهو قتيل العرنيين -، ومِدْعَم، وكِرْكِرَة - نوبي أيضاً -، … وكلاهما قُتل بخيبر، ومنهم: أنجَشَة الحادي، وسفينة بن فروخ - واسمه مهران، وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم سفينة؛ لأنهم كانوا يحمِّلونه في السفر متاعهم، فقال: أنت سفينة – قال أبو حاتم: أعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال غيره: أعتقته أم سلمة، ومنهم أنَسَة، ويكنى أبا مِشرح، وأفلح، وعُبيد، وطهمان – وهو كيسان -، وذكوان، ومهران، ومروان – وقيل: هذا خلاف في اسم طهمان، والله أعلم -، ومنهم حُنين، وسندر، وفضالة – يماني -، ومابور – خصي -، وواقد، وأبو واقد، وقسام، وأبو عسيب، وأبو مُويهبة. ومن النساء: سلمى - أم رافع -، وميمونة بنت سعد، وخضرة، ورضوى، ورزينة، وأم ضميرة، وميمونة بنت أبي عسيب، ومارية، وريحانة. " زاد المعاد " (1 / 114 – 116) . ثامناً: يندر الآن وجود الرقيق بالمعنى الشرعي الذي يجوز معه ما ذُكر من أحكام الاستمتاع ونحوها، وذلك لتخلي عامة المسلمين عن فريضة الجهاد في سبيل الله منذ زمن بعيد مع ما يعانونه من ضعف وذل ومهانة أمام أعدائهم الكفار، حتى وقّعت كثير من الدول التي أكثر شعوبها من المسلمين البروتوكول الخاص بمنع الرق والعمل للقضاء عليه، والمحرر في مقر الأمم المتحدة عام 1953 م. وعليه فينبغي التحري الشديد في إثبات الرق لمن قد يُباع ويشترى الآن، وكذلك الحذر من الفهم الخاطيء لبعض الترجمات لكلمة الأمة والإماء حيث يفهم بعض المسلمين الجدد أن الاسترقاق يحصل بمجرد دفع المال للمرأة والاتفاق على الاستمتاع بها وذلك كالبغايا اللاتي ينتشرن الآن في أماكن الفسق والفجور والملاهي الليلية وخدمات الزنا بالهاتف. ونسأل الله أن يبصرنا وإياك بأمور ديننا وأن يكفينا شر مساخطه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 26067 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5937 الفرق بين الإماء والبغايا [السُّؤَالُ] ـ[سمعت بأنه يجوز للرجل أن يجامع أمته، فهل ينطبق هذا على المرأة أيضاً؟ إذا جاز للرجل أن يجامع أمته (التي اشتراها) فلماذا نأخذ فكرة سيئة عن النساء البغايا … لأنهم أيضا يتم شراؤهم ولكن لوقت قصير. هل يمكن أن توضح هذا؟ ولماذا لم يمنع الإسلام العبودية؟ هم آدميون كذلك ولكن إرادتهم مأسورة وربما هم مجبرون على الجماع.]ـ [الْجَوَابُ] الرق في الإسلام إنما شرع في الأصل بسبب الكفر فهو عجز حكمي بسبب الكفر فإذا حصل الجهاد بين المسلمين والكفار وأسر مجموعة من الكفار فلولي الأمر أن يقسم الأسرى أو يمن عليهم أو يدفعون الفدية فإذا قسموا بين الغانمين صاروا أرقاء في حكم السلع يباعون ومع ذلك فالشرع حث على العتق وجعله كفارة لأعمال كثيرة فالرق ليس محبوباً في الأصل بل المحبوب في الشرع عتق الأرقاء فإذا تم الرق على الوجه الشرعي جاز للسيد وطء أمته، بخلاف البغاء - الزنا - فقد حرمه الشرع منعاً لاختلاط الأنساب وغيره من الحكم الذي من أجلها حرم الزنا فلا قياس حينئذ لأن الأمة إذا وطئت وأنجبت صار الولد للسيد وحينئذ تعتق بموته لأنها صارت أم ولد في حكم الزوجة، والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] كتبه الشيخ عبد الكريم الخضير الحديث: 5707 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5938 حكم جماع الإماء مع وجود الزوجة [السُّؤَالُ] ـ[فيما يتعلق بحق الرجل في جماع أمته هل مسموح له ذلك مع علاقته بزوجته أو (زوجاته) هل صحيح أن من حق الرجل جماع العديد من الإماء مع وجود زوجته أو زوجاته؟ فقد قرأت أن علياً رضي الله عنه كان عنده 17 أمة وأن عمر كان عنده كثيرات وهل الزوجة لها رأي في ذلك؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أباح الإسلام للرجل أن يجامع أمَته سواء كان له زوجة أو زوجات أم لم يكن متزوجا. ويقال للأمة المتخذة للوطء (سرية) مأخوذة من السِّرِّ وهو النكاح. ودل على ذلك القرآن والسنة، وفعله الأنبياء فقد تسرَّى إبراهيم عليه السلام من هاجر فولدت له إسماعيل عليهم السلام أجمعين. وفعله نبينا صلى الله عليه وسلم، وفعله الصحابة والصالحون والعلماء وأجمع عليه العلماء كلهم ولا يحل لأحد أن يحرمه أو أن يمنعه ومن يحرم فعل ذلك فهو آثم مخالف لإجماع العلماء. قال الله تعالى: {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا} النساء / 3. معنى {ملكت أيمانكم} : أي: ما ملكتم من الإماء والجواري. وقال الله تعالى: {يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم لكيلا يكون عليك حرج وكان الله غفورا رحيما) الأحزاب / 50. وقال: {والذين هم لفروجهم حافظون. إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين. فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون} المعارج / 29 – 31. قال الطبري: يقول تعالى ذكره: {والذين هم لفروجهم حافظون} ، حافظون عن كل ما حرم الله عليهم وضعها فيه، إلا أنهم غير ملومين في ترك حفظها على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم من إمائهم. " تفسير الطبري " (29 / 84) . قال ابن كثير: وكان التسري على الزوجة مباحاً في شريعة إبراهيم عليه السلام وقد فعله إبراهيم عليه السلام في هاجر لما تسرى بها على سارة. " تفسير ابن كثير " (1 / 383) . وقال ابن كثير أيضاً: وقوله تعالى: {وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك} الأحزاب / 50، أي: وأباح لك التسري مما أخذت من المغانم، وقد ملك صفية وجويرية فأعتقهما وتزوجهما وملك ريحانة بنت شمعون النضرية ومارية القبطية أم ابنه إبراهيم عليهما السلام وكانتا من السراري رضي الله عنهما. " تفسير ابن كثير " (3 / 500) . وقد أجمع العلماء على إباحته. قال ابن قدامة: ولا خلاف في إباحة التسري ووطء الإماء؛ لقول الله تعالى: {والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين} . وقد كانت مارية القبطية أم ولد النبي صلى الله عليه وسلم وهي أم إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم التي قال فيها " أَعِتَقَها ولدُها "، وكانت هاجر أم إسماعيل عليه السلام سُرِّيَّة إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام، وكان لعمر بن الخطاب رضي الله عنه أمهات أولاد أوصى لكل واحدة منهن بأربعمائة، وكان لعلي رضي الله عنه أمهات أولاد، ولكثير من الصحابة، وكان علي بن الحسين والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله من أمهات الأولاد. يعني أن هؤلاء الثلاثة علي والقاسم وسالم كانت أمهاتهم من الإماء. " المغني " (10 / 411) . وأم الولد: هي الأمَة التي تلد من سيدها. وقال الشافعي رحمه الله تعالى: قال الله تعالى: {والذين هم لفروجهم حافظون - إلى قوله - غير ملومين} ، فدل كتاب الله عز وجل على أن ما أباحه من الفروج فإنما أباحه من أحد الوجهين النكاح أو ما ملكت اليمين. " الأم " (5 / 43) . ولا رأي للزوجة لا في ملك زوجها للإماء ولا في جماعه لهن. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 10382 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5939 هل يجوز له أخذ هذا المال مقابل تخليص معاملات ومصالح لأحد الأشخاص؟ [السُّؤَالُ] ـ[طلب أحد الأشخاص من زوجي متابعة موضوع معين وتخليصه له أثناء سفره، وكان المطلوب أوراق كثيرة جدا ومشاوير شبه يومية وما يسمى في بلدنا إكراميات وبحكم مهنة زوجي لم يكن يدفع هذه المبالغ وظل هذا الموضوع مستمرا ما يقرب من عام كامل كان زوجي يبديه على عمله لأنه منطقيا سيجزي أكثر ولم يكن يفعل أي شيء قبل أن يقول له سيكلفك كذا فكان يوافق وهكذا في كل صغيرة وكبيرة وكان دائما يقول له لو عندك طريقة تعملها أرخص أرسل لي وكان يوافق بدون أي تردد طمعا في هذه المصلحة التي زاد بها ماله 3 أضعاف في سنة وكله بفضل الله وحده ثم مجهود زوجي في حين أنه كان لو كان موجودا شخصيا ما اكتمل هذا الموضوع بسبب إطالته وتشابكه السؤال هو: هل ما أخذه زوجي من مبالغ مقابل مجهوده دون أن يذكر أن هذا له تعتبر حراما بمعنى أنه كان يقول إكراميات تخليص أوراق تسجيل دمغات مصاريف وهكذا دون أن يذكر أن هذه المبالغ هو من تقاضاها وكان الشخص الآخر راضيا حتى رجع واستلم ما يملكه بعد كل هذا المجهود وقرر أنه غير راض عن هذا المال الذي دفعه وأن الموضوع لا يستحق كل هذا وأنه كان يستطيع أن ينجزه مع العلم أن الموضوع لا يمكن أبدا أن يتم لولا فضل الله ثم مجهود زوجي ومركزه الأدبي وإصراره الشديد على تكملته حتى يكون هذا المال حلالا فهل هو حلال آم حرام؟ وهل هناك نسبة لحساب المجهود ومن المفترض يحدد هذه النسبة أو المبلغ صاحب المصلحة أم من قام بها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله حقيقة المعاملات التي ذكرتيها لا تخلو من حالين: الأولى: إذا كان زوجك معروفاً بأنه ينهي هذا العمل الذي طُلب منه ويأخذ أجراً على ذلك، فالاتفاق الذي بين زوجك وبين هذا الرجل هو عقد إجارة، على أن ينهي هذه الإجراءات، وما دام زوجك لم يتفق مع هذا الرجل على أجر معين، فيكون له الأجرة المعتادة التي يتقاضاها في هذا العمل، وعند التنازع في تحديدها يحكم في ذلك أهل الخبرة. قال ابن قدامة رحمه الله: " وإن دفع ثوبه إلى الخياط ليخيطه من غير عقد ولا شرط ولا تعويض بأجر مثل أن يقول: خذ هذا فاعمله، وأنا أعلم أنك إنما تعمل بأجر، وكان الخياط منتصباً لذلك [أي: كان الخياط يخيط للناس بأجرة] ، فله الأجر، لأن العرف الجاري بذلك يقوم مقام القول" انتهى بتصرف. "المغني" (5/326) . وقال ابن القيم رحمه الله: "الشرط العرفي كاللفظي .... ومن هذا: لو دفع ثوبه إلى من يعرف أنه يغسل أو يخيط بالأجرة أو عجينه لمن يخبزه أو لحما لمن يطبخه أو حبا لمن يطحنه أو متاعا لمن يحمله ونحو ذلك ممن نصب نفسه للأجرة على ذلك وجب له أجرة مثله وإن لم يشترط معه ذلك لفظا عند جمهور أهل العلم" انتهى. "إعلام الموقعين" (3/5) . هذا إذا كان زوجك معروفاً عنه أنه يقوم بهذا العمل مقابل أجرة. الحالة الثانية: أن يكون زوجك غير معروف بأنه يقوم بهذا العمل مقابل أجرة، فحقيقة الاتفاق بين زوجك وبين هذا الرجل أنه عقد وكالة، فزوجك وكيل لهذا الرجل لإنهاء هذه الإجراءات، وليس له أن يطالب بأجرة، لأنه لم يتفق عليها، وليس هو معروفاً بذلك، والوكيل ليس له أن يأخذ من أموال الموكل شيئاً إلا بإذنه. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: كلفت غيري بشراء سلعة لي، وثمنها خمس جنيهات مثلا، ولكن الرجل أعطاها له بمبلغ أربع جنيهات ونصف، فهل له أن يأخذ الباقي ومقداره نصف جنيه أم لا؟ فأجابوا: "هذا يعتبر توكيلا، ولا يجوز للوكيل أخذ شيء من مال الموكل إلا بإذنه؛ لعموم أدلة تحريم مال المرء المسلم إلا عن طيبة من نفسه " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (14 / 273) . وفي كلا الحالين فقد أساء زوجك في إخبار هذا الرجل بخلاف الحقيقة، وأنه سيدفع كذا وكذا إكراميات ومصاريف ... الخ. والواجب على المسلم أن يكون صادقاً في أقواله وأعماله، وذلك من أسباب حصول البركة، وأما الكذب والكتمان فهو سبب لمحق البركة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم عن البائع والمشتري: (فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا) رواه البخاري (2079) ومسلم (1532) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130017 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5940 تاجَرَ في الأسهم بمال أمه وأخواته وخسر فهل يضمن المال؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا المسؤول عن أموال أخواتي وأمي وخالتي وإخوتي كلنا ورثة أبي. السؤال أنا خسرت المال في الأسهم حق الورثة، ماذا أفعل يا شيخ وأنا أخوهم الكبير؟ ماذا علي؟ هل على رد المال كله؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كانت أمك وخالتك وأخواتك البالغات قد أذن لك في التصرف في المال والمتاجرة به، فأنت تتصرف لهم على أنك وكيل لهم، وإذا كان في أخواتك من هي صغيرة (دون البلوغ) فأنت تتصرف في مالها بمقتضى ولايتك على مالها، والوكيل وولي مال اليتيم إذا تصرف لمصلحة موكله ولم يتعد ولم يفرط في حفظ المال والاحتياط له ثم تلف المال أو خسره فلا يضمن شيئاً. وإذا حصل منه تعد أو تقصير فهو ضامن لما حصل من خسارة أو تلف للمال. سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: مَسْأَلَةٌ: فِيمَنْ دَفَعَ مَالَ يَتِيمٍ إلَى عَامِلٍ يَشْتَرِي بِهِ ثَمَرَةً مُضَارَبَةً وَمَعَهُ آخَرُ أَمِينًا عَلَيْهِ وَلَهُ النِّصْفُ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الرُّبُعُ فَخَسِرَ الْمَالُ، وَانْفَرَدَ الْعَامِلُ بِالْعَمَلِ لِتَعَذُّرِ الْآخَرِ وَكَانَتْ الشَّرِكَةُ بَعْدَ تَأْبِيرِ الثَّمَرَةِ، وَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِفَسَادِهَا، وَأَنَّ عَلَى الْعَامِلِ وَوَلِيِّ الْيَتِيمِ ضَمَانَ مَا صُرِفَ مِنْ مَالِهِ. فأجاب: "هَذِهِ الشَّرِكَةُ فِي صِحَّتِهَا خِلَافٌ، وَالْأَظْهَرُ: صِحَّتُهَا، وَسَوَاءٌ كَانَتْ صَحِيحَةً أَوْ فَاسِدَةً، فَإِنْ كَانَ وَلِيُّ الْيَتِيمِ فَرَّطَ فِيمَا فَعَلَهُ ضَمِنَ، وَأَمَّا إذَا فَعَلَ مَا ظَاهِرُهُ الْمَصْلَحَةُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِجِنَايَةٍ مِنْ عَامِلِهِ. وَأَمَّا الْعَامِلُ فَإِنْ خَانَ أَوْ فَرَّطَ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ... وَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا الْيَمِينُ فِي نَفْيِ الْجِنَايَةِ وَالتَّفْرِيطِ" انتهى. "الفتاوى الكبرى" (4/186) . وقال ابن عبد البر في "الكافي" (2/1033) : "ولا بأس أن يتجر الوصي بمال من يلي من الأيتام ويرد فضله على يتيمه. ولا بأس أن يقارض [المقارضة هي المضاربة] له به مأمونا من التجار ولا ضمان عليه فيما نزل به من الآفات من غير سببه. فإن قارض غير مأمون وهو يعلمه ضمن ما تلف عنده" انتهى. ونقل ابن القاسم عن الإمام مالك أنه قال: "وله أن يتجر بأموال اليتامى لهم ولا ضمان عليه" انتهى. "مواهب الجليل لشرح مختصر الخليل" (8/570) . وقَالَ الإمام الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: "وَأُحِبُّ أَنْ يَتَّجِرَ الْوَصِيُّ بِأَمْوَالِ مَنْ يَلِي وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ: قَدِ اتَّجَرَ عُمَرُ بِمَالِ يَتِيمٍ، وَأَبْضَعَتْ عَائِشَةُ بِأَمْوَالِ بَنِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فِي الْبَحْرِ، وَهُمْ أَيْتَامٌ تَلِيهِمْ" انتهى. "الحاوى الكبير" الماوردى (5/801) . وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ولي أمر يتيم، ترك له والده (أموالا نقدا) ويريد وليه أن ينميها له بالتجارة فيها، فإذا فعل واستخدمها في التجارة وخسرت - لا قدر الله- هل يضمنها الولي أم لا؟ فأجابوا: "إذا نمى الولي مال اليتيم بقصد الإصلاح وكان خبيرا بأمور التجارة، ولم يتعد ـ فلا ضمان عليه فيما خسرت التجارة، ولا ينبغي له أن يترك مال اليتيم بدون تنمية تأكله الصدقة" انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (14/231-232) . وسئل الشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي: إذا تاجر ولي اليتيم في ماله وخسر دون تفريط منه فهل يضمن؟ فأجاب: "إذا تاجر ولي اليتيم في ماله وخسر فإنه لا يضمن إذا كانت التجارة بالمعروف ولم تكن هناك مخاطرة، أما إذا خاطر بالمال وغرر به فإنه يضمن؛ لأنه تعاطى سبب الضرر، وأما إذا كان الحال كما ذكر في السؤال من أنه لم يفرط فحينئذٍ لا ضمان عليه" انتهى. "شرح زاد المستقنع" (193/ 18) . وإذا حصل نزاع بينك وبين أصحاب الأموال هل حصل منك تعدٍّ أو تفريط أم لا؟ فالمرجع في ذلك إلى أهل الخبرة والأمانة فيُحكى لهم ما فعلت، ثم يحكمون هل هذا التصرف يعتبر تعدياً أو تقصيراً أم لا. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129492 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5941 إذا قال للسمسار: بع هذا بكذا وما زاد فهو لك [السُّؤَالُ] ـ[لو أن شخصاً يعمل كسمسار ووسيط عقارات، وكان وسيطاً بين بائع شقة ومشتري، وسأل صاحب الشقة تريد تبيعها بكم فقال: مائة ألف، فقال السمسار خلاص سأبيعها لك لكن الزيادة عن المائة ألف لي، وتم البيع - بأن أجلس السمسار كليهما وقال للمشتري اتفق مع البائع - بمائة وخمسة آلاف دون أن يعلم المشترى بهذا الاتفاق فما حكم المال المكتسب للسمسار (5000 جنيه) ؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج على السمسار في أخذ هذه الزيادة، سواء علم المشتري بها أم لم يعلم. وذلك أن قول المالك للسمسار: بع هذا بكذا وما زاد فهو لك، مما رخص فيه جماعة من أهل العلم كما هو مذهب أحمد وإسحاق رحمهما، وهو مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وجعلوا ذلك شبيها بالمضاربة. قال البخاري رحمه الله في صحيحه: " بَاب أَجْرِ السَّمْسَرَةِ، وَلَمْ يَرَ ابْنُ سِيرِينَ وَعَطَاءٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَالْحَسَنُ بِأَجْرِ السِّمْسَارِ بَأْسًا، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ بِعْ هَذَا الثَّوْبَ فَمَا زَادَ عَلَى كَذَا وَكَذَا فَهُوَ لَكَ، وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ إِذَا قَالَ: بِعْهُ بِكَذَا فَمَا كَانَ مِنْ رِبْحٍ، فَهُوَ لَكَ أَوْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ) " انتهى. وقال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (5/86) : " إذا قال: بع هذا الثوب بعشرة , فما زاد عليها فهو لك صح , واستحق الزيادة، وقال الشافعي: لا يصح. ويدل لصحة هذا: أن ابن عباس كان لا يرى بذلك بأسا , ولأنه يتصرف في ماله بإذنه , فصح شرط الربح له , كالمضارب والعامل في المساقاة " انتهى. فأجاز الإمام أحمد ذلك، وجعله شبيها بالمضاربة، وأما الجمهور فمنعوا ذلك لجهالة أجرة السمسار في هذه المسألة، فإنه لا يدرى كم سيأخذ. والراجح جواز ذلك أخذا بما روي عن السلف في ذلك. وينظر جواب السؤال رقم (95561) ، ورقم (9386) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 121386 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5942 الوكيل في تفريق الصدقة هل له أن يعطيها لوالده ولأهله؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا رجل فقير مدين توظفت وظيفة طيبة وتعرفت على بعض الموسرين الأغنياء ويظنون مستواي أعلى مما هو عليه وأحياناً أعجز عن بعض نفقات والدي وإخوتي من سكن وإيجار وديون وهم ليس لهم بعد الله إلا راتبي أنا الذي يشتركون فيه مع أسرتي الشخصية, فهل علي إثم إن قلت لأولئك الأغنياء إن هناك بعض المحتاجين الذين أعرفهم عن قرب وأقوم بسد احتياج أهلي من صدقات معارفي هؤلاء مع أني لا أقول لهم إنهم أهلي؟ فعلت ذلك كثيراً فهل علي إرجاع المبالغ لأهلها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان من ذكرت من أهلك مستحقين للصدقة، لحاجتهم أو سداد ديونهم، فلا حرج فيما فعلت. وهذه المسألة محل خلاف بين العلماء، وهي هل للوكيل الموكَّل بتفريق الصدقة أن يعطيها لوالده وأهله المحتاجين؟ أجاز ذلك الحنفية والمالكية والحنابلة في أحد الوجهين، وهو الراجح، بشرط ألا يحدد الموكِّل بلدا معينا أو جهة معينة لا يدخل فيها أهل الوكيل، وبشرط ألا يحابي الوكيل أهله في تقدير شرط الاستحقاق. قال في "مجمع الضمانات" (ص 7) (حنفي) : " الوكيل بأداء الزكاة إذا صرف إلى ولده الكبير والصغير أو امرأته وهم محاويج جاز، ولا يمسك لنفسه شيئا " انتهى. وينظر: "تبيين الحقائق" (1/305) . وقال ابن قدامة رحمه الله: " وإن وكله في إخراج صدقة على المساكين وهو مسكين , أو أوصى إليه بتفريق ثلثه على قوم وهو منهم , أو دفع إليه مالا وأمره بتفريقه على من يريد , أو دفعه إلى من شاء , فالمنصوص عن أحمد أنه لا يجوز له أن يأخذ منه شيئا ... وهل له أن يعطيه لولده أو والده أو امرأته؟ فيه وجهان , أولهما: جوازه ; لدخولهم , في عموم لفظه , ووجود المعنى المقتضي لجواز الدفع إليهم. فأما من تلزمه مؤنته غير هؤلاء , فيجوز الدفع إليهم , كما يجوز دفع صدقة التطوع إليهم " انتهى من "المغني" (5/70) . وينظر: "مواهب الجليل" (2/354) . وإن كفيت أهلك من مالك فهذا أفضل، ولا يخفى ما في التعفف والبعد عن المسألة من الفضل. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 113473 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5943 المرأة والتعليم [السُّؤَالُ] ـ[ما هي المجالات التي يجوز للمرأة أن تتعلمها؟ وهل يجوز أن تعمل محامية وتتوكل عن غيرها فيما تقدر عليه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله للمرأة أن تتعلم أمور دينها وما ينفعها في حياتها ويعدها كزوجة سعيدة وأم مربية، ثم بعد ذلك لو وجدت في نفسها قدرة وكانت الظروف مهيأة فلها أن تتعلم العلوم الأخرى. ولا مانع أن تختار لنفسها مهنة التدريس، سواء في المدارس النسائية، أو في بيتها. وللمرأة أن تتعلم الطب والتمريض ولاسيما في الأمراض النسائية، فتكون طبيبة نسائية، أو ممرضة نسائية، حتى لا تضطر النساء للذهاب إلى الأطباء الرجال. ويجوز للمرأة أن تكون وكيلة عن غيرها في قضية ما، وعلى هذا يجوز أن تكون محامية، لأن المحاماة وكالة بالخصومة، وهي تجوز للمرأة، ولكن مهنة المحاماة في العصر الحاضر أخذت طريقاً غير سديد، ثم يحتاج المحامي إلى الاختلاط بالخصوم، والحضور في مجلس القضاء ونحو ذلك من الأمور، والمرأة ممنوعة عن ذلك كله فلذا لا ينبغي أن تتخذ لها مهنة المحاماة ما دامت على هذه الصورة. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] ولاية المرأة في الفقه الإسلامي ص 690 الحديث: 11551 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5944 يُطلب منه بيع البضاعة بسعر محدد فيبيعها بأكثر ويأخذ الزيادة [السُّؤَالُ] ـ[أعمل عند رجل أعمال كمدير تجاري ومستشار، يعطيني بضاعة أبيعها ويحدد لي سعرها، وأنا وجدت من يأخذها بسعر أكثر من ذلك بقليل فأبيعها وآخذ تلك الفائدة لي بدون أن يعلم. فهل هذا المال حلال؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا وَكَّل إنسانٌ غيره في بيع أو شراء سلعة، فليس للوكيل أن يربح عليه، لأنه مؤتمن، بل ما جاء من ربح أو تخفيض أو هدية فإنه يرجع لصاحب المال. وإذا قال صاحب المال: بع السلعة بكذا، وحدد السعر، فباعها الوكيل بأزيد، فإن الزيادة تكون لصاحب المال إلا أن يأذن فيها للوكيل، كأن يقول: بعها بكذا، وما زاد فهو لك. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: رجل يبيع لرجل بضاعته، أي: يعطيه بضاعة لكي يبيعها له بمعرفته، وهذا الرجل يزيد في الثمن، ويأخذ هو الزيادة، فهل يعتبر هذا رباً، وما حكم من يفعل ذلك؟ فأجابوا: " الذي يبيع البضاعة يعتبر وكيلاً لصاحب البضاعة، وهو مؤتمن عليها وعلى ثمنها، فإذا أخذ شيئاً من الثمن بدون علم صاحب البضاعة كان خائناً للأمانة، وما أخذه حرام عليه" انتهى. فتاوى اللجنة الدائمة (14/274) وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (14/273) أيضاً: " من وكَّلَك لبيع سلعة له، وحدد سعراً لتبيعها به، ثم بعتها بسعر أعلى مما حدده لك، فهو حق لمالك السلعة، إلا إذا رضي لك بذلك وأذن لك بأخذه، فإنه يباح لك في هذه الحال تملّكه وهو حلال لك " انتهى. وبناء على ذلك: فإن بعت البضاعة بأكثر مما حدده صاحبك، فالزيادة له، إلا أن يأذن فيها لك. ويجوز أن تتفق معه على أنك تبيعها بكذا، والزيادة لك، وأما أخذها بدون علمه وإذنه، فهو من أكل أموال الناس بالباطل. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98439 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5945 كلفه صاحب العمل بمتابعة عمل رسومات هندسية فوفر من ذلك مبلغا [السُّؤَالُ] ـ[أعمل في مؤسسة هندسية وقد قام صاحب العمل بتكليف زميل لي بمتابعة إعداد بعض الرسومات الهندسية خارج المملكة وقام زميلي بالاتفاق معه على الأجر الذي سيحصل عليه المهندسون الذين سيعدون الرسومات ولكن أنا لم أحضر مع زميلي وكذلك صاحب العمل لم يطلعني لكن عندما عرفت من زميلي عرضت عليه أن أساعده وأعرفه بمهندسين داخل المملكة وبسعر أقل من الخارج ونظير ما قمت به من اتصالات وترتيب مواعيد ومتابعة عرض علي زميلي مبلغ 1500 ريال نظير ما قمت به ولكن صاحب العمل لا يعرف شيئا عن هذا وعندما قلت لزميلي هل صاحب العمل يعرف أنك أنهيت الموضوع بسعر أقل مما قلت له سابقا قال لي هذا شيء لا يخص صاحب العمل المهم أنه طلب منه (زميلي) أن ينهي الموضوع نظير مبلغ معين وهو أنهاه بأقل فالباقي له المهم بالنسبة لي (السائل) هو الـ 1500 ريال أقبلها أم لا؟ مع التأكيد أني غير متيقن مما حدث بينهما وأن صاحب العمل لا يعرف أن لي دخلا بالموضوع وهل شبهة ما تقاضاه زميلي تجعل المبلغ نظير ما قمت به مشبوهاً أيضا؟ وما واجبي ناحية زميلي إذا كان ما تقاضاه حراماً وما واجبي ناحية صاحب العمل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاًَ: الحكم في هذه المسألة يتوقف على معرفة طبيعة الاتفاق الذي تم بين صاحب العمل وبين زميلك، فإن كان الاتفاق الذي بينهما: أن زميلك سيبحث عمن يعمل هذه الرسومات، واتفق مع صاحب العمل على أجر ذلك العمل، ثم يقوم هو بتكليف من يقوم بهذا العمل بالأجر الذي يتفقان عليه، وإذا بقي معه جزء من المال فهو له، وإذا زاد الأجر دفع هو الزائد، فهذا جائز، والمال الذي يدفعه لك زميلك لا حرج عليك في أخذه، ويكون زميلك هنا "كالمقاول" يستلم العمل، ثم يأتي هو بمن يقوم به. ولكنك ذكرت أن الاتفاق تم بناء على أنه سيعمل مع مهندسين في الخارج، وأنك دللت زميلك على مهندسين بالداخل، وهذا لا حرج فيه، بشرط أن يكون صاحب العمل لا يعنيه من يقوم بالعمل، وإنما يعنيه إنجاز العمل بالمواصفات المطلوبة فقط. أما إذا كان صاحب العمل له غرض أن يكون العمل مع مكتب أو مهندس معين، أو يشترط أن يكون العمل خارج المملكة حتى لا تتسرب أسرار العمل فيتضرر بذلك. .. ونحو ذلك، فيجب الوفاء له بالاتفاق، ولا تجوز مخالفته. وإذا كان الاتفاق الذي بينهما أن زميلك مجرد وسيط بين صاحب العمل وبين المهندسين، ولن يربح من هذا العمل، فهو وكيل لصاحب العمل، والوكيل ليس له أن يربح ممن وكله إلا بعلمه، وحينئذ يجب على زميلك أن يخبر صاحب العمل بحقيقة الأمر، وأن من سيقوم بالعمل مهندسون من داخل المملكة لا من خارجها، وأن يرد إليه الفاضل من المال. ثانيا: إذا كان عمل زميلك محرما، على النحو الذي سبق بيانه، لم يجز لك إعانته عليه، بدلالته على مهندسين أو غير ذلك من صور الإعانة، بل ينبغي نصحه بأداء الأمانة والحذر من أكل ما لا يحل له. وأما ما قمت به من الاتصالات والمتابعة وترتيب المواعيد، فإن كنت قمت بذلك بنية الرجوع على صاحبك وطلب المقابل المعتاد في مثل هذه الأعمال، فلك ذلك، وإن قمت به تبرعا، فليس لك المطالبة بشيء، وإن أعطاك في هذه الحالة شيئا جادت به نفسه، فلا نرى أن تأخذه، إلا إن استقام أمره مع صاحب العمل وسمح له بما وفّره. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96897 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5946 هل للمكتب الدعوي أن يأخذ الفائض من عملية الشراء والتوزيع على الفقراء؟ [السُّؤَالُ] ـ[نحن عاملون في مكتب دعوة جاليات بدا لنا إقامة مشروع دعوي استثماري أحببنا أن نرفع لكم صورة المشروع لأخذ توجيهاتكم والحكم الشرعي فيه سائلين الله أن يعظم لكم المثوبة والأجر. وصورة المشروع كالتالي: أن يقوم المكتب بالتعاقد مع إحدى المؤسسات أو المصانع الوطنية لتوفير عصيرات مبردة لتوزيعها مجانا سقيا للحجاج وتكون تكلفة عبوة العصير الواحدة على المكتب مثلاً 70 هللة بينما يتم طرحها للراغبين في المساهمة بريال واحد ويصبح فائض المبلغ لدعم أعمال المكتب، ويكتب في الإعلان ريع المشروع لدعم أعمال المكتب الدعوية. ما هو الحكم الشرعي في هذه المسألة؟ وتوجيهاتكم لطرح المشروع بطريقة سليمة دون وجود محاذير شرعية.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا حرج عليكم في المعاملة الواردة في السؤال، وما دمتم تكتبون في الإعلان: " ريع المشروع لدعم أعمال المكتب الدعوية، وذلك لأن المتبرع قد دخل على بصيرة، ويعلم أنكم تربحون من هذه المعاملة، وأن هذه الربح سيدعم الأعمال الدعوية للمكتب. ولا يلزمكم أن تبينوا للمتبرع كم قدر الربح الذي ستربحونه تحديداً، لأن المساهم قد دخل في المعاملة بنيّة التبرع، وليس بنية المعاوضة، ومعلوم أن التبرعات يتسامح فيها في العادة، لأنها ليست مبنية على المنازعة والخصومة. ونسأل الله تعالى أن يبارك في جهودكم وان ينفع بكم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 96641 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5947 يجب الالتزام بالطريقة التي حددها الموكل في توزيع الصدقة [السُّؤَالُ] ـ[هناك صدقات تم إرسالها لشخص لأجل توزيعها على أفراد بكيفية معينة للتوزيع (أسرة تأخذ 200جنيها وأسرة لا تأخذ شيئا) ويرى هذا الشخص توزيعا آخر بحيث يعطي أكبر عدد محتاج، فهل يجوز له التصرف حسب رؤيته؟ مع العلم أن مرسل الصدقات ليس على علم بالاستحقاق للحالات ورافض لغير طريقته في التوزيع؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يلزم هذا الشخص الذي وُكل في توزيع الصدقات، أن يتقيد بالطريقة التي حددها المرسل؛ لأن الوكيل مؤتمن على ما يقوم به، وهو نائب عن موكله، ويتصرف فيما أُذن له فيه فقط. وإذا كان هذا الشخص يرى طريقة أنفع في التوزيع، فليبين ذلك للمرسل، فإن أصر على موقفه، تعيّن الالتزام بما حدده واختاره صاحب المال. وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: في رمضان أعطاني أحد أهل الخير مبلغاً من المال، وقال: وزعه على الفقراء بصفتك أعرف مني بهم، وقمت بتوزيع بعض منه عليهم، ولكن البعض الآخر منه قمت بالتصرف فيه، إذ قمت بشراء بعض الأطعمة من السوق، وتوزيعها عليهم بدلا من المال، نظرا لعدم مقدرتهم للشراء من السوق، وأيضا قد يوجد في الأسرة من يأخذ المال دون رضا أهله المحتاجين، فهل يحق لي مثل هذا التصرف أم لا؟ فأجابت: " الواجب عليك التقيد بما وجهك به موكلك، وذلك بتوزيع النقود على الفقراء وعدم شراء شيء لهم بها؛ لأنك لم توكل بذلك، وعليك أن تغرم ما تصرفت فيه وتعطيه الفقراء؛ تنفيذا لأمر الموكل وبراءة لذمتك، ويكون لك -إن شاء الله- أجر ما بذلت " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (14/272) . وهذا يدل على لزوم التقيد بما نص عليه الموكل في طريقة التوزيع. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 85468 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5948 هل تعطي زوجها توكيلاً بأموالها وهو لا يحسن التصرف في الأموال؟ [السُّؤَالُ] ـ[ي عن أبي الذي كان يملك مالاً وفيراً، وكنا نعيش حياة طبيعية، أما الآن فلا يملك سوى الشقتين اللتين سجلهما باسم أمي، وهو الآن أصبح عديم المسؤولية - للأسف - ومازال يحلم أو يعتقد أنه يمتلك المال ولا يفكر بالعمل أبداً، وعمره 55 سنة، وللأسف رغم اعتراضي لأمي لقد أعطته وكالة بالشقتين رغم أنها تعلم من هو أبي، وعندما أقول لها لمَ فعلتِ ذلك؟ تقول: " مالُه وهو حر به، فماذا أفعل؟ هل أقف في وجهه بعد أن وقف العالم كله من أهله والناس ضده وتركوه لأنه خسر الأموال؟ فماذا يقول عني؟ " معها حق، لقد كان طيباً ولا يبخل عليها بشيء ولكن تقول " إن لم أفعل يطلقني، كيف أقف في وجهه وهو من النوع العصبي، صعب التفاهم معه " ما رأيكم هل أمي على صواب بهذا؟ وهل عليها العمل وعدم الاعتماد عليه - رغم أنها لا تريد، وتقول إنه سوف يعتمد عليها -؟ والآن لقد باع إحداهما ويصرف المال يميناً وشمالاً على الناس وينسى أن له تسعة أبناء، رغم أنها تذكره بنا لأنه يعيش ببلد ونعيش ببلد، يتذكر للحظة ثم ينسى الهموم ويعود للأحلام، بماذا تنصحون قبل أن يبيع الأخرى ونندم؟ وهي وأبي الآن في شجارات قوية لتصرفاته اللامبالية، وربما يؤدي للطلاق، وأريد أن أعرف هل أبي مريض نفسيّاً أم ما حكايته؟ وما العمل معه؟ أنا محتارة، ساعدوني، فالأسرة تتدمر.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال وصرفه في غير الوجه النافع. فعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله كره لكم ثلاثاً: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال) رواه البخاري (1407) ومسلم (593) . وسوء التصرف في المال يعتبره أهل العلم فساداً , كما ترجم الإمام البخاري بابا في ذلك فقال: " باب ما يُنهى عن إضاعة المال , وقول الله تبارك وتعالى: (والله لا يحب الفساد) . " فتح الباري " (5 / 68) . وقد يكون الإنسان عاقلاً , ولكنه لا يحسن التصرف في المال , بل يضيعه وينفقه في غير منفعة , وهذا يسميه العلماء (سفيهاً) فلا يجوز إعطاؤه المال , بل يمنع من التصرف فيه , لقوله تعالى: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا) النساء/5. قال القرطبي رحمه الله: " ودلت الآية على جواز الحجر على السفيه؛ لأمر الله عز وجل بذلك في قوله: (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم) وقال: (فإن كان الذي عليه الحق سفيهاً أو ضعيفاً) ، فأثبت الولاية على السفيه كما أثبتها على الضعيف، وكان معنى الضعيف راجعا إلى الصغير , ومعنى السفيه إلى الكبير البالغ " انتهى. " تفسير القرطبي " (5 / 30) . وقال ابن حجر رحمه الله: " قوله تعالى: (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم ........ ) الآية، قال الطبري - بعد أن حكى أقوال المفسرين في المراد بالسفهاء -: " الصواب عندنا أنها عامة في حق كل سفيه صغيراً كان أو كبيرا , ذكراً كان أو أنثى، والسفيه هو الذي يضيع المال ويفسده بسوء تدبيره " انتهى. وقال - أيضاً -: " والحَجر في الشرع: المنع من التصرف في المال، فتارة يقع لمصلحة المحجور عليه (الإنسان) ، وتارة المحجور (المال) ، والجمهور على جواز الحجر على الكبير "انتهى. " فتح الباري " (5 / 68) . فإذا كان والدك لا يحسن التصرف في المال , بل يضيعه في غير منفعة فيجب الحجر عليه , ولا يجوز تمكينه من المال , وعلى أمك أن تلغي الوكالة التي أعطته إياها , حفاظاً على أموالكم من الضياع , وأنتم محتاجون إليها. وعليكم بنصيحته وإعادته إلى رشده بالتذكرة والكلمة الطيبة والوعظ الذي يجعله يندم على ما فرط فيه من مال، ويحافظ على ما بقي لديه منه. وتذكيره بالأحاديث التي تزجره عن إضاعة المال , وتذكيره بأن الله حمَّله أمانة رعايتكم، كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت) رواه أبو داود (1692) وحسنه الألباني في " صحيح الترغيب " (1965) . قال الشيخ عبد العظيم آبادي رحمه الله: " قال الخطابي: يريد من يلزمه قوته، والمعنى: كأنه قال للمتصدق: لا يتصدق بما لا فضل فيه عن قوت أهله يطلب به الأجر , فينقلب ذلك الأجر إثما إذا أنت ضيعتهم " انتهى. " عون المعبود " (5 / 76) . فإذا كان هذا في حق المتصدق فكيف بغيره ممن يضيع المال في غير منفعة. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 72364 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5949 أخذ الوكيل لأجرة على تحصيل الحقوق [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للوكيل في تحصيل الحقوق أن يأخذ الأجرة على عمله؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ويجوز التوكيل بجُعل وبدون جُعل، والدليل على التوكيل بغير جُعل أنه صلى الله عليه وآله وسلم وكَّل أُنَيْساً في إقامة الحد على المرأة، وعروة البارقي في شراء الشاة من غير جُعل، ومثال ذلك كثير في الأحاديث التي ذكرنا غيرها. والدليل على التوكيل بجُعل قوله تعالى: (والعاملين عليها) التوبة/60، فإنَّه توكيلٌ على جباية الزكاة وتفريقها بجُعل منها كما ترى. [الْمَصْدَرُ] " أضواء البيان " (4 / 54) . الحديث: 22297 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5950 توكيل جمعية خيرية بإخراج كفارة اليمين [السُّؤَالُ] ـ[ي عن الكفارة التي وردت في آية 89 من سورة المائدة أن الحنث باليمين يجب أن يكفر عنه بإطعام 10 مساكين من أوسط ما نطعم أهلينا أو كسوتهم أو تحرير رقبة أو الصيام إذا لم يكن أي من هذه متوفر. هل إرسال المال إلى جمعية خيرية تساعد المسلمين في أنحاء العالم يفي بهذا؟ إذا علمنا أنه لا يوجد أي قسم من هذا المال يذهب كمصاريف إدارية أو بريد أو أي شيء آخر حيث أن المال الذي يصل يكفي لإطعام العشرة كما أن الأشخاص الذين يأخذون المال لإيصاله من ذوو السمعة الحسنة فهل هذا يجوز؟ إذا كان هذا لا يجوز من هو الشخص الذي يعتبر فقيرا أو مسكينا لإطعامه؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا لم يوجد الفقير المستحق للزكاة في البلد الذي أنت فيه فإنه لا بأس بنقل الكفارة إلى بلد آخر بواسطة ثقة أو جمعية موثوقة كوكيل للدافع على أن تصل إلى مستحقيها مما ذكر في الآية من خصال الكفارة المنصوص عليها أما دفع المال بدل ما نُص عليه فإنه لا يجزئ، والشخص الذي يعتبر فقيراً أو مسكيناً فإنه من لا يجد كفايته من الضروريات. [الْمَصْدَرُ] الشيخ محمد صالح المنجد الحديث: 4347 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5951 هل يجوز للابنة دفع زكاة الفطر عن والدها؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمسلمة أن تدفع زكاة الفطر عن والدها؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله قال الشيخ محمد العثيمين – رحمه الله -: من أخرج عمن لا تلزمه فطرتُه: فإنه لا بدَّ من إذنه، فلو أن زيداً من الناس أخرج عن عمرو بغير إذنه: فإنها لا تُجزئ؛ لأن زيداً لا تلزمه فطرة عمرو، ولا بدَّ فيها من نيَّة إما ممن تجب عليه أو من وكيله، وهذا مبني على قاعدة معروفة عند الفقهاء يسمونها " تصرف الفضولي " بمعنى أن الإنسان يتصرف لغيره بغير إذنه، فهل يبطل هذا التصرف مطلقاً، أو يتوقف على إذن ورضى الغير؟ هذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم، والراجح: أنه يُجزئ إذا رضي الغير – وساق الشيخ حديث أبي هريرة مع الشيطان في حفظ الزكاة - انظر نصه في جواب السؤال رقم (6092) - ... والشاهد من ذلك: أن الرسول عليه الصلاة والسلام أجاز هذا التصرف من أبي هريرة وجعله مجزئاً مع أن المأخوذ منه زكاة، وأبو هريرة وكيل في الحفظ، لا وكيل في غيره. " الشرح الممتع " (6 / 165) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 26770 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5952 وكله لشراء شئ فهل له أن يزيد في الثمن دون علم الموكل؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز أخذ مبلغ من المال مقابل القيام بخدمة لشخص مثلا: طلب مني أحد أن أشتري له شيئاً ما بصفتي على دراية بالموضوع ثم وافق أحد الأصدقاء على إعطائي ذاك الشيء بمبلغ زهيد لمنزلتي منه هل يمكنني أن أزيد على صاحب الطلب مبلغا بسيطا أقتطعه لنفسي وهو لا يدري؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا وكلك إنسان في شراء سلعة له فليس لك أن تزيد على ثمنها شيئا؛ لأنك مؤتمن على ذلك، والأصل أن ما جاء من ربح أو تخفيض، كل ذلك يرجع إلى الموكل، إلا أن يسمح لك بشيء منه. ويجوز لك طلب أجرة منه مقابل الوكالة، أو أن تخبره أنك ستشتري السلعة ثم تبيعها عليه. حتى إذا أعطاك البائع هدية فقد ذكر العلماء أنها حق للموكل وليست للوكيل. قال في مطالب أولي النهى (3/132) : ((وهبة بائعٍ لوكيلٍ) اشترى منه , (كنقصٍ) من الثمن , فتُلحق بالعقد (لأنها لموكله)) انتهى. يعني أن النقص في الثمن يكون للموكل وكذلك الهدية التي يعطاها الوكيل من البائع. وسئلت اللجنة الدائمة: " كلفتُ غيري بشراء سلعة لي، وثمنها خمس جنيهات مثلا، ولكن الرجل أعطاها له بمبلغ أربع جنيهات ونصف، فهل له أن يأخذ الباقي ومقداره نصف جنيه أم لا؟ فأجابت اللجنة: هذا يعتبر توكيلا، ولا يجوز للوكيل أخذ شئ من مال الموكل إلا بإذنه؛ لعموم أدلة تحريم مال المرء المسلم إلا عن طيبة من نفسه) أ. هـ فتاوى اللجنة الدائمة (14/273) . وجاء فيها أيضاً (14/275) : (يجب على المسلم الصدق في المعاملة، ولا يجوز له الكذب وأخذ أموال الناس بغير حق، ومن ذلك من وكله أخوه في شراء شئ له لا يجوز له أن يأخذ منه زيادة على الثمن الذي اشترى به، كما لا يجوز للذي باع عليه أن يكتب في الفاتورة ثمنا غير حقيقي ليغرر بالموكل؛ فيدفع زيادة على القيمة الحقيقية، يأخذها الوكيل؛ لأن هذا من التعاون على الإثم والعدوان، ومن أكل أموال الناس بالباطل، ولا يحل مال مسلم إلا بطيبة من نفسه) انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 36573 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5953 أخذ أمانة ليوصلها إلى شخص فتأخر في إيصالها، فلم يجده، ولا يعرف مكان صاحبها [السُّؤَالُ] ـ[شخص أعطاني أمانة (وهي عبارة عن مبلغ من المال) كي أوصلها لأخيه في منطقة بعيدة، فوافقت على طلبه، ومرت السنوات ولم أذهب إلى تلك المنطقة، فتذكرت هذه الأمانة وكلفتُ أحد الأصدقاء بأن يبحث عن منزل أخيه لأسلمه الأمانة، ولكن مع البحث والسؤال لم أجد بيته. وأنا الآن محتار، ماذا افعل بالأمانة؟ ... وصاحب الأمانة الذي طلب مني أن أوصلها لأخيه قد انتقل من منزله الذي كان يسكنه، مما زاد في تعقيد البحث لدي. والسؤال هو: ماذا أفعل بالأمانة، هل أتصدق بها أم ماذا أفعل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله: الواجب على من حُمِّل أمانة أن يؤديها إلى صاحبها، لقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) النساء/58، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن من خصال المنافق: (إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ) رواه البخاري (33) ومسلم (59) . وكان الواجب عليك أن لا تقبل هذه الأمانة إذا كنت تعلم من نفسك عدم القدرة على إيصالها إلى صاحبها. فاستغفر الله عمَّا بدر منك من تقصير في إيصال الأمانة إلى صاحبها، وإهمال هذا الأمر لسنوات عدة. وتوبتك من هذا التقصير في أداء الأمانة: تكون بالمحافظة عليها، والبحث عن صاحبها أو أخيه لتسليمها له. وعليك بالاجتهاد في البحث عنه، وتحمل مشقة ذلك، فإنك تحملت الأمانة وأنت تعلم أن إيصالها فيه مشقة عليك، لكونه يسكن في منطقة بعيدة، ثم تهاونت فيها وضيعتها عدة سنوات، ولعل الله عز وجل أن يتوب عليك ويغفر لك. فإن يئست من الوصول إليه، فعليك أن تحفظ له ماله حتى تجده. ولك في هذه الحال أن تتصدق بها نيابة عنه، فإن وجدته فيما بعد، فإنك تخبره بما فعلت، فإما أن يجيز الصدقة ويكون له ثوابها، وإما أن يأخذ ماله ويكون ثواب الصدقة لك. وللاستزادة ينظر جواب السؤال (12732) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130639 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5954 أودع وديعة فاستثمرها دون علم صاحبها [السُّؤَالُ] ـ[أعمل مع إخوتي في مؤسسة لنا، وقد كان أخي الأكبر لديه مكتب تجاري في الخارج يسهل به عمليات التصدير للمتعاملين معه، وقد أودع عنده أحد الأشخاص من المتعاملين مبلغا ماليا كوديعة، ولكن أخي تصرف في هذه الوديعة دون استشارة صاحبها وبعدها سلم المكتب لزميل له وقد أعلم المتعاملين بذلك، وفي هذه الفترة ضاع من مال الوديعة في عمليات تحويل البعض منها وعندما طالب صاحبها بها لم تكن كلها حاضرة فأعطاه الموجود وبدأ يسدد في الأقساط الأخرى، وقد تداخلت الديون في بعضها فلا نعلم إن كان شيء منها قد دخل في المشروع المشترك بيننا، وهو الآن يعد بتسديد كل المبلغ حتى الذي ضاع دون علمه ولكنه يتهرب من صاحب المال لحين إعداد نفسه، وصاحب المال يقول إنه لا يسامح في أي مبلغ استعمله أخي في أي نشاط. فأفتونا بارك الله فيكم ما حكم المشروع المقام بيننا مع العلم أن أخي هذا هو الممون الأكبر له. وكيف التصرف لكي نحلل مالنا هذا من الحرام وما الشيء الذي يجب على أخي لكي يغفر الله له هذا الذنب ويقبل توبته. نرجو تفصيل الأمور وماذا علينا نحن كإخوة لكي نحلل أموالنا وجزاكم الله كل خير.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا يجوز التصرف في الوديعة بغير إذن المودِع، ومن فعل ذلك كان في حكم الغاصب، والواجب عليه أن يتوب إلى الله تعالى، وأن يتحلل من صاحب الوديعة، وأن يرد إليه وديعته. وضياع جزء من الوديعة يجب على أخيك أن يتحمله لصاحب الوديعة، لأنه هو الذي اعتدى في بادئ الأمر وتصرف في الوديعة تصرفاً محرماً. وأما دخول جزء من الوديعة في المشروع الذي بينك وبين أخيك، فقد اختلف الفقهاء في الربح الناتج عن المال المغصوب، هل يكون للغاصب أو للمغصوب منه أو يُتصدق به؟ فالحنابلة على أنه يكون لصاحب المال (المودِع) لأنه ربح ماله، والمالكية والشافعية على أنه يكون للغاصب لأنه يضمنه في حال التلف والهلاك، وذهب أبو حنيفة إلى أنه يتصدق به لأنه جاء بسبب خبيث. ينظر: "المغني" (5/159) ، "مغني المحتاج" (3/363) ، "الموسوعة الفقهية الكويتية" (22/84) . وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: أودع عندي أحد الناس نقودا فاستفدت من هذه النقود واستثمرتها وعندما جاءني صاحب المال رددت له ماله كاملا ولم أخبره بما استفدته من ماله، هل تصرفي جائز أم لا؟ فأجاب: "إذا أودع عندك أحد وديعة فليس لك التصرف فيها إلا بإذنه، وعليك أن تحفظها فيما يحفظ فيه مثلها، فإذا تصرفت فيها بغير إذنه فعليك أن تستسمحه، فإن سمح وإلا فأعطه ربح ماله، أو اصطلح معه على النصف أو غيره، والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا حرم حلالا أو أحل حراما " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (19/411) . ثانيا: الواجب على أخيك أن يبادر برد الوديعة كاملة، وألا يماطل أو يتهرب من صاحبها، فإن ذلك ظلم وعدوان، لا سيما وهو قادر على الوفاء، كما يفهم من السؤال، ولو أدى ذلك إلى أن يفض شركته معكم، والمقصود أنه لا يجوز تأخير الرد، بل يجب فورا ما دام لديه مال أو متاع يمكن بيعه والوفاء منه. وعليه أن يستسمح صاحب الوديعة، ويجتهد في تقدير المال الذي دخل في الشركة من الوديعة، ويعطي ربح هذا المال لصاحب الوديعة، أو يتفق معه على أخذ جزء منه يرضى به صاحب الوديعة. فإن فعل ذلك، فقد طهَّر ماله من الحرام، وتكون شركته معك بمال حلال إن شاء الله. وعليك أن تنصحه بالمبادرة بالتخلص من الحرام والتوبة منه. نسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 83827 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5955 أحكام الوديعة [السُّؤَالُ] ـ[هل لك أن تذكر لي بعض الأحكام المتعلقة بالودائع؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الإيداع: توكيل في الحفظ تبرعاً. والوديعة لغة: من ودع الشيء إذا تركه , سميت بذلك لأنها متروكة عند المودع. وهي شرعاً: اسم للمال المودع عند من يحفظه بلا عوض. ويشترط لصحة الإيداع ما يعتبر للتوكيل من البلوغ والعقل والرشد؛ لأن الإيداع توكيل في الحفظ. ويستحب قبول الوديعة لمن علم من نفسه أنه ثقة قادر على حفظها؛ لأن في ذلك ثواباً جزيلاً؛ لما في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) . ولحاجة الناس إلى ذلك , أما من لا يعلم من نفسه القدرة على حفظها، فيكره له قبولها. ومن أحكام الوديعة أنها إذا تلفت عند المودع ولم يفرط؛ فإنه لا يضمنها؛ كما لو تلفت من بين ماله؛ لأنها أمانة؛ والأمين لا يضمن إذا لم يتعد , وورد في حديث فيه ضعف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أودع وديعة؛ فلا ضمان عليه) رواه ابن ماجة، ورواه الدارقطني بلفظ: (ليس على المستودع غير المغل ضمان) والمغل: الخائن , وفي رواية بلفظ: (لا ضمان على مؤتمن) , ولأن المستودع يحفظها تبرعاً. , فلو ضمن؛ لامتنع الناس من قبول الودائع , فيترتب على ذلك الضرر بالناس وتعطل المصلحة. أما المعتدي على الوديعة أو المفرط في حفظها؛ فإنه يضمنها إذا تلفت؛ لأنه متلف لمال غيره. ومن أحكام الوديعة أنه يجب على المودع حفظها في حرز مثلها كما يحفظ ماله؛ لأن الله تعالى أمر بأدائها في قوله: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) , ولا يمكن أداؤها إلا بحفظها , ولأن المودع حينما قبل الوديعة؛ فقد التزم بحفظها، فيلزمه ما التزم به. وإذا كانت الوديعة دابة؛ لزم المودع إعلافها , فلو قطع العلف عنها بغير أمر صاحبها , فتلفت: ضمنها؛ لأن إعلاف الدابة مأمور به , ومع كونه يضمنها؛ فإنه يأثم أيضاً بتركه إعلافها أو سقيها حتى ماتت؛ لأنه يجب عليه علفها وسقيها لحق الله تعالى؛ لأن لها حرمة. ويجوز للمودع أن يدفع الوديعة إلى من يحفظ ماله عادة؛ كزوجته وعبده وخازنه وخادمه , وإن تلفت عند أحد من هؤلاء من غير تعد ولا تفريط لم يضمن؛ لأن له أن يتولى حفظها بنفسه أو من يقوم مقامه , وكذا لو دفعها إلى من يحفظ مال صاحبها؛ برئ منها؛ لجريان العادة بذلك. [الْمَصْدَرُ] من كتاب الملخص الفقهي للشيخ صالح آل فوزان ص 137. الحديث: 13717 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5956 ترك له شخص مبلغا أمانة ولم يأت لأخذه فهل يتاجر به ويكون ضامنا له [السُّؤَالُ] ـ[ترك لي شخص مبلغا من المال على سبيل الأمانة، على أساس أنه سيعود خلال وقت قصير ويأخذه، ولكن لم يتصل ولم يأت منذ فترة طويلة اتصلت به في الرقم المتروك فلم أجده، والسؤال: هل يجوز لي استغلال هذا المبلغ في التجارة، مع المحافظة عليه ورده حين طلبه، مع التحمل الكامل لأي خسارة في المبلغ؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فقد أمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم برد الأمانات إلى أهلها، فقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) النساء/58. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ) رواه الترمذي (1264) وصححه الألباني في جامع الترمذي. فالواجب عليك رد المال إلى صاحبه، فعليك أن تبحث وتسأل عنه وتعاود الاتصال به حتى تجده. فإن يئست من الوصول إليه فإنك تحفظ له ماله حتى يأتي ويطلبه، ولك في هذه الحال أن تتصدق به نيابة عن صاحبه – بعد بذل ما في وسعك للوصول إلى صاحبه – ثم إن جاء صاحبه يوماً من الدهر فإنك تخبره بما فعلت، فإما أن يجيز الصدقة ويكون له ثوابها، وإما أن يأخذ ماله ويكون ثواب الصدقة لك. سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن رجل ترك وديعة عند آخر ولم يرجع لأخذها، وقد مضى عليها سنوات. فأجابت: (عليك أن تبذل أقصى جهد ممكن في التعرف على صاحب هذه الوديعة، فإن وجدته أو وجدت وارثاً له فادفع حقه إليه، فإن عجزت عن ذلك فاصرفها في وجه من وجوه البر، بينية الصدقة عن صاحبها، فإن جاء صاحبها أو وارثه بعد ذلك فأخبره بالواقع، فإن رضي فذلك، وإن لم يرض فادفع قيمتها إليه ولك ثواب ما دفعت إن شاء الله) . [فتاوى اللجنة الدائمة 15/404] . وسئلت اللجنة الدائمة أيضاً عن رجل وضع عند آخر مبلغاً من المال وذهب إلى بلاده ولم يرجع، والمودَع لا يعلم من أي قرية هو، فماذا يفعل بهذا المال؟ فأجابت: (إذا كان الواقع كما ذكر فإن شئت فاحفظه واجتهد في التعرف على الرجل المذكور، وإن شئت فتصدق بالمبلغ الموجود لديك على الفقراء، أو ادفعه في مشروع خيري بنية أن يكون ثوابه لصاحبه، فإن جاءك بعد صاحبه أو وارثه فأخبره بالواقع، فإن رضي فبها، وإلا فادفع له المبلغ، ولك الأجر إن شاء الله) فتاوى اللجنة الدائمة 15/406. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 12732 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5957 أضاعت صندوق وقفٍ كان في عهدتها فهل تضمنه؟ [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم التصرف بالوقف مما يؤدي إلى ضياعه دون قصد؟ فقد وضع صندوق للتبرعات في مسجد الجامعة وقفاً لمن أراد الانتفاع به في جمع التبرعات لمن يحتاجها ومن ثم إعادته إلى المسجد مرة أخرى، وقد استخدمت هذا الصندوق للغرض الذي وقف له، ثم ضاع مني دون أن أجده فما عليَّ الآن؟ هل يجب عليَّ ضمان هذا الصندوق؟.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان هذا الصندوق قد ضاع منك من غير تفريط أو تقصير في حفظه فلا ضمان عليك، أما إذا كنت قصرت في حفظه فعليك ضمانه، وضمان الأموال التي كانت فيه، إن كان فيه أموال. لأنك كنت مؤتمنة على هذا الصندوق، والأمين لا يضمنه إلا بالتعدي أو التفريط. جاء في " الموسوعة الفقهية " (28 / 258، 259) : " المشهور تقسيم اليد إلى قسمين: يد أمانة، ويد ضمان. ويد الأمانة: حيازة الشّيء أو المال، نيابةً لا تملّكاً، كيد الوديع، والمستعير، والمستأجر، والشّريك، والمضارب، وناظر الوقف، والوصيّ. ويد الضمان: حيازة المال للتّملّك أو لمصلحة الحائز، كيد المشتري والقابض على سوم الشّراء، والمرتهن، والغاصب والمالك، والمقترض. وحكم يد الأمانة، أنّ واضع اليد أمانةً، لا يضمن ما هو تحت يده، إلاّ بالتّعدّي أو التّقصير، كالوديع. وحكم يد الضّمان، أنّ واضع اليد على المال، على وجه التّملّك أو الانتفاع به لمصلحة نفسه، يضمنه في كلّ حال، حتّى لو هلك بآفة سماويّة، أو عجز عن ردّه إلى صاحبه، كما يضمنه بالتّلف والإتلاف. فالمالك ضامن لما يملكه وهو تحت يده، فإذا انتقلت اليد إلى غيره بعقد البيع، أو بإذنه، كالمقبوض على سوم الشّراء، أو بغير إذنه كالمغصوب، فالضّمان في ذلك على ذي اليد، ولو انتقلت اليد إلى غيره، بعقد وديعة أو عاريّة، فالضّمان - أيضاً - على المالك " انتهى. وعليه: فما دمت قد استعملت الصندوق فيما أوقف عليه، ولم يحصل منك تعدٍّ ولا تقصير ولا إهمال في حفظه والعناية به: فلا يلزمك ضمانه، ولو فعلت وأتيت بغيره أو أحسن منه فهو أطيب لك وأبعد لك عن الشبهة والقيل والقال فيك، وهو صندوقٌ لجمع التبرعات لا يكلفك كثيراً ولك فيه أجر، فاحرصي على الإتيان بصندوق آخر من غير إلزام. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 75568 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5958 هل لها أن لا ترد إلى زوجها وديعة له عندها لظلمه وعدم إنفاقه على ابنته؟ [السُّؤَالُ] ـ[أودع رجل لدى زوجته مبلغاً من المال قدره 800$ وبعد أن انفصلا أي تطلقت الزوجة أرجعت للزوج 700$ وبقى في ذمتها 100$ ولكن للعلم أن الزوج لم يعط للزوجة حقوقها وسرق الكثير من الأموال التي هي من حقها ولم ينفق على ابنته التي تعيش لدى الأم ولكن بالعكس سرق حتى ملابس ابنته .... فماذا تفعل الأم بال100$ هل تنفقها على ابنته أم ترجعها إلى الزوج؟ علما أنه مر على الطلاق سنتان تقريباً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من كان له حق عند شخص، ولا يستطيع أن يأخذ حقه منه، ثم ظفر بشيء من ماله، فقد ذهب كثير من العلماء إلى أنه يجوز له أن يأخذ من ماله بقدر حقه. ويتأكد جواز ذلك إذا كان سبب الحق ظاهراً كنفقة الزوجة والأولاد. وقد ورد في السنة ما يدل على ذلك، روى البخاري (5364) ومسلم (1714) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي إِلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ؟ فَقَالَ: (خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ) . فأذن لها النبي صلى الله عليه وسلم أن تأخذ من مال زوجها نفقتها ونفقة أولاده بدون علمه. وهذه المسألة تُسَمَّى عند العلماء بمسألة الظَّفَر. قال ابن القيم رحمه الله: "مَسْأَلَةُ الظَّفَرِ , وَقَدْ تَوَسَّعَ فِيهَا قَوْمٌ ... ومنعها قوم بالكلية ... وَتَوَسَّطَ آخَرُونَ وَقَالُوا: إنْ كَانَ سَبَبُ الْحَقِّ ظَاهِرًا كَالزَّوْجِيَّةِ وَالْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ وَمِلْكِ الْيَمِينِ الْمُوجِبِ لِلْإِنْفَاقِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ قَدْرَ حَقِّهِ مِنْ غَيْرِ إعْلَامِهِ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا كَالْقَرْضِ وَثَمَنِ الْمَبِيعِ , وَنَحْوِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْأَخْذُ إلَّا بِإِعْلَامِهِ , وَهَذَا أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ فِي الْمَسْأَلَةِ , وَعَلَيْهِ تَدُلُّ السُّنَّةُ دَلَالَةً صَرِيحَةً ; وَالْقَائِلُونَ بِهِ أَسْعَدُ بِهَا" انتهى. "إعلام الموقعين" (4/21) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: حارس يعمل عند صاحب عمارة ويقول إن صاحب العمارة لم يعطه راتبه، ووجد لصاحب العمارة ثلاثمائة ريال فأخذها، فهل يجوز له أخذها أم لا؟ فأجاب: "هذه المسألة يعبر عنها أهل العلم بعنوان "مسألة الظفر" وهي على القول الراجح لا تجوز بمعنى أن الإنسان إذا كان له حق على شخص وهذا الإنسان لم يؤده حقه فهل يجوز أن يأخذ شيئاً من ماله إن قدر عليه بمقدار حقه؟ نقول: الصحيح أنه لا يجوز، إلا إذا كان سبب الحق ظاهراً، مثل لو كان الحق نفقةً، مثل الزوجة تأخذ من مال زوجها إذا لم يقم بواجب النفقة، وكالقريب يأخذ من مال قريبه إذا لم يقم بواجب النفقة، فهذا لا بأس به، وكذلك الضيف يأخذ من مال من استضافه إذا لم يقم بواجب الضيافة فهذا لا بأس به، لكن بشرط أن لا يكون في ذلك فتنة، وألا يكون في ذلك سببٌ للعداوة والبغضاء والشجار" انتهى. "فتاوى نور على الدرب" (9/322-323) . فعلى هذا إن كان ما تقول الزوجة حقاً، في أن زوجها لم يعطها حقوقها، ولا ينفق على ابنته، فلا حرج عليها أن تأخذ هذه الأموال وتنفق منها على ابنتها. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 138048 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5959 يريد فتح مطعم يختلط فيه الرجال بالنساء [السُّؤَالُ] ـ[أريد فتح مطعم في إحدى البلدان الإسلامية حيث يختلط الرجال والنساء، ويغلب على الناس الطابع الغربي في نمط العيش. فهل أنا آثم إذا أتى لتناول الطعام بعض هذه الأجناس المختلطة في مطعمي؟ مع الأخذ في الاعتبار أن هذا هو العمل الذي أحسنه على أتم وجه.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما دام هذا البلد يختلط فيه الرجال بالنساء، ويغلب على الناس الطابع الغربي في العيش، فهذا يعني أن هذا المطعم سيكون فيه جملة من المنكرات: 1- إظهار النساء لزينتهن ومفاتنهن بلا رادع من دين أو خلق. 2- الاختلاط المستهتر بين الرجال والنساء الذي يؤدي إلى كثرة الفواحش. 3- العلاقات المحرمة والمشبوهة التي تكون بين رواد المطعم كحضور الرجل مع عشيقته أو صديقته إلى هذا المطعم. وهذه الأمور ـ كما هو معلوم ـ من المحرمات ومن أخطر الأشياء على المجتمعات. قال ابن القيم رحمه الله: "ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر , وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة , كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة، واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا , وهو من أسباب الموت العام والطواعين المتصلة. فمن أعظم أسباب الموت العام: كثرة الزنا، بسبب تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال والمشي بينهم متبرجات متجملات، ولو علم أولياء الأمر ما في ذلك من فساد الدنيا والرعية قبل الدين لكانوا أشد شيء منعا لذلك" انتهى مختصرا. "الطرق الحكمية" (ص 407-408) . والله تعالى كما حَرَّم معصيته، حَرَّم إعانة العاصي على معصيته، وأوجب نهيه عن هذه المعصية. قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) . وروى مسلم (49) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ) . قال النووي رحمه الله: "قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَلْيُغَيِّرْهُ) هُوَ أَمْر إِيجَابٍ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّة. وَقَدْ تَطَابَقَ عَلَى وُجُوب الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر الْكِتَاب وَالسُّنَّة وَإِجْمَاعُ الْأُمَّة، وَهُوَ أَيْضًا مِنْ النَّصِيحَة الَّتِي هِيَ الدِّين" انتهى. فلا يجوز للمسلم أن يعين عاصياً على معصيته، وفتح هذا المطعم بالطريقة التي ذكرتها فيه إعانة لهؤلاء على انحرافهم، وسكوت على منكرهم وباطلهم. فنظراً لأنك لن تستطيع منع هذه المنكرات بل ستكون معيناً لأهلها عليها، فالنصيحة لك أن تعدل عن هذا العمل إلى غيره، واعلم أن (من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه) ، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) . نسأل الله تعالى أن ييسر أمرك ويرزقك رزقاً حلالاً طيباً. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 137919 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5960 ظلمه كفيله فأخذ من ماله بغير علمه [السُّؤَالُ] ـ[عمل زوجي لدي كفيل ظالم منعة المكافئات المتفق عليها وبدل السكن وبعض الرواتب وكان دوما محتالا يعد ولا يوفي. وفي إحدى المرات اتفق مع زوجي أن يعطيه 10 آلاف ريال نسبة عن مشروع ما وأعطاه المال اللازم للمشروع فاحتاط زوجي واستبقي لنفسه ال10 آلاف من هذا المال دون أن يخبر كفيله. ثم لم يعلم هذا الكفيل بشيء ومع مرور الوقت اختلف الكفيل وزوجي إذ أنه كان يحرمه النزول لأمه الأرملة واخوته الأيتام وقد ألحق بهم ذلك جميعا أذى نفسياً إذ إنه يعتبر والدهم في كل شئ فرفع زوجي قضيه في مكتب العمالة بالتظلم من منعه حقوقه المادية التي بلغت حوالي 60 ألف ورفع الكفيل قضية أيضا بان زوجي مختلس عشرون ألفا وخسر الكفيل ولم تعترف المحكمة بحقوق زوجي المادية عدا ألفين ريال ولكن برئته من الاختلاس شريطة أن يقسم. وامتنع زوجي عن القسم فهدده القاضي بالجلد والحبس للتعزير فاضطر للقسم بأنه لم يختلس مالا. والسؤال:هل على زوجي وزر في المال الذي أخذه دون علم الكفيل الظالم؟ وهل لقسمه كفارة؟ وما عقوبته؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان لزوجك مال لدى كفيله، وعجز عن أخذه وليس له بينة تثبته أمام القضاء، فأخذ من مال كفيله بغير علمه، فلا حرج عليه في ذلك، وهذا ما يسمى عند العلماء بالظَّفَر، أي ظفر الإنسان بحقه، والراجح جوازه بشرطين: الأول: ألا يأخذ أكثر من حقه. والثاني: أن يأمن الضرر على نفسه كالفضيحة والعقوبة. وينظر جواب السؤال رقم (27068) . وأما الحلف: فالواجب عليه أن يستغفر الله تعالى، ولا كفارة عليه. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136338 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5961 هل يقبل سداد ديْنه ممن في ماله شبهة حرام؟ [السُّؤَالُ] ـ[شخص لي عليه ديْن، سدَّده لي من مال به شبهة حرام، هل أقبله؟ مع العلم أنه إذا لم أقبل هذا المبلغ يحتمل أن يضيع.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا مانع من قبولك سداد الدين ممن ماله به شبهة حرام، وبيان ذلك: أن المال المحرم الذي يسدد الدائن به دينه لا يخلو من أن يكون محرَّماً لذاته، أو يكون محرَّماً لكسبه ووصفه، فإن كان محرما لذاته، كأن يكون مسروقاً، أو مغصوباً: فلا يحل لأحدٍ قبضه منه، بأي سبب كان ذلك القبض، فلا يقبضه بائع له ولا وارث، ولا دائن، بل يجب على من قبضه منه: رده إلى صاحبه. وإن كان المال محرَّماً لكسبه، ووصفه، كأن يكون قبضه جرَّاء عقد محرَّم كالربا، أو كان يعمل في مكان لا يحل له العمل فيه: فإنما إثمه على كاسبه، ويجوز لمن انتقل إليه هذا المال بطريق مباح أن ينتفع به، كمن يقبله هدية أو سداداً لدين ونحو ذلك. ودليل ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعامل اليهود في المدينة بالبيع، والشراء، وكان يأكل من طعامهم، وهم الذين وصفهم الله تعالى بأكل الربا، والسحت، وأخذهم أموال الناس بالباطل. وقد سبق تقرير ذلك بالتفصيل في موقعنا في العديد من الإجابات، انظر منها: (39661) و (85419) . والمال الذي فيه شبهة: هو أخف حكما من القسم الثاني، لأننا لا نجزم بتحريمه، وإنما اشتبه أمره علينا، هل هو حلال أم حرام؟ فلا حرج عليك من قبوله سداداً لدينك، وإثم ذلك ـ إن كان فيه إثم ـ هو على من اكتسبه بطريقة محرمة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في حديثه عن المال من شبهة: " وأما قبضه الشبهة: فليس محرَّماً، بل ورعٌ مستحب. وقال: وليس تركُ الشبهة واجباً " انتهى. " جامع المسائل " (1 / 47) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 136028 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5962 زوَّر في أوراق طبية ليحصل على إعادة منحة دراسية، فماذا يترتب عليه؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا طالب، أدرس في الغربة، تأتني نوبات من الربو، تشتد أحياناً، وتخف أحياناً أخرى، وهذا المرض يحتاج إلى مصاريف بشكل دائم لشراء الدواء، وإلا أحسست أني أشارف على الهلاك، انقطعتْ منحتي الدراسية لأسباب قانونية، ونظامية، بعثتُ للوزارة بتقرير عن حالتي الصحية، وكان الرد أنهم لن يعيدوا لي المنحة إلا إذا كان تاريخ النوبة خلال امتحانات الفصل الثاني، رغم أن هذه السنة أتتني النوبة، ولكن خلال امتحانات الفصل الأول، وليس الثاني، فما كان مني إلا أن طلبت من الطبيب المشرف على حالتي أن يعدَّ لي تقريراً، ولكن بالتاريخ الذي تنص عليه الوزارة، وفعلاً تمَّ إعادة المنحة الدراسية، ولكن الآن: هل هذا المال الذي عندي حلال أم حرام؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: نسأل الله سبحانه وتعالى بمنّه، وكرمه أن يعافيك وأن يكتب لك الشفاء، والأجر، والثواب , فالمسلم إذا احتسب ما يصيبه كفَّر الله عنه سيئاته، ورفع درجاته، كما جاء في الحديث عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حُزْنٍ وَلاَ أَذًى وَلاَ غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ) . رواه البخاري (5318) ومسلم (2573) . ثانياً: لا يجوز أخذ المال بغير حقٍّ، ولو كان هذا المال من جهة حكومية، ومن قواعد الشريعة المطهرة: أن المال العام يتعلق به حق كل مسلم يعيش في هذه الدولة , فإذا أخذ الإنسان مالاً من الدولة بغير وجه حق: كان ظالماً لجميع المسلمين. قال الشيخ العثيمين رحمه الله: "والعجب من بعض الناس أنهم يقولون: إن مال الحكومة ليس له حرمة، ويماطلون في حق الحكومة، وهذا خطأ، فمال الحكومة له حرمة؛ لأن المال الذي في بيت المال للمسلمين عموماً، كل إنسان له فيه حق" انتهى. "اللقاء الشهري" (74/السؤال رقم 24) . وما دام أن منْحتك قد انقطعت بسبب ما ذكرتَ من أسباب قانونية، ونظامية , ولا تعلق لذلك بالمرض: فما فعلتَه أنت والطبيب هو كذب، وشهادة زور، وهاتان معصيتان لا يخفى على مسلم تحريمهما، ويكون المال الذي دُفع لك للمنحة الدراسية محرَّماً عليك، كما يحرم على الطبيب أخذ مال مقابل شهادة الزور التي كتبها لك. فيجب عليك إرجاع المال الذي أخذتَه في تصرفك ذلك , مع التوبة، والاستغفار , فإن لم يمكن إرجاعه، فإنك تتصدق به في وجوه البر تخلصاً منه. فإن كنت فقيراً محتاجاً إلى هذا المال، فنرجو أن تكفيك التوبة والندم والعزم على عدم العودة إلى هذا الفعل مرة أخرى. وانظر جواب السؤال رقم (81915) . ونرجو أن يكون كسبك بعملك المباح بعد الانتهاء من دراستك لا حرمة فيه؛ حيث إن العمل يكون باعتبار ما تقدمه من شهادة غير مزورة. فإن فعلت ما قلناه لك: فنسأل الله تعالى أن يعوضك خيراً , ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، وقال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِب) الطلاق/ 2، 3. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 132878 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5963 عنده فواتير قديمة لم تسدد ولم يطالب بها، هل يلزمه سدادها؟ [السُّؤَالُ] ـ[عندي بعض الفواتير القديمة لشركة الاتصالات السعودية ولم يتم مطالبتي بها، ولا أدري هل هي ما زالت لدي أم لا؟ وأخاف أن تكون ديناً في رقبتي إذا لم أسددها، هل علي شيء أم يجب أن أبحث عنها وأسددها لأنها في ذمتي أو أن ذمتي تخرج منها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله جاءت الشريعة بأداء الحقوق إلى أصحابها، والنهي عن أكل أموال الناس بالباطل، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) النساء/29، وقال تعالى: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) البقرة/188. قال ابن عباس رضي الله عنهما: (هذا في الرجل يكون عليه مال، وليس عليه فيه بَيِّنة، فيجحد المال ويخاصم إلى الحكام، وهو يعرف أن الحق عليه، وهو يعلم أنه آثم آكل حرامٍ) . "تفسير ابن كثير" (1/521) وقد خطب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الناس يَوْمَ النَّحْرِ وقال: (إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا) متفق عليه. قال النووي: " الْمُرَاد بِهَذَا كُلّه: بَيَان تَوْكِيد غِلَظ تَحْرِيم الْأَمْوَال وَالدِّمَاء وَالْأَعْرَاض وَالتَّحْذِير مِنْ ذَلِكَ " انتهى. وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: هل يجوز التحايل للامتناع عن دفع فاتورة الكهرباء أو الماء أو التليفون أو الغاز أو أمثالهما؟ علما بأن معظم هذه الأمور تتولاها شركات مساهمة يمتلكها عامة الناس. فأجابت: " لا يجوز؛ لما فيه من أكل أموال الناس بالباطل، وعدم أداء الأمانة، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (23/441) . وأيضا: فقد روى البخاري (13) ومسلم (45) عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ) . فانظر في حال نفسك: هل تحب أن يكون لك الحق عند غيرك فيجحده أو يستره حتى يخفى عليك وتنساه؟ أم تحب استيفاءه منه، وأن يبذله إليك ويرده عليك؟ واعلم أن الحقوق إن لم تؤد إلى أصحابها في الدنيا، فإنها ستؤدى لهم يوم القيامة. روى مسلم (2582) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ) . فالواجب تسديد تلك الفواتير. فإن لم تتمكن من العثور عليها فإنك تراجع الشركة وتسأل عن هذه الفواتير. وانظر جواب السؤال (70274) لمزيد الفائدة. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 132691 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5964 حكم المكافأة التي تدفعها الدولة لرعاية اليتيم [السُّؤَالُ] ـ[تمنح الشؤون الاجتماعية لرعاية الأيتام مكافأة لمن يكفل يتيم (2000) ريال شهريا ومكافأة لنهاية المدة (20000) ريال. السؤال ما حكم هذا المال؟ وهل لي الأخذ منه قدر الحاجة؟ وإذا زاد من هذه المكافأة ماذا أفعل بها؟ علما بأنه ممكن تكون المكافأة أكثر من مصاريف الحاجة لدى الطفل.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله كفالة اليتيم عمل صالح نافع، وقد جاء في فضله قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا) رواه البخاري (5304) ومسلم (2983) . قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: " (كَافِل الْيَتِيم) الْقَائِم بِأُمُورِهِ مِنْ نَفَقَة وَكِسْوَة وَتَأْدِيب وَتَرْبِيَة وَغَيْر ذَلِكَ , وَهَذِهِ الْفَضِيلَة تَحْصُل لِمَنْ كَفَلَهُ مِنْ مَال نَفْسه , أَوْ مِنْ مَال الْيَتِيم بِوِلَايَةٍ شَرْعِيَّة " انتهى. وبعد الاطلاع على النظام المعمول به في وزارة الشؤون الاجتماعية، الذي جاء فيه: " 2- إعانات الأسر الكافلة للأيتام: هذه الإعانات تصرف للأسر التي تقوم بكفالة الأيتام ورعايتهم عن الوزارة بناء على المادة [14] من اللائحة الأساسية للأطفال المحتاجين للرعاية، الصادرة بقرار مجلس الوزراء رقم (612) في 13/5/1395هـ ونصها: " تصرف الوزارة إعانة شهرية لجهة الرعاية اعتباراً من تاريخ تسلم الطفل إذا رغبت تلك الجهة في الإعانة ". بحيث تصرف على النحو الآتي: ـ #2000# ريال شهرياً لمن هم دون السادسة من العمر. ـ #3000# ريال شهرياً لمن هم فوق السادسة من العمر. 3- إعانة انتهاء فترة الكفالة: حدد القرار رقم (1430) وتاريخ 13/10/1395هـ إعانة مالية تصرف لكل أسرة لدى انتهاء مدة إقامة الأطفال مجهولي الأبوين بمقدار (20000) ريال " انتهى من موقع الوزارة http://www.mosa.gov.sa/portal/cdisplay.php?cid=10 وظاهر من هذا النظام أن هذه المكافأة هي مكافأة للأسرة وليست نفقة لليتيم، بدليل صرفها بعد انتهاء مدة الكفالة. وعلى هذا، فهذه المكافأة ملك للأسرة، فلا حرج عليها من الانتفاع بها أو بما زاد عن حاجة اليتيم. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130359 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5965 يستخدم كلمة المرور الخاصة بجهازه في العمل للعمل على جهازه الخاص [السُّؤَالُ] ـ[أعمل في شركة عمومية ولدي في مكتبي إنترنت مجانا ولي كذلك في البيت إنترنت ولكن بالاشتراك الشهري ولما تخلص المدة الاشتراكية في البيت وما عندي دراهم لكي أجدد المدة آخذ ال user name أو password الخالص بالعمل وأشتغل به في بيتي لمسائلي الشخصية. هل أنا آثم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان استخدامك لكلمة المرور الخاصة بجهازك في العمل للعمل على جهازك الخاص بك لا يؤثر على العمل بزيادة تكلفة، أو تعطيل الخط، أو تقليل سرعته فلا حرج من ذلك. ولكن ... ينبغي أن يكون ذلك بإذن المسؤول في الشركة، لأنه يعد انتفاعاً بأموال الشركة، ولأن الموظفين قد يعملون جميعاً نفس العمل مما قد يؤثر على سرعة الخط في الشركة. والأحوط لك: أن تمتنع من هذا، لكن إن فعلته أحيانا لحاجتك إليه، فلا يظهر لنا ما يحرمه. ولمزيد الفائدة انظر جواب السؤال رقم: (99544) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 130228 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5966 من سرق مالاً قبل البلوغ لم تبرأ ذمته إلا برده [السُّؤَالُ] ـ[سرقت بعض الأشياء القليلة (أربعة أو خمسة أشياء) من البقالة ومن أحد أقاربي عندما كنت صغيراً في مرحلة الابتدائية من باب الشقاوة وليس لحاجتي الشديدة إلى تلك الأشياء , فالسؤال هو: ماذا عليّ أن أفعل تجاه ما سرقت؟ علماً بأني لا أملك تلك الأشياء التي سرقتها لكي أعيدها إليهم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: سبق في جواب السؤال رقم (7833) الكلام على "السرقة عند الأطفال" وكيفية علاجها والداعي لها. ثانياً: إذا سرق الصبي مالاً أو جنى على شخص جناية بإتلاف شيء من ماله أو بجرحه أو قتله ... ونحو ذلك، فلا يأثم الصبي بذلك، لأنه غير مكلف، ولكن لا يسقط حق المجني عليه، بل يجب على الصبي ضمانه من ماله. قال النووي رحمه الله في "المجموع" (7/37) : "قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن جنايات الصبيان لازمة لهم في أموالهم" انتهى. ونقله أيضاً ابن قدامة في "المغني" (3/108) . وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: عن حكم من أخذ مالاً حراماً من عدة أشخاص، وذلك قبل أن يبلغ سن الرشد، وبعدما بلغ سن الرشد تاب إلى ربه، واستغفره، ويريد أن يرجع المال لأصحابه وهو لا يعرف كم مقدار ذلك المبلغ، ولكنه اجتهد في تقديره وبدون أن يظلم أحداً منهم إن شاء الله، وأيضاً يوجد شخص من هؤلاء الأشخاص لا يعرف اسمه ولا مكان إقامته، فهل يتصدق به عنه أم لا؟ فأجاب: "أما من عرفهم، فإنه يسلم إليه حقهم حسب اجتهاده، وحسب ما يغلب على ظنه أو يستبيحهم ويسألهم العفو عما مضى، وعما حصل، وأما من جهل، ولم يعرف هل هو حيٌ أو ميت، ولم يعرف ورثته، فإنه يتصدق به عنه بالنية عن صاحب الحق، مع التوبة إلى الله، والصدق في ذلك، وتبرأ ذمته إن شاء الله في ذلك" انتهى. http://www.binbaz.org.sa/mat/9338 أما كونك لا تملك عين المال المسروق لاستهلاكه، فالواجب عليك أن ترد مثله أو قيمته لصاحبه. وإذا كان في إرجاع هذه الأشياء إلى صاحبها إحراج لك، فلا يجب عليك إخبارهم بذلك، بل المقصود هو إرجاع الحق إليهم بأي طريقة. وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله عن مال مسروق تاب مَنْ أخذه ويريد رده؛ لكن يسبب له بعض الإحراجات. فأجاب: " ... وعليه رد الأموال إلى أصحابها إذا عرفهم، عليه أن يردها إليهم بالطريقة التي تمكن، ولو من غير أن يعلموا أنها منه، يرسلها إليهم بواسطة من يرى حتى يوصلها إليهم، عن طريق البريد أو من غير طريق البريد، ولا يجوز له عدم ردها، بل يجب ردها إذا عرفهم بأي طريقة على وجه لا يعلمون أنها منه، يعطيها إنساناً يسلمها لهم يقول لهم: إن هذه أعطانيها إنسان يقول إنها حق لكم عنده، وأعطانيها أسلمها لكم، والحمد لله" انتهى. http://www.binbaz.org.sa/mat/17764 وانظر جواب السؤال رقم (83099) و (31234) . ونسأل الله لك التوفيق، والمزيد من الهداية، والتثبيت. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129779 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5967 كان يسرق الأموال وهو صغير ولا يعرف أصحابها الآن [السُّؤَالُ] ـ[لم أقض شبابي بطريقة صحيحة وكنت آخذ أشياء – أظن أنها سرقة- وهي من عدة أشخاص وكلها أشياء غير ذات قيمة وقد كنت وقتها طفلاً والآن لا أعرف مكان هؤلاء الناس ولا أذكر ماذا أخذت ولا ممن أخذت فإني لو كنت أعرفهم لكنت عوضتهم ولقد طلبت من الله المغفرة فماذا أفعل؟ للعلم كان عمري 15 عاماً عندما قمت بهذه الأعمال وأعتقد أنني كنت قد بلغت سن الرشد. إنني أخاف الله وأصلي وأدعو بالمغفرة وأن لا يكون أولئك الناس ضدي يوم القيامة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ننصحك بأن تحسن الأعمال فيما بعد التوبة، وأن تصلح أعمالك، وتكثر من الاستغفار، والأعمال الصالحة من صلاة، وصيام، وصدقة، فإذا كنت لا تعرف هؤلاء الأشخاص الذين أخذت منهم هذه الأشياء وإن كانت طفيفة فلك أن تتصدق بقدرها، وتنوي ذلك عن أهلها حتى يغفرها الله لك، ولا يكونوا لك ضدا يوم القيامة. فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله. [الْمَصْدَرُ] فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله الحديث: 129722 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5968 حكم التحايل ليأخذ من الشركة أكثر من قيمة الإيجار التي يدفعها [السُّؤَالُ] ـ[صدر قرار من جهة العمل التي نعمل بها بصرف المبالغ التالية: _ قيمة إيجار منزل بحد أقصى (1500) جنيه إسترليني شهرياً. _ (200) جنيه إسترليني شهرياً = بدل فواتير الخدمات (ماء وكهرباء وغاز) . جهة العمل تدفع مبلغ الإيجار المسجل في العقد فقط على أن لا يتجاوز 1500 جنيه. السؤال: إذا وجدت منزلاً قيمة إيجاره بـ 900 جنيه في الشهر ثم اتفقت مع مالك العقار (اتفاقاً باطناً) على أن يتكفل بدفع فواتير الخدمات دون أن نسجل هذا الشرط في العقد. ثم نقوم برفع قيمة الإيجار في العقد إلى 1200 جنيه شهرياً.. فالذي يظهر لجهة العمل في العقد أن إيجار المنزل هو 1200 جنيه. فيصرف لي آخر الشهر 1200 جنيه قيمة إيجار.. كما يصرف لي 200 جنيه بدل فواتير الخدمات. والحاصل من هذه العملية أنني أستفيد من المبلغ المخصص كبدل للفواتير (200) جنيه، بينما يقوم مالك العقار بدفع قيمة الفواتير. ولو وضحنا ذلك في العقد لخشينا أن يوقف عنا بدل فواتير الخدمات. ما حكم هذه العملية؟ وماذا على من فعلها مسبقاً؟ أفتونا مأجورين.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الأمر كما ذكرت فالواجب إخبار جهة العمل بحقيقة الأمر وعدم التحايل لأخذ ما لم تأذن به الشركة، فإذا كان إيجار المنزل 900 جنيه لم يجز كتابته 1200 سواء أدخلتَ قيمة الفواتير أم لا؛ لأن الشركة ميزت بين الأمرين، وجعلت لكل منهما حداً معيناً. ولا يخفى أن الصدق من أعظم الخلال والخصال، وهو سبب لكل بر وخير، كما قال صلى الله عليه وسلم: (عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ (أي يبالغ فيه ويجتهد) حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا) رواه البخاري (5743) ومسلم (2607) . وتسجيل البيانات خلافا للواقع فيه كذب وغش وتحايل لأكل المال بالباطل، وكل هذا محرم. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) النساء/29، وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي) رواه مسلم (101) . فعليك بالصدق وبيان الحال كما هو، ففي ذلك النجاة والخير والبركة. ومن فعل ذلك مسبقاً: فالواجب عليه أن يعيد الأموال التي أخذها وهو لا يستحقها إلى الشركة، فإن خشي من ذلك حصول مفسدة، فإنه يوصل المال إلى الشركة بأي طريقة، ولا يشترط أن يخبر إدارة الشركة بما وقع منه. وانظر جواب السؤال رقم (47086) ، (71249) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 129640 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5969 معه فائض من أموال الدولة وهو بحاجة إليها [السُّؤَالُ] ـ[شخص يعمل مسؤولا عن أموال دائرة حكومية ويكون هناك لديه بعض الفوائض من الأموال. السؤال؟ 1- ما حكم أخذ هذه الأموال إذا كان مال دولة وليس أشخاص، علما بأن هذا المال ليس فيه مضرة على أحد وقد تم تسديد مستحقات الدولة. 2- ما حكم أخذ هذه الأموال الفائضة لصالحه الشخصي وهو بحاجة لهذه الأموال وهو يعرف الطرق التي يجمع فيها الأموال الفائضة. 3- وقد كان هناك أحد طلبة العلم أفتى بجواز أخذها من باب أنها من الأموال السائبة وأنت بحاجة إليها. 4- هل يحق لي وأنا مسؤول عن أموال الدولة وبدون علمهم دفع مصاريف الهاتف والكهرباء والماء والبنزين؟ علما بأن العرف لا يجيز ذلك، ولكن أريد حكم الشرع. 5- هل تعتبر أموالا حلالا أم حراما ....... إني حائر وأرغب في الإجابة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله من كان مأمونا ومسؤولا عن أموال الحكومة فعليه الاحتفاظ بها وعدم إخفاء شيء منها وردها إلى بيت المال الذي تكون تابعة له، ولا يجوز له أخذ هذه الأموال من مال الدولة، بل عليه أن يؤديه إلى من ائتمنه عليه ولو لم يكن فيه مضرّة على أحد، ولا يسوّغ أخذه كونه قد سدّد مستحقات الحكومة، فلو دفع له مثلا عشرون ألفا ليشتري بها سيارة فاشتراها بتسعة عشر ألفا، فإنه يردّ الباقي على من دفعه إليه ويُخبر بأنه سدّد مستحقات الدولة وبقي عنده هذا الفائض، ولا يجوز له أخذ هذه الأموال الفائضة ولو عرف أنه إذا ردّها فإنها لا ترجع إلى بيت المال، وذلك لأنه مؤتمن عليها، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من ائتمناه على شيء مما جعله الله إلينا، فليؤد الخيط والمخيط ويأخذ ما أعطيناه) وثبت أنه صلى الله عليه وسلم حذر من أخذ شيء من تلك الأموال وسمّاها غلولا تدخل في قوله تعالى: (ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة) فالغلول إخفاء شيء من الغنيمة أو من أموال الزكوات أو الإيرادات المالية، فمن أخذ منها شيئا بغير حقه فإن هذا من الغلول، ومن أفتى بجواز أخذها وادعى أنها من الأموال السائبة وأن الآخذ محتاج إليها فقد أخطأ، فإنها من بيت المال ومن ملك الدولة، ولا يأخذ منها أحد إلا ما يستحقه وما يُصرف له، فلا يحق لأحد ولو كان مسؤولا عن أموال الدولة أن يأخذ مما ائتمن عليه شيئا إذا كان العرف لا يجيز ذلك، حتى مصاريف الهاتف والكهرباء والماء والبنزين، إلا إذا كانت تلك الهواتف ونحوها تخدم دائرة حكومية فإنها تسدّد من تلك الأموال، ولا شك أن تلك الأموال التي يؤتمن عليها المسلم مملوكة للدولة، فيحرم عليه أن يخفي شيئا منها أو يحابي بها أحدا، وبذلك وبأدائها يكون من أهل الأمانة. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله الحديث: 129400 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5970 المال المكتسب باليانصيب [السُّؤَالُ] ـ[هل المال الذي يحصل عليه الشخص مما يسمى باليانصيب الذي تقيمه بعض المصارف حلال أم حرام؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "الأموال التي تحصل بطريق الميسر وهو القمار وهو المسمى باليانصيب وطريق الحظ ونحو ذلك، هذه الأموال تؤخذ بغير الطريق الشرعي فلا تحل، قال الله جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) المائدة/90. والميسر هو القمار فما كان من طريق المغالبات في أي لعبة أو في أي عمل فهذا هو الميسر وهو القمار، فلا يجوز للمسلم أن يتساهل في هذا الأمر وإنما يحل له المال من طريقه الحلال، من طريق البيع والشراء الشرعي، ومن طريق الهبة الشرعية، ومن طريق القرض الشرعي، ومن طريق الأجرة الشرعية المطهرة، إلى غير ذلك، فطرق المال الحلال معروفة في الشرع. أما ما يتعلق بالقمار بأنواعه وهو الميسر فلا يجوز للمسلم أن يتعاطاه، بل يجب عليه الحذر من ذلك الكسب من هذا الطريق من طريق الميسر ومن طريق البيع الحرام كبيع الخمر والدخان أو ما أشبه ذلك، هذا لا يحل بل يجب على المسلم التحرز منه، يرجو ما عند الله ويخشى عقابه سبحانه وتعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) الطلاق/2، 3. والعبد إذا ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه سبحانه وتعالى، وهو القائل عز وجل: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) الطلاق/4" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (3/1483) . [الْمَصْدَرُ] فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز فتاوى نور على الدرب الحديث: 128963 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5971 دخل إلى حسابه مبلغ كبير من المال فتصرف فيه [السُّؤَالُ] ـ[وجدت في حسابي مبلغ مالي كبير قبل 12 سنة، وكنت في حاجة له فصرفته، ولم أعرف من الذي قام بإيداعه في الحساب. وراجعنا البنك ولم يتوصل إلى اسم المودع، وإنما تمكنوا من معرفة مكان الإيداع. والآن أريد تبرئة ذمتي منه؛ فهل أقوم بوضعه في عمل خيري بنية الأجر عن مودعه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله وصول المال إلى حسابك قد يكون عن خطأ، وقد يكون عن عمد، فإن كان عن عمد ـ وهو احتمال بعيد ـ فهو مال رغب عنه صاحبه وأعطاه لك فلك أخذه، وإن كان عن خطأ، وهذا هو ظاهر الحال، لزم رده إلى صاحبه؛ فإن لم تتمكن من معرفة صاحبه، تصدقت به عنه؛ على أنه لو عرفت صاحبه يوما من الدهر خيّرته بينه إمضاء الصدقة أو أخذ المال. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مَالٌ لَا يَعْرِفُ صَاحِبَهُ كَالْغَاصِبِ التَّائِبِ، وَالْخَائِنِ التَّائِبِ، وَالْمُرَائِي التَّائِبِ وَنَحْوِهِمْ. مِمَّنْ صَارَ بِيَدِهِ مَالٌ لَا يَمْلِكُهُ وَلَا يَعْرِفُ صَاحِبَهُ، فَإِنَّهُ يَصْرِفُهُ إلَى ذَوِي الْحَاجَاتِ وَمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ ". الفتاوى الكبرى (4/220) . وَسُئِلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عَنْ حُجَّاجٍ الْتَقَوْا مَعَ عَرَبٍ قَدْ قَطَعُوا الطَّرِيقَ عَلَى النَّاسِ وَأَخَذُوا قُمَاشَهُمْ فَهَرَبُوا وَتَرَكُوا جِمَالَهُمْ وَالْقُمَاشَ فَهَلْ يَحِلُّ أَخْذُ الْجِمَالِ الَّتِي لِلْحَرَامِيَّةِ وَالْقُمَاشِ الَّذِي سَرَقُوهُ؟ أَمْ لَا؟ . فَأَجَابَ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ، مَا أَخَذُوهُ مِنْ مَالِ الْحُجَّاجِ فَإِنَّهُ يَجِبُ رَدُّهُ إلَيْهِمْ إنْ أَمْكَنَ؛ فَإِنَّ هَذَا كَاللُّقَطَةِ تُعَرَّفُ سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَذَاكَ وَإِلَّا فَلِآخِذِهَا أَنْ يُنْفِقَهَا بِشَرْطِ ضَمَانِهَا. " وَلَوْ أَيِسَ مِنْ وُجُودِ صَاحِبِهَا فَإِنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ وَيُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ. وَكَذَلِكَ كَلُّ مَالٍ لَا يُعْرَفُ مَالِكُهُ مِنْ الغصوب وَالْعَوَارِيَّ وَالْوَدَائِعَ وَمَا أُخِذَ مِنْ الْحَرَامِيَّةِ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ أَوْ مَا هُوَ مَنْبُوذٌ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ؛ فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ يُتَصَدَّقُ بِهِ وَيُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ ". مجموع الفتاوى (30/413) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 128174 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5972 هل تأخذ من الإعانة المصروفة لولديها؟ [السُّؤَالُ] ـ[صديقة لي تستلم إعانة لطفلين وهم يتربون مع أختها فهل يجوز لها استخدام المبلغ لصالحها أو يجب عليها إرساله لهم للمساعدة في المصروف؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأصل أن هذه الإعانة، إذا كانت من قبل الدولة، أو من قبل أي جهة أخرى، فالواجب التقيد بشروطها؛ ولا يجوز إنفاقها في غير الجهة المصروفة لها هذه الإعانة. وعلى هذا؛ فهذه الإعانة حق للطفلين ينفق منها عليهما. ولكن.. مادامت أختها تنفق على الطفلين، وترعى مصالحهما، فالحق في هذا المال لها، مقابل ما تنفقه هي من مالها على الطفلين، فإن تنازلت عنه لأختها فلا حرج، بشرطين: 1- أن تنفق على الطفلين ما يكفيهما. 2- ألا تكون الإعانة أكثر مما تنفق عليهما، فإن كانت أكثر فالزيادة حق للطفلين تحفظ لهما. وإذا كانت الأم فقيرة والطفلان ليسا بحاجة إلى هذه الإعانة فلها أن تأخذ منها بقدر حاجتها، لأن نفقة الأم واجبة في مال ولدها، وانظر جواب السؤال رقم (111892) . تنبيه: قول الأخ السائل في صدر سؤاله: صديقة لي ... إلخ. فلا بد أن تعلم أن الإسلام لا يقر الصداقات القائمة بين الرجال والنساء الأجنبيات عنهن؛ لأن ذلك من دواعي الفتنة والوقوع في الفاحشة، وقد قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ) متفق عليه. فالواجب البعد عن هذه الفتنة؛ فإنها أصل كل شر، ومنبت كل فساد، وقانا الله وإياك شر الفتن، ما ظهر منها وما بطن. [الْمَصْدَرُ] موقع الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127819 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5973 حكم ملكية المال الحرام عن طريق الميراث [السُّؤَالُ] ـ[كذبت جدتي على الورثة أبناء زوجها من الزوجة الأولى المتوفاة، وقالت لهم: المنزل وبعض القطع الأرضية كتبها لي أبوكم. ماتت جدتي انتقل ذلك الإرث إلى أبي، مات أبي، انتقل الإرث لنا – أبناءه – فهل هذا الإرث حلال أم حرام؟ فكّرنا أن نرجعه إلى أصحابه من أبناء عمومتنا؛ لأن الأعمام ماتوا! ماذا نفعل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما فعلته الجدة ـ عفا الله عنها ـ باطل لا شك في بطلانه؛ فقد جمع بين كبيرتين شنيعتين: الكذب، وأكل أموال الناس بالباطل. قال الله تعالى: (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) البقرة/188، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) النساء /29. ثم إن تقادم العهد، وطول المدة، وموت صاحب الحق الأصلي: كل ذلك لا يغير من الواقع شيئا، ولا يجعل هذا المال الباطل حلالا، للجدة، أو لأحد من ورثتها. وقد ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، وهو اختيار شيخ الإسلام إلى أن الموت لا يطيب المال الحرام، بل الواجب فيه الرد على مالكه إن كان معروفا، فإن لم يكن معروفا تصدق به على الفقراء والمساكين. "حاشية ابن عابدين" (5/104) - "المجموع" (9/428) – "إحياء علوم الدين" (2/210) – "الإنصاف" (8/323) - "الفتاوى الكبرى" (1/478) وهذا هو الصواب المتعين لبراءة الذمة. قال ابن رشد الجد: " وأما الميراث: فلا يُطَيِّب المال الحرام، هذا هو الصحيح الذي يوجبه النظر. وقد روي عن بعض من تقدم أن الميراث يطيبه للوارث، وليس ذلك بصحيح " "المقدمات الممهدات" (2/617) وقد سئل يحيى بن إبراهيم المالكي عن المال الحرام: هل يحله الميراث أم لا؟ فأجاب " لا يحل المال الحرام في قول مالك " انتهى "المعيار المعرب" (6/47) . وقال النووي رحمه الله: " منْ وَرِثَ مَالًا وَلَمْ يَعْلَمْ مِنْ أَيْنَ كَسَبَهُ مُوَرِّثُهُ , أَمِنْ حَلَالٍ أَمْ مِنْ حَرَامٍ؟ وَلَمْ تَكُنْ عَلَامَةً , فَهُوَ حَلَالٌ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ , فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ فِيهِ حَرَامًا وَشَكَّ فِي قَدْرِهِ أَخْرَجَ قَدْرَ الْحَرَامِ بِالِاجْتِهَادِ " انتهى "المجموع" (9/428) وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عَنْ رَجُلٍ مُرَابٍ خَلَّفَ مَالًا وَوَلَدًا وَهُوَ يَعْلَمُ بِحَالِهِ , فَهَلْ يَكُونُ الْمَالُ حَلَالًا لِلْوَلَدِ بِالْمِيرَاثِ , أَمْ لَا؟ فأجاب: " الْقَدْرُ الَّذِي يَعْلَمُ الْوَلَدُ أَنَّهُ رِبًا: يُخْرِجُهُ , إمَّا أَنْ يَرُدَّهُ إلَى أَصْحَابِهِ إنْ أَمْكَنَ , وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهِ. وقد َبَيَّنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الظُّلَامَةَ إذَا كَانَتْ فِي الْمَالِ طَالَبَ الْمَظْلُومُ بِهَا ظَالِمَهُ , وَلَمْ يَجْعَلْ الْمُطَالَبَةَ لِوَرَثَتِهِ , وَذَلِكَ أَنَّ الْوَرَثَةَ يَخْلُفُونَهُ فِي الدُّنْيَا , فَمَا أَمْكَنَ اسْتِيفَاؤُهُ فِي الدُّنْيَا كَانَ لِلْوَرَثَةِ , وَمَا لَمْ يُمْكِنْ اسْتِيفَاؤُهُ فِي الدُّنْيَا فَالطَّلَبُ بِهِ فِي الْآخِرَةِ لِلْمَظْلُومِ نَفْسِهِ " انتهى مختصرا "الفتاوى الكبرى" (1/478) فعلى ما تقدم: يجب رد المال إلى الورثة المستحقين على الحقيقة، كما أمر الله تعالى، وينقل إليهم في هذه الصورة باعتبار أن الورثة الأصليين ـ الذين هم أعمامك، أبناء المرأة الأخرى ـ أحياء، ثم ينظر بعد ذلك فيمن يرث نصيب كل واحد منهم. ولعل الله أن يعفو عن جدتكم، متى رددتم الحق كاملا إلى أهله، واستسمحتموهم فيما فات. والله تعالى أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 127227 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5974 أمَّنت شركته عند شركة تأمين ضد ضياع الأمتعة، فهل له أن يستفيد من هذا العقد؟ [السُّؤَالُ] ـ[أعمل في شركة، حيث تدفع هذه الشركة مبلغاً محدداً لإحدى شركات التأمين، مقابل التأمين على الأمتعة للموظفين في حال إذا ضاعت خلال سفرياتهم، طبعاً أنا لا أدفع أي شيء لشركة التأمين، بل الشركة التي أعمل فيها هي من يفعل هذا، إلا أنه في حال ضاعت أمتعة أحد الموظفين: فإن عليه أن يقدِّم طلباً بتعويضه، وهذا ما حصل لي فعلاً، فقد ضاعت أمتعتي في إحدى السفريات، وتقدر هذه الأمتعة بخمسة آلاف دولار، فرفعت طلباً إلى شركتي، وهي بدورها رفعت الطلب إلى شركة التأمين، وتم إعطائي مبلغاً وقدره ألفا دولار، فما حكم هذا المال؟ وإذا كان غير حلال: هل يجوز أن أنفقه في وجوه الخير أو أن أعطيه أحد المساكين؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: التأمين التجاري محرم بجميع أنواعه؛ لأن عقوده تتضمن: الربا، والميسر، والغرر، وقد سبق بيان هذا في أجوبة متعددة، وانظر جوابي السؤالين: (39474) و (8889) . والذي ينبغي عليك: أن تطالب شركة الطيران، أو مكتب السفريات المسؤول عن الأمتعة، وهذا في حال أن تكون شركة الطيران، أو مكتب السفريات هما المسؤولين عن ضياع الأمتعة. أما إذا كانت الأمتعة قد ضاعت بسبب تفريط منك: فليس لك الرجوع إليهما للمطالبة بقيمة الأمتعة. ثانياً: إذا تم عقد التأمين فليس للمؤمِّن أن يأخذ من شركة التأمين إلا مقدار ما دفع من أقساط فقط، وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال رقم (103233) ، (103919) . وعلى هذا، فإن كان التعويض المدفوع لك بقدر الأقساط المدفوعة أو أقل، فهذا المال حلال لك، وإن كان أكثر فإنك تتصدق بالزائد في وجوه الخير المتنوعة. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125801 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5975 حكم العمل في البنوك في غير أقسام الربا، والعمل عند مَنْ مصدر ماله فيه حرام [السُّؤَالُ] ـ[أعمل كموظف استشاري للرهن في بنك " أتش أس بي سي " في بريطانيا، ووظيفتي هي أنني أقوم بالتبيين للناس ما هو أفضل نسبة للربا، وما هو أفضل طريقة للرهن، أعرف أن هذا الأمر حرام , لكني سألت إمام المسجد عندنا فقال لي: " ابق في عملك حتى تجد عملا آخر "، فهل أستطيع أن أعمل في قسم الأمانات حيث إن المعاملات هناك شرعية , أم هذا يعد مساعدة على الإثم والعدوان؛ ذلك لحرمة البنوك ككل؟ . فهل أعمل معلِّما في مدرسة، مع العلم أن المدارس أيضاً تستدين المال، وتأخذ القروض؟ ، وما حكم من أخذ المال الحرام دون أن يعلم بحرمته؟ يعني: رجل ماله كله بالحرام مثل الخمر، والربا، وغيره , وأراد أن يشتري طعاماً من أحد المطاعم , فهل يكون المال الذي دفعه ثمناً للطعام حرام في حق البائع صاحب المطعم؟ وما حكم جمعيات، أو منظمات الزكاة التي تقوم بطلب الزكاة من أموال الناس , ولا يوجد عندها فكرة عن حل أو حرمة المال الذي يأتيها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: البنوك الربوية مؤسسات قامت على معصية هي من كبائر الذنوب، وهي الربا، فلا يجوز لأحدٍ من المسلمين إعانتها بشيء يقويها على عملها، ولا يجوز لأحدٍ أن يكون موظفاً فيها، ولو في قسم لا يباشر الربا المحرَّم؛ لأن المؤسسة تقوم على جميع موظفيها، وكافة أقسامها، وفي ذلك دعاية لها وتقوية لها، ومساعدة لها على التعامل بالربا. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل يجوز للإنسان العمل في بنك يتعامل بالربا، مع أنه لا يقوم في البنك بعمل ربوي، ولكن دخل البنك الكلي ربا؟ . فأجابوا: "لا يجوز لمسلم أن يعمل في بنك تعاملُه بالربا، ولو كان العمل الذي يتولاه ذلك المسلم في البنك غير ربوي؛ لتوفيره لموظفيه الذين يعملون في الربويات ما يحتاجونه، ويستعينون به على أعمالهم الربوية، وقد قال تعالى: (وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) " انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. " فتاوى اللجنة الدائمة " (15 / 41) . وانظر جواب السؤال رقم: (26771) وفيه تحريم جميع أنواع الأعمال في البنوك، ولو كان الموظف سائقاً، أو حارساً، كما فيه بيان أنه لا فرق بين دولة مسلمة وكافرة في هذا الأمر. واعلم أنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها، فلا تطلب رزقك بما حرَّم الله عليك، فاحرص على اللقمة الطيبة الحلال، والكسب المبارك المشروع، ولو تأخر حصولك على العمل المباح، وهذه الدنيا دار ابتلاء وامتحان، فاحرص على النجاح فيها؛ لتكسب أعلى وأرفع الدرجات في الآخرة. وانظر – للمزيد حول هذا – جواب السؤال رقم: (110557) . ثانياً: يجوز لك العمل في مدرسة – موظفاً، أو مدرِّساً – ولو كانت المدرسة تقترض قروضاً ربوية. وقد عرف اليهود بالربا، والرشوة، وأكل السحت، ولم يمنع هذا عليّ بن أبي طالب من العمل عندهم. قال ابن قدامة رحمه الله: "ولو أجَّر مسلمٌ نفسَه لذميٍّ لعملٍ: صحَّ؛ لأن عليّاً رضي الله عنه أجَّر نفسَه مِن يهوديٍّ يستقي له كل دلو بتمرة، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فلم ينكره" انتهى. " المغني " (4 / 333) . ثالثاً: المال الحرام قسمان: حرام لذاته، كالمال المغصوب والمسروق، وحرام لكسبه، وهو ما يكسبه من يعمل في مكان محرَّم، أو يتاجر فيما لا يحل له. فالمال المحرَّم لذاته يجب إرجاعه إلى صاحبه، ولا يجوز لمن علم أنه مغصوب أو مسروق أن يبيع به شيئا لسارقه، فإذا علم البائع أن المشتري سيشتري بالمال الذي سرقه فلا يجوز له أن يبيع له شيئاً. أما المال المحرم لكسبه فهو حرام على من اكتسبه بطريق محرم فقط، أما من انتقل إليه هذا المال بطريق مباح، فلا حرج عليه من الانتفاع به، كمن أخذه على سبيل الهدية، أو أجرة على عمل مباح، أو ثمن شيء باعه له ... ونحو ذلك. وعليه: فإذا كان المال حراماً لذاته: فلا يجوز لصاحب المطعم أن يبيع شيئاً لمن يشتري بذلك المال، وإذا لم يعرف حال المال الذي مع المشتري: فليس عليه شيء لو باعه، وليس من شرع الله تعالى سؤال المشترين من أين لك هذا المال، وكيف اكتسبته؟ وإذا علم صاحب المطعم أن المال الذي مع صاحبه كان كسبه له محرَّماً: جاز له بيع الطعام له من غير حرج. ومثله يقال في الجمعيات التي تأخذ الزكاة من الناس، فما علمت أنه محرم لذاته لم تأخذه ابتداء، أو تأخذه وترده لأصحابه إن كانوا معلومين، أو تأخذه وتنفقه في وجوه الخير المتنوعة، إن لم يمكن رده إلى أصحابه، وما لم تعلم عن حاله: فالأصل براءة ذمة الناس، وأنهم يملكون ما في أيديهم من المال، وخاصة من جاء ليبذل زكاته، ولا يشرع لتلك الجمعيات أن تسأل المتصدقين عن مصدر الأموال التي يتصدقون بها. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125512 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5976 تحريم قراءة القرآن بأجرة [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم قراءة القرآن للناس بأجرة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "إن كان المقصود تعليم القرآن للناس وتحفيظهم إياه فلا حرج في أخذ الأجرة على ذلك في أصح قولي العلماء، للحديث الصحيح في القراءة على اللديغ بشرط أجرة معلومة، ولقوله صلى الله عليه وسلم، في الحديث نفسه: (إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله) أخرجه البخاري رحمه الله في صحيحه. أما إن كان المراد أخذ الأجرة على مجرد التلاوة في أي مناسبة فهذا لا يجوز أخذ الأجرة عليه. وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه لا يعلم نزاعا بين أهل العلم في تحريم ذلك" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (21/211) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125103 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5977 تحريم أخذ أجرة على تلاوة القرآن الكريم [السُّؤَالُ] ـ[نشاهد في كثير من بلاد المسلمين استئجار قارئ يقرأ القرآن، فهل يجوز للقارئ أن يأخذ أجرا على قراءته، وهل يأثم من يدفع له الأجر على ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "قراءة القرآن عبادة محضة، وقربة يتقرب بها العبد إلى ربه، والأصل فيها وفي أمثالها من العبادات المحضة أن يفعلها المسلم ابتغاء مرضاة الله، وطلبا للمثوبة عنده، لا يبتغي بها من المخلوق جزاء ولا شكورا، ولهذا لم يعرف عن السلف الصالح استئجار قوم يقرؤون القرآن للأموات أو في ولائم أو حفلات، ولم يؤثر عن أحد من أئمة الدين أنه أمر بذلك أو رخص فيه، ولم يعرف أيضا عن أحد منهم أنه أخذ أجرة على تلاوة القرآن، بل كانوا يتلونه رغبة فيما عند الله سبحانه، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم من قرأ القرآن أن يسأل الله به، وحذر من سؤال الناس، روى الترمذي في سننه عن عمران بن حصين أنه مر على قارئ يقرأ ثم سأل؛ فاسترجع ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من قرأ القرآن فليسأل الله به، فإنه سيجيء أقوام يقرؤن القرآن يسألون به الناس) . وأما أخذ الأجرة على تعليمه أو الرقية به ونحو ذلك مما نفعه متعدِّ لغير القارئ فقد دلت الأحاديث الصحيحة على جوازه؛ لحديث أبي سعيد في أخذه قطيعا من الغنم جُعْلاً (يعني: أجرة) على رقية اللديغ، الذي رقاه بسورة الفاتحة، وحديث سهل في تزويج النبي صلى الله عليه وسلم امرأة لرجل بتعليمه إياها ما معه من القرآن، فمن أخذ أجرا على نفس التلاوة أو استأجر جماعة لتلاوة القرآن فهو مخالف للسنة، ولما أجمع عليه السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن منيع، الشيخ عبد الله بن غديان. "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/40) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 125090 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5978 الاشتراك في موقع والضغط على الإعلانات الموجودة فيه بمقابل [السُّؤَالُ] ـ[هنالك شركات على الإنترنت تقوم بعمل إعلانات عن شركات أخرى وذلك بوضع إعلان عن هذه الشركات الأخرى في موقعها الشخصي على الإنترنت، وطريقة التحصيل من هذه الشركات يكون بعدد زيارة الأشخاص لمواقع هذه الشركات، وحتى تجمع شركة الإعلانات المال بسرعة فإنها تسمح للمستخدمين العاديين للإنترنت بأن يقوموا بعمل تسجيل لديها ومن ثم تقوم هذه الشركة (شركة الإعلانات) بإرسال إعلانات الشركات إلى هذا المستخدم الذي قام بالتسجيل لديها بحيث يضغط على الإعلان فتفتح له صفحة الويب الخاصة بكل شركة، وتجبر المستخدم على بقائه في الصفحة مدة ثلاثين ثانية على الأقل، وقد يستفيد المستخدم بهذا الإعلان بأن يقوم بالشراء مثلاً من منتجات هذه الشركات أو لا يشتري وتكون مجرد زيارة عادية، أما ما يعود على المستخدم الذي قام بزيارة هذه الإعلانات: فإن كل إعلان يقوم بفتحه يأخذ عليه 1 سنت من شركة الإعلانات وهكذا، لو قامت شركة الإعلانات بإرسال 10 إعلانات يومياً لهذا المستخدم فإنه بالضغط عليها يقبض 10 سنتات يومياً، ولأن المبلغ زهيد فان الشركة ترسل لك أيضاً رابطاً يمكنك إرساله إلى أصدقائك من المستخدمين بحيث لو قام أحد أصدقائك بالتسجيل في الشركة المعلنة عن طريقك أنت فإنك تأخذ عن كل ضغطة على إعلان من الضغطات التي يقوم بها صديقك سنتاً أيضاً، فلو كان لك 10 سجلوا عن طريقك تأخذ 10 سنتات لو قام كل منهم بالضغط على إعلان واحد فقط، ولو قام كل واحد منهم بالضغط على العشرة إعلانات فإنك تقبض 10 سنتات في 10 مستخدمين أي 1 دولار يومياً، والسؤال هو: هل يجوز لي كمستخدم أن أكسب المال بهذه الطريقة؟ مع العلم أن الشركات تعلم أن شركة الإعلانات تقوم بجذب المستخدمين لزيارة شركاتهم بهذه الطريقة وهي غير معترضة على ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز الدخول في هذه المعاملة إلا عند التأكد من سلامة المواقع المعلن عنها، وخلوها من المحرمات؛ لأن الضغط على الموقع، وكثرة الزائرين له، يعتبر دعاية ودعما له، ولا يجوز الإعلان والدعاية والإعانة على نشر المنكرات، لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2، وقوله صلى الله عليه وسلم: (وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا) أخرجه مسلم في صحيحه (4831) . فإذا كانت المواقع المعلن عنها مواقع مباحة فلا حرج في عملك هذا، إذا كانت الشركات تعلم أن الموقع يستعين بالمشتركين فيه للضغط والزيارة لها، وينظر جواب السؤال رقم (98527) ، وإذا كانت المواقع المعلن لها مواقع محرمة، كالمواقع الإباحية أو مواقع بيع الخمور، أو بنوك الربا، أو مواقع الميسر، أو مواقع التنصير أو غيرها من المواقع التي تقوم على نشر الحرام والترويج له، فلا يجوز عملك هذا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 120136 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5979 حكم فتح مقهى تشاهد فيه مباريات كرة القدم ويشرب فيه الدخان [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم فتح كوفي شوب فيه قاعة لمتابعة مباريات كرة القدم المحلية والعالمية فقط، ويسمح بالتدخين فيها وذلك لرغبة الأكثرية.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: يحرم شرب الدخان؛ لما فيه من الخبث والضرر وإضاعة المال، وينظر جواب السؤال رقم (10922) ورقم (9083) . ولا يجوز الإذن بالتدخين في المقهى أو غيره، وفاعل ذلك شريك في الإثم. ثانيا: مشاهدة مباريات كرة القدم لا تخلو من محاذير، لا سيما المباريات العالمية التي تظهر فيها النساء، وتعزف فيها الموسيقى، مع قيام هذه المباريات على القمار، وهو دفع الجوائز فيما لا يجوز. وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: ما حكم مشاهدة المباراة الرياضية، المتمثلة في مباراة كأس العالم وغيره؟ فأجابت: " مباريات كرة القدم التي على مال أو نحوه من جوائز حرام؛ لكون ذلك قمارا؛ لأنه لا يجوز أخذ السَّبَق وهو العوض إلا فيما أذن فيه الشرع، وهو المسابقة على الخيل والإبل والرماية، وعلى هذا فحضور المباريات حرام، ومشاهدتها كذلك، لمن علم أنها على عوض؛ لأن في حضوره لها إقرارا لها. أما إذا كانت المباراة على غير عوض ولم تشغل عما أوجب الله من الصلاة وغيرها، ولم تشتمل على محظور: ككشف العورات، أو اختلاط النساء بالرجال، أو وجود آلات لهو - فلا حرج فيها ولا في مشاهدتها. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ... الشيخ صالح بن فوزان الفوزان ... الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد. "فتاوى اللجنة الدائمة" (15/238) . وعليه؛ فصاحب المقهى إن أمكنه منع جميع المنكرات في مقهاه، كالدخان، والموسيقى، ومشاهدة المباريات المحرمة، جاز له فتح هذا المقهى، وإذا لم يمكنه ذلك لم يجز؛ لحرمة السكوت على المنكر والإعانة عليه، قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2، وقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) رواه مسلم (49) . وينظر جواب السؤال رقم (47396) ، ورقم (96662) ، ورقم (82873) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 119839 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5980 سعى له والده لأخذ إعانة من الشؤون الاجتماعية بغير حق [السُّؤَالُ] ـ[أنا طالب جامعي مغترب عن مدينتي، وأحياناً ما أطلب المال من والدي - وهذا الشيء يزعجه على الرغم من حالته المادية الجيدة، فقدم والدي باسمي على وزارة الشؤون الاجتماعية للحصول على مساعدة مالية بحجة قصر النظر والموجود في أغلب الناس _ مع العلم أني أخبرته إذا كانت حراماً فليبعدني عنها - وبالفعل تم الحصول عليها، وكلما سألته عن الحكم أجابني بأن هناك ثغرة في النظام تارة، وتارة بأنه تجب الصدقة بحكم الغربة؟ ، ما حكم هذا المال؟ خاصة وإني لا أملك غيرها الآن، وللعلم بأن هناك مكافأة لطلبة الجامعة غير هذه المساعدة، وكذلك تلك المكافأة لا تكفي لفاتورة الجوال والسكن وغير المصاريف الأخرى.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كانت الضوابط المراعاة في مساعدة الشؤون الاجتماعية تنطبق عليك، فلا حرج عليك في أخذ هذا المال، ولا يعد هذا من المسألة المذمومة؛ لما روى الترمذي (681) والنسائي (2600) عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنْ الْمَسْأَلَةَ كَدٌّ يَكُدُّ بِهَا الرَّجُلُ وَجْهَهُ، إِلَّا أَنْ يَسْأَلَ الرَّجُلُ سُلْطَانًا، أَوْ فِي أَمْرٍ لَا بُدَّ مِنْهُ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. ورواه أبو داود (1639) بلفظ: (الْمَسَائِلُ كُدُوحٌ يَكْدَحُ بِهَا الرَّجُلُ وَجْهَهُ، فَمَنْ شَاءَ أَبْقَى عَلَى وَجْهِهِ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَ، إِلَّا أَنْ يَسْأَلَ الرَّجُلُ ذَا سُلْطَانٍ أَوْ فِي أَمْرٍ لَا يَجِدُ مِنْهُ بُدًّا) . قال في "سبل السلام" (1/548) : " (كد) أي: خدش وهو الأثر، وفي رواية: (كُدوح) . وأما سؤاله من السلطان فإنه لا مذمة فيه ; لأنه إنما يسأل مما هو حق له في بيت المال، ولا منّة للسلطان على السائل ; لأنه وكيل، فهو كسؤال الإنسان وكيله أن يعطيه من حقه الذي لديه " انتهى. وإذا حددت الدولة ضوابط معينة للمساعدة، وجب التقيد بها، وحرم التحايل بالكذب والغش لتجاوزها. وعليه؛ فإذا كانت هذه الضوابط لا تنطبق عليك، فلا يحل لك أخذ هذا المال؛ لأنه مال جاء بالحيلة والخداع والكذب، وعليك حينئذ بيان ذلك لوالدك، ومراجعة الشؤون لحذف اسمك من سجل الإعانة. ولا عذر لك في كون الوالد هو من طلب المساعدة؛ لأنها إنما قدمت باسمك، فسكوتك عليها واستفادتك منها يعتبر إقراراً ورضا بالحرام، وأكلاً للمال بغير حق. واعلم أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، والمال الحرام عاقبته إلى خسران واضمحلال، نسأل الله لنا ولك العافية. وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 118535 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5981 ربح مبلغا من موقع دون أن يدفع شيئا فهل يحل له؟ [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز الاستفادة من مبلغ مالي من طرف موقع freelotto؟ ، مع العلم أني ما أعطيتهم أي مبلغ ابتدائي، وآلية عمل هذا الموقع هو: أني أختار بعض الأرقام، ثم يأتي السحب، فطلعت النتيجة وربح مبلغاً مالياً كبيراً، فهل يجوز لي صرفه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ينبغي أن تعلم أن كثيرا من هذه الدعاوى ما هي إلا ستار للنصب والاحتيال، فيكون الغرض من الاتصال بك وبغيرك هو الاستيلاء على مبلغ يزعمون أنه تكلفة تحويل مبلغ الجائزة إليك!! ولا يكون للجائزة وجود أصلا، وإلا فمن بذل جائزة قدرها مليون مثلا كيف يحتاج إلى 15 دولار لإيصالها؟! وتارة يكون الهدف هو تحصيل المال من خلال الاتصال الهاتفي برقم معين، فيزعم المتصل أنه يخاطبك للاتفاق على الجائزة وطريقة استلامها، ويطيل الحديث، ليجني ثمن الاتصال بعد الاتفاق مع مزود خدمة الاتصال. وقد ورد في عدد من المواقع العربية التحذير من هذا الموقع وأنه قائم على النصب والخداع، والله تعالى أعلم بحقيقة الأمر. وأما إذا وصلك المبلغ بالفعل دون أن تدفع شيئا ابتداء، ودون أن تدفع رسوما للتحويل، أو تشارك في الدعاية لهذا الموقع الذي لا تعرف حاله ولا أهدافه فلا حرج في أخذ المال؛ لأنه مال رغب عنه أهله، وبذلوه لك برضاهم، دون أن تشارك في شيء محرم. هذا بالنسبة لمن وصله المال بالفعل، وأما المشاركة في الموقع ابتداء، واختيار الأرقام للدخول في السحب، فهذا لا يجوز الإقدام عليه حتى يعرف حال الموقع وما يسعى إليه من وراء ذلك، فقد يكون الغرض دعاية لمواقع محظورة، أو شركات ممنوعة، أو ترويجا لقمار ونحو ذلك من المحرمات. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 117968 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5982 هل يدفع مبلغا لأحد المكاتب ليخفف عنه الضرائب؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا أمتلك 3 شاحنات نقل مياه، وتحصلت على شغل تابع للدولة، وعند نهاية كل شهر يقوم الموظف المسؤول بحساب عدد النقلات لكل شاحنة، وطلب منى التصديق عليها عند مصلحة الضرائب، ذهبت إلى مصلحة الضرائب فطلب مني فتح ملفات للشاحنات، وعلي دفع الضرائب من سنة صنع السيارة، أي أن الضرائب تفوق ثمن الشغل الذي اشتغلته، ويمكن تكون بنصف ثمن الشاحنة، المهم وجدت مكتب خدمات يقوم بهذا العمل بدون فتح ملفات، ويأخذ مبلغاَ زيادة على قيمة الضرائب على النقلات. فهل يجوز لي إتمام إجراءاتي مع هذا المكتب؟ مع العلم أني لا أنفي ولا أؤكد أنه يتعامل مع موظفي الضرائب.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله سبق بيان حكم الضرائب، وأن الأصل فيها المنع؛ لأنها مكوس محرمة، في جواب السؤال رقم (39461) . ولا حرج في التخلص منها بما لا يعود على الإنسان بضرر أكبر، ولو اقتضى الأمر دفع بعض المال. وقد روى ابن أبي شيبة في مصنفه (5/233) عن القاسم بن عبد الرحمن أن ابن مسعود لما أتى أرض الحبشة أُخذ في شيء، فأعطى دينارين حتى أَخذ سبيله. وقال تقي الدين السبكي رحمه الله: " والمراد بالرشوة التي ذكرناها ما يعطى لدفع حق أو لتحصيل باطل، وإن أعطيت للتوصل إلى الحكم بحق فالتحريم على من يأخذها كذلك, وأما من لم يعطها فإن لم يقدر على الوصول إلى حقه إلا بذلك جاز وإن قدر إلى الوصول إليه بدونه لم يجز. وهكذا حكم ما يعطى على الولايات والمناصب يحرم على الآخذ مطلقا ويفصل في الدافع على ما بَيَّنا " انتهى من "فتاوى السبكي" (1/204) . وعليه؛ فلا حرج في تعاملك مع هذا المكتب، سواء كان يتعامل مع موظفي الضرائب أو لا، ما دمت لا تجد وسيلة للتخلص من الضرائب أو تخفيفها إلا ذلك. وينظر جواب السؤال رقم (25758) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 117528 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5983 كيف يتعاملون مع قريب لهم يسرق ويأكل المال بالباطل؟ [السُّؤَالُ] ـ[أسأل عن جواز بقاء الزوجة مع زوج يتساهل في أموال الناس سواء في السلف بدون أي يرجعها أو يعتذر لأصحابها وقد يدخل في مشاريع مع آخرين ويسيء التصرف في المال ويأخذ من هذا المال ويستعمله بدون أي تردد في أموره الخاصة، وأخيراً تطور الأمر إلى السرقة من الآخرين بعدة طرق سواء مباشرة من ملابسهم أو نسخ مفاتيحهم خلسة والذهاب إلى منازلهم وسرقة الأشياء الثمينة، وللأسف يقوم هذا الرجل بخداع زوجته وبأنه تاب ويرجع مرة أخرى للتحايل على الآخرين والنصب عليهم، فأرجو حفظكم الله تبيان ما هو الواجب علينا كأقارب عانينا الكثير من نصبه علينا وسرقاته منا؟ وما الواجب على زوجته التي أختنا وترفض للأسف تركه بحجة أنه يتوب ولا يزال يقول لا إله إلا الله.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: السرقة والاختلاس وأكل أموال الناس بالباطل كل ذلك من المحرمات المعلومة، والسرقة كبيرة من كبائر الذنوب لما جاء فيها من الوعيد والحد، فقد روى البخاري (6783) ومسلم (1687) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ) . وقال تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) المائدة/38. والواجب على من وقع في شيء من ذلك أن يتوب إلى الله تعالى، وأن يرد الأموال إلى أهلها، ولا تتم توبته إلا بذلك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لِأَخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَخِيهِ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ) . رواه البخاري (6534) . ثانيا: ينبغي لمن يعلم حال هذا الرجل أن ينصحه ويبين له قبح عمله، وألا ييأس من توبته وهدايته، كما ينبغي أن يحذّر من اغتر به وأراد التعامل معه في شركة ونحوها، وأن يفعل ذلك على وجه النصح وإرادة الخير، لا على وجه التعيير والتشفي. وأما الزوجة، فعليها إضافةً لما سبق أن تحذر من أكل المال الحرام الذي يجلبه زوجها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به) رواه الطبراني وأبو نعيم عن أبي بكر، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (4519) . فمتى علمت أن شيئا من المال مسروق أو منهوب لم يجز لها الانتفاع بشيء منه. نسأل الله أن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 117423 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5984 هل يشتري سيارة من الجمارك بسعر مخفض بدلاً من معاق؟ [السُّؤَالُ] ـ[هناك أخ معاق من حقه شراء سيارة من الجمارك بسعر منخفض عن السوق نظراً لظروفه الصحية، وهو لا يريد شراءها، ويعرض علي شراءها لحسابي الخاص للانتفاع بها. فهل يجوز لي ذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاًَ: الضرائب ـ ومنها الجمارك ـ التي تفرضها الدولة على المواطنين أو المقيمين بها من المسلمين، طريقة محرمة لتمويل خزينة الدولة بالأموال، ومن أكل أموال الناس بالباطل، والطريقة التي تفرض بها هذه الضرائب لا تراعي الشروط التي ذكرها العلماء لجواز مثل هذه الطريقة لتمويل بيت المال، فليست هناك ضرورة ملحة لذلك، وهذه الضرائب تفرض في الغالب على الفقراء، أما الأغنياء فلهم طرقهم المعروفة للتهرب من هذه الضرائب، ثم هذه الأموال التي تجمع من الفقراء، في كثير من الدول ـ وللأسف ـ ينفق منها على الممثلين والمغنيين واللاعبين والمسارح والمهرجانات والحفلات ونشر الرذيلة، ومحاربة الفضيلة ... وغير ذلك من أوجه الإنفاق المحرمة. فاجتمع في هذا: تحريم طريقة جمع الأموال، وتحريم طريقة إنفاقها. وكل إنسان سيسأل يوم القيامة عن ماله: من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ والواجب على الحكومات أن تهتم بالطرق الشرعية الصحيحة لزيادة مواردها المالية، كالمشاريع الناجحة الزراعية والصناعية، والتكنولوجية ... إلخ. وقد سبق في جواب السؤال رقم (39461) بيان تحريم الجمارك، وأنها من كبائر الذنوب، وأنها أكبر من الزنا. وذكرنا في جواب السؤال (42563) فتوى علماء اللجنة الدائمة في تحريمها. ثانياً: إذا ثبت تحريم الجمارك على المسلمين فلا حرج على المسلم أن يفعل ما يسقط به عن نفسه هذه الجمارك أو يخففها. ومن هذا: ما جاء السؤال عنه من شراء السيارة باسم معاق، تعطيه الدولة السيارة معفاة من الجمارك. وانظر جواب السؤال رقم (93088) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 116459 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5985 طالب مبتعث هل له أن يبيع التذكرة ولا يسافر؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا طالب مبتعث ببريطانيا، ومن حق الطالب المبتعث طلب تذكرة سفر كل تسعة أشهر، وأنا الآن لم أصل للمدة القانونية للحصول على تذكرة من السفارة، ولكن السؤال هنا حتى لو استطعت الحصول على التذكرة بالإصرار على المسؤولين ببعض الحجج هل يجوز لي يا شيخ أن أبيع التذكرة على مكتب الطيران وآخذ المبلغ؟ علماً بأن المبلغ الذي سوف أحصل عليه أقل من القيمة الحقيقية للتذكرة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله القول في بيع التذكرة يتوقف على معرفة النظام الذي صدرت بموجبه، فإن كانت التذكرة تعطى للطالب سافر أو لم يسافر، فهي ملك له، له أن يبيعها بمثل ثمنها أو بأقل أو أكثر، وإن كانت لا تعطى له إلا في حالة السفر الفعلي، لم يجز له أن يبيعها، بل إما أن يسافر بها الطالب أو يتركها ولا يأخذها. ومعرفة النظام تكون بسؤال الجهة المسؤولة في السفارة. والأصل في ذلك أن المسلمين على شروطهم، وأن التذكرة في حكم الهبة والمنحة، فيُتقيد فيها بالشروط التي وضعها الواهب والمانح، ولا يتجاوز في ذلك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 116073 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5986 حكم دخول دورات مياه المطاعم دون شراء للطعام [السُّؤَالُ] ـ[أثار أحد الأخوة قضية كنا نغفل عنها ولا نعرف رأي الشرع فيها، وهي تتلخص بالآتي: في بعض الأحيان وفي أماكن متفرقة من العالم يحتاج بعضنا لقضاء حاجته، ولا يكون بيته قريباً، ولا يكون هناك دورات مياه عامة في الشوارع والأسواق أو لا تكون قريبة، فندخل أحد المطاعم ويكون أعزكم الله في هذا المطعم..دورة مياه ونقوم باستخدام الدورة والمياه والصابون والمناديل وبعض أجهزة تنشيف اليدين، ثم نخرج من المطعم بدون أن نطلب طلبات أو وجبات طعام، فقط كان المقصد هو قضاء الحاجة، والمطاعم وفرت هذه الدورات لعملائها ولم تقم بكتابة أنه فقط للعملاء، ولم توضح أنه لأحد معين وإذا سألتهم عن مكان دورة المياه يدلونك عليها، وتخرج ويرونك تخرج ولا ينكرون عليك استخدامك دوراتهم. فكان السؤال هل يحل لنا ما نستخدمه من ممتلكات تلك المطاعم إذا كانوا لا يمانعون، أو يمانعون ولا يظهرون، أو يمانعون ويظهرون ممانعتهم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الأصل في دورات المياه الموجودة بالمطاعم أنها مخصصة لعملاء المطعم، لكن يتسامح أصحاب المطاعم في ذلك، فيأذنون لمن يحتاج إلى دخولها ولو كان لن يشتري شيئا، لكن يجب أن يخلو تصرف من يدخل هذه الأماكن من تدليس أو خداع، فلا يتظاهر الإنسان أنه داخل للأكل، بل يستأذن المسئول في دخول دورة المياه، فإن أذن له دخل، وإلا رجع. وحيث حصل الإذن بالدخول، جاز له استعمال الصابون والمناديل وجهاز التنشيف، لدخول ذلك بالتبع، وإن تورع عن استعمال هذه الأشياء فهو أفضل. وإذا عُلم أن صاحب المطعم لا يرغب في ذلك، ويضطر للإذن حياء، لم يجز الدخول إلا في حال الاضطرار، لأن ما أخذ بسيف الحياء لا يحل. قال صلى الله عليه وسلم: (لا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ) رواه أحمد (20172) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (7662) . وينظر في تحريم ما أخذ بسيف الحياء: تحفة المحتاج (6/317) . وأما عند الضرورة فله الدخول، وقد نص الفقهاء على حالات يجوز فيها أخذ طعام الغير ومائه بدون إذنه عند خشية الهلاك، ثم يغرم له ثمنه. قال ابن قدامة في "المغني" (9/335) : " إذا اضطر , فلم يجد إلا طعاما لغيره , نظرنا ; فإن كان صاحبه مضطرا إليه , فهو أحق به , ولم يجز لأحد أخذه منه ; لأنه ساواه في الضرورة , وانفرد بالملك , فأشبه غير حال الضرورة , وإن أخذه منه أحد فمات , لزمه ضمانه ; لأنه قتله بغير حق. وإن لم يكن صاحبه مضطرا إليه , لزمه بذله للمضطر ; لأنه يتعلق به إحياء نفس آدمي معصوم , فلزمه بذله له , كما يلزمه بذل منافعه في إنجائه من الغرق والحريق , فإن لم يفعل فللمضطر أخذه منه ; لأنه مستحق له دون مالكه , فجاز له أخذه , كغير ماله , فإن احتيج في ذلك إلى قتال , فله المقاتلة عليه , فإن قتل المضطر فهو شهيد , وعلى قاتله ضمانه , وإن آل أخذه إلى قتل صاحبه , فهو هدر ; لأنه ظالم بقتاله , فأشبه الصائل , إلا أن يمكن أخذه بشراء أو استرضاء , فليس له المقاتلة عليه , لإمكان الوصول إليه دونها " انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 115206 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5987 يسرق من مال صاحب العمل لأنه يعطيه راتبا ضعيفا [السُّؤَالُ] ـ[عامل يعمل أجيراً، أجره لا يكاد يصل إلى نصف المبلغ المتعارف عليه عند العامة، وعندما طالب بالزيادة خير بين القبول به أو التسريح، مع العلم أن المؤجر غني والبلاد تعاني أزمة بطالة خانقة واستغلال كبير من الشركات والأغنياء، فبدا العامل يسرق من مال المؤجر الذي يعمل فيه دون علمه لمدة سنة ونصف، ولم ينتبه المؤجر إلى الآن، فهل عليه أن يصارحه ويرد له ماله أم يستمر في هذا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز للعامل أن يسرق من مال مؤجره بحجة ضعف راتبه؛ لأنه قَبِلَ هذا العمل باختياره، وله أن يدعه ويبحث عن غيره، وباب الرزق واسع. وأما السرقة والخيانة فمنكر قبيح، مشتمل على ظلم الغير، وأكل الحرام، وهي كبيرة من كبائر الذنوب، لما جاء فيها من الوعيد والحد، وقال تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) المائدة/38. وروى البخاري (6783) ومسلم (1687) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ) . فالواجب على هذا العامل أن يتوب إلى الله تعالى، وأن يرد ما أخذ، إلا أن يعفو صاحبه، قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ [يعني: هناك يوم القيامة] دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لِأَخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَخِيهِ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ) . رواه البخاري (6534) . وإن شق عليه إخبار صاحب العمل أو خشي مضرة من ذلك، فليرد إليه المال دون إخباره. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " … فإذا سرقتَ من شخصٍ أو من جهة ما سرقةً: فإن الواجب عليك أن تتصل بمن سرقت منه وتبلغه وتقول إن عندي لكم كذا وكذا، ثم يصل الاصطلاح بينكما على ما تصطلحان عليه، لكن قد يرى الإنسان أن هذا الأمر شاق عليه وأنه لا يمكن أن يذهب مثلاً إلى شخص ويقول أنا سرقت منك كذا وكذا وأخذت منك كذا وكذا، ففي هذه الحال يمكن أن يوصل إليه هذه الدراهم - مثلاً - من طريق آخر غير مباشر، مثل أن يعطيها رفيقاً لهذا الشخص وصديقاً له، ويقول له هذه لفلان ويحكي قصته، ويقول أنا الآن تبت إلى الله عز وجل فأرجو أن توصلها إليه. وإذا فعل ذلك فإن الله يقول: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) الطلاق /2، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) الطلاق /4 " انتهى من "فتاوى إسلاميَّة" (4/162) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114918 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5988 أعطته الشركة مالا للعلاج زائدا عن الكلفة الفعلية [السُّؤَالُ] ـ[لقد تعرضت لحادث , وقد تم كسر كتفي في هذا الحادث .... والحمد لله تم علاجي على حسابي الخاص ..... وطلبت مني الشركة التي أعمل بها إحضار فاتورة بالمبلغ الذي سددته لترد لي هذا المبلغ الذي دفعته ... وفي ذلك الوقت كنت لم أنته من العلاج الطبيعي ... وطلبت من المركز الذي أتعالج فيه تحديد المبلغ الذي دفعته وعمل فاتورة به ... وأيضاً تحديد المبلغ الذي سوف أدفعه في المرات القادمة وعمل فاتورة به لأني في ذلك الوقت لم أنته من العلاج الطبيعي بالكامل ... وأخذت الفاتورة وأعطيتها لشركتي ودفعوا لي المبلغ 240 جنيه مصري تكاليف العلاج .... 165 جنيه قد دفعتها بالفعل للمركز من قبل.. و75 جنيه مفترض أن أدفعها في المرات القادمة للمركز الطبي لاستكمال بقية العلاج الطبيعي وبالفعل ذهبت مرتين ودفعت للمركز 15 جنيه ثمن المرتين ... ثم شعرت بتحسن ولم أذهب للمركز بعد ذلك وتبقى لي مبلغ 60 جنيه فماذا أفعل؟ هل يجوز لي أخذ هذا المبلغ بالرغم أن الشركة التي أعمل بها أعطتني للعلاج فقط؟ أم أستكمل العلاج بهذا المبلغ وأدفعه للمركز الطبي بالرغم أني شفيت؟ (المركز هو الذي حدد هذا المبلغ الذي سوف أحتاجه لاستكمال علاجي) أم أرد المبلغ للشركة التي أعمل فيها؟ لكن سوف يكون الموقف محرجاً لي، لأن المفترض عندما طلبت منهم رسوم العلاج وأعطيتهم الفاتورة التي تثبت ذلك فهم يعتقدون أني بالفعل قد دفعت كل المبلغ للمركز من قبل؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يلزم رد المال الزائد إلى الشركة، لأنها إنما بذلته لكونه ثمن العلاج. وهذا الإحراج لا يبيح لك أن تأخذ المال، ولا أن تعطيه للمركز في مقابل علاج لا تحتاج إليه، بل ترده على الشركة كما سبق. ولا يشترط أن ترده بنفسك، بل المهم هو إيصال المال إلى الشركة بأي طريقة. وانظر جواب السؤال رقم (47086) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114802 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5989 من أحكام المال الحرام في كسبه وذاته، وحكم الاستفادة منه من الأولاد، وتوريثه [السُّؤَالُ] ـ[أبي كان يعمل في شركة تأمين، وعندما عمل بهذه الشركة من البداية كان لا يعلم أن العمل في شركات التأمين حرام، ولكنه علم أن العمل بها حرام عندما بلغ الخمسين من عمره، ومع ذلك لم يترك العمل، أبي الآن عمره سبع وستون سنة، وبلغ سن التقاعد منذ سبع سنوات، ومع ذلك يعمل بها بدون مرتب، لكن بنظام العمولة، وهو ينوي أن يترك هذا العمل في نهاية هذا العام، نصحته مرات عديدة فيقول لي: إنه قريباً سيترك العمل، أحب أن أوضح أن المال الذي حصل عليه أبي من شركته تصرَّف به على النحو التالي: في البداية تم إيداعه في البنك بنظام الفوائد، ثم بعد ذلك أخذه واستثمره في مشروع مقاولات (مشروع حلال) . بعد هذا الإيضاح: أرجو التكرم بالإجابة عن الأسئلة التالية: - ما حكم هذا المال حلال أم حرام أم مال مختلط؟ . - هل يجوز لي ولإخوتي وأمي الانتفاع بهذا المال بالرغم أني أعمل، وأحصل على راتب متواضع، والحمد لله يعينني على الحصول على قوت يومي؟ . - أبي ينفق علينا، وينوي بإذن الله أن يعطيني أنا وإخوتي لكل واحد منا شقة للسكن، وجزءً من المال، فهل أقبل أن آخذ الشقة والمال أم أرفض؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: عقود التأمين التجارية المشتهرة المنتشرة في الآفاق لا شك في حرمتها، ومخالفتها للشرع، فهي عقود غرر، وميسر، وبعض أنواعه تؤخذ من الناس كرهاً بغير طيب نفس، فقد جمعت هذه العقود شروراً مختلفة، فلا عجب أن تجتمع كلمة العلماء على حرمتها، والخلاف فيها شاذ غير معتبر. ثانياً: بخصوص عمل والدك وكسبه من العمل في شركة التأمين: فإننا نذكره بتقوى الله تعالى أولاً، فقد شارف على السبعين! وهو لا يزال يعمل فيما علم أنه حرام ولا يحل له البقاء فيه، فمتى سيتقي ربه ويترك ما يغضب الله تعالى من الأعمال؟ وهل يضمن حياته إلى آخر السنة حتى يبقى على عمل محرم؟ وكيف يرضى لنفسه وقد بلغ هذه السن أن يُختم له وهو يعصي ربَّه تعالى؟ ومثل هذا مكانه مسجد حيِّه، مصليّاً، وقارئاً للقرآن، وداعياً، ومكانه الحرم، معتمراً، ومعتكفاً، ومتعبداً، وليس مكانه شركات القمار، وليس همه كيف يجلب زبوناً، أو يحافظ على آخر، فنسأل الله تعالى أن يعجل هدايته، وأن ييسر له ختم حياته على خير ما يحب ربه منه. وبخصوص المال المكتسب من ذلك العمل المحرَّم: فما كان قبل علمه بحرمة عمله: فهو حلال له، رواتب تلك المدة ومكافآتها، وما كان بعد علمه بحرمته: حرام عليه، رواتب تلك المدة ومكافآتها. قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء في بعض أجوبتهم: المدة التي جلستَها في البنك للعمل فيها: نرجو من الله أن يغفر إثمها عنك، وما جمعتَه من نقود وقبضتها بسبب العمل في البنك عن المدة الماضية: لا إثم عليك فيها، إذا كنت تجهل الحكم في ذلك. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. " فتاوى اللجنة الدائمة " (15 / 46) . وهذه الفتوى تنطبق على كل من عمل في مجال كسبٍ محرَّم وهو لا يدري حكمه، أو قيل له ممن يثق به إنه جائز، لكنَّ ذلك الحِل له شرط لم يأتِ به والدك، وهو الترك للعمل، والكف عن الاستمرار به، والكف عن الحرام جعله الله تعالى شرطاً لحل ما سبق أخذه. قال تعالى: (فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ) البقرة/ آية 275. قال الشيخ العثيمين – رحمه الله -: من فوائد الآية: أن ما أخذه الإنسان من الربا قبل العلم بالتحريم: فهو حلال له، بشرط أن يتوب وينتهي. " تفسير سورة البقرة " (3 / 377) . وبمثله قال علماء اللجنة الدائمة، انظر فتواهم في جواب السؤال رقم (106610) . وأما بعد علمه بالتحريم: فلا يحل له كسبه؛ لحرمة العمل نفسه. ثالثاً: بخصوص الزوجة والأولاد الذين هم في رعاية من يكسب الحرام من عمل محرَّم: فإنه لا حرج عليهم فيما يُنفق عليهم من قبله، وإنما إثمه وتحريمه على من اكتسبه دون غيره، ومن هنا نعلم سبب قبول النبي صلى الله عليه وسلم دعوة اليهود، وأكله من طعامهم، مع كونهم يكسبون المال بطرق محرَّمة. سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: أبي - غفر الله له - يعمل في بنك ربوي، فما حكم أخذنا من ماله وأكلنا وشربنا من ماله؟ غير أن لنا دخلاً آخر وهو من طريق أختي الكبيرة فهي تعمل، فهل نترك نفقة أبي ونأخذ نفقتنا من أختي الكبيرة مع أننا عائلة كبيرة، أم أنه ليس على أختي النفقة علينا فنأخذ النفقة من أبي؟ . فأجاب: " أقول: خذوا النفقة من أبيكم، لكم الهناء، وعليه العناء؛ لأنكم تأخذون المال من أبيكم بحق؛ إذ هو عنده مال وليس عندكم مال، فأنتم تأخذونه بحق، وإن كان عناؤه وغرمه وإثمه على أبيكم، فلا يهمكم، فها هو النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبَل الهدية من اليهود، وأكل طعام اليهود، واشترى من اليهود، مع أن اليهود معروفون بالربا، وأكل السحت، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام يأكل بطريق مباح، فإذا ملك بطريق مباح: فلا بأس، انظر مثلاً " بريرة " مولاة عائشة رضي الله عنهما، تُصدق بلحم عليها، فدخل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوماً إلى بيته ووجد البُرمة – القِدر - على النار، فدعا بطعام، ولم يؤتَ بلحم، أتي بطعام ولكن ما فيه لحم، فقال: (ألم أر البرمة على النار؟) قالوا: بلى يا رسول الله، ولكنه لحم تُصدق به على " بريرة " - والرسول عليه الصلاة والسلام لا يأكل الصدقة -، فقال: (هو لها صدقة ولنا هدية) فأكله الرسول عليه الصلاة والسلام مع أنه يحرم عليه هو أن يأكل الصدقة؛ لأنه لم يقبضه على أنه صدقة بل قبضه على أنه هدية. فهؤلاء الإخوة نقول: كلوا من مال أبيكم هنيئاً مريئاً، وهو على أبيكم إثم ووبال، إلا أن يهديه الله عز وجل ويتوب، فمن تاب: تاب الله عليه. " اللقاء الشهري " (45 / السؤال رقم 16) . وحكم هذا المال المختلط: أنه ما أُعطي لكم منه: فكلوه هنيئاً مريئاً، سواء كان مالا نقديّاً، أو عيناً كشقة، أو أرض. وما تركه لكم بعد وفاته: فانظروا إن كان ثمة صاحب للمال الذي ورَّثه لكم أُخذ ظلماً فادفعوه له، فإن لم يكن له صاحب، أو لم تستطيعوا الوصول إليه: فأخرجوا قدر هذا المال في وجوه الخير، وهذا في المال المحرَّم لذاته، وأما المحرَّم لكسبه فهو حرام عليه دونكم، وهو لكم حلال، كما سبق في كلام الشيخ العثيمين رحمه الله، إلا أن تتورعوا عنه، فتخرجوه في وجوه الخير، ولكن هذا ليس بمحتم عليكم. قال شيخ الإسلام رحمه الله - وسئل عن مرابٍ خلَّف مالاً وولداً وهو يعلم بحاله، فهل يكون حلالاً للولد بالميراث أو لا؟ -: أما القدْر الذي يعلم الولد أنه رباً: فيخرجه، إما أن يرده إلى أصحابه إن أمكن، وإلا يتصدق به، والباقي: لا يحرم عليه. لكن القدر المشتبه: يستحب له تركه إذا لم يجب صرفه في قضاء ديْن أو نفقة عيال، وإن كان الأب قبضه بالمعاملات الربوية التي يرخص فيها بعض الفقهاء: جاز للوارث الانتفاع به، وإن اختلط الحلال بالحرام وجهل قدر كل منهما: جعل ذلك نصفين. " مجموع الفتاوى " (29 / 307) . وقال علماء اللجنة الدائمة: لا يجوز للأب أن يربِّي أولاده على كسبٍ حرام، وهذا معلوم عند السائل، وأما الأولاد: فلا ذنب لهم في ذلك، وإنما الذنب على أبيهم. وإذا كان المنزل كله من السرقة: فالواجب على الورثة رد السرقة إلى أهلها، إذا كانوا معروفين، وإن كانوا مجهولين: وجب صرف ذلك إلى جهات البر، لتعمير المساجد، والصدقة على الفقراء، بالنية عن مالك السرقة، وهكذا الحكم إذا كان بعض المنزل من السرقة وبعضه من مال الجد، فعلى الورثة أن يردوا ما يقابل السرقة إلى أهلها إن عُرفوا، وإلا وجب صرف ذلك في جهات البر، كما تقدم. الشيخ عبد العزيز بن باز , الشيخ عبد الرزاق عفيفي , الشيخ عبد الله بن غديان , الشيخ عبد الله بن قعود. " فتاوى اللجنة الدائمة " (26 / 332) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114798 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5990 حكم أخذ الكتب خلسة من جده للاستفادة منها والاحتفاظ بها [السُّؤَالُ] ـ[لي جدٌّ بخيل بمالهِ.. وعنده شيءٌ من الكتب المفيدة التي اشتراها لما كان في مرحلة شبابه.. منها كتبٌ علميةٌ مفيدةٌ وبعضها منقطع من الأسواق ولا يوجد.. وأنا طالب علمٍ أريد الاستفادة منها وهو يمنعني من ذلك.. فهل يجوز لي أخذها خلسةً والاستفادة منها والاحتفاظ بها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله لا يجوز الاعتداء على مال الغير بالسرقة أو النهب أو الغصب أو أخذه من غير إذنه، ولو على سبيل الاستعارة، وحكم الكتب في ذلك حكم غيرها من الأموال، ولهذا أوجب جمهور العلماء قطع يد سارقها. قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (9/98) : " فإن سرق مصحفا , فقال أبو بكر والقاضي: لا قطع فيه. وهو قول أبي حنيفة ... واختار أبو الخطاب وجوبَ قطعه , وقال: هو ظاهر كلام أحمد , فإنه سئل عمن سرق كتابا فيه علم لينظر فيه , فقال: كل ما بلغت قيمته ثلاثة دراهم فيه القطع. وهذا قول مالك , والشافعي , وأبو ثور , وابن المنذر ; لعموم الآية في كل سارق ... ولا خلاف بين أصحابنا في وجوب القطع بسرقة كتب الفقه والحديث وسائر العلوم الشرعية" انتهى باختصار. وجاء في "الموسوعة الفقهية" (34/193) : " ذهب المالكية والشافعية والحنابلة وأبو يوسف من الحنفية إلى إقامة الحد على من سرق كتبا نافعة , كالتفسير والحديث والفقه وغيرها من العلوم النافعة إذا بلغت قيمة المسروق نصابا" انتهى. فليس لك أن تأخذ هذه الكتب خلسة، ولا أن تحتفظ بها، وإنما يلزمك الاستئذان، فإن أذن لك فبها ونعمت، وإلا فلا حق لك في أخذها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ) رواه أحمد (20172) وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (7662) . وليس هذا هو الطريق الوحيد لطلب العلم، فيمكنك الاتفاق مع جدك أن تذهب إلى بيته وتقرأ هذه الكتب عنده، ولا تخرج بها. أو تذهب إلى المكتبات العامة، وستجد فيها إن شاء الله من الكتب المفيدة الشيء الكثير. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114656 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5991 أخذ مالا من صاحب الشركة النصراني ولا يعرف كيف يصل إليه [السُّؤَالُ] ـ[كيف أستطيع أن أرد ما أخذته بغير حق من مكان العمل الذي كنت أعمل فيه قبل أكثر من خمس عشرة سنة , مع العلم أنني قد تركت مكان العمل وانتقلت إلى بلدٍ آخر, وكذلك صاحب الشركة توفي وهو نصراني , ولا أعرف أين يسكن أفراد عائلته.. وكنت لا أعرف حكم من فعل مثل ما فعلت فالرجاء منكم أن ترسلوا لي الجواب الشافي.]ـ [الْجَوَابُ] من أخذ مالا بغير حق، لزومه رده إلى صاحبه، أو إلى ورثته بعد موته، فإن عجز عن الوصول إليهم بعد البحث والتحري، تصدق به على نية صاحبه، ثم إن قدّر أن وجده يوما من الدهر خَيَّره بين إمضاء الصدقة أو رد المال إليه. ويلزم مع ذلك: التوبة إلى الله تعالى والندم على ما فات، والعزم على عدم العود إليه. جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" في جندي سرق مالا من عبدٍ: " إن كان يعرف العبدَ أو يعرف من يعرفه: فيتعين عليه البحث عنه ليسلم له نقوده فضة أو ما يعادلها أو ما يتفق معه عليه، وإن كان يجهله وييأس من العثور عليه: فيتصدق بها أو بما يعادلها من الورق النقدي عن صاحبها، فإن عثر عليه بعد ذلك فيخبره بما فعل فإن أجازه فبها ونعمت، وإن عارضه في تصرفه وطالبه بنقوده: ضمنها له وصارت له الصدقة، وعليه أن يستغفر الله ويتوب إليه ويدعو لصاحبها " انتهى من " فتاوى إسلاميَّة " (4 /165) . ولا فرق بين أن يكون المال المأخوذ ملكا لمسلم أو لكافر، إذ لا يجوز الاعتداء على مال الكافر غير الحربي، كما لا يجوز لمن دخل بلاد الكفار بأمان أن يغدر ويخون. وينظر جواب السؤال رقم (14367) . فعليك أن تتصدق بهذا المال، على أن الصدقة لصاحبه، والمال الآن انتقل إلى الورثة، فمن أسلم منهم ومات مسلماً انتفع بتلك الصدقة في الدنيا والآخرة، ومن مات منهم على نصرانيته، فإنه يجازى بحسناته في الدنيا. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114671 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5992 حلفت ألا تأكل من مالهم إذا لم يرجعوا عن التعامل بصكوك اختلف العلماء في حكمها [السُّؤَالُ] ـ[أنا أعيش في دولة خليجية وظهر هناك ما يسمى بالصكوك الوطنية ويقولون إنها حلال فاشتركت أنا وعائلتي ولكن بعد فترة ظهر بعض المشايخ ومنهم كبير المفتيين في إحدى إمارات الدولة وقال إنهم عندما راجعوا هذه الصكوك وجدوا فيها بعض المخالفات الشرعية ونبهوا هذا البنك " الإسلامي" على هذه المخالفات ولكن لم يلتفتوا لهم ولم يعيروهم اهتماما ... فأصبحت هذه الصكوك بين الحلال والحرام منهم من يقول حلال ومنهم من يقول حرام وعندما علمت بذلك قلت لأهلي إنني أريد أن أسحب نقودي وسحبتها فعلا ولله الحمد ولكنني نصحت أهلي بسحب نقودهم فهذا أسلم لنا ولكن لم يستجيبوا لي فأقسمت ألا أشرب حتى مجرد كوب ماء لو فازوا بأي مبلغ وكررت القسم أكثر من مرة في مرات متفرقة وليس في مجلس واحد ماذا أفعل مع العلم أنني فتاة وكيف أكفر عن قسمي وهل يجوز لي أن آكل من هذا المال أنا لا أريد فعلا أن أشرب حتى كوب ماء من هذا المال ولكن ماذا أفعل فأنا فتاة ولا أستطيع العيش بمفردي أجبني جزاك الله خيراً.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يلزم من أراد الدخول في معاملة من شركة أو غيرها أن يعلم حكمها، ويقف على مشروعيتها، إما بنفسه أو بسؤال أهل العلم كما قال تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) النحل/43. وأنتم إن اشتركتم في هذه الصكوك اعتمادا على من أفتى من أهل العلم الثقات بحلها، فلا حرج عليكم. ومن تبين له حرمتها لم يجز له أن يشارك فيها. وكذلك من شارك فيها ثم تبين له التحريم، فإنه يلزمه الخروج منها، ولا إثم عليه فيما مضى. وقد أحسنت في الخروج منها وسحب نقودك، فهذا أسلم وأورع. ثانياً: إذا لم يتبين لأهلك أنها حرام، فلا يلزمهم التخلص من هذه الصكوك؛ لأنهم اعتمدوا فيها على من أفتى بحلها، فإذا لم تكن لهم أهلية لمعرفة الخلاف والراجح منه، وركنوا إلى تقليد من وثقوا فيه، فلا شيء عليهم. ثالثاً: يجوز لك الأكل والانتفاع مما يقدمه أهلك من الطعام والشراب وغيره، لاختلاط مالهم، ولأن المال المحرّم لكسبه حرامٌ على الكاسب فقط دون غيره ممن يأخذه بوجه مباح. وينظر جواب السؤال رقم (45018) . وأما يمينك، فإن شئت بقيت عليها، ولم تنتفعي بشيء ناتج عن أرباح هذه الصكوك، مع الانتفاع بغيرها من أموالهم، وإن شئت كفرت عن يمينك. ولا يلزمك غير كفارة واحدة؛ لأن من حلف أيمانا متعددة على شيء واحد، لزمته كفارة واحدة في حال الحنث. وينظر جواب السؤال رقم (38602) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114459 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5993 هل يقسمون لأخيهم الذي أكل حقوقهم من تركة والدتهم؟ [السُّؤَالُ] ـ[أنا أصغر أربعة إخوة، أبي مات حينما كنت أدرس في الخارج، وترك الكثير من الأملاك، وبعض الديون التي مطلوب سدادها، رجعت إلى بلدي وفوضت أخي الأكبر مثلما عملت أختاي، لكي يستطيع بيع بعض من الأملاك التي ورثناها ويصفي الدين، استغل أخي هذا وباع كل ما نملك ولم يسدد الدين، كان يشرب الخمر ويقامر، وترك والدته وعائلته من زوجة وأولاد ليعاشر امرأة أخرى تزوجها فيما بعد، الآن كل ما بقي للعائلة هو بيت واحد، جزء منه ملك والدتي، والباقي ملك الإخوة، والآن سؤالي هو: عندما نقسم الأسهم في ذلك البيت، هل ينبغي أن نعطي أخي الأكبر نصيبه من التركة بحسب الشريعة، مع ما قام به من بيع إرثنا مع أننا وثقنا به، وإذا لم نعطه، هل جائز أن نعطي نصيبه لزوجته الأولى والأطفال الثلاثة، الرجاء الانتباه إلى أن زوجته الأولى لا تزال في نكاحه، وهو لم يطلقها، وليس لديه أطفال من الزوجة الثانية التي يعيش معها؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان هذا هو الواقع، وأن هذا الأخ أكل أموالكم بالباطل، فلا حرج عليكم من أخذ نصيبه في هذا البيت وعدم إعطائه لكم، إذا كان نصيبه في البيت بمقدار حقكم أو أقل منه، أما إذا كان أكثر من حقكم فإنكم تأخذون حقكم وتردون إليه الباقي. قال الفقيه محمد بن عبد الله الخرشي المالكي رحمه الله: " هذه المسألة تعرف بمسألة الظفر، والمعنى أن الإنسان إذا كان له حق عند غيره، وقدر على أخذه، أو أخذ ما يساوي قدره من مال ذلك الغير، فإنه يجوز له أخذ ذلك منه، وسواء كان ذلك من جنس شيئه، أو من غير جنسه، على المشهور، وسواء علم غريمه أو لم يعلم، ولا يلزمه الرفع إلى الحاكم. وجواز الأخذ مشروط بشرطين: الأول: أن لا يكون حقه عقوبة , وإلا فلا بد من رفعه إلى الحاكم، وكذلك الحدود، لا يتولاها إلا الحاكم. والثاني: أن يأمن الفتنة بسبب أخذ حقه، كقتال، أو إراقة دم، وأن يأمن من الرذيلة، أي أن ينسب إليها كالغصب، ونحوه , فإن لم يأمن ذلك فلا يجوز له أخذه." انتهى. " شرح مختصر خليل " (7/235) وقال العز بن عبد السلام رحمه الله: " إذا ظفر الإنسان بجنس حقه بمال مَن ظلمه فإنه يستقل بأخذه .... ولو كان بغير جنس حقه جاز له أخذه وبيعه ثم استيفاء حقه من ثمنه " انتهى. " قواعد الأحكام " (2/176) . وقد سئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله: " لدينا خادمة، ووالدي لا يدفع لهذه الخادمة راتبها؛ فهل آخذ شيئاً من ماله بدون علمه وأدفعه للخادمة علماً بأنه قادر؟ فأجاب: "قد يكون فعله هذا خوفاً من أن تهرب أو ما أشبه ذلك، أو يريد حفظه لها ليدفعه لها دفعة واحدة عند سفرها، حيث إنها لا تحتاج إليه في هذه المدة، وأنت عليك أن تستفصل منه عن السبب الذي لأجله منعها، ومعلوم أنه يحرم تأخير أجرة الأجير، ورد في الحديث: (أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه) , وورد أيضاً وعيدٌ شديدٌ في الثلاثة الذين يعذبهم الله، ومنهم: (رجل استأجر أجيراً فاستوفى منه العمل ولم يعطه أجره) وإذا رأيت أنه لا يعطيها، وأنه يمنعها ولا يريد المصلحة لها، فعليك أن تعطيها أجرتها من ماله، ولو لم يعلم بذلك " انتهى. " شرح أخصر المختصرات " للشيخ ابن جبرين على الشاملة. وانظر جواب السؤال رقم (27068) . كما لا يجب عليكم دفع حصته إلى زوجته الأولى وأطفاله، فإن المال مال أخيكم ولكم فيه حق، وإذا دفعتم إليهم هذا المال أو جزءاً منه فهذا إحسان وتصدق منكم إليهم، والله تعالى يجزي المتصدقين. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 114336 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5994 لم يلحقه ضرر بنزول المطر لكنه جاء بالشهود وأخذ التعويض من الدولة [السُّؤَالُ] ـ[بناء على تعويض المتضررين من أمطار عام 1426هـ فقد أقدم بعض المواطنين على التالي: 1- طلب تعويض في مزارع لم تتعرض للأضرار حيث إن الأمطار في ذلك العام كانت أمطار خير وبركة 2- تم تسجيل أعداد من المزارع والمنازل والسيارات بصورة مبالغ فيه جدا قد تصل للعشرات مع أنها لم تتضرر 3- تقدم بطلب التعويض الآباء والأبناء وكذلك الأحفاد مع أن الأملاك لازالت للآباء 4- من شروط التعويض وجود شاهدي عدل ومزكيين وقد تمت الشهادة للجميع مع أن الأغلبية تقدم للشهادة وهو لا يعرف أملاك طالب التعويض. نرجو منكم التكرم بالإفتاء في هذه المسألة.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: تقديم الدولة الإعانة والمساعدة لمن تضرر بنزول المطر أمر تشكر عليه، ولا يجوز استغلاله لأكل المال بالباطل، بل يصرف للجهة المستحقة فقط. وبناء عليه، فمن لم يصبه ضرر من هذه الأمطار، فلا حق له في هذه الإعانة، ودعواه الضرر مع عدم حصوله كذب محرم، كما لا يخفى، وهذا الكذب علامة من علامات النفاق، كما قال صلى الله عليه وسلم: (آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان) رواه البخاري (33) ومسلم (59) . وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكون صدِّيقاً، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذَّاباً) . رواه البخاري (5743) ومسلم (2607) . وأكل المال بالباطل محرم كذلك، قال الله تعالى: (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) البقرة/188. وإذا انضاف إلى ذلك شهادة الزور، فهذا أعظم وأعظم. فعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئا فجلس فقال: ألا وقول الزور وشهادة الزور، ألا وقول الزور وشهادة الزور، فما زال يقولها حتى قلنا: ليته سكت) رواه البخاري (5631) ومسلم (87) . وليس لأحد أن يشهد على أمر لا يعلمه. جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (23/506) : " لا يجوز أن يشهد الشخص إلا بما يعلمه برؤية أو سماع، لقوله تعالى: (إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) وقوله تعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) الآية، وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشهادة، قال: (هل ترى الشمس؟ قال: نعم، قال: على مثلها فاشهد أو دع) رواه الخلال " انتهى. وليس لأحد أن يأمر بشهادة الزور أو يدعو أحدا إليها، وإلا كان شريكا في الإثم، كما أنه ليس لأحد أن يطيعه في ذلك؛ إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. ثانياً: هذا التعويض إنما يصرف لمالك الأرض، وليس لأبنائه أو غيرهم أن يقدموا على تعويض لنفس الأرض التي يملكها أبوهم، وفعل ذلك هو من الكذب والغش وأكل المال بالباطل. والواجب على كل أحد أن يتقي الله تعالى، وأن يحذر أكل المال الحرام، وأن يعلم أن الاعتداء على المال العام محرم كالاعتداء على المال الخاص بل قد يكون أشد إثما، نسأل الله العافية والسلامة، والتوفيق للجميع لما يحب ويرضى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 113850 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5995 حكم بناء السينما وإدارتها [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز للمسلم أن يبني سينما ويدير أعمالها بيده؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "لا يجوز لمسلم أن يبني سينما، ولا أن يدير أعمال سينما له أو لغيره؛ لما فيها من اللهو المحرم، ولأن السينماءات المعروف عنها في العالم اليوم أنها تعرض صوراً خليعة، ومناظر فتانة، تثير الغرائز الجنسية، وتدعو للمجون وفساد الأخلاق، وكثيراً ما تجمع بين نساء ورجال غير محارم لهن. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/277) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111946 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5996 يعمل جابيا في شركة الكهرباء فهل يحق له تغيير العملة المتحصلة؟ [السُّؤَالُ] ـ[جابي كهرباء يسأل: شركة الكهرباء التي يعمل فيها تعتبر المائة دولار أربعمائة ريال (مثلاً) ، سواء دفع المشترك المائة دولار أو أربعمائة ريال نفس الشيء. أحيانا في السوق يكون سعر المائة دولار أربعمائة وثلاث ريالات أو أكثر، فهل يجوز للجابي أن يأخذ الدولارات من المشتركين ويصرفها بالريال، ويدفع للشركة عن كل مائة دولار أربعمائة ريال، ويأخذ الباقي له؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله جابي الكهرباء والوكيل والمندوب ونحوهم مؤتمنون على ما بأيديهم من الأموال، وليس لهم التصرف فيها إلا بما أذن لهم صاحبها، وقد قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) النساء/58. فالواجب عليهم أن يؤدوا المال إلى الشركة كما أخذوه من المشتركين، ولا يجوز لهم أن يغيروه من عملة إلى أخرى، فإن فعلوا ذلك، فهذه الزيادة حق للشركة، وليس لهم أن يأخذوا منها شيئاً. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112035 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5997 حكم ما كسبه المصور ثم تاب [السُّؤَالُ] ـ[لقد اكتسبت من عمل التصوير مالا وأنا مستعد للتنازل عنه إرضاء لله ورسوله، فما حكم ذلك المال هل هو حرام أم ماذا أصنع فيه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "أرجو أن لا يكون عليكم فيه حرج لأنكم حين اكتسابه لم تكونوا متأكدين تحريمه جهلا بالحكم الشرعي، أو لشبهة من أجاز التصوير الشمسي، وقد قال الله سبحانه في أهل الربا: (فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) أعاذنا الله وإياكم منها، فهذه الآية الكريمة يستفاد منها حل الكسب الماضي من العمل غير المشروع إذا تاب العبد إلى الله، ورجع عن ذلك، وإن تصدقتم به أو بشيء منه احتياطا فحسن. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه) أما وجوب الصدقة به فلا أعلم دليلا واضحا يدل عليه" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" رحمه الله (4/306) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 112149 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5998 حكم فتح صالة ألعاب وحكم المال المكتسب منها [السُّؤَالُ] ـ[ما هو الحكم الشرعي في المال الذي يتم الحصول عليه من صالة الألعاب؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: يختلف حكم المال المُكتسب من صالات الألعاب تبعاً لاختلاف الحكم في الألعاب ذاتها، فما كان من الألعاب مباحاً: كان دخله وكسبه مباحاً، وما كان من الألعاب محرَّماً: كان دخله وكسبه حراماً. والألعاب المباحة هي التي تعين على تقوية البدن، وتنشيط الذهن، وتزيد في الفهم والعلم، وتخلو من المحرمات، وهذه بعض الأمثلة لما تحتويه صالات الألعاب من المحرمات: 1. أن تحتوي الصالة على ألعاب تُكشف فيها العورات، كالسباحة، وغيرها. 2. أن تحتوي على ما فيه ضرب الوجه، كالملاكمة. 3. أن يكون في الصالة تشغيل للموسيقى والمعازف. 4. أن تكون الألعاب مختلطة بين الرجال والنساء. 5. أن يكون فيها ميسر وقمار. 6. أن تكون في وقت صلاة الجمعة، أو تكون سبباً في تفويت غيرها من الصلوات. 7. أن تحتوي الصالة على ألعاب إلكترونية فيها صلبان، أو تعظيم لديانة كفرية، أو تقديس لشعار ديني لغير دين الإسلام، أو يكون فيها تشجيع على العنف، أو لقطات حب وجنس وكشف عورات، وغير ذلك مما تحويه غالب الألعاب الإلكترونية. 8. أن تحتوي الألعاب على ما فيه تماثيل، كلعبة " البيبي فوت " ومثيلاتها. 9. أن تكون فيها " نرد "، كالطاولة. وقد سئل الشيخ عبد الله الجبرين حفظه الله: ما حكم الألعاب، وقاعات الألعاب الذي يتردد إليها الشباب؟ . فأجاب: "هذه الألعاب تُعتبر من اللهو والباطل الذي لا فائدة فيه، وإنما هو من إضاعة الوقت في غير منفعة، ويدخل في ذلك اللعب بالأوراق مما يسمى بـ " الكيرم " أو " البلوت "؛ فإنه لهو، وسهو، وخسران كبير، أما إذا كان اللعب في مباريات ومسابقة ومصارعة مما يزيد الشباب نشاطًا، وقوة، وتدرباً على الكرِّ والفر، وقوة الأبدان: فإن ذلك جائز؛ فقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم الحبشة على اللعب بحرابهم في المسجد؛ لأن في ذلك تدرباً لهم وتمريناً على حمل السلاح، وما أشبهه، وأجاز السباق على الخيل، والإبل، وتعلم الرمي، وتعلم السباحة، وصارَع بعضَ أصحابه، وأجاز المصارعة؛ لما فيها من التدرب على النشاط، وقوة الأبدان" انتهى. رقم الفتوى في موقع الشيخ: (1088) . ثانياً: أما بخصوص المال المكتسب من تلك الألعاب: فما كان مكتسباً من ألعابٍ مباحة: فكسبه حلال. وما كان كسباً من ألعاب محرَّمة: فالواجب عليك: 1. التوبة الصادقة من تلك الأعمال وذلك الكسب. 2. التخلص من الألعاب التي تحتوي على محرمات، وإن أمكن الاستفادة منها بالتخلص مما فيها من مخالفات شرعية: فحسنٌ، كإزالة الموسيقى من الألعاب، أو شراء أشرطة لألعاب مباحة، أو إزالة رؤوس الأصنام في اللعب المحرمة من أجل ذلك. 3. التخلص من كسب تلك الألعاب في وجوه الخير، وما أنفقته منها قديماً على نفسك، وعلى أهل بيتك: فلا يلزمك إخراج ما يقابله. وننصحك بالاقتصار على الألعاب المباحة شرعاً، وأن تكون قدوة لغيرك ممن يملك مثل تلك الصالة، وأن تقدِّم لرواد الصالة وزبائنها ما ينفعهم من الألعاب، ومن التوجيهات والنصائح، وذلك بتوزيع مطويات وكتيبات وأشرطة نافعة عليهم، وتشغيل مواد صوتية ومرئية فيها نفع وفائدة. ونحن قد أجبناك على ما احتمله سؤالك من " الألعاب "؛ لأننا لم ندر ما تقصده بها، ولا طبيعة الصالة، فأجبنا عن الاحتمالات القائمة في كونها صالة ألعاب بدنية، أو صالة ألعاب إلكترونية. وانظر جواب السؤال (22305) " الألعاب بين الحلال والحرام ". وقد بيَّنا في جواب السؤالين (2898) و (39744) " مفاسد الألعاب الإلكترونية "، وخصصنا البلايستيشن بالذِّكر، وفي الجواب الثاني حكم بيعها وشرائها. وفي جواب السؤال رقم: (46203) تجد حكم من يسأل عن دخله لعمله في محل ألعاب فيديو. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111691 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5999 حكم شراء البضائع المصادَرة من الجمارك [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لي شراء سيارة محجوزة من " الديوانة " إن كانت دخلت بطريق غير قانونية، أو فرّط فيها صاحبها لعدم قدرته على تسديد مستحقاتها لـ " الديوانة "، أو من تلقاء نفسه لكي لا توظف عليه، مع العلم عند البيع بالمزاد العلني، أو قبله، لا يمكنك أن تعرف وضعية كل سيارة؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله " الديوانة " هي ما يسمَّى " الجمرك " في دول المشرق، والأصل أن العمل في " الجمارك "، وتحصيل الرسوم على ما يجلبه المسلمون من بضائع أو أمتعة: أنه حرام؛ أجوبة الأسئلة: (39461) و (42563) و (93088) . وأما أخذ الجمارك من غير المسلمين فهو جائز، كما سبق بيان ذلك في السؤال رقم (111886) . والبضائع التي تتم مصادرتها في الجمارك لا تخلو من حالين: الأولى: أن تكون هذه المصادرة بحق، كما لو كانت لغير مسلم ولم يدفع الجمارك المفروضة عليه. أو كانت غير مطابقة للمواصفات المسموح بها، وأراد صاحبها تهريبها إلى داخل البلاد. أو لم يمكن التعرف على صاحبها .... ونحو ذلك من الأسباب الصحيحة التي يمكن بسببها مصادرة هذه البضائع. وفي هذه الحالة لا بأس بشرائها إذا عرضت في المزاد، لأنها خرجت من ملك أصحابها على وجه مباح. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: "ما يؤخذ غرامة على المخالفين في بعض البضائع، إذا دخلوا بها وصودرت منهم: فهل يجوز أن تُشتَرى من الجهات المسؤولة أو لا؟ الجواب: نعم، يجوز أن تُشترى؛ لأنها الآن خرجت عن ملك أصحابها بمقتضى العقوبة، والعقوبة المالية جائزة في الشريعة، ولها وقائع وقعت في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم؛ فيجوز أن يشتريها الإنسان، وتدخل ملكه، ولا حرج عليه في ذلك، كالمغصوب إذ جُهِلَ مالكه وبِيعَ وتُصُرِّف فيه على وجه جائز: فلا حرج أن يشتريه. فإن قال قائل: أنا أعلم رب هذه العين التي صودرت أنه فلان، فكيف يجوز لي أن أشتريها؟! نقول: نعم؛ لأنها أُخذت بحق، أما لو جاءتك وهي مسروقة تعرف أنها سرقت: فهنا لا يجوز أن تشتريها، لكن إذا صودرت عقوبة: فقد أخذت بحق؛ لأن لولي الأمر أن يعاقب من خالف ما يجب عليه بما يرى أنه أردع وأنفع، ولولا هذا لكانت الأمور فوضى وصار كل إنسان يعمل على ما يريد، وهذا لا يمكن، ولذلك نرى أن الأنظمة التي ليس فيها مخالفة للشريعة، وإنما هي اجتهادية: أنه يجب اتباعها؛ امتثالاً لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ) النساء/ 59" انتهى. " الشرح الممتع " (10 / 195، 196) . الحالة الثانية: أن تكون المصادرة بغير حق، كما لو كانت البضائع لمسلم وصودرت لعجزه عن دفع الجمارك. وفي هذه الحالة لا يجوز شراؤها، لأنها لا تزال ملكاً لصاحبها، وتم أخذها منه غصباً. قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: "إذا تيقن الإنسان من كون السلعة المعروضة للبيع أنها مسروقة أو مغصوبة، أو أن من يعرضها لا يملكها ملكاً شرعياً، وليس وكيلاً في بيعها، فإنه يحرم عليه أن يشتريها؛ لما في شرائها من التعاون على الإثم والعدوان، وتفويت السلعة على صاحبها الحقيقي، ولما في ذلك من ظلم للناس وإقرار المنكر، ومشاركة صاحبها في الإثم، قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2 " انتهى. فتاوى اللجنة الدائمة" (13/82) . وإذا لم يمكن معرفة هل هذه البضائع مصادرة بحق أم بغير حق؟ وكان ذلك في دولة أكثر أهلها مسلمون، فينبغي التورع عن شرائها، لأن الغالب أنها لأحد المسلمين وعجز عن دفع جماركها، ولا يغتر الإنسان برخص ثمنها، فإن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 111698 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 6000 شركة تسوِّق لصورة من صور القمار [السُّؤَالُ] ـ[هناك شركة نظامها كالتالي: تقوم بشراء ورقة من عند شخص بـ 200 درهم، ثم تقوم بإيداع 200 درهم في حساب الشركة، ثم 200 درهم أخرى في حساب الشخص الأول في القائمة، بعد ذلك ترسل لهم تواصيل الدفع، ثم بعد بضعة أيام يتم توصلك بثلاث أوراق تقوم أنت ببيعها بـ 200 درهم للورقة (أي: ما يعادل 600 درهم في جميع الأوراق) ، فتنتظر الناس ليودعوا لك الأموال، وعندما تصل ل 250 إيداعا تقوم بالخروج أوتوماتيكيا من القائمة. فهل هذه الأموال المجموعة لك حلال أم حرام؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله يحرم المساهمة في شراء تلك الأوراق، ولا يحل ذلك الكسب؛ لأنه كسب محرَّم، وقد جمعت هذه المعاملة بين محرمين عظيمين وهما الربا والميسر، أما الربا فإنه يدفع نقودا ليأخذ أكثر منها بعد مدة، وهذا هو الربا، وأما الميسر، فإنه يدفع المال على سبيل المخاطرة، فإما أن يضيع عليه ماله، وإما أن يأخذ أكثر، وهذا هو الميسر، وهو شبيه بما يسمى "اليناصيب"، وهو نوع من أنواع القمار، وفيه بذل للمال لا في مقابل عِوض، ولا منفعة، فأي شيء في الورقة حتى تستحق أن تُشترى بـ 200 درهم؟! ولأي سبب أضع في حساب صاحبها 200 درهم؟! وأي استحقاق للشركة عليَّ حتى أضع 200 درهم في حسابها؟! . وكل ما في الأمر أنها صورة من صور القمار، ولا يحل المساهمة فيه دعاية، ولا شراء، ولا كسباً. قال علماء اللجنة الدائمة: "ولعبة اليانصيب هي طريق لأكل أموال الناس بالباطل، أي: بغير عوض حقيقي، من عين، أو منفعة، وقال تعالى- في بيان تحريم الميسر -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) المائدة/ 90، 91، فبيَّن جل وعلا هذه المحرمات، ومنها الميسر، فقرنه بالخمر - والخمر حرام -، وأمر باجتنابه، والأمر يقتضي الوجوب، وبيَّن أنه رجس من عمل الشيطان، ويذكر أن اجتنابه سبب الفلاح، فدل على أن ارتكابه سبب لغضب الله جل وعلا، وما كان سبباً لغضب الله: فهو حرام، وبيَّن أنه مما يوقع العداوة والبغضاء بين الناس، ويبعد عن ذكر الله، وعن الصلاة، ثم ختم الآية بالاستفهام المضمن معنى الطلب: (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) ، وفهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذلك من الآية بعد ما سمعها، قال: " انتهينا، انتهينا "، ومعلوم أن اليانصيب نوع من القمار، والقمار من الميسر، فدلت الآية على تحريمه من الوجوه المتقدمة" انتهى. الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن منيع. " فتاوى اللجنة الدائمة " (15 / 202، 203) . وقالوا: "اليانصيب نوع من القمار، وهو الميسر، والمال الذي يؤخذ بسببه: مال حرام؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) المائدة/ 90" انتهى. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ بكر أبو زيد. " فتاوى اللجنة الدائمة " (15 / 205) . وينظر ضابط الميسر وزيادة بيان في المسألة: في جواب السؤال رقم: (6476) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109546 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 6001 حكم تأجير النادي لتقام فيه أعراس محرمة، والأكل من مال صاحبه، ونصيحة له [السُّؤَالُ] ـ[والدي عنده نادي خاص بالأفراح والمناسبات، وغالباً ما يؤجره لأفراح متبرجة، وأفراح إسلامية، وليس عنده أي شروط، ولا بنود، بالإضافة أن البنود والشروط عند الإيجار أن الدي جي وتصوير الفيديو مع تأجير النادي، وفي نيته تغير نشاط النادي قريباً؛ لأنه شبه مقتنع أن الأفراح هذه حرام؛ لما يوجد فيها من رقص، واختلاط، وعري، وأغاني غير مشروعة، وإزعاج بعض الجيران، ولكن المشكلة هو أن الدخل الذي يأتي من النادي يوفر حاجات البيت من مصاريف، وتجهيز الأولاد، وهذا ما يجعله يرجع عن همته في تغيير نشاط النادي؛ ولأنه ليس عنده أي دخل آخر مشروع. فالسؤال: هل دخل النادي بهذا النشاط حرام أم حلال؟ وما حكم الأكل منه؟ وأسألك أن تتفضل بتوجيه رسالة، ونصيحة لوالدي.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: للأسف صارت كثير من أفراح المسلمين الآن، تحتوى على معاصٍ كثيرة، كاختلاط الرجال بالنساء اختلاطاً مستهتراً، وتبرج النساء، وآلات المعازف والأغاني، وإزعاج الجيران بهذه الأصوات المحرمة، وتضييع الصلوات، وعدم الاهتمام بشأنها، وتصوير هذه الحفلات بالفيديو بما فيها من نساء متبرجات. والواجب على المسلمين أن يعظموا حرمات الله تعالى، وأن تكون طاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم أحب إليهم من كل شيء. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: "وأما تصوير المشهد – أي: الأعراس - بآلة التصوير: فلا يشك عاقل في قبحه، ولا يرضى عاقل فضلاً عن مؤمن أن تُلتقط صور محارمه من الأمهات، والبنات، والأخوات، والزوجات، وغيرهن لتكون سلعة تُعرض لكل واحد، أو ألعوبة يتمتع بالنظر إليها كل فاسق. وأقبح من ذلك: تصوير المشهد بواسطة الفيديو؛ لأنه يصوِّر المشهد حيّاً بالمرأى، والمسمع، وهو أمر ينكره كل ذي عقل سليم، ودين مستقيم، ولا يَتخيل أحدٌ أن يستبيحه مَن عنده حياء، وإيمان. وأما الرقص من النساء: فهو قبيح، لا نفتي بجوازه؛ لما بلغنا من الأحداث التي تقع بين النساء بسببه، وأما إن كان من الرجال: فهو أقبح، وهو من تشبه الرجال بالنساء، ولا يخفى ما فيه، وأما إن كان بين الرجال والنساء مختلطين، كما يفعله بعض السفهاء: فهو أعظم، وأقبح؛ لما فيه من الاختلاط، والفتنة العظيمة، لاسيما وأن المناسبة مناسبة نكاح، ونشوة عرس" انتهى. " فتاوى إسلامية " (3 / 186، 187) . ثانياً: لا يجوز لمسلم أن يبيع أو يؤجر ما يُعصى الله تعالى به، أو يُستعان به على معصية، لقول الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2. فإذا كان المالك يعلم أن المستأجر سيستعمل هذا النادي في معصية الله ـ كما هو الغالب ـ كانت الإجارة محرمة، وكانت الأجرة مالاً حراماً، لا يجوز له الانتفاع به، بل يجب عليه أن يتخلص منه، وينفقه في أوجه البر والخير. ينظر جواب السؤال رقم (103789) . وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: رجل عنده استراحة، وقد أجَّرها على أناس يستعملونها فيما حرم الله تعالى، ولم يشترط عليهم في العقد عدم استعمال ذلك، فما الحل؟ وإذا كان قد اشترط عليهم: فهل ينفسخ العقد ويحق له إخراجهم؟ وماذا عن قيمة الإيجار؟ . فأجاب: "إن كان يعلم، أو يغلب على ظنه أنهم سوف يستعملونها في معصية الله: فالعقد باطل، والأجرة ليست ملكاً له، وهم لا حق لهم بالانتفاع، وله أن يخرجهم فوراً. وإذا كان لا يغلب على ظنه ذلك، جاءه قوم استأجروها، ولكن صاروا يعصون الله فيها: فهذا يجب إنظارهم إلى مدتهم؛ لأن عقد الإجارة عقد لازم، لكن عليه أن ينصحهم، وينهاهم عن المنكر، والأجرة التي أخذها: حلال له؛ لأنه لم يؤجرهم إياها ليعصوا الله فيها، ولا علم بذلك، ولا غلب على ظنه، لكن إن شرط عليهم ألا يستعملوا ذلك واستعملوه: وجب عليه فسخ الإجارة وجوباً، وله ما سبق الفسخ من الأجرة" انتهى باختصار. " اللقاء الشهري " (39 / السؤال رقم 2) . وانظر جواب السؤال رقم (105341) . وأما بخصوص الأكل من مال أبيك، فقد سبق في جواب السؤال رقم (45018) . أن المال المحرم لكسبه كالفوائد الربوية أو المأخوذ أجرة على عمل محرم يكون محرماً على من اكتسبه فقط. أما من أخذه منه بطريق مباح كنفقة الأولاد والأهل، أو الهدية وغير ذلك فلا حرج عليه. وعلى هذا؛ فلا حرج عليك من الانتفاع بمال أبيك. لكن إن رأيت أن امتناعك من الانتفاع به سيجعل والدك يتوب من ذلك الفعل المحرم، وجب عليك ذلك. ثالثاً: رسالتنا لوالدك: اعلم يا عبد الله أن الدنيا فانية، وأنك لا شك ولا ريب ملاقٍ ربك، فماذا أنت قائل له، وأنت الذي تسببت في وجودٍ معاصٍ لا حصر لها، واكتسبت آثاماً عظيمة بتلك التأجيرات لذلك النادي الذي عُصي فيه الرب تعالى مرات ومرات؟! . وقد يكون كثيرٌ من هذه المعاصي له أثر مستمر، من حب وغرام، وفتنة بين زوجين، وصدٍّ عن هداية، وآثام هذه المعاصي والمنكرات تبقى في صحيفتك حتى بعد موتك طالما تلك المعاصي وآثارها موجودة. وقد وسَّع الله لك في الرزق الحلال، فلا حدَّ لما أباح الله تعالى من الأشياء ولا عد، فلم الدخول في مسالك الحرام، ولم السير على طريق الضلال، وأنت تعلم أن نهاية ذلك المسلك وذلك الطريق هو الإثم، والمعصية، والعذاب؟! فاتق الله تعالى واترك هذا العمل المحرَّم، واشكر نعمة الله عليك بما يحب الله ويرضى من الأفعال، ولا تؤجِّر هذا النادي لمن يستعمله بالحرام، وابحث عن طريقة يدر بها عليك دخلاً حلالاً طيباً يبارك له الله تعالى به. واعلم أن من ترك شيئاً لله عوَّضه الله خيراً منه، فستجد سعادة في قلبك، وانشراحاً في صدرك إذا تركت هذا العمل المحرَّم، وقد يعوضك الله حتى من المال الحلال ما هو خير مما كان يأتيك من الحرام. قال الله تبارك وتعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) الطلاق/2، 3 وقَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّكَ لَنْ تَدَعَ شَيْئًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا بَدَّلَكَ اللَّهُ بِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ مِنْهُ) رواه أحمد (22565) ، وصححه محققو مسند " أحمد بن حنبل " (38 / 170) . ونسأل الله تعالى أن يشرح صدرك لقبول الحق، وأن يوفقك لما فيه رضاه. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 109056 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 6002 يضم إنتاج أخيه إلى إنتاجه لتقوم الحكومة بتسويقه وهي لا تعلم [السُّؤَالُ] ـ[لي أرض أعطتني إياها الحكومة لأزرعها وتتولى الحكومة تسويق المنتجات، وحاليا تتولى الحكومة تسويق منتج التمر، ولي أخ طلب مني أن آخذ من إنتاج مزرعته الخاصة والموجودة في منطقة أخرى كي أقوم وأضم إنتاج مزرعته إلى إنتاجي كي تسوقه الحكومة، وطبعا هذا دون علم من الجهات المختصة بالتسويق. ما رأي فضيلتكم؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الظاهر من سؤالك أن الدولة إنما تسوق التمر لأصحاب هذه المشاريع من باب التشجيع والإعانة، ولا تفعل ذلك مع غيرهم، ولهذا فلا يجوز أن تأخذ من إنتاج أخيك لتعطيه الحكومة إلا إذا أعلمتهم بذلك؛ لأن هذا من الغش والكذب وأكل المال بالباطل، وكل ذلك محرم. والواجب أن تعان الحكومة على الأعمال النافعة التي تقوم بها، حتى تنجح تلك الأعمال، وتؤتي ثمارها، ويكون ذلك داعياً للحكومة أن تعمل أعمالاً نافعة أخرى. أما التحايل على الحكومة في مثل هذه الأعمال، فهو كذب وغش، وقد يؤدي في النهاية إلى إلغاء هذه الأعمال، فيكون هؤلاء المحتالون السبب في التضييق على الناس. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 107795 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 6003 حكم الاشتراك في موقع "أجلوكو"، وحكم المال المكتسب منهم [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم المشاركة في مواقع "أجلوكو" وهو برنامج ربح عن طريق الإنترنت، ويمكنكم فهم طريقة الربح بقراءة هذا الكلام: " كيف تربح، الربح ناتج عن قناتين: القناة الأولى: هي تشغيلك للفيوبار 10 دقائق يوميّاً، أي: 5 ساعات شهريّاً، وهذه هي الفترة التي حددتها "أجلوكو" حاليّاً، القناة الثانية: وهي الأكثر ربحاً: هي استضافتك لأكبر عدد ممكن من المشتركين، حيث تربح من كل مشترك استضفته مبلغ في حدود 30 دولاراً، هذا بالإضافة إلى الأرباح الشهرية التي تحددها "أجلوكو" لكل مشترك حيث إن "أجلوكو" تخصص 90 % من أرباحها لأعضائها الذين هم نحن، وبالتالي فإن كل عضو في "أجلوكو" بالتأكيد سيربح، ولو على أقل تقدير 500 دولاراً". هذا في حال استضاف عدداً قليلاً من المشتركين، أما إذا كان المشترك نشطاً: فإن أرباحه الشهرية لا حدود لها فقد تكون 5000 دولاراً، أو 10000 دولاراً، أو أكثر، حسب نشاطه، وعدد المشتركين الذين قدمهم لـ "أجلوكو". فما حكم هذا المال؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: إن المسلمَ عبدٌ لله تعالى، يعيش في هذه الدنيا ونصب عينيه أوامر ربه تعالى ليفعلها، ونواهيه عز وجل ليدع فعلها، ومن مقتضى العبودية: البُعد عن كل ما يسخطه تعالى من الأقوال والأفعال. وربنا تعالى خلق كل ما في الأرض للإنسان، وأباح له التنعم بما فيها من خيرات، وما حذَّره منه قليل في مقابل ما أباحه له. وقد أخبرنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أن العبد لا بدَّ وأنه مسئول يوم القيامة عن مالهِ من أين اكتسبه، وفيم أنفقه، ولذا فعلى العبد أن يعلم الكسب الحلال من الحرام، وأن يعلم مجالات الإنفاق المباحة من المحرمة؛ خشية أن يعرِّض نفسه لسخط ربه تعالى وعقابه. وقد جُبلت النفوس على حب المال، وزيِّن للناس حب الذهب والفضة، ولكن عبودية المسلم لربه تعالى تأبى أن يكون عبداً للدرهم والدينار، وتأبى أن يحرص على تحصيل هذه الزينة والشهوة على حساب غضب الله تعالى وسخطه. ثانياً: مما اشتهر في هذه الأيام الدعوة للكسب السريع الهيِّن عن طريق موقع عالمي مشهور، وكل ما يطلبه منك هذا الموقع تنزيل برنامج خفيف المحمل، قليل الحجم، وتضعه في جهازك؛ ليتم به أمران: الأول: أن تصبح بذلك عضواً في ذلك الموقع، فيتكثر بك أمام المواقع الأخرى، وأمام الشركات، وأصحاب البضائع. والثاني: أن تدخل من خلاله لمواقع عالمية مشهورة تختص بالبحث – مثل "جوجل" -، أو ببيع الكتب – مثل "أمازون" -، فإذا دخلتَ على تلك المواقع العالمية المشهورة من خلال ذلك البرنامج السهل الخفيف: ذهبت عمولة معينة – وهي 10 سنتات – لذلك الموقع صاحب ذلك البرنامج الخفيف. وهذا البرنامج عندما تنزله على جهازك فإنه يصبح ثابتاً في شاشة جهازك، وهو عبارة عن شريط تظهر فيه أسماء تلك المواقع العالمية المشهورة ليتم الدخول من خلاله لها، وتظهر فيه روابط إعلانية لشركات ومصانع ومؤسسات تسوق لبضائعها ومنتجاتها. وهذا الموقع العالمي الذي يطلب منك تنزيل ذلك البرنامج ليصبح شريطاً في أسفل شاشتك هو: "أجلوكو" (Agloco) ، وذاك البرنامج الشريط هو ما يسمى "الفيوبار". و"أجلوكو" هو اختصار جملة " المجتمع العالمي (A Global Community) ، وهي شبكة اقتصادية عالمية تم إنشاؤها في نوفمبر، سنة 2006 م. والشركات التي ترغب في الإعلان عن منتجاتها أو بضائعها أو مخترعاتها إنما تبحث عن المواقع التي يقصدها أكبر عددٍ من المتصفحين، ولذلك تتنافس المواقع في جذب أكبر عددٍ منهم ليتم من خلال ذلك العدد جذب الشركات ومواقع الإعلان لهم. وقد رأى أصحاب ذلك الموقع أن خير طريقة لجذب المتصفحين له هو وعدهم بأن يكون لهم نصيبٌ من الأرباح المجناة من تلك الشركات المعلنة عندهم، وهي تقول لمتصفحيها نحن نتكثر بكم، ونفيدكم بما نكسبه، ويعد أصحاب الموقع الأعضاء النشيطين بمزيد من الأرباح الشهرية، وذلك في حال نجاحهم بجذب متصفحين غيرهم، ينزلون ذلك البرنامج عندهم على أجهزتهم. وهنا أمران مهمان لا بدَّ من الإشارة لهما: الأول: أن الموقع "أجلوكو" لا يستوفي مبلغاً مقابل الاشتراك معهم. والثاني: أنه لا يُلزم بالدخول على الصفحات التي تظهر روابطها على شريطهم. هذا هو ملخص وخلاصة المسألة الوارد ذِكرها في السؤال، وأما حكمه من ناحية الشرع: فالذي يظهر لنا هو عدم جواز الاشتراك معهم للأسباب التالية: الأول: أن المشترك معهم سيكون جزءً من هذا الموقع العالمي، بل قد يكون من أصحاب الأسهم – حيث وعدوا بإعطاء أرباح مكونة من مال وأسهم في الموقع -، ولا شك أن هذا الموقع سيحمل في طياته كثيراً من المخالفات الشرعية، مكتوباً، ومسموعاً، ومرئيّاً، فهم ليسوا من المسلمين الذين يعبدون الله، بل هم من عبيد الشهوات، وعبيد اليورو والدولار. والثاني: أن الاشتراك معهم سيكون سبباً في إيصال روابط لمواقع وشركات تشتمل على المحرمات والمنكرات، فهناك مواقع إباحية فاسدة، وهناك مواقع للموسيقى والغناء، ومواقع للبورصات العالمية، والبنوك الربوية، ومواقع تعارف بين الجنسين، وصور، وأفلام فيها من الحرام الشيء الكثير، وكل ذلك ستظهر روابطه على جهازك، وإذا ضمن المسلم نفسه بعدم الدخول: فإنه لا يضمن غيره ممن يستعمل جهازه، مع أن الأصل أن اشتراكه في ذلك الموقع هو الذي دفع شركات الإعلان والمواقع ذات المحرمات والمنكرات للإعلان في موقع "أجلوكو"، وبالتالي وصلت الإعلانات – بما فيها من منكرات – لجهازك. والعجيب أن ذلك البرنامج المسمى "الفيوبار" سيتعرف على ميول المتصفح بحسب المواقع التي يزورها، ومن ثم فإنه سيرسل لك روابط إعلانات تتوافق مع رغبتك، فلو كان المتصفح يدخل مواقع الغناء: فإنه ستأتيه روابط إعلانية لمواقع غنائية، وموسيقى، وهكذا لو دخل أحد المتصفحين موقعاً فاجراً يحوي صوراً وأفلاماً: فإنه ستأتيه روابط إعلانية تتوافق مع ما يدخله من تلك المواقع الفاسدة. ولذلك: فإننا نرى حرمة الاشتراك في ذلك الموقع المسمى "أجلوكو"؛ لما يتسببه الاشتراك معهم في تقويته أمام شركات الإعلانات، وأمام الشركات والمواقع الراغبة في الإعلان؛ ولما يتسببه الاشتراك معهم في وصول إعلانات لمواقع تحوي المنكرات والمحرَّمات. ونحذِّر المسلمين من الاغترار بدعايتهم بالكسب السريع، والحلال! ونحذِّرهم مما ينشرونه في دعايتهم من فتوى للشيخ الدكتور سامي السويلم حفظه الله، فهي لا علاقة لها بحقيقة عملهم، وفتواه حفظه الله كانت في مواقع تقدم عمولات مقابل تصفح الإعلانات لديها، وفي الفتوى ذاتها قوله حفظه الله: " وهذا النوع لا حرج فيه - إن شاء الله - بشرط أن تكون الإعلانات بعيدة عن المحاذير الشرعية، ولا تتضمن الدعاية لمحرم، أو منكر "! وأنَّى لموقع "أجلوكو" أن يمنع تلك المحرمات، والمنكرات من وجودها على أجهزة مشتركيه؟! وأخيراً نقول: إن الله تعالى وسَّع لنا أبواب الرزق الحلال، وأكثر لنا من طرقه وسبُله، والمال الحلال يبارك الله تعالى فيه وإن كان قليلاً، والمال الحرام يمحقه ولو كان كثيراً. ونسأل الله تعالى أن يغنينا بحلاله عن حرامه، وبفضله عمن سواه. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106669 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 6004 اتفاق الطبيب مع معمل تحاليل ليحيل المرضى إليه مقابل نسبة من الأجرة [السُّؤَالُ] ـ[يتعامل كثير من الأطباء في العيادات الخاصة مع أصحاب المختبرات للتحاليل الطبية كالآتي: يحول الطبيب مرضاه المطلوب لهم إجراء تحاليل طبية إلى مختبر خاص معين، وهناك اتفاق مسبق بين الطبيب وصاحب المختبر على أن تكون للطبيب نسبة معينة تصل في بعض الأحيان إلى 50% من قيمة أجرة التحاليل التي يتقاضاها صاحب المختبر من المريض، وهي قيمة محددة بتسعيرة ثابتة من قبل وزارة الصحة، وليس لصاحب المختبر أن يتجاوزها وهو لا يتجاوزها فعلاً، وإنما يدفع هذه النسبة للطبيب من حقه الخاص الذي يتقاضاه كأجرة من المريض، ولا يتأثر المريض في هذه الحالة، لأن صاحب المختبر هو الذي تنازل عن حقه في جزء من الأجرة. 1-فهل على صاحب المختبر من إثم أو حرمة في هذا؟ 2-وإذا طلب الطبيب تحاليل غير لازمة للمريض ليزيد نسبته دون علم صاحب المختبر ودون اتفاق مسبق على هذا بل إن صاحب المختبر يبرأ إلى الله من هذا، وهو لا يعلم ما في نفس الطبيب، إنما يقوم بإجراء التحاليل المطلوبة من قبل الطبيب باعتباره يطلب التحاليل اللازمة للمريض فقط، ويؤدي عمله بإخلاص ودقة، فهل على صاحب المختبر من حرمة في هذا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله "أولاً: إذا كان الواقع كما ذكر من الاتفاق السابق بين الطبيب في عيادته الخاصة وصاحب المختبر على أن يكون له نسبة من أجرة التحليل ـ فذلك غير جائز للطرفين؛ لما فيه من الأثرة والتحجير على أصحاب المختبرات الأخرى، إلا إذا كان صاحب هذا المختبر له امتياز على غيره من جهة الصدق والأمانة والتفوق في التحليل، فيجوز تخصيصه بالتحويل عليه؛ لما في ذلك من مزيد مصلحة للمريض وإعانة للطبيب على إحكام العلاج، لكن لا يجوز للطبيب أن يأخذ نسبة من أجرة التحليل؛ لأنه أَخْذُ مال في غير مقابل. ثانياً: إذا علم صاحب المختبر أن الطبيب طلب تحاليل غير لازمة للمريض ليزيد فيما يأخذه من النسبة لم يجز له أن يقوم بعمل هذه التحاليل؛ لما في ذلك من التعاون معه على غش المريض وأكل ماله بالباطل، وعليه أن ينصح للطبيب عسى أن يتوب عن ذلك، وتسلم الأطراف الثلاثة، أما إذا لم يعلم صاحب المختبر بذلك فلا إثم عليه في القيام بتلك التحاليل. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن قعود ... "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (24/432) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106421 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 6005 اكتسب مالاً عن طريق مساهمة محرمة فكيف يتخلص منه؟ [السُّؤَالُ] ـ[اكتتبت في شركة من الشركات غير المجازة شرعا، وأرغب في الخروج برأس المال فكيف التخلص من الأرباح؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المال المكتسب عن طريق الاستثمار في الأسهم المحرمة، أو عن طريق البنوك الربوية، يجب التخلص منه بإنفاقه في أوجه البر المختلفة، فيعطى للفقراء والمساكين أو ينفق في مصالح المسلمين العامة كبناء مستشفى أو مدرسة أو تعبيد طريق، أو يعطي منه طلبة العلم ونحو ذلك. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما حكم المساهمة في الشركات والبنوك؟ وهل يجوز للشخص المكتتب في شركة أو بنك أن يبيع الأسهم الخاصة بعد الاكتتاب على مكاتب بيع وشراء الأسهم، ومن المحتمل بيعها بزيادة عن قيمة ما اكتتب به الشخص؟ وما حكم الفائدة التي يأخذها المكتتب كل سنة عن قيمة أسهمه المكتتب فيها؟ فأجابوا: "المساهمة في البنوك أو الشركات التي تتعامل بالربا لا تجوز، وإذا أراد المكتتب أن يتخلص من مساهمته الربوية فيبيع أسهمه بما تساوي في السوق ويأخذ رأس ماله الأصلي فقط، والباقي ينفقه في وجوه البر، ولا يحل له أن يأخذ شيئاً من فوائد أسهمه أو أرباحها الربوية، أما إن كانت المساهمة في شركة لا تتعامل بالربا فأرباحها حلال " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/508) . وجاء فيها أيضا (14/299) : " الأصل إباحة المساهمة في أي شركة إذا كانت لا تتعامل بمحرم من ربا وغيره، أما إذا كانت تتعامل بمحرم كالربا فإنها لا تجوز المساهمة فيها، وعليه؛ فإن كان شيء من المساهمات المذكورة في شركة تتعامل بالربا أو غيره من المحرمات فيجب سحبها منها والتخلص من الربح بدفعه للفقراء والمساكين" انتهى. عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد الله بن غديان ... عبد العزيز آل الشيخ ... صالح الفوزان ... بكر أبو زيد. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106510 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 6006 يعمل محاسبا ووجد عنده زيادة في المال فكيف يتصرف فيها؟ [السُّؤَالُ] ـ[أعمل محاسب وفي بعض الأحيان يحصل عندي زيادة في المال لا أعرف ماذا أفعل بها لأني لو ذهبت به إلى مسئولي سيقول خذه لك، لأني لو أخبرت الإدارة سيقال: إني سارق وستحصل مشاكل.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الظاهر أن هذه الزيادة لا تنشأ إلا عن خطأ في الحساب، وأنها مستحقة للغير، إما لجهة العمل أو غيرها، ولهذا يجب أن تتحرى الدقة في عملك، وأن تفتش في حساباتك الماضية لتعرف المستحق لهذا المال، فإن لم يتبين لك الأمر فاحتفظ به مدة، رجاء أن يتضح لك، ثم إن كان إخبار الإدارة يترتب عليه مفسدة واضحة، مع جزمك بأن المال ليس للإدارة، فلا يلزمك إخبارها، وإنما تتصدق بالمال على نية صاحبه، فإن علمته يوما من الدهر، خَيَّرته بين إمضاء الصدقة، ويكون ثوابها له، أو دفع ماله إليه، ويكون الثواب لك. وإن كان المال للشركة، لزمك رده إليها، وإدخاله في حسابها بأي وسيلة ممكنة، ولا يشترط إخبار الإدارة بذلك. قال في "مطالب أولي النهى" (4/65) : " قال الشيخ تقي الدين: إذا كان بيد الإنسان غصوب أو عواري أو ودائع أو رهون قد يئس من معرفة أصحابها ; فالصواب أنه يتصدق بها عنهم , فإنَّ حَبْسَ المالِ دائما لمن لا يُرجى، لا فائدة فيه , بل هو تعريض لهلاك المال واستيلاء الظلمة عليه , وكان عبد الله بن مسعود قد اشترى جارية , فدخل بيته ليأتي بالثمن فخرج فلم يجد البائع فجعل يطوف على المساكين ويتصدق عليهم بالثمن , ويقول: اللهم عن رب الجارية. وكذلك أفتى بعض التابعين , من غَلَّ (أي: سرق) من الغنيمة , وتاب بعد تفرقهم أن يتصدق بذلك عنهم , ورضي بهذه الفتيا الصحابة والتابعون الذين بلغتهم كمعاوية وغيره من أهل الشام" انتهى. وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (15/406) فيمن عنده أمانة لغيره وقد غاب صاحبها سنوات، ولا يعلم له عنواناً ولا وارثاً، ويظن أنه قد مات: "إذا كان الواقع كما ذكر فإن شئت فاحفظه واجتهد في التعرف على الرجل المذكور، وإن شئت فتصدق بالمبلغ الموجود لديك على الفقراء، أو ادفعه في مشروع خيري بنية أن يكون ثوابه لصاحبه، فإن جاءك بعدُ صاحبه أو وارثه فأخبره بالواقع، فإن رضي فبها، وإلا فادفع له المبلغ، ولك الأجر إن شاء الله" انتهى. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 106244 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 6007 اكتسب مالا من الميسر فكيف يتخلص منه؟ [السُّؤَالُ] ـ[حصلت على مبلغ ألف ريال في إحدى المسابقات التلفزيونية من خلال خدمة 700 وأرغب في التخلص من هذا المبلغ فما أجه الخلاص منه؟ وهل يجوز أن أتصدق به؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المسابقات التي تجري عن طريق الاتصال برقم 700 وفيها يدفع المتصل مبلغا هو ثمن الاتصال، على أمل أن يربح بجائزة، هذه المسابقات نوع من القمار والميسر، وقد قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) المائدة/90، وحقيقة الميسر هي دفع المال على سبيل المخاطرة، فإما أن يخسر ماله، وإما أن يربح الجائزة. قال الماوردي رحمه الله عن الميسر: " هو الذي لا يخلو الداخل فيه من أن يكون غانماً إن أخذ، أو غارماً إن أعطى " انتهى من "الحاوي الكبير" (15/192) . ولا يستثنى من ذلك إلا ما أجازه الشرع من المسابقة بالإبل والخيل والسهام، وما يلحق بذلك مما يعين على الجهاد في سبيل الله ونشر الإسلام. والواجب على من وقع في هذا أن يتوب إلى الله تعالى، وأن يتخلص من المال الذي اكتسبه بالميسر بإنفاقه في أوجه البر، وذلك بإعطائه للفقراء والمساكين أو صرفه في المصالح العامة، كالمدارس ودور التحفيظ وغير ذلك مما يعود نفعه على المسلمين. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105939 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 6008 إثم الاعتداء على ملك الغير وحكم الصلاة في الأرض المغصوبة [السُّؤَالُ] ـ[قضية تؤرقني كثيرا ومنذ أمد بعيد، والدي وأخوه لهما أرضان متجاورتان، سكن والدي ولم يسكن عمي، بقيت أرض عمي بياضا لم تسكن، بدأ الوالد يزحف شيئا فشيئا على أجزاء من أرض أخيه، توفي العم وبقي الوالد ولله الحمد بصحة وعافية، ولكن ما زال يتوسع في الأخذ من أرض العم، أبناء العم الذين هم الورثة سكتوا ولم يُبْدوا أي شيء. يغضب الوالد غضبا شديدا عندما أكلمه بهذا الموضوع لأني أحاول به أن يتخلص منها بشراء أو برجوع عنها، ولا يرضى بهذا البتة، مازلت أسكن مع الوالد بهذه الأرض سؤالي هو: هل يأثم الوالد بفعله هذا وهل يعتبر متعديا على حقوق الغير؟ هل لمثل هذه الأرض أثر على قبول العبادة التي تؤدى عليها كالصلاة ونحوها؟ هل آثم لو جاريت الوالد بالسكنى فيها على ما فيها من شبهةٍ؟ وما هو التصرف الصحيح في مثل هذه الحالة؟ علما بأن بداية هذه المشكلة قديمة؟ وهل سكوت صاحب الحق يفهم منه أنه قد سامح بذلك؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولا: لا يجوز الاعتداء على حق الغير، أرضا كانت أو غيرها، لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) النساء/29. ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه) رواه أحمد (20172) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1459) . وقد جاء في شأن الأرض وعيد شديد لمن اقتطع منها شيئا بغير حق، فقد روى البخاري (3198) ومسلم (1610) واللفظ له عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ ظُلْمًا طَوَّقَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ) . وروى أحمد عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (أَيُّمَا رَجُلٍ ظَلَمَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ كَلَّفَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَحْفِرَهُ حَتَّى يَبْلُغَ آخِرَ سَبْعِ أَرَضِينَ، ثُمَّ يُطَوَّقَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (240) . وروى مسلم (1978) عن عَلِيٌّ رضي الله عنه قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَعَنَ اللَّهُ مَنْ سَرَقَ مَنَارَ الْأَرْضِ) . ومنار الأرض: علاماتها وحدودها. فالواجب على أبيك أن يتوب إلى الله تعالى، وأن يرد الحق إلى أهله، وسكوت الورثة عن فعله لا يعني رضاهم به، لكن لعلهم يراعون حق القرابة، ولا يريدون إثارة المشاكل. وينبغي أن تستمر في نصحه وتذكيره، ولو استعنت ببعض أهل الخير والصلاح كان حسنا، كأن تشير على خطيب الجامع أن يتكلم على الظلم وأكل المال بالباطل ويشير إلى الاعتداء على أرض الغير، فإن هذا المنكر مما تساهل فيه بعض الناس. ثانيا: الأرض المغصوبة لا يحل البقاء فيها، ويلزم الخروج منها، والصلاة عليها محل خلاف بين أهل العلم، فمنهم من يرى عدم صحتها كما هو مذهب الحنابلة، ومنهم من يرى صحتها مع الإثم، وهو مذهب الجمهور. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ولا أعلم دليلاً أثريّاً يدلُّ على عدم صحَّة الصَّلاة في الأرض المغصوبة، لكن القائلين بذلك علَّلوا بأن الإنسان منهيٌّ عن المقام في هذا المكان؛ لأنه مُلْك غيره، فإذا صَلَّى فصلاتُه منهيٌّ عنها؛ والصَّلاة المنهيُّ عنها لا تصحُّ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عَمِلَ عملاً ليس عليه أمرُنا فهو رَدٌّ) ولأنها مضادَّة للتعبُّد، فكيف يُتعبَّد لله بمعصيته؟ " انتهى من "الشرح الممتع" (2/248) . ثالثا: لا يجوز أن تجاري والدك في السكنى على ما غصب من الأرض، بل لا يجوز أن تطيعه لو أمرك بذلك؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وأما الجزء المملوك لوالدك فلا حرج عليك ولا عليه في سكناه والانتفاع به. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105529 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 6009 موظفون يأخذون " بدل تفرغ " على أعمال لا يقومون بها [السُّؤَالُ] ـ[نحن أطباء وفنيون نعمل ببعض الإدارات الصحية حيث نمارس أعمالاً إدارية ومكتبية بعيدة كل البعد عن تخصصاتنا الأساسية، وبعض الموظفين يرغبون في العمل الإداري تهرباً من العمل الفني، علماً بأن نظام اللائحة الصحية منحونا بدل تفرغ بشرط أن نباشر أعمالنا الأساسية (طبيب، فني، ممرض، إلخ) ، والآن نحن نعمل بالأعمال المكتبية والإدارية لمدة 8 ساعات باليوم، متعللين بنقص الإداريين علماً بأن الجهات الرقابية طلبت منَّا العودة إلى تخصصاتنا الأصلية، وإعادة تأهيلنا، أو التنازل عن بدل التفرغ، إلا أن الكثير من الموظفين ما يزالون يعملون بأعمال إدارية ولم يرجعوا لأعمالهم الأساسية، ولم يتنازلوا عن بدل التفرغ. فهل بدل التفرغ الذي نحصل عليه يعتبر حراماً، أم حلالاً؟ وإذا كان حراماً هل نعيد المبالغ التي حصلنا عليها مسبقاً؟ أو نتصدق بها؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله الواجب على الموظفين أداء أعمالهم بإتقان وإحسان، والالتزام باللوائح التي تنظم عملهم، من حيث وقته، ومكانه، وطبيعته، ولا يجوز للموظف أن يتخلف عن ذلك، وإلا كان مفرطاً في الأمانة، وآكلاً للسحت. قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: "أما الموظفون الذين لا يؤدون أعمالهم، أو لا ينصحون فيها: فقد سمعتم أن مِن خصال الإيمان: أداء الأمانة، ورعايتها، كما قال الله سبحانه وتعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) النساء/ 58، فالأمانة مِن أعظم خصال الإيمان، والخيانة مِن أعظم خصال النفاق، كما قال الله سبحانه في وصف المؤمنين: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) المؤمنون/ 8، وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) الأنفال/ 27. فالواجب على الموظف أن يؤدي الأمانة بصدق، وإخلاص، وعناية , وحفظاً للوقت، حتى تبرأ الذمة، ويطيب الكسب، ويُرضي ربه، وينصح لدولته في هذا الأمر، أو للشركة التي هو فيها، أو لأي جهة يعمل فيها , هذا هو الواجب على الموظف أن يتقي الله، وأن يؤدي الأمانة بغاية الإتقان، وغاية النصح، يرجو ثواب الله ويخشى عقابه، ويعمل بقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) النساء/ 58. ومن خصال أهل النفاق: الخيانة في الأمانات، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان) متفق عليه , فلا يجوز للمسلم أن يتشبه بأهل النفاق، بل يجب عليه أن يبتعد عن صفاتهم، وأن يحافظ على أمانته، وأن يؤدي عمله بغاية العناية، ويحفظ وقته، ولو تساهل رئيسه، ولو لم يأمره رئيسه، فلا يقعد عن العمل، أو يتساهل فيه، بل ينبغي أن يجتهد حتى يكون خيراً من رئيسه في أداء العمل، والنصح في الأمانة، وحتى يكون قدوة حسنة لغيره" انتهى. " فتاوى الشيخ ابن باز " (5 / 39، 40) . وحتى يطيب كسبكم لا بدَّ من الالتزام بطبيعة وأوقات العمل الذي طُلب منكم، وإلا كان كسبكم حراماً، فتحديد طبيعة العمل، وأوقاته لا يرجع للموظف نفسه، وإلا لمشى الناس على أهوائهم، ولدبَّت الفوضى في قطاعات الأعمال جميعها. ومن لم يلتزم بطبيعة العمل الذي طُلب منه، أو لم يلتزم بالساعات المطلوبة: فإنه يكتسب إثماً، ويكسب حراماً. سئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: شخص انتدب في مهمة، ولمدة معينة، وقضى أكثرها في هذه المهمة الموكلة له مع بقية زملائه، وبقي يوم أو يومان، وقال المسئول عن هذه المهمة للمنتدبين: هذا اليوم تنتهي المهمة وغداً الذي يرغب المغادرة إلى أهله بإمكانه أن يرجع، فهل يصح أن يأخذ قيمة انتداب هذا اليوم أو اليومين اللذين لم يجلس فيهما للمهمة؟ . فأجاب: "لا يجوز أن يأخذ من قيمة الانتداب إلا بمقدار الأيام التي كان يعمل فيها، أما الأيام التي تركها ورجع إلى أهله: فلا يجوز له أن يأخذ عنها شيئاً؛ لأنه في غير مقابل، وإذن المسئول له بالرجوع إلى أهله لا يسوغ له الأخذ عن الأيام التي تركها؛ لأنه لما رجع انقطع انتدابه، نعم، يعتبر يوم الذهاب، ويوم الرجوع، إذا كان المكان بعيداً" انتهى. " المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (السؤال رقم 327) . وسئل حفظه الله: الأعذار التي يقدمها الموظف لرئيسه قد تكون في أكثر الأحيان كذباً، ما رأي فضيلتكم؟ . فأجاب: "الواجب على المسلم أن يتقي الله، ويترك الكذب، والحيل التي يتذرع بها إلى ترك العمل الوظيفي الذي وكِّل إليه في مقابل راتب يتقاضاه، وعلى المسئولين عن دوام الموظفين من رؤساء الدوائر أن يتقوا الله، ويدققوا في الإجازات التي يمنحونها لموظفيهم بأن تكون جارية على المنهج الصحيح، والنظام الوظيفي، وأن يسدوا الطريق على المحتالين والمتلاعبين؛ لأن هذه أمانة في أعناق الجميع، يُسألون عنها أمام الله سبحانه وتعالى" انتهى. " المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (السؤال رقم 328) . ومن اكتسب إثماً جراء إخلاله بواجبه الوظيفي: فعليه التوبة والاستغفار، وإصلاح حاله، وما كسبه من مال منهم: فالواجب عليه إرجاعه لأصحاب العمل أو المؤسسة التي يعمل بها، وليختر ما يناسب من طرق ترفع عنه الحرج، وتوصل الحق لأهله، ومن عجز عن ذلك بعد بذل الأسباب: فعليه أن يتخلص من هذا المال ببذله في وجوه الخير المختلفة. سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: انتدبت أنا وزميلي إلى إحدى المناطق لمدة أربعة أيام، إلا أنني لم أذهب مع زميلي، وبقيت على رأس عملي، وبعد فترة استلمت ذلك الانتداب، فهل يجوز لي استهلاكه أم لا؟ وإذا كان لا يحل لي أخذه فهل يجوز صرفه في مستلزمات المكتب الذي أعمل فيه؟ فأجاب: "الواجب عليك رده؛ لأنك لا تستحقه، لعدم قيامك بالانتداب، فإن لم يتيسر ذلك: وجب صرفه في بعض جهات الخير، كالصدقة على الفقراء، والمساهمة به في بعض المشاريع الخيرية، مع التوبة، والاستغفار، والحذر من العودة إلى مثل ذلك" انتهى. " فتاوى الشيخ ابن باز " (19 / 343) . وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: أنا موظف حكومي ويتطلب العمل مني أحياناً عمل إضافي , وقد قامت الدائرة التي أعمل فيها بتعميدي أنا وبعض وزملائي في العمل خارج وقت الدوام الرسمي، ولمدة (45) يوماً , وقد كنت حريصاً على أن أحضر مع زملائي في العمل , ولكنهم لم يعلموني بذلك , ولما سألت أحدهم قال لي: لم يأت دورك بعد , حتى انتهت المدة المحددة , وصرف المبلغ لذلك العمل لي، ولزملائي , وإنني في حيرة من أمري في هذا المبلغ، أهو حلال أم حرام , علماً أن رئيسي في العمل المباشر ورئيس الدائرة راضون عني في العمل , حيث إنني في نظرهم موظف نشيط، وقد يكون هذا المبلغ مكافأة لي على حرصي، وعلى حسن عملي , حيث إن راتبي قليل , وإذا لم يكن هذا المبلغ حلالاً فماذا أعمل به؟ . فأجاب: "هذا السؤال يقع كثيراً , وأنا أسألكم الآن: هل هذا حق أو باطل؟ بمعنى: هل هذه المكافأة التي حصلت للإنسان على عمل معين هل قام بهذا العمل أم لا؟ لم يقم بالعمل , إذا لم يقم بالعمل: صار أخذ المال بغير حق , وأخذ المال بغير حق هو أكل المال بالباطل تماماً , مع ما في ذلك من خيانة للأمانة , حتى ولو وافق الرئيس المباشر على مثل هذا العمل فهو خائن , والمال ليس ماله - أعني الرئيس المباشر - حتى يتصرف به كيف يشاء , المال مال الدولة، وهذا الرجل السائل أعتقد أنه قد تاب مما صنع , وأنه يريد الخلاص , والخلاص لا أقول يرده إلى الدائرة؛ لأنه ستكون هناك مشاكل , إلا إذا علم أنه إذا رده إلى الدائرة صارت المحاكمة على رئيسه , فهذا لا بأس , أنا أحب أن مثل هؤلاء الرؤساء الذين يعملون مثل هذه الأعمال أنه يبين أمرهم حتى يتخذ أمامهم الإجراءات اللازمة , أما التلاعب: فلا يجوز؛ فهذه أمانة. فأقول لهذا الأخ: اجعل الدراهم هذه في مسجد؛ لأن المسجد مما يلزم الدولة بناؤه , أو ما أشبه ذلك من مصالح المسلمين , وتبرأ بذلك ذمته , وإنني بهذه المناسبة: أحذر الرؤساء، والمدراء الذين يعملون مثل هذا العمل , وأقول: اتقوا الله فيما وليتم عليه , واتقوا الله أيضاً فيمن تحت أيديكم من الموظفين , لا تطعموهم ما لا يحل لهم , ولا تخونوا الدولة بأن تعطوا من لا يستحق" انتهى. " لقاءات الباب المفتوح " (114 / السؤال 15) . فالواجب عليكم التوبة من الفعل، ورد المال لأهله، فإن عجزتم فيلزمكم الصدقة به في وجوه الخير. وانظر جواب السؤال رقم: (46645) . والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 105403 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 6010 المتسولون، مَن يُعطى منهم، ومَن يُمنع؟ [السُّؤَالُ] ـ[كثر موضوع المتسولين، وخاصة الأطفال، ويلجأ معظمهم إلى بعض الحيل حتى تعطيهم المال، مثلاً: يدَّعي بعضهم أنه أعمى ولا يرى، مع أن عينيه سليمتان، وهكذا، كيف أتعامل معهم؟ هل أعطيهم مالاً أم ماذا؟ مع العلم أني لا أعرف هل هم صادقون أم لا؟ ولا يمكنني التأكد هل هم فعلا يحتاجون إلى المال أم يلجئون إلى الحيل لجمع المال، وإذا ساعدت من هم محتالون - وأنا لا أعرف ذلك - هل آخذ ذنباً؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا يجوز لأحدٍ أن يسأل الناس مالاً وهو غير محتاج، أو وهو قادر على التكسب، وقد أبيح لأصنافٍ أن يسأل الرجلُ منهم الناس، وهم: الفقير المُعدم، ورجل تحمل ديْناً، ورجل أصابته جائحة في ماله، وفي كل تلك الأحوال: لا يجوز السؤال بأكثر من الحاجة، وبشرط عدم وجود ما يملكه لدفع حاجته، وعدم قدرته على التكسب لقوام معيشته. قال علماء اللجنة الدائمة: يجوز سؤال الناس شيئاً من المال للمحتاج الذي لا يجد ما يكفيه، ولا يقدر على التكسب، فيسأل الناس مقدار ما يسد حاجته فقط، وأما غير المحتاج، أو المحتاج الذي يقدر على التكسب: فلا يجوز له المسألة، وما يأخذه من الناس في هذه الحالة حرام عليه؛ لحديث قبيصة بن مخارق الهلالي رضي الله عنه قال: تحملتُ حمالة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله فيها، فقال: (أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها) ثم قال: (يا قبيصة، إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش - أو قال: سدادا من عيش - ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه: لقد أصابت فلانا فاقة، فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش - أو قال: سداداً من عيش - فما سواهن من المسألة يا قبيصة فسحت يأكلها صاحبها سحتاً) رواه أحمد، ومسلم، والنسائي، وأبو داود؛ وحديث: (من سأل الناس تكثراً فإنما يسأل جمراً) ؛ وحديث: (إن الصدقة لا تحل لغني ولا لذي مرة سوي) رواه الخمسة إلا ابن ماجه والنسائي. والواجب: مناصحته، وعلى العلماء بيان هذا للناس في خطب الجمعة وغيرها، وفي وسائل الإعلام، ونهر السائل المنهي عنه في قوله تعالى: (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) الضحى/ 10 المراد به: زجره ورفع الصوت عليه، وهو يشمل السائل للمال، والسائل عن الأحكام الشرعية، لكن هذا لا يمنع إرشاد السائل المخطئ في سؤاله، ومناصحته بالحكمة والموعظة الحسنة. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ عبد العزيز آل شيخ، الشيخ بكر أبو زيد. " فتاوى اللجنة الدائمة " (24 / 377) . وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله –: ما حكم الدين في التسول؟ . فذكر حديث قبيصة السابق، ثم قال: " فهذا الحديث قد أوضح فيه النبي صلى الله عليه وسلم أنواع المسألة المباحة، وأن ما سواها محرم، فمن كان عنده ما يسد حاجته من راتب وظيفة، أو تجارة، أو غلة وقف، أو عقار، أو كسب يدوي من نجارة، أو حدادة، أو زراعة، أو نحو ذلك: حرمت عليه المسألة. أما من اضطر إليها: فلا حرج عليه أن يسأل بقدر الحاجة، وهكذا من تحمل حمالة لإصلاح ذات البين، أو النفقة على أهله وأولاده، فلا حرج عليه أن يسأل لسد الغرامة. " مجموع فتاوى ابن باز " (14 / 320) . ثانياً: ما نراه كثيراً في الشارع، أو في المساجد من متسولين يسألون الناس أموالهم: ليسوا جميعاً محتاجين على الحقيقة، بل قد ثبت غنى بعضهم، وثبت وجود عصابات تقوم على استغلال أولئك الأطفال للقيام بطلب المال من الناس، ولا يعني هذا عدم وجود مستحق على الحقيقة، ولذا نرى لمن أراد أن يعطي مالاً لأحد هؤلاء أن يتفرس فيه ليرى صدقه من عدمه، والأفضل في كل الأحوال تحويل هؤلاء على لجان الزكاة والصدقات لتقوم بعملها من التحري عن أحوالهم، ومتابعة شئونهم حتى بعد إعطائهم. فمن علمتَه أنه ليس بحاجة، أو غلب على ظنك هذا: فلا تعطه، وإذا علمتَ أنه بحاجة، أو غلب على ظنك هذا: فأعطه إن شئت، ومن استوى عندك أمره: فلك أن تعطيه، ولك أن تمنعه. ومن أعطى أحداً ممن يجوز له إعطاؤه ظانّاً أنه محتاج: فله الأجر على صدقته تلك، حتى لو تبين فيما بعد أنه غير محتاج، وحتى لو كان المال المُعطى له زكاة مال فإنها تجزئه ولا يُلزم بتكرار أدائها. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (قَالَ رَجُلٌ لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ سَارِقٍ فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ تُصُدِّقَ عَلَى سَارِقٍ فَقَالَ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ زَانِيَةٍ فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى زَانِيَةٍ فَقَالَ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى زَانِيَةٍ لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ غَنِيٍّ فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ تُصُدِّقَ عَلَى غَنِيٍّ فَقَالَ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى سَارِقٍ وَعَلَى زَانِيَةٍ وَعَلَى غَنِيٍّ فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ أَمَّا صَدَقَتُكَ عَلَى سَارِقٍ فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعِفَّ عَنْ سَرِقَتِهِ وَأَمَّا الزَّانِيَةُ فَلَعَلَّهَا أَنْ تَسْتَعِفَّ عَنْ زِنَاهَا وَأَمَّا الْغَنِيُّ فَلَعَلَّهُ يَعْتَبِرُ فَيُنْفِقُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ) . رواه البخاري (1355) ومسلم (1022) . قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله –: إذا غلب على ظن الإنسان أنَّ الذي أعطاه مستحق للزكاة: أجزأه، سواء كان متسولاً، أو كانت هيئته هيئة الفقير: فإنه يجزئه؛ حتى لو بان بعد ذلك أنه غني، فإنه يجزئ، ولهذا لما تصدق الرجل على غني وأصبح الناس يتحدثون: تُصدق الليلة على غني، قيل لهذا المتصدق الذي ندم على تصدقه على الغني: " أما صدقتك فقد قبلت "، والله عز وجل لا يكلف نفساً إلا وسعها، لا يلزمنا أن نبحث عن الإنسان حتى نصل إلى حد اليقين، هذا شيء متعذر، أو متعسر، إذا غلب على ظنك أن هذا من أهل الزكاة: فأعطه، وإذا تبين أنه ليس من أهلها: فزكاتك مقبولة، والحمد لله. " اللقاء الشهري " (71 / السؤال رقم 9) . وانظر أجوبة الأسئلة: (5154) و (46241) . [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 104781 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 6011 جاءته رسالة تفيد بأنه حصل على جائزة ويطلب منه دفع تكلفة نقلها إليه! [السُّؤَالُ] ـ[أنا من مستعملي الإنترنت منذ مدة وقد تلقيت مؤخرا رسالة إلكترونية من منظمة دولية مختصة في تطوير خدمة البريد الإلكتروني عبر الإنترنت أخبروني فيها أني قد فزت بجائزة مالية وللحصول عليها يرجى الاتصال بوكيلها المكلف بمنطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط. وعند اتصالي به طلب مني دفع تكلفة تحويل مبلغ الجائزة من أوربا إلى بلدي (الجزائر) . فما حكم هذه الجائزة مع العلم أني لم أدخل في اشتراك مسبق وأن هذه المنظمة تقوم سنويا باختيار مجموعة من مواقع البريد الإلكتروني التابعة لمشتركي hotmail و yahoo وذلك دون علمهم ثم يتم إخبارهم بفوزهم.]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ينبغي أن تعلم أن كثيرا من هذه الدعاوى ما هي إلا ستار للنصب والاحتيال، فيكون الغرض من الاتصال بك وبغيرك هو الاستيلاء على مبلغ التحويل المزعوم، دون أن يكون للجائزة وجود أصلا، وإلا فمَن بذل الجائزة هل يعجز عن ثمن تحويلها! وأحيانا يكون الهدف هو تحصيل المال من خلال الاتصال الهاتفي برقم معين، فيزعم المتصل أنه يخاطبك للاتفاق على الجائزة وطريقة استلامها، ويطيل الحديث، ليجني ثمن الاتصال بعد الاتفاق مع مزود خدمة الاتصال. فالواجب أن تحرص على مالك، وأن تحذر طرق الحيل والخداع التي كثرت في هذا الزمان. وإذا تيقنت من وجود هذه المنظمة، ومن صدقها في بذل الجائزة، فلا حرج عليك في أخذها، وفي دفع ثمن تحويلها إليك، دون أن تشارك في الدعاية لهذه المنظمة أو الترويج لها وأنت لا تعلم حالها ولا الهدف الذي تسعى إليه أو أنشئت من أجله. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 104245 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 6012 هل يجوز أن يسترد قرضه من رجل جل ماله حرام [السُّؤَالُ] ـ[هل يجوز لي آخذ حقي من قرض وغيره من شخص جل ماله حرام؟ وإن كان لا يجوز فكيف أستطيع الوصول لحقي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله المال الحرام نوعان: الأول: ما حرم لكسبه، كالمأخوذ بالربا والمعاملات المحرمة. الثاني: ما حرم لعينة، كالمسروق والمغصوب. فالأول يجوز أن تتقاضى منه حقك، لأن حرمته راجعة على كاسبه فقط، وأما أنت فتأخذه بوجه مشروع. وأما الثاني، فلا يجوز أن تأخذ منه شيئا؛ لأنه مال غير مملوك لسارقه وغاصبه، بل هو ملك لصاحبه، ويجب رده إليه. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ما حرم لكسبه فهو حرام على الكاسب، مثل الربا، إذا مات الإنسان الذي كان يتعامل بالربا فماله حلال لورثته، أما ما حرم لعينه كالخمر [أي لو مات وترك خمرا] فذلك حرام على الناقل وعلى من ينتقل إليه، وكذلك ما كان محرما قد بقي فيه التحريم مثل المغصوب والمسروق، لو أن الإنسان سرق مالا ثم مات فإنه لا يحل للوارث ثم إن كان يعلم صاحبه أعطاه إياه، وإلا تصدق به عنه " انتهى من "لقاءات الباب المفتوح" (10/27) . وينظر جواب السؤال رقم (13503) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 104076 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 6013 بناء المسجد بالمال الحرام [السُّؤَالُ] ـ[هل استعمال مبلغ تأمين ضد الحريق لإعادة بناء الجامع المحترق حلال؟ علما بأن شركة التامين في الغرب؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله التأمين التجاري حرام، لأنه من الميسر الذي حرمه الله عز وجل في كتابه، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (8889) وعليه؛ فلا يجوز الإقدام على إبرام عقود التأمين التجاري، سواء كان التأمين ضد الحريق أو غيره وسواء كان للمسجد أو لغيره، وحيث أجبر الإنسان على عقد التأمين فله أن يفعل ذلك لكن ليس له أن ينتفع بأموال التأمين إلا بقدر ما دفعه لهم، وما زاد فإن عليه أن يصرفه في مصالح المسلمين العامة، ومن ذلك: بناء المساجد، فقد بين أهل العلم أن ذلك هو مصرف المال الحرام الذي ليس له مالك معين أولم يعرف مالكه. قال النووي في " المجموع " (9/330) ناقلا عن الغزالي في مصرف المال الحرام قال: " وإن كان لمالك لا يعرفه ويئس من معرفته فينبغي أن يصرفه في مصالح المسلمين العامة، كالقناطر والمساجد ونحو ذلك مما يشترك المسلمون فيه، وإلا فيتصدق به على فقير أو فقراء " انتهى. وبهذا يُعلم أنه لا بأس بصرف الأموال المكتسبة بعقود محرمة في بناء المسجد ومن ذلك: أموال التأمين، سواء كان ذلك في بلاد المسلمين أو غيرهم ولمزيد الفائدة راجع السؤال رقم (75410) والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 101869 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 6014 التحايل لأخذ مكافأة لا يستحقها [السُّؤَالُ] ـ[المتخرجون من الجامعة في بلادنا عندما يشتغلون في القطاع الخاص تمنحهم الدولة منحة شهرية، فبعضهم يقوم بإجراء عقد مع شركة ليأخذ هذه المنحة ثم لا يشتغلون في هذه الشركة إنما يبحثون عن عمل أخر، فما هو الحكم في هذه الأموال؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله فما دام هذا الراتب تخصصه الدولة لمن يعملون في القطاع الخاص، لأن المصلحة العامة تقتضي ذلك، فإنه لا يجوز التحايل لأخذ هذه المكافأة على غير الوجه المأذون فيه، زد على ذلك أن هذا الأسلوب فيه كذب وتزوير، وذلك أمر محرم، وللمزيد من الفائدة راجع جواب السؤال رقم (93579) والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 101650 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 6015 يخشى ألا يجد عملا فهل يعمل في بنك ربوي [السُّؤَالُ] ـ[أعمل مدرساً لكن عملي غير دائم، ولذلك فعندما ينتهي الفصل الدراسي فإنني لا أحصل على أي راتب أو لا أكون متأكدا من المكان الذي سأقوم بالتدريس فيه في الفصل الدراسي التالي. وحتى الآن فإنني سأفقد عملي عند انتهاء الفصل الدراسي. وبكل ما تحمله الكلمة من معنى فإنني أعد نفسي عاطلا عن العمل وقد تلقيت عرضا للعمل ببنك فهل يجوز لي أن ألتحق بالعمل هناك إلى أن أحصل على وظيفة مناسبة وذلك لكي أعول نفسي وأسرتي؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله العمل في البنوك التي تتعامل بالربا حرام، لحديث جابر رضي الله عنه قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه. وقال: هم سواء) رواه مسلم (2995) قال النووي رحمه الله: " هذا تصريح بتحريم كتابة المبايعة بين المترابين والشهادة عليها، وفيه تحريم الإعانة على الباطل " انتهى. ومن يعمل في البنك الربوي لا يخلو من حالة من هذه الحالات التي ذكرها النووي، فهو إما أن يكتب الربا أو يشهد عليه أو يعين هؤلاء المرابين على باطلهم. فعليك أخي السائل أن تتقي الله تعالى وتبحث عن عمل حلال، ولن يضيعك الله سبحانه إذا اتقيته وتوكلت عليه، فإنه قد قال سبحانه: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) الطلاق/2-3 وإذا مررت بشدة فاصبر، وتيقن الفرج، فإن العسر يعقبه يسر، كما قال جل شأنه: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) الشرح/6. لكن إذا وصلت إلى حالة الضرورة وهي أن تخشى على نفسك الهلاك لو لم تتناول المحرم ففي هذه الحالة أجاز الله لك أن تتناول من الحرام ما تدفع به الضرر عن نفسك، قال الله جل شأنه: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) الأنعام/119. وهذه الحالة في الحقيقة قد تكون بعيدة الحصول، لأنك لن تعدم عملاً حلالاً تكتسب منه ما تدفع به الضرورة، ونسأل الله تعالى أن يكفينا وإياك بحلاله عن حرامه. والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 101579 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 6016 الانتفاع ببيت بني من مال الخمر [السُّؤَالُ] ـ[ما حكم البيت الذي بني من مال الخمر وكذالك السيارة التي اشتريت من ذلك المال؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله شرب الخمر كبيرة من كبائر الذنوب، لما ورد فيها من الحدّ في الدنيا، والوعيد الشديد في الآخرة، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) المائدة/90، وفي صحيح البخاري (2295) ومسلم (86) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ) . " أي ينتفي عنه الإيمان الواجب حال شربها، وينقص إيمانه نقصا عظيما بهذا الفعل الشنيع. وفي سنن أبي داود (3189) عن ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ) وصححه الألباني كما في صحيح أبي داود (2/700) . والواجب على من ابتلي بشربها أن يبادر بالتوبة الصادقة النصوح، فيقلع عنها إقلاعا تاما، ويعزم على عدم العود إليها، ويندم على ما فات. وإذا كانت الخمر محرمة على هذا النحو الذي بيّنا، فإن بيعها محرم كذلك، وقد لعن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بائعها ومشتريها. وأما المال الناتج عن الاتجار في الخمر، ففيه تفصيل: 1- فإن كان لا يزال باقيا، وجب التخلص منه، بإعطائه للفقراء والمساكين، وصرفه في وجوه الخير؛ لأنه مال خبيث سحت لا يحل لكاسبه. جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (14/61) فيمن كسب مالا عن طريق بيع المحرمات كالخمر: " قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا) وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك) خرّجه مسلم في صحيحه. لذلك فإنه يحرم على المسلم تعاطي المكاسب المحرمة، ومن وقع في شيء من ذلك وجبت عليه التوبة وترك الكسب الحرام، وأبواب الرزق الحلال -ولله الحمد- كثيرة ميسرة، وقد قال الله سبحانه: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) ومن تاب وعنده أموال اكتسبها بطرق محرمة؛ كالربا والميسر، وبيع المواد المحرمة؛ كالخمر والخنزير، فإنه يجب عليه أن يتخلص من تلك الأموال، بوضعها في مشاريع عامة، كإصلاح الطرق ودورات المياه، أو يفرقها على المحتاجين ولا يبقي عنده منها شيئا، ولا ينتفع منها بشيء؛ لأنها مال حرام، لا خير فيها، ومقتضى التوبة منها أن يتخلص منها ويبعدها عنه، ويعدل إلى غيرها من المكاسب " انتهى. لكن إن كان كافرا حال بيعه الخمر، ثم أسلم، فلا يلزمه التخلّص من هذه الأموال، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُلزم الصحابة بإخراج ما لديهم من الأموال المحرمة لما أسلموا. 2- وإن كان قد أنفق المال، أو وضعه في بناء بيت أو شراء سيارة، فلا يلزمه شيء غير التوبة، فيتوب إلى الله تعالى، وينتفع بالبيت والسيارة، وينبغي أن يكثر من الصدقة والعمل الصالح. وينظر جواب السؤال رقم (78289) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 101418 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 6017 الاستفادة من اشتراك الغير في الانترنت [السُّؤَالُ] ـ[إذا فتحت: جهاز الحاسب فإني أجده يتصل بالإنترنت مباشرة , وذلك لأن أحد جيراني لديه اشتراك في الإنترنت يغطي المنطقة القريبة منه. فهل يجوز لي استعمال الشبكة والحالة هذه؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان استعمالك للشبكة لا يتسبب في تحميل فاتورة ذلك الشخص أية أعباء مالية إضافية من جراء قيامك بتنزيل أو تحميل المواد عبر الشبكة. ولا يسبب له نقصاً في سرعة وكفاءة استعماله نتيجة المزاحمة والاشتراك , فإن عموم المسامحة بين الجيران وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَا يَمْنَعْ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِهِ) روه البخاري (2463) ومسلم (1609) يقتضي جواز استعمالك للشبكة في هذا الحالة , وإن كان الأحوط أن تستأذن الجار إن عرفته. على أن هذه المسألة تكتنفها ملابسات أخرى مثل: أن تكون المنطقة مغطاة بأكثر من اشتراك لأكثر من جار , وقد يشترك جهازك مرة مع هذا، ومرة مع هذا. ويبقى حق شركة الاتصالات فيما يفوتها من الزبائن والأرباح نتيجة هذا الاستغلال لتغطية جيران المشتركين , ولذلك فالأحوط أن تقوم بعمل اشتراك خاص بك خروجاً من هذه الإشكالات. فضيلة الشيخ عبد الرحمن البراك. والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 99544 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 6018 لا يحل مال الأب إلا برضاه [السُّؤَالُ] ـ[قبل أن يمن الله علي بالهداية كنت أطلب من والدي نقوداً للدروس الخصوصية وكان مثلا المبلغ 500 فأزيد عليه ليصبح 600 وآخذ الـ 100 هذه لشراء رصيد للمحمول وأشياء أخرى. وأنا الآن والحمد لله تعالى تبت وامتنعت عن هذه الفعلة , والسؤال: هل يلزمني إخبار والدي بما فعلت ليصفح عنى؟ وهل يلزمني أن أرد هذه الأموال له عندما أكسب من عملي أم لا؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله ما فعلته من أخذك مال أبيك بغير رضا منه لا يجوز، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه) . رواه أبو يعلى وغيره، وصححه الألباني في صحيح الجامع (7662) . وليس للولد حق في مال الوالد زائد على النفقة بالمعروف، إن كانت النفقة واجبة على الوالد بأن كان الولد فقيراً. قال العلامة ابن مفلح في "الفروع" (5/595) : " تلزمه – يعني: الوالد -نفقة ولده بالمعروف أو بعضها والكسوة والسكنى مع فقرهم " انتهى بتصرف. وأمامك الآن أمران: الأول: إما أن تخبر والدك بما فعلت، فإما أن يعفو عنك، وإما أن يطالبك برد المال، وله الحق في ذلك. الثاني: أن لا تخبره، لا سيما إذا خشيت من ذلك حصول مفسدة كخصومة أو نزاع بينك وبين والدك أو يفقد الثقة فيك، وحينئذ يلزمك رد المال إليه، ولا يشترط إعلامه بذلك، بل المقصود هو إيصال المال بأي طريقة. وانظر جواب السؤال رقم (31234) . وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: عن أخذ الولد من مال أبيه ما زاد عن النفقة التي أذن الأب بأخذها بقدر الحاجة. فأجابوا: " يجب عليك إعادة ما توفر عندك من مصاريف النفقة إلى والدك، لأن إذنه لك بأن تأخذ بقدر ما يحتاجه البيت، فالمتوفر لم يدخل في الإذن فلم يكن مباحاً لك ". انتهى بتصرف من "فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (21/175) . والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 99548 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 6019 جاءته جائزة من شركة يانصيب وهو لا يعلم [السُّؤَالُ] ـ[لقد ربحت في إحدى المسابقات التي تقيمها شركة بريطانية على الرغم بأنني -والله شاهد- لم يسبق لي العلم بهذه الشركة ولم يتم اشتراكي معهم بأي شكل من الأشكال ولكنهم قاموا باختيار أرقام عشوائية للربح من حول العالم وكان أحد هذه الأرقام هو رقمي والهدف من هذه الجوائز التي توزعها الشركة على حسب قولهم هو نشر العلم والثقافة في العالم والحث على التوعية الصحية في المجتمع وعندما استفسرت عن الشركة وجدت أنها شركة ألعاب يانصيب فهل الجائزة تعتبر حرام أم حلال؟؟ أرجو إفادتي فأنا في حيرة من أمري فهل أستطيع أخذ المبلغ وشراء منزل لأهلي والتبرع بالباقي للمحتاجين؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كان الأمر كما ذكرت من أنه لم يسبق اشتراكك في هذه الشركة ولا علمت عنها، وكان أخذك لهذه الجائزة لا يتضمن دعاية وترويجا لها ولما تقوم به من الميسر، فلا حرج عليك في أخذها، والانتفاع بها. وينظر جواب سؤال رقم (20952) والله أعلم. [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 99401 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 6020 لم تدفع أجرة الكشف فماذا تفعل؟ [السُّؤَالُ] ـ[ذهبت لعيادة طبيبة وهى جارة لي للكشف باستخدام السونار في أحد المستوصفات التي تعمل فيها هذه الطبيبة ومن المفروض أن أدفع ثمن السونار للمرة الواحدة 200 ريال، ولكنها لم تأخذ منى شيئاً باعتبارها جارة لي، وقامت بعمل هذا الكشف لي مرتين دون مقابل. علماً بأني كنت أريد أن أدفع، فهل علي من وزر؟ وهل للطبيبة الحق في ذلك؟ علما بأن جهاز الكشف ملك للمستوصف وعلى ما أعتقد أن للطبيبة نسبة تخفيض للأقارب أو المعارف، وإني في حيرة من أمري، هل يجب أن أرد هذا المال أم الوزر على الطبيبة أم هو جائز؟]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله إذا كانت إدارة المستوصف قد أعطت هذه الطبيبة صلاحية الكشف على بعض المرضى مجانا فإنه لا حرج عليك فيما فعلت. أما إذا لم يكن الأمر كذلك فإنه لا يجوز استعمال أدوات المستوصف بدون مقابل لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه) رواه أبو يعلى وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم (7662) . وإذا كانت إدارة المستوصف تسمح للطبيبة بتخفيض القيمة لأقاربها أو معارفها فعليك خصم نسبة التخفيض هذه ثم تدفعين الباقي إلى المستوصف. وعليك أن تقنعي تلك الطبيبة بأخذ الأجرة منك ودفعها إلى المستوصف بعد أن تبيني لها أن ذلك الفعل حرام – إن لم يكن المستوصف يأذن لها في ذلك. فإن لم تفعل فالواجب عليك إيصال هذا المبلغ إلى المستوصف. قال النووي رحمه الله في "شرح المهذب" (9 /428) : " إذا كان معه مال حرام وأراد التوبة والبراءة منه - فإن كان له مالك معين - وجب صرفه إليه أو إلى وكيله , فإن كان ميتا وجب دفعه إلى وارثه " انتهى. ولا يلزمك إخبارهم بسبب استحقاقهم هذا المال، بل المقصود هو وصول المال إليهم بأي طريقة. وانظري جواب السؤال رقم (31234) والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 99077 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 6021 وجوب تحديد مدة الإيجار، وحكم تأجير إعلانات لمواقع مقابل كل ضغطة [السُّؤَالُ] ـ[يقوم الموقع بتأجير مكان في الصفحة للإعلانات للمواقع الأخرى، هل يشترط تحديد المدة، كأن أقول سأضع الإعلان عندي لمدة سنة؟ أم يجوز عدم التحديد؟ وأيضاً هل يجوز أن يكون الأجر متغيراً كأن يكون حسب عدد الزوار الذين يضغطون على الإعلان مثلا على كل ضغطة 1 ريال؟ .]ـ [الْجَوَابُ] الحمد لله أولاً: لا حرج من تأجير مكان في الموقع للإعلان عن المواقع بشرط ألا يكون محتوى تلك المواقع محرماً، كمواقع التعارف بين الرجال والنساء، أو مواقع أغان وأفلام ومسرحيات محرَّمة، أو روابط صوتية ومرئية فاسدة، أو مواقع لأهل البدعة، وما يشبه ذلك: فلا يجوز الدعاية لهؤلاء، لأن في ذلك مشاركة لهم في الحرام الذي يدعون إليه. قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/ 2. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا) رواه مسلم (2674) . واحتساب ترك المحرَّم والمشتبه والمختلط مما يدل على قوة الإيمان واليقين، ومما يبشر صاحبه بالرزق الحلال والبركة والأجور العظيمة. ثانياً: أما مدة التأجير فمن شروط صحة عقد الإجارة: كون المدة معلومة، والأجرة معلومة. قال ابن قدامة – رحمه الله -: ولا خلاف بين أهل العلم في إباحة إجارة العقار , قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم , على أن استئجار المنازل والدواب جائز. ولا تجوز إجارتها إلا في مدة معينة معلومة. " المغني " (5 / 260) . وقال – رحمه الله -: الإجارة إذا وقعت على مدة: يجب أن تكون معلومة كشهر، وسنَة، ولا خلاف في هذا نعلمه. " المغني " (5 / 251) . ويجوز في عقد الإجارة، أن يتفق على أن كل يوم بكذا، أو كل شهر بكذا، من غير أن يحدد نهاية المدة، قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني": " من استأجر فرساً مدة غزوة كل يوم بدرهم فالمنصوص عن الإمام أحمد صحته، لأن عليا رضي الله عنه أجر نفسه كل يوم ولو بثمره، وكذلك الأنصاري ولم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم انتهى. وعلى هذا، فإما أن تحدد في العقد مع الموقع المدة كاملة لشهر أو سنة مثلاً، وإما أن تحدد الأجرة لكل يوم – مثلا – وإن لم تحدد نهاية المدة. ثالثاً: وأما بالنسبة للتأجير بحسب عدد الضغطات على الإعلان: فالذي يظهر أنه لا بأس به. على أن يُتفق على سعر الضغطة الواحدة، وعلى أن لا تتسبب في زيادة عدد الداخلين باستعمال برنامج، أو باستئجار من يفعل ذلك. وهذا يشبه ما نقل عن الصحابة من عملهم في السقي كل دلو بتمرة. فعن كعب بن عجرة قال: سقيت يهودي كل دلو بتمرة، فجمعتُ تمراً فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم ... . قال الهيثمي رحمه الله: رواه الطبراني في " الأوسط "، وإسناده: جيِّد. " مجمع الزوائد ومنبع الفوائد " (11 / 230) . وحسَّنه الألباني في " صحيح الترغيب والترهيب " (3271) . وجهالة عدد الزوار عند عقد الإجارة لا يؤثر في صحة العقد؛ لأن مآل الجهالة إلى علم. وعليه: فلو أجرتَ تلك المواقع المباحة شهريّاً أو سنويّاً بسعر ثابت: فجائز، ولو كان عقد الإجارة على حسب عدد زوار موقعهم المعلَن عنه في موقعك: فجائز، بشرط تحديد سعر الضغطة الواحدة، وبشرط آخر مهم: وهو أن لا تتسبب في كثرة عدد الزيارات لموقعهم عن طريق برنامج، أو عن طريق استئجار موقع آخر أو أشخاص ليقوموا بالدخول على الموقع المعلَن عنه؛ ليرتفع رصيدك في ذلك الموقع، فإن فعلتَ ذلك: أثمت، وكان ما استوفيتَه من مال مقابله من ذلك الموقع مالاً محرَّماً عليك، ووجب عليك إرجاعه لهم. وقد رفعتْ شركات كثيرة على مواقع عالمية مشهورة يتهمونهم بتزوير نتائج زوَّار الإعلانات لديهم، وقد جاء في صحيفة " الجزيرة " العدد 113، الأحد 22 ربيع الأول 1426 هـ: يُذكر أن تزوير إعلانات " الدفع مقابل كل ضغطة " يعدُّ مشكلة كبيرة تواجه صناعة البحث عبر الإنترنت، حيث يقوم بعض الناس - منهم منافسون، أو عاملون متضررون من شركاتهم - بالضغط أكثر من مرة بصورة متواصلة على الإعلانات؛ للعمل على زيادة قيمة فاتورة المعلن! وهو ما قد يكلِّف المعلنين كثيراً من الأموال، كما أنه من الصعب تعقب الفاعل، أو إيقافه. وتشير إحصاءات مؤسسة " سيمبو " غير الربحية أن ما بين 36 و 58 % من المعلِنين يشعرون بالقلق الشديد إزاء عملية تزوير الإعلانات، ولكنهم لا يستطيعون دوماً تعقب الفاعل. انتهى ولمزيد الفائدة راجع جواب السؤال (98817) والله أعلم [الْمَصْدَرُ] الإسلام سؤال وجواب الحديث: 98527 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 6022